الكتاب: دستور العلماء = جامع العلوم في اصطلاحات الفنون المؤلف: القاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري (المتوفى: ق 12هـ) عرب عباراته الفارسية: حسن هاني فحص الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت الطبعة: الأولى، 1421هـ - 2000م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- دستور العلماء = جامع العلوم في اصطلاحات الفنون الأحمد نكري الكتاب: دستور العلماء = جامع العلوم في اصطلاحات الفنون المؤلف: القاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري (المتوفى: ق 12هـ) عرب عباراته الفارسية: حسن هاني فحص الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت الطبعة: الأولى، 1421هـ - 2000م عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سُبْحَانَهُ مَا أجلى برهانه. جلّ شانه مَا أحلى بَيَانه. علام جَمِيع المعلومات. فهام سَائِر المفهومات. قَامُوس هدايته مَمْلُوء بأشرق لآلىء أوضح اللُّغَات. وَصرح عفايته معمور بصراح أبرق أَبَارِيق اصْطِلَاحَات تروي غليل العصات. وَنُصَلِّي ونسلم على حَبِيبه مُحَمَّد كنز شَرِيعَته أغْنى عَن حِكْمَة الْحُكَمَاء. ومعدن طَرِيقَته وهب ذهب مَذْهَب الْحق للْعُلَمَاء. وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين شموس حقائق علومهم طالعة من أفق التَّحْقِيق. ونجوم دقائق عرفانهم لامعة على سَمَاء التدقيق. وَبعد: فَيَقُول العَبْد الضَّعِيف الراجي إِلَى الله المنان. عبد النَّبِي الأحمد نكرِي ابْن قَاضِي عبد الرَّسُول من بني عُثْمَان. غمره الله تَعَالَى بِكَمَال الْإِحْسَان. وَأَسْكَنَهُ بحبوحة الْجنان. إِن هَذَا دستور الْعلمَاء جَامع الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة. حاوي الْفُرُوع وَالْأُصُول النقلية. فِيهِ فَوَائِد غَرِيبَة. وجرائد عَجِيبَة. فِي تحقيقات اصْطِلَاحَات الْعُلُوم المتناولة. وتدقيقات لُغَات الْكتب المتداولة. وتوضيحات مُقَدمَات منتشرة مشكلة على المعلمين. وتلويحات مسَائِل مُبْهمَة متعسرة على المتعلمين. بعبارات وَاضِحَة ليتيسر الْوُصُول بهَا إِلَى المرام. وتعبيرات لائحة لِئَلَّا يتعسر على كل طَالب إِدْرَاك مَا رام. جنَّة لسالكي الطَّرِيقَة الظَّاهِرَة. جنَّة لمعاوني الشَّرِيعَة الباهرة. صمصام الْفَتْح فِي المعارك والمغازي. قمقام القمع فِي الميدان الاهتزازي. برق خاطف على من طَغى وغوى. ريح عاصف على من بغى وَاتبع الْهوى. نظمت الْمسَائِل فِي سلك قويم. وسلكت المطالب على صِرَاط مُسْتَقِيم. جعلت الْحَرْف الأول مَعَ الثَّانِي بَابا ليسهل الْوُصُول إِلَى مقصوارت الْمَقَاصِد من الْأَبْوَاب. وَلَا يبْقى الِاحْتِيَاج فِي نيل المآرب إِلَى عدَّة كتاب. وأشرت فِي أثْنَاء الْبَيَان إِلَى أبحاث شريفة. وَنَثَرت فِي سوق التِّبْيَان اعتراضات لَطِيفَة. لمعانها نور فِي قُلُوب أولي الْأَبْصَار. يتلألأ من وَرَاء حجب أوضح الْعبارَات وأشرق الأستار. أَجْنِحَة للطيران إِلَى عرش الْهِدَايَة. أعمدة لنصب فسطاط الأفكار على أَرض الدِّرَايَة. سيوف مهندة للْعُلَمَاء الْمُجَاهدين. رماح محددة لطعن الجهلاء المعاندين. اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مَقْبُولًا عِنْد الْفُضَلَاء. محبوبا لَدَى الْعلمَاء. مصونا عَن نظر المتعصبين المتفلسفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 مَحْفُوظًا عَن مطالعة المتغلبين المتعصبين. حديقة أثمار أَشجَار الْفَيْض والنوال. رَوْضَة مَاء أنهارها سلسال. وعَلى الناظرين فِي هَذَا الْبَحْر العميق. أَن يَأْخُذُوا بأيدي الْكَرم هَذَا الغريق. بِدُعَاء بَقَاء الْإِيمَان وَرفع الْعَذَاب. والغفران ولقاء الرَّحْمَن يَوْم الْحساب. اللَّهُمَّ ثبتني على الشَّرِيعَة المصطفوية. وَالسّنة السّنيَّة النَّبَوِيَّة. واحفظني من الْخلَل والزلل وَالْخَطَأ وَالنِّسْيَان فِي الْبَيَان. وَالْكذب واللغو وسياقة الْقَلَم وَاللِّسَان. وشرور الدهور وَأَبْنَاء الزَّمَان. سِيمَا من شرور الْكفَّار والفجار والجوار من إِيذَاء الإخوان. وَعَلَيْك التكلان يَا منان. أَنْت حسبي وَنعم الْوَكِيل وَنعم الْمولى وَنعم النصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 [حرف الْألف] بَاب الْألف مَعَ الْألف فَإِن قلت لَا يتَصَوَّر لفظ يكون فِي أَوله ألف لكَونهَا سَاكِنة والابتداء بالساكن محَال فَلَا تقع فِي ابْتِدَاء الْكَلَام فضلا عَن أَن يَقع أَلفَانِ فِي الِابْتِدَاء قُلْنَا إِن المُرَاد بِالْألف الأول الْهمزَة وَبِالثَّانِي الْألف وَفِي الصِّحَاح الْألف على ضَرْبَيْنِ لينَة ومتحركة فاللينة تسمى ألفا والمتحركة تسمى همزَة. الله: وَإِنَّمَا افتتحت بِهَذِهِ الْكَلِمَة المكرمة المعظمة مَعَ أَن لَهَا مقَاما آخر بِحَسب رِعَايَة الْحَرْف الثَّانِي تيمنا وتبركا وَهَذَا هُوَ الْوَجْه للإتيان بعد هَذَا بِلَفْظ الأحمد وَالْأَصْحَاب وَاعْلَم أَنه لَا اخْتِلَاف فِي أَن لفظ الله لَا يُطلق إِلَّا عَلَيْهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي أَنه إِمَّا علم لذات الْوَاجِب تَعَالَى الْمَخْصُوص الْمُتَعَيّن أَو وصف من أَوْصَافه تَعَالَى فَمن ذهب إِلَى الأول قَالَ إِنَّه علم للذات الْوَاجِب الْوُجُود المستجمع للصفات الْكَامِلَة. وَاسْتدلَّ بِأَنَّهُ يُوصف وَلَا يُوصف بِهِ وَبِأَنَّهُ لَا بُد لَهُ تَعَالَى من اسْم يجْرِي عَلَيْهِ صِفَاته وَلَا يصلح مِمَّا يُطلق عَلَيْهِ سواهُ. وَبِأَنَّهُ لَو لم يكن علما لم يفد قَول لَا إِلَه إِلَّا الله التَّوْحِيد أصلا لِأَنَّهُ عبارَة عَن حصر الألوهية فِي ذَاته المشخص الْمُقَدّس. وَاعْترض عَلَيْهِ الْفَاضِل المدقق عِصَام الدّين رَحمَه الله بِأَنَّهُ كَيفَ جعل الله علما شخصيا لَهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق إِلَّا بعد حُصُول الشَّيْء وحضوره فِي أذهاننا أَو القوى المثالية والوهمية لنا أَلا ترى أَنا إِذا جعلنَا العنقاء علما لطائر مَخْصُوص تصورناه بِصُورَة مشخصة بِحَيْثُ لَا يتَصَوَّر الشّركَة فِيهَا وَلَو بالمثال وَالْفَرْض وَهَذَا لَا يجوز فِي ذَاته تَعَالَى الله علوا كَبِيرا. فَإِن قلت وَاضع اللُّغَة هُوَ الله تَعَالَى فَهُوَ يعلم ذَاته بِذَاتِهِ وَوضع لفظ الله لذاته الْمُقَدّس، قلت هَذَا لَا يُفِيد فِيمَا نَحن فِيهِ لِأَن التَّوْحِيد أَن يحصل من قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الله حصر الألوهية فِي عقولنا فِي ذَاته المشخص فِي أذهاننا وَلَا يَسْتَقِيم هَذَا إِلَّا بعد أَن يتَصَوَّر ذَاته تَعَالَى بِالْوَجْهِ الجزئي. هَذَا غَايَة حَاصِل كَلَامه وَقد أجَاب عَنهُ أفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله بِأَنَّهُ آلَة الْإِحْضَار وَهُوَ وَإِن كَانَ كليا لَكِن الْمحْضر جزئي وَلَا يخفى على المتدرب مَا فِيهِ لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَن الْمحْضر جزئي فِي الْوَاقِع فَهُوَ لَا يُفِيد حصر الألوهية فِي أذهاننا كَمَا هُوَ المُرَاد. وَإِن أَرَادَ أَن الْمحْضر جزئي فِي عقولنا فَمَمْنُوع، فَإِن وَسِيلَة الْإِحْضَار والموصل إِلَيْهِ إِذا كَانَ كليا كَيفَ يحصل بهَا فِي أذهاننا محْضر جزئي وَمَا الْفرق بَين قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَبَين قَوْلنَا لَا إِلَه إِلَّا الْوَاجِب لذاته. فَإِن مَا يصدق عَلَيْهِ هَذَا الْمَفْهُوم أَيْضا جزئي فِي الْوَاقِع. فَإِن قلت التَّوْحِيد حصر الألوهية فِي ذَات مشخصة فِي نفس الْأَمر لَا فِي أذهاننا فَقَط. قلت فَهَذَا الْحصْر لَا يتَوَقَّف على جعل اسْم الله علما بل إِن كَانَ بِمَعْنى المعبود بِالْحَقِّ يحصل أَيْضا ذَلِك، وَلذَلِك يحصل بقولنَا لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَّا الْوَاجِب لذاته كَمَا سبق وَمن ذهب إِلَى الثَّانِي قَالَ إِنَّه وصف فِي أَصله لكنه لما غلب عَلَيْهِ تَعَالَى بِحَيْثُ لَا يسْتَعْمل فِي غَيره تَعَالَى وَصَارَ كَالْعلمِ أجري مجْرى الْعلم فِي الْوَصْف عَلَيْهِ وَامْتِنَاع الْوَصْف بِهِ وَعدم تطرق الشّركَة إِلَيْهِ. وَاسْتدلَّ، بِأَن ذَاته من حَيْثُ هُوَ بِلَا اعْتِبَار أَمر آخر حَقِيقِيّ كالصفات الإيجابية الثبوتية أَو غير حَقِيقِيّ كالصفات السلبية غير مَعْقُول للبشر فَلَا يُمكن أَن يدل عَلَيْهِ بِلَفْظ. ثمَّ على الْمَذْهَب الثَّانِي قد اخْتلف فِي أَصله فَقَالَ بَعضهم إِن لفظ الله أَصله إِلَه من إِلَه الآهة وإلها بِمَعْنى عبد عبَادَة والإله بِمَعْنى المعبود الْمُطلق حَقًا أَو بَاطِلا فحذفت الْهمزَة وَعوض عَنْهَا الْألف وَاللَّام لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال أَو للْإِشَارَة إِلَى المعبود الْحق وَعند الْبَعْض من إِلَه إِذا فزع وَالْعَابِد يفزع إِلَيْهِ تَعَالَى وَعند الْبَعْض من وَله إِذا تحير وتخبط عقله، وَعند الْبَعْض من لاه مصدر لاه يَلِيهِ ليها ولاها إِذا احتجب وارتفع وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكَمَال ظُهُوره وجلائه مَحْجُوب عَن دَرك الْأَبْصَار ومرتفع على كل شَيْء وَعَما لَا يَلِيق بِهِ. وَالله أَصله الْإِلَه حذفت الْهمزَة إِمَّا بِنَقْل الْحَرَكَة أَو بحذفها وعوضت مِنْهَا حرف التَّعْرِيف ثمَّ جعل علما إِمَّا بطرِيق الْوَضع ابْتِدَاء وَإِمَّا بطرِيق الْغَلَبَة التقديرية فِي الْأَسْمَاء وَهِي تَجِيء فِي موضعهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. ثمَّ اعْلَم أَن حذف الْهمزَة بِنَقْل الْحَرَكَة قِيَاس وَبِغَيْرِهِ خلاف قِيَاس وَهُوَ هَا هُنَا يحْتَمل احْتِمَالَيْنِ لَكِن على الثَّانِي الْتِزَام الْإِدْغَام ووجوبه قياسي لِأَن السَّاقِط الْغَيْر القياسي بِمَنْزِلَة الْعَدَم فَاجْتمع حرفان من جنس وَاحِد أَولهمَا سَاكن وعَلى الثَّانِي الْتِزَامه على خلاف الْقيَاس لِأَن الْمَحْذُوف القياسي كالثالث فَلَا يكون المتحركان المتجانسان فِي كلمة وَاحِدَة من كل وَجه وعَلى أَي حَال فَفِي اسْم الله المتعال خلاف الْقيَاس فَفِيهِ توفيق بَين الِاسْم والمسمى لِأَنَّهُ تَعَالَى شَأْنه خَارج عَن دَائِرَة الْقيَاس وطرق الْعقل وَعند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 أهل الْحق وَالْيَقِين رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. حرف الْهَاء فِي لفظ الله إِشَارَة إِلَى غيب هويته تَعَالَى وَالْألف وَاللَّام للتعريف وَتَشْديد اللَّام للْمُبَالَغَة فِي التَّعْرِيف وَلَفظ الله اسْم أعظم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَقد يُرَاد بِهِ وَاجِب الْوُجُود بِالذَّاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قل هُوَ الله أحد} وَفِي قَوْلهم والمحدث للْعَالم هُوَ الله الْوَاحِد فَلَا يلْزم اسْتِدْرَاك الْأَحَد وَالْوَاحد فيهمَا وتفصيله فِي الْأَحَد إِن شَاءَ الله الصَّمد. الأحمد: اسْم نَبِي آخر الزَّمَان وفخر الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّد الْمُصْطَفى خَاتم الْمُرْسلين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْم تَفْضِيل من حمد يحمد بِمَعْنى الْفَاعِل أَي الْفَاضِل عَمَّن عداهُ فِي الحامدية يَعْنِي لَيْسَ غَيره [عَلَيْهِ السَّلَام] كثير الْحَمد لمَوْلَاهُ لِأَنَّهُ [عَلَيْهِ السَّلَام] عريف لَهُ تَعَالَى وَقلة الْحَمد وكثرته بِحَسب قلَّة الْمعرفَة وَكَثْرَتهَا أَو بِمَعْنى الْمَفْعُول بِمَعْنى كثير المحمودية بِلِسَان الْأَوَّلين والآخرين، وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَشْهُور من بَين أَسْمَائِهِ المتعالية باسم مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلِهَذَا سَيذكرُ بعض شمائله الجميلة ونبذ أَحْوَاله الجليلة هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (ف (1)) . الْآل: أَصله أهل بِدَلِيل أهيل لِأَن التصغير محك الْأَلْفَاظ يعرف بِهِ جَوَاهِر حروفها وأعراضها إِلَى أُصُولهَا وزوائدها سَوَاء كَانَت مبدلة من الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة أَو لَا فأبدل الْهَاء بِالْهَمْزَةِ لقرب الْمخْرج ثمَّ أبدلت الْهمزَة الثَّانِيَة بِالْألف على قانون آمن لَكِن الْآل يسْتَعْمل فِي الْأَشْرَاف والأهل فِيهِ وَفِي الأرذال أَيْضا فَيُقَال أهل الْحجام لَا آله وَآل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأَهله. وَأَيْضًا يُضَاف الْأَهْل إِلَى الْمَكَان وَالزَّمَان دون الْآل فَيُقَال أهل الْمصر وَأهل الزَّمَان لَا آل الْمصر وَآل الزَّمَان. وَأَيْضًا يُضَاف الْأَهْل إِلَى الله تَعَالَى بِخِلَاف الْآل فَيُقَال أهل الله وَلَا يُقَال آل الله. وَاخْتلف فِي آل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ بَعضهم آل هَاشم وَالْمطلب وَعند الْبَعْض أَوْلَاد سيدة النِّسَاء فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَمَا رَوَاهُ النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وروى الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف أَن آل مُحَمَّد كل تَقِيّ وَاخْتَارَهُ جلال الْعلمَاء فِي شرح (هياكل النُّور) وَفِي مَنَاقِب آل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهم بَنو فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا كتب ودفاتر. وَاعْلَم أَن أَفضَلِيَّة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة مَخْصُوصَة بِمَا عدا بني فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَمَا فِي تَكْمِيل الْإِيمَان وَقَالَ الشَّيْخ جلال الدّين السُّيُوطِيّ رَحمَه الله فِي الخصائص الْكُبْرَى أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يقومن أحد من مَجْلِسه إِلَّا لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن أَو ذريتهما وَفِي شرعة الْإِسْلَام وَيقدم أَوْلَاد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَشْيِ وَالْجُلُوس وَفِي التشريح للْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ لَا يجوز للرجل الْعَالم أَن يجلس فَوق الْعلوِي الْأُمِّي لِأَنَّهُ إساءة فِي الدّين. وَفِي جَامع الْفَتَاوَى ولد الْأمة من مَوْلَاهُ حر لِأَنَّهُ مَخْلُوق من مَائه. وَكَذَا ولد الْعلوِي من جَارِيَة الْغَيْر حر لَا يدْخل فِي ملك مَوْلَاهَا لَا يجوز بَيْعه كَرَامَة وشرفا لجده رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا يُشَارك فِي هَذَا الحكم أحد من أمته. وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ ولد الْعلوِي من جَارِيَة الْغَيْر حر خَاص لَا يدْخل فِي ملك مَوْلَاهَا وَلَا يجوز بَيْعه فرجح جَانب الْأَب بِاعْتِبَار جده مُحَمَّد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَقَالَ الإِمَام علم الدّين الْعِرَاقِيّ رَحمَه الله إِن فَاطِمَة وأخاها إِبْرَاهِيم أفضل من الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة بالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ مَا أفضل على بضعَة النَّبِي أحدا. وَقَالَ الشَّيْخ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي رَحمَه الله فَاطِمَة أفضل من خَدِيجَة وَعَائِشَة بِالْإِجْمَاع ثمَّ خَدِيجَة ثمَّ عَائِشَة. وَاسْتدلَّ السُّهيْلي بالأحاديث الدَّالَّة على أَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا بضعَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أَن شتمها رَضِي الله عَنْهَا يُوجب الْكفْر وكما أَن لنسب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شرافة على غَيرهم كَذَلِك لسببه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَرَامَة على من سواهُم لما جَاءَ فِي الرِّوَايَات الصَّحِيحَة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه خطب أم كُلْثُوم من عَليّ فاعتل بصغرها وَبِأَنَّهُ أعدهَا لِابْنِ أَخِيه جَعْفَر فَقَالَ مَا أردْت الباه وَلَكِن سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة مَا خلا سببي ونسبي وكل بني أُنْثَى عصبتهم لأبيهم مَا خلا ولد فَاطِمَة فَإِنِّي أَنا أبوهم وعصبتهم. (ف (2)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الْأَصْحَاب: جمع صَاحب كالأطهار جمع طَاهِر وَمن يَقُول إِن الْفَاعِل لَا يجمع على الْأَفْعَال يُخَفف صاحبا بِحَذْف الْألف ثمَّ الْحَاء الْمُهْملَة عِنْد الْبَعْض بَاقِيَة على كسرهَا وَعند الْبَعْض تسكن وَلذَا قيل أَو جمع صحب بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة كأنمار جمع نمر أَو جمع صحب بسكونها كأنهار جمع نهر. وَأَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هم الَّذين أدركوا صُحْبَة النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْيَقَظَة مَعَ الْإِيمَان وماتوا عَلَيْهِ وَاخْتلف فِيمَن تخللت ردته بَين إِدْرَاكه صُحْبَة النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بل بَين مَوته أَيْضا مُؤمنا بِهِ. قَالَ الْبَعْض لَيْسَ بصحابي وَالأَصَح أَنه صَحَابِيّ وَعَلِيهِ الْجُمْهُور لِأَن اسْم الصُّحْبَة بَاقٍ لَهُ سَوَاء رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام فِي حَيَاته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو بعده وَسَوَاء لقِيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَانِيًا بعد الرُّجُوع إِلَى الْإِسْلَام أم لَا لقصة أَشْعَث بن قيس فَإِنَّهُ ارْتَدَّ ثمَّ أَخذ وَأتي بِهِ إِلَى أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَسِيرًا فَعَاد إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم فَقبل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْإِسْلَام مِنْهُ وزوجه أُخْته وَلم يتَخَلَّف أحد عَن ذكره فِي الصَّحَابَة وَلَا عَن تَخْرِيج أَحَادِيثه فِي المسانيد وَغَيرهَا وَالتَّعْبِير بِإِدْرَاك الصُّحْبَة أولى من قَول بَعضهم الصَّحَابِيّ من رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَنَّهُ يخرج ابْن أم مَكْتُوم وَنَحْوه من العميان وهم صحابته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِلَا تردد. الْآيَة: الْعَلامَة وَجَمعهَا: الْآيَات وَإِنَّمَا سميت آيَات الْقُرْآن بهَا لكَونهَا عَلَامَات على الْأَحْكَام مثلا. (ف (3)) . آيَة الْكُرْسِيّ: هِيَ من قَوْله تَعَالَى {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} إِلَى قَوْله تَعَالَى {الْعلي الْعَظِيم} لَا إِلَى خَالدُونَ كَمَا قيل لِأَنَّهَا آيَة لَا آيتان. قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة لم يكن بَينه وَبَين الْجنَّة إِلَّا الْمَوْت وَلَا يواظب عَلَيْهَا إِلَّا صديق أَو عَابِد وَمن قَرَأَهَا إِذا أَخذ مضجعه آمنهُ الله على نَفسه وجاره وجار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 جَاره وبيوت حوله وَفِي حَدِيث آخر من خرج من منزله فَقَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ بعث الله إِلَيْهِ سبعين ألفا من الْمَلَائِكَة فيستغفرون لَهُ وَيدعونَ لَهُ فَإِذا رَجَعَ إِلَى منزله وَدخل بَيته فَقَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ نزع الْفقر من بَين عَيْنَيْهِ. الْآلَة: هِيَ الْوَاسِطَة بَين الْفَاعِل ومنفعله فِي وُصُول أَثَره إِلَيْهِ كالمنشار للنجار والقيد الْأَخير لإِخْرَاج الْعلَّة المتوسطة كَمَا بَين الْجد وَابْن الابْن فَإِنَّهَا وَاسِطَة بَين فاعلها ومنفعلها إِلَّا أَنَّهَا لَيست بِوَاسِطَة بَينهمَا فِي وُصُول أثر الْعلَّة الْبَعِيدَة إِلَى الْمَعْلُول لِأَن أثر الْعلَّة الْبَعِيدَة لَا يصل إِلَى الْمَعْلُول فضلا عَن أَن يتوسط فِي ذَلِك شَيْء آخر وَإِنَّمَا الْوَاصِل إِلَيْهِ أثر الْعلَّة المتوسطة لِأَنَّهُ الصَّادِر مِنْهَا وَهِي من الْعلَّة الْبَعِيدَة وَإِنَّمَا كَانَ الْمنطق آلَة لما سَيَأْتِي فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَاسم الْآلَة عِنْد عُلَمَاء الصّرْف كل اسْم اشتق من فعل لما يستعان بِهِ فِي ذَلِك الْفِعْل كالمفتاح فَإِنَّهُ اسْم لما يفتح بِهِ والمكحلة اسْم لما يكحل بِهِ. الآمة: بِمد الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم الْمَفْتُوحَة فِي الشجاج إِن شَاءَ الله الْمُسْتَعَان. آدَاب الْبَحْث والمناظرة: صناعَة نظرية يَسْتَفِيد مِنْهَا الْإِنْسَان كَيْفيَّة المناظرة وشرائطها صِيَانة لَهُ عَن الْخبط فِي الْبَحْث وإلزاما للخصم وإفحامه وإسكاته وَإِن أردْت الإطلاع عَلَيْهَا فَهِيَ منظومة فِي سلك هَذَا النّظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 (جَنِين كفتند ارباب مَعَاني ... جو بكشادند أَبْوَاب مَعَاني) (اكرناقل كَلَامي كرد انشا ... بِوَجْه نقل يابر وَجه دَعْوَى) (اكرناقل بود در كفته خويش ... ازو صحت طلب كن نى كم وبيش) (بود تَصْحِيح نقلش از كتابي ... وَيَا از كفته عالي جنابي) (كلامش ار بود بر وَجه دَعْوَى ... دَلِيل وحجتش بايد در آنجا) (اكركويد بدعوائش دَلَائِل ... از آنجا نَام اَوْ كردد مُعَلل) (بداند هر كه اَوْ از اهل راز است ... بِنَقْل ومدعي منع از مجَاز است) (بس انكه مي تواند كرد سَائل ... بِهِ تعْيين منع اجزاء دَلَائِل) (درين هنكام سَائل مي تواند ... دليلش را كند منع مُجَرّد) (وَيَا بر منع خود كويد سَنَد را ... كه منعش مختفي نبود خرد را) (مر ايْنَ را منع تفصيلي بود نَام ... جَنِين دارم من از استاد ييغام) (وكر منعش بود بر وَجه اجمال ... بمنعش شَاهِدي بايد درين حَال) (مراين را منع اجماليش خوانند ... وكرنه نقض تفصيليش دانند) (وكردار ددليلش را مُسلم ... تواند كرد منع مدعي هم) (كه من هم حجتى دارم در اينجا ... دليلى مي توانم كرد بيدا) (بيكديكر جو حجت عرض دادند ... از ان نامش معَارض مي شمارند) (بَيَان شدّ آنجه بايد اندرين بَاب ... خطا باشد جز ايْنَ در بحث وآداب) وتفصيل هَذَا الْمُجْمل مَا فِي غَايَة الْهِدَايَة من أَن النَّاقِل من شخص أَو كتاب يطْلب مِنْهُ صِحَة النَّقْل من شخص أَو من كتاب. وَالْمُدَّعِي يطْلب مِنْهُ الدَّلِيل فَإِذا اسْتدلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 فالخصم أَن منع بَعْضًا من مُقَدمَات الدَّلِيل وَلَو بِاعْتِبَار الصُّورَة أَو منع كلهَا على التَّعْيِين وَالتَّفْصِيل يُسمى منعا ومناقضة ونقضا تفصيليا. وَيجوز أَن يكون الْمَنْع قبل فرَاغ الْمُسْتَدلّ عَن الدَّلِيل وَالْأَحْسَن أَن يكون بعده وللمانع الِاقْتِصَار على مُجَرّد الْمَنْع وَالْأَحْسَن ذكر السَّنَد الْمُؤَيد لَهُ وَمنع السَّنَد غير مُفِيد للمستدل سَوَاء كَانَ السَّنَد لَازِما للْمَنْع أَو لَا وَدفعه مُفِيد إِن كَانَ مُسَاوِيا للْمَنْع وللمستدل أَن يَقُول إِن السَّنَد لَا يصلح للسندية والمقدمة الممنوعة إِن كَانَت نظرية أَو بديهية فِيهَا خَفَاء فعلى الْمُسْتَدلّ رفع الْمَنْع بِالدَّلِيلِ أَو التَّنْبِيه وَلَيْسَ للمانع الْغَصْب بِأَن يسْتَدلّ على بطلَان الْمُقدمَة قبل أَن يُقيم الْمُعَلل دَلِيلا على ثُبُوتهَا لاستلزام الْخبط فِي الْبَحْث وَمنع الْمُقدمَة قد لَا يضر الْمُعَلل بِأَن يكون انتفاؤها أَيْضا مستلزما للمطلوب وَإِن لم يمْنَع شَيْئا من الْمُقدمَات على التَّفْصِيل فَلَو بَين أَن فِي الدَّلِيل خللا لتخلف الحكم عَنهُ فِي بعض الصُّور أَو لِأَنَّهُ مُسْتَلْزم لمحال يُسمى نقضا إجماليا ونقضا أَيْضا. والنقض الإجمالي لدَلِيل الْمُقدمَة يُسمى بِالنِّسْبَةِ إِلَى أصل الدَّلِيل نقضا تفصيليا على طَريقَة الْإِجْمَال وَلَو أَقَامَ دَلِيلا على مَا يُنَافِي مَطْلُوب الْمُسْتَدلّ سَوَاء كَانَ نقيضه أَو مستلزما لنقيضه يُسمى مُعَارضَة وعرفوها بالمقابلة على سَبِيل الممانعة. وَمَتى صَار الْخصم مُعَارضا أَو ناقضا فقد يصير الْمُعَلل مناقضا وَلَيْسَ الْمعَارض مُصدقا لدَلِيل الْمُسْتَدلّ بل الْمُعَارضَة بِمَنْزِلَة نقض إجمالي لدَلِيل الْمُعَلل. وَحَاصِله أَنه لَو صَحَّ دَلِيل الْمُسْتَدلّ بِجَمِيعِ الْمُقدمَات لما صَحَّ مَا يُنَافِي مَدْلُوله لَكِن عندنَا مَا يدل على صدق الْمنَافِي. وَدَلِيل الْمعَارض إِن كَانَ غير دَلِيل الْمُسْتَدلّ يُسمى قلبا وَإِلَّا فَإِن كَانَ على صورته فمعارضة بِالْمثلِ وَإِلَّا فمعارضة بِالْغَيْر. وَقيل إِن كَانَت الْمُعَارضَة بِغَيْر دَلِيل الْمُسْتَدلّ فَهِيَ الْمُعَارضَة الْخَالِصَة وَإِن كَانَت بدليله وَلَو بِزِيَادَة شَيْء فَهِيَ مُعَارضَة فِيهَا معنى المناقضة وَإِن كَانَ دَالا على مَا يسْتَلْزم نقيضه فَهِيَ عكس. وللسائل أَن ينْقض دَلِيل الْمُسْتَدلّ فِي كل مرتبَة من الْمَرَاتِب إِجْمَالا وتفصيلا ومعارضا فَإِن انْتهى الْبَحْث إِلَى أَمر ضَرُورِيّ الْقبُول للسَّائِل بديهيا كَانَ أَو كسبيا حَقًا كَانَ أَو بَاطِلا لزم إِلْزَام السَّائِل وَإِلَّا لزم إفحام الْمُعَلل. الْآبِق: من الآباق وَهُوَ الْهَرَب والتمرد على المحق وَفِي الشَّرْع الْمَمْلُوك الَّذِي يفر عَن مَالِكه قصدا سَوَاء كَانَ قِنَا أَو مُدبرا أَو أم الْوَلَد وَأَخذه أحب من تَركه وَأخذ الضال قيل أَيْضا كَذَلِك وَقيل تَركه أولى والضال هُوَ الَّذِي ضل الطَّرِيق إِلَى منزل مَالِكه. فِي كنز الدقائق وَمن رده مُدَّة سفر فَلهُ أَرْبَعُونَ درهما وَلَو قِيمَته أقل مِنْهُ أَي من أَرْبَعِينَ وَمن رده لأَقل مِنْهَا فبحسابه انْتهى وَمن أنْفق على الْآبِق بِغَيْر إِذن القَاضِي يكون مُتَبَرعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 آدَاب القَاضِي: هِيَ الْتِزَامه لما ندب إِلَيْهِ الشَّرْع من بسط الْعدْل وَرفع الظُّلم وَترك الْميل. الآفة: عدم مطاوعة الْآلَات إِمَّا بِحَسب الْفطْرَة أَو الْخلقَة أَو غَيرهَا كضعف الْآلَات. أَلا ترى أَن الآفة فِي التَّكَلُّم قد تكون بِحَسب الْفطْرَة كَمَا فِي الْأَخْرَس أَو بِحَسب ضعفها وَعدم بُلُوغهَا حد الْقُوَّة كَمَا فِي الطفولية. ثمَّ اعْلَم أَن الآفة فِي التَّكَلُّم لفظية ومعنوية فَإِنَّهَا ضد الْكَلَام فَكَمَا أَن الْكَلَام لَفْظِي ومعنوي كَذَلِك ضِدّه. أما الآفة اللفظية فَعدم الْقُدْرَة على الْكَلَام اللَّفْظِيّ كَمَا فِي الْأَخْرَس والطفل. والآفة المعنوية فَهِيَ عدم قدرَة الْمُتَكَلّم على تَدْبِير الْمَعْنى فِي نَفسه الَّذِي يدل عَلَيْهِ بالعبارة أَو الْكِتَابَة أَو الْإِشَارَة. الآيسة: هِيَ من لَا تحيض فِي مُدَّة خمس وَخمسين سنة وَاخْتلف فِي حد الْإِيَاس وَالْمُخْتَار فِي زَمَاننَا على مَا فِي الزَّاهدِيّ خَمْسُونَ سنة وَفِي الْفَتَاوَى العالمكيري الْإِيَاس مُقَدّر بِخمْس وَخمسين سنة. بَاب الْألف مَعَ الْبَاء (ف (4)) . أبجد: فِي خزانَة الْمُفْتِينَ (أبجد) أَي وجد آدم نَفسه فِي الْمعْصِيَة (هوز) أَي اتبع هَوَاهُ فَزَالَ عَنهُ نعيم الْجنَّة (حطي) أَي حط عَنهُ ذنُوبه (كلمن) أَي كلم بِكَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ بِالْقبُولِ وَالرَّحْمَة (سعفص) أَي راق عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأصَاب عَلَيْهِ (قرشت) أَي أقرّ بذنب مر عَلَيْهِ (ثخذ) أَي أَخذ من الله الْقُوَّة (ضظغ) أَي شجع عَن وسواس الشَّيْطَان بعزيمة لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله كَذَا فِي (الشافي) وحساب الأبجد هَكَذَا (ا) (ب) (ج) 3 (د) 4 (هـ) 5 (و) 6 (ز) 7 (ح) {ط) 9 (ى) 10 (ك) 20 (ل) 30 (م) 40 (ن) 50 (س) 60 (ع) 70 (ف} 0 (ص) 90 (ق) 100 (ر) 200 (ش) 300 (ت) 400 (ث) 500 (خَ) 600 (ذ) 700 (ض} 00 (ظ) 900 (غ) 1000. وَبَعض أولي الْأَلْبَاب رتب حُرُوف الأبجد هَكَذَا (ايقغ) 111 (بكر) 22 (جلش) 333 (دمت) 444 (هنث) 555 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 (وسخ) 666 (زغذ) 777 (حفض} 8 {طصظ) 999 وَيُسمى حِسَاب الأبجد بِحِسَاب الْجمل. (ف (5)) . الْإِبَاحَة: (مُبَاح كردانيدن) . فِي التَّلْوِيح الْمَشْهُور فِي الْفرق بَين الْإِبَاحَة والتخيير أَي التَّسْوِيَة أَن الْجمع يمْتَنع فِي التَّخْيِير وَلَا يمْتَنع فِي الْإِبَاحَة لَكِن الْفرق فِي الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة أَنه لَا يجب فِي الْإِبَاحَة الْإِتْيَان بِوَاحِد وَفِي التَّخْيِير يجب. وَإِذا كَانَ وجوب الْإِتْيَان بِوَاحِد فِي التَّخْيِير إِن كَانَ الأَصْل فِيهِ الْحَظْر أَي الْمَنْع وَثَبت الْجَوَاز بِعَارِض الْأَمر كَمَا إِذا قَالَ بِعْ من عَبِيدِي وَاحِدًا وَذَلِكَ يمْنَع الْجمع وَيجب الِاقْتِصَار على الْوَاحِد لِأَنَّهُ الْمَأْمُور بِهِ. وَإِن كَانَ الأَصْل فِيهِ الْإِبَاحَة وَوَجَب بِالْأَمر وَاحِد كَمَا فِي خِصَال الْكَفَّارَة يجوز الْجمع بِحكم الْإِبَاحَة الْأَصْلِيَّة وَهَذَا يُسمى التَّخْيِير على سَبِيل الْإِبَاحَة انْتهى. إِمَّا كَونه تخييرا فكلونه تخييرا بَين مُتَعَدد وَلَيْسَ بِالْإِبَاحَةِ لوُجُوب الْإِتْيَان بِوَاحِد. وَإِمَّا كَونه على سَبِيل الْإِبَاحَة فلجواز الْجمع بَين ذَلِك المتعدد. وَقَوله كَمَا إِذا قَالَ بِعْ من عبيد الخ فَإِن بيع عبد الْغَيْر مَحْظُور مَمْنُوع وَإِنَّمَا جَازَ بِعَارِض التَّوْكِيل. وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام الْفرق بَين التَّسْوِيَة وَالْإِبَاحَة أَن الْمُخَاطب يتَوَهَّم فِي الْإِبَاحَة أَن لَيْسَ يجوز لَهُ الْإِتْيَان بِالْفِعْلِ وَفِي التَّسْوِيَة يتَوَهَّم أَن أحد الطَّرفَيْنِ أَنْفَع وأرجح ثمَّ اعْلَم أَن المُرَاد بِالْإِبَاحَةِ فِي قَوْلهم وَتَصِح الْإِبَاحَة فِي الْكَفَّارَات والفدية دون الصَّدقَات وَالْعشر أَن يضع صَاحب الْكَفَّارَة للْمَسَاكِين أَو الْفُقَرَاء طَعَاما مطبوخا مَا دَوْمًا أَو غير مَا دوم ويمكنهم مِنْهُ حَتَّى يستوفوا آكلين مشبعين من غير أَن يَقُول ملكتكم هَذَا الطَّعَام أَو وهبته لكم. وَالتَّمْلِيك أَن يُعْطي لكل مِسْكين نصف صَاع من بر أَو صَاع من شعير والضابطة أَن مَا شرع بِلَفْظ الطَّعَام يجوز فِيهِ الْإِبَاحَة وَمَا شرع بِلَفْظ الإيتاء وَالْأَدَاء يشْتَرط فِيهِ التَّمْلِيك. (ف (6)) . الإبداع والابتداع: إِيجَاد الشَّيْء من غير سبق مَادَّة وَمُدَّة كإيجاد الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الْعُقُول مثلا فَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أوجدهم من غير سبق مَادَّة وَمُدَّة عِنْد الْحُكَمَاء وَأما عِنْد الْمُتَكَلِّمين فَمَا سواهُ تَعَالَى حَادث بحدوث زماني. الِابْتِدَاء بالساكن محَال: كَمَا هُوَ الْمَشْهُور لِأَن الْحَرْف الْمَنْطُوق بِهِ إِمَّا مُعْتَمد على حركته كباء بكرا وعَلى حَرَكَة مجاورة كميم عَمْرو أَو على لين قبله يجْرِي مجْرى الْحَرَكَة كباء دَابَّة وصاد خويصة فَمَتَى فقد هَذِه الاعتمادات تعذر التَّكَلُّم بِدَلِيل التجربة وَمن أنكر ذَلِك فقد أنكر العيان وكابر المحسوس. وَقد يسْتَدلّ على إِمْكَانه بِأَنَّهُ لَو امْتنع لتوقف التَّلَفُّظ بالحروف على التَّلَفُّظ بالحركة ابْتِدَاء ضَرُورَة تقدم الشَّرْط على الْمَشْرُوط لَكِن التَّلَفُّظ بالحركة مَوْقُوف على التَّلَفُّظ بالحروف ضَرُورَة توقف وجود الْعَارِض على وجود المعروض. وَجَوَابه منع الشّرطِيَّة لجَوَاز أَن يكون الْحَرَكَة لَازِما غير مُتَقَدم للحرف المبتدء بهَا لَا شرطا سَابِقًا هَكَذَا ذكره الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي حَاشِيَة الْكَشَّاف. وَلَكِن فِي كَلَام القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله فِي تَفْسِير بِسم الله إِشَارَة إِلَى جَوَاز الِابْتِدَاء بالساكن فِي كَلَام من بِهِ لكنة حَيْثُ قَالَ لِأَن من دأبهم أَن يبتدؤوا بالمتحرك ويقفوا على السَّاكِن انْتهى. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله قَوْله لِأَن من دأبهم يَعْنِي من طريقتهم أَن يبتدؤوا بالحرف المتحرك لخلوص لغتهم عَن اللكنة وَفِيه إِشَارَة إِلَى جَوَاز الِابْتِدَاء بالساكن. وَإِنَّمَا اختير الْهمزَة من الْحُرُوف الزَّوَائِد لدفع لُزُوم الِابْتِدَاء بالساكن لِأَنَّهَا أقوى الْحُرُوف لِأَن لحروف الْحلق السِّتَّة قُوَّة على سَائِر الْحُرُوف وَمن تِلْكَ الْحُرُوف السِّتَّة للهمزة قُوَّة عَلَيْهَا لِأَنَّهَا من مبدأ الْحلق فَهِيَ أقوى الْحُرُوف والابتداء بالأقوى أولى لقُوَّة الْمُتَكَلّم فِي الِابْتِدَاء. (ف (7)) . الابْن: إِن كَانَ بَين علمين وَيكون الأول موصوفه يحذف أَلفه من الْكِتَابَة وَإِلَّا فَلَا وَمن أَرَادَ أَن تَلد امْرَأَته الحبلى ابْنا فَلْينْظر فِي الحبلى (ف (8)) . الْأَبْصَار: بِالْفَتْح جمع الْبَصَر وبالكسر مصدر أبْصر وَفِي الْأَبْصَار ثَلَاثَة مَذَاهِب. مَذْهَب الرياضيين. وَمذهب جُمْهُور الْحُكَمَاء الطبيعيين. وَمذهب بعض الْحُكَمَاء. أما مَذْهَب الرياضيين فَهُوَ أَن الإبصار بِخُرُوج شُعَاع من الْعين على هَيْئَة مخروطية رَأسه عِنْد مَرْكَز الْبَصَر وقاعدته عِنْد سطح المرئي المبصر وحجتهم على الْأَبْصَار بِالْخرُوجِ الْمَذْكُور أَن الْمُتَوَسّط بَين الْبَصَر وَمَا يُقَابله إِذا كَانَ جسما لطيفا لي غير مَانع لنفوذ الشعاع فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 فَهُوَ لَا يحجب الْبَصَر عَن الرُّؤْيَة وَإِذا كَانَ كثيفا فَهُوَ يحجب الْبَصَر عَن الروية وَمَا ذَلِك إِلَّا كَونه شعاعا من الْبَصَر فقد نفذ فِي الْجِسْم الْمُتَوَسّط وَوصل إِلَى المرئي على التَّقْدِير الأول وَلم ينفذ فِي الْجِسْم الْمُتَوَسّط وَلم يصل إِلَى المرئي على التَّقْدِير الثَّانِي. ورد بِأَن الشعاع إِن كَانَ عرضا امْتنع عَلَيْهِ الْحَرَكَة والانتقال وَإِن كَانَ جسما امْتنع أَن يخرج من أَعيننَا بل من عين البقة جسم يخرق الأفلاك وينبسط فِي لَحْظَة إِلَى نصف كرة الْعَالم ثمَّ إِذا طبق الجفن عَاد إِلَيْهَا أَو انْعَدم ثمَّ إِذا فتحت الْعين خرج مثله وَهَكَذَا. وَدفع بِأَنَّهُم أَرَادوا بِمَا ذكرُوا أَن المرئي إِذا قَابل شُعَاع الْبَصَر استعد لِأَن يفِيض على سطحه من المبدء الْفَيَّاض شُعَاع يكون ذَلِك الشعاع قَاعِدَة مخروطة رَأسه عِنْد مَرْكَز الْبَصَر لكِنهمْ سموا حُدُوث الشعاع بِسَبَب مُقَابِله للتعين بِخُرُوج الشعاع عَنْهَا إِلَيْهِ مجَازًا على قِيَاس تَسْمِيَة حُدُوث الضَّوْء فِيمَا يُقَابل الشَّمْس بِخُرُوج الضَّوْء عَنْهَا إِلَيْهِ فَافْهَم. ثمَّ إِن الرياضيين اخْتلفُوا فِيمَا بَينهم فَذهب جمَاعَة إِلَى أَن ذَلِك المخروط مصمت أَي غير مجوف وَذهب جمَاعَة أُخْرَى إِلَى أَنه مركب من خطوط شعاعية مُسْتَقِيمَة أطرافها الَّتِي تلِي الْبَصَر مجتمعة عِنْد مركزه ثمَّ يَمْتَد مُتَفَرِّقَة إِلَى المبصر فبمَا ينطبق عَلَيْهِ من المبصر أَطْرَاف تِلْكَ الخطوط أدْركهُ الْبَصَر وَمَا وَقع بَين أَطْرَاف تِلْكَ الخطوط لم يُدْرِكهُ وَلذَلِك يخفى على الْبَصَر المسامات الَّتِي فِي غَايَة الدقة فِي سطوح البصرات وَذهب جمَاعَة ثَالِثَة إِلَى أَن الْخَارِج من الْعين خطّ وَاحِد مُسْتَقِيم فَإِذا انْتهى إِلَى المبصر تحرّك على سطحه فِي جِهَتَيْنِ طوله وَعرضه حَرَكَة فِي غَايَة السرعة ويتخيل بحركته هَيْئَة مخروطية. وَأما مَذْهَب جُمْهُور الْحُكَمَاء الطبيعيين فَهُوَ أَن الإبصار بالانطباع والانتقاش وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد أرسطو وَأَتْبَاعه كالشيخ الرئيس وَغَيره قَالُوا إِن مُقَابلَة المبصر للباصرة يُوجب اسْتِعْدَادًا يفِيض بِهِ صورته على الجليدية وَلَا يَكْفِي فِي إبصار شَيْء وَاحِد من حَيْثُ إِنَّه وَاحِد الانطباع فِي الجليدية وَإِلَّا لرؤي شَيْء وَاحِد شَيْئَيْنِ لانطباع صورته فِي جليديتي الْعَينَيْنِ بل لَا بُد من تأدي الصُّورَة من الجليدية إِلَى ملتقى العصبتين المجوفتين وَمِنْه إِلَى الْحس الْمُشْتَرك وَلم يُرِيدُوا بتأدي الصُّورَة من الجليدية إِلَى العصبتين المجوفتين وَمِنْه إِلَى الْحس الْمُشْتَرك انْتِقَال الْعرض الَّذِي هُوَ الصُّورَة ليلزم انْتِقَال الْعرض من مَكَان إِلَى مَكَان آخر بل أَرَادوا أَن انطباعها فِي الجليدية معد لفيضان الصُّورَة على الْمُلْتَقى وفيضانها عَلَيْهِ معد لفيضانها على الْحس الْمُشْتَرك. وَحجَّة الْجُمْهُور أَن الْإِنْسَان إِذا نظر إِلَى قرص الشَّمْس بتحديق نظره مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ غمض عَيْنَيْهِ فَإِنَّهُ يجد من نَفسه كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا. وَكَذَلِكَ إِذا بَالغ فِي النّظر إِلَى الخضرة الشَّدِيدَة ثمَّ غمض عَيْنَيْهِ فَإِنَّهُ يجد من نَفسه هَذِه الْحَالة. وَإِذا بَالغ فِي النّظر إِلَيْهَا ثمَّ نظر إِلَى لون آخر لم ير ذَلِك اللَّوْن خَالِصا بل مختلطا بالخضرة وَمَا ذَلِك إِلَّا لارتسام صُورَة المرئي فِي الباصرة وبقائها زَمَانا. ورد بِأَن صُورَة المرئي بَاقِيَة فِي الخيال لَا فِي الباصرة. وَدفع الشَّارِح الْجَدِيد للتجريد بِأَنَّهُ فرق بَين بَين التخيل والمشاهدة. والارتسام فِي الخيال هُوَ التخيل دون الْمُشَاهدَة. وَلَا شكّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 أَن تِلْكَ الْحَالة حَالَة الْمُشَاهدَة لَا حَالَة التخيل. ثمَّ قَالَ فَالصَّوَاب أَن يُقَال فِي الرَّد صُورَة المرئي فِي تِلْكَ الْحَالة بَاقِيَة فِي الْحس الْمُشْتَرك وَفِيه نظر. إِذْ لَا شكّ أَن رد الِاسْتِدْلَال مناقضة مستندة وتحريره أَنا لَا نسلم قَوْله وَمَا ذَلِك إِلَّا لارتسام صُورَة المرئي فِي الباصرة وبقائها فِي الخيال لَا فِي الباصرة وَمَا ذكر فِي دفع الْمَنْع من أَن تِلْكَ الْحَالة حَالَة الْمُشَاهدَة لَا حَالَة التخيل أَيْضا مَمْنُوع بل الْأَمر بِالْعَكْسِ وَكَلَام الْمُسْتَدلّ نَاظر إِلَى هَذَا بل ظَاهر فِي أَن تِلْكَ الْحَالة شَبيهَة بِالْمُشَاهَدَةِ لَا عينهَا حَيْثُ قَالَ كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا أَي يشبه بِأَن يُشَاهِدهُ وَلَو سلم هَذَا فَلَا شُبْهَة فِي أَنه كَلَام على السَّنَد الْأَخَص فَلَا يُفِيد فِي دفع الْمَنْع وَمَعَ ذَلِك يلْزم أَن يكون قَوْله فَالصَّوَاب عين خطأ بِعَين مَا ذكر وَبِأَن يُقَال فرق بَين بَين المرتسم فِي الْحس الْمُشْتَرك والمشاهدة وَتلك الْحَالة حَالَة الْمُشَاهدَة لَا حَالَة المرتسم فِي الْحس الْمُشْتَرك فَمَا هُوَ جَوَابه فَهُوَ جَوَابنَا. وَالْحَاصِل أَنه إِن أَرَادَ بِالْمُشَاهَدَةِ الإبصار فَكَمَا أَن التخيل غَيرهَا الْحس الْمُشْتَرك أَيْضا غَيرهَا وَإِن أَرَادَ بِهِ الارتسام فَكَمَا أَن فِي الْحس الْمُشْتَرك ارتسام فِي الخيال أَيْضا كَذَلِك. وَأما مَذْهَب بعض الْحُكَمَاء فَهُوَ أَن الإبصار لَيْسَ بالانطباع وَلَا بِخُرُوج الشعاع بل بِأَن الْهَوَاء الشفاف الَّذِي بَين الْبَصَر والمرئي يتكيف بكيفية الشعاع الَّذِي فِي الْبَصَر وَيصير بذلك آلَة للإبصار. وَذكروا فِي إِبْطَاله إِنَّا نعلم بِالضَّرُورَةِ أَن الشعاع الَّذِي فِي عين العصفور بل البقة يَسْتَحِيل أَن يقوى على إِحَالَة نصف الْعَالم إِلَى كيفيته بل العصفور أَو الْفِيل إِن كَانَ كُله نورا أَو نَارا لما أحَال إِلَى كيفيته من الْهَوَاء عشرَة فراسخ فضلا عَن هَذِه الْمسَافَة الْعَظِيمَة وَإِن لم يكن هَذَا جليا عِنْد الْعقل فَلَا جلي عِنْده وَيُمكن أَن يأول كَلَامهم بِمثل تَأْوِيل الْكَلَام الرياضيين بِأَن يُقَال قَوْلهم إِن الْهَوَاء المشف الَّذِي بَين الْبَصَر والمرئي يتكيف بكيفية شُعَاع الْبَصَر أَرَادوا مِنْهُ أَن المرئي إِذا قَابل شُعَاع الْبَصَر استعد الْهَوَاء المشف الَّذِي بَينهمَا لِأَن يفِيض عَلَيْهِ من المبدء الْفَيَّاض شُعَاع لكِنهمْ قَالُوا إِن الْهَوَاء يتكيف بكيفية شُعَاع الْبَصَر مجَازًا لحُصُول الاستعداد مِنْهُ وعَلى هَذَا لَا اسْتِحَالَة وَلَا استبعاد. وَاعْلَم أَنه قَالَ صَاحب المواقف للحكماء فِي الإبصار قَولَانِ وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف قدس سره فِي شَرحه لما كَانَ الأول وَالثَّالِث مبنيين على الشعاع عدهما قولا وَاحِدًا وَفِي شرح الهياكل أَن الفارابي فِي رِسَالَة الْجمع بَين الرايين ذهب إِلَى أَن غَرَض الْفَرِيقَيْنِ التَّنْبِيه على هَذِه الْحَالة الأدراكية وضبطها بِضَرْب من التَّشْبِيه لَا حَقِيقَة خُرُوج الشعاع وَلَا حَقِيقَة الانطباع وَإِنَّمَا اضطروا إِلَى إِطْلَاق اللَّفْظَيْنِ لضيق الْعبارَة فَافْهَم واحفظ. (ف (9)) . الِابْتِدَاء بِأَمْر: شُرُوعه وَعند أَرْبَاب الْعرُوض هُوَ أول جُزْء من المصراع الثَّانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وَعند النُّحَاة خلو الِاسْم وتعريته عَن العوامل اللفظية للإسناد نَحْو الله وَاحِد وَمُحَمّد رَسُول الله. وَهَذَا الْمَعْنى عَامل فِي الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر عِنْد الزَّمَخْشَرِيّ والجزولي وَعند سِيبَوَيْهٍ عَامل فِي الْمُبْتَدَأ والمبتدأ عَامل فِي الْخَبَر. وَقَالَ بَعضهم أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا عَامل فِي الآخر. قيل عَلَيْهِ أَن الْعَامِل يكون مقدما على الْمَعْمُول فَإِذا كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا عَاملا فِي الآخر. يلْزم أَن يكون كل مِنْهُمَا مقدما على الآخر ومتأخرا عَنهُ أَيْضا بل يلْزم تقدم الشَّيْء على نَفسه لِأَن الْمُتَقَدّم على الْمُتَقَدّم على الشَّيْء مُتَقَدم على ذَلِك الشَّيْء. وَالْجَوَاب أَن الْجِهَة متغائرة فَلَا بَأْس بِهِ قيل إِن الْخُلُو أَمر عدمي وَكَذَا التعرية والعدمي لَا يكون مؤثرا وَأجِيب بِأَن الْخُلُو عبارَة عَن إتْيَان الِاسْم بِلَا عَامل لَفْظِي والإتيان وجودي وَيُسمى الْمَعْمُول الأول مُبْتَدأ وَمُسْندًا إِلَيْهِ ومحكوما عَلَيْهِ وموضوعا ومحدثا عَنهُ وَالثَّانِي خَبرا وَمُسْندًا ومحكوما بِهِ ومحمولا وحديثا. وَاعْلَم أَن بَين الْحَدِيثين الشريفين الْمَشْهُورين الواردين فِي الْأَمر بابتداء كل أَمر ذِي بَال بِالتَّسْمِيَةِ والتحميد تعَارض وَوجه التَّعَارُض أَن الْبَاء الجارة فيهمَا للصلة وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَاقع موقع الْمَفْعُول بِهِ وَابْتِدَاء أَمر بِشَيْء عبارَة عَن ذكر ذَلِك الشَّيْء فِي أول ذَلِك الْأَمر بجعله جُزْءا أَولا لَهُ إِن كَانَا من جنس وَاحِد كابتداء الْأَلْفَاظ الْمَخْصُوصَة بِلَفْظ الْحَمد وَالتَّسْمِيَة وبجعله مقدما على ذَلِك الْأَمر بِحَيْثُ لَا يكون قبله شَيْء آخر إِن كَانَا من جِنْسَيْنِ كابتداء الْأكل وَالشرب بِالتَّسْمِيَةِ وَالْحَمْد يَعْنِي أَن الِابْتِدَاء فيهمَا مَحْمُول على الْحَقِيقِيّ والابتداء بِهَذَا الْمَعْنى لَا يُمكن بالشيئين بِالضَّرُورَةِ فَالْعَمَل بِأحد الْحَدِيثين يفوت الْعَمَل بِالْآخرِ. فالتعارض مَوْقُوف على أَمريْن كَون الْبَاء للصلة وَكَون الِابْتِدَاء فيهمَا حَقِيقِيًّا. وَدفعه يحصل بِرَفْع مَجْمُوع ذَيْنك الْأَمريْنِ إِمَّا بِرَفْع كل مِنْهُمَا أَو بِرَفْع أَحدهمَا على مَا هُوَ شَأْن رفع الْمَجْمُوع. وَالتَّفْصِيل أَن الْبَاء إِمَّا صلَة الِابْتِدَاء والابتداء فِي كل مِنْهُمَا إِمَّا عرفي أَو إِ ضافي أَو فِي أَحدهمَا حَقِيقِيّ وَفِي الآخر عرفي أَو إضافي أَو الْبَاء فِي أَحدهمَا صلَة الِابْتِدَاء وَفِي الآخر للاستعانة أَو للملابسة أَو فِي كل مِنْهُمَا للاستعانة أَو الملابسة. أما تَقْرِير الدّفع على تَقْدِير كَون الْبَاء فيهمَا للاستعانة فَهُوَ أَن الِابْتِدَاء فيهمَا حَقِيقِيّ وَالْبَاء فيهمَا لَيْسَ صلَة الِابْتِدَاء بل هُوَ بَاء الِاسْتِعَانَة فَالْمَعْنى أَن كل أَمر ذِي بَال لم يبْدَأ ذَلِك الْأَمر باستعانة التَّسْمِيَة والتحميد يكون أَبتر وأقطع. وَلَا ريب فِي أَنه يُمكن الِاسْتِعَانَة فِي أَمر بِأُمُور معتددة فَيجوز أَن يستعان فِي الِابْتِدَاء أَيْضا بِالتَّسْمِيَةِ والتحميد بل بِأُمُور أخر. وَإِنَّمَا حملنَا الِابْتِدَاء على هَذَا الْجَواب على الْحَقِيقِيّ إِذْ لَو حمل على الْعرفِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فَالْجَوَاب هَذَا لِأَن الْبَاء فيهمَا للاستعانة. قيل إِن جُزْء الشَّيْء لَا يكون آلَة لَهُ فَجعل الْبَاء للاستعانة يَقْتَضِي أَن لَا يَجْعَل التَّسْمِيَة والتحميد جزأين من الْمُبْتَدَأ باستعانتهما فليزم أَن لَا يكون أَرْبَاب التَّأْلِيف عاملين بِالْحَدِيثين حَيْثُ جعلوهما جزأين من تأليفاتهم وَالْجَوَاب أَن الْقَائِل بِأَن الْبَاء للاستعانة يلْتَزم عدم الْجُزْئِيَّة وَمن ادّعى الْجُزْئِيَّة فَعَلَيهِ الْبَيَان. وَاعْترض بِأَن جعل الْبَاء للاستعانة يُفْضِي إِلَى سوء الْأَدَب لِأَنَّهُ يلْزم حِينَئِذٍ جعل اسْم الله تَعَالَى آلَة والآلة غير مَقْصُودَة وَالْجَوَاب أَن الحكم بِكَوْن الْآلَة غير مَقْصُودَة إِن كَانَ كليا فَمَمْنُوع. كَيفَ والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسَائِل مَعَ أَن الْإِيمَان بهم والتصديق بنبوتهم مقصودان وَإِن كَانَ جزئيا فَلَا ضير لأَنا نقُول إِن هَذَا من تِلْكَ الْآلَات الْمَقْصُودَة ويناقش بِأَن الِابْتِدَاء الْحَقِيقِيّ إِنَّمَا يكون بِأول جُزْء من أَجزَاء الْبَسْمَلَة مثلا فَحمل الِابْتِدَاء على الْحَقِيقِيّ فِي أَحدهمَا غير صَحِيح فضلا عَن أَن يحمل فيهمَا عَلَيْهِ. وَالْجَوَاب أَن المُرَاد بِالِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيّ مَا يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع مَا عداهُ وبالإضافي مَا يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَعْض على قِيَاس معنى الْقصر الْحَقِيقِيّ والإضافي. والابتداء بِهَذَا الْمَعْنى لَا يُنَافِي أَن يكون بعض الْأَجْزَاء متصفا بالتقديم على الْبَعْض كَمَا أَن اتصاف الْقُرْآن بِكَوْنِهِ فِي أَعلَى مَرَاتِب البلاغة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سواهُ لَا يُنَافِي أَن يكون بعض سُورَة أبلغ من سُورَة. وَأما تَقْرِير الدّفع على تَقْدِير كَون الْبَاء للملابسة فَهُوَ أَن الِابْتِدَاء فيهمَا مَحْمُول على الْحَقِيقِيّ وَالْبَاء فيهمَا للملابسة فَإِن قيل إِن التَّلَبُّس بهما حِين الِابْتِدَاء محَال لِأَن التَّلَبُّس بهما لَا يتَصَوَّر إِلَّا بذكرهما وذكرهما مَعًا محَال. فَلَو ابْتَدَأَ حِين ذكر التَّسْمِيَة والتلبس بهَا لَا يكون متلبسا بالتحميد وَلَو عكس لَا يكون متلبسا بِالتَّسْمِيَةِ قُلْنَا إِن الملابسة مَعْنَاهَا الملاصقة والاتصال وَهُوَ عَام يَشْمَل الملاصقة بالشَّيْء على وَجه الْجُزْئِيَّة بِأَن يكون ذَلِك الشَّيْء جُزْءا لذَلِك الْأَمر ويشمل الملاصقة بِأَن يذكر الشَّيْء قبل ذَلِك الْأَمر بِدُونِ تخَلّل زمَان متوسط بَينهمَا فَيجوز أَن يَجْعَل الْحَمد جُزْءا من الْكتاب وَيذكر التَّسْمِيَة قبل الْحَمد ملاصقة بِهِ بِلَا توَسط زمَان بَينهمَا فَيكون آن الِابْتِدَاء آن تلبس الْمُبْتَدِي بهما أما التَّلَبُّس بالتحميد فَظَاهر لِأَن آن الِابْتِدَاء بِعَيْنِه آن التَّلَبُّس بالتحميد لِأَن ابْتِدَاء الْأَمر بِعَيْنِه ابْتِدَاء التَّحْمِيد لكَونه جُزْءا مِنْهُ وَإِمَّا بِالتَّسْمِيَةِ فلكونها مَذْكُورَة أَولا بِلَا توَسط زمَان. وَالْحَاصِل أَن التَّلَبُّس بأمرين ممتدين زمانيين زماني لَا بُد أَن يَقع بَين التَّلَبُّس بِالْأَمر الأول والتلبس بِالْأَمر الآخر أَمر مُشْتَرك بَينهمَا بِحَيْثُ يكون أول التَّلَبُّس بِالْآخرِ وَآخر التَّلَبُّس بِالْأولِ مجتمعان فِي ذَلِك الْأَمر الْمُشْتَرك بَينهمَا وَإِذا كَانَ التَّلَبُّس بالبسملة والحمدلة زمانيا لَا بُد أَن يَقع بَين التلبسين بهما أَمر مُشْتَرك بَينهمَا وَهُوَ الْآن الَّذِي وَقع فِيهِ بِالِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيّ. فَإِذا كَانَ الْحَمد جُزْءا من الْكتاب كَانَ الِابْتِدَاء الْحَقِيقِيّ أول حرف من الحمدلة وَهُوَ عين آن ابْتِدَاء التَّلَبُّس بالحمدلة وآن الِانْتِهَاء التَّلَبُّس بالبسملة فآن الِابْتِدَاء آن التَّلَبُّس بهما بِمَعْنى أَن آخر التَّلَبُّس بالبسملة وَأول التَّلَبُّس بالحمدلة قد اجْتمعَا فِي آن الِابْتِدَاء فَيكون آن ابْتِدَاء الْكتاب آن التَّلَبُّس بهما وَيرد على هَذَا الْجَواب أَنه لَا يجْرِي فِيمَا لَا يُمكن جعل أَحدهمَا جُزْءا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 كالذبح وَالْأكل وَالشرب وَغير ذَلِك وَسَائِر تقريرات الدّفع وَاضح بِأَدْنَى تَأمل. هَذَا خُلَاصَة مَا فِي حَوَاشِي صَاحب الخيالات اللطيفة والحواشي الحكيمية على شرح العقائد النسفية مَعَ فَوَائِد كَثِيرَة نافعة للناظرين فَافْهَم وَكن من الشَّاكِرِينَ. الِابْتِدَاء الْحَقِيقِيّ: الِابْتِدَاء بِشَيْء مقدم على جَمِيع الْكتاب مثلا بِحَيْثُ لَا يكون شَيْء آخر مقدما عَلَيْهِ. الِابْتِدَاء الإضافي: الِابْتِدَاء بِشَيْء مقدم بِالْقِيَاسِ إِلَى أَمر آخر سَوَاء كَانَ مُؤَخرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَيْء آخر أَو لَا. الِابْتِدَاء الْعرفِيّ: هُوَ ذكر الشَّيْء قبل الْمَقْصُود فَيتَنَاوَل الحمدلة بعد الْبَسْمَلَة وَهُوَ أَمر ممتد يُمكن الِابْتِدَاء بِهَذَا الْمَعْنى بِأُمُور مُتعَدِّدَة من التَّسْمِيَة والتحميد وَغَيرهمَا. وَهَذَا الْمَعْنى قد يتَحَقَّق فِي ضمن الِابْتِدَاء الْحَقِيقِيّ وَقد يتَحَقَّق فِي ضمن الإضافي. الإباضية: هم المنسوبون إِلَى عبد الله بن إباض واعتقادهم أَن مرتكب الْكَبِيرَة موحد وَلَيْسَ بِمُؤْمِن بِنَاء على أَن الْأَعْمَال دَاخِلَة فِي الْإِيمَان عِنْدهم. وَأَن الْمُخَالفين من أهل الْقبْلَة كفار وَكَفرُوا عليا كرم الله وَجهه وَأكْثر الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. الْأَبَد: هُوَ الزَّمَان الْغَيْر المتناهي من جَانب الْمُسْتَقْبل. وَقيل اسْتِمْرَار الْوُجُود فِي أزمنة مقدرَة غير متناهية فِي جَانب الْمُسْتَقْبل كَمَا أَن الْأَزَل اسْتِمْرَار الْوُجُود فِي أزمنة مقدرَة غير متناهية فِي جَانب الْمَاضِي. الأبدي: مَا وجد فِي الْأَبَد وَقيل مَا لَا يكون منعدما والأزلي مَا لَا يكون مَسْبُوقا بِالْعدمِ وَاعْلَم أَن الْوُجُود على ثَلَاثَة أَقسَام لِأَنَّهُ إِمَّا أزلي وأبدي وَهُوَ وجود الله تَعَالَى وتقدس أَو لَا أزلي وَلَا أبدي وَهُوَ وجود الدُّنْيَا أَو أبدي غير أزلي وَهُوَ وجود الْآخِرَة وَعَكسه محَال فَإِن مَا ثَبت قدمه امْتنع عَدمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الابتلاع: من البلع وَهُوَ عمل الْحلق دون الشّفة. الْإِبْدَال: بِالْكَسْرِ (بدل كردن جيزي بجيزي) وَفِي اصْطِلَاح الصّرْف وضع حرف مَكَان حرف آخر سَوَاء كَانَا حرفي عِلّة أَو لَا للتَّخْفِيف. وبالفتح جمع الْبَدَل. وَأَيْضًا رجال سَبْعَة من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى مأمورون بِأُمُور الْخَلَائق من جنابه تَعَالَى وَيعلم من الفواتح أَنهم لَيْسُوا أقطابا وأوتادا وَإِنَّمَا سموا بِهَذَا الِاسْم لِأَن وَاحِدًا مِنْهُم إِذا يَمُوت يقوم بدله وَاحِد من الْأَرْبَعين وَلِأَنَّهُم إِذا انتقلوا من مقَام يقدرُونَ أَن يضعوا أَجْسَادهم فِي ذَلِك الْمقَام. قَالَ بعض الأبدال مَرَرْت بِبِلَاد الْمغرب على طَبِيب والمرضى بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يصف لَهُم علاجهم فتقدمت إِلَيْهِ وَقلت عالج مرضِي يَرْحَمك الله فَتَأمل فِي وَجْهي سَاعَة ثمَّ قَالَ خُذ عروق الْفقر وورق الْبَصَر مَعَ إهليلج التَّوَاضُع واجمع الْكل فِي إِنَاء الْيَقِين وصب عَلَيْهِ مَاء الخشية وأوقد تَحْتَهُ نَار الْحزن ثمَّ صفه بمصفاة المراقبة فِي جَام الرِّضَا وامزجه بشراب التَّوَكُّل وتناوله بكف الصدْق واشربه بكأس الاسْتِغْفَار وتمضمض بعده بِمَاء الْوَرع واحتم عَن الْحِرْص والطمع فَإِن الله سُبْحَانَهُ يشفيك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي الفواتح (جون كسى راحاجتي باشد بايدكه رو بجانبي كندكه ايشان در ان جَانب اندو بكويد) السَّلَام عَلَيْكُم يَا رجال الْغَيْب يَا أَرْوَاح المقدسة أغيثوني بغوثة. انظروني بنظرة. أعينوني بِقُوَّة. (بس بسوى مقصد خود مُتَوَجّه شود وبمقابل ايشان نردد ومقرر است كه ايشان در هر روز از روز هلى ماه بجانبي باشند بدين تَفْصِيل) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الْإِبْطَال: متعدي الْبطلَان. اعْلَم أَن إبِْطَال الشَّيْء عبارَة عَن إِقَامَة دَلِيل ينْتج بُطْلَانه سَوَاء أقيم على بُطْلَانه أَو على أَمر آخر فَمَعْنَى إبِْطَال التسلسل مثلا إِقَامَة دَلِيل ينْتج بُطْلَانه سَوَاء أقيم على بُطْلَانه بِأَن يُؤْتى لبطلانه قصدا وبالذات أَولا بِأَن يُؤْتى لإِثْبَات الْوَاجِب تَعَالَى مثلا فَإِنَّهُ وَإِن أُتِي لإثباته تَعَالَى لكنه يكون منتجا لبُطْلَان التسلسل أَيْضا وَعَلِيهِ مدَار دفع الِاعْتِرَاض الْوَارِد على الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي شرح العقائد النسفية فِي إِثْبَات الْوَاجِب تَعَالَى حَيْثُ قَالَ وَقد يتَوَهَّم أَن هَذَا دَلِيل على وجود الصَّانِع من غير افتقار إِلَى إبِْطَال التسلسل وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ إِشَارَة إِلَى أحد أَدِلَّة إبِْطَال التسلسل انْتهى. وَتَقْرِير الِاعْتِرَاض أَن قَوْله وَلَيْسَ كَذَلِك صَرِيح فِي أَن إِثْبَات الْوَاجِب بِهَذَا الدَّلِيل مفتقر ومحتاج إِلَى إبِْطَال التسلسل وَيفهم من قَوْله بل هُوَ إِشَارَة الخ أَن هَذَا الدَّلِيل مشير إِلَى بطلَان التسلسل أَي مُسْتَلْزم ومنتج لبطلانه وَلَيْسَ بمفتقر إِلَى إِبْطَاله والافتقار غير الاستلزام. وَحَاصِل الدّفع أَن إبِْطَال التسلسل عِنْد الْمُعْتَرض عبارَة عَن إِقَامَة دَلِيل أقيم على بُطْلَانه لَا على أَمر آخر وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ عبارَة عَن مَا مر آنِفا فالتمسك فِي إِثْبَات الْوَاجِب بِأحد أَدِلَّة بطلَان التسلسل افتقار إِلَى إِقَامَة ذَلِك الدَّلِيل المنتج بُطْلَانه فَيكون ذَلِك التَّمَسُّك افتقارا إِلَى إِبْطَاله إِذْ لَا معنى لإبطاله إِلَّا إِقَامَة دَلِيل ينْتج بُطْلَانه وَهُوَ مُتَحَقق فحاصل قَول الْعَلامَة وَقد يتَوَهَّم أَن هَذَا الدَّلِيل الخ أَنه قد يتَوَهَّم أَن هَذَا دَلِيل على إِثْبَات الْوَاجِب من غير افتقار إِلَى إِقَامَة دَلِيل ينْتج بطلَان التسلسل يَعْنِي قد يتَوَهَّم أَن هَذَا الدَّلِيل الَّذِي أقيم على إِثْبَات الْوَاجِب لَيْسَ من الْأَدِلَّة الَّتِي أُقِيمَت على بطلَان التسلسل وَلَيْسَ كَذَلِك بل هَذَا الدَّلِيل من جملَة أَدِلَّة بُطْلَانه فالافتقار فِي إِثْبَات الْوَاجِب إِلَى إِقَامَة هَذَا الدَّلِيل افتقار إِلَى إِقَامَة دَلِيل ينْتج بطلَان التسلسل وَإِن لم يقم عَلَيْهِ فَإِن قيل مَا الْقَرِينَة على أَن المُرَاد بِإِبْطَال التسلسل ذَلِك الْمَعْنى قُلْنَا إِن الْعَلامَة اخْتَار لفظ الْإِبْطَال فِي قَوْله بل هُوَ إِشَارَة إِلَى أحد أَدِلَّة إبِْطَال التسلسل دون أَن يَقُول بُطْلَانه. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن معنى الْإِبْطَال إِقَامَة دَلِيل ينْتج الْبطلَان مُطلقًا إِذْ لَو كَانَ مَعْنَاهُ إِقَامَة الدَّلِيل على بطلَان التسلسل لَا تصح الْعبارَة الْمَذْكُورَة إِذْ يصير الْمَعْنى بل هَذَا الدَّلِيل إِشَارَة إِلَى أحد أَدِلَّة أُقِيمَت على بطلَان التسلسل وَلَا يخفى فَسَاده لِأَن هَذَا الدَّلِيل لم يقم على بُطْلَانه بل على إِثْبَات الْوَاجِب نعم إِنَّه وَاحِد من الْأَدِلَّة الَّتِي إِقَامَتهَا ينْتج الْبطلَان لَا يُقَال إِنَّمَا يلْزم الْفساد الْمَذْكُور لَو كَانَ عبارَة الشَّارِح بل هُوَ من أحد أَدِلَّة إبِْطَال التسلسل وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن عِبَارَته صَرِيحَة فِي أَنه إِشَارَة إِلَى أحد أَدِلَّة بطلَان التسلسل وَلَا خَفَاء فِي أَن كَون هَذَا الدَّلِيل مقَاما على إِثْبَات الْوَاجِب لَا يُنَافِي كَونه إِشَارَة إِلَى دَلِيل أقيم على بطلَان التسلسل إِنَّمَا يُنَافِيهِ كَونه نفس ذَلِك الدَّلِيل على مَا اعْترف بِهِ لأَنا نقُول لَيْسَ مُرَاد الشَّارِح من إِيرَاد لفظ الْإِشَارَة أَنه لَيْسَ من أَدِلَّة بطلَان التسلسل وَأَنه إِشَارَة إِلَيْهِ إِذْ لَا يكون هَذَا الدَّلِيل حِينَئِذٍ مستلزما لبُطْلَان التسلسل فضلا عَن الافتقار إِذْ كَون الدَّلِيل إِشَارَة وإيماء إِلَى دَلِيل لَا يسْتَلْزم كَونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 مستلزما لنتيجة ذَلِك الدَّلِيل بل مَقْصُوده أَنه وَاحِد من أَدِلَّة إبِْطَال التسلسل إِلَّا أَنه أورد لفظ الْإِشَارَة لِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي إبِْطَال التسلسل إِذْ لم يقم عَلَيْهِ بل على إِثْبَات الْوَاجِب فَيكون إِشَارَة إِلَيْهِ وَلَا يخفى أَنه حِينَئِذٍ يلْزم الْفساد على تَقْدِير حمل الْإِبْطَال على إِقَامَة الدَّلِيل على الْبطلَان هَذَا وَالْحق أَن معنى الْإِبْطَال إِقَامَة الدَّلِيل على الْبطلَان كَمَا تشهد بِهِ الْفطْرَة السليمة وَقَول الشَّارِح بل هُوَ إِشَارَة إِلَى أحد أَدِلَّة إِبْطَاله مَحْمُول على الْمُسَامحَة وَلذَا غَيره فِي بعض النّسخ إِلَى الْبطلَان فالإيراد الْمَذْكُور فِي غَايَة الْقُوَّة انْتهى. (ف (10)) . الْإِبَاق: هُوَ التمرد فِي الانطلاق. وَهُوَ من سوء الْأَخْلَاق، ورداءة الأعراق، فِي الْعَيْنِيّ شرح كنز الدقائق الآباق مصدر من أبق العَبْد إِذا هرب وَالْفَاعِل مِنْهُ آبق وَهُوَ العَبْد المتمرد على مَوْلَاهُ. بَاب الْألف مَعَ التَّاء الاتصاف: قيام بِشَيْء وَكَونه متصفا بِهِ انضماما أَو انتزاعا. أما الانضمامي فَهُوَ أَن يكون الْمَوْصُوف وَالصّفة موجودان فِي ظرف الاتصاف كقيام الْبيَاض بالجسم. وَأما الانتزاعي فَهُوَ أَن يكون الْمَوْصُوف فِي ظرف الاتصاف بِحَيْثُ يَصح انتزاع الصّفة عَنهُ كاتصاف الْفلك بالفوقية وَزيد بالعمى. وَيعلم من هَا هُنَا أَن وجود الطَّرفَيْنِ فِي ظرف الاتصاف لَا بُد مِنْهُ فِي الانضمامي دون الانتزاعي فَإِنَّهُ لَا بُد فِيهِ من وجود الْمَوْصُوف فَقَط فِي ظرف الاتصاف بِحَيْثُ يُمكن انتزاع الْوَصْف مِنْهُ فطبيعة الاتصاف من حَيْثُ هِيَ تستدعي تحقق الْمَوْصُوف مُطلقًا والاتصاف الْخَارِجِي يَسْتَدْعِي تحَققه فِي الْخَارِج والاتصاف الذهْنِي يَسْتَدْعِي تحَققه فِي الذِّهْن. وَأما الصّفة فَهِيَ بخصوصها وَلَا بخصوصها بمعزل عَن هَذَا الحكم وتفصيله أَن طبيعة الاتصاف تَسْتَلْزِم ثُبُوت الحاشيتين فِي ظرف مَا لَا على سَبِيل التَّوَقُّف وخصوص الاتصاف الانضمامي يسْتَلْزم ثبوتهما فِي ظرف الاتصاف على سَبِيل التَّوَقُّف وخصوص الاتصاف الانتزاعي يسْتَلْزم ثُبُوت الْمَوْصُوف فِي ظرف الْإِثْبَات وَثُبُوت الصّفة فِي ظرف مَا لَا على سَبِيل التَّوَقُّف فَافْهَم. والاتصاف الانضمامي اتصاف حَقِيقِيّ. والاتصاف الانتزاعي اتصاف بِحَسب الظَّاهِر وَلَيْسَ اتصافا بِحَسب الْحَقِيقَة فَيكون الْوَصْف الانضمامي مَوْجُودا لموصوفه حَقِيقَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وَالْوَصْف الانتزاعي لَيْسَ مَوْجُودا لَهُ حَقِيقَة ضَرُورَة أَن وجود الْوَصْف لموصوفه هُوَ اتصافه بِهِ وَقد يُطلق الاتصاف على كَون الْمَاهِيّة فِي ظرف مَا بِحَيْثُ يَصح انتزاع الْوَصْف عَنْهَا. وَهَذَا تَفْصِيل مَا قَالُوا إِن حُصُول شَيْء لآخر إِذا كَانَ وجود الْعرض لموضوعه يَقْتَضِي وجود ذَلِك الشَّيْء أَيْضا وَإِلَّا لجَاز اتصاف الْجِسْم بِالسَّوَادِ الْمَعْدُوم بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ بطرِيق الاتصاف وَالْحمل فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وجود الْمُثبت دون الْمُثبت لجَوَاز أَن يكون الاتصاف انتزاعا. فَلَا يرد أَن قَوْلنَا زيد أعمى قَضِيَّة خارجية مَعَ عدمية الْعَمى فِي الْخَارِج. نعم لَو صدق أَن الْعَمى حَاصِل لزيد فِي الْخَارِج بِمَعْنى وجوده لَهُ لاقتضى وجود الْعَمى أَيْضا فِيهِ، وَهَا هُنَا مغالطة مَشْهُورَة، تقريرها أَنه لَا يجوز اتصاف شَيْء بِصفة مَخْصُوصَة بِهِ. بَيَان ذَلِك أَنه لَو كَانَ السوَاد ثَابتا لزيد مثلا لَكَانَ ذَلِك السوَاد ثَابتا لجَمِيع الْأَشْيَاء وَبَيَان الْمُلَازمَة أَن السوَاد إِذا كَانَ ثَابتا لزيد لم يكن عدم السوَاد أمرا شَامِلًا لجَمِيع الْأَشْيَاء إِذْ من جملَة جَمِيع الْأَشْيَاء هُوَ زيد الَّذِي فرض كَونه معروضا للسواد وَإِذا لم يكن عدم السوَاد شَامِلًا لجَمِيع الْأَشْيَاء يجب أَن يكون السوَاد شَامِلًا لجَمِيع الْأَشْيَاء حَتَّى لَا يرْتَفع النقيضان. وَاعْلَم أَنه يُمكن إِجْرَاء هَذِه المغالطة فِي نفي الْوُجُود عَن جَمِيع الموجودات وَنفي التَّكْلِيف وَنفي صِفَات الْوَاجِب وَنفي الامتياز بَين الْأَشْيَاء وَنفي الجزئي الْحَقِيقِيّ والشخصي وَنفي امْتنَاع كَون الْمَعْدُوم عِلّة فاعلية وَفِي إِثْبَات قيام الصّفة الْوَاحِدَة بالشخص بمحلين وَكَون صانع الْعَالم مُمكنا وَكَون جَمِيع الكائنات ملونا بلون خَاص كالسواد كَمَا لَا يخفى على من لَهُ أدنى حدس وحلها (منع كبري) الْقيَاس الْمَذْكُور لبَيَان الْمُلَازمَة إِذْ اللَّازِم كَون كل من الْأَشْيَاء مندرجة تَحت أحد النقيضين لَا أَن يكون أحد النقيضين شَامِلًا لجَمِيع الْأَشْيَاء فَجَاز أَن يكون بعض الْأَشْيَاء مندرجا تَحت أحد النقيضين وَالْبَعْض الآخر مندرجا تَحت النقيض الآخر فَافْهَم واحفظ. الاتفاقية: فِي الْمُتَّصِلَة الاتفاقية. الِاتِّحَاد: صيرورة الذاتين أَو الذوات وَاحِدَة وَلَا يكون إِلَّا فِي الْعدَد من اثْنَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 فَصَاعِدا. وَأما صيرورة شَيْء عين شَيْء آخر بِأَن يكون هُنَاكَ زيد وَعَمْرو مثلا فيتحدان بِأَن يصير زيد بِعَيْنِه عمر أَو بِالْعَكْسِ فممتنع لِأَنَّهُمَا بعد الِاتِّحَاد إِن كَانَا موجودين كَانَا اثْنَيْنِ لَا وَاحِدًا وَإِن كَانَ أَحدهمَا فَقَط مَوْجُودا كَانَ هَذَا فنَاء لأَحَدهمَا وَبَقَاء لآخر وَإِن لم يكن شَيْء مِنْهُمَا مَوْجُودا كَانَ هَذَا فنَاء لَهما وحدوث ثَالِث وَالْكل بِخِلَاف الْمَفْرُوض. فَإِن قلت لَا نسلم امْتنَاع الِاتِّحَاد بَين الشَّيْئَيْنِ بِسَنَد أَنهم قَائِلُونَ بالجعل الْمُؤلف الْمُقْتَضِي اتِّحَاد المفعولين. قلت الْجعل الْمُؤلف هُوَ جعل الشَّيْء شَيْئا وتصييره إِيَّاه وأثره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ هُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية الحملية فمقتضاه الِاتِّحَاد الحملي لَا الِاتِّحَاد الْعَيْنِيّ بِالِاسْمِ والرسم فَلَا بُد أَن يكون الْمَفْعُول الثَّانِي مِمَّا يَصح حمله على الأول والاتحاد الحملي لَيْسَ مَعْنَاهُ صيرورة الْمَحْمُول عين الْمَوْضُوع وذاته فَإِن الْحمل عبارَة عَن اتِّحَاد المتغائرين ذهنا فِي الْوُجُود خَارِجا فِي نفس وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود قَائِم بهما بل مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود لأَحَدهمَا بِالْأَصَالَةِ وَللْآخر بالتبع مَا يكون منتزعا عَنهُ. فَلَا يرد أَن الْوُجُود عرض وَقيام الْعرض بمحلين مُخْتَلفين مُمْتَنع فَكيف يتَصَوَّر اتِّحَاد المتغائرين فِي الْوُجُود. ثمَّ اعْلَم أَن الْمَفْعُول الثَّانِي إِن لم يكن مِمَّا يَصح حمله على الأول مواطأة فَلَيْسَ هُنَاكَ الْجعل الْمُؤلف لِأَن مفاده حِينَئِذٍ صيرورة شَيْء عين شَيْء آخر وَلذَا قَالُوا إِن الضياء والنور فِي قَوْله تَعَالَى {جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا} بِمَعْنى المضيء وَالْمُنَوّر. فَإِن قلت صيرورة شَيْء عين شَيْء آخر جَائِز بل وَاقع فَإِن المَاء يصير هَوَاء وَبِالْعَكْسِ فامتناع الِاتِّحَاد الْمَذْكُور مَمْنُوع. قلت صيرورة المَاء هَوَاء وَبِالْعَكْسِ مجازي لَا حَقِيقِيّ والمحال هُوَ الِاتِّحَاد الْحَقِيقِيّ فَإِن الِاتِّحَاد يُطلق مجَازًا على صيرورة شَيْء شَيْئا بطرِيق الاستحالة أَي التَّغَيُّر والانتقال دفعيا كَانَ أَو تدريجيا كَمَا يُقَال صَار المَاء هَوَاء وَالْأسود أَبيض. وعَلى صيرورة شَيْء شَيْئا آخر بطرِيق التَّرْكِيب حَتَّى يحصل شَيْء ثَالِث كَمَا يُقَال صَار التُّرَاب طينا والخشب سريرا. والاتحاد بِهَذَيْنِ الْمَعْنيين جَائِز بل وَاقع وَهَذَا نبذ مِمَّا حررناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي الزَّاهِد على الْحَوَاشِي الجلالية على تَهْذِيب الْمنطق. الِاتِّصَال: مَشْهُور وَعند الصُّوفِيَّة الِاتِّحَاد هُوَ شُهُود الْحق الْوَاحِد الْمُطلق الَّذِي كل بِهِ مَوْجُود فيتحد بِهِ الْكل من حَيْثُ كَون الْكل مَوْجُودا بِهِ مَعْدُوما بِنَفسِهِ لَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 حَيْثُ إِن لَهُ وجودا خارجيا اتَّحد بِهِ فَإِنَّهُ محَال. والاتصال هُوَ مُلَاحظَة العَبْد عينه مُتَّصِلا بالوجود الأحدي بِقطع النّظر عَن تَقْيِيد وجوده بِعَيْنِه وَإِسْقَاط إِضَافَته إِلَيْهِ فَيرى اتِّصَال مدد الْوُجُود وَنَفس الرَّحْمَن إِلَيْهِ على الدَّوَام بِلَا انْقِطَاع حَتَّى يبْقى مَوْجُودا بِهِ. اتِّصَال التربيع: اتِّصَال جِدَار بجدار بِحَيْثُ يتداخل بِنَاء هَذَا الْجِدَار بِنَاء ذَلِك وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره وَإِنَّمَا سمي اتِّصَال التربيع لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا يبنيان بخيط مَعَ جدارين آخَرين بمَكَان مربع. الاتخاذ: عِنْد أَصْحَاب التصريف جعل الْفَاعِل الْمَفْعُول أصل الْفِعْل نَحْو توسدت التُّرَاب أَي أَخَذته وسَادَة. الاتقان: معرفَة الْأَدِلَّة بعللها وَضبط الْقَوَاعِد الْكُلية بجزئياتها. بَاب الْألف مَعَ الثَّاء الْإِثْبَات: هُوَ بِأَن تَقول إِن هَذَا ذَاك بِخِلَاف النَّفْي. أثر الشَّيْء: حكمه الْمُتَرَتب عَلَيْهِ بطرِيق المعلولية وَقد يُقَال أثر الشَّيْء وَيُرَاد غَرَضه وغايته فَإِن أثر الشَّيْء أَي معلولة كَمَا يكون بعده كَذَلِك الْغَرَض من الشَّيْء وغايته يكون بعد ذَلِك الشَّيْء. وَالْفرق بَين الْأَثر والمأثور أَن الْمَأْثُور يُطلق على القَوْل وَالْفِعْل والأثر لَا يُطلق إِلَّا على القَوْل. وَالْفرق بَين الْأَخْبَار والْآثَار عِنْد الْفُقَهَاء أَن الْأَخْبَار مَرْفُوعَة إِلَى الشَّارِع والْآثَار إِلَى الصَّحَابَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الْأَثِير: الْخَالِص الْمُخْتَار وَبِمَعْنى الموبر أَيْضا وَيُقَال للأفلاك وَمَا فِيهَا من الْكَوَاكِب أجرام أثيرية لتأثيرها فِي عَالم العناصر أَو لكَونهَا فِي ذَاتهَا خَالِصَة مختارة لصفائها وجلائها وعظمة شَأْنهَا. بَاب الْألف مَعَ الْجِيم الأجرد من لَا يكون على بدنه شعر وتثنيته جرداوان وَجمعه جرد. الْإِجَارَة: بِالْكَسْرِ فعالة من أجر يُؤجر من بَاب الْأَفْعَال بِمَعْنى الْأُجْرَة وَهِي اسْم لَهَا وَهِي بيع الْمَنَافِع لُغَة وَفِي الشَّرْع عقد على الْمَنَافِع بعوض هُوَ مَال أَي بيع نفع مَعْلُوم جِنْسا وَقدرا بعوض مَالِي أَو نفع من غير جنس الْمَعْقُود عَلَيْهِ كسكنى دَار بركوب دَابَّة وَلَا يجوز بسكنى دَار أُخْرَى. وَلَا بُد أَن يكون ذَلِك الْعِوَض أَيْضا مَعْلُوما قدرا أَو صفة سَوَاء كَانَ دينا أَو عينا. وَالْمرَاد بِالدّينِ هَا هُنَا مثل النَّقْدَيْنِ والمكيل وَالْمَوْزُون وبالعين كالثياب وَالْعَبِيد. الْأَجِير الْخَاص: هُوَ الَّذِي يسْتَحق الْإِجَارَة بِتَسْلِيم نَفسه فِي الْمدَّة عمل أَو لم يعْمل كراعي الْغنم وَالْخَادِم بالمشاهرة. الْأَجِير الْمُشْتَرك: من يعْمل لغير وَاحِد كالخياط والصباغ. الأجوف: فِي المعتل. الِاجْتِمَاع: فِي الأكوان وَأما الِاجْتِمَاع الَّذِي عِنْد أَرْبَاب النُّجُوم فَفِي الاحتراق. اجْتِمَاع الساكنين: على حَده هُوَ مَا كَانَ السَّاكِن الأول حرف لين وَالثَّانِي مدغما مثل دَابَّة وَخُوَيصة فِي تَصْغِير خَاصَّة واللين أَعم من الْمَدّ وَمن قَالَ هُوَ مَا كَانَ السَّاكِن الأول حرف مد وَالثَّانِي مدغما أَرَادَ بِالْمدِّ اللين وَهُوَ جَائِز مُطلقًا وَاشْترط بَعضهم فِي جَوَازه كَون الساكنين فِي كلمة وَاحِدَة فَحذف الْوَاو وَالْيَاء فِي افعلن وافعلن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 جمع الْمُذكر الْحَاضِر والواحدة الْمُؤَنَّث الْحَاضِرَة عِنْد الْجُمْهُور للتَّخْفِيف وَوُجُود الدَّال أَعنِي الضمة والكسرة لَا لِاجْتِمَاع الساكنين على غير حَده وَعند ذَلِك الْبَعْض لِاجْتِمَاع الساكنين على غير حَده لفَوَات الشَّرْط الْمَذْكُور. اجْتِمَاع الساكنين على غير حَده: مَا كَانَ على خلاف الساكنين على حَده وَإِمَّا بِأَن لَا يكون السَّاكِن الأول حرف لين أَولا يكون الثَّانِي مدغما أَو لَا يكون الساكنان فِي كلمة وَاحِدَة بل فِي كَلِمَتَيْنِ وَهَذَا عِنْد الْبَعْض. وتفصيل اجْتِمَاع الساكنين فِي التقاء الساكنين. الاجماع: فِي اللُّغَة الْعَزْم والاتفاق يُقَال أجمع فلَان على كَذَا أَي عزم وَأجْمع الْقَوْم على كَذَا أَي اتَّفقُوا. وَفِي الِاصْطِلَاح اتِّفَاق الْمُجْتَهدين من أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كل عصر على أَمر ديني وَالتَّفْصِيل وَالتَّحْقِيق فِي أَصْحَاب الْفَرَائِض وَعلم أصُول الْفِقْه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْإِجْمَاع الْمركب: هُوَ الِاتِّفَاق فِي الحكم مَعَ الِاخْتِلَاف فِي المأخذ لَكِن يصير الحكم مُخْتَلفا فِيهِ لفساد أحد المأخذين مِثَاله انْعَقَد الاجماع على انْتِقَاض الطَّهَارَة عِنْد وجود الْقَيْء والمس مَعًا لَكِن مَأْخَذ الانتقاض عندنَا الْقَيْء وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله الْمس فَلَو قدر عدم كَون الْقَيْء ناقضا نَحن لَا نقُول بالانتقاض بالمس ثمَّ فَلم يبْق الْإِجْمَاع وَلَو قدر عدم كَون الْمس ناقضا فالشافعي لَا يَقُول بالانتقاض أَيْضا فَلم يبْق الْإِجْمَاع أَيْضا. الأجرام: جمع الجرم بِكَسْر الْجِيم يُطلق على الْفلك وَمَا فِيهِ من الْأَجْسَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الصافية كالكواكب. والجسم يُطلق على مَا تَحت الْفلك من العناصر الْأَرْبَعَة والمواليد الثَّلَاثَة فَلَا فرق بَين الأجرام والأجسام إِلَّا فِي الْإِطْلَاق لِأَن الأفلاك وَمَا فِيهَا والعناصر وَمَا يتَوَلَّد مِنْهَا أجسام لَا غير وَلِهَذَا قَالُوا الأجرام الفلكية هِيَ الْأَجْسَام الَّتِي فَوق العناصر من الأفلاك وَالْكَوَاكِب كَأَن الجرم هُوَ الْجِسْم الصافي. الْأَجْسَام الطبيعية: تعلم من الْجِسْم الطبيعي. وَعند الطَّائِفَة الْعلية الصُّوفِيَّة عبارَة عَن الْعَرْش والكرسي. الْأَجْسَام العنصرية: عبارَة عَن كل مَا عدا الأجرام والأجسام الطبيعية من السَّمَاوَات وَمَا فِيهَا من الاسطقسات. الْأَجْسَام الْمُخْتَلفَة الطباع: العناصر وَمَا يتركب هُنَا من المواليد الثَّلَاثَة. الْأَجْسَام البسيطة: المستقيمة الحركات أَي الْأَجْسَام الَّتِي موَاضعهَا الطبيعية دَاخِلَة جَوف فلك الْقَمَر وَيُقَال لَهَا بِاعْتِبَار أَنَّهَا أَجزَاء للمركبات أَرْكَان إِذْ ركن الشَّيْء جزؤه وَبِاعْتِبَار أَنَّهَا أصُول لما يتألف مِنْهَا اسطقسات وعناصر لِأَن الاسطقس هُوَ الأَصْل بلغَة اليونان وَكَذَا العنصر بلغَة الْعَرَب إِلَّا أَن إِطْلَاق الاسطقسات عَلَيْهَا بِاعْتِبَار أَن المركبات تتألف مِنْهَا وَإِطْلَاق العناصر بِاعْتِبَار أَنَّهَا منحل إِلَيْهَا فلوحظ فِي إِطْلَاق لفظ الاسطقسات معنى الْكَوْن وَفِي إِطْلَاق لفظ العنصر معنى الْفساد. هَذَا مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره. الْإِجْمَال: إِيرَاد الْكَلَام على وَجه يحْتَمل أمورا مُتعَدِّدَة فالتفصيل تعْيين بعض تِلْكَ المحتملات أَو كلهَا. الْأَجَل: هُوَ الْوَقْت الْمُقدر للْمَوْت وَهُوَ وَاحِد عندنَا خلافًا للفلاسفة فَإِن الْأَجَل عِنْدهم للحيوان أجلان أَحدهمَا: طبيعي هُوَ وَقت مَوته بتحلل رطوبته وانطفاء حرارته الغريزيتين. وَثَانِيهمَا: اخترامي بِحَسب الْآفَات والأمراض (والاخترام) الإهلاك وَخِلَافًا للكعبي من الْمُعْتَزلَة فَإِن للمقتول عِنْده أجلين الْقَتْل وَالْمَوْت. وَفِي كَون الْمَقْتُول مَيتا بأجله اخْتِلَاف. عِنْد جُمْهُور الْمُعْتَزلَة لَيْسَ بميت بأجله فَإِنَّهُم يَزْعمُونَ أَن الله تَعَالَى مد أَجله وَالْقَاتِل قد قطع عَلَيْهِ الْأَجَل فَلهم قطع بامتداد الْعُمر بِأَنَّهُ لَو لم يقْتله الْقَاتِل لعاش إِلَى مُدَّة أَجله. وَذهب أَبُو الْهُذيْل مِنْهُم إِلَى الْقطع بِالْمَوْتِ بدل الْقَتْل فَإِنَّهُ قَالَ لَو لم يقتل لمات بدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الْقَتْل. وَعِنْدنَا الْمَقْتُول ميت بأجله أَي بِالْوَقْتِ الْمُقدر لمَوْته وَلَو لم يقتل لجَاز أَن يَمُوت فِي ذَلِك الْوَقْت وَأَن لَا يَمُوت لِأَنَّهُ لَا قطع وَلَا يَقِين بامتداد الْعُمر وَلَا بِالْمَوْتِ بدل الْقَتْل فَلَا قطع بِالْمَوْتِ والحياة لَو لم يقتل. فَإِن قيل مَا الْفرق بَين مَذْهَب جُمْهُور الْمُعْتَزلَة وَأهل السّنة فَإِن المُرَاد بالأجل إِذا كَانَ زمَان بطلَان الْحَيَاة فِي علم الله تَعَالَى كَانَ الْمَقْتُول مَيتا بأجله قطعا وَإِن قيد بطلَان الْحَيَاة بِأَن لَا يَتَرَتَّب على فعل من العَبْد لم يكن كَذَلِك قطعا من غير تصور خلاف فالنزاع لَفْظِي كَمَا زَعمه الْأُسْتَاذ وَكثير من الْمُحَقِّقين. قُلْنَا النزاع معنوي وَالْمرَاد بالأجل زمَان بطلَان الْحَيَاة فِي علم الله تَعَالَى لَكِن لَا مُطلقًا بل مَا علمه وَقدره بطرِيق الْقطع بِحَيْثُ لَا مخلص عَنهُ وَلَا تقدم وَلَا تَأَخّر على مَا يُشِير إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} . وَحِينَئِذٍ الْخلاف رَاجع إِلَى أَنه هَل تحقق ذَلِك الْأَجَل فِي حق الْمَقْتُول أم الْمَعْلُوم فِي حَقه إِن قتل مَاتَ وَإِلَّا فيعيش وَلَا يلْزم من عدم تحقق ذَلِك الْأَجَل فِي الْمَقْتُول تخلف الْعلم عَن الْمَعْلُوم لجَوَاز أَن يعلم تقدم مَوته بِالْقَتْلِ مَعَ تَأَخّر الْأَجَل الَّذِي لَا يُمكن تخلفه عَنهُ كَذَا فِي الْحَوَاشِي الحكيمية وَقَالَ صَاحب ... إِن قلت لَا يتَصَوَّر الاستقدام عِنْد مَجِيئه فَلَا فَائِدَة فِي نَفْيه. قلت، قَوْله تَعَالَى {لَا يَسْتَقْدِمُونَ} عطف على الْجُمْلَة الشّرطِيَّة لَا الجزائية فَلَا يتَقَيَّد بِالشّرطِ انْتهى فَمَعْنَى الْآيَة لكل أمة أجل فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ عَنهُ وَلكُل أمة أجل لَا يَسْتَقْدِمُونَ عَلَيْهِ. الِاجْتِهَاد: فِي اللُّغَة تحمل الْجد أَي الْمَشَقَّة وَفِي الِاصْطِلَاح استفراغ الْفَقِيه الوسع لتَحْصِيل ظن لحكم شَرْعِي. وَبِعِبَارَة أُخْرَى بذل المجهود لنيل الْمَقْصُود وَمعنى استفراغ الوسع بذل تَمام الطَّاقَة بِحَيْثُ يحس من نَفسه الْعَجز عَن الْمَزِيد عَلَيْهِ وأركانه وشروطه فِي أصُول الْفِقْه. اجْتِمَاع النقيضين: محَال بِالضَّرُورَةِ فَإِن قيل إِن زيد الْكَاتِب الْأسود قد اجْتمع فِيهِ نقيضان إِذْ الْكِتَابَة فَرد اللاأسود لصدقه عَلَيْهَا واتصاف الشَّيْء بالخاص يسْتَلْزم اتصافه بِالْعَام فليزم من اتصاف زيد بِالْكِتَابَةِ اتصافه باللاأسود وَقد فَرضنَا أَنه متصف بالأسود أَيْضا فَيلْزم اجْتِمَاع النقيضين فِي زيد الْكَاتِب الْأسود. قُلْنَا لَا نسلم كُلية كَون الاتصاف بالخاص مستلزما للاتصاف بِالْعلمِ نعم إِذا كَانَ الْعَام ذاتيا للخاص فالاستلزام مُسلم لَكِن كَون كل عَام ذاتيا للخاص مِنْهُ مَمْنُوع وَلَو سلمنَا تِلْكَ الْكُلية فَنَقُول إِن فِي زيد الْكَاتِب الْأسود جِهَتَيْنِ يَتَّصِف بِاعْتِبَار كل وَاحِد مِنْهُمَا بِأحد النقيضين بل فِي زيد شَيْئَانِ يَتَّصِف كل وَاحِد مِنْهُمَا بِأحد النقيضين وَلَا مَحْذُور فِيهِ. فَإِن قيل اجْتِمَاع النقيضين وَاقع بِالْقِيَاسِ الْمُؤلف من الشرطيتين اللزوميتين على هَيْئَة الشكل الثَّالِث هَكَذَا كلما تحقق النقيضان تحقق أَحدهمَا وَكلما تحقق النقيضان تحقق الآخر ينْتج قد يكون إِذا تحقق أحد النقيضين تحقق الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَهُوَ اجْتِمَاع النقيضين. قُلْنَا إنتاج هَذَا الضَّرْب من الشكل الثَّالِث مَمْنُوع كَمَا بَين فِي مَوْضِعه وَلَك أَن تورد شُبْهَة جذر الْأَصَم فِي إِثْبَات جَوَاز اجْتِمَاع النقيضين أَيْضا. أَجْمَعِينَ: من أَلْفَاظ التَّأْكِيد الْمَعْنَوِيّ يُفِيد شُمُول الحكم لجَمِيع أَفْرَاد الْمُؤَكّد إِن كَانَ ذَا أَفْرَاد أَو لجَمِيع أَجْزَائِهِ إِن كَانَ ذَا أَجزَاء مثل يحْشر النَّاس أَجْمَعُونَ وَجَاءَنِي الْقَوْم أَجْمَعُونَ. وَقَالَ جلال الْعلمَاء الدواني رَحمَه الله فِي الأنموذج الَّذِي جعله تحفة لسلطان مَحْمُود بيكره (سُلْطَان الكجرات) الْمَسْأَلَة السَّادِسَة من التَّفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن حق القَوْل مني لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} . يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ دُخُول جَمِيع الْفَرِيقَيْنِ فِي جَهَنَّم والمعلوم من الْأَخْبَار والْآثَار وَسَائِر الْآيَات خِلَافه. وَأجَاب بعض الْمُفَسّرين عَنهُ بِأَن ذَلِك مثل مَلَأت الْكيس من الدَّرَاهِم أَجْمَعِينَ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي دُخُول جَمِيع الدَّرَاهِم فِي الْكيس وَلَا يخفى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ إِذا نظر إِلَى أَن يُقَال مَلَأت الْكيس من جَمِيع الدَّرَاهِم وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي دُخُول جَمِيع الدَّرَاهِم فِيهِ فَالْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي المبحث وَالْحق فِي الْجَواب أَن يُقَال المُرَاد بِلَفْظ أَجْمَعِينَ تَعْمِيم الْأَصْنَاف وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي دُخُول جَمِيع الْأَفْرَاد كَمَا إِذا قلت مَلَأت الجراب من جَمِيع أَصْنَاف الطَّعَام وَلَا يَقْتَضِي ذَلِك إِلَّا أَن يكون فِيهِ شَيْء من كل صنف من الْأَصْنَاف لَا أَن يكون فِيهِ جَمِيع أَفْرَاد الطَّعَام وكقولك املأ الْمجْلس من جَمِيع أَصْنَاف النَّاس لَا يَقْتَضِي أَن يكون فِي الْمجْلس جَمِيع أَفْرَاد النَّاس بل أَن يكون فِيهِ من كل صنف فَرد وَذَلِكَ ظَاهر وعَلى هَذَا يظْهر فَائِدَة لفظ أَجْمَعِينَ إِذْ فِيهِ رد على الْيَهُود وَغَيرهم مِمَّن يزْعم أَنهم لَا يدْخلُونَ النَّار انْتهى أَيهَا الْخَلِيل الْجَلِيل أَلا يخْطر بخيالك أَن مَا ذكره الْجلَال رَحمَه الله بعيد بمراحل عَن جَلَاله. أَو لَا يجلو علينا مَا خطر بِبَالِهِ. أَلا تعلم أَن الْجَواب الَّذِي وسمه بِالْحَقِّ يُنَادي نِدَاء يسمعهُ الثَّقَلَان أَنه يدْخل فِي النَّار فَرد من كل صنف من الْجِنّ وَالْإِنْسَان. فَيلْزم أَن يدْخل وَاحِد من الْأَنْبِيَاء والأولياء وَالصبيان. وَالْأَمر على خِلَافه بالدلائل القاطعة وساطع الْبُرْهَان. اللَّهُمَّ احفظنا من خسران اللِّسَان. وَإِن أنْكرت كَون النَّبِي وَالْوَلِيّ وَالصَّبِيّ صنفا من الْإِنْسَان، فلعلك فِي صنف آخر أما سَمِعت أَن النَّوْع الْمُقَيد بالقيد العرضي صنف فَعَلَيْك بَيَان صنفك وَالْجَوَاب النَّاطِق بِالْحَقِّ وَالصَّوَاب أَن المُرَاد بِالْجنَّةِ وَالنَّاس العصاة بل الْكفَّار مِنْهُمَا لَا مُطلقًا باستعانة لَام الْعَهْد لبت شعري لم ترك رَحمَه الله هَذَا الْجَواب مَعَ ظُهُوره وسلامته عَن الْمُنَافَاة والوقوع فِي الْعَذَاب وَلم يتَنَبَّه أَنه فر عَن بلَاء فَوَقع فِي وباء وَلما حررت هَذَا الْجَواب نظرت إِلَى تَفْسِير القَاضِي رَحمَه الله فَإِن فِيهِ إِعَانَة لهَذَا القَاضِي نعم الْجِنْس إِلَى الْجِنْس يمِيل والفاضل الْعَامِل والعارف الْكَامِل الشَّيْخ الْمَشْهُور بِعَبْد الرَّحْمَن الماهمي قدس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الله روحه وَنور مرقده فِي التَّفْسِير الْمَشْهُور بالرحماني وصف الْجنَّة وَالنَّاس بالمضلين والضالين فَهَذَا أَيْضا صَرِيح فِي أَن المُرَاد بهما الْكفَّار. الإجهاز: السرعة فِي الْقَتْل وتتميم جرح الجريح وَهُوَ كِنَايَة عَن إتْمَام الْقَتْل. بَاب الْألف مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة (ف (11)) . الاحتراق: عِنْد أَصْحَاب النُّجُوم اجْتِمَاع كَوْكَب سوى الْقَمَر من الْكَوَاكِب السيارة مَعَ الشَّمْس فِي برج وَاحِد ودرجة وَاحِدَة وَأما الْقَمَر إِذا كَانَ مَعَ الشَّمْس فِي برج وَاحِد ودرجة وَاحِدَة فيسمى اجتماعا لَا احتراقا عِنْدهم. الإحداث: إِيجَاد الشَّيْء مَعَ سبق مُدَّة فَهُوَ أخص من التكوين الَّذِي هُوَ إِيجَاد الشَّيْء مَعَ سبق مَادَّة لِأَن الْمَسْبُوق بالمدة لَا بُد وَأَن يكون مَسْبُوقا بمادة يقوم إِمْكَانه بهَا بِخِلَاف الْمَسْبُوق بالمادة فَإِنَّهُ لَا يجب أَن يكون مَسْبُوقا بِمدَّة لَا مَكَان كَونه قَدِيما بِالزَّمَانِ كالأفلاك فالصادر عَنهُ تَعَالَى، إِمَّا مَسْبُوق بمادة وَمُدَّة كالحيوان الْمُتَوَلد، وَإِمَّا غير مَسْبُوق بهما كالعقل الأول فَإِنَّهُ لَا مَادَّة لَهُ لكَونه لَيْسَ بجسم وَلَا جسماني وَلَا مُدَّة أَيْضا لقدمه. وَإِمَّا مَسْبُوق بِمدَّة دون مَادَّة فَإِن هَذَا الْقسم غير مُتَحَقق بِنَاء على مَا عرفت من أَن كل مَسْبُوق بِمدَّة مَسْبُوق بمادة ليقوم إِمْكَانه بهَا هَذَا على رَأْي الْحُكَمَاء وَأما على رَأْي الْمُتَكَلِّمين فَكل شَيْء إِمَّا مَسْبُوق بمادة وَمُدَّة كالجسمانيات، وَإِمَّا مَسْبُوق بِمدَّة دون مَادَّة كالروحانيات ومنشأ الْخلاف أَن الْإِمْكَان عِنْد الْحُكَمَاء صفة وجودية حَقِيقِيَّة فَلَا بُد لَهُ من مَحل وَعند الْمُتَكَلِّمين من الْأُمُور الاعتبارية فَلَا احْتِيَاج لَهُ إِلَى الْمحل وَلكُل وجهة هُوَ موليها. والتكوين عِنْد بعض الْمُتَكَلِّمين صفة أزلية لله تَعَالَى وَهُوَ الْمَعْنى الَّذِي يعبر عَنهُ بِالْفِعْلِ والتخليق والإيجاد والأحداث والاختراع وَنَحْو ذَلِك ويفسر بِإِخْرَاج الْمَعْدُوم من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود والمحققون مِنْهُم على أَنه من الإضافات والاعتبارات الْعَقْلِيَّة وعَلى أَن الْحَاصِل فِي الأزلي هُوَ مبدأ التخليق والترزيق والإماتة والإحياء وَغير ذَلِك وَلَيْسَ ذَلِك المبدأ سوى الْقُدْرَة والإرادة وتفصيل هَذَا المرام فِي كتب الْكَلَام. الْأَحَد: بِفَتْح الْهمزَة والحاء الْمُهْملَة فِي الأَصْل وحد قلبت الْوَاو همزَة على خلاف الْقيَاس لِأَن قلب الْوَاو المضمومة أَو الْمَكْسُورَة فِي أول الْكَلِمَة بِالْألف قِيَاس شَائِع وذائع بالتبع مثل أجوه وأشاح كَانَا فِي الأَصْل وُجُوه ووشاح بِالضَّمِّ فِي الأول وَالْكَسْر فِي الثَّانِي وقلب الْوَاو الْمَفْتُوحَة فِي أول الْكَلِمَة لم يجِئ فِي كَلَامهم إِلَّا أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وأناة وَفِي الصِّحَاح أَن لفظ أحد لَا تسْتَعْمل فِي الْإِيجَاب فَلَا يُقَال فِي الدَّار أحد بل لَا أحد فِي الدَّار لَكِن يشكل بقوله تَعَالَى: {قل هُوَ الله أحد} وَأجِيب بِأَن الْمُحَقق الرضي الاسترأبادي صرح بمجيء اسْتِعْمَاله فِي الْإِيجَاب على الْقلَّة كَذَا فِي حَاشِيَة شيخ الْإِسْلَام على التَّلْوِيح وَالْفرق بَين الْأَحَد وَالْوَاحد أَن الأول لَا يُطلق إِلَّا على غير المتعدد وَالْوَاحد يُطلق عَلَيْهِ وعَلى المتعدد إِذا كَانَ فِيهِ جِهَة الْوحدَة بِأَنَّهُ وَاحِد من الْجَمَاعَات أَو وَاحِد من المثنيات أَو وَاحِد من الْأَفْرَاد فَإِن قيل إِن لفظ الله تَعَالَى علم للجزئي الْحَقِيقِيّ وَهُوَ لَا يكون إِلَّا وَاحِدًا أحدا فَلَا فَائِدَة بعده فِي ذكر الْأَحَد فِي قَوْله تَعَالَى {قل هُوَ الله أحد} وَلَا حَاجَة فِي توصيفه بِالْوَاحِدِ فِي الْمَسْأَلَة الكلامية وَهِي أَن الْمُحدث للْعَالم هُوَ الله الْوَاحِد بل لَا يجوز جعلهَا من الْمسَائِل الكلامية لِأَن مَسْأَلَة الْعلم لَا بُد وَأَن تكون نظرية وَثُبُوت الْوحدَة للجزئي الْحَقِيقِيّ ضَرُورِيّ. قُلْنَا لَا نسلم إِن المُرَاد بِاللَّه الجزئي إِذْ المُرَاد بِهِ وَاجِب الْوُجُود مُطلقًا فَحِينَئِذٍ يكون الحكم بِالْوَاحِدِ أَو وَصفه بِهِ بِمَنْزِلَة الحكم بِهِ على الْوَاجِب أَو وَصفه بِهِ وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن التَّوْحِيد هُوَ عدم اعْتِقَاد الشّركَة فِي وجوب الْوُجُود على مَا قَالَه الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي شرح الْمَقَاصِد من أَن التَّوْحِيد عدم اعْتِقَاد الشّركَة فِي الألوهية وخواصها وَأَرَادَ بالألوهية وجوب الْوُجُود وبخواصها الْأُمُور المتفرعة عَلَيْهِ من كَونه خَالِقًا للأجسام مُدبرا للْعَالم مُسْتَحقّا لِلْعِبَادَةِ وَإِن سلمنَا أَن المُرَاد بِاللَّه الجزئي الْحَقِيقِيّ فَنَقُول المُرَاد بالأحد الْوَاحِد وحدته تَعَالَى فِي صفته أَعنِي وجوب الْوُجُود لَا فِي ذَاته. والضروري إِنَّمَا هُوَ ثُبُوت الْوحدَة للجزئي الْحَقِيقِيّ فِي ذَاته الشخصية دون صفته وَلما كَانَ الْكفَّار اعتقدوا اشْتِرَاك معبوداتهم لَهُ تَعَالَى فِي صفة الْوُجُوب وَمَا يتَفَرَّع عَلَيْهِ من اسْتِحْقَاق الْعِبَادَة وَخلق الْعَالم وتدبيره قَالَ الله تَعَالَى: {قل هُوَ الله أحد} ردا عَلَيْهِم وَجعل المتكلمون تِلْكَ مَسْأَلَة كلامية وَلَا يخفى مَا فِي هَذَا الْجَواب من عدم جَرَيَانه فِي قَوْله تَعَالَى {قل هُوَ الله أحد} ، لِأَن الأحدية لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الْوحدَة فِي الذَّات لَا فِي الْوحدَة فِي الصّفة فَافْهَم. وَقَالَ الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله فِي حَاشِيَته على المطول إِن هُوَ فِي {قل هُوَ الله أحد} يحْتَمل أَن يكون مُبْتَدأ وَالله خَبره وَأحد خَبرا ثَانِيًا أَو بَدَلا من الله بِنَاء على حسن إِبْدَال النكرَة الْغَيْر الموصوفة من الْمعرفَة إِذا اسْتُفِيدَ مِنْهَا مَا لم يستفد من الْمُبدل مِنْهُ كَمَا ذكره الرضي رَحمَه الله وَيحْتَمل أَن يكون ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة خَبره وَتَعْيِين الأحدية بِحَسب الْوَصْف بِمَعْنى أَنه أحد فِي وَصفه مثل الْوُجُوب وَاسْتِحْقَاق الْعِبَادَة ونظائرهما أَو بِحَسب الذَّات أَي لَا تركيب فِيهِ أصلا وعَلى الْوَجْهَيْنِ يظْهر فَائِدَة حمل الْأَحَد عَلَيْهِ تَعَالَى فَلَا يكون مثل زيد أحد انْتهى. الأحدية: فِي الواحدية (ف (12)) . الاحتقار: قريب من الإهانة وَقد فرقوا بَينهمَا بِأَن الإهانة تحصل بقول أَو فعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 أَو تَركهمَا لَا بِمُجَرَّد الِاعْتِقَاد والاحتقار يحصل بِهِ وبمجرد الِاعْتِقَاد فِي عدم الِاعْتِبَار بِشَيْء. الإحالة: قد تطلق على تغير الشَّيْء فِي كَيْفيَّة كالتسخين والتبريد وتلزمهما الاستحالة كالتسخن والتبرد وَقد تطلق على تغير حَقِيقَته وجوهره أَي صورته النوعية وَهَذَا التَّغَيُّر هُوَ الْمُسَمّى بالكون وَالْفساد وَهَذَا الْمَعْنى الْأَخير هُوَ المُرَاد فِي تَعْرِيف الْقُوَّة الغاذية فاحفظ. الْإِحَاطَة: من الحوط وَهُوَ الْحِفْظ والصيانة وَمِنْه الْحَائِط للجدار لحفظه وصيانته عَن دُخُول الْغَيْر (وفرا كرفتن جيزي راود انستن همه) راو لهَذَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْإِحَاطَة إِدْرَاك الشَّيْء بِكَمَالِهِ ظَاهرا وَبَاطنا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {أَلا أَنه بِكُل شَيْء مُحِيط} . الْإِحْصَار: من الْحصْر وَهُوَ الْمَنْع وَالْحَبْس عَن السّفر وَفِي الشَّرْع الْمَنْع عَن الْمُضِيّ فِي إفعال الْحَج سَوَاء كَانَ بالعدو أَو بِالْحَبْسِ أَو بِالْمرضِ. وأقسام الْحصْر فِي الْحصْر إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الإحصاء: الْعد على سَبِيل الْإِجْمَال وَالْعد على سَبِيل التَّفْصِيل وَهَذَا هُوَ الْفرق بَينهمَا. الْإِحْسَان: فِي اللُّغَة فعل مَا يَنْبَغِي أَن يفعل من الْخَيْر وَفِي الشَّرْع أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك. أحسن الْخَالِقِينَ: جمع بطرِيق عُمُوم الْمجَاز إِذْ لَا مُؤثر فِي الْحَقِيقَة إِلَّا الله تَعَالَى. الْإِحْصَان: فِي اللُّغَة الْمَنْع وَالدُّخُول فِي الْحصن يُقَال إِنَّه أحصن أَي دخل فِي الْحصن كَمَا يُقَال فلَان أعرق أَي دخل فِي الْعرق. وَفِي الشَّرْع أَن يكون الْإِنْسَان رجلا أَو امْرَأَة عَاقِلا بَالغا حرا مُسلما حصل لَهُ الوطئ بِإِنْسَان بَالغ حر مُسلم بِنِكَاح صَحِيح. وَهَذَا إِحْصَان الرَّجْم فَمن كَانَ على هَذِه الصِّفَات الْخمس وزنى بِأَيّ امْرَأَة كَانَت على صِفَات الْإِحْصَان أَولا رجم فَإِن كَانَت المزنية على صِفَات الْإِحْصَان رجمت أَيْضا وَإِلَّا حدت وَإِن كَانَت امْرَأَة على هَذِه الصِّفَات الْخمس وزنت بِأَيّ زَان كَانَ على صِفَات الْإِحْصَان أَولا رجمت فَإِن كَانَ الزَّانِي أَيْضا على صِفَات الْإِحْصَان رجم وَإِلَّا حد فَكَانَ الْإِنْسَان يصير دَاخِلا فِي الْحصن عِنْد وجود الصِّفَات الْخمس الْمَذْكُورَة. وَأما إِحْصَان حد الْقَذْف كَون الْمَقْذُوف عَاقِلا بَالغا حرا مُسلما عفيفا عَن زنا شَرْعِي. الإحساس: إِدْرَاك الشَّيْء بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس الظَّاهِرَة أَو الْبَاطِنَة فَإِن كَانَ الإحساس بالحس الظَّاهِر فَهُوَ الْمُشَاهدَة وَإِن كَانَ بالحس الْبَاطِن فَهُوَ الوجدان وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 أردْت أَن تعقل الْإِحْسَان بتفصيله فَانْظُر فِي التعقل. الاحتراس: أَن يُؤْتى فِي كَلَام يُوهم خلاف الْمَقْصُود بِمَا يَدْفَعهُ أَي يُؤْتى بِشَيْء يدْفع ذَلِك الْإِيهَام نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين} . فَإِنَّهُ تَعَالَى لَو اقْتصر على وَصفهم بالأدلة على الْمُؤمنِينَ لتوهم أَن ذَلِك لضعفهم وَهَذَا خلاف الْمَقْصُود فَأتى على سَبِيل التَّكْمِيل أعزة على الْكَافرين. الإحجام: كف النَّفس عَن الشَّيْء ويقابله الْإِقْدَام. الْأَحْكَام: الشَّرْعِيَّة النظرية مَا يكون الْمَقْصُود مِنْهُ النّظر والاعتقاد وَهِي مُقَابلَة العملية الَّتِي يكون الْمَقْصُود مِنْهَا الْعَمَل. بَاب الْألف مَعَ الْخَاء الْمُعْجَمَة الاختراع: يرادف الإبداع كَمَا أُشير إِلَيْهِ فِي الإشارات. الِاخْتِصَاص: كَون الشَّيْء خَاصّا بِشَيْء أَي التَّعَلُّق الْخَاص وَمَا قيل إِن المُرَاد بالاختصاص فِي تَعْرِيف الْحُلُول أَن لَا يُمكن تحقق هَذَا الشَّخْص بِعَيْنِه نظرا إِلَى ذَاته بِدُونِ ذَلِك كَمَا فِي الْعرض بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَوْضُوعه فتكلف. لِأَن الِاخْتِصَاص بِهَذَا الْمَعْنى غير مَشْهُور بل الْمَشْهُور هُوَ الأول. ثمَّ اعْلَم أَن الِاخْتِصَاص بِحَسب اللُّغَة يَقْتَضِي أَن يكون فَاعله مَقْصُورا وَالْمَذْكُور بعد الْبَاء مَقْصُورا عَلَيْهِ لَكِن غلب اسْتِعْمَاله على أَن يكون فَاعله مَقْصُورا عَلَيْهِ وَالْمَذْكُور بعد الْبَاء مَقْصُورا إِمَّا بِجعْل التَّخْصِيص مجَازًا عَن التَّمْيِيز مَشْهُورا فِي الْعرف حَتَّى صَار كَأَنَّهُ حَقِيقَة فِيهِ، وَإِمَّا بتضمين معنى التَّمْيِيز فِيهِ بِشَهَادَة الْمَعْنى فيلاحظ المعنيان مَعًا وَتَكون الْبَاء الْمَذْكُورَة صلَة للمضمن وَيقدر للمضمن فِيهِ بَاء أُخْرَى فَمَعْنَى قَوْلهم نخصك بِالْعبَادَة مثلا على الأول نميزك ونفردك من بَين المعبودين بِالْعبَادَة فَتكون الْعِبَادَة مَقْصُورَة عَلَيْهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ على الثَّانِي نميزك بهَا مُخَصّصا إِيَّاهَا بك. وَقس عَلَيْهِ قَول النُّحَاة اخْتصَّ الْمَنْدُوب بوا. والباعث على هَذَا الْمجَاز أَو التَّضْمِين الْمَذْكُور هُوَ أَن تَخْصِيص شَيْء بآخر فِي قُوَّة تميزه بِالْآخرِ فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك كثيرا. الْأَخْذ: (كرفتن) والشروع فِي الشَّيْء وَالْمَشْهُور إِن أَخذ شَيْء فِي تَعْرِيف شَيْء آخر يسْتَلْزم كَونه جُزْءا لذَلِك الشَّيْء وَلَيْسَ كَذَلِك إِلَّا أَن الْغَيْر وَالْإِنْسَان مأخوذان فِي تَعْرِيف الأَصْل أَعنِي مَا يبتنى عَلَيْهِ غَيره. وَفِي تَعْرِيف اللَّفْظ أَعنِي مَا يتَلَفَّظ بِهِ الْإِنْسَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 مَعَ أَن الْغَيْر وَالْإِنْسَان ليسَا جزأين لماهية الْمَحْدُود. أَقُول لَيْسَ المُرَاد أَن كل مَأْخُوذ فِي تَعْرِيف الْمَاهِيّة جُزْءا لَهَا بل المُرَاد أَن كل مَأْخُوذ بطرِيق الْحمل أَو بطرِيق الْوَصْف للمأخوذ الْمَحْمُول يكون جُزْءا لَهَا مثل الْحَيَوَان والناطق فِي تَعْرِيف الْإِنْسَان بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق. أخبرنَا: فِي حَدثنَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الِاخْتِصَار: تقليل اللَّفْظ مَعَ كَثْرَة الْمَعْنى. اخْتِلَاف الدَّاريْنِ: إِنَّمَا يتَحَقَّق باخْتلَاف الْعَسْكَر وَالْملك بِحَيْثُ تَنْقَطِع الْعِصْمَة فِيمَا بَينهم حَتَّى يسْتَحل كل من الْملكَيْنِ قتال الآخر. وَإِذا ظفر رجل من عَسْكَر أَحدهمَا بِرَجُل من عَسْكَر الآخر قَتله وَهَذَا الِاخْتِلَاف بَين الْوَارِث والمورث من مَوَانِع الْإِرْث فِي حق أهل الْكفْر كُلية حَتَّى لَا يَرث الذِّمِّيّ من الْحَرْبِيّ وَلَا الْحَرْبِيّ من الذِّمِّيّ. وَأما فِي حق الْمُسلمين فَإِنَّمَا يُؤثر فِي الحرمان جزئية لَا كُلية حَتَّى لَو مَاتَ الْمُسلم فِي دَار الْإِسْلَام وَله ابْن مُسلم فِي دَار الْحَرْب بالاستئمان أَو على الْعَكْس يَرث كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر بِالْإِجْمَاع. وَأما الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر من دَار الْحَرْب فَلَا يَرث الْمُسلم المُهَاجر بالِاتِّفَاقِ. وَمِمَّا حررنا لَك يظْهر التَّوْفِيق بَين مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ إِنَّمَا هُوَ مَانع من الْإِرْث فِي حق الْكفَّار خَاصَّة. وَبَين مَا ذكره صَاحب الْبَسِيط وشارحه من أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بَين الشخصين على ثَلَاثَة أوجه. (اخْتِلَاف حَقِيقَة وَحكما) وَهُوَ مَانع فِي حق الْكَافِر وَالْمُسلم كالحربي وَالذِّمِّيّ وكالمسلم الَّذِي فِي دَارنَا وَمن أسلم فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر (وَاخْتِلَاف حكما لَا حَقِيقَة) وَهُوَ مَانع أَيْضا فِي حَقّهمَا كالكافر الْمُسْتَأْمن مَعَ الذِّمِّيّ وكالمسلم الْمُسْتَأْمن الَّذِي كَانَ فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر وَاسْتَأْمَنَ مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام. (وَالثَّالِث اخْتِلَاف حَقِيقَة لَا حكما) وَهُوَ لَيْسَ بمانع لَا فِي حق الْكَافِر وَلَا فِي حق الْمُسلم كالكافر الْمُسْتَأْمن مَعَ الْحَرْبِيّ وَالْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام وَاسْتَأْمَنَ من الْحَرْبِيّ مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام. (وَالِاخْتِلَاف الْحَقِيقِيّ) أَن يكون أَحدهمَا فِي دَار الْإِسْلَام حسا وَالْآخر فِي دَار الْحَرْب. (وَالِاخْتِلَاف الْحكمِي) أَن يكون أَحدهمَا فِي اعْتِبَار الشَّرْع وَحكمه من أهل دَار الْإِسْلَام وَالْآخر من أهل دَار الْحَرْب وَإِن كَانَا مَعًا فِي مَكَان وَاحِد فالاختلاف حكما وحقية مَا يكون اخْتِلَافا بِحَسب الْحس وَفِي اعْتِبَار الشَّارِع كحربي مَاتَ فِي دَار الْحَرْب وَله أَب أَو ابْن ذمِّي فِي دَار الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لَا يَرث الذِّمِّيّ من ذَلِك الْحَرْبِيّ. وَكَذَا لَو مَاتَ الذِّمِّيّ فِي دَار الْإِسْلَام وَله أَب أَو ابْن فِي دَار الْحَرْب فَإِنَّهُ لَا يَرث ذَلِك الْحَرْبِيّ من ذَلِك الذِّمِّيّ. وَكَذَا لَو مَاتَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَارنَا وَله أَب أَو ابْن أسلم فِي دَار الْحَرْب يَعْنِي لم يُهَاجر إِلَيْنَا فَإِنَّهُ لَا يَرث الْأَب أَو الابْن من ذَلِك الْمُسلم وَذَلِكَ لِأَن اخْتلَافهمْ فِي الدَّار حسا وَفِي اعْتِبَار الشَّرْع. (وَالِاخْتِلَاف حكما فَقَط) كمستأمن مَاتَ فِي دَارنَا وَله وَارِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ذمِّي لَا يَرث مِنْهُ لِأَنَّهُمَا وَإِن كَانَا فِي دَار وَاحِدَة حَقِيقَة فهما فِي دارين حكما لِأَن الْمُسْتَأْمن على عزم الرُّجُوع وَتمكن مِنْهُ بل يتَوَقَّف مَاله لوَرثَته الَّذين فِي دَار الْحَرْب لِأَن حكم الْأمان بَاقٍ فِي مَاله لحقه وَمن جملَة حَقه إِيصَال مَاله إِلَى ورثته فَلَا يصرف المَال إِلَى بَيت المَال انْتهى وَالْمرَاد بالمستأمن فِي مِثَال الِاخْتِلَاف حكما لَا حَقِيقَة الْمُسلم الَّذِي كَانَ فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر وَاسْتَأْمَنَ حَتَّى يكون مِثَالا لاخْتِلَاف الدَّار حكما لَا حَقِيقَة بِخِلَاف الْمُسْتَأْمن فِي مِثَال الِاخْتِلَاف حَقِيقَة لَا حكما فَإِن المُرَاد بِهِ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام وَاسْتَأْمَنَ من الْحَرْبِيّ ليدْخل فِي دَار الْحَرْب فَافْهَم واحفظ. وَإِن: أردْت توضيح التَّوْفِيق فَاعْلَم أَنهم لما عدوا اخْتِلَاف الدَّاريْنِ من الْمَوَانِع ثمَّ فسروه باخْتلَاف المنعة وَالْملك كَاد أَن ينْتَقض بِالْمُسْلِمين الْمُخْتَلِفين بِالْعَدْلِ وَالْبَغي مَعَ أَنهم يتوارثون بالِاتِّفَاقِ خصصوا الْكُلية بالكفار يَعْنِي أَن اخْتِلَاف الدَّار بِهَذَا التَّفْسِير إِنَّمَا يمْنَع كُلية فِي حق الْكفَّار حَتَّى أَن الْكفَّار فِي دارين من دَار الْحَرْب مُخْتَلفين بالمنعة وَالْملك لَا يتوارثون بِخِلَاف أهل الْإِسْلَام فَإِن الِاخْتِلَاف فِيمَا بَينهم بِالدَّار بِهَذَا التَّفْسِير لَا يمْنَع كُلية فَإِن الْبَاغِي والعادل مَعَ أَنَّهُمَا فِي دارين مختلفتين بالمنعة وَالْملك يتوارثان كَمَا خصص السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي شَرحه مُعَللا بِهَذَا التَّعْلِيل كَمَا يلوح لمن يطالعه وشارح الْبَسِيط مَعَ أَنه قَالَ بالتعميم أَولا مَال إِلَى التَّخْصِيص بِعَين هَذَا التَّعْلِيل ثَانِيًا بقوله بعد التَّفْسِير الْمَذْكُور وَهَذَا بِخِلَاف الْمُسلمين فليطالع فِيهِ ليطلع عَلَيْهِ. ثمَّ لما كَانَ الْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر من دَار الْحَرْب لَا يَرث الْمُسلم المُهَاجر بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من وَلَا يتهم من شَيْء حَتَّى يهاجروا} إِذْ الْإِرْث من بَاب الْولَايَة حَتَّى أَن أَصْحَاب التفاسير بأجمعهم صَرَّحُوا بذلك. فِي الْبَيْضَاوِيّ: فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى {من ولايتهم} أَي من توليتهم فِي الْمِيرَاث وَفِي المدارك لصَاحب الْكَنْز هَذَا التَّفْسِير بِعَيْنِه مَعَ زِيَادَة قَوْله فَكَانَ لَا يَرث الْمُؤمن الَّذِي لم يُهَاجر مِمَّن آمن وَهَاجَر انْتهى. عمم صَاحب الْبَسِيط وشارحه اخْتِلَاف الدَّاريْنِ الْمَانِع من الْإِرْث بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكفَّار وَأهل الْإِسْلَام لكنهما أَرَادوا بالدارين أخص من التَّفْسِير الَّذِي فسر بِهِ المخصصون وَهُوَ دَار الْإِسْلَام وَالْكفْر فَقَط يَعْنِي أَن اخْتِلَاف دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام يمْنَع الْإِرْث مُطلقًا وَإِن كَانَ الِاخْتِلَاف بالمنعة وَالْملك لَا يمْنَع كُلية مُطلقًا بل فِيمَا بَين الْكفَّار خَاصَّة. وَأما بَين الْمُسلمين فَإِنَّمَا يمْنَع إِذا تحقق فِي ضمن الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام حَتَّى إِذا تحقق فِي ضمن فَرد آخر لَا يمْنَع كَمَا بَين الْبَاغِي والعادل فالمخصصون عنوا بِهِ التَّفْسِير الْأَعَمّ والمعمم أَرَادَ الْمَعْنى الْأَخَص فَلَا تدافع. وَأما تواطؤهم على التَّصْرِيح بجري التَّوَارُث بَين الْمُسلم الَّذِي هُوَ فِي دَار الْإِسْلَام مَعَ ورثته الَّذين فِي دَار الْحَرْب فَيَقْتَضِي أَن لَا يُؤثر الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام أَيْضا فِي حق أهل الْإِسْلَام فيصادم بِنَاء التَّوْفِيق فَلَا يُنَافِي قَول صَاحب الْبَسِيط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يُرَاد بقَوْلهمْ مَعَ رثته الَّذين فِي دَار الْحَرْب ورثته الَّذين دخلُوا دَار الْحَرْب بعد الْهِجْرَة لَا الَّذين لم يهاجروا على مَا يرشدك إِلَيْهِ عبارَة وَاحِد من المخصصين وَهُوَ صَاحب ضوء السراج من قَوْله حَتَّى لَو دخل التَّاجِر الْمُسلم دَار الْحَرْب لأجل التِّجَارَة وَمَات فِيهَا تَرث مِنْهُ ورثته الَّذين كَانُوا فِي دَار الْإِسْلَام كَذَلِك الْمُسلم إِذا أسره أهل الْحَرْب وألحقوه بدارهم وَمَات فِيهَا وَلم يُفَارق دينه يَرث مِنْهُ ورثته الَّذين فِي دَار الْإِسْلَام لِأَن الدُّخُول فِي دَار الْحَرْب للتِّجَارَة أَو بالأسر لَا يكون إِلَّا بعد الْهِجْرَة. وَلَا يُنكره صَاحب الْبَسِيط أَيْضا لِأَن الِاخْتِلَاف بدار الْكفْر وَالْإِسْلَام إِنَّمَا يُؤثر إِذا كَانَ حكما كَمَا صرح هُوَ بِهِ والداخل للتِّجَارَة أَو المأسور على إِرَادَة الرُّجُوع فَكَأَنَّهُ فِي دَار الْإِسْلَام بل صرح بِهِ شَارِحه بقوله وَالْمُسلم الْمُسْتَأْمن مَعَ الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام فَحصل التَّوْفِيق وَالله ولي التَّوْفِيق. بَقِي شَيْء وَهُوَ أَنه أطبق كلمة المخصصين سوى الحبر النحرير السَّيِّد السَّنَد قدس سره على جعل التَّوَارُث بَين الْمُسلم الَّذِي فِي دَار الْحَرْب وَالَّذِي فِي دَار الْإِسْلَام غَايَة وَثَمَرَة لهَذَا التَّخْصِيص فَلَو أُرِيد بِهِ روما للتوفيق الْمُسلم الَّذِي دخل دَار الْحَرْب بعد الْهِجْرَة لم يصلح أَن يكون ثَمَرَة لَهُ فَإِنَّهُ لَو فرض تَأْثِير تبَاين الدَّاريْنِ فِي حق أهل الْإِسْلَام أَيْضا فِي الحرمان جرى التَّوَارُث بَينهمَا لاعْتِبَار التباين حكما وَهُوَ مُنْتَفٍ هَا هُنَا. أَلا ترى إِلَى توارث الْكَافِر الْمُسْتَأْمن وَالْحَرْبِيّ مَعَ اعْتِبَار تبَاين الدَّاريْنِ فِي حَقهم بالِاتِّفَاقِ فَلَا بُد أَن يحمل على مَا قبل الْهِجْرَة فينهدم قصر التَّوْفِيق لكنه يُمكن أَن يُقَال عِبَارَات المخصصين سوى صَاحب ضوء السراج مجملة مُحْتَملَة لِأَن يُرَاد فِيهَا بالورثة الْمُسلمين الَّذين فِي دَار الْحَرْب الَّذين لم يهاجروا بعد أَو هَاجرُوا ثمَّ دخلُوا. وَعبارَة ضوء السراج كَمَا سَمِعت آنِفا مفسرة متعينة فِي الثَّانِي. وَمن مسلمات فن الْأُصُول حمل الْمُجْمل على الْمُفَسّر فَلَا بُد أَن يُرَاد مَا بعد الْهِجْرَة خَاصَّة وَأَيْضًا الِاحْتِمَال الأول مُخَالف للنَّص الصَّرِيح فَبَطل وَبَقِي الِاحْتِمَال الثَّانِي جزما فَحصل التَّوْفِيق فِي أصل الْمَسْأَلَة. إِمَّا جعلهم إِيَّاه ثَمَرَة التَّخْصِيص فإمَّا أَن يحمل على قلَّة التعمق مِنْهُم وَلذَا ترى أُسْوَة الْمُحَقِّقين وَسيد الشُّرَّاح قدس سره لم يَجْعَل ثَمَرَة. وَإِمَّا أَن يُقَال إِن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بِمَعْنى دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام الَّذِي هُوَ مَانع فِيمَا بَين أهل الْإِسْلَام أَيْضا لَا يمْنَع كُلية فِي حق أهل الْإِسْلَام كَمَا لَا يمْنَع اخْتِلَاف الدَّاريْنِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ أَي الِاخْتِلَاف بالمنعة وَالْملك كُلية فِي حَقهم بل إِنَّمَا يمْنَع إِذا كَانَ قبل الْهِجْرَة أما بعد الْهِجْرَة كَمَا إِذا دخل تَاجِرًا أَو أَسِيرًا فَلَا. بِخِلَاف الْكفَّار فَإِن ذَلِك الِاخْتِلَاف مُؤثر فِي الحرمان بَينهم مُطلقًا فَإِن الْأَسير مِنْهُم فِي أَيْدِينَا حَال كَونه على دينه لَا يَرث مِمَّن هُوَ فِي دَار الْحَرْب من أَقَاربه فَإِنَّهُ مَمْلُوك ذمِّي وَالذِّمِّيّ لَا يَرث من الْحَرْبِيّ وَإِن كَانَ يَرث التَّاجِر مِنْهُم إِلَى دَارنَا من أهل الْحَرْب فالثمرة فِي عبارَة ضوء السراج هُوَ الْمَجْمُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 يَعْنِي أَن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ دَار الْكفْر وَالْإِسْلَام إِنَّمَا يُؤثر فِي الحرمان مُطلقًا فِي حق الْكفَّار أما فِي حق الْمُسلمين فَإِنَّمَا يُؤثر قبل الْهِجْرَة أما بعد الْهِجْرَة فَلَا يُؤثر حَتَّى أَن الدَّاخِل فِي دَار الْحَرْب تَاجِرًا أَو أَسِيرًا يَرث فَمن هُوَ فِي دَار الْإِسْلَام بِخِلَاف الْكفَّار فَإِنَّهُم يتوارثون فِي الصُّورَة الأولى دون الثَّانِيَة وَفِي عبارَة الشهابي وَغَيره من المجملين هُوَ الثَّانِي فَقَط أَي الدَّاخِل دَارهم أَسِيرًا فَعلم أَن الْأسر فِي حَقنا لَا يقطع الْولَايَة بخلافهم فَإِن ولَايَة أهل الْإِسْلَام قَوِيَّة فبعدما ثبتَتْ بِالْهِجْرَةِ لم يظْهر عَلَيْهَا اسْتِيلَاء الْكفَّار بالأسر لِأَن الْإِسْلَام بحذافيره يَعْلُو وَلَا يعلى بِخِلَاف الْكفَّار فَإِنَّهُ لما كَانَت ولايتهم فِيمَا بَينهم ضَعِيفَة ترْتَفع باستيلاء أهل الْإِسْلَام. هَذَا التَّوْفِيق الفويق نور من أنوار السَّيِّد السَّنَد السَّيِّد نور الْهدى سلمه الله الْعلي الْأَعْلَى. الْإِخْلَاص: فِي اللُّغَة ترك الرِّيَاء فِي الطَّاعَات وَفِي الِاصْطِلَاح تَخْلِيص الْقلب من شَائِبَة الشّرك المكدر لصفاه، وتحقيقه أَن كل شَيْء يتَصَوَّر أَن يشوبه غَيره فَإِذا صفا عَن شوبه وخلص عَنهُ يُسمى خَالِصا وَيُسمى الْفِعْل المخلص إخلاصا قَالَ الله تَعَالَى {من بَين فرث وَدم لَبَنًا خَالِصا} . فَإِنَّمَا خلوص اللَّبن أَن لَا يكون فِيهِ شوب من الفرث وَالدَّم. قَالَ الفضيل رَحْمَة الله عَلَيْهِ ترك الْعَمَل لأجل النَّاس رِيَاء - وَالْعَمَل لأجلهم شرك - وَالْإِخْلَاص الْخَلَاص من هذَيْن. وَإِن أردْت أَن تعلم الْإِخْلَاص وَعَدَمه بَين الزَّوْج وَالزَّوْجَة فاجمع أعداد اسْم كل وَاحِد مِنْهُمَا بِحِسَاب الْجمل على حِدة واطرح تِسْعَة تِسْعَة واحفظ الْبَاقِي من الْكل وارقم على حِدة. فَإِن بَقِي الْوَاحِد من الطَّرفَيْنِ فبينهما إخلاص واتحاد - وَإِلَّا فالواحد مَعَ الِاثْنَيْنِ إخلاص - وَمَعَ الثَّلَاثَة عَدَاوَة - وَمَعَ الْأَرْبَعَة خُصُومَة - وَمَعَ الْخمس إخلاص - وَمَعَ السِّت إخلاص بالجنان - وَمَعَ السَّبع مُوَافقَة. وَمَعَ الثَّمَانِية محبَّة لَا بالسرور. وَمَعَ التِّسْعَة إخلاص. وَإِن: بَقِي من أَحدهمَا اثْنَان فهما مَعَ الِاثْنَيْنِ من الآخر إخلاص وَمَعَ الثَّلَاثَة إِلَى الْخَمْسَة كَذَلِك على اخْتِلَاف وَمَعَ السِّتَّة سرُور وَمَعَ السَّبْعَة إخلاص حسن وَمَعَ الثَّمَانِية خُصُومَة وَمَعَ التِّسْعَة إخلاص. وَإِن بَقِي: من أَحدهمَا ثَلَاثَة فَهِيَ مَعَ الثَّلَاثَة من الآخر إخلاص من وَجه لكَون الزَّوْجَة ذميمة الْأَخْلَاق وَسُوء الْعَيْش. وَمَعَ الْأَرْبَعَة الْخُصُومَة المفضية إِلَى الفضيحة. وَمَعَ الْخَمْسَة الِافْتِرَاق. وَمَعَ السِّتَّة الذل. وَمَعَ السَّبْعَة الْإِخْلَاص. وَمَعَ الثَّمَانِية الْمحبَّة. وَمَعَ التِّسْعَة الِافْتِرَاق بِالآخِرَة. وَإِن بَقِي: من أَحدهمَا أَرْبَعَة فَهِيَ مَعَ الْأَرْبَعَة من الآخر الِافْتِرَاق بِالآخِرَة. وَمَعَ الْخَمْسَة عدم الْمحبَّة رَأْسا. وَمَعَ السِّتَّة الْخُصُومَة دَائِما لِكَوْنِهِمَا مرتكبين بالأفعال القبيحة. وَمَعَ السَّبْعَة الرَّاحَة. وَمَعَ الثَّمَانِية الْإِخْلَاص بالجنان. وَمَعَ التِّسْعَة عدم الْإِخْلَاص بِوَجْه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وَإِن بَقِي: الْخَمْسَة من جَانب فَهِيَ مَعَ الْخَمْسَة من الْجَانِب الآخر الْخُصُومَة دَائِما. وَمَعَ السِّتَّة فرط الْمحبَّة. وَمَعَ السَّبْعَة بَينهمَا مكر وتزوير. وَمَعَ الثَّمَانِية مُرُور الزَّمَان بالسرور. وَمَعَ التِّسْعَة الْخُصُومَة والجدال. وَإِن بَقِي: من أَحدهمَا سِتَّة فَهِيَ مَعَ السِّتَّة من الآخر عدم الْإِخْلَاص. وَمَعَ السَّبْعَة الْمحبَّة والوداد. وَمَعَ الثَّمَانِية فرط الْمحبَّة وقدوم الزَّوْجَة مُوجب الْبركَة. وَمَعَ التِّسْعَة السرُور من وَجه. وَإِن بَقِي: من أَحدهمَا السَّبْعَة فَهِيَ مَعَ السَّبْعَة من الآخر فرط الْمحبَّة. وَمَعَ الثَّمَانِية السرُور. وَمَعَ التِّسْعَة الْمَكْر وَالسحر. وَإِن بَقِي: من أَحدهمَا الثَّمَانِية فَهِيَ من الثَّمَانِية من الآخر السرُور. وَمَعَ التِّسْعَة الْإِخْلَاص. وَإِن بَقِي: من أَحدهمَا تِسْعَة فَهِيَ مَعَ التِّسْعَة من الآخر الْخُصُومَة وَوُقُوع الِافْتِرَاق. فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. الْأَخَص: قد يُرَاد بِهِ الْمَعْنى التفصيلي كَمَا يُقَال هَذَا الْأَمر أخص من ذَلِك الْأَمر مَعَ اشتراكهما فِي الْخُصُوص وَقد يُرَاد بِهِ الْخَاص وَقس عَلَيْهِ الْأَعَمّ. الاختلاس: هُوَ الْأَخْذ من الْيَد بِسُرْعَة جَهرا. الْإِخْبَار: بِالْفَتْح جمع الْخَبَر وبالكسر مصدر من بَاب الْأَفْعَال. وَقد يُطلق على الْكَلَام الَّذِي لنسبته خَارج تطابقه أَو لَا تطابقه. وَقد يُطلق على إِلْقَاء هَذَا الْكَلَام. وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي التَّلْوِيح الْمركب التَّام الْمُحْتَمل للصدق وَالْكذب يُسمى من حَيْثُ اشتماله على الحكم قَضِيَّة - وَمن حَيْثُ احْتِمَاله الصدْق وَالْكذب خَبرا. وَمن حَيْثُ إفادته الحكم أَخْبَارًا. وَاعْلَم أَن الْأَخْبَار ثَلَاثَة إِمَّا بِحَق للْغَيْر على آخر وَهُوَ الشَّهَادَة. أَو بِحَق للمخبر على آخر وَهُوَ الدَّعْوَى أَو بِالْعَكْسِ وَهُوَ الْإِقْرَار. اخفش: اسْم ثَلَاثَة رجال من النُّحَاة. أحدهم: أستاذ سِيبَوَيْهٍ أبي عُبَيْدَة وكنيته أَبُو الْخطاب وثانيهم: تلميذ سِيبَوَيْهٍ ولقبه سعيد وكنيته أَبُو الْحسن وَأَبوهُ مسعده وثالثهم: قرينه وَهُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان. والأخفش الْأَكْبَر هُوَ أَبُو الْخطاب والأخفش الْأَوْسَط هُوَ أَبُو الْحسن بن مسعده. توفّي فِي إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. وَقيل فِي خمس عشر وَمِائَتَيْنِ. الِاخْتِيَار: تَرْجِيح أحد الْأَمريْنِ أَو الْأُمُور على الآخر. إِخْرَاج الْكَلَام على مُقْتَضى الظَّاهِر: وإخراجه لَا على مُقْتَضَاهُ. الأول: عبارَة عَن إِلْقَاء الْخَبَر إِلَى الْمُخَاطب على وفْق ظَاهر حَاله بِأَن يلقِي إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 خَالِي الذِّهْن عَن الحكم مُجَردا عَن مؤكدات الحكم وَإِلَى المتردد فِيهِ السَّائِل عَنهُ الطَّالِب عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر مؤكدا اسْتِحْسَانًا وَإِلَى الْمُنكر عَنهُ الْحَاكِم بِخِلَافِهِ مؤكدا وجوبا على حسب إِنْكَاره قُوَّة وضعفا. وَالثَّانِي: عبارَة عَن إِلْقَاء الْخَبَر إِلَى الْمُخَاطب لَا على وفْق ظَاهر حَاله بِأَن يلقِي الْكَلَام الْمُؤَكّد إِلَى غير الْمُنكر الَّذِي ظَاهر حَاله عدم الْإِنْكَار الْمُقْتَضِي أَن يلقِي إِلَيْهِ كَلَام مُجَرّد عَن التَّأْكِيد وَإِنَّمَا يكون هَذَا الْإِلْقَاء إِذا لَاحَ على غير الْمُنكر إمارات الْإِنْكَار. وَاعْلَم أَن ضابطة إِخْرَاج الْكَلَام سَوَاء كَانَ على مُقْتَضى الظَّاهِر أَو على خِلَافه. إِن أَحْوَال الْمُخَاطب منحصرة فِي الْأَرْبَعَة (1) الْعلم بِحكم الْخَبَر (2) والخلو (3) وَالسُّؤَال (4) وَالْإِنْكَار عَنهُ. فالأقسام الْعَقْلِيَّة سِتَّة عشر. ثَلَاثَة مِنْهَا بَاطِلَة لَا فَائِدَة فِيهَا تَنْزِيل الْخَالِي (1) منزلَة الْخَالِي (2) والسائل منزلَة السَّائِل (3) وَالْمُنكر منزلَة الْمُنكر. وَاحِد مِنْهَا لَا يتَصَوَّر مَعَه الْكَلَام على ظَاهر حَاله وَهُوَ الْعَالم فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر مَعَه إِخْرَاج الْكَلَام على مُقْتَضى ظَاهر حَاله لِأَن مُقْتَضَاهُ أَن لَا يُخَاطب بِمَا يُعلمهُ فَيبقى اثْنَا عشر قسما صَحِيحا. وتفصيله أَن الْعَالم لَا يُخَاطب بِمَا يُعلمهُ على مُقْتَضى ظَاهر حَاله إِلَّا بعد تَنْزِيله منزلَة غَيره من الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة أَعنِي الْخَالِي والسائل وَالْمُنكر يكون إِخْرَاج الْكَلَام مَعَه حِينَئِذٍ على خلاف مُقْتَضى ظَاهر حَاله فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام وكل من الْخَالِي والسائل وَالْمُنكر إِذا خُوطِبَ على مُقْتَضى ظَاهر حَاله من الْخُلُو والسائل وَالْإِنْكَار كَانَ إِلْقَاء الْخَبَر إِلَيْهِ إخراجا على مُقْتَضى الظَّاهِر وَهَذِه أَيْضا ثَلَاثَة أَقسَام وَإِن نزل كل وَاحِد مِنْهَا منزلَة أحد الآخرين بِأَن (1) نزل الْخَالِي منزلَة السَّائِل (2) أَو الْمُنكر (3) والسائل منزلَة الْخَالِي أَو الْمُنكر (4) وَالْمُنكر منزلَة الْخَالِي أَو السَّائِل. وَهَذِه سِتَّة أَقسَام كَانَ إِلْقَاء الْخَبَر على خلاف مُقْتَضى ظَاهر حَال الْمُخَاطب فإخراج الْكَلَام سَوَاء كَانَ على مُقْتَضى الظَّاهِر أَو على خِلَافه منحصر فِي اثْنَي عشر قسما ثَلَاثَة مِنْهَا إِخْرَاج الْكَلَام على مُقْتَضى الظَّاهِر تِسْعَة على خِلَافه ثَلَاثَة فِي الْعَالم وَسِتَّة فِي غَيره هَذَا توضيح مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول. بَاب الْألف مَعَ الدَّال الْمُهْملَة الْأَدَاء: وَكَذَا الْقَضَاء فِي اللُّغَة الْإِتْيَان بالموقتات كَصَلَاة الْفجْر مثلا وَغَيرهَا مثل أَدَاء الزَّكَاة وَالْأَمَانَة وَقَضَاء الْحُقُوق وَقَضَاء الْحَج والإتيان بِهِ ثَانِيًا بعد فَسَاد الأول وَنَحْو ذَلِك كَالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَة بِطَلَب الْفَضِيلَة بعد الصَّلَاة مُنْفَردا. وَأما: فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء فَعِنْدَ أَصْحَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله الْأَدَاء وَالْقَضَاء يختصان بالعبادات الموقتة وَلَا يتَصَوَّر الْأَدَاء إِلَّا فِيمَا يتَصَوَّر الْقَضَاء. فَلهَذَا قَالُوا الْأَدَاء مَا فعل فِي وقته الْمُقدر لَهُ شرعا أَولا. وَالْقَضَاء مَا فعل بعد وَقت الْأَدَاء استدراكا لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 سبق لَهُ وجوب مُطلقًا. وَقَوْلهمْ مُطلقًا تَنْبِيه على أَنه لَا يشْتَرط الْوُجُوب عَلَيْهِ ليدْخل فِيهِ قَضَاء النَّائِم وَالْحَائِض إِذْ لَا وجوب عَلَيْهِمَا عِنْد الْمُحَقِّقين وَإِن وجد السَّبَب لوُجُود الْمَانِع كَيفَ وَجَوَاز التّرْك مجمع عَلَيْهِ وَهُوَ يُنَافِي الْوُجُوب. والإعادة مَا فعل فِي وَقت الْأَدَاء ثَانِيًا لخلل فِي الأول وَقيل لعذر فَالصَّلَاة بِالْجَمَاعَة بعد الصَّلَاة مُنْفَردا يكون إِعَادَة على الثَّانِي لِأَن طلب الْفَضِيلَة عذر لَا على الأول لعدم الْخلَل. فَظَاهر كَلَامهم أَن الْإِعَادَة قسم مُقَابل للْأَدَاء، وَالْقَضَاء خَارج عَن تَعْرِيف الْأَدَاء بقوله أَولا على أَنه مُتَعَلق بقوله فعل فَإِن الْإِعَادَة مَا فعل ثَانِيًا لَا أَولا. وَذهب الْمُحَقِّقُونَ: إِلَى أَنَّهَا قسم من الْأَدَاء وَأَن قَوْلهم أَولا فِي تَعْرِيف الْأَدَاء مُتَعَلق بقوله الْمُقدر لَهُ شرعا احْتِرَاز عَن الْقَضَاء فَإِنَّهُ وَاقع فِي الْوَقْت الْمُقدر لَهُ شرعا ثَانِيًا حَيْثُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من نَام عَن صَلَاة ونسيها فليصلها إِذا ذكرهَا فَذَلِك وَقتهَا فقضاء صَلَاة النَّائِم وَالنَّاسِي عِنْد التَّذَكُّر قد فعل فِي وَقتهَا الْمُقدر لَهَا ثَانِيًا أَو لَا. وَعند أَصْحَاب: أبي حنيفَة رَحمَه الله الْأَدَاء وَالْقَضَاء من أَقسَام الْمَأْمُور بِهِ مؤقتا كَانَ أَو غير مُؤَقّت فالأداء تَسْلِيم عين مَا ثَبت بِالْأَمر وَاجِبا كَانَ أَو نفلا. وَالْقَضَاء تَسْلِيم مَا وَجب بِالْأَمر. هَذِه عبارَة التَّلْوِيح وَفِيه أَيْضا أَنه يُطلق كل من الْأَدَاء وَالْقَضَاء على الآخر مجَازًا شَرْعِيًّا لتباين الْمَعْنيين مَعَ اشتراكهما فِي تَسْلِيم الشَّيْء إِلَى من يسْتَحقّهُ وَفِي إِسْقَاط الْوَاجِب كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} . أَي أديتم وَقَوله تَعَالَى {فَإِذا قضيت الصَّلَاة} . وكقولك أدّيت الدّين ونويت أَدَاء ظهر الأمس. وَأما بِحَسب اللُّغَة فقد ذكرُوا أَن الْقَضَاء حَقِيقَة فِي تَسْلِيم الْعين والمثل لِأَن مَعْنَاهُ الْإِسْقَاط والإتمام والإحكام وَأَن الْأَدَاء مجَاز فِي تَسْلِيم الْمثل لِأَنَّهُ يُنبئ عَن شدَّة الرِّعَايَة وَالِاسْتِقْصَاء فِي الْخُرُوج عَمَّا لزمَه وَذَلِكَ بِتَسْلِيم الْعين دون الْمثل. وَفِي الحسامي الْأَدَاء هُوَ تَسْلِيم عين الْوَاجِب لسببه إِلَى مُسْتَحقّه وَعين الْوَاجِب كَفعل الصَّلَاة وَالثمن. وَسبب الْوَاجِب كالوقت للصَّلَاة والاشتراء للثّمن ومستحق الْوَاجِب هُوَ الله تَعَالَى أَو العَبْد كَمَا فِي الثّمن. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الْأَدَاء هُوَ تَسْلِيم الْعين الثَّابِت فِي الذِّمَّة بِالسَّبَبِ الْمُوجب كالوقت للصَّلَاة والشهر للصَّوْم إِلَى من اسْتحق ذَلِك الْوَاجِب. الْأَدَاء الْكَامِل: مَا يُؤَدِّيه الْإِنْسَان على الْوَجْه الَّذِي أَمر بِهِ كأداء الْمدْرك وَالْإِمَام. الْأَدَاء النَّاقِص: مَا يُؤَدِّيه الْإِنْسَان لَا على الْوَجْه الَّذِي أَمر بِهِ كأداء الْمُنْفَرد والمسبوق. الْأَدَاء المشابه للْقَضَاء: هُوَ أَدَاء اللَّاحِق بعد فرَاغ الإِمَام لِأَنَّهُ بِاعْتِبَار الْوَقْت مؤد وَبِاعْتِبَار أَنه الْتزم أَدَاء الصَّلَاة مَعَ الإِمَام حِين يحرم مَعَه قَاض لما فَاتَهُ مَعَ الإِمَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الْأَدَب: (نكاه داشتن حدهر جيزي) وَجمعه الْآدَاب وَمن كَانَ مؤدبا يكون جَامعا للشريعة النَّبَوِيَّة والأخلاق الْحَسَنَة قَالَ الْعَارِف الْجلَال الرُّومِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي المثنوي. (از خدا جوئيم توفيق ادب ... بِي ادب محروم كشت از لطف رب) (بِي ادب تنهانه خودراداشت بُد ... بلكه آتش درهمه آفَاق زد) الْأَدَب: على ضَرْبَيْنِ. أدب النَّفس وأدب الدَّرْس. وَالْأول: احْتِرَاز الْأَعْضَاء الظَّاهِرَة والباطنة من جَمِيع مَا يتعنت بِهِ وَالثَّانِي: عبارَة عَن معرفَة مَا يحْتَرز بِهِ عَن جَمِيع أَنْوَاع الخطابات فِي المناظرة خطابا ظنيا واستدلالا يقينيا. أدنى تَأمل: أَي أقل تبصر وأدون تفكر وَلَا يبعد أَن يكون مَعْنَاهُ أقرب تفكر وتبصر فعلى الأول لفظ أدنى مُشْتَقّ من الدناءة المهموزة. وعَلى الآخر مُشْتَقّ من الدنو المنقوص. الإدمان: المداومة والاعتياد وَمِنْه المدمن أَي المداوم. الْإِدْغَام: فِي اللُّغَة إِدْخَال الشَّيْء فِي الشَّيْء تَقول أدغمت الثَّوْب فِي الْوِعَاء إِذا أدخلته فِيهِ وأدغمت فِي الْفرس اللجام إِذا أدخلته فِي فِيهِ. وَفِي صناعَة التصريف أَن تَأتي بحرفين أَولهمَا سَاكن وَثَانِيهمَا متحرك من مخرج وَاحِد من غير فصل. وَفِي الشافية الْإِدْغَام أَن تَأتي بحرفين سَاكن فمتحرك من مخرج وَاحِد من غير فصل. وَإِنَّمَا قَالَ بحرفين إِذْ لَا يتَصَوَّر الْإِدْغَام إِلَّا فِي حرفين وَلَا بُد من سُكُون الأول ليتصل بِالثَّانِي إِذْ لَو حرك حَالَة الْحَرَكَة بَينهمَا فَلم يتَّصل بِالثَّانِي. وَلَا بُد أَيْضا أَن يكون الثَّانِي متحركا لِأَنَّهُ مُبين للْأولِ والحرف السَّاكِن كالميت لَا يبين نَفسه فَكيف يبين غَيره. وَإِنَّمَا قَالَ فمتحرك بِالْفَاءِ دون ثمَّ ليدل على انْتِفَاء المهلة وَلم يقل بِالْوَاو ليعلم التَّرْتِيب. وَقَوله من مخرج وَاحِد احْتِرَاز من مثل فلس. وَقَوله من غير فضل احْتِرَاز من مثل ربرب. وَيكون الْإِدْغَام فِي المثلين أَو الْمُخْتَلِفين إِن كَانَ من مخرج وَاحِدًا وَمن مخرجين متقاربين لَكِن بعد أَن يصيرا مثلين ليمكن الْإِدْغَام مثل ذب وعبدت ولبت وَالْأَصْل ذبب وعبدت وَلَبِثت وَقيل الباث الْحَرْف فِي مخرجه مِقْدَار الباث الحرفين نَحْو مد وَاعد. الإدماج: فِي اللُّغَة اللف. وَفِي اصْطِلَاح البديع أَن يضمن كَلَام سيق لِمَعْنى مدحا كَانَ أَو ذما معنى آخر وَهُوَ أَعم من الاستتباع لشُمُوله الْمَدْح وَغَيره واختصاص الاستتباع بالمدح. الْإِدْرَاك: قد يُفَسر بانتقاش النَّفس بالصورة الْحَاصِلَة من الشَّيْء (وح) يكون انفعالا وَقد يُفَسر بالصورة الْحَاصِلَة فِي النَّفس (وح) يكون كيفا ثمَّ الْإِدْرَاك أَرْبَعَة: إحساس وَهُوَ إِدْرَاك النَّفس بِوَاسِطَة إِحْدَى الْحَواس الْخمس الظَّاهِرَة، وتخيل وَهُوَ إِدْرَاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 النَّفس بِوَاسِطَة الْحس الْمُشْتَرك، وتوهم وَهُوَ إِدْرَاك النَّفس بِوَاسِطَة الْوَهم، وتعقل وَهُوَ إِدْرَاك النَّفس بِوَاسِطَة الْقُوَّة الْعَاقِلَة وَلِهَذَا للإدراك الَّذِي هُوَ التعقل تفسيران كَمَا مر آنِفا وَقد يرد بالإدراك إحاطة الشَّيْء بِكَمَالِهِ. الإدلاء: الانتساب فَمَعْنَى الإدلاء بِالْأُنْثَى الانتساب بهَا أَي باستعانتها إِلَى الْمَيِّت. وَفِي بعض الْحَوَاشِي على الشريفية الإدلاء إرْسَال الدَّلْو فِي الْبِئْر ثمَّ استعير فِي إرْسَال كل شَيْء مجَازًا فَمَعْنَى إدلائه بِالْأُنْثَى أَن يُرْسل قرَابَة الْمَيِّت بِوَاسِطَة شخص على أَن الْبَاء للاستعانة. بَاب الْألف مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة الْأَذَان: كَالْكَلَامِ اسْم من التأذين أَي الْإِعْلَام. وَفِي الشَّرْع الْإِعْلَام بِوَقْت الصَّلَاة بِكَلِمَات مَعْلُومَة مأثورة. وَهِي خمس عشرَة كلمة (فِي الزَّاهدِيّ) الْأَذَان أَن نقُول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر - أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله - أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله - أشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله - حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح حَيّ على الْفَلاح - الله أكبر الله أكبر - لَا إِلَه إِلَّا الله. وَهُوَ خمس عشرَة كلمة. وَالْأَذَان عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله تسع عشرَة كلمة بِزِيَادَة أَربع كَلِمَات بالترجيع وَهُوَ أَن يَقُول كلا من الشَّهَادَتَيْنِ مرَّتَيْنِ خَافِضًا صَوته ثمَّ كلا مِنْهُمَا مرَّتَيْنِ رَافعا صَوته ثمَّ الْأَصَح أَن الْأَذَان سنة مُؤَكدَة للفرائض الْخمس للْأَدَاء وَالْقَضَاء بِالْجَمَاعَة وللجمعة. الْإِذْن: بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَة الْإِعْلَام مُطلقًا وَمِنْه الْأَذَان والإعلام بِالْإِجَازَةِ فِي التَّصَرُّفَات والرخصة فِي الشَّيْء وَالْإِطْلَاق عَن أَي شَيْء كَانَ. وَفِي الشَّرْع إِطْلَاق الْمَمْلُوك عبدا أَو أمة فِي حق التِّجَارَة بِإِسْقَاط الْحجر أَي الْمَنْع الثَّابِت بِالرَّقَبَةِ وَفِي (كنز الدقائق) والوقاية الْإِذْن فك الْحجر وَإِسْقَاط الْحق. وَلَا يخفى على المستيقظ أَن إِسْقَاط الْحق مُسْتَدْرك وَإِنَّمَا هُوَ لزِيَادَة الْإِيضَاح. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الْإِذْن فِي الشَّرْع فك الْحجر وَإِطْلَاق التَّصَرُّف لمن كَانَ مَمْنُوعًا شرعا. الإذاله: فِي الْعرُوض زِيَادَة حرف سَاكن فِي وتد مَجْمُوع مثل مستفعلن زيد فِي آخِره نون بَعْدَمَا أبدلت النُّون ألفا فَصَارَ مستفعلان وَيُسمى مذالا. {إِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} : تمسكوا بِهِ على أَن لَا يقْرَأ الْمُؤْتَم بل يسمع وينصت. فَإِن قيل، إِذا كَانَت الْقِرَاءَة جَهرا فالتمسك بقوله تَعَالَى مُسلم، وَأما إِذا كَانَت سرا فَمَمْنُوع فَإِن الحكم بِعَدَمِ قِرَاءَة الْمُؤْتَم لَا يعلم بقوله تَعَالَى قيل الْأَمر بِالسَّمَاعِ للجهرية وَالْأَمر بالإنصات للسرية فَافْهَم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 بَاب الْألف مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة الأرجواني: الْحمرَة المائلة إِلَى السوَاد. الإرهاص: فِي اللُّغَة (ديوار بنياد نهادن) وَفِي الِاصْطِلَاح هُوَ الخارق للْعَادَة الَّذِي يظْهر من النَّبِي قبل بعثته وَإِنَّمَا سمي إرهاصا لِأَنَّهُ تأسيس لقاعدة النُّبُوَّة دَال على بعثته فِي الْمَآل من أرهصت الْحَائِط إِذا أسسته. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الإرهاص مَا يظْهر من الخوارق عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل ظهروه كالنور الَّذِي فِي جبين آبَاء نَبينَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. ارْتِفَاع الْمَانِع: اعْلَم أَن عِلّة الْمَاهِيّة إِمَّا أَن لَا يجب بهَا وجود الْمَعْلُول بِالْفِعْلِ بل بِالْقُوَّةِ وَهِي الْعلَّة المادية. وَإِمَّا أَن يجب بهَا وجوده بِالْفِعْلِ وَهِي الْعلَّة الصورية وَعلة الْوُجُود إِمَّا أَن يُوجد مِنْهَا الْمَعْلُول أَي يكون مؤثرا فِي الْمَعْلُوم موجدا لَهُ وَهِي الْعلَّة الفاعلية أَو لَا يُوجد وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يكون الْمَعْلُول لأَجلهَا وَهِي الْعلَّة الغائية أَو لَا وَهِي الشَّرْط إِن كَانَ وجوديا وارتفاع الْمَانِع إِن كَانَ عدميا وَإِن كَانَ مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْمَعْلُول وجود شَيْء مَعَ جَوَاز عَدمه فَهُوَ الْمعد. ارْتِفَاع الشَّمْس: أقصر قَوس دَائِرَة الِارْتفَاع الْوَاقِع بَين مَرْكَز الشَّمْس والأفق. (ف (13)) . الإرصاد: فِي المطول هُوَ نصب الرَّقِيب فِي الطَّرِيق. وَالْحق أَنه فِي اللُّغَة بِمَعْنى الإعداد كَمَا ينْطق بِهِ تَاج المصادر. وَفِي علم البديع الإرصاد أَن يَجْعَل قبل الْعَجز من الْفَقْرَة أَو الْبَيْت مَا يدل عَلَيْهِ أَي على الْعَجز إِذا عرف الروي مثل قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الله ليظلمهم وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} فَإِن من عرف أَن الْحَرْف الروي فِي الفقرات السَّابِقَة النُّون يدل قَوْله تَعَالَى {ليظلمهم} عِنْده أَن الْعَجز الْآتِي هُوَ {يظْلمُونَ} لَا غير. والمناسبة بَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ والاصطلاحي أظهر من أَن يخفى. الْأَرْبَعَة المتناسبة: المُرَاد بهَا فِي ديباجة خُلَاصَة الْحساب عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم لِأَن نِسْبَة الْحسن وَالْحُسَيْن إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه كنسبتهما إِلَى خاتون الْجنَّة فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَبِالْعَكْسِ وَتلك النِّسْبَة هِيَ نِسْبَة الْولادَة. ثمَّ اعْلَم: أَن لاستخراج المجهولات العددية واستعلامها من معلوماتها ضوابط مِنْهَا الْأَرْبَعَة المتناسبة وَهِي أَرْبَعَة أعداد متناسبة بِأَن يكون نِسْبَة أَولهَا إِلَى ثَانِيهَا كنسبة ثَالِثهَا إِلَى رَابِعهَا من غير أَن تكون النِّسْبَة بَين الثَّانِي وَالثَّالِث كَالَّتِي بَين الثَّالِث وَالرَّابِع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَلذَلِك تسمى بالمنفصلة وَغير المتوالية مثل ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَسِتَّة وَثَمَانِية فنسبة الثَّلَاثَة إِلَى الْأَرْبَعَة كنسبة السِّتَّة إِلَى الثَّمَانِية. وَيُسمى الثَّلَاثَة وَالثَّمَانِيَة مِنْهَا الطَّرفَيْنِ وَالْأَرْبَعَة والستة مِنْهَا الوسطين. وَيلْزم لتِلْك الْأَرْبَعَة مُسَاوَاة مسطح الطَّرفَيْنِ لمسطح الوسطين كَمَا برهن عَلَيْهِ فِي الهندسة. وَيلْزم لهَذِهِ الْخَاصَّة أَنه إِذا كَانَ أحد الْأَرْبَعَة مَجْهُولا والبواقي مَعْلُومَة أمكن اسْتِخْرَاج الْمَجْهُول. والضابطة: فِي استخراجه واستعلامه أَن الْمَجْهُول إِمَّا أحد الطَّرفَيْنِ أَو أحد الوسطين فَإِذا كَانَ أحد الطَّرفَيْنِ فاقسم مسطح الوسطين على الطّرف الْمَعْلُوم فالخارج هُوَ الْمَطْلُوب وَإِذا كَانَ أحد الوسطين فاقسم مسطح الطَّرفَيْنِ على الْوسط الْمَعْلُوم فالخارج هُوَ الْمَطْلُوب وَالْعدَد إِذا ضرب فِي غَيره يُسمى حَاصِل الضَّرْب بالمسطح وَإِذا ضرب فِي نَفسه يُسمى الْحَاصِل بالمجذور وَالسُّؤَال باستعلام الْمَجْهُول بالمعلوم بطرِيق الْأَرْبَعَة المتناسبة على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا مَا يتَعَلَّق بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان، وَالثَّانِي مَا يتَعَلَّق بالمعاملات. أما السُّؤَال: الْمُتَعَلّق بِالزِّيَادَةِ فنحو قَول السَّائِل أَي عدد إِذا زيد عَلَيْهِ ربعه صَار ثَلَاثَة وَطَرِيق الْوُصُول فِيهِ أَن تَأْخُذ مخرج الْكسر الَّذِي هُوَ الرّبع أَعنِي أَرْبَعَة وَيُسمى هَذَا الْمخْرج فِي عرفهم مأخذا لِأَنَّهُ أول شَيْء تَأْخُذ أَنْت وَسِيلَة لاستخراج الْمَجْهُول. وتتصرف فِي هَذَا الْمخْرج الَّذِي هُوَ المأخذ بِحَسب السُّؤَال بِأَن تزيد على الْأَرْبَعَة ربعه يصير خَمْسَة فَمَا انْتهى إِلَيْهِ الْعَمَل وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَال خَمْسَة يُسمى وَاسِطَة عِنْدهم للتوسط بَين المأخذ والمعلوم فَيحصل عنْدك مَعْلُومَات ثَلَاث أَولهَا المأخذ وَثَانِيها الْوَاسِطَة وَثَالِثهَا الْمَعْلُوم وَهُوَ مَا أعطَاهُ السَّائِل بقوله صَار كَذَا وَهُوَ فِي الْمِثَال ثَلَاثَة فَحصل أَرْبَعَة متناسبة الأول المأخذ وَالثَّانِي الْوَاسِطَة وَالثَّالِث الْمَجْهُول وَالرَّابِع الْمَعْلُوم. وَنسبَة المأخذ وَهُوَ فِي الْمِثَال أَرْبَعَة إِلَى الْوَاسِطَة الَّتِي هِيَ خَمْسَة هَا هُنَا كنسبة الْمَجْهُول إِلَى الْمَعْلُوم الَّذِي هُوَ ثَلَاثَة فِي الْمِثَال فَوَقع الْمَجْهُول فِي الْوسط فَاضْرب المأخذ فِي الْمَعْلُوم واقسم الْحَاصِل أَعنِي اثْنَي عشر على الْوَاسِطَة أَعنِي الْخَمْسَة ليخرج الْمَجْهُول وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَال اثْنَان وخمسان. وَهَذَا عدد إِذا زيد عَلَيْهِ ربعه يصير ثَلَاثَة لِأَنَّهُ إِذا جنس اثْنَان وخمسان يصير اثْنَا عشر خمْسا. وَإِذا زيد عَلَيْهِ ربعه وَهُوَ ثَلَاث يبلغ خَمْسَة عشر خمْسا وَإِذا قسم هَذَا الْمبلغ على مخرج الْخمس الَّذِي هُوَ الْخَمْسَة يخرج ثَلَاثَة. وَأما السُّؤَال الْمُتَعَلّق بِالنُّقْصَانِ فنحو قَول السَّائِل أَي عدد إِذا نقصت مِنْهُ ثلثه يصير ثَلَاثَة. وَالطَّرِيق فِيهِ أَن تَأْخُذ مخرج الْكسر الَّذِي هُوَ الثُّلُث فِي هَذَا الْمِثَال وَهُوَ ثَلَاثَة وتنقص مِنْهُ ثلثه أَعنِي الْوَاحِد على حسب السُّؤَال فَيبقى اثْنَان ثمَّ اضْرِب المأخذ وَهُوَ ثَلَاثَة فِي الْعدَد الْمَعْلُوم وَهُوَ ثَلَاثَة أَيْضا يحصل تِسْعَة. ثمَّ اقسمها على الْوَاسِطَة أَعنِي اثْنَيْنِ يخرج أَرْبَعَة وَنصف هُوَ الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ عدد إِذا نقص عَنهُ ثلثه صَار ثَلَاثَة. وَأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 السُّؤَال الْمُتَعَلّق بالمعاملات فَكَمَا لَو قيل خَمْسَة أَرْطَال بِثَلَاثَة دَرَاهِم فرطلان بكم دَرَاهِم فخمسة أَرْطَال المسعر وَالثَّلَاثَة السّعر والرطلان الْمُثمن والمسؤول عَنهُ الثّمن وَنسبَة المسعر إِلَى السّعر كنسبة الْمُثمن إِلَى الثّمن فالمجهول وَقع فِي الرَّابِع فاعمل على مُقْتَضى الضابطة الْمَذْكُورَة فِي مَا سبق بِأَن تقسم على الأول الَّذِي هُوَ الْخَمْسَة السِّتَّة الَّتِي هِيَ مسطح الوسطين أَي حَاصِل ضرب الثَّلَاثَة فِي الِاثْنَيْنِ فَيخرج دِرْهَم وَخمْس دِرْهَم وَهُوَ الْمَطْلُوب وَنسبَة الْخَمْسَة إِلَى الثَّلَاثَة كنسبة الِاثْنَيْنِ إِلَى دِرْهَم وَخمْس دِرْهَم وَلَا يخفى أَن النّسَب لَا تفهم إِلَّا إِذا جعل الْكل أَخْمَاسًا فَاجْعَلْ الْخَمْسَة خَمْسَة وَعشْرين خمْسا. الثَّلَاثَة خَمْسَة عشر خمْسا واثنين عشرَة أَخْمَاس ودرهما وخمسا سِتَّة أَخْمَاس وَلَا شكّ أَن النِّسْبَة بَين خَمْسَة وَعشْرين وَخَمْسَة عشر كالنسبة بَين الْعشْرَة والستة، فَالْحَاصِل أَن الْعلم بِالنّسَبِ إِنَّمَا يحصل بعد التَّجْنِيس. وَإِن أردْت: مِثَال أَن يكون الْمَجْهُول أحد الوسطين فَقل كم رطلا بِدِرْهَمَيْنِ مقَام رطلين بكم فالمجهول حِينَئِذٍ الْمُثمن وَهُوَ الثَّالِث فاقسم على حسب الضابطة الْمَذْكُورَة مسطح الطَّرفَيْنِ أَعنِي عشرَة على الثَّانِي وَهُوَ ثَلَاثَة يخرج ثَلَاثَة وَثلث وَهُوَ الْمَطْلُوب. وَاعْلَم: أَن الْعدَد الأول من الْأَعْدَاد الْأَرْبَعَة المتناسبة الَّتِي يكون فِي الْمُعَامَلَات يُسمى فِي الْعرف مسعرا على صِيغَة الْمَفْعُول من التسعير وَيُسمى الثَّانِي مِنْهَا سعرا أَو على الْعَكْس وَيُسمى الْعدَد الثَّالِث من تِلْكَ الْأَعْدَاد مثمنا على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من أثمنت الرجل مَتَاعه إِذا أوقعت إِلَيْهِ ثمنه وَيُسمى الرَّابِع مِنْهَا ثمنا أَو على الْعَكْس فَإِن كَانَ المسعر أَولا يجب أَن يكون الْمُثمن ثَالِثا وَإِن كَانَ المسعر ثَانِيًا يجب أَن يكون الثّمن رَابِعا وَيكون الثَّلَاثَة من هَذِه الْأَعْدَاد مَعْلُومَة أبدا وَهِي الأول وَالثَّانِي وَأحد الباقيين وَيكون أَحدهمَا مَجْهُولا وَهُوَ إِمَّا الثَّالِث أَو الرَّابِع وَذَلِكَ لِأَن النَّاس لما كَانَ لَهُم حَاجَة إِلَى الْمُعَامَلَات كَانَ عِنْدهم مسعرات الْأَشْيَاء المتداولة فِيمَا بَينهم وأسعارها مَشْهُورَة يعلمهَا أَكْثَرهم فَيكون لَهُم الأول وَالثَّانِي من الْأَعْدَاد الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة معلومين ثمَّ عِنْد الْمُقَابلَة الْمُعَاوضَة لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون لَهُم مثمن ويريدون بَيْعه أَو يكون لَهُم ثمن ويريدون اشْتِرَاء مثمن فَيكون لَهُم على التَّقْدِيرَيْنِ أحد الباقيين أَيْضا مَعْلُوما وَيبقى الآخر مَجْهُولا وَهُوَ الثّمن على الأول والمثمن على الثَّانِي فَيكون الثَّلَاثَة من الْأَرْبَعَة مَعْلُومَة أبدا الْأَوَّلَانِ وَأحد الباقيين وَيكون أحد الباقيين مَجْهُولا. وَإِن أردْت: أَن تكْتب أَرْبَعَة متناسبة فالطريق أَن يخط خطان متقاطعان بِحَيْثُ يحدث أَربع زَوَايَا قَوَائِم وتوضع الطّرف الأول فِي الزاوية الْيُمْنَى الفوقانية وَالْوسط الأول فِي الزاوية الْيُسْرَى الفوقانية وَالْوسط الثَّانِي فِي الزاوية الْيُمْنَى التَّحْتَانِيَّة إِن كَانَ مَعْلُوما وَإِلَّا فاتركها خَالِيَة والطرف الثَّانِي فِي الزاوية الْيُسْرَى التَّحْتَانِيَّة إِن كَانَ مَعْلُوما وَإِلَّا فاتركها خَالِيَة ثمَّ تضرب أحد المتقابلين فِي الآخر وتقسم الْحَاصِل على الثَّالِث الْبَاقِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 فخارج الْقِسْمَة هُوَ الْمَجْهُول. مِثَاله أردنَا أَن نعلم أَن خَمْسَة أَسْبَاع كم هِيَ اتساعا فَهَذِهِ أَرْبَعَة متناسبة لِأَن نِسْبَة الْخَمْسَة الَّتِي هِيَ كسور إِلَى السَّبْعَة الَّتِي هِيَ مخرجها كنسبة الْكسر الْمَطْلُوب إِلَى التِّسْعَة الَّتِي هِيَ مخرجه فَوَضَعْنَا المعلومات الثَّلَاث هَكَذَا 5 / 7 / 9 فضربنا الْخَمْسَة فِي التِّسْعَة حصل 45 ثمَّ قسمنا على 7 خرج سِتَّة وَثَلَاثَة أَسْبَاع تسع. واكتب: فِي مِثَال مَا لَو قيل خَمْسَة أَرْطَال بِثَلَاثَة دَرَاهِم رطلان بكم هَكَذَا فَاضْرب أحد المتقابلين فِي الآخر أَعنِي الِاثْنَيْنِ فِي الثَّلَاثَة. ثمَّ اقْسمْ الْحَاصِل أَعنِي (6) على (5) يخرج دِرْهَم وَخمْس دِرْهَم وَقس عَلَيْهِ سَائِر الصُّور. ولاستخراج الْمَجْهُول: بالأربعة المتناسبة طَرِيق آخر. وَهُوَ أَن يقسم أَي وَاسِطَة اتّفقت على الطّرف الْمَعْلُوم ثمَّ يضْرب الْخَارِج فِي الْوَاسِطَة الْبَاقِيَة فَمَا بلغ فَهُوَ الطّرف الْمَجْهُول. هَذَا إِذا كَانَ أحد الطَّرفَيْنِ مَجْهُولا وَأما إِذا كَانَ أحد الوسطين مَجْهُولا فَإِن يقسم أَي طرف اتّفق على الْوَاسِطَة الْمَعْلُومَة ثمَّ تضرب الْخَارِج فِي الطّرف الْبَاقِي إِلَيْهَا فَمَا حصل فَهُوَ الْوَاسِطَة المجهولة. فَفِي الْمِثَال الأول يقسم الْأَرْبَعَة على الْخَمْسَة وَيضْرب الْخَارِج أَعنِي أَرْبَعَة أَخْمَاس فِي الثَّلَاثَة يحصل اثْنَان وخمسان وَفِي الْمِثَال الْأَخير يقسم الثَّلَاثَة على الْخَمْسَة وتضرب الْخَارِج أَعنِي ثَلَاثَة أَخْمَاس فِي الِاثْنَيْنِ يحصل وَاحِد وَخمْس وَهُوَ الْمَطْلُوب. فالضابطة: فِي اسْتِخْرَاج الْمَجْهُول بالأربعة المتناسبة فِيمَا يتَعَلَّق بالمعاملات أَن تضرب عدد مَا وَقع فِي آخر السُّؤَال فِي عدد غير جنسه وتقسم الْحَاصِل على عدد جنسه فالخارج هُوَ الْمَطْلُوب. فَفِي الْمِثَال الْأَخير يضْرب عدد الرطلين فِي عدد ثَلَاثَة دَرَاهِم وَيقسم السِّتَّة على عدد خَمْسَة أَرْطَال فالخارج هُوَ الْمَطْلُوب. هَذِه خُلَاصَة مَا فِي هَذَا الْبَاب. اللَّهُمَّ هون عَليّ الْحساب. يَوْم الْحساب. بشفاعة الْأَرْبَعَة المتناسبة خُلَاصَة الأحباب (أَي أحباب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) . الِارْتفَاع: فِي دَائِرَة الِارْتفَاع وَيُطلق على مَا يُطلق عَلَيْهِ مسْقط الْحجر غَالِبا ولاستعلام ارْتِفَاع المرتفعات طرق أسهلها أَن ينْتَصب شاخصا على أَرض مسطح بِحَيْثُ يعْتَمد عَلَيْهِ واستعلم نِسْبَة ظلّ ذَلِك الشاخص إِلَيْهِ فَتلك النِّسْبَة بَينهَا نِسْبَة ظلّ الْمُرْتَفع إِلَيْهِ. هَذَا فِي مُرْتَفع يُمكن الْوُصُول إِلَى مسْقط حجره. وَأما فِيمَا لَا يُمكن فطريق استعلام ارتفاعه يفْتَقر إِلَى الاضطرلاب وَهُوَ مَذْكُور فِي خُلَاصَة الْحساب. ارْتِفَاع النقيضين محَال: كاجتماعهما بِالضَّرُورَةِ نعم إِن ارتفاعهما فِي مرتبَة اللَّذَّات جَائِز وَالْمرَاد إِنَّا لَا نتعقل فِي مرتبَة الذَّات إِلَّا الذَّات منسلخا عَن الْعَوَارِض كلهَا وَهَذِه مرتبَة لَا يثبت فِيهَا إِلَّا الذاتيات أَي لَا يتعقل غَيرهَا وَلَا يلْزم سلب الْغَيْر فِي الْوَاقِع فارتفاع النقيضين فِي هَذِه الْمرتبَة عبارَة عَن عدم تعلقهما فِي تِلْكَ الْمرتبَة. وعَلى هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 التَّحْقِيق الْحقيق مدَار حل أَكثر الاعتراضات فَافْهَم واحفظ. فَإِن قيل إِن الْوُجُود والعدم نقيضان مَعَ أَن شَيْئا مِنْهُمَا لَا يصدق على زيد مثلا إِذْ لَا يَصح أَن يُقَال زيد وجودا وَعدم فَيلْزم ارْتِفَاع النقيضين عَن زيد، قُلْنَا معنى ارْتِفَاع النقيضين عدم اتصاف شَيْء بِشَيْء من النقيضين لَا عدم حملهما على شَيْء بالمواطأة. فَإِن قيل إِن بعض الموجودات آني فتأثير الْعلَّة فِي عدم هَذِه الموجودات الْآنِية أَيْضا آني بِنَاء على كَلَام الشَّيْخ فَإِن كَانَ آن تَأْثِير الْعلَّة فِي عدمهَا هُوَ آن وجودهَا يلْزم اجْتِمَاع النقيضين وَإِن كَانَ غَيره فَلَا بُد أَن يكون بَين الآنين زمَان إِذْ تتالي الآنات بَاطِل عِنْد الْحُكَمَاء فالشيء الآني الْوُجُود فِي هَذَا الزَّمَان الَّذِي يتَحَقَّق بَين آن وجوده وَبَين آن عَدمه الْعلَّة لَهُ لَا يكون مَوْجُودا وَلَا مَعْدُوما فَيلْزم ارْتِفَاع النقيضين. قُلْنَا إِنَّا نَخْتَار كَون آن تَأْثِير الْعلَّة فِي عدم الشَّيْء الآني هُوَ عين آن وجوده وَلَكِن اتصافه بالمعدومية فِي زمَان بعد هَذَا الْآن وَلَا يلْزم اجْتِمَاع النقيضين وَلَا تخلف الْمَعْلُول عَن الْعلَّة إِذْ معنى تخلف الْمَعْلُول عَن الْعلَّة هُوَ أَن يكون الْعلَّة فِي زمَان والمعلول فِي زمَان آخر وَمَا يلْزمه لَيْسَ كَذَلِك، فَإِن قيل إِن الْمُمكن الْخَاص واللاممكن الْخَاص متناقضان وكل مِنْهُمَا أخص من الْمُمكن الْعَام وَلَا يصدق شَيْء من الْمُمكن واللاممكن الخاصين على كل الْأَعَمّ فَيلْزم ارتفاعهما عَن بعض الْمُمكن الْعَام قُلْنَا بِصدق الْأَخَص على الْأَعَمّ تَنْعَقِد قَضِيَّة جزئية فَيجوز أَن يصدق الْمُمكن الْخَاص واللاممكن الْخَاص على جَمِيع أَفْرَاد الْمُمكن الْعَام توزيعا ثمَّ اعْلَم أَن كَون الْمُمكن الْخَاص أخص من الْمُمكن الْعَام فَظَاهر وَأما كَون اللاممكن الْخَاص أخص مِنْهُ فَلِأَن الْمُمكن الْعَام يصدق على الْمُمكن الْخَاص وعَلى اللاممكن الْخَاص فللممكن الْعَالم فردان وَلَا خَفَاء فِي أَن اللاممكن الْخَاص لَا يصدق على أحد فرديه وَهُوَ الْمُمكن الْخَاص فَتَأمل. الْإِرَادَة: صفة توجب للحي حَالَة لأَجلهَا يَقع مِنْهُ الْفِعْل على وَجه دون وَجه. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هِيَ صفة فِي الْحَيّ تخصص بعض الأضداد بالوقوع دون الْبَعْض وَفِي بعض الْأَوْقَات دون الْبَعْض مَعَ اسْتِوَاء نِسْبَة قدرَة ذَلِك الْحَيّ إِلَى الْكل. وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله هما أَي الْإِرَادَة والمشيئة عبارتان عَن صفة فِي الْحَيّ توجب تَخْصِيص أحد المقدورين فِي أحد الْأَوْقَات بالوقوع مَعَ اسْتِوَاء نِسْبَة الْقُدْرَة إِلَى الْكل وَكَون تعلق الْعلم تَابعا للوقوع. قَوْله (وَكَون تعلق الْعلم) مَعْطُوف على قَوْله تَخْصِيص أحد المقدورين وغرضه رَحمَه الله من هَذَا الْبَيَان ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا الرَّد على الكرامية الْقَائِلين بِأَن الْمَشِيئَة قديمَة والإرادة حَادِثَة قَائِمَة بِذَات الله تَعَالَى وَثَانِيها الرَّد على النجار وَكثير من معتزلة بَغْدَاد حَيْثُ زَعَمُوا أَن معنى إِرَادَة الله تَعَالَى فعله أَنه لَيْسَ بمكره وَلَا ساه وَلَا مغلوب أَي لَا مَجْنُون وَمعنى إِرَادَته فعل غَيره أَنه آمُر بِهِ يَعْنِي أَن مَا لَا يكون مَأْمُورا بِهِ لَا يكون مرادفا فالإرادة عِنْدهم عين الْأَمر وَثَالِثهَا إِثْبَات الْمُغَايرَة بَين الْإِرَادَة وَالْعلم ردا على الكعبي الْقَائِل بِأَن إِرَادَته تَعَالَى لفعله الْعلم بِهِ وعَلى الْمُحَقِّقين من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الْمُعْتَزلَة وهم النظام والعلاف وَأَبُو الْقَاسِم الْبَلْخِي والجاحظ الْقَائِلين بِأَن الْإِرَادَة عين الْعلم بِمَا فِي الْفِعْل من الْمصلحَة. أما وَجه الرَّد الأول فَإِنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ فَقدم أَحدهمَا مُسْتَلْزم لقدم الآخر وحدوث أَحدهمَا لحدوث الآخر فَالْقَوْل بحدوث أَحدهمَا وَقدم الآخر لَيْسَ بِصَحِيح لَكِن لَا يخفى أَن لَهُم أَن يمنعوا الترادف. وَأما وَجه الرَّد الثَّانِي فَإِن الْإِرَادَة والمشيئة مترادفتان وَقد تقرر أَن المشيء لَا يتَخَلَّف عَن الْمَشِيئَة لقَوْله تَعَالَى {وَلَو شَاءَ رَبك لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا} . فَالْمُرَاد أَيْضا لَا يتَخَلَّف عَن الْإِرَادَة وَأَنه تَعَالَى أَمر كل مُكَلّف بِالْإِيمَان وَلم يُوجد الْمَأْمُور بِهِ عَن الْبَعْض فَلَو كَانَ الْإِرَادَة والمشيئة عين الْأَمر لما تخلف الْمَأْمُور بِهِ عَن الْأَمر لِأَن المُرَاد لَا يتَخَلَّف عَن الْإِرَادَة. وَالْجَوَاب: بِأَنا لَا نسلم عدم تخلف المشيء وَالْمرَاد عَن الْمَشِيئَة والإرادة لجَوَاز أَن يأول قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا اشْتهر من السّلف وَالْخلف مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن. بِمَشِيئَة قسر عدُول عَن الظَّاهِر بِلَا ضَرُورَة نعم يرد الْمَنْع بِأَنا لَا نسلم اتِّحَاد الْمَشِيئَة والإرادة بِأَن المشيء لَا يَنْفَكّ عَن الْمَشِيئَة وَالْمرَاد يَنْفَكّ عَن الْإِرَادَة كَيفَ وتخلف المُرَاد عَن الْإِرَادَة جَائِز عِنْدهم لأَنهم يَقُولُونَ إِن الله تَعَالَى أَرَادَ إِيمَان الْكَافِر وطاعته لكنه لم يَقع. وَأما الثَّالِث أَي إِثْبَات أَن الْعلم غير الصّفة الَّتِي ترجح أحد المقدورين بالوقوع فَإِن الْعلم لَو كَانَ عين الْإِرَادَة فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مُرَجّح أحد الطَّرفَيْنِ الْعلم بِنَفس حَقِيقَة الْمَقْدُور أَو الْعلم بِوُقُوعِهِ ووجوده فِي الْخَارِج وَكِلَاهُمَا لَا يصير مُخَصّصا. أما الأول فَلِأَنَّهُ عَام شَامِل للْوَاقِع وَغَيره فَإِنَّهُ تَعَالَى يعلم الْمُمكن والممتنع وَالْوَاجِب فَلَا يكون مُخَصّصا لَهُ وَهُوَ ظَاهر. وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْعلم بِوُقُوع الشَّيْء فرع وتابع لكَونه مِمَّا يَقع فِي الْحَال أَو فِي الِاسْتِقْبَال فَإِن الْمَعْلُوم هُوَ الأَصْل وَالْعلم صُورَة لَهُ وظل وحكاية عَنهُ سَوَاء كَانَ مقدما عَلَيْهِ وَهُوَ الْفعْلِيّ أَو مُؤَخرا عَنهُ وَهُوَ الانفعالي وَالصُّورَة والحكاية عَن الشَّيْء فرع ذَلِك الشَّيْء حَتَّى لَو لم يكن ذَلِك الشَّيْء بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّة الَّتِي تعلّقت بِهِ الْعلم لَا يكون علما بل جهلا. وَإِذا كَانَ الْعلم بِوُقُوع الشَّيْء مِمَّا يَقع فَلَا يكون عين الْإِرَادَة الَّتِي كَون الشَّيْء مِمَّا يَقع فرع وتابع لَهُ. فَإِن قيل: الْإِرَادَة من حَيْثُ هِيَ إِرَادَة نسبتها إِلَى الضدين وَإِلَى الْأَوْقَات سَوَاء إِذْ كَمَا يجوز تعلقهَا بِهَذَا الضِّدّ يجوز تعلقهَا بالضد الآخر وكما يجوز إِرَادَة وُقُوع وَاحِد مِنْهُمَا فِي وَقت يجوز إِرَادَة وُقُوعه فِي وَقت آخر فَيَعُود الْكَلَام فِيهَا فَيُقَال لَا بُد للتخصيص من مُخَصص مغائر للْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة فَيثبت صفة رَابِعَة وَيلْزم التسلسل. وَحَاصِل الِاعْتِرَاض: إِن تَسَاوِي نِسْبَة الْإِرَادَة إِلَى التعلقين يحْتَاج إِلَى مُخَصص آخر فيتسلسل وَإِن لم تتساو نسبتها فَيلْزم الْإِيجَاب. قُلْنَا: نَخْتَار الشق الأول ونمنع لُزُوم الِاحْتِيَاج إِلَى مُخَصص آخر فَإِن الْإِرَادَة صفة من شَأْنهَا صِحَة الْفِعْل وَالتّرْك فَيصح تخصيصها مَعَ اسْتِوَاء نسبتها إِلَى الضدين من غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 احْتِيَاج إِلَى مُخَصص قيل لَا نسلم وجود الصّفة الَّتِي من شَأْنهَا صِحَة الْفِعْل وَالتّرْك من غير مُخَصص بل هُوَ مُمْتَنع لاستلزام وجودهَا الْمحَال الَّذِي هُوَ تَرْجِيح أحد المتساويين بِلَا مُرَجّح. وَقد أُجِيب: عَنهُ بِأَن اللَّازِم هُوَ تَرْجِيح أحد المتساويين أَي إيجاده من غير مُرَجّح أَي غير سَبَب دَاع إِلَى إيجاده وَهُوَ لَيْسَ بمحال بل هُوَ وَاقع فَإِن الهارب من السَّبع إِذا ظهر لَهُ طَرِيقَانِ متساويان فَإِنَّهُ يخْتَار أَحدهمَا من غير دَاع وباعث عَلَيْهِ وَكَذَا العطشان إِذا كَانَ عِنْده قدحا مَاء مستويان من جَمِيع الْوُجُوه فَإِنَّهُ يخْتَار أَحدهمَا أَيْضا إِنَّمَا الْمحَال هُوَ ترجح أحد المتساويين أَو وُقُوع أَحدهمَا من غير مُرَجّح أَي موقع وموجد وَهُوَ غير لَازم من كَون الْإِرَادَة مرجحة وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله وَأَنت خَبِير بِأَن هَذَا الْجَواب لَا يجدي نفعا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يجوز أَن يكون مُخَصص أحد المقدورين بالوقوع فِي وَقت معِين هِيَ الْقُدْرَة واستواء نسبتها إِلَى الطَّرفَيْنِ والأوقات إِنَّمَا يسْتَلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح لَا الترجح بِلَا مُرَجّح إِذا الْمُرَجح الموجد هُوَ الذَّات وَهُوَ مَوْجُود. وَالْفرق بِأَن كَون الْقُدْرَة مرجحة يسْتَلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح دون الْإِرَادَة مُشكل على إِنَّا نقُول قد صرح السَّيِّد الشريف رَحمَه الله فِي شرح المواقف فِي بحث الْإِمْكَان التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح يسْتَلْزم الترجح بِلَا مُرَجّح. هَذَا وَلَا مخلص عَن هَذَا الْإِيرَاد إِلَّا بِأَن يُقَال إِن تعلق الْإِرَادَة بترجيح أحد الطَّرفَيْنِ يحْتَاج إِلَى تعلق آخر مُخَصص لَهُ وَهَكَذَا إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ فالتسلسل فِيهَا لَيْسَ بمحال وَفِيه تَأمل انْتهى. وَاعْلَم: أَن الْإِرَادَة فِي الْحَقِيقَة لَا تتَعَلَّق دَائِما إِلَّا بالمعدوم فَإِنَّهَا صفة تخصص أَمر إِمَّا بحصوله ووجوده كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} . والإرادة عِنْد أهل الْحَقَائِق طلب الْقرب الإلهي من المرشد الْمجَاز الَّذِي تَنْتَهِي سلسلته إِلَى النَّبِي الْكَرِيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِوَاسِطَة خَليفَة من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وتتمة هَذَا المرام فِي المريد إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْإِرْسَال: (كذاشتن وفرستادن) والإرسال فِي الحَدِيث عدم الْإِسْنَاد مثل أَن يَقُول الرَّاوِي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غير أَن يَقُول حَدثنَا فلَان عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. الإرش: بِفَتْح الأول وَسُكُون الثَّانِي اسْم لِلْمَالِ الْوَاجِب على مَا دون النَّفس. الأَرْض: جسم بسيط طبيعتها أَن تكون بَارِدَة ويابسة متحركة إِلَى الْمَكَان الذاتي الَّذِي هُوَ تَحت كرة المَاء. وَاعْلَم أَن مَرْكَز الأَرْض مَرْكَز الْعَالم فَهِيَ بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَالشمَال والجنوب والفوق والتحت لِأَنَّهَا لَو كَانَت قريبَة من الْمشرق لَكَانَ الزَّمَان الَّذِي بَين طُلُوع الشَّمْس إِلَى غَايَة ارتفاعها أقل من الزَّمَان الَّذِي من غَايَة ارتفاعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 إِلَى غُرُوبهَا وَلَيْسَ كَذَلِك فَلَا تكون قريبَة من الْمشرق. وَلَو كَانَت قريبَة من الْمغرب لَكَانَ الزمانان بعكس الْمَذْكُور وَلَيْسَ كَذَلِك فَلَا يكون ذَلِك. وَالشَّمْس إِذا كَانَت فِي الْحمل أَو الْمِيزَان فانصب مقياسا على الأَرْض فمجموع خطي ظِلِّي الْمشرق وَالْمغْرب يكون خطا مُسْتَقِيمًا فَلَو كَانَت الأَرْض فِي جَانب الشمَال أَو الْجنُوب لما كَانَ الخطان خطين مستقيمين. فَمن هَا هُنَا يعلم أَنَّهَا بَين الشمَال والجنوب لَا فِي جَانب من أَحدهمَا وَلَو كَانَت قريبَة من الفوق لَكَانَ الظَّاهِر من الْفلك أقل من نصفه. وَلَو كَانَت قريبَة من التحت لَكَانَ الظَّاهِر من الْفلك أَكثر من نصفه وَلَيْسَ كَذَلِك. فَعلم أَنَّهَا فِي وسط الْعَالم مركزها مركزه كَانَ الْفلك مغناطيس وَالْأَرْض حَدِيدَة جذبها الْفلك من كل جَانب على السوَاء وَالْأَرْض سَاكِنة دَائِما. وَمَا قيل، إِنَّهَا تتحرك بالاستدارة دون الأفلاك وطلوع الْكَوَاكِب وغروبها بِسَبَب حَرَكَة الأَرْض مِمَّا تكرههُ الآذان لِأَن فِي طبيعة الأَرْض ميل حَرَكَة مُسْتَقِيمَة فَلَا يُمكن أَن يكون فِيهَا ميل حَرَكَة مستديرة لِامْتِنَاع اجْتِمَاع ميلين طبيعيين بجهتين مختلفتين وَلِأَن الأَرْض لَو تحركت من الْمشرق إِلَى الْمغرب أَو بِالْعَكْسِ فَلَا بُد أَن لَا يَقع الْحجر المرمي فِي الْهَوَاء من مَوضِع معِين على ذَلِك الْموضع وَلَيْسَ كَذَلِك وَلَك أَن تَقول إِن ذَلِك الْحجر المرمي لكَونه جُزْءا من الأَرْض أَيْضا يَتَحَرَّك مَعَ حَرَكَة مَوضِع الرَّمْي فَالْوَاجِب أَن لَا يَقع إِلَّا فِي مَوضِع الرَّمْي فَافْهَم. الإرتثاث: (كهنه شدن) مَأْخُوذ من ثوب رث أَي خلق. وَفِي الشَّرْع أَن يرتفق الْمَجْرُوح بِشَيْء من مرافق الْحَيَاة أَو يثبت لَهُ حكم من أَحْكَام الْأَحْيَاء كَالْأَكْلِ وَالشرب وَالنَّوْم والمداواة وَغير ذَلِك. وَفِي كنز الدقائق فِي بَاب الشَّهِيد أَو ارتث بِأَن أكل أَو شرب أَو نَام أَو تداوى أَو مضى وَقت صَلَاة وَهُوَ يعقل أَو نقل من المعركة حَيا أَو أوصى. وَفِي الصِّحَاح ارتث فلَان وَهُوَ افتعل مَا لم يسم فَاعله أَي حمل من المعركة رثيثا أَي جريحا وَبِه رَمق. الارين: مَحل الِاعْتِدَال فِي الْأَشْيَاء. وَهِي نقطة فِي الأَرْض يَسْتَوِي مَعهَا ارْتِفَاع القطبين وَلَا يَأْخُذ هُنَاكَ اللَّيْل من النَّهَار وَلَا النَّهَار من اللَّيْل وَقد يُقَال عرفا على مَحل الِاعْتِدَال مُطلقًا. بَاب الْألف مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة الْأَزْمَان: جمع الزَّمَان. الْأزَارِقَة: جمَاعَة نَافِع بن الْأَزْرَق وَقَالُوا كفر عَليّ كرم الله وَجهه بالتحكيم وَابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ملجم وَهُوَ الَّذِي قتل عليا رَضِي الله عَنهُ محق وَكَفرُوا الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وقضوا بتخليدهم فِي النَّار. أزلية الْإِمْكَان وَإِمْكَان الأزلية: فِي الْعَكْس الْمُسْتَقيم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْأَزَل: عبارَة عَن عدم الأولية أَو اسْتِمْرَار الْوُجُود فِي أزمنة مقدرَة غير متناهية فِي جَانب الْمَاضِي وَالْأول أَعم من الثَّانِي لصدق الأول فِي الإعدام أَيْضا بِخِلَاف الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي الموجودات الْقَدِيمَة كَمَا لَا يخفى. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي شرح العقائد النسفية فِي بَيَان حُدُوث الإعيان والإعراض وَالثَّالِث أَن الْأَزَل لَيْسَ عبارَة عَن حَالَة مَخْصُوصَة إِلَى آخِره وَمَا خطر فِي خاطري الكليل وذهني العليل أَو أَن تكراره بخلص الأحباب وزبدة الْأَصْحَاب مستان على السنكميزي أعطَاهُ الله أحسن مَا يتمناه فِي تَحْرِير ذَلِك الْبَحْث الثَّالِث من جَانب الْحُكَمَاء أَن قَوْله الثَّالِث أَن الْأَزَل إِلَى آخِره. حَاصله منع الْمُلَازمَة لَو أُرِيد بالحادث الْحَادِث الْمعِين أَي الْحَرَكَة الْمعينَة وَمنع اسْتِحَالَة اللَّازِم لَو أُرِيد بِهِ الْحَادِث مُطلقًا أَي مُطلق الْحَرَكَة. وتوضيحه: إِن المُرَاد بالحادث فِي قَوْله فلَان مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَادِث أَي الحركات لَو ثَبت فِي الْأَزَل لزم ثُبُوت الْحَادِث فِي الْأَزَل وَهُوَ محَال إِمَّا فَرد معِين من الْحَادِث فَلَا نسلم أَن مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث أَي الحركات لَو ثَبت فِي الْأَزَل لزم ثُبُوت ذَلِك الْفَرد الْمعِين من الْحَادِث فِي الْأَزَل لجَوَاز ثُبُوته فِي الْأَزَل بِدُونِ ذَلِك الْفَرد. نعم لَو كَانَ الْأَزَل عبارَة عَن زمَان مُقَدّر مَخْصُوص للَزِمَ من وجود مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث فِيهِ وجود جَمِيع الْحَوَادِث فِيهِ فَيكون ذَلِك الْفَرد الْمعِين فِيهِ الْبَتَّةَ وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْأَزَل عبارَة عَن عدم الأولية أَو عَن اسْتِمْرَار الْوُجُود. وَلَا شكّ أَن عدم أولية مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث أَو اسْتِمْرَار وجوده لَا يسْتَلْزم عدم أولية الْحَادِث الْمعِين فِيهِ أَو اسْتِمْرَار وجوده. وَأما الْحَادِث مُطلقًا أَي فَرد منتشر مِنْهُ فالملازمة مسلمة لَكِن استمالة اللَّازِم مَمْنُوع لِأَن مَا لَا يَخْلُو عَن الْحَوَادِث أَي الحركات الْحَادِثَة مثلا لَو كَانَ فِي الْأَزَل يكون مُطلق الْحَرَكَة أَي فَرد منتشر مِنْهَا فِي الْأَزَل الْبَتَّةَ وَلَا ضير فِي أزليتها فَإِنَّهُم قَائِلُونَ بأزلية الحركات الْحَادِثَة وَيَقُولُونَ إِن معنى أزليتها أَنه مَا من حَرَكَة إِلَى آخِره وَلَا شكّ أَن الْحَرَكَة الْمُطلقَة أزلية بِمَعْنى عدم الأولية واستمرار الْوُجُود أَيْضا. فَقَوله إِنَّمَا الْكَلَام فِي الْحَرَكَة الْمُطلقَة أَي إِنَّمَا أردنَا بالحادث فِي التَّالِي الْحَرَكَة الْمُطلقَة لِأَن كلامنا فِيهَا وَهِي أزلية عندنَا فاستحالة اللَّازِم مَمْنُوع. فحاصل قَوْله فَالْجَوَاب أَنه لَا وجود إِلَى آخِره وَاضح ولائح. قَوْله: بل هُوَ عبارَة إِلَى آخِره فللأزلي مَعْنيانِ الأول أَعم من الثَّانِي لشُمُوله الإعدام دون الثَّانِي والأزلي بِالْمَعْنَى الثَّانِي يُسَاوِي الْقَدِيم أَو يرادفه وَإِنَّمَا قَالَ فِي أزمنة مقدرَة ليشْمل أزليته تَعَالَى وأزلية صِفَاته فَإِنَّهُ تَعَالَى وَصِفَاته مَوْجُودَة حَيْثُ لَا زمَان. قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَمعنى أزلية الحركات الْحَادِثَة إِلَى آخِره تَحْقِيقه مَا حررنا آنِفا وَيحْتَمل أَن يكون جَوَابا عَمَّا يُقَال إِن الحركات الفلكية حَادِثَة لَيْسَ لَهَا عدم الأولية وَلَا اسْتِمْرَار الْوُجُود مَعَ أَنهم قَائِلُونَ بأزليتها. وَحَاصِل الْجَواب: أَن الْأَزَل هَا هُنَا بِمَعْنى آخر وَأَنت تعلم أَنه على مَا حررنا اربط بالسابق واللاحق. قَوْله وَالْجَوَاب أَنه لَا وجود إِلَى آخِره حَاصله اخْتِيَار الشق الثَّانِي وَإِثْبَات اسْتِحَالَة اللَّازِم بِأَنَّهُ لَا وجود للمطلق إِلَى آخِره. قَوْله فَلَا يتَصَوَّر قدم الْمُطلق أَي أزليته وَمن هَا هُنَا يعلم أَن الْأَزَل مسَاوٍ للقدم أَو مرادف لَهُ انْتهى - وَفِي شرح الْمطَالع الْأَزَل دوَام الْوُجُود فِي الْمَاضِي والأبد دوَام الْوُجُود فِي الْمُسْتَقْبل. الأزلي: لَهُ مَعْنيانِ أَحدهمَا مَا لَا أول لَهُ سَوَاء كَانَ مَوْجُودا أَو مَعْدُوما فَهُوَ مَا لَا أول لوُجُوده أَو عَدمه وَثَانِيهمَا مَا اسْتمرّ وجوده فِي أزمنة مقدرَة غير متناهية فِي جَانب الْمَاضِي وَالْمعْنَى الأول أَعم من الثَّانِي كَمَا لَا يخفى. الْإِزَار فِي الْإِحْرَام: هُوَ من السُّرَّة إِلَى مَا تَحت ركبته وَفِي الْكَفَن هُوَ من الْقرن أَي الرَّأْس إِلَى الْقدَم تَحت اللفافة. بَاب الْألف مَعَ السِّين الْمُهْملَة الِاسْم: عِنْد النُّحَاة كلمة دلّت على معنى فِي نَفسهَا غير مقترن بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة بِالْوَضْعِ. وَهُوَ على نَوْعَيْنِ اسْم عين وَهُوَ الدَّال على شَيْء معِين يقوم بِذَاتِهِ كزيد وَعَمْرو. وَاسم معنى وَهُوَ مَا لَا يقوم بِذَاتِهِ سَوَاء كَانَ مَعْنَاهُ وجوديا كَالْعلمِ أَو عدميا كالجهل - وَفِي شرح الْمَقَاصِد الِاسْم هُوَ اللَّفْظ الْمُفْرد الْمَوْضُوع للمعنى فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى شَامِل لأنواع الْكَلِمَة - وَفِي الْأَنْوَار تَحت قَوْله تَعَالَى {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} . الِاسْم بِاعْتِبَار الِاشْتِقَاق مَا يكون عَلامَة للشَّيْء إِن كَانَ من الوسم ودليلا يرفعهُ إِلَى الذِّهْن إِن كَانَ من السمو سَوَاء كَانَ لفظا مُطلقًا أَو صفة أَو فعلا واستعماله عرفا فِي اللَّفْظ الْمَوْضُوع لِمَعْنى سَوَاء كَانَ مركبا أَو مُفردا مخبرا عَنهُ أَو خَبرا أَو رابطة وَاصْطِلَاحا فِي الْمُفْرد الدَّال على معنى فِي نَفسه غير مقترن بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة انْتهى وَهُوَ يدل على أَن التَّخْصِيص بالمفرد مُطلقًا لَيْسَ فِي شَيْء من الإطلاقات فَافْهَم. ثمَّ اعْلَم: إِن من خواصه الحكم عَلَيْهِ أَي الْإِسْنَاد إِلَيْهِ. فَإِن قلت لَا نسلم ذَلِك بِسَنَد قَوْلهم (ضرب) فعل مَاض (وَمن) حرف. قُلْنَا إِن الْإِسْنَاد فِيهِ إِلَى لفظ (ضرب) وَلَفظ (من) لَا إِلَى مَعْنَاهُمَا والإسناد إِلَى الْمَعْنى من خَواص الِاسْم. وَأما الْإِسْنَاد إِلَى اللَّفْظ لَيْسَ من خواصه بل يجْرِي فِي الْفِعْل والحرف حَتَّى فِي المهملات أَيْضا كَمَا يُقَال (جق) مهمل (وديز) مقولب زيد. - وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن الْإِخْبَار عَن الْحَرْف وَالْفِعْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 إِمَّا عَن لَفْظهمَا فَهُوَ جَائِز كالمثالين الْمَذْكُورين. وَإِمَّا عَن مَعْنَاهُمَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يعْتَبر مَعْنَاهُمَا بِلَفْظ وضع بإزائهما أَو بِغَيْر لفظ كَذَلِك وَلَا امْتنَاع فِي الثَّانِي أَيْضا كَقَوْلِنَا معنى الْفِعْل مقرون بِالزَّمَانِ وَمعنى الْحَرْف غير مُسْتَقل بِنَفسِهِ. وَالْأول إِمَّا أَن يكون بلفظهما مَعَ ضميمة وَهُوَ أَيْضا لَيْسَ بممتنع كَقَوْلِنَا معنى من غير معنى فِي وَمعنى ضرب غير معنى كلمة فِي أَو بِمُجَرَّد لَفْظهمَا وَهُوَ غير جَائِز لِأَن الْإِخْبَار عَن الْمَعْنى والإسناد إِلَيْهِ بِمُجَرَّد لَفظه خَاصَّة الِاسْم وَهَذَا هُوَ الْجَواب الصَّوَاب فَلَا تنظر إِلَى مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن كلمة من وَضرب فِي القَوْل الْمَذْكُور اسمان للحرف وَالْفِعْل الْمَاضِي وَكَذَا جق وديز اسمان لجق وديز فَإِنَّهُ لم يقل أحد من أَرْبَاب اللُّغَة باسميتهما مَعَ أَن القَوْل باسميتهما إِن كَانَ مَقْرُونا بِدَعْوَى الْوَضع فَلَا بُد من إِثْبَات الْوَضع وَإِلَّا فاصعب من خرط القتاد. هَذَا حَاصِل مَا حققناه فِي جَامع الغموض منبع الفيوض. وَإِن أردْت تَحْقِيق لفظ الِاسْم فَاعْلَم أَن فِي الِاسْم مذهبين الصَّحِيح أَنه مَأْخُوذ من السمو بِالسِّين الْمُهْملَة المتحركة بالحركات الثَّلَاث وَسُكُون الْمِيم وَإِنَّمَا سميت الْكَلِمَة الْمَذْكُورَة اسْما لعلوها عَن أخويها اسْتِقْلَالا فِي الدّلَالَة على الْمَعْنى واستغناء فِي الِاشْتِقَاق ثمَّ حذفت الْوَاو تَخْفِيفًا على خلاف الْقيَاس ونقلت حَرَكَة السِّين إِلَى الْمِيم ليَصِح الْوَقْف لِأَنَّهُ إِسْقَاط الْحَرَكَة ثمَّ جِيءَ بِالْهَمْزَةِ لِئَلَّا يلْزم الِابْتِدَاء بالساكن. وَقيل الْهمزَة عوض الْوَاو المحذوفة فَصَارَ السمو اسْما. وَالْمذهب الثَّانِي أَن الِاسْم مَأْخُوذ من الوسم بِمَعْنى الْعَلامَة وَإِنَّمَا سميت تِلْكَ الْكَلِمَة بِالِاسْمِ لكَونهَا عَلامَة على مسماها والهمزة مبدلة عَن الْوَاو على غير الْقيَاس لِأَن إِبْدَال الْوَاو الْمَفْتُوحَة فِي أول الْكَلِمَة بِالْهَمْزَةِ نَادِر شَاذ كَأحد واناة. وَلَا يخفى أَن هَذَا الْمَذْهَب بَاطِل لِأَن ماضيه سمى وَجمعه أَسمَاء. وَلَو كَانَ الِاسْم من الوسم الْمِثَال الواوي لَكَانَ الْفِعْل الْمَاضِي مِنْهُ وسم وَجمعه أوسام. وَالْجَوَاب بارتكاب الْقلب المكاني يُنبئ عَن الْقلب الجناني يَعْنِي مَا قَالَ بَعضهم أَن فاءه جعل لامه ملوم. وَقد يُطلق الِاسْم على مَا يُقَابل الصّفة فالاسم الْمُقَابل للْفِعْل والحرف اسْم كزيد وَعَمْرو. وَصفَة كأحمر وأسود. وَقد يُطلق الِاسْم على مَا يُقَابل اللقب والكنية فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ قسم من الْعلم فَإِن الْعلم وَهُوَ مَا وضع لشَيْء بِعَيْنِه غير متناول غَيره بِوَضْع وَاحِد اسْم ولقب وكنية لِأَن الْعلم إِن كَانَ مصدرا بَاب أَو أم أَو ابْن أَو بنت أَو لَا الأول الكنية وَالثَّانِي إِن كَانَ مشعرا بالمدح أَو الذَّم أَو لَا الأول اللقب وَالثَّانِي الِاسْم هَذَا عِنْد النُّحَاة فعلى هَذَا تقَابل الْأَقْسَام بِالذَّاتِ. وَنقل عَن بعض أهل الحَدِيث أَن الْعلم الْمصدر بَاب أَو أم مُضَاف إِلَى اسْم حَيَوَان كَأبي هُرَيْرَة أَو صفة كَأبي الْحسن كنية وَإِلَى غير ذَلِك لقب كَأبي تُرَاب. ثمَّ إِن الكنية عِنْد الْمُحدثين قد يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْصَاف كَأبي الْغفار وَأبي الْمَعَالِي وَأبي الحكم وَأبي الْخَيْر. وَقد يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْلَاد كَأبي مُسلم وَأبي شُرَيْح. وَقد يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى أدنى مُلَابسَة كَأبي هُرَيْرَة فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رَآهُ وَمَعَهُ هرة فكناه بِأبي هُرَيْرَة. وَقد يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى العلمية الصرفة كَأبي بكر وَأبي عمر كَذَا فِي كنز الْأُصُول فِي معرفَة حَدِيث الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالِاسْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 عِنْد الصُّوفِيَّة هُوَ اللَّفْظ الدَّال على الذَّات مَعَ الصّفة الوجودية كالعليم والقدير، أَو العدمي كالقدوس وَالسَّلَام. الِاسْم المتمكن: هُوَ الِاسْم الَّذِي يتَغَيَّر آخِره بِتَغَيُّر الْعَامِل. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ الِاسْم الَّذِي يدْخلهُ حركات الْإِعْرَاب الثَّلَاثَة مَعَ التَّنْوِين لعدم مشابهته بمبنى الأَصْل وَلعدم مشابهته بِالْفِعْلِ فِي الفرعيتين الْمَانِعَة عَن دُخُول الْجَرّ والتنوين وَالتَّحْقِيق الْحقيق إِن التَّمَكُّن عِنْدهم عبارَة عَن عدم مشابهة الِاسْم بِالْفِعْلِ فِي الفرعيتين فالاسم المتمكن هُوَ الِاسْم الَّذِي لَهُ ذَلِك التَّمَكُّن. الِاسْم عين الْمُسَمّى: لَيْسَ المُرَاد بِهِ أَن لفظ زيد مثلا عين الْمُسَمّى بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقُول بِهِ عَاقل بل قد اشْتهر الْخلاف فِي أَن الِاسْم هَل هُوَ نفس الْمُسَمّى أَو غَيره بِمَعْنى أَن مَدْلُول الِاسْم أهوَ الذَّات من حَيْثُ هِيَ هِيَ أم هُوَ الذَّات بِاعْتِبَار أَمر صَادِق عَلَيْهِ عَارض لَهُ يُنبئ عَنهُ. فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله قد يكون مَدْلُول الِاسْم عين الْمُسَمّى نَحْو الله فَإِنَّهُ اسْم علم للذات من غير اعْتِبَار معنى فِيهِ. وَقد يكون غَيره نَحْو الْخَالِق والرازق مِمَّا يدل على نسبته إِلَى غَيره وَلَا شكّ أَن تِلْكَ النِّسْبَة غَيره، وَقد يكون لَا هُوَ وَلَا غَيره كالعليم والقدير مِمَّا يدل على صفة حَقِيقِيَّة قَائِمَة بِذَاتِهِ. وَذهب ابْن فورك وَغَيره إِلَى أَن كل اسْم فَهُوَ الْمُسَمّى بِعَيْنِه فقولك الله قَول دَال على اسْم هُوَ الْمُسَمّى. وَكَذَا قَوْلك عَالم وخالق فَإِنَّهُ يدل على الرب الْمَوْصُوف بِكَوْنِهِ عَالما وخالقا. وَأما التَّسْمِيَة فَغير الِاسْم والمسمى بالِاتِّفَاقِ لِأَن التَّسْمِيَة هِيَ وضع الِاسْم للمعنى. نعم قد يُرَاد بهَا ذكر الشَّيْء باسمه كَمَا يُقَال سمى زيدا وَلم يسم عمرا. أَي ذكر زيدا باسمه وَلم يذكر عمرا باسمه. وَذهب أَبُو نصر بن أَيُّوب إِلَى أَن لفظ الِاسْم مُشْتَرك بَين التَّسْمِيَة والمسمى فيطلق على كل مِنْهُمَا وَيفهم الْمَقْصُود بِحَسب الْقَرَائِن يَعْنِي أَن لفظ الِاسْم قد يُطلق وَيُرَاد بِهِ لفظ الْمُسَمّى. وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ لفظ التَّسْمِيَة لَا أَنه يُطلق على التَّسْمِيَة بِمَعْنى تَخْصِيص اللَّفْظ للمعنى الَّذِي هُوَ فعل الْوَاضِع وكلا الإطلاقين وَاقع ثَابت فِي الِاسْتِعْمَال. ثمَّ اعْلَم: أَن الأحق أَن يُقَال إِن الِاسْم هُوَ اللَّفْظ الْمَخْصُوص والمسمى مَا وضع ذَلِك اللَّفْظ بإزائه فَنَقُول الِاسْم قد يكون غير الْمُسَمّى فَإِن لفظ الْجِدَار مغائر لحقيقة الْجِدَار. وَقد يكون عينه فَإِن لفظ الِاسْم اسْم للفظ الدَّال على الْمَعْنى الْمُجَرّد عَن الزَّمَان وَمن جملَة تِلْكَ الْأَلْفَاظ لفظ الِاسْم فَيكون لفظ الِاسْم اسْما لنَفسِهِ واتحد هَا هُنَا الِاسْم والمسمى كَذَا فِي شرح المواقف. اسْم الْجِنْس: اعْلَم أَن الِاسْم على أَرْبَعَة أَنْوَاع: جنس وَاسم جنس وَعلم جنس ونكرة. أما الْجِنْس فَهُوَ الَّذِي يَصح إِطْلَاقه على الْقَلِيل وَالْكثير كَالْمَاءِ فَإِنَّهُ يُطلق على القطرة وَالْبَحْر. وَاسم الْجِنْس كالإنسان. وَعلم الْجِنْس كأسامة. والنكرة كَرجل. فَإِن قيل مَا الْفرق بَين اسْم الْجِنْس وَعلم الْجِنْس مَعَ أَنَّهُمَا موضوعان للماهية من حَيْثُ هِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 هِيَ. قُلْنَا اسْم الْجِنْس مَوْضُوع للماهية من حَيْثُ هِيَ هِيَ من غير مُلَاحظَة الْحُضُور فِي الذِّهْن. وَعلم الْجِنْس أَيْضا مَوْضُوع لَهَا لَكِن من حَيْثُ إِنَّهَا حَاضِرَة فِيهِ وَلِهَذَا صَار معرفَة كَمَا أَنه لَا فرق بَين الْعلم والمعلوم عِنْد الْقَائِلين بِحُصُول الْأَشْيَاء بأنفسها فِي الذِّهْن إِلَّا بِاعْتِبَار الْقيام بالذهن وَعدم الْقيام على مَا تقرر فِي مَحَله. والنكرة مَا يكون مَوْضُوعا لفرد منتشر من الْمَفْهُوم وملاحظة الْمَفْهُوم فِي النكرَة لَيْسَ إِلَّا ليَكُون آلَة لملاحظة الْأَفْرَاد. والنكرة بِهَذَا الْمَعْنى مُقَابل للْجِنْس وَاسم الْجِنْس وَعلم الْجِنْس. وَأما النكرَة بِمَعْنى مَا وضع لغير معِين فشامل للْجَمِيع مُقَابل للمعرفة تقَابل التضاد أَو تقَابل الْعَدَم والملكة. إِن فسر النكرَة بِمَا لَيْسَ بِمَعْرِِفَة عَمَّا من شَأْنه أَن يكون معرفَة فَبين النكرَة بِالْمَعْنَى الأول والمعرفة وَاسِطَة بِخِلَاف النكرَة بِالْمَعْنَى الثَّانِي. وَالْمَفْهُوم من كَلَام جمال الْعَرَب الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله فِي شرح الْمفصل أَن اسْم الْجِنْس والنكرة متحدان مُتَرَادِفَانِ. ثمَّ فِيهَا اخْتِلَاف: قَالَ بَعضهم إِنَّهَا مَوْضُوعَة للماهية مَعَ تشخص غير معِين وَيُسمى فَردا منتشرا. وَقَالَ بَعضهم إِنَّهَا مَوْضُوعَة للماهية من حَيْثُ هِيَ أَي من غير مُلَاحظَة إِلَى أَن يعرضهَا التشخص. فعلى الأول الْفرق بَين النكرَة وَعلم الْجِنْس ظَاهر. وَأما على الثَّانِي فَإِنَّهُمَا وَإِن اتحدا فِي كَون كل مِنْهُمَا مَوْضُوعا للماهية المتحدة فِي الذِّهْن لكنهما افْتَرقَا من حَيْثُ إِن علم الْجِنْس يدل بجوهره على كَون تِلْكَ الْمَاهِيّة مَعْلُومَة للمخاطب معهودة عِنْده كَمَا أَن الْأَعْلَام الشخصية تدل بجواهرها على كَون تِلْكَ الْأَشْخَاص معهودة لَهُ. وَأما اسْم الْجِنْس أَي النكرَة فَلَا يدل بجوهره على كَون تِلْكَ الْمَاهِيّة مَعْلُومَة للمخاطب معهودة عِنْده بل يدل عَلَيْهِ إِذا دخله اللَّام فَهِيَ آلَة تجْعَل تِلْكَ الْمَاهِيّة الَّتِي وضع اسْم الْجِنْس بإزائها معهودة مَعْلُومَة عِنْد الْمُخَاطب وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره اسْم الْجِنْس مَا وضع لِأَن يَقع على شَيْء وعَلى مَا أشبهه كَالرّجلِ فَإِنَّهُ مَوْضُوع لكل فَرد خارجي على سَبِيل الْبَدَل من غير اعْتِبَار تعينه. وَإِن أردْت زِيَادَة التَّفْصِيل فَارْجِع إِلَى كتَابنَا جَامع الغموض شرح الكافيه فِي بحث الْمعرفَة. الِاسْم التَّام: هُوَ الِاسْم الَّذِي يكون على حَالَة لَا يُمكن إِضَافَته مَعَ تِلْكَ الْحَالة وَهِي كَونه مَعَ التَّنْوِين أَو نوني التَّثْنِيَة وَالْجمع وَالْإِضَافَة. وَالظَّاهِر أَن الِاسْم لَا يُمكن إِضَافَته مَعَ بَقَاء التَّنْوِين ونوني التَّثْنِيَة وَالْجمع. وَكَذَا مَعَ الْإِضَافَة إِذْ الِاسْم الْمُضَاف لَا يُضَاف ثَانِيًا. وَإِنَّمَا يُسمى هَذَا الِاسْم بالتام لتمامه بِتِلْكَ الْأُمُور وَعدم احْتِيَاجه مَعَ تِلْكَ الْأُمُور إِلَى الْمُضَاف إِلَيْهِ. فَإِذا تمّ الِاسْم بِهَذِهِ الْأَشْيَاء شابه الْفِعْل التَّام بفاعله فيشابه التَّمْيِيز الْآتِي بعده الْمَفْعُول لوُقُوعه بعد تَمام الِاسْم كَمَا أَن الْمَفْعُول حَقه أَن يَقع بعد تَمام الْكَلَام فينصبه ذَلِك الِاسْم التَّام قبله لمشابهته الْفِعْل التَّام بفاعله. وَهَذِه الْأَشْيَاء إِنَّمَا قَامَت مقَام الْفَاعِل لكَونهَا فِي آخر الِاسْم كَمَا أَن الْفَاعِل يكون عقيب الْفِعْل. أَلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ترى أَن لَام التَّعْرِيف الدَّاخِلَة على أول الِاسْم وَإِن كَانَ يتم بهَا الِاسْم لِأَنَّهُ لَا يُضَاف مَعهَا لكنه لَا ينْتَصب التَّمْيِيز عَنهُ فَلَا يُقَال عِنْدِي الراقود خلا. الاستهلال: رفع الصَّوْت وَأَن يكون من الْوَلَد مَا يدل على حَيَاته من بكاء أَو تَحْرِيك عين أَو عُضْو آخر. وَفِي الْفَتَاوَى (عالمكيري) من اسْتهلّ بعد الْولادَة سمي وَغسل وَصلي عَلَيْهِ. وَمن لم يستهل لم يصل عَلَيْهِ وَيغسل فِي غير ظَاهر الرِّوَايَة وَهُوَ الْمُخْتَار. وَكَذَا فِي الْهِدَايَة الاستهلال مَا يعرف بِهِ حَيَاة الْوَلَد من صَوت أَو حَرَكَة انْتهى. الْإِسْلَام: (كردن نهادن واطاعت كردن) والخضوع والانقياد بِمَا أخبر الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي الْكَشَّاف أَن كل مَا يكون من الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ من غير مواطأة الْقلب فَهُوَ إِسْلَام وَمَا واطأ فِيهِ الْقلب فَهُوَ إِيمَان. وَاعْلَم: أَن هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله وَأما عندنَا فالإيمان وَالْإِسْلَام وَاحِد لما بَين فِي كتب الْكَلَام. وَفِي بعض حَوَاشِي شرح العقائد النسفية الشَّرْع هُوَ الدّين الْمَنْسُوب إِلَى نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسَائِر الْأَنْبِيَاء وَهُوَ الْوَضع الإلهي السَّائِق لِذَوي الْعُقُول باختيارهم الْمَحْمُود إِلَى الْخَيْر بِالذَّاتِ. وَذَلِكَ الْوَضع دين من حَيْثُ يطاع وينقاد بِهِ. وملة من حَيْثُ إِنَّه يجمع عَلَيْهِ الْملَل وَمن حَيْثُ إِنَّه تملئ وتكتب. وَجَاء الإملال بِمَعْنى الْإِمْلَاء وَالْملَّة مضاعف والإملاء نَاقص. وَشرع من حَيْثُ إِنَّه أظهره الشَّارِع. وناموس من حَيْثُ إِنَّه أوحى الله تَعَالَى إِلَى الْأَنْبِيَاء [عَلَيْهِم السَّلَام] بِوَاسِطَة الْملك الْمُسَمّى بالناموس. الاستدراج: خد أَي (رافر اموش كردن وبكارخو دناز يدن) وَعند الْمُتَكَلِّمين مَا سَيَجِيءُ ذكره فِي الخارق للْعَادَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الِاسْتِنْجَاء: اسْتِعْمَال الْحجر أَو المَاء. الِاسْتِبْرَاء: نقل الْأَقْدَام والركض بهَا وَنَحْو ذَلِك حَتَّى يستيقن زَوَال أثر الْبَوْل. الاستنقاء: وَهُوَ أَن يدلك بالأحجار حَال الِاسْتِجْمَار أَو بالأصابع حَال الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ حَتَّى تذْهب الرَّائِحَة الكريهة هَذَا هُوَ الْأَصَح فِي الْفرق بَينهَا. الْإِسْقَاط: (افكندن وافكندن بجه از شكم) فِي خزانَة الرِّوَايَات فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّة امْرَأَة عَالَجت فِي إِسْقَاط وَلَدهَا لَا تأثم مَا لم يتَبَيَّن شَيْء من خلقه لِأَنَّهُ لَا يكون ولدا وَذَلِكَ لَا يتم إِلَّا بِمِائَة وَعشْرين يَوْمًا. وَفِي الْخُلَاصَة فِي فصل الْحَظْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَالْإِبَاحَة من كتاب النِّكَاح امْرَأَة مُرْضِعَة ظهر بهَا الْحَبل وَانْقطع لَبنهَا وَتخَاف على وَلَدهَا الْهَلَاك أَن تعالج فِي استنزال الدَّم مَا دَامَ نُطْفَة أَو علقَة أَو مُضْغَة. وَذكر فِي كَرَاهَته أَنه يُبَاح من غير هَذَا الْقَيْد. وَفِي متفرقات دستور الْقُضَاة من فَتَاوَى الْوَاقِعَات امْرَأَة عَالَجت لإِسْقَاط الْولدَان كَانَ مستبين الْخلقَة لَا يجوز أما فِي زَمَاننَا يجوز وَإِن كَانَ مستبين الْخلقَة كَذَا فِي تجنيس الْمُلْتَقط. وَيُقَال زيد مَاتَ وَأَرَادَ الْوَرَثَة الْإِسْقَاط أَي إِسْقَاط الصَّلَاة وَالصِّيَام الْفَائِتَة عَنهُ بِإِعْطَاء الْكَفَّارَة وَفِي الْفَتَاوَى (العالمكيري) إِذا مَاتَ الرجل وَعَلِيهِ صلوَات فَائِتَة فأوصى بِأَن يُعْطي كَفَّارَة صَلَاة يُعْطي لكل صَلَاة نصف صَاع من بر وللوتر نصف صَاع ولصوم يَوْم نصف صَاع من ثلث مَاله وَإِن لم يتْرك مَالا يستقرض ورثته نصف صَاع وَيدْفَع إِلَى مِسْكين يتَصَدَّق الْمِسْكِين على بعض ورثته نصف صَاع ثمَّ يتَصَدَّق ثمَّ وَثمّ حَتَّى يتم لكل صَلَاة مَا ذكرنَا كَذَا فِي الْخُلَاصَة وَفِي الْفَتَاوَى الْحجَّة وَإِن لم يوص الْوَرَثَة وتبرع بعض الْوَرَثَة يجوز وَيدْفَع عَن كل صَلَاة نصف صَاع حِنْطَة منوين وَلَو دفع جملَته إِلَى فَقير وَاحِد جَازَ بِخِلَاف كَفَّارَة الْيَمين وَكَفَّارَة الظِّهَار وَكَفَّارَة الْإِفْطَار. وَفِي الْوَلوالجِيَّة وَلَو دفع عَن خمس صلوَات ولاتسع أُمَنَاء لفقير وَاحِد وَمنا لفقير وَاحِد اخْتَار الْفَقِيه أَنه يجوز عَن أَربع صلوَات وَلَا يجوز عَن الصَّلَاة الْخَامِسَة. الاسطقس: الأَصْل وتفصيله فِي العناصر إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الِاسْتِبْرَاء: طلب بَرَاءَة رحم الْجَارِيَة من الْحمل. وَمن ملك أمة حرم وَطْؤُهَا ولمسها وَالنَّظَر إِلَى فرجهَا بِشَهْوَة حَتَّى تستبرئ. والاستبراء فِي الْحَامِل بِوَضْع الْحمل. وَفِي ذَوَات الْحيض بِحَيْضَة وَإِن كَانَت لَا تحيض من صغرها فاستبراؤها بِشَهْر. وَإِذا حَاضَت فِي أَثْنَائِهِ بَطل الِاسْتِبْرَاء بِالْأَيَّامِ. وَإِن ارْتَفع حَيْضهَا بِأَن صَارَت ممتدة الطُّهْر وَهِي مِمَّن تحيض يَتْرُكهَا حَتَّى إِذا تبين أَنَّهَا لَيست بحامل وَاقعهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِير فِي ظَاهر الرِّوَايَة إِلَّا أَن مَشَايِخنَا قَالُوا يتَبَيَّن ذَلِك بشهرين أَو ثَلَاثَة أشهر. وَكَانَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ يَسْتَبْرِئهَا بشهرين وَخَمْسَة أَيَّام وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. وَالْحِيلَة فِي إِسْقَاط الِاسْتِبْرَاء أَن يَتَزَوَّجهَا المُشْتَرِي قبل الشِّرَاء ثمَّ يَشْتَرِيهَا إِذا لم تكن تَحْتَهُ حرَّة. وَلَو كَانَت فَالْحِيلَةُ أَن يُزَوّجهَا البَائِع قبل الشِّرَاء وَالْمُشْتَرِي قبل الْقَبْض مِمَّن يوثق بِهِ ثمَّ يَشْتَرِيهَا ويقبضها ثمَّ يُطلق. الاستفتاء: والإفتاء فِي الْفَتْوَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الِاسْتِهْزَاء: (تمسخر كردن وَخفت وسبكي كسى خواستن) - قَالُوا لَو قَالَ الْمُدَّعِي لي عَلَيْك مائَة دِرْهَم فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ أتزنه أَو أنتقده مثلا مَعَ الضَّمِير يكون إِقْرَارا وَبلا ضمير لَا لِأَنَّهُ إِن لم يذكر الضَّمِير يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ زن كلامك بميزان الْعقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 أَو انتقد كلامك وَلَا تقل قولا زيفا فَإِن قيل كَمَا أَن هَذَا الْكَلَام بِدُونِ الضَّمِير يحْتَمل غير الْإِقْرَار كَذَلِك يحْتَمل مَعَ الضَّمِير أَن يكون استهزاء، فَالْجَوَاب أَن الِاسْتِهْزَاء حرَام فَلَا يحمل على الْحَرَام. اعْلَم أَن المزاح مُبَاح مسنون للتطييب وَإِنَّمَا يقْصد بِهِ تطييب الأحباب وخلوص الْمَوَدَّة لَا التحقير والخفة. الاستهجان: الاستقباح وَقد يستهجن التَّصْرِيح بِشَيْء فَيتْرك ويختار الْكِنَايَة وَالرَّمْز إِلَيْهِ كَمَا حُكيَ عَن قَاضِي شُرَيْح أَن رجلا أقرّ عِنْده بِشَيْء ثمَّ رَجَعَ يُنكر فَقَالَ لَهُ شُرَيْح شهد عَلَيْك ابْن أُخْت خالتك آثر شُرَيْح التَّطْوِيل وَالرَّمْز على التَّصْرِيح بكذب الْمُنكر لاستقباح التَّصْرِيح بِهِ لكَون الْإِنْكَار بعد الْإِقْرَار إدخالا للعنق فِي ربقة الْكَذِب. وَالْإِقْرَار وَالْإِنْكَار إخْوَان وَابْن الْإِقْرَار الْمقر وَابْن الْإِنْكَار الْمُنكر وإنكار الْمُنكر بعد الْإِقْرَار شَاهد على كذبه بِنَفسِهِ وَشُرَيْح كَانَ قَاضِيا فِي خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الإسكان: فِي التصريف حذف الْحَرَكَة ثمَّ الإسكان نَوْعَانِ. الإسكان بِنَقْل الْحَرَكَة. والإسكان بِحَذْف الْحَرَكَة فَقَط. والضابطة: إِن الْوَاو وَالْيَاء المتحركتين بالضمة أَو الكسرة إِذا تحرّك مَا قبلهمَا بالضمة أَو الكسرة فَإِن كَانَتَا فِي الطّرف أَو فِي حكم الطّرف. فعلى الأول يجب الإسكان بِحَذْف الْحَرَكَة فَقَط سَوَاء كَانَ حركتهما مُخَالفَة لحركة مَا قبلهمَا أَو لَا مثل يَدْعُو وَيَرْمِي. وعَلى الثَّانِي يجب الإسكان بِحَذْف الْحَرَكَة فَقَط أَيْضا عِنْد اتِّحَاد الحركتين مثل يدعونَ أَصله يدعوون على وزن ينْصرُونَ وَيجب الإسكان بِنَقْل الْحَرَكَة عِنْد اخْتِلَافهمَا مثل دعوا ورموا مجهولي دَعَا وَرمي وَهَذِه ضابطة مضبوطة ذَكرنَاهَا أَيْضا فِي حَاشِيَة دستور الْمُبْتَدِي. الِاسْتِثْنَاء: مُشْتَقّ من الثني بِمَعْنى الصّرْف وَالْمَنْع يُقَال ثنى فلَان عنان فرسه إِذا مَنعه وَصَرفه عَن الْمُضِيّ فِي الصوب الَّذِي يتَوَجَّه إِلَيْهِ فَسُمي الِاسْتِثْنَاء بِهِ لِأَن الِاسْم الْمُسْتَثْنى مَصْرُوف عَن حكم الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. وَالِاسْتِثْنَاء عِنْد النُّحَاة إِخْرَاج الشَّيْء عَن حكم دخل فِيهِ غَيره بإلا وَأَخَوَاتهَا سَوَاء كَانَ ذَلِك الشَّيْء الْمخْرج دَاخِلا فِي صدر الْكَلَام مندرجا تَحْتَهُ أَو لَا. فَإِن كَانَ مندرجا كزيد فِي جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا فالاستثناء مُتَّصِل. وَإِن لم يكن مندرجا بِأَن لَا يكون الْمُسْتَثْنى من جنس الصَّدْر كالحمار فِي جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا حمارا. أَو كَانَ من جنسه لَكِن يكون المُرَاد من الصَّدْر مَا لَا يُمكن دُخُول الْمُسْتَثْنى فِيهِ كَمَا إِذا أُرِيد بالقوم الْقَوْم الَّذِي لَا يكون زيد دَاخِلا فِيهِ وَقيل جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا فالاستثناء على كلا الْحَالين مُنْقَطع وَكلمَة إِلَّا فِي الْمُنْقَطع للْعَطْف بِمَعْنى لَكِن. وَقَالُوا للاستثناء: الْمُتَّصِل شُرُوط ثَلَاثَة: أَحدهَا الِاتِّصَال إِذْ لَو قَالَ عَليّ لفُلَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 عشرَة فَسكت وَشرع فِي فعل آخر ثمَّ قَالَ إِلَّا ثَلَاثَة لم تعْتَبر. وَوَجَب الْعشْرَة الْكَامِلَة. وَالثَّانِي أَن يكون الْمُسْتَثْنى دَاخِلا فِي الْكَلَام الأول لَوْلَا الِاسْتِثْنَاء كَقَوْلِك رَأَيْت الْقَوْم إِلَّا زيدا وَزيد مِنْهُم وَرَأَيْت عمرا إِلَّا وَجهه فَإِن لم يكن دَاخِلا كَانَ مُنْقَطِعًا وَلَا يكون اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا. وَالثَّالِث أَن لَا يكون مُسْتَغْرقا لِأَن الِاسْتِثْنَاء تكلم بِالْبَاقِي بعد الِاسْتِثْنَاء وَفِي اسْتثِْنَاء الْكل لَا يبْقى شَيْء يَجْعَل الْكَلَام عبارَة عَنهُ. وَلِهَذَا اشْتهر بطلَان اسْتثِْنَاء الْكل من الْكل. وَالْمَشْهُور فِيمَا بَينهم أَن الِاسْتِثْنَاء حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل ومجاز فِي الْمُنْقَطع وَالْمرَاد صِيغ الِاسْتِثْنَاء وَأما لفظ الِاسْتِثْنَاء فحقيقة اصطلاحية فِي الْقسمَيْنِ. ثمَّ اخْتلف فقد قيل إِنَّه متواطئ أَي مقول على الْمُتَّصِل والمنقطع بِاعْتِبَار أَمر مُشْتَرك بَينهمَا وَقيل لَا بل مُشْتَرك بَينهمَا بالاشتراك اللَّفْظِيّ. وَذهب الْفَاضِل الْمُحَقق صدر الشَّرِيعَة عبيد الله بن تَاج الشَّرِيعَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ إِلَى أَن لفظ الِاسْتِثْنَاء حَقِيقَة فِي الْمُتَّصِل ومجاز فِي الْمُنْقَطع فَلم يَجعله من أَقسَام الِاسْتِثْنَاء. وَاعْلَم: أَنه قد يسْبق إِلَى الْفَهم أَن فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل تناقضا من حَيْثُ إِن قَوْلك لزيد عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة إِثْبَات للثَّلَاثَة فِي ضمن الْعشْرَة وَنفى لَهَا صَرِيحًا فاضطروا إِلَى بَيَان كَيْفيَّة عمل الِاسْتِثْنَاء على وَجه لَا يرد ذَلِك. وَحَاصِل: أَقْوَالهم فِيهَا ثَلَاثَة. الأول أَن الْعشْرَة مجَاز عَن السَّبْعَة وَإِلَّا ثلثة قرينَة وَالثَّانِي الْعشْرَة يُرَاد بهَا مَعْنَاهَا أَي عشرَة أَفْرَاد فَيتَنَاوَل السَّبْعَة وَالثَّلَاثَة مَعًا ثمَّ أخرج مِنْهَا ثَلَاثَة حَتَّى بقيت سَبْعَة ثمَّ أسْند الحكم إِلَى الْعشْرَة الْمخْرج مِنْهَا الثَّلَاثَة فَلم يَقع الْإِسْنَاد إِلَّا على سَبْعَة. وَالثَّالِث أَن الْمَجْمُوع أَعنِي عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة مَوْضُوع بِإِزَاءِ سَبْعَة حَتَّى كَأَنَّهُ وضع لَهَا اسمان مُفْرد وَهُوَ سَبْعَة ومركب هُوَ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة فَلَا تنَاقض على أَي حَال وَالْأول مَذْهَب الْأَكْثَرين. وَالثَّالِث مَذْهَب القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني وَالثَّانِي الْمُتَوَسّط هُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي مُخْتَصر الْأُصُول. وَإِن أردْت تَفْصِيل هَذِه الْمذَاهب ووجوه التَّرْجِيح فاطلبه من المطولات. وَعَلَيْك أَن تعلم أَن أَصْحَابنَا قَالُوا إِن الِاسْتِثْنَاء يعْمل بطرِيق الْبَيَان بِمَعْنى الدّلَالَة على أَن الْبَعْض غير ثَابت من الأَصْل وَيمْنَع التَّكَلُّم بِقدر الْمُسْتَثْنى مَعَ حكمه فَيكون تكلما بِالْبَاقِي فَمن قَالَ لَهُ عَليّ ألف إِلَّا مائَة كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَليّ تسع مائَة فالاستثناء عندنَا تصرف فِي الْكَلَام بجعله عبارَة عَمَّا وَرَاء الْمُسْتَثْنى. وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله أَن الِاسْتِثْنَاء يمْنَع الحكم لَا التَّكَلُّم وَيعْمل بطرِيق الْمُعَارضَة بِمَعْنى أَن أول الْكَلَام إِيقَاع للْكُلّ لكنه لَا يَقع لوُجُود الْمعَارض وَهُوَ الِاسْتِثْنَاء الدَّال على النَّفْي عَن الْبَعْض حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ إِلَّا ثَلَاثَة فَإِنَّهَا لَيست عَليّ فَلَا يلْزمه الثَّلَاثَة للدليل الْمعَارض لأوّل الْكَلَام فَيكون الِاسْتِثْنَاء عِنْده تَصرفا فِي الحكم. فَأَجَابُوا بِأَن الْكَلَام قد يسْقط حكمه بطرِيق الْمُعَارضَة بَعْدَمَا انْعَقَد فِي نَفسه كَمَا فِي التَّخْصِيص وَقد لَا ينْعَقد حكمه كَمَا فِي طَلَاق الصَّبِي وَالْمَجْنُون إِلَّا أَن الحاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الِاسْتِثْنَاء بِالثَّانِي أولى لِأَنَّهُ لَو انْعَقَد الْكَلَام فِي نَفسه مَعَ أَنه لَا يُوجب الْعشْرَة بل السَّبْعَة فَقَط لزم إِثْبَات مَا لَيْسَ من محتملات اللَّفْظ إِذْ السَّبْعَة لَا تصح مُسَمّى للفظ الْعشْرَة لَا حَقِيقَة وَهُوَ ظَاهر وَلَا مجَازًا لِأَن اسْم الْعدَد نَص فِي مَدْلُوله لَا يحمل على غَيره وَلَو سلم فالمجاز خلاف الأَصْل فَيكون مرجوحا وَلما رأى صدر الشَّرِيعَة رَحمَه الله أَن هَذَا الْجَواب إِنَّمَا يرد إِذا بَين الْمُعَارضَة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور عدل عَن ذَلِك الْمَعْنى وَبَين أَن مُرَاد الشَّافِعِي يكون الِاسْتِثْنَاء بطرِيق الْمُعَارضَة هُوَ أَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ عبارَة عَن الْقدر الْبَاقِي مجَازًا وَالِاسْتِثْنَاء قرينَة على مَا صرح بِهِ صَاحب الْمِفْتَاح حَيْثُ قَالَ إِن اسْتِعْمَال الْمُتَكَلّم للعشرة فِي التِّسْعَة مجَاز وَإِلَّا وَاحِد قرينَة الْمجَاز. وَأما الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق سَوَاء كَانَ مثل الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مثل لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا عشرَة أَو إِلَّا خَمْسَة وَخَمْسَة وَأكْثر مثل لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا أحد عشر فَبَاطِل بالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ إِنْكَار بعد الْإِقْرَار. وَالتَّفْصِيل فِي مُخْتَصر الْأُصُول فَإِن قيل الْمَشْهُور أَن الِاسْتِثْنَاء عِنْد الْحَنَفِيَّة من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي لَيْسَ بِإِثْبَات. وَعند الشَّافِعِيَّة من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي إِثْبَات. فَيرد على الْحَنَفِيَّة أَنه يلْزم أَن لَا يكون كلمة لَا إِلَه إِلَّا الله مفيدة للتوحيد، قُلْنَا إِن الشَّارِع وضع هَذِه الْكَلِمَة الطّيبَة للتوحيد كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. وَاعْلَم: أَن الْخلاف الْمَذْكُور مَبْنِيّ على أَن المركبات الإسنادية عِنْد الشَّافِعِيَّة مَوْضُوعَة لما فِي الْخَارِج وَلَا وَاسِطَة بَين الثُّبُوت الْخَارِجِي والانتفاء الْخَارِجِي. وَعند الْحَنَفِيَّة مَوْضُوعَة للْأَحْكَام الذهنية وَلَا يلْزم من نفي الحكم والإذعان بالثبوت أَو الانتفاء الحكم والإذعان بالانتفاء أَو الثُّبُوت وَكَانَ مَا هُوَ الْمَشْهُور مَبْنِيّ على أَن رفع النِّسْبَة الإيجابية هُوَ بِعَيْنِه نِسْبَة سلبية. أَو على أَن الْعَدَم أصل فِي الِاسْتِثْنَاء فَإِذا قيل جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا يكون زيدا مخرجا عَن هَذَا الحكم وَالْأَصْل عدم الْمَجِيء فَيكون الِاسْتِثْنَاء نفيا. وَاعْلَم: أَن الحنفيين أَجمعُوا على أَن الْمُسْتَثْنى مسكوت عَنهُ. وَأهل الْعَرَبيَّة أَجمعُوا على أَن الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي إِثْبَات. فَبين الإجماعين مُنَافَاة بِحَسب الظَّاهِر فَلَا بُد من دَفعهَا وَمن الْجمع بَينهمَا بِأَن قَوْلهم الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي وَبِالْعَكْسِ مَحْمُول على الْمجَاز من قبيل إِطْلَاق الْأَخَص على الْأَعَمّ لِأَن انْتِفَاء حكم الصَّدْر أَعم من الحكم بنقيض الصَّدْر فعبروا الانتفاء الأول بالانتفاء الثَّانِي مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن الِاسْتِثْنَاء عِنْد الْحَنَفِيَّة من الْإِثْبَات نفي لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن النَّفْي أَي الحكم بِنَفْي حكم الصَّدْر عَن الْمُسْتَثْنى مَدْلُول الِاسْتِثْنَاء بل الْمُسْتَثْنى مسكوت فَبَقيَ على عَدمه الْأَصْلِيّ فَتَأمل. وَقد يرا بِالِاسْتِثْنَاءِ كلمة إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَمَا فِيمَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن الْإِيمَان يدْخلهُ الِاسْتِثْنَاء فَيُقَال أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَي تضم مَعَ الْإِيمَان كلمة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَإِنَّمَا سميت هَذِه الْكَلِمَة بِالِاسْتِثْنَاءِ لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الِاسْتِثْنَاء الْإِخْرَاج وَهَا هُنَا أَيْضا إِخْرَاج مضمونه عَن وَسعه بالتفويض إِلَى مَشِيئَته تَعَالَى أَو إِخْرَاج عَن الْقطع إِلَى الشَّك وَالْأول أولى وَذهب الشَّافِعِي رَحمَه الله وَأَصْحَابه إِلَى صِحَّته. وَمنعه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَأَصْحَابه لِأَن الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور إِن كَانَ للشَّكّ والتردد كَانَ كفرا فَلَا يُوجد تَصْدِيق وَإِن لم يكن للشَّكّ والتردد أَو الشَّك فِي بَقَائِهِ فِي الْآخِرَة فَالْأولى تَركه لدفع إِيهَام الْكفْر. هَذِه: خُلَاصَة مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة وللقائلين بِصِحَّتِهِ وُجُوه فِي كتب الْكَلَام وتتمة هَذَا المرام فِي الْإِنْشَاء إِن شَاءَ الله تَعَالَى. اسْم الْإِشَارَة: اسْم وضع لما يشار إِلَيْهِ إِشَارَة حسية بالجوارح والأعضاء، لَا يُقَال إِن التَّعْرِيف دوري أَو بِمَا هُوَ أخْفى مِنْهُ أَو بِمَا هُوَ مثله فِي الْمعرفَة والجهالة لِأَنَّهُ عرف اسْم الْإِشَارَة الاصطلاحية بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ اللّغَوِيّ الْمَعْلُوم. أَسمَاء الْأَفْعَال: عِنْد النُّحَاة مَا كَانَ بِمَعْنى الْأَمر أَو الْمَاضِي سَوَاء كَانَ معنى الْمَاضِي معبرا بِصِيغَة الْمَاضِي أَيْضا كَمَا أَن هَيْهَات بِمَعْنى بعد أَو بِصِيغَة الْمُضَارع الحالي كَاف بِمَعْنى أتضجر واوه بِمَعْنى أتوجع فَإِن (اف) كَانَ بِمَعْنى تضجرت و (أوه) كَانَ بِمَعْنى توجعت وَلما قصد الْمُتَكَلّم إنْشَاء التضجر والتوجع عبر عَن معنى الْمَاضِي بِصِيغَة الْمُضَارع الحالي وَأَرَادَ الْإِنْشَاء لَا الْإِخْبَار عَن الْمُضِيّ. اسْم الْعدَد: عِنْد النُّحَاة كل اسْم وضع لكمية أحاد المعدودات مُنْفَرِدَة أَو مجتمعة أَي اسْم يكون تَمام مَا وضع لَهُ تِلْكَ الكمية فَقَط لاهي مَعَ أَمر آخر فَلَا يرد نَحْو رجل ورجلان وذراع وذراعان وَمن ومنان حَيْثُ لَا يفهم مِنْهَا الْوحدَة والأثنينية فَقَط. والكمية الْمَعْنى الَّذِي يُجَاب بِهِ إِذا سُئِلَ بكم الاستفهامية عَن وَاحِد وَاحِد أَو أَكثر من المعدودات. والأسماء الْمَوْضُوعَة بِإِزَاءِ تِلْكَ الكميات بِأَن يكون كل وَاحِد مِنْهَا مَوْضُوعا لكمية وَاحِدَة مُعينَة من الكميات أَسمَاء الْعدَد فَلفظ الْوَاحِد مَوْضُوع لكمية أحاد المعدودات إِذا أخذت مُنْفَرِدَة. فَإِذا سُئِلَ عَن معدودين معدودين يُجَاب بالاثنين وَقس على هَذَا لفظ الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ. وَقد ظهر من هَذَا الْبَيَان أَن لفظ الْوَاحِد والاثنين من أَسمَاء الْعدَد عِنْد النُّحَاة داخلان فِي تَعْرِيفهَا وَإِن اخْتلف أَصْحَاب الْحساب فِي إنَّهُمَا من الْعدَد أم لَا كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْعدَد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَا تَمْيِيز للْوَاحِد والاثنين لِأَن مَا يصلح لتمييزهما أَعنِي الْمُفْرد والمثنى يُغني عَنْهُمَا لدلالته على الكمية وَالْجِنْس وتمييز الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة مَجْمُوع ومجرور وَمن الْعشْرَة إِلَى تِسْعَة وَتِسْعين مُفْرد ومنصوب وَمِنْه إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ مُفْرد ومجرور. والتمييز إِن كَانَ مذكرا فاسم الْعدَد من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة مؤنث وَإِن كَانَ مؤنثا فمذكر وَهَذَا معنى قَوْلهم ثأنيث الْعدَد عكس تَأْنِيث جَمِيع سَائِر الْأَسْمَاء وَالْعبْرَة فِي التَّذْكِير والتأنيث لمفرد التَّمْيِيز الْمَجْمُوع. ثمَّ التَّذْكِير والتأنيث فِي المرتبتين فَوق كل عقد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 العشرات على الْقيَاس. ثمَّ فِي الْجُزْء الأول عكس التَّأْنِيث وَفِي الْجُزْء الثَّانِي التَّذْكِير والتأنيث على الْقيَاس. اسْم الْفَاعِل: اسْم مُشْتَقّ من الْمصدر مَوْضُوع لمن قَامَ بِهِ معنى الْمصدر أَعنِي الْحَدث حَال كَون ذَلِك الْقيام بِمَعْنى الْحُدُوث لَا بِمَعْنى الثُّبُوت وَالْمرَاد بِمَعْنى الْحُدُوث وجود الْفِعْل لَهُ وقيامه بِهِ مُقَيّدا بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة وَخرج عَن قيد الْحُدُوث الصّفة المشبهة وَاسم التَّفْضِيل لِكَوْنِهِمَا بِمَعْنى الثُّبُوت. اسْم الْمَفْعُول: أَي اسْم الْمَفْعُول بِهِ على حذف الْجَار واستتار الضَّمِير وَإِلَّا فالمفعول هُوَ الْحَدث وَهُوَ عِنْد النُّحَاة اسْم مُشْتَقّ من الْحَدث مَوْضُوعا لمن وَقع عَلَيْهِ. اسْم التَّفْضِيل: أَي اسْم دَال على تَفْضِيل شَيْء على شَيْء وَهُوَ عِنْد النُّحَاة اسْم مُشْتَقّ من الْمصدر مَوْضُوع لذات مَا قَامَ بِهِ مَدْلُول ذَلِك الْمصدر أَو وَقع عَلَيْهِ مَوْصُوف بِزِيَادَة على غَيره فِي أصل مَدْلُول ذَلِك الْمصدر مثل أفضل وَأكْرم وألوم وَأشهر. وَالْفرق بَينه وَبَين صِيغَة الْمُبَالغَة أَن مَدْلُوله ذَات مَوْصُوف بِزِيَادَة على غير بِخِلَاف مَدْلُول صِيغَة الْمُبَالغَة فَإِنَّهُ ذَات مَوْصُوف بِزِيَادَة الْفِعْل كَيْفيَّة أَو كمية وَلَيْسَ هُنَاكَ زِيَادَته على الْغَيْر أَي لَيْسَ الْغَيْر ملحوظا فِيهِ. وَإِن أردْت التَّفْصِيل والتدقيق فَارْجِع إِلَى كتَابنَا جَامع الغموض. الِاسْتِعَانَة: فِي التَّاج (ياري كردن، خواستن) وَمعنى قَوْلهم إِن الْبَاء الجارة للاستعانة أَنَّهَا لإِفَادَة استعانة الْفَاعِل الْفِعْل فِي صدوره عَنهُ بمجرورها نَحْو كتبت بالقلم. وَالْمرَاد بِالْفِعْلِ أَي الْحَدث مُتَعَلق الْبَاء سَوَاء كَانَ فعلا أَو مَعْنَاهُ. وَاعْلَم أَن الْبَاء الجارة الَّتِي للاستعانة غير الْبَاء السَّبَبِيَّة لِأَن تِلْكَ الْبَاء هِيَ الدَّاخِلَة على آلَة الْفِعْل وَهِي معنى غير السَّبَبِيَّة على مَا فِي الْمُغنِي والاستعانة فِي البديع أَن يَأْتِي الْقَائِل بِبَيْت غَيره ليستعين بِهِ على تَمام مُرَاده. الأسطوانة: اعْلَم أَن الْجِسْم الَّذِي هُوَ ذُو الامتدادات الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ الطول وَالْعرض والعمق إِن أحاطه سطح وَاحِد بِحَيْثُ تتساوى الخطوط الْخَارِجَة من النقطة الَّتِي فِي دَاخل ذَلِك الْجِسْم إِلَى ذَلِك السَّطْح فَذَلِك الْجِسْم كرة وَتلك النقطة مركزها وَذَلِكَ السَّطْح محيطها والخطوط أَنْصَاف أقطارها وَالْخَارِج إِلَى الْمُحِيط فِي الْجِهَتَيْنِ قطرها. فَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي تتحرك عَلَيْهِ الكرة يُسمى محورا وطرفاه قطبي الكرة وقطبي الْحَرَكَة ومنصف الكرة من الدَّوَائِر المتوهمة على بسيطها عَظِيمَة إِن مرت بمركزها وَإِلَّا فصغيرة. والنقطة الَّتِي فِي سطح الكرة وتتساوى الخطوط الْخَارِجَة مِنْهَا إِلَى مُحِيط قَاعِدَة الْقطعَة هِيَ قطبها. وَإِن أحَاط بالجسم سِتَّة مربعات مُتَسَاوِيَة فَذَلِك الْجِسْم مكعب وَإِن أحَاط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 بالجسم دائرتان متساويتان متوازيتان وسطح وَاصل بَين الدائرتين بِحَيْثُ لَو أدير خطّ مُسْتَقِيم وَاصل بَين محيطي الدائرتين على محيطها مَاس ذَلِك الْخط السَّطْح الْمَذْكُور بكله فِي كل الدورة فَذَلِك الْجِسْم أسطوانة وَهَاتَانِ الدائرتان قاعدتاها والخط الْوَاصِل بَين مركزيهما سهم الأسطوانة ومحورها. فَإِن كَانَ الْخط الْوَاصِل بَين المركزين عمودا على الْقَاعِدَة فالأسطوانة قَائِمَة وَإِلَّا فمائلة. وَطَرِيق: معرفَة العمود أَنه إِذا قَامَ خطّ على سطح بِحَيْثُ لَو أخرج عَن مَوضِع قِيَامه عَلَيْهِ خطوط على الاسْتقَامَة أحاطت بِهِ على زَوَايَا قَوَائِم فَهُوَ عَمُود عَلَيْهِ. وَإِن أحَاط بالجسم دَائِرَة وَاحِدَة وسطح صنوبري مُرْتَفع من محيطها متضايقا إِلَى نقطة بِحَيْثُ لَو أدير خطّ مُسْتَقِيم وَاصل بَين مُحِيط الدائرة والنقطة مَاس ذَلِك السَّطْح الْجِسْم الْمَذْكُور بِكَلِمَة فِي كل الدورة فَذَلِك الْجِسْم مخروط إِمَّا قَائِم أَو مائل على قِيَاس مَا مر فِي الأسطوانة وَتلك الدائرة قَاعِدَة المخروط والخط الْوَاصِل بَين مركزها والنقطة الْمَذْكُورَة سَهْمه ومحوره. وَإِن قطع المخروط بسطح مستو يوازي قَاعِدَة المخروط فَمَا يَلِي الْقَاعِدَة من المخروط مخروط نَاقص وَمَا لم يكن يَليهَا مِنْهُ مخروط تَامّ وَقَاعِدَة المخروط والأسطوانة إِن كَانَت مضلعة فَكل مِنْهُمَا مضلع مثل الْقَاعِدَة وَإِن كَانَت مستديرة فمستديرة. استبهام التَّارِيخ: عدم الْعلم بترتيب موت الْوَارِث والمورث وَهَذَا مَانع من الْإِرْث من الْمَوَانِع الْخَمْسَة لَهُ فَلَا توارث بَين الحرقى أَو الغرقى والهدمى إِلَّا إِذا علم تَرْتِيب الْمَوْتَى بل مَال كل مِنْهُم لوَرثَته الْأَحْيَاء فَلَو غرق زوجان أَو حرقا وَترك كل وَاحِد مِنْهُمَا أَخا فَمَا لَهَا لأَخِيهَا وَمَا لَهُ لِأَخِيهِ وَكَذَا لَو وَقع حَائِط على جمَاعَة وماتوا جَمِيعًا وَلم يدر أَيهمْ مَاتَ أَولا لَا يَرث بَعضهم بَعْضًا. اسْم الْمصدر: هُوَ علم الْمصدر كالسبحان علم التَّسْبِيح كَمَا سَيَجِيءُ فِي علم الْمصدر. الِاسْتِقْبَال: هُوَ الزَّمَان المترقب وجوده بعد زَمَانك الَّذِي أَنْت فِيهِ. الاسْتِسْقَاء: هُوَ طلب الْمَطَر عِنْد طول الِانْقِطَاع وعبارات متون الْفِقْه متفقة على أَن لَهُ صَلَاة لَا بِجَمَاعَة وَدُعَاء واستغفار إِلَّا قلب رِدَاء. وَاعْلَم أَن عباراتها لَا على مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله بل على مَذْهَب الصاحبين رحمهمَا الله وَاللَّازِم أَن يعْمل على قَول الصاحبين وَهُوَ خُرُوج الإِمَام وَالصَّلَاة بِالْجَمَاعَة والجهر بِالْقِرَاءَةِ وَالْخطْبَة وقلب الرِّدَاء حَتَّى يُوَافق الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ويطابق أَمر أبي حنيفَة رَحمَه الله أَيْضا حَيْثُ أمرنَا بالاقتداء بهما حَيْثُ اجْتمعَا على مَسْأَلَة وَقد قَالَ الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي رَحمَه الله فِي تَرْجَمَة المشكوة وَالْفَتْوَى الْآن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله على مَذْهَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الصاحبين وَإِن أردْت الِاطِّلَاع على الِاسْتِدْلَال على هَذَا الْمقَال فَانْظُر فِي الرسَالَة الغريبة العجيبة الَّتِي صنفها فِي بَاب الاسْتِسْقَاء سيدنَا ومولانا أفضل عُلَمَاء الْعَصْر أعلم فضلاء الدَّهْر الحبيب الشفيق فِي الدُّنْيَا وَالدّين سيد شمس الدّين الْمَدْعُو بِسَيِّد مُحَمَّد ميرك خلد الله ظلاله وأوصل إِلَى الْعَالمين بره ونواله ابْن سيد شاه منيب الله الْحُسَيْنِي الْحَنَفِيّ الخجندي البالافوري قدس الله سره وَنور مرقده فَإِنَّهُ سلمه الله تَعَالَى بذل فِي تِلْكَ الرسَالَة كَمَال جهده فِي اسْتِخْرَاج مَا هُوَ الْحق الَّذِي بالاتباع أَحَق. وَفِي الْفَتَاوَى (العالمكيري) الْأَفْضَل أَن يقْرَأ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فِي الرَّكْعَة الأولى و {وَهل أَتَاك حَدِيث الغاشية} فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَالصَّحِيح أَنه لَا يخْتَص بِوَقْت كَمَا لَا يخْتَص بِيَوْم ويخطب خطبتين بعد الصَّلَاة وَيسْتَقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ قَائِما على الأَرْض لَا على الْمِنْبَر ويفصل بَين الْخطْبَتَيْنِ بجلسة وَإِن شَاءَ خطب خطْبَة وَاحِدَة وَيَدْعُو الله ويسبحه ويستغفر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَهُوَ متكئ قوسا فَإِذا مضى من خطْبَة قلب رِدَاءَهُ. ثمَّ كَيْفيَّة تقلب الرِّدَاء: عِنْدهمَا إِن كَانَ مربعًا جعل أَسْفَله أَعْلَاهُ وَأَعلاهُ أَسْفَله وَإِن كَانَ مدورا جعل الْجَانِب الْأَيْمن على الْأَيْسَر والأيسر على الْأَيْمن وَلَكِن الْقَوْم لَا يقلبون أرديتهم عِنْد عَامَّة الْعلمَاء وَفِي التُّحْفَة إِذا فرغ الإِمَام من الْخطْبَة يَجْعَل ظَهره إِلَى النَّاس وَوَجهه إِلَى الْقبْلَة ثمَّ يشْتَغل بِدُعَاء الاسْتِسْقَاء قَائِما وَالنَّاس قعُود مستقبلون ووجوهم إِلَى الْقبْلَة فِي الْخطْبَة وَالدُّعَاء فيدعو الله تَعَالَى ويستغفر للْمُؤْمِنين ويجددون التَّوْبَة وَيَسْتَغْفِرُونَ ثمَّ عِنْد الدُّعَاء إِن رفع يَدَيْهِ نَحْو السَّمَاء فَحسن. ثمَّ الْمُسْتَحبّ أَن يخرج الإِمَام بِالنَّاسِ ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة كَذَا فِي الزَّاد وَلم ينْقل أَكثر من ذَلِك وَلَا يخرج فِيهِ الْمِنْبَر وَيخرجُونَ مشَاة فِي ثِيَاب خلق أَو غسيلة أَو مرقعة متذللين خاشعين متواضعين لله عز وَجل ناكسي رؤوسهم ثمَّ فِي كل يَوْم يقدمُونَ الصَّدَقَة قبل الْخُرُوج ثمَّ يخرجُون كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة وَفِي التَّجْرِيد إِن لم يخرج الإِمَام أَمر النَّاس بِالْخرُوجِ وَإِن خَرجُوا بِغَيْر إِذْنه جَازَ وَلَا يخرج أهل الذِّمَّة للاستسقاء مَعَ أهل الْإِسْلَام وَإِن خَرجُوا مَعَ أنفسهم إِلَى بيعهم إِلَى كنائسهم أَو إِلَى الصَّحرَاء لم يمنعوا عَن ذَلِك كَذَا فِي الْعَيْنِيّ شرح الْهِدَايَة وَإِنَّمَا يكون الاسْتِسْقَاء فِي مَوضِع لَا يكون لَهُم أَوديَة وَلَا أَنهَار وآبار يشربون مِنْهَا ويسقون مَوَاشِيهمْ أَو زُرُوعهمْ أَو تكون وَلَا تَكْفِي ذَلِك فَإِذا كَانَ لَهُم أَوديَة وآبار وأنهار فَإِن النَّاس لَا يخرجُون إِلَى الاسْتِسْقَاء لِأَنَّهَا تكون عِنْد شدَّة الضَّرَر وَالْحَاجة كَذَا فِي التاتارخانية وَيسْتَحب إِخْرَاج الْأَطْفَال والشيوخ الْكِبَار والعجائز اللَّاتِي لَا هَيْئَة لَهُنَّ كَذَا فِي الْعَيْنِيّ شرح الْهِدَايَة. وَيسْتَحب إِخْرَاج الدَّوَابّ كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج. وأدعية الاسْتِسْقَاء: المروية عَن النَّبِي الْمُخْتَار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَثِيرَة مِنْهَا الْحَمد لله رب الْعَالمين الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين لَا إِلَه إِلَّا الله يفعل مَا يُرِيد اللَّهُمَّ أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الْغَنِيّ وَنحن الْفُقَرَاء أنزل علينا الْغَيْث وَاجعَل مَا أنزلت لنا قُوَّة وبلاغا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 حِين (وَمِنْهَا) اللَّهُمَّ اسقنا اللَّهُمَّ اسقنا الله اسقنا. (وَمِنْهَا) اللَّهُمَّ أغثنا اللَّهُمَّ أغثنا اللَّهُمَّ أغثنا (وَمِنْهَا) اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادك وبهيمتك وانشر رحمتك واحي بلدك الْمَيِّت (وَمِنْهَا) اللَّهُمَّ اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نَافِعًا غير ضار عَاجلا غير آجل. وَإِذا رأى الْمَطَر قَالَ اللَّهُمَّ صيبا نَافِعًا وَإِذا زَاد الْمَطَر حَتَّى خيف الضَّرَر قَالَ اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا اللَّهُمَّ على الآكام وَالْآجَام والضراب والأودية ومنابت الشّجر. وَلِهَذَا الرباعي. (يَا رب سَبَب حيات حَيَوَان بفرست ... وازخوان كرم نعمت الوان بفرست) (از بهرلب تشنهء طفلان نَبَات ... از دايهء ابر شير بار ان بفرست) تَأْثِير عَجِيب فِي استجابة الدُّعَاء للاستسقاء وَهُوَ من رباعيات سُلْطَان أبي سعيد أبي الْخَيْر قدس الله سره الْعَزِيز. وَاعْلَم أَن بعض الْأَحَادِيث صَرِيح فِي وضع الْمِنْبَر كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت شكا النَّاس إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُحُوط الْمَطَر فَأمر بمنبر فَوضع لَهُ فِي الْمصلى ووعد النَّاس يَوْمًا يخرجُون فِيهِ قَالَت فَخرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين بدا حَاجِب الشَّمْس فَقعدَ على الْمِنْبَر فَكبر وَحمد الله عز وَجل ثمَّ قَالَ إِنَّكُم شكوتم جَدب دِيَاركُمْ واستئخار الْمَطَر عَن إبان زَمَانه عَنْكُم وَقد أَمر الله عز وَجل أَن تَدعُوهُ ووعدكم أَن يستجيب لكم ثمَّ قَالَ الْحَمد لله إِلَى قُوَّة وبلاغا إِلَى حِين ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَلم يزل فِي الرّفْع حَتَّى بدا بَيَاض أبطيه ثمَّ حول إِلَى النَّاس ظَهره وقلب رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافع يَدَيْهِ ثمَّ أقبل على النَّاس وَنزل من الْمِنْبَر فصلى رَكْعَتَيْنِ الحَدِيث وَالِاسْتِسْقَاء فِي اصْطِلَاح الطِّبّ مرض مادي سَببه مَادَّة غَرِيبَة بَارِدَة تتخلل الْأَعْضَاء فتربو بهَا الْأَعْضَاء أما الظَّاهِرَة من الْأَعْضَاء كلهَا وَأما الْمَوَاضِع الخالية من النواحي الَّتِي فِيهَا تَدْبِير الفضاء والأخلاط مثل فضاء الْبَطن الَّتِي فِيهَا الْمعدة والكبد والأمعاء. وأقسامه ثَلَاثَة لحمي وزقي وطبلي وتفصيلها فِي كتب الطِّبّ. اسْتِيفَاء الدّين: لَا يَنْعَدِم بِهِ الدّين بل يثبت لكل من الدَّائِن والمديون دين على الآخر بعد الِاسْتِيفَاء بِنَاء على أَن الدُّيُون تقضى بأمثالها لَا بِأَعْيَانِهَا لَكِن يسْقط الطّلب بعد الِاسْتِيفَاء بِعَدَمِ الْفَائِدَة فِي الطّلب. تَوْضِيحه أَن زيدا اسْتقْرض مائَة دِرْهَم من عَمْرو وَقَبضهَا فَصَارَ دين عَمْرو على زيد ثمَّ إِذا أدّى زيد مائَة دِرْهَم من عِنْد نَفسه إِلَى عَمْرو صَار دين زيد على عَمْرو لِأَن هَذِه الْمِائَة لَيست على عين مَا استقرضه فَصَارَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا دين على الآخر فَيَنْبَغِي أَن يطْلب كل مِنْهُمَا مائَة دِرْهَم من الآخر لَكِن يسْقط الطّلب بِعَدَمِ الْفَائِدَة من الطّلب. وَمن متفرعات بَقَاء الدّين بعد الِاسْتِيفَاء جَوَاز الْإِبْرَاء عَن الدّين بعد الِاسْتِيفَاء فَيجب رد مَا استوفي على الْمَدْيُون فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي الْهِدَايَة وَشرح الْوِقَايَة فِي آخر كتاب الرَّهْن. الِاسْتِدْلَال: تَقْرِير الدَّلِيل لإِثْبَات الْمَطْلُوب وَالنَّظَر فِيهِ وَهُوَ على نَوْعَيْنِ أَنِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 ولمي لِأَنَّهُ إِن كَانَ من الْأَثر إِلَى الْمُؤثر يُسمى اسْتِدْلَالا آنيا كالاستدلال من الْحمى إِلَى تعفن الأخلاط وَإِن كَانَ من الْمُؤثر إِلَى الْأَثر يُسمى اسْتِدْلَالا لميا كالاستدلال من تعفن الأخلاط إِلَى الْحمى. وَقد يخص الأول باسم الِاسْتِدْلَال وَالثَّانِي بِالتَّعْلِيلِ. الِاسْتِفْهَام: طلب فهم الشَّيْء واستعلام مَا فِي ضمير الْمُخَاطب وَقيل هُوَ طلب حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الذِّهْن فَإِن كَانَت تِلْكَ الصُّورَة إذعان وُقُوع نِسْبَة بَين الشَّيْئَيْنِ أَولا وُقُوعهَا فحصولها هُوَ التَّصْدِيق وَإِلَّا فَهُوَ التَّصَوُّر وَالْحق أَن تِلْكَ الصُّورَة الْحَاصِلَة على الأول تَصْدِيق وعَلى الثَّانِي تصور بل الْحق مَا سَيَأْتِي فِي الْعلم والتصور والتصديق إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الِاسْتِحْسَان: فِي اللُّغَة هُوَ عد الشَّيْء واعتقاد حسهنا وَفِي الِاصْطِلَاح هُوَ اسْم لدَلِيل من الْأَدِلَّة الْأَرْبَعَة تعَارض الْقيَاس الْجَلِيّ وَيعْمل بِهِ إِذا كَانَ أقوى مِنْهُ سموهُ بذلك لِأَنَّهُ يكون فِي الْأَغْلَب أقوى من الْقيَاس الْجَلِيّ فَيكون قِيَاسا مستحسنا. الاستقراء: فِي اللُّغَة التفحص والتتبع وَفِي اصْطِلَاح المنطقيين هُوَ الْحجَّة الَّتِي يسْتَدلّ فِيهَا من استقراء حكم الجزئيات على حكم كليها فَإِن كَانَ اسْتِدْلَال فِيهَا من استقراء حكم جَمِيع الجزئيات فالاستقراء تَامّ وَإِلَّا فناقص وَتَسْمِيَة الْحجَّة الْمَذْكُورَة بالاستقراء لَيْسَ على سَبِيل الارتجال أَي بِلَا مُلَاحظَة الْمُنَاسبَة بل على سَبِيل النَّقْل وملاحظة الْمُنَاسبَة كَمَا لَا يخفى. الِاسْتِحَاضَة: دم ترَاهُ الْمَرْأَة أقل من ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَكثر من عشرَة أَيَّام فِي الْحيض وَمن أَرْبَعِينَ فِي النّفاس على مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وأحكامها فِي الْفِقْه. الاستحالة: حَرَكَة فِي الكيف كتسخن المَاء وتبرده مَعَ بَقَاء صورته النوعية. الاسْتقَامَة: كَون الْخط بِحَيْثُ تنطبق أجزاؤه الْمَفْرُوضَة بَعْضهَا على بعض وَعند الطَّائِفَة الْعلية الصُّوفِيَّة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ الاسْتقَامَة الْوَفَاء بالعهود كلهَا وملازمة الصِّرَاط الْمُسْتَقيم برعاية حد التَّوَسُّط فِي كل الْأُمُور من الطَّعَام وَالشرَاب واللباس فِي كل أَمر ديني ودنيوي فَذَلِك هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم كالصراط الْمُسْتَقيم فِي الْآخِرَة فَلذَلِك قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شيبتني سُورَة هود إِذْ نزلت فاستقم كَمَا أمرت. الاستدارة: كَون السَّطْح بِحَيْثُ يُحِيط بِهِ خطّ وَاحِد ويفرض فِي دَاخله نقطة تَسَاوِي الخطوط المستقيمة الْخَارِجَة مِنْهَا إِلَيْهِ. الِاسْتِطَاعَة: عرض يخلقه الله تَعَالَى فِي الْحَيَوَان يفعل بِهِ الْأَفْعَال الاختيارية (والاستطاعة الْحَقِيقِيَّة) هِيَ الْقُدْرَة التَّامَّة الَّتِي يجب عِنْدهَا صُدُور الْفِعْل فَهِيَ لَا تكون إِلَّا مُقَارنَة للْفِعْل والاستطاعة الصَّحِيحَة سَلامَة الْأَسْبَاب والآلات والجوارح وَرفع الْمَوَانِع من الْمَرَض وَغَيره والاستطاعة الْحَقِيقِيَّة عندنَا مَعَ الْفِعْل خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا قبل الْفِعْل ممتد بَاقٍ وَقت الْفِعْل مُقَارن بِهِ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَن التَّكْلِيف حَاصِل قبل الْفِعْل ضَرُورَة أَن الْكَافِر مُكَلّف بِالْإِيمَان وتارك الصَّلَاة مُكَلّف بهَا بعد دُخُول الْوَقْت فَلَو لم تكن الِاسْتِطَاعَة متحققة حِينَئِذٍ لزم تَكْلِيف الْعَاجِز وَهُوَ بَاطِل والاستطاعة الْحَقِيقِيَّة عندنَا مَعَ الْفِعْل لَا قبله لِأَنَّهَا صفة يخلقها الله تَعَالَى عِنْد قصد اكْتِسَاب الْفِعْل بعد سَلامَة الْأَسْبَاب والآلات وَعلة تَامَّة لصدور الْفِعْل فَهِيَ مَعَ الْفِعْل لَا قبله وَإِن لم تكن مَعَه وَكَانَت قبله كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْمُعْتَزلَة فَلَا تكون بَاقِيَة عِنْد الْفِعْل لِامْتِنَاع بَقَاء الْأَعْرَاض فَيلْزم وُقُوع الْفِعْل بِلَا استطاعة وقدرة عَلَيْهِ وَهُوَ مُمْتَنع عِنْد الْمُعْتَزلَة لِأَن العَبْد عِنْدهم خَالق لأفعاله وَقدرته مُؤثرَة فِيهَا فعندهم إِذا وَقع الْفِعْل بِلَا استطاعة وقدرة يلْزم وجود الْأَثر بِدُونِ الْمُؤثر وَهُوَ محَال. وَأما عندنَا فالاستطاعة الْمَذْكُورَة عِلّة عَادِية أَو شَرط عادي لَا عِلّة حَقِيقِيَّة كَمَا زَعَمُوا فَيجوز وُقُوع الْفِعْل عندنَا بِدُونِهَا بِخلق الله تَعَالَى لَكِن عَادَة الله تَعَالَى جرت بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يخلق الْفِعْل على يَد العَبْد إِلَّا بعد إِعْطَاء الِاسْتِطَاعَة الْمَذْكُورَة فَمَا ذكرنَا من الدَّلِيل على أَنَّهَا مَعَ الْفِعْل الزامي على الْمُعْتَزلَة يَعْنِي لَو كَانَت الِاسْتِطَاعَة مُقَدّمَة على الْفِعْل لزم وُقُوعه بِلَا استطاعة وقدرة عَلَيْهِ على مذهبكم أَي الْمُعْتَزلَة. لَكِن لَهُم أَن يَقُولُوا لَا نسلم اسْتِحَالَة بَقَاء الْأَعْرَاض وَإِن سلمنَا فَلَا نسلم وُقُوع الْفِعْل حِينَئِذٍ بِلَا استطاعة وقدرة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا نزاع فِي إِمْكَان تجدّد الْأَمْثَال عقيب الزَّوَال فَمن أَيْن يلْزم وُقُوع الْفِعْل بِدُونِهَا. وَالْجَوَاب وَاضح لأَنهم اعْتَرَفُوا بِأَن الْقُدْرَة الَّتِي بهَا الْفِعْل لَا تكون إِلَّا مُقَارنَة مَعَ الْفِعْل وَإِن كَانَت لَهَا أَمْثَالًا مُتَقَدّمَة على الْفِعْل وَهَا هُنَا تَفْصِيل فِي المطولات. ثمَّ اعْلَم أَن مدَار التَّكْلِيف عندنَا هُوَ الِاسْتِطَاعَة الصَّحِيحَة فَلَا يلْزم تَكْلِيف الْعَاجِز وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ إِن أُرِيد بالاستطاعة الْقُدْرَة المستجمعة بِجَمِيعِ شَرَائِط التَّأْثِير فَالْحق أَنَّهَا مَعَ الْفِعْل وَإِلَّا فَقبله. ثمَّ اعْلَم: أَن الِاسْتِطَاعَة عِلّة عَادِية للْفِعْل عِنْد صَاحب التَّبْصِرَة وَشرط عادي عِنْد الْجُمْهُور فإطلاق الْعلَّة أَو الشَّرْط عَلَيْهَا على الْمجَاز. وَلَك أَن تَقول إِن إطلاقهما عَلَيْهَا على الْحَقِيقَة لأَنهم قَالُوا من شَأْنهَا التَّأْثِير أَو من شَأْنهَا توقف تَأْثِير الْفَاعِل عَلَيْهَا فباعتبار شَأْنهَا يطلقون الْعلَّة أَو الشَّرْط عَلَيْهَا فَإِن قلت كَلَام الإِمَام رَحمَه الله صَرِيح فِي أَنَّهَا مُؤثرَة حَيْثُ قَالَ بِجَمِيعِ شَرَائِط التَّأْثِير قُلْنَا المُرَاد بالتأثير مَا يعم الْكسْب وَفِي كَلَام الْآمِدِيّ أَن الْقُدْرَة الْحَادِثَة من شَأْنهَا التَّأْثِير لَكِن عدم التَّأْثِير. بِالْفِعْلِ لوُقُوع متعلقها بقدرة الله تَعَالَى وَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَال فِي كَلَام الإِمَام أصلا انْتهى. وَفِي تَفْسِير الِاسْتِطَاعَة الصَّحِيحَة بسلامة الْآلَات إِلَى آخِره إِشْكَال مَشْهُور (تَقْرِيره) أَن الِاسْتِطَاعَة صفة الْمُكَلف وسلامة الْأَسْبَاب والآلات لَيْسَ صفة لَهُ بل صفة الْأَسْبَاب والآلات كَمَا لَا يخفى فَكيف يَصح تَفْسِيرهَا بهَا وتحرير الْجَواب أَن للمكلف وَصفا إضافيا لَا حَقِيقِيًّا كَمَا قيل ويعبر عَن ذَلِك الْوَصْف الإضافي تَارَة بِلَفْظ يدل عَلَيْهِ إِجْمَالا وَهُوَ لفظ الِاسْتِطَاعَة وَتارَة بِلَفْظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 دَال عَلَيْهِ صَرِيحًا تَفْصِيلًا وَهُوَ سَلامَة الْأَسْبَاب. فَالْحَاصِل أَن المُرَاد بالاستطاعة كَمَا هُوَ استطاعة الْمُكَلف كَذَلِك المُرَاد بسلامة الْأَسْبَاب سَلامَة أَسبَابه وَلَيْسَ الْفرق بَينهمَا إِلَّا بالإجمال فِي لفظ الِاسْتِطَاعَة وَالتَّفْصِيل فِي سَلامَة الْأَسْبَاب إِلَى آخِره. الِاسْتِعَارَة: فِي اللُّغَة طلب الْعَارِية وَعند عُلَمَاء الْبَيَان هِيَ مجَاز يكون علاقَة اسْتِعْمَاله فِي غير مَا وضع لَهُ التَّشْبِيه بِأَن يقْصد اسْتِعْمَاله فِي ذَلِك الْغَيْر بِسَبَب مشابهته بِمَا وضع لَهُ فَإِذا أطلق المشفر الَّذِي وضع لشفة الْإِبِل على شفة الْإِنْسَان فَإِن قصد تشبيهها بمشفر الْإِبِل فِي الغلظ فَهِيَ اسْتِعَارَة وَإِن أُرِيد أَنه من قبيل إِطْلَاق الْمُقَيد على الْمُطلق كإطلاق المرسن على الْأنف من غير قصد إِلَى التَّشْبِيه فمجاز مُرْسل فَظهر أَن اللَّفْظ الْوَاحِد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنى الْوَاحِد قد يكون اسْتِعَارَة وَقد يكون مجَازًا مُرْسلا (المرسن) اسْم مَكَان أَي مَكَان الرسن وَالْأنف مَعَ قيد أَن يكون مرسونا يدل على اعْتِبَار هَذَا الْقَيْد اشتقاقه من الرسن (وَفِي الْقَامُوس) الرسن محركة الْحَبل وَمَا كَانَ من زِمَام على أنف ثمَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي أَن الِاسْتِعَارَة مجَاز لغَوِيّ أَو عَقْلِي (فالجمهور) على أَنه مجَاز لغَوِيّ بِمَعْنى أَنه لفظ اسْتعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ لعلاقة المشابهة وَقيل إِنَّهَا مجَاز عَقْلِي لَا بِمَعْنى إِسْنَاد الْفِعْل أَو شبهه إِلَى غير من هُوَ لَهُ مثل أنبت الرّبيع البقل بل بِمَعْنى أَن التَّصَرُّف فِيهَا فِي أَمر عَقْلِي لَا لغَوِيّ لِأَنَّهَا لما لم يُطلق على الْمُشبه إِلَّا بعد ادِّعَاء دُخُول الْمُشبه فِي جنس الْمُشبه بِهِ بِأَن يَجْعَل الرجل الشجاع فَردا من أَفْرَاد الْأسد فَكَانَ اسْتِعْمَال الْأسد مثلا فِي الرجل الْمَذْكُور فِيمَا وضع لَهُ تَأْوِيلا وادعاء وَلِهَذَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الِاسْتِعَارَة ادِّعَاء معنى الْحَقِيقَة فِي الشَّيْء للْمُبَالَغَة فِي التَّشْبِيه كَقَوْلِك لقِيت أسدا وَأَنت تُرِيدُ الرجل الشجاع وَعرف السكاكي الِاسْتِعَارَة بِأَنَّهَا ذكر أحد طرفِي التَّشْبِيه أَعنِي الْمُشبه والمشبه بِهِ وتريد بالطرف الْمَذْكُور والطرف الْمَتْرُوك مُدعيًا دُخُول الْمُشبه فِي جنس الْمُشبه بِهِ كَمَا تَقول فِي الْحمام أَسد وَأَنت تُرِيدُ بِهِ الرجل الشجاع مُدعيًا أَنه من جنس الْأسد فَتثبت لَهُ شَيْئا من خَواص الْمُشبه بِهِ حَتَّى يكون قرينَة على الْمَعْنى الْمجَازِي وَأَنت تعلم أَن الْقَرِينَة الصارفة عَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ مِمَّا لَا بُد مِنْهَا فِي الْمجَازِي اللّغَوِيّ الَّذِي قسمه السكاكي إِلَى الِاسْتِعَارَة وَغَيرهَا وَكَثِيرًا مَا يُطلق الِاسْتِعَارَة على فعل الْمُتَكَلّم وَهُوَ اسْتِعْمَال اسْم الْمُشبه بِهِ فِي الْمُشبه وَحِينَئِذٍ تكون بِمَعْنى الْمصدر فَيصح مِنْهَا الِاشْتِقَاق فَيكون الْمُتَكَلّم مستعيرا وَلَفظ الْمُشبه بِهِ مستعارا وَالْمعْنَى الْمُشبه بِهِ مستعارا مِنْهُ وَالْمعْنَى الْمُشبه مستعارا لَهُ. الِاسْتِعَارَة المصرحة: هِيَ أَن يذكر الْمُشبه ويحذف الْمُشبه بِهِ مَعَ ذكر الْقَرِينَة مثل رَأَيْت أسدا يَرْمِي وَأَنت تُرِيدُ الرجل الشجاع وَلَقِيت أسدا فِي الْحمام وَتسَمى اسْتِعَارَة تحقيقية أَيْضا لتحَقّق مَعْنَاهَا الْمجَازِي حسا أَو عقلا بِأَن يكون ذَلِك الْمَعْنى أمرا مَعْلُوما يُمكن أَن ينص عَلَيْهِ ويشار إِلَيْهِ إِشَارَة حسية أَو عقلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ: هِيَ أَن يذكر الْمُشبه وَيتْرك الْمُشبه بِهِ وَيثبت للمشبه أَمر مُخْتَصّ بالمشبه بِهِ من غير أَن يكون هُنَاكَ أَمر مُتَحَقق حسا أَو عقلا يُطلق عَلَيْهِ اسْم ذَلِك الْأَمر مثل رَأَيْت زيدا يصول بالمخاطب وَمثل قَول الْهُذلِيّ (وَإِذا الْمنية أنشبت أظفارها) فَإِنَّهُ شبه الْمنية أَي الْمَوْت بالأسد فِي الإهلاك وَذكرهَا دون الْأسد وَأثبت لَهَا الإنشاب والأظفار المختصين بالأسد وَقد تطلق الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ على التَّشْبِيه الْمُضمر فِي النَّفس وتوضيحه أَنه قد يضمر التَّشْبِيه فِي النَّفس أَي فِي نفس اللَّفْظ أَو فِي نفس الْمُتَكَلّم فَلَا يُصَرح بِشَيْء من أَرْكَان التَّشْبِيه سوى الْمُشبه وَيدل على ذَلِك التَّشْبِيه الْمُضمر فِي النَّفس بِأَن يثبت للمشبه أَمر مُخْتَصّ بالمشبه بِهِ من غير أَن يكون فِي الْمُشبه أَمر مُتَحَقق حسا أَو عقلا يُطلق عَلَيْهِ اسْم ذَلِك الْأَمر فيسمى ذَلِك التَّشْبِيه الْمُضمر فِي النَّفس اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ واستعارة مكنية عَنْهَا. أما الْكِنَايَة فَلِأَنَّهُ لم يُصَرح بالمشبه بِهِ بل إِنَّمَا يدل عَلَيْهِ بِذكر خواصه ولوازمه وَأما الِاسْتِعَارَة فمجرد التَّسْمِيَة خَال عَن الْمُنَاسبَة. الِاسْتِعَارَة التخييلية: إِثْبَات الْأَمر الْمُخْتَص بالمشبه للمشبه بِهِ عِنْد حذف الْمُشبه بِهِ أَي فِي الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْإِثْبَات بالاستعارة التخييلية لِأَنَّهُ قد استعير للمشبه ذَلِك الْأَمر الْمُخْتَص بالمشبه بِهِ فَذَلِك الْإِثْبَات اسْتِعَارَة أَمر من الْمُشبه بِهِ للمشبه وَمُوجب لتخييل التَّشْبِيه الْمُضمر فِي النَّفس كإثبات إنشاب الْأَظْفَار للمنية فِي الْمِثَال الْمَذْكُور فتشبيه الْمنية بالسبع فِي الإهلاك بَغْتَة اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَات إنشاب الْأَظْفَار لَهَا اسْتِعَارَة تخييلية وَاعْلَم أَن الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ والمصرحة والتخييلية أُمُور معنوية غير دَاخِلَة فِي الْمجَاز الَّذِي هُوَ من أَقسَام اللَّفْظ. الِاسْتِعَارَة الْمُطلقَة: والاستعارة الْمُجَرَّدَة والاستعارة المرشحة أَقسَام ثَلَاثَة للاستعارة بِحَسب الاقتران بالملائم وَعدم الاقتران بِهِ لِأَنَّهَا إِمَّا لم تقترن بِشَيْء يلائم الْمُسْتَعَار لَهُ والمستعار مِنْهُ أَو قرنت بِمَا يلائم الْمُسْتَعَار لَهُ أَو قرنت بِمَا يلائم الْمُسْتَعَار مِنْهُ الأول الأول وَالثَّانِي الثَّانِي وَالثَّالِث الثَّالِث وَقد يجْتَمع التَّجْرِيد والترشيح والأمثلة فِي المطولات. الِاسْتِعَارَة الْأَصْلِيَّة والاستعارة التّبعِيَّة: قِسْمَانِ للاستعارة بِاعْتِبَار اللَّفْظ الْمُسْتَعَار لِأَن اللَّفْظ الْمُسْتَعَار إِن كَانَ اسْم جنس حَقِيقَة أَو تَأْوِيلا فالاستعارة أَصْلِيَّة كأسد إِذا استعير للرجل الشجاع وَقتل إِذا استعير للضرب الشَّديد وكحاتم إِذا استعير للسخي فَإِنَّهُ اسْم جنس تَأْوِيلا لِأَنَّهُ متاول باسم جنس هُوَ السخي وَكَذَا كل علم يكون مَشْهُورا بِوَصْف كموسى وَفرْعَوْن فَإِنَّهُ اسْم جنس تَأْوِيلا وَإِن لم يكن اللَّفْظ الْمُسْتَعَار اسْم جنس فالاستعارة تَبَعِيَّة كالحرف وَالْفِعْل وكل مَا يشتق مِنْهُ كاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَغير ذَلِك والاستعارة فِي هَذِه الْأُمُور لَا تكون إِلَّا تَبَعِيَّة لِأَن الِاسْتِعَارَة مَوْقُوفَة على التَّشْبِيه والتشبيه يَقْتَضِي أَن يكون الْمُشبه مَوْصُوفا بِوَجْه الشّبَه والموصوف لَا يكون إِلَّا أمرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 مُسْتقِلّا بالمفهومية مقررا ثَابتا فِي نَفسه ومعاني الْأَفْعَال وَالصِّفَات المشتقة مِنْهَا لكَونهَا متجددة غير متقررة بِوَاسِطَة دُخُول الزَّمَان فِي مفهوماتها كَمَا فِي الْأَفْعَال أَو عروضه لَهَا كَمَا فِي الصِّفَات المشتقة مِنْهَا على مَا هُوَ الْمَشْهُور وَإِن كَانَت مُسْتَقلَّة بالمفهومية ومعاني الْحُرُوف غير مُسْتَقلَّة بالمفهومية كَمَا لَا يخفى فَلَا تصلح مَعَانِيهَا للموصوفية وَإِنَّمَا قُلْنَا على مَا هُوَ الْمَشْهُور لِأَن الْحق أَن الزَّمَان دَاخل فِي مَفْهُوم الصِّفَات المشتقة من الْأَفْعَال فمعانيها مقترنة بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة لَكِن لَا فِي الْفَهم عَن تِلْكَ الصِّفَات كَمَا حققنا فِي جَامع الغموض. والمحقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله قَالَ التَّشْبِيه يَقْتَضِي كَون الْمُشبه مَوْصُوفا بِوَجْه الشّبَه أَو بِكَوْنِهِ مشاركا للمشبه بِهِ فِي وَجه الشّبَه. قَالَ شيخ الْإِسْلَام قَوْله أَو بِكَوْنِهِ مشاركا إِلَى آخِره الظَّاهِر أَنه تَخْيِير فِي الْعبارَة بِاعْتِبَار المُرَاد والمودي وتنبيه على أَن الْمَقْصُود من كَونه مشاركا كَونه مَوْصُوفا انْتهى مثل نطقت الْحَال وَالْحَال ناطقة فَإِنَّهُ يقدر تَشْبِيه دلَالَة الْحَال بنطق النَّاطِق فِي إِيضَاح الْمعَانِي وإيصاله إِلَى الذِّهْن ثمَّ يدْخل الدّلَالَة فِي جنس النُّطْق بالتأويل الْمَذْكُور فيستعار لَهَا لفظ النُّطْق ثمَّ يشتق مِنْهُ الْفِعْل وَالصّفة فَتكون الِاسْتِعَارَة فِي الْمصدر أَصْلِيَّة وَفِي الْفِعْل وَالصّفة تَبَعِيَّة فالتشبيه الَّذِي هُوَ مدَار الِاسْتِعَارَة أَولا وبالأصالة يكون فِي معنى الْمصدر وَفِي الْأَفْعَال وَمَا يشتق مِنْهَا يكون ثَانِيًا وبالتبعية كَمَا عرفت فِي المثالين الْمَذْكُورين وَكَذَا التَّشْبِيه يكون أَولا وبالأصالة فِي متعلقات الْحُرُوف ثمَّ فِيهَا ثَانِيًا وبالتبعية كالظرفية فِي زيد فِي النِّعْمَة فَإِن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ لكلمة فِي كَمَا أَنه غير مُسْتَقل بالمفهومية وَإِذا أُرِيد أَن يُفَسر عبر عَنهُ بالظرفية كَذَلِك مَعْنَاهَا الْمجَازِي غير مُسْتَقل بالمفهومية وَإِذا أُرِيد أَن يُفَسر عبر عَنهُ بالإحاطة مثلا فَلَا يتَصَوَّر تَشْبِيه أحد هذَيْن الْمَعْنيين إِلَّا تبعا وَذَلِكَ بِأَن يقدر تَشْبِيه إحاطة النِّعْمَة يزِيد بالظرفية فَيدْخل الْمُشبه فِي جنس الْمُشبه بِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ صَار الظَّرْفِيَّة مستعارا للإحاطة ثمَّ يشبه تِلْكَ الْإِحَاطَة الْمَخْصُوصَة بِتِلْكَ الظَّرْفِيَّة الْمَخْصُوصَة الَّتِي هِيَ معنى فِي تبعا فيستعار لَهَا كلمة فِي وَقس عَلَيْهِ سَائِر الْحُرُوف وَإِذا عرفت حَال التَّشْبِيه بِأَنَّهُ فِي أَي شَيْء بِالْأَصَالَةِ وَفِي أَي أَمر بالتبعية حصل لَك حَال الِاسْتِعَارَة بِحَسب الْأَصَالَة والتبعية بِالْقِيَاسِ على حَال التَّشْبِيه. هَذَا خُلَاصَة مَا ذكر عُلَمَاء الْبَيَان رَحِمهم الله فِي تبيان هَذَا المرام ينفعك لَدَى الْفَهم والإفهام وَعَلَيْك أَن لَا تنسى بِدُعَاء الْخَيْر لهَذَا المستهام. الِاسْتِغْرَاق: اسْتِيفَاء شَيْء بِتمَام أَجْزَائِهِ أَو إِفْرَاده والتوجه فِي شَيْء بِحَيْثُ يكون مَا وَرَاءه لَا شَيْئا عِنْده واستغراق اللَّفْظ أَن يُرَاد بِهِ كل فَرد مِمَّا يتَنَاوَلهُ بِحَسب اللُّغَة أَو الشَّرْع أَو الْعرف الْخَاص وَهُوَ الِاسْتِغْرَاق الْحَقِيقِيّ أَو أَن يُرَاد بِهِ كل فَرد مِمَّا يتَنَاوَلهُ بِحَسب متفاهم الْعرف وَهُوَ الِاسْتِغْرَاق الْعرفِيّ. مِثَال الأول عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَي عَالم كل غيب وَشَهَادَة وَمِثَال الثَّانِي جمع الْأَمِير الصاغة أَي جمع كل صاغة بَلَده أَو مَمْلَكَته لَا صاغة الدُّنْيَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الاسْتوَاء: برا بري وَخط الاسْتوَاء هُوَ مُحِيط دَائِرَة تحدث على وَجه الأَرْض من قطع سطح معدل النَّهَار إِيَّاهَا وَإِنَّمَا سمي خطّ الاسْتوَاء لِاسْتِوَاء اللَّيْل وَالنَّهَار عِنْد سكانها أبدا وَقد يُرَاد بالاستواء اسْتِوَاء الشَّمْس فِي كبد السَّمَاء وَتصير الأَرْض بِتِلْكَ الدائرة نِصْفَيْنِ الأول جنوبي وَالْآخر شمَالي. الِاسْتِدْرَاك: فِي اللُّغَة طلب تدارك السَّامع وَفِي الِاصْطِلَاح رفع التَّوَهُّم النَّاشِئ عَن الْكَلَام السَّابِق وَكلمَة لَكِن للاستدراك أَي لحفظ الحكم السَّابِق نفيا كَانَ أَو إِثْبَاتًا عَن أَن يدْخل فِيهِ مَا بعد لَكِن وَهُوَ يَقْتَضِي مُغَايرَة الْكَلَامَيْنِ نفيا وإثباتا. الاستتباع: فِي اللُّغَة طلب التّبعِيَّة وَعند أَرْبَاب البديع هُوَ الْمَدْح بِشَيْء على وَجه يستتبع الْمَدْح بِشَيْء آخر وَهُوَ من المحسنات المعنوية. الِاسْتِخْدَام: فِي اللُّغَة طلب الْخدمَة عَن شَيْء وَعند أَصْحَاب البديع هُوَ أَن يذكر لفظ لَهُ مَعْنيانِ حقيقيان أَو مجازيان أَو مُخْتَلِفَانِ فيراد بِهِ أَحدهمَا ثمَّ يُرَاد بالضمير الرَّاجِع إِلَى ذَلِك اللَّفْظ مَعْنَاهُ الآخر أَو يُرَاد بِأحد ضميريه أحد معنييه ثمَّ بِالْآخرِ مَعْنَاهُ الآخر فالاستخدام على نَوْعَيْنِ مِثَال الأول. (إِذا نزل السَّمَاء بِأَرْض قوم ... رعيناه وَإِن كَانُوا غضابا) فَإِن للسماء مَعْنيين مجازيين الْمَطَر والنبت فَأَرَادَ بِهِ الْمَطَر وبضميره فِي رعيناه النبت وَمِثَال الثَّانِي. (فسقى الغضا والساكنيه وَإِن هم ... شبوه بَين جوانحي وضلوعي) قَوْله فسقى الغضا جملَة دعائية يَعْنِي (سيراب سازد الله تَعَالَى درخت تاخت وساكنان آن مَكَان راكه درخت تاخت دران ميرويد) الجوانح عِظَام الظّهْر والضلوع الْجنب أَرَادَ بِأحد ضميري الغضا أَعنِي الْمَجْرُور فِي الساكنيه الْمَكَان الَّذِي فِيهِ شَجَرَة الغضا وبالآخر أَعنِي الْمَنْصُوب فِي شبوه النَّار الْحَاصِلَة من شَجَرَة الغضا وَكِلَاهُمَا مجَاز (والساكنيه) مثل الضاربة الْمَحْمُول على ضاربه. يَعْنِي (بدرستيكه تَشْبِيه داده اند ساكنان مَكَان غضا آتش أَو رابآتشى كه ميان جوانح وضلوع من است وغضا درختيست كه جون جوب اورا بجنبانند اتش بيدا آيد) . الاستعداد: كَون الشَّيْء بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة أَو الْبَعِيدَة إِلَى الْفِعْل. الاستعجال: طلب الْأَمر قبل مَجِيء وقته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الِاسْتِصْحَاب: وَهُوَ حكم بِبَقَاء أَمر كَانَ فِي الزَّمَان الأول وَلم يظنّ عَدمه وَهُوَ حجَّة عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي كل أَمر نفيا كَانَ أَو إِثْبَاتًا ثَبت وجوده أَي تحَققه بِدَلِيل شَرْعِي ثمَّ وَقع الشَّك فِي بَقَائِهِ أَي لم يَقع ظن بِعَدَمِهِ وَعِنْدنَا حجَّة للدَّفْع لَا للإثبات لَهُ أَن بَقَاء الشَّرَائِع بالاستصحاب وَلِأَنَّهُ إِذا تَيَقّن بِالْوضُوءِ ثمَّ شكّ فِي الْحَدث يحكم بِالْوضُوءِ وَفِي الْعَكْس بِالْحَدَثِ وَإِذا شهدُوا أَنه كَانَ ملكا للْمُدَّعِي فَإِنَّهُ حجَّة. وَلنَا أَن الدَّلِيل الْمُوجب لَا يدل على الْبَقَاء وَهَذَا ظَاهر فبقاء الشَّرَائِع بعد وَفَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْسَ بالاستصحاب بل لِأَنَّهُ لَا نسخ لشريعته وَالْوُضُوء وَكَذَا البيع وَالنِّكَاح وَنَحْوهَا يُوجب حكما ممتدا إِلَى زمَان ظُهُور مُنَاقض فَيكون الْبَقَاء للدليل وكلامنا فِيمَا لَا دَلِيل على الْبَقَاء كحياة الْمَفْقُود فيرث عِنْده لَا عندنَا لِأَن الْإِرْث من بَاب الْإِثْبَات فَلَا يثبت بِهِ وَلَا يُورث لِأَن عدم الْإِرْث من بَاب الدّفع فَيثبت بِهِ وتفصيل هَذَا المرام فِي كتب الْأُصُول. الِاسْتِيلَاد: فِي اللُّغَة طلب الْوَلَد مُطلقًا وَفِي الشَّرْع هُوَ طلب الْوَلَد من الْأمة سَوَاء كَانَت مَمْلُوكَة أَو مَنْكُوحَة كَمَا ستعلم فِي أم الْوَلَد إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَهُوَ من الْأَسْمَاء الْغَالِبَة. الأسلوب الْحَكِيم: عبارَة عَن تَقْدِيم الأهم تعريضا للمتكلم على ترك الأهم كَمَا قَالَ الْخضر [عَلَيْهِ السَّلَام] حِين سلم عَلَيْهِ مُوسَى إنكارا لسلامه لِأَن السَّلَام لم يكن معهودا فِي تِلْكَ الأَرْض بقوله إِنِّي بأرضك السَّلَام وَقَالَ مُوسَى [عَلَيْهِ السَّلَام] فِي جَوَابه أَنا مُوسَى أُجِيب عَن اللَّائِق وَهُوَ أَن تستفهم عني لَا عَن سلامي بأرضي. الْإِسْرَاف: إِنْفَاق المَال الْكثير فِي الْغَرَض الخسيس. اسْم الْآلَة: هُوَ اسْم مَا يعالج بِهِ الْفَاعِل الْمَفْعُول لوصول أَثَره إِلَيْهِ. الاستباق: طلب السباقة وَفِي السِّرَاجِيَّة يجوز الاستباق فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء فِي الْخُف يَعْنِي الْبَعِير وَفِي الْحَافِر يَعْنِي الْفرس وَفِي النصل يَعْنِي الرَّمْي وَفِي الْمَشْي يَعْنِي الْعَدو وَإِنَّمَا يجوز إِذا كَانَ الْبَدَل مَعْلُوما من جَانب وَاحِد بِأَن يَقُول أَحدهمَا للْآخر إِن سبقتك فلي كَذَا وَإِن سبقتني فَلَا شَيْء لَك فَإِن كَانَ الْبَدَل من الْجَانِبَيْنِ لَا يجوز إِلَّا أَن يكون بَينهمَا ثَالِث وَالشّرط أَنه لَو سبقهما أَو وَاحِدًا مِنْهُمَا أعطياه وَإِن سبقاه لم يعطهما شَيْئا وَهَذَا يجوز إِذا كَانَ فرسه بِحَال قد يسْبق وَقد لَا يسْبق وَالْمرَاد من الْجَوَاز الْحل وَالطّيب لَا الِاسْتِحْقَاق ثمَّ الْمَذْكُور فِي شرح الطَّحَاوِيّ أَن هَذَا إِنَّمَا يجوز فِي هَذِه الْأَشْيَاء لَا غير وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام الحلوائي لَو وَقع الِاخْتِلَاف فِي مَسْأَلَة بَين اثْنَيْنِ وَشرط أَحدهمَا لصَاحبه إِن كَانَ الْجَواب كَمَا قلت أَعطيتك كَذَا وَإِن كَانَت كَمَا قلت لَا آخذ مِنْك شَيْئا هَذَا جَائِز وَفِي الْخَانِية وَمَا يفعل الْأُمَرَاء فَهُوَ جَائِز بِأَن يَقُولُوا لاثْنَيْنِ أيكما سبق فَلهُ كَذَا وَإِنَّمَا جوزوا الاستباق فِي هَذِه الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة لوُرُود الْأَثر فِيهَا وَلَا أثر فِي غَيرهَا وَفِي الشرعة والمسابقة على الْفرس لامتحان كرمه وعتقه سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 اسْم الزَّمَان وَالْمَكَان: اسْم مُشْتَقّ من الْمصدر لزمان أَو مَكَان وَقع فِيهِ مَدْلُول ذَلِك الْمصدر أَي الْحَدث. الِاسْم الْمَنْسُوب: هُوَ الِاسْم الملحق بِآخِرهِ يَاء مُشَدّدَة مَكْسُورَة مَا قبلهَا عَلامَة للنسبة إِلَيْهِ كَمَا ألحقت التَّاء عَلامَة للتأنيث نَحْو بَصرِي وهاشمي - وَتَحْقِيق هَذَا المرام فِي الْمَنْسُوب وَالنِّسْبَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الاسوارية: هم أَصْحَاب الأسوارى وافقوا النظامية فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَزَادُوا عَلَيْهِم أَن الله تَعَالَى لَا يقدر على مَا أخبر بِعَدَمِهِ أَو علم عَدمه وَالْإِنْسَان قَادر عَلَيْهِ. الإسكافية: هم أَصْحَاب أبي جَعْفَر الإسكاف قَالُوا الله تَعَالَى لَا يقدر على ظلم الْعُقَلَاء بِخِلَاف ظلم الصّبيان والمجانين فَإِنَّهُ يقدر عَلَيْهِ. الإسحاقية: قَالُوا حل الله تَعَالَى فِي عَليّ كرم الله وَجهه. الإسماعيلية: هم الَّذين أثبتوا الْإِمَامَة لإسماعيل بن جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمن مَذْهَبهم أَن الله تَعَالَى لَا مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم وَلَا عَالم وَلَا جَاهِل وَلَا قَادر وَلَا عَاجز وَكَذَلِكَ جَمِيع الصِّفَات وَذَلِكَ لِأَن الْإِثْبَات بِالْحَقِيقَةِ يَقْتَضِي الْمُشَاركَة بَينه وَبَين الموجودات وَهُوَ تَشْبِيه وَالنَّفْي الْمُطلق يَقْتَضِي الْمُشَاركَة للمعدومات وَهُوَ تَعْطِيل بل هُوَ واهب هَذِه الصِّفَات وَرب للمضادة. اسْتثِْنَاء نقيض الْمُقدم: لَا ينْتج شَيْئا فِي جَمِيع الْموَاد أَي لَا ينْتج كليا. أَلا ترى أَن قَوْلك إِن كَانَ هَذَا إنْسَانا كَانَ حَيَوَانا لكنه لَيْسَ بِإِنْسَان لَا ينْتج أَنه حَيَوَان أَو لَيْسَ بحيوان. نعم إِذا كَانَ بَين الْمُقدم والتالي مُلَازمَة كطلوع الشَّمْس وَوُجُود النَّهَار فهناك تصح النتائج الْأَرْبَع. فَإِن قيل عدم إنتاج اسْتثِْنَاء نقيض الْمُقدم مَمْنُوع. أَلا ترى أَن مثل قَوْلنَا لَو جئتني لأكرمتك لكنك لم تجئ يَعْنِي فَلم أكرمك. أَي عدم إكرامي بِسَبَب عدم الْمَجِيء صَحِيح. وَقد قَالَ الحماسي فِي مدح الْفرس. (وَلَو طَار ذُو حافر قبلهَا ... لطارت وَلكنه لم يطر) أَي عدم طيران تِلْكَ الْفرس بِسَبَب أَنه لم يطر ذُو حافر قبلهَا. وَقَالَ أَبُو الْعَلَاء المعري: (وَلَو دَامَت الدولات كَانُوا كغيرهم ... رعايا وَلَكِن مَا لَهُنَّ دوَام) وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا قيل بِالْفَارِسِيَّةِ: (هركه غم جهان خورد كي زحيات بر خورد ... ووتوغم جهان مخورتا زحيات بر خورى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 قُلْنَا: قد تسْتَعْمل كلمة لَو للدلالة على أَن عِلّة انْتِفَاء مَضْمُون الْجَزَاء فِي الْخَارِج هِيَ انْتِفَاء مَضْمُون الشَّرْط من غير الْتِفَات إِلَى أَن عِلّة الْعلم بِانْتِفَاء الْجَزَاء مَا هِيَ. أَلا ترى أَن قَوْلهم لَوْلَا لِامْتِنَاع الثَّانِي لوُجُود الأول فِيمَا كَانَ الأول منفيا وَالثَّانِي مثبتا نَحْو لَوْلَا عَليّ لهلك عمر. مَعْنَاهُ أَن وجود عَليّ كرم الله وَجهه سَبَب لعدم هَلَاك عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا أَن وجوده دَلِيل على الْعلم بِأَن عمر لم يهْلك. وَحَاصِل الْجَواب أَن المُرَاد اسْتثِْنَاء نقيض الْمُقدم لَا ينْتج شَيْئا بِحَسب الْعلم أَي عِنْد الِاسْتِدْلَال وَلَيْسَ الْمَقْصُود فِي تِلْكَ الْأَمْثِلَة الِاسْتِدْلَال حَتَّى يرد الْمَنْع وَمعنى بَيت أبي الْعَلَاء لَو دَامَت الدولات كَانَ جَمِيع السلاطين رعايا للْأولِ. وَالْأَقْرَب أَن مَعْنَاهُ لَو دَامَت دولات الَّذين يرغبون عَن طَاعَة الممدوح لكانوا منخرطين فِي سلك رَعيته لَكِن لما لم يقدر عِنْد الله تَعَالَى دوامها عصوه فاستأصلهم الممدوح أَي لَو رَضوا بِأَن يَكُونُوا مُطِيعِينَ للممدوح لما ذهبت دولتهم. الاستطراد: (خويشتن ااز بيش دشمن بهزيمت دادن براى فريفتن وى) كَذَا فِي تَاج المصادر وَيُرَاد بِهِ فِي الْعُلُوم ذكر الشَّيْء لَا عَن قَصده بل بتبعية غَيره. {اسْتغْفر لذنبك وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} أَي لذنب أمتك. فَإِن قيل فَيلْزم حِينَئِذٍ اسْتِدْرَاك قَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} قُلْنَا هَذَا تَخْصِيص بعد التَّعْمِيم لِأَن أمته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاث وَسَبْعُونَ فرقة وَالْأَمر بالاستغفار لَيْسَ إِلَّا لوَاحِدَة مِنْهَا وهم الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات أَي الَّذين آمنُوا واعتقدوا على طَريقَة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة. وَإِذا أُرِيد بذنبك ذَنْب النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلَا يرد الْإِشْكَال الْمَذْكُور. نعم يرد حِينَئِذٍ ثُبُوت الشَّفَاعَة لصغائر الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات دون كبائرهم لِأَن ذنبهم مَخْصُوص بالكبائر بِقَرِينَة قَوْله تَعَالَى لذنبك لِأَن ذَنبه علية الصَّلَاة وَالسَّلَام صَغِيرَة قطعا وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن شَفَاعَة رَسُولنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامَّة لذنوبهم مُطلقًا صَغِيرَة أَو كَبِيرَة. وَالْجَوَاب أَن الذَّنب فِي أصل الْوَضع شَامِل لَهما وَإِن كَانَ الذَّنب الْمُضَاف إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ ترك الأولى أَي الصَّغِيرَة لِأَن الْأَنْبِيَاء معصومون عَن الْكَبَائِر كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه فَافْهَم. الِاسْتِحْقَاق الذاتي: كَون الشَّيْء مُسْتَحقّا لأمر بِالنّظرِ إِلَى ذَاته دون وَصفه. والاستحقاق الوصفي: كَون الشَّيْء مُسْتَحقّا لأمر النّظر إِلَى وَصفه دون ذَاته. وَالْمرَاد بِالِاسْتِحْقَاقِ الذاتي والوصفي فِيمَا قَالُوا إِن لله تَعَالَى فِي اسْتِحْقَاقه الْحَمد استحقاقين ذاتي ووصفي. إِن الِاسْتِحْقَاق الذاتي مَا لَا تلاحظ مَعَه خُصُوصِيَّة صفة من جَمِيع الصِّفَات كَمَا يُقَال الْحَمد لله. لَا مَا لَا يكون الذَّات البحت مُسْتَحقّا لَهُ فَإِن اسْتِحْقَاق الْحَمد لَيْسَ إِلَّا على الْجَمِيل وَسمي ذاتيا لملاحظة الذَّات فِيهِ من غير اعْتِبَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 خُصُوصِيَّة صفة من الصِّفَات أَو لدلَالَة اسْم الذَّات عَلَيْهِ أَو لِأَنَّهُ لما لم يكن مُسْتَندا إِلَى صفة من الصِّفَات الْمَخْصُوصَة كَانَ مُسْتَندا إِلَى الذَّات وَأَن الِاسْتِحْقَاق الوصفي مَا لَا يُلَاحظ مَعَ الذَّات صفة من صِفَاته كَمَا يُقَال الْحَمد للخالق فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي المطول. الاستفتاح: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك (كفتن) وَإِنَّمَا سمي هَذَا الدُّعَاء بِهِ لِأَنَّهُ تستفتح بِهِ الْأَذْكَار. الْإِسْنَاد: (تكيه دادن جيزى رابجيزى ونسبت جيزى بسوي جيزي) . وَفِي الْعرف ضم أَمر إِلَى آخر بِحَيْثُ يُفِيد فَائِدَة تَامَّة. وَقد يُطلق بِمَعْنى النِّسْبَة مُطلقًا وَلما كَانَ بحث النُّحَاة فِي الْأَلْفَاظ فسروه بِأَنَّهُ نِسْبَة إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى بِحَيْثُ تفِيد الْمُخَاطب فَائِدَة تَامَّة يَصح السُّكُوت عَلَيْهَا بِأَن لَا يحْتَاج السَّامع إِلَى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ أَو الْمَحْكُوم بِهِ. والإسناد فِي أصُول الحَدِيث أَن يَقُول الْمُحدث عِنْد رِوَايَة الحَدِيث حَدثنَا فلَان عَن فلَان عَن فلَان عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. ثمَّ الْإِسْنَاد عِنْد أَرْبَاب الْمعَانِي على نَوْعَيْنِ الْحَقِيقَة الْعَقْلِيَّة وَالْمجَاز الْعقلِيّ وجعلهما صَاحب التَّلْخِيص صفتين للإسناد وَعبد القاهر والسكاكي صَاحب الْمِفْتَاح جَعلهمَا صفتين للْكَلَام وَالْأولَى مَا ذهب إِلَيْهِ الْخَطِيب الدِّمَشْقِي صَاحب التَّلْخِيص حَيْثُ قَالَ فِي الْإِيضَاح وَإِنَّمَا اخترناه لِأَن نِسْبَة الشَّيْء الَّذِي يُسمى حَقِيقَة أَو مجَازًا إِلَى الْعقل على هَذَا التَّفْسِير بِلَا وَاسِطَة وعَلى قَوْلهمَا لاشْتِمَاله على مَا ينْسب إِلَى الْعقل أَعنِي الْإِسْنَاد. وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي المطول يَعْنِي أَن تَسْمِيَة الْإِسْنَاد حَقِيقَة عقلية إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَار أَنه ثَابت فِي مَحَله ومجازا بِاعْتِبَار أَنه متجاوز عَنهُ وَالْحَاكِم بذلك هُوَ الْعقل دون الْوَضع لِأَن إِسْنَاد كلمة إِلَى كلمة شَيْء يحصل بِقصد الْمُتَكَلّم دون وَاضع اللُّغَة فَإِن ضرب مثلا لَا يَصح خَبرا عَن زيد بواضع اللُّغَة بل بِمن قصد إِثْبَات الضَّرْب فعلا لَهُ وَإِنَّمَا الَّذِي يعود إِلَى الْوَاضِع أَنه لإِثْبَات الضَّرْب دون الْخُرُوج وَإنَّهُ لإثباته فِي الزَّمَان الْمَاضِي دون الْمُسْتَقْبل. فالإسناد ينْسب إِلَى الْعقل بِلَا وَاسِطَة وَالْكَلَام ينْسب إِلَيْهِ بِاعْتِبَار أَن إِسْنَاده مَنْسُوب إِلَيْهِ انْتهى. فالإسناد مَنْسُوب إِلَى الْعقل بِلَا وَاسِطَة وَالْكَلَام ينْسب إِلَيْهِ بِاعْتِبَار أَن إِسْنَاده مَنْسُوب إِلَيْهِ وتعريف الْحَقِيقَة الْعَقْلِيَّة وَالْمجَاز الْعقلِيّ فِي مَحلهمَا. الاستلزام: طلب لُزُوم الشَّيْء أَي كَون الشَّيْء طَالبا لِأَن يكون شَيْء آخر لَازِما لَهُ وشبهة الاستلزام فِي شُبْهَة الاستلزام. فَانْظُر هُنَاكَ فَإِنَّهَا أدق المرام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 بَاب الْألف مَعَ الشين الْمُعْجَمَة الْأَشْيَاء: جمع شَيْء أَو اسْم جمع وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن فِي أَشْيَاء مذهبين الْأَصَح أَنه منصرف جمع شَيْء على وزن أَفعَال وَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَنه غير منصرف فَلَزِمَهُ منع الصّرْف بِغَيْر عِلّة فاضطر إِلَى إِحْدَاث الْعلَّة فَقَالَ إِنَّه على وزن فعلاء يَعْنِي كَانَ فِي الأَصْل شَيْئا، على وزن حَمْرَاء فجيء لَام الْكَلِمَة أَعنِي الْهمزَة الأولى فِي أَولهَا فَصَارَ أَشْيَاء. فأشياء على هَذَا التَّقْدِير اسْم مؤنث فِي آخِره ألف ممدودة قَائِمَة مقَام علتين لَا جمع بل اسْم جمع فَافْهَم واحفظ. الإشراط: جمع شَرط بِمَعْنى سَاعَة الْقِيَامَة وَالشّرط الَّذِي بِمَعْنى مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الشَّيْء وَلم يكن ركنا وجزءا مِنْهُ جمعه الشُّرُوط. اشراط السَّاعَة: أَي عَلَامَات الْقِيَامَة عَن حُذَيْفَة بن أسيد الْغِفَارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أطلع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - علينا وَنحن نتذاكر فَقَالَ مَا تذكرُونَ قَالُوا نذْكر السَّاعَة قَالَ إِنَّهَا لن تقوم حَتَّى تروا قبلهَا عشر آيَات فَذكر الدُّخان والدجال وَالدَّابَّة وطلوع الشَّمْس من مغْرِبهَا ونزول عِيسَى ابْن مَرْيَم وياجوج وماجوج وَثَلَاثَة خُسُوف خسف بالمشرق وَخسف بالمغرب وَخسف بِجَزِيرَة الْعَرَب وَآخر ذَلِك نَار تخرج من الْيمن تطرد النَّاس إِلَى مَحْشَرهمْ. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على أشرار الْخلق. وَفِي حَدِيث آخر لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقَال فِي الأَرْض الله الله. وَلها عَلَامَات أخر مَذْكُورَة فِي المطولات والمحشر أَرض الشَّام إِذْ صَحَّ فِي الحَدِيث أَن الْحَشْر يكون فِي الشَّام. الإشراقيون: جمع الإشراقي. اعْلَم أَن للْإنْسَان قُوَّة نظرية كمالها معرفَة الْحَقَائِق كَمَا هِيَ وَقُوَّة عملية كَمَا لَهَا الْقيام بالأمور على مَا يَنْبَغِي واتفقت الْملَّة والفلسفة بتكميل النُّفُوس البشرية فِي القوتين لتحصل سَعَادَة الدَّاريْنِ لَكِن الْعقل يتبع فِي الْملَّة هداه وَفِي الفلسفة هَوَاهُ وَبِالْجُمْلَةِ الْغَرَض مِنْهَا معرفَة المبدأ والمعاد. وَالطَّرِيق إِلَى هَذِه الْمعرفَة من وَجْهَيْن. أَحدهمَا طَريقَة أهل النّظر وَالِاسْتِدْلَال وَثَانِيهمَا طَريقَة أهل الرياضة والمجاهدات. والسالكون للطريقة الأولى أَن اتبعُوا مِلَّة فهم المتكلمون وَإِلَّا فهم الْحُكَمَاء المشائيون كأرسطو وَأَتْبَاعه والشيخين أبي عَليّ وَأبي نصر. والسالكون للطريقة الثَّانِيَة إِن وافقوا الشَّرِيعَة فهم الصُّوفِيَّة المتشرعون وَإِلَّا فهم الْحُكَمَاء الإشراقيون كأفلاطون وَالشَّيْخ شهَاب الدّين الْمَقْتُول. وللإشراقيين معنى آخر سَنذكرُهُ فِي الرواقيين إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الأشاعرة: الْفرق بَين الأشاعرة والأشعرية أَن الأشعرية فِي مُقَابلَة الماتريدية وهم الَّذين تبعوا أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ. والأشاعرة فِي مُقَابلَة الْمُعْتَزلَة شَامِلَة للماتريدية والأشعرية. والأشاعرة إِذا وَقعت فِي مُقَابلَة الْحُكَمَاء فَالْمُرَاد بهَا جَمِيع الْمُتَكَلِّمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الِاشْتِرَاك: لَفْظِي ومعنوي. أما الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ فَهُوَ أَن يكون اللَّفْظ مَوْضُوعا لمعنيين أَو لمعان بأوضاع مُتعَدِّدَة كَلَفْظِ الْعين للباصرة وَالْجَارِيَة وَالذَّهَب وَغير ذَلِك. والاشتراك الْمَعْنَوِيّ أَن يكون اللَّفْظ مَوْضُوعا لِمَعْنى كلي كالإنسان للحيوان النَّاطِق. الإشمام: جَائِز فِي قيل وَبيع. قَالَ نجم الْأَئِمَّة فَاضل الْأمة الرضي الاسترآبادي رَحمَه الله حَقِيقَة هَذَا الإشمام أَن تنحو بكسرة فَاء الْفِعْل نَحْو الضمة فتميل الْيَاء الساكنة بعْدهَا نَحْو الْوَاو قَلِيلا إِذْ هِيَ تَابِعَة لحركة مَا قبلهَا هَذَا هُوَ مُرَاد النُّحَاة والقراء بالإشمام فِي هَذِه الْمَوَاضِع. وَقَالَ بَعضهم الإشمام هَا هُنَا كالإشمام حَالَة الْموقف أَعنِي ضم الشفتين فَقَط مَعَ كسر الْفَاء خَالِصا وَهَذَا خلاف الْمَشْهُور عِنْد الْقُرَّاء والنحاة. وَقَالَ بَعضهم هُوَ أَن تَأتي بضمة خَالِصَة بعْدهَا يَاء سَاكِنة وَهَذَا أَيْضا غير مَشْهُور عِنْدهم. وَالْغَرَض من الإشمام الإيذان بِأَن الأَصْل الضَّم فِي أَوَائِل هَذِه الْحُرُوف وَهَكَذَا فِي الْفَوَائِد الضيائية. وَإِن أردْت حَقِيقَة الإشمام الوقفي فاستمع لما أذكرهُ أَن الإشمام الوقفي إِنَّمَا يكون فِي المضموم وَهُوَ أَن تضم شفتيك بعد الإسكان وَتَدَع بَينهمَا بعض الانفراج ليخرج مِنْهُ النَّفس فَيَرَاهُمَا الْمُخَاطب مضمومتين فَيعلم أَنَّك أردْت بضمهما الْحَرَكَة فَهُوَ شَيْء يخْتَص بِإِدْرَاك الْعين دون الْأذن لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَوْت وَإِنَّمَا هُوَ تَحْرِيك عُضْو فَلَا يُدْرِكهُ الْأَعْمَى. وَالروم يُدْرِكهُ الْأَعْمَى والبصير لِأَن فِيهِ مَعَ حَرَكَة الشّفة صَوتا يكَاد الْحَرْف يكون بِهِ متحركا واشتقاقه من الشم كَأَنَّك أشممت الْحَرْف رَائِحَة الْحَرَكَة بِأَن هيأت الْعُضْو للنطق بهَا. وَالْغَرَض مِنْهُ الْفرق بَين مَا هُوَ متحرك فِي الْوَصْل واسكن للْوَقْف. وَبَين مَا هُوَ سَاكن فِي كل حَال وَهُوَ مُخْتَصّ بالمضموم لِأَنَّك لَو ضممت الشفتين فِي غَيره أوهمت خِلَافه فرفضوه لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى نقيض مَا وضع لَهُ. الِاشْتِقَاق: عِنْد عُلَمَاء التصريف اقتطاع فرع من أصل يَدُور فِي تصاريفه مَعَ تَرْتِيب الْحُرُوف وَزِيَادَة الْمَعْنى وَهَذَا تَعْرِيف للاشتقاق الصَّغِير. وَأما تَعْرِيفه: الشَّامِل لجَمِيع أَنْوَاعه فَهُوَ أَن تَجِد بَين اللَّفْظَيْنِ تنَاسبا فِي أحد المدلولات الثَّلَاثَة. واشتراكا فِي جَمِيع الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة مُرَتبا أَو غير مُرَتّب أَو اشتراكا فِي أَكثر الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة مَعَ تقَارب مَا بَقِي فِي الْمخْرج كنعق من نهق. وَالْمرَاد بِأَن تَجِد أَن تعلم فَهَذَا تَعْرِيف الْعلم بالاشتقاق لَا نَفسه وَكلمَة أَو للتنويع لَا للتشكيك. فَلَا يرد أَن التشكيك يُنَافِي التَّعْرِيف. فَاعْلَم أَن الِاشْتِقَاق على ثَلَاثَة أَنْوَاع صَغِير وكبير وأكبر. أما الِاشْتِقَاق الصَّغِير فكون اللَّفْظَيْنِ متناسبين فِي أحد المدلولات الثَّلَاثَة، ومشتركين فِي الْحُرُوف وَالتَّرْتِيب كضرب من الضَّرْب، وَأما الِاشْتِقَاق الْكَبِير فَهُوَ أَن تكون بَينهمَا مُنَاسبَة ومشاركة فِي الْحُرُوف دون التَّرْتِيب كجبذ من جذب، وَأما الِاشْتِقَاق الْأَكْبَر فَهُوَ أَن يكون بَينهمَا مُنَاسبَة ومشاركة فِي أَكثر الْحُرُوف مَعَ تقَارب مَا بَقِي فِي الْمخْرج كنعق من نهق. وَاعْلَم أَن لمعْرِفَة زِيَادَة الْحُرُوف ثَلَاثَة طرق. الأول الِاشْتِقَاق وَالْمرَاد بِمَعْرِِفَة زِيَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الْحُرُوف أَنه إِذا أوردت الْكَلِمَة وفيهَا بعض حُرُوف الزِّيَادَة الْعشْرَة أَعنِي حُرُوف (الْيَوْم تنسيها) وَرَأَيْت ذَلِك الْحَرْف قد سقط فِي بعض تصاريف الْكَلِمَة الَّذِي يُوَافِقهَا فِي الْمَعْنى والتركيب حكمت بِزِيَادَة ذَلِك الْحَرْف وَالثَّانِي عدم النظير وَمَعْنَاهُ أَنَّك لَو حكمت بأصالة الْحَرْف أَو زيادتها لزم بِنَاء لم يُوجد فِي كَلَامهم كنون قرنفل فَإنَّك تحكم بزيادتها إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَام فعلل مثل سفرجل بِضَم الْجِيم وَالثَّالِث كَثْرَة زِيَادَة ذَلِك الْحَرْف فِي ذَلِك الْموضع كالهمزة إِذا وَقعت أَولا وَبعدهَا ثَلَاثَة أصُول نَحْو احمر. وَإِذا تعَارض بَعْضهَا مَعَ بعض يحكم بالترجيح. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن الِاشْتِقَاق مُحَقّق وَشبه اشتقاق لِأَن الدّلَالَة إِن كَانَت على الْمَعْنى الْمُشْتَرك ظَاهِرَة كضارب من الضَّرْب فالاشتقاق حِينَئِذٍ مُحَقّق وَإِن لم تكن الدّلَالَة كَذَلِك فَحِينَئِذٍ شبه الِاشْتِقَاق ثمَّ الِاشْتِقَاق الْمُحَقق إِن لم يُعَارضهُ اشتقاق آخر تعين الْعَمَل بِهِ. إِذْ الحكم بِهِ قَطْعِيّ. وَإِن عَارضه اشتقاق آخر فَإِن تَسَاويا يجوز فِيهِ الْأَخْذ بِأَيّ شِئْت وَإِن ترجح أَحدهمَا فَالْحكم بالراجح وتفصيل الْأَمْثِلَة فِي المطولات. الْأَشْرِبَة: جمع الشَّرَاب وَهُوَ كل مَائِع رَقِيق يشرب وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ المضغ حَرَامًا كَانَ أَو حَلَالا. الْإِشَارَة: فِي اصْطِلَاح أصُول الْفِقْه هُوَ الثَّابِت بِنَفس الصِّيغَة من غير أَن يساق لَهُ الْكَلَام وَهَذَا هُوَ إِشَارَة النَّص مثل قَوْله تَعَالَى {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين} الْآيَة. سيق الْكَلَام لبَيَان إِيجَاب سهم من الْغَنِيمَة لَهُم. وَفِيه إِشَارَة إِلَى زَوَال أملاكهم إِلَى الْكفَّار لِأَنَّهُ تَعَالَى سماهم فُقَرَاء، وَالْفَقِير اسْم لعديم المَال لَا للبعيد عَن الْملك لِأَن الْفقر ضد الْغناء. والغني من يملك المَال حَقِيقَة لَا من قربت يَده من المَال حَتَّى لَا يكون الْمكَاتب غَنِيا وَإِن كَانَت فِي يَده أَمْوَال. وَابْن السَّبِيل غَنِي وَإِن بَعدت يَده من المَال لقِيَام ملكه وَلِهَذَا تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره أَن إِشَارَة النَّص هُوَ الْعَمَل بِمَا ثَبت بنظم الْكَلَام لُغَة لكنه غير مَقْصُود وَلَا سيق لَهُ النّظم لقَوْله تَعَالَى {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن} . سيق الْكَلَام لإِثْبَات النَّفَقَة وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن النّسَب إِلَى الْآبَاء وَالْإِشَارَة بالسبابة عِنْد الشَّهَادَة فِي التَّحِيَّات سنة وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. وَفِي فتح الْقَدِير عَن مُحَمَّد فِي كَيْفيَّة الْإِشَارَة يقبض خِنْصره وَالَّتِي تَلِيهَا ويحلق الْوُسْطَى والإبهام وَيُقِيم المسبحة. وَمَا فِي الكيداني من أَن الْإِشَارَة الْمَذْكُورَة مَكْرُوهَة مَرْدُود. وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة الحلوائي رَحمَه الله يُقيم الْأصْبع عِنْد (لَا إِلَه) ويضعها عِنْد (إِلَّا الله) ليَكُون الرّفْع للنَّفْي والوضع للإثبات. وَقَالَ الْعَارِف بِاللَّه الصَّمد بَابا فتح مُحَمَّد البرهانبوري فِي مِفْتَاح الصَّلَاة (بعضى دوستان ازين فَقير استفسار كردند كه در التَّحِيَّات وَحده لَا شريك لَهُ نيست وَجه جه باشد كفته شدد وَوجه احْتِمَال دارد (يكى) آنكه باشاره انكشت جنانجه در حَدِيث صَحِيح است كه بر شَيْطَان از تبر آهنى سخت است كفايت نموده باشند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 (دوم) آنكه جون در مِعْرَاج از فرشتكان ايْنَ كَلمه وَارِد شدّ وانجا مَحل شرك بنودتا دفع كرده شود) (ف (14)) . الْإِشَارَة الحسية: عِنْد أَرْبَاب الْمَعْقُول قد تكون امتدادا خطيا موهوما آخِذا من المشير منتهيا إِلَى نقطة من الْمشَار إِلَيْهِ وَقد تكون امتدادا سطحيا ينطبق الْخط الَّذِي هُوَ طرفه على الْخط الْمشَار إِلَيْهِ أَو على خطّ من الْمشَار إِلَيْهِ وَقد تكون امتدادا جسميا ينطبق السَّطْح الَّذِي هُوَ طرفه على السَّطْح الْمشَار إِلَيْهِ أَو ينفذ فِي أقطار الْمشَار إِلَيْهِ بِحَيْثُ ينطبق كل قِطْعَة مِنْهُ على كل قِطْعَة من الْجِسْم الْمشَار إِلَيْهِ انطباقا وهميا. هَذَا إِذا كَانَ الْجِسْم الْمشَار إِلَيْهِ شفافا. فَإِن قيل يفهم من هَذَا الْبَيَان أَن الْإِشَارَة الحسية غير منحصرة فِي الامتداد الخطي - وَيفهم من قَوْلهم الْإِشَارَة الحسية هُوَ الامتداد الخطي الموهوم الْآخِذ من المشير الْمُنْتَهى إِلَى الْمشَار إِلَيْهِ حصرها فِي الامتداد الخطي الْمَذْكُور فَكيف التَّوْفِيق. قُلْنَا الْحصْر الْمَذْكُور بِاعْتِبَار الْأَغْلَب فَإنَّك إِذا لاحظت حالك فِي الْإِشَارَة إِلَى المحسوسات ظهر لَك أَن الْأَغْلَب فِي الْإِشَارَة إِلَيْهَا هُوَ الامتداد الْمَذْكُور. فَإِن قيل تَعْرِيف الْإِشَارَة الحسية بالامتداد الْمَذْكُور لَيْسَ بِصَحِيح لِأَن الْإِشَارَة صفة المشير والامتداد صفة الْخط فَلَا يَصح تَعْرِيفهَا بِهِ إِذْ لَا يُمكن حمل أَحدهمَا على الآخر. قُلْنَا إِن الْمُعَرّف هُوَ الْمَجْمُوع أَعنِي امتداد خطي آخذ من المشير إِلَى آخِره لَا مُجَرّد الامتداد والمشير كَمَا يَتَّصِف بِالْإِشَارَةِ كَذَلِك يَتَّصِف بالامتداد الخطي الْآخِذ من المشير إِلَى آخِره إِلَّا أَنه لتركبه لَا يُمكن اشتقاق اسْم الْفَاعِل مِنْهُ بِخِلَاف الْإِشَارَة. فَإِن قيل إِن المشير والمشار إِلَيْهِ مأخوذان فِي تَعْرِيف الْإِشَارَة فَيلْزم تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ. قُلْنَا الْمُعَرّف اصطلاحي وَمَا فِي الْمُعَرّف لغَوِيّ أَو المُرَاد من المشير المحس وَمن الْمشَار إِلَيْهِ المحسوس من قبيل ذكر الْخَاص وَإِرَادَة الْعَام. وَأَيْضًا كَون الْإِشَارَة نِسْبَة وَكَون أحد المنتسبين مُشِيرا وَالْآخر مشارا إِلَيْهِ مَعْلُوم بالبداهة فالغرض من التَّعْرِيف تَحْقِيق حَقِيقَة تِلْكَ النِّسْبَة فَلَا بَأْس بِذكر المنتسبين فِي تَعْرِيفهَا. إِشَارَة النَّص: أَي ثَابت بهَا مَا ثَبت بنظم الْكَلَام وَهُوَ مثل الثَّابِت بِعِبَارَة النَّص إِلَّا أَنه مَا سيق لَهُ الْكَلَام كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين} الْآيَة سيق الْكَلَام لبَيَان إِيجَاب سهم من الْغَنِيمَة لَهُم وَفِيه إِشَارَة إِلَى زَوَال أملاكهم إِلَى الْكفَّار وَقد أَشَرنَا إِلَى توضيحها وتفصيلها الْآن فِي الْإِشَارَة. اشْتِرَاك الْمَاهِيّة بَين كثيرين: مَعْنَاهُ فِي الْكُلِّي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الْإِشْعَار: الْإِعْلَام وإشعار الْبَدنَة إعلامها بِشَيْء أَنَّهَا هدي من الشعار وَهُوَ الْعَلامَة وَطَرِيقَة الطعْن فِي سَنَام الْهَدْي من جَانبهَا الْأَيْمن وَهُوَ مَكْرُوه عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ خلافًا لَهما. اشد الضَّرْب: التَّعْزِير فِي التَّعْزِير إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْأَشْهر: الْفرق بَين الأوضح وَالْأَشْهر فِي الْإِعْلَام أَن الأول يكون علما مُشْتَركا قَلِيل الِاشْتِرَاك من علم آخر. وَالثَّانِي علم يكون مُسَمَّاهُ مَشْهُورا بِهِ سَوَاء كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ أَو مُشْتَركا بَين كثيرين كَمَا يفهم من حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره على المطول فِي مَبْحَث عطف بَيَان الْمسند إِلَيْهِ. بَاب الْألف مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة الأصر: بِالْكَسْرِ الثّقل وَالْحَبْس. فِي التَّحْقِيق شرح الحسامي الأصر الْأَعْمَال الشاقة وَالْأَحْكَام الْمُغَلَّظَة كَقَتل النَّفس فِي التَّوْبَة وَقطع الْأَعْضَاء الْخَاطِئَة والأغلال المواثيق اللَّازِمَة لُزُوم الغل كَذَا فِي عين الْمعَانِي. وَفِي الْكَشَّاف الأصر الثّقل الَّذِي يأصر صَاحبه أَي يحْبسهُ فِي الحراك لثقله وَهُوَ مثل لثقل تكليفهم وصعوبته نَحْو اشْتِرَاط قتل النَّفس فِي صِحَة تَوْبَته. وَكَذَا الأغلال مثل لما كَانَ فِي شرائعهم من الْأَشْيَاء الشاقة نَحْو بت الْقَضَاء بِالْقصاصِ عمدا كَانَ أَو خطأ من غير شرع الدِّيَة - وَقطع الْأَعْضَاء الْخَاطِئَة - وقرض مَوضِع النَّجَاسَة من الْجلد وَالثَّوَاب - وإحراق الْغَنَائِم - وَتَحْرِيم الْعُرُوق فِي اللَّحْم - وَتَحْرِيم السبت. وَرُوِيَ: أَن الأصر كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل فِي عشرَة أَشْيَاء كَانَت الطَّيِّبَات تحرم عَلَيْهِم بِالذنُوبِ - وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِم خمسين صَلَاة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة - وزكاتهم كَانَت ربع المَال - وَلَا يطهرهم من الْجَنَابَة وَالْحَدَث غير المَاء - وَلم تكن صلَاتهم جَائِزَة فِي غير الْمَسْجِد - وَيحرم عَلَيْهِم الْأكل بعد النّوم فِي الصَّوْم - وَحرم عَلَيْهِم المجامعة بعد صَلَاة الْعشَاء وَالنَّوْم كَالْأَكْلِ - وَكَانَت عَلامَة قبُول قُرْبَانهمْ إحراق نَار تتنزل من السَّمَاء - وحسناتهم كَانَت بِوَاحِدَة - وَمن أذْنب مِنْهُم ذَنبا بِاللَّيْلِ كَانَ يصبح وَهُوَ مَكْتُوب على بَاب دَاره. فَرفعت عَن هَذِه الْأمة تكريما للنَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَلِهَذَا يُقَال إِن هَذِه الْأمة مَرْحُومَة والحراك الْحَرَكَة وَبت الْقَضَاء بِالْقصاصِ أَي الحكم بِالْقصاصِ جزما بِلَا تردد وَتَحْرِيم الْعُرُوق يَعْنِي كَانَ عَلَيْهِم أكل اللَّحْم حَرَامًا مَا لم يخرجُوا الْعُرُوق مِنْهُ وَتَحْرِيم السبت يَعْنِي (شكار كردن مَا هِيَ روز شنبه) . أَصْحَاب الصّفة: هم الْجَمَاعَة من الصَّحَابَة الَّذين كَانُوا ملازمين للنَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مَسْجده لِلْعِبَادَةِ مَعَه ومعرضين عَن الدُّنْيَا والأكساب وَقَالَ الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 فِي حَقهم مُخَاطبا لنَبيه الْكَرِيم {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه} . وَكتاب الله تَعَالَى نَاطِق بفضائلهم وَالْأَحَادِيث المروية عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي فضائلهم كَثِيرَة. الْأَصْغَر والأكبر: مَعْرُوفا وَفِي عرف الْمنطق مَوْضُوع الْمَطْلُوب يُسمى أَصْغَر ومحموله أكبر لِأَن الْمَوْضُوع فِي الْأَغْلَب أخص والمحمول أَعم والأخص أقل إفرادا فَيكون أَصْغَر من حَيْثُ إفرادا والأعم أَكثر أفرادا فَيكون أكبر من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة. وَلَا يخفى أَن هَذَا إِنَّمَا يتم إِذا كَانَت الْمُوجبَة الَّتِي موضوعها أخص أغلب فِيمَا بَين النتائج وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مَوْضُوع السالبة لَا يجوز أَن يكون أخص. وموضوع الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة لَيْسَ فِي الْأَغْلَب أخص وَأجِيب بِأَن المُرَاد أَن الْمَوْضُوع فِي أغلب الموجبات الْكُلية الَّتِي هِيَ أشرف النتائج يكون أخص فَافْهَم واستقم وَكن من الشَّاكِرِينَ. الْأَصْحَاب: قد مر فِي أول الْكتاب تبركا وتيمنا. الْأَصَم: ثقيل السّمع. وَفِي الْحساب الْأَصَم الْعدَد الَّذِي لَا يُمكن اسْتِخْرَاج جذره وسَمعه. وتفصيله أَن الْعدَد قِسْمَانِ قسم يُمكن أَن يسْتَخْرج لَهُ جذر بالتحقيق وَيُسمى المفتوح والمنطق ومنطق الجذر كالواحد وَالْأَرْبَعَة مثلا فَإِن جذر الأول هُوَ الْوَاحِد وجذر الثَّانِي اثْنَان وَقسم لَا يُمكن أَن يسْتَخْرج لَهُ جذر إِلَّا بالتقريب وَيُسمى الْمَفْقُود والأصم وأصم الجذر كالاثنين مثلا، فَإِن الطَّاقَة البشرية لَا تفي باستخراج عدد إِذا ضرب فِي نَفسه حصل اثْنَان تَحْقِيقا. وَهَذَا الْقسم قيل لَهُ جذر فِي نَفسه. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف فِي الْحَوَاشِي على شرح حِكْمَة الْعين أَن الْأَصَم يُطلق بالاشتراك على مَعْنيين. أَحدهمَا الْعدَد الَّذِي لَا كسر لَهُ من الكسور التِّسْعَة وَالثَّانِي مَا لَا يكون مجذورا والمنطق مَا يُقَابله بالمعنيين انْتهى. الأَصْل: فِي اللُّغَة مَا يبتنى عَلَيْهِ غَيره من حَيْثُ إِنَّه يبتنى عَلَيْهِ غَيره وَإِن كَانَ بِالنّظرِ وَالْإِضَافَة إِلَى أَمر آخر فرعا أَلا ترى أَن أَدِلَّة الْفِقْه من حَيْثُ إِنَّهَا تبتنى عَلَيْهَا مسَائِل الْفِقْه أصُول وَمن حَيْثُ إِنَّهَا تبتنى على علم التَّوْحِيد فروع وَإِنَّمَا تبتنى على علم التَّوْحِيد لِأَن الِاسْتِدْلَال بهَا يتَوَقَّف على الْعلم بِصِحَّتِهَا وَهُوَ يتَوَقَّف على معرفَة الْبَارِي وَصِفَاته والنبوة وَهُوَ علم التَّوْحِيد وَمن عرف الأَصْل وَلم يذكر الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة فَلَا يذهب عَلَيْك أَنه لم يرد تِلْكَ الْحَيْثِيَّة بل هِيَ مُرَادة قطعا كَيفَ وَالْأَصْل من الْأُمُور الإضافية. وَقيد الْحَيْثِيَّة لَا بُد مِنْهُ فِي تَعْرِيف الإضافيات إِلَّا أَنه كثيرا مَا يحذف لشهرة أمره والابتناء شَامِل للحسي والعقلي فَكل من الْجِدَار وَالدَّلِيل أصل لابتناء السّقف على الْجِدَار ابتناء حسيا وابتناء الحكم على دَلِيله ابتناء عقليا. وَأَعْتَرِض عَلَيْهِ بِأَن ابتناء شَيْء على شَيْء إِضَافَة بَينهمَا والإضافات كلهَا أُمُور عقلية لَا حسية على مَا تقرر فِي الْحِكْمَة فَلَا يَصح تقسيمه إِلَى الْحسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَالْجَوَاب: بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن المُرَاد بالابتناء الْحسي الابتناء الَّذِي يكون طرفاه حسيين لَا أَن نفس الابتناء حسي حَتَّى يرد مَا أورد فوصف الابتناء بالحسي وصف بِحَال مُتَعَلّقه وَثَانِيهمَا أَن المُرَاد بالابتناء الْحسي الابتناء الَّذِي يعْتَبر فِي الْعرف أَنه مدرك بالحس فَإِن ابتناء السّقف على الْجِدَار بِمَعْنى كَونه مَبْنِيا عَلَيْهِ وموضوعا فَوْقه مِمَّا يعْتَبر فِي الْعرف أَنه مدرك بالحس. وَاعْلَم أَن الْجَواب بِالْوَجْهِ الثَّانِي لَيْسَ اعترافا بحسية بعض الإضافيات كَمَا وهم بل بحسية بعض الكيفيات يَعْنِي أَن المُرَاد بابتناء السّقف على الْجِدَار بِمَعْنى كَونه مَبْنِيا عَلَيْهِ وموضوعا فَوْقه الْحَالة الْحَاصِلَة مِنْهُ الَّتِي هِيَ من الكيفيات فتوصيف الابتناء بالحسي بِاعْتِبَار حسية تِلْكَ الْحَالة الْحَاصِلَة مِنْهُ. وَهَذِه الْحَالة قد تكون حسية كَمَا فِي ابتناء السّقف على الْجِدَار. وَقد تكون عقلية كَمَا فِي ابتناء الْفِعْل على مصدره. وَلَا نزاع فِي أَن بعض الكيفيات حسية وَبَعضهَا عقلية بِخِلَاف الإضافيات فَإِن كلهَا أُمُور عقلية لَا غير. وَمن هَذَا الْبَيَان انْدفع مَا قيل إِن الحكم بِكَوْن الإضافيات كلهَا أُمُور عقلية غير صَحِيح إِذْ كثير من النّسَب والإضافات محسوسة كاتصال الْجِسْم بعضه بِبَعْض وكتماس الجسمين وتوازيهما إِلَى غير ذَلِك من النّسَب الْكَثِيرَة وإنكار ذَلِك عناد مَحْض. وَوجه الاندفاع أَن مَا تقرر فِي الْحِكْمَة أَن الإضافات كلهَا أُمُور عقلية حكم صَحِيح حق وَإِن المحسوس فِيمَا ذكره إِنَّمَا هُوَ الْكَيْفِيَّة الْحَاصِلَة من التمَاس والاتصال والتوازي لَا هِيَ أَنْفسهَا وَإِن شِئْت جلية الْحَال ووضوح الْمقَال فَانْظُر إِلَى الْحَرَكَة فَإِن المحسوس هُوَ الْحَرَكَة بِمَعْنى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ وَهِي الْحَالة الْحَاصِلَة للمتحرك الَّتِي هِيَ من الكيفيات لَا بِمَعْنى إِيقَاع تِلْكَ الْحَرَكَة. ثمَّ اعْلَم أَن الأَصْل نقل فِي الِاصْطِلَاح الْخَاص أَعنِي اصْطِلَاح أصُول الْفِقْه إِلَى الْمَقِيس عَلَيْهِ. وَفِي الْعرف الْعَام إِلَى معَان آخر مثل الرَّاجِح وَالْقَاعِدَة الْكُلية وَالدَّلِيل كَمَا قَالُوا الأَصْل أَن يَلِي الْفَاعِل الْفِعْل أَي الرَّاجِح وُقُوع الْفَاعِل بعد فعله بِلَا فصل مَعْمُول آخر وَالْوَاو فِي قَالَ مَقْلُوبَة بِالْألف للْأَصْل أَي الْقَاعِدَة الْكُلية الْمَذْكُورَة فِي علم الصّرْف. وأصل هَذَا الحكم كَذَا أَي دَلِيله وَقد يذكر وَيُرَاد بِهِ الْوَضع كَمَا قَالَ الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب فِي الكافية الْوَصْف شَرطه أَن يكون فِي الأَصْل أَي فِي الْوَضع. أصُول الْفِقْه: مركب إضافي ثمَّ نقل من التَّرْكِيب الإضافي وَجعل علما لقبا للْعلم الْمَخْصُوص فَلهُ تعريفان: تَعْرِيف بِاعْتِبَار الْإِضَافَة وتعريف بِاعْتِبَار أَنه لقب لعلم مَخْصُوص. وَقدم ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعْرِيفه اللقبي وَصدر الشَّرِيعَة رَحمَه الله تَعْرِيفه الإضافي وَلكُل وجهة هُوَ موليها. فَإِن من قدم تَعْرِيفه اللقبي نظر إِلَى أَمريْن أَحدهمَا أَن الْمَعْنى اللقبي هُوَ الْمَقْصُود فِي الْإِعْلَام والاشتغال بِالْمَقْصُودِ أولى وَالثَّانِي أَن ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الْمَعْنى بملاحظة مَعْنَاهُ الإضافي بِمَنْزِلَة الْبَسِيط من الْمركب وَتَقْدِيم الْبَسِيط على الْمركب أَحْرَى. فَإِن قيل نعم إِن مَعْنَاهُ اللقبي أَعنِي الْعلم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى الْفِقْه بسيط فِي نَفسه إِلَّا أَنه لَيْسَ بسيطا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَعْنَاهُ الإضافي حَتَّى يكون بِمَنْزِلَة الْبَسِيط من الْمركب لِأَنَّهُ غير الْمَعْنى الَّذِي أُرِيد بِلَفْظ الْأُصُول الْوَاقِع فِي الْمركب الإضافي. قيل إِنَّه بسيط من الْمركب من حَيْثُ إِن مَوْضُوعَات مسَائِله وَهِي الْقَوَاعِد الْمَذْكُورَة أصُول بِالْمَعْنَى المُرَاد فِي الْمركب الإضافي فموضوع كل مَسْأَلَة مِنْهُ أصل من أصُول الْفِقْه أَي دَلِيل من أَدِلَّة الْفِقْه وَهِي الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس. وَلَا شكّ أَن الْكتاب مثلا بسيط بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَجْمُوع الْمركب من هَذِه الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة وَقس عَلَيْهِ الْبَوَاقِي. وَيُمكن أَن يُقَال إِن مَعْنَاهُ الإضافي بشموله عِنْد الْعقل لهَذَا الْعلم الْمَخْصُوص وَلغيره بِمَنْزِلَة الْمركب فَمَعْنَاه اللقبي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بِمَنْزِلَة الْبَسِيط. وَمن قدم تَعْرِيفه الإضافي نظر إِلَى وَجْهَيْن أَيْضا أَحدهمَا مُرَاعَاة التَّرْتِيب فَإِن الْمَنْقُول عَنهُ مقدم على الْمَنْقُول وَثَانِيهمَا الِاحْتِرَاز عَن التّكْرَار يَعْنِي لَو قدم تَعْرِيفه اللقبي لاحتيج إِلَى تَفْسِيره تَارَة فِي اللقبي وَتارَة فِي الإضافي. وَذَلِكَ أَن اللقبي يشْتَمل على تَعْرِيف الْفِقْه من حَيْثُ الْمَاهِيّة لَا من حَيْثُ إِنَّه مَدْلُول لفظ الْفِقْه. فَإِذا قدم التَّعْرِيف اللقبي يحْتَاج إِلَى التَّعْرِيف الإضافي مرّة أُخْرَى كَمَا فعله ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله لِأَنَّهُ لم يعرف من حَيْثُ إِنَّه مَدْلُول لفظ الْفِقْه بِخِلَاف مَا لَو قدم التَّعْرِيف الإضافي فَإِنَّهُ يعلم مِنْهُ الْفِقْه بالحيثيتين لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يذكر أَن مَدْلُول لفظ الْفِقْه هَذَا الْمَعْنى فَيكون ذَلِك الْمَعْنى مدلولا لَهُ وتعريفا لفظيا لَهُ أَيْضا. فَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة تَعْرِيفه فِي التَّعْرِيف اللقبي بل يَكْفِي فِيهِ أَن يُقَال هُوَ الْعلم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى الْفِقْه هَذَا مَا ذكره وجيه الْعلمَاء قدس سره فِي وَجه التّكْرَار وَإِلَيْهِ مآل مَا ذكره الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله. أما الِاحْتِيَاج الأول فَلِأَنَّهُ مَأْخُوذ مُعْتَبر فِي مَفْهُوم اللقب، وَأما الِاحْتِيَاج الثَّانِي فَليعلم أَنه مَفْهُوم لفظ الْفِقْه لِأَن لفظ الْفِقْه وَإِن وَقع جُزْء الْمُعَرّف وَمَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ جُزْء الْمُعَرّف لَكِن لم يعلم مِنْهُ أَنه مَعْنَاهُ إِذْ لَا يزِيد دلَالَة لفظ التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ على أَن مَجْمُوع هَذَا الْمَعْنى لمجموع هَذَا اللَّفْظ أما إِن هَذَا الْجُزْء من الْمَعْنى لهَذَا الْجُزْء من اللَّفْظ فَلَا. فبالضرورة تمس الْحَاجة عِنْد قصد التَّعْرِيف الإضافي إِلَى إِيرَاد تَفْسِير لفظ الْفِقْه مرّة أُخْرَى. إِن قلت فليورد لفظ الْفِقْه فِي التَّعْرِيف اللقبي وليفسر بِكَلِمَة أَي المفسرة ثمَّ ليذكر فِي التَّعْرِيف الإضافي بِلَا احْتِيَاج إِلَى إِيرَاد تَفْسِيره لسبق الْعلم بِهِ من حَيْثُ ذَاته وَمن حَيْثُ كَونه مَفْهُوم لفظ الْفِقْه. قلت لَا وَجه لذَلِك لِأَن اللَّائِق لشأن التَّعْرِيف أَن يكون فِي ذَاته تَاما مُفِيدا للمطلوب غير مُشْتَمل على مَجْهُول انْتهى. وتعريف الْمركب يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف أَجْزَائِهِ فتعريفه بِاعْتِبَار الْإِضَافَة يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف ثَلَاثَة أُمُور. أَحدهَا الْمُضَاف وَهُوَ الْأُصُول الَّذِي جمع الأَصْل وَقد عرفت تَعْرِيفه فِي تَحْقِيق الأَصْل بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَثَانِيها الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ الْفِقْه وتعريفه سَيَجِيءُ فِي الْفِقْه إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 شَاءَ الله تَعَالَى وَثَالِثهَا الْإِضَافَة لِأَنَّهَا وَإِن لم تكن جُزْءا صوريا للمركب الإضافي لاختصاصه بالأجسام لَكِنَّهَا بِمَنْزِلَة الْجُزْء الصُّورِي. وَمعنى إِضَافَة الْمُشْتَقّ كالضارب وَمَا فِي مَعْنَاهُ كالأصل الَّذِي بِمَعْنى المبنى عَلَيْهِ والغلام الَّذِي بِمَعْنى الْمَمْلُوك اخْتِصَاص الْمُضَاف بالمضاف إِلَيْهِ بِاعْتِبَار معنى يفهم من الْمُضَاف فَإِن معنى فلَان ضَارب زيد اخْتِصَاصه بإيقاع الضَّرْب على زيد. وَمعنى هَذَا أصل الْمَسْأَلَة أَن هَذَا مُخْتَصّ بهَا بِاعْتِبَار أَنه دَلِيل عَلَيْهَا وَمعنى غُلَام زيد اخْتِصَاصه بزيد بِاعْتِبَار أَنه مَمْلُوك لَهُ فتعريفه الإضافي الْأَدِلَّة الَّتِي يبتنى عَلَيْهَا الْفِقْه ويستند إِلَيْهَا وفسرنا الْأُصُول بالأدلة لَا لِأَن الأَصْل مَنْقُول عَن مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ فِي الْعرف الْعَام إِلَى الدَّلِيل بل لِأَن مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ أَعنِي مَا يبتنى عَلَيْهِ الشَّيْء شَامِل للدليل وَغَيره لِأَن الابتناء الْمَأْخُوذ فِيهِ شَامِل للابتناء الْحسي والعقلي كَمَا مر فِي الأَصْل. لَكِن لما أضيف الْأُصُول إِلَى الْفِقْه الَّذِي هُوَ معنى عَقْلِي يُرَاد بالابتناء الابتناء الْعقلِيّ وبالأصول الْأَدِلَّة لِأَن الْمُسْتَند لِلْأَمْرِ الْعقلِيّ ومبتناه لَيْسَ إِلَّا دَلِيله وَالْعقل خلاف الأَصْل وَلَا ضَرُورَة فِي الْعُدُول إِلَيْهِ. فَانْدفع مَا قيل إِن المُرَاد بالأصول الْأَدِلَّة قطعا لَكِن بطرِيق النَّقْل وَلَا حَاجَة إِلَى جعله بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ شَامِلًا للمقصود وَغَيره وتعريفه اللقبي علم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى الْفِقْه وَإِنَّمَا صَار أصُول الْفِقْه علما لقبا لهَذَا الْعلم لِأَنَّهُ مَوْضُوع بإزائه بِعَيْنِه مشْعر بمدحه بِكَوْنِهِ مبْنى الْفِقْه الَّذِي هُوَ أساس صَلَاح المعاش فِي الدُّنْيَا وَسبب الْفَلاح والنجاة فِي الْأُخْرَى. أَصْحَاب الْفَرَائِض: هم الَّذين لَهُم سِهَام مقدرَة فِي كتاب الله تَعَالَى أَو سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو الْإِجْمَاع كَمَا ذكره الإِمَام السَّرخسِيّ رَحمَه الله وَلَيْسَ المُرَاد بِالْإِجْمَاع هَا هُنَا اتِّفَاق جَمِيع الْأمة بل المُرَاد بِهِ مَا يتَنَاوَل اجْتِهَاد الْمُجْتَهد فِيمَا لَا قَاطع فِيهِ حَتَّى يَشْمَل كَلَامهم الْوَارِث الَّذِي اخْتلف فِي كَونه وَارِثا كأولي الْأَرْحَام وَغَيرهم. وَأَصْحَاب الْفَرَائِض اثْنَا عشر نَفرا. أَرْبَعَة من الرِّجَال وهم الْأَب - وَالْجد الصَّحِيح وَهُوَ أَبُو الْأَب وَإِن علا - وَالْأَخ لأم - وَالزَّوْج - وثمان من النِّسَاء وَهن الزَّوْجَة - وَالْبِنْت - وَبنت الابْن - وَإِن سفلت - وَالْأُخْت لأَب وَأم - وَالْأُخْت لأَب - وَالْأُخْت لأم - وَالأُم - وَالْجدّة الصَّحِيحَة وَهِي الَّتِي لَا يدْخل فِي نسبتها إِلَى الْمَيِّت جد فَاسد. وَأَصْحَاب السِّهَام: هم أَصْحَاب الْفَرَائِض. الْأُصُول: فِي قَوْلهم هَكَذَا رِوَايَة الْأُصُول المُرَاد بِهِ الْجَامِع الْكَبِير وَالْجَامِع الصَّغِير والمبسوط والزيادات وَالسير وَهِي ظَاهر الرِّوَايَة. وَالْأُصُول الْمَوْضُوعَة هِيَ المبادئ التصديقية الَّتِي هِيَ غير بَيِّنَة بِنَفسِهَا وَلَكِن أذعن بهَا المتعلم بِحسن ظن من الْمعلم كَقَوْل المهندس لنا أَن نصل بَين كل نقطتين بِخَط مُسْتَقِيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 أصُول الحَدِيث: فِي الحَدِيث. الْأَصْوَات: كل لفظ حُكيَ بِهِ صَوت نَحْو غاق حِكَايَة عَن صَوت الْغُرَاب أَو صَوت بِهِ للبهائم نَحْو نخ لإناخة الْبَعِير. أَصْحَاب الْعدْل والتوحيد: سمى الْمُعْتَزلَة أنفسهم أَصْحَاب الْعدْل والتوحيد لقَولهم بِوُجُوب ثَوَاب الْمُطِيع وعقاب العَاصِي على الله تَعَالَى وَقَوْلهمْ نفي الصِّفَات الْقَدِيمَة يَعْنِي أَنهم سموا أنفسهم أَصْحَاب الْعدْل بِالْقِيَاسِ إِلَى القَوْل الأول وَأَصْحَاب التَّوْحِيد بِالنّظرِ إِلَى القَوْل الثَّانِي وَلَا يخفى أَنهم قد ضلوا ضلالا بَعيدا وَلم يعلمُوا أَن تصرف الْمَالِك الْحَقِيقِيّ الْمخْرج من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود فِي ملكه ومخلوقه كَيفَ يَشَاء لَيْسَ بظُلْم وَأَن القَوْل بتعد القدماء مُطلقًا لَا يُنَافِي التَّوْحِيد فَإِن تعد الذوات الْقَدِيمَة يُنَافِيهِ دون تعدد الصِّفَات الْقَدِيمَة فَافْهَم. الْأَصْلَح وَاجِب على الله تَعَالَى: عِنْد الْمُعْتَزلَة وتفصيله فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. بَاب الْألف مَعَ الضَّاد الْمُعْجَمَة الْإِضَافَة: فِي اللُّغَة النِّسْبَة أَي نِسْبَة أَمر إِلَى أَمر. وَعند النُّحَاة فِي الْمَشْهُور اتِّصَال اسْمَيْنِ بِحَيْثُ يصير الأول معاقبا لحرف الْجَرّ أَي مسْقطًا لَهُ وَالثَّانِي معاقبا للتنوين وَقيل الْإِضَافَة فِيمَا بَينهم عبارَة عَن اتِّصَال الاسمين بِحَيْثُ يكون الأول عوضا عَن حرف الْجَرّ وَالثَّانِي عوضا عَن التَّنْوِين فعلى هَذَا الْإِضَافَة مُخْتَصَّة بِالِاسْمِ لَا تُوجد إِلَّا بَين اسْمَيْنِ. وَمن قَالَ إِن الْفِعْل أَيْضا يكون مُضَافا لَكِن بِإِظْهَار حرف الْجَرّ مثل مَرَرْت بزيد فالإضافة عِنْده عبارَة عَن نِسْبَة كلمة اسْما أَو فعلا إِلَى اسْم بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ ملفوظا أَو مُقَدرا مَعَ بَقَاء أَثَره فِي اللَّفْظ نعم الْإِضَافَة بِتَقْدِير حرف الْجَرّ مُخْتَصَّة بالمضاف الأسمى وَهَذِه الْإِضَافَة معنوية ولفظية لِأَن الْمُضَاف إِن كَانَ صفة مُضَافَة إِلَى معمولها أَولا الأول الْإِضَافَة اللفظية وَالثَّانِي الْإِضَافَة المعنوية ثمَّ الْمَشْهُور أَن الْمُضَاف إِلَيْهِ بِالْإِضَافَة المعنوية إِن كَانَ مَا عدا جنس الْمُضَاف وظرفه فالإضافة بِمَعْنى اللَّام وَإِن كَانَ جنسه فبمعنى من وَإِن كَانَ ظرفه فبمعنى فِي وَالتَّحْقِيق الْحقيق الفويق أَن الْمُضَاف إِلَيْهِ إِمَّا مبائن للمضاف أَو لَا فَإِن كَانَ مبائنا بِأَن لم يكن بَينهمَا صدق وَحمل. فإمَّا أَن يكون ظرفا للمضاف أَو لَا فَإِن كَانَ ظرفا فالإضافة بِمَعْنى فِي مثل ضرب الْيَوْم وَإِن لم يكن ظرفا فالإضافة بِمَعْنى اللَّام مثل غُلَام زيد، وَإِن لم يكن الْمُضَاف إِلَيْهِ مبائنا للمضاف فإمَّا أَن يكون بَينهمَا عُمُوم مُطلق أَو عُمُوم من وَجه أَو مُسَاوَاة وعَلى الأول الْمُضَاف إِلَيْهِ أَعم من الْمُضَاف مثل أحد الْيَوْم. أَو بِالْعَكْسِ مثل يَوْم الْأَحَد وَعلم الْفِقْه. وَالْإِضَافَة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الشق الأول ممتنعة وَفِي الثَّانِي جَائِزَة شائعة بِمَعْنى اللَّام وَإِن كَانَ بَينهمَا مُسَاوَاة مثل إِنْسَان نَاطِق وَلَيْث أَسد. فالإضافة ممتنعة وَإِن كَانَ بَينهمَا عُمُوم من وَجه فالمضاف إِلَيْهِ إِمَّا أصل للمضاف بِأَن صنع الْمُضَاف من الْمُضَاف إِلَيْهِ مثل خَاتم فضَّة. فالإضافة بِمَعْنى من. أَو يكون الْمُضَاف أصلا للمضاف إِلَيْهِ فالإضافة بِمَعْنى اللَّام مثل فضَّة خَاتمِي خير من فضَّة خاتمك. وَالْإِضَافَة عِنْد الْحُكَمَاء مقولة من المقولات التسع للعرض وَهِي عِنْدهم نِسْبَة معقولة بِالْقِيَاسِ إِلَى نِسْبَة أُخْرَى معقولة بِالْقِيَاسِ إِلَى الأولى. وَلذَا قَالُوا الْإِضَافَة هِيَ النِّسْبَة المتكررة كالأبوة والبنوة لِأَنَّهَا إِذا تحصل فِي مَحل تحصل فِي مَحل آخر - أَلا ترى أَن الْأُبُوَّة إِذا حصلت فِي زيد حصلت الْبُنُوَّة فِي عمر وَهُوَ ابْنه وَإِن اخْتلفت بالشخص وَبِعِبَارَة أُخْرَى الْإِضَافَة حَالَة نسبية متكررة بِحَيْثُ لَا تعقل إِحْدَاهمَا إِلَّا مَعَ الْأُخْرَى. وَالْمرَاد بالنسبية مَا يكون من جنس النِّسْبَة لَا من يكون حَاصِلا بِالنِّسْبَةِ كَمَا فسر بَعضهم النسبية بالحاصلة بِسَبَب النِّسْبَة فَإِن الْإِضَافَة هِيَ عين النِّسْبَة المتكررة لَا أَمر غير النِّسْبَة حَاصِل بِالنِّسْبَةِ فَافْهَم. الْأُضْحِية: بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا على أفعولة فَاعل اعلال مرمي من الضحوة سميت بهَا لِأَن غَالب ذَبحهَا فِيهَا وَفِي الصِّحَاح عَن الْأَصْمَعِي أَن فِيهَا أَربع لُغَات (أضْحِية) بِضَم الْهمزَة وَكسرهَا وَالْجمع أضاحي كالأوقية من الْوِقَايَة جمعهَا الأواقي بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف على مَا فِي الْمغرب. و (ضحية) وَالْجمع ضحايا كهدية وهدايا و (اضحاة) وَالْجمع أضحى كأرطاة وأرطى. وَفِي الْكرْمَانِي (والمضمرات) أَن الْأُضْحِية بِمَعْنى التَّضْحِيَة. وَيُؤَيِّدهُ وَصفهم بِالْوُجُوب. وَقيل إِن الْأُضْحِية منسوبة إِلَى الْأَضْحَى وَفِيه أَن الْوَاجِب على هَذَا أَن يُقَال أضحوية لِأَن الْألف الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة إِذا كَانَت مَقْلُوبَة تقلب واوا فِي النِّسْبَة كَمَا تقرر. وَالْأُضْحِيَّة فِي الشَّرْع اسْم لما يذبح من الْحَيَوَان الْمَخْصُوص فِي أَيَّام النَّحْر بنية الْقرْبَة لله تَعَالَى وَإِنَّمَا سمي بِتِلْكَ لِأَنَّهُ يذبح وَقت الضُّحَى فَسُمي الْوَاجِب باسم وقته وتفصيله مَا فِي شرح الْوِقَايَة أَن الْأُضْحِية هِيَ شَاة من فَرد وبقرة أَو بعير مِنْهُ إِلَى سَبْعَة إِن لم يكن لفرد من السَّبْعَة أقل من سبع حَتَّى لَو كَانَ لأحد السَّبْعَة أقل من السَّبع لَا يجوز من أحد لِأَن وصف الْقرْبَة لَا يتجزى. وَتجب على حر مُسلم ذكر أَو أُنْثَى مُقيم مُوسر عَن نَفسه لَا عَن طِفْله فجر يَوْم النَّحْر إِلَى غرُوب الشَّمْس من الْيَوْم الثَّالِث من أَيَّام النَّحْر وَهُوَ الثَّانِي عشر من ذِي الْحجَّة فَهُوَ آخر أَيَّام النَّحْر الَّتِي أَولهَا الْعَاشِر من ذِي الْحجَّة وَأما أَيَّام التَّشْرِيق فأولها الْحَادِي عشر من ذِي الْحجَّة - وأخرها الثَّالِث عشر مِنْهُ - فالعاشر يَوْم النَّحْر فَقَط - وَالثَّالِث عشر يَوْم التَّشْرِيق فَقَط - وَالْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر مِنْهُمَا. وَفِي الْحصن الْحصين وَإِذا ذبح سمى وَكبر وَوضع رجله على صفاحه أَي عرض خَدّه وَيَقُول فِي الْأُضْحِية (بِسم الله اللَّهُمَّ تقبل مني وَمن أمة مُحَمَّد أَنِّي وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض على مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك بِسم الله وَالله أكبر) ثمَّ يذبح ويضحي بالجماء والخصي - والثولاء - لَا بالعمياء - والعوراء - والعجفاء - والعرجاء - ومقطوع أَكثر الْأذن - أَو الذَّنب - أَو الألية - وَلَا بالمذهوب بِأَكْثَرَ ضوء الْعين وَالْمرَاد بالعرجاء هِيَ الَّتِي لَا تمشي إِلَى المذبح ذكره قاضيخان. وَفِي الْخُلَاصَة العرجاء إِن كَانَت تمشي بِثَلَاث قَوَائِم لَا يجوز وَأَن تضع الرَّابِع وتستعين بهَا يجوز. الإضراب: هُوَ الْإِعْرَاض عَن الشَّيْء بعد الإقبال عَلَيْهِ نَحْو ضربت زيدا بل عمروا. وَبِعِبَارَة أُخْرَى أَن يَجْعَل الْمَتْبُوع فِي حكم الْمَسْكُوت عَنهُ يحْتَمل أَن يلابسه الحكم وَأَن لَا يلابسه فنحو جَاءَنِي زيد بل عَمْرو يحْتَمل مَجِيء زيد وَعدم مَجِيئه. وَفِي كَلَام ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله أَن " بل " يَقْتَضِي عدم الْمَجِيء قطعا عَن الْمَتْبُوع مَعَ صرف الحكم إِلَى التَّابِع وإثباته لَهُ. وَفِي تَحْقِيق هَذَا تَطْوِيل كَمَا فِي المطول. الاضطباع: هُوَ أَن يلقِي طرف رِدَائه على كتفه الْأَيْسَر ويخرجه تَحت إبطه الْأَيْمن ويلقي طرفه الآخر على كتفه الْأَيْسَر فَيبقى كتفه الْأَيْمن مكشوفة واليسرى مغطاة بطرفي الْإِزَار مَأْخُوذ من الضبع وَهُوَ الْعَضُد لِأَنَّهُ يبْقى مكشوفا. بَاب الْألف مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة الإطراد: الشُّيُوع وَالْكَثْرَة وَمعنى إطراد الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ استلزامه الْمُعَرّف بِالْفَتْح فِي الْوُجُود والثبوت أَي مَتى وجد الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ وجد الْمُعَرّف بِالْفَتْح وَيلْزمهُ منع الْمُعَرّف لِأَنَّهُ يعلم من هَذَا الاستلزام أَن الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ بِحَيْثُ لَا يدْخل فِيهِ شَيْء من أغيار الْمُعَرّف بِالْفَتْح. وَهَذَا معنى منع الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ وَمعنى انعكاس الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ استلزامه الْمُعَرّف بِالْفَتْح فِي الْعَدَم والانتفاء أَي مَتى انْتَفَى الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ انْتَفَى الْمُعَرّف بِالْفَتْح. وَيلْزمهُ جمع الْمُعَرّف لِأَنَّهُ يعلم من الاستلزام الْمَذْكُور أَن جَمِيع أَفْرَاد الْمُعَرّف بِالْفَتْح مندرج تَحت الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ بِحَيْثُ لم يبْق فَرد من أَفْرَاد الْمُعَرّف بِالْفَتْح خَارِجا عَن الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ غير دَاخل تَحْتَهُ. وَهَذَا معنى جمع الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ. وَقد علم من هَذَا الْبَيَان الْعَظِيم الْقدر الرفيع الشَّأْن معنى كَون التَّعْرِيف جَامعا ومانعا ومطردا ومنعكسا وَمعنى الْجمع وَالْمَنْع. والإطراد والانعكاس. وَإِن مَا وَقع فِي كَلَام المنطقيين أَن الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ لَا بُد أَن يكون مُسَاوِيا للمعرف بِالْفَتْح وَأَن الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ لَا بُد أَن يكون جَامعا ومانعا ومطردا ومنعكسا رَاجع إِلَى أَمر وَاحِد وَهُوَ اشْتِرَاط الْمُسَاوَاة بَين الْمُعَرّف والمعرف فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. والإطراد فِي البديع: هُوَ أَن تَأتي بأسماء الممدوح أَو غَيره وَأَسْمَاء آبَائِهِ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 تَرْتِيب الْولادَة من غير تكلّف فِي السبك كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. الْأَطْنَاب: أَدَاء الْمَقْصُود بِأَكْثَرَ من الْعبارَة المتعارفة. بَاب الْألف مَعَ الظَّاء الْمُعْجَمَة أظهر من أَن يخفى: فِي بُطْلَانه أظهر من أَن يخفى إِن شَاءَ الله تَعَالَى. بَاب الْألف مَعَ الْعين الْمُهْملَة أعظم مُفْرد وَأعظم عدد: وَأكْثر عدد مترادفة وَهُوَ كل عدد من الْآحَاد يُمكن ضربه فِي كل وَاحِد وَاحِد من مَرَاتِب الْمَقْسُوم عَلَيْهِ. ونقصان الْحَاصِل مِمَّا تحاذيه من الْمَقْسُوم وَمِمَّا على يسَاره إِن كَانَ فِي يسَاره شَيْء. وضابطة طلب الْمُفْرد الْأَعْظَم أَنه ينظر فِي أَنه كم مرّة يُمكن إِسْقَاط مَجْمُوع الْمَقْسُوم عَلَيْهِ مِمَّا يحاذيه من سطر الْمَقْسُوم أَو مِنْهُ وَمن جملَة مَا على يسَاره فعدد مَرَاتِب الْإِسْقَاط هُوَ عدد ذَلِك الْمُفْرد الْأَعْظَم فَلْيحْفَظ فَإِنَّهَا فَائِدَة جميلَة جليلة. الْإِعَادَة: فِي الْأَدَاء. الِاعْتِكَاف: من العكوف وَهُوَ الْحَبْس وَالْإِقَامَة. وَشرعا هُوَ لبث فِي مَسْجِد مَعَ الصَّوْم وَالنِّيَّة. وَالْمعْنَى اللّغَوِيّ مَوْجُود فِيهِ مَعَ زِيَادَة. وَفِي كنز الدقائق سنّ لبث فِي مَسْجِد جمَاعَة بِصَوْم وَنِيَّة. وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه لَا يَصح إِلَّا فِي مَسْجِد يُصَلِّي فِيهِ الْخمس. وَعنهُ أَن الْوَاجِب لَا يجوز فِي غير مَسْجِد الْجَمَاعَة وَالنَّفْل فِيهِ يجوز فِيهِ. وَعنهُ أَن كل مَسْجِد بِهِ إِمَام ومؤذن مَعْلُوم وَيُصلي فِيهِ الْخمس بِالْجَمَاعَة فَإِنَّهُ يعْتَكف فِيهِ. وَأفضل مَا يكون فِي الْمَسْجِد الْحَرَام ثمَّ فِي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ فِي بَيت الْمُقَدّس ثمَّ فِي الْجَامِع ثمَّ فِي كل مَسْجِد أَهله أَكثر. قَالَ الشَّيْخ هُوَ سنة. وَقَالَ الْقَدُورِيّ مُسْتَحبّ. وَقَالَ صَاحب الْهِدَايَة وَالصَّحِيح أَنه سنة مُؤَكدَة. وَالصَّحِيح التَّفْصِيل فَإِن كَانَ منذورا تَعْلِيقا أَو تنحيزا فَوَاجِب. وَفِي الْعشْرَة الْأَوَاخِر من رَمَضَان سنة، وَفِي غَيره من الْأَزْمِنَة مُسْتَحبّ وَأَقل الِاعْتِكَاف النَّفْل سَاعَة فَهُوَ على ثَلَاثَة أَقسَام. وَأما شُرُوطه فالنية فَلَا يجوز بِلَا نِيَّة - وَمَسْجِد جمَاعَة - وَالصَّوْم وَهُوَ شَرط فِي الِاعْتِكَاف الْوَاجِب وَلَيْسَ بِشَرْط فِي التَّطَوُّع - وَالْإِسْلَام - وَالْعقل - وَالطَّهَارَة عَن الْجَنَابَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وَالْحيض وَالنّفاس - وَلَا يشْتَرط الْبلُوغ - والذكورة - وَالْحريَّة - وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن أقل الِاعْتِكَاف النَّفْل سَاعَة لما فِي التَّبْيِين وَلَيْسَ لأَقل الِاعْتِكَاف التَّطَوُّع تَقْدِير على الظَّاهِر حَتَّى لَو دخل الْمَسْجِد وَنوى الِاعْتِكَاف إِلَى أَن يخرج مِنْهُ صَحَّ وَله آدَاب - ومفسدات فِي كتب الْفِقْه. وَاعْلَم أَنه لَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف رَمَضَان أَو أعتكف هَذَا الشَّهْر مُشِيرا إِلَى رَمَضَان فصَام وَلم يعْتَكف لزمَه قَضَاء الِاعْتِكَاف شهرا مُتَتَابِعًا بِصَوْم مُبْتَدأ وَلَا يجوز أَن يَقْضِيه فِي رَمَضَان آخر مكتفيا بصومه خلافًا فالزفر رَحمَه الله وَالدَّلِيل فِي التَّلْوِيح. وَاعْلَم أَنه رُوِيَ أَن بعض الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم كَانُوا يخرجُون من الْمَسْجِد حَالَة الِاعْتِكَاف ويباشرون مَعَ أهلهم ثمَّ يرجعُونَ إِلَيْهِ فَنزلت {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} - وَفِي الْكَشَّاف فِيهِ دَلِيل على أَن الِاعْتِكَاف لَا يكون إِلَّا فِي الْمَسْجِد تمّ كَلَامه - أَقُول كَيفَ جعل جَار الله عدم الدَّلِيل دَلِيلا لِأَن التَّخْصِيص يَجْعَل الْمَخْصُوص عَاما كَمَا تَقول لَا تصلوا وَأَنْتُم نائمون فِي الْمَسْجِد فَكيف يفهم مِنْهُ أَن النّوم لَا يكون إِلَّا فِيهِ. وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله فِيهِ دَلِيل على أَن الِاعْتِكَاف يكون فِي الْمَسْجِد بِدُونِ أَدَاة الْحصْر. فَإِن مَا أَرَادَ صَاحب الْكَشَّاف فَعَلَيهِ مَا عَلَيْهِ. وَإِن أَرَادَ نفس الْجَوَاز فِيهِ فَلَا حَاجَة إِلَّا الِاسْتِدْلَال لِأَن الْأُمَم كَافَّة لَا يخالفون لَهُ بل الْخلاف فِي أَن الِاعْتِكَاف هَل يشْتَرط لَهُ الْمَسْجِد أم يجوز فِي غَيره من الْأَمْكِنَة، وَقد تصدى الْفَاضِل المدقق عِصَام الدّين فِي حَاشِيَته على الْبَيْضَاوِيّ بجوابه بتكلف لَا يَسعهُ الْمَسَاجِد فَلِذَا تركتهَا على حَاله. الْأَعْلَام: بِالْفَتْح جمع علم محركا وَهُوَ التل والعلامة وعلامة الْعَسْكَر وبالكسر الْإِشْعَار والتنبيه. الْأَعْيَان: الموجودات الخارجية مُطلقًا جَوَاهِر وأعراضا جمع الْعين أَي الْمَوْجُود الْخَارِجِي كَمَا أَن الصُّور هِيَ الموجودات الذهنية جمع الصُّورَة أَي الْمَوْجُود الذهْنِي. فأعيان الموجودات شَامِلَة للجواهر والأعراض. وَقد يُقَال الْأَعْيَان على مَا لَهُ قيام بِذَاتِهِ فَيكون مُقَابلا للإعراض. وَمعنى قِيَامه بِذَاتِهِ أَن يتحيز بِنَفسِهِ غير تَابع تحيزه لتحيز شَيْء آخر بِخِلَاف الْعرض فَإِن تحيزه تَابع لتحيز الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ مَوْضُوعه الَّذِي يقوم بِهِ هَذَا عِنْد الْمُتَكَلِّمين. وَعند الفلاسفة معنى قيام الشَّيْء بِذَاتِهِ استغناءه عَن مَحل يقومه وَمعنى قِيَامه بِشَيْء آخر اخْتِصَاصه بِهِ بِحَيْثُ يصير الأول نعتا وَالثَّانِي منعوتا سَوَاء كَانَ متحيزا كَمَا فِي سَواد الْجِسْم أَولا كَمَا فِي صِفَات المجردات كالباري عز شَأْنه والعقول والنفوس الفلكية. وَجَاء الْأَعْيَان بِمَعْنى الْخِيَار والشرفاء أَيْضا يُقَال هم أَعْيَان الْقَوْم أَي خيارهم وشرفاؤهم وَمِنْه بَنو الْأَعْيَان للإخوة وَالْأَخَوَات لأَب وَأم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الْأَعْيَان الثَّابِتَة: اعْلَم أَن الصُّور العلمية الإلهية تسمى بالأعيان الثَّابِتَة عِنْد الصُّوفِيَّة وبالماهيات عِنْد الْحُكَمَاء. (ف (15)) . وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْأَعْيَان الثَّابِتَة هِيَ حقائق الممكنات فِي علم الْحق تَعَالَى وَهِي صور حقائق الْأَسْمَاء الإلهية فِي الحضرة العلمية لَا تَأَخّر لَهَا عَن الْحق إِلَّا بِالذَّاتِ لَا بِالزَّمَانِ وَهِي أزلية أَو أبدية وَالْمعْنَى بِالْإِضَافَة التَّأَخُّر بِحَسب الذَّات لَا غَيره. الإعصار: بِالْكَسْرِ فشردن وَقَالَ الْحُكَمَاء وَقد تحدث ريَاح مُخْتَلفَة الْجِهَة دفْعَة فتدافع تِلْكَ الرِّيَاح الْأَجْزَاء الأرضية فتنضغط تِلْكَ الْأَجْزَاء بَينهَا مُرْتَفعَة كَأَنَّهَا تلتوي على نَفسهَا وَهِي الإعصار بِالْكَسْرِ. (ف (16)) . أعلم من جِدَار: أَي فلَان أعلم من جِدَار قس على الشتَاء أبرد من الصَّيف. أعون: من الْإِعَانَة وَبِنَاء أفعل التَّفْضِيل من بَاب الْأَفْعَال قياسي عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَقيل سَمَاعي لَا من العون على مَا قيل لِأَن العون اسْم جامد على مَا فِي الْقَامُوس لَكِن وَقع فِي شرح التسهيل للمصري نَاقِلا عَن بعض الْكتب أَنه مصدر. الإعلال: فِي اصْطِلَاح التصريف تَغْيِير حرف الْعلَّة للتَّخْفِيف والتغيير جنس شَامِل للإعلال ولتخفيف الْهمزَة والإبدال. فَلَمَّا قيد بِحرف الْعلَّة خرج تَخْفيف الْهمزَة والإبدال مِمَّا لَيْسَ بِحرف عِلّة كاصيلال فِي أصيلان لقرب الْمخْرج. وَقَوْلهمْ للتَّخْفِيف أَيْضا فصل خرج بِهِ نَحْو أعالم بِالْهَمْزَةِ فِي عَالم فَبين تَخْفيف الْهمزَة والإعلال مباينة كُلية وَبَين الْإِبْدَال والإعلال عُمُوم من وَجه إِذْ وجدا فِي نَحْو قَالَ وَوجد الاعتلال بِدُونِ الْإِبْدَال فِي يَقُول والإبدال بِدُونِ الإعلال فِي إصيلال. والإعلال على ثَلَاثَة أَقسَام (الْقلب) كَمَا فِي قَالَ (والحذف) كَمَا فِي قلت (والإسكان) كَمَا فِي يَقُول وَسميت الْألف وَالْوَاو حُرُوف الإعلال لما وَقع فِيهَا من التغيرات المطردة. وَقد جعل بَعضهم الْهمزَة من حُرُوف الْعلَّة لذَلِك وَلم يعدها كثير إِذْ لم يجر فِيهَا مَا أجْرى فِي حُرُوف الْعلَّة من الاطراد اللَّازِم فِي كثير من الْأَبْوَاب. الْإِعْرَاب: الْإِظْهَار وَإِزَالَة الْفساد على أَنه من عربت معدته إِذا فَسدتْ والهمزة للسلب. وَعند النُّحَاة الْحَرَكَة أَو الْحَرْف الَّذِي يكون سَببا قَرِيبا لاخْتِلَاف آخر المعرب. وَعند بَعضهم الْإِعْرَاب اخْتِلَاف آخر الْكَلِمَة باخْتلَاف العوامل لفظا وتقديرا. الإعجاز: (عَاجز كردانيدن) . والإعجاز فِي كَلَام الله تَعَالَى أَن يُؤَدِّي الْمَعْنى بطرِيق هُوَ أبلغ من جَمِيع مَا عداهُ من الطّرق. فإعجاز كَلَام الله تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ بِهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الطَّرِيق وَهُوَ كَونه فِي غَايَة البلاغة وَنِهَايَة الفصاحة على مَا هُوَ الرَّأْي الصَّحِيح. وَالْمرَاد بِكَوْنِهِ أبلغ من جَمِيع مَا عداهُ أَنه أبلغ من كل مَا هُوَ غير كَلَام الله تَعَالَى حَتَّى لَا يُمكن للْغَيْر الْإِتْيَان بِمثلِهِ لِأَن الله تَعَالَى قَادر على الْإِتْيَان بِمثل الْقُرْآن مَعَ كَونه معجزا وَالَّذِي ذكرنَا هُوَ الْمَعْنى الاصطلاحي للإعجاز على مَا هُوَ الرَّأْي الصَّحِيح. وَأما مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ فَهُوَ كَون الْكَلَام بِحَيْثُ لَا يُمكن معارضته والإتيان بِمثلِهِ من أَعْجَزته إِذا جعلته عَاجِزا فالبلاغة لَيست بداخلة فِي مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ. وَلِهَذَا اخْتلفُوا فِي جِهَة إعجاز الْقُرْآن مَعَ الِاتِّفَاق على كَونه معجزا فَقيل إِنَّه ببلاغته وَقيل بإخباره عَن المغيبات وَقيل بأسلوبه الْغَرِيب وَقيل بِصَرْف الله تَعَالَى الْعُقُول عَن الْمُعَارضَة. الْإِعَارَة: تمْلِيك الْمَنْفَعَة بِلَا عوض مَالِي. الْأَعْيَان الْمَضْمُونَة بأنفسها: هِيَ مَا يجب مثلهَا إِذا هَلَكت إِن كَانَت مثلية وَقيمتهَا إِن كَانَت قيمية كالمقبوضة على سوم الشِّرَاء وَالْمَغْصُوب. الْأَعْيَان الْمَضْمُونَة بغَيْرهَا: على خلاف ذَلِك كَالْمَبِيعِ والمرهون. الْإِعْتَاق: فِي اللُّغَة إِعْطَاء الْقُوَّة من الْعتْق الَّذِي هُوَ الْقُوَّة يُقَال عتق الطَّائِر إِذا قوي وطار عَن وَكره. وَفِي الشَّرْع هُوَ إِثْبَات قُوَّة شَرْعِيَّة تثبت فِي الْمحل عِنْد زَوَال الرّقّ وَالْملك. وَالرّق عجز حكمي لَا يقدر بِهِ على التَّصَرُّفَات والولايات فَإِن الشَّارِع حكم بعجز الرَّقِيق عَن تِلْكَ التَّصَرُّفَات فَإِذا زَالَ عَنهُ ذَلِك الْعَجز يقدر الْإِنْسَان على تِلْكَ التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة. الِاعْتِذَار: محو أثر الذَّنب. الِاعْتِرَاض: فِي اللُّغَة الْمُزَاحمَة وَيُقَال فِيهِ اعْتِرَاض أَي مزاحمة وإشكال. وَفِي الِاصْطِلَاح هُوَ أَن يُؤْتى فِي أثْنَاء الْكَلَام أَو بَين كلامين متصلين معنى بجملة أَو أَكثر لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب لنكتة سوى رفع الْإِبْهَام وَيُسمى الحشو أَيْضا كالتنزيه فِي قَوْله تَعَالَى {ويجعلون لله الْبَنَات سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَا يشتهون} فَإِن قَوْله تَعَالَى سُبْحَانَهُ جملَة متعرضة لكَونه بِتَقْدِير سبحت سُبْحَانَهُ وَقعت فِي أثْنَاء الْكَلَام لِأَن قَوْله تَعَالَى {وَلَهُم مَا يشتهون} عطف على قَوْله {لله الْبَنَات} النُّكْتَة فِيهِ تَنْزِيه الله تَعَالَى عَمَّا ينسبون إِلَيْهِ. الإعدام أزلية: يَعْنِي لَا ابْتِدَاء لَهَا لِأَن الْعَدَم لَيْسَ بِصَالح لِأَن يكون أثرا. وَأما بَقَاء الشَّيْء على الْعَدَم فمستند إِلَى بَقَاء عدم مشْيَة الْفِعْل. فَعدم الْعَالم أزلي لَيْسَ بداخل تَحت الْإِرَادَة فَتعلق إِرَادَة الله تَعَالَى لَيْسَ إِلَّا بالموجودات لِأَن إعدام الْحَوَادِث لَو كَانَت مسبوقة بالإرادة لكَانَتْ حَادِثَة لِأَن أثر الْإِرَادَة حَادث بالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي شرح المواقف الْعَدَم لَيْسَ أثرا مجعولا للقادر كالوجود بل معنى استناده إِلَيْهِ أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 لم يتَعَلَّق مشيته بِالْفِعْلِ فَلم يُوجد الْفِعْل لِأَن استناد الْعَدَم إِلَى الْقَادِر يَقْتَضِي حُدُوثه كَمَا فِي الْوُجُود فَيلْزم أَن لَا يكون عدم الْعَالم أزليا وَيعلم من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن أَن الْعَدَم لَيْسَ بِمُسْنَد إِلَى مشيته تَعَالَى وإرادته فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أسْند عدم الْفِعْل إِلَى عدم مشْيَة لَا إِلَى المشية الْعَدَم فَعدم إِرَادَة الشَّيْء عِلّة لعدم ذَلِك الشَّيْء، وَيعلم من هَا هُنَا دَلِيل آخر على أَن الإعدام لَيست بالإرادة وَهُوَ أَنَّهَا لَو كَانَت بالإرادة ومعلولة لَهَا للَزِمَ توارد العلتين المستقلتين على مَعْلُول وَاحِد شخصي وَهُوَ محَال. الِاعْتِبَار: رد الشَّيْء إِلَى نَظِيره بِأَن يحكم عَلَيْهِ بِحكمِهِ وَمِنْه سمي الأَصْل الَّذِي يرد إِلَيْهِ النَّظَائِر عِبْرَة. وَهَذَا يَشْمَل الْأَلْفَاظ وَالْقِيَاس الْعقلِيّ الَّذِي هُوَ الْقسم الأول من الْحجَّة. والشرعي الَّذِي هُوَ التَّمْثِيل فِي اصْطِلَاح أَرْبَاب الْمَعْقُول. وَقيل الِاعْتِبَار الْأَلْفَاظ وَقد يسْتَعْمل فِي الْقيَاس فِي الْأُمُور الْعَقْلِيَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} أَي فقيسوا وتنقيح هَذَا الْمقَام وتوضيحه فِي التَّلْوِيح. الْأَعْدَاد المتحابة: قَالَ جلال الْعلمَاء رَحمَه الله فِي الأنموذج أَن الْأَعْدَاد المتحابة كل عددين يكون كسور كل وَاحِد مِنْهُمَا مُسَاوِيا للْآخر مثل مِائَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَة وَأَرْبَعَة وَثَمَانِينَ. فَإِن كسور كل مِنْهُمَا تَسَاوِي الآخر وَلَا محَالة يكون أَحدهمَا زَائِدا وَالْآخر نَاقِصا. وَالْعدَد الزَّائِد وَهُوَ (220) فِي هَذَا الْمِثَال يُسمى عدد الْمُحب وَالْعدَد النَّاقِص الَّذِي هُوَ الزَّائِد صُورَة وَهُوَ (284) فِي هَذَا الْمِثَال يُسمى عدد المحبوب. وَطَرِيق اسْتِخْرَاج هذَيْن العددين فِي الْمَرَاتِب الَّتِي يوجدان فِيهَا هُوَ أَن يُؤْخَذ زوج الزَّوْج كالأربعة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور ويضاف إِلَيْهِ وَاحِد فَيصير خَمْسَة فَيضْرب فِي اثْنَيْنِ يصير عشرَة فَزَاد عَلَيْهِ وَاحِد يصير أحد عشر ضَربته فِي الْخَمْسَة فَيصير (55) فَيضْرب هَذَا فِي الْأَرْبَعَة فَيصير مِائَتَيْنِ وَعشْرين وَهُوَ عدد الْمُحب. ثمَّ يجمع الْخَمْسَة مَعَ أحد عشر يصير سِتَّة عشر تضربها فِي أَرْبَعَة وَسِتِّينَ تضمه إِلَى عدد الْمُحب يصير مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعَة وَثَمَانِينَ وَهُوَ الْعدَد المحبوب. وَهَذَانِ العددان لَا يوجدان فِي مرتبَة الْآحَاد والعشرات. وَابْتِدَاء وجودهما من مرتبَة المئات ثمَّ يوجدان فِي غَيرهَا من الْمَرَاتِب وَلَا يُوجد فِي كل مرتبَة إِلَّا متحابان فَقَط. وَيشْتَرط فِي تحصيلهما أَن يكون الْحَاصِل من زِيَادَة وَاحِد على زوج الزَّوْج فَردا أَولا. وَكَذَا الْحَاصِل من زِيَادَة الْوَاحِد على مَضْرُوب هَذَا الْفَرد الأول فِي زوج الزَّوْج السَّابِق كَأحد عشر فِي الْمِثَال. وتفصيل ذَلِك فِي الارثماطيقي. ثمَّ إِنَّهُم ذكرُوا أَنه إِذا كَانَ عِنْد إِنْسَان خَاتم أَو لوح من فضَّة أَو ذهب أَو غَيرهمَا وينقش فِيهِ مربع (220) وَعند آخر خَاتم أَو لوح من ذَلِك الْجِنْس فِيهِ مربع (284) ، فَإِن من عِنْده المربع الثَّانِي يحب من عِنْده المربع الأول ويميل إِلَيْهِ، بل ذكر أفلاطون أَنه إِذا اتّفق أَن يكون عِنْد أحد الْعدَد الْأَقَل من أَي جنس كَانَ وَعند الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الْعدَد الْأَكْثَر من ذَلِك الْجِنْس يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ذَلِك بِخَاصَّة. والسر فِي تعْيين الْعدَد الأول للمحب أَن الْمُحب من حَيْثُ إِنَّه محب أنقص من المحبوب من حَيْثُ إِنَّه يحْتَاج ويشتاق إِلَيْهِ فَنَاسَبَ الْمُحب الأنقص والمحبوب الْأَكْثَر انْتهى. بَاب الْألف مَعَ الْغَيْن الْمُعْجَمَة الْإِغْمَاء: فتور غير طبيعي لَا بمخدر يزِيل القوى أَو يعجز بِهِ ذُو الْعقل عَن اسْتِعْمَاله مَعَ قِيَامه حَقِيقَة. قَوْله (غير طبيعي) يخرج النّوم وَقَوله (لَا بمخدر) يخرج الفتور بالمخدرات وَقَوله (يزِيل القوى) يخرج العته وَيسْقط بِهِ الْأَدَاء كَمَا فِي الصَّلَاة إِذا زَاد على يَوْم وَلَيْلَة بِاعْتِبَار الصَّلَاة عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله يَعْنِي مَا لم تصر الصَّلَاة سِتا لَا يسْقط عَنهُ الْقَضَاء وَبِاعْتِبَار السَّاعَات عِنْدهمَا حَتَّى لَو أُغمي عَلَيْهِ قبل الزَّوَال ثمَّ أَفَاق فِي الْيَوْم الثَّانِي بعد الزَّوَال لَا قَضَاء عَلَيْهِ عِنْدهمَا لِأَنَّهُ من حَيْثُ السَّاعَات أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة. وَعِنْده عَلَيْهِ الْقَضَاء مَا لم يَمْتَد إِلَى وَقت الْعَصْر حَتَّى تصير الصَّلَاة سِتا وامتداده فِي الصَّوْم نَادِر فَلَا يعْتَبر حَتَّى لَو أُغمي عَلَيْهِ فِي جَمِيع الشَّهْر ثمَّ أَفَاق بعد مضيه يلْزمه الْقَضَاء. بَاب الْألف مَعَ الْفَاء الْإِفْتَاء: بَيَان حكم الْمَسْأَلَة وَإِن أردْت حق التَّحْقِيق وَكَمَال التَّفْصِيل والتدقيق فَانْظُر فِي الْفَتْوَى. {افترى على الله كذبا} : بِفَتْح الْهمزَة لِأَنَّهُ كَانَ فِي الأَصْل أافترى فحذفت همزَة الْوَصْل تَخْفِيفًا والباقية الْهمزَة الْمَفْتُوحَة وَهِي همزَة الِاسْتِفْهَام فَلَا تغفل. الْأَفْعَال الْعَامَّة: هِيَ الْأَفْعَال الَّتِي لَا تُوجد كل فعل بل كل شَيْء فِي الذِّهْن أَو فِي الْخَارِج أَو فِي علم الْبَارِي عز شَأْنه أَلا وَهُوَ مَوْصُوف بهَا وَهِي أَرْبَعَة كَمَا فِي هَذَا الشّعْر: (افعال عُمُوم نز دَار بَاب عقول ... كَون است وَوُجُود است وَثُبُوت است وَحُصُول) الْأَفْعَال الْخَاصَّة: مَا يقابلها. الافتراء: هُوَ الْكَذِب عَن عمد وَأما الْكَذِب لَا عَن عمد لَيْسَ بافتراء. الْأَفْعَال النَّاقِصَة: أَفعَال وضع كل وَاحِد مِنْهَا لتقرير فَاعله وتثبيته إِيجَابا أَو سلبا على صفة يدل عَلَيْهَا خَبره. وَإِنَّمَا سميت نَاقِصَة لِأَنَّهَا لَا تتمّ بمرفوعها كالأفعال الْغَيْر النَّاقِصَة فَفِيهَا احْتِيَاج إِلَى الْخَبَر. وكل شَيْء فِيهِ احْتِيَاج فِيهِ نُقْصَان وَإِن أردْت الِاطِّلَاع على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْحَقَائِق والدقائق فِي هَذَا الْمقَام فَارْجِع إِلَى جَامع الغموض منبع الفيوض. أَفعَال المقاربة: أَفعَال وضع كل وَاحِد مِنْهَا لغَرَض الدّلَالَة على قرب حُصُول خَبره لفَاعِله فِي اعْتِقَاد الْمُتَكَلّم. ثمَّ سَبَب اعْتِقَاده ذَلِك الْقرب ومنشأه أحد الْأُمُور الثَّلَاثَة على سَبِيل الِانْفِصَال الْحَقِيقِيّ أَحدهَا رَجَاء الْمُتَكَلّم وطمعه بِحُصُول الْخَبَر للْفَاعِل دون الْجَزْم وَالْيَقِين بذلك الْحُصُول مثل عَسى فِي عَسى زيد يخرج فَإِنَّهُ مَوْضُوع بغرض الدّلَالَة على قرب حُصُول الْخُرُوج لزيد فِي اعْتِقَاد الْمُتَكَلّم بِسَبَب أَنه يَرْجُو ويطمع حُصُوله لَهُ وَثَانِيها إشراف الْخَبَر على حُصُوله للْفَاعِل يَعْنِي أَن الْمُتَكَلّم لما رأى إشراف الْخَبَر على حُصُوله للْفَاعِل فيعتقد بِقرب حُصُوله لَهُ ويخبر عَنهُ مثل كَاد مُحَمَّد أَن يكون رَسُولا فَإِنَّهُ مَوْضُوع بغرض الدّلَالَة على قرب حُصُول الرسَالَة لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي اعْتِقَاد الْمُتَكَلّم يَعْنِي أَنه لما رأى قبل الْبعْثَة آثَار النُّبُوَّة والرسالة لامعة على نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإشرافها على حُصُولهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جزم بِقرب حُصُولهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَثَالِثهَا شُرُوع الْفَاعِل فِي الْأَسْبَاب المفضية إِلَى حُصُول الْخَبَر لَهُ يَعْنِي أَن الْمُتَكَلّم لما رأى أَن الْفَاعِل شرع فِي تِلْكَ الْأَسْبَاب جزم بِقرب حُصُوله لَهُ مثل طفق فِي طفق زيد يخرج فَإِنَّهُ مَوْضُوع للدلالة على قرب حُصُول الْخُرُوج لزيد فِي اعْتِقَاد الْمُتَكَلّم بِسَبَب شُرُوع زيد فِي مَا يُفْضِي إِلَى الْخُرُوج وَيُسمى الْقرب الَّذِي سَببه الْأَمر الأول دنو الرَّجَاء وَالثَّانِي دنو الْحُصُول وَالثَّالِث دنو الْأَخْذ من قبيل إِضَافَة الْمُسَبّب إِلَى السَّبَب. وَمِمَّا أوضحنا لَك يَتَّضِح قَوْلهم أَفعَال المقاربة مَا وضع لدنو الْخَبَر رَجَاء أَو حصولا أَو أخذا فِيهِ وَإِنَّمَا سميت هَذِه الْأَفْعَال بِهَذَا الِاسْم لدلالتها على الْقرب. أَفعَال الْمَدْح والذم: أَفعَال وضع بَعْضهَا لإنشاء مدح عَام مثل نعم وَبَعضهَا لإنشاء ذمّ عَام مثل بئس. أَفعَال التَّعَجُّب: مَا وضع لإنشاء التَّعَجُّب وَله صيغتان مَا أَفعلهُ وأفعل بِهِ. الْأُفق: فِي اللُّغَة كرانه وجانب - وَفِي اصْطِلَاح الْهَيْئَة يُطلق على ثَلَاث دوائر - أَحدهَا دَائِرَة عَظِيمَة تفصل بَين مَا يرى من الْفلك وَبَين مَا لَا يرى مِنْهُ وَيقوم الْخط الْوَاصِل بَين سمتي الرَّأْس والقدم عمودا عَلَيْهَا وَيُسمى الْأُفق الْحَقِيقِيّ. وَالثَّانيَِة دَائِرَة صَغِيرَة ثَابِتَة تماس الأَرْض من فَوق موازية للأفق الْحَقِيقِيّ وَيُسمى الْأُفق الْحسي وَالثَّالِثَة دَائِرَة ثَابِتَة ترتسم محيطها من طرف خطّ يخرج من الْبَصَر إِلَى سطح الْفلك الْأَعْظَم مماسا للْأَرْض إِذا أدير ذَلِك الْخط مَعَ ثبات طرفه الَّذِي يَلِي الْبَصَر ومماسة للْأَرْض وَيُسمى الْأُفق الْحسي أَيْضا. وَفِي الدّرّ المنثور دَائِرَة الْأُفق دَائِرَة عَظِيمَة تفصل بَين الظَّاهِر والخفي من الْفلك وقطباها سمت الرَّأْس وسمت الرجل والدوائر الْمُوازِية لَهَا دوائر المقنطرات فالتي فَوْقه مقنطرات ارْتِفَاع وَالَّتِي تَحْتَهُ مقنطرات انحطاط. الْأُفق الْأَعْلَى: هِيَ نِهَايَة مقَام الرّوح. وَهِي الحضرة الواحدية والحضرة الألوهية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الْأُفق الْمُبين: هِيَ نِهَايَة مقَام الْقلب. وَاسم كتاب صنفه الباقر جلّ نظره فِيهِ فِي تَحْقِيق الزَّمَان والدهر والسرمد. الِافْتِرَاق: فِي الأكوان. بَاب الْألف مَعَ الْقَاف الْإِقْدَام: (بيش آمدن وَاخْتِيَار نمودن) وَلَا يجوز الْإِقْدَام على الزِّنَا بِالْإِكْرَاهِ وَكَذَا لَا يجوز الْإِقْدَام على الْقَتْل بِالْإِكْرَاهِ. الْإِقَامَة: مثل الْأَذَان فِي الْكَلِمَات إِلَّا أَنه تزاد فِيهَا كلمتان قد قَامَت الصَّلَاة قد قَامَت الصَّلَاة. فَهِيَ سبع عشرَة كلمة ويفصل بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة مِقْدَار رَكْعَتَيْنِ أَو أَربع رَكْعَات. يقْرَأ فِي كل رَكْعَة نَحوا من عشر آيَات وَالْأولَى للمؤذن أَن يتَطَوَّع بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة فَإِن لم يصل يجلس بَينهمَا. وَأما إِذا كَانَ فِي الْمغرب فالمستحب أَن يفصل بَينهمَا بسكتة ويسكت قَائِما مِقْدَار مَا يُمكن فِيهِ من قِرَاءَة ثَلَاث آيَات قصار هَكَذَا فِي الزَّاهدِيّ. وَفِي حَوَاشِي كنز الدقائق يفصل بَينهمَا فِي الْفجْر يقْرَأ عشْرين آيَة. وَفِي الظّهْر وَالْعشَاء بِقدر مَا يُصَلِّي أَربع رَكْعَات يقْرَأ فِي كل رَكْعَة عشر آيَات. وَفِي الْعَصْر بِقدر رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فيهمَا عشْرين آيَة. الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب: الْأَقْرَب مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف يَعْنِي الْأَقْرَب أولى من الْأَبْعَد فالفاء فِي قَوْله فَالْأَقْرَب للتعقيب أَي بعد الْأَقْرَب الْمَذْكُور أَي فَمن كَانَ بعده أقرب فَهُوَ أولى عِنْد عدم الْأَقْرَب الأول. الْإِقْرَار: فِي الشَّرْع إِخْبَار بِحَق لآخر عَلَيْهِ. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ إِخْبَار عَن ثُبُوت حق الْغَيْر على نَفسه فَلَا يكون الْإِقْرَار إنْشَاء فَحكمه ظُهُور المقربة لَا إنشاؤه فَافْهَم. الاقتباس: فِي اللُّغَة (نور جيدن) . وَفِي البديع هُوَ أَن يضمن الْكَلَام نظما أَو نثرا شَيْئا من الْقُرْآن أَو الحَدِيث لَا على طَريقَة أَن ذَلِك الشَّيْء من الْقُرْآن أَو الحَدِيث يَعْنِي على وَجه لَا يكون فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُ مِنْهُ كَمَا يُقَال فِي أثْنَاء الْكَلَام قَالَ الله تَعَالَى كَذَا وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَذَا وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يكون اقتباسا كَقَوْل ابْن شَمْعُون فِي وعظه يَا قوم اصْبِرُوا عَن الْمُحرمَات. وَصَابِرُوا على المفترضات. وَرَابطُوا بالمراقبات. وَاتَّقوا الله فِي الخلوات. يرفع لكم الدَّرَجَات. وكقول الحريري قُلْنَا شَاهَت الْوُجُوه وقبح وَهُوَ لفظ الحَدِيث على مَا رُوِيَ أَنه لما اشْتَدَّ الْحَرْب يَوْم حنين أَخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كفا من الْحَصْبَاء فَرمى بِهِ وُجُوه الْمُشْركين وَقَالَ علية الصَّلَاة وَالسَّلَام شَاهَت الْوُجُوه وقبح أَي قبحت الْوُجُوه. وقبح على الْمَبْنِيّ على للْمَفْعُول أَي لعن من قبحه الله بِفَتْح الْعين أَي أبعده عَن الْخَيْر. والاقتباس على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا مَا لم ينْقل فِيهِ المقتبس عَن مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ وَالثَّانِي خِلَافه مِثَال الأول مَا تقدم وَمِثَال الثَّانِي كَقَوْل ابْن الرُّومِي: (لَئِن أَخْطَأت فِي مدحك مَا أَخْطَأت فِي منعي ... لقد أنزلت حاجاتي بواد غير ذِي زرع) مقتبس من قَوْله تَعَالَى {رب إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم} لَكِن مَعْنَاهُ فِي الْقُرْآن وَاد لَا مَاء فِيهِ وَلَا نَبَات. وَقد نَقله ابْن الرُّومِي إِلَى جناب لَا خير فِيهِ وَلَا نفع (يَعْنِي درمدح توخطا نكرده ام اكربر تقديريكه خطا كرده ام ليكن توخطا نخواهي كرد در منع من ازحاجت زيرا كه آورده ام حاجت خود را در جنابى كه خير ونفع نداره) . الِاقْتِضَاء: (تقاضا كردن وَطلب نمودن) يُقَال اقْتضى الدّين وتقاضاه أَي طلبه. وَفِي أصُول الْفِقْه هُوَ طلب الْفِعْل مَعَ الْمَنْع عَن الْفِعْل وَهُوَ التَّحْرِيم أَو بِدُونِهِ وَهُوَ الْكَرَاهَة. اقْتِضَاء النَّص: فِي أصُول الْفِقْه دلَالَة الشَّرْع على أَن هَذَا الْكَلَام لَا يَصح إِلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا اقْتِضَاء النَّص جعل غير الْمَنْطُوق منطوقا لتصحيح الْمَنْطُوق، وتفصيله أَن الشَّرْع مَتى دلّ على زِيَادَة شَيْء فِي الْكَلَام لصيانته عَن اللَّغْو وَنَحْوه. فَالْحَاصِل أَعنِي صِيَانة الْكَلَام هُوَ الْمُقْتَضِي بِالْكَسْرِ والمزيد هُوَ الْمُقْتَضِي بِالْفَتْح. وَدلَالَة الشَّرْع على أَن هَذَا الْكَلَام لَا يَصح إِلَّا بِزِيَادَة ذَلِك الْأَمر الْمَزِيد على ذَلِك الْكَلَام هِيَ الِاقْتِضَاء مثل أعتق عَبدك عني بِأَلف. فَإِن صِحَة هَذَا الْكَلَام شرعا مَوْقُوفَة على أَمر زَائِد عَلَيْهِ وَهُوَ البيع بِالْألف وَالْوكَالَة فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْ عَبدك هَذَا عني بِأَلف وَكن وَكيلِي فِي الْإِعْتَاق فَيثبت البيع وَالْوكَالَة اقْتِضَاء. فَإِن عتق عبد الْغَيْر بِالْألف بِدُونِ البيع وَالْوكَالَة غير صَحِيح شرعا فَالْكَلَام الْمَذْكُور بِدُونِ اعتبارهما سَابِقًا لَغْو. فدلالة الشَّرْع على أَن هَذَا الْكَلَام لَا يَصح إِلَّا بِزِيَادَة البيع وَالْوكَالَة اقْتِضَاء النَّص وصيانته عَن اللَّغْو الْمُقْتَضِي (اسْم الْفَاعِل) وَذَلِكَ الْأَمر الزَّائِد هُوَ الْمُقْتَضِي (اسْم الْمَفْعُول) . وَإِنَّمَا قيدنَا الدّلَالَة بِالشَّرْعِ احْتِرَازًا عَن الْمَحْذُوف مثل {واسأل الْقرْيَة} . فَإِن صدقه عقلا لَا شرعا مَوْقُوف على زِيَادَة أَمر أَعنِي الْأَهْل أَي اسْأَل أهل الْقرْيَة. فدلالة الْكَلَام على الْمَحْذُوف لَيست من بَاب الِاقْتِضَاء هَذَا تَعْرِيف الِاقْتِضَاء عِنْد بعض الْمُحَقِّقين. وَقيل الْكَلَام الَّذِي لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 يَصح إِلَّا بِزِيَادَة أَمر عَلَيْهِ هُوَ الْمُقْتَضِي (اسْم الْفَاعِل) وَطَلَبه الزِّيَادَة هُوَ الِاقْتِضَاء والمزيد هُوَ الْمُقْتَضِي (اسْم الْمَفْعُول) فالاقتضاء حِينَئِذٍ أَعم مِمَّا ذكر سَابِقًا لِأَن الصِّحَّة غير مُقَيّدَة بالشرعية. وَقَرِيب من ذَلِك مَا قيل إِن الِاقْتِضَاء هُوَ دلَالَة اللَّفْظ على معنى خَارج يتَوَقَّف عَلَيْهِ صدقه أَو صِحَّته عقلا أَو شرعا أَو لُغَة. قَوْله (صدقه) ليدْخل نَحْو رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان. فَإِن صدق هَذَا الْكَلَام مَوْقُوف على اعْتِبَار نفي حكم الْمُؤَاخَذَة لِأَن عين الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَاقع. وَقَوله (عقلا) ليدْخل نَحْو قَوْله تَعَالَى (وَجَاء رَبك} . أَي أَمر رَبك لِامْتِنَاع الْمَجِيء على الله تَعَالَى. وَقَوله (شرعا) ليدْخل نَحْو أعتق عَبدك هَذَا عني بِأَلف. وَقَوله (لُغَة) ليدْخل نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه} . أَي مِمَّن أَن يرضوه. وَيعلم من هَذَا الْبَيَان أَن الْمُقْتَضِي بِالْفَتْح لكَونه مُحْتَاجا إِلَيْهِ لَازم مُتَقَدم وَلذَا اعْترض بِأَنَّهُم اتَّفقُوا على أَن الطَّلَاق والعقود فِي مثل طَلقتك وَأَنت طَالِق ونكحتك وبعت واشتريت بطرِيق الِاقْتِضَاء وَلَيْسَ هَا هُنَا لَازم مُتَقَدم بل مُتَأَخّر لِأَن تِلْكَ الصِّيَغ كلهَا فِي الشَّرْع إنشاءات وموضوعة لإِثْبَات هَذِه الْمعَانِي لَا لإخبارها. فالطلاق الثَّابِت مثلا من قبل الزَّوْج بطرِيق الْإِنْشَاء يكون ثَابتا بقوله أَنْت طَالِق أَو طَلقتك فَيكون مُتَأَخِّرًا لَا مُتَقَدما وَقس عَلَيْهِ بِعْت واشتريت. وَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ معنى كَون هَذِه الصِّيَغ إنشاءات فِي الشَّرْع أَنَّهَا نقلت عَن معنى الْأَخْبَار بِالْكُلِّيَّةِ وَوضعت لإيقاع هَذِه الْأُمُور وإنشائها بل مَعْنَاهُ أَنَّهَا صِيغ توقف صِحَة مدلولاتها على ثُبُوت هَذِه الْأُمُور من جِهَة الْمُتَكَلّم أَولا يَعْنِي أَن الشَّارِع اعْتبر إِيقَاع الطَّلَاق مثلا من جِهَة الْمُتَكَلّم قبيل كَلَامه أَنْت طَالِق أَو طَلقتك بطرِيق الِاقْتِضَاء بِأَنَّهُ طلق امْرَأَته قبيل كَلَامه فيخبر عَن ذَلِك الْإِيقَاع بقوله أَنْت طَالِق أَو طَلقتك. وَإِنَّمَا اعْتبر هَذَا صونا لكَلَامه عَن الْكَذِب فَكَلَامه بَاقٍ على الخبرية لَكِن لما لم يكن الطَّلَاق ثَابتا قبل ثمَّ قد ثَبت بِهَذَا النَّوْع من الْكَلَام سمي كَلَامه هَذَا إنْشَاء وَقس عَلَيْهِ أنكحتك وبعت واشتريت وَهَا هُنَا أنظار وتحقيقات وَمن أَرَادَ التَّوْضِيح فَعَلَيهِ النّظر فِي التَّلْوِيح فِي بَاب الِاقْتِضَاء. وَاعْلَم أَن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان. لَا يَسْتَقِيم بِلَا تَقْدِير لوُقُوع الْخَطَأ وَالنِّسْيَان من الْأمة وثمة تقديرات مُتعَدِّدَة بِحَسب حكم دُنْيَوِيّ كالعقوبة وَالضَّمان والمذمة والملامة. وأخروي كالحساب وَالْعِقَاب وَالْحَسْرَة والندامة. فعلى هَذَا الْمَحْذُوف من الْمُقْتَضِي بِالْفَتْح وَدلَالَة الْكَلَام على الْمَحْذُوف من بَاب الِاقْتِضَاء وَأَيْضًا من جعل الْمَحْذُوف من الْمُقْتَضِي عرف الِاقْتِضَاء بِأَنَّهُ جعل غير الْمَنْطُوق منطوقا تَصْحِيحا للمنطوق شرعا أَو عقلا أَو لُغَة. وَاعْلَم أَن عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ من أَصْحَابنَا الْمُتَقَدِّمين وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَغَيرهم جعلُوا الْمَحْذُوف من بَاب الْمُقْتَضِي وَلم يفصلوا بَينهمَا فعرفوا الِاقْتِضَاء بِحَيْثُ يَشْمَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 تَعْرِيفه للمحذوف أَيْضا كَمَا علمت. والمحققون الْمُتَأَخّرُونَ عرفوه بِمَا يخرج عَنهُ الْمَحْذُوف وَفرقُوا بَينهمَا بِوُجُوه. أَحدهَا أَن الْمُقْتَضِي شَرْعِي كثبوت البيع وَالْوكَالَة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور. وكثبوت الْمصدر الَّذِي هُوَ التَّطْلِيق فِي قَوْله أَنْت طَالِق فَإِنَّهُ لما وصفهَا بالطالقية وَأخْبر بهَا اقْتضى ذَلِك وجود التَّطْلِيق من قبله ليَصِح وصفهَا بانطلاق والإخبار بِهِ شرعا. والمحذوف لغَوِيّ كَمَا مر وَالثَّانِي أَن الْكَلَام لَا يتَغَيَّر بتصريح الْمُقْتَضِي وَقد يتَغَيَّر بتصريح الْمَحْذُوف كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة} . فَإِنَّهُ إِذا صرح بالأهل الَّذِي هُوَ الْمَحْذُوف يصير السُّؤَال وَاقعا عَلَيْهِ ويتغير إِعْرَاب الْقرْيَة من النصب إِلَى الْجَرّ وَالثَّالِث أَنه لَيْسَ من شَرط الْمَحْذُوف انحطاط رتبته عَن الْمظهر لِأَنَّهُ لَيْسَ بتابع فَإِن الْأَهْل لَيْسَ بتابع للقرية وَشرط فِي الْمُقْتَضِي ذَلِك لِأَنَّهُ تبع. وَالرَّابِع أَنه فِي بَاب الِاقْتِضَاء يكون الْمُقْتَضِي (بِالْفَتْح) وَالْمَنْصُوص أَعنِي الْمُقْتَضِي (بِالْكَسْرِ) مرادين للمتكلم كَمَا فِي قَوْله أعتق عَبدك هَذَا عني بِأَلف يكون الْإِعْتَاق وَالتَّمْلِيك مقصودين للْآمِر. وَفِي الْحَذف يكون الْمَحْذُوف هُوَ المُرَاد دون الْمُصَرّح بِهِ فَإِن المُرَاد فِي السُّؤَال فِي قَوْله تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة} . هُوَ الْأَهْل دون الْقرْيَة. وَالْخَامِس أَن الْمُقْتَضِي لَا يقبل الْعُمُوم عندنَا والمحذوف يقبله عِنْد من فَصله عَن الْمُقْتَضِي كَمَا بَين فِي كتب الْأُصُول. الأقلف: هُوَ الَّذِي لم يختن. الأقانيم: جمع الأقنوم هُوَ الأَصْل. وَقَالَ الْجَوْهَرِي أحسبها أَي أَظن أَنَّهَا أَي الأقنوم رُومِية وَقيل إِنَّهَا يونانية. اعْلَم أَن النَّصَارَى أثبتوا الأقانيم الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ الْوُجُود وَالْعلم والحياة وسموها الْأَب وَالِابْن وروح الْقُدس. وَزَعَمُوا أَن أقنوم الْعلم قد انْتقل إِلَى بدن عِيسَى [عَلَيْهِ] . وَأَنت تعلم أَن التغاير لَازم بَين للانتقال والانفكاك فلزمهم إِثْبَات الذوات الْقَدِيمَة المتغائرة الْمَعْلُوم وَلُزُوم الْكفْر الْمَعْلُوم كفر فَلِذَا حكمنَا عَلَيْهِم بالْكفْر. فَلَا يرد أَنه لَا يَصح تكفيرهم لِأَن لُزُوم الْكفْر لَيْسَ بِكفْر بل الْتِزَام الْكفْر كفر. وَوجه عدم الْوُرُود أَنه لَا نسلم أَن لُزُوم الْكفْر لَيْسَ بِكفْر مُطلقًا. نعم لُزُوم الْكفْر الْغَيْر الْمَعْلُوم لَيْسَ بِكفْر لَكِن هَا هُنَا لُزُوم الْكفْر الْمَعْلُوم لما ذكرنَا أَن التغاير لَازم بَين للانتقال والانفكاك وهم قَائِلُونَ بِهِ فعالمون بالتغائر بِالضَّرُورَةِ وَإِن سلمناه ونقول إِن عِلّة الْكفْر منحصر فِي الِالْتِزَام. فَالْجَوَاب أَنهم قَائِلُونَ صَرِيحًا بآلهة وَذَوَات ثَلَاثَة لقَوْله تَعَالَى {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة} . وَهَا هُنَا تَفْصِيل فِي كتب الْكَلَام. أقصر الْبعد: هُوَ الْبعد المستوي مَا بَين جسمين وَلَا شكّ أَنه يكون أقصر من الأبعاد المنحنية الآخذة من أَحدهمَا إِلَى الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الاقتضاب: فِي اللُّغَة الاقتطاع والارتحال. وَفِي الْعرف هُوَ الِانْتِقَال مِمَّا ابْتَدَأَ بِهِ الْكَلَام إِلَى مَا يلائمه. الْإِقَالَة: مصدر أقَال يقيل أجوف يَأْتِي مَعْنَاهَا الْقطع وَالرَّفْع. وَمن قَالَ إِنَّهَا أجوف وَأَوَى من القَوْل والهمزة للسلب وَمَعْنَاهَا إِزَالَة القَوْل مثل شكى وأشكى أَي أَزَال الشكاية فقد سَهَا عَن سَهْوه. أَلا تسمع أَنه يُقَال قلت البيع بِكَسْر الْقَاف وَلم تسمع هَذِه الْمَادَّة من سمع كلا تخف من خفت. وَفِي الشَّرْع فسخ بِالتَّرَاضِي فِي حق الْعَاقِدين بيع بَات فِي حق ثَالِث من غير خِيَار للْبَائِع. وَهِي فِي الْحَقِيقَة والمآل مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَالثَّالِث هُوَ الله تَعَالَى أَو الشَّفِيع أَو البَائِع من حَيْثُ هُوَ لَا من حَيْثُ هُوَ بَائِع. وَلِهَذَا تجب الشُّفْعَة بالإقاله فالشفيع ثالثهما وَيجب الِاسْتِبْرَاء لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى فَهُوَ سُبْحَانَهُ ثالثهما. وَالْمَبِيع لَو كَانَ هبة فِي يَد البَائِع ثمَّ تَقَايلا فَلَيْسَ للْوَاهِب أَن يرجع فَصَارَ كَأَن البَائِع اشْتَرَاهُ من المُشْتَرِي فِي حق الْوَاهِب فَلَا يكون لَهُ حق الرُّجُوع. صورته زيد مثلا وهب فرسا لعَمْرو ثمَّ عَمْرو بَاعه من بكر ثمَّ تَقَايلا فَلَيْسَ لزيد أَن يرجع عَن الْهِبَة وَيَأْخُذ الْفرس لِأَن عَمْرو أجعَل كَأَنَّهُ اشْترى من بكر فعمرو من حَيْثُ هُوَ ثَالِث وَإِن كَانَ من حَيْثُ إِنَّه بَائِع أحد الْعَاقِدين وَلِهَذَا عممنا الثَّالِث. وَإِنَّمَا جعلت الْإِقَالَة بيعا جَدِيدا فِي حق غير الْعَاقِدين عملا بلفظها وَمَعْنَاهَا فَإِن الْإِقَالَة لفظ يُنبئ بِحَسب مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ عَن الْفَسْخ وَالرَّفْع وَهِي فِي الْمَعْنى والحقيقة مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي كَمَا ذكرنَا وَهُوَ حد البيع فاعتبرنا اللَّفْظ فِي حق الْمُتَعَاقدين واعتبرنا الْمَعْنى وَالْمَال فِي حق غَيرهمَا عملا بالشبيهين فَافْهَم وَكن من الشَّاكِرِينَ. بَاب الْألف مَعَ الْكَاف الْأكل: إِيصَال مَا يتأنى فِيهِ المضغ إِلَى الْجوف ممضوغا كَانَ أَو غَيره فَلَا يكون اللَّبن والسويق مَأْكُولا فَهُوَ أخص من التَّنَاوُل لشُمُوله المأكولات والمشروبات دون الْأكل كَمَا عرفت. وآداب الْأكل مَشْهُورَة. فِي شرح عين الْعلم أَنه قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا تَأْكُلُوا مَعَ تِسْعَة نفر من النَّاس الْحجام - والنبال - والدباغ - وَالنعال - والقواس - والغسال - والقصار - وشارب الْخمر - وآكل الرِّبَا - وَفِي التاتارخانية يكره الْأكل مَعَ عشرَة نفر فِي إِنَاء وَاحِد الْقصار والصباغ والحجام والكناس والغسال والدباغ والمبروص والمجذوم والخمار وتارك الصَّلَاة. أَكثر من أَن يُحْصى: تَحْقِيقه فِي بُطْلَانه أظهر من أَن يخفى كَمَا أَن تَحْقِيق (أَكثر من أَن يخفى) فِيهِ. الْإِكْرَاه: فِي اللُّغَة حمل إِنْسَان على أَمر لَا يُريدهُ طبعا أَو شرعا وَالِاسْم مِنْهُ الكره بِالْفَتْح. وَفِي الشَّرْع حمل الْغَيْر على مَا يكره بالوعيد. وَبِعِبَارَة أُخْرَى فعل يَفْعَله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الْمَرْء بِغَيْرِهِ فَيفوت بذلك رضَا الْغَيْر. ثمَّ الْفَائِت لرضاه نَوْعَانِ (صَحِيح الِاخْتِيَار) و (فَاسد الِاخْتِيَار) ويسميان بالقاصر - والكامل - وَغير الملجأ - والملجأ. والإلجاء هُوَ الْوَعْد بِتَلف نفس أَو عُضْو فَإِن الإلجاء فِي اللُّغَة مُضْطَر ساختن. وَلَا شكّ أَن الْإِنْسَان يضْطَر بذلك الْوَعْد فبالإلجاء يفْسد الِاخْتِيَار إِذا الْإِنْسَان مجبول على حب الْحَيَاة وَذَلِكَ يضْطَر على مَا أكره عَلَيْهِ فَيفْسد اخْتِيَار الْمُكْره (بِالْفَتْح) بِحَيْثُ يصير آلَة للمكره (بِالْكَسْرِ) . وَغير الإلجاء هُوَ الْوَعْد بِالْحَبْسِ وَالتَّقْيِيد وَالْمكْره (بِالْفَتْح) حِينَئِذٍ لَا يضْطَر على مَا أكره عَلَيْهِ فَلَا يصير آلَة للمكره (بِالْكَسْرِ) فَلَا يفوت وَلَا يفْسد اخْتِيَاره بل يفوت رِضَاهُ. فالنوعان مشتركان فِي فَوت الرِّضَا ومتمايزان فِي فَسَاد الِاخْتِيَار فَإِن النَّوْع الأول أَعنِي الْمُكْره الملجأ لَيْسَ بِصَحِيح الِاخْتِيَار بِخِلَاف النَّوْع الثَّانِي أَعنِي الْمُكْره الْغَيْر الملجأ فَإِن الِاخْتِيَار فِيهِ لَيْسَ بفاسد وَيظْهر التَّفَاوُت فِي الْأَحْكَام فَإِن الْإِكْرَاه بِالْحَبْسِ والقيد على إِجْرَاء كلمة الْكفْر لَا يثبت الرُّخْصَة وَالْإِكْرَاه بِالْقَتْلِ أَو الْقطع يثبتها. وَمعنى فَسَاد الِاخْتِيَار أَن يتَطَرَّق إِلَيْهِ نُقْصَان لَا أَنه فَاتَ أصلا لِأَن أَهْلِيَّة الْوُجُوب وَالْأَدَاء وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب بَاقِيَة فِي كلا النَّوْعَيْنِ من الْإِكْرَاه لِأَنَّهَا ثَابِتَة بِالذِّمةِ. وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْإِكْرَاه لَا يخل فِيهِ بِشَيْء مِنْهُمَا. أَلا ترى أَنه مُتَرَدّد بَين فرض وخطر ورخصة وَمرَّة يَأْثَم وَمرَّة يُثَاب كَسَائِر أَفعَال الْمُكَلّفين فِي حَالَة الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ يحرم على الْمُكْره الملجأ قتل النَّفس وَقطع الطَّرِيق وَالزِّنَا والربا. ويفرض عَلَيْهِ أَن يمْتَنع من ذَلِك ويثاب عَلَيْهِ إِن امْتنع ويعاقب وَيقتل إِن قتل نفسا. وَفِي الْوِقَايَة الْإِكْرَاه فعل يوقعه بِغَيْرِهِ أَي يُوقع الرجل الْمُكْره (بِالْكَسْرِ) ذَلِك الْفِعْل بِغَيْرِهِ الَّذِي هُوَ الْمُكْره (بِالْفَتْح) . الأكوان أَرْبَعَة: اعْلَم أَن الْحُكَمَاء أثبتوا المقولات النسبية أَي قَالُوا بوجودها وأنكرها المتكلمون إِلَّا الأين الَّذِي سموهُ بالكون وقسموه على أَرْبَعَة السّكُون - وَالْحَرَكَة - والافتراق - والاجتماع - لِأَن حُصُول الْجَوْهَر فِي الحيز إِمَّا أَن يعْتَبر بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَوْهَر آخر أَو لَا الثَّانِي إِن كَانَ ذَلِك الْحُصُول مَسْبُوقا بحصوله فِي ذَلِك الحيز فَسُكُون. وَإِن كَانَ مَسْبُوقا بحصوله فِي حيّز فحركة. وَهَذَا معنى أَن الْحَرَكَة كَون الْجِسْم فِي آنين فِي مكانين. وَمعنى أَن السّكُون كَون الْجِسْم فِي آنين فِي مَكَان. وَقَالَ أَبُو هَاشم وَأَتْبَاعه أَن الْكَوْن أول الْحُدُوث سُكُون. وَالْأول إِن كَانَ بِحَيْثُ يُمكن أَن يَتَخَلَّل بَينه وَبَين ذَلِك الآخر جَوْهَر ثَالِث فَهُوَ الِافْتِرَاق وَإِلَّا فَهُوَ الِاجْتِمَاع. وَاعْلَم أَن الْكَوْن أَي الْحُصُول فِي الحيز وجوده ضَرُورِيّ بِشَهَادَة الْحس وَكَذَا أَنْوَاعه الْأَرْبَعَة على رَأْي الْمُتَكَلِّمين إِذْ كل وَاحِد مِنْهَا رَاجع إِلَى الْكَوْن الَّذِي هُوَ نوع وَاحِد فِي الْحَقِيقَة. والمميزات أُمُور اعتبارية لَا فُصُول حَقِيقَة منوعة نَحْو كَونه مَسْبُوقا بِكَوْن آخر إِمَّا فِي مَكَان آخر كَمَا فِي الْحَرَكَة أَو فِي ذَلِك الْمَكَان كَمَا فِي السّكُون على رَأْي. أَو غير مَسْبُوق بِكَوْن آخر على معنى أَنه لَا يعْتَبر كَونه مَسْبُوقا بِكَوْن آخر كَمَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 السّكُون على رَأْي آخر. وَنَحْو إِمْكَان تخَلّل ثَالِث بَينهمَا وَعَدَمه كَمَا فِي الِافْتِرَاق والاجتماع وَلَا شُبْهَة فِي أَن هَذِه الْأُمُور اعتبارية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج وَسَيَجِيءُ تَحْقِيق السّكُون فِي السّكُون كونان فِي آنين. الاكتسابي: لَهُ مَعْنيانِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الضَّرُورِيّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. اكْتِسَاب التَّصَوُّر من التَّصْدِيق وَبِالْعَكْسِ مُمْتَنع: كَمَا سَيَجِيءُ فِي مَوْضُوع الْمنطق إِن شَاءَ الله تَعَالَى. بَاب الْألف مَعَ اللَّام الله: علم دَال على الْإِلَه الْحق دلَالَة جَامِعَة لمعاني الْأَسْمَاء الْحسنى كلهَا وَقد مر تَحْقِيقه فِي أول الْكتاب تبركا وتيمنا. الإلهي: علم بأحوال مَا لَا يفْتَقر فِي الْوُجُود الْخَارِجِي والتعقل إِلَى مَادَّة كالإله والعقول الْعشْرَة وَهُوَ الْعلم إِلَّا على الْمَنْسُوب إِلَى أفلاطون لِأَن شرف الْعلم وعلوه بِحَسب شرف مَوْضُوعه وعلوه. وَلَا شكّ أَن مَوْضُوعه لتنزهه عَن الْمَادَّة وعوارضها الَّتِي هِيَ مبدأ الْفَوْت وَالنُّقْصَان أَعلَى. وَسمي بالإلهي تَسْمِيَة للشَّيْء باسم أشرف أَجْزَائِهِ أَي أشرف أَجزَاء الْعلم إِذْ الْمسَائِل المنسوبة إِلَى الْآلَة أشرف الْمسَائِل لشرف موضوعها. فَالْمُرَاد بِالْعلمِ هَا هُنَا الْمسَائِل وَيُمكن أَن يُقَال إِنَّمَا سمي بِهِ وَنسب بالإله لكَونه أشرف أَفْرَاد مَوْضُوع الْحِكْمَة الإلهية. وَسمي بالفلسفة الأولى أَي الفلسفة الْحَاصِلَة من الأولى تَسْمِيَة للسبب باسم الْمُسَبّب. إِذْ هَذَا الْعلم سَبَب للفلسفة الَّتِي مَعْنَاهَا فِي اللُّغَة اليونانية التَّشَبُّه بِحَضْرَة وَاجِب الْوُجُود فِي الْعلم وَالْعَمَل بِقدر الطَّاقَة البشرية لتَحْصِيل السَّعَادَة الأبدية. وتوصيفها بِالْأولَى لحصولها من الْعلَّة الأولى وَهِي الْآلَة وَسمي بِمَا قبل الطبيعية وَمَا بعد الطبيعية لِأَن لمعلوماته قبلية وتقدما على مَعْلُومَات الْحِكْمَة الطبيعية بِاعْتِبَار الذَّات والعلية والشرف وبعدية وتأخرا بِاعْتِبَار الْوَضع لكَون المحسوسات أقرب إِلَيْنَا فبالاعتبار الأول سمي بِالْأولِ وبالاعتبار الثَّانِي سمي بِالثَّانِي. الهوهو: لفظ مركب جعل اسْما فَعرف بِاللَّامِ وَالْمرَاد بِهِ الْحمل الإيجابي بالمواطأة. وَقَالَ الشَّيْخ فِي (الهيات الشِّفَاء) الهوهو أَن يَجْعَل للكثير من وَجه وحدة من وَجه آخر. اللَّهُمَّ: أَصله يَا الله وَلَا يجوز حذف حرف النداء أَعنِي (يَا) من لفظ (الله) إِلَّا مَعَ إِبْدَال الْمِيم الْمُشَدّدَة مِنْهُ وَتَأْخِير الْمِيم عَن لَفظه. وَإِن أردْت التَّحْقِيق بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فَانْظُر فِي كتَابنَا (جَامع الغموض منبع الفيوض) شرح الكافية فِي شرح قَوْله وَيجوز حذف حرف النداء ثمَّ اعْلَم أَنه قد جرت الْعَادة فِي الْكتب بِاسْتِعْمَال اللَّهُمَّ فِيمَا فِي ثُبُوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ضعف كَأَنَّهُ يستعان فِي إثْبَاته بِاللَّه تَعَالَى. الإلهام: فِي اللُّغَة الْإِعْلَام مُطلقًا. وَفِي الِاصْطِلَاح إفَاضَة الْخَيْر فِي الْقلب فبالخير خرجت الوسوسة وبالإفاضة الْفِكر لِأَن حُصُول الْمَطْلُوب بِهِ إِنَّمَا هُوَ بطرِيق الِانْتِقَال وَالْحَرَكَة لَا بطرِيق الْفَيْض والإفاضة. وَهِي إِنَّمَا يكون من جَانب المفيض فَيخرج بهَا الحدس لِأَنَّهُ من جَانب المستفيض. وَبِعِبَارَة: أُخْرَى الإلهام إِلْقَاء الْمَعْنى فِي الْقلب بطرِيق الْفَيْض أَي بِلَا اكْتِسَاب واستفاضة. وَهُوَ أخص من الْإِعْلَام إِذْ الْإِعْلَام قد يكون بطرِيق الاستعلام. قيل تَقْيِيده بطرِيق الْفَيْض للِاحْتِرَاز عَن الحدس وَالْكَسْب. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْإِلْقَاء لَا يتناولهما. وَقيل تَقْيِيده للِاحْتِرَاز عَن الشَّرّ لِأَن مَا يكون بطرِيق الْفَيْض فَهُوَ خير مَحْض. وَيرد عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فألهمها فجورها وتقواها} أَيْضا يلْزم الِاسْتِدْرَاك فِي قَوْلهم الْهَام الْحق والهام الْخَيْر وَنَحْوهمَا. وَيُجَاب عَن الأول بالتجريد. وَبِأَن المُرَاد ف الْآيَة الإفهام كَمَا صرح بِهِ فِي الْكَشَّاف. وَعَن الثَّانِي بِالْأولِ وَالثَّانِي أَيْضا. وعرفوه أَيْضا بإلقاء الله تَعَالَى شَيْئا فِي الرّوح أَي الْقلب. الإلجاء: فِي اللُّغَة (بزور كاركردن ومضطر ساختن) وَالْمعْنَى الشَّرْعِيّ مَعَ التَّفْصِيل فِي الْإِكْرَاه. الْألف: بِكَسْر اللَّام السَّاكِن بِلَا ضغطة اللِّسَان كَمَا فِي مَا وَلَا. وَقد يُقَال إِن الْألف نَوْعَانِ أَحدهمَا سَاكِنة كالمثال الْمَذْكُور ومتحركة كأمر وَمن هَا هُنَا يُطلق الْألف على همزَة الْوَصْل فَيُقَال لَهَا ألف الْوَصْل. قَالَ فِي الصِّحَاح الْألف على ضَرْبَيْنِ - لينَة ومتحركة - فاللينة تسمى ألفا والمتحركة تسمى همزَة وَالْألف بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون اللَّام مَشْهُور كالمائة. وَالْألف بِكَسْر الأول وَالثَّانِي الإلفة والإنسة. الْإِلْحَاق: فِي اصْطِلَاح علم الصّرْف جعل مِثَال على مِثَال أَزِيد ليعامل مُعَامَلَته. وَبِعِبَارَة أُخْرَى أَن يزِيد حرفا أَو حرفين على تركيب زِيَادَة غير مطردَة فِي إِفَادَة معنى ليصير ذَلِك التَّرْكِيب مثل كلمة أُخْرَى فِي عدد الْحُرُوف وحركاتها الْمعينَة والسكنات كل وَاحِد فِي مثل مَكَانهَا فِي الملحق بهَا وَفِي تصاريفها من الْمَاضِي - والمضارع - وَالْأَمر - والمصدر - وأسمى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول - إِن كَانَ الملحق بِهِ فعلا رباعيا وَمن التصغير والتكسير إِن كَانَ اسْما رباعيا لَا خماسيا وَلَا يشْتَرط أَن يكون لأصل الملحق معنى ككوكب وَزَيْنَب فَإِن ككب وزيب لَا معنى لَهما وَلَا بَقَاء مَعْنَاهُ إِن كَانَ نَحْو شملل أَي أسْرع وحوقل أَي كبر وكوثر فَإِن مَعَانِيهَا لَيست مَعَاني شَمل وحقل وَكثر. التقاء الساكنين: إِمَّا أَن يكون فِي الْوَقْف أَو فِي الدرج فَإِن كَانَ فِي الْوَقْف فيفتقر مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَا صَحِيحَيْنِ أَو لَا أَولهمَا مُدَّة أَو لَا. وَإِن كَانَ فِي الدرج فإمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 أَن يكون من الصُّور الَّتِي ذكرهَا الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله فِي الشافية مِنْهَا أَن يكون أَولهمَا مُدَّة أَي لينًا وَالثَّانِي مدغما ويكونان فِي كلمة وَاحِدَة. وَإِنَّمَا فسرنا الْمَدّ باللين ليدْخل نَحْو خويصة فَإِن اللين أَعم من الْمَدّ وَبَاقِي الصُّور لَا نطول الْكَلَام بذكرها فاطلب مِنْهَا. أَو لَا يكون من تِلْكَ الصُّور فَإِن كَانَ مِنْهَا فمغفور مَعْفُو أَيْضا. وَإِن كَانَ فِي غَيرهَا فَأَما أَن يكون أول السَّاكِن مُدَّة أَو غير مُدَّة فَإِن كَانَ مُدَّة حذفت سَوَاء كَانَ الساكنان فِي كلمة أَو فِي كَلِمَتَيْنِ مستقلتين مثل يَخْشونَ وَيدعونَ وثرمين ويخشى الْقَوْم واغزوا الْجَيْش وارمي الْعرض. وَإِن لم يكن مُدَّة حرك نَحْو اذْهَبْ اذْهَبْ واخشوا الله واخشى الله. وَمَا فِي آخِره ألف إِذا اتَّصل بِهِ نون التَّأْكِيد فَإِن كَانَ من نَحْو هَل تخشى فتنقلب فِيهِ الْألف يَاء فَتَقول هَل تخشين وَإِن كَانَ من نَحْو اضربا فَتبقى الْألف وَيُقَال اضربان وَيقرب مِنْهُ اضربنان. وَنون التَّأْكِيد كلمة غير مُسْتَقلَّة فَافْهَم فَإِن قيل مَا وَجه مغْفرَة التقاء الساكنين فِي الْوَقْف وعفوه قلت الْوَقْف على الْحَرْف سَاد مسد حركته لِأَنَّهُ يُمكن جرسه وتوفر الصَّوْت عَلَيْهِ فَإنَّك إِذا وقفت على عَمْرو مثلا وجدت للراء من التكرر وتوفر الصَّوْت عَلَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ إِذا وصلته بِغَيْرِهِ وَمَتى أدرجتها زَالَ ذَلِك الصَّوْت لِأَن أخذك فِي حرف سوى الْمَذْكُور يشغلك عَن اتِّبَاع الْحَرْف الأول صَوتا فَبَان بِمَا ذكرنَا أَن الْحَرْف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أتم صَوتا وَأقوى جرسا من المدرج فسد ذَلِك مسد الْحَرَكَة فَجَاز اجتماعه مَعَ سَاكن قبله كَمَا فِي عَمْرو. وَلِأَن الْوَقْف مَحل تَخْفيف وَقطع فاغتفر فِيهِ ذَلِك وَإِن كَانَ فِي الدرج فَلَا يغْتَفر إِلَّا فِي صور ذكرهَا أَصْحَاب التصريف فَإِن قيل لم جَازَ التقاء الساكنين إِذا كَانَ أَولهمَا حرف مد وَالثَّانِي مدغما ويكونان فِي كلمة وَاحِدَة وَالْمرَاد بِالْمدِّ هَا هُنَا هُوَ اللين قلت لما فِي حُرُوف الْمَدّ واللين من الْمَدّ الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ إِلَى النُّطْق بالساكن بعده مَعَ أَن المدغم مَعَ المدغم فِيهِ بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد لِأَن اللِّسَان يرْتَفع عَنْهُمَا دفْعَة والمدغم فِيهِ متحرك فَيصير الثَّانِي من الساكنين كلا سَاكن فَلَا يتَحَقَّق التقاء الساكنين الخالصي السّكُون بِخِلَاف مَا إِذا كَانَا فِي كَلِمَتَيْنِ نَحْو قَالُوا ادارأنا فَإِنَّهُ بِحَذْف السَّاكِن الأول وَأَصله تدارءنا على زون تفاعلنا فأدغمت التَّاء فِي الدَّال وَجِيء بِهَمْزَة الْوَصْل لِئَلَّا يلْزم الِابْتِدَاء بالساكن. ثمَّ اعْلَم أَنه يجوز التقاء ثَلَاث سواكن إِذا اجْتمع هَذَانِ الْأَمْرَانِ أَعنِي الْوَقْف وَكَون الأول حرف مد وَالثَّانِي مدغما كدواب وَمثله يَقع فِي كَلَام الْعَجم كثيرا نَحْو (كوشت نيست) وَأما الْجمع بَين أَربع سواكن فممتنع فِي كل لُغَة وعَلى كل حَال فَافْهَم واحفظ. (ف (17)) . الِالْتِفَات: فِي التَّاج (وانكريستن) فَالْمُرَاد بِمَا وَقع فِي المطول من (أَنه الْتِفَات الْإِنْسَان من يَمِينه إِلَى شِمَاله وَمن شِمَاله إِلَى يَمِينه) أَنه الْتِفَات الْإِنْسَان من يَمِينه إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 شِمَاله أَو من شِمَاله إِلَى يَمِينه يَعْنِي أَنه ذكر الْوَاو وَأَرَادَ (أَو) وَإِنَّمَا أورد الْوَاو للْإِشَارَة إِلَى اشتراكهما فِي كَونهمَا من الِالْتِفَات لَا أَن مجموعهما مَأْخُوذ فِي مَفْهُومه إِذْ الْوَاو لمُطلق الْجمع لَا للمعية. وَفِي الِالْتِفَات عِنْد عُلَمَاء الْمعَانِي اخْتِلَاف فَإِن السكاكي على أَن الِالْتِفَات هُوَ النَّقْل من كل من التَّكَلُّم وَالْخطاب والغيبة إِلَى الآخر بِأَن كَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر إِيرَاد كل من التَّكَلُّم وَالْخطاب والغيبة فَعدل عَنهُ إِلَى الآخر الَّذِي هُوَ خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر وَإِن لم يعبر سَابِقًا بطرِيق آخر. وَالْجُمْهُور على أَن الِالْتِفَات هُوَ التَّعْبِير عَن معنى بطرِيق من التَّكَلُّم وَالْخطاب والغيبة بعد التَّعْبِير عَن ذَلِك الْمَعْنى بطرِيق آخر من الطّرق الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة بِشَرْط أَن يكون التَّعْبِير الثَّانِي على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر يَعْنِي يكون مُقْتَضى ظَاهر سوق الْكَلَام أَن يعبر عَنهُ بِغَيْر هَذَا الطَّرِيق فَمَا ذهب إِلَيْهِ السكاكي أَعم مِمَّا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور فَفِي قَول امْرِئ الْقَيْس (تطاول ليلك بالإثمد) الْتِفَات عِنْد السكاكي دون الْجُمْهُور لِأَن ليلك خطاب لنَفسِهِ وَمُقْتَضى الظَّاهِر ليلى بالتكلم وَلَا يصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف الْجُمْهُور لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَعْبِير بطرِيق من الطّرق الثَّلَاثَة بعد التَّعْبِير بطرِيق آخر مِنْهَا. وأقسام الِالْتِفَات سِتَّة حَاصِلَة من ضرب الثَّلَاثَة فِي الِاثْنَيْنِ لِأَن كلا من الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة ينْقل إِلَى الآخرين وَإِنِّي لَا أطول الْكَلَام بِذكر الْأَمْثِلَة فَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع عَلَيْهَا فليطالع المطول. وَاعْلَم أَن الْغَيْبَة أَعم من أَن يكون باسم مظهر أَو مُضْمر غَائِب فَإِن الِاسْم الظَّاهِر مَوْضُوع للْغَائِب فاحفظ. ثمَّ إِن الِالْتِفَات عِنْد صدر الأفاضل أخص مِنْهُ عِنْد الْجُمْهُور فَهُوَ أخص الْأَخَص على مَذْهَب لِأَنَّهُ شَرط فِيهِ أَن يكون الْمُخَاطب فِي الْحَالين وَاحِدًا مثل قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر فصل لِرَبِّك} فَإِن فِيهِ التفاتا من التَّكَلُّم إِلَى الْغَيْبَة وَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر بِالنّظرِ إِلَى الأسلوب السَّابِق أَن يَقُول لنا مَكَان لِرَبِّك والمخاطب فِي الْحَالين وَاحِد وَهُوَ نَبينَا خَاتم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِن قلت فعلى هَذَا يلْزم أَن لَا يكون فِي قَوْله تَعَالَى {إياك نعْبد} الْتِفَات مَعَ أَنه مُتَّفق عَلَيْهِ قُلْنَا الْمُخَاطب بالْكلَام السَّابِق أَعنِي {الْحَمد لله} إِلَى {مَالك يَوْم الدّين} . هُوَ الله تَعَالَى فِي الْحَقِيقَة وَإِن لم يُخَاطب بِهِ بِحَسب الظَّاهِر لِأَن ذَلِك الْكَلَام السَّابِق يجْرِي من العَبْد مَعَ الله تَعَالَى لَا مَعَ غَيره تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعْلِيم مِنْهُ تَعَالَى للعباد. فَكل الْتِفَات عِنْد صدر الأفاضل الْتِفَات عِنْد الْجُمْهُور دون الْعَكْس أَلا ترى أَن قَول أبي الْعَلَاء: (هَل تزجرنكم رِسَالَة مُرْسل ... أم لَيْسَ ينفع فِي أولاك الوك) فِيهِ الْتِفَات عِنْد الْجُمْهُور من الْخطاب فِي يزجرنكم إِلَى الْغَيْبَة فِي أولاك بِمَعْنى أُولَئِكَ. وَقَالَ صدر الأفاضل إِنَّه إضراب عَن خطاب بني كنَانَة إِلَى الْإِخْبَار عَنْهُم وَإِن كَانَ يظنّ من قبيل الِالْتِفَات فَلَيْسَ مِنْهُ لِأَن الْمُخَاطب بهل يزجرنكم بَنو كنَانَة وَبِقَوْلِهِ أولاك مُخَاطب آخر. وَقد يُطلق الِالْتِفَات على مَعْنيين آخَرين. أَحدهمَا أَن تَأتي بِكَلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ثمَّ عَقِيبه بجملة مُسْتَقلَّة متلاقية مُتَقَارِبَة لذَلِك فِي الْمَعْنى بِأَن يكون مثلا أَو دُعَاء وَنَحْوهمَا نَحْو قَوْله تَعَالَى {وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا} وَقَوله تَعَالَى {ثمَّ انصرفوا صرف الله قُلُوبهم} فَإِن قَوْله تَعَالَى {إِن الْبَاطِل} الْآيَة على سَبِيل التَّمْثِيل وَقَوله تَعَالَى {صرف الله قُلُوبهم} على سَبِيل الدُّعَاء. وَالثَّانِي أَن تذكر أَنْت كلَاما فتتوهم أَنْت أَن السَّامع اختلجه شَيْء فتلتفت أَنْت إِلَى كَلَام يزِيل اختلاجه ثمَّ ترجع أَنْت إِلَى مقصودك كَقَوْل ابْن ميادة: (فَلَا صرمه يَبْدُو وَفِي الْيَأْس رَاحَة ... وَلَا وَصله يصفو لنا فنكارمه) فَإِنَّهُ لما قَالَ فَلَا صرمه يَبْدُو قيل لَهُ مَا تصنع بدوره وظهوره فَأجَاب بقوله وَفِي الْيَأْس رَاحَة. الإلصاق: فِي اللُّغَة اللصوق فَإِن يَجِيء لَازِما ومتعديا على مَا فِي تَاج الْبَيْهَقِيّ ثمَّ اللصوق الَّذِي هُوَ مفَاد الْبَاء الجارة أَعم من أَن يكون بطرِيق الْمُقَارنَة والاتصال كَمَا فِي مَرَرْت بزيد وَفِي ابْتِدَاء بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، أَو بطرِيق المخامرة والمخالطة نَحْو بِهِ دَاء أَي خامره. وَلَا يكون بَاء الإلصاق مَعَ مجرورها ظرفا مُسْتَقرًّا إِلَّا أَن يكون خبر الْمُبْتَدَأ نَحْو مروري بزيد - وَالْفرق بَينه وَبَين المصاحبة بِأَن بَينهمَا عُمُوما وخصوصا مُطلقًا بِأَن الإلصاق أخص من المصاحبة نَحْو اشْتريت الْفرس بسرجه أَي مَعَ سَرْجه وَمَعْنَاهُ مصاحبة السرج واشتراكه مَعَ الْفرس فِي الاشتراء - وَلَا يلْزم أَن يكون السرج حَال اشْتِرَاء الْفرس مُلْصقًا بِهِ وَهُوَ فرق لم يُوجد فِي الْكتب الْمَشْهُورَة فِي النَّحْو مَعَ أَن من قَالَ بِهَذَا الْفرق فسر الإلصاق بإفادة أَمر بمجرور الْبَاء سَوَاء كَانَ ذَلِك الْأَمر مَعْمُول فعل أَو لَا وَهُوَ لَا يَقْتَضِي أَن يكون مَعْمُول الْفِعْل مُلْصقًا بمجروره. وَلَا شكّ أَن الاشتراء ملصق بالسرج وَإِن لم يكن السرج مُلْصقًا بالفرس. وَقَالَ الْفَاضِل الْمُحَقق الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله وَالظَّاهِر أَن الْفرق بَينهمَا بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص أَيْضا لَكِن بِأَن المصاحبة أخص من الإلصاق فَإِن الإلصاق مُجَرّد لصوق معنى الْفِعْل بمجروره. والمصاحبة أَن يكون لمجروره شرك فِي ذَلِك الْمَعْنى الملصق كَمَا تَقْتَضِيه صِيغَة المفاعلة فَفِي المصاحبة الإلصاق مَعَ خُصُوصِيَّة زَائِدَة عَلَيْهِ وَهِي كَونه بطرِيق الشّركَة كَمَا أَن الِاسْتِعَانَة إلصاق مَعَ خُصُوصِيَّة أَن الْمَجْرُور الملصق بِهِ آلَة فَفِي قَوْلنَا بِهِ دَاء إلصاق وَلَا مصاحبة وَفِي قَوْلنَا اشْتريت الْفرس بسرجه إلصاق مَعَ المصاحبة. إِلَى: من حُرُوف الْجَرّ لانْتِهَاء الْغَايَة. قد يكون لمد الحكم إِلَى مجرورها مثل قَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الصّيام إِلَى اللَّيْل} فَإِن الصَّوْم هُوَ الْإِمْسَاك فِي النَّهَار سَاعَة فَأفَاد كلمة (إِلَى) امتداد الصَّوْم إِلَى اللَّيْل وَقد يكون لإِسْقَاط الحكم عَن مَا وَرَاء مجرورها مثل قَوْله تَعَالَى {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} وَالتَّفْصِيل وَالتَّحْقِيق فِي الصَّوْم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الْأَلَم: إِدْرَاك المنافر من حَيْثُ إِنَّه منافر. وَبِعِبَارَة أُخْرَى إِدْرَاك الْمنَافِي من حَيْثُ هُوَ منَاف. وَالْمَشْهُور المنافر من حَيْثُ هُوَ منافر. وَالْمرَاد بالمنافي والمنافر مَا يُقَابل الملائم. وَفَائِدَة قيد الْحَيْثِيَّة الِاحْتِرَاز عَن إِدْرَاك المنافر أَو الْمنَافِي لَا من حَيْثُ إِنَّه منافر أَو منَاف فَإِنَّهُ لَيْسَ بألم بل لَذَّة وَهِي تقَابل الْأَلَم فَإِنَّهَا إِدْرَاك الملائم من حَيْثُ إِنَّه ملائم. وَفَائِدَة الْحَيْثِيَّة أَن الشَّيْء قد يلائم من وَجه دون وَجه كالدواء المر إِذا علم أَن فِيهِ نجاة من الهلاكة فَإِنَّهُ ملائم من حَيْثُ اشتماله على النجَاة ومتنافر من حَيْثُ اشتماله على مَا تتنفر الطبيعة عَنهُ فإدراكه من حَيْثُ إِنَّه ملائم يكون لَذَّة دون إِدْرَاكه من حَيْثُ إِنَّه منافر. الْإِلْمَام: فِي الْمحرم. إِلْقَاء الْحجر: فِي الْمُلَامسَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الإلغاء: بالغين الْمُعْجَمَة جعل الشَّيْء لَغوا بَاطِلا. وَمِنْه إِلْغَاء أَفعَال الْقُلُوب أَي إبِْطَال عَملهَا وَالْفرق بَينه وَبَين تَعْلِيقهَا فِي التَّعْلِيق. الإلفة: اتِّفَاق الآراء فِي المعاونة على تَدْبِير المعاش. الالتماس: الطّلب مَعَ التَّسَاوِي بَين الْآمِر والمأمور فِي الرُّتْبَة وَإِن تعارف بَين الْعَوام أَنه طلب الْأَدْنَى من الْأَعْلَى رُتْبَة. وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي الْعرف إِنَّمَا يُطلق على مَا يكون مَعَ تواضع مَا لَا مَعَ التَّسَاوِي. وَفِي غَايَة الْهِدَايَة الالتماس هُوَ اللَّفْظ الدَّال على طلب الشَّيْء دلَالَة وضعية مَعَ التَّسَاوِي. الياس: يعبر بِهِ عَن الْقَبْض فَإِن إِدْرِيس لارتفاعه إِلَى الْعَالم الروحاني اسْتهْلك قواه المزاجية فِي الْغَيْب وقبضت فِيهِ وَلذَلِك عبر بِهِ عَن الْقَبْض كَذَا فِي اصْطِلَاحَات السَّيِّد السَّنَد قدس سره. أولُوا الْأَلْبَاب: هم الَّذين يَأْخُذُونَ من كل قشر لبابه وَيطْلبُونَ من ظَاهر الحَدِيث سره. الالتباس: صيرورة شَيْء شَبِيها بآخر بِحَيْثُ لَا يكون بَينهمَا تفَاوت أصلا وَهُوَ مَمْنُوع لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْفساد. وَالْمُعْتَبر فِي الالتباس وجود النظير قبل التَّصَرُّف فِي الشَّيْء على صفة يصير ذَلِك الشَّيْء على تِلْكَ الصّفة بعد التَّصَرُّف فِيهِ. أَلا ترى أَن الصرفيين لَا يبدلون الْوَاو الْيَاء فِي دعوا ورميا بِالْألف للالتباس بالمفرد فَإِن دَعَا وَرمي قبل الإعلال فِي دعوا ورميا موجودان على هَيْئَة وَوزن تُوجد تِلْكَ الْهَيْئَة وَالْوَزْن فِي دعوا ورميا بعد التَّعْلِيل فيهمَا وَأَنَّهُمْ أبدلوا الْوَاو بِالْيَاءِ وأدغموا الْيَاء فِي الْيَاء فِي طي مصدر طوى يطوي أَصله طوي وَلم يبالوا بلبسه بطي اسْم قَبيلَة لِأَن طيا بعد الْإِدْغَام جعل اسْم قَبيلَة فَلم يكن مَوْجُودا قبل الْإِدْغَام. وَفرقُوا بَين الالتباس والاشتراك بِأَن الالتباس يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 من جَانب الْمُعَلل والاشتراك من الْوَاضِع وَعَلِيهِ مدَار حل كثير من الإشكالات الْوَارِدَة عَلَيْهِم كَمَا يعلم من مطالعة مطولات كتب الصّرْف. (صرفت الْعُمر فِي لعب وَلَهو ... فآها ثمَّ آها ثمَّ آها) الْتِزَام الْكفْر كفر: دون لُزُومه نعم لُزُوم الْكفْر الْمَعْلُوم كفرا أَيْضا لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة الْتِزَام الْكفْر كَمَا بَينا فِي الأقنوم. بَاب الْألف مَعَ الْمِيم الْأَمْرَد: من لَا يكون الشّعْر على ذقنه وَجمعه مرد. والمصاحبة مَعَ المرد كمصاحبة الْقطن المنفوش مَعَ النَّار لَا تسكن وَإِن صب عَلَيْهَا مَاء سَبْعَة بحار. الْأمة المرحومة: فِي الأصر. الْإِمْكَان: عدم اقْتِضَاء الذَّات للوجود والعدم بِأَن تكون الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ قَابِلَة للوجود والعدم فَلَا يَسْتَحِيل الحكم عَلَيْهَا بالإمكان. وَمن هَا هُنَا ظهر الْجَواب عَن (الِاعْتِرَاض الْمَشْهُور) وَهُوَ أَن القَوْل بالإمكان مُمْتَنع لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بالإمكان إِمَّا أَن يكون مَوْجُودا أَو مَعْدُوما فَإِن كَانَ مَوْجُودا فَهُوَ حَال الْوُجُود لَا يقبل الْعَدَم لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع الْوُجُود والعدم وَإِذا لم يقبل الْعَدَم امْتنع إِمْكَان الْوُجُود والعدم وَإِن كَانَ مَعْدُوما فَهُوَ حَال الْعَدَم لَا يقبل الْوُجُود وَإِذا لم يقبل الْوُجُود امْتنع إِمْكَان الْوُجُود والعدم أَيْضا وَإِذا امْتنع خلو الشَّيْء عَن الْوُجُود والعدم كَانَ كل مِنْهُمَا وَاجِبا فَالْقَوْل بالإمكان مُمْتَنع وَحَاصِل الْجَواب أَن الحكم بالإمكان على الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ لَا مَعَ اعْتِبَار الْعَدَم والوجود حَتَّى يلْزم الْمَحْذُور. اعْلَم أَن الْإِمْكَان مقول بالاشتراك اللَّفْظِيّ على أَرْبَعَة معَان كَمَا سَيَجِيءُ فِي اللاضرورة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. ثمَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي أَن الْإِمْكَان وَكَذَا الْجَواب والامتناع تصوراتها ضَرُورِيَّة أم نظرية كَمَا اخْتلفُوا فِي ثبوتيتها أَي وجوديتها واعتباريتها أَي عدميتها فِي الْخَارِج. وَمن ذهب إِلَى أَن تصوراتها ضَرُورِيَّة اسْتدلَّ بِأَن من لَا يقدر على الِاكْتِسَاب أصلا يعرف هَذِه المفهومات أَلا ترى أَن كل عَاقل يعلم وجوب الحيوانية للْإنْسَان وَإِمْكَان الكاتبية لَهُ وَامْتِنَاع الحجرية عَنهُ وَهَا هُنَا اعتراضات. الأول أَن الْكَلَام فِي تصور تِلْكَ الْأُمُور بالكنه وبالدليل الْمَذْكُور يلْزم تصورها بِوَجْه مَا وَالثَّانِي أَنه لَا يلْزم من تصور وجوب الحيوانية للْإنْسَان مثلا تصور الْوُجُوب الْمُطلق لِأَنَّهُ مَوْقُوف على شرطين مشهورين أَحدهمَا أَن يكون الْعَام ذاتيا للخاص وَثَانِيهمَا أَن يكون الْخَاص متعقلا بالكنه وَكِلَاهُمَا مَمْنُوع. وَالثَّالِث أَنا لَا نسلم أَن تصوراتها ضَرُورِيَّة إِذْ لَو كَانَت ضَرُورِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 لما اخْتلفُوا فِي ثبوتيتها واعتباريتها. ويندفع هَذِه الاعتراضات بِمَا قَالَ الْفَاضِل الزَّاهِد رَحمَه الله. بَيَانه أَي بَيَان الِاسْتِدْلَال أَن الْوُجُوب والإمكان والامتناع قد يُطلق على الْمعَانِي المصدرية الانتزاعية وتصوراتها بالكنه ضَرُورِيَّة فَإِن من لَا يقدر على الِاكْتِسَاب يعرف هَذِه الْمعَانِي بالكنه إِذْ كنهها لَيْسَ إِلَّا هَذِه الْمعَانِي المنتزعة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن. أَلا ترى أَن كل عَاقل وَإِن لم يكن قَادِرًا على الْكسْب يتَصَوَّر حَقِيقَتهَا كوجوب حيوانية الْإِنْسَان وَإِمْكَان كاتبيته وَامْتِنَاع حجريته. وتصور الْحصَّة يسْتَلْزم تصور الطبيعة ضَرُورَة أَنَّهَا طبيعة مُقَيّدَة. وَقد يُطلق على الْمعَانِي الَّتِي هِيَ منشأ لانتزاع الْمعَانِي المصدرية. وَالظَّاهِر أَن تصوراتها نظرية وَلذَا اخْتلف فِي ثبوتيتها واعتباريتها انْتهى. وَمن سلك إِلَى أَن تصوراتها نظرية يَقُول الْإِمْكَان لَا وجوب الْوُجُود والعدم أَو لَا امْتنَاع الْوُجُود والعدم أَو عدم اقْتِضَاء الذَّات للوجود والعدم - وَالْوُجُوب امْتنَاع الْعَدَم أَو لَا إِمْكَان الْعَدَم. والامتناع وجوب الْعَدَم أَو لَا إِمْكَان الْوُجُود. وَهَذِه تعريفات على تَقْدِير نظريتها وتنبيهات على تَقْدِير ضروريتها لَكِنَّهَا دورية لِأَن كل وَاحِد من تِلْكَ الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة عرف إِمَّا بِأحد الْأَمريْنِ مِنْهَا أَو بسلبه على سَبِيل منع الْخُلُو. وَأجِيب بِأَن المُرَاد من الْإِمْكَان الْمَذْكُور فِي تَعْرِيف الْوُجُوب والامتناع هُوَ الْإِمْكَان الْعَام. والإمكان الَّذِي عرف بِالْوُجُوب أَو الِامْتِنَاع إِنَّمَا هُوَ الْإِمْكَان الْخَاص فَلَا دور. نعم إِذا وَجه لُزُوم الدّور بِأَنَّهُم عرفُوا الْوُجُوب أَي وجوب الْمَحْمُول الَّذِي هُوَ الْوُجُود أَو غَيره للموضوع بامتناع انفكاكه عَنهُ أَو بعد انفكاكه عَنهُ. وَعرفُوا كلا من امْتنَاع الانفكاك وَعدم إِمْكَان الانفكاك بِوُجُوب عدم الانفكاك عَنهُ فلزوم الدّور ظَاهر وَكَذَا كل من الْإِمْكَان والامتناع. وَقيل إِنَّهَا تعريفات لفظية قصد بهَا التَّصْدِيق بِوَضْع هَذِه الْأَلْفَاظ للمعاني الْمَعْلُومَة فَلَا يضر كَونهَا دورية. ثمَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي أَن الْوُجُوب والإمكان والامتناع الَّتِي يبْحَث عَنْهَا فِي فن الْكَلَام هِيَ الَّتِي هِيَ جِهَات القضايا أم غَيرهَا. وَذهب الطوسي وَغَيره إِلَى أَنَّهَا بِعَينهَا هِيَ الَّتِي هِيَ جِهَات القضايا فِي الْمنطق لَكِن فِي قضايا مَخْصُوصَة محمولاتها وجود الشَّيْء فِي نَفسه فَإِنَّهُ إِذا أطلق الْوَاجِب والممتنع والممكن فِي هَذَا الْفَنّ أُرِيد بهَا الْوَاجِب الْوُجُود والممتنع الْوُجُود والممكن الْوُجُود. وَقَالَ صَاحب المواقف أَنَّهَا غَيرهَا وَإِلَّا لكَانَتْ لَوَازِم الْمَاهِيّة وَاجِبَة الْوُجُود لذواتها انْتهى وبطلانه أظهر من أَن يخفى. وَوجه الْمُلَازمَة أَن الْوُجُوب فِي قَوْلنَا الزَّوْجِيَّة وَاجِبَة للأربعة جِهَة الْقَضِيَّة. إِذْ المُرَاد بِهِ وجوب حمل الزَّوْجِيَّة على الْأَرْبَعَة وَامْتِنَاع انفكاك الْأَرْبَعَة عَن صفة الزَّوْجِيَّة فَلَو كَانَ هَذَا الْوُجُوب بِعَيْنِه هُوَ الْوُجُوب المبحوث فِي الْحِكْمَة أَعنِي وجوب الْوُجُود فِي نَفسه لزم أَن تكون الزَّوْجِيَّة وَاجِبَة الْوُجُود لذاتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَقَالَ الْفَاضِل القوشجي فِي شرح التَّجْرِيد وَالْجَوَاب أَنه إِن أَرَادَ كَون اللوازم وَاجِبَة الْوُجُود فِي أَنْفسهَا فالملازمة مَمْنُوعَة. فَإِن مَعْنَاهُ أَنَّهَا وَاجِبَة الثُّبُوت للماهية نظرا إِلَى ذَاتهَا من غير احْتِيَاج إِلَى أَمر آخر وَهَذَا لَيْسَ بمحال فَإِن الزَّوْجِيَّة وَاجِبَة الثُّبُوت للأربعة إِنَّمَا الْمحَال أَن تكون الزَّوْجِيَّة وَاجِبَة الْوُجُود فِي نَفسهَا لَا أَن تكون وَاجِبَة الثُّبُوت لغَيْرهَا انْتهى. وَالْحَاصِل أَنه لَا يَخْلُو أَن ضمير قَوْله لذواتها إِمَّا عَائِد إِلَى الماهيات أَو إِلَى اللوازم فَإِن كَانَت عَائِدَة إِلَى اللوازم فالملازمة مَمْنُوعَة لِأَن الْوُجُوب المنطقي فِي الْقَضِيَّة الْمَعْهُودَة وجوب الْوُجُود لغيره فَلَا يلْزم كَون لَوَازِم الماهيات وَاجِبَة الْوُجُود فِي أَنْفسهَا بل وَاجِبَة الْوُجُود لغَيْرهَا وَهَذَا صَحِيح. وَإِن كَانَ ضمير قَوْله لذواتها عَائِد إِلَى الماهيات فالملازمة مسلمة لَكِن بطلَان التَّالِي مَمْنُوع لِأَن مَعْنَاهُ أَنَّهَا وَاجِبَة الثُّبُوت للماهيات نظرا إِلَى ذواتها. وَاعْلَم أَن هَذَا الْجَواب على تَقْدِير الْعُمُوم وَالْخُصُوص بَين الْوُجُوب الكلامي وَالْوُجُوب المنطقي مُسلم لِأَن تحقق الْعَام لَا يسْتَلْزم تحقق الْخَاص. وَبَيَانه أَن الْجِهَة وجوب الْوُجُود مُطلقًا وَقد تحقق فِي الْقَضِيَّة الْمَعْهُودَة فِي ضمن وجوب الْوُجُود للْغَيْر لَا فِي ضمن وجوب الْوُجُود فِي نَفسه فَلَا يلْزم كَون لَوَازِم الْمَاهِيّة وَاجِبَة الْوُجُود فِي أَنْفسهَا. وَأما على تَقْدِير العينية فَهَذَا الْجَواب مَدْفُوع لِأَن المبحوث عَنهُ فِي فن الْكَلَام هُوَ وجوب الْوُجُود فِي نَفسه فَلَو كَانَ عين الْجِهَة المنطقية لكَانَتْ أَيْضا وجوب الْوُجُود فِي نَفسه فَيلْزم كَون لَوَازِم الماهيات وَاجِبَة الْوُجُود فِي أَنْفسهَا. ولجلال الْعلمَاء والفاضل المدقق مرزاجان فِي بَيَان حَاصِل جَوَاب الْفَاضِل القوشجي بَيَان لَا نطول الْبَيَان بِبَيَان ذَلِك الْبَيَان. وَاعْلَم أَن المبحوث عَنهُ فِي فن الْكَلَام هُوَ وجوب الْوُجُود وَإِمْكَان الْوُجُود وَامْتِنَاع الْوُجُود فَهِيَ جِهَات ومواد لَكِن لَا مُطلقًا بل فِي القضايا الْمَخْصُوصَة أَي القضايا الَّتِي تكون محمولاتها وجودا محموليا وَهُوَ وجود الشَّيْء فِي نَفسه مثل الله مَوْجُود وَالْإِنْسَان مَوْجُود فَيكون كل مِنْهَا أخص من جِهَات القضايا وموادها فَإِن جِهَة الْقَضِيَّة عِنْد المنطقيين مَا يبين نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع سَوَاء كَانَ الْمَحْمُول وجودا مثل الْإِنْسَان مَوْجُود بالإمكان. أَو مفهوما آخر مثل الْإِنْسَان كَاتب بالإمكان. ثمَّ إِن الْمُتَكَلِّمين ذَهَبُوا إِلَى أَن الْوُجُوب والإمكان أَمْرَانِ اعتباريان أَي عدميان انتزاعيان ليسَا بموجودين فِي الْخَارِج وَلَيْسَ شَيْء هُوَ مطابقه ومصداقه فِي نفس الْأَمر. والحكماء قَائِلُونَ بِأَنَّهُمَا وجوديان أَي موجودان فِي الْخَارِج فَلَيْسَ المُرَاد بالوجودي هَا هُنَا مَا لَيْسَ حرف السَّلب جُزْءا من مَفْهُومه سَوَاء كَانَ مَوْجُودا فِي الْخَارِج أَو لَا. وَلَا اخْتِلَاف فِي الِامْتِنَاع فَإِنَّهُ لم يذهب أحد إِلَى أَنه وجودي كَيفَ فَإِنَّهُ لَو كَانَ مَوْجُودا فِي الْأَعْيَان لَكَانَ موصوفه أَعنِي الْمُمْتَنع كشريك الْبَارِي أولى بالوجود كَمَا لَا يخفى. وكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 من الْفَرِيقَيْنِ اسْتدلَّ على دَعْوَاهُ كَمَا بَين فِي مَحَله. واستدلال الشَّيْخ أَبُو عَليّ سينا على كَون الْإِمْكَان ثبوتيا وجوديا بِأَنَّهُ لَو لم يكن وجوديا لَكَانَ عدميا فَلَا يكون فرق بَين إِمْكَانه لَا وَلَا إِمْكَان لَهُ وَهَذَا خلف. وَتَقْرِير الدَّلِيل على مَا فِي شرح حِكْمَة الْعين أَنه لَو لم يكن وجوديا لم يكن الشَّيْء فِي نَفسه مُمكنا أَي لم يكن الشَّيْء الَّذِي فرضناه مُمكنا مُمكنا لِأَنَّهُ لَا فرق بَين قَوْلنَا لَا إِمْكَان لَهُ أَي لَيْسَ للشَّيْء إِمْكَان وَبَين قَوْلنَا إِمْكَانه لَا أَي إِمْكَانه عدمي لعدم وُقُوع التمايز فِي العدميات وَإِذا كَانَ كَذَلِك يصدق على الشَّيْء الْمُمكن فِي نَفسه لَا إِمْكَان لَهُ أَي لَيْسَ لَهُ إِمْكَان على تَقْدِير صدق إِمْكَانه لَا عَلَيْهِ وَإِذا صدق عَلَيْهِ ذَلِك لم يكن مُمكنا لِأَن مَا لَيْسَ لَهُ الْإِمْكَان لَا يكون مُمكنا ضَرُورَة. هَذَا بَيَان الْمُلَازمَة وَنفي التَّالِي لَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل. وَيُمكن تَقْرِير الدَّلِيل الْمَذْكُور هَكَذَا أَن الْإِمْكَان صفة وجودية لِأَنَّهُ لَو كَانَ إِمْكَانه لَا. يَعْنِي لَو كَانَ إِمْكَان الْمُمكن الْمَعْدُوم صفة عدمية لَكَانَ مستلزما لقولنا لَا إِمْكَان لَهُ أَي لسلب الْإِمْكَان عَن الْمُمكن فَلم يكن الْمُمكن مُمكنا وَهَذَا خلف. لِأَن الْمَفْرُوض أَنه مُمكن وَإِنَّمَا يسْتَلْزم كَون الْإِمْكَان صفة عدمية سلبه عَنهُ لِأَن الْإِمْكَان حِينَئِذٍ صفة عدمية. وَقد تقرر أَن اتصاف الشَّيْء بِالْأَمر العدمي فرع وجود ذَلِك الشَّيْء وَمَوْقُوف عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَفْهُوم معدولة الْمَحْمُول وَهِي تَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع والموضوع هَا هُنَا هُوَ الْمُمكن وَهُوَ مَعْدُوم على مَا فَرضنَا فَيكون الْإِمْكَان مسلوبا عَن مَوْضُوعه الْمَعْدُوم. فَالْمُرَاد بقوله لَا فرق لَا افْتِرَاق وَلَا انفكاك بَين اللَّازِم والملزوم وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ الِاتِّحَاد فِي الْمَفْهُوم حَتَّى يرد الْمَنْع الَّذِي أوردهُ الْفَاضِل الميبذي فِي شرح هِدَايَة الْحِكْمَة بقوله والحل أَن يُقَال إِلَى آخِره. وَفِي تحقق الْإِمْكَان اعْتِرَاض مَشْهُور تحريره أَنه لَا نسلم أَن الْإِمْكَان مُتَحَقق إِذْ لَو تحقق لزم إِمَّا إِمْكَان الْوَاجِب تَعَالَى أَو امْتنَاع وجوده وَكِلَاهُمَا محَال. وكل مَا يسْتَلْزم الْمحَال محَال غير مُتَحَقق فِي الْأَعْيَان. وَبَيَان الْمُلَازمَة أَن الْإِمْكَان إِن كَانَ متحققا فَهُوَ إِمَّا صَادِق على الْوَاجِب أَو لَا. فَإِن كَانَ صَادِقا يلْزم إِمْكَان الْوَاجِب وَهُوَ محَال لِأَن مَا أمكن وجوده أمكن عَدمه وَهُوَ تَعَالَى عَن إِمْكَان الْعَدَم وَإِن لم يكن صَادِقا يلْزم امْتنَاع وجوده لِأَن مَا لَيْسَ بممكن مُمْتَنع وَهُوَ تَعَالَى وَاجِب الْوُجُود. وَالْجَوَاب أَنه إِن أَرَادَ بالإمكان الْإِمْكَان الْعَام فَلَا نسلم أَنه إِن صدق على الْوَاجِب أمكن عَدمه لِأَنَّهُ شَامِل للْوَاجِب تَعَالَى فَإِنَّهُ مُمكن بالإمكان الْعَام الْمُقَيد بِجَانِب الْوُجُود كم أَن شريك الْبَارِي مُمكن بالإمكان الْعَام الْمُقَيد بِجَانِب الْعَدَم. وَإِن أَرَادَ الْإِمْكَان الْخَاص فَلَا نسلم أَنه إِن لم يصدق على الْوَاجِب امْتنع وجوده بل الْوَاجِب ثُبُوت إِحْدَى الضرورتين وَذَلِكَ لَا يسْتَلْزم ضَرُورَة الْعَدَم. ثمَّ اعْلَم أَن لكل من الْوُجُوب والإمكان خَواص ثَلَاثًا فَيعرف كل مِنْهُمَا بِحَسب تِلْكَ الْخَواص فَيُقَال بِحَسب الْخَاصَّة الأولى الْوُجُوب اسْتغْنَاء الذَّات فِي وجوده عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الْغَيْر وَقد يعبر عَن هَذِه الْخَاصَّة بِعَدَمِ احْتِيَاجه فِيهِ إِلَى غَيره أَو بِعَدَمِ توقفه فِيهِ على غَيره. وعَلى الثَّانِيَة هُوَ كَون الذَّات مقتضية لوُجُوده اقْتِضَاء تَاما. وعَلى الثَّالِثَة هُوَ كَون الشَّيْء بِحَيْثُ يمتاز بِذَاتِهِ عَن كل مَا يغايره وَالله تَعَالَى وَاجِب أَي متصف بِهَذَا الْكَوْن فَإِنَّهُ ممتاز عَمَّا سواهُ بِذَاتِهِ لَا بِصفة من صِفَاته بِخِلَاف الْعَالم فَإِن زيدا مثلا إِنَّمَا امتاز عَن عَمْرو بشخصه لَا بِذَاتِهِ وَإِلَّا لَكَانَ مَاهِيَّة مغائرة لماهية عَمْرو وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُمَا متشاركان فِي الْمَاهِيّة الإنسانية وممتازان بالتشخص وَالْإِنْسَان وَالْفرس ممتازان بفصليهما متشاركان فِي الْجِنْس وَكَذَا الْإِمْكَان يعرف بِحَسب خاصته الأولى بِأَنَّهُ احْتِيَاجه فِي وجوده إِلَى غَيره وَبِاعْتِبَار خاصته الثَّانِيَة بِأَنَّهُ عدم اقْتِضَاء ذَاته وجوده أَو عَدمه. وبالنظر إِلَى خاصته الثَّالِثَة أَنه كَون الشَّيْء بِحَيْثُ لَا يمتاز بِذَاتِهِ عَن غَيره أَو مَا بِهِ يمتاز ذَات الْمُمكن عَن الْغَيْر. وَالْأول معنى مصدري. وَالثَّانِي هُوَ منشأ لانتزاعه. وعَلى هَذَا قِيَاس الِامْتِنَاع إِلَّا أَنه لَا كَمَال فِي معرفَة أَحْوَاله فَلِذَا تركنَا بَيَان أَحْوَاله على المقايسة. قَالَ الْفَاضِل القوشجي رَحمَه الله فَإِن قلت فعلى الْمَعْنى الأول للْوُجُوب يكون الْوَاجِب مَا يكون ذَاته مقتضيا لوُجُوده فليزم على مَذْهَب الْحُكَمَاء أَن لَا يكون ذَات الْبَارِي تَعَالَى وَاجِبا لِأَن وجود الْوَاجِب عِنْدهم عين ذَاته وَالشَّيْء لَا يَقْتَضِي نَفسه وَإِلَّا لزم تقدمه على نَفسه. نعم لَا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور على مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين فَإِن وجوده تَعَالَى عِنْدهم زَائِد على ذَاته تَعَالَى. قُلْنَا للْوُجُوب مَعْنيانِ أَحدهمَا كَون الذَّات مقتضية لوُجُوده اقْتِضَاء تَاما وَهُوَ صفة للذات بِالْقِيَاسِ إِلَى الْوُجُود كَمَا مر وَالثَّانِي صفة للوجود وَهُوَ أَن لَا يكون من غَيره وَيكون مستغنيا عَمَّا سواهُ. وَذَات الْبَارِي تَعَالَى وَاجِب بِالْمَعْنَى الثَّانِي عِنْد الْحُكَمَاء. فَإِن قيل قسْمَة الذَّات إِلَى الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الْوَاجِب والممكن والممتنع قسْمَة حَقِيقِيَّة لَا مخرج مِنْهَا لِأَن الذَّات إِمَّا أَن يَقْتَضِي الْوُجُود أَو الْعَدَم أَو لَا هَذَا وَلَا ذَاك وَذَات الْبَارِي تَعَالَى لَو لم يكن من الْقسم الأول على مَا ذكرت لوَجَبَ أَن يكون من الْقسمَيْنِ الآخرين لِامْتِنَاع الْخُلُو تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا. قُلْنَا هَذَا قسْمَة للذات بِالْقِيَاسِ إِلَى الْوُجُود والعدم لَا يتَصَوَّر إِلَّا قيمًا لَهُ ذَات مغائرة لوُجُوده. وَذَات الْبَارِي تَعَالَى عين وجوده فَهُوَ خَارج عَن الْمقسم. فَإِن قيل الْحُكَمَاء قد قسموا الْوُجُود إِلَى مَا يَقْتَضِي ذَاته وجوده وَهُوَ الْوَاجِب وَإِلَى مَا لَا يَقْتَضِي ذَاته وجوده وَهُوَ الْمُمكن فَإِذا لم يكن ذَات الْبَارِي تَعَالَى من الْقسم الأول فَأَي شَيْء يكون من هَذَا الْقسم. قُلْنَا هَذَا الْقسم للموجود بِحَسب الِاحْتِمَال الْعقلِيّ. وَقد صرح الشَّيْخ بذلك فِي الهيات الشِّفَاء حَيْثُ قَالَ إِن الْأُمُور الَّتِي تدخل فِي الْوُجُود تحْتَمل فِي الْعقل الانقسام إِلَى قسمَيْنِ فَيكون مِنْهَا مَا إِذا اعْتبر بِذَاتِهِ وجوب وجوده الخ هَذَا كَلَامه. وعَلى مَذْهَب الْحُكَمَاء لَا يكون هَذَا الْقسم أَعنِي مَا يكون ذَاته مقتضيا لوُجُوده مَوْجُودا وَإِن كَانَ مُحْتملا عِنْد الْعقل فِي بادئ الرَّأْي لَكِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 التَّحْقِيق يَقْتَضِي امْتِنَاعه. وَمَا يُقَال أَي فِي الْجَواب عَن أصل الْإِشْكَال أَن الْوُجُود الَّذِي هُوَ عين ذَات الْبَارِي هُوَ الْوُجُود الْخَاص والوجود الْمُطلق عَارض لَهُ وَهُوَ غَيره فَيكون الْوُجُود الْخَاص الَّذِي هُوَ عينه مقتضيا للوجود الْمُطلق وَهُوَ المُرَاد من قَوْلهم إِن وجوده تَعَالَى تَقْتَضِيه ذَاته فَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن معنى اقْتِضَاء الذَّات الْوُجُود أَن تَقْتَضِي الذَّات كَونه مَوْجُودا لَا أَن تَقْتَضِي كَونه فَردا من أَفْرَاد الْوُجُود فَإِن الْوَاجِب مَا تَقْتَضِي ذَاته كَونه مَوْجُودا كَمَا أَن الْمُمْتَنع مَا تَقْتَضِي ذَاته كَونه مَعْدُوما. والممكن مَا لَا تَقْتَضِي ذَاته كَونه مَعْدُوما وَلَا كَونه مَوْجُودا فاقتضاء الْوُجُود الْخَاص للوجود الْمُطلق بِأَن يكون فَردا من أَفْرَاده لَا يكون وجوبا إِذا لَو كَانَ الْوَاجِب مَا تَقْتَضِي ذَاته أَن يكون وجود الكان الْمُمْتَنع مَا تَقْتَضِي أَن يكون مَوْجُودا لَا وجود أَو مَا تَقْتَضِي ذَاته أَن يكون مَعْدُوما لَا عدما كاجتماع النقيضين وَشريك الْبَارِي مثلا فِي قسم الْمُمكن إِذْ لَا مجَال لقسم آخر انْتهى. الْإِمْكَان الْعَام: يُفَسر تَارَة بسلب الضَّرُورَة الذاتية عَن الْجَانِب الْمُخَالف للْحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. وَتارَة بسلب الِامْتِنَاع الذاتي عَن الْجَانِب الْمُوَافق لَهُ. فإمكان الْإِيجَاب مَعْنَاهُ على التَّفْسِير الأول عدم ضَرُورَة السَّلب وعَلى التَّفْسِير الثَّانِي عدم امْتنَاع الْإِيجَاب. وَإِمْكَان السَّلب مَعْنَاهُ عدم ضَرُورَة الْإِيجَاب على التَّفْسِير الأول وَعدم امْتنَاع السَّلب على التَّفْسِير الثَّانِي. فَمَعْنَى كل إِنْسَان كَاتب بالإمكان الْعَام أَن عدم الْكِتَابَة لَيْسَ بضرورية أَو الْكِتَابَة لَيْسَ بممتنع لذات الْإِنْسَان. وَقس عَلَيْهِ لَا شَيْء من الْإِنْسَان بكاتب بالإمكان الْعَام. وَلَا يخفى: عَلَيْك أَن التفسيرين متساويان تحققا فَإِن ضَرُورَة أحد الطَّرفَيْنِ تَسْتَلْزِم امْتنَاع الطّرف الآخر فعدمها عَدمه. الْإِمْكَان الْخَاص: سلب الضَّرُورَة عَن الطَّرفَيْنِ مثل كل إِنْسَان مَوْجُود بالإمكان الْخَاص يَعْنِي أَن وجوده لَيْسَ بضروري وَكَذَا عَدمه وَالله تَعَالَى لَيْسَ مُمكنا بالإمكان الْخَاص لكنه مُمكن بالإمكان الْعَام الْمُقَيد بِجَانِب الْوُجُود أَي الْإِيجَاب. وَشريك الْبَارِي أَيْضا مُمكن لَكِن بالإمكان الْعَام الْمُقَيد بِجَانِب الْعَدَم أَي السَّلب. وَاعْلَم أَن لفظ الْإِمْكَان مُشْتَرك بالاشتراك اللَّفْظِيّ بَين الْإِمْكَان الْعَام والإمكان الْخَاص. ثمَّ الْإِمْكَان الْعَام قد يُرَاد بِهِ سلب الضَّرُورَة عَن أحد الطَّرفَيْنِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى عَام. وَقد يُرَاد بِهِ سلب الضَّرُورَة عَن الْجَانِب الْمُقَيد بالوجود. وَقد يُرَاد بِهِ سلبها عَن الْجَانِب الْمُقَيد بِالْعدمِ فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي كثير من المطالب. الْأَمَانَة: حفظ شَيْء وَعدم التَّصَرُّف فِيهِ سَوَاء كَانَ مَالا أَو غَيره وَسَوَاء كَانَ ذَلِك الشَّيْء مَمْلُوكا لَهُ أَو لغيره وَلِهَذَا صَارَت أَعم من الْوَدِيعَة. وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام بدر الدّين رَحمَه الله الْفرق بَين الْوَدِيعَة وَالْأَمَانَة بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص فالوديعة خَاصَّة وَالْأَمَانَة عَامَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَحمل الْعَام على الْخَاص صَحِيح دون عَكسه. فالوديعة هِيَ الاستحفاظ قصدا وَالْأَمَانَة هِيَ الشَّيْء الَّذِي وَقع فِي يَده من غير قصد بِأَن هبت الرّيح فِي ثوب إِنْسَان فألقته فِي حجر غَيره. الْإِمْلَاء: (بركردن) . من مَلأ الْإِنَاء مَاء وَيُقَال أمليت الْكتاب وأمللته إِذا أَلقيته على الْكَاتِب ليكتب. والإملاء عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث أَن يلقِي الْمُحدث حَدِيثا على أَصْحَابه فيتكلم فِيهِ مبلغ علمه من الْغَرِيب وَالْفِقْه وَمَا يتَعَلَّق بِالْإِسْنَادِ وَمَا يُعلمهُ من النَّوَادِر والنكت. والإملاء أَعم من أَن يكون من حفظ أَو كتاب وَلِهَذَا يُقيد وَيُقَال إملاء من كِتَابه. الْأُمُور الْعَامَّة: هِيَ مَا لَا تخْتَص بقسم من أَقسَام الْمَوْجُود الَّتِي هِيَ الْوَاجِب والجوهر وَالْعرض فإمَّا أَن يشْتَمل الْأَقْسَام الثَّلَاثَة كالوجود والوحدة حَقِيقَة كَانَت أَو اعتبارية فَإِن كل مَوْجُود وَإِن كَانَ كثيرا لَهُ وحدة مَا بِاعْتِبَار وكالماهية والتشخص عِنْد الْقَائِل بِأَن الْوَاجِب تَعَالَى لَهُ مَاهِيَّة مغائرة لوُجُوده وتشخص مغائر لماهيته أَو يشْتَمل الِاثْنَيْنِ مِنْهَا كالإمكان الْخَاص والحدوث وَالْوُجُوب بِالْغَيْر وَالْكَثْرَة والمعلولية فَإِنَّهَا مُشْتَركَة بَين الْجَوْهَر وَالْعرض فعلى هَذَا لَا يكون الْعَدَم والامتناع وَالْوُجُوب الذاتي والقدم من الْأُمُور الْعَامَّة وَيكون الْبَحْث عَنْهَا على سَبِيل التّبعِيَّة. وَاعْلَم أَن للأمور الْعَامَّة فِي الْكتب الْحكمِيَّة مَعَاني مُتعَدِّدَة أَحدهَا هُوَ هَذَا وَالثَّانِي مَا ذكر فِي الرسَالَة الأبهرية وَهُوَ مَا يَشْمَل الفلكي والعنصري. وَالثَّالِث مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي أم الْحَوَاشِي على الشَّرْح الْقَدِيم للتجريد. وَالْأولَى أَن يُقَال الْأُمُور الْعَامَّة هِيَ الشاملة لجَمِيع الموجودات إِمَّا على سَبِيل الْإِطْلَاق أَو على سَبِيل التقابل. وَالْمرَاد بالتقابل هَا هُنَا لَيْسَ معنى الْإِيجَاب وَالسَّلب وَإِلَّا لَكَانَ شَامِلًا لجَمِيع المفهومات مَوْجُودَة أَو لَا إِذْ يصدق على كل شَيْء أَنه هُوَ هَذَا أَو لَيْسَ بِذَاكَ بل التقابل فِي الثُّبُوت. وَالرَّابِع مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي شرح المواقف بقوله وَقد يُقَال إِن الْأُمُور الْعَامَّة مَا يتَنَاوَل المفهومات بأسرها أَي الْوَاجِب والممتنع والممكن سَوَاء كَانَ مَوْجُودا أَو مَعْدُوما، ثمَّ التَّنَاوُل إِمَّا على الْإِطْلَاق كالإمكان الْعَام أَو على سَبِيل التقابل بِأَن يكون هُوَ مَعَ مَا يُقَابله متناولا لَهَا جَمِيعًا وَيتَعَلَّق بِكُل من هذَيْن المتقابلين غَرَض علمي وَإِنَّمَا قيد قدس سره بذلك ليخرج كل مَفْهُوم مَعَ مَا يُقَابله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 كالإنسان واللاإنسان لشُمُوله جَمِيع المفهومات إِلَّا أَنه مِمَّا لَا يتَعَلَّق مِنْهُمَا غَرَض كلي علمي أَي غَرَض علم الْكَلَام كالإنسان واللاإنسان، أَو يتَعَلَّق بِأَحَدِهِمَا دون الآخر كالوجوب واللاوجوب وَمعنى تعلق الْغَرَض العلمي بِهِ أَن يتَعَلَّق بِهِ إِثْبَات العقائد الدِّينِيَّة تعلقا قَرِيبا أَو بَعيدا. وَإِنَّمَا صرح قدس سره بِاعْتِبَار هَذَا الْقَيْد فِي هَذَا الْقسم مَعَ أَن اعْتِبَاره فِي جَمِيع المباحث مَعْلُوم مِمَّا سبق فِي تَعْرِيف مَوْضُوع الْكَلَام. وَلذَا لم يُصَرح صَاحب المواقف بذلك الْقَيْد فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُور فِيهِ دفعا لتوهم إِن تعلق الْغَرَض العلمي بِأحد المتقابلين كَاف فِي عدهما من الْأُمُور الْعَامَّة. وَاعْلَم أَن الْبَحْث عَن الْإِمْكَان الْعَام عبارَة عَن حمل عوارضه اللاحقة لَهُ بِاعْتِبَار تحَققه فِي إِفْرَاده من الْإِمْكَان الْخَاص وَالْوُجُوب والامتناع فَيكون الْبَحْث عَنْهَا بحثا عَنهُ. فَانْدفع أَنه لَا يبْحَث فِي الْأُمُور الْعَامَّة عَن الْإِمْكَان الْعَام والتعريف الأول للأمور الْعَامَّة هُوَ مَا ذكر فِي المواقف. وَأورد عَلَيْهِ أَنه إِن أُرِيد الِاشْتِرَاك بَين جَمِيع الْآحَاد من أَفْرَاد الثَّلَاثَة أَو الِاثْنَيْنِ يلْزم خُرُوج الْكَثْرَة وَالْعلَّة الصورية والمادية وَإِن أُرِيد الِاشْتِرَاك بَينهَا فِي الْجُمْلَة يدْخل الْكمّ الْمُطلق والمتصل والكيف والحياة وَالْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر بل الْكَلَام أَيْضا عِنْد الأشاعرة. وَأجِيب عَنهُ بِأَن المُرَاد الثَّانِي وَكَون الْأُمُور الْمَذْكُورَة من الْأُمُور الْعَامَّة لَا يُوجب الْبَحْث عَنْهَا فِي فنها لجَوَاز أَن لَا يتَعَلَّق غَرَض علمي بالبحث عَنْهَا بِوَجْه شمولها للثَّلَاثَة أَو الِاثْنَيْنِ كالمعلومية والمفهومية والمخبر عَنهُ وَلَا شكّ فِي شمولها للأقسام الثَّلَاثَة مَعَ أَنَّهَا لَا يبْحَث عَنْهَا أصلا. وَأما الْجَواب بِاخْتِيَار الشق الأول وَمنع عدم وجود الْكَثْرَة فِي الْجَوْهَر الْمُجَرّد الْوَاحِد بِاعْتِبَار أَن الْكَثْرَة بِحَسب الْمَحْمُول تتَحَقَّق فِيهِ فَتكون الْكَثْرَة الْمُطلقَة متحققة فِيهِ أَيْضا وَمنع كَون الْعلَّة الصورية والمادية من الْأُمُور الْعَامَّة لم لَا يجوز أَن يُورد فِي هَذَا الْقسم من حَيْثُ إِنَّهَا من أَنْوَاع الْعلَّة الْمُطلقَة ففساده ظَاهر لِأَن الْكَثْرَة بِحَسب الْمَحْمُول رَاجِعَة إِلَى كَثْرَة الْمَحْمُول بِحَسب الْعدَد وَلَيْسَ ذَلِك كَثْرَة فِي الْجَوْهَر الْمُجَرّد الْوَاحِد بِالْحَقِيقَةِ بل فِيهِ إِنَّمَا هِيَ فِي الْمَحْمُول وتنسب إِلَيْهِ بِالْعرضِ وَهُوَ ظَاهر. وَالْمُعْتَبر فِي الْأُمُور الْعَامَّة الِاشْتِرَاك بِالْحَقِيقَةِ لَا بِالْعرضِ يدل عَلَيْهِ عد الشَّارِح رَحمَه الله الْكَثْرَة مِمَّا يَشْمَل الِاثْنَيْنِ فَلَو كَانَ هَذَا الْقدر من الِاشْتِرَاك أَيْضا مُعْتَبرا لَكَانَ عَلَيْهِ أَن يعده مِمَّا يَشْمَل الثَّلَاثَة وَكَون الْعلَّة الصورية والمادية من الْأُمُور الْعَامَّة ظَاهر لَا خَفَاء فِيهِ كَيفَ وَلَو لم يكن مِنْهَا كَيفَ جعلت مَوْضُوع بعض الْمسَائِل. وَأما احْتِمَال إيرادها من حَيْثُ النوعية فيستلزم جَوَاز إِيرَاد المعالجات الْجُزْئِيَّة فِي الْقسم الْكُلِّي من الطِّبّ فَيلْزم الِاخْتِلَاط ويفوت غَرَض التَّبْوِيب. وَأورد على الْجَواب الأول بِأَن فِي عدم تعلق الْغَرَض العلمي بالبحث عَن الصِّفَات السَّبع على وَجه الْعُمُوم نظرا وَالْجَوَاب أَن الْبَحْث على وَجه الْعُمُوم لَهُ مَعْنيانِ أَحدهمَا الْبَحْث على وَجه الشُّمُول لأقسام الْمَوْجُود أَي لَا يُلَاحظ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الْبَحْث الشُّمُول وَالتَّحْقِيق فِيهَا. وَثَانِيهمَا الْبَحْث على وَجه عدم التَّخْصِيص بقسم من الْأَقْسَام أَي لَا يُلَاحظ فِي الْبَحْث التحقق فِي قسم مِنْهَا بل لَا يكون الملحوظ فِي الْبَحْث إِلَّا نفس المبحوث وَالْمرَاد الأول وَلَا خَفَاء فِي عدم تعلق الْغَرَض العلمي بِالصِّفَاتِ السَّبع بِهَذَا الْمَعْنى وَإِن تعلق الْغَرَض العلمي بهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَيُمكن الْجَواب عَن أصل الِاعْتِرَاض بِوَجْهَيْنِ آخَرين أَيْضا الأول أَن الْمُتَبَادر مِنْهُ أَن الْأُمُور الْعَامَّة أَحْوَال الْوَاجِب والجوهر وَالْعرض ومحمولات عَلَيْهَا والأمور الْمَذْكُورَة من الْكمّ الْمُطلق والمتصل وَغَيرهمَا مَوْضُوعَات لَهَا لِأَنَّهَا من أَفْرَاد الْعرض وَالثَّانِي أَنه لَا يبعد أَن يُرَاد بِمَا لَا يخْتَص الْأَمر الاعتباري بِقَرِينَة أَن مَا يبْحَث فِي هَذَا الْقسم لَيْسَ إِلَّا أَحْوَال الْأُمُور الاعتبارية فَقَط وَمَا يلْزم دُخُوله لَيْسَ مِنْهُ. لَكِن يرد على الْوَجْه الأول من هَذَا الْجَواب أَن الْكَثْرَة نفس الْكمّ الْمُنْفَصِل وَكَذَا الْوُجُود من أَفْرَاد الْعرض يدل على الأول مَا وَقع فِي كَلَام أجلة الْمُتَأَخِّرين فِي مَوَاضِع. وعَلى الثَّانِي مَا وَقع فِي تعليقات الشَّيْخ من إِطْلَاق الْعرض على الْوُجُود. وَيُمكن أَن يُقَال إِن التَّحْقِيق أَن الْكَثْرَة وحدات مَحْضَة والكم الْمُنْفَصِل وحدات من حَيْثُ إِنَّهَا معروضة للهيئة الاجتماعية كَمَا حقق فِي مَوْضِعه وَمَا وَقع فِي الْمَوَاضِع إِنَّمَا وَقع تبعا للشهرة أَو على سَبِيل الْمُسَامحَة. وَإِطْلَاق الْعرض على الْوُجُود إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى الْعَارِض لَا بِالْمَعْنَى الْمَشْهُور أَي الْمَوْجُود فِي الْمَوْضُوع فَافْهَم. وَيفهم من شرح التَّجْرِيد للفاضل القوشجي رَحمَه الله أَن الْأُمُور الْعَامَّة بالاستقراء الْوُجُود والعدم وَمَا يتَعَلَّق بهما والماهية ولواحقها والعلية والمعلولية. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل مَا يفهم من المواقف أَنَّهَا الْوُجُود والعدم والماهية وَالْوُجُوب والإمكان والامتناع والوحدة وَالْكَثْرَة والعلية والمعلولية. الْأَمر الْخَارِجِي: مَا يكون الْخَارِج ظرفا لذاته لَا لوُجُوده كَمَا سَيذكرُ مفصلا فِي الْمَوْجُود الْخَارِجِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. إِمَام الْحَرَمَيْنِ: أستاذ الإِمَام مُحَمَّد الْغَزالِيّ ولقبه ضِيَاء الدّين وكنيته أَبُو الْمَعَالِي واسْمه عبد الْملك. الْإِمَارَة: بِالْفَتْح وَتَشْديد الْمِيم فِي (الباعثة) إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَبِدُون التَّشْدِيد لُغَة الْعَلامَة وَاصْطِلَاحا هِيَ الَّتِي يلْزم من الْعلم بهَا الظَّن بِوُجُود الْمَدْلُول كالغيم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَطَر. فَإِنَّهُ يلْزم من الْعلم بِهِ الظَّن بِوُجُود الْمَدْلُول وَهُوَ الْمَطَر. وَقد يُطلق على الدَّلِيل الْقطعِي أَيْضا. أما: بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم حرف الشَّرْط. وَقد تقدر إِمَّا توهما أَو مطابقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 للْوَاقِع كَمَا سَيَجِيءُ فِي (توهم أما) إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَبِدُون التَّشْدِيد حرف التَّنْبِيه وبكسرها حرف الترديد والمتبادر مِنْهَا فِي تقاسيم الْأَشْيَاء هُوَ الِانْفِصَال الْحَقِيقِيّ أَو الْمَانِع من الْخُلُو إِذْ بِأَحَدِهِمَا تصير الْأَقْسَام مضبوطة دون الْمَانِع من الْجمع إِذْ لَا يعلم بِهِ عدد الْأَقْسَام الْمَقْصُود من التَّقْسِيم قطعا فَإنَّك إِذا قلت هَذَا الشَّيْء إِمَّا حجر وَإِمَّا شجر لَا يعلم مِنْهُ انحصاره فيهمَا لجَوَاز أَن يكون لَا شَجرا وَلَا حجرا بل مدرا أَو غير ذَلِك. وَهَا هُنَا بحث وَهُوَ أَن قَوْلهم الْعلم إِمَّا تصور أَو تَصْدِيق مثلا إِمَّا أَن يكون مُنْفَصِلَة حَقِيقِيَّة أَو مَانِعَة الْجمع أَو مَانِعَة الْخُلُو وَالْأولَى تصدق عَن صَادِق وكاذب كَقَوْلِنَا هَذَا الْعدَد إِمَّا أَن يكون زوجا أَو لَا زوجا وَالثَّانيَِة تصدق عَن كاذبين كَقَوْلِنَا زيد إِمَّا أَن يكون شجر أَو حجرا. أَو عَن صَادِق وكاذب كَقَوْلِنَا زيدا إِمَّا أَن يكون إنْسَانا أَو حجرا وَالثَّالِثَة تصدق عَن صَادِقين كَقَوْلِنَا زيد إِمَّا أَن يكون لَا حجرا أَو لَا إنْسَانا. وَلَا صدق فِي الموجبات فِي غير مَا ذكرنَا فعلى الْأَوَّلين لَا يفهم أَن للْعلم قسمَيْنِ وعَلى الثَّالِثَة لَا يحصل الْجَزْم بِهِ مَعَ أَنه مَقْصُود وَكَذَا الْكَلَام فِي قَوْلهم وكل مِنْهُمَا بديهي أَو نَظَرِي. وَأجِيب عَنهُ بِأَن هَذِه الْقَضِيَّة لَيست بمنفصلة وَإِنَّمَا هِيَ حملية شَبيهَة بالمنفصلة. قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على القطبي والمنافاة قد تعْتَبر فِي القضايا وَهِي المنفصلات وَقد تعْتَبر فِي الْمُفْردَات بِحَسب صدقهَا على ذَات وَهِي الحمليات الشبيهة بالمنفصلات فَلَا يلْزم مَا ذكره. الإمالة: مصدر قَوْلك أملت الشَّيْء إمالة إِذا عدلت بِهِ إِلَى غير الْجِهَة الَّتِي هُوَ فِيهَا من مَال الشَّيْء يمِيل ميلًا إِذا انحرف عَن الْقَصْد وَهِي فِي اصْطِلَاح التصريف أَن ينحى بالفتحة نَحْو الكسرة أَي عدُول بالفتحة عَن استوائها إِلَى الكسرة وَذَلِكَ بِأَن تشرب الفتحة شَيْئا من صَوت الْكسر فَتَصِير الفتحة بَينهَا وَبَين الكسرة. الْأُمُور الاعتبارية: فِي الْمَاهِيّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْأُمُور الاتفاقية: اعْلَم أَن الْحُكَمَاء ذكرُوا إِن تأدى السَّبَب إِلَى الْمُسَبّب إِمَّا أَن يكون دَائِما أَو أكثريا أَو مُسَاوِيا أَو أقليا فالسبب الَّذِي يتَأَدَّى إِلَى الْمُسَبّب على أحد الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين يُسمى سَببا ذاتيا وَذَلِكَ الْمُسَبّب يُسمى غَايَة ذاتية وَالسَّبَب الَّذِي يتَأَدَّى إِلَى الْمُسَبّب على أحد الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ يُسمى سَببا اتفاقيا وَذَلِكَ الْمُسَبّب يُسمى غَايَة اتفاقية. فَيعلم من هَا هُنَا أَن الْأُمُور الاتفاقية هِيَ الَّتِي لَا دائمة وَلَا أكثرية وَالْمرَاد بالمساوي هَا هُنَا مَا بَين الأقلي والأكثري فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك جدا. أُمَّهَات المطالب: ثَلَاثَة: الْأُمَّهَات جمع الْأُم الَّتِي هِيَ الأَصْل وَالْولد رَاجع إِلَيْهِ. والمطالب جمع مطلب ظرف. أَو مصدر ميمي إِمَّا بِمَعْنى اسْم الْمَفْعُول فَمَعْنَى مطلب - مَا - وَهل وَلم 0 الْمَطْلُوب بهَا. وَلِهَذَا يُطلق على الْمَطْلُوب تصوريا كَانَ أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 تصديقيا. أَو بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل وَلِهَذَا يُطلق مجَازًا عقليا على الْكَلِمَة الَّتِي يطْلب بهَا التَّصَوُّر أَو التَّصْدِيق كَمَا يفهم من الشريفية فِي المناظرة. وَإِنَّمَا قُلْنَا مجَازًا عقليا لِأَن الْمجَاز الْعقلِيّ كَمَا يجْرِي فِي الْإِسْنَاد التَّام كَذَلِك يجْرِي فِي غَيره على مَا هُوَ التَّحْقِيق. قَوْله يجْرِي فِي غَيره أَي غير الْإِسْنَاد التَّام كَمَا فِي النّسَب الْغَيْر الإسنادية. وَيفهم من بعض شُرُوح سلم الْعُلُوم إِن الْكَلِمَة الَّتِي يطْلب بواسطتها التَّصَوُّر أَو التَّصْدِيق يُسمى مطلبا بِالْكَسْرِ وَإِضَافَة الْمطلب إِلَى مَا - وَهل - وَغَيرهمَا بَيَانِيَّة إِذا كَانَ بِمَعْنى الطَّالِب أَو اسْم الْآلَة. وَعَلَيْك أَن تعلم أَن كسر الْمِيم غلط خلاف الرِّوَايَة عَن الْجُمْهُور كَمَا نَص عَلَيْهِ الْفَاضِل الكجراتي نور الدّين الأحمد آبادي فِي شرح التَّهْذِيب. وَتَحْقِيق الْمقَام أَن المطالب كَثِيرَة وَالْأُصُول مِنْهَا ثَلَاثَة والبواقي ترجع إِلَيْهَا. وَقَالَ بَعضهم أَرْبَعَة والبواقي رَاجِعَة إِلَيْهَا. وَالشَّيْخ الرئيس ذكر أَن المطالب كَثِيرَة مِنْهَا مطلب - أَيْن - وَكَيف - وأنى - وأيان - إِلَى غير ذَلِك. وَمَعَ قطع النّظر عَن الشَّيْخ أَقُول إِن كل وَاحِد من المقولات التسع يَقع مطلبا نعم إِن بَعْضهَا كالفعل والانفعال لَيْسَ اللَّفْظ الْمَخْصُوص مَوْضُوعا لَهما وأدوات الطّلب - مَا - وَمن - وَهل - وَلم - وَأَيْنَ - وَمَتى - وَأي - وإيان - وَكَيف. وَأُمَّهَات المطالب مطلب مَا - ومطلب هَل - ومطلب لم - وَمن قَالَ إِنَّهَا أَرْبَعَة قَالَ هَذِه الثَّلَاثَة وَالرَّابِع مطلب أَي. وتفصيل هَذَا الْمقَام وتنقيح هَذَا المرام يَقْتَضِي شرحا وبسطا فِي الْكَلَام. فَاعْلَم أَن كلمة مَا على ضَرْبَيْنِ شارحة وحقيقية. أما الشارحة فَهِيَ الَّتِي يطْلب بهَا تصور مَفْهُوم الِاسْم وَهُوَ تصور الشَّيْء بِحَسب مَفْهُومه مَعَ عدم الْعلم بِوُجُودِهِ فِي الْخَارِج كَمَا قيل. أَو لوُجُوده النَّفس الأمري كَمَا هُوَ الْحق فَهَذَا التَّصَوُّر مطلب مَا وَهُوَ أَي التَّصَوُّر الْمَطْلُوب بِكَلِمَة مَا إِمَّا تصور يحصل ابْتِدَاء أَو الْتِفَات يحصل ثَانِيًا وَالْأول مفَاد التَّعْرِيف الاسمي وَالثَّانِي مفَاد التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ. وَالْفرق بَينه وَبَين الْبَحْث اللّغَوِيّ فِي التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَإِنَّمَا سميت شارحة لطلبها شرح مَفْهُوم الِاسْم. وَأما الْحَقِيقِيَّة فَهِيَ الَّتِي يطْلب بهَا تصور الْمَاهِيّة الَّتِي علم وجودهَا النَّفس الأمري وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ قد يتحد التَّعْرِيف بِحَسب الِاسْم وبحسب الْحَقِيقَة إِلَّا أَنه قبل الْعلم بِوُجُود الْمُعَرّف يكون بِحَسب الِاسْم وَبعد الْعلم بِوُجُودِهِ بِحَسب الْحَقِيقَة فالحيوان النَّاطِق قبل الْعلم بِوُجُود الْإِنْسَان تَعْرِيف بِحَسب الِاسْم وَبعد الْعلم بِوُجُودِهِ بِحَسب الْحَقِيقَة. فمطلب مَا الْحَقِيقِيَّة هُوَ تصور الشَّيْء الَّذِي علم وجوده. فالمعدومات كلهَا والموجودات الَّتِي لم يعلم وجودهَا تصلح أَن تكون مطلب مَا الشارحة دون الْحَقِيقِيَّة. وَإِنَّمَا سميت حَقِيقِيَّة لطلبها الْأَمر الْمَوْجُود وَهُوَ الْحَقِيقَة. وَالشَّيْء بِاعْتِبَار وجوده وثبوته يُسمى حَقِيقَة. وَبِاعْتِبَار أَنه وَقع فِي جَوَاب سُؤال مَا هُوَ وجد أَو لم يُوجد مَاهِيَّة. وَقد يطلقان بِمَعْنى وَاحِدًا أَعنِي مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وَاعْلَم أَن الزَّاهِد قَالَ فِي حَوَاشِيه على الرسَالَة المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق أَن التَّصَوُّر الْحَقِيقِيّ هُوَ تصور الشَّيْء الَّذِي كَانَ وجوده النَّفس الأمري مُصدقا بِهِ والطالب لَهُ مَا الْحَقِيقِيَّة فَيجب أَن يكون ذَلِك التَّصَوُّر مُتَأَخِّرًا عَن التَّصْدِيق بِوُجُود المتصور وَلِهَذَا قَالُوا مطلب مَا البسيطة مُقَدّمَة على طلب مَا الْحَقِيقِيَّة. وَقد سبق إِلَى بعض الأذهان أَن المُرَاد بالوجود هَا هُنَا الْوُجُود الْخَارِجِي. وَالْحق على مَا صرح بِهِ بعض الآجلة من الْمُتَأَخِّرين أَنه الْوُجُود بِحَسب نفس الْأَمر مُطلقًا كَيفَ وَالْحُدُود والرسوم الْحَقِيقِيَّة لَيست مُخْتَصَّة بالموجود أَي الخارجية إِذا النّظر الْحكمِي لَيْسَ مَقْصُودا فِيهَا انْتهى. ومطلب مَا الْحَقِيقِيَّة يَنْقَسِم إِلَى حُدُود حَقِيقِيَّة ورسوم حَقِيقِيَّة لِأَنَّهُ إِن كَانَ تصور الشَّيْء الَّذِي علم وجوده بالذاتيات فحد حَقِيقِيّ وَإِلَّا فرسم حَقِيقِيّ فَإِن قيل كَيفَ يَصح وُقُوع الرسوم فِي جَوَاب مَا الْحَقِيقِيَّة وَالْمَشْهُور أَنهم أَجمعُوا على انحصار جَوَاب مَا فِي الْحَد وَالْجِنْس وَالنَّوْع قُلْنَا لأرباب الْمَعْقُول فِي جَوَاب كلمة مَا اصطلاحان بِحَسب بَابَيْنِ وَرُبمَا يخْتَلف الِاصْطِلَاح بِحَسب الْبَابَيْنِ. أَلا ترى أَن لفظ الذاتي فِي بَاب ايساغوجي بِمَعْنى مَا لَيْسَ بِخَارِج سَوَاء كَانَ جُزْء الْمَاهِيّة كالجنس والفصل أَو تَمام الْمَاهِيّة كالنوع. وَفِي بَاب مَوْضُوع الْعلم بِمَعْنى مَا يلْحق الشَّيْء لذاته أَو لأمر يُسَاوِيه كَذَلِك كلمة مَا فِي بَاب ايساغوجي منحصرة فِي طلب الْجِنْس والفصل وَالنَّوْع. وَفِي بَاب مُطلق الْحَقِيقِيَّة الْمَوْجُودَة لطلب تصور الشَّيْء الَّذِي علم وجوده سَوَاء كَانَ ذَلِك التَّصَوُّر بالذاتيات كلهَا أَو بَعْضهَا أَو بالعرضيات أَو بالمركب مِنْهُمَا. وَقيل إِن وَضعهَا وَإِن كَانَ لطلب الذاتيات لَكِن الرَّسْم يَقع فِي جوابها اضطرارا أَو توسعا أَي تسامحا ومجازا أما الثَّانِي فَظَاهر غير مُحْتَاج إِلَى الشَّرْط. وَأما الأول فحين اضطرار الْمُجيب وعجزه عَن الْجَواب إِمَّا لعدم الْعلم بالذاتيات أَو لِأَنَّهُ لَا يكون ثمَّة ذاتيات كالواجب تَعَالَى وَلِهَذَا أجَاب مُوسَى [عَلَيْهِ السَّلَام] بالرسم حِين سَأَلَ فِرْعَوْن بِمَا هُوَ وَإِلَى هَذَا الْجَواب أُشير فِي شرح الإشارات وَاخْتَارَهُ جلال الْعلمَاء فِي الْحَاشِيَة الْقَدِيمَة. وَحَاصِل الْجَواب أَن مَا الشارحة والحقيقية يَقع فِي جوابها الرَّسْم والتعريف اللَّفْظِيّ على سَبِيل التسامح أَو الِاضْطِرَار. وَإِمَّا بِحَسب الْوَضع والاصطلاح فَلَا يَقع فِي جوابهما إِلَّا الْحَد التَّام بِحَسب الِاسْم أَو بِحَسب الْحَقِيقَة وَاعْترض عَلَيْهِ ملا مرزاجان رَحمَه الله وَحَاصِل اعتراضه أَنا لَا نسلم أَن الرَّسْم يَقع فِي جوابها تسامحا أَو اضطرارا والسندان التَّعْرِيف لاسمي تَعْرِيف اصطلاحي إِذْ مَعْلُوم أَنه لَيْسَ وَظِيفَة اللُّغَة وَلَا بُد لَهُ من آلَة يطْلب بهَا وَلَيْسَ بَين كَلِمَات الِاسْتِفْهَام مَا يصلح لَهُ سوى كلمة مَا فَيَنْبَغِي أَن يجوز وُقُوع الرَّسْم فِي جَوَاب مَا هُوَ اصْطِلَاحا أَيْضا وَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك شَائِعا متعارفا لَا على التسامح والاضطرار وَأما هَل فَهِيَ أَيْضا على ضَرْبَيْنِ بسيطة ومركبة وَأما هَل البسيطة فيطلب التَّصْدِيق بِوُجُود شَيْء فِي نَفسه وَذَلِكَ التَّصْدِيق مطلب هَل البسيطة وَإِنَّمَا تسمى بسيطة لطلبها تَصْدِيقًا بسيطا فَوق التصديقات. وَأما هَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 المركبة فَهِيَ لطلب التَّصْدِيق بِوُجُود شَيْء على صفة أَي يطْلب بهَا التَّصْدِيق بِوُجُود صفة لشَيْء ومطلب هَل المركبة هُوَ هَذَا التَّصْدِيق الْمَذْكُور وَإِنَّمَا سميت مركبة لطلبها وإفادتها تَصْدِيقًا مركبا لِأَن التَّصْدِيق بِثُبُوت شَيْء لشَيْء متفرع على ثُبُوت الْمُثبت لَهُ فيتضمن تَصْدِيقًا آخر وَهُوَ التَّصْدِيق بالوجود السَّابِق عَلَيْهِ. وَبَعض الْمُتَأَخِّرين قسموا (هَل) إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام بِأَن جعلُوا البسيطة على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا هَل الَّتِي يطْلب بهَا التَّصْدِيق بفعلية الشَّيْء وإمكانه فِي نَفسه وَتسَمى أبسط وَالثَّانِي مَا ذكر أَعنِي هَل الَّتِي يطْلب بهَا التَّصْدِيق بِوُجُود الشَّيْء فِي نَفسه وَتسَمى بسيطة لما مر. فَالْأول سُؤال عَن الشَّيْء بِحَسب الْمرتبَة الْمُتَقَدّمَة على مرتبَة الْوُجُود أَي مرتبَة الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ. وَالثَّانِي سُؤال عَن الشَّيْء بِحَسب مرتبَة الْوُجُود وَلما صَار (هَل) على ثَلَاثَة أَقسَام يكون مطالبها أَيْضا ثَلَاثَة وَاعْترض عَلَيْهِم بِأَن مَا اخترعوا إِمَّا تَصْدِيق بقوام الْمَاهِيّة وتقررها من حَيْثُ هِيَ فَذَلِك التَّصْدِيق لَا يجوز أَن يطْلب ضَرُورَة أَن حمل الشَّيْء على نَفسه إِمَّا مُمْتَنع أَو غير مُفِيد كَمَا تقرر وَإِمَّا تصور مُتَعَلق بِهِ فَهُوَ من أَقسَام مطلب مَا الشارحة. وَالْجَوَاب أَن المُرَاد بِالْأولِ التَّصْدِيق بِإِمْكَان الْمَاهِيّة أَو وُجُوبهَا فِي نَفسهَا وَهَذِه الْمرتبَة مُقَدّمَة على مرتبَة التَّصْدِيق لوجودها لِأَن مرتبَة الْإِمْكَان وَالْوُجُوب مُقَدّمَة على مرتبَة الْوُجُود فِي نَفسه. وَالْفرق بَين التصديقين كالفرق بَين الْفرق والقدم. وتوضيح الْجَواب وَحَاصِل مَا اخترعوا أَن مرتبَة التقرر والإمكان الَّتِي هِيَ مُتَقَدّمَة على الموجودية قد تكون مَجْهُولَة كقوام مَاهِيَّة العنقاء مثلا. وَقد يكون مَعْلُوم الِامْتِنَاع كاجتماع النقيضين وَشريك الْبَارِي تَعَالَى عَنهُ علوا كَبِيرا. وَقد يكون مَعْلُوم التَّحْقِيق كَمَا ترى فِي الْمَاهِيّة الْمَوْجُودَة فَإِذا كَانَت الْمَاهِيّة مَجْهُول القوام والتقرر يَصح السُّؤَال عَن أصل قوامها بِأَن يُقَال هَل الْعقل أَي هَل مَاهِيَّة متقررة هِيَ الْعقل وَالْجَوَاب نعم وَلَا يُجَاب مثله فِي اجْتِمَاع النقيضين مثلا وَإِن صَحَّ أَن يُقَال فِيهِ أَنه اجْتِمَاع النقيضين بِأَن يقْصد بِهِ أَنه عنوان حَقِيقَة الْمَوْضُوع كَمَا هُوَ شَأْن حمل الشَّيْء على نَفسه فَبين السُّؤَال عَن أصل القوام والتقرر وَبَين هَذَا الْحمل بون بعيد. وخلاصة مَا ذكرنَا أَن الْمَاهِيّة الممكنة قبل التقرر والفعلية أَي فِي حد الْإِمْكَان مَاهِيَّة تقديرية وتخمينية حَتَّى إِذا تقررت بإفاضة الْجَاعِل إِيَّاهَا كَانَ ذَلِك التخمين مطابقا للتحقيق هَذَا على تَقْدِير الْجعل الْبَسِيط. وَالْفرق بَين الْمَاهِيّة الممكنة وَبَين المستحيلات أَن المفهومات الممكنة إِذا لوحظت حكم الْعقل بِصِحَّة تقررها وقوامها بِخِلَاف الْمُقدر من المستحيلات الْعَقْلِيَّة فَإِذا قيل هَل الْمَاهِيّة الْمَفْرُوضَة الَّتِي هِيَ الْعقل بِحَسب التَّقْدِير والتخمين متجوهرة وَاقعَة فِي نَفسهَا فَالْجَوَاب نعم. فَإِذا سُئِلَ مثله فِي اجْتِمَاع النقيضين فَالْجَوَاب لَا. فَالْجَوَاب فِي الهل الأبسط هُوَ التَّصْدِيق بقوامها وتقررها فِي نَفسهَا وتصور الشَّيْء الَّذِي علم قوامه فعليته مطلب (مَا) الْحَقِيقِيَّة وَأما مطلب (مَا) الشارحة فَهُوَ تصور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الشَّيْء بِحَسب مَفْهُومه الْمَفْرُوض بِحَسب التخمين. فَالْفرق بَين هَذِه المطالب أجلى وَأظْهر. وَلَا يَنْبَغِي أَن يفهم من قَوْلنَا فِي الهل الأبسط الْإِنْسَان متجوهر أَنه قصد بِهِ ثُبُوت الْجَوْهَر لَهُ بل إِنَّمَا يقْصد بِهِ إِعْطَاء التَّصْدِيق بِنَفس تجوهر الْمَاهِيّة. وإيراد الْمَحْمُول إِنَّمَا هُوَ للضَّرُورَة الْعَقْلِيَّة فاعتبار الْمَحْمُول فِي المركبة بِالْقَصْدِ الأول وَفِي الْبَسِيط من حَيْثُ إِن طبيعة العقد لَا يسع مَا قصد إِعْطَاؤُهُ إِلَّا بذلك الِاعْتِبَار. لَا يُقَال اعْتِبَار التقرر والموجودية متلازمان فَمَا الْحَاجة إِلَى اعْتِبَار التقرر مَعَ اعْتِبَار الموجودية. لأَنا نقُول وَإِن كَانَ كَذَلِك لَكِن لَا يَنْبَغِي أَن لَا يهمل فصل أحد المرتبتين عَن الْأُخْرَى فِي الْأَحْكَام مَعَ أَنه حق بِالِاعْتِبَارِ. لَا يُقَال لَو رَجَعَ مفَاد عقد الهلية المركبة إِلَى ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع فَيلْزم أَن يكون للمحمول وجود إِذْ الْوُجُود للْغَيْر لَا يتَصَوَّر بِدُونِهِ فَلَا يَصح إِثْبَات العدميات للموضوعات لأَنا نقُول ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع لَيْسَ هُوَ وجوده فِي نَفسه لَكِن للموضوع كوجود الْإِعْرَاض لمحالها حَتَّى يلْزم ذَلِك بل إِنَّمَا هُوَ اتصاف مَوْضُوعه بِهِ وَهُوَ الْوُجُود الرابطي فالوجود الرابطي كَمَا يُقَال على الْمَعْنيين الْمَشْهُورين أَحدهمَا ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع أَي النِّسْبَة الْحكمِيَّة وَهُوَ يعم الْعُقُود بأسرها بِحَسب الْحِكَايَة وَثَانِيهمَا ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء بِأَن يكون هَذَا النَّحْو من الثُّبُوت وجود فِي نَفسه لَكِن للْغَيْر وَهُوَ يخْتَص بِالْإِعْرَاضِ بِحَسب المحكي عَنهُ كَذَلِك يُطلق على مُطلق اتصاف الْمَوْضُوع بالمحمول وَهُوَ من خَواص الهليات المركبة بِحَسب المحكى عَنهُ على الْإِطْلَاق. وَأما كلمة لم بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمِيم فلطلب دَلِيل إِمَّا مُفِيد لمُجَرّد التَّصْدِيق بِثُبُوت الْأَكْبَر للأصغر مَعَ قطع النّظر عَن الْخَارِج سَوَاء كَانَ الْوسط معلولا أَو لَا (أَو مُفِيد) لثُبُوت الْأَكْبَر لَهُ بِحَسب الْوَاقِع يَعْنِي أَن تِلْكَ الْوَاسِطَة كَمَا تكون عِلّة لثُبُوت الْأَكْبَر لَهُ فِي الذِّهْن كَذَلِك تكون عِلّة لثُبُوته لَهُ فِي نفس الْأَمر. وَالدَّلِيل على الأول يُسمى آنيا حَيْثُ لم يدل إِلَّا على آنِية الحكم وتحققه فِي الْوَاقِع دون علته. وعَلى الثَّانِي لميا بدلالته على مَا هُوَ لم الحكم وعلته فِي الْوَاقِع فمطلب لم هُوَ الدَّلِيل. وَكلمَة أَي لطلب مَا يُمَيّز الشَّيْء عَن غَيره بِشَرْط أَن لَا يكون تَمام ماهيته المختصة أَو الْمُشْتَركَة. فَإِن قيد بفي ذَاته أَو فِي جوهره أَو مَا يجْرِي مجْرَاه كَانَ طَالبا للمميز الذاتي إِمَّا عَن جَمِيع الأغيار أَو عَن بَعْضهَا وَهُوَ الْفَصْل الْقَرِيب أَو الْبعيد فَيتَعَيَّن فِي الْجَواب أحد الْفُصُول. وَإِن قيد بفي عرضه كَانَ طَالبا للمميز العرضي إِمَّا عَن جَمِيع الأغيار أَو عَن بَعْضهَا وَهُوَ الْخَاصَّة الْمُطلقَة أَو الإضافية فَيتَعَيَّن فِي الْجَواب أحد الْخَواص فمطلب أَي هُوَ الْمُمَيز ذاتيا أَو عرضيا. وَإِذ قد علمت أُمَّهَات أدوات الطّلب وَأُمَّهَات المطالب فَإِن قلت مَا وَجه كَون تِلْكَ الأدوات أُمَّهَات الطّلب وَتلك المطالب أُمَّهَات المطالب قُلْنَا مطلب هَل التَّصْدِيق بِثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع والمقولات التسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 تقع محمولات على الْمَوْضُوع بِحمْل ذُو وَحِينَئِذٍ يجوز التَّعْبِير عَنْهَا بِكَلِمَة هَل لِأَنَّهُ يجوز أَن يُقَال مَكَان كَيفَ زيد هَل زيد ذُو سَواد أَو ذُو بَيَاض وَمَكَان مَتى زيد هَل زيد فِي يَوْم الْجُمُعَة أَو فِي يَوْم الْخَمِيس وعَلى هَذَا الْقيَاس فَرجع جَمِيع المطالب إِلَى مطلب هَل. إِذا تقرر هَذَا فَثَبت أَن مطلب هَل من أُمَّهَات المطالب وَكلمَة مَا سُؤال عَن الْحَقِيقَة أَي تَحْصِيل تصور الْمَاهِيّة الْمَوْجُودَة. فكلمة (هَل) لَا يُمكن أَن تكون مؤدية لمطلب مَا وَكلمَة (لم) سُؤال عَن الْعلَّة وَالْعلَّة لَا تكون مَحْمُولا على الْمَعْلُول بِحمْل فَيكون مطلب مَا ومطلب لم أصلين غير مندرجين فِي مطلب هَل فيكونان أَيْضا من أُمَّهَات المطالب كمطلب هَل. وَقيل الْوَجْه لكَون الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة من أُمَّهَات المطالب. إِن الْوُجُود من أُمَّهَات المطالب لِأَنَّهُ مبدء الْآثَار الخارجية فَيكون الْوُجُود مبدأ لجَمِيع المطالب كَمَا أَن الْأُم مبدء للأولاد. ومطلب هَل الْوُجُود ومطلب مَا الْحَقِيقِيَّة الْمَاهِيّة الْمَوْجُودَة فَيرجع إِلَى الْوُجُود ومطلب لم الْعلَّة المفيدة للوجود فَيرجع إِلَى الْوُجُود أَيْضا. وَالْحَاصِل أَن هَذِه الثَّلَاثَة متضمنة للوجود الَّذِي هُوَ أم المطالب فَتكون أُمَّهَات المطالب. وَمِمَّا ذكرنَا يُمكن أَن يتَكَلَّف وَيذكر وَجه كَون مطلب أَي من أُمَّهَات المطالب كَمَا قيل. قَالَ بعض شرَّاح سلم الْعُلُوم وَإِمَّا مطلب من الَّذِي هُوَ مطلب الهوية الشخصية أَي الْعَارِض المشخص لذِي الْعلم أَو الْجِنْس من ذِي الْعلم كَقَوْلِك من جِبْرَائِيل جني أم أنسي أم ملكي وقليلا مَا يسْتَعْمل فِي هَذَا السُّؤَال. و (كم) الَّذِي هُوَ مطلب تعْيين الْمِقْدَار أَو الْعدَد (وَكَيف وَأَيْنَ وَمَتى) الَّذِي يطْلب بهَا تعين الكيفيات وَتعين حُصُول الشَّيْء فِي الْمَكَان وَالزَّمَان أما ذنابات أَي تَوَابِع للأي إِن كَانَ الْمَطْلُوب بهَا الْمُمَيز أَو مندرجة فِي الهل المركبة إِن كَانَ الْمَطْلُوب بهَا تَصْدِيق بِكَوْن شَيْء على هَذِه الْأَحْوَال انْتهى فَإِن قلت هَل بَين هَذِه المطالب وأدواتها تَرْتِيب بالتقدم والتأخر أم لَا قُلْنَا مطَالب مَا الشارحة مُتَقَدم على مطلب هَل البسيطة فَإِن الشَّيْء مَا لم يتَصَوَّر مَفْهُومه لم يُمكن طلب التَّصْدِيق بِوُجُودِهِ كَمَا أَن مطلب هَل البسيطة مُتَقَدم على مطلب مَا الْحَقِيقِيَّة إِذْ مَا لم يعلم وجود الشَّيْء لم يُمكن أَن يتَصَوَّر من حَيْثُ إِنَّه مَوْجُود وعَلى مطلب هَل المركبة إِذْ مَا لم يصدق بِوُجُود شَيْء فِي نَفسه لم يصدق بِثُبُوت شَيْء لَهُ وَمِنْه يعلم تَقْدِيم مطلب مَا الشارحة على مطلب مَا الْحَقِيقِيَّة ومطلب هَل المركبة إِذْ الْمُتَقَدّم على الْمُتَقَدّم على الشَّيْء مُتَقَدم على ذَلِك الشَّيْء. وَلَا تَرْتِيب ضَرُورِيّ بَين الهل المركبة والما الْحَقِيقِيَّة لَكِن الأولى تَقْدِيم الما الْحَقِيقِيَّة واكتفيت على هَذَا الْقدر من التَّفْصِيل وَإِن كَانَ مقتضيا للتطويل، خوفًا لملال الطالبين، وصونا عَن كلال الراغبين، مَعَ أَنِّي متشتت البال بِعَدَمِ الرفيق الشفيق وإيذاء بعض الإخوان. اللَّهُمَّ وَفقه بِمَا لَا يُنَافِي بَقَاء الْإِيمَان. أُمَّهَات الكسور: تِسْعَة. وَهِي النّصْف - وَالثلث - وَالرّبع - وَالْخمس - وَالسُّدُس - والسبع - وَالثمن - وَالتسع - وَالْعشر. لِأَن سَائِر الكسور المنطقة إِنَّمَا تتولد عَن هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 التِّسْعَة المنطقة إِمَّا بِالْإِضَافَة أَو التَّرْكِيب أَو التكرير فَهَذِهِ التِّسْعَة أصُول الكسور المنطقة لَا مُطلقًا. الْأَمر الاعتباري: هُوَ الَّذِي لَا وجود لَهُ إِلَّا فِي عقل الْمُعْتَبر مَا دَامَ مُعْتَبرا كالماهية بِشَرْط العراة وتحقيقه فِي الْمَاهِيّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْأَمر: الشَّيْء وَقَول الْقَائِل لمن دونه افْعَل. الْأَمر بالصيغة: هُوَ مَا يطْلب الْفِعْل من الْفَاعِل الْحَاضِر وَلما كَانَ حُصُوله بالصيغة الْمَخْصُوصَة الممتازة عَن الْمُضَارع دون اللَّام كَمَا فِي الْأَمر الْغَائِب سمي بِهِ وَيُقَال لَهُ (الْأَمر الْخَاص) أَيْضا. الْأَمْن: عدم توقع مَكْرُوه فِي الزَّمَان الْآتِي. الْأَمْلَاك الْمُرْسلَة: أَن يشْهد الرّجلَانِ فِي شَيْء وَلم يذكرَا سَبَب الْملك فَإِن كَانَ جَارِيَة لَا يحل وَطْؤُهَا وَإِن كَانَ دَارا يغرم الشَّاهِدَانِ قيمتهَا. الْإِمَامَة: مِيرَاث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيختار لَهَا من يكون أشبه بِهِ خلُقا وخلْقا وعلما وَقِرَاءَة وصلاحا ونسبا. وَالْأولَى بِالْإِمَامَةِ أعلمهم بِأَحْكَام الصَّلَاة وَإِن كَانَ متبحرا فِي علم الصَّلَاة لَكِن لَهُ حَظّ فِي غَيره من الْعُلُوم فَهُوَ أولى. وَإِن تساووا فِي الْعلم فأقرؤهم أَي أعلمهم بِعلم الْقِرَاءَة يقف فِي مَوضِع الْوَقْف ويصل فِي مَوضِع الْوَصْل وَنَحْو ذَلِك من التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف وَغَيرهمَا. وَإِن تساووا فأورعهم. وَإِن تساووا فأسنهم. وَإِن كَانُوا سَوَاء فِي السن فأحسنهم خلُقا. وَإِن تساووا فأحسبهم. فَإِن اسْتَووا فأحسنهم وَجها أَي أَكْثَرهم صَلَاة اللَّيْل. فَإِن اجْتمعت هَذِه الْخِصَال فِي رجلَيْنِ يقرع بَينهمَا أَو الْخِيَار إِلَى الْقَوْم قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من كثر صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ. وَأما من تكره إِمَامَته أَو لَا تصلح فَهُوَ مفصل فِي كتب الْفِقْه. الإمامية: هم الَّذين قَالُوا بِالنَّصِّ الْجَلِيّ على إِمَامَة عَليّ كرم الله وَجهه وَكَفرُوا الصَّحَابَة وهم الَّذين خَرجُوا على عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وهم اثْنَا عشر ألف رجل وَسَاقُوا الْإِمَامَة إِلَى جَعْفَر الصَّادِق، وَاخْتلفُوا فِي الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بعده وَالَّذِي اسْتَقر رَأْيهمْ عَلَيْهِ أَن الإِمَام الْحق بعد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - ثمَّ ابْنه الْحسن - ثمَّ أَخُوهُ الْحُسَيْن - ثمَّ ابْنه عَليّ زين العابدين - ثمَّ ابْنه مُحَمَّد الباقر - ثمَّ ابْنه جَعْفَر الصَّادِق - ثمَّ ابْنه مُوسَى الكاظم - ثمَّ ابْنه عَليّ الرِّضَا - ثمَّ ابْنه مُحَمَّد التقي الْجواد - ثمَّ ابْنه عَليّ التقي الزكي - ثمَّ ابْنه الْحسن العسكري - ثمَّ ابْنه أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد الْقَائِم المنتظر الْمهْدي صَلَاة الله تَعَالَى وَسَلَامه على جدهم الأمجد وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ - وَلَهُم فِي هَذَا الدَّعْوَى تمسكات وَدَلَائِل فِي المطولات. أم الْكتاب: الْقُرْآن الْمجِيد وَسورَة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسورَة الْفَاتِحَة واللوح الْمَحْفُوظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَالْعرش الْمجِيد الْمُعَلَّى. وَعند الصُّوفِيَّة الْعقل الأول الَّذِي هُوَ إِشَارَة إِلَى مرتبَة الْوحدَة. الإمامان: هما الشَّيْخَانِ اللَّذَان أَحدهمَا عَن يَمِين الْغَوْث أَي القطب وَنَظره فِي الملكوت وَهُوَ مرْآة مَا يتَوَجَّه من المركز القطبي إِلَى الْعَالم الروحاني من الإمدادات الَّتِي هِيَ مَادَّة الْوُجُود والبقاء. وَهَذَا الإِمَام مرآته لَا محَالة. وَالْآخر عَن يسَاره وَنَظره فِي الْملك وَهُوَ مرْآة مَا يتَوَجَّه مِنْهُ إِلَى المحسوسات من الْمَادَّة الحيوانية وَهَذَا مرآته ومجلاه وَهُوَ أَعلَى من صَاحبه وَهُوَ يتَخَلَّف القطب إِذا مَاتَ. الْإِمْكَان الذاتي: وَاعْلَم أَن صدق وصف الْمَوْضُوع على ذَاته فِي القضايا الْمُعْتَبرَة فِي الْعُلُوم بالإمكان عِنْد الفارابي وَالْمرَاد بِهَذَا الْإِمْكَان الْإِمْكَان الْعلم الْمُقَيد بِجَانِب الْوُجُود فَيشْمَل مَا يكون وصف الْمَوْضُوع ضَرُورِيًّا لَهَا وَهَذَا الْإِمْكَان هُوَ الْإِمْكَان الذاتي. وَمن هَا هُنَا ينْدَفع مَا أوردهُ الطوسي من أَن النُّطْفَة يُمكن أَن تكون إنْسَانا فَلَو دخلت النُّطْفَة فِي كل إِنْسَان لزم كذب كل إِنْسَان حَيَوَان وَوجه الاندفاع أَنه مغالطة نشأت من شركَة لفظ الْإِمْكَان بَين الْإِمْكَان الذاتي المُرَاد هَا هُنَا وَبَين الْإِمْكَان الاستعدادي الثَّابِت للنطفة. وَالْحق أَن مُرَاد الفارابي بالإمكان الْمَذْكُور مَا سَيَجِيءُ فِي تَحْقِيق الْوَصْف العنواني إِن شَاءَ الله تَعَالَى لَا الْإِمْكَان الْعَام الْمُقَيد بِجَانِب الْوُجُود فَافْهَم واحفظ. ثمَّ اعْلَم أَن الْإِمْكَان الذاتي كَمَا هُوَ مَشْهُور فِي الْإِمْكَان الْعَام فِي هَذَا الْمقَام كَذَلِك مَعْرُوف فِي أَن لَا يكون ذَات الشَّيْء مقتضيا وموجبا لوُجُوده وَعَدَمه وَإِن كَانَ أَحدهمَا وَاجِبا بِالْغَيْر وَالْآخر مُمْتَنعا بِهِ فَيمكن أَن يكون شَيْء مُمكنا بِالذَّاتِ وواجبا بِالْغَيْر أَو مُمْتَنعا بِهِ فَإِن الْوُجُوب اللَّاحِق أَو الِامْتِنَاع اللَّاحِق لَا يُنَافِي الْإِمْكَان الذاتي بل الْمُمكن مَعَ وُجُوبه أَو امْتِنَاعه اللَّاحِق بَاقٍ على طبيعة إِمْكَانه وَلَا يُمكن أَن يكون وَاجِبا بِالذَّاتِ أَو مُمْتَنعا بِالذَّاتِ وممكنا بِالذَّاتِ أَو بِالْغَيْر فَإِن اقْتِضَاء الضدين أَو النقيضين فِي الذَّات محَال بداهة فَإِن الْمُقْتَضِي لَا يَنْفَكّ عَن الْمُقْتَضِي فَيلْزم اجْتِمَاع الضدين أَو النقيضين. وَأَيْضًا لَا يجوز أَن لَا يَنْقَلِب كل من الْوَاجِب بِالذَّاتِ والممكن بِالذَّاتِ والممتنع بِالذَّاتِ إِلَى الآخر لِأَن الانقلاب محَال لما تقرر فِي مَحَله. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْإِمْكَان الذاتي هُوَ مَا لَا يكون طرفه الْمُخَالف وَاجِبا بِالذَّاتِ وَإِن كَانَ وَاجِبا بِالْغَيْر. الْإِمْكَان الاستعدادي: وَيُسمى بالإمكان الوقوعي أَيْضا هُوَ مَا لَا يكون طرفه الْمُخَالف وَاجِبا بِالذَّاتِ وَلَا بِالْغَيْر وَلَو فرض وُقُوع الطّرف الْمُوَافق لَا يلْزم الْمحَال بِوَجْه من الْوُجُوه وَالْأول أَعم من الثَّانِي مُطلقًا. وَقَالَ الْفَاضِل القوشجي فِي شرح التَّجْرِيد هُوَ أَي الْإِمْكَان الاستعدادي عبارَة عَن التهيؤ للكمال بتحقق بعض الْأَسْبَاب والشرائط وارتفاع بعض الْمَوَانِع قَابل للشدة والضعف بِحَسب الْقرب من الْحُصُول والبعد عَنهُ بِنَاء على حُصُول الْكثير مِمَّا لَا بُد مِنْهُ أَو الْقَلِيل فَإِن استعداد النُّطْفَة الإنسانية أَضْعَف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 من استعداد الْعلقَة لَهَا وَهُوَ من استعداد المضغة لَهَا واستعداد الْجَنِين للكتابة أَضْعَف من استعداد الطِّفْل لَهَا. وَاعْلَم أَن الْمُمكن قد يكون لَهُ إمكانان وَقد لَا يكون فَإِن بعض الممكنات مِمَّا لَا يتأبى مُجَرّد ذَاته أَن تفيض من وجود المبدأ الْأَعْلَى بِلَا شَرط خَارج عَن ذَاته وعَلى مَا هُوَ مقوم ذَاته فَلَا محَال يفِيض عَن المبدأ الْجواد بِلَا تراخ ومهلة وَلَا سبق عدم زماني واستعداد جسماني لصلوح ذَاته وتهيؤ طباعه للحصول والكون. وَهَذَا الْمُمكن لَا يكون لَهُ إِلَّا نَحْو وَاحِد من الْكَوْن وَلَا محَالة نَوعه يكون منحصرا فِي شخصه إِذْ الحصولات الْمُخْتَلفَة والتخصصات المتعددة لِمَعْنى وَاحِد إِنَّمَا تلْحق لأجل أَسبَاب خَارِجَة عَن مرتبَة ذَاته وقوام حَقِيقَته فَإِن مُقْتَضى الذَّات مُقْتَضى لَازم الذَّات دَاخِلا كَانَ أَو خَارِجا لَا يخْتَلف وَلَا يتَخَلَّف فَلَا محَال لتَعَدد التشخصات وتكثر الحصولات. وَبَعضهَا مِمَّا لايكفي ذَاته ومقوماته الذاتية فِي قبُول الْوُجُود من دون الِاسْتِعَانَة بِأَسْبَاب اتفاقية وشروط غير ذاتية فَلَيْسَ لَهُ فِي ذَاته إِلَّا قُوَّة التَّحْصِيل من غير أَن يصلح لقبوله صلوحا تَاما بعد انضياف تِلْكَ الشُّرُوط والمعدات إِلَى مَا يقبل قُوَّة وجوده وَهُوَ الْمُسَمّى بالمادة ليتهيأ لقبُول الْوُجُود وَيصير قريب الْمُنَاسبَة إِلَى فَاعله بعد مَا كَانَ بعيد الْمُنَاسبَة مِنْهُ فَلَا محَالة يَنْضَم إِلَى إِمْكَانه الذاتي إِمْكَان آخر متفاوت الْوُقُوع لَهُ ومادة حاملة ذَات تغير فِي زمَان هُوَ كمية تغيرها وانتقالها من حَالَة إِلَى حَالَة حَتَّى انْتَهَت إِلَى مُوَاصلَة مَا بَين الْقُوَّة الْقَابِلَة وَالْقُوَّة الفاعلة ليتحصل من اجتماعها ويتولد من ازدواجهما شَيْء من المواليد الوجودية. وَلما تحقق وَتبين أَن الممكنات مستندة فِي وجودهَا إِلَى سَبَب وَاجِب الْوُجُود والفيوضة لكَونه بِالْفِعْلِ من جَمِيع جِهَات الْوُجُود والإيجاد. وكل مَا كَانَ كَذَلِك اسْتَحَالَ أَن يخص بإيجاده وفيضه بعض القوابل والمستعدات دون بعض بل يجب أَن يكون عَام الْفَيْض فَلَا بُد أَن يكون اخْتِلَاف الْفَيْض لأجل اخْتِلَاف الْإِمْكَان واستعدادات الْموَاد. ثمَّ إِن للممكنات طرا إمكانا فِي أَنْفسهَا وماهياتها فَإِن كَانَ ذَلِك كَافِيا فِي فيضان الْوُجُود عَن الْوَاجِب بِالذَّاتِ عَلَيْهَا وَجب أَن تكون مَوْجُودَة بِلَا مهلة لِأَن الْفَيْض عَام والجود تَامّ وَأَن لَا يتخصص وجود شَيْء مِنْهَا بِحِين دون حِين والوجود بِخِلَاف ذَلِك لمَكَان حوادث الزمانية وَإِن لم يكن ذَلِك الْإِمْكَان الْأَصْلِيّ كَافِيا بل لَا بُد من حُصُول شُرُوط أخر حَتَّى يستعد لقبُول الْوُجُود عَن الْوَاجِب بِالذَّاتِ فلمثل هَذَا الشَّيْء إمكانان. فقد ثَبت أَن لبَعض الممكنات إمكانين أَحدهمَا هُوَ وصف عَام وَمعنى وَاحِد عَقْلِي مُشْتَرك لجَمِيع الممكنات وَنَفس ماهياتها حاملة لَهُ وَالثَّانِي مَا يطْرَأ لبَعض الماهيات لقُصُور إِمْكَانه الْأَصْلِيّ فِي الصلاحية لقبُول إفَاضَة الْوُجُود فَلَا محَالة يلْحق بِهِ إِمْكَان عَيْني آخر قَائِم بِمحل سَابق على وجوده سبقا زمنيا بِهِ يستعد لِأَن يخرج من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل وَهُوَ الَّذِي يُسمى بالإمكان الاستعدادي هَذَا مَا قَالَ الْحَكِيم صَدرا فِي (الْأَسْفَار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَلَا يخفى على الذكي مَا فِيهِ من المنوع. إِمْكَانه لَا وَلَا إِمْكَان لَهُ: فِي الْإِمْكَان. الِامْتِنَاع: ضَرُورَة اقْتِضَاء الذَّات عدم الْوُجُود الْخَارِجِي وَهَذَا هُوَ الِامْتِنَاع الذاتي أَو وجوب الْعَدَم أَولا إِمْكَان الْوُجُود كَمَا مر فِي الْإِمْكَان فَإِن كَانَ وجوب الْعَدَم أَولا إِمْكَان الْوُجُود بِمُقْتَضى الذَّات فَهُوَ الِامْتِنَاع الذاتي كامتناع شريك الْبَارِي أَو بِمُقْتَضى الْغَيْر فَهُوَ الِامْتِنَاع بِالْغَيْر كَعَدم الْعقل الأول. أم الْوَلَد: عِنْد الْفُقَهَاء هِيَ الْأمة الَّتِي اسْتَوْلدهَا مَوْلَاهَا كَمَا هُوَ الْمَشْهُور أَو اسْتَوْلدهَا رجل بِالنِّكَاحِ ثمَّ اشْتَرَاهَا أَولا كَمَا يفهم من قَوْلهم فِي بَاب الْيَمين فِي الطَّلَاق وَالْعتاق لَا شِرَاء من حلف بِعِتْقِهِ وَأم وَلَده. وَهَا هُنَا مَسْأَلَتَانِ صُورَة الأولى وَاضِحَة وَصُورَة الثَّانِيَة أَن يَقُول رجل لأمة اسْتَوْلدهَا بِالنِّكَاحِ إِن اشتريتك فَأَنت حرَّة عَن كَفَّارَة يَمِيني فاشتراها تعْتق لوُجُود الشَّرْط وَلَا يجْزِيه عَن الْكَفَّارَة لِأَن حريتها مُسْتَحقَّة بالاستيلاد. ثمَّ اعْلَم أَن أم الْوَلَد نِكَاحا هِيَ أمة ولدت من زَوجهَا ثمَّ ملكهَا أَو أمة ملكهَا زَوجهَا ثمَّ ولدت فَافْهَم واحفظ. بَاب الْألف مَعَ النُّون إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ: فَإِن قيل النَّفْي الْمَفْهُوم من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ إِلَى أَي شَيْء يرجع أهوَ رَاجع إِلَى ذَات الْأَعْمَال أم إِلَى حكمهَا قُلْنَا رَاجع إِلَى حكمهَا فَإِن قيل مَا حكم الْأَعْمَال قُلْنَا حكم الشَّيْء أَثَره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ فَحكم الْأَعْمَال مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ الصِّحَّة وَإِمَّا فِي الْآخِرَة فَهُوَ الثَّوَاب فَإِن قيل لم لَا يرجع إِلَى ذَات الْأَعْمَال قُلْنَا عدم صِحَّته بديهي لِأَنَّهُ لَو رَجَعَ إِلَى ذَاتهَا لوَجَبَ أَن لَا يُمكن إِحْدَاث الْأَعْمَال وإيجادها إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن غسل الْوَجْه مثلا قد أمكن إحداثه وَكَسبه بِدُونِ النِّيَّة فتحقق أَن الْحصْر رَاجع إِلَى حكم الْأَعْمَال دون ذواتها. ثمَّ إِن حكم الْأَعْمَال أَمْرَانِ كَمَا مر فالنفي إِلَى أَي أَمر يرجع قُلْنَا الشَّافِعِيَّة على أَنه رَاجع بِالذَّاتِ إِلَى صِحَة الْأَعْمَال ثمَّ بالواسطة إِلَى ثَوَابهَا. وَالْحَنَفِيَّة على أَنه رَاجع بِالذَّاتِ إِلَى الثَّوَاب فالاختلاف إِنَّمَا هُوَ فِي رُجُوع النَّفْي إِلَى صِحَة الْأَعْمَال. وَأما رُجُوعه إِلَى الثَّوَاب فمتفق عَلَيْهِ لَكِن عِنْد الشَّافِعِيَّة بِوَاسِطَة الصِّحَّة وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله بِالذَّاتِ. وَلذَا قَالَ صَاحب شرح الْوِقَايَة أَن الثَّوَاب مَنُوط بِالنِّيَّةِ اتِّفَاقًا فَلَا بُد أَن يقدر الثَّوَاب أَو يقدر شَيْء ليشْمل الثَّوَاب نَحْو حكم الْأَعْمَال. وللمبتدي أَن يَقُول إِن النِّيَّة أَيْضا عمل من الْأَعْمَال فَلَا بُد لَهَا من نِيَّة أُخْرَى وهلم جرا. وَالْجَوَاب أَن نِيَّة النِّيَّة عينهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فَلَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة أُخْرَى كَمَا أَن وجود الْوُجُود عين الْوُجُود وَأَيْضًا جَوَابه جَوَاب مَا قيل إِن التَّسْمِيَة أَمر ذُو بَال فَلَا بُد لَهَا من تَسْمِيَة أُخْرَى وهلم جرا لقَوْله عَلَيْهِ وَالصَّلَاة وَالسَّلَام كل أَمر ذِي بَال لم يبْدَأ بِبسْم الله فَهُوَ أَبتر وَالتَّفْصِيل مَا حررناه فِي سيف المهتدين فِي قتل المغرورين. الِانْتِقَال: عِنْد الْحُكَمَاء حُصُول الشَّيْء فِي حيّز بعد أَن كَانَ فِي حيّز آخر والانتقال فِي الْعرض أَن يقوم عرض بِعَيْنِه بِمحل بعد قيام بِمحل آخر وَهُوَ محَال لما بَين فِي مَحَله. والانتقال فِي اللُّغَة نقل كردن وَلَا يجوز أَن يذهب من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب آخر أَي ينْتَقل من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب آخر فِي الْمُعَامَلَات. فَأَما فِي الْعِبَادَات فَيجوز فَإِذا كَانَ الرجل حنفيا لَا يجوز أَن يعْمل عمل مَذْهَب الشَّافِعِي فِي الْمُعَامَلَات بِخِلَاف الْعِبَادَات فَإِن يجوز الْعَمَل بِهِ. وَبِه أَخذ المشائخ كَذَا فِي النِّهَايَة. وَفِي فَتَاوَى الغرائب الِانْتِقَال من مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله جَائِز وَكَذَا بِالْعَكْسِ إِذا لم يكن بِالْكُلِّيَّةِ بل فِي مَسْأَلَة أَو مَسْأَلَتَيْنِ وَلَيْسَ للعامي أَن يتَحَوَّل من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب بِالْكُلِّيَّةِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَنَفِيّ وَالشَّافِعِيّ. إِن النِّسَاء ناقصات الْعقل وَالدّين. حَدِيث شرِيف وَلما سُئِلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا نُقْصَان دينهن قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تقعد إِحْدَاهُنَّ فِي قَعْر بَيتهَا شطر دهرها لَا تَصُوم وَلَا تصلي. فَهَذَا الحَدِيث مسوق لبَيَان نُقْصَان دينهن. وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن أَكثر الْحيض خَمْسَة عشر يَوْمًا وَهُوَ معَارض بِمَا رُوِيَ أَنه قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أقل الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام. وَهُوَ عبارَة النَّص فرجح الْعبارَة على الْإِشَارَة لِأَنَّهُ حكمهَا فِي القطعية سَوَاء وَعند التَّعَارُض ترجح الْعبارَة على الْإِشَارَة فَإِن قيل لَا مُعَارضَة لِأَن المُرَاد بالشطر الْبَعْض لَا النّصْف على السوَاء وَلَو سلم وَأكْثر أَعمار الْأمة سِتُّونَ - ربعهَا أَيَّام الصِّبَا - وربعها أَيَّام الْحيض فِي الْأَغْلَب فَاسْتَوَى النصفان فِي الصَّوْم وَالصَّلَاة وتركهما. وَأجِيب بِأَن الشّطْر حَقِيقَة فِي النّصْف وَأكْثر أَعمار الْأمة مَا بَين السِّتين إِلَى السّبْعين على مَا ورد فِي الحَدِيث وَترك الصَّوْم وَالصَّلَاة مُدَّة الصِّبَا مُشْتَرك بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَلَا تصلح سَببا لنُقْصَان دينهن. وَلَكِن لَا يخفى أَن تَركهمَا أَيَّام الْحيض وَالنّفاس لَيْسَ بمشترك بَينهمَا فَهُوَ يصلح سَببا لنُقْصَان دينهن فَافْهَم. الانضمام: التلاقي بِلَا حجاب. أَنْيَاب الأغوال: الأنياب جمع نَاب وَهُوَ من الْأَسْنَان مَا بَين الرباعي والضاحك. والأغوال جمع غول بِالضَّمِّ وَلَا يُرَاد مِنْهُ فِي قَوْلهم كأنياب الأغوال كل مَا اغتال الْإِنْسَان أَي أهلكه كَنَابِ الْأسد والنمر. فَإِن هَذَا كثير الْوُجُود وَلَيْسَ مِمَّا يخترعه الْوَهم بل يُرَاد مِنْهُ حَيَوَان يتشكل بشكل الْإِنْسَان ويهلكه ليَصِح التَّمْثِيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الانحلال: بطلَان الصُّورَة وانحلال الْمركب إِنَّمَا يكون إِلَى مَا مِنْهُ التَّرْكِيب بِبُطْلَان صورته. الِانْفِصَال: عدم الِاتِّصَال عَمَّا من شَأْنه الِاتِّصَال وَقيل الِانْفِصَال حُدُوث هويتين. الانتقاش والاندماج: أَيْضا فِي التخلخل والتكاثف إِن شَاءَ الله تَعَالَى. أَنبأَنَا: فِي حَدثنَا. الانطباق: مُوَافقَة السطحين فِي الطول وَالْعرض. وَمعنى انطباق الْكُلِّي على أَفْرَاده أَنه يكون لَهُ بِكُل وَاحِد مِنْهَا مُنَاسبَة مَخْصُوصَة لَا تُوجد تِلْكَ الْمُنَاسبَة بَينه وَبَين شَيْء من أغياره. وتوضيح ذَلِك أَن الْعقل إِذا لاحظ شخصا معينا من أَفْرَاد الْإِنْسَان كزيد وجرده عَن التشخص واللواحق المادية يحصل فِيهِ صُورَة مُجَرّدَة مِنْهُ ممتازة عَمَّا عَداهَا وَهِي مَفْهُوم الْإِنْسَان. ثمَّ إِذا لاحظ شخصا آخر مِنْهَا كعمرو وجرده عَمَّا ذكر أَيْضا لم يحصل فِيهِ صُورَة جَدِيدَة مباينة للأولى بل الْحَاصِلَة ثَانِيًا هِيَ الصُّورَة الأولى بِعَينهَا لَا فرق بَينهمَا إِلَّا بِاعْتِبَار أَن إِحْدَاهمَا انتزعت من زيد وَالْأُخْرَى من عَمْرو وَهَكَذَا لَو لاحظ جَمِيع أَفْرَاد الْإِنْسَان وجرد كل وَاحِد مِنْهَا عَمَّا ذكر لم يتأثر الْعقل بِصُورَة جَدِيدَة مِنْهَا لم يكن حَاصِلَة قبلهَا بِخِلَاف مَا إِذا لاحظ فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة أَو الثَّالِثَة أَو بعْدهَا شَيْئا غير أَفْرَاد الْإِنْسَان كَهَذا الْفرس وَذَلِكَ الْفرس وجرده عَن التشخصات واللواحق يحصل فِيهِ صُورَة جَدِيدَة مباينة للأولى بِالذَّاتِ وَالِاعْتِبَار وَهِي مَفْهُوم الْفرس فَظهر بِهَذَا الْبَيَان أَن مَفْهُوم الْإِنْسَان لَهُ مُنَاسبَة مَخْصُوصَة بِكُل وَاحِد من أَفْرَاده وَلَيْسَ تِلْكَ الْمُنَاسبَة مَوْجُودَة فِي شَيْء غَيرهَا وَهَذَا معنى كَونه منطبقا أَفْرَاده وَغير منطبق على غَيرهَا وَقس على هَذَا انطباق الكليات على أفرادها. انفجار الْعُيُون: ظَاهر وَسَببه فِي الزلزلة وَقد يحدث من الثلوج ومياه الأمطار. الانعكاس: فِي الاطراد. الْإِنْكَار: ضد الْإِقْرَار. والهمزة قد تسْتَعْمل للإنكار التوبيخي أَي أَن مَا بعْدهَا مَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقع وَأَن فَاعله ملوم مَذْمُوم نَحْو أتعبدون مَا تنحتون. وَقد تَجِيء للإنكار الإبطالي أَي أَن مَا بعْدهَا غير وَاقع وَإِن مدعيه كَاذِب نَحْو أفاصفاكم ربكُم بالبنين. ولإفادتها نفي مَا بعْدهَا لزم ثُبُوته إِن كَانَ منفيا لِأَن نفي النَّفْي إِثْبَات وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} و {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} . الانزعاج: تَحْرِيك الْقلب إِلَى الله تَعَالَى بتأثير الْوَعْظ وَالسَّمَاع. الانصداع: الانشقاق. وَعند أَرْبَاب السلوك هُوَ الْفرق بَين الْجمع بِظُهُور الْكَثْرَة وَاعْتِبَار صفاتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الانتباه: زجر الْحق للْعَبد على طَرِيق الْعِنَايَة ليتخلص من المكاره والضلال والعصيان والوبال. الْآنِية: التحقق وَتحقّق الْوُجُود الْعَيْنِيّ من حَيْثُ رتبته الذاتية. الْإِنْسَان: نوع من أَنْوَاع الْعَالم وَجمعه النَّاس وَأَصله وكنهه مَعْلُوم على من أَتَى الله بقلب سليم أَنه أشرف الْمَخْلُوقَات وَثَمَرَة شَجَرَة الْوُجُود والمجودات وَللَّه در الشَّاعِر. (سر وجود ذَات بِإِنْسَان رسيد وماند ... جون وَحي آسمان كه بقرآن رسيد وماند) وَلَكِن أصل لفظ النَّاس الأناس فَخفف بِحَذْف الْهمزَة وعوضت اللَّام عَنْهَا لَكِنَّهَا غير لَازِمَة. وَلِهَذَا يُقَال فِي سَعَة الْكَلَام نَاس. وَقَالَ قوم أَصله انسيان على افعلان فحذفت الْيَاء اسْتِخْفَافًا لِكَثْرَة مَا يجْرِي على الْأَلْسِنَة. وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بقول ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه إِنَّمَا سمي إنْسَانا لِأَنَّهُ عهد إِلَيْهِ فنسي. وَالْإِنْسَان يُطلق على الْمُذكر والمؤنث وَرُبمَا يُطلق للْأُنْثَى إنسانة وَقد جَاءَ فِي قَول الشَّاعِر: (لقد كستني فِي الْهوى ... ملابس الصب الْغَزل) (إنسانة فتانة ... بدر الدجى مِنْهَا خجل) (إِذا زنت عَيْني بهَا ... فبالدموع تَغْتَسِل) وَفِي تَحْقِيق الْإِنْسَان تَفْصِيل وتدقيق وَتَحْقِيق فِي المطولات وَمَا يذكر هَا هُنَا نبذ مِنْهَا. فَاعْلَم أَن للْإنْسَان إِطْلَاق مشهورين عِنْد الْعَوام وَإِطْلَاق لَدَى الْخَواص. الأول إِطْلَاقه على الْأَشْخَاص الْمعينَة الْمَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان كزيد وَعَمْرو وَغير ذَلِك مِمَّا يشاركهما فِي النَّوْع وَلَفظ الْإِنْسَان بِهَذَا الْمَعْنى مَشْهُور بَين الْقَوْم وهم لَا يعلمُونَ من الْإِنْسَان سوى هَذَا وَطَرِيق معرفَة كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَشْخَاص على مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْخَارِج إِنَّمَا هُوَ الإحساس إِذْ بِهِ يمتاز كل من أشخاصه عَن كل مَا عداهُ امتيازا تَاما بِحَيْثُ لَا يلتبس بِغَيْرِهِ أصلا وَلَا يلْزم من معرفَة شخص مِنْهَا معرفَة شخص آخر مِنْهَا وَلِهَذَا لَا يجْرِي الْكسْب والاكتساب فِي الْأَشْخَاص أَي الجزئيات الْحَقِيقِيَّة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. والسر فِيهِ أَن لكل وَاحِد مِنْهَا حَقِيقَة شخصية مباينة لحقيقة غَيره فِي الذِّهْن وَالْخَارِج وَهَذَا مُرَاد الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله مِمَّا قَالَ إِن لكل وَاحِد من أَفْرَاد الْإِنْسَان حَقِيقَة على حِدة وَإِن وجود كل وَاحِد مِنْهَا عين حَقِيقَته يَعْنِي أَنه أَرَادَ بِالْحَقِيقَةِ الْوُجُود الْخَاص لكل شخص من تِلْكَ الْأَشْخَاص وَالْإِنْسَان بِهَذَا الْمَعْنى يُوصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 بالجزئية الْحَقِيقِيَّة وَهُوَ الْمصدر للآثار والمظهر للْأَحْكَام وَهُوَ الْمُكَلف بالشرائع. وَالثَّانِي إِطْلَاقه على الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الْكُلِّي المنطبق على كل وَاحِد من أَفْرَاده الْمَوْجُودَة والمعدومة وَهَذَا الْإِطْلَاق مَشْهُور بَين الْخَواص. وَالْإِنْسَان بِهَذَا الْمَعْنى يُوصف بِالْكُلِّيَّةِ والنوعية وَله وجود فِي الْأَعْيَان فِي إِفْرَاده وَلَا وجود لَهُ ممتاز عَنْهَا فِي الْأَعْيَان وَإِلَّا لما أمكن حمله على شَيْء من إِفْرَاده أصلا لِأَن الْحمل عبارَة عَن تغاير الشَّيْئَيْنِ فِي الذِّهْن واتحادهما فِي الْخَارِج فَلَو كَانَ لَهُ وجود ممتاز عَن إِفْرَاده فِي الْأَعْيَان لما صَحَّ اتحاده مَعَ فَرد من أَفْرَاده فِي الْأَعْيَان. فالإنسان بِهَذَا الْمَعْنى مَفْهُوم عَقْلِي انتزعه الْعقل من تِلْكَ الْأَفْرَاد بتجريدها عَن التشخصات واللواحق المادية. وَذَلِكَ الْمَفْهُوم الْعقلِيّ عِنْد الْحُكَمَاء تَمام الْحَقِيقَة النوعية لإفراده وعرفوه بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق. وَقَالُوا إِنَّه حد تَامّ للْإنْسَان لِأَن الْحَيَوَان جنس قريب للْإنْسَان. والناطق فصل قريب لَهُ والتعريف بِالْجِنْسِ والفصل القريبين حد تَامّ. وَالْحَيَوَان جَوْهَر جسم نَام حساس متحرك بالإرادة وكل فَرد من أَفْرَاد الْإِنْسَان كَذَلِك. أما أَنه جسم فَلِأَنَّهُ مركب من الهيولى وَالصُّورَة وشاغل للحيز بِالذَّاتِ وقابل للأبعاد الثَّلَاثَة وَلَا نعني بالجسم إِلَّا هَذَا. وَإِمَّا أَنه نَام فَلِأَنَّهُ يزِيد فِي الأقطار الثَّلَاثَة على تناسب طبيعي وَهُوَ الْمَعْنى بالنامي. وَإِمَّا أَنه حساس فَلِأَنَّهُ يدْرك الْأَشْيَاء بالحواس وَلَا معنى للحساس سوى ذَلِك. وَإِمَّا أَنه متحرك بالإرادة فَلِأَنَّهُ ينْتَقل من مَكَان إِلَى مَكَان آخر بِقَصْدِهِ وإرادته وَيُوجد الحركات إِن شَاءَ وَلَا يوجدها إِن لم يَشَأْ وَهُوَ معنى المتحرك بالإرادة فقد ثَبت أَن الْإِنْسَان حَيَوَان. وَإِمَّا أَنه نَاطِق فَلَمَّا سَيَجِيءُ. ثمَّ اعْلَم أَن نَاطِق فصل قريب للْإنْسَان فَإِن قيل من شَأْن الْفضل الْقَرِيب للماهية اخْتِصَاصه بهَا والناطق لَيْسَ كَذَلِك لِأَن المُرَاد بالنطق إِمَّا التَّكَلُّم فَالله تَعَالَى وَالْمَلَائِكَة وَسَائِر الْحَيَوَانَات متكلمون. أَو المُرَاد بِهِ إِدْرَاك الكليات وَهُوَ أَيْضا لَيْسَ مُخْتَصًّا بالإنسان لِأَنَّهُ تَعَالَى وَسَائِر المجردات كالعقول والنفوس مدركون. فالناطق على أَي حَال لَيْسَ مُخْتَصًّا بماهية الْإِنْسَان فضلا أَن يكون فصلا لَهُ وَاعْلَم أَن الْمَلَائِكَة عِنْد الْحُكَمَاء هِيَ الْعُقُول الْمُجَرَّدَة وَإِن لَيْسَ لَهَا وللنفوس الفلكية عِنْدهم نطق أَي تكلم أصلا لَكِن لَهَا إِدْرَاك الكليات كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. وَأَيْضًا لَو أُرِيد بالنطق إِدْرَاك الكليات لزم أحد الْأَمريْنِ وَكِلَاهُمَا بَاطِل أَحدهمَا أَن لَا يكون النَّاطِق ذاتيا فصلا قَرِيبا للْإنْسَان الَّذِي من الْجَوَاهِر لِأَن الْإِدْرَاك فِي الممكنات من مقولة الْإِعْرَاض عِنْدهم قطعا فَيكون خَارِجا عارضا لَا دَاخِلا ذاتيا فضلا عَن أَن يكون فصلا. وَثَانِيهمَا أَن الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ من الْجَوَاهِر لَو فَرضنَا أَنه مركب من الْجَوْهَر وَالْعرض الَّذِي هُوَ الْإِدْرَاك لزم أَن لَا يكون الْإِنْسَان جوهرا فَإِن الْمركب من الْجَوْهَر وَالْعرض لَيْسَ بجوهر عِنْدهم أصلا وَالْجَوَاب بِأَن المُرَاد بالنطق إِدْرَاك الكليات وَهُوَ مُخْتَصّ بالإنسان لِأَن غَيره من الْحَيَوَانَات لَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 بمدرك للكليات لَا يُفِيد الْمَطْلُوب. كَيفَ فَإِن عدم إِدْرَاك غير الْإِنْسَان من الْحَيَوَانَات للكليات مَمْنُوع نعم إِنَّه غير مَعْلُوم لنا وَعدم الْعلم بالشَّيْء لَا يسْتَلْزم عَدمه فِي نَفسه وَإِن سلمنَا ذَلِك فَلَا نسلم أَنه يلْزم من هَذَا الْقدر اخْتِصَاصه بالإنسان كَيفَ فَإِنَّهُ تَعَالَى مدرك الكليات وَكَذَا الْعُقُول الْمُجَرَّدَة والنفوس الفلكية نعم لَو أثبت نفي النُّطْق عَمَّا سوى الْإِنْسَان لثبت اخْتِصَاصه بِهِ وَأما إِثْبَات هَذَا بِدُونِ ذَلِك أصعب من خرط القتاد وَمَعَ هَذَا إِدْرَاك الكليات عرض كَمَا عرفت فَكيف يكون فصلا للجوهر. وَالْحق فِي الْجَواب أَن المُرَاد بالنطق إِدْرَاك الكليات والناطق لَيْسَ فصلا قَرِيبا للْإنْسَان فِي الْحَقِيقَة بل فَصله الْقَرِيب الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ مبدأ الْآثَار المختصة بِهِ كالنطق والتعجب والضحك وَالْكِتَابَة وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُوجد فِي غير الْإِنْسَان فَذَلِك الْجَوْهَر هُوَ الْفَصْل فِي الْحَقِيقَة. وَلما لم يكن ذَلِك الْجَوْهَر مَعْلُوما لنا بكنهه بل بعوارضه المختصة فَيدل عَلَيْهِ بأقوى عوارضه وَهُوَ النُّطْق الَّذِي بِمَعْنى إِدْرَاك الكليات ويشتق مِنْهُ النَّاطِق وَيحمل على الْإِنْسَان وَيُسمى بِالْفَصْلِ مجَازًا من قبيل إِطْلَاق اسْم الشَّيْء على أَثَره. وَإِن أردْت تَفْصِيل هَذَا الْمُجْمل فَارْجِع إِلَى مَا فصلناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي الْفَاضِل اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق وَلَكِن اذكر فِي هَذَا الْمقَام نبذا من ذَلِك المرام. فَأَقُول إِن الصُّورَة النوعية الَّتِي هِيَ أَمر جوهري وَفصل قريب للماهيات ومبدأ للآثار المختصة قد تكون مَجْهُولَة بكنهها مَعْلُومَة بعوارضها المختصة بهَا وَتلك الْعَوَارِض لَا تَخْلُو من أَن تكون مترتبة أَو لَا. فَإِن كَانَت مترتبة كالنطق والتعجب والضحك فَيُؤْخَذ أقواها وأقدمها كالنطق ويشتق مِنْهُ مَحْمُولا كالناطق وَيُطلق عَلَيْهِ اسْم الْفَصْل تسامحا كَمَا مر. وَإِن لم تكن مترتبة لعدم ترتبها فِي نفس الْأَمر أَو بِسَبَب اشْتِبَاه تقدم أَحدهمَا على الآخر فيشتق عَن كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَعْرَاض مَحْمُولا وَيجْعَل الْمَجْمُوع قَائِما مقَام ذَلِك الْأَمر الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ فصل حَقِيقَة وَيُسمى فصلا مجَازًا كالحساس والمتحرك بالإرادة. فَإِن الْفَصْل الْحَقِيقِيّ للحيوان هُوَ الْجَوْهَر المعروض للحس وَالْحَرَكَة الإرادية وَلما اشْتبهَ تقدم أَحدهمَا على الآخر اشتق عَن كل مِنْهُمَا للدلالة على ذَلِك الْفَصْل الْحَقِيقِيّ اسْم أَعنِي الحساس والمتحرك بالإرادة وَجعل الْمَجْمُوع فصلا قَائِما مقَام الْفَصْل الْحَقِيقِيّ للحيوان تسامحا فَلَيْسَ الْفَصْل الْقَرِيب للحيوان إِلَّا أَمر وَاحِد جوهري لَا تعدد فِيهِ وَإِنَّمَا التَّعَدُّد فِي الدَّال. واندفع من هَذَا الْبَيَان عَظِيم الشَّأْن (الِاعْتِرَاض الْمَشْهُور) أَيْضا بِأَن الحساس يَكْفِي للفصل فَلَا حَاجَة إِلَى المتحرك بالإرادة وَلَا يجوز للماهية فصلان فِي مرتبَة وَاحِدَة كَمَا لَا يجوز جِنْسَانِ فِي مرتبَة وَاحِدَة واندفع أَيْضا أَن لِلْأَمْرِ الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ فصل الْإِنْسَان حَقِيقَة عوارض مُتعَدِّدَة مُخْتَصَّة بِهِ فَمَا الدَّاعِي إِلَى اخْتِيَار النَّاطِق مِنْهَا وقيامه مقَامه وتسميته باسمه فصلا وَإِلَّا يلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح. وَلَكِن بَقِي الْإِشْكَال بِأَن إِدْرَاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الكليات لَيْسَ مُخْتَصًّا بالإنسان لما مر فَنَقُول نعم مُطلق الْإِدْرَاك الْمَذْكُور لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ لَكِن الْإِدْرَاك الَّذِي هُوَ أثر ذَلِك المبدأ أَعنِي الصُّورَة النوعية الَّتِي للْإنْسَان مُخْتَصّ بِهِ. أَو المُرَاد بِهِ الْإِدْرَاك الْحَادِث وَهُوَ فِي ذَاته تَعَالَى قديم بالِاتِّفَاقِ هَكَذَا فِي الْعُقُول والنفوس الفلكية عِنْد الْحُكَمَاء. أَو نقُول المُرَاد بالنطق إِدْرَاك الكليات بطرِيق الِاكْتِسَاب. وَلَا شكّ أَن الْإِدْرَاك الْمَذْكُور بِهَذَا الْمَعْنى مُخْتَصّ بالإنسان فَإِن علمه تَعَالَى حضوري وَكَذَا علم المجردات. وَالْعلم الاكتسابي من أَقسَام الْعلم الحصولي كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه. قيل المُرَاد بالناطق فِي تَعْرِيف الْإِنْسَان إِمَّا النَّاطِق بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ وعَلى كل من التَّقْدِيرَيْنِ يلْزم فَسَاد التَّعْرِيف أما على الأول فلخروج الْأَطْفَال فَإِنَّهُم لَيْسُوا من أهل النُّطْق بِشَيْء من الْمَعْنيين أَي لَا بِمَعْنى التَّكَلُّم بالحروف والأصوات وَلَا بِمَعْنى إِدْرَاك الكليات وَأما على الثَّانِي فلصدق التَّعْرِيف حِينَئِذٍ على المضغة والعلقة والمني بل على اللَّحْم وَالْخبْز اللَّذين يحصل مِنْهُمَا الْمَنِيّ لِأَن كَلَامهَا حَيَوَان نَاطِق بِالْقُوَّةِ فعلى الأول التَّعْرِيف لَيْسَ بِجَامِع وعَلى الثَّانِي لَيْسَ بمانع وَالْجَوَاب وَاضح مِمَّا ذكرنَا آنِفا فَإِن المُرَاد بالناطق لما تقرر أَنه ذُو مبدأ نطق فَهُوَ مَوْجُود بِالْفِعْلِ فِي الصّبيان ومفقود بِالْفِعْلِ فِي المضغة والعلقة وَغير ذَلِك. وَلما تبين بِمَا ذكرنَا فِيمَا سبق أَن الْإِنْسَان حَيَوَان فَالْآن نبين كَونه ناطقا فَنَقُول إِنَّه ذُو نفس ناطقة لوَجْهَيْنِ. الْوَجْه الأول أَنه يظْهر فِي كل فَرد من أَفْرَاده آثَار النَّفس الناطقة من النُّطْق بالحروف والأصوات وَإِدْرَاك الكليات والتعجب والضحك وأمثالها مِمَّا تقرر فِي الْحِكْمَة أَنَّهَا من آثَار النَّفس الناطقة وَهَذِه الْآثَار لَا تُوجد فِي غير الْإِنْسَان فَيكون مبدأها وَهُوَ النَّفس مَخْصُوصًا بِهِ فَيكون هُوَ ذَا نفس دون غَيره فَهَذَا دَلِيل أَنِّي على ثُبُوتهَا فِي الْإِنْسَان. وَالْوَجْه الثَّانِي مَا تحقق أَن العناصر إِذا تصغرت أجزاءها غَايَة التصغر وامتزج بَعْضهَا بِبَعْض امتزاجا كَامِلا يَقع بَينهَا بِاعْتِبَار كيفيتها الْمُخْتَلفَة فعل وانفعال تنكسر سُورَة كل وَاحِدَة مِنْهَا بِالْأُخْرَى فَتحدث هُنَاكَ كَيْفيَّة وَاحِدَة متوسطة معتدلة قريبَة بالاعتدال الْحَقِيقِيّ فَحِينَئِذٍ يشْتَد كَمَال الامتزاج بَين تِلْكَ الْأَجْزَاء ويرتفع الامتزاج بَينهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَيصير شَيْئا وَاحِدًا متكيفا بكيفية وَاحِدَة فَيحصل لَهُ بتينك الوحدتين أَعنِي الْوحدَة فِي الْمَادَّة والوحدة فِي الْكَيْفِيَّة مُنَاسبَة تَامَّة بالمبدأ الْحَقِيقِيّ الْوَاحِد من جَمِيع الْجِهَات فيفيض مِنْهُ عَلَيْهِ بِسَبَب تِلْكَ الْمُنَاسبَة جَوْهَر مُجَرّد شرِيف يتَعَلَّق بِهِ تعلق التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف فَيحصل لَهُ بذلك قُوَّة النُّطْق بالحروف والأصوات إِذا لم يكن هُنَاكَ مَانع وَقُوَّة إِدْرَاك الكليات والتعجب والضحك وَمَا أشبههَا وَهُوَ الْمُسَمّى بِالنَّفسِ الناطقة عِنْدهم. وَلَا شكّ أَن تِلْكَ الْمُنَاسبَة التَّامَّة بالمبدأ الْحَقِيقِيّ الْحَاصِلَة بِسَبَب الامتزاج الْكَامِل المستتبعة لفيضان تِلْكَ النَّفس تُوجد فِي بدن الْإِنْسَان بالدلائل الدَّالَّة عَلَيْهَا وَلَا تُوجد فِي غَيره فَيكون هُوَ ذَا نفس ناطقة. وَفِي حَيَاة الْحَيَوَان افْتتح عبد الْمَسِيح ابْن يختشوع كِتَابه فِي الْحَيَوَان بالإنسان وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 إِنَّه أعدل الْحَيَوَان مزاجا وأكمله أفعالا وألطفه حسا وأنفذه رَأيا فَهُوَ كالملك الْمُسَلط القاهر لسَائِر الخليقة الْآمِر لَهَا وَذَلِكَ لما وهبه الله تَعَالَى لَهُ من الْعقل الَّذِي بِهِ يتَمَيَّز على كل الْحَيَوَان البهيمي فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ملك الْعَالم وَلذَلِك سَمَّاهُ قوم من القدماء الْعَالم الْأَصْغَر. ثمَّ قَالَ وَمِمَّا ذكر فِي الْخَواص وَشهِدت بِهِ التجربة أَنه مَتى صور صُورَة صبي حسن الْوَجْه وَنصب بِحَيْثُ ترَاهُ وَقت الْجِمَاع خرج الْوَلَد يشبه تِلْكَ الصُّورَة فِي أَكثر الْأَعْضَاء. وَله خَواص يطول الْكتاب بذكرها مِنْهَا: أَنه إِن أَخذ نجو صبي حِين يُولد وجفف وسحق وكحل بِهِ بَيَاض الْعين نفع وينفع من الغشاوة أَيْضا. وَدم الْحيض إِذا طلي بِهِ من عضه الْكَلْب الْكَلْب يبرأ وَكَذَلِكَ البرص والبهق. وَقَالَ الْقزْوِينِي فِي عجائب الْمَخْلُوقَات إِذا رعف الْإِنْسَان فليكتب اسْمه بدمه على خرقَة وَيجْعَل نصب عينه فَإِنَّهُ يَنْقَطِع رعافه. ونطفة الْإِنْسَان إِذا طلي بهَا البهق والبرص والقوبا أبرأتهم. وَقَالَ الْأَطِبَّاء إِذا أردْت أَن تعلم أَن الْمَرْأَة عقيم أم لَا فَمُرْهَا أَن تحمل ثومة فِي قطنة وتمكث سبع سَاعَات فَإِن فاح من فمها رَائِحَة الثوم فعالجها بالأدوية فَإِنَّهَا تحمل بِإِذن الله تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا وَالله أعلم. وَالْإِنْسَان الْكَامِل لجَمِيع العوالم الإلهية والكونية الْكُلية والجزئية وَفِي تَفْصِيله طول فِي كتب الْحَقَائِق وَللَّه در الشَّاعِر. شعر: (آنجه برجستيم وَكم ديديم وبسيار است ونيست) (نيست جز انسان درين عَالم كه بسياراست) الانحناء: كَون الْخط بِحَيْثُ لَا ينطبق أجزاؤه الْمَفْرُوضَة على جَمِيع الأوضاع كالأجزاء الْمَفْرُوضَة للقوس فَإِنَّهُ إِذا جعل مقعر أحد القوسين فِي مُحدث الآخر ينطبق أَحدهمَا على الآخر وَأما على غير هَذَا الْوَضع فَلَا ينطبق. الانعطاف: حَرَكَة فِي سمت وَاحِد لَكِن لَا على مَسَافَة الْحَرَكَة. الانفاق: صرف المَال فِي الْحَاجة. الانفعال: حَالَة حَاصِلَة للشَّيْء بِسَبَب تأثره أَي قبُول أثر عَن غَيره كالمتسخن مَا دَامَ يتسخن. وَإِن أردْت بِالْفِعْلِ مَا فِيهِ من الْإِشَارَة فَانْظُر فِي الْفِعْل. الْأَنْعَام: بِالْفَتْح بِالْفَارِسِيَّةِ (جهاريايه) وبالكسر إِعْطَاء النِّعْمَة. وَفِي الْعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الأَرْض الَّتِي أَعْطَاهَا السُّلْطَان أَو نَائِبه. وَإِن استفتى من الْعلمَاء أَن زيدا مثلا ذهب إِلَى السُّلْطَان أَو نَائِبه فَأعْطَاهُ يومية أَو أَرضًا أنعاما وَالْتمس مِنْهُ أَن يكْتب اسْم ابْنه أَو متعلقاته أَو خادمه فِي التوقيع والسند لَا اسْمه بالتخصيص وَكَانَ لَهُ فِي ذَلِك مصلحَة وَوجه من الْوُجُوه فَفِي هَذِه الصُّورَة هَل يبْقى لزيد حق التصريف فِي الأَرْض واليومية أم لَا بينوا توجروا فَالْجَوَاب أَن الْحق لزيد بَاقٍ وَلَيْسَ لغيره فِي ذَلِك حق أصلا كَمَا فِي الْمُحِيط والنوازل من حضر بَين يَدي السُّلْطَان أَو نَائِبه وَأَعْطَاهُ أنعاما مخلدا بالمشافهة فَهُوَ حق لَهُ وَإِن ارتسم فِي التوقيع اسْم غَيره فَلَا حق لصَاحبه انْتهى. أَي لصَاحب ذَلِك الِاسْم. وَالْمرَاد بالأنعام هَا هُنَا مَا يُعْطِيهِ السُّلْطَان أَو نَائِبه سَوَاء كَانَ أَرضًا أَو يومية فَافْهَم واحفظ. الانفعاليات والانفعالات: اعْلَم أَن الكيفيات المحسوسة بِإِحْدَى الْحَواس الظَّاهِرَة إِن كَانَت راسخة أَي غير زائلة بالسرعة وَإِن كَانَت تَزُول بعد مُرُور الْأَزْمَان أَولا كحلاوة الْعَسَل وملوحة مَاء الْبَحْر فتسمى انفعاليات وَإِن كَانَت غير راسخة أَي زائلة بالسرعة كصفرة الوجل وَحُمرَة الخجل فتسمى انفعالات وَالْيَاء فِي الانفعاليات للتَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة كالأحمري لشدَّة الْحمرَة. وَإِنَّمَا سميت تِلْكَ الكيفيات انفعاليات لانفعال الْحَواس عَنْهَا لِأَن حلاوة الْعَسَل تصل إِلَى الذائقة فَهِيَ تنفعل وَتقبل أَثَرهَا فَهَذَا من قبيل تَسْمِيَة السَّبَب باسم الْمُسَبّب. وَكَذَا تَسْمِيَة الكيفيات الْغَيْر الراسخة بالانفعالات من هَذَا الْقَبِيل لِأَن الْحَواس أَيْضا تنفعل عَنْهَا إِلَّا أَنهم حاولوا الْفرق بَين الاسمين للْفرق بَين المسميين بإلحاق الْيَاء للْمُبَالَغَة باسم الأولى وحذفها عَن اسْم الثَّانِيَة تَنْبِيها على شدَّة الانفعال فِي الأولى وقصوره وَعدم ثباته فِي الثَّانِيَة فَافْهَم. الْإِنْشَاء: إِيجَاد الشَّيْء الَّذِي يكون مَسْبُوقا بمادة وَمُدَّة. والإنشاء الْمُقَابل للْخَبَر هُوَ الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ لنسبته خَارج تطابقه ليَكُون صَادِقا وَلَا تطابقه ليَكُون كَاذِبًا فَهُوَ لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب. وَقد يُطلق على فعل الْمُتَكَلّم أَعنِي إِلْقَاء الْكَلَام الإنشائي. وَقد يُرَاد بِهِ قوم إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَاعْلَم أَن فِي دُخُول الْإِنْشَاء فِي الْإِيمَان بِأَن يُقَال أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى اخْتِلَافا. قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَأَصْحَابه أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يَقُول أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله وَعَلِيهِ اجْتِمَاع الْأَكْثَرين لِأَن هَذَا القَوْل إِمَّا للشَّكّ فِي إيمَانه فَهُوَ كفر الْبَتَّةَ فَالْوَاجِب تَركه وَعدم جَوَازه مُتَّفق عَلَيْهِ وَإِمَّا للتأدب وإحالة الْأُمُور إِلَى مَشِيئَة الله تَعَالَى، أَو للشَّكّ فِي الْعَاقِبَة والمآل، لَا فِي الْآن وَالْحَال، أَو للتبرك بِذكر الله، أَو للتبرأ عَن تَزْكِيَة نَفسه والإعجاب بِحَالهِ فجوازه بالِاتِّفَاقِ. أما أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يرى تَركه أولى لِأَنَّهُ يُوهم بِالشَّكِّ الْمُوجب للكفر وَلَكِن كثيرا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ استحسنه وَهُوَ المحكي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح العقائد النسفية وَلما نقل عَن بعض الأشاعرة أَنه يَصح أَن يُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِنَاء على أَن الْعبْرَة إِلَى قَوْله إِشَارَة إِلَى بطلَان ذَلِك بقوله والسعيد قد يشقى إِلَى آخِره. حَاصله أَنه يفهم عَمَّا نقل أَن بعض الأشاعرة أَن الْإِيمَان الحالي وَالْكفْر الحالي لَا اعْتِبَار لَهما بِنَاء على أَن الْعبْرَة فيهمَا بالخاتمة على مَا يفهم من قَوْله تَعَالَى فِي حق إِبْلِيس {وَكَانَ من الْكَافرين} . وَمن قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السعيد من سعد فِي بطن أمه والشقي من شقي فِي بطن أمه فَيصح أَن يُقَال أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِنَاء على مَا يفهم من الْآيَة الْكَرِيمَة والْحَدِيث الشريف تفويضا للْإيمَان إِلَى مَشِيئَته تَعَالَى. وَلما لم يكن لَهما دلَالَة على عدم اعْتِبَار الْإِيمَان الحالي وَالْكفْر الحالي بل على أَن الْعبْرَة فِي الْإِيمَان المنجي وَالْكفْر المهلك بالخاتمة فَلَا يَصح ذَلِك القَوْل على الْبناء الْمَذْكُور. فَأَشَارَ إِلَى بطلَان ذَلِك بِأَن الْإِيمَان الحالي سَعَادَة وَالْكفْر الحالي شقاوة. لِأَن الْمُؤمن بِالْإِيمَان يصير من أوليائه تَعَالَى. وَالْكَافِر بِكُفْرِهِ من أعدائه تَعَالَى فَإِذا آمن يكون سعيدا فِي الْحَال بِاعْتِبَار الْأَحْكَام الدُّنْيَوِيَّة. وَكَذَا إِذا كفر يكون شقيا فِي الْحَال بِاعْتِبَار تِلْكَ الْأَحْوَال وكل وَاحِد من هَذِه السَّعَادَة والشقاوة لَيست منوطة بالخاتمة فَلَا يَصح لِلْمُؤمنِ أَن يَقُول أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى بتفويض هَذِه السَّعَادَة أَي الْإِيمَان الحالي إِلَى مَشِيئَته تَعَالَى لوُجُوده فِي الْحَال. فَإِن قيل إِن صِفَاته تَعَالَى لَا تَتَغَيَّر فَكيف تَتَغَيَّر السَّعَادَة بالشقاوة وَبِالْعَكْسِ. قُلْنَا إِن من صِفَاته تَعَالَى الإسعاد والإشقاء أَي تكوين السَّعَادَة والشقاوة لَا السَّعَادَة والشقاوة فَإِنَّهُمَا صفتا العَبْد كسبيتان لَهُ تتغيران فَإِن رجلا لما آمن يكون مُؤمنا سعيدا ثمَّ إِذا كفر وارتد يكون كَافِرًا شقيا. والأشاعرة أَيْضا قَائِلُونَ بِتَغَيُّر هَذِه السَّعَادَة والشقاوة أَي الْإِيمَان الحالي وَالْكفْر الحالي وَلَا يفوضونها إِلَى مَشِيئَته تَعَالَى. فَكيف يَصح قَوْلهم أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِنَاء على أَن الْعبْرَة إِلَى آخِره. وَأما وَصفه تَعَالَى وَهُوَ الإسعاد والإشقاء أَي تكوين السَّعَادَة والشقاوة بِحَسب علمه تَعَالَى فِي الْأَزَل بِأَن خَاتِمَة فلَان تكون السَّعَادَة وخاتمة فلَان تكون بالشقاوة فَلَا تغير فِيهِ أصلا وَإِذا نظرت حق النّظر علمت أَن هَذَا نزاع فِي الْكَلَام. ووفاق فِي المرام. وَعلم الْإِنْشَاء علم يعرف بِهِ محَاسِن التراكيب المنثورة من الْخطب والرسائل ومعانيها من حَيْثُ إِنَّهَا خطب ورسائل. انْتِفَاء اللَّازِم يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمَلْزُوم: لَيْسَ مُطلقًا كَمَا هُوَ عِنْد الْعَوام بل مَخْصُوص باللازم الأولى كَمَا هُوَ عِنْد الْخَواص وَعَلِيهِ مدَار حل شُبْهَة الاستلزام. واللوازم على نَوْعَيْنِ وَإِن أردْت الِاطِّلَاع فَلْتَرْجِعْ إِلَى اللوازم وشبهة الاستلزام. بَاب الْألف مَعَ الْوَاو الأوضاع: هِيَ الْأَحْوَال الَّتِي تحصل للمقدم بِسَبَب اقترانه بالأمور الممكنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الِاجْتِمَاع مَعَه. فَإِذا قُلْنَا كلما كَانَ زيد إنْسَانا كَانَ حَيَوَانا كَانَ مَعْنَاهُ أَن الحيوانية لَازِمَة لكَون زيد إنْسَانا على جَمِيع الأوضاع وَالْأَحْوَال الممكنة الِاجْتِمَاع مَعَه وَتلك الْأَحْوَال هِيَ الأكوان أَي كَون إنسانية زيد مُقَارنَة لقِيَامه وَكَونهَا مُقَارنَة لقعوده وَكَونهَا مُقَارنَة لطلوع الشَّمْس إِلَى غير ذَلِك من الأكوان. وَقَالَ بَعضهم أَن المُرَاد بالأوضاع الْحَاصِلَة للمقدم من الْأُمُور الممكنة الِاجْتِمَاع مَعَه النتائج الْحَاصِلَة من ضم الْمُقدمَة الممكنة الصدْق مَعَ الْمُقدم. فَإِذا قُلْنَا كلما كَانَ زيد إنْسَانا كَانَ حَيَوَانا فالنتيجة الْحَاصِلَة من ضم الْمُقدم أَعنِي زيد إِنْسَان مَعَ قَوْلنَا كل إِنْسَان نَاطِق بِأَن يُقَال زيد إِنْسَان وكل إِنْسَان نَاطِق هِيَ زيد نَاطِق أَي كَونه ناطقا وَقس على هَذَا. وَهَذِه النتيجة تعد وضعا من أوضاع الْمُقدم حَاصِلا من أَمر مُمكن الِاجْتِمَاع مَعَه وَذَلِكَ الْأَمر هُوَ قَوْلنَا كل إِنْسَان نَاطِق كَمَا مر. وَلَا يخفى أَن الذِّهْن لَا ينْتَقل من ذكر الأوضاع إِلَى النتائج الْمَذْكُورَة وَلِهَذَا لم يُفَسر قطب الْعلمَاء فِي شرح الشمسية الأوضاع بِهَذَا التَّفْسِير بل بالأوضاع الَّتِي تحصل للمقدم إِلَى آخِره كَمَا ذكرنَا أَولا. وَحَاصِل مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد قدس سره الشريف الشريف فِي حَوَاشِيه على الشَّرْح الْمَذْكُور أَنه لَا حَاجَة إِلَى تَفْسِير الأوضاع بالنتائج الْمَذْكُورَة لِأَن الْأُمُور الممكنة على التَّفْسِير الْمَذْكُور إِنَّمَا هِيَ القضايا الصَّالِحَة لكبروية الْقيَاس بالانضمام مَعَ الْمُقدم. وَلَا شكّ أَن الْأُمُور الممكنة الِاجْتِمَاع مَعَ الْمُقدم سَوَاء كَانَت قضايا صَالِحَة للكبرى بِالضَّمِّ مَعَه كَقَوْلِنَا كل إِنْسَان نَاطِق أَو لَا كَقَوْلِنَا الشَّمْس طالعة، أَو مُفْردَة كالقيام وَالْقعُود يحصل للمقدم باعتبارها حالات هِيَ كَونه مُقَارنًا لهَذَا الشَّيْء وَلذَلِك الشَّيْء أَو لغَيْرِهِمَا وَهَذِه الْحَالَات مغائرة للاقتران بِتِلْكَ الْأُمُور كَمَا أَن ضرب زيد لعَمْرو يصير مبدأ لضاربية زيد ومضروبية عَمْرو وهما وضعان مغائران للضرب. فالأوضاع هِيَ الْحَالَات الْحَاصِلَة للمقدم بِسَبَب الِاجْتِمَاع مَعَ تِلْكَ الْأُمُور. ثمَّ اعْلَم أَن الأوضاع جمع الْوَضع، فِي الصراح الْوَضع (نهادن بجائي) وَإِنَّمَا اخْتَار المنطقيون فِي بَيَان كُلية الشّرطِيَّة الأوضاع على الْأَحْوَال وَلم يَقُولُوا فِي جَمِيع الْأَزْمَان وَالْأَحْوَال لِأَن الْمُتَبَادر مِنْهُ الْأَحْوَال الْحَاصِلَة فِي نفس الْأَمر بِخِلَاف الأوضاع فَإِنَّهَا تشعر بِالْفَرْضِ وَالِاعْتِبَار حَاصِلَة كَانَت أَو لَا. الأول: فَرد لَا يكون غَيره من جنسه سَابِقًا عَلَيْهِ وَلَا مُقَارنًا لَهُ. وَفِي التَّلْوِيح أَنه أفعل التَّفْضِيل بِدَلِيل الأولى والأوائل كالفضلى والفضائل. وَاعْلَم أَن كَونه اسْم التَّفْضِيل مَذْهَب جُمْهُور الْبَصرِيين حَيْثُ ذَهَبُوا إِلَى أَنه أفعل التَّفْضِيل من (وول) وَالْقِيَاس فِي تأنيثه وَولى كفضلى لكِنهمْ قلبوا الْوَاو الأول همزَة. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ فوعل من وؤل نقلت الْهمزَة إِلَى مَوضِع الْفَاء وتصريفه كتصريف أفعل التَّفْضِيل واستعماله بِمن مُبْطل لهَذَا القَوْل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 فَإِن قلت إِن أَولا لما كَانَ اسْم التَّفْضِيل فَيكون فِيهِ عِلَّتَانِ الوصفية وَوزن الْفِعْل فَمَا وَجه تنوينه فِي بعض استعمالاتهم قُلْنَا إِذا لم ينون فَلَا إِشْكَال وَأما إِذا نون فوجهه أَنه هُنَاكَ ظرف بِمَعْنى قبل فَيكون منصرفا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا وَصفِيَّة فِيهِ أصلا. وَهَذَا مُرَاد مَا قَالَ فِي الصِّحَاح إِذا جعلته صفة لم تصرفه تَقول لَقيته عَاما أول. وَإِذا لم تَجْعَلهُ صفة صرفته تَقول لَقيته عَاما أَولا. وَالْفرق بَين المثالي إِمَّا لفظا فَلِأَنَّهُ فِي الْمِثَال الأول صفة الْعَام. وَفِي الْمِثَال الثَّانِي بدل مِنْهُ ظرف مَحْض مُتَعَلق بلقيته. وَإِمَّا معنى فَلِأَن معنى الْمِثَال الأول لَقيته عَاما أول من هَذَا الْعَام أَي عَاما قبيل هَذَا الْعَام الَّذِي نَحن فِيهِ بِأَن يكون هَذَا الْعَام عَام ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة عَلَيْهِ أفضل الصَّلَوَات والتحيات. وَالْعَام الأول عَام سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف لَا غير. وَمعنى الْمِثَال الثَّانِي لَقيته عَاما سَابِقًا فِي الْجُمْلَة على هَذَا الْعَام بِأَن يكون فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة عَام سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف مثلا. وَيحْتَمل أَن يكون فَوْقه وَفَوق فَوْقه وَهَكَذَا بِأَن يكون عَام سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف مثلا هَكَذَا قيل فِي الْفرق. وَالظَّاهِر أَن الْفرق بَين الْمَعْنيين لَيْسَ إِلَّا بِأَنَّهُ يعْتَبر فِي الْمِثَال الأول فِي هَذَا الْعَام سبقه على الْعَام الْقَابِل وَفِي الْعَام الأول سبقه على الْعَام الْقَابِل وعَلى هَذَا الْعَام أَيْضا. فسبقه زَائِد على سبق هَذَا الْعَام. وَفِي الْمِثَال الثَّانِي لَا يعْتَبر سبق هَذَا الْعَام على الْقَابِل كَذَا ذكر الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله فِي حَوَاشِيه على التَّلْوِيح. الأولي: بسكر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء هُوَ الَّذِي بعد توجه الْعقل إِلَيْهِ لم يفْتَقر إِلَى شَيْء أصلا من حدس أَو تجربة أَو نَحْو ذَلِك كَقَوْلِنَا الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ وَالْكل أعظم من الْجُزْء فَإِن هذَيْن الْحكمَيْنِ لَا يتوقفان إِلَّا على تصور الطَّرفَيْنِ فَهُوَ أخص من الضَّرُورِيّ مُطلقًا. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الأولي هُوَ الْقَضِيَّة البديهية الَّتِي يكون تصور طرفيها مَعَ النِّسْبَة كَافِيا فِي الحكم والجزم وَجمعه الأوليات. فَإِن قيل تصور الطَّرفَيْنِ مَعَ النِّسْبَة فِي قَوْلنَا الْكل أعظم من الْجُزْء لَيْسَ بكاف فِي الحكم والجزم. كَيفَ وَكَون كل كل أعظم من الْجُزْء مَمْنُوع لجَوَاز أَن يكون جُزْء شَيْء أعظم مِنْهُ. أَلا ترى أَنه ورد فِي الحَدِيث أَن الجهنمي ضرسه مثل أحد قُلْنَا الْكل هُوَ الْمَجْمُوع يَعْنِي ضرسه مَعَ سَائِر بدنه لَا مَا سوى الضرس. وَلَا شكّ أَن الْكل أَعنِي بدنه مَعَ ضرسه أعظم من ضرسه فَقَط فالمانع لما لم يتَصَوَّر أحد طرفِي الحكم وَقع فِي الشَّك. الْأَوْدَاج: جمع الودج وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ (شه ركك) وَالْمرَاد بالأوداج فِي قَوْلهم الذّبْح قطع الْأَوْدَاج الودجان والحلقوم والمري على التغليب. الْأَوْسَط: مَا يقْتَرن بقولنَا لِأَنَّهُ كالتغير فِي قَوْلنَا لِأَنَّهُ متغير إِلَى آخِره وَهُوَ الْحَد الْأَوْسَط. وَقد يُطلق على الدَّلِيل وَالْحجّة الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على الدَّعَاوَى. الْأَوْتَاد: جمع الوتد وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ (ميخ) - والأوتاد فِي قَوْلهم أَوْلِيَاء الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أبدال وأوتاد أَرْبَعَة رجال من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى مَنَازِلهمْ على منَازِل الْأَرْبَعَة الْأَركان من الْعَالم الشرق والغرب والجنوب وَالشمَال. أوساط الْمفصل: فِي الْمفصل. الْأُوقِيَّة: وزن من الأوزان. ودر قرابادين قادري أُوقِيَّة هفت ونيم مِثْقَال مرقوم است. أَو: من الْحُرُوف العاطفة إِذا اسْتعْمل فِي النَّفْي فَهُوَ لنفي كل وَاحِد من الْأَمريْنِ إِلَّا إِذا قَامَت قرينَة حَالية أَو مقالية على نفي الْمَجْمُوع. وَإِذا اسْتعْمل الْوَاو العاطفة فِي النَّفْي فلنفي الْمَجْمُوع إِلَّا أَن تدل قرينَة حَالية أَو مقالية على أَنه لشمُول النَّفْي وعمومه. فَالْحَاصِل أَنه إِن قَامَت الْقَرِينَة فِي الْوَاو على شُمُول النَّفْي فَذَلِك وَإِلَّا فَهُوَ لعدم الشُّمُول و (أَو) بِالْعَكْسِ وَانْظُر إِلَى التَّلْوِيح، ليحصل لَك التَّوْضِيح. الأوضح: فِي الْأَشْهر. بَاب الْألف مَعَ الْهَاء الإهانة: (أهانت كردن وكسى رسبك نمودن) . وَفِي الِاصْطِلَاح هِيَ الْأَمر الخارق للْعَادَة الصَّادِر على يَد من يَدعِي النُّبُوَّة الْمُخَالف لما ادَّعَاهُ كَمَا هُوَ الْمَشْهُور عَن مُسَيْلمَة الْكذَّاب أَنه دَعَا لأعور أَن تصير عينه العوراء صَحِيحَة فَصَارَت عينه الصَّحِيحَة عوراء وَغير ذَلِك. وَيُقَال للإهانة التَّكْذِيب أَيْضا وتحقيقها فِي المعجزة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْأَهْوَاء: جمع الْهوى فِي اللُّغَة ميل النَّفس مُطلقًا. وَفِي الِاصْطِلَاح ميل النَّفس إِلَى خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع. وَأهل الْأَهْوَاء كالمعتزلة وَالرَّوَافِض والخوارج وَغير ذَلِك من فرق الضلال فهم الَّذين لَا يكون معتقدهم مُعْتَقد أهل السّنة وَمِنْهُم الجبرية والقدرية وَالرَّوَافِض والخوارج والمعطلة والمشبهة وكل مِنْهُم اثْنَا عشر فرقة فصاروا اثْنَيْنِ وَسبعين. الْأَهْلِيَّة: صَلَاحِية فِي الْإِنْسَان توجب الْحُقُوق الْمَشْرُوعَة لَهُ أَو عَلَيْهِ. أهل الْحق: فِي العقائد النسفية قَالَ أهل الْحق حقائق الْأَشْيَاء ثَابِتَة وَالْعلم بهَا مُتَحَقق خلافًا للسوفسطائية الخ. قَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة الظَّاهِر أَن الْمَقُول مَجْمُوع مَا فِي الْكتاب إِلَى آخِره. وَاعْلَم أَن حَاصِل كَلَامه أَن الْمَقُول إِمَّا عَام أَي مَجْمُوع مَا فِي ذَلِك الْكتاب فَأهل الْحق خَاص أَي أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَإِمَّا خَاص أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 قَوْله حقائق الْأَشْيَاء ثَابِتَة وَالْعلم بهَا مُتَحَقق فَأهل الْحق إِمَّا عَام شَامِل لأهل السّنة وَالْجَمَاعَة والمعتزلة أَيْضا أَي من عدا السوفسطائية لِاتِّفَاق من عَداهَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَو خَاص أَي أهل السّنة فَإِن قيل إِن الْمُعْتَزلَة أَيْضا قَائِلُونَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فهم أَيْضا أهل الْحق فِيهَا قُلْنَا المُرَاد بِأَهْل الْحق حِينَئِذٍ أهل الْحق فِي جَمِيع الْمسَائِل وهم أهل السّنة لَا غير فَإِن قيل مَا وَجه تخصيصهم بِالذكر مَعَ أَن الْمُعْتَزلَة أَيْضا قَائِلُونَ بهَا قُلْنَا الِاعْتِدَاد بقول أهل السّنة وَعدم الِاعْتِدَاد بقول الْمُعْتَزلَة فكأنهم هم الْقَائِلُونَ لَا غير على وزان قَوْلهم (لَا فَتى إِلَّا عَليّ لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار) . أهل السّنة وَالْجَمَاعَة: اعْلَم أَن الإِمَام أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله لما ترك مَذْهَب أستاذه أبي عَليّ الجبائي واشتغل هُوَ وَمن تبعه بِإِبْطَال رَأْي الْمُعْتَزلَة وَإِثْبَات مَا وَردت بِهِ السّنة وَمضى عَلَيْهِ الْجَمَاعَة فسموا أنفسهم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وطريقتهم فِي طَريقَة أهل السّنة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. أهل الخطة: هم الَّذين ملكهم الإِمَام هَذِه الْبقْعَة بعد الْفَتْح وَسموا أهل الخطة لِأَن الإِمَام قسم بَينهم هَذِه الْبقْعَة وَخط نصيب كل وَاحِد مِنْهُم. أهل الدِّيوَان: هم الْجَيْش الَّذين كتب أساميهم فِي الدِّيوَان وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله. وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله أهل الدِّيوَان الْعَشِيرَة أَي الْعصبَة. الإهاب: الْجلد الَّذِي لم يدبغ سَوَاء كَانَ جلد مَا يُؤْكَل أَو مَا لَا يُؤْكَل. وَالْمرَاد بِهِ فِي قَوْلهم كل إهَاب دبغ فقد طهر إِلَّا جلد الْخِنْزِير والآدمي إهَاب الْميتَة أَي غير الْمَذْبُوح وَهُوَ الْأَصَح وَأحسن لِأَن إهَاب الْمَذْبُوح سَوَاء كَانَ مِمَّا يُؤْكَل لَحْمه أَو لَا طَاهِر بِلَا دباغة فَالْمَعْنى كل إهَاب غير الْمَذْبُوح إِذا دبغ يكون طَاهِرا إِلَّا جلدهما. وَقيل المُرَاد بِهِ الْجلد مُطلقًا سَوَاء كَانَ جلد مَذْبُوح أَو ميتَة وَسَوَاء كَانَ جلد مَا يُؤْكَل حلمه أَو لَا كَمَا فِي شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة لأبي المكارم فَافْهَم. الإهلال: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ وَهُوَ كِنَايَة عَن الْإِحْرَام. بَاب الْألف مَعَ الْيَاء التَّحْتِيَّة الأين: فِي الْحَرَكَة الاينية إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الايداع: فِي اللُّغَة تسليط الْغَيْر على حفظ أَي شَيْء كَانَ مَالا أَو غَيره يُقَال أودعت زيدا مَالا واستودعته إِيَّاه إِذا دَفعته للْحِفْظ. وَفِي الشَّرْع الْإِيدَاع تسليط الْغَيْر على حفظ مَاله والمتكلم مُودع ومستودع (بِالْكَسْرِ) فيهمَا وَزيد مُودع ومستودع (بِالْفَتْح) فيهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَكَذَا المَال وَهُوَ وَدِيعَة أَيْضا وَهِي مَا يتْرك عِنْد الْأمين وركنها الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَشَرطهَا كَون المَال قَابلا لإِثْبَات الْيَد ليتَمَكَّن من حفظه حَتَّى لَو أودعهُ الْآبِق أَو المَال السَّاقِط فِي الْبَحْر لَا يَصح. وَكَون الْمُودع مُكَلّفا شَرط لوُجُوب الْحِفْظ عَلَيْهِ وَحكمهَا وجوب الْحِفْظ وصيرورة المَال أَمَانَة عِنْده. وَالْبَاقِي من تَحْقِيق الْوَدِيعَة مُودع فِي الْوَدِيعَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. أَيَّام النَّحْر: ثَلَاثَة أَيَّام من ذِي الْحجَّة الْعَاشِر وَالْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر. أَيَّام التَّشْرِيق: أَيْضا ثَلَاثَة أَيَّام من ذِي الْحجَّة الْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر فَكل من أَيَّام النَّحْر والتشريق يمْضِي بأَرْبعَة أَيَّام أَولهَا نحر لَا غير. وَآخِرهَا تَشْرِيق لَا غير. والمتوسطان نحر وتشريق. وتكبير التَّشْرِيق وَاجِب وَهُوَ أَن تَقول مرّة وَاحِدَة الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد. وَشرط وُجُوبه الْإِقَامَة والمصر وَالصَّلَاة الْمَفْرُوضَة وَالْجَمَاعَة المتسحبة أَي جمَاعَة الرِّجَال. وَوقت أَدَائِهِ عقيب الصَّلَاة بِأَن يكبر مُتَّصِلا بِالسَّلَامِ حَتَّى لَو تكلم أَو أحدث مُتَعَمدا سقط. وشروعه عقيب صَلَاة الْفجْر من يَوْم عَرَفَة وَآخره فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق فَتكون الْجُمْلَة ثَلَاثًا وَعشْرين صَلَاة. وَالْفَتْوَى على قَوْلهمَا. وَمن نسي صَلَاة من أَيَّام التَّشْرِيق فَذكرهَا فِي أَيَّام التَّشْرِيق من تِلْكَ السّنة قَضَاهَا وَكبر وَإِلَّا فَلَا وبالاقتداء تجب على الْمَرْأَة وَالْمُسَافر. وَالْمَرْأَة تخَافت بِالتَّكْبِيرِ. والتشريق فِي اللُّغَة (كوشت خشك كردن) وَإِنَّمَا سمي هَذِه الْأَيَّام بِهَذَا الِاسْم لِأَن الْمسنون أَن يُضحي يَوْم النَّحْر وَيجْعَل اللَّحْم قديدا فِي هَذِه الْأَيَّام. الْإِيصَاء: (وَصِيّ كردانيدن) وَمن أوصى إِلَى زيد وَقبل زيد الْإِيصَاء عِنْد حُضُور الْمُوصي ويعلمه بِهِ فَإِن رد زيد الْإِيصَاء عِنْد الْمُوصي ويعلمه يردد ذَلِك الْإِيصَاء. وَإِن لم يكن الرَّد بِحَضْرَتِهِ وَعلمه لَا يرد. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَان لَا يَنْبَغِي للرجل أَن يقبل الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا على خطر. فقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَن الدُّخُول فِي الْوَصِيَّة أول مرّة غلط وَالثَّانيَِة خِيَانَة وَالثَّالِثَة سَرقَة. وَعَن بعض الْعلمَاء إِن كَانَ الْوَصِيّ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا ينجو عَن الضَّمَان. وَعَن الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا يدخلهَا إِلَّا أَحمَق أَو لص. الْإِيهَام: مصدر أوهم وَهُوَ فِي اللُّغَة الْإخْفَاء وَإِدْخَال شَيْء فِي الْوَهم. وَفِي عرف البديع أَن يُطلق لفظ لَهُ مَعْنيانِ قريب وبعيد وَيُرَاد بِهِ الْبعيد اعْتِمَادًا على قرينَة خُفْيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَيُقَال لَهُ التخييل أَيْضا. ثمَّ الْإِيهَام نَوْعَانِ مُجَرّد ومرشح لِأَن ذَلِك اللَّفْظ إِمَّا أَن لَا يُجَامع شَيْئا مِمَّا يلائم الْمَعْنى الْقَرِيب أَو يُجَامع. الأول: مُجَردا نَحْو قَوْله تَعَالَى: {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} . فَإِنَّهُ أَرَادَ باستوى مَعْنَاهُ الْبعيد وَهُوَ استولى وَلم يقْتَرن بِهِ شَيْء مِمَّا يلائم الْمَعْنى الْقَرِيب الَّذِي هُوَ الِاسْتِقْرَار. وَالثَّانِي موشح: نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد} . فَإِنَّهُ أَرَادَ بأيد مَعْنَاهُ الْبعيد أَعنِي الْقُوَّة وَقد قرن بهَا مَا يلائم الْمَعْنى الْقَرِيب أَعنِي الْجَارِحَة الْمَخْصُوصَة وَهُوَ قَوْله بنيناها وَيُسمى الْإِيهَام تورية أَيْضا. وَقد يذكر الْإِيهَام وَيُرَاد بِهِ الْمَعْنى الْأَعَمّ أَعنِي اسْتِعْمَال لفظ لَهُ مَعْنيانِ وَإِرَادَة أَحدهمَا مُطلقًا كَمَا هُوَ مُتَعَارَف الْعَامَّة فاحفظ. إِيهَام التضاد: هُوَ الْجمع بَين مَعْنيين غير مُتَقَابلين عبر عَنْهُمَا بلفظين يتقابل مَعْنَاهُمَا الحقيقيان كَذَا فِي المطول قيل تَخْصِيص الْمَعْنيين بالحقيقيين لَيْسَ على مَا يَنْبَغِي فَإِنَّهُ يجوز أَن يجْرِي فِي الْمَعْنيين المجازيين الْمَشْهُورين أَقُول التَّخْصِيص مَبْنِيّ على تتبع كَلَام البلغاء فدعوى الْجَوَاز بِلَا شَاهد غير مسموعة على أَنه يحْتَمل أَن يُرَاد بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيّ مَا يتَنَاوَل الْمجَازِي المشهوري أَيْضا مِثَال الْإِيهَام الْمَذْكُور قَول الشَّاعِر. (لَا تعجبي يَا سلم من رجل ... ضحك المشيب بِرَأْسِهِ فَبكى) يَعْنِي لَا تعجبي يَا سلمى من رجل ظهر المشيب ظهورا تَاما على رَأسه فَبكى ذَلِك الرجل فَإِنَّهُ لَا تقَابل بَين الْبكاء وَظُهُور المشيب لكنه عبر عَن ظُهُور المشيب بالضحك الَّذِي يكون مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ مضادا لِمَعْنى الْبكاء. وَقد عرفت من هَذَا الْبَيَان إِن سلم ترخيم سلمى فَافْهَم. أَيَّام السّنة: فِي الْكسر إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَمَا أَن. أَيَّام الشُّهُور: فِي لَا ولالب الخ. الْإِيمَان: بِالْفَتْح جمع الْيَمين. وبالكسر فِي اللُّغَة التَّصْدِيق مُطلقًا وَهُوَ مصدر من بَاب الْأَفْعَال من الْأَمْن والهمزة للصيرورة أَو للتعدية بِحَسب الأَصْل. كَأَن الْمُصدق صَار ذَا أَمن من أَن يكون مكذوبا أَو جعل الْغَيْر آمنا من التَّكْذِيب والمخالفة فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ. وَقد يعدى بِالْبَاء بِاعْتِبَار معنى الِاعْتِرَاف وَالْإِقْرَار كَقَوْلِه تَعَالَى {آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه والمؤمنون} . وباللام بِاعْتِبَار معنى الاذعان وَالْقَبُول كَقَوْلِه تَعَالَى: {مَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا صَادِقين} وَلَيْسَ المُرَاد بالتصديق إِيقَاع نِسْبَة الصدْق إِلَى الْخَبَر والمخبر فِي الْقلب بِدُونِ الإذعان وَالْقَبُول بِأَن تَقول هَذَا الْخَبَر صَادِق أَو أَنْت صَادِق من غير إذعان وَقبُول بل المُرَاد بِهِ التَّصْدِيق المنطقي الْمُقَابل للتصور أَي إذعان النِّسْبَة الْمعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (بكرويدن) فالإيمان فِي اللُّغَة هُوَ اذعان النِّسْبَة مُطلقًا. وَفِي الشَّرْع فِي مُسَمَّاهُ اخْتِلَاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ذهب بَعضهم إِلَى أَنه بسيط. وَالْآخر إِلَى أَنه مركب. وَفِي القائمين فِي بساطته اخْتِلَاف. قَالَ بَعضهم إِنَّه تَصْدِيق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْقَلْبِ فِي جَمِيع مَا علم بِالضَّرُورَةِ مَجِيئه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهِ من عِنْد الله إِجْمَالا فِيمَا علم إِجْمَالا وتفصيلا فِيمَا علم تَفْصِيلًا أَي تَصْدِيقه وإذعانه فِيمَا اشْتهر كَونه من الَّذين بِحَيْثُ يُعلمهُ الْعَامَّة من غير افتقار إِلَى نظر واستدلال كوحدة الصَّانِع - وَوُجُوب الصَّلَاة - وَحُرْمَة الْخمر - وَنَحْو ذَلِك وَيَكْفِي الْإِجْمَال فِيمَا يُلَاحظ إِجْمَالا وَيشْتَرط التَّفْصِيل فِيمَا يُلَاحظ تَفْصِيلًا حَتَّى لَو لم يصدق بِوُجُوب الصَّلَاة عِنْد السُّؤَال عَنهُ وبحرمة الْخمر عِنْد السُّؤَال عَنْهَا كَانَ كَافِرًا. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَعَلِيهِ جُمْهُور الْمُحَقِّقين وَهُوَ مُخْتَار الشَّيْخ أبي الْمَنْصُور الماتريدي رَحمَه الله فالإيمان عِنْدهم بسيط لِأَنَّهُ عبارَة عَن التَّصْدِيق الْمَذْكُور فَقَط وَالْإِقْرَار لَيْسَ بِشَرْط لأصل الْإِيمَان بل لإجراء الاحكام فِي الدُّنْيَا من ترك الْجِزْيَة وَالصَّلَاة عَلَيْهِ والدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين والمطالبة بالعشر وَالزَّكَاة فَمن صدق بِقَلْبِه وَلم يقر بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤمن عِنْد الله تَعَالَى وَإِن لم يكن مُؤمنا فِي أَحْكَام الدُّنْيَا. وَمن أقرّ بِلِسَانِهِ وَلم يقر بِقَلْبِه كالمنافق فبالعكس. وَإِنَّمَا جعلُوا الْإِقْرَار شرطا لإجراء الْأَحْكَام الْمَذْكُورَة لِأَن الْإِيمَان الَّذِي هُوَ التَّصْدِيق القلبي أَمر مبطن لَا بُد لَهُ من عَلامَة تدل عَلَيْهِ لإجراء أَحْكَامه. وَلَا يذهب عَلَيْك أَن التَّصْدِيق الإيماني هُوَ التَّصْدِيق المنطقي بِعَيْنِه بل بَينهمَا فرق بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَن التَّصْدِيق المنطقي هُوَ الإذعان وَالْقَبُول بِالنِّسْبَةِ بَين الشَّيْئَيْنِ مُطلقًا والتصديق الإيماني هُوَ أخص بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق أَي التَّصْدِيق بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْإِيمَان فِي الشَّرْع مَنْقُول إِلَى التَّصْدِيق الْخَاص بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق. وَثَانِيهمَا: إِن التَّصْدِيق المنطقي هُوَ الإذعان وَالْقَبُول بِالنِّسْبَةِ مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ حَاصِلا بِالْكَسْبِ وَالِاخْتِيَار أَو لَا. بِخِلَاف التَّصْدِيق الإيماني فَإِنَّهُ الإذعان وَالْقَبُول بِالنِّسْبَةِ بَين الْأُمُور الْمَخْصُوصَة بِالْكَسْبِ وَالِاخْتِيَار حَتَّى لَو وَقع ذَلِك فِي الْقلب من غير اخْتِيَار لم يكن إِيمَانًا. فَمن شَاهد المعجزة فَوَقع فِي قلبه صدق النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بَغْتَة فَإِنَّهُ لَا يُقَال فِي اللُّغَة أَنه صدق وَأَيْضًا لَا يكون مُؤمنا شرعا بل يكون مُكَلّفا بتحصيل ذَلِك الإذعان بِالِاخْتِيَارِ فالتصديق الإيماني أخص مُطلقًا من التَّصْدِيق المنطقي الْمُقَابل للتصور بِاعْتِبَار مُتَعَلّقه ولكونه مُقَيّدا بِالْكَسْبِ وَالِاخْتِيَار دون التَّصْدِيق المنطقي. وَكَيف لَا يكون مُقَيّدا بِالْكَسْبِ وَالِاخْتِيَار فَإِن الْإِيمَان مَأْمُور ومكلف بِهِ فَلَو لم يكن اخْتِيَارا لما صَحَّ التَّكْلِيف بِهِ. فَإِن قلت إِن الْإِيمَان تَصْدِيق والتصديق من قسمي الْعلم الَّذِي من الكيفيات النفسانية دون الْأَفْعَال الاختيارية فَلَا يَصح التَّكْلِيف بِهِ لِأَن الْمُكَلف بِهِ لَا بُد أَن يكون فعلا اختياريا قُلْنَا لَا نسلم أَن الْمُكَلف بِهِ لَا يكون إِلَّا فعلا اختياريا فَإِن التَّكْلِيف بالشَّيْء على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: التَّكْلِيف بِحَسب نفس ذَلِك الشَّيْء وَهُوَ يَقْتَضِي أَن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 نَفسه مِمَّا تتَعَلَّق بِهِ الْقُدْرَة الْحَادِثَة كالضرب بِالْمَعْنَى المصدري وَهَذَا الشَّيْء لَا يكون إِلَّا فعلا اختياريا. وَالثَّانِي: التَّكْلِيف بالشَّيْء بِحَسب التَّحْصِيل وَهُوَ يَقْتَضِي أَن يكون تَحْصِيله مِمَّا تتَعَلَّق بِهِ الْقُدْرَة. وَذَلِكَ بِأَن يكون الْأَسْبَاب المفضية إِلَيْهِ مقدورة سَوَاء كَانَ نَفسه مَقْدُورًا أَو لَا إِذْ قد يكون الشَّيْء بِحَسب ذَاته غير مَقْدُور وَبِاعْتِبَار تَحْصِيله مَقْدُورًا كالتسخن والتبرد وَالْإِيمَان كَذَلِك فَإِن نَفسه وَإِن كَانَ لَيْسَ مَقْدُورًا اختياريا لَكِن تَحْصِيله فعل اخْتِيَاري فالتكليف بِهِ لَيْسَ إِلَّا بِحَسب تَحْصِيله بِالِاخْتِيَارِ فِي مُبَاشرَة الْأَسْبَاب وَصرف النّظر وَرفع الْمَوَانِع وَنَحْو ذَلِك وَالْعَمَل بالأركان لَيْسَ جُزْء الْإِيمَان على هَذَا الْمَذْهَب أَيْضا كَمَا أَن الْإِقْرَار لَيْسَ بِجُزْء مِنْهُ. وَمذهب الرقاشِي وَالْقطَّان أَن الْإِيمَان بسيط لِأَنَّهُ الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ فَقَط بِتَصْدِيق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي جَمِيع مَا جَاءَ بِهِ من عِنْد الله تَعَالَى لَكِن لَيْسَ الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار الْمَذْكُور مُطلقًا عِنْدهمَا بل بِشَرْط مواطأة الْقلب. ثمَّ إِن الرقاشِي يشْتَرط مَعَ الْإِقْرَار الْمَذْكُور الْمعرفَة القلبية حَتَّى لَا يكون الْإِقْرَار بِدُونِهَا إِيمَانًا عِنْده. وَالْقطَّان يشْتَرط مَعَه التَّصْدِيق المكتسب بِالِاخْتِيَارِ وَصرح بِأَن الْإِقْرَار الْخَالِي عَن التَّصْدِيق المكتسب لَا يكون إِيمَانًا وَعند اقترانه بِهِ يكون الْإِيمَان عِنْده هُوَ الْإِقْرَار فَقَط. وَذهب الكرامية أَيْضا إِلَى بساطة الْإِيمَان لِأَنَّهُ عِنْدهم أَيْضا الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ فَقَط لَكِن بِدُونِ اشْتِرَاط الْمعرفَة أَو التَّصْدِيق المكتسب حَتَّى أَن من أضمر الْكفْر وَأظْهر الْإِيمَان يكون مُؤمنا إِلَّا أَنه يسْتَحق الخلود فِي النَّار. وَمن أضمر الْإِيمَان وَلم يتَحَقَّق مِنْهُ الْإِقْرَار لَا يسْتَحق الْجنَّة. وَفِي الْقَائِلين بتركيب الْإِيمَان أَيْضا اخْتِلَاف. قَالَ بَعضهم أَنه مركب من التَّصْدِيق الْمَذْكُور وَالْإِقْرَار بِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مركب من أَمريْن لَكِن الْأَمر الأول: أَعنِي الإذعان الْمَذْكُور ركن لَازم لَا يحْتَمل السُّقُوط أصلا. وَالْأَمر الثَّانِي: أَعنِي الْإِقْرَار المسطور ركن غير لَازم يحْتَمل السُّقُوط كَمَا فِي حَالَة الْإِكْرَاه وَهُوَ الْمَنْقُول عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى ومشهور من أَصْحَابه وَكثير من الأشاعرة. وَفِي شرح الْمَقَاصِد فعلى هَذَا من صدق بِقَلْبِه وَلم يتَّفق لَهُ الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ فِي عمره مرّة لَا يكون مُؤمنا عِنْد الله تَعَالَى وَلَا يسْتَحق دُخُول الْجنَّة وَلَا النجَاة من الخلود فِي النَّار. ثمَّ الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ قَادِرًا وَترك التَّكَلُّم لَا على وَجه الأباء إِذْ الْعَاجِز كالأخرس مُؤمن اتِّفَاقًا. والمصر على عدم الْإِقْرَار مَعَ الْمُطَالبَة بِهِ كَافِر وفَاقا لكَون ذَلِك من إمارات عدم التَّصْدِيق. وَلِهَذَا أطبقوا على كفر أبي طَالب. وَإِن كابرت الروافض غير متأملين فِي أَنه كَانَ أشهر أعمام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَكْثَرهم اهتماما بِشَأْنِهِ وأوفرهم حرصا من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على إيمَانه فَكيف اشْتهر حَمْزَة وَالْعَبَّاس وشاع على رُؤُوس المنابر فِيمَا بَين النَّاس وَورد فِي بابهما الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة وَكثر مِنْهُمَا المساعي المشكورة دون أبي طَالب انْتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وَقَالَ بَعضهم إِن مُسَمّى الْإِيمَان هُوَ مَجْمُوع التَّصْدِيق الْمَذْكُور وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بالأركان فَهُوَ حِينَئِذٍ مركب من ثَلَاثَة أُمُور. وَهَذَا مَذْهَب جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين والمحدثين وَالْفُقَهَاء والمعتزلة والخوارج إِلَّا أَن جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين والمحدثين وَالْفُقَهَاء لم يجْعَلُوا الْعَمَل بالأركان ركنا لأصل الْإِيمَان بل للْإيمَان الْكَامِل فتارك الْعَمَل عِنْدهم مُؤمن وَلَيْسَ بِمُؤْمِن كَامِل. فَإِنَّهُم ذَهَبُوا إِلَى أَن تَارِك الْعَمَل لَيْسَ بِخَارِج عَن الْإِيمَان ودخوله فِي الْجنَّة وَعدم خلوده فِي النَّار مقطوعان. وَعند الْخَوَارِج والمعتزلة الْعَمَل ركن لأصل الْإِيمَان فتارك الْعَمَل خَارج عَن الْإِيمَان وداخل فِي الْكفْر عِنْد الْخَوَارِج وَغير دَاخل فِي الْكفْر عِنْد الْمُعْتَزلَة لأَنهم قَائِلُونَ بالمنزلة بَين المنزلتين. ثمَّ الْمُعْتَزلَة اخْتلفُوا فِيمَا بَينهم فِي الْأَعْمَال فَعِنْدَ أبي عَليّ وَابْنه أبي هَاشم الْأَعْمَال فعل الْوَاجِبَات وَترك الممنوعات. وَعند أبي الْهُذيْل وَعبد الْجَبَّار فعل الطَّاعَات وَاجِبَة كَانَت أَو مَنْدُوبَة فعلى أَي حَال لَا يخرج مُسَمّى الْإِيمَان الشَّرْعِيّ عَن فعل الْقلب وَفعل الْجَوَارِح سَوَاء كَانَ فعل اللِّسَان وَهُوَ الْإِقْرَار أَو غير فعل اللِّسَان وَهُوَ الْعَمَل بالطاعات. وَوجه الضَّبْط أَن مُسَمّى الْإِيمَان الشَّرْعِيّ إِمَّا بسيط أَو مركب. وعَلى الأول إِمَّا تَصْدِيق فَقَط بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِي وَهُوَ الْمُخْتَار. أَو إِقْرَار بِاللِّسَانِ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَط بِشَرْط مواطأة الْقلب وَهُوَ مَذْهَب الرقاشِي وَالْقطَّان. أَو بِدُونِ اشْتِرَاط تِلْكَ المواطأة وَهُوَ مَذْهَب الكرامية. وعَلى الثَّانِي إِمَّا مركب من أَمريْن أَي التَّصْدِيق الْمَذْكُور وَالْإِقْرَار وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَكثير من الأشاعرة. أَو مركب من ثَلَاثَة أُمُور الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين وَالْعَمَل بالأركان. ثمَّ الْعَمَل بالأركان إِمَّا جُزْء للْإيمَان الْكَامِل وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين والمحدثين وَالْفُقَهَاء الشَّافِعِي رَحِمهم الله فالنزاع بَيْننَا وَبينهمْ لَفْظِي. وَإِمَّا جُزْء لأصل الْإِيمَان وَهُوَ مَذْهَب الْخَوَارِج والمعتزلة. وَالْفرق بَينهمَا لَيْسَ إِلَّا فِي الْأَحْكَام الأخروية كَمَا مر فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. (ف (19)) . الْإِيمَاء: إِلْقَاء الْمَعْنى فِي النَّفس بخفاء وَسُرْعَة. الإيقان: بالشَّيْء هُوَ الْعلم اليقيني بِحَقِيقَة ذَلِك الشَّيْء بعد النّظر وَالِاسْتِدْلَال وَالله تَعَالَى لَا يُوصف بِهِ لِأَنَّهُ منزه عَن النّظر لِأَن علمه تَعَالَى بِجَمِيعِ المعلومات حضوري. الْإِيلَاء: فِي اللُّغَة الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى أَو بِغَيْرِهِ من الطَّلَاق أَو الْعتاق أَو الْحَج أَو غير ذَلِك. مصدر آلَيْت على كَذَا إِذا حَلَفت عَلَيْهِ فأبدلت الْهمزَة يَاء أَو الْيَاء همزَة. وتعديته بِمن فِي الْقسم على قرْبَان الْمَرْأَة لتضمين معنى الْبعد كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَالَّذين يولون من نِسَائِهِم} وَفِي الشَّرْع هُوَ الْحلف على ترك قرْبَان الْمَنْكُوحَة حرَّة أَو أمة فِي مدَّته وَهِي أَرْبَعَة أشهر أَو أَكثر إِن كَانَت حرَّة. وشهرين إِن كَانَت أمة مثل وَالله لَا أقْربك أَرْبَعَة أشهر أَو شَهْرَيْن. أَو وَالله لَا أقْربك فَإِن وطئ الْمولي فِي الْمدَّة كفر إِن كَانَ يَمِينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 بِاللَّه تَعَالَى. وَإِن كَانَ لغيره فَمَا جعل جَزَاء على الْحِنْث وَقع وَسقط الْإِيلَاء حَتَّى لَو مَضَت الْمدَّة لَا يَقع الطَّلَاق. وَإِن لم يطَأ فِي الْمدَّة وَمَضَت بَانَتْ بتطليقة وَاحِدَة وَسقط الْيَمين بَعْدَمَا بَانَتْ لَو حلف على أَرْبَعَة أشهر وَبقيت الْيَمين بَعْدَمَا بَانَتْ لَو حلف على الْأَبَد بِأَن قَالَ لَا أقْربك أبدا. أَو حلف من غير تَقْيِيد بِأَن قَالَ وَالله لَا أقْربك وَلم يقل بعده أبدا فَفِي صُورَة الْأَبَد لَو نَكَحَهَا ثَانِيًا وثالثا وَمَضَت المدتان بِلَا قرْبَان تكون مُطلقَة بتطليقتين أُخْرَيَيْنِ فَتحرم عَلَيْهِ حُرْمَة مُغَلّظَة. فَإِن نَكَحَهَا بعد الحلالة وَمَضَت الْمدَّة بِلَا قربانها لم تطلق بالإيلاء لارتفاعه فَإِن الزَّائِد على الثَّلَاث لَيْسَ فِي ملكه وَإِمَّا لَو وَطئهَا بعد زوج آخر يلْزمه الْكَفَّارَة لبَقَاء الْيَمين فِي حق الْكَفَّارَة وَإِن لم يبْق فِي حق الطَّلَاق. وَأما الْحلف على ترك قربانها فِي الْأَقَل من المدتين فَلَيْسَ بإيلاء بل يَمِين فَقَط. فالإيلاء على مَا فسرنا هُوَ نفس الْيَمين كَمَا فِي الْمُتُون المتداولة. وَفِي فَتَاوَى قاضيخان وَالنِّهَايَة إِن الْإِيلَاء منع النَّفس عَن قرْبَان الْمَنْكُوحَة منعا مؤكدا بِالْيَمِينِ بِاللَّه تَعَالَى أَو بِغَيْرِهِ من الطَّلَاق وَنَحْوه مُطلقًا أَو موقتا بالمدة فالمولي من لَا يُمكن لَهُ قرْبَان امْرَأَته أَي من كَانَ مَمْنُوعًا عَن وَطئهَا بِالْيَمِينِ أَو بِغَيْرِهِ. والمناسبة بَين الْإِيلَاء وَالطَّلَاق أَن الطَّلَاق كَمَا هُوَ سَبَب الْحُرْمَة وَالرَّجْعَة رَافِعَة لَهَا كَذَلِك الْإِيلَاء سَبَب الْحُرْمَة والفيء رَافِعَة لَهَا وَلِهَذَا يذكر الْإِيلَاء عقيب الطَّلَاق. والفيء الرُّجُوع إِلَيْهَا وفيء الْمولى الوطىء إِن قدر عَلَيْهِ وَإِلَّا أَن يَقُول فئت إِلَيْهَا. الْإِيجَاب: الْإِلْزَام وإيقاع النِّسْبَة، وَالْمرَاد بِهِ فِي قَول الْفُقَهَاء بِإِيجَاب وَقبُول الْكَلَام الَّذِي تكلم بِهِ أَولا أحد الْعَاقِدين ناكحا كَانَ أَو مَنْكُوحَة بايعا كَانَ أَو مُشْتَريا، وَالْقَبُول فِي الْكَلَام الَّذِي تكلم بِهِ ثَانِيًا وَإِنَّمَا سمي إِيجَابا إِذْ بِهِ يجب الْجَواب على الآخر. وَالْمرَاد بِهِ فِي قَول الْحُكَمَاء أَن الإحراق صادر عَن النَّار بِالْإِيجَابِ أَن الإحراق لَازم لَهَا صادر عَنْهَا بِلَا قصد وَإِرَادَة. وَلَيْسَ مُرَاد الْحُكَمَاء بِالْإِيجَابِ فِي قَوْلهم إِن الْعقل الأول صادر عَنهُ تَعَالَى بِالْإِيجَابِ هَذَا الْمَعْنى فَإِنَّهُ كَمَال نقص فِي علو جنابه الْمُقَدّس بل المُرَاد بِهِ مَا سَيَأْتِي فِي الْقُدْرَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الإيجاد: إِعْطَاء الْوُجُود. (ف (20)) . وَفِي الإشارات إِشَارَة إِلَى أَن الإيجاد يرادف الإبداع كَمَا مرت إِلَيْهِ الْإِشَارَة فِي الإبداع. الإيجاز: أَدَاء الْمَقْصُود بِأَقَلّ من الْعبارَة المتعارفة ويقابله الْأَطْنَاب. الإيغال: بالغين الْمُعْجَمَة من أوغل فِي الْبِلَاد إِذا أبعد فِيهَا وَبَالغ. وَمِنْه التوغل وَعند عُلَمَاء الْمعَانِي هُوَ ختم الْبَيْت بِمَا يُفِيد نُكْتَة يتم الْمَعْنى بِدُونِهَا كزيادة الْمُبَالغَة فِي قَول الخنساء فِي مرثية أَخِيهَا صَخْر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 (وَإِن صخرا لتأتم الهداة بِهِ ... كَأَنَّهُ علم فِي رَأسه نَار) فَإِن قَوْلهَا كَأَنَّهُ علم واف بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ تشبيهه بِمَا هُوَ مَعْرُوف بالهداية لَكِنَّهَا أَتَت بقولِهَا فِي رَأسه نَارا يغالا وَزِيَادَة للْمُبَالَغَة وتأتم أَي تقتدي. الْإِيَاس: (نوميد شدن ونوميد شدن زن از زائيدن) وَفِي مدَّته اخْتِلَاف وَفِي الْفَتَاوَى (عالمكيري) إِنَّه مُقَدّر بِخمْس وَخمسين سنة كَمَا مر فِي الآيسة. الْإِيمَان لَا يزِيد وَلَا ينقص: لِأَن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق القلبي الَّذِي بلغ حد الْجَزْم والإذعان وَلَا تتَصَوَّر فِيهِ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان. وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي شرح العقائد وَمن ذهب إِلَى أَن الْأَعْمَال جُزْء من الْإِيمَان فقبوله الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان ظَاهر. وَلِهَذَا قيل إِن هَذِه الْمَسْأَلَة فرع مَسْأَلَة كَون الطَّاعَات من الْإِيمَان انْتهى والذاهب إِلَيْهِ الْخَوَارِج والمعتزلة. وَهَا هُنَا اعْتِرَاض مَشْهُور تَقْرِيره أَن كَون الْأَعْمَال جُزْءا من الْإِيمَان يُنَافِي زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه بهَا فَإِن زِيَادَة الشَّيْء عبارَة عَن قبُوله أمرا زَائِدا على ماهيته فَإِذا كَانَت الْأَعْمَال جزاءا من حَقِيقَة الْإِيمَان فَيكون تَمام ماهيته بهَا فَكيف يتَصَوَّر قبُول الْإِيمَان زِيَادَة على ماهيته بِالْأَعْمَالِ فَإِن انْتِفَاء الْجُزْء يسْتَلْزم انْتِفَاء الْكل فَلَا مزية على كل أَجزَاء الْمَاهِيّة. وَكَذَا نُقْصَان الشَّيْء عبارَة عَن تحَققه نَاقِصا وَلَا تحقق لكل عِنْد انْتِفَاء جزئه فَلَا يتَصَوَّر نُقْصَان الْإِيمَان بِنُقْصَان الْأَعْمَال. وَالْجَوَاب أَن الْأَعْمَال جُزْء وقوعي لَا شَرْعِي لينتفي الْإِيمَان بانتفاءها. وَحَاصِل الْجَواب مَا قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله أَن الْأَعْمَال لَيست مِمَّا جعله الشَّارِع جُزْءا من الْإِيمَان حَتَّى يَنْتَفِي بانتفائها بل هِيَ تقع جُزْءا مِنْهُ إِن وجدت فَمَا لم يُوجد فالإيمان هُوَ التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار وَإِذا وجدت كَانَت دَاخِلَة فِي الْإِيمَان فيزيد الْإِيمَان على مَا كَانَ قبل الْأَعْمَال انْتهى. وَلَا يخفى على المتنبه أَنه يُنَافِي مَذْهَب الْخَوَارِج والمعتزلة فَإِن الْخَوَارِج ذَهَبُوا إِلَى أَن تَارِك الْأَعْمَال كَافِر خَارج عَن الْإِيمَان دَاخل فِي الْكفْر. والمعتزلة إِلَى أَنه خَارج عَن الْإِيمَان وَلَيْسَ بداخل فِي الْكفْر لإثباتهم الْمنزلَة بَين المنزلتين فَافْهَم. وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ وَكثير من الْمُتَكَلِّمين أَن هَذَا الْبَحْث أَعنِي أَن الْإِيمَان يزِيد وَينْقص أَولا بحث لَفْظِي لِأَنَّهُ فرع تَفْسِير الْإِيمَان فَمن فسره بالتصديق فَلَا يَقُول بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان. وَمن فسره بِالْأَعْمَالِ وَحدهَا أَو مَعَ التَّصْدِيق فَيَقُول بهما. الْإِيمَان والاسلام وَاحِد: قَالَ بعض المشائخ أَن بَينهمَا اتحادا فِي الْمَفْهُوم فهما مُتَرَادِفَانِ. وَقَالَ بَعضهم أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِحَسب الْمَفْهُوم ومتحدان فِي الصدْق وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 يَنْفَكّ أَحدهمَا عَن الآخر فَلَيْسَ بَينهمَا غيرية اصطلاحية. قَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي شرح الْمَقَاصِد الْجُمْهُور على أَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَاحِد إِذْ معنى آمَنت بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صدقته وَمعنى أسلمت لَهُ سلمته وَلَا يظْهر بَينهمَا كثير فرق لرجوعهما إِلَى معنى الِاعْتِرَاف والانقياد والإذعان وَالْقَبُول. وَبِالْجُمْلَةِ لَا يعقل بِحَسب الشَّرْع مُؤمن لَيْسَ بِمُسلم أَو مُسلم لَيْسَ بِمُؤْمِن. وَهَذَا مُرَاد الْقَوْم بترادف الاسمين واتحاد الْمَعْنى وَعدم التغاير. وَقَالَ فِي شرح العقائد النسفية لِأَن الْإِسْلَام هُوَ الخضوع والانقياد بِمَعْنى قبُول الْأَحْكَام والاذعان وَذَلِكَ حَقِيقَة التَّصْدِيق على مَا مر وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى: {فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} انْتهى. وَقَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة أَي لم نجد فِي قَرْيَة لوط إِلَى قَوْله وليلائم كلمة من انْتهى. وَحَاصِله على مَا حررناه فِي التعليقات أَن كلمة غير فِي هَذَا الْآيَة الْكَرِيمَة إِن كَانَت صفة فَيكون الْمَعْنى فَمَا وجدنَا فِيهَا بَيْتا أَو أحدا غير بَيت من الْمُسلمين فَيلْزم الْكَذِب من ثَلَاثَة وُجُوه. الأول: أَنه كَانَت الْكفَّار فِي تِلْكَ الْقرْيَة أَيْضا. وَالثَّانِي: أَنه كَانَت فِيهَا بيُوت لَا بَيت وَاحِد. وَالثَّالِث: أَن كلمة من للْبَيَان لِأَن الظَّاهِر أَنَّهَا بَيَانِيَّة ليلائم السَّابِق. وَأَن يحْتَمل الزِّيَادَة. وَيجوز أَيْضا أَن تكون صلَة لمقدر أَي كَائِنا من الْمُسلمين فتدل على أَن الْمُبين بِالْكَسْرِ من جنس الْمُبين بِالْفَتْح وَالْبَيْت لَيْسَ من جنس الْمُسلمين فَلَا بُد أَن يحمل الْغَيْر على الِاسْتِثْنَاء وَحِينَئِذٍ إِن كَانَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ عَاما فالمحذور على حَاله لِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ فَمَا وجدنَا شَيْئا إِلَّا بَيْتا من الْمُسلمين فَالْوَاجِب أَن يقدر الْمُسْتَثْنى مِنْهُ خَاصّا أَي أحدا من الْمُؤمنِينَ وَحِينَئِذٍ عدم صِحَة الِاسْتِثْنَاء ظَاهر لِأَن الْمَعْنى فَمَا وجدنَا أحدا من الْمُؤمنِينَ إِلَّا بَيْتا من الْمُسلمين لِأَن الْمُسْتَثْنى حِينَئِذٍ غير دَاخل فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. إِن قلت أَن الْمُسْتَثْنى مُنْقَطع فَأَقُول إِن الِاسْتِثْنَاء فِي الْمُتَّصِل أصل وَحَقِيقَة دون الْمُنْقَطع وَلَا بُد لَهُ أَن يكون الْمُسْتَثْنى من جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مَعَ أَنه لَا يَصح أَن يكون قَوْله تَعَالَى: {من الْمُسلمين} بَيَانا للبيت لما مر فَلَا بُد من تَقْدِير الْمُضَاف أَي أهل بَيت من الْمُسلمين لِئَلَّا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور وليلائم كلمة من فِي قَوْله تَعَالَى: {من الْمُؤمنِينَ} فَقَوله لِكَثْرَة بيُوت الْبيُوت وَالْكفَّار تَعْلِيل لحمل كلمة غير على الِاسْتِثْنَاء وَتَقْدِير الْمُسْتَثْنى مِنْهُ خَاصّا وَقَوله ليلائم تَعْلِيل لكَون المُرَاد بِالْبَيْتِ أهل الْبَيْت وَإِن كَانَ لحذف الْمُضَاف وَجه آخر يَقْتَضِي عدم صِحَة الْمُسْتَثْنى الْمُتَّصِل فالمجموع تَعْلِيل لقَوْله وَإِنَّمَا قُلْنَا كَذَلِك وَإِن كَانَ تكْرَار لَام التَّعْلِيل مشعرا بِكَوْن كل مِنْهُمَا وَجها مُسْتقِلّا لِأَن قَوْله لِكَثْرَة الْبيُوت وَالْكفَّار لَا يدل على أَن المُرَاد بِالْبَيْتِ أهل الْبَيْت وَقَوله ليلائم لَا يدل على كَون كلمة غير للاستثناء وَكَون الْمُسْتَثْنى مِنْهُ خَاصّا فَلَا يكون كل مِنْهُمَا وَجها مُسْتقِلّا لاثبات التَّقْدِير الْمَذْكُور هَكَذَا فِي الْحَوَاشِي الحكيمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ: فَإِن قيل قَوْله تَعَالَى: (وَقَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا} إِلَى آخِره مُعَارضَة فِي الْمَطْلُوب أَعنِي الِاتِّحَاد الْمَفْهُوم من قَول النَّسَفِيّ الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَاحِد وَقَوله فَإِن قيل قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْإِسْلَام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَى آخِره مُعَارضَة فِي مُقَدّمَة الدَّلِيل على الْمَطْلُوب الْمَذْكُور أَعنِي لِأَن الْإِسْلَام هُوَ الخضوع والانقياد. وَقَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة فَلَا يرد السُّؤَال على المشائخ إِلَى آخِره أَي فَلَا يرد السُّؤَال على المشائخ الْقَائِلين باتحاد الْإِيمَان وَالْإِسْلَام بِهَذَا الدَّلِيل يَعْنِي لِأَن الْإِسْلَام هُوَ الخضوع إِلَى آخِره فَإِن مُرَادهم باتحادهما بِحَسب الْمَفْهُوم كَمَا يدل عَلَيْهِ قَول الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى وَذَلِكَ حَقِيقَة التَّصْدِيق لِأَنَّهُ يدل على أَن الْإِسْلَام يرادف التَّصْدِيق لَا أَنه يستلزمه فهما مُتَرَادِفَانِ وَلَيْسَ المُرَاد بالمشائخ هَا هُنَا المشائخ الْقَائِلين باتحادهما فِي الصدْق وتغايرهما فِي الْمَفْهُوم حَيْثُ قَالَ وَظَاهر كَلَام المشائخ أَنهم أَرَادوا إِلَى آخِره وعَلى هَذَا مدَار قَوْله على أَن فِيهِ أَي فِي هَذَا الْجَواب غفولا عَن تَوْجِيه الْكَلَام وَهُوَ أَن الْإِسْلَام هُوَ الخضوع والانقياد وَذَلِكَ حَقِيقَة التَّصْدِيق وَهَذَا الْكَلَام صَرِيح فِي الترادف والموجه أَي الْمُجيب قد تحقق عَن مرام هَذَا الْكَلَام. وَوجه بالاستلزام. وَعدم انفكاك أَحدهمَا عَن الآخر فِي الصدْق دون الترادف. وَعَلَيْك: أَن تعلم أَن مُرَاد النَّسَفِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بقوله الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَاحِد الترادف كَمَا هُوَ الظَّاهِر وَلِهَذَا علله بقوله لِأَن الْإِسْلَام إِلَى آخِره وَلما لم يكن هَذَا الدَّلِيل سالما من النَّقْض أعرض عَنهُ وحرر مدعي المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن مُرَاده بوحدتهما اتحادهما فِي الصدْق وَعدم انفكاك أَحدهمَا عَن الآخر سَوَاء كَانَا مترادفين أَو متساويين. وَفِي الْحَوَاشِي الحكيمية أَقُول للموجه أَن يَقُول معنى قَوْله وَذَلِكَ حَقِيقَة التَّصْدِيق أَن ذَلِك يسْتَلْزم حَقِيقَة التَّصْدِيق وَتَعْبِيره عَن الاستلزام للْمُبَالَغَة فِيهِ شَائِع فِي كَلَامهم على مَا مر من قَول الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَيَان قَوْله لَا هُوَ وَلَا غَيره عدمهَا عَدمه ووجودها وجوده فَلَا يكون غفولا وعدلا عَن الْكَلَام السَّابِق. الْأَئِمَّة الاثنا عشر: فِي الْإِمَامَة. ايساغوجي: مركب من ثَلَاثَة أَلْفَاظ يونانية وَهِي ايس واغو واجي معنى الأول أَنْت. وَمعنى الثَّانِي أَنا. وَمعنى الثَّالِث ثمَّة فحذفوا ألف اجي للاختصار وجعلوه علما للكليات الْخمس وَقيل مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (كل بنج بركه) . أَيَّام نحسات: فِي تَفْسِير القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قيل آخر شَوَّال من الْأَرْبَعَاء إِلَى آخِره وَمَا عذب قوم إِلَّا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء. الايتلاف: عِنْد عُلَمَاء البديع هُوَ مُرَاعَاة النظير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 [حرف الْبَاء] بَاب الْبَاء مَعَ الْألف الْبَاب: بَاب الدَّار وَبَاب الْبَيْت مَعْرُوف وَيُرَاد بِهِ فِي الْكتب الْجُزْء إطلاقا للملزوم وَإِرَادَة اللَّازِم وَلَا شكّ أَن كل بَاب جُزْء من الدَّار أَو الْبَيْت مثلا فَالْمُرَاد بِالْبَابِ الأول من الْكتاب مثلا الْجُزْء الأول مِنْهُ وَقس عَلَيْهِ وَبَاب الْأَبْوَاب هُوَ التَّوْبَة لِأَنَّهَا أول مَا يدْخل بِهِ العَبْد حضرات الْقرب من جناب الرب. البالوعة: بِضَم اللَّام (جاي شستن وجاي ريختن آب وجاه ميانه سرا كه دروى آب مُسْتَعْمل وجركين جمع شود) . وَفِي الصِّحَاح ثقب فِي وسط البنية وَكَذَلِكَ البلوعة. بَادِي النّظر: أَي ظَاهر النّظر إِذا جلعته منقوصا من بدا الْأَمر يبدوا أَي ظهر وَإِن جعلته مهموزا من بَدَأَ يبْدَأ فَمَعْنَاه أول الْأَمر. وَالْمرَاد من النّظر هُوَ الْفِكر والرؤية لَا الرُّؤْيَة البصرية. الباعثة: قسم من الْقُوَّة المحركة للحيوان وَهِي الْقُوَّة الَّتِي إِذا ارتسم فِي الخيال صُورَة مَطْلُوبَة أَو مهروب عَنْهَا حملت الْقُوَّة الفاعلة على تَحْرِيك الْأَعْضَاء. ثمَّ اعْلَم أَن الْقُوَّة الباعثة إِن حملت الفاعلة على تَحْرِيك يطْلب بِهِ الْأَشْيَاء المتخيلة سَوَاء كَانَت ضارة فِي نفس الْأَمر أَو نافعة طلبا لحُصُول اللَّذَّة يُسمى قُوَّة شهوانية لِأَن حملهَا هَذَا تَابع للشوق إِلَى تَحْصِيل الملائم الْمُسَمّى شَهْوَة. وَإِن حملت الباعثة الفاعلة على تَحْرِيك يدْفع بِهِ الشَّيْء المتخيل سَوَاء كَانَ ضارا فِي نفس الْأَمر أَو مُفِيدا طلبا للغلبة يُسمى قُوَّة غضبية لابتناء هَذَا الْحمل على الشوق إِلَى دفع المنافر الْمُسَمّى غَضبا وَالنَّفس بِاعْتِبَار هَاتين القوتين أَعنِي الشهوانية والغضبية تسمى إِمَارَة. البال: انحلاء الْقلب وتنويره بالعلوم والمعارف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الباه: النِّكَاح وَالْجِمَاع يُقَال هُوَ يداوي لقُوَّة الباه أَي قُوَّة النِّكَاح وَالْجِمَاع (ف (21)) . بازكشت: فارسية مَشْهُورَة وَمَا هُوَ عِنْد أَرْبَاب السلوك سَيَجِيءُ فِي (هوش دردم) إِن شَاءَ الله تَعَالَى. البارقة: وَهِي لَا ئحة ترد من الجناب الأقدس وتنطفي سَرِيعا وَهِي من أَوَائِل الْكَشْف ومباديه. الْبَاطِل: مَا لَا يكون صَحِيحا بِأَصْلِهِ وَالْفَاسِد مَا يكون صَحِيحا بِأَصْلِهِ لَا بوصفه وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاء إِن كل مَا لَيْسَ بِمَال فَالْبيع فِيهِ بَاطِل سَوَاء جعل مَبِيعًا أَو ثمنا كَالدَّمِ وَالْخمر الْبَتَّةَ وَالَّتِي مَاتَت حتف أنفها أما الَّتِي خنقت أَو جرحت فِي غير مَوضِع الذّبْح من غير ضَرُورَة كَمَا هُوَ عَادَة بعض الْكفَّار وذبائح الْمَجُوسِيّ فَمَال إِلَّا أَنَّهَا غير مُتَقَومَة وَالْمَال الْغَيْر الْمُتَقَوم مَال أمرنَا بإهانته لكنه فِي غير ديننَا مَال مُتَقَوّم كَالْخمرِ وكل مَا هُوَ مَال غير مُتَقَوّم فَإِن بيع بِالثّمن وَهُوَ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فَالْبيع بَاطِل. وَإِن بيع بالعروض أَو بيع الْعرُوض بِهِ فَالْبيع فِي الْعرُوض فَاسد. وَقد يُرَاد بالفاسد مَا يعم الْبَاطِل أَي مَا لَا يكون صَحِيحا بوصفه سَوَاء كَانَ صَحِيحا بِأَصْلِهِ أَو لَا. وَلِهَذَا أضيف الْبَاب إِلَى البيع الْفَاسِد فِي كنز الدقائق مَعَ اشتماله على البيع الْبَاطِل أَيْضا وَفِي بعض شروحه أَن الْفَاسِد أَعم من الْبَاطِل لِأَن كل بَاطِل فَاسد وَلَا ينعكس وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا فرق بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل. فِي الْكِفَايَة الْفَاسِد مَا يكون مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ دون وَصفه وَالْبَاطِل مَا لَا مَشْرُوعِيَّة فِيهِ أصلا. الْبَاغِي: جمعه الْبُغَاة كالعاصي جمعه العصاة وهم قوم مُسلمُونَ خَرجُوا عَن طَاعَة الإِمَام الْحق ظنا مِنْهُم أَنهم على الْحق وَالْإِمَام على الْبَاطِل مُتَمَسِّكِينَ فِي ذَلِك بِتَأْوِيل فَاسد فَإِذا لم يكن لَهُم تَأْوِيل فحكمهم حكم اللُّصُوص. وَفِي التَّحْقِيق شرح الحسامي أَن الْبَغي بِتَأْوِيل فَاسد لَا يَصح عذرا لِأَنَّهُ مُخَالف للدليل الْوَاضِح فَإِن الدَّلَائِل على كَون الإِمَام الْعدْل على الْحق مثل الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَمن سلك طريقهم لائحة على وَجه يعد جاحدها مكابرا معاندا. وتوضيحه يتَوَقَّف على معرفَة قصَّة الْبُغَاة وَهِي مَا رُوِيَ أَن الْمُخَالفَة لما استحكمت بَين عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمُعَاوِيَة وَكثر الْقَتْل والقتال بَين الْمُسلمين جعل أَصْحَاب مُعَاوِيَة الْمَصَاحِف على رُؤُوس الرماح. وَقَالُوا لأَصْحَاب عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بَيْننَا وَبَيْنكُم كتاب الله ندعوكم إِلَى الْعَمَل بِهِ فَأجَاب أَصْحَاب عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى ذَلِك وامتنعوا عَن الْقِتَال ثمَّ اتَّفقُوا على أَن يَأْخُذُوا حكما من كل جَانب فَإِن اتّفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الحكمان على إِمَامَة أَيهمَا فَهُوَ الإِمَام وَكَانَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا يرضى بذلك حَتَّى اجْتمع عَلَيْهِ أَصْحَابه فوافقهم عَلَيْهِ فاختير من جَانب مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ داهيا وَمن جَانب عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَكَانَ من شُيُوخ الصَّحَابَة فَقَالَ عَمْرو لأبي مُوسَى نعزلهما أَولا ثمَّ نتفق على وَاحِد مِنْهُمَا وأجابه أَبُو مُوسَى إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ لأبي مُوسَى أَنْت أكبر سنا مني فاعزل عليا أَولا عَن الْإِمَامَة فَصَعدَ أَبُو مُوسَى الْمِنْبَر وَحمد الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ ودعا للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَذكر الْفِتْنَة ثمَّ أخرج خَاتمه من إصبعه وَقَالَ أخرجت عليا عَن الْخلَافَة كَمَا أخرجت خَاتمِي من إصبعي وَنزل ثمَّ صعد عَمْرو الْمِنْبَر فَحَمدَ الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ ودعا للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَذكر الْفِتْنَة ثمَّ أَخذ خَاتمه وَأدْخلهُ فِي إصبعه وَقَالَ أدخلت مُعَاوِيَة فِي الْخلَافَة كَمَا أدخلت خَاتمِي هَذَا فِي إصبعي فَعرف عَليّ كرم الله وَجهه أَنهم أفسدوا عَلَيْهِ الْأَمر فَخرج قريب من اثْنَي عشر ألف رجل من عسكره زاعمين أَن عليا كفر حِين ترك حكم الله وَأخذ بِحكم الْحَاكِمين فَهَؤُلَاءِ هم الْخَوَارِج الَّذين تفَرقُوا فِي الْبِلَاد وَزَعَمُوا أَن من أذْنب ذَنبا فقد كفر وَكَانَ هَذَا مِنْهُم جهلا بَاطِلا لِأَنَّهُ مُخَالف للدليل الْوَاضِح فَإِن إِمَامَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثبتَتْ بِاخْتِيَار كبار الصَّحَابَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار كَمَا ثبتَتْ إِمَامَة من قبل بِهِ والرضاء بِحكم الْحَاكِم فِيمَا لَا نَص بِهِ أَمر أجمع الْمُسلمُونَ على جَوَازه مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْكتاب فَكيف يكون مَعْصِيّة وَكَذَا الْمُسلم لَا يكفر بالمعصية فَإِن الله تَعَالَى أطلق اسْم الْإِيمَان على مرتكب الذَّنب فِي كثير من الْآيَات كَقَوْلِه تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص، يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء، يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا} . {عَسى ربكُم أَن يكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} . وَنَحْوهَا فجهلهم بعد وضوح الْأَدِلَّة لَا يكون عذرا كجهل الْكَافِر. بَاب الْبَاء مَعَ التَّاء البتر: قطع الذَّنب وَالنُّقْصَان. وَفِي الْعرُوض حذف سَبَب خَفِيف وَقطع مَا بَقِي مثل فاعلاتن حذف مِنْهُ تن فَبَقيَ فَاعِلا ثمَّ أسقط مِنْهُ الْألف وسكنت اللَّام فَبَقيَ فَاعل فَنقل إِلَى فعل وَيُسمى مبتور أَو ابتر. بَاب الْبَاء مَعَ الْحَاء الْبَحْث: فِي اللُّغَة التفتيش والتفحص. وَفِي اصْطِلَاح آدَاب المناظرة إِثْبَات النِّسْبَة الإيجابية أَو السلبية بِالدَّلِيلِ وَحمل الْأَعْرَاض الذاتية لموضوع الْعلم عَلَيْهِ وَبَيَان أَحْكَام الشَّيْء وأحواله والمناظرة لَا بَيَان مَفْهُوم الشَّيْء. وَفِي الرشيدية الْبَحْث فِي الِاصْطِلَاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 يُطلق على حمل شَيْء على شَيْء وعَلى إِثْبَات النِّسْبَة الْجُزْئِيَّة بِالدَّلِيلِ وعَلى المناظرة. بَاب الْبَاء مَعَ الْخَاء البخار: هُوَ أَجزَاء هوائية تمازجها أَجزَاء صغَار مائية تلطفت بالحرارة لَا تمايز بَينهمَا فِي الْحس لغاية الصغر. الْبَخِيل: فِي الْكَرِيم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. بَاب الْبَاء مَعَ الدَّال الْبِدْعَة: هِيَ الْأَمر الْمُحدث وَفِي شرح الْمَقَاصِد الْبِدْعَة المذمومة هِيَ الْمُحدث فِي الدّين من غير أَن يكون فِي عهد الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَلَا عَلَيْهِ دَلِيل شَرْعِي وَمن الجهلة من يَجْعَل كل أَمر لم يكن فِي زمن الصَّحَابَة بِدعَة مذمومة وَإِن لم يقم دَلِيل على قبحه تمسكا بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إيَّاكُمْ ومحدثات الْأُمُور وَلَا يعلمُونَ أَن المُرَاد بذلك هُوَ أَن يَجْعَل فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ عصمنا الله تَعَالَى من اتِّبَاع الْهوى وثبتنا على اقتفاء الْهدى بِالنَّبِيِّ وَآله الأمجاد انْتهى. وَقَالَ مَوْلَانَا دَاوُد رَحمَه الله قَوْله وَمن الجهلة إِلَى آخِره وَلَا يعلمُونَ أَن الْبِدْعَة خَمْسَة أَقسَام - وَاجِبَة - ومحرمة - ومندوبة - ومكروهة - ومباحة - وَذَلِكَ أَنَّهَا إِن وَافَقت قَوَاعِد الْإِيجَاب (فواجبة) أَو قَوَاعِد التَّحْرِيم فَهِيَ (مُحرمَة) أَو الْمَنْدُوب (مَنْدُوبَة) أَو الْمَكْرُوه (مَكْرُوهَة) أَو الْمُبَاح (مُبَاحَة) . فَالْوَاجِب كالاشتغال بِعلم النَّحْو وَالْأُصُول إِذْ بهما يعرف حفظ الشَّرِيعَة وَحفظ الشَّرِيعَة وَاجِب وَمَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَوَاجِب والمحرمة مَذْهَب الجبرية والقدرية وَأهل الْبدع والأهواء وَالرَّدّ على هَؤُلَاءِ من الْبدع الْوَاهِيَة والمندوبة كأحداث الْمدَارِس وَالْكَلَام فِي دقائق التصوف والمباحة كالتوسيع فِي اللذائذ من المآكل والمشارب والملابس والمساكن وَهَؤُلَاء المتمردون لَا يميزون بَين هَذِه الْأَقْسَام ويجعلون جَمِيع ذَلِك من الْمُحرمَات. وَهل هَذَا إِلَّا تعصب وضلالة عصمنا الله تَعَالَى عَنهُ فِي أُمُور الدّين. ورزقنا اتِّبَاع الْحق وَالْيَقِين. بِحرْمَة سيد الْمُرْسلين. انْتهى. وَسمعت من كبار الْعلمَاء أَن المُرَاد بالبدعة الْكفْر فِي قَوْلهم سبّ الشَّيْخَيْنِ كفر وَسَب الختنين بِدعَة وَإِنَّمَا هُوَ تفنن فِي الْعبارَة. البديع: النَّادِر وَعلم البديع علم يعرف بِهِ وُجُوه تَحْسِين الْكَلَام بعد رِعَايَة الْمُطَابقَة بِمُقْتَضى الْحَال ووضوح الدّلَالَة. الْبَدَل: عِنْد النُّحَاة تَابع قصد نِسْبَة أَمر إِلَيْهِ بِنِسْبَة ذَلِك الْأَمر إِلَى متبوعه بِدُونِهِ أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 لَا يكون نِسْبَة ذَلِك الْأَمر إِلَى متبوعه مَقْصُودَة بل تكون نسبته إِلَيْهِ تَوْطِئَة وتمهيد النسبته إِلَى التَّابِع وَهُوَ على أَرْبَعَة أَقسَام. بدل الْكل: إِذا كَانَ مَدْلُوله عين مَدْلُول الأول نَحْو جَاءَنِي زيد أَخُوك. بدل الْبَعْض: إِذا كَانَ مَدْلُوله جُزْءا من مَدْلُول الْمُبدل مِنْهُ نَحْو ضربت زيدا رَأسه. وَالْإِضَافَة فيهمَا بَيَانِيَّة. بدل الاشتمال: إِذا لم يكن كَذَلِك أَي لَا عينه وَلَا جزؤه فَهُوَ الَّذِي لَا يكون عين الْمُبدل مِنْهُ وَلَا بعضه وَيكون الْمُبدل مِنْهُ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ لَا كاشتمال الظّرْف على المظروف بل من حَيْثُ كَونه دَالا عَلَيْهِ إِجْمَالا ومتقاضيا لَهُ بِوَجْه مَا بِحَيْثُ تبقى النَّفس عِنْد ذكر الْمُبدل مِنْهُ متشوقة إِلَى ذكره منتظرة لَهُ فَيَجِيء هُوَ مُبينًا وملخصا لما أجمل أَولا مثل أعجبني زيد علمه وسلب زيد ثَوْبه. وَالْإِضَافَة فِي هَذَا الْقسم إِضَافَة الْمُسَبّب إِلَى السَّبَب أَي بدل سَببه اشْتِمَال الْمُبدل مِنْهُ عَلَيْهِ. وَالْقسم الرَّابِع. بدل الْغَلَط: أَي بدل سَببه غلط الْمُتَكَلّم بالمبدل مِنْهُ فالإضافة فِيهِ أَيْضا كإضافة الْبَدَل إِلَى الاشتمال وَهُوَ أَن تقصد إِلَيْهِ بعد أَن غَلطت بالمبدل مِنْهُ. والمشهوران بدل الْغَلَط لَا يَقع فِي فصيح الْكَلَام. فضلا عَن أَن يَقع فِي كَلَام رب الْأَنَام. ثمَّ اعْلَم أَن مِنْهُم من فصل وَقَالَ الْغَلَط على ثَلَاثَة أَقسَام: (غلط صَرِيح مُحَقّق) كَمَا إِذا أردْت أَن تَقول جَاءَنِي حمَار فسبقك لسَانك إِلَى رجل ثمَّ تداركته فَقلت حمَار (وَغلط نِسْيَان) وَهُوَ أَن تنسى الْمَقْصُود فتعمد ذكر مَا هُوَ غلط ثمَّ تَدَارُكه بِذكر الْمَقْصُود فهذان لَا يقعان فِي فصيح الْكَلَام وَلَا فِيمَا يصدر عَن روية وفطانة يَعْنِي فِي الْكَلَام الْمُشْتَمل على البيدائع. وَإِن وَقع فِي كَلَام فحقه الإضراب عَن الأول المغلوط فِيهِ بِكَلِمَة بل. (وَغلط بَدَأَ) وَهُوَ أَن تذكر الْمُبدل مِنْهُ عَن قصد ثمَّ توهم السَّامع أَنَّك غالط. وَهَذَا مُعْتَمد الشُّعَرَاء كثيرا مُبَالغَة وتفننا. وَشَرطه أَن ترتقي من الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِك هِنْد - نجم - بدر - كَأَنَّك وَإِن كنت مُتَعَمدا لذكر النَّجْم تغلط نَفسك وَترى أَنَّك لم تقصد إِلَّا تشبهها بالبدر. وَكَذَا قَوْلك بدر شمس. وادعاء الْغَلَط هَا هُنَا أَي فِي الثَّالِث وأظهاره أبلغ فِي الْمَعْنى من التَّصْرِيح بِكَلِمَة بل انْتهى. البد: هُوَ الَّذِي لَا ضَرُورَة فِيهِ. البدء: ظُهُور الرَّأْي بعد أَن لم يكن. البديهي: هُوَ الْعلم الَّذِي لَا يتَوَقَّف حُصُوله على نظر وَكسب كتصور الْحَرَارَة والتصديق بِأَن النَّار حارة. ثمَّ التَّصْدِيق البديهي إِن كَانَ تصور طَرفَيْهِ كَافِيا فِي الْجَزْم بِهِ فبديهي أولى كالتصديق بِأَن الْكل أعظم من الْجُزْء. أَو لَا يكون كَافِيا بل يكون مُحْتَاجا إِلَى شَيْء آخر غير النّظر وَالْكَسْب من الحدس والتجربة والإحساس وَغير ذَلِك فبديهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 غير أولى. والبديهيات أصُول النظريات لِأَنَّهَا تَنْتَهِي إِلَيْهَا وَإِلَّا يلْزم الدّور أَو التسلسل. والبديهيات سِتَّة أَقسَام بالاستقراء. وَوجه الضَّبْط أَن القضايا البديهية إِمَّا أَن يكون تصور طرفيها مَعَ النِّسْبَة كَافِيا فِي الحكم والجزم أَو لَا يكون. فَالْأول هُوَ الأوليات كَقَوْلِنَا الْكل أعظم من الْجُزْء. وَالثَّانِي لَا بُد أَن يكون الحكم فِيهِ بِوَاسِطَة لَا تغيب عَن الذِّهْن عِنْد تصور الْأَطْرَاف أَو لَا تكون كَذَلِك. وَالْأول هُوَ الفطريات وَتسَمى قضايا قياساتها مَعهَا كَقَوْلِنَا الْأَرْبَعَة زوج. فَإِن من تصور الْأَرْبَعَة وَالزَّوْج تصور الانقسام بمتساويين فَيحصل فِي ذهنه أَن الْأَرْبَعَة منقسمة بمتساويين وكل منقسم بمتساويين فَهُوَ زوج فالأربعة زوج. وعَلى الثَّانِي إِمَّا أَن تكون تِلْكَ الْوَاسِطَة حسا فَقَط فَهِيَ المشاهدات. فَإِن كَانَ ذَلِك الْحس من الْحَواس الظَّاهِرَة فَهِيَ الحسيات مثل الشَّمْس مضيئة وَالنَّار حارة (أَو) من الْحَواس الْبَاطِنَة فَهِيَ الوجدانيات كَقَوْلِك إِن لنا خوفًا وجوعا. (أَو) مركبا من الْحس وَالْعقل. فالحس (إِمَّا) أَن يكون حس السّمع (أَو) غَيره فَإِن كَانَ حس السّمع فَهِيَ المتواترات وَهِي قضايا يحكم الْعقل بهَا بِوَاسِطَة السماع من جمع كثير يَسْتَحِيل الْعقل توافقهم على الْكَذِب مثل مَكَّة مَوْجُودَة. وَإِن لم تكن تِلْكَ الْوَاسِطَة مركبة من الْحس وَالْعقل بل يكون الْعقل حَاكما بِوَاسِطَة الحدس (أَو) بِوَاسِطَة كَثْرَة التجربة. فَالْأول هِيَ الحدسيات كَقَوْلِنَا نور الْقَمَر مُسْتَفَاد من الشَّمْس لاخْتِلَاف تشكلاته النورية بِحَسب اخْتِلَاف أوضاعه من الشَّمْس قربا وبعدا. وَالثَّانِي التجربيات مثل قَوْلنَا شرب السقمونيا مسهل للصفراء. الْبدن: بِضَم الأول وَسُكُون الثَّانِي جمع. الْبَدنَة: كالمدن جمع الْمَدِينَة. وَهِي فِي اللُّغَة من الْإِبِل خَاصَّة. وَفِي الشَّرِيعَة الْإِبِل وَالْبَقر سميت بَدَنَة لضخامتهما من بدن بَدَنَة إِذا ضخم. الْمُوسر الَّذِي لَهُ مِائَتَا دِرْهَم أَو عرض يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم سوى الْمسكن وَالْخَادِم وَالثيَاب الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهَا. بَاب الْبَاء مَعَ الرَّاء الْبرد: بِسُكُون الثَّانِي الْبردَة وَبِفَتْحِهَا حب الْغَمَام. وبالفارسية (زاله وتكركك) . وَسبب حُدُوثه فِي الثَّلج إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَاعْلَم أَن البخار المنعقد بردا إِن كَانَ بَعيدا من الأَرْض كَانَ حبه صَغِيرا مستديرا لذوبان زواياه بالحركة السريعة الخارقة للهواء الْكثير. وَإِن كَانَ قَرِيبا من الأَرْض كَانَ حبه كَبِيرا غير مستدير لعدم ذوبان زواياه بِسُرْعَة نُزُوله. الْبُرُودَة: كَيْفيَّة من شَأْنهَا تَفْرِيق المتشاكلات وَجمع المتخالفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الْبَرَاءَة عَن دَعْوَى الْأَعْيَان صَحِيحَة دون الْبَرَاءَة عَن الْأَعْيَان. فَإِنَّهَا غير صَحِيحَة. وَالْمرَاد بِصِحَّة الأولى وَعدم صِحَة الثَّانِيَة أَن الْمُدَّعِي لَا يَصح لَهُ أَن يَدعِي بعد الْبَرَاءَة الأولى وَلَا تسمع دَعْوَاهُ بعْدهَا لِأَنَّهُ أَبْرَأ عَن دَعْوَاهُ فَلَا يسمع. بِخِلَاف الْبَرَاءَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ لَو ادّعى بعْدهَا تصح وَتسمع فَإِنَّهَا عبارَة عَن الابراء عَن ضَمَان الْأَعْيَان عِنْد هلاكها لَا عَن الْبَرَاءَة عَن دَعْوَاهَا صُورَة الأولى أَن يَقُول قد برأت من هَذِه الدَّار أَو قَالَ قد برأت عَن دَعْوَى هَذِه الدَّار فَهَذَا جَائِز حَتَّى لَو ادّعى بعد ذَلِك وَجَاء بِبَيِّنَة لَا تقبل. وَصُورَة الثَّانِيَة أَنه قَالَ أَبْرَأتك عَن هَذِه الدَّار أَو قَالَ أَبْرَأتك عَن خصومتي فِي هَذِه الدَّار فَهَذَا وَأَمْثَاله بَاطِل يَعْنِي لَهُ أَن يُخَاصم بعد ذَلِك. فَفرق بَين قَوْله برأت وَبَين قَوْله أَبْرَأتك فَإِن الأول بَرَاءَة عَن دَعْوَى الدَّار وَالثَّانِي إِبْرَاء عَن ضَمَانهَا فَلهُ أَن يَدعِيهِ بعده فَافْهَم. الْبَرْق: فِي الرَّعْد إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْبُرْهَان: فِي الْقَامُوس الْحجَّة. وَعند المنطقيين هُوَ الْقيَاس الْمُؤلف من اليقينيات سَوَاء كَانَت بديهيات أَو نظريات منتهية إِلَى البديهيات. ثمَّ اعْلَم أَن الْبُرْهَان لمي وَأَنِّي - لِأَن الْحَد الْأَوْسَط فِي الْبُرْهَان بل فِي كل قِيَاس لَا بُد وَأَن يكون عِلّة لحُصُول التَّصْدِيق بالحكم الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب أَي لنسبة الْأَكْبَر إِلَى الْأَصْغَر فِي الذِّهْن. وَإِلَّا لم يكن برهانا على ذَلِك الْمَطْلُوب. فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك عِلّة أَيْضا لوُجُود تِلْكَ النِّسْبَة فِي الْخَارِج فالبرهان لمي كَقَوْلِنَا هَذَا متعفن الإخلاط وكل متعفن الإخلاط مَحْمُوم فَهَذَا مَحْمُوم فتعفن الإخلاط كَمَا أَنه عِلّة لثُبُوت الْحمى فِي الذِّهْن كَذَلِك عِلّة لثُبُوت الْحمى فِي الْخَارِج. وَإِن لم يكن عِلّة للنسبة لَا فِي الذِّهْن وَلَا فِي الْخَارِج فالبرهان أَنِّي سَوَاء كَانَ ذَلِك الْأَوْسَط معلولا لثُبُوت الحكم فِي الْخَارِج أَولا وَالْأول يُسمى دَلِيلا وَالثَّانِي لَا يخص باسم بل يُقَال لَهُ برهَان أَنِّي فَقَط. مِثَال الأول قَوْلنَا هَذَا مَحْمُوم وكل مَحْمُوم متعفن الإخلاط فَهَذَا متعفن لإخلاط فالحمى وَإِن كَانَت عِلّة لثُبُوت تعفن الإخلاط فِي الذِّهْن إِلَّا أَنَّهَا لَيست عِلّة لَهُ فِي الْخَارِج بل الْأَمر بِالْعَكْسِ. وَالْحَد الْأَوْسَط فِي الثَّانِي قد يكون مضايفا للْحكم بِوُجُود الْأَكْبَر للأصغر كَقَوْلِنَا هَذَا الشَّخْص أَب وكل أَب لَهُ ابْن فَلهُ ابْن. وَقد يكون الْأَوْسَط وَالْحكم معلولي عِلّة وَاحِدَة كَقَوْلِنَا هَذِه الْخَشَبَة محترقة وكل محترقة مستها النَّار فَهَذِهِ الْخَشَبَة مستها النَّار. وَقد لَا يكون كَذَلِك وَإِنَّمَا سميا ببرهان اللم والآن لِأَن اللمية هِيَ الْعلية والآنية هِيَ الثُّبُوت. وبرهان اللم يعلم مِنْهُ عِلّة الحكم ذهنا وخارجا لاشْتِمَاله على مَا هُوَ عِلّة الحكم فِي نفس الْأَمر فَسُمي باسم اللم الدَّال على الْعلية. وبرهان الْآن إِنَّمَا يُفِيد عِلّة الحكم ذهنا لَا خَارِجا فَهُوَ إِنَّمَا يُفِيد ثُبُوت الحكم فِي الْخَارِج وَأَن علته مَاذَا فَهُوَ لَا يُفِيد ذَلِك. وَإِنَّمَا قُلْنَا فَهُوَ لايفيد ذَلِك كَمَا فِي شرح التَّجْرِيد لِئَلَّا يرد عَلَيْهِ مَا قَالَ الْفَاضِل المدقق مرزا جَان إِنَّمَا هَذِه الْعبارَة مشعرة بِأَن برهَان اللم يُفِيد أَن عِلّة الحكم مَاذَا وَأي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 شَيْء هِيَ وَلَيْسَ كَذَلِك بل برهَان اللم لَا يُفِيد سوى ثُبُوت الحكم فِي الْوَاقِع وَلَا يُفِيد الْعلَّة أصلا فضلا عَن أَن علته مَاذَا بل هُوَ مُشْتَمل عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ المُرَاد انْتهى. فَسمى باسم الْآن الدَّال على الثُّبُوت والتحقق فَإِن قلت: الِاسْتِدْلَال بِوُجُود الْمَعْلُول على أَن لَهُ عِلّة مَا كَقَوْلِنَا كل جسم مؤلف وَلكُل مؤلف مؤلف برهَان لمي بالِاتِّفَاقِ مَعَ أَن الْأَوْسَط فِيهِ وَهُوَ الْمُؤلف بِالْفَتْح مَعْلُول للأكبر وَهُوَ الْمُؤلف بِالْكَسْرِ مثل قَوْلنَا هَذَا مَحْمُوم وكل مَحْمُوم متعفن الإخلاط فَإِن الْأَوْسَط فِيهِ أَيْضا مَعْلُول للأكبر أَعنِي متعفن الإخلاط وَهُوَ برهَان أَنِّي بالِاتِّفَاقِ. فَالْحَاصِل أَن تَعْرِيف اللمي غير جَامع وتعريف الآني لَيْسَ بمانع قُلْنَا الْمُعْتَبر فِي برهَان اللم كَون الْأَوْسَط عِلّة للوجود الرابطي للأكبر أَي لثُبُوت الْأَكْبَر للأصغر لَا للوجود المحمولي للأكبر أَي لثُبُوته فِي نَفسه والأوسط فِي الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور عِلّة لثُبُوت الْأَكْبَر أَعنِي الْمُؤلف (بِالْكَسْرِ) للجسم يَعْنِي عِلّة لكَونه ذَا مؤلف (بِالْكَسْرِ) . وَالْحَاصِل أَن الْأَكْبَر هُنَاكَ لَيْسَ هُوَ الْمُؤلف (بِالْكَسْرِ) بل الْأَكْبَر قَوْلنَا لَهُ مؤلف (بِالْكَسْرِ) فالمؤلف جُزْء الْأَكْبَر لَا عينه. والأوسط فِي الْمِثَال الثَّانِي وَهُوَ الْحمى مَعْلُول لثُبُوت الْأَكْبَر أَعنِي تعفن الإخلاط للأصغر فالسؤال ناش من اشْتِبَاه جُزْء الْأَكْبَر بالأكبر فَالْفرق بَينهمَا وَاضح وكل من التعريفين مطرد ومنعكس. فَإِن قيل كَون النتيجة يقينية مُعْتَبر فِي تَعْرِيف الْبُرْهَان سَوَاء كَانَ لميا أَو آنيا. وَمذهب الشَّيْخ الرئيس أَن الْيَقِين بالنتيجة لَا يحصل إِلَّا إِذا اسْتدلَّ بِوُجُود السَّبَب على وجود الْمُسَبّب. فعلى هَذَا يلْزم أَن لَا يكون الْبُرْهَان الآني برهانا لِأَنَّهُ لَا يكون فِيهِ اسْتِدْلَال من وجود السَّبَب على وجود الْمُسَبّب بل قد يكون بِوُجُود الْمَعْلُول على وجود الْعلَّة أَو بِوُجُود الْمَلْزُوم على وجود لَازمه أَو بِوُجُود غير ذِي الْعلَّة على غير ذِي الْعلَّة فَيكون حِينَئِذٍ اسْتِدْلَال لغير ذِي الْعلَّة وَهُوَ ثُبُوت الْأَوْسَط للأصغر على غير ذِي الْعلَّة وَهُوَ ثُبُوت الْأَكْبَر للأصغر. فَإِن قلت: من أَيْن يعلم أَن مَذْهَب الشَّيْخ مَا ذكر قُلْنَا: إِن الشَّيْخ أورد فِي برهَان الشِّفَاء فصلا لبَيَان أَن الْعلم اليقيني لكل مَا لَهُ سَبَب إِنَّمَا يكون من جِهَة الْعلم بِسَبَبِهِ انْتهى. وتوضيحه على مَا يعلم من كَلَام السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على حَوَاشِيه على الشَّرْح الْقَدِيم للتجريد أَن كل مَوْجُود لَهُ عِلّة يكون مُمكن الْوُجُود جَائِز الطَّرفَيْنِ فَلَا يحصل الْيَقِين بِوُجُودِهِ إِلَّا إِذا علم بِوُجُود سَببه مثلا لزيد سَبَب. فَإِذا اسْتدلَّ على وجوده بِوُجُود سَببه يحصل الْيَقِين بِوُجُودِهِ دَائِما. وَإِذا اسْتدلَّ بِوُجُودِهِ بالإحساس والرؤية فَمَا دَامَ زيد مرئيا ومحسوسا يحصل الْيَقِين بِوُجُودِهِ وَإِذا غَابَ عَن بَصَره يرْتَفع الْيَقِين بِوُجُودِهِ. أَقُول فَلَا فرق بَين الاستدلالين فَإِن حُصُول الْيَقِين بِوُجُود زيد مَا دَامَ مرئيا ومحسوسا كحصول الْيَقِين بِوُجُودِهِ مَا دَامَ وجود سَببه مَعْلُوما. نعم فِي غير المحسوس والمربي لَا يحصل الْيَقِين بِوُجُودِهِ إِلَّا إِذا علم بِوُجُود سَببه فَافْهَم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 فَلَمَّا ثَبت أَن مَذْهَب الشَّيْخ مَا ذكرنَا فخروج الْبُرْهَان الآني عَن الْبُرْهَان وَاضح غير مُحْتَاج إِلَى الْبُرْهَان فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن الشَّيْخ قَالَ إِن الْعلم اليقيني بِكُل مَا لَهُ سَبَب الخ وَلم يقل إِن الْعلم اليقيني بِكُل شَيْء سَوَاء كَانَ لَهُ سَبَب أَو لَا إِنَّمَا يحصل من جِهَة الْعلم بِسَبَبِهِ حَتَّى يعلم انحصار حُصُول الْعلم اليقيني بِكُل شَيْء فِي الِاسْتِدْلَال بِوُجُود الْعلَّة على وجود الْمَعْلُول وَيلْزم انحصار الْبُرْهَان فِي اللمي وَخُرُوج الآني عَن الْبُرْهَان. فَيجوز حُصُول الْعلم اليقيني فِيمَا لَهُ سَبَب بالبرهان الآني كَيفَ لَا فان الشَّيْخ قَالَ فِي الْفَصْل الْمَذْكُور أَن الشَّيْء إِذا كَانَ لَهُ سَبَب لم يتَيَقَّن إِلَّا من سَببه فَإِذا كَانَ الْأَكْبَر للأصغر لَا بِسَبَب بل لذاته لكنه لَيْسَ بَين الْوُجُود لَهُ والأوسط كَذَلِك للأصغر إِلَّا أَنه بَين الْوُجُود للأصغر ثمَّ الْأَكْبَر بَين الْوُجُود للأوسط فَينْعَقد برهَان يقيني وَيكون برهَان أَن لَيْسَ برهَان لم انْتهى. فَيعلم من هَا هُنَا أَنه إِذا لم يكن لثُبُوت الحكم فِي الْخَارِج سَبَب يُمكن أَن يُقَام عَلَيْهِ الْبُرْهَان الآني مأخوذا من مسبب الحكم أَو من أَمر آخر. وَالشَّيْخ مقربه من غير إِنْكَار. وَالثَّانِي: أَن مُرَاد الشَّيْخ بِالْعلمِ اليقيني فِي هَذِه الدَّعْوَى هُوَ الْعلم اليقيني الدَّائِم كَمَا يعلم من كَلَامه هُنَاكَ. فالشيخ إِنَّمَا يسلب من الْبُرْهَان الآني الْيَقِين الدَّائِم وسلب الْيَقِين الدَّائِم لَا يُنَافِي الْيَقِين فِي الْجُمْلَة. وَالْمُعْتَبر فِي الْبُرْهَان هُوَ الْيَقِين فِي الْجُمْلَة فسلب الْيَقِين الدَّائِم لَا يُنَافِي الْبُرْهَان فَلَا يلْزم أَن لَا يكون الآني برهانا لجَوَاز أَن يكون الْحَاصِل بِهِ الْيَقِين فِي الْجُمْلَة. فَإِن قلت لَا نسلم أَن الْبُرْهَان الآني لَا يُفِيد الْعلم اليقيني الدَّائِم فَإنَّا إِذا رَأينَا صَنْعَة علمنَا ضَرُورَة أَن لَهَا صانعا وَلم يُمكن أَن يَزُول عَنَّا هَذَا التَّصْدِيق وَهُوَ اسْتِدْلَال بالمعلول على الْعلَّة قُلْنَا لهَذَا السُّؤَال وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يُؤْخَذ الْمَوْضُوع جزئيا كَقَوْلِك هَذَا الْبَيْت مُصَور وكل مُصَور فَلهُ مُصَور. وَثَانِيهمَا: أَن يُؤْخَذ كليا كَقَوْلِك كل جسم مؤلف وكل مؤلف فَلهُ مؤلف. وَالْأول برهَان أَنِّي غير مُفِيد لليقين الدَّائِم لِأَن هَذَا الْبَيْت مِمَّا يفْسد فيزول الِاعْتِقَاد الَّذِي كَانَ فَإِن الِاعْتِقَاد إِنَّمَا يَصح مَعَ وجوده وَالْيَقِين الدَّائِم لَا يَزُول وكلامنا فِي الْيَقِين الدَّائِم الْكُلِّي. وَالثَّانِي برهَان لمي مُفِيد لليقين الدَّائِم الْكُلِّي كَمَا مر. فَإِن قلت الْعلم بِوُجُود الْعلَّة عِلّة للْعلم بِوُجُود الْمَعْلُول والأكذب اللمي وَبِالْعَكْسِ وَإِلَّا كذب الآني وَهُوَ دور قُلْنَا إِنَّه يعلم وجود أَحدهمَا ضَرُورَة أَو كسبا ثمَّ يعلم أَنه عِلّة للْآخر فَيعلم وجوده. ثمَّ اعْلَم أَن اللم هُوَ الْعلَّة فَقَوْلهم لِأَن اللمية هُوَ الْعلية لَا يَخْلُو عَن حزازة لِأَن الْيَاء فِي اللمية إِمَّا للمصدرية أَو للنسبة فَإِن كَانَ للمصدرية فَمَعْنَاه السُّؤَال بِالْمَعْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 المصدري وَالْعلَّة لَيست هِيَ السُّؤَال. وَإِن كَانَ للنسبة فَمَعْنَاه الْمَنْسُوب إِلَى السُّؤَال وَالْعلَّة لَيست منسوبة إِلَى السُّؤَال حَتَّى يَصح يَاء النِّسْبَة فَإِن قلت بَيَان الْعلَّة يكون جَوَابا للسؤال عَن الْعلَّة وَالْجَوَاب مَنْسُوب إِلَى السُّؤَال فَيكون الْعلَّة أَيْضا منسوبة إِلَى السُّؤَال فَيصح يَاء النِّسْبَة قلت مُسلم أَن بَين السُّؤَال وَالْجَوَاب تعلقا شَدِيدا لَكِن كل تعلق لَا يكون منشأ للنسبة أَي لإلحاق يَاء النِّسْبَة أَلا ترى إِن أَحْمد (نكرِي) مَعَ يَاء النِّسْبَة يُقَال لمن تولد فِي أَحْمد (نكر) وَلَا يُقَال لحَاكم أَحْمد (نكر) إِنَّه أَحْمد (نكرِي) وَإِن كَانَ تعلقه بِأَحْمَد (نكر) قَوِيا من تعلق الأول بِهِ. فَلَو كَانَ منشأ النِّسْبَة هُوَ التَّعَلُّق الْقوي لما صَحَّ ذَلِك وَصَحَّ هَذَا كَيفَ والمحال أَن يكون التَّعَلُّق الضَّعِيف مُوجبا للنسبة دون التَّعَلُّق الْقوي للُزُوم الترجح بِلَا مُرَجّح. وَالْحَاصِل أَن لَيْسَ كل تعلق مُوجبا لصِحَّة النِّسْبَة وَلَا التَّعَلُّق الْقوي مُوجبا لَهَا بل لكل تعلق خُصُوصِيَّة فِي كل مَحل توجب صِحَة النِّسْبَة وَلَيْسَ للتعلق بَين السُّؤَال وَالْجَوَاب خُصُوصِيَّة مصححة للنسبة. وَلِهَذَا أَلا يُقَال أَن الْجَواب سُؤَالِي مَعَ يَاء النِّسْبَة فَافْهَم. برهَان التطبيق: من أشهر براهين إبِْطَال التسلسل. وَهُوَ أَن يفْرض من الْمَعْلُول الْأَخير أَو من الْعلَّة الأولى إِلَى غير النِّهَايَة جملَة وَمِمَّا قبله بِوَاحِد مثلا إِلَى غير النِّهَايَة جملَة أُخْرَى ثمَّ نطبق الجملتين بِأَن نجْعَل الْجُزْء الأول من الْجُمْلَة الأولى بِإِزَاءِ الْجُزْء الأول من الْجُمْلَة الثَّانِيَة والجزء الثَّانِي من الْجُمْلَة الأولى بِإِزَاءِ الْجُزْء الثَّانِي من الْجُمْلَة الثَّانِيَة وهلم جرا. فَإِن كَانَ بِإِزَاءِ كل وَاحِد من الْجُمْلَة الأولى وَاحِد من الْجُمْلَة الثَّانِيَة كَانَ النَّاقِص كالزائد وَهُوَ محَال. وَإِن لم يكن فقد وجد فِي الْجُمْلَة الأولى مَا لَا يُوجد بإزائه شَيْء فِي الْجُمْلَة الثَّانِيَة فتنقطع الْجُمْلَة الثَّانِيَة وتتناهى وَيلْزم مِنْهُ تناهي الْجُمْلَة الأولى لِأَنَّهَا لَا تزيد على الْجُمْلَة الثَّانِيَة إِلَّا بِقدر متناه وَالزَّائِد على المتناهي بِقدر متناه يكون متناهيا بِالضَّرُورَةِ. وَلَا يخفى عَلَيْك وَجه تَسْمِيَة هَذَا الْبُرْهَان من هَذَا الْبَيَان وَإِن هَذَا الْبُرْهَان يبطل التسلسل فِي جَانِبي الْعِلَل والمعلولات المجتمعة أَو المتعاقبة أَي غير المجتمعة فِي الْوُجُود كالحركات الفلكية. وَاعْلَم أَن الْمُتَكَلِّمين مَا اشترطوا فِي جَرَيَان برهَان التطبيق اجْتِمَاع الْأُمُور فِي الْوُجُود وَالتَّرْتِيب بَينهَا بِأَن يكون بَينهَا علية ومعلولية بل لَا بُد عِنْدهم فِيهِ من الْأُمُور الْمَوْجُودَة فِي الْجُمْلَة سَوَاء كَانَت متعاقبة أَو مجتمعة مترتبة أَو غير مترتبة. وَأما عِنْد الْحُكَمَاء فَلَا يجْرِي إِلَّا فِي الموجودات المجتمعة المترتبة لاشتراطهم الِاجْتِمَاع فِي الْوُجُود وَالتَّرْتِيب كَمَا قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْحُكَمَاء قَالُوا إِذا كَانَ الْآحَاد مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر مَعًا وَكَانَ بَينهَا ترَتّب فَإِذا جعل الأول من إِحْدَى الجملتين بِإِزَاءِ الأول من الْأُخْرَى كَانَ الثَّانِي بِإِزَاءِ الثَّانِي وَهَكَذَا وَيتم التطبيق وَإِذا لم تكن مَوْجُودَة مَعًا لم يتم لِأَن الْأُمُور المتعاقبة مَعْدُومَة لَا تُوجد مِنْهَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 كل زمَان إِلَّا وَاحِد فَفِي كل زمَان نفرض التطابق لَا يُمكن إِلَّا بِاعْتِبَار فرض وجود الْآحَاد فَلَا تطابق فِيهَا بِحَسب نفس الْأَمر فَيَنْقَطِع بِانْقِطَاع الِاعْتِبَار. وَكَذَا الْأُمُور الْمَوْجُودَة المجتمعة الْغَيْر المترتبة إِذْ لَا يلْزم من كَون الأول بِإِزَاءِ الأول كَون الثَّانِي بِإِزَاءِ الثَّانِي. وَهَكَذَا إِذا لوحظ كل وَاحِد من الأولى وَاعْتبر بِإِزَاءِ كل وَاحِد من الْأُخْرَى لَكِن استحضار النَّفس مَا لَا نِهَايَة لَهُ مفصلة محَال فَيَنْقَطِع بِانْقِطَاع الِاعْتِبَار. واستوضح لَك بتوهم التطبيق الْفرق بَين الجملتين الممتدتين على الاسْتوَاء وَبَين إعداد الْحَصَى فَإِن فِي الأولى إِذا طبق أول إِحْدَاهمَا بِأول الْأُخْرَى كَانَ كَافِيا فِي وُقُوع أَجزَاء كل مِنْهُمَا بِمُقَابلَة أَجزَاء الْأُخْرَى بِخِلَاف الْحَصَى فَإِنَّهُ لَا بُد فِي تطبيقها من اعْتِبَار التَّفْصِيل. وَاعْترض عَلَيْهِ المتكلمون: بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يتَوَقَّف التطبيق على مُلَاحظَة الْآحَاد مفصلا وَجعل كل جُزْء من أَحدهمَا بِإِزَاءِ أَجزَاء الْأُخْرَى أَو يَكْفِي مُلَاحظَة وُقُوع أَجزَاء أَحدهمَا بِإِزَاءِ أَجزَاء الْأُخْرَى على سَبِيل الْإِجْمَال. فَإِن كَانَ الأول يلْزم أَن لَا يجْرِي فِي الْأُمُور المترتبة لِأَن الذِّهْن لَا يقدر على مُلَاحظَة الْأُمُور الْغَيْر المتناهية مفصلا سَوَاء كَانَت مجتمعة أَو لَا. وَأَيْضًا التطبيق بِهَذَا الْوَجْه يعم الْمَوْجُود والمعدوم فَلَا وَجه لتخصيص الْمَوْجُودَة. وَإِن كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مُتَحَقق فِي الْأُمُور المتعاقبة أَيْضا إِذْ يحكم الْعقل بعد مُلَاحظَة الجملتين مُجملا حكما إجماليا بِأَنَّهُ إِمَّا أَن يَقع بِإِزَاءِ كل جُزْء من إِحْدَاهمَا جُزْء من الآخر أَو لَا يَقع فعلى الأول يلْزم التَّسَاوِي وعَلى الثَّانِي التناهي انْتهى. برهَان التمانع: لإِثْبَات تَوْحِيد وَاجِب الْوُجُود مَشْهُور بَين الْمُتَكَلِّمين. وَتَقْرِيره أَنه لَو أمكن الإهان لأمكن بَينهمَا تمانع بِأَن يُرِيد أَحدهمَا حَرَكَة زيد وَالْآخر سكونه لِأَن كلا مِنْهُمَا فِي نَفسه أَمر مُمكن. وَكَذَا تعلق الْإِرَادَة بِكُل مِنْهُمَا أَمر مُمكن فِي نَفسه إِذْ لَا تنَافِي بَين تعلقي الإرادتين بل التَّنَافِي إِنَّمَا هُوَ بَين المرادين وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يحصل الْأَمْرَانِ فيجتمع الضدان أَولا فَيلْزم عجز أَحدهمَا وَهُوَ دَلِيل الْحُدُوث والإمكان وعلامتهما لما فِيهِ من شَائِبَة الِاحْتِيَاج المستلزم لَهما فالتعدد مُسْتَلْزم لِإِمْكَان التمانع المستلزم للمحال فَيكون ذَلِك الْإِمْكَان محالا فَيكون التَّعَدُّد محالا أَيْضا لِأَن المستلزم للمحال محَال لَا مُمكن فَإِن الْمُمكن هُوَ الَّذِي لَا يلْزم من فرض وُقُوعه محَال. وَمَا فِي هَذَا التَّقْرِير من مَاله وَمَا عَلَيْهِ فِي كتب الْكَلَام. وَلم يتَعَرَّض بِذكرِهِ هَذَا المستهام. البرج: بِالْفَتْح الْبيَاض أَو السوَاد الشَّديد وبالضم مَا هُوَ الْمَشْهُور. وَعند الْحُكَمَاء هُوَ الثَّانِي عشر من اثْنَي عشر قسما من أَقسَام منْطقَة الْفلك الثَّامِن أَعنِي فلك البروج الَّذِي فِيهِ الْكَوَاكِب الثابتات. وفوقه الْفلك التَّاسِع الْمُسَمّى بالفلك الأطلس لكَونه ساذجا عَن الْكَوَاكِب. ففلك البروج منقسمة بِتِلْكَ الْأَقْسَام من الْجنُوب إِلَى الشمَال. وآسامي البروج هَكَذَا: الْحمل - والثور - والجوزاء - والسرطان - والأسد - والسنبلة - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَالْمِيزَان - وَالْعَقْرَب - والقوس - والجدي - والدلو - والحوت. وآسامي البروج بالهندية هَكَذَا: ميش - ورشبه - متهن - كرك - سنهو - كنيا - تل - ورسجك - دهن - مكر - كنبه - مين. وَالتَّرْتِيب فِيهَا على تَرْتِيب الذّكر. ثمَّ قسموا كل برج على ثَلَاثِينَ قسما وَسموا كل قسم مِنْهَا دَرَجَة ففلك البروج منقسم على ثَلَاث مائَة وَسِتِّينَ دَرَجَة. ثمَّ قسموا كل دَرَجَة على سِتِّينَ وَسموا كل قسم مِنْهَا دقيقة ثمَّ الدقيقة على سِتِّينَ وَسموا كل قسم مِنْهَا ثَانِيَة. وَقس عَلَيْهَا الثَّالِثَة إِلَى الْعَاشِرَة. وَاعْلَم أَنهم أخذُوا أَسمَاء البروج من صور يخيلونها من وصل الخطوط بَين الْكَوَاكِب الثوابت. وَلِهَذَا قسموا فلك البروج أَي الْفلك الثَّامِن الَّذِي فِيهِ الثوابت بِتِلْكَ الْأَقْسَام وفلك الأفلاك أَعنِي الْفلك الأطلس الَّذِي هُوَ الْفلك التَّاسِع أَيْضا منقسم بِتِلْكَ الْأَقْسَام. فالقطعة مِنْهُ الْمُوازِية لقطعة من الْفلك الثَّامِن الْمُسَمّى بفلك البروج تكون حملا إِن كَانَت تِلْكَ الْقطعَة حملا وَقِيَاس الْبَوَاقِي عَلَيْهِ. ثمَّ اعْلَم أَن ثَلَاثَة بروج من تِلْكَ البروج ربيعية وَهِي الْحمل - والثور - والجوزاء - وَثَلَاثَة صيفية وَهِي السرطان - والأسد - والسنبلة. وَهَذِه البروج السِّتَّة شمالية. وَثَلَاثَة خريفية وَهِي الْمِيزَان - وَالْعَقْرَب - والقوس. وَثَلَاثَة شتوية وَهِي الجدي - والدلو - والحوت - وَهَذِه السِّتَّة جنوبية. يَعْنِي كَون الشَّمْس - فِي الجدي - والدلو - والحوت - سَبَب عادي لحُصُول الشتَاء فَهَذِهِ البروج الثَّلَاثَة شتوية. وَقس عَلَيْهِ الْبَوَاقِي. براعة الاستهلال: هُوَ الِابْتِدَاء بِكَلَام مُشْتَمل على إِشَارَة إِلَى مَا سيق لأَجله من برع إِذا فاق أَصْحَابه فِي الْعلم وَغَيره فمعناها اللّغَوِيّ هُوَ السِّيَاقَة فِي طلب الْهلَال ورؤيته. والمناسبة بَين الْمَعْنيين أظهر من أَن يخفى. البراذين: جمع البرذون وَهُوَ فرس الْعَجم. بَاب الْبَاء مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة البزغ: والفصد كِلَاهُمَا إِجْرَاء الدَّم من الْعرق. لَكِن الفصد مُخْتَصّ بالآدمي والبزغ بالبهائم. بَاب الْبَاء مَعَ السِّين الْمُهْملَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: قد ذكرت بعض نكات هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة ونبذا من الاعتراضات الْوَارِدَة عَلَيْهَا مَعَ الْأَجْوِبَة فِي رسالتي سيف المبتدين فِي قتل المغرورين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَيَنْبَغِي أَن أذكر لطائف أُخْرَى فِي هَذِه الحديقة الْعليا وَالرَّوْضَة الرعنا. فَأَقُول إِن الْبَاء الجارة وَإِن لم يكْتب إِلَّا مَقْصُورَة لَكِن لجوار اسْم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حصل لَهَا من الْكَمَال مَا لم يحصل لغَيْرهَا فَصَارَت مُطَوَّلَة. وَقيل إِنَّمَا كتبت مُطَوَّلَة عوضا عَن الْألف المحذوفة. وَالله مُخْتَصّ بِالذَّاتِ الْمُخْتَص المعبود بِالْحَقِّ عز وَجل فِي الْإِسْلَام والجاهلية والإله مُعَرفا بِاللَّامِ اسْم للمعبود بِالْحَقِّ. وَلِهَذَا كَانَ كفار قُرَيْش يطلقون هَذَا اللَّفْظ فِي حق الْأَصْنَام لزعمهم حقيتها ومنكرا للمعبود مُطلقًا حَقًا أَو بَاطِلا والرحمن الرَّحِيم صفتان للْمُبَالَغَة من الرَّحْمَة وَهِي فِي اللُّغَة رقة الْقلب وانعطافه على وَجه يَقْتَضِي التفضل وَالْإِحْسَان. وَأَسْمَاء الله تَعَالَى إِنَّمَا تطلق عَلَيْهِ بِاعْتِبَار الغايات الَّتِي هِيَ أَفعَال لَا بِحَسب المبادئ الَّتِي هِيَ انفعال. ثمَّ الرَّحْمَن والرحيم إِمَّا سيئان فِي الْمَعْنى كَمَا قيل أَو الرَّحْمَن أبلغ من الرَّحِيم وَهُوَ إِمَّا بِحَسب الكمية أَو الْكَيْفِيَّة فعلى الأول يُقَال يَا رَحْمَن الدُّنْيَا وَرَحِيم الْآخِرَة لشمُول الأولى بِالْمُؤمنِ وَالْكَافِر واختصاص الْآخِرَة بِالْمُؤمنِ. وَلِأَن زِيَادَة الْبَيَان تدل على زِيَادَة الْمَعْنى فَإِن فِي الرَّحِيم زِيَادَة وَاحِدَة وَفِي الرَّحْمَن زيادتان وعَلى الثَّانِي يُقَال يَا رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَرَحِيم الدُّنْيَا لِأَن النعم الدُّنْيَوِيَّة جليلة وحقيرة بِخِلَاف النعم الأخروية فَإِنَّهَا كلهَا جسام. ثمَّ مَا هُوَ الْمُقَرّر من تَقْدِيم الْأَدْنَى على الْأَعْلَى للترقي وَإِن كَانَ يَقْتَضِي تَقْدِيم الْمُؤخر وَتَأْخِير الْمُقدم لَكِن اخْتِصَاص الأول بِاللَّه تَعَالَى أوجب تَقْدِيمه عَلَيْهِ. وَقيل الرَّحْمَن هُوَ الَّذِي إِذا سُئِلَ أعْطى والرحيم إِذا لم يسئل غضب فَحِينَئِذٍ الرَّحِيم أبلغ. وَاعْلَم: أَن الْبَسْمَلَة من الْقُرْآن أنزلت للفصل بَين السُّور لَيست جُزْءا من الْفَاتِحَة وَلَا من كل سُورَة. وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله هِيَ من الْفَاتِحَة قولا وَاحِدًا وَكَذَا من غَيرهَا على الصَّحِيح لإجماعهم على كتَابَتهَا فِي الْمَصَاحِف مَعَ الْأَمر بتجريد الْمَصَاحِف وَهُوَ أقوى الْحجَج. وَلنَا مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ لَا يعرف فصل السُّور حَتَّى نزل عَلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم. فَإِن قلت فَيَنْبَغِي أَن يجوز الصَّلَاة بهَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله قلت عدم الْجَوَاز لاشتباه الْآثَار وَاخْتِلَاف الْعلمَاء فِي كَونهَا آيَة تَامَّة. أَيهَا الإخوان وأيها الخلان اذكر لكم لطائف ذوقية واكتب لكم دقائق شوقية. وَهِي تَفْسِير الْفَاتِحَة للشَّيْخ شمس الدّين الْجُوَيْنِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ. قَوْله تَعَالَى: {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} إِشَارَة إِلَى الْحَقِيقَة الْكَامِلَة الَّتِي لَا يُحِيط بهَا إِدْرَاك مدرك إِذْ هُوَ فِي الْأَزَل إِلَه وَفِي الْأَبَد إِلَه كَانَ الله وَلم يكن مَعَه شَيْء فَهُوَ فِي الْأَزَل الله. ثمَّ برحمته خلق الْخلق فَهُوَ رَحْمَن أَي لَهُ رَحْمَة يخلق بهَا وَلَا يُقَال لغيره رَحْمَن لِأَن غَيره لَا يخلق شَيْئا. ثمَّ بعد الْخلق يبْقى الْمَخْلُوق بالرزق ورزقه برحمته فَهُوَ رَحِيم أَي لَهُ رَحْمَة بهَا يرْزق. وَلِهَذَا جَازَ أَن يُقَال لغيره رَحِيم لِأَن إِجْرَاء الرزق على يَد غَيره وَجَرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 بِهِ عَادَة يَده الْكَرِيمَة وَإِذا كَانَ رحمانا ورحيما خلق ورزق وتمت نعْمَته فَوَجَبَ الشُّكْر لَهُ وَالْحَمْد لَهُ فَقَالَ: {الْحَمد لله رب الْعَالمين} ثمَّ إِنَّه تَعَالَى مرّة أُخْرَى بعد موت الْأَحْيَاء وفوت الْأَشْيَاء يخلق الْمُكَلّفين كَمَا كَانُوا ويرزقهم فِي الْآخِرَة فَهُوَ مرّة أُخْرَى رَحْمَن وَرَحِيم فَقَالَ: {الرَّحْمَن الرَّحِيم} وَإِذا كَانَ الرَّحْمَن الرَّحِيم مَذْكُورا ثَانِيًا لِلْخلقِ الثَّانِي يَوْم الْمعَاد والرزق معد ليَوْم الْمعَاد فَهُوَ مَالك ذَلِك الْيَوْم فَقَالَ: {مَالك يَوْم الدّين} وَإِذا تبين أَنه الْخَالِق أَولا وَثَانِيا والرازق أَولا وآخرا فَلَا عبَادَة الْإِلَه فَقَالَ: {إياك نعْبد} وَإِذا كَانَت نعْمَته نعما لَا يَفِي بهَا الشُّكْر وعظمته لعظيمة ايليق بهَا عبَادَة الضُّعَفَاء لكَونه فِي الدُّنْيَا رب الْعَالمين وَفِي الْآخِرَة مَالك يَوْم الدّين وَجب فِي إِقَامَة عِبَادَته الِاسْتِعَانَة بِهِ فَقَالَ: {وَإِيَّاك نستعين} ليَكُون الْعِبَادَة كَمَا يرضى بهَا إِذْ لَا يمكننا الْقيام بأنواع الْعِبَادَات اللائقة بجلاله بعقولنا القاصرة وأفعالنا الْيَسِيرَة وَإِذا عَبدنَا وأعاننا يبْقى الْوُصُول إِلَيْهِ والمثول بَين يَدَيْهِ ليحصل بهَا الشّرف الْأَقْصَى وَيقطع الْحجاب مَا بَين التُّرَاب وَرب الأرباب وَلَا يَتَيَسَّر ذَلِك إِلَّا فِي سلوك طَرِيق فيطلب من الطَّرِيق مَا هُوَ القويم فيطلب مِنْهُ ذَلِك فَقَالَ: {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} وَمن أَرَادَ الشُّرُوع فِي طَرِيق بعيد فَلَا بُد لَهُ من طلب رَفِيق فَقَالَ: {صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم} وهم النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء والصالحون وهم أحسن الرفقاء. ثمَّ إِذا وجد الْإِنْسَان الطَّرِيق وَحصل لَهُ الرفيق فخاف من قطاع الطَّرِيق فَقَالَ: {غير المغضوب عَلَيْهِم} يَعْنِي الَّذين يقطعون الطَّرِيق على السالكين وَإِذا أَمن من قَاطع الطَّرِيق بَقِي خوف الضلال فِي الطَّرِيق وَإِن سلك قوم قد يشْتَبه عَلَيْهِم فَقَالَ: {وَلَا الضَّالّين} وَالله اعْلَم. نقلت مِمَّا نقل من خطه الشريف. والمثول الْقَائِم منتصبا. الْبَسِيط: مَا لَا جُزْء لَهُ أصلا كالباري تَعَالَى وَهُوَ بسيط حَقِيقِيّ. وَقد يُطلق الْبَسِيط على معَان آخر. أَحدهَا: مَا لَا يتركب من أجسام مُخْتَلفَة الطباع بِحَسب الْحس وَإِن تكن مُخْتَلفَة بِحَسب نفس الْأَمر فيشتمل العناصر والأفلاك والأعضاء المتشابهة كَاللَّحْمِ والعظم فَإِن كل قَطْرَة من المَاء وَقطعَة من اللَّحْم والعظم مَاء وَلحم وَعظم. وَالثَّانِي: مَا يكون كل جُزْء مقداري مِنْهُ بِحَسب الْحَقِيقَة مُسَاوِيا لكله فِي الِاسْم وَالْحَد فيندرج فِيهِ العناصر دون الأفلاك والأعضاء المتشابهة فَإِن القطرة من المَاء مثلا جُزْء مقداري من المَاء مسَاوٍ للْكُلّ فِي الِاسْم وَالْحَد بِخِلَاف قِطْعَة الْفلك فَإِنَّهَا تسمى برجا لَا فلكا وَبِخِلَاف الْأَعْضَاء المتشابهة إِذْ فِيهَا أَجزَاء مقدارية هِيَ العناصر وَلَا تشاركها فِي أسمائها وحدودها. وَالثَّالِث: مَا يكون كل جُزْء مقداري مِنْهُ بِحَسب الْحس مُسَاوِيا لكله فِي الِاسْم وَالْحَد فيندرج فِيهِ العناصر والأعضاء المتشابهة دون الأفلاك فَإِن قَطْرَة من المَاء مثلا وَقطعَة من اللَّحْم والعظم مُسَاوِيَة للْكُلّ فِي الِاسْم وَالْحَد بِحَسب الْحس بِخِلَاف الْقطعَة من الْفلك فَإِنَّهَا بِحَسب الْحس لَا تسمى فلكا بل برجا كَمَا لَا يُسمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 بِحَسب الْحَقِيقَة. وَالرَّابِع: الْعرض المنقسم فِي جِهَتَيْنِ وَهُوَ السَّطْح. وَقد يُطلق على مَا هُوَ أقل أَجزَاء من شَيْء كالقضايا البسيطة بِالنِّسْبَةِ إِلَى القضايا المركبة والبسيط بِهَذَا الْمَعْنى بسيط إضافي. وَالْخَامِس: الْمَبْسُوط أَي المنشور كالأرض الواسعة. وَالسَّادِس: بَحر من بحور الشّعْر المختصة بالعرب. ثمَّ الْبَسِيط الروحاني كالعقول والنفوس الْمُجَرَّدَة والجسماني كالعناصر. الْبَسِيط لَا يحد بالتحديد الْحَقِيقِيّ: وَإِلَّا فقد يُقَام الْعرض الْعَام مقَام الْجِنْس والخاصة مقَام الْفَصْل وَيحد بِهِ حدا غير حَقِيقِيّ لِأَن التَّحْدِيد الْحَقِيقِيّ عبارَة عَن تركيب الْجِنْس والفصل فَلَا يتَصَوَّر مِمَّا لَا جُزْء لَهُ. وَقد يحد بالبسيط إِذا كَانَ جُزْء الآخر وَإِذا لم يكن لَا يحد بِهِ. وَالتَّفْصِيل أَن الْمَاهِيّة بسيطة كَانَت أَو مركبة إِمَّا جُزْء الشَّيْء أَو لَا فالبسيط الَّذِي لَيْسَ بِجُزْء كالواجب لَا يحد وَلَا يحد بِهِ. والمركب الَّذِي هُوَ جُزْء يحد وَيحد بِهِ. والبسيط الَّذِي هُوَ جُزْء لَا يحد وَلَكِن يحد بِهِ كالجنس العالي. والمركب الَّذِي لَيْسَ بِجُزْء بِالْعَكْسِ كالنوع السافل فَافْهَم واحفظ. البسيطة: الْقَضِيَّة الموجهة الَّتِي يكون مَعْنَاهَا إِمَّا إِيجَاب فَقَط كَقَوْلِنَا كل إِنْسَان حَيَوَان بِالضَّرُورَةِ. وَإِمَّا سلب فَقَط كَقَوْلِنَا لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر بِالضَّرُورَةِ. ومقابلها المركبة. والبسائط ثَمَانِيَة - ضَرُورِيَّة مُطلقَة - ومشروطة عَامَّة - ووقتية مُطلقَة - ومتنشرة مُطلقَة - ودائمة مُطلقَة - وعرفية عَامَّة - ومطلقة عَامَّة - وممكنة عَامَّة -. بَاب الْبَاء مَعَ الشين الْمُعْجَمَة البشيع: بِفَتْح الأول وَكسر الثَّانِي كريه الطّعْم. الْبشَارَة: كل خبر صدق يتَغَيَّر بِهِ بشرة الْوَجْه. وَيسْتَعْمل فِي الْخَيْر وَالشَّر وَلَكِن فِي الْخَيْر أغلب. بَاب الْبَاء مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة الْبَصَر: قُوَّة مودعة فِي ملتقى عصبتين نابتتين من مقدم الدِّمَاغ مجوفتين يتقاربان حَتَّى يتلاقيا ويتقاطعا تقاطعا صليبيا وَيصير تجويفهما وَاحِدًا. ثمَّ تتباعدان إِلَى الْعَينَيْنِ فَذَلِك التجويف الَّذِي هُوَ فِي الْمُلْتَقى أودع فِيهِ الْقُوَّة الباصرة وَيُسمى مجمع النُّور. ثمَّ اعْلَم أَن أَرْبَاب التشريح اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة التباعد فَقَالَ أَكْثَرهم أَنه تنفذ النابتة يَمِينا إِلَى الحدقة الْيُسْرَى والنابتة يسَار إِلَى الحدقة الْيُمْنَى هَكَذَا. فتكونان متقاطعتين. وَقَالَ بَعضهم تنفذ الْيُمْنَى إِلَى الْيُمْنَى واليسرى إِلَى الْيُسْرَى هَكَذَا لَكِن مَعَ التقاطع واتحاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 التجويفين لِأَن التقاطع يحصل بمرور خطّ على خطّ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي مُرُور أحد العصبتين على الْأُخْرَى كَمَا لَا يخفى. وَتَحْقِيق الْأَبْصَار فِي الْأَبْصَار. والأمور الضارة للقوة الباصرة الَّتِي يجب لطَالب الصِّحَّة اجتنابها ملاقاة الدُّخان وَالْغُبَار والرياح الحارة والباردة وَالنَّظَر إِلَى الْأَجْسَام الصيقلية الْبَيْضَاء الَّتِي يكون ضوءها غالبة على ضوء الْعين كالمرآة الَّتِي قوبلت بالشمس وَالنَّظَر المديد إِلَى شَيْء من غير حَرَكَة الأجفان وَكَثْرَة الْبكاء وَالنَّظَر إِلَى خطوط دقيقة وَالنَّوْم الْكثير وَالنَّوْم على الظّهْر وعَلى الامتلاء والأطعمة والأشربة الَّتِي ردية الْجَوْهَر والأغذية الحارة والمبخرة كالثوم والبصل كثيرا وَاسْتِعْمَال الْملح كثيرا فِي الطَّعَام وَأكل المسكرات وَالسكر المفرط. وَإِذا كَانَ الْعين كثير الوجع لَا يدْخل الْميل فِيهَا بل يداويها بِحل الدَّوَاء فِي اللَّبن وَلَا يسْتَعْمل على التوالي. البصيرة: قُوَّة الْقلب الْمنور بِنور الْقُدس يرى بهَا حقائق الْأَشْيَاء وَهِي الَّتِي يسميها الْحُكَمَاء الْعَاقِلَة النظرية وَالْقُوَّة القدسية. بَاب الْبَاء مَعَ الضَّاد الْمُعْجَمَة البضاعة: هِيَ مَال يُعْطِيهِ مَالِكه رجلا ليكسب وَينْتَفع بِمَا زَاد عَلَيْهِ ثمَّ يرد إِلَى مَالِكه وَقت طلبه. بَاب الْبَاء مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة بُطْلَانه أظهر من أَن يخفى: مَشْهُور فِي كَلَامهم والاعتراض فِيهِ أشهر. تَقْرِيره أَنه لَا بُد من اشْتِرَاك الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ فِي أصل الْفِعْل فَيلْزم أَن يكون الْخَفي ظَاهر أَو هَذَا غير ظَاهر كَمَا لَا يخفى. وَالْجَوَاب أَن الْمَعْنى أَن بُطْلَانه أظهر من مَفْهُوم الخفاء الظَّاهِر على كل وَاحِد أَو بُطْلَانه أظهر من كل مخفي فَلَا خَفَاء فِي بُطْلَانه من وَجه وَإِلَّا لَكَانَ أظهر من نَفسه. وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء أَن كلمة (من) فِي قَوْلهم أظهر من أَن يخفى وَأكْثر من أَن يُحْصى مُتَعَلق بالتباعد المضمن وَالْمَقْصُود أَنه أظهر بِحَيْثُ لَا يطرؤه الخفاء وَأكْثر بِحَيْثُ لَا يضبطه الإحصاء. الْبطلَان: فِي الْعِبَادَات عدم سُقُوط الْقَضَاء بِالْفِعْلِ وَفِي عُقُود الْمُعَامَلَات تخلف الْأَحْكَام عَنْهَا وخروجها عَن كَونهَا أسبابا مفيدة للْأَحْكَام على مُقَابلَة الصِّحَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 بَاب الْبَاء مَعَ الْعين الْمُهْملَة الْبَعْث: والمعاد والحشر بِمَعْنى وَاحِد. وَهُوَ أَن يبْعَث الله تَعَالَى الْمَوْتَى من الْقُبُور بِأَن يجمع أجزاءهم الْأَصْلِيَّة وَيُعِيد الْأَرْوَاح إِلَيْهَا وَهُوَ حق عندنَا بِالنَّقْلِ عَن الْمخبر الصَّادِق. وَأنْكرهُ الفلاسفة بِنَاء على امْتنَاع إِعَادَة الْمَعْدُوم بِعَيْنِه. وَدَلَائِل الْفَرِيقَيْنِ مَعَ إِثْبَات حقيته وَبطلَان مَا ذهب إِلَيْهِ الفلاسفة فِي كتب الْكَلَام. وَفِي شرح الْمَقَاصِد زعم الفلاسفة الطبيعيون الَّذين لَا يعْتد بهم فِي الْملَّة وَلَا فِي الفلسفة لَا معاد للْإنْسَان أصلا زعما مِنْهُم أَنه هَذَا الهيكل الْمَخْصُوص بِمَا لَهُ من المزاج والقوى والأعراض وَأَن ذَلِك يفنى بِالْمَوْتِ وَزَوَال الْحَيَاة وَلَا يبْقى إِلَّا الْموَاد العنصرية المتفرقة وَأَنه لَا إِعَادَة للمعدوم. وَفِي هَذَا تَكْذِيب لِلْعَقْلِ على مَا يرَاهُ الْمُحَقِّقُونَ من أهل الفلسفة حَيْثُ ذَهَبُوا إِلَى الْمعَاد الروحاني. وللشرع على مَا يقرره الْمُحَقِّقُونَ من أهل الْملَّة حَيْثُ ذَهَبُوا إِلَى الْمعَاد الجسماني. وَتوقف بِهِ جالينوس فِي أَمر الْمعَاد لتردده فِي أَن النَّفس هُوَ المزاج فيفنى بِالْمَوْتِ فَلَا يُعَاد أم جَوْهَر بَاقٍ بعد الْمَوْت فَيكون لَهُ الْمعَاد. وَاتفقَ الْمُحَقِّقُونَ من الفلاسفة والمليين على حقية الْمعَاد. وَاخْتلفُوا فِي كيفيته. فَذهب جُمْهُور الْمُسلمين النافين للنَّفس الناطقة إِلَى أَنه جسماني فَقَط لِأَن الرّوح عِنْدهم جسم سَار فِي الْبدن سريان النَّار فِي الفحم وَالْمَاء فِي الْورْد. وَذهب الفلاسفة إِلَى أَنه روحاني فَقَط لِأَن الْبدن يَنْعَدِم بصوره وأعراضه فَلَا يُعَاد. وَالنَّفس جَوْهَر مُجَرّد بَاقٍ لَا سَبِيل إِلَيْهِ للفناء فَيَعُود إِلَى عَالم المجردات بِقطع المتعلقات. فالمعاد عِنْدهم لَا يتَوَقَّف على وُقُوع الْقِيَامَة بل إِذا مَاتَ الْإِنْسَان يعود النَّفس إِلَى عَالم المجردات فالقيامة هِيَ الْمَوْت وَهَذَا كَمَا هُوَ الْمَشْهُور من مَاتَ فقد قَامَت قِيَامَته وَبِه يَقُول جُمْهُور النَّصَارَى والتناسخية. وَقَالَ الإِمَام الرَّازِيّ: إِلَّا أَن الْفرق أَن الْمُسلمين يَقُولُونَ بحدوث الْأَرْوَاح وردهَا إِلَى الْأَبدَان لَا فِي هَذَا الْعَالم بل فِي الْآخِرَة والتناسخية بقدمها وردهَا إِلَيْهَا فِي هَذَا الْعَالم وَيُنْكِرُونَ الْآخِرَة وَالْجنَّة وَالنَّار. الْبعد: الامتداد موهوما أَو مَوْجُودا لِأَن فِي الْبعد اخْتِلَافا فَإِنَّهُ موهوم أَي لَا شَيْء مَحْض عِنْد الْمُتَكَلِّمين النافين للمقدار. وموجود عِنْد الْحُكَمَاء الْقَائِلين بِوُجُود الْمِقْدَار. ثمَّ للبعد عِنْد الْحُكَمَاء الْقَائِلين بِوُجُود الْخَلَاء نَوْعَانِ: أَحدهمَا: الامتداد الْقَائِم بالجسم التعليمي. وَثَانِيهمَا: الامتداد الْمُجَرّد عَن الْمَادَّة الْقَائِم بِنَفسِهِ بِحَيْثُ لَو لم يشْغلهُ الْجِسْم لَكَانَ خلاء وَهُوَ الْبعد الَّذِي يشْغلهُ الْجِسْم. والخلاء وَإِن كثر إِطْلَاقه على الْمَكَان الْخَالِي عَن الشاغل لَكِن قد يُطلق على هَذَا الْمَعْنى أَيْضا وهم قَائِلُونَ بِوُجُود الْمِقْدَار إِذْ الْقيام إِنَّمَا يتَصَوَّر فِيهِ. وَإِمَّا عِنْد الْحُكَمَاء النافين للخلاء فللبعد عِنْدهم النَّوْع الأول فَقَط أَعنِي الامتداد الْقَائِم بالجسم وهم ينفون وجود الْبعد الْمُجَرّد عَن الْمَادَّة وَإِمَّا تَعْرِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الْبعد الموهوم الَّذِي لَا شَيْء مَحْض عِنْد الْمُتَكَلِّمين فَيعرف بِالْقِيَاسِ على الْمَذْكُور بِأَن يُقَال الْبعد امتداد موهوم مَفْرُوض فِي الْجِسْم أَو فِي نَفسه صَالح لِأَن يشْغلهُ الْجِسْم وينطبق عَلَيْهِ بعده الموهوم. وَقد يُطلق الْبعد بَين الشَّيْئَيْنِ على أقصر الخطوط الْوَاصِلَة بَينهمَا. بَاب الْبَاء مَعَ الْغَيْن الْمُعْجَمَة بَغْدَاد: بَلْدَة كَبِيرَة وبقعة كَرِيمَة عمرها أَبُو جَعْفَر مَنْصُور بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة. وَوجه تَسْمِيَتهَا بِهِ أَنه كَانَ فِي نَوَاحِيهَا رَوْضَة يُقَال لَهَا بَاغ داد. وَقيل إِن (بغ) اسْم صنم كَانَ الْكَافِرُونَ يعبدونه و (داد) الْعَطِيَّة والانعام فَمَعْنَى بَغْدَاد عَطِيَّة الصَّنَم. وَفِي السّير أَن الْمَنْصُور لما وضع الْحجر أَولا قَالَ بِسم الله وَالْحَمْد لله لَهُ الأَرْض يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين. البغبغة: بَقِيَّة الطَّعَام فِي الْفَم قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أكل البغبغة وَقذف الوغوغة وَاسْتعْمل الخشبتين أَمن من الشوس واللوص والعلوص واطلب كل لُغَة فِي موضعهَا. البغى: الْمَشْي على غير الطَّرِيق الْحق. الْبُغَاة: جمع الْبَاغِي كالعصاة جمع العَاصِي. وَقد مر تَفْسِيرهَا فِي الْبَاغِي. الْبغاء: بِفَتْح الأول وَتَشْديد الثَّانِي فعال من الْبَغي بِمَعْنى الظُّلم وَبِمَعْنى الزِّنَا. وَفِي عرف النَّاس الْبغاء المخنث. وَفِي شرح الْوِقَايَة الْبغاء من شتم الْعَوام يتفقون بِهِ فَلَا يعْرفُونَ مَا يَقُولُونَ وَلِهَذَا يعز ربه. بَاب الْبَاء مَعَ الْقَاف الْبَقَاء: بَاقِي ماندن وَمَا هُوَ فِي اصْطِلَاح أَرْبَاب السلوك فِي الْولَايَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 بَاب الْبَاء مَعَ الْكَاف الْبكر: بِالْكَسْرِ وَسُكُون الثَّانِي هِيَ الامرأة الَّتِي لم تُوطأ قطّ ويقابلها الثّيّب. وَالْبكْر وَالثَّيِّب يقعان على الذّكر وَالْأُنْثَى. وَقيل فِي معرفَة الْبكارَة والثيابة أَن يمْتَحن ببيضة الْحَمَامَة إِذا طبخت وقشرت فأدخلت فِي الْفرج فَإِذا دخلت بِلَا عنف يسْتَدلّ على ثيابتها وَإِلَّا فعلى أَنَّهَا بكر. وَقيل يُؤمر بالبول عِنْد حَائِط فَإِن ضربت الْبَوْل على وَجه الْحَائِط يسْتَدلّ على بَكَارَتهَا وَإِن سَالَ على فَخذهَا يسْتَدلّ على أَنَّهَا ثيب. الْبكاء: كثير إِمَّا يعرض للحزن وَقد يعرض للسرور والفارق بَينهمَا أَمْرَانِ. أَحدهمَا: الْحَالة. وَالثَّانِي: الدمع فَإِن دمع الْحزن حَار ودمع السرُور بَارِد كَمَا سَيَجِيءُ فِي الدمع إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وللبكاء تَأْثِير عَجِيب فِي إِجَابَة الدُّعَاء وَنظر الْبَارِي عز شَأْنه بِالْكَرمِ وَالرَّحْمَة والشفقة. نعم مَا قَالَ الصائب رَحمَه الله. (كريه اطفال آرد خون مادر را بجوش ... بَحر رحمت رانظر برجشم نمناك است وبس) والبكاء لَازم للعاشق. نعم مَا قَالَ النَّاظِم. ((نوكرفتاريم وَمَا را كريه كرّ دن لَازم است. ... نونهالي را كه بنشانند آبش ميدهند) .) بَاب الْبَاء مَعَ اللَّام الْبلُوغ: فِي اللُّغَة الْوُصُول. وَفِي الشَّرْع انْتِهَاء حد الصغر فِي الْإِنْسَان ليحكم عَلَيْهِ الشَّارِع بالتكاليف الشَّرْعِيَّة ويرتفع حجره عَن التَّصَرُّفَات. وَالْبُلُوغ فِي الْغُلَام وَالْجَارِيَة بالإنزال فَحسب. لكنه لما كَانَ أمرا مخفيا جعل علاماته بِمَنْزِلَتِهِ وَلِهَذَا قَالُوا بُلُوغ الْغُلَام بالاحتلام مَعَ المَاء والأحبال والإنزال وَإِلَّا فحتى يتم عَلَيْهِ ثَمَانِي عشرَة سنة. وبلوغ الْجَارِيَة بِالْحيضِ والاحتلام بِالْمَاءِ وَالْحَبل وَإِلَّا فحتى يتم عَلَيْهَا سبع عشرَة سنة. ويفتى بِالْبُلُوغِ فيهمَا بِخمْس عشرَة سنة. وَأدنى الْمدَّة فِي حَقه اثْنَتَا عشرَة سنة وَفِي حَقّهَا تسع سِنِين. فَإِن راهقا وقاربا بالحلم وَقَالا بلغنَا صدقا وأحكامهما أَحْكَام الْبَالِغين. يُقَال رهقه أَي دنا وَقرب مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 البلاغة: فِي الْقَامُوس والتاج بلغ الرجل بلاغة إِذا كَانَ تبلغ بعبارته كنه مُرَاده على وزن كرم. وَهِي فِي اللُّغَة منبئ عَن الْوُصُول والانتهاء. وَعند أَرْبَاب الْمعَانِي البلاغة فِي الْكَلَام مطابقته لمقْتَضى الْحَال مَعَ فَصَاحَته. والبلاغة فِي الْمُتَكَلّم ملكة يقتدر بهَا على تأليف كَلَام بليغ - والمفرد لَا يُوصف بالبلاغة بِخِلَاف الفصاحة وَأكْثر إِطْلَاق الفصاحة على تِلْكَ الْمُطَابقَة. بلَى: من حُرُوف الْإِيجَاب. وَالْفرق بَينه وَبَين نعم أَن بلَى مُخْتَصَّة بإنجاب أَي نقيض النَّفْي الْمُتَقَدّم فَيَجْعَلهُ إِيجَابا سَوَاء كَانَ ذَلِك النَّفْي مُجَردا عَن الِاسْتِفْهَام مثل بلَى فِي جَوَاب من قَالَ مَا قَامَ زيد أَي قد قَامَ. أَو مَقْرُونا بِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} . وَنعم بقرر مَضْمُون مَا سبقها استفهاما كَانَ أَو خَبرا مثبتا كَانَ أَو منفيا فَإِذا قيل نعم فِي جَوَاب أَلَسْت بربكم يكون كفرا. بَاب الْبَاء مَعَ النُّون الْبِنْت: مشورة وَدفن الْبَنَات من المكرمات أَو من المغتنمات أشهر قَالَ الباخرزي. شعر (الْقَبْر أخْفى ستره للبنات ... ودفنها يرْوى من المكرمات) (أما رَأَيْت الله سُبْحَانَهُ ... قد وضع النعش بِجنب الْبَنَات) بنت مَخَاض: هِيَ الَّتِي من جنس الْإِبِل استكملت سنة وَدخلت فِي الثَّانِيَة. والمخاض وجع الْولادَة وَإِنَّمَا سميت بِهِ لِأَن أمهَا صَارَت ذَات مَخَاض بِأُخْرَى. بنت لبون: هِيَ الَّتِي من جنس الْإِبِل استكملت سنتَيْن وَدخلت فِي الثَّالِثَة وَإِنَّمَا سميت بهَا لِأَن أمهَا صَارَت ذَات لبون بِأُخْرَى. بنطاسيا: بِتَقْدِيم الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا وَسُكُون النُّون وَكسر السِّين وَفتح الْيَاء لُغَة يونانية بِمَعْنى لوح النَّفس اسْم للحس الْمُشْتَرك فِي تِلْكَ اللُّغَة فِيهَا. البنانية: أَصْحَاب بنان بن سمْعَان التَّمِيمِي قَالُوا إِن الله تَعَالَى على صُورَة الْإِنْسَان وروح الله حلت فِي عَليّ ثمَّ فِي ابْنه مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة ثمَّ فِي ابْنه هَاشم ثمَّ فِي بنان. بَنو الْأَعْيَان: هم الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات لأَب وَأم وَالْإِضَافَة بَيَانِيَّة وَإِنَّمَا سموا بذلك لشرفهم فَإِن أَعْيَان الْقَوْم خيارهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 بَنو العلات: هم الَّذين لأَب. وأمهاتهم مُخْتَلفَة إِذْ الْعلَّة بِالْفَتْح وَتَشْديد اللَّام الضرة وَهِي فِي الأَصْل الْمرة من الْعِلَل وَهُوَ الشّرْب الثَّانِي كَانَ الْأَب نهل من الأولى وعل من الثَّانِيَة يَعْنِي (نخستين شراب خورد از اولي وتشنه شدّ وبار دوم شراب خورد از ثَانِيه. والنهل شراب خوردن وتشنه شدن والعلل والعل دوبار شراب خوردن ودوم بار سيراب شدن) . بَنو الأخياف: هم أَوْلَاد الْأُم وَإِنَّمَا سموا بذلك لِأَن الْخيف هُوَ الْفرس الَّذِي يكون أحد عَيْنَيْهِ أَزْرَق وَالْأُخْرَى أسود. أَو اخْتِلَاف الْعَينَيْنِ بِأَن يكون أَحدهمَا أَزْرَق وَالْأُخْرَى أسود، فتشبهوا بذوي الأخياف لكَوْنهم من آبَاء شَتَّى لكنه عبر عَنْهُم بِنَفس الْخيف مُبَالغَة فالإضافة من قبيل إِضَافَة الْمُشبه إِلَى الْمُشبه بِهِ. وَاعْلَم أَن فِي هَذِه الْأَسَامِي الثَّلَاثَة تَغْلِيب الذُّكُور على الْإِنَاث. البنهرجة: بِالْكَسْرِ الدَّرَاهِم الَّتِي يردهَا التُّجَّار. بَاب الْبَاء مَعَ الْوَاو البون: بِالضَّمِّ وَالْفَتْح مَسَافَة مَا بَين الشَّيْئَيْنِ. وَمِنْه قَوْلهم وَبَينهمَا بون بعيد. (ف (22)) . بَاب الْبَاء مَعَ الْيَاء الْبَيَان: فِي اللُّغَة الْإِظْهَار. وَعند بعض أَصْحَاب الْأُصُول عبارَة عَن إِظْهَار المُرَاد للمخاطب مُنْفَصِلا عَمَّا يستر بِهِ وَهُوَ الصَّحِيح وَهُوَ قد يكون بالْقَوْل وَقد يكون بِالْفِعْلِ. وَعلم الْبَيَان علم يعرف بِهِ إِيرَاد الْمَعْنى الْوَاحِد الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِكَلَام مُطَابق لمقْتَضى الْحَال بطرق أَي تراكيب مُخْتَلفَة فِي وضوح الدّلَالَة عَلَيْهِ. وَالْفرق بَين التَّأْوِيل وَالْبَيَان أَن التَّأْوِيل مَا يذكر فِي كَلَام لَا يفهم مِنْهُ معنى مُحَصل فِي أول الوهلة ليفهم الْمَعْنى المُرَاد. وَالْبَيَان مَا يذكر فِيمَا يفهم ذَلِك بِنَوْع خَفَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَعْض. وَاعْلَم أَن أَقسَام الْبَيَان فِي كتب الْأُصُول سَبْعَة - بَيَان تَقْرِير - وَبَيَان تَفْسِير - وَبَيَان تَغْيِير - وَبَيَان تَبْدِيل - وَبَيَان ضَرُورَة - وَبَيَان حَال - وَبَيَان عطف - وَإِضَافَة الْبَيَان إِلَى التَّقْرِير وإخواته سوى الضَّرُورَة من قبيل إِضَافَة الْجِنْس إِلَى نَوعه كعلم أَي بَيَان تَقْرِير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَأما إِضَافَة الْبَيَان إِلَى الضَّرُورَة فَمن قبيل إِضَافَة الشَّيْء إِلَى سَببه أَي بَيَان يحصل بِالضَّرُورَةِ. وَأما بَيَان التَّقْرِير: فَهُوَ تثبيت الْكَلَام وَتَقْرِيره على وَجه لَا يحْتَمل الْمجَاز وَالْخُصُوص يَعْنِي أَن كل حَقِيقَة وعام وَإِن وَقعا على مَعْنَاهُمَا الْحَقِيقِيّ والعموم لكنهما يحتملان بَعيدا أَن يحملا على الْمجَاز وَالْخُصُوص فَإِذا أكد الْحَقِيقَة بِمَا يقطع احْتِمَال الْمجَاز وَالْعَام بقاطع احْتِمَال الْخُصُوص كَانَ بَيَانا هُوَ تَقْرِير أَن الْمَقْصُود هُوَ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ الظَّاهِر أَو الشُّمُول مثل قَوْله تَعَالَى: {وَلَا طَائِر يطير بجناحيه} . فَإِن الطيران الْحَقِيقِيّ يكون بالجناح وَلَكِن يحْتَمل أَن يُرَاد الطيران مجَازًا كَمَا يُقَال فلَان يطير بهمته فَلَمَّا أكده تَعَالَى بقوله: {يطير بجناحيه} دفع الْوَهم. وَهَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} . فالملائكة عَام عِنْدهم يحْتَمل أَن يُرَاد بهم بَعضهم فلقطع هَذَا الِاحْتِمَال أكده بكلهم أَجْمَعُونَ. وَأما بَيَان التَّفْسِير: فَهُوَ تَبْيِين الْمُجْمل أَو الْمُشْتَرك الْغَيْر الظَّاهِر المُرَاد مثلا وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ بَيَان مَا فِيهِ خَفَاء من الْمُشْتَرك أَو الْمُجْمل أَو الْخَفي كَقَوْلِه تَعَالَى: {أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} . فَإِن الصَّلَاة مُجمل فِي حق الْمُصَلِّي فلحق الْبَيَان بِالسنةِ وَكَذَا الزَّكَاة مُجمل فِي حق النّصاب أَو الْمِقْدَار فلحق الْبَيَان بِالسنةِ. وَأما بَيَان التَّغْيِير: فَهُوَ صرف اللَّفْظ عَن ظَاهر مَعْنَاهُ وَهُوَ مُوجبه الْحَقِيقِيّ إِلَى بعض المحتملات نَحْو التَّعْلِيق وَالِاسْتِثْنَاء والتخصيص. وَإِنَّمَا سمي بَيَان تَغْيِير لِأَنَّهُ من وَجه بَيَان وَمن وَجه تَغْيِير. إِمَّا أَنه بَيَان فلأجل أَنه يبين أَن المُرَاد مُحْتَمل اللَّفْظ وَإِمَّا أَنه تَغْيِير فَلِأَنَّهُ صرف اللَّفْظ عَن مُوجبه الظَّاهِر مِثَاله أَنْت حر إِن دخلت الدَّار فَإِن مُقْتَضى أَنْت حر نزُول الْعتْق فِي الْحَال فَإِنَّهُ إِيجَاب الْعتْق وعلته والمعلول لَا يَنْفَكّ عَن علته فَلَمَّا علق الْعتْق بِالشّرطِ تَأَخّر وجود الْعتْق إِلَى زمَان وجود الشَّرْط فَحصل بِهِ لموجب قَوْله أَنْت حر فَهُوَ بَيَان تَغْيِير لَهُ. وَهَكَذَا الِاسْتِثْنَاء نَحْو قَوْله عَليّ ألف دِرْهَم فَإِن مُوجبه الْألف بِتَمَامِهِ فَلَمَّا اسْتثْنى بقوله إِلَّا مائَة تغير مُوجبه من التَّمام إِلَى الْبَعْض. وَأما بَيَان التبديل: فَهُوَ النّسخ. وَهُوَ بَيَان مُدَّة الحكم الَّذِي كَانَ مَعْلُوما عِنْد الله وَكَانَ تبديلا فِي حَقنا وبيانا مخفيا فِي حق الشَّارِع كَالْقَتْلِ فَإِنَّهُ بَيَان لانْتِهَاء الْأَجَل لِأَن الْمَقْتُول ميت لأَجله فِي حق صَاحب الشَّرْع لِأَنَّهُ عَالم عواقب الْأُمُور وأجله مَعْلُوم عِنْد الله. وَفِي حق الْقَاتِل تَغْيِير وتبديل لارتكابه فعلا مَنْهِيّا حَتَّى يسْتَوْجب بِهِ الْقصاص. وَأما بَيَان الضَّرُورَة: فَهُوَ الْبَيَان الَّذِي حصل بِغَيْر مَا وضع لَهُ فِي الأَصْل إِذا الْمَوْضُوع لَهُ النُّطْق وَهَذَا يَقع بِالسُّكُوتِ الَّذِي هُوَ ضِدّه مثل سكُوت الْمولى عَن النَّهْي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 حِين يرى عَبده يَبِيع وَيَشْتَرِي فَإِنَّهُ يَجْعَل إِذْ ناله فِي التِّجَارَة ضَرُورَة دفع الْغرَر عَن من يعامله فَإِن النَّاس يستدلون بسكوته على إِذْنه فَلَو لم يَجْعَل إِذْنا لَكَانَ إِضْرَارًا لَهُم وَهُوَ مَمْنُوع. وكما فِي قَوْله تَعَالَى: {وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث} . فَإِنَّهُ تَعَالَى لما قَالَ وَورثه أَبَوَاهُ علم أَنَّهُمَا مشتركان فِي كل الْمِيرَاث. ثمَّ قَالَ فلأمه الثُّلُث. وَبَين نصيب الْأُم وَسكت كَانَ ذَلِك بَيَانا كالمنصوص عَلَيْهِ لما أَن الْبَاقِي للْأَب. وعَلى هَذَا مَسْأَلَة الْمُضَاربَة فَإِنَّهُ إِذا بَين رب المَال نصِيبه من الرِّبْح وَلم يبين نصيب الْمضَارب وَسكت صَحَّ الْمُضَاربَة لِأَن مُقْتَضى الْمُضَاربَة الْمُشَاركَة فِي الرِّبْح. فبيان نصيب أَحدهمَا وَالسُّكُوت عَن بَيَان نصيب الآخر يفهم نصيب الآخر فَكَانَ نصيب الآخر منطوقا بِهِ وَهَكَذَا بِالْعَكْسِ. وَأما بَيَان الْحَال: فَهُوَ الَّذِي يكون بِدلَالَة حَال الْمُتَكَلّم كالسكوت وَغَيره كَمَا إِذا قَالَ أحد قولا أَو فعل فعلا مثل الْمُعَامَلَات الَّتِي فِيمَا بَينهم فَلم ينْه عَن ذَلِك بل أقرهم وَسكت أَو حمدهم وحسنهم فَيدل سُكُوته مثلا على أَنَّهَا مُبَاح فِي الشَّرْع إِذْ لَا يتهم على الشَّارِع الْإِقْرَار والإصرار والتحسين والتحميد على مَحْذُور منكور كَمَا وَقع فِي الحَدِيث السَّاكِت شَيْطَان أخرس. وَهَكَذَا إِذا علم الشَّفِيع بِبيع الدَّار المشفوعة بعد أَن يعلم أَو صَار وَكيلا لطلب الْحُقُوق من البَائِع أَو المُشْتَرِي فَيدل سُكُوته مَعَ الْقُدْرَة على الطّلب على أَنه رَاض بِتَرْكِهِ. وَأما بَيَان الْعَطف: فَهُوَ أَن يعْطف الْمكيل وَالْمَوْزُون على جملَة مجملة كَقَوْلِك مائَة وقفيز حِنْطَة يَعْنِي أَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ والمعطوف من جنس وَاحِد. الْبَين: بِفَتْح الأول وَتَشْديد الثَّانِي لُغَة الظَّاهِر كَمَال الظُّهُور وَإِن أردْت مصطلح أَرْبَاب الْمنطق فَارْجِع إِلَى اللَّازِم. الْبَين بَين: يَعْنِي (درميان درميان) . وَهُوَ فِي اصْطِلَاح الصّرْف عبارَة عَن أَن يتَلَفَّظ الْهمزَة بَين مخرجها ومخرج الْحَرْف الَّذِي يُنَاسب حركتها يَعْنِي إِن كَانَت الْهمزَة مَفْتُوحَة فَإِن يتَلَفَّظ بَين مخرجها ومخرج الْألف وَإِن كَانَت مَضْمُومَة فَبين مخرجها وَبَين مخرج الْوَاو. وَإِن كَانَت مَكْسُورَة فَبين مخرجها وَبَين مخرج الْيَاء مثل سَأَلَ تساؤلا ومسائل. وَهَذَا هُوَ الْبَين بَين الْمَشْهُور. وَغير المشهوران يتَلَفَّظ بَين الْهمزَة وَبَين حرف حركتها كَمَا تَقول سؤل بَين الْهمزَة وَالْوَاو. وَقد يعبر مَذْهَب أهل السّنة بالبين بَين لِأَنَّهُ بَين الْجَبْر الْمَحْض وَالِاخْتِيَار الْمَحْض كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْجَبْر إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْبَينَات: الواضحات وَعند أَرْبَاب التَّارِيخ والتعمية الْحُرُوف الَّتِي سوى الْحُرُوف الأول من أَسمَاء حُرُوف التهجي من الْكَلِمَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 نعم النَّاظِم رَحمَه الله. (ازمهر على كسى كه يابد عرفان ... نامش همه دم نقش كند بر دلّ وجان) (ايْنَ نكته طرفه بَين كه ارباب كَمَال ... يابند ز بَيِّنَات نامش ايمان) ع - ي - ن - ل - ا - م - ي - ا. يحصل من اجْتِمَاع الْكل الْإِيمَان. البيع: لُغَة مُطلق الْمُبَادلَة. وَشرعا مُبَادلَة المَال الْمُتَقَوم بِالْمَالِ الْمُتَقَوم بِالتَّرَاضِي، وَهَذَا تَعْرِيف للْبيع الصَّحِيح يَعْنِي لَا بُد فِيهِ من قيد التقوم فِي جَانِبي الْمَبِيع وَالثمن. وَقيد التَّرَاضِي من الْجَانِبَيْنِ ليخرج البيع الْبَاطِل وَالْفَاسِد. وَمن أَرَادَ تَعْرِيفه بِحَيْثُ يعم الصَّحِيح وَالْفَاسِد مَعًا فَأخذ التقوم فِي جَانب الْمَبِيع ليخرج الْبَاطِل. وَمن ترك قيد التَّرَاضِي فَيكون شَامِلًا لبيع الْمُكْره أَيْضا. ثمَّ اعْلَم أَن المُرَاد بِالْمَالِ الأول الثّمن وَبِالثَّانِي الْمُثمن. والمبادلة إِعْطَاء مثل مَا أَخذ فَالْبيع إِعْطَاء الْمُثمن وَأخذ الثّمن وَيُقَال على الشِّرَاء وَهُوَ إِعْطَاء الثّمن وَأخذ الْمُثمن. وَهُوَ يتَعَدَّى إِلَى مفعولين بِنَفسِهِ أَو إِلَى الثَّانِي بِمن كَمَا فِي الأساس وَالْمغْرب نَحْو بِعْت زيدا فرسا وبعت فرسا من زيد. ومدخول كلمة من هُوَ المُشْتَرِي ظَاهرا كَمَا مر أَو مضمرا نَحْو بِعْت فرسا مِنْهُ. وَفِي بعض شُرُوح مُخْتَصر الْوِقَايَة أَن البيع هُوَ كالشراء من الأضداد إِلَّا أَنه غلب فِي إِخْرَاج الْمَبِيع عَن الْملك وَالشِّرَاء فِي إِخْرَاج الثّمن عَنهُ. وكل من الصَّحِيح وَالْفَاسِد وَالْبَاطِل والمتقوم وَغير الْمُتَقَوم وَالثمن فِي مَحَله. بيع الْحر: لَا يجوز إِلَّا أَن يعجز عَن أَدَاء مَال وَجب فِي ذمَّته وَهُوَ مُضْطَر أَو وَقع فِي مهلكة لَا يرى بَقَاء حَيَاته إِلَّا أَن يَبِيع نَفسه أَو فِي مَخْمَصَة تحل لَهُ الجيفة فثمنه أولى من الجيفة لِأَن النَّاس كَانُوا يبيعون أنفسهم فِي زمَان يُوسُف [عَلَيْهِ السَّلَام] وهم مضطرون لأجل الْقَحْط كَذَا فِي تاتارخاني نقلا من الْمُحِيط. بيع العينية: هُوَ أَن يستقرض رجل من تَاجر شَيْئا فَلَا يقْرضهُ بل يُعْطِيهِ عينا ويبيعها من الْمُسْتَقْرض بِأَكْثَرَ من الْقيمَة. وَإِنَّمَا سمي هَذَا البيع بالعينية لِأَن فِيهِ أعراضا عَن الدّين إِلَى الْعين. بيع الْغرَر: البيع الَّذِي فِيهِ خطر انفساخه بِهَلَاك الْمَبِيع. بيع التلجية بَين الصَّلَاتَيْنِ: فِي الْفَيْء إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الْبَيْت: فِي الدَّار إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْبَيْت الْعَتِيق: الْكَعْبَة وَإِنَّمَا سميت بهَا لسلامتها من عيب الرّقّ لِأَنَّهُ لم يملكهَا ملك من الْمُلُوك. وَسمي أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عتيقا لما مر فِي أَحْوَاله. بَيْنَمَا وبينما: اعْلَم أَن بَين مصدر بِمَعْنى الْفِرَاق فَمَعْنَى جَلَست بَيْنكُمَا جَلَست مَكَان فراقكما وَمعنى جَلَست بَين خُرُوجك ودخولك جَلَست زمَان فراقهما وَهُوَ لَازم الْإِضَافَة إِلَى الْمُفْرد وَحِينَئِذٍ يكون مُسْتَعْملا فِي الْمَكَان وَالزَّمَان كَمَا ذكرنَا. وَإِذا قصد إِضَافَته إِلَى الْجُمْلَة أشبعت الفتحة فتولدت الْألف ليَكُون دَلِيلا على عدم اقتضائه للمضاف إِلَيْهِ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُؤْتى للْوَقْف أَو زيدت مَا الكافة الزَّائِدَة فِي آخِره لِأَنَّهَا تكف وتمنع الْمُقْتَضِي عَن الِاقْتِضَاء والمضاف إِلَى الْجُمْلَة مُضَاف إِلَى مضمونها فَكَأَنَّهُ مَقْطُوع عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ وَغير مُقْتَض لَهُ وَحين هَذَا الإشباع أَو الْكَفّ لَا يكون إِلَّا من الظروف الزمانية دون المكانية. وَفِي بَينا وبينما معنى المجازاة أَي معنى الشَّرْط وَهُوَ تَعْلِيق أَمر بآخر. وَقَالَ صَاحب اللّبَاب أَنَّهُمَا لازمتا الْإِضَافَة إِلَى الْجُمْلَة الاسمية وَلما كَانَ فيهمَا معنى المجازاة فَلَا بُد لَهما من الْجَواب ولكونهما من الظروف لَا بُد لَهما من الْعَامِل وَالْعَامِل فيهمَا إِمَّا جوابهما أَو معنى المفاجأة. وتفصيل: هَذَا الْإِجْمَال أَن جوابهما لَا يَخْلُو من أَن يكون مُجَردا عَن كلمتي المفاجأة أَعنِي (إِذْ) أَو (إِذا) أَولا. فعلى الأول الْعَامِل فيهمَا هُوَ جوابهما لعدم الْمَانِع كَمَا فِي قَول الْأَصْمَعِي. فَبينا نَحن نرقبه أَتَانَا. أَي فَأَتَانَا بَين أَوْقَات نَحن نرقبه. وعَلى الثَّانِي الْعَالم فيهمَا معنى المفاجأة الْمَفْهُوم من (إِذْ وَإِذا) كَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ بَينا رجل يَسُوق بقرة قد حمل عَلَيْهَا إِذا التفتت الْبَقَرَة إِلَيْهِ وَقَالَت إِنِّي لم أخلق لهَذَا بل إِنَّمَا خلقت للحرث فَقَالَ النَّاس سُبْحَانَ الله بقرة تكلم. وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آمَنت بِهَذَا انْتهى. فكلمة (بَين) فِي هَذَا الحَدِيث الشريف بِأَلف الإشباع مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة الاسمية وَهِي رجل يَسُوق بقرة قد حمل عَلَيْهَا. وفيهَا معنى المجازاة وَقَوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ التفتت بقرة جوابها وَالْعَامِل فِيهَا معنى المفاجأة فَمَعْنَى قَوْله بَينا رجل يَسُوق بقرة إِذْ التفتت بقرة إِلَيْهِ فاجأ الْتِفَات الْبَقَرَة بَين أَوْقَات رجل يَسُوق بقرة. فَإِن قيل إِن الْجَواب إِذا لم يكن مُجَردا عَن كلمة المفاجأة لم لَا يكون عَاملا فِي بَينا وبينما قُلْنَا جوابهما حِينَئِذٍ يكون مجرورا بِإِضَافَة (إِذْ وَإِذا) إِلَيْهِمَا وَمَا فِي صلَة الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا يتَقَدَّم على الْمُضَاف. اعْلَم أَن هَذِه قصَّة سَمعهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْملك فحكاها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد النَّاس ثمَّ لما قَالَ النَّاس متعجبين بقرة تكلم قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آمَنت بِهَذَا. أَي صدقت الْملك فِيمَا سَمِعت مِنْهُ من تكلم الْبَقَرَة. و (تكلم) صِيغَة مضارع من بَاب التفعل بِحَذْف إِحْدَى التائين هَكَذَا فِي حَوَاشِي صَاحب الخيالات اللطيفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 البيد: مثل الْغَيْر وَلَا يَجِيء إِلَّا فِي الْمُنْقَطع مُضَافا إِلَى (أَن) وصلتها. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنا أفْصح الْعَرَب بيداني من قُرَيْش. وَيجوز أَن يُقَال بِنَاؤُه لِإِضَافَتِهِ إِلَى (أَن) وَأَن يُقَال إِنَّه وَاقع موقع الْمَنْصُوب فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع كَذَا فِي الرضي. وبالكسر شَجَرَة لَا ثَمَر لَهَا وَهِي على سَبْعَة عشر قسما مثل كرابه بيد - وبيد مَجْنُون - ومشك بيد - وبيدموش - وبيدطبري - وَغَيرهَا. وَأَيْضًا اسْم كتاب كفار الْهِنْد فَإِنَّهُم يَعْتَقِدُونَ أَنه كَلَام الله تَعَالَى وَيَقُولُونَ إِنَّه فِي الأَصْل وَاحِد مُشْتَمل على أَرْبَعَة دفاتر وَلِهَذَا اشْتهر فِيمَا بَينهم (جهاربيد) . الأول: (سَام بيد) . وَالثَّانِي: (ركهه بيد) . وَالثَّالِث: (يجربيد) . وَالرَّابِع: (لهرون بيد) . وَفِي الثَّلَاثَة الأول الْأَوَامِر والنواهي والوعد والوعيد وَسَائِر أَحْكَام شرائعهم الْبَاطِلَة. وَفِي النّصْف الأول من الرَّابِع أَيْضا أحكامهم وَفِي النّصْف الْأَخير مِنْهُ بَيَان أَوْصَاف نَبينَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتفصيل الْكَلِمَة الطّيبَة وَأَحْكَام الشَّرِيعَة المحمدية والطريقة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا الصَّلَاة وَالسَّلَام. البيتوتة: أَن يخلى بَين الزَّوْجَة وَزوجهَا فِي منزله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 [حرف التَّاء] بَاب التَّاء مَعَ الْألف التَّأْوِيل: فِي اللُّغَة الترجيع وَفِي الشَّرْع صرف الْآيَة عَن مَعْنَاهَا الظَّاهِر إِلَى معنى يحْتَملهُ إِذا كَانَ الْمُحْتَمل الَّذِي يرَاهُ مُوَافقا بِالْكتاب وَالسّنة مثل قَوْله تَعَالَى: {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت} . إِن أَرَادَ إِخْرَاج الطير من الْبَيْضَة كَانَ تَفْسِيرا. وَإِن أَرَادَ بِهِ إِخْرَاج الْمُؤمن من الْكَافِر أَو الْعَالم من الْجَاهِل كَانَ تَأْوِيلا. ثمَّ تَفْصِيله سَيَجِيءُ فِي تَفْسِير (التَّفْسِير) إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَبَيَان الْفرق بَينه وَبَين الْبَيَان مر فِي بَيَان (الْبَيَان) بِفضل الله الْملك المنان. التَّام: ضد النَّاقِص وَالِاسْم التَّام قد مر ذكره. وَالْكَلَام التَّام عِنْد النُّحَاة فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء فِي الْمُوجب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. والتام فِي عرف الْحساب هُوَ الْعدَد الَّذِي سَاوَى أجزاءه الْعَادة وَله وَيُسمى مُسَاوِيا أَيْضا. وتفصيله أَن الْعدَد الْمنطق إِن سَاوَى أجزاءه الْعَادة لَهُ فَتَام أَي تَامّ الْأَجْزَاء أَو نقص عَن أَجْزَائِهَا الْعَادة لَهُ فزائد أَي زَائِد الْأَجْزَاء. أَو زَاد على أَجْزَائِهِ الْعَادة فناقص أَي نَاقص الْأَجْزَاء. فتوصيف ذَلِك بِهَذِهِ الْأَوْصَاف إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار الْأَجْزَاء من قبيل وصف الشَّيْء بِحَال مُتَعَلّقه. وتوضيحه أَن الْعدَد الْمنطق على ثَلَاثَة أَقسَام: (زَائِد) وَهُوَ مَا يكون جملَة أَجْزَائِهِ زَائِدَة عَلَيْهِ كاثني عشر فَإِن لَهُ أَرْبَعَة أَجزَاء النّصْف - وَالثلث - وَالرّبع - وَالسُّدُس - فَيكون جملَة أَجْزَائِهِ خَمْسَة عشر. فقد زَادَت الْأَجْزَاء عَلَيْهِ. و (نَاقص) وَهُوَ مَا يكون جملَة أَجْزَائِهِ نَاقِصَة عَنهُ كالأربعة فَإِن لَهَا جزأين نصف وَربع وجملتها ثَلَاثَة فقد نقص جملَة أَجْزَائِهِ عَنهُ. و (تَامّ) أَي مسَاوٍ وَهُوَ مَا يُسَاوِيه أجزاؤه كالستة فَإِن لَهَا ثَلَاثَة أَجزَاء النّصْف - وَالثلث - وَالسُّدُس - وَالْمَجْمُوع سِتَّة. وَالْعد بتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة الإفناء. وَالْمرَاد بالأجزاء الْعَادة أَي المفنية الكسور الْمُطلقَة لَا المضافة وَلَا المتكررة فَلَا يعْتَبر وَاحِد من اثْنَي عشر مثلا وَأَيْضًا لَا يعْتَبر الثُّلُثَانِ أَو سدسان مثلا. فَلَا يرد أَنا لَا نسلم أَن أَجزَاء السِّتَّة مَا ذكرت فَقَط بل نِصْفَانِ وَثُلُثَانِ وسدسان أَيْضا. فعلى هَذَا يخرج السِّتَّة من الْمسَاوِي وَيدخل فِي الزَّائِد بل ينْحَصر الْعدَد فِي الزَّائِد كَمَا لَا يخفى. قَالَ جلال الْعلمَاء رَحمَه الله فِي الأنموذج الْعدَد (إِمَّا تَامّ) وَهُوَ مَا يكون جَمِيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 كسوره مُسَاوِيَة كالستة فَإِن أجزاءها وَهِي السُّدس - وَالثلث - وَالنّصف مُسَاوِيَة لَهَا. وَإِمَّا زَائِد كاثني عشر فَإِن أجزاءه تزيد عَلَيْهِ. (وَإِمَّا نَاقص) وَهُوَ مَا أجزاؤه أقل مِنْهُ كسبعة مثلا فَإِن جزءها لَيْسَ إِلَّا السَّبع. وَقد نظمت قَاعِدَة فِي تَحْصِيل الْعدَد التَّام. (جوباشدفردأول ضعف زوج الزَّوْج كم وَاحِد ... بودمضروب ايشان تَامّ ورنه زَائِد وناقص) وَمَعْنَاهُ أَنه يُؤْخَذ الزَّوْج وَهُوَ زوج الْفَرد سوى الْوَاحِد. وَبِعِبَارَة أُخْرَى عدد لَا يعده عدد فَرد. وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الْوَاحِد لَيْسَ بِعَدَد كالاثنين فِي الْمِثَال الْمَذْكُور ويضعف حَتَّى يصير أَرْبَعَة وَيسْقط مِنْهُ وَاحِد حَتَّى يصير ثَلَاثَة وَهُوَ فَرد أول لِأَنَّهُ لَا يعده سوى الْوَاحِد عدد آخر وَهُوَ المُرَاد بالفرد الأول فَيضْرب الثَّلَاثَة فِي الِاثْنَيْنِ الَّذِي هُوَ زوج الزَّوْج يصير سِتَّة وَهِي عدد تَامّ. وَكَذَا الْأَرْبَعَة فضعفه حَتَّى يصير ثَمَانِيَة وَأسْقط مِنْهَا وَاحِدًا فَصَارَ سَبْعَة وَهُوَ فَرد أول أما كَونه فَردا فَلِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ متساويين وَأما كَونه أَولا فَلِأَنَّهُ لَا يعده سوى الْوَاحِد فتضربه فِي الْأَرْبَعَة تصير ثَمَانِيَة وَعشْرين وَهُوَ عدد تَامّ أَيْضا. وَمن خَواص الْعدَد التَّام أَنه لَا يُوجد فِي كل مرتبَة من الْآحَاد والعشرات وَمَا فَوْقهمَا إِلَّا وَاحِد مثلا لَا يُوجد فِي مرتبَة الْآحَاد إِلَّا السِّتَّة. وَفِي مرتبَة العشرات إِلَّا الثَّمَانِية وَالْعشْرُونَ وَقس عَلَيْهِ واستخرج بِهَذِهِ الْقَاعِدَة الْعدَد التَّام فِي الْمَرَاتِب الآخر. والتام عِنْد أَرْبَاب البديع من المحسنات اللفظية وَقسم من الجناس وَهُوَ تشابه اللَّفْظَيْنِ فِي التَّلَفُّظ مَعَ اتِّفَاقهمَا فِي أَنْوَاع الْحُرُوف وَفِي إعدادها وَفِي هيئاتها وترتيبها فَإِن كَانَ اللفظان المتفقان من نوع وَاحِد كاسمين أَو فعلين أَو حرفين سمي متماثلا نَحْو يَوْم يقوم السَّاعَة يقسم المجرمون مَا لَبِثُوا غير سَاعَة. وَإِن كَانَا من نَوْعَيْنِ أَي من اسْم وَفعل أَو اسْم وحرف أَو فعل وحرف سمي مُسْتَوْفِي كَقَوْل أبي تَمام: (مَا مَاتَ من كرم الزَّمَان فَإِنَّهُ ... يحيى لَدَى يحيى بن عبد الله) وَكلمَة (من) زَائِدَة وَإِن كَانَ أحد لَفْظِي التَّجْنِيس لتام مركبا وَالْآخر مُفردا سمي جناس التَّرْكِيب فَإِن اتّفق لفظا التَّجْنِيس اللَّذَان أَحدهمَا مُفْرد وَالْآخر مركب فِي الْخط خص هَذَا النَّوْع من الجناس الْمركب باسم الْمُتَشَابه كَقَوْل أبي الْفَتْح البستي. (إِذا ملك لم يكن ذاهبه ... فَدَعْهُ فدولته ذاهبه) كلمة (إِذا) حرف شَرط و (ملك) فَاعل فعل مُضْمر يفسره الْفِعْل الْمَذْكُور بعده وَهُوَ (لم يكن) أَي إِذا لم يكن سُلْطَان صَاحب هبة فدع ذَلِك السُّلْطَان لِأَن دولته صَاحِبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ذهَاب وَغير بَاقِيَة. وأقسام الِاخْتِلَاف بل سَائِر أَقسَام الجناس فِي كتب البديع. التَّالِي: الْمُتَأَخر عَن الشَّيْء لِأَنَّهُ من التلو وَهُوَ التَّأَخُّر وَلذَا تسمى الْجُمْلَة الجزائية من الشّرطِيَّة تاليا لتلوه وتأخره عَن الْجُزْء الأول مِنْهَا أَعنِي الْمُقدم وَهُوَ الشَّرْط. التَّأَخُّر: يعلم حَقِيقَته وأقسامه بِالْقِيَاسِ على التَّقَدُّم. التَّأْخِير: نقل الشَّيْء من مَكَانَهُ إِلَى مَا بعده وَهُوَ معنوي ولفظي على قِيَاس التَّقْدِيم فَانْظُر إِلَيْهِ فقس التَّأْخِير عَلَيْهِ. التأول: طلب مآل الشَّيْء. ثمَّ (الْمَآل) اما مصدر ميمي بِمَعْنى اسْم الْمَفْعُول أَي طلب مَا يؤول إِلَيْهِ الشَّيْء من بَاب الْحَذف والإيصال. أَو اسْم مَكَان أَي طلب الْموضع الَّذِي يؤول إِلَيْهِ الشَّيْء أَي يرجع. وَهَذَا حَاصِل مَا ذكره سعد الْملَّة وَالدّين التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي المطول فِي الْمجَاز الْعقلِيّ بقوله وَحَقِيقَة قَوْلك تأولت الشَّيْء أَنَّك تطلبت مَا يؤول إِلَيْهِ من الْحَقِيقَة أَو الْموضع الَّذِي يؤول إِلَيْهِ من الْعقل أَي من حَيْثُ الْعقل انْتهى. والمرجع كالمآل فِي الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورين فاحفظ فَإِنَّهُ ينفعك هُنَاكَ. وَاعْلَم أَن مَا ذكرنَا على تَقْدِير عطف قَوْله أَو الْموضع على قَوْله مَا يؤول إِلَيْهِ وَإِمَّا إِذا عطف على قَوْله الْحَقِيقَة فَيتَحَقَّق كَلَام الْفَاضِل التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله أَن التأول فِي الْمجَاز الْعقلِيّ هُوَ طلب مَا يؤول إِلَيْهِ الْإِسْنَاد سَوَاء كَانَ حَقِيقَة أَو موضعا يرجع إِلَيْهِ ذَلِك الْإِسْنَاد من جِهَة الْعقل إِذْ لَا يكون تَأَول كل إِسْنَاد فِي الْمجَاز الْعقلِيّ طلب حَقِيقَته بل قد يكون كَمَا فِي أنبت الرّبيع البقل فَإِن التأول فِيهِ طلب حَقِيقَته وَهُوَ إِسْنَاد الإنبات إِلَى مَا هُوَ لَهُ أَي أنبت الله البقل فِي الرّبيع وَقد لَا يكون. وَهَذَا إِذا لم يكن لذَلِك الْإِسْنَاد حَقِيقَة فَيكون هُنَاكَ طلب مَا يؤول إِلَيْهِ الْإِسْنَاد من جِهَة الْعقل كَمَا فِي أقدمني ببلدك حق لي عَلَيْك أَي قدمت ببلدك لحق لي عَلَيْك فَإِنَّهُ لَا حَقِيقَة لهَذَا الْمجَاز الْعقلِيّ لعدم الْفَاعِل للإقدام لِأَنَّهُ موهوم لَكِن لَهُ مَحل وَهُوَ الْقدوم للحق. التَّابِع: فِي التوابع إِن شَاءَ الله تَعَالَى. التابعة: اسْم لفريق الْجِنّ. التَّأْكِيد والتوكيد: عِنْد النُّحَاة تَابع يُقرر عِنْد السَّامع كَون الْمَتْبُوع مَنْسُوبا أَو مَنْسُوبا إِلَيْهِ أَي يُحَقّق أَن الْمَنْسُوب أَو الْمَنْسُوب إِلَيْهِ فِي هَذِه النِّسْبَة هُوَ الْمَتْبُوع لَا غير. أَو يُقرر عِنْده شُمُول الْمَتْبُوع لأفراده أَو لأجزائه مثل جَاءَنِي زيد زيد وَجَاءَنِي زيد نَفسه وَجَاءَنِي الْقَوْم كلهم أَو اشْتريت العَبْد كُله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 التأسيس: إِفَادَة معنى آخر لم يكن حَاصِلا قبله وَهُوَ خير من التَّأْكِيد لِأَن حمل الْكَلَام على الإفادة خير من حمله على الْإِعَادَة. تَاء التَّأْنِيث: هِيَ الْمَوْقُوف عَلَيْهَا هَاء. التألف: مطاوعة. التَّأْلِيف: هُوَ جعل الأشاء الْكَثِيرَة بِحَيْثُ يُطلق عَلَيْهَا اسْم الْوَاحِد سَوَاء كَانَ لبَعض أَجْزَائِهِ نِسْبَة إِلَى بعض بالتقدم والتأخر أم لَا فَهُوَ أَعم من التَّرْتِيب الَّذِي هُوَ وضع كل شَيْء فِي مرتبته. تَأْكِيد الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم: وَهُوَ على نَوْعَيْنِ (أفضلهما) أَن يَسْتَثْنِي من صفة يذم بهَا منفية عَن الشَّيْء صفة يمدح بهَا ذَلِك الشَّيْء بِتَقْدِير دُخُول صفة الْمَدْح فِي صفة الذَّم كَقَوْل النَّابِغَة. (وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم ... بِهن فلول من قراع الْكَتَائِب) يَعْنِي لَا عيب فيهم أصلا غير أَن فِي سيوفهم فلول أَي كسور من مُضَارَبَة الجيوش. فالعيب صفة ذمّ منفية قد اسْتثْنى مِنْهَا صفة مدح هُوَ أَن سيوفهم ذَوَات كسور أَي منكسرة على دُخُول انكسار السَّيْف فِي الْعَيْب (والفلول) بِالضَّمِّ جمع فل يَعْنِي رخنه كارد وشمشير (والكتائب) جمع كَتِيبَة وَهُوَ الْجَيْش. وَالثَّانِي: أَن يثبت لشَيْء صفة مدح وَيذكر عقيب ذَلِك الْإِثْبَات أَدَاة اسْتثِْنَاء يَليهَا صفة مدح أُخْرَى لذَلِك الشَّيْء كَمَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنا أفْصح الْعَرَب بيد أَنِّي من قُرَيْش. وَالِاسْتِثْنَاء فِي كلا النَّوْعَيْنِ مُنْقَطع لَكِن فِي النَّوْع الأول مُتَّصِل فَرضِي لفرض دُخُول الْمُسْتَثْنى فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. وَاعْلَم أَن تَسْمِيَة هذَيْن الضربين بتأكيد الْمَدْح بِمَا يشبه الذَّم بِالنّظرِ إِلَى الْأَغْلَب وَإِلَّا فقد يكونَانِ فِي غير الْمَدْح والذم كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آبَاءَكُم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف} . يَعْنِي إِن أمكن لكم أَن تنْكِحُوا مَا قد سلف فانكحوا فَلَا يحل لكم غَيره وَذَلِكَ غير مُمكن. وَالْفَرْض هُوَ الْمُبَالغَة فِي تَحْرِيمه. وَلذَا سموهُ بَعضهم (تَأْكِيد الشَّيْء بِمَا يشبه نقيضه) وَمن أَرَادَ وَجه التَّأْكِيد وأفضلية الضَّرْب الأول فَليرْجع إِلَى المطول. تَأْكِيد الذَّم بِمَا يشبه الْمَدْح: وَهُوَ ضَرْبَان: أَحدهمَا: أَن يَسْتَثْنِي من صفة مدح منفية عَن الشَّيْء صفة ذمّ لَهُ بِتَقْدِير دُخُول صفة الذَّم فِي صفة الْمَدْح كَقَوْلِك فلَان لَا خير فِيهِ إِلَّا أَنه يسيء إِلَى من أحسن إِلَيْهِ. وَثَانِيهمَا: أَن يثبت للشَّيْء صفة ذمّ ويعقب بأداة اسْتثِْنَاء يَليهَا صفة ذمّ أُخْرَى لَهُ كَقَوْلِك فلَان فَاسق إِلَّا أَنه جَاهِل. التَّأْدِيب: (كسى را ادب دادن وادب عبارَة است از نكاه داشتن حد هر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 جيزي) . وللتأديب آدَاب بِحَسب تفَاوت مَرَاتِب الرِّجَال وَالنِّسَاء سيادة وعلما - وإمارة - وشرافة - ورذالة - وجهلا - وَعزة - ووقارا - وحقارة - ودناءة -. وَبِاعْتِبَار مَرَاتِب الْعِصْيَان كَبِيرَة وصغيرة. وَالتَّفْصِيل فِي التَّعْزِير إِن شَاءَ الله تَعَالَى. بَاب التَّاء مَعَ الْبَاء التباين: التباعد والافتراق. وَمِنْه قَوْلهم الكليان أَن تفارقا كليا من الْجَانِبَيْنِ فمتبائنان يَعْنِي إِن لم يصدق كل مِنْهُمَا كليا على مَا صدق عَلَيْهِ الآخر فالكليان متبائنان وَالنِّسْبَة بَينهمَا نِسْبَة التباين ومرجعه إِلَى سالبتين كالإنكليتين سان وَالْفرس. فَإنَّك تَقول لَا شَيْء من الْإِنْسَان بفرس وَلَا شَيْء من الْفرس بِإِنْسَان. ثمَّ التباين إِمَّا كلي كَمَا عرفت أَو جزئي وَهُوَ صدق كل مِنْهُمَا بِدُونِ الآخر فِي الْجُمْلَة والتباين الجزئي أَعم من التباين الْكُلِّي لِأَن التباين الجزئي إِمَّا أَن يتَحَقَّق فِي ضمن التبائن الْكُلِّي أَو الْعُمُوم من وَجه لِأَن الكليين إِذا لم يتصادقا فِي بعض الصُّور فَإِن لم يتصادقا فِي صُورَة أصلا فَهُوَ التباين الْكُلِّي وَإِلَّا فالعموم من وَجه. والتباين عِنْد أهل الْحساب نِسْبَة بَين عددين من النّسَب الْأَرْبَع الَّتِي أثبتوها بَين الْأَعْدَاد وَهِي (التَّمَاثُل) و (التَّدَاخُل) و (التوافق) و (التباين) وَالْوَجْه فِي انحصار النّسَب بَين عددين فِي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة أَنَّك إِذا نسبت عددا إِلَى عدد آخر فَإِن سَاوَى أَحدهمَا الآخر فهما متماثلان كأربعة رجال وَأَرْبع نسَاء. وَإِلَّا فَإِن كَانَ الْأَقَل مِنْهُمَا مفنيا للْأَكْثَر فهما متداخلان كالاثنين والستة. وَإِن لم يكن مفنيا لَهُ فإمَّا أَن يفنيهما عدد غير الْوَاحِد فهما متوافقان كالستة وَالثَّمَانِيَة أَولا يفينهما غَيره فهما متبائنان كالخمسة والستة. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل إِن تماثل العددين كَون أَحدهمَا مُسَاوِيا للْآخر كثلاثة وَثَلَاثَة ويسميان بالمتماثلين. وَاعْلَم أَنه لَا بُد هَا هُنَا من اعتبارهما فِي محلين وَإِلَّا فمطلق الثَّلَاثَة مُجَردا عَن الْمحل لَا تعدد فِيهِ فَلَا يَتَّصِف بالمساواة قطعا وتداخل العدديين الْمُخْتَلِفين أَن يعد أقلهما الْأَكْثَر أَي يفنيه وَمعنى عده أَي إفناؤه إِيَّاه أَنه إِذا ألقِي الْأَقَل من الْأَكْثَر مرَّتَيْنِ أَو أَكثر لم يبْق من الْأَكْثَر شَيْء كالثلاثة والستة. فَإنَّك إِذا ألقيت الثَّلَاثَة من السِّتَّة مرَّتَيْنِ فنيت السِّتَّة بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَا الْحَال إِذا ألقيتهما من التِّسْعَة ثَلَاث مَرَّات انْتَفَت التِّسْعَة بالمرات الثَّلَاث فهذان العددان يسميان بالمتداخلين اصْطِلَاحا بِخِلَاف الثَّمَانِية فَإنَّك إِذا ألقيت مِنْهَا ثَلَاثَة مرَّتَيْنِ بَقِي اثْنَان فَلَا يُمكن إفناءها بِالثَّلَاثَةِ لَكِن إِذا ألْقى مِنْهَا اثْنَان أَربع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 مَرَّات فنيت الثَّمَانِية فهما أَيْضا متداخلان. وتوافق العددين فِي جُزْء كالنصف مثلا أَن لَا يعد أقلهما الْأَكْثَر وَلَكِن يعدهما عدد ثَالِث كالثمانية مَعَ الْعشْرين فَإِن الثَّمَانِية لَا تعد الْعشْرين لَكِن تعدهما أَرْبَعَة فَإِنَّهَا تعد الثَّمَانِية بمرتين وَالْعِشْرين بِخمْس مَرَّات فهما متوافقان بِالربعِ لِأَن الْعدَد الْعَاد لَهما مخرج الْجُزْء الوفق بَينهمَا فَلَمَّا عدهما الْأَرْبَعَة وَهِي الْمخْرج للربع كَانَا متوافقين بِهِ وَقس عَلَيْهِ. فَإِن قلت: مخرج النّصْف أَعنِي الِاثْنَيْنِ يعدهما أَيْضا فَهَلا جعلتهما من المتوافقين بِالنِّصْفِ قلت الْمُعْتَبر فِي هَذِه الصِّنَاعَة مَعَ تعدد الْعَاد هُوَ أَكثر عدد يعدهما ليَكُون جُزْء الوفق أقل فيسهل الْحساب. أَلا ترى أَن ربع الشَّيْء أقل من نصفه وَإِن حسابه أسهل. وَلَا مُنَافَاة فِي أَن يكون بَين عددين توَافق من وُجُوه مُتعَدِّدَة كالاثني عشر وَالثَّمَانِيَة عشر فَإِنَّهُمَا متوافقان بِالنِّصْفِ وَالثلث وَالسُّدُس إِلَّا أَن الْعبْرَة فِي سهولة الْحساب بتوافقهما فِي السُّدس الَّذِي هُوَ من أَحدهمَا اثْنَان وَمن الآخر الثَّلَاثَة. وتباين العددين أَن لَا يعد العددين الْمُخْتَلِفين مَعًا عدد ثَالِث أصلا كالتسعة مَعَ الْعشْرَة فَإِنَّهُمَا لَا يعدهما مَعًا شَيْء سوى الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ بِعَدَد عِنْد الْمُحَقِّقين. وَاعْلَم أَنه قد يعْتَبر التوافق بَين عددين متداخلين لتوافقهما فِي الثُّلُث أَو الرّبع مثلا كَمَا بَين الثَّلَاثَة والستة وَبَين الْأَرْبَعَة واثني عشر سَوَاء كَانَ هُنَاكَ عدد ثَالِث يعدهما أَولا تسهيلا لِلْحسابِ على الحاسب كَمَا لَا يخفى سِيمَا على الْفَرَائِضِي فَافْهَم فَإِن قلت صِيغَة التفاعل مَوْضُوعَة لوُجُود الْفِعْل من الْجَانِبَيْنِ وَقد وجد ذَلِك فِي جَمِيع هَذِه الْأَلْفَاظ إِلَّا بالتداخل فَإِن أقل العددين المتداخلين دَاخل فِي أكثرهما وَلم يدْخل أكثرهما فِي أقلهما قلت نعم من جَانب أقل العددين المتداخلين حَقِيقَة الدُّخُول وَلَكِن من أكثرهما قبُول دُخُول الْأَقَل فِيهِ وَهُوَ مُشْتَرك بَينهمَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وواعدنا مُوسَى} . فَمن الله تَعَالَى الْوَعْد وَمن مُوسَى قبُوله. وَالْحَاصِل أَن بَاب التفاعل قد يَجِيء لقبُول الْفِعْل كالمفاعلة فَافْهَم. تبَاين الدَّاريْنِ: فِي اخْتِلَاف الدَّاريْنِ. التبذير: بذل المَال على وَجه الْإِسْرَاف. التبكيت: الْغَلَبَة بِالْحجَّةِ والإلزام والإسكات. التبادر عَلامَة الْحَقِيقَة: اعْلَم أَن التبادر قِسْمَانِ استعمالي وتحقيقي. (والتبادر الاستعمالي) هُوَ أَن يتَبَادَر اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي الْمَعْنى وَهَذَا التبادر عَلامَة كَون اللَّفْظ حَقِيقَة فِي الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ. و (التبادر التحقيقي) هُوَ أَن يتَبَادَر تحقق الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ فِي فَرد مثلا إِذا أطلق الْوُجُود لَا يتَبَادَر مِنْهُ اسْتِعْمَاله فِي الْوُجُود الْخَارِجِي حَتَّى يكون لفظ الْوُجُود حَقِيقَة فِيهِ بل يتَبَادَر مِنْهُ تحقق الْمَعْنى الْكُلِّي فِي ضمن الْوُجُود الْخَارِجِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وَهَذَا التبادر لَيْسَ عَلامَة للْحَقِيقَة. وَبِهَذَا التَّحْقِيق ينْدَفع الْمُنَافَاة الْوَاقِعَة بَين القاعدتين المشهورتين. إِحْدَاهمَا: أَنهم يَقُولُونَ الْمُطلق ينْصَرف إِلَى الْكَامِل مَعَ أَنهم لَا يَقُولُونَ إِن الْمُطلق مَوْضُوع للفرد الْكَامِل. وثانيتهما: أَنهم يَقُولُونَ إِن التبادر عَلامَة الْحَقِيقَة. التبسم: مَا لَا يكون مسموعا لَهُ ولجيرانه بِخِلَاف الضحك والقهقهة فَإِن الضحك مَا يكون مسموعا لَهُ فَقَط والقهقهة مَا يكون مسموعا لَهُ ولجيرانه نعم النَّاظِم رَحمَه الله. (بَرى رخى بشكر خنده قتل عَالم كرد ... بكفتمش كه مرا هم بكش تَبَسم كرد} التبوية: إسكان الْمَرْأَة فِي بَيت خَال. التبر: مَا كَانَ غير مَضْرُوب من الذَّهَب وَالْفِضَّة. بَاب التَّاء مَعَ التَّاء التتميم: أَن يُؤْتى فِي كَلَام لَا يُوهم خلاف الْمَقْصُود بفضلة لنكتة كالمبالغة نَحْو قَوْله تَعَالَى: {ويطعمون الطَّعَام على حبه} . أَي مَعَ حبه وَلَا احْتِيَاج إِلَيْهِ. بَاب التَّاء مَعَ الثَّاء التثويب: الْعود إِلَى الْإِعْلَام أَي الْإِعْلَام بعد الْإِعْلَام بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة للْمُبَالَغَة فِي الْإِعْلَام. وَاسْتَحْسنهُ الْمُتَأَخّرُونَ فِي سَائِر الصَّلَوَات لزِيَادَة غَفلَة النَّاس وقلما يقومُونَ عِنْد سَماع الْأَذَان. وتثويب كل بلد مَا تعارفوه إِمَّا بالتنحنح أَو بِالصَّلَاةِ الصَّلَاة أَو قَامَت قَامَت وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْفِقْه. التَّثْلِيث: فِي التربيع. بَاب التَّاء مَعَ الْجِيم التجويد: (نبك خواندن ونيك كردن) . وَعلم التجويد علم بقوانين يعرف بهَا إِعْطَاء كل حرف مَا هُوَ يسْتَحقّهُ. وموضوعه الْقُرْآن الْمجِيد. وَفَائِدَته سَعَادَة الدَّاريْنِ. وغايته كَون اللِّسَان مَحْفُوظًا عَن الخطاء فِي أَدَاء كَلَام الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 التجشم: التَّكَلُّف يَعْنِي (رنج كشيدن بجيزي) . التجنب: يكسو شدن وجانب دارى كردن) . قَالَ أَصْحَاب التصريف أَن بَاب التفعل قد يَجِيء للتجنب أَي ليدل على أَن الْفَاعِل جَانب أصل الْفِعْل نَحْو تأثم وتحرج أَي جَانب الْإِثْم والحرج. التَّجْنِيس: فِي اصْطِلَاح البديع جعل اللَّفْظَيْنِ متجانسين وتفصيله فِي الجناس إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهُوَ من المحسنات اللفظية. وَعند أهل الْحساب التَّجْنِيس جعل الْعدَد الصَّحِيح كسورا من جنس كسر معِين. والضابطة فِيهِ أَنه إِذا كَانَ مَعَ الصَّحِيح كسر مُفردا أَو مكررا أَو مُضَافا فَالْعَمَل فِيهِ أَن تضرب الْعدَد الصَّحِيح فِي مخرج الْكسر الْمعِين ليحصل هُنَاكَ مبلغ وتزيد على الْمبلغ الْحَاصِل صُورَة الْكسر وعدده فَيحصل هُنَاكَ مبلغ ثَان أَكثر من الْمبلغ الأول وتضيفه إِلَى الْمخْرج بِأَن تَقول هُوَ مبلغ كل وَاحِد من آحاده جُزْء وَاحِد من ذَلِك الْمخْرج فمجنس الْخمس وَالثلث سِتَّة عشر ثلثا لِأَنَّك إِذا ضربت الْخمس فِي الثَّلَاثَة الَّتِي مخرج الثُّلُث يحصل خَمْسَة عشر. وَإِذا زِدْت على هَذَا الْحَاصِل صُورَة الثُّلُث وَهِي وَاحِد يحصل سِتَّة عشر ثلثا وَقس عَلَيْهِ. وَرُبمَا يُسمى التَّجْنِيس بالبسط وَإِنَّمَا قيدنَا الْعَمَل الْمَذْكُور بِشَرْط إِذا كَانَ مَعَ الصَّحِيح كسر لِأَن الْحَاجة فِي الْأَعْمَال الحسابية إِلَى تجنيس الصَّحِيح فِي الْأَغْلَب إِنَّمَا هِيَ إِذا كَانَ مَعَه كسر وَإِمَّا بِحَسب الْقلَّة والندرة فقد يحْتَاج إِلَى تجنيس الصَّحِيح إِذا لم يكن مَعَه كسر فَافْهَم. التَّجْهِيز: (سازكردن وساختن جهاز عروس ومسافر ومرده) . وَالْمرَاد بالتجهيز فِي الْفَرَائِض جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمَيِّت حَتَّى الْقَبْر فعلى هَذَا لَا احْتِيَاج إِلَى ذكر التَّكْفِين فِي قَوْلهم يتَعَلَّق بتركة الْمَيِّت حُقُوق أَرْبَعَة مرتبَة الأول أَن يبْدَأ بتكفينه وتجهيزه إِلَّا أَن يُقَال إِنَّمَا يذكر اهتماما بِشَأْنِهِ. التجربيات: فِي البديهي. التجلي: مَا ينْكَشف للقلوب من أنوار الغيوب. وَإِنَّمَا جمع الغيوب بِاعْتِبَار تعدد موارد التجلي كَمَا بَين فِي كتب السلوك. التجلي الذاتي: مَا يكون مبدأه الذَّات من غير اعْتِبَار صفة من الصِّفَات. التجلي الصفاتي: مَا يكون مبدأه صفة من الصِّفَات من تعينها وامتيازها عَن الذَّات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 التَّجْرِيد: عِنْد الصُّوفِيَّة إمَاطَة السوى والكون عَن السِّرّ وَالْقلب إِذْ لَا حجاب سوى الصُّور الكونية والاعتبارات المنطبعة فِي ذَات الْقلب. والتجريد فِي البلاغة هُوَ أَن ينتزع من أَمر مَوْصُوف بِصفة أَمر آخر مثله فِي تِلْكَ الصّفة للْمُبَالَغَة فِي كَمَال تِلْكَ الصّفة فِي ذَلِك الْأَمر المنتزع عَنهُ نَحْو قَوْلهم لي من فلَان صديق ولي من فلَان أَسد فَإِنَّهُ انتزع من فلَان مَوْصُوف بِصفة الصداقة أَو الشجَاعَة أَمر آخر وَهُوَ الصّديق أَو الْأسد الَّذِي مثل فلَان فِي الصداقة أَو الشجَاعَة للْمُبَالَغَة فِي كَمَال الصداقة أَو الشجَاعَة فِي فلَان وَكلمَة (من) فِي قَوْلهم من فلَان تسمى تجريدية. وَأَيْضًا التَّجْرِيد اسْم متن فِي علم الْكَلَام للطوسي نعم النَّاظِم رَحمَه الله. (ازحق جزحق مخواه تَوْحِيد ايْنَ است ... وازسايه ءخود كريز تفريد ايْنَ است) (ز آلايش جَوْهَر وَعرض دست بشو ... تَجْرِيد ايْنَ است وَشرح تَجْرِيد ايْنَ است) التِّجَارَة: شِرَاء شَيْء ليباع بِالرِّبْحِ. تجاهل الْعَارِف: وَسَماهُ السكاكي سوق الْمَعْلُوم مساق غَيره لنكتة. وَقَالَ لَا أحب تَسْمِيَته بالتجاهل لوروده فِي كَلَام الله تَعَالَى. وَتلك النُّكْتَة كالتوبيخ وَالْمُبَالغَة فِي الْمَدْح أَو الذَّم. وَالْأول كَمَا فِي قَول امْرَأَة خارجية اسْمهَا ليلى بنت طريف ترثي أخاها. (ايا شجر الخابور مَا لَك مورقا ... كَأَنَّك لم تجزع على ابْن طريف) أَي ايا شجر مَوضِع من ديار بكر مَا شَأْنك وَمَا تصنع حَال كونك ذَا ورق كَأَنَّك لَا تحزن على موت ابْن طريف أَي أخي فَهِيَ تعلم أَن الشّجر لم تجزع على ابْن طريف لَكِنَّهَا تجاهلت فاستعملت لفظ كَأَن الدَّال على الشَّك وَبِهَذَا يعلم إِن كَأَن قد لَا يَجِيء للتشبيه بل قد يسْتَعْمل فِي مقَام الشَّك فِي الحكم. التجوهر: قَالَ الشَّيْخ الرئيس فِي الإشارات النمط الأول فِي تجوهر الْأَجْسَام وَقَالَ الطوسي فِي شرحها والجوهر يُطلق على الْمَوْجُود لَا فِي مَوْضُوع وعَلى حَقِيقَة الشَّيْء وذاته. والتجوهر بِالْمَعْنَى الأول صيرورة الشَّيْء جوهرا وبالمعنى الثَّانِي تحقق حَقِيقَته فَالْمُرَاد بتجوهر الْأَجْسَام لَيْسَ هُوَ الأول لِأَنَّهَا لَيست مِمَّا لَا يكون جَوَاهِر فَتَصِير جَوَاهِر بل هُوَ الثَّانِي فَإِن الْمَطْلُوب تحقق حَقِيقَتهَا أَهِي مركبة من أَجزَاء لَا تتجزئ أم من الْمَادَّة وَالصُّورَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 بَاب التَّاء مَعَ الْحَاء التَّحَوُّل: المُرَاد بِهِ فِي قَول أَصْحَاب التصريف بَاب الاستفعال قد يَجِيء للتحول إِنَّه لتحول الْفَاعِل إِلَى الْفِعْل نَحْو استحجر الطين أَي تحول إِلَى الْحجر وَصَارَ حجرا ثمَّ التَّحَوُّل قد يكون من حَقِيقَة إِلَى حَقِيقَة أُخْرَى كَمَا مر أَو من صفة إِلَى صفة أُخْرَى مثل استنسر البغاث أَي صَار كالنسر فِي الْقُوَّة و (البغاث) بحركات الْبَاء طَائِر ضَعِيف وَهُوَ مثل يضْرب بِهِ الْعَرَب فِي صيرورة الضَّعِيف قَوِيا. التحذير: فِي اللُّغَة تخويف شَيْء عَن شَيْء وتبعيده عَنهُ. وَعند النُّحَاة اسْم عمل فِيهِ النصب بمفعوليته بِتَقْدِير اتَّقِ أَو بعد أَو نَحْوهمَا وَهُوَ على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: مَا يكون محذرا مِمَّا بعده مثل إياك والأسد. وَثَانِيهمَا: مَا يكون مكررا ومحذرا مِنْهُ مثل الطَّرِيق الطَّرِيق. فالاسم الْمَذْكُور فِي النَّوْع الأول يكون محذرا وَمَا بعده محذرا مِنْهُ مَذْكُورا أَو محذوفا وَفِي النَّوْع الثَّانِي يكون محذرا مِنْهُ وَيكون المحذر محذوفا دَائِما. وَالتَّفْصِيل وَالتَّحْقِيق فِي جَامع الغموض. التَّحْلِيل: (از يكديكر جدا كردن) . وَعند أهل الْحساب هُوَ الْعَمَل بِالْعَكْسِ كَمَا سَيَجِيءُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. التَّحْكِيم: (شخصي راحكم كردانيدن) - وَالْحكم بِفَتْح الأول وَالثَّانِي صفة مشبهة من الحكم بِسُكُون الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي فوض الحكم إِلَيْهِ بِأَن كَانَ بَين زيد وَعَمْرو مثلا مخاصمة فَجعلَا بكرا حكما بَينهمَا وَقَالا بِمَا يحكم بكر بَيْننَا فَهُوَ مُسلم عندنَا فَحكم بكر بَينهمَا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو نُكُول فِي غير حد وقود ودية على الْعَاقِلَة صَحَّ لَو صلح بكر قَاضِيا وَبَطل حكمه لنفع أَبَوَيْهِ وَولده وَزَوجته بِخِلَاف حكمه على ضررهم كَحكم القَاضِي. وَالْحكم أدنى مرتبَة من القَاضِي. والتحكم هُوَ الحكم بِلَا حجَّة. التَّحْرِيم: جعل الشَّيْء محرما. وَإِنَّمَا خصت التَّكْبِيرَة الأولى بالتحريمة لِأَنَّهَا تحرم الْأُمُور الْمُبَاحَة قبل الشُّرُوع فِي الصَّلَاة دون سَائِر التَّكْبِيرَات. التَّحْرِير: فِي اللُّغَة التخليص عَن الرّقّ وَأَيْضًا اكتتاب مَا لَيْسَ فِيهِ حَشْو وَزِيَادَة وَفِي الْعرف تخلية الْكَلَام عَن الحشو والتطويل. التَّحْقِيق: إِثْبَات الْمَسْأَلَة بدليلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 التَّحَرِّي: بذل المجهود فِي نيل الْمَقْصُود. وَبِعِبَارَة أُخْرَى طلب أَحْرَى الْأَمريْنِ وأولاهما. التُّحْفَة: مَا اتحف بِهِ الرجل. التحت: هُوَ المركز الَّذِي هُوَ نقطة موهومة فِي بطن الأَرْض وَأَنه وَإِن لم يكن مَوْجُودا فِي الْخَارِج لكنه مَوْجُود فِي نفس الْأَمر فَإِن وجوده لَيْسَ بِفَرْض فارض وَاعْتِبَار مُعْتَبر لِأَنَّهُ منشأ انْتِزَاعه مَوْجُود فِي الْخَارِج. تَحِيَّة الْمَسْجِد: سنة عندنَا وواجبة عِنْد غَيرنَا وَيَكْفِي لتحية الْمَسْجِد رَكْعَتَانِ ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَنه يجلس ثمَّ يقوم وَيُصلي تَحِيَّة الْمَسْجِد أَو يُصَلِّي قبل أَن يجلس قَالَ بَعضهم يجلس ثمَّ يقوم. وَعَامة الْعلمَاء قَالُوا يُصَلِّي كلما دخل الْمَسْجِد كَذَا فِي الظهيري. التحدي: طلب الْمُعَارضَة على شَاهد دَعْوَاهُ. بَاب التَّاء مَعَ الْخَاء التخيل: حَرَكَة النَّفس فِي المحسوسات وتفصيله فِي التعقل. تَخْلِيل الْأَصَابِع: أَي أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَهُوَ مسنون فِي الْوضُوء. (ف (23)) . التخلخل: أَن يزِيد مِقْدَار الْجِسْم من غير أَن يَنْضَم إِلَيْهِ غَيره. وَقد يُطلق التخلخل على الانتفاش وَهُوَ أَن تتباعد الْأَجْزَاء ويداخلها جسم غَرِيب أَي مبائن مغائر كالقطن المنفوش المحلوج فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ الْجِسْم الْغَرِيب وَهُوَ الْهَوَاء. وَقد يُطلق على رقة القوام. التَّخْصِيص: فِي اللُّغَة الْقصر يَعْنِي جعل الشَّيْء منحصرا فِي آخر. وَعند النُّحَاة تقليل الِاشْتِرَاك فِي النكرَة كَمَا أَن التَّوْضِيح هُوَ رفع الْإِبْهَام النَّاشِئ فِي الْمعرفَة بِسَبَب تعدد الْوَضع. وَقد يُطلق التَّخْصِيص وَيُرَاد بِهِ الخصر كَمَا يُقَال إِن اللَّام الجارة فِي الْحَمد لله تفِيد التَّخْصِيص أَي الانحصار. وَفِي الْأُصُول التَّخْصِيص عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله هُوَ قصر الْعَام على بعض أَفْرَاده بِدَلِيل مُسْتَقل مقترن بِهِ. وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله هُوَ قصر الْعَام على بعض المسميات سَوَاء كَانَ بِغَيْر مُسْتَقل أَو بمستقل مَوْصُول أَو متراخ. وَالْمرَاد بِغَيْر المستقل هُوَ الْكَلَام الْمُتَعَلّق بصدر الْكَلَام وَلَا يكون تَاما بِنَفسِهِ كالاستثناء وَالشّرط وَالصّفة والغاية فالاستثناء يُوجب قصر الْعَام على بعض أَفْرَاده نَحْو سجد الْمَلَائِكَة إِلَّا إِبْلِيس وَالشّرط يُوجب قصر صدر الْكَلَام على بعض التقادير نَحْو أَنْت طَالِق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 إِن دخلت الدَّار وَالصّفة توجب قصر الْمَوْصُوف على مَا يُوجد فِيهِ الصّفة نَحْو فِي الْإِبِل السَّائِمَة الزَّكَاة والغاية توجب قصر المغيا على الْبَعْض نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} . والمستقل مَا لَا يكون كَذَلِك سَوَاء كَانَ كلَاما مَوْصُولا أَو متراخيا كَقَوْلِك الصَّلَاة وَاجِبَة على النِّسَاء وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء لَا صَلَاة عَلَيْهِنَّ. وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى قصر الْعَام على بعض أَفْرَاده بِكَلَام مُسْتَقل مَوْصُول تَخْصِيص وبمتراخ نسخ. أَو لم يكن كلَاما. وَهَا هُنَا: أُمُور لِأَن المستقل الْغَيْر الكلامي إِمَّا عقل نَحْو خَالق كل شَيْء فَإِن الْعقل يحكم بِالضَّرُورَةِ أَن الله تَعَالَى مَخْصُوص مِنْهُ وَتَخْصِيص الصَّبِي وَالْمَجْنُون من خطابات الشَّرْع من هَذَا الْقَبِيل. أَو (حس) نَحْو أُوتيت من كل شَيْء فَإِن الْحس الْبَصْرِيّ يحكم بِأَنَّهَا لم تؤت أَكثر الْأَشْيَاء أَو (عَادَة) نَحْو لَا يَأْكُل رَأْسا فَإِنَّهُ يَقع على الْمُتَعَارف. أَو كَون بعض أَفْرَاده نَاقِصا فَيكون اللَّفْظ أولى بِالْبَعْضِ الآخر نَحْو كل مَمْلُوك لي حر لَا يَقع على الْمكَاتب لنُقْصَان الْملك فِيهِ. أَو زَائِدا كالفاكهة فَإِنَّهَا لَا تقع على الْعِنَب فَإِن الْفَاكِهَة من التفكه وَهُوَ التَّلَذُّذ والتنعم وَالْعِنَب فِيهِ تلذ ذُو نعم وصلاحية للغذاء أَيْضا وَالْمرَاد بصدر الْكَلَام مَا هُوَ مُتَقَدم فِي الِاعْتِبَار سَوَاء قدم فِي الذّكر أَو أخر وَالْمرَاد بالْكلَام الْغَيْر التَّام مَا لَا يُفِيد الْمَعْنى لَو ذكر مُنْفَردا فَلَا يرد مَا يرد وَإِن أردْت التَّوْضِيح فَارْجِع إِلَى التَّلْوِيح. تَخْصِيص الْإِثْبَات وَتَخْصِيص الثُّبُوت: الأول: هُوَ التَّخْصِيص بِالذكر كَمَا فِي زيد قَائِم فَإِن الْمَحْمُول فِيهِ أَعنِي الْقيام صَالح للموضوعات غير مَخْصُوص بِوَاحِد معِين مِنْهَا وَغير منحصر فِيهِ ثمَّ إِذا خصصت زيدا من بَينهَا بوضوعية الْقيام وَجعلت قَائِما مَحْمُولا لَهُ لإِفَادَة ثُبُوت الْقيام بِهِ من غير نفي الْقيام عَن غَيره فقد خصصت زيدا بِالذكر. وَالثَّانِي: هُوَ تَخْصِيص أَمر بِشَيْء بِأَن ذَلِك الْأَمر ثَابت لذَلِك الشَّيْء وَلَا يُوجد فِي غَيره كَقَوْلِك أَنا قلت وَأَنا سعيت لَا غَيْرِي يَعْنِي أَن كلا من القَوْل وَالسَّعْي مَخْصُوص بِي وَلَا يُوجد فِي غَيْرِي. تَخْصِيص الشَّيْء: مُشْتَرك بَين قصر الْمُخَصّص على الْمُخَصّص بِهِ كَمَا فِي قَوْلنَا مَا زيد إِلَّا قَائِم لتخصيص زيد بِالْقيامِ وَبَين جعل الْمُخَصّص مُنْفَردا بَين الْأَشْيَاء بِحُصُول الْمُخَصّص بِهِ كَمَا فِي إياك نعْبد مَعْنَاهُ نخصك بِالْعبَادَة. وَهَذَا هُوَ المُرَاد بتخصيص اللَّفْظ بِالْمَعْنَى أَي تعينه لذَلِك الْمَعْنى بَين الْأَلْفَاظ. التخارج: تفَاعل من الْخُرُوج. وَعند أَرْبَاب الْفَرَائِض مصالحة الْوَرَثَة على إِخْرَاج بعض مِنْهُم بِشَيْء معِين من التَّرِكَة. التخلي: اخْتِيَار الْخلق الْأَعْرَاض عَن كل مَا يشْغلهُ عَن الْحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 تخَلّل الْعَدَم بَين الشَّيْء وَنَفسه: محَال إِذْ لَا بُد للتخلل من طرفين متغائرين فَلَو كَانَا متحدين لم يكن التخلل وَإِلَّا لزم تقدم الشَّيْء بالوجود على نَفسه فَلَا بُد أَن يكون الْمَوْجُود بعد الْعَدَم غير الْمَوْجُود قبله حَتَّى يتَصَوَّر التخلل بَينهمَا فَإِن قيل إِن دليلكم لَو صَحَّ لاستلزم الْمحَال وَهُوَ امْتنَاع بَقَاء شخص من الْأَشْخَاص زَمَانا وَإِلَّا لتخلل زمَان الْبَقَاء بَين الشَّيْء وَنَفسه لِأَنَّهُ مَوْجُود فِي طَرفَيْهِ مَعَ أَن بَقَاء الْأَشْخَاص مُتَحَقق قُلْنَا معنى التخلل إِنَّمَا يتَصَوَّر بِقطع الِاتِّصَال بَين الشَّيْئَيْنِ والوقوع فِي خلالهما فَلَا يتَصَوَّر تخَلّل زمَان الْبَقَاء بَين الشَّيْء وَنَفسه فِي الشَّخْص الْبَاقِي لعدم حُصُول قطع الِاتِّصَال بذلك بَين ذَلِك الشَّخْص وَنَفسه هَكَذَا فِي الْحَوَاشِي الحكيمية. تخَلّل الْجعل بَين الشَّيْء وَنَفسه وَبَين الشَّيْء وذاتي من ذاتياته: محَال لما سَيَجِيءُ فِي الْجعل إِن شَاءَ الله تَعَالَى. التَّخَلُّص: فِي اللُّغَة الْخُرُوج. وَفِي الِاصْطِلَاح هُوَ الِانْتِقَال مِمَّا افْتتح بِهِ الْكَلَام الْمُشْتَمل على وصف الْجمال أَو الْأَدَب أَو الافتخار أَو الشكاية أَو غير ذَلِك إِلَى الْمَقْصُود مَعَ رِعَايَة الْمُنَاسبَة. بَاب التَّاء مَعَ الدَّال الْمُهْملَة تَدْبِير الْمنزل: أحد أَقسَام الْحِكْمَة العملية وَهُوَ علم بِأَفْعَال اختيارية صَالِحَة للتعلق بِكُل شخص بِالْقِيَاسِ إِلَى نَفسه ليتخلى عَن الرذائل ويتحلى بالفضائل وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا فَائِدَة الْعَمَل لَا فَائِدَة الْحِكْمَة العملية. وَالْحق أَن من جعل الْعَمَل دَاخِلا فِي الْحِكْمَة فَهَذَا فائدتها باعترافها لِأَن فَائِدَة الْجُزْء فَائِدَة الْكل وَمن لم يَجعله دَاخِلا فِيهَا فَالْعَمَل فائدتها وغايتها وَفَائِدَة الشَّيْء فَائِدَة لَهُ وَلَو بالواسطة. وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم بتدبير الْمنزل لحُصُول تَدْبِير الْمنزل أَي النّظر فِي مَكَان نزُول الْجَمَاعَة المتشاركة فِيهِ بِسَبَب هَذَا الْعلم. التَّدَاخُل: (دريكديكر درآمدن) . وَفِي عرف الْحُكَمَاء نُفُوذ بعض الْأَشْيَاء فِي بعض بِحَيْثُ يتحدان فِي الْوَضع والحجم. وَبِعِبَارَة أُخْرَى دُخُول شَيْء فِي شَيْء آخر بِلَا زِيَادَة حجم وَمِقْدَار. والوضع الْإِشَارَة الحسية. ثمَّ التَّدَاخُل فِي الْجَوَاهِر بَاطِل عِنْدهم دون الْأَعْرَاض كَمَا بَين فِي كتب الْحِكْمَة. وَاعْلَم أَن مَذْهَبنَا التَّدَاخُل فِي الْأَسْبَاب فِي الْعِبَادَات والتداخل فِي الْأَحْكَام فِي الْعُقُوبَات حَتَّى لَو كرر آيَة السَّجْدَة فِي مجْلِس وَاحِد تجب سَجْدَة وَاحِدَة. وَلَو زنى مَرَّات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 يجب حد وَاحِد. وَفَائِدَته تظهر فِيمَا لَو زنى ثمَّ زنى فحد يحد ثَانِيًا. وَأما لَو تَلا آيَة السَّجْدَة فَسجدَ ثمَّ تَلا فِي ذَلِك الْمجْلس تِلْكَ الْآيَة لَا يجب كَذَا فِي الْكِفَايَة. والسر فِي اعْتِبَار التَّدَاخُل فِي الْأَسْبَاب فِي الْعِبَادَات والتداخل فِي الْأَحْكَام فِي الْعُقُوبَات دون الْعَكْس أَمْرَانِ. الْأَمر الأول: أَن التَّدَاخُل فِي الْأَسْبَاب فِي الْعِبَادَات أنسب والتداخل فِي الْأَحْكَام فِي الْعُقُوبَات أليق لِأَن التَّدَاخُل فِي الْعِبَادَات إِذا اعْتبر فِي الْأَحْكَام يُفْضِي إِلَى عدم اتِّحَاد الحكم بِالنّظرِ إِلَى التَّدَاخُل وَالْأَحْكَام تَتَعَدَّد بِالنّظرِ إِلَى الْأَسْبَاب المتعددة لِأَن الْمَفْرُوض عدم التَّدَاخُل فِي الْأَسْبَاب فدارت الْأَحْكَام بَين الِاتِّحَاد والتعدد لَكِن يَنْبَغِي أَن تَتَعَدَّد احْتِيَاطًا فَقُلْنَا بالتداخل فِي الْأَسْبَاب لِئَلَّا يلْزم عدم الاحكام مَعَ وجود الْأَسْبَاب. والعقوبات مَتى دارت بَين الثُّبُوت والسقوط تسْقط فَقُلْنَا بالتداخل فِي الْأَحْكَام لِأَن التَّدَاخُل فِي الْأَحْكَام عِنْد عدم الْمَانِع أليق وأجدر إِذْ الْأَحْكَام أُمُور حكمِيَّة تثبت بِخِلَاف الْقيَاس لَا حَقِيقِيَّة فاعتبارها وَاحِدًا غير مستبعد عِنْد الْعقل بِخِلَاف الْأَسْبَاب فَإِنَّهَا أُمُور مُتعَدِّدَة حسا كتعدد الزِّنَا وَالسَّرِقَة. وَالْأَمر الثَّانِي: أَن الِاقْتِصَار على السَّجْدَة الْوَاحِدَة بعد وجوب أَكثر مِنْهَا لتَعَدد الْأَسْبَاب تقليل عبَادَة المعبود وَهُوَ غير مُنَاسِب للْعَبد الْمَخْلُوق لِلْعِبَادَةِ لقَوْله تَعَالَى: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} . فاعتبرنا التَّدَاخُل فِي الْأَسْبَاب فِي الْعِبَادَات كَأَنَّهُ لم يُوجد إِلَّا سَبَب وَاحِد. والاقتصار على الْحَد الْوَاحِد بعد وجوب أَكثر مِنْهُ تقليل الْعقُوبَة وَهُوَ من بَاب الْكَرم وَالْعَفو اللَّائِق بجنابه تَعَالَى فاعتبرنا التَّدَاخُل فِي الْأَحْكَام فِي الْعُقُوبَات ليعلم كَمَال كرم الْكَرِيم وَتَمام عَفْو الْعَفو المنان. مَعَ كَثْرَة الذُّنُوب والعصيان. وتداخل العددين الْمُخْتَلِفين أَن يعد أَي يفني أقلهما الْأَكْثَر يَعْنِي أَنه إِذا ألْقى الْأَقَل من الْأَكْثَر مرَّتَيْنِ أَو أَكثر لم يبْق من الْأَكْثَر شَيْء كالثلاثة والستة فَإنَّك إِذا ألقيت الثَّلَاثَة من السِّتَّة مرَّتَيْنِ فنيت السِّتَّة بِالْكُلِّيَّةِ. وَكَذَا إِذا ألقيتها من التِّسْعَة ثَلَاث مَرَّات انْتَفَت التِّسْعَة بالمرات الثَّلَاث. فهذان العددان يسميان بالمتداخلين اصْطِلَاحا وَالنِّسْبَة بَينهمَا نِسْبَة التَّدَاخُل. والاعتراض الْمَشْهُور هَا هُنَا مَذْكُور فِي التباين مَعَ الْجَواب. ثمَّ اعْلَم أَن المُرَاد من التَّدَاخُل فِي قَول أَرْبَاب التصريف أَن فضل يفضل وَكَاد يكَاد من بَاب التَّدَاخُل أَن فضل يفضل كَمَا جَاءَ من بَاب نصر جَاءَ أَيْضا من بَاب علم وَكَذَا كَاد يكَاد كَمَا جَاءَ من بَاب كرم جَاءَ من بَاب علم أَيْضا. فَأخذ الْمَاضِي من أَحدهمَا والمضارع من الآخر. والتداخل عِنْدهم لَيْسَ مَخْصُوصًا بالكلمتين لِأَنَّهُ جَاءَ فِي كلمة وَاحِدَة أَيْضا كَمَا قَالُوا إِن فعل بِكَسْر الْفَاء وَضم الْعين لم يجِئ فِي الِاسْم وَأما الحبك بِكَسْر الْفَاء وَضم الْعين فَمَحْمُول على التَّدَاخُل يَعْنِي أَنه مَشْهُور بالكسرتين أَو الضمتين. ثمَّ الْمُتَكَلّم لما تلفظ بِالْحَاء الْمَكْسُورَة من اللُّغَة الأولى غفل عَنْهَا وتلفظ بِالْبَاء المضمومة من اللُّغَة الثَّانِيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 التدقيق: فِي اللُّغَة باريك نمودن. وَفِي الِاصْطِلَاح إِثْبَات الْمَسْأَلَة بِدَلِيل دَقِيق يصل النَّاظر إِلَيْهِ بدقة النّظر لدقة طَرِيقه ولاحتياجه إِلَى دَلِيل آخر. التَّدْبِير: فِي اللُّغَة النّظر إِلَى مَا يؤول إِلَيْهِ عاقبته. وَفِي الشَّرْع تَعْلِيق الْعتْق بِمُطلق مَوته كَذَا مت فَأَنت حر فَإِذا قيد بِمَوْتِهِ بِمَرَض كَذَا أَو بِمُطلق موت رجل آخر لَا يكون مُدبرا. التدبر: النّظر فِي عواقب الْأُمُور وَهُوَ قريب من الْفِكر. والتفاوت بَينهمَا أَن الْفِكر بِصَرْف الْقلب بِالنّظرِ فِي الدَّلِيل. والتدبر بصرفه بِالنّظرِ فِي عواقب الْأُمُور. التَّدْلِيس: فِي اللُّغَة إخفاء عيب الْمَبِيع وَقت البيع عَن المُشْتَرِي واختلاط الظلام واشتداده. وَفِي اصْطِلَاح أصُول الحَدِيث التَّدْلِيس على قسمَيْنِ تَدْلِيس الْإِسْنَاد وتدليس الشُّيُوخ. أما تَدْلِيس الْإِسْنَاد فَهُوَ أَن يروي عَمَّن لقِيه وَلم يسمعهُ مِنْهُ أَو عاصره وَلم يلقه وَلم يسمعهُ مِنْهُ موهما إِنَّه سَمعه مِنْهُ فَمن حَقه أَن لَا يَقُول حَدثنَا بل يَقُول قَالَ فلَان أَو عَن فلَان وَنَحْوه. وَأما التَّدْلِيس فِي الشُّيُوخ فَهُوَ أَن يروي عَن شيخ حَدِيثا فيسميه أَو يكنيه أَو ينْسبهُ أَو يصفه بِمَا لَا يعرف بِهِ كَيْلا يعرف. اعْلَم أَن قَوْلهم بِمَا لَا يعرف بِهِ مُتَعَلق بِجَمِيعِ الْأَفْعَال الْمُتَقَدّمَة فَهُوَ متنازع فِيهِ لَكِن إِذا تعلق بقَوْلهمْ ينْسبهُ فالباء بِمَعْنى إِلَى لِأَن صلَة النِّسْبَة تَجِيء بِمَعْنى إِلَى. وَإِذا تعلق بِغَيْرِهِ فَهِيَ على حَالهَا. وَالْمعْنَى يُسَمِّي الرَّاوِي الشَّيْخ باسم لَا يعرف الشَّيْخ بذلك الِاسْم. أَو يكنيه بكنية لَا يعرف بهَا. أَو يصفه بِصفة لَا يعرف بهَا. أَو ينْسبهُ إِلَى شَيْء لَا يعرف بِهِ. التدبيج: بِالدَّال الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة والتحتانية وَالْجِيم من دبج الْمَطَر الأَرْض إِذا زينها. وَهُوَ عِنْد عُلَمَاء البديع أَن يذكر فِي معنى من الْمَدْح أَو غَيره أَمْرَانِ لقصد الْكِنَايَة أَو التورية. بَاب التَّاء مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة التذبيل: تعقيب جملَة بجملة مُشْتَمِلَة على مَعْنَاهَا للتوكيد نَحْو جزيناهم بِمَا كفرُوا وَهل نجازي إِلَّا الكفور. التذنيب: جعل شَيْء عقيب شَيْء لمناسبة بَينهمَا من غير احْتِيَاج من أحد الطَّرفَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 بَاب التَّاء مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة التَّرْتِيب: لُغَة وضع كل شَيْء فِي مرتبته فَهُوَ أخص من التَّرْكِيب لِأَنَّهُ لم يعْتَبر فِيهِ أَن يكون لبَعض أَجْزَائِهِ نِسْبَة إِلَى الْبَعْض بالتقدم والتأخر. وَاصْطِلَاحا هُوَ جعل الْأَشْيَاء الْكَثِيرَة بِحَيْثُ يُطلق عَلَيْهَا اسْم الْوَاحِد وَيكون لبَعض أَجْزَائِهِ نِسْبَة إِلَى الْبَعْض بالتقدم والتأخر قَالَ الْفَاضِل الجلبي فِي حَوَاشِيه على التَّلْوِيح - قَالَ بعض الأفاضل من نسب الشَّافِعِي رَحمَه الله إِلَى أَنه فهم التَّرْتِيب فِي الْوضُوء من الْوَاو فقد غلط كَيفَ فَإِنَّهُ عَالم بِأَن الْوَاو للْجمع مُطلقًا لَا تَرْتِيب فِيهِ وَإِنَّمَا أَخذ التَّرْتِيب من السّنة وَمن سِيَاق النّظم وتأليفه وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى ذكر الْوُجُوه ووزنه فعول وَذكر الْأَيْدِي ووزنه افْعَل وَأدْخل ممسوحا بَين مغسولين وَقطع النظير عَن النظير لِأَنَّهُ لم يقل فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وامسحوا برؤوسكم وَأَيْدِيكُمْ وأرجلكم. فلولا أَن الْحِكْمَة فِي ذَلِك التَّنْبِيه على التَّرْتِيب لَكَانَ أحسن بالبلاغة أَن يَقُول فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم كَمَا يُقَال رَأَيْت زيدا وعمروا وَدخلت الْحمام وَلَا يُقَال رَأَيْت زيدا وَدخلت الْحمام وَرَأَيْت عمروا. وَلَو قيل ذَلِك لَكَانَ هجنة فِي الْكَلَام. وَمن أحسن من الله قيلا. وَلَكِن التَّرْتِيب لَيْسَ بِفَرْض عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لما ذكر فِي كتب الْفِقْه. (ف (24)) . الترضي والترحم: يَعْنِي رَضِي الله عَنهُ ورحمه الله كفين. وَفِي الْأَذْكَار للْإِمَام النَّوَوِيّ رَحمَه الله وَيسْتَحب الترضي والترحم على الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَمن بعدهمْ من الْعلمَاء والعباد وَسَائِر الْأَخْبَار فَيُقَال رَضِي الله عَنهُ أَو رَحمَه الله أَو نَحْو ذَلِك. وَأما مَا قَالَه بعض الْعلمَاء أَن قَوْله رَضِي الله عَنهُ مَخْصُوص بالصحابة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَيُقَال فِي غَيرهم رَحمَه الله فَقَط فَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَلَا يُوَافق عَلَيْهِ بل الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور اسْتِحْبَابه ودلائله أَكثر من أَن تحصى. الترديد: غير التَّقْسِيم كَمَا ستعلم فِيهِ. وَقد يُطلق التَّقْسِيم والسبر بِالْكَسْرِ على الترديد الْعُمْدَة فِي التَّمْثِيل. وَهُوَ أَن يتفحص أَولا أَوْصَاف الأَصْل ويردد بِأَن عِلّة الحكم هَل هَذِه الصّفة أَو تِلْكَ ثمَّ يبطل ثَانِيًا حكم كل حَتَّى يسْتَقرّ على وصف وَاحِد فيستفاد من ذَلِك كَون هَذَا الْوَصْف علته كَمَا يُقَال عِلّة حُرْمَة الْخمر أما الاتخاذ من الْعِنَب أَو الميعان أَو اللَّوْن الْمَخْصُوص أَو الرَّائِحَة الْمَخْصُوصَة أَو الطّعْم الْمَخْصُوص أَو الاسكار لَكِن الأول لَيْسَ بعلة لوُجُوده فِي الدبس بِدُونِ الْحُرْمَة وَكَذَا الْبَوَاقِي مَا سوى الاسكار بِمثل مَا مر فَتعين الاسكار للعلية. التّرْك: الْكَفّ وَالْمَنْع. وفرقه من الْحَذف فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 التَّرْكِيب: أَعم من التَّرْتِيب كَمَا علمت. وَالَّذِي هُوَ عِلّة من الْعِلَل التسع الْمَانِعَة للصرف عِنْد النُّحَاة صيرورة كَلِمَتَيْنِ كبعلبك أَو أَكثر مثل تأبط شرا كلمة وَاحِدَة من غير جرفية جُزْء. والتركيب الْمُقَابل للأفراد هُوَ كَون اللَّفْظ مِمَّا يقْصد بِجُزْء مِنْهُ الدّلَالَة على جُزْء مَعْنَاهُ. والتركيب سِتَّة أَنْوَاع كَمَا قَالَ قَائِل. (بود تركيب نزد نَحْو يان شش ... بيادش كير اكر خَائِف ز فوتي) (اضافي دَان وتوصيفي ومزجي ... وإسنادي وتعدادي وصوتي) مثل غُلَام زيد وَرجل فَاضل وبعلبك وَزيد قَائِم وَخَمْسَة عشر وسيبويه. التَّرْخِيم: فِي اللُّغَة نحر الْإِبِل بِلَا مرض. وَفِي اصْطِلَاح النُّحَاة حذف آخر الِاسْم بِلَا عِلّة صرفية. إِمَّا لمُجَرّد التَّخْفِيف كَمَا فِي المنادى. وَإِمَّا للضَّرُورَة الشعرية الداعية إِلَيْهِ فَهُوَ فِي الأول جَائِز وَفِي الثَّانِي وَاجِب. الترجي: ارتقاب شَيْء لَا وثوق بحصوله فَمن ثمَّ لَا يُقَال لَعَلَّ الشَّمْس تغرب لِأَن فِيهِ وثوق بحصوله. والارتقاب الِانْتِظَار وَفِي المطول وَيدخل فِي الارتقاب الطمع والإشفاق فالطمع ارتقاب المحبوب نَحْو لَعَلَّك تُعْطِينَا. والإشفاق ارتقاب الْمَكْرُوه نَحْو لعَلي أَمُوت السَّاعَة انْتهى. وَقيل الترجي توقع وجود الْفِعْل فِي الِاسْتِقْبَال فَإِن قلت الترجي هَل من أَقسَام الطّلب أم لَا. قيل صرح الكاشي بِأَنَّهُ من الطّلب وَلَكِن السكاكي لم يعده مِنْهُ لندرته وقلته. وَالتَّحْقِيق أَن الترجي لَيْسَ بِطَلَب لِأَن الطّلب لَيْسَ مُعْتَبرا فِي مَفْهُومه وماهيته كَمَا عرفت. ثمَّ قد يعرضه الطّلب لَا أَن لَا ترجي إِلَّا مَا لَيْسَ مَطْلُوبا إِذْ عدم الطّلب لَيْسَ مأخوذا فِي مَفْهُومه فَافْهَم. التَّرِكَة: فعلة من التّرْك بِمَعْنى الْمَتْرُوك كالطلبة بِمَعْنى الْمَطْلُوب. وَفِي الشَّرْع مَال يتْركهُ الْمَيِّت خَالِيا عَن تعلق حق الْغَيْر بِعَيْنِه وَإِن كَانَ حق الْغَيْر مُتَعَلقا بِعَيْنِه كَالرَّهْنِ وَالْعَبْد الْجَانِي وَالْمُشْتَرِي قبل الْقَبْض فَإِن صَاحبه يقدم على التَّجْهِيز. فَالْمُرَاد بِالتَّرِكَةِ فِي قَوْلهم يتَعَلَّق بتركة الْمَيِّت حُقُوق أَرْبَعَة هُوَ مَا ذكرنَا لَا مُطلق المَال الَّذِي يتْركهُ الْمَيِّت حَتَّى يرد مَا أوردهُ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي شرح السِّرَاجِيَّة حَيْثُ قَالَ وَاعْلَم أَن الِابْتِدَاء بالكفن لَيْسَ مُطلقًا كَمَا تشعر بِهِ عبارَة الْكتاب بل كل حق للْغَيْر تعلق بِعَين من التَّرِكَة فَإِنَّهُ مقدم على تكفينه كَالدّين الْمُتَعَلّق بالمرهون إِذا لم يكن للْمَيت شَيْء سواهُ فَيقْضى مِنْهُ دينه أَولا وَكَذَا أرش جِنَايَة العَبْد الَّذِي جني فِي حَيَاة مَوْلَاهُ وَلَا مَال لَهُ غَيره انْتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 التربيع: فِي الْقَامُوس جعل الشَّيْء مربعًا. وَفِي بَاب المساحة يُسمى ضرب الْعدَد فِي نَفسه تربيعا وَيُسمى الْحَاصِل مربعًا والمضروب ضلعا كَمَا أَن الْمَضْرُوب فِي نَفسه يُسمى جذرا فِي المحاسبات العددية وَالْحَاصِل مجذورا وَضرب الْعدَد فِي نَفسه تجذيرا. (ف (25)) . الترتيل: رِعَايَة مخارج الْحُرُوف وَحفظ الْوُقُوف وَقيل هُوَ الْخَفْض والتحزين بِالْقِرَاءَةِ. الترجيع: جعل الشَّيْء رَاجعا. والترجيع فِي الْأَذَان أَن يَقُول كلا من الشَّهَادَتَيْنِ أَولا مرَّتَيْنِ خَافِضًا صَوته ثمَّ كلا مِنْهُمَا مرَّتَيْنِ رَافعا صَوته فَيكون كل من الشَّهَادَتَيْنِ أَربع مَرَّات أَولا مرَّتَيْنِ مخفوضا وَثَانِيا مرَّتَيْنِ مَرْفُوعا وَهُوَ مسنون عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله. وَلِهَذَا قَالَ إِن الْأَذَان تسع عشرَة كلمة بِزِيَادَة أَربع كَلِمَات بالترجيع. وَالْأَذَان عندنَا خمس عشرَة كلمة لعدم الترجيع عندنَا. التَّرْجِيح: فِي اللُّغَة (افزوني دادن) وَفِي الِاصْطِلَاح عبارَة عَن بَيَان فضل أحد المثلين على الآخر بِحَسب الْوَصْف لَا بِكَثْرَة الْأَدِلَّة. وَالْمرَاد بِالْوَصْفِ الْمَعْنى الزَّائِد على الْعلَّة أَي الْمَعْنى الَّذِي لَا يكون لَهُ مدْخل فِي الْعلية وَلَا يُوجد فِي الآخر و (الترجح) فضل أحد المثلين على الآخر بِنَفسِهِ بِلَا مُرَجّح. الترادف: فِي اللُّغَة ركُوب أحد الشخصين خلف الآخر. وَفِي الِاصْطِلَاح تكْثر اللَّفْظ مَعَ اتِّحَاد الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ فَكَأَن اللَّفْظَيْنِ راكبان أَحدهمَا خلف الآخر على مركب وَاحِد وَهُوَ الْمَعْنى. التَّرويَة: مصدر من بَاب التفعيل تَقول روى يروي تروية مثل سمى يُسَمِّي تَسْمِيَة فِي الْمغرب رويت الْأَمر أَي فَكرت فِيهِ وَنظرت. وَمِنْه يَوْم التَّرويَة وَهُوَ الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة. رُوِيَ أَن إِبْرَاهِيم [عَلَيْهِ السَّلَام] رأى لَيْلَة التَّرويَة فِي الْمَنَام كَأَن قَائِلا يَقُول إِن الله يَأْمر بِذبح ابْنك هَذَا. فَلَمَّا أصبح رُوِيَ أَي فكر فِي ذَلِك من الصَّباح إِلَى الرواح أَمن الله هَذَا الحكم أم من الشَّيْطَان فَمن ثمَّ سمي (يَوْم التَّرويَة) . فَلَمَّا أَمْسَى رأى ذَلِك فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة فَعرف أَنه من الله تَعَالَى فَمن ثمَّ سمي (يَوْم عَرَفَة) . ثمَّ رأى مثله فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة فهم بنحره فَسُمي الْيَوْم (يَوْم النَّحْر) . الترشيح: فِي الِاسْتِعَارَة المرشحة. الترصيع: من المحسنات اللفظية البديعية وَهُوَ كَون مَا فِي إِحْدَى القرينتين من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الْكَلِمَات أَو أَكثر مَا فِي إِحْدَى القرينتين مثل مَا يُقَابله من الْقَرِينَة الْأُخْرَى فِي الْوَزْن والتوافق على الْحَرْف الْأَخير نَحْو: (فَهُوَ يطبع الاسجاع بجواهر لَفظه. ويقرع الاسماع بزواجر وعظه) . الطَّبْع (مهر كردن وجون قباله بِمهْر تَمام مي شود وتمامية لَازم مهر است) . فَلهَذَا ذكر الطَّبْع وَأَرَادَ الاتمام أَي فَهُوَ يتم الاسجاع بألفاظه الَّتِي كالجواهر. بَاب التَّاء مَعَ السِّين الْمُهْملَة تسلسل: يُقَال التسلسل المَاء أَي جرى فِي حدور. وَفِي الِاصْطِلَاح ترَتّب أُمُور غير متناهية مجتمعة فِي الْوُجُود وعَلى بُطْلَانه دَلَائِل شَتَّى كبرهان التطبيق والبرهان السّلمِيّ وَغَيرهمَا. وأقومها وأحكمها كَمَا قَالُوا إِنَّه بَاطِل لِأَن الْأُمُور الْغَيْر المتناهية المترتبة المجتمعة تكون معروضة لعدد الْبَتَّةَ فَإِذا ضعفنا ذَلِك الْعدَد على مثله تضعيفا عقليا إجماليا فبالضرورة يكون عدد التَّضْعِيف أَزِيد من عدد الأَصْل الَّذِي هُوَ الْمَزِيد عَلَيْهِ وكل عددين أَحدهمَا أَزِيد من الآخر فَزِيَادَة الزَّائِد إِنَّمَا يتَصَوَّر بعد انصرام جَمِيع أحاد الْمَزِيد عَلَيْهِ فَإِن المبدأ لَا يتَصَوَّر الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَإِلَّا لم يبْق مبدأ وَهَذَا خلف. وَأما الأوساط فمنتظمة مُتَوَالِيَة فَحِينَئِذٍ لَو كَانَ الْمَزِيد عَلَيْهِ غير متناه لزم الزِّيَادَة فِي جَانب عدم التناهي وَهُوَ بَاطِل لِأَن الزِّيَادَة إِنَّمَا تتَصَوَّر بعد التناهي وتناهي الْعدَد يسْتَلْزم تناهي الْمَعْدُود. وَفِيه أَن التَّضْعِيف من خَواص الْأَعْدَاد المتناهية ففرضه فِي الْأُمُور الْغَيْر المتناهية فرض محَال فَجَاز أَن يسْتَلْزم محالا آخر وَهُوَ تناهي غير المتناهي. وَقد أَجمعُوا أَن التسلسل جَائِز فِي الْأُمُور الاعتبارية وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن التسلسل يتَحَقَّق فِيهَا وَلَا يُمكن إِبْطَاله بالدلائل المبطلة بل مَعْنَاهُ أَن التسلسل لَا يتَحَقَّق فِيهَا لوَجْهَيْنِ: الأول: أَنَّهَا تَنْقَطِع بِانْقِطَاع الِاعْتِبَار. وَالثَّانِي: أَن الثَّانِي فِيهَا يكون عين الأول فَإِن وجود الْوُجُود عين الْوُجُود وَصُورَة الصُّورَة عين الصُّورَة وَاخْتِيَار الِاخْتِيَار عين الِاخْتِيَار. فَإِنَّكُم إِذا اعترفتم بِانْقِطَاع السلسلة فِي الاعتباريات فَلَيْسَ فِي الْوُجُود وَالِاعْتِبَار إِلَّا المتناهي فقولكم التسلسل فِيهَا لَيْسَ بمحال كَاذِب لِأَن التسلسل ترَتّب الْأُمُور الْغَيْر المتناهية وَهَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِك. قلت إِنَّه صَادِق لِأَن صدق السالبة لَا يَسْتَدْعِي وجود الْمَوْضُوع بل قد يصدق بانتفائه فها هُنَا كَذَلِك. التسخير: (نرم كردن وفرمان بردار نمودن) . وَفِي الِاصْطِلَاح الِانْتِقَال من حَالَة إِلَى حَالَة كَمَا سَيَجِيءُ فِي التكوين إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 التسامح: فِي اللُّغَة (جوانمردى نمودن وآسان كرفتن) . ويستعملونه فِيمَا يكون فِي الْعبارَة تجوز والقرينة ظَاهِرَة الدّلَالَة على التَّجَوُّز. وَمِنْه الْمُسَامحَة. وَقَالَ الْفَاضِل الجلبي فِي حَوَاشِيه على التَّلْوِيح المُرَاد بالتسامح اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير حَقِيقَة بِلَا قصد علاقَة مَقْبُولَة وَلَا نصب قرينَة دَالَّة عَلَيْهِ اعْتِمَادًا على ظُهُور فهم المُرَاد فِي ذَلِك الْمقَام. التسديس: فِي التربيع. التَّسَاوِي: الْمُسَاوَاة وَمِنْه أَن الكليين أَن تَصَادقا كليا فمتساويان كالإنسان والناطق فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا يصدق على كل مَا يصدق عَلَيْهِ الآخر لِأَنَّك تَقول كل إِنْسَان نَاطِق وكل نَاطِق إِنْسَان. ثمَّ اعْلَم أَنهم اخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط اتِّحَاد زمَان التصادق فِي النّسَب وَعدم اشْتِرَاطه وَالْجُمْهُور على عدم الِاشْتِرَاط. وَلذَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي حَاشِيَته على شرح الشمسية وَالْمُعْتَبر صدق كل مِنْهُمَا على جَمِيع أَفْرَاد الآخر وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يصدقا مَعًا فِي زمَان وَاحِد إِلَى آخِره. والتوضيح أَن التصادق الْمُعْتَبر فِي النّسَب إِيجَابا وسلبا عِنْد الْجُمْهُور لَيْسَ بمشروط بِأَن يكون فِي زمَان وَاحِد بل يَكْفِي أَن يصدق كلي فِي زمَان على مَا يصدق عَلَيْهِ كلي آخر وَإِن كَانَ فِي زمَان آخر وَلذَا وَلذَا قَالُوا إِن مرجع التَّسَاوِي إِلَى موجبتين كليتين مطلقتين عامتين ومرجع الْعُمُوم الْمُطلق إِلَى مُوجبَة كُلية مُطلقَة عَامَّة وسالبة جزئية دائمة. فَكَمَا أَن بَين النَّائِم والمستيقظ تَسَاويا مَعَ امْتنَاع اجْتِمَاعهمَا فِي زمَان وَاحِد كَذَلِك بَين النَّائِم المستلقي والمستيقظ عُمُوما مُطلقًا. وَعند الْبَعْض التصادق الْمَذْكُور مَشْرُوط باتحاد زمَان الصدْق وَهُوَ يَقُول إِن التَّسَاوِي إِنَّمَا هُوَ بَين النَّائِم فِي الْجُمْلَة والمستيقظ فِي الْجُمْلَة وهما يتصادقان فِي زمَان وَاحِد وَقس عَلَيْهِ الصدْق الْمُعْتَبر فِي الْعُمُوم مُطلقًا وَمن وَجه فَافْهَم. وَالنِّسْبَة بَين ذَيْنك الكليين نِسْبَة التَّسَاوِي. وَأَيْضًا التَّسَاوِي نِسْبَة بَين العددين يُقَال لَهَا التَّمَاثُل كَمَا مر فِي التباين مفصلا. التَّسْلِيم: فِي اللُّغَة (كردن نهادن وَقبُول كردن) . أَي الانقياد الظَّاهِرِيّ من غير انقياد الْبَاطِن. وَفِي الشَّرْع هُوَ الانقياد الباطني لأمر الله تَعَالَى وَترك الِاعْتِرَاض فِي مَا لَا يلائم. التَّسْبِيح: تَنْزِيه الْحق عَن نقائص الْإِمْكَان والحدوث. التساهل: أَن يكون فِي الْكَلَام نقص من غير اعْتِمَاد إِلَى فهم الْمُخَاطب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 التَّسَرِّي: إعداد الْأمة أَن تكون موطؤة بِلَا عزل الذّكر عِنْد الْمَنِيّ. التسهيم: جعل الخطوط مستوية. وَعند عُلَمَاء فن البديع هُوَ الأرصاد. التَّسْمِيَة: بِسم الله وبسم الله خواندن وتحقيقها فِي (بِسم الله) . بَاب التَّاء مَعَ الشين الْمُعْجَمَة التشخص: التعين. والجزئي إِذا لم يكن لَهُ مَاهِيَّة كُلية فَإِنَّهُ يتَعَيَّن بِنَفسِهِ كالواجب تَعَالَى وَإِن كَانَت فَيكون مُتَعَيّنا بمشخصاته الزَّائِدَة على الطبيعة الْكُلية كالوضع والاين وَقد يتَعَيَّن بطبيعته الْكُلية كَالشَّمْسِ وَالْقَمَر وَحِينَئِذٍ تكون الطبيعة منحصرة فِي ذَلِك الْفَرد فِي الْخَارِج وَإِن أمكن صدقهَا على كثيرين ذهنا. وَوجه الانحصار أَن الْمَاهِيّة الَّتِي هِيَ الْعلَّة المستقلة للتشخص فِي فَرد وَاحِد فعروض هَذَا التشخص لَهَا فِي ضمن هَذَا الْفَرد دون ذَلِك تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَأَيْضًا يلْزم تخلف الْمَعْلُول عَن الْعلَّة المستقلة لوجودها فِي فَرد آخر وَلَا يتَحَقَّق ذَلِك التشخص الْمَعْلُول هُنَاكَ فَافْهَم. ثمَّ اعْلَم أَن فِي النِّسْبَة بَين التشخص والوجود أَربع مَذَاهِب. أَحدهمَا: أَنَّهُمَا وَاحِد وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الفارابي. وَثَانِيها: أَن الْوُجُود يتَقَدَّم عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَب من قَالَ بِأَن ثُبُوت كل صفة لشَيْء مُتَأَخّر عَن وجوده فِي نَفسه. وَثَالِثهَا: عكس ذَلِك وَهُوَ مَذْهَب من قَالَ إِن الشَّيْء مَا لم يتشخص لم يُوجد. وَرَابِعهَا: مَا اخْتَارَهُ السَّيِّد السَّنَد الْمُحَقق الشريف الشريف قدس سره وَهُوَ أَنَّهُمَا متغائران لَا تقدم لأَحَدهمَا على الآخر. وَبَينه بِأَنَّهُ لَو تقدم الْوُجُود على التشخص لزم أَن يكون للمبهم وجودا فِي الْخَارِج وَلَو انعكس لَكَانَ الْمَعْدُوم متشخصا قبل وجوده فِي الْخَارِج كل ذَلِك بِحَسب الْمرتبَة لَا بِحَسب الزَّمَان. وَلَا يخفى عَلَيْك مَا فِي هَذَا الْبَيَان. التشريح: (شرح كردن) . وَعلم التشريح علم يبْحَث فِيهِ عَن أَعْضَاء الْإِنْسَان وَكَيْفِيَّة تركيبها (فموضوعه) أَعْضَاء الْإِنْسَان (وغايته) أُمُور مُتعَدِّدَة مِنْهَا معرفَة كَمَال صنعه تَعَالَى وسهولة معرفَة أَسبَاب الْأَمْرَاض وتيسر التَّدَاوِي. التشبيب: إِظْهَار جمال المعشوقة وَبَيَان حَاله فِي فراقها وتشبيب الْبَنَات أَن يذكر الْبَنَات على اخْتِلَاف درجاتهن. التَّشْبِيه: فِي اللُّغَة الدّلَالَة على مُشَاركَة أَمر لآخر فِي معنى وَالْأَمر الأول مشبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَالثَّانِي مشبه بِهِ وَذَلِكَ الْمَعْنى وَجه الشّبَه وَلَا بُد فِيهِ من آلَة التَّشْبِيه وغرضه وَهُوَ وَجه الشّبَه. وَفِي اصْطِلَاح الْبَيَان هُوَ الدّلَالَة على اشْتِرَاك أحد الشَّيْئَيْنِ للْآخر فِي أخص أَوْصَافه كالشجاعة فِي الْأسد والسخاوة فِي الحاتم والنور فِي الشَّمْس. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ الدّلَالَة على مُشَاركَة أَمر لآخر بِالْكَاف وَنَحْوه فِي أخص أَوْصَافه. (وَلَا يخفى عَلَيْك) أَنه يفهم من هَا هُنَا أَنه لَا يتَصَوَّر التَّشْبِيه إِلَّا بَين أَمريْن متغائرين كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. لَكِن التَّحْقِيق أَن التَّشْبِيه قد يكون بَين أَمريْن متحدين وَيُسمى تَشْبِيه الشَّيْء بِنَفسِهِ وَيكون الْغَرَض مِنْهُ تَنْزِيه الْمُشبه عَن وجود الْمثل وَإِثْبَات وحدانيته فِي وَجه التَّشْبِيه وَفِيه كَمَال التمدح بتفنن الْعبارَة كَمَا قَالَ جَامع الكمالات الإنسانية سيد غُلَام على المتخلص بآزاد البلكرامي سلمه الله تَعَالَى. (رَأَيْت كثير حسان فِي الورى مثلي ... مَا لَاحَ مثلك إِلَّا أَنْت يَا أملي) وَجَاء فِي الْأَشْعَار الْهِنْدِيَّة كثيرا وَفِي الفارسية أَيْضا كَمَا قَالَ ملا ظهوري الترشيزي. (جون ظهوري بجز ظهوري نيست ... در محبت يكانه مي باشد) وَأَيْضًا قَالَ ميرزا جلالائي طباطبائي فِي منشأته. (آب رخ آئينه جم منم ... همجو منى كرّ بود آن هم منم) وَأَيْضًا قَالَ سيدنَا سلمه الله تَعَالَى. (ترامير سدناز أَي دلستان ... توئى جونتو درخيل خوش طلعتان) وَهَذَا التَّشْبِيه على وزان تَفْضِيل الشَّيْء على نَفسه فَإِن الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ يكونَانِ متغائرين وَقد يجعلان متحدين وَيكون الْغَرَض من اتحادهما عدم مُشَاركَة الْغَيْر فِي الْفضل كَمَا تَقول الله أكبر من نَفسه وكما قَالَ ملا ظهوري. (نتوان كفت زخوبان دكرى مي باشد ... هم توئى از تو اكر خوبتري مي باشد) تَشْبِيه التَّمْثِيل: مَا يكون وَجهه منتزعا من مُتَعَدد كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمجَاز الْمركب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. تشابه الْأَطْرَاف: من المحسنات المعنوية الْمَذْكُورَة فِي علم البديع. وَهُوَ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 يختتم الْكَلَام بِمَا يُنَاسب ابتداءه فِي الْمَعْنى نَحْو قَوْله تَعَالَى: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير} . فَإِن اللَّطِيف يُنَاسب كَونه غير مدرك للأبصار والخبير يُنَاسب كَونه مدْركا للأشياء لِأَن الْمدْرك للشَّيْء يكون خَبِيرا بِهِ، وَالتَّفْصِيل فِي ذَلِك الْعلم وَهَذَا قسم من مُرَاعَاة النظير. التشطير: من المحسنات اللفظية البديعة وَهُوَ جعل كل من شطري الْبَيْت مسجوعا سجعة مُخَالفَة للسجعة الَّتِي فِي الشّطْر الآخر كَمَا قَالَ أَبُو تَمام فِي مدح المعتصم بِاللَّه من الْخُلَفَاء العباسية حِين فتح عمورية. (تَدْبِير معتصم بِاللَّه منتقم ... لِلْأَمْرِ مرتغب فِي الله مرتقب) قَوْله (تَدْبِير) مُبْتَدأ خَبره لم يرم قوما فِي الْبَيْت الثَّالِث وَقَوله منتقم وأخويه نعوت (معتصم) أَي تَدْبِير من اعْتصمَ بِاللَّه الَّذِي منتقم لله لَا لهوى نَفسه وراغب فِي مَا يقر بِهِ من رضوانه ومنتظر لثوابه وخائف عَن عِقَابه كَذَا فَالشَّطْر الأول سجعية على الْمِيم وَالثَّانِي على الْبَاء. التشريع: من المحسنات اللفظية المعنوية فِي اللُّغَة بآب خور آمدن. وَفِي الِاصْطِلَاح بِنَاء الْبَيْت على القافيتين يَصح الْمَعْنى عِنْد الْوُقُوف على كل من القافيتين فَيحصل عِنْد كل وقُوف بَحر على حِدة كَقَوْل الحريري. (يَا خَاطب الدُّنْيَا الدنية أَنَّهَا ... شرك الردى وقرارة الأكدار) (دَار مَتى مَا أضحكت فِي يَوْمهَا ... أبكت غَدا بعدالها من دَار) الْخَاطِب من خطْبَة الْمَرْأَة يَعْنِي (خواستكاري زن كردن) (الدنية) الخسيسة (الشّرك) بِالتَّحْرِيكِ جمع الشّركَة وَهِي حبالة الصَّائِد يَعْنِي دَامَ صياد (والردى) الْهَلَاك مصدر من بَاب علم (وقرارة الأكدار) أَي مقرّ الكدورات وَقَوله (دَار) مَرْفُوع على أَنَّهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هِيَ. وَيحْتَمل أَن يكون خَبرا بعد خبر لِأَن. و (بعدالها) دُعَاء على الدَّار بِالْهَلَاكِ من بعد إِذا هلك وَهَذَا الْبَيْت من الْكَامِل إِلَّا أَنه على القافية الثَّانِيَة من ضربه الثَّانِي وعَلى القافية الأولى من ضربه الثَّامِن. التَّشْرِيق: (كوشت خشك كردن) . التشهير: أَن يبْعَث القَاضِي رجلا إِلَى محلته ليقال إِنَّا وجدنَا هَذَا شَاهد الزُّور فَاحْذَرُوهُ وَإِن كَانَ سوقيا يَبْعَثهُ إِلَى محلته فَيُقَال ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 بَاب التَّاء مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة التصوف: تَجْرِيد الْقلب لله تَعَالَى واحتقار مَا سوى الله تَعَالَى. وَقد نقل قدوة العارفين مَوْلَانَا نور الدّين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي نفحات الانس من حضرات الْقُدس فِي أَحْوَال الشَّيْخ أبي إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن شهريار رَحمَه الله تَعَالَى - أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَنَام وَسَأَلَ مَا التصوف يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْك فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام التصوف ترك الدَّعَاوَى وكتمان الْمعَانِي. التصغير: جعل الشَّيْء صَغِيرا ومنسوبا إِلَى الصغر. وَعند النُّحَاة جعل الِاسْم مُصَغرًا أَي دَالا على معنى متصف بالصغر كالرجيل. فَإِنَّهُ مصغر بِمَعْنى مردك. وَالرجل مكبر بِمَعْنى مرد وَهُوَ من خَواص الِاسْم المعرب فَلَا يصغر الْفِعْل وَلَا الْحَرْف وَلَا الِاسْم الْمَبْنِيّ وَشد تَصْغِير نَحْو ذُو وَالَّذِي وَالَّتِي. وَله فَوَائِد فَتَارَة يصغر الِاسْم للإهانة أَي لتحقير شَأْنه كجبيل أَو ذَاته كطفيل وَهَذَا هُوَ المُرَاد بقَوْلهمْ إِن التصغر قد يكون للصغر. وَتارَة للتقليل كدريهمات. وَتارَة للتقريب إِمَّا لزمانة كبعيد الْعَصْر وَإِمَّا لمكانه كدوين السَّمَاء أَي قريب من مَكَان تَحْتَهُ أَو مَنْزِلَته كصديقي. وَتارَة للتعطف كيا أخي وَيَا حَبِيبِي. وَقيل للتعظيم. إِذا علمت ذَلِك فَاعْلَم أَن طَرِيق التصغير أَن تضم مبدأ الِاسْم وتفتح ثَانِيه وزد بعد ثَانِيه يَاء سَاكِنة تسمى يَاء التصغير لتَكون ثالثه فَيكون وَزنه فعيلا وَاقْتصر على ذَلِك إِن كَانَ الِاسْم ثلاثيا كفليس فِي فلس فَإِن كَانَ رباعيا فَصَاعِدا فاعمل فِيهِ عَمَلك فِي الثلاثي واكسر مَا بعد الْيَاء كدريهم فِي دِرْهَم وعصيفر فِي عُصْفُور فأبنية التصغير ثَلَاثَة فعيل وفعيعل وفعيعيل. ثمَّ إِذا كَانَ الثلاثي مؤنثا بِلَا عَلامَة لحقته تَاء التَّأْنِيث غَالِبا عِنْد تصغيره بِشَرْط الْأَمْن عَن اللّبْس كَمَا تلْحق بِصفتِهِ بعد. ثمَّ إِذا كَانَ الثَّانِي لينًا منقلبا عَن لين رَددته فِي التصغير إِلَى أَصله لِأَن التصغير كالجمع يرد الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا. وَلِهَذَا قَالُوا التصغير محك الْأَلْفَاظ لظُهُور الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة عِنْده. فَتَقول فِي مثل بَاب بويب لِأَن أَلفه بدل من الْوَاو وبدليل جمعه على أَبْوَاب وَأَصله بوب قلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا. ثمَّ إِذا كَانَ ثَانِي الثلاثي الْمَزِيد ألفا زادة فتصغيره على فويعل بقلب أَلفه واوا لانضمام مَا قبلهَا فَتَقول فِي ضَارب وعامر وَصَاحب ضويرب وعويمر وصويحب وَمثله نَحْو آدم مِمَّا أَلفه مبدلة من همزتين فَتَقول فِي تصغيره أَو يدم كَمَا تَقول فِي جمعه أَو أَدَم. وَأما الرباعي الْمُجَرّد فَإِنَّهُ يصغر على فعيعل كجعيفر ودريهم فِي تَصْغِير جَعْفَر وَدِرْهَم. ثمَّ إِذا صغر اسْم ثالثه أَو رابعه ألف وَجب قلب أَلفه يَاء وإدغام يَاء التصغير فِيهَا إِن كَانَ على أَرْبَعَة أحرف وَذَلِكَ نَحْو كتاب وَغُلَام ومفتاح ودينار فَتَقول فِيهَا كتيب وغليم ومفيتح ودنير. وَمثله مَا ثالثه أَو رابعه وَاو كعمود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وعصفور فَتَقول فِيهَا عميد وعصيفر بِالْقَلْبِ. وَإِذا كَانَ الِاسْم على خَمْسَة أحرف حذفت الْخَامِس كَقَوْلِك فِي سفرجل سفيرج. وَإِن شِئْت حذفت رابعه فَقلت سفيرل وَإِن شِئْت عوضت الْيَاء بدل الْجِيم أَو اللَّام فَقلت سفيريل وَإِن شِئْت قلت سفيرجي. التصريف: فِي اللُّغَة التَّحْوِيل مُطلقًا أَي تَحْويل أَي شَيْء كَانَ لفظا أَو غَيره. من حَال إِلَى حَال. وَفِي اصْطِلَاح عُلَمَاء الصّرْف تَحْويل الأَصْل الْوَاحِد إِلَى أَمْثِلَة مُخْتَلفَة ليحصل بِنَفس تِلْكَ الْأَمْثِلَة معَان مُتَفَاوِتَة لَا تحصل تِلْكَ الْمعَانِي إِلَّا بِتِلْكَ الْأَمْثِلَة وَالْمرَاد بِالْأَصْلِ الْوَاحِد الْمصدر عِنْد الْبَصرِيين وَالْفِعْل عِنْد الْكُوفِيّين وَالْمرَاد بالأمثلة الصِّيَغ وَبَين الْمَعْنيين عُمُوم وخصوص مُطلقًا. (ف (26)) . التَّصَرُّف: الزِّيَادَة فِي الْعَمَل وَالْمَشَقَّة فِيهِ وَالْقُدْرَة عَلَيْهِ. قَالَ أَصْحَاب التصريف أَن بَاب الافتعال للتَّصَرُّف يَعْنِي لإِفَادَة أَن الْفَاعِل حصل الْفِعْل بِزِيَادَة الْعَمَل وَالْمَشَقَّة فِيهِ نَحْو اكْتسب. وَمعنى الْكسْب تَحْصِيل الشَّيْء على أَي وَجه كَانَ وَمعنى الِاكْتِسَاب الْمُبَالغَة والاعتمال فِيهِ وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت} . وَفِيه تَنْبِيه على لطف الله تَعَالَى بخلقه فَأثْبت لَهُم ثَوَاب الْفِعْل على أَي وَجه كَانَ وَلم يثبت عَلَيْهِم عِقَاب الْفِعْل إِلَّا على وَجه مُبَالغَة واعتمال فِيهِ. التَّصْحِيح: إِزَالَة السقم من الْمَرِيض. وَعند عُلَمَاء الْفَرَائِض إِزَالَة الْكسر الْوَاقِع بَين السِّهَام والرؤوس. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ أَن يُؤْخَذ السِّهَام من أقل عدد يُمكن على وَجه لَا يَقع الْكسر على وَاحِد من الْوَرَثَة بِأَن يَجْعَل الْأَجْزَاء الْمَكْسُورَة أعدادا صَحِيحَة لَا كسر فِيهَا وَهَذَا معنى تَصْحِيح الكسور. وَمَتى يخرج الْحساب من الْأَقَل لم يخرج من الْأَكْثَر فَإِن خرج من ثَلَاثَة لم يخرج من سِتَّة. التَّصْحِيف: تَغْيِير اللَّفْظ وَالْمعْنَى. تصور الْمَلْزُوم يسْتَلْزم تصور اللَّازِم: فِي اللَّازِم الْبَين بِالْمَعْنَى الْأَخَص. فَإِن قيل لَا نسلم الاستلزام لجَوَاز أَن يكون لذَلِك اللَّازِم لَازم آخر وهلم جرا فَيلْزم عِنْد تصور الْمَلْزُوم تصور أُمُور كَثِيرَة وَلَيْسَ كَذَلِك قُلْنَا إِن تصور الْمَلْزُوم إِنَّمَا يسْتَلْزم تصور اللَّازِم الْمَذْكُور إِذا كَانَ تصور الْمَلْزُوم بطرِيق الأخطار أَي بِالْقَصْدِ والذات لَا مُطلقًا يَعْنِي إِذا تصور الْمَلْزُوم قصدا فَعِنْدَ ذَلِك يكون اللَّازِم متصورا كَمَا إِذا تصور النَّار قصدا تكون الْحَرَارَة متصورة والحرارة أَيْضا ملزومة للإحراق هوو ملزوم للهلاك لَكِن لَا يكون كل وَاحِد من الإحراق والهلاك مُتَصَوّر الْآن الْمَلْزُوم أَعنِي الإحراق والهلاك غير مُتَصَوّر قصدا وَلَو كَانَ ذَلِك الاستلزام مُطلقًا للَزِمَ انْتِقَال الذِّهْن من ملزوم وَاحِد إِلَى لَازمه وَإِلَى لَازم لَازمه بَالغا وابلغ فَافْهَم فَفِيهِ مَا فِيهِ. التَّصَوُّر والتصديق: وَإِنَّمَا قدمنَا التَّصَوُّر على التَّصْدِيق لِأَن التَّصَوُّر إِمَّا شَرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 التَّصْدِيق أَو شطره أَي جزءه. وَالشّرط والشطر مقدمان طبعا على الْمَشْرُوط وَالْكل بِالضَّرُورَةِ فقدمنا التَّصَوُّر على التَّصْدِيق وَصفا ليُوَافق الْوَضع الطَّبْع. ثمَّ اعْلَم أَن التَّصَوُّر يُطلق بالاشتراك اللَّفْظِيّ على أَمريْن. أَحدهمَا: الْحُضُور الذهْنِي مُطلقًا والتصور بِهَذَا الْمَعْنى مرادف للْعلم المنقسم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق وَيُقَال لَهُ التَّصَوُّر الْمُطلق والتصور لَا بِشَرْط شَيْء. وَثَانِيهمَا: الْحُضُور الذهْنِي مَعَ اعْتِبَار عدم الإذعان وَهَذَا التَّصَوُّر قسم الْعلم فَيكون قسما للتصور بِالْمَعْنَى الأول أَيْضا وقسيما للتصديق وَيُقَال لَهُ التَّصَوُّر الساذج وتصور فَقَط والتصور بِشَرْط لَا شَيْء. وَقد علم من هَذَا الْبَيَان أَن مورد الْقِسْمَة هُوَ التَّصَوُّر بِالْمَعْنَى الأول. وَقَالَ الْمُحَقق الرَّازِيّ فِي الرسَالَة المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق فسر التَّصَوُّر بِأُمُور. أَحدهَا: بِأَنَّهُ عبارَة عَن حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى مرادف للْعلم. وَثَانِيها: بِأَنَّهُ عبارَة عَن حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل فَقَط وَهُوَ مُحْتَمل لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: حُصُول صُورَة الشَّيْء مَعَ اعْتِبَار عدم الحكم. وَثَانِيهمَا: حُصُول صُورَة الشَّيْء مَعَ عدم اعْتِبَار الحكم. وَهُوَ بِهَذَا التَّفْسِير أَعم مِنْهُ بالتفسير الثَّانِي لِأَنَّهُ جَازَ أَن يكون مَعَ الحكم. وأخص مِنْهُ بالتفسير الأول لِأَن الأول جَازَ أَن يكون مَعَ اعْتِبَار الحكم انْتهى. وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الْحَوَاشِي الجلالية على التَّهْذِيب التَّصَوُّر عبارَة عَن الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء فِي الْعقل فَقَط وَهُوَ مُحْتَمل لوَجْهَيْنِ: الأول: مَعَ عدم اعْتِبَار الإذعان وَالثَّانِي: مَعَ اعْتِبَار عدم الإذعان وَالْأول أَعم من الثَّانِي بِحَسب الْمَفْهُوم دون التحقق لِأَن الْعلم التصديقي هُوَ الْعلم المتكيف بالكيفية الإذعانية لَا يُمكن فِيهِ عدم اعْتِبَار الإذعان وَلَا اعْتِبَار عدم الإذعان. وَغير الْعلم التصديقي يُمكن فِيهِ كل مِنْهُمَا انْتهى. وللتصديق فِي اللُّغَة ثَلَاثَة معَان: الأول: هُوَ الإذعان بِصدق الْقَضِيَّة أَي التَّصْدِيق بِأَن معنى الْقَضِيَّة مُطَابق للْوَاقِع ويعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (براست دانستن وصادق دانستن) ، وَالثَّانِي: الإذعان بِمَعْنى الْقَضِيَّة أَي التَّصْدِيق بِأَن الْمَحْمُول ثَابت للموضوع فِي الْوَاقِع أَو مسلوب عَنهُ كَذَلِك ويعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (بكرويدن وباوركردن) وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ التَّصْدِيق المنطقي. من هَا هُنَا قد اشْتهر فِيمَا بَينهم أَن التَّصْدِيق المنطقي هُوَ بِعَيْنِه هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ، وَالثَّالِث: عبارَة عَن التَّصْدِيق بِأَن الْقَائِل مخبر عَن كَلَام مُطَابق للْوَاقِع ويعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (براست كو داشتن وَحقّ كو دانستن) . وَقد علم من هَذَا الْبَيَان أَن الْمَعْنى الأول مَأْخُوذ من الصدْق الَّذِي وصف الْقَضِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَالثَّالِث مَأْخُوذ من الصدْق الَّذِي وصف الْقَائِل فَإِن قيل بَين هذَيْن الْقَوْلَيْنِ أَي قَوْلهم التَّصْدِيق المنطقي هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ وَبَين قَوْلهم التَّصْدِيق المنطقي هُوَ التَّصْدِيق الأول والتصديق اللّغَوِيّ تَصْدِيق ثَان مُنَافَاة لِأَن القَوْل الأول يدل على العينية وَالْقَوْل الثَّانِي على الْمُغَايرَة والأولوية والثانوية لَا يتصوران إِلَّا فِي المتغايرين قُلْنَا تنْدَفع الْمُنَافَاة مِمَّا ذكرنَا من الْمعَانِي الثَّلَاثَة للتصديق فَإِن المُرَاد بالتصديق اللّغَوِيّ فِي القَوْل الأول هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الثَّانِي. وَقد عرفت أَنه هُوَ التَّصْدِيق المنطقي وعينه. وَهَذَا التَّصْدِيق أَي التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مقدم على التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الأول أَي يحصل قبل حُصُوله كَمَا لَا يخفى. فَالْحَاصِل أَن التَّصْدِيق اللّغَوِيّ الَّذِي هُوَ عين التَّصْدِيق المنطقي هُوَ التَّصْدِيق بِالْمَعْنَى الثَّانِي والتصديق الَّذِي مَحْكُوم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ثَان أَي مُتَأَخّر هُوَ التَّصْدِيق اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الأول. ثمَّ اعْلَم أَنهم اخْتلفُوا فِي بساطة التَّصْدِيق وتركبه. والحكماء ذَهَبُوا إِلَى بساطته وفسروه بالحكم أَي الاذعان بِالنِّسْبَةِ التَّامَّة الخبرية كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. أَو الإذعان بِأَن الْمَحْمُول ثَابت للموضوع أَو مسلوب عَنهُ فِي الْوَاقِع كَمَا هُوَ تَحْقِيق الزَّاهِد. وَعَلَيْك أَن تعلم أَن الحكم بِاعْتِبَار حُصُوله فِي الذِّهْن تصور بِالْمَعْنَى الأول ولخصوصية كَونه حكما يُسمى تَصْدِيقًا وَسَيَجِيءُ توضيح هَذَا الْإِجْمَال فِي ذيل هَذَا الْمقَال أَو الاذعان بِنِسْبَة الِاتِّصَال واللااتصال وبنسبة الِانْفِصَال واللاانفصال. وَالْإِمَام الرَّازِيّ رَحمَه الله ذهب إِلَى أَنه مركب عبارَة عَن مَجْمُوع تصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبِه وَالْحكم لما صرح بِهِ فِي الملخص. وَقيل إِن أول من نسب تركيب التَّصْدِيق إِلَى الإِمَام هُوَ الكاتبي فِي شرح الملخص حَيْثُ حمل عبارَة الملخص على ظَاهرهَا فَصَارَ كسخاوة حَاتِم وشجاعة رستم وَإِلَّا فعبارات الإِمَام فِي سَائِر كتبه نَص على أَن التَّصْدِيق نفس الحكم على مَا عَلَيْهِ الْحُكَمَاء. وَقَالَ القَاضِي سراج الدّين الأرموي فِي الْمطَالع الْعلم إِمَّا تصور إِن كَانَ إدراكا ساذجا وَإِمَّا تَصْدِيق إِن كَانَ مَعَ حكم بِنَفْي أَو إِثْبَات وَقَالَ صَاحب الْكَشْف فِي كتاب الْبَيَان التَّصَوُّر إِدْرَاك الشَّيْء من حَيْثُ هُوَ مَقْطُوع النّظر عَن كَونه خَالِيا عَن الحكم بِهِ أَو عَلَيْهِ بِإِيجَاب أَو سلب والمنظور إِلَيْهِ مَعَ أَحدهمَا هُوَ التَّصْدِيق. وَفِي ميزَان الْمنطق الْعلم إِمَّا تصور فَقَط وَهُوَ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل. وَإِمَّا تَصْدِيق وَهُوَ تصور مَعَه حكم. وَفِي الشمسية الْعلم إِمَّا تصور فَقَط وَهُوَ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل وَإِمَّا تصور مَعَه حكم وَيُقَال للمجموع تَصْدِيق. وَهَكَذَا قسمه الطوسي فِي تَجْرِيد الْمِيزَان. وَلَا يخفى أَن هَذِه التفاسير للتصديق لَا تنطبق على شَيْء من مذهبي الْحُكَمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَالْإِمَام. أما الأول: فلامتناع معية الشَّيْء بِنَفسِهِ. وَأما الثَّانِي: فَلِأَن الحكم لما كَانَ سَابِقًا على الْمَجْمُوع بِحكم الْجُزْئِيَّة لم يكن مَعَه للتضاد بَين التَّقَدُّم والمعية. وَأَنت خَبِير بِمَا فِيهِ من منع التضاد لجَوَاز أَن تكون معية زمانية وَهِي لَا تنَافِي التَّقَدُّم الذاتي كَمَا هُوَ شَأْن الْجُزْء مَعَ الْكل. نعم مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَاشِيَته على شرح الشمسية يُسْتَفَاد مِنْهُ دَلِيل قَاطع على عدم انطباق هَذِه التفاسير على مَذْهَب الإِمَام وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَليرْجع إِلَيْهِ. وَيفهم مِمَّا قَالَ الْعَلامَة الْأَصْفَهَانِي فِي شرح الْمطَالع والطوالع أَن هَذِه التفاسير مَبْنِيَّة على مَذْهَب ثَالِث مستحدث مِنْهُم فِي التَّصْدِيق وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح. ومحصل كَلَامه أَن حَقِيقَة التَّصْدِيق هِيَ مَا يكون الحكم لاحقا بِهِ عارضا لَهُ وَهُوَ مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة من حَيْثُ إِنَّه ملحوق ومعروض للْحكم المرادف للتصديق فتسمية المعروض بالتصديق من بَاب إِجْرَاء الْعَارِض على المعروض وَمَا عدا ذَلِك تصور ساذج وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم أَن يكون تصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَحده أَو تصور الْمَحْكُوم بِهِ وَحده وَلَا مجموعهما مَعًا وَحدهمَا تَصْدِيقًا لَكِن يلْزم أَن يكون إِدْرَاك النِّسْبَة وَحده تَصْدِيقًا لِأَن الحكم عَارض لَهُ حَقِيقَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور وَإِن قلت إِن المُرَاد من التَّصَوُّر المعروض للْحكم مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة كَمَا مر وَالْحكم وَإِن كَانَ عارضا للنسبة حَقِيقَة لكنه بِوَاسِطَة قِيَامهَا بالطرفين عَارض للمجموع فَإِن عرُوض أَمر بِجُزْء يسْتَلْزم عروضه للْكُلّ قُلْنَا لَا دلَالَة للتصور على التَّعَدُّد فضلا عَن أَن يكون دَالا على مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة. وَأما تَقْسِيم صَاحب الشمسية فَلَا ينطبق على مَذْهَب الْحُكَمَاء بِالضَّرُورَةِ وَلَا على مَذْهَب الإِمَام لما ذكره السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي تِلْكَ الْحَاشِيَة. وَاعْلَم أَن السَّيِّد السَّنَد قدس سره قَالَ فِي تِلْكَ الْحَاشِيَة وَإِن كَانَ أَي التَّصْدِيق عبارَة عَن الْمَجْمُوع الْمركب مِنْهُمَا كَمَا صرح بِهِ أَي بقوله وَيُقَال للمجموع تَصْدِيق لم يكن التَّصْدِيق قسما من الْعلم بل مركبا من أحد قسميه مَعَ أَمر آخر مُقَارن لَهُ أَعنِي الحكم وَذَلِكَ بَاطِل انْتهى قَوْله لم يكن التَّصْدِيق قسما من الْعلم لِأَن الحكم على هَذَا التَّقْسِيم فعل فَلَا يكون التَّصْدِيق الْمركب مِنْهُ وَمن الْعلم علما وَذَلِكَ بَاطِل لاتفاقهم على أَن التَّصْدِيق قسم من الْعلم وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي حَقِيقَته فَلَا يَصح التَّقْسِيم فضلا عَن الانطباق كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحكيمية - أَقُول إِن الحكم عِنْد الإِمَام علم وَإِدْرَاك لَا فعل كَمَا سَيَجِيءُ فتقسيم صَاحب الشمسية منطبق على مَذْهَب الإِمَام. فَإِن قلت أَي مَذْهَب من مذهبي الْحُكَمَاء وَالْإِمَام حق قُلْنَا الْمَذْهَب الْحق هُوَ مَذْهَب الْحُكَمَاء كَمَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره هَذَا هُوَ الْحق لِأَن تَقْسِيم الْعلم إِلَى هذَيْن الْقسمَيْنِ إِنَّمَا هُوَ لامتياز كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر بطرِيق خَاص يستحصل بِهِ. ثمَّ إِن الْإِدْرَاك الْمُسَمّى بالحكم ينْفَرد بطرِيق خَاص يُوصل إِلَيْهِ وَهُوَ الْحجَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 المنقسمة إِلَى أقسامها. وَمَا عدا هَذَا الْإِدْرَاك لَهُ طَرِيق وَاحِد وَهُوَ القَوْل الشَّارِح فتصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وتصور الْمَحْكُوم بِهِ وتصور النِّسْبَة الْحكمِيَّة يُشَارك سَائِر التصورات فِي الاستحصال بالْقَوْل الشَّارِح فَلَا فَائِدَة فِي ضمهَا إِلَى الحكم وَجعل الْمَجْمُوع قسما وَاحِدًا من الْعلم مُسَمّى بالتصديق. لِأَن هَذَا الْمَجْمُوع لَيْسَ لَهُ طَرِيق خَاص فَمن لاحظ مَقْصُود الْفَنّ أَعنِي بَيَان الطّرق الموصلة إِلَى الْعلم لم يلتبس عَلَيْهِ أَن الْوَاجِب فِي تقسيمه مُلَاحظَة الامتياز فِي الطّرق فَيكون الحكم أحد قسميه الْمُسَمّى بالتصديق لكنه مَشْرُوط فِي وجوده ضمه إِلَى أُمُور مُتعَدِّدَة من أَفْرَاد الْقسم الآخر انْتهى. فَإِن قيل إِن الحكم عِنْد الإِمَام فعل من أَفعَال النَّفس لَا علم وَإِدْرَاك فَكيف يكون الْمَجْمُوع الْمركب من التصورات الثَّلَاثَة وَالْحكم قسما من الْعلم فَإِن تركيب التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ قسم الْعلم من الْعلم وَغَيره محَال قُلْنَا الحكم عِنْد الإِمَام إِدْرَاك قطعا وَمَا اشْتهر أَنه فعل عِنْده غلط نَشأ من اشْتِرَاك لفظ الحكم بَين الْمَعْنى الاصطلاحي وَهُوَ الإذعان وَبَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ وَهُوَ ضم أحد المفهومين إِلَى الآخر وَالضَّم فعل من أَفعَال النَّفس فَمن قَالَ إِن الحكم عِنْده فعل والتصديق عبارَة عَن مَجْمُوع التصورات الثَّلَاثَة وَالْحكم فقد افترى عَلَيْهِ بهتانا عَظِيما. نعم يرد على الإِمَام اعْتِرَاض من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه يلْزم قلب الْمَوْضُوع لاستلزامه أَن يكون التَّصْدِيق مكتسبا من القَوْل الشَّارِح والتصور من الْحجَّة وَالْأَمر بِالْعَكْسِ أما الأول فَلِأَن التَّصْدِيق عِنْده هُوَ الْمَجْمُوع من التصورات الثَّلَاثَة وَالْحكم فَلَو كَانَ الحكم الَّذِي هُوَ جزؤه بديهيا غَنِيا عَن الِاكْتِسَاب وَيكون تصور أحد طَرفَيْهِ كسبيا كَانَ ذَلِك الْمَجْمُوع كسبيا. فَإِن احْتِيَاج الْجُزْء إِلَى الشَّيْء يسْتَلْزم احْتِيَاج الْكل إِلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يكون اكتسابه من القَوْل الشَّارِح. وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن التصورات كلهَا عِنْده بديهية فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون تصور أحد الطَّرفَيْنِ عِنْده كسبيا حَتَّى يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور. وَأما الثَّانِي: فَلِأَن الحكم عِنْده إِدْرَاك وَلَيْسَ هُوَ وَحده تَصْدِيقًا عِنْده بل الْمَجْمُوع الْمركب مِنْهُ وَمن التصورات الثَّلَاثَة فَلَا بُد أَن يكون تصورا فَإِذا كَانَ كسبيان يكون اكتسابه من الْحجَّة فَيلْزم اكْتِسَاب التَّصَوُّر من الْحجَّة وَهُوَ مُمْتَنع لما سَيَجِيءُ فِي مَوْضُوع الْمنطق إِن شَاءَ الله تَعَالَى. إِلَّا أَن يُقَال إِن الإِمَام جَازَ أَن يكون مُلْتَزما أَن يكون بعض التصورات أَعنِي الحكم مكتسبا من الْحجَّة فَهُوَ لَيْسَ بمعتقد بِمَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن التَّصَوُّر مكتسب من القَوْل الشَّارِح فَقَط والتصديق من الْحجَّة فَحسب. والاعتراض بِالْوَجْهِ الثَّانِي أَن الْوحدَة مُعْتَبرَة فِي الْمقسم كَمَا ذكرنَا فِي جَامع الغموض شرح الكافية فِي شرح اللَّفْظ كَيفَ لَا وَإِن لم يُقيد بهَا لم ينْحَصر كل مقسم فِي أقسامه فَإِن مَجْمُوع الْقسمَيْنِ قسم ثَالِث للمطلق. فالتصديق الَّذِي هُوَ عبارَة عَن الادراكات الَّتِي هِيَ عُلُوم مُتعَدِّدَة لَا ينْدَرج تَحت الْعلم الْوَاحِد الَّذِي جعل مقسمًا. وَالْجَوَاب أَن التَّصْدِيق الْمَذْكُور فِي نَفسه وَإِن كَانَت علوما مُتعَدِّدَة لَكِن لَهَا نوع وحدة فَلَا بَأْس باندراجها بِحَسب تِلْكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 الْوحدَة تَحت الْعلم مَعَ أَن التَّرْكِيب بِدُونِ اعْتِبَار الْوحدَة مُمْتَنع وَمن سوى الْحُكَمَاء قَائِل بتركيب التَّصْدِيق فَلهُ وحدة بحسبها مندرج تَحت الْعلم فَلَا إِشْكَال. وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَاشِيَة الرسَالَة أَقُول يرد على الإِمَام أَن أَجزَاء التَّصْدِيق يجب أَن تكون علوما تصورية لِأَن الْعلم منحصر فِي التَّصَوُّر والتصديق وجزء التَّصْدِيق لَا يُمكن أَن يكون شَيْئا غير الْعلم أَو علما تصديقيا غير التصوري وَلَا شكّ أَن التصورات كلهَا بديهيات عِنْده وَمن الضروريات أَنه إِذا حصل جَمِيع أَجزَاء الشَّيْء بالبداهة يحصل ذَلِك الشَّيْء بالبداهة فَيلْزم أَن يكون التصديقات أَيْضا كلهَا بديهية مَعَ أَنه لَا يَقُول بذلك انْتهى. وَقَالَ فِي الْهَامِش المُرَاد بِالْجَمِيعِ الْكل الإفرادي فَلَا يرد أَن جَمِيع أَجزَاء الشَّيْء هُوَ بِعَيْنِه ذَلِك الشَّيْء فَيرجع الْكَلَام إِلَى أَنه إِذا حصل ذَلِك الشَّيْء يحصل ذَلِك الشَّيْء. ثمَّ حُصُول كل وَاحِد من الْأَجْزَاء بِأَيّ نَحْو كَانَ مُسْتَلْزم لحُصُول الْكل كَذَلِك إِذا لم يعْتَبر مَعَه الْهَيْئَة الاجتماعية وحصوله بطرِيق البداهة لَيْسَ بمستلزم لحُصُول الْكل كَذَلِك إِذا اعْتبر مَعَه تِلْكَ الْهَيْئَة انْتهى. وَاعْلَم أَن الْحُكَمَاء قاطبة بعد اتِّفَاقهم على أَن التَّصْدِيق بسيط عبارَة عَن الاذعان وَالْحكم فَقَط اخْتلفُوا فِي أَن مُتَعَلق الاذعان إِمَّا النِّسْبَة الخبرية ثبوتية أَو سلبية. أَو مُتَعَلقَة وُقُوع النِّسْبَة الثبوتية التقييدية أَولا وُقُوعهَا يَعْنِي أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة فَاخْتَارَ المتقدمون مِنْهُم الأول وَقَالُوا بِتَثْلِيث أَجزَاء الْقَضِيَّة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمحكوم بِهِ وَالنِّسْبَة الخبرية ثبوتية أَو سلبية وَهَذَا هُوَ الْحق إِذْ لَا يفهم من زيد قَائِم مثلا إِلَّا نِسْبَة وَاحِدَة وَلَا يحْتَاج فِي عقده إِلَى نِسْبَة أُخْرَى. والتصديق عِنْدهم نوع آخر من الْإِدْرَاك مغائر للتصور مُغَايرَة ذاتية لَا بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق. وَذهب الْمُتَأَخّرُونَ مِنْهُم إِلَى الثَّانِي وَقَالُوا بتربيع أَجزَاء الْقَضِيَّة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمحكوم بِهِ وَالنِّسْبَة التقييدية ثبوتية أَو سلبية الَّتِي سَموهَا بِالنِّسْبَةِ الْحكمِيَّة. وَالرَّابِع النِّسْبَة التَّامَّة الخبرية وَهِي أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة وَالَّذِي حملهمْ على ذَلِك أَنهم ظنُّوا أَنه لَو جعلُوا مُتَعَلق الْإِدْرَاك النِّسْبَة الْحكمِيَّة لَا أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة لدخل الشَّك وَالوهم والتخييل فِي التَّصْدِيق لِأَنَّهَا أَيْضا إِدْرَاك النِّسْبَة الْحكمِيَّة ففرقوا بَين التَّصَوُّر والتصديق بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق وازدادوا جُزْءا رَابِعا وجعلوه مُتَعَلق الْإِدْرَاك. وَزَعَمُوا أَن الشَّك وَكَذَا الْوَهم والتخييل لَيْسَ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة وَلَكِن لم يتنبهوا أَن الشَّك أَيْضا إِدْرَاك الْوُقُوع أَو اللاوقوع لَكِن لَا على سَبِيل التَّسْلِيم والإذعان فَلم يَنْفَعهُمْ الازدياد بل زَاد الْفساد بِخُرُوج التصديقات الشّرطِيَّة فَإِن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة نِسْبَة حملية وَالنِّسْبَة فِي الشرطيات هِيَ نِسْبَة الِاتِّصَال واللاتصال والانفصال واللاانفصال. وَأَيْضًا يتَوَهَّم مِنْهُ أَن مَفْهُوم أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة مُعْتَبر فِي معنى الْقَضِيَّة وَالْأَمر لَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْمُعْتَبر فِيهِ نِسْبَة بسيطة يصدق عَلَيْهَا هَذِه الْعبارَة المفصلة إِلَّا أَن يُقَال لَيْسَ مقصودهم إِثْبَات النسبتين المتغائرتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 حَقِيقَة بل أَن النِّسْبَة الْوَاحِدَة الَّتِي هِيَ النِّسْبَة التَّامَّة الخبرية إِذا أخذت من حَيْثُ إِنَّهَا نِسْبَة بَين الْمَوْضُوع والمحمول يتَعَلَّق بِهِ الشَّك وأخواه. وَإِذا أخذت من حَيْثُ إِنَّهَا نِسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة يتَعَلَّق بهَا التَّصْدِيق وَيُشِير إِلَى هَذَا مَا فِي شرح الْمطَالع من أَن أَجزَاء الْقَضِيَّة عِنْد التَّفْصِيل أَرْبَعَة فَافْهَم. وَمَا ذكرنَا من أَن مُتَعَلق الإذعان وَالْحكم هُوَ النِّسْبَة التَّامَّة الخبرية هُوَ الْمَشْهُور وَمذهب الْجُمْهُور وَأما الزَّاهِد فَلَا يَقُول بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ إِن التَّصْدِيق أَي الاذعان وَالْحكم يتَعَلَّق أَولا وبالذات بالموضوع والمحمول حَال كَون النِّسْبَة رابطة بَينهمَا وَثَانِيا وبالعرض بِالنِّسْبَةِ لِأَن النِّسْبَة معنى حرفي لَا يَصح أَن يتَعَلَّق التَّصْدِيق بهَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ. أَقُول نعم إِن النِّسْبَة من حَيْثُ إِنَّهَا رابطة فِي الْقَضِيَّة لَا يُمكن أَن تلاحظ قصدا وبالذات لِأَنَّهَا معنى حرفي فَلَا يُمكن تعلق الاذعان والتصديق بهَا بجعلها مَوْضُوعا ومحكوما عَلَيْهَا أَو بهَا بالاذعان والتصديق لَكِن لَا نسلم أَن تعلقهما بهَا مُطلقًا مَوْقُوف على ملاحظتها قصدا وبالذات فَقَوله لَا يَصح أَن يتَعَلَّق التَّصْدِيق بهَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا يَصح. وتوضيحه أَن الْمَعْنى مَا لم يُلَاحظ قصدا وبالذات لَا يُمكن جعله مَحْكُومًا عَلَيْهِ أَو بِهِ بِنَاء على أَن النَّفس مجبولة على أَنَّهَا مَا لم تلاحظ الشَّيْء كَذَلِك لَا تقدر على أَن تحكم عَلَيْهِ أَو بِهِ كَمَا يشْهد بِهِ الوجدان وَالْمعْنَى الْحر فِي لَا يُمكن أَن يُلَاحظ كَذَلِك فَلَا يُمكن الحكم عَلَيْهِ أَو بِهِ فَتعلق الاذعان وَالْحكم بِهِ مُمْتَنع. وَأما عرُوض الْعَوَارِض بِحَسب الْوَاقِع وَنَفس الْأَمر للمعنى الْحرفِي الملحوظ تبعا وَمن حَيْثُ إِنَّه آلَة لملاحظة الطَّرفَيْنِ فَلَيْسَ بممتنع. أَلا ترى أَن الِابْتِدَاء الَّذِي هُوَ مَدْلُول كلمة من إِذا لوحظ فِي أَي تركيب يعرض لَهُ الْوُجُود والإمكان والاحتياج إِلَى الطَّرفَيْنِ وَالْقِيَام بهما وَنَحْوهَا لَا على وَجه الحكم بل على وَجه مُجَرّد الْقيام وَالْعرُوض وَهَذَا لَيْسَ بممتنع والإذعان من هَذَا الْقَبِيل فَيجوز أَن يتَعَلَّق بِالنِّسْبَةِ الملحوظة فِي الْقَضِيَّة تبعا على وَجه الْعرُوض لَكِن أَيهَا القَاضِي العَاصِي لَا تبطل حق القَاضِي الزَّاهِد وَلَا تتْرك الانصاف وَإِن امْتَلَأَ أَحْمد نكر من الْجور والاعتساف وَلَا تقس عرُوض الاذعان للنسبة على عرُوض الْوُجُود والإمكان فَإِنَّهُ قِيَاس مَعَ الْفَارِق فَإِن الاذعان لكَونه أمرا اختياريا مُكَلّفا بِهِ قصديا بِدَلِيل التَّكْلِيف بِالْإِيمَان لَا يُمكن عروضه وتعلقه بالمذعن بِهِ إِلَّا بعد تعلقه وملاحظته قصدا وبالذات بِخِلَاف الْوُجُود والإمكان وَنَحْوهمَا فَإِن عروضها لشَيْء لَيْسَ بموقوف على قصد قَاصد كَمَا لَا يخفى. وَاعْلَم أَن الزَّاهِد قَالَ فِي حَوَاشِيه على الرسَالَة الثَّالِث مَا هُوَ يَبْدُو فِي أول النّظر وَيظْهر فِي بادئ الرَّأْي من أَن التَّصْدِيق هُوَ الْكَيْفِيَّة الإدراكية. وَمَا يَقْتَضِيهِ النّظر الدَّقِيق. ويلوح مِمَّا أَفَادَهُ أهل التَّحْقِيق. هُوَ أَن الْكَيْفِيَّة الاذعانية وَرَاء الْكَيْفِيَّة الإدراكية أَلَيْسَ إِنَّا إِذا سمعنَا قَضِيَّة وأدركناها بِتمَام أَجْزَائِهَا ثمَّ أَقَمْنَا الْبُرْهَان عَلَيْهَا لَا يحصل لنا إِدْرَاك آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 بل تقترن بالإدراك السَّابِق حَالَة أُخْرَى تسمى الإذعان وَالْقَبُول وَإِلَّا يلْزم أَن تكون لشَيْء وَاحِد صُورَتَانِ فِي الذِّهْن. وَلَا يخفى على من يرجع إِلَى وجدانه أَن الْعلم صفة يحصل مِنْهُ الانكشاف والإذعان صفة لَيْسَ كَذَلِك بل تحصل مِنْهُ بعد الانكشاف كَيْفيَّة أُخْرَى للنَّفس وَبِذَلِك يَصح تَقْسِيم الْعلم إِلَى التَّصَوُّر الساذج والتصور مَعَه التَّصْدِيق كَمَا وَقع عَن كثير من الْمُحَقِّقين انْتهى. أَقُول قَوْله: (صُورَتَانِ فِي الذِّهْن) أَي صُورَتَانِ مساويتان وَهُوَ محَال فَلَا يرد أَنه قَالَ فِي حَوَاشِيه على شرح المواقف للوجود صُورَة وللعدم صُورَتَانِ فَإِن للعدم صُورَتَيْنِ إجمالية وتفصيله كَمَا سَيَجِيءُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَاعْلَم أَنه يعلم من هَذَا الْمقَال أَن من قسم الْعلم إِلَى التَّصَوُّر فَقَط وَإِلَى تصور مَعَه حكم أَو إِلَى تصور مَعَه تَصْدِيق مَبْنِيّ على أُمُور. أَحدهَا: أَن التَّصْدِيق وَالْحكم والإذعان أَلْفَاظ مترادفة. وَثَانِيها: أَن الْعلم منقسم إِلَى تصورين أَحدهمَا تصور ساذج أَي غير مقرون بالحكم. وَثَانِيهمَا تصور مقرون بِهِ. وَثَالِثهَا: أَن التَّصْدِيق لَيْسَ بِعلم بِنَاء على أَنه كَيْفيَّة إذعانية لَا كَيْفيَّة إدراكية حَتَّى يكون علما. وَرَابِعهَا: أَن الْقسم الثَّانِي لما لم يَنْفَكّ عَن التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ الحكم سمي بالتصديق مجَازًا من قبيل تَسْمِيَة الشَّيْء باسم مَا يقارنه وَلَا يَنْفَكّ عَنهُ. ثمَّ المُرَاد بالتصور الْمُقَارن بالحكم إِمَّا الإدراكات الثَّلَاثَة فَقَط أَو إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة أَيْضا على الِاخْتِلَاف كَمَا مر. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن كَون التَّصْدِيق علما كنار على علم. وانقسام الْعلم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق من ضروريات مَذْهَب الْحُكَمَاء وَحمل إِطْلَاق التَّصْدِيق على الْقسم الثَّانِي على الْمجَاز لَا يعلم من إطلاقاتهم وَقَوله: (إِن الْكَيْفِيَّة الإذعانية وَرَاء الْكَيْفِيَّة الإدراكية) إِن أَرَادَ بِهِ أَنه لَيْسَ الأولى عين الثَّانِيَة فَمُسلم لَكِن لَا يجدي نفعا مَا لم يثبت بَينهمَا مباينة. وَإِن أَرَادَ بِهِ أَن بَينهمَا مباينة بالنوع فَمَمْنُوع لِأَن الثَّانِيَة أَعم من الأولى فَإِن الأولى من أَنْوَاع الثَّانِيَة فَإِن للنَّفس من واهب الصُّور قبُول وَإِدْرَاك لَهَا قطعا تصورية أَو تصديقية. نعم إِن فِي التصورات إِدْرَاك وَقبُول لَا على وَجه الإذعان وَفِي التصديقات إِدْرَاك وَقبُول على وَجه الإذعان بِمَعْنى أَن ذَلِك الْإِدْرَاك نفس الإذعان إِذْ لَا نعني بالإذعان إِلَّا إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة وقبولها كَذَلِك فَكَانَ نِسْبَة الْإِدْرَاك وَالْقَبُول المطلقين مَعَ الإذعان نِسْبَة الْعَام مَعَ الْخَاص بل نِسْبَة الْمُطلق إِلَى الْمُقَيد وَنسبَة الْجِنْس إِلَى النَّوْع وَقَوله: (لَا يحصل لنا إِدْرَاك آخر) مَمْنُوع إِذْ لَو أَرَادَ بالإدراك الْحَالة الإدراكية فَمَنعه ظَاهر ضَرُورَة أَن الْحَالة الإدراكية قبل إِقَامَة الْبُرْهَان كَانَت مترتبة على مَحْض تعلق التَّصَوُّر بمضمون الْقَضِيَّة شكا أَو غَيره وَبعدهَا حصلت حَالَة إدراكية أُخْرَى وَهِي إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة وَهِي عين الْحَالة الَّتِي يسميها حَالَة إذعانية وإذعانا وَكَذَا إِذا أَرَادَ بِهِ الصُّورَة الذهنية ضَرُورَة أَن الْمَعْلُوم كَانَ محفوفا بالعوارض الإدراكية الْغَيْر الإذعانية فَكَانَ صُورَة ثمَّ حف بعد إِقَامَة الدَّلِيل بالحالة الإدراكية الإذعانية فَكَانَ صُورَة أُخْرَى فَإِن تغاير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الْعَارِض يدل على تغاير المعروض من حَيْثُ إِنَّه معروض. نعم ذَات الْمَعْلُوم من حَيْثُ هُوَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمر وَاحِد لم يَتَجَدَّد واستحالة أَن يكون لشَيْء وَاحِد صُورَتَانِ فِي الذِّهْن من جِهَتَيْنِ مَمْنُوع بل هُوَ وَاقع وَقَوله: (والإذعان صفة لَيْسَ كَذَلِك) أَيْضا مَمْنُوع لِأَن الإذعان سَوَاء أُرِيد بِهِ صُورَة إذعانية أَو حَالَة إدراكية نوع من صُورَة إدراكية أَو حَالَة إدراكية فَإِنَّهُ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا من الانكشاف وَلَو ترَتّب قبل ذَلِك هُنَاكَ انكشافات عددية تصورية. اعْلَم أَن هَا هُنَا ثَلَاث مُقَدمَات أجمع عَلَيْهَا الْمُحَقِّقُونَ وتلقوها بِالْقبُولِ والإذعان. وَلم يُنكر عَنْهَا أحد إِلَى الْآن. الأولى: أَن الْعلم والمعلوم متحدان بِالذَّاتِ. وَالثَّانيَِة: أَن التَّصَوُّر والتصديق نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ بِالذَّاتِ. وَالثَّالِثَة: أَنه لَا حجر فِي التصورات فَيتَعَلَّق بِكُل شَيْء حَتَّى يتَعَلَّق بِنَفسِهِ بل بنقيضه وبالتصديق أَيْضا فَيتَوَجَّه اعتراضان. الِاعْتِرَاض الأول: أَن التَّصَوُّر والتصديق إِذا تعلقا بِشَيْء وَاحِد وَلَا امْتنَاع فِي هَذَا التَّعَلُّق بِحكم الْمُقدمَة الثَّالِثَة فَيلْزم اتحادهما نوعا بِحكم الْمُقدمَة الأولى وَاللَّازِم بَاطِل لِأَن صيرورة الشَّيْء الْوَاحِد نَوْعَيْنِ مُخْتَلفين بِالذَّاتِ محَال بِالضَّرُورَةِ. وَجَوَابه أَنا لَا نسلم أَن التَّصْدِيق علم لما مر من أَنه كَيْفيَّة إذعانية لَا كَيْفيَّة إدراكية حَتَّى يكون علما فضلا عَن أَن يكون عين الْمَعْلُوم فَيتَعَلَّق التَّصَوُّر والتصديق بِشَيْء وَاحِد وَلَا يلْزم اتحادهما لتوقفه على كَون التَّصْدِيق عين ذَلِك الشَّيْء وَهَذِه العينية مَوْقُوفَة على كَون التَّصْدِيق علما. وَإِن سلمنَا أَن التَّصْدِيق علم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فَنَقُول إِن الْمُقدمَة الأولى مَخْصُوصَة بِالْعلمِ التصوري فالعلم التصديقي لَيْسَ عين الْمُصدق بِهِ الْمَعْلُوم. والاعتراض الثَّانِي: أَن التَّصَوُّر إِذا تعلق بالتصديق يلْزم اتحادهما فِي الْمَاهِيّة النوعية بِحكم الْمُقدمَة الأولى. وَأجِيب عَنهُ بِأَن التَّصَوُّر الْمُتَعَلّق بالتصديق تصور خَاص فاللازم هَا هُنَا هُوَ الِاتِّحَاد بَينه وَبَين التَّصْدِيق والتباين النوعي إِنَّمَا هُوَ بَين التَّصَوُّر والتصديق المطلقين. وَيُمكن الْجَواب عَنهُ بِأَن تعلق التَّصَوُّر بِكُل شَيْء لَا يسْتَلْزم تعلقه بِكُل وَجه فَيجوز أَن يمْتَنع تعلقه بِحَقِيقَة التَّصْدِيق وكنهه وَيجوز التَّعَلُّق بِاعْتِبَار وَجهه ورسمه فَإِن حَقِيقَة الْوَاجِب تَعَالَى مُمْتَنع تصَوره بالكنه وَإِنَّمَا يجوز بِالْوَجْهِ وَأَن الْمعَانِي الحرفية يمْتَنع تصورها وَحدهَا وَإِنَّمَا يجوز بعد ضم ضميمة إِلَيْهَا. وَأجَاب عَنهُ الزَّاهِد فِي حَاشِيَته على الرسَالَة المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق بقوله وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النّظر الصائب. والفكر الثاقب. هُوَ أَن الْحَقِيقَة الإدراكية زَائِدَة على مَا هُوَ حَاصِل فِي الذِّهْن كإطلاق الْكَاتِب على الْإِنْسَان كَمَا مرت إِلَيْهِ الْإِشَارَة فالتصور والتصديق قِسْمَانِ لما هُوَ علم حَقِيقَة وَالْعلم الَّذِي هُوَ عين الْمَعْلُوم هُوَ مَا يصدق عَلَيْهِ الْعلم أَي مَا هُوَ حَاصِل فِي الذِّهْن انْتهى. وَهَا هُنَا جوابات أخر تركتهَا لتردد الخاطر الفاتر بعداوة الْعدوان. وفقدان الأعوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 بَاب التَّاء مَعَ الضَّاد الْمُعْجَمَة التضوب: الغيبوبة فِي الأَرْض. وَفِي الصِّحَاح تضب المَاء تضوبا أَي غَابَ فِي الأَرْض. التضايف: كَون الشَّيْئَيْنِ الوجوديين بِحَيْثُ يكون تعقل كل مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الآخر كالأبوة والبنوة وَيكون بَين ذَيْنك الشَّيْئَيْنِ تقَابل التضايف كَمَا سَيَجِيءُ فِي تقَابل التضايف. وَبِعِبَارَة أُخْرَى كَون النسبتين بِحَيْثُ يكون تعلق كل وَاحِد مِنْهُمَا بِشَيْء سَببا لتَعلق الْأُخْرَى بِشَيْء آخر كالأبوة والبنوة. التَّضْمِين: الْأَصَح فِي تَعْرِيفه أَن يقْصد بِلَفْظ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ وَيُرَاد مَعَه معنى آخر تَابع لَهُ بِلَفْظ آخر دلّ عَلَيْهِ بِذكر مَا هُوَ من متعلقاته كَيْلا يلْزم الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز. فَتَارَة يَجْعَل الْمَذْكُور أصلا والمحذوف حَالا وَتارَة يعكس. فَإِن قلت إِذا كَانَ الْمَعْنى الآخر مدلولا عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَحْذُوف لم يكن فِي ضمن الْمَذْكُور فَكيف قيل إِنَّه مُتَضَمّن أَبَاهُ قلت لما كَانَ مُنَاسبَة الْمَعْنى الْمَذْكُور بمعونة ذكر صلته قرينَة على اعْتِبَاره جعل كَأَنَّهُ فِي ضمنه. وَمن ثمه كَانَ جعله حَالا وتبعا للمذكور أولى من عَكسه. والتضمين فِي الشّعْر أَن يتَعَلَّق معنى الْبَيْت بِالَّذِي قبله تعلقا لَا يَصح إِلَّا بِهِ. تضمين المزدوج وَهُوَ أَن يَقع فِي أثْنَاء قَرَائِن النّظم والنثر لفظان مسجعان بعد مُرَاعَاة حُدُود الاسجاع والقوافي الْأَصْلِيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: {وجئتك من سبأ بِنَبَأٍ يَقِين} وَفِي البديع أما التَّضْمِين فَهُوَ أَن يضمن الشّعْر شَيْئا من شعر الْغَيْر بِنَبَأٍ كَانَ أَو مَا فَوْقه أَو مصراعا أَو مَا دونه مَعَ التَّنْبِيه على أَنه من شعر الْغَيْر إِن لم يكن مَشْهُورا عِنْد البلغاء. والأمثلة فِي كتب ذَلِك الْفَنّ. التَّضْعِيف: (دوجند ساختن) . وَفِي الْحساب تَكْرِير عدد مرّة سَوَاء كَانَ صَحِيحا أَو كسرا أَو مختلطا. التضاد: كَون الشَّيْئَيْنِ الوجوديين مُتَقَابلين بِحَيْثُ لَا يكون تعقل كل مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الآخر كَمَا بَين السوَاد وَالْبَيَاض. وَعند أَرْبَاب البديع التضاد هُوَ الطباق والمطابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 بَاب التَّاء مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة التطبيق: والمطابقة والتضاد والطباق فِي البديع بِمَعْنى وَاحِد. التَّطْوِيل: أَن يكون اللَّفْظ زَائِد أَعلَى أصل المُرَاد لَا لفائدة وَلَا يكون اللَّفْظ الزَّائِد مُتَعَيّنا نَحْو قَول عدي بن أبرش. (وَألقى قَوْلهَا كذبا ومينا) أَي وجد قَوْلهَا كذبا وَالْكذب والمين بِمَعْنى وَاحِد وَلَا فَائِدَة فِي الْجمع بَينهمَا بِخِلَاف الحشو فَإِنَّهُ زِيَادَة لَا لفائدة بِحَيْثُ يكون الزَّائِد مُتَعَيّنا كالندى فِي قَول أبي الطّيب. (وَلَا فضل فِيهَا للشجاعة والندى ... وَخير الْفَتى لَوْلَا لِقَاء شعوب) بَاب التَّاء مَعَ الْعين الْمُهْملَة التعليمي: هُوَ الْعلم الْأَوْسَط. التَّعَجُّب: إِدْرَاك أَمر غَرِيب خَفِي السَّبَب. وَيُطلق أَيْضا على هَيْئَة انفعالية للنَّفس عِنْد إِدْرَاك الْأُمُور الغريبة الْخفية السَّبَب فَيُقَال التَّعَجُّب انفعال النَّفس عَمَّا خَفِي سَببه. وَالْمرَاد بالتعجب فِي قَوْلهم إِن التَّعَجُّب عَارض للْإنْسَان لذاته هُوَ الْمَعْنى الأول وَإِلَّا فالتعجب بِالْمَعْنَى الثَّانِي لَا حق عَارض للْإنْسَان بِوَاسِطَة إِدْرَاك أُمُور غَرِيبَة وَهَذَا الْإِدْرَاك مسَاوٍ للْإنْسَان فَيكون التَّعَجُّب حِينَئِذٍ لاحقا لَهُ بِوَاسِطَة مُسَاوِيَة. وَمِمَّا ذكرنَا ظهر اندفاع الِاعْتِرَاض على الْعَلامَة الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بِأَنَّهُ جعل التَّعَجُّب مِثَالا للاحق بِوَاسِطَة الْخَارِج الْمسَاوِي فِي شرح الْمطَالع وَجعله مِثَالا للاحق لذات الْإِنْسَان فِي شرح الشمسية. ثمَّ اعْلَم أَن إِطْلَاق التَّعَجُّب على هذَيْن الْأَمريْنِ إِمَّا بِاعْتِبَار أَنه حَقِيقَة فيهمَا على سَبِيل الِاشْتِرَاك أَو بِاعْتِبَار أَنه حَقِيقَة فِي أَحدهمَا مجَاز فِي الآخر وَحِينَئِذٍ يكون أحد التمثيلين على سَبِيل التسامح. وَاعْلَم أَن الغرابة تَقْتَضِي الْحُدُوث لِأَنَّهَا عبارَة عَن إِدْرَاك مَذْكُور حَادث والحدوث من خَواص الْمَادَّة فَيكون للحيوان أَيْضا مدْخل فِي عرُوض الغرابة للْإنْسَان لَا للناطق فَقَط كَمَا وهم فَلَا يردان التَّعَجُّب لَاحق للْإنْسَان بِوَاسِطَة جزئه أَعنِي النَّاطِق لَا لذاته كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. التَّعْرِيف: (شناسانيدن وخوردراباهل عَرَفَات مانندكردن) كَمَا فِي كتب الْفِقْه أَن التَّعْرِيف اجْتِمَاع النَّاس يَوْم عَرَفَة فِي بعض الْمَوَاضِع تَشْبِيها لَهُ بالواقفين بِعَرَفَة على عَرَفَات. وَأَيْضًا التَّعْرِيف أَن يذهب بِالْهَدْي إِلَى عَرَفَات مَعَ نَفسه ليعرف النَّاس أَنه هدي كَمَا فِي كنز الدقائق وَلَا يجب التَّعْرِيف بِالْهَدْي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 والتعريف: عِنْد النُّحَاة كَون الِاسْم مَوْضُوعا لشَيْء بِعَيْنِه كَمَا فِي الْمُضْمرَات والمبهمات والإعلام وَذي اللَّام والمضاف إِلَى الْمعرفَة. وَعند الْمُحَقِّقين حَقِيقَة التَّعْرِيف الْإِشَارَة إِلَى مَا يعرفهُ مخاطبك وَأَن الْمعرفَة مَا يشار بهَا إِلَى مُتَعَيّن أَي مَعْلُوم عِنْد السَّامع من حَيْثُ إِنَّه كَذَلِك والنكرة مَا يشار بهَا إِلَى أَمر مُتَعَيّن من حَيْثُ ذَاته وَلَا يقْصد مُلَاحظَة تعينه وَإِن كَانَ مُتَعَيّنا معهودا فِي نَفسه فَإِن بَين مصاحبة التَّعْيِين وملاحظته فرقا بَينا وَبَاقِي تَحْقِيق التَّعْرِيف فِي الْمعرفَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَعند المنطقيين جعل الشَّيْء مَحْمُولا على آخر لإِفَادَة تصَوره بالكنه أَو بِالْوَجْهِ. اعْلَم أَن الْغَرَض من التَّعْرِيف إِمَّا تَحْصِيل صُورَة لم تكن حَاصِلَة فِي الذِّهْن أَو تعْيين صُورَة من الصُّور الْحَاصِلَة فِيهِ. وَالْأول: هُوَ التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ - وَالثَّانِي: هُوَ التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ. ثمَّ التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ إِمَّا أَن يكون وجود معرفه مَعْلُوما أَولا. الأول: التَّعْرِيف بِحَسب الْحَقِيقَة. وَالثَّانِي: التَّعْرِيف بِحَسب الِاسْم وكل وَاحِد مِنْهُمَا إِن كَانَ بالذاتيات فحد حَقِيقِيّ - أَو اسْمِي تَامّ - أَو نَاقص - وَإِلَّا فرسم حَقِيقِيّ - أَو اسْمِي - كَذَلِك. وَمِثَال الْحَد الْحَقِيقِيّ والرسم الْحَقِيقِيّ تَعْرِيف الْإِنْسَان الْمَعْلُوم وجوده بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق وبالحيوان الضاحك. وَمِثَال الْحَد الاسمي والرسم الاسمي تَعْرِيف العنقاء الْغَيْر الْمَعْلُوم وجودهَا بِالْحَيَوَانِ الكذائي وبالطائر الكذائي. وَمِثَال اللَّفْظِيّ تَعْرِيف الغضنفر بالأسد. وَقد سمح الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي المطول والتلويح وَشرح الشَّرْح للعضدي حَيْثُ جعل الاسمي دَاخِلا فِي اللَّفْظِيّ. ومنشأ التاسمح أَن الاسمي يَقع فِي مُقَابل الْحَقِيقِيّ واللفظي أَيْضا فِي مُقَابِله. وَزعم أَن كلا الحقيقيين بِمَعْنى وَاحِد فَجعل اللَّفْظِيّ شَامِلًا للاسمي وَغَيره. وَقد عرفت أَن للحقيقي مَعْنيين بِاعْتِبَار أحد الْمَعْنيين مُقَابل للتعريف اللَّفْظِيّ وَبِاعْتِبَار الْمَعْنى الآخر مُقَابل للتعريف الاسمي وَلَيْسَ كلا الحقيقيين بِمَعْنى وَاحِد حَتَّى يَصح مَا زَعمه. وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه يَتَّضِح من هَذَا التَّحْقِيق أَن الرسوم الاسمية وَالْحُدُود الاسمية تجْرِي فِي الماهيات الْمَوْجُودَة أَيْضا لَكِن قبل الْعلم بوجودها وَأما الْأُمُور الاعتبارية فَلَا يكون تعريفاتها إِلَّا اسمية. التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ: قسم من مُطلق التَّعْرِيف وقسيم للتعريف الْحَقِيقِيّ لِأَن الْمَطْلُوب فِي التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ تَحْصِيل صُورَة غير حَاصِلَة كَمَا مر. وَفِي اللَّفْظِيّ تعْيين صُورَة من الصُّور المخزونة وإحضارها فِي المدركة والالتفات إِلَيْهَا وتصورها بِأَنَّهَا معنى هَذَا اللَّفْظ وَهَذَا هُوَ معنى قَوْلهم إِن الْغَرَض من التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ أَن يحصل للمخاطب تصور معنى اللَّفْظ من حَيْثُ إِنَّه مَعْنَاهُ وَإِلَيْهِ يرجع قَوْلهم التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ مَا يقْصد بِهِ تَفْسِير مَدْلُول اللَّفْظ يَعْنِي أَن التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ تَعْرِيف يكون الْمَقْصُود بِهِ تَصْوِير معنى اللَّفْظ من حَيْثُ إِنَّه مَعْنَاهُ فِي ذهن الْمُخَاطب وَتَفْسِيره وتوضيحه عِنْده أَي جعله ممتازا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 من بَين الْمعَانِي المخزونة بإضافته إِلَى اللَّفْظ الْمَخْصُوص لَا من حَيْثُ إِنَّه وضع هَذَا اللَّفْظ الْمَخْصُوص لذَلِك الْمَعْنى حَتَّى يكون بحثا لغويا. نعم إِن التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ يُفِيد أَمريْن: أَحدهمَا: إِحْضَار معنى اللَّفْظ. وَالثَّانِي: التَّصْدِيق بِأَن هَذَا اللَّفْظ مَوْضُوع لهَذَا الْمَعْنى. فَإِن أورد فِي الْعُلُوم اللُّغَوِيَّة فالمقصود مِنْهُ بِالذَّاتِ التَّصْدِيق الْمَذْكُور وبالعرض التَّصَوُّر إِذْ نظر أَرْبَاب تِلْكَ الْعُلُوم مَقْصُور على الْأَلْفَاظ وَحِينَئِذٍ كَانَ بحثا لغويا وَمن المطالب التصديقية. وَإِن أورد فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة فالمقصود مِنْهُ بِالذَّاتِ التَّصْوِير والإحضار وبالعرض التَّصْدِيق على مَا تَقْتَضِيه وَظِيفَة هَذِه الْعُلُوم وَحِينَئِذٍ كَانَ تعريفا لفظيا وَمن المطالب التصورية. وَمن هَا هُنَا يرْتَفع النزاع بَين الْفَرِيقَيْنِ الْقَائِل أَحدهمَا بِأَنَّهُ من المطالب التصديقية وَالْآخر بِأَنَّهُ من المطالب التصورية فَإِذا قيل الْخَلَاء محَال فَيُقَال مَا الْخَلَاء فيجاب بِأَنَّهُ بعد موهوم فَإِن قصد السَّائِل بِالذَّاتِ أَن لفظ الْخَلَاء لأي معنى من الْمعَانِي المخزونة مَوْضُوع فِي اللُّغَة فَكَانَ الْجَواب الْمَذْكُور حِينَئِذٍ بحثا لغويا ووظيفة أَرْبَاب اللُّغَة ومفيدا بِتَصْدِيق إِن لفظ الْخَلَاء مَوْضُوع لهَذَا الْمَعْنى وَإِن قصد تصور معنى لفظ الْخَلَاء لوُقُوعه مَوْضُوعا فِي الْقَضِيَّة الملفوظة أَعنِي الْخَلَاء محَال وَلَا بُد من تصور الْمَوْضُوع فِي التَّصْدِيق ليحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ محَال فَكَانَ الْجَواب المسطور حِينَئِذٍ تعريفا لفظيا وَمن المطالب التصورية. وَالْفرق: بَين التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ والحقيقي بِوُجُوه. الأول: أَن فِي التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ استحصال الصُّورَة ابْتِدَاء وَفِي اللَّفْظِيّ استحصالها ثَانِيًا وَلِهَذَا يعبر عَن هَذَا الاستحصال بالاستحضار فَيُقَال إِن فِي التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ استحضار الصُّورَة. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن الصُّورَة قبل التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ لم تكن حَاصِلَة فِي المدركة أصلا ثمَّ بعده صَارَت حَاصِلَة فِيهَا فَفِيهِ استحصال الصُّورَة ابْتِدَاء أَي تَحْصِيل صُورَة غير حَاصِلَة أصلا وَالصُّورَة قبل التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ حَاصِلَة فِي الخيال بعد حُصُولهَا فِي المدركة ثمَّ زَوَالهَا عَنْهَا ثمَّ إِذا أخذت الِالْتِفَات إِلَيْهَا يحصل مرّة أُخْرَى فِي المدركة فَفِي التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ استحضار الصُّورَة واستحصالها ثَانِيًا. فَإِن قلت كثيرا مَا يكون الْمَعْنى مخطورا بالبال حَاضرا فِي المدركة وَمَعَ ذَلِك يحْتَاج إِلَى التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ فَيعلم من هَا هُنَا أَن استحضار الصُّورَة لَا يكون مَطْلُوبا بالتعريف اللَّفْظِيّ وَإِلَّا يلْزم استحضار الْحَاضِر وَهُوَ محَال. قُلْنَا قد علمت أَن الْمَقْصُود من التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ تَصْوِير معنى اللَّفْظ من حَيْثُ إِنَّه مَعْنَاهُ لَا من حَيْثُ إِن هَذَا اللَّفْظ مَوْضُوع لهَذَا الْمَعْنى وَمُجَرَّد حُضُور الْمَعْنى عِنْد المدركة لَا يُفِيد تصَوره من حَيْثُ إِنَّه معنى هَذَا اللَّفْظ. وَالثَّانِي: أَن التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ يكون لنَفسِهِ وَلغيره أَيْضا بِخِلَاف اللَّفْظِيّ فَإِنَّهُ إِحْضَار الصُّورَة الْحَاصِلَة لغيره لَا لنَفسِهِ وَإِلَّا يلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل وإحضار الْحَاضِر فَإِن قصد إِحْضَار شَيْء لَا يتَصَوَّر بِدُونِ حُضُوره. وَالثَّالِث: أَن منشأ التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ كَونه مَسْبُوقا بِلَفْظ لم يفهم مَعْنَاهُ بِخِلَاف الْحَقِيقِيّ. وَالرَّابِع: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 أَن التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ يتَعَلَّق بالبديهيات والنظريات الْحَاصِلَة قبله بِخِلَاف الْحَقِيقِيّ. وَحَاصِل الْكَلَام أَن التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ أَن يكون مَا وضع اللَّفْظ بإزائه مَعْلُوما من حَيْثُ هُوَ مَجْهُولا من حَيْثُ إِنَّه مَدْلُول لفظ آخر فَيعرف ذَلِك الْمَوْضُوع لَهُ من هَذِه الْحَيْثِيَّة بِهِ من حَيْثُ هُوَ مَدْلُول للفظ آخر عرف أَنه مَدْلُول لَهُ. والتعريف على هَذَا الْوَجْه لَيْسَ بدوري إِذْ الشَّيْء من حَيْثُ هُوَ مَدْلُول اللَّفْظ عرف كَونه مدلولا لَهُ لَا يتَوَقَّف تَعْرِيفه على الشَّيْء من حَيْثُ هُوَ مَدْلُول لفظ لم يعرف كَونه مدلولا لَهُ فتغاير الجهتان. ثمَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي أَن التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ إِمَّا من المطالب التصديقية أَو التصورية. فَذهب السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره وَمن تَابعه إِلَى أَنه من المطالب التصديقية. وَذهب الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَمن وَافقه إِلَى أَنه من المطالب التصورية والذاهبون إِلَى أَنه من المطالب التصديقية يتمسكون بِلُزُوم الْمحَال بِأَنَّهُ لَو لم يكن من المطالب التصديقية لَكَانَ من المطالب التصورية وَحِينَئِذٍ يلْزم حُصُول الْحَاصِل لحُصُول التَّصَوُّر سَابِقًا وَهُوَ محَال والمستلزم للمحال أَيْضا محَال فَثَبت أَنه من المطالب التصديقية. وَأجِيب أَولا بِالْمَنْعِ يَعْنِي لَا نسلم أَنه لَو كَانَ من المطالب التصورية لزم حُصُول الْحَاصِل لحُصُول التَّصَوُّر سَابِقًا لما مر آنِفا من أَن الصُّورَة الزائلة من المدركة إِلَى الخزانة تصير حَاصِلَة فِي المدركة ثَانِيًا بالتعريف اللَّفْظِيّ فَلَيْسَ فِيهِ حُصُول الْحَاصِل بل فِيهِ استحصال أَمر غير حَاصِل لَكِن ثَانِيًا لَا ابْتِدَاء وَأجِيب ثَانِيًا بالمعارضة بِأَن دليلكم وَإِن دلّ على مطلوبكم لَكِن عندنَا دَلِيل يدل على خلاف مطلوبكم بِأَنا نقُول لَو كَانَ التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ من المطالب التصديقية لَكَانَ بحثا لغويا وخارجا عَن وَظِيفَة أَرْبَاب الْمَعْقُول وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع لأَنهم اتَّفقُوا على أَن التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ غير الْبَحْث اللّغَوِيّ كَمَا مر فَهَذَا محَال والمستلزم للمحال محَال فكونه من المطالب التصديقية محَال. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْمُحَقق التفازاني رَحمَه الله وَمن وَافقه حق لَكِن استدلالهم على هَذَا الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ تَعْرِيف اسْمِي وَهُوَ من المطالب التصورية بالِاتِّفَاقِ بعيد عَن الصَّوَاب لأَنهم زَعَمُوا عدم الْفرق بَين التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ والاسمي وَقَالُوا إنَّهُمَا متحدان والتعريف الاسمي من المطالب التصورية فاللفظي أَيْضا كَذَلِك. وَقد عرفت أَن بَينهمَا مباينة لِأَن التَّعْرِيف الاسمي قسم التَّعْرِيف الْحَقِيقِيّ القسيم اللَّفْظِيّ كَيفَ لَا فَإِن البديهي يحْتَمل التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ وَلَا يحْتَمل التَّعْرِيف الاسمي فالدليل على هَذَا الْمطلب أَن الْمَقْصُود مِنْهُ تَصْوِير معنى اللَّفْظ لِأَنَّهُ إِذا قيل الغضنفر وَاقِف مثلا فالمخاطب عَالم قطعا بِأَن للفظ الغضنفر معنى مَا قصد التَّصْدِيق بِثُبُوت هَذَا الْمَحْمُول لَهُ فقد تصَوره بِوَجْه مَا لَكِن لما لم يكن عَالما بِهِ بِخُصُوصِهِ يطْلب تصَوره بِوَجْه آخر يُفِيد الخصوصية فَيَقُول مَا الغضنفر لطلب تصور الْمَعْنى الْمَخْصُوص للفظ الغضنفر أَي لطلب الْمَعْنى الْمعِين من الْمعَانِي المخزونة الْمَعْلُومَة بذاتها فَالْجَوَاب بالأسد إِنَّمَا هُوَ لتَحْصِيل تصَوره بِوَجْه آخر هُوَ خُصُوص مَعْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وتعيينه أَعنِي مَفْهُوم الْأسد لَا لإِفَادَة التَّصْدِيق بِأَن لفظ الغضنفر مَوْضُوع لهَذَا الْمَفْهُوم فَثَبت أَنه من المطالب التصورية كَمَا هُوَ الْحق وَلِهَذَا من قَالَ إِنَّه من المطالب التصديقية يَقُول إِن مآله ومرجعه إِلَى التَّصْدِيق بِأَن هَذَا اللَّفْظ مَوْضُوع لهَذَا الْمَعْنى وَأَنت خَبِير بِأَن التَّصْدِيق مَقْصُود فِي الْبَحْث اللّغَوِيّ دون التَّعْرِيف اللَّفْظِيّ وحصوله مَعَه لَا يُوجب أَن يكون مآله ومرجعه إِلَيْهِ وَإِلَّا فَيرجع جَمِيع أَقسَام التَّعْرِيف إِلَيْهِ لحُصُول ذَلِك التَّصْدِيق مَعَ جَمِيعهَا وَإِن تَأَمَّلت أدنى تَأمل علمت أَن النزاع لَفْظِي كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ. تَعْرِيف الْفَرد والأفراد: مُمْتَنع لما سَيَجِيءُ فِي أَن الشخصي لَا يحد. التعصب: عدم قبُول الْحق عِنْد ظُهُور دَلِيله. وَقَالَ حجَّة الْإِسْلَام مُحَمَّد الْغَزالِيّ رَحمَه الله فِي أَحيَاء الْعُلُوم الْعلمَاء المتعصبون وَلَو لحق الْعلمَاء السوء. التعسف: الْخُرُوج عَن طَرِيق الْحق وَحمل الْكَلَام على معنى لَا يكون عَلَيْهِ دلَالَة. التعقيد: إِمَّا مصدر مَبْنِيّ للْفَاعِل فَمَعْنَاه إِيرَاد الْمُتَكَلّم كلَاما غير ظَاهر الدّلَالَة على الْمَعْنى لخلل وَقع فِي النّظم أَو الِانْتِقَال. أَو مصدر مَبْنِيّ للْمَفْعُول فَمَعْنَاه أَن لَا يكون الْكَلَام المورد ظَاهر الدلة لذَلِك الْخلَل فَالْأول صفة الْمُتَكَلّم وَالثَّانِي صفة الْكَلَام والخلل فِي النّظم بِأَن لَا يكون تَرْتِيب الْأَلْفَاظ على وفْق تَرْتِيب الْمعَانِي بِسَبَب تَقْدِيم أَو تَأْخِير أَو حذف أَو إِضْمَار أَو غير ذَلِك مِمَّا يُفْضِي إِلَى صعوبة فهم المُرَاد. والخلل فِي انْتِقَال الذِّهْن من الْمَعْنى الأول الْمَفْهُوم بِحَسب اللُّغَة إِلَى الْمَعْنى الثَّانِي الْمَقْصُود يكون بِسَبَب إِيرَاد اللوازم الْبَعِيدَة المفتقرة إِلَى الوسائط الْكَثِيرَة مَعَ خَفَاء الْقَرَائِن الدَّالَّة على الْمَقْصُود. وَإِنِّي لَا أطول الْكَلَام بالمثال. وَعَلَيْك بمطالعة المطول والأطول فِي توضيح هَذَا الْمقَال. التَّعْدِيَة: وَهِي أَن تضمن الْفِعْل معنى التصيير فَيصير الْفَاعِل فِي الْمَعْنى مَفْعُولا للتصيير فَاعِلا لأصل الْفِعْل فِي الْمَعْنى. تَقْرِيره أَنَّك إِذا أردْت أَن تجْعَل اللَّازِم مُتَعَدِّيا ضمنته معنى التصيير بِإِدْخَال الْهمزَة مثلا ثمَّ جِئْت باسم وصيرته فَاعِلا لهَذَا الْفِعْل المضمن معنى التصيير وَجعلت الْفَاعِل لأصل الْفِعْل مَفْعُولا لهَذَا الْفِعْل كَقَوْلِك خرج زيد وأخرجته فمفعول أخرجته هُوَ الَّذِي صيرته خَارِجا. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا الْمَعْنى لَا يجْرِي فِي فسقته لِأَن مَعْنَاهُ نسبته إِلَى الْفسق لَا صيرته فَاسِقًا فَلَو قيل التَّعْدِيَة أَن يَجْعَل الْفِعْل لفاعل يصير وَمن كَانَ فَاعِلا لَهُ قبل التَّعْدِيَة مَنْسُوبا إِلَى الْفِعْل لَكَانَ أظهر وَإِنَّمَا قُلْنَا أظهر لِأَن أهل التصريف جعلُوا مثل هَذَا لنسبة الْمَفْعُول إِلَى الْمصدر لَا التَّعْدِيَة لَكِن الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله قَالَ مرجعه إِلَى التَّعْدِيَة أَي صيرته فَاسِقًا أَي نسبته إِلَى الْفسق وَكَذَا كفرته فَافْهَم. وَالْمرَاد بقَوْلهمْ الْبَاء للتعدية أَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 لجعل الْفِعْل اللَّازِم مُتَعَدِّيا بتضمينه معنى التصيير بِإِدْخَال الْبَاء على فَاعله فَإِن معنى ذهب زيد صدر الذّهاب عَنهُ وَمعنى ذهبت بزيد صيرته ذَاهِبًا والتعدية بِهَذَا الْمَعْنى مُخْتَصَّة بِالْبَاء. وَأما التَّعْدِيَة بِمَعْنى إِيصَال معنى الْفِعْل إِلَى معموله بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ فالحروف الجارة كلهَا فِيهِ سَوَاء لَا اخْتِصَاص لَهَا بِحرف دون حرف كَذَا فِي الْفَوَائِد الضيائية. التَّعْرِيض: عِنْد عُلَمَاء الصّرْف أَن تجْعَل الْمَفْعُول معرضًا لأصل الْفِعْل كَقَوْلِك ابعته أَي عرضته للْبيع وَجَعَلته منتسبا إِلَيْهِ. والتعريض عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان الإمالة من معنى الْكَلَام إِلَى جَانب بِأَن يكون المُرَاد من الْكَلَام أمرا وَيكون ذَلِك وَسِيلَة إِلَى إِرَادَة أَمر آخر كَمَا يفهم من قَوْلك لست أَنا بزان بطرِيق التَّعْرِيض كَون الْمُخَاطب زَانيا. وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ والاصطلاحي للتعريض أَنه فِي اللُّغَة الإمالة إِلَى عرض أَي جَانب وَهَا هُنَا أَيْضا إمالة الْكَلَام من الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ إِلَى الْمَعْنى الْغَيْر الْمُسْتَعْمل فِيهِ الْوَاقِع فِي جَانب ذَلِك الْمَعْنى. فَالْكَلَام مُتَوَجّه إِلَى الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ على الاسْتقَامَة فَإِن هَذَا الْمَعْنى وَاقع فِي مُقَابل ذَلِك الْكَلَام ومتوجه إِلَى الْمَعْنى التعريضي لَا على سَبِيل الاسْتقَامَة لِأَن ذَلِك الْمَعْنى وَاقع فِي جَانب مِنْهُ لَا فِي مُقَابِله. وَفِي الجلبي على المطول التَّعْرِيض أَن يذكر شَيْء يدل بِهِ على شَيْء لم يذكرهُ كَمَا يَقُول الْمُحْتَاج للمحتاج إِلَيْهِ جئْتُك لأسلم عَلَيْك فَكَأَنَّهُ أمال الْكَلَام إِلَى عرض يدل إِلَى الْمَقْصُود انْتهى. وَإِن أردْت حَقِيقَة التَّعْرِيض وَالْفرق بَينه وَبَين الْكِنَايَة وَالْمجَاز فاستمع لما أذكرهُ من شرح الْمِفْتَاح قَالَ صَاحب الْكَشَّاف فَإِن قلت أَي فرق بَين الْكِنَايَة والتعريض قلت الْكِنَايَة أَن تذكر شَيْئا بِغَيْر لَفظه الْمَوْضُوع لَهُ والتعريض أَن تذكر شَيْئا تدل بِهِ على شَيْء لم تذكره كَمَا يَقُول الْمُحْتَاج للمحتاج إِلَيْهِ جئْتُك لأسلم عَلَيْك وَكَأَنَّهُ أمال الْكَلَام إِلَى عرض يدل على الْغَرَض وَيُسمى التَّلْوِيح لِأَنَّهُ يلوح مِنْهُ مَا يُريدهُ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي الْمثل السائر الْكِنَايَة مَا دلّ على معنى يجوز حمله على جَانِبي الْحَقِيقَة وَالْمجَاز بِوَصْف جَامع بَينهمَا وَتَكون فِي الْمُفْرد والمركب. والتعريض هُوَ اللَّفْظ الدَّال على معنى لَا من جِهَة الْوَضع الْحَقِيقِيّ أَو الْمجَازِي بل من جِهَة التَّلْوِيح وَالْإِشَارَة وَيخْتَص بِاللَّفْظِ الْمركب كَقَوْل من يتَوَقَّع صلَة وَالله إِنِّي مُحْتَاج فَإِنَّهُ تَعْرِيض بِالطَّلَبِ مَعَ أَنه لم يوضع حَقِيقَة وَلَا مجَازًا وَإِنَّمَا فهم الْمَعْنى من غَرَض اللَّفْظ أَي جَانِبه هَذِه عبارتهما أَي صَاحب الْكَشَّاف وَابْن الْأَثِير. فَنَقُول الْمَقْصُود مِمَّا ذكر فِي الْكَشَّاف هُوَ الْفرق بَين الْكِنَايَة والتعريض كَمَا صرح فِي السُّؤَال فَلَا ينْتَقض مَا ذكره فِي حد الْكِنَايَة بالمجاز وَقد علم من كَلَامه فِي الْفرق أَن الْكِنَايَة مستعملة فِي غير مَا وضعت لَهُ وَأَن اللَّفْظ فِي التَّعْرِيض مُسْتَعْمل فِي معنى دلّ بذلك الْمَعْنى على معنى آخر لم يذكر فَلم يكن اللَّفْظ هَا هُنَا مُسْتَعْملا فِي الْمَعْنى الآخر الَّذِي هُوَ المعرض بِهِ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَعْنى الآخر مَذْكُورا بذلك اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِيهِ بل دلّ على الْمَعْنى الآخر بذلك الْمَعْنى الْمَذْكُور بمعونة السِّيَاق وَلذَلِك قَالَ وَكَأَنَّهُ إمالة الْكَلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 إِلَى عرض أَي جَانب أَشَارَ بِهِ إِلَى وَجه اشتقاق التَّعْرِيض وَلَا شكّ أَن الْمَعْنى الْمُسْتَعْمل فِيهِ يكون وَاقعا تِلْقَاء الْكَلَام على طَرِيق الاسْتقَامَة لَا فِي جَانب مِنْهُ حَتَّى يمال الْكَلَام إِلَيْهِ. وَكَذَا كَلَام ابْن الْأَثِير يدل بصريحه على أَن الْمَعْنى التعريضي لم يسْتَعْمل فِيهِ اللَّفْظ بل هُوَ مَدْلُول عَلَيْهِ إِشَارَة وسياقا فَإِذا الصَّوَاب مَا لخصه بعض الْفُضَلَاء من أَن اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِيمَا وضع لَهُ فَقَط هُوَ الْحَقِيقَة الْمُجَرَّدَة ويقابلها الْمجَاز وَأما الْكِنَايَة فمستعملة فِيمَا لم يوضع لَهُ إصالة وَفِي الْمَوْضُوع لَهُ تبعا والتعريض يُجَامع فِي الْوُجُود كلا من هَذِه الثَّلَاثَة وَذَلِكَ بِأَن يقْصد بِنَفس اللَّفْظ مَعْنَاهُ حَقِيقَة أَو مجَازًا أَو كِنَايَة وَيدل بسياقه على الْمَعْنى المعرض بِهِ فَلَا يُوصف اللَّفْظ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْمَعْنى التعريضي بِحَقِيقَة وَلَا مجَاز وَلَا كِنَايَة لفقدان اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِيهِ مَعَ كَونه مُعْتَبرا فِي حُدُود هَذِه الثَّلَاثَة فَلَا يكون اللَّفْظ بِالْقِيَاسِ إِلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ والمجازي والمكنى عَنهُ تعريضا بل لَا بُد وَأَن يكون هُنَاكَ معنى آخر. فَإِذا قلت الْمُسلم من سلم الْمُسلمُونَ من يَده وَلسَانه وَأَرَدْت بِهِ التَّعْرِيض فَالْمَعْنى الْأَصْلِيّ انحصار الْإِسْلَام فِيمَن سلمُوا مِنْهُ وَالْمعْنَى المكنى عَنهُ المستلزم للمعنى الْأَصْلِيّ هُوَ انْتِفَاء الْإِسْلَام عَن الموذي مُطلقًا وَهُوَ الْمَقْصُود من اللَّفْظ اسْتِعْمَالا. وَأما الْمَعْنى المعرض بِهِ الْمَقْصُود من الْكَلَام سياقا فَهُوَ نفي الْإِسْلَام عَن الموذي الْمعِين وَقس على ذَلِك حَال الْحَقِيقَة وَالْمجَاز إِذا قصد بهما التَّعْرِيض. ثمَّ إِن الْمجَاز قد يصير حَقِيقَة عرفية بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَلَا يخرج بذلك عَن كَونه مجَازًا بِحَسب أَصله وَكَذَلِكَ الْكِنَايَة قد تصير بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فِي المكنى عَنهُ بِمَنْزِلَة التَّصْرِيح كَأَن اللَّفْظ مَوْضُوع بإزائه فَلَا يُلَاحظ هُنَاكَ الْمَعْنى الْأَصْلِيّ بل تسْتَعْمل حَيْثُ لَا تتَصَوَّر فِيهِ الْمَعْنى الْأَصْلِيّ أصلا كالاستواء على الْعَرْش وَبسط الْيَد إِذا اسْتعْمل فِي شَأْنه تَعَالَى وَإِلَّا يخرج بذلك عَن كَونه كِنَايَة فِي أَصله وَإِن سمي حِينَئِذٍ مجَازًا متفرعا على الْكِنَايَة. وَكَذَلِكَ التَّعْرِيض قد يصير بِحَيْثُ يكون الِالْتِفَات فِيهِ إِلَى الْمَعْنى المعرض بِهِ كَأَنَّهُ الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ الَّذِي اسْتعْمل فِيهِ اللَّفْظ وَلَا يخرج عَن كَونه تعريضا فِي أَصله كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ} فَإِنَّهُ تَعْرِيض بِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِم أَن يُؤمنُوا بِهِ قبل كل وَاحِد وَهَذَا المعرض بِهِ هُوَ الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ هَا هُنَا دون الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ. وَإِذا تحققت مَا تلونا عَلَيْك علمت أَن قَوْله التَّعْرِيض تَارَة يكون على سَبِيل الْكِنَايَة وَأُخْرَى على سَبِيل الْمجَاز لم يرد بِهِ أَن اللَّفْظ فِي الْمَعْنى التعريضي قد يكون كِنَايَة وَقد يكون مجَازًا كَمَا توهموه وشيدوه بِأَن اللَّفْظ إِذا دلّ على معنى دلَالَة صَحِيحَة فَلَا بُد أَن يكون حَقِيقَة فِيهِ أَو مجَازًا أَو كِنَايَة فَإِن تشييدهم هَذَا منقوض بمستبقات التراكيب المستفادة مِنْهَا على سَبِيل التّبعِيَّة كَمَا مرت ومنقوض أَيْضا بِالْمَعْنَى المعرض بِهِ فَإِنَّهُ وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 كَانَ مَقْصُودا إصالة إِلَّا أَنه مَدْلُول عَلَيْهِ بالسياق لَا بِاسْتِعْمَال اللَّفْظ فِيهِ كَمَا عرفت بل أَرَادَ أَن التَّعْرِيض قد يكون على طَرِيق الْكِنَايَة فِي أَن يقْصد بِهِ المعنيان مَعًا وَقد يكون على طَريقَة الْمجَاز بِأَن يقْصد الْمَعْنى التعريضي وَحده فقولك فستعرف فِي قَوْلك آذيتني فستعرف إِذا أردْت بِهِ تهديدهما أَي الْمُخَاطب وَغَيره مَعًا كَانَ على طَريقَة الْكِنَايَة إِلَّا أَن تهديد الْمُخَاطب مُرَاد بِاللَّفْظِ اسْتِعْمَالا وتهديد غَيره مُرَاد سياقا وَإِذا أردْت بِهِ تهديد غَيره فَقَط وَهُوَ الْمَعْنى المعرض بِهِ كَانَ على طَريقَة الْمجَاز وَلَا يخرج بذلك عَن كَونه تعريضا كَمَا حققته وللتنبيه على هَذَا المُرَاد زَاد لفظ على سَبِيل فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَتنبه. التعاكس: هُوَ الْعَمَل بِالْعَكْسِ عِنْد أَرْبَاب الْحساب وَيُسمى بالتحليل أَيْضا عِنْدهم. التَّعْلِيل: بَيَان عِلّة الشَّيْء وَتَقْرِير ثُبُوت الْمُؤثر لإِثْبَات الْأَثر. وَعند عُلَمَاء الصّرْف التَّعْلِيل هُوَ الإعلال. التَّعْلِيل فِي معرض النَّص: مَا يكون الحكم بِمُوجب تِلْكَ الْعلَّة مُخَالفا للنَّص كَقَوْل إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة {أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين} . بعد قَوْله تَعَالَى {لَهُم اسجدوا لآدَم} . التعين: مَا بِهِ امتياز الشَّيْء عَن غَيره بِحَيْثُ لَا يُشَارِكهُ فِيهِ غَيره وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الْحَوَاشِي الجلالية أَن التعين يُطلق على مَعْنيين: الأول: كَون الشَّيْء بِحَيْثُ يمْتَنع فرض اشتراكه بَين كثيرين وَهُوَ يحصل من نَحْو الْوُجُود الْخَارِجِي وَيلْحق الصُّور الذهنية من حَيْثُ إِنَّهَا صور ذهنية لِأَن الْحمل والانطباق وَمَا يقابلهما من شَأْن الصُّور دون الْأَعْيَان. وَالثَّانِي: كَون الشَّيْء ممتازا عَمَّا عداهُ وَهُوَ يحصل بالوجود الْخَاص بِمَعْنى أَن الشَّيْء يصير بالوجود ممتازا عَمَّا عداهُ كَمَا أَنه يصير مصدر الْآثَار انْتهى. التَّعْزِير: عُقُوبَة غير مقدرَة حَقًا لله تَعَالَى أَو العَبْد وَسَببه مَا لَيْسَ فِيهِ حد من الْمعاصِي الفعلية أَو القولية فَهُوَ تَأْدِيب دون الْحَد. وَأَصله من العزر وَهُوَ الْمَنْع والردع. وَأكْثر التَّعْزِير تِسْعَة وَثَلَاثُونَ سَوْطًا عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَأما عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله فخمسة وَسَبْعُونَ وَفِي رِوَايَة تِسْعَة وَسَبْعُونَ وَهِي أصح عِنْده رَحمَه الله. وَصَحَّ حبس المعزر إِن كَانَ فِيهِ مصلحَة. وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَن التَّعْزِير على قدر عظم الجرم كَمَا فِي الْمُحِيط والذخيرة وَغَيرهمَا. وَأقله ثَلَاث من الضربات كَمَا فِي الْكَافِي أَو وَاحِدَة كَمَا فِي الخزانة أَو مَا يرَاهُ الإِمَام كملامة وضربة على مَا ذكره مَشَايِخنَا كَمَا فِي الْهِدَايَة. وَالْأَصْل أَنه إِن كَانَ مِمَّا يجب بِهِ الْحَد فالأكثر وَإِلَّا فمفوض إِلَى القَاضِي كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَان. وَللْإِمَام وَالْقَاضِي الْخِيَار فِي التَّعْزِير بِغَيْر الضَّرْب كاللطم والتعريك وَالْكَلَام العنيف والشتم غير الْقَذْف أَي الشتم الْمَشْرُوع كالشقي وَالنَّظَر بِوَجْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 عبوس والأعراض. وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه يجوز بِأخذ المَال إِلَّا أَنه يرد إِلَى الصاحب إِن تَابَ وَإِلَّا يصرف إِلَى مَا يرى الإِمَام وَالْقَاضِي. وَفِي مُشكل الْآثَار إِن أَخذ المَال صَار مَنْسُوخا. وَقيل إِن تَعْزِير مثل الْعلمَاء والعلوية بالإعلام بِأَن يَقُول بَلغنِي أَنَّك تفعل كَذَا وتعزير الْأُمَرَاء والدهاقين بِهِ وبالجر إِلَى بَاب القَاضِي وتعزير السوقية وَنَحْوهم بهما وبالحبس وتعزير الأخسة بِهن وبالضرب كَمَا فِي الزَّاهدِيّ وَغَيره. نعم مَا قَالَ مرزا عبد الْقَادِر بيدل بادل رَحْمَة الله عَلَيْهِ. (تاديبي اكرضرورت افتد بهوس ... يكدست خطاست كوشمال همه كس) (أَي مطرب قانون بِسَاط انصاف ... دف رابه طبانجه كوب ونى را بِنَفس) وَأَشد الضَّرْب التَّعْزِير لِأَنَّهُ جرى فِيهِ التَّخْفِيف من حَيْثُ الْعدَد فَلَا يُخَفف من حَيْثُ الْوَصْف فَيضْرب ضربا شَدِيدا لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى فَوَات الْمَقْصُود وَهُوَ الانزجار وتتقي الْمَوَاضِع الَّتِي تتقي فِي الْحُدُود. وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله أَنه يضْرب فِيهِ الظّهْر والآلية فَقَط. وَقيل إِن التَّعْزِير أَشد ضربا حَيْثُ يجمع فِيهِ الأسواط فِي عُضْو وَاحِد دون الْحُدُود فَإِنَّهُ يفرق فِيهَا على الْأَعْضَاء. ثمَّ حد الزِّنَا لِأَنَّهُ جِنَايَة أعظم حَيْثُ شرع فِيهِ الرَّجْم وَلِأَنَّهُ ثَبت بِالْكتاب بِخِلَاف حد الشّرْب فَإِنَّهُ ثَبت بقول الصَّحَابَة. ثمَّ حد الشّرْب لِأَن جِنَايَة الشّرْب مَقْطُوع بهَا لشهادة الشّرْب والإحضار إِلَى الْحَاكِم بالرائحة. ثمَّ حد الْقَذْف لِأَن سَببه يحْتَمل جَوَاز صدق الْقَاذِف وَقد جرى فِيهِ التَّغْلِيظ من حَيْثُ رد الشَّهَادَة الَّتِي تنزلت منزلَة قطع لِسَانه فيخفف من حَيْثُ الْوَصْف. ثمَّ اعْلَم أَن الْحُدُود تندرئ بِالشُّبُهَاتِ والتقادم وَالتَّعْزِير لَا يتقادم وَجَاز عَفوه من جَانب الْمَجْنِي عَلَيْهِ عِنْد الطَّحَاوِيّ وَمن جَانب الإِمَام عِنْد غَيره ووفق بِأَن الأول فِي حق العَبْد وَالثَّانِي فِي حق الله تَعَالَى. التعقل: قَالُوا إِن الْمدْرك بِالْفَتْح إِمَّا جزئي مادي أَو لَا وَالْأول إِمَّا أَن يكون محسوسا بالحاسة الظَّاهِرَة كزيد وَعَمْرو أَو غير محسوس بهَا كعداوة زيد ومحبة عَمْرو. والمحسوس إِمَّا أَن يكون إِدْرَاكه مَوْقُوفا على حُضُور الْمَادَّة كحلاوة الْعَسَل وملوحة مَاء الْبَحْر فإدراكه الإحساس أَولا كتخيلنا وإدراكنا المكة إِنَّهَا كَذَا وَكَذَا وإدراكها لَيْسَ مَوْقُوفا على حُضُورهَا مَعَ أَنَّهَا من المحسوسات بالحاسة الظَّاهِرَة فإدراكه التخيل وَإِدْرَاك غير المحسوس بالحواس الظَّاهِرَة هُوَ التَّوَهُّم وَأما غير الجزئي المادي فإمَّا أَن لَا يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 جزئيا بل كليا أَو يكون جزئيا غير مادي وأيا مَا كَانَ فإدراكه التعقل. التَّعْلِيق: جعل الشَّيْء مُعَلّقا بِشَيْء آخر. وَمِنْه تَعْلِيق الطَّلَاق وَالْمرَاد بتعليق أَفعَال الْقُلُوب عِنْد النُّحَاة إبِْطَال عَملهَا لفظا دون معنى مَأْخُوذ من قَوْلهم امْرَأَة معلقَة أَي مفقودة الزَّوْج فَإِنَّهَا لَا مَعَ الزَّوْج لفقدانه وَلَا بِدُونِهِ لتجويزها وجوده وَلِهَذَا لَا تقدر على نِكَاح زوج آخر. وَالْفرق بَين تَعْلِيق تِلْكَ الْأَفْعَال وإلغائها أَن التَّعْلِيق وَاجِب والإلغاء جَائِز. وَأَيْضًا أَن الإلغاء إبِْطَال عَملهَا لفظا وَمعنى وَالتَّعْلِيق إبِْطَال عَملهَا لفظا فَقَط كَمَا مر. وَالْفرق بَين الْفرْقَتَيْنِ أَن الأول بِاعْتِبَار الْوَصْف وَالثَّانِي بِاعْتِبَار الذَّات. التَّعَلُّق: ربط شَيْء بِشَيْء. وَعند النُّحَاة نِسْبَة الْفِعْل إِلَى أَمر غير الْفَاعِل لتوقف فهمه على ذَلِك الْأَمر فَإِن فهم كل فعل مَوْقُوف على فهم الْفَاعِل لَكِن فهم الْفِعْل الْمُتَعَدِّي مَوْقُوف على فهم الْمَفْعُول بِهِ أَيْضا بِخِلَاف الْفِعْل الْغَيْر الْمُتَعَدِّي كَمَا حققنا فِي جَامع الغموض. تعلقات علم الْوَاجِب تَعَالَى: نَوْعَانِ: أَحدهمَا: قديمَة. وَالثَّانِي: حَادِثَة وَالَّتِي قديمَة غير متناهية بِالْفِعْلِ وَالَّتِي حَادِثَة متناهية بِالْفِعْلِ ومتعلقات الْقَدِيمَة أَمْرَانِ: أَحدهمَا: الأزليات الْغَيْر المتناهية كالإعدام والماهيات الْكُلية من الممكنات والممتنعات. وَثَانِيهمَا: الهويات والشخصيات الَّتِي ستوجد فِي مَا لَا يزَال أَي فِي الْحَال والاستقبال أَي من غير أَن يكون مُقَيّدا بِالزَّمَانِ بل على وَجه كلي كَمَا يتَعَلَّق بالأمور الْكُلية الْغَيْر المتجددة وَلما كَانَت هَذِه المتعلقات غير متناهية صَارَت تعلقات الْعلم بهَا أَيْضا غير متناهية ضَرُورَة استلزام لَا تناهي المتعلقات لَا تناهي التعلقات فَإِن قيل: اللاتناهي بَاطِل بالبراهين المبينة فِي كتب الْمَعْقُول وَالْكَلَام قُلْنَا إِن سلمنَا تِلْكَ الْبَرَاهِين فَلَا تدل إِلَّا على بطلَان لَا تناهي الموجودات الخارجية دون العلمية. وَأما متعلقات التعلقات الْحَادِثَة المتناهية فَهِيَ لَيست إِلَّا المتجددات المتناهية أَي الَّتِي حصل لَهَا الْوُجُود الْآن أَو قبل. وَهَذِه التعلقات حَادِثَة متناهية بِالْفِعْلِ ضَرُورَة حُدُوث متعلقاتها وتناهيها سَوَاء كَانَت مجتمعة أَو متعاقبة فِي الْوُجُود لِأَن كل مَوْجُود متناه وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهَا متناهية بِالْفِعْلِ لِأَن تِلْكَ التعلقات وَكَذَا متعلقاتها غير متناهية بِالْقُوَّةِ بِمَعْنى أَنَّهَا لَا تَنْتَهِي إِلَى حد لَا يتَصَوَّر فَوْقه تعلق آخر أَو مُتَعَلق آخر. تعلق الشَّيْء بالممكن: يُوجب إِمْكَان ذَلِك الشَّيْء فِي الْمُعَلق بالممكن مُمكن إِن شَاءَ الله تَعَالَى. التعمم: (عِمَامَة يَعْنِي دستار برسر بستن) . قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من تعمم قَاعِدا وتسرول قَائِما ابتلاه الله تَعَالَى ببلاء لَا دَوَاء لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 تَعْدِيل الْأَركان: تسكين الْجَوَارِح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود حَتَّى تطمئِن مفاصله. وَأَدْنَاهُ مِقْدَار تَسْبِيحَة وَهُوَ وَاجِب عندنَا {فويل للمصلين الَّذين هم عَن صلوتهم ساهون الَّذين هم يراؤون وَيمْنَعُونَ الماعون} . وَللَّه در الصائب رَحمَه الله. (جون خامهء سبك مغز از بِي حضوري دلّ ... افزود رو سياهى در هر سُجُود مارا) بَاب التَّاء مَعَ الْغَيْن الْمُعْجَمَة التَّغْيِير: من بَاب التفعيل إِحْدَاث شَيْء لم يكن قبله. التَّغَيُّر: من بَاب التفعل انْتِقَال الشَّيْء من حَالَة إِلَى حَالَة أُخْرَى. التغاير: بَين الشَّيْئَيْنِ على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: التغاير الَّذِي هُوَ مصداق تحقق المتغائرين. وَالثَّانِي: التغاير الَّذِي يكون بعد تحققهما وتوضيحهما فِي الْعلم الحصولي والحضوري إِن شَاءَ الله تَعَالَى. بَاب التَّاء مَعَ الْفَاء التفاؤل: (فال كرفتن) . وَفِي جَامع دارقطني قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أَرَادَ أَن يتفاءل بالمصحف فَيَنْبَغِي أَن يبيت طَاهِرا وَيُصْبِح صَائِما وَيَأْخُذ الْمُصحف وَيقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ وَيقْرَأ وَعِنْده مفاتح الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ وَيعلم مَا فِي الْبر وَالْبَحْر وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا وَلَا حَبَّة فِي ظلمات الأَرْض وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين. وَيُصلي عشر مَرَّات وَيَقُول اللَّهُمَّ بكتابك تفاءلت وَبِك آمَنت وَعَلَيْك توكلت فاظهر فِي كتابك الْمكنون مَا فِي علمك المخزون ثمَّ يفتح ويعد لفظ الله من جَانب الْيَمين ثمَّ يقلب الأوراق من جَانب الْيَسَار بِعَدَد كَلِمَات الله ثمَّ يعد الأسطر من جَانب الْيَسَار ثمَّ يتفاءل فَمَا جَاءَ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْوَحْي. التَّفْسِير: مُبَالغَة الفسر وَهُوَ الْكَشْف والإظهار فيراد بِهِ كشف لَا شُبْهَة فِيهِ وَهُوَ الْقطع بالمراد وَلِهَذَا يحرم التَّفْسِير بِالرَّأْيِ. وَفِي الشَّرْع توضيح معنى الْآيَة وشأنها وقصتها وَالسَّبَب الَّذِي نزلت فِيهِ بِلَفْظ يدل عَلَيْهِ دلَالَة ظَاهِرَة. وَقَالُوا التَّأْوِيل اعْتِبَار دَلِيل يصير الْمَعْنى بِهِ أغلب على الظَّن من الْمَعْنى الظَّاهِر وَلِهَذَا لَا يحرم تَأْوِيل الْقُرْآن بِالرَّأْيِ لِأَنَّهُ الظَّن بالمراد وَحمل الْكَلَام على غير الظَّاهِر بِلَا جزم. وَقَرِيب من ذَلِك أَن التَّأْوِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 بَيَان أحد محتملات اللَّفْظ وَالتَّفْسِير بَيَان مُرَاد الْمُتَكَلّم وَلِهَذَا قيل لَو قَالَ رجل فسرت هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة من غير أَن يكون نَاقِلا عَن الْمخبر الصَّادِق يكفر فَالْمُرَاد بقَوْلهمْ الْكَشَّاف تَفْسِير الْقُرْآن مَعْنَاهُ الْمجَازِي أَي فِيهِ بَيَان محتملات نظم الْقُرْآن الْمجِيد أَو المُرَاد أَنه تَفْسِير بعض آيَاته الْكَرِيمَة فإطلاق التَّفْسِير على الْمَجْمُوع أَيْضا مجازي. وَلَا يخفى أَنه يحْتَمل أَن يكون بَيَان محتملات اللَّفْظ مطابقا لمراد الْمُتَكَلّم فِي بعض الْبَيَان فَالْوَاجِب علينا الْعَمَل والإطاعة بِمُوجب محتملات نظمه الْكَرِيم لَكِن إِذا بَينه الْعَالم الْمُحدث السالك على الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة والطريقة المصطفوية الصافي عَن الْبِدْعَة والهوى. وَعلم التَّفْسِير علم يبْحَث فِيهِ عَن أَحْوَال الْكتاب الْعَزِيز من جِهَة نُزُوله وَسَنَده وأدائه وَأَلْفَاظه ومعانيه الْمُتَعَلّقَة بالألفاظ والمتعلقة بِالْأَحْكَامِ وَغير ذَلِك. وموضوعه الْكتاب الْعَزِيز وغايته فهم خطاب الله تَعَالَى الْمُوجب للسعادة الأبدية والدولة السرمدية. التفخيم: التَّعْظِيم والاستعلاء ويقابله الترقيق. وَفِي التجويد فِي لفظ الله تفخيم وترقيق فيفخم إِذا انْفَتح مَا قبله أَو انْضَمَّ كَمَا تَقول رحم الله وَعلمه الله ويرقق إِذا انْكَسَرَ مثل بِسم الله وَالْحَمْد لله. التَّفْرِيق: فِي الْحساب نُقْصَان عدد عَن عدد آخر سَوَاء كَانَ نُقْصَان الصَّحِيح عَن الصَّحِيح أَو الصَّحِيح عَن الصَّحِيح مَعَ الْكسر أَو الْكسر عَنهُ أَي عَن الصَّحِيح أَو عَن الصَّحِيح مَعَ الْكسر أَو الْكسر عَن الْكسر. وَأما نُقْصَان الصَّحِيح عَن الْكسر فَمن نُقْصَان الْعقل فَإِن المنقوص مِنْهُ مَا لم يكن زَائِدا عَن المنقوص كَيفَ يتَصَوَّر النُّقْصَان. وَلذَا قَالُوا التَّفْرِيق نُقْصَان عدد من عدد لَيْسَ بِأَقَلّ مِنْهُ حَتَّى يُمكن ذَلِك. والتفريق عِنْد أَصْحَاب البديع إِيقَاع تبَاين بَين مُتَعَدد من نوع وَاحِد فِي الْمَدْح أَو غَيره كَقَوْل الوطواط. (مَا نوال الْغَمَام وَقت ربيع ... كنوال الْأَمِير يَوْم سخاء) (فنوال الْأَمِير بدرة عين ... ونوال الْغَمَام قَطْرَة مَاء) المُرَاد بالتباين عدم شركَة أَحدهمَا مَعَ الآخر فِي وصف مُخْتَصّ بِالْآخرِ. فالتباين هَا هُنَا مَا يُقَابل المشابهة. وَقَوْلهمْ من نوع وَاحِد بَيَان وَاقع لَا احْتِرَاز عَن إِيقَاع التباين بَين أَمريْن من نَوْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يكون تفريقا بل توضيحا وتفصيلا. وَقَوْلهمْ فِي الْمَدْح أَو غَيره لَا فَائِدَة فِيهِ لَا التَّوْضِيح وَالتَّفْصِيل. والوطواط فِي الصِّحَاح الخفاش وَقيل الخطاف. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة هَذَا أشبه الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ والوطواط الرجل الضَّعِيف الْجنان وَقَالَ لَا أرَاهُ سمي بِهِ إِلَّا تَشْبِيها بالطائر. وَاعْلَم أَن الشَّاعِر أوقع التباين فِي ذَلِك الشّعْر بَين النوالين. التفكر: تصرف الْقلب فِي مَعَاني الْأَشْيَاء لدرك الْمَطْلُوب. التفهيم: إِيصَال الْمَعْنى إِلَى فهم السَّامع بِوَاسِطَة اللَّفْظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 التَّفْرِيع: جعل شَيْء عقيب شَيْء لاحتياج اللَّاحِق إِلَى السَّابِق. وَفِي البديع التَّفْرِيع أَن يثبت لمتعلق أَمر حكم بعد إِثْبَات ذَلِك الحكم لمتعلق لَهُ آخر على وَجه يشْعر بالتفريع والتعقيب كَقَوْل الْكُمَيْت من قصيدة يمدح بهَا أهل بَيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. (أحلامكم لسقام الْجَهْل شافية ... كَمَا دماؤكم تشفى من الْكَلْب) ففرع على وَصفهم بشفاء أحلامهم من دَاء الْجَهْل وَصفهم بشفاء دِمَائِهِمْ من دَاء الْكَلْب يَعْنِي أَنْتُم مُلُوك وأشراف وأرباب الْعُقُول الراجحة وَالْكَلب بِفَتْح الْكَاف فِي مَوْضِعه. التَّفْرِقَة: توزع الخاطر للانتقال من عَالم الْغَيْب بِأَيّ طَرِيق كَانَ. وَفِي كتب السلوك الْفرق مَا نسب إِلَيْك وَالْجمع مَا سلب عَنْك. وَمَعْنَاهُ أَن مَا يكون كسبا للْعَبد من إِقَامَة وظائف الْعُبُودِيَّة وَمَا يَلِيق بالأحوال البشرية فَهُوَ فرق وَمَا يكون من قبل الْحق من إبداء معَان وَابْتِدَاء لطف وإحسان فَهُوَ جمع. وَلَا بُد للْعَبد مِنْهُمَا فَإِن من تَفْرِقَة لَهُ لَا عبودية لَهُ وَمن لَا جمع لَهُ لَا تَفْرِقَة لَهُ. فَقَوْل العَبْد إياك نعْبد. إِثْبَات الْعُبُودِيَّة وَقَوله إياك نستعين طلب الْجمع. فالتفرقة بداية الْإِرَادَة وَالْجمع نهايتها. بَاب التَّاء مَعَ الْقَاف التَّقْرِير: هُوَ الْبَيَان الصافي بِحَيْثُ يعلم الْمُخَاطب وكل من يسمعهُ بسهولة. وَمعنى تَقْرِير النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه فعل أحد فعلا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - واطلع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهِ وَلم ينْه عَنهُ بل سكت فَإِن سُكُوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يدل على صِحَّته وجوازه. التَّقْسِيم: ضم الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء إِلَى شَيْء وَاحِد مُشْتَرك. وَبِعِبَارَة أُخْرَى ضم مُخْتَصّ إِلَى مُشْتَرك. وَحَقِيقَته أَن يَنْضَم إِلَى مَفْهُوم كلي قيود مُخْتَلفَة تجامعه إِمَّا متقابلة أَو غير متقابلة والتقسيم الْحَقِيقِيّ ضم قيود متبائنة فِي الْخُلُو والاجتماع إِلَى مقسم والاعتباري ضم قيود متغائرة إِلَى الْمقسم كَمَا يُقَال هَذَا الْإِنْسَان إِمَّا كَاتب أَو ضَاحِك. وَالْفرق بَينه وَبَين الترديد أَن مَا بِهِ الِاشْتِرَاك لَازم فِي التَّقْسِيم دون الترديد وَلِهَذَا قَالُوا التَّقْسِيم عبارَة عَن إِحْدَاث الْكَثْرَة فِي الْمَقْسُوم أَو إِحْدَاث الاثنينية فِي الْمَقْسُوم. وَاعْلَم أَن التَّقْسِيم يتَصَوَّر على أَرْبَعَة أوجه: الأول: أَن يُلَاحظ الْمقسم والأقسام على التَّفْصِيل كَمَا يقسم الْوُجُود إِلَى وجود الْوَاجِب والممكن وَوُجُود الْمُمكن إِلَى وجود الْجَوْهَر وَالْعرض. وَالثَّانِي: أَن يُلَاحظ الْمقسم والأقسام على الْإِجْمَال كَمَا يقسم وجود كل نوع إِلَى وجودات أَفْرَاده. وَالثَّالِث: أَن يُلَاحظ الْأَقْسَام على الْإِجْمَال دون الْمقسم كَمَا يقسم الْوُجُود إِلَى وجودات الْأَشْخَاص وَوُجُود الْجَوْهَر وَالْعرض إِلَى وجودات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أنواعهما. وَالرَّابِع: عكس الثَّالِث كم يقسم وجود كل نوع إِلَى وجود الصِّنْف والشخص ثمَّ التَّقْسِيم قد يُطلق على الترديد الْعُمْدَة فِي طَرِيق التَّمْثِيل كَمَا مر فِي الترديد. وَعند أَرْبَاب الْحساب التَّقْسِيم هُوَ الْقِسْمَة الَّتِي سَيَجِيءُ ذكرهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. والتقسيم عِنْد أَرْبَاب البديع هُوَ ذكر مُتَعَدد ثمَّ إِضَافَة مَا لكل إِلَيْهِ على الْيَقِين بِخِلَاف اللف والنشر فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إِضَافَة فَبين التَّقْسِيم واللف والنشر تبَاين. وَمن هَذَا الْبَيَان تبين أَن قَوْله على الْيَقِين مُسْتَغْنى عَنهُ لَا احْتِيَاج إِلَيْهِ لإِخْرَاج اللف والنشر فَتَأمل. وَأَيْضًا للتقسيم عِنْدهم مَعْنيانِ آخرَانِ. أَحدهمَا: اسْتِيفَاء أَقسَام الشَّيْء كَقَوْلِه تَعَالَى {يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور أَو يزوجهم ذكرانا وإناثا وَيجْعَل من يَشَاء عقيما} . وَالثَّانِي: ذكر أَحْوَال الشَّيْء مُضَافا إِلَى كل من تِلْكَ الْأَحْوَال مَا يَلِيق بِهِ. والمثال فِي كتب البديع. التَّقَدُّم: كَون الشَّيْء أَولا وَهُوَ خَمْسَة لِأَن الْمُتَقَدّم إِمَّا أَن يكون مجامعا للمتأخر أَو لَا - الثَّانِي هُوَ التَّقَدُّم بِالزَّمَانِ كتقدم مُوسَى على عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْأول لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْمُتَأَخر مُحْتَاجا إِلَيْهِ أَو لَا - وَالْأول إِمَّا أَن يكون الْمُتَقَدّم عِلّة تَامَّة للمتأخر أَو لَا. الأول: التَّقَدُّم بالعلية كتقدم طُلُوع الشَّمْس على وجود النَّهَار. وَالثَّانِي: التَّقَدُّم بالطبع كتقدم الْوَاحِد على الِاثْنَيْنِ. وَإِن لم يكن الْمُتَأَخر مُحْتَاجا إِلَى الْمُتَقَدّم فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون التَّقَدُّم والتأخر بالترتيب بِأَن يكون شَيْء أقرب من غَيره إِلَى مبدأ مَحْدُود لَهما أَو لَا الأول التَّقَدُّم بِالْوَضْعِ فَهُوَ عبارَة عَن تِلْكَ الأقربية وَهُوَ على نَوْعَيْنِ: (طبيعي) إِن لم يكن المبدأ الْمَحْدُود بِحَسب الْوَضع والجعل بل بِحَسب الطَّبْع كتقدم الْجِنْس على النَّوْع (ووضعي) إِن كَانَ المبدأ بِحَسب الْوَضع والجعل كتقدم الصَّفّ الأول بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِحْرَاب على الصَّفّ الثَّانِي مثلا. وَالثَّانِي التَّقَدُّم بالشرف وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة الرجحان بالشرف كتقدم أبي بكر الصّديق على عمر الْفَارُوق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَاعْلَم أَن الْمُتَكَلِّمين ذَهَبُوا إِلَى أَن للتقدم قسما آخر سوى الْخَمْسَة الْمَشْهُورَة وسموه بالتقدم الذاتي وَهُوَ تقدم أَجزَاء الزَّمَان بَعْضهَا على بعض وَالَّذِي اضطرهم على ذَلِك أَنهم رَأَوْا أَن تقدم أَجزَاء الزَّمَان بَعْضهَا على بعض لَا يصدق عَلَيْهِ شَيْء من الْأَقْسَام الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة للتقدم. أما عدم صدق مَا وَرَاء التَّقَدُّم بِالزَّمَانِ فَظَاهر لعدم اجْتِمَاع تِلْكَ الْأَجْزَاء. وَأما عدم صدق التَّقَدُّم الزماني عَلَيْهِ فَلِأَن مُقْتَضى التَّقَدُّم الزماني أَن يكون الْمُتَقَدّم فِي زمَان سَابق والمتأخر فِي زمَان لَاحق فَلَو كَانَ ذَلِك التَّقَدُّم زمانيا لزم أَن يكون أمس فِي زمَان مُتَقَدم وَالْيَوْم فِي زمَان مُتَأَخّر عَنهُ وننقل الْكَلَام إِلَى ذَيْنك الزمانين فَيلْزم أَن يكون هُنَاكَ أزمنة غير متناهية ينطبق بَعْضهَا على بعض وَأَنه محَال. فَثَبت أَن تقدم بعض أَجزَاء الزَّمَان على بعض لَيْسَ تقدما زمانيا فاحدثوا تقدما بِالذَّاتِ وعرفوه بالتقدم بِلَا وَاسِطَة الزَّمَان بِأَن يكون الْأَمْرَانِ غير مُجْتَمعين وَيكون أَحدهمَا مقدما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 على الآخر بِغَيْر وَاسِطَة الزَّمَان. فَإِن قيل تقدم بعض أَجزَاء الزَّمَان على بعض آخر أَي تقدم من الْأَقْسَام الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة عِنْد الْحُكَمَاء. قُلْنَا تقدم زماني لِأَنَّهُ عِنْد الْحُكَمَاء عبارَة عَن كَون الْمُتَقَدّم قبل الْمُتَأَخر قبلية تَقْتَضِي عدم اجْتِمَاعهمَا والجزء الْمُتَقَدّم من الزَّمَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجُزْء الْمُتَأَخر مِنْهُ كَذَلِك فَلَا يلْزم الْمَحْذُور. وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَن يكون كل من الْمُتَقَدّم والمتأخر فِي زمَان على حِدة حَتَّى يلْزم الْمَحْذُور. وَإِنَّمَا سمي هَذَا التَّقَدُّم بِالزَّمَانِ إِمَّا لِأَن فِي أَكثر أَفْرَاده تقدم بِوَاسِطَة الزَّمَان أَو لِأَن هَذَا التَّقَدُّم لَا يُوجد بِدُونِ الزَّمَان لِأَن كلا من الْمُتَقَدّم والمتأخر إِمَّا زمَان أَو زماني. وَقَالَ مولا زَاده رَحمَه الله وَقيل هَذَا التَّقَدُّم طبيعي وَلَيْسَ بِبَعِيد عَن الصَّوَاب فَإِن الْجُزْء السَّابِق من الزَّمَان لكَونه معدا للجزء اللَّاحِق مِنْهُ مقدم عَلَيْهِ طبعا انْتهى. وَقَالَ الْحَكِيم صَدرا فِي الشواهد الربوبية إِن هَا هُنَا نحوين آخَرين من أَقسَام التَّقَدُّم والتأخر سوى الْخَمْسَة الْمَشْهُورَة أَحدهمَا التَّقَدُّم بِالْحَقِّ وَالْآخر التَّقَدُّم بِالْحَقِيقَةِ وَلكُل من هذَيْن برهَان وَاحِد يحوجان إِلَى كَلَام مفصل لَا يَلِيق بِهَذَا الْمُخْتَصر إِيرَاده وَنحن نشِير إِلَى الأول بِأَن الْحق بِاعْتِبَار تخليته من أَسْمَائِهِ وتنزله فِي مَرَاتِب شؤونه الَّتِي هِيَ أنحاء وجودات الْأَشْيَاء يتَقَدَّم ويتأخر بِذَاتِهِ لَا بِشَيْء آخر فَلَا يتَقَدَّم مُتَقَدم وَلَا يتَأَخَّر مُتَأَخّر إِلَّا بِحَق لَازم وَقَضَاء حتم وَإِلَى الثَّانِي بِأَن الْجَاعِل والمجعول إِذا كَانَ لكل مِنْهُمَا شيئية وَوُجُود فَتقدم الشيئية على الشيئية من جِهَة اتصافهما بالوجود تقدم بِالْحَقِيقَةِ. وَأما تقدم الْوُجُود على الْمَاهِيّة فَلَيْسَ مرجعه إِلَّا إِلَى كَون الْوُجُود مَوْجُودا بِالذَّاتِ والماهية بِالْعرضِ كَحال الشَّخْص وظله أَو عَكسه فِي الْمرْآة. وَإِمَّا التَّأَخُّر فَيعلم بِالْقِيَاسِ على التَّقَدُّم كَمَا لَا يخفى. وَفِي وجوب تقدم الْعلَّة التَّامَّة على معلولها مغالطة مَشْهُورَة وَهِي أَنه لَا يحب تقدم الْعلَّة التَّامَّة على معلولها. وَبَيَان ذَلِك يُمكن بِوَجْهَيْنِ: الأول: أَنه لَا شكّ فِي أَن مَجْمُوع الْأَشْيَاء من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع مَعْلُول لاحتياجه إِلَى أَجْزَائِهِ فعلته التَّامَّة لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون خَارِجا عَنهُ أَو دَاخِلا فِيهِ أَو نَفسه لَا سَبِيل إِلَى الأول إِذْ لَا شَيْء خَارج عَن هَذَا الْمَعْلُول الْمَفْرُوض. وَلَا إِلَى الثَّانِي: لاحتياج ذَلِك الْمَعْلُول إِلَى أَمر آخر فَتعين. الثَّالِث: لَا يُقَال يُمكن حلّه بِأَن جَمِيع الْأَشْيَاء الْمَفْرُوضَة من حَيْثُ الْإِجْمَال مَعْلُول وَمن حَيْثُ التَّفْصِيل عِلّة فتغاير حيثية عليته بحيثية معلوليته فَلَا يلْزم كَون الْعلَّة التَّامَّة عين الْمَعْلُول وَبِأَن مَجْمُوع الْأَشْيَاء لَو كَانَ عِلّة لنَفسِهِ لَكَانَ وَاجِبا إِذْ الْوَاجِب هُوَ مَا لَا يحْتَاج فِي وجوده إِلَى غَيره لأَنا نقُول من الأول بِأَنا نَأْخُذ جَمِيع الْأَشْيَاء على وَجه لَا يعْتَبر فِيهِ الْهَيْئَة أَو أَمر آخر لَهُ يغاير نَفسه بل على وَجه اعْتبر معلولا بذلك الْوَجْه وَلَا خَفَاء فِي إِمْكَان هَذَا الِاعْتِبَار تَأمل. وَعَن الثَّانِي: فبأن يُقَال الْوَاجِب الْوُجُود هُوَ الْمَوْجُود الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى غَيره وَكَون مَجْمُوع الْأَشْيَاء مَوْجُودا مَحل بحث وحلها أَنهم جوزوا عدم تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 الْعلَّة التَّامَّة المفسرة بِجَمِيعِ مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الشَّيْء فَلَا مغالطة. الثَّانِي من الْوَجْهَيْنِ: أَن الْعلَّة التَّامَّة فِي المعلولات المركبة من الْمَادَّة وَالصُّورَة مُتَأَخِّرَة عَنْهَا تأخرا ذاتيا إِذْ نِسْبَة الْمَعْلُول الْمركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة إِلَى الْعلَّة التَّامَّة نِسْبَة الْجُزْء إِلَى الْكل لِأَن مَجْمُوع الْمَادَّة وَالصُّورَة لَيْسَ عين الْعلَّة التَّامَّة لكَون الْفَاعِل أَيْضا جُزْءا مِنْهَا مَعَ خُرُوجه عَن الْمَعْلُول وَلَيْسَ خَارِجا عَنْهَا أَيْضا إِذْ لَا وَجه لخُرُوج الْمركب عَن شَيْء مَعَ دُخُول كل وَاحِد من أَجزَاء ذَلِك الشَّيْء فَتعين أَن يكون الْمَعْلُول الْمركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة جُزْءا من الْعلَّة التَّامَّة فَتكون الْعلَّة التَّامَّة مُتَأَخِّرَة عَن الْمَعْلُول تأخرا بِالذَّاتِ. وَمن هَا هُنَا يعلم عدم صِحَة تَقْسِيم الْعلَّة الْمُطلقَة المفرقة بِمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الشَّيْء إِلَى التَّامَّة والناقصة وحلها هُوَ منع اسْتِحَالَة كَون الْمَجْمُوع الْمركب من الْمَادَّة وَالصُّورَة خَارِجا عَن الْعلَّة التَّامَّة مَعَ دُخُول كل من أَجْزَائِهِ كالخمسة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعشْرَة فَإِنَّهَا خَارِجَة عَن الْعشْرَة مَعَ دُخُول كل وَاحِد من الوحدات فِيهَا كَمَا قَالُوا فَافْهَم. قَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الرسَالَة القطبية المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق فَإِن قلت التَّقَدُّم عِنْد الْقَوْم منحصر فِي التقدمات الْخمس الْمَشْهُورَة وَتقدم المعروض على الْعَارِض لَيْسَ شَيْئا مِنْهَا. أما التَّقَدُّم بِالزَّمَانِ والتقدم بالشرف فَظَاهر. وَأما غَيرهمَا فَلِأَن التَّقَدُّم بالطبع تقدم بِحَسب لوُجُود. والتقدم بالعلية تقدم بِحَسب الْوُجُوب. والتقدم بالرتبة مَا يَصح فِيهِ أَن يكون الْمُتَقَدّم مُتَأَخِّرًا والمتأخر مُتَقَدما قلت هَذَا التَّقَدُّم وَرَاء تِلْكَ التقدمات كَمَا صرح بِهِ الْمُحَقق الطوسي فِي نقد التَّنْزِيل. وَقد عبر الشَّيْخ فِي الهيئات الشِّفَاء عَن هَذَا التَّقَدُّم بالتقدم بِالذَّاتِ. وَبَعْضهمْ عبر عَنهُ بالتقدم بالماهية. وَالْقَوْم إِنَّمَا حصروا التَّقَدُّم الَّذِي هُوَ بِحَسب الْوُجُود انْتهى. وَقَالَ فِي الْأَسْفَار أَن التَّقَدُّم والتأخر فِي معنى مَا يتَصَوَّر على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون بِنَفس ذَلِك الْمَعْنى حَتَّى يكون مَا فِيهِ التَّقَدُّم وَمَا بِهِ التَّقَدُّم شَيْئا وَاحِدًا كتقدم أَجزَاء الزَّمَان بَعْضهَا على بعض فَإِن القبليات والبعديات فِيهَا بِنَفس هوياتها المتجددة المنقضية لذاتها لَا بِأَمْر عَارض لَهَا كَمَا سَيعْلَمُ فِي مُسْتَأْنف الْكَلَام إِن شَاءَ الله الْعَزِيز العلام. وَالْآخر أَن لَا يكون بِنَفس ذَلِك الْمَعْنى بل بِوَاسِطَة معنى آخر فيفترق عِنْد ذَلِك مَا فِيهِ التَّقَدُّم عَن مَا بِهِ التَّقَدُّم كتقدم الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ الْأَب على الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ الابْن لَا فِي معنى الإنسانية الْمَقُول عَلَيْهِمَا بالتساوي بل فِي معنى آخر هُوَ الْمَوْجُود وَالزَّمَان أَو الزَّمَان فَمَا فِيهِ التَّقَدُّم والتأخر فيهمَا هُوَ الْوُجُود أَو الزَّمَان وَمَا بِهِ التَّقَدُّم والتأخر هُوَ خُصُوص الْأُبُوَّة والبنوة كَمَا أَن تقدم بعض الْأَجْسَام على بعض لَا فِي الجسمية بل فِي الْوُجُود فَكَذَلِك إِذا قيل إِن الْعلَّة مُتَقَدّمَة على الْمَعْلُول فَمَعْنَاه أَن وجودهَا مُتَقَدم على وجوده وَكَذَلِكَ تقدم الِاثْنَيْنِ على الْأَرْبَعَة وأمثالها فَإِن لم يعْتَبر الْوُجُود لم يكن تقدما. والتأخر والكمال وَالنَّقْص وَالْقُوَّة والضعف فِي الوجودات بِنَفس هوياتها لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 بِأَمْر آخر. وَفِي الْأَشْيَاء والماهيات بِنَفس وجوداتها لَا بأنفسها انْتهى. التقابل: من قَالَ بانحصاره فِي الْأَعْرَاض عرفه بِعَدَمِ إِمْكَان اجْتِمَاع الْأَمريْنِ فِي مَوْضُوع وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة. وَمن قَالَ بِجَوَازِهِ فِي الْجَوَاهِر أَيْضا قَالَ عِنْد تَعْرِيفه فِي مَحل مقَام فِي مَوْضُوع لكَون الْمحل أَعم من الْمَوْضُوع وَاعْلَم أَن بعض الْحُكَمَاء قَالُوا بتقابل التضاد بَين الصُّور النوعية الَّتِي من الْجَوَاهِر يَعْنِي أَن تقَابل التضاد قد يكون فِي الْأَعْرَاض كالسواد وَالْبَيَاض. وَقد يكون فِي الْجَوَاهِر كالصور النوعية وَإِن كَانَ بعض أَقسَام التقابل كالتقابل بِالْعدمِ والملكة مُخْتَصًّا بالأعراض. وَلِهَذَا أَخذ الْمَوْضُوع فِي تَعْرِيفه فاحفظه. والتقابل أَقسَام أَرْبَعَة لِأَن الْأَمريْنِ إِمَّا وجوديان أَو لَا. وعَلى الأول إِمَّا أَن يكون تعقل كل مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الآخر فهما المتضائفان. والتقابل بَينهمَا تقَابل التضايف. أَولا فهما المتضادان والتقابل بَينهمَا تقَابل التضاد. وعَلى الثَّانِي يكون أَحدهمَا وجوديا وَالْآخر عدميا فإمَّا أَن يعْتَبر فِي العدمي مَحل قَابل للوجودي فهما الْعَدَم والملكة والتقابل بَينهمَا تقَابل الْعَدَم والملكة أَولا فهما السَّلب والإيجاب والتقابل بَينهمَا تقَابل الْإِيجَاب وَالسَّلب. وَالْمرَاد بالوجودي هَا هُنَا مَا لَا يكون السَّلب والعدم جُزْءا من مَفْهُومه سَوَاء كَانَ مَوْجُودا فِي الْخَارِج أَو لَا فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى أَعم من الْمَوْجُود فَإِن مثل الْخَلَاء والعنقاء وَشريك الْبَارِي وجودي لَا مَوْجُود والوجودي بِمَعْنى الْمَوْجُود مسَاوٍ لَهُ فَافْهَم. تقَابل الْعَدَم والملكة: كَون الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ يكون أَحدهمَا عدم الآخر عَن مَوْضُوع قَابل للوجودي كالعمى وَالْبَصَر فَإِن الْعَمى عدم الْبَصَر عَمَّا من شَأْنه أَن يكون بَصيرًا. تقَابل التضاد: كَون الشَّيْئَيْنِ الوجوديين مُتَقَابلين بِحَيْثُ لَا يكون تعقل كل مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الآخر سَوَاء كَانَ بَينهمَا غَايَة الْبعد وَالْخلاف كالسواد وَالْبَيَاض أَولا كالحمرة والسواد وَيُقَال لَهما الضدان المشهوريان. وَقد يشْتَرط فِي الضدين أَن يكون بَينهمَا غَايَة الْبعد وَالْخلاف ويسميان بالضدين الحقيقيين كالسواد وَالْبَيَاض. تقَابل التضايف: كَون الشَّيْئَيْنِ الوجوديين مُتَقَابلين بِحَيْثُ يكون تعقل كل مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الآخر كالأبوة والبنوة المتقابلتين بِاعْتِبَار وجودهما فِي الْخَارِج فِي مَحل وَاحِد فِي زمَان وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة على مَذْهَب من قَالَ بِوُجُود الإضافات فِي الْخَارِج وَأما على مَذْهَب من قَالَ بعدمهما مُطلقًا التقابل بَينهمَا بِاعْتِبَار اتصاف الْمحل بهما فِي الْخَارِج. تقَابل الْإِيجَاب وَالسَّلب: كَون النسبتين متقابلتين بِحَيْثُ يكون إِحْدَاهمَا إيجابية وَالْأُخْرَى سلبية مثل زيد إِنْسَان وَزيد لَيْسَ بِإِنْسَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 وَاعْلَم أَن التقابل بَين الْإِيجَاب وَالسَّلب إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي الذِّهْن دون الْخَارِج لِأَن التقابل نِسْبَة وَتحقّق النِّسْبَة فرع تحقق المنتسبين وَأحد النسبتين فِي هَذَا الْقسم من التقابل سلب والسلوب اعتبارات عقلية لَهَا اعتبارات لفظية فالنسبة بَينهمَا إِنَّمَا كَانَت فِي اعْتِبَار الْعقل لَا فِي الْوَاقِع. وَأما عدم الملكة فَلهُ حَظّ من التحقق بِاعْتِبَار أَنه عدم أَمر مَوْجُود لَهُ قابلية التَّلَبُّس بمقابل هَذَا الْعَدَم وَهَذَا الْقدر من التحقق الاعتباري كَاف فِي تحقق النِّسْبَة فِي الْخَارِج لِأَن لكل شَيْء مرتبَة الْوُجُود ومرتبة النِّسْبَة فِي الْوُجُود وَهِي كَونهَا منتزعة من أُمُور متحققة فِي الْخَارِج أَي نَحْو كَانَ من التحقق أَي سَوَاء كَانَ تحققها لأنفسها أَو تحققها لغَيْرهَا. التقطيع: فِي اللُّغَة جعل الشَّيْء قِطْعَة قِطْعَة. وَفِي اصْطِلَاح الْعرُوض أَن يَجْعَل أَلْفَاظ الْبَيْت مُنْفَصِلا متجزيا على وَجه يكون كل مِقْدَار من أَلْفَاظه موازنا بأجزاء الْبَحْر الَّذِي يكون ذَلِك الْبَيْت من ذَلِك الْبَحْر. التقليل: فِي التَّاج (باندكي وانمودن) . فَمَعْنَى قَوْلهم وَرب للتقليل أَنه لإنشاء التقليل أَي لإحداث أَن الْمُتَكَلّم يسْتَقلّ بِدُخُولِهِ وَإِن كَانَ كثيرا فِي الْوَاقِع تَقول فِي جَوَاب من قَالَ مَا لقِيت رجلا رب رجل لَقيته أَي لَا تنكر لقائي للرِّجَال بالمرة فَإِنِّي لقِيت مِنْهُم شَيْئا وَإِن كَانَ قَلِيلا. التقتير: النُّقْصَان. التَّقْرِيب: سوق الدَّلِيل على وَجه يسْتَلْزم الْمَطْلُوب فَعدم تَمام التَّقْرِيب سوق الدَّلِيل لَا على الْوَجْه الْمَذْكُور بِأَن كَانَ الْمَطْلُوب غير لَازم وَاللَّازِم غير مَطْلُوب. التَّقْلِيد: إتباع الْإِنْسَان غَيره فِيمَا يَقُول بقول أَو بِفعل مُعْتَقدًا للْحَقِيقَة فِيهِ من غير نظر وَتَأمل فِي الدَّلِيل كَانَ هَذَا المتتبع جعل قَول الْغَيْر أَو فعله قلادة فِي عُنُقه. وَذهب كثير من الْعلمَاء وَجَمِيع الْفُقَهَاء إِلَى صِحَة إِيمَان الْمُقَلّد وترتب الْأَحْكَام عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمنعه الشَّيْخ أَبُو الْحسن والمعتزلة وَكثير من الْمُتَكَلِّمين وَدَلَائِل الْفَرِيقَيْنِ فِي مطولات علم الْكَلَام. ثمَّ اعْلَم أَن التَّقْلِيد على ضَرْبَيْنِ صَحِيح وفاسد فَالصَّحِيح أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله أَو أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. فَيُقَال لَهُ مَا قلت فَقَالَ إِنِّي وجدت الْمُؤمنِينَ يَقُولُونَ هَذِه الْكَلِمَة فيكونون مُسلمين عِنْد الله تَعَالَى فقلتها أَيْضا لأَكُون مُسلما فَهُوَ مُؤمن. وَالْفَاسِد هُوَ أَن يَقُول ذَلِك فَقيل لَهُ مَا قلت فَقَالَ قلت مَا قَالُوا وَلَا أَدْرِي مَا هِيَ فَهُوَ لَيْسَ بِمُؤْمِن لِأَنَّهُ لَا يعرف الله تَعَالَى فَكيف يصدقهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 التَّقْدِيس: لُغَة التَّطْهِير وَاصْطِلَاحا تَنْزِيه الْحق عَن كل مَا لَا يَلِيق بجنابه وَعَن النقائص الكونية وَعَن جَمِيع مَا يعد كمالا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره من الموجودات مُجَرّدَة كَانَت أَو غير مُجَرّدَة وَهُوَ أخص من التَّسْبِيح كَيْفيَّة وكمية أَي أَشد تَنْزِيها مِنْهُ وَأكْثر. وَلذَلِك آخر عَنهُ فِي قَوْلهم سبوح قدوس. التَّقْوَى: لُغَة الاتقاء وَهُوَ اتِّخَاذ الْوِقَايَة. وَاصْطِلَاحا الِاحْتِرَاز بِطَاعَة الله تَعَالَى عَن عُقُوبَته. وَقيل التَّقْوَى التحامي أَي الِاحْتِرَاز عَن الْمُحرمَات فَقَط. التقرر: مَا هُوَ وجود الشَّيْء ذهنا أَو خَارِجا وامتيازه عَمَّا عدا فِي نفس الْأَمر مَعَ قطع النّظر عَن فرض فارض وَاعْتِبَار مُعْتَبر فَهُوَ أَعم من الثُّبُوت لِأَنَّهُ عبارَة عَن الْوُجُود الْخَارِجِي فَقَط وموضوع لهَذَا النَّحْو من الْوُجُود وَقد يذكر الثُّبُوت وَيُرَاد بِهِ التقرر الْمَذْكُور مجَازًا. تقرر الذَّات: فِي الْجعل إِن شَاءَ الله تَعَالَى. التَّقْدِير: فِي اللُّغَة إنذاره كردن. وَعند أَرْبَاب الْعَرَبيَّة إِسْقَاط اللَّفْظ مَعَ الْإِبْقَاء فِي النِّيَّة - والحذف أَعم مِنْهُ لعدم اشْتِرَاط هَذَا الْإِبْقَاء فِيهِ. ثمَّ اعْلَم أَن تَقْدِير الشَّيْء فِي نَفسه أَو فِي مَحل لَا يتَصَوَّر إِلَّا بعد إِمْكَان وجوده فِي نَفسه أَو فِي ذَلِك الْمحل. وَلِهَذَا قَالُوا إِن الإِمَام لَو اسْتخْلف أُمِّيا فِيمَا بعد الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين تفْسد صَلَاة الْكل لِأَن الْقِرَاءَة فرض فِي جَمِيع الصَّلَاة تَحْقِيقا أَو تَقْديرا وَحين اسْتخْلف أُمِّيا فِيمَا بعد الْأَوليين لم تُوجد الْقِرَاءَة فِيهِ لَا تَحْقِيقا كَمَا هُوَ الظَّاهِر وَلَا تَقْديرا لِأَن الْأُمِّي عَاجز عَنْهَا وتقديرها إِنَّمَا يَصح فِي الْقَادِر عَلَيْهَا لَا فِي الْعَاجِز عَنْهَا وَإِنَّمَا يثبت تقديرها لَو أمكن تحقيقها فَلم تُوجد تَقْديرا أَيْضا فَلم تُوجد فِي جَمِيع الصَّلَاة لَا تَحْقِيقا وَلَا تَقْديرا فَلم يَصح الْأُمِّي خَليفَة لَهُ فتفسد صَلَاة الْأُمِّي والمقتدين وَصَلَاة الإِمَام أَيْضا على أَن الإِمَام لما اشْتغل باستخلاف من لَا يصلح خَليفَة لَهُ فَهَذَا الِاشْتِغَال أَيْضا مُفسد لصلاته. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْقِرَاءَة فرض فِي جَمِيع الصَّلَاة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا صَلَاة إِلَّا بِالْقِرَاءَةِ كَقَوْلِه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا صَلَاة إِلَّا بِالطَّهَارَةِ وكل رَكْعَة صَلَاة فَلَا تَخْلُو عَن الْقِرَاءَة إِمَّا تَحْقِيقا كَمَا فِي الْأَوليين أَو تَقْديرا كَمَا فِي مَا بعدهمَا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْقِرَاءَة فِي الْأَوليين قِرَاءَة فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَلَيْسَ شَيْء مِنْهُمَا مَوْجُودا فِي الْأُمِّي. وَبِمَا حررنا ينْدَفع مَا قيل إِن الْقِرَاءَة لَيست بواجبة فِيمَا بعد الْأَوليين فَكيف تجب فِي جَمِيع الصَّلَاة. وَحَاصِل الاندفاع أَن الْقِرَاءَة فِي الْأَوليين أغنت عَن الْقِرَاءَة فِيمَا بعدهمَا لما رُوِيَ أَن الْقِرَاءَة فِي الْأَوليين قِرَاءَة فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَكَأَنَّهَا وَاقعَة فِيمَا بعد الْأَوليين أَيْضا. وَمعنى عدم وجوب الْقِرَاءَة فِيمَا بعد الْأَوليين عدمهَا تَحْقِيقا لَا عدمهَا مُطلقًا فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ فَإِنَّهُ أَنْفَع فِي شرح الْوِقَايَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 التقادم: (كهنه شدن) . وَتَكَلَّمُوا فِي حد التقادم وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لم يقدر فِي ذَلِك وفوضه إِلَى رَأْي القَاضِي فِي كل عصر. وَعَن مُحَمَّد رَحمَه الله أَنه قدره بِشَهْر وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله وَهُوَ الْأَصَح. وَهَذَا إِذا لم يكن بَين القَاضِي وَبينهمْ مسيرَة شهر. وَأما إِذا كَانَ بَين القَاضِي وَبينهمْ مسيرَة شهر فَتقبل شَهَادَتهم. والتقادم فِي حد الشَّرَاب كَذَلِك عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله وَعِنْدَهُمَا يقدر بِزَوَال الرَّائِحَة وَالْإِقْرَار لَا يمْتَنع بالتقادم خلافًا لزفَر رَحمَه الله. التَّقْدِيم: مصدر مُتَعَدٍّ وَهُوَ نقل الشَّيْء من مَكَانَهُ إِلَى مَا قبله فَإِن قلت إِنَّهُم يَقُولُونَ إِن تَقْدِيم الْمسند إِلَيْهِ على الْخَبَر يكون لوجوه. إِمَّا لكَون ذكره أهم وَإِمَّا لكَونه أصلا إِلَى غير ذَلِك فَكيف يَصح إِطْلَاق التَّقْدِيم على الْمسند إِلَيْهِ. أَلا ترى أَنه قَائِم فِي مَكَانَهُ لَا أَنه كَانَ مُؤَخرا فَقدم لغَرَض من الْأَغْرَاض قُلْنَا إِن التَّقْدِيم على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: تَقْدِيم معنوي وَيُسمى التَّقْدِيم على نِيَّة التَّأْخِير أَيْضا. وَثَانِيهمَا: تَقْدِيم لَفْظِي وَيُسمى التَّقْدِيم لَا على نِيَّة التَّأْخِير والتقديم الْمَعْنَوِيّ تَقْدِيم أَمر كَانَ مُؤَخرا مَعَ بَقَاء اسْمه ورسمه الَّذِي كَانَ قبل التَّقْدِيم كتقديم الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ وَتَقْدِيم الْمَفْعُول على الْفِعْل وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يبْقى لَهُ مَعَ التَّقْدِيم اسْمه ورسمه السَّابِق. وَلما كَانَ فِي هَذَا النَّوْع معنى التَّقْدِيم متحققا سمي بالتقديم الْمَعْنَوِيّ والتقديم اللَّفْظِيّ أَن تقصد إِلَى كلمة صَالِحَة لِأَن يُؤْتى فِي صدر الْكَلَام تَارَة وَلِأَن تُؤخر أُخْرَى فتجعله فِي صدر الْكَلَام عمد الْغَرَض من الْأَغْرَاض وَلما لم يكن فِي هَذَا الْقسم معنى التَّقْدِيم سمي بالتقديم اللَّفْظِيّ وَتَقْدِيم الْمسند إِلَيْهِ من الْقسم الثَّانِي. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله فِي حَوَاشِيه على المطول إِن التَّقْدِيم من صِفَات اللَّفْظ وتقسيمه إِلَى الْمَعْنَوِيّ واللفظي بِاعْتِبَار تحقق معنى التَّقْدِيم وَهُوَ نقل الشَّيْء من مَكَانَهُ إِلَى مَا قبله وَهُوَ مُتَحَقق فِي الأول دون الثَّانِي كتقسيم الْإِضَافَة الَّتِي هِيَ من صِفَات اللَّفْظ إِلَيْهِمَا بِاعْتِبَار تحقق معنى الْإِضَافَة وَهُوَ الِاخْتِصَاص فِي المعنوية دون اللفظية انْتهى وَعَلَيْك قِيَاس التَّأْخِير على التَّقْدِيم. بَاب التَّاء مَعَ الْكَاف تَكْلِيف العَبْد بِمَا لَا يطاقه غير وَاقع: على مَا هُوَ رَأْي الْمُحَقِّقين. وَرُوِيَ عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَام الرَّازِيّ جَوَاز التَّكْلِيف بالمحال بل وُقُوع التَّكْلِيف بِهِ بِدَلِيل أَن أَبَا لَهب كلف بِالْإِيمَان وَهُوَ تَصْدِيق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي جَمِيع مَا علم مَجِيئه بِهِ وَمن جملَته أَنه لَا يُؤمن فقد كلف بِأَن يصدقهُ فِي أَن لَا يصدقهُ وإذعان مَا وجد فِي نَفسه خِلَافه مُسْتَحِيل قطعا فقد وَقع التَّكْلِيف بالمحال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَأجِيب بِأَن الْإِيمَان فِي حَقه هُوَ التَّصْدِيق بِمَا عدا هَذَا الْأَخْبَار. وَلَا يخفى مَا فِيهِ من اخْتِلَاف الْإِيمَان بِحَسب اخْتِلَاف الْأَشْخَاص وَهُوَ بَاطِل لِأَن الْإِيمَان حَقِيقَة وَاحِدَة لَا يتَصَوَّر اختلافها بِحَسب الْأَشْخَاص. وَالْجَوَاب الصَّوَاب الَّذِي اخْتَارَهُ السَّيِّد السَّنَد قدس سره أَن الْمحَال إذعان أبي لَهب بِخُصُوص أَنه لَا يُؤمن وَإِنَّمَا يُكَلف بِهِ إِذا وصل إِلَيْهِ ذَلِك الْمَخْصُوص وَهَذَا الْوُصُول مَمْنُوع. وَأما إِذا كَانَ التَّكْلِيف قبل وُصُول ذَلِك الْمَخْصُوص إِلَيْهِ فَالْوَاجِب عَلَيْهِ هُوَ الإذعان الإجمالي إِذْ الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق إِجْمَالا فِيمَا علم إِجْمَالا وتفصيلا فِيمَا علم تَفْصِيلًا وَلَا اسْتِحَالَة فِي الإذعان الإجمالي. وَاعْلَم أَنه قد اشْتهر أَن الشَّيْخ أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ ذهب إِلَى جَوَاز التَّكْلِيف بالمحال بل إِلَى وُقُوعه لَكِن لم يثبت تصريحه بِهِ. وَقيل وَجه الشُّهْرَة أَن عِنْده أصلين موهمين إِلَى ذَلِك الْجَوَاز والوقوع. الأول: أَنه لَا تَأْثِير لقدرة العَبْد عِنْده فِي أَفعاله فَهِيَ مخلوقة لله تَعَالَى ابْتِدَاء. وَالثَّانِي: أَن الْقُدْرَة عِنْده مَعَ الْفِعْل لَا قبله والتكليف قبل الْفِعْل فَلَا يكون حِينَئِذٍ الِاسْتِطَاعَة وَالْقُدْرَة على الْفِعْل. والتكليف بِغَيْر الْمَقْدُور تَكْلِيف بالمحال فَيعلم من هَا هُنَا أَن عِنْد الشَّيْخ تكليفا بِمَا لَا يُطَاق بِهَذَا الِاعْتِبَار. وَلَا يخفى أَن مَا هُوَ الْمَشْهُور من نِسْبَة جَوَاز التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق إِلَى الشَّيْخ الْأَشْعَرِيّ بِنَاء على الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورين غلط فَاحش لِأَنَّهُ لَا معنى لتأثير العَبْد عِنْده فِي أَفعاله إِلَّا الْقَصْد إِلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ وَإِن لم يخلق الله تَعَالَى الْفِعْل عقيب قَصده. وَمُرَاد الشَّيْخ بِأَن قدرَة العَبْد غير مُؤثرَة أَنَّهَا غير مَوْجُودَة للْفِعْل فَالْعَبْد مُؤثر فِي أَفعاله بِوَجْه دون وَجه. والتكليف إِنَّمَا يعْتَمد على سَلامَة الْأَسْبَاب لَا على الْقُدْرَة الْمُقَارنَة فَلَا يلْزم التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق. وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ عدم تَأْثِير الْقُدْرَة الْحَادِثَة وَكَونهَا غير سَابِقَة على الْفِعْل مُوجبا لكَون الْفِعْل مِمَّا لَا يُطَاق لَكَانَ كل تَكْلِيف بِكُل فعل تكليفا بِمَا لَا يُطَاق عِنْده وَهُوَ لَا يَقُول بِهِ. بل تَوْجِيه مَا اشْتهر من أَن تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق وَاقع عِنْد الْأَشْعَرِيّ أَن مَا لَا يُطَاق على ثَلَاث مَرَاتِب. الأولى: مَا يمْتَنع فِي نَفسه كجمع الضدين وإعدام الْقَدِيم وقلب الْحَقَائِق وَهِي أَعلَى مراتبه. والتكليف بهَا لَا يجوز وَلَا يَقع بالِاتِّفَاقِ من الْمُحَقِّقين من أَصْحَابنَا وَإِن جوزه الإمامان رحمهمَا الله تَعَالَى كَمَا مر آنِفا. وَثَانِيهمَا: مَا يُمكن فِي نَفسه وَلَا يُمكن من العَبْد عَادَة بِأَن لَا يكون من جنس مَا تتَعَلَّق بِهِ الْقُدْرَة الْحَادِثَة كخلق الْجَوَاهِر أَو يكون لَكِن من نوع أَو صنف لَا يتَعَلَّق بِهِ التَّكْلِيف كحمل الْجَبَل والطيران إِلَى السَّمَاء. وَهَذِه الْمرتبَة أَوسط مراتبه والتكليف بهَا لَا يَقع اتِّفَاقًا بِشَهَادَة الْآيَات والاستقراء لَكِن يجوز عندنَا خلافًا للمعتزلة. وَثَالِثهَا: مَا يُمكن من العَبْد لَكِن تعلق بِعَدَمِهِ علمه تَعَالَى وإرادته فَلَا يَقع ذَلِك الْفِعْل الْبَتَّةَ وَإِلَّا يلْزم جَهله تَعَالَى وتخلف المُرَاد عَن الْإِرَادَة. فَامْتنعَ بذلك تعلق الْقُدْرَة الْحَادِثَة أَي قدرَة العَبْد والتكليف بِهَذِهِ الْمرتبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الأولى جَائِز وواقع بالِاتِّفَاقِ فَإِن من مَاتَ على كفره من أخبرهُ الله تَعَالَى بِعَدَمِ إيمَانه يعد عَاصِيا إِجْمَاعًا وَلَو لم يَقع التَّكْلِيف بِهِ لم يعد عَاصِيا فَمَا قيل إِن تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق وَاقع عِنْد الْأَشْعَرِيّ المُرَاد بِهِ أَن التَّكْلِيف بِمَا تعلق علمه تَعَالَى وإرادته بِعَدَمِهِ وَاقع وَهُوَ مِمَّا لَا يُطَاق كَمَا علمت وَلَيْسَ المُرَاد أَن التَّكْلِيف بالممتنع لذاته وَمَا لَا يُمكن من العَبْد عَادَة وَاقع عِنْده كَيفَ وَهُوَ مُخَالف لقَوْله تَعَالَى: {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} . وبشهادة الاستقراء أَيْضا. تَكْبِيرَات التَّشْرِيق: فِي أَيَّام التَّشْرِيق. التكاثف: أَن ينقص مِقْدَار الْجِسْم من غير أَن ينْفَصل عَنهُ جُزْء. وَقد يُطلق على الاندماج وَهُوَ أَن تتقارب الْأَجْزَاء بِحَيْثُ يخرج مَا بَينهَا من الْجِسْم الْغَرِيب كالقطن الملفوف بعد نقشه الْخَارِج عَنهُ الْهَوَاء وَقد يُطلق على غلظ القوام. التكوين: مَذْكُور فِي الْأَحْدَاث والتقابل بَينه وَبَين الإبداع تقَابل التضادان كَانَا وجوديين بِأَن يكون الإبداع عبارَة عَن كَون الشَّيْء خَالِيا عَن المسبوقية بمادة - والتكوين عبارَة عَن المسبوقية بمادة وَإِن كَانَ أَحدهمَا وجوديا وَالْآخر عدميا يكون تقَابل الْإِيجَاب وَالسَّلب. وَقَالَ وجيه الْعلمَاء وَالْملَّة وَالدّين الْعلوِي قدس سره وَنور مرقده الْفرق بَين التكوين والتسخير أَن التكوين سرعَة الْوُجُود من الْعَدَم وَلَيْسَ فِيهِ انْتِقَال من حَالَة إِلَى حَالَة والتسخير هُوَ الِانْتِقَال من حَالَة إِلَى حَالَة. التكوين غير المكون: عندنَا خلافًا للأشعري. والعلامة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله قَالَ فِي شرح العقائد وَأَن يَصح القَوْل بِأَن خَالق سَواد هَذَا الْحجر أسود وَهَذَا الْحجر خَالق السوَاد إِذْ لَا معنى للخالق وَالْأسود إِلَّا من قَامَ بِهِ الْخلق والسواد وهما وَاحِد ومحلهما وَاحِد انْتهى. حَاصله أَن التكوين والخلق مُتَرَادِفَانِ فَلَو كَانَ التكوين عين المكون لَكَانَ التكوين والخلق عين السوَاد مثلا وَيكون من قَامَ بِهِ الْخلق والتكوين عين من قَامَ بِهِ السوَاد فَيلْزم أَن يكون خَالق سَواد هَذَا الْحجر أسود وَأَيْضًا يلْزم أَن يكون هَذَا الْحجر خَالِقًا للسواد لِأَن السوَاد قَائِم بِالْحجرِ والسواد والخلق وَاحِد فَيكون الْخلق قَائِما بِالْحجرِ فَيكون الْحجر خَالِقًا للسواد وَهُوَ بَاطِل بالِاتِّفَاقِ فَافْهَم. التكثير: قَالَ أهل التصريف بَاب التفعيل للتكثير غَالِبا. ثمَّ التكثير إِمَّا فِي الْفِعْل نَحْو حولت وطوفت. أَو فِي الْفَاعِل نَحْو موت الْإِبِل. أَو فِي الْمَفْعُول نَحْو غلقت الْأَبْوَاب. فَإِن فقد ذَلِك لم يسغْ اسْتِعْمَاله فَلذَلِك كَانَ موتت الشَّاة لشاة وَاحِدَة خطأ لِأَن هَذَا الْفِعْل لَا يَسْتَقِيم تكثيره بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّاة إِذْ لَا يَسْتَقِيم تكثيرها وَهِي وَاحِدَة وَلَيْسَ ثمَّ مفعول ليَكُون التكثر لَهُ. وَقَالَ بعض الشَّارِحين للشافية أَن المُرَاد بالتكثير فِي الْمَفْعُول إِنَّه لَا يسْتَعْمل غلقت بالتضعيف إِلَّا إِذا كَانَ الْمَفْعُول جمعا حَتَّى لَو كَانَ وَاحِدًا وغلق مَرَّات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 كَثِيرَة لم يسْتَعْمل إِلَّا غلق بِلَا تَضْعِيف إِلَّا على سَبِيل الْمجَاز. التّكْرَار: إتْيَان شَيْء مرّة بعد أُخْرَى. التَّكَلُّم: يفْسد الصَّلَاة قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا عَامِدًا أَو نَاسِيا أَو سَاهِيا قبل أَن يقْعد قدر التَّشَهُّد. وَإِمَّا بعد الْقعُود قدره فَلَا، فَإِن قيل إِن السَّلَام لِلْخُرُوجِ عَن الصَّلَاة قبل الْقعُود الْمَذْكُور إِن كَانَ عمدا فَهُوَ مُفسد للصَّلَاة وَإِن كَانَ سَهوا فَلَا مَعَ أَنه كَلَام فِي الْحَالَتَيْنِ فَلم جعل هَذَا الْكَلَام عفوا فِي حَالَة السَّهْو قُلْنَا السَّلَام من اذكار الصَّلَاة إِذْ فِي التَّشَهُّد يسلم على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وعَلى عباد الله الصَّالِحين وَهُوَ من أَسمَاء الله تَعَالَى وَإِنَّمَا أَخذ حكم الْكَلَام لكاف الْخطاب وَإِنَّمَا يتَحَقَّق معنى الْخطاب فِيهِ عِنْد الْقَصْد فاعتبرناه ذكرا عِنْد النسْيَان وكلاما عِنْد الْعمد عملا بالشبيهين. بَاب التَّاء مَعَ اللَّام التلميح: أَن يشار فِي فحوى الْكَلَام إِلَى قصَّة أَو شعر من غير أَن يذكر صَرِيحًا. التلبيس: ستر الْحَقِيقَة وإظهارها بِخِلَاف مَا هِيَ عَلَيْهِ. التلطف: أَن يذكر ذَات أحد المتضائفين مُجَرّدَة عَن الْإِضَافَة فِي تَعْرِيف المتضائف الآخر. التَّلْوِيح: كِنَايَة تكون الوسائط فِيهَا كَثِيرَة من لوح إِذا أَشَارَ عَن بعيد. التلفيف: عِنْد عُلَمَاء البديع هُوَ مُرَاعَاة النظير. تلقي الجلب: مَكْرُوه. يُقَال جلب الشَّيْء إِذا جَاءَ من بلد إِلَى بلد آخر. وَهُوَ يحْتَمل أَن يكون الجلب جمع الجالب كالخدم جمع الْخَادِم. وَيحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى المجلوب كالنشر بِمَعْنى المنشور. فالمجلوب إِذا قرب من بلد تعلق بِهِ حق الْعَامَّة فَيكْرَه أَن يسْتَقْبل الْبَعْض ويشتريه وَيمْنَع الْعَامَّة عَن شراه. هَذَا إِنَّمَا يكره إِذا كَانَ يضر بِأَهْل الْبَلَد وَإِن كَانَ لَا يضر بذلك فَإِنَّهُ لَا يكره إِلَّا إِذا لبس السّعر على الواردين وَاشْترى مِنْهُم بأرخص من سعر الْمصر وهم غير عَالمين بِهِ فَحِينَئِذٍ يكره كَذَا فِي شرح الْكَنْز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 بَاب التَّاء مَعَ الْمِيم التمليح: التلميح. التَّمْلِيك: (كسى رامالك جيزي كردانيدن) . وَجمعه التمليكات وَهِي أَرْبَعَة أَنْوَاع. تمْلِيك الْعين بِالْعِوَضِ وَهُوَ البيع. وتمليك الْعين بِلَا عوض وَهُوَ الْهِبَة. وتمليك الْمَنْفَعَة بِالْعِوَضِ وَهُوَ الْإِجَارَة. وتمليك الْمَنْفَعَة بِلَا عوض وَهُوَ الْعَارِية. تَمام الْمُشْتَرك: قيل المُرَاد بِهِ مَجْمُوع الْأَجْزَاء الْمُشْتَركَة بَين الْمَاهِيّة وَنَوع آخر كالحيوان فَإِنَّهُ مَجْمُوع الْجَوْهَر والجسم النامي والحساس والمتحرك بالإرادة وَهِي أَجزَاء مُشْتَركَة بَين الْإِنْسَان وَالْفرس. وَهَذَا التَّفْسِير منتقض بالأجناس البسيطة فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِيهَا مَجْمُوع الْأَجْزَاء لاستلزامه التَّرْكِيب. وَالْأولَى أَن يُقَال إِن تَمام الْمُشْتَرك هُوَ تَمام الْجُزْء الْمُشْتَرك الَّذِي لَا يكون وَرَاءه جُزْء مُشْتَرك بَينهمَا أَي جُزْء مُشْتَرك لَا يكون جُزْء مُشْتَرك خَارِجا عَنهُ بل كل جُزْء مُشْتَرك يكون بَينهمَا إِمَّا أَن يكون نفس ذَلِك الْجُزْء أَو جُزْءا مِنْهُ كالحيوان فَإِنَّهُ تَمام الْجُزْء الْمُشْتَرك بَين الْإِنْسَان وَالْفرس. إِذْ لَا جُزْء مُشْتَرك بَينهمَا إِلَّا وَهُوَ إِمَّا نفس الْحَيَوَان أَو جُزْء مِنْهُ كالجوهر والجسم والجسم النامي والحساس والمتحرك بالإرادة. فَكل مِنْهَا وَإِن كَانَ مُشْتَركا بَين الْإِنْسَان وَالْفرس إِلَّا أَنه لَيْسَ تَمام الْجُزْء الْمُشْتَرك بَينهمَا بل بعضه وَإِنَّمَا يكون تَمام الْمُشْتَرك بَينهمَا هُوَ الْحَيَوَان الْمُشْتَمل على الْكل - والجسم النامي تَمام الْمُشْتَرك بَين الْإِنْسَان وَالشَّجر - والجسم تَمام الْمُشْتَرك بَين الْإِنْسَان وَالْحجر - والجوهر تَمام الْمُشْتَرك بَين الْإِنْسَان وَالْعقل - إِذْ لَيْسَ وَرَاء كل من الْجِسْم النامي والجسم والجوهر بَين الْإِنْسَان وَالشَّجر وَبَينه وَبَين الْحجر وَبَينه وَبَين الْعقل مُشْتَركا بل هُوَ أَو جزءه. وَلما كَانَ حمل مَا قيل على هَذَا مُمكنا وَإِن كَانَ غير ظَاهر قُلْنَا وَالْأولَى لَا وَالْحق فَافْهَم. التمدن: هُوَ الِاجْتِمَاع مَعَ بني النَّوْع يتعاونون ويتشاركون فِي تَحْصِيل الْغذَاء واللباس والمسكن وَغَيرهَا. وَزِيَادَة التَّفْصِيل فِي الْمدنِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. التمَاس: بِالْعينِ الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة من الْمس وَهُوَ الملاقاة بِحَسب اللَّمْس. التمرن: الاعتياد. التميز: فِي اللُّغَة (فرق كردن وجداتمودن) . وَعند النُّحَاة هُوَ اسْم يرفع الْإِبْهَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 المستقر بِحَسب الْوَضع عَن ذَات مَذْكُورَة أَو مقدرَة فِي نِسْبَة فِي جملَة أَو مَا يشابهها وَحَال تميز الْعدَد فِي اسْم الْعدَد. التَّمَنِّي: فِي المطول هُوَ طلب حُصُول شَيْء على سَبِيل الْمحبَّة. وَالْفرق بَين الْعرض وَالتَّمَنِّي من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْعرض يَسْتَدْعِي مُخَاطبا يعرض عَلَيْهِ وَالتَّمَنِّي لَا يستدعيه. إِذْ قد يَقُول الْمُنْفَرد إِلَّا مَاء أشربه كَمَا تَقول لَيْت لي مَاء أشربه - وَالثَّانِي: أَن الْعرض إِنَّمَا يكون فِي نفع الْمُخَاطب وَالتَّمَنِّي لَا يلْزمه لِأَنَّهُ قد يتَمَنَّى مَا يقْتَصر نَفعه عَلَيْهِ. وَالتَّمَنِّي يسْتَعْمل فِي المحالات والممكنات الَّتِي لَا طماعية فِي وُقُوعهَا. بِخِلَاف الترجي فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي الممكنات الَّتِي لَا وثوق بحصولها. وَاعْلَم أَن تَعْرِيف التَّمَنِّي بِمَا ذكر تَعْرِيف بالأعم لِأَنَّهُ يدْخل فِيهِ طلب شَيْء على سَبِيل الْمحبَّة مَعَ التوقع أَو الطماعية فِي وُقُوعه مَعَ أَنه لَيْسَ تمنيا إِلَّا أَنهم جوزوه فِي التعريفات النَّاقِصَة لِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد امتياز الْمُعَرّف عَن جَمِيع مَا عداهُ. وَالْفرق بَين التوقع والطمع أَن التوقع هُوَ انْتِظَار شَيْء وَقع أَو قرب وُقُوعه - والطمع هُوَ إِرَادَة شَيْء بعد وُقُوعه. التَّمَتُّع: الِانْتِفَاع. وَفِي الْفِقْه هُوَ الْجمع بَين أَفعَال الْحَج وَالْعمْرَة فِي أشهر الْحَج فِي سنة وَاحِدَة بإحرامين بِتَقْدِيم أَفعَال الْعمرَة من غير أَن يلم بأَهْله إلماما صَحِيحا. وَطَرِيقه أَن يحرم بِعُمْرَة من الْمِيقَات فيطوف الْبَيْت للْعُمْرَة وَيسْعَى بَين الصَّفَا والمروة ويحلق أَو يقصر وَقد حل من الْعمرَة إِذا لم يسق الْهَدْي مَعَ نَفسه وَيقطع التَّلْبِيَة بِأول الطّواف أَي حِين اسْتَلم الْحجر الْأسود فِي أول شوط ثمَّ يحرم بِالْحَجِّ يَوْم التَّرويَة من الْحرم ويحج ويذبح وَإِن كَانَ عَاجِزا عَن الذّبْح يَصُوم ثَلَاثَة آخرهَا يَوْم عَرَفَة وَسَبْعَة إِذا فرغ من أَفعَال الْحَج وَإِذا سَاق الْهَدْي لَا يكون حَلَالا فَبعد الْفَرَاغ عَن أَفعَال الْعمرَة يحرم بِالْحَجِّ ويسوق الْهَدْي - فَإِذا حلق يَوْم النَّحْر حل عَن إحراميه والإلمام الْعود إِلَى بَلَده. والمتمتع: إِذا عَاد إِلَى بَلَده بعد الْعمرَة فَإِن لم يسق الْهَدْي بَطل تمتعه وَلَا يجب عَلَيْهِ دم التَّمَتُّع وَإِن سَاق الْهَدْي لَا يبطل تمتعه فَقَوْلهم من غير أَن يلم ذكر الْمَلْزُوم وَإِرَادَة اللَّازِم وَهُوَ بطلَان التَّمَتُّع - فَإِذا سَاق الْهَدْي وَالْحق بأَهْله لَا يكون إلمامه صَحِيحا لِأَنَّهُ لَا يجوز لَهُ التَّحَلُّل كَمَا عرفت فَيكون عوده وَاجِبا فَلَا يكون إلمامه صَحِيحا فَإِذا عَاد وَأحرم بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعا. فالمتمتع نَوْعَانِ: أَحدهمَا: من لَا يَسُوق الْهَدْي. وَالثَّانِي: من يَسُوقهُ وَلكُل مِنْهُمَا أَحْكَام كَمَا عرفت. التَّمَاثُل: فِي التباين. التَّمْثِيل: قسم من الْحجَّة فَهُوَ حجَّة يَقع فِيهِ بَيَان مُشَاركَة جزئي لجزئي آخر فِي عِلّة الحكم ليثبت ذَلِك الحكم فِي الجزئي الأول. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ حجَّة يَقع فِيهِ تَشْبِيه جزئي لجزئي فِي معنى مُشْتَرك بَينهمَا ليثبت الحكم فِي الْمُشبه مثل الْحُرْمَة الثَّابِتَة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْمُشبه بِهِ الْمُعَلل بذلك الْمَعْنى كَمَا يُقَال النَّبِيذ حرَام لِأَن الْخمر حرَام وَعلة حرمته الاسكار وَهُوَ مَوْجُود فِي النَّبِيذ. وَقد يُطلق التَّمْثِيل على ذَلِك الْبَيَان أَو التَّشْبِيه تسامحا تَنْبِيها على أَن تَسْمِيَة هَذَا الْقسم من الْحجَّة بالتمثيل لَيْسَ على سَبِيل الارتجال أَي بِلَا مُنَاسبَة بَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ والاصطلاحي بل على سَبِيل النَّقْل بملاحظة الْمُنَاسبَة بَينهمَا. وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا قَالُوا إِن التَّمْثِيل إِثْبَات حكم وَاحِد فِي جزئي آخر لعِلَّة جَامِعَة بَينهمَا. وَالْفُقَهَاء يسمونه قِيَاسا والجزئي الأول أَي الملحق فرعا وَالثَّانِي أَي الملحق بِهِ أصلا والمشترك عِلّة وجامعا كَمَا يُقَال الْعَالم مؤلف فَهُوَ حَادث كالبيت يَعْنِي أَن الْبَيْت حَادث لِأَنَّهُ مؤلف وَهَذِه الْعلَّة مَوْجُودَة فِي الْعَالم فَيكون حَادِثا. التمانع: فِي لَا نقائض للتصورات. بَاب التَّاء مَعَ النُّون التنافر: من النفرة. وَعند أَرْبَاب الْمعَانِي أَن يكون الْكَلِمَات باجتماعها ثَقيلَة على اللِّسَان. والتنافر فِي الْكَلِمَة وصف فِيهَا بوجب ثقلهَا على اللِّسَان وعسر النُّطْق بهَا مثل الهحخع ومستشزرات. التَّنَازُع: (با يكديكر خُصُومَة كردن) - وَمُرَاد النُّحَاة بتنازع العاملين مثلا فِي اسْم الظَّاهِر أَنَّهُمَا يتوجهان بِحَسب الْمَعْنى إِلَيْهِ وَيصِح أَن يكون ذَلِك الِاسْم مَعَ وُقُوعه فِي ذَلِك الْموضع مَعْمُولا لكل وَاحِد مِنْهُمَا. وَهَذَا هُوَ التَّنَازُع الَّذِي يكون طَرِيق قطعه إِضْمَار الْفَاعِل. التنصيف: فِي الْحساب تَحْصِيل نصف الْعدَد صَحِيحا أَو كسرا. التَّنْبِيه: اعلام مَا فِي ضمير الْمُتَكَلّم للمخاطب. وَيُطلق أَيْضا على استحضار مَا سبق وانتظار مَا سَيَأْتِي. التنويه: (بلند كردن وافشا كردن) . التَّنْوِين: مصدر من بَاب التفعيل يُقَال نونته أَي أدخلته نونا. وَهُوَ فِي اصْطِلَاح النُّحَاة نون سَاكِنة تتبع حَرَكَة آخر الْكَلِمَة لَا لتأكيد الْفِعْل ثمَّ للنون الْمَذْكُورَة اسمان (التَّنْوِين) و (الْحَدث) وَإِنَّمَا سميت بهما لِأَن التَّنْوِين لكَونه مصدرا يدل على معنى الْحُدُوث وَالْعرُوض. وَلِهَذَا سَمَّاهُ سِيبَوَيْهٍ حَدثا تَسْمِيَة الدَّال باسم الْمَدْلُول فسميت تِلْكَ الْوَاو بهما ليدل كل من ذَيْنك الاسمين الْمَذْكُورين على حُدُوث تِلْكَ النُّون وعروضها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 ثمَّ التَّنْوِين على خَمْسَة أَقسَام: أَحدهَا: تَنْوِين التَّمَكُّن: وَهُوَ تَنْوِين يدل على إمكنية الِاسْم أَي كَون الِاسْم عديم المشابهة بِالْفِعْلِ بِالْوَجْهَيْنِ المعتبرين فِي منع الصّرْف. وَلما لم يتَصَوَّر مَعْنَاهُ فِي غير المنصرف لم يدْخلهُ وَصَارَ مَمْنُوعًا عَنهُ. وَثَانِيهمَا: تَنْوِين التنكير: وَهُوَ تَنْوِين يدل على أَن مدخوله غير معِين نَحْو صه أَي إسكت سكُوتًا مَا فِي وَقت مَا. وَهُوَ فَارق بَين الْمعرفَة والنكرة. وَلَا بَأْس أَن يكون تَنْوِين وَاحِد يُفِيد التَّمَكُّن والتنكير كالتنوين فِي رجل فَإِذا جعلته علما كَانَ متمحضا للتمكن كَمَا ذهب إِلَيْهِ نجم الْأَئِمَّة الشَّيْخ الرضي الاسترآبادي رَحمَه الله. وَثَالِثهَا: تَنْوِين الْعِوَض: وَهُوَ تَنْوِين يلْحق الِاسْم عوضا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ لمناسبة بَينهمَا وَهِي التَّعَاقُب أَي مَجِيء كل وَاحِد مِنْهُمَا عقيب سُقُوط الآخر مثل حِينَئِذٍ ويومئذ أَي حِين إِذْ كَانَ كَذَا وَيَوْم إِذْ كَانَ كَذَا. فَكل وَاحِد من الْحِين وَالْيَوْم مُضَاف إِلَى إِذْ - وَإِذ كَانَت مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا فَلَمَّا حذف الْجُمْلَة للتَّخْفِيف الْحق بهَا التَّنْوِين عوضا عَن الْجُمْلَة لِئَلَّا تبقى الْكَلِمَة نَاقِصَة. وَرَابِعهَا: تَنْوِين الْمُقَابلَة: وَهُوَ تَنْوِين يُقَابل نون جمع الْمُذكر السَّالِم كمسلمات. فَإِن الْألف فِيهِ عَلامَة الْجمع كَمَا أَن الْوَاو عَلامَة فِي جمع الْمُذكر السَّالِم وَلم يُوجد فِيهِ مَا يُقَابل النُّون فِي ذَلِك فزيد التَّنْوِين فِي آخِره ليقابله. وخامسها: تَنْوِين الترنم: وَهُوَ تَنْوِين يلْحق آخر الأبيات والمصاريع لتحسين الإنشاد سَوَاء كَانَ آخر الأبيات والمصاريع قافية مُطلقَة أَو مُقَيّدَة. وخصص بَعضهم تَنْوِين الترنم بِمَا يلْحق القافية الْمُطلقَة. وَمَا يلْحق القافية الْمقيدَة يسمونه بِالتَّنْوِينِ الغالي. التَّنْقِيح: اخْتِصَار اللَّفْظ مَعَ وضوح الْمَعْنى. التَّنْزِيل: نقل الشَّيْء من أَعلَى إِلَى أَسْفَل. وَعند الْمُفَسّرين ظُهُور الْقُرْآن الْمجِيد بِحَسب الِاحْتِيَاج بِوَاسِطَة جِبْرَائِيل [عَلَيْهِ] على قلب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. التناسخ: تعلق الرّوح بِالْبدنِ بعد الْمُفَارقَة من بدن آخر من غير تخَلّل. زمَان بَين التعلقين للتعشق الذاتي بَين الرّوح والجسد وَقَالَ الذاهبون إِلَى التناسخ إِنَّمَا تبقى مُجَرّدَة عَن الْأَبدَان النُّفُوس الْكَامِلَة الَّتِي خرجت كمالاتها من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل. وَلم يبْق لَهَا شَيْء من الكمالات الممكنة بِالْقُوَّةِ فَصَارَت طَاهِرَة عَن جمع العلائق الجسمانية وتخلصت إِلَى عَالم الْقُدس. وَأما النُّفُوس النَّاقِصَة الَّتِي بَقِي شَيْء من كمالاتها بِالْقُوَّةِ فَإِنَّهَا تَتَرَدَّد فِي الْأَبدَان الإنسانية وتنقل من بدن إِلَى بدن آخر حَتَّى تبلغ النِّهَايَة فِيمَا هُوَ كَمَال لَهَا من علومها وأخلاقها فَحِينَئِذٍ تبقى مُجَرّدَة مطهرة عَن التَّعَلُّق بالأبدان وَيُسمى هَذَا الِانْتِقَال نسخا. وَقيل رُبمَا تنزلت من الْبدن الإنساني إِلَى بدن حَيَوَان يُنَاسِبه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الْأَوْصَاف كبدن الْأسد للشجاع والأرنب للجبان وَيُسمى مسخا. وَقيل رُبمَا تنزلت إِلَى الْأَجْسَام النباتية وَيُسمى رسخا. وَقيل إِلَى الجمادية كالمعادن والبسائط وَيُسمى فسخا. وَقيل إِنَّهَا تتَعَلَّق بِبَعْض الأجرام السماوية للاستكمال. التَّنْجِيز: خلاف التَّعْلِيق فَإِن قَوْله أَنْت طَالِق مثلا تَنْجِيز وَأَنت طَالِق إِن دخلت الدَّار تَعْلِيق. التنسيق: من النسق بِسُكُون السِّين الْمُهْملَة التَّرْتِيب وإجراء الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد ونظام وَاحِد. والنسق بالفتحتين من كل شَيْء مَا كَانَ على نظام وَاحِد. وتنسيق الصِّفَات فِي البديع ذكر الشَّيْء بِصِفَات متتابعة مدحا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَهُوَ الغفور الْوَدُود ذُو الْعَرْش الْمجِيد فعال لما يُرِيد} أَو ذما كَقَوْلِك: زيد الْفَاسِق الْفَاجِر اللعين السَّارِق النمام. التناسب: عِنْد عُلَمَاء البديع هُوَ مُرَاعَاة النظير. التَّنَاقُض: أَن يكون أحد الْأَمريْنِ مفردين أَو قضيتين أَو مُخْتَلفين رفعا للْآخر صَرِيحًا أَو ضمنا فَإِن زيدا نقيض عَمْرو وَرَفعه لَكِن ضمنا وكل وَاحِد من الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين يكون نقيضا للْآخر. وَمن هَذَا الْبَيَان تبين أَمْرَانِ: أَحدهمَا: أَن التَّنَاقُض من النِّسْبَة المتكررة المعقولة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُخْرَى المعقولة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا كالأبوة. وَثَانِيهمَا: أَن التَّنَاقُض لَيْسَ مُخْتَصًّا بالقضايا لتحققه فِي الْمُفْردَات لَكِن بِاعْتِبَار الْحمل فيستحيل اجْتِمَاع المتناقضين وارتفاعهما بذلك الِاعْتِبَار وَفِي القضايا بِاعْتِبَار الصدْق وَالْكذب. فَانْدفع مَا قيل إِن التَّنَاقُض بَين المفردين رَاجع إِلَى التَّنَاقُض بَين القضيتين لتَضَمّنه الْأَحْكَام بِاعْتِبَار صدق أَحدهمَا على الآخر. وَمَا قيل إِن التصورات لَا نقائض لَهَا فمبنى على التَّنَاقُض بِمَعْنى التدافع الَّذِي هُوَ عبارَة عَن تمانع النسبتين وَلَا يُمكن التَّنَاقُض بِهَذَا الْمَعْنى بَين مفردين بل بِمَعْنى الرّفْع الْمَذْكُور وَمعنى التمانع مَعَ تَحْقِيق آخر فِي لَا نقائض للتصورات إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَلَا يخفى أَن النزاع حِينَئِذٍ بَين الْفَرِيقَيْنِ لَفْظِي. وَالسَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره قد حقق فِي كتبه أَن النقيض قد يُؤْخَذ بِأَن يُلَاحظ مَفْهُوم فِي نَفسه وَيدخل عَلَيْهِ النَّفْي فَيكون نقيضا لَهُ بِمَعْنى الْعُدُول. وَقد يُؤْخَذ بِأَن يُلَاحظ نسبته إِلَى شَيْء وترفع تِلْكَ النِّسْبَة فَيكون نقيضا لَهُ بِمَعْنى السَّلب. وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ تَعْرِيف التَّنَاقُض مُطلقًا وَبعد الْعلم بِأَن نقيض كل شَيْء رَفعه وَأَن التَّنَاقُض فِي الْمُفْردَات بِاعْتِبَار الْحمل فَيحصل تَعْرِيف التَّنَاقُض فِي الْمُفْردَات بِأَنَّهُ اخْتِلَاف المفردين بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب بِحَيْثُ يَقْتَضِي لذاته حمل أَحدهمَا عدم حمل الآخر. وَأما تَعْرِيفه فِي القضايا فَهُوَ اخْتِلَاف القضيتين بِحَيْثُ يلْزم لذاته من صدق كل كذب الْأُخْرَى وَبِالْعَكْسِ وَلَا بُد لتحَقّق الِاخْتِلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الْمَذْكُور من اخْتِلَاف القضيتين فِي الْكمّ والكيف والجهة واتحادهما فِيمَا عدا الْأُمُور الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة وَقد حصروا هَذَا الِاتِّحَاد فِي الْأُمُور الثَّمَانِية الَّتِي فِي هَذَا النّظم. (در تنَاقض هشت وحدة شَرط دَان ... وحدة مَحْمُول وموضوع وَمَكَان) (وحدة شَرط وَإِضَافَة جز وكل ... قُوَّة وَفعل است در آخر زمَان) وتفصيل كل من هَذِه الْأُمُور فِي كتب الْمنطق فَإِن قلت: أَولا: أَن الجزئي نقيضه اللاجزئي واللامفهوم نقيضه الْمَفْهُوم مَعَ أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي الجزئي واللامفهوم فَإِن الجزئي واللامفهوم يحْملَانِ على أَنفسهمَا بِالضَّرُورَةِ وَإِلَّا يلْزم سلب الشَّيْء عَن نَفسه. وَمَعَ هَذَا يصدق اللاجزئي على الجزئي لِأَنَّهُ كلي يصدق على أَفْرَاده وَهِي الجزئيات وَكَذَا يصدق الْمَفْهُوم على اللامفهوم لِأَنَّهُ مَفْهُوم من المفهومات فَاجْتمع النقيضان فِي الْحمل على شَيْء وَاحِد. وَثَانِيا: أَن الشَّيْء وَالْمَفْهُوم مثلا يصدقان على أَنفسهمَا لما مر أَن صدق الشَّيْء على نَفسه ضَرُورِيّ مَعَ أَن كلا مِنْهُمَا يصدق على نقيضه أَيْضا أَعنِي اللاشيء واللامفهوم فَإِن اللاشيء شَيْء واللامفهوم مَفْهُوم بالبداهة مَعَ أَن النقيض لَا يصدق على نقيضه قلت قد اعْتبر فِي التَّنَاقُض سوى الوحدات الثَّمَانِية الْمَذْكُورَة اتِّحَاد نَحْو الْحمل يَعْنِي أَن الْمُعْتَبر فِي التَّنَاقُض بَين مفردين أَن لَا يصدقا على أَمر آخر من جِهَة وَاحِدَة فَيجوز أَن يحمل النقيضان على شَيْء وَاحِد بِاعْتِبَار حملين وَيجوز صدق أَحدهمَا على الآخر حملا شَائِعا. والجزئي واللامفهوم يحْملَانِ على أَنفسهمَا بِالْحملِ الأولى وَلَا يحمل نقيضاهما عَلَيْهِمَا بِهَذَا الْحمل بل بِالْحملِ الشَّائِع الْمُتَعَارف الَّذِي يُفِيد أَن يكون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد الْمَحْمُول أَو مَا هُوَ فَرد لأَحَدهمَا فَرد لآخر كَمَا مر فِي الْحمل. وَأَن الشَّيْء وَالْمَفْهُوم يصدقان على نقيضهما حملا شَائِعا. وَمن هَهُنَا تنْدَفع الشُّبْهَة الْمَشْهُورَة أَيْضا وَهِي أَن عدم الْعَدَم الْمُطلق فَرد الْعَدَم الْمُطلق ونقيضه وَكَذَا اللاشيء واللامفهوم واللاكلي إِفْرَاد الشَّيْء وَالْمَفْهُوم والكلي ونقائض لَهَا وَبَينهمَا تدافع فَإِن الفردية تَقْتَضِي الْحمل والتناقض يَقْتَضِي امْتِنَاعه فَافْهَم. وَعَلَيْك أَن تعلم أَن حمل كل مَفْهُوم على نَفسه بِالْحملِ الأولى ضَرُورِيّ وَإِلَّا لزم سلب الشَّيْء عَن نَفسه. أما حمله على نَفسه حملا شَائِعا متعارفا فَلَيْسَ بضروري. فَإِن طَائِفَة من المفهومات تحمل على نَفسهَا حملا شَائِعا كالشيء وَالْمَفْهُوم والكلي. وَطَائِفَة لَا تحمل على نَفسهَا بذلك الْحمل بل تحمل عَلَيْهَا نقائضها كالجزئي واللامفهوم فَإِنَّهُ يصدق على الجزئي اللاجزئي وعَلى اللامفهوم الْمَفْهُوم بِالْحملِ الشَّائِع وَلَا يصدق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 الجزئي على الجزئي واللامفهوم على اللامفهوم لما مر. والفاضل الزَّاهِد رَحمَه الله فِي حَوَاشِيه على الْأُمُور الْعَامَّة من شرح المواقف فِي الْمَقْصد الثَّالِث من المرصد الأول فِي أَن الْوُجُود نفس الْمَاهِيّة أَو جزءها وضع ضابطة كُلية وَهِي أَن كل كلي هُوَ مَعَ نقيضه شَامِل لجَمِيع المفهومات ضَرُورَة امْتنَاع ارْتِفَاع النقيضين وَمن جُمْلَتهَا نفس هَذَا الْكُلِّي فَيجب أَن يصدق هُوَ أَو نقيضه عَلَيْهِ فَإِن كَانَ مبدأه متكرر النَّوْع فَهُوَ مَحْمُول على نَفسه وَإِلَّا فنقيضه مَحْمُول عَلَيْهِ أما الأول: فَلِأَن عرُوض الشَّيْء للشَّيْء يسْتَلْزم عروضه للمشتق مِنْهُ من حَيْثُ إِنَّه مُشْتَقّ مِنْهُ وعروض مبدأ الِاشْتِقَاق لأمر يسْتَلْزم حمل مشتقه عَلَيْهِ. وَأما الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ لَو لم يكن كَذَلِك لَكَانَ مَحْمُولا على نَفسه لِامْتِنَاع ارْتِفَاع النقيضين وَحمل الشَّيْء على نَفسه يسْتَلْزم عرُوض مبدأ الِاشْتِقَاق لَهَا وَهُوَ يسْتَلْزم عروضه لنَفسِهِ فَيكون متكرر النَّوْع وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض انْتهى. وكل وَاحِد من الأول وَالثَّانِي مَنْظُور فِيهِ. أما الأول: فَلِأَنَّهُ لَا نسلم أَن عرُوض مبدأ الِاشْتِقَاق لأمر يسْتَلْزم حمل مشتقه عَلَيْهِ والسند إِن القَوْل مثلا عَارض للحمد وَلَيْسَ بِعَارِض للمحمود الَّذِي يشتق مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُقَال الْمَحْمُود مقول كَمَا اعْترف بِهِ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي جلال الْعلمَاء على تَهْذِيب الْمنطق أَقُول تعلق الشَّيْء بالشَّيْء وعروضه لَهُ على أنحاء شَتَّى. وَالْمرَاد أَن عرُوض الشَّيْء للشَّيْء وتعلقه بِهِ على أَي نَحْو كَانَ يسْتَلْزم عروضه وتعلقه بِمَا هُوَ مُشْتَقّ مِنْهُ بِأَيّ عرُوض وَتعلق كَانَ لَا أَنه يسْتَلْزم عروضه وتعلقه بِخُصُوص عروضه وتعلقه بالشَّيْء. وَلَا شكّ أَن القَوْل عَارض للمحمود ومتعلق بِهِ بِوَاسِطَة اللَّام فَإِنَّهُ يُقَال الْمَحْمُود مقول لَهُ وَإِن كَانَ عروضه وتعلقه بِالْحَمْد بِغَيْر وَاسِطَة حرف الْجَرّ فَإِنَّهُ يُقَال للحمد أَي للْكَلَام الدَّال على الثَّنَاء أَنه مقول. وَلَا يخفى على من لَهُ أدنى مسكة أَن المُرَاد بالْقَوْل هَا هُنَا الْمركب وبالحمد هُوَ الْكَلَام الدَّال على الثَّنَاء لَا الْمَعْنى المصدري فَكيف يَصح اشتقاق اسْم الْمَفْعُول مِنْهُمَا. نعم الْقَمِيص مَوْجُود وَصَاحبه مَفْقُود يَعْنِي أَنَّهُمَا على صِيغَة الْمصدر ولباسه بِدُونِ مَعْنَاهُ وَهَذَا لَا يَكْفِي فِي الِاشْتِقَاق. (زاهد بحبه داد اسد خلق را فريب ... بيكانكي زصحبت ايْنَ جبه بوش كن) وَأما الثَّانِي: فَلِأَن حَاصله أَنه لَو لم يحمل عَلَيْهِ نقيضه لَكَانَ يحمل عَلَيْهِ نَفسه بذلك الْحمل وَحمل الشَّيْء على نَفسه بِهَذَا النَّحْو يُوجب عرُوض مأخذه لَهُ وَذَلِكَ مُسْتَلْزم لعروض مَأْخَذ الِاشْتِقَاق لنَفسِهِ فتكرر نَوعه وَهَذَا خلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَأَنت تعلم أَن استلزام صدق الْمُشْتَقّ على الْمُشْتَقّ عرُوض المبدأ للمبدأ مَمْنُوع. أَلا ترى أَن المتعجب مَحْمُول على الْكَاتِب وصادق عَلَيْهِ وَأَن التَّعَجُّب غير عَارض للكتابة أَقُول ذَلِك الاستلزام إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ الْحمل ذاتيا والمتعجب مَحْمُول على الْكَاتِب حملا عرضيا. وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء وَالْأولَى أَن يُقَال فِي الضابطة إِن كَانَ مبدأه قَائِما بِنَفس ذَلِك الْكُلِّي كالموجود وَالْمَفْهُوم والمعدوم والكلي فَيحمل على نَفسه لِأَنَّهُ من جملَة معروضات مبدئه وعروض المبدأ يسْتَلْزم صدق الْمُشْتَقّ صدقا عرضيا وَإِلَّا فَيصدق عَلَيْهِ نقيضه وَإِلَّا فَيحمل نَفسه عَلَيْهِ بذلك الْحمل وَهُوَ إِنَّمَا يكون بعروض مأخذه لَهُ وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض انْتهى. وَمن جملَة أَحْكَام النقيضين أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان بِخِلَاف الضدين فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَكِن يرتفعان. وَهَا هُنَا اعْتِرَاض مَشْهُور وَهُوَ أَنا إِذا أَخذنَا جَمِيع المفهومات بِحَيْثُ لَا يشذ عَنهُ شَيْء فَرفع جَمِيع المفهومات من حَيْثُ الْمَجْمُوع نقيض جَمِيع المفهومات وَذَلِكَ الرّفْع الْمَذْكُور دَاخل فِي الْجَمِيع لأَخذه بِحَيْثُ لَا يشذ عَنهُ شَيْء من المفهومات فَيلْزم أَن يكون الْجُزْء نقيض الْكل وَهُوَ محَال ضَرُورَة أَن النقيضين لَا يَجْتَمِعَانِ والجزء وَالْكل يَجْتَمِعَانِ إِذْ لَا يُوجد الْكل بِدُونِ الْجُزْء وَهَكَذَا يتَعَرَّض على تغائر النِّسْبَة للمنتسبين بِأَنا لَا نسلم أَن النِّسْبَة تكون مغائرة عَنْهُمَا إِذْ لَو كَانَت مغائرة لكَانَتْ خَارِجَة ونأخذ جَمِيع النّسَب بِحَيْثُ لَا يشذ عَنهُ شَيْء من النّسَب فَكَانَ بَين الْكل والجزء نِسْبَة وَهِي دَاخِلَة فِي الْكل للأخذ الْمَذْكُور فَيلْزم كَون الشَّيْء وَاحِدًا دَاخِلا وخارجا وَهُوَ محَال. وَالْجَوَاب أَن اعْتِبَار المفهومات وَالنّسب لَا يقف عِنْد حد وَعدم الزِّيَادَة بِالْأَخْذِ الْمَذْكُور يَقْتَضِي الْوُقُوف إِلَى حد فَأخذ جَمِيع المفهومات وَالنّسب كَذَلِك اعْتِبَار للمتنافيين وَهُوَ محَال فَجَاز أَن يسْتَلْزم محالا آخر. وَاعْلَم أَنهم خصصوا الْأَحْكَام بِغَيْر المفهومات الشاملة فاندفاع كثير من مواد النَّقْض والشبهات ظَاهر قيل لَا نسلم تِلْكَ الْكُلية أَعنِي النقيضان لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان وَسَنَد الْمَنْع كذب لَا شَيْء من الزَّمَان بِغَيْر قار دَائِما مَعَ كذب بعض الزَّمَان غير قار بِالْفِعْلِ أَي فِي أحد الْأَزْمِنَة وَإِلَّا فَيلْزم للزمان زمَان. والحل أَن الْفِعْل وُقُوع النِّسْبَة لَا مَا ذكر وَلَو سلم فَيجوز كَون الزَّمَان ظرفا لوصفه قيل يصدق بعض النَّوْع إِنْسَان مَعَ صدق نقيضه أَعنِي لَا شَيْء من النَّوْع بِإِنْسَان. قُلْنَا أخرجُوا القضايا الذهنية والغير المتعارفة عَن التَّنَاقُض والعكوس والجزئية الْمَذْكُورَة لَيست بمتعارفة إِذْ الْإِنْسَان لَا يصدق على النَّوْع صدق الْكُلِّي على جزئياته. التَّنْفِيل: إِعْطَاء شَيْء زَائِد على سِهَام الْغَانِمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 بَاب التَّاء مَعَ الْوَاو التَّوَكُّل: فِي اللُّغَة نفي الشكوك وتفويض الْأَمر إِلَى مَالك الْمُلُوك. وَفِي الِاصْطِلَاح طرح الْبدن فِي الْعُبُودِيَّة وَتعلق الْقلب بالربوبية. التَّوَقُّف: هُوَ النِّسْبَة بَين الْمَوْقُوف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ. ثمَّ اعْلَم أَنه إِن توقف أَمر على شَيْء فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون توقفه على ذَلِك الشَّيْء من جِهَة الشُّرُوع فَذَلِك الشَّيْء يُسمى مُقَدّمَة الشُّرُوع. وَإِن كَانَ من جِهَة الْعلم والشعور يُسمى مُعَرفا. وَإِن كَانَ من جِهَة الْوُجُود فَإِن كَانَ دَاخِلا فِي ذَلِك الْأَمر يُسمى ركنا وجزءا كالقيام وَالْقعُود بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة. وَإِن لم يكن دَاخِلا فَإِن كَانَ توقفه على وجود ذَلِك الشَّيْء أَو على عَدمه فَذَلِك الشَّيْء على الأول عِلّة إِمَّا تَامَّة أَو نَاقِصَة إِن كَانَ مؤثرا فِي الْوُجُود وَإِلَّا فَشرط. وَقيل سَوَاء كَانَ وجوديا كَالْوضُوءِ لَهَا أَو عدميا كإزالة النَّجَاسَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا. لَا يخفى أَن هَذَا التَّعْمِيم يُنَافِي الْمقسم. وَلَا نسلم إِن إِزَالَة النَّجَاسَة شَرط الصَّلَاة بل شَرطهَا الطَّهَارَة فَافْهَم. وعَلى الثَّانِي مَانع إِن كَانَ عَدمه فَقَط مَوْقُوفا عَلَيْهِ ومعد إِن كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ عَدمه بعد وجوده بل إِذا كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وجوده مَعَ جَوَاز عَدمه كَمَا مر فِي ارْتِفَاع الْمَانِع وَسَيَجِيءُ فِي الْعلَّة النَّاقِصَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. التَّوْحِيد: فِي اللُّغَة (يكانه كردن وَبِه يكانكى وصف نمودن) . وَعلم التَّوْحِيد علم يعرف بِهِ أَنه لَا وجود لغير الله تَعَالَى وَلَيْسَت الْأَشْيَاء إِلَّا مظاهره تَعَالَى ومجاليه. والموحدون طَائِفَة لَا يرَوْنَ غير الْحق عز شَأْنه وَجل برهانه وَلَا يعلمُونَ وجودا لغير الْحق تَعَالَى وَأَن حَقِيقَة الْوُجُود هُوَ الله سُبْحَانَهُ. التوقيع: فِي كِفَايَة الشُّرُوط أَن أحدا إِذا ادّعى على آخر فالمكتوب الْمحْضر. وَإِذا أجَاب الآخر وَأقَام الْبَيِّنَة فالتوقيع. وَإِذا حكم فالسجل كَذَا فِي جَامع الرموز. التوابع: جمع التَّابِع لَا التابعة لِأَن التَّابِع عِنْد النُّحَاة مَنْقُول عَن الوصفية إِلَى الاسمية وَالْفَاعِل الاسمي يجمع على فواعل كالكاهل على كواهل. والكاهل مَا بَين الْكَتِفَيْنِ. وَأما الْكَاهِل بِمَعْنى البطي ففارسي لَا عَرَبِيّ لِأَنَّهُ قَالَ صَاحب النّصاب بطي كَاهِل وَمن دابه تَعْبِير الْعَرَبِيّ بالفارسي. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه مَنْقُول لِأَن المُرَاد بالتابع هُوَ الِاسْم التَّابِع فَلم يبْق على الْإِبْهَام لِأَنَّهُ لَا يدل حِينَئِذٍ على ذَات مُبْهمَة مَعَ وصف التّبعِيَّة فَلَا يكون وَصفا. وَالتَّابِع عِنْد النُّحَاة هُوَ الِاسْم الْمُتَأَخر رُتْبَة بِجِنْس إِعْرَاب سابقه حَال كَون إعرابهما ناشئا من جِهَة وَاحِدَة شخصية مثل جَاءَنِي زيد الْعَالم الْكَاتِب فَإِن كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَاحِد من الْعَالم وَالْكَاتِب إِذا لوحظ مَعَ زيد كَانَ فِي الرُّتْبَة الثَّانِيَة مِنْهُ. وَإِعْرَابه من جنس إعرابه وَهُوَ الرّفْع. وَالرَّفْع فِي كل مِنْهُمَا ناش من جِهَة وَاحِدَة شخصية وَهِي فاعلية زيد الْعَالم الْكَاتِب لِأَن الْمَجِيء الْمَنْسُوب إِلَى زيد فِي قصد الْمُتَكَلّم مَنْسُوب إِلَيْهِ مَعَ تَابعه لَا إِلَيْهِ مُطلقًا. والتوابع خَمْسَة فَإِذا اجْتمعت رتبت بِأَن يبْدَأ مِنْهَا بالنعت. ثمَّ عطف الْبَيَان. ثمَّ التوكيد. ثمَّ الْبَدَل. ثمَّ الْعَطف بالحروف كَذَا فِي التسهيل. وَالْعَامِل فِي التَّابِع هُوَ الْعَامِل فِي الْمَتْبُوع إِلَّا فِي الْبَدَل فَإِن الْعَامِل فِيهِ مُقَدّر وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْبَدَل فِي حكم تَكْرِير الْعَامِل فَافْهَم واحفظ. التوبيخ: التَّعْبِير بِالْفَارِسِيَّةِ (عاردادن وسرزنش نمودن) . التَّوْبَة: فِي اللُّغَة الرُّجُوع يُقَال تَابَ وأناب إِذا رَجَعَ. وَإِذا أسْند إِلَى العَبْد أُرِيد رُجُوعه عَن الزلة إِلَى النَّدَم. وَإِذا أسْند إِلَى الله تَعَالَى أُرِيد رُجُوع نعمه والطافه إِلَى عباده قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا} . أَي رَجَعَ عَلَيْهِم بالتفضل والأنعام ليرجعوا إِلَى الطَّاعَة والانقياد. وَفِي الشَّرْع هِيَ الندامة على الْمعْصِيَة لكَونهَا مَعْصِيّة وَإِنَّمَا قيدنَا بذلك لِأَن الندامة على الْمعْصِيَة لإضرارها بِبدنِهِ وإخلالها بعرضه أَو مَاله أَو نَحْو ذَلِك لَا يكون تَوْبَة فَلَو نَدم على شرب الْخمر وَالزِّنَا للصداع وخفة الْعقل وَزَوَال المَال وَالْعرض لَا يكون تَائِبًا وَهَذِه الندامة لَا تسمى تَوْبَة. وَأما النَّدَم لخوف النَّار أَو طمع الْجنَّة فَإِن كَانَ بقبح الْمعْصِيَة وَكَونهَا مَعْصِيّة كَانَ تَوْبَة وَإِلَّا فَلَا. وَإِن نَدم بقبح الْمعْصِيَة مَعَ عرض آخر فَإِن كَانَ جِهَة الْقبْح بِحَيْثُ لَو انْفَرَدت لتحَقّق النَّدَم فتوبة وَإِلَّا فَلَا. وَإِن تَابَ عِنْد مرض الْمَوْت أَو مرض مخوف فَإِن كَانَت التَّوْبَة والندامة بقبح الْمعْصِيَة يكون تَائِبًا وَإِلَّا فَلَا. كَمَا فِي الْآخِرَة عِنْد مُعَاينَة النَّار فَيكون بِمَنْزِلَة إِيمَان الْيَأْس. وَالظَّاهِر من كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبُول تَوْبَة الْمَرِيض فِي الْمَرَض الْمخوف مَا لم تظهر عَلَامَات الْمَوْت. وَالْمرَاد بهَا غرغرة الْمَوْت وسكرته. والندم التحزن والتوجع على أَن فعل وتمني كَونه لم يفعل. وَلَا بُد للتائب من التحزن والتوجع فَإِن مُجَرّد التّرْك لَيْسَ بتوبة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام النَّدَم تَوْبَة. هَذَا وَسَائِر التفاصيل فِي شرح الْمَقَاصِد. وَاعْلَم أَنه لَا بُد فِي التَّوْبَة من النَّدَم والعزم على ترك المعاودة فِي الْمُسْتَقْبل عِنْد الخطور والاقتدار فالعزم لَيْسَ على عُمُومه فَلَا يرد أَنه لَا يَصح من الْمَجْبُوب الْعَزْم على ترك الزِّنَا وَلَا من الْأَخْرَس الْعَزْم على ترك الْقَذْف. فَالْحَاصِل أَن الْوَاجِب الْعَزْم على أَن لَا يفعل على تَقْدِير الْقُدْرَة حَتَّى يجب على من عرض لَهُ الآفة أَن يعزم على أَن لَا يفعل لَو فرض وجود الْقُدْرَة. وَبِهَذَا يشْعر مَا قَالَ فِي المواقف أَن الزَّانِي الْمَجْبُوب إِذا نَدم وعزم أَن لَا يعود على تَقْدِير الْقُدْرَة فَهُوَ تَوْبَة عندنَا خلافًا لأبي هَاشم وَفِي كشكول الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي فِي الحَدِيث إِذا بلغ الرجل أَرْبَعِينَ سنة وَلم يتب مسح إِبْلِيس على وَجهه وَقَالَ بِأبي وَجه لَا يفلح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 التواجد: استدعاء الوجد تكلفا بِضَرْب اخْتِيَار وَلَيْسَ يصاحبه كَمَال الوجد فَإِن بَاب التفاعل فِي الْأَكْثَر لإِظْهَار صفة لَيست مَوْجُودَة كالتغافل والتجاهل. وَقد أنكرهُ قوم لما فِيهِ من التَّكْلِيف والتصنع. وَأَجَازَهُ آخَرُونَ لمن يقْصد بِهِ تَحْصِيل الوجد. وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن لم تبكوا فتباكوا. وَأَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهِ التباكي مِمَّن يستعد للبكاء لَا تباكي الغافل اللاهي. التَّوْكِيل: إِقَامَة الْغَيْر مقَام نَفسه فِي التَّصَرُّف مِمَّن يملكهُ. التَّوْضِيح: رفع الِاحْتِمَال النَّاشِئ فِي المعارف بِسَبَب تعدد الْوَضع نَحْو زيد الْفَاضِل فَإِنَّهُ كَانَ مُحْتملا للفاضل وَغَيره فَلَمَّا وَصفه بِهِ ارْتَفع الِاحْتِمَال. التَّوْلِيَة: بيع بِثمن سَابق بِلَا زِيَادَة ربح. وَإِنَّمَا سمي تَوْلِيَة لِأَن البَائِع كَأَنَّهُ يَجْعَل المُشْتَرِي واليا لما اشْتَرَاهُ بِمَا اشْتَرَاهُ من الثّمن ويقابلها الْمُرَابَحَة. التوأمان: ولدان من بطن وَاحِد بَين ولادتهما أقل من سِتَّة أشهر. التودد: طلب مَوَدَّة الْأَكفاء بِمَا يُوجب ذَلِك وموجباتها كَثِيرَة. التَّوَاتُر: إِخْبَار قوم دفْعَة أَو مُتَفَرقًا بِأَمْر لَا يتَصَوَّر تواطؤهم وتوافقهم عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ. وَمِنْه الْخَبَر الْمُتَوَاتر الثَّابِت على السّنة قوم لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب. التورية: السّتْر والإخفاء. وَفِي عرف البديع إِرَادَة الْمُتَكَلّم بِكَلَامِهِ خلاف الظَّاهِر مثل أَن يَقُول شل عضدك وَهُوَ يَنْوِي موت أَخِيك وَمر ذكرهَا فِي الْإِيهَام أَيْضا. التَّوَهُّم: فِي التعقل. توهم إِمَّا: وَاعْلَم أَن المصنفين يَقُولُونَ فِي الديباجة وَبعد فَإِن أَو فَهَذَا وتوجيه إتْيَان الْفَاء توهم كلمة إِمَّا أَو تقديرها فِي نظم الْكَلَام وَالْفرق بَين توهمها وتقديرها أَن توهمها عبارَة عَن حكم الْعقل بِوَاسِطَة الْوَهم إِنَّهَا مَذْكُورَة فِي النّظم بِوَاسِطَة اعتياده بهَا فِي أَمْثَال هَذَا الْمقَام فَيكون حكما كَاذِبًا. وَمعنى التَّقْدِير أَنَّهَا مقدرَة فِي الْكَلَام وَيجْعَل فِيهِ كالمذكور فَهُوَ حكم مُطَابق للْوَاقِع فَإِن قيل إِن كلمة إِمَّا حرف وَالْفَاء أَثَرهَا والحرف فِي التَّأْثِير ضَعِيف بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَخَوَيْهِ فتقديرها مَعَ إبْقَاء أَثَرهَا غير جَائِز قُلْنَا يعوض عَنْهَا الْوَاو بعد الْحَذف فَإِن قيل لَا نسلم أَن الْوَاو وَعوض عَنْهَا إِذْ لَو كَانَت عوضا لما اجتمعتا وَالْحَال أَنَّهُمَا تجتمعان كَمَا فِي عبارَة الْمِفْتَاح فِي آخر فن الْبَيَان حَيْثُ قَالَ وَإِمَّا بعد فَإِن خُلَاصَة الْأَصْلَيْنِ الخ قُلْنَا إِن الْوَاو إِنَّمَا تعْتَبر عوضا بعد حذف إِمَّا وَإِمَّا إِذا لم تحذف فَلَا تعْتَبر عوضا عَنْهَا. وَاعْلَم أَن إتْيَان الْفَاء على توهم إِمَّا أَو تقديرها مَذْهَب السَّيِّد السَّنَد شرِيف الْعلمَاء قدس سره وتابعيه. وَقَالَ نجم الْأَئِمَّة الشَّيْخ الرضي رَحمَه الله أَن إتْيَان الْفَاء لإجراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الظّرْف مجْرى الشَّرْط كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ لم يهتدوا بِهِ فسيقولون} . لَا لتقدير إِمَّا فَإِنَّهُ مَشْرُوط بِكَوْن مَا بعد الْفَاء أمرا أَو نهيا وَمَا قبلهَا مَنْصُوبًا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَرَبك فَكبر} . التوليد: قَالَت بِهِ الْمُعْتَزلَة مَعْنَاهُ فِي النّظر الصَّحِيح مُفِيد للْعلم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. التَّوْجِيه: جعل الْكَلَام موجها ذَا وَجه وَدَلِيل. وَفِي البديع إِيرَاد الْكَلَام مُحْتملا للوجهين الْمُخْتَلِفين كَقَوْل من قَالَ لِلْأَعْوَرِ الْمُسَمّى بِعَمْرو. (خاط لي عمر وقباء ... لَيْت عَيْنَيْهِ سَوَاء) فَإِنَّهُ يحْتَمل تمني أَن تصير عينه العوراء صَحِيحَة فَيكون مدحا وَتمنى أَن يصير بِالْعَكْسِ فَيكون ذما وَمِنْه مَا قَالَ قَائِل: (خانهاشان بلند وهمت بست ... يَا رب ايْنَ هر دو را برابركن) وَمِنْه أَيْضا. (سعدي اردبيلي انكه بطب ... مثل اود رجهان بشر نبود) (هر كرا شربتي دهد بِمَرَض ... حاجت شربت دكر نبود) فَإِن قيل مَا الْفرق بَين التَّوْجِيه والتورية الَّتِي تسمى إيهاما أَيْضا مَعَ استوائهما للاحتمالين الْمُخْتَلِفين قُلْنَا الْفَارِق بَينهمَا وجوب اسْتِوَاء الِاحْتِمَالَيْنِ فِي التَّوْجِيه وَوُجُوب عدم الاسْتوَاء فِي التورية وَالْإِيهَام فَإِن الْوَاجِب فِيهَا كَون أحد الْمَعْنيين قَرِيبا وَالْآخر بَعيدا. توَسط الْوَاو بَين الصّفة والموصوف: جَائِز لتأكيد اللصوق بَينهمَا يَعْنِي أَن أصل اللصوق بَينهمَا ثَابت لعدم المباينة بَينهمَا لكَون الصّفة مَحْمُولَة على الْمَوْصُوف وَمَعَ هَذَا جِيءَ بواو العاطفة لإِفَادَة زِيَادَة اللصوق فَإِن الْوَاو العاطفة لكَونهَا للْجمع عِنْد اللصوق بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ وجمعهما فِي الحكم وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول فِي مَبْحَث الْمجَاز الْعقلِيّ قَوْله: أَي صيرني الله بِسَبَب هَوَاك بِهَذِهِ الْحَالة وَهُوَ أَنِّي يضْرب الْمثل بِي لهلاكي فِي محبتك دلّ عِبَارَته على أَن الْوَاو فِي قَوْله وَبِي متوسطة بَين مَا هُوَ اسْم فِي الْمَعْنى لصار أَعنِي ضمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الْمُتَكَلّم وَبَين خَبره أَعنِي يضْرب لتأكيد اللصوق بَينهمَا كالواو الْمُتَوَسّط بَين الصّفة والموصوف لذَلِك أَي لتأكيد اللصوق على مَا جوزه صَاحب الْكَشَّاف انْتهى. وَوجه الدّلَالَة أَن الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ لما قَالَ أَي صيرني الله الخ فَعلم أَن حَاصِل مَعْنَاهُ صرت وَيضْرب الْمثل بِي لهلاكي فِي محبتك فضمير الْمُتَكَلّم فِي الْمَعْنى فَاعل صَار أَي اسْمه وَقَوله بِي مُتَعَلق بقوله يضْرب وَيضْرب مَعَ متعلقاته خبر صَار وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى تَأْكِيد اللصوق بَين اسْم صَار وَخَبره لِأَن الِاسْم وَالْخَبَر فِي بَاب أَعْطَيْت يكونَانِ متباينين فَيُؤتى بِالْوَاو العاطفة بَين اسْمه وَخَبره تَأْكِيد اللصوق بَينهمَا دفعا لتوهم أَنه من بَاب أَعْطَيْت فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع هُنَاكَ. التوقان: الميلان والشوق المفرط مُطلقًا وَغلب فِي غَلَبَة الشَّهْوَة أَي الباه خَاصَّة. التوافق: فِي التباين وَعند عُلَمَاء البديع هُوَ مُرَاعَاة النظير. التَّوْفِيق: جعل الله تَعَالَى قَول العَبْد وَفعله مُوَافقا لأَمره وَنَهْيه. وَالْمَشْهُور أَنه جعل الْأَسْبَاب نَحْو الْمَطْلُوب الْخَيْر. اعْلَم أَن الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي جلال الْعلمَاء على التَّهْذِيب جعل الْخَيْر ذاتيا للتوفيق دَاخِلا فِي مَفْهُومه. والفاضل المدقق ملا مرزاجان رَحمَه الله جعله من لَوَازِم ذَات التَّوْفِيق. وَهَذَا هُوَ الْحق فَمَعْنَى كَون الْخَيْر ذاتيا للتوفيق أَنه لَا يَنْفَكّ عَنهُ لَا بِمَعْنى أَنه جُزْء من مَفْهُومه كَمَا يتَبَادَر إِلَى الْفَهم فَالْمُرَاد من الذاتي فِي قَول الزَّاهِد لِامْتِنَاع تخلله بَين الشَّيْء وذاتياته للشَّيْء الْمَنْسُوب إِلَى الذَّات سَوَاء كَانَ عين الذَّات أَو جزءه أَو لَازِما غير منفك عَنهُ أَي مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ لَا الاصطلاحي. وعَلى مَا قَرَّرْنَاهُ لَا احْتِيَاج إِلَى التكلفات فِي جعل الْخَيْر ذاتيا لَهُ والانصاف أَن قَوْله لِأَن الْخَيْر مُعْتَبر فِي مَفْهُوم التَّوْفِيق يَأْبَى عَن هَذَا التَّوْجِيه وينادى على أَنه ذاتي وجزء لَهُ. وَقيل فِي تَوْجِيه الذاتية أَن مَفْهُوم التَّوْفِيق تَوْجِيه الْأَسْبَاب نَحْو الْمَطْلُوب الْخَيْر فالخير ذاتي وداخل فِي مَفْهُومه. وَلَا يخفى على سالك مسالك التَّحْقِيق وشارع مشارع التدقيق إِن أَخذ شَيْء فِي تَعْرِيف أَمر لَا يسْتَلْزم كَونه ذاتيا لَهُ وداخلا فِيهِ مُطلقًا. أَلا ترى أَن الْإِنْسَان مَأْخُوذ وَفِي تَعْرِيف اللَّفْظ بِمَا يتَلَفَّظ بِهِ الْإِنْسَان والغير مَأْخُوذ فِي تَعْرِيف الأَصْل بِمَا يبتني عَلَيْهِ غَيره مَعَ أَنَّهُمَا خارجان عَن اللَّفْظ وَالْأَصْل فَلَيْسَ كل مَأْخُوذ فِي تَعْرِيف شَيْء ذاتيا لَهُ دَاخِلا فِيهِ نعم إِذا أُرِيد بالمأخوذ الْمَأْخُوذ بطرِيق حمله على الْمُعَرّف أَو وَصفه للمحمول على الْمُعَرّف فالكلية حِينَئِذٍ صَادِقَة لَكِن الْخَيْر فِي تَعْرِيف التَّوْفِيق لَيْسَ كَذَلِك. وَقيل إِن التَّوْفِيق لَا يسْتَعْمل فِي الشَّرْع وَالْعرْف إِلَّا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الْخَيْر. فَمن هَذَا يعلم أَن الْخَبَر ذاتي لَهُ دَاخل فِي مَفْهُومه وَأَنت تعلم أَن تَخْصِيص الِاسْتِعْمَال لَا يسْتَلْزم الدُّخُول. وَقيل اخْتلف المتكلمون فِي التَّوْفِيق فَقَالَ الْبَعْض التَّوْفِيق الدعْوَة إِلَى الطَّاعَة. وَقَالَ الْبَعْض خلق الطَّاعَة. وَقَالَ الْبَعْض خلق الْقُدْرَة على الطَّاعَة وَكلهَا خير فالخير دَاخل فِي مَفْهُوم التَّوْفِيق. وَلَا يخفى أَنه لَا يفهم مِنْهُ كَون الْخَيْر دَاخِلا فِي مَفْهُوم التَّوْفِيق وذاتيا لَهُ لِأَن صدق الْخَيْر على مَعَاني التَّوْفِيق لَا يسْتَلْزم دُخُوله فِيهَا. نعم يعلم من الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ أَن الْخَيْر لَازم للتوفيق لَا يَنْفَكّ عَنهُ وَلذَا قَالَ الْفَاضِل المدقق بلزومه وَمَال عَن دُخُوله فِي التَّوْفِيق وَكَونه ذاتيا لَهُ. فَاعْلَم أَن غَرَض الزَّاهِد الْمُحَقق والفاضل المدقق أَنه لَو جعل قَوْله لنا مُتَعَلقا بِجعْل يلْزم تخَلّل الْجعل بَين التَّوْفِيق وذاته وَهُوَ الْخَيْر إِن ثَبت أَنه ذاتي لَهُ. أَو بَين التَّوْفِيق ولازمه كَمَا هُوَ الظَّاهِر. وتخلله بَين الشَّيْء وذاتياته وَكَذَا بَينه وَبَين لَازمه مُمْتَنع فاللازم وَهُوَ التخلل بَاطِل فَكَذَا الْمَلْزُوم وَهُوَ جعل قَوْله لنا مُتَعَلقا بِجعْل. وَإِمَّا إِذا جعل لنا مُتَعَلقا برفيق فَلَا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور لِأَن الْخَيْر بعد تعلقه برفيق يصير مُقَيّدا وَهُوَ لَيْسَ بذاتي أَو لَازم للتوفيق فَإِن ذاتيه أَو لَازمه هُوَ الْخَيْرِيَّة الْمُطلقَة. فَأَقُول إِن الْخَيْر مُضَاف إِلَى النكرَة وَهِي رَفِيق وَهَذِه الْإِضَافَة تفِيد التَّخْصِيص كَمَا تقرر فِي النَّحْو فالخير الْمُضَاف إِلَى الرفيق مُقَيّد لَا مُطلق من غير احْتِيَاج إِلَى أَن تقيد بلنا قُلْنَا سَوَاء كَانَ مُتَعَلقا بِجعْل أَو برفيق لَا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور بل الْأَنْسَب تعلقه بِجعْل لقُرْبه وفعليته دون رَفِيق لبعده واسميته إِلَّا أَن يُقَال إِن الذاتي أَو اللَّازِم هُوَ الْخَيْر الْمُضَاف إِلَى الرفيق أَي خيرية الرفاقة الْمُطلقَة الشاملة لتوفيق هُوَ رَفِيق لنا أَي لكل وَاحِد والتوفيق هُوَ رَفِيق لبَعض دون بعض مَعَ انْتِفَاء كل وَاحِد مِنْهُ إِمَّا بِلَا وَاسِطَة أَو بِوَاسِطَة فَإِذا قيد الرفيق بلنا تكون خيرية الرفاقة مُقَيّدَة وَهِي لَيست بذاتية وَلَا لَازم فَلَا يلْزم حِينَئِذٍ المحذوران الْمَذْكُورَان جَمِيعًا وَيُؤَيّد هَذَا أَنهم يَقُولُونَ إِنَّا لنا مُتَعَلق برفيق وَإِلَّا يلْزم الْمَحْذُور فَلَو كَانَ الذاتي أَو اللَّازِم هُوَ الْخَيْر فَقَط لاحتاجوا إِلَى تَقْيِيده وتخصيصه دون رَفِيق هَذَا كُله مَا حررناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي الزَّاهِد وَقَوْلنَا وَكَذَا بَين لَازمه مُمْتَنع. اعْلَم أَنه يفهم هَذَا الِامْتِنَاع من كَلَام الْفَاضِل المدقق حَيْثُ قَالَ قَوْله فركيك لِأَنَّهُ إِذا جعل لنا مُتَعَلقا بِجعْل صَار المجعول إِلَيْهِ خير رَفِيق بِلَا اعْتِبَار تَقْيِيده بِأَمْر فَظَاهر أَن الْخَيْرِيَّة من لَوَازِم ذَات التَّوْفِيق. وَلَا يتَعَلَّق الْجعل فِي الْمُتَعَارف باللوازم. فَلَا يُقَال إِن الْفَاعِل جعل الْأَرْبَعَة زوجا انْتهى قيل مُرَاده أَن لَوَازِم الْمَاهِيّة لَا يتَعَلَّق بهَا الْجعل ابْتِدَاء بل هِيَ مجعولة بِمَعْنى كَونهَا تَابِعَة لملزومه فِي الْجعل والمتبادر من الْجعل هُوَ الابتدائي. فَيعلم من هَا هُنَا أَن الْجعل يتَعَلَّق باللوازم أَيْضا ثَانِيًا وَفِي غير الْمُتَعَارف. أما سَمِعت أَن الباقر قَالَ فِي الْأُفق الْمُبين ثمَّ الْجعل الْمُؤلف لَا يتوسط بَين الشَّيْء وَبَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 نَفسه كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان إِنْسَان وَلَا بَينه وَبَين شَيْء من ذاتياته كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان حَيَوَان لانحفاظ الْخَلْط فِي مرتبَة الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ الدُّخُول فِي أصُول قوامها بل يخْتَص بالعرضيات سَوَاء كَانَت لَوَازِم الْمَاهِيّة كَقَوْلِنَا الْأَرْبَعَة زوج أَو الْعَوَارِض الممكنة الانسلاخ كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان مَوْجُود والجسم أَبيض لتعري الذَّات عَنْهَا فِي مرتبَة التقرر وَصِحَّة سلبها عَن الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ ولحوقها فِي مرتبَة مُتَأَخِّرَة. التوي: الْهَلَاك قَالُوا توى المَال على الْكَفِيل بِأَن مَاتَ مُفلسًا. التوازي: كَون الْبعد بَين الشَّيْئَيْنِ أَي كَون أقصر الخطوط الْوَاصِلَة بَينهمَا وَاحِدًا فِي جَمِيع الْجِهَات سَوَاء كَانَا سطحين مستديرين أَو مستويين أَو خطين مستديرين أَو مستقيمين. وَزعم الْفَاضِل الجغميني رَحمَه الله أَن تَفْسِير التوازي بِهَذَا مُخْتَصّ بالتوازي فِي السطوح المستديرة حَيْثُ قَالَ وأعني بالمتوازيين هَا هُنَا أَي فِي السطوح المستديرة أَن الْبعد بَينهمَا وَاحِد من جَمِيع الْجِهَات وَنبهَ بقوله هَا هُنَا على أَن التوازي قد يُطلق على معنى آخر فِي غَيرهَا كَمَا يُطلق فِي السطوح المستوية على كَونهَا بِحَيْثُ لَا تتلاقى وَإِن أخرجت فِي الْجِهَات إِلَى مَا لَا يتناهى وَأما السطوح الْغَيْر المتوازية فَهِيَ لَا تتلاقى فِي جِهَة وَاحِدَة وَقد يُطلق فِي الخطوط المستقيمة على كَونهَا فِي سطح وَاحِد بِحَيْثُ لَا تتلاقى. وَإِن أخرجت فِي الطَّرفَيْنِ إِلَى غير النِّهَايَة. وَقد علمت أَن تَفْسِير التوازي بِمَا ذكره شَامِل للْجَمِيع فَلَا فَائِدَة فِي قَوْله هَا هُنَا بل لَا بُد أَن لَا يكون هَا هُنَا هَا هُنَا. بَاب التَّاء مَعَ الْهَاء تَهْذِيب الْأَخْلَاق: هُوَ الْقسم الأول من أَقسَام الْحِكْمَة العملية. وَهُوَ علم بمصالح جمَاعَة متشاركة فِي الْمنزل. أَي علم بِأَفْعَال اختيارية صَالِحَة لجَماعَة متشاركة فِي الْمنزل كالوالد والمولود وَالْمَالِك والمملوك وَإِنَّمَا سمي بذلك لِأَن تَهْذِيب الْأَخْلَاق أَي تَنْقِيح الطبائع وتخليصها بِسَبَب هَذَا الْعلم مَعَ الْعَمَل بِهِ. وَهَا هُنَا شُبْهَة وَهِي أَن الْحُكَمَاء قَالُوا إِن الْعَدَالَة هِيَ التَّوَسُّط فِي طرفِي الإفراط والتفريط وَهِي الْعِفَّة والشجاعة وَالْحكمَة الَّتِي هِيَ أصُول الْأَخْلَاق الفاضلة كَمَا سنبين فِي الْعَدَالَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فعلى هَذَا الْحِكْمَة قسم من الْأَخْلَاق - والأخلاق قسم من الْحِكْمَة العملية وَالْحكمَة العملية قسم من الْحِكْمَة فَتكون الْحِكْمَة قسما من الْحِكْمَة إِذْ قسم الْقسم قسم فقد جعل الْقسم بمراتب مقسمًا هَذَا خلف. وَالْجَوَاب يُمكن بِأَنَّهُمَا متغائران بِالِاعْتِبَارِ وَذَلِكَ كَاف فِي صِحَة التَّقْسِيم إِذْ مَفْهُوم الْحِكْمَة مقسم بِاعْتِبَار صدقه على الْأَفْرَاد - وَقسم بِاعْتِبَار الذَّات من غير مُلَاحظَة صدقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 على الْأَفْرَاد كَمَا أَن المتقابلين قسم من المتضائفين وَجعل مقسمًا فمفهوم المتقابلين من حَيْثُ صدقه على الْأَفْرَاد مقسم. وَمن حَيْثُ الذَّات قسم الْقسم - وَكَذَا حَال الْكَلِمَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاسْم. وَالْجَوَاب الأحق بالتحقيق مَا قَالَ الإِمَام رَحمَه الله فِي الملخص قد ظن بَعضهم أَن الْحِكْمَة الْمَذْكُورَة هَا هُنَا أَي فِي أصُول الْأَخْلَاق الفاضلة هِيَ الْحِكْمَة العملية الَّتِي جعلت قسيمة للحكمة النظرية حَيْثُ قيل الْحِكْمَة إِمَّا نظرية وَإِمَّا عملية وَهُوَ ظن بَاطِل. إِذْ الْمَقْصُود من هَذِه الْحِكْمَة ملكة تصدر عَنْهَا أَفعَال متوسطة بَين الجزيرة والغباوة وَالْمرَاد بِتِلْكَ الْحِكْمَة العملية الْعلم بالأمور الَّتِي وجودهَا بقدرتنا واختيارنا. وَالْفرق بَين الْعلم وَالْمَذْكُور والملكة الْمَذْكُورَة مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي شرح المواقف قد تبين من كَلَام الإِمَام أَيْضا أَن الْحِكْمَة الْمَذْكُورَة هَا هُنَا مغائرة للحكمة الَّتِي قسمت إِلَى النظرية والعملية لِأَنَّهَا بِمَعْنى الْعلم بالأشياء مُطلقًا سَوَاء كَانَت مستندة إِلَى قدرتنا أَو لَا انْتهى. فَلَا يرد أَن الْحِكْمَة الْمَذْكُورَة هَا هُنَا قسم من الْأَخْلَاق والأخلاق من الْحِكْمَة العملية فَيلْزم أَن يكون الْقسم بمرتبة مقسمًا. وَلَا يرد أَيْضا أَن الْحِكْمَة مقسم الْحِكْمَة العملية وَهِي مقسم الْأَخْلَاق وَهِي مقسم هَذِه الْحِكْمَة فَيلْزم كَون الْمقسم بمراتب قسما فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ من الْجَوَاهِر المكنونة. التهكم: الِاسْتِهْزَاء. التهجي: والهجاء تعديد الْحُرُوف بأسمائها والألفاظ الَّتِي يتهجى بهَا اسماء مسمياتها الْحُرُوف المبسوطة أَي المفردة البسيطة الَّتِي مِنْهَا ركبت الْكَلم. التهور: هَيْئَة حَاصِلَة للقوة الغضبية بهَا يكون الْإِقْدَام على أُمُور لَا يَنْبَغِي الْإِقْدَام عَلَيْهَا. بَاب التَّاء مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة التَّيَمُّم: فِي اللُّغَة الْقَصْد. وَفِي الشَّرْع قصد الصَّعِيد الطَّاهِر واستعماله بِصفة مَخْصُوصَة لإِزَالَة الْحَدث. وَفِي جَامع الرموز التَّيَمُّم لُغَة الْقَصْد وَشرعا أَفعَال مَخْصُوصَة. وَفِي الْكَافِي وَغَيره الْقَصْد إِلَى الصَّعِيد لإِزَالَة الْحَدث وَلَا يخفى أَنه لَا يَخْلُو عَن شَيْء. وَاعْلَم أَنه لَا بُد فِي التَّيَمُّم من سَبْعَة أَشْيَاء - النِّيَّة - وضربة للْوَجْه - وضربة للذراعين - والاستيعاب - والصعيد الطَّاهِر - وَالْمسح بِثَلَاثَة أَصَابِع وَعدم الْقُدْرَة على المَاء - وَشَرطه أَن يكون الْمَنوِي عبَادَة مَقْصُودَة لَا تصح إِلَّا بِالطَّهَارَةِ أَو اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو الطَّهَارَة أَو رفع الْحَدث أَو الْجَنَابَة. فَلَو تيَمّم لصَلَاة الْجِنَازَة أَو سَجْدَة التِّلَاوَة جَازَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 أَن يُصَلِّي بِهِ وَلَو تيَمّم وَهُوَ مُحدث أَو جنب لقِرَاءَة الْقُرْآن عَن ظهر الْقلب أَو عَن الْمُصحف أَو لمس الْمُصحف أَو لزيارة الْقُبُور أَو لدفن الْمَيِّت أَو للأذان أَو للإقامة أَو لدُخُول الْمَسْجِد أَو للسلام أَو لرد السَّلَام أَو لعيادة الْمَرِيض أَو لتعليم التَّيَمُّم للْغَيْر وَصلى بذلك التَّيَمُّم لَا يجوز كَذَا فِي الْفَتَاوَى العالمكيري. وَاعْلَم أَن اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم جَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رَضِي الله عَنْهُمَا خلافًا لمُحَمد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله لما ذكر فِي كتب الْأُصُول. وخلاصته أَن التَّيَمُّم طَهَارَة مُطلقَة عِنْد عدم المَاء عندنَا وَعند مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله طَهَارَة ضَرُورِيَّة بِقدر مَا تنْدَفع بِهِ الضَّرُورَة حَتَّى لم يجز أَدَاء الْفَرَائِض بِتَيَمُّم وَاحِد فَلَا يجوز اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم وَأَن الخلفية عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الجوهرين أَي التُّرَاب وَالْمَاء لِأَنَّهُ تَعَالَى نَص عِنْد النَّقْل إِلَى التَّيَمُّم على عدم المَاء فَيكون المَاء أصلا وَالتُّرَاب خلفا وَلما كَانَ المَاء أصلا وَالتُّرَاب خلفا وَكَانَ الطَّهَارَة حكم الأَصْل كَانَ شَرط الصَّلَاة مَوْجُودا فِي كل مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ لِأَن الْخلف لَا يُخَالف الأَصْل فِي الحكم فَيجوز اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم وَعند مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله الخلفية بَين التَّيَمُّم وَالْوُضُوء أَي الْفِعْلَيْنِ المخصوصين لَا الجوهرين لِأَن الله تَعَالَى أَمر بِالْوضُوءِ أَولا ثمَّ أَمر بِالتَّيَمُّمِ عِنْد الْعَجز بقوله فَتَيَمَّمُوا ليَكُون الخلفية بَين الْوضُوء وَالتَّيَمُّم لَا بَين المَاء وَالتُّرَاب فَلَا يكون شَرط الصَّلَاة مَوْجُودا فِي كل مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ إِذْ كَمَا لَهما بِاعْتِبَار أَنَّهُمَا حكمان للْمَاء وَالتُّرَاب وَهُوَ مُنْتَفٍ فَيكون شَرط الصَّلَاة فِي أَحدهمَا مَوْجُودا بِكَمَالِهِ وَفِي الآخر بنقصانه. واقتداء الْمُتَوَضِّئ وَأَدَاء صلوته بالمتيمم وأدائه فِي ضمن أَدَاء الإِمَام تَفْرِيغ عَلَيْهِ فَلَا يجوز اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئ بالمتيمم عِنْد مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله لِأَن الْمُتَوَضِّئ صَاحب الأَصْل والمتيمم صَاحب الْفَرْع وَلَيْسَ لصَاحب الأَصْل القوى أَن يَبْنِي صلواته على صَاحب الْخلف الضَّعِيف كَمَا لَا يبْنى من صلى بركوع وَسُجُود على من يُصَلِّي بإيماء فَافْهَم. وَالتَّيَمُّم لمس الْمُصحف وَدخُول الْمَسْجِد مَعَ وجود المَاء جَائِز كَذَا فِي الْمَبْسُوط وَفِي الْفَتَاوَى (العالمكيري) يجوز التَّيَمُّم لمن حَضرته جَنَازَة وَالْوَلِيّ غَيره فخاف أَن اشْتغل بِالطَّهَارَةِ أَن تفوته الصَّلَاة صلى على جَنَازَة بِتَيَمُّم ثمَّ أُتِي بِأُخْرَى فَإِن كَانَ بَين الثَّانِيَة وَالْأولَى مِقْدَار مُدَّة يذهب وَيتَوَضَّأ ثمَّ يَأْتِي وَيُصلي أعَاد التَّيَمُّم وَإِن لم يكن مِقْدَار مَا يقدر على ذَلِك صلى بذلك التَّيَمُّم وَعَلِيهِ الْفَتْوَى هَكَذَا فِي الْمُضْمرَات. وَالتَّيَمُّم لصَلَاة الْعِيد عِنْد وجود المَاء قبل الشُّرُوع فِيهَا لَا يجوز للْإِمَام إِذا لم يخف خُرُوج الْوَقْت وَإِلَّا يجوز وَيجوز للمقتدي إِن خَافَ فَوت الصَّلَاة لَو تَوَضَّأ وَلَو أحدث أَحدهمَا بعد الشُّرُوع فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ تيَمّم وَيَبْنِي وَكَذَلِكَ بعد الشُّرُوع بِالْوضُوءِ إِن خَافَ ذهَاب الْوَقْت أَو فَوت الصَّلَاة لَو تَوَضَّأ هَكَذَا فِي النِّهَايَة. وَيجوز التَّيَمُّم للْجنب لصَلَاة الْجِنَازَة وَصَلَاة الْعِيد كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَاعْلَم أَن الْمُتَيَمم عَن الْجَنَابَة أولى بِالْإِمَامَةِ من الْمُتَيَمم عَن الْحَدث كَذَا فِي النَّهر الْفَائِق وَأكْثر كتب الْفِقْه لِأَن تيَمّم الْجنب بِمَنْزِلَة غسله وَتيَمّم الْمُحدث بِمَنْزِلَة وضوئِهِ. وَصَاحب الطَّهَارَة الْكُبْرَى أولى بِالْإِمَامَةِ من صَاحب الطَّهَارَة الصُّغْرَى. لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون لكل من الْجنب والمحدث جَنَابَة أُخْرَى بِلَا شُعُور مِنْهَا فَمن تيَمّم عَن الْجَنَابَة يكون طَاهِرا عَن النَّجَاسَة الْحكمِيَّة السَّابِقَة الَّتِي ذهل عَنْهَا وَعَن النَّجَاسَة اللاحقة الَّتِي مطلع عَلَيْهَا. فارتفع الِاحْتِمَال عَنهُ بِخِلَاف الْمُتَيَمم عَن الْحَدث فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَن ذَلِك الِاحْتِمَال فَافْهَم واحفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 [حرف الثَّاء] بَاب الثَّاء مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء ضَرُورِيّ وسلبه عَنهُ مُمْتَنع: قَالَ الزَّاهِد رَحمَه الله هَذَا على تَقْدِير تقومه بالجعل الْبَسِيط أَو بوجوديته بالجعل الْمركب على اخْتِلَاف الْقَوْلَيْنِ فِي الْجعل انْتهى فَلَا يرد النَّقْض على مَا هُوَ الْمَشْهُور أَعنِي مَا لَيْسَ بموجود لَيْسَ بِشَيْء من الْأَشْيَاء حَتَّى يصدق سلبه عَن نَفسه. ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء فرع لثُبُوت الْمُثبت لَهُ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور لَكِن الصَّوَاب أَن ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء فرع لثُبُوت الْمُثبت لَهُ أَو مُسْتَلْزم لَهُ فِي ظرف الثُّبُوت وستطلع على تَحْقِيق هَذَا المرام مَعَ تدقيقات فويقة فِي الْمُوجبَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَمعنى قَوْلهم ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع فرع ثُبُوته فِي نَفسه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن ثُبُوته فِي نَفسه أصل يُوجب ذَلِك الْفَرْع كَمَا يُوجب الدَّلِيل الَّذِي هُوَ أصل للْحكم والنتيجة اللَّذين هما فرعاه وَإِلَّا لَكَانَ ضَرُورِيًّا بل مَعْنَاهُ أَن ثُبُوت الْمَحْمُول لَا يَصح إِلَّا إِذا كَانَ الْمَوْضُوع ثَابتا فالمحمول فرع على ثُبُوته فِي نَفسه أَي مَوْضُوع عَلَيْهِ. وَكَذَا قَول جلال الْعلمَاء رَحمَه الله تَعَالَى أَنه مُسْتَلْزم لثُبُوت الْمَوْضُوع فِي نَفسه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن ثُبُوت الْمَحْمُول عَلَيْهِ مُسْتَلْزم لثُبُوت الْمَوْضُوع بل مَعْنَاهُ إِن صدق ثُبُوت الْمَحْمُول لَهُ يسْتَلْزم صدق ثُبُوته فِي نَفسه فَلَا تخَالف فِي المُرَاد والمآل. وَهَا هُنَا مطَالب لم يرخصني تردد الخاطر بذكرها وَلَكِن اذكر هَا هُنَا مغالطة غَرِيبَة لتشحيذ ذهنك فاستمع وَهِي أَنا لَا نسلم أَن ثُبُوت شَيْء لشَيْء فرع لثُبُوت الْمُثبت لَهُ أَو مُسْتَلْزم لَهُ بِوُجُوه: الْوَجْه الأول: أَنه لَو كَانَ ثُبُوت الشي للشَّيْء فرعا أَو مستلزما لثُبُوت الْمُثبت لَهُ لزم التسلسل وَاللَّازِم بَاطِل فَكَذَا الْمَلْزُوم. بَيَان الْمُلَازمَة أَنه إِذا وَجب الثُّبُوت للمثبت لَهُ وَجب أَن يكون هُنَاكَ ثُبُوت آخر للمثبت لَهُ يثبت الثُّبُوت بِهِ وننقل الْكَلَام إِلَى هَذَا الثُّبُوت الثَّانِي فَيلْزم هُنَاكَ ثُبُوت ثَالِث وهلم جرا فَيلْزم التسلسل. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه لَو صحت هَذِه الْمُقدمَة لزم تقدم الْمَعْلُول الَّذِي هُوَ الْعقل الأول عِنْدهم على الْوَاجِب تَعَالَى وَالثَّانِي بَاطِل فالمقدم مثله. بَيَان الْمُلَازمَة أَنه لاشك فِي أَن الله تَعَالَى متصف بالوجود الْمُطلق اتصافا ذهنيا فعلى تَقْدِير أَن يكون ثُبُوت الشَّيْء لغيره فرعا أَو مستلزما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 لثُبُوت ذَلِك فِي ظرف الثُّبُوت يلْزم أَن يكون الْوَاجِب تَعَالَى مَوْجُودا فِي ذهن ذاهن قبل اتصافه بالوجود الْمُطلق والذاهن بعد الْوَاجِب بِلَا وَاسِطَة هُوَ الْعقل الأول. وَالْوَجْه الثَّالِث: أَنه لَو صحت الْمُقدمَة الْمَذْكُورَة لزم بطلَان مَا هُوَ الْمُقَرّر بَين الْحُكَمَاء من تحقق عِلّة بسيطة من جَمِيع الْجِهَات لِأَن كل مَعْلُول حِينَئِذٍ يتَوَقَّف على كَونه مَوْجُودا فِي الذِّهْن قبل تَأْثِير الْعلَّة فِيهِ بل نقُول على تَقْدِير صِحَة الْمُقدمَة الْمَذْكُورَة يتَوَقَّف كل مَعْلُول على كَونه مَوْجُودا بوجودات غير متناهية حَتَّى تُؤثر الْعلَّة فِيهِ كَمَا لَا يخفى عِنْد من أجْرى الْمُقدمَة الْمَذْكُورَة على الْوُجُود الْحَاصِل لَهُ فِي الذِّهْن قبل الْوُجُود الْحَاصِل لَهُ من تَأْثِير علته فَافْهَم. وحلها أَن الْوُجُود والثبوت من الْأُمُور الَّتِي ينتزع عَن الْأَشْيَاء الَّتِي يحكم عَلَيْهَا بِكَوْنِهَا مَوْجُودَة أَو ثَابِتَة على معنى أَن مَا فِي نفس الْأَمر إِذا لاحظه الْعقل بالشَّيْء الْمَوْجُود ينتزع عَنهُ الْوُجُود والأمور المنتزعة بِهَذَا الْمَعْنى جَازَ أَن تقع أوصافا لموصوفاتها فِي نفس الْأَمر. وَبِهَذَا الْحل ينْحل أَكثر المغالطات والأوهام عَن الْقَوَاعِد الَّتِي تمسك بهَا الْحُكَمَاء على مطالبهم. بَاب الثَّاء مَعَ الْخَاء الْمُعْجَمَة الثخن: الحجم وَيُرَاد بِهِ الْجِسْم التعليمي أَيْضا. الثخين: نوع من الْخُف وَهُوَ الْخُف الَّذِي يسْتَمْسك على السَّاق من غير ربطه وَلَا يرى مَا تَحْتَهُ. بَاب الثَّاء مَعَ الْقَاف الثّقل: بِالْكَسْرِ وَفتح الْقَاف يسْتَعْمل فِي الْمعَانِي وبسكونه فِي الْأَجْسَام. وَقَالَ الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله فِي حَاشِيَة المطول الثّقل بِكَسْر الثَّاء وتحريك الْعين ضد الخفة وَهُوَ مصدر وبتسكينه الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ والثقل عِنْد الْحُكَمَاء هُوَ الْميل إِلَى المركز. الثِّقَة: الْجَمَاعَة الَّتِي يعْتَمد عَلَيْهَا فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال. والثقات: جمعهَا. بَاب الثَّاء مَعَ اللَّام الثَّلج: بِالْفَارِسِيَّةِ (برف) . وَسبب حُدُوثه أَن الْبرد الْقوي إِذا يصل إِلَى أَجزَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 السَّحَاب فَإِن وصل إِلَيْهَا قبل اجتماعها ينزل السَّحَاب حَال كَونه ثلجا وَإِن وصل بعد اجتماعها ينزل السَّحَاب حَال كَونه بردا بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة. وَسبب وُصُول الْبُرُودَة بالسحاب أَن السَّحَاب هُوَ البخار الصاعد إِذا يصل إِلَى الطَّبَقَة الثَّالِثَة من الْهَوَاء الَّتِي يُسمى طبقَة زمهريرية يتكاثف بكسب الْبُرُودَة من تِلْكَ الطَّبَقَة فَإِن لم يكن الْبرد قَوِيا اجْتمع ذَلِك البخار وتقاطر للثقل الْحَاصِل من التكاثف والإنجماد. وَإِنَّمَا قُلْنَا للثقل لِأَنَّهُ إِذا صَار ثقيلا يكون متحركا وَفِي الْحَرَكَة حرارة فبسبب الْحَرَارَة يكون متقاطرا وَإِن كَانَ الْبرد قَوِيا فقد علمت تَفْصِيله الْآن. وَإِذا لم يصل البخار إِلَى الطَّبَقَة الزمهريرية لقلَّة حرارته الْمُوجبَة للصعود فَإِن كَانَ البخار كثيرا فقد ينْعَقد سحابا ماطرا أَيْضا إِذا أَصَابَهُ برد. كَمَا حكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ بن سينا أَنه شَاهد البخار قد صعد من أسافل بعض الْجبَال صعُودًا يَسِيرا وتكاثف حَتَّى كَأَنَّهُ مكبة مَوْضُوعَة على وهدة فَكَانَ الشَّيْخ فَوق تِلْكَ الغمامة فِي الشَّمْس وَكَانَ من هُوَ تَحت الغمامة من أهل الْقرْيَة الَّتِي كَانَت هُنَاكَ صَاحب الْمَطَر. وَقد لَا ينْعَقد وَيُسمى ضبابا يرْتَفع بِأَدْنَى حرارة تصل إِلَيْهِ لِكَثْرَة لطافته. وَإِن كَانَ قَلِيلا فَإِذا ضربه برد اللَّيْل فَإِن لم ينجمد فَهُوَ الطل وَإِن انجمد فَهُوَ الصقيع. ونسبته إِلَى الطل كنسبة الثَّلج إِلَى الْمَطَر. ثمَّ اعْلَم أَن الثَّلج ينزل على كل شكل إِلَّا المخمس وَعَلَيْك أَن تعلم أَن سَبَب تكاثف البخار لَيْسَ وصولها بالطبقة الزمهريرية فَقَط بل تكاثف البخار بأمرين: أَحدهمَا: أَن الْهَوَاء المجاور للْمَاء فِي الْأَجْزَاء البخارية يَسْتَفِيد كَيْفيَّة الْبرد من المَاء وَالْبرد يُوجب الكثافة. وَثَانِيهمَا: أَن فِي صُعُوده يصل إِلَى طبقَة زمهريرية بَارِدَة فَإِذا بلغ البخار فِي صُعُوده إِلَيْهَا تكاثف. فالتكاثف إِنَّمَا عرض للبخار لأجل مَاله فِي ذَاته وَلأَجل صُعُوده ووصوله إِلَى الطَّبَقَة الْمَذْكُورَة. فعلى هَذَا لَا يرد على الْحَكِيم أثير الدّين الْأَبْهَرِيّ رَحمَه الله أَن قَوْله فِي هِدَايَة الْحِكْمَة لِأَن مَا يجاور المَاء من الْهَوَاء يَسْتَفِيد كَيْفيَّة الْبرد من المَاء مُسْتَدْرك. وتوجيه الِاسْتِدْرَاك أَن قَوْله لِأَن مَا يجاور المَاء الخ تَعْلِيل لتكاثف أَجزَاء البخار وتكاثفها يعلم من قَوْله ثمَّ الطَّبَقَة الَّتِي تَنْقَطِع الخ فَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِك القَوْل وتوجيه عدم الْوُرُود أَن المُرَاد بِالْمَاءِ هَا هُنَا مُطلق المَاء سَوَاء كَانَ جُزْء البخار أَو الَّذِي على سطح الأَرْض وَكَذَا المُرَاد من الْهَوَاء. وَقَوله لِأَن مَا يجاور تَعْلِيل التكاثف والتكاثف يحصل من مَجْمُوع الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين لَا من ... بالطبقة الزهريرية فَافْهَم فَإِنَّهُ حَاصِل الْجَواب الَّذِي ذكره الشَّارِح الْحسن الميبذي رَحمَه الله بقوله وَأَقُول يُمكن تَوْجِيه الْكَلَام الخ. الثلاثي: عِنْد أَصْحَاب التصريف هُوَ الْكَلِمَة الَّتِي تكون حروفها الْأُصُول ثَلَاثَة فَإِن لم يكن فِيهَا حرف زَائِد فَهِيَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الثلاثي الْمُجَرّد: مثل ضرب وَضرب وَإِلَّا فَهِيَ. الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ: كاكرم وضارب. وللاسم الثلاثي الْمُجَرّد عشرَة أبنية وَالْقِسْمَة الْعَقْلِيَّة تَقْتَضِي اثْنَي عشر لِأَن الْفَاء يكون مَفْتُوحًا ومضموما ومكسورا. وَالْعين مَفْتُوحًا ومكسورا ومضموما وساكنا. وَاللَّام مَحل الْإِعْرَاب لَا تقسم الأوزان بِاعْتِبَارِهِ. وَالْحَاصِل من ضرب الثَّلَاثَة فِي الْأَرْبَعَة اثْنَا عشر سقط مِنْهَا فعل وَفعل بِضَم الْفَاء وَكسر الْعين وَبِالْعَكْسِ استثقالا للنَّقْل فيهمَا من الضمة إِلَى الكسرة وَبِالْعَكْسِ لِأَنَّهُمَا حركتان ثقيلتان متبائنتان فِي الْمخْرج لَكِن الأول أخف لِأَن فِيهِ انتقالا من الأثقل وَهُوَ الضَّم للاحتياج فِيهِ إِلَى تَحْرِيك العضلتين إِلَى مَا دونه فِي الثّقل وَهُوَ الْكسر إِذْ لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَّا إِلَى تَحْرِيك عضلة وَاحِدَة. وَعلم مِنْهُ أَن الْفَتْح أخف مِنْهُمَا إِذْ لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى تَحْرِيك العضلة وَلذَا وضعُوا الْبناء الأول فِي الْفِعْل عِنْد الِاحْتِيَاج. وَأما نَحْو يضْرب وَإِن كَانَ فِيهِ انْتِقَال من الْكسر إِلَى الضَّم فَلم يعبؤوا بِهِ لِأَن الضَّم فِي معرض الزَّوَال بالناصب والجازم. وَتلك الْأَبْنِيَة الْعشْرَة هِيَ فلس - فرس - كتف - عضد - حبر - عِنَب - ابل - قفل - صرد - عنق - وأبنية الِاسْم الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ كَثِيرَة. وللفعل الْمَاضِي الثلاثي الْمُجَرّد ثَلَاثَة أبنية فعل كنصر وَفعل كعلم وَفعل ككرم وأبوابه سِتَّة فعل يفعل كنصر ينصر وَفعل يفعل كضرب يضْرب وَفعل يفعل كعلم يعلم وَهَذِه الثَّلَاثَة أصُول لِأَن حَرَكَة عين ماضيها مُخَالف لحركة عين مضارعها كَمَا هُوَ الأَصْل لِأَن معنى الْمَاضِي مبائن ومخالف للمضارع. فَالْأَصْل أَن يكون لَفظه أَيْضا مُخَالفا للفظه وَفعل يفعل كفتح يفتح وَفعل يفعل ككرم يكرم وَفعل يفعل كحسب يحْسب وَهَذِه الثَّلَاثَة فروع لِأَنَّهَا لَيست على مَا هُوَ الأَصْل من الِاخْتِلَاف بِقدر الوسع فَإِن قلت لم كَانَ أبنية الْمَاضِي من الثلاثي الْمُجَرّد ثَلَاثَة قلت لِأَن الأول مَفْتُوح للخفة وَامْتِنَاع الِابْتِدَاء بالساكن. وللعين ثَلَاثَة أَحْوَال إِذْ لَا يكون سَاكِنا لِئَلَّا يلْزم التقاء الساكنين عِنْد اتِّصَال الضَّمِير الْمَرْفُوع المتحرك فَإِن اللَّام يسكن حِينَئِذٍ لِئَلَّا يلْزم توالي أَربع حركات فِيمَا هُوَ كالكلمة الْوَاحِدَة وَلَيْسَت أبوابه ثَمَانِيَة لِأَن فضل يفضل وَكَاد يكَاد من بَاب التَّدَاخُل كَمَا مر فِي التَّدَاخُل. وأبواب الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ الَّذِي يدْخل فِيهِ همزَة الْوَصْل تِسْعَة أَو سَبْعَة إِن لم يعْتَبر بَابا إِلَّا فَاعل وَإِلَّا فعل لِأَنَّهُمَا فرعا بَابي التفاعل والتفعل وَالَّذِي لَا تدخل فِيهِ فأبوابه خَمْسَة فمجموع أَبْوَاب الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ أَرْبَعَة عشر أَو اثْنَا عشر. الثلم: فِي الْعرُوض حذف الْفَاء من فعولن ليبقى عولن وينقل إِلَى فعلن وَيُسمى أثلم. الثُّلُث: بِالضَّمِّ كسر من الكسور التِّسْعَة وَالله تَعَالَى جعل نصيب الْأُنْثَى ثلثا وَنصِيب الذّكر ثلثين من التَّرِكَة حَيْثُ قَالَ {وللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} . ولي هَا هُنَا نُكْتَة لَطِيفَة غَرِيبَة وَهِي أَن اعداد آدم بِحِسَاب الْجمل خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ واعداد حوا بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الْحساب خَمْسَة عشر وَلَا شكّ أَن خَمْسَة عشر ثلث خَمْسَة وَأَرْبَعين فَجعل الله تَعَالَى حِصَّة الْأُنْثَى ثلث المَال وَحِصَّة الذّكر ثُلثَيْهِ فَافْهَم واحفظ. بَاب الثَّاء مَعَ الْمِيم ثمَّة: بِالْفَتْح من أَسمَاء الْإِشَارَة للْإِشَارَة إِلَى الْمَكَان. وبالضم من حُرُوف الْعَطف لعطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة كَمَا أَن. ثمَّ: مِنْهَا ولعطف الْمُفْرد على الْمُفْرد. الثمامة: طَائِفَة ثُمَامَة بن أَشْرَس قَالُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى والزنادقة يصيرون فِي الْآخِرَة تُرَابا لَا يدْخلُونَ جنَّة وَلَا نَارا. الثّمن: النقدان أَي الذَّهَب وَالْفِضَّة مَضْرُوبا أَو لَا. بَاب الثَّاء مَعَ النُّون الثنتان: التَّاء فِيهِ بدل من لَام الْكَلِمَة أَعنِي الْيَاء لِأَنَّهُ من الثني. وَأما التَّاء فِي اثْنَتَيْنِ فَهِيَ للتأنيث لِأَن همزَة الْوَصْل عوض مِنْهَا أَي من الْيَاء. الثَّنَاء: ذكر الْخَيْر بِاللِّسَانِ لَكِن فِي تَعْرِيف الْحَمد مَقْطُوع اللِّسَان حَيْثُ جرد عَنهُ فَلَا يلْزم الِاسْتِدْرَاك فِي تَعْرِيفه بِأَنَّهُ الثَّنَاء بِاللِّسَانِ الخ. وَفِي التَّجْرِيد تَنْبِيه على قُصُور اللِّسَان فِي حَمده تَعَالَى فَإِن الْحَمد بِجَمِيعِ أَنْوَاعه مَخْصُوص بجنابه تَعَالَى وَلَا طَاقَة للسان أَن يحمده بِمَا هُوَ يَلِيق بِحَضْرَتِهِ تَعَالَى مصرع. (زبان زين كفتكو بايدبريدن) . وَقَول أفضل الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك. شَاهد على هَذَا المرام. وَقيل الثَّنَاء فعل يشْعر بتعظيم شَيْء وَهُوَ عِنْد الْفُقَهَاء سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك. وَفِي صَلَاة الْجِنَازَة سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَجل ثناءك وَلَا إِلَه غَيْرك. الثنايا: جمع الثَّنية: (جهاردندان بيش دو زير ودو بَالا) - والثنيتان (دو دندان بيش) . والثنية (يكي از دندان بيشين) . والرباعيات (جهار دندان كه أز بس ثنايا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 بود) - والرباعيتان دو والرباعية. يكي از دندان فِي الْوِقَايَة. الثني: ابْن خمس من الْإِبِل وَابْن حَوْلَيْنِ من الْبَقر وَابْن حول من الشَّاة. قَالَ الشَّاعِر. (الثنايا ابْن حول وَابْن ضعف ... وَابْن خمس من ذَوي ظلف وخف) والظلف (سم شكافته) من الشَّاة وَالْبَقر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 [حرف الْجِيم] بَاب الْجِيم مَعَ الْألف الْجَائِفَة: هِيَ على مَا فِي الْإِيضَاح يعم جَوف الصَّدْر وَالظّهْر والبطن والرقبة. وجوف الرَّقَبَة مَوضِع يفْطر الصَّوْم عِنْد وُصُول المَاء إِلَيْهِ وَمَا فَوْقه لَيْسَ بجوف لَهَا. وَفِي الْجَوَاهِر أَن الْجَائِفَة مَخْصُوصَة بِمَا عدا الرَّقَبَة من الصَّدْر وَالظّهْر والبطن. وَفِي الْكَافِي أَنَّهَا تخْتَص بجوف الرَّأْس والبطن. ثمَّ إِن ذكر الْجَائِفَة بعد الآمة فِي كنز الدقائق فِي كتاب الْجِنَايَات فِي فصل الشجاج مَبْنِيّ على أَن المُرَاد غير الآمة. الْجَانِب: الطّرف وَيُطلق على إِحْدَى أضلاع المستطيل غَالِبا. الجاحظية: طَائِفَة عمر بن سجر الجاحظ قَالُوا انعدام الْجَوْهَر مُمْتَنع وَالْخَيْر وَالشَّر من فعل العَبْد. وَالْقُرْآن جَسَد يَنْقَلِب تَارَة رجلا وَتارَة امْرَأَة. (ف (27)) . الْجَاهِل: يعلم بعد الْعلم بِالْجَهْلِ. وَقد يُرَاد بالجاهل الدهري كَمَا لَا يخفى على من طالع المطول. الْجَارِي: من المَاء مَا يذهب بتبنة كَذَا فِي الْكَنْز وَالْخُلَاصَة وَقيل مَا يعده النَّاس جَارِيا وَهُوَ الْأَصَح كَذَا فِي التَّبْيِين. جَامع الْكَلم: مَا يكون لَفظه قَلِيلا وَمَعْنَاهُ جزيلا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حفت الْجنَّة بالمكاره وحفت النَّار بالشهوات. الجامعة: والجفر كِتَابَانِ لأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه وَقد ذكر فيهمَا على طَريقَة علم الْحُرُوف الْحَوَادِث الَّتِي تحدث إِلَى انْقِرَاض الْعَالم وَكَانَت الْأَئِمَّة المعروفون من أَوْلَاده الْكِرَام كرم الله وَجهه يعرفونهما ويحكمون بهما. وَفِي كتاب قبُول الْعَهْد الَّذِي كتبه الإِمَام الْهمام عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 إِلَى الْمَأْمُون أَنَّك قد عرفت من حقوقنا مَا لم يعرفهُ آباءك فَقبلت مِنْك عَهْدك إِلَّا أَن الجفر والجامعة يدلان على أَنه لَا يتم. ولمشائخ المغاربة نصيب من علم الْحُرُوف ينتسبون فِيهِ إِلَى أهل الْبَيْت. الْجَار: بتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة جرد هنده كالحروف الجارة. وبتخفيفها همسايه وَجمعه الْجِيرَان. وَقيل الْجَار من هُوَ من أهل الْمحلة. وَقيل الْجِيرَان من يجمعهُمْ الْمَسْجِد والصلوات. وَسُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن حق الْجَار قَالَ إِن تجيبه إِن دعَاك - وتعينه إِن استعانك - وتنفقه إِن احْتَاجَ إِلَيْك - وتقرضه إِن استقرضك - وتهنيه إِن أَصَابَته مَسَرَّة - وتعزيه إِن أَصَابَته مُصِيبَة - وتشيع جنَازَته إِن مَاتَ - وتراعي حسن الْغَيْبَة مَعَ أَهله إِذا غَابَ - وَلَا تؤذيه بإلقاء الكناسة فِي بَيته - وتتحمل أَذَاهُ إِن أذاك. وَللَّه در النَّاظِم الْفَاضِل النامي مير غُلَام عَليّ ازاد البلكرامي سلمه الله تَعَالَى. (محنت همسايه هَا برخودكرفتن خوش نماست ... ازبراي جشم بيني زيربار عَيْنك است) وَأَيْضًا من (غَنِي كشميري) . (سعىبهرراحت همسايه هاكردن خوش است ... بشنودكوش ازبرأي خواب جشم افسانه را) بَاب الْجِيم مَعَ الْبَاء الْجَبْر: (شكسة رابربستن ونيكو كردن) . وَفِي التَّلْوِيح الْجَبْر افراط فِي تَفْوِيض الْأُمُور إِلَى الله تَعَالَى بِحَيْثُ يصير العَبْد بِمَنْزِلَة جماد لَا إِرَادَة لَهُ وَلَا اخْتِيَار لَهُ. وَالْقدر تَفْرِيط فِي ذَلِك بِحَيْثُ يصير العَبْد خَالِقًا لأفعاله مُسْتقِلّا فِي إِيجَاد الشرور والقبائح. وَالْحق أَي الثَّابِت فِي نفس الْأَمر هُوَ إِلْحَاق أَي الْأَمر الْوسط بَين الإفراط والتفريط على مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين حَيْثُ قَالَ لَا جبر وَلَا تَفْوِيض وَلَكِن أَمر بَين الْأَمريْنِ وَقد يعبر عَنهُ بالبين بَين أَيْضا. (ف (28)) . الْجَبْر والمقابلة: طَرِيق من طرق اسْتِخْرَاج المجهولات العددية واستعلامها من المعلومات العددية. (ف (29)) . الْجُبْن: فِي الْعَدَالَة كَمَا هُوَ دأب حكام هَذَا الزَّمَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الجبروت: عِنْد أبي طَالب الْمَكِّيّ رَحمَه الله عَالم العظمة يُرِيد بِهِ عَالم الْأَسْمَاء وَالصِّفَات الإلهية وَعند الْأَكْثَرين عَالم الْأَوْسَط وَهُوَ البرزخ الْمُحِيط. (ف (30)) . الْجَبِيرَة: هِيَ العيدان الَّتِي يجْبر بهَا الْعِظَام الْمَكْسُورَة. والعيدان جمع الْعود وَهُوَ الْخشب. بَاب الْجِيم مَعَ الْحَاء الْجحْد: فِي اللُّغَة إِنْكَار الشَّخْص عَن شَيْء. وَفِي اصْطِلَاح عُلَمَاء الصّرْف هُوَ الْإِخْبَار عَن نفي الْفِعْل فِي الزَّمَان الْمَاضِي بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل فَهُوَ أخص من النَّفْي الَّذِي هُوَ الْإِخْبَار عَن كَون الْفِعْل منفيا سَوَاء كَانَ فِي الزَّمَان الْمَاضِي أَو الْمُسْتَقْبل معبرا بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل أَو الْمَاضِي. جحط: قَالَ صَاحب كنز الدقائق رَحمَه الله فِيهِ (وَمَسْأَلَة البير جحط) أَي حكمهَا مَدْلُول حُرُوف هَذَا اللَّفْظ. وَصورتهَا جنب انغمس فِي البير للدلو وَلَا نَجَاسَة على بدنه ثمَّ (الْجِيم) من النَّجَاسَة أَي كِلَاهُمَا أَي الْجنب وَمَاء البير نجس عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله (والحاء) من الْحَال أَي كِلَاهُمَا على حَالهمَا عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله (والطاء) من الطَّاهِر أَي كِلَاهُمَا طَاهِر أَن عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله. وَالْفَتْوَى على قَول مُحَمَّد رَحمَه الله ومنشأ الِاخْتِلَاف فِيمَا بَينهم فِي حكم هَذِه الْمَسْأَلَة الِاخْتِلَاف فِي الْأُصُول. فَاعْلَم أَن المَاء الْمُسْتَعْمل عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله نجس وَلم يشْتَرط نِيَّة التَّقَرُّب لكَون المَاء مُسْتَعْملا. وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله نِيَّة التَّقَرُّب شَرط لَهُ. ثمَّ إِزَالَة الْحَدث عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله مَشْرُوطَة بصب المَاء على الْبدن دون مُحَمَّد رَحمَه الله فالماء وَالرجل فِي تِلْكَ الصُّورَة نجسان عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن المَاء بِأول الملاقات صَار نجسا فالرجل يكون على حَال جنابته بِالطَّرِيقِ الأولى لنجاسة المَاء الْمُسْتَعْمل. وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله كِلَاهُمَا بِحَالهِ أما الرجل فلعدم الصب وَأما المَاء فلعدم نِيَّة التَّقَرُّب. وَعند مُحَمَّد كِلَاهُمَا طاهران أما المَاء فلعدم نِيَّة التَّقَرُّب فَلم يكن مُسْتَعْملا وَأما الرجل فَلِأَن الصب لَيْسَ بِشَرْط عِنْده لإِزَالَة الْحَدث. وَإِنَّمَا دلّت هَذِه الْحُرُوف الثَّلَاثَة على أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة بِهَذَا التَّرْتِيب لأَنهم على هَذَا التَّرْتِيب فِي الرُّتْبَة. فالإمام هُوَ الْمُقدم ثمَّ أَبُو يُوسُف ثمَّ مُحَمَّد رَحِمهم الله فَلذَلِك قدم الْحَرْف الَّذِي يدل على قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله ثمَّ الْحَرْف الَّذِي يدل على قَول أبي يُوسُف ثمَّ الْحَرْف الَّذِي دلّ على قَول مُحَمَّد الَّذِي هُوَ تلميذ أبي يُوسُف وَهُوَ تلميذ أبي حنيفَة رَحِمهم الله. فَإِن قلت الْجنب إِذا دخل يَده فِي الْإِنَاء لَا يَتَنَجَّس المَاء للضَّرُورَة عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله فَيَنْبَغِي أَن لَا يَتَنَجَّس هَا هُنَا أَيْضا فَإِنَّهُ قد تقع الضَّرُورَة فِي دُخُول البير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَالرجل يجْرِي فِي حَقّهَا مجْرى الْيَد فِي الْإِنَاء قلت الضَّرُورَة فِي دُخُول الْيَد خَاصَّة تقع غَالِبا بِخِلَاف تِلْكَ الضَّرُورَة فَإِنَّهَا تقع فِي بعض الْأَزْمَان على الْخُصُوص فَلَا يجوز قِيَاس الرجل على الْيَد. بَاب الْجِيم مَعَ الدَّال الْمُهْملَة الجدل: الْقُوَّة وَالْخُصُومَة وَفِي اصْطِلَاح المنطقيين قِيَاس مؤلف من قضايا مَشْهُورَة أَو مسلمة لانتاج قَول آخر - والجدلي قد يكون سَائِلًا وَغَايَة سَعْيه إِلْزَام الْخصم وإفحام من هُوَ قَاصِر عَن إِدْرَاك مُقَدمَات الْبُرْهَان وَقد يكون مجيبا وغرضه أَن لَا يصير مطرح الْإِلْزَام. الْجدّة: بِكَسْر الْجِيم وَفتح الدَّال فِي اللُّغَة وَجه الأَرْض. وَعند الْحُكَمَاء هِيَ الْملك الَّذِي مقولة من المقولات التسع للعرض. وبفتح الْجِيم وَفتح الدَّال الْمُشَدّدَة صَحِيحَة وفاسدة. أما الْجدّة الصَّحِيحَة فَهِيَ الَّتِي لَا يدْخل فِي نسبتها إِلَى الْمَيِّت جد فَاسد كَأُمّ الْأَب وَأم الْأُم وَهِي صَاحِبَة فرض. وَأما الْجدّة الْفَاسِدَة فَهِيَ الَّتِي يدْخل فِي نسبتها إِلَى الْمَيِّت جد فَاسد كَأُمّ أَب الْأُم وَأم أَب أم الْأَب وَهِي من ذَوي الْأَرْحَام. وَإِنَّمَا وصفت الأولى بالصحيحة وَالثَّانيَِة بالفاسدة لبراءة الأولى عَن مداخلة الْجد الْفَاسِد دون الثَّانِيَة. الْجد: بِالْكَسْرِ السَّعْي وَالْمَشَقَّة وَإِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ أَو الْمجَازِي من اللَّفْظ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى ضد الْهزْل وَجَاء بِمَعْنى الْهزْل أَيْضا. وبالفتح العظمة وَمِنْه تَعَالَى جدك. وَأَبُو الْأَب وَأَبُو الْأُم وَإِن عليا. وَالْجد بِالْكَسْرِ كَمَا جَاءَ بِمَعْنى الْهزْل جَاءَ بِمَعْنى ضد الْهزْل أَيْضا كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد. النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْيَمِين. وَالْجد بِالْفَتْح فِي الْفَرَائِض صَحِيح وفاسد. أما الْجد الصَّحِيح فَهُوَ الَّذِي لَا يدْخل فِي نسبته إِلَى الْمَيِّت أم كأب الْأَب وَإِن علا. وَأما الْجد الْفَاسِد فَهُوَ الَّذِي يدْخل فِي نسبته إِلَى الْمَيِّت أم كأب الْأُم وَإِن علا. وَاعْلَم أَن الْجد الصَّحِيح كَالْأَبِ إِلَّا فِي أَربع مسَائِل كَمَا فِي الْفَرَائِض السِّرَاجِيَّة وَالْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مِنْهَا أَن الْمَيِّت إِذا ترك أبوين وَاحِد الزَّوْجَيْنِ فللأم ثلث مَا بَقِي بعد نصيب أحد الزَّوْجَيْنِ وَلَو كَانَ مَكَان الْأَب جد فللأم ثلث جَمِيع المَال لَا ثلث مَا بَقِي فَإِن قلت إِن صَاحب الْفَرَائِض السراجي جعل هَذِه الْمَسْأَلَة مَسْأَلَتَيْنِ فِي أَحْوَال الْأُم حَيْثُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 قَالَ وَثلث مَا بَقِي بعد فرض أحد الزَّوْجَيْنِ وَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ فَيلْزم أَن تكون الْمسَائِل المستثناة خمْسا لَا أَرْبعا. قلت إِن السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره صرح فِي شَرحه جوابين حَيْثُ قَالَ كَأَنَّهُ أَرَادَ فِي صُورَتَيْنِ لِأَن عدهما مَسْأَلَتَيْنِ حَقِيقَة توجب زِيَادَة الْمسَائِل المستثناة فِي الْجد على الْأَرْبَع كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِيمَا سلف. وَيُمكن أَن يُقَال جَعلهمَا مَسْأَلَتَيْنِ فِي تَوْرِيث الْأُم مَعَ الْأَب وَمَسْأَلَة وَاحِدَة فِي توريثها مَعَ الْجد إِذْ لكل من الجعلين وَجه ظَاهر انْتهى. وَذَلِكَ الْوَجْه الْوَجِيه أَن ثلث الْبَاقِي مَعَ الْأَب قد يكون ربعا وَقد يكون سدسا بِخِلَاف ثلث الْكل مَعَ الْجد فَإِنَّهُ على أَي حَال ثلث جَمِيع المَال. وَإِن أردْت تَفْصِيل هَذَا الْإِجْمَال فَاعْلَم أَن ثلث مَا بَقِي ربع الْكل فِي صُورَة الزَّوْجَة مَعَ الْأَب لِأَنَّهَا تَأْخُذ الرّبع فَتبقى ثَلَاثَة أَربَاع إِذْ الْمَسْأَلَة حِينَئِذٍ من أَرْبَعَة. وَثلث الْبَاقِي سدس الْكل فِي صُورَة الزَّوْج مَعَه لِأَنَّهُ يَأْخُذ النّصْف حِينَئِذٍ فَيبقى نصف آخر وَالنّصف ثَلَاثَة أَسْدَاس فثلث الْبَاقِي حِينَئِذٍ سدس إِذْ الْمَسْأَلَة حِينَئِذٍ من سِتَّة. أما مَعَ الْجد فَلَيْسَ الْوَاجِب فِي الصُّورَتَيْنِ إِلَّا ثلث جَمِيع المَال فَثَبت أَن ثلث الْبَاقِي مَعَ الْأَب يكون ربع جَمِيع المَال فِي صُورَة الزَّوْجَة وسدسه فِي صُورَة الزَّوْج فَلَمَّا كَانَ ثلث الْبَاقِي مُخْتَلفا فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ جَعلهمَا مَسْأَلَتَيْنِ بِخِلَاف ثلث الْبَاقِي مَعَ الْجد فَإِنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لَيْسَ إِلَّا ثلث جَمِيع المَال وَلَا تَتَغَيَّر من حَال إِلَى حَال فعدهما مَسْأَلَة فَافْهَم واحفظ فَأَنَّهُ مَسْتُور عَن نظر بعض الأحباب وَهُوَ تَعَالَى ملهم الصدْق وَالصَّوَاب. بَاب الْجِيم مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة الجذر: بِفَتْح الْجِيم عِنْد الاصمعي - وكسره عِنْد أبي عمر وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُهْملَة بِمَعْنى الأَصْل. وَلما كَانَ الْمَضْرُوب فِي نَفسه أصلا لجَمِيع الْأَعْدَاد الْحَاصِلَة فِي الْمنَازل سمي بِهِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِي أصل كل شَيْء جذره. وَفِي الحَدِيث أَن الْأَمَانَة نزلت فِي جذر قُلُوب الرِّجَال. أَي فِي أَصْلهَا وَرُوِيَ بِكَسْر الْجِيم. وَفِي عرف الْحساب الْعدَد الْمَضْرُوب فِي نَفسه يُسمى جذرا فِي مَا دون المساحة وَعلم الْجَبْر والمقابلة لِأَن الْمَضْرُوب فِي نَفسه يُسمى ضلعا فِي المساحة وَفِي علم الْجَبْر والمقابلة يُسمى شَيْئا. وَقد يُطلق الجذر على كل عدد مَضْرُوب فِي نَفسه وَيُسمى الْحَاصِل من ذَلِك الضَّرْب مجذورا فِي المحاسبات العددية ومربعا فِي المساحة وَمَا لَا فِي الْجَبْر والمقابلة والمحاسبات العددية هِيَ الْحساب الَّذِي لَا يتَعَلَّق بالمقادير من حَيْثُ نسبتها إِلَى مِقْدَار معِين وَهُوَ المساحة. وَلَا يتَعَلَّق بِمَجْهُول يتَصَرَّف فِيهِ بِحَسب معطيات السَّائِل وَهُوَ علم الْجَبْر والمقابلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 جذر الْمنطق وجذر الْأَصَم: أَي جذر الْعدَد الَّذِي منطق بجذره تَحْقِيقا وجذر الْعدَد لَا ينْطق بجذره تَحْقِيقا فالجذر على نَوْعَيْنِ: (منطق) و (أَصمّ) واطلب تَعْرِيف كل مِنْهُمَا فِي مَوْضِعه. والفاضل الْكَامِل الْمُحَقق أستاذ الْكل فِي الْكل سعد الْملَّة وَالدّين التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله ذكر فِي شرح الْمَقَاصِد فِي الْحسن والقبح مغلطة سَمَّاهَا مغلطة جذر الْأَصَم لِأَن الجذر فِي اللُّغَة بِمَعْنى الْحجر أَيْضا والأصم جَاءَ بِمَعْنى الصلب أَيْضا فَحِينَئِذٍ التَّرْكِيب توصيفي وَلما لم يظفر أحد بحلها وجوابها كَانَت فِي غَايَة الصلابة فَكَانَت حجرا صلبا. وَهَذَا الْوَجْه يَقْتَضِي أَن يكون الجذر مُعَرفا بِاللَّامِ وَالْوَاقِع فِي الْكتاب تركيب إضافي أَو توصيفي على اخْتِلَاف النّسخ. قيل يجوز أَن يكون الجذر اسْما لصَاحب تِلْكَ المغلطة وَكَانَ هُوَ أَصمّ بِمَعْنى زائل السّمع. وَلَا يخفى أَن هَذَا لَا يُنَاسب بِمَا ذكره الْمُحَقق الْمَذْكُور حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ وَهَذِه مغلطة تحير فِي حلهَا عقول الْعُقَلَاء وفحول الأذكياء وَلذَا نسميها مغلطة جذر الْأَصَم. وَأَيْضًا لَا يُنَاسب بِمَا نقل أَن صَاحبهَا ابْن كموني وَيُمكن دَفعه بِأَنَّهُ يجوز أَن يكون ابْن كموني كنيته والجذر اسْمه فَلَا مُنَافَاة وَالْأولَى أَن يُقَال إِن الْعُقَلَاء لما عجزوا عَن حلهَا وَمَعْرِفَة جوابها كعجزهم عَن معرفَة الجذر الْأَصَم سَمَّاهَا بِهِ. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَقْرِير تِلْكَ الشُّبْهَة وَبَيَان أجوبتها وَإِنِّي تركتهَا خوفًا للإطناب. واخترت الْمُخْتَصر الصَّوَاب. مستعينا بِاللَّه الْملك الْوَهَّاب لَو قَالَ قَائِل كَلَامي فِي هَذَا الْيَوْم كَاذِب وَلم يقل فِي ذَلِك الْيَوْم غير هَذَا الْكَلَام لزم أَن يكون الْكَلَام صَادِقا وكاذبا مَعًا لِأَنَّهُ إِن كَانَ صَادِقا فِي نفس الْأَمر لزم أَن يكون الْمَحْمُول وَهُوَ كَاذِب صَادِقا على مَوْضُوعه وَهُوَ قَول الْقَائِل كَلَامي فَيكون كَلَامه كَاذِبًا فَيلْزم أَن يكون كَاذِبًا وَقد فرض أَنه صَادِق وَإِن كَانَا كَاذِبًا فِي نفس الْأَمر يلْزم أَن يكون الْمَحْمُول وَهُوَ كَاذِب غير صَادِق على مَوْضُوعه فَصدق عَلَيْهِ أَنه صَادِق لِأَن الْمَوْضُوع كَلَام الْقَائِل وَالْكَلَام وَاجِب الاتصاف بِأَحَدِهِمَا فَيكون كَلَامه صَادِقا وَلَيْسَ كَلَامه إِلَّا كَلَامي كَاذِب فَيكون صَادِقا وَقد فرض أَنه كَاذِب. وَقد يُقرر هَذِه الشُّبْهَة فِي قَول الْقَائِل كَلَامي هَذَا كَاذِب وَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ بِخَبَر فضلا عَن أَن يكون صَادِقا أَو كَاذِبًا فَإِن الْحِكَايَة عَن الْوَاقِع مُعْتَبرَة فِي مَفْهُوم الْخَبَر لِأَن الْخَبَر قَول مُشْتَمل على نِسْبَة هِيَ حِكَايَة عَن أَمر وَاقع وَمن شَأْن الْحِكَايَة أَن تتصف بالمطابقة وَعدمهَا وَلِهَذَا يحْتَمل الْخَبَر الصدْق وَالْكذب أَي مُطَابقَة النِّسْبَة للْوَاقِع وَعدم مطابقتها لَهُ بِخِلَاف النّسَب الإنشائية فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت مُعْتَبرَة فِي الإنشاءات لَكِن لَا من حَيْثُ كَونهَا حِكَايَة عَن الْوَاقِع. وَإِذا عرفت أَن الْحِكَايَة عَن الْوَاقِع مُعْتَبرَة فِي مَفْهُوم الْخَبَر. فَاعْلَم أَن قَول الْقَائِل كَلَامي هَذَا كَاذِب مثلا مُشِيرا إِلَى نفس هَذَا الْكَلَام لَيْسَ خَبرا أصلا. وَإِن كَانَ فِي صُورَة الْخَبَر لانْتِفَاء الْحِكَايَة الْمَذْكُورَة الَّتِي تَقْتَضِي مُغَايرَة بَين الْحِكَايَة والمحكى عَنهُ وَتقدم المحكى عَنهُ على الْحِكَايَة لِأَن المحكى عَنهُ هُوَ مصداق الْقَضِيَّة ومصداقها لزم أَن يتَقَدَّم عَلَيْهَا فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون نَفسهَا. وَأَيْضًا لَا يُمكن أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 يحكم فِي هَذَا القَوْل على نَفسه لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ يجب أَن يكون مُسْتقِلّا بالمفهومية ومتحققا قبل الحكم وَهَذَا القَوْل لاشْتِمَاله على نَفسه غير مُسْتَقل بالمفهومية وَلَيْسَ لَهُ تحقق إِلَّا بعد الحكم فَهَذَا القَوْل على ذَلِك التَّقْدِير لَا يكون لَهُ معنى محصلا فَلَا يكون خَبرا وَلَا إنْشَاء وَلَو كَانَ على فرض الْمحَال كلَاما تَاما لَكَانَ إنْشَاء على صُورَة الْخَبَر. وَأَنت تعلم أَن المنحصر فِي الْأَمر وَالنَّهْي والاستفهام وَغَيرهَا من الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة فِي الْكتب هُوَ الْإِنْشَاء الَّذِي لَا يكون على صُورَة الْخَبَر فَلَا يرد أَن ذَلِك القَوْل لَو كَانَ إنْشَاء فَأَي قسم من أَقسَام الْإِنْشَاء وَلَا يصلح قسما مِنْهَا. الْجَذعَة: بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة هِيَ الَّتِي من جنس الْإِبِل طعنت فِي الْخَامِسَة سميت بهَا لِأَنَّهَا لَا يَسْتَوْفِي مِنْهَا مَا يُطَالب إِلَّا بِضَرْب وتكلف وَحبس وَلِأَنَّهَا تطِيق الْجُوع يُقَال جذعت الْإِبِل إِذا حبستها بِلَا علف. والجذع من الضَّأْن: أَي ذَوَات الصُّوف مَا تمت لَهُ سِتَّة أشهر فِي مَذْهَب الْفُقَهَاء وَذكر الزَّعْفَرَانِي أَنه ابْن سَبْعَة أشهر كَذَا فِي الْهِدَايَة. بَاب الْجِيم مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة الجزيرة: بِضَم الْجِيم وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الزَّاي الْمُعْجَمَة فِي الْعَدَالَة. الجرادة: بِضَم الْجِيم بِالْفَارِسِيَّةِ ملخ. وَحل الْجَرَاد بأنواعه وَإِن مَاتَ حتف أَنفه وَهُوَ بحري الأَصْل بري المعاش كَمَا قيل إِن بيض السّمك إِذا انحسر عَنهُ المَاء يصير جَرَادًا كَمَا فِي الْمَبْسُوط. أورد الإِمَام أَبُو شُجَاع الديلمي فِي الفردوس عَن جَابر وَأنس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه دَعَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسلم بِهَذَا الدُّعَاء لدفع الْجَرَاد. اللَّهُمَّ أهلك الْجَرَاد. اللَّهُمَّ أهلك كباره وَأهْلك صغاره وأفسد بيضته وأقطع دابره وَخذ بأفواهه عَن معاشنا وأرزاقنا أَنَّك سميع الدُّعَاء. نقل من خطّ الْمولى سعيد الدّين الكازروني رَحمَه الله تَعَالَى بِثَلَاث وسائط. الجرد: بِضَم الْجِيم وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة جمع الأجرد وَهُوَ من لَا يكون الشّعْر على بدنه كَمَا أَن المرد جمع أَمْرَد وَهُوَ من لَا يكون الشّعْر على ذقنه. الْجَرّ: كشيدن وَنَوع من أَنْوَاع الْإِعْرَاب وتحقيقه فِي الرّفْع إِن شَاءَ الله تَعَالَى. والجر يكون بِثَلَاثَة أَشْيَاء بحروف الْجَرّ وبالإضافة وبالتبعية وَالْأَصْل فِي ذَلِك حُرُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الْجَرّ ثمَّ الْإِضَافَة ثمَّ التّبعِيَّة وَقد اجْتمع ذَلِك أَيْضا كُله مُرَتبا فِي الْبَسْمَلَة فالاسم مخفوض بالحرف وَالله بِالْإِضَافَة والرحمن بالتبعية. الجرصن: دخيل أَي لَيْسَ بعربي أُصَلِّي البرج وَقيل مجْرى المَاء فِي الْحَائِط. وَفِي الْجَامِع الصَّغِير الجرصن البرج الَّذِي يكون فِي الْحَائِط. وَعَن الإِمَام الْبَزْدَوِيّ رَحمَه الله جذع يُخرجهُ الْإِنْسَان من الْحَائِط ليبتني فِيهِ كَذَا فِي الْمغرب. الجريب: بِفَتْح الأول وَكسر الرَّاء الْمُهْملَة ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة ذِرَاع أَي بالتكسير. وَقَالَ الْفَاضِل الجلبي فِي حَاشِيَة شرح الْوِقَايَة الجريب سِتُّونَ ذِرَاعا فِي سِتِّينَ أَي يكون سِتِّينَ طولا وعرضا. وَقيل هَذَا حِكَايَة عَن جريب سَواد الْعرَاق فِي أراضيهم وَلَيْسَ بِتَقْدِير لَازم فِي الأَرْض كلهَا. بل جريب الْأَرَاضِي مُخْتَلف باخْتلَاف الْبلدَانِ فَيعْتَبر فِي كل بَلْدَة مُتَعَارَف أَهله كَذَا فِي الْكِفَايَة وَفِي المسكيني شرح كنز الدقائق والجريب سِتُّونَ ذِرَاعا بِذِرَاع كسْرَى وَأَنه يزِيد على ذِرَاع الْعَامَّة بقبضة وَهُوَ سبع قبضات. الجرم: بِالضَّمِّ الْقطع وَالْجِنَايَة وبالكسر الْجَسَد مُطلقًا والجسد الصافي وَلِهَذَا يُطلق على الْفلك وَمَا فِيهَا من الْكَوَاكِب دون العناصر والمواليد الثَّلَاثَة وَجمعه إجرام وجروم وجرم بالضمتين (وَلَا جرم) بِالضَّمِّ لَا بُد. الْجرْح الْمُجَرّد: مَا يفسق بِهِ الشَّاهِد وَلم يُوجب حَقًا للشَّرْع كَمَا إِذا شَهدا أَن الشَّاهِدين شربا الْخمر وَلم يعلم تقادم الْعَهْد أَو أَنَّهُمَا يرتكبان الْكَبِيرَة مُطلقَة وَإِنَّمَا سمي مثل هَذَا جرحا مُجَرّد التجردة عَن التَّعْيِين وَلِهَذَا لَا يُوجب حَقًا للشَّرْع كالحد وَالتَّقْدِير. الجرموق: هُوَ الموق مُعرب يرموك لِأَن الْجِيم وَالْقَاف لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كلمة إِلَّا معربة. أَو حِكَايَة صَوت ذكره الْجَوْهَرِي وَيجوز الْمسْح على الجرموق إِذا كَانَ من الْأَدِيم وَنَحْوه وَلَو كَانَ من كرباس لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ كاللفافة إِلَّا أَن تنفذ البلة إِلَى الْخُف قدر الْوَاجِب وَهُوَ مِقْدَار ثَلَاث أَصَابِع الْيَد. بَاب الْجِيم مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة الْجُزْء: مَا يتركب عَنهُ وَعَن غَيره شَيْء هُوَ الْكل وَفِي اصْطِلَاح الْحساب هُوَ الْعدَد الْأَقَل الَّذِي يعد الْأَكْثَر أَي يفنيه كَمَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد شرِيف الْعلمَاء قدس سره الْعدَد الْأَقَل إِن عد الْأَكْثَر يُسمى جُزْءا لَهُ اصْطِلَاحا وَإِن لم يعده كَانَ أَجزَاء لَهُ انْتهى كالثلاثة فَإِنَّهَا تعد التِّسْعَة فَهِيَ جُزْء لَهَا بِخِلَاف السِّتَّة فَإِنَّهَا أَجزَاء للتسعة. وَيعلم من هَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 هُنَا أَن الْجُزْء يكون كسرا وَاحِدًا من الْأَكْثَر لَا مكررا فَإِن الثَّلَاثَة ثلث التِّسْعَة بِخِلَاف السِّتَّة فَإِنَّهَا ثلثا التِّسْعَة فَافْهَم. الْجُزْء الْمُشْتَرك: فِي تَمام الْمُشْتَرك بل هُوَ هُوَ. الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ: والجوهر الْفَرد والنقطة الجوهرية مترادفات وَهُوَ جَوْهَر ذُو وضع لَا يقبل الْقِسْمَة قطعا لَا قطعا وَلَا كسرا وَلَا وهما وَلَا فرضا - والجوهر بِمَنْزِلَة الْجِنْس فَلَا تدخل فِيهِ النقطة العرضية - والخط - والسطح العرضيان - والجسم التعليمي لكَونهَا إعْرَاضًا وَقَوله ذُو وضع أَي قَابل للْإِشَارَة الحسية وَقيل أَي متجزئ لذاته يخرج الْجَوَاهِر الْمُجَرَّدَة إِذْ المجردات لَيست بقابلة لَهَا وَلَا بمتجزئة وَقَوله لَا يقبل الْقِسْمَة يخرج الْجِسْم الطبيعي لكَون قبُول الْقِسْمَة فِي الْجِهَات مأخوذا فِي تَعْرِيفه قَوْله قطعا لَا قطعا. الأول: بِمَعْنى أصلا ويقينا أَي لَا يقبل الْقِسْمَة بِوَجْه من الْوُجُوه بِلَا شكّ وَبِه يخرج الْخط الْجَوْهَرِي والسطح الْجَوْهَرِي لِكَوْنِهِمَا وَإِن لم يقبلا الْقِسْمَة من وَجه لكنهما قابلان لَهَا من وَجه آخر. وَالثَّانِي: بِمَعْنى الْقِسْمَة القطعية وَقَالُوا الْقطع هُوَ فصل الْجِسْم بنفوذ جسم آخر وَالْكَسْر فصل الْجِسْم الصلب بِدفع دَافع من غير نُفُوذ شَيْء فِي حجمه وَالْقِسْمَة الوهمية مَا هُوَ بِحَسب التَّوَهُّم جزئيا وَالْقِسْمَة الْفَرْضِيَّة مَا هُوَ بِحَسب فرض الْعقل كليا كَمَا إِذا فَرضنَا لشَيْء نصفا أَو ربعا مثلا فنصفه كل لِأَنَّهُ يصدق على نصفه من أَي جَانب كَانَ وَكَذَا الرّبع وَالثلث وَقس عَلَيْهِ الْخمس وَالسُّدُس وَسَائِر الكسور والفائدة فِي إِيرَاد الْفَرْض أَن الْوَهم رُبمَا يقف إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يقدر على استحضار مَا يقسمهُ لصغره أَو لِأَنَّهُ لَا يقدر على الْإِحَاطَة بِمَا لَا يتناهى. وَالْفَرْض الْعقلِيّ لَا يقف لتَعَلُّقه بالكليات الْمُشْتَملَة على الصغر وَالْكبر والمتناهي وَغير المتناهي وَلَيْسَ المُرَاد من الْقِسْمَة الْفَرْضِيَّة مُجَرّد فرض الانقسام وَتَقْدِيره بل انتزاع الْعقل مِقْدَارًا أَصْغَر من المنقسم. وَالْحَاصِل أَن المُرَاد بِالْفَرْضِ الانتزاعي أَي التجويز الْعقلِيّ لَا الاختراعي أَي التقديري وَذَلِكَ الْجُزْء بَاطِل عِنْد الْحُكَمَاء ثبات مَوْجُود عِنْد الْمُتَكَلِّمين. نعم الشَّاعِر: (أَي آنكه جز وَلَا يتجزى دهان تست ... طولى كه هيج عرض ندارد ميازتست) (كردى بنطق نقطة موهوم را دو نيم ... برهم زن كَلَام حكيمان بَيَان تست) والجسم مركب عِنْد الْمُتَكَلِّمين من الْأَجْزَاء الَّتِي لَا تتجزئ وَعند الْحُكَمَاء من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الهيولى وَالصُّورَة. وَإِنَّمَا ذهب المتكلمون إِلَى إِثْبَات الْجَوْهَر الْفَرد وتركيب الْجِسْم مِنْهُ وَنفي الهيولى لِئَلَّا يلْزم قدم الْعَالم والعالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُحدث عِنْدهم. وَأما عِنْد إِثْبَات الهيولى وَالصُّورَة وَنفي الْجُزْء وتركب الْجِسْم مِنْهُمَا دون الْجُزْء يلْزم قدم الْعَالم لِأَن الصُّورَة لَا تنفك عَن الهيولى والهيولى لَا يجوز أَن تكون حَادِثَة وَإِلَّا لزم التسلسل. وَبَيَان الْمُلَازمَة أَن كل حَادث زماني مَسْبُوق بمادة وَمُدَّة كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه فَلَو كَانَ الهيولى حَادِثَة لزم أَن يكون لَهَا مَادَّة وَهِي الهيولى وهلم جرا يَعْنِي إِثْبَات الْجُزْء وَنفي الهيولى مُفِيد فِي نفي الْقدَم وَنفي الْجُزْء وَإِثْبَات الهيولى مُفِيد فِي نفي الْحُدُوث أَي ثُبُوت الْقدَم. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن إِثْبَات الْجُزْء مُفِيد فِي نفي الهيولى وَالْقَائِل بالهيولى أَيْضا معترف بذلك وَنفي الهيولى مُطلقًا قَدِيما أَو حَادِثا مُسْتَلْزم لنفي الْإِيجَاب وَنفي الْإِيجَاب مُسْتَلْزم لنفي الْقدَم فَكَانَ إِثْبَات الْجُزْء أَيْضا مُفِيدا ومستلزما لنفي الْقدَم. أما كَون نفي الهيولى مستلزما لنفي الْإِيجَاب فَلِأَن المبدأ ذَا كَانَ مُوجبا لَا بُد لتخصيص من مُرَجّح وَهُوَ الْإِمْكَان الاستعدادي ولوجوديته لَا بُد لَهُ من مَادَّة فَلَزِمَ القَوْل بِوُجُود الهيولى. فنفي الهيولى مُسْتَلْزم لنفي الْإِيجَاب وَأما كَون نفي الْإِيجَاب مستلزما لنفي الْقدَم فَلِأَن أثر الْمُخْتَار لَا يكون قَدِيما لما تقرر فِي مَوْضِعه. فَظهر مِمَّا ذكرنَا أَن إِثْبَات الْجُزْء وَنفي الهيولى مُفِيد فِي نفي الْقدَم ومستلزم لَهُ. فَإِن قلت لَا نسلم أَن الهيولى لَو كَانَ ثَابتا لَكَانَ الْعَالم قَدِيما لم لَا يجوز أَن يكون المبدأ مُخْتَارًا فَلَا يحْتَاج إِلَى مُرَجّح آخر سوى الْإِرَادَة حَتَّى يُقَال إِنَّه لَا بُد من مُرَجّح وَهُوَ الْإِمْكَان الاستعدادي فَلَو لم يكن الهيولى قَدِيما لزم التسلسل كَمَا مر آنِفا فَيجوز أَن يكون الهيولى على هَذَا التَّقْدِير حَادِثا فَيكون الْعَالم أَيْضا حَادِثا لَا قَدِيما. قلت هَذَا لَا يُنَافِي كَون إِثْبَات الْجُزْء وَنفي الهيولى مُفِيدا فِي نفي الْقدَم إِذْ لَيْسَ معنى الإفادة هَا هُنَا أَن إِثْبَات الْجُزْء وَنفي الهيولى مُفِيد فِي نفي قدم الْعَالم بِمَعْنى أَنه لولاه لامتنع نفي الْقدَم حَتَّى يُقَال إِن الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة لجَوَاز أَن لَا يثبت الْجُزْء ويتحقق الهيولى وَلَا يكون الْعَالم قَدِيما بِأَن يكون المبدأ مُخْتَارًا بل مَعْنَاهُ هَا هُنَا أَن هَذَا أَيْضا طَرِيق إِلَى نفي قدم الْعَالم فَإِنَّهُ يلْزم مِنْهُ نفي الهيولى مُطلقًا وَيلْزم من نفي الهيولى الْمُطلق نفي الْإِيجَاب وَنفي الْإِيجَاب مُسْتَلْزم لنفي الْقدَم. وَمعنى قَوْلهم إِثْبَات الهيولى مؤد إِلَى القَوْل بقدم الْعَالم أَن الهيولى لَا ضَرُورَة فِي إِثْبَاتهَا إِلَّا على تَقْدِير كَون المبدأ مُوجبا إِذْ على تَقْدِير كَونه مُخْتَارًا يُمكن أَن يُوجد الهيولى على تَقْدِير ثُبُوته وَإِن يُوجد جَمِيع الْحَوَادِث بِلَا مَادَّة فَلَا ضَرُورَة حِينَئِذٍ فِي إِثْبَات الهيولى على تَقْدِير كَونه مُخْتَارًا لِأَن وجود الهيولى وَعَدَمه على هَذَا التَّقْدِير على السوَاء فَلَا يكون الْقَائِلُونَ بِالِاخْتِيَارِ قائلين بالهيولى بِلَا ضَرُورَة فَلَا يكون القَوْل بالهيولى إِلَّا على تَقْدِير القَوْل بِالْإِيجَابِ للضَّرُورَة الَّتِي عرفت وَلَا يكون ذَلِك القَوْل إِلَّا بقدم الهيولى لِامْتِنَاع التسلسل فِي الهيولى وَهُوَ مؤد إِلَى القَوْل بقدم الْعَالم فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ من الْجَوَاهِر المكنونة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 المخزونة فِي صناديق صُدُور خَواص الْحُكَمَاء المستورة بحجب الْجلَال عَن أعين عوام الْعلمَاء. الْجُزْء المقداري: كلما يَقع فِي الْكتب يُرَاد بِهِ الِاحْتِرَاز عَن الهيولى وَالصُّورَة فَإِنَّهُمَا وَإِن كَانَتَا من أَجزَاء الْجِسْم لكنهما غير مقداريين. قَالُوا الْأَجْزَاء المقدارية أَجزَاء متبائنة فِي الْوَضع أَي أجزء يَصح أَن يُقَال فِي كل مِنْهَا أَيْن هُوَ من صَاحبه وَاعْلَم أَن هَذَا تَعْرِيف للأجزاء المقدارية بِحَسب الْحس فَلَا يرد أَن التَّعْرِيف لَيْسَ بِجَامِع لِأَن النَّار والهواء وَالْمَاء أَجزَاء مقدارية للجسم العنصري وَلَيْسَت متبائنة فِي الْوَضع إِذْ لَا يَصح أَن يُقَال لكل مِنْهَا أَيْن هُوَ من صَاحبه فَإِن العناصر لَيست أَجزَاء مقدارية بِحَسب الْحس. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن المُرَاد أَنَّهَا أَجزَاء متبائنة حَال التَّرْكِيب أَو قبله أَو بعده وَحِينَئِذٍ يكون تعريفا لمُطلق الْأَجْزَاء المقدارية. الجزئي: مقول بالاشتراك اللَّفْظِيّ على مَا يمْتَنع نفس تصَوره من وُقُوع الشّركَة كزيد وَيُسمى. جزئيا حَقِيقِيًّا: لِأَن جزئيته بِالنّظرِ إِلَى حَقِيقَته الْمَانِعَة من الشّركَة وبإزائه الْكُلِّي الْحَقِيقِيّ. وعَلى الْأَخَص من شَيْء كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان وَيُسمى جزئيا إضافيا لِأَن جزئيته بِالْإِضَافَة إِلَى شَيْء آخر وبإزائه الْكُلِّي الإضافي والجزئي بِهَذَا الْمَعْنى أَعم مِنْهُ بِالْمَعْنَى الأول يَعْنِي كل جُزْء حَقِيقِيّ جزئي إضافي بِدُونِ الْعَكْس فَإِن زيدا جزئي حَقِيقِيّ كَمَا هُوَ الظَّاهِر وجزئي إضافي لِأَنَّهُ أخص من الْإِنْسَان وَالْإِنْسَان جزئي إضافي لِأَنَّهُ أخص من الْحَيَوَان وَلَيْسَ بجزئي حَقِيقِيّ كَمَا لَا يخفى فَإِن قيل مَا وَجه التَّسْمِيَة بالكلي والجزئي قلت إِن الْكُلِّي يكون جُزْءا للجزئي غَالِبا فَإِن الْإِنْسَان جُزْء لزيد لِأَنَّهُ إِنْسَان مَعَ هَذَا التشخص وَالْحَيَوَان جُزْء للْإنْسَان الَّذِي وَهُوَ حَيَوَان نَاطِق والجسم جُزْء للحيوان الَّذِي هُوَ جَوْهَر جسم نَام حساس متحرك بالإرادة فَيكون الجزئي كلا والكلي جُزْءا وَلما كَانَ كُلية الشَّيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجزئي الَّذِي هُوَ الْكل نسب ذَلِك الشَّيْء إِلَى الْكل فَصَارَ كليا وَكَذَلِكَ لما كَانَ جزئية الشَّيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُلِّي الَّذِي هُوَ الْجُزْء نسب ذَلِك الشَّيْء إِلَى الْجُزْء فَصَارَ جزئيا هَكَذَا فِي القطبي شرح الشمسية. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره وَلَا يخفى أَن هَذَا الْمَعْنى أَي كُلية الشَّيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجزئي إِنَّمَا يظْهر فِي الْكُلِّي بِالْقِيَاسِ إِلَى الجزئي الإضافي فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا مضائف للْآخر إِذْ معنى الجزئي الإضافي هُوَ المندرج تَحت شَيْء وَذَلِكَ الشَّيْء يكون متناولا لذَلِك الجزئي وَلغيره. فالكلية والجزئية الإضافية مفهومان متضائفان لَا يعقل أَحدهمَا إِلَّا مَعَ تعقل الآخر كالأبوة والبنوة. وَأما الْجُزْئِيَّة الْحَقِيقِيَّة فَهِيَ تقَابل الْكُلية تقَابل الْعَدَم والملكة فَإِن الْجُزْئِيَّة منع فرض الِاشْتِرَاك بِالصّدقِ على كثيرين والكلية عدم الْمَنْع فَالْأولى أَن يذكر وَجه التَّسْمِيَة فِي الْكُلِّي وَفِي الجزئي الإضافي. ثمَّ يُقَال وَإِنَّمَا سمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الْحَقِيقِيّ أَيْضا جزئيا لِأَنَّهُ أخص من الجزئي الإضافي فَأطلق اسْم الْعَام على الْخَاص وَقَيَّدنَا بالحقيقي لما سَنذكرُهُ انْتهى. الجزئي الْحَقِيقِيّ لَا يكون مَحْمُولا. أَي حملا إيجابيا أصلا بِحَسب الْحَقِيقَة وَأَن يحمل بِحَسب الظَّاهِر كَمَا يُقَال هَذَا زيد اعْلَم أَن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة اخْتِلَافا ذهب السَّيِّد السَّنَد قدس سره إِلَى أَن الجزئي الْحَقِيقِيّ لَا يحمل على شَيْء أصلا إِيجَابا بِحَسب الْحَقِيقَة بل يحمل عَلَيْهِ المفهومات الْكُلية. وَأما قَوْلك هَذَا زيد فَلَا بُد فِيهِ من التَّأْوِيل لِأَن هَذَا إِشَارَة إِلَى الشَّخْص الْمعِين فَلَا يُرَاد بزيد ذَلِك الشَّخْص الْمعِين وَإِلَّا فَلَا حمل من حَيْثُ الْمَعْنى بل المُرَاد بِهِ مَفْهُوم مُسَمّى بزيد أَو صَاحب اسْم زيد وَهَذَا الْمَفْهُوم كلي وَإِن فرض انحصاره فِي شخص وَاحِد. فَإِن قيل حمل الشَّيْء على نَفسه ضَرُورِيّ فَكيف يَصح نفي الْحمل الْمَذْكُور مُطلقًا قُلْنَا مُرَاده قدس سره أَن الجزئي الْحَقِيقِيّ من حَيْثُ إِنَّه جزئي حَقِيقِيّ وَله هوية شخصية لَا يحمل على نَفسه بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة لِأَنَّهُ وَاحِد مَحْض وَلَا على غَيره لِأَنَّهُ مبائن لَهُ. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل مَا ذكره أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله من أَن منَاط الْحمل الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن وجودا وَاحِدًا قَائِم بهما لِامْتِنَاع قيام الْعرض الْوَاحِد بمحلين بل مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود لأَحَدهمَا بالإصالة وَللْآخر بالتبع بِأَن يكون منتزعا عَنهُ. وَلَا شكّ أَن الجزئي هُوَ الْمَوْجُود اصالة وَأما الْأُمُور الْكُلية سَوَاء كَانَت ذاتية أَو عرضية منتزعة عَنهُ على مَا هُوَ تَحْقِيق الْمُتَأَخِّرين فَالْحكم باتحاد الْأُمُور الْكُلية مَعَ الجزئي صَحِيح دون الْعَكْس فَإِن وَقع مَحْمُولا كَمَا فِي بعض الْإِنْسَان زيد فَهُوَ مَحْمُول على الْعَكْس أَو على التَّأْوِيل. فَانْدفع مَا قيل إِنَّه يجوز أَن يُقَال زيد إِنْسَان فليجز الْإِنْسَان زيد لِأَن الِاتِّحَاد من الْجَانِبَيْنِ فَظهر أَنه لَا يُمكن حمله على الْكُلِّي. وَأما على الجزئي فَلِأَنَّهُ أما نَفسه بِحَيْثُ لَا تغاير بَينهمَا أصلا بِوَجْه من الْوُجُوه حَتَّى بالملاحظة والالتفات على مَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين أَنه إِذا لوحظ شخص مرَّتَيْنِ وَقيل زيد زيد كَانَ مغائرا بِحَسب الملاحظة وَالِاعْتِبَار قطعا وَيَكْفِي هَذَا الْقدر من التغاير فِي الْحمل فَلَا يُمكن تصور الْحمل بَينهمَا فضلا عَن إِمْكَانه وَأما جزئي آخر مغائر لَهُ وَلَو بالملاحظة والالتفات فالحمل وَإِن كَانَ يتَحَقَّق ظَاهرا لكنه فِي الْحَقِيقَة حكم بتصادق الاعتبارين على ذَات وَاحِدَة فَإِن معنى الْمِثَال الْمَذْكُور أَن زيدا الْمدْرك أَولا هُوَ زيد الْمدْرك ثَانِيًا. وَالْمَقْصُود مِنْهُ تصادق الاعتبارين عَلَيْهِ وَكَذَا فِي قَوْلك هَذَا الضاحك هَذَا الْكَاتِب الْمَقْصُود اجْتِمَاع الوصفين فِيهِ فَفِي الْحَقِيقَة الجزئي مقول عَلَيْهِ للاعتبارين لَا للجزئي فالاعتباران محمولان عَلَيْهِ نعم على القَوْل بِوُجُود الْكُلِّي الطبيعي فِي الْخَارِج حَقِيقَة كَمَا هُوَ رَأْي الأقدمين والوجود الْوَاحِد إِنَّمَا قَامَ بالأمور المتعددة من حَيْثُ الْوحدَة لَا من حَيْثُ التَّعَدُّد يَصح حمله على الْكُلِّي لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُود والاتحاد من الْجَانِبَيْنِ وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيّ على مَا نقل عَن الفارابي وَالشَّيْخ من صِحَة حمل الجزئي وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 مَا عِنْدِي فِي هَذَا الْبَحْث الغامض انْتهى. وَذهب أَبُو نصر الفارابي وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ بن سيناء إِلَى جَوَاز الْحمل الْمَذْكُور حَيْثُ جعل الفارابي فِي مدْخل الْأَوْسَط الْحمل على أَرْبَعَة أَقسَام. حمل الجزئي على الجزئي كَهَذا الْكَاتِب على هَذَا الْإِنْسَان. وَحمل الجزئي على الْكُلِّي الَّذِي هُوَ من أَفْرَاده، وَحمل الْكُلِّي على الْكُلِّي، وَحمل الْكُلِّي على الجزئي الَّذِي هُوَ من أَفْرَاده. وَقَالَ جلال الْعلمَاء رَحمَه الله وَمَا يُقَال من أَن الجزئي الْحَقِيقِيّ لَا يحمل وَلَا يُقَال على شَيْء حَقِيقَة أصلا لِأَن حمله على نَفسه لَا يتَصَوَّر قطعا إِذْ لَا بُد فِي الْحمل الَّذِي هُوَ النِّسْبَة من أَمريْن متغائرين وَحمله على غَيره إِيجَابا مُمْتَنع فَأَقُول فِيهِ نظر إِذْ يجوز حمله على جزئي مغائر لَهُ بِحَسب الِاعْتِبَار مُتحد مَعَه بِحَسب الذَّات كَمَا فِي هَذَا الضاحك هَذَا الْكَاتِب فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِحَسب الْمَفْهُوم ومتحدان بِحَسب الذَّات فَإِن ذاتهما زيد بِعَيْنِه مثلا. وَكَذَا يجوز حمله على كلي آخر فِي جزئية أَي قَضِيَّة جزئية كَمَا فِي قَوْلك بعض الْإِنْسَان زيد انْتهى. وَقَالَ الزَّاهِد رَحمَه الله قَوْله إِذْ يجوز حمله على جزئي مغائر الخ حَاصله أَن الهوية الْوَاحِدَة فِي الْخَارِج كزيد يُمكن أَن يُؤْخَذ مَعَ وصف أَو مَعَ وصفين كالضاحك وَالْكَاتِب فَيحصل بِسَبَب ذَلِك مفهومان متغائران فِي الذِّهْن ويتحقق منَاط الْحمل أَي الِاتِّحَاد فِي ظرف والتغاير فِي ظرف آخر فَهَذَا النّظر يصلح أَن يكون جَوَابا بِاخْتِيَار كل من شقي الترديد الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّافِي يَعْنِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره حَيْثُ قَالَ فِي حَاشِيَة الْمطَالع كَون الشَّخْص مَحْمُولا على شَيْء حملا إيجابيا إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّاهِر لِأَن الجزئي الْحَقِيقِيّ من حَيْثُ هُوَ جزئي حَقِيقِيّ لَا يحمل على نَفسه لعدم التغاير وَلَا على غَيره لِأَنَّهُ الهوية المتأصلة فَلَا يصدق على غَيره. وَاعْلَم أَن مَا قَالَه أفضل الْمُتَأَخِّرين رَحمَه الله محاكمة بِأَن مَا قَالَه السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله مَبْنِيّ على تَحْقِيق الْمُتَأَخِّرين من أَن لَا وجود للكلي الطبيعي اصالة وَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين يَعْنِي جلال الْعلمَاء رَحمَه الله على القَوْل بِوُجُودِهِ كَمَا هُوَ رَأْي الأقدمين لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُود. الْجِزْيَة: بِالْكَسْرِ اسْم لما يُؤْخَذ من أهل الذِّمَّة وَالْجمع الجزي مثل اللِّحْيَة واللحى. وَإِنَّمَا سميت بذلك لِأَنَّهَا تجزي عَن الذِّمِّيّ أَي تقضي وتكفي عَن الْقَتْل فَإِنَّهُ إِذا قبلهَا سقط عَنهُ الْقَتْل. ثمَّ اعْلَم أَن الْجِزْيَة على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: مَا تُوضَع بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْح فَلَا يعدل عَنْهَا. وَثَانِيهمَا: مَا وَضعه الإِمَام بالغلبة على الْكفَّار وتقريرهم على أملاكهم. وَللْإِمَام أَن يوضع على الْفَقِير المعتمل فِي كل سنة اثْنَي عشر درهما. وعَلى وسط الْحَال ضعفه وعَلى المكثر ضعفه. وَالصَّحِيح فِي معرفَة الْغَنِيّ وَالْوسط وَالْفَقِير عرف أهل بلد هُوَ فِيهِ فَمن عده النَّاس فَقِيرا أَو وسطا أَو غَنِيا فِي تِلْكَ الْبَلدة فَهُوَ كَذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وَاخْتلفُوا فِي مَعْرفَته هَؤُلَاءِ. قيل الْفَقِير المعتمل هُوَ الصَّحِيح الْقَادِر على الْكسْب المحترف. وَالْوسط الَّذِي لَهُ ضيَاع وَيعْمل بِنَفسِهِ وَالَّذِي لَا حَاجَة لَهُ إِلَى عمله لِكَثْرَة أَمْوَاله وغلمانه فَهُوَ الْغَنِيّ. وَقَالَ عيس بن ابان رَحمَه الله الْفَقِير هُوَ الَّذِي يَأْخُذ من كَسبه وَلَا غلَّة لَهُ. فَإِن كَانَ لَهُ غلَّة إِلَّا أَنَّهَا لَا تزيد على نَفَقَته فَهُوَ وسط الْحَال. فَإِذا زَادَت عَلَيْهِ فَهُوَ غَنِي وَقَالَ الْكَرْخِي رَحمَه الله (الْفَقِير) هُوَ الَّذِي يملك مِائَتي دِرْهَم أَو أقل (وَالْوسط) هُوَ الَّذِي يملك فَوق الْمِائَتَيْنِ إِلَى عشرَة آلَاف دِرْهَم. (وَالْمُكثر) هُوَ الَّذِي ملكه فَوق عشرَة آلَاف دِرْهَم. وَقَالَ قَاضِي خَان رَحمَه الله وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد وَقَالَ نصر بن أبي سَلام يعْتَبر فِيهِ عرف النَّاس فَمن يعدونه غَنِيا فَهُوَ غَنِي وَمن يعدونه فَقِيرا فَهُوَ فَقير. بَاب الْجِيم مَعَ السِّين الْمُهْملَة الْجِسْم: هُوَ الْقَابِل للأبعاد الثَّلَاثَة أَعنِي الطول وَالْعرض والعمق أَعنِي الْقَابِل للانقسام طولا وعرضا وعمقا. فَإِن كَانَ ذَلِك الْقَابِل جوهرا فجسم طبيعي وَإِلَّا فجسم تعليمي. فعلى هَذَا لفظ الْجِسْم مُشْتَرك بالاشتراك الْمَعْنَوِيّ بَين الطبيعي والتعليمي. وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء أَنه مَوْضُوع لكل وَاحِد مِنْهُمَا بِوَضْع على حِدة فَيكون مُشْتَركا بَينهمَا بالاشتراك اللَّفْظِيّ. وَأَكْثَرهم على أَنه مَوْضُوع للطبيعي وَحَقِيقَة فِيهِ ومجاز فِي التعليمي لِأَنَّهُ الْمُتَبَادر عِنْد إِطْلَاق الْجِسْم دون التعليمي والتبادر من إمارات الْحَقِيقَة. وَهَذَا الْحَد يَعْنِي حد الْجِسْم الطبيعي بِأَنَّهُ جَوْهَر قَابل للأبعاد الثَّلَاث عِنْد الْحُكَمَاء والمعتزلة. وَأما عِنْد الْأَشْعَرِيّ فالجسم هُوَ الْجَوْهَر المنقسم. وَاعْلَم أَن الْحُكَمَاء قَائِلُونَ بِأَن الْجِسْم الطبيعي الْمُطلق مركب من الهيولى وَالصُّورَة الجسمية. والجسم الطبيعي الْمُقَيد كالإنسان مثلا مركب مِنْهُمَا وَمن الصُّورَة النوعية أَيْضا. وكل من هَذِه الْأَجْزَاء الثَّلَاثَة جَوَاهِر. والمتكلمون قاطبة يَقُولُونَ إِن الْجِسْم مركب من الْجَوَاهِر الفردة أَي الْأَجْزَاء الَّتِي لَا تتجزئ. ثمَّ اخْتلفُوا فِي مَا يَكْفِي فِي تحقق الْجِسْم من تِلْكَ الْأَجْزَاء. فالجمهور على أَنه لَا بُد فِي تحَققه من ثَلَاثَة أَجزَاء لتتحقق الأبعاد الثَّلَاثَة الطول وَالْعرض والعمق. وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهَا مَا هُوَ الْمُتَعَارف أَي الأبعاد الثَّلَاثَة المتقاطعة على زَوَايَا قَائِمَة بل الْمَعْنى الْأَعَمّ وَهُوَ الْبعد الْمَفْرُوض أَولا وَثَانِيا وثالثا لِأَن تأليف الْجِسْم من ثَلَاثَة أَجزَاء إِنَّمَا يُوجب حُصُول الأبعاد بِهَذَا الْمَعْنى بِأَن يتألف اثْنَان وَيَقَع الثَّالِث على ملتقاهما فَيحصل مِنْهُ مثلث جوهري من ثَلَاث خطوط جوهرية فالامتداد الْمَفْرُوض أَولا طول وَثَانِيا عرض وثالثا عمق. وَقَالَ بَعضهم يَكْفِي فِي تحقق الْجِسْم جزءان فَلَيْسَ تحقق الأبعاد الثَّلَاثَة شرطا فِي تحَققه عِنْدهم. وَقَالَ بَعضهم لَا بُد فِي تحَققه من ثَمَانِيَة أَجزَاء حَتَّى يتَحَقَّق تقاطع الأبعاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 على زَوَايَا قَوَائِم. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن اشْتِرَاط التقاطع لَا يُوجب اشْتِرَاط الثَّمَانِية. لِأَنَّهُ يتَحَقَّق بأَرْبعَة أَيْضا بِأَن يتألف اثْنَان فِي الطول وَيقوم الْجُزْء الثَّالِث بِجنب أَحدهمَا فَيحصل الْعرض وَيقوم الْجُزْء الرَّابِع على الْجُزْء الَّذِي قَامَ بجنبه الثَّالِث فَيحصل العمق بِأَن تألف مثلا جُزْء (اب) فَيحصل الطول وَقَامَ (ج) بِجنب (ب) فَيحصل الْعرض وَقَامَ على (ب د) فَيحصل العمق فها هُنَا ثَلَاثَة أبعاد: الأول: من (اب) وَالثَّانِي: من (ب ج) وَالثَّالِث: من (ب د) متقاطعة على نقطة (ب) وَهِي الْجُزْء الْمُشْتَرك بَينهمَا. وَاعْلَم أَن صَاحب الخيالات اللطيفة قَالَ ورد بِأَن التقاطع يتَحَقَّق بأَرْبعَة بِأَن يتألف اثْنَان بِجنب أَحدهمَا ثَالِث يقوم عَلَيْهِ رَابِع انْتهى. أَقُول قَوْله يقوم عَلَيْهِ رَابِع حَال عَن قَوْله أَحدهمَا لَا صفة ثَالِث حَتَّى يرد اعْتِرَاض أفضل الْمُتَأَخِّرين عبد الْحَكِيم رَحمَه الله بِأَن فِي عبارَة الْمحشِي اختلال فَإِن قَوْله يقوم عَلَيْهِ إِلَى آخِره فَانْظُر هُنَاكَ. فالجسم الطبيعي: الَّذِي طبيعة من الطبائع وَحَقِيقَة من الْحَقَائِق جَوْهَر قَابل للانقسام فِي الْجِهَات الثَّلَاث. وَعند الْمَشَّائِينَ الْجِسْم الطبيعي مركب من الهيولى وَالصُّورَة الجسمية. وَعند الإشراقيين جَوْهَر بسيط لَا تركيب فِيهِ بل هُوَ صُورَة جسمية قَائِمَة بذاتها غير حَالَة فِي شَيْء. وَفِي التَّعْرِيف الْمَذْكُور للجسم الطبيعي نظر مَشْهُور وَهُوَ أَنهم إِن أَرَادوا بالقابل بِالذَّاتِ ف 5 لَا يصدق هَذَا التَّعْرِيف على شَيْء من أَفْرَاد الْمُعَرّف أَي الْجِسْم الطبيعي لِأَن الْقَابِل بِالذَّاتِ للانقسام فِي الْجِهَات الثَّلَاث منحصر فِي الْجِسْم التعليمي. وَإِن أَرَادوا الْقَابِل فِي الْجُمْلَة أَعم من أَن يكون بِالذَّاتِ أَو بِالْعرضِ أَي بِوَاسِطَة أَمر آخر يصدق التَّعْرِيف على كل من الهيولى وَالصُّورَة أَيْضا. وَالْحَاصِل أَن التَّعْرِيف غير جَامع على الأول وَغير مَانع على الثَّانِي. وَالْجَوَاب أَنا نَخْتَار الشق الأول يَعْنِي المُرَاد بالقابل الْقَابِل بِالذَّاتِ وَالْمرَاد مِنْهُ مَا لَا يكون قبُوله للانقسام بِوَاسِطَة جَوْهَر خَارج عَنهُ. وَلَا ريب فِي صدقه على الْجِسْم وَعدم صدقه على كل وَاحِدَة من الهيولى وَالصُّورَة إِذْ قبُول كل وَاحِدَة مِنْهُمَا للانقسام بِوَاسِطَة مُقَارنَة الآخر فَكَانَ قبُول كل وَاحِدَة مِنْهُمَا لَهُ بِوَاسِطَة جَوْهَر خَارج وَقبُول الْجِسْم لَهُ وَإِن كَانَ بواسطتهما وبواسطة الْجِسْم التعليمي الَّذِي هُوَ عرض فَلَيْسَ بِوَاسِطَة جَوْهَر خَارج عَنهُ. وَيُمكن الْجَواب بِإِرَادَة الشق الثَّانِي. وَالْمرَاد أَن الْجِسْم الطبيعي جَوْهَر مركب قَابل للانقسام فِي الْجِهَات فِي الْجُمْلَة وَحِينَئِذٍ لَا يصدق على الهيولى وَالصُّورَة وَحدهَا بِعَدَمِ تركيبهما. والجسم التعليمي: هُوَ الْعرض الْقَابِل للانقسام فِي الْجِهَات الثَّلَاث بِالذَّاتِ فَعَلَيْك أَن تخيل الطول وَالْعرض والعمق جَمِيعًا من غير نظر إِلَى الْمَوْضُوع حَتَّى يحصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 لَك الْجِسْم التعليمي. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الْجِسْم التعليمي هُوَ الْكمّ الْقَائِم بالجسم الطبيعي الساري فِيهِ بِأَن يحصل لَهُ الْجِهَات. وَأَيْضًا الْجِسْم التعليمي نفس الأبعاد الثَّلَاثَة المخيلة من غير الْتِفَات إِلَى شَيْء من الْموَاد وَأَحْوَالهَا وَإِنَّمَا سمي تعليميا لكَونه مبحوثا عَنهُ فِي الْعلم التعليمي أَعنِي الرياضي. الْجِسْم قَابل للانقسام إِلَى غير النِّهَايَة: لَيْسَ معنى كَلَامهم هَذَا أَنه يُمكن أَن يخرج الانقسامات الْغَيْر المتناهية من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل. بل المُرَاد أَنه لَا يَنْتَهِي فِي الانقسام إِلَى حد يقف عِنْده وَلَا يقبل الانقسام بعده. وَذَلِكَ على قِيَاس مَا قَالَه المتكلمون من أَن مقدورات الله تَعَالَى غير متناهية مَعَ أَن وجود مَا لَا يتناهى فِي الْخَارِج محَال مُطلقًا عِنْدهم فَلَيْسَ مَعْنَاهُ إِلَّا أَن تَأْثِير الْقُدْرَة لَا يصل إِلَى حد لَا يُمكن أَن يتجاوزه بل كل مرتبَة يصل إِلَيْهَا تَأْثِير الْقُدْرَة يُمكن وُصُوله إِلَى مرتبَة أُخْرَى فَوْقهَا كَمَا فِي لَا تناهي الْأَعْدَاد فَإِنَّهَا لَا تصل إِلَى حد إِلَّا وَيُمكن الزِّيَادَة عَلَيْهِ. بَاب الْجِيم مَعَ الْعين الْجعل: بِالضَّمِّ اسْم لما يَجْعَل شرطا لِلْعِتْقِ. وَالْفرق بَين الْعتْق على جعل وَالْكِتَابَة أَن العَبْد يصير معتقا فِي الْعتْق على جعل فِي الْحَال بِخِلَاف الْكِتَابَة فَإِن الْعتْق فِيهَا بعد أَدَاء بدل الْكِتَابَة مَعَ أَن لفظ الْكِتَابَة وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا أَيْضا شَرط فِيهَا. وَأَيْضًا الْجعل اسْم لما يضْربهُ الإِمَام على النَّاس للَّذين يخرجُون على الْجِهَاد. والجعل بِالْفَتْح مصدر بِمَعْنى الْخلق والتصيير أَيْضا. الأول تَامَّة وَالثَّانِي نَاقِصَة. وَلِهَذَا قَالُوا إِنَّه على نَوْعَيْنِ: (جعل بسيط) وَيُسمى جعلا إبداعيا أَيْضا. و (جعل مركب) وَيُسمى جعلا مؤلفا واختراعيا أَيْضا. أما الْجعل الْبَسِيط: فَهُوَ جعل الشَّيْء وإيجاد الايس من الليس فأثره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ. هُوَ نفس ذَلِك الشَّيْء وساحته متقدسة عَن الْكَثْرَة أَي تَعْلِيق شَيْء بِشَيْء وَلَيْسَ بِحَسبِهِ إِلَّا مجعول فَقَط يبدعه الْجَاعِل وَيفِيض نَفسه ويعبر عَن تِلْكَ الْمرتبَة المجعولية بتقرر الذَّات وقوام الْمَاهِيّة وفعليتها وَأَشَارَ الْجَاعِل الأقدس عز شَأْنه فِي مُحكم كِتَابه إِلَى هَذَا الْجعل المتقدس عَن التَّعَدِّي إِلَى المجعول إِلَيْهِ حَيْثُ قَالَ وَجعل الظُّلُمَات والنور. على معنى أَن أثر الْجَاعِل تَعَالَى وَمَا يفضه ويبدعه أَولا وبالذات هُوَ نفس الْمَاهِيّة وَلم يقل تَعَالَى وَجعل الظُّلُمَات والنور موجودات. ولسان الْغَيْب وترجمان الْأَسْرَار شمس الدّين مُحَمَّد الشهير بحافظ الشِّيرَازِيّ قدس سره أَيْضا أَشَارَ إِلَى هَذَا الْجعل فِي هَذَا الْبَيْت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 (كفتم ايْنَ جَام جهان بَين بتو كي داد حَكِيم ... كفت آن روز كه ايْنَ كنبد مينا ميكرد) حَيْثُ لم يقل رَحمَه الله (كنبد مينا را مَوْجُود ميكرد يَا كنبد مينا راكنبد مينا ميكرد) . وَأما الْجعل الْمُؤلف: فَهُوَ جعل الشَّيْء شَيْئا وتصييره إِيَّاه. وأثره الْمُتَرَتب عَلَيْهِ هُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية الحملية وَلَا يتَعَلَّق بِشَيْء وَاحِد بل لَا بُد لَهُ من مجعول ومجعول إِلَيْهِ وَهَذَا الْجعل إِنَّمَا يتَعَلَّق بصيرورته إِيَّاه. وَقد تبين من هَذَا التَّحْقِيق أَن الْجعل الْبَسِيط متقدس عَن شوائب الْكَثْرَة مُتَعَلق بِذَات الشَّيْء فَقَط. وَهَذَا هُوَ التَّأْخِير الْحَقِيقِيّ فِي الشَّيْء. والجعل الْمركب بِالْحَقِيقَةِ تَأْثِير فِي بعض أَوْصَافه أَعنِي كَونه شَيْئا آخر وَهُوَ الْمَوْجُود أَو غَيره. فَإِن قيل جعل الشَّيْء وإخراجه من الليس إِلَى الايس هُوَ جعله مَوْجُودا أَي تَأْثِير فِي بعض أَوْصَافه وَهُوَ كَونه مَوْجُودا فَلَا جعل إِلَّا الْجعل الْمركب. قُلْنَا إِن أثر الْجعل الْبَسِيط وَمَا يفيضه الْجَاعِل بِهَذَا الْجعل ويبدعه أَولا وبالذات هُوَ نفس الْمَاهِيّة ثمَّ يستتبع ذَلِك جعلا مؤلفا للموجودية مفاده حمل الْوُجُود على المجعول وَحمله عَلَيْهِ حَيْثُ يُقَال الظلمَة مَوْجُودَة والنور مَوْجُود لَكِن هَذَا الْحمل والصدق لَيْسَ باستئناف إفَاضَة من الْجَاعِل أَو باقتضاء من الْمَاهِيّة الفائضة بل بِنَفس استيجاب ذَلِك الْجعل المتقدس الْبَسِيط على سَبِيل الاستلزام والاستتباع. فالحصل أَن تقرر الْمَاهِيّة وفعليتها وَإِن لم تنفك عَن اقتران الْوُجُود إِلَّا فِي اعْتِبَار الْعقل إِلَّا أَنَّهَا مستتبعة للموجودية والموجودية مسبوقة بهَا وفعلية تقرر الْمَاهِيّة بِجعْل الْجَاعِل معيار صِحَة انتزاع الموجودية بِالْفِعْلِ ومناط صدق حمل الْمَوْجُود فَتَأمل. قَالَ بعض الظانين أَن الْجعل الْمركب يَنْتَهِي إِلَى الْجعل الْبَسِيط الْمُتَعَلّق بِالضَّرُورَةِ أَو الاتصاف أَو لمَفْهُوم مَا فَلَا جعل إِلَّا الْجعل الْبَسِيط. وَهَذَا بعيد بمراحل عَن التَّحْقِيق إِذْ النِّسْبَة الَّتِي هِيَ الصيرورة أَو الاتصاف فِي هَذَا الْجعل إِنَّمَا هِيَ ملحوظة من جِهَة إِنَّهَا بَين المجعول والمجعول إِلَيْهِ غير مُسْتَقلَّة بالمفهومية ورابطة بَين الطَّرفَيْنِ ومرآة لمخلوطية إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى من غير أَن يتَوَجَّه الِالْتِفَات إِلَيْهَا برأسها وَمفَاده الْهَيْئَة التركيبية وَلم يتَعَلَّق الْجعل بهَا إِلَّا بِالْعرضِ من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة لَا من حَيْثُ نَفسهَا وذاتها المتقررة فِي مرتبَة تقرر الذَّات حَتَّى يصير أثرا لجعل الْبَسِيط. نعم إِذا لوحظت لَا من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة بل على الِاسْتِقْلَال وبالالتفات من حَيْثُ إِنَّهَا مَاهِيَّة مَا فَانْظُر فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ ليسَا بمنظورين إِلَّا بِالْعرضِ فَأَيْنَ مُتَعَلق الْجعل الْمركب حَتَّى يتَعَلَّق بِهِ فَانْقَطع عرقه. وَحِينَئِذٍ يعود الْحَال إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 السُّؤَال بِأَن هَذِه الْمَاهِيّة هَل هِيَ مفتقرة فِي نَفسهَا إِلَى جَاعل يفيضها أَو مستغنية عَنهُ لِأَن شَأْن الماهيات الِاسْتِغْنَاء بحقائقها التصورية عَن الْجعل والافتقار إِلَيْهِ فِي الْخَلْط بِمَا لَا يدْخل فِي قوامها كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه. ثمَّ اعْلَم أَن تخَلّل الْجعل الْمركب بَين الشَّيْء وَنَفسه كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان إِنْسَان. وَبَين الشَّيْء وذاتي من ذاتياته كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان نَاطِق محَال لعدم الْخَلْط وَالْحمل فِي مرتبَة الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ وَالدُّخُول فِي أصل قوامها بل ذَلِك الْجعل مُخْتَصّ بالعرضيات سَوَاء كَانَت لَوَازِم الماهيات كَقَوْلِنَا الْأَرْبَعَة زوج. أَو الْعَوَارِض الممكنة الانفكاك كَقَوْلِنَا الثَّوْب أَبيض لِأَن نفس الشَّيْء بمرتبة مُجَرّدَة عَن العرضيات فِي مرتبَة التقرر وَصِحَّة سلبها عَن الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ ولحوقها فِي مرتبَة مُتَأَخِّرَة. وَإِن سَأَلت خُلَاصَة مَا ذكرُوا فِي انقسام الْجعل وتعريف قسميه فاستمع لما أتلو عَلَيْك أَن الْجعل قد يكون بِمَعْنى التصيير فَيكون حِينَئِذٍ مُتَعَدِّيا إِلَى مفعولين يكون الأول مِنْهُمَا مجعولا وَالثَّانِي مجعولا إِلَيْهِ وَهُوَ الْجعل الْمركب الاختراعي أَي إِفَادَة أثر على قَابل لَهُ. وَقد يكون بِمَعْنى الْخلق وَحِينَئِذٍ لَا يَقْتَضِي إِلَّا مَفْعُولا وَاحِدًا وَهُوَ الْجعل الْبَسِيط والإبداعي أَي إِخْرَاج نفس الْمَاهِيّة من الليس إِلَى الايس. وَأثر الأول هُوَ اتصاف شَيْء بِشَيْء وَأثر الثَّانِي هُوَ نفس الْمَاهِيّة لَا كَون الْمَاهِيّة مَاهِيَّة وَلَا كَون الْمَاهِيّة مَوْجُودَة بل هما من لَوَازِم جعل الْمَاهِيّة نَفسهَا وَلَا يحْتَاج إِلَى جعل جَدِيد. ثمَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي أَن أثر الْفَاعِل الْحَقِيقِيّ عز شَأْنه وَجل برهانه مَاذَا إِمَّا نفس الماهيات أَو اتصافها بالوجود أَو غير ذَلِك من الْأَوْصَاف. وَذهب الإشراقيون إِلَى الْجعل الْبَسِيط. والمشائيون إِلَى الْمركب وَيَقُولُونَ إِن الماهيات الممكنة لَيست بمجعولة فأثره تَعَالَى على الأول بِالذَّاتِ هُوَ نفس الشَّيْء من حَيْثُ هُوَ هُوَ والوجود والاتصاف أثر بِالْعرضِ وعَلى الثَّانِي هُوَ الاتصاف من حَيْثُ هُوَ غير مُسْتَقل بالفهومية ورابطة بَين حَاشِيَته أَي مفَاد الْهَيْئَة التركيبية وَمعنى أَن الماهيات لَيست مجعولة أَنَّهَا فِي حد أَنْفسهَا لَا يتَعَلَّق بهَا جعل جَاعل وتأثير مُؤثر. فَإنَّك إِذا لاحظت مَاهِيَّة السوَاد وَلم تلاحظ مَعهَا مفهوما سواهَا لم يعقل هُنَاكَ جعل إِذْ لَا مُغَايرَة بَين الْمَاهِيّة ونفسها حَتَّى يتَصَوَّر توَسط جعل بَينهمَا فَيكون إِحْدَاهمَا مجعولة تِلْكَ الْأُخْرَى. وَكَذَا لَا يتَصَوَّر تَأْثِير الْفَاعِل فِي الْوُجُود بِمَعْنى جعل الْوُجُود وجودا بل تَأْثِيره فِي الْمَاهِيّة بِاعْتِبَار الْوُجُود بِمَعْنى أَنه يَجْعَلهَا متصفة بالوجود لَا بِمَعْنى أَنه يَجْعَل اتصافها مَوْجُودا متحققا فِي الْخَارِج. فَإِن الصّباغ مثلا إِذا صبغ ثوبا فَإِنَّهُ لَا يَجْعَل الثَّوْب ثوبا وَلَا الصَّبْغ صبغا بل يَجْعَل الثَّوْب متصفا بالصبغ فِي الْخَارِج. وَإِن لم يَجْعَل اتصافه مَوْجُودا ثَابتا فِي الْخَارِج فَلَيْسَتْ الماهيات فِي أَنْفسهَا مجعولة وَلَا وجوداتها أَيْضا فِي أَنْفسهَا مجعولة بل الماهيات فِي كَونهَا مَوْجُودَة مجعولة. وَبِمَا ذكرنَا من تَحْقِيق الْجعل ينْدَفع الْإِشْكَال بقولنَا خلق الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 الْعَالم وَتَقْرِيره فِي الْمَفْعُول بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فانتظر فَإِنِّي مَعَ المنتظرين. وَيعلم من كَلَام الْعَارِف النامي مَوْلَانَا نور الدّين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي شرح رباعياته أَن الصوفيين الْمُوَحِّدين متفقون مَعَ الْحُكَمَاء الْمُحَقِّقين فِي نفي المجعولية جعلا بسيطا عَن الْأَعْيَان الثَّابِتَة والماهيات. وَأَيْضًا صرح قدس سره السَّامِي هُنَاكَ فِي شرح هَذَا الرباعي. (حكم قدر وقضابود بِي مَانع ... برموجب علم لَا يزالي وَاقع) (تَابع باشد علم ازل أَعْيَان را ... أَعْيَان همه مرشيون حق را تَابع) بِأَن الْأَعْيَان الثَّابِتَة لَيست بِأُمُور خَارِجَة عَن ذَاته تَعَالَى ومعلومة لَهُ تَعَالَى أزلا بل صور وشؤون ذاتية لَهُ تَعَالَى فَلَا يُمكن تطرق التَّغَيُّر فِيهَا لِأَن ذاتيات الله تَعَالَى منزهة عَن قبُول الْجعل والتغيير والتبديل. وَهَا هُنَا تحقيقات لم يظفر الْوَقْت بتحريرها لتشتت خاطري بإيذاء الإخوان وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مستعان فِي كل حِين ومعين فِي كل آن. وَعَلِيهِ التكلان. بَاب الْجِيم مَعَ الْفَاء الجفر: فِي الجامعة. الْجَفَاف: فِيمَا لَا ينعصر هُوَ تخليته حَتَّى يَنْقَطِع التقاطر وَلَا يشْتَرط اليبس. بَاب الْجِيم مَعَ اللَّام الجليدية: أَي الرُّطُوبَة الجليدية وَهِي رُطُوبَة من ثَلَاث رطوبات الْعين وَإِنَّمَا سميت جليدية لِأَنَّهَا تشبه الجليد وَهُوَ ندى يسْقط من الجو على الأَرْض وَالْبرد يجلده أَي يصلبه ويجمده. وتفصيل الرطوبات فِي الْعين. الجلوة: بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح خوب نمودن. وَعند الصُّوفِيَّة خُرُوج العَبْد من الْخلْوَة بالنعوت الإلهية بِحَيْثُ يمحو العَبْد من الْبَين وَتصير أعضاؤه مُضَافَة إِلَى الله كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} . وَقَوله تَعَالَى. {إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله يَد الله فَوق أَيّدهُم} . الْجلَال: من الصِّفَات مَا يتَعَلَّق بالقهر وَالْغَضَب. وَقد يُقَال جلال الذَّات وَيُرَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 بِهِ الصِّفَات السلبية أَعنِي لَيْسَ بجوهر وَلَا جسم وَغير ذَلِك كَمَا يُرَاد بِكَمَال الصِّفَات الصِّفَات الثبوتية. وَإِنَّمَا يُرَاد بِجلَال الذَّات الصِّفَات السلبية لِأَنَّهَا أَسبَاب الْجلَال وَالْعَظَمَة. فَإِن الْغَرَض من الصِّفَات السلبية تَنْزِيه ذَاته تَعَالَى عَن النقائص فَيحصل بهَا جَلَاله وعظمته تَعَالَى كَمَا ذكرنَا فِي الْحَوَاشِي على شرح العقائد النسفية. بَاب الْجِيم مَعَ الْمِيم الْجمع: فِي عرف النُّحَاة مَا دلّ على جملَة آحَاد مَقْصُودَة بحروف مُفْردَة بِتَغَيُّر مَا. وَعند الصُّوفِيَّة شُهُود الْإِسْنَاد بِاللَّه والتبري من الْحول وَالْقُوَّة إِلَّا بِاللَّه وتتمة هَذَا المرام فِي التَّفْرِقَة. وَالْجمع عِنْد أَرْبَاب البديع أَن يجمع بَين مُتَعَدد اثْنَيْنِ أَو أَكثر فِي حكم كَقَوْلِه تَعَالَى: {المَال والبنون زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا} . وَفِي عرف الْحساب الْجمع عبارَة عَن جمع عددين وَمَا فَوْقهمَا وَيُقَال للحاصل حَاصِل الْجمع كَمَا يُقَال لأحد العددين الْمَزِيد وَللْآخر الْمَزِيد عَلَيْهِ. وَاعْلَم أَن مَا فَوق الْوَاحِد جمع عِنْد أَصْحَاب الْفَرَائِض وَعند المنصقيين أَيْضا لَكِن فِي التعريفات لَا مُطلقًا كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. وَمعنى الْجمع فِي قَوْلهم الْمُعَرّف لَا بُد وَأَن يكون جَامعا ومانعا فِي الْمَنْع إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْجمع الصَّحِيح: هُوَ الْجمع الَّذِي لم يتَغَيَّر بِنَاء واحده لأجل الجمعية أصلا وَيُسمى جمع السَّلامَة أَيْضا لِسَلَامَةِ بِنَاء الْوَاحِد فِيهِ. الْجمع المكسر: جمع تغير بِنَاء واحده لأجل الجمعية أَي تغير كَانَ وَالتَّفْصِيل فِي جَامع الغموض. جمع الْقلَّة: جمع يُطلق على ثَلَاثَة وَعشرَة وَمَا بَينهمَا. وَيكون على وزن أفعل وأفعال وأفعلة وفعلة كأفلس وأفراس وأرغفة وغلمة جمع فلس وَفرس ورغيف وَغُلَام. جمع الْكَثْرَة: جمع يُطلق على مَا فَوق الْعشْرَة إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ. وَالْجمع الصَّحِيح مذكرا كَانَ أَو مؤنثا وَمَا سوى جمع الْقلَّة كِلَاهُمَا جمع الْكَثْرَة. وَقد يستعار أَحدهمَا للْآخر كَقَوْلِه تَعَالَى: {ثَلَاثَة قُرُوء} . وَفِي مَوضِع إقراء. جَمِيعًا: كمعا فِي الْإِعْرَاب وفرقه عَنهُ فِيهِ أَيْضا. جم غفير: أَي جمع كثير (الجم) من الجموم وَهُوَ الْكَثْرَة (والغفير) من الغفر وَهُوَ السّتْر أَي فِي الْكَثْرَة بِحَيْثُ يستر مَا وَرَاءه أَو وَجه الأَرْض. جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم: عِنْد النُّحَاة هُوَ الْجمع بِالْألف وَالتَّاء سَوَاء كَانَ واحده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 مذكرا نَحْو سجلات وسفرجلات - أَو مؤنثا كمسلمات ومؤمنات. جمع الْمُذكر السَّالِم: فِي عرف النُّحَاة هُوَ الْجمع بِالْوَاو وَالنُّون أَو بِالْيَاءِ وَالنُّون سَوَاء كَانَ واحده مذكرا كمسلمين ومؤمنين - أَو مؤنثا كسنين وأرضين جمع سنة وَأَرْض. الْجُمْلَة: ترادف الْكَلَام إِن اعْتبر مُطلق الْإِسْنَاد فِي الْكَلَام أَيْضا. وَإِن قيد الْإِسْنَاد بِالْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ فِي تَعْرِيف الْكَلَام فالجملة أَعم مِنْهُ. جمع الْجمع: مقَام أَعلَى وَأتم من مقَام الْجمع فَإِن الْجمع هُوَ شُهُود الْإِسْنَاد إِلَى آخِره كَمَا مر. وَجمع الْجمع الِاسْتِهْلَاك بِالْكُلِّيَّةِ والغنى عَمَّا سوى الله تَعَالَى وَهُوَ الْمرتبَة الإلهية الأحدية. الجمعية: عِنْد النُّحَاة كَون الِاسْم جمعا. وَعند الصُّوفِيَّة اجْتِمَاع الهمم فِي التَّوَجُّه إِلَى الله تَعَالَى والاشتغال بِهِ عَمَّا سواهُ وبإزائها التَّفْرِقَة. جمع الفرضين: فِي لَا يجمع فرضان فِي وَقت بِلَا حج. الْجمال: وَالْحسن تناسب الْأَعْضَاء - وَالْجمال من الصِّفَات مَا يتَعَلَّق بالرضى واللطف. الْجُمْلَة المعترضة: هِيَ الْجُمْلَة الَّتِي تتوسط بَين أَجزَاء الْجُمْلَة المستقلة لإِفَادَة معنى يتَعَلَّق بهَا أَو بِأحد أَجْزَائِهَا مثل زيد طَال عمره قَائِم. الْجُمْلَة المستأنفة: هِيَ الْجُمْلَة الَّتِي تكون جَوَابا عَن سُؤال مُقَدّر. الْجُمْلَة الخبرية: هِيَ الْمركب التَّام الْمُحْتَمل للصدق وَالْكذب بِالنّظرِ إِلَى مَفْهُومه فَيكون حِكَايَة عَن الْوَاقِع فَلَا بدلهَا من المحكي عَنهُ. وَمن هَا هُنَا يظْهر جَوَاب شُبْهَة جذر الْأَصَم. الْجُمْلَة الإنشائية: هِيَ الْمركب التَّام الَّذِي لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب لِأَنَّهُ لَيْسَ حِكَايَة عَن الْوَاقِع حَتَّى يكون صَادِقا بالمطابقة لَهُ وكاذبا بعدمها. الْجمع مَعَ التَّفْرِيق: عِنْد أَصْحَاب البديع أَن يدْخل شَيْئَانِ فِي معنى وَيفرق بَين جهتي الإدخال كَقَوْل الوطواط. (فوجهك كالنار فِي ضوئها ... وقلبي كالنار فِي حرهَا) ادخل قلبه وَوجه الحبيب فِي كَونهمَا كالنار. ثمَّ فرق بِأَن وَجه التَّشْبِيه فِي الْوَجْه الضَّوْء واللمعان وَفِي الْقلب الْحَرَارَة والاحتراق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الْجمع مَعَ التَّقْسِيم: عِنْد أَرْبَاب البديع جمع مُتَعَدد تَحت حكم ثمَّ تقسيمه أَو الْعَكْس أَي تَقْسِيم مُتَعَدد ثمَّ جمعه تَحت حكم. الْجمع مَعَ التَّفْرِيق والتقسيم: هَذَا من المحسنات المعنوية البديعية وَتَفْسِيره وَاضح عِنْد من عرف الْجمع والتفريق والتقسيم على حِدة كَقَوْلِه تَعَالَى: {يَوْم يَأْتِي لَا تكلم نفس} . إِلَى قَوْله تَعَالَى: {غير مجذوذ} . بَاب الْجِيم مَعَ النُّون الْجُنُون: زَوَال الْعقل أَو اختلاله بِحَيْثُ يمْنَع جَرَيَان الْأَفْعَال والأقوال على نهج الْعقل إِلَّا نَادرا. وَهُوَ عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله إِن كَانَ حَاصِلا فِي أَكثر السّنة فمطبق. وَمَا دونه فَغير مطبق. وَهُوَ من الْعَوَارِض السماوية وَلَا يسْقط بِهِ مَا لَا يحْتَمل السُّقُوط إِلَّا بِالْأَدَاءِ أَو إِبْرَاء من لَهُ الْحق كضمان الْمُتْلفَات وَوُجُوب الدِّيَة والإرش وَنَفَقَة الْأَقَارِب فَإِنَّهَا لَا تسْقط بالجنون. وَأما الَّذِي يحْتَمل السُّقُوط مثل الصَّوْم وَالصَّلَاة وَسَائِر الْعِبَادَات فَيسْقط فَلَا يجب عَلَيْهِ لِأَن فِي إِلْزَامه عَلَيْهِ نوع ضَرَر فِي حَقه وَأَنه يسْقط بأعذار كَثِيرَة من الْبَالِغ فَيسْقط بالجنون إِذا وجد شَرطه وَهُوَ الامتداد. وَكَذَا الْحُدُود وَالْكَفَّارَات لِأَنَّهَا تسْقط بِالشُّبُهَاتِ والأعذار فَيسْقط بالجنون المزيل لِلْعَقْلِ بِالطَّرِيقِ الأولى. وَكَذَا الطَّلَاق وَالْعتاق وَالْهِبَة وَمَا أشبههَا من المضار غير مَشْرُوع فِي حَقه حَتَّى لَا يملكهَا عَلَيْهِ وليه كَمَا لَا يشرع فِي حق الصَّبِي لِأَنَّهَا من المضار الْمَحْضَة. وحد الامتداد فِي الصَّوْم أَن يستوعب الشَّهْر وَفِي الصَّلَاة أَن يزِيد على يَوْم وَلَيْلَة - وَفِي الزَّكَاة أَن يسْتَغْرق الْحول عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله وَأقَام أَبُو يُوسُف رَحمَه الله أَكثر الْحول مقَام كُله. ثمَّ اعْلَم أَن إِيمَان الْمَجْنُون وردته بِنَفسِهِ لَا يَصح حَتَّى لَو آمن بِنَفسِهِ لَا يكون مُؤمنا. وَلَو تكلم بِكَلِمَة الْكفْر لَا يكون مُرْتَدا بل يصير مُؤمنا أَو مُرْتَدا تبعا لِأَبَوَيْهِ أَو لأَحَدهمَا. وَلَكِن لَو أسلم قبل الْبلُوغ وَهُوَ عَاقل ثمَّ جن لم يتبع أَبَوَيْهِ بِحَال لِأَنَّهُ صَار أصلا فِي الْإِيمَان بتقرر رُكْنه مِنْهُ وَهُوَ الِاعْتِقَاد وَالْإِقْرَار فَلم يَنْعَدِم ذَلِك بالأسباب الَّتِي عرضت فَيبقى مُسلما. وَالْمَجْنُون لَا يَقع طَلَاقه إِلَّا فِي مسَائِل إِذا علق عَاقِلا ثمَّ جن فَوجدَ الشَّرْط فِيمَا إِذا كَانَ مَجْنُونا فَإِنَّهُ يفرق بَينهمَا بطلبها وَهُوَ طَلَاق. وَفِيمَا إِذا كَانَ عنينا يُؤَجل بطلبها فَإِن لم يصل فرق بَينهمَا بِحُضُور وليه. وَفِيمَا إِذا أسلمت وَهُوَ كَافِر وأبى أَبَوَاهُ الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يفرق بَينهمَا وَهُوَ طَلَاق. وَإِذا أسلمت امْرَأَة الْمَجْنُون عرض على أَبِيه أَو أمه الْإِسْلَام فِي الْحَال فَلَا يُؤَخر الْعرض إِلَى أَن يفعل الْمَجْنُون لِأَن فِيهِ إبِْطَال حق الْمَرْأَة لِأَن الْجُنُون غير مَحْدُود - وَلِهَذَا وَجب تَأْخِير الْعرض فِي الصَّغِير الْغَيْر الْعَاقِل إِلَى أَن يعقل وَيظْهر أثر الْعقل حَتَّى لَو زوج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 النَّصْرَانِي ابْنه الصَّغِير الَّذِي لَا يعقل امْرَأَة نَصْرَانِيَّة وَأسْلمت الْمَرْأَة وَطلبت الْفرْقَة لم يفرق بَينهمَا وتركا عَلَيْهِ ونفقتها على الزَّوْج حَتَّى يعقل الصَّبِي. وَلَا يجب عرض الْإِسْلَام على أحد فِي الْحَال فَإِذا عقل عرض عَلَيْهِ القَاضِي الْإِسْلَام فَإِن أسلم وَإِلَّا فرق بَينهمَا. وَإِنَّمَا صَحَّ الْعرض وَإِن كَانَ الصَّبِي لَا يُخَاطب بأَدَاء الْإِسْلَام لِأَن الْخطاب إِنَّمَا يسْقط عَنهُ فِيمَا هُوَ حق الله تَعَالَى دون حق الْعباد. وَوُجُوب الْعرض هَا هُنَا لحق الْمَرْأَة فيوجه الْخطاب عَلَيْهِ وَلَا يُؤَخر إِلَى بُلُوغ الصَّبِي لِأَن إِسْلَام الصَّبِي الْعَاقِل صَحِيح عندنَا فَيتَحَقَّق الْآبَاء مِنْهُ فَلَا يُؤَخر حق الْمَرْأَة إِلَى الْبلُوغ كَذَا فِي شرح الْجَامِع. الْجِنْس: فِي عرف النُّحَاة اسْم يَصح إِطْلَاقه على الْقَلِيل وَالْكثير كَالْمَاءِ فَإِنَّهُ يُطلق على القطرة وَالْبَحْر. وَفِي عرف الْأُصُولِيِّينَ كلي مقول على كثيرين مُخْتَلفين بالأغراض كالإنسان فَإِن تَحْتَهُ رجلا وَامْرَأَة وَالْغَرَض من خلقَة الرجل كَونه نَبيا وإماما شَاهدا فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَمُقِيمًا للْجُمُعَة والأعياد وَنَحْوه وَالْغَرَض من خلقَة الْمَرْأَة كَونهَا مستفرشة آتِيَة بِالْوَلَدِ مُدبرَة لحوائج الْبَيْت وَغير ذَلِك. وَفِي عرف المنطقيين كلي مقول على كثيرين مُخْتَلفين بالحقائق كالحيوان. ومنشأ الِاخْتِلَاف بَينهم أَن الْأُصُولِيِّينَ إِنَّمَا يبحثون عَن الْأَغْرَاض دون الْحَقَائِق والمنطقيين يبحثون عَن الْحَقَائِق دون الْأَغْرَاض. وَهَا هُنَا أشكال مَشْهُور وَهُوَ أَن الْجِنْس يحمل على الْحَيَوَان وَالْحَيَوَان يحمل على الْإِنْسَان مَعَ أَن الْجِنْس لَا يحمل عَلَيْهِ. وَقد أَشَارَ الشَّيْخ إِلَى جَوَابه فِي قاطيغورياس الشِّفَاء حَيْثُ قَالَ إِن الْجِنْس إِنَّمَا يحمل على طبيعة الْحَيَوَان من حَيْثُ اعْتِبَار تجردها فِي الذِّهْن بِحَيْثُ يَصح إِيقَاع الشّركَة فِيهَا وإيقاع هَذَا التجرد فِيهَا اعْتِبَار أخص من اعْتِبَار الْحَيَوَان بِمَا هُوَ حَيَوَان فَقَط لِأَن الْحَيَوَان بِلَا شَرط شَيْء يصلح أَن يقْتَرن بِهِ شَرط التَّجْرِيد فيفرض حَيَوَان يفرغ من الْخَواص والمشخصات وَيصْلح أَن يقْتَرن بِهِ شَرط الْخَلْط فيقترن بالخواص المتنوعة والمشخصة انْتهى. وَاعْلَم أَن الْحَيَوَان مثلا تَارَة يُؤْخَذ بِشَرْط شَيْء أَي من حَيْثُ إِنَّه مُحَصل بالناطق مثلا فَيكون نوعا وَعين الْإِنْسَان. وَتارَة بِشَرْط لَا شَيْء أَي من حَيْثُ لَا يَنْضَم إِلَيْهِ أَمر خَارج وَيحصل مِنْهُمَا أَمر ثَالِث فَيكون جُزْءا ومادة وَحِينَئِذٍ لَا يكون مَحْمُولا. وَتارَة لَا بِشَرْط شَيْء أَي من حَيْثُ هُوَ من غير تعرض شَيْء آخر فَيكون جِنْسا ومحمولا. وَهَذَا اعْتِبَار الْمَاهِيّة بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأُمُور المحصلة وعَلى اعْتِبَارهَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأُمُور الْغَيْر المحصلة يُؤْخَذ الْإِنْسَان مثلا. تَارَة مكيفا بالعوارض. وَتارَة خَالِيا عَنْهَا. وَتارَة مُطلقًا. فَيعلم مِمَّا ذكر أَن للماهية اعتبارين كَمَا قَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الْأُمُور الْعَامَّة من شرح المواقف. وَالتَّحْقِيق أَن هَا هُنَا اصطلاحين. الأول: اعْتِبَار الْمَاهِيّة بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأُمُور الْغَيْر المحصلة. وَالثَّانِي: اعْتِبَارهَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأُمُور المحصلة. ويندفع من هَذَا التَّحْقِيق الفويق الِاعْتِرَاض الْمَشْهُور. وَتَقْرِيره أَنه يلْزم فِي الْجِسْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 مثلا اجْتِمَاع النقيضين لِأَنَّهُ جنس بعيد للْإنْسَان وكل مَا هُوَ جنس لَهُ فَهُوَ مَحْمُول عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من الْأَجْزَاء المحمولة. وَأَيْضًا الْجِسْم مَادَّة للْإنْسَان وكل مَا هُوَ مَادَّة لَهُ فَهُوَ مُسْتَحِيل الْحمل عَلَيْهِ لِأَنَّهَا من الْأَجْزَاء الْغَيْر المحمولة فَيلْزم أَن يكون مَحْمُولا على الْإِنْسَان وَغير مَحْمُول عَلَيْهِ وَهل هَذَا إِلَّا اجْتِمَاع النقيضين. وَحَاصِل الاندفاع أَن الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور منشأه عدم الْفرق بَين الْجِنْس والمادة فَإِن الْجِسْم الْمَأْخُوذ بِشَرْط عدم زِيَادَة معنى مقوم لَهُ مَادَّة وجزء فَيكون مغائرا للْإنْسَان فَلَا حمل. والجسم الْمَأْخُوذ بِشَرْط زِيَادَة معنى مقوم لَهُ نوع. والجسم الْمَأْخُوذ لَا بِشَرْط شَيْء أَي لَا بِشَرْط الزِّيَادَة وَلَا بِشَرْط عدمهَا جنس فَهُوَ مَحْمُول. وَإِن قيل إِن مَفْهُوم الْجِنْس جنس كلي للكليات الْخمس الَّتِي هِيَ الْأَنْوَاع المندرجة تَحْتَهُ فَيكون أَعم من الْجِنْس الَّذِي هُوَ نوع تَحْتَهُ وأخص من مَفْهُوم الْجِنْس الَّذِي شَامِل لمَفْهُوم الْكُلِّي وَمَفْهُوم الْحَيَوَان فمفهوم الْكُلِّي أَعم وأخص من الْجِنْس مَعًا. وَهل هَذَا إِلَّا تنَاقض لِأَن الْعُمُوم يسْتَلْزم السَّلب الجزئي وَالْخُصُوص يسْتَلْزم الْإِيجَاب الْكُلِّي. قُلْنَا كُلية الْجِنْس أَي صدق مَفْهُوم الْكُلِّي عَلَيْهِ عُمُومه مِنْهُ بِاعْتِبَار الذَّات لِأَن الْكُلِّي جُزْء مَفْهُوم وجنسية الْكُلِّي أَي صدق مَفْهُوم الْجِنْس عَلَيْهِ وخصوصه مِنْهُ بِاعْتِبَار الْعَارِض هُوَ كَونه جِنْسا للخمسة لِأَن الْجِنْس خَارج عَن مَفْهُوم الْكُلِّي وَلَا خَفَاء فِي أَن اعْتِبَار الذَّات غير اعْتِبَار الْعرض فهما متفاوتان وبتفاوت الِاعْتِبَار تَتَفَاوَت الْأَحْكَام فبالاعتبار الأول يكون الْكُلِّي أَعم وَالْجِنْس أخص وَبِالثَّانِي بِالْعَكْسِ. وَمن هَا هُنَا ينْدَفع مَا قيل إِن مَفْهُوم الْكُلِّي لما صدق على نَفسه صدقا عرضيا يلْزم أَن يكون مَفْهُوم الْكُلِّي عينيا لَهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَته وعينه وخارجا عَنهُ أَيْضا لِأَنَّهُ عَارض لَهُ يصدق عَلَيْهِ صدقا عرضيا. وَوجه الاندفاع أَن العينية بِاعْتِبَار الخصوصية والعارضية بِاعْتِبَار الْإِطْلَاق فَافْهَم واحفظ. الْجِنْس أَمر مُبْهَم: مَعْنَاهُ أَن الْجِنْس يكون مُبْهما بِحَسب الذَّات وَالْإِشَارَة مَعًا يصلح أَن يكون أنواعا كَثِيرَة وَهُوَ فِي الْخَارِج عين كل مِنْهَا ذاتا وَجعلا ووجودا بِخِلَاف النَّوْع فَإِنَّهُ مُبْهَم بِحَسب الْأَخير فَقَط. فَانْدفع مَا قيل كَمَا أَن الْجِنْس أَمر مُبْهَم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَنْوَاع كَذَا النَّوْع أَمر مُبْهَم بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأَشْخَاص فَمَا معنى قَوْلهم إِن الْجِنْس أَمر مُبْهَم وَالنَّوْع مُحَصل. وتوضيح الاندفاع أَن الْجِنْس أَمر مُبْهَم يَسْتَدْعِي تحصلا قبل تحصل النَّوْع بِالْإِشَارَةِ بِخِلَاف النَّوْع فَإِنَّهُ لم يبْق منتظرا إِلَّا بِالْإِشَارَةِ فَالْمَعْنى أَن الْجِنْس مُبْهَم بِحَسب الذَّات وَالنَّوْع مُحَصل بحسبها وَإِن كَانَا مشتركين فِي الْإِبْهَام وَعدم التحصل بِحَسب الْإِشَارَة أَي الْعَوَارِض الشخصية المشخصة المميزة عَن الْأَشْخَاص. وَمعنى كَون الْجِنْس مُتَعَيّنا ومتحصلا بِالذَّاتِ كَونه مطابقا لتَمام مَاهِيَّة نوع من الْأَنْوَاع. وَهَذَا لَا يحصل إِلَّا بانضمام الْفَصْل إِلَيْهِ وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْفَصْل يكون مُقَومًا ومحصلا للْجِنْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَعلة لتحصله وتقومه وتعينه لَا لوُجُوده إِذْ لَيْسَ للْجِنْس وجود مغائر للفصل بل هما متحدان جعلا ووجودا فِي الْخَارِج والذهن مَعًا. وتوضيحه أَن الصُّورَة الجنسية إِذا حصلت تردد الْعقل فِي أَن هَذِه الصُّورَة لأي شَيْء من أَنْوَاعهَا فَإِن صُورَة الْحَيَوَان مثلا إِذا حصلت عِنْد الْعقل يكون مترددا فِي أَنَّهَا لأي شَيْء أَهِي للْإنْسَان أَو الْفرس أَو غير ذَلِك. ثمَّ لما انْضَمَّ إِلَيْهَا صُورَة الْفَصْل كالناطق مثلا تحصل صُورَة مُطَابقَة لتَمام الْمَاهِيّة وَبَيَان ذَلِك أَن الْعقل فِي الصُّورَة الَّتِي يُدْرِكهَا بِمُجَرَّد نَفسه لَا بالآلات تقف إِلَى حد هُوَ الْمَاهِيّة النوعية فالصورة لَيست تَامَّة بل نَاقِصَة وَلها صُورَة الْفَصْل وَلَيْسَ معنى الْعلية هَا هُنَا إِلَّا هَذَا التَّكْمِيل وَإِزَالَة الْإِبْهَام. وتختلف مَرَاتِب التَّكْمِيل بِحَسب اخْتِلَاف مَرَاتِب الْأَجْنَاس فَإِن الْجِنْس الْأَعْلَى فِيهِ إِبْهَام عَظِيم وَمَتى انْضَمَّ مَعَه فصل قل الْإِبْهَام ويزداد الْكَمَال بِضَم فصل فصل إِلَى السافل. مِثَاله إِذا تصور من الْجِسْم مَوْجُود لَا فِي مَوْضُوع فقد حصل صُورَة الْجَوْهَر فِي الْعقل وَيَقَع التَّرَدُّد فِي أَنَّهَا هَل تطابق الْعقل أَو الْجِسْم فَإِذا انْضَمَّ إِلَيْهَا ذُو أبعاد ثَلَاثَة حصل صُورَة الْجِسْم ويرتفع ذَلِك الْإِبْهَام الْعَظِيم لَكِن بَقِي التَّرَدُّد فِي أَنَّهَا هَل تطابق النباتات أَو الجمادات أَو الْحَيَوَانَات فَإِذا اقْترن بهَا فصل النامي ارْتَفع ذَلِك الْإِبْهَام وَهَكَذَا إِلَى السافل فَافْهَم. الْجَنَابَة: من جنب يجب فِي الأَصْل الْبعد من أَي شَيْء كَانَ. وَفِي الْعرف هِيَ الْبعد عَن الطَّهَارَة الَّتِي لَا تحصل إِلَى بِالْغسْلِ أَو خَلفه. وَالْحَاصِل أَنَّهَا الْحَدث الْمُوجب للْغسْل. الْجِنَايَة: بِالْكَسْرِ من جنى يجني. فِي الأَصْل أَخذ الثَّمر من الشّجر فنقلت إِلَى إِحْدَاث الشَّرّ ثمَّ إِلَى الشَّرّ ثمَّ إِلَى فعل محرم وَهُوَ كل فعل مَحْظُور يتَضَمَّن ضَرَرا على النَّفس أَو على غَيرهَا. وَإِنَّمَا تجمع على الْجِنَايَات لِأَن الْفِعْل الْمحرم أَنْوَاع. مِنْهَا مَا يتَعَلَّق بِالْعرضِ بِالْكَسْرِ وَيُسمى قذفا أَو شتما أَو غيبَة. وَمِنْهَا بِالْمَالِ وَيُسمى غصبا أَو سَرقَة أَو خِيَانَة. وَمِنْهَا بِالنَّفسِ وَيُسمى قتلا أَو إحراقا أَو صلبا أَو خنقا أَو تغريقا وَمِنْهَا بالطرف وَيُسمى قطعا أَو كسرا أَو شجا أَو فَقَأَ وَلَكِن فِي عرف الْفُقَهَاء يُرَاد بِالْجِنَايَةِ قتل النُّفُوس وَقطع الْأَطْرَاف. الجناس: التشابه والجناس بَين اللَّفْظَيْنِ عِنْد عُلَمَاء البديع تشابههما فِي التَّلَفُّظ مَعَ اخْتِلَافهمَا فِي الْمَعْنى وَهُوَ من المحسنات اللفظية. وَله أَقسَام كَثِيرَة فِي كتب فن البديع وَقد ذكرنَا نبذا مِنْهَا فِي التَّام. الجناحية: وهم أَصْحَاب عبد الله بن مُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر ذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الجناحين قَالُوا الْأَرْوَاح تتناسخ فَكَانَ روح الله فِي آدم ثمَّ فِي شِيث ثمَّ فِي الْأَنْبِيَاء ثمَّ فِي الْأَئِمَّة حَتَّى انْتَهَت إِلَى عَليّ وَأَوْلَاده الثَّلَاثَة ثمَّ إِلَى عبد الله بن مُعَاوِيَة الْمَذْكُور. الْجَنَائِز: جمع الْجِنَازَة وَهِي بِالْفَتْح الْمَيِّت وبالكسر السرير الَّذِي يوضع عَلَيْهِ الْمَيِّت. وَعَن الْجَوْهَرِي هِيَ بِالْفَتْح الْمَيِّت الَّذِي على السرير. وَإِن لم يكن عَلَيْهِ الْمَيِّت فَهُوَ سَرِير ونعش. وَإِنَّمَا سمي جَنَازَة لِأَنَّهُ مَجْمُوع مُهَيَّأ لوضع الْمَيِّت عَلَيْهِ من جنز الشَّيْء جنوز إِذْ أجمع. الْجنُوب: فِي نصف النَّهَار. بَاب الْجِيم مَعَ الْوَاو الْجَوْهَر: الأَصْل: وَفِي عرف الْحُكَمَاء هُوَ الْمَوْجُود لَا فِي مَوْضُوع. وَبِعِبَارَة أُخْرَى مَاهِيَّة إِذا وجدت فِي الْأَعْيَان كَانَت لَا فِي مَوْضُوع. وَأَيْضًا قَالُوا الْجَوْهَر هُوَ المتحيز بِالذَّاتِ فَإِن كَانَ محلا فَهُوَ الهيولى والمادة. وَإِن كَانَ حَالا فَهُوَ الصُّورَة الجسمية أَو النوعية. وَإِن لم يكن حَالا وَلَا محلا فَإِن كَانَ مركبا مِنْهُمَا فَهُوَ الْجِسْم الطبيعي. وَإِن لم يكن كَذَلِك. فَإِن كَانَ مُتَعَلقا بالأجسام تعلق التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف فَهُوَ النَّفس الإنسانية أَو الفلكية. وَإِلَّا فَهُوَ الْعقل. فأقسام الْجَوْهَر خَمْسَة. ثمَّ إِن الْجَوْهَر منقسم إِلَى بسيط روحاني كالعقول والنفوس الْمُجَرَّدَة. وَإِلَى بسيط جسماني كالعناصر. وَإِلَى مركب فِي الْعقل دون الْخَارِج كالماهية البسيطة الجوهرية المركبة من الْجِنْس والفصل. وَإِلَى مركب مِنْهُمَا كالمواليد الثَّلَاثَة. قيل إِن الْمُلَازمَة فِي قَوْلهم ثمَّ الْجَوْهَر إِن كَانَ محلا فَهُوَ الهيولى مَمْنُوع فَإِن الْجِسْم مَحل للأعراض مَعَ أَنه لَيْسَ بهيولى وَأجِيب بِأَن المُرَاد إِن كَانَ محلا لجوهر آخر فَهُوَ الهيولى بِخِلَاف الْجِسْم فَإِنَّهُ لَيْسَ محلا للجوهر بل للعرض. وَفِيه نظر إِذْ النَّفس مَحل للصورة الجوهرية مَعَ أَنَّهَا لَيست هيولى أَقُول فِي نظره نظر لِأَن الصُّور الجوهرية مَا دَامَت فِي الذِّهْن لَا تكون إِلَّا اعراضا. فَإِن قلت هَذَا إِنَّمَا يَصح على مَذْهَب من قَالَ بِحُصُول الْأَشْيَاء فِي الذِّهْن يَا شباحها واظلالها. وَأما على مَذْهَب من يَقُول بحصولها فِي الذِّهْن بِأَعْيَانِهَا فَلَا قلت المُرَاد إِن كَانَ محلا لجوهر دائمي أَي فِي الوجودين الذهْنِي والخارجي فَهُوَ الهيولى. الْجَوْهَر الْفَرد: فِي الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ وَللَّه در النَّاظِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 بعد ازيتيم نبود شائبه جَوْهَر فَرد ... كه دهان توبدين نكته خوش اسْتِدْلَال است) الْجَوْهَر الوحداني: الصُّورَة الجسمية وَاعْلَم أَن مَذْهَب الْمَشَّائِينَ كأرسطو وَأَتْبَاعه والشيخين أبي عَليّ وَأبي نصر وَالشَّيْخ الْمَقْتُول فَذَهَبُوا إِلَى أَن الْجَوْهَر الوحداني الْمُتَّصِل فِي حد ذَاته قَائِم بِذَاتِهِ غير حَال فِي شَيْء آخر لكَونه متحيزا بِذَاتِهِ وَهُوَ الْجِسْم الْمُطلق عِنْدهم فَهُوَ عِنْدهم جَوْهَر بسيط لَا تركيب فِيهِ بِحَسب الْخَارِج أصلا وقابل لطريان الِاتِّصَال والانفصال مَعَ بَقَائِهِ فِي الْحَالَتَيْنِ فِي حد ذَاته وَهُوَ من حَيْثُ جوهره وذاته يُسمى جسما وَمن حَيْثُ قبُوله للصورة النوعية الَّتِي لأنواع الْجِسْم يُسمى هيولى. الجوزهر: مُعرب الكوزهر وَهُوَ نقطة على سطح فلك الْقَمَر ثمَّ يُسمى ذَلِك الْفلك بالجوزهر تَسْمِيَة الْمحل باسم الْحَال. وتفصيل هَذَا المرام أَن فلك الْقَمَر مُشْتَمل على فلكين مركزهما مَرْكَز الْعَالم وعَلى فلك حَامِل خَارج المركز والفلك الأول الْمُحِيط بِالثَّانِي يُسمى بالجوزهر إِذْ على مُحِيط هَذَا الْفلك نقطة مُسَمَّاة بِهِ. الجوالة: الدوارة من الجولان. الجو: الْهَوَاء وَقيل هُوَ مُعرب كو - وَفِي الصِّحَاح هُوَ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض. وكائنات الجو مَا يحدث من العناصر بِلَا مزاج كالسحاب والمطر والطل والثلج وَالْبرد والقزح وَغير ذَلِك مِمَّا يحدث من العناصر بِلَا مزاج فَإِن المزاج يَقْتَضِي التَّرْكِيب وَلَا تركيب فِي أَكْثَرهَا فَإِن قيل إِن الزلزلة وانفجار الْعُيُون تحدث فِي الأَرْض لَا فِي الجو مَعَ أَنهم عدوها من كائنات الجو قُلْنَا وَجه التَّسْمِيَة إِن أَكْثَرهَا يحدث فِي الجو أَي مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض أَو لِأَن الزلزلة وانفجار الْعُيُون تحدث بتأثير مَا فِي الجو. الْجُود: مبدأ إِفَادَة مَا يَنْبَغِي لَا بعوض وَلَا بغرض دُنْيَوِيّ وأخروي. جودة الْفَهم: صِحَة الِانْتِقَال من الملزومات إِلَى اللوازم. الجورب: نوع من الْخُف يكون من الْغَزل وَالشعر وَالْجَلد الرَّقِيق. وَلَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ مجلدا وَهُوَ الَّذِي وضع الْجلد على أَعْلَاهُ وأسفله أَو منعلا وَهُوَ الَّذِي وضع الْجلد على أَسْفَله كالنعل. الْجَواب الإلزامي: هُوَ الْجَواب بِمَا هُوَ مُسلم عِنْد الْخصم وَإِن كَانَ فَاسِدا فِي نفس الْأَمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 بَاب الْجِيم مَعَ الْهَاء الْجَهْل: عدم الْعلم عَمَّا من شَأْنه أَن يكون عَالما وَهُوَ الْجَهْل الْبَسِيط وَأما الْعلم والاعتقاد بِمَا يُخَالف الْوَاقِع فجهل مركب لِأَنَّهُ جهل بِشَيْء مركب من جَهله لِأَن صَاحبه لَا يعلم بجهله بل يعلم أَنه عَالم فَهُوَ جَاهِل من جَهله. وَالْجهل الْبَسِيط يَزُول بِسُرْعَة وسهولة بالتعليم والتعريف. وَأما الْجَهْل الْمركب فَلَا يَزُول إِلَّا بصعوبة ومهلة بل الْمَشْهُور أَن الْجَهْل الْمركب لَا يقبل العلاج. الْجَهْل الْمركب: فِي الْجَهْل نعم النَّاظِم. (آنكس كه بداند وبداند كه نداند ... اسب طرب ازكنبد كردون بدواند) (وآنكس كه بداند وبداند كه بداند ... آن لاش خرخويش بمنزل برساند) (وآنكس كه نداند وبداند كه بداند ... در جهل مركب ابد الدَّهْر بماند) ويقابله الْجَهْل الْبَسِيط وَهُوَ مَا مر آنِفا فِي الْجَهْل أَيْضا. الْجِهَة: تطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا: أَطْرَاف الامتدادات وَتسَمى مُطلق الْجِهَة وَبِهَذَا الْمَعْنى يُقَال ذُو الْجِهَات الثَّلَاث والسبع إِذْ لَا تَنْحَصِر الْجِهَة بِهَذَا الْمَعْنى فِي السِّت بل يكون أقل أَو أَكثر. وَالثَّانِي: تِلْكَ الْأَطْرَاف من حَيْثُ إِنَّهَا مُنْتَهى الإشارات ومقصد الحركات ومنتهاها وَتسَمى الْجِهَة الْمُطلقَة وَهِي بِالْمَعْنَى الأول قَائِمَة بالجسم الَّذِي هُوَ ذُو الْجِهَة وبالمعنى الثَّانِي بِخِلَاف ذَلِك. وَفِي غَايَة الْهِدَايَة أَن الْجِهَة تطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا: مُنْتَهى الإشارات. وَثَانِيهمَا: مُنْتَهى الحركات المستقيمة فبالنظر إِلَى الأول قيل إِن جِهَة الفوق هِيَ محدب الْفلك الْأَعْظَم لِأَنَّهُ مُنْتَهى الْإِشَارَة الحسية ومقطعها وبالنظر إِلَى الثَّانِي قيل هِيَ مقعر فلك الْقَمَر لِأَنَّهُ مُنْتَهى الْحَرَكَة المستقيمة وَالْأول هُوَ الصَّحِيح لِأَن الْإِشَارَة إِذا نفذت من فلك الْقَمَر كَانَت إِلَى جِهَة الفوق قطعا لكَونهَا آخذة من جِهَة التحت وَهُوَ مَرْكَز الْفلك الْأَعْظَم متوجهة إِلَى مَا يقابلها وَلَا بَأْس بنفوذ الْإِشَارَة من فلك الْقَمَر لِأَنَّهَا أَمر وهمي لَا يضر نفوذها للفلك الْغَيْر الْقَابِل للخرق والالتئام بِخِلَاف الْحَرَكَة فَإِنَّهَا تضره لاستلزامها الْخرق. وَهَاتَانِ: الجهتان أَعنِي الفوق والتحت حقيقيتان لَا تتبدلان فَإِن الْقَائِم إِذا صَار منكوسا لم يصر مَا يَلِي رَأسه فوقا وَمَا يَلِي رجله تحتا بل صَار رَأسه من تَحت وَرجله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 من فَوق بِخِلَاف بَاقِي الْجِهَات. فَإِن المتوجه إِلَى الْمشرق مثلا يكون الْمشرق قدامه وَالْمغْرب خَلفه والجنوب يَمِينه وَالشمَال بِالْفَتْح شِمَاله بِالْكَسْرِ. ثمَّ إِذا توجه إِلَى الْمغرب يتبدل الْجَمِيع وَصَارَ قدامه خَلفه وَبِالْعَكْسِ يَمِينه شِمَاله وَبِالْعَكْسِ. وَالْمَشْهُور أَن الْجِهَات سِتّ وعَلى غير الْمَشْهُور أَكثر مِنْهَا لِأَنَّهُ يُمكن أَن يفْرض فِي جسم وَاحِد بل من نقطة وَاحِدَة امتدادات غير متناهية. (ف (31)) . وَلَكِن نقرع سَمعك بِمَا قَالَ الْحَكِيم صَدرا فِي شرح هِدَايَة الْحِكْمَة فِي تمهيد فصل أَن الْقُوَّة المحركة للفلك يجب أَن تكون مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة الخ كَمَا أثبت كَون الْفلك حَيَوَانا متحركا بالإرادة أَرَادَ أَن يبين أَن الْفلك إِنْسَان كَبِير بِمَعْنى أَن مبدأ حركته لَيْسَ قُوَّة حيوانية منطبعة بل نفسا مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة ذَات إِرَادَة كُلية لَا يكون تعلقهَا بجرم الْفلك تعلق الانطباع بل تعلق التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف كتعلق النَّفس الناطقة ببدن الْإِنْسَان انْتهى لَعَلَّ مُرَاده بِالْحَيَوَانِ الْحَيّ لَا مَا هُوَ المصطلح عَلَيْهِ وَإِطْلَاق الْإِنْسَان الْكَبِير على الْفلك لَا يضرنا لِأَنَّهُ إِنَّمَا أطلق الْإِنْسَان الْكَبِير لَا الْإِنْسَان. وَالْإِنْسَان وَالْإِنْسَان الْكَبِير حقيقتان متبائنتان. وَلَعَلَّ عِنْد غَيْرِي أحسن من هَذَا. وَقد تطلق الْجِهَة على صفة الشَّيْء وحاله الَّذِي يكون مقتضيا وسببا للْحكم عَلَيْهِ بِشَيْء آخر وتغاير الْجِهَتَيْنِ فِي الْمَوْقُوف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِنَّمَا يُفِيد فِي دفع الدّور إِذا كَانَتَا مؤثرتين فِي التَّوَقُّف وَكَانَ الْمَوْقُوف وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ هما الجهتان فاحفظ فَإِنَّهُ نَافِع جدا. والجهة عِنْد المنطقيين: هِيَ الْكَيْفِيَّة المعقولة للنسبة بَين الْمَوْضُوع والمحمول. وَالتَّفْصِيل إِن النِّسْبَة الَّتِي بَين الْمَوْضُوع والمحمول إيجابية أَو سلبية لَا بُد وَأَن تكون لَهَا كَيْفيَّة من الكيفيات. ثمَّ إِن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة الثَّابِتَة فِي نفس الْأَمر تسمى مَادَّة وَمن حَيْثُ إِنَّهَا مدركة وثابتة فِي الْعقل سَوَاء كَانَت النِّسْبَة فِي نفس الْأَمر أَولا تسمى جِهَة معقولة. والعبارة الدَّالَّة على تِلْكَ الْكَيْفِيَّة المدركة هِيَ الْجِهَة الملفوظة. وَقَالَ بَعضهم اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهَا أَي على تِلْكَ الْكَيْفِيَّة فِي نفس الْأَمر فِي الْقَضِيَّة الملفوظة وَالصُّورَة الْعَقْلِيَّة الدَّالَّة عَلَيْهَا فِي الْقَضِيَّة المعقولة تسمى جِهَة الْقَضِيَّة. وَقد علمت مِمَّا ذكرنَا أَن جِهَة الْقَضِيَّة لَا بُد وَأَن تكون خَارِجَة عَن الطَّرفَيْنِ وَالنِّسْبَة كَيفَ فَإِنَّهَا كَيْفيَّة النِّسْبَة بَين الْمَوْضُوع والمحمول. لَا يُقَال إِن الِامْتِنَاع جِهَة من الْجِهَات لِأَنَّهَا غير محصورة فِيمَا ذكرُوا وَهُوَ مَحْمُول فِي قَوْلنَا شريك الْبَارِي مُمْتَنع لأَنا نقُول إِن الْمَحْمُول هُوَ الْمَوْجُود لَا الْمُمْتَنع فَإِن مَعْنَاهُ شريك الْبَارِي مَوْجُود بالامتناع لَكِن لما كَانَ الْمَقْصُود وَالْحكم بالامتناع يَجْعَل مَحْمُولا قصرا للمسافة. وَقس عَلَيْهِ الله وَاجِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وَالْإِنْسَان مُمكن. وَمن قَالَ إِن الِامْتِنَاع لَيْسَ بِجِهَة فقد أغمض الْعَينَيْنِ من نور القمرين كَيفَ وَقد أذن مُؤذن فِي مَسْجِد التَّجْرِيد أَن الْوُجُود إِذا حمل أَو جعل رابطا يثبت مواد ثَلَاث فِي أَنْفسهَا جِهَات فِي التعقل دَالَّة على وثاقة الرابطة وضعفها هِيَ الْوُجُوب والامتناع والإمكان وَكَذَا الْعَدَم انْتهى. قَالَ الْفَاضِل المدقق مَوْلَانَا مرزاجان فِي حَوَاشِيه على شرح التَّجْرِيد لَا يُقَال مثلا قَوْلنَا شريك الْبَارِي مَوْجُود لَيْسَ بقضية بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ لِأَن الْقَضِيَّة إِنَّمَا تكون بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ إِذا كَانَت النِّسْبَة فِيهَا بِالْفِعْلِ كَمَا فِي القضايا الفعلية. أَو بِالْقُوَّةِ كَمَا فِي الممكنة على مَا ذكر الْعَلامَة الرَّازِيّ. وَإِذا لم تكن قَضِيَّة بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ فَكيف تتكيف بالمادة والجهة مَعَ أَنهم فسروا الْمَادَّة والجهة بالكيفية الْعَارِضَة لنسبة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع فِي نفس الْأَمر أَو فِي الْعقل والموضوع والمحمول لَا يتحققان إِلَّا فِي الْقَضَاء. وَأَيْضًا صَرَّحُوا بِأَن الممكنة الْعَامَّة أَعم جَمِيع الْجِهَات وَظَاهر أَنه لَا يصدق شريك الْبَارِي مَوْجُود بالإمكان الْعَام لأَنا نقُول امْتنَاع الشَّيْء إِنَّمَا يُنَافِي تحَققه لَا صدق اسْمه ورسمه عَلَيْهِ إِذْ لَا يخفى أَن اجْتِمَاع النقيضين مُسْتَحِيل يصدق عَلَيْهِ اسْمه ورسمه. وَمن هَا هُنَا يظْهر أَن القَوْل بِأَن الممكنة لَيست قَضِيَّة بِالْفِعْلِ بِنَاء على أَن النِّسْبَة فِيهَا لَيست متحققة بِالْفِعْلِ مَنْظُور فِيهِ وَقَوْلهمْ الممكنة أَعم الموجهات مَعْنَاهُ أَنَّهَا أَعم من الموجهات الْمَشْهُورَة المعدودة فِي كتب الْمنطق. بَقِي شَيْء وَهُوَ أَنه لَا بُد فِي الْقَضِيَّة من الحكم والإذعان الْمُتَعَلّق بِالنِّسْبَةِ الَّتِي فِيهَا والقضية الَّتِي جِهَتهَا الِامْتِنَاع لم يذعن بِالنِّسْبَةِ الَّتِي فِيهَا وَالْقَوْل بِأَن المذعن هَا هُنَا كَون شريك الْبَارِي مَوْجُودا بالامتناع فَإِن كَون شريك الْبَارِي مَوْجُودا وَإِن لم يصلح لتَعلق الإذعان بِهِ لَكِن كَونه مَوْجُودا بالامتناع مِمَّا يذعن بِهِ وهم مَحْض فَإِن المذعن بِهِ هَا هُنَا فِي الْحَقِيقَة هُوَ أَن وجود شريك الْبَارِي مُمْتَنع. بل الْحق فِي الْجَواب أَن يُقَال امْتنَاع النِّسْبَة فِي الْحَقِيقَة هُوَ ضَرُورَة الطّرف الْمُقَابل لتِلْك النِّسْبَة اعْتبر بِالْعرضِ فِيهَا. وَلَا شكّ فِي تحقق الطّرف الْمُقَابل فِي النِّسْبَة الممتنعة انْتهى. ثمَّ الْوَاجِب عَلَيْك أَن تحفظ أَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِذا كَانَ الْمُمكن الْخَاص سَوَاء كَانَ الْمَحْمُول هُوَ الْوُجُود أَو الْعَدَم فالجهة هِيَ الْإِمْكَان. وَإِمَّا إِذا كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ هُوَ الْوَاجِب لذاته فَلَا تكون الْجِهَة هِيَ الْإِمْكَان مَا لم يكن الْمَحْمُول هُوَ الْوُجُود لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْعَدَم فالجهة هِيَ الِامْتِنَاع وَكَذَا إِذا كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ هُوَ الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ لَا تكون الْجِهَة هِيَ الْإِمْكَان مَا لم يكن الْمَحْمُول هُوَ الْعَدَم وَأما إِذا كَانَ الْوُجُود فالجهة هِيَ الِامْتِنَاع فَافْهَم واحفظ. جِهَة الفوق: هِيَ محدب الْفلك الْأَعْظَم أَو مقعر فلك الْقَمَر على اخْتِلَاف الرأيين كَمَا مر فِي الْجِهَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 جِهَة التحت: هِيَ المركز الَّذِي هُوَ نقطة فِي بَاطِن الأَرْض وَمَا قيل إِنَّهَا نقطة موهومة فِيهِ المُرَاد بِهِ الْمَوْجُود فِي نفس الْأَمر لِأَنَّهَا مَوْجُودَة قطعا فَلَيْسَ المُرَاد بالموهوم إِلَّا الْمَوْجُود فِي نفس الْأَمر. الْجَهْمِية: أَصْحَاب جهم بن صَفْوَان قَالُوا لَا قدرَة للْعَبد أصلا لَا مُؤثرَة وَلَا كاسبة بل هُوَ بِمَنْزِلَة الجمادات وَالْجنَّة وَالنَّار تفنيان بعد دُخُول أهلهما حَتَّى لَا يبْقى مَوْجُود سوى الله تَعَالَى. الْجِهَاد: الدُّعَاء إِلَى الدّين الْحق والمحاربة عَن أَدَائِهِ عِنْد إنكارهم عَنهُ وَعَن قبُول الذِّمَّة. الْجَهْر: خلاف المخافتة. وفيهَا اخْتِلَاف. قَالَ الْكَرْخِي إِن أدنى الْجَهْر إسماع نَفسه وَأدنى المخافتة تَصْحِيح الْحُرُوف. وَقَالَ الهندواني أدنى الْجَهْر إسماع غَيره وَأدنى المخافتة إسماع نَفسه وَهُوَ الصَّحِيح. وَفِي الْمُحِيط هُوَ الْأَصَح وَفِي الْمُضْمرَات هُوَ الْمُخْتَار. فَإِن قيل لما صَار إسماع غَيره أدنى الْجَهْر فَمَا أَعْلَاهُ. قُلْنَا المُرَاد بِالْغَيْر الْغَيْر الْمُقَارن الْمُتَّصِل للافظ فأعلى الْجَهْر حِينَئِذٍ إسماع الْبعيد وَأَدْنَاهُ إسماع الْقَرِيب وَأما أَعلَى المخافتة فَهُوَ مَا كَانَ فِي أَعلَى مَرَاتِب الخفاء وَهُوَ تَصْحِيح الْحُرُوف من غير إسماع نَفسه. وَفِي جَامع الرموز وَلَا يخفى أَنه لَو ترك لفظ أدنى لَكَانَ أولى. الجهاز: بِالْفَتْح وَالْكَسْر رخت عروس ومسافر ومرده - وَفِي الْبَحْر الرَّائِق فِي بَاب المهران فِي الجهاز مَسْأَلَتَيْنِ. الأولى: من زفت إِلَيْهِ امْرَأَته بِلَا جهاز فَلهُ الْمُطَالبَة بِمَا يَلِيق بالمبعوث يَعْنِي إِذا لم يُجهز بِمَا يَلِيق بالمبعوث فَلهُ اسْتِرْدَاد مَا بعث وَالْمُعْتَبر مَا يتَّخذ للزَّوْج لَا مَا يتَّخذ لَهَا. وَلَو سكت بعد الزفاف طَويلا لَيْسَ لَهُ أَن يخاصمه بعده وَإِن لم يتَّخذ لَهُ شَيْئا. وَلَو جهز ابْنَته وَسلمهُ إِلَيْهَا لَيْسَ لَهُ فِي الِاسْتِحْسَان اسْتِرْدَاده مِنْهَا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. وَلَو أَخذ أهل الْمَرْأَة شَيْئا عِنْد التَّسْلِيم فَللزَّوْج أَن يسْتَردّهُ لِأَنَّهُ رشوة. وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ لَو جهز بنته ثمَّ ادّعى أَن مَا دَفعه لَهَا عَارِية وَقَالَت تَمْلِيكًا أَو قَالَ الزَّوْج ذَلِك بعد مَوتهَا ليرث مِنْهُ وَقَالَ الْأَب عَارِية فَفِي فتح الْقَدِير والتجنيس والذخيرة الْمُخْتَار للْفَتْوَى أَن القَوْل للزَّوْج. وَأما إِذا كَانَ الْعرف مستمرا أَن الْأَب يدْفع الجهاز هبة لَا عَارِية كَمَا فِي دِيَارنَا فَكَذَلِك الْجَواب وَإِن كَانَ مُشْتَركا فَالْقَوْل قَول الْأَب. وَقَالَ قاضيخان وَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب على التَّفْصِيل إِن كَانَ الْأَب من الْأَشْرَاف والكرام لَا يكون قَوْله إِنَّه عَارِية. وَإِن كَانَ الْأَب مِمَّا لَا يُجهز الْبَنَات بِمثل ذَلِك قبل قَوْله. وَفِي خزانَة الرِّوَايَات فِي الْمُضْمرَات من الْكُبْرَى رجل زوج ابْنَته وجهز فَمَاتَتْ الْبِنْت فَزعم أَبوهَا أَن الَّذِي دفع إِلَيْهَا من الجهاز كَانَ لَهُ وَلم يَهبهُ لَهَا وَأَنه أَعَارَهُ لَهَا فَالْقَوْل قَول الزَّوْج وعَلى الْأَب الْبَيِّنَة لِأَن الظَّاهِر شَاهد للزَّوْج لِأَن الظَّاهِر أَن الْأَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 إِذا جهز ابْنَته يدْفع المَال إِلَيْهَا فالأب لَا يصدق إِلَّا بِبَيِّنَة. وَالْبَيِّنَة الصَّحِيحَة أَن يشْهد عِنْد التَّسْلِيم إِلَى الْبِنْت إِنَّمَا سلمت هَذِه الْأَشْيَاء بطرِيق الْعَارِية أَو تكْتب نُسْخَة مَعْلُومَة وَيشْهد الْأَب على إِقْرَارهَا أَن جَمِيع مَا فِي هَذِه النُّسْخَة ملك وَالِدي عَارِية فِي يَدي مِنْهُ. وَالْمُخْتَار للْفَتْوَى أَنه إِذا كَانَ الْعرف مستمرا أَن الْأَب يدْفع إِلَيْهَا الجهاز هبة لَا عَارِية كَمَا فِي دِيَارنَا فَكَذَلِك الْجَواب. وَإِن كَانَ الْعرف مُشْتَركا فَالْقَوْل قَول الْأَب. وَفِي فَتَاوَى الْحجَّة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْأَجَل الشَّهِيد رَحمَه الله الْمُخْتَار للْفَتْوَى أَنه يحكم أَن يكون مملكا لَا عَارِية فِي الْفُصُول. وَذكر قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ أَن الْجَواب فِيهِ على التَّفْصِيل إِن كَانَ الْأَب من الْأَشْرَاف والكرام لَا يقبل قَوْله إِن الجهاز عَارِية وَإِن كَانَ مِمَّن لَا يجاهز الْبَنَات بِمثل ذَلِك قبل قَوْله انْتهى. بَاب الْجِيم مَعَ الْيَاء الجيب: فِي اللُّغَة بِالْفَارِسِيَّةِ (كريبان) . وَعند أَرْبَاب الهندسة الرّبع الْمُجيب هُوَ نصف وتر ضعف الْقوس. جيب التَّمام: هُوَ الْخط الْمُسْتَقيم الْآخِذ من مَرْكَز الرّبع الْمُجيب إِلَى أول قَوس الِارْتفَاع مقسوما على (س) أَي على سِتِّينَ أقساما مُتَسَاوِيَة والستيني هُوَ الْخط الْمُسْتَقيم الْآخِذ من مركزه إِلَى آخر قَوس الِارْتفَاع مقسوما أَيْضا على (س) ومعكوسا من الْمُحِيط إِلَى المركز وَيُسمى أَيْضا الجيب الْأَعْظَم. الْجُيُوب المبسوطة: هِيَ الخطوط المستقيمة الآخذة من الستيني إِلَى قَوس الِارْتفَاع. الْجُيُوب المنكوسة: هِيَ الخطوط المستقيمة الآخذة من جيب التَّمام إِلَى قَوس الِارْتفَاع. تم ّ الْجُزْء الأول بِحَمْد الله وعونه ويليه الْجُزْء الثَّانِي أَوله (بَاب الْحَاء مَعَ الْألف) وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله سيدنَا مُحَمَّد وعَلى وَآله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ( [حرف الْحَاء] ) (بَاب الْحَاء مَعَ الْألف) الْحَافِظ: اعْلَم أَن الْحَافِظ فِي اللُّغَة كل من يحفظ الشَّيْء قُرْآنًا مجيدا أَو مَالا أَو غير ذَلِك. ثمَّ إِن لأهل الحَدِيث مَرَاتِب. أَولهَا: الطَّالِب وَهُوَ الْمُبْتَدِي الرَّاغِب فِيهِ. ثمَّ الْمُحدث وَهُوَ الْأُسْتَاذ الْكَامِل وَكَذَا الشَّيْخ وَالْإِمَام. ثمَّ الْحَافِظ وَهُوَ الَّذِي أحَاط علمه بِمِائَة ألف حَدِيث متْنا وإسنادا وأحوال رُوَاته جرحا وتعديلا وتاريخا. ثمَّ الْحجَّة وَهُوَ الَّذِي أحَاط علمه بثلاثمائة ألف حَدِيث كَذَلِك. ثمَّ الْحَاكِم وَهُوَ الَّذِي أحَاط علمه بِجَمِيعِ الْأَحَادِيث المروية كَذَلِك قَالَه ابْن المطري. وَقَالَ الْجَزرِي رَحمَه الله هُوَ ناقل الحَدِيث بِالْإِسْنَادِ والمحدث من تحمل رِوَايَته واعتنى بدرايته. والحافظ من روى مَا يصل إِلَيْهِ ووعى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. الحاق: بتَشْديد الْقَاف الْوسط وَفِي الصِّحَاح حاق رَأسه أَي وسط رَأسه وَمعنى حاق الْوسط وسط الْوسط. لَا يُقَال إِنَّه إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه لِأَن المُرَاد من الْمُضَاف غير الْمُضَاف إِلَيْهِ كَمَا فِي السِّرّ الْخَفي. وَفِي المطول شرح التَّلْخِيص وَالْكَلَام الْخَالِي عَن التعقيد الْمَعْنَوِيّ مَا يكون الِانْتِقَال فِيهِ من مَعْنَاهُ الأول إِلَى الثَّانِي ظَاهرا حَتَّى يخيل إِلَى السَّامع أَنه فهمه من حاق الْوسط انْتهى. وَقَالَ بعض المحشين الحاق الْوسط يُقَال سقط فلَان على حاق رَأسه وَجَاء عمر فِي حاق الشتَاء. وَالْمعْنَى على أحد الْوَجْهَيْنِ: الأول: إِن الْمَقْصُود من اللَّفْظ إِذا كَانَ ظَاهرا كَأَنَّهُ يفهم من وَسطه يَعْنِي قبل تَمَامه كَمَا هُوَ شَأْن كل معنى ظَاهر من اللَّفْظ. وَالثَّانِي: أَن معنى الْمَعْنى إِذا كَانَ ظَاهرا كَانَ كالمعنى الَّذِي هُوَ فِي بطن اللَّفْظ. الْحَال فِي اللُّغَة نِهَايَة الْمَاضِي وبداية الْمُسْتَقْبل فَهُوَ الْآن الَّذِي هُوَ حد مُشْتَرك بَين زماني الْمَاضِي والمستقبل. وَقد يعبر عَن الْحَال عِنْد النُّحَاة الْوَقْت الَّذِي أَنْت فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وَالْحَال عِنْد أَرْبَاب الْمعَانِي الْأَمر الدَّاعِي إِلَى التَّكَلُّم على وَجه مَخْصُوص ككون السَّامع مُنْكرا وخالي الذِّهْن ومترددا فَإِن كَون الْمُخَاطب مُنْكرا للْحكم حَال يَقْتَضِي تَأْكِيدًا فالتأكيد مثلا هُوَ الْوَجْه الْمَخْصُوص ومقتضاها وَقس عَلَيْهِ. وَالْحَال وَالْمقَام مُتحد الْمَفْهُوم والتغاير بَينهمَا اعتباري كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمقَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَعند أَرْبَاب السلوك الْحَال مَا يرد على قلب السالك من موهبة الْوَهَّاب ثمَّ يترقى عَنهُ. أَو يتنزل كَمَا قيل الْحَال مَا يرد على الْقلب من طرب أَو حزن أَو بسط أَو قبض وَإِنَّمَا سمي حَالا لتحوله ويقابله الْمقَام. وَقيل الْحَال عَطاء الله المتعال ذِي الْجلَال الَّذِي يرد على قلب السالك بِدُونِ الْكسْب وَلذَا قَالُوا إِن الْأَحْوَال مواهب والمقامات مكاسب وَالْأَحْوَال تَأتي من عين الْجُود. والمقامات تحصل ببذل المجهود. وَالْحَال عِنْد الْحُكَمَاء صفة غير راسخة للنَّفس كالكتابة فِي الِابْتِدَاء وَبعد الرسوخ تسمى ملكة كَمَا ستعلم فِيهَا. وَالْحَال عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي أبي بكر الباقلاني منا وَأبي هَاشم من الْمُعْتَزلَة الْوَاسِطَة بَين الْمَوْجُود والمعدوم. وَقَالُوا إِن الْحَال صفة مَوْجُود لَكِن لَا مَوْجُودَة وَلَا مَعْدُومَة كالأمور الاعتبارية مثل الْإِيقَاع والإيجاد وَغير ذَلِك. وَالْحَال عِنْد النُّحَاة مَا يبين هَيْئَة الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول بِهِ وَالْحَال بِهَذَا الْمَعْنى تسْتَعْمل مؤنثا. (ف (32)) . الْحَالَات: هِيَ الكيفيات النفسانية الْغَيْر الراسخة كالكتابة فِي الِابْتِدَاء. الحافظة: قُوَّة مرتبَة فِي أول التجويف الآخر من الدِّمَاغ تحفظ مَا تُدْرِكهُ الْقُوَّة الوهمية من الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة الْغَيْر المحسوسة الْمَوْجُودَة فِي المحسوسات وَهِي خزانَة الْقُوَّة الوهمية وَإِن أردْت زِيَادَة هَذِه الْقُوَّة فَانْظُر إِلَى الْحِفْظ. الحارضة: فِي الشجاع. الحاسة: هِيَ الْقُوَّة الَّتِي تدْرك الجزئيات الجسمانية والحواس ظَاهِرَة وباطنة وكل مِنْهُمَا خمس بالوجدان فالمجموع عشر. أما الْحَواس الظَّاهِرَة: فَهِيَ السّمع - وَالْبَصَر - والشم - والذوق - واللمس. وَأما الْحَواس الْبَاطِنَة: فَهِيَ الْحس الْمُشْتَرك - والخيال - وَالوهم - والحافظة - والمتصرفة - وَوجه الضَّبْط أَن الحاسة إِمَّا مدركة أَو مُعينَة على الْإِدْرَاك. والمدركة إِمَّا مدركة للصور أَعنِي مَا يُمكن أَن يدْرك بالحواس الظَّاهِرَة وَهِي الْحس الْمُشْتَرك. وَإِمَّا مدركة للمعاني أَعنِي مَا لَا يُمكن أَن يدْرك بهَا وَهِي الْوَهم. والمعينة إِمَّا مُعينَة بِالتَّصَرُّفِ وَهِي المتصرفة. وَإِمَّا مُعينَة بِالْحِفْظِ. فإمَّا أَن يحفظ الصُّور وَهِي الخيال. وَإِمَّا أَن يحفظ الْمعَانِي وَهِي الحافظة وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا وَجه الضَّبْط لَا دَلِيل الْحصْر إِذْ لَا شكّ فِي أَنَّهَا غير منحصرة فِيمَا ذكر عقلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 وَاعْلَم أَن الْحَواس كلهَا فِي الْإِنْسَان عِنْد الْمُحَقِّقين آلَة للإدراك إِمَّا لحدوثه أَو لحفظه والمدرك فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْعقل. الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ فِي الْمصدر الْمَبْنِيّ للْفَاعِل إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْحَادِث اسْم فَاعل من الْحُدُوث فَعَلَيْك كشف الغطاء عَن الْحُدُوث حَتَّى يجلو لَك الْحَادِث. فَاعْلَم أَن الْحُدُوث يُطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا: وجود الشَّيْء بعد عَدمه بعدية زمانية. وَبِعِبَارَة أُخْرَى كَون الشي مَسْبُوقا بِالْعدمِ سبقا زمانيا وَهُوَ الْمُسَمّى بالحدوث الزماني ويقابله الْقدَم الزماني. فالحادث حِينَئِذٍ هُوَ الْمَوْجُود الْمَسْبُوق بِالْعدمِ سبقا زمانيا. والمتكلمون قَائِلُونَ بِأَن الْعَالم حَادث بِهَذَا الْحُدُوث. وَثَانِيهمَا: كَون الشَّيْء مفتقرا مُحْتَاجا فِي وجوده إِلَى غَيره أَي علته تَامَّة أَو نَاقِصَة. والحكماء يَقُولُونَ بِهِ فِي الْعُقُول والنفوس الفلكية والأجرام الفلكية بموادها وصورها الجسمية والنوعية بأشخاصها وأشكالها وأضواءها والأجسام العنصرية بموادها وَمُطلق صورها الجسمية لَا أشخاصها وَأما صورها النوعية فَقيل بجنسها فَإِن أطوار خُصُوصِيَّة أَنْوَاعهَا لَا تجب أَن تكون قديمَة وَالظَّاهِر من كَلَامهم قدمهَا بأنواعها. وَنقل عَن أفلاطون أَنه قَالَ بحدوث الْعَامِل حدوثا زمانيا فالحادث على هَذَا الْمَعْنى هُوَ الْمُحْتَاج فِي وجوده إِلَى غَيره. وَبَين الْمَعْنيين عُمُوم وخصوص مُطلقًا تحققا. فَإِن الْمَعْنى الأول أخص مُطلقًا من حَيْثُ التحقق من الْمَعْنى الثَّانِي لِأَن كل شَيْء وجد فِيهِ الْحُدُوث الزماني وجد هُنَاكَ الْحُدُوث الذاتي بِلَا عكس كلي وَأما بِحَسب الصدْق فبينهما مبائنة كُلية كَمَا لَا يخفى. وَبَين الْحَادِث بِالْمَعْنَى الأول والحادث بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَيْضا عُمُوم وخصوص مُطلقًا كَذَلِك لَكِن بِحَسب الصدْق فَإِن كل شَيْء يكون مَوْجُودا بعد عَدمه كَانَ مفتقرا فِي وجوده إِلَى الْغَيْر وَلَيْسَ كل مَا كَانَ مفتقرا فِي وجوده إِلَى الْغَيْر يكون مَسْبُوقا بِعَدَمِهِ. فَإِن الْحُكَمَاء قَائِلُونَ بِأَن الْعُقُول وَغَيرهَا كَمَا مر حَادِثَة بِالذَّاتِ مُمكنَة محتاجة فِي وجودهَا إِلَى الْغَيْر وَهُوَ سُبْحَانَهُ تَعَالَى وَمَعَ هَذَا قديمَة بِالزَّمَانِ لقدم علتها الْوَاجِبَة بِالذَّاتِ تَعَالَى شَأْنهَا. وَقدم الْعلَّة مُسْتَلْزم لقدم معلولها بِالضَّرُورَةِ. وَقَالَ الباقر فِي الإيماضات إِن تخصص التقرر بآن أَو بِزَمَان مَا مَقْطُوع من جِهَة الْبِدَايَة يُقَال لَهُ الْحُدُوث الزماني. وموضوعه وَهُوَ الْحَادِث الزماني يكون لَا محَالة مَسْبُوق الْوُجُود فِي أفق التقضي والتجدد بِالزَّمَانِ الْقبل وباستمرار عَدمه الْوَاقِع فِيهِ سبقا زمانيا ويقابله الْقدَم الزماني وَهُوَ أَن يستوعب اسْتِمْرَار الْوُجُود قطرا فِي التقضي والتجدد. فَيتَحَقَّق فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة والآنات وَلَيْسَ الاتصاف بهما إِلَّا للزمانيات. وَوُقُوع التقرر رغب الْعَدَم الصَّرِيح فِي وعَاء الدَّهْر يُقَال لَهُ الْحُدُوث الدهري. وموضوعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 وَهُوَ الْحَادِث الدهري مَسْبُوق الْوُجُود فِي الدَّهْر سبقا دهريا بِعَدَمِ صرف فِي الْأَعْيَان لَا بِزَمَان أَو آن. وَلَا باستمرار الْعَدَم أَو لَا اسْتِمْرَار ويتصف بِهِ الْحَادِث الزماني بِمَا هُوَ مَوْجُود متقرر فِي وعَاء الدَّهْر لَا بِمَا هُوَ زماني وَاقع فِي أفق الزَّمَان ويقابله الْقدَم الدهري وَهُوَ السرمدية أَي تسرمد الْوُجُود فِي وعَاء الدَّهْر لَا فِي أفق الزَّمَان. وفعلية التقرر بعد بطلَان الْحَقِيقَة. وهلاك الذَّات فِي لحاظ الْعقل يُقَال لَهَا الْحُدُوث الذاتي. وموضوعه وَهُوَ الْحَادِث الذاتي فِي حد نَفسه مَسْبُوق الذَّات والوجود وَهُوَ مَوْجُود مَا دَامَ مَوْجُودا بِالْبُطْلَانِ والعدم أبدا. وَلَكِن سبقا بِالذَّاتِ وَفِي لحاظ الْعقل لَا سبقا دهريا. وَفِي الْأَعْيَان وَهُوَ يستوعب عَمُود عَالم الْإِمْكَان على الِاسْتِغْرَاق ويقابله الْقدَم الذاتي المساوق للْوُجُوب بِالذَّاتِ انْتهى. وَقَالَ أهل الْحق إِن الْعَالم وَهُوَ مَا سوى ذَاته تَعَالَى وَصِفَاته حَادث بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ حدوثا زمانيا أَي وجد بعد عَدمه بعدية زمانية كَمَا حقق فِي الْكتب الكلامية الإسلامية. وَهَا هُنَا بحث وَهُوَ أَن الْحُدُوث الزماني يَسْتَدْعِي سبق الْعَدَم على الْوُجُود فِي الزَّمَان السَّابِق فَلَا بُد لَهُ من سبق الزَّمَان. وَالزَّمَان إِمَّا من جملَة الْعَالم أَو خَارج عَنهُ لَا سَبِيل إِلَى الثَّانِي فَإِن وَرَاء الْعَالم لَيْسَ إِلَّا ذَاته تَعَالَى وَصِفَاته فَيكون الزَّمَان من جملَة الْعَالم بِالضَّرُورَةِ. فَأَقُول إِنَّه حَادث بالحدوث الزماني أَو الذاتي لَا سَبِيل إِلَى الأول لِأَنَّهُ على الأول يلْزم وجود الزَّمَان حِين عَدمه لما مر من أَن الْحُدُوث الزماني يَسْتَدْعِي سبق الْعَدَم فِي الزَّمَان السَّابِق وَهُوَ محَال بالبداهة لَا طَرِيق إِلَى الثَّانِي أَيْضا لِأَنَّهُ لَو كَانَ حُدُوثه ذاتيا لزم بطلَان قَوْلهم الْمَذْكُور أَعنِي أَن الْعَالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ حَادث بالحدوث الزماني مَعَ أَنهم لَا يَقُولُونَ بالحدوث الذاتي. وَالْجَوَاب أَن الزَّمَان من جملَة الْعَالم. والمتكلمون قَائِلُونَ بِأَن تقدم بعض أَجزَاء الزَّمَان على الْبَعْض وتأخره عَنهُ وَكَذَا تقدم عدم الزَّمَان على وجوده وَتَأَخر وجوده عَن عَدمه تقدم وَتَأَخر بِالذَّاتِ أَي بِلَا وَاسِطَة الزَّمَان. وَهَذَا التَّقَدُّم والتأخر قسم سادس أحدثه المتكلمون كَمَا حققنا فِي التَّقَدُّم. لَكِن التَّقَدُّم الذاتي الَّذِي أثْبته المتكلمون غير التَّقَدُّم الذاتي الَّذِي أثْبته الْحُكَمَاء. والبعدية الذاتية أَيْضا كَذَلِك لِأَن التَّقَدُّم الذاتي عِنْد الْمُتَكَلِّمين هُوَ الْقبلية الَّتِي لَا يُجَامع مَعهَا الْقبل الْبعد وَكَذَا البعدية الذاتية. والتقدم الذاتي عِنْد الْحُكَمَاء هُوَ تقدم الْمُحْتَاج إِلَيْهِ على الْمُحْتَاج. فمراد الْمُتَكَلِّمين بقَوْلهمْ الْمَشْهُور الْمَذْكُور أَن الْعَالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مَوْجُود بعد الْعَدَم بعدية لَا يُجَامع مَعهَا الْبعد الْقبل بعدية وجودية الزَّمَان عَن عَدمه كَذَلِك وَإِنَّمَا عبروا عَن هَذِه البعدية بالبعدية الزمانية المشعرة بوساطة الزَّمَان جَريا على اصْطِلَاح الْحُكَمَاء فَلَا يلْزم وجود الزَّمَان عِنْد عَدمه وَإِن أردْت توضيح هَذَا المرام فاستمع لما قَالَه الْفَاضِل المدقق القمقام ملا يُوسُف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 رَحمَه الله ولعلهم أَرَادوا بالبعدية الزمانية هَا هُنَا بعدية لَا يُجَامع مَعهَا الْقبل الْبعد وَلما كَانَ هَذَا الْمَعْنى عِنْد الْحُكَمَاء منحصرا فِي الزَّمَان وأجزائه عرضا أوليا لأجزاء الزَّمَان وعروضه لغير الزَّمَان وأجزائه ثَانِيًا وبالعرض وَكَانَ التَّقَدُّم الزماني هُوَ هَذَا وَكَأن أَقسَام التَّقَدُّم منحصرا فِي الْخمس كَمَا بينوا فِي مَوْضِعه وَإِن لم ينْحَصر عِنْد الْمُتَكَلِّمين كَمَا مر سموهُ بعدية زمانية على اصْطِلَاح الْحُكَمَاء انْتهى. وَلَك أَن تَقول إِن انْتِقَاض مَا تقرر أَن الْحَادِث الزماني يَسْتَدْعِي سبق الزَّمَان بَاقٍ على حَاله لأنكم تَقولُونَ إِن الزَّمَان حَادث بالحدوث الزماني وتقولون إِن تقدم عَدمه على وجوده وبعدية وجوده عَن عَدمه ذاتيان بِلَا وَاسِطَة الزَّمَان وَإِن سميته بعدية زمانية. وَيُمكن أَن يُقَال إِن ذَلِك الاستدعاء إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْحُكَمَاء. وَأما عِنْد الْمُتَكَلِّمين فَلَا. نعم إِنَّهُم أَيْضا قَائِلُونَ بِأَن الْحَادِث الزماني يَسْتَدْعِي سبق الزَّمَان لَكِن لَا مُطلقًا بل إِذا كَانَ الْحَادِث زمانيا - وَأما إِذا كَانَ زَمَانا أَو أجزاءه فَلَا. وَمن طلعت عَلَيْهِ شموس حقائق الزَّمَان والدهر والسرمد فقد انْكَشَفَ عَنهُ ظلام أَمْثَال هَذِه المزالق الَّتِي زلت فِيهَا أَقْدَام القاصرين. (بَاب الْحَاء مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الحبر: بِالْكَسْرِ وَسُكُون الثَّانِي وَالرَّاء الْمُهْملَة هُوَ الْعَالم بتحبير الْكَلَام وتحسينه كَذَا فِي الصِّحَاح. وَفِي شرح المواقف الحبر بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح الْعَالم الَّذِي يحبر الْكَلَام ويزينه. قيل إِنَّمَا يُقَال للْعَالم حبرًا لِأَنَّهُ مقلوب الْبَحْر فَكَمَا أَن الْبَحْر مجمع المَاء كَذَلِك الْعَالم مجمع الْعلم وَالْعلم كَالْمَاءِ فَإِن المَاء سَبَب الْحَيَاة الدُّنْيَوِيَّة وَالْعلم سَبَب الْحَيَاة الأبدية أما سَمِعت من صَار بِالْعلمِ حَيا لم يمت. الحبلي: الامرأة الْحَامِل. وَمن أَرَادَ أَن تَلد امْرَأَته الحبلى ذكرا فليضع يَده على بَطنهَا فَلْيقل إِنِّي سميت مُحَمَّدًا وَأحمد باسم نبيك عَلَيْهِ السَّلَام وَإِن كَانَ أُنْثَى تحول ذكرا. (بَاب الْحَاء مَعَ التَّاء الْفَوْقِيَّة) حتف أَنفه: أَي مَاتَ موتا على فرَاشه بِلَا قتل أَو جِرَاحَة أَو ضرب. ذكر فِي النِّهَايَة (الحتف) الْهَلَاك كَأَنَّهُمْ يتخيلون أَن روح الْمَرِيض يخرج من أَنفه فَإِذا جرح أَو ضرب يخرج من جراحته أَو مَوضِع ضربه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 (بَاب الْحَاء مَعَ الْجِيم) الْحجر: بِفَتْح الْحَاء وَالْجِيم بِالْفَارِسِيَّةِ سنكك. وَقد يُرَاد بِهِ الذَّهَب وَالْفِضَّة كَمَا يُقَال فلَان ابْن الْحجر أَي كثير المَال. وَمن هَذَا لقب الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد بن عَليّ الْعَسْقَلَانِي بِابْن حجر رَحْمَة الله عَلَيْهِ. وَوجه تلقبه بذلك كَثْرَة مَاله وضياعه وَهَذَا لقبه رَحمَه الله وَإِن كَانَ بِصِيغَة الكنية وَهُوَ شَائِع فِي أَسمَاء الرِّجَال. وَقيل لقب رَحمَه الله بذلك لجودة ذهنه وصلابة رَأْيه بِحَيْثُ يرد اعْتِرَاض كل معترض حَتَّى قيل إِنَّه ابْن حجر لَا يتَصَرَّف فِيهِ أحد من حَيْثُ الإسكات والإلزام. وَالْحجر بحركات الْحَاء وَسُكُون الْجِيم فِي اللُّغَة الْمَنْع مُطلقًا أَي منع كَانَ. وَمِنْه سمي الْعقل حجرا لِأَنَّهُ يمْنَع القبائح. قَالَ الله تَعَالَى {هَل فِي ذَلِك قسم لذِي حجر} . أَي لذِي عقل. وَالْحجر بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْجِيم فِي الشَّرْع هُوَ الْمَنْع عَن التَّصَرُّف القولي لَا الْفعْلِيّ لِأَن الْحجر لَا يتَحَقَّق فِي أَفعَال الْجَوَارِح. فالصبي وَالْعَبْد إِذا أتلف مَال الْغَيْر يجب الضَّمَان وَكَذَا الْمَجْنُون. والأسباب: الْمُوجبَة للحجر ثَلَاثَة الصغر وَالرّق وَالْجُنُون فَلَا يجوز تصرف الصَّبِي إِلَّا بِإِذن وليه. وَلَا تصرف العَبْد إِلَّا بِإِذن سَيّده. وَلَا تصرف الْمَجْنُون فَإِن كَانَ الْمَجْنُون بِحَيْثُ لَا يفِيق أصلا وَهُوَ مسلوب الْعقل فَلَا يجوز تصرفه أصلا. وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يفِيق تَارَة وَيحسن أُخْرَى وَهُوَ الْمَعْتُوه. فَإِن عقد فِي حَال الْجُنُون فَلَا يجوز مُطلقًا إِذن لَهُ الْوَلِيّ أَولا. وَإِن كَانَ فِي كَلَامه اخْتِلَاط بِكَلَام الْعُقَلَاء والغفلاء. فَإِن عقد فالولي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أجَازه إِذا كَانَ فِيهِ مصلحَة وَإِن شَاءَ فسخ وَفِي كنز الدقائق وَمن عقد مِنْهُم وَهُوَ يعقله يُجِيزهُ الْوَلِيّ أَو يفسخه. وَالْمرَاد بقوله مِنْهُم الصَّبِي وَالْعَبْد وَالْمَجْنُون الَّذِي يخْتَلط كَلَامه لَا الَّذِي مسلوب الْعقل كَمَا عرفت. وَالْمرَاد بِالْعقدِ التَّصَرُّف الدائر بَين الْمَنْفَعَة والمضرة. فَإِن التَّصَرُّفَات ثَلَاثَة أَنْوَاع: ضار مَحْض كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق والهيبة وَالصَّدَََقَة فَلَا يملكهُ وَإِن أذن لَهُ وليه. وَنَافِع مَحْض كقبول الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فَيملكهُ بِغَيْر إِذْنه أَيْضا. ودائر بَين النَّفْع وَالضَّرَر كَالْبيع وَالشِّرَاء. فَمن عقد مِنْهُم هَذَا العقد فالولي بِالْخِيَارِ بالتفصيل الْمَذْكُور لَكِن يشْتَرط أَن يكون الْعَاقِد عَاقِلا بِالْعقدِ الَّذِي تصرف فِيهِ وقاصدا إِيَّاه بِإِثْبَات حكمه لَا هازلا بِهِ وَلَا يحْجر بِسَفَه وَفسق وغفلة وَدين وإفلاس. وَإِمَّا إِذا بلغ الصَّبِي غير رشيد لم يدْفع إِلَيْهِ مَاله حَتَّى يبلغ خمْسا وَعشْرين سنة. وَإِذا بلغ الْمدَّة مُفْسِدا أَي غير رشيد يدْفع إِلَيْهِ مَاله. والسفه بالفتحتين فِي اللُّغَة الخفة أَي خفَّة الْعقل الَّتِي تعرض للْإنْسَان من غضب أَو فَرح يحملهُ على الْفِعْل من غير روية. وَفِي الشَّرِيعَة تبذير المَال وإتلافه على خلاف مُقْتَضى الشَّرْع وَالْعقل فارتكاب غَيره من الْمعاصِي كشرب الْخمر وَالزِّنَا لم يكن من السَّفه المصطلح فِي شَيْء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 وَفِي الْعَيْنِيّ شرح كنز الدقائق السَّفه الْعَمَل بِخِلَاف مُوجب الشَّرْع وَاتِّبَاع الْهوى. وَمن عَادَة السَّفِيه التبذير والإسراف فِي النَّفَقَة وَالتَّصَرُّف لَا لغَرَض أَو لغَرَض لَا يعده الْعُقَلَاء من أهل الدّيانَة غَرضا مثل دفع المَال إِلَى الْمُغنِي واللعاب وَشِرَاء الْحَمَامَة الطيارة بِالثّمن الغالي والغبن فِي التِّجَارَات. وَالْمرَاد بالسفه هَا هُنَا هُوَ تبذير المَال وإسرافه بخفة الْعقل. وَالْمرَاد بِالْفِسْقِ هُوَ الارتكاب بِخِلَاف المشروعات بِلَا تبذير المَال. والرشيد من ينْفق المَال فِيمَا يحل ويمسك عَمَّا يحرم وَلَا يتَصَرَّف فِيهِ بالتبذير والإسراف. وَهَذَا مُرَاد من قَالَ إِن الرشيد فعيل من الرشد وَهُوَ الْمُهْتَدي إِلَى وُجُوه الْمصَالح. وَالْمرَاد بالغفلة هُوَ الْغَفْلَة عَن التَّصَرُّفَات المربحة فكثيرا مَا يحصل لَهُ الْغبن فِي التَّصَرُّفَات لِسَلَامَةِ قلبه. وَقَالا رحمهمَا الله يحْجر بِالدّينِ بِأَن كَانَ رجل مديونا وَزَاد دينه على مَاله فيطلب الْغُرَمَاء من القَاضِي الْحجر عَلَيْهِ لِئَلَّا يهب مَاله وَلَا يتَصَدَّق وَلَا يقر لغريم آخر فَيجوز للْقَاضِي حجره عَن هَذِه التَّصَرُّفَات وَنَحْوهَا مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال حق الْغُرَمَاء وَأما عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله لَا يحْجر. وَاعْلَم أَن أَبَا حنيفَة رَحمَه الله يرى الْحجر على ثَلَاثَة - مفتي ماجن - وطبيب جَاهِل - ومكاري مُفلس - دفعا لضررهم عَن النَّاس. وَأما الْمُفْتِي الماجن فَهُوَ الَّذِي يعلم النَّاس الْحِيَل الْبَاطِلَة بِأَن يعلم الْمَرْأَة أَن ترتد فَتبين من زَوجهَا ثمَّ تسلم وَيعلم الرجل أَن يرْتَد فَتسقط عَنهُ الزَّكَاة ثمَّ يسلم وَلَا يُبَالِي بِأَن يحل حَرَامًا أَو يحرم حَلَالا فضرره مُتَعَدٍّ إِلَى الْعَامَّة. فِي الْقَامُوس مجن مجونا صلب وَغلظ. وَمِنْه الماجن لمن لَا يُبَالِي قولا وفعلا كَأَنَّهُ صلب الْوَجْه. والطبيب الْجَاهِل وَهُوَ الَّذِي لَا يعلم دَوَاء الْأَمْرَاض وتشخيصها فيسقي دَوَاء مهْلكا. والمكاري الْمُفلس هُوَ الَّذِي يكاري الدَّابَّة وَيَأْخُذ الْكِرَاء فَإِذا جَاءَ أَوَان السّفر فَلَا دَابَّة لَهُ. وَفِي الذَّخِيرَة وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذ كِرَاء الْإِبِل وَلَيْسَ لَهُ إبل وَلَا ظهر يحمل عَلَيْهِ وَلَا مَال يَشْتَرِيهِ وَعند أَوَان الْخُرُوج يخفي نَفسه. وَفِي الْكَافِي هُوَ الَّذِي مَاتَت دَابَّته فِي الطّرق وَلم يجد دَابَّة أُخْرَى بِالشِّرَاءِ أَو الِاسْتِئْجَار فَيُؤَدِّي إِلَى إِتْلَاف مَال النَّاس. الْحجب: بِالْفَتْح فِي اللُّغَة الْمَنْع الْمُطلق يُقَال امْرَأَة محجوبة أَي مَمْنُوعَة وَكَذَا حَاجِب الْأَمِير لِأَنَّهُ يمْنَع النَّاس عِنْد الدُّخُول على الْأَمِير من التَّكَلُّم مَعَه. وَمِنْه الْحجاب لما ستر بِهِ الشَّيْء وَيمْنَع من النّظر إِلَيْهِ. وَفِي اصْطِلَاح الْفَرَائِض منع شخص معِين عَن مِيرَاثه إِمَّا كُله أَو بعضه بِوُجُود شخص آخر - الأول حجب الحرمان - وَالثَّانِي حجب النُّقْصَان. وَالْفرق بَين الْحجب وَالْمَنْع أَن الْحجب يكون لجلب النَّفْع وَدفع الضَّرَر وَالنُّقْصَان يَعْنِي أَن الْحَاجِب إِنَّمَا يحجب ليجلب النَّفْع إِلَى نَفسه وَيدْفَع الضَّرَر وَالنُّقْصَان عَن ذَاته بِخِلَاف الْمَنْع فَإِنَّهُ يكون لأمر آخر كالاحتراز عَن تَوْرِيث الْأَجْنَبِيّ وَجَزَاء الاستنكاف وَالْجِنَايَة وَانْقِطَاع الْولَايَة والعصمة. وَأَيْضًا أَن الْحجب يكون بِوُجُود شخص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 وَالْمَنْع يكون بِوُجُود معنى من الْمعَانِي الْمَذْكُورَة فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع جدا. حجب الحرمان: هُوَ أَن يحجب عَن الْمِيرَاث بالمرة فَيصير محروما وممنوعا عَن مِيرَاثه بِالْكُلِّيَّةِ. وَفِي السِّرَاجِيَّة وَالْوَرَثَة فِيهِ أَي فِي حجب الحرمان فريقان فريق لَا يحجبون إِلَى قَوْله وفريق يورثون بِحَال ويحجبون بِحَال أَي حجب الحرمان وَهَا هُنَا إِشْكَال مَشْهُور وَهُوَ أَن الْفَرِيق الَّذين لَا يحجبون بِحَال كَيفَ يدْخلُونَ تَحت حكم الْحجب فَمَا وَجه قَوْله وَالْوَرَثَة فِيهِ فريقان وَالْجَوَاب أَن وزانه كوزان قَوْلهم النَّاس فِي خطابات الشَّرْع على نَوْعَيْنِ أَحدهمَا دَاخل فِيهَا كالمكلف وَالْآخر غير دَاخل فِيهَا كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون فهما وَإِن كَانَا غير مخاطبين جعلا داخلين فِي التَّقْسِيم وكما قَالُوا إِن الْإِدْغَام على ثَلَاثَة أَنْوَاع: وَاجِب مثل مد - وَجَائِز مثل لم يمد - وممتنع مثل مددن. وَالْحَاصِل أَن الحكم يتَعَلَّق بالشي إِمَّا بِالنَّفْيِ أَو بالإثبات فَيكون نَفْيه وإثباته من أَحْكَامه. فَإِن الحكم هَا هُنَا هُوَ الْحجب الَّذِي تعلق بِبَعْض الْوَرَثَة بِالنَّفْيِ وببعضها بالإثبات فَيكون كل من نفى الْحجب وإثباته من جملَة أَحْكَامه وبالقياس إِلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي شرح السِّرَاجِيَّة بقوله أَي فِي حجب الحرمان وبالقياس إِلَيْهِ. حجب النُّقْصَان: هُوَ حجب عَن سهم أَكثر إِلَى سهم أقل كَمَا بَين فِي الْفَرَائِض. الْحَج: بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَقيل بِالْكَسْرِ لُغَة نجد وبالفتح لغَيرهم وَقيل بِالْفَتْح اسْم وبالكسر مصدر وَقيل بِالْعَكْسِ كَمَا فِي فتح الْبَارِي وَهُوَ فِي اللُّغَة الْقَصْد إِلَى الشَّيْء الْمُعظم. وَفِي الشَّرْع قصد زِيَارَة بَيت الله الْحَرَام بِصفة مَخْصُوصَة فِي وَقت مَخْصُوص وَهُوَ أشهر الْحَج بِفعل مَخْصُوص وَهُوَ الطّواف وَالسَّعْي بشرائط مَخْصُوصَة كالإحرام وَغَيره كَمَا بَين فِي الْفِقْه. وَفِي فتح الْقَدِير الْحَج عبارَة عَن الْأَفْعَال الْمَخْصُوصَة من الطّواف وَالْوُقُوف فِي وقته محرما بنية الْحَج سَابِقًا ثمَّ الْحَج نَوْعَانِ: الْحَج أكبر هُوَ حج الْإِسْلَام وَالْحج الْأَصْغَر هُوَ الْعمرَة. وَالْحج فَرِيضَة بدلائل مَقْطُوعَة حَتَّى يكفر جاحدها وَأَنه لَا يجب فِي الْعُمر إِلَّا مرّة وَهُوَ فرض على الْفَوْر لَا على التَّرَاخِي وَهُوَ الْأَصَح فَلَا يُبَاح لَهُ أننا خير بعد الْإِمْكَان وَوُجُود الشَّرَائِط إِلَى الْعَام الثَّانِي فَلَو آخرا ثمَّ وَلَو آخِره وَأدّى بعد ذَلِك وَقع أَدَاء. وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله يجب على التَّرَاخِي والتعجيل أفضل وَلَكِن هَذَا إِذا كَانَ غَالب ظَنّه السَّلامَة إِمَّا إِذا كَانَ ظَنّه الْمَوْت إِمَّا بِسَبَب الْهَرم أَو الْمَرَض فَإِنَّهُ يتضيق عَلَيْهِ الْوُجُوب إِجْمَاعًا كَذَا فِي الْجَوَاهِر النيرة وَثَمَرَة الْخلاف تظهر فِي حق المأثم حَتَّى يفسق وَترد شَهَادَته عِنْد من يَقُول على الْفَوْر وَلَو حج فِي آخر عمره فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِثْم بِالْإِجْمَاع وَلَو مَاتَ وَلم يحجّ أَثم بِالْإِجْمَاع كَذَا فِي التَّبْيِين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 الْحجاب: فِي اللُّغَة بِالْفَارِسِيَّةِ برده. وكل شَيْء مطلوبك سوى الله تَعَالَى فَهُوَ حجاب عِنْد أَرْبَاب السلوك. وَأَيْضًا قَالُوا الْحجاب انطباع الصُّور الكونية فِي الْقلب الْمَانِعَة لقبُول تجلي الْحق. نعم قَول الصائب. (كذشتم ازسر مطلب تَمام شدّ مطلب ... نقاب جهره مَقْصُود بود مطلب هَا) الْحجَّة: فِي اللُّغَة الْغَلَبَة من حج يحجّ إِذا غلب. وَفِي اصْطِلَاح المنطقيين الْموصل إِلَى التَّصْدِيق وَإِنَّمَا سمي بهَا لِأَن من تمسك بِهِ اسْتِدْلَالا على مَطْلُوبه غلب الْخصم فَهُوَ سَبَب الْغَلَبَة فتسميته بهَا من قبيل تَسْمِيَة السَّبَب باسم الْمُسَبّب وَهِي عِنْدهم ثَلَاثَة: (قِيَاس) و (استقراء) و (تَمْثِيل) . الْحجَّة القطعية: هِيَ الْحجَّة الَّتِي تفِيد الْيَقِين وَلَا يقْصد بهَا إِلَّا الْيَقِين بالمطلوب. الْحجَّة الإقناعية: هِيَ الْحجَّة الَّتِي تفِيد الظَّن لَا الْيَقِين وَلَا يقْصد بهَا إِلَّا الظَّن بالمطلوب. فَإِن قيل قد تقرر عِنْدهم أَن الْخَبَر الْمُتَوَاتر وَخبر الرَّسُول مفيدان لليقين فَكيف يَصح مَا قَالُوا إِن قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} . حجَّة اقناعية على إِثْبَات أَن صانع الْعَالم وَاحِد وَلَا يُمكن أَن يصدق مَفْهُوم وَاجِب الْوُجُود إِلَّا على ذَات وَاحِدَة. قُلْنَا. المُرَاد أَن قَوْله تَعَالَى ذَلِك مَعَ قطع النّظر عَن كَونه متواترا وإتيان الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام بِهِ حجَّة إقناعية لاشْتِمَاله على الْمُلَازمَة العادية وَالْأَحْكَام المستندة إِلَى الْعَادة لَا تكون قَطْعِيَّة. وَاعْلَم أَن هَذِه الْآيَة حجَّة اقناعية. وبرهان التمانع الَّذِي تُشِير إِلَيْهِ هَذِه الْآيَة حجَّة قطيعة لاشْتِمَاله على الْمُلَازمَة الْعَقْلِيَّة وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي شرح العقائد النسفية بقوله وَتَقْرِيره إِنَّه لَو أمكن آلهان لأمكن بَينهمَا تمانع إِلَى آخِره. (بَاب الْحَاء مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الحَدِيث: فِي اللُّغَة ضد الْقَدِيم لِأَنَّهُ يحدث شَيْئا فَشَيْئًا وَقد ورد إياك والْحَدِيث وَيسْتَعْمل فِي قَلِيل الْكَلَام وَكَثِيره. وأصول الحَدِيث علم بأصول يعرف بهَا أَحْوَال الحَدِيث الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من صِحَة النَّقْل عَنهُ وَضَعفه وطرق التَّحَمُّل وَالْأَدَاء. وموضوعه حَدِيث الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذْ الْبَحْث فِيهِ إِنَّمَا هُوَ عَن عوارضه وَإِن لم يكن بَعْضهَا ذاتيا كَذَا فِي جَوَاهِر الْأُصُول. والْحَدِيث فِي اصْطِلَاح الْمُحدثين قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَفعله وَتَقْرِيره وَصفته حَتَّى الحركات والسكنات فِي الْيَقَظَة والمنام ويرادفه السّنة عِنْد الْأَكْثَر. قَالَ فِي الْكِفَايَة الحَدِيث تِسْعَة قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (وَفعله وَتَقْرِيره وَقَول أَصْحَابه وفعلهم وتقريرهم وَالتَّابِعِينَ لَهُم) انْتهى. وَالْخَبَر بِمَعْنى الحَدِيث وَقيل أَعم وغايته الْفَوْز بسعادة الدَّاريْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 ثمَّ إِن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي أَن السّنة عِنْد الْإِطْلَاق هَل تخْتَص بِسنة الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو تعمها وَغَيرهَا. فَذهب المتقدمون منا وَصَاحب الْمِيزَان من الْمُتَأَخِّرين وَأَصْحَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله وَجُمْهُور أهل الحَدِيث إِلَى الأول وَالْبَاقُونَ إِلَى الثَّانِي. الحَدِيث الصَّحِيح: مَا سلم لَفظه عَن ركاكة وَمَعْنَاهُ عَن مُخَالفَة آيَة أَو خبر متواتر أَو إِجْمَاع وَكَانَ رُوَاته عُدُولًا. وَفِي مُقَابلَته. الحَدِيث السقيم: وأقسام الحَدِيث كَثِيرَة فِي أصُول الحَدِيث. الحَدِيث الْقُدسِي: مَا أخبر الله تَعَالَى بِهِ نبيه بالإلهام أَو بالمنام فَأخْبر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن ذَلِك الْمَعْنى بِعِبَارَة نَفسه وللقرآن الْمجِيد تَفْضِيل عَلَيْهِ لِأَن نظمه منزل. الحدس: سرعَة انْتِقَال الذِّهْن من المبادي إِلَى الْمَطْلُوب ويقابله الْفِكر وَالْفرق بَين الْفِكر والحدس أَنه لَا بُد فِي الْفِكر من حركتين: أَحدهمَا: حَرَكَة الذِّهْن لتَحْصِيل المبادي. وَثَانِيهمَا: حَرَكَة لترتبهما. وَأما رُجُوع الذِّهْن وانتقاله عَن المبادي الْمرتبَة إِلَى المطالب فَلَيْسَ بحركة لِأَنَّهُ آني الْوُجُود وَالْحَرَكَة تدريجية الْوُجُود بِخِلَاف الحدس إِذْ لَا حَرَكَة فِيهِ أصلا يَعْنِي لَا يلْزم فِيهِ حَرَكَة من الحركتين المذكورتين لجَوَاز أَن تسنح وَتظهر المبادي وَالْمَطْلُوب مَعًا فِي الذِّهْن من غير تقدم شوق وَطلب كَمَا لأَصْحَاب النُّفُوس القدسية. وَأما الِانْتِقَال فِي الحدس فآني الْوُجُود الْبَتَّةَ فَلَيْسَ بحركة وَالْمرَاد بقَوْلهمْ إِن تسنح المبادي الْمرتبَة للذهن فَيحصل الْمَطْلُوب أَن انْتِفَاء الْحَرَكَة الثَّانِيَة لَازم فِي الحدس سَوَاء وجدت الْحَرَكَة الأولى أَو لَا فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ مِمَّا خَفِي على المتعلمين بل على أَكثر من المعلمين. الحدسيات: فِي البديهي الْحَد: فِي اللُّغَة الْمَنْع. وَفِي عرف المنطقيين الْحَد الْمُمَيز الذاتي كَمَا أَن الرَّسْم هُوَ الْمُمَيز العرضي. ومدار التَّمام فيهمَا اشتمالهما على الْجِنْس الْقَرِيب وَالنُّقْصَان على عَدمه. وَلِهَذَا قَالُوا التَّعْرِيف بِالْفَضْلِ الْقَرِيب حد وبالخاصة رسم فَإِن كَانَ مَعَ الْجِنْس الْقَرِيب فَتَام وَإِلَّا فناقص وتفصيل الْحَد التَّام وَغَيره فِي كنه الشَّيْء إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَالْحَد فِي قَوْلهم هَذَا الشَّيْء فِي حد ذَاته كَذَا مقحمة فَافْهَم واحفظ وَقد جَاءَ الْحَد بِمَعْنى الطّرف وَالنِّهَايَة لِأَن الْحُكَمَاء يَقُولُونَ إِن حد الْخط أَي نهايته نقطة وحد السَّطْح خطّ وحد الْجِسْم التعليمي سطح وَبِمَعْنى الْمرتبَة أَيْضا كَمَا قَالَ صَاحب الْكَشَّاف فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} أَي لَكَانَ الْكثير مِنْهُ مُخْتَلفا قد تفَاوت نظمه وبلاغته فَكَانَ بعضه بَالغا حد الإعجاز وَبَعضه قاصرا عَنهُ يُمكن معارضته انْتهى. وَإِنَّمَا يفهم مِنْهُ أَن الْحَد بِمَعْنى المرتبه لِأَن الضَّمِير الْمَجْرُور فِي قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وَبَعضه قَاصِر عَنهُ رَاجع إِلَى الْحَد الْمُضَاف إِلَى الإعجاز لِأَنَّهُ الْمَقْصُود بِالذكر فَحِينَئِذٍ لَو كَانَ الْحَد بِمَعْنى النِّهَايَة لَكَانَ الْمَعْنى وَبَعضه قَاصِر عَن نِهَايَة الإعجاز يَعْنِي لم يصل إِلَى نهايته وَإِن كَانَ دَاخِلا فِيهِ أَي فِي الإعجاز فالفساد ظَاهر لِأَن قَوْله يُمكن معارضته صفة كاشفة لقَوْله وَبَعضه قَاصِر عَنهُ. وَلما كَانَ ذَلِك الْبَعْض الْقَاصِر عَن نِهَايَة الإعجاز دَاخِلا فِي الإعجاز يكون معجز الْبَتَّةَ والمعجز لَا يُمكن معارضته بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْحَد بِمَعْنى الْمرتبَة لِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ وَبَعضه قَاصِر عَن مرتبَة الإعجاز أَي عَن الإعجاز لِأَن الْإِضَافَة بَيَانِيَّة. وَلَا ريب فِي أَن مَا كَانَ قاصرا عَن مرتبَة الإعجاز وَلم يكن مِنْهُ يُمكن معارضته هَذَا مَا حررناه فِي التعليقات على المطول. الْحَد التَّام: هُوَ الْمركب من الْجِنْس والفصل القريبين للشَّيْء كالحيوان النَّاطِق للْإنْسَان. أما كَونه حدا فلكونه مَانِعا عَن دُخُول الأغيار فِي الْمَحْدُود. وَأما كَونه تَاما فلكونه جَامعا لتَمام ذاتياته. الْحَد النَّاقِص: هُوَ مَا يكون بِالْفَصْلِ الْقَرِيب وَحده أَو بِهِ وبالجنس الْبعيد كتعريف الْإِنْسَان بالناطق أَو بالجسم النَّاطِق. أما كَونه حدا فَلَمَّا مر فِي الْحَد التَّام. وَأما كَونه نَاقِصا فلنقصه لحذف بعض الذاتيات عَنهُ وَهُوَ الْجِنْس الْقَرِيب. الْحداد: بِالْكَسْرِ وَفتح الدَّال المخففة بِالْفَارِسِيَّةِ (سوكك كردن وَمَا تمّ نمودن) وَفِي الشَّرْع ترك الْمَرْأَة الْمُعْتَدَّة بِالطَّلَاق أَو موت زَوجهَا الزِّينَة وَسَائِر مَا ذكر فِي الْفِقْه. وَلَا حداد على الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة لِأَن نعْمَة النِّكَاح بَاقِيَة حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا. الْحَد الْمُشْتَرك: مَا يكون نسبته إِلَى الجزأين نِسْبَة وَاحِدَة كالنقطة بِالْقِيَاسِ إِلَى جزئي الْخط. وَهَذَا مُرَاد من عرفه بِأَنَّهُ ذُو وضع بَين مقدارين يكون مُنْتَهى لأَحَدهمَا ومبدأ للْآخر وَلَا بُد أَن يكون مُخَالفا لَهما بالنوع. حِدة: مصدر على زنة زنة وعدة تصريفها وحد يحد حِدة كوعد يعد عدَّة وَوزن يزن زنة والعوام بل بعض الْخَواص يقرؤون على حِدة بِالنّصب وَهُوَ غلط فَاحش لِأَن كلمة على حرف جر كَمَا أَن الْعَجز بِفَتْح الْعين وَالْمَشْهُور كَسره فافتح الْعين. حَدثنَا: اعْلَم أَن أَدَاء الحَدِيث على أَنْوَاع - الأول حَدثنَا - وَالثَّانِي أخبرنَا - وَالثَّالِث ثَنَا. وَالرَّابِع أَنبأَنَا. واصطلح المحدثون على أَن حَدثنَا إِنَّمَا يسْتَعْمل إِذا كَانَ الْأُسْتَاذ قَارِئًا والتلامذة مُسْتَمِعِينَ - وَأخْبرنَا يسْتَعْمل على الْعَكْس - وثنا عبارَة عَن حَدثنَا - وأنبأنا عبارَة عَن أخبرنَا. وَالْبُخَارِيّ لم يفرق بَين حَدثنَا وَأخْبرنَا وَكَذَا التِّرْمِذِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وحَدثني: يسْتَعْمل فِيمَا إِذا كَانَ الْأُسْتَاذ قَارِئًا والتلميذ السَّامع وَاحِدًا. الْحَدث: معنى قَائِم بِغَيْرِهِ بِشَرْط الْحُدُوث والتجدد. وَالْمرَاد بِقِيَام الْمَعْنى بِالْغَيْر اتصافه بذلك الْمَعْنى سَوَاء صدر عَن ذَلِك الْغَيْر كالضرب وَالْقَتْل أَو لَا كالطول الْقصر لَا المُرَاد بِهِ الِاخْتِصَاص الناعت أَو التّبعِيَّة فِي التحيز كَمَا هُوَ اصْطِلَاح الْمَعْقُول وَقَالَ الْعَارِف النامي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي يَعْنِي بِالْحَدَثِ معنى قَائِما بِغَيْرِهِ سَوَاء صدر عَنهُ كالضرب وَالْمَشْي أَو لم يصدر كالطول وَالْقصر انْتهى. وَتَحْقِيق هَذَا الْمقَام بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي جَامع الغموض فِي مَبْحَث الْمصدر. وَاعْلَم أَن الْحَدث الْمُعْتَبر فِي تَعْرِيف الْمصدر اعْتبر فِيهِ الْحُدُوث والتجدد فافترق الْمصدر وَالْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ بِأَن الْحُدُوث والتجدد مُعْتَبر فِي الْمصدر دون الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ. وَأَيْضًا الْحَدث النَّجَاسَة الْحكمِيَّة الْمَانِعَة من الصَّلَاة وَغَيرهَا. والخبث هُوَ النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة كالبول وَالْغَائِط وَالدَّم وَالْخمر وَغير ذَلِك وَالنَّجس بِفَتْح الْجِيم يعمهما. الْحُدُوث: فِي الْحَادِث. (بَاب الْحَاء مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة) الْحَذف: فِي التَّاج التّرْك (دست برداشتن) والحذف (بيفكندن) . فَفِي الأول إِشَارَة إِلَى عدم الْإِتْيَان ابْتِدَاء. وَفِي الثَّانِي إِلَى إِسْقَاطه بعد الْإِتْيَان هَكَذَا يفهم من المطول فِي شرح قَوْله الْبَاب الثَّالِث فِي أَحْوَال الْمسند. أما تَركه فَلَمَّا مر فَانْظُر هُنَاكَ. وَقَالَ الْفَاضِل المدقق عِصَام الدّين رَحمَه الله فِي الأطول التّرْك الردع أَي الْكَفّ وَالْمَنْع - والحذف الْإِسْقَاط فَالثَّانِي يدل على سبق الثُّبُوت دون الأول. فَلهَذَا قَالَ الشَّارِح يَعْنِي الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله مَا حَاصله أَن فِي اسْتِعْمَال الْحَذف فِي الْمسند إِلَيْهِ وَالتّرْك فِي الْمسند إِشْعَار بِأَن احْتِيَاج الْكَلَام إِلَى الْمسند إِلَيْهِ أَشد فَكَأَنَّهُ كَانَ ثَابتا لَا محَالة ثمَّ أسقط لداع. وَأورد عَلَيْهِ أَن كَلَامه هَذَا يُنَافِي مَا ذكره فِي شرح الْكَشَّاف أَن قَول ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا من ترك التَّسْمِيَة فَكَأَنَّمَا ترك مائَة وَأَرْبع عشرَة آيَة من الْقُرْآن مُشكل لِأَنَّهَا لَا تُوجد فِي سُورَة الْبَرَاءَة حَتَّى يكون تاركها لِأَن كَلَامه هَذَا دلّ على التّرْك وَهُوَ يَقْتَضِي الثُّبُوت. وَالْأَوْجه أَن اخْتِلَاف الْعبارَات للنِّيَّة على تعدد مَا يعبر بِهِ عَمَّا يُقَابل الذّكر لَا للتفاوت وَإِلَّا لما عبر المُصَنّف عَن عدم ذكر الْمَفْعُول فِي بحث متعلقات الْفِعْل بالحذف انْتهى. والحذف أَعم من التَّقْدِير لِأَنَّهُ إِسْقَاط من اللَّفْظ مَعَ الْإِبْقَاء فِي النِّيَّة. والحذف هُوَ الْإِسْقَاط من اللَّفْظ مُطلقًا. والحذف عِنْد أَصْحَاب الْعرُوض إِسْقَاط سَبَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 خَفِيف مثل لن من مفاعيلن ليبقى مفاعي فينقل إِلَى فعولن وَمَا يَقع فِيهِ هَذَا الْحَذف يُسمى محذوفا. (بَاب الْحَاء مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الْحَرَكَة: هِيَ الَّتِي تعرض للحرف عرضا يحله. وَعند الْحُكَمَاء خُرُوج صفة الشَّيْء وانتقالها من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل على سَبِيل التدريج. وتفصيلها أَن الشَّيْء الْمَوْجُود لَا يكون بِالْقُوَّةِ من جَمِيع الْوُجُود وَإِلَّا لَكَانَ وجوده بِالْقُوَّةِ فَيلْزم أَن يكون بِالْقُوَّةِ فِي كَونه بِالْقُوَّةِ فَيكون الْقُوَّة حَاصِلَة وَغير حَاصِلَة وَيلْزم أَيْضا أَن لَا يكون مَوْجُودا وَقد فرضناه مَوْجُودا هَذَا خلف. فَذَلِك الشَّيْء الْمَوْجُود إِمَّا مَوْجُود من جَمِيع الْوُجُوه وَهُوَ الْمَوْجُود الْكَامِل الَّذِي لَيْسَ لَهُ كَمَال متوقع كالباري تَعَالَى عز اسْمه والعقول - أَو بِالْفِعْلِ من بعض الْوُجُوه وبالقوة من بَعْضهَا فَمن حَيْثُ إِنَّه مَوْجُود بِالْقُوَّةِ من بعض الْوُجُوه لَو خرج من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل فَذَلِك الْخُرُوج - إِمَّا أَن يكون دفْعَة وَاحِدَة وَهُوَ الْكَوْن وَالْفساد كانقلاب المَاء هَوَاء فَإِن الصُّورَة الهوائية كَانَت للْمَاء بِالْقُوَّةِ فَخرجت مِنْهَا إِلَى الْفِعْل دفْعَة فَذَلِك الانقلاب فَسَاد من جِهَة زَوَال الصُّورَة المائية وَكَون من حَيْثُ حُدُوث الصُّورَة الهوائية. وَإِمَّا أَن يكون ذَلِك الْخُرُوج على التدريج فَهُوَ الْحَرَكَة. ثمَّ الْحَرَكَة: قد تطلق على الْحَرَكَة بِمَعْنى التَّوَسُّط. وَقد تطلق على الْحَرَكَة بِمَعْنى الْقطع: فالحركة بِمَعْنى التَّوَسُّط هُوَ كَون الْجِسْم فِيمَا بَين المبدأ والمنتهى بِحَيْثُ أَي حد يفْرض يكون حَاله فِي ذَلِك الْآن مُخَالفا لحاله فِي آنين يحيطان بِهِ - وَبِعِبَارَة أُخْرَى أَن يكون الْجِسْم واصلا إِلَى حد من حُدُود الْمسَافَة فِي كل آن لَا يكون ذَلِك الْجِسْم واصلا إِلَى ذَلِك الْحَد قبل ذَلِك الْآن وَبعده - وَالْحَرَكَة بِمَعْنى الْقطع أَمر ممتد من أول الْمسَافَة إِلَى آخرهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا تحصل عِنْد وجود الْجِسْم المتحرك إِلَى الْمُنْتَهى. وتفصيلهما مَا قَالَه أرسطو من أَن الْحَرَكَة قد تطلق على كَون الْجِسْم بِحَيْثُ أَي حد من حُدُود الْمسَافَة الَّتِي تفرض لَا يكون ذَلِك الْجِسْم قبل آن الْوُصُول إِلَى حد من حُدُود الْمسَافَة وَلَا بعد آن الْوُصُول حَاصِلا فِي الْحَد الْمَذْكُور فَيكون فِي كل آن فِي جِهَة أُخْرَى وَيُسمى الْحَرَكَة بِمَعْنى التَّوَسُّط لكَونهَا حَاصِلَة للجسم فِيمَا بَين المبدأ والمنتهى فَهِيَ صفة شخصية مَوْجُودَة فِي الْخَارِج دفْعَة مستمره إِلَى الْمُنْتَهى تَسْتَلْزِم اخْتِلَاف نسب المتحرك إِلَى حُدُود الْمسَافَة فَهِيَ بِاعْتِبَار ذَاتهَا مستمرة - وَبِاعْتِبَار نسبتها إِلَى تِلْكَ الْحُدُود سيالة - فباعتبار استمرارها وسيلانها تفعل فِي الخيال أمرا ممتدا غير قار تطلق عَلَيْهِ الْحَرَكَة بِمَعْنى الْقطع لِأَنَّهُ يقطع الْمسَافَة بهَا وَإِنَّمَا هِيَ أَمر ممتد لِأَنَّهُ لما ارتسم نِسْبَة المتحرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 إِلَى الْجُزْء الثَّانِي فِي الخيال قبل أَن يَزُول نسبته إِلَى الْجُزْء الأول عَنهُ يتخيل أَمر ممتد ينطبق على الْمسَافَة كَمَا يحصل من القطرات النَّازِلَة والشعلة الجوالة أَمر ممتد فِي الْحسن الْمُشْتَرك فَيرى لذَلِك خطا أَو دَائِرَة - وَالْحَرَكَة بِهَذَا الْمَعْنى لَا وجود لَهَا إِلَّا فِي التَّوَهُّم لِأَن المتحرك مَا لم يصل إِلَى الْمُنْتَهى لم يُوجد الْحَرَكَة بِتَمَامِهَا وَإِذا وصل فَقَط انْقَطَعت الْحَرَكَة فالحركة بِمَعْنى الْقطع أَمر ممتد غير قار الْأَجْزَاء حَاصِل فِي الخيال بسيلان الْحَرَكَة بِمَعْنى التَّوَسُّط. ثمَّ اعْلَم أَن فِي وجود الْحَرَكَة اخْتِلَافا ذهب بَعضهم إِلَى أَن الْحَرَكَة مَوْجُودَة بالبداهة. وَعبارَة الطوسي فِي التَّجْرِيد تنظر إِلَى هَذَا حَيْثُ قَالَ وجودهَا ضَرُورِيّ. وَبَعْضهمْ ذهب إِلَى أَنَّهَا لَيست مَوْجُودَة إِذْ لَو كَانَ لَهَا وجود لَكَانَ فِي أحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة والتالي بَاطِل فالمقدم مثله إِمَّا الْمُلَازمَة فظاهرة. وَإِمَّا بطلَان التَّالِي فَلِأَن الْمَوْجُود مِنْهَا لَيْسَ مَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْمُسْتَقْبل وَذَلِكَ ظَاهر وَلَا فِي الْحَال لوُجُوب كَونه منقسما إِذْ لَو كَانَ غير منقسم لكَانَتْ الْمسَافَة الْمُطَابقَة لَهُ أَيْضا كَذَلِك وَيلْزم مِنْهُ الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ وَإِذا انقسم فَيكون بعضه مَاضِيا وَبَعضه مُسْتَقْبلا وهما معدومان فَإِذن لَا وجود للحركة أصلا. وَأجَاب الشَّيْخ عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال بِأَن الْحَرَكَة الْحَاضِرَة وَإِن كَانَت منقسمة لَكِن انقسامها بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ إِذْ انقسامها إِنَّمَا هُوَ بِالْعرضِ لِأَنَّهُ تَابع لانقسام الْمسَافَة وَالزَّمَان وانقسام هذَيْن الْأَمريْنِ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ. وَلَا يخفى أَن الْكَلَام الْمَنْقُول عَن أرسطو كالمحاكمة بَين الْقَوْلَيْنِ. وَتَحْقِيق الْحق من المذهبين أَن الْحَرَكَة إِن أُرِيد مِنْهَا مَا هُوَ بِمَعْنى الْقطع فَالْحق مَا ذكره النافون لوجودها - وَإِن أُرِيد مِنْهَا مَا هُوَ بِمَعْنى التَّوَسُّط - فَالْحق مَا نقل عَن الْقَائِلين بوجودها. الْحَرَكَة فِي الكيف: هِيَ انْتِقَال الْجِسْم من كَيْفيَّة إِلَى كَيْفيَّة أُخْرَى على التدريج مَعَ بَقَاء الصُّورَة النوعية كتسخن المَاء وتبرده وَتسَمى هَذِه الْحَرَكَة اسْتِحَالَة أَيْضا لانتقال الْجِسْم من حَال إِلَى حَال. وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعَ بَقَاء الصُّورَة النوعية إِذْ لَو زَالَت هَذِه الصُّورَة المائية إِلَى الهوائية بالتسخن أَو إِلَى الأرضية بالتبرد كَانَ هُنَاكَ أَيْضا انْتِقَال من كَيْفيَّة إِلَى كَيْفيَّة أُخْرَى وَلَكِن لَا يُطلق عَلَيْهِ الْحَرَكَة لكَونه دفعيا بل يُطلق عَلَيْهِ الْكَوْن وَالْفساد. الْحَرَكَة الأينية: هِيَ انْتِقَال الْجِسْم من أَيْن إِلَى أَيْن على سَبِيل التدريج وَيُسمى نقلة على وزن شعلة أَيْضا للنَّقْل من أَيْن إِلَى أَيْن وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُطلق عَلَيْهِ الْحَرَكَة فِي الْعرف الْعَام. وَقيل هِيَ انْتِقَال الْجِسْم من مَكَان إِلَى مَكَان تدريجا. وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الْمُسَامحَة إِذْ الِانْتِقَال من مَكَان إِلَى مَكَان لَازم للحركة الأينية وَظَاهر أَنه غير مَحْمُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 لِأَن الأين لَيْسَ عبارَة عَن الْمَكَان حَتَّى يكون الْحَرَكَة فِي الأين الِانْتِقَال من مَكَان إِلَى مَكَان آخر - والأين هُوَ النِّسْبَة إِلَى الْمَكَان أَو الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للمتمكن من حُصُوله فِي الْمَكَان أَو الْحُصُول فِي الْمَكَان لَكِن لما كَانَ الِانْتِقَال من مَكَان إِلَى مَكَان لَازِما للحركة فِي الأين فَسرهَا بذلك اللَّازِم مجَازًا إطلاقا للازم على الْمَلْزُوم أَو أَرَادَ أَن الْحَرَكَة الأينية هِيَ الِانْتِقَال من حَالَة من مَكَان إِلَى حَاله حَاصِلَة من مَكَان آخر على التدريج يَعْنِي هِيَ الِانْتِقَال من نِسْبَة حَاصِلَة للجسم من حُصُوله فِي مَكَان إِلَى نِسْبَة حَاصِلَة لَهُ من حُصُوله فِي مَكَان آخر. الْحَرَكَة كونان فِي آنين فِي مكانين: تَحْقِيقه فِي أَن السّكُون كونان فِي آنين فِي مَكَان وَاحِد إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْحَرَكَة فِي المقولة: أَي وُقُوع حَرَكَة الْجِسْم فِي مقولة. وَمَعْنَاهُ أَن الْمَوْضُوع أَي مَوْضُوع المقولة يَتَحَرَّك من نوع تِلْكَ المقولة إِلَى نوع آخر مِنْهَا كانتقال الْجِسْم من الْبيَاض إِلَى السوَاد وَبِالْعَكْسِ - أَو من صنف من مقولة إِلَى صنف آخر من تِلْكَ المقولة كانتقال الْجِسْم من الْبيَاض الشَّديد إِلَى الْبيَاض الضَّعِيف وَبِالْعَكْسِ - أَو من فَرد من مقولة إِلَى فَرد آخر مِنْهَا كالانتقال من بَيَاض معِين إِلَى بَيَاض مثله وَقس على هَذَا فِي المقولات الثَّلَاث الْبَاقِيَة الَّتِي تقع الْحَرَكَة فِيهَا بِالذَّاتِ. وَاعْلَم أَن الْحَرَكَة تقع بِالذَّاتِ فِي أَربع مقولات وَفِي الْبَوَاقِي بِالْعرضِ وَتلك الْأَرْبَع الْكمّ والكيف والأين والوضع. الْحَرَكَة فِي الْكمّ: هِيَ الِانْتِقَال من كمية إِلَى كمية أُخْرَى تدريجا كالنمو والذبول. وَهَذَا التَّعْرِيف أولى من انْتِقَال الْجِسْم من كم إِلَى كم تدريجا لِأَن الْجِسْم كَمَا ينْتَقل من كم إِلَى كم تدريجا كَذَلِك الصُّورَة والهيولي أَيْضا بل الْمُنْتَقل من كم إِلَى كم بِالْحَقِيقَةِ هُوَ الصُّورَة لما بَين من أَن الْجِسْم التعليمي أَولا وبالذات قَائِم بالصورة إِلَّا أَن الْبَحْث مَخْصُوص بحركة الْجِسْم. ثمَّ الْحَرَكَة الكمية: أَرْبَعَة أَقسَام النمو والذبول والتخلخل والتكاثف كَمَا فِي غَايَة الْهِدَايَة. وَقَالَ السَّيِّد الشريف قدس سره وَجه الْحصْر أَن الْحَرَكَة فِي الْكمّ لَا بُد أَن يكون بِزَوَال كمية وَحُصُول أُخْرَى - فالكم الأول إِمَّا أَن يكون أَصْغَر من الثَّانِي أَو أكبر. وعَلى الأول إِمَّا أَن يكون حُصُول الْأَكْبَر بانضمام شَيْء أَو لَا. وعَلى الثَّانِي إِمَّا أَن يكون حُصُول الْأَصْغَر بانفصال شَيْء أَو لَا فانحصرت فِي أَرْبَعَة. ثمَّ اعْترض بِأَن السّمن والهزال أَيْضا من الْحَرَكَة الكمية مَعَ أَن الْوَجْه الْمَذْكُور دلّ على الانحصار فِي أَرْبَعَة وَأجَاب بِأَن الْأَرْبَعَة الَّتِي ذكرنَا فِي الْقِسْمَة شَامِلَة لَهما. وَإِن أردْت التَّصْرِيح قلت حُصُول الْأَكْبَر بانضمام شَيْء إِمَّا فِي جَمِيع الأقطار فَهُوَ النمو أَو فِي بَعْضهَا فَهُوَ السّمن وَكَذَا فِي الِانْفِصَال انْتهى. وَفِيه نظر أما أَولا فلأنا لَا نسلم أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 السّمن لَا يكون فِي جَمِيع الأقطار فَإِنَّهُ كَمَا يكون فِي الْعرض والعمق يكون فِي الطول أَيْضا كَمَا صرح بِهِ بعض الْمُحَقِّقين. وَأما ثَانِيًا فلأنا لَا نسلم أَن كل كم يَقع فِيهِ الْحَرَكَة متصف بالأصغرية والأكبرية فَإِن الشمعة تَتَغَيَّر من جسم تعليمي إِلَى آخر على سَبِيل التدريج مَعَ بَقَائِهِ بِعَيْنِه مثلا إِذا كَانَت الشمعة ذِرَاعا فِي الطول وَالْعرض والعمق وَتغَير كمها إِلَى كم آخر يكون ذِرَاعا فِي الأقطار الثَّلَاثَة وَأما ثَالِثا فَأَقُول مَا الْوَجْه فِي أَنهم لم يعدوا الورم وَرَفعه من أَقسَام الْحَرَكَة الكمية فَإِن قَالُوا إِن الْحَرَكَة فِي مقولة يَسْتَدْعِي أمرا وَاحِدًا بِعَيْنِه يتوارد عَلَيْهِ أَفْرَاد تِلْكَ المقولة وأفراد الْمِقْدَار فِي الورم وَرَفعه لَا يتوارد على شَيْء وَاحِد بِعَيْنِه فَنَقُول هَذَا مُشْتَرك بَين النمو والذيول وَالسمن والهزال فَمَا هُوَ جوابكم فَهُوَ جَوَابنَا انْتهى. الْحَرَكَة فِي الْوَضع: هِيَ الْحَرَكَة الوضعية وَهِي انْتِقَال الْجِسْم من هَيْئَة وضعية إِلَى أُخْرَى على سَبِيل التدريج كَمَا إِذا كَانَ للجسم حَرَكَة على الاستدارة وكما أَن الْقَائِم إِذا قعد فَإِنَّهُ ينْتَقل من وضع إِلَى وضع آخر. وَمن هَذَا الْبَيَان قد ظهر لَك أَن الْحَرَكَة الوضعية لَيست منحصرة فِي الْحَرَكَة على الاستدارة كَمَا يظْهر من ظَاهر كَلَام أثير الدّين الْأَبْهَرِيّ رَحمَه الله فِي هِدَايَة الْحِكْمَة حَيْثُ قَالَ وحركة فِي الْوَضع وَهِي أَن تكون للجسم حَرَكَة فِي الْوَضع وَهِي أَن تكون للجسم حَرَكَة على الاستدارة وَأَنَّهَا منحصرة فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِك لما ذكرنَا أَن الْقَائِم إِذا قعد ينْتَقل من وضع إِلَى وضع فَيتَحَقَّق الْحَرَكَة الوضعية وَلَيْسَ هُنَاكَ الْحَرَكَة على الاستدارة. وَإِنَّمَا قُلْنَا من ظَاهر كَلَامه رَحمَه الله لِأَنَّهُ يُمكن أَن يُقَال مُرَاده وَهِي كَانَ تكون الخ يَعْنِي لم يرد تَعْرِيف الْحَرَكَة الوضعية بِمَا ذكره وَلَا حصرها فِيمَا ذكره بل أَرَادَ تمثيلها بِهِ فَهَذَا تَمْثِيل وتشبيه بليغ بِحَذْف أداته. أَو لِأَن مُرَاده بِمَا ذكره أَن الْحَرَكَة الوضعية على سَبِيل الِانْفِرَاد لَا تُوجد إِلَّا وَقت أَن تكون للجسم حَرَكَة على الاستدارة يَعْنِي أَن مَقْصُوده حصر الْحَرَكَة الوضعية الصرفة فِي الْحَرَكَة على الاستدارة وَلَا شكّ أَن الْقَائِم إِذا قعد كَمَا انْتقل من وضع إِلَى وضع آخر كَذَلِك انْتقل من أَيْن إِلَى أَيْن آخر فَلَا تُوجد الْحَرَكَة الوضعية هُنَاكَ على سَبِيل الِانْفِرَاد. فعلى مَا ذكرنَا يصير كالعهن المنفوش مَا ذكره الشَّارِح الْحسن الميبذي رَحمَه الله من قَوْله أَقُول هَا هُنَا بحث إِذْ علم مِمَّا سبق الخ وَالْحَرَكَة الوضيعة الصرفة أَن يخْتَلف نِسْبَة أَجزَاء الْجِسْم من غير أَن يتبدل الْمَكَان. الْحَرَكَة على الاستدارة: هِيَ أَن يُفَارق كل جُزْء من أَجزَاء المتحرك كل جُزْء من أَجزَاء مَكَانَهُ ويلازم كُله مَكَانَهُ كَمَا فِي حجر الرَّحَى ويتحقق الْحَرَكَة الوضعية حِينَئِذٍ على سَبِيل الِانْفِرَاد لاخْتِلَاف نِسْبَة أَجزَاء المتحرك إِلَى أَجزَاء مَكَانَهُ على سَبِيل التدريج فَقَط فَإِن قلت إِن الْحَرَكَة الوضعية متحققة فِي فلك الأفلاك وَلَا مَكَان لَهُ قُلْنَا المُرَاد كل جُزْء من أَجزَاء مَكَانَهُ لَو كَانَ لَهُ مَكَان يَعْنِي أَن اعْتِبَار الْمُفَارقَة المكانية فِي الْأَجْزَاء إِنَّمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 هُوَ فِيمَا كَانَ لَهُ مَكَان لَا مُطلقًا. وَنَظِيره مَا قَالَ صَاحب المواقف أَن الْمَسْأَلَة مَا برهن عَلَيْهَا فِي الْفَنّ. وَقَالَ الشَّارِح رَحمَه الله أَن المُرَاد مَا برهن عَلَيْهَا على تَقْدِير كَونهَا نظرية لَا مُطلقًا. وَيُمكن الْجَواب أَيْضا بِأَن المُرَاد من الْمَكَان هُوَ الحيز فِي قَوْله أَجزَاء مَكَانَهُ إِذْ يجوز إِطْلَاق أَحدهمَا على الآخر لرابطة الْعُمُوم وَالْخُصُوص. ثمَّ اعْلَم أَن الْحَرَكَة المستديرة اصْطِلَاحا مَخْصُوص بِمَا لَا يخرج المتحرك عَن مَكَانَهُ. ولغة أَعم من ذَلِك فَإِن الْجِسْم إِذا تحرّك على مُحِيط دَائِرَة يُقَال إِنَّه متحرك بحركة مستديرة بِحَسب اللُّغَة. الْحَرَكَة الذاتية: هِيَ الْحَرَكَة الَّتِي تعرض للمتحرك أَولا وبالذات من غير أَن تكون هُنَاكَ وَاسِطَة فِي الْعرُوض وَإِن كَانَ هُنَاكَ وَاسِطَة فِي الثُّبُوت لَا مَا يكون ذَات المتحرك عِلّة لَهَا كَيفَ فَإِنَّهَا تَنْقَسِم على ثَلَاثَة أَقسَام طبيعية وقسرية وإرادية ويقابلها. الْحَرَكَة العرضية: فَهِيَ الَّتِي تعرض للمتحرك لَا أَولا وبالذات بل تكون هُنَاكَ وَاسِطَة فِي الْعرُوض للجسم بِوَاسِطَة عروضها. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هِيَ مَا يكون عروضها للجسم بِوَاسِطَة عروضها لشَيْء آخر بِالْحَقِيقَةِ كالجالس فِي السَّفِينَة المتحرك بحركتها. وَهَذَا هُوَ مُرَاد الْحسن الميبذي رَحمَه الله مِمَّا قَالَ فِي (شرح الْهِدَايَة فِي الْحِكْمَة) مَا يُوصف بالحركة إِمَّا أَن تكون الْحَرَكَة حَاصِلَة فِيهِ بِالْحَقِيقَةِ أَو لَا بل تكون الْحَرَكَة حَاصِلَة فِي شَيْء آخر يقارنه فيوصف هَذَا بالحركة تبعا لذَلِك الشَّيْء وَالْحَرَكَة المنسوبة إِلَى الأول تسمى ذاتية والمنسوبة إِلَى الثَّانِي تسمى عرضية كحركة أَعْرَاض الْجِسْم انْتهى. الْحَرَكَة الإرادية: وَإِنَّمَا تَنْقَسِم الْحَرَكَة الذاتية إِلَى الإرادية والطبيعية والقسرية لِأَن مبدأ الْحَرَكَة الَّذِي هُوَ طبيعة الْجِسْم المتحرك. إِمَّا أَن يَسْتَفِيد التحريك من أَمر خَارج فَهِيَ الْحَرَكَة القسرية أَولا يَسْتَفِيد فإمَّا لمبدأها شُعُور بِتِلْكَ الْحَرَكَة. أَولا، الأول: الْحَرَكَة الإرادية. وَالثَّانِي الْحَرَكَة الطبيعية: كحركة الْحجر إِلَى السّفل. الْحَرَكَة القسرية: هِيَ الْحَرَكَة على خلاف مُقْتَضى طبيعة المتحرك بِوُجُود مبدئها فِيهِ المتصف بِالتَّحْرِيكِ من خَارج فمبدأ الْحَرَكَة القسرية هِيَ طبيعة المقسور بمعاونة القاسر وتحريكها مُسْتَفَاد من الْخَارِج كالحجر المرمي إِلَى الفوق. الْحَرَكَة المستقيمة: فِي اللُّغَة هِيَ الْحَرَكَة الْوَاقِعَة على الْخط الْمُسْتَقيم. وَفِي الِاصْطِلَاح هِيَ الْحَرَكَة الأينية مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَت مُسْتَقِيمَة أَو منحنية أَو جوالة أَي وَاقعَة على الْخط الْمُسْتَقيم أَو المنحني أَو المستدير فالحركة المستقيمة أَعم اصْطِلَاحا وأخص لُغَة. الْحَرَكَة المستديرة: فِي الِاصْطِلَاح هِيَ الْحَرَكَة على الاستدارة الْمَذْكُورَة آنِفا. وَفِي اللُّغَة شَامِلَة للحركة على الاستدارة ولحركة المتحرك على خطّ مستدير وللحركة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 الجوالة والمدحرجة والقوسية والمتحرك على الشكل البيضي فالحركة المستديرة أَعم لُغَة وأخص اصْطِلَاحا. وَاعْلَم أَن الْحسن الميبذي رَحمَه الله فِي شرح هِدَايَة الْحِكْمَة مَا قَالَ فِي فصل أَن الْفلك بسيط من أَن المستديرة هِيَ الوضعية جَوَاب دخل مُقَدّر تَقْرِيره أَن الْحَرَكَة المستقيمة مُقَابلَة للحركة المستديرة والأينية أَعم مِنْهُمَا فَلَمَّا فسر الْحَرَكَة المستقيمة بالأينية صَارَت أَعم من المستديرة عمومها يُنَافِي كَون المستقيمة مُقَابلَة للمستديرة لِأَنَّهُ لَا مُقَابلَة بَين الْأَعَمّ والأخص. وَحَاصِل الْجَواب أَن للمستديرة إطلاقين قد تطلق على الوضعية الْمَحْضَة وَبِهَذَا الْمَعْنى يُقَابل الْحَرَكَة المستقيمة والأينية لَيست أَعم مِنْهَا أَي شَامِلَة للمستديرة بِهَذَا الْمَعْنى. وَقد تطلق على الْحَرَكَة على الاستدارة بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ كَمَا إِذا تحرّك شَيْء على خطّ مستدير وَالْحَرَكَة المستديرة بِهَذَا الْمَعْنى نوع من الْحَرَكَة الأينية فَتكون نوعا من الْحَرَكَة المستقيمة أَيْضا وَلَا مُقَابلَة بَين المستقيمة والمستديرة بِهَذَا الْمَعْنى فتفسير الْحَرَكَة المستقيمة بالأينية لَا يرفع المقابله بَين الْحَرَكَة المستقيمة بِمَعْنى الْحَرَكَة الوضعية الْمَحْضَة يَعْنِي بِدُونِ الأينية. وَهَذَا تَحْقِيق فويق نَافِع هُنَاكَ. الْحَرَكَة على التوالي وَالْحَرَكَة على غير التوالي: اعْلَم أَن لكل فلك سوى الْفلك الْأَعْظَم حَرَكَة مُتَوَالِيَة وَله حَرَكَة غير مُتَوَالِيَة. وحركة التوالي هِيَ الْحَرَكَة من الْمغرب إِلَى الْمشرق. وَلَا على التوالي هِيَ الْحَرَكَة من الْمشرق إِلَى الْمغرب. الْحَرِيق: (آتش سوزان وآتش زبانه كشيده وآنجه درآتش سوخة شود) . وَعند الْحُكَمَاء الْحَرِيق النَّار المشتعل فِي الدُّخان الْمُتَّصِل بِالْأَرْضِ نازلة إِلَى الأَرْض وَإِنَّمَا سميت حريقا لإحراقها الْأَجْسَام الكائنة فِي مَحل نُزُولهَا. الْحَرَارَة: كَيْفيَّة من شَأْنهَا تَفْرِيق المختلفات وَجمع المتشاكلات. وَعند الْأَطِبَّاء مرض يحدث بتعفن الأخلاط وَلها أقاسم وتدبيرات فِي كتبهمْ وَبَعض تَفْصِيل الْأَقْسَام فِي (الغب) إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْحَرْف: فِي اللُّغَة الطّرف. وَعند النُّحَاة كلمة دلّت على معنى غير مُسْتَقل بالمفهومية لاحتياجه فِي المفهومية إِلَى انضمام أَمر آخر إِلَيْهَا والحرف بِهَذَا الْمَعْنى مُقَابل للاسم وَالْفِعْل. وَاعْلَم أَنه قد يَجْعَل الْحُرُوف مُقَابل الْأَلْفَاظ فَيُقَال هِيَ أَلْفَاظ أَو حُرُوف فيراد بِاللَّفْظِ مَا يكون مركبا من حُرُوف التهجي. وبالحرف مَا لَا يكون مركبا مِنْهَا سَوَاء كَانَ مركبا من حرف من حُرُوف الْمعَانِي وَمن اسْم بسيط مثلا. أَو لَا يكون مركبا أصلا بِأَن يكون بسيطا، كالياء وَحده وَالْكَاف وَحده فِي بك فَإِنَّهُ مركب من أَدَاة وَاسم لَا من حُرُوف التهجي فَهُوَ حرف وكل وَاحِد من أَجْزَائِهِ أَيْضا حرف وَاحِد لِأَنَّهُ لَيْسَ بمركب مِنْهَا (فالحرف) بِهَذَا الْمَعْنى شَامِل للاسم وَالْفِعْل أَيْضا مثل كَاف الْخطاب و (ق) أمرا لَا مُقَابل لَهما بل مُقَابل للفظ بِمَعْنى مَا تركب من حُرُوف التهجي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وَإِن أردْت أَن تعلم عدد مَا فِي الْقُرْآن الْمجِيد من الْكَلِمَات وحروف الْمعَانِي والمباني. فَاعْلَم أَن الْكَلِمَات سِتَّة وَسَبْعُونَ ألفا وَأَرْبع مائَة وَأَرْبَعُونَ والحروف مِائَتَان وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ ألفا وَأَرْبع مائَة وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ و (الالفات) ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ وتسع مائَة وَاثْنَانِ وَتسْعُونَ و (الباءات) اثْنَا عشر ألفا ومائتان وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ و (التاءات) الفان وَأَرْبع مائَة وَأَرْبع و (الثاءات) ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَة وَخَمْسَة و (الجيمات) أَرْبَعَة آلَاف ومائتان وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ و (الحاءات) أَربع آلَاف وَمِائَة وَعِشْرُونَ. و (الخاءات) أَلفَانِ وَخمْس مائَة وَخَمْسَة و (الدالات) خَمْسَة آلَاف وتسع مائَة وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ و (الذالات) أَرْبَعَة آلَاف وَسبع مائَة وَتِسْعَة وَثَلَاثُونَ و (الراءات) اثْنَان وَعشرَة آلَاف ومائتان وَأَرْبَعُونَ و (الزايات) ثَلَاثَة آلَاف وَخمْس مائَة وَثَمَانُونَ و (السينات) خَمْسَة آلَاف وتسع مائَة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ و (الشينات) أَلفَانِ وَمِائَة وَخَمْسَة عشر و (الصادات) عشرُون ألفا وَثَمَانِية وَثَلَاثُونَ و (الضادات) سِتّ مائَة وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ و (الطاءات) ألف وَثَلَاث مائَة وَسَبْعَة و (الظاءات) سبع مائَة وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ و (العينات) تِسْعَة آلَاف ومائتان وَأَرْبَعَة وَسَبْعُونَ و (الغينات) تِسْعَة آلَاف ومائتان وَإِحْدَى عشر و (الفاءات) ثَمَانِيَة آلَاف وَأَرْبع مائَة وَثَمَانِية عشر و (القافات) سِتَّة آلَاف وست مائَة وَاثنا عشر و (الكافات) عشرَة آلَاف وست مائَة وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ و (اللامات) ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ألفا وَخمْس مائَة وَعِشْرُونَ و (الميمات) سِتَّة وَعِشْرُونَ ألفا وَخمْس مائَة وَخَمْسَة عشر و (النونات) خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا وَمِائَة وَتسْعُونَ و (الواوات) خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا وَخمْس مائَة وَتِسْعَة وَثَمَانُونَ و (الهاءات) سِتَّة عشر ألفا وَسَبْعُونَ و (الياءات) خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا وتسع مائَة وَتِسْعَة. هَكَذَا فِي (زِينَة الْقَارئ) الْحُرُوف الْعَالِيَة: الشؤون الذاتية الكامنة فِي غيب الغيوب كالشجرة فِي النواة. الْحرم: بِفَتْح الأول وَالثَّانِي حوالي مَكَّة. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر هُوَ من جَانب الْمشرق سِتَّة أَمْيَال. وَمن الشمَال اثْنَا عشر ميلًا وَيُقَال ثَلَاثَة أَمْيَال تَقْرِيبًا وَهُوَ الْأَصَح. وَمن الْمغرب ثَمَانِيَة عشر ميلًا. وَمن الْجنُوب أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ميلًا - وَالْحرم كُله كموضع وَاحِد كَذَا فِي (شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة) لأبي المكارم. الْحَرَام: بِالْفَارِسِيَّةِ (بزركك وناروا) يَعْنِي مَمْنُوع - قَالَ بعض العارفين أَن آكل الْحَرَام والشبهة مطرود عَن الْبَاب بِغَيْر شُبْهَة. أَلا ترى أَن الْجنب مَمْنُوع عَن دُخُول بَيت الله والمحدث يحرم عَلَيْهِ مس كِتَابه مَعَ أَن الْجَنَابَة وَالْحَدَث أثران مباحان فَكيف من هُوَ منغمس فِي قذر الْحَرَام وخبث الشُّبُهَات لَا جرم أَنه أَيْضا مطرود عَن ساحة الْقرب غير مَأْذُون لَهُ فِي دُخُول الْحرم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 حرف التَّنْفِيس: السِّين وسوف وَإِنَّمَا سميتا بِهِ لِأَن التَّنْفِيس التَّأْخِير وهما أَيْضا للاستقبال وَالتَّأْخِير. حُرُوف الْعلية: أَي الْحُرُوف الَّتِي تجْرِي على لِسَان العليل وَالتَّعْلِيل يجْرِي فِيهَا وَهِي ثَلَاثَة أحرف - الْوَاو - وَالْيَاء - ثمَّ الْألف - لَكِن لَا مُطلقًا بل الْألف الَّتِي تكون مبدلة عَن الْوَاو وَالْيَاء يجمعها (واي) قَالَ قَائِل: (حرف علت نَام كردم وَاو ألف وياي را ... ) (هر كرا دردي رسد نَار جَار كو يَد واي را ... ) وأثقلها الْوَاو ثمَّ الْيَاء ثمَّ الْألف. وَلَيْسَ المُرَاد أَنَّهُمَا ثقيلتان من سَائِر الْحُرُوف بل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْألف (وَأما) بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيرهَا من الْحُرُوف فخفيفتان وَلِهَذَا لَا تحتملان الْحَرَكَة الثَّقِيلَة على أَنفسهمَا وَلَا على مَا قبلهمَا فاحفظ فَإِنَّهُ مِمَّا خَفِي على المبتدين. ثمَّ اعْلَم أَن حرف الْعلَّة إِذا سكن يُسمى حرف (لين) . ثمَّ إِذا جانسه حَرَكَة مَا قبله فَهُوَ (حرف مد) فَكل حرف مد حرف لين وَلَا ينعكس وَالْألف حرف مد أبدا - وَالْوَاو وَالْيَاء. تَارَة حرفا لين كَمَا فِي قَول وَبيع. وَأُخْرَى حرفا مد كَمَا فِي يَقُول وَيبِيع. وثالثة ليستا حر فِي لين وَلَا حر فِي مد بل هما بِمَنْزِلَة الصَّحِيح. وَذَلِكَ إِذا تحركتا كَمَا فِي وعد وَيسر. وَكَثِيرًا مَا يطلقون على هَذِه الْحُرُوف حُرُوف الْمَدّ واللين مُطلقًا فَهُوَ إِمَّا مَحْمُول على هَذَا التَّفْصِيل أَو تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا يؤول إِلَيْهِ. حُرُوف الزِّيَادَة: يجمعها سألتمونيها. وَلَيْسَ المُرَاد أَن هَذِه الْحُرُوف لَا تكون إِلَّا زَائِدَة بل المُرَاد أَنه إِذا زيد حرف فَلَا يكون إِلَّا مِنْهَا. وَأَيْضًا لَيْسَ المُرَاد أَن حُرُوف الزِّيَادَة لَيست إِلَّا هَذِه بل أَنه إِذا زيد حرف لغير الْإِلْحَاق والتضعيف فَلَا يكون إِلَّا مِنْهَا. فَإِن الزِّيَادَة قد تكون بالتضعيف أَي بتكرير حُرُوف الْكَلِمَة أَي حرف كَانَت نَحْو علم وَفَرح. وَأَيْضًا قد يكون للإلحاق من تِلْكَ الْحُرُوف نَحْو شملل وَمن غَيرهَا نَحْو جلبب. حُكيَ أَن الْأَخْفَش تلميذ سِيبَوَيْهٍ سَأَلَهُ عَن حُرُوف الزِّيَادَة فَأجَاب حُرُوف الزِّيَادَة فَأجَاب سألتمونيها. ثمَّ سَأَلَ عَنْهَا فَأجَاب الْيَوْم تنسها. ثمَّ سَأَلَ فَأجَاب هويت السمان. وَلَا يخفى لطفه ويجمعها قَوْلك يَا أَوْس نمت وقولك لم يأتنا سَهْو وَكَذَا الْيَوْم تنساه وَجَمعهَا بَعضهم فِي بَيت. (يَا أَوْس هَل نمت وَلم يأتنا ... سَهْو فَقَالَ الْيَوْم تنساه) وَهَذِه الْحُرُوف عشرَة وَإِنَّمَا اخْتصّت بِالزِّيَادَةِ دون غَيرهَا لوجه مَذْكُور فِي المطولات. وَهَذِه الْحُرُوف حُرُوف المباني لَا حُرُوف الْمعَانِي الَّتِي من أَقسَام الْكَلِمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وَمُرَاد النُّحَاة بحروف الزِّيَادَة الْحُرُوف الَّتِي من أَقسَام الْكَلِمَة حذفهَا لَا يخل بِأَصْل الْمَقْصُود وَإِنَّمَا تزاد لفائدة فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى كَمَا بيّنت فِي كتب النَّحْو مَا هُوَ الْمَشْهُور أَن حُرُوف الزِّيَادَة حُرُوف نأيت أَو أتين أَو تَأتي لَيْسَ المُرَاد بِهِ جَمِيع الْحُرُوف الَّتِي تزاد بل الْحُرُوف الَّتِي تزاد على الْمُضَارع. حُرُوف الْمَدّ: قد مر ذكرهَا الْآن فِي حُرُوف الْعلَّة وَإِن أردْت معرفَة أَقسَام الْمَدّ فِي تِلَاوَة الْقُرْآن الْمجِيد فَارْجِع فِي الْمَدّ تصل إِلَى الْمَقْصُود إِن شَاءَ الله تَعَالَى. حُرُوف اللين: فِي حُرُوف الْعلَّة وَإِنَّمَا سميت بهَا لِأَن فِيهَا لينًا وضعفا. الْحَرْف الْأَصْلِيّ: حرف يثبت فِي تصاريف الْكَلِمَة لفظا أَو تَقْديرا. الْحَرْف الزَّائِد: حرف يسْقط فِي بعض تصاريف الْكَلِمَة لفظا أَو تَقْديرا. الْحُرُوف عِنْد الصُّوفِيَّة: الْحَقَائِق البسيطة من الْأَعْيَان. الْحِرْص: طلب شَيْء بِاجْتِهَاد فِي إِصَابَته. الْحُرُوف الشمسية والقمرية: فِي اللَّام. حُرُوف الْجَرّ: مَا وضع لإيصال معنى الْفِعْل أَو شبهه إِلَى اسْم بِدُخُولِهِ على ذَلِك الِاسْم سَوَاء كَانَ اسْما صَرِيحًا مثل مَرَرْت بزيد وَأَنا مار بزيد أَو كَانَ فِي تَأْوِيل الِاسْم كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ أَي برحبها} . الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ: حُرُوف اعْتبر شبهها بِالْفِعْلِ للأعمال لفظا وَمعنى. أما لفظا فلانقسامها بِاعْتِبَار تَمام حروفها إِلَى الثلاثي - والرباعي - والخماسي - والسداسي - كانقسام الْفِعْل إِلَيْهَا بِاعْتِبَار تَمام حروفها أَصْلِيَّة أَو زَائِدَة وَكَون الِاسْم منقسما إِلَى تِلْكَ الْأَقْسَام لَا يضر فِي تِلْكَ المشابهة إِذْ غَايَة مَا فِي الْبَاب إِنَّهَا مشابهة للاسم أَيْضا لكنه لم تعْتَبر تِلْكَ المشابهة لعدم ثَمَرَتهَا ولبنائها على الْفَتْح كالفعل لاستثقالها بِسَبَب تَشْدِيد الْأَوَاخِر وَالتَّاء وَهِي جِهَة مشابهتها بالماضي. وَأما شبهها بِالْفِعْلِ فِي الْوَزْن (فَإِن) كفر و (أَن) كذب (وَكَأن) كقطعن و (لَكِن) كضاربن و (لَيْت) كليس و (لَعَلَّ) فِي بعض لغاتها وَهِي لعن كقطعن وَأما معنى فَلِأَن مَعَاني الْأَفْعَال لاشتمالها على النِّسْبَة إِلَى فَاعل معِين كَمَا أَنَّهَا جزئية كَذَلِك مَعَاني تِلْكَ الْحُرُوف لاشتمالها على النِّسْبَة إِلَى مُتَعَلق خَاص مَعَاني جزئية. حُرُوف الشَّرْط هِيَ الْحُرُوف الدَّالَّة على تَعْلِيق حُصُول مَضْمُون جملَة بِحُصُول مَضْمُون جملَة أُخْرَى. الْحر: بِالضَّمِّ آزاد. فِي الْمُحِيط سَأَلَ بعض التُّجَّار مُحَمَّدًا رَحمَه الله عَن بيع الْحر بِسَبَب اسْتِهْلَاك النَّفس للقحط فَأجَاب مُحَمَّد رَحمَه الله بيع الْحر بِسَبَب الِاسْتِهْلَاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 للقحط جَائِز وبدونها لَا يجوز. وَإِن وطئ الرجل الْجَارِيَة بِهَذَا البيع الْمَذْكُور وحملت الْجَارِيَة جَازَ وَولده صَحِيح النّسَب عندنَا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. الْحُرِّيَّة هِيَ الْخُرُوج عَن الرّقّ. وَعند أَرْبَاب الْحَقِيقَة هِيَ الْخُرُوج عَن رق الكائنات وَقطع جَمِيع العلائق والأغيار وَهِي أَعلَى مَرَاتِب الْقرب. وحرية الْعَامَّة: هِيَ الْخُرُوج عَن رق الشَّهَوَات. وحرية الْخَاصَّة: هِيَ الْخُرُوج عَن رق المرادات والرسوم والْآثَار لفناء إرادتهم فِي إِرَادَة الْحق وانمحاقهم فِي تجلي نور الْأَنْوَار. الْحِرْز: بِالْكَسْرِ وَسُكُون الثَّانِي التميمة أَي التعويذ. وَفِي الشَّرْع الْموضع الْحصين الَّذِي أعد لحفظ الْأَمْتِعَة كَالدَّارِ والحانوت والخيمة والشخص الْحَافِظ بِنَفسِهِ. (بَاب الْحَاء مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة) الْحزن: مَا يحصل من الْقَبْض بِوُقُوع مَكْرُوه أَو فَوت مَحْبُوب فِي الْمَاضِي. (بَاب الْحَاء مَعَ السِّين الْمُهْملَة) ف (23) : الْحسن: بِضَم الأول وَسُكُون الثَّانِي وَكَذَا الْقبْح مصدران يطلقان على ثَلَاثَة معَان: الأول: كَون الشَّيْء ملائما للطبع ومنافرا لَهُ. وَالثَّانِي: كَونه صفة كَمَال وَكَونه صفة نُقْصَان. وَالثَّالِث: كَون الشَّيْء مُتَعَلق الْمَدْح فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب فِي العقبى وَكَونه مُتَعَلق الذَّم فِي الدُّنْيَا ومتعلق الْعقَاب فِي العقبى فهما متقابلان تقَابل التضاد. وَيعلم من هَا هُنَا الْحسن والقبيح اللَّذَان هما صيغتا الصّفة المشبهة. ثمَّ الْمَأْمُور بِهِ الَّذِي هُوَ الْحسن والقبيح فِي صفة الْحسن والقبح نَوْعَانِ: أَحدهمَا: الْمَأْمُور الَّذِي يكون حسنه فِي ذَاته بِأَن يكون حسن ذَلِك الْمَأْمُور بِهِ فِي ذَات مَا وضع لَهُ ذَلِك الْمَأْمُور بِهِ. وَالثَّانِي: الْمَأْمُور بِهِ الَّذِي يكون حسنا لغيره بِأَن يكون منشأ حسن ذَلِك الْمَأْمُور بِهِ هُوَ ذَلِك الْغَيْر فَلَا يكون لذَلِك الْمَأْمُور بِهِ دخل فِي حسنه وكل مِنْهُمَا على ثَلَاثَة أَقسَام وَقس عَلَيْهِ الْمَأْمُور بِهِ الَّذِي هُوَ الْقَبِيح وَالتَّفْصِيل فِي كتب أصُول الْفِقْه. وَالْحسن من الحَدِيث: مَا يكون رَاوِيه مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة من غير أَن يبلغ دَرَجَة الحَدِيث الصَّحِيح لكَونه قاصرا فِي الْحِفْظ والوثوق وَهُوَ مَعَ ذَلِك يرْتَفع عَن حَال من دونه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 الْحساب: فِي اللُّغَة (شمردن) . وَعلم الْحساب علم يستعلم مِنْهُ اسْتِخْرَاج المجهولات العددية من مَعْلُومَات مَخْصُوصَة عددية اثْنَيْنِ أَو أَكثر. وَاعْلَم أَن الْحساب نَوْعَانِ يَنْقَسِم إِلَى هوائي يستعلم مِنْهُ اسْتِخْرَاج المجهولات بِلَا مدخلية الْخَوَارِج وَغير هوائي يحْتَاج فِيهِ إِلَى اسْتِعْمَالهَا كأكثر الْقَوَاعِد الْمَذْكُورَة فِي خُلَاصَة الْحساب وَغَيرهَا من الرسائل الْمَشْهُورَة وَيُسمى الثَّانِي بِحِسَاب التخت وَالتُّرَاب وَيُسمى الأول بِالْعَمَلِ على التَّشْبِيه والتعريف يشملهما ونظري يبْحَث فِيهِ عَن ثُبُوت الْأَعْرَاض الذاتية للعدد وسلبها عَنهُ وَهُوَ الْمُسَمّى بالارتماطيقي وموضوعه الْعدَد الْحَاصِل فِي الْمَادَّة والمقارن بهَا لَا الْعدَد مُطلقًا وَمَا قيل إِن الحاسب كَمَا يبْحَث عَن الْعدَد الْمُقَارن للمادة فِي الْخَارِج كَذَلِك يبْحَث عَن الْعدَد المفارق للمادة بعروض الْعدَد بالمجردات كالعقول الْعشْرَة والنفوس الفلكية والإنسانية وَذَات الْوَاجِب تَعَالَى إِن قُلْنَا إِن الْوَاحِد عدد كَمَا سَيَجِيءُ تَحْقِيقه فِي الْعدَد فَالْجَوَاب عَنهُ أَن مَوضِع الْحساب لَيْسَ الْعدَد مُطلقًا بل من حَيْثُ حُصُوله فِي الْمَادَّة والبحث عَن الْعدَد فِي هَذَا الْفَنّ لَيْسَ على وَجه يَشْمَل المجردات لعدم تعلق غَرَض الحاسب بِهِ وغايته عدم الخطاء فِي الْحساب. حسن التَّعْلِيل: فِي البديع أَن يَدعِي لوصف عِلّة مُنَاسبَة لَهُ بِاعْتِبَار لطيف غير حَقِيقِيّ أَي لَا يكون مَا اعْتبر عِلّة للوصف عِلّة لَهُ فِي الْوَاقِع وَهُوَ على أَرْبَعَة أَنْوَاع كَمَا بَين فِي مَحَله فَلَا يكون مثل قتل زيد أعاديه لدفع ضررهم من هَذَا الْبَاب. الْحس الْمُشْتَرك: من الْحَواس الْبَاطِنَة وَهُوَ قُوَّة مرتبَة فِي مقدم التجويف الأول من الدِّمَاغ يقبل الصُّور المنطبعة فِي الْحَواس الْخمس الظَّاهِرَة. وَهَذِه الْخَمْسَة كالجواسيس لَهَا فتطلبها النَّفس من ثمَّة فتدركها وَلذَا سمي حسا مُشْتَركا أَي حسا اشْترك فِيهِ الْحَواس الظَّاهِرَة للْخدمَة كَمَا إِذا كَانَ لشخص خمس خوادم يُقَال لَهُ بنطاسيا فِي اللُّغَة اليونانية لِأَنَّهُ بِمَعْنى الرّوح. والحس الْمُشْتَرك أَيْضا بِمَنْزِلَة لوح للنَّفس الحيوانية والإنسانية فَإِن اللَّوْح كَمَا يقبل النقوش كَذَلِك الْحس الْمُشْتَرك يقبل انطباع جَمِيع الصُّور الْجُزْئِيَّة الجسمانية وتفصيل التجاويف الدماغية فِي الدِّمَاغ. الْحَسْرَة: بُلُوغ النِّهَايَة فِي التهلف حَتَّى يبْقى الْقلب حسيرا لَا مَوضِع فِيهِ لزِيَادَة التلهف كالبصر الحسير لَا قُوَّة فِيهِ للنَّظَر. الْحَسَد: تمني زَوَال النِّعْمَة الْمَحْسُود إِلَى الْحَاسِد. (بَاب الْحَاء مَعَ الشين الْمُعْجَمَة) الْحَشْر: هُوَ الْبَعْث والمعاد كَمَا مر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 الحشو: فِي اللُّغَة مَا يمْلَأ بِهِ الوسادة. وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب الْمعَانِي الزَّائِد الْمُتَعَيّن الَّذِي لَا طائل تَحْتَهُ. وَفِي اصْطِلَاح أَصْحَاب الْعرُوض هُوَ الْأَجْزَاء الْمَذْكُورَة بَين الصَّدْر وَالْعرُوض وَبَين الِابْتِدَاء وَالضَّرْب من الْبَيْت. الْحَشَفَة: مَا فَوق الْخِتَان من جَانب الرَّأْس لَا من جَانب الأَصْل. (بَاب الْحَاء مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة) الْحُصُول: مصدر حصل يحصل كنصر ينصر وَحُصُول شَيْء فِي الذِّهْن على نحوين: (حُصُول اتصافي) أصيلي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْآثَار، و (حُصُول ظرفي) ظِلِّي لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ آثَار مثلا إِذا تصورت كفر الْكَافِر حصل فِي ذهنك صُورَة كفره الَّذِي هُوَ الْعلم وصرت بقيامها بذهنك عَالما بِهِ وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ آثَار الْعلم بِهِ. وَلما كَانَ الْعلم عين الْمَعْلُوم كَانَ كفره أَيْضا حَاصِلا فِي ضمن تِلْكَ الصُّورَة حصولا ظرفيا غير مُوجب للاتصاف بالْكفْر وَهُوَ الْوُجُود الظلي للمعلوم الَّذِي لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ آثَار ذَلِك الْمَعْلُوم. وَمن هَذَا التَّحْقِيق ينْدَفع الِاعْتِرَاض الْمَشْهُور وَهُوَ أَن من تصور كفر كَافِر يلْزم أَن يكون كَافِرًا لِأَنَّهُ لما تصور كفره حصل صُورَة كفره فِي ذهنه وَصَارَ متصفا بِتِلْكَ الصُّورَة الَّتِي هِيَ علم. وَصُورَة الْكفْر عين كفر لِأَن الْعلم عين الْمَعْلُوم فَيلْزم أَن يكون متصفا بالْكفْر وَمن اتّصف بالْكفْر فَهُوَ كَافِر فَثَبت أَن من تصور كفر كَافِر يلْزم أَن يكون كَافِرًا بهَا. الْحصْر: (تنكك كرفتن بركسي واحاطه كردن وَمنع كردن از سفر وَحبس نمودن) وإيراد الشَّيْء على عدد معِين وَمِنْه حصر الْمقسم فِي الْأَقْسَام وَهُوَ على أَنْوَاع لِأَن الْجَزْم بالانحصار إِن كَانَ حَاصِلا بِمُجَرَّد مُلَاحظَة مَفْهُوم الْأَقْسَام من غير استعانة بِأَمْر آخر بِأَن يكون دائرا بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات فعقلي وَإِن كَانَ مستفادا من دَلِيل يدل على امْتنَاع قسم آخر (فقطعي) أَي يقيني وَإِن كَانَ مستفادا من تتبع (فاستقرائي) وَإِن حصل من مُلَاحظَة مُنَاسبَة تمايز وتخالف اعتبرها الْجَاعِل الْقَاسِم (فجعلى) . الْحصَّة: فِي الْفَرد إِن شَاءَ الله تَعَالَى. حُصُول شَيْء لآخر: على نحوين: أَحدهمَا: بطرِيق الْوُجُود العرضي لموضوعه كحصول الْقيام والسواد مثلا لزيد فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وجود ذَلِك الشَّيْء أَيْضا وَإِلَّا لجَاز اتصاف الْجِسْم بِالسَّوَادِ الْمَعْدُوم. وَالثَّانِي: بطرِيق الاتصاف وَالْحمل فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وجود الْمُثبت لَهُ دون الْمُثبت لجَوَاز أَن يكون الاتصاف انتزاعيا فَلَا يرد مَا قيل إِن قَوْلنَا زيد أعمى قَضِيَّة خارجية مَعَ عدمية الْعَمى فِي الْخَارِج فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك جدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 (بَاب الْحَاء مَعَ الضَّاد الْمُعْجَمَة) الْحَضَانَة: بِالْكَسْرِ تربية الْوَلَد والأحق بحضانة الْوَلَد أمه قبل الْفرْقَة وَبعدهَا إِلَّا أَن تكون مرتدة أَو فاجرة غير مَأْمُونَة. ثمَّ أم الْأُم ثمَّ أم الْأَب ثمَّ الْأُخْت لأَب وَأم ثمَّ لأم ثمَّ لأَب. وَفِي رِوَايَة الْخَالَة أولى من الْأُخْت لأَب ثمَّ الخالات كَذَلِك ثمَّ العمات كَذَلِك أَي لأَب وَأم ثمَّ لأم ثمَّ لأَب. وَمن نكحت من هَذِه الْمَذْكُورَات غير محرم للْوَلَد يسْقط حَقّهَا فِي حق الْحَضَانَة ثمَّ بالفرقة يعود حَقّهَا. ثمَّ الْعَصَبَات بترتيبهم فِي الْعُصُوبَة. وَالأُم وَالْجدّة أَحَق بحضانة الصَّغِير حَتَّى يَسْتَغْنِي فيأكل وَيشْرب ويلبس وَحده ويستنجي وَحده. وَقدر زمَان اسْتغْنَاء الصَّغِير بِسبع سِنِين وهما أَحَق بحضانة الصَّغِيرَة حَتَّى تحيض. وَغير الْأُم وَالْجدّة أَحَق بحضانة الصَّغِيرَة حَتَّى تشْتَهي بِأَن تبلغ مبلغا بِجَامِع مثلهَا وَأَنه يخْتَلف باخْتلَاف الْأَحْوَال من السّمن والهزال. وَالْقُوَّة والضعف. والقبح وَالْجمال. (بَاب الْحَاء مَعَ الطَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ) الحطم: الْكسر وَمِنْه الْحطيم وَهُوَ محوط مَحْدُود على صُورَة نصف دَائِرَة خَارج عَن جِدَار بَيت الله من جِهَة الشَّام تَحت الْمِيزَاب وَهُوَ من بَيت الله وَلَيْسَ كُله مِنْهُ بل مِقْدَار سِتَّة أَذْرع لحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ سِتَّة أَذْرع الْحجر من الْبَيْت وَمَا زَاد لَيْسَ من الْبَيْت. وَإِنَّمَا سمي حطيما لِأَنَّهُ مكسور من بَيت الله وَيُسمى حجرا لِأَنَّهُ حجر عَن الْبَيْت أَي منع مِنْهُ وقصته فِي شرح الْوِقَايَة. (بَاب الْحَاء مَعَ الظَّاء الْمُعْجَمَة) الْحَظْر: الْمَنْع وَفِي الشَّرْع مَا يُثَاب بِتَرْكِهِ ويعاقب على فعله. وَمِنْه الضرورات تبيح الْمَحْظُورَات. (بَاب الْحَاء مَعَ الْفَاء) الْحِفْظ: ضبط الصُّور المدركة. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِابْنِ عَبَّاس أَلا أهديك بهدية علمنيها جِبْرَائِيل فِي الْحِفْظ قلت بلَى يَا رَسُول الله قَالَ تكْتب على الطس بالزعفران فَاتِحَة الْكتاب والمعوذتين وَقل هُوَ الله أحد وَسورَة الْحَشْر والواقعة وتبارك الْملك كلهَا إِلَى آخرهَا ثمَّ تصب عَلَيْهِ مَاء زَمْزَم أَو مَاء السَّمَاء أَو مَاء نظيفا ثمَّ تشربه على الرِّيق وَذَلِكَ عِنْد السحر مَعَ ثَلَاثَة مَثَاقِيل لبان وَعشرَة مَثَاقِيل سكر ثمَّ تصلي بعد الشّرْب رَكْعَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 تقْرَأ فِي كل رَكْعَة فَاتِحَة الْكتاب وَخمسين مرّة قل هُوَ الله أحد ثمَّ تصبح صَائِما لَا يَأْتِي عَلَيْك أَرْبَعُونَ يَوْمًا إِلَّا وَتصير حَافِظًا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَهَذَا لمن دون سِتِّينَ سنة. قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ جربنَا فَإِذا هُوَ كَمَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَا فرحت بِشَيْء بعد الْإِسْلَام مَا فرحت بِهَذَا. قَالَ عِصَام وكتبت لنَفْسي وشربته وَكنت يَوْمئِذٍ ابْن خمس وَخمسين سنة فَلم يَأْتِ عَليّ شهر إِلَّا وَقد رَأَيْت فِي نَفسِي زِيَادَة مَا لَا أقدر أَن أصفه. قَالَ عِصَام وَكَانَ الزُّهْرِيّ يكْتب ويسقي أَوْلَاده وَقَالَ جربناه فوجدناه نَافِعًا لمن دون سِتِّينَ سنة. قَالَ الشّعبِيّ أَنا حفظت ألفا وَسبع مائَة دُعَاء للْحِفْظ لم أنتفع مَا انتفعت من هَذَا. وَالْمَنْقُول من بعض الْمَشَايِخ أَن من أَرَادَ أَن لَا ينسى مَا يسمع وَيفتح لَهُ بَاب الْحِفْظ فَليصل رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة {ففهمناها سُلَيْمَان} الْآيَة وَفِي الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْكَوْثَر وَيَدْعُو بعد السَّلَام اللَّهُمَّ افْتَحْ علينا حكمتك وانشر علينا رحمتك وَأنزل علينا بركاتك وَلَا تنسنا ذكرك وصل على خير خلقك مُحَمَّد وَآله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ فِي الصراح (لبان) (كندر) . وَفِي الْقَامُوس (الرِّيق) بِالْكَسْرِ مَاء الْفَم و (الريقان) بِالْكَسْرِ ذُو الرِّيق الْخَالِص وكل مَا أكل أَو شرب على الرِّيق. فَمَعْنَى ثمَّ تشربه على الرِّيق أَن لَا تتَنَاوَل شَيْئا سوى الرِّيق الَّذِي هُوَ فِي فمك. وَحَاصِله من غير سبق أكل وَشرب. وَقَالَ الْأَطِبَّاء كَثْرَة شرب المَاء على الرِّيق توهن الْبدن. وعجبا لمن يدْخل الْحمام على الرِّيق ثمَّ يُؤَخر الْأكل بعد أَن يخرج كَيفَ لَا يَمُوت. (بَاب الْحَاء مَعَ الْقَاف) الْحَقِيقَة: لَهَا معَان بِحَسب الاستعمالات فَإِنَّهَا. قد تسْتَعْمل فِي مُقَابلَة الِاعْتِبَار فيراد بهَا الذَّات وَالْمرَاد بالاعتبارات الحيثيات اللاحقة للذات. وَقد تطلق فِي مُقَابلَة الْفَرْض وَالوهم وَيُرَاد بهَا حِينَئِذٍ نفس الْأَمر. وَقد تسْتَعْمل فِي مُقَابلَة الْمَفْهُوم كَمَا يُقَال إِن الْبَصَر دَاخل فِي مَفْهُوم الْعَمى لَا فِي حَقِيقَته وَنسبَة تَدْبِير الْبدن دَاخِلَة فِي مَفْهُوم النَّفس لَا فِي حَقِيقَتهَا. وَقد تسْتَعْمل فِي مُقَابلَة الحكم أما سَمِعت أَن اللَّفْظ مَا يتَلَفَّظ بِهِ الْإِنْسَان حَقِيقَة أَو حكما. وَقد تطلق فِي مُقَابلَة الْمجَاز كَمَا يُقَال إِن كلمة الْأسد حَقِيقَة فِي الْحَيَوَان المفترس مجَاز فِي الرجل الشجاع. فالحقيقة هِيَ الْكَلِمَة المستعملة فِيمَا وضعت لَهُ فِي اصْطِلَاح بِهِ التخاطب فَيخرج عَنْهَا الْمجَاز الَّذِي اسْتعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ فِي اصْطِلَاح بِهِ التخاطب كَالصَّلَاةِ إِذا استعملها الْمُخَاطب بعرف الشَّرْع فِي الدُّعَاء فَإِنَّهُ يكون مجَازًا لكَون الدُّعَاء غير مَا وضعت هِيَ لَهُ فِي اصْطِلَاح الشَّرْع لِأَنَّهَا فِي اصْطِلَاح الشَّرْع للأركان والأذكار الْمَخْصُوصَة مَعَ أَنَّهَا مَوْضُوعَة للدُّعَاء فِي اصْطِلَاح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 اللُّغَة والاستعمال شَرط فِي كَونهَا حَقِيقَة كَمَا أَن الِاسْتِعْمَال فِي غير الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ شَرط فِي كَونهَا مجَازًا فاللفظ الْمَوْضُوع قبل الِاسْتِعْمَال لَا حَقِيقَة وَلَا مجَاز وَإِنَّمَا سمي ذَلِك اللَّفْظ حَقِيقَة لِأَنَّهَا إِمَّا مَأْخُوذ من حق الْمُتَعَدِّي وَهُوَ الْمُسْتَعْمل فِي الْمَعْنيين يُقَال حق فلَان الْأَمر أَي أثْبته وَيُقَال حَقَّقَهُ إِذا كنت مِنْهُ على يَقِين. فعلى هَذَا الْحَقِيقَة فعيلة بِمَعْنى مفعول سَوَاء كَانَت مَأْخُوذَة من حق الْمُتَعَدِّي بِالْمَعْنَى الأول أَو بِالْمَعْنَى الثَّانِي. وَاللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي الْمَوْضُوع الْأَصْلِيّ شَيْء مُثبت فِي مقَامه وَمَعْلُوم بِسَبَب معلومية دلَالَته عَلَيْهِ. وَإِمَّا مَأْخُوذَة من حق اللَّازِم فَهِيَ حِينَئِذٍ بِمَعْنى الثَّابِت. وَلَا شكّ أَن اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي الْمَوْضُوع لَهُ الْأَصْلِيّ ثَابت فِي وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه مَعْلُوم بِسَبَب معلومية دلَالَته عَلَيْهِ لِأَن اللَّفْظ الْمَوْضُوع لَا يعلم إِلَّا إِذا كَانَت دلَالَته على الْمَعْنى مَعْلُومَة. فَإِن قيل إِن الفعيل إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث وَيكون عَارِيا عَن التَّاء فَلَا بُد أَن تكون الْحَقِيقَة على المأخذ الأول عَارِية عَن التَّاء، قلت: الْوَاجِب على ذَلِك المأخذ التَّأْوِيل فِي لفظ الْحَقِيقَة بِنَاء على الضابطة الْمَذْكُورَة والتأويل فِيهِ بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن التَّاء للنَّقْل من الوضعية إِلَى الاسمية فَإِن الفعيل الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ الْمُذكر والمؤنث إِذا نقل من الوصفية الَّتِي علامتها العري عَن التَّاء إِلَى الاسمية الْحق بِآخِرهِ التَّاء للدلالة على عدم بَقَاء الْمَعْنى الوصفي. وَثَانِيهمَا: أَن ذَلِك الفعيل إِذا كَانَ جَارِيا على مَوْصُوف مؤنث غير مَذْكُور لَا بُد لَهُ من التَّاء كَمَا فِي قَوْلك مَرَرْت بقتيلة بني فلَان أَي مَرَرْت بِامْرَأَة قتيلة بني فلَان أَي بِامْرَأَة مقتولة قَتلهَا بَنو فلَان فَيجْعَل لفظ الْحَقِيقَة جَارِيا على مَوْصُوف مؤنث غير مَذْكُور وَأما إِذا كَانَت الْحَقِيقَة مَأْخُوذَة من حق اللَّازِم فَلَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمُذكر والمؤنث بل تذكر فِي الْمُذكر وتؤنث فِي الْمُؤَنَّث فَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ فِي التَّاء فَيكون لفظ الْحَقِيقَة الْجَارِي على الْمَوْصُوف الْمُؤَنَّث نقل فِي الِاصْطِلَاح إِلَى اللَّفْظ الْمَذْكُور. هَذَا مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على شرح الشمسية. ثمَّ اعْلَم أَن الْحَقِيقَة عِنْد الْحُكَمَاء هِيَ الْمَاهِيّة الْمَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان أَي الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج بِوُجُود أُصَلِّي - وَلِهَذَا قَالُوا الْحَقِيقَة هِيَ الْأَمر الثَّابِت المتأصل فِي الْوُجُود خص فِي الِاصْطِلَاح بكنه الشَّيْء المتحقق. وَحَقِيقَة الشَّيْء مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ كالحيوان النَّاطِق للْإنْسَان بِخِلَاف مثل الضاحك وَالْكَاتِب مِمَّا يُمكن تصور الْإِنْسَان بِدُونِهِ. وَقد يُقَال إِن مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ بِاعْتِبَار تحَققه حَقِيقَة وَبِاعْتِبَار تشخصه هوية وَمَعَ قطع النّظر عَن ذَلِك مَاهِيَّة. وَتَحْقِيق مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ والاعتراضات الْوَارِدَة فِيهِ فِي الْمَاهِيّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى والحقيقة والماهية مُتَرَادِفَانِ. الْحَقِيقَة الْعَقْلِيَّة: وَكَذَا الْمجَاز الْعقلِيّ عِنْد الْخَطِيب الدِّمَشْقِي صَاحب التَّلْخِيص صفة الْإِسْنَاد وَعند الشَّيْخ عبد القاهر والسكاكي صَاحب الْمِفْتَاح رحمهمَا الله صفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 الْكَلَام وَلِهَذَا قَالَ الْخَطِيب رَحمَه الله الْحَقِيقَة الْعَقْلِيَّة إِسْنَاد الْفِعْل أَو مَعْنَاهُ إِلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْد الْمُتَكَلّم فِي الظَّاهِر كَقَوْل الْمُؤمن أنبت الله البقل وَقَول الْجَاهِل أَي الدهري أنبت الرّبيع البقل وقولك جَاءَنِي زيد وَأَنت تعلم أَنه لم يَجِيء. وَقَالَ الشَّيْخ أَن الْحَقِيقَة الْعَقْلِيَّة كل جملَة وصفتها على أَن الحكم المفاد بهَا على مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْعقل وَاقع موقعه. وَقَالَ السكاكي الْحَقِيقَة الْعَقْلِيَّة هِيَ الْكَلَام المفاد بِهِ مَا عِنْد الْمُتَكَلّم من الحكم فِيهِ كَمَا مر فِي الْإِسْنَاد. الحقة: بِكَسْر الْحَاء هِيَ النَّاقة الَّتِي استكملت ثَلَاث سِنِين وَدخلت فِي الرَّابِعَة سميت بهَا لاستحقاقها الْحمل وَالرُّكُوب. وَبِضَمِّهَا الْجِسْم المدور الكروي وَلذَا يُطلق على الْفلك. وَكَثِيرًا مَا تطلق على الْجِسْم المدور المجوف الَّذِي يشرب مِنْهُ التنباكو سَوَاء كَانَ من الزّجاج أَو النّحاس أَو الطين الْمَطْبُوخ أَو غير ذَلِك وَأحسن من قَالَ فِي مدحها هَذَا الرباعي. (حَقه ني خدمت كذار مجْلِس اند وز ادب ... ) (تا نيرسندش نكويد حرف بيش وكمتري ... ) (مي توان آموخت آدَاب محبت را ازو ... ) (سر نمي بيجد اكر برسر نهندش اخكرى ... ) الْحَقَائِق: جمع الْحَقِيقَة الَّتِي هِيَ الْأَمر الثَّابِت المتأصل فِي الْوُجُود خص فِي الِاصْطِلَاح بكنه الشَّيْء المتحقق. الْحَقِيقَة: هِيَ الْقَضِيَّة الْمُنْفَصِلَة الَّتِي حكم فِيهَا بالمنافاة فِي الصدْق وَالْكذب مَعًا أَو بسلبها كَقَوْلِنَا إِمَّا أَن يكون هَذَا الْعدَد زوجا أَو هَذَا الْعدَد فَردا وَقَوْلنَا لَيْسَ إِمَّا أَن يكون هَذَا الْعدَد زوجا أَو منقسما إِلَى المتساويين. الأولى: حَقِيقِيَّة مُوجبَة وَالثَّانيَِة حَقِيقِيَّة سالبة وَإِنَّمَا سميت حَقِيقِيَّة لِأَن التَّنَافِي بَين جزئيها أَشد من التَّنَافِي بَين جزئي مَانِعَة الْجمع ومانعة الْخُلُو لِأَنَّهُ فِي الصدْق وَالْكذب مَعًا فَهِيَ أَحَق باسم الْمُنْفَصِلَة بل هِيَ حَقِيقَة الِانْفِصَال. والحقيقة الْمُقَابلَة للخارجية فِي الْقَضِيَّة الْحَقِيقِيَّة. الْحق: فِي اللُّغَة الْأَمر الثَّالِث الَّذِي لَا يسوغ إِنْكَاره - وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب الْمعَانِي هُوَ الحكم المطابق للْوَاقِع وَيُطلق على الْأَقْوَال والعقائد والأديان والمذاهب بِاعْتِبَار اشتمالها على ذَلِك الحكم ويقابله الْبَاطِل - وَأما الصدْق فقد شاع فِي الْأَقْوَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 خَاصَّة ويقابله الْكَذِب. وَقد يفرق بَين الْحق والصدق بِأَن الْمُطَابقَة تعْتَبر فِي الْحق من جَانب الْوَاقِع - وَفِي الصدْق من جَانب الحكم فَمَعْنَى صدق الحكم مطابقته للْوَاقِع وَمعنى حَقِيقَته مُطَابقَة الْوَاقِع إِيَّاه فَإِن قيل لم سمي الحكم بِاعْتِبَار كَونه مطابقا بِالْفَتْح بِالْحَقِّ وَبِاعْتِبَار كَونه مطابقا بِالْكَسْرِ بِالصّدقِ قُلْنَا المنظور أَولا فِي مُطَابقَة الْوَاقِع للْحكم الْوَاقِع لِأَنَّهُ فَاعل الْمُطَابقَة وَالْفَاعِل يكون منظورا وملحوظا أَولا وَسَائِر المتعلقات ثَانِيًا وَكَذَا المنظور أَولا فِي مُطَابقَة الحكم للْوَاقِع وَاقع الحكم وَالْوَاقِع مَوْصُوف بِكَوْنِهِ حَقًا أَي ثَابتا متحققا وَالْحكم متصف بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ للصدق وَهُوَ الأنباء عَن الشَّيْء على مَا هُوَ عَلَيْهِ فَسُمي الحكم بِاعْتِبَار مُطَابقَة الْوَاقِع لَهُ حَقًا وَبِاعْتِبَار مُطَابقَة الحكم للْوَاقِع صدقا تَسْمِيَة للشَّيْء بِوَصْف مَا هُوَ مَنْظُور فِيهِ أَولا. فَإِن قيل لم لم يَجْعَل الْأَمر بِالْعَكْسِ بِأَن يُسمى كَون الحكم مطابقا بِالْفَتْح بِالصّدقِ وَكَونه مطابقا بِالْكَسْرِ بِالْحَقِّ تَسْمِيَة للشَّيْء بِوَصْف مَا هُوَ مَنْظُور فِيهِ ثَانِيًا وَأجِيب بِأَن التَّسْمِيَة بِوَصْف المنظور فِيهِ أَولا أرجح من التَّسْمِيَة بِوَصْف المنظور فِيهِ ثَانِيًا لقُرْبه مِنْهُ والسباقة إِلَى الْفَهم أَولا من وصف المنظور فِيهِ ثَانِيًا. وَهَا هُنَا اعْتِرَاض مَشْهُور وَهُوَ أَن الحقية صفة الحكم ومطابقة الْوَاقِع إِيَّاه صفة الْوَاقِع فَلَا يَصح تَعْرِيف حقية الحكم بمطابقة الْوَاقِع إِيَّاه صفة الْوَاقِع فَلَا يَصح تَعْرِيف حقية الحكم بمطابقة الْوَاقِع إِيَّاه وَالْجَوَاب أَن الحكم بِحَيْثُ يطابقه الْوَاقِع. فَإِن قلت لَا نسلم أَن مَفْهُوم تِلْكَ الْمُطَابقَة صفة للْحكم لِأَنَّهُ لَو كَانَ صفة لَهُ لصَحَّ أَن يشتق مِنْهُ صفة لَهُ كَمَا تشتق من الحقية فَيُقَال حكم حق قُلْنَا ذَلِك الْمَفْهُوم مركب لَا يُمكن اشتقاق الصّفة مِنْهُ لِأَن اشتقاقها مَوْقُوف على كَون الْمُشْتَقّ مِنْهُ مُفردا فَمن عدم إِمْكَان اشتقاق الصّفة من ذَلِك الْمَفْهُوم لَا يلْزم عدم كَونه صفة. وَإِن أردْت توضيح هَذَا لجواب فَانْظُر فِي الدّلَالَة. حق الْيَقِين: عِنْد الصُّوفِيَّة فنَاء العَبْد فِي الْحق والبقاء بِهِ علما وشهودا وَحَالا فَعلم النَّار بِأَنَّهَا جسم محرق علم الْيَقِين. ومعاينتها عين الْيَقِين. والحرق فِيهَا حق الْيَقِين. وكما أَن علم كل أحد بِالْمَوْتِ علم الْيَقِين. فَإِذا عاين الْمَلَائِكَة فَهُوَ عين الْيَقِين. فَإِذا ذاق الْمَوْت فَهُوَ حق الْيَقِين. وَقَالَ بَعضهم أَن علم الْيَقِين ظَاهر الشَّرِيعَة. وَعين الْيَقِين الْإِخْلَاص فِيهَا. وَحقّ الْيَقِين الْمُشَاهدَة فِيهَا. حَقِيقَة الْحَقَائِق: هِيَ الْمرتبَة الأحدية الجامعة لجَمِيع الْحَقَائِق وَتسَمى حَضْرَة الْجمع وحضرة الْوُجُود. الْحَقِيقَة المحمدية: هِيَ الذَّات مَعَ التعين الأول وَهُوَ الِاسْم الْأَعْظَم. الحقد: بِالْكَسْرِ طلب الانتقام قَالُوا إِن الْغَضَب إِذا لزم كظمه بعجز عَن الانتقام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 والتشفي فِي الْحَال يرجع إِلَى الْبَاطِن وَيكون مُخْتَصًّا بِهِ فَيصير حقدا. (بَاب الْحَاء مَعَ الْكَاف) الْحِكْمَة: فِي اللُّغَة دانائي. وَعند أَرْبَاب الْمَعْقُول فِي تَعْرِيفهَا اخْتِلَاف. وَالْمَشْهُور أَن الْحِكْمَة علم بأحوال أَعْيَان الموجودات على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر بِقدر الطَّاقَة البشرية. وَالْمرَاد (بأعيان الموجودات) الموجودات العينية إِلَى الخارجية (بالبشر) الْبشر الَّذِي يكون من أوساط النَّاس لَا فِي غَايَة الْعُلُوّ وَلَا فِي غَايَة السّفل و (بعلى مَا هِيَ عَلَيْهِ) على وَجه يكون أَحْوَال الْأَعْيَان على ذَلِك الْوَجْه من الْوُجُوب والإمكان والامتناع والتحيز والجسمية وَغَيرهَا من الْقدَم والحدوث. قيل إِن بعض الْحُكَمَاء قَائِلُونَ بِأَن الْعَالم قديم وَبَعْضهمْ بِأَنَّهُ حَادث وَكِلَاهُمَا حَكِيم وَلَيْسَ كلا مِنْهُمَا مطابقا لما فِي نفس الْأَمر بل وَاحِد مِنْهُمَا مُطَابق لَهُ فَيلْزم أَن لَا يكون أَحدهمَا حكيما وَكِلَاهُمَا حَكِيم. وَالْجَوَاب أَن المُرَاد علم بأحوال أَعْيَان الموجودات على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر بِزَعْمِهِ بِقدر الطَّاقَة البشرية وموضوعها على هَذَا التَّعْرِيف الموجودات الخارجية فَيخرج الْمنطق حِينَئِذٍ عَن الْحِكْمَة لِأَنَّهُ باحث عَن أَحْوَال الموجودات الذهنية لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن المنقولات الثَّانِيَة وَهِي الَّتِي لَا يحاذيها شَيْء فِي الْخَارِج. وَمن عرف الْحِكْمَة بِمَا بِهِ خُرُوج النَّفس إِلَى كمالها الْمُمكن فِي جَانِبي الْعلم وَالْعَمَل. أما فِي جَانب الْعلم فبأن يكون متصورا للموجودات كَمَا هِيَ ومصدقا للقضايا كَمَا هِيَ. وَأما فِي جَانب الْعَمَل فَإِن يحصل لَهُ الملكة التَّامَّة على الْأَفْعَال المتوسطة بَين الإفراط والتفريط جعل الْمنطق من الْحِكْمَة بل جعل الْعَمَل أَيْضا مِنْهَا. وَكَذَا من ترك الْأَعْيَان فِي تَعْرِيفهَا جعله من أَقسَام الْحِكْمَة النظرية إِذْ لَا يبْحَث فِيهِ إِلَّا من المعقولات الثَّانِيَة الَّتِي لَيْسَ وجودهَا بقدرتنا واختيارنا. وَأَيْضًا الْحِكْمَة هِيَ هَيْئَة الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة العملية المتوسطة بَين الجزيرة الَّتِي هِيَ إفراط هَذِه الْقُوَّة والبلادة الَّتِي هِيَ تفريطها وتفصيلها فِي الْعَدَالَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَاعْلَم: أَنهم اخْتلفُوا فِي أَن الْمنطق من الْحِكْمَة أم لَا فَمن قَالَ إِنَّه لَيْسَ بِعلم فَعنده لَيْسَ بحكمة إِذْ الْحِكْمَة علم بأحوال أَعْيَان الموجودات كَمَا مر. والقائلون بِأَنَّهُ علم يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه مِنْهَا أم لَا. والقائلون بِأَنَّهُ مِنْهَا يُمكن الِاخْتِلَاف بَينهم بِأَنَّهُ من الْحِكْمَة النظرية جَمِيعًا أم لَا بل بعضه مِنْهَا وَبَعض من العملية إِذا الْمَوْجُود الذهْنِي قد يكون بقدرتنا واختيارنا وَقد لَا يكون كَذَلِك والقائلون بِأَنَّهُ من الْحِكْمَة النظرية يُمكن الِاخْتِلَاف بَينهم بِأَنَّهُ من أقسامها الثَّلَاثَة أم قسم آخر. وَقَالَ: صَاحب المحاكمات من جعل الْمنطق من أَقسَام الْحِكْمَة النظرية جعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 أقسامها أَرْبَعَة. وَقَالَ الْحِكْمَة النظرية إِمَّا أَن تكون مَطْلُوبَة لتَحْصِيل سَائِر الْعُلُوم وَهُوَ الْمنطق - أَو مَطْلُوبَة لذاتها وَهِي إِمَّا أَن تكون علما بأحوال مَا لَا يفْتَقر فِي الوجودين إِلَى الْمَادَّة إِلَى آخر الْأَقْسَام وَاسْتدلَّ على أَنه لَيْسَ من الْعُلُوم بِأَنَّهُ آلَة لَهَا فَلَا يكون مِنْهَا لِاسْتِحَالَة كَون الشَّيْء آلَة لنَفسِهِ. ورد بِأَنَّهُ لَيْسَ آلَة لكلها بل لما عداهُ من أقسامها إِذْ الْعقل يخصص لفظ الْعُلُوم بِمَا عدا عُلُوم الْمنطق كَمَا يخصص لفظ كل شَيْء بِغَيْر الله سُبْحَانَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {الله خَالق كل شَيْء} . وَأَيْضًا يُمكن رده بِمَنْع لُزُوم كَون الشَّيْء آلَة لنَفسِهِ لَا مَكَان كَون بعضه آلَة بعض آخر وَيمْنَع الاستحالة إِذْ يَكْفِي الِاخْتِلَاف الاعتباري. قَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره النزاع لَفْظِي فِي اندراج الْمنطق تَحت الْحِكْمَة كالنزاع فِي اندراجه تَحت الْعلم. وَبَيَانه أَنه أرخص لفظ الْعلم بِمَا يبْحَث فِيهِ عَن المعقولات الأولى لم يكن متناولا لَهُ إِذْ يبْحَث فِيهِ عَن المعقولات الثَّانِيَة وَإِن لم يخص بالمعقولات الأولى كَانَ متناولا لَهُ وَإِن لم يخص بالأعيان كَانَت شَامِلَة. وَاعْلَم أَن بعض أَصْحَابنَا أَعرضُوا عَن الْحِكْمَة أعراضا تَاما وَبَعْضهمْ جعلوها مقصدا أقْصَى وَالْحق أَن تكون جَامعا لأقسام الْحِكْمَة العملية أَعنِي تَهْذِيب الْأَخْلَاق - وتدبير الْمنزل - والسياسة المدنية. ولأقسام الْحِكْمَة الرياضية أَعنِي الْهَيْئَة - والهندسة - والحساب - والموسيقى -. ولأكثر مسَائِل الْحِكْمَة الطبيعية وموافق للحكماء وَفِي الألهيات وَبَعض من الطبيعيات مُوَافق للطائفة الْعلية الصُّوفِيَّة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. وَهَذَا الطّور مشابه بطور أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَإِنَّهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ فِي حَرْب صفّين الصَّلَاة خلف عَليّ أتم وَطَعَام مُعَاوِيَة أدسم والتل أسلم. ف (34) : وَعَلَيْك أَن لَا تكون تَابعا للحكماء فِي الألهيات فَإِنَّهُم فِيهَا على الْبطلَان والخذلان. ثمَّ إِن الْحِكْمَة على قسمَيْنِ - الْحِكْمَة العملية - وَالْحكمَة النظرية. لِأَن تِلْكَ الْأَعْيَان الْمَأْخُوذَة فِي تَعْرِيف الْحِكْمَة. أما الْأَفْعَال والأعمال الَّتِي وجودهَا بقدرتنا واختيارنا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَسَائِر الْأَفْعَال الْحَسَنَة والسيئة. أَولا كالسماء وَالْأَرْض. فالعلم بأحوال الأول من حَيْثُ إِنَّه يُؤَدِّي إِلَى صَلَاح المعاش والمعاد يُسمى حِكْمَة عملية. وَالْعلم بأحوال الثَّانِي يُسمى حِكْمَة نظرية. فالحكمة العملية: علم بأحوال الْأَشْيَاء الَّتِي وجودهَا بقدرتنا واختيارنا من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة الْمَذْكُورَة آنِفا. وَقَالَ بَعضهم هِيَ الْعلم بالموجودات الَّتِي يتَوَقَّف وجودهَا على الحركات الاختيارية أَي الإرادية كالأعمال الْوَاجِبَة والأعمال المرضية وَلَا يخفى على الرِّجَال أَن هَذَا التَّعْرِيف يصدق على الْعلم بأحوال الابْن مثلا فَإِن وجوده مَوْقُوف على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 الحركات الاختيارية وَقت الْجِمَاع. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن المُرَاد هِيَ الْعلم بالموجودات الَّتِي يتَوَقَّف وجود نوعها أَولا على الحركات الاختيارية. وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم لهَذَا الِاسْم لِأَن غَايَة ابْتِدَاء الْأَعْمَال الَّتِي بقدرتنا دخل فِيهَا فنسب إِلَى الْغَايَة الابتدائية وَسمي بالحكمة العملية. وَإِنَّمَا قيدنَا الْغَايَة بالابتدائية لِأَن غَايَة الْحَقِيقَة السَّعَادَة وَهِي غَايَة الْغَايَة. وَالْحكمَة النظرية: علم بأحوال الْأَشْيَاء الَّتِي لَيْسَ وجودهَا بقدرتنا واختيارنا كَالْعلمِ بأحوال الْإِنْسَان وَسَائِر الموجودات العينية الَّتِي لَيْسَ وجودهَا بقدرتنا واختيارنا. وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم بالحكمة النظرية لِأَن الْمَقْصُود فِيهِ تَكْمِيل الْقُوَّة النظرية. أَو لِأَن النظريات فِيهِ أَكثر وَأقوى من العميلة. وَالْأولَى أَن يُقَال إِن غَايَة الابتدائية مَا حصل بِالنّظرِ وَهُوَ الإدراكات التصورية والتصديقية الْمُتَعَلّقَة بالأمور الَّتِي لَا مدْخل لقدرتنا واختيارنا فِيهِ فنسب إِلَى الْغَايَة الابتدائية وَيُسمى بالحكمة النظرية. وكل من الْحِكْمَة العملية وَالْحكمَة النظرية على ثَلَاثَة أَقسَام: (تَهْذِيب الْأَخْلَاق) و (تَدْبِير الْمنزل) و (السياسة المدنية) وَهَذِه الثَّلَاثَة أَقسَام الْحِكْمَة العملية. وَأما أَقسَام الْحِكْمَة النظرية. فأحدها: الْعلم الْأَعْلَى وَيُسمى بالإلهي والفلسفة الأولى وَالْعلم الْكُلِّي وَمَا بعد الطبيعية وَمَا قبل الطبيعية أَيْضا. وَالثَّانِي: الْعلم الْأَوْسَط وَيُسمى بالرياضي والتعليمي أَيْضا. وَالثَّالِث: الْعلم الْأَدْنَى وَيُسمى بالطبيعي أَيْضا واطلب تَعْرِيف كل من هَذِه الْأَقْسَام فِي مَوْضِعه من الْأَبْوَاب. وَاعْلَم أَن أَقسَام الْحِكْمَة أصولا وفروعا مَعَ أَقسَام الْمنطق على مَا يفهم من رِسَالَة تَقْسِيم الْحِكْمَة للشَّيْخ الرئيس أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ. وَبِدُون أَقسَام الْمنطق خَمْسَة وَثَلَاثُونَ. فأصول الإلهي: خَمْسَة. الأول: الْأُمُور الْعَامَّة. الثَّانِي: إِثْبَات الْوَاجِب وَمَا يَلِيق بِهِ. الثَّالِث: إِثْبَات الْجَوَاهِر الروحانية. الرَّابِع: بَيَان ارتباطات الْأُمُور الأرضية بِالْقُوَّةِ السمائية. الْخَامِس: بَيَان نظام الممكنات وفروعه قِسْمَانِ. الْقسم الأول: مِنْهُمَا الْبَحْث عَن كَيْفيَّة الْوَحْي - وَمِنْه صيرورة الْمَعْقُول محسوسا وَمِنْه تَعْرِيف الإلهيات وَمِنْه: الرّوح الْأمين. الْقسم الثَّانِي: الْعلم بالمعاد الروحاني. وأصول الرياضي: أَرْبَعَة: الأول: علم الْعدَد. وَالثَّانِي: علم الهندسة. وَالثَّالِث: علم الْهَيْئَة. الرَّابِع: علم التَّأْلِيف الباحث عَن أَحْوَال النغمات وَيُسمى بالموسيقى أَيْضا وفروعه سِتَّة: الأول: علم الْجمع والتفريق. وَالثَّانِي: علم الْجَبْر والمقابلة. وَالثَّالِث: علم المساحة. الرَّابِع: علم جر الأثقال. وَالْخَامِس: علم الزيجات والتقاويم. وَالسَّادِس: علم الأغنون وَهُوَ اتِّحَاد الْآلَات. وأصول الطبيعي: ثَمَانِيَة: الاول: الْعلم بأحوال الْأُمُور الْعَامَّة للأجسام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 الثَّانِي: الْعلم بتكون الْأَركان وفسادها. الرَّابِع: الْعلم بالمركبات الْغَيْر التَّامَّة ككائنات الجو. الْخَامِس: الْعلم بأحوال الْمَعَادِن. السَّادِس: الْعلم بِالنَّفسِ الإنسانية. السَّابِع: الْعلم بِالنَّفسِ الحيوانية. الثَّامِن: الْعلم بِالنَّفسِ الناطقة. وفروعه سَبْعَة: الأول: الطِّبّ. الثَّانِي: النُّجُوم. الثَّالِث: علم الفراسة. الرَّابِع: علم التَّعْبِير. الْخَامِس: علم الطلسمات وَهُوَ مزج القوى السماوية بالقوى الأرضية. السَّادِس: علم النيرنجات وَهُوَ مزج قوى الْجَوَاهِر الأرضية. السَّابِع: علم الكيمياء وَهُوَ علم تَبْدِيل قوى الأجرام المعدنية بَعْضهَا بِبَعْض. الْمنطق: تِسْعَة أَبْوَاب على مَا هُوَ الْمَشْهُور: الأول: بَاب الكليات الْخمس. الثَّانِي: بَاب التعريفات. الثَّالِث: بَاب التصديقات. الرَّابِع: بَاب الْقيَاس. الْخَامِس: الْبُرْهَان. السَّادِس: الخطابة. السَّابِع: الجدل. الثَّامِن: المغالطة. التَّاسِع: الشّعْر. وَهَذِه الْخمس الْأَخِيرَة هِيَ الصناعات الْخمس. الْحَكِيم: من لَهُ الْحِكْمَة الْمَذْكُورَة آنِفا. الْحُكَمَاء خالفوا كَافَّة الإسلاميين فِي مسَائِل: من تِلْكَ قَوْلهم إِن الأجساد لَا تحْشر. وَإِنَّمَا المثاب والمعاقب هِيَ الْأَرْوَاح الْمُجَرَّدَة. والعقوبات روحانية لَا جسمانية وَلَقَد صدقُوا فِي إِثْبَات الروحانية وَلَكِن كذبُوا فِي إِنْكَار الجسمانية وكذبتهم الشَّرِيعَة فِيمَا قطعُوا بِهِ. وَمن تِلْكَ قَوْلهم إِن الله تَعَالَى يعلم الكليات وَلَا يعلم الجزئيات وَهُوَ أَيْضا كفر صَرِيح بل الْحق أَنه لَا يعزب عَن علمه تَعَالَى مِثْقَال ذرة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الأَرْض. وَمن ذَلِك قَوْلهم بقدم الْعَالم وأزليته. فَلم يذهب أحد من الْمُسلمين إِلَى شَيْء من هَذِه الْمسَائِل. وَمَا وَرَاء ذَلِك من نفيهم الصِّفَات. وَمن ذَلِك قَوْلهم إِنَّه عَالم بِالذَّاتِ لَا بِعلم زَائِد وَمَا يجْرِي مجْرَاه. فمذهبهم فِيهَا قريب من مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَلَا يجب تَكْفِير الْمُعْتَزلَة بِمثل ذَلِك. الحكم: بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْكَاف أثر الشَّيْء الْمُتَرَتب عَلَيْهِ. وَفِي الْعرف إِسْنَاد أَمر إِلَى أَمر آخر إِيجَابا أَو سلبا. فَخرج بِهَذَا مَا لَيْسَ بِحكم كالنسبة التقييدية. وَفِي اللُّغَة تَوْجِيه الْكَلَام نَحْو الْغَيْر للإفهام ثمَّ نقل إِلَى مَا يَقع بِهِ الْخطاب. وَلِهَذَا قَالُوا إِن مُرَاد الْأُصُولِيِّينَ بخطاب الله تَعَالَى هُوَ الْكَلَام اللدني. وَالْحكم المصطلح عِنْد الْأُصُولِيِّينَ: هُوَ أثر حكم الله الْقَدِيم فَإِن إِيجَاب الله تَعَالَى قديم وَالْوُجُوب حكمه وأثره. وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْأُصُول وَفِي التَّلْوِيح أَن إِطْلَاق الحكم على خطاب الشَّارِع وعَلى أَثَره وعَلى الْأَثر الْمُتَرَتب على الْعُقُود والفسوخ بالاشتراك اللَّفْظِيّ. ومرادهم بالمحكوم عَلَيْهِ من وَقع الْخطاب لَهُ وبالمحكوم بِهِ مَا تعلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 بِهِ الْخطاب كَمَا يُقَال حكم الْأَمِير على زيد بِكَذَا. وَيعلم من التَّوْضِيح فِي بَاب الحكم أَن مورد الْقِسْمَة الحكم بِمَعْنى الْإِسْنَاد أَي إِسْنَاد الشَّارِع أمرا إِلَى أَمر فِيمَا لَهُ تعلق بِفعل الْمُكَلف من حَيْثُ هُوَ مُكَلّف صَرِيحًا كالنص أَو دلَالَة كالإجماع وَالْقِيَاس. فَفِي جعل الْوُجُوب وَالْملك وَنَحْو ذَلِك أقساما للْحكم بِهَذَا الْمَعْنى تسَامح ظَاهر. وَفِي اصْطِلَاح الْمَعْقُول: يُطلق على أَرْبَعَة معَان: الأول: الْمَحْكُوم بِهِ. وَالثَّانِي: النِّسْبَة الإيجابية أَو السلبية. وَالثَّالِث: التَّصْدِيق أَي إذعان أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة. وَالرَّابِع: الْقَضِيَّة من حَيْثُ إِنَّهَا مُشْتَمِلَة على الرابط بَين الْمَعْنيين. وَتَحْقِيق أَن الحكم فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة إِمَّا فِي الْجَزَاء أَو بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فَإِن أردْت الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَارْجِع إِلَيْهَا. وَاعْلَم أَن الحكم بِمَعْنى التَّصْدِيق هُوَ الإذعان كَمَا مر. ثمَّ مُتَعَلق الإذعان عِنْد الْمُتَقَدِّمين من الْحُكَمَاء هُوَ النِّسْبَة الَّتِي هِيَ جُزْء أخير من الْقَضِيَّة الَّتِي هِيَ من قبيل الْمَعْلُوم عِنْدهم - وَعند الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم مُتَعَلق الإذعان هُوَ وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا الَّذِي هُوَ جُزْء أخير من الْقَضِيَّة فللقضية عِنْد الْمُتَقَدِّمين ثَلَاثَة أَجزَاء. وَعند الْمُتَأَخِّرين أَرْبَعَة كَمَا سَيَجِيءُ مفصلا فِي النِّسْبَة الْحكمِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَالْحكم هُوَ إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة أَو لَيست بواقعة. والإدراك إِمَّا من مقولة الانفعال أَو الكيف فَالْحكم كَذَلِك وَانْظُر فِي الْإِدْرَاك حَتَّى يزِيد لَك الْإِدْرَاك. وَاعْلَم أَن الإِمَام الرَّازِيّ مُتَرَدّد فِي كَون الحكم إدراكا أَو فعلا وَلم يذهب إِلَى تركيب التَّصْدِيق مَعَ فعلية الحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور. نعم أَنه ذهب إِلَى تركيب التَّصْدِيق وَلِهَذَا قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على شرح الشمسية قَوْله إِذا أردْت تقسيمه على مَذْهَب الإِمَام أَي على القَوْل بالتركيب فَلَا يرد أَن الإِمَام لَا يَقُول بِكَوْن الحكم إدراكا مَعَ أَنه قد نقل الْبَعْض أَن الإِمَام مُتَرَدّد فِي كَون الحكم إدراكا أَو فعلا. وَفِي حصر التَّقْسِيم على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ إِشَارَة إِلَى بطلَان القَوْل بتركيب التَّصْدِيق مَعَ فعلية الحكم كَمَا هُوَ الْمَشْهُور من الإِمَام انْتهى. فَالْحكم: الَّذِي هُوَ جُزْء التَّصْدِيق عِنْد الإِمَام هُوَ الْإِدْرَاك الْمَذْكُور لَا غير. وَيُؤَيِّدهُ أَن الحكم حكمان حكم هُوَ مَعْلُوم بِمَعْنى وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا وَهُوَ جُزْء أخير للقضية المعقولة وَحكم هُوَ علم بِمَعْنى إِدْرَاكه وَهُوَ تَصْدِيق عِنْد الْحُكَمَاء وَشَرطه فِي مَذْهَب مستحدث وَشطر أخير وتصور عِنْد الإِمَام لكنه إذعاني فيكتسب من الْحجَّة نظرا إِلَى الْجُزْء الْأَعْظَم من المبادئ فَلَا يُنَافِيهِ اكتسابه من الْمُعَرّف نظرا إِلَى جُزْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 إذعاني فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ من الْجَوَاهِر المكنونة. وَعند الأصولين الحكم خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين باقتضاء الْفِعْل أَو التّرْك أَو بالتخير فِي الْفِعْل وَالتّرْك. والاقتضاء الطّلب وَهُوَ إِمَّا طلب الْفِعْل جَازِمًا كالإيجاب. أَو غير جازم كالندب. أَو طلب التّرْك جَازِمًا كالتحريم. أَو غير جازم كالكراهة التحريمية -. وَالْمرَاد بالتخيير الْإِبَاحَة - وَفِي التَّوْضِيح وَقد زَاد الْبَعْض أَو الْوَضع ليدْخل الحكم بالسببية والشرطية وَنَحْوهمَا. اعْلَم أَن الْخطاب نَوْعَانِ: إِمَّا تكليفي وَهُوَ الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال المتكلفين بالاقتضاء أَو التَّخْيِير وَإِمَّا وضعي وَهُوَ الْخطاب بِالْوَضْعِ بِأَن يكون هَذَا سَبَب ذَلِك أَو شطر ذَلِك كالدلوك سَبَب لصَلَاة الظّهْر وَالطَّهَارَة شَرط لَهَا - فَلَمَّا ذكر أحد النَّوْعَيْنِ وَهُوَ التكليفي وَجب ذكر النَّوْع الآخر وَهُوَ الوضعي وَالْبَعْض لم يذكر الوضعي لِأَنَّهُ دَاخل فِي الِاقْتِضَاء أَو التَّخْيِير لِأَن الْمَعْنى من كَون الدلوك سَببا للصَّلَاة أَنه إِذا وجد الدلوك وَجَبت الصَّلَاة حِينَئِذٍ وَالْوُجُوب من بَاب الِاقْتِضَاء لَكِن الْحق هُوَ الأول لِأَن الْمَفْهُوم من الحكم الوضعي تعلق شَيْء بِشَيْء آخر وَالْمَفْهُوم من الحكم التكليفي لَيْسَ هَذَا وَلُزُوم أَحدهمَا للْآخر فِي صُورَة لَا يدل على اتحادهما انْتهى. وَالْحكم: بِكَسْر الْحَاء وَفتح الْكَاف جمع الْحِكْمَة. الْحكمِيَّة: بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْكَاف النِّسْبَة الْحكمِيَّة أَي النِّسْبَة الَّتِي هِيَ مورد الحكم. وبكسر الْحَاء وَفتح الْكَاف وَالْمِيم وَالْيَاء الْمُشَدّدَة موصوفها الْمُقدمَات أَو الْحَقَائِق يُقَال مُقَدمَات حكمِيَّة وحقائق حكمِيَّة. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْقيَاس فِي لَفْظَة الْحكمِيَّة تسكين الْكَاف لَكِن الْمُسْتَعْمل تحريكها بِالْفَتْح كَمَا فِي لفظ الأرضية انْتهى. وَوجه الْقيَاس أَن يَاء النِّسْبَة ترد الْجمع إِلَى الْمُفْرد وَالْأَصْل كالتصغير. وَأَنت تعلم أَن الحكم بِكَسْر الْحَاء وَفتح الْكَاف جمع الْحِكْمَة كَمَا مر فِي الحكم. الْحِكْمَة الْمَنْطُوق بهَا: هِيَ علم الشَّرِيعَة والطريقة. الْحِكْمَة الْمَسْكُوت عَنْهَا: هِيَ أسرار الْحَقِيقَة الَّتِي لَا يطلع عَلَيْهَا عُلَمَاء الرسوم والعوام على مَا يَنْبَغِي فتضرهم أَو تهلكم كَمَا رُوِيَ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يجتاز فِي بعض سِكَك الْمَدِينَة مَعَ أَصْحَابه فأقسمت عَلَيْهِ امْرَأَة أَن يدخلُوا منزلهَا فَدَخَلُوا فَرَأَوْا أَوْلَاد الْمَرْأَة يَلْعَبُونَ حولهَا فَقَالَت يَا رَسُول الله أرْحم بعباده أم أَنا بأولادي فَقَالَ بل الله أرْحم الرَّاحِمِينَ - فَقَالَت يَا رَسُول الله أَترَانِي أحب أَن ألقِي وَلَدي فِي النَّار قَالَ لَا - قَالَت فَكيف يلقِي الله عبيده فِيهَا وَهُوَ أرْحم بهم. قَالَ الرَّاوِي فَبكى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ هَكَذَا أُوحِي إِلَيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 (بَاب الْحَاء مَعَ اللَّام) الْحُلُول: مصدر يحل بِضَم الْحَاء لَا بِكَسْرِهَا فَإِنَّهُ مصدره الْحَلَال. وحلول الشَّيْء فِي الشَّيْء عبارَة عَن نُزُوله فِيهِ وَفِي عرف الْحُكَمَاء فِي تَعْرِيف الْحُلُول اخْتِلَاف. قَالَ بَعضهم الْحُلُول اخْتِصَاص شَيْء بِشَيْء بِحَيْثُ يكون الْإِشَارَة إِلَى أَحدهمَا عين الْإِشَارَة إِلَى الآخر. وَقيل معنى حُلُول الشَّيْء فِي الشَّيْء أَن يكون حَاصِلا فِيهِ بِحَيْثُ يتحد الْإِشَارَة إِلَيْهِمَا تَحْقِيقا كَمَا فِي حُلُول الْأَعْرَاض فِي الْأَجْسَام أَو تَقْديرا كحلول الْعُلُوم فِي المجردات. واتحاد الْإِشَارَة تَقْديرا بِأَن يكون الشيئان بِحَيْثُ لَو كَانَا مشارا إِلَيْهِمَا بالحس لكَانَتْ الْإِشَارَة إِلَى أَحدهمَا عين الْإِشَارَة إِلَى الآخر. وَقيل حُلُول شَيْء فِي شَيْء أَن يكون مُخْتَصًّا بِهِ ساريا فِيهِ. وَقد يُقَال الْحُلُول هُوَ الِاخْتِصَاص الناعت أَي التَّعَلُّق الْخَاص الَّذِي يصير بِهِ أحد المتعلقين نعتا للْآخر وَالْآخر منعوتا بِهِ. وَالْأول أَعنِي النَّعْت حَال. وَالثَّانِي أَعنِي المنعوت مَحل كالتعلق بَين الْبيَاض والجسم الْمُقْتَضِي تكون الْبيَاض نعتا وَكَون الْجِسْم منعوتا بِهِ بِأَن يُقَال جسم أَبيض. وَيعلم من هَذَا الِاخْتِلَاف أَن هَذِه رسوم للحلول وَمَا وصل سالك التَّعْرِيف إِلَى مَسْلَك الْحَقِيقَة وَمَعَ هَذَا فِي كل مِنْهَا اعتراضات وجوابات مَذْكُورَة فِي كتب الْحِكْمَة. ثمَّ الْحُلُول نَوْعَانِ سرياني وطرياني. والحلول السرياني هُوَ أَن يكون الْحَال ساريا فِي كل جُزْء الْمحل كحلول الْبيَاض فِي سطح الثَّوْب فَإِنَّهُ سَار فِي أَجزَاء سطحه والحلول الطرياني بِخِلَافِهِ كحلول النقطة فِي الْخط فَإِنَّهَا حَالَة فِيهِ وَلم تتجاوز عَن محلهَا. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الْحُلُول السرياني عبارَة عَن اتِّحَاد الجسمين بِحَيْثُ يكون الْإِشَارَة إِلَى أَحدهمَا إِشَارَة إِلَى الآخر كحلول مَاء الْورْد فِي الْورْد وَيُسمى الساري حَالا والمسري فِيهِ محلا. والحلول الطرياني كَون أحد الجسمين ظرفا للْآخر كحلول المَاء فِي الْكَوْن وَيُقَال لَهُ الْحُلُول الْجَوَارِي أَيْضا. الْحلف: (سوكندخوردن) . وَهُوَ يرادف الْيَمين بل الْيَمين يعم الْحلف بِاللَّه وَغَيره من التعليقات كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْيَمين إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي الْمُحِيط والظهيرية فِي كتاب الْإِيمَان رجل حلف ليصلين هَذَا الْيَوْم خمس صلوَات بِجَمَاعَة ويجامع امْرَأَته وَلَا يغْتَسل وَيَنْبَغِي أَن يُصَلِّي الْفجْر وَالظّهْر وَالْعصر بِالْجَمَاعَة ثمَّ يُجَامع امْرَأَته ثمَّ يغْتَسل كَمَا غربت الشَّمْس وَيُصلي الْمغرب وَالْعشَاء بِجَمَاعَة لَا يَحْنَث وَهَذَا مُرَاد من قَالَ: (جامعت أَهلِي فِي النَّهَار ثَلَاثًا ... ) (وَلم أَغْتَسِل فِي ذَلِك الْيَوْم مثلثا ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 (وَكنت صَحِيح الْبدن وَالْمَاء حَاضر ... ) (فَصليت خمْسا مَعَ الْجَمَاعَة مَسْجِدا ... ) (وَجَاز لي مَا فعلت عمدا مُتَعَمدا ... ) (على دين الْقرشِي مُحَمَّدًا ... ) ف (35) . الحليف: (آنكه باتو عهد بسته باشد) . (ومرد تيز زبان وفصيح) . الْحلم: بِالْكَسْرِ وَسُكُون اللَّام هُوَ الطُّمَأْنِينَة عِنْد سُورَة الْغَضَب وَقيل تَأْخِير مُكَافَأَة الظَّالِم. وبالضم بُلُوغ الصَّغِير وبالضمتين خواب ديدن وخواب. الْحَلَال: كل شَيْء لَا يُعَاقب على اسْتِعْمَاله. الْحل: بِالْفَتْح لُغَة مَشْهُور. والحل الَّذِي هُوَ مِمَّا يتَّصل بالسرقات الشعرية أَن ينثر النّظم. والحل فِي المناظرة تعْيين مَوضِع الْأَلْفَاظ فَإِن قيل أَصْحَاب المناظرة حصروا السُّؤَال فِي الثَّلَاثَة أَعنِي الْمَنْع والنقض الإجمالي والمعارضة فبإثباتهم الْحل يبطل الْحصْر الْمَذْكُور قُلْنَا الْحل مندرج فِي الْمَنْع لنَوْع مُنَاسبَة وَهُوَ أَن التَّعَرُّض لمقدمة مُعينَة كَمَا يكون فِي الْمَنْع كَذَلِك يكون فِي الْحل إِلَّا أَن الْمَقْصُود بِالْحلِّ تعْيين مَوضِع الْغَلَط لسوء الْفَهم لَا طلب الدَّلِيل بِخِلَاف الْمَنْع فَإِن الْمَقْصُود بالتعرض لمقدمة مُعينَة فِيهِ طلب الدَّلِيل عَلَيْهَا. وَقد يذكر الْحل فِي مُقَابلَة الْمَنْع بِهَذِهِ الْمُخَالفَة وَقد يُطلق الْحل مرادفا للْمَنْع. والحل بِالْكَسْرِ الْحَلَال وَمَا وَرَاء أَرض الْحرم. (بَاب الْحَاء مَعَ الْمِيم) الْحمة: بِفَتْح الْحَاء وَالْمِيم سم الْعَقْرَب. فِي الْحصن الْحصين من كَلَام سيد الْمُرْسلين عرضنَا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رقية من الْحمة فَأذن لنا فِيهَا وَقَالَ إِنَّمَا هِيَ من مواثيق الْجِنّ بِسم الله شجة قرنية ملحة بَحر قفطا. الْحمل: بِالْكَسْرِ بار وبالفتح بار برداشتن وبارشكم وهرباري كه باشد. وَالْحمل مُخْتَصّ بالإنسان كالنتاج بِالْحَيَوَانِ وَلذَا قيل فِي كتب الْفِقْه الْحمل مَا فِي بطن الْإِنْسَان وَأَقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر بالِاتِّفَاقِ وَفِي أَكْثَرهَا اخْتِلَاف عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَأَصْحَابه سنتَانِ لما رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت لَا يبْقى الْوَلَد فِي رحم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 أمه أَكثر من سنتَيْن وَلَو بِقدر ظلّ مغزل وَمثل هَذَا لَا يعرف قِيَاسا بل سَمَاعا عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله أَربع سِنِين لما رُوِيَ أَن الضَّحَّاك ولد لأَرْبَع سِنِين وَقد بَدَت ثناياه وَهُوَ يضْحك فَسُمي ضحاكا وَعند لَيْث بن سعد الفهمي رَحمَه الله ثَلَاث سِنِين وَعند الزُّهْرِيّ رَحمَه الله سبع سِنِين. وبرج من البروج الاثْنَي عشر من الْفلك الْأَعْظَم. وَالْحمل عِنْد أَرْبَاب الْمَعْقُول يُطلق بالاشتراك اللَّفْظِيّ على ثَلَاثَة معَان: الأول: الْحمل اللّغَوِيّ، وَالثَّانِي: الْحلم الاشتقاقي، وَالثَّالِث: حمل المواطأة. (أما الْحمل اللّغَوِيّ) فَهُوَ الحكم بِثُبُوت شَيْء بِشَيْء أَو انتفائه عَنهُ وَحَقِيقَته الإذعان وَالْقَبُول. (وَأما الْحمل الاشتقاقي) فَهُوَ الْحمل بِوَاسِطَة (فِي) أَو (ذُو) أَو (لَهُ) وَحَقِيقَته الْحُلُول فَإنَّك إِذا قلت زيد ذُو مَال فقد حملت المَال على زيد بِوَاسِطَة (ذُو) . فَإِن قلت: إِن المَال مَحْمُول على زيد بِوَاسِطَة ذُو وَلَيْسَ حَالا فِيهِ فَكيف يَصح أَن حَقِيقَته الْحُلُول. قلت: الْمَحْمُول فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْإِضَافَة الَّتِي بَين زيد وَالْمَال وَهُوَ التَّمَلُّك. وَلَا شكّ أَن التَّمَلُّك حَال فِي زيد والتملك مَحْمُول على زيد فِي ضمن التَّمَلُّك الْمُشْتَقّ مِنْهُ كَمَا أَن الْكِتَابَة مَحْمُول على زيد فِي ضمن الْكَاتِب وَالْكَاتِب مَحْمُول عَلَيْهِ بالاشتقاق وَلِهَذَا سمي هَذَا الْحمل بالاشتقاق وَقس عَلَيْهِ زيد فِي الدَّار وَزيد أَب لعَمْرو فَإِن الْمَحْمُول فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْإِضَافَة الَّتِي بَين زيد وداره وَبَين زيد وَعَمْرو وَهِي الظَّرْفِيَّة والأبوة والنبوة. وَأما حمل المواطأة فَهُوَ حمل شَيْء بقول على مثل الْإِنْسَان حَيَوَان يَعْنِي الْحَيَوَان مَحْمُول على الْإِنْسَان وَحَقِيقَته هُوَ هُوَ. وَبِعِبَارَة أُخْرَى نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع إِن كَانَت بِلَا وَاسِطَة وَهُوَ القَوْل على الشَّيْء فَهِيَ الْحمل بالمواطأة وَهَذَا الْحمل يرجع إِلَى اتِّحَاد المتغائرين فِي نَحْو من اتِّحَاد الْوُجُود بِحَسب نَحْو آخر من أنحائه فَإِن كَانَ الْمَحْمُول ذاتيا فَهُوَ حمل بِالذَّاتِ أَو عرضيا فَهُوَ حمل بِالْعرضِ. فَفِي حمل الذاتيات اتِّحَاد بِالذَّاتِ وَفِي حمل العرضيات اتِّحَاد بِالْعرضِ. ثمَّ اعْلَم أَن الْحمل بالمواطأة يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ: الأول: حمل الشَّيْء على نَفسه، وَالثَّانِي: الْحمل الْمُتَعَارف وَيُسمى الْحمل الشَّائِع أَيْضا. ثمَّ من الْقسم الأول الْحمل الأولي وَهُوَ يُفِيد أَن الْمَحْمُول هُوَ بِعَيْنِه عنوان حَقِيقَة الْمَوْضُوع وَإِنَّمَا سمي حملا أوليا لكَونه أولي الصدْق أَو الْكَذِب. وَمِنْه حمل الشَّيْء على نَفسه مَعَ تغاير بَين الطَّرفَيْنِ بِأَن يُؤْخَذ. أَحدهمَا: مَعَ حيثية أَو بِدُونِ التغاير بَينهمَا بِأَن يتَكَرَّر الِالْتِفَات إِلَى شَيْء وَاحِد ذاتا واعتبارا فَيحمل ذَلِك الشَّيْء على نَفسه من غير أَن يَتَعَدَّد الملتفت إِلَيْهِ وَالْأول صَحِيح غير مُفِيد وَالثَّانِي غير صَحِيح وَغير مُفِيد ضَرُورَة أَنه لَا يعقل النِّسْبَة إِلَّا بَين اثْنَيْنِ وَلَا يُمكن أَن يتَعَلَّق بِشَيْء وَاحِد التفاتان من نفس وَاحِدَة فِي زمَان وَاحِد والتغاير من جِهَة الِالْتِفَات لَا يَكْفِي هَا هُنَا لِأَن الِالْتِفَات لَا يلْتَفت إِلَيْهِ حِين الِالْتِفَات والتعدد فِي الِالْتِفَات لَا يتَصَوَّر إِلَّا بالتعدد فِي أحد هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة الملتفت والملتفت إِلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وَالزَّمَان. وَالْحمل الْمُتَعَارف يُفِيد أَن يكون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد الْمَحْمُول أَو مَا هُوَ فَرد لأَحَدهمَا فَرد للْآخر وَإِنَّمَا سمي متعارفا لتعارفه وشيوع اسْتِعْمَاله. وَرُبمَا يُطلق الْحمل الْمُتَعَارف فِي الْمنطق على الْحمل المتحقق فِي المحصورات سَوَاء كَانَت حَقِيقَة كَمَا هُوَ الظَّاهِر أَو حكما كالمهملات. فالحمل فِي قَوْلنَا الْإِنْسَان كَاتب مُتَعَارَف على كلا الاصطلاحين وَفِي قَوْلنَا الْإِنْسَان نوع مُتَعَارَف على الِاصْطِلَاح الأول وَغير مُتَعَارَف على الِاصْطِلَاح الثَّانِي. ثمَّ اعْلَم أَن الفارابي جعل الْحمل على أَرْبَعَة أَقسَام: حمل الْكَلْبِيّ على الجزئي مثل زيد إِنْسَان. وَحمل الْكَلْبِيّ على الْكُلِّي مثل الْإِنْسَان حَيَوَان وَالْإِنْسَان إِنْسَان وَحمل الجزئي على الجزئي مثل هَذَا زيد وَهَذَا الْإِنْسَان هَذَا الْكَاتِب. قَالَ الْفَاضِل الزَّاهِد فِي الْهَامِش على حَوَاشِيه على شرح المواقف أَن الأول وَالثَّالِث حمل مُتَعَارَف وَالْمرَاد بالفرد الْوَاقِع فِي تَعْرِيفه مَا صدق عَلَيْهِ مُطلقًا. وَالثَّانِي يحْتَمل أَن يكون متعارفا أَو غير مُتَعَارَف لِامْتِنَاع أَن يصدق جزئي على جزئي آخر إِلَّا بِأَن يكون الجزئي حِصَّة كحصة من الْإِنْسَان أَو الْكَاتِب فَحمل تِلْكَ الْحصَّة حملا متعارفا على حِصَّة أَو على جزئي آخر أَو عَكسه بِالنّظرِ إِلَى الْوُجُود بِالذَّاتِ أَو الْوُجُود بِالْعرضِ انْتهى. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على شرح الشمسية كَون الجزئي الْحَقِيقِيّ مقولا على وَاحِد إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الظَّاهِر وَإِمَّا بِحَسب الْحَقِيقَة فالجزئي الْحَقِيقِيّ لَا يكون مَحْمُولا مقولا على شَيْء أصلا بل يُقَال وَيحمل عَلَيْهِ المفهومات الْكُلية فَهُوَ مقول عَلَيْهِ لَا مقول بِهِ وَكَيف لَا وَحمله على نَفسه لَا يتَصَوَّر قطعا إِذْ لَا بُد فِي الْحمل الَّذِي هُوَ النِّسْبَة بَين الْمَوْضُوع والمحمول أَن تكون بَين أَمريْن متغائرين وَحمله على غَيره بِأَن يُقَال زيد عَمْرو إِيجَابا مُمْتَنع أَيْضا وَأما قَوْلك هَذَا زيد فَلَا بُد فِيهِ من التَّأْوِيل لِأَن هَذَا إِشَارَة إِلَى الشَّخْص الْمعِين فَلَا يُرَاد بزيد ذَلِك الشَّخْص الْمعِين وَإِلَّا فَلَا حمل من حَيْثُ الْمَعْنى كَمَا عرفت بل يُرَاد مَفْهُوم مُسَمّى بزيد أَو صَاحب اسْم زيد وَهَذَا الْمَفْهُوم كلي. وَإِن فرض انحصاره فِي شخص وَاحِد فالمحمول أَعنِي الْمَقُول على غَيره لَا يكون إِلَّا كليا انْتهى. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله قَوْله لَا يكون مقولا على شَيْء لِأَن منَاط الْحمل الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن وجودا وَاحِدًا قَائِم بهما لِامْتِنَاع قيام الْعرض الْوَاحِد بمحلين بل مَعْنَاهُ أَن الْوُجُود لأَحَدهمَا بالإصالة وَللْآخر بالتبع بِأَن يكون منتزعا عَنهُ وَلَا شكّ أَن الجزئي هُوَ الْمَوْجُود إصالة والأمور الْكُلية سَوَاء كَانَت ذاتية أَو عرضية منتزعة عَنهُ على مَا هُوَ تَحْقِيق الْمُتَأَخِّرين. فَالْحكم باتحاد الْأُمُور الْكُلية مَعَ الجزئي صَحِيح دون الْعَكْس فَإِن وَقع مَحْمُولا كَمَا فِي بعض الْإِنْسَان زيد فَهُوَ مَحْمُول على الْعَكْس أَو على التَّأْوِيل فَانْدفع مَا قيل إِنَّه يجوز أَن يُقَال زيد إِنْسَان فليجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 الْإِنْسَان زيد لِأَن الِاتِّحَاد من الْجَانِبَيْنِ فَظهر أَنه لَا يُمكن حمله على الْكُلِّي وَأما على الجزئي فَلِأَنَّهُ إِمَّا نَفسه بِحَيْثُ لَا تغاير بَينهمَا أصلا بِوَجْه من الْوُجُوه حَتَّى بالملاحظة والالتفات على مَا قَالَ بعض الْمُحَقِّقين لَهُ إِذا لوحظ شخص مرَّتَيْنِ وَقيل زيد زيد كَانَ مغائرا بِحَسب الملاحظة وَالِاعْتِبَار قطعا وَيَكْفِي هَذَا الْقدر من التغاير فِي الْحمل فَلَا يُمكن تصور الْحمل بَينهمَا فضلا عَن إِمْكَانه. وَإِمَّا جزئي آخر مغائر لَهُ وَلَو بالملاحظة والالتفات فالحمل وَإِن كَانَ يتَحَقَّق ظَاهرا لكنه فِي الْحَقِيقَة حكم بتصادق الاعتبارين على ذَات وَاحِدَة فَإِن معنى الْمِثَال الْمَذْكُور أَن زيدا الْمدْرك أَولا هُوَ زيد الْمدْرك ثَانِيًا. وَالْمَقْصُود مِنْهُ تصادق الاعتبارين عَلَيْهِ وَكَذَا فِي قَوْلك هَذَا الضاحك هَذَا الْكَاتِب الْمَقْصُود اجْتِمَاع الوصفين فِيهِ فَفِي الْحَقِيقَة الجزئي مقول عَلَيْهِ للاعتبارين. نعم على القَوْل بِوُجُود الْكُلِّي الطبيعي فِي الْخَارِج حَقِيقَة كَمَا هُوَ رَأْي الأقدمين والوجود الْوَاحِد إِنَّمَا قَامَ بالأمور المتعددة من حَيْثُ الْوحدَة لَا من حَيْثُ التَّعَدُّد يَصح حمله على الْكُلِّي لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُود والاتحاد من الْجَانِبَيْنِ وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيّ على مَا نقل عَن الفارابي وَالشَّيْخ من صِحَة حمل الجزئي انْتهى. وَقَالَ الباقر فِي الْأُفق الْمُبين نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع إِمَّا بِوُجُود (فِي) أَو توَسط (ذُو) أَو (لَهُ) بَين هُوَ هُوَ وَيُقَال لَهَا الْحمل الاشتقاقي. وَإِمَّا بقول (على) وَيُقَال لَهَا حمل المواطأة أَي الِاتِّحَاد بَين الشَّيْئَيْنِ بهو هُوَ وَهُوَ يُفِيد إِعْطَاء الِاسْم وَالْحَد وَيُشبه أَن يكون قَول الْحمل عَلَيْهِمَا باشتراك الِاسْم أَي بالاشتراك اللَّفْظِيّ دون الْمَعْنى وَالْآخر وَهُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية الحملية حَقِيقَة اتِّحَاد المتغائرين فِي نَحْو من أنحاء لحاظ التعقل بِحَسب نَحْو آخر من أنحاء الْوُجُود اتحادا بِالذَّاتِ أَو بِالْعرضِ وَفَوق ذَلِك ذكر سيقرع سَمعك إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَفْصِيله فِي تبصرة حمل شَيْء على شَيْء. إِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَوْضُوع هُوَ بِعَيْنِه أَخذ مَحْمُولا على أَن يتَكَرَّر إِدْرَاك شَيْء وَاحِد بِتَكَرُّر الِالْتِفَات إِلَيْهِ من دون تكَرر فِي الْمدْرك والملتفت إِلَيْهِ أصلا وَلَو بِالِاعْتِبَارِ وَهُوَ حمل الشَّيْء على نَفسه وتأبى الضَّرُورَة الفطرية إِلَّا أَن تشهد بِبُطْلَانِهِ وَإِن وَقع بعض الأذهان فِي مَخْمَصَة تجويزه فَإِن صَحَّ فَكيف يَصح أَن تلْتَفت نفس وَاحِدَة إِلَى مَفْهُوم وَاحِد ذاتا واعتبارا فِي زمَان بِعَيْنِه مرَّتَيْنِ. وَإِمَّا أَن يَعْنِي ذَلِك لَكِن على أَن يَجْعَل تكَرر الْإِدْرَاك حيثية تقيدية يتكثر بحسبها الْمدْرك فَيحكم بِأَن الْمدْرك بِأحد الإدراكين هُوَ نفس الْمدْرك بالإدراك الآخر وَلَا يلحظ تعددا إِلَّا من تِلْكَ الْجِهَة وَهُوَ الَّذِي يُقَال إِنَّه ضرب مَنْصُور من حمل الشَّيْء على نَفسه وَلكنه هدر غير مُفِيد. وَإِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَحْمُول هُوَ بِعَيْنِه نفس الْمَوْضُوع بعد أَن يلحظ التغاير الاعتباري أَي هُوَ بِعَيْنِه عنوان حَقِيقَته لَا أَن يقْتَصر على مُجَرّد الِاتِّحَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 فِي الْوُجُود وَيُسمى الْحمل الأولي الذاتي لكَونه أولى الصدْق أَو الْكَذِب غير معنى بِهِ إِلَّا أَن هَذَا الْمَفْهُوم هُوَ نفس ذَاته وعنوان حَقِيقَته. فَإِذا اعْتبر بَين المفهومات المتغائرة فِي جليل النّظر رُبمَا احْتِيجَ تعْيين الْإِيجَاب أَو السَّلب إِلَى تَدْقِيقه كَمَا يَقُول الْوُجُود هُوَ الْمَاهِيّة أَو لَيْسَ والوجود هُوَ الْوحدَة أَو لَيْسَ يحْتَاج فِي الأذهان إِلَى الْبُرْهَان. وَإِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ مُجَرّد اتِّحَاد الْمَوْضُوع والمحمول ذاتا ووجودا وَيرجع إِلَى كَون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد الْمَحْمُول أَو كَون مَا هُوَ فَرد أَحدهمَا هُوَ فَرد الآخر وَيُسمى الْحمل الْعرفِيّ الْمُتَعَارف لشيوعه بِحَسب التعارف الصناعي وينقسم بِحَسب كَون الْمَحْمُول ذاتيا للموضوع أَو عرضيا لَهُ إِلَى الْحمل بِالذَّاتِ وَالْحمل بِالْعرضِ. ثمَّ إِن فِي الْحمل الْمُتَعَارف قد يكون الْمَوْضُوع فَردا حَقِيقِيًّا للمحمول وَهُوَ مَا يكون أخص بِحَسب الصدْق كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان وَقد يكون فَردا اعتباريا وَهُوَ مَا يكون أخصيته بِحَسب نَحْو الِاعْتِبَار كمفهوم الْمَوْجُود الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَعْيِينه وَكَذَلِكَ الْمُمكن الْعَام وَالْمَفْهُوم والكلي وَمَا ضاهاها فتلطف فِي سرك تنتصر انْتهى. وَإِنَّمَا قَالَ وَيُشبه الخ لِأَن معنى حمل المواطأة أَعنِي الِاتِّحَاد الْمَخْصُوص لَا يصلح مقسمًا لَهُ وللحمل الاشتقاقي كَمَا لَا يخفى. وَفِي الْأَسْفَار اعْلَم أَن حمل الشَّيْء على الشَّيْء واتحاده مَعَه يتَصَوَّر على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: الشَّائِع الصناعي الْمُسَمّى بِالْحملِ الْمُتَعَارف وَهُوَ عبارَة عَن مُجَرّد اتِّحَاد الْمَوْضُوع والمحمل ووجودا وَيرجع إِلَى كَون الْمَوْضُوع من أَفْرَاد مَفْهُوم الْمَحْمُول سَوَاء كَانَ الحكم على نفس مَفْهُوم الْمَوْضُوع كَمَا فِي الْقَضِيَّة الطبيعية أَو على أَفْرَاده كَمَا فِي القضايا المتعارفة من المحصورات وَغَيرهَا سَوَاء كَانَ الْمَحْكُوم بِهِ ذاتيا للمحكوم عَلَيْهِ وَيُقَال لَهُ الْحمل بِالذَّاتِ أَو عرضيا لَهُ وَيُقَال لَهُ الْحمل بِالْعرضِ والجميع يُسمى حملا عرضيا. وَثَانِيهمَا: أَن يَعْنِي بِهِ أَن الْمَوْضُوع هُوَ بِعَيْنِه نفس مَاهِيَّة الْمَحْمُول وَمَفْهُومه بعد أَن يلحظ نَحْو من التغاير أَي هَذَا بِعَيْنِه عنوان مَاهِيَّة ذَلِك لَا أَن يقْتَصر على مُجَرّد الِاتِّحَاد فِي الذَّات والوجود وَيُسمى حملا ذاتيا أوليا. أما ذاتيا فلكونه لَا يجْرِي وَلَا يصدق إِلَّا فِي الذاتيات. وَأما أوليا فلكونه أولى الصدْق أَو الْكَذِب. فكثيرا مَا يصدق ويكذب مَحْمُول وَاحِد على مَوْضُوع وَاحِد بل مَفْهُوم وَاحِد على نَفسه بِخِلَاف اخْتِلَاف هذَيْن الحملين كالجزئي واللامفهوم واللاممكن بالإمكان الْعَام واللاموجود بالوجود الْمُطلق وَعدم الْعَدَم والحرف وَشريك الْبَارِي والنقيضين وَلذَلِك اعْتبرت فِي التَّنَاقُض وحدة أُخْرَى سوى المشروطات الثَّمَانِية الْمَشْهُورَة وَتلك هِيَ وحدة الْحمل والجزئي مثلا جزئي بِالْحملِ الذاتي لَيْسَ بجزئي بل كلي بِالْحملِ الْمُتَعَارف وَمَفْهُوم الْحَرْف حرف بِالْأولِ اسْم بِالثَّانِي انْتهى. وَإِنَّمَا أطنبت الْكَلَام. فِي هَذَا الْمقَام. لِأَنَّهُ زل فِيهِ اقدام الْإِعْلَام. ونقلت أَيْضا مَا ذكره الْعلمَاء الْكِرَام. عَسى أَن يَتَّضِح بِهِ المرام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 حمل النقيض على النقيض: جَائِز عِنْد الْجُمْهُور. فَإِن قلت. حق النقيض أَن يكون مُخَالفا للنقيض لَا مُوَافقا لَهُ فَكيف يحمل أَحدهمَا على الآخر. قلت: النقيض لَهُ طرفان طرف للثبوت وطرف للنَّفْي فَيحمل أَحدهمَا على الآخر لاشْتِرَاكهمَا فِي كَونهمَا طرفين فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة حمل النظير لَا حمل النقيض على النقيض وَقد نبه على هَذَا الشَّيْخ عبد القاهر قدس سره فِي النظير. حمل الْمُشْتَقّ على الْمُشْتَقّ: فِي صدق الْمُشْتَقّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْحَمد: فِي اللُّغَة هُوَ الْوَصْف بالجميل على الْجَمِيل الِاخْتِيَارِيّ على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل -. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على قصد التَّعْظِيم وَهَذَا هُوَ الْحَمد القولي -. وَفِي الْعرف فعل يُنبئ عَن تَعْظِيم الْمُنعم بِسَبَب كَونه منعما فعل قلب أَو لِسَان أَو جارحة. وَحَقِيقَة الْحَمد عِنْد الصُّوفِيَّة إِظْهَار الصِّفَات الكمالية وَمن هَذَا الْقَبِيل حمد الله تَعَالَى - وَالْحَمْد الْفعْلِيّ هُوَ الْإِتْيَان بِالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّة ابْتِغَاء لوجه الله تَعَالَى - وَالْحَمْد الحالي هُوَ الَّذِي يكون بِحَسب الرّوح وَالْقلب كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالأخلاق الإلهية. وَاعْلَم أَن الْحَمد وَالصَّلَاة واجبان شرعا وعقلا. إِمَّا شرعا فَلقَوْله تَعَالَى: {فسبح بِحَمْد رَبك} {وَقل الْحَمد لله وَسَلام على عبَادَة الَّذين اصْطفى} و {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} . وَإِمَّا عقلا فَإِن شكر الْمُنعم وَاجِب لدفع الضَّرَر وجلب النَّفْع واستفاضة الْقَابِل من المبدأ يتَوَقَّف على مُنَاسبَة بَينهمَا وَالنَّفس الإنسانية منغمسة فِي العلائق الْبَدَنِيَّة ومكدرة بالكدورات الطبيعية والحكيم الْعَلِيم المفيض عَن اسْمه فِي غَايَة النزاهة مِنْهُمَا لَا جرم وَجَبت الِاسْتِعَانَة فِي استفاضة الكمالات من حَضرته تَعَالَى بمتوسط ذِي جِهَتَيْنِ حَتَّى يقبل الْفَيْض مِنْهُ تَعَالَى بِجِهَة التجرد وَيفِيض علينا بِجِهَة التَّعَلُّق فَلذَلِك يجب التوسل فِي استحصال الْكَمَال خُصُوصا الْحِكْمَة النظرية والعملية إِلَى الْمُؤَيد لتأييدات. مَالك أزمة الكمالات. بِأَفْضَل الْوَسَائِل وَهُوَ إهداء الصَّلَاة. بإلي جناب خَاتم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ الصَّلَاة ولاسلام. وَكَذَا الْحَال بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآل وَالْأَصْحَاب فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعلو جنابه وتقدس ذَاته لَا بُد لنا فِي الاستفاضة مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام من الوسائط. وَقَوْلنَا: على جِهَة التَّعْظِيم أَو التبجيل احْتِرَاز عَن الْوَصْف الْمَذْكُور بطرِيق السخرية والاستهزاء. وخصص بَعضهم النِّعْمَة بالواصلة إِلَى الحامد فِي الْحَمد الاصطلاحي وعممها بَعضهم. وَالْحَمْد والمدح بعد اتِّفَاقهمَا فِي جَوْهَر الْحُرُوف مُخْتَلِفَانِ بِأَن الْحَمد مُخْتَصر بالمحمود عَلَيْهِ الِاخْتِيَارِيّ والمدح أَعم وَلم يثبت الْمَدْح الاصطلاحي لأَنهم لم يتفقوا على معنى للمدح حَتَّى يكون معنى اصطلاحيا. وَبَين الْحَمد اللّغَوِيّ والمدح عُمُوم مُطلق لجَوَاز أَن يَقع الْمَدْح على الْجَمِيل الْغَيْر الِاخْتِيَارِيّ مثل مدحت اللُّؤْلُؤ على صفائه. وَمعنى الشُّكْر اللّغَوِيّ عين معنى الْحَمد الاصطلاحي بِشَرْط تَعْمِيم النِّعْمَة بالواصلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وَغَيرهَا. وَالشُّكْر فِي الِاصْطِلَاح صرف العَبْد على جَمِيع مَا أنعم الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ فَإِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أعْطى الْعقل ليصرف النّظر فِي مطالعة المصنوعات اسْتِدْلَالا على وجود الصَّانِع. وَبَين الْحَمد اللّغَوِيّ وَالْحَمْد الاصطلاحي عُمُوم من وَجه. وَبَين الْحَمد الاصطلاحي وَالشُّكْر اللّغَوِيّ ترادف إِن عممت النِّعْمَة وَأما إِن خصصت بالواصلة فعموم مُطلق. وَلما كَانَ بَين الْحَمد اللّغَوِيّ وَالْحَمْد الاصطلاحي عُمُوم من وَجه - وَبَين الْحَمد الاصطلاحي وَالشُّكْر اللّغَوِيّ ترادف يكون بَين الْحَمد اللّغَوِيّ وَالشُّكْر اللّغَوِيّ عُمُوم من وَجه - وَبَين الشُّكْر اللّغَوِيّ وَالشُّكْر الاصطلاحي عُمُوم مُطلق أَيْضا - وَبَين الْحَمد اللّغَوِيّ وَالشُّكْر الاصطلاحي تبَاين. والمصنفون يَقُولُونَ الْحَمد لله امتثالا لما رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كل أَمر ذِي بَال لم يبْدَأ بِحَمْد الله فَهُوَ أقطع. قيل الْحَمد لله إِخْبَار عَن حُصُول الْحَمد والإخبار عَن الشَّيْء لَيْسَ ذَلِك الشَّيْء فَلَا يحصل الِامْتِثَال بِهِ. وَأجِيب بِأَنا لَا نسلم أَنه إِخْبَار بل إنْشَاء فَإِن صِيغ الْإِخْبَار قد تسْتَعْمل فِي الْإِنْشَاء كَقَوْلِك بِعْت واشتريت فِي إنْشَاء البيع وَالشِّرَاء. وَلَو سلم فَلَا نسلم أَن الْإِخْبَار عَن الشَّيْء لَيْسَ ذَلِك الشَّيْء مُطلقًا وَإِنَّمَا يكون كَذَلِك لَو لم يكن الْإِخْبَار من جزئيات مَفْهُوم الْمخبر عَنهُ. أما إِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا كَمَا فِي قَوْلنَا الْخَبَر يحْتَمل الصدْق وَالْكذب وَكَون الْإِخْبَار فِيمَا نَحن فِيهِ من هَذَا الْقَبِيل ظَاهر لصدق تَعْرِيف الْحَمد عَلَيْهِ بل هُوَ حمد إجمالي مُحِيط لجَمِيع أَفْرَاد الْحَمد فَافْهَم واحفظ. حمى يَوْم كَفَّارَة سنة: فِي الحَدِيث فِي شرح الْمِنْهَاج لِابْنِ الْأنْصَارِيّ لِأَنَّهَا تضرب مِنْهَا عروق الْبدن وَهِي ثَلَاث مائَة وَسِتُّونَ عرقا وألم عرق كَفَّارَة يَوْم. الحمية: بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح الْيَاء التَّحْتَانِيَّة بنقطتين بِالْفَارِسِيَّةِ برهيز. (بَاب الْحَاء مَعَ النُّون) الْحَنَابِلَة: هم أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ. الحنيف: المائل من كل دين بَاطِل إِلَى دين الْحق من الحنف وَهُوَ الْميل فِي الْقدَم. الْحِنْث: بِالْكَسْرِ (بزه مندشدن درسوكند وسوكند را شكستن) . فَهُوَ الْمُخَالفَة بِمُوجب الْيَمين ويقابله الْبر فَإِنَّهُ الْعَمَل بِمُوجبِه. وَإِن أردْت توضيح هَذَا الْمقَال فَارْجِع إِلَى الْيَمين. ثمَّ اعْلَم أَن من الْأَفْعَال مَا يَحْنَث الْحَالِف بِالْمُبَاشرَةِ بِهِ لَا بِالْأَمر كَالْبيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 وَالشِّرَاء وأمثالهما. وَمِنْهَا مَا يَحْنَث فِيهِ بهما كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وأمثالهما. والضابطة المضبوطة فِيهِ أَن كل فعل ترجع حُقُوقه إِلَى الْمُبَاشرَة لَا يَحْنَث الْحَالِف فِيهِ إِلَّا بمباشرته لَا بِمُبَاشَرَة مأموره لوُجُوده مِنْهُ حَقِيقَة وَحكما وَإِلَّا يَحْنَث مُطلقًا أَي بمباشرته وبمباشرة مأموره أَي وَكيله أَيْضا فَإِن الْعَاقِد يصير سفيرا والآمر فَاعِلا. فَافْهَم واحفظ. (بَاب الْحَاء مَعَ الْوَاو) الْحَواس: جمع الحاسة وتفصيل الْحَواس قد مر فِي الحاسة فَانْظُر إِن كنت مُجْتَمع الْحَواس نعم قَول الصائب. (هر سرى موئ حواس من براهى ميرود ... ) (ايْنَ بريشان سيررا در بزم وحدت بارده ... ) الحوكة: جمع الحائك. الْحِوَالَة: من التَّحَوُّل بِمَعْنى الِانْتِقَال. وَفِي الشَّرْع نقل الدّين وتحويله من ذمَّة الْمُحِيل إِلَى ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اخْتصّت بالديون لِأَنَّهَا تنبئ عَن النَّقْل والتحويل. وَذَلِكَ فِي الدّين لَا فِي الْعين. لِأَن هَذَا نقل شَرْعِي وَالدّين وصف شَرْعِي فَيظْهر أَثَره فِي الْمُطَالبَة فَجَاز أَن يُؤثر النَّقْل الشَّرْعِيّ فِي الثَّابِت شرعا أما الْعين فحسي فَلَا ينْتَقل بِالنَّقْلِ الشَّرْعِيّ بل يحْتَاج إِلَى النَّقْل الْحسي. الْحَوْض: حوضان صَغِير وكبير. الْحَوْض الصَّغِير مَا لَا يكون عشرا فِي عشر وَالْكَبِير مَا يكون كَذَلِك إِذا كَانَ مربعًا وَإِن كَانَ مدورا يعْتَبر ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ حَتَّى إِذا كَانَ دونه لَا يجوز كَذَا فِي الْخُلَاصَة وَهُوَ الْأَحْوَط كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ وَفِي الغياثية وَلَو كَانَ الْحَوْض مدورا قَالَ بَعضهم يجب أَن يكون دوره أَرْبَعَة وَأَرْبَعين حَتَّى يكون عشرا فِي عشر. وَقَالَ عَامَّة أهل الْحساب سِتَّة وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا لِأَن طَرِيق مساحته أَن يضْرب نصف عموده فِي نصف الدائرة فَمَا بلغ فَهُوَ تكسره. وَفِي السِّرَاجِيَّة المَاء إِذا كَانَ لَهُ طول وَلَيْسَ لَهُ عرض وَهُوَ بِحَال لَو جمع وَقدر يصير عشرا فِي عشر لَا بَأْس بِالْوضُوءِ تيسيرا على الْمُسلمين. وَتبين من هَذَا الْبَيَان أَن الْحَوْض الْكَبِير هُوَ الَّذِي يكون عشرا فِي عشر أَي مائَة ذِرَاع تكسيرا. ف (36) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 (بَاب الْحَاء مَعَ الْيَاء) الْحَيْثِيَّة: إِذا كَانَت عين المحيث كَانَ مَعْنَاهَا الْإِطْلَاق وَأَنه لَا قيد هُنَاكَ حَتَّى عَن قيد الْإِطْلَاق أَيْضا. وَإِذا كَانَت غير المحيث فمعناها أَنه مَحْكُوم عَلَيْهِ بِالنّظرِ إِلَى ذَلِك الْغَيْر وَقطع النّظر عَن غير ذَلِك الْغَيْر. الحيز: بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْيَاء الْمُشَدّدَة التَّحْتَانِيَّة بنقطتين قيل هُوَ وَالْمَكَان عِنْد الشَّيْخ وَجُمْهُور الْحُكَمَاء متحدان فهما لفظان مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنى السَّطْح الْبَاطِن من الْجِسْم الْحَاوِي المماس للسطح الظَّاهِر من الْجِسْم المحوي. وَلِهَذَا يرد عَلَيْهِم أَن قَوْلهم كل جسم فَلهُ حيّز طبيعي ينْتَقض بالفلك الْأَعْظَم الْمُحِيط فَإِنَّهُ جسم وَلَيْسَ لَهُ حيّز بِمَعْنى السَّطْح الْمَذْكُور إِذْ لَيْسَ وَرَاءه جسم آخر. وَقَالُوا إِن الشَّيْخ بَين أَن الْمُغَايرَة بَين الْمَكَان والحيز عِنْد الْمُتَكَلِّمين والاتحاد بَينهمَا عِنْد الْحُكَمَاء وَأَرَادَ بالمغايرة المباينة بَينهمَا وبالاتحاد الصدْق على شَيْء وَاحِد وَهَذَا لَا يُنَافِي عُمُوم الحيز من الْمَكَان. وَالْمَفْهُوم من كَلَام الشَّيْخ فِي مَوضِع من طبيعيات الشِّفَاء أَن الحيز أَعم من الْمَكَان بِمَعْنى السَّطْح الْمَذْكُور لتناول الحيز الْوَضع والمحاذاة الَّذِي يمتاز بِهِ الْفلك الْمَذْكُور عَن غَيره فِي الْإِشَارَة الحسية فَهُوَ متحيز وَلَيْسَ فِي مَكَان فالحيز عِنْدهم بِمَعْنى مَا بِهِ يمتاز الْأَجْسَام فِي الْإِشَارَة الحسية. وَصرح الطوسي أَن الْمَكَان عِنْد الْمُتَكَلِّمين هُوَ الْبعد الموهوم أَي الْفَرَاغ المتوهم مَعَ اعْتِبَار حُصُول الْجِسْم فِيهِ. والحيز عِنْد الْحُكَمَاء هُوَ الْفَرَاغ المتوهم من غير اعْتِبَار حُصُول الْجِسْم فِيهِ أَو عَدمه فالحيز عِنْدهم أَعم من الْمَكَان. والحيز الطبيعي للجسم هُوَ الحيز الَّذِي يكون مُسْتَندا إِلَى صورته النوعية وَقد يُرَاد من كَون الحيز طبيعيا للجسم أَنه من عوارضه الذاتية لَا من عوارضه الغريبة. وَأَنت تعلم أَنه لَا مُنَافَاة بَينهمَا وَالْحَاصِل أَن الحيز الطبيعي مَا يَقْتَضِي الْجِسْم لطبعه الْحُصُول فِيهِ. والحيز عِنْد الْمُتَكَلِّمين هُوَ الْفَرَاغ الموهوم الَّذِي يشْغلهُ شَيْء ممتد كالجسم وَهَذَا الْمَعْنى قريب من الْمَعْنى اللّغَوِيّ للمكان وَهُوَ مَا يعْتَمد عَلَيْهِ المتمكن كالأرض للسرير. الحينونة: مَعْنَاهَا فِي قَوْلهم بَاب الْأَفْعَال يَجِيء للحينونة أَي لإِفَادَة أَنه حَان وَقت يسْتَحق فِيهِ فَاعل أَن يُوقع عَلَيْهِ أصل الْفِعْل كأحصد أَي حَان أَن يحصد أَي قرب وَقت حَصَاده. وَالْفرق بَينهَا وَبَين الصيرورة أَن الصيرورة لَا بُد لَهَا من حُصُول الْمُشْتَقّ مِنْهُ للْفَاعِل بِخِلَاف الحينونة فَإِنَّهَا بِمَعْنى قرب وَقت حُصُوله وَإِن لم يحصل تَقول أغد الْبَعِير أَي صَار ذَا غُدَّة. وَتقول أحصد الزَّرْع وَهُوَ لم يحصد بعد. الحينية الممكنة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بسلب الضَّرُورَة الوصفية أَي الضَّرُورَة مَا دَامَ الْوَصْف عَن الْجَانِب الْمُخَالف مثل كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع حِين هُوَ كَاتب بالإمكان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الحينية الْمُطلقَة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بفعلية النِّسْبَة حِين اتصاف ذَات الْمَوْضُوع بِالْوَصْفِ العنواني مثل كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع حِين هُوَ كَاتب بِالْفِعْلِ. الْحيض: فِي اللُّغَة الشَّيْء الْخَارِج والسائل من الشَّيْء يُقَال حَاضَت الأرنب إِذا سَالَ مِنْهَا الدَّم. وحاضت الشَّجَرَة إِذا خرج عَنْهَا الصمغ. وَفِي (الشَّرْع) الدَّم الَّذِي ينفضه رحم امْرَأَة سليمَة عَن دَاء وَصغر. وَقَوْلهمْ (رحم امْرَأَة) احْتِرَاز عَن الدَّم الْخَارِج عَن غَيره. وَقَوْلهمْ: (سليمَة عَن دَاء) احْتِرَاز عَن دم الِاسْتِحَاضَة وَعَن النّفاس إِذْ النّفاس فِي حكم الْمَرَض حَتَّى اعْتبر تصرفها من ثلث التَّرِكَة وبالصغر احْتِرَاز عَن دم ترَاهُ بنت سبع سِنِين فَإِنَّهُ لَيْسَ بحيض فِي الشَّرْع. فوقت الْحيض من تسع سِنِين إِلَى الْإِيَاس والإياس مُقَدّر بِخمْس وَخمسين سنة. وَأَقل مُدَّة الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام وَثَلَاث لَيَال وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام وَلَا يشْتَرط فِي الْحيض السيلان بل التلون. طَاهِرَة رَأَتْ على الكرسف أثر الدَّم يحكم بحيضها من حِين الرّفْع. وألوان الْحيض سِتَّة السوَاد - والحمرة - والصفرة - والكدرة - والخضرة - والتربية - واستيعاب الدَّم مُدَّة الْحيض لَيْسَ بِشَرْط بِالْإِجْمَاع. فالطهر المتخلل بَين الدمين الواقعين فِي مُدَّة الْحيض حيض كَمَا أَن الطُّهْر المتخلل بَين الدمين الواقعين فِي مُدَّة النّفاس نِفَاس. وَإِن أردْت تَحْقِيق هَذِه الْمَسْأَلَة فَانْظُر فِي الطُّهْر المتخلل بَين الدمين وَمَسْأَلَة الصائمة إِذا حَاضَت فِي النَّهَار فِي لُزُوم إتْمَام النَّفْل بِالشُّرُوعِ فَانْظُر هُنَاكَ. ف (37) . الْحَيَاة: صفة وجودية توجب للمتصف بهَا أَن يعلم وَيقدر. والحياة الدُّنْيَا هِيَ مَا تشغل العَبْد عَن الْآخِرَة الْحيَاء: انقباض النَّفس من الشَّيْء وَتَركه حذرا من اللوم فِيهِ وَهُوَ على نَوْعَيْنِ نفساني وإيماني - (أما النفساني) فَهُوَ الَّذِي خلقه الله تَعَالَى فِي النُّفُوس كلهَا كالحياء عَن كشف الْعَوْرَة وَالْجِمَاع بِحُضُور النَّاس - (وَأما الإيماني) فَهُوَ مَا يمْنَع الْمُؤمن من فعل الْمعاصِي خوفًا من الله تَعَالَى. الْحَيَوَان: جَوْهَر جسم نَام حساس متحرك بالإرادة وَهَذَانِ الأخيران فصلان لَهُ. فَإِن قلت. لَا يجوز أَن يكون لشَيْء وَاحِد فصلان قريبان لِأَن الْفَصْل الْقَرِيب هُوَ الَّذِي يعين الْجِنْس ويحصله بِحَيْثُ لَا يحْتَاج فِي تَحْصِيله إِلَى أَمر آخر فَمثل هَذَا الْفَصْل لَو كَانَ مُتَعَددًا فَإِن لم يتَحَصَّل بِأَحَدِهِمَا الْجِنْس فَلَا يكون فصلا قَرِيبا وَهَذَا خلف فَكيف يكون الحساس والمتحرك بالإرادة فصلين قريبين للحيوان. قلت: قد يُؤْخَذ الْفَصْل من مبادئ مُتعَدِّدَة وَحِينَئِذٍ يكون الْفَصْل مجموعها وكل مِنْهَا جُزْء الْفَصْل التَّام وَقد يكون لَهُ مبدأ وَاحِد يُؤْخَذ مِنْهُ كالناطق فَذَلِك المبدأ هُوَ الْفَصْل فِي الْحَقِيقَة وَلَكِن إِذا لم يكن الْفَصْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 الْحَقِيقِيّ مَعْلُوما بماهية إِلَّا بِاعْتِبَار عوارضه فَيدل عَلَيْهِ بأقوى عوارضه وَيُوضَع مَكَانَهُ وَيُطلق عَلَيْهِ اسْم الْفَصْل تسامحا يَعْنِي رُبمَا لَا يدل على المبدأ الْحَقِيقِيّ إِلَّا بِعرْض ذاتي لَهُ فيشتق للفصل اسْم من ذَلِك الْعرض كالناطق الْمُشْتَقّ من النُّطْق الدَّال على مبدأ فصل الْإِنْسَان وَإِن كَانَ لذَلِك المبدأ أَعْرَاض مترتبة فيشتق مِمَّا هُوَ أقرب كالنطق بِالنِّسْبَةِ إِلَى مبدأ فصل الْإِنْسَان دون التَّعَجُّب والضحك فَإِنَّهُمَا يترتبان على النُّطْق أَي إِدْرَاك الكليات. وَإِن وجد لذَلِك المبدأ عرضان ذاتيان يشْتَبه تقدم أَحدهمَا على الآخر فقد يشتق لَهُ عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا اسْم وَيجْعَل الْمَجْمُوع قَائِما مقَام الْفَصْل الْحَقِيقِيّ كالحساس والمتحرك بالإرادة فَإِن مبدأ الْفَصْل الْحَقِيقِيّ هُوَ النَّفس الحيوانية الَّتِي هِيَ معروضة الْحس وَالْحَرَكَة وَقد اشْتبهَ تقدم أَحدهمَا على الآخر فاشتق عَن كل مِنْهُمَا للفصل الْحَقِيقِيّ اسْم وَجعل الْمَجْمُوع قَائِما مقَام الْفَصْل الْحَقِيقِيّ فَلَيْسَ الْفَصْل التَّام للحيوان إِلَّا وَاحِدًا لَا تعدد فِي ذَاته. وَلما ظهر من هَا هُنَا أَنهم يتسامحون فِي إِطْلَاق الْفَصْل على النَّاطِق مثلا وَأَن النَّاطِق لَيْسَ ذاتيا للْإنْسَان وَكَذَا الحساس والمتحرك بالإرادة للحيوان انْدفع مَا اسْتشْكل أَن الْإِدْرَاك مثلا من الْأَعْرَاض فَلَا يجوز أَن يكون فصلا للْإنْسَان الْجَوْهَر فَإِن الْمركب من الْجَوْهَر وَالْعرض لَيْسَ بجوهر وخلاصة الدّفع أَن مُرَادهم بِأَن النَّاطِق فصل الْإِنْسَان والحساس والمتحرك بالإرادة فصلان للحيوان أَن مبدأ النَّاطِق فصل وَأَن مبدأ الحساس والمتحرك بالإرادة فصل ويطلقون اسْم الْفَصْل عَلَيْهَا مجَازًا ومسامحة. هَذَا مَا ذكرنَا فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي عبد الله اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق وَهُنَاكَ تحقيقات أخر تركناها خوفًا من الْأَطْنَاب. الْحَيَاة الْعَقْلِيَّة: هِيَ مبدأ الْإِدْرَاك وَغَيره من الكمالات وَهِي غير مُخْتَصَّة بِالْحَيَوَانِ بِخِلَاف. الْحَيَاة الحسية: الَّتِي هِيَ مبدأ الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية فَإِنَّهَا مُخْتَصَّة بِالْحَيَوَانِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 ( [حرف الْخَاء] ) (بَاب الْخَاء مَعَ الْألف) الخارق للْعَادَة: الناقض لَهَا من شقّ الْقَمَر وإحياء الْأَمْوَات وَقطع الْمسَافَة الْبَعِيدَة فِي الْمدَّة القليلة وَظُهُور الطَّعَام وَالشرَاب واللباس عِنْد الْحَاجة وَالْمَشْي على المَاء والطيران على الْهَوَاء وَكَلَام الجماد والعجماء واندفاع المتوجه من الْبِلَاد وكفاية المهم من الْأَعْدَاء وَغير ذَلِك. والخارق سَبْعَة - إرهاص - ومعجزة - وكرامة - ومعونة - وإهانة - واستدراج - وسحر. فَإِن الخارق إِن كَانَ صادرا من نفس شرير خبيثة بِمُبَاشَرَة أَعمال يجْرِي فِيهَا التَّعْلِيم والتعلم فَهُوَ سحر - وَإِلَّا فَإِن كَانَ مِمَّن يَدعِي النُّبُوَّة فَإِن كَانَ قبل بعثته فَهُوَ إرهاص - وَإِن كَانَ بعد بعثته فَهُوَ معْجزَة بِشَرْط أَن يكون مُوَافقا لما ادَّعَاهُ من أَنه رَسُول الله - وَإِن لم يكن مُوَافقا بل مُخَالفا فَهُوَ إهانة وَتَكْذيب كَمَا رُوِيَ أَن مُسَيْلمَة الْكذَّاب دَعَا لأعور أَن تصير عينه العوراء صَحِيحَة فَصَارَت عينه الصَّحِيحَة عوراء. وَإِن لم يكن مِمَّن يَدعِي النُّبُوَّة فَإِن كَانَ تَابعا لنَبِيّ زَمَانه فَإِن كَانَ وليا فَهُوَ كَرَامَة وَإِن كَانَ من عَامَّة الْمُسلمين فَهُوَ مَعُونَة وَإِن لم يكن تَابعا لنَبِيّ زَمَانه بل رَاهِبًا مرتاضا فَهُوَ اسْتِدْرَاج لِأَن الله تبَارك وَتَعَالَى لَا يضيع أجر العاملين - وَالصَّحِيح أَن السحر لَيْسَ من الخارق للْعَادَة لِأَنَّهُ يحصل بالآلات وَالْكَسْب فَإِنَّهُ لَا يَقُول أحد أَن الشِّفَاء بعد شرب الدَّوَاء. والهلاك بعد أكل السم خارق وَلِهَذَا قَالُوا فِي وَجه الضَّبْط أَن الخارق إِمَّا ظَاهر عَن الْمُسلم وَالْكَافِر. وَالْأول: إِمَّا أَن يكون من عوام الْمُسلمين تخليصا لَهُم عَن المحن والمكاره وَهُوَ المعونة. وَإِمَّا من خَواص الْمُسلمين وَحِينَئِذٍ إِمَّا مقرون بِدَعْوَى النُّبُوَّة فَهُوَ المعجزة أَولا وَهُوَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون ظَاهرا من النَّبِي دَعْوَاهُ فَهُوَ الإرهاص - وَإِلَّا فَهُوَ الْكَرَامَة. وَالثَّانِي: أَعنِي الظَّاهِر على يَد الْكَافِر إِمَّا أَن يكون مُوَافقا لدعواه فَهُوَ الاستدراج أَولا فَهُوَ الإهانة وَلَا يخفى حسن هَذَا الْبَيَان على الخلان. الْخَاتم: بِفَتْح التَّاء الفوقانية بنقطتين وَكسرهَا الَّذِي يخْتم بِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ انكشتري. وَرُوِيَ عَن الأنيس السالك أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كَانَ خَاتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ورق وَكَانَ فصه حَبَشِيًّا. وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا كَانَ نقش خَاتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُحَمَّد - سطر - وَرَسُول - سطر - وَالله - سطر وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا دخل الْخَلَاء نزع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 خَاتمه وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ اتخذ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَاتمًا من ورق وَكَانَ فِي يَد أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا ثمَّ كَانَ فِي يَد عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ حَتَّى وَقع فِي بِئْر أريس نقشه مُحَمَّد رَسُول الله. وَاعْلَم أَنهم ميزوا خَاتم النُّبُوَّة عَن خَاتم يخْتم بِهِ بِإِضَافَة الأول إِلَى النُّبُوَّة وَالثَّانِي إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بالخاتم فِي قَوْلهم خَاتم النُّبُوَّة هُوَ الْأَثر الْحَاصِل بِهِ لَا الطابع وإضافته إِلَى النُّبُوَّة إِمَّا بِمَعْنى أَنه ختم على النُّبُوَّة بحفظها وَحفظ مَا فِيهَا أَي بصيانتها عَن تطرق التَّكْذِيب والقدح إِلَيْهَا صِيَانة الشَّيْء المستوثق بالختم وَإِمَّا الْمَعْنى عَلامَة لنبوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيحْتَمل أَن يكون من قبيل خَاتم فضَّة وَكَانَ ذَلِك الْخَاتم أَيْضا عَن نبوته. وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ رَحمَه الله حدث من طَرِيق أبي رَجَاء عتيبة فَإِذا هُوَ مثل زر الحجلة. وَأَيْضًا حدث عَن طَرِيق سعيد بن يَعْقُوب أَن الْخَاتم بَين كَتِفي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غُدَّة حَمْرَاء مثل بَيْضَة الْحَمَامَة. وَأَيْضًا حدث عَن طَرِيق مُحَمَّد بن بشار أَن الْخَاتم شَعرَات مجتمعات. وَأَيْضًا حدث عَن طَرِيق مُحَمَّد بن بشار حدث عَن بشر بن الوضاح أَنه كَانَ خَاتم النُّبُوَّة فِي ظَهره بضعَة نَاشِرَة أَي قِطْعَة من اللَّحْم مُرْتَفعَة. وَأَيْضًا حدث عَن أبي الْأَشْعَث أَحْمد بن الْمِقْدَام الْعجلِيّ الْبَصْرِيّ قَالَ أَنبأَنَا حَمَّاد بن زيد عَن عَاصِم الْأَحول عَن عبد الله بن سرجس قَالَ أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي أنَاس من أَصْحَابه فَدرت هَكَذَا من خَلفه فَعرف الَّذِي أُرِيد فألقي الرِّدَاء عَن ظَهره فَرَأَيْت مَوضِع الْخَاتم على كَتفيهِ مثل الْجمع حولهَا خيلان كَأَنَّهَا الثآليل فَرَجَعت حَتَّى استقبلته فَقلت غفر الله لَك يَا رَسُول الله فَقَالَ وَلَك فَقَالَ الْقَوْم اسْتغْفر لَك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ نعم وَلكم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {واستغفر لذنبك وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} انْتهى. الزر: بِكَسْر الزَّاي الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة تكمه (والحجلة) بِالتَّحْرِيكِ وَاحِد حجال الْعَرُوس وَهِي بَيت يزين بالثياب والأسترة كَذَا فِي الصِّحَاح (وغدة حَمْرَاء) أَي قِطْعَة من اللَّحْم حمرتها أَكثر من بياضها فِي الْمِقْدَار مثل بَيْضَة الْحَمَامَة (وشعرات مجتمعات) أَي عَلَيْهِ شَعرَات (وَالْجمع) بِالضَّمِّ بِمَعْنى الْمَجْمُوع وَفِي هَذَا الْموضع يُرِيد جمع الْكَفّ وَهُوَ أَن يجمع الْأَصَابِع ويضمها (وخولها) التَّأْنِيث إِمَّا بِاعْتِبَار الْبضْعَة أَو بِاعْتِبَار الشعرات (والخيلان) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء جمع الْخَال (والثآليل) جمع الثؤلول وَهِي الْحبَّة الَّتِي تظهر فِي الْجلد بالحمصة. وَالْمرَاد بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَاتم الْأَنْبِيَاء أَنه لَا نَبِي بعده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبِه تمت أُمُور النُّبُوَّة وكملت. وَالْمرَاد بالخاتم انكشتري فِي قَول الْفُقَهَاء وَلَا يتحلى الرجل بِالذَّهَب وَالْفِضَّة إِلَّا بالخاتم وَيجْعَل الفص إِلَى بَاطِن كَفه بِخِلَاف النِّسَاء حَيْثُ يجوز لَهُنَّ الفص إِلَى ظَاهر الْكَفّ. ثمَّ احفظ ضابطة عَجِيبَة تنفعك فِي مجْلِس الأحباب أَنه إِذا أَخذ الْإِنْسَان فِي يَده الْخَاتم فَقل لَهُ خُذ فِي الْيَد الَّذِي فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 الْخَاتم أَرْبَعَة أعداد وَفِي الآخر ثَلَاثَة أعداد ثمَّ قل لَهُ زد على الْعدَد الَّذِي فِي يَمِينك خَمْسَة أَمْثَاله وعَلى الَّذِي فِي يسارك أَرْبَعَة أَمْثَاله فَقل لَهُ أجمع المبلغين ثمَّ نصف الْمَجْمُوع وسله بعد ذَلِك عَن الْكسر فَإِن قَالَ فِيهِ كسر فالخاتم فِي يَمِينه وَإِن قَالَ لَيْسَ فِيهِ كسر فالخاتم فِي يسَاره. الْخَاصَّة: من الْخُصُوص وخاصة الشَّيْء مَا يُوجد فِيهِ وَلَا يُوجد فِي غَيره. وَعند المنطقيين الْخَاصَّة كلي مقول على أَفْرَاد حَقِيقَة وَاحِدَة فَقَط قولا عرضيا فَإِن وجد فِي جَمِيع أَفْرَاده فَهِيَ شَامِلَة كالكاتب بِالْقُوَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَان وَإِلَّا فَغير شَامِلَة كالكاتب بِالْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. الْخَاص: فِي أصُول الْفِقْه كل لفظ وضع لمسمى مَعْلُوم على الِانْفِرَاد وَالْمرَاد بِالْمُسَمّى مَا وضع اللَّفْظ لَهُ عينا كَانَ أَو معنى عرضا وبالانفراد اخْتِصَاص اللَّفْظ بذلك الْمُسَمّى. الخاشع: المتواضع لله تَعَالَى بِقَلْبِه وجوارحه. الخاطر: مَا يرد على الْقلب من الْخطاب الْوَارِد الَّذِي لَا تعمد للْعَبد فِيهِ وَمَا كَانَ خطابا فَهُوَ أَرْبَعَة أَقسَام. (زماني) وَهُوَ أول الخواطر وَهُوَ لَا يخطي أبدا وَقد يعرف بِالْقُوَّةِ والتسلط وَعدم الاندفاع، و (ملكي) وَهُوَ الْبَاعِث على مَنْدُوب أَو مَفْرُوض وَيُسمى إلهاما، و (نفساني) وَهُوَ مَا فِيهِ حَظّ النَّفس وَيُسمى هاجسا، و (شيطاني) وَهُوَ مَا يَدْعُو إِلَيّ مُخَالفَة الْحق. قَالَ الله تَعَالَى {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء} . الْخَارِج: مَعْرُوف وَيُرَاد بِهِ تَارَة مَا يرادف الْأَعْيَان وَتارَة خَارج النِّسْبَة الذهنية وَتارَة يُرَاد بِهِ نفس الْأَمر كَمَا سَيَجِيءُ فِي النِّسْبَة الخارجية إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْخَارِجِي: فِي الْبَاغِي. الخارجية: فِي الْقَضِيَّة الخارجية. (بَاب الْخَاء مَعَ الْبَاء) الْخَبَر: قد يُقَال وَيُرَاد بِهِ خبر الْمُبْتَدَأ أَي الْمَحْمُول. وَقد يُرَاد بِهِ الْقَضِيَّة فَيكون مرادفا لَهَا وعرفوه بِأَنَّهُ الْكَلَام الْمُحْتَمل للصدق وَالْكذب فَإِن قيل: إِن الصدْق وَالْكذب إِمَّا عبارتان عَن مُطَابقَة الْخَبَر للْوَاقِع وَعدم تِلْكَ الْمُطَابقَة. وَإِمَّا عَن الْخَبَر عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ وَالْخَبَر لَا على مَا هُوَ بِهِ فعلى أَي حَال يلْزم الدّور لكَون الْخَبَر مأخوذا فِي تَعْرِيف الصدْق وَالْكذب المأخوذين فِي تَعْرِيف الْخَبَر فتوقف الْخَبَر على الْخَبَر وَلَو بِوَاسِطَة. قُلْنَا: أَولا: إِن هَذَا إِنَّمَا يرد على من فسر الصدْق وَالْكذب بِمَا ذكر وَأما إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 فسر الصدْق بمطابقة النِّسْبَة الإيقاعية أَو الانتزاعية للْوَاقِع وَالْكذب بِعَدَمِ مطابقتها لَهُ فَلَا. وَثَانِيا: بِأَن الْخَبَر الْمَأْخُوذ فِي تعريفي الصدْق وَالْكذب بِمَعْنى الْأَخْبَار بِدَلِيل تعديته بِكَلِمَة عَن فَهُوَ غير الْخَبَر الْمُعَرّف بالْكلَام الْمَذْكُور فَلَا دور وَأَيْضًا أَن الصدْق وَالْكذب كَمَا يُوصف بهما الْكَلَام كَذَلِك يُوصف بهما الْمُتَكَلّم وَالْمَذْكُور فِي تَعْرِيف الْخَبَر صفة الْكَلَام بِمَعْنى مُطَابقَة نسبته للْوَاقِع وَعدمهَا وَالْخَبَر عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ وَلَا على مَا هُوَ بِهِ صفة الْمُتَكَلّم فَلَا دور. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره وَقد يتَوَهَّم أَن مَا هُوَ صفة للتكلم رَاجع إِلَى صفة الْكَلَام حَقِيقَة بِنَاء على أَن قَوْلنَا مُتَكَلم صَادِق مَعْنَاهُ صَادِق كَلَامه أَو مَوْقُوف على مَا هُوَ صفة الْكَلَام بِنَاء على أَن مَعْنَاهُ كَون الْمُتَكَلّم بِحَيْثُ يكون كَلَامه صَادِقا فالدور لَازم انْتهى. أما على الأول فَلِأَن تَعْرِيف صدق الْمُتَكَلّم مثلا بالْخبر عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ تَعْرِيف لصدق الْكَلَام على ذَلِك التَّقْدِير فقد أَخذ الْخَبَر فِي تَعْرِيف الصدْق الْمَأْخُوذ فِي تَعْرِيف الْخَبَر فتوقف الْخَبَر على الْخَبَر من حَيْثُ التعقل وَهَذَا هُوَ الدّور. وَأما على الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لما توقف صدق الْمُتَكَلّم مثلا من حَيْثُ التعقل على صدق الْكَلَام لِأَن معنى صدق الْمُتَكَلّم كَونه بِحَيْثُ يكون كَلَامه صَادِقا. وَأَنت تعلم أَنه لَا جَهَالَة فِي كَونه بِحَيْثُ كَذَا إِلَّا بِاعْتِبَار الْجَهَالَة فِي مَا يُضَاف إِلَيْهِ كلمة حَيْثُ وَهُوَ صدق الْكَلَام فَيكون التَّعْرِيف الْمَذْكُور أَعنِي الْخَبَر عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ تعريفا لصدق الْكَلَام وَقد أَخذ فِي هَذَا التَّعْرِيف الْخَبَر الْمَأْخُوذ فِي تَعْرِيفه صدق الْكَلَام فتوقف صدق الْكَلَام على الْخَبَر الْمَوْقُوف على صدق الْكَلَام فَلَزِمَ الدّور فِي تَعْرِيف صدق الْكَلَام وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله وَجَوَابه. أما على الأول فَهُوَ أَن الصدْق وَالْكذب وَإِن اتحدا فِي التعريفين على ذَلِك التَّقْدِير لَكِن الْخَبَر مُتَعَدد فيهمَا كَمَا ذكره أَي الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي المطول فَلَا دور. نعم لَو فسر الْإِخْبَار بالإتيان بالْخبر عَاد الدّور واحتيج فِي دَفعه إِلَى وَجه آخر انْتهى. حَاصله إِن لُزُوم الدّور مَبْنِيّ على مقدمتين اتِّحَاد الْخَبَر فِي التعريفين واتحاد الصدْق وَالْكذب فيهمَا يَعْنِي أَن الدّور إِنَّمَا يلْزم لَو وجد الاتحادان مَعًا والمتوهم أورد كلَاما أثبت بِهِ اتِّحَاد الصدقين أَي الصدْق فِي تَعْرِيف الْخَبَر والصدق الْمُعَرّف بالْخبر عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ وَفرع على هَذَا الِاتِّحَاد فَقَط لُزُوم الدّور. فَأجَاب السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله بِأَن تَفْرِيع لُزُوم الدّور على مُجَرّد اتِّحَاد الصدْق غير صَحِيح لجَوَاز تعدد الْخَبَر فيهمَا إِنَّمَا يتم ذَلِك لَو اتَّحد الْخَبَر أَيْضا فيهمَا وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن المُرَاد بالْخبر الْمُعَرّف الْكَلَام الْمخبر بِهِ وبالخبر فِي تَعْرِيف الصدْق وَالْكذب الْإِخْبَار عَن الشَّيْء فتوقف الْخَبَر بِمَعْنى الْكَلَام الْمخبر بِهِ على الصدْق الْمَوْقُوف على الْخَبَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 بِمَعْنى الْإِخْبَار. وَهَا هُنَا نظر لِأَن لَك أَن تَقول كَون الْخَبَر فِي تَعْرِيف الصدْق وَالْكذب بِمَعْنى الْإِخْبَار غير صَحِيح لِأَن صدق الْمُتَكَلّم رَاجع إِلَى صدق الْكَلَام وتعريفه تَعْرِيفه وَلَا يُمكن تَعْرِيف صدق الْكَلَام بالإخبار عَن الشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ كَمَا لَا يخفى. وَالْجَوَاب أَن معنى صدق الْكَلَام حِينَئِذٍ الْإِخْبَار عَن الشَّيْء أَي الْإِعْلَام بِالنِّسْبَةِ على مَا هُوَ بِهِ أَي كَون النِّسْبَة معلما بهَا على مَا هُوَ بِهِ. فَإِن قلت: لُزُوم الدّور بَاقٍ على حَاله لِأَن الْإِخْبَار عَن الشَّيْء بِمَعْنى الْإِتْيَان بِخَبَرِهِ أَي الْكَلَام الْمخبر بِهِ عَن ذَلِك الشَّيْء قُلْنَا: لَو فسر الْإِخْبَار بِمَعْنى الْكَشْف عَن حَال الشَّيْء فَلَا إِشْكَال وَإِن فسر بالإتيان الْمَذْكُور فَنَقُول الْخَبَر الْمُعَرّف مَعْلُوم بِوَجْه مَا وَإِلَّا لامتنع طلبه وَالْمَقْصُود مَعْرفَته بِوَجْه يمتاز عَمَّا عداهُ ويساويه وَهُوَ الْكَلَام الْمُحْتَمل للصدق وَالْكذب وَقد أَخذ فِي تعريفهما الْخَبَر الْمَعْلُوم بِوَجْه مَا فَلَا دور. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله وَإِمَّا على الثَّانِي أَي إِمَّا على الْجَواب عَن لُزُوم الدّور على تَقْدِير توقف صدق الْمُتَكَلّم على صدق الْكَلَام فَهُوَ إِن صدق الْمُتَكَلّم إِلَى آخِره. حَاصله أَن كَون صدق الْمُتَكَلّم على هَذَا التَّفْسِير أَي كَونه بِحَيْثُ يكون كَلَامه صَادِقا مَوْقُوفا على صدق الْكَلَام بل على معرفَة الْكَلَام أَيْضا مُسلم وَلَيْسَ شَيْء من معرفَة الْكَلَام وَصدقه مَوْقُوفا على صدق الْمُتَكَلّم حَتَّى يلْزم الدّور. وَهَا هُنَا كَلَام طَوِيل فِي حل المطول وَلما يَأْبَى عَنهُ الْمقَام اقتصرنا على هَذَا الْمُخْتَصر وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع فَليرْجع إِلَى الْحَوَاشِي الحكيمية وَإِن أردْت أَن تسمع خبر هَلَاك جذر الْأَصَم فاستمع لما يَقُول الْمركب التَّام فَإِنَّهُ مخبر صَادِق بِهِ وَسَيَأْتِي نبذ من التحقيقات فِي الْقَضِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَيْضا. خبر الْمُبْتَدَأ: هُوَ الْمُجَرّد عَن العوامل اللفظية الْمسند إِلَى الْمُبْتَدَأ أَو الِاسْم الظَّاهِر الَّذِي رَفعه الصّفة الْوَاقِعَة بعد حرف النَّفْي أَو الِاسْتِفْهَام فَالْأول مثل زيد قَائِم وَالثَّانِي مثل مَا قَامَ زيد وأقائم زيد. فَإِن الْقَائِم مُبْتَدأ ضَرُورِيّ وَزيد فَاعله قَائِم مقَام الْخَبَر. فَإِن أردْت توضيح هَذَا المرام فَارْجِع إِلَى الْمُبْتَدَأ. خبر الْوَاحِد: هُوَ الحَدِيث الَّذِي يرويهِ الْوَاحِد أَو الِاثْنَان فَصَاعِدا مَا لم يبلغ الشُّهْرَة والتواتر. الْخَبَر الْمُتَوَاتر: هُوَ الْخَبَر الثَّابِت بِإِخْبَار قوم لَا يجوز الْعقل توافقهم على الْكَذِب ومعياره أَي مَا يصدقهُ وَيدل على بُلُوغه حد التَّوَاتُر حُصُول الْعلم وَالْيَقِين فَكلما حصل لنا الْعلم اليقيني بالإخبار علمنَا أَن هَذَا الْخَبَر متواتر. فعدد المخبرين مثل خَمْسَة أَو اثْنَي عشر أَو عشْرين أَو أَرْبَعِينَ أَو سبعين على مَا قيل لَيْسَ بِشَرْط فِي الْخَبَر الْمُتَوَاتر الْمُفِيد لليقين بِالضَّرُورَةِ بِلَا نظر وَكسب وَإِنَّمَا سمي مثل هَذَا الْخَبَر متواترا لِأَنَّهُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 الْغَالِب يَقع على سَبِيل التَّعَاقُب والتوالي وَإِن أمكن وُقُوعه دفْعَة كَمَا إِذا كَانَ المخبرون المجتمعون فِي الجلس متكلمين بالْخبر مَعًا. فَإِن قيل لَا يَصح أَن يكون معياره حُصُول الْعلم اليقيني لِأَن الْخَبَر الْمُتَوَاتر سَبَب لحُصُول الْعلم اليقيني فَلَو كَانَ هَذَا الْحُصُول سَببا للْخَبَر الْمُتَوَاتر للَزِمَ الدّور. قُلْنَا الْخَبَر الْمُتَوَاتر نَفسه سَبَب للْعلم اليقيني وَالْعلم بِهَذَا الْعلم سَبَب للْعلم بالْخبر الْمُتَوَاتر فَلَا دور لعدم اتِّحَاد الْمَوْقُوف عَلَيْهِ. وَمَا قيل إِن الْعلم بالْخبر الْمُتَوَاتر لَيْسَ بموقوف على الْعلم بِالْعلمِ اليقيني لَيْسَ بِشَيْء للوجدان الْعَام بِأَنَّهُ لَا يحصل لنا الْعلم بِوُجُود الْخَبَر الْمُتَوَاتر وبلوغه حد التَّوَاتُر إِلَّا بعد علمنَا بِأَن مَا حصل لنا هُوَ علم يقيني وعقب توجهنا إِلَيْهِ. الخبن: فِي الْعرُوض حذف الْحَرْف الثَّانِي السَّاكِن مثل ألف فاعلن ليبقى فعلن وَيُسمى الْبَاقِي مخبونا. الْخبط: الضَّرْب بِالْيَدِ واختلاط الْعقل بالجنون. (بَاب الْخَاء مَعَ التَّاء) الْخِتَان: (ختنه كردن) وَهُوَ قطع الْجلد الزَّائِد على الْحَشَفَة. فِي الْيَنَابِيع وَإِن ولد وَهُوَ شَبيه المختون لَا يقطع مِنْهُ شَيْء. وَفِيه أَيْضا للْأَب أَن يختن وَلَده الصَّغِير ويداويه. وَفِي الظَّهِيرِيَّة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام شمس الْأَئِمَّة الحلوائي رَحمَه الله فِي الْخِتَان ثَلَاثَة أَقْوَال: (سنة) وَقَالَ بَعضهم (وَاجِب) وَقَالَ بَعضهم (فَرِيضَة) وَالصَّحِيح أَنه سنة لما رُوِيَ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ختان الرِّجَال سنة وَالنِّسَاء مكرمَة وَكَانَت النِّسَاء يختن فِي زمن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك مكرمَة لِأَن يكون ألذ للرجل على المواقعة. فِي كِفَايَة الشّعبِيّ قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين يُؤَخر الْخِتَان إِلَى أَن يبلغ سبع سِنِين - وَقَالَ بَعضهم إِلَى عشر سِنِين. وَالصَّحِيح مَا قَالَه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله بِأَنَّهُ لَا يُوَقت وَلَكِن ينظر إِلَى حَال الصَّبِي فَإِن كَانَ بِهِ من الْقُوَّة مَا يُطيق ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر وَأما إِذا كَانَ ضَعِيفا فَإِنَّهُ يُؤَخر إِلَى أَن يتقوى ثمَّ يختن. وَفِي آخر كنز الدقائق فِي مسَائِل شَتَّى وَوَقته أَي وَقت الْخِتَان سبع سِنِين أَي ابْتِدَاء وَقت الْخِتَان الْمُسْتَحبّ سبع سِنِين وَذكر فِي الذَّخِيرَة أقْصَى وَقت الْخِتَان اثْنَتَا عشرَة سنة. ثمَّ اعْلَم أَن ولد الْمُسلم يختن مَا لم يبلغ وَإِمَّا بعد الْبلُوغ فَلَا لِأَن الْخِتَان مسنون وَستر الْعَوْرَة فرض فِي حَقه فَفِي ختانه ترك الْفَرْض لتَحْصِيل السّنة بِخِلَاف من أسلم بعد كفره فَإِنَّهُ يجوز ختانه وَإِن كَانَ بَالغا صِيَانة عَن لُحُوقه بالكفار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 ف (38) . الخثي: بِكَسْر الأولى وَسُكُون الْمُثَلَّثَة رجيع الْبَقر وَأما الروث فَهُوَ لكل ذِي حافر كالفرس والبغل كَذَا فِي الْمغرب وَلَكِن الْفُقَهَاء استعملوا الروث فِي رجيع سَائِر الْبَهَائِم كَذَا فِي حَوَاشِي (كنز الدقائق) . (بَاب الْخَاء مَعَ الرَّاء) خرط القتاد: القتاد شجر لَهُ شوك وخرطه أَن تقبض على أَعْلَاهُ ثمَّ تمر يدك إِلَى أَسْفَله وَيُقَال فِي الْمثل دونه أَو من دونه خرط القتاد أَي خرط القتاد قريب من ذَلِك. الْخرق الْكثير: فِي الْخُف الْمَانِع عَن السَّمْح عَلَيْهَا هُوَ مِقْدَار ثَلَاث أَصْغَر أَصَابِع الرجل إِذا انْكَشَفَ مَوضِع غير مَوضِع الْأَصَابِع من الكعب مَا تَحْتَهُ من ظَاهر الْخُف وباطنه وناحية الْعقب وَأما إِذا انْكَشَفَ أنفس الْأَصَابِع فَالْمُعْتَبر أَن ينْكَشف الثَّلَاث أَيْنَمَا كَانَت حَتَّى لَو انْكَشَفَ الْإِبْهَام مَعَ جارتها وهما قدر ثَلَاث أَصَابِع من أصغرها يجوز الْمسْح وَإِن كَانَ مَعَ جارتيها لَا يجوز. وَفِي مَقْطُوع الْأَصَابِع يعْتَبر الْخرق بأصابع غَيره وَيعْتَبر هَذَا الْمِقْدَار فِي كل خف على حِدة فَيجمع الخروق فِي خف وَاحِد لَا فِي خُفَّيْنِ. والخرق الْمَانِع من الْمسْح هُوَ المنفرج الَّذِي ينْكَشف مَا تَحْتَهُ أَو يكون مُنْضَمًّا لَكِن ينفرج عِنْد الْمَشْي وَيظْهر الْقدَم وَأما إِذا لَا ينْكَشف مَا تَحْتَهُ فَلَا يمْنَع وَإِن كَانَ الْخرق طَويلا وَلَو انْكَشَفَ الظهارة وَفِي داخلها بطانة من جلد أَو خرقَة مخروزة بالخف لَا يمْنَع الْمسْح - والخرق الْفَاحِش فِي الثَّوْب أَن يستنكف أوساط النَّاس من لبسه مَعَ ذَلِك الْخرق واليسير ضِدّه وَهُوَ مَا لَا يفوت بِهِ شَيْء من الْمَنْفَعَة بل يدْخل فِيهِ نُقْصَان عيب مَعَ بَقَاء الْمَنْفَعَة. الخرقاء: فِي كَوْكَب الخرقاء. (بَاب الْخَاء مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة) الخزانة: بِالْكَسْرِ المنبع أَي الْمَكَان الَّذِي أعد لِأَن يجْتَمع فِيهِ المَاء ثمَّ يذهب مِنْهُ إِلَى الْحِيَاض. وبالفتح الْبَيْت الْمعد للدراهم وَالدَّنَانِير أَي لِأَن تُوضَع فِيهِ وَتحفظ ويقفل بَابه. نعم مَا قيل الخزانة لَا تكسر والخزانة لَا تفتح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 (بَاب الْخَاء مَعَ السِّين الْمُهْملَة) الْخَسْف: بِالْفَتْح فرورفتن. وَمِنْه خسف الْمَكَان أَي ذَهَابه وغوره إِلَى قَعْر الأَرْض وَجمعه الخسوف كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث فِي بَيَان أَشْرَاط السَّاعَة وَثَلَاثَة خُسُوف خسف بالمشرق وَخسف بالمغرب وَخسف بِجَزِيرَة الْعَرَب. الخسوف: بِمَعْنى (كرفتن ماه وفروشدن) - مُفْرد وَجمع وَسبب حُدُوث الخسوف حيلولة الأَرْض بَين الشَّمْس وَالْقَمَر فبقدر الْحَيْلُولَة يظْهر الخسوف والظلام فِي جرم الْقَمَر وتفصيله فِي الْهَيْئَة. (بَاب الْخَاء مَعَ الشين الْمُعْجَمَة) الخشبتان: المسواك والخلال. الْخَشَبَة: تألم الْقلب بِسَبَب توقع مَكْرُوه فِي الْمُسْتَقْبل يكون تَارَة بِكَثْرَة الْجِنَايَة من العَبْد وَتارَة بِمَعْرِِفَة جلال الله تَعَالَى وهيبته وخشية الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام من هَذَا الْقَبِيل. (بَاب الْخَاء مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة) الْخِصَال: بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة جمع خصْلَة بِالضَّمِّ لفائف الشّعْر. وَالْمرَاد بهَا فِي قَول الْأُصُولِيِّينَ خِصَال الْكَفَّارَة مَا عف فِي الْكَفَّارَة من تَحْرِير الرَّقَبَة وإطعام سِتِّينَ مِسْكينا وَصِيَام شَهْرَيْن مثلا. الْخصْلَة: بِضَم الأول وَسُكُون الثَّانِي الشّعْر الملفوف. وَفِي الْقَامُوس الشّعْر الْمُجْتَمع جمعهَا الْخِصَال. والخصلة بِالْفَتْح (خوى وعادت) وَهِي أَعم من أَن يكون حَسَنَة وقبيحة وَجَمعهَا الخصائل. الْخصم: بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة دشمن - وَالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا خصم للْآخر. وَمن كَانَ مُقَابلا فِي المناظرة أَيْضا خصم فِي عرفهَا. وَمن المجربات إِذا أَخذ التُّرَاب من تَحت قدم الْخصم وَقَرَأَ عَلَيْهِ أطوائيل - بخطائيل - جِبْرَائِيل - مِيكَائِيل - إسْرَافيل - وَطرح فِي بَيته هلك - وَنقل عَن حسام الدّين السغناقي من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 أَرَادَ الْأَمْن عَن شَرّ الْخصم فليقرأ اللَّهُمَّ أَنِّي أَسأَلك بقدرتك الَّتِي تمسك السَّمَوَات أَن تقع على الأَرْض إِلَّا بإذنك رَبنَا تقبل منا أَنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم أَن تصرف عني شَرّ فلَان ابْن فلَان لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم. الخصوصية: الْمَشْهُور فِيهَا الضَّم لَكِن إِذا فتحت الْعين علمت الْفَتْح أفْصح لِأَن الْخُصُوص بِالضَّمِّ مصدر وبالفتح صفة كذلول فَإِذا كَانَ مصدرا يكون الحاق الْيَاء وَالتَّاء لَغوا إِلَّا أَن يَجْعَل الْمصدر بِمَعْنى الصّفة أَو يَجْعَل الْيَاء للنسبة للْمُبَالَغَة كَمَا فِي احمري وَالتَّاء لزِيَادَة الْمُبَالغَة وَهَذَا تكلّف لَا طائل تَحْتَهُ كَمَا لَا يخفى على الْمُكَلف. بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ صفة لِأَن الْمَعْنى لما كَانَ على المصدرية الْحق الْيَاء المصدرية وَالتَّاء للْمُبَالَغَة كَمَا فِي عَلامَة. الْخُصُوص: وحدية كل شَيْء بتعينه فَلِكُل شَيْء حِينَئِذٍ وحدة مَحْضَة. الْخصي: من كَانَت لَهُ آلَة قَائِمَة ونزعت خصياه. (بَاب الْخَاء مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة) الْخط: الْكِتَابَة والشق. وَعند الطَّائِفَة الْعلية الصُّوفِيَّة الْخط الْحَقِيقَة المحمدية - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَيْضًا عَالم الْأَرْوَاح. وَعند الْمُتَكَلِّمين الْخط جَوْهَر يقبل الْقِسْمَة فِي الطول فَقَط وَنِهَايَة النقطة الجوهرية. وَعند الْحُكَمَاء الْخط عرض يقبل الْقِسْمَة فِي الطول فَقَط والنقطة العرضية نِهَايَة لَهُ. وَبِعِبَارَة أُخْرَى مِقْدَار لَهُ طول فَقَط والخط المستدير خطّ يُمكن أَن يفْرض فِي دَاخله نقطة بِحَيْثُ يُسَاوِي كل خطّ مُسْتَقِيم مِنْهَا إِلَى ذَلِك الْخط وَحِينَئِذٍ تحصل الدائرة وَذَلِكَ الْخط مُحِيط الدائرة والخط الْمُسْتَقيم أقصر خطوط تخرج من نقطة إِلَى نقطة أَو أقصر الخطوط الْوَاصِلَة بَين نقطتين فَإِنَّهُ يُمكن أَن يُوصل بَينهمَا بخطوط غير متناهية والواصل الأقصر هُوَ الْمُسْتَقيم. وَقيل هُوَ مَا يستر طرفه وَسطه إِذا وَقع فِي امتداد شُعَاع الْبَصَر يَعْنِي الْخط الْمُسْتَقيم هُوَ الْخط الَّذِي يكون أول نقطة مِنْهُ حاجبة لِلْأُخْرَى وَهَكَذَا إِلَى أَن يَنْتَهِي - وَإِن كَانَ الخطان المستقيمان على سطح وَاحِد بِحَيْثُ لَا يتلاقيان وَإِن أخرجَا إِلَى غير النِّهَايَة فهما متوازيان وللخط الْمُسْتَقيم عشرَة أَسمَاء - الضلع - والساق - ومسقط الْحجر - والعمود - وَالْقَاعِدَة - والجانب - والقطر - وَالْوتر - والسهم - والارتفاع. وَإِن أردْت أَن تعرف تَعْرِيف كل من هَذِه الْعشْرَة الْمَذْكُورَة فاطلب فِي مقَام كل مِنْهَا وَكن من الشَّاكِرِينَ. وَأَيْضًا الْخط الطَّرِيقَة المستطيلة. فِي شرح قصيدة الْبردَة الْخط بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسرهَا موضعي (است دريمامه كه نيزه رابدان نسبت كنند) - (وَخط العذار) مَا ينْبت من الشّعْر أَولا على عذار الشَّاهِد. وَكَثِيرًا مَا يُطلق بِدُونِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 الْإِضَافَة إِلَى العذار على الشّعْر الْمَذْكُور نعم قَول الصائب رَحمَه الله تَعَالَى. (زخط كفتم زمَان حسن آخر ميشود صائب ... ) (ندانستم كه خطش فتنئه آخر زمَان كردد ... ) وَللَّه در المحزون. (دعوئ يَك بوسه ازلعل لبس ميداشتم ... ) (خطّ برون آورد وَآخر كرد مارا لَا جَوَاب ... ) وَإِطْلَاق الْخط على النقوش الْكِتَابِيَّة الدَّالَّة على الْأَلْفَاظ مَشْهُور. والخط عِنْد أَرْبَاب الْكِتَابَة تَصْوِير اللَّفْظ بحروف هجائه إِلَّا أَسمَاء الْحُرُوف إِذا قصد بهَا الْمُسَمّى. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن اللَّفْظ الْمَقْصُود تَصْوِيره. إِمَّا أَن يكون من أَسمَاء الْحُرُوف أَو لَا. فَإِن لم يكن من أَسمَاء الْحُرُوف. فإمَّا أَن يكون لَهُ مَدْلُول يَصح كِتَابَته أَولا. فَإِن لم يكن لَهُ مَدْلُول يَصح كِتَابَته كزيد فَإِن قيل اكْتُبْ زيدا فَإِنَّمَا يكْتب مُسَمّى الزَّاي وَالْيَاء وَالدَّال وَهِي هَذِه الصُّورَة زيد. وَإِن كَانَ لَهُ مَدْلُول يَصح كِتَابَته كالشعر فَإِذا قيل اكْتُبْ شعرًا فَإِن قَامَت قرينَة تدل على أَن الْمَقْصُود لفظ شعر كتبت هَذِه الصُّورَة شعر وَإِلَّا فمقتضاه أَن يكْتب مَا يُطلق عَلَيْهِ الشّعْر. وَإِن كَانَ اللَّفْظ من أَسمَاء الْحُرُوف. فإمَّا أَن يُسمى بِهِ مُسَمّى آخر أَو لَا. فَإِن لم يسم بِهِ مُسَمّى آخر. فإمَّا أَن يقْصد بِهِ الْمُسَمّى وَهُوَ الْحَرْف الْمُسَمّى بِهِ. أَو لَا يقْصد بِهِ الْمُسَمّى. بل قصد بِهِ الِاسْم الَّذِي هُوَ من أَسمَاء الْحُرُوف. فَإِن قصد الْمُسَمّى فَقيل اكْتُبْ جِيم - عين - فا - را - فَإِنَّمَا يكْتب هَذِه الصُّورَة جَعْفَر لِأَنَّهُ مسماها خطا ولفظا وَأما إِن قصد بِهِ الِاسْم لَا الْحَرْف الْمُسَمّى بِهِ وَقيل اكْتُبْ جِيم مرَادا بِهِ هَذَا اللَّفْظ فَإِنَّمَا يكْتب هَذِه الصُّورَة جِيم هَذَا إِذا لم يسم بِهِ مُسَمّى آخر. فَإِن سمي بِهِ مُسَمّى آخر كَمَا لَو سمي رجل بياسين فللكتاب فِيهِ مذهبان. مِنْهُم من يَكْتُبهَا ياسين وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذ جمال الدّين عُثْمَان بن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى وَمِنْهُم من يَكْتُبهَا على صُورَة مسماها وَهُوَ يس. وَبَعْضهمْ رسموا الْخط بِأَنَّهُ هندسة روحانية تظهر بِآلَة جسمانية. وَأَيْضًا الْخط نتاج الْفِكر وسراج الذّكر ولسان الْبعد وحياة ذَات بَين الْعَهْد. وَأَيْضًا الْخط لِسَان الْيَد وسفير الضَّمِير ومستودع الْأَسْرَار ومناط الْأَخْبَار وحافظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 الْآثَار. والخط فِي الْأَبْصَار سَواد وَفِي الْقُلُوب نور وَبَيَاض وَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ عَلَيْكُم بِحسن الْخط فَإِنَّهُ من مَفَاتِيح الرزق مَوْضُوع. وأسامي الخطوط الَّتِي اخترعها خواجه ياقوت رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي هَذَا الشّعْر: (نكار من خطّ خوش مي نويسد ... بغايت خوب ودلكش مي نويسد) (متاشير ومحقق نسخ وَرَيْحَان ... رقاع وَثلث هرش مي نويسد) والمتأخرون اخترعوا خطا آخر سموهُ نسخ تَعْلِيق. خطّ الاسْتوَاء: فِي الاسْتوَاء. الْخطْبَة: بِالضَّمِّ كَلَام منثور مؤلف من الْمُقدمَات اليقينية والمقبولة والمظنونة أَو إِحْدَاهَا ترغيبا أَو ترهيبا أَو كِلَاهُمَا مصدرا بِالْحَمْد وَالصَّلَاة مَعَ كَون مخاطبه غير معِين يُقَال سمعنَا خطْبَة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ. وَتطلق على خطاب الْوَعْظ أَيْضا. وَاعْلَم أَن خطْبَة الْجُمُعَة تشْتَمل على فرض وَسنة فالفرض شَيْئَانِ: الأول: الْوَقْت وَهُوَ بعد الزَّوَال وَقبل الصَّلَاة حَتَّى لَو خطب فِي الْجُمُعَة قبل الزَّوَال أَو بعد الصَّلَاة لَا يجوز. وَالثَّانِي: ذكر الله تَعَالَى وكفت تَحْمِيدَة أَو تَهْلِيلَة أَو تَسْبِيحَة. هَذَا إِذا كَانَ على قصد الْخطْبَة أما إِذا عطس فَحَمدَ الله تَعَالَى أَو سبح أَو هلل مُتَعَجِّبا من شَيْء لَا يَنُوب عَن الْخطْبَة إِجْمَاعًا. وَأما سنتها فخمسة عشر. أَحدهَا: الطَّهَارَة حَتَّى كرهت للمحدث وَالْجنب. ثَانِيهَا: الْقيام. وَثَالِثهَا: اسْتِقْبَال الْقَوْم بِوَجْهِهِ. وَرَابِعهَا: التَّعَوُّذ فِي نَفسه قبل الْخطْبَة. وخامسها: أَن يسمع الْقَوْم الْخطْبَة وَإِن لم يسمع أجزاه. وسادسها: الْبِدَايَة بِحَمْد الله تَعَالَى. وسابعها: الثَّنَاء عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله. وثامنها: الشهادتان. وتاسعها: الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. والعاشر: العظة والتذكير. وَالْحَادِي عشر: قِرَاءَة الْقُرْآن وتاركها مسيء. كَذَا فِي الْبَحْر الرَّائِق وَمِقْدَار مَا يقْرَأ فِيهَا من الْقُرْآن ثَلَاث آيَات قصارا أَو آيَة طَوِيلَة. وَالثَّانِي عشر: إِعَادَة التَّحْمِيد وَالثنَاء على الله تَعَالَى وَالصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْخطْبَة الثَّانِيَة. وَالثَّالِث عشر: زِيَادَة الدُّعَاء للْمُسلمين وَالْمُسلمَات. وَالرَّابِع عشر: تَخْفيف الْخطْبَتَيْنِ بِقدر سُورَة من طوال الْمفصل وَيكرهُ التَّطْوِيل. وَالْخَامِس عشر: الْجُلُوس بَين الْخطْبَتَيْنِ كَذَا فِي الْبَحْر الرَّائِق. وَأما خطْبَة الْعِيدَيْنِ: فَسنة بعد الصَّلَاة وَتجوز الصَّلَاة بِدُونِهَا وَإِن خطب قبل الصَّلَاة جَازَ وَيكرهُ كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ وَمِقْدَار الْجُلُوس بَين الْخطْبَتَيْنِ أَن يسْتَقرّ كل عُضْو مِنْهُ فِي مَوْضِعه. و (الْخطْبَة) بِالْكَسْرِ زن خواستن وخطاب النِّكَاح عَن أبي هُرَيْرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا خطب إِلَيْكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فَزَوجُوهُ أَن لَا تَفعلُوا تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد عريض رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. ف (39) : الْخطاب: تَوْجِيه الْكَلَام نَحْو الْغَيْر للإفهام ثمَّ نقل مِنْهُ إِلَى مَا يَقع بِهِ التخاطب من الْكَلَام لفظيا أَو نفسيا. الْخَطَّائِينَ: تَثْنِيَة الخطاء. وَعند أهل الْحساب لاستخراج الْمَجْهُول العددي واستعلامه حِسَاب الْخَطَّائِينَ. وخلاصة مَا فِي خُلَاصَة الْحساب أَن اسْتِخْرَاج المجهولات بِحِسَاب الْخَطَّائِينَ أَن تعرض الْمَجْهُول مَا شِئْت من الْأَعْدَاد وتسمي ذَلِك الْمَفْرُوض بالمفروض الأول وتتصرف فِيهِ بِحَسب السُّؤَال فَإِن طابق فَهُوَ الْجَواب وَإِن أَخطَأ عَن الْمَطْلُوب بِزِيَادَة على الْمَطْلُوب أَو نُقْصَان عَنهُ فالخطاء بِقدر أَو نَاقص يُسمى بالخطاء الأول ثمَّ تعرض عددا آخر وَهُوَ الْمَفْرُوض الثَّانِي وَلَا بُد أَن تَأْخُذ الْمَفْرُوض الثَّانِي أَزِيد من الْمَفْرُوض الأول إِن وَقع الخطاء الأول نَاقِصا وَأَقل مِنْهُ إِن وَقع زَائِد التَّقَرُّب إِلَى الْمَطْلُوب وَإِن لم يجب ذَلِك إِلَّا أَن الْأَحْسَن كَذَلِك ويتصرف فِيهِ أَيْضا بِحَسب السُّؤَال فَإِن طابق فَهُوَ الْجَواب وَإِلَّا فَإِن أَخطَأ بِزِيَادَة أَو نُقْصَان حصل الخطاء الثَّانِي ثمَّ أضْرب الْمَفْرُوض الأول فِي الخطاء الثَّانِي وسم الْحَاصِل من الضَّرْب الْمَحْفُوظ الأول وَاضْرِبْ الْمَفْرُوض الثَّانِي فِي الخطاء الأول وَالْحَاصِل هُوَ الْمَحْفُوظ الثَّانِي فَإِن كَانَ الخطاء الأول وَالثَّانِي مَعًا زائدين أَو كَانَا ناقصين فاقسم الْفضل الْوَاقِع بَين المحفوظين على الْفضل الْوَاقِع بَين الْخَطَّائِينَ ليخرج الْمَجْهُول. وَإِن اخْتلف الخطاءان بِأَن يكون أَحدهمَا زَائِدا وَالْآخر نَاقِصا فمجموع المحفوظين تقسم على مَجْمُوع الْخَطَّائِينَ ليخرج الْمَجْهُول كَمَا لَو قيل أَي عدد زيد عَلَيْهِ ثُلُثَاهُ وَوَاحِد حصل عشرَة. فَإِن فرضت ذَلِك الْعدَد تِسْعَة وعملت بِمُقْتَضى السُّؤَال بِأَن زِدْت على التِّسْعَة ثلثيها مَعَ وَاحِد أَعنِي السَّبْعَة يبلغ سِتَّة عشر وَهُوَ زَائِد على الْعشْرَة بِسِتَّة فَيكون السِّتَّة هِيَ الخطاء الأول وَإِن فرضت ذَلِك الْعدَد سِتَّة فالخطاء وَالثَّانِي وَاحِد زَائِد على الْعشْرَة لِأَنَّك إِذا زِدْت على ثلثيها وواحدا أَعنِي الْخَمْسَة يحصل أحد عشر وَهُوَ زَائِد على الْعشْرَة بِوَاحِد فَيكون الْوَاحِد هُوَ الخطاء الثَّانِي فالمحفوظ الأول تِسْعَة حَاصِلَة من ضرب الْمَفْرُوض الأول أَعنِي التِّسْعَة فِي الخطاء الثَّانِي أَعنِي الْوَاحِد وَالْمَحْفُوظ الأول تِسْعَة حَاصِلَة من ضرب الْمَفْرُوض الأول عَن التِّسْعَة فِي الخطاء الثَّانِي أَعنِي الْوَاحِد وَالْمَحْفُوظ الثَّانِي سِتَّة وَثَلَاثُونَ يحصل من ضرب الْمَفْرُوض الثَّانِي أَعنِي السِّتَّة فِي الخطاء الأول وَهُوَ أَيْضا سِتَّة. وَالْخَارِج من قسْمَة الْفضل بن المحفوظين وَهُوَ سَبْعَة وَعِشْرُونَ على الْفضل بَين الْخَطَّائِينَ أَعنِي خَمْسَة هُوَ خَمْسَة وخمسان وَهُوَ الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ إِذا جنس يحصل سَبْعَة وَعِشْرُونَ خمْسا فَإِذا أخذت ثلثيها أَعنِي ثَمَانِيَة عشر خمْسا وزدتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 على سَبْعَة وَعشْرين خمْسا لتبلغ خَمْسَة وَأَرْبَعين خمْسا وتقسمها على الْخَمْسَة ليحصل تِسْعَة وتزيد عَلَيْهَا وَاحِدًا يحصل عشرَة وَهُوَ الْمَطْلُوب. الْخطابِيّ: مَا يذكر الوعاظ على مَنَابِر فِي الْخطب وَغَيرهَا وَمِنْه. الخطابيات: وَهِي أُمُور لَا يطْلب فِيهَا الْبُرْهَان بل يَكْفِي فِيهَا مُجَرّد الظَّن وَلذَا قَالُوا إِنَّهَا قياسات مركبة من مُقَدمَات مَقْبُولَة أَو مظنونة من شخص مُعْتَقد فِيهِ وَالْغَرَض مِنْهَا ترغيب النَّاس فِيمَا يَنْفَعهُمْ من أُمُور معاشهم ومعادهم كَمَا يَفْعَله الخطباء والوعاظ. الخطاء: مَا لَيْسَ للْإنْسَان فِيهِ قصد وَهُوَ عذر يعْتَبر فِي سُقُوط حق الله تَعَالَى إِذا حصل عَن اجْتِهَاد وَيصير شُبْهَة فِي الْعقُوبَة حَتَّى لَا يَأْثَم الخاطئ وَلَا يُؤَاخذ بِحَدّ أَو قصاص وَلَا يعْتَبر عذرا فِي حق الْعباد حَتَّى وَجب عَلَيْهِ ضَمَان الْحَيَوَان الْمُتْلف وَوَجَب بِهِ الدِّيَة كَمَا أَن رمي إنْسَانا ظَنّه صيدا أَو حَرْبِيّا فَإِذا هُوَ مُسلم أَو غَرضا فَأصَاب آدَمِيًّا وَمَا جرى مجْرَاه كنائم انْقَلب على رجل فَقتله تجب الدِّيَة. الخطابة: هِيَ صناعَة تفِيد الْإِقْنَاع لتركبها من مُقَدمَات مَقْبُولَة. الخطابية: بتَشْديد الطَّاء الْمَفْتُوحَة قوم من الروافض ينسبون إِلَى أبي الْخطاب يَعْتَقِدُونَ الشَّهَادَة لكل من حلف عِنْدهم أَنه محق وَيَقُولُونَ الْمُؤمن لَا يكذب وَلَا يحلف كَاذِبًا. وَأَبُو الْخطاب كَانَ رجلا بِالْكُوفَةِ قَتله عِيسَى بن مُوسَى وصلبه بالكنائس لِأَنَّهُ كَانَ يزْعم أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ هُوَ الْإِلَه الْأَكْبَر جَعْفَر الصَّادِق الْإِلَه الْأَصْغَر. (بَاب الْخَاء مَعَ الْفَاء) الخفة: هِيَ اللَّيْل إِلَى الْمُحِيط وَهُوَ الْفلك الْأَعْظَم. الْخَفي: فِي اصْطِلَاح أصُول الْفِقْه مَا خَفِي المُرَاد مِنْهُ بِعَارِض فِي غير الصّفة لَا ينَال إِلَّا بِالطَّلَبِ كآية السّرقَة فَإِنَّهَا ظَاهِرَة فِي من أَخذ مَال الْغَيْر من الْحِرْز على سَبِيل الاستتار خُفْيَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى من اخْتصَّ باسم آخر يعرف بِهِ كالطرار والنباش وَذَلِكَ لِأَن فعل كل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن كَانَ مشابها لفعل السَّارِق لَكِن اخْتِلَاف الِاسْم يدل على اخْتِلَاف الْمُسَمّى ظَاهرا فَاشْتَبَهَ الْأَمر بِأَنَّهُمَا داخلان تَحت لفظ السَّارِق حَتَّى يقطعا كالسارق أَولا. والخفي عِنْد الطَّائِفَة الْعلية الصُّوفِيَّة لَطِيفَة ربانية مودوعة فِي الرّوح بِالْقُوَّةِ فَلَا يحصل بِالْفِعْلِ إِلَّا بعد غليان أنوار الذَّات الربانية ليَكُون وَاسِطَة بَين الحضرات وَالروح فِي قبُول تجلي الصِّفَات الربوبية وإفاضة تجلي الْفَيْض الإلهي. الْخُف: مَا يستر الْقدَم مَعَ الكعب من شعر أَو لبد أَو جلد رَقِيق وَنَحْوهَا وَشرط فِي الْخُف الَّذِي جَازَ السَّمْح عَلَيْهِ أَن يُمكن بِهِ السّفر الشَّرْعِيّ والموصول وَأَن يعم لخف يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 من كرباس أَو صوف لَكِن فِي الْمُحِيط أَنه لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهِ كَيفَ مَا كَانَ. وَفِي الْخُف يَكْفِي ستر الْقدَم مَعَ الكعب وَلَا يشْتَرط أَن يكون ساترا لما فَوْقه. وَفِي حل الرموز شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة وَيجوز الْمسْح على الْخُف جَمِيعًا. وَأما إِذا كَانَ من الكرباس وَنَحْوه فَلَا يمسح إِذا لبس وَحده وَكَذَا إِذا لبس فَوق الْخُفَّيْنِ إِلَّا إِذا كَانَ رَقِيقا بِحَيْثُ يصل البلة إِلَى مَا تَحْتَهُ. وتتمة هَذِه المرام فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (بَاب الْخَاء مَعَ اللَّام) الخلاعة: فِي الْعَدَالَة. الْخلف: بِالضَّمِّ وَسُكُون اللَّام (بطلَان ودردغ ودروغ كردن ووعده را خلاف نمودن) . وبفتحتين (فرزند نيك) . وبالفتح وَسُكُون اللَّام الوراء وَمِنْه يُقَال ابْن خلف. وَعند المنطقيين هُوَ إِثْبَات الْمَطْلُوب بِإِبْطَال نقيضه. وَقِيَاس الْخلف هُوَ الْقيَاس الَّذِي يقْصد بِهِ إِثْبَات الْمَطْلُوب بِإِبْطَال نقيضة وَيُسمى بالخلف أَيْضا بِفَتْح الْخَاء وَسُكُون اللَّام وَقيل إِنَّمَا سمي هَذَا الْقيَاس بالخلف لِأَن المتمسك بِهِ يثبت مَطْلُوبه لَا على الاسْتقَامَة بل من خَلفه وَيُؤَيِّدهُ تَسْمِيَة الْقيَاس الَّذِي ينساق إِلَى الْمَطْلُوب ابْتِدَاء أَي من غير تعرض لإبطال نقيضه بالمستقيم كَأَن المتمسك بِهِ يَأْتِي مَطْلُوبه من قدامه على الاسْتقَامَة وَالْجُمْهُور على أَن ذَلِك الْقيَاس إِنَّمَا سمي خلفا أَي بَاطِلا لَا لِأَنَّهُ بَاطِل فِي نَفسه بل لِأَنَّهُ ينْتج الْبَاطِل وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيّ على أَن الْخلف عِنْدهم بِالضَّمِّ فَافْهَم. ثمَّ إِن قِيَاس الْخلف مرجعه إِلَى قياسين دَائِما. أَحدهمَا: اقتراني شرطي مركب من مُتَّصِلَة وحملية. وَالْآخر: استثنائي مُتَّصِل يسْتَثْنى فِيهِ نقيض التَّالِي هَكَذَا لَو لم يثبت الْمَطْلُوب لثبت نقيضه وَكلما ثَبت نقيضه ثَبت محَال. ينْتج لَو لم يثبت الْمَطْلُوب لثبت محَال لَكِن الْمحَال لَيْسَ بِثَابِت لكَونه نقيض الْمُقدم وَقد يفْتَقر بَيَان الشّرطِيَّة يَعْنِي قَوْلنَا كلما ثَبت نقيضه ثَبت محَال. إِلَى دَلِيل فتتكثر القياسات. الْخَلَاء: هُوَ الْفَرَاغ المتوهم مَعَ اعْتِبَار عدم حُصُول الْجِسْم فِيهِ وَهُوَ الْبعد الموهوم من غير أَن يعْتَبر حُصُول الْجِسْم فِيهِ. والبعد الموهوم مَعَ اعْتِبَار حُصُول الْجِسْم فِيهِ هُوَ الْمَكَان عِنْد الْمُتَكَلِّمين كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَكَان إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي شرح المواقف وَحَقِيقَة الْخَلَاء أَن يكون الجسمان بِحَيْثُ لَا يتماسان وَلَيْسَ أَيْضا بَينهمَا مَا يماسهما فَيكون مَا بَينهمَا بعدا مَا وَهُوَ مَا ممتدا فِي الْجِهَات صَالحا لِأَن يشْغلهُ جسم ثَالِث لكنه الْآن خَال عَن الشاغل وَجوزهُ المتكلمون وَمنعه الْحُكَمَاء الْقَائِلُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 بِأَن الْمَكَان هُوَ السَّطْح. وَأما الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ الْبعد الْمَوْجُود فهم أَيْضا يمْنَعُونَ الْخَلَاء بالتفسير الْمَذْكُور أَعنِي الْبعد الْمَفْرُوض فِيمَا بَين الْأَجْسَام لكِنهمْ اخْتلفُوا فَمنهمْ من لم يجوز خلو الْبعد الْمَوْجُود عَن جسم شاغل لَهُ. وَمِنْهُم من جوزه فَهَؤُلَاءِ المجوزون وافقوا الْمُتَكَلِّمين فِي جَوَاز خلو الْمَكَان عَن الشاغل وخالفوهم فِي أَن ذَلِك الْمَكَان بعد موهوم فالحكماء كلهم متفقون على امْتنَاع الْخَلَاء بِمَعْنى الْبعد الْمَفْرُوض انْتهى. وَاعْلَم أَن هَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي الْخَلَاء دَاخل الْعَالم وَأما الْخَلَاء خَارج الْعَالم فمتفق عَلَيْهِ فالنزاع فِيمَا وَرَاء الْعَالم إِنَّمَا هُوَ فِي التَّسْمِيَة بالبعد فَإِنَّهُ عِنْد الْحُكَمَاء عدم مَحْض وَنفي صرف أثْبته الْوَهم. وَعند الْمُتَكَلِّمين هُوَ بعد موهوم كالمفروض فِيمَا بَين الْأَجْسَام وَلكُل وجهة هُوَ موليها. الْخلَافَة ثَلَاثُونَ سنة: لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ يصير ملكا عَضُوضًا (العضوض) مُبَالغَة فِي العض وَهُوَ الْأَخْذ بِالسِّنِّ. وَرُوِيَ عَضُوضًا بِضَم الْعين جمع عض بِكَسْر الْعين وَهُوَ الرجل الْخَبيث الشرير يَعْنِي الْمُلُوك يظْلمُونَ النَّاس ويؤذون بِغَيْر حق. وَالْمرَاد أَن الْخلَافَة الْكَامِلَة الَّتِي لَا يشوبها شَيْء من الْمُخَالفَة وميل عَن الْمُتَابَعَة تكون ثَلَاثِينَ سنة وَبعدهَا قد تكون وَقد لَا تكون. والمتكفل بتفصيل هَذَا المرام كتب الْكَلَام. ف (40) : الخليطان: من الْأَشْرِبَة الَّتِي تحل وَهُوَ أَن يجمع بَين مَاء التَّمْر وَالزَّبِيب ويطبخ أدنى طبخة وَيتْرك إِلَى أَن يغلي ويشتد وَتلك الْأَشْرِبَة أَرْبَعَة. الخليطان - ونبيذ التَّمْر وَالزَّبِيب إِن طبخ أدنى طبخة وَإِن اشْتَدَّ - ونبيذ الْعَسَل والتين وَالْبر وَالشعِير والذرة طبخ أَولا - والمثلث العنبي. وَمَا فِيهِ فِي الشَّرَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْخلْوَة: بِالْفَتْح محادثة السِّرّ مَعَ الْحق حَيْثُ لَا أحد وَلَا ملك. الْخلْوَة الصَّحِيحَة: إِن لَا يُوجد فِيهَا الْمَانِع للوطئ بالمنكوحة أَي مَانع كَانَ حسيا أَو شَرْعِيًّا أَو طبعيا. الأول: كَمَرَض أَحدهمَا الْمَانِع عَن الوطئ. وَالثَّانِي: مثل صَوْم رَمَضَان دون صَوْم الْقَضَاء وَالنّذر وَالْكَفَّارَة وَالنَّفْل وَمثل صَلَاة فرض دون نفل. وَالثَّالِث: مثل اسْتِحَاضَة وَالثَّالِث مَعَ الثَّانِي مثل حيض ونفاس. الخلفة: أَصْحَاب خلف الْخَارِجِي حكمُوا بِأَن أَطْفَال الْمُشْركين فِي النَّار بِلَا عمل وشرك. الْخلق: بِالضَّمِّ هَيْئَة راسخة للنَّفس تصدر عَنْهَا الْأَفْعَال الجميلة عقلا وَشرعا بسهولة وَحِينَئِذٍ سميت خلقا حسنا وَإِن كَانَت ذميمة كَذَلِك سميت خلقا سَيِّئًا وَإِذا لم تكن تِلْكَ الْهَيْئَة راسخة لَا يُقَال لَهَا خلقا مَا لم تكن راسخة ثَابِتَة. (وبالفتح) مصدر بِمَعْنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 آفريدن وتحقيقه فِي (الْكسْب) إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقد يُرَاد بِهِ الْمَخْلُوق كالملفوظ بِاللَّفْظِ. الْخلْع: بِالضَّمِّ النزع والفصل يُقَال خلع نَعله وثوبه إِذا نَزعه. وخالعت الْمَرْأَة زَوجهَا إِذا افتدت نَفسهَا مِنْهُ. وَفِي الشَّرْع الْفَصْل من النِّكَاح بِأخذ المَال بِلَفْظ الْخلْع وَالْوَاقِع بِهِ الطَّلَاق الْبَائِن فَإِذا قَالَ خالعتك يَقع الطَّلَاق الْبَائِن. الْخَلَاص: فِي الْعهْدَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (بَاب الْخَاء مَعَ الْمِيم) الخمود: فِي الْعَدَالَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الخماسي: مَا كَانَ فِيهِ خَمْسَة أحرف أصُول. (بَاب الْخَاء مَعَ النُّون) الْخُنْثَى: على وزن فعلى من الخنث وَهُوَ اللين والتكسر وَجمعه خناثى بِفَتْح الْخَاء كحبالى جمع حُبْلَى. وَمِنْه سمي المخنث للتكسر واللين فِي أَعْضَائِهِ وَلسَانه وَفِي الشَّرْع من لَهُ آلَة الرِّجَال وَالنِّسَاء أَو لَيْسَ لَهُ شَيْء مِنْهُمَا. الْخُنْثَى الْمُشكل: من لَهُ آلَة الرجل وَآلَة الْمَرْأَة وَلم تظهر عَلامَة علم بهَا أَنه ذكر أَو أُنْثَى. وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى الْإِشْكَال مَا دَامَ صَغِيرا فَإِذا بلغ يَزُول الْإِشْكَال بعلامة أُخْرَى وَتلك الْعَلامَة إِمَّا خُرُوج اللِّحْيَة فَيحكم بِكَوْنِهِ غُلَاما عِنْد ذَلِك أَو عظم ثدييها فَيحكم بِكَوْنِهَا أُنْثَى عِنْد ذَلِك. وَفِي السِّرَاجِيَّة إِن ظهر لَهُ ثدي كثدي النِّسَاء أَو حَاضَت أَو حبلت أَو أمكن الْوُصُول إِلَيْهَا فَهِيَ امْرَأَة انْتهى - وَعند بعض الْفُقَهَاء لَا عِبْرَة بنهود الثدي ونبات اللِّحْيَة وَأَنه إِذا أمنى بفرج الرِّجَال أَو بَال مِنْهُ وحاض بفرج النِّسَاء كَانَ مُشكلا وَكَذَا إِذا بَال بفرج النِّسَاء وأمنى بفرج الرِّجَال لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا دَلِيل الِانْفِرَاد فَإِذا اجْتمعَا تَعَارضا وَإِذا أخبر الْخُنْثَى بحيض أَو مني أَو ميل إِلَى الرِّجَال أَو النِّسَاء يقبل قَوْله وَلَا يقبل رُجُوعه بعد ذَلِك إِلَّا أَن يظْهر كذبه يَقِينا مثل أَن يخبر بِأَنَّهُ رجل ثمَّ تَلد فَإِنَّهُ يتْرك الْعَمَل بقوله. وَإِن أردْت زِيَادَة الْبَيَان فَانْظُر فِي الشريفية شرح الْفَرَائِض السِّرَاجِيَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 (بَاب الْخَاء مَعَ الْوَاو) الْخَوْف: توقع حُلُول مَكْرُوه أَو فَوَات مَحْبُوب. الْخَوَارِج: جمع الْخَارِج كالتوابع جمع التَّابِع وقصة الْخَوَارِج فِي الْبَاغِي. (بَاب الْخَاء مَعَ الْيَاء) خير الْأُمُور أوساطها: حَدِيث نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْمرَاد بالأوساط الْحِكْمَة والعفة والشجاعة وكل مِنْهَا فِي الْعَدَالَة. الخيال: قُوَّة مرتبَة فِي مُؤخر التجويف الأول من الدِّمَاغ تحفظ جَمِيع صور المحسوسات وتمثلها بعد الغيبوبة فيشاهدها الْحس الْمُشْتَرك عِنْد الِالْتِفَات إِلَيْهَا وَهِي خزانَة للحس الْمُشْتَرك وَإِنَّمَا جعلت خزانته فَقَط مَعَ أَن مدركات جَمِيع الْحَواس الظَّاهِرَة يختزن فِيهَا لِأَن محسوسات الْحَواس الظَّاهِرَة لَا تصل إِلَّا بعد وصولها إِلَى الْحس الْمُشْتَرك وتأديتها مِنْهُ إِلَيْهِ. وَأَيْضًا الْحَواس الظَّاهِرَة لَا تدركها بِسَبَب الاختزان بالخيال فَإِن إِدْرَاكهَا إِيَّاهَا يحْتَاج إِلَى إحساس جَدِيد من خَارج بِخِلَاف الْحس الْمُشْتَرك. الْخَيل: جمع الْفرس من غير لَفظه. خِيَار الشَّرْط: أَن يشْتَرط أحد الْمُتَعَاقدين الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام أَو أقل وَلَو اشْترطَا أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام لَا يَصح الِاشْتِرَاط وَفَسَد العقد فَإِن أجَاز من لَهُ الْخِيَار العقد فِي ثَلَاثَة أَيَّام صَحَّ العقد وَإِضَافَة الْخِيَار إِلَى الشَّرْط إِضَافَة الحكم إِلَى سَببه كَصَلَاة الظّهْر وَسُجُود السَّهْو، وَالْبيع بِخِيَار الشَّرْط أَرْبَعَة أوجه خِيَار البَائِع مُنْفَردا - وَخيَار المُشْتَرِي مُنْفَردا - وخيارهما مُجْتَمعين - وَخيَار غَيرهمَا. ثمَّ الْخِيَار إِمَّا أَن يكون مُطلقًا أَو مُؤَبَّدًا أَو موقتا. والأولان لَا يجوزان بالِاتِّفَاقِ. وَأما الموقت فَيجوز وَهَذَا الْخِيَار كَمَا يجوز عِنْد البيع يجوز بعده أَيْضا حَتَّى لَو بَاعَ وَمضى عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام مثلا بعد قبض الْمَبِيع فَقَالَ لَهُ البَائِع أَنْت بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام أَو جعلتك بِالْخِيَارِ فَلهُ الْخِيَار مَا دَامَ فِي الْمجْلس كَذَا فِي النَّوَازِل وَلَو شَرط المُشْتَرِي أَو البَائِع الْخِيَار لغيره صَحَّ وَأي أجَاز أَو نقض صَحَّ فَإِن أجَاز أَحدهمَا أَي أحد الْمُتَعَاقدين والغير الَّذِي هُوَ الْأَجْنَبِيّ وَنقض الآخر فالأسبق أَحَق. خِيَار الرُّؤْيَة: أَن يَشْتَرِي مَا لم يره وَهُوَ يُعْطي خِيَار رد الْمَبِيع للْمُشْتَرِي عِنْد الرُّؤْيَة وَإِن رَضِي قبله وَلَيْسَ خِيَار الرُّؤْيَة للْبَائِع بِخِلَاف خِيَار الشَّرْط فَإِنَّهُ يجوز لَهما فَلَا خِيَار لمن بَاعَ مَا لم يره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 خِيَار التَّعْيِين: أَن يشْتَرط أحد الثَّوْبَيْنِ مثلا على أَن يعين وَيَأْخُذ مَا شَاءَ بِعشْرَة دَرَاهِم فَلهُ الْخِيَار فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَلَو شَرط خِيَار التَّعْيِين فِي أَرْبَعَة أَيَّام أَو أَكثر لَا يَصح. خِيَار الْعَيْب: أَن يخْتَار رد الْمَبِيع إِلَى بَائِعه بِالْعَيْبِ. الْخيف: اخْتِلَاف الْعَينَيْنِ أَو الْفرس الَّذِي يكون مُخْتَلف الْعَينَيْنِ بِأَن يكون أَحدهمَا أَزْرَق وَالْأُخْرَى أسود وَمِنْه بَنو الأخياف كَمَا مر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 ( [حرف الدَّال] ) (بَاب الدَّال مَعَ الْألف) الدائرة: خطّ يُحِيط سطحا مستديرا يُمكن أَن يفْرض فِي دَاخله نقطة يكون جَمِيع الخطوط المستقيمة الْخَارِجَة مِنْهَا إِلَيْهِ مُتَسَاوِيَة. وَقد تطلق الدائرة على السَّطْح المستدير المحاط بذلك الْخط فَذَلِك الْخط محيطها وَتلك النقطة مركزها والخط الْمُسْتَقيم الْمَار بمركزها المنتهي فِي جِهَة إِلَى الْمُحِيط قطرها. اعْلَم أَن مُحِيط كل دَائِرَة ثَلَاثَة أَمْثَال قطرها وَكسر هُوَ أقل من سبع الْقطر لَكِن الْقَوْم يأخذونه سبعا تسهيلا لِلْحسابِ. وَقَالَ أرشميدس فِي مقَالَة أَن ذَلِك الْكسر أقل من السَّبع وَأكْثر من عشرَة أَجزَاء من أحد وَسبعين انْتهى. هَكَذَا فِي شرح الْخُلَاصَة للفاضل الخلخالي. دَائِرَة الِارْتفَاع: هِيَ دَائِرَة عَظِيمَة تنصف الْعَالم وتقطع دَائِرَة الْأُفق على زَوَايَا قَوَائِم وتمر بمركز الشَّمْس أَيْنَمَا كَانَت وَفِي الدُّرَر المنثورة هِيَ دَائِرَة عَظِيمَة تمر بقطبي الْأُفق وبالجزء الْمُرْتَفع وَالْوَاقِع مِنْهَا بَين الْجُزْء الْمُرْتَفع وَبَين الْأُفق هُوَ ارْتِفَاع ذَلِك الْجُزْء. دَائِرَة أول السَّمَاوَات: دَائِرَة عَظِيمَة تفصل بَين الشمَال والجنوب وتمر بقطبي الْأُفق وبقطبي دَائِرَة نصف النَّهَار وقطباها نقطتا الشمَال والجنوب وَالتَّفْصِيل الْمُشْتَرك بَينهَا وَبَين الْأُفق هُوَ خطّ الْمشرق وَالْمغْرب وَهُوَ الْخط الْوَاصِل بَين قطبي دَائِرَة نصف النَّهَار. دَائِرَة الْأُفق: دَائِرَة عَظِيمَة تفصل بَين مَا يرى من الْفلك وَبَين مَا لَا يرى مِنْهُ وقطباها سمت الرَّأْس وسمت الرجل والدوائر الْمُوازِية دوائر المقنطرات فالتي فَوْقه ارْتِفَاع وَالَّتِي تَحْتَهُ مقنطرات انحطاط وَإِضَافَة الدائرة إِلَى الْأُفق لامية. دَامَ: المُرَاد بِهِ فِي بَاب أوزان الْأَدْوِيَة أحد وَعِشْرُونَ ماهجة يَعْنِي بست ويك ماشه كَمَا ذكر الْحَكِيم الْمَعْرُوف بارزاني فِي (القرابادين القادرية) فِي بَاب الْأَدْوِيَة الباهية. الدالية: جذع طَوِيل يركب مثل تركيب مداق الْأرز وَفِي رَأسه مَسَافَة يسقى بهَا. الدائمة: قسم من الْحَال فاطلبها فِي الْحَال. وَأَيْضًا قَضِيَّة من القضايا الموجهة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وَهِي الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بدوام نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع سَوَاء كَانَ ذَلِك الدَّوَام فِي ضمن الضَّرُورَة أَو لَا مثل كل إِنْسَان حَيَوَان دَائِما وكل فلك متحرك دَائِما. فَهِيَ أَعم من الضرورية. الدامعة والدامية: فِي الشجاج. الدَّاء: الْمَرَض الْحَاصِل بِغَلَبَة بعض الأخلاط على بعض. الدَّاخِل: فِي الشَّيْء بِاعْتِبَار كَونه جُزْءا مِنْهُ يُسمى ركنا. وَبِاعْتِبَار أَنه يَبْتَدِئ مِنْهُ التَّرْكِيب يُسمى عنصرا. وَبِاعْتِبَار كَونه بِحَيْثُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ التَّحْلِيل يُسمى اسطقسا. وَبِاعْتِبَار كَونه قَابلا للصورة الْمعينَة يُسمى مَادَّة. وَبِاعْتِبَار كَونه قَابلا للصورة مُطلقًا من غير تَخْصِيص بِصُورَة مُعينَة يُسمى هيولى. وَبِاعْتِبَار كَونه محلا للصورة الْمعينَة بِالْفِعْلِ يُسمى مَوْضُوعا. الدَّاخِل فِي جَوَاب مَا هُوَ: فِي الْوَاقِع فِي طَرِيق مَا هُوَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. دَار السَّلَام: الْجنَّة قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله أَنه مركب إضافي سميت الْجنَّة بِهِ إِمَّا لِأَن أَهلهَا سَالم عَن الْآفَات أَو لأَنهم مخاطبون بِالسَّلَامِ لِأَن خَزَنَة الْجنَّة تَقول لأَهْلهَا سَلام عَلَيْكُم طبتم فادخلوها خَالِدين. وعَلى هذَيْن التَّقْدِيرَيْنِ يكون لفظ السَّلَام مصدرا. أَو لِأَن السَّلَام من أَسْمَائِهِ تَعَالَى أضيفت الْجنَّة إِلَيْهِ تَشْرِيفًا لَهَا كَمَا يُقَال بَيت الله لمَسْجِد الله الْحَرَام فَحِينَئِذٍ يكون لفظ السَّلَام صفة مشبهة انْتهى. فَإِن قيل مَا وَجه تَخْصِيص إِضَافَة الدَّار إِلَى هَذَا الِاسْم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى دون اسْم آخر مِنْهَا مَعَ أَن التشريف حَاصِل بِغَيْرِهِ أَيْضا قُلْنَا: لما كَانَت الْجنَّة دَار السَّلامَة أضيفت إِلَى اسْم فِيهِ معنى السَّلامَة للتعظيم والتشريف فَوجه التَّخْصِيص وجود معنى السَّلامَة فِي كل مِنْهُمَا فَافْهَم. وَمعنى السَّلَام على تَقْدِير كَونه من أَسْمَائِهِ تَعَالَى ذُو السَّلامَة عَن النقائص أَو الَّذِي مِنْهُ السَّلامَة فِي المبدأ وَبِه السَّلامَة فِي الْمعَاد أَي الْمُعْطِي للسلامة. الدَّار: اعْلَم أَن الْبَيْت اسْم لمسقف وَاحِد لَهُ دهليز معد للبيتوتة. والمنزل اسْم لما يشْتَمل على بيُوت وصحن مسقف ومطبخ. وَالدَّار اسْم لما يشْتَمل على بيُوت ومنازل وصحن غير مسقف. فالدار أشمل من أختيها لاشتمالها عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا لَا يدْخل الْعُلُوّ بشرَاء بِكُل حق فِي عرف أهل الْكُوفَة. وَأما فِي عرفنَا فَيدْخل فِي جَمِيع ذَلِك. الدَّابَّة: مَا يدب ويتحرك على الأَرْض ثمَّ صَار مُسْتَعْملا فِي ذَوَات القوائم الْأَرْبَع مجَازًا. دَابَّة الأَرْض: هِيَ الَّتِي أُشير إِلَيْهَا بقوله تَعَالَى: {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} . وَاسْمهَا الخناسة قيل طولهَا سِتُّونَ ذِرَاعا وَقيل رَأسهَا يبلغ السَّحَاب. وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَا بَين قرنيها فَرسَخ للراكب وَلها أَربع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 قَوَائِم وزغب أَي شعر على وَجههَا وَرِيش وجناحان لَا يفوتها هارب وَلَا يُدْرِكهَا طَالب. وَقيل لَهَا رَأس ثَوْر وَعين خِنْزِير وَأذن فيل وَقرن أيل وعنق نعَامَة وَصدر أَسد ولون نمر وخاصرة هرة وذنب كَبْش وخف بعير وَمَا بَين المفصلين اثْنَا عشر ذِرَاعا وَيخرج من الْمَسْجِد الْحَرَام وَقيل من الصَّفَا وَقيل يخرج ثَلَاث مَرَّات مرّة هَذِه وَمرَّة تخرج بأقصى الْيمن وتتمكن وتغيب وَمرَّة تخرج بالبادية وتتمكن دهرا طَويلا. وَعَن عَليّ كرم الله وَجهه أَنه قَالَ إِنَّهَا تخرج ثَلَاثَة أَيَّام. وَعَن الْحسن لَا يتم خُرُوجهَا إِلَّا بعد ثَلَاثَة أَيَّام فقوم يقفون نظارة وَقوم يهربون خوفًا. وَرُوِيَ أَنَّهَا تَتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ. وَقيل تَتَكَلَّم بِبُطْلَان الْأَدْيَان سوى دين الْإِسْلَام وَمَعَهَا عَصا مُوسَى وَخَاتم سُلَيْمَان فَتضْرب الْمُؤمن بالعصا فِي مَسْجده أَو فِيمَا بَين عَيْنَيْهِ فَتنْكت نُكْتَة بَيْضَاء فتبيض بهَا وَجهه وتنكت الْكَافِر بالخاتم فِي أَنفه حَتَّى يسود بهَا وَجهه. وَقيل إِنَّهَا تَقول يَا فلَان أَنْت من أهل الْجنَّة وَيَا فلَان أَنْت من أهل النَّار. كَذَا ذكره الْعَلامَة النَّيْسَابُورِي. الداعر: الْخَبيث والمفسد من الدعر وَهُوَ الْفساد. (بَاب الدَّال مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الدباغة: إِزَالَة النتن والرطوبات النَّجِسَة من الْجلد سَوَاء كَانَت بالتشميس أَو التتريب أَو غير ذَلِك. وَفِي جَامع الرموز الدباغة إِمَّا حَقِيقِيَّة بِإِزَالَة النتن والرطوبة بالأدوية، أَو حكمِيَّة بالتتريب والتشميس وَالْإِلْقَاء فِي الرّيح. (بَاب الدَّال مَعَ الْجِيم) الدَّجَّال: مُبَالغَة من الدجل وَهُوَ الْكَذِب وسير تَمام الأَرْض والتكبر والتلبيس أَي كثير الْكَذِب وسير تَمام الأَرْض والتكبر والتلبيس وَهُوَ علم ابْن الصياد وَخُرُوجه من أَشْرَاط الْقِيَامَة قد ولد فِي زمن نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ أَعور الْعين الْيُمْنَى. فِي الْمشكاة عَن فَاطِمَة بنت قيس فِي حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ قَالَت قَالَ فَإِذا أَنا بِامْرَأَة تجر شعرهَا قَالَ مَا أَنْت قَالَت أَنا الْجَسَّاسَة اذْهَبْ إِلَى ذَلِك الْقصر فَأَتَيْته فَإِذا رجل يجر شعره مسلسل فِي الأغلال يتَرَدَّد فِيمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَقلت من أَنْت قَالَ أَنا الدَّجَّال وَأمه امْرَأَة من الْيَهُود. وَكتب الْأَحَادِيث مَمْلُوءَة بِذكر الدَّجَّال. ف (41) : ثمَّ اعْلَم أَن الرِّوَايَات دَالَّة على أَن الدَّجَّال يخرج بعد ظُهُور الْمهْدي بِسبع سِنِين ويلبث فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ لَيْلَة ويسير فِي الأَرْض كلهَا إِلَّا مَكَّة وَالْمَدينَة زادهما الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 شرفا وتعظيما فَإِن الْمَلَائِكَة يحرسونهما وَكلما هم أَن يدْخل وَاحِدًا مِنْهُمَا استقبله ملك شَارِعا سَيْفه يصده عَن الدُّخُول. وَمَعَهُ عجائب كَثِيرَة ترى فِي الظَّاهِر إِنَّهَا من الخوارق كإحياء الْمَوْتَى وتقليل الْكثير وتكثير الْقَلِيل وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي مَحَله. وَبِالْجُمْلَةِ إِذا انْتهى إِلَى بَيت الْمُقَدّس حاصره. وَالْمهْدِي وأعوانه يغلقون الْأَبْوَاب ويضيق الْوَقْت على الْمُسلمين حَتَّى يَأْكُلُوا أوتار قسيهم وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يصلوا قيَاما إِلَّا الْمهْدي فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَائِما فَينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام صَبِيحَة يَوْم الْجُمُعَة حِين تُقَام الصَّلَاة فَإِذا فرغ مِنْهَا يَقُول افتحوا الْبَاب فَيفتح لَهُ فَيخرج هُوَ وَالْمهْدِي والمسلمون مَعَه فَإِذا رَآهُ عَدو الله هرب وذاب كَمَا يذوب الْملح فِي المَاء حَتَّى لَو لم يقْتله لهلك وَلَكِن كَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا. فَإِذا قَتله يملك الأَرْض أَرْبَعِينَ سنة إِمَامًا عادلا مستنا بِسنة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحاكما على مِلَّته وتابعا لشريعته لَا يَمُوت فِي هَذِه السنين أحد وَلَا يمرض والحيات والعقارب وَالسِّبَاع لَا تؤذي أحدا ويبذر الرجل الْمَدّ بِلَا حرث فَيحصل مِنْهُ سبع مائَة مد ثمَّ إِذا مَاتَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يسْتَخْلف بأَمْره رجل من بني تَمِيم يُقَال لَهُ المقعد وَالنَّاس فِي عصره كَذَلِك فَإِذا مَاتَ لم يَأْتِ على النَّاس ثَلَاث سِنِين حَتَّى يرفع الْقُرْآن من الصُّدُور والمصاحف وَيكسر سد يَأْجُوج وَمَأْجُوج. وَفِي بعض الرسائل أَن أول أَشْرَاط السَّاعَة ظُهُور الْمهْدي ثمَّ خُرُوج الدَّجَّال ثمَّ نزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَتله الدَّجَّال ثمَّ رفع الْقُرْآن وَخُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج ثمَّ خُرُوج دَابَّة الأَرْض ثمَّ طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا. (بَاب الدَّال مَعَ الْخَاء الْمُعْجَمَة) دخل: يدْخل - إِذا كَانَ من الدخل يكون مُتَعَدِّيا وَإِذا كَانَ من الدُّخُول يكون لَازِما. الدُّخان: أَجزَاء نارية تخالطها أَجزَاء صغَار أرضية تلطفت بالحرارة لَا تمايز بَينهمَا فِي الْحس لغاية الصغر. وَقَوْلهمْ: أَجزَاء يَشْمَل البخار وَجَمِيع البسائط والمركبات. وبقولهم: نارية يخرج البخار وَبَاقِي البسائط ومجموع المركبات وبقولهم: تخالطها أَجزَاء صغَار أرضية يخرج النَّار البسيطة لِأَنَّهُ لَا مُخَالطَة فِيهَا أصلا. وبقولهم: لَا تمايز بَينهمَا فِي الْحس يخرج النَّار الْمُجَاورَة لوجه الأَرْض فَإِن بَينهمَا مُخَالطَة فِي الْجُمْلَة لكنهما متمايزان فِي الْحس. الدُّخُول: فِي الشَّيْء هُوَ الِانْتِقَال من خَارجه إِلَى دَاخله وَله فروع فِي الْفِقْه. دُخُول اللَّام على البيع وَأَمْثَاله وعَلى الدُّخُول ونظائره وعَلى الْعين: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 مَذْكُور فِي الْفِقْه وَالْمرَاد بِدُخُول اللَّام على هَذِه الْأُمُور تعلقهَا بهَا وباللام لَام الِاخْتِصَاص. فَإِن قيل: إِرَادَة التَّعَلُّق بِالدُّخُولِ يأباها الْعين وتعديته بعلى - أما الأول: فَلِأَن حرف الْجَرّ لَا يتَعَلَّق إِلَّا بِالْفِعْلِ أَو بِمَا فِيهِ معنى الْفِعْل ورائحته وَالْعين كَالثَّوْبِ مثلا فِي قَوْلنَا: إِن بِعْت ثوبا لَك لَيْسَ بِفعل وَلَا فِيهِ معنى الْفِعْل ورائحته فَلَا يَصح تعلق اللَّام بِهِ. وَأما الثَّانِي: فَلِأَن التَّعَلُّق لَا يتَعَدَّى بعلى. قُلْنَا المُرَاد بالتعلق هَا هُنَا التَّعَلُّق الْمَعْنَوِيّ سَوَاء كَانَ هُنَاكَ تعلق لَفْظِي أَيْضا كَمَا فِي البيع وَالدُّخُول أَولا كَمَا فِي الْعين فَإِن تعلق اللَّام بِالثَّوْبِ فِي الْمِثَال الْمَذْكُور من حَيْثُ الْمَعْنى فَقَط وَيجوز تَعديَة التَّعَلُّق بملاحظة معنى الِاعْتِمَاد وتضمينه. وَيُمكن أَن يُرَاد بِدُخُول اللَّام على البيع وَالدُّخُول مثلا دُخُولهَا على اسْم بِنَاء على تعلقهَا بِفعل مُشْتَقّ من البيع وَالدُّخُول مثلا وبدخولها على الْعين دُخُولهَا على اسْم بِنَاء على تعلقهَا بِأَمْر هُوَ صفة للعين - وَفِي الْعَيْنِيّ شرح كنز الدقائق فِي شرح قَوْله وَدخُول اللَّام على البيع وَالشِّرَاء الخ. وَاعْلَم أَولا أَن اللَّام لَا تَخْلُو إِمَّا أَن تدخل على فعل يملك بِالْعقدِ وتجري فِيهِ النِّيَابَة كَالْبيع وَالشِّرَاء. أَو تدخل على فعل لَا يملك بِهِ وَلَا تجْرِي فِيهِ النِّيَابَة كدخول الدَّار وَضرب الْغُلَام. أَو تدخل على عين كَالثَّوْبِ فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقسَام فَفِي الْقسم الأول يكون اللَّام لاخْتِصَاص الْفِعْل بالمحلوف عَلَيْهِ حَتَّى لَو قَالَ إِن بِعْت لَك ثوبا فَعَبْدي حر أَو امْرَأَتي طَالِق لَا يَحْنَث حَتَّى يَبِيع لَهُ ثوبا بأَمْره لِأَن معنى إِن بِعْت لَك ثوبا إِن بِعْت لَك ثوبا بوكالتك وأمرك فَإِذا بَاعه بأَمْره يَحْنَث سَوَاء كَانَ الثَّوْب ملكه أَو لَا حَتَّى لَو دين الْمَحْلُوف عَلَيْهِ ثَوْبه فَبَاعَهُ الْحَالِف بِغَيْر علمه لَا يَحْنَث. وَفِي الْقسمَيْنِ الْأَخيرينِ تكون اللَّام لاخْتِصَاص الْعين بالمحلوف عَلَيْهِ حَتَّى لَو قَالَ فِي الْقسم الثَّانِي إِن دخلت لَك دَارا فَعَبْدي حر. أَو قَالَ فِي الْقسم الثَّالِث إِن بِعْت ثوبا لَك فَعَبْدي حر لَا يَحْنَث حَتَّى يكون الدَّار أَو الثَّوْب ملكا للمحلوف عَلَيْهِ سَوَاء أمره الْمَحْلُوف عَلَيْهِ بذلك أَو لم يَأْمُرهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَن اللَّام للاختصاص وَأقوى وجوهه الْملك فَإِذا جَاوَزت الْفِعْل أوجبت ملكه دون الْعين إِن كَانَ ذَلِك الْفِعْل من الْقسم الأول وَإِن كَانَ من الْقسم الثَّانِي لَا يُفِيد ملك الْفِعْل لاستحالته ويفيد ملك الْعين لِأَن معنى قَوْله إِن دخلت لَك دَارا إِن دخلت دَارا مَمْلُوكَة لَك وَكَذَلِكَ إِذا جَاوَزت الْعين كَمَا فِي الْقسم الثَّالِث فَإِنَّهُ يُوجب ملك الْعين مُطلقًا لِأَن الْأَعْيَان كلهَا تملك انْتهى. (بَاب الدَّال مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الدِّرْهَم: فِي الْفَتَاوَى العالمكيرية الدِّرْهَم أَرْبَعَة عشر قيراطا. والقيراط خمس شعيرات كَذَا فِي التَّبْيِين وَفِي المُرَاد من دِرْهَم فِي قَول الْفُقَهَاء وعفي قدر الدِّرْهَم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 نجس مغلظ اخْتِلَاف رِوَايَات وَالصَّحِيح أَن يعْتَبر بِالْوَزْنِ فِي النَّجَاسَة المتجسدة وَهُوَ أَن يكون وَزنه قدر المثقال وبالمساحة فِي غَيرهَا وَهُوَ قدر عرض الْكَفّ كَذَا يفهم من التَّبْيِين والمثقال عشرُون قيراطا كَذَا فِي الْجَوَاهِر النيرة وَهُوَ الصَّحِيح كَذَا فِي الْبَحْر الرَّائِق نَاقِلا عَن السراج الْوَهَّاج وَالْمرَاد بِعرْض الْكَفّ مَا وَرَاء مفاصل الْأَصَابِع كَذَا فِي شرح مجمع الْبَحْرين لِابْنِ الْملك وَفِي الرسَالَة الْمَنْظُومَة فِي معرفَة الدِّرْهَم وَالدِّينَار. (دويست درم نقره كَانَ هست نِصَاب ... ) (بنجاه ودونيم توله از روى حِسَاب ... ) (يكتوله وسه ماهجه وشش حبه بود ... ) (زَان بِنَجْد رم زكوة ايْنَ است حِسَاب ... ) الدَّرَاهِم الْمُرْسلَة: أَي الدَّرَاهِم الْمُطلقَة وَالْمرَاد بهَا فِي بَاب الْوَصِيَّة بِثلث المَال الدَّرَاهِم الْغَيْر الْمقيدَة بِكَسْر من الكسور كَنِصْف المَال وَثلثه. وَالْحَاصِل أَنَّهَا الدَّرَاهِم الْمعينَة الَّتِي مَا عبرت بِكَوْنِهَا ثلث المَال أَو نصفه بل عين عَددهَا بِأَن أوصى بِثَلَاثِينَ درهما من مَاله لرجل وَلآخر بستين درهما. الدَّرك: بِالْفَتْح وَسُكُون الثَّانِي فِي اللُّغَة دريافتن وَنِهَايَة قَعْر الشَّيْء وبالفتحتين طبقَة جَهَنَّم. وَجمعه الدركات. وَفِي اصْطِلَاح الْفِقْه أَن يَأْخُذ المُشْتَرِي من البَائِع كَفِيلا بِالثّمن الَّذِي أعطَاهُ خوفًا من اسْتِحْقَاق الْمَبِيع. الدرجَة: (بايه نردبان) وَإِن أردْت أَن تعلم مَا هِيَ عِنْد أَصْحَاب الْهَيْئَة فَاعْلَم أَن الْحُكَمَاء قسموا الْفلك الثَّامِن من على اثْنَي عشر قسما من القطب الجنوبي المستور الْخَفي المغمور فِي المَاء إِلَى القطب الشمالي الظَّاهِر المرئي بِحَيْثُ اعتبروا اجْتِمَاع رُؤُوس تِلْكَ الْأَقْسَام عِنْد ذَيْنك القطبين وَسموا كل قسم مِنْهَا برجا ثمَّ قسموا كل دَرَجَة على سِتِّينَ حِصَّة أَيْضا وَسموا كل حِصَّة مِنْهَا دَرَجَة ثمَّ قسموا كل دَرَجَة على سِتِّينَ حِصَّة أَيْضا وَسموا كل حِصَّة دقيقة. وعَلى هَذَا الْقيَاس قسموا كل حِصَّة مِنْهَا على سِتِّينَ وَسموا كل حِصَّة ثَانِيَة. وَهَكَذَا ثَالِثَة ورابعة وخامسة إِلَى أَن يَنْتَهِي فكر الْحَكِيم. وَمُرَاد الْأَطِبَّاء من كَون الدَّوَاء فِي الدرجَة الأولى هُوَ أَن يُؤثر فِي هَوَاء الْبدن. وَفِي الدرجَة الثَّانِيَة أَنه يتَجَاوَز عَنهُ ويؤثر فِي الرُّطُوبَة. وَفِي الدرجَة الثَّالِثَة أَنه يتَجَاوَز عَنْهَا ويؤثر فِي الشَّحْم. وَفِي الدرجَة الرَّابِعَة أَنه يتَجَاوَز عَنهُ ويؤثر فِي اللَّحْم والأعضاء الْأَصْلِيَّة ويستولي على الطبيعة. ف (42) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 (بَاب الدَّال مَعَ السِّين الْمُهْملَة) الدستور: الْوَزير الْكَبِير الَّذِي يرجع فِي أَحْوَال النَّاس إِلَى مَا يرسمه. (بَاب الدَّال مَعَ الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ) الدعْوَة: بِالْفَتْح دَعْوَة الطَّعَام وبالكسر دَعْوَة النّسَب وبالضم دَعْوَة الوغاء وَالْجهَاد فِيهِ. الدَّعْوَى: من الدُّعَاء وَهُوَ الطّلب وَالْفِعْل مِنْهُ ادّعى يَدعِي فَهُوَ مُدع وَالْعين الَّذِي يَدعِيهِ يُقَال لَهُ مدعي بِصِيغَة الْمَفْعُول وَلَا يُقَال لَهُ مدعي فِيهِ وَبِه وَالْألف فِي الدَّعْوَى للتأنيث فَلَا ينون وَيجمع على دعاوى بِفَتْح الْوَاو كفتوى على فَتَاوَى. وَقيل الدَّعْوَى فِي اللُّغَة قَول يطْلب بِهِ الْإِنْسَان إِيجَاب الشَّيْء على غَيره إِلَّا أَن اسْم الْمُدَّعِي يُطلق على من لَا حجَّة لَهُ فِي الْعرف وَلَا يُطلق على من لَهُ حجَّة فَإِن القَاضِي يُسَمِّيه مُدعيًا قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة وَبعدهَا يُسَمِّيه محقا لَا مُدعيًا وَيُقَال لمُسَيْلمَة الْكذَّاب لعنة الله عَلَيْهِ مدعي النُّبُوَّة لِأَنَّهُ عجز عَن إِثْبَاتهَا بل دَعْوَاهُ أثبت كذبهَا لثُبُوت أَن نَبيا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خَاتم الْأَنْبِيَاء بالدلائل القطعية والبراهين الجلية وَلَا يُقَال لرسولنا الصدوق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه وَسلم مدعي النُّبُوَّة لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد أثبتها بالمعجزات الباهرات. وَالدَّعْوَى فِي الشَّرْع قَول يطْلب بِهِ الْإِنْسَان إِثْبَات الْحق على الْغَيْر. وَفِي الْوِقَايَة هِيَ أَخْبَار بِحَق لَهُ على غَيره. وَقيل هِيَ طلب الْأَخْبَار بِحَق على الْخُصُومَة سَوَاء جبر شرعا كالمدعى عَلَيْهِ أَو لم يجْبر كالمدعي. وَقيل هِيَ التمَاس أَمر خلاف الظَّاهِر وَقيل هِيَ اسْتِحْقَاق أَمر لَا يثبت إِلَّا بِالْحجَّةِ وَفِي كنز الدقائق هِيَ إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه حَالَة الْمُنَازعَة أَي أَن يَدْعُو الْمُدَّعِي الشَّيْء إِلَى نَفسه فِي حَالَة الْخُصُومَة وَشرط جَوَازهَا مجْلِس القَاضِي وَحكمهَا وجوب الْجَواب على الْمُدعى عَلَيْهِ. الدعة: السّكُون عِنْد هيجان الشدَّة. الدُّعَاء: طلب الرَّحْمَة وَإِذا أسْند هُوَ أَو مَا فِي مَعْنَاهُ كَالصَّلَاةِ إِلَى الله تَعَالَى جرد عَن معنى الطّلب لتنزهه عَنهُ. وَإِذا عدي بِاللَّامِ يكون معنى النَّفْع. وَإِذا عدي بعلى يكون بِمَعْنى الضَّرَر كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّلَاة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. ولاستجابة الدُّعَاء آجال وآداب وشروط وأوقات وأماكن فِي كتب الحَدِيث. ف (43) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 (بَاب الدَّال مَعَ الْقَاف) الدقائق: جمع دقيقة. الدقيقة: وَهِي السِّرّ الدَّقِيق الَّذِي لَا يطلع عَلَيْهِ كل أحد فمرتبة الدقائق أجل من مرتبَة الْحَقَائِق الَّتِي مر ذكرهَا والدقيقة الَّتِي فِي الْهَيْئَة فِي الدرجَة. (بَاب الدَّال مَعَ الْكَاف) الدّكان: هُوَ بِقدر الذارع وَهُوَ الصَّحِيح. (بَاب الدَّال مَعَ اللَّام) الدّلَالَة: (رَاه نمودن) وَفِي الِاصْطِلَاح كَون الشَّيْء بِحَالَة يلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بِشَيْء آخر وَيُسمى الشَّيْء الأول دَالا وَالثَّانِي مدلولا. وَعرفُوا الدّلَالَة اللفظية الوضعية بِأَنَّهَا فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الْفَهم إِن كَانَ مصدرا مُبينًا للْفَاعِل أَعنِي الفاهمية فَهُوَ صفة السَّامع وَإِن كَانَ مُبينًا للْمَفْعُول أَعنِي المفهومية فَهُوَ صفة للمعنى فَلَا يَصح حمله على الدّلَالَة الَّتِي هِيَ صفة اللَّفْظ. وَأجَاب عَنهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله بِأَنا لَا نسلم أَن الْفَهم لَيْسَ صفة اللَّفْظ فَإِن الْفَهم وَحده وَإِن كَانَ صفة الفاهم وَكَذَا الانفهام وَحده صفة الْمَعْنى إِلَّا أَن فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ صفة اللَّفْظ فَإِن معنى فهم الْمَعْنى من اللَّفْظ أَو انفهام الْمَعْنى مِنْهُ هُوَ معنى كَون اللَّفْظ بِحَيْثُ يفهم مِنْهُ أَو ينفهم مِنْهُ الْمَعْنى. غَايَة مَا فِي الْجَواب أَن الدّلَالَة مُفْرد يَصح أَن يشتق مِنْهُ صفة تحمل على اللَّفْظ وَفهم الْمَعْنى وانفهامه مركب لَا يُمكن اشتقاقها مِنْهُ إِلَّا بِوَاسِطَة مثل أَن يُقَال اللَّفْظ منفهم مِنْهُ الْمَعْنى. ثمَّ اعْلَم أَن الدّلَالَة مُطلقًا على نَوْعَيْنِ (لفظية) إِن كَانَ الدَّال لفظا (وَغير لفظية) إِن كَانَ غير لفظ. ثمَّ الدّلَالَة مُطلقًا إِن كَانَت بِحَسب وضع الْوَاضِع فوضعية كدلالة زيد على الشَّخْص الْمعِين وَالنّصب على الْميل. وَإِلَّا فَإِن كَانَ حُدُوث الدَّال بِمُقْتَضى الطَّبْع فطبعية كدلالة اح اح على وجع الصَّدْر وَسُرْعَة النبض على الْحمى وَإِلَّا فعقلية كدلالة لفظ ديز المسموع من وَرَاء الْجِدَار على وجود اللافظ وَالدُّخَان على النَّار. ثمَّ الدّلَالَة اللفظية الوضعية مُطَابقَة وتضمن والتزام لِأَنَّهَا إِن كَانَت دلَالَة اللَّفْظ الْمَوْضُوع على تَمام مَا وضع لَهُ فمطابقة كدلالة الْإِنْسَان على الْحَيَوَان النَّاطِق. وَإِلَّا فَإِن كَانَت دلَالَة اللَّفْظ الْمَوْضُوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 على جُزْء مَا وضع لَهُ أَو على خَارج لَازم لما وضع لَهُ لُزُوما ذهنيا بَينا بِالْمَعْنَى الْأَخَص فَالْأول تضمن كدلالة الْإِنْسَان على الْحَيَوَان أَو النَّاطِق وَالثَّانِي الْتِزَام كدلالة الْعَمى على الْبَصَر. ومدار الإفادة والاستفادة على الدّلَالَة اللفظية الوضعية. وَكَيْفِيَّة دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى عِنْد أَرْبَاب الْأُصُول منحصرة فِي عبارَة النَّص وَإِشَارَة النَّص وَدلَالَة النَّص واقتضاء النَّص. وَوجه الضَّبْط أَن الحكم الْمُسْتَفَاد من النّظم إِمَّا أَن يكون ثَابتا بِنَفس اللَّفْظ أَو لَا. وَالْأول إِن كَانَ النّظم مسوقا لَهُ فَهُوَ الْعبارَة وَإِلَّا فالإشارة وَالثَّانِي إِن كَانَ الحكم مفهوما من اللَّفْظ لُغَة فَهُوَ الدّلَالَة أَو شرعا فَهُوَ الِاقْتِضَاء وَاعْلَم أَنه لَا دلَالَة للعام على الْخَاص بِإِحْدَى الدلالات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة لِأَن الْخَاص لَيْسَ تَمام مَا وضع لَهُ الْعَام وَلَا جزؤه وَلَا خَارج لَازم لَهُ فَلَا دلَالَة للحيوان على الْإِنْسَان وَلَا للْإنْسَان على زيد فَإِن قلت: إِن الْمَوْجُود عَام وَإِذا أطلق يتَبَادَر مِنْهُ الْمَوْجُود الْخَارِجِي وَكَذَا الْوَضع عَام شَامِل للوضع التحقيقي والوضع النوعي كَمَا فِي المجازات. وَإِذا أطلق يتَبَادَر مِنْهُ الْوَضع التحقيقي والتبادر فرع الدّلَالَة أَقُول أَولا: إِن لفظ الْمَوْجُود حَقِيقَة فِي الْمَوْجُود الْخَارِجِي ومجاز فِي الْمَوْجُود الذهْنِي وَكَذَا الْوَضع وَإِن قلت: فَكيف يَصح تَقْسِيم الْمَوْجُود إِلَيْهِمَا أَقُول: إِن صِحَة التَّقْسِيم إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَار إِطْلَاقه على معنى ثَالِث مجازي يتناولهما من بَاب عُمُوم الْمجَاز فَيُقَال فِي الْمَوْجُود مثلا إِن الْوُجُود بِمَعْنى الثُّبُوت أَو الْكَوْن فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى منقسم إِلَى الْمَوْجُود الْخَارِجِي والذهني وَثَانِيا: إِن لفظ الْمَوْجُود مثلا حَقِيقَة فِي الْقدر الْمُشْتَرك بَين الْمَوْجُود الْخَارِجِي والذهني فسبب تبادر أَحدهمَا حِينَئِذٍ كَثْرَة إِطْلَاقه على الْقدر الْمُشْتَرك فِي ضمنه حَتَّى صَار كَأَنَّهُ الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَقد يُرَاد بِالْعَام الْخَاص بِالْقَرِينَةِ أَو بِسَبَب أَنه كَامِل أَفْرَاده تَحَرُّزًا عَن التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَلَا يخفى أَنه لَيْسَ عَاما حِينَئِذٍ بل صَار خَاصّا مُقَيّدا بِقَيْد يفهم من الْقَرِينَة أَو مُقَيّدا بِقَيْد الْكَمَال فَلَا إِشْكَال. ثمَّ اعْلَم أَن دلَالَة الْمُطَابقَة مُعْتَبرَة فِي التعريفات كلا وجزءا وَدلَالَة التضمن مُعْتَبرَة جُزْءا ومهجورة كلا. وَدلَالَة الِالْتِزَام مهجوة كلا وجزءا. فَلَا يُقَال الْهِنْدِيّ فِي جَوَاب مَا زيد لِأَنَّهُ دَال على ماهيته بالتضمن لِأَنَّهُ صنف وَهُوَ نوع مُقَيّد بِقَيْد عرضي فَمَعْنَاه الْحَيَوَان النَّاطِق الْمَنْسُوب إِلَى الْهِنْد وَكَذَا لَا يُقَال الْكَاتِب فِي جَوَاب مَا زيد لِأَن معنى الْكَاتِب ذَات لَهُ الْكِتَابَة وماهية الْإِنْسَان من لوازمه فَهُوَ دَال عَلَيْهَا بالالتزام وكل ذَلِك للِاحْتِيَاط فِي الْجَواب عَن السُّؤَال بِمَا هُوَ إِذْ يحْتَمل انْتِقَال الذِّهْن من الدَّال بالتضمن على الْمَاهِيّة إِلَى جُزْء آخر من معنى ذَلِك الدَّال كالمنسوب إِلَى الْهِنْد الَّذِي هُوَ جُزْء آخر من معنى الْهِنْدِيّ فَيفوت الْمَقْصُود وَهَكَذَا يحْتَمل انْتِقَال الذِّهْن من الدَّال بالالتزام على الْمَاهِيّة إِلَى لَازم آخر فَيفوت الْمَقْصُود أَيْضا فَإِنَّهُ يجوز الِانْتِقَال من الْكَاتِب إِلَى الْحَرَكَة أَو الْقَلَم اللَّازِم بِمَعْنى الْكَاتِب. وَإِن أردْت التَّفْصِيل فَارْجِع إِلَى حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 قدس سره على شرح الشمسية فِي الْبَحْث الْخَامِس من مبَاحث الْكُلِّي والجزئي. دلَالَة النَّص: أَي الثَّابِت بهَا وَمَا يثبت بطرِيق الْأَوْلَوِيَّة بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ كالنص كالنهي عَن التأفيف بقوله تَعَالَى: {وَلَا تقل لَهما أُفٍّ} يدل على حُرْمَة ضربهما بطرِيق الْأَوْلَوِيَّة. الدَّلِيل: فِي اللُّغَة المرشد وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد. وَفِي الِاصْطِلَاح قد يُطلق مرادفا للبرهان فَهُوَ الْقيَاس الْمركب من مقدمتين يقينيتين. وَقد يُطلق مرادفا للْقِيَاس فَهُوَ حجَّة مؤلفة من قضيتين يلْزم عَنْهَا لذاتها مَطْلُوب نَظَرِي وإطلاقه بِهَذَا الْمَعْنى قَلِيل. وَقد يُطلق مرادفا للحجة فَهُوَ مَعْلُوم تصديقي موصل إِلَى مَجْهُول تصديقي وَمَا يذكر لإِزَالَة الخفاء فِي البديهي يُسمى تَنْبِيها. وَقد يُقَال الدَّلِيل على مَا يلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بِشَيْء آخر وَهُوَ الْمَدْلُول وَالْمرَاد بِالْعلمِ بِشَيْء آخر الْعلم اليقيني لِأَن مَا يلْزم من الْعلم بِهِ الظَّن بِشَيْء آخر لَا يُسمى دَلِيلا بل إِمَارَة. ثمَّ اعْلَم أَن الدَّلِيل تحقيقي وإلزامي. (وَالدَّلِيل التحقيقي) مَا يكون فِي نفس الْأَمر وَمُسلمًا عِنْد الْخَصْمَيْنِ. (وَالدَّلِيل الإلزامي) مَا لَيْسَ كَذَلِك فَيُقَال هَذَا عنْدكُمْ لَا عِنْدِي. وَالدَّلِيل عِنْد أَرْبَاب الْأُصُول مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ إِلَى مَطْلُوب جزئي فعلي هَذَا الدَّلِيل على وجود الصَّانِع هُوَ الْعَالم لِأَنَّهُ شَيْء إِذا صحّح النّظر فِي أَحْوَاله أَي إِذا رتب أَحْوَاله على قانون النّظر يُمكن التَّوَصُّل إِلَى الْعلم بِوُجُود الصَّانِع. ثمَّ الدَّلِيل إِمَّا مُفِيد لمُجَرّد التَّصْدِيق بِثُبُوت الْأَكْبَر للأصغر مَعَ قطع النّظر عَن الْخَارِج سَوَاء كَانَ الْوسط معلولا أَو لَا. وَهُوَ دَلِيل اني. وَإِمَّا مُفِيد لثُبُوت الْأَكْبَر لَهُ بِحَسب الْوَاقِع يَعْنِي أَن تِلْكَ الْوَاسِطَة كَمَا تكون عِلّة لثُبُوت الْأَصْغَر فِي الذِّهْن كَذَلِك تكون عِلّة لثُبُوته لَهُ فِي نفس الْأَمر. وَهُوَ دَلِيل لمي. وَوجه التَّسْمِيَة فِي أُمَّهَات المطالب. الدَّلْو الْوسط: هِيَ الدَّلْو المستعملة فِي كل بلد كَذَا فِي التَّبْيِين وَفِي شرح الْمُخْتَصر لأبي المكارم رَحمَه الله وَقدر الْوسط بالصاع. وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه خَمْسَة أُمَنَاء وَفِي الْخُلَاصَة أَن اعْتِبَار الْوسط إِذا لم يكن للبئر دلو معِين وَفِي الْهِدَايَة وفتاوى قَاضِي خَان أَن الْمُعْتَبر فِي ذَلِك دلو هَذِه الْبِئْر. (بَاب الدَّال مَعَ الْمِيم) الدِّمَاغ: مَشْهُور وَله تجاويف ثَلَاثَة وَيُقَال لَهَا بطُون أَيْضا فَإِنَّهُم قَالُوا للدماغ بطُون ثَلَاثَة أعظمها الْبَطن الأول ثمَّ الثَّالِث وَأما الثَّانِي فَهُوَ كمنفذ فِيمَا بَينهمَا وَيُسمى بالدودة لكَونهَا على شكلها نعم النَّاظِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 (سه تجويف دارد دماغ اي بسر ... كز احساس بَاطِن دهندت خبر) (مقدم زتجويف أول بدان ... كه باشد حسن مُشْتَرك رامقر) (مُؤخر ازو شدّ مَحل خيال ... كه ماند ازو درتصور اثر) (اخير وسط جاي وهم است وَحفظ ... زتجويف آخر نباشد بدر) (بس اندر نختسين اوسط بود ... تخيل زحيوان وفكر بشر) الدمع: بِالْفَارِسِيَّةِ (اشك) وَهُوَ على نَوْعَيْنِ دمع حزن ودمع سرُور وعلامتهما أَن الأول حَار وَالثَّانِي بَارِد. وَلذَا قيل للمدعو لَهُ أقرّ الله عَيْنَيْهِ. مَأْخُوذ من القر وَهُوَ الْبرد وَقيل للمدعو عَلَيْهِ أسخن الله عَيْنَيْهِ. مَأْخُوذ من السخينة وَهِي الْحَرَارَة حَتَّى قَالَ الْفُقَهَاء إِذا استأمر الْوَلِيّ الْبكر الْبَالِغَة للمصاهرة فَبَكَتْ فليحس الْوَلِيّ دمعها إِن كَانَ بَارِدًا كَانَ مِنْهَا رضَا وَإِن كَانَ حارا لَا يكون. وَإِن أردْت وَجه جَرَيَان الدُّمُوع فَانْظُر فِي السكب. دمع خزقه: مدلولات حُرُوف هَذَا الْمركب مَانِعَة عَن الرُّجُوع فِي الْهِبَة (فالدال) الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة كالفرس وَالْبناء وَالسمن. و (الْمِيم) موت أحد الْمُتَعَاقدين و (الْعين) الْعِوَض و (الْخَاء) خُرُوج الْمَوْهُوب من ملك الْمَوْهُوب لَهُ بِالْبيعِ أَو الْهِبَة. و (الزَّاي) الزَّوْجِيَّة. و (الْقَاف) الْقَرَابَة الْمَحْرَمِيَّة بالرحم لَا بالمصاهرة و (الْهَاء) هَلَاك الْمَوْهُوب. (بَاب الدَّال مَعَ الْوَاو) الدّور: بِالضَّمِّ جمع الدَّار. وبالفتح الزَّمَان والعهد وَالْحَرَكَة وَالْحَرَكَة على المركز ودور كأس الشَّرَاب وَقِرَاءَة الْقُرْآن الْمجِيد على ظهر الْقلب بِأَن يقْرَأ السَّامع مَا قَرَأَ الْقَارئ كَمَا هُوَ الْمَشْهُور بَين الْحفاظ. وسألني بعض الأحباب عِنْد اجْتِمَاع الْحفاظ مَا يَفْعَلُونَ قلت الدّور قَالَ الدّور بَاطِل قلت هَذَا الدّور جَائِز فِي الأدوار. والدور عِنْد أَرْبَاب الْمَعْقُول توقف كل وَاحِد من الشَّيْئَيْنِ على الآخر وَيلْزمهُ توقف الشَّيْء على مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُور بَين الْعلمَاء فَهَذَا تَعْرِيف باللازم وَإِنَّمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 اخْتَارُوا تَعْرِيفه باللازم لأَنهم إِنَّمَا احتاجوا إِلَى تَعْرِيفه لإِثْبَات تقدم الشَّيْء على نَفسه فِيمَا هم فِيهِ. وَهَذَا التَّعْرِيف الرسمي أظهر استلزاما لذَلِك التَّقَدُّم الْبَاطِل الَّذِي احتاجوا فِي إِثْبَات مطالبهم إِلَى ذَلِك الْإِثْبَات بِأَنَّهُ لَو لم يكن الْمُدَّعِي ثَابتا لثبت نقيضه لَكِن النقيض بَاطِل لِأَن الْمُدَّعِي ثَابت فثبوت الْمُدَّعِي مَوْقُوف على بطلَان نقيضه الْمَوْقُوف على ثُبُوت الْمُدَّعِي فَيلْزم الدّور وَهُوَ بَاطِل لاستلزامه ذَلِك التَّقَدُّم الْبَاطِل. ثمَّ اعْلَم أَن الْفَاضِل الْعَلامَة الرَّازِيّ قَالَ فِي شرح الشمسية والدور هُوَ توقف الشَّيْء على مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ من جِهَة وَاحِدَة أَو بمرتبة كَمَا يتَوَقَّف (أ) على (ب) وَبِالْعَكْسِ أَو بمراتب كَمَا يتَوَقَّف (أ) على (ب) و (ب) على (ج) و (ج) على (أ) . وللناظرين فِي هَذَا الْمقَام توجيهات وتحقيقات فِي أَن قَوْله إِمَّا بمرتبة أَو بمراتب مُتَعَلق بقوله توقف أَو بقوله يتَوَقَّف. وَمَا المُرَاد بالمرتبة فاستمع لما أَقُول مَا هُوَ الْحق فِي تَحْقِيق هَذَا الْمقَام. حَتَّى ينْدَفع عَنْك جَمِيع الأوهام. إِن قَوْله بمرتبة أَو بمراتب مُتَعَلق بقوله يتَوَقَّف. وَالْمرَاد بتوقف الشَّيْء هُوَ التَّوَقُّف الْمُتَبَادر أَعنِي التَّوَقُّف بِلَا وَاسِطَة. وَالْمرَاد بالمرتبة هِيَ مرتبَة الْعلية ودرجتها وَإِضَافَة الْمرتبَة إِلَى الْعلية بَيَانِيَّة. فالمرتبة الْوَاحِدَة هِيَ الْعلية الْوَاحِدَة والتوقف الْوَاحِد. فَاعْلَم أَن الدّور هُوَ توقف شَيْء بِالذَّاتِ وَبِغير الْوَاسِطَة على أَمر يتَوَقَّف ذَلِك الْأَمر على ذَلِك الشَّيْء ثمَّ هُوَ على نَوْعَيْنِ: (مُصَرح) و (مُضْمر) لِأَن توقف ذَلِك الْأَمر على ذَلِك الشَّيْء إِن كَانَ بمرتبة وَاحِدَة أَي بعلية وَاحِدَة وَتوقف وَاحِد بِأَن لَا يَتَخَلَّل بَينهمَا ثَالِث حَتَّى يتكثر الْعلية والتوقف فالدور (مُصَرح) لاستلزامه تقدم الشَّيْء على نَفسه صَرَاحَة وَإِلَّا أَي وَإِن كَانَ ذَلِك التَّوَقُّف بمراتب الْعلية والتوقف بِأَن يَتَخَلَّل هُنَاكَ ثَالِث فَصَاعِدا فيتكثر حِينَئِذٍ الْعلية والتوقف (فمضمر) لخفاء ذَلِك الاستلزام. فالدور الْمُصَرّح هُوَ توقف شَيْء بِلَا وَاسِطَة على أَمر يتَوَقَّف ذَلِك الْأَمر أَيْضا بِلَا وَاسِطَة على ذَلِك الشَّيْء فَيكون ذَلِك الْأَمر متوقفا على ذَلِك الشَّيْء بعلية وَاحِدَة وَتوقف وَاحِد مثل توقف (أ) على (ب) و (ب) على (أ) والدور الْمُضمر هُوَ توقف شَيْء بِلَا وَاسِطَة على أَمر يتَوَقَّف ذَلِك الْأَمر بتخلل أَمر ثَالِث فَصَاعِدا على ذَلِك الشَّيْء مثل توقف (أ) على (ب) و (ب) على (ج) و (ج) على (أ) بمراتب الْعلية أَي بعلتين وتوقفين لِأَنَّهُ إِذا توقف (ب) على (ج) فَحصل عَلَيْهِ وَاحِدَة وَتوقف وَاحِد ثمَّ إِذا توقف (ج) على (أ) حصل عَلَيْهِ أُخْرَى وَتوقف آخر. ثمَّ اعْلَم أَن اتِّحَاد جهتي التَّوَقُّف شَرط فِي الدّور فَمَعَ اخْتِلَافهمَا لَا يتَحَقَّق الدّور وَمن هَا هُنَا ينْحل كثير من المغالطات. وَعَلَيْك أَن تحفظ أَن الْمحَال هُوَ دور التَّقَدُّم لاستلزام تقدم الشَّيْء على نَفسه. وَأما دور الْمَعِيَّة فَلَيْسَ بمحال بل جَائِز وَاقع لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي إِلَّا حصولهما مَعًا فِي الْخَارِج أَو الذِّهْن كتوقف تلفظ الْحُرُوف على الْحَرَكَة وَبِالْعَكْسِ وَتوقف تعقل الْأُبُوَّة على الْبُنُوَّة وَبِالْعَكْسِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 ثمَّ اعْلَم أَن الدّور نوع من التسلسل ويستلزمه وَبَيَانه كَمَا قرر الْمُحَقق السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِي شرح الْمطَالع أَن نقُول إِذا توقف (أ) على (ب) و (ب) على (أ) كَانَ (أ) مثلا مَوْقُوفا على نَفسه وَهَذَا وَإِن كَانَ محالا لكنه ثَابت على تَقْدِير الدّور وَلَا شكّ أَن الْمَوْقُوف غير الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لنَفس (أ) غير (أ) فهناك شَيْئَانِ (أ) وَنَفسه وَقد توقف الأول على الثَّانِي وَلنَا مُقَدّمَة صَادِقَة هِيَ أَن نفس (أ) لَيست إِلَّا (أ) وَحِينَئِذٍ يتَوَقَّف نفس (أ) على (ب) و (ب) على نفس (أ) فَيتَوَقَّف نفس (أ) على نَفسهَا أَعنِي نفس (أ) فيتغايران ثمَّ نقُول إِن نفس نفس (أ) لَيست إِلَّا (أ) فَيلْزم أَن يتَوَقَّف على (ب) و (ب) على نفس (أ) وَهَكَذَا نسوق الْكَلَام حَتَّى يَتَرَتَّب نفوس غير متناهية. ثمَّ رد عَلَيْهِ بِأَن قَوْلنَا الْمَوْقُوف غير الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَإِن كَانَ صَادِقا فِي نفس الْأَمر فَهُوَ غير صَادِق على تَقْدِير الدّور. وَإِن سلم صدقه على تَقْدِير الدّور فَلَا شكّ أَنه يسْتَلْزم قَوْلنَا نفس (آ) مغائرة (لآ) فَلَا يُجَامع صدقه صدق قَوْلنَا نفس (آ) لَيست إِلَّا (آ) انْتهى. وَحَاصِل الرَّد أَنه يلْزم فِي بَيَان اللُّزُوم اعْتِبَار مقدمتين متنافيتين: إِحْدَاهمَا: أَن الْمَوْقُوف عين الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لكَونه دورا. وثانيتهما: للتغاير بَينهمَا ليوجد توقفات غير متناهية وَلِهَذَا مَال السَّيِّد السَّنَد فِي تِلْكَ الْحَوَاشِي إِلَى لُزُوم ترَتّب النُّفُوس الْغَيْر المتناهية وَللَّه در النَّاظِم. (ساقيا دركردش ساغر تعلل تابكي ... ) (دورجون باعاشقان افتد تسلسل بايدش ... ) الدَّوَام: شُمُول نِسْبَة شَيْء إِلَى آخر جَمِيع الْأَزْمِنَة والأوقات سَوَاء كَانَت ممتنعة الانفكاك عَن الْمَوْضُوع أَو لَا مثل كل إِنْسَان حَيَوَان دَائِما وكل فلك متحرك دَائِما. فالدوام أَعم من الضَّرُورَة الَّتِي هِيَ امْتنَاع انفكاك تِلْكَ النِّسْبَة. ثمَّ الدَّوَام ثَلَاثَة أَقسَام - الدَّوَام الأزلي - والدوام الذاتي - والدوام الوصفي. أما الدَّوَام الأزلي فَهُوَ أَن يكون الْمَحْمُول ثَابتا للموضوع أَو مسلوبا عَنهُ أزلا وأبدا كَقَوْلِك كل فلك متحرك بالدوام الأزلي - وَأما الدَّوَام الذاتي فَهُوَ أَن يكون الْمَحْمُول ثَابتا أَو مسلوبا عَنهُ مَا دَامَ ذَات الْمَوْضُوع مَوْجُودَة مثل كل زنجي أسود دَائِما - وَأما الدَّوَام الوصفي فَهُوَ أَن يكون الثُّبُوت أَو السَّلب مَا دَامَ ذَات الْمَوْضُوع مَوْصُوفا بِالْوَصْفِ العنواني مثل كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع بالدوام مَا دَامَ كَاتبا - فَإِن كَانَ الحكم فِي الْقَضِيَّة بدوام نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع مَا دَامَ ذَات الْمَوْضُوع مَوْجُودَة فدائمة مثل بالدوام كل فلك متحرك - وَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 كَانَ الحكم فِيهَا بدوام تِلْكَ النِّسْبَة مَا دَامَ ذَات الْمَوْضُوع متصفا بِالْوَصْفِ العنواني فعرفية عَامَّة مثل بالدوام كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع مَا دَامَ كَاتبا. وَاعْلَم أَنه لَا يلْزم من دوَام إِمْكَان الشَّيْء إِمْكَان دَوَامه - أَلا ترى إِلَى الْحَرَكَة بل إِلَى سَائِر الْأُمُور الْغَيْر القارة فَإِن إمكانها دَائِم ودوامها غير مُمكن. الدوران: فِي اللُّغَة الطّواف حول الشَّيْء وَلم يُبدل الْوَاو بِالْألف لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا لمَانع هُوَ دلَالَة الْكَلِمَة على الْحَرَكَة وَالِاضْطِرَاب. وَفِي الِاصْطِلَاح ترَتّب الشَّيْء على الشَّيْء الَّذِي لَهُ صلوح الْعلية كترتب السكر على شرب الْخمر وَيُسمى الشَّيْء الأول دائرا وَالثَّانِي مدارا. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ اقتران الشَّيْء بِغَيْرِهِ وجودا وعدما وَهُوَ على ثَلَاثَة أَقسَام - الأول: أَن يكون الْمدَار مدارا للدائر وجودا لَا عدما كشرب الْخمر للسكر فَإِنَّهُ إِذا وجد وجد السكر وَأما إِذا عدم فَلَا يلْزم عدم السكر لجَوَاز أَن يحصل السكر بِشرب البنج. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمدَار مدارا للدائر عدما لَا وجودا كوجود الْيَد للكتابة فَإِنَّهُ إِذا لم تُوجد الْيَد لم تُوجد الْكِتَابَة. وَأما إِذا وجدت فَلَا يلْزم أَن يُوجد الْكِتَابَة - وَالثَّالِث: أَن يكون الْمدَار مدارا للدائر وجودا وعدما كَالزِّنَا الصَّادِر عَن الْمُحصن لوُجُوب الرَّجْم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كلما وجد وَجب الرَّجْم وَكلما لم يُوجد لم يجب. دوَام الْإِمْكَان وَإِمْكَان الدَّوَام: فِي الْعَكْس إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (بَاب الدَّال مَعَ الْهَاء) الدَّهْر: قد يعد من الْأَسْمَاء الْحسنى. وَلذَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا تسبوا الدَّهْر فَإِن الدَّهْر هُوَ الله تَعَالَى. وَأَيْضًا الدَّهْر الزَّمَان الطَّوِيل فَمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تسبوا الدَّهْر. فَإِن خَالق الدَّهْر هُوَ الله. وَقيل الدَّهْر ألف سنة. وَقيل الدَّهْر الْأَبَد. وَقيل الدَّهْر منشأ الْأَزَل وَإِلَّا بَدَلا ابْتِدَاء لَهُ وَلَا انْتِهَاء لَهُ كل ذِي ابْتِدَاء وَذي انْتِهَاء فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي غَيره. وَهَذَا هُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ أساطين الْحُكَمَاء كَمَا سنبين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا أَدْرِي مَا الدَّهْر فَإِنَّهُ رَحمَه الله توقف فِي الدَّهْر كَمَا توقف فِي وَقت الْخِتَان وَفِي أَحْوَال أَطْفَال الْمُشْركين يَوْم الْقِيَامَة. وَيعلم من كتب الْفِقْه أَن الدَّهْر الْمُنكر أَي الْمُجَرّد عَن لَام التَّعْرِيف مُجمل والمعرف بهَا الْعُمر فَلَو قَالَ إِن صمت الدَّهْر فَعَبْدي حر فَهُوَ على الْعُمر. وَفِي تَحْقِيق الزَّمَان والدهر والسرمد كَلَام طَوِيل للحكماء الْمُحَقِّقين. وَهَذَا الْغَرِيب الْقَلِيل البضاعة يُرِيد إِيرَاد خُلَاصَة بيانهم. وتبيان زبدة مرامهم. فَأَقُول إِن السرمد وعَاء الدَّهْر والدهر وعَاء الزَّمَان وَالزَّمَان وعَاء المتغيرات تدريجية أَولا. وَبَيَان هَذَا أَن الْمَوْجُود إِذا كَانَ لَهُ هوية وَوُجُود اتصافي غير قار الْأَجْزَاء كالحركة كَانَ مُشْتَمِلًا على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 أَجزَاء بَعْضهَا مُتَقَدم على بعض وَبَعضهَا مُتَأَخّر عَن بعض لَا يَجْتَمِعَانِ فَلذَلِك الْمَوْجُود بِهَذَا الِاعْتِبَار مِقْدَار وامتداد غير قار ينطبق ذَلِك الْمَوْجُود الاتصالي على ذَلِك الْمِقْدَار بِحَيْثُ يكون كل جُزْء من أَجزَاء ذَلِك الْوُجُود الاتصالي مطابقا بِكُل جُزْء من أَجزَاء ذَلِك الْمِقْدَار الْمُقدم بالمقدم والمؤخر بالمؤخر وَهَذَا الْمِقْدَار الْمُتَغَيّر الْغَيْر القار الْمَنْسُوب إِلَيْهِ ذَلِك الْمَوْجُود الْمُتَغَيّر الْغَيْر القار هُوَ الزَّمَان وَمثل هَذَا الْمَوْجُود يُسمى متغيرا تدريجيا لَا يُوجد بِدُونِ الانطباق على الزَّمَان والمتغيرات الدفعية إِنَّمَا تحدث فِي آن هُوَ طرف الزَّمَان فَهِيَ أَيْضا لَا تُوجد بِدُونِ الزَّمَان فالزمان وعَاء المتغيرات وظرفها وَلذَا قَالَ الشَّيْخ الرئيس الْكَوْن فِي الزَّمَان مَتى الْأَشْيَاء المتغيرة انْتهى. والماضي وَالْحَال والاستقبال إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى المتغيرات التدريجية أَو الدفعية الَّتِي منطبقة بأجزاء ذَلِك الامتداد الْغَيْر القار الَّذِي هُوَ الزَّمَان. وَإِذا نسب الْأَمر الثَّابِت سَوَاء كَانَ ثُبُوته بِالذَّاتِ كالواجب تَعَالَى شَأْنه أَو بعلته كالجواهر الْمُجَرَّدَة والأفلاك إِلَى الزَّمَان وَلَا يُمكن نسبته إِلَيْهِ إِلَّا بالمعية فِي الْحُصُول والكون يَعْنِي أَنه مَوْجُود مَعَ الزَّمَان كَمَا أَن الزَّمَان مَوْجُود وَلَا يُمكن نسبته إِلَى الزَّمَان بالحصول يَعْنِي كَون الزَّمَان ظرفا لذَلِك الْأَمر الثَّابِت لِأَن كَون الزَّمَان ظرفا لشَيْء مَوْقُوف على كَون ذَلِك الشَّيْء ذِي أَجزَاء وعَلى انطباق تِلْكَ الْأَجْزَاء على أَجزَاء الزَّمَان وَهَذَا الانطباق مَوْقُوف على التَّغَيُّر والتقضي فِي الْأَجْزَاء حَتَّى تنطبق تِلْكَ الْأَجْزَاء الْغَيْر القارة بأجزاء الزَّمَان الْغَيْر القارة حَتَّى يكون الزَّمَان متناه وَلَيْسَ كل مَا يُوجد مَعَ الشَّيْء كَانَ حَاصِلا فِيهِ ومظروفا لَهُ وَذَلِكَ الشَّيْء ظرفا لَهُ. أَلا ترى أَن الأفلاك مَوْجُودَة مَعَ الخردلة وَلَيْسَت هِيَ فِيهَا فَيكون ذَلِك الْأَمر الثَّابِت فِي حد نَفسه مستغنيا عَن الزَّمَان بِحَيْثُ إِذا نظر إِلَى ذَاته يُمكن أَن يكون مَوْجُودا بِلَا زمَان. فَلذَلِك الْأَمر الثَّابِت بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَان حُصُول صرف وَكَون مَحْض مُجَرّد عَن كَونه فِيهِ ووعاء هَذَا الْكَوْن والحصول هُوَ الدَّهْر. وَقد علم مِمَّا ذكرنَا أَن الْأَمر الثَّابِت نَوْعَانِ ثَابت بِالذَّاتِ وثابت بِالْغَيْر أَي بعلته فَإِذا نسب الْأَمر الثَّابِت بِالذَّاتِ إِلَى الثَّابِت بِالْغَيْر بالمعية أَيْضا لما مر يحصل لَهُ حُصُول وَكَون أرفع من الْحُصُول والكون الَّذِي لِلْأَمْرِ الثَّابِت بِالْغَيْر لِأَنَّهُ حِين النّظر فِي ذَات الْأَمر الثَّابِت بِالذَّاتِ أَي الْوَاجِب تَعَالَى شَأْنه يغرق جَمِيع مَا سواهُ تَعَالَى فِي بَحر الْهَلَاك والبطلان فِي حد نَفسه وَلَا تهب ريح مِنْهَا إِلَى ساحة جنابه الْمُقَدّس وحضرة وجوده الأقدس فِي هَذَا اللحاظ وَالنَّظَر ووعاء هَذَا الْكَوْن إِلَّا رفع وظرفه هُوَ السرمد. قيل الْحق أَن يخص السرمد والوجود السرمدي بالقيوم الْوَاجِب بِالذَّاتِ جلّ جَلَاله انْتهى. فالسرمد وعَاء الْكَوْن الْكَوْن إِلَّا رفع للْوَاجِب تَعَالَى ووعاء الدَّهْر أَيْضا وللجواهر الْمُجَرَّدَة وَسَائِر الْأُمُور الثَّابِتَة بِالْغَيْر كَون دهري لَا سرمدي لاختصاصه بِالْوَاحِدِ الْأَحَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 الصَّمد عز شَأْنه. والكون الدهري فِي نَفسه وباللحاظ إِلَى ذَاته هَالك كَمَا مر والدهر وعَاء الزَّمَان وَالزَّمَان وعَاء التغيرات التدريجية والدفعية وَسَائِر الزمانيات الَّتِي يتَعَلَّق تقررها ووجودها بأزمنة وآنات متعينة. فَجَمِيع الأكوان والأزمان وأجزاء الزَّمَان والحوادث الزمانية والآنية حَاضر مَوْجُود دفْعَة فِي الدَّهْر من غير مُضِيّ وَحَال واستقبال وعروض انْتِقَال وَزَوَال إِذْ جملَة الزَّمَان وإبعاضه وحدوده لَا يخْتَلف انْقِضَاء أَو حصولا بِالْقِيَاسِ إِلَى الثَّابِت الْمَحْض أصلا فَأذن بعض الزَّمَان وَكله يكونَانِ مَعًا بِحَسب الْحُصُول فِي الدَّهْر وَإِلَّا لَكَانَ فِي الدَّهْر انقضاءات وتجددات فَيلْزم فِيهِ امتداد فينقلب الدَّهْر حِينَئِذٍ بِالزَّمَانِ وَهَذَا خلف محَال فحصول حُصُول الأكوان والأزمان كَذَلِك فِي السرمد بِالطَّرِيقِ الأولى. وَإِذ قد علمت أَن المتغيرات التدريجية لَا تُوجد بِدُونِ الانطباق على الزَّمَان. والدفعية إِنَّمَا تحدث فِي آن هُوَ ظرف الزَّمَان فَهِيَ أَيْضا لَا تُوجد بِدُونِ الزَّمَان وَأما الْأُمُور الثَّابِتَة الَّتِي لَا تغير فِيهَا أصلا لَا تدريجيا وَلَا دفعيا فَهِيَ وَإِن كَانَت مَعَ الزَّمَان إِلَّا أَنَّهَا مستغنية فِي حد أَنْفسهَا عَن الزَّمَان بِحَيْثُ إِذا نظر إِلَى ذواتها يُمكن أَن تكون مَوْجُودَة بِلَا زمَان. فَاعْلَم أَنه إِذا نسب متغير إِلَى متغير بالمعية أَو الْقبلية فَلَا بُد هُنَاكَ من زمَان فِي كلا الْجَانِبَيْنِ وَإِذا نسب بهما ثَابت إِلَى متغير فَلَا بُد من الزَّمَان فِي أحد جانبيه دون الآخر. وَإِذا نسب ثَابت إِلَى ثَابت بالمعية كَانَ الجانبان مستغنيين عَن الزَّمَان وَإِن كَانَا مقارنين. والحكماء الْمُحَقِّقُونَ أشاروا إِلَى مَا فصلنا فِي بَيَان الزَّمَان والدهر والسرمد بِمَا قَالُوا. إِن نِسْبَة الْمُتَغَيّر إِلَى الْمُتَغَيّر (زمَان) وَنسبَة الثَّابِت إِلَى الْمُتَغَيّر (دهر) وَنسبَة الثَّابِت إِلَى الثَّابِت (سرمد) . ف (45) : الدهري: من يَقُول بقدم الدَّهْر واستناد الْحَوَادِث إِلَيْهِ وَلكنه يَقُول بِوُجُود الْبَارِي تَعَالَى فَإِن من لَا يثبت الْبَارِي عز شَأْنه فَهُوَ الْمُعَطل كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمُنَافِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (بَاب الدَّال مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة) الدّين: بِالْكَسْرِ الْإِسْلَام وَالْعَادَة وَالْجَزَاء والمكافآت وَالْقَضَاء وَالطَّاعَة. وَالدّين الاصطلاحي قانون سماوي سائق لِذَوي الْعُقُول إِلَى الْخيرَات بِالذَّاتِ كالأحكام الشَّرْعِيَّة النَّازِلَة على نَبينَا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّذِي شقّ الْقَمَر من معجزاته الْعَالِيَة واخضرار الشّجر من بيناته المتعالية. (تادر جَسَد مَدِينَة جسمت شده جَان ... دين توكرفت قَاف تاقاف جهان) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 (در لفظ مدينه بَين كه زاعجاز توجون ... مَه شقّ شده وكرفته دين رابميان) وَالدّين بِفَتْح الدَّال مَا يلْزم وَيجب فِي الذِّمَّة بِسَبَب العقد أَو بِفِعْلِهِ. مِثَال الأول كالمهر الَّذِي يجب فِي ذمَّة الزَّوْج بِسَبَب عقد النِّكَاح. وكما إِذا اشْترى شَيْئا فثمنه دين على ذمَّة المُشْتَرِي بِسَبَب عقد البيع. وَمِثَال الثَّانِي مَا يلْزم فِي الذِّمَّة بِسَبَب استهلاكه مَال إِنْسَان فَوَجَبَ فِي ذمَّته مَال بِسَبَب فعل الْهَلَاك. وَأما الْقَرْض فَهُوَ مَا يجب فِي الذِّمَّة بِسَبَب دَرَاهِم الْغَيْر مثلا فالدين وَالْقَرْض متبائنان وَهُوَ الْمُسْتَفَاد من التَّلْوِيح فِي مَبْحَث الْقَضَاء. والمتعارف فِي مَا بَين الْفُقَهَاء أَن الدّين عَام شَامِل للقرض وَغَيره فَافْهَم واحفظ. ثمَّ اعْلَم أَن دين الصِّحَّة مَا كَانَ ثَابتا بِالْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّة أَو بِالْبَيِّنَةِ سَوَاء كَانَت فِي حَالَة الْمَرَض أَو الصِّحَّة وَدين الْمَرَض مَا كَانَ ثَابتا بِإِقْرَارِهِ فِي مَرضه وَلم يعلم سَببه. وَأما إِذا أقرّ فِي مَرضه بدين علم ثُبُوته بطرِيق المعاينة كَمَا يجب بَدَلا عَن مَال ملكه أَو اسْتَهْلكهُ كَانَ ذَلِك بِالْحَقِيقَةِ من دين الصِّحَّة هَكَذَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي الشريفية شرح السِّرَاجِيَّة فِي علم الْفَرَائِض. ثمَّ الدّين صَحِيح وَغير صَحِيح (الدّين الصَّحِيح) هُوَ الَّذِي لَا يسْقط إِلَّا بالإداء أَو الْإِبْرَاء (وَغير الصَّحِيح) هُوَ الَّذِي يسْقط بدونهما أَيْضا كبدل الْكِتَابَة فَإِنَّهُ يسْقط بعجز الْمكَاتب عَن أَدَائِهِ. الدّين الْمُشْتَرك: هُوَ الدّين الْوَاجِب لِرجلَيْنِ مثلا على آخر بِسَبَب مُتحد كَثمن الْمَبِيع صَفْقَة وَاحِدَة وكثمن المَال الْمُشْتَرك. أما الأول: فبأن جمع اثْنَان عَبْدَيْنِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا وباعا إيَّاهُمَا صَفْقَة وَاحِدَة فَيكون ثمنهما دينا بَينهمَا على الِاشْتِرَاك. وَإِن اخْتصَّ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِأَحَدِهِمَا. وَأما الثَّانِي: فبأن باعا عبدا مُشْتَركا بَينهمَا صَفْقَة وَاحِدَة فَيكون ثمنه مُشْتَركا بَينهمَا على المُشْتَرِي. الدِّينَار: المثقال وَهُوَ عشرُون قيراطا كَذَا فِي الْفَتَاوَى العالمكيرية وَفِي الرسَالَة الْمَنْظُومَة فِي معرفَة الدِّرْهَم وَالدِّينَار. (بيست مِثْقَال زركه هست نِصَاب ... وزن اوهفت ونيم توله نكر) (نيم مِثْقَال از ان زكوة بِوَزْن ... شدّ دوماهه دونيم حبه نكر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 الديانَات: جمع ديانَة بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَة ديندارشدن. وَفِي الشَّرْع حق الله تَعَالَى وَهُوَ على قسمَيْنِ. عبادات ومزاجر وَلَا يقبل قَول الْكَافِر وَالْفَاسِق والمملوك فِي الديانَات وَيقبل فِي الْمُعَامَلَات جمع الْمُعَامَلَة من الْعَمَل وَهِي فعل يتَعَلَّق بِهِ قصد وَهِي حق العَبْد عرفا. فالمعاملات خَمْسَة - الْمُعَاوَضَات الْمَالِيَّة - والمناحكات والمخاصمات - والأمانات - والبركات - فَلَو قَالَ أحد بَاعَ زيد من عَمْرو أَو نكح أَو ادّعى عَلَيْهِ أَو أودع أَو ورث قبل قَوْله وَلم ينْكح وَلم يشتر ديانَة. الدِّيات جمع الدِّيَة: وَهِي مصدر وَذي الْقَاتِل الْمَقْتُول إِذا أعْطى وليه المَال الَّذِي هُوَ بدل النَّفس. ثمَّ قيل لذَلِك المَال الدِّيَة تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ وَالتَّاء فِي آخرهَا عوض عَن الْوَاو كالعدة. وَقد تطلق على بدل مَا دون النَّفس من الْأَطْرَاف من الْأَرْش. وَقد يُطلق الْأَرْش بِفَتْح الْهمزَة على بدل النَّفس وحكومة الْعدْل. الديوث: الَّذِي لَا غيرَة لَهُ مِمَّن يدْخل على امْرَأَته ويتحقق أَن امْرَأَته على غير الطَّرِيق فيسكت. فِي البرهانية قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى امْرَأَة خرجت من الْبَيْت وَلَا يمْنَعهَا زَوجهَا فَهُوَ ديوث لَا تجوز الصَّلَاة خَلفه وَلَا تقبل شَهَادَته وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 ( [حرف الذَّال] ) (بَاب الذَّال مَعَ الْألف) الذاتي: فِي الْكُلِّي الذاتي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الذَّات: مَا يصلح أَن يحكم عَلَيْهِ بالوجود أَو بِالْعدمِ أَو بِغَيْر ذَلِك وَذَات الشَّيْء مَا يَخُصُّهُ ويميزه عَن جَمِيع مَا عداهُ وَقد يُرَاد بِذَات الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء مُجَردا عَمَّا سواهُ. ذَات الشَّيْء: يجوز أَن يكون سَابِقًا على وجوده - يَعْنِي لَا اسْتِحَالَة فِي سبق ذَات الشَّيْء مَعَ قطع النّظر عَن وجوده على وجوده سبقا ذاتيا بالعلية وَإِن كَانَ مُقَارنًا لَهُ فِي الزَّمَان لِأَنَّهُ لَا يسْتَلْزم تقدم الشَّيْء على نَفسه لِأَن الْمُقدم هُوَ نفس الشَّيْء والمؤخر هُوَ وجود ذَلِك الشَّيْء كَمَا صرح بِهِ صَاحب الخيالات اللطيفة فِي مَبْحَث التكوين. وَمن هَا هُنَا ينْدَفع كثير من الإشكالات كَمَا لَا يخفى على المنتبه. ذَلِك الْكتاب: فِي لَا ريب فِيهِ. (بَاب الذَّال مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الذَّبَائِح: جمع ذَبِيحَة - والذبيحة حَقِيقَة فِيمَا ذبح أَو فِيمَا أعد للذبح وَتطلق على مَا يذبح بطرِيق الْمجَاز بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ. الذّبْح: فِي اللُّغَة الفتق والشق وَالْقطع وَفِي شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة لأبي المكارم الذّبْح بِالْفَتْح مصدر ذبح أَي قطع الْأَوْدَاج وَالزَّكَاة اسْم من ذكى الذَّبِيحَة تذكية إِذا ذَبحهَا كَذَا فِي الْكَافِي. والذبيحة هِيَ المذكى وَقد تسْتَعْمل هِيَ أَعم كَمَا فِي مُخْتَصر الْوِقَايَة وَحرم ذَبِيحَة لم تذك أَي حرم مَقْطُوع عنق لم تقطع أوداجها وَإِنَّمَا يُسمى الذّبْح تذكية إِذْ بِهِ تميز الدَّم النَّجس عَن اللَّحْم الطَّاهِر وكما يثبت بالذكاة الْحل يثبت بهَا الطَّهَارَة فِي الْمَأْكُول وَغَيره فَإِنَّهَا تنبئ عَن الطَّهَارَة كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذَكَاة الأَرْض ببسها. وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن تسييل الدَّم النَّجس بطرِيق مَخْصُوص. ثمَّ الذّبْح على نَوْعَيْنِ اضطراري واختياري. أما الذّبْح الاضطراري فَهُوَ جرح نعم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 تتوحش أَو تردى فِي بير يَقع الْعَجز عَن ذكائه الِاخْتِيَارِيّ صيدا كَانَ أَو غَيره فِي أَي مَوضِع كَانَ من بدنه. وَأما الذّبْح الِاخْتِيَارِيّ فَهُوَ قطع الودجان والحلقوم والمري وَقطع الثَّلَاث من هَذِه الْأَرْبَع كَاف فِيهِ. فالمذبح أَي مَا يَنْبَغِي أَن يَقع الذّبْح وَالْقطع عَلَيْهِ هُوَ الثَّلَاث من هَذِه الْأَرْبَع وجوبا وَهَذِه الْأَرْبَع اسْتِحْسَانًا وَمَكَان الذّبْح هُوَ مَا بَين الْحلق واللبة. ثمَّ اعْلَم أَن الودجين تَثْنِيَة ودج بِفتْحَتَيْنِ وهما عرقان عظيمان فِي جَانِبي قُدَّام الْعُنُق بَينهمَا الْحُلْقُوم والمري. (والحلقوم) الْحلق وَهُوَ مجْرى النَّفس. (والمري) بِكَسْر الْمِيم فعيل مَهْمُوز اللَّام مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب. (واللبة) بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة وَهِي أَسْفَل الْعُنُق يَعْنِي (جاي كردن بند ازسينه كه آن سر سينه باشد) فهى المنخر من الصَّدْر. وَكَون مَكَان الذّبْح مَا بَين الْحلق واللبة رِوَايَة الْكَافِي وَالْهِدَايَة مُوَافقا لرِوَايَة الْجَامِع الصَّغِير لِأَنَّهُ لَا بَأْس بِالذبْحِ فِي الْحلق أَعْلَاهُ وأسفله وأوسطه وَهُوَ الْمَذْكُور فِي الْخُلَاصَة وَفِي الْكَافِي أَن مَا بَين اللبة واللحيين هُوَ الْحلق كُله وَفِي مُخْتَصر الْوِقَايَة وَحل أَي المذكى بِقطع أَي ثَلَاث مِنْهَا فَلم يجز أَي الذّبْح فَوق الْعقْدَة انْتهى. وَفِي شَرحه لأبي المكارم عدم جَوَاز الذّبْح فَوق الْعقْدَة يدل على أَنه لَا يحصل قطع ثَلَاث من الْعُرُوق الْأَرْبَعَة بِالذبْحِ فَوْقهَا وَفِيه تَأمل. وَقيل يجوز لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الذَّكَاة مَا بَين اللبة واللحيين. وَهُوَ اخْتِيَار الإِمَام حَافظ الدّين البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَعَلِيهِ فَتْوَى الإِمَام الرسغني رَحمَه الله تَعَالَى حَيْثُ سُئِلَ عَن ذبح شَاة وَبَقِي عقدَة الْحُلْقُوم فِي جَانب الصَّدْر وَالْوَاجِب بَقَاؤُهُ فِي جَانب الرَّأْس أيؤكل أم لَا. فَقَالَ هَذَا قَول الْعَوام وَلَا عِبْرَة بِهِ وَالْمُعْتَبر عندنَا قطع أَكثر الْأَوْدَاج وَقد وجد. ثمَّ إِن جَوَاز الذّبْح فِيمَا تَحت الْعقْدَة وَحل المذكي بِقطع ثَلَاثَة من تِلْكَ الْأَرْبَعَة يدل على إِن قَوْلهم الذّبْح بَين الْحلق واللبة لَيْسَ على ظَاهره فَكَانَ المُرَاد بِهِ بَين مبدأ الْحلق واللبة انْتهى. فَالْوَاجِب حمل عبارَة الْمَتْن على هَذَا كَيفَ لَا وَقد وَقع فِي الْيَنَابِيع وَالذّبْح مَا بَين اللبة واللحيين أَي بَين الصَّدْر والذقن انْتهى. وَحل ذبح شَاة مَرِيضَة إِلَى أَن يعلم حَيَاتهَا وَلم يَتَحَرَّك مِنْهَا شَيْء إِلَّا فمها قَالَ مُحَمَّد بن سَلمَة إِن فتحت فاها لَا تُؤْكَل وَإِن ضمت تُؤْكَل. كَذَا فِي الْعين إِن فتحت لَا تُؤْكَل وَإِن ضمت تُؤْكَل. وَفِي الرجل إِن قبضت رجلهَا تُؤْكَل وَإِن بسطت لَا تُؤْكَل. وَفِي الشّعْر إِن نَام شعرهَا لَا تُؤْكَل وَإِن قَامَ تُؤْكَل كَذَا فِي الْخُلَاصَة. وَاعْلَم أَن الْمَذْبُوح يجوز أكله كُله إِلَّا سَبْعَة أَجزَاء مِنْهُ كَمَا أُشير إِلَيْهَا فِي النّظم. (إِذا ذكيت شَاة فاكلوها ... سوى سبع ففيهن الوبال) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 (قفاء ثمَّ خاء ثمَّ غين ... ودال ثمَّ ميمان وذال) (الْفَاء) الْفرج (وَالْخَاء) الخصية (والغين) الغدود (وَالدَّال) الدَّم (والميمان) المرارة والمثانة (والذال) الذّكر. الذبول: مُفْرد كالحصول وَلَيْسَ بِجمع كالفضول بِالْفَارِسِيَّةِ كاهيدن - وَحَقِيقَته انتقاص حجم الْأَجْزَاء الْأَصْلِيَّة للجسم بِمَا ينْفَصل عَنهُ فِي جَمِيع الأقطار والأطراف على نِسْبَة يقتضيها طبيعة ذَلِك الْجِسْم. وَاعْلَم أَن الذبول يكون للْإنْسَان بعد خمسين سنة فَإِن طَبِيعَته بعد هَذِه الْمدَّة تَقْتَضِي الانتقاص فِي جَمِيع الْأَطْرَاف أَي الطول وَالْعرض والعمق والأجزاء الْأَصْلِيَّة كالعظم والرباط والعصب. (بَاب الذَّال مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الذِّرَاع: بِالْكَسْرِ اسْم لما يذرع بِهِ وَهُوَ الْخَشَبَة الْمَعْرُوفَة والذراع الشَّرْعِيّ الَّذِي يعْتَبر فِي الْحِيَاض وَغَيرهَا وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ اصبعا مَضْمُومَة سوى الْإِبْهَام بِعَدَد حُرُوف الْكَلِمَة الطّيبَة لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله كل اصبع سِتَّة شعيرات مَضْمُومَة ظُهُور بَعْضهَا إِلَى بطُون بعض وَهَذَا هُوَ الذِّرَاع الْجَدِيد. وَأما الذِّرَاع الْقَدِيم فاثنان وَثَلَاثُونَ اصبعا وَقيل هَذَا هُوَ الْهَاشِمِي. وَالْقَدِيم هُوَ سَبْعَة وَعِشْرُونَ اصبعا. والقصبة وَهِي سِتَّة أَذْرع وَفِي المسكيني شرح (كنز الدقائق) ذِرَاع الكرباس سبع مشتات لَيْسَ فَوق كل مشت اصبع قَائِمَة كَذَا فِي النِّهَايَة وَقيل سبع مشتات بأصبع قَائِمَة فِي الْمرة السَّابِعَة. وَالصَّحِيح أَن يعْتَبر فِي كل زمَان وَمَكَان ذراعهم كَمَا أَن فِي بَلْدَة أَحْمد نكر وقرياتها ذِرَاع الباغات تِسْعَة مشتات متوسطة. وذراع الزِّرَاعَة أحد عشر مشتا متوسطة. وَهَذَا أَمر حَادث بعد توفير الْخراج على قرياتها وَقد كَانَ الذِّرَاع الْقَدِيم سبع مشتات فِي الباغات وتسع مشتات فِي الزِّرَاعَة. والذراع الإلهي ذِرَاع وَثَلَاثَة أَربَاع ذِرَاع بالذراع الَّذِي أحد عشرَة مشتا متوسطة كَمَا هُوَ منقور على استوانة الْمَسْجِد الْجَامِع فِي أَحْمد نكر. اللَّهُمَّ احفظه من الزلل والخلل والخطر. وسكانه من النِّفَاق والحسد والإيذاء وإيصال الضَّرَر. وَقيل الذِّرَاع الإلهي سبع عشرَة مشتا. (بَاب الذَّال مَعَ الْكَاف) الذّكر: بِالْكَسْرِ مَا يكون بِاللِّسَانِ وبالضم مَا يكون بالجنان. وآدابه فِي كتب الحَدِيث. وأوراد المشائخ رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. وبالفتحتين الْمُذكر والقضيب فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 الذكاء: شدَّة قُوَّة للنَّفس معدة لِاكْتِسَابِ الآراء وَتسَمى هَذِه بالذهن وجودة تهيؤها لتصور مَا يرد عَلَيْهَا من الْغَيْر الفطنة والغباوة عمد الفطنة عَمَّا من شَأْنه الفطنة كَذَا فِي المطول فَبين الذكاء والفطنة تبَاين كلي فَإِن الذكاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى اكْتِسَاب الآراء والأفكار والفطنة بِالْقِيَاسِ إِلَى فهم كَلَام الْغَيْر. وَمَا قيل إِن بَينهمَا عُمُوما وخصوصا سَهْو لَا يصدر عَن الساهي. (بَاب الذَّال مَعَ اللَّام) الذلاقة: السرعة وحروف الذلاقة مَا لَا يَنْفَكّ رباعي أَو خماسي عَن شَيْء مِنْهَا بسهولتها وَهِي سِتَّة أحرف ويجمعها (مر بنفل) وَإِنَّمَا سميت بذلك لِأَن الذلاقة أَي السرعة فِي النُّطْق إِنَّمَا هِيَ بِرَأْس اللِّسَان والشفتين فِي الْقَامُوس والحروف الذلق حُرُوف طرف اللِّسَان والشفة ثَلَاثَة ذلقية اللَّام وَالرَّاء وَالنُّون وَثَلَاثَة شفهية الْبَاء وَالْفَاء وَالْمِيم. وَهَذِه الْحُرُوف أحسن الْحُرُوف امتزاجا بغَيْرهَا وَلَا تَجِد كلمة ربَاعِية أَو خماسية إِلَّا وفيهَا شَيْء مِنْهَا فَمَتَى رَأَيْتهَا خَالِيَة عَنْهَا فَذَلِك اللَّفْظ دخيل عَنْهَا فِي الْعَرَبيَّة كالعسجد وَهُوَ الذَّهَب والدهدقة وَهِي الْكسر إِلَّا أَن يشذ شَيْء يكون عَرَبيا والشاذ لَا عِبْرَة بِهِ. (بَاب الذَّال مَعَ الْمِيم) الذِّمَّة: فِي اللُّغَة الْعَهْد وَإِنَّمَا سمي ذمَّة لِأَن نقضه يُوجب الذَّم. وَعند الْبَعْض وصف. وَعند الْبَعْض ذَات فَمن جعلهَا وَصفا عرفهَا بِأَنَّهَا وصف يصير بِهِ الشَّخْص أَهلا لإِيجَاب مَاله وَمَا عَلَيْهِ. وَمن جعلهَا ذاتا عرفهَا بِأَنَّهَا نفس لَهَا عهد فَإِن الْإِنْسَان يُولد وَله ذمَّة صَالِحَة للْوُجُوب لَهُ وَعَلِيهِ عِنْد الْفُقَهَاء بِخِلَاف سَائِر الْحَيَوَانَات وَفِي جَامع الرموز فِي كتاب الْكفَالَة الذِّمَّة لُغَة الْعَهْد وَشرعا مَحل عهد جرى بَينه وَبَين الله تَعَالَى يَوْم الْمِيثَاق أَو وصف صَار بِهِ الْإِنْسَان مُكَلّف. فالذمة كالسبب وَالْعقل كالشرط ثمَّ استعير على الْقَوْلَيْنِ للنَّفس والذات بعلاقة الْجُزْئِيَّة والحلول فَقَوْلهم وَجب فِي ذمَّته أَي على نَفسه. (بَاب الذَّال مَعَ النُّون) الذَّنب: بِفَتْح الأول الثَّانِي بِالْفَارِسِيَّةِ (دم ودنبالة جشم) . وَجمعه الأذناب وَفِي (اللطائف) الذَّنب نجم من النُّجُوم. وبفتح الأول وَسُكُون الثَّانِي (الْمعْصِيَة) بِالْفَارِسِيَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 (كناه) وَهُوَ مَا يحجبك عَن الله تَعَالَى وَجمعه الذُّنُوب. والذنب عِنْد المنجمين (الْعقْدَة) الَّتِي إِذا مر الْقَمَر مِنْهَا يكون جنوبيا وَإِن أردْت التَّوْضِيح فَارْجِع إِلَى الرَّأْس. (بَاب الذَّال مَعَ الْوَاو) ذُو القرنين: اسْمه اسكندر على الْأَشْهر ولقب بذلك لِأَنَّهُ ملك فَارس وَالروم. وَقيل لِأَنَّهُ دخل النُّور والظلمة. وَقيل لِأَنَّهُ كَانَ بِرَأْسِهِ شبه القرنين وَقيل كَانَ لَهُ ذوابتان وَقيل رأى فِي النّوم أَنه أَخذ بقرني الشَّمْس. ف (47) : الذوابة: بِالْفَارِسِيَّةِ (كيسو) وَفِي أساس البلاغة هِيَ الشّعْر المنسدل من وسط الرَّأْس إِلَى الظّهْر. الذَّوْق: قُوَّة فِي العصب المفروش على جرم اللِّسَان وإدراكها بتوسط الرُّطُوبَة اللعابية بِأَن يخالطها أَجزَاء لَطِيفَة من ذَوي الطّعْم ثمَّ يغوص وَينفذ هَذِه الرُّطُوبَة مَعهَا فِي جرم اللِّسَان إِلَى الذائقة والمحسوس حِينَئِذٍ كَيْفيَّة ذِي الطّعْم وَتَكون الرُّطُوبَة وَاسِطَة لتسهل وُصُول الْأَجْزَاء اللطيفة الحاملة للكيفية إِلَى الحاسة أَو بِأَن يتكيف نفس الرُّطُوبَة بالطعم بِسَبَب الْمُجَاورَة فتغوص وَحدهَا فَتكون المحسوس كيفيتها. والذوق عِنْد أَرْبَاب السلوك نور عرفاني يقذفه الله تَعَالَى فِي قُلُوب أوليائه يفرقون بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل من غير أَن ينْقل ذَلِك من كتاب أَو غَيره. ذُو الرَّحِم: فِي اللُّغَة بِمَعْنى ذِي الْقَرَابَة مُطلقًا. وَفِي الشَّرْع كل قريب لَيْسَ بِذِي سهم مُقَدّر فِي كتاب الله تَعَالَى أَو سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو إِجْمَاع الْأمة وَلَا عصبَة. ذُو الْعقل: ظَاهر. وَعند الطَّائِفَة الْعلية الصُّوفِيَّة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم هُوَ الَّذِي يرى الْخلق ظَاهرا وَالْحق بَاطِنا فَيكون الْحق عِنْده مرْآة الْخلق لاحتجاب الْمَرْأَة بالصور الظَّاهِرَة فِيهَا. وَكَذَا. ذُو الْعين: عِنْدهم هُوَ الَّذِي يرى الْحق ظَاهرا والخلق بَاطِنا فَيكون الْخلق عِنْده مرْآة للحق وَظهر الْحق عِنْده واختفاء الْخلق فِيهِ اختفاء الْمرْآة بالصور. ذُو الْعقل وَالْعين: هُوَ الَّذِي يرى الْخلق فِي الْحق وَهَذَا قرب النَّوَافِل وَيرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 الْحق فِي الْخلق وَهَذَا قرب الْفَرَائِض وَلَا يحتجب بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر بل يرى الْوُجُود الْوَاحِد بِعَيْنِه حَقًا من وَجه وخلقا من وَجه فَلَا يحتجب بِالْكَثْرَةِ عَن شُهُود الْوَجْه الْوَاحِد الْأَحَد كَمَا لَا يحتجب الرَّائِي بِكَثْرَة المرايا عَن شُهُود الْوَجْه الْوَاحِد وَلَا يزاحم فِي شُهُوده الْكَثْرَة الْخفية. وَكَذَا لَا يزاحم فِي شُهُود أحديته المتجلية فِي المجالي كثراتها. وَأَشَارَ إِلَى هَذِه الْمَرَاتِب الثَّلَاثَة الْعَارِف النامي مَوْلَانَا نور الدّين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس الله سره السَّامِي فِي رباعياته وفصلها فِي شرحها. (بَاب الذَّال مَعَ الْهَاء) الذَّهَب: الطلاء يَعْنِي زر وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ مَا يَشْمَل الْفضة كَمَا قيل اسْتُرْ ذهبك وذهابك ومذهيك. ف (48) : الذِّهْن: قُوَّة للنَّفس الناطقة تشْتَمل على الْحَواس الظَّاهِرَة والباطنة معدة لِاكْتِسَابِ الْعُلُوم. الذهنية: فِي الْقَضِيَّة الذهنية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 ( [حرف الرَّاء] ) (بَاب الرَّاء مَعَ الْألف) الراهب: هُوَ الْعَالم فِي الدّين المسيحي من الرهبانية هُوَ الِانْقِطَاع من الْخلق والتوجه إِلَى الْحق. الرَّأْس: مَشْهُور والعالي من كل شَيْء رَأسه وَرَأس المَال فِي السّلم هُوَ الثّمن وَفِي شرح الجغميني وَهَذِه الأفلاك المائلة أَي هَذِه الدَّوَائِر المائلة الْحَادِثَة فِي سطوح الممثلات تقاطع الدَّوَائِر الْمُسَمَّاة بالأفلاك الممثلة على نقطتين متقابلتين لكَونهَا عظاما كالممثلات بِالنِّسْبَةِ إِلَى كراتها فَيكون نصفهَا شماليا مِنْهَا بل من منْطقَة البروج لكَونهَا فِي سطحها. وَالنّصف الآخر جنوبيا. إِحْدَاهمَا وَهِي مجَاز مَرْكَز تدوير الْكَوَاكِب عَن دَائِرَة البروج إِلَى الشمَال تسمى بِالرَّأْسِ. وَالْأُخْرَى بالذنب لأَنهم شبهوا الشكل الْحَادِث بَين نصفي المائل والممثل من الْجَانِب الْأَقْرَب بالتنين فَيكون إِحْدَى العقدتين رَأْسا وَالْأُخْرَى ذَنبا وَإِنَّمَا صَارَت الأولى رَأْسا لكَونهَا أشرف إِذْ الرَّأْس سعد والذنب نحس انْتهى. ف (49) : (بَاب الرَّاء مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الرِّبَاط: بِالْكَسْرِ (خانه وجاي فرود آمدن مسافران وسراي وَللَّه در الصائب) . (از رباطتن جو بكذشي دكر معموره نيست ... ) (زَاد راهي برنمى دَاري ازين منزل جرا ... ) وبالفتح مَا يرْبط بِهِ مفاصل الْأَعْضَاء مثل مَا يكون فِي رُؤُوس الْعِظَام. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الرِّبَاط بِالْفَتْح عُضْو عصباني بِمَنْزِلَة الْوِعَاء للجسم كالعصب المفروش على جرم اللِّسَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 الرّبع: بِالضَّمِّ (جهارم حصه) . وبالفتح منزل وسراي. وبالكسر الْحمى الَّتِي تَأْخُذ بعد يَوْمَيْنِ كَمَا ستعرف فِي الغب. الرِّبَا: فِي اللُّغَة الزِّيَادَة وَالْفضل يُقَال هَذَا يَرْبُو على ذَلِك أَي يفضل وَسمي الْمَكَان الْمُرْتَفع ربوة لفضله على سَائِر الْأَمَاكِن. وَفِي الشَّرْع فضل مَال بِلَا عوض فِي مُعَاوضَة مَال بِمَال - وَفِي كنز الدقائق وعلته الْقدر - وَالْجِنْس - وَالضَّمِير رَاجع إِلَى الرِّبَا كَمَا هُوَ الظَّاهِر. فَإِن قلت: هَذَا فَاسد لِأَن بيع الْمكيل وَالْمَوْزُون بِجِنْسِهِ متماثلا يَصح مَعَ وجود عِلّة الرِّبَا قُلْنَا: الْقدر - وَالْجِنْس - عِلّة وجوب الْمُسَاوَاة وَحُرْمَة الْفضل فَمَعْنَى قَوْله علته الْقدر وَالْجِنْس عِلّة وجوب الْمُسَاوَاة وَحُرْمَة الْفضل الَّتِي يلْزم عِنْد فَوَاتهَا الرِّبَا - الْقدر - وَالْجِنْس. وَالْمرَاد بِالْقدرِ الْكَيْل فِيمَا يُكَال وَالْوَزْن فِيمَا يُوزن وَالْمرَاد بِالْجِنْسِ النَّوْع كالحنطة بِالْحِنْطَةِ وَالدِّرْهَم بالدرهم. وَاعْلَم أَنهم اتَّفقُوا على أَن لفظ الرِّبَا مرسوم بِالْوَاو فِي جَمِيع الْقُرْآن إِلَّا فِي قَوْله تَعَالَى: {من رَبًّا ليربو} . فِي الرّوم فَإِنَّهُ مرسوم بِالْألف لِأَن الرِّبَا إِنَّمَا يكْتب بِالْوَاو لتدل على كَونه نَاقِصا (واويا) من رَبًّا يَرْبُو كدعا يَدْعُو لَا من ربى يُربي كرمى يَرْمِي بِخِلَاف قَوْله تَعَالَى: {من رَبًّا ليربو} فَإِن مضارعه مَذْكُور مَعَه وَفِيه (وَاو) فَهِيَ تدل على هَذَا الْغَرَض فَلَا حَاجَة إِلَى كِتَابَة الْوَاو هَا هُنَا. وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن الضابطة المضبوطة أَن الْألف المبدلة من الْيَاء يكْتب بِالْيَاءِ مثل رمى بِخِلَاف المبدلة من الْوَاو فَإِنَّهَا تكْتب بِالْألف مثل دَعَا فَلَا التباس. الرباعي: عِنْد أَصْحَاب الْعرُوض البيتان المشتملان على أَرْبَعَة مصاريع كل مصرع على زنة لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. والرباعي: فِي اصْطِلَاح أَرْبَاب الصّرْف مَا كَانَ حُرُوفه الْأُصُول أَرْبَعَة. فَإِن كَانَ مُجَردا عَن الْحُرُوف الزَّائِدَة فَهُوَ الرباعي الْمُجَرّد كدحرج وجعفر. وَإِلَّا فَهُوَ الرباعي الْمَزِيد فِيهِ كتدحرج وحنادل. وللماضي الرباعي الْمُجَرّد بِنَاء وَاحِد نَحْو دحرج على (فعلل) لأَنهم التزموا فِيهِ الفتحات لخفتها وَلما لم يكن فِي كَلَامهم أَربع حركات مُتَوَالِيَة فِي كلمة وَاحِدَة سكنوا الثَّانِي لِأَن إسكانه أولى من إسكان الأول وَالرَّابِع لِامْتِنَاع الِابْتِدَاء بالساكن وَوُجُوب فتح آخر الْمَاضِي إِذا لم يتَّصل بِهِ الضَّمِير الْمَرْفُوع وَمن إسكان الثَّالِث أَيْضا لِأَن الرَّابِع قد يسكن لاتصال الضَّمِير فَيلْزم التقاء الساكنين. وللماضي الرباعي الْمَزِيد فِيهِ ثَلَاثَة أبنية (تفعلل) كتدحرج (وافعنلل) كاحرنجم و (افعلل) كاقشعر. فَمَا فِيهِ همزَة الْوَصْل بَابَانِ. وَمَا لَيست فِيهِ بَاب وَاحِد. وللاسم الرباعي الْمُجَرّد خَمْسَة أبنية - جَعْفَر - وَدِرْهَم - وزبرج - وبرثن - وقمطر - (الجعفر) النَّهر الصَّغِير (والزبرج) الزِّينَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 (والبرثن) مخلب الْأسد (والقمطر) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْمِيم مَا يصان فِيهِ الْكتب. وَاعْلَم أَن الْقيَاس كَانَ يَقْتَضِي أَن يكون للاسم الرباعي الْمُجَرّد ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ بِنَاء إِذْ هُوَ الْحَاصِل من ضرب اثْنَي عشر فِي الْأَرْبَعَة الَّتِي هِيَ أَحْوَال اللَّام الأولى لَكِن لم يَأْتِ لَا مَا ذَكرْنَاهُ للاستثقال. وَالِاسْم الرباعي الْمَزِيد فِيهِ قَلِيل - كحنادل - وعلائقة. وللاسم الخماسي الْمُجَرّد أَرْبَعَة أبنية - سفرجل - وجحمرش - وقزعمل - وقرطعب. وللاسم الخماسي الْمَزِيد فِيهِ خَمْسَة أبنية - عضرفوط - خزعبيل - قرطبوس - خندريس - قبعثري. (بَاب الرَّاء مَعَ الْجِيم المنقوطة) رَجَعَ: يرجع إِذا كَانَ من الرجع يكون مُتَعَدِّيا. وَإِذا كَانَ من الرُّجُوع يكون لَازِما. فاحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي كثير من الْمَوَاضِع. رجال الْغَيْب: فِي الأبدال. الرجل: بِفَتْح الأول وَضم الثَّانِي ذكر من بني آدم جَاوز حد الصغر بِالْبُلُوغِ سَوَاء كَانَت الْمُجَاوزَة حَقِيقَة كَمَا فِي أَبنَاء آدم عَلَيْهِ السَّلَام. أَو حكما كَمَا فِي آدم عَلَيْهِ السَّلَام. وَتَحْقِيق هَذَا المرام بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي كتَابنَا جَامع الغموض فِي شرح الْكَلِمَة وَفِي رسالتنا سيف المبتدين فِي قتل المغرورين. الرّجْعَة: اسْم من رَجَعَ يرجع رُجُوعا بِكَسْر الرَّاء. وَفتحهَا افصح وَالرَّجْعَة فِي الطَّلَاق أَن يطْلب فِي الْعدة بَقَاء النِّكَاح الْقَائِم ودوامه على مَا كَانَ. وَالرَّجْعَة عِنْد أَصْحَاب الدعْوَة هِيَ رُجُوع الْعَمَل على الْعَامِل بِالْهَلَاكِ أَو الْمضرَّة. وَعند أَرْبَاب النُّجُوم هِيَ رُجُوع الْكَوْكَب إِلَى مَا مر عَلَيْهِ من الطّرق فَيكون كل من الرُّجُوع ثمَّ الْعود إِقَامَة وَسُكُون لما تقرر فِي مَوْضِعه أَنه لَا بُد بَين كل حركتين من السّكُون وَإِذا يعود إِلَى مروره الأول يكون سريع السّير. فَإِذا كَانَ مُقيما يقوم أَمر السَّائِل ويتوقف وَإِذا كَانَ سريع السّير يحصل أمره عَن قريب وَإِذا كَانَ فِي الرّجْعَة فَلَا يحصل أمره أصلا. أَقُول لَو كَانَ بَين رُجُوع كَوْكَب وَعوده سُكُون لزم السّكُون على الْفلك وَهُوَ بَاطِل قطعا لما تقرر أَن الْفلك متحرك دَائِما. وَالْحَاصِل أَنه يلْزم حِينَئِذٍ إِمَّا سُكُون الْفلك وَهُوَ بَاطِل لما مر أَو بطلَان مَا تقرر وَكِلَاهُمَا بَاطِل. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن مدَار السّكُون بَين الحركتين على استقامتهما وَهَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِك فَتَأمل. الرَّجَاء: فِي اللُّغَة الفارسية اميد - وَفِي الِاصْطِلَاح تعلق الْقلب بِحُصُول مَحْبُوب فِي الْمُسْتَقْبل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 الرُّجُوع: هِيَ الْحَرَكَة على مَسَافَة الْحَرَكَة الأولى بِعَينهَا بِخِلَاف الانعطاف. (بَاب الرَّاء مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة) الرَّحْمَة: إفَاضَة الْخَيْر وَإِرَادَة إيصاله وترسم تاؤها فِي الْقُرْآن الْمجِيد مُطَوَّلَة فِي الْبَقَرَة نَحْو {أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله} . وَفِي الْأَعْرَاف نَحْو {إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} . أَي إحسانه فَلَا إِشْكَال - وَفِي (هود) نَحْو {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته} - وَفِي (مَرْيَم) و {ذكر رَحْمَة رَبك} - وَفِي (الرّوم) نَحْو {فَانْظُر إِلَى آثَار رَحْمَة الله} - وَفِي (الزخرف) فِي موضِعين نَحْو {أهم يقسمون رَحْمَة رَبك. وَرَحْمَة رَبك خير مِمَّا يجمعُونَ} . (بَاب الرَّاء مَعَ الْخَاء الْمُعْجَمَة) الرخوة: بِالْكَسْرِ من الرخاوة الَّتِي هِيَ اللين. والحروف الرخوة فِي الشَّدِيدَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الرُّخْصَة: التَّيْسِير والسهولة. وَفِي الشَّرِيعَة اسْم لما شرع مُتَعَلقا بالعوارض أَي مَا استبيح لعذر مَعَ قيام الدَّلِيل الْمحرم. وَقيل الرُّخْصَة مَا تغير من عسر إِلَى يسر بِوَاسِطَة عذر الْمُكَلف. وَقيل الرُّخْصَة مَا بني على أعذار الْعباد. ويقابلها الْعَزِيمَة كإفطار الْمُكْره فِي رَمَضَان وإتلافه مَال الْغَيْر إِذا كَانَ إكراهه بِمَا فِيهِ الجاء أَي عجز وَخَوف فِي هَلَاك النَّفس. وتفصيل أَنْوَاع الرُّخْصَة فِي أصُول الْفِقْه. (بَاب الرَّاء مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الرَّد: فِي اصْطِلَاح الْفَرَائِض إِعْطَاء مَا فضل من الْمخْرج عَن فرض ذَوي الْفُرُوض لِذَوي الْفُرُوض على حسب النّسَب بَين سِهَامهمْ عِنْد عدم الْعصبَة. وَبِعِبَارَة أُخْرَى صرف مَا فضل عَن فرض ذَوي الْفُرُوض إِلَيْهِم بِقدر حُقُوقهم وَلَا مُسْتَحقّ لَهُ من الْعَصَبَات وَيرد على أَصْحَاب الْفُرُوض النسبية دون ذَوي الْفُرُوض السَّبَبِيَّة أَعنِي الزَّوْجَيْنِ. والزيلعي ذكر أَن مَا فضل بعد فرض أحد الزَّوْجَيْنِ يرد عَلَيْهِ فِي زَمَاننَا كَمَا سَيَجِيءُ مفصلا فِي الْعصبَة من جِهَة السَّبَب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الرِّدَاء: الطيلسان وَقد يُرَاد بِهِ الْحجاب الْحَائِل بَين الْقلب وعالم الْقُدس باستيلاء السَّيِّئَات النفسانية ورسوخ الظُّلُمَات الجسمانية فِيهِ بِحَيْثُ يحتجب عَن أنوار الربوبية بِالْكُلِّيَّةِ. وَفِي اصْطِلَاح المشائخ الصُّوفِيَّة ظُهُور صِفَات الْحق على العَبْد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 رد الْعَجز على الصَّدْر: من المحسنات اللفظية البديعية وَهُوَ فِي النثر إِن يَجْعَل أحد اللَّفْظَيْنِ المكررين أَو المتجانسين أَو الملحقين بهما بِأَن يجمعها الِاشْتِقَاق أَو شبهه فِي أول الْفَقْرَة وَالْآخر فِي آخرهَا. وَفِي النّظم أَن يكون أَحدهمَا فِي آخر الْبَيْت وَاللَّفْظ الآخر فِي صدر المصراع الأول أَو حشوه أَو آخِره أَو صدر المصراع الثَّانِي. والأمثلة فِي كتب البديع. الردء: بِالْكَسْرِ وَسُكُون الدَّال النَّاصِر كَمَا قَالَ ابْن الْأَثِير. وَعند الْفُقَهَاء العون الَّذِي جَاءَ للْقَتْل مَعَ الْقَوْم إِمَّا لم يحضر وَقت الْقَتْل بِمَرَض أَو غَيره من الْعذر. وَفِي شرح أبي المكارم لمختصر الْوِقَايَة الردء بِالْكَسْرِ العون تَقول ردأ أَي أعَان من بَاب فتح فالمصدر بِمَعْنى الْفَاعِل أَي المعاون للمقاتلة أَو للْخدمَة أَو غَيرهمَا. (بَاب الرَّاء مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة) الرزق: متناول للْحَلَال وَالْحرَام لِأَنَّهُ اسْم لما يَسُوقهُ الله تَعَالَى إِلَى الْحَيَوَان فيأكله أَي يتَنَاوَلهُ فَيشْمَل المأكولات والمشروبات. وَلما كَانَ معنى الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى مُعْتَبرا فِي مَفْهُوم الرزق كَانَ هَذَا التَّفْسِير أولى من تَفْسِيره بِمَا يتغذى بِهِ الْحَيَوَان لخلوه عَن معنى الْإِضَافَة إِلَيْهِ تَعَالَى. وَعند الْمُعْتَزلَة الرزق عبارَة عَن مَمْلُوك يَأْكُلهُ الْمَالِك. وَتارَة فسروه بِمَا لَا يمْتَنع شرعا الِانْتِفَاع بِهِ. فعلى هَذَا لَا يكون الْحَرَام رزقا عِنْدهم. فَإِن قيل: إِن خمر الْمُسلم وخنزيره مملوكان لَهُ عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فَإِذا أكلهما يصدق على كل مِنْهُمَا تَعْرِيف الرزق لِأَنَّهُ مَمْلُوك يَأْكُلهُ الْمَالِك مَعَ أَنه حرَام وَالْحرَام لَيْسَ برزق عِنْدهم فالتعريف الْمَذْكُور لَيْسَ بمانع. قُلْنَا: فِي شرح نظم الأوحدي إِن الْحَرَام لَيْسَ بِملك عِنْد الْمُعْتَزلَة فَلَا انْتِقَاض بِالْخمرِ وَالْخِنْزِير لعدم كَونهمَا مملوكين للْمُسلمِ عِنْدهم وَإِن سلمنَا أَن الْحَرَام مَمْلُوك لَهُ عِنْدهم فَالْجَوَاب بِأَن المُرَاد بالمملوك المجعول ملكا بِمَعْنى الْمَأْذُون فِي التَّصَرُّف الشَّرْعِيّ بِدَلِيل أَن معنى الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى مُعْتَبر فِي مَفْهُوم الرزق بالِاتِّفَاقِ فَلَو لم يكن المُرَاد مَا ذكرنَا لخلا تَعْرِيف الرزق عَن ذَلِك الْمَعْنى فَيحصل بذلك المُرَاد الْحَيْثِيَّة الَّتِي ينْدَفع بهَا الانتقاض الْمَذْكُور أَي مَمْلُوك يَأْكُلهُ الْمَالِك من حَيْثُ إِنَّه مَمْلُوك بِأَن يكون مَأْذُونا فِي أكله. وَأَنت تعلم أَنَّهُمَا من حَيْثُ الْأكل ليسَا بمملوكين لَهُ فَافْهَم. وَمَا فسرنا الرزق بِهِ أَعنِي مَا يَسُوقهُ الله تَعَالَى إِلَى الْحَيَوَان فيأكله مَشْهُور فِي الْعرف. وَقد يُفَسر بِمَا سَاقه الله تَعَالَى إِلَى الْحَيَوَان فَانْتَفع بِهِ بالتغذي أَو غَيره فَهُوَ شَامِل للمأكولات والمشروبات والملبوسات بل المراكب وَسَائِر مَا ينْتَفع بِهِ بِأَيّ وَجه كَانَ كالإنفاق على الْغَيْر. وَلِهَذَا قَالُوا إِن هَذَا التَّفْسِير يُوَافقهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} . لِأَن الِانْتِفَاع بِهِ جِهَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 الْإِنْفَاق على الْغَيْر بِخِلَاف التَّفْسِير الأول فَإِنَّهُ لَا يُوَافقهُ لِأَن مَا يتَنَاوَلهُ لَا يُمكن إِنْفَاقه على الْغَيْر. وَقيل فِي تَوْجِيه الْمُوَافقَة إِن الله تَعَالَى أطلق الرزق على الْمُنفق بِصِيغَة الْمَفْعُول مجَازًا بطرِيق المشارفة على وتيرة من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه. يَعْنِي أَن الْمُنفق لما كَانَ مآله أَن يكون رزقا أطلق عَلَيْهِ الرزق فَلَيْسَ الْمُنفق رزقا حَقِيقَة حَتَّى لَا يُوَافق قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} . التَّفْسِير الأول وَلَكِن يرد على التَّفْسِير الثَّانِي كَون العواري أَي مَا يُؤْخَذ بطرِيق الْعَارِية رزقا وَلَيْسَ برزق لِأَنَّهُ لَا يُطلق عَلَيْهَا الرزق بِحَسب الْعرف واللغة. وَثَانِيهمَا: جَوَاز أكل شخص رزق غَيره وَهُوَ خلاف مَذْهَبنَا من أَن الْإِنْسَان لَا يَأْكُل رزق غَيره والرزق الْحسن مَا يصل إِلَى صَاحبه بِلَا كد فِي طلبه. وَقيل مَا وجد بِلَا ترقب وَلَا اكْتِسَاب. (بَاب الرَّاء مَعَ السِّين الْمُهْملَة) الرَّسْم: الْأَثر يُقَال رسم الدَّار أَي أَثَرهَا. وَفِي عرف المنطقيين الرَّسْم هُوَ الْمُمَيز العرضي وتحقيقه فِي الْحَد. والرسم: عِنْد أَرْبَاب السلوك عبارَة عَن الْخلق وَصِفَاته. الرَّسُول: فِي النَّبِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهُوَ فعول من. الرسَالَة: وَهُوَ مصدر بِمَعْنى (فرستادن) . وَفِي الِاصْطِلَاح هِيَ سفارة العَبْد بَين الله وَبَين ذَوي الْعُقُول ليزيل بهَا عللهم وَيُعلمهُم مَا قصرت عَنهُ عُقُولهمْ من مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَأَيْضًا هِيَ المجلدة الْمُشْتَملَة على قَلِيل من الْمسَائِل الَّتِي تكون من نوع وَاحِد. الرَّسْم التَّام: الْمُعَرّف الْمركب من الْجِنْس الْقَرِيب والخاصة كتعريف الْإِنْسَان بِالْحَيَوَانِ الضاحك إِمَّا كَونه رسما فلاشتماله على خَاصَّة الشَّيْء الَّتِي هِيَ أثر من آثَار الشَّيْء فَإِن رسم الدَّار أَثَرهَا. فتعريف الشَّيْء بالخاصة الَّتِي هِيَ أثر من آثاره تَعْرِيف بالأثر وَإِمَّا كَونه تَاما فلتحقق المشابهة بَينه وَبَين الْحَد التَّام من جِهَة أَنه وضع فِيهِ الْجِنْس الْقَرِيب. وَقيد بِأَمْر يخْتَص بالشَّيْء كَمَا أَن الْجِنْس فِي الْحَد التَّام مُقَيّد بِأَمْر كالناطق مُخْتَصّ بالشَّيْء وَهُوَ الْإِنْسَان مثلا. الرَّسْم النَّاقِص: الْمُعَرّف الَّذِي يكون خَاصَّة وَحدهَا. أَو يكون مركبا مِنْهَا وَمن الْجِنْس الْبعيد. أَو من عرضيات يخْتَص جُمْلَتهَا من حَيْثُ الْمَجْمُوع بِحَقِيقَة وَاحِدَة. الأول: كتعريف الْإِنْسَان بالضاحك. وَالثَّانِي: كتعريفه بالجسم الضاحك. وَالثَّالِث: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 كتعريفه بِأَنَّهُ ماش على قَدَمَيْهِ عريض الْأَظْفَار بَادِي الْبشرَة مُسْتَقِيم الْقَامَة ضحاك بالطبع إِمَّا كَونه رسما فَلَمَّا مر من أَن الْخَاصَّة اللَّازِمَة من آثَار الشَّيْء فَيكون تعريفا بالأثر الَّذِي هُوَ الرَّسْم. وَإِمَّا كَونه نَاقِصا فلعدم ذكر بعض أَجزَاء الرَّسْم التَّام حَتَّى تتَحَقَّق المشابهة بِالْحَدِّ التَّام كتحققها بَين الرَّسْم التَّام وَالْحَد التَّام. الرسخ: فِي التناسخ. (بَاب الرَّاء مَعَ الشين الْمُعْجَمَة) الرشد: هُوَ الاسْتقَامَة على طَرِيق الْحق. الرشيد: فِي الْحجر. الرِّشْوَة: بالحركات الثَّلَاث اسْم من الرِّشْوَة بِالْفَتْح. فِي اللُّغَة مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْحَاجة بالمضايقة بِأَن تصنع لَهُ شَيْئا ليصنع لَك شَيْئا آخر كَمَا قَالَ ابْن الْأَثِير. وَفِي الشَّرْع مَا يَأْخُذهُ الْآخِذ ظلما بِجِهَة يَدْفَعهُ الدَّافِع إِلَيْهِ من هَذِه الْجِهَة. والمرتشي الْآخِذ - والراشي الدَّافِع. هَكَذَا فِي جَامع الرموز. وَفِي الاصطلاحات الشَّرِيفَة الشريفية الرِّشْوَة مَا يُؤْخَذ لإبطال حق أَو لإحقاق بَاطِل انْتهى. وَقد لعن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الراشي والمرتشي. وَقيل الرايش أَيْضا وَهُوَ الَّذِي يمشي بَينهمَا وَتُؤْخَذ الرِّشْوَة على يَده. وَهَذِه بِشَارَة عَظِيمَة للمرتشيين سِيمَا لقضاة هَذَا الزَّمَان واخجلتاه وواحسرتاه وواندامتاه أَيهَا الإخوان. اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَسَائِر شركائي ونجني وإياهم من النيرَان. واحفظني من الارتشاء وثبتني عِنْد الْمَوْت على الْإِيمَان. وَفِي الْأَشْبَاه والنظائر تجوز الرِّشْوَة للخوف على نَفسه أَو مَاله أَو ليسوي أمره عِنْد سُلْطَان أَو أَمِير بِحَق إِلَّا القَاضِي فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ الْأَخْذ والإعطاء كَمَا بَيناهُ فِي شرح الْكَنْز من الْقَضَاء انْتهى. وللراشي أَخذ الرِّشْوَة عَن المرتشي جبرا وقهرا إِذا ظفر. (بَاب الرَّاء مَعَ الضَّاد الْمُعْجَمَة) الرضاء: سرُور الْقلب بمرور الْقَضَاء أَي جريانها. ورضاء الله تَعَالَى عِنْد أهل السّنة عبارَة عَن الْإِرَادَة مَعَ ترك الِاعْتِرَاض بالسؤال إِذا صدر بأنك لم فعلت وَلم تركت أَو عَن نفس ترك الِاعْتِرَاض. وَعند الْمُعْتَزلَة هُوَ الْإِرَادَة مُطلقًا أَي من غير تَقْيِيد بِعَدَمِ الِاعْتِرَاض فالرضاء عِنْدهم هُوَ الْإِرَادَة فَإِذا لم يرض لِعِبَادِهِ الْكفْر لم يكن مرَادا أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 فيلزمهم تخلف المُرَاد عَن الْإِرَادَة وَهُوَ لَا يَخْلُو عَن النَّقْص والمغلوبية وتخلف المرضي عَن الرِّضَا جَائِز عندنَا لعدم لُزُوم النَّقْص والشناعة لِأَنَّهُ لَا يلْزم من القَوْل بتخلف المرضي عَن الرِّضَا تخلف المُرَاد عَن الْإِرَادَة فَإِن الرِّضَا قد يُجَامع تعلق الْإِرَادَة كَمَا فِي إِيمَان الْمُؤمن وَقد لَا يجامعه كَمَا فِي كفر الْكَافِر فَإِنَّهُ تعلق بِهِ الْإِرَادَة دون الرِّضَا يَعْنِي أَن الْإِرَادَة أَعم تحققا وتعلقا من الرِّضَا فَلَا يلْزم من تخلف المرضي عَن الرِّضَا نقص وشناعة فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي حل المشكلات وَلَكِن كَون تخلف المُرَاد عَن الْإِرَادَة نقصا دون تخلف المرضي عَن الرِّضَا مَحل تَأمل كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي صَاحب الخيالات اللطيفة. الرَّضَاع: فِي اللُّغَة شرب اللَّبن من الثدي. وَفِي الشَّرْع وُصُول اللَّبن الْخَالِص أَو الْمُخْتَلط غَالِبا من ثدي الْمَرْأَة إِلَى جَوف الصَّغِير من فَمه أَو أَنفه فِي مُدَّة الرضَاعَة. وَبَعْضهمْ فسره بِشرب اللَّبن الْمَذْكُور. وَفِي كنز الدقائق الرَّضَاع هُوَ مص الرَّضِيع من ثدي الْآدَمِيَّة فِي وَقت مَخْصُوص. وَالْمرَاد بالمص وُصُول اللَّبن الْمَذْكُور من قبيل إِطْلَاق السَّبَب وَإِرَادَة الْمُسَبّب فَإِن المص من أشهر أَسبَابه وأكثرها وَلِهَذَا اكْتفى بِهِ وَكَيف إِذا حلبت لَبنهَا فِي قَارُورَة تثبت الْحُرْمَة بإيجاره صَبيا وَإِن لم يُوجد المص فَلَا فرق بَين المص والعب والسعوط والوجور. فمدار ثُبُوت الرَّضَاع على وُصُول اللَّبن الْمَذْكُور حَتَّى لَو أدخلت امْرَأَة حلمة ثديها فِي فَم رَضِيع وَلَا يدْرِي أَدخل اللَّبن فِي حلقه أم لَا لَا يحرم النِّكَاح لِأَن فِي الْمَانِع شكا وَإِنَّمَا قيدناه بالفم وَالْأنف ليخرج مَا إِذا وصل بالأقطار فِي الْأذن والإحليل والجائفة والآمة وبالحقنة فَإِنَّهُ لَا يحرم النِّكَاح كَمَا فِي الْبَحْر الرَّائِق والإيجار (دارودردهان ريختن وجور دارودردهان) كَذَا فِي الصراح. وَمُدَّة الرَّضَاع ثَلَاثُونَ شهرا وَفِي شرح أبي المكارم الرَّضَاع بِالْفَتْح وَالْكَسْر مصدر رضع يرضع كسمع يسمع وَلأَهل النجد رضع يرضع رضعا كضرب يضْرب ضربا ذكره الْجَوْهَرِي وَهُوَ عَام لُغَة خَاص شرعا بمص الطِّفْل اللَّبن من ثدي الْمَرْأَة فِي وَقت مَخْصُوص انْتهى. وَتثبت بِالرّضَاعِ حُرْمَة النِّكَاح وَالنِّسَاء الَّتِي تحرم نِكَاحهَا بِالرّضَاعِ فِي هَذَا الْبَيْت: (ازجانب شيرده همه خويش شوند ... ) (وازجانب شير خواره زوجان وفروع ... ) الرضخ: الْإِعْطَاء الْقَلِيل من الْغَنَائِم بِحَسب مَا يرى الإِمَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 (بَاب الرَّاء مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة) الرُّطُوبَة: كَيْفيَّة تَقْتَضِي سهولة التشكل والتفرق والاتصال. وَفِي الْعين الباصرة ثَلَاث رطوبات كَمَا ستقف فِي الْعين إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الرطل: الْبَغْدَادِيّ عشرُون أستارا والأستار أَرْبَعَة مَثَاقِيل. وَفِي كتب الْفِقْه أَن الرطل نصف الْمَنّ وَفِي الْقنية (مِثْقَال جارونيم ماشه بس برين تَقْدِير وزن رَطْل جهارده تنكه عالمكيري وسيزده ماشه باشد) . (بَاب الرَّاء مَعَ الْعين الْمُهْملَة) الرَّعْد: صَوت هائل يمزق السَّحَاب. وتفصيله أَن الدُّخان إِذا ارْتَفع مَعَ البخار الْمُخْتَلطين وانعقد السَّحَاب من البخار وَاحْتبسَ الدُّخان فِيمَا بَين السَّحَاب فَمَا صعد من الدُّخان إِلَى الْعُلُوّ لبَقَاء حرارته أَو نزل إِلَى السّفل لزوالها مزق السَّحَاب فِي صُعُوده أَو نُزُوله تمزيقا عنيفا فَيحصل صَوت هائل بالتمزيق. وَذَلِكَ الصَّوْت هُوَ الرَّعْد وَإِن اشتعل الدُّخان لما فِيهِ من الدهنية بالحركة العنيفة الْمُقْتَضِيَة للحرارة يُسمى برقا إِن كَانَ لطيفا وينطفي بِسُرْعَة وصاعقة إِن كَانَ غليظا. الرعونة: التكبر والنفسانية نَفسه بالرفعة هُوَ الْوُقُوف مَعَ حظوظ النَّفس مُقْتَضى طباعها. الرعاف: هُوَ الدَّم الْخَارِج من الْأنف وَيصير الْإِنْسَان بالرعاف الدَّائِم مَعْذُورًا وَحكم الْمَعْذُور فِي الْفِقْه. ف (50) : (بَاب الرَّاء مَعَ الْفَاء) الرّفْع: بلندكردن. وَعند أهل الْحساب عبارَة عَن جعل الكسور صحاحا. وَهَذَا إِنَّمَا يُمكن إِذا كَانَ عدد الْكسر أَكثر من مخرجه لِأَنَّهُ إِذا سَاوَى مخرجه فَهُوَ وَاحِد صَحِيح وَإِن نقص عَنهُ فَلَا يُمكن جعله صَحِيحا فَلَا بُد من كَونه أَكثر من الْمخْرج ليَصِح جعله صَحِيحا. وَطَرِيق الْعَمَل فِيهِ أَن تقسم عدد الْكسر الَّذِي أَكثر من مخرجه على مخرجه فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 لم يبْق من الْمَقْسُوم شَيْء فالخارج من الْقِسْمَة صَحِيح. وَإِن بَقِي مِنْهُ شَيْء فالخارج صَحِيح وَالْبَاقِي كسر. فمرفوع سِتَّة عشر ربعا بعد الْقِسْمَة على الْأَرْبَع الَّذِي هُوَ مخرج الرّبع أَرْبَعَة صِحَاح. ومرفوع خَمْسَة عشر ربعا بعد الْقِسْمَة الْمَذْكُورَة ثَلَاثَة صِحَاح وَثَلَاثَة أَربَاع لِأَنَّهَا أقل من الْمخْرج. وَالرَّفْع: عِنْد النُّحَاة نوع من الْإِعْرَاب علم الفاعلية. وَاعْلَم أَن بَين الرّفْع وَالنّصب والجر وَبَين الضمة والفتحة والكسرة فرقا بِحَسب الْإِطْلَاق. فَإِن الرّفْع وَالنّصب والجر بعد اختصاصها بإعراب المعرب عَامَّة شَامِلَة للحركات والحروف الإعرابية. والضمة والفتحة والكسرة بِالتَّاءِ بعد عمومها من حَيْثُ جَوَاز إِطْلَاقهَا على حركات المعرب والمبني خَاصَّة بالحركات أَي لَا تطلق على الْحُرُوف الْقَائِمَة مقَام الحركات. وَأما الضَّم وَالْفَتْح وَالْكَسْر بِغَيْر التَّاء فمختصة بالحركات البنائية. ثمَّ اعْلَم: أَن الشفتين عِنْد تلفظ الرّفْع ترفعان إِلَى الْعُلُوّ وتضمان. وَعند تلفظ النصب تنصبان وتقومان على حَالهمَا وتنفتحان. وَعند تلفظ الْكسر تنكسر الشّفة السُّفْلى مِنْهُمَا وتميل إِلَى الْكسر والسقوط وتجر إِلَى الْأَسْفَل. وَمن هَذَا الْبَيَان رفيع الشَّأْن تنكشف وُجُوه التَّسْمِيَة بِهَذِهِ الْأَسَامِي كلهَا. رفع الْيَدَيْنِ: مسنون للتكبير عِنْد افْتِتَاح الصَّلَاة. وَاخْتلف هَل شرع الرّفْع تعبدا أَو لحكمة. فَقيل لحكمة هِيَ الْإِشَارَة إِلَى التَّوْحِيد. وَقيل إِن يرَاهُ من لَا يسمع التَّكْبِير. وَقيل الْإِشَارَة إِلَى طرح أَمر الدُّنْيَا والإقبال بكليته على عباده الْمولى. وَقيل غير ذَلِك كَمَا ذكره ملا عَليّ الْقَارئ. رفع الْإِيجَاب الْكُلِّي: لَيْسَ كل حَيَوَان حجر وَلَيْسَ كل حَيَوَان إِنْسَان فَلهُ قِسْمَانِ: أَحدهمَا: السَّلب الْكُلِّي كالمثال الأول. وَالثَّانِي: السَّلب الجزئي كالمثال الثَّانِي. وَلِهَذَا قَالُوا إِن رفع الْإِيجَاب الْكُلِّي لَا يُنَافِي الْإِيجَاب الجزئي. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن للسلب الجزئي مَعْنيانِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي مَحَله وَهُوَ قسم من رفع الْإِيجَاب الْكُلِّي بِأَحَدِهِمَا مسَاوٍ لَهُ لَازم لَهُ بِالْمَعْنَى الآخر فَتَأمل. (بَاب الرَّاء مَعَ الْقَاف) الرقبى: على وزن قصوى وَهِي شَرط فَاسد فِي الْهِبَة مَعْنَاهَا إِن مت فالدار مثلا لَك وَإِلَّا فَهِيَ لي فَإِن وهب رجل دَاره لآخر بِهَذَا الشَّرْط فالهبة صَحِيحَة وَالشّرط فَاسد وَهِي من المراقبة فَإِن كل وَاحِد يرقب موت صَاحبه كَأَنَّهُ يَقُول أراقب موتك وتراقب موتِي فَإِن مت فَهِيَ لَك وَإِن مت فَهِيَ لي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 الرقم: بتسكين الْعين الْكِتَابَة وَبِفَتْحِهَا مَا وَضعه حكماء الْهِنْد للأعداد اختصارا فِي الْأَعْمَال العددية وَجمعه الأرقام. وأصولها تِسْعَة مَشْهُورَة وَهِي هَذِه: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9. وَاعْلَم أَن كل صُورَة من الصُّور التسع المرقومة إِذا وَقعت فِي أول الْمَرَاتِب الآخذة من الْيَمين إِلَى الْيَسَار بِحَيْثُ لَا يسْبق عَلَيْهِ رقم صفرا كَانَ أَو عددا كَانَت عَلامَة أحد الْأَعْدَاد الَّتِي من الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة. وَإِن وَقعت فِي ثَانِيَة الْمَرَاتِب كَانَت عَلامَة إِحْدَى الْعُقُود الَّتِي هِيَ من الْعشْرَة إِلَى التسعين. وَإِن وَقعت فِي ثَالِثَة الْمَرَاتِب كَانَت عَلامَة إِحْدَى الْعُقُود الَّتِي هِيَ من الْمِائَة إِلَى تسع مائَة وَإِن وَقعت فِي رَابِعَة الْمَرَاتِب كَانَت عَلامَة ألف إِلَى تِسْعَة أُلُوف وَهَكَذَا. وخطر بالبال ضابطة هَذَا الْمقَال أَن كل رقم بعد الرقم الأول يكون عَلامَة للعشرة المركبة من عشرَة أَمْثَال مَا قبله - فَإِن كَانَ رقم الْوَاحِد فَيكون المُرَاد مِنْهُ عشرَة كَذَلِك - وَإِن كَانَ رقم اثْنَيْنِ يكون المُرَاد عشرتين كَذَلِك وَقس على ذَلِك ينفعك ويسهلك فهم المُرَاد من الأرقام، فَإِن رسمت خَمْسَة الفات هَكَذَا 11111 فَالْمُرَاد من الْألف الثَّانِي الْعشْرَة - وَمن الْألف الثَّالِث الْمِائَة - وَمن الرَّابِع الْألف - وَمن الْخَامِس عشرَة آلَاف. وَلَا شكّ أَن الْعشْرَة مركبة من عشرَة أَمْثَال مَا قبله وَهُوَ الْألف الأول الَّذِي أُرِيد بِهِ الْوَاحِد وَكَذَا الْمِائَة عشرَة مركبة من عشرَة أَمْثَال مَا قبله وَهُوَ الْألف الثَّانِي الَّذِي أُرِيد بِهِ الْعشْرَة. وَلَا شكّ أَن الْعشْرَة إِذا أخذت عشرَة مَرَّات تحصل مائَة. وَالْمرَاد بِالْألف الرَّابِع الْألف. وَلَا شكّ أَن الْألف عشر مئات. وَالْمرَاد بِالْألف الْخَامِس عشر آلَاف. وَأَنت تعلم أَنَّهَا مركبة من عشرَة أَمْثَال الْألف وَقس عَلَيْهِ مَا شِئْت من الأرقام. الرّقّ: فِي اللُّغَة الضعْف يُقَال ثوب رَقِيق أَي ضَعِيف النسج وَمِنْه رقة الْقلب. وَفِي الْفِقْه عِنْد الْجُمْهُور عبارَة عَن ضعف حكمي شرع جَزَاء فِي الأَصْل عَن الْكفْر. وَعند الْبَعْض الرّقّ عجز حكمي لَا يقدر صَاحبه بِهِ على التَّصَرُّفَات والولايات. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّه ضعف لِأَن الشَّخْص بِسَبَبِهِ يكون عَاجِزا لَا يملك مَا يملكهُ الْحر من الشَّهَادَة وَالْقَضَاء بل يصير مَمْلُوكا للْغَيْر بِالِاسْتِيلَاءِ كَمَا يتَمَلَّك سَائِر الْمُبَاحَات بالاصطياد. وتوصيف الضعْف بالحكمي احْتِرَاز عَن الْحسي فَإِن العَبْد رُبمَا يكون أقوى من الْحر حسا لِأَن الرّقّ لَا يُوجِبهُ خللا فِي أَعْضَائِهِ وَقواهُ. فالرقيق وَإِن كَانَ قَوِيا جسيما عَاجز لَا يقدر على الشَّهَادَة وَالْقَضَاء وَالْولَايَة والتزوج ومالكية المَال. وَمعنى كَونه (جُزْءا فِي الأَصْل) أَن الرّقّ فِي أصل وَصفه وَابْتِدَاء ثُبُوته جَزَاء الْكفْر فَإِن الْكفَّار لما استنكفوا عبَادَة الله تَعَالَى وصيروا أنفسهم مُلْحقَة بالجمادات حَيْثُ لم ينتفعوا بعقولهم وسمعهم وأبصارهم بِالتَّأَمُّلِ فِي آيَات الله تَعَالَى وَالنَّظَر فِي دَلَائِل وحدانيته تَعَالَى والمعجزات الباهرات الدَّالَّة على صدق أنبيائه وَرُسُله جازاهم الله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِالرّقِّ الَّذِي صَارُوا بِهِ محَال الْملك وجعلهم عبيد عبيده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وألحقهم بالبهائم فِي التَّمَلُّك والابتذال. ولكونه جَزَاء الْكفْر فِي الأَصْل لَا يثبت على الْمُسلم لكنه فِي حَال الْبَقَاء صَار ثَابتا بِحكم الشَّرْع حكما من أَحْكَامه من غير أَن يكون معنى جَزَاء الْكفْر مرعيا فِيهِ وَمن غير أَن يلْتَفت إِلَى جِهَة الْعقُوبَة. أَلا ترى أَن العَبْد يبْقى رَقِيقا وَإِن أسلم وَصَارَ من الاتقياء وَيكون ولد الْأمة الْمسلمَة رَقِيقا وَإِن لم يُوجد مِنْهُ مَا يسْتَحق بِهِ الْجَزَاء وَهُوَ كالخراج فَإِنَّهُ فِي الِابْتِدَاء يثبت بطرِيق الْعقُوبَة حَتَّى يثبت ابْتِدَاء على الْمُسلم لكنه فِي حَال الْبَقَاء صَار من الْأُمُور الْحكمِيَّة حَتَّى لَو اشْترى الْمُسلم أَرض الْخراج لزم عَلَيْهِ الْخراج وَالنِّسْبَة بَين الرّقّ وَالْملك وَالْفرق بَين التعريفين الْمَذْكُورين فِي الْملك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الرَّقِيق: من يَتَّصِف بِالرّقِّ أَو المرقوق. الرقيقة: هِيَ اللطيفة الروحانية. وَقد تطلق على الْوَاسِطَة اللطيفة والرابطة بَين الشَّيْئَيْنِ كالمدد من الْحق إِلَى العَبْد. (بَاب الرَّاء مَعَ الْكَاف) الرِّكَاز: المَال المركوز فِي الأَرْض مخلوقا كَانَ أَو مَوْضُوعا فِيهَا فَهُوَ أَعم من الْمَعْدن والكنز و (الْمَعْدن) مَا خلقه الله تَعَالَى فِي الأَرْض يَوْم خلقهَا و (الْكَنْز) اسْم لما دَفنه بَنو آدم و (الرِّكَاز) اسْم لَهما. (بَاب الرَّاء مَعَ الْمِيم) رَمَضَان: من الرمض وَهُوَ شدَّة الْحر وَإِنَّمَا سمي الشَّهْر بِشَهْر رَمَضَان لأَنهم لما نقلوا أَسمَاء الشُّهُور عَن اللُّغَة الْقَدِيمَة سَموهَا بالأزمنة الَّتِي وَقعت فِيهَا فوَاق زمن الْحر. أَو لِأَن رَمَضَان من رمض الصَّائِم اشْتَدَّ حر جَوْفه. أَو لِأَنَّهُ يحرق الذُّنُوب. ورمضان إِن صَحَّ أَنه من أَسمَاء الله تَعَالَى فَغير مُشْتَقّ أَو رَاجع إِلَى معنى الغافر أَي يمحو الذُّنُوب ويمحقها. وَالْعلم هُوَ شهر رَمَضَان بِالْإِضَافَة ورمضان مَحْمُول على الْحَذف للتَّخْفِيف ذكره جَار الله فِي الْكَشَّاف وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَو كَانَ رَمَضَان علما لَكَانَ شهر رَمَضَان بِمَنْزِلَة إِنْسَان زيد. وَلَا يخفى قبحه وَلِهَذَا كثر فِي كَلَام الْعَرَب شهر رَمَضَان وَلم يسمع شهر رَجَب وَشهر شعْبَان على الْإِضَافَة لِأَنَّهُمَا علمَان فَلَو أضيف الشَّهْر إِلَيْهِمَا لزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور هَكَذَا فِي التَّلْوِيح. الرمل: فِي بَاب الْحَج هُوَ الْمَشْي فِي طواف بَيت الله الْحَرَام سَرِيعا. وتحريك الْكَتِفَيْنِ كالمبارز بَين الصفين وَهُوَ مَعَ الاضطباع مسنون وَفِي شرح الْوِقَايَة وَكَانَ سَببه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 إِظْهَار الجلادة للْمُشْرِكين حَيْثُ قَالُوا أضنتهم حمى يثرب الحكم بعد زَوَال السَّبَب فِي زمَان النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَبعده انْتهى. ف (51) : (بَاب الرَّاء مَعَ الْوَاو) الرواقيون: اعْلَم أَن تلامذة أفلاطون ثَلَاثَة فرق: الأولى: الإشراقيون وهم الَّذين جردوا أَلْوَاح عُقُولهمْ عَن النُّفُوس الكونية فأشرقت عَلَيْهِم لمعات أنوار الْحِكْمَة من لوح النَّفس الأفلاطونية من غير عبارَة وَإِشَارَة. وَالثَّانيَِة: الرواقيون وهم الَّذين حَضَرُوا مَجْلِسه وجلسوا فِي الرواق واقتبسوا أنوار الْحِكْمَة من عباراته وإشاراته. وَالثَّالِثَة: المشاؤون وهم الَّذين يَمْشُونَ فِي ركابه واستفادوا الْحِكْمَة مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالة وأرسطو مِنْهُم وَقيل المشاؤون هم الَّذين يَمْشُونَ فِي ركاب أرسطو. رُؤْيا الْمُؤمن: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي بَاب مَا جَاءَ فِي رُؤْيَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَنَام وَذَلِكَ لِأَن مُدَّة الْوَحْي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَكَانَت ابتداؤه سِتَّة أشهر فِي النّوم وبالتنصيف يصير سِتَّة وَأَرْبَعين نصف سنة فَتكون الرُّؤْيَا وَهِي سِتَّة أشهر جُزْءا مِنْهَا. وَقَالَ الْفَاضِل المدقق مَوْلَانَا عِصَام الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح الشَّمَائِل جعل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الرُّؤْيَا جُزْءا من النُّبُوَّة وَيُرَاد بِهِ أَنه مُوَافق لما هُوَ جُزْء من النُّبُوَّة. وتوجيه كَونه جُزْءا من سِتَّة وَأَرْبَعين بِأَن زمَان الْوَحْي ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وَسِتَّة أشهر قبلهَا كَانَت رُؤْيا ضَعِيف لِأَنَّهُ لم يثبت كَون زمَان الرُّؤْيَا سِتَّة أشهر وَلِأَنَّهُ كَمَا جَاءَ سِتَّة وَأَرْبَعين. جَاءَ فِي رُؤْيَة مُسلم رُؤْيا الْمُسلم جُزْء من خَمْسَة وَأَرْبَعين وَجَاء من سبعين. وَفِي غير مُسلم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا من أَرْبَعِينَ جُزْءا وَفِي رِوَايَة من تِسْعَة وَأَرْبَعين وَفِي رِوَايَة الْعَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من خمسين وَفِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود من عشْرين وَمن رِوَايَة عباد من أَرْبَعَة وَأَرْبَعين. وَالْحق أَنه من التوقيفيات وَلَا يعرف إِلَّا بِبَيَان الشَّارِع انْتهى. وروى البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يبْق من النُّبُوَّة إِلَّا الْمُبَشِّرَات قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَات قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة - وَقَالَ الْخطابِيّ رَحمَه الله المُرَاد من رُؤْيا الْمُؤمن الحَدِيث تَحْقِيق أَمر من الرُّؤْيَا وتأكيده إِيَّاه وَإِنَّمَا كَانَت جُزْءا من أَجزَاء النُّبُوَّة فِي حق الْأَنْبِيَاء دون غَيرهم فَكَانَ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام يُوحى إِلَيْهِم فِي النّوم واليقظة انْتهى. الرُّؤْيَا: بِالضَّمِّ مصدر كالبشرى وَجَمعهَا رُؤِيَ بِالتَّنْوِينِ ذكره الْجَوْهَرِي وَهِي مَا يرى فِي الْمَنَام وَهِي صَادِقَة وكاذبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 ف (52) " الرّوم: بِالْفَتْح فِي الْقَامُوس الطّلب وحركة مختلسة مخفاة وَهِي أَكثر من الأشمام لِأَنَّهَا تسمع. وَهُوَ عِنْد عُلَمَاء الصّرْف تصوت ضَعِيف كَأَنَّك تروم الْحَرَكَة وَلَا تتمها بل تختلسها اختلاسا تَنْبِيها على حَرَكَة الْوَصْل ونبذ من تَفْصِيله فِي الأشمام وَفِي الاصطلاحات الشَّرِيفَة الشريفية الرّوم أَن يَأْتِي بالحركة الْخَفِيفَة بِحَيْثُ لَا يشْعر بِهِ الْأَصَم. الرّوح الإنساني: اللطيفة العاملة المدركة من الْإِنْسَان الراكبة على الرّوح الحيواني نَازل من عَالم الْأَمر يعجز الْعُقُول عَن إِدْرَاك كنهه وَتلك الرّوح قد تكون مُجَرّدَة وَقد تكون منطبعة فِي الْبدن. الرّوح الحيواني: جسم لطيف منبعث عَن تجويف الْقلب الجسماني وينتشر بِوَاسِطَة الْعُرُوق الضوارب إِلَى سَائِر أَجزَاء الْبدن. الرّوح الْأَعْظَم: هُوَ الرّوح الإنساني مظهر الذَّات الإلهية من حَيْثُ ربوبيتها وَلذَلِك لَا يُمكن أَن يحوم حولهَا حائم وَلَا يروم وَصلهَا رائم لَا يعلم كنهه إِلَّا الله العلام هُوَ الْعقل الأول والحقيقة المحمدية وَالنَّفس الْوَاحِدَة والحقيقة الاسمائية وَهُوَ أول مَوْجُود خلقه الله تَعَالَى على صورته. الروي: هُوَ الْحَرْف الْوَاقِع فِي آخر القافية. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ الْحَرْف الَّذِي تبتنى عَلَيْهِ القصيدة وتنسب إِلَيْهِ فَيُقَال قصيدة ميمية أَو لامية. الرُّؤْيَة: الْمُشَاهدَة بالبصر وَهِي الرُّؤْيَة البصرية أَو بِالْقَلْبِ وَهِي الرُّؤْيَة القلبية والعلمية وَكَيْفِيَّة الرُّؤْيَة فِي قَوس قزَح إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالْمرَاد بِالرُّؤْيَةِ فِي قَوْلهم ورؤية الله تَعَالَى جَائِزَة فِي الْعقل الانكشاف التَّام بالبصر. وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي شرح العقائد فِي مَبْحَث الرُّؤْيَة وَمن السمعيات قَوْله تَعَالَى: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} وَالْجَوَاب بعد تَسْلِيم كَون الْأَبْصَار إِلَى قَوْله على عُمُوم الْأَوْقَات وَالْأَحْوَال. قَوْله بعد تَسْلِيم كَون الْأَبْصَار للاستغراق يَعْنِي لَا نسلم أَولا أَن الْأَبْصَار للاستغراق لم لَا يجوز أَن يكون إِشَارَة إِلَى الْبَعْض الْخَاص. قَوْله وإفادته عُمُوم السَّلب لَا سلب الْعُمُوم. يَعْنِي لَا نسلم أَولا أَنه يُفِيد عُمُوم السَّلب يَعْنِي لَا يُدْرِكهُ كل بصر من الْأَبْصَار لم لَا يجوز أَن يُفِيد سلب الْعُمُوم يَعْنِي لَا تُدْرِكهُ جَمِيع الْأَبْصَار فَيجوز أَن يُدْرِكهُ بعض الْأَبْصَار. قَوْله وَكَون الْإِدْرَاك الخ يَعْنِي لَا نسلم أَولا أَن الْمَنْفِيّ هُوَ الرُّؤْيَة مُطلقًا لم لَا يجوز أَن يكون الْمَنْفِيّ هُوَ الرُّؤْيَة على وَجه الْإِحَاطَة بجوانب المرئي. قَوْله إِنَّه لَا دلَالَة الخ. خير قَوْله وَالْجَوَاب يَعْنِي الْجَواب بعد هَذِه التسليمات أَنه يجوز أَن يكون المُرَاد لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار فِي الدُّنْيَا وَفِي وَقت خَاص وَحَال معهودة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 هَذَا مَا حررناه فِي التعليقات على ذَلِك الشَّرْح وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ هَا هُنَا طَاعَة لأمر بعض الأحباب. وَفِي رُؤْيَة نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ربه تَعَالَى لَيْلَة الْمِعْرَاج اخْتلفت الرِّوَايَات. وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل الْأَنْبِيَاء وحبِيب الله تَعَالَى وَبَينه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَين الله تَعَالَى من الْأَسْرَار والرموز مَا لَيْسَ بَينه تَعَالَى وَبَين غَيره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِن جنابه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أقدس وَأَرْفَع نعم مَا قَالَ مَوْلَانَا جمالي ذُو الْجمال والكمال رَحمَه الله. (مُوسَى زهوش رفت زيك برتوصفات. توعين ذَات مي نكرِي درتبسمي) . ورؤية الله تَعَالَى فِي الْمَنَام فِي (من رَآنِي فقد رأى الْحق) إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الروث: فِي الخثى. (بَاب الرَّاء مَعَ الْهَاء) الرَّهْن: فِي اللُّغَة الْحَبْس وَجعل الشَّيْء مَحْبُوسًا أَي شَيْء كَانَ بِأَيّ سَبَب كَانَ وَفِي الشَّرْع هُوَ حبس شَيْء بِحَق يُمكن اسْتِيفَاء ذَلِك الْحق من ذَلِك الشَّيْء وَذَلِكَ الْحق هُوَ الدّين وَيُطلق على الْمَرْهُون أَيْضا تَسْمِيَة للْمَفْعُول باسم الْمصدر. الرَّهْط: من الثَّلَاثَة أَو من السَّبْعَة إِلَى الْعشْرَة كَذَا فِي مُخْتَصر الْكَشَّاف. (بَاب الرَّاء مَعَ الْيَاء) الريمياء: فِي الطلسم. الرياضي: هُوَ الْعلم الْأَوْسَط فاطلبه هُنَاكَ. الرِّيَاء: زِيَادَة الْعَمَل الْخَيْر على الْمُعْتَاد لإراءة النَّاس فَلهَذَا يتَصَوَّر فِي الصَّلَاة دون الصَّوْم نعم يتَصَوَّر فِي عدد الصَّوْم. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الرِّيَاء ترك الْإِخْلَاص فِي الْعَمَل بملاحظة غير الله فِيهِ. الرّيح: هُوَ المتحرك من الْهَوَاء وَله أَسبَاب شَتَّى لِأَنَّهُ قد يكون لاندفاع من جَانب إِلَى جَانب يعرض لَهُ بِسَبَب تراكم السحب وتزاحمها. وَقد يكون لانبساط الْهَوَاء بالتخلخل فِي جِهَة واندفاعه من جِهَة إِلَى جِهَة أُخْرَى فَيدْفَع الْهَوَاء المنبسط مَا يجاوره وَذَلِكَ المجاور أَيْضا يدافع مَا يجاوره فيتموج الْهَوَاء وتضعف تِلْكَ المدافعة شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى غَايَة مَا فيقف وَقد يكون لتكاثف الْهَوَاء لِأَنَّهُ إِذا صغر حجمه يَتَحَرَّك الْهَوَاء المجاور إِلَى جِهَة ضَرُورَة امْتنَاع الْخَلَاء وَقد يكون بِسَبَب برد الدُّخان المتصعد إِلَى الطَّبَقَة الزمهريرية ونزوله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 اعْلَم أَن الرّيح وَاحِدًا تسْتَعْمل فِي الشَّرّ والرياح جمعا فِي الْخَيْر. فَإِن قلت: فَكيف قَالَ صَاحب القصيدة الْبردَة أَبُو عبد الله الشَّيْخ شرف الدّين مُحَمَّد بن سعيد قدس سره فِيهَا. أم هبت الرّيح من تِلْقَاء كاظمة. مَعَ أَن الرّيح الَّتِي جَاءَت من جَانب الحبيبة خير لَا شَرّ قُلْنَا: ذَلِك فِيمَا إِذا اسْتعْملت نكرَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {برِيح صَرْصَر عاتيه وجاءتها ريح عاصف} . بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت معرفَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام أَنِّي لأجد ريح يُوسُف. فَافْهَم واحفظ. الرياضة: تَهْذِيب الْأَخْلَاق النفسية وإيقاع الْبدن فِي الْمَشَقَّة لتحصيله وَلِهَذَا قَالَ قَائِل. (بِي رياضت نتوان شهرة آفَاق شدن ... مَه جو لاغرشود انكشت نما ميكردد) فِي شمائل الأتقياء الرياضة هِيَ الْأَعْرَاض عَن الْأَغْرَاض الشهوانية والإقبال إِلَى الطّرق الربانية فَعِنْدَ الشَّرِيعَة مِمَّا كَانَ حَرَامًا وَعند الطَّرِيقَة مِمَّا كَانَ مُبَاحا وَعند الْحَقِيقَة مِمَّا كَانَ حَلَالا. الريب: اسْم بِمَعْنى الشَّك لَا مصدر وَقد يَجْعَل مصدرا من بَاب راب يريب إِذا أوقع فِي الشَّك فَمَعْنَاه الْإِيقَاع فِيهِ. قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول قَوْله مِمَّا لَا يَصح أَن يحكم بِهِ لِكَثْرَة المرتابين وَذَلِكَ لِأَن الريب هَا هُنَا بِمَعْنى الشَّك فوجود المرتاب يسْتَلْزم وجوده قطعا وَإِن جعل مصدرا لقولنا رابه فارتاب احْتِيجَ إِلَى تكلّف وَهُوَ أَن الارتياب الخ. اعْلَم أَن غَرَض السَّيِّد قدس سره من هَذَا الْكَلَام دفع مَا يرد من أَن تَعْلِيل عدم صِحَة الحكم بِلَا ريب فِيهِ بِكَثْرَة المرتابين لَيْسَ بِصَحِيح لِأَن وجود المرتابين يسْتَلْزم وجود الارتياب لَا وجود الريب حَتَّى لَا يَصح الحكم بِلَا ريب. وَحَاصِل الدّفع أَن الريب فِي الْآيَة الْكَرِيمَة اسْم بِمَعْنى الشَّك لَا مصدر من رابه فارتاب بِمَعْنى الْإِيقَاع فِي الشَّك فوجود الارتياب مُسْتَلْزم لوُجُود الريب فصح التَّعْلِيل بِلَا كلفه وَإِن جعل مصدر أفصحته محتاجة إِلَى تكلّف بِأَن الارتياب أثر الريب وَوُجُود الْأَثر دَال على وجود التَّأْثِير فوجود الارتياب دَال على وجود الريب فصح لتعليل بِلَا ريب. فَافْهَم وَكن من الشَّاكِرِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 ( [حرف الزَّاي] ) (بَاب الزَّاي مَعَ الْألف) الزَّائِد: من زَاد يزِيد زِيَادَة. وَفِي عرف أَرْبَاب الْحساب مَا مر فِي التَّام وَيُسمى الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فِي بَاب الْجَبْر والمقابلة زَائِد أَو الْمُسْتَثْنى نَاقِصا. وَمعنى قَوْلهم إِن ضرب الزَّائِد فِي مثله والناقص فِي مثله زائدان مَا لَيْسَ بداخل تَحت حرف الِاسْتِثْنَاء إِذا ضرب فِي مثله يكون الْحَاصِل أَيْضا كَذَلِك كَمَا إِذا ضربت عشرَة أعداد فِي عشرَة أعداد يكون الْحَاصِل مائَة لَا إِلَّا مائَة وَإِذا ضرب مَا كَانَ دَاخِلا تَحت حرف اسْتثِْنَاء فِي مثله يكون الْحَاصِل مَا لَيْسَ بداخل تَحْتَهُ كَمَا إِذا ضربت الْأَشْيَاء فِي الْأَشْيَاء يكون الْحَاصِل مَالا. وَمعنى قَوْلهم إِن ضرب الْمُخْتَلِفين نَاقص إِن مَا كَانَ دَاخِلا تَحت حرف الِاسْتِثْنَاء إِذا ضرب فِيمَا لَيْسَ دَاخِلا تَحْتَهُ يكون الْحَاصِل نَاقِصا أَي دَاخِلا تَحت حرف الِاسْتِثْنَاء كَمَا إِذا ضربت الْأَشْيَاء فِي مَال أَو بِالْعَكْسِ يكون الْحَاصِل إِلَّا مَالا. فَافْهَم واحفظ. الزاوية: لَيست بشكل بل هَيْئَة وَكَيْفِيَّة عارضة للمقدار من حَيْثُ إِنَّه محاط بِحَدّ كَمَا فِي رَأس المخروط المستدير أَو أَكثر إحاطة غير تَامَّة. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هِيَ الْهَيْئَة الْعَارِضَة للسطح الْحَاصِلَة بتلاقي الخطين مثلا على نقطة من السَّطْح وَهِي قَائِمَة ومنفرجة وحادة لِأَنَّهُ إِذا وَقع خطّ مُسْتَقِيم على مثله بِحَيْثُ يحدث عَن جَنْبَيْهِ زاويتان متساويتان فَكل وَاحِدَة مِنْهُمَا تسمى قَائِمَة وهما قائمتان وَإِذا وَقع بِحَيْثُ يحدث هُنَاكَ زاويتان مُخْتَلِفَتَانِ فِي الصغر وَالْكبر فالصغرى تسمى حادة والكبرى منفرجة. وَأما إِذا وَقع خطّ مُسْتَقِيم على قَوس فَإِنَّهُ يحدث حادتان فِي الدَّاخِل ومنفرجتان فِي الْخَارِج. فَيعلم من هَذَا الْبَيَان أَن حُصُول الزاوية غير مُحْتَاج إِلَى الْإِحَاطَة التَّامَّة وَأما حُصُول الزوايا الثَّلَاث للمثلث فَهُوَ مَوْقُوف على الْإِحَاطَة التَّامَّة. لَكِن إِذا نظرت بدقة النّظر علمت أَن شكل المثلث من حَيْثُ هُوَ هُوَ مَوْقُوف على الْإِحَاطَة التَّامَّة والزوايا الثَّلَاث من حَيْثُ هِيَ هِيَ لَيست كَذَلِك. الزاجر: واعظ من الله تَعَالَى فِي قلب الْمُؤمن وَهُوَ النُّور الْمَقْذُوف فِيهِ الدَّاعِي لَهُ إِلَى الْحق. الزحاف: بِالْكَسْرِ سستي. وَعند أَرْبَاب الْعرُوض هُوَ التَّغَيُّر فِي أَجزَاء الشّعْر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 الزَّاهِد: فِي الإشارات المعرض عَن مَتَاع الدُّنْيَا وطيباتها يخص باسم الزَّاهِد. والمواظب على فعل الْعِبَادَات من الْقيام وَالصِّيَام وَنَحْوهمَا يخص باسم العابد. والمنصرف بفكر إِلَى قدس الجبروت مستديما لشروق نور الْحق فِي سره يخص باسم الْعَارِف انْتهى. والسر هُوَ النَّفس الناطقة بعد تَهْذِيب أخلاقها. (بَاب الزَّاي مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الزبر: بِالضَّمِّ جمع الزبُور وَهُوَ الْكتاب الْمَقْصُور على الحكم من زبرته إِذا حَبسته. وَقيل الزبر المواعظ والزواجر من زبرته إِذا زجرته. وَقد يُرَاد بهَا الْحُرُوف الأول من أَسمَاء حُرُوف التهجي كَمَا يُرَاد بِالْبَيِّنَاتِ الْحُرُوف الَّتِي سوى الْحُرُوف الأول من تِلْكَ الْأَسْمَاء. كَمَا قَالَ أَبُو الْفضل فِي تَعْرِيف سُلْطَان الْهِنْد أكبر. (أكبر كه بآفتاب داردنسبت ... ابْن نكته زبينات اسْما بيدا سِتّ) بِمَعْنى أَن للأكبر نِسْبَة إِلَى الشَّمْس بِأَنَّهُ حبلت جدته (آلن قوي) من الشَّمْس فَولدت جده كَمَا قيل وَيدل عَلَيْهِ مُوَافقَة عدد أكبر بِعَدَد بَيِّنَات أَسمَاء حُرُوف آفتاب فَإِن عدد أكبر مِائَتَان وَثَلَاثَة وَعِشْرُونَ ومجموع أعداد بَيِّنَات ألف - وفا - وتا - وَألف - وبالتي هِيَ أَسمَاء حُرُوف آفتاب وَهِي لف وَاثْنَانِ ولف وَوَاحِد أَيْضا كَذَلِك. (بَاب الزَّاي مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الزرارية: جماع زُرَارَة بن أعين قَالُوا بحدوث صِفَات الله تَعَالَى. (بَاب الزَّاي مَعَ الْعين الْمُهْملَة) الزعفرانية: طَائِفَة قَالُوا كَلَام الله تَعَالَى غَيره وكل مَا هُوَ غَيره مَخْلُوق لَهُ تَعَالَى وَقَالُوا إِن من قَالَ كَلَام الله تَعَالَى غير مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 الزَّعْم: هُوَ القَوْل بِلَا دَلِيل. وَالْمَشْهُور أَن الزَّعْم هُوَ الِاعْتِقَاد الْبَاطِل أَي غير المطابق للْوَاقِع سَوَاء اعتقدها الْقَائِل أَو لَا. (بَاب الزَّاي مَعَ الْكَاف) الزَّكَاة: فِي اللُّغَة الطَّهَارَة والنماء وَالزِّيَادَة. وَفِي الشَّرْع إيتَاء جُزْء من النّصاب الحولي إِلَى الْفَقِير وَقيل هِيَ اسْم للقدر الَّذِي يخرج إِلَى الْفَقِير وَيُسمى الزَّكَاة صَدَقَة أَيْضا لدلالتها على الصدْق فِي الْعُبُودِيَّة كَمَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّدَقَة برهَان. وَفِي كنز الدقائق يجب فِي مِائَتي دِرْهَم وَعشْرين دِينَارا ربع الْعشْر وَمَعْرِفَة قدر الدَّرَاهِم وَالدِّينَار فِي محلهَا. (بَاب الزَّاي مَعَ اللَّام) الزلزلة: بِالْفَارِسِيَّةِ (لرزه ولرزه زمين) - قَالَ الله تَعَالَى {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} - وسببها أَن البخار إِذا احْتبسَ فِي الأَرْض يمِيل إِلَى جِهَة ويتبرد ببرودة الأَرْض فينقلب البخار مياها مختلطة بأجزاء بخارية فَإِذا كثر بِحَيْثُ لَا تسعه الأَرْض أوجب انْشِقَاق الأَرْض وانفجر مِنْهَا الْعُيُون وَإِذا غلظ البخار بِحَيْثُ لَا ينفذ فِي مجاري الأَرْض أَو كَانَت الأَرْض كثيفة عديمة المسام اجْتمع طَالبا لِلْخُرُوجِ وَلم يُمكنهُ النّفُوذ فتزلزلت الأَرْض وَكَذَا الرّيح وَالدُّخَان إِذا احْتبسَ فِي الأَرْض فَتحدث الزلزلة وَرُبمَا قويت الْمَادَّة على شقّ الأَرْض فَيحدث صَوت هائل وَقد تخرج نَار لشدَّة الْحَرَكَة الْمُقْتَضِيَة لاشتعال البخار وَالدُّخَان الممتزجين الَّذين يحصل من امتزاجهما طبيعة الدّهن. (بَاب الزَّاي مَعَ الْمِيم) الزَّمَان: عِنْد الْمُتَكَلِّمين عبارَة عَن متجدد مَعْلُوم يقدر بِهِ متجدد آخر موهوم كَمَا يُقَال آتِيك عِنْد طُلُوع الشَّمْس فَإِن طُلُوع الشَّمْس مَعْلُوم متجدد ومجيئه موهوم فَإِذا قرن ذَلِك الموهوم بذلك الْمَعْلُوم زَالَ الْإِبْهَام. وَعند الْحُكَمَاء فِي الْمَشْهُور مَا ذهب إِلَيْهِ أرسطو مِنْهُم من أَنه مِقْدَار حَرَكَة الْفلك الأطلس الْأَعْظَم يَعْنِي أَن الزَّمَان كم مُتَّصِل قَائِم بحركة الْفلك المحدد. فَإِن قيل. مَا الدَّلِيل على أَنه كم قُلْنَا. الزَّمَان يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان كَمَا ثَبت فِي مَوْضِعه وكل مَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَهُوَ كم فالزمان كم. فَإِن قيل. كَون الزَّمَان كَمَا مَوْقُوف على كَونه قَابلا للزِّيَادَة وَالنُّقْصَان بِالذَّاتِ وَهُوَ مَمْنُوع. قُلْنَا. يطهر عِنْد الاتصاف والتحاشي عَن الاعتساف أَنه قَابل لَهما بِالذَّاتِ وَالتَّفْصِيل فِي الْحَوَاشِي الفخرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 فَإِن قيل مَا الدَّلِيل على أَنه كم مُتَّصِل. قُلْنَا. الزَّمَان أَمر ممتد لَيْسَ مركبا من آنات متتالية مجتمعة حَتَّى تكون تِلْكَ الآنات معدودات فَيكون كَمَا مُنْفَصِلا. فَإِن قيل. لَو تركب من آنات مجتمعة لَا يلْزم كَونه مُنْفَصِلا لِأَنَّهُ مَا لَا يكون بَين أَجْزَائِهِ حد مُشْتَرك وَالزَّمَان لَو تركب مِنْهَا لَكَانَ الْآن حدا مُشْتَركا بَين أَجْزَائِهِ وَهُوَ يصلح لِأَن يكون حدا مُشْتَركا لِأَنَّهُ غير منقسم حَتَّى يلْزم من اعْتِبَاره فِي أحد الْجَانِبَيْنِ زِيَادَة ذَلِك الْجَانِب ونقصان الْجَانِب الآخر. قُلْنَا. يلْزم الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان من حَيْثُ الْعدَد وَإِن لم يلْزم من حَيْثُ الْمِقْدَار وعدمهما مُعْتَبر فِي الْحَد الْمُشْتَرك. فَإِن قيل. لم لَا يجوز أَن يكون مركبا من آنات متتالية مجتمعة. قُلْنَا. لَو تركب مِنْهَا للَزِمَ الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ وَهُوَ بَاطِل. وَوجه الْمُلَازمَة أَن الزَّمَان مُطَابق للحركة الْمُطَابقَة للمسافة الَّتِي يَقع عَلَيْهَا فَلَو تركب الزَّمَان من الآنات المتتالية لتركبت الْمسَافَة من الْأَجْزَاء الَّتِي لَا تتجزئ. فَلَيْسَ المُرَاد من أَن الزَّمَان مركب من آنين مثلا أَن الآنين موجودان فِيهِ بِالْفِعْلِ بل أَنَّهُمَا موجودان فِيهِ فرضا وانتزاعا وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْمَشْهُور للِاخْتِلَاف فِي وجود الزَّمَان عينا ثمَّ فِي حَقِيقَته فَمنهمْ من ظن عَدمه مُطلقًا وَقيل ثُبُوته وهمي لَا عَيْني. وَقيل إِنَّه وَاجِب الْوُجُود. وَقيل هُوَ الْفلك. وَقيل الْحَرَكَة مُطلقًا وَعند محققي الْحُكَمَاء هُوَ مِقْدَار حَرَكَة الْفلك الْأَعْظَم أَي الْفلك المحدد للجهات. ثمَّ اعْلَم أَن الزَّمَان غير ثَابت الْأَجْزَاء وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَنه غير مَوْجُود بل أَنه غير قار الْوُجُود بِمَعْنى غير مُجْتَمع الْأَجْزَاء. وَقَالَ الْفَاضِل الخلخالي فِي شرح (خُلَاصَة الْحساب) الزَّمَان إِنَّمَا هُوَ غير قار الذَّات أَي لَيْسَ مُجْتَمع الْأَجْزَاء وَإِلَّا لزم أَن يكون الْمَوْجُود فِي زمن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَوْجُودا فِي زَمَاننَا وَهُوَ بديهي الْبطلَان انْتهى - أَقُول الْمُلَازمَة مَمْنُوعَة لجَوَاز بَقَاء الظّرْف وفناء المظروف فَافْهَم. وَهَا هُنَا شُبْهَة مَشْهُورَة وَهِي أَنه إِذا لم تُوجد أجزاؤه مَعًا انْتَفَى بعض أَجْزَائِهِ أبدا وَإِذا انْتَفَى بعض أَجزَاء الشَّيْء انْتَفَى كُله. إِذْ انْتِفَاء الْجُزْء يسْتَلْزم انْتِفَاء الْكل فَيلْزم أَن يكون مَعْدُوما لَا مَوْجُودا. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذِه الشُّبْهَة متوجهة على جَمِيع الْأُمُور الْغَيْر القارة الَّتِي حكم بوجودها قطعا. (وحلها) أَن الْأَمر الْمَوْجُود لَا بُد لَهُ من وجود أَجْزَائِهِ بِلَا شُبْهَة لَكِن الْمَوْجُود القار الْوُجُود يَقْتَضِي وجود أَجْزَائِهِ مجتمعة فِي آن وَاحِد وَالْمَوْجُود الْغَيْر القار الْوُجُود يَقْتَضِي وجود أَجْزَائِهِ فِي تَمام الزَّمَان غير مجتمعة. وَبِالْجُمْلَةِ إِذا انْتَفَى الْجُزْء انْتَفَى الْكل. أما فِي الْأَمر الْغَيْر القار فَيَنْتَفِي بِانْتِفَاء وجود الْجُزْء فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة وَلَا يُنَافِي وجوده انْتِفَاء اجْتِمَاع الْأَجْزَاء فِي آن وَاحِد وَإِنَّمَا الْمنَافِي أَن لَا يُوجد جزؤه أصلا. فَاعْلَم ذَلِك فَإِنَّهُ من دقائق الْحَقَائِق انْتهى. وفيهَا أَيْضا أَقُول فِي كَون الزَّمَان غير مُجْتَمع الْأَجْزَاء إِشْكَال قوي وَهُوَ أَن الْأَجْزَاء إِن أُرِيد مِنْهَا الْأَجْزَاء الذهنية الَّتِي هِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 الْأَجْنَاس والفصول فَلَا شكّ فِي وجوب اجتماعها ليحصل مَاهِيَّة حَقِيقَة مَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَإِن أُرِيد مِنْهَا أَجزَاء الزَّمَان هِيَ إمكانات قطوع الْمسَافَة وَهِي غير مجتمعة فِي الْوُجُود لِأَنَّهَا مُطَابقَة مَعَ قطوع أَجزَاء الْمسَافَة كَذَا العامات وَالْأَيَّام والليالي غير مجتمعة بديهية. أَقُول عدم اجْتِمَاع هَذِه الْأُمُور مُسلم لَكِن لَا نسلم كَونهَا أَجزَاء للزمان بل أَفْرَاد لَهُ إِذْ لَا ريب فِي أَن هَذِه الْأُمُور تحمل على الزَّمَان والأجزاء الخارجية لَا تحمل على الْكل قطعا وَإِن زيد مِنْهَا الْأَفْرَاد فَمَعَ بعد هَذِه الْإِرَادَة يلْزم أَن يكون مثل الْإِنْسَان أَيْضا غير قار الذَّات لظُهُور أَنه لَا يجْتَمع جَمِيع أَفْرَاده فِي الْوُجُود وَلَا يجدي اجْتِمَاع بعض أَفْرَاده لِأَن الزَّمَان أَيْضا يجْتَمع ساعاته مَعَ الْأَيَّام والليالي وَفِيه تَأمل. وَهَذَا الْإِشْكَال مُتَوَجّه على جَمِيع الْأُمُور الْغَيْر القارة ثمَّ أَقُول غَايَة مَا يُمكن أَن يُقَال فِي حلّه أَنه لَعَلَّ مُرَادهم من الْأَجْزَاء الْأَفْرَاد كَمَا يفهم من بيانهم وَمعنى الْأَمر القار هُوَ مَا يُمكن اجْتِمَاع جَمِيع أَفْرَاده والإنصاف أَنه يُمكن عِنْد الْعقل اجْتِمَاع جَمِيع أَفْرَاد الْإِنْسَان وَلَا يُمكن عِنْده اجْتِمَاع جَمِيع أَفْرَاد الزَّمَان مثل قطوع أَجزَاء الْمسَافَة. وَالتَّحْقِيق أَن الزَّمَان لَا جُزْء لَهُ وَلَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان إِلَّا بِحَسب الْخَارِج. وَقَالَ الْحَكِيم صَدرا فِي الشواهد الربوبية قد أورد الْإِشْكَال فِي عرُوض التَّقَدُّم والتأخر فِي أَجزَاء الزَّمَان من جِهَة أَنه لَو كَانَ مناطهما الزَّمَان لَكَانَ للزمان زمَان وَهَكَذَا إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ. فَأُجِيب عَنهُ بِأَن غير الزَّمَان يحْتَاج إِلَى الزَّمَان فِي عروضهما وَأما أَجزَاء الزَّمَان فَهِيَ بِنَفس ذَاتهَا مُتَقَدّمَة ومتأخرة لَا بِشَيْء آخر. وَقد اسْتشْكل هَذَا بِأَن أَجزَاء الزَّمَان لاتصاله متشابهة الْحَقِيقَة فَكيف يكون بَعْضهَا مُتَقَدما وَبَعضهَا مُتَأَخِّرًا. فَأُجِيب بِأَن حَقِيقَة الزَّمَان اتِّصَال أَمر متجدد منقض لذاته وكل مَاهِيَّة حَقِيقَته اتِّصَال التجدد والتقضي يكون أجزاءه مُتَقَدّمَة ومتأخرة لذواتها فاختلاف الْأَجْزَاء بالتقدم والتأخر من ضروريات هَذِه الْحَقِيقَة انْتهى. وَقَالَ خَاتم الْحُكَمَاء المتشرعين فِي نقد المحصل أَن الزَّمَان إِمَّا الْمَاضِي وَإِمَّا الْمُسْتَقْبل وَلَيْسَ قسم آخر هُوَ الْآن إِنَّمَا الْآن فصل مُشْتَرك بَين الْمَاضِي والمستقبل كالنقطة فِي الْخط والماضي لَيْسَ بمعدوم فظاهرا إِنَّمَا هُوَ مَعْدُوم فِي الْمُسْتَقْبل والمستقبل مَعْدُوم فِي الْمَاضِي وَكِلَاهُمَا معدومان الْحَال وكل وَاحِد مِنْهُمَا مَوْجُود فِي حَده وَلَيْسَ عدم شَيْء فِي شَيْء هُوَ عَدمه مُطلقًا فَإِن السَّمَاء مَعْدُوم فِي الْبَيْت وَلَيْسَ بمعدوم فِي مَوْضِعه وعَلى هَذَا فَالْآن عرض حَال فِي الزَّمَان وَلَيْسَ بِجُزْء مِنْهُ وَلَيْسَ فناؤه إِلَّا بعبور زمَان فَلَا يلْزم مِنْهُ تتالي الآنات انْتهى وَمذهب الأشاعرة أَن الزَّمَان أَمر متجدد مَعْلُوم يقدر بِهِ متجدد مُبْهَم. وَإِزَالَة الْإِبْهَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 وَالتَّفْصِيل فِي شرح المواقف. وَإِن أردْت مَا بَقِي من تَحْقِيق الزَّمَان فَانْظُر فِي الدَّهْر والسرمد حَتَّى ينْكَشف عَلَيْك وَجه الامتياز بَين هَذِه الثَّلَاثَة وتطلع شموس الْهِدَايَة وَتذهب ليَالِي الضَّلَالَة فِيهِ. الزَّمْهَرِير: فِي الْهَوَاء إِن كنت تهوي فطر فِي الْهَوَاء. زمَان فَتْرَة الرُّسُل: أَي زمَان فقد النَّبِي وَعدم وُصُول دَعوته إِلَى الْأمة وهم معذورون لعدم اطلاعهم على الْمَأْمُور بِهِ والمنهي عَنهُ. وَقَالَت الْمُعْتَزلَة أَنهم معذبون بترك الْوَاجِبَات لِأَن الْعقل كَاف فِي معرفَة حسن الْأَشْيَاء وقبحها وَيرد عَلَيْهِم قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} . ف (53) : (بَاب الزَّاي مَعَ النُّون) الزندقة: أَن لَا يُؤمن بِالآخِرَة ووحدانية الْخَالِق. الزنديق: فِي الْمُنَافِق وَعَن ثَعْلَب أَن الزنديق مَعْنَاهُ الملحد والدهري. وَعَن ابْن دُرَيْد أَنه فَارسي مُعرب وَأَصله زنده وَهُوَ من يَقُول بدوام الدَّهْر وَحكم إِجْرَاء أَحْكَام الْإِسْلَام عَلَيْهِ لكَونه مظهر الْإِسْلَام وَنحن نحكم بِالظَّاهِرِ. وَفِي شرح الْمَقَاصِد وَإِن كَانَ باعترافه بنبوة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإظهاره شَعَائِر الْإِسْلَام يبطن العقائد الَّتِي هِيَ كفر بالِاتِّفَاقِ خص باسم الزنديق وَهُوَ فِي الأَصْل مَنْسُوب إِلَى زند اسْم كتاب أظهره مزدك فِي أَيَّام قباد وَزعم أَنه تَأْوِيل كتاب الْمَجُوس الَّذِي جَاءَ بِهِ زرادشت يَزْعمُونَ أَنه نَبِيّهم. الزَّنَادِقَة: فِي مَفَاتِيح الْعُلُوم هم المانوية وَكَانَ المزدكية يسمون بذلك ومزدك هُوَ الَّذِي ظهر فِي أَيَّام قباد وَزعم أَن الْأَمْوَال وَالنِّسَاء مُشْتَركَة وَأظْهر كتابا سَمَّاهُ (زند) وَهُوَ كتاب الْمَجُوس الَّذِي جَاءَ بِهِ زرادشت الَّذِي يَزْعمُونَ أَنه نَبِي فنسب أَصْحَاب مزدك إِلَى زند وعربت فَقيل زنديق وَجمعه الزَّنَادِقَة. الزِّنَا: وطئ فِي قبل خَال عَن ملك الْوَاطِئ وشبهته. الزنجار: معرف الزنكار وَهُوَ عَمَلي يصنع من النّحاس والنوشادر والخل وَمَاء الليمون. ف (54) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 (بَاب الزَّاي مَعَ الْوَاو) الزَّوْج: بِالْفَارِسِيَّةِ جَفتْ وشوهر. فِي الْقَامُوس الزَّوْج البعل وَالزَّوْجَة وَخلاف الْفَرد فَإِن الْعدَد يَنْقَسِم إِلَى الزَّوْج والفرد. وَالزَّوْج كل عدد يَنْقَسِم بمتساويين والفرد مَا لَا يَنْقَسِم كَذَلِك. وَالزَّوْج يَنْقَسِم بِثَلَاثَة أَقسَام كَذَلِك لِأَنَّهُ إِن قبل التنصيف بِالآخِرَة إِلَى الْوَاحِد كالثمانية وَالْأَرْبَعَة يُسمى: زوج الزَّوْج: وَإِن لم يقبل ذَلِك لكنه ينصف أَكثر من مرّة وَاحِدَة يُسمى: زوج الزَّوْج والفرد: كاثني عشر وَإِن ينصف مرّة وَاحِدَة فَقَط كالعشرة يُسمى: زوج الْفَرد: فَافْهَم واحفظ. (بَاب الزَّاي مَعَ الْهَاء) الزّهْد: فِي اللُّغَة ترك الْميل إِلَى الشَّيْء. وَعند أَرْبَاب السلوك هُوَ بغض الدُّنْيَا والإعراض عَنْهَا. وَقيل ترك رَاحَة الدُّنْيَا طلبا لراحة العقبى وَيعرف من معرفَة الزَّاهِد أَيْضا. (بَاب الزَّاي مَعَ الْيَاء) الزيف: بِفَتْح الأول وَكسر الْيَاء الْمُشَدّدَة مَا يردهُ بَيت المَال من الدَّرَاهِم وَجمعه الزُّيُوف. الزَّيْتُون: عِنْد الصُّوفِيَّة النَّفس المستعدة للاشتعال بِنور الْقُدس بِقُوَّة الْفِكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 ( [حرف السِّين] ) (بَاب السِّين مَعَ الْألف) الساري: من السريان يُقَال المَاء سَار فِي الْورْد. السَّاكِن: من السّكُون وَهُوَ الْقَرار وَعدم الْحَرَكَة. وَعند أَرْبَاب التصريف السَّاكِن مَا يحْتَمل ثَلَاث حركات غير صورته كميم عَمْرو والمتحرك مَا يحْتَمل حركتين غير صورته كعين عمر والحرف الَّذِي يبتدأ بِهِ لَا يكون إِلَّا متحركا بِدَلِيل مَذْكُور فِي الِابْتِدَاء بالساكن. السَّاكِن إِذا حرك حرك بِالْكَسْرِ: لِأَن حَرَكَة السَّاكِن لَا تكون إِلَّا حَرَكَة الْبناء فأوثر لَهَا مَا هُوَ أبعد الحركات من المعربات وَهُوَ الكسرة إِذْ قد وجدناها لَا تدخل النَّوْعَيْنِ من المعربات وهما الِاسْم وَالْفِعْل بِخِلَاف أختيها فَافْهَم. السَّاق: مَشْهُور وَيُطلق على أحد أضلاع المثلث فِي الْأَكْثَر. السَّالِم: عِنْد الصرفيين مَا سلمت حُرُوفه الْأَصْلِيَّة الَّتِي تقَابل بِالْفَاءِ وَالْعين وَاللَّام من حُرُوف الْعلَّة والهمزة والتضعيف. وَعند النُّحَاة مَا لَيْسَ فِي آخِره حرف من حُرُوف الْعلَّة سَوَاء كَانَ فِي غَيره أَو لَا وَسَوَاء كَانَ أَصْلِيًّا أَو زَائِدا فَيكون نصر سالما عِنْد الْفَرِيقَيْنِ وَرمى غير سَالم عِنْدهمَا وَبَاعَ غير سَالم عِنْد الصرفيين وسالما عِنْد النُّحَاة واسلتقى سالما عِنْد الصرفيين وَغير سَالم عِنْد النُّحَاة. فالنسبة بَين الاصطلاحين عُمُوم وخصوص من وَجه. السالك: هُوَ الَّذِي مَشى على المقامات بِحَالهِ لَا بِعِلْمِهِ وتصوره فَكَانَ الْعلم الْحَاصِل لَهُ عينا يَأْبَى من وُرُود الشُّبْهَة المضلة لَهُ. السَّادة: جمع السَّيِّد وَهُوَ الَّذِي يملك تَدْبِير السوَاد الْأَعْظَم. السَّائِمَة: حَيَوَان أَن يَكْتَفِي بالرعي فِي أَكثر الْحول. السَّائِل: فِي اللُّغَة الطَّالِب الْأَدْنَى من الْأَعْلَى. وَفِي الْعرف طَالب كشف الْحَقَائِق والدقائق على سَبِيل الاستفادة لَا على سَبِيل الامتحان. وَفِي اصْطِلَاح المناظرة من نصب نَفسه لنفي الحكم الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي بِلَا نصب دَلِيل فعلي هَذَا يصدق السَّائِل على المناقض بِالنَّقْضِ التفصيلي فَقَط وَقد يُطلق على كل من تكلم على دَلِيل الْمُدَّعِي أَعم من أَن يكون مَانِعا أَو مناقضا بِالنَّقْضِ الإجمالي أَو مُعَارضا والذكي يعلم من هَا هُنَا معنى السُّؤَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 السَّاعَة: عِنْد أَرْبَاب النُّجُوم طاسان وَنصف طاس يَعْنِي (دونيم كهري) وَقد يُرَاد بهَا الزَّمَان الْقَلِيل. السَّائِب وَكَذَا السائبة: (شترى كه بصحرا سرداده باشند تاهر جا كه خواهد بجرد) - وَفِي الِاصْطِلَاح العَبْد الَّذِي يعْتق وَلَا يكون وَلَاؤُه لمعتقه وَيَضَع مَاله حَيْثُ شَاءَ. وَقيل كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أعتق رجل عبدا قَالَ هُوَ سائبة فَلَا عقل بَينهمَا وَلَا مِيرَاث. وَفِي الصراح السائبة العَبْد كَانَ الرجل إِذا قَالَ لغلامه أَنْت سائبة فقد عتق وَلَا يكون وَلَاؤُه لمعتقه انْتهى. وَعِنْدنَا أَن الْمُعْتق بِالْكَسْرِ يَرث من مُعْتقه مُطلقًا سَوَاء أعْتقهُ لوجه الله تَعَالَى أَو للشَّيْطَان أَو أعْتقهُ على أَنه سائبة أَو بِشَرْط أَن لَا وَلَاء عَلَيْهِ أَو عتقه على مَال أَو بِلَا مَال أَو بطرِيق الْكِتَابَة أَو التَّدْبِير أَو الِاسْتِيلَاد أَو ملك قريب. وَقَالَ مَالك رَحمَه الله أَن أعْتقهُ - لوجه الشَّيْطَان أَو بِشَرْط أَن لَا وَلَاء عَلَيْهِ لم يكن مُسْتَحقّا للولاء بِدَلِيل أَن الْوَلَاء عَطِيَّة من الله تَعَالَى بدل أَمر خير وَهُوَ الاعتاق وَلما أعتق لوجه الشَّيْطَان فقد عصى الله تَعَالَى فَيكون محروما من عطيته تَعَالَى وَمن صرح بِنَفْي الْوَلَاء عَن نَفسه فقد ردهَا فَلَا يَسْتَحِقهَا. وَلنَا أَن سَبَب الْوَلَاء هُوَ الْإِعْتَاق مُطلقًا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْوَلَاء لمن أعتق. وَالسَّبَب الْمَذْكُور مَوْجُود فِي تِلْكَ الصُّور فَيكون الْمُسَبّب مَوْجُودا أَيْضا بِالضَّرُورَةِ. ساباط: (سقف ميان دو ديواركه زير آن رَاه بود) (بَاب السِّين مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) السبيلا: فِي قَوْله تَعَالَى: {وأضلونا السبيلا} . الْألف فِيهِ للإشباع فَلَا إِشْكَال. السبحان: علم التَّسْبِيح غير منصرف كعثمان فَحِينَئِذٍ يقطع عَن الْإِضَافَة كَمَا فِي تَفْسِير القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله وَأما الْمُضَاف مثل سُبْحَانَهُ وَسُبْحَان الله فمصدر لَا غير مَنْصُوب على المصدرية بالدوام لَا غير بِمَعْنى التَّنْزِيه والتبعيد من السوء أَي أسبح سبحانا وأبرئ الله بَرَاءَة من السوء حذف الْفِعْل وَاجِبا قِيَاسا أَو سَمَاعا على اخْتِلَاف الْقَوْلَيْنِ فِي الْمصدر الْمُضَاف لقصد الدَّوَام والثبات وأقيم الْمصدر مقَامه وأضيف إِلَى الْفَاعِل وَهُوَ مَذْكُور من الْمُجَرّد وَاسْتعْمل بِمَعْنى الْمَزِيد فِيهِ كَمَا فِي أنبت الله نباتا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وَالضَّمِير لله تَعَالَى الْمَذْكُور على كل لِسَان وَالْمَحْفُوظ فِي كل قلب وجنان أَو بِاعْتِبَار دلَالَة الْمصدر عَلَيْهِ. السبر: بِالْكَسْرِ الامتحان وَيُسمى الترديد بالسبر والتقسيم أَيْضا فكلاهما بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ إِيرَاد أَوْصَاف الأَصْل إِلَى الْمَقِيس عَلَيْهِ وَإِبْطَال بَعْضهَا ليتعين الْبَاقِي للعلية كَمَا يُقَال عِلّة الْحُدُوث فِي الدَّار إِمَّا التَّأْلِيف أَو الْإِمْكَان وَالثَّانِي بَاطِل بالخلف لِأَن صِفَات الْوَاجِب تَعَالَى مُمكنَة وَلَيْسَت بحادثة فَتعين الأول كَمَا مر فِي (الترديد) . السب: الْقطع والطعن والشتم. وَفِي الْمَبْسُوط عَن عُثْمَان بن كنَانَة من شتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْمُسلمين قتل أَو صلب حَيا وَلم يستتب وَالْإِمَام مُخَيّر فِي صلبه حَيا أَو قَتله. وَمن رِوَايَة أبي المصعب وَابْن أبي أويس سمعنَا مَالِكًا يَقُول من سبّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو شَتمه أَو عابه أَو تنقصه قتل مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا وَلَا يُسْتَتَاب. وَذكر فِي الذَّخِيرَة فِي أَلْفَاظ الْكفْر وَكَذَا فِي أَجنَاس الناطفي أما إِذا سبّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو وَاحِدًا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ يقتل حدا وَلَا تَوْبَة لَهُ أصلا سَوَاء تَابَ بعد الْقُدْرَة وَالشَّهَادَة أَو جَاءَ تَائِبًا من قبل نَفسه كالزنديق لِأَنَّهُ حد وَجب فَلَا يسْقط بِالتَّوْبَةِ وَلَا يتَصَوَّر فِيهِ خلاف أحد لِأَنَّهُ حق يتَعَلَّق بِهِ حق العَبْد كَسَائِر حُقُوق الْآدَمِيّين وكحد الْقَذْف فَإِنَّهُ لَا يسْقط. وَفِي الْأَشْبَاه والنظائر سبّ الشَّيْخَيْنِ ولعنهما كفر وَإِن فضل عليا كرم الله وَجهه عَلَيْهِمَا فمبتدع كَذَا فِي الْخُلَاصَة وَفِيه أَيْضا كل كَافِر تَابَ فتوبته مَقْبُولَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا جمَاعَة الْكَافِر بسب نَبِي وبسب الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا أَو بِالسحرِ وَلَو امْرَأَة وبالزندقة إِذا أَخذ قبل تَوْبَته انْتهى. السبك: (آب كردن زر ونقره وسيلان وروان كردن) . وَيُرَاد بِهِ الذّكر وَالْبَيَان الصافي ونتيجة الْكَلَام وَحَاصِله وخلاصته. السَّبَب: مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَقْصُود وَمَا يكون مؤثرا فِي وجود الشَّيْء. وَفِي الشَّرْع مَا يكون طَرِيقا للوصول إِلَى الحكم وَلَا يكون مؤثرا فِيهِ. ثمَّ إِن السَّبَب سببان سَبَب مَحْض وَسبب من وَجه هُوَ سَبَب من وَجه آخر. أما السَّبَب الْمَحْض للشَّيْء فَهُوَ مَا يقْضِي إِلَيْهِ وَلَا يكون ذَلِك الشَّيْء عِلّة غائية لَهُ حَتَّى يكون ذَلِك السَّبَب مسببا بِالنّظرِ إِلَى علته الغائية فَلَا يكون إِلَّا سَببا مَحْضا كملك الرَّقَبَة فَإِنَّهُ سَبَب مَحْض لملك الْمُتْعَة ومفض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 إِلَيْهِ وَلَيْسَ تملك الْمُتْعَة عِلّة غائية لملك الرَّقَبَة وَإِلَّا لما انْفَكَّ عَنهُ وَلَيْسَ كَذَلِك لوُجُود ملك الرَّقَبَة فِي العَبْد وَالْأُخْت من الرَّضَاع بِدُونِ ملك الْمُتْعَة بِخِلَاف وجود السرير فَإِنَّهُ سَبَب للجلوس لكنه لَيْسَ سَببا مَحْضا لكَونه سَببا للجلوس الَّذِي هُوَ عِلّة غائية لَهُ فَهُوَ سَبَب من وَجه ومسبب من وَجه آخر. فاهم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي التَّوْضِيح فِي فصل علاقات الْمجَاز. السبحة: بِالْفَتْح التَّسْبِيح وَالصَّلَاة وَالذكر. وَقد يُطلق على مَا يعد بِهِ من الْحُبُوب. وبالضم وَسُكُون الثَّانِي وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة الطَّاعَة الَّتِي لَا يكون فرضا وَلَا سنة والمرط الْأسود والفناء فَإِنَّهُ ظلمه خلق الله تَعَالَى فِيهِ الْخلق ثمَّ رش عَلَيْهِ من نوره فَمن أَصَابَهُ من ذَلِك النُّور اهْتَدَى. وَمن أخطأه ضل وغوى. السبائية: طَائِفَة عبد الله بن سبأ قَالَ لعَلي كرم الله وَجهه أَنْت إِلَه حَقًا فنفاه عَليّ كرم الله وَجهه إِلَى الْمَدَائِن. قَالَ ابْن سبأ أَن عليا لم يمت وَلم يقتل وَإِنَّمَا قتل ابْن ملجم شَيْطَانا تصور بصورته وَعلي فِي السَّحَاب والرعد صَوته والبرق سَوْطه وَأَنه ينزل بعد هَذَا إِلَى الأَرْض ويملأها عدلا وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ عِنْد سَماع الرَّعْد عَلَيْك السَّلَام يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. (بَاب السِّين مَعَ التَّاء الْفَوْقِيَّة) الستوقة: مَا غلب غشه من الدَّرَاهِم. السِّتَّة: أَصْلهَا السُّدس بِكَسْر السِّين وَسُكُون الدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ بِدَلِيل تصغيره على سديس وَجمعه أَسْدَاس أبدلت الدَّال بِالتَّاءِ ثمَّ أدغمت التَّاء فِي التَّاء المبدلة عَن السِّين لقرب الْمخْرج. الستيني: فِي جيب التَّمام. (بَاب السِّين مَعَ الْجِيم) السجع: توَافق الفاصلتين من النثر على حَرْب وَاحِد فِي الآخر. وَقد يُطلق على نفس الْكَلِمَة الْأَخِيرَة من الْفَقْرَة بِاعْتِبَار كَونهَا مُوَافقَة للكلمة الْأَخِيرَة من الْفَقْرَة الْأُخْرَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وَهُوَ من المحسنات اللفظية البديعية. وَفِي اللُّغَة هدير الْحمام وَنَحْوهَا وَالْجُمْهُور على أَنه مُخْتَصّ بالنثر وَقيل إِنَّه غير مُخْتَصّ بِهِ. السجع الْمطرف: أَن يتَّفق كلمتان فِي حرف السجع لَا فِي الْوَزْن كالأم والأمم وَإِنَّمَا سمي مطرفا لوُقُوعه فِي الطّرف عَن التوافق. السجع المتوازي: أَن لَا يكون جَمِيع مَا فِي الْقَرِينَة وَلَا أَكْثَره مثل مَا يُقَابله من الْأُخْرَى نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فِيهَا سرر مَرْفُوعَة وأكواب مَوْضُوعَة} . لاخْتِلَاف سرر وأكواب مَوْضُوعَة فِي الْوَزْن والتقفية. السّجل: فِي التوقيع. سُجُود التِّلَاوَة. أَي السُّجُود الَّذِي سَبَب وُجُوبه تِلَاوَة آيَة من أَربع عشرَة آيَة من الْقُرْآن فإضافة السُّجُود إِلَى التِّلَاوَة من قبيل إِضَافَة الْمُسَبّب إِلَى السَّبَب كسجود السَّهْو. وَيجب على التَّالِي وَالسَّامِع وَلَو كَانَ سَمَاعه بِغَيْر الْقَصْد. وَفِي الْوِقَايَة وَهُوَ سَجْدَة بَين تكبيرتين بِشُرُوط الصَّلَاة بِلَا رفع يَد وَتشهد وَسَلام وفيهَا سبْحَة السُّجُود وَتجب على من تَلا آيَة من أَربع عشرَة الَّتِي فِي آخر الْأَعْرَاف والرعد - والنحل - وَبني إِسْرَائِيل - وَمَرْيَم - وَأولى الْحَج إِلَى آخِره. اعْلَم أَنه كَانَ بَين الأحباب عِنْد تكْرَار شرح الْوِقَايَة مناظرة فِي عبارَة الْوِقَايَة فحررت فِي توضيحها هَكَذَا. قَوْله فِي آخر الْأَعْرَاف إِلَى آخِره الْعَطف أما مقدم على الرَّبْط والمبتدأ مَحْذُوف فِي الْكل. وَتَقْدِير الْكَلَام حِينَئِذٍ وَتجب سَجْدَة التِّلَاوَة على من تَلا آيَة من أَربع عشرَة الَّتِي أَولهَا فِي آخر الْأَعْرَاف وَثَانِيها فِي الرَّعْد وَهَكَذَا فَقَوله والرعد والنحل إِلَى آخِره معطوفات على آخر الْأَعْرَاف لَا على الْأَعْرَاف كَمَا تهدي إِلَيْهِ الْهِدَايَة. فَإِن قيل: إِن الْآيَة الأولى من تِلْكَ الْآيَات هِيَ عين الْآيَة الَّتِي آخر الْأَعْرَاف فَيلْزم اتِّحَاد الظّرْف والمظروف. قُلْنَا: المُرَاد بِالْآخرِ النّصْف الآخر وَإِنَّمَا قَالَ فِي آخر الْأَعْرَاف لِأَن فِي أَوله مَا يظنّ أَنه مَوضِع السُّجُود وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم ثمَّ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس لم يكن من الساجدين} . وَلَيْسَ هُنَاكَ سَجْدَة أصلا بالِاتِّفَاقِ وَالْحق أَنه لَا حَاجَة إِلَى قَوْله وَأولى الْحَج أَي وَالْآيَة السَّادِسَة فِي الْآيَات أولى الْحَج وأفراد الصّفة على وزان جنَّات تجْرِي هَذَا وَلَعَلَّ عِنْد غَيْرِي أحسن من هَذَا. (بَاب السِّين مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة) السحر: بِكَسْر السِّين إِظْهَار خارق للْعَادَة من نفس شريرة خبيثة بِمُبَاشَرَة أَعمال مَخْصُوصَة فِيهَا التَّعْلِيم والتلمذ. وَاخْتلف الْفُقَهَاء فِي حكم السَّاحر فَقَالَ بَعضهم يجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 قَتله وَقَالَ بَعضهم هُوَ كَافِر لَكِن لم يتَعَرَّض لقَتله. وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا اعْترف السَّاحر بِأَنَّهُ قتل شخصا بسحره أَو بِأَن سحره مِمَّا يقتل غَائِبا وَجب عَلَيْهِ الْقود. وَاعْلَم أَن الْفَارِق بَين المعجزة والكرامة وَالسحر أُمُور: أَحدهَا: أَن السحر إِنَّمَا يظْهر من نفس شريرة خبيثة. والكرامة إِنَّمَا تظهر من نفس كَرِيمَة مُؤمنَة دائمة الطَّاعَات. المتجنبة عَن السَّيِّئَات. وَالثَّانِي: أَن السحر أَعمال مَخْصُوصَة مُعينَة من السَّيِّئَات وَإِنَّمَا يحصل بذلك وَلَيْسَ فِي الْكَرَامَة أَعمال مَخْصُوصَة وَإِنَّمَا تحصل بِفضل الله بمواظبة الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة. وَالثَّالِث: أَن السحر لَا يحصل إِلَّا بالتعليم والتلمذ والكرامة لَيست كَذَلِك. وَالرَّابِع: أَن السحر لَا يكون مُوَافقا لمطالب الطالبين بل مَخْصُوص بمطالب مُعينَة محدودة. والكرامة مُوَافقَة لمطالب الطالبين وَلَيْسَ لَهَا مطَالب مَخْصُوصَة. وَالْخَامِس: أَن السحر مَخْصُوص بأزمنة مُعينَة أَو أمكنة مُعينَة أَو شَرَائِط مَخْصُوصَة. والكرامة لَا تعين لَهَا بِالزَّمَانِ وَلَا بِالْمَكَانِ وَلَا بالشرائط. وَالسَّادِس: أَن السحر قد يتَصَدَّى بمعارضة سَاحر آخر إِظْهَار الفخرة. والكرامة لَا يُعَارض لَهَا آخر. وَالسَّابِع: أَن السحر يحصل ببذل جهده فِي الْإِتْيَان بِهِ. والكرامة لَيْسَ فِيهَا بذل الْجهد وَالْمَشَقَّة وَإِن ظَهرت ألف مرّة. وَالثَّامِن: أَن السَّاحر يفسق ويتصف بالرجس فَرُبمَا لَا يغسل عَن الْجَنَابَة وَلَا يستنجي عَن الْغَائِط وَلَا يطهر الثِّيَاب الملبوسة بالنجاسات لِأَن لَهُ تَأْثِيرا بليغا بالاتصاف بِتِلْكَ الْأُمُور وَهَذَا هُوَ الرجس فِي الظَّاهِر. وَأما فِي الْبَاطِن فَهُوَ إِذا سحر كفر فَإِن الْعَامِل كَافِر. وَالتَّاسِع: أَن السَّاحر لَا يَأْمر إِلَّا بِمَا هُوَ خلاف الشَّرْع وَالْملَّة. وَصَاحب الْكَرَامَة لَا يَأْمر إِلَّا بِمَا هُوَ مُوَافق لَهُ إِلَى غير ذَلِك من وُجُوه الْمُفَارقَة فَإِذا ظهر الْفرق بَين الْكَرَامَة وَالسحر ظهر بَينه وَبَين المعجزة أَيْضا. وَيعلم من تَفْسِير القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر} . جَوَاز تعلم السحر وَمَا لَا يجوز اتِّبَاعه إِنَّمَا الْمَمْنُوع الْعَمَل بِهِ واتباعه. وَفِيه أَيْضا أَن المُرَاد بِالسحرِ مَا يستعان فِي تَحْصِيله بالتقرب إِلَى الشَّيَاطِين مِمَّا لَا يسْتَقلّ بِهِ الْإِنْسَان وَذَلِكَ لَا ينْسب إِلَّا لمن يُنَاسِبهَا فِي الشرارة وخبث النَّفس فَإِن التناسب شَرط فِي التضام والتعاون وَبِهَذَا تميز السَّاحر عَن النَّبِي وَالْوَلِيّ. وَأما مَا يتعجب مِنْهُ كَمَا يَفْعَله أَصْحَاب الْخَيل بمعونة الْآلَات والأدوية أَو يرِيه صَاحب خفَّة الْيَد فَغير مَذْمُوم وتسميته سحرًا على التَّجَوُّز أَو لما فِيهِ من الدقة لِأَنَّهُ فِي الأَصْل لما خَفِي سَببه انْتهى. وَسمعت أَن تعلم السحر لدفعه جَائِز. ف (55) : ولدفع السحر مجرب أَن يقْرَأ لَيْلًا وَنَهَارًا بِسم الله. يَلِي ثَمَان. الرَّحْمَن. ابرثمان الرَّحِيم. حيثمان بعد الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَقبلهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 السَّحَاب: بِالْفَارِسِيَّةِ أبر وَهُوَ يحصل فِي الْأَكْثَر بتكاثف أَجزَاء البخار الصاعد وَقد يتكون السَّحَاب من انقباض الْهَوَاء بالبرد الشَّديد فَيحصل حِينَئِذٍ مَا يحصل من السَّحَاب البُخَارِيّ من الْمَطَر والثلج والظل والضباب وَغَيرهَا وحدوث السَّحَاب فِي الثَّلج. السّحُور: بِالضَّمِّ هُوَ الْأكل من نصف اللَّيْل إِلَى الْفجْر. (بَاب السِّين مَعَ الْخَاء الْمُعْجَمَة) السخي: فِي الْكَرِيم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. السخرة: بِالضَّمِّ وَسُكُون الْخَاء الَّذِي يسخر مِنْهُ. وَأما السخر بِضَم السِّين وَفتح الْخَاء هُوَ الَّذِي يسخر من النَّاس. (بَاب السِّين مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) السرمد: فِي الدَّهْر وَإِن كَانَ الدَّهْر فِي السرمد فَافْهَم. السرمدي: مَا لَا بداية لَهُ وَلَا نِهَايَة لَهُ. السِّرّ: بِالْكَسْرِ لَطِيفَة مودعة فِي الْقلب كالروح فِي الْبدن وَهُوَ مَحل الْمُشَاهدَة كَمَا أَن الرّوح مَحل الْمحبَّة وَالْقلب مَحل الْمعرفَة. سر السِّرّ: مَا تفرد بِهِ الْحق عَن العَبْد كَالْعلمِ بتفصيل الْحَقَائِق فِي إِجْمَال الأحدية وَجَمعهَا واشتمالها على مَا هِيَ عَلَيْهِ. {وَعِنْده مفاتح الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ} . السّرقَة: بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين من سرق يسرق من بَاب ضرب يضْرب وَهُوَ فِي اللُّغَة أَخذ الشَّيْء من الْغَيْر خُفْيَة بِغَيْر إِذْنه مَا لَا كَانَ أَو غَيره. وَفِي الشَّرْع أَخذ مُكَلّف خُفْيَة قدر عشرَة دِرْهَم مَضْرُوبَة محرزة بمَكَان أَو حَافظ بِلَا شُبْهَة حَتَّى إِذا كَانَ قيمَة الْمَسْرُوق أقل من عشرَة مَضْرُوبَة لَا يكون سَرقَة فِي حق الْقطع وَإِن كَانَ سَرقَة شرعا فِي الرَّد وَالضَّمان وَلَا بُد أَن يكون الْخفية والاستتار فِي الِابْتِدَاء والانتهاء إِذا كَانَت السّرقَة بِالنَّهَارِ وَإِن كَانَت بِاللَّيْلِ فَلَا بُد مِنْهَا فِي الِابْتِدَاء حَتَّى إِذا نقب الْجِدَار على الْخفية بِاللَّيْلِ ثمَّ أَخذ المَال من الْمَالِك مُكَابَرَة جَهرا يقطع أَيْضا. وَلَا بُد فِي الْقطع من إِقْرَار الْآخِذ بِالسَّرقَةِ أَو شَهَادَة رجلَيْنِ عَلَيْهَا وَلَا يعْتَبر فِيهَا شَهَادَة النِّسَاء لِأَن الْقطع حد فَلَا يقبل فِيهِ إِلَّا شَهَادَة الرِّجَال. وَيجب أَن يسألهم الإِمَام أَو القَاضِي عَن مَاهِيَّة السّرقَة وكيفيتها ومكانها وزمانها وَيسْأل الْمَسْرُوق مِنْهُ هَل هُوَ أَجْنَبِي أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 قريب من السَّارِق أَو بِزَوْج وَلَو كَانَ السراق جمَاعَة والآخذ بَعضهم قطعُوا إِن أصَاب لكل وَاحِد مِنْهُم عشرَة دَرَاهِم لِأَن الْمُعْتَاد بَينهم أَن يتَوَلَّى بَعضهم الْأَخْذ ويستعد الْبَاقُونَ ثمَّ السّرقَة نَوْعَانِ صغرى وكبرى (أما الصُّغْرَى) فَمَا ذكرنَا و (أما الْكُبْرَى) فَهُوَ قطع الطَّرِيق فَفِي الصُّغْرَى يسارق عين حافظه وَيطْلب غفلته. وَفِي الْكُبْرَى يسارق عين من الْتزم حفظ ذَلِك الْمَكَان وَيطْلب غفلته وَهُوَ السُّلْطَان. وَيقطع يَمِين السَّارِق والسارقة من الرسغ ويحسم. وَيقطع الرجل الْيُسْرَى من الكعب إِن عَاد إِلَى السّرقَة ثَانِيًا والحسم الكي لينقطع الدَّم وَفِي السِّرَاجِيَّة للْإِمَام أَن يقْتله سياسة انْتهى. وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله تقطع يَمِين السرق بِربع دِينَار. وَاعْلَم أَن فِي كتب الْفِقْه تَفْصِيلًا فِي الْمَسْرُوق وَفِيمَا يجب فِيهِ الْقطع وَمَا لَا يجب فإياك وَإِن تحكم بِالْقطعِ بمطالعة هَذَا الْقدر الْقَلِيل وَأَن تظن أَن مَا ذكرناك يَكْفِيك. السّريَّة: بِالْفَتْح وَكسر الثَّانِي وَتَشْديد الْيَاء التَّحْتَانِيَّة بنقطتين أَربع مائَة رجل يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ ويختفون بِالنَّهَارِ لمحافظة عَسْكَر الْإِسْلَام. (بَاب السِّين مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة) السَّطْح: هُوَ الَّذِي يقبل الانقسام بِالذَّاتِ طولا وعرضا لَا عمقا. وَبِعِبَارَة أُخْرَى السَّطْح ذُو الامتدادين أَي الطول وَالْعرض فَقَط والطول يُقَال لَا طول الامتدادين وَنِهَايَة السَّطْح الْخط كَمَا أَن السَّطْح نِهَايَة الْجِسْم التعليمي والنقطة نِهَايَة الْخط. السَّطْح المستوي: هُوَ السَّطْح الَّذِي يكون جَمِيع الخطوط الْمَفْرُوضَة عَلَيْهِ فِي جَمِيع الْجِهَات مُسْتَقِيمَة وَإِذا كَانَ السطحان المستويان بِحَيْثُ لَا يتلاقيان طولا وعرضا وَإِن أخرجَا إِلَى غير النِّهَايَة فهما متوازيان. (بَاب السِّين مَعَ الْعين الْمُهْملَة) السّعر: بِالْكَسْرِ وَسُكُون الثَّانِي فِي اللُّغَة نرخ غله وَغير آن. وَفِي شرح الْمَقَاصِد السّعر تَقْدِير مَا يُبَاع بِهِ الشَّيْء طَعَاما أَو غَيره وَيكون غلاء ورخصا بِاعْتِبَار الزِّيَادَة على الْمِقْدَار الْغَالِب فِي ذَلِك الْمَكَان وَإِلَّا وَإِن النُّقْصَان ويكونان بِمَا لَا اخْتِيَار فِيهِ للْعَبد كتقليل ذَلِك الْجِنْس وتكثير الرغبات فِيهِ وَبِالْعَكْسِ وَبِمَا لَهُ فِيهِ اخْتِيَار كإخافة السَّبِيل وَمنع التبايع وادخار الْأَجْنَاس ومرجعه أَيْضا إِلَى الله تَعَالَى فالمسعر هُوَ الله تَعَالَى وَحده خلافًا للمعتزلة زعما مِنْهُم أَنه قد يكون من أَفعَال العَبْد تولدا كَمَا مر ومباشرة كالمواضعة على تَقْدِير الْأَثْمَان انْتهى. قَوْلهم تولدا أَي عَن الإخافة وَالْمَنْع والادخار الْمَذْكُور. قَوْلهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 مُبَاشرَة أَي مُبَاشرَة من الْعباد إِذْ لبس حَقِيقَة السّعر إِلَّا الْمُوَاضَعَة مِنْهُم على أَنهم يبيعون الْأَشْيَاء مثلا بالأثمان الْمَخْصُوصَة وَهِي صادرة عَنْهُم بِلَا توَسط فعل فَيكون مباشرا. السعال: يكره فِي الصَّلَاة قصدا وَكَذَا التنحنح وَإِن تولد مِنْهُمَا حُرُوف هجاء فَسدتْ على الْأَصَح وَإِن كَانَ مدفوعا إِلَيْهِ لَا يكره كَذَا فِي الزَّاهدِيّ. ف (56) : السعد الذَّابِح: منزل من منَازِل الْقَمَر كوكبان نيران بَينهمَا مِقْدَار ذِرَاع وَقرن أَحدهمَا كَوْكَب صَغِير كَأَنَّهُ يذبحه. (بَاب السِّين مَعَ الْفَاء) سفر دروطن: فِي هوش دردم. السَّفه وَالسَّفِيه: فِي الْحجر والعته أَيْضا. السفسطة: قِيَاس مركب من الوهميات وَالْغَرَض مِنْهُ تغليط الحضم وإسكاته كَقَوْلِنَا الْجَوْهَر مَوْجُود فِي الذِّهْن وكل مَوْجُود فِي الذِّهْن قَائِم بالذهن ينْتج أَن الْجَوْهَر عرض فَإِن الْقَائِم بالذهن لَا يكون إِلَّا عرضا. السّفر: فِي اللُّغَة قطع الْمسَافَة. وَفِي الشَّرْع الْخُرُوج عَن بيُوت الْمصر على قصد مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها فَمَا فَوْقهَا بسير الْإِبِل ومشي الْأَقْدَام. وَالْأَحْكَام الَّتِي تَتَغَيَّر بِالسَّفرِ هِيَ قصر الصَّلَاة وَإِبَاحَة الْفطر. وامتداد مُدَّة الْمسْح على الْخُفَّيْنِ إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَسُقُوط وجوب الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّة وَحُرْمَة الْخُرُوج على الْحرَّة بِغَيْر محرم - وَالْمُعْتَبر السّير الْوسط وَهُوَ سير الْإِبِل ومشي الْأَقْدَام فِي أقصر أَيَّام السّنة. وَهل يشْتَرط السّير كل يَوْم إِلَى اللَّيْل اخْتلفُوا فِيهِ الصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط حَتَّى لَو بكر فِي الْيَوْم الأول وَمَشى إِلَى الزَّوَال وَبلغ المرحلة وَنزل وَبَات فِيهَا ثمَّ بكر فِي الْيَوْم الثَّانِي كَذَلِك ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّالِث كَذَلِك يصير مُسَافِرًا كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج. وَلَا يعْتَبر بالفراسخ كَذَا فِي الْهِدَايَة وَلَا يعْتَبر السّير فِي الْبر بالسير فِي الْبَحْر وَلَا السّير فِي الْبَحْر بالسير فِي الْبر وَإِنَّمَا يعْتَبر فِي كل مَوضِع مِنْهُمَا مَا يَلِيق بِحَالَة وَيعْتَبر الْمدَّة من أَي طَرِيق أَخذ فِيهِ فالرجل إِذا قصد بَلْدَة وإليها طَرِيقَانِ أَحدهمَا مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وَالْأُخْرَى دونهَا فسلك الطَّرِيق الْأَبْعَد كَانَ مُسَافِرًا عندنَا كَذَا فِي (فَتَاوَى قاضيخان) وَإِن سلك الأقصر يتم كَذَا فِي (الْبَحْر الرَّائِق) . وَيسْتَحب السّفر يَوْم الْخَمِيس والسبت فِي أول النَّهَار. وَقَالَ عَليّ كرم الله وَجهه لَا تسافروا فِي آخر الشَّهْر وَلَا تسافروا وَالْقَمَر فِي الْعَقْرَب كَذَا فِي فَتَاوَى الْحجَّة وَللَّه در النَّاظِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 (رفتم برآن دلبر شيرين غبغب ... كفتم بسفر مي روم اي مَه امشب) (رجون مَه وزلف جون عقرب بكشود ... ) (يَعْنِي كه مرو هست قمر در عقرب ... ) وَفِي الشرعة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كَانَ يكره السّفر وَالنِّكَاح فِي محاق الشَّهْر وَإِذا كَانَ الْقَمَر فِي الْعَقْرَب - وَفِي آدَاب المريدين وَلَا يُسَافر بِغَيْر رضَا الْوَالِدين والأستاذ حَتَّى لَا يكون عاقا فِي سَفَره فَلَا يجد بَرَكَات سَفَره - وَفِي الْحصن الْحصين من كَلَام سيد الْمُرْسلين وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتُحِبُّ يَا جُبَير إِذا خرجت فِي سفر أَن تكون أمثل أَصْحَابك هَيْئَة أَي أحسن وَأَكْثَرهم زادا فَقلت: نعم بِأبي أَنْت وَأمي قَالَ: فاقرأ هَذِه السُّور الْخمس: {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {وَإِذا جَاءَ نصر الله} و {قل هُوَ الله أحد} و {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} وافتتح كل سُورَة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم واختتم قراءتك بهَا قَالَ جُبَير وَكنت غَنِيا كثير المَال فَكنت أخرج فِي سفر فَأَكُون أبذهم وَأَقلهمْ زادا فَمَا زلت مُنْذُ علمتهن من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقرأت بِهن أكون من أحْسنهم هَيْئَة وَأَكْثَرهم زادا حَتَّى أرجع من سَفَرِي انْتهى. وَالسّفر عِنْد أَوْلِيَاء الله تَعَالَى عبارَة عَن سير الْقلب عِنْد أَخذه فِي التَّوَجُّه إِلَى الْحق بِالذكر والأسفار عِنْدهم أَرْبَعَة كَمَا بَين فِي كتب السلوك وَاعْلَم أَن شَدَائِد السّفر أَكثر من أَن تحصى وَلذَا اشْتهر أَن السّفر قِطْعَة من السقر وَللَّه در الشَّاعِر. (سفر اكرجه زيك نقطه كمتر از سقراست ... ) (ولي عَذَاب سفر از سقر زياده تراست ... ) ومنافعه أَعم وأوفى. ف (57) : السفاتج: جمع سفتجة بِضَم السِّين وَفتح التَّاء أَن يدْفع تَاجِرًا مَالا بطرِيق الْقَرْض ليدفعه إِلَى صديقه فِي بلد آخر وَإِنَّمَا أقْرضهُ ليستفيد سُقُوط خطر الطَّرِيق وَهُوَ مَكْرُوه إِذا كَانَت مَنْفَعَة سُقُوط خطر الطَّرِيق مَشْرُوطَة وَإِلَّا فَلَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 (بَاب السِّين مَعَ الْقَاف) سقراط: هُوَ من تلاميذ فيثاغورس من أساتذة أفلاطون وَكَانَ زاهدا فِي الدُّنْيَا ومشهورا بمخالفة اليونانيين فِي عِبَادَتهم الْأَصْنَام. وَمن ثمَّ يُسمى بسقراطس وَهُوَ فِي اليونان بِمَعْنى المعتصم بِاللَّه. وَقد خُوطِبَ (بشك) وَهُوَ أَن الْمَطْلُوب إِمَّا مَعْلُوم فالطلب تَحْصِيل الْحَاصِل وَإِمَّا مَجْهُول فَكيف الطّلب. وَأجِيب بِمَعْلُوم من وَجه ومجهول من وَجه آخر فَعَاد قَائِلا الْوَجْه الْمَعْلُوم مَعْلُوم وَالْوَجْه الْمَجْهُول مَجْهُول وحله أَن الْوَجْه الْمَجْهُول لَيْسَ مَجْهُولا مُطلقًا حَتَّى يمْتَنع الطّلب فَإِن الْوَجْه الْمَعْلُوم وَجه الْوَجْه الْمَجْهُول لِأَنَّهُ من بعض ذاتياته أَو عوارضه أَلا ترى أَن الْمَطْلُوب الْحَقِيقَة الْمَعْلُومَة بِبَعْض اعتباراتها. السقيم: الْمَرِيض والسقيم فِي الحَدِيث خلاف الصَّحِيح مِنْهُ وَعمل الرَّاوِي بِخِلَاف مَا رَوَاهُ يدل على سقمه. السقط: بالحركات الثَّلَاث (بجه خام كه ازشكم مادر افتد) والسقط إِن ظهر بعض خلقه كالشعر وَالظفر ولد فَتَصِير أمه نفسَاء وَإِن كَانَت أمة تصير أم ولد وتنقض الْعدة وَيَقَع الطَّلَاق إِن كَانَ طَلاقهَا مُعَلّقا بِالْوَلَدِ والسقط بِكَسْر الأول وَسُكُون الثَّانِي اسْم ديوَان أبي الْعَلَاء وَهُوَ فِي اللُّغَة بعض من النَّار ثمَّ شَرحه بعض الْفُضَلَاء وَسَماهُ بضرام السقط والضرام بِالْفَارِسِيَّةِ (فروزنده) . (بَاب السِّين مَعَ الْكَاف) السّكُون: عِنْد الْحُكَمَاء عدم الْحَرَكَة عَمَّا من شَأْنه أَن يَتَحَرَّك فالمجردات غير متحركة وَلَا سَاكِنة إِذْ لَيْسَ من شَأْنهَا الْحَرَكَة. والتقابل بَينهمَا تقَابل الْعَدَم والملكة. وَعند الْمُتَكَلِّمين السّكُون هُوَ الِاسْتِقْرَار زَمَانا فِيمَا يَقع فِيهِ الْحَرَكَة فالتقابل بَينهمَا تقَابل التضاد. ثمَّ اعْلَم أَن الْجَسَد إِذا لم يَتَحَرَّك عَن مَكَانَهُ كَانَ هُنَاكَ أَمْرَانِ أَحدهمَا حُصُوله فِي ذَلِك الْمَكَان الْمعِين وَالثَّانِي عدم حركته مَعَ أَنَّهَا من شَأْنه وَالْأول أَمر ثبوتي اتِّفَاقًا من مقولة الاين وَالثَّانِي أَمر عدمي اتِّفَاقًا. والمتكلمون أطْلقُوا لفظ السّكُون على الأول والحكماء على الثَّانِي فالنزاع لَفْظِي. وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه يرد. أَولا: على التَّعْرِيف الأول أَنه يلْزم أَن يكون الْإِنْسَان الْمَعْدُوم سَاكِنا إِذْ يصدق عَلَيْهِ أَنه عديم الْحَرَكَة عَمَّا من شَأْنه أَن يَتَحَرَّك فِي حَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 الْحَيَاة. وَثَانِيا: أَنه يلْزم أَن يكون الْجِسْم فِي آن الْحُدُوث سَاكِنا بِمثل مَا مر. وثالثا: أَنه يلْزم أَن لَا يكون الْفلك سَاكِنا بالحركة الْآنِية إِذْ لَيْسَ من شَأْنه تِلْكَ الْحَرَكَة لاستحالتها عَلَيْهِ لكَونه محددا للجهات. وَالْجَوَاب عَن الأول وَالثَّانِي بِأَنا لَا نسلم أَن الْإِنْسَان الْمَعْدُوم والجسم فِي حَال الْحُدُوث ليسَا بساكنين وَإِلَّا لكانا متحركين. مَدْفُوع بِأَنَّهُ لَا يُطلق عَلَيْهِمَا السَّاكِن والمتحرك كالمجردات. وَيُمكن الْجَواب عَنْهُمَا: أَولا: بِأَن المُرَاد أَن السّكُون عرض هُوَ عدم الْحَرَكَة الخ وَالْعرض لَا بُد لَهُ من وجود الْمَوْضُوع وَالْإِنْسَان الْمَعْدُوم والجسم فِي آن الْحُدُوث لَا وجود لَهما فَلَا يكونَانِ ساكنين. وَثَانِيا: بِأَن المُرَاد من لَفظه مَا فِي قَوْله عَمَّا من شَأْنه أَن يَتَحَرَّك هُوَ الشَّيْء أَو الْمَوْجُود وَالْإِنْسَان الْمَعْدُوم والجسم فِي آن الْحُدُوث ليسَا بموجودين وليسا أَيْضا بشيئين إِذْ الشَّيْء يساوق الْمَوْجُود. وَأجِيب عَن الثَّالِث بِأَن المُرَاد مَا من شَأْنه بِحَسب الشَّخْص أَو النَّوْع أَو الْجِنْس أَن يَتَحَرَّك وجنس الْفلك وَهُوَ الْجِسْم قَابل للحركة الْآنِية. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يلْزم وَحِينَئِذٍ أَن يكون المجردات أَيْضا سَاكِنة لكَون جِنْسهَا وَهُوَ الْجَوْهَر قَابلا للحركة. وَلَا يخفى أَن لُزُوم سكونها مَمْنُوع وَإِنَّمَا يلْزم ذَلِك إِن لَو كَانَ الْجَوْهَر جِنْسا للجواهر وَالْحق أَنه لَيْسَ كَذَلِك. وَيُمكن الْجَواب عَن الإيرادات الثَّلَاثَة بِأَن المُرَاد من شَأْنه أَن يَتَحَرَّك بِالنّظرِ إِلَى ذَاته فِي وَقت عدم حركته وَالْإِنْسَان الْمَعْدُوم والجسم فِي آخر حُدُوثه لَيْسَ من شَأْنهمَا الْحَرَكَة فِي وَقت عدم حركتهما وَإِن كَانَ من شَأْنهمَا الْحَرَكَة فِي وَقت مَا والفلك من شَأْنه الْحَرَكَة الْآنِية بِالنّظرِ إِلَى ذَاته وَإِن لم يكن من شَأْنه الْحَرَكَة الْآنِية بِالنّظرِ إِلَى الْغَيْر وَهُوَ كَونه محددا للجهات. وَاعْلَم أَن الشَّيْخ فِي طبيعيات الشِّفَاء زَاد فِي تَعْرِيف السّكُون قيدا وَهُوَ استعداد المتحرك فِي المقولة وَقَالَ إِن الْجِسْم فِي آن حُدُوثه لَيْسَ بساكن وَلَا متحرك وَأَنت تعلم أَن مَا فِي الشِّفَاء لَا يشفى العليل وَلَا يسقى الغليل إِذْ يصدق على الْإِنْسَان الْمَعْدُوم والجسم فِي حَال حُدُوثه أَنَّهُمَا مستعدان للحركة فِي مقولة مَا. وَكَذَا لَو كَانَ المُرَاد الاستعداد للحركة بِحَسب الشَّخْص أَو النَّوْع أَو الْجِنْس فَلَا بُد مَعَ مَا ذكره من الْقَيْد مثل مَا ذكر فِي الْجَواب فاحفظ. ثمَّ إِن السّكُون عِنْد أَرْبَاب الْعَرَبيَّة هُوَ صُورَة الْجَزْم كَمَا قَالُوا إِن مَا قيل نون الضَّمِير يكون سَاكِنا وَإِنَّمَا سمي سكونا لسكون الصَّوْت وَعدم جَرَيَانه عِنْده وَهُوَ مرادف للْوَقْف فالسكون هُوَ صُورَة الْجَزْم الَّتِي تكون لغير الْعَامِل بِخِلَاف الْجَزْم فَإِنَّهُ مَخْصُوص بائر الْعَامِل الْجَازِم. السّكُون كونان فِي آنين فِي مَكَان: وَاحِد كَمَا أَن الْحَرَكَة كونان فِي آنين فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 مكانين. اعْلَم أَن الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله قَالَ فِي شرح العقائد النسفية الْجِسْم والجوهر لَا يَخْلُو عَن الْكَوْن فِي حيّز فَإِن كَانَ مَسْبُوقا بِكَوْن آخر فِي ذَلِك الحيز بِعَيْنِه فَهُوَ سَاكن. وَإِن لم يكن مَسْبُوقا بِكَوْن آخر فِي ذَلِك الحيز بل فِي حيّز آخر فمتحرك. ثمَّ قَالَ وَهَذَا معنى الْحَرَكَة كونان فِي آنين فِي مكانين والسكون كونان فِي آنين فِي مَكَان وَاحِد انْتهى. وغرض الْعَلامَة من قَوْله وَهَذَا معنى قَوْلهم الْحَرَكَة كونان إِلَى آخِره أَنه يرد على ظَاهر هذَيْن التعريفين الْمَذْكُورين أَنه يعلم مِنْهُمَا صَرِيحًا أَن كلا من الْحَرَكَة والكون عبارَة عَن مَجْمُوع الكونين وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِلَّا يلْزم عدم امتياز الْحَرَكَة عَن السّكُون بِالذَّاتِ فِي الْوُجُود الْخَارِجِي وَلم يقل بِهِ أحد. وَوجه اللُّزُوم إِن مَا حدث فِي مَكَان وَاسْتقر آنين فِيهِ ثمَّ انْتقل مِنْهُ فِي الْآن الثَّالِث إِلَى مَكَان آخر لزم أَن يكون كَون ذَلِك الْحَادِث فِي الْآن الثَّانِي جُزْءا من الْحَرَكَة والسكون فَإِن هَذَا الْكَوْن مَعَ الْكَوْن الأول يكون سكونا وَمَعَ الْكَوْن الثَّالِث يكون حَرَكَة فَلَا تمتاز الْحَرَكَة عَن السّكُون بِالذَّاتِ بِمَعْنى أَنه يكون السَّاكِن فِي آن سكونه أَعنِي الْآن الثَّانِي شَارِعا فِي الْحَرَكَة فَيلْزم أَن يكون ذَلِك الْحَادِث فِي الْآن الثَّانِي متصفا بالحركة والسكون مَعًا فَلَا يمتازان بِحَسب الْوُجُود الْخَارِجِي وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَقُول بِهِ أحد فَقَالَ وَهَذَا معنى قَوْلهم: إِن الْحَرَكَة كونان الخ يَعْنِي أَن مَا ذكرنَا من أَن الْحَرَكَة كَون أول فِي مَكَان ثَان والسكون كَون ثَان فِي مَكَان أول هُوَ الْحق وَلَا يَنْبَغِي أَن يحمل التعريفان الْمَذْكُورَان على ظاهرهما بل الْوَاجِب حملهما على مَا هُوَ الْحق وَإِن كَانَ خلاف ظاهرهما. وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه لَا دلَالَة لَهما أصلا على مَا هُوَ الْحق فَكيف يحْملَانِ عَلَيْهِ مَعَ عدم دلالتهما عَلَيْهِ ظَاهر. أَو لَا غير ظَاهر. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن المُرَاد أَن الْحَرَكَة والسكون كَون من الكونين المتلازمين فَإِن الْحَرَكَة الَّتِي هِيَ كَون أول فِي مَكَان ثَان لَا يكون إِلَّا وَأَن يُوجد قبله كَون فِي مَكَان أول وَكَذَا السّكُون الَّذِي هُوَ كَون ثَان فِي مَكَان أول لَا يُوجد إِلَّا وَأَن يكون قبله كَون أول فِي ذَلِك الْمَكَان فَلهَذَا عرفوهما بالكونين وَأَرَادُوا الْكَوْن الْوَاحِد فَافْهَم. وَيرد على تعريفيهما بطلَان مَا تقرر عِنْدهم من أَن الْجِسْم والجوهر لَا يخلوان عَن الْحَرَكَة والسكون لِأَنَّهُمَا فِي آن الْحُدُوث ليسَا بمتحركين وَلَا ساكنين. وَلِهَذَا قَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة لَو قيل فَإِن كَانَ مَسْبُوقا بِكَوْن آخر فِي حيّز آخر فحركة وَإِلَّا فَسُكُون لم يرد سُؤال آن الْحُدُوث انْتهى. لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون دَاخِلا فِي السّكُون لِأَن معنى قَوْله وَإِلَّا الخ وَإِن لم يكن مَسْبُوقا بِكَوْن آخر فِي حيّز آخر فَيجوز أَن لَا يكون مَسْبُوقا بِكَوْن آخر كَمَا فِي آن الْحُدُوث أَو لَا يكون فِي حيّز آخر بل فِي ذَلِك الحيز وَلَكِن لَا يخفى على المتأمل أَن اللّّبْث مُعْتَبر فِي السّكُون عرفا ولغة فالجسم أَو الْجَوْهَر فِي آن الْحُدُوث لَيْسَ بمتحرك كَمَا هُوَ الظَّاهِر وَلَيْسَ بساكن لعدم اللّّبْث فَعدم اعْتِبَار اللّّبْث فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 السّكُون وَجعله سَاكِنا فِي آن الْحُدُوث يهدم ذَلِك الِاعْتِبَار. فَإِن قلت فينهدم حِينَئِذٍ مَا تقرر من أَن كل جسم وجوهر لَا يَخْلُو عَن الْحَرَكَة والسكون وَعَلِيهِ مدَار إِثْبَات حُدُوث الْعَالم. قُلْنَا: خلو الْجِسْم أَو الْجَوْهَر فِي آن الْحُدُوث عَن الْحَرَكَة والسكون لَا يضرنا فَإِن حُدُوثه ظَاهر لَا يحْتَاج إِلَى الْبَيَان وَالْمَقْصُود إِثْبَات حُدُوث مَا تعدّدت فِيهِ الأكوان وتجددت عَلَيْهِ الْأَعْصَار والأزمان. فَالْمُرَاد مِمَّا تقرر أَن كل جسم أَو جَوْهَر تعدّدت فِيهِ الأكوان وتجددت عَلَيْهِ الْأَعْصَار لَا يَخْلُو عَن الْحَرَكَة والسكون لَا أَن كل جسم أَو جوهرم مُطلقًا لَا يَخْلُو عَن الْحَرَكَة والسكون حَتَّى يلْزم هدم مَا تقرر. فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك جدا. السكب: الصب يَعْنِي ريختن وسكب الدُّمُوع مسبب عَن الْحزن لما أَن الإحساس بالمنافر يَقْتَضِي حَرَكَة الرّوح إِلَى الْبَاطِن فيسخن الْقلب ويصعد البخارات وَتصير مَاء عِنْد وصولها إِلَى الدِّمَاغ وَيجْرِي من طَرِيق الْعين كَذَلِك جمود الْعين مسبب عَن السرُور لِأَن الإحساس بالملائم يُوجب حَرَكَة الرّوح إِلَى الظَّاهِر فَيُفِيد للقلب برودة. السكتة: مرض كَمَا بَين فِي الطِّبّ. وَعند أَصْحَاب التجويد عبارَة عَن قطع الصَّوْت زَمَانا دون زمَان الْوَقْف عَادَة من غير التنفس. السكينَة: مَا تَجدهُ فِي الْقلب من الطُّمَأْنِينَة. السكر: بِالضَّمِّ كَيْفيَّة نفسانية مُوجبَة لانبساط الرّوح تتبع اسْتِيلَاء الأبخرة الحارة الرّطبَة المتصاعدة إِلَى الدِّمَاغ على بطونه بِسَبَب اسْتِعْمَال مَا يُوجِبهُ وَرُبمَا يتعطل مَعَه لِشِدَّتِهِ الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية أَيْضا. وَالسكر الْمُوجب للحد عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَن لَا يعلم الأَرْض وَالسَّمَاء وَالرِّجَال وَالنِّسَاء. وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى أَن يخْتَلط مَشْيه بالحركة. وَالسكر مُطلقًا غَفلَة تعرض بِغَلَبَة السرُور على الْعقل بِمُبَاشَرَة مَا يُوجِبهَا من الْأكل وَالشرب وَعند أَوْلِيَاء الله تَعَالَى الْحيرَة والهيبة عِنْد مُشَاهدَة جمال المحبوب فَإِن الْعقل عِنْدهَا يصير مَغْلُوبًا ويرتفع التميز من الْبَين وَمن غَايَة المحوية لَا يعلم مَا يَقُول وَمَا قَالَ الْمَنْصُور أَنا الْحق وَأَبُو يزِيد البسطامي رحمهمَا الله تَعَالَى سبحاني مَا أعظم شأني إِلَّا فِي هَذِه الْحَالة الَّتِي هِيَ السكر. وَالسكر بالفتحتين نَقِيع الزَّبِيب الرطب إِذا غلا وَاشْتَدَّ. السَّكْرَان: صَاحب السكر الْمَذْكُور آنِفا. وَأما المُرَاد بِهِ فِي قَول الْفُقَهَاء وَكره إِذْ إِن السَّكْرَان فَهُوَ من لَا يبلغ حد السكر لِأَن من بلغ حَده فَهُوَ حد دَاخل فِي الْمُحدث وَفِي كَرَاهَة إِذْ إِنَّه رِوَايَتَانِ. السُّكُوت: لَفْظِي وَنَفْسِي فَإِنَّهُ ضد الْكَلَام فَكَمَا أَنه لَفْظِي ومعنوي كَذَلِك ضِدّه - (وَالسُّكُوت اللَّفْظِيّ) ترك التَّكَلُّم بِاللِّسَانِ مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ. (وَالسُّكُوت الْمَعْنَوِيّ) أَن لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 يدبر الْمُتَكَلّم الْمَعْنى فِي نَفسه الَّذِي يدل عَلَيْهِ بالعبارة أَو الْكِتَابَة أَو الْإِشَارَة. السُّكْنَى: هِيَ اسْم من السّكُون فَإِنَّهَا نوع اسْتِقْرَار ولبث. وَقد تطلق على الْمسكن. وَفِي بعض شُرُوح كنز الدقائق أَن السُّكْنَى مصدر سكن الدَّار إِذا أَقَامَ فِيهَا أَو اسْم بِمَعْنى الإسكان كالقربى بِمَعْنى الْأَقَارِب. (بَاب السِّين مَعَ اللَّام) السّلف: كل من تقدم من الْآبَاء والأقرباء. وَعند الْفُقَهَاء هم من أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى مُحَمَّد بن الْحسن وَالْخلف من مُحَمَّد بن الْحسن إِلَى شمس الْأَئِمَّة الحلوائي والمتأخرون من شمس الْأَئِمَّة الحلوائي إِلَى مَوْلَانَا حَافظ الدّين البُخَارِيّ هَكَذَا ذكره صَاحب الخيالات اللطيفة فِي الْهَامِش. سَلام الله عَلَيْهِ: قَالَ الْحسن الميبذي فِي الفواتح أَسد الله الْغَالِب عَليّ بن أبي طَالب سَلام الله عَلَيْهِ وعَلى من يقرب إِلَيْهِ انْتهى. - فَإِن قيل كَيفَ يَقُول عَلَيْهِ السَّلَام وَقد قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة أَن الصَّحِيح الْأَشْهر أَن الصَّلَاة على غير الْأَنْبِيَاء بالاستقلال مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه وَنقل عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد أَن السَّلَام كَالصَّلَاةِ فَلَا يفرد بِهِ غَائِب غير الْأَنْبِيَاء -. قلت: أورد الرَّافِعِيّ فِي الصَّغِير إِن أَسد الْوَجْهَيْنِ فِي الصَّلَاة عدم الْكَرَاهَة بل هُوَ ترك الأولى. وَمَال إِلَيْهِ الأسنوي فِي الْمُهِمَّات وَصرح بِهِ صَاحب الْعدة بِنَفْي الْكَرَاهَة وَقَالَ أَيْضا الصَّلَاة بِمَعْنى الدُّعَاء يجوز على كل أحد إِمَّا بِمَعْنى التَّعْظِيم والتكريم فَيخْتَص بِهِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ السَّلَام. وَمن الْبَين أَن مُبَالغَة الْفُقَهَاء فِي منع الصَّلَاة أَكثر لَا فِي منع السَّلَام هَذِه عِبَارَته فِي الْهَامِش. السَّلب: بِالْفَتْح وَسُكُون اللَّام مَا يُقَابل الْإِيجَاب أَي انتزاع النِّسْبَة التَّامَّة الخبرية وبفتح اللَّام مركب الشَّخْص وثيابه وسلاحه وَمَا مَعَه كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه - وَالْمرَاد بِهِ فِي قَوْلهم بَاب الْأَفْعَال للسلب أَنه لسلب الْفَاعِل عَن الْمَفْعُول أصل الْفِعْل نَحْو أشكيته أَي أزلت شكايته. سلب الشَّيْء عَن نَفسه محَال: فَإِن قيل: لَا نسلم ذَلِك لِأَن زيدا مثلا إِذا كَانَ مَعْدُوما فِي الْخَارِج فَيكون نَفسه مسلوبا عَنهُ ضَرُورَة أَن ثُبُوت شَيْء لآخر فرع ثُبُوته فِي نَفسه كَمَا أَن ثُبُوته لَهُ فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ -. قُلْنَا: السَّلب نَوْعَانِ سلب بسيط وسلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 عدولي - وَالْمرَاد بالسلب فِي قَوْلنَا سلب الشَّيْء عَن نَفسه محَال هُوَ السَّلب العدولي لِأَن الْقَضِيَّة حِينَئِذٍ مُوجبَة معدولة الْمَحْمُول وَهِي تَقْتَضِي وجود الْمَوْضُوع وَلَا شكّ أَن الْمَوْضُوع إِذا كَانَ مَوْجُودا يكون نَفسه ثَابتا الْبَتَّةَ بِالْحملِ الأولي فَكيف يسلب عَنهُ نَفسه. وَهَا هُنَا مغالطة مَشْهُورَة وَهِي أَن الشَّيْء قد يسلب عَن نَفسه فَلَيْسَ بمحال. وَبَيَان ذَلِك أَن يُقَال كلما لزم تحقق الْخَاص لزم تحقق الْعَام وَكلما لزم تحقق الْعَام لم يلْزم تحقق الْخَاص ينْتج كلما لزم تحقق الْخَاص كالإنسان مثلا لم يلْزم تحَققه فَيلْزم سلب الشَّيْء عَن نَفسه. وحلها منع كُلية الْكُبْرَى كَمَا لَا يخفى -. السَّلب الْكُلِّي: هُوَ سلب الْمَحْمُول عَن كل فَرد من أَفْرَاد الْمَوْضُوع مثل لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر. السَّلب الجزئي: لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: سلب الْمَحْمُول عَن بعض أَفْرَاد الْمَوْضُوع وإثباته لبَعض آخر مثل لَيْسَ كل حَيَوَان إِنْسَان وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى أخص من رفع الْإِيجَاب الْكُلِّي وَقسم لَهُ. وَثَانِيهمَا: سلب الْمَحْمُول عَن بعض أَفْرَاد الْمَوْضُوع سَوَاء كَانَ مَعَ الْإِيجَاب للْبَعْض الآخر أَو لَا يكون وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى مسَاوٍ ولازم لَهُ كَمَا لَا يخفى. سلب الْعُمُوم: هُوَ رفع الْإِيجَاب الْكُلِّي مثل لَيْسَ كل حَيَوَان إِنْسَان وَهُوَ يصدق عِنْد الْإِيجَاب الجزئي. وَالْفرق بَين عُمُوم السَّلب وسلب الْعُمُوم أَن سلب الْعُمُوم وأعم مُطلقًا من عُمُوم السَّلب فَكل مَوْضُوع يصدق فِيهِ عُمُوم السَّلب يصدق فِيهِ سلب الْعُمُوم من غير عكس كلي. السّلم: بِضَم الأول وَتَشْديد الثَّانِي نردبان. وبفتح الأول وَالثَّانِي فِي اللُّغَة الاستعجال والتقديم وَالتَّسْلِيم. وَفِي الشَّرْع عقد يُوجب الْملك فِي الثّمن فِي الْحَال وَفِي الْمُثمن فِي الِاسْتِقْبَال وَإِنَّمَا خص هَذَا النَّوْع من البيع بِهَذَا الِاسْم لاختصاصه بِحكم يدل عَلَيْهِ وَهُوَ تَعْجِيل أحد الْبَدَلَيْنِ قبل حُصُول الْمَبِيع وَالْمَبِيع يُسمى مُسلما فِيهِ وَالثمن رَأس المَال وَالْبَائِع مُسلما إِلَيْهِ وَالْمُشْتَرِي رب السّلم وَمعنى قَوْلنَا أسلم فِي كَذَا أَي فعل عقد السّلم فِي الْحِنْطَة مثلا أَو أسلم الثّمن فِيهِ أَي قدم وَعجل قبل حُصُول الْمَبِيع. أَو الْهمزَة للسلب أَي أَزَال سَلامَة الدَّرَاهِم بتسليمها إِلَى مُفلس أَي عادم للْمَبِيع ومفلس عَنهُ. وَاعْلَم أَن البيع نَوْعَانِ: (بيع الْعين بِالدّينِ) كَمَا إِذا بَاعَ حِنْطَة مَوْجُودَة مُعينَة بدرهم فَيكون الدِّرْهَم دينا على المُشْتَرِي (وَبيع الدّين بِالْعينِ) وَهُوَ عقد السّلم وَالْبيع الأول عَزِيمَة وَالثَّانِي رخصَة. السَّلَام: من أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لسلامته تَعَالَى عَن النقائص وَبِمَعْنى السَّلامَة عَن الْآفَات فِي الدَّاريْنِ وَبَعض أَحْكَامه فِي التَّكَلُّم فَانْظُر فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 (بَاب السِّين مَعَ الْمِيم) سمع الله لمن حَمده: أَي قبل الله حمد من حَمده كَمَا يُقَال سمع القَاضِي الْبَيِّنَة أَي قبلهَا و (اللَّام) فِي لمن للمنفعة و (الْهَاء) فِي حَمده للكناية كَذَا فِي الْمُسْتَصْفى، وَذكر فِي الْفَوَائِد الحميدية أَنَّهَا للسكتة والاستراحة. نقل بعض شرَّاح الْمُقدمَة الكيدانية عَن عُمْدَة الْإِسْلَام لَو قَالَ سمع الله لمن حمد بِدُونِ الْهَاء تفْسد صلَاته انْتهى. وَنقل عَن عُمْدَة الْفَتَاوَى لَو قَرَأَ سمع الله لمن حَمده بِسُكُون الْمِيم تفْسد صلَاته. وَذكر فِي فَتَاوَى الْحجَّة أَنه يقف على الْهَاء سَاكِنة وَلَا يَقُول حَمده بالحركة انْتهى. وَوجه مَا نَقله بعض شرَّاح الْمُقدمَة الكيدانية من فَسَاد الصَّلَاة لَو قَالَ سمع الله لمن حمد بِدُونِ ضمير الْمَفْعُول مَا قَالَ القَاضِي شهَاب الدّين الْهِنْدِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَوَاشِيه على كَافِيَة ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى. اعْلَم أَن الْعَائِد إِلَى الْمَوْصُول غير اللَّام إِذا كَانَ فضلَة وَلَا يكون ضمير سواهُ يجوز حذفه لدلَالَة الْمَوْصُول عَلَيْهِ بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ ضمير الْفَاعِل وَبِخِلَاف صلَة اللَّام الموصولة وَبِخِلَاف الْعَائِد إِلَى غير الْمَوْصُول نَحْو سمع الله لمن حَمده لِأَن الضَّمِير عَائِد إِلَى غير الْمَوْصُول فَيكون مستغني عَنهُ فَلَا يجوز حذفه منويا فَإِذا قَالَ سمع الله لمن حمد قَاصِدا قَوْله لمن حَمده على مَا هُوَ شَأْن من يقْصد اتِّبَاع السّنة كَانَ هَذَا غير جَائِز من جِهَة النَّحْو للُزُوم حذف الضَّمِير المستغني عَنهُ مرَادا فَلَا يكون مِمَّا يشبه أَلْفَاظ الْقُرْآن فَيَنْبَغِي أَن يفْسد الصَّلَاة كَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات انْتهى. السمُوم: بِضَم السِّين جمع السم. وَبِفَتْحِهَا الرّيح المتكيف بكيفية سميَّة فَيكون محرقا وَقد يرى فِيهِ حمرَة شعل النيرَان لاحتراقه فِي نَفسه بالأشعة وَقيل باختلاطه بِبَقِيَّة مَادَّة الشهب أَو لمروره بِالْأَرْضِ الحارة جدا. السّمع: قُوَّة مودعة فِي الْعصبَة المفروشة فِي مُؤخر الصماخ الَّتِي فِيهَا هَوَاء محتبس كالطبل فَإِذا وصل الْهَوَاء المتكيف بكيفية الصَّوْت لتموجه الْحَاصِل من قرع أَو قلع عنيفين مَعَ مقاومة المقروع للقارع والمقلوع للقالع إِلَى تِلْكَ الْعصبَة وقرعها أَدْرَكته الْقُوَّة بالمودعة فِيهَا وَكَذَا إِذا كَانَ الْهَوَاء المتكيف بكيفية الصَّوْت قَرِيبا مِنْهَا وَإِن لم يكن قارعا وَلَيْسَ المُرَاد بوصول الْهَوَاء الْحَامِل للصوت إِلَى السامعة أَن هَوَاء وَاحِدًا بِعَيْنِه يتموج ويتكيف بالصوت ويوصل التموج ذَلِك الْهَوَاء إِلَى السامعة بل أَن الْهَوَاء المجاور لذَلِك الْهَوَاء المتكيف بالصوت يتموج ويتكيف بِهِ الْهَوَاء الراكد فِي الصماخ فَتُدْرِكهُ السامعة حِين الْوُصُول. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن السّمع قُوَّة مؤدعة لِأَن الْوَدِيعَة تَزُول بِأخذ الْمُودع والسمع وَالْبَصَر أَيْضا كَذَلِك بِخِلَاف اللَّمْس والذوق والشم فَإِنَّهَا لَا تَزُول مَا دَامَت الْحَيَاة بَاقِيَة نعم قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 يحدث النُّقْصَان فِيهَا وَهُوَ لَا يُوجب الزَّوَال كَمَا لَا يخفى. ثمَّ اعْلَم أَن السّمع أفضل الْحَواس الظَّاهِرَة فَإِن التَّعْلِيم والتعلم والنطق مَوْقُوف عَلَيْهِ وَهُوَ يتَعَلَّق بالقريب والبعيد وَلِهَذَا كَانَ بعض الْأَنْبِيَاء أعمى لَا أَصمّ فَلَا بُد من احتياطه ومحافظته وَصِحَّته بالاجتناب عَن الْهَوَاء الْحَار والبارد وَدخُول المَاء وَالْغُبَار وَالتُّرَاب والهوام وَالْوَاجِب تقطير الدّهن المحرور بالنَّار المعتدل والاجتناب عَن كَثْرَة الْكَلَام وَسَمَاع الْأَصْوَات القوية وَالْقِرَاءَة الجهرية وَالْحَرَكَة العنيفة والقيء وَالْحمام الْحَار وَالنَّوْم على الامتلاء وَالسكر المتوالي وَتَنَاول الأغذية المبخرة وَمن أَرَادَ حفظ صِحَة لسمع فَعَلَيهِ أَن يضع الْقطن فِي الْأذن لَيْلًا وَنَهَارًا. سمت الْقبْلَة: عبارَة عَن نقطة مُحِيط دَائِرَة الْأُفق لَو حَاذَى رجل تِلْكَ النقطة يكون مواجها لمَكَّة المعظمة والخط الْوَاصِل بَين تِلْكَ النقطة وَبَين قدم الْمُصَلِّي إِلَيْهَا هُوَ خطّ سمت الْقبْلَة ولمعرفتها طرق فِي كتب الْهَيْئَة ورسائل الرّبع الْمُجيب. وَاعْلَم أَن من أَرَادَ عمل اسْتِخْرَاج سمت الْقبْلَة يجب عَلَيْهِ أَن يفعل ذَلِك الْعَمَل الْمَذْكُور فِي تِلْكَ الْكتب قبل الزَّوَال بِكَثِير أَو بعده بِكَثِير فَيَأْخُذ ارْتِفَاع الشَّمْس فَإِن وجده عشْرين مثلا فَليخْرجْ سمت ارْتِفَاع ثَلَاثًا وَعشْرين قبل الزَّوَال وَسَبْعَة عشر بعده وَبعد تكمل الْعَمَل فِيهِ حَتَّى لَا يَأْتِي الِارْتفَاع الْمَذْكُور إِلَّا وَقد استخرج سمته وَعرف أَنه شَرْقي - أَو غربي - شمَالي - أَو جنوبي - فَلَا يخْتل الْعَمَل مِنْهُ وَكثير من النَّاس من يغْفل عَن ذَلِك فَيَأْخُذ الِارْتفَاع ويستخرج سمته فيمضي زمَان فِي استخراجه فيختل الْعَمَل الصَّحِيح مِنْهُ وَهُوَ لَا يدْرِي. ثمَّ قد يحكم بذلك على اختلال بعض المحاريب مثلا كَمَا وَقع لبَعْضهِم أَنه حكم بِأَن قبله الْجَامِع الْأَزْهَر منحرفة انحرافا يَسِيرا وَذَلِكَ إِنَّمَا نَشأ عَن غَفلَة عَمَّا ذكرنَا وَهُوَ لما اسْتَيْقَظَ واستخرج الْقبْلَة بِهِ لم يجد فِي قبْلَة الْجَامِع الْمَذْكُور انحرافا أصلا نبه على ذَلِك الشَّيْخ الْعَالم الصَّالح عبد الرَّحْمَن الباجوري رَحمَه الله تَعَالَى. السمحاق: بِالْكَسْرِ فِي الشجاج إِن شَاءَ الله تَعَالَى. السمسار: من يعْمل للْغَيْر بِالْأَجْرِ بيعا أَو شِرَاء وَيُقَال لَهُ فِي الْعرف الدَّلال كَذَا فِي جمال الحسني. السّمن: بِكَسْر الأول وَفتح الثَّانِي أَو سكونه فر بِهِ شدن وَحَقِيقَته فِي النمو إِن شَاءَ الله تَعَالَى وبفتح الأول وَسُكُون الثَّانِي (روغن كاؤ وكوسفند وَبِمَعْنى بيه نزآمده) . السماعي: الْمَنْسُوب إِلَى السماع. وَفِي الْإِصْلَاح مَا لم يذكر لَهُ قَاعِدَة كُلية مُشْتَمِلَة على جزئياتها ويقابله القياسي. وَالْعَامِل السماعي مَا سمع من الْعَرَب أَنه يعْمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 كَذَا وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ بِخِلَاف الْعَامِل القياسي فَإِنَّهُ وَإِن سمع من الْعَرَب أَنه يعْمل كَذَا وَلَكِن يُقَاس عَلَيْهِ فَإِن ضرب مثلا مسموع من الْعَرَب أَنه يرفع الْفَاعِل وَيُقَاس عَلَيْهِ نصر وَفتح وَغير ذَلِك بِخِلَاف لم وَلنْ فَإِنَّهُ سمع من الْعَرَب أَن الأول يجْزم الْمُضَارع وَالثَّانِي ينصبه وَلَكِن لَا يُقَاس عَلَيْهِ مَا يوازنه كَمَا لَا يخفى. السّمك: من الصَّيْد البحري والطافي مِنْهُ حرَام وَالتَّفْصِيل فِي الصَّيْد إِن شَاءَ الله تَعَالَى. السمنية: بِضَم الأول وَفتح الْمِيم جمَاعَة من عَبدة الْأَصْنَام يَقُولُونَ بالتناسخ وَيُنْكِرُونَ وُقُوع الْعلم أَي الْيَقِين بِغَيْر الْحس ومنسوبة إِلَى السومنات الَّذِي هُوَ اسْم صنم كَانَ فِي ولَايَة سورتهه. (بَاب السِّين مَعَ النُّون) السّنة: بِفَتْح الأول وَالثَّانِي الْعَام. وبالكسر فتور يتَقَدَّم النّوم بِالْفَارِسِيَّةِ (بينكي وغنو دن) نعم الْقَائِل - سنة الْوِصَال سنة وَسنة الْفِرَاق سنة - السّنة فِي الطَّرفَيْنِ بِفَتْح السِّين وَفِي الحشو بِكَسْرِهَا. فَإِن قيل: لَا حَاجَة إِلَى نفي النّوم فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} . كَمَا لَا يخفى. قلت: كَلَامه تَعَالَى مَحْمُول على الْقلب فَالْمُرَاد (لَا تَأْخُذهُ نوم وَلَا سنة) وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا} . أَي نحيا وَنَمُوت وَإِنَّمَا قدم السّنة على النّوم لِأَنَّهَا مُقَدّمَة على النّوم بالطبع فَقَدمهَا وضعا ليُوَافق الْوَضع الطَّبْع. وَالسّنة بِضَم الأول وَتَشْديد الثَّانِي فِي اللُّغَة الطَّرِيقَة مرضية أَو غير مرضية. وَفِي الشَّرْع هِيَ الطَّرِيقَة المسلوكة الْجَارِيَة فِي الدّين من غير افتراض وَلَا وجوب سَوَاء سلكها الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو غَيره مِمَّن هُوَ علم فِي الدّين وَلَا بُد من الِاتِّبَاع بِالسنةِ لِأَنَّهُ قد ثَبت بِالدَّلِيلِ أَن الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُتبع فِيمَا سلك من طَريقَة الدّين وَكَذَا الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بعده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة خلفائي الرَّاشِدين من بعدِي. وَقَوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ فَبِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ. وَحكم السّنة أَن يُطَالب الْمُكَلف بإقامتها من غير افتراض وَلَا وجوب إِلَّا إِذا كَانَ من شَعَائِر الدّين كالأذان فَإِذا أصر أهل مصر على ترك الْأَذَان وَالْإِقَامَة أمروا بهَا فَإِن أَبَوا قوتلوا بِالسِّلَاحِ عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله كَمَا يُقَاتلُون عِنْد الْإِصْرَار على ترك الْفَرَائِض والواجبات. فالسنن إِنَّمَا يؤدبون على تَركهَا وَلَا يُقَاتلُون ليظْهر الْفرق بَين الْوَاجِب وَغَيره. وَمُحَمّد رَحمَه الله يَقُول مَا كَانَ من أَعْلَام الدّين فالإصرار على تَركه استخفاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 بِالدّينِ فيقاتلون على ذَلِك كَذَا فِي التَّحْقِيق نقلا عَن الْمَبْسُوط. وَالسّنة على نَوْعَيْنِ: سنَن الْهدى وَسنَن الزَّوَائِد أما الأول: فَهُوَ مَا واظب عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على سَبِيل الْعِبَادَة أَي تكميلا للهداية مَعَ تَركه أَحْيَانًا كالجماعة وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة. وَحكمه الثَّوَاب بِالْفِعْلِ وَجَزَاء الْإِسَاءَة وَالْكَرَاهَة بِالتّرْكِ عمدا بِلَا عذر. والإساءة دون الْكَرَاهَة وَجَزَاء الْإِسَاءَة اللوم وَجَزَاء الْمَكْرُوه الْعقَاب وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله فِي بعض السّنَن أَنه يصير مسيئا بِالتّرْكِ. وَفِي الْبَعْض يسْتَحبّ الْقَضَاء كَسنة الْفجْر وَلَا يُعَاقب بِتَرْكِهَا. وَأما الثَّانِي: فَمَا لم يصدر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على وَجه الْعِبَادَة وَقصد الْقرْبَة بل على سَبِيل الْعَادة فَأَخذه حسن وَلَا يتَعَلَّق بِتَرْكِهِ كَرَاهَة وإساءة كتطويل الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة وَتَطْوِيل الرُّكُوع وَسَائِر أفعالها الَّتِي كَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ السَّلَام بهَا فِي الصَّلَاة فِي حَالَة الْقيام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وأفعاله عَلَيْهِ السَّلَام خَارج الصَّلَاة كلبس حَبَّة خضراء وبيضاء وَمَا فِيهِ خطوط حَمْرَاء طَوِيل الكمين وَرُبمَا يلبس عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عِمَامَة سَوْدَاء وحمراء وَكَانَ مقدارها سَبْعَة أَذْرع أَو اثْنَي عشر ذِرَاعا أَو أقل أَو أَكثر فَهَذَا كلهَا من سنَن الزَّوَائِد. يُثَاب الْمَرْء على فعلهَا وَلَا يُعَاقب على تَركهَا وَهُوَ فِي معنى الْمُسْتَحبّ إِلَّا أَن الْمُسْتَحبّ مَا أحبه الْعلمَاء وَهَذَا مَا اعْتَادَ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومستند إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام. وَفِي التَّحْقِيق شرح الحسامي ذكر أَبُو الْيُسْر رَحمَه الله وَأما حكم السّنة فَهُوَ إِن كَانَ فعل واظب عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثل التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة وَالسّنَن والرواتب ينْدب إِلَى تَحْصِيله ويلام على تَركه مَعَ لُحُوق إِثْم يسير. وكل فعل لم يواظب عَلَيْهِ بل تَركه فِي حَالَة كالطهارة لكل صَلَاة وتكرار الْغسْل فِي أَعْضَاء الْوضُوء وَالتَّرْتِيب فِي الْوضُوء فَإِنَّهُ ينْدب إِلَى تَحْصِيله وَلَكِن لَا يلام على تَركه وَلَا يلْحق بِتَرْكِهِ وزر. وَأما التَّرَاوِيح فِي رَمَضَان فَإِنَّهُ سنة الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم إِذْ لم يواظب عَلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بل واظب عَلَيْهَا الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَهِي مِمَّا ينْدب إِلَى تَحْصِيله ويلام على تَركه وَلكنه دون مَا واظب عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِن سنة النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أقوى من سنة الصَّحَابَة فَقَالَ وَهَذَا عندنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُولُونَ السّنة فعل واظب عَلَيْهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. فَأَما الْفِعْل الَّذِي واظب عَلَيْهِ الصَّحَابَة فَلَيْسَ بِسنة وَهُوَ على أصلهم مُسْتَقِيم فَإِنَّهُم لَا يرَوْنَ أَقْوَالهم حجَّة فَلَا يرَوْنَ أفعالهم سنة أَيْضا. وَعِنْدنَا أَقْوَالهم حجَّة فَتكون أفعالهم سنة وَذكر غَيره أَنه لَا اخْتِلَاف فِي أَن السّنة هِيَ الطَّرِيقَة المسلوكة فِي الدّين سَوَاء كَانَت للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَو لغيره من أَعْلَام الدّين وَلَكِن الْخلاف فِي أَن إِطْلَاق لفظ السّنة يَقع على سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو يحْتَمل سنته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسنة غَيره على مَا عرف انْتهى. السّنة الشمسية: عبارَة عَن دورة وَاحِدَة للشمس من نقطة فلك البروج إِلَى أَن تَنْتَهِي إِلَيْهَا وَهِي خَمْسَة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَثَلَاث مائَة يَوْم وجزء من أحد وَعشْرين جُزْءا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 الْيَوْم على اخْتِلَاف سَيَجِيءُ فِي الْكسر إِن شَاءَ الله تَعَالَى. السّنة القمرية: أَرْبَعَة وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَثَلَاث مائَة يَوْم وَبَعض مَعْلُوم من يَوْم وَهُوَ عشرُون جُزْءا من أحد وَعشْرين جُزْءا من الْيَوْم فَيكون السّنة الشمسية زَائِدَة على القمرية بِأحد عشر يَوْمًا وجزء من أحد وَعشْرين جُزْءا من الْيَوْم. وَفِي عدَّة أَيَّام السّنة اخْتِلَاف سَيَجِيءُ فِي الْكسر إِن شَاءَ الله تَعَالَى. السن: بِكَسْر السِّين وَتَشْديد النُّون سَالَ ودندان وَعمر. وَجمعه الْأَسْنَان وَجمع الْجمع أسنة والسنون من الجموع الشاذة كَمَا حققناه فِي جَامع الغموض منبع الفيوض شرح الكافية فِي مَبْحَث الْجمع. وَاعْلَم أَن أَسْنَان الْإِنْسَان أَرْبَعَة الأول سنّ النمو وَهُوَ من أول الْعُمر إِلَى قريب من ثَلَاثِينَ سنة إِذْ النمو ظَاهر إِلَى عشْرين. وَلَا شكّ أَن بعد الْعشْرين يزِيد حَال الْإِنْسَان فِي الْجمال وَالْقُوَّة والجلادة وَذَلِكَ يدل على عدم وقُوف النامية. وَالثَّانِي سنّ الْوُقُوف وَلَا بُد من القَوْل بِهِ لِأَنَّهُ لَا شكّ فِي النمو وَلَا فِي الانحطاط فَلَا بُد بَين حركتين متضادتين من سُكُون وَيُسمى سنّ الشَّبَاب وَهُوَ من آخر النمو إِلَى أَرْبَعِينَ. وَالثَّالِث سنّ الانحطاط مَعَ بَقَاء من الْقُوَّة وَهُوَ أَن لَا يكون النُّقْصَان فِيهِ محسوسا وَهُوَ من آخر سنّ الشَّبَاب إِلَى سِتِّينَ سنة وَيُسمى سنّ الكهولة وَيعلم من الْأَشْبَاه والنظائر غير هَذَا كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّبِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَالرَّابِع سنّ الانحطاط مَعَ ظُهُور الضعْف فِي الْقُوَّة وَهُوَ أَن تصير الرُّطُوبَة الغريزية نَاقِصَة من حفظ الْحَرَارَة الغريزية نُقْصَانا محسوسا وَهُوَ من آخر سنّ الكهولة إِلَى آخر الْعُمر وَيُسمى سنّ الشيخوخة فَالْحَاصِل أَن للْإنْسَان أسنانا أَربع سنّ النمو وَسن الْوُقُوف وَسن الكهولة وَسن الشيخوخة. ف (58) : السَّنَد فِي اصْطِلَاح أَرْبَاب المناظرة مَا يذكر لأجل تَقْوِيَة الْمَنْع وَإِن لم يكن مُفِيدا فِي الْوَاقِع إِذْ لَا يلْزم أَن يكون الْغَرَض من الْفِعْل حَاصِلا بِالْفِعْلِ فَهَذَا التَّعْرِيف إِنَّمَا هُوَ لمُطلق السَّنَد الشَّامِل للصحيح وَهُوَ مَا كَانَ مورثا للقوة فِي نفس الْأَمر. وَالْفَاسِد وَهُوَ مَا كَانَ مورثا لَا يكون كَذَلِك. وَمَا قيل إِن السَّنَد مَا كَانَ الْمَنْع مَبْنِيا عَلَيْهِ فَفِيهِ نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه يصدق على شَاهد النَّقْض الإجمالي وَدَلِيل الْمعَارض. وَالْجَوَاب أَن المُرَاد بِالْمَنْعِ هَا هُنَا منع الْمُقدمَة الْمعينَة لَا مَا يعم المباحث الثَّلَاثَة. وَثَانِيهمَا: أَنه إِنَّمَا يصدق على السَّنَد الْمسَاوِي. وَالْجَوَاب أَن المُرَاد أَن الْمَنْع مَا يكون مصححا لوُرُود الْمَنْع إِمَّا فِي نفس الْأَمر أَو فِي زعم السَّائِل وَأَلْفَاظه ثَلَاثَة: أَحدهَا: أَن يُقَال لَا نسلم هَذَا لم لَا يجوز أَن يكون كَذَا. وَالثَّانِي: لَا نسلم لُزُوم ذَلِك إِنَّمَا يلْزم إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 لَو كَانَ كَذَا. وَالثَّالِث: لَا نسلم هَذَا كَيفَ يكون هَذَا وَالْحَال أَنه كَذَلِك. السَّنَد الْمسَاوِي: هُوَ السَّنَد الَّذِي يكون مُسَاوِيا لعدم الْمُقدمَة الممنوعة بِأَن يكون كلما صدق السَّنَد صدق عدم الْمُقدمَة الممنوعة وَبِالْعَكْسِ فَيُفِيد إِبْطَاله بطلَان الْمَنْع وَلذَا قَالُوا لَا يُجَاب بِإِبْطَال السَّنَد إِلَّا إِذا كَانَ مُسَاوِيا. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره السَّنَد الْمسَاوِي أَن لَا يَنْفَكّ أَحدهمَا عَن الآخر فِي صُورَتي التحقق والانتفاء أَي صفة عدم الانفكاك بَين السَّنَد وَمنع الْمُقدمَة فِي الْوُجُود والانتفاء يَعْنِي كلما يُوجد وينعدم السَّنَد يُوجد وينعدم انْتِفَاء الْمُقدمَة الممنوعة وَكلما يُوجد وينعدم الانتفاء يُوجد وينعدم السَّنَد مثل إِذا يَجْعَل الْمُعَلل قَوْله هَذَا إِنْسَان صغرى الدَّلِيل بِأَن يَقُول هَذَا إِنْسَان وكل إِنْسَان حَيَوَان فَهَذَا حَيَوَان. فَيَقُول الْمَانِع لَا نسلم الصُّغْرَى أَي لَا نسلم إِن هَذَا إِنْسَان لم لَا يجوز أَن يكون لَا إنْسَانا فَكلما تحقق عدم كَونه إنْسَانا تحقق كَونه لَا إنْسَانا وَكلما انْعَدم انْعَدم فِيهِ. السَّنَد الْأَخَص: هُوَ السَّنَد الَّذِي لَا يرْتَفع الْمَنْع بارتفاعه بل يتَحَقَّق مَعَ رَفعه كَمَا يتَحَقَّق مَعَ وجوده مثل أَن يَقُول الْمُدَّعِي هَذَا إِنْسَان وكل إِنْسَان حَيَوَان فَهَذَا إِنْسَان فَيَقُول السَّائِل لَا نسلم الصُّغْرَى لم لَا يجوز أَن يكون فرسا فَالسَّنَد وَهُوَ كَونه فرسا أخص من عدم كَونه إنْسَانا لتحَقّق عدم كَونه إنْسَانا مَعَ عدم كَونه فرسا أَيْضا مثل أَن يكون حمارا. السَّنَد الْأَعَمّ مُطلقًا أَو من وَجه: صفته أَن يتَحَقَّق السَّنَد مَعَ انْتِفَاء الْمَنْع فَإِن كَانَ هَذَا التحقق كليا بِلَا عكس كلي فَحِينَئِذٍ يكون السَّنَد أَعم من الْمَنْع مُطلقًا وَإِلَّا فَمن وَجه. أما الأول: فَمثل أَن يَقُول الْمُعَلل فِي دَلِيله هَذَا إِنْسَان فَيَقُول السَّائِل لَا نسلم ذَلِك لم لَا يجوز أَن يكون غير ضَاحِك بِالْفِعْلِ فَالسَّنَد هُوَ عدم الضحك بِالْفِعْلِ أَعم مُطلقًا من عدم كَونه إنْسَانا لِأَنَّهُ كلما يُوجد عدم الإنسانية يُوجد عدم الضحك بِالْفِعْلِ من غير عكس كلي لِأَنَّهُ قد يُوجد عدم الضحك بِالْفِعْلِ فِي الْإِنْسَان وَلَيْسَ هُنَاكَ عدم الإنسانية كَمَا هُوَ الظَّاهِر. وَأما الثَّانِي: فَكَمَا إِذا قَالَ الْمُعَلل فِي دَلِيله هَذَا إِنْسَان وَيَقُول السَّائِل لَا نسلم ذَلِك لم لَا يجوز أَن يكون أَبيض فَالسَّنَد وَهُوَ كَونه أَبيض أَعم من وَجه من عدم كَونه إنْسَانا لِأَنَّهُ لَا يُوجد كَونه أَبيض مَعَ كَونه إنْسَانا أَيْضا كَمَا يُوجد مَعَ عَدمه وَكَذَلِكَ عدم كَونه إنْسَانا يُوجد مَعَ كَونه أبيضا وَمَعَ عَدمه. (بَاب السِّين مَعَ الْوَاو) سَوَاء: اسْم بِمَعْنى الاسْتوَاء وَهُوَ قَوْلهم سَوَاء كَانَ مَرْفُوع على الخبرية للْفِعْل الْمَذْكُور بعده كَمَا قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَاشِيَته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 على المطول قَوْله سَوَاء تعلق بالفضائل أم بالفواضل أَن سَوَاء اسْم بِمَعْنى الاسْتوَاء مَرْفُوع على الخبرية للْفِعْل الْمَذْكُور بعده لِأَنَّهُ مُجَرّد عَن النِّسْبَة وَالزَّمَان فَحكمه حكم الْمصدر والهمزة مقدرَة لِأَن أم الْمُتَّصِلَة لَا تسْتَعْمل بِدُونِهَا وهما جردتا عَن الِاسْتِفْهَام لمُجَرّد التَّسْوِيَة وَلذَا صَارَت الْجُمْلَة جملَة خبرية فَكَأَنَّهُ قيل تعلقه بالفضائل وتعلقه بالفواضل سَوَاء أَي سيان. وَمَا قَالَ الرضي أَن سَوَاء فِي مثله خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره الْأَمْرَانِ سَوَاء ثمَّ بَين الْأَمريْنِ بقوله أَقمت أم قعدت كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {اصْبِرُوا أَو لَا تصبروا سَوَاء عَلَيْكُم} أَي الْأَمْرَانِ سَوَاء. وَالْجُمْلَة جَزَاء وللجملة الَّتِي بعده لتضمنها معنى الشَّرْط وإفادة همزَة الِاسْتِفْهَام معنى أَن لاشْتِرَاكهمَا فِي الدّلَالَة على عدم الْجَزْم وَالتَّقْدِير أَن تعلق الْفَضَائِل أَو الفواضل سيان فتكلف كَمَا لَا يخفى مَا فِيهِ. ف (59) : السّوم: فِي الشَّرْع طلب الْمَبِيع بِالثّمن الَّذِي تقرر بِهِ البيع فِي الْمغرب سَام البَائِع السّلْعَة أَي عرضهَا وَذكر ثمنهَا وسامها المُشْتَرِي بِمَعْنى استامها. وَمِنْه لَا يسوم الرجل أَي لَا يَشْتَرِي انْتهى. قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يستام الرجل على سوم أَخِيه وَلَا يخْطب على خطْبَة أَخِيه. وَفِي المسكيني شرح كنز الدقائق وَكره السّوم على سوم غَيره وَهُوَ أَن يزِيد فِي الثّمن بعد تقرره لإِرَادَة الشِّرَاء وَهَذَا إِذا رَضِي العاقدان على ثمن فإمَّا إِذا ساومه بِشَيْء وَلم يركن أَحدهمَا إِلَى صَاحبه فَلَا شَيْء على الْغَيْر إِن ساومه وَاشْتَرَاهُ. وَفِي شرح الطَّحَاوِيّ صورته أَن يتساوم الرّجلَانِ على السّلْعَة وَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِع رَضِيا بذلك وَلم يعقدا عقد البيع حَتَّى دخل آخر على سومه وَاشْتَرَاهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يجوز فِي الحكم وَيكرهُ. وَهَذَا إِذا جنح قلب البَائِع إِلَى الْمَبِيع من الأول بِمَا طلب فِيهِ من الثّمن. وَأما إِذا لم يجنح قلبه إِلَيْهِ وَلم يرض بذلك فَلَا بَأْس للثَّانِي أَن يَشْتَرِيهِ لِأَن هَذَا بيع من يزِيد انْتهى. وَلم يركن بِمَعْنى أَو لم يمل. سوابق النعم: وَهِي الوجودات لِأَن أول النعم الْوُجُود والبواقي متفرعة عَلَيْهِ ولواحق النعم هِيَ الْبَوَاقِي. وَيُمكن أَن يُرَاد أناعيم الدُّنْيَا وَيُمكن أَن يُرَاد بسوابق النعم أصُول عَن النعم الَّتِي أوصلت إِلَيْنَا فِي الْأَزْمِنَة الْمَاضِيَة أَو أناعيم الدُّنْيَا وبلواحق النعم مَا يُقَابل كل وَاحِد من هذَيْن الْأَمريْنِ. السوال: فِي اللُّغَة طلب الْأَدْنَى من الْأَعْلَى. وَفِي الْعرف طلب كشف الْحَقَائِق والدقائق على سَبِيل الاستفادة لَا على سَبِيل الامتحان فَهُوَ كالمناظرة وَيُطلق على الْمَنْع والنقض والمعارضة. وَفِي اصْطِلَاح المناظرة نصب نَفسه لنفي الحكم الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي بِلَا نصب دَلِيل فعلي هَذَا يصدق على الْمَنْع فَقَط أَي النَّقْض التفصيلي. وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 يُطلق على مَا هُوَ أَعم وَهُوَ التَّكَلُّم على مَا تكلم بِهِ الْمُدَّعِي أَعم من أَن يكون منعا اَوْ نقضا إجماليا أَو مُعَارضَة. وَيعلم من هَذَا الْبَيَان معنى السَّائِل وَمعنى قَول أَصْحَاب التصريف أَن بَاب الاستفعال للسؤال أَنه لإِفَادَة نِسْبَة الْفِعْل إِلَى فَاعله لإِرَادَة تَحْصِيل الْفِعْل الْمُشْتَقّ هُوَ مِنْهُ وَذَلِكَ قد يكون صَرِيحًا نَحْو استكتبته أَي طلبت مِنْهُ الْكِتَابَة. وَقد يكون تَقْديرا نَحْو استخرجت الوتد من الْحَائِط فَإِنَّهُ لَا يُمكن طلب الْخُرُوج مِنْهُ فَلَيْسَ هُنَاكَ طلب صَرِيح إِلَّا أَنه بِمَنْزِلَة إِخْرَاجه وَالِاجْتِهَاد فِي تحريكه كَأَنَّهُ طلب مِنْهُ الْخُرُوج. السُّور: بِالضَّمِّ وَسُكُون الثَّانِي سور الْبَلَد أَي حصاره. والسور فِي الْقَضِيَّة عِنْد المنطقيين هُوَ اللَّفْظ الدَّال على كمية أَفْرَاده الْمَوْضُوع كلا أَو بَعْضهَا وَالْمرَاد بالسور فِي كتب الْفِقْه بِالْفَارِسِيَّةِ (بس خورده) وَفِي جَامع الرموز هُوَ لُغَة المَاء الَّذِي تَركه الشَّارِب فِي الْإِنَاء أَو الْحَوْض ثمَّ أستعير لبَقيَّة الطَّعَام وَغَيره كَمَا فِي (الْمغرب) وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سور الْمُؤمن شِفَاء قيل هُوَ شِفَاء من مرض التكبر والأنانية. السُّورَة: بِالْفَتْح تندي ونيزي. وبالضم جُزْء من الْقُرْآن الْمجِيد لَكِن لَا مُطلقًا بل جُزْء مفصول بِالتَّسْمِيَةِ وسور الْقُرْآن مائَة وَأَرْبَعَة عشر بِهَذَا التَّرْتِيب (1) الْفَاتِحَة (2) الْبَقَرَة (3) آل عمرَان (4) النِّسَاء (5) الْمَائِدَة (6) الْأَنْعَام (7) الْأَعْرَاف (8) الْأَنْفَال (9) التَّوْبَة (10) يُونُس (11) هود (12) يُوسُف (13) الرَّعْد (14) إِبْرَاهِيم (15) الْحجر (16) النَّحْل (17) بني إِسْرَائِيل (18) الْكَهْف (19) مَرْيَم (20) طه (21) الْأَنْبِيَاء (22) الْحَج (23) الْمُؤْمِنُونَ (24) النُّور (25) الْفرْقَان (26) الشُّعَرَاء (27) النَّمْل (28) الْقَصَص (29) العنكبوت (30) الرّوم (31) لُقْمَان (32) السَّجْدَة (33) الْأَحْزَاب (34) سبأ (35) فاطر (36) يس (37) الصافات (38) ص (39) الزمر (40) الْمُؤمن (41) حم السَّجْدَة (42) حمعسق (43) حم الزخرف (44) حم الدُّخان (45) حم الجاثية (46) حم الْأَحْقَاف (47) مُحَمَّد (48) الْفَتْح (49) الحجرات (50) ق (51) الذاريات (52) الطّور (53) النَّجْم (54) الْقَمَر (55) الرَّحْمَن (56) الْوَاقِعَة (57) الْحَدِيد (58) المجادلة (59) الْحَشْر (60) الممتحنة (61) الصَّفّ (62) الْجُمُعَة (63) المُنَافِقُونَ (64) التغابن (65) الطَّلَاق (66) التَّحْرِيم (67) الْملك (68) ن (69) الحاقة (70) المعارج (71) نوح (72) الْجِنّ (73) المزمل (74) المدثر (75) الْقِيَامَة (76) الدَّهْر (77) المرسلات (78) النبأ (79) النازعات (80) عبس (81) التكوير (82) الانفطار (83) المطففين (84) الانشقاق (85) البروج (86) الطارق (87) الْأَعْلَى (88) الغاشية (89) الْفجْر (90) الْبَلَد (91) الشَّمْس (92) اللَّيْل (93) الضُّحَى (94) ألم نشرح (95) التِّين (96) الْقَلَم (97) الْقدر (98) الانفكاك (1) (99) إِذا زلزلت (100) العاديات (101) القارعة (102) التكاثر (103) الْعَصْر (104) الْهمزَة (105) الْفِيل (106) قُرَيْش (107) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 الماعون (108) الْكَوْثَر (109) الْكَافِرُونَ (110) النَّصْر (111) اللهب (112) الْإِخْلَاص (113) الفلق (114) النَّاس. سُورَة النِّسَاء الْقصرى: أَرَادَ بهَا صَاحب التَّوْضِيح فِي فصل حكم الْعَام سُورَة الطَّلَاق وَالْمَشْهُور أَنَّهَا سُورَة النِّسَاء أَعنِي {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة} . وبالطولى سُورَة الْبَقَرَة. (بَاب السِّين مَعَ الْهَاء) السَّهْو: زَوَال الصُّورَة من النَّفس بِحَيْثُ يتَمَكَّن من ملاحظتها من غير تجشم إِدْرَاك جَدِيد - وَقيل السَّهْو عدم ملكة الْعلم وَهُوَ سَهْو لِأَن الصُّورَة مَحْفُوظَة فِي الخزانة فالملكة بَاقِيَة لَا مَعْدُومَة حَال السَّهْو. وَفِي حَال النسْيَان الصُّورَة زائلة عَن الخزانة أَيْضا فالسهو حَالَة متوسطة بَين الْإِدْرَاك وَالنِّسْيَان - وَإِرَادَة هَذِه الْحَالة من عدم ملكة الْعلم مستبعد جدا. السهْم: بِالْفَارِسِيَّةِ تير وَبِمَعْنى النَّصِيب والحصة وَالْهِبَة - وَفِي اصْطِلَاح أَصْحَاب الهندسة الْخط الْمخْرج من وسط الْقوس على وسط الْقَاعِدَة وَأَيْضًا يُطلق على الْخط الموهوم من رَأس المخروط إِلَى مَرْكَز قَاعِدَته. (بَاب السِّين مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة) السيمياء: فِي الطلسم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. السَّيِّد: بِفَتْح الأول وَالثَّانِي المشدد الرئيس كَمَا يُقَال سيد الْقَوْم أَي رئيسهم ثمَّ غلب فِيمَن كَانَ من أَوْلَاد نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَفِي مجمع الْفَتَاوَى وَلَو كَانَت الْأُم سيدة وَلَا يكون الْأَب سيدا الْفَتْوَى على أَن الْوَلَد يكون سيدا هَكَذَا فِي الْجَامِع الصَّغِير والمبسوط. وَاعْلَم أَن رجلا إِذا نكح أمة فَولدت مِنْهُ يكون وَلَدهَا رَقِيقا لمولاها إِلَّا إِذا كَانَ الناكح سيدا فَيكون حرا كَمَا فِي الْآل فَافْهَم واحفظ. وَالسَّيِّد بِكَسْر السِّين وَسُكُون الْيَاء الذِّئْب وَقيل الْأسد كَمَا قَالَ الشَّيْخ الْأَجَل مصلح الدّين السَّعْدِيّ الشِّيرَازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى. (جنان كشته سيد بهر شكار ... كه يادت نيايد زروز شمار) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وَمن يحرفه بالصيد بالصَّاد الْمُهْملَة فقد أهمل عمره فِي اصطياد مَا لَا يحل وخسر خسرانا مُبينًا. السياسة المدنية: علم بمصالح جمَاعَة متشاركة فِي المدنية ليتعاونوا على مصَالح الْأَبدَان وَبَقَاء نوع الْإِنْسَان فَإِن للْقَوْم أَن يعاملوا النَّبِي وَالْحَاكِم وَالسُّلْطَان كَذَا. وَلِلنَّبِيِّ وَالْحَاكِم وَالسُّلْطَان أَن يُعَامل كل مِنْهُم قومه ورعاياه كَذَا. ثمَّ السياسة المدنية قسمت إِلَى قسمَيْنِ إِلَى مَا يتَعَلَّق بِالْملكِ والسلطنة وَيُسمى علم السياسة. وَإِلَى مَا يتَعَلَّق بِالنُّبُوَّةِ والشريعة وَيُسمى علم النواميس. وَلِهَذَا جعل بَعضهم أَقسَام الْحِكْمَة العملية أَرْبَعَة وَلَيْسَ ذَلِك بمناقض لمن جعلهَا ثَلَاثَة أَقسَام لدُخُول الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين تَحت قسم وَاحِد. السياسة (نكاه داشتن) - وَفِي الصراح السياسة رعيت دَاري كردن - وَفِي غَايَة الْهِدَايَة وَيُسمى السياسة المدنية بِفَتْح الْمِيم وَالدَّال وضمهما سمي بهَا لحُصُول السياسة المدنية أَي مالكية الْأُمُور المنسوبة إِلَى الْبَلدة بِسَبَبِهِ. ف (60) : السّير: بِكَسْر الأول وَفتح الثَّانِي جمع السِّيرَة وَهِي الْحَالة من السّير كالجلسة وَالركبَة للجلوس وَالرُّكُوب ثمَّ نقلت إِلَى معنى الطَّرِيقَة وَالْمذهب ثمَّ غلبت فِي الشَّرْع على أُمُور الْمَغَازِي - وَقَالَ الْفُقَهَاء كتاب السّير وَإِنَّمَا سموا الْكتاب بذلك لِأَنَّهُ يجمع سير النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وطرقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مغازيه وسير أَصْحَابه رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمَا نقل عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 ( [ حرف الشين ] ) (بَاب الشين مَعَ الْألف) الشَّاة: فِي الضَّأْن إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الشاذ: هُوَ الَّذِي يكون على خلاف الْقيَاس من غير نظر إِلَى قلَّة وجوده وكثرته. والنادر هُوَ الَّذِي يكون وجوده قَلِيلا وَإِن كَانَ على الْقيَاس. وَاعْلَم أَنهم قَالُوا الشاذ على ثَلَاثَة أَقسَام. قسم مُخَالف للْقِيَاس دون الِاسْتِعْمَال. وَقسم مُخَالف للاستعمال دون الْقيَاس وَكِلَاهُمَا مَقْبُول. وَقسم مُخَالف للْقِيَاس والاستعمال وَهُوَ مَرْدُود. فالشاذ على هَذَا بِمَعْنى الْمُخَالف مُطلقًا. والشاذ من الحَدِيث: هُوَ الَّذِي لَهُ إِسْنَاد وَاحِد يسند بذلك شيخ ثِقَة كَانَ أَو غير ثِقَة فَمَا كَانَ من غير ثِقَة فمتروك الأَصْل وَمَا كَانَ عَن ثِقَة يتَوَقَّف فِيهِ وَلَا يحْتَج بِهِ. الشَّاهِد: فِي اللُّغَة الْحَاضِر. وَفِي الشَّرْع الْمخبر بقضية أَو بِحَق شخص على غَيره عَن مُشَاهدَة وعيان لَا عَن تخمين وحسبان. وَفِيه إِشَارَة إِلَى مَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا علمت مثل الشَّمْس فاشهد وَإِلَّا فدع. وَقد يُرَاد بِالشَّاهِدِ المعشوق المحبوب لحضوره عِنْد العاشق فِي تصَوره وخياله. وَقد يُطلق على مَا كَانَ حَاضرا فِي قلب الْإِنْسَان الْمُؤمن وَغلب عَلَيْهِ ذكره فَإِن كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْعلم فَهُوَ شَاهد الْعلم وَإِن كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الوجد فَهُوَ شَاهد الوجد وَإِن كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْحق فَهُوَ شَاهد الْحق. الشاكة: بتَشْديد الْكَاف هم اللاإدرية. الشَّابَّة: أَي الامرأة الشَّابَّة وَجَمَاعَة النِّسَاء شبائب وَهِي لُغَة من تسع عشرَة إِلَى ثَلَاث وَثَلَاثِينَ. وَشرعا من خمس عشرَة إِلَى تسع وَعشْرين كَذَا فِي جَامع الرموز. الشاكي: (شكايت كننده) وَهُوَ حِينَئِذٍ من شكا يشكو شكوة - والشاكي الَّذِي بِمَعْنى التَّام أجوف واوي من شَاك يشوك شَوْكَة وَهِي الْقُوَّة والتمام قَالُوا إِن الشاكي مقلوب من شائك وَأَصله شاوك فَاعل إعلال قَائِل ثمَّ نقلت الْهمزَة من الْعين إِلَى اللَّام فأبدلت الْهمزَة بِالْيَاءِ فَاعل إعلال دَاع. الشَّاعِر: يعلم من الْعلم بالشعر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 الشاكر: من يرى عَجزه عَن الشُّكْر وَقيل هُوَ الْبَاذِل وَسعه فِي أَدَاء الشُّكْر بِقَلْبِه وَلسَانه وجوارحه اعتقادا واعترافا. وَقيل الشاكر من يشْكر على الرخَاء وَقيل الشاكر من يشْكر على الْعَطاء والشكور من يشْكر على الْمَنْع. ف (61) : (بَاب الشين مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الشُّبْهَة: مَا بِهِ يشْتَبه ويلتبس أَمر بِأَمْر وَمَا لم يتَعَيَّن كَونه حَرَامًا وحلالا لَا خطأ أَو صَوَابا وَبِالثَّانِي أخص من الأول والاشتباه والالتباس والاعتراض وَرُبمَا يُطلق على دَلِيل الْخصم وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث لِأَن الضابطة المضبوطة أَن التَّأْنِيث إِذا كَانَ غير مُرَتّب على التَّذْكِير يجوز فِي مثله التَّذْكِير والتأنيث والشبهة كَذَلِك إِذْ لَا يُقَال شبه ثمَّ شُبْهَة. الشُّبْهَة فِي الْمحل: هِيَ شُبْهَة ناشئة عَن وجود دَلِيل يَنْفِي ذَاته الْحُرْمَة فِي الْمحل أَي الْمَوْطُوءَة أَي يكون ذَات الدَّلِيل ناف للْحُرْمَة من غير النّظر إِلَى مَا يمْنَع عمله وَتسَمى هَذِه الشُّبْهَة شُبْهَة حكمِيَّة وشبهة ملك أَيْضا فَإِن الشُّبْهَة إِذا كَانَت فِي الْمحل يثبت بِهِ الْملك من وَجه فَلم يبْق مَعَه اسْم الزِّنَا فَامْتنعَ الْحَد وَإِن قَالَ الْوَاطِئ أَنِّي عَالم بِحرْمَة الوطئ فِي هَذَا الْمحل كوطئ أمة وَلَده ووطئ أمة ولد وَلَده وَإِن سفل ووطئ مُعْتَدَّة الْكِنَايَات فَإِن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنْت وَمَالك لأَبِيك يَقْتَضِي الْملك لِأَن اللَّام فِيهِ للتَّمْلِيك فَلَمَّا أضَاف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَال الْوَلَد إِلَى الْأَب بلام التَّمْلِيك وَلم يثبت حَقِيقَة الْملك فَثَبت شبهته عملا بِحرف اللَّام بِقدر الْإِمْكَان وَأما الشُّبْهَة الْمَذْكُورَة فِي مُعْتَدَّة الْكِنَايَات فَلِأَن اخْتِلَاف الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فِي وُقُوع الْبَيْنُونَة بهَا. وَقَول بَعضهم أَن الْكِنَايَات رواجع توجب شُبْهَة قيام النِّكَاح وَلَا يحد الْوَاطِئ عِنْد هَذِه الشُّبْهَة وَإِن ظن حُرْمَة الوطئ فِي ذَلِك الْمحل كَمَا مر. وَفِي الْهِدَايَة الشُّبْهَة فِي الْمحل فِي سِتَّة مَوَاضِع جَارِيَة ابْنه - والمطلقة طَلَاقا بَائِنا بالكنايات - وَالْجَارِيَة الْمَبِيعَة فِي حق البَائِع قبل التَّسْلِيم - والممهورة فِي حق الزَّوْج قبل الْقَبْض - والمشتركة بَينه وَبَين غَيره - والمرهونة فِي حق الْمُرْتَهن - فِي رِوَايَة كتاب الرَّهْن. فَفِي هَذِه الْمَوَاضِع لَا يجب الْحَد وَإِن قَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام انْتهى. وَاعْلَم أَنه يثبت النّسَب عِنْد هَذِه الشُّبْهَة إِذا ادّعى الْوَاطِئ الْوَلَد. الشُّبْهَة فِي الْفِعْل: هِيَ ظن غير دَلِيل الْحل دَلِيلا عَلَيْهِ وَتسَمى شُبْهَة الِاشْتِبَاه أَيْضا كظن حل وطئ الابْن أمة أَبَوَيْهِ أَي أَبِيه وجده وَأمه ووطئ الزَّوْج أمة زَوجته ووطئ الْمُعْتَدَّة الْمُطلقَة ثَلَاثًا فَإِن اتِّصَال الْأَمْلَاك بَين الْأُصُول وَالْفُرُوع قد يُوهم أَن للِابْن ولَايَة وطئ جَارِيَة الْأَب كَمَا فِي الْعَكْس وَتَسْمِيَة الزَّوْج غَنِيا بِمَال الزَّوْجَة بِدلَالَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 قَوْله تَعَالَى: {ووجدك عائلا فأغنى} . أَي بِمَال خَدِيجَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا تورث شُبْهَة كَون مَال الزَّوْجَة ملكا للزَّوْج وَبَقَاء أثر النِّكَاح وَهُوَ الْعدة يُمكن أَن يكون سَببا لِأَن يشْتَبه عَلَيْهِ حل وطئ الْمُعْتَدَّة بِثَلَاث. وَهَذِه الشُّبْهَة إِنَّمَا تتَحَقَّق فِي حق من اشْتبهَ عَلَيْهِ أَو لم يعلم دون من لم يشْتَبه عَلَيْهِ أَو يعلم وَلِهَذَا لَا يحد الْوَاطِئ بِهَذِهِ الشُّبْهَة إِن ظن الْوَاطِئ حلّه وَإِن قَالَ علمت أَنَّهَا عَليّ حرَام يحد وَلَا يثبت النّسَب عِنْد هَذِه الشُّبْهَة وَإِن ادَّعَاهُ الْوَاطِئ. فِي الْهِدَايَة فشبهة الْفِعْل فِي ثَمَانِيَة مَوَاضِع جَارِيَة أَبِيه - وَأمه - وَزَوجته - والمطلقة ثَلَاثًا وَهِي فِي الْعدة. وبائنا بِالطَّلَاق على مَال وَهِي فِي الْعدة - وَأم ولد أعْتقهَا مَوْلَاهَا وَهِي فِي الْعدة - وَجَارِيَة الْمولى فِي حق العَبْد - وَالْجَارِيَة الْمَرْهُونَة فِي حق الْمُرْتَهن فِي رِوَايَة. شُبْهَة الْملك: أَن يظنّ الْوَاطِئ الْمَوْطُوءَة امْرَأَته أَو جَارِيَته. وَقد تطلق على الشُّبْهَة فِي الْمحل كَمَا مر وبهذه الشُّبْهَة لَا يسْقط الْحَد فَيحد الْوَاطِئ بوطئ أَجْنَبِيَّة وجدهَا فِي فرَاشه وَإِن قَالَ ظننتها امْرَأَتي إِذْ الظَّاهِر عدم الِاشْتِبَاه بَين امْرَأَته الَّتِي صَاحبهَا ومسها مرَارًا وَبَين غَيرهَا. وَأما إِن وطئ أَجْنَبِيَّة زفت إِلَيْهِ وقلن هِيَ زَوجتك فَلَا يحد لِأَنَّهُ اعْتمد دَلِيلا مُعْتَبرا وَهُوَ الْأَخْبَار فِي مَوضِع الِاشْتِبَاه كالأخبار بِجِهَة الْقبْلَة وطهارة المَاء. وعَلى الْوَاطِئ حِينَئِذٍ مهر الْمثل وَعَلَيْهَا الْعدة. وَفِي الْخُلَاصَة لَو كَانَ الْوَاطِئ أعمى ودعا امْرَأَته فَجَاءَتْهُ غَيرهَا فجامعها يحد وَلَو قَالَت إِنِّي فُلَانَة أَي امْرَأَته. شُبْهَة العقد: كَون عقد غير صَحِيح على صُورَة عقد صَحِيح ومشابها بِهِ كَمَا إِذا تزوج امْرَأَة بِلَا شُهُود وَأمة بِغَيْر إِذن مَوْلَاهَا وَأمة على حرَّة ومجوسية وخمسا فِي عقد وَاحِد أَو جمع بَين أُخْتَيْنِ أَو تَزْوِيج بمحارمه أَو تزوج العَبْد أمة بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ لَا حد فِي هَذِه الشُّبْهَة عِنْده رَحمَه الله تَعَالَى وَإِن علم بِالْحُرْمَةِ لصورة العقد لكنه يُعَزّر وَأما عِنْدهمَا رحمهمَا الله تَعَالَى فَكَذَلِك إِلَّا إِذا علم بِالْحُرْمَةِ وَالصَّحِيح الأول كَمَا فِي الْمُضْمرَات وَذكر فِي الذَّخِيرَة أَن بعض المشائخ ظن أَن نِكَاح الْمَحَارِم بَاطِل عِنْده وَسُقُوط الْحَد لشُبْهَة الِاشْتِبَاه وَقَالَ بَعضهم أَنه فَاسد والسقوط لشُبْهَة العقد وَمُحَمّد رَحمَه الله تَعَالَى قد أبطل الأول وَصحح الثَّانِي. شُبْهَة الْعمد فِي الْقَتْل: أَن يتَعَمَّد الْقَاتِل الْقَتْل بِمَا لَيْسَ بسلاح وَلَا بِمَا أجري مجْرى السِّلَاح فِي تَفْرِيق الْأَجْزَاء. هَذِه عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى هُوَ أَن يتَعَمَّد الضَّرْب بِآلَة لَا يقتل بِمِثْلِهَا فِي الْغَالِب كالعصا وَالسَّوْط وَالْحجر وَالْيَد فَلَو ضربه بِحجر عَظِيم أَو خَشَبَة عَظِيمَة فَهُوَ عمد عِنْدهم خلافًا لَهُ وَلَو ضربه بِسَوْط صَغِير ووالى فِي الضربات حَتَّى مَاتَ يقْتَصّ عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى خلافًا لنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 شُبْهَة الاستلزام: من شُبُهَات ابْن كمونة. وَمن المغالطات المستصعبة حَتَّى قيل إِنَّهَا أصعب من شُبْهَة جذر الْأَصَم وَلها تقريرات شَتَّى. مِنْهَا مَا ذكره الشريف الكشميري من تلاميذ الباقر أَن كل شَيْء بِحَيْثُ لَو وجد لَا يكون وجوده مستلزما لرفع أَمر واقعي فَهُوَ يكون مَوْجُودا أزلا وأبدا لَا محَالة إِذْ لَو كَانَ مَعْدُوما فِي وَقت كَانَ عَدمه أمرا واقعيا فِي ذَلِك الْوَقْت فَيكون بِحَيْثُ لَو وجد لَكَانَ وجوده مستلزما لرفع أَمر واقعي هُوَ عَدمه بِالضَّرُورَةِ فَيلْزم خلاف الْمَفْرُوض فَثَبت أَنه يجب أَن يكون ذَلِك الشَّيْء الْمَفْرُوض مَوْجُودا دَائِما. وَبعد تمهيد هَذِه الْمُقدمَة يُقَال إِن الْحَوَادِث اليومية من هَذَا الْقَبِيل أَي من مصداقات ذَلِك الشَّيْء الْمَفْرُوض بالحيثية الْمَذْكُورَة فَيلْزم أَن تكون مَوْجُودَة أزلا وأبدا وَهُوَ محَال. بَيَان ذَلِك أَن الْحَوَادِث لَو لم تكن بِحَيْثُ لَا يكون وجودهَا مستلزما لرفع أَمر واقعي لَكَانَ وجودهَا مستلزما لرفع أَمر واقعي فَحِينَئِذٍ يتَحَقَّق الاستلزام بَين وجود الْحَوَادِث وَبَين ذَلِك الرّفْع وَلَا محَالة يجب أَن يكون وجود الْحَوَادِث مستلزما لذَلِك الاستلزام وَإِلَّا لبطل الْمُلَازمَة الْوَاقِعَة بَين وجود الْحَوَادِث وَبَين ذَلِك الرّفْع وَلَا محَالة فَيجب أَن يكون ذَلِك الاستلزام لَازِما لوُجُود الْحَوَادِث. وَقد تقرر فِي مقره أَن عدم اللَّازِم يسْتَلْزم عدم الْمَلْزُوم فَيلْزم على تَقْدِير عدم الاستلزام عدم الْحَوَادِث. وَهَذَا منَاف لما ثَبت أَولا فِي الْمُقدمَة الممهدة من أَن عدم استلزام الشَّيْء لرفع أَمر واقعي يسْتَلْزم وُجُوه أزلا وأبدا فَبَطل أَن يكون وجود الْحَوَادِث مستلزما لرفع أَمر واقعي. وَثَبت أَن الْحَوَادِث بِحَيْثُ لَا يكون وجوده مستلزما لرفع أَمر واقعي فَيلْزم أَن يكون الْحَوَادِث مَوْجُودَة أزلا وأبدا. وحلها أَن عدم الاستلزام يتَصَوَّر على مَعْنيين: أَحدهمَا: انْتِفَاء الاستلزام رَأْسا وبالكلية. وَالثَّانِي: انْتِفَاء الاستلزام بعد تحَققه أَي كَانَ هُنَاكَ استلزام. ثمَّ اعْتبر عَدمه بعد تحَققه فَإِن أُرِيد فِي الْمُقدمَة الممهدة أَن عدم استلزام الشَّيْء لرفع أَمر واقعي بِالْمَعْنَى الأول أَي انْتِفَاء الاستلزام رَأْسا يسْتَلْزم وجوده دَائِما لما ذكر من الدَّلِيل وَذَلِكَ حق لَا يُنكره أحد وَلَكِن عدم الاستلزام فِي الْحَوَادِث اليومية لَيْسَ على هَذَا النمط لِأَن الاستلزام مُتَحَقق هُنَا لَازم لَهَا فَلَو اعْتبر عَدمه لَكَانَ عدم الاستلزام بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَلما كَانَ الاستلزام لَازِما للحوادث وَعدم اللَّازِم ملزوم لعدم الْمَلْزُوم فَلَا محَالة يكون عدم الاستلزام مستلزما لعدم الْحَوَادِث وَهُوَ لَا يُنَافِي كَون عدم الاستلزام بِالْمَعْنَى الأول مستلزما لوُجُود الشَّيْء أزلا وأبدا كَمَا تقرر فِي الْمُقدمَة الممهدة. وَإِن أُرِيد فِي الْمُقدمَة أَن عدم الاستلزام بِالْمَعْنَى الثَّانِي يسْتَلْزم وجود الشَّيْء أزلا وأبدا فَلَا نسلم ذَلِك لجَوَاز أَن يكون الاستلزام لَازِما لوُجُود الشَّيْء كَمَا فِي الْحَوَادِث فعدمه يسْتَلْزم عدم الشَّيْء الْمَلْزُوم ضَرُورَة فَكيف يُمكن أَن يكون على تَقْدِير عدم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 الاستلزام مَوْجُودا أزلا وأبدا. وَمَا ذكر من الدَّلِيل لَا يُثبتهُ كَمَا لَا يخفى. وَقَالَ الباقر فِي حل هَذِه الشُّبْهَة أَن اللوازم على قسمَيْنِ: فَمِنْهَا أولية كالضوء اللَّازِم للشمس والزوجية اللَّازِمَة للأربعة. وَمِنْهَا ثانوية كاللزوم الَّذِي بَين اللَّازِم والملزوم فَإِنَّهُ يجب أَن يكون لَازِما لكل مِنْهُمَا وَإِلَّا لانهدمت الْمُلَازمَة الْأَصْلِيَّة. وَإِذا عرفت هَذَا فَاعْلَم أَن قَوْلهم عدم اللَّازِم يسْتَلْزم عدم الْمَلْزُوم مَخْصُوص باللوازم الأولية فَقَط دون الثانوية فَإِن عدم اللَّازِم الَّذِي هُوَ من الثواني لَا يسْتَلْزم عدم الْمَلْزُوم بل إِنَّمَا يسْتَلْزم رفع الْمُلَازمَة الْأَصْلِيَّة وَانْتِفَاء العلاقة بَين الْمَلْزُوم واللزوم الأولي وَلَا يلْزم من ذَلِك انتفاؤهما مَعًا وَلَا انْتِفَاء أَحدهمَا مثلا إِذا انْتَفَى اللُّزُوم الَّذِي هُوَ بَين الشَّمْس والضوء ارْتَفَعت العلاقة بَينهمَا وَلَا يلْزم من ذَلِك انتفاؤهما مَعًا أَو انْتِفَاء أَحدهمَا بل يجوز أَن يَكُونَا موجودين وَلَا علاقَة بَينهمَا. والسر فِي ذَلِك أَن اللَّازِم الثانوي كاللزوم الْمَذْكُور فِي الْحَقِيقَة لَازم لملزومية الْمَلْزُوم ولازمية اللَّازِم فَيلْزم من انْتِفَاء هذَيْن الوصفين وَلَا يلْزم من ذَلِك انْتِفَاء ذَات الْمَلْزُوم وَلَا انْتِفَاء ذَات اللَّازِم كَمَا يظْهر بعد التَّوَجُّه. وَإِذا عرفت هَذَا فَنَقُول إِن الاستلزام الْمَذْكُور فِي الْحَوَادِث اليومية من قبيل اللوازم الثانوية فَلَا يلْزم من انتفائه انْتِفَاء الْحَوَادِث حَتَّى تلْزم الْمُنَافَاة بَين هَذَا وَبَين مَا تقرر فِي الْمُقدمَة الممهدة. والتقرير الثَّانِي لتِلْك الشُّبْهَة أَن يُقَال إِن اجْتِمَاع النقيضين مثلا وجوده لَيْسَ بِمُوجب لرفع عَدمه الواقعي كل مَا لَا يكون وجوده مُوجبا لرفع عَدمه الواقعي فَهُوَ مَوْجُود ينْتج أَن اجْتِمَاع النقيضين مَوْجُود هَذَا خلف. أما الصُّغْرَى فَظَاهر وَأما الْكُبْرَى فَلِأَنَّهُ لَو لم يكن مَوْجُودا لَكَانَ وجوده مُوجبا لرفع عَدمه الواقعي وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض. وَالْجَوَاب مَعَ الْمُلَازمَة الَّتِي أثبت بهَا الْكُبْرَى إِذْ يجوز أَن لَا يكون لَهَا وجود أصلا فَلَا يصدق أَن وجوده مُوجب لرفع عَدمه. وتقريرها الثَّالِث أَن يُبدل الْمُوجب فِي المقدمتين بالمستلزم بِأَن يُقَال إِن اجْتِمَاع النقيضين مثلا وجوده لَيْسَ مستلزما لرفع عَدمه الواقعي وكل مَا لَا يكون وجوده مستلزما لرفع عَدمه الواقعي فَهُوَ مَوْجُود. ينْتج أَن اجْتِمَاع النقيضين مَوْجُود. أما الْكُبْرَى فَلِأَنَّهُ لَو لم يكن مَوْجُودا لَكَانَ وجوده مستلزما لرفع عَدمه الواقعي وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض. وَأما الصُّغْرَى فَلِأَن اجْتِمَاع النقيضين مثلا لَو كَانَ وجوده مستلزما لرفع عَدمه الواقعي لَكَانَ مستلزما لذَلِك الاستلزام أَيْضا فَعدم الاستلزام لرفع الْعَدَم يكون مستلزما لعدمه بِنَاء على أَن عدم اللَّازِم يسْتَلْزم عدم الْمَلْزُوم وَهَذَا منَاف للكبرى المثبتة إِذْ هِيَ حاكمة بِأَن عدم الاستلزام لرفع الْعَدَم مُسْتَلْزم لوُجُوده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 وَالْجَوَاب منع الْمُنَافَاة إِذْ مَا لزم من دَلِيل الصُّغْرَى أَنه على تَقْدِير صدق نقيضها يصدق أَنه لَو لم يسْتَلْزم وجود اجْتِمَاع النقيضين رفع عَدمه لَكَانَ مَعْدُوما وَهُوَ لَيْسَ بمناف للكبرى لِأَن مَا يصدق عِنْد نقيض الصُّغْرَى شَرْطِيَّة والكبرى حملية يكون الحكم فِيهَا على الْأَفْرَاد المتصفة بالعنوان بِالْفِعْلِ أَو بالإمكان فَيجوز أَن يكون كل عدم استلزام لرفع الْعَدَم واقعيا أَو مُمكنا مستلزما للوجود وَيكون عدم الاستلزام الَّذِي فرض لوُجُود اجْتِمَاع النقيضين غير مُسْتَلْزم للوجود بل مستلزما للعدم بِنَاء على أَنه لَيْسَ واقعيا وَلَا مُمكنا بل مَفْرُوضًا محالا. والتقرير الرَّابِع أَن يَجْعَل الْكُبْرَى شَرْطِيَّة بِأَن يُقَال كلما لم يسْتَلْزم وجود شَيْء رفع عَدمه الواقعي كَانَ مَوْجُودا إِذْ لَو لم يكن مَوْجُودا كَانَ مَعْدُوما فَكَانَ وجوده مستلزما ترفع عَدمه الواقعي إِذْ لَو وجد ارْتَفع عَدمه الْبَتَّةَ وَهُوَ معنى الاستلزام فَيلْزم خلاف الْفَرْض. وَالْجَوَاب أَولا يمْنَع الْكُبْرَى إِذْ لَا نسلم أَنا لَو كَانَ مَعْدُوما كَانَ وجوده مستلزما لرفع عَدمه الواقعي إِذْ يجوز أَن يكون وجود محالا والمحال جَازَ أَن يسْتَلْزم نقيضه فَيمكن أَن يكون مستلزما لعدمه لَا لرفعه بل لَا شَيْء مِنْهُمَا وَإِن سلمنَا استلزامه لرفع عَدمه لَكِن لَا نسلم استلزامه لرفع عَدمه الواقعي إِذْ يجوز أَن لَا يكون عدم الْمَفْرُوض واقعيا حِينَئِذٍ إِذا الْمحَال جَازَ أَن يسْتَلْزم الْمحَال وَلَو قطع النّظر عَن جَوَاز كَون وجوده محالا فِي الْوَاقِع نقُول يُمكن أَن يكون وجود شَيْء مستلزما لرفع عَدمه فِي الْوَاقِع فعلى فرض كَونه غير مُسْتَلْزم لَهُ على مَا فِي الْكُبْرَى لَا نسلم أَنه إِذا لم يكن مَوْجُودا كَانَ مَعْدُوما لجَوَاز أَن لَا يكون مَوْجُودا وَلَا مَعْدُوما لمحالية الْفَرْض الْمَذْكُور على مَا هُوَ الْمَفْرُوض وَإِمْكَان استلزام الْمحَال للمحال هَذَا مَا ذكره آقا حُسَيْن الخنساري فِي تَقْرِير شُبْهَة الاستلزام وحلها. شُبْهَة مَعْدُوم النظير: وتقريرها مَعَ حلهَا فِي مَعْدُوم النّظر. (بَاب الشين مَعَ التَّاء الْفَوْقِيَّة) الشتَاء أبرد من الصَّيف: فَإِن قيل لَا بُد وَأَن يكون الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ مشتركين فِي أصل الْفِعْل وَهَذَا لَا يَسْتَقِيم فِي قَوْلهم الشتَاء أبرد من الصَّيف وَالْعَسَل أحلى من الْخلّ وَفُلَان أفقه من حمَار وَأعلم من جِدَار. قُلْنَا، معنى الْمِثَال الأول أَن الشتَاء أبلغ فِي برودته من الصَّيف فِي حرارته وَالْبُلُوغ مُشْتَرك بَينهمَا وَقيل مَعْنَاهُ على فرض الْبُرُودَة فِي الصَّيف، وَقس عَلَيْهِ سَائِر الْأَمْثِلَة. الشتم: وصف الْغَيْر بِمَا فِيهِ رداءته وهتك حرمته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 (بَاب الشين مَعَ الْجِيم) الشجاج: بِالْكَسْرِ جمع شجة بِالْفَتْح كَذَا فِي الجلبي. الشَّجَّة: جِرَاحَة تخْتَص بِالْوَجْهِ وَالرَّأْس لُغَة وَفِي غَيرهَا تسمى جِرَاحَة لَا شجة وَهِي عشرَة. الحارصة وَهِي الَّتِي تحرص الْجلد أَي تخدشه وَلَا تخرج الدَّم - والدامعة بِالْعينِ الْمُهْملَة وَهِي الَّتِي تظهر الدَّم وَلَا تسيله بل تجمع فِي مَوضِع الْجراحَة كالدمع فِي الْعين - والدامية وَهِي الَّتِي تسيل الدَّم - والباضعة وَهِي الَّتِي تبضع الْجلد أَي تقطعه - والمتلاحمة وَهِي الَّتِي تَأْخُذ فِي اللَّحْم وتقطعه - والسمحاق وَهِي الَّتِي تصل إِلَى السمحاق وَهِي جلدَة رقيقَة بَين اللَّحْم وَعظم الرَّأْس - والموضحة وَهِي الَّتِي توضح الْعظم أَي تبينه - والهاشمة وَهِي الَّتِي تكسر الْعظم - والمنقلة وَهِي الَّتِي تنقل الْعظم بعد الْكسر أَي تحوله - والآمة وَهِي الَّتِي تصل إِلَى أم الدِّمَاغ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الدِّمَاغ. قَالُوا إِنَّه جلد رَقِيق يجمع الدِّمَاغ وَلَو كَانَت مثل هَذِه الْجِرَاحَات فِي غير الرَّأْس وَالْوَجْه لَا يكون لَهَا أرش مُقَدّر وَإِنَّمَا يجب حُكُومَة عدل. الشجَاعَة: بِالْفَتْح هَيْئَة حَاصِلَة للقوة الغضبية بَين التهور والجبن بهَا يقدم على أُمُور يَنْبَغِي أَن يقدم عَلَيْهَا كالقتال مَعَ الْكفَّار مَا لم يزِيدُوا على ضعف الْمُسلمين وَهِي فَضِيلَة من الْفَضَائِل المتوسطة المحمودة كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْعَدَالَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (بَاب الشين مَعَ الْخَاء الْمُعْجَمَة) الشَّخْص: فِي (الْفَرد) إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الشخصي لَا يحد: تَحْقِيق هَذَا الْمقَام يَقْتَضِي بسطا فِي الْكَلَام فاستمع أَولا أَن الشخصي على نَوْعَيْنِ حَقِيقِيّ وادعائي. الشخصي الْحَقِيقِيّ وَهُوَ الجزئي الْحَقِيقِيّ الَّذِي لَا يتَمَيَّز عَمَّا عداهُ إِلَّا بِالْإِشَارَةِ الحسية أَو الإبصار أَو تَعْبِيره بِالْعلمِ فَهُوَ يمْتَنع مَعْرفَته حَقِيقَة بِالْإِشَارَةِ وَنَحْوهَا. والشخصي الادعائي الَّذِي اخترعه واصطلح عَلَيْهِ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله هُوَ الَّذِي لَا يكون مُتَعَددًا فِي نَفسه ويتعدد بِتَعَدُّد الْمحَال كالقرآن من حَيْثُ هُوَ أَي من غير اعْتِبَار تعلقه بِالْمحل فَإِنَّهُ من هَذَا الِاعْتِبَار عبارَة عَن هَذَا الْمُؤلف الْمَخْصُوص الَّذِي لَا يخْتَلف باخْتلَاف المتلفظين للْقطع بِأَن مَا يقرأه كل وَاحِد منا هُوَ الْقُرْآن الْمنزل على نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلِسَان جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهَكَذَا كل كتاب أَو شعر أَو علم ينْسب إِلَى أحد فَإِنَّهُ اسْم لذَلِك الْمُؤلف الْمَخْصُوص سَوَاء قَرَأَهُ أَو علمه زيد أَو عمر أَو غَيرهمَا وَهَذَا هُوَ الْحق فَالْمُعْتَبر فِي جَمِيع ذَلِك هُوَ الْوحدَة فِي غير الْمحل أَي الْوحدَة فِي نَفسه بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور لَا الْوحدَة بِاعْتِبَار الْمحل كَمَا قيل فَكل وَاحِد مِنْهَا شخصي ادعائي لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 لما امْتنع معرفَة حَقِيقَته إِلَّا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ أَو الْقِرَاءَة من أَوله إِلَى آخِره أَو تَعْبِيره بِالْعلمِ كالشخصي الْحَقِيقِيّ صَار شخصيا مجَازًا أَو ادِّعَاء وَإِن كَانَ كليا لصدقه على المتعدد بِتَعَدُّد الْمحل. وَمن هَذَا الْبَيَان عَظِيم الشَّأْن يظْهر أَن الشخصي حَقِيقِيًّا أَو ادعائيا لَا يجوز تحديده، وَإِن كنت فِي ريب مِمَّا ذكرنَا فَانْظُر إِلَى مَا نقُول إِن أتم أَقسَام الْحَد هُوَ الْحَد التَّام الْمُشْتَمل على مقومات الشَّيْء دون مشخصاته لِأَنَّهُ يكون مركبا من الْجِنْس والفصل وهما كليان لَا يفيدان التشخص. فالمعرف لَا يكون مُفِيدا لمعْرِفَة الشخصيات بل لَا بُد فِي مَعْرفَتهَا من الْإِشَارَة إِلَى المشخصات أَو نَحْوهَا فالشخصي لَا يُمكن تحديده، فَإِن قلت، لَا نسلم أَن الشخصي لَا يُمكن تحديده فَإِن الشخصي مركب اعتباري عَن مَجْمُوع الْمَاهِيّة والتشخص فَلم لَا يجوز أَن يحد بِمَا يُفِيد معرفَة الْأَمريْنِ. وقولكم الْحَد التَّام إِنَّمَا يشْتَمل على مقومات الشَّيْء دون مشخصاته مَمْنُوع لِأَن مَا ذكرْتُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَاهِيّة المركبة من الْأَجْزَاء الْعَقْلِيَّة لَا فِي المركبة من الْأَجْزَاء الخارجية أَو مِنْهَا وَمن الْعَقْلِيَّة كالماهية الشخصية لما تقرر فِي الْحِكْمَة أَن الْمَاهِيّة المركبة من الْأَجْزَاء الخارجية إِذا حصلت أجزاؤها الخارجية بأسرها فِي الْعقل حصلت الْمَاهِيّة وَيكون القَوْل الدَّال على مَجْمُوع تِلْكَ الْأَجْزَاء حدا تَاما هُنَا إِذْ لَا معنى للتحديد التَّام إِلَّا تصور كنه الْمَاهِيّة. قُلْنَا إِن ماهيته مَعْلُومَة للسَّائِل فَهُوَ لَا يطْلب إِلَّا أمرا وَاحِدًا أَعنِي التشخص لَا أَمريْن والأجزاء الذهنية كليات لَا تفِيد التشخص وَإِنَّمَا تفيده الْإِشَارَة وَنَحْوهَا كَمَا لَا يخفى. وَقد يسْتَدلّ على الْمُدَّعِي بِأَن الشخصي أَن يحد وَأدنى الْمَقْصُود من تحديده التميز عَمَّا عداهُ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يعرف بمقومات الْمَاهِيّة. فَالظَّاهِر أَن تَعْرِيفه بهَا لَا يكون مُخْتَصًّا بِهِ فَلَا يكون مُفِيدا للتميز الْمَذْكُور وَإِن ضم مَعَ تِلْكَ المقومات العرضيات المشخصة أَيْضا فَلَا يكون حدا لِأَنَّهُ لَا بُد وَأَن يكون صدقه على المحد ودائما غير مُمكن الزَّوَال عَنهُ والعرضيات لم يجب دوَام صدقهَا على معروضها لامكان زَوَالهَا وَفِيه نظر لِأَن شَرط دوَام صدق الْحَد على الْمَحْدُود فِي مُطلق الْحَد مَمْنُوع. وَأَيْضًا من الْإِعْرَاض مَا لَا يُمكن زَوَالهَا كاسمه الْعلم فَيجوز أَن يَنْضَم وَيُقَال فِي تَعْرِيف عَمْرو مثلا أَنه حَيَوَان نَاطِق أسمر اللَّوْن فِي عينه الْيُمْنَى نقطة حَمْرَاء وعَلى ذقنه نقطة سَوْدَاء يسكن فِي تِلْكَ المحله معشوق زيد ومنظوره وَيُقَال فِي تَعْرِيف زيد أَنه رجل كَذَا وَكَذَا واسْمه زيد وَبعد اللتيا واللتي فِي أَن الشخصي لَا يحد تَفْصِيل كَمَا قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي التَّلْوِيح. وَالْحق أَن الشخصي يُمكن أَن يحد بِمَا يُفِيد امتيازه عَن جَمِيع مَا عداهُ بِحَسب الْوُجُود أَي بِأَن لَا يكون شَيْء من الموجودات بِحَيْثُ يصدق ذَلِك التَّعْرِيف عَلَيْهِ وَلَا بِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 يُفِيد أَي وَلَا يُمكن أَن يحد بِمَا يُفِيد تَعْيِينه وتشخيصه بِحَيْثُ لَا يُمكن اشتراكه بَين كثيرين بِحَسب الْفِعْل فَإِن ذَلِك أَي التَّعْيِين والتشخيص إِنَّمَا يحصل بِالْإِشَارَةِ لَا غير أَي لَا بالتعريف فالحصر إضافي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فَلَا يُنَافِي قَوْله فِيمَا سبق بِالْإِشَارَةِ وَنَحْوهَا فَافْهَم. فَإِنَّهُ يُوضح مَا فِي التَّوْضِيح والتلويح ويشرق من أفق هَذَا الْبَيَان وَجه مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن التَّعْرِيف إِنَّمَا يكون للماهية لَا للفرد والأفراد أَي لَا للفرد الشخصي والأفراد الشخصية لَا مُطلقًا كَيفَ فَإِن الْإِنْسَان مثلا فَرد نَوْعي للحيوان وَيحد بِحَدّ حَقِيقِيّ وَلَيْسَ المُرَاد بالفرد النوعي النَّوْع بل مَا يُقَابل الشخصي أَعنِي الجزئي الْحَقِيقِيّ فَإِن الْحَيَوَان والجسم النامي والجسم والجوهر يحد كل وَاحِد مِنْهَا بِلَا إِنْكَار. هَذَا أَوَان نصف لَيْلَة عَرَفَة وَالْحجاج مشتاقون إِلَى الْوُقُوف بِعَرَفَات. وعديم الْوُقُوف متجاوز عَن حد الْعُبُودِيَّة مفتاق إِلَى الْوُقُوف بتحديد الشخصي فَعَلَيهِ أَن يَتُوب إِلَى الله تَعَالَى من السَّيِّئَات. ويفتاق إِلَى الغفران والنجاة. أَيهَا الخلان الناظرون فِي هَذَا الْكتاب من كَانَ مُتَرَدّد البال، ومتشتت الْحَال، فِي نَفَقَة الْعِيَال، كَيفَ يَعْلُو مدارج التَّأْلِيف، وَكَيف يسمو معارج التصنيف، إِلَّا أَن شوقه الوافي يَسُوقهُ إِلَى هَذَا السُّوق فَيدْفَع جوعه ويجعله شبعان، وقصده الْكَافِي يجره إِلَى هَذَا اللصوق فيرفع عطشه ويصيره رَيَّان. ويفوض أطفاله وَعِيَاله إِلَى الرَّزَّاق ذِي الْقُوَّة المتين، وَهُوَ متكفل ومعين، فِي كل آن وزمان وَحين. (نه شفيقي نه رفيقي نه أَمِيري نه فَقير ... ) (هيجكس برسش احوال من خسته نكرد ... ) (بس مراخانه آن منعم ورزاق جهان ... ) (كه در نعمت اَوْ باز وبكس بسته نكرد ... ) اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَتب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم. (بَاب الشين مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الشَّدِيدَة: هِيَ الْحُرُوف الَّتِي ينْحَصر جري صَوتهَا عِنْد إسكانها فِي مخرجها فَلَا يجْرِي وَهِي ثَمَانِيَة أحرف ويجمعها (أجدك قطيت) وَمعنى قطبت مزجت الشَّرَاب بِالْمَاءِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 والحروف الرخوة بِخِلَاف الْحَرْف الشَّدِيدَة فَهِيَ حُرُوف لَا ينْحَصر جري صَوتهَا عِنْد إسكانها فِي مخرجها وَمَا بَين الشَّدِيدَة والرخوة حُرُوف لَا يتم لَهَا الانحصار الْمَذْكُور وَلَا الجري المسطور وَهِي ثَمَانِيَة يجمعها (لم يروعنا) وَعلم من تعْيين الْحُرُوف الشَّدِيدَة والحروف الَّتِي بَين الشَّدِيدَة والرخوة أَن الرخوة ثَلَاثَة عشر حرفا لِأَن الشَّدِيدَة وَمَا بَين الشَّدِيدَة والرخوة ثَمَانِيَة أَيْضا فَيكون الْمَجْمُوع سِتَّة عشر فَمَا بَقِي أَي من تِسْعَة وَعشْرين رخوة وَهِي ثَلَاثَة عشر حرفا وَسميت الشَّدِيدَة شَدِيدَة مَأْخُوذَة من الشدَّة الَّتِي هِيَ الْقُوَّة لِأَن الصَّوْت لما انحصر فِي مخرجه فَلم يجر أَشد أَي امْتنع قبُوله التلبين لِأَن الصَّوْت إِذا جرى فِي مخرجه أشبه حُرُوف اللين. والرخوة مَأْخُوذَة من الرخاوة الَّتِي هِيَ اللين لقبوله التَّطْوِيل لجري الصَّوْت فِي مخرجه عِنْد النُّطْق. (بَاب الشين مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) شريك الْبَارِي: أَي مَا يُشَارك ذَاته فِي صِفَاته فَإِنَّهُ مُمْتَنع الْوُجُود فِي الْخَارِج لما دلّ عَلَيْهِ برهَان تَوْحِيد الْوَاجِب الْوُجُود وَكَذَلِكَ فِي الذِّهْن إِذْ مَا حصل فِي الذِّهْن لَا يكون مَوْصُوفا بصفاته هَذَا إِذا أُرِيد بِهِ ذَات الْوَاجِب الْوُجُود المشارك لَهُ تَعَالَى فِي جَمِيع صِفَاته فِي الْخَارِج أَعنِي الجزئي الْحَقِيقِيّ الَّذِي يصدق عَلَيْهِ مَفْهُوم شريك الْبَارِي الَّذِي هُوَ كلي مُمْتَنع الْوُجُود فِي الْخَارِج والذهن فَتَأمل. وَلِهَذَا المرام زِيَادَة تَفْصِيل وتوضيح فِي الْمُوجبَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الشَّرْع والشريعة: مَا أظهره الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ من الدّين وَحَاصِله الطَّرِيقَة الْمَعْهُودَة الثَّابِتَة من النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. فِي الْجَامِع الصَّغِير لَو أهان الشَّرْع أَو قَالَ كَيفَ يحكم القَاضِي أَو قَالَ إِنَّك ظلمت وتميل أَو حكمت بِغَيْر حق يصير مُرْتَدا وَلَا يدْفن ويرمى حَتَّى تَأْكُله السبَاع. الشّرْب: بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَة تصيب المَاء. وَفِي الشَّرْع نوبَة الِانْتِفَاع بِالْمَاءِ سقيا للمزارع أَو الدَّوَابّ. وبالضم إِيصَال الشي إِلَى جَوْفه بَغْتَة مرّة مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ المضع. الشَّرَاب: فِي اللُّغَة كل مَا يشرب من الْمَائِعَات حَلَالا كَانَ أَو حَرَامًا - وَفِي الشَّرْع مَا يسكر وَجمعه الْأَشْرِبَة. وَقَالُوا إِن الْمحرم مِنْهَا أَرْبَعَة، والحلال مِنْهَا أَرْبَعَة وتفصيلها فِي الْفِقْه وَأَنت تعلم أَن كل مُسكر حرَام فَكيف هَذَا الْمقَال وَالله أعلم بحقيقته الْحَال. وَاعْلَم أَن هَذِه الشُّبْهَة إِنَّمَا ترد على ظَاهر عبارَة الْكَنْز حَيْثُ قَالَ كتاب الْأَشْرِبَة وَالشرب مَا يسكر وَالْحرَام مِنْهَا أَرْبَعَة إِلَى آخِره وَدفعهَا أَن الْأَشْرِبَة جمع الشَّرَاب وَهُوَ فِي اللُّغَة كل مَا يشرب من الْمَائِعَات حَلَالا كَانَ أَو حَرَامًا كَمَا مر. وَالْغَرَض من قَوْله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 الشَّرَاب مَا يسكر بَيَان الْمَعْنى الاصطلاحي الفقهي للشراب، وَالضَّمِير فِي قَوْله وَالْحرَام مِنْهَا أَرْبَعَة. رَاجع إِلَى الْأَشْرِبَة فَافْهَم. الشِّرَاء: إِعْطَاء الثّمن وَأخذ الْمُثمن وَالتَّفْصِيل فِي البيع. الشّرطِيَّة: فِي الْقَضِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الشَّرّ: ضد الْخَيْر وفسروه عَن عدم ملائمة الشَّيْء الطَّبْع. الشّركَة: فِي اللُّغَة اخْتِلَاط النَّصِيبَيْنِ فَصَاعِدا بِحَيْثُ لَا يتَمَيَّز نصيب كل عَن نصيب الآخر. وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح العقائد الشّركَة أَن يجْتَمع اثْنَان على شَيْء وينفرد كل مِنْهُمَا بِمَا هُوَ لَهُ دون الآخر كشركاء الْقرْيَة والمحلة. وكما إِذا جعل العَبْد خَالِقًا لأفعاله والصانع خَالِقًا لسَائِر الْأَعْرَاض والأجسام بِخِلَاف مَا إِذا أضيف أَمر إِلَى شَيْئَيْنِ بجهتين مختلفتين كالأرض تكون ملكا لله تَعَالَى بِجِهَة التخليق وللعباد بِجِهَة ثُبُوت التَّصَرُّف. وكفعل العَبْد ينْسب إِلَى الله تَعَالَى بِجِهَة الْخلق وَإِلَى العَبْد بِجِهَة الْكسْب انْتهى. وَقد يُطلق على العقد كَمَا فِي النِّهَايَة. وَفِي الشَّرْع اخْتِصَاص اثْنَيْنِ أَو أَكثر بِمحل وَاحِد وَهِي على نَوْعَيْنِ شركَة الْملك وَشركَة العقد. شركَة الْملك: أَن يملك اثْنَان عينا إِرْثا أَو شِرَاء أَو هبة أَو صَدَقَة. وَإِضَافَة الشّركَة إِلَى الْملك إِضَافَة الْمُسَبّب إِلَى السَّبَب. وَاعْلَم أَن الشّركَة فِي الْملك تُؤدِّي إِلَى الِاضْطِرَاب وَالشَّرِكَة فِي الرَّأْي تُؤدِّي إِلَى الصَّوَاب. شركَة العقد: أَن يَقُول أحد الشَّرِيكَيْنِ لآخر شاركتك كَذَا وَقبل الآخر. وَالْإِضَافَة هَاهُنَا أَيْضا كإضافة شركَة الْملك وَشركَة العقد على أَرْبَعَة أَصْنَاف شركَة الْمُفَاوضَة والعنان والتقبل وَتسَمى شركَة الصَّنَائِع أَيْضا - وَالرَّابِع شركَة الْوُجُوه. شركَة الْمُفَاوضَة: أقدم الْأَصْنَاف رُتْبَة وَأَعْظَمهَا بركَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فاوضوا فَإِنَّهَا أعظم للبركة. والمفاوضة فِي اللُّغَة الْمُسَاوَاة والمشاركة مفاعلة من التَّفْوِيض كَأَن كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ رد مَا عِنْده إِلَى صَاحبه كَذَا ذكره ابْن الْأَثِير وَفِيه إِشْعَار بِأَن الْمَزِيد قد يشتق من الْمَزِيد إِذا كَانَ أشهر. وَفِي الشَّرْع شركَة متساويين أَو أَكثر مَالا وحرية كَامِلَة وبلوغا ودينا بِأَن تَضَمَّنت وكَالَة وكفالة فَلَا تصح. بَين من كَانَ عِنْده مائَة دِرْهَم وَمن كَانَ عِنْده خمسين درهما. وَبَين حر وَعبد أَو عَبْدَيْنِ وَلَو مكاتبين. وَبَين بَالغ وَصبي أَو بَين صبيين. وَبَين مُسلم وذمي. وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى يجوز وَيكرهُ على مَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَة. شركَة الْعَنَان: شركَة تَضَمَّنت وكَالَة فَقَط لَا كَفَالَة. وَتَصِح مَعَ التَّسَاوِي فِي المَال دون الرِّبْح وَعَكسه وَبَعض المَال وَخلاف الْجِنْس. والعنان مَأْخُوذ من (عَن) أَي عرض. قَالَ ابْن السّكيت كَأَنَّهُ عرض لَهما شَيْء فاشتركا. أَو من عَن لَهُ إِذا ظهر لَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 فَكَأَنَّهُ ظهر لَهما شَيْء فاشتركا. أَو مَأْخُوذ من عنان الْفرس لِأَن كلا مِنْهُمَا جعل عنان التَّصَرُّف فِي بعض المَال إِلَى صَاحبه. أَو لِأَنَّهُ يجوز فِي هَذِه الشّركَة أَن يتفاوتا فِي رَأس المَال وَالرِّبْح كَمَا يتَفَاوَت الْعَنَان فِي يَد الرَّاكِب حَالَة الْمَدّ والإرخاء. شركَة التقبل وَشركَة الصَّنَائِع أَن يشْتَرك صانعان كالخياطين أَو خياط وصباغ على أَن يتقبلا من النَّاس الْأَعْمَال وَتَكون الْأُجْرَة بَينهمَا وَوجه التَّسْمِيَة ظَاهر. شركَة الْوُجُوه: أَن يشتركا بِلَا مَال على أَن يشتريا بوجوهما ويبيعا ويقبضا وتتضمن الْوكَالَة. وَإِنَّمَا سميت بالوجوه لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِالنِّسْبَةِ إِلَّا من لَهُ وجاهة عِنْد النَّاس. وَقيل لِأَنَّهُمَا إِذا جلسا لتدبير أَمرهمَا ينظر كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى وَجه صَاحبه لفقدان البضاعة ووجدان الْحَاجة. الشَّرْط: فِي الْقَامُوس هُوَ إِلْزَام الشَّيْء. وَنقل فِي الِاصْطِلَاح إِلَى تَعْلِيق حُصُول جملَة بِحُصُول مَضْمُون جملَة أُخْرَى والشائع إِطْلَاقه على مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الشَّيْء وَيكون خَارِجا عَنهُ. وَمِنْه شَرط الصَّلَاة بِخِلَاف صفة الصَّلَاة فَإِن الصّفة مَعَ أَنَّهَا مُشَاركَة للشّرط فِي التَّوَقُّف دَاخِلَة فِيهَا وركن مِنْهَا. وَأما التَّحْرِيمَة: مَعَ أَنَّهَا خَارِجَة عَن الصَّلَاة فَإِنَّمَا جعلت وعدت من صفاتها وأركانها لاتصالها بأركانها فألحقت بهَا مجَازًا مَعَ أَنَّهَا ركن دَاخل فِيهَا عِنْد بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُم كَمَا ذكر فِي بعض شُرُوح كنز الدقائق وَقد مر تَحْقِيق الشَّرْط فِي التَّوَقُّف وارتفاع الْمَانِع. وَجمعه الشُّرُوط وَالشّرط الَّذِي بِمَعْنى عَلامَة الْقِيَامَة جمعه أَشْرَاط. ثمَّ اعْلَم أَن الْملك يشْتَرط لآخر الشَّرْطَيْنِ يَعْنِي لَو علق الطَّلَاق بِشَرْطَيْنِ فَملك النِّكَاح يشْتَرط لآخرهما وجودا حَتَّى لَو قَالَ إِن كلمت زيدا وعمرا فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا وَاحِدَة وَانْقَضَت عدتهَا فكلمت زيدا ثمَّ تزَوجهَا فكلمت عمرا تطلق ثَلَاثًا. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْمَسْأَلَة على أَرْبَعَة أوجه. أما إِن وجد الشرطان فِي الْملك فَيَقَع مَا بَقِي من الثَّلَاث إِجْمَاعًا. أَو وجدا فِي غير الْملك فَلَا يَقع إِجْمَاعًا لعدم الْمَحَلِّيَّة وَالْجَزَاء لَا ينزل فِي غير الْملك. أَو وجد الشَّرْط الأول فِي الْملك وَالثَّانِي فِي غير الْملك فَلَا يَقع إِجْمَاعًا لِأَن الْجَزَاء هُوَ الطَّلَاق لَا يَقع فِي غير الْملك. أَو وجد الأول فِي غير الْملك وَالثَّانِي فِي الْملك فَتطلق عندنَا خلافًا لزفَر رَحمَه الله تَعَالَى كَمَا يبين فِي الْفِقْه. الشَّرْط الْفَاسِد: فِي البيع كل شَرط لَا يَقْتَضِيهِ العقد وَفِيه مَنْفَعَة لأحد الْمُتَعَاقدين أَو للمعقود عَلَيْهِ وَهُوَ من أهل أَن يسْتَحق حَقًا على الْغَيْر بِأَن يكون آدَمِيًّا أَي من أهل أَن يثبت لَهُ حق وَيصِح مِنْهُ الْخُصُومَة وَطلب الْحق وَلَو لم يكن الْمَعْقُود عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 بِهَذِهِ الصّفة يجوز البيع كَمَا إِذا بَاعَ فرسا بِشَرْط أَن يعلفه المُشْتَرِي كل يَوْم كَذَا منا من الشّعير. الشريطة: هِيَ الشَّرْط. الشَّرْط الْحَقِيقِيّ: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ تَأْثِير الْفَاعِل حَقِيقَة. الشَّرْط العادي: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ تَأْثِير الْفَاعِل عَادَة لَا حَقِيقَة وَلَا يكون دائرا مَعَه كيبس الملاقي لإحراق النَّار فَإِن تحقق اليبس لَا يسْتَلْزم تحقق الإحراق. شرف الْكَوَاكِب: عبارَة عَن علو شَأْنهَا وتسلطها وَكَمَال تأثيرها فَإِذا ولد مَوْلُود فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِن كَانَ طالع الْوَقْت هُنَاكَ دَرَجَة فَرح كَوْكَب يكون الْمَوْلُود سعيدا مُبَارَكًا لِلْأَبَوَيْنِ وقربائه. وَإِن كَانَ طالع الْوَقْت دَرَجَة هُبُوطه أَو وباله لَا يكون الْمَوْلُود سعيدا مُبَارَكًا إِلَّا إِذا كَانَ هُنَاكَ طالع الْوَقْت دَرَجَة فَرح كَوْكَب آخر أعظم من الْكَوْكَب الأول فَلَا بُد للمنجم حِينَئِذٍ من مُلَاحظَة هبوط الْكَوْكَب وفرحها وقوتها وضعفها ثمَّ الحكم بِأَمْر. وَاعْلَم أَن الْكَوْكَب فِي شرفه مثل سُلْطَان على سَرِيره فِي مَمْلَكَته بِكَمَال الْغَلَبَة وَفِي هُبُوطه مثل رجل فِي بَيته على أسوء الْأَحْوَال. وَفِي وباله مثل رجل خرج عَن وَطنه مطرودا عَن مَكَانَهُ وَاقعا فِي أعدائه غير قَادر على شَيْء مغموما مَحْزُونا. وَإِن أردْت معرفَة بيُوت الْكَوَاكِب السَّبْعَة السيارة وشرفها وهبوطها وفرحها فَانْظُر إِلَى هَذَا الْجَدْوَل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 (الْكَوَاكِب) الشَّمْس الْقَمَر المريخ عُطَارِد المُشْتَرِي الزهرة زحل الراس الذِّئْب (بيُوت الْكَوَاكِب) الْأسد السرطان الْحمل الْعَقْرَب الجوزاء الْعَذْرَاء الْقوس الْحُوت الثور الْمِيزَان الجدي الدَّلْو الْعَذْرَاء الْحُوت ( وبالها الويلات ) دَاء جدي ميزَان ثَوْر قَوس حوت جوزاء سنبلة عقرب حمل سرطان أَسد حوت سنبلة (شرفها الشّرف) الْحمل الثور الجدي السنبلة = الْعَذْرَاء السرطان الْحُوت الْمِيزَان الجوزاء الْقوس ( هبوط الانتكاسات ) الْمِيزَان الْعَقْرَب السرطان الْحُوت الجدي الْعَذْرَاء الْحمل الْقوس الجوزاء ( الأفراح ) 9 - 3 6 - 1 11 - 5 12 - 5 5 - الحديث: 9 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 (بَاب الشين مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة) الشطح: كَلَام ينفر عَنهُ اللِّسَان وتستكرهه الآذان مقرون بِالدَّعْوَى يثقل على المعرض أسماعه وَلَا يرتضيه أهل التَّحْقِيق من قَائِله وَإِن كَانَ محققا كَذَا فِي شرح أَلْفَاظ أهل الله للشَّيْخ محيي الدّين بن الْعَرَبِيّ رَحمَه الله فِي شرح منَازِل السائرين الشطح كَلَام يشم مِنْهُ رَاحَة الرعونة وَإِن كَانَ حَقًا لَكِن يُعَارض ظَاهره ظَاهر الْعلم والفاحش مِنْهُ هُوَ الَّذِي ظهر منافاته للْعلم وَخرج عَن حد الْمَعْرُوف وَأَكْثَره يكون من سكر الْحَال وَغَلَبَة سُلْطَان الْحَقِيقَة. وَفِي الاصطلاحات الشَّرِيفَة الشريفية الشطح عبارَة عَن كلمة عَلَيْهَا رَائِحَة رعونة وَدَعوى وَهُوَ من زلات الْمُحَقِّقين فَإِنَّهُ دَعْوَى بِحَق يفصح بهَا الْعَارِف من غير إِذن إلهي بطرِيق يشْعر بالنباهة. الشّطْر: الْجُزْء يُقَال إِن التَّصَوُّر شطر التَّصْدِيق عِنْد الإِمَام وَشَرطه عِنْد الْحُكَمَاء. وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب الْعرُوض الشّطْر حذف نصف الْبَيْت وَيُسمى مشطورا. شطر العقد: أَي نصفه بِأَن يَقُول رجل أشهدوا إِنِّي زوجت فُلَانَة من فلَان هما غائبان بِغَيْر أَمرهمَا فَهَذَا لَا ينْعَقد إِلَّا أَن يقبل أحد فِي الْمجْلس وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى ينْعَقد مَوْقُوفا على إجازتهما. وَالْفرق بَينه وَبَين نِكَاح الْفُضُولِيّ أَن الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي الْفُضُولِيّ يكون فِي مجْلِس وَاحِد وَيكون أحد الْعَاقِدين حَاضرا فِي الْمجْلس بِخِلَاف شَرط العقد فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ العاقدان حاضرين وَلَا الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي مجْلِس وَاحِد وكونهما فِي مجْلِس وَاحِد شَرط فِي صِحَة النِّكَاح وَلِهَذَا لم يجز شطر العقد وَجَاز نِكَاح الْفُضُولِيّ لَكِن توقف على إجَازَة الْغَائِب. وَفِي المسكيني (شرح كنز الدقائق) وَهُوَ أَي شَرط العقد على سِتَّة أَنْوَاع فِي ثَلَاث مِنْهَا خلاف. الْفُضُولِيّ قَالَ زوجت فُلَانَة من فلَان وهما غائبان وَلم يقبل مِنْهُ أحد. أَو قَالَ زوجت فُلَانَة وَهِي غَائِبَة وَلم يجب عَنْهَا أحد وَلم يقبل مِنْهَا أحد. أَو قَالَت زوجت نَفسِي من فلَان وَهُوَ غَائِب وَلم يقبل مِنْهُ أحد. قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله يتَوَقَّف وَيتم بِالْإِذْنِ فِيهَا وَقَالا هُوَ بَاطِل. وَثَلَاث مِنْهَا يتَوَقَّف على الْإِجَازَة اتِّفَاقًا عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فُضُولِيّ قَالَ زوجت فُلَانَة من فلَان وَقَالَ فُضُولِيّ آخر زوجتها مِنْهُ. أَو قَالَ زوجت فُلَانَة وَهِي غَائِبَة فَقَالَ فُضُولِيّ آخر زوجتها مِنْك. أَو قَالَ زوجت نَفسِي من فلَان وَهُوَ غَائِب فَقبل مِنْهُ فُضُولِيّ آخر انْتهى. فَيعلم من هَاهُنَا إِن قَول صَاحب كنز الدقائق وَلَا يتَوَقَّف شطر العقد على قبُول ناكح غَائِب قَضِيَّة مُهْملَة فَإِن بعض شطر العقد مَوْقُوف على قبُوله كَمَا علمت. الشطرنج: بِالْكَسْرِ. فِي خزانَة الرِّوَايَات وَيكرهُ اللّعب بالشطرنج والنرد وَالْأَرْبَعَة عشر وكل لَهو. وَإِن قامر بهَا فَهُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ ميسر وَهُوَ اسْم لكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 قمار. وَقد قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة وتواترت السّنة عَن رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِتَحْرِيم الْقمَار وَعَلِيهِ إِجْمَاع الْمُسلمين وَإِن خلا عَن الْقمَار فَهُوَ حرَام أَيْضا لِأَنَّهُ عَبث وَقد قَالَ الله تَعَالَى {أفحسبتم إِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا} وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كل لعب ابْن آدم بَاطِل إِلَّا ثَلَاثَة ملاعبة الرجل مَعَ أَهله وتأديبه لفرسه ومناضلته بقوسه وأباح الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى الشطرنج لِأَن فِيهِ تشحيذ الخواطر وتزكية الأفهام. وَقَالَ سهل بن مُحَمَّد الصعلوكي رَئِيس أَصْحَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى إِذا سلمت الْيَد من الخسران. وَالصَّلَاة من النسْيَان، وَاللِّسَان من الهذيان، فَهُوَ أدب بَين الخلان، وَلنَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من لعب بالشطرنج فَكَأَنَّمَا غمس يَده فِي دم الْخِنْزِير. وَلِأَنَّهُ لعب يصد صَاحبه عَن الْجمع وَالْجَمَاعَات وَذكر الله تَعَالَى غَالِبا وَإِن صلى فقلبه مُتَعَلق بِهِ. ثمَّ إِن قامر بالشطرنج سَقَطت عَدَالَته وَردت شَهَادَته وَإِن لم يقامر بِهِ قبلت شَهَادَته وَبقيت عَدَالَته. وَفِي عقد اللآلي فِي كتاب الْكَرَاهَة وَالِاسْتِحْسَان واللعب بالشطرنج لتهذيب الْفَهم غير محرم. وَفِي الصيرفية فِي بَاب الْحُدُود وَالتَّعْزِير فِي نَوَادِر أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى لَو قَالَ يَا مقامر لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن أَبَا يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ لَا بَأْس باللعب بالشطرنج. هَذَا اللَّفْظ فِي الْأَجْنَاس انْتهى وَفِي السِّرَاجِيَّة واللعب بالشطرنج حرَام. (بَاب الشين مَعَ الْعين الْمُهْملَة) الشّعْر: بِالْفَتْح موى وبالكسر فِي اللُّغَة دانستن ودريافتن. وَفِي اصْطِلَاح الْعرُوض لَيْسَ المُرَاد بِهِ الْمَعْنى المصدري أَي تأليف الْكَلَام الْمَوْزُون وَإِن كَانَ مصدرا بل المُرَاد بِهِ عِنْدهم الْكَلَام الْمَوْزُون الدَّال على الْمَعْنى ذَا القافية بِشَرْط قصد الْقَائِل موزونية ذَلِك الْكَلَام فَالْكَلَام الْغَيْر الْمَوْزُون. وَكَذَا الْكَلَام الْمَوْزُون الْغَيْر الدَّال على الْمَعْنى. وَالْكَلَام الْمَوْزُون الدَّال على الْمَعْنى لم يقْصد الْقَائِل موزونيته لَيْسَ بِشعر فَقَوله تَعَالَى {ثمَّ أقررتم وَأَنْتُم تَشْهَدُون ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون} . وَكَذَا قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ... ) (يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ... ) وَإِن كَانَ قَوْله تَعَالَى على بَحر رمل مسد من مَقْصُور لِأَنَّهُ فاعلاتن فاعلاتن فاعلات، والْحَدِيث الشريف على بَحر رمل مثمن لِأَنَّهُ فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلات، لَيْسَ بِشعر، فَإِن قلت من أَيْن يعلم أَنه تَعَالَى وتقدس وَالنَّبِيّ الْأَفْصَح الْمُقَدّس عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يقْصد الموازنة - قلت أما قرع سَمعك قَوْله تَعَالَى فِي مُحكم كِتَابه {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} وَإِنَّمَا علمه تَعَالَى الْقُرْآن الْمجِيد فَعلم من هَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 هُنَا أَنه لَيْسَ فِيهِ شعر وَلما قَالَ تبَارك وَتَعَالَى وَمَا يَنْبَغِي لَهُ فَكيف يتَصَوَّر مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لَا يَلِيق بِحَالهِ. والشاعر إِمَّا من الشّعْر بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ فَمَعْنَاه بِالْفَارِسِيَّةِ داننده ودريابنده. وَإِنَّمَا يُقَال للقائل بالْكلَام الْمَوْزُون الْمَذْكُور شَاعِر لِأَنَّهُ يدْرك نوعا من الْكَلَام وَيقدر على تركيب كَلِمَات لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره. وَأما من الشّعْر بِالْمَعْنَى الاصطلاحي فَمَعْنَاه صَاحب الشّعْر - وَقَالَ بعض أَصْحَاب السّير أَن أول من قَالَ الشّعْر آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ شعره فِي مرثية ابْنه هابيل حِين قَتله ابْنه قابيل بلغَة سريانية ثمَّ تَرْجمهُ بعض الْعلمَاء بِالْعَرَبِيَّةِ هَكَذَا: (تَغَيَّرت الْبِلَاد وَمن عَلَيْهَا ... فَوجه الأَرْض مغبر قَبِيح) (تغير كل ذِي طعم ولون ... وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح) (وهابيل أذاق الْمَوْت فَإِنِّي ... عَلَيْك الْيَوْم محزون قريح) (بَكت عَيْني وَحقّ لَهَا بكاها ... فدمع الْعين منهل سفوح) وَقَالَ قَاسم بن سَلام الْبَغْدَادِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ أَمَام أَرْبَاب السّير أَن أول من قَالَ الشّعْر الْعَرَبِيّ يعرب بن قحطان وَكَانَ من أَبنَاء نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي أول من قَالَ بالشعر الْفَارِسِي اخْتِلَاف، الْجُمْهُور على أَنه بهْرَام كور وَأول أشعاره: (منم آن بيل دمان ومنم آن شيريله ... نَام بهْرَام مراوبدرم بوجبله) وَقيل هُوَ أَبُو حَفْص الْحَكِيم السغدي وَمن أبياته: (آهوى كو هِيَ در دشت جكونه دود ... ) (جون من ندارد ياربي يارجكونه رَود ... ) وَقيل أول من أسس أساس الْمَدْح وَالثنَاء ونظم القصيدة فِي مدح محسنه كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 هورودكي وقصيدته مَشْهُورَة، وَالشعر عِنْد المنطقيين قِيَاس مؤلف من المخيلات، وَالْغَرَض مِنْهُ انفعال النَّفس بالانقباض والانبساط وَالتَّرْغِيب والترهيب والتنفير كَقَوْلِك الْخمر ياقوتية سيالة وَالْعَسَل مرّة مهوعة. شعر شَاعِر: المُرَاد بِهِ الْمُبَالغَة فِي وصف الشّعْر، قَالَ الإِمَام المرزوقي أَن من شَأْن الْعَرَب أَن يشتقوا من لفظ الشَّيْء الَّذِي يُرِيدُونَ الْمُبَالغَة فِي وصف ذَلِك الشَّيْء مَا يتبعونه بِهِ أَي يذكرُونَ الْمُشْتَقّ بعد لفظ ذَلِك الشَّيْء تَابعا لَهُ بِأَن يجعلونه صفة لذَلِك اللَّفْظ أَو خَبرا عَنهُ لأجل التَّأْكِيد والتنبيه على تناهي ذَلِك الشَّيْء فِي وَصفه مثل قَوْلهم ظلّ ظَلِيل وداهية دهياء. الشُّعُور: علم الشَّيْء علم جنس. الشعيبية: جمَاعَة شُعَيْب بن مُحَمَّد وَهُوَ كالميمونية إِلَّا فِي الْقدر. (بَاب الشين مَعَ الْغَيْن الْمُعْجَمَة) الشّغَار: بِالْكَسْرِ الْمُبَادلَة والخلو يُقَال بَلْدَة شاغرة أَي خَالِيَة. وَنِكَاح الشّغَار أَن يتَزَوَّج الرجل بنته أَو أُخْته من آخر على أَن يُزَوجهُ الآخر بنته أَو أُخْته على أَن يكون بضع كل وَاحِدَة صَدَاقا لأخرى فالعقدان جائزان وَيُسمى نِكَاح الشّغَار لِأَن فِيهِ مُبَادلَة وخلوا عَن الْمهْر وَيجب مهر الْمثل عندنَا فِي هَذَا النِّكَاح - وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يبطل العقدان. (بَاب الشين مَعَ الْفَاء) الشُّفْعَة: لُغَة بِالضَّمِّ بِمَعْنى الْمَفْعُول من الشفع وَهُوَ الضَّم كالأكلة من الْأكل. وَمنع الشفع ضد الْوتر وشفاعة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ بهَا ضم المذنبين بالفائزين. وَفِي (حل الرموز) الشُّفْعَة لُغَة فعلة بِالضَّمِّ بِمَعْنى الْمَفْعُول من قَوْلهم كَانَ هَذَا الشَّيْء وترا فشفعته بِأُخْرَى جعلته زوجا لَهُ فَهِيَ فِي الأَصْل اسْم للْملك الْمَشْفُوع وَلم يسمع مِنْهَا فعل. وَمن لُغَة الْفُقَهَاء بَاعَ الشَّفِيع الدَّار الَّتِي تشفع بهَا أَي تُؤْخَذ بِالشُّفْعَة كَمَا فِي الْمغرب. وَفِي الْعَيْنِيّ شرح كنز الدقائق الشُّفْعَة فِي اللُّغَة من الشفع وَهُوَ الضَّم ضد الْوتر من شفع الرجل إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 كَانَ فَردا فَصَارَ لَهُ ثَان - وَالشَّفِيع أَيْضا يضم الْمَأْخُوذ إِلَى ملكه فَلذَلِك سمي الشُّفْعَة وَفِي الْهِدَايَة الشُّفْعَة مُشْتَقَّة من الشفع وَهُوَ الضَّم سميت بهَا لما فِيهَا من ضم الْمُشْتَرَاة إِلَى عقار الشَّفِيع. وَفِي الشَّرْع هِيَ تمْلِيك الْبقْعَة جبرا على المُشْتَرِي بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وطلبها على ثَلَاثَة أوجه. الأول طلب المواثبة. وَالثَّانِي طلب التَّقْرِير وَالْإِشْهَاد. وَالثَّالِث طلب الْخُصُومَة - وَالتَّفْصِيل فِي الْهِدَايَة بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ. الشَّفَاعَة: هِيَ السُّؤَال فِي التجاوز عَن الذُّنُوب من الَّذِي وَقعت الْجِنَايَة فِي حَقه. الشَّفَقَة: صرف الهمة إِلَى إِزَالَة الْمَكْرُوه عَن النَّاس. الشِّفَاء: رُجُوع الأخلاط إِلَى الِاعْتِدَال. الشَّفق: هُوَ الْبيَاض الَّذِي بعد الْحمرَة بعد غرُوب الشَّمْس عِنْد أبي حنيفَة وَزفر رحمهمَا الله تَعَالَى وَهُوَ قَول أبي بكر الصّديق وَأنس ومعاذ وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَرِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَعِنْدَهُمَا الشَّفق هُوَ الْحمرَة الْمَذْكُورَة وَعَلِيهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي شرح الْوِقَايَة. (بَاب الشين مَعَ الْكَاف) الشكل: فِي اللُّغَة الشّبَه والمثل وَصُورَة الشَّيْء. وَعند المنطقيين الْهَيْئَة الْحَاصِلَة من وضع الْحَد الْأَوْسَط عِنْد الحدين يجب حمله عَلَيْهِمَا أَو وَضعه لَهما أَو حمله على أَحدهمَا وَوَضعه للْآخر فَهُوَ أَرْبَعَة. لِأَن الْحَد الْأَوْسَط إِن كَانَ مَحْمُولا فِي الصُّغْرَى مَوْضُوعا فِي الْكُبْرَى فَهُوَ الشكل الأول - أَو مَحْمُولا فيهمَا فَالثَّانِي - أَو مَوْضُوعا فيهمَا فالثالث - أَو عكس الأول فالرابع - والشكل الأول بديهي الإنتاج وَبَاقِي الأشكال مَرْدُودَة إِلَيْهِ وَلِهَذَا يُقَال إِنَّه محكها. وَشرط إنتاجه إِيجَاب الصُّغْرَى كيفا وفعليتها جِهَة وكلية الْكُبْرَى كَمَا. فَإِن قيل إِن الشكل الأول دوري إِذْ الْعلم بالمطلوب يحْتَاج إِلَى الْعلم بكلية الْكُبْرَى وَهُوَ إِلَى الْعلم بالمطلوب لِأَنَّهُ من جزئياتها. قُلْنَا، إِن احتياجها إِلَى الْعلم بالجزئيات إِجْمَالا وَإِلَّا لما حكمنَا بِصدق كليتها وَالْمَطْلُوب يحْتَاج فِي علمه التفصيلي فَافْهَم. وَفِي الشكل عِنْد الْحُكَمَاء اخْتِلَاف قَالَ بَعضهم هُوَ الْهَيْئَة الْحَاصِلَة من إحاطة الْحَد الْوَاحِد أَو حَدَّيْنِ أَو أَكثر بالجسم التعليمي أَو السَّطْح. وَأما الْخط فَلَا يُمكن إحاطة أَطْرَافه بِهِ لِأَن أَطْرَاف الْخط النقط وَلَا يتَصَوَّر كَون الْخط محاطا بالنقط. وإحاطة الْحَد الْوَاحِد كَمَا فِي الكرة والدائرة. وإحاطة الحدين كَمَا فِي نصف الدائرة أَو وَنصف الكرة. وإحاطة الْحُدُود كَمَا فِي المثلث والمربع وَسَائِر المضلعات. وَالْمرَاد بالإحاطة فِي تَعْرِيف الشكل هِيَ الْإِحَاطَة التَّامَّة ليخرج الزاوية فَإِنَّهَا على الْأَصَح لَيست بشكل بل هَيْئَة وكيفة عارضة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 للمقدار من حَيْثُ إِنَّه محاط بحدكما فِي رَأس المخروط المستدير أَو أَكثر إحاطة غير تَامَّة مثلا إِذا فَرضنَا سطحا مستويا محاطا بخطوط ثَلَاثَة مُسْتَقِيمَة. فَإِذا اعْتبر كَونه محاطا بالخطوط الثَّلَاثَة كَانَت الْهَيْئَة الْعَارِضَة لَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَار هِيَ الشكل. فَإِذا اعْتبر من تِلْكَ الخطوط الثَّلَاثَة خطان متلاقيان على نقطة مِنْهُ كَانَت الْهَيْئَة الْعَارِضَة للسطح بِهَذَا الِاعْتِبَار هِيَ الزاوية. وتعريف الشكل بِمَا ذكرنَا مَشْهُور بَين الْحُكَمَاء وَلَكِن لَا يخفى عَلَيْك أَنه يلْزم من هَذَا التَّعْرِيف أَن لَا يكون لمحيط الكرة وَهُوَ السَّطْح وَكَذَا الْأَمْثَال هَذَا الْمُحِيط كمحيط الدائرة والمثلث وَسَائِر المضلعات شكل لِأَنَّهُ لَيْسَ لذَلِك الْمُحِيط محيطا آخر وَلذَا قَالُوا الْأَنْسَب فِي تَعْرِيف الشكل أَن يُقَال الشكل هُوَ الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للمقدار من جِهَة الْإِحَاطَة سَوَاء كَانَت إحاطة الْمِقْدَار بالشكل أَو إحاطة الشكل بالمقدار فَحِينَئِذٍ تَعْرِيف الشكل شَامِل لمحيط الكرة وَأَمْثَاله. وَيعلم من هَا هُنَا أَنه لَا وَجه لتخصيص الشكل بالسطح والجسم التعليمي فَإِنَّهُ مُحِيط الدائرة خطّ لَا سطح وَلَا جسم تعليمي. وَلَا شكّ فِي أَن لَهُ شكلا بِهَذَا التَّعْرِيف. نعم لَا بُد أَن يخصص الشكل بالمقدار. والشكل الطبيعي مَا يكون باقتضاء الطبيعة النوعية كشكل الْإِنْسَان بِأَنَّهُ مدور الرَّأْس بَادِي الْبشرَة مُسْتَقِيم الْقَامَة وَعَيناهُ كَذَا وَأَنْفه كَذَا وخده كَذَا ويداه وَرجلَاهُ كَذَا وَكَذَا وَهَذَا الشكل يكون مُشْتَركا فِي جَمِيع أَفْرَاد الْإِنْسَان. والشكل الشخصي مَا يكون باقتضاء تشخص شخص وَهَذَا يكون مُخْتَصًّا بِهِ وَالْأول يكون مُمَيّزا للنوع عَن النَّوْع الآخر وَالثَّانِي للشَّخْص عَن الشَّخْص الآخر. الشَّك: فِي الْيَقِين وَفِي الْعلم أَيْضا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الشُّكْر: فِي الاصطلاحات الشَّرِيفَة الشريفية عبارَة عَن مَعْرُوف يُقَابل النِّعْمَة سَوَاء كَانَ بِاللِّسَانِ أَو بِالْيَدِ أَو بِالْقَلْبِ. وَقيل هُوَ الثَّنَاء على المحسن بِذكر إحسانه فَالْعَبْد يشْكر الله تَعَالَى أَي يثني عَلَيْهِ بِذكر إحسانه الَّذِي هُوَ نعْمَته وَالله يشْكر للْعَبد أَي يثني عَلَيْهِ بِقبُول إحسانه الَّذِي هُوَ طَاعَته. وَالشُّكْر اللّغَوِيّ هُوَ الْوَصْف بالجميل على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل على النِّعْمَة من اللِّسَان والجنان والأركان. وَالشُّكْر الْعرفِيّ هُوَ صرف العَبْد جَمِيع مَا أنعم الله تَعَالَى عَلَيْهِ من السّمع وَالْبَصَر وَغَيرهمَا إِلَى مَا خلق لأَجله. فَبين الشُّكْر اللّغَوِيّ والعرفي عُمُوم وخصوص مُطلقًا كَمَا أَن بَين الْحَمد الْعرفِيّ وَالشُّكْر اللّغَوِيّ أَيْضا كَذَلِك. وَبَين الْحَمد اللّغَوِيّ وَالْحَمْد الْعرفِيّ كَذَلِك عُمُوم وخصوص من وَجه. كَمَا أَن بَين الْحَمد اللّغَوِيّ وَالشُّكْر اللّغَوِيّ أَيْضا كَذَلِك. وَبَين الْحَمد الْعرفِيّ وَالشُّكْر الْعرفِيّ عُمُوم وخصوص مُطلقًا. كَمَا أَن بَين الشُّكْر الْعرفِيّ وَالْحَمْد اللّغَوِيّ كَذَلِك وَلَا فرق بَين الشُّكْر اللّغَوِيّ وَالْحَمْد الْعرفِيّ انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 الشكُور: من يشْكر على الْبلَاء وَقيل الشاكر من يشْكر على الْعَطاء والشكور من يشْكر على الْمَنْع. (بَاب الشين مَعَ الْمِيم) الشمَال مُقَابل الْيَمين: يَعْنِي (دست راست) وبالفتح مُقَابل الْجنُوب أَي الْجِهَة الَّتِي تقَابل الْجنُوب. والجنوب هِيَ الْجِهَة الَّتِي على يَمِينك إِن قُمْت إِلَى الْمشرق فالشمال هِيَ الْجِهَة الَّتِي على يسارك إِن قُمْت إِلَيْهِ. وَالْمرَاد بالمشرق الْموضع الَّذِي تشرق مِنْهُ الشَّمْس بِحَسب رؤيتك وَكَذَا بالمغرب الْموضع الَّذِي تغرب فِيهِ بحسبها وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَة الْمشرق مغرب وَالْمغْرب مشرق فَإِن لفلك الأفلاك حَرَكَة لَا على التوالي وَلما سواهُ على التوالي كَمَا بَين فِي الْهَيْئَة. وَإِن أردْت معرفَة أَن الشمَال والجنوب مَا هما فَانْظُر فِي نصف النَّهَار. الشَّمَائِل: الخصائل الحميدة والطبائع الْحَسَنَة جمع شميلة كالشمائم جمع شميمة والكرائم جمع كَرِيمَة. وَقيل جمع شمال بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْخلق بِالضَّمِّ يُقَال فلَان كريم الشَّمَائِل. والخلق بِالضَّمِّ وَسُكُون الثَّانِي السجية والطبيعة وَهُوَ مُخْتَصّ بِالصِّفَاتِ الْبَاطِنَة. وَقد ذكر فِي كتاب الشَّمَائِل لِلتِّرْمِذِي الصِّفَات الظَّاهِرَة أَيْضا وَجعلت تَابِعَة لَا خلاقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. الشم: بِالضَّمِّ فِي اللُّغَة بِالْفَارِسِيَّةِ (بلندبيشاني) . وبالفتح (بوئيدون) . وَعند الْمُتَكَلِّمين والحكماء قُوَّة فِي زائدتين نابتتين من مقدم الدِّمَاغ شبيهتين بحلمتي الثدي. فالجمهور على أَن الْهَوَاء الْمُتَوَسّط بَين الْقُوَّة الشامة وَذي الرَّائِحَة يتكيف بالرائحة الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب إِلَى أَن يصل إِلَى مَا يجاوره الشامة فتدركها. وَقَالَ بَعضهم سَببه تبخر وانفصال أَجزَاء هوائية من ذِي الرَّائِحَة تخالط تِلْكَ الْأَجْزَاء الْأَجْزَاء الهوائية فيصل أَجزَاء ذِي الرَّائِحَة المخلوطة بالأجزاء الهوائية إِلَى الشامة. وردبان: الْمسك الْقَلِيل يشم على طول الْأَزْمِنَة وَكَثْرَة الْأَمْكِنَة من غير نُقْصَان فِي وَزنه وَحَجمه فَلَو كَانَ الشم بالتبخر وانفصال الْأَجْزَاء لما أمكن ذَلِك. وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء إِن سَبَب الشم فعل ذِي الرَّائِحَة فِي الشامة من غير اسْتِحَالَة فِي الْهَوَاء وَلَا تبخر وانفصال. وَاعْلَم أَن الثدي بِالْفَارِسِيَّةِ (بُسْتَان) والحلمة (سربستان) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 الشَّمْس: هِيَ الْكَوْكَب الْأَعْظَم المضيء النهاري من الْكَوَاكِب السَّبْعَة السيارة وَهِي فِي الْفلك الرَّابِع. قيل، إِمَّا ضابطة معرفَة أَنَّهَا فِي أَي برج هِيَ فأضعف مَا مضى مَعَك من الشَّهْر الْعَرَبِيّ وزد عَلَيْهِ الْخَمْسَة وألق لكل برج خَمْسَة وابدأ بِالْعدَدِ مَوضِع الْقَمَر بِالْعَكْسِ إِلَى جِهَة الْمغرب. فَإِذا انْتَهَت إِلَى برج فالشمس فِي ذَلِك البرج فَإِن لم يبْق فالشمس فِي أول دَرَجَة ذَلِك البرج. وَإِن بَقِي فالشمس قطعت دَرَجَات بِقدر عدد ذَلِك الْبَاقِي. وَلَا يخفى على المنجم أَن هَذِه الضابطة لَيست بكلية. (ف (62) وَأَيْضًا فِيهِ بَاب الشين مَعَ النُّون) . (بَاب الشين مَعَ الْوَاو) الشوق: اهتياج الْقلب إِلَى لِقَاء المحبوب. الشواهد: جمع الشَّاهِد وشواهد الْحق فِي حقائق الأكوان فَإِنَّهَا تشهد بالمكون. شُورَى: مصدر كالفتيا بِمَعْنى التشاور. وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ترك الْخلَافَة شُورَى بَين سِتَّة أَي ذَا شُورَى بِأَن لَا يتفردون بِرَأْي دون رَأْي بِأَن كل أَمر من الْأُمُور الدِّينِيَّة أَو الدُّنْيَوِيَّة إِذا وَقع عنْدكُمْ فلكم أَن تحكموا فِيهِ بعد مشورتكم. وَأُولَئِكَ السِّتَّة هم عُثْمَان وَعلي وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَطَلْحَة وزبير وَسعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. ثمَّ فوض الْأَمر خمستهم إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف مِنْهُم وَرَضوا بِحكمِهِ فَاخْتَارَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَتَابعه بِمحضر من الصَّحَابَة فَبَايعُوهُ وانقادوا لأوامره وصلوا مَعَه الْجمع والأعياد وَقيل معنى جعل الْإِمَامَة شُورَى أَن يتشاوروا فينصبوا وَاحِدًا مِنْهُم وَلَا تتجاوزهم الْإِمَامَة وَلَا النصب وَلَا التَّعْيِين. (بَاب الشين مَعَ الْهَاء) الشَّهَادَة: فِي اللُّغَة الْحُضُور. قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَاقِعَة أَي حضرها. وَالشَّاهِد أَيْضا يحضر القَاضِي ومجلس الْوَاقِعَة. وَفِي الشَّرْع الشَّهَادَة إِخْبَار بِحَق الشَّخْص على غَيره عَن مُشَاهدَة الْقَضِيَّة الَّتِي يشْهد بهَا بالتحقيق وَعَن عيان لَا عَن تخمين وحسبان أَي عَن مُعَاينَة تِلْكَ الْقَضِيَّة. وَالْإِشَارَة إِلَيْهَا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا علمت مثل الشَّمْس فاشهد وَإِلَّا فدع. وَقَوْلهمْ لَا عَن تخمين تَأْكِيد لِمَعْنى الْمُشَاهدَة. وَقَوْلهمْ وحسبان أَي لَا عَن حسبان تَأْكِيد لِمَعْنى العيان. وكتمان الشَّهَادَة وَاجِب عَن إظهارها فِي الْحُدُود لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من ستر على مُسلم ستر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَقَوله تَعَالَى {وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه} فِي حُقُوق الْعباد وَالْحُدُود إِنَّمَا هِيَ حُقُوق الله تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وَفِي الْفَتَاوَى الحمادي من الْخَانِية وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي رَحمَه الله تَعَالَى إِذا سمعُوا صَوت امْرَأَة من وَرَاء الْحجاب وَرَأَوا شخصها وَشهد عِنْدهم رجلَانِ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَة جَازَ لَهُم أَن يشْهدُوا على إِقْرَارهَا وَإِن لم يرَوا وَجههَا. وَإِذا لم يرَوا شخصها لَا يحل لَهُم أَن يشْهدُوا على إِقْرَارهَا وَهُوَ اخْتِيَار أبي اللَّيْث رَحمَه الله تَعَالَى. وَذكر هُوَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْفَتَاوَى عَن نصير بن يحيى أَن ابْنا لمُحَمد بن الْحسن رَحمَه الله تَعَالَى دخل على أبي سُلَيْمَان الْجِرْجَانِيّ فَسَأَلَهُ أَبُو سُلَيْمَان عَن هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ كَانَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول لَا يجوز لَهُ أَن يشْهد عَلَيْهَا حَتَّى يشْهد عِنْده جمَاعَة أَنَّهَا فُلَانَة - وَكَانَ أَبُو يُوسُف وَأَبُو بكر الإسكاف رحمهمَا الله تَعَالَى يَقُولَانِ بجوازها إِذا شهد عِنْده عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَة وَعَلِيهِ الْفَتْوَى انْتهى. وَفِي رَوْضَة الْجنان قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا تقبل شَهَادَة الْعلمَاء بَعضهم على بعض لِأَن فيهم حسدا. وَاعْلَم أَنه لَا تجوز الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ إِلَّا فِي النّسَب وَالْمَوْت وَالنِّكَاح. وَالشَّهَادَة عِنْد الصُّوفِيَّة عَالم الشَّهَادَة وَهُوَ الأفلاك وَمَا فِيهَا من النُّجُوم وَالْكَوَاكِب والعناصر والمواليد يَعْنِي أَن عَالم الشَّهَادَة عِنْدهم قدس الله أسرارهم هُوَ الْأَجْسَام وَيُقَال لَهُ مرتبَة الْحسن أَيْضا. الشهَاب: بِالْكَسْرِ الْكَوْكَب. وَأَيْضًا شعلة نَار ساطعة فِي اللَّيْل جمعه شهب بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَالْهَاء. وَسبب حُدُوثه أَن الدُّخان إِذا بلغ حيّز النَّار وَكَانَ لطيفا غير مُتَّصِل بِالْأَرْضِ اشتعل فِيهِ النَّار فَانْقَلَبَ إِلَى النارية ويلتهب ويشتعل بِسُرْعَة حَتَّى يرى كالمنطفي. وَإِن اتَّصل الدُّخان بِالْأَرْضِ يشتعل النَّار فِيهِ نازلة إِلَى الأَرْض وَتسَمى تِلْكَ النَّار حريقا كَمَا مر فِي الْحَرِيق. قَالَ الطوسي فِي شرح الإشارات فِي تَفْصِيل سَبَب الشهَاب أَن الدُّخان الْغَيْر الْمُتَّصِل بِالْأَرْضِ إِذا يصل إِلَى حيّز النَّار يشتعل طرفه العالي أَولا ثمَّ يذهب الاشتعال فِيهِ إِلَى آخِره فَيرى الاشتعال ممتدا على سمت الدُّخان إِلَى طرفه الآخر وَهُوَ الْمُسَمّى بالشهاب فَإِذا صَارَت الْأَجْزَاء الأرضية نَارا صرفة صَارَت غير مرئيه لبساطتها ولطافتها فتعود إِلَى كرتها فنظن أَنَّهَا طفئت وَلَيْسَ ذَلِك بطفوء وَإِن كَانَ غليظا لَا ينطفئ النَّار أَيَّامًا أَو شهورا بِقدر غلظه وَيكون على صُورَة ذوائبة أَو ذَنْب أَو رمح أَو حَيَوَان لَهُ قُرُون. وَحكي أَن بعد الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام بِزَمَان كثير ظهر فِي السَّمَاء نَار مضطربة من جَانب القطب الشمالي وَبقيت السّنة كلهَا وَكَانَت الظلمَة تغشي الْعَالم من تسع سَاعَات من النَّهَار إِلَى اللَّيْل حَتَّى لم يكن أحد يبصر شَيْئا وَكَانَ ينزل من الجو شبه الهشيم والرماد. الشَّهْوَة: بِالْفَتْح خواهش. وَقَالُوا فِي تحديدها إِن الشَّهْوَة هِيَ الشوق إِلَى طلب أَمر ملائم للطبع أَو حَرَكَة النَّفس طلبا للملائم. وَاعْلَم أَن الشَّهَوَات ثَلَاثَة شَهْوَة الْبَطن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وشهوة الْفرج وشهوة الجاه وَالله تَعَالَى خلق كل دَابَّة من مَاء فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه. يَعْنِي يضيع عمره فِي تَحْصِيل شهوات فرجه فَإِن كل حَيَوَان إِذا قصد قَضَاء شَهْوَته يمشي على رجلَيْنِ عِنْد الْمُبَاشرَة وَإِن كَانَ لَهُ أَربع قَوَائِم. وَمِنْهُم من يمشي على أَربع، أَي يضيع عمره فِي طلب الجاه لِأَن أَكثر طالبي الجاه يَمْشُونَ راكبين على مركوب لَهُ أَربع قَوَائِم كالخيل وَالْبِغَال وَالْحمير. وَالله تبَارك وَتَعَالَى أَشَارَ بقوله {وزين للنَّاس حب الشَّهَوَات} الْآيَة إِلَى أَنه تَعَالَى خلق الْإِنْسَان على ثَلَاث طَبَقَات الْعَوام والخواص وأخص الْخَواص. وَأما الْعَوام فهم أَرْبَاب النُّفُوس فالغالب عَلَيْهِم الْهوى والشهوة. وَأما الْخَواص فهم أَرْبَاب الْقُلُوب وَالْغَالِب عَلَيْهِم الْهدى وَالتَّقوى. وَأما أخص الْخَواص فهم أَرْبَاب الْأَحْوَال وَالْغَالِب عَلَيْهِم الْمحبَّة والشوق وَإِن الله يذكر كل صنف مِنْهُم باسم يُنَاسب أَحْوَالهم فيذكر الْعَوام باسم النَّاس بقوله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس} وَقَوله تَعَالَى {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات} وَالنَّاس مُشْتَقّ من النسْيَان. وَيذكر الْخَواص باسم الْمُؤمن كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} وَقَوله تَعَالَى {والمؤمنون كل آمن بِاللَّه} وَيذكر أخص الْخَواص باسم الْوَلِيّ كَقَوْلِه تَعَالَى {إِلَّا أَن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} . الشُّهُود: روية الْحق بِالْحَقِّ. الشهامة: الْحِرْص على مُبَاشرَة أُمُور عَظِيمَة تستتبع الذّكر الْجَمِيل. الشَّهِيد: كل حر مُسلم طَاهِر بَالغ عَاقل قتل ظلما وَلم يجب بقتْله مَال وَلم يرتث وَتَحْقِيق عدم الارتثاث فِي الارتثاث. الشَّهْر: (بركشيدن شمشير از نيام وماه) . إِن أَخذ الْإِنْسَان شهرا سوى الْمحرم فِي ذهنه وَأَرَدْت أَن تعلمه فَقل لَهُ أَن يَأْخُذ فِي مُقَابلَة كل شهر قبل الشَّهْر الْمَأْخُوذ فِي ذهنك إِلَى الْمحرم ثَلَاثَة أعداد. وَفِي مُقَابلَة كل شهر بعده إِلَيْهِ اثْنَيْنِ واجمعها فاطرح عَن الْمَجْمُوع اثْنَيْنِ وَعشْرين فَيكون مَا بعد الْبَاقِي هُوَ ذَلِك الشَّهْر الْمَأْخُوذ فِي الذِّهْن. وَفِي كشكول الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي فِي اسْتِخْرَاج اسْم الشَّهْر الْمُضمر أَو البرج الْمُضمر مره ليَأْخُذ لكل مَا فَوق الْمُضمر ثَلَاثَة وَله مَعَ مَا تَحْتَهُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ ثمَّ يُخْبِرك بالمجموع فَتلقى مِنْهُ (24) أَي أَرْبَعَة وَعشْرين ويعد الْبَاقِي من الْمحرم أَو من الْحمل فَمَا انْتهى إِلَيْهِ فَهُوَ الْمُضمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 (بَاب الشين مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة) الشَّيْخ: فِي اللُّغَة كثير الْعُمر - وَفِي الِاصْطِلَاح من يَقْتَدِي بِهِ وَإِن كَانَ شَابًّا. وَعند الصُّوفِيَّة الشَّيْخ من كَانَ صَاحب الشَّرِيعَة والطريقة والحقيقة. وَاعْلَم أَن للْإنْسَان سِتَّة أَحْوَال. مَا دَامَ فِي بطن الْأُم يُقَال لَهُ الْجَنِين - ثمَّ يُقَال لَهُ الطِّفْل إِلَى بُلُوغه ثَلَاثِينَ شهرا - ثمَّ الصَّبِي إِلَى الْبلُوغ - ثمَّ الشَّاب إِلَى أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ الكهول إِلَى سِتِّينَ - ثمَّ الشَّيْخ إِلَى مُدَّة الْعُمر - وَالتَّفْصِيل فِي الصَّبِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالُوا إِن الشَّيْخ من يحيى السّنة وَيُمِيت الْبِدْعَة. وَفِي الشَّيْخ خَمْسَة أحرف (الْألف) ألف قلبه بِذكر الله تَعَالَى (اللَّام) لَام نَفسه (الشين) شاع علمه وحلمه (الْيَاء) يحيى السّنة وَيُمِيت الْبِدْعَة - (الْخَاء) خلا قلبه عَن غير الله تَعَالَى. الشيبانية: طَائِفَة شَيبَان بن سَلمَة قَالُوا بالجبر وَنفي الْقدر. الشِّيعَة: هم الَّذين شايعوا عليا وَقَالُوا إِنَّه إِمَام بعد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - واعتقدوا أَن الْإِمَامَة لَا تخرج عَنهُ وَعَن أَوْلَاده كَمَا مر فِي الإمامية وهم اثْنَان وَعِشْرُونَ فرقة كَمَا بَين فِي المطولات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 ( [حرف الصَّاد] ) (بَاب الصَّاد مَعَ الْألف) الصاحب: المُرَاد بِهِ فِي المطول وَأَمْثَاله أَبُو الْقَاسِم عباد الملقب بالصاحب أستاذ الإِمَام الْمُحَقق والهمام المدقق الشَّيْخ عبد القاهر رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالَ الْفَاضِل الجلبي هُوَ إِسْمَاعِيل الْعباد صحب ابْن العميد فِي وزارته. الصاحبان: أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى لِأَنَّهُمَا كَانَا صاحبين أَي شَرِيكَيْنِ فِي الدَّرْس عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الصابية: فِي الْكَشَّاف هِيَ من صَبأ إِذا خرج عَن دين إِلَى دين وهم قوم عدلوا عَن دين الْيَهُودِيَّة والنصرانية وعبدوا الْمَلَائِكَة. الصابيون: جمع الصابي وهم الَّذين أَعرضُوا عَن الْأَدْيَان كلهَا وأشركوا بِاللَّه تَعَالَى واختاروا عبَادَة الْمَلَائِكَة أَو الْكَوَاكِب. الصاعقة: هِيَ الصَّوْت مَعَ الْبَرْق وَقيل هِيَ صَوت الرَّعْد الشَّديد الَّذِي إِذا لحق إنْسَانا فإمَّا أَن يغشى عَلَيْهِ أَو يَمُوت وَسبب حدوثها فِي الرَّعْد. الصَّالح: الْخَالِص من كل فَسَاد. الصَّاع: ثَمَانِيَة أَرْطَال والرطل نصف الْمَنّ عشرُون أستارا. والأستار أَرْبَعَة مَثَاقِيل وَنصف مِثْقَال. (وبايد دانست كه هر مِثْقَال جهار ونيم ماهجه است. بس استاريك تولجه وهشت وَربع ماهجه ميشودوبرين حِسَاب صَاع دوصد وهفتاد تولجه شدّ) . وَهَذَا صَاع عراقي ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى. والصاع الْحِجَازِي الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمدّ رَطْل وَثلث رَطْل. فَيكون الصَّاع عِنْده خَمْسَة أَرْطَال وَثلث رَطْل وَهُوَ بِالْوَزْنِ سِتّ مائَة دِرْهَم وَثَلَاثَة وَتسْعُونَ درهما وَثلث دِرْهَم. فَافْهَم واحفظ. الصامتة: فِي المصوتة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 (بَاب الصَّاد مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الصَّبْر: بِالْفَتْح ترك الشكوى من ألم الْبلوى لغير الله تَعَالَى لَا إِلَيْهِ تَعَالَى بل لَا بُد للْعَبد إِظْهَار ألمه وعجزه ودعائه تَعَالَى فِي كشف الضّر عَنهُ لِئَلَّا يكون كالمقاومة مَعَ الله تَعَالَى وَدَعوى التَّحَمُّل لمشاقه أَلا ترى أَن أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام شكا إِلَى الله تَعَالَى وَدعَاهُ فِي دفع الضّر عَنهُ بقوله {أَنِّي مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ} - وَمَعَ هَذَا أثنى الله تَعَالَى عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام بِالصبرِ بقوله تَعَالَى {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} فَعلم من هَا هُنَا أَن شكاية العَبْد إِلَيْهِ تَعَالَى وَالدُّعَاء فِي كشف الضّر عَنهُ لَا يقْدَح فِي صبره. حُكيَ أَن امْرَأَة من أهل الْبَادِيَة نظرت فِي الْمرْآة وَكَانَت حَسَنَة الصُّورَة وَكَانَ زَوجهَا ردي الصُّورَة جدا فَقَالَت لَهُ والمرآة فِي يَدهَا إِنِّي لأرجو أَن ندخل الْجنَّة أَنا وَأَنت فَقَالَ وَكَيف ذَلِك فَقَالَت أما أَنا فلأني ابْتليت بك فَصَبَرت وَأما أَنْت فَلِأَن الله أنعم بِي عَلَيْك فَشَكَرت والصابر والشاكر فِي الْجنَّة تَعَالَى. وَاعْلَم أَن الصَّبْر مر لَا حُلْو. نعم إِنَّه على صُورَة الصَّبْر بِالْكَسْرِ. الصّبيان: جمع الصَّبِي قيل هُوَ جَنِين مَا دَامَ فِي بطن أمه. فَإِذا انْفَصل ذكرا فصبي وَيُسمى رجلا كَمَا فِي آيَة الْمَوَارِيث إِلَى الْبلُوغ. فغلام إِلَى تسع عشرَة. فشاب إِلَى أَربع وَثَلَاثِينَ. فكهل إِلَى أحد وَخمسين. فَشَيْخ إِلَى آخر عمره هَكَذَا فِي اللُّغَة. وَفِي الشَّرْع يُسمى غُلَاما إِلَى الْبلُوغ. وَبعده شَابًّا. وفتى إِلَى ثَلَاثِينَ، فكهل إِلَى خمسين، فَشَيْخ، وَإِنَّمَا سمي الصَّبِي صَبيا لِأَنَّهُ يصبو أَي يمِيل إِلَى كل شَيْء لَا سِيمَا الملاعب. الصُّبْح الصَّادِق: هُوَ الْبيَاض الَّذِي يَبْدُو منتشرا عريضا فِي الْأُفق وَيزِيد فِي النُّور والضياء وَلَا يعقبه الظلام وَلذَا سمي بالصادق. فِي جَوَاهِر الْفَتَاوَى وَذَلِكَ أَي وَقت الصُّبْح سبع اللَّيْل. (ف (63)) . الصُّبْح الْكَاذِب: هُوَ الْبيَاض الَّذِي يَبْدُو طولا ثمَّ يعقبه الظلام فَهُوَ يخبر عَن مُضِيّ اللَّيْل وشروع النَّهَار وَلَيْسَ بِحَسب الْوَاقِع كَذَلِك وَلذَا سمي كَاذِبًا وَلَا عِبْرَة بِهِ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يَغُرنكُمْ الْفجْر المستطيل وَلَكِن كلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يطلع الْفجْر المستطير. (بَاب الصَّاد مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة) الصَّحِيح: ضد الْفَاسِد وَالْمَرِيض. وَعند الْفُقَهَاء مَا يكون صَحِيحا بِأَصْلِهِ وَوَصفه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وَفِي اصْطِلَاح الصّرْف الْكَلِمَة الَّتِي لَا يكون فِي مَوضِع حُرُوفه الْأَصْلِيَّة الْفَاء وَالْعين وَاللَّام حرف من حُرُوف الْعلَّة وَلَا همزَة وَلَا تَضْعِيف. وَعند النُّحَاة الْكَلِمَة الَّتِي لَا يكون لامها حرفا من حُرُوف الْعلَّة لِأَن غَرَض النُّحَاة معرفَة أَحْوَال أَوَاخِر الْكَلم من حَيْثُ الْإِعْرَاب وَالْبناء. بِخِلَاف أَصْحَاب الصّرْف فَإِن غرضهم معرفَة جَوَاهِر الْكَلم صِحَة وتغيرا وَيُقَال لَهُ السَّالِم أَيْضا. وَعند أهل الْحساب الصَّحِيح هُوَ الْعدَد الْمُطلق وتعريف الْمُطلق فِي الْمُطلق ويقابله الْكسر وَعند الْأَطِبَّاء الصَّحِيح هُوَ الْحَيَوَان الَّذِي على كَيْفيَّة بدنية تصدر الْأَفْعَال عَنْهَا لذاتها سليمَة أَي لَا تغير فِيهَا. وَالصَّحِيح: من الحَدِيث الحَدِيث الصَّحِيح. الصِّحَّة: قَالُوا هِيَ حَالَة أَو ملكة بهَا يصدر الْأَفْعَال عَن موضعهَا سليمَة. وَهِي عِنْد الْفُقَهَاء عبارَة عَن كَون الْفِعْل مسْقطًا للْقَضَاء فِي الْعِبَادَات وسببا لترتب ثمراته مِنْهُ عَلَيْهِ شرعا فِي الْمُعَامَلَات وبإزائه الْبطلَان. اعْلَم أَن مَا ذكرنَا من تَعْرِيف الصِّحَّة على مَا ذكر ابْن سينا فِي الْفَصْل الأول من القانون يعم أَنْوَاعهَا إِذْ تدخل فِيهِ صِحَة الْإِنْسَان وَسَائِر الْحَيَوَانَات وَصِحَّة النَّبَات أَيْضا إِذا لم يعْتَبر فِيهِ إِلَّا كَون الْفِعْل الصَّادِر عَن الْمَوْضُوع سليما فالنبات إِذا صدر عَنهُ أَفعاله من الجذب والهضم والتغذية والتنمينة واليبوسة والتوليد سليمَة وَجب أَن يكون صَحِيحا. وَرُبمَا يخص الصِّحَّة بِالْحَيَوَانِ أَو بالإنسان فتعرف بِحَسب الْمُعَرّف وَإِنَّمَا ذكر الشَّيْخ الرئيس ملكة أَو حَالَة وَلم يكتف بِذكر إِحْدَاهمَا تَنْبِيها على أَن الصِّحَّة قد تكون راسخة وَقد لَا تكون. وَقد يُرَاد بِالصِّحَّةِ الْإِمْكَان أَي عدم ضَرُورَة الْوُجُود والعدم فَهِيَ حِينَئِذٍ عدمية. فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك سِيمَا فِي علم الْكَلَام فِي مَبْحَث الروية. الصحو: رُجُوع إِلَى الإحساس بعد غيبته وَزَوَال إحساسه. الصَّحَابِيّ: من رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وطالت صحبته مَعَه وَإِن لم يرو عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَقيل وَإِن لم يطلّ وَلَكِن الْإِيمَان وَالْمَوْت عَلَيْهِ شَرط بالِاتِّفَاقِ. (بَاب الصَّاد مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الصَّدَقَة: تمْلِيك الْعين بِلَا عوض ابْتِغَاء لوجه الله تَعَالَى. والإعطاء للْفُقَرَاء صَدَقَة وَإِن كَانَ بِلَفْظ الْهِبَة وللأغنياء هبة وَإِن كَانَ بِلَفْظ الصَّدَقَة على رِوَايَة الْجَامِع الصَّغِير حَيْثُ جعل كل وَاحِد من الصَّدَقَة وَالْهِبَة مجَازًا عَن الآخر حَيْثُ جعل الْهِبَة للْفَقِير صَدَقَة وَالصَّدَََقَة على الغنيين هبة لِأَنَّهَا تحْتَمل التودد والتحبب والعوض فَلَا تتمحض صَدَقَة. وَفرق بَين الْهِبَة وَالصَّدَََقَة فِي الحكم وَهُوَ جَوَاز الشُّيُوع فِي الصَّدَقَة وَعدم جَوَازه فِي الْهِبَة حَيْثُ جَازَ صَدَقَة عشرَة دَرَاهِم على اثْنَيْنِ وَلم يجز هبتها عَلَيْهِمَا. وَالْجَامِع بَينهمَا تمْلِيك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 الْعين بِلَا عوض فجازت الِاسْتِعَارَة وعَلى هَذِه الرِّوَايَة وَقع فِي كنز الدقائق وَصَحَّ تصدق عشرَة وهبتها لفقيرين لَا لغَنِيَّيْنِ فَإِن صَدَقَة الْمشَاع جَائِز عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى دون الْهِبَة. وَوجه الْفرق أَن الصَّدَقَة يكون ابْتِغَاء لوجه الله تَعَالَى فيراد بهَا الْوَاحِد عز وَجل شَأْنه وبرهانه تَعَالَى فَتَقَع فِي يَده تَعَالَى أَولا ثمَّ فِي يَد الْفَقِير لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّدَقَة تقع فِي كف الرَّحْمَن قبل أَن تقع فِي كف الْفَقِير. وَالله تَعَالَى وَاحِد فَلَا شيوع فالفقير نَائِب عَنهُ تَعَالَى وَكَذَا الفقيران والفقراء. وَالْهِبَة يُرَاد بهَا وَجه الْغَنِيّ ويبتغي مِنْهَا التودد والتحبب والعوض أَي يقْصد بِالْهبةِ الْمَوْهُوب لَهُ لأجل تودده وتحببه أَو ليعطي عوض هِبته وَلِهَذَا صَحَّ الرُّجُوع فِي الْهِبَة دون الصَّدَقَة وبتعدد الْمَوْهُوب لَهُ مَا يصير هبة الْمشَاع فَإِذا تصدق عشرَة دَرَاهِم لغَنِيَّيْنِ لَا يجوز لِأَن هَذِه الصَّدَقَة هبة فِي حَقّهمَا لما مر وهما اثْنَان وَهبة الْمشَاع لَا تجوز وَقَالا تجوز لغَنِيَّيْنِ أَيْضا. وَأما على رِوَايَة الأَصْل فالصدقة كَالْهِبَةِ فَلَا تصح إِلَّا بِالْقَبْضِ وَلَا فِي مشَاع يحْتَمل الْقِسْمَة وَلَكِن لَا يَصح الرُّجُوع فِيهَا كَمَا يجوز فِي الْهِبَة. وَقد تطلق الصَّدَقَة على الزَّكَاة اقْتِدَاء بقوله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} وَإِنَّمَا سميت بهَا لدلالتها على صدق العَبْد فِي الْعُبُودِيَّة. صَدَقَة الْفطر: فِي الْفطْرَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الصدْق: فِي اللُّغَة (راستي) وَخلاف الْكَذِب. وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب التصوف الصدْق قَول الْحق فِي مَوَاطِن الْهَلَاك. وَقيل هُوَ إِن تصدق فِي مَوضِع لَا ينجيك عَنهُ إِلَّا الْكَذِب. وَقَالَ الْقشيرِي رَحمَه الله الصدْق أَن لَا يكون فِي أحوالك شوب وَلَا فِي اعتقادك ريب وَلَا فِي أعمالك عيب. ثمَّ اعْلَم أَن الصدْق يُطلق على ثَلَاثَة معَان الأول الْحمل فَيُقَال هَذَا صَادِق عَلَيْهِ أَي مَحْمُول عَلَيْهِ وَالثَّانِي التحقق كَمَا يُقَال هَذَا صَادِق فِيهِ أَي مُتَحَقق وَالثَّالِث مَا يُقَابل الْكَذِب. وَفِي تعريفيهما اخْتِلَاف فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن صدق الْخَبَر مُطَابقَة الحكم للْوَاقِع وَكذب الْخَبَر عدم مُطَابقَة الحكم لَهُ. وَالْمرَاد بالواقع الْخَارِج وَالْخَارِج هَا هُنَا بِمَعْنى نفس الْأَمر فَالْمَعْنى أَن صدق الْخَبَر مُطَابقَة حكمه للنسبة الخارجية أَي نفس الأمرية وَكذبه عدم تِلْكَ الْمُطَابقَة. فَالْمُرَاد بالخارج فِي النِّسْبَة الخارجية نفس الْأَمر لَا كَمَا ذهب إِلَيْهِ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول أَن المُرَاد بِهِ مَا يرادف الْأَعْيَان. وَمعنى كَون النِّسْبَة خارجية أَن الْخَارِج ظرف لنَفسهَا لَا لوجودها حَتَّى يرد أَن النِّسْبَة لكَونهَا من الْأُمُور الاعتبارية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج فَلَا يَصح توصيفها بالخارجية فَهِيَ كالوجود الْخَارِجِي فَإِن مَعْنَاهُ أَن الْخَارِج ظرف لنَفس الْوُجُود لَا لوُجُوده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 فَهِيَ أَمر خارجي لَا مَوْجُود خارجي كَمَا أَن الْوُجُود أَمر خارجي لَا مَوْجُود خارجي وَإِنَّمَا تركنَا هَذِه الْإِرَادَة لِأَنَّهَا لَا تجْرِي فِي النِّسْبَة الَّتِي أطرافها أُمُور ذهنية فَإِن الْخَارِج لَيْسَ ظرفا لأطرافها فضلا عَن أَن يكون ظرفا لَهَا فَيلْزم أَن لَا يكون الْأَخْبَار الدَّالَّة على تِلْكَ النِّسْبَة مَوْصُوفَة بِالصّدقِ لعدم الْخَارِج لمدلولاتها فضلا عَن الْمُطَابقَة فالخارج فِي النِّسْبَة الخارجية بِمَعْنى نفس الْأَمر. وَلَا يذهب عَلَيْك أَن الْخَارِج فِي قَوْلهم النِّسْبَة لَيست خارجية مَا يرادف الْأَعْيَان لَا بِمَعْنى نفس الْأَمر لِأَن النّسَب مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر. فَمَعْنَى أَن النِّسْبَة خارجية أَن الْخَارِج بِمَعْنى نفس الْأَمر ظرف لنَفسهَا. وَمعنى قَوْلهم النِّسْبَة لَيست خارجية أَن الْخَارِج بِمَعْنى الْأَعْيَان لَيْسَ ظرفا لوجودها هَذَا هُوَ التَّحْقِيق الْحقيق فِي هَذَا الْمقَام. وَالْخَبَر عِنْدهم منحصر فِي الصَّادِق والكاذب. وَعند النظام من الْمُعْتَزلَة وَمن تَابعه صدق الْخَبَر عبارَة عَن مُطَابقَة حكم الْخَبَر لاعتقاد الْمخبر سَوَاء كَانَ ذَلِك الِاعْتِقَاد مطابقا للْوَاقِع أَو لَا. وَكذب الْخَبَر عدم مُطَابقَة حكمه لاعتقاد الْمخبر سَوَاء كَانَ مطابقا للْوَاقِع أَو لَا. وَالْمرَاد بالاعتقاد الحكم الذهْنِي الْجَازِم أَو الرَّاجِح فَيشْمَل الْيَقِين واعتقاد الْمُقَلّد وَالظَّن. وَهُوَ أَيْضا يَقُول بانحصار الْخَبَر فِي الصدْق وَالْكذب وَلَكِن لَا يخفى على المتدرب أَنه يلْزم أَن لَا يكون الْمَشْكُوك على مذْهبه صَادِقا وَلَا كَاذِبًا لِأَن الشَّك عبارَة عَن تَسَاوِي الطَّرفَيْنِ والتردد فيهمَا من غير تَرْجِيح فَلَيْسَ فِيهِ اعْتِقَاد وَلَا جازم وَلَا رَاجِح فَلَا يكون صَادِقا وَلَا كَاذِبًا فَيلْزم من بَيَانه مَا لَا يَقُول بِهِ. والجاحظ من الْمُعْتَزلَة أنكر انحصار الْخَبَر فِي الصدْق وَالْكذب لِأَنَّهُ يَقُول إِن صدق الْخَبَر مُطَابقَة حكمه للْوَاقِع والاعتقاد جَمِيعًا وَالْكذب عدم مطابقته لَهما مَعَ الِاعْتِقَاد بِأَنَّهُ غير مُطَابق وَالْخَبَر الَّذِي لَا يكون كَذَلِك لَيْسَ بصادق وَلَا كَاذِب عِنْده وَهُوَ الْوَاسِطَة بَينهمَا. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن غَرَضه ان الْخَبَر إِمَّا مُطَابق للْوَاقِع أَو لَا وكل مِنْهُمَا إِمَّا مَعَ اعْتِقَاد أَنه مُطَابق أَو اعْتِقَاد أَنه غير مُطَابق أَو بِدُونِ ذَلِك الِاعْتِقَاد فَهَذِهِ سِتَّة أَقسَام. وَاحِد مِنْهَا صَادِق وَهُوَ المطابق للْوَاقِع مَعَ اعْتِقَاد أَنه مُطَابق. وَوَاحِد كَاذِب وَهُوَ غير المطابق لَهُ مَعَ اعْتِقَاد أَنه غير مُطَابق. وَالْبَاقِي لَيْسَ بصادق وَلَا كَاذِب. فَفِي الصدْق وَالْكذب ثَلَاثَة مَذَاهِب. مَذْهَب الْجُمْهُور، وَمذهب النظام، وَمذهب الجاحظ وَاتَّفَقُوا على انحصار الْخَبَر فِي الصَّادِق والكاذب خلافًا للجاحظ. وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور لِأَن النظام تمسك بقوله تَعَالَى {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد أَنَّك لرَسُول الله وَالله يعلم أَنَّك لرَسُوله وَالله يشْهد أَن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} فَإِنَّهُ تَعَالَى حكم عَلَيْهِم بِأَنَّهُم كاذبون فِي قَوْلهم إِنَّك لرَسُول الله مَعَ أَنه مُطَابق للْوَاقِع فَلَو كَانَ الصدْق عبارَة عَن مُطَابقَة الْخَبَر للْوَاقِع لما صَحَّ هَذَا. وَالْجَوَاب أَنا لَا نسلم أَن التَّكْذِيب رَاجع إِلَى قَوْلهم إِنَّك لرَسُول الله بِسَنَدَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 أَحدهمَا أَنه لم لَا يجوز أَن يكون رَاجعا إِلَى الْخَبَر الْكَاذِب الَّذِي تضمنه قَوْلهم نشْهد وَهُوَ أَن شهادتنا هَذِه من صميم الْقلب وخلوص الِاعْتِقَاد وَلَا شكّ أَن هَذَا الْخَبَر غير مُطَابق للْوَاقِع لكَوْنهم الْمُنَافِقين الَّذين يَقُولُونَ بأفواههم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم. اللَّهُمَّ احفظنا من شرور أَنْفُسنَا وأنفسهم. وَالثَّانِي أَنه لم لَا يجوز أَن يكون التَّكْذِيب رَاجعا إِلَى الْخَبَر الْكَاذِب الَّذِي تضمنه قَوْلهم نشْهد أَيْضا لكنه هَا هُنَا هُوَ أَن أخبارنا هَذَا شَهَادَة مَعَ مواطأة الْقلب وموافقته - وَإِن سلمنَا أَن التَّكْذِيب رَاجع إِلَى قَوْلهم إِنَّك لرَسُول الله لَكنا نقُول إِنَّه رَاجع إِلَيْهِ بِاعْتِبَار أَنه مُخَالف للْوَاقِع فِي اعْتِقَادهم لَا لِأَنَّهُ مُخَالف لاعتقادهم حَتَّى ثَبت مَا ادَّعَاهُ النظام. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن التَّكْذِيب لَيْسَ براجع إِلَى نشْهد لِأَنَّهُ إنْشَاء - والصدق وَالْكذب من أَوْصَاف الْأَخْبَار لَا غير وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّه رَاجع إِلَى الْخَبَر الَّذِي تضمنه نشْهد فَافْهَم. وَالْجَوَاب القالع لأصل التَّمَسُّك أَن التَّكْذِيب رَاجع إِلَى حلف الْمُنَافِقين وزعمهم أَنهم لم يَقُولُوا لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله. كَمَا يشْهد بِهِ شَأْن النُّزُول لما ذكر فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن زيد بن أَرقم أَنه قَالَ كنت فِي غزَاة فَسمِعت عبد الله بن أبي ابْن سلول يَقُول لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله وَلَو رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل. فَذكرت ذَلِك لِعَمِّي فَذكره للنَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فدعاني فَحَدَّثته فَأرْسل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه فَحَلَفُوا أَنهم مَا قَالُوا فَكَذبنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصدقه فَأَصَابَنِي هم لم يُصِبْنِي مثله قطّ فَجَلَست فِي الْبَيْت فَقَالَ لي عمي مَا أردْت إِلَى أَن كَذبك رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ومقتك فَأنْزل الله {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} الْآيَة فَبعث إِلَيّ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَرَأَ فَقَالَ إِن الله صدقك يَا زيد انْتهى. اعْلَم أَن قَوْلهم لَا تنفقوا خطاب للْأَنْصَار أَي لَا تنفقوا على فُقَرَاء الْمُهَاجِرين حَتَّى يَنْفضوا أَي يتفرقوا وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا نَازع أَنْصَارِيًّا فِي بعض الْغَزَوَات على مَاء فَضرب الْأَعرَابِي رَأسه بخشبة فَشَكا إِلَى ابْن أبي فَقَالَ {لَا تنفقوا} الْآيَة ثمَّ قَالَ وَلَو رَجعْنَا من عِنْده أَي من الْمَكَان الَّذِي فِيهِ مُحَمَّد الْآن إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل - أَرَادَ ذَلِك الْأَذَل بالأعز نَفسه وَبِالْأَذَلِّ جناب الرسَالَة الْأَعَز نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الجاحظ أَيْضا بَاطِل لِأَنَّهُ تمسك بقوله تَعَالَى {افترى على الله كذبا أم بِهِ جنَّة} بِأَن الْكفَّار حصروا أَخْبَار النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالحشر والنشر فِي الافتراء وَالْأَخْبَار حَال الْجُنُون وَلَا شكّ أَنهم أَرَادوا بالأخبار حَال الْجُنُون غير الْكَذِب لأَنهم جعلُوا هَذَا الْأَخْبَار قسيم الْكَذِب إِذْ الْمَعْنى أكذب أم أخبر حَال الْجنَّة. وقسيم الشَّيْء يحب أَن يكون غَيره فَثَبت أَن هَذَا الْأَخْبَار غير الْكَذِب. وَأَيْضًا غير الصدْق عِنْدهم لأَنهم لم يُرِيدُوا بِهِ الصدْق لأَنهم لم يعتقدوا صدقه فَكيف يُرِيدُونَ صدقه. - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وَالْجَوَاب أَن هَذَا التَّمَسُّك مَرْدُود. أما أَولا فَلِأَن هَذَا الترديد إِنَّمَا هُوَ بَين مُجَرّد الْكَذِب وَالْكذب مَعَ شناعة أُخْرَى. وَأما ثَانِيًا فَلِأَن هَذَا الترديد بَين الافتراء وَعَدَمه يَعْنِي افترى على الله كذبا أم لم يفتر لكِنهمْ عبروا عَن عدم الافتراء بِالْجنَّةِ لِأَن الْمَجْنُون يلْزمه أَن لَا افتراء لَهُ لِأَن الافتراء بِشَهَادَة أَئِمَّة اللُّغَة وَاسْتِعْمَال الْعَرَب عبارَة عَن الْكَذِب عَن عمد وَلَا عمد للمجنون فَذكرُوا الْمَلْزُوم وَأَرَادُوا اللَّازِم فَالثَّانِي أَعنِي أم بِهِ جنَّة لَيْسَ قسيما للكذب بل هُوَ قسيم لما هُوَ أخص من الْكَذِب أَعنِي الافتراء فَيكون هَذَا حصرا للْخَبَر الْكَاذِب فِي نوعيه أَعنِي الْكَذِب من عمد وَالْكذب لَا عَن عمد. وَاعْلَم إِن افترى بِفَتْح الْهمزَة أَصله افترى بهمزتين أَولهمَا استفهامية مَفْتُوحَة وَالثَّانيَِة همزَة وصل مَكْسُورَة حذفت الثَّانِيَة للتَّخْفِيف وأبقيت الأولى لِأَنَّهَا عَلامَة الِاسْتِفْهَام بِخِلَاف الثَّانِيَة فَإِنَّهَا همزَة الْوَصْل. وَقد يُطلق الصدْق على الْخَبَر المطابق للْوَاقِع وَالْكذب على الْخَبَر الْغَيْر المطابق لَهُ. فَإِن قلت، إِن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب من خَواص الْخَبَر أم يجْرِي فِي غَيره أَيْضا من المركبات، قلت لَا يجْرِي ذَلِك فِي الِاحْتِمَال فِي المركبات الإنشائية بالِاتِّفَاقِ. وَأما فِي غَيرهَا فَعِنْدَ الْجُمْهُور أَنه من خَواص الْخَبَر لَا يجْرِي فِي غَيره من المركبات التقييدية وَذكر صدر الشَّرِيعَة رَحمَه الله أَنه يجْرِي فِي الْأَخْبَار والمركبات التقييدية جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَا فرق بَين النِّسْبَة فِي الْمركب الإخباري والتقييدي إِلَّا بالتعبير عَنْهَا بِكَلَام تَامّ فِي الْمركب الإخباري كَقَوْلِنَا زيد إِنْسَان أَو فرس. وبكلام غير تَامّ فِي الْمركب التقييدي كَمَا فِي قَوْلنَا يَا زيد الْإِنْسَان أَو الْفرس وأيا مَا كَانَ فالمركب إِمَّا مُطَابق فَيكون صَادِقا أَو غير مُطَابق فَيكون كَاذِبًا فيا زيد الْإِنْسَان صَادِق وَيَا زيد الْفرس كَاذِب وَيَا زيد الْفَاضِل مُحْتَمل. وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور بِالنَّقْلِ وَالْعقل. أما الأول فَمَا ذكره الشَّيْخ عبد القاهر رَحمَه الله تَعَالَى أَن الصدْق وَالْكذب إِنَّمَا يتوجهان إِلَى مَا قصد الْمُتَكَلّم إثْبَاته أَو نَفْيه وَالنِّسْبَة التقييدية لَيست كَذَلِك. وَأما الثَّانِي فَإِن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب إِنَّمَا يتَصَوَّر فِي النِّسْبَة المجهولة وَعلم الْمُخَاطب بِالنِّسْبَةِ فِي الْمركب التقييدي دون الإخباري وَاجِب بِالْإِجْمَاع. (ف (64)) . صدق الْمُشْتَقّ على شَيْء يسْتَلْزم ثُبُوت مَأْخَذ الِاشْتِقَاق لَهُ: لِأَن لفظ الْمُشْتَقّ مَوْضُوع بِإِزَاءِ ذَات مَا مَوْصُوف بمأخذ الِاشْتِقَاق فَلهَذَا صَار حمل الِاشْتِقَاق فِي قُوَّة حمل التَّرْكِيب أَعنِي حمل هُوَ ذُو هُوَ. وَالْجَوَاب عَن المغالطة بِالْمَاءِ المشمس وَالْإِمَام الْحداد وأضح بِأَدْنَى تَأمل. فَإِن مَأْخَذ المشمس هُوَ التشميس الَّذِي هُوَ مصدر مَجْهُول من التفعيل لَا الشَّمْس والحداد الَّذِي بِمَعْنى صانع الْحَدِيد مأخذه مَا هُوَ بِمَعْنى صنع الْحَدِيد لَا الْحَدِيد بِمَعْنى (آهن) مَعَ أَن الْكَلَام فِي الْمُشْتَقّ الْحَقِيقِيّ لَا الصناعي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وَتَقْرِير المغالطة أَن المشمس مُشْتَقّ صَادِق على المَاء ومأخذه وَهُوَ الشَّمْس لَيْسَ بِثَابِت لَهُ وَكَذَا الْحداد مُشْتَقّ يصدق على ذَات مَا وَلَا يَتَّصِف بمأخذه وَهُوَ الْحَدِيد. صدق الْمُشْتَقّ على مَا يصدق عَلَيْهِ الْمُشْتَقّ الآخر لَا يسْتَلْزم صدق المبدأ على المبدأ: فَإِن الضاحك والمتعجب يصدقان على الْإِنْسَان وَلَا يصدق الضحك على التَّعَجُّب. نعم إِذا كَانَ بَين المبدئين ترادف واتحاد فِي الْمَفْهُوم يسْتَلْزم الصدْق الأول الصدْق الثَّانِي كالتفسير والتبيين أَو كَانَ أحد المشتقين بِمَنْزِلَة الْجِنْس للْآخر كالمتحرك والماشي فَإِنَّهُ يَصح أَن يُقَال الْمَشْي حَرَكَة مَخْصُوصَة فَافْهَم. الصّديق: هُوَ الَّذِي لم يدع شَيْئا مِمَّا أظهره بِاللِّسَانِ إِلَّا حَقَّقَهُ بِقَلْبِه وَعَمله. الصَّدْر: مَا يُقَابل الظّهْر يَعْنِي سينه - وَفِي الْعرُوض هُوَ أول جُزْء من المصراع الأول من الْبَيْت. والصدور فِي دِيَارنَا من قَرَّرَهُ السُّلْطَان لعرض أَحْوَال الْفُقَرَاء وَالْعُلَمَاء والقضاة والمحتسبين والمفتين وأرباب المعاش والاستحقاق من السادات والمحتاجين واستفسار الْأَحْيَاء والأموات مِنْهُم وتصحيحهم وَرفع التغلب فِيمَا بَينهم وَعرض قلَّة معاشهم وَتَقْرِير وظائفهم وإنجاح مرامهم وَقَضَاء حوائجهم وتتميم كفافهم. أَيهَا الإخوان أحذركم من تعهد هَذِه الْعهْدَة فِي هَذَا الزَّمَان فَإِنَّهَا أرفع مَكَانا وَأَعْلَى منزلَة وَأعظم مقَاما ومرتبة وأيسر طرق الْوُصُول إِلَى الْجنان وأسهل مسالك إِلَى رِضَاء الرَّحْمَن لَو صدر من الصَّدْر مَا هُوَ متعهد بِهِ من رِعَايَة المخاديم وإعانة الْفُقَرَاء والفضلاء والترحم على الضُّعَفَاء واليتامى وَإِقَامَة الْأَبْنَاء مقَام الْآبَاء وَإِعْطَاء إرثهم وَمنع أعدائهم عَن إيذائهم وَعرض أَحْوَالهم لَدَى السُّلْطَان وَإِلَّا فَالْأَمْر بِالْعَكْسِ وَهَؤُلَاء المذكورون يدعونَ فِي حَضرته تَعَالَى غدوا وعشيا لبَقَاء صدارة الصَّدْر وحياته كَيْلا يقوم آخر مقَامه بعد وَفَاته فيقعون فِي الْحَرج - نعم الْقَائِل: (صدر كردى وبادشاه كردى ... براميران وقاضيان رسم است) اللَّهُمَّ وفْق صُدُور هَذَا الزَّمَان. لما يرضى بِهِ الْملك المنان، وقضاة هَذَا الدوران بالقناعة واسترضاء الرَّحْمَن، والتحاشي عَن الارتشاء وَترك مَا يخَاف بِهِ على الْإِيمَان، سِيمَا هَذَا القَاضِي العَاصِي من بني عُثْمَان. الصدى: اعْلَم أَن الْهَوَاء المتموج الْحَامِل للصوت إِذا صادم جسما أملس كجبل أَو جِدَار وَرجع ذَلِك الْهَوَاء المصادم بهيئته الْقَهْقَرَى فَيحدث فِي الْهَوَاء المصادم الرَّاجِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 صَوت شَبيه بِالْأولِ وَهُوَ الصدى المسموع بعد الصَّوْت الأول على تفَاوت قرب بِحَسب قرب الْمقَام وَبعده. (بَاب الصَّاد مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الصّرْف: بِالْكَسْرِ الْخَالِص وبالفتح (كردانيدن جيزى از حَالي بحالي) - وَالرَّدّ وَالرَّفْع وَالْفضل وَالزِّيَادَة. وَمِنْه الِاسْم الْمُتَصَرف لاشْتِمَاله على زِيَادَة التَّنْوِين على الْإِعْرَاب. وَعلم الصّرْف علم بأصول يعرف بهَا أَحْوَال الْكَلِمَة الْعَرَبيَّة صِحَة وإعلالا. وَفِي الْفِقْه الصّرْف بَين بعض الْأَثْمَان بِبَعْض وَالثمن هُوَ الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَعند النُّحَاة صرف الِاسْم عبارَة عَن تمكنه أَي عدم مشابهته الْفِعْل. الصِّرَاط: الطَّرِيق مُسْتَقِيمًا كَانَ أَو غَيره والجسر الْمَمْدُود على متن جَهَنَّم أدق من الشّعْر وَأحد من السَّيْف يعبره أهل الْجنَّة على حسب أَعْمَالهم مِنْهُم كالبرق الخاطف وَمِنْهُم كَالرِّيحِ الهابة وَمِنْهُم كالجواد إِلَى غير ذَلِك مِمَّا ورد فِي الحَدِيث وتزل بالعبور عَلَيْهِ أَقْدَام أهل النَّار. الصَّرِيح: فعيل بِمَعْنى فَاعل من صرح يُصَرح صَرَاحَة وصروحة إِذا خلص أَو انْكَشَفَ. وَفِي اصْطِلَاح الْأُصُول مَا ظهر المُرَاد مِنْهُ ظهورا تَاما بِسَبَب كَثْرَة الِاسْتِعْمَال حَقِيقَة كَانَ أَو مجَازًا مثل بِعْت واشتريت ووهبت فَإِن هَذِه الْأَلْفَاظ لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا أُقِيمَت مقَام مَعْنَاهَا بِخِلَاف النَّص فَإِنَّهُ لَا حَاجَة فِيهِ إِلَى انضمام كَثْرَة الِاسْتِعْمَال إِلَيْهِ. وَاعْلَم أَن المُرَاد بالموصول الْكَلَام. وَلِهَذَا قَالَ بَعضهم الصَّرِيح اسْم لكَلَام مَكْشُوف المُرَاد مِنْهُ بِسَبَب كَثْرَة الِاسْتِعْمَال حَقِيقَة أَو مجَازًا - وَقَوْلهمْ ظهورا تَاما. احْتِرَاز عَن الظَّاهِر إِذْ الظُّهُور فِيهِ لَيْسَ بتام لبَقَاء الِاحْتِمَال. وَقَوْلهمْ بِالِاسْتِعْمَالِ، عَن النَّص والمفسر لِأَن ظهورهما بِقَرِينَة لفظية لَا بِالِاسْتِعْمَالِ وَإِنَّمَا سمي ذَلِك الْكَلَام بِالصَّرِيحِ لخلوصه عَن محتملاته فِي الْعرف. صرف الْقُدْرَة: هُوَ الَّذِي يُفَسر بِهِ الْكسْب وَصرف العَبْد قدرته عبارَة عَن جعل العَبْد قدرته مُتَعَلقَة بصدور الْفِعْل وَهَذَا الصّرْف يحصل بِسَبَب تعلق إِرَادَة العَبْد بِالْفِعْلِ لَا بِمَعْنى أَنه سَبَب مُؤثر فِي حُصُول ذَلِك الصّرْف إِذْ لَا مُؤثر إِلَّا الله تَعَالَى بل بِمَعْنى أَن تعلق الْإِرَادَة يصير سَببا عاديا لِأَن يخلق الله تَعَالَى فِي العَبْد قدرَة مُتَعَلقَة بِالْفِعْلِ بِحَيْثُ لَو كَانَت مُسْتَقلَّة فِي التَّأْثِير لَا وجد الْفِعْل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وَمن هَا هُنَا علم أَن صرف الْقُدْرَة عبارَة عَن الْجعل الْمَذْكُور وَإِن صرف الْقُدْرَة مغائر لصرف الْإِرَادَة. وَقيل إِن صرف الْقُدْرَة عبارَة عَن قصد اسْتِعْمَالهَا وَذَلِكَ الْقَصْد غير صرف الْإِرَادَة الَّذِي هُوَ عبارَة عَن الْقَصْد الَّذِي تحدث عِنْده الْقُدْرَة كَمَا قَالُوا فِي بَيَان الِاسْتِطَاعَة مَعَ الْفِعْل من أَن الْقُدْرَة صفة يخلقها الله تَعَالَى عِنْد قصد اكْتِسَاب الْفِعْل وَهَذَا الْقَائِل اسْتدلَّ على الْمُغَايرَة بَينهمَا بِأَن صرف الْقُدْرَة مُتَأَخّر بِالذَّاتِ عَن وجودهَا لِأَن قصد اسْتِعْمَالهَا فرع كَونهَا مَوْجُودَة وَوُجُود الْقُدْرَة مُتَأَخّر بِالذَّاتِ عَن قصد الِاكْتِسَاب لِأَنَّهُ سَبَب عادي لخلق الْقُدْرَة والمتقدم غير الْمُتَأَخر إِذْ لَو كَانَ عينه لزم تقدم الشَّيْء على نَفسه. وَلَا يخفى أَن مَا ذكره صَاحب القيل من معنى صرف الْقُدْرَة ومغايرته لصرف الْإِرَادَة لَيْسَ بِصَحِيح - أما عدم صِحَة كَون صرف الْقُدْرَة بِمَعْنى قصد اسْتِعْمَالهَا فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن يُوجد الْقُدْرَة فِي العَبْد وَلَا يكون مُسْتَعْملا لِأَن اسْتِعْمَالهَا مَوْقُوف على وفاسق وَقد يسْتَعْمل مرادفا للنعت الْمَذْكُور فِي مَحَله. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... وَاعْلَم أَن الْمحل إِذا كَانَ وَاحِدًا من جَمِيع الْجِهَات تكون صِفَاته المتعددة متنوعة ضَرُورَة أَن اخْتِلَاف أشخاص نوع وَاحِد من الصِّفَات إِنَّمَا هُوَ باخْتلَاف الْمحَال والمفروض أَن الْمحل وَاحِد من جَمِيع الْجِهَات. وَقد يُرَاد بِصفة الشَّيْء مَا هُوَ دَاخل فِيهِ وركنه أَلا ترى أَن صَاحب كنز الدقائق قَالَ بَاب صفة الصَّلَاة وَذكر فِيهِ التَّحْرِيمَة وَالْقِيَام وَالْقِرَاءَة وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ دَاخل فِي الصَّلَاة. وَالْفرق بَين شُرُوط الصَّلَاة وصفاتها مَعَ أَنَّهَا مَوْقُوفَة عَلَيْهِمَا أَن شُرُوطهَا خَارِجَة عَنْهَا وصفاتها داخلية فِيهَا. فَإِن قيل إِن التَّحْرِيمَة خَارِجَة عَنْهَا، قُلْنَا نعم، لَكِن إِنَّمَا عدت التَّحْرِيمَة من فَرَائض الصَّلَاة أَي صفاتها وأركانها لِأَنَّهَا مُتَّصِلَة بالأركان فألحقت بهَا على أَنَّهَا عِنْد بعض أَصْحَابنَا دَاخِلَة فِيهَا وركن من أَرْكَانهَا حَقِيقَة فَافْهَم واحفظ. الصِّفَات النفسية: فِي تَعْرِيفهَا اخْتِلَاف، قَالَ الْقَائِلُونَ بِالْحَال كَالْقَاضِي الباقلاني وَأَتْبَاعه مَا لَا يَصح ارتفاعه مَعَ بَقَاء الذَّات ككونها جوهرا أَو مَوْجُودا ويقابلها المعنوية. قَالَ الجبائي وَأَصْحَابه من الْمُعْتَزلَة هِيَ مَا يَقع بِهِ التَّمَاثُل بَين المتماثلين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 والتخالف بَين المتخالفين كالسوادية والبياضية وَتسَمى الصِّفَات النفسية بِصِفَات الْأَجْنَاس، وَعند الأشاعرة النافين للْحَال الصّفة النفسية هِيَ الَّتِي تدل على الذَّات دون معنى زَائِد عَلَيْهَا ككونها جوهرا أَو مَوْجُودا أَو ذاتا أَو شَيْئا وَقد يُقَال هِيَ مَا لَا يحْتَاج وصف الذَّات بِهِ إِلَى تعقل أَمر زَائِد عَلَيْهَا. ومآل العبارتين وَاحِد. ويقابلها الصّفة المعنوية وَهِي الَّتِي تدل على زَائِد على الذَّات كالتحيز وَهُوَ الْحُصُول فِي الْمَكَان. وَلَا شكّ أَنه صفة زَائِدَة على ذَات الْجَوْهَر وكالحدوث إِذْ مَعْنَاهُ كَون وجوده مَسْبُوقا بِالْعدمِ عِنْدهم وَهُوَ أَيْضا معنى زَائِد على ذَات الْحَادِث كَذَا فِي شرح المواقف. الصفير: (بانكك وآواز مُطلق وآوازى كه براي مرغان خُصُوص كبوتران كنند) وحروف الصفير مَا يصفر بهَا وَهِي الصَّاد وَالزَّاي وَالسِّين فَإنَّك إِذا وقفت على قَوْلك - اص - از - اس - سَمِعت صَوتا يشبه الصفير لِأَنَّهَا تخرج من بَين الثنايا وطرف اللِّسَان فينحصر الصَّوْت هُنَاكَ وَيَأْتِي كالصفير. الصّفة المشبهة: أَي باسم الْفَاعِل فِي كَونهَا بِمَعْنَاهُ لَا فرق بَينهمَا إِلَّا بِاعْتِبَار الْحُدُوث والثبوت، وَقيل، فِي كَونهَا تثنى وَتجمع وتذكر وتؤنث مثل اسْم الْفَاعِل. وَيرد عَلَيْهِ أَنه مَا وَجه تَخْصِيص مشابهتها باسم الْفَاعِل فَإِنَّهَا مثل اسْم الْمَفْعُول أَيْضا فِي الْأُمُور الْمَذْكُورَة كَمَا لَا يخفى. وَهِي فِي اصْطِلَاح النُّحَاة اسْم اشتق من مصدر أَي حدث لَازم مَوْضُوع لمن قَامَ بِهِ ذَلِك الْحَدث على معنى الثُّبُوت وَالْمرَاد بِقِيَام الْحَدث بِذَات مَا بِمَعْنى ثُبُوت أَنه متصف بِهِ من غير أَن يكون ذَلِك الاتصاف مُقَيّدا بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة بِخِلَاف اسْم الْفَاعِل الْمُشْتَقّ من الْمصدر اللَّازِم فَإِنَّهُ يدل على اتصاف ذَات مَا بِالْحَدَثِ اتصافا مُقَيّدا بِأحد الأزمنه الثَّلَاثَة فَمَعْنَى زيد كريم ثَبت لَهُ الْكَرم بِقطع النّظر عَن حُدُوثه أَو لَا حُدُوثه وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه حدث لَهُ الْكَرم بعد أَن لم يكن. وَإِن قصد الْإِخْبَار عَن حُدُوث كرمه فَيُقَال زيد كارم الْآن أَو غَدا لعَمْرو. وَالْحَاصِل أَن الصّفة المشبهة لَا تدل على الْحُدُوث لَا أَنَّهَا تدل على عَدمه أَو تدل على الِاسْتِمْرَار والدوام فَلَيْسَ معنى زيد حسن إِلَّا أَنه ذُو حسن سَوَاء كَانَ فِي بعض الْأَزْمِنَة أَو جَمِيعهَا فَهِيَ حَقِيقَة فِي الْقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا وَهُوَ الاتصاف بالْحسنِ ثمَّ قد يقْصد الِاسْتِمْرَار بقرنية الْمقَام وَقد لَا يقْصد وَقد يسكت وَلها صِيغ كَثِيرَة وَقيل سَبْعَة كَمَا قَالَ قَائِل: (دي از صفة مشبهة رفت سخن ... كرده ازوي سوال شخصي ازمن) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 (كفتم خشن وجبان وصعب است وَذَلُول ... ) (انكاه شُجَاع است وشريف است وَحسن ... ) الصِّفَات الذاتية: مَا يُوصف الله تَعَالَى بِهِ وَلَا يُوصف بضده نَحْو الْقُدْرَة والعزة وَالْعَظَمَة وَغَيرهَا. الصِّفَات الفعلية: مَا يجوز أَن يُوصف الله تَعَالَى بضده كالرضى وَالرَّحْمَة فَإِنَّهُ تَعَالَى يُوصف بالسخط وَالْغَضَب أَيْضا. الصِّفَات الجلالية: مَا يتَعَلَّق بالقهر والعزة وَالْعَظَمَة. الصِّفَات الجمالية: مَا يتَعَلَّق باللطف وَالرَّحْمَة. صفاء الذِّهْن: استعداد النَّفس الناطقة لاستخراج الْمَطْلُوب بِلَا تَعب. الصفي: بِفَتْح الأول وَكسر الثَّانِي وَتَشْديد الْيَاء التَّحْتَانِيَّة من كَانَ متصفا بالصفاء عَن كدر الغيرية. وَأَيْضًا الشَّيْء النفيس الَّذِي كَانَ يصطفيه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لنَفسِهِ من الْغَنِيمَة كالسيف وَالْفرس وَالْأمة. الصَّفْقَة: ضرب الْيَد على الْيَد فِي البيع وَالصَّوْت الْحَاصِل مِنْهُ ثمَّ جعل عبارَة عَن عقد وَاحِد وَعَن العقد بِنَفسِهِ. (بَاب الصَّاد مَعَ الْقَاف) الصقيع: وَهُوَ الَّذِي ينزل بِاللَّيْلِ شَبِيها بالثلج يُقَال بِالْفَارِسِيَّةِ (شب نم افسرده وبرفك) وَفِي كنز اللُّغَات (صقيع مانندبرف جيزي كه برروي زمين مي افتد ازسرما) وَاعْلَم أَن الطل وَكَذَا الصقيع يحدثان فِي اللَّيْل وَنسبَة الصقيع إِلَى الطل كنسبة الثَّلج إِلَى الْمَطَر. (بَاب الصَّاد مَعَ الْكَاف) الصَّك: بِفَتْح الأول وَتَشْديد الثَّانِي كتاب الْإِقْرَار بِالْمَالِ وَملك البَائِع وتفصيله فِي الْعهْدَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 (بَاب الصَّاد مَعَ اللَّام) الصَّلَاة: فِي اللُّغَة الْغَالِبَة الدُّعَاء قَالَ الله تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم} أَي ادْع لَهُم. وَقيل تَحْرِيك الصلوين وهما العظمان اللَّذَان عَلَيْهِمَا الركبتان وَالْمُصَلي أَيْضا يُحَرك صلويه فِي الرُّكُوع وَلِهَذَا نقلت إِلَى أَرْكَان مَخْصُوصَة وأذكار مَعْلُومَة بشرائط محصورة فِي أَوْقَات مُعينَة مقدرَة فِي الشَّرْع. وَالدُّعَاء طلب الرَّحْمَة لَكِن إِذا أسندت إِلَى الله تَعَالَى بِأَن يُقَال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تجرد عَن معنى الطّلب وَيُرَاد بهَا الرَّحْمَة مجَازًا لِأَنَّهُ تَعَالَى منزه عَن الطّلب كَمَا جرد اسرى عَن اللَّيْل فِي قَوْله تَعَالَى {أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} وَقَالُوا الصَّلَاة من الله تَعَالَى رَحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَار وَمن الْمُؤمنِينَ دُعَاء وحقيقتها رَاجِعَة إِلَى نزُول الرَّحْمَة فِي الْكل وعرفوها أَيْضا بإيصال الْخَيْر إِلَى الْغَيْر فعلى هَذَا لَا يرد مَا يرد على مَا قيل إِن الصَّلَاة بِمَعْنى الدُّعَاء من أَن الصَّلَاة الَّتِي بِمَعْنى الدُّعَاء إِذا اسْتعْملت بعلى لَا بُد وَأَن تكون بِمَعْنى الضَّرَر إِذْ الدُّعَاء الْمُسْتَعْمل بِاللَّامِ بِمَعْنى النَّفْع والمستعمل بعلى بِمَعْنى الضَّرَر وَطلب الضَّرَر على النَّبِي يُوجب الْكفْر والحرمان من شَفَاعَته. وَفِي غَايَة الْهِدَايَة وَجَوَابه أَولا بِأَن الْكَلِمَة المستعملة بتينك الحرفين كَذَلِك وَإِلَّا فَلَا وَالصَّلَاة لَا تسْتَعْمل إِلَّا بعلى وَفِيه أَن السَّلَام لَيْسَ كَذَلِك مَعَ أَنه مُسْتَعْمل بهما مثل قَوْله تَعَالَى {وَسَلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين وَسَلام على الياسين} أَقُول يُمكن التَّخْصِيص بِأَن الدُّعَاء وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَذَلِك لَا كل كلمة وَثَانِيا أَقُول لَا يلْزم كَون المترادفين متوافقين فِي الِاسْتِعْمَال كالأهل والآل فَالثَّانِي لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي ذَوي الشرافة وَلَا يسْتَعْمل مُضَافا إِلَى الزَّمَان وَالْمَكَان وَغير ذَلِك بِخِلَاف الأول. وثالثا بِأَن هَذَا مَخْصُوص بِلَفْظ الدُّعَاء وَفِيه إِن شهد لَك وَشهد عَلَيْك وَحجَّة لَك وَحجَّة عَلَيْك وَغَضب لَك وَغَضب عَلَيْك كَذَلِك أَقُول هَذَا تَخْصِيص بِالْإِضَافَة إِلَى مَا فِي مَعْنَاهُ فَيكون تَخْصِيصًا إضافيا لَا حَقِيقِيًّا انْتهى. وَفِي آخر كنز الدقائق فِي مسَائِل شَتَّى وَلَا يصلى على غير الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة إِلَّا بطرِيق التبع. وَالصَّلَاة فِي الشَّرْع عبارَة عَن الْأَفْعَال الْمَخْصُوصَة الْمَعْهُودَة مَعَ الشَّرَائِط والأركان الْمَخْصُوصَة الْمَذْكُورَة فِي الْفِقْه، فَإِن قلت، مَا الدَّلِيل على أَن الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة خمس، قلت، قَوْله تَعَالَى {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عددا لَهُ عدد وسط وواو الْجمع للْعَطْف الْمُقْتَضِي للمغايرة. وَأقله خمس ضَرُورَة. فَإِن قيل مَا السِّرّ فِي كَون الظّهْر وَالْعصر وَالْعشَاء أَربع رَكْعَات وَالصُّبْح رَكْعَتَيْنِ وَالْمغْرب ثَلَاثًا. قُلْنَا كل صَلَاة مِنْهَا صلاهَا نَبِي من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام. فَإِن الْفجْر صَلَاة آدم عَلَيْهِ السَّلَام حِين خرج من الْجنَّة وأظلمت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وجن عَلَيْهِ اللَّيْل فَلَمَّا انْشَقَّ الْفجْر صلى رَكْعَتَيْنِ. الاولى شكرا للنجاة من ظلمَة اللَّيْل. وَالثَّانيَِة شكرا لرجوع ضوء النَّهَار وَكَانَ مُتَطَوعا فَفرض علينا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وَالظّهْر صَلَاة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين أَمر بِذبح وَلَده إِسْمَاعِيل وَذَلِكَ عِنْد الزَّوَال. الرَّكْعَة الأولى شكرا لزوَال هم الْوَلَد، وَالثَّانيَِة لمجيء الْفِدَاء، وَالثَّالِثَة لرضى الله تَعَالَى، وَالرَّابِعَة شكرا لصبر وَلَده وَكَانَ مُتَطَوعا فَفرض علينا. وَالْعصر صَلَاة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام حِين نجاه الله تَعَالَى من أَربع ظلمات ظلمَة الذلة وظلمة الْبَحْر وظلمة الْحُوت وظلمة اللَّيْل وَكَانَ مُتَطَوعا فَفرض علينا. وَالْمغْرب صَلَاة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الرَّكْعَة الأولى لنفي الألوهية عَن نَفسه وَالثَّانيَِة لنفي الألوهية عَن أمه وَالثَّالِثَة لإِثْبَات الألوهية لله تَعَالَى. وَالْعشَاء صلاهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين خرج من المداين وضل الطَّرِيق وَكَانَ فِي غم الْمَرْأَة وغم عَدَاوَة فِرْعَوْن وغم أَخِيه هَارُون وغم أَوْلَاده وشكر الله تَعَالَى حِين أَنْجَاهُ من الْغَرق وَأغْرقَ عدوه فَلَمَّا أَنْجَاهُ من ذَلِك كُله وَنُودِيَ من شاطئ الْوَادي صلى أَرْبعا تَطَوّعا فَأمرنَا بذلك لينجينا الله تَعَالَى من الشَّيْطَان الرَّجِيم كَذَا فِي جَوَاهِر الْحَقَائِق قَالَ قَائِل: (صَلَاة الْفجْر صلاهَا أَبونَا ... صَلَاة الظّهْر صلاهَا الْخَلِيل) (صَلَاة الْعَصْر يُونُس ثمَّ عِيسَى ... على وَقت الْغُرُوب لَهُ دَلِيل) (صَلَاة اللَّيْل صلاهَا كليم ... فَأوجب خَمْسَة رب جليل) اعْلَم أَن الإِمَام الرَّازِيّ نقل فِي التَّفْسِير الْكَبِير اتِّفَاق الْمُتَكَلِّمين على أَن من عبد ودعا لأجل الْخَوْف من الْعقَاب. والطمع فِي الثَّوَاب لم تصح عِبَادَته وَلَا دعاؤه ذكر ذَلِك عِنْد قَوْله تَعَالَى {ادعوا ربكُم تضرعا وخفية} وَجزم فِي أَوَائِل تَفْسِير الْفَاتِحَة بِأَنَّهُ لَو قَالَ أُصَلِّي لثواب الله والهرب عَن عِقَابه فَسدتْ صلَاته انْتهى. وَاعْلَم أَن المصنفين رَحِمهم الله تَعَالَى من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة يصلونَ على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعَلى آله الطيبين الطاهرين بِزِيَادَة كلمة (على) ردا للشيعة وَيَقُولُونَ وَالصَّلَاة على رَسُوله مُحَمَّد وعَلى آله مثلا بِخِلَاف الشِّيعَة فَإِنَّهُم يَقُولُونَ وَالصَّلَاة على رَسُوله مُحَمَّد وَآله مثلا بِدُونِ كلمة (على) وينقلون فِي ذَلِك حَدِيثا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَيْثُ قَالُوا قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من فصل بينى وَبَين آلى بعلى لم ينل شَفَاعَتِي وَفِي رِوَايَة فقد جفاني - وَقيل فِي الْجَواب إِن الحَدِيث بعد تَسْلِيم صِحَّته مَخْصُوص بِحَال تشهد الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة وَقيل إِنَّه مَخْصُوص بِالْفَصْلِ بَين اسْمه الْمُقَدّس أَعنِي مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَين آله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَفِيه أَنه وَقع كَذَلِك فِي الْأَدْعِيَة المأثورة وَقيل إِن الْفَصْل بِمَعْنى الْفرق أَي من فرق بيني وَبَين آلى بعلى أَي بِكَلِمَة على أَي فرق بَين الدُّعَاء لَهُم بِأَن يسْتَعْمل الدُّعَاء الَّذِي لنا بِاللَّامِ وَالدُّعَاء الَّذِي لَهُم بِكَلِمَة على وَحَاصِله أَن من صلى عَليّ وَلعن عَلَيْهِم نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك لم ينل شَفَاعَتِي - وَالْأولَى فِي الْجَواب بل التَّحْقِيق الْحقيق بِالصَّوَابِ أَن يُقَال إِن الحَدِيث الْمَذْكُور لَيْسَ بِصَحِيح الرِّوَايَة وَلِهَذَا وَقعت المناقشة فِيمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 بَين الشِّيعَة فِي صِحَّته أَيْضا وَمن يَقُول مِنْهُم بِصِحَّتِهِ يقْرَأ صُورَة حرف الْجَرّ اسْمه كرم الله وَجهه وَيحمل الْبَاء على السَّبَبِيَّة وَيَقُول إِن الْمَعْنى أَن من فصل بيني وَبَين آلى بِسَبَب عداوته وخصومته لعَلي كرم الله وَجهه فَلم ينل شَفَاعَتِي - وَإِن سلمنَا أَن الحَدِيث صَحِيح فَالْوَاجِب حمله على هَذَا إِذْ من المستبعد جدا أَن يحكم بالحرمان من شَفَاعَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمُجَرَّد إِيرَاد كلمة على بَين النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَآله الْكِرَام، والمحروم من شَفَاعَته عَلَيْهِ السَّلَام، إِنَّمَا هُوَ الْكَافِر وَوجه وجوب الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَآله الْعِظَام مَذْكُور فِي الْحَمد. (ف (65)) . صَلَاة العبهر: فِي من رَآنِي فقد رأى الْحق إِن شَاءَ الله الْأَعَز الأحق. الصُّلْح: فِي اللُّغَة اسْم من الْمُصَالحَة وَهِي المسالمة بعد الْمُنَازعَة والموافقة وَبعد الْمُخَالفَة وَللَّه در النَّاظِم. (صف كشيده هردو مزكانش بخون استاده اند ... ) (صلح خواهد شدّ كه مردم درميان افتاده اند ... ) وَفِي الشَّرْع عقد يرفع النزاع. وركنه الْإِيجَاب وَالْقَبُول، وَشَرطه أَن يكون الْبَدَل أَي الْمصَالح عَلَيْهِ مَالا مَعْلُوما إِذا احْتِيجَ إِلَى قَبضه وَإِلَّا لَو يشْتَرط معلومية. وَالصُّلْح على ثَلَاثَة أَقسَام صلح مَعَ إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي. وَصلح مَعَ سُكُوته عَنهُ بِأَن لَا يقر وَلَا يُنكر. وَصلح مَعَ إِنْكَاره عَنهُ وَلكُل أَحْكَام فِي الْفِقْه. ثمَّ اعْلَم أَن الصُّلْح عَمَّا اسْتحق أَي وَجب وَلزِمَ بِعقد المداينة على بعض مَاله عَلَيْهِ من جِهَة أَخذ لبَعض حَقه وَإِسْقَاط للْبَاقِي لَا مُعَاوضَة لِأَن مُبَادلَة الْأَكْثَر بِالْأَقَلِّ لَا تجوز. وَمن قَوْلهم (أَخذ لبَعض حَقه) يعلم أَنه لَا بُد وَأَن يكون بدل الصُّلْح من جنس مَا اسْتحق. وَالْمرَاد بِعقد المداينة عقد يُوجب الدّين على الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَن بَاعَ عبدا بِأَلف أَي لم ينْقد الثّمن وَلَكِن المُرَاد بِعقد المداينة هَا هُنَا كل أَمر يُوجب دينا سَوَاء كَانَ بيعا أَو غصبا أَو غير ذَلِك وَإِنَّمَا عبروه تَحَرُّزًا عَن سوء الظَّن بِحَال الْمُسلم وحملا لأَمره على الصّلاح فِي بَاب الصُّلْح. الصلب: ضد الرخو وَمِنْه حجر صلب وَأَيْضًا الصلب بِالْفَارِسِيَّةِ بردار كشيدن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {لأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} أَي عَلَيْهَا وَكَيْفِيَّة الصلب الْمَشْرُوع لقاطع الطَّرِيق حِين قَتله وَأَخذه مَا لَا أَن يغرز خَشَبَة فِي الأَرْض ويربط عَلَيْهَا خَشَبَة أُخْرَى فَيَضَع قَدَمَيْهِ على تِلْكَ الْخَشَبَة ويربط من أَعْلَاهُ خَشَبَة أُخْرَى ويربط عَلَيْهَا يَدَاهُ ثمَّ يطعن بِالرُّمْحِ فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 الصِّلَة: بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَة (عطيه وهديه دادن ومزده وبيوند وخويشي) وَعند النُّحَاة الْجُمْلَة الخبرية الَّتِي تقع بعد الْمَوْصُول الْمُشْتَملَة على ضمير عَائِد إِلَيْهِ. صَلَاة الْجِنَازَة: فرض كِفَايَة وَالصَّلَاة هَا هُنَا بِمَعْنى الدُّعَاء وَشَرطهَا إِسْلَام الْمَيِّت وطهارته وَهِي أَربع تَكْبِيرَات بِأَن يَنْوِي بِأَن يَقُول نَوَيْت أَن أودي أَربع تَكْبِيرَات صَلَاة الْجِنَازَة الثَّنَاء لله وَالدُّعَاء لهَذَا الْمَيِّت مُتَوَجها إِلَى جِهَة الْكَعْبَة الشَّرِيفَة الله أكبر ثمَّ يكبر وَهَذِه تَكْبِيرَة أولى فَيقْرَأ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَجل ثناؤك وَلَا إِلَه غَيْرك. ثمَّ يكبر ثَانِيًا فَيصَلي على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَن يَقُول اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَبَارك وَسلم كَمَا صليت وسلمت وباركت ورحمت وترحمت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم رَبنَا إِنَّك حميد مجيد. ثمَّ يكبر ثَالِثا فيدعو بِالدُّعَاءِ الْمَعْرُوف وَهُوَ اللَّهُمَّ اغْفِر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وَكَبِيرنَا وَذكرنَا وأنثانا اللَّهُمَّ من أحييته منا فأحيه على الْإِسْلَام وَمن توفيته منا فتوفه على الْإِيمَان. وَإِن لم يحفظ هَذَا الدُّعَاء يَدْعُو بِمَا يَدْعُو فِي التَّشَهُّد أَعنِي اللَّهُمَّ اغْفِر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات إِلَى آخر ثمَّ يكبر رَابِعا فَيسلم تسليمتين وَلَا يسْتَغْفر لصبي وصبية بل يقْرَأ بعد التَّكْبِير الثَّالِث مقَام الدُّعَاء الْمَعْرُوف الْمَذْكُور اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لنا فرطا واجعله لنا أجرا وذخرا واجعله لنا شافعا ومشفعا. وَيقْرَأ للصبية هَذَا الدُّعَاء أَيْضا بالضمير الْمُؤَنَّث والصيغ المؤنثة مقَام الْمُذكر وَيقوم الإِمَام للرجل وَالْأُنْثَى حذاء الصَّدْر لِأَنَّهُ مَحل الْإِيمَان وَإِذا اخْتَلَط موتى الْمُسلمين بموتى الْكفَّار فَمن كَانَت عَلَيْهِ عَلامَة الْمُسلمين صلى عَلَيْهِ وَمن كَانَت عَلَيْهِ عَلامَة الْكفَّار ترك فَمن لم يكن عَلَيْهِم عَلامَة والمسلمون أَكثر غسلوا وكفنوا وَصلى عَلَيْهِم وَيَنْوِي بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاء الْمُسلمُونَ ويدفنون فِي مَقَابِر الْمُسلمين وَإِن كَانَ الْفَرِيقَانِ سَوَاء أَو كَانَت الْكفَّار أَكثر لم يصل عَلَيْهِم ويغسلون ويدفنون ويكفنون فِي مَقَابِر الْمُشْركين كَذَا فِي الْكَافِي وَسَائِر الْأَحْكَام فِي كتب الْفِقْه. صَلَاة الْعِيد: فِي الْعِيد إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (بَاب الصَّاد مَعَ النُّون) الصِّنَاعَة ملكة نفسانية يصدر عَنْهَا الْأَفْعَال الاختيارية من غير روية. وَقيل علم مُتَعَلق بكيفية الْعَمَل حَاصِل بمزاولة الْعلم. وَقَالَ فريد الْعَصْر الأحمد آبادي رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَاشِيَته على ديباجة (المطول) الصناعات جمع صناعَة كالكنايات جمع كِنَايَة بِحَسب اللُّغَة حِرْفَة الصَّانِع وَعمل الصنع. وَفِي الْعرف الْعَام علم مُتَعَلق بكيفية الْعَمَل حَاصِل بمزاولة الْعَمَل وَفِي الْعرف الْخَاص أَعم مِمَّا يحصل بمزاولة الْعَمَل كعلم الْخياطَة أَو بِدُونِهَا كعلم الطِّبّ بل يُقَال لكل علم يمارسه الرجل حَتَّى صَار كالحرفة لَهُ أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 صناعته. وَفِي شرح الْمِفْتَاح للشَّارِح السَّيِّد أَنَّهَا قد تطلق على ملكة يقتدر بهَا على اسْتِعْمَال مَوْضُوعَات مَا على وَجه البصيرة ليحصل غَرَض من الْأَغْرَاض بِحَسب الْإِمْكَان انْتهى. وَالْمرَاد بالموضوعات آلَات تتصرف فِيهَا سَوَاء كَانَت خارجية كَمَا فِي الْخياطَة أَو ذهنية كَمَا فِي الِاسْتِدْلَال. الصِّنْف: هُوَ النَّوْع الْمُقَيد بِقَيْد عرضي كالإنسان الرُّومِي. (بَاب الصَّاد مَعَ الْوَاو) الصُّورَة: مَا يمتاز بِهِ الشَّيْء وَيُقَال صُورَة الشَّيْء مَا بِهِ يحصل الشَّيْء بِالْفِعْلِ. فَإِن قيل، إِنَّهَا أَيْضا شَيْء فَلَا بُد لَهَا من صُورَة أُخْرَى حَتَّى يمتاز من أُخْرَى فَيلْزم التسلسل أَو عدم الامتياز. أَقُول، صُورَة الصُّورَة عين الصُّورَة كوجود الْوُجُود عين الْوُجُود وَأَيْضًا الصُّورَة أَمر اعتباري انتزاعي والتسلسل فِي الْأُمُور الاعتبارية لَيْسَ بمحال كَمَا مر فِي التسلسل. وَاعْلَم أَن الْمَاهِيّة بِاعْتِبَار الْحُضُور العلمي تسمى صُورَة وَبِاعْتِبَار الْوُجُود الْعَيْنِيّ أَي الْخَارِجِي عينا. وَقَالَ أستاذ أستاذي مَوْلَانَا مُحَمَّد أكبر مفتي أَحْمد آباد رَحمَه الله تَعَالَى اعْلَم أَن لفظ الصُّورَة تطلق على مَعْنيين أَحدهمَا الْمَاهِيّة الْمَعْلُومَة وَثَانِيهمَا الْعلم وَهُوَ الْأَمر المتشخص بالتشخص الذهْنِي انْتهى. وَالْحَاصِل أَن الصُّورَة تطلق على كَيْفيَّة هِيَ آلَة التعقل وعَلى الْمَعْلُوم المتميز بهَا فِي الذِّهْن وَالْأولَى شخصية وَالثَّانيَِة كُلية إِذْ الْكُلية لَا تعرض لصورة الْحَيَوَان الَّتِي هِيَ عرض حَال فِي الْعقل بل للحيوان المتميز بهَا، فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك جدا. وَالصُّورَة عِنْد أَرْبَاب السلوك والحقائق قدس الله تَعَالَى أسرارهم مَا يكون محلا لظُهُور أَمر مخفي لَا يظْهر ذَلِك الْأَمر إِلَّا بِهِ كأسمائه تَعَالَى وَصِفَاته فَإِنَّهَا صور الْحق سُبْحَانَهُ وَمظَاهر ومجالي ذَاته الْمُقَدّس الْمُطلق الظَّاهِر بقيودها فعلى هَذَا الْأَعْيَان الثَّابِتَة صور الْأَسْمَاء الإلهية والأعيان الخارجية صور الْأَعْيَان الثَّابِتَة. الصُّور الجسمية: جَوْهَر مُتَّصِل غير بسيط لَا وجود لمحله بِدُونِهِ قَابل للأبعاد الثَّلَاثَة المدركة من الْجِسْم فِي بَادِي النّظر وَقيل هِيَ الْجَوْهَر الممتد فِي الْجِهَات وَقيل هِيَ الْجَوْهَر الَّذِي تحصل مِنْهُ الْجِسْم بِالْفِعْلِ. الصُّورَة النوعية: هِيَ الْجَوْهَر الَّذِي تخْتَلف بِهِ الْأَجْسَام أنواعا. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هِيَ الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ مبدأ الْآثَار الخارجية المختصة وَلها ثَلَاثَة أَسمَاء بِثَلَاثَة اعتبارات أَحدهَا الْكَمَال بِاعْتِبَار أَن الْجِسْم الطبيعي يتم بهَا وَالثَّانِي الْقُوَّة بِاعْتِبَار تأثيرها فِي الْغَيْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وَالثَّالِث الطبيعة لكَونهَا مبدأ الْأَفْعَال الذاتية. الصَّوْت: هَوَاء متموج بتصادم جسمين وَقيل كَيْفيَّة قَائِمَة بالهواء الَّذِي يحملهَا إِلَى الصماخ. الصَّوَاب: فِي اللُّغَة السداد، وَفِي الِاصْطِلَاح الْأَمر الثَّابِت الَّذِي لَا يسوغ إِنْكَاره. الصَّوْم: فِي اللُّغَة مُطلق الْإِمْسَاك فِي النَّهَار، وَفِي الشَّرْع هُوَ الْإِمْسَاك من الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع من الصُّبْح الصَّادِق إِلَى غرُوب الشَّمْس مَعَ النِّيَّة من أَهله بِأَن يكون مُسلما طَاهِرا من حيض ونفاس فوقته معيار لَا ظرف، وَقيل، إِن قَوْلهم من أَهله احْتِرَاز عَن الصَّبِي وَالْحَائِض وَالْمَجْنُون وَمن لَهُ عذر يمنعهُ الصَّوْم فَإِنَّهُم لَيست لَهُم أَهْلِيَّة الصَّوْم فَكَأَنَّهُ جعل هَذَا التَّعْرِيف للصَّوْم الْفَرْض وَالصَّوْم على ثَلَاثَة أَنْوَاع - فرض - وواجب - وَنفل. وَالصَّوْم الْفَرْض نَوْعَانِ معِين كرمضان وَغير معِين كالكفارات وَقَضَاء رَمَضَان. وَالصَّوْم الْوَاجِب أَيْضا نَوْعَانِ معِين كالنذر الْمعِين أَو غير معِين كالنذر الْمُطلق. وَيصِح صَوْم رَمَضَان وَالنّذر الْمعِين وَالنَّقْل بنية مُعينَة أَو مُطلقَة وَنِيَّة النَّفْل من غرُوب الشَّمْس إِلَى مَا قبل نصف النَّهَار وَمَا بَقِي من الصّيام لم يجز إِلَّا بنية مُعينَة مبيتة. وَالنِّيَّة أَن يعرف بِقَلْبِه أَنه يَصُوم وَالسّنة أَن يتلفظها. وَفِي مِعْرَاج الدِّرَايَة فِي فصل المتفرقات وَمن السّنة أَن يَقُول عِنْد الْإِفْطَار اللَّهُمَّ لَك صمت وَبِك آمَنت وَعَلَيْك توكلت وعَلى رزقك أفطرت ولصوم الْغَد من صَوْم رَمَضَان نَوَيْت فَاغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت. فَإِن قيل مَا وَجه خُرُوج اللَّيْل من الصَّوْم وَدخُول الْمرَافِق والكعبين فِي غسل الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ فِي الْوضُوء مَعَ أَنه تَعَالَى كَمَا قَالَ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} كَذَلِك قَالَ وَأَتمُّوا الصّيام إِلَى اللَّيْل. قُلْنَا إِن الْغَايَة فِي آيَة الصَّوْم وَهِي اللَّيْل غير دَاخِلَة تَحت حكم المغيا أَعنِي النَّهَار وَلَيْسَ من جنسه فَإِن الصَّوْم هُوَ الْإِمْسَاك فِي النَّهَار سَاعَة بِخِلَاف الْغَايَة فِي آيَة الْوضُوء فَإِنَّهَا فِيهَا الْمرَافِق والكعبان وهما من جنس المغيا فَإِن الْيَد جملَة الْعُضْو من الْأَصَابِع إِلَى الْإِبِط. وَكَذَلِكَ الرجل جملَة الْعُضْو من أَصَابِع الْقدَم إِلَى الآلية فكلمة (إِلَى) فِي آيَة الصَّوْم لمد الحكم أَي لمد حكم إتْمَام الصَّوْم إِلَى اللَّيْل. وَفِي آيَة الْوضُوء للإسقاط أَي لإِسْقَاط حكم الْيَد وَالرجل وَهُوَ الْغسْل عَمَّا ورائهما فهما داخلان فِي حكم الْغسْل وَاللَّيْل خَارج عَن الصَّوْم. فَإِن قيل لم لَا يكون كلمة إِلَى فيهمَا لمد الحكم أَو للإسقاط أَو فِي الأولى للإسقاط وَفِي الثَّانِيَة لمد الحكم قُلْنَا إِن الضابطة المضبوطة تَقْتَضِي مَا قُلْنَا وَهِي أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 الْغَايَة إِن كَانَت بِحَيْثُ لَو لم يدخلهَا كلمة (إِلَى) لم يَتَنَاوَلهَا صدر الْكَلَام لم يدْخل تَحت المغيا كالليل تَحت الصَّوْم وَإِن كَانَت بِحَيْثُ يَتَنَاوَلهَا صدر الْكَلَام كالمرافق والكعبين تَحت الْأَيْدِي والأرجل تدخل تَحت المغيا. فَإِن قيل إِن للنحاة فِي الْمَدْلُول اللّغَوِيّ لكلمة (إِلَى) خَمْسَة مَذَاهِب الأول إِنَّهَا مَوْضُوعَة لدُخُول مَا بعْدهَا فِي حكم مَا قبلهَا فَقَط فَهِيَ على هَذَا الْمَذْهَب حَقِيقَة فِي هَذَا الدُّخُول ومجاز فِي عدم الدُّخُول. وَالثَّانِي أَنَّهَا مَوْضُوعَة لدُخُول مَا بعْدهَا فِي حكم مَا قبلهَا فَقَط فَهِيَ حَقِيقَة حِينَئِذٍ فِي عدم الدُّخُول واستعمالها فِي الدُّخُول مجازي. وَالثَّالِث الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ يَعْنِي أَنَّهَا مَوْضُوعَة لكل من ذَلِك الدُّخُول وَعَدَمه بِوَضْع على حِدة وَالرَّابِع أَنَّهَا للدخول إِن كَانَ مَا بعْدهَا من جنس مَا قبلهَا وَلعدم الدُّخُول إِن لم يكن مَا بعْدهَا كَذَلِك. وَالْخَامِس أَنَّهَا لغاية الْإِسْقَاط وَالْمذهب الرَّابِع وَكَذَا الْخَامِس وَأَن يساعدا مَا ذكرْتُمْ لَكِن الْمذَاهب الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة لَا تساعده فَإِذا قَامَ الِاحْتِمَال بَطل الِاسْتِدْلَال قُلْنَا إِن تِلْكَ الْمذَاهب الثَّلَاثَة متناقضة يَقْتَضِي كل مِنْهَا خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الآخر فَلَا رُجْحَان لأَحَدهمَا حَتَّى يتَرَجَّح وَيسْقط الآخر فَإِن قيل عَلَيْكُم تبيان التَّنَاقُض قُلْنَا إِن الْفَاضِل الْكَامِل عبيد الله بن مَسْعُود بن تَاج الشَّرِيعَة رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي شرح الْوِقَايَة وَهَذَا الْمَذْهَب الرَّابِع يُوَافق مَا ذكر فِي اللَّيْل والمرافق - وَأما الثَّلَاثَة الأول فَالْأول يُعَارضهُ الثَّانِي إِلَى آخِره. وَحَاصِله إِنَّا نعمل على الْمَذْهَب الرَّابِع وَالْخَامِس يُوَافقهُ كَمَا ستعلم والمذاهب الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة لَا يُمكن الْعَمَل بهَا لِأَن الْمَذْهَب الأول وَالثَّانِي متعارضان كَمَا لَا يخفى، فَإِذا تَعَارضا تساقطا فَلَا نعمل بهما. وَالْمذهب الثَّالِث يُوجب التَّعَارُض والتساوي وَعدم الرجحان فَوَقع الشَّك فِي مواقع اسْتِعْمَال كلمة إِلَى فالمأمور بِهِ غير مَعْلُوم حَتَّى يعْمل بِهِ وَمَعَ هَذَا فَفِي صُورَة اللَّيْل فِي الصَّوْم عدم الدُّخُول يقيني وَالشَّكّ إِنَّمَا وَقع فِي التَّنَاوُل وَالدُّخُول. وَأَنت تعلم أَن الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ فَيكون عدم دُخُول اللَّيْل فِي الصَّوْم بَاقِيا على حَاله وَفِي صُورَة الْمرَافِق والكعبين فِي الْأَيْدِي والأرجل الدُّخُول يقيني وَالشَّكّ فِي عدم الدُّخُول فَلَا يَزُول الْمُتَيَقن بِالشَّكِّ لما مر. وَاعْلَم أَنهم ذكرُوا تفسيرين لما هُوَ الْمَشْهُور وَهُوَ أَن كلمة (إِلَى) غَايَة الْإِسْقَاط أَحدهمَا أَن صدر الْكَلَام إِذا كَانَ متْنا وَلَا للغاية كَالْيَدِ فَإِنَّهَا اسْم للمجموع إِلَى الْإِبِط كَانَ ذكر الْغَايَة لإِسْقَاط مَا وَرَاءَهَا لَا لمد الحكم إِلَيْهَا لِأَن الامتداد حَاصِل فَيكون قَوْله إِلَى الْمرَافِق مُتَعَلقا بقوله اغسلوا وَغَايَة لَهُ لَكِن لأجل إِسْقَاط مَا وَرَاء الْمرْفق عَن حكم الْغسْل وَكَذَا الكعبان. وَالثَّانِي أَنَّهَا غَايَة للإسقاط أَي يكون مُتَعَلقا بِهِ أبدا كَأَنَّهُ قيل اغسلوا أَيْدِيكُم مسقطين إِلَى الْمرَافِق فَيخرج عَن الْإِسْقَاط فَتبقى دَاخِلَة تَحت الْغسْل - فالجار وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بمسقطين لَا باغسلوا وَالتَّفْسِير الأول أولى لِأَن الظَّاهِر أَن الْجَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بِالْفِعْلِ الْمَذْكُور لَا الْمَحْذُوف وَهُوَ مسقطين مَعَ أَنه من أَفعَال الْخُصُوص كَذَا فِي التَّلْوِيح. وَلَا يخفى على الوكيع أَن إبِْطَال الْمَذْهَب الثَّالِث بِأَنَّهُ يُوجب التَّعَارُض والتساوي وَالشَّكّ بَاطِل كَيفَ لَا فَإِن اسْتِعْمَال الْمُشْتَرك مَشْرُوط بِإِقَامَة الْقَرِينَة واستعماله بِدُونِهَا بَاطِل. وَبعد الْقَرِينَة لَا تعَارض وَلَا تَسَاوِي وَلَا شكّ والقرينة هِيَ دُخُول الْغَايَة تَحت المغيا وَعدم دُخُوله قبل دُخُول كلمة إِلَى. وَقد ظهر من هَذَا الْبَيَان رفيع الشَّأْن. إِنَّه لَا فرق بَين الْمَذْهَب الثَّالِث وَالرَّابِع إِلَّا بتفصيل الْقَرِينَة وَعَدَمه فهما متحدان. ولي فِي هَذَا الْمقَام كَلَام لم يساعدني الزَّمَان فِي بَيَانه وَمَا ذكرنَا نَافِع فِي شرح الْوِقَايَة فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. الصُّوف: للشاة والوبر للبعير. صَوْم النَّصَارَى: اعْلَم أَن النَّصَارَى يَصُومُونَ خمسين يَوْمًا ثمَّ يعْبدُونَ للنيروز. صَوْم الْيَهُود: اعْلَم أَن الْيَهُود أَيْضا يَصُومُونَ خمسين يَوْمًا بِأَنَّهُم يَصُومُونَ شهر رَمَضَان كُله وَلَا يفطرون يَوْم الْفطر ويتبعون صِيَامهمْ من شَوَّال إِلَى تَمام خمسين يَوْمًا ثمَّ يعْبدُونَ عِبَادَتهم. (بَاب الصَّاد مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة) الصيرورة: قَالُوا إِن بَاب الْأَفْعَال يَجِيء للصيرورة أَي لصيرورة الشَّيْء مَنْسُوبا إِلَى مَا اشتق مِنْهُ الْفِعْل كاغد الْبَعِير أَي صَار ذَا غُدَّة وَهِي الَّتِي فِي اللَّحْم والواحدة غُدَّة وغدة الْبَعِير طاعونه أَي دَاء يُصِيب الْبَعِير فَيهْلك. الصِّيغَة: فِي الِاصْطِلَاح هِيَ الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للكلمة من تَرْتِيب الْحُرُوف والحركات والسكنات. صِيغَة مُنْتَهى الجموع: هِيَ الصِّيغَة الَّتِي تكون أَولهَا مَفْتُوحًا وَثَالِثهَا ألفا وَبعد الْألف حرفان أَو ثَلَاثَة أوسطها سَاكن. وَإِنَّمَا سميت هَذِه الصِّيغَة مُنْتَهى الجموع لِأَن كل جمع إِذا جَاءَ على هَذِه الصِّيغَة لَا يجمع جمع التكسير مرّة أُخْرَى. وَأما جمع السَّلامَة فَلَا بَأْس لِأَنَّهُ لَا يُغير الصِّيغَة فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِجمع كَمَا يجمع أيا من جمع أَيمن على أيامنين وَصَوَاحِب جمع صَاحِبَة على صواحبات. الصَّيْد: الْحَيَوَان المتوحش فِي أصل الْخلقَة وَهُوَ نَوْعَانِ. بري وَهُوَ مَا يكون توالده وتناسله فِي الْبر. وبحري وَهُوَ مَا يكون توالده وتناسله فِي المَاء لِأَن المولد هُوَ الأَصْل والتعيش بعد ذَلِك فَلَا يعْتَبر بِهِ. وَفِي الاصطلاحات الشَّرِيفَة الشريفية الصَّيْد مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 توحش بجناحيه أَو بقوائمه مَأْكُولا كَانَ أَو غير مَأْكُول وَلَا يُؤْخَذ إِلَّا بحيلة. وَحل أَنْوَاع السّمك كالمارماهي والجريث وَغَيره وَلَعَلَّ الْإِطْلَاق قَول الشَّيْخَيْنِ فَإِن أَنْوَاعه حَلَال سواهُمَا عِنْد مُحَمَّد كَمَا فِي الْمُضْمرَات وَمَا قيل إِن الجريث من الممسوخات بَاطِل لِأَنَّهُ لَا نسل لما مسخ إِذْ لَا يبْقى بعد ثَلَاثَة أَيَّام كَذَا فِي شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة لأبي المكارم رَحمَه الله فِي نَوَادِر الْفَتَاوَى (اكر ماهي ازغاية كرمي وسردي آب بميرد حَلَال بود) . فِي الْهِدَايَة وَفِي الْمَوْت بِالْحرِّ وَالْبرد رِوَايَتَانِ. فِي الْخَانِية فَإِن ألقِي السَّمَكَة فِي جب مَاء فَمَاتَتْ فِيهِ لَا بَأْس بأكلها لِأَنَّهُ فَاتَت بِسَبَب حَادث وَهُوَ ضيق الْمَكَان. فِي الظَّهِيرِيَّة وَلَو وجد سَمَكَة طافية وَفِي بَطنهَا سَمَكَة يحل مَا فِي بَطنهَا وَإِن كَانَ لَا يحل الطافي. وَفِي الْهِدَايَة وَالْأَصْل فِي السّمك عندنَا أَنه إِذا مَاتَ بِآفَة يحل كالمأخوذ وَإِن مَاتَ حتف أَنفه من غير آفَة لَا يحل كالطافي. وَفِي الذَّخِيرَة إِذا وجد السَّمَكَة ميتَة على وَجه المَاء وبطنه من فَوق لم يُؤْكَل لِأَنَّهُ طَاف وَإِن كَانَ ظَهره من فَوق أكله لِأَنَّهُ لَيْسَ بطاف وَلَكِن الأَصْل عندنَا هُوَ مَا ذكر فِي الْهِدَايَة. فِي فَتَاوَى الْأَسْرَار الدُّود الَّذِي يُقَال لَهُ بالهندية (جهينكه) حرَام عِنْد بعض الْعلمَاء لِأَنَّهُ لَا يشبه السّمك وَإِنَّمَا يُبَاح عندنَا من الصَّيْد البحري أَنْوَاع السّمك وَهَذَا لَا يكون من أَنْوَاع السّمك. وَقَالَ بَعضهم حَلَال لِأَنَّهُ يُسمى بأسماء السّمك. فِي الْيَنَابِيع يكره أكل السّمك الطافي هُوَ الَّذِي مَاتَ حتف أَنفه من غير آفَة وَإِن مَاتَ بمعالجة آدَمِيّ فَهُوَ حَلَال وَقَالَ أَبُو المكارم رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة وَفِي الْمُحِيط لَا بَأْس بِأَكْل سَمَكَة صادها الْمَجُوسِيّ لِأَنَّهَا تحل بِدُونِ التَّسْمِيَة فالمجوسي وَغَيره فِيهِ سَوَاء. وَاعْلَم أَن الصَّيْد الَّذِي اصطيد بالبندوق بِالتَّسْمِيَةِ يعلم بالقواعد الْفِقْهِيَّة أَنه حرَام وَإِن اشْتهر أَنه حَلَال لعدم الرِّوَايَة الصَّرِيحَة فِي حلّه وَلِأَنَّهُم شرطُوا فِي الذّبْح الِاخْتِيَارِيّ والاضطراري كليهمَا وحكموا بِحرْمَة صيد بندقة الغليل وعللوا حرمته بِأَن فعلهَا التدقيق لَا الْجرْح وَهَذِه الْعلَّة مَوْجُودَة فِي بندقة البندوق فَإِن فعلهَا تدقيق وتحريق وتخريق لَا جرح لعدم الحدة فِيهَا. صَرَّحُوا بِأَن أَنهَار الدَّم لَا بُد وَأَن يكون بِمَالِه حِدة وجرح يَعْنِي برش وَإِلَّا فأنهار الدَّم يحصل بِضَرْب الْخشب فَإِنَّهُ يكسر الْعظم وَاللَّحم وَالْجَلد ويشقه فَيجْرِي الدَّم بضربه والمقتول بالخشب حرَام بِنَصّ الْقُرْآن الْمجِيد فَإِن الموقوذة فِي قَوْله تَعَالَى {والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة} ، هِيَ الْمَقْتُول بالخشب. فَيعلم من هَا هُنَا حُرْمَة ذَلِك الصَّيْد وَإِن سَمِعت من وَالِدي المرحوم حلّه وَأَيْضًا سَمِعت أَن رجلا عَالما كاشغريا يَقُول إِن سُبْحَانَ قليخان وَإِلَى التوران استفتى من الْعلمَاء فِي حلّه وَحرمه فَجمعُوا وأفتوا بحله وَلَكِن ذَلِك الرجل لم يذكر السَّنَد إِلَّا مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 أنهر الدَّم. وَقد علمت جَوَابه فَمَا لم تأت رِوَايَة صَحِيحَة صَرِيحَة فِي حلّه لَا يُؤْكَل وَيحكم بحرمته فَإِن الكليات الْفِقْهِيَّة وقواعدها تَقْتَضِي الْحُرْمَة، فَافْهَم الْمَسْأَلَة واحفظ اللِّسَان عَن الإبرام، فَإِنَّهَا مزلقة جسيمة وشبكة عَظِيمَة للإعلام. (بسكه صيد لَا غرم فربه بشد بهلوى دَامَ ... ) (نارسائي هَا مرا شرمنده صياد كرد ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 ( [حرف الضَّاد] ) (بَاب الضَّاد مَعَ الْألف) الضَّأْن: مَهْمُوز الْعين جمع ضائن خلاف الماعز والمعز جمعه وهما نَوْعَانِ من جنس الْغنم وَالْأُنْثَى مِنْهُمَا ضائنة وماعزة وَيُقَال للْأولِ بِالْفَارِسِيَّةِ ميش وَالثَّانِي بزو أما الشَّاة اسْم جنس لَهما كالغنم وَيُقَال لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ (كوسفند) كَذَا فِي الصِّحَاح. الضال: كمراه. وَفِي الشَّرْع الْمَمْلُوك الَّذِي ضل الطَّرِيق إِلَى منزل مَالِكه من غير قصد. وَقد مر بعض أَحْوَاله فِي الْآبِق. (بَاب الضَّاد مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الضباب: بِالْفَارِسِيَّةِ ميغ وَفِي الصِّحَاح الضبابة هِيَ السَّحَاب الَّتِي تغشى الأَرْض كالدخان وَالْجمع والضباب انْتهى وَهِي بالهندية (دهوئين) فَافْهَم واحفظ. الضَّبْط: فِي اللُّغَة الحزم وَالْحِفْظ. وَفِي اصْطِلَاح أصُول الحَدِيث سَماع الْكَلَام كَمَا هُوَ حق سَمَاعه ثمَّ فهم مَعْنَاهُ الَّذِي أُرِيد بِهِ ثمَّ حفظه ببذل مجهوده والثبات بمذاكراته إِلَى حِين أَدَائِهِ إِلَى غَيره. (بَاب الضَّاد مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة) الضحك: اعْلَم أَن الْكَيْفِيَّة الْغَيْر الراسخة الَّتِي تحصل للْإنْسَان من حَرَكَة الرّوح إِلَى الْخَارِج دفْعَة بِسَبَب التَّعَجُّب الْحَاصِل لَهُ إِن كَانَت بِحَيْثُ لَا يكون مسموعة لَهُ فَهِيَ التبسم وَإِن كَانَت مسموعة لَهُ فَهِيَ الضحك وَإِن كَانَت مسموعة إِلَى جِيرَانه فَهِيَ القهقهة. وَقد علم من هَا هُنَا تَعْرِيف كل من التبسم والضحك والقهقهة. وَفِي بعض الرِّوَايَات لَا فصل بَين القهقهة والضحك وَلِهَذَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي اصطلاحاته وحد الضحك مَا يكون مسموعا إِلَى جِيرَانه. الضحكة: بِضَم الأول وَسُكُون الثَّانِي من يضْحك عَلَيْهِ النَّاس وبفتح الأول وَسُكُون الثَّانِي من يضْحك على النَّاس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 (بَاب الضَّاد مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الضِّدّ: يُطلق على مَعْنيين أَحدهمَا مَوْجُود فِي الْخَارِج مسَاوٍ فِي الْقُوَّة لموجود آخر ممانع لَهُ وَثَانِيهمَا مَوْجُود مشارك لآخر فِي الْمَوْضُوع معاقب لَهُ إِذا قَامَ أَحدهمَا بالموضع لم يقم الآخر. الضدان: صفتان وجوديتان متعاقبتان فِي مَوْضُوع وَاحِد يَسْتَحِيل اجْتِمَاعهمَا كالسواد وَالْبَيَاض سَوَاء كَانَ بَينهمَا غَايَة الْبعد وَالْخلاف أَو لَا وحكمهما أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَكِن يرتفعان. والضدان نَوْعَانِ مشهوريان وَغير مشهوريين كَمَا مر فِي تقَابل التضاد. (بَاب الضَّاد مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الضَّرْب: (زدن ورفتن برزمين وبديدكردن مثل وخلط كردن وآميختن) وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب الْحساب تَضْعِيف أحد العددين بِعَدَد آحَاد الْعدَد الآخر. وَبِعِبَارَة أُخْرَى تَحْصِيل عدد ثَالِث نِسْبَة أحد المضروبين إِلَى الْمَضْرُوب الآخر كنسبة الْوَاحِد إِلَى ذَلِك الْمَضْرُوب الآخر وَبِالْعَكْسِ يَعْنِي تَحْصِيل عدد ثَالِث نِسْبَة إِلَى أحد المضروبين كنسبة الْمَضْرُوب الآخر إِلَى الْوَاحِد وَهَذَا فِي الصِّحَاح ظَاهر. وَأما فِي الكسور فَلِأَن نِسْبَة السُّدس إِلَى نصف السُّدس الْحَاصِل من ضرب النّصْف فِي السُّدس كنسبة الْوَاحِد إِلَى النّصْف إِذْ الْوَاحِد مثلا نصف وَالسُّدُس مثلا نصف السُّدس وَنسبَة النّصْف إِلَى نصف السُّدس كنسبة الْوَاحِد إِلَى السُّدس فَإِن النّصْف سِتَّة أَمْثَال نصف السُّدس وَالْوَاحد أَيْضا سِتَّة أَمْثَال السُّدس. وَاعْلَم أَنه لَا تَأْثِير للْوَاحِد فِي الضَّرْب لِأَنَّهُ فِي أَي عدد ضرب يكون الْحَاصِل عين الْمَضْرُوب فِيهِ إِذْ نِسْبَة الْوَاحِد إِلَى الْوَاحِد نِسْبَة الْمثل فحاصل الضَّرْب يجب أَن يكون مُسَاوِيا للمضروب الآخر ليحصل نِسْبَة الْمثل فَلَيْسَ هُنَاكَ تَحْصِيل عدد ثَالِث حَقِيقَة وَلَو كَانَ هُنَاكَ عدد ثَالِث اعْتِبَارا. ثمَّ اعْلَم أَن الِاثْنَيْنِ فِي أَي عدد ضرب يكون الْحَاصِل ضعف الْمَضْرُوب فِيهِ. وَفِي ضرب الثَّلَاث يكون الْحَاصِل ضعف الْمَضْرُوب فِيهِ مَعَ مثله وَفِي ضرب الْأَرْبَعَة يكون ضعف ضعف الْمَضْرُوب فِيهِ وَفِي ضرب الْخَمْسَة الْحَاصِل ضعف الْمَضْرُوب فِيهِ مَعَ مثله. وَأما فِي ضرب مَا فَوق الْخَمْسَة تَحت الْعشْرَة بعضه فِي بعض فَلهُ ضوابط أذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 لكم أَيهَا الإخوان مِنْهَا ضابطتين. وَأَحَدهمَا الْمشَار إِلَيْهَا فِي هَذَا الشّعْر بحروف الأبجد بِأَن الحرفين الْأَوَّلين مَضْرُوب ومضروب فِيهِ والحرفان التاليان لَهما حَاصِل الضَّرْب. (وولو وزمب وح مح وط ند ... ززمط زح نوزط سج حح سد) (حط عب طط فَاء ضرب مَا ... فَوق خمس إِلَى عشرهَا اتهتدي) قَوْله (ضرب) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هَذَا ضرب مَا فَوق خمس لَكِن مَا دون عشر تهتدي أَنْت إِلَى هَذِه الضابطة. والضابطة الثَّانِيَة قد أَشَارَ إِلَيْهَا الْمُحَقق الطوسي فِي النّظم الْفَارِسِي هَكَذَا. (احا دبرا حاد فراز آر مدام ... ده بفكن وهر زائده راده كن نَام) (ازهر طرفِي كير تاده جنداست ... دريكد كرش ضرب كن وسازتمام) وَأشهر الطّرق فِي الضَّرْب وأشملها عمل الشبكة وَهُوَ مَشْهُور مَكْتُوب فِي كتب الْحساب. وَعِنْدِي ضابطة عَجِيبَة غَرِيبَة فِي ضرب الْآحَاد فِي مَا فَوْقهَا أَو مَا فَوْقهَا فِي مَا فَوْقهَا وَهِي أَن تضرب الصُّورَة فِي الصُّورَة واكتب الْحَاصِل ثمَّ اجْمَعْ أصفارا من الطَّرفَيْنِ إِن كَانَت فيهمَا وَإِلَّا فَخذهَا من أَي طرف كَانَت فِيهِ واكتبها على يَمِين الْحَاصِل فالمكتوب حَاصِل الضَّرْب فَإِن أردْت أَن تضرب أَرْبعا فِي أَربع مائَة فَاضْرب صورت (4) فِي صُورَة (4) واكتب الْحَاصِل هَكَذَا (16) ثمَّ ضع الصفرين على يَمِين الْمَكْتُوب الْحَاصِل هَكَذَا (1600) وَهُوَ الْمَطْلُوب وَإِن أردْت أَن تضرب أَربع مائَة فِي أَرْبَعَة آلَاف ضع خَمْسَة أصفار الطَّرفَيْنِ على يَمِين (16) هَكَذَا (1600000) فَهَذِهِ الضابطة مُخْتَصَّة بالمفردين الَّذين يكون كل مِنْهُمَا ذَات صفر أَو أصفار أَو أَحدهمَا كَذَلِك. وَالضَّرْب: فِي الْعرُوض آخر جُزْء من المصراع الثَّانِي من الْبَيْت وَفِي الْمنطق هِيَ الْقَرِينَة. (ضَرُورَة الشّعْر عشر عد جُمْلَتهَا ... وصل وَقطع وَتَخْفِيف وَتَشْديد) (مد وَقصر وَإِسْكَان وتحريك ... وَمنع صرف وَصرف ثمَّ تعديد) الضَّرُورَة: امْتنَاع انفكاك شَيْء عَن آخر عقلا فَيُقَال نِسْبَة الْحَيَوَان إِلَى الْإِنْسَان مثلا ضَرُورِيَّة أَي ممتنعة الانفكاك يَعْنِي أَن الْعقل يحكم بامتناع انفكاك الْحَيَوَان عَن الْإِنْسَان فَتكون تِلْكَ النِّسْبَة دائمة الْبَتَّةَ. فالدوام أَعم من الضَّرُورَة لِأَن كل ضَرُورِيّ دَائِم وَلَيْسَ كل دَائِم ضَرُورِيًّا لِأَن مَفْهُوم الضَّرُورَة امْتنَاع انفكاك النِّسْبَة عَن الْمَوْضُوع وَمَفْهُوم الدَّوَام شُمُول تِلْكَ النِّسْبَة جَمِيع الْأَزْمِنَة والأوقات وَمَتى كَانَت النِّسْبَة ممتنعة الانفكاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 عَن الْمَوْضُوع كَانَت متحققة فِي جَمِيع أَوْقَات وجوده بِالضَّرُورَةِ وَلَيْسَ مَتى كَانَت النِّسْبَة متحققة فِي جَمِيع الْأَوْقَات امْتنع انفكاكها عَن الْمَوْضُوع لجَوَاز انفكاكها وَعدم وُقُوعهَا لِأَن الْمُمكن لَا يجب أَن يكون وَاقعا فَإِن الْحَرَكَة دائمة للفلك مَعَ جَوَاز انفكاكها عَنهُ فَيصح أَن يُقَال كل فلك متحرك دَائِما وَلَا يَصح أَن يُقَال كل فلك متحرك بِالضَّرُورَةِ فَإِن انفكاكها عَنهُ لَيْسَ بممتنع عِنْد الْعقل بل جَائِز مُمكن ثمَّ الضَّرُورَة خَمْسَة أَنْوَاع. الأول أزلية مثل الله عَالم بِالضَّرُورَةِ الأزلية أَي أزلا وأبدا. وَالثَّانِي ذاتية وَتسَمى مُطلقَة هِيَ مَا دَامَ الذَّات. وَالثَّالِث وَصفِيَّة بِمَعْنى مَا دَامَ الْوَصْف أَو بِشَرْط الْوَصْف أَو لأَجله - وَالرَّابِع وقتية إِمَّا فِي وَقت معِين أَو وقتا مَا - وَالْخَامِس بِشَرْط الْمَحْمُول ثبوتا أَو سلبا فَكل مَحْمُول ضَرُورِيّ بِالشّرطِ. وَاعْلَم أَنه إِذا قيل كل (ج ب) بِالضَّرُورَةِ من غير قيد فأزلية كَمَا فِي الإشارات وذاتية كَمَا فِي (الشِّفَاء) فالأزلية دَاخِلَة فِي الذاتية وَلذَا قَالُوا إِن الضَّرُورَة ذاتية - ووصفية - ووقتية مُعينَة - ووقتية منتشرة - لِأَنَّهَا إِن كَانَت بِحَسب ذَات الْمَوْضُوع وبشرط وجوده فَهِيَ ضَرُورَة ذاتية كَمَا فِي الضرورية الْمُطلقَة مثل كل إِنْسَان حَيَوَان بِالضَّرُورَةِ. وَإِن كَانَت بِحَسب وصف الْمَوْضُوع وبشرط وَصفه فَهِيَ ضَرُورَة وَصفِيَّة مَا فِي الْمَشْرُوطَة الْعَامَّة مثل بِالضَّرُورَةِ كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع مَا دَامَ كَاتبا. وَإِن كَانَت فِي وَقت معِين من أَوْقَات وجود الْمَوْضُوع فَهِيَ ضَرُورَة وقتية مُعينَة كَمَا فِي الوقتية الْمُطلقَة مثل بِالضَّرُورَةِ كل قمر منخسف وَقت الْحَيْلُولَة. وَإِن كَانَت فِي وَقت غير معِين من أَوْقَات وجود الْمَوْضُوع فَهِيَ ضَرُورَة وقتية منتشرة كَمَا فِي المنتشرة الْمُطلقَة مثل بِالضَّرُورَةِ كل إِنْسَان متنفس وقتا مَا. وَلَا يذهب عَلَيْك أَن الضَّرُورَة منحصرة فِي هَذِه الْأَرْبَع لِأَن لَهَا حالات شَتَّى عِنْد الْعقل لكِنهمْ لم يزِيدُوا فِي بَيَان جِهَة النِّسْبَة الضرورية على هَذِه الْأَرْبَع الْمَذْكُورَة فَافْهَم. الضرورية الْمُطلقَة: قَضِيَّة من القضايا الموجهات البسيطة وَهِي قَضِيَّة حكم فِيهَا بضرورة نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع إِيجَابا أَو سلبا بِشَرْط وجود الْمَوْضُوع وَإِنَّمَا سميت ضَرُورَة لاشتمالها على الضَّرُورَة أَي امْتنَاع انفكاك النِّسْبَة بِشَرْط وجود الْمَوْضُوع. ومطلقة لعدم تَقْيِيد الضَّرُورَة الْمُعْتَبرَة لَا بِالْوَصْفِ العنواني وَلَا بِالْوَقْتِ الَّذِي يُوَقت بِهِ فِي الوقتية الْمُطلقَة والمنتشرة الْمُطلقَة مثل كل إِنْسَان حَيَوَان بِالضَّرُورَةِ. وَقد تطلق الضَّرُورَة الْمُطلقَة على مَا حكم فِيهَا بضرورة ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع أزلا وأبدا كَمَا فِي قَوْلك الله تَعَالَى حَيّ بِالضَّرُورَةِ ويخص باسم لَهُ. الضَّرُورَة الأزلية: وَالْأول باسم الضَّرُورَة الذاتية فَإِن ضَرُورَة ثُبُوت الْحَيَوَان للْإنْسَان فِي وَقت وجوده فَهِيَ ضَرُورَة مُقَيّدَة إِذْ لَو لم يُوجد الْإِنْسَان أصلا لم يكن حَيَوَانا وَلَا يلْزم من ذَلِك محَال بِخِلَاف ضَرُورَة ثُبُوت الْمَحْمُول لَهُ تَعَالَى فَإِنَّهَا ضَرُورَة غير مُقَيّدَة بِشَرْط فَإِن انْتِفَاء ثُبُوت الْمَحْمُول لَهُ تَعَالَى مُسْتَحِيل لذاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وَاعْلَم أَن الضَّرُورَة الأزلية أخص مُطلقًا من الضَّرُورَة الْمُطلقَة أَي الضَّرُورَة الذاتية وَأَن الْمنَافِي للضَّرُورَة الذاتية هُوَ الْإِمْكَان بِمَعْنى رفع الضَّرُورَة بِشَرْط الْوُجُود والمنافي للضَّرُورَة الذاتية هُوَ الْإِمْكَان الذاتي وَإِنَّمَا قُلْنَا بِشَرْط وجود الْمَوْضُوع فِي التَّعْرِيف لَا مَا دَامَ الْوُجُود أَي فِي جَمِيع أَوْقَات وجود الْمَوْضُوع لِئَلَّا يُرَاد أَنه لَو كَانَ معنى الضَّرُورَة الْمُطلقَة ضَرُورَة نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع فِي جَمِيع أَوْقَات وجوده لزم أَن لَا تصدق إِلَّا فِي مَادَّة الضَّرُورَة الأزلية لَا فِي مثل كل إِنْسَان مَوْجُود بِالضَّرُورَةِ فَيلْزم أَن لَا تكون الضَّرُورَة الْمُطلقَة أَعم من الضَّرُورَة الأزلية لِأَن وجود الْمَوْضُوع إِذا لم يكن ضَرُورِيًّا فِي وَقت وجوده لم يكن ثُبُوت الْمَحْمُول لَهُ ضَرُورِيًّا فِي ذَلِك الْوَقْت لكنه ضَرُورِيّ الثُّبُوت بِشَرْط وجوده. فَإِن قلت لما اعْتبر شَرط الْوُجُود فِي الضرورية الْمُطلقَة لم يبْق فرق فِي الْمَعْنى بَينهَا وَبَين الْمَشْرُوطَة الْعَامَّة فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف العنواني مَفْهُوم الْوُجُود مثل كل مَوْجُود شَيْء بِالضَّرُورَةِ. قيل لَا مَحْذُور فِي ذَلِك لجَوَاز أَن تكون قَضِيَّة وَاحِدَة ضَرُورِيَّة مُطلقَة من حَيْثُ إِنَّهَا مُشْتَمِلَة على ضَرُورَة مُقَيّدَة بأوقات الْوُجُود مُطلقًا. ومشروطة عَامَّة من حَيْثُ إِنَّهَا مُشْتَمِلَة على ضَرُورَة مُقَيّدَة بأوقات الْوَصْف العنواني. هَذَا مَا يَلِيق بِهَذَا الْكتاب، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. الضَّرُورِيّ: الْمُقَابل للاكتسابي مَا لَا يكون تَحْصِيله مَقْدُورًا أَي مَا لَا يكون بِمُبَاشَرَة الْأَسْبَاب بِالِاخْتِيَارِ والمقابل للاستدلالي مَا يحصل بِدُونِ فكر وَنظر فللاكتسابي أَيْضا إطلاقان. أَحدهمَا مَا يكون بِمُبَاشَرَة الْأَسْبَاب وَهُوَ الاكتسابي الْمُقَابل للضروري بِالْمَعْنَى الأول. وَثَانِيهمَا مَا يكون تَحْصِيله بالفكر وَالنَّظَر فِي الْمُقدمَات. وَبِمَا ذكرنَا من أَن للضروري مَعْنيين يرْتَفع التَّنَاقُض فِي كَلَام صَاحب الْبِدَايَة حَيْثُ قَالَ إِن الْعلم الْحَادِث نَوْعَانِ ضَرُورِيّ وَهُوَ مَا يحدثه الله تَعَالَى فِي نفس الْعَالم من غير كَسبه واختياره كَالْعلمِ بِوُجُودِهِ وَتغَير أَحْوَاله واكتسابي وَهُوَ مَا يحدثه الله تَعَالَى بِوَاسِطَة كسب العَبْد وَهُوَ مُبَاشرَة أَسبَابه. وأسبابه أَي أَسبَاب الْعلم ثَلَاثَة الْحَواس السليمة وَالْخَبَر الصَّادِق وَنظر الْعقل، ثمَّ قَالَ وَالْحَاصِل من نظر الْعقل نَوْعَانِ. ضَرُورِيّ يحصل بِأول النّظر من غير تفكر كَالْعلمِ بِأَن الْكل أعظم من جزئه. واستدلالي يحْتَاج فِيهِ إِلَى نوع تفكر كَالْعلمِ بِوُجُود النَّار عِنْد رُؤْيَة الدُّخان. وَوجه التَّنَاقُض أَنه جعل الضَّرُورِيّ تَارَة قسيما للاكتسابي وَتارَة قسما مِنْهُ. وَوجه الدّفع أَن الضَّرُورِيّ فِي كل من الاعتبارين بِمَعْنى آخر وَصرح صَاحب الخيالات اللطيفة بِعَدَمِ التَّنَاقُض فِي كَلَام صَاحب الْبِدَايَة وَأَن جعل الضَّرُورِيّ بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ مَا لَا يكون حَاصِلا بِمُبَاشَرَة الْأَسْبَاب وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى مُقَابل للكسبي. وَحَاصِل مَا ذكره أَن الْعلم لَا يحصل إِلَّا بالأسباب سَوَاء كَانَت مُبَاشرَة أَو لَا أَي صرفهَا الْعَالم بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَار وَجعلهَا آلَة الْحُصُول الْعلم بِقَصْدِهِ واختياره أَولا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وَصَاحب الْبِدَايَة جعل للضروري معنى وَاحِدًا وَهُوَ مَا لَا يكون حَاصِلا بِمُبَاشَرَة الْأَسْبَاب ثمَّ قسم مُطلق الْأَسْبَاب أَي سَوَاء كَانَت مِمَّا بَاشرهُ الْعَالم بِالِاخْتِيَارِ أَولا إِلَى ثَلَاثَة حَيْثُ قَالَ وأسبابه أَي أَسبَاب الْعلم من غير تَقْيِيده بِالْمُبَاشرَةِ وَغَيرهَا ثَلَاثَة. ثمَّ قسم الْعلم الْحَاصِل بِالسَّبَبِ الْخَاص من تِلْكَ الْأَسْبَاب وَهُوَ نظر الْعقل أَي توجهه وملاحظته مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ بِالْمُبَاشرَةِ أَو لَا إِلَى الضَّرُورِيّ والاستدلالي. وَلَا شكّ أَنه لَا يلْزم من ذَلِك كَون قسيم الشَّيْء قسما مِنْهُ إِذْ لَيْسَ نظر الْعقل من أَسبَاب الْمُبَاشرَة حَتَّى يكون الْعلم الْحَاصِل بِهِ حَاصِلا بِسَبَب الْمُبَاشرَة فَيكون دَاخِلا فِي الكسبي وَيكون الضَّرُورِيّ قسما مِنْهُ فَيلْزم التَّنَاقُض بل هُوَ شَامِل لنظر الْعقل وتوجهه الَّذِي لَا يكون على وَجه الْمُبَاشرَة كَمَا فِي الوجدانيات كَالْعلمِ بِوُجُودِهِ وَتغَير أَحْوَاله فَإِنَّهَا حَاصِلَة بملاحظة الْعقل الَّتِي لَيست بمقدرة العَبْد وَيكون على وَجه الْمُبَاشرَة كَمَا فِي النظريات والبديهيات الَّتِي سوى الوجدانيات فَإِنَّهَا حَاصِلَة بملاحظة الْعقل الَّتِي هِيَ حَاصِلَة بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَار فَمَا حصل مِنْهُ بِدُونِ الْمُبَاشرَة يكون ضَرُورِيًّا وَمَا حصل مِنْهُ بِالْمُبَاشرَةِ يكون نظريا استدلاليا فَافْهَم. فَإِن قيل تَعْرِيف الضَّرُورِيّ بِمَا لَا يكون تَحْصِيله مَقْدُورًا للبشر لَيْسَ بمانع لصدقه على الْعلم بِحَقِيقَة الْوَاجِب مَعَ أَنه لَيْسَ بضروري بالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا يصدق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ علم من شَأْنه الْحُصُول وَلَيْسَ تَحْصِيله مَقْدُورًا للبشر قُلْنَا لَيْسَ المُرَاد بالموصول فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُور الْعلم مُطلقًا أَي الْحَاصِل وَمَا من شَأْنه الْحُصُول وَإِن لم يحصل بل المُرَاد بِهِ الْعلم الْحَاصِل بِالْفِعْلِ أَي وقتا من الْأَوْقَات بِقَرِينَة أَن الضَّرُورِيّ من أَقسَام الْعلم الْحَادِث لِأَن المُرَاد بِالْعلمِ المنقسم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق المنقسمين إِلَى الضَّرُورِيّ والكسبي إِنَّمَا هُوَ الْعلم الْحَادِث كَمَا حقق فِي مَوْضِعه والحدوث يسْتَلْزم الْحُصُول إِذْ الْعلم بِحَقِيقَة الْوَاجِب تَعَالَى لَيْسَ بحاصل فَإِن جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين ذَهَبُوا إِلَى أَن الْعلم بحقيقته تَعَالَى مُمكن غير حَاصِل بِمُبَاشَرَة الْأَسْبَاب بِمَعْنى أَنه لم يجر عَادَته بخلقه بعد اسْتِعْمَال أَسبَاب الْعلم إِلَّا أَنه لَيْسَ بحاصل. وَذهب الْحُكَمَاء وَبَعض الْمُتَكَلِّمين إِلَى امْتنَاع الْعلم بحقيقته تَعَالَى فَلَيْسَ من شَأْنه الْحُصُول عِنْدهم. فَإِن قيل الْعلم عبارَة عَن الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء عِنْد الْعقل فالحصول مُعْتَبر فِي ماهيته فالموصول الْمَذْكُور لَا يكون عبارَة إِلَّا بِالْعلمِ الْحَاصِل لَا بِمَا يعم الْحَاصِل وَمَا من شَأْنه الْحُصُول وَإِن لم يحصل فَلَا حَاجَة إِلَى تَقْيِيد الْعلم بالحاصل فِي تَفْسِير الْمَوْصُول. قُلْنَا تَعْرِيف الْعلم بالصورة الْحَاصِلَة إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْحُكَمَاء فَلَا حَاجَة إِلَى التَّقْيِيد الْمَذْكُور عِنْدهم. وَأما عِنْد الْمُتَكَلِّمين فَلَيْسَ الْحُصُول مُعْتَبرا فِي ماهيته لأَنهم عرفوه بِأَنَّهُ صفة توجب تمييزا الخ فَلَا بُد من ذَلِك التَّقْيِيد عِنْدهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 (بَاب الضَّاد مَعَ الْعين الْمُهْملَة) الضَّعِيف: ضد الْقوي، وَفِي الْعرف مَا يكون فِي ثُبُوته شكّ كقرطاس بِضَم الْقَاف فِي قرطاس بِكَسْرِهَا. وَفِي أصُول الحَدِيث الضَّعِيف هُوَ الحَدِيث الَّذِي يكون أدنى مرتبَة من الْحسن، وَضَعفه قد يكون لضعف الروَاة لعدم الْعَدَالَة وَسُوء الْحِفْظ أَو للتُّهمَةِ فِي العقيدة، وَقد يكون لعلل أُخْرَى مثل الْإِرْسَال والانقطاع والتدليس. (بَاب الضَّاد مَعَ اللَّام) الضلع: يُطلق فِي الْأَكْثَر على الخطوط المحيطة بالمربع. الضلال: فقدان مَا يُوصل إِلَى الْمَطْلُوب وَقيل هُوَ سلوك طَرِيق لَا يُوصل إِلَيْهِ. (بَاب الضَّاد مَعَ الْمِيم) الضَّم: (يكى رابديكى جسبانيدن) وَنَوع من أَنْوَاع ألقاب الْبناء وتحقيقه مَعَ تَحْقِيق الضمة. الضمة: فِي الرّفْع. الضَّمَان: المَال الَّذِي يكون عينه قَائِما وَلَا يُرْجَى الِانْتِفَاع بِهِ كالمغصوب وَالْمَال المجحود إِذا لم تكن عَلَيْهِ بَيِّنَة. ضَمَان الدَّرك: رد الثّمن للْمُشْتَرِي عِنْد اسْتِحْقَاق الْمَبِيع بِأَن يَقُول تكفلت بِمَا يدركك فِي هَذَا الْمَبِيع. ضَمَان الْعَيْب: مَا يكون مَضْمُونا بِالْقيمَةِ. ضَمَان الرَّهْن: مَا يكون مَضْمُونا بِالثّمن قل أَو كثر. الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى النكرَة نكرَة: قَول مَشْهُور لَكِن الْحق الِاخْتِلَاف بَين النُّحَاة أَنه نكرَة أَو معرفَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 ( [حرف الطَّاء] ) (بَاب الطَّاء مَعَ الْألف) طَال مَا: قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله فِي حَوَاشِيه على تَفْسِير القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله ولطال مَا الخ تَوْطِئَة للقسم أَو للتَّأْكِيد وَمَا مَصْدَرِيَّة وَلذَا كتبت مفصولة فِي عَامَّة النّسخ وَفِي الْإِيضَاح مَا فِي طَال مَا وقلما كَافَّة بِدَلِيل عدم اقتضائهما الْفَاعِل وتهيئهما لوُقُوع الْفِعْل بعدهمَا وحقها أَن تكْتب مَوْصُولَة بهما كَمَا فِي رُبمَا وَإِنَّمَا للمعنى الْجَامِع بَينهمَا كَذَا قَالَه ابْن جني. وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه لَا يجوز أَن يُوصل بِمَا شَيْء من الْأَفْعَال سوى نعم وَبئسَ وَالْقَوْل هُوَ الأول. الطَّاهِر: فِي اللُّغَة باك كَمَا أَن الطّيب فِي اللُّغَة خوس وخوشبو وَالْفرق بَينه وَبَين الطّيب أَن الطّيب قد يَنْفَكّ عَن الطَّاهِر وَكَذَا على الْعَكْس لِأَنَّهُ كم من طيب لَا يكون طَاهِرا كالمسك والعنبر لِأَن العنبر من رَوْث الْبَقر والمسك يكون من دم الغزال وَكَذَا أَيْضا كم من طَاهِر لَا يكون طيبا كَالْمَاءِ وَالتُّرَاب والطاهر فِي الْعرف من عصمَة الله تَعَالَى من المخالفات. طَاهِر الظَّاهِر: من عصمَة الله تَعَالَى من الْمعاصِي. طَاهِر الْبَاطِن: من عصمَة الله تَعَالَى من الوساوس والهواجس. طَاهِر السِّرّ: من لَا يذهل عَن الله تَعَالَى طرفَة عين. طَاهِر السِّرّ وَالْعَلَانِيَة: من قَامَ بتوفيقه بِحُقُوق الْحق والخلق جَمِيعًا لسعيه برعاية الْجَانِبَيْنِ. الطَّاعَة: مُوَافقَة الْأَمر عندنَا وَعند الْمُعْتَزلَة هِيَ مُوَافقَة الْإِرَادَة. طالع الْوَقْت: عبارَة عَن البرج الَّذِي يكون طالعا فِي ذَلِك الْوَقْت فطالع الْمَوْلُود هُوَ البرج الَّذِي يكون طالعا وَقت وِلَادَته. وَإِن أردْت أَن تعرف أَن فِي هَذَا الْوَقْت أَي برج من البروج طالع وأية دَرَجَة مِنْهُ طالعة. فالضابطة أَن تضرب مَا مضى من اللَّيْل أَو الْيَوْم وَقت السُّؤَال فِي السِّتَّة وزد على الْحَاصِل الدَّرَجَات الْمَاضِيَة من البرج الَّذِي الشَّمْس فِيهِ ثمَّ أقسم الْحَاصِل بِأَن يُعْطي لكل برج من البروج الَّذِي الشَّمْس فِيهِ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ فالمنتهى هُوَ البرج الطالع ودرجته. فَتلك الدرجَة إِمَّا دَرَجَة فَرح كَوْكَب أَو شرفه أَو هُبُوطه أَو وباله فاحكم بِحَالهِ ومآله مثلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 إِذا أردنَا أَن نَعْرِف طالع الْوَقْت من الْيَوْم الَّذِي مضى مِنْهُ خَمْسَة عشر طاسا فلنضرب خَمْسَة عشر فِي السِّتَّة صَار تسعين وَالشَّمْس حِينَئِذٍ مثلا فِي السرطان فِي الدرجَة السَّادِسَة عشر فزدنا سِتَّة عشر على تسعين صَار مائَة وَسِتَّة وابتدأنا من السرطان الَّذِي الشَّمْس فِيهِ فَإِذا قسمنا لكل برج من السرطان ثَلَاثِينَ انْتهى بِدَرَجَة السَّادِسَة عشر من الْمِيزَان فَعرفنَا أَن البرج الطالع فِي ذَلِك الْوَقْت هُوَ الْمِيزَان والدرجة الطالعة مِنْهُ هِيَ الدرجَة السَّادِسَة عشر. وَإِن أردْت أَن تعرف فَرح الْكَوَاكِب وإخواته فَارْجِع إِلَى شرف الْكَوَاكِب، (هركاه دانستي طالع رابس بدانكه اكرفرزندي تولدشودبس اكر طالع اَوْ خانه اول بوديعني برج اول دلالت كندبر صحت جَان وتن فرزند واكرخانه دوم بوددلالت كندبر مَال ومعيشت فرزند) وَقس عَلَيْهِ الْبَوَاقِي وَانْظُر إِلَى هَذِه الزائجة. (بَاب الطَّاء مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الطباع: بِالْكَسْرِ مبدأ الْأَفْعَال الذاتية الكائنة لما هُوَ فِيهِ سَوَاء كَانَ مَعَ الشُّعُور أم لَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 الطبيعة: مبدأ الْأَفْعَال الذاتية الكائنة لما هُوَ فِيهِ بِلَا شُعُور وَإِرَادَة وَقد يُرَاد بهَا الْقُوَّة السارية فِي الْأَجْسَام بهَا يصل الْجِسْم إِلَى كَمَاله الطبيعي. وَقد تطلق الطبيعة وَيُرَاد بهَا الْحَقِيقَة والذات. والأطباء يستعملون لفظ الطبيعة على المزاج وعَلى الْحَرَارَة الغريزية وعَلى الْقُوَّة النباتية. قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي الْحَاشِيَة على المطول فِي فن الْبَيَان أَن الطبيعة فِي اللُّغَة السجية الَّتِي جبل وطبع عَلَيْهَا سَوَاء صدرت عَنْهَا صِفَات نفسية أَو لَا نعم قد أطْلقُوا فِي الِاصْطِلَاح الطباع والطبيعة على الصُّورَة النوعية. قَالُوا الطباع أَعم مِنْهَا لِأَنَّهُ يُقَال على مصدر الصّفة الذاتية الأولية لكل شَيْء. والطبيعة قد تخص بِمَا يصدر عَنْهَا الْحَرَكَة والسكون فِيمَا هُوَ فِيهِ أَولا وبالذات من غير إِرَادَة. وَقَالَ الْمُحَقق جلال الْعلمَاء رَحمَه الله فِي حَاشِيَته الْقَدِيمَة أَن الطباع أَعم من الطبيعة قيل إِن مَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله جبل عَلَيْهَا الْإِنْسَان يلْزم مِنْهُ أَن لَا تطلق الطبيعة فِي اللُّغَة على سجية غير الْإِنْسَان من الْحَيَوَانَات. وَالْجَوَاب أَن هَذَا من التعريفات اللفظية فَيجوز بالأخص وَكَذَا قيل فِي قَوْله رَحمَه الله تَعَالَى طبع عَلَيْهَا لِأَنَّهُ تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ. وَجَوَابه منع كَونه من تَتِمَّة التَّعْرِيف وَيُمكن جَوَابه أَيْضا بِمَا سبق. الطبيعة الْمُطلقَة: قَالَ الزَّاهِد رَحمَه الله تَعَالَى إِن الْكُلِّي يُؤْخَذ على نحوين يُؤْخَذ من حَيْثُ هُوَ وَلَا يُلَاحظ مَعَه الْإِطْلَاق وَيُقَال لَهُ مُطلق الطبيعة وَحِينَئِذٍ يَصح إِسْنَاد أَحْكَام الْأَفْرَاد إِلَيْهِ لاتحاده مَعهَا ذاتا ووجودا وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار يتَحَقَّق بتحقق فَرد وينتفي بانتفائه وَهُوَ مَوْضُوع الْقَضِيَّة الْمُهْملَة إِذْ موجبتها تصدق بِصدق الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة وسالبتها تصدق بِصدق السالبة الْجُزْئِيَّة وَيُؤْخَذ من حَيْثُ إِنَّه مُطلق ويلاحظ مَعَه الْإِطْلَاق لَا بِأَن يكون الْإِطْلَاق قيدا لَهُ وَإِلَّا لَا يبْقى مُطلقًا بل بِأَن يكون عنوانا لملاحظته وشرحا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 لحقيقته وَيُقَال لَهُ الطبيعة الْمُطلقَة وَحِينَئِذٍ لَا يَصح إِسْنَاد أَحْكَام الْأَفْرَاد إِلَيْهِ لِأَن الْحَيْثِيَّة الإطلاقية تأبى عَنهُ وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار يتَحَقَّق بتحقق فَرد وَلَا يَنْتَفِي بانتفائه بل بِانْتِفَاء جَمِيع الْأَفْرَاد وَهُوَ مَوْضُوع الْقَضِيَّة الطبيعية. الطبيعي: أَي أَمر طبيعي يَقْتَضِيهِ الطَّبْع. وَعند الْحُكَمَاء علم بأحوال مَا يفْتَقر إِلَى الْمَادَّة فِي الْوُجُود الْخَارِجِي والتعقل كالإنسان بِاعْتِبَار أَنه نوع من أَنْوَاع الْحَيَوَان الَّذِي هُوَ نوع من أَنْوَاع الْجِسْم الطبيعي وَإِلَّا فالإنسان بِاعْتِبَار الْمَاهِيّة دَاخل فِي الْعلم الْأَعْلَى - وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم بالطبيعي لِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن الْجِسْم الطبيعي. الطباق: فِي اصْطِلَاح البديع هُوَ الْجمع بَين مَعْنيين مُتَقَابلين بِأَيّ تقَابل كَانَ وَلَو كَانَ التقابل فِي الْجُمْلَة أَي فِي بعض الصُّور وَبَعض الْأَحْوَال وَيكون ذَلِك الْجمع بلفظين من نوع وَاحِد من أَنْوَاع الْكَلِمَة من اسْمَيْنِ نَحْو وتحسبهم أيقاظا وهم رقود. أَو من فعلين نَحْو يحيي وَيُمِيت، أَو من حرفين نَحْو لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت أَو من نَوْعَيْنِ نَحْو أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه والطباق نَوْعَانِ طباق الْإِيجَاب كَمَا مر - وطباق السَّلب وَهُوَ أَن يجمع بَين فعلي مصدر وَاحِد - أَحدهمَا مُثبت وَالْآخر منفي أَو أَحدهمَا أَمر وَالْآخر نهي - فَالْأول نَحْو وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا - وَالثَّانِي نَحْو فَلَا تخشوا النَّاس واخشوني، وَيُسمى الطباق عِنْدهم بالتضاد والمطابقة أَيْضا. الطِّبّ: علم يعرف بِهِ حفظ الصِّحَّة وبرء الْمَرَض وَهُوَ أقدم الْعُلُوم وأهمها وَلذَا قدمه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على سَائِر الْعُلُوم كَمَا رُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْعلم علمَان علم الْأَبدَان وَعلم الْأَدْيَان - وَالْأَحَادِيث المأثورة فِي علمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالطب لَا تحصى وَقد جمع مِنْهَا دواوين. وَاخْتلف فِي مبدأ هَذَا الْعلم على أَقْوَال كَثِيرَة حَكَاهَا ابْن أصيبعة فِي طَبَقَات الْأَطِبَّاء وَالْمُخْتَار أَن بعضه علم بِالْوَحْي إِلَى بعض الْأَنْبِيَاء وسائره بالتجارب لما روى الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نَبِي الله سُلَيْمَان كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي رأى شَجَرَة نابتة بَين يَدَيْهِ فَيَقُول لَهَا مَا اسْمك فَتَقول كَذَا فَيَقُول لأي شَيْء أَنْت فَتَقول لكذا فَإِن كَانَت لدواء كتبت وَإِن كَانَت من غرس غرست الحَدِيث. حُكيَ أَن رجلا مصورا كَانَ فِي زمَان ديوجانس الْحَكِيم فَترك التَّصْوِير وَصَارَ طَبِيبا فَقَالَ لَهُ أَحْسَنت أَنَّك لما رَأَيْت خطأ التَّصْوِير ظَاهرا للعين وَخطأ الطِّبّ يواريه التُّرَاب تركت التَّصْوِير وَدخلت فِي الطِّبّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 الطِّبّ الروحاني: هُوَ الْعلم بكمالات الْقُلُوب وإفادتها وأمراضها وأدويتها وبكيفية حفظ صِحَّتهَا واعتدالها. الطَّبِيب الروحاني: هُوَ الشَّيْخ الْعَارِف بذلك الطِّبّ الْقَادِر على الْإِرْشَاد والتكميل. (بَاب الطَّاء مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الطّرف بِفَتْح الأول وَسُكُون الثَّانِي تَحْرِيك الْعين الباصرة ومنزل من منَازِل الْقَمَر ونجمان يُقَال لَهما عين الْأسد. وبالفتحتين جُزْء من الشَّيْء ونهايته وَإِن أردْت تَحْقِيق الطّرف الَّذِي فِي بَاب الْجَبْر والمقابلة فَانْظُر فِي الْجَبْر. الطرفان: المُرَاد بهما فِي الْفِقْه أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى لِأَن أَبَا حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أستاذ فَقَط وَمُحَمّد تلميذ فَقَط فَكَانَ أَبُو حنيفَة طرفا وَمُحَمّد طرفا فَكَانَا طرفين - وطرفا الْقَضِيَّة إِمَّا الْمَوْضُوع والمحمول أَو الْمُقدم والتالي. الطَّرِيق: مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ إِلَى الْمَطْلُوب وَهُوَ على نَوْعَيْنِ طَرِيق لمي وَطَرِيق أَنِّي وتعريفاهما فِي الدَّلِيل وَعند أهل الْحَقَائِق عبارَة عَن أوَامِر اسْم الله تَعَالَى وَأَحْكَامه التكليفية المشروعية الَّتِي لَا رخصَة فِيهَا. الطَّرْد فِي الْمَشْهُور التلازم فِي الثُّبُوت وَالتَّفْصِيل فِي الاطراد وَفِي الأَصْل الطَّرْد وجوب الحكم بِوُجُود الْعلَّة وَلَا شكّ أَن اللَّازِم الْمَذْكُور لَازم لذَلِك الْوُجُوب فَمَا هُوَ الْمَشْهُور أَن الطَّرْد هُوَ التلازم الْمَذْكُور تَفْسِير باللازم. الطَّرِيقَة: هِيَ السِّيرَة المختصة بالسالكين إِلَى الله تَعَالَى من قطع الْمنَازل والترقي فِي المقامات. الطَّرِيقَة المتحرقة: هِيَ الدَّرَجَات الَّتِي بَين هبوط الشَّمْس وهبوط الْقَمَر وَهِي من أول الدرجَة التَّاسِعَة عشر من الْمِيزَان إِلَى أول الدرجَة الرَّابِعَة من الْعَقْرَب وَالْقَمَر فِيهَا يكون منحوسا. الطردية: فِي الْعلَّة الطردية إِن شَاءَ الله تَعَالَى. طَريقَة أهل السّنة: أَي عقائدهم وأعمالهم أَن الْعَالم حَادث بحدوث زماني والصانع قديم متصف بِصِفَات قديمَة لَيست عينه - وَلَا غَيره - وَاحِد لَا شبه لَهُ - وَلَا ضد لَهُ - وَلَا ند لَهُ - وَلَا صُورَة - وَلَا حد - لَا يحل فِي شَيْء - وَلَا يقوم بِهِ حَادث - وَلَا يَصح عَلَيْهِ الْحَرَكَة والانتقال - وَلَا الْجَهْل - وَالْكذب - وَالنَّقْص - وَأَنه يرى فِي الْآخِرَة - وَلَيْسَ فِي حيّز - وَلَا فِي جِهَة - مَا شَاءَ كَانَ - وَمَا لم يَشَأْ لم يكن - وَلَا يحْتَاج إِلَى شَيْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 - وَلَا يجب عَلَيْهِ شَيْء - كل الْمَخْلُوقَات بِقَضَائِهِ وَقدره وإرادته ومشيئته. لَكِن القبائح مِنْهَا لَيست بِرِضَاهُ وَأمره ومحبته. وَإِن الْمعَاد الجسماني وَسَائِر مَا ورد بِهِ السّمع من عَذَاب الْقَبْر - والحساب - والصراط - وَالْمِيزَان - وَغير ذَلِك حق. وَإِن الْكفَّار مخلدون فِي النَّار دون الْفُسَّاق - وَإِن الْعَفو - والشفاعة حق. وَإِن أَشْرَاط السَّاعَة من خُرُوج الدَّجَّال - ويأجوج وَمَأْجُوج - ونزول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام - وطلوع الشَّمْس من مغْرِبهَا - وَخُرُوج دَابَّة الأَرْض حق، وَأول الْأَنْبِيَاء آدم عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَآخرهمْ مُحَمَّد الْمُصْطَفى خَاتم الْأَنْبِيَاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأول الْخُلَفَاء أَبُو بكر الصّديق - ثمَّ عمر الْفَارُوق - ثمَّ عُثْمَان ذُو النورين - ثمَّ عَليّ المرتضى رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ، والأفضلية بِهَذَا التَّرْتِيب مَعَ التَّرَدُّد فِيهَا بَين عُثْمَان وَعلي. وَالْإِمَام الْهمام مُحَمَّد الْمهْدي سيولد منتظر مَجِيئه فِي آخر الزَّمَان لَا أَنه مَوْجُود فِي الْحَال مختف لخوف الْأَعْدَاء. وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ جَائِز - وَغسل الرجلَيْن إِلَى الْكَعْبَيْنِ فرض. (بَاب الطَّاء مَعَ الْعين الْمُهْملَة) الطّعْم: مَعْرُوف وأنواعه تِسْعَة وَهِي المرارة - والحرافة - والملوحة والعفوصة - والحموضة - وَالْقَبْض - والحلاوة - والدسومة - والتفاهة. ثمَّ يحصل بِحَسب التراكيب أَنْوَاع لَا تحصى. (بَاب الطَّاء مَعَ الْغَيْن الْمُعْجَمَة) الطغيان: مُجَاوزَة الْحَد فِي الْعِصْيَان. (بَاب الطَّاء مَعَ الْفَاء) الطفرة: فِي اللُّغَة الوثبة يَعْنِي (جستن) يُقَال طفر يطفر طفورا. فِي التَّجْرِيد والضرورة قَضَت بِبُطْلَان الطفرة وَالْمرَاد هَا هُنَا انْتِقَال جسم من أَجزَاء الْمسَافَة إِلَى أَجزَاء آخر مِنْهَا من غير أَن يُحَاذِي مَا بَينهمَا من أَجْزَائِهَا. وَقَالَ بعض الأجلة الطفرة بالفارسي جستن والنظام من الْعلمَاء الْمُعْتَزلَة قَائِل بالطفرة وَهِي أَن يقطع المتحرك مَسَافَة بِحَيْثُ يثب ويطفر من مَكَان إِلَى مَكَان من غير أَن يُحَاذِي بالمسافة المتوسطة والنظام على وزن الْغُلَام فاحفظ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 الطفاوة: بِالضَّمِّ دَائِرَة بَيْضَاء تَامَّة وناقصة ترى حول الشَّمْس وَهِي نادرة جدا لِأَن الشَّمْس تحلل السحب الرقيقة. وَقد حكى الشَّيْخ أَبُو عَليّ بن سيناء فِي الشِّفَاء أَنه رأى حولهَا تَارَة الهالة التَّامَّة وَتارَة الهالة النَّاقِصَة على ألوان قَوس قزَح فِي السَّمَاء. الطِّفْل: الصَّبِي حِين يسْقط من الْبَطن إِلَى أَن يَحْتَلِم وَقبل سُقُوطه يُسمى جَنِينا وَإِنَّمَا سمي طفْلا لِأَنَّهُ يتبع لكل شَيْء كالطفيلي كَمَا أَن الصَّبِي إِنَّمَا سمي صَبيا لِأَنَّهُ يصبو أَي يمِيل إِلَى كل شَيْء لَا سِيمَا الملاعب. (بَاب الطَّاء مَعَ اللَّام) الطلسم: علم يتعرف مِنْهُ كَيْفيَّة تمزيج القوى الْعَالِيَة الفعالة بالسافلة المنفعلة ليحدث عَنْهَا أَمر غَرِيب فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد وَاخْتلف فِي معنى الطلسم وَالْمَشْهُور أَقْوَال ثَلَاثَة الأول أَن الطل بِمَعْنى الْأَثر فَالْمَعْنى أثر اسْم الثَّانِي أَنه لفظ يوناني مَعْنَاهُ عقد لَا ينْحل الثَّالِث أَنه كِنَايَة عَن مسلط وَعلم الطلسمات أسْرع تناولا من علم السحر وَأقرب مسلكا وللسكاكي فِي هَذَا الْفَنّ كتاب جليل الْقدر عَظِيم الْخطر. وَأَيْضًا قَالُوا إِن الطلسم عبارَة بتمزيج القوى الفعالة السماوية بالقوى المنفعلة الأرضية ليظْهر من ذَلِك آثَار غَرِيبَة وأفعال عَجِيبَة وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد الْحُكَمَاء بالليمياء كَمَا أَن الْعلم بتبديل قوى الْأَجْسَام المعدنية بَعْضهَا بِبَعْض ليحصل مِنْهُ الذَّهَب وَالْفِضَّة يسمونه بالكيمياء وَلَهُم عُلُوم أخر من هَذَا الْبَاب من الْعُلُوم الغريبة مثل السيمياء وَهُوَ الْعلم الَّذِي يتَصَرَّف بِهِ فِي خيال الْإِنْسَان ليحدث مِنْهُ مثالات خيالية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج ويلتذ بهَا ويفزع عَنْهَا كَمَا يلتذ يفزع بالصور الخارجية والهيمياء وَهُوَ الْعلم بأحوال السيارات السَّبْعَة من حَيْثُ إِنَّهَا تتصرف فِي السفليات ودعوتها وتسخيرها وَمَا يتَعَلَّق بذلك وَمِنْه تسخير الجنيات والريمياء وَهُوَ الْعلم بتمزيج القوى الأرضية بَعْضهَا بِبَعْض ليحدث مِنْهُ فعل غَرِيب وَمِنْه الشعبذة وَقد عبروا عَن هَذِه الْعُلُوم الْخَمْسَة وأشاروا إِلَيْهَا بحروف (كُله سر) الْحَاصِل من جمع الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل أَسمَاء فِي الْعُلُوم. الطل: بِالْفَارِسِيَّةِ (شب نم) ، وَفِي الصِّحَاح الطل أَضْعَف الْمَطَر وَالْجمع طلال. الطلل: مَا شخص من آثَار الديار وَجمعه أطلال. الطَّلَاق: اسْم بِمَعْنى التَّطْلِيق كالسلام بِمَعْنى التَّسْلِيم ومصدر طلقت الْمَرْأَة وَهُوَ فِي اللُّغَة رفع الْقَيْد مُطلقًا والتخلية من إِطْلَاق الْبَعِير. وَهُوَ إرْسَاله من عقاله وَفِي الشَّرْع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 رفع الْقَيْد الثَّابِت شرعا بِالنِّكَاحِ وَإِزَالَة ذَلِك النِّكَاح وَيَقَع طَلَاق كل زوج عَاقل بَالغ وَلَو مكْرها على الطَّلَاق وأخرس بإشارته وَعبد أَو سَكرَان من الْخمر أَو النَّبِيذ أما إِذا سكر من البنج أَو من الْأَدْوِيَة لَا يَقع بِالْإِجْمَاع. فِي خزانَة الرِّوَايَات وَإِن شرب من الْأَشْرِبَة المتخذة من الْحُبُوب والفواكه وَالْعَسَل إِذا طلق أَو أعتق اخْتلفُوا فِيهِ قَالَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَر رَحمَه الله تَعَالَى الصَّحِيح أَنه كَمَا لَا يلْزمه الْحَد لَا ينفذ تصرفه. فِي الحمادية من الْجَوَاهِر فِي طَلَاق السَّكْرَان اخْتلفت الرِّوَايَات وَاخْتلف الْمَشَايِخ وَقَالَ أفتى بالوقوع سدا للشُّرْب بِقدر الوسع وَهُوَ الْأَظْهر من الْمَذْهَب. وَإِن كَانَت الرِّوَايَة الْأُخْرَى هِيَ الأقيس. فِي الْخُلَاصَة وَلَو شرب من الْأَشْرِبَة الَّتِي تتَّخذ من الْحُبُوب وَالْعَسَل فَسَكِرَ وطلق لَا يَقع عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَأبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى خلافًا لمُحَمد رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن سُئِلَ كَيفَ إِذا لم يُطلق يَقع الطَّلَاق. فَالْجَوَاب أَن الزَّوْج إِذا قَالَ أَنْت طَالِق مَا لم أطلقك أَو مَتى لم أطلقك أَو مَتى مَا لم أطلقك وَسكت طلقت. ثمَّ اعْلَم أَن السّنيَّة فِي الطَّلَاق وبدعيته بِاعْتِبَار الْوَقْت وَالْعدَد فَإِن كَانَ الطَّلَاق فِي طهر لَا وطئ فِيهِ يكون سنيا وَفِيمَا سواهُ بدعيا من حَيْثُ الْوَقْت. فالطهر الَّذِي لَا وطئ فِيهِ وَقت يَجْعَل الطَّلَاق سنيا وَالْوَقْت الَّذِي سواهُ يَجْعَل الطَّلَاق بدعيا. وَإِن كَانَ الطَّلَاق وَاحِدًا يكون سنيا وَمَا سواهُ بدعيا من حَيْثُ الْعدَد. فالعدد الْوَاحِد هُوَ الَّذِي يكون الطَّلَاق بِحَسبِهِ سنيا وَبِمَا سواهُ بدعيا. وَالسّنة فِي الْوَقْت تثبت فِي الْمَدْخُول بهَا خَاصَّة وَهُوَ أَن يطلقهَا فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ. وَالسّنة فِي الْعدَد تستوي فِيهَا الْمَدْخُول بهَا وَغير الْمَدْخُول بهَا فالطلاق الْوَاحِد سَوَاء كَانَ فِي الْحيض أَو الطُّهْر لغير الْمَدْخُول بهَا خَاصَّة سني وَالطَّلَاق لَيْسَ بموقوف على رضى الْمَرْأَة. وَهَا هُنَا مغالطة ستقف عَلَيْهَا فِي النِّكَاح إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمَا فَوْقه فِي حَقّهَا وَفِي حق غَيرهَا بدعي. فَإِن كَانَ فِي طهر لَا وطئ فِيهِ يكون سنيا من حَيْثُ الْوَقْت وَإِلَّا فَيكون بدعيا من حَيْثُ الْوَقْت أَيْضا. وَالطَّلَاق أبْغض الْمُبَاحَات وَإِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ لحَاجَة الْخَلَاص وَدفع الضَّرَر عَن نَفسه وَهَذَا يحصل من الْوَاحِد وَالزَّائِد زَائِد لَا حَاجَة إِلَيْهِ. الطَّلَاق الصَّرِيح: مَا اسْتعْمل فِي الطَّلَاق دون غَيره أَي كل لفظ مَوْضُوع للطَّلَاق بَين قوم لَا يُرِيدُونَ بِهِ إِلَّا الطَّلَاق فَهُوَ صَرِيح عَرَبيا كَانَ أَو فارسيا أَو غير ذَلِك وَالْوَاقِع بِهِ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ إِذا كَانَت مدخولة وَإِلَّا فالبائن. الطَّلَاق بِالْكِنَايَةِ: هِيَ فِي اللُّغَة مَا استتر مَعْنَاهُ. وَفِي الشَّرْع مَا يحْتَمل الطَّلَاق وَغَيره وَلَا تطلق الْمَرْأَة إِلَّا بنية الطَّلَاق أَو دلَالَة الْحَال كمذاكرة الطَّلَاق وَهَذِه الْحَالة أدل على الطَّلَاق من النِّيَّة. وألفاظ الْكِنَايَات فِي كتب الْفِقْه وَالْوَاقِع بهَا الطَّلَاق الْوَاحِد الْبَائِن إِلَّا فِي اعْتدي واستبرئي رَحِمك وَأَنت وَاحِدَة فَإِنَّهَا تطلق بِهَذِهِ الثَّلَاثَة بِطَلْقَة وَاحِدَة رَجْعِيَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 الطَّلَاق الرَّجْعِيّ: هُوَ الطَّلَاق الَّذِي لَا يحرم الوطئ فِي الْعدة فَإِن وطئ فِيهَا وَقَالَ رَاجَعتك فِي الْحَضَر أَو راجعت امْرَأَتي فِي الْحَضَر والغيبة أَو فعل مَا يُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة يكون النِّكَاح بَاقِيا على مَا كَانَ وَبعد مُضِيّ الْعدة تبين فَيحرم الوطئ ودواعيه وَيحْتَاج إِلَى نِكَاح جَدِيد. وَاعْلَم أَن الزَّوْج بعد الطَّلَاق الرَّجْعِيّ سَوَاء كَانَ وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ وَسَوَاء رَجَعَ أَو لَا يبْقى مَالِكًا للاثنين أَو الْوَاحِد. هَذَا إِذا كَانَت حرَّة وَإِن كَانَت أمة فَبعد الطَّلَاق الرَّجْعِيّ الْوَاحِد يبْقى الطَّلَاق الْوَاحِد فِي ملكه لِأَن طَلَاق الْحرَّة ثَلَاث سَوَاء كَانَ زَوجهَا حرا أَو عبدا وَطَلَاق الْأمة ثِنْتَانِ سَوَاء كَانَت تَحت حر أَو عبد. الطَّلَاق الْبَائِن: هُوَ الطَّلَاق الْمحرم للوطئ ودواعيه فَيحْتَاج إِلَى النِّكَاح الْجَدِيد فِي الْعدة أَو بعْدهَا وَالزَّوْج بعد الطَّلَاق الْبَائِن يبْقى مَالِكًا للاثنين إِن كَانَت حرَّة وَإِلَّا فللواحد لما مر. الطَّلَاق المغلظ: أَي الشَّديد هُوَ الثَّلَاث إِن كَانَت حرَّة وَاثْنَتَانِ إِن كَانَت أمة وَلَا ينْكح المباينة بِهَذَا الطَّلَاق إِلَّا إِذا وَطئهَا غَيره وَلَو مراهقا بِنِكَاح صَحِيح ويمضي عدته لَا بِملك يَمِين. فِي الْمُضْمرَات وَلَو اشْترى تِلْكَ الْأمة بعْدهَا طَلقهَا تَطْلِيقَتَيْنِ لَا يحل لَهُ الوطئ بِملك الْيَمين حَتَّى تنْكح زوجا آخر وَيدخل بهَا. فِي دستور الْقُضَاة رجل تزوج امْرَأَة فَطلقهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَة وَاحِدَة وَقع الثَّلَاث فَأَرَادَ بعد الطَّلَاق جَوَاز العقد فَالْحِيلَةُ أَن تسْأَل الْمَرْأَة عَن شُرُوط الْإِسْلَام فَإِن كَانَت عَالِمَة لَا يجوز العقد بِغَيْر العقد الثَّانِي. وَإِن كَانَت جاهلة عرض القَاضِي الشُّرُوط على الْمَرْأَة فَبَطل الأول بكفرها ثمَّ العقد الثَّانِي يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَزفر رَحِمهم الله تَعَالَى انْتهى. وَفِي شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة لأبي المكارم رَحمَه الله فَإِن علق الثَّلَاث بِشَرْط ثمَّ أَرَادَ أَن يَقع الشَّرْط بِدُونِ وُقُوع الثَّلَاث فَالْحِيلَةُ أَن يطلقهَا وَاحِدَة وتنقضي عدتهَا ثمَّ أوجد الشَّرْط فَيبْطل الْيَمين فَبعد ذَلِك لَو تزَوجهَا فَوجدَ الشَّرْط لَا يَقع شَيْء لبُطْلَان الْيَمين سَابِقًا انْتهى. الطَّلَاق الصَّرِيح: يلْحق الصَّرِيح والبائن والبائن يلْحق الصَّرِيح لَا الْبَائِن وَمن أَرَادَ فهم هَذِه الْمسَائِل الْأَرْبَع فليفهم هَذَا النّظم. (وَالْمُطلق قد تطلق وَالْمُطلق قد تبان ... والمبانة قد تطلق والمبانة لَا تبان) ثمَّ الطَّلَاق على ثَلَاثَة أوجه أحسن وَحسن وبدعي. الطَّلَاق الْأَحْسَن: أَن يُطلق الرجل زَوجته تَطْلِيقَة وَاحِدَة فِي طهر لَا وطئ فِيهِ وَتركهَا حَتَّى تمْضِي عدتهَا وَهَذِه التطليقة طَلَاق سني من حَيْثُ الْعدَد وَالْوَقْت أَيْضا لما مر. وَأحسن لما رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم كَانُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 يستحبون أَن لَا يزِيدُوا فِي الطَّلَاق على وَاحِدَة حَتَّى تمْضِي عدتهَا وَلِأَنَّهُ أبعد من النَّدَم لتمكنه من التَّدَارُك بِالرُّجُوعِ. الطَّلَاق الْحسن: أَن يطلقهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاث أطهار لَا وطئ فِيهَا وَهَذَا الطَّلَاق حسن لِإِمْكَان التَّدَارُك بعد الأول وَالثَّانِي أَيْضا إِذا كَانَت حرَّة وَهَذَا الطَّلَاق سني أَيْضا من حَيْثُ الْوَقْت لما مر. الطَّلَاق البدعي: أَن يطلقهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَات متفرقات فِي طهر وَاحِد أَو بِكَلِمَة وَاحِدَة فِي طهر وَاحِد فَإِذا فعل ذَلِك وَقع الطَّلَاق وَكَانَ عَاصِيا وَكَذَا إِيقَاع الثِّنْتَيْنِ بِمرَّة أَو مرَّتَيْنِ فِي طهر وَاحِد لَا رَجْعَة فِيهِ أَو وَاحِدَة فِي طهر وطِئت أَو فِي حيض وَهِي مَوْطُوءَة وَهَذَا الطَّلَاق سني من حَيْثُ الْعدَد بدعي من حَيْثُ الْوَقْت. وَالطَّلَاق الْمَذْكُور أَعنِي تطليقها ثَلَاثًا بِكَلِمَات متفرقات فِي طهر وَاحِد أَو بِكَلِمَة وَاحِدَة فِي طهر وَاحِد لَا وطئ فِيهِ سني من حَيْثُ الْوَقْت وبدعي من حَيْثُ الْعدَد لما ذكرنَا فِي الطَّلَاق. وَفِي شرح الْوِقَايَة اعْلَم أَن الطَّلَاق أبْغض الْمُبَاحَات فَلَا بُد وَأَن يكون بِقدر الضَّرُورَة فأحسنه الْوَاحِد فِي طهر لَا وطئ فِيهِ - أما الْوَاحِدَة فَلِأَنَّهَا أقل - وَأما فِي الطُّهْر فَلِأَنَّهُ إِن كَانَ فِي الْحيض يُمكن أَن يكون لنفرة الطَّبْع لَا لأجل الْمصلحَة - وَأما عدم الوطئ فلئلا يكون شُبْهَة الْعلُوق انْتهى. الطلاء: بِالْكَسْرِ وَفتح الثَّانِي الذَّهَب وَمَاء عِنَب قد طبخ أَو ترك فِي الشَّمْس فَذهب أقل من ثُلثَيْهِ وَهُوَ حرَام وَإِنَّمَا قيد بقَوْلهمْ أقل لِأَنَّهُ لَو ذهب ثُلُثَاهُ فَمَا دَامَ حلوا يحل شربه عِنْد الْكل وَإِذا غلي وَاشْتَدَّ يحل شربه عِنْدهمَا مَا لم يسكر خلافًا لمُحَمد رَحمَه الله تَعَالَى. طلب المواثبة: اعْلَم أَنه لَا بُد للشَّفِيع من طلب المواثبة حَتَّى لَو تَركهَا مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ إِن لم يكن فِي الصَّلَاة وَلم يَأْخُذهُ أحد بطلت شفعته - (وَطلب الشَّفِيع) على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا طلب المواثبة وَهُوَ طلب الشَّفِيع الشُّفْعَة على فَور علمه بِالْبيعِ من غير توقف سَوَاء كَانَ عِنْده إِنْسَان أَو لم يكن. وَالتَّفْصِيل فِي الْهِدَايَة - وَإِنَّمَا سمي هَذَا الطّلب بِطَلَب المواثبة تبركا بِلَفْظ الحَدِيث - قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الشُّفْعَة لمن واثبها - أَي لمن طلبَهَا على وَجه السرعة والمبادرة مفاعلة من الْوُثُوب على الِاسْتِعَارَة لَا من يثب يسْرع فِي طي الأَرْض بمشيه. وَالثَّانِي طلب التَّقْرِير وَالْإِشْهَاد وَهُوَ الإنهاض عَن مجْلِس طلب المواثبة وَالْإِشْهَاد على البَائِع إِن كَانَ الْعقار فِي يَده أَو على المُشْتَرِي وَلَو كَانَ فِي يَد البَائِع أَو عِنْد الْعقار بِأَن يَقُول إِن فلَانا بَاعَ هَذِه الدَّار وَيذكر حُدُودهَا الْأَرْبَعَة وَأَنا شفيعها وَكنت طلبت الشَّفَقَة واطلبها الْآن فَاشْهَدُوا على ذَلِك. فَإِذا فعل ذَلِك اسْتَقَرَّتْ شفعته لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يتَمَكَّن من إِثْبَات طلب المواثبة عِنْد القَاضِي. وَوجه التَّسْمِيَة من هَذَا الْبَيَان وَاضح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وَلَو سمع الشِّرَاء بِحَضْرَة البَائِع أَو المُشْتَرِي أَو الدَّار وَطلب طلب المواثبة وَأشْهد على ذَلِك فَذَلِك يَكْفِيهِ وَيقوم مقَام الطلبين كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة. وَالثَّالِث طلب الْخُصُومَة: وَهُوَ طلب عِنْد القَاضِي بِأَن يَقُول عِنْده اشْترى فلَان دَارا كَذَا وَأَنا شفيعها بدار كَذَا أَي فمره يسلم إِلَيّ وَإِذا طلب الشَّفِيع سَأَلَ القَاضِي الْخصم وَسَائِر التَّفْصِيل فِي كتب الْفِقْه. (بَاب الطَّاء مَعَ الْوَاو) الطول: فِي اصْطِلَاح الهندسة أطول الامتدادين وَلَو فرضا وَالْفضل وَالزِّيَادَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} أَي من لم يملك زِيَادَة فِي مَال يملك بهَا نِكَاح الْحرَّة فَلْيَنْكِح مَمْلُوكَة من الْإِمَاء المسلمات. الطوالع: أول مَا يَبْدُو من تجليات الْأَسْمَاء الإلهية على بَاطِن العَبْد فبحسب أخلاقه وَصِفَاته ينور بَاطِنه. طوال الْمفصل: فِي الْمفصل. (بَاب الطَّاء مَعَ الْهَاء) الطُّهْر وَالطَّهَارَة: فِي اللُّغَة النَّظَافَة وَهُوَ على نَوْعَيْنِ ظاهري وباطني وَالطَّهَارَة الظَّاهِرِيَّة فِي الشَّرْع عبارَة عَن غسل أَعْضَاء مَخْصُوصَة بِصفة مَخْصُوصَة وَهِي نَوْعَانِ الطَّهَارَة الْكُبْرَى وَهِي الْغسْل أَو نَائِبه وَهُوَ التَّيَمُّم للْغسْل وَالطَّهَارَة الصُّغْرَى وَهِي الْوضُوء أَو نَائِبه وَهُوَ التَّيَمُّم للْوُضُوء وَالطَّهَارَة الباطنية تَنْزِيه الْقلب وتصفيته عَن نَجَاسَة الْكفْر والنفاق وَسَائِر الْأَخْلَاق الذميمة الْبَاطِنَة. وَالطُّهْر عِنْد الْفُقَهَاء: فِي بَاب الْحيض هُوَ الْفَاصِل بَين الدمين وَأقله عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى خَمْسَة عشر يَوْمًا كَمَا رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَلَا يعرف ذَلِك إِلَّا سَمَاعا. وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْفِقْه. وَلَا حد لأكْثر الطُّهْر لِأَنَّهُ قد يَمْتَد إِلَى سنة وسنتين فَصَاعِدا وَقد لَا ترى الْحيض أصلا فَلَا يُمكن تَقْدِيره فَحِينَئِذٍ تصلي وتصوم وَمَا يرى فَهُوَ الطُّهْر وَإِن استغرق لَكِن إِذا اسْتمرّ الدَّم فَإِن كَانَت مبتدئة فحيضها عشرَة وطهرها عشرُون. وَإِن كَانَت مُعْتَادَة فَإِن كَانَت ناسية أَيَّامهَا فتردت بَين الْحيض وَالطُّهْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 وَالْخُرُوج من الْحيض فَإِنَّهَا تصلي بِالْغسْلِ لكل صَلَاة بِالشَّكِّ كَمَا قَالَ صَاحب نَام حق. (هرزنى راكه كم شود أَيَّام ... غسل بايد بهر نمازمدام) بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة لَا بِفَتْحِهَا كَمَا زعم الجهلاء. وَالْقِيَاس أَن تَغْتَسِل لكل سَاعَة لَكِن سقط ذَلِك للْحَرج وَلَا يطَأ زَوجهَا بِالتَّحَرِّي لِأَنَّهُ لَا يجوز فِي بَاب الْفروج. وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا يَطَأهَا بِالتَّحَرِّي لِأَنَّهُ حَقه فِي حَالَة الطُّهْر وزمانه غَالب. وَفِي الْمَبْسُوط إِذا كَانَت لَهَا أَيَّام مَعْلُومَة فِي كل شهر فَانْقَطع عَنْهَا الدَّم أشهرا ثمَّ عَاد وَاسْتمرّ بهَا وَقد نسيت أَيَّامهَا فَإِنَّهَا تمسك عَن الصَّلَاة ثَلَاثَة أَيَّام من أول الِاسْتِمْرَار ثمَّ تَغْتَسِل لكل صَلَاة من سَبْعَة أَيَّام ثمَّ تتوضأ عشْرين يَوْمًا لوقت كل صَلَاة ويأتيها زَوجهَا وَإِن كَانَت عَالِمَة حافظة أَيَّام حَيْضهَا وطهرها فَيحْتَاج إِلَى نصب الْعَادة. وَاخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ أَبُو عصمَة سعيد بن معَاذ الْمروزِي وَأَبُو حَازِم عبد الحميد لَا يقدر طهرهَا بِشَيْء وَلَا تَنْقَضِي عدتهَا أبدا. وَقَالَت الْعَامَّة يقدر طهرهَا للضَّرُورَة والبلوى. ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الميداني يقدر بِسِتَّة أشهر إِلَّا سَاعَة. الطُّهْر المتخلل: بَين الدمين فِي الْمدَّة وحيض ونفاس. (ف (66)) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 ( [حرف الظَّاء] ) (بَاب الظَّاء مَعَ الْألف) ظَاهر الرِّوَايَة وَظَاهر الْمَذْهَب: عبارتان عِنْد الْفُقَهَاء عَمَّا فِي كتب خَمْسَة صنفها الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى وأساميها ستعرف فِي الْفَتْوَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الظَّاهِر: ظَاهر. وَفِي اصْطِلَاح أصُول الْفِقْه كل كَلَام يكون المُرَاد مِنْهُ ظَاهرا للسامع بِنَفس الصِّيغَة كَقَوْلِه تَعَالَى {أحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} فَإِن كل عرب إِذا سمع هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة يفهم حلَّة البيع وَحُرْمَة الرِّبَا من غير تَأمل وَالظَّاهِر قد يحْتَمل التَّأْوِيل والتخصيص. ظَاهر الْعلم: عِنْد أَرْبَاب الْحَقَائِق عبارَة عَن أَعْيَان الممكنات. ظَاهر الْوُجُود: عِنْدهم عبارَة عَن تجليات الْأَسْمَاء فَإِن الامتياز فِي ظَاهر الْعلم حَقِيقِيّ والوحدة نسبية وَأما فِي ظَاهر الْوُجُود فالوحدة حَقِيقِيَّة والامتياز نسبي. ظَاهر الممكنات: عِنْدهم تجلي الْحق بصور أعيانها وصفاتها وَهُوَ الْمُسَمّى بالوجود الإلهي. وَقد يُطلق عَلَيْهِ ظَاهر الْوُجُود كَذَا فِي الاصطلاحات الشَّرِيفَة الشريفية. (بَاب الظَّاء مَعَ الرَّاء) الظَّرْفِيَّة: حُلُول الشَّيْء فِي غَيره حَقِيقَة نَحْو المَال فِي الْكيس. أَو مجَازًا نَحْو نظرت فِي الْكتاب. الظّرْف: مَا يكون محيطا لشَيْء ومحلا لَهُ كالزمان وَالْمَكَان. وَمَا هُوَ عِنْد أَرْبَاب الْأُصُول فِي المعيار إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَيُقَال للْجَار مَعَ الْمَجْرُور ظرفا. فَإِن كَانَ عَامله أَي مُتَعَلّقه مَذْكُورا فَهُوَ. الظّرْف اللَّغْو: وَإِنَّمَا سمي بِهِ لإلغائه عَن أَن يقوم مقَام مُتَعَلّقه لكَونه مَذْكُورا مثل زيد كَائِن فِي الدَّار. وَإِن كَانَ مُقَدرا فَهُوَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 الظّرْف المستقر: وَإِنَّمَا سمي بِهِ لاستقراره مقَام مُتَعَلقَة الْعَامِل فِيهِ مثل زيد فِي الدَّار. (بَاب الظَّاء مَعَ اللَّام) الظُّلم: ارْتِكَاب مَعْصِيّة مسقطة للعدالة مَعَ عدم التَّوْبَة والإصلاح وَتلك الْمعْصِيَة هِيَ الَّتِي إِذا ارتكبها شخص لَا يقبل شَهَادَته وَمن ارْتكب الْمعاصِي الَّتِي لَيست مسقطة للعدالة لَيْسَ بظالم لكنه غير مَعْصُوم. فالظالم أخص من غير الْمَعْصُوم وَالْأولَى أَن الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَحَله نعم مَا قَالَ الشَّيْخ الْأَجَل مصلح الدّين السَّعْدِيّ الشيرازمي قدس سره. (نكوئى بابدان كردن جنان است ... كه بدكرد ن بجاي نيك مردان) وَقيل الظُّلم هُوَ التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر ومجاوزة الْحَد. الظل: هُوَ الَّذِي تنسخه الشَّمْس من الطُّلُوع إِلَى الزَّوَال ثمَّ مِنْهُ إِلَى الْغُرُوب فَيْء وَفِي تَفْسِير القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله هُوَ مَا بَين طُلُوع الْفجْر وَالشَّمْس هُوَ أطيب الْأَحْوَال فَإِن الظلمَة الْخَالِصَة تنفر الطَّبْع وتشد النّظر وشعاع الشَّمْس يسخن الجو وينهر الْبَصَر وَلذَلِك وصف بِهِ الْجنَّة فَقَالَ وظل ممدودا انْتهى. والظل عِنْد الصُّوفِيَّة هُوَ الْمَوْجُود الإضافي الظَّاهِر بتعينات الْأَعْيَان الممكنة وأحكامها الَّتِي هِيَ المعدومات ظهر باسم النُّور الَّذِي هُوَ الْوُجُود الْخَارِجِي الْمَنْسُوب إِلَيْهَا فَيسْتر ظلمَة عدميتها النُّور الظَّاهِر بصورها صَار ظلا بِظُهُور الظل بِالنورِ وعدميته فِي نَفسه قَالَ الله تَعَالَى {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} أَي بسط الْوُجُود الإضافي على الممكنات. قَالَ الشَّيْخ الْعَارِف الْكَامِل الْوَاصِل بِاللَّه الغواص فِي بحار معرفَة الله الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْمَشْهُور بفقيه عَليّ المهايمي قدس سره وأنور مرقده فِي تَفْسِيره المشتهر بالتفسير الرحماني {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} دلّ على وجوده الَّذِي هُوَ كَالشَّمْسِ بالوجود المنبسط على حقائق الْأَشْيَاء الَّذِي هُوَ كالظل حَيْثُ مد بعد الْفجْر قبل طُلُوع الشَّمْس الظل من إشراق نور الشَّمْس عِنْد كَونهَا تَحت الْأُفق على الْهَوَاء الَّتِي فَوْقهَا تظهر بِهِ الْأَشْيَاء بعد تكونها فِي ظلمَة اللَّيْل كَذَلِك تظهر بالوجود المنبسط على الْحَقَائِق بعد تكونها فِي ظلمَة الْعَدَم انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 ظلّ الْأَقْدَام: اعْلَم أَن الظل عِنْد العاملين بالاصطرلاب وَالرّبع الْمُجيب على نَوْعَيْنِ. أَحدهمَا ظلّ الْأَقْدَام وَهُوَ ظلّ المقياس الْقَائِم على الأَرْض المنقسم على سَبْعَة أَجزَاء وَيُسمى كل جُزْء قدما فَإِن كل إِنْسَان يكون مِقْدَار سَبْعَة أقدامه. وَثَانِيهمَا ظلّ الْأَصَابِع: وَهُوَ ظلّ ذَلِك المقياس المنقسم على اثْنَي عشر جُزْءا وَيُسمى كل جُزْء من ذَلِك المقياس أصبعا لِأَن غَالب مَا يقدر بِهِ الْإِنْسَان شبره والشبر اثْنَا عشر أصبعا أَو لِأَن الْغَالِب فِي مِقْدَار المقياس هُوَ الشبر. الظل الأول: هُوَ الْعقل الأول لِأَنَّهُ أول عين ظَهرت بنوره تَعَالَى. ظلّ الله: هُوَ الْإِنْسَان الْكَامِل والمحقق بالحضرة الواحدية. الظلة: بِالضَّمِّ هِيَ الَّتِي أحد طرفِي جذوعها على حَائِط هَذِه الدَّار وطرفها الآخر على حَائِط الْجِدَار الْمُقَابل. فِي المسكيني شرح كنز الدقائق الظلة هِيَ الساباط الَّذِي أحد طَرفَيْهِ على الدَّار والطرف الآخر على دَار أُخْرَى أَو على الأسطوانات فِي السِّكَّة وَإِلَّا مفتحها فِي الدَّار. الظلمَة: عدم النُّور عَمَّا من شَأْنه أَن يَسْتَنِير وَجَمعهَا الظُّلم. الظل الأول: والظل المنكوس والظل المستوي والظل الْمَبْسُوط والظل الثَّانِي والظل المعكوس - فِي المقياس إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (بَاب الظَّاء مَعَ النُّون) الظَّن: هُوَ الِاعْتِقَاد الرَّاجِح مَعَ احْتِمَال النقيض. وَقد يسْتَعْمل فِي الْيَقِين وَالشَّكّ كَمَا يسْتَعْمل الشَّك فِي الظَّن كَمَا ستعلم فِي الْيَقِين إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (بَاب الظَّاء مَعَ الْهَاء) الظِّهَار: بِالْكَسْرِ من الظّهْر وَهُوَ فِي اللُّغَة بِمَعْنى المعاونة كالتظاهر بِمَعْنى التعاون وَتقول ظَاهر من امْرَأَته وتظاهر مِنْهَا أَي قَالَ لَهَا أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي وتعديته بِمن لتضمين معنى الْبعد. وَفِي الْبَحْر الرَّائِق شرح كنز الدقائق الظِّهَار فِي اللُّغَة مصدر ظَاهر امْرَأَته إِذا قَالَ لَهَا أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي كَذَا فِي الصِّحَاح وَفِي الْمِصْبَاح قيل إِنَّمَا خص ذَلِك بِذكر الظّهْر لِأَن الظّهْر من الدَّابَّة مَوْضُوع الرّكُوب وَالْمَرْأَة مركوبة وَقت الغشيان فركوب الْأُم مستعار من ركُوب الدَّابَّة ثمَّ شبه ركُوب الزَّوْجَة بركوب الْأُم الَّذِي هُوَ مُمْتَنع وَهُوَ اسْتِعَارَة لَطِيفَة فَكَأَنَّهُ قَالَ ركوبك للنِّكَاح حرَام عَليّ وَكَانَ الظِّهَار طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 فنهوا عَن الطَّلَاق بِلَفْظ الْجَاهِلِيَّة وَأوجب عَلَيْهِم الْكَفَّارَة تَغْلِيظًا فِي النَّهْي انْتهى. وَهُوَ فِي الشَّرْع تَشْبِيه زَوْجَة أَو تَشْبِيه مَا عبر بِهِ عَنْهَا كالرأس وَالْوَجْه والرقبة وَنَحْوهَا أَو تَشْبِيه جُزْء شَائِع مِنْهَا كالنصف وَالرّبع بعضو يحرم نظره إِلَيْهِ من أَعْضَاء مَحَارمه أبدا نسبا أَو رضَاعًا أَو ظهرية كَأُمِّهِ وبنته نسبا أَو رضَاعًا وَأم امْرَأَته وَلَا بُد وَأَن يكون الْمظَاهر مُسلما عَاقِلا بَالغا فَلَا صَحَّ ظِهَار الذِّمِّيّ وَالْمَجْنُون وَالصَّبِيّ. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الظِّهَار تَشْبِيه مُسلم عَاقل بَالغ مَا يُضَاف وينسب إِلَيْهِ الطَّلَاق من الزَّوْجَة بِمَا يحرم إِلَيْهِ النّظر من عُضْو محرمه أَي الْمحرم نِكَاحهَا مؤيدا بِنسَب أَو رضَاع أَو صهرية. وَفِي كنز الدقائق هُوَ تَشْبِيه الْمَنْكُوحَة بمحرمة عَلَيْهِ على التَّأْبِيد. قيد التَّشْبِيه بالمنكوحة احْتِرَازًا عَن الْأمة والأجنبية وَلم يقيدها بِشَيْء ليشْمل المدخولة وَغَيرهَا. الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة، الرتقاء وَغَيرهَا، الْعَاقِلَة والمجنونة، الْمسلمَة والكتابية وَقيد بالتأبيد لِأَنَّهُ لَو شبهها بأخت امْرَأَته لَا يكون مُظَاهرا لِأَن حرمتهَا مُؤَقَّتَة بِكَوْن امْرَأَته فِي عصمته وَكَذَا الْمُطلقَة ثَلَاثًا. وَأطلق الْحُرْمَة فَيشْمَل الْمُحرمَة نسبا وصهرا ورضاعا فَلَو شبهها بِأُمِّهِ أَو بِأم امْرَأَته أَو بِأُمِّهِ رضَاعًا كَانَ مُظَاهرا. وَأَرَادَ بالتأبيد تأبيد الْحُرْمَة بِاعْتِبَار وصف لَا يُمكن زَوَاله لَا بِاعْتِبَار وصف يُمكن زَوَاله فَإِن للمجوسية حُرْمَة لَا على التَّأْبِيد فَلَو قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر مَجُوسِيَّة لَا يكون مُظَاهرا. ذكر فِي جَوَامِع الْفِقْه لِأَن التَّأْبِيد بِاعْتِبَار دوَام الْوَصْف وَهُوَ غير لَازم للمجوسية لجَوَاز إسْلَامهَا بِخِلَاف الأمية والأختية وَغَيرهمَا كَذَا فِي فتح الْقَدِير وَهُوَ يُوجب حُرْمَة الوطئ ودواعيه حَتَّى يكفر فَلَو وطئ قبل التَّكْفِير يكون عَاصِيا اسْتغْفر الْغفار وَلَا يجب عَلَيْهِ غير الْكَفَّارَة الأولى. وَإِنَّمَا تجب الْكَفَّارَة بِعُود الْمظَاهر ورجوعه. فالعود هُوَ الْمُوجب لِلْكَفَّارَةِ ويستقر وُجُوبهَا بِهِ وَلَيْسَ المُرَاد بِالْعودِ الْوَطْء بل عوده عزمه على وَطئهَا وكفارته تَحْرِير رَقَبَة فَإِن لم يسْتَطع عَلَيْهَا صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين لَيْسَ فيهمَا رَمَضَان وَأَيَّام منهية وَإِن لم يسْتَطع الصَّوْم أطْعم سِتِّينَ فَقِيرا كالفطرة أَو قِيمَته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 ( [حرف الْعين] ) (بَاب الْعين مَعَ الْألف) الْعَارِف: فِي الْمعرفَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد مر فِي الزَّاهِد كَمَا أَن العابد: فِي الزَّاهِد أَيْضا. العائق: الْمَانِع وَجمعه الْعَوَائِق أَي الْمَوَانِع. الْعَادة طبيعة خَامِسَة: لَيْت شعري مَا المُرَاد بِهَذَا القَوْل الْمَشْهُور فَإِن الطبيعة أَمْرَانِ جبلي وعادي - وَالْأول أَرْبَعَة دموي وصفراوي وسوداوي وبلغمي فَالْقَوْل بِأَن الْعَادة طبيعة خَامِسَة بِنَاء على أَقسَام الْجبلي لَيْسَ بصواب فالعادة لَيست إِلَّا طَبِيعَته ثَانِيَة. عَاشُورَاء: هُوَ الْيَوْم الْعَاشِر من الْمحرم يَوْم عَظِيم حدثت فِيهِ حوادث عَظِيمَة الشَّأْن عَجِيبَة الْبَيَان، كخلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام، وإخراجه من الْجنان، وَقبُول تَوْبَته - ومغفرته عَن الْعِصْيَان، وطوفان نوح عَلَيْهِ السَّلَام - سِيمَا شَهَادَة الإِمَام الْهمام الْمَظْلُوم الْمَعْصُوم الشَّهِيد السعيد أبي عبد الله الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ابْن أَسد الله الْغَالِب عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه وسيحدث فِيهِ أُمُور عِظَام جسام أَو مهولة مخوفة، كخروج الإِمَام الْهمام مُحَمَّد الْمهْدي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - ونزول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام من السَّمَاء - وَخُرُوج الدَّجَّال - ودابة الأَرْض - خُصُوصا قيام الْقِيَامَة كَمَا أخبر بهَا الْمخبر الصَّادِق الصدوق نَبِي آخر الزَّمَان عَلَيْهِ وعَلى آله الصَّلَاة وَالسَّلَام من الله الْملك المنان وَاسْتحْسن الْفُقَهَاء فِيهِ عشرَة أَعمال كَمَا قَالَ وَاحِد من الأكابر: (عَلَيْكُم يَوْم عَاشُورَاء قومِي ... بِأَن تَأْتُوا بِعشر من خِصَال) (بِصَوْم وَالصَّلَاة وَمسح أيد ... على رَأس الْيَتِيم والاغتسال) (وَصلح والعيادة للأعلا ... وتوسيع الطَّعَام على الْعِيَال) (وثامنها زِيَارَة عالميكم ... وتاسعها الدُّعَاء مَعَ اكتحال) وَلم تثبت هَذِه الْأَعْمَال من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، فَإِن الْأَحَادِيث المنقولة فِيهَا مَوْضُوعَات - وَإِن أردْت أَن تكشف غطاءك عَن أَحْوَال هَذِه الْعشْرَة فَعَلَيْك أَن تطالع (تَحْقِيق لَيْلَة الرغائب والبرات) نعم الصَّوْم وتوسيع الطَّعَام على الْعِيَال فِي الْيَوْم الْمَذْكُور ثَابت بالأحاديث الصَّحِيحَة وَإِنَّمَا سمي عَاشُورَاء لِأَن الله تَعَالَى أعْطى لعشرة من الْأَنْبِيَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 عشر كرامات فِي ذَلِك الْيَوْم - آدم - وَإِدْرِيس - ونوحا - وَيُونُس - وَأَيوب - ويوسف - ومُوسَى - وَعِيسَى - وَإِبْرَاهِيم - ومحمدا - صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَهَذَا يَوْم من أطَاع الله تَعَالَى فِيهِ نَالَ جزيل الثَّوَاب - وَمن عَصَاهُ فِيهِ عُوقِبَ بأشد الْعقَاب وَالْعَذَاب - كقاتل حُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا بل من أَمر بقتْله واستبشر بِهِ. وَفِي اليواقيت يجب على الْأَبَوَيْنِ أَن يأمرا الصَّبِي بِصَوْم عَاشُورَاء إِذا كَانَ لَا يلْحقهُ ضَرَر لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْأَخْبَار أَن النَّبِي الْمُخْتَار عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَدْعُو الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَقت السحر ويلقي البزاق فِي فيهمَا وَكَانَ يَقُول لفاطمة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لَا تطعميهما الْيَوْم شَيْئا فَإِن هَذَا يَوْم تَصُوم الوحوش وَلَا تَأْكُل. وَفِي الْمُلْتَقط روى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ من صَامَ يَوْم عَاشُورَاء كَانَ كَفَّارَة لذنب سنة وَمن وسع النَّفَقَة على عِيَاله يُوسع الله عَلَيْهِ الرزق سنة. وَفِي الشرعة يسْتَحبّ أَن يَصُوم قبل يَوْم عَاشُورَاء يَوْمًا وَبعده يَوْمًا خلافًا لأهل الْكتاب. وَاعْلَم أَن الْفُقَهَاء والعباد يلتزمون الصَّلَاة والأدعية فِي هَذَا الْيَوْم ويذكرون فِيهَا الْأَحَادِيث وَلم يثبت شَيْء مِنْهَا عِنْد أهل الحَدِيث غير الصَّوْم وتوسيع الطَّعَام كَمَا مر. ف (67) : الْعَارِض السماوي: مَا ثَبت من قبل الشَّارِع بِدُونِ اخْتِيَار العَبْد فِيهِ وَلِهَذَا نسب إِلَى السَّمَاء فَإِن مَا لَا اخْتِيَار للْعَبد فِيهِ ينْسب إِلَى السَّمَاء على معنى أَنه خَارج عَن قدرَة العَبْد نَازل من السَّمَاء كالجنون - والصغر - والعته - وَالنِّسْيَان وَالنَّوْم وَالْإِغْمَاء - والرزق - وَالْمَرَض - وَالْحيض - وَالنّفاس - وَالْمَوْت. الْعَارِية: فِي الْكِفَايَة فِي الصِّحَاح الْعَارِية بتَشْديد الْيَاء التَّحْتَانِيَّة بنقطتين كَأَنَّهَا منسوبة إِلَى الْعَار لِأَن طلبَهَا عَار وعيب. وَفِي الْمغرب الْعَارِية فَعَلَيهِ منسوبة إِلَى العارة اسْم من الْإِعَارَة كالغارة من الإغارة وَأَخذهَا من الْعَار بِمَعْنى الْعَيْب أَو العرى خطأ وَفِي الْمَبْسُوط وَقيل هِيَ من التعاور وَهُوَ التناوب فَكَانَ الْمُعير يَجْعَل للْغَيْر نوبَته فِي الِانْتِفَاع بِملكه على أَن تعود النّوبَة إِلَيْهِ بالاسترداد مَتى شَاءَ وَلِهَذَا كَانَت الْإِعَارَة فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون قرضا لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع بهَا إِلَّا باستهلاك الْعين وَلَا تعود النّوبَة إِلَيْهِ فِي ملك الْعين ليَكُون حَقِيقَة وَإِنَّمَا تعود النّوبَة إِلَيْهِ فِي ملكهَا انْتهى. فَهِيَ معتل الْعين وَجوز بَعضهم كَونهَا معتل اللَّام من العرى بِالضَّمِّ والسكون مصدر عرى يعرى فَهُوَ عَار وعريان من بَاب علم وَالْيَاء للنسبة سمي العقد بِهِ لتعريه عَن الْعِوَض. وَالْعَارِية فِي الشَّرْع تمْلِيك الْمَنْفَعَة بِلَا عوض. وَاعْلَم أَن الْوَدِيعَة وَالْعَارِية وَرَأس المَال فِي الْمُضَاربَة مُشْتَركَة فِي كَون كل مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 أَمَانَة وَالْفرق بَينهمَا أَن الْوَدِيعَة أَمَانَة تركت للْحِفْظ، وَالْعَارِية أَمَانَة دفعت للْحِفْظ وَالِانْتِفَاع وَرَأس المَال فِي الْمُضَاربَة دفعت للْحِفْظ والاسترباح. الْعَامِل: فِي اللُّغَة كأركن. وَعند النُّحَاة مَا بِهِ يتقوم الْمَعْنى الْمُقْتَضِي للإعراب وَهُوَ على نَوْعَيْنِ - لَفْظِي - ومعنوي. الْعَامِل اللَّفْظِيّ: مَا يكون ملفوظا عَاملا اسْما أَو فعلا أَو حرفا. الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ: هُوَ الْعَامِل الَّذِي لَا يكون للسان حَظّ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ معنى يعرف بِالْقَلْبِ، ثمَّ الْعَامِل اللَّفْظِيّ على نَوْعَيْنِ - سَمَاعي - وقياسي. الْعَامِل السماعي: مَا سمع من الْعَرَب وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ فَيُقَال هَذَا يعْمل كَذَا وَهَذَا يعْمل كَذَا وَلَيْسَ لَك أَن تتجاوز. فَتَقول إِن على تجر وَلنْ تنصب وَلَيْسَ لَك أَن تَقول إِن كل مَا كَانَ على وزن على يجر وعَلى زنة لن ينصب. الْعَامِل القياسي: مَا سمع من الْعَرَب وَيُقَاس عَلَيْهِ فَيصح أَن يُقَال فِيهِ كل مَا كَانَ كَذَا فَإِنَّهُ يعْمل كَذَا فَإنَّك تَقول إِن ضرب مثلا يرفع الْفَاعِل وَينصب الْمَفْعُول وَيصِح أَن تَقول كل مَا كَانَ كَذَا فَهُوَ يرفع الْفَاعِل وَينصب الْمَفْعُول. الْعَائِد: من الْعود وَهُوَ الرُّجُوع والعائد عِنْد النُّحَاة أَرْبَعَة الضَّمِير مثل زيد أَبوهُ قَائِم. وَلَام التَّعْرِيف مثل نعم الرجل زيد. وَوضع الْمظهر مَوضِع الْمُضمر نَحْو الحاقة مَا الحاقة. وَكَون الْخَبَر تَفْسِيرا للمبتدأ مثل {قل هُوَ الله أحد} . الْعَارِض: للشَّيْء الْخَارِج عَنهُ الْمَحْمُول عَلَيْهِ كالضحك للْإنْسَان وَهُوَ أَعم من الْعرض إِذْ يُقَال للجوهر عَارض لَا عرض كالصورة الجسمية فَإِنَّهُ يُقَال لَهَا أَنَّهَا تعرض على الهيولى. الْعَام: مَأْخُوذ من الْعُمُوم وَهُوَ الشُّمُول يُقَال مطر عَام إِذا عَم الْأَمْكِنَة. ويقابله الْخَاص بِخِلَاف الْمُطلق فَإِنَّهُ لَا يتَنَاوَل الْجَمِيع بل يتَنَاوَل الْوَاحِد غير معِين. ويقابله الْمُقَيد. وَعند الْأُصُولِيِّينَ فِي الْعَام اخْتِلَاف بِحَسب اشْتِرَاط الِاسْتِغْرَاق وَعَدَمه فَمن لم يشْتَرط الِاسْتِغْرَاق فِيهِ عرفه بِأَنَّهُ كل لفظ يَنْتَظِم جمعا من المسميات شمولا لفظا أَو معنى. وَالْمرَاد بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوع بِقَرِينَة الْمقسم وبالانتظام الشُّمُول وَهُوَ احْتِرَاز عَن الْمُشْتَرك فَإِنَّهُ لَا يَشْمَل الْمَعْنيين فضلا عَن الْمعَانِي بل يحْتَمل كل وَاحِد مِنْهُمَا على السوَاء وَقَوله جمعا احْتِرَاز عَن الْمثنى فَإِنَّهُ لَيْسَ بعام بل هُوَ مثل سَائِر أَسمَاء الْأَعْدَاد فِي الْخُصُوص واحتراز عَن اشْتِرَاط الِاسْتِغْرَاق أَيْضا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْط عِنْد أَكثر الْأُصُولِيِّينَ وَبِقَوْلِهِ من المسميات عَن الْمعَانِي عِنْد الْمُتَأَخِّرين من مَشَايِخنَا وَالْمرَاد من الانتظام لفظا أَن تدل صيغته على الشُّمُول كصيغ الجموع مثل زيدون وَرِجَال وَمن الانتظام بِمَعْنى أَن يكون الشُّمُول بِاعْتِبَار الْمَعْنى دون الصِّيغَة كمن وَمَا وَالْقَوْم والرهط وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا عَامَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 من حَيْثُ الْمَعْنى لتناولها جمعا من المسميات وَإِن كَانَ صيغها صِيغ الْخُصُوص وَمن شَرط الِاسْتِغْرَاق فِيهِ عرفه بِأَنَّهُ لفظ وضع وضعا وَاحِدًا لكثير غير مَحْصُور مُسْتَغْرق لجَمِيع مَا يصلح لَهُ وَإِنَّمَا قيد بِالْوَضْعِ الْوَاحِد ليخرج الْمُشْتَرك فَإِنَّهُ مَوْضُوع بأوضاع مُتعَدِّدَة وبالكثير ليخرج الْخَاص كزيد وَعَمْرو وَبِغير مَحْصُور ليخرج أَسمَاء الْعدَد فَإِن الْعشْرَة مثلا مَوْضُوعَة وضعا وَاحِدًا لكثير مَحْصُور وبالمستغرق لجَمِيع مَا يصلح لَهُ ليخرج الْجمع الْمُنكر كرجال وَيظْهر فَائِدَة الِاخْتِلَاف فِي الْعَام الَّذِي خص مِنْهُ الْبعد فَعِنْدَ من شَرط الِاسْتِغْرَاق لَا يجوز التَّمَسُّك بِعُمُومِهِ لِأَنَّهُ لم يبْق عَاما وَعند من لم يشْتَرط يجوز لبَقَاء الْعُمُوم بِاعْتِبَار بَقَاء الجمعية فَافْهَم. الْعَاشِر: يحْتَمل التصيير وَالْحَال. وَفِي الشَّرْع من نَصبه الإِمَام على الطَّرِيق ليَأْخُذ الصَّدقَات من التُّجَّار الَّذين يَمرونَ عَلَيْهِ عِنْد استجماع شَرَائِط الْوُجُوب. العادلة والعائلة والعازلة: اعْلَم أَن مسَائِل الْفَرَائِض على ثَلَاثَة أَقسَام مَذْكُورَة لِأَن الْفُرُوض والسهام إِذا كَانَت سَوَاء تسمى الْمَسْأَلَة عادلة كَزَوج وَأم وأختين لأم. وَإِذا كَانَت الْفُرُوض زَائِدَة على السِّهَام يُسمى عائلة كَزَوج وَأم وَأُخْت لأَب وَأم، وَإِذا كَانَت السِّهَام زَائِدَة على الْفُرُوض تسمى عازلة كَأُمّ وَأُخْت لأَب وَأم. العاذرية: هم الَّذين عذروا النَّاس بالجهالات فِي الْفُرُوع. الْعَالم: بِكَسْر اللَّام اسْم الْفَاعِل من الْعلم بِمَعْنى دانستن وَبِفَتْحِهَا مُشْتَقّ من الْعلم بِمَعْنى الْعَلامَة فَمَعْنَاه مَا يعلم بِهِ كالخاتم بِمَعْنى مَا يخْتم بِهِ ثمَّ غلب على مَا سوى الله تَعَالَى لِأَنَّهُ مِمَّا يعلم بِهِ الصَّانِع، وَفَسرهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي شرح العقائد بقوله أَي مَا سوى الله تَعَالَى من الموجودات مِمَّا يعلم بِهِ الصَّانِع. وَقَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة أَن قَوْله مِمَّا يعلم بِهِ الصَّانِع إِشَارَة إِلَى وَجه تَسْمِيَة مَا سوى الله تَعَالَى بالعالم وَلَيْسَ من التَّعْرِيف كَمَا هُوَ الْمَشْهُور أَنه من تتمته لِأَن سوى بِمَعْنى الْغَيْر وَالْمرَاد بِهِ الْغَيْر المصطلح أَي جَائِز الانفكاك فَخرج عَنهُ صِفَاته تَعَالَى لِأَنَّهَا لَيست غير الذَّات كَمَا أَنَّهَا لَيست عين الذَّات فَلَو جعل قَوْله مِمَّا يعلم بِهِ الصَّانِع من تَتِمَّة التَّعْرِيف لزم استدراكه وَالْمَشْهُور أَنه من تتمته بِنَاء على حمل الْغَيْر على الْمَعْنى اللّغَوِيّ أَعنِي المغائر فِي الْمَفْهُوم وَإِخْرَاج صِفَاته تَعَالَى إِذْ لَا يعلم بهَا الصَّانِع. وَالتَّحْقِيق أَن الْمَشْهُور أولى لِأَن حمل الْغَيْر على المصطلح بعيد عَن الْفَهم وعَلى تَقْدِير التَّسْلِيم يلْزم اسْتِدْرَاك قَوْله من الموجودات إِذا لغير المصطلح لَا يُطلق إِلَّا على الْمَوْجُود. ثمَّ اعْلَم أَنه يتَوَهَّم من التَّعْرِيف الْمَذْكُور أَمْرَانِ أَحدهمَا جَوَاز إِطْلَاق الْعَالم على زيد وَعَمْرو وَغير ذَلِك من الجزئيات وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا يُطلق على الجزئيات بل على كل وَاحِد من الْأَجْنَاس وَثَانِيهمَا اخْتِصَاص إِطْلَاقه على مَجْمُوع مَا سوى الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 حَيْثُ بَين الْمَوْصُول بِصِيغَة الْجمع وَقَالَ من الموجودات وَلَيْسَ كَذَلِك لما مر من جَوَاز إِطْلَاقه على كل وَاحِد من الْأَجْنَاس وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ اسْما للْكُلّ لَا لكل وَاحِد من الْأَجْنَاس لما صَحَّ جمعه فِي قَوْله تَعَالَى {رب الْعَالمين} . أَلا ترى أَن الشَّارِح الْمُحَقق رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي شرح الْكَشَّاف إِنَّه اسْم لكل جنس وَلَيْسَ اسْما للمجموع بِحَيْثُ لَا يكون لَهُ أَفْرَاد بل أَجزَاء فَيمْتَنع جمعه انْتهى. ولدفع الوهمين الْمَذْكُورين قَالَ الْمُحَقق وَيُقَال - عَالم الْأَجْسَام - وعالم الْإِعْرَاض - وعالم النَّبَات - وعالم الْحَيَوَان وَإِنَّمَا يندفعان بِهَذَا القَوْل لِأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَمريْن أَحدهمَا أَن الْعَالم يُطلق على كل وَاحِد من الْأَجْنَاس لَا على كل جزئي مِنْهَا وَثَانِيهمَا أَنه اسْم مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك بَين جَمِيع الْأَجْنَاس وَهُوَ مَا سوى الله تَعَالَى لَا للْكُلّ أَي للمجموع من حَيْثُ هُوَ مَجْمُوع فبالأمر الأول ينْدَفع الْوَهم الأول وَبِالثَّانِي الثَّانِي وَلَا يجوز دفع الْوَهم الثَّانِي بِأَن يُقَال إِنَّه مُشْتَرك بَين الْمَجْمُوع أَي الْكل وَبَين كل وَاحِد لِأَن القَوْل بالاشتراك خلاف الأَصْل لَا يُصَار إِلَيْهِ بِلَا ضَرُورَة مَعَ أَنه مَوْقُوف على الْعلم بِتَعَدُّد الْوَضع وَإِثْبَات الْوَضع بِلَا دَلِيل بَاطِل. فَإِن قلت، متن العقائد صَرِيح فِي أَنه اسْم للْكُلّ حَيْثُ قَالَ الْعَالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُحدث فَإِن الْأَجْزَاء إِنَّمَا تكون للْكُلّ كَمَا لَا يخفى. قُلْنَا هَذَا القَوْل قَضِيَّة كُلية مَعْنَاهُ كل جنس يصدق عَلَيْهِ مَفْهُوم اسْم الْعَالم بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ حَادث لِأَن مهملات الْعُلُوم كليات أَو لِأَن اللَّام على الْعَالم للاستغراق وَهُوَ سور الْمُوجبَة الكليه كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. وَالْغَرَض من ذَلِك القَوْل الرَّد على الفلاسفة الْقَائِلين بقدم السَّمَاوَات بأجزائها أَي موادها وصورها الجسمية والنوعية وأشكالها أَي الصُّور الشخصية وبقدم العناصر بموادها وصورها لَكِن بالنوع بِمَعْنى أَنَّهَا لم تخل قطّ عَن صُورَة مَا. وَهَذَا الْغَرَض إِنَّمَا يحصل إِذا كَانَ ذَلِك القَوْل قَضِيَّة كُلية إِذْ محصلها حِينَئِذٍ أَن كل جنس من الْأَجْنَاس حَادث مَعَ حُدُوث الْأَجْزَاء الَّتِي تركب مِنْهَا. وَاعْلَم أَن مَا قيل إِن الْعَالم اسْم مَا علم بِهِ الْحق تَعَالَى شَأْنه مَبْنِيّ على أَنه اسْم غير صفة لَكِن فِيهِ معنى الوصفية وَهِي الدّلَالَة على معنى الْعلم. وَأما الْعَالم عِنْد أهل الْحَقَائِق هُوَ الْحق المتجلي بصفاته لِأَنَّهُ اسْم لما سوى الله تَعَالَى وسواه مُنْتَفٍ عِنْدهم فبالضرورة هُوَ الْحق المتجلي بصفاته وَيحْتَمل على مَذْهَبهم أَن يرجع ضمير صِفَاته إِلَى الْعَالم أَي الْعَالم هُوَ الْحق المتجلي بِصِفَات الْعَالم هَذَا هُوَ الْأَنْسَب لما قيل ظهر بِوُجُود الْإِنْسَان بِصفة الْإِنْسَان. (آن بادشاه أعظم دربسة بود مُحكم ... بوشيده دلق آدم كاه بر درآمد) وَأَيْضًا أَن الْحق اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى وَاسْتعْمل أَيْضا فِي معنى آخر وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 الحكم المطابق للْوَاقِع ويقابله الْبَاطِل فَالْمَعْنى على هَذَا أَن الْعَالم هُوَ الْحق أَي غير الْبَاطِل المتجلي بصفاته الكائنة فِي علم الله تَعَالَى وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى الْعَالم هُوَ الْحق أَي غير الْبَاطِل المتجلي بِسَبَب صِفَات الله سُبْحَانَهُ على صَنْعَة الِاسْتِخْدَام. (بَاب الْعين مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الْعِبَادَة: فعل الْمُكَلف على خلاف هوى نَفسه تَعْظِيمًا لرَبه. وَفِي التَّلْوِيح الْعِبَادَة فعل يباشره العَبْد بِخِلَاف هوى نَفسه ابْتِغَاء لمرضاة الله تَعَالَى. وَهِي على ثَلَاثَة أَنْوَاع بدني مَحْض كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم، وَمَالِي مَحْض كَالزَّكَاةِ، ومركب مِنْهُمَا كَالْحَجِّ. العَبْد: من يعبد ربه ويطيع أمره وَنَهْيه والمملوك وَهُوَ أَعم من الْقِنّ كَمَا ستعلم فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْعُبُودِيَّة: الْوَفَاء بالعهود وَحفظ الْحُدُود والرضى بالموجود وَالصَّبْر على الْمَفْقُود. عبارَة النَّص: النّظم الْمَعْنَوِيّ المسوق لَهُ الْكَلَام وَإِنَّمَا سمي عبارَة النَّص لِأَن الْمُسْتَدلّ يعبر من النّظم إِلَى الْمَعْنى والمتكلم من الْمَعْنى إِلَى النّظم فَكَانَت هِيَ مَوضِع العبور فَإِذا عمل بِمُوجب الْكَلَام من الْأَمر وَالنَّهْي يُسمى اسْتِدْلَالا بِعِبَارَة النَّص. الْعَبَث: ارْتِكَاب أَمر غير مَعْلُوم الْفَائِدَة. (بَاب الْعين مَعَ التَّاء الْفَوْقِيَّة) العته: آفَة ناشئة عَن الذَّات توجب خللا فِي الْعقل لَا يصل صَاحبه وَهُوَ الْمَعْتُوه إِلَى حد الْجُنُون بل يكون مختلط الْعقل فبعض كَلَامه يكون مشابها لكَلَام الْعُقَلَاء وَبَعضه لكَلَام المجانين. فَالْفرق بَينه وَبَين الْمَجْنُون ظَاهر وَأما بَينه وَبَين السَّفِيه فبأنه لَا يشابه الْمَجْنُون وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ الْمَجْنُون مجَازًا لخفة عقله والعته لَا يُوجب الْمَنْع عَن التَّصَرُّفَات كَمَا مر فِي الْحجر. الْعتْق وَكَذَا الْعتاق: فِي اللُّغَة الْقُوَّة وَمِنْه الْإِعْتَاق أَي إِعْطَاء الْقُوَّة. وَفِي الشَّرْع هُوَ قُوَّة حكمِيَّة يصير بهَا الْإِنْسَان أَهلا للتصرفات الشَّرْعِيَّة. وَالتَّفْصِيل فِي الْإِعْتَاق وَالْعتاق الَّذِي هُوَ جمع الْعَتِيق لَيْسَ بمصدر والعتيق الَّذِي جمعه الْعتاق مَعْنَاهُ الْفرس الْعَرَبِيّ وَالَّذِي مَعْنَاهُ الْمُعْتق جمعه عُتَقَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 الْعَتِيق: فعيل من الْعتْق بِمَعْنى (مرد آزاد) - وَجَاء فِي الْأَخْبَار عَن النَّبِي الْمُخْتَار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من تمّ لَهُ ثَمَانُون سنة جعله الله تَعَالَى عتيقا من النَّار بِشَرْط الْإِسْلَام يَعْنِي لَا يَأْخُذهُ بِمَعْصِيَة من الْمعاصِي - وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِالْمَعَاصِي مَا لَا يكون فِيهِ حق العَبْد وَلَكِن المرجو مِمَّن كَانَ غفارًا أَن يغْفر جَمِيع مَعَاصيه بفضله وَكَرمه ومعاصي غَيره بالتحمل عَنهُ - والعتيق خير من الرَّقِيق الْمُقَيد فِي يَد غَيره اللَّهُمَّ اجْعَل رقبتي عتيقا من ربقة الْقُيُود، وَأَعْطِنِي من خَزَائِن إطلاقك النُّقُود. ف (68) : العتاب: مَا يكون على صُدُور الْمَكْرُوه من الحبيب تأديبا ليَسْتَغْفِر عَنهُ وَيصير مورد المراحم بِخِلَاف الْعقَاب فَإِنَّهُ مَا يكون على صُدُور الْمَكْرُوه من الْعَدو تفضيحا وتأليما كالعذاب على الْكفَّار وخلودهم فِي النَّار فِي تِلْكَ الدَّار. وَبِعِبَارَة أُخْرَى العتاب تَأْدِيب الشَّفَقَة. (بَاب الْعين مَعَ الثَّاء الْمُثَلَّثَة) ف (69) : (بَاب الْعين مَعَ الْجِيم) العجمة: كَون اللَّفْظ مِمَّا وَضعه غير الْعَرَب. الْعجب: بِالضَّمِّ تصور شخص اسْتِحْقَاق رُتْبَة لَا يكون مُسْتَحقّا لَهُ. وبفتح الأول وَالثَّانِي تأثر النَّفس بِمَا خَفِي سَببه وَخرج عَن الْعَادة مثله. العجاردية: طَائِفَة عبد الله بن عجرد قَالُوا إِن أَطْفَال الْمُشْركين فِي النَّار. الْعَجز: عدم الْقُدْرَة على الْمُمكن الَّذِي لَا يكون فِيهِ شَائِبَة الِامْتِنَاع فَإِن عدم الْقُدْرَة على الْمُمكن بِالذَّاتِ الْمُمْتَنع بِالْغَيْر لَيْسَ بعجز فَإِن الله تَعَالَى لَا يقدر على إعدام الْمَعْلُول مَعَ وجود علته التَّامَّة - وَلَا يُقَال إِنَّه تَعَالَى عَاجز عَنهُ تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ يخرج عَن الْعَجز فِي كثير من المغالطات، ثمَّ اعْلَم أَن الْعَجز على الله تَعَالَى محَال لِأَن الِاحْتِيَاج لَازم للعجز وَالْإِجْمَاع على أَن الِاحْتِيَاج نقص محَال على الله تَعَالَى لِأَنَّهُ دَلِيل الْإِمْكَان والحدوث فَمن قَالَ بعجزه تَعَالَى فَهُوَ كَافِر. فَإِن قيل، فَعَلَيْكُم أَن تَقولُوا يكفر الْمُعْتَزلَة لأَنهم قَائِلُونَ بعجزه تَعَالَى لقَولهم بِأَن طَاعَة الْفَاسِق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 مُرَاده تَعَالَى وَلَكِن لَا يحصل وَعدم حُصُول المُرَاد عجز كَمَا يشْهد بِهِ تَقْرِير برهَان التمانع - قُلْنَا الْإِرَادَة عِنْد الْمُعْتَزلَة قِسْمَانِ إِرَادَة قسر والجاء، وَإِرَادَة تَفْوِيض وتخيير، وتخلف المُرَاد عَن الْإِرَادَة الأولى لَا يجوز عِنْدهم لِأَنَّهُ عجز وتخلفه عَن الثَّانِيَة جَائِز لَيْسَ بعجز والمتعلق بِطَاعَة الْفَاسِق وإيمان الْكَافِر هِيَ الْإِرَادَة التفويضية دون القسريه ومثلوا للإرادة التفويضية أَن تَقول لعبدك أُرِيد مِنْك كَذَا وَلَا أجبرك أَي أَنْت مُخْتَار فِي الْفِعْل وَالتّرْك. (بَاب الْعين مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الْعد: مصدر بِمَعْنى الإحصاء يَعْنِي (شمردن) وَجَاء فِي اللُّغَة بِمَعْنى الإفناء يَعْنِي فناكردن. وَفِي اصْطِلَاح أهل الْحساب كَون عدد أقل بِحَيْثُ إِذا نقص من الْأَكْثَر مرّة بعد أُخْرَى لم يبْق مِنْهُ شَيْء وَفِيه تدَاخل العددين الْمُخْتَلِفين أَن يعد أقلهما الْأَكْثَر أَي يفنيه. الْعدَد: اسْم لَيْسَ بمصدر وَلِهَذَا لم يدغم لِئَلَّا يلتبس بالعد الْمصدر وَهُوَ فِي اللُّغَة شمار وَجَاء بِمَعْنى الْمَعْدُود وَفِي تَعْرِيفه عِنْد أهل الْحساب اخْتِلَاف قَالَ مَوْلَانَا نظام الدّين النَّيْسَابُورِي فِي الرسَالَة الشمسية الْعدَد كمية تطلق على الْوَاحِد وَمَا يتألف مِنْهُ فَيدْخل الْوَاحِد فِي الْعدَد وَقيل إِن الْعدَد قسم الْكمّ والكم مَا يَنْقَسِم بِالذَّاتِ وَالْوَاحد لَا يَنْقَسِم بِالذَّاتِ أَقُول من عرف الْعدَد بِهَذَا التَّعْرِيف وَأدْخل الْوَاحِد فِي الْعدَد يَقُول إِن الْعدَد أَعم من الْكمّ الْمُنْفَصِل لِأَن الْوَاحِد مِنْهُ لَيْسَ بكم فضلا عَن أَن يكون كَمَا مُنْفَصِلا كَمَا يفهم من الْحَوَاشِي الحكيمية على الخيالية فِي مَبْحَث الصِّفَات وَقيل المُرَاد بالكمية فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُور مَا يَقع فِي جَوَاب كم الاستفهامية لَا الْمَعْنى المصطلح فَلَا إِشْكَال لِأَن الْوَاحِد يَقع فِي جَوَاب كم فَإِنَّهُ إِذا سَأَلَك شخص بِأَنَّهُ كم رجل عنْدك فَقلت وَاحِد فَيَقَع الْوَاحِد فِي جَوَاب كم الاستفهامية. وَعند الْمُحَقِّقين الْوَاحِد خَارج عَن الْعدَد لِأَنَّهُ لَيْسَ بكم إِذْ الْوحدَة تَقْتَضِي اللاقسمة وَلذَا قَالُوا إِن الْوحدَة من قبيل الكيف على أَنه يُمكن منع كَونهَا عرضا بِسَنَد أَنَّهَا من الْأُمُور الاعتبارية عِنْد الْمُحَقِّقين فتعريف الْعدَد عِنْد الْمُحَقِّقين نصف مَجْمُوع حاشيتيه والحاشيتان إِمَّا عددان كحاشيتي الْخَمْسَة وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة أَو عدد ووحدة كحاشيتي الِاثْنَيْنِ يكون بعد أَحدهمَا فِي التَّرْتِيب عَن الْوَاسِطَة جَانب الْقلَّة وَالْكَثْرَة مثل بعد الآخر عَنْهَا مثل الْخَمْسَة فَإِنَّهَا نصف سِتَّة وَأَرْبَعَة وَنصف سَبْعَة وَثَلَاثَة وَنصف ثَمَانِيَة واثنين وَنصف وَاحِد وَتِسْعَة فَيكون ضعفها مُسَاوِيا لحاشيتها وَنِصْفهَا لربعي حاشيتيها فَيخرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 الْوَاحِد عَن تَعْرِيف الْعدَد لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْحَاشِيَة التَّحْتَانِيَّة وَقد يتَكَلَّف لصدق التَّعْرِيف على الْوَاحِد بتعميم الْحَاشِيَة الفوقانية والتحتانية من الصَّحِيح وَالْكَسْر بِمَعْنى أَنَّهُمَا أَعم من أَن يَكُونَا صَحِيحَيْنِ أَو كسرين أَو يكون أَحدهمَا كسرا فَقَط وَالْآخر مَعَ صَحِيح وَأما كَون إِحْدَاهمَا كسرا فَقَط وَالْآخر صَحِيحا فَقَط فَلَا يجوز لِأَن الْحَاشِيَة التَّحْتَانِيَّة لكل عدد ينقص عَنهُ بِمِقْدَار زِيَادَة الْحَاشِيَة الفوقانية عَلَيْهِ فالواحد نصف مَجْمُوع حَاشِيَته لِأَن حَاشِيَته التَّحْتَانِيَّة هِيَ النّصْف مثلا وحاشيته الفوقانية وَاحِد وَنصف لَكِن الْحق أَن الْوَاحِد لَيْسَ بِعَدَد لِأَن الْعدَد يَنْقَسِم بِالذَّاتِ وَالْوَاحد لَا يَنْقَسِم بِالذَّاتِ لَكِن قد يُطلق وَيُرَاد بِهِ كل مَا يَقع فِي مَرَاتِب الْعدَد وَإِن تألفت مِنْهُ الْأَعْدَاد كَمَا أَن الْجَوْهَر الْفَرد أَعنِي الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ لَيْسَ بجسم لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يفْرض فِيهِ أبعاد ثَلَاثَة متقاطعة على زَوَايَا قَائِمَة لَا بِالْقُوَّةِ وَلَا بِالْفِعْلِ وَإِن تألفت مِنْهُ الْأَجْسَام عِنْد الْمُتَكَلِّمين المثبتين لذَلِك الْجُزْء. وَقيل الْعدَد كمية مجتمعة من الْآحَاد فَلَا يُمكن إدراج الْوَاحِد بتكلف. وَزعم من لَا تَحْقِيق لَهُ أَن الِاثْنَيْنِ أَيْضا لَيْسَ بِعَدَد متمسكا بِأَنَّهُ الزَّوْج فَلَا يكون عددا كالفرد الأول وَهُوَ الْوَاحِد وَبِأَن الْعدَد كَثْرَة متألفة من الوحدات وَأَقل الْجمع ثَلَاثَة فَلَا يتَنَاوَل الِاثْنَيْنِ وَبِأَنَّهُ لَو كَانَ عددا لَكَانَ إِمَّا أَولا أَو مركبا لانحصار الْعدَد فيهمَا وَلَيْسَ الأول وَإِلَّا لم يكن لَهُ النَّص وَلَا الثَّانِي وَإِلَّا لوَجَبَ أَن يعده غير الْوَاحِد وَالْعدَد الأول مَا لَا يعده أَي لَا يفنيه غير الْوَاحِد وَالْكل مَرْدُود. أما الأول فَلِأَن قِيَاس الزَّوْج الأول بالفرد الأول فِي هَذَا الحكم قِيَاس مَعَ الْفَارِق. وَأما الثَّانِي فلأنا لَا نسلم أَن الْعدَد مَا ذكرته بل هُوَ نصف مَجْمُوع حاشيتيه وَلَئِن سلم فَلَا نسلم أَن أقل الْجمع ثَلَاثَة بل اثْنَان. وَأما الثَّالِث فَلِأَن الأول مَا لَا يعده غير الْوَاحِد وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَن لَا يكون لَهُ نصف أصلا بل أَن لَا يكون لَهُ نصف أَكثر من الْوَاحِد. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن التَّعْرِيف الأول وَالثَّالِث لَا يَشْمَل الكسور مَعَ أَنَّهَا عدد عِنْد الْحساب فالتعريف الْجَامِع عِنْدهم كمية يحصل من الْوَاحِد بالتكرير أَو بالتجزئة أَو بهما. وَأَنت تعلم أَن الْوَاحِد من حَيْثُ إِنَّه وَاحِد لَا يقبل التجزئة إِلَّا أَن لَا يُلَاحظ تِلْكَ الْحَيْثِيَّة، وَالْعدَد على ثَلَاثَة أَقسَام زَائِد - وناقص - ومساو - واطلب كلا فِي الْموضع كل. ثمَّ اعْلَم أَن الْعدَد من الْأُمُور الاعتبارية الانتزاعية وَهُوَ الْحق لِأَن الْعدَد من الْأُمُور الَّتِي يتَكَرَّر نوعها وكل متكرر النَّوْع من الْأُمُور الاعتبارية لما سَيَجِيءُ فِي متكرر النَّوْع إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلِأَن الْعدَد متألف من الوحدات وَهِي أُمُور اعتبارية. وَقَالَ الْفَاضِل الزَّاهِد فِي حَاشِيَته على الرسَالَة المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق أَنه مركب من الْآحَاد لست أَقُول من الوحدات كَمَا توهم من ظَاهر عباراتهم كَيفَ وَالْعدَد مَحْمُول على الْمَعْدُود بالمواطأة والواحدات مَحْمُولَة عَلَيْهِ بالاشتقاق وَالْوَاحد من حَيْثُ هُوَ وَاحِد لَيْسَ بموجود فِي الْخَارِج فَكَذَا الْعدَد الْمركب مِنْهُ انْتهى. وَلَا يخفى أَن الزَّاهِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 رَحمَه الله رَجَعَ من الْوحدَة إِلَى الْوَاحِد لَكِن لم يَنْفَعهُ الرُّجُوع لِأَنَّهُ رَجَعَ من اعتباري إِلَى اعتباري آخر بل من الاعتباري الأول مَعَ قطع النّظر عَن اعْتِبَار أَمر آخر إِلَى نَفسه مَعَ اعْتِبَار أَمر آخر فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَاشِيَته على شرح المواقف الْعدَد آحَاد بوحدات هِيَ نَفسهَا والآحاد مَحْمُولَة على الْمَعْدُود مواطأة فالوحدات مَحْمُولَة على الْمَعْدُود مواطأة. فَإِن قلت، كَيفَ رَجَعَ الزَّاهِد من اعتباري إِلَى اعتباري آخر بل من الاعتباري الأول إِلَى آخر مَا ذكر. قلت اعْلَم أَولا أَن الْوحدَة من الْأُمُور الَّتِي يتَكَرَّر نوعها فَتعْتَبر تَارَة من حَيْثُ هِيَ هَب. وَأُخْرَى من حَيْثُ إِنَّهَا متصفة بالوحدة فَتَصِير وَاحِدًا، فَنَقُول إِن الْعدَد عِنْد الْجُمْهُور عبارَة عَن الوحدات الصرفة أَي الوحدات لم يعْتَبر اتصافها بالوحدات حَتَّى تصير أحادا فالعدد عِنْدهم عبارَة عَن أَمر اعتباري أَعنِي الوحدات مَعَ قطع النّظر عَن اعْتِبَار أَمر آخر مَعهَا وَهُوَ الوحدات. وَلما رَجَعَ الزَّاهِد رَحمَه الله عَمَّا ذكرُوا إِلَى أَنه مركب من الْآحَاد أَي الوحدات الَّتِي اعْتبر اتصافها بالوحدات فقد رَجَعَ إِلَى أَنه مركب من أَمر اعتباري أَعنِي الوحدات مَعَ اعْتِبَار أَمر اعتباري آخر مَعهَا أَعنِي الوحدات. وَصرح جلال الْعلمَاء فِي الْحَوَاشِي الْقَدِيمَة بِأَن الْأَعْدَاد من الْأُمُور الاعتبارية عِنْد الْمُحَقِّقين من الْحُكَمَاء وَجعلهَا من أَقسَام الْكمّ بِاعْتِبَار فرض وجودهَا حَيْثُ قَالَ إِن الْمُحَقِّقين كالمصنف أَي الطوسي وَغَيره على أَن الْعدَد أَمر اعتباري مَعَ تقسيمهم الْكمّ إِلَى الْمُتَّصِل والمنفصل مُسَامَحَة ثِقَة بِمَا قَرَّرَهُ فِي مَحَله انْتهى وَهَا هُنَا كَلَام لَا يَسعهُ الْمقَام الْعدَد المستوي: هُوَ الْعدَد الْمَكْتُوب من المركز إِلَى الْقوس فِي الرّبع الْمُجيب. الْعدَد الْغَيْر المستوى: هُوَ الْعدَد الْمَكْتُوب من الْقوس إِلَى المركز فِي الرَّابِع الْمُجيب. الْعدْل: ضد الظُّلم وإحقاق الْحق وَإِخْرَاج الْحق عَن الْبَاطِل أَي ممتازا عَنهُ وَالْأَمر الْمُتَوَسّط بَين الإفراط والتفريط. وَعند الْفُقَهَاء من اجْتنب الْكَبَائِر وَلم يصر على الصَّغَائِر وَغلب صَوَابه واجتنب الْأَفْعَال الخسيسة كَالْأَكْلِ وَالْبَوْل فِي الطَّرِيق. وَعند النُّحَاة الْعدْل كَون الِاسْم مخرجا عَن صيغته الَّتِي يَقْتَضِي الأَصْل وَالْقَاعِدَة أَن يكون ذَلِك الِاسْم على تِلْكَ الصِّيغَة أَي الصُّورَة فَإِن كَانَ ذَلِك الأَصْل الْمُقْتَضِي غير منع الصّرْف أَيْضا فالعدل تحقيقي كَمَا فِي ثَلَاث ومثلث وَإِن كَانَ منع الصّرْف لَا غير فتقديري كَمَا فِي عمر وَزفر. فالعدل التحقيقي: مَا إِذا نظر إِلَى الِاسْم وجد فِيهِ قِيَاس وَدَلِيل غير منع الصّرْف على أَن أَصله الشَّيْء الآخر. وَالْعدْل التقديري: مَا إِذا نظر إِلَى الِاسْم لم يُوجد فِيهِ ذَلِك الْقيَاس وَالدَّلِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 الْمَذْكُور غير أَنه وجد غير منصرف وَلم يكن فِيهِ إِلَّا العلمية فَقدر فِيهِ الْعدْل حفظا لقاعدتهم الَّتِي هِيَ أَن غير المنصرف مَا فِيهِ عِلَّتَانِ فَإِن قلت كَيفَ يَقْتَضِي منع الصّرْف ذَلِك قلت لما تقرر عِنْدهم بالاستقراء أَن الِاسْم لَا يكون غير منصرف إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ عِلَّتَانِ من علل تسع أَو وَاحِدَة مِنْهَا تقوم مقامهما فَإِذا وجدوا اسْما غير منصرف لَا يكون فِيهِ ظَاهرا إِلَّا عِلّة وَاحِدَة لَا تصلح أَن تقوم مقامهما وَلَا يكون ذَلِك الِاسْم صَالحا لِأَن يعْتَبر فِيهِ عِلّة أُخْرَى سوى الْعدْل يعتبرونه وَيَقُولُونَ إِن منع صرفه يَقْتَضِي اعْتِبَاره صِيَانة لما تقرر عِنْدهم. وَمن رام تَحْقِيق هَذَا الْمقَام فَلْينْظر إِلَى كتَابنَا جَامع الغموض منبع الفيوض شرح الكافية. الْعَدَالَة: فِي اللُّغَة الاسْتوَاء وضد الْجور. وَفِي الشَّرْع الاسْتقَامَة على الطَّرِيق الْحق بالاجتناب عَمَّا هُوَ مَحْظُور مَمْنُوع فِي دينه. وَفِي تعليقاتي على شرح هِدَايَة الْحِكْمَة للميبذي أَن فِي الْإِنْسَان قُوَّة غضبانية وَيُقَال لإفراطها التهور ولتوسطها الشجَاعَة ولتفريطها الْجُبْن وَقُوَّة شهوانية وَيُقَال لإفراطها الْفُجُور ولتوسطها الْعِفَّة ولتفريطها الجمود وَقُوَّة عقلية وَيُقَال لإفراطها الجربزة ولتوسطها الْحِكْمَة ولتفريطها البلادة فَلِكُل من هَذِه القوى الثَّلَاث ثَلَاث جِهَات وأطراف. الطّرف الأول وَالثَّالِث مِنْهَا مذمومان والطرف الْمُتَوَسّط مَحْمُود. وكل متوسط من المتوسطات جِهَة الْعَدَالَة وَالْمَجْمُوع جِهَات الْعَدَالَة وَنَبِينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - محدد جِهَات الْعَدَالَة كلهَا أَي محيطها وجامعها. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل مَا هُوَ فِي كتب الْأَخْلَاق من أَن الْعَدَالَة هِيَ الْأَمر الْمُتَوَسّط بَين الإفراط والتفريط وَهُوَ ثَلَاثَة أُمُور الْحِكْمَة والعفة والشجاعة الَّتِي هِيَ من أصُول الْأَخْلَاق الفاضلة المكتسبة وتفاصيلها إِن كل الْفَضَائِل الكسبية منحصرة فِي التَّوَسُّط. وَتَقْرِير الْكَلَام أَن الْخَالِق تَعَالَى وتقدس قد ركب فِي الْإِنْسَان ثَلَاث قوى إِحْدَاهَا مبدأ إِدْرَاك الْحَقَائِق والشوق إِلَى النّظر فِي العواقب وَالتَّمَيُّز بَين الْمصَالح والمفاسد وَهِي المطمئنة ويعبر عَنْهَا بِالْقُوَّةِ النطقية - والعقلية - وَالنَّفس المطمئنة - والملكية - وَأَيْضًا قَالُوا إِن النَّفس المطمئنة هِيَ الَّتِي تمّ نورها بِنور الْقلب حَتَّى انخلعت عَن صفاتها الذميمة وتخلقت بالأخلاق الحميدة. وَالثَّانيَِة مبدأ جذب الْمَنَافِع وَطلب الملاذ من المآكل والمشارب وَغير ذَلِك وَتسَمى الْقُوَّة الشهوانية والبهيمية وَالنَّفس الأمارة. وَبِعِبَارَة أُخْرَى النَّفس الأمارة هِيَ الَّتِي تميل إِلَى الطبيعة الْبَدَنِيَّة وتأمر باللذات والشهوات الحسية وتجذب الْقلب إِلَى الْجِهَة السفلية فَهِيَ مأوى الشرور القبيحة ومنبع الْأَخْلَاق الذميمة. وَالثَّالِثَة مبدأ الْإِقْدَام على الْأَهْوَال والشوق إِلَى التسلط والترفع وَهِي الْقُوَّة الغضبية والسبعية وَالنَّفس اللوامة. وَأَيْضًا قَالُوا إِن النَّفس اللوامة الَّتِي تنورت بِنور الْقلب قدر مَا شبهت عَن الْغَفْلَة وَكلما صدرت مِنْهَا سَيِّئَة تحكم بهَا وتلوم عَلَيْهَا وتتوب عَنْهَا وتحدث من اعْتِدَال الْحَرَكَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 الإرادية للأولى الْحِكْمَة وللثانية الْعِفَّة وللثالثة الشجَاعَة. فأمهات الْفَضَائِل الكسبية هِيَ هَذِه الثَّلَاثَة وَمَا سوى ذَلِك فَإِنَّمَا هُوَ من تفريعاتها وتركيباتها وكل مِنْهَا مَحْبُوس ومحاط بطرفي إفراط وتفريط هما رذيلتان. أما الْحِكْمَة فَهِيَ معرفَة الْحَقَائِق على مَا هِيَ عَلَيْهِ بِقدر الِاسْتِطَاعَة وَهِي الْعلم النافع الْمعبر بِهِ بِمَعْرِِفَة النَّفس بِمَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا الْمشَار إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى {وَمن يُؤْتِي الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا} وإفراطها الجربزة وَهِي اسْتِعْمَال الْفِكر فِيمَا لَا يَنْبَغِي كالمتشابهات على وَجه لَا يَنْبَغِي لمُخَالفَة الشَّرَائِع نَعُوذ بِاللَّه من علم لَا ينفع، وتفريطها الغباوة الَّتِي هِيَ تَعْطِيل الْقُوَّة الفكرية بالإرادة وَالْوُقُوف عَن اكْتِسَاب الْعُلُوم النافعة. وَأما الشجَاعَة فَهِيَ انقياد السبعية للناطقة ليَكُون إقدامها على حسب الرُّؤْيَة من غير اضْطِرَاب فِي الْأُمُور الهائلة حَتَّى يكون فعلهَا جميلا وصبرها مَحْمُودًا وإفراطها (التهور) أَي الْإِقْدَام بالإرادة على مَا لَا يَنْبَغِي. وتفريطها (الْجُبْن) أَي الحذر بالإرادة عَمَّا لَا يَنْبَغِي. وَأما الْعِفَّة فَهِيَ انقياد البهيمية للناطقة ليَكُون تصرفاتها بِحَسب اقْتِضَاء الناطقة لتسلم عَن استعباد الْهوى إِيَّاهَا واستخدام اللَّذَّات. وإفراطها (الخلاعة والفجور) أَي الْوُقُوع فِي ازدياد اللَّذَّات على مَا تحب، وتفريطها (الجمود) أَي السّكُون عَن طلب اللَّذَّات بِقدر مَا رخص فِيهِ الْعقل وَالشَّرْع إيثارا لَا خلقَة فالأوساط فَضَائِل والأطراف رذائل. وَإِذا امتزجت الْفَضَائِل الثَّلَاث حصل من اجتماعها حَالَة متشابهة هِيَ الْعَدَالَة، فَبِهَذَا الِاعْتِبَار عبر عَن الْعَدَالَة بالوسائط وَإِلَيْهِ أُشير بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير الْأُمُور أوساطها. وَالْحكمَة فِي النَّفس البهيمية بَقَاء الْبدن الَّذِي هُوَ مركب النَّفس الناطقة لتصل بذلك إِلَى كمالها اللَّائِق بهَا ومقصدها المتوجهة إِلَيْهِ. وَفِي السبعية كسر البهيمية وقهرها وَدفع الْفساد المتوقع من استيلائها وَاشْتِرَاط التَّوَسُّط فِي أفعالها لِئَلَّا تستعبد الناطقة فِي هَواهَا وَقصر شأوها عَن كمالها ومقصدها وَقد مثل ذَلِك بِفَارِس استردف سبعا وبهيمة للاصطياد فَإِن انْقَادَ السَّبع والبهيمة للفارس واستعملها على مَا يَنْبَغِي حصل مَقْصُود الْكل لوصول الْفَارِس إِلَى الصَّيْد والسبع إِلَى الطعمة والبهيمة إِلَى الْعلف فَإِن الْبَهِيمَة أَعنِي الْفرس مثلا مَا دَامَ يركبه فَارس يطْلب صيدا لَا يَأْكُل الْعلف وَلَا يفرغ لَهُ وَإِلَّا هلك الْكل. ثمَّ إِن تِلْكَ الْفَضَائِل الحميدة المتوسطة وَكَذَا تِلْكَ الرذائل المذمومة لَا تتَصَوَّر إِلَّا فِيمَن كَانَ واجدا لتِلْك القوى الثَّلَاث الْمَذْكُورَة ويستعملها اسْتِعْمَالا مَحْمُودًا أَو مذموما لَا فِيمَن كَانَ فاقدا لَهَا فَإِن تِلْكَ الْفَضَائِل والرذائل كسبية يُثَاب بكسبها ويعاقب بِتَرْكِهَا ففاقد الْقُوَّة الشهوانية مثلا مَعْذُور لَا يُمكن أَن يُقَال إِنَّه سَاكن بِاخْتِيَارِهِ وإرادته عَن طلب اللَّذَّة بِقدر مَا رخص فِيهِ الْعقل وَالشَّرْع فَهُوَ خَارج عَمَّا نَحن فِيهِ وَكَذَا فَاقِد الْقُوَّة الغضبانية وفاقد الْقُوَّة النطقية كَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوه خارجان عَنهُ، فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 الْعَدَاوَة: مَا يتَمَكَّن فِي الْقلب من قصد الْإِضْرَار والانتقام. الْعدة: فعلة بِالْكَسْرِ من الْعد. فِي الصِّحَاح أَن عدَّة الْمَرْأَة أَيَّام إقرائها. وَفِي الْكَافِي هِيَ تربص يلْزم الْمَرْأَة بِزَوَال النِّكَاح أَو شبهه المتأكدة بِالدُّخُولِ وَإِنَّمَا سمي بهَا لعَدهَا أَيَّام التَّرَبُّص. وَالْعدة تكون بِأحد ثَلَاثَة أُمُور بِالْحيضِ والشهور وَوضع الْحمل. فَعدَّة الْحرَّة للطَّلَاق بَائِنا أَو رَجْعِيًا أَو الْفَسْخ كَمَا فِي الْفرْقَة بِخِيَار الْبلُوغ وَملك أحد الزَّوْجَيْنِ صَاحبه ثَلَاثَة حيض إِن كَانَت حَائِضًا وَإِن لم تَحض كالصغيرة والآيسة فَثَلَاثَة أشهر. هَذَا إِذا كَانَت مَوْطُوءَة وَإِلَّا فَلَا عدَّة لَهَا وعدة الْحرَّة للْمَوْت سَوَاء كَانَت صَغِيرَة أَو كَبِيرَة كَافِرَة أَو مسلمة مَوْطُوءَة أَو غير مَوْطُوءَة أَرْبَعَة أشهر وَعشر لَيَال فَيتَنَاوَل مَا بإزائها من الْأَيَّام. وعدة الْأمة الَّتِي دخل بهَا زَوجهَا وَطَلقهَا حيضان وَإِن كَانَت حَائِضًا وَإِن لم تَحض فعدتها نصف ثَلَاثَة أشهر كَمَا لمَوْت زَوجهَا نصف مَا للْحرَّة عِنْد موت زَوجهَا شَهْرَان وَخمْس لَيَال مَوْطُوءَة أَو لَا. وعدة الْحَامِل حرَّة أَو أمة مُطلقَة أَو توفّي عَنْهَا زَوجهَا وضع حملهَا وعدة زَوْجَة الفار وَهُوَ الَّذِي طلق امْرَأَته فِي مرض مَوته أبعد الْأَجَليْنِ أَي عَلَيْهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشر إِذا كَانَت أطول من الْعدة بِالْحيضِ وَعَلَيْهَا ثَلَاث حيض إِن كَانَت أطول من الْعدة بِالْأَشْهرِ وَيظْهر هَذَا فِي الممتدة الطُّهْر. فِي الْهِدَايَة هَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى ثَلَاث حيض وَمَعْنَاهُ إِذا كَانَ الطَّلَاق بَائِنا أَو ثَلَاثًا أما إِذا كَانَ رَجْعِيًا فعلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة بِالْإِجْمَاع. وَاعْلَم أَن عليا كرم الله وَجهه وَابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اخْتلفَا فِي عدَّة حَامِل مَاتَ زَوجهَا فَقَالَ عَليّ كرم الله وَجهه أَن تَعْتَد بأبعد الْأَجَليْنِ أَي أجل الْوَفَاة وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر وَعشر وَأجل وضع الْحمل. وَقَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن عدَّة الحاملة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وضع الْحمل. فَإِن قيل، لم قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه بأبعد الْأَجَليْنِ قيل تَوْفِيقًا بَين الْآيَتَيْنِ الأولى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} وَالثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} . فَإِن قيل، لم قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِأَن عدَّة الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وضع الْحمل. قُلْنَا، قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من شَاءَ باهلته أَن قَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} نزل بعد قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفسِهِم أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} وَهَذِه الْآيَة تدل على أَن الْعدة للحامل بِوَضْع الْحمل سَوَاء توفّي عَنْهَا زَوجهَا أَو طَلقهَا فَجعل ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال} نَاسِخا لقَوْله يَتَرَبَّصْنَ فِي مِقْدَار مَا تنَاوله الْآيَتَانِ وَهُوَ مَا إِذا توفّي عَنْهَا زَوجهَا وَتَكون حَامِلا. وَلَا يخفى أَنه يفهم من هَا هُنَا أَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ظن أَن عليا كرم الله وَجهه لم يعلم بِتَقْدِيم نزُول قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم} الْآيَة وَتَأْخِير نزُول قَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال} الْآيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وَالتَّحْقِيق الْحقيق مَا أَشَارَ إِلَيْهِ أستاذ أبي مَوْلَانَا أَحْمد بن سُلَيْمَان الأحمد آبادي غفر الله ذنوبهما وَستر عيوبهما بقوله وَلنَا فِي هَذَا الْمقَام تَحْقِيق أنيق مَا يكْشف الغطاء عَن وَجه قوليهما وَيظْهر مَا هُوَ الْحق مِنْهُمَا. وَبَيَان ذَلِك أَن الْغَرَض وَالْحكمَة فِي عدَّة الْمُطلقَة ظُهُور بَرَاءَة رَحمهَا عَن شغله بِمَاء الْغَيْر وَالْحكمَة فِي تربص الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا فِي أَرْبَعَة أشهر وَعشر هِيَ رِعَايَة تَعْزِيَة الزَّوْج وَحفظ حرمته إِلَى تِلْكَ الْمدَّة تدل على ذَلِك أَن الْمُطلقَة إِذا كَانَت غير مدخولة لَا تَعْتَد أصلا كَمَا يفهم من قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا} وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَحمهَا مَشْغُولًا بِمَاء الْغَيْر. والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا إِذا كَانَت غير مدخولة يجب عَلَيْهَا التَّرَبُّص إِلَى أَرْبَعَة أشهر وَعشر وَإِن كَانَ رَحمهَا غير مَشْغُول بِمَاء الْغَيْر كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي كتب الْفِقْه. وَأَيْضًا يدل عَلَيْهِ عُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون} من غير اسْتثِْنَاء لغير المدخولة كَمَا اسْتثْنى الْمُطلقَة الْغَيْر المدخولة من عُمُوم قَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} بِمَا ذكرنَا من الْآيَة فَعلم من ذَلِك أَنه لَيْسَ الْحِكْمَة فِي ذَلِك التَّرَبُّص اسْتِبْرَاء الرَّحِم وَإِلَّا لم يجب عَلَيْهَا إِذا كَانَت غير مدخولة كَمَا لَا يجب على الْمُطلقَة الْغَيْر المدخولة فَلَا تكون الْآيَتَانِ متعارضتين إِذا لوحظت الْحِكْمَة المرعية فيهمَا وَلم يكن قَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال} نَاسِخا لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون} مَعَ تَأَخّر نزُول ذَلِك عَن هَذَا لِأَن كلا من الْآيَتَيْنِ لغَرَض وَحِكْمَة على حِدة وَلَيْسَ أَحدهمَا منافيا للْآخر حَتَّى يكون نَاسِخا فِي مِقْدَاره المتناول وَيُؤَيّد مَا ذكرنَا من أَن الْحِكْمَة فِي الحكم الأول هُوَ ظُهُور بَرَاءَة الرَّحِم وَفِي الثَّانِي هُوَ فَقَط تَعْزِيَة الزَّوْج مَا أوردهُ صَاحب الْهِدَايَة فِي بَاب الْعدة من أَن الْعدة فِي الطَّلَاق وَجَبت للتعرف عَن بَرَاءَة الرَّحِم وَفِي بَاب النَّفَقَة من أَن احتباس الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَيْسَ لحق الزَّوْج بل لحق الشَّرْع فَإِن التَّرَبُّص عبَادَة فِيهَا. أَلا ترى أَن معنى التعرف عَن بَرَاءَة الرَّحِم لَيْسَ بمراعى فِيهِ حَتَّى لَا يشْتَرط فِيهَا الْحيض. إِذا عرفت هَذَا فَنَقُول إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ عليا كرم الله وَجهه إِنَّمَا أوجب فِي أبعد الْأَجَليْنِ لذَلِك لَا للتوفيق بَين الْآيَتَيْنِ وَالْجمع بَينهمَا احْتِيَاطًا لجَهَالَة التَّارِيخ كَمَا ذكره صَاحب التَّوْضِيح وَغَيره من شرَّاح الْهِدَايَة فَإِنَّهُ إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَتَا متعارضتين وَأما إِذا كَانَ كل وَاحِد من الْحكمَيْنِ لغَرَض آخر فَلَا فَلَو انْقَضى أَرْبَعَة أشهر وَعشر وَلم تضع الْحمل فَلَا بُد أَن تصير إِلَى أَن تفرغ رَحمهَا عَن الشّغل بِمَاء الْغَيْر بالِاتِّفَاقِ وَلَو وضعت قبل انْقِضَاء أَرْبَعَة أشهر وَعشر فتربص إِلَى تِلْكَ الْمدَّة لأجل تَعْزِيَة الزَّوْج وَحفظ حرمته عِنْد عَليّ كرم الله وَجهه كَمَا عرفت. ثمَّ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لما خَفِي عَلَيْهِ مَا هُوَ الْحِكْمَة فِي الْحكمَيْنِ وَاقْتصر نظره على ظَاهر الْآيَتَيْنِ وَظن أَن من حكم بأبعد الْأَجَليْنِ فَإِنَّمَا حكم بِوَاسِطَة جَهَالَة التَّارِيخ أنكر ذَلِك الحكم وبادر إِلَى المباهلة وَقَالَ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 شَاءَ باهلته لما كَانَ تَأَخّر النُّزُول عِنْده مَعْلُوما يقينيا وَلم يدر أَن شُمُول وَأولَات الْأَحْمَال الْمُطلقَة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا بِحَسب الْمَفْهُوم لَا يَقْتَضِي أَن تَنْقَضِي بِسَبَب وضع الْحمل عدتهَا الَّتِي وَجَبت عَلَيْهَا بِاعْتِبَار وَفَاة زَوجهَا كَيفَ وَالْحكمَة فِيهَا أَمر آخر لَا تعرف بَرَاءَة الرَّحِم فَلَا يكون قَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال} مَعَ تَأَخّر نُزُوله عَن قَوْله {وَالَّذين يتوفون} نَاسِخا فِي مِقْدَار مَا تنَاوله الْآيَتَانِ. هَذَا هُوَ التَّحْقِيق وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق انْتهى. هَذَا مَا حررناه فِي الأنموذج الْمُسَمّى بالتحقيقات. الْعَدَم: يُقَابل الْوُجُود وَله اعتباران - الْوُجُود الْمُطلق وَمُطلق الْوُجُود فَإِن اعْتبر مُقَابلَته بالوجود الْمُطلق يكون عبارَة عَن سلب الْوُجُود الْمُطلق وَهُوَ الْعَدَم الْمُطلق. وَإِن قوبل بِمُطلق الْوُجُود يكون بَيَانا عَن سلب مُطلق الْوُجُود وَهُوَ مُطلق الْعَدَم، والوجود الْمُطلق يتَحَقَّق بتحقق فَرد مَا وينتفي بِانْتِفَاء جَمِيع أَفْرَاده أَي الذهنية والخارجية، وَمُطلق الْوُجُود يتَحَقَّق بتحقق فَرد مَا وينتفي بانتفائه أَيْضا. وَعَلِيهِ قِيَاس الِامْتِنَاع فَهُوَ إِمَّا عبارَة عَن ضَرُورَة مُطلق الْعَدَم أَي الْعَدَم الْمُطلق ضَرُورَة مُطلقَة أَو ضَرُورَة ناشئة عَن الْغَيْر أَو عبارَة عَن ضَرُورَة مُطلق الْعَدَم ضَرُورَة مُطلقَة أَو ناشئة عَن الْغَيْر وَعَلَيْك الرُّجُوع إِلَى الْمُطلق حَتَّى يَتَّضِح لَك هَذَا الْمقَال واشكر لله الْكَبِير المتعال. عدم ارْتِفَاع النقيضين مخيل: أَي عِنْد العنادية من السوفسطائية. قَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة فِي حَوَاشِيه على شرح العقائد النسفية قَوْله إِن لم يتَحَقَّق نفي الْأَشْيَاء فقد ثَبت، يرد عَلَيْهِ أَن عدم ارْتِفَاع النقيضين من جملَة المخيلات عِنْدهم فَلَا يلْزم من عدم تحقق النَّفْي الثُّبُوت انْتهى. أَقُول حَاصله أَنكُمْ قُلْتُمْ إِن لم يتَحَقَّق نفي الْأَشْيَاء فقد ثَبت شَيْء من الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ إِن لم يثبت يلْزم ارْتِفَاع النقيضين وَهُوَ محَال مَعْدُوم فَيجوز أَن يَقُول العنادية أَن عَدمه من جملَة المخيلات عندنَا أَي لَيْسَ عَدمه فِي نفس الْأَمر بل من الموهومات والمخيلات فَيجوز ارْتِفَاع النقيضين فَلَا يلْزم من عدم تحقق نفي الْأَشْيَاء ثُبُوت شَيْء من الْأَشْيَاء فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع هُنَاكَ. عدم الدَّلِيل على وجود الشَّيْء لَا يُوجب نَفْيه: أَي نفي وجوده، وَقَالَ بعض القاصرين إِنَّه يُوجِبهُ لِأَن دَلِيل عدم وجود الْجبَال الشاهقة بحضرتنا مَعْدُوم فَلَو لم يجب نفي مَدْلُوله أَعنِي وجودهَا لجَاز وجودهَا بحضرتنا وَهَذَا الْجَوَاز بَاطِل فَإنَّا نعلم عدم وجودهَا قطعا فَثَبت أَن عدم دَلِيل وجود الشَّيْء يُوجب نَفْيه. وَالْجَوَاب أَن الدَّلِيل ملزوم والمدلول لَازمه وَانْتِفَاء اللَّازِم لَا يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمَلْزُوم لجَوَاز كَون اللَّازِم أَعم من ملزومه وَعدم وجود تِلْكَ الْجبَال مَعْلُوم لنا بالبداهة بالِاتِّفَاقِ لَا بِعَدَمِ دَلِيل وجودهَا وَإِلَّا لَكَانَ الْعلم بعدمها استدلاليا بِأَن يُقَال إِن دَلِيل وجودهَا مَعْدُوم وَعدم الدَّلِيل يُوجب عدم الْمَدْلُول فعدمها ثَابت وَأَيْضًا مَا المُرَاد بِعَدَمِ الدَّلِيل على وجود الشَّيْء إِن أُرِيد بِهِ أَنه لَا دَلِيل فِي نفس الْأَمر منعناه لِأَن عدم الْعلم بالشَّيْء لَا يسْتَلْزم عَدمه فِي نفس الْأَمر. وَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 أُرِيد أَنه لَا دَلِيل عندنَا فَمُسلم لَكِن لَا يُفِيد وجوب نَفْيه لجَوَاز أَن يكون دَلِيله مَوْجُودا فِي نفس الْأَمر وَإِن لم يكن مَعْلُوما لنا. عدم الْقُدْرَة مُطلقًا لَيْسَ بعجز: فَإِن عدم الْقُدْرَة على الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ أَو بِالْغَيْر لَيْسَ بعجز بل عدم الْقُدْرَة على الْمُمكن الْغَيْر الْمُمْتَنع بِالْغَيْر عجز وتفصيله فِي الْعَجز. الْعَدَم لَا مدْخل لَهُ فِي الْعلية: يَعْنِي أَن الْعَدَم لَا يكون عِلّة مُؤثرَة وَكَذَا الْمَعْدُوم الْمركب من الْوُجُود والعدم والمركب من الْمَوْجُود والمعدوم لِأَن الْعلَّة المؤثرة لَا بُد وَأَن تكون مُؤثرَة والتأثير صفة ثبوتية فثبوته فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ فَلَا يَتَّصِف بِهِ الْعَدَم الصّرْف وَلَا مَا تركب مِنْهُ وَلَا المتصف بِهِ. الْعدَد الْمعِين المنقوص: من عدد بعد نُقْصَان ثلثه مِنْهُ إِذا كَانَ مفنيا يكون نصفه ثلثا يَعْنِي أَن كل عدد إِذا نقص مِنْهُ ثلثه ثمَّ نقص من الْبَاقِي عدد معِين لم يبْق ذَلِك الْعدَد فَنصف الْعدَد الْمعِين حِينَئِذٍ يكون ثلثا للعدد الأول. أَلا ترى أَن خَمْسَة وَسبعين عددا إِذا نقص مِنْهُ ثلثه وَهُوَ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ثمَّ نقص مِنْهُ عدد معِين أَعنِي خمسين لم يبْق من ذَلِك الْعدَد أَي من خَمْسَة وَسبعين شَيْء. وَلَا شكّ أَن نصف خمسين ثلث خَمْسَة وَسبعين. وَلَا يخفى أَن هَذَا لَا يتَصَوَّر إِلَّا إِذا كَانَ الْعدَد الْمعِين ثلثين للعدد الأول. فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهَا ضابطة مضبوطة يفْتَقر إِلَيْهَا فِي اسْتِخْرَاج المجهولات العددية كَمَا لَا يخفى على الحاسب. (بَاب الْعين مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الْعرض أَعم من العرضي: فَإِن الْبيَاض عرض لَيْسَ بعرضي والأبيض عرض وعرضي على مَذْهَب كَمَا ستقف عَلَيْهِ. وَالشَّيْخ الرئيس صرح بِأَن الْعرض الْمُقَابل للجوهر غير العرضي الْمُقَابل للذاتي وَهَذَا هُوَ الْحق لَا ريب فِيهِ. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْعرض هُوَ العرضي بِحَذْف الْيَاء تَخْفِيفًا وَبعد الْحَذف جَاءَ الِاشْتِبَاه نعم هَذَا الْعرض يُقَابل الْجَوْهَر بِمَعْنى الأَصْل كَمَا يُقَال أَي شَيْء هُوَ فِي جوهره أَو عرضه ثمَّ إِنَّه فِي الإشارات رُبمَا قَالُوا الْعرض محذوفا عَنهُ الْيَاء انْتهى. وتفصيل هَذَا الْمقَام وتنقيح هَذَا المرام أَنهم اخْتلفُوا فِي أَن الْعرض غير العرضي ومبائن لَهُ حَقِيقَة أم اعْتِبَارا وَفِي أَن الْعرض يباين الْمحل حَقِيقَة أم اعْتِبَارا. وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن الْعرض غير العرضي وَغير الْمحل حَقِيقَة. وَاسْتَدَلُّوا على مُغَايرَة الْعرض للعرضي ومباينته لَهُ حَقِيقَة بِأَن الْعرض يباين الْمحل والعرضي يتحد مَعَه وَاخْتِلَاف اللوازم يدل على اخْتِلَاف الملزومات وعَلى أَن الْعرض مباين للمحل بِأَنَّهُ يُقَال وجدت الْأَعْرَاض فَقَامَتْ بالموضوعات، فللأعراض وجود سوى وجود الموضوعات وَوُجُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 الْإِعْرَاض مُتَأَخّر عَن وجود موضوعاتها. أَلا ترى أَن وجود الْبيَاض مُتَأَخّر عَن وجود الْمَوْضُوع وَبِه يمتاز عَن العدميات كالعمى فَإِن الْعقل إِذا لاحظ مَفْهُوم الْأَعْمَى بِحَدّ أَنه لَا يتَوَقَّف الاتصاف بِهِ إِلَّا على سلب الْبَصَر عَمَّا يصلح لَهُ بِالْقُوَّةِ الشخصية أَو النوعية أَو الجنسية من غير أَن يزِيد هُنَاكَ أَمر فِي الْوُجُود بِخِلَاف الْأَبْيَض فَإِن الْجِسْم إِنَّمَا يصير أَبيض إِذا زَاد عَلَيْهِ شَيْء فِي الْوُجُود بِهِ يصير أَبيض فَذَلِك الزَّائِد الْمُتَأَخر هُوَ الْبيَاض والجسم الْمَزِيد عَلَيْهِ الْمُتَقَدّم مَحَله. وَمَا قَالَ الشَّيْخ الرئيس وجود الْأَعْرَاض فِي أَنْفسهَا هُوَ وجودهَا لمحالها وَإِن كَانَ صَرِيحًا فِي أَن الْعرض عين الْمحل وَلَا يباينه وَلِهَذَا تمسك بِهِ من يَدعِي الِاتِّحَاد والعينية لَكِن الْحق أَن مُرَاده وجود الْإِعْرَاض فِي أَنْفسهَا وجودهَا فِي موضوعاتها فَلَا يجوز حمل كَلَامه على الظَّاهِر كَيفَ لَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي التعليقات وجود الْأَعْرَاض فِي أَنْفسهَا هُوَ وجودهَا فِي موضوعاتها سوى الْعرض الَّذِي هُوَ الْوُجُود لاستغنائه عَن الْوُجُود انْتهى. وَأَيْضًا حمل كَلَامه على الظَّاهِر يُوجب إثارة الْخلَل وَالْفساد فَإِن الْوُجُود وجودان أُصَلِّي يتَعَدَّى بفي، وتبعي يتَعَدَّى بِاللَّامِ وَالثَّانِي للأحوال عِنْد الْقَائِلين بهَا الأول لغَيْرهَا إعْرَاضًا كَانَ أَو جَوَاهِر فَلَو كَانَت الْإِعْرَاض مَوْجُودَة بِالثَّانِي لزم أَن تكون أحوالا والفلاسفة يُنْكِرُونَهَا وَذهب جلال الْعلمَاء وَمن تَابعه إِلَى أَن بَينهَا اتحادا بِالذَّاتِ وتغايرا بِالِاعْتِبَارِ فَإِن لطبيعة الْعرض ثَلَاث اعتبارات لَا بِشَرْط شَيْء وبشرط شَيْء وبشرط لَا شَيْء فَإِذا أخذت لَا بِشَرْط شَيْء أَي من حَيْثُ هِيَ هِيَ مَعَ قطع النّظر عَن مُقَارنَة الْمَوْضُوع وَعدمهَا فَهِيَ عرضي مَحْمُول. وَإِذا أخذت بِشَرْط شَيْء أَي بِشَرْط مُقَارنَة الْمَوْضُوع مَعهَا فعين الْمحل. وَإِذا أخذت بِشَرْط لَا شَيْء أَي بِشَرْط عدم مُقَارنَة الْمَوْضُوع مَعهَا فَعرض مُقَابل للجوهر فالبياض مثلا بِالِاعْتِبَارِ الأول يكون أَبيض وعرضيا مَحْمُولا وَبِالثَّانِي ثوبا أَبيض وبالثالث بَيَاضًا وعرضا مبائنا للموضوع. ف (70) الْعَرْش: الْجِسْم الْمُحِيط بِجَمِيعِ الْأَجْسَام سمي بِهِ لارتفاعه أَو للتشبيه بسرير الْملك فِي تمكنه عَلَيْهِ عِنْد الحكم لنزول أَحْكَام قَضَائِهِ وَقدره مِنْهُ. العرشي: الْمَنْسُوب إِلَى الْعَرْش الْمجِيد. وَأَرَادَ الإِمَام الْعَلامَة الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي فِي التلويحات بالعرشي الْبَحْث الَّذِي حصله بِالنّظرِ كَمَا أَرَادَ باللوحي مَا أَخذه من كتاب. الْعرض: بِكَسْر الأول وَسُكُون الثَّانِي (آبرو وعزت وَحرمت) وبفتح الْعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 وَسُكُون الثَّانِي فِي اللُّغَة الْإِظْهَار والكشف. وَمِنْه قَول الْفُقَهَاء وَلَا تعرض الْأمة إِذا بلغت فِي إِزَار وَاحِد أَي لَا تظهر فِي السُّوق للْبيع فِي إِزَار وَاحِد. وبفتح الثَّانِي أَيْضا مَتَاع خانه غير دِرْهَم ودينار وَجمعه الْعرُوض. وَفِي الصِّحَاح الْعرض الْأَمْتِعَة الَّتِي لَا يدخلهَا كيل وَلَا وزن وَلَا تكون حَيَوَانا وَلَا عقارا. وَالْعرض الْمُقَابل للجوهر هُوَ الْمَوْجُود فِي الْمَوْضُوع أَي الْمُمكن الْوُجُود الَّذِي يحْتَاج فِي وجوده إِلَى مَوْضُوع أَي مَحل مقوم يقوم بِهِ وَلذَا قَالُوا الْعرض هُوَ الْحَال فِي المتحيز بِالذَّاتِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى يُقَابل الْجَوْهَر وَجمعه الْأَعْرَاض. ثمَّ الْعرض على نَوْعَيْنِ قار الذَّات وَهُوَ الَّذِي تَجْتَمِع أجزاؤه فِي الْوُجُود كالبياض والسواد - وَغير قار الذَّات وَهُوَ الَّذِي لَا تَجْتَمِع أجزاؤه فِي الْوُجُود كالحركة والسكون. قيل هَذَا التَّعْرِيف غير مَانع لصدقه على الصُّورَة الْعَقْلِيَّة للجوهر فَإِنَّهَا جَوْهَر على مَذْهَب من يَقُول بِحُصُول الْأَشْيَاء فِي الذِّهْن بِأَعْيَانِهَا مَعَ أَنَّهَا مَوْجُودَة فِي الْمَوْضُوع وَأجِيب بِأَن تِلْكَ الصُّورَة جَوْهَر وَعرض مَعًا بِنَاء على صدق تعريفهما بِحَسب الظَّاهِر عَلَيْهَا وَأما بِحَسب الْمَعْنى المُرَاد فَلَيْسَتْ عرضا قطعا. وَالْعرض بِمَعْنى أقصر الامتدادين وَلَو فَرضنَا يُقَابل الطول فَهَذَا الْعرض هُوَ الانبساط فِي غير جِهَة الطول. وَأما الْعرض عِنْد النُّحَاة وَإِن عدوه من أحد الْأَشْيَاء الَّتِي يقدر بعْدهَا الشَّرْط وينجزم فِي جَوَابه الْمُضَارع مثل أَلا تنزل بِنَا فتصيب خيرا فمولد من الِاسْتِفْهَام أَي لَيْسَ هُوَ بَابا على حِدة بل الْهمزَة فِيهِ همزَة الِاسْتِفْهَام دخلت على الْفِعْل الْمَنْفِيّ وَامْتنع حملهَا على حَقِيقَة الِاسْتِفْهَام لِأَنَّهُ يعرف عدم النُّزُول مثلا فالاستفهام عَنهُ يكون طلبا للحاصل فتولد مِنْهُ بِقَرِينَة الْحَال عرض النُّزُول على الْمُخَاطب وَطَلَبه مِنْهُ وَهَذِه فِي التَّحْقِيق همزَة إِنْكَار أَي لَا يَنْبَغِي لَك أَن لَا تنزل وإنكار النَّفْي إِثْبَات فَلهَذَا صَحَّ تَقْدِير الشَّرْط الْمُثبت بعده نَحْو أَن تنزل. فَالْحَاصِل أَن الْعرض وَإِن تولد من الِاسْتِفْهَام لَكِن لم يبْق عَلَيْهِ بل لَهُ معنى على حِدة وفرقه من التَّمَنِّي فِي التَّمَنِّي. عرض الْبَلَد: قَوس من دَائِرَة نصف النَّهَار فِيمَا بَين سمت الرَّأْس ودائرة الْمعدل أَو فِيمَا بَين أحد قطبي الْعَالم والأفق وَطول أَحْمد نكر (قطّ) دَرَجَة (مَه) دقيقة وَعرضه (يح) دَرَجَة (م) دقيقة وسمت قبلته (يَا) دَرَجَة (ى) دقيقة من الْمغرب إِلَى جَانب الشمَال. عرض الْكَفّ: فِي الدِّرْهَم. عَرَفَات: علم للموقف الْمَعْرُوف يتم الْحَج بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا سَاعَة من زَوَال يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر محرما وَهِي منصرفة وَلِهَذَا تكسر وتنون مَعَ أَن فِيهَا علمية وتأنيث لِأَن التَّاء الملفوظة فِيهَا لَيست للتأنيث فَقَط بل للجمعية أَيْضا فَإِن تَاء التَّأْنِيث فِيهَا حذفت للاستغناء. وَقَالَ بَعضهم غير منصرف والتنوين فِيهَا للمقابلة كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 حققنا فِي جَامع الغموض فِي بحث غير المنصرف. الْعرض الذاتي: مَا يكون منشأه الذَّات بِأَن يلْحق الشَّيْء لذاته كالتعجب اللَّاحِق لذات الْإِنْسَان أَو يلْحق الشَّيْء لجزئه كالحركة بالإرادة اللاحقة للْإنْسَان بِوَاسِطَة أَنه حَيَوَان أَو تلْحقهُ بِوَاسِطَة أَمر خَارج عَنهُ مسَاوٍ لَهُ كالضحك الْعَارِض للْإنْسَان بِوَاسِطَة التَّعَجُّب فَإِن قلت التَّعَجُّب لَاحق للْإنْسَان بِوَاسِطَة جزئه أَعنِي النَّاطِق لَا لذاته، قلت إِن التَّعَجُّب يَقْتَضِي الْحُدُوث الَّذِي هُوَ من خَواص الْمَادَّة فَيكون للحيوان أَيْضا مدْخل فِي الْعرُوض وَإِنَّمَا كَانَ التَّعَجُّب مقتضيا للحدوث لِأَنَّهُ عبارَة عَن إِدْرَاك حَادث لأمر غَرِيب خَفِي السَّبَب. الْعَرُوس: بِالْفَتْح نعت يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث مَا داما فِي أعراسهما وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون ثَلَاثَة أَيَّام وَبعدهَا يُسمى زوجا وَزَوْجَة وَيجمع الْمُؤَنَّث على عرائس والمذكر على عرس بِضَمَّتَيْنِ. الْعرُوض: بِالضَّمِّ عَارض شدن والكشف والإظهار والغيم والطرف وَاسم من أَسمَاء مَكَّة زَادهَا الله تَعَالَى شرفا وتعظيما. وَعلم الْعرُوض بِالْفَتْح علم بقوانين يعرف بهَا ميزَان الشّعْر وبحوره وتعصم مراعاتها الْإِنْسَان عَن الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي الْكَلَام الْمَوْزُون. وَالْعرُوض فِي اصْطِلَاح أَصْحَاب علم الْعرُوض الْجُزْء الْأَخير من المصراع. وَوَاضِع علم الْعرُوض خَلِيل بن أَحْمد الْبَصْرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قيل مر على دكان الْقصار فَسمع من دقه الثَّوْب أصواتا متناسبة فَقَالَ وَالله يظْهر من هَذَا شَيْء وَصَارَت لَهُ هَذِه الْأَصْوَات مبادئ اسْتِخْرَاج علم الْعرُوض. وَقيل إِنَّه الْهم فِي مَكَّة الْمُبَارَكَة هَذَا الْعلم وَلِهَذَا سَمَّاهُ باسمها الْعرُوض وَأَيْضًا الْعرُوض جمع الْعرض كَمَا مر فِيهِ. الْعرض اللَّازِم: مَا يمْتَنع انفكاكه عَن الْمَاهِيّة كالكاتب بِالْقُوَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَان. الْعرض المفارق: مَا لَا يمْتَنع انفكاكه عَن الشَّيْء كالكاتب بِالْفِعْلِ للْإنْسَان وَهُوَ إِمَّا سريع الزَّوَال كحمرة الخجل وصفرة الوجل، وَإِمَّا بطيء الزَّوَال كالشيب والشباب. الْعرض الْعَام: كلي مقول على أَفْرَاد حَقِيقَة وَاحِدَة وَغَيرهَا قولا عرضيا. الْعُرْفِيَّة الْعَامَّة: من القضايا الموجهات البسيطة وَهِي الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بدوام ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع مَا دَامَ ذَات الْمَوْضُوع متصفا بِالْوَصْفِ العنواني مثل بالدوام كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع مَا دَامَ كَاتبا وَلَا شَيْء من الْكَاتِب بساكن الْأَصَابِع مَا دَامَ كَاتبا. وَإِنَّمَا سميت هَذِه الْقَضِيَّة عرفية لِأَن الْعرف الْعَام يفهم هَذَا الْمَعْنى أَي دوَام النِّسْبَة السلبية بِشَرْط الْوَصْف من الْقَضِيَّة السالبة إِذا لم تقيد عَن جَمِيع الْجِهَات حَتَّى إِذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 قيل لَا شَيْء من النَّائِم بمستيقظ يفهم الْعرف الْعَام من هَذِه الْقَضِيَّة أَن المستيقظ مسلوب عَن النَّائِم مَا دَامَ نَائِما فَلَمَّا أَخذ هَذَا الْمَعْنى من الْعرف نسب إِلَيْهِ وَعَامة لِأَنَّهَا أَعم من الْعُرْفِيَّة الْخَاصَّة وَإِنَّمَا قُلْنَا من الْقَضِيَّة السالبة لِأَن أَحْكَام فن الْمنطق كليات فَلَو قُلْنَا من الْقَضِيَّة الْمُوجبَة والسالبة أَو تركناهما يفهم أَن الْعرف الْعَام يفهم هَذَا الْمَعْنى من جَمِيع مواد الْمُوجبَة والسالبة وَلَيْسَ كَذَلِك نعم يفهمونه من جَمِيع مواد السالبة وَأما من جَمِيع مواد الْمُوجبَة فَلَا بل يفهمونه من بعض موادها دون بعض كَقَوْلِك كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع وكل نَائِم مُضْطَجع فَإِن الْعرف يفهم أَن تحرّك الْأَصَابِع ثَابت لِلْكَاتِبِ دَائِما مَا دَامَ كَاتبا والاضطجاع ثَابت للنائم مَا دَامَ نَائِما بِخِلَاف قَوْلنَا كل كَاتب إِنْسَان فَإِن الْعرف لَا يفهم أَن الْإِنْسَان ثَابت لِلْكَاتِبِ مَا دَامَ كَاتبا إِلَّا بالتصريح بقولنَا دَائِما مَا دَامَ كَاتبا وتخلف فهم الْعرف فِي مَادَّة من مواد الْمُوجبَة يَكْفِي فِي الحكم بِعَدَمِ فهم هَذَا الْمَعْنى من الْمُوجبَة فَلهَذَا خصصنا الْكَلَام بالسالبة فَافْهَم واحفظ. (بَاب الْعين مَعَ الزَّاي) الْعَزِيمَة: فِي اللُّغَة الْإِرَادَة الْمُؤَكّدَة قَالَ الله تَعَالَى {وَلم نجد لَهُ عزما} أَي لم يكن قصد مُؤَكد فِي الْفِعْل بِمَا أَمر. وَفِي الشَّرْع اسْم لما هُوَ أصل الْمَشْرُوع غير مُتَعَلق بالعوارض ويقابلها الرُّخْصَة وَإِنَّمَا سمي عَزِيمَة لِأَنَّهُ نِهَايَة التوكيد حَقًا لله تَعَالَى بِالْأَمر وعلينا الْتِزَامه والانقياد لَهُ وَهِي أَقسَام أَرْبَعَة فرض وواجب وَسنة وَنفل. الْعَزْل: التَّغَيُّر. وَفِي الشَّرْع قد يُرَاد بِهِ إِخْرَاج الذّكر وَقت خُرُوج الْمَنِيّ حذرا عَن الْحمل وَالْإِذْن فِيهِ لسَيِّد الْأمة وَإِن كَانَت الزَّوْجَة حرَّة فالإذن فِيهِ إِلَيْهَا إِجْمَاعًا وَلَا خلاف فِي جَوَازه فِي الْأمة الْمَمْلُوكَة وَالْإِذْن حِينَئِذٍ إِلَى الْمولى. الْعُزْلَة: الْخُرُوج عَن مُخَالطَة الْخلق بالانزواء والانقطاع. من كَلَام بعض الْأَعْلَام أَن الْعُزْلَة بِدُونِ عين الْعلم زلَّة وَبِدُون زَاي الزّهْد عِلّة. (بَاب الْعين مَعَ الشين الْمُعْجَمَة) الْعشَاء: بِالْفَتْح الْأكل من الظّهْر إِلَى نصف اللَّيْل، وبالكسر هُوَ مَا بعد غرُوب الشَّفق إِلَى الصُّبْح الصَّادِق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 (بَاب الْعين مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة) العصب: ومحركة أطناب المفاصل بِالْفَارِسِيَّةِ (بى) وبسكون الثَّانِي فِي الْعرُوض إسكان الْحَرْف الْخَامِس المتحرك وَيُسمى ذَلِك اللَّفْظ معصوبا. الْعُصُوبَة: فِي اللُّغَة الْإِحَاطَة حول الشَّيْء والقرابة لأَب. الْعَصَبَات: جمع السَّلامَة ومفردها. الْعصبَة: الَّتِي هِيَ جمع العاصب كطلبة وفجرة وظلمة جمع طَالب وَفَاجِر وظالم فالعصبات جمع الْجمع ومصدرها الْعُصُوبَة - وعصبة الرجل بنوه. وَفِي جَامع الرموز ذُكُور يتصلون بَاب - وَقَالَ المطرزي إِنَّهَا تقال للغلبة على الْوَاحِد وَالْجمع والمذكر والمؤنث انْتهى - وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره وَكَأَنَّهَا جمع عاصب وَإِن لم يسمع بِهِ أَي بِكَوْنِهَا جمع عاصب انْتهى. أَقُول الظَّاهِر أَن ضمير كَأَنَّهَا رَاجع إِلَى الْعصبَة فَحِينَئِذٍ لَا معنى لقَوْله وَإِن لم يسمع بِهِ لما عرفت أَن فعلة جمع فَاعل شَائِع ذائع كطلبة جمع طَالب وَغير ذَلِك وَإِن كَانَ رَاجعا إِلَى الْعَصَبَات فمستبعد جدا لِأَنَّهُ لم يقل أحد بِأَن الْعَصَبَات جمع عاصب وَيُمكن أَن يُقَال إِن ضمير كَأَنَّهَا رَاجع إِلَى الْعصبَة وَضمير بِهِ إِلَى العاصب وَمعنى وَإِن لم يسمع العاصب وَإِن لم يعرف وَلم يُوجد اسْتِعْمَاله فِي محاوراتهم وَإِنَّمَا أَتَى قدس سره بِكَلِمَة الشَّك لفتور الجمعية فِي الْعصبَة لصِحَّة إِطْلَاقهَا على الْوَاحِد وَالْجمع وَالْمَذْكُور والمؤنث حَتَّى صَارَت كَأَنَّهَا اسْم جنس وَهَذَا عِنْدِي وَلَعَلَّ عِنْد غَيْرِي أحسن من هَذَا. ثمَّ اعْلَم أَن الْعصبَة فِي الِاصْطِلَاح كل من يَأْخُذ من التَّرِكَة مَا أبقاه من هُوَ من أَصْحَاب الْفَرَائِض وَاحِدًا كَانَ أَو كثيرا وَعند انْفِرَاده عَن غَيره فِي الوراثة يحرز جَمِيع المَال بِجِهَة الْعُصُوبَة - فَإِن صَاحب الْفَرْض إِذا خلا عَن الْعُصُوبَة يحرز جَمِيع المَال أَيْضا لَكِن لبَعض المَال بالفرضية وللباقي بِالرَّدِّ لأكله من جِهَة الْعُصُوبَة. قيل التَّعْرِيف لَيْسَ بِجَامِع لِأَن الاخوات مَعَ الْبَنَات عصبات وَلَا يصدق عَلَيْهَا إِنَّهَا عِنْد الِانْفِرَاد تحرز جَمِيع المَال بِجِهَة الْعُصُوبَة وَأجِيب بِأَن التَّعْرِيف لنَوْع الْعصبَة أَعنِي الْعصبَة بِالنَّفسِ لَا للْعصبَةِ مُطلقًا أَقُول إِن التَّعْرِيف الْمَذْكُور لمُطلق الْعصبَة وَقَوْلنَا يحرز جَمِيع المَال بِجِهَة الْعُصُوبَة مشْعر بِاشْتِرَاط وصف الْعُصُوبَة عِنْد الِانْفِرَاد وَلَا شكّ أَن من كَانَ عِنْد الِانْفِرَاد بَاقِيا على وصف الْعُصُوبَة يكون محرزا لجَمِيع المَال وَالْأَخَوَات عِنْد الِانْفِرَاد صَاحِبَة فرض لَا عصبات وَلَكِن لَا يخفى على المتنبه أَن فِي هَذَا الْجَواب شوب الدّور لَا بل فِي تَقْيِيد الْإِحْرَاز بقولنَا بِجِهَة الْعُصُوبَة - وَالسَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي شرح السِّرَاجِيَّة قيد الْإِحْرَاز بِجَمِيعِ المَال بقوله بِجِهَة وَاحِدَة، لَا بقولنَا بِجِهَة الْعُصُوبَة تحاشيا عَن الشوب الْمَذْكُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وَلَكِن النَّاظر ينظر إِلَيْهِ من وَرَاء الْحجاب لِأَن المُرَاد بالجهة الْوَاحِدَة لَيْسَ إِلَّا جِهَة الْعُصُوبَة وَأَنت تعلم أَنه لَا يضر لِأَن الْأَحْكَام تَتَفَاوَت بتفاوت العنوان. ثمَّ فرع قدس سره على ذَلِك التَّقْيِيد عدم وُرُود الِاعْتِرَاض على منع التَّعْرِيف بالبنت مثلا إِذا كَانَت مُنْفَرِدَة ثمَّ اعْترض على جمعه بالأخوات مَعَ الْبَنَات فَأجَاب بتخصيص الْمُعَرّف بالعصبة بِالنَّفسِ لَا بِمَا ذكرنَا من اشْتِرَاط بَقَاء وصف الْعُصُوبَة. ثمَّ اعْترض على الْجَواب بقوله ويخدشه أَنه إِذا خص الخ. أَقُول لَا يبعد أَن يُقَال إِن الْمُعَرّف عَام وَالْوَاو فِي قَوْله وَعدم الِانْفِرَاد بِمَعْنى أَو لمانعة الْجمع وَحِينَئِذٍ لَا يرد الِاعْتِرَاض على جمعه وَلَا الخدشة الْمَذْكُورَة كَمَا لَا يخفى على من تحلى بالإنصاف وتخلى عَن التعصف والاعتساف، ثمَّ الْعصبَة على نَوْعَيْنِ عصبَة من جِهَة النّسَب وعصبة من جِهَة السَّبَب أما الْعصبَة من جِهَة النّسَب: فَهُوَ من كَانَ عصوبته وقرابته بِالْولادَةِ والعصبات النسبية مؤخرة عَن أَصْحَاب الْفَرَائِض مُقَدّمَة على الْعَصَبَات السَّبَبِيَّة وَأما الْعصبَة من جِهَة السَّبَب: فَهُوَ مولى الْعتَاقَة أَي مُعتق الْمَيِّت وعصباته النسبية وعصباته السَّبَبِيَّة أَعنِي مُعتق مُعتق وَهَكَذَا وَالْمرَاد بعصباته النسبية مَا هُوَ عصبَة بِنَفسِهِ فَقَط وَهِي ذُكُور لَا غير كَمَا ستقف عَلَيْهِ لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْسَ للنِّسَاء من الْوَلَاء إِلَّا مَا أعتقن الخ. وَفِي (الْأَشْبَاه والنظائر) فِي كتاب الْفَرَائِض ذكر الزَّيْلَعِيّ فِي آخر كتاب الْوَلَاء أَن بنت الْمُعْتق تَرث الْمُعْتق فِي زَمَاننَا وَكَذَا مَا فضل بعد فرض أحد الزَّوْجَيْنِ يرد عَلَيْهِ بِنَاء على أَنه لَيْسَ فِي زَمَاننَا بَيت مَال لأَنهم لَا يضعونه مَوْضِعه وَإِنَّمَا تحقق الْعُصُوبَة والقرابة والوراثة بِسَبَب الْعتْق بَين مولى الْعتَاقَة ومعتقه لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب وَالْمرَاد بِالْوَلَاءِ الْعتْق أَو الْإِعْتَاق من قبيل ذكر الْمُسَبّب وَإِرَادَة السَّبَب وَفِيه اخْتِلَاف قَالَ الْبَعْض الْإِعْتَاق وَالأَصَح أَنه الْعتْق كَمَا ستعرف فِي الْوَلَاء إِن شَاءَ الله تَعَالَى واللحمة بِالضَّمِّ الْقَرَابَة والاختلاط يَعْنِي الْإِعْتَاق قرَابَة واختلاط أَي سببهما كالقرابة والاختلاط اللَّذين بِالنّسَبِ وَالْوَلَاء فِي الشَّرِيعَة. وَمعنى ذَلِك أَن الْحُرِّيَّة حَيَاة للْإنْسَان إِذْ بهَا يثبت لَهُ صفة الْمَالِكِيَّة الَّتِي امتاز بهَا عَن سَائِر مَا عداهُ من الْحَيَوَانَات والجمادات والرقية تلف وهلاك فالمعتق سَبَب لَا حَيَاء الْمُعْتق كَمَا أَن الْأَب سَبَب لإيجاد الْوَلَد فَكَمَا أَن الْوَلَد يصير مَنْسُوبا إِلَى أَبِيه بِالنّسَبِ وَإِلَى أقربائه بالتبعية كَذَلِك الْمُعْتق يصير مَنْسُوبا إِلَى مُعْتقه بِالْوَلَاءِ وَإِلَى عصبته بالتبعية فَكَمَا يثبت الْإِرْث بِالنّسَبِ كَذَلِك يثبت بِالْوَلَاءِ انْتهى. والعصبات النسبية ثَلَاثَة: الْعصبَة بِنَفسِهِ: وَهُوَ كل ذكر لَا يكون مدَار نسبته إِلَى الْمَيِّت أُنْثَى بِأَن لَا يكون بَينهمَا وَاسِطَة اسْتِحْقَاق الْإِرْث إِلَّا أُنْثَى فَإِن من كَانَ مدَار نسبته أُنْثَى لَيْسَ بعصبة كالأخ لأم وكأب الْأُم وَابْن الْبِنْت فَإِن الأول من أَصْحَاب الْفَرَائِض والأخيران من ذَوي الْأَرْحَام. فَلَا يردان الْأَخ لأَب وَأم عصبَة بِنَفسِهِ مَعَ أَن الْأُم دَاخِلَة فِي نسبته إِلَى الْمَيِّت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 لَكِن لَيْسَ مدَار اسْتِحْقَاق الْإِرْث بالعصوبة عَلَيْهَا فَإِن قرَابَة الْأَب بانفرادها أصل فِي اسْتِحْقَاق الْعُصُوبَة وكافية بِنَفسِهَا فِي إِثْبَاتهَا بِخِلَاف قرَابَة الْأُم أَلا ترى أَن الْأَخ لأَب عصبَة دون الْأَخ لأم. وَالثَّانِي: الْعصبَة بِغَيْرِهِ: وَهن اللَّاتِي فرضهن النّصْف وَالثُّلُثَانِ يصرن عصبَة بإخوتهن وَالَّتِي لَا فرض لَهَا وأخوها عصبَة لَا تصير عصبَة بأخيها أَلا ترى أَن الْعمة لَا تصير عصبَة بالعم الَّذِي هُوَ أَخُوهَا مَعَ أَنه عصبَة وَهِي من ذَوي الْأَرْحَام فحين اجْتِمَاعهمَا كَانَ المَال كُله للعم دونهَا. وَالثَّالِث: الْعصبَة مَعَ غَيره: وَهِي كل أُنْثَى تصير عصبَة بِشَرْط اجتماعها ومقارنتها مَعَ أُنْثَى أُخْرَى لَيست بعصبة كالأخت لأَب وَأم أَو لأَب إِذا كَانَت مَعَ الْبِنْت صلبية أَو بنت ابْن وَاحِدَة أَو أَكثر تصير عصبَة وَالْبِنْت على حَالهَا صَاحِبَة فرض فَالْمَال بَينهمَا نِصْفَانِ النّصْف للْبِنْت بالفرضية وَالْبَاقِي للْأُخْت بالعصوبة. فَإِن قلت مَا الْفرق بَين الْعصبَة بِالْغَيْر والعصبة مَعَ الْغَيْر. قُلْنَا، إِن الْغَيْر فِي الأول عصبَة شريك للْعصبَةِ فِي الْعُصُوبَة بل هُوَ عصبَة بِنَفسِهِ تسري عصوبته إِلَى الْأُنْثَى الَّتِي هِيَ ملصقة بِهِ فَتَصِير عصبَة بِهِ بِخِلَاف الْغَيْر فِي الثَّانِي فَإِن الْغَيْر فِيهِ لَيْسَ بعصبة أصلا بل يكون عصوبة تِلْكَ الْعصبَة مجامعة ومقارنة لذَلِك الْغَيْر الَّذِي لَيْسَ بعصبة ومشروطة بِتِلْكَ المجامعة كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ. وَاعْلَم أَن هَذَا الْفرق مَبْنِيّ على الْفرق بَين الْبَاء وَمَعَ، فَعَلَيْك أَن تعلم الْفرق بَينهمَا بِأَن الْبَاء للإلصاق وَمَعَ للقران والإلصاق بَين الملصق والملصق بِهِ لَا يتَحَقَّق إِلَّا عِنْد مشاركتهما فِي حكم الملصقية فتكونان مشاركتين فِي حكم الْعُصُوبَة بِخِلَاف كلمة مَعَ فَإِنَّهَا للقران وَالْقُرْآن يتَحَقَّق بَين الشَّيْئَيْنِ بِغَيْر مُشَاركَة فِي الحكم كَقَوْلِه تَعَالَى {وَجَعَلنَا مَعَه أَخَاهُ هَارُون وزيرا} . وَاعْلَم أَنه لَو اجْتمعت الْعَصَبَات بَعْضهَا عصبَة بِنَفسِهَا وَبَعضهَا مَعَ غَيرهَا فالترجيح فِيهَا بِالْقربِ إِلَى الْمَيِّت وَلَا يكون التَّرْجِيح بعصبة بِنَفسِهَا حَتَّى أَن الْعصبَة مَعَ غَيرهَا إِذا كَانَت أقرب إِلَى الْمَيِّت من الْعصبَة بِنَفسِهَا كَانَت أولى كَمَا إِذا ترك بِنْتا وأختا لأَب وَأم وَابْن الْأَخ لأَب وَأم فَنصف الْمِيرَاث للْبِنْت وَالنّصف الْبَاقِي للْأُخْت وَلَا شَيْء لِابْنِ الْأَخ. الْعِصْمَة: ملكة اجْتِنَاب الْمعاصِي مَعَ التَّمَكُّن مِنْهَا، وَبِعِبَارَة أُخْرَى قُوَّة من الله تَعَالَى فِي عَبده تَمنعهُ عَن ارْتِكَاب شَيْء من الْمعاصِي والمكروهات مَعَ بَقَاء الِاخْتِيَار، وَقد يعبر عَن تِلْكَ الملكة بلطف من الله تَعَالَى يحملهُ على فعل الْخَيْر ويزجره عَن الشَّرّ مَعَ بَقَاء الِاخْتِيَار تَحْقِيقا للابتلاء والامتحان وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْمَنْصُور رَحمَه الله تَعَالَى الْعِصْمَة لَا تزيل المحنة والتكليف، وَبِهَذَا يظْهر فَسَاد من قَالَ إِن الْعِصْمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 خاصية فِي نفس ناطقة لشخص أَو فِي بدنه يمْتَنع بِسَبَبِهَا صُدُور الذَّنب عَنهُ كَيفَ وَلَو كَانَ الذَّنب مُمْتَنعا لما صَحَّ تَكْلِيفه بترك الذَّنب وَلما كَانَ مثابا عَلَيْهِ هَكَذَا فِي شرح العقائد للعلامة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَمن قَالَ إِن حَقِيقَة الْعِصْمَة عدم خلق الله تَعَالَى فِي العَبْد الذَّنب مَعَ بَقَاء قدرته واختياره غَرَضه مآلها وغايتها ذَلِك لِأَن حَقِيقَة الْعِصْمَة هِيَ تِلْكَ الملكة لَا غير. فَافْهَم والأنبياء معصومون والأولياء محفوظون قيل الْفرق بَينهمَا أَن للأنبياء والأولياء قدرَة واختيارا على الذَّنب لَكِن الْأَنْبِيَاء إِذا أَرَادوا الذَّنب لَا يخلف الله تَعَالَى الذَّنب والأولياء لَو أَرَادوا الذَّنب لخلقه الله تَعَالَى لكِنهمْ لَا يُرِيدُونَ الذَّنب. الْعِصْمَة المؤثمة: هِيَ الَّتِي تجْعَل من هتكها آثِما. الْعِصْمَة المقومة: هِيَ الَّتِي يثبت بهَا للْإنْسَان قيمَة بِحَيْثُ من هتكها فَعَلَيهِ الْقصاص أَو الدِّيَة. فِي التَّلْوِيح الرَّقِيق مَعْصُوم الدَّم بِمَعْنى أَنه يكرم الشَّرْع لِأَن الْعِصْمَة نَوْعَانِ (مؤثمة) توجب الْإِثْم فَقَط على التَّقْدِير التَّعَرُّض للدم وَهِي بِالْإِسْلَامِ (ومقومة) توجب مَعَ الْإِثْم فَيقْتل الْحر بِالْعَبدِ قصاصا لِأَن مبْنى الضَّمَان على العصمتين والمالية لَا تحل بهما. (بَاب الْعين مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة) الْعَطف: فِي اللُّغَة الْميل. وَعند النُّحَاة تَابع قصد نسبته إِلَى شَيْء مثل زيد عَالم وعاقل أَو نِسْبَة شَيْء إِلَيْهِ مثل جَاءَنِي زيد وَعَمْرو بِالنِّسْبَةِ الْوَاقِعَة فِي الْكَلَام مَعَ متبوعه أَي كَمَا يكون هُوَ مَقْصُودا بِتِلْكَ النِّسْبَة يكون متبوعه أَيْضا مَقْصُودا بهَا ويتوسط بَين ذَلِك التَّابِع وَبَين متبوعه أحد الْحُرُوف العاطفة الْعشْرَة مثل جَاءَنِي زيد وَعَمْرو - فعمرو تَابع مَعْطُوف على زيد قصد نِسْبَة الْمَجِيء إِلَيْهِ بِنِسْبَة الْمَجِيء الْوَاقِعَة فِي الْكَلَام وكما أَن نِسْبَة الْمَجِيء إِلَيْهِ مَقْصُودَة كَذَلِك نسبته إِلَى زيد الَّذِي هُوَ متبوعه أَيْضا مَقْصُوده. عطف الْبَيَان: تَابع غير صفة توضح متبوعة أَي يحصل من اجْتِمَاعهمَا إِيضَاح لم يحصل من أَحدهمَا على الِانْفِرَاد فَيصح أَن يكون الْمَتْبُوع أوضح من تَابعه وَلَا يلْزم أَن يكون تَابعه أَي عطف الْبَيَان أوضح من متبوعه كَمَا توهم. (بَاب الْعين مَعَ الْفَاء) الْعِفَّة: الِامْتِنَاع عَمَّا لَا يحل. وَفِي الْأَخْلَاق هِيَ هَيْئَة للقوة الشهوانية متوسطة بَين الْفُجُور الَّذِي هُوَ إفراط هَذِه الْقُوَّة والخمود الَّذِي هُوَ تفريطها - فالعفيف من بَاشر على وفْق الشَّرْع والمروة، وتحقيقها فِي الْعَدَالَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 العفوصة: طعم مَا يَأْخُذ ظَاهر اللِّسَان وَحده، وَالْقَبْض طعم مَا يَأْخُذ ظَاهر اللِّسَان وباطنه. (بَاب الْعين مَعَ الْقَاف) الْعقل: فِي الْعرُوض حذف الْحَرْف الْخَامِس المتحرك وَيُسمى الَّذِي وَقع فِيهِ ذَلِك الْحَذف معقولا. الْعقل: بِالضَّمِّ الدِّيَة. وبالفتح (دِيَة دادن وَمنع كردن) . وَالدية تمنع وَتمسك الدِّمَاء من أَن تسفك وَالْعقل الَّذِي هُوَ جنس الْعُقُول الْعشْرَة أَو نوع، وَتلك الْعُقُول أَفْرَاده جَوْهَر مُجَرّد عَن الْمَادَّة فِي ذَاته وَفعله أَي لَيْسَ بمادي وَغير مُتَعَلق وَلَيْسَ بمحتاج إِلَى الْمَادَّة فِي فعله وَهَذَا الْعقل يُسمى ملكا بِلِسَان الشَّرْع وعقلا مُجَردا بِلِسَان الْحُكَمَاء. وَاعْلَم أَن الْمَشْهُور أَن الْعُقُول عشرَة وَلَكِن ذهب الْمعلم الأول إِلَى أَنَّهَا خَمْسُونَ وَقَالَ الشَّيْخ لم يتَبَيَّن لي إِلَى الْآن أَن كرة الثوابت كرة وَاحِدَة أَو كرات منطوية بَعْضهَا على بعض - فَإِن كَانَت كرات منطوية بِعَدَد الثوابت فَيكون الْعُقُول والنفوس أَكثر مِنْهَا بِكَثِير لَا محَالة فكثرة الْعُقُول بأية مرتبَة كَانَت إِنَّمَا تكون بِكَثْرَة الْحَقَائِق لما قَالُوا من أَن كل حَقِيقَة لَا تتَعَيَّن إِلَّا بتعين وَاحِد تَقْتَضِيه ذَاتهَا. وَاعْلَم أَن تشخص الْعُقُول من لَوَازِم ماهياتها بِمَعْنى أَن مَاهِيَّة كل وَاحِد من الْجَوَاهِر الْمُفَارقَة تَقْتَضِي انحصار نَوعه فِي شخصه. فَإِن قلت إِن الْمَاهِيّة الْمُطلقَة لَا تَقْتَضِي شَيْئا من مَرَاتِب التعين. قُلْنَا إِن كَون تشخص كل جَوْهَر عَقْلِي من لَوَازِم ذَاته لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن الْمَاهِيّة الْمُطلقَة تَقْتَضِي التعين فَإِن التعين بِمَعْنى مَا بِهِ التعين فِي الْأَشْيَاء نفس وجودهَا الْخَاص والوجود مِمَّا لَا تَقْتَضِيه الْمَاهِيّة كَمَا عرفت بل اللُّزُوم قد يُرَاد مِنْهُ عدم الانفكاك بَين الشَّيْئَيْنِ سَوَاء كَانَ مَعَ الِاقْتِضَاء أم لَا وَهُوَ المُرَاد من قَوْلهم تعين كل عقل لَازم لماهيته وَأما التعين بِمَعْنى المتعينة فَهُوَ أَمر اعتباري عَقْلِي لَا بَأْس بِكَوْنِهِ من لَوَازِم الْمَاهِيّة بِأَيّ معنى كَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ أمرا مَخْصُوصًا يتَعَيَّن بِهِ الشَّيْء، وَقيل الْعقل جَوْهَر مُجَرّد عَن الْمَادَّة فِي ذَاته لَا فعله أَي مُقَارن لَهَا فِيهِ لِأَنَّهَا محتاجة فِي أفعالها وَهِي الاكتسابات إِلَى الْمَادَّة. وَلَا يخفى أَن الْعقل بِهَذَا الْمَعْنى هِيَ النَّفس الناطقة. وَالْعرْف واللغة على مغائرتهما وَالْحق أَن الْعقل الْمدْرك كَمَا يُطلق على الْقُوَّة الَّتِي بهَا الْإِدْرَاك كَذَلِك يُطلق على الْجَوْهَر الْمَذْكُور آنِفا وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (أول مَا خلق الْعقل) وَإِن حَال نفوسنا بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ حَال أبصارنا بِالْإِضَافَة إِلَى الشَّمْس فَكَمَا أَن بِإِضَافَة نور الشَّمْس يدْرك المبصرات كَذَلِك بِإِضَافَة نوره يدْرك المعقولات وَقَالَ بَعضهم إِن الْعقل قُوَّة للنَّفس بهَا تستعد للعلوم والإدراكات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وَاعْلَم أَن هَذَا هُوَ الْعقل الهيولاني وَلِهَذَا قَالُوا إِن معنى هَذَا التَّعْرِيف وَمعنى قَوْلهم إِن الْعقل غريزة يتبعهَا الْعلم بالضروريات عِنْد سَلامَة الْأَسْبَاب والآلات وَاحِد وَهَذِه الغريزة هِيَ الْمرتبَة الأولى من مَرَاتِب الْعَاقِلَة كَمَا سَيَجِيءُ، وَقيل الْعقل قُوَّة يُمَيّز بهَا الْإِنْسَان بَين الْمصَالح وَغَيرهَا الَّتِي يُشِير إِلَيْهَا الْإِنْسَان بقوله أَنا. وَفِي كتب الْأُصُول أَن الْعقل نور فِي بدن الْإِنْسَان يضيء بذلك النُّور طَرِيق يبتدأ بِهِ من حَيْثُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ دَرك الْحَواس وَالضَّمِير فِي (بِهِ) رَاجع إِلَى الطَّرِيق وَفِي (إِلَيْهِ) إِلَى حَيْثُ، وَمن هَذَا قيل بداية المعقولات نِهَايَة المحسوسات وَذَلِكَ لِأَن الْإِنْسَان إِذا أبْصر شَيْئا يَتَّضِح لِقَلْبِهِ طَرِيق الِاسْتِدْلَال بِنور الْعقل فَإِذا نظر إِلَى بِنَاء رفيع وانْتهى إِلَيْهِ بَصَره يدْرك بِنور عقله أَن لَهُ بانيا لَا محَالة ذَا حَيَاة وقدرة وَعلم إِلَى سَائِر أَوْصَافه الَّتِي لَا بُد للْبِنَاء هُنَا وَإِذا رأى إِلَى السَّمَاء وَرَأى أَحْكَامهَا ورفعتها واستنارة كواكبها وَعظم هيآتها وَسَائِر مَا فِيهَا من الْعَجَائِب والغرائب اسْتدلَّ بِنور عقله أَنه لَا بُد لَهَا من صانع قديم مُدبر حَكِيم قَادر عَظِيم حَتَّى فِي (نفحات الْأنس من حضرات الْقُدس) أَن الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن شهريار رأى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْمَنَام فَسَأَلَ يَا رَسُول الله مَا الْعقل فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أدناه ترك الدُّنْيَا وَأَعلاهُ ترك التفكر فِي ذَات الله تَعَالَى وَإِنَّمَا سمي تِلْكَ الْأُمُور عقلا لِأَنَّهَا تمنع صَاحبهَا عَن القبائح. قَالَ الْحُكَمَاء أول مَا خلق الله تَعَالَى الْعقل كَمَا ورد نَص الحَدِيث وَقَالَ بَعضهم وَجه الْجمع بَينه وَبَين الْحَدِيثين الآخرين أول مَا خلق الله تَعَالَى الْقَلَم، وَأول مَا خلق الله تَعَالَى نوري، أَن الْمَعْلُول الأول من حَيْثُ إِنَّه مُجَرّد يعقل ذَاته ومبدأ يُسمى عقلا وَمن حَيْثُ إِنَّه وَاسِطَة فِي صُدُور سَائِر الموجودات ونقوش الْعُلُوم يُسمى قَلما وَمن حَيْثُ توسطه فِي إفَاضَة أنوار النُّبُوَّة كَانَ نور سيد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. الْعقل الفعال: هُوَ الْعقل الْعَاشِر الْمعبر فِي الشَّرْع بالناموس الْأَكْبَر وجبرائيل عَلَيْهِ السَّلَام وَإِنَّمَا سمي فعالا لِكَثْرَة أَفعاله وتصرفاته فِي عَالم العناصر. الْعقل الهيولاني: هُوَ الاستعداد الْمَحْض لإدراك المعقولات وَهُوَ قُوَّة مَحْضَة خَالِيَة عَن الْفِعْل كَمَا للأطفال وَإِنَّمَا نسبت إِلَى الهيولي لِأَن النَّفس فِي هَذِه الْمرتبَة تشبه الهيولي الأولى الخالية فِي حد ذَاتهَا عَن الصُّور كلهَا. اعْلَم أَن للنَّفس الناطقة بِاعْتِبَار الْقُوَّة الْعَاقِلَة أَربع مَرَاتِب وَوجه ضَبطهَا أَن الشَّيْء الَّذِي من شَأْنه أَن يعقل شَيْئا، إِمَّا يعقل بِالْفِعْلِ، أَو بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة، أَو الْبَعِيدَة فِي الْغَايَة، أَو التَّوَسُّط، وَعَلَيْك بملاحظة هَذَا الْوَجْه الْوَجِيه بعد الْإِحَاطَة بالمراتب. فَاعْلَم أَن الْمرتبَة الأولى وَهِي أَن تكون النَّفس خَالِيَة عَن جَمِيع المعقولات البديهية والنظرية الَّتِي يكون تعقلها بالانطباع فَإِن النَّفس لَا تَخْلُو عَن الْعلم الحضوري بِنَفسِهَا فَتكون النَّفس حِينَئِذٍ مستعدة لتِلْك المعقولات تسمى هَذِه الْمرتبَة بِالْعقلِ الهيولاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 تَشْبِيها بالهيولي الخالية فِي حد ذَاتهَا عَن الصُّور كلهَا بِمَعْنى أَنه لَيْسَ شَيْء مِنْهَا مأخوذا فِيهَا وَإِن لم يجز انفكاكها عَن الصُّور كلهَا بِخِلَاف الهيولي الثَّانِيَة كالجسم الْمُطلق لبسائطه وكالعنصر للمواليد فَإِنَّهَا لَيست خَالِيَة عَنْهَا كلهَا بل الصُّورَة مَأْخُوذَة فِيهَا وَالنُّون زَائِدَة للنسبة وَالْعقل الهيولاني كَمَا يُطلق على هَذِه الْمرتبَة كَمَا علمت كَذَلِك يُطلق على النَّفس الناطقة فِي هَذِه الْمرتبَة وعَلى قُوَّة النَّفس فِي هَذِه الْمرتبَة وَكَذَا حَال الْأَسَامِي الْآتِيَة فِي الْمَرَاتِب الْبَاقِيَة. الْعقل بالملكة: مرتبَة ثَانِيَة من أَربع مَرَاتِب النَّفس الناطقة وَهِي أَن تحصل لَهَا المعقولات البديهية بِسَبَب إحساس الجزئيات والشبه بِمَا بَينهَا من المشاركات والمبائنات وَأَن تستعد اسْتِعْدَادًا قَرِيبا للانتقال من البديهيات إِلَى النظريات بالفكر والحدس. وَإِنَّمَا سميت عقلا بالملكة لِأَن المُرَاد بالملكة إِمَّا مَا يُقَابل الْحَال الَّتِي هِيَ كَيْفيَّة غير راسخة أَعنِي الْكَيْفِيَّة الراسخة وَإِمَّا مَا يُقَابل الْعَدَم أَعنِي الْوُجُود. وَلَا شكّ أَن للنَّفس فِي هَذِه الْمرتبَة اسْتِعْدَادًا راسخا للانتقال إِلَى النظريات والاستعداد كَيْفيَّة من الكيفيات. وَأَيْضًا قد حصل للنَّفس فِي هَذِه الْمرتبَة وجود الِانْتِقَال إِلَى النظريات بِنَاء على قرب وجوده كَمَا يُسمى الْعقل بِالْفِعْلِ عقلا بِالْفِعْلِ مَعَ كَونه بِالْقُوَّةِ لِأَن قوته قريبَة من الْفِعْل جدا. وَالْأولَى أَن يُقَال إِنَّمَا سميت بِهَذَا الْوُجُود الاستعداد الْقَرِيب للانتقال فِي هَذِه الْمرتبَة وَهَذَا أقرب من السَّابِق لعدم الِاحْتِيَاج فِيهِ إِلَى الارتكاب بمجاز المشارفة لِأَنَّهُ أُرِيد بالملكة الْوُجُود وَجعل لامه عوضا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ الْمَحْذُوف أَعنِي الْعقل المتلبس بِوُجُود الاستعداد الْقَرِيب للانتقال لَا بِوُجُود الِانْتِقَال حَتَّى يرد مَا يرد فَيحْتَاج إِلَى التَّكَلُّف. ثمَّ الْعقل بالملكة إِن وصلت إِلَى أَن يحصل لَهَا كل نَظَرِي بالحدس من غير حَاجَة إِلَى فكر تسمى قُوَّة قدسية لتقدسها عَن لوث الْعَوَائِق الجسمية وقاذورات العلائق الطبيعية فَتَأمل. الْعقل بِالْفِعْلِ: مرتبَة ثَالِثَة من أَربع مَرَاتِب النَّفس الإنسانية أَي النَّفس الناطقة وَهِي أَن يحصل لَهَا المعقولات النظرية لَكِن لَا تطالعها بِالْفِعْلِ بل صَارَت مخزونة عِنْدهَا بِحَيْثُ يستحضرها مَتى شَاءَت بِلَا حَاجَة إِلَى كسب جَدِيد أَي تكون لَهَا ملكة الاستحضار الَّتِي لَا تحصل إِلَّا إِذا لاحظت النظريات الْحَاصِلَة مرّة بعد أُخْرَى. وَإِنَّمَا سميت هَذِه الْمرتبَة أَو النَّفس الناطقة فِي هَذِه الْمرتبَة عقلا بِالْفِعْلِ لفعلية ملاحظات النظريات مرّة بعد أُخْرَى وَهَذَا أولى مِمَّا ذكر فِي الْعقل بالملكة وَاعْلَم أَن الْعقل بِالْفِعْلِ مُتَأَخّر فِي الْحُدُوث عَن الْعقل الْمُطلق: لِأَن الْمدْرك مَا لم يُشَاهد مَرَّات كَثِيرَة لَا يصير ملكة فَكيف تكون لَهَا المعقولات النظرية مخزونة بِحَيْثُ الخ ومتقدم عَلَيْهِ فِي الْبَقَاء لِأَن الْمُشَاهدَة تَزُول بِسُرْعَة وَتبقى ملكة الاستحضار مستمرة فيتوصل بهَا إِلَى الْمُشَاهدَة، فَمنهمْ من نظر إِلَى التَّأَخُّر فِي الْحُدُوث فَجعله مرتبَة رَابِعَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وَمِنْهُم من نظر إِلَى التَّقَدُّم فِي الْبَقَاء فَجعله مرتبَة ثَالِثَة وَالْعقل الْمُطلق هُوَ الْمرتبَة الرَّابِعَة من أَربع مَرَاتِب النَّفس الناطقة وَهِي أَن تطالع النَّفس الناطقة معقولاتها المكتسبة بِالنّظرِ أَو الْحَاصِلَة بِالضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا سمي بِالْعقلِ الْمُطلق لكَونه مستخدما لما سواهُ من الْعُقُول الْمَذْكُورَة فَتلك الْعُقُول خادمة لَهُ لِأَنَّهُ بِسَبَب الْعُقُول الْمَذْكُورَة تكون المعقولات مستحضرة، ثمَّ تطالعها النَّفس فالعقل الْمُطلق سَوَاء أطلق على تِلْكَ الْمرتبَة أَو على النَّفس الناطقة فِي تِلْكَ الْمرتبَة مُطلق غير مُقَيّد بِقَيْد الْخدمَة فَافْهَم. الْعقل الْمُسْتَفَاد: يُطلق على النَّفس الناطقة فِي الْمرتبَة الرَّابِعَة وعَلى نفس تِلْكَ الْمرتبَة أَيْضا فَهُوَ أَن تحضر عِنْده النظريات الَّتِي أدْركهَا بِحَيْثُ لَا تغيب عَنهُ، وَقد يُطلق على معقولات الْعقل الْمُطلق لكَونهَا مستفادة من الْعقل الفعال. العقد: بِالْفَتْح بِالْفَارِسِيَّةِ (كره بستن) وَفِي الشَّرْع ربط أَجزَاء التَّصَرُّف أَي الْإِيجَاب وَالْقَبُول وبالكسر (رشة مر واريد) وَالْعقد الَّذِي مِمَّا يتَّصل بالسرقات الشعرية أَن ينظم نثرا قُرْآنًا كَانَ أَو حَدِيثا أَو مثلا أَو غير ذَلِك لَا على طَرِيق الاقتباس كَقَوْلِه: (مَا بَال من أَوله نُطْفَة ... وجيفة آخِره يفخر) وَهَذَا الشَّاعِر عقد قَول عَليّ كرم الله وَجهه وَمَا لِابْنِ آدم وَالْفَخْر وَإِنَّمَا أَوله نُطْفَة وَآخره جيفة، وَقَوله كرم الله وَجهه وَالْفَخْر على تَقْدِير النصب يكون الْوَاو فِيهِ بِمَعْنى مَعَ وَاعْلَم أَن مُحَصل مَفْهُوم الْقَضِيَّة يرجع إِلَى عقدين. أَحدهمَا: عقدَة الْوَضع: وَهُوَ ثُبُوت الْوَصْف العنواني لذات الْمَوْضُوع. وَالثَّانِي: عقد الْحمل: وَهُوَ ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع وَالْعقد الأول تركيب تقييدي توصيفي، وَالثَّانِي تركيب خبري وَمعنى رُجُوعه إِلَى الْعقْدَيْنِ أَنه لَا يتَحَقَّق بدونهما كَمَا يُقَال مرجع الْغَنِيّ إِلَى المَال أَي لَا يتَحَقَّق بِدُونِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا مُحَصل مَفْهُوم الْقَضِيَّة لتجريد النّظر إِلَى خصوصيات القضايا وَإِلَّا فمفهوم الْقَضِيَّة الْكُلية لَا يرجع إِلَى ثُبُوت وصف الْمَوْضُوع لذاته بل إِلَى ثُبُوت وَصفه لكل ذَاته وَمَفْهُوم الْجُزْئِيَّة لَا يرجع إِلَى ثُبُوت وَصفه لذاته بل إِلَى ثُبُوت وَصفه لبَعض ذَاته فَافْهَم. الْعَقِيقَة: قَالَ الْأَصْمَعِي فِي الْعُمْدَة هِيَ بِفَتْح الأول وَكسر الثَّانِي وَسُكُون الْيَاء التَّحْتَانِيَّة بنقطتين وَفتح الْقَاف الثَّانِي فِي اللُّغَة اسْم للشعر الَّذِي على رَأس الْمَوْلُود حِين ولد وَإِنَّمَا سمي بِهِ لِأَنَّهُ يشق اللَّحْم وَالْجَلد، وَفِي الشَّرْع اسْم لما ذبح فِي السَّابِع يَوْم حلق رَأسه تَسْمِيَة لَهُ باسم مَا يقارنها وَهِي سنة فِي الْيَوْم السَّابِع أَو فِي الرَّابِع عشر أَو فِي أحد وَعشْرين. وَقد عق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن نَفسه بَعْدَمَا بعث نَبيا وَهُوَ مَخْصُوص بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَيَقُول عِنْد ذبح الْعَقِيقَة اللَّهُمَّ هَذِه عقيقة ابْني فلَان دَمهَا بدمه ولحمها بِلَحْمِهِ وعظمها بعظمه وجلدها بجلده وشعرها بِشعرِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا فدَاء لِابْني من النَّار، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 والعقيقة شَاتَان عَن الْغُلَام وشَاة عَن الْجَارِيَة وَيَكْفِي عَن الْغُلَام شَاة أَيْضا وَلَا يكسر مِنْهَا شَيْء من الْعِظَام وَيُعْطِي الْقَابِلَة فَخذهَا ويطبخ جز وَلَا يتَصَدَّق بهَا ويحلق رَأس الْمَوْلُود وَيتَصَدَّق بِوَزْن شعر رَأسه فضَّة وَلَا يَأْكُل مِنْهَا أَبوهُ وَأمه. وَلَا بُد أَن يكون الْعَقِيقَة كالأضحية فَتجوز بالثولاء والخصي والجماء لَا بالعمياء والعوراء والعجفاء والعرجاء ومقطوع أَكثر الْأذن أَو الذَّنب أَو الآلية أَو الْعين أَي المذهوب بِأَكْثَرَ ضوء الْعين. ف (71) الْعقر: بِالضَّمِّ فِي الْمَبْسُوط هُوَ عبارَة عَن مهر الْمثل بكم تستأجر على الزِّنَا نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك مَعَ جمَالهَا لَو جَازَ الِاسْتِئْجَار على الزِّنَا فالقدر الَّذِي تستأجر بِهِ على الزِّنَا يَجْعَل عقرهَا وعقر الْجَارِيَة الْبكر عشر الْقيمَة وَالثَّيِّب نصف عشر الْقيمَة وبالفتح بِالْفَارِسِيَّةِ (بِي كردن) أَي قطع أعصاب رجل الْمَوَاشِي أَو الْإِنْسَان. العقارب: تَأْدِيب للغضب، وَقد يعرف بِمَا مر فِي العتاب. الْعقار: بِالْكَسْرِ الْمَتَاع الَّذِي لَا ينْقل كالأرض وَالدَّار وَالْحمام وَالشَّجر. (بَاب الْعين مَعَ الْكَاف) الْعَكْس: فِي اللُّغَة رد الشَّيْء إِلَى سنَنه أَي طَرِيقه الأول مثل عكس الْمرْآة فَإِن شُعَاع الْبَصَر ينعكس مِنْهَا بصفائها إِلَى وَجهك وَجَاء بِمَعْنى التبديل مُطلقًا أَيْضا. وَعند أَرْبَاب البديع أَن تقدم أَنْت جُزْءا فِي الْكَلَام ثمَّ تعكس فَتقدم مَا أخرت أَولا وتؤخر مَا قدمت أَولا مثل عادات السادات سَادَات الْعَادَات وَهُوَ على وُجُوه كَمَا بَين فِي البديع. وَعند أهل الْحساب هُوَ الْعَمَل بِالْعَكْسِ كَمَا مر وَيُسمى بالتحليل والتعاكس أَيْضا. وَعند الْفُقَهَاء تَعْلِيق نقيض الحكم الْمَذْكُور بنقيض الْعلَّة الْمَذْكُورَة ردا إِلَى أصل آخر كَقَوْلِنَا مَا لم يلْزم بِالنذرِ يلْزم بِالشُّرُوعِ كَالْحَجِّ وَعَكسه مَا يلْزم بِالنذرِ لم يلْزم بِالشُّرُوعِ، وَعند المنطقيين الْعَكْس على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا الْعَكْس المستوي: وَيُقَال لَهُ الْعَكْس الْمُسْتَقيم: أَيْضا وَهُوَ تَبْدِيل طرفِي الْقَضِيَّة ملفوظة كَانَت أَو معقولة مَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 بَقَاء الصدْق والكيف وَإِنَّمَا سمي بهما لحُصُول الاسْتقَامَة والمساواة بَين الْقَضِيَّة وعكسها فِي الصدْق والكيف وكما أَن الْعَكْس المستوي والمستقيم يُطلق على الْمَعْنى المصدري الْمَذْكُور وَهُوَ التبديل المسطور كَذَلِك يُطلق على الْقَضِيَّة الْحَاصِلَة بالتبديل مجَازًا من قبيل إِطْلَاق الْخلق على الْمَخْلُوق أَي تَسْمِيَة الْمُتَعَلّق بِالْفَتْح باسم الْمُتَعَلّق بِالْكَسْرِ فَيعرف بِأَنَّهُ أخص قَضِيَّة لَازِمَة للقضية بطرِيق التبديل مُوَافقَة لَهَا فِي الكيف والصدق فَلَا بُد فِي إِثْبَات الْعَكْس من أَمريْن: أَحدهمَا أَن هَذِه الْقَضِيَّة لَازِمَة للْأَصْل وَذَلِكَ بالبرهان المنطبق على الْموَاد كلهَا، وَالثَّانِي أَن مَا هُوَ أخص من تِلْكَ الْقَضِيَّة لَيست لَازِمَة لذَلِك الأَصْل فَيظْهر ذَلِك بالتخلف فِي بعض الصُّور صرح بِهَذَا السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على شرح الشمسية وَمعنى بَقَاء الصدْق أَنه لَو فرض الأَصْل صَادِقا يجب صدق الْعَكْس مَعَه. وَحَاصِله لُزُوم الْعَكْس للْأَصْل وَمن ثمَّ يجوز أَن يكون الْعَكْس عَاما فَإِن قيل قَوْلنَا لَا شَيْء من الْجِسْم بممتد فِي الْجِهَات إِلَى غير النِّهَايَة صَادِق مَعَ أَن عَكسه وَهُوَ لَا شَيْء من الممتد فِيهَا بجسم كَاذِب فَعلم من هَا هُنَا أَن كَون الْعَكْس لَازِما للْأَصْل غير مُسلم. وَأَيْضًا كُلية قَوْلهم السالبة الْكُلية تنعكس كنفسها منقوضة بالخلف فِي القَوْل الْمَذْكُور قُلْنَا إِن قَوْلكُم لَا شَيْء من الْجِسْم بممتد فِي الْجِهَات إِلَى غير النِّهَايَة لَا يَخْلُو من أَن يكون قَضِيَّة خارجية أَو حَقِيقَة فَإِن أَخَذْتُم الْقَضِيَّة خارجية فعكسه صَادِق لِأَن السالبة تصدق عِنْد انْتِفَاء الْمَوْضُوع وَعَدَمه وموضوع الْعَكْس أَعنِي الممتد فِي الْجِهَات الثَّلَاث إِلَى غير النِّهَايَة مَعْدُوم مُنْتَفٍ لبُطْلَان لَا تناهي الأبعاد بالبراهين الْمَذْكُورَة فِي الْحِكْمَة. وَإِن أخذتموها حَقِيقِيَّة فَنَقُول صدقهَا مَمْنُوع لِأَن كل ممتد فِي الْجِهَات لَا إِلَى نِهَايَة جسم وَيجوز أَن يكون الْأَجْسَام المعدومة فِي الْخَارِج كَذَلِك. فَإِن الْبُرْهَان مَا دلّ إِلَّا على تناهي الْأَجْسَام الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج. وَأما على تناهي الْأَجْسَام الْمقدرَة فَلَا فَإِن قيل إِن قَوْلهم الْمُوجبَة مُطلقًا تنعكس جزئية بَاطِل لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لانعكس قَوْلنَا كل شيخ كَانَ شَابًّا إِلَى قَوْلنَا بعض الشَّاب كَانَ شَيخا وَهُوَ كَاذِب مَعَ صدق الأَصْل إِذْ كلمة كَانَ للزمان الْمَاضِي فَهِيَ تَقْتَضِي سبق زمَان الشيخوخة فِي الْبَعْض على زمَان شبابه وَلَيْسَ كَذَلِك قُلْنَا إِن قَوْلكُم الْمَذْكُور ينعكس إِلَى قَوْلنَا بعض من كَانَ شَابًّا شيخ لَا إِلَى مَا ذكرْتُمْ حَتَّى يرد الْمَنْع. وَحَاصِل الْجَواب أَن الناقض وَقع فِي الْغَلَط لِأَن كلمة كَانَ فِي القَوْل الْمَذْكُور دَاخل فِي الْمَحْمُول وَهُوَ ظن أَنَّهَا رابطة وَقس عَلَيْهِ كل مَا كَانَ النِّسْبَة فِيهِ مَحْمُولا حَتَّى لَا يرد أَن كل ملك على سَرِير وكل وتد فِي الْحَائِط وكل مَاض كَانَ مُسْتَقْبلا صَادِقَة وَلَا تصدق عكوسها أَعنِي بعض السرير على ملك وَبَعض الْحَائِط فِي الوتد وَبَعض من فِي الْمُسْتَقْبل كَانَ مَاضِيا. فَإنَّك إِذا لاحظت أَن النِّسْبَة فِيهَا دَاخِلَة فِي الْمَحْمُول انْكَشَفَ لَك أَن عكوسها بعض من على السرير ملك وَبَعض مَا فِي الْحَائِط وتد وَبَعض مَا كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 مُسْتَقْبلا مَاض فَإِن قيل قَوْلنَا بعض النَّوْع إِنْسَان صَادِق مَعَ كذب عَكسه وَهُوَ بعض الْإِنْسَان نوع فَقَوْلهم الْمُوجبَة مُطلقًا أَي كُلية أَو جزئية تنعكس جزئية مَمْنُوع قُلْنَا قَوْلكُم بعض النَّوْع إِنْسَان كَاذِب فَلَا بُد وَأَن يكون عَكسه كَاذِبًا الْبَتَّةَ فَإِن قيل لم كَانَ القَوْل الْمَذْكُور كَاذِبًا قُلْنَا الدَّلِيل على كذبه صدق نقيضه أَعنِي لَا شَيْء من النَّوْع بِإِنْسَان فَإِن قيل لم كَانَ نقيضه الْمَذْكُور صَادِقا قُلْنَا لصدق لَا شي من الْإِنْسَان بِنَوْع وَهُوَ ينعكس إِلَى لَا شَيْء من النَّوْع بِإِنْسَان فَيكون هَذَا الْعَكْس صَادِقا أَيْضا. وَلَا ريب فِي أَن هَذَا الْعَكْس نقيض ذَلِك القَوْل أَعنِي بعض النَّوْع إِنْسَان فَيكون كَاذِبًا لِأَن صدق قَضِيَّة يسْتَلْزم كذب نقيضه - فَإِن قيل إِن القَوْل الْمَذْكُور يترا أَي أَن يكون صَادِقا إِذْ الْأَنْوَاع كَثِيرَة وَالْإِنْسَان بعض مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَن يصدق بعض النَّوْع إِنْسَان أَي مَفْهُوم الْإِنْسَان نوع من الْأَنْوَاع قُلْنَا السِّرّ فِي كذبه أَن الْحمل فِيهِ حمل مُتَعَارَف وَهُوَ يُفِيد أَن الْمَوْضُوع من أَفْرَاد الْمَحْمُول أَو مَا هُوَ فَرد لأَحَدهمَا فَرد لآخر كَمَا حققناه فِي الْحمل. وَلَا شكّ أَن بعض النَّوْع لَيْسَ من أَفْرَاد الْإِنْسَان حَتَّى يَصح بعض النَّوْع إِنْسَان - نعم مَفْهُوم الْإِنْسَان نوع من الْأَنْوَاع لأفراده فضلا عَن إِفْرَاده فَثَبت من هَا هُنَا أَن قَوْلنَا لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِنَوْع صَادِق فَكَذَا عَكسه فَيكون نقيضه وَهُوَ بعض النَّوْع إنْسَانا كَاذِبًا وَهَذَا مُرَاد مَا ذكره قَاضِي محب الله فِي سلم الْعُلُوم بقوله والسر فِيهِ أَن الْمُعْتَبر فِي الْحمل الْمُتَعَارف صدق مَفْهُوم الْمَحْمُول لَا نفس مَفْهُومه. وَاعْلَم أَن السالبة الدائمة تنعكس كنفسها وَاعْترض عَلَيْهِ الإِمَام فِي الملخص أَن السالبة الدائمة لَا تنعكس كنفسها محتجا عَلَيْهِ بِأَن الْكِتَابَة غير ضَرُورِيَّة للْإنْسَان فِي وَقت مَا لصدق قَوْلنَا لَا شي من الْإِنْسَان بكاتب بالإمكان فِي وَقت وكل مَا هُوَ مُمكن فِي وَقت يكون مُمكنا فِي كل وَقت وَإِلَّا لزم الانقلاب من الْإِمْكَان إِلَى الِامْتِنَاع الذاتي فَإِن سلب الْكِتَابَة عَن الْإِنْسَان مُمكن فِي جَمِيع الْأَوْقَات والممكن لَا يلْزم من فرض وُقُوعه محَال فليفرض وُقُوعه حَتَّى يصدق لَا شَيْء من الْإِنْسَان بكاتب دَائِما فَلَو انعكست السالبة الدائمة لزم صدق لَا شَيْء من الْكَاتِب بِإِنْسَان دَائِما وَهُوَ محَال وَهَذَا الْمحَال لم يلْزم من فرض وُقُوع الْمُمكن فَهُوَ من الانعكاس فَيكون محالا وَالْجَوَاب أَن قَوْلكُم لَا شَيْء من الْإِنْسَان بكاتب دَائِما كَاذِب لِأَنَّهُ لَا يلْزم من دوَام إِمْكَان سلب الْكِتَابَة عَن أَفْرَاد الْإِنْسَان إِمْكَان دَوَامه حَتَّى يكون صَادِقا فَهُوَ كَاذِب مَعَ عَكسه فَإِن قيل لم لَا يلْزم من دوَام إِمْكَان الشَّيْء إِمْكَان دَوَامه قُلْنَا إِن بَينهمَا فرقا بَينا وَالْأول لَا يسْتَلْزم الثَّانِي فَإنَّا إِذا قُلْنَا إِمْكَانه دَائِم الَّذِي مضمونه دوَام الْإِمْكَان كَانَ الدَّوَام ظرفا لإمكانه فَيلْزم أَن يكون متصفا بالإمكان غير منفك عَنهُ الاتصاف بِهِ وقتا من الْأَوْقَات كَمَا هُوَ مُقْتَضى مَاهِيَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 الْمُمكن، وَإِذا قُلْنَا دَوَامه مُمكن الَّذِي مضمونه إِمْكَان الدَّوَام كَانَ الدَّوَام ظرفا لوُجُوده على معنى أَن وجوده الدَّائِم الَّذِي هُوَ غير منفك عَنهُ وقتا من الْأَوْقَات مُمكن وَمن الْمَعْلُوم أَن الأول لَا يسْتَلْزم الثَّانِي لجَوَاز أَن يكون وجود الشَّيْء فِي الْجُمْلَة مُمكنا مستمرا دَائِما وَلَا يكون وجوده على وَجه الِاسْتِمْرَار والدوام مُمكنا بل مُمْتَنعا أَلا ترى أَن الْأُمُور الْغَيْر القارة كالزمان وَالْحَرَكَة إمكانها دَائِم ودوامها غير مُمكن لاقْتِضَاء ماهيتها التقضي وَعدم الِاجْتِمَاع وَقس عَلَيْهِ أزلية الْإِمْكَان وَإِمْكَان الأزلية فَإِن الأول غير الثَّانِي وَغير مُسْتَلْزم لَهُ وَالْحَاصِل أَن دوَام الْإِمْكَان لَازم لمفاد الممكنة الْعَامَّة وَإِمْكَان الدَّوَام لمفاد الدائمة الْمُطلقَة - وَقَالَ شَارِح التَّجْرِيد أَن القَوْل بِعَدَمِ التلازم حق لَا شُبْهَة فِيهِ مَشْهُور فِيمَا بَين الْقَوْم وَمَا قيل إِن إِمْكَانه إِذا كَانَ مستمرا أزلا لم يكن هُوَ فِي ذَاته مَانِعا من قبُول الْوُجُود فِي شَيْء من أَجزَاء الْأَزَل فَيكون عدم مَنعه فِيهِ أمرا مستمرا فِي جَمِيع الْأَجْزَاء فَإِذا نظر إِلَى ذَاته من حَيْثُ هُوَ لم يمْنَع من اتصافه بالوجود فِي شَيْء مِنْهَا بل جَازَ اتصافه بِهِ فِي كل مِنْهَا لَا بَدَلا فَقَط بل ومعا أَيْضا وَجَوَاز الاتصاف بِهِ فِي كل مِنْهَا مَعًا هُوَ إِمْكَان اتصافه بالوجود المستمر فِي جَمِيع الْأَزَل بِالنّظرِ إِلَى ذَاته فأزلية الْإِمْكَان مستلزمة لِإِمْكَان الأزلية فمدفوع بِأَن قَوْله لَا بَدَلا فَقَط بل ومعا أَيْضا مَمْنُوع كَمَا زعم شَارِح الْمطَالع وَالسَّيِّد السَّنَد قدس سره حَيْثُ قَالَا بِأَنَّهُمَا متلازمان. وَثَانِيها: عكس النقيض: وَهُوَ عِنْد الْمُتَقَدِّمين عبارَة عَن تَبْدِيل نقيض الطَّرفَيْنِ مَعَ بَقَاء الصدْق والكيف وَعند الْمُتَأَخِّرين جعل نقيض الْجُزْء الثَّانِي أَولا وَعين الطّرف الأول ثَانِيًا مَعَ بَقَاء الصدْق والمخالفة فِي الكيف وَعكس النقيض كَمَا يُطلق على الْمَعْنى المصدري وَهُوَ التبديل والجعل الْمَذْكُورين كَذَلِك يُطلق على الْقَضِيَّة الْحَاصِلَة مِنْهُمَا وَوجه التَّسْمِيَة عِنْد الْأَوَائِل ظَاهر. وَأما عِنْد الْمُتَأَخِّرين فبالنظر إِلَى الثَّانِي من الأَصْل. وَاعْلَم أَن الْمُوجبَة الْكُلية تنعكس بِهَذَا الْعَكْس كنفسها كَمَا تقرر فِي الْمنطق. فَإِن قيل قَوْلنَا كل لَا اجْتِمَاع النقيضين لَا شريك الْبَارِي صَادِق مَعَ أَن عَكسه كَاذِب وَهُوَ كل شريك الْبَارِي اجْتِمَاع النقيضين - أَقُول لَا نسلم صدق الأَصْل لصدق نقيضه وَهُوَ بعض لَا اجْتِمَاع النقيضين لَيْسَ بِلَا شريك الْبَارِي هَل هُوَ شريك الْبَارِي فَإِن شريك الْبَارِي فَرد لَا اجْتِمَاع النقيضين فَلَيْسَ كل لَا اجْتِمَاع النقيضين لَا شريك الْبَارِي - وَقد خَفِي هَذَا الْجَواب على صَاحب السّلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 (بَاب الْعين مَعَ اللَّام) ف (72) الْعلم: بالفتحتين الْعَلامَة، والشهرة، والجبل الرفيع، والراية، وَمَا يعْقد على الرمْح، وَسيد الْقَوْم، وَجمعه الْأَعْلَام، وَعند النُّحَاة مَا وضع لشَيْء بِعَيْنِه شخصا أَو جِنْسا غير متناول غَيره بِوَضْع وَاحِد وَهَذَا هُوَ الْعلم القصدي وَأما الْعلم الاتفاقي فَهُوَ الَّذِي يصير علما أَي وَاقعا على معِين بالغلبة وَكَثْرَة الِاسْتِعْمَال لَا بِالْوَضْعِ والاصطلاح وَهُوَ على ثَلَاثَة أَصْنَاف اسْم ولقب وكنية واطلب كلا فِي مَحَله. ثمَّ اعْلَم أَن علم بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين على وزن سمع مَاض مَعْرُوف من أَفعَال الْقُلُوب من الْعلم بِمَعْنى (دانستن) وَهُوَ فعل الْقلب وَأما علم بتَشْديد الْعين على وزن صرف فَإِنَّهُ من التَّعْلِيم وَهُوَ من أَفعَال الْجَوَارِح، وَأما إِطْلَاق التَّعْلِيم على إِفَادَة الإشراقين فَهُوَ على سَبِيل التنزل وَالْمجَاز. وَيُؤَيّد مَا قُلْنَا مَا قَالَ الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله فِي حَاشِيَته على المطول أَن قَوْله مَا لم نعلم مفعول ثَان لعلم بِالتَّشْدِيدِ وَالْأول مَحْذُوف أَي علمنَا وَلَا ضير فِي ذَلِك إِذْ لَيْسَ علم من أَفعَال الْقُلُوب حَتَّى لَا يجوز الِاقْتِصَار على أحد مفعوليه انْتهى. وَالْعلم بِكَسْر الأول وَسُكُون اللَّام مصدر علم يعلم فِي اللُّغَة بِالْفَارِسِيَّةِ (دانستن) . ثمَّ إِنَّه قد يُطلق على مَا هُوَ مبدأ انكشاف الْمَعْلُوم وَقد يُطلق على مَا بِهِ يصير الشَّيْء منكشفا على الْعَالم بِالْفِعْلِ وَفِي مَا بِهِ الانكشاف اخْتِلَاف مَذَاهِب لَا يتَجَاوَز عشْرين احْتِمَالا عقليا وَوجه ضبط تِلْكَ الِاحْتِمَالَات أَنه إِمَّا حَقِيقَة وَاحِدَة أَو حقائق متبائنة وعَلى الأول إِمَّا زَوَال أَو حُصُول، ثمَّ الْحُصُول إِمَّا حُصُول أثر مَعْلُوم فِي الْعَالم، أَو حُدُوث أَمر فِيهِ، أَو كِلَاهُمَا والأثر إِمَّا صُورَة مَعْلُوم أَو شبحه وَالْأول إِمَّا قَائِم بِنَفسِهِ، أَو منطبع فَهِيَ الْمدْرك، أَو مُتحد مَعَه، والمنطبع إِمَّا منطبع فِي مدرك أَو فِي الْآلَة، والزوال إِمَّا زَوَال أَمر عَن الْعَالم أَو عَن الْمَعْلُوم أَو كليهمَا وعَلى الثَّانِي من الشق الأول إِمَّا إِطْلَاق الْعلم عَلَيْهَا بالاشتراك أَو بِالْحَقِيقَةِ وَالْمجَاز ثمَّ الِاشْتِرَاك إِمَّا لَفْظِي أَو معنوي وَالصَّوَاب المقبول عِنْد الفحول وَالْحق الْحَقِيقِيّ بِالْقبُولِ إِنَّه لَيْسَ حَقِيقَة نوعية أَو جنسية حَتَّى يعرف بِأَمْر جَامع منطبق على جَمِيع جزئياته بل إِطْلَاقه على الْجَمِيع من بَاب إِطْلَاق الْعين على مدلولاته المتبائنة أَلا ترى أَن نَحْو انكشاف الْوَاجِب تَعَالَى لذاته أَو لغيره على اخْتِلَاف بَين الْحُكَمَاء والمتكلمين لَيْسَ إِلَّا كنحو وجوده المغائر للْكُلّ تقوما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 وتحصلا وتخصيصا وتشخيصا فَكَمَا أَنه لَا سَبِيل لنا إِلَى اكتناه ذَاته كَذَلِك لَا سَبِيل إِلَى اكتناه صِفَاته الَّتِي من جُمْلَتهَا الْعلم الَّذِي لَيْسَ بحدوث كَيْفيَّة وَلَا بِحُصُول أثر من الْمَعْلُوم فِيهِ وَلَا باتحاد الْمَعْلُوم مَعَه وَلَا بِحُضُور مثل وَلَا بحدوث إِضَافَة متجددة وَلَا بِزَوَال شَيْء عَنهُ لاستلزام الْجَمِيع مفاحش لَا تلِيق بجنابه تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَكَذَا انكشاف المفارقات لأنفسها ولمبدعها ولغيرها لَيْسَ بِحُصُول الْأَثر وَلَا بِزَوَال الْمَانِع وَكَذَا الانكشاف لأنفسنا ولغيرنا من الْوَاجِب تَعَالَى والممكن والممتنع لَيْسَ إِلَّا على أنحاء شَتَّى وطرق متبائنة فَمن رام تَوْحِيد الْكثير أَو تَكْثِير الْوَاحِد فَقَط خبط خبطا عَظِيما وَبَقِي التفتيش فِي الْعلم الَّذِي هُوَ مورد الْقِسْمَة إِلَى التَّصَوُّر والتصديق فِي فواتح كتب الْمنطق بِأَنَّهُ نَحْو من الانكشاف إِمَّا بِزَوَال أَمر منا أَو بحدوث كَيْفيَّة فِينَا أَو بِحُصُول أثر من الْمَعْلُوم صُورَة أَو شبحا أَو باتحاد الْمَعْلُوم معنى أَو بِحُضُور مثل أَو بِإِضَافَة التفاتية وَالَّذِي يحكم بِهِ الْعقل السَّلِيم والذهن الْمُسْتَقيم هُوَ أَنا تَجِد فِينَا عِنْد إحساس الْأَشْخَاص المتبائنة أمورا صَالِحَة لمعروضية الْكُلية والنوعية والجنسية وَمَا وجدنَا فِي الْخَارِج أمرا يكون شَأْنه هَذَا، ثمَّ لما فتشنا عَن تِلْكَ الْأُمُور علمنَا أَنَّهَا لَيست بِأُمُور عدمية وَإِلَّا لما كَانَت قَابِلَة لابتناء الْعُلُوم عَلَيْهَا وَلَا آثارا متغائرة للأشخاص وَإِلَّا لما تسري أَحْكَامهَا إِلَى الْأَفْرَاد ولأعينها وَإِلَّا لترتب على الْأَشْخَاص مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا وَبِالْعَكْسِ عكسا كليا فَعلمنَا أَن هَا هُنَا أمرا وَاحِدًا مشخصا بتشخصين تشخصا خارجيا وَهُوَ على نَحْو الْكَثْرَة وتشخصا ذهنيا وَهُوَ على نَحْو الْوحدَة والوحدة وَالْكَثْرَة أَمْرَانِ زائدان عَلَيْهِ عارضان لَهُ حسب اقْتِضَاء ظرف التحقق وَهَذَا هُوَ قَول من قَالَ إِن الماهيات فِي الْخَارِج أَعْيَان وَفِي الأذهان صور. ثمَّ إِن الْعُقَلَاء اخْتلفُوا فِي أَن الْعلم بديهي أَو كسبي والذاهبون إِلَى كسبيته اخْتلفُوا فِي أَن كَسبه متعسر أَو متيسر وَإِلَى كل ذهب ذَاهِب، فَذهب الإِمَام الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَنه لَيْسَ بضروري بل هُوَ نَظَرِي وَلَكِن تحديده متعسر وَطَرِيق مَعْرفَته الْقِسْمَة والمثال أما الأول فَهُوَ أَن يُمَيّز عَمَّا يلتبس من الاعتقادات كَمَا تَقول الِاعْتِقَاد إِمَّا جازم أَو غير جازم والجازم إِمَّا مُطَابق أَو غير مُطَابق والمطابق إِمَّا ثَابت أَو غير ثَابت فقد حصل عَن الْقِسْمَة اعْتِقَاد جازم مُطَابق ثَابت وَهُوَ الْعلم بِمَعْنى الْيَقِين فقد تميز عَن الظَّن بِالْجَزْمِ وَعَن الْجَهْل الْمركب بالمطابقة وَعَن التَّقْلِيد الْمُصِيب الْجَازِم بالثابت الَّذِي لَا يَزُول بالتشكيك وَأما الثَّانِي فَكَأَن تَقول الْعلم إِدْرَاك البصيرة المشابه لإدراك الباصرة أَو كاعتقادنا أَن الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ وَقيل هَذَا بعيد فَإِنَّهُمَا إِن أفادا تميز أصلحا مُعَرفا وَإِلَّا لم يحصل بهما معرفَة لماهية الْعلم لِأَن مُحَصل الْمعرفَة لشَيْء لَا بُد وَأَن يُقيد تميزه عَن غَيره لِامْتِنَاع حُصُول مَعْرفَته بِدُونِ تميزه عَن غَيره. وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن الْكَلَام فِي تعسر مَعْرفَته بالكنه. فِي العضدي قَالَ الإِمَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 الْعلم ضَرُورِيّ لِأَن غير الْعلم لَا يعلم إِلَّا بِالْعلمِ فَلَو علم الْعلم بِغَيْرِهِ لزم الدّور لكنه مَعْلُوم فَيكون لَا بِالْغَيْر وَهُوَ ضَرُورِيّ. وَالْجَوَاب بعد تَسْلِيم كَونه مَعْلُوما إِن تصور غير الْعلم إِنَّمَا يتَوَقَّف على حُصُول الْعلم بِغَيْرِهِ أَعنِي علما جزئيا مُتَعَلقا بذلك الْغَيْر لَا على تصور حَقِيقَة الْعلم بِالْغَيْر أَعنِي علما جزئيا مُتَعَلقا بذلك الْغَيْر وَالَّذِي يُرَاد حُصُوله بِالْغَيْر إِنَّمَا هُوَ تصور حَقِيقَة الْعلم لَا حُصُول جزئي مِنْهُ فَلَا دور للِاخْتِلَاف انْتهى. وَالْحَاصِل أَن الإِمَام الْغَزالِيّ اسْتدلَّ على مَا ادَّعَاهُ بِأَن الْعلم لَو كَانَ كسبيا مكتسبا من غَيره لدار لِأَن غَيره إِنَّمَا يعلم بِهِ. وخلاصة الْجَواب أَن غير الْعلم إِنَّمَا يعلم بِعلم خَاص مُتَعَلق بِهِ لَا بتصور حَقِيقَة الْعلم وَالْمَقْصُود تصور حَقِيقَته بِغَيْرِهِ فَلَا دور فَافْهَم. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي شرح المواقف وَاعْلَم أَن الْغَزالِيّ صرح فِي الْمُسْتَصْفى بِأَنَّهُ يعسر تَحْدِيد الْعلم بِعِبَارَة محررة جَامِعَة للْجِنْس والفصل الذاتيين فَإِن ذَلِك متعسر فِي أَكثر الْأَشْيَاء بل فِي أَكثر المدركات الحسية فَكيف لَا يعسر فِي الإدراكات الْخفية. ثمَّ قَالَ إِن التَّقْسِيم الْمَذْكُور يقطع الْعلم عَن مظان الِاشْتِبَاه والتمثيل بِإِدْرَاك الباصرة بفهمك حَقِيقَة فَظهر أَنه إِنَّمَا قَالَ بعسر التَّحْدِيد الْحَقِيقِيّ دون التَّعْرِيف مُطلقًا وَهَذَا كَلَام مُحَقّق لَا بعد فِيهِ لكنه جَار فِي غير الْعلم كَمَا اعْترف بِهِ انْتهى - وَذهب الإِمَام الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَنه بديهي لضَرُورَة أَن كل أحد يعلم بِوُجُودِهِ وَهَذَا علم خَاص بديهي وبداهة الْخَاص يسْتَلْزم بداهة الْعَام - وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: أَحدهَا أَن الضَّرُورِيّ إِنَّمَا هُوَ حُصُول علم جزئي بِوُجُودِهِ وَهَذَا الْحُصُول لَيْسَ تصور ذَلِك الجزئي وَغير مُسْتَلْزم لَهُ فَلَا يلْزم تصور الْمُطلق أصلا فضلا عَن أَن يكون ضَرُورِيًّا، وتوضيحه أَن بَين حُصُول الشَّيْء وتصوره فرقا بَينا فَإِن ارتسام مَاهِيَّة الْعلم فِي النَّفس الناطقة بِنَفسِهَا فِي ضمن الجزئيات حُصُول تِلْكَ الْمَاهِيّة لَا تصورها كحصول الشجَاعَة للنَّفس الْمُوجب لاتصافها بهَا من غير أَن تتصورها وارتسام مَاهِيَّة الْعلم فِي النَّفس بِصُورَة تِلْكَ الْمَاهِيّة ومثالها يُوجب تصورها لَا حُصُولهَا كتصور الشجَاعَة الَّذِي لَا يُوجب اتصاف النَّفس بالشجاعة. ومحصول التَّوْضِيح أَن الْفرق بَين حُصُول الْعلم نَفسه لِلْعَقْلِ وَبَين تصَوره بَين فَإِن الأول منَاط الاتصاف بِنَفس الْعلم دون العالمية بِالْعلمِ وَالثَّانِي منَاط العالمية بِالْعلمِ فَإِن حُصُول الشجَاعَة نَفسهَا مُوجب للاتصاف بهَا لَا لتصورها وَالْعلم بهَا وتصورها يُوجب العالمية بهَا لَا لحصولها والاتصاف بهَا نعم كم من شُجَاع لَا يعلم أَن الشجَاعَة مَا هِيَ وَهُوَ شُجَاع وَكم من جبان يعلم مَاهِيَّة الشجَاعَة وَهُوَ جبان وَثَانِيهمَا وُرُود المنعين الْمَشْهُورين من منع كَون الْعَام ذاتيا وَكَون الْخَاص مدْركا بالكنه. وَحَاصِله أَن ذَلِك الاستلزام مَوْقُوف على أَمريْن أَحدهمَا كَون الْعلم ذاتيا للخاص وَلَا نسلم أَن يكون الْعلم الْمُطلق ذاتيا للْعلم الْخَاص وَثَانِيهمَا كَون الْخَاص متصورا بالكنه وَلَا نسلم أَن يكون الْعلم الْخَاص بديهيا متصورا بالكنه لم لَا يجوز أَن يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 متصورا بِالْوَجْهِ قيل إِن الْخَاص هَا هُنَا مُقَيّد والعالم مُطلق وبداهة الْمُقَيد تَسْتَلْزِم بداهة الْمُطلق لِأَنَّهُ جُزْء خارجي لمَفْهُوم الْمُقَيد فتصوره بِدُونِهِ مِمَّا لَا يتَصَوَّر وَأجِيب بِأَن منشأ هَذَا السُّؤَال عدم الْفرق بَين الْفَرد والحصة وللعلم أفرلد حصصية والفرد هُوَ الطبيعة الْمَأْخُوذَة مَعَ الْقَيْد بِأَن يكون كل من الْقَيْد وَالتَّقْيِيد دَاخِلا كزيد وَعَمْرو للْإنْسَان والحصة هِيَ الطبيعة المنضافة إِلَى الْقَيْد بِأَن يكون التَّقْيِيد من حَيْثُ هُوَ تَقْيِيد دَاخِلا والقيد خَارِجا كوجود زيد وَوُجُود عَمْرو وَعلم زيد وَعلم عَمْرو. وَلَا يخفى على الناظرين أَن هَذَا إِنَّمَا يتم إِذا كَانَ المُرَاد بِالْعلمِ الْمَعْنى المصدري وَأما إِذا كَانَ المُرَاد بِهِ مَا بِهِ الانكشاف فَلَا يتم وَأَنت تعلم أَن الْمَعْنى المصدري خَارج عَن مَحل النزاع والنزاع حِين إِرَادَة الْمَعْنى المصدري يكون لفظيا كالنزاع فِي الْوُجُود فَإِن من قَالَ بكسبيته يُرِيد مَا بِهِ الانكشاف وَيَدعِي بكسبيته لَا الْمَعْنى المصدري. وَالْحَاصِل أَنه لَا شكّ فِي بداهة الْعلم الَّذِي يعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بدانستن لِأَنَّهُ معنى انتزاعي لَا يتخصص إِلَّا بإضافات وتخصيصات فحقيقته لَيست إِلَّا مفهومة وحقائق أَفْرَاده لَيست إِلَّا مفهوماتها كَيفَ وَلَو كَانَت مفهوماتها عارضة لحقائقها لكَانَتْ مَحْمُولَة عَلَيْهَا بالاشتقاق وَهُوَ يسْتَلْزم كَون الْعلم عَالما وَالْعلم الْخَاص بديهي وَالْعَام جُزْء مِنْهُ وبداهة الْخَاص تَسْتَلْزِم بداهة الْعَام والمنعان الْمَذْكُورَان حِينَئِذٍ مُكَابَرَة لَا تسمع لَكِن هَذَا الْمَعْنى خَارج عَن مَحل النزاع كَمَا علمت وَإِن أُرِيد أَن الْعلم بِمَعْنى مبدأ الانكشاف بديهي بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُور فَلَا يَخْلُو عَن صعوبة لوُرُود المنعين المذكورية بِلَا مُكَابَرَة فَإِن قلت لَو كَانَ الْعلم بديهيا لما اشْتغل الْعُقَلَاء بتعريفه قلت إِنَّمَا عرف الْعلم من ذهب إِلَى كسبيته لَا إِلَى بداهته فاشتغالهم بتعريفه لَا يدل عى كسبيته بِحَسب الْوَاقِع بل بِحَسب الِاعْتِقَاد. نعم يرد أَنا لَو سلمنَا أَن الذَّاهِب إِلَى كسبيته عرفه بِحَسب اعْتِقَاده لَكِن تَعْرِيفه لدلالته على حُصُوله بِالْكَسْبِ يُنَافِي البداهة لِأَن البديهي مَا لم يُمكن حُصُوله بِالْكَسْبِ لايحصل بِغَيْر الْكسْب وَلَا أَن يُقَال إِن الْمَعْنى الْمَذْكُور للبديهي مَمْنُوع كَيفَ وَلَو كَانَ تَعْرِيف البديهي مَا ذكر للَزِمَ بطلَان البداهة فِي عدَّة من الْأُمُور الَّتِي بداهتها قَطْعِيَّة بالِاتِّفَاقِ وَقيل الْجَواب بِأَن الْكَلَام فِي كنه الْعلم فَإِذا فرض أَنه ضَرُورِيّ لَا يلْزم على صِحَّته امْتنَاع تَعْرِيفه بالرسم لجَوَاز أَن يكون كنه شَيْء ضَرُورِيًّا دون اسْمه وَبَعض وجوهه فَلم لَا يكون تَعْرِيف الْعُقَلَاء تعريفا رسميا للْعلم لَيْسَ بصواب لِأَن تَعْرِيف الشَّيْء بالرسم بعد تصَوره بالكنه مُمْتَنع إِذْ بعد تصَوره بالكنه إِذا قصد تَعْرِيفه بِالْوَجْهِ يكون التَّعْرِيف لذَلِك الْوَجْه الْمَجْهُول لَا لذَلِك الشَّيْء. وَلَا يخفى على من لَهُ نظر ثاقب أَن بَين علم الشَّيْء بِالْوَجْهِ وَالْعلم بِوَجْه ذَلِك الشَّيْء فرق بَين فَإِن الْوَجْه فِي الأول مُتَصَوّر تبعا وبالعرض ومرآة وَآلَة لتصور ذَلِك الشَّيْء الَّذِي قصد تصَوره بذلك الْوَجْه وَفِي الثَّانِي أَولا وبالذات من غير أَن يكون تصَوره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 آلَة لتصور غَيره ومرآة لَهُ فَإِن قلت إِن الْعلم من صِفَات النَّفس وَعلمهَا بِنَفسِهَا وصفاتها حضوري وَهُوَ لَا يَتَّصِف بالبداهة والكسبية قلت إِن المُرَاد بِالصِّفَاتِ الصِّفَات الانضمامية أَي الصِّفَات العينية الخارجية الْغَيْر المنتزعة وَالْكَلَام فِي الْعلم الْمُطلق وَهُوَ لَيْسَ من الصِّفَات الانضمامية وَبعد تَسْلِيمه عدم اتصاف الحضوري بالبداهة مَمْنُوع - اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يخترع اصْطِلَاح آخر وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح، وَفِي بعض شُرُوح سلم الْعُلُوم وَالْحق أَن الْعلم نور قَائِم بِذَاتِهِ وَاجِب لذاته وَلَيْسَ تَحت شَيْء من المقولات فَإِن الْعلم إِنَّمَا حَقِيقَته مبدأ انكشاف الْأَشْيَاء وظهورها بِأَن يكون هُوَ بِنَفسِهِ مظْهرا ومصداقا لحمله والممكن لما كَانَ فِي ذَاته فِي بقْعَة الْقُوَّة وحيز الليسية كَانَ فِي ذَاته أمرا ظلمانيا لَا ظَاهرا وَلَا مظْهرا فَلَا يكون علما وَلَا فِي حد ذَاته عَالما فَكَمَا أَن قوامه ووجوده إِنَّمَا هُوَ بِالْعرضِ من تِلْقَاء إفَاضَة الْجَاعِل الْحق كَذَلِك عالميته إِنَّمَا هِيَ بِالْعرضِ من تِلْقَاء إفَاضَة الْعَالم الْحق فمصداق حمل الْوُجُود وَالْعلم على الْوَاجِب نفس ذَاته وعَلى الْمُمكن هُوَ من حَيْثُ استناده إِلَى الله تَعَالَى فَكَمَا أَن وجود الْمُمكن هُوَ وجود الْوَاجِب كَذَلِك علمه هُوَ علم الْوَاجِب تَعَالَى بل الْعلم هُوَ الْوُجُود بِشَرْط كَونه مُجَردا فَالْوَاجِب سُبْحَانَهُ يَجْعَل الْعقل أمرا نورانيا ينْكَشف الْأَشْيَاء عِنْد قِيَامهَا بهَا وَلَيْسَ الْعلم أمرا زَائِدا على وجودهَا الْخَاص الْمُجَرّد وَلذَا تدْرك ذَاتهَا بذاتها. نعم قد يفْتَقر إِلَى أَن يكون وجود الْمَعْلُوم لَهُ حَتَّى ينْكَشف عِنْده إِذا كَانَ هُوَ غير ذَاته وَصِفَاته وَذَلِكَ بإعلام الْمعلم وبإفاضة وجوده لَهُ فالعلم وَإِن كَانَ أظهر الْأَشْيَاء وأبينها وأوضحها لَكِن يمْتَنع تصَوره بالكنه وَنسبَة الْعُقُول إِلَيْهِ كنسبة الخدش إِلَى الشَّمْس وَنسبَة الْقَمَر إِلَيْهَا وَلذَا قَالَ المُصَنّف أَي مُصَنف السّلم فِيهِ أَن الْعلم من أجلى البديهيات وَإِنَّمَا اختفاء جَوْهَر ذَاته لشدَّة وضوحها كَمَا أَن من المحسوسات مَا يبلغ فِيهِ بذلك الْحَد حَتَّى يمْنَع عَن تَمام الْإِدْرَاك كَالْعلمِ فَإِنَّهُ مبدأ ظُهُور الْأَشْيَاء فَيجب أَن يكون ظَاهرا فِي نَفسه لَيْسَ فِيهِ شَرّ الظلمَة - وَلِهَذَا يفْتَقر إِلَى التَّشْبِيه لإِزَالَة خفائه وَأَنه لَيْسَ خفِيا فِي نَفسه بل لِأَن عقولنا أعجز عَن اكتناهه فَهَذَا التَّشْبِيه يشبه الْإِنَاء الَّذِي فِيهِ مَاء وضع لرؤية تِمْثَال الشَّمْس انْتهى. والذاهبون إِلَى كسبية الْعلم وَأَن كَسبه متيسر اخْتلفُوا فِي تَعْرِيفه، وَالْمُخْتَار عِنْد الْمُتَكَلِّمين أَنه صفة توجب تميز شَيْء لَا يحْتَمل ذَلِك الشَّيْء نقيض ذَلِك التميز وهم لَا يطلقون الْعلم إِلَّا على الْيَقِين كَمَا ستعرف، وَعلم الْوَاجِب عِنْد الْمُتَكَلِّمين صفة أزلية تنكشف المعلومات عِنْد تعلقهَا بهَا وتعلقات علمه تَعَالَى على نَوْعَيْنِ كَمَا فصلنا فِي تعلقات علم الْوَاجِب تَعَالَى. وَالْعلم عِنْد الْحُكَمَاء يتَنَاوَل الْيَقِين وَالشَّكّ وَالوهم والتقليد وَالْجهل، وَالْعلم الْمُطلق عِنْدهم أَي سَوَاء كَانَ حضوريا أَو حصوليا مُطلق الصُّورَة الْحَاضِرَة عِنْد الْمدْرك سَوَاء كَانَت نفس الْمَعْلُوم كَمَا فِي الحضوري أَو غَيره وَلَو بِالِاعْتِبَارِ كَمَا فِي الحصولي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 وَسَوَاء كَانَت مُطَابقَة لما قصد تصَوره كَمَا فِي الْيَقِين أَولا كَمَا فِي الْجَهْل، وَسَوَاء احتملت الزَّوَال كَمَا فِي التَّقْلِيد وَالظَّن وَالشَّكّ وَالوهم أَولا كَمَا فِي الْيَقِين، وَسَوَاء كَانَت مرْآة لملاحظة مَا قصد تصَوره كَمَا فِي الْعلم بالكنه أَو بِالْوَجْهِ أَولا كَمَا فِي الْعلم بكنه الشَّيْء وَالْعلم بِوَجْه الشَّيْء وَالْمرَاد بالصورة الْمَاهِيّة فَإِنَّهَا بِاعْتِبَار الحضوري العلمي تسمى صُورَة وَبِاعْتِبَار الْوُجُود الْخَارِجِي عينا. وَيعلم من هَذَا التَّعْرِيف عدَّة أُمُور أَحدهَا أَن الْعلم أَمر وجودي لَا عدمي لِأَن الضَّرُورَة تشهد بِأَن وَقت الانكشاف يحصل شَيْء من شَيْء لَا أَنه يَزُول مِنْهُ لكنه لم يقم عَلَيْهِ برهَان قَاطع وَثَانِيها أَنه شَامِل للحضوري والحصولي ولعلم الْوَاجِب والممكن والكليات والجزئيات فِي الْآلَات أَو فِي نفس النَّفس وَثَالِثهَا أَنه شَامِل للمذهبين فِي الجزئيات، أَحدهمَا، أَن مدركها هُوَ النَّفس وَثَانِيهمَا أَن مدركها هُوَ الْحَواس وَرَابِعهَا أَنه شَامِل لمذهبي ارتسام صور الجزئيات المادية فِي الْآلَات أَو فِي نفس النَّفس لِأَن الْمدْرك يتَنَاوَل الْمُجَرّد وَالنَّفس والحواس وَكلمَة عِنْد لعِنْد ولفي والحضور والحصول كالمترادفين. وَالتَّحْقِيق أَن الْمدْرك لجَمِيع الْأَشْيَاء النَّفس الناطقة سَوَاء كَانَ ارتسام الصُّور فِيهَا أَو فِي غَيرهَا وَسَيَأْتِي لَك تَفْصِيل الْمذَاهب. وَالْأَحْسَن فِي التَّعْمِيم أَن نقُول سَوَاء كَانَت تِلْكَ الصُّورَة الْحَاضِرَة عِنْد الْمدْرك عين الصُّورَة الخارجية كَمَا فِي الْعلم الحضوري أَو غَيرهَا كَمَا فِي الحصولي. وَسَوَاء كَانَت عين الْمدْرك بِالْفَتْح كَمَا فِي علم الْبَارِي تَعَالَى نَفسه أَو غَيره كَمَا فِي علمه بسلسلة الممكنات، وَسَوَاء كَانَت فِي نفس النَّفس كَمَا فِي علمهَا بالكليات أَو فِي الْآلَات كَمَا فِي علمهَا بالجزئيات، وَسَوَاء كَانَت مرْآة أَو لَا فَإِن كَانَت مرْآة فالمرآة والمرئي إِن كَانَا متحدين بِالذَّاتِ ومتغائرين بِالِاعْتِبَارِ. فَعلم الشَّيْء بالكنه وَإِن كَانَا بِالْعَكْسِ فَعلم الشَّيْء بِالْوَجْهِ، وَإِن لم يكن مرْآة فالعلم بكنه الشَّيْء إِن كَانَ الْحَاصِل كنهه وَالْعلم بِوَجْه الشَّيْء إِن كَانَ الْحَاصِل وَجهه، وَالْعلم الْحَقِيقِيّ إِنَّمَا هُوَ علم الشَّيْء بالكنه لَا بِالْوَجْهِ لِأَن الْحَاصِل فِيهِ حَقِيقَة هُوَ الْوَجْه لَا الشَّيْء وَلَا تلْتَفت النَّفس إِلَى الشَّيْء فِي الْعلم بكنه الشَّيْء وَوَجهه كَمَا لَا يخفى. وَيعلم من هَذَا الْبَيَان أَن الْعلم الْمُطلق الْمَذْكُور على نَوْعَيْنِ النَّوْع الأول الْعلم الحضوري وَهُوَ أَن يكون الصُّورَة العلمية فِيهِ عين الصُّورَة الخارجية فَيكون الْمَعْلُوم فِيهِ بِعَيْنِه وذاته حَاضرا عِنْد الْمدْرك لَا بصورته ومثاله كَمَا فِي علم الْإِنْسَان بِذَاتِهِ وَصِفَاته كالصور الذهنية الْقَائِمَة بِالنَّفسِ فَإِن الْعلم بهَا إِنَّمَا هُوَ بِحُضُور ذواتها عِنْد الْمدْرك لَا بِحُصُول صورها عِنْده فَإِن النَّفس فِي إِدْرَاك الصُّور الذهنية لَا تحْتَاج إِلَى صُورَة أُخْرَى منتزعة من الأولى. وَهَا هُنَا اعْتِرَاض مَشْهُور هُوَ أَن نفس الْعلم الحصولي علم حضوري مَعَ أَنه لَيْسَ عين الصُّورَة الخارجية وَالْحق أَن نفس الْعلم الحصولي من الموجودات الخارجية كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 سَيَجِيءُ فِي الْعلم الحضوري فَلَا تلْتَفت إِلَى مَا أُجِيب بِأَن المُرَاد بالصورة الخارجية أَعم من الْخَارِجِي وَمِمَّا يحذو حَذْو الْوُجُود الْخَارِجِي أَي للوجود الْخَارِجِي وَلما هُوَ مماثل لَهُ جَار مجْرَاه فِي ترَتّب الْآثَار الخارجية وَلَكِن يُمكن المناقشة بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم الِاتِّحَاد بَين الحضوري والحصولي مَعَ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِالذَّاتِ لِأَن الْعلم الحصولي حَقِيقَة نوعية محصلة عِنْدهم ذاتي لما تَحْتَهُ ومغائر للحضوري مُغَايرَة نوعية فَإِذا تعلق الْعلم بِالْعلمِ الحصولي يكون ذَلِك الْعلم عين الحضوري فَيلْزم الِاتِّحَاد بَينهمَا وَالنَّوْع الثَّانِي الْعلم الحصولي وَهُوَ الَّذِي لَا يكون إِلَّا بِحُصُول صُورَة الْمَعْلُوم فَتكون الصُّورَة العلمية فِيهِ غير الصُّورَة الخارجية وَيُقَال لَهُ الانطباعي أَيْضا كَمَا فِي إِدْرَاك الْأَشْيَاء الخارجية عَن الْمدْرك أَي الْأَشْيَاء الَّتِي لَا تكون عينه وَلَا قَائِمَة بِهِ. ثمَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي أَن الْعلم الحصولي، إِمَّا صُورَة الْمَعْلُوم الْمَوْجُودَة فِي الذِّهْن المكيفة بالعوارض الذهنية، وَإِمَّا قبُول الذِّهْن بِتِلْكَ الصُّورَة أَو إِضَافَة مَخْصُوصَة بَين الْعَالم والمعلوم فَإِن انكشاف الْأَشْيَاء عِنْد الذِّهْن فِي الْعلم الحصولي لَيْسَ قبل حُصُول صورها فِيهِ عِنْد الْحُكَمَاء الْقَائِلين بالوجود الذهْنِي فهناك أُمُور ثَلَاثَة الصُّورَة الْحَاصِلَة وَقبُول الذِّهْن بهَا من المبدأ الْفَيَّاض وَإِضَافَة مَخْصُوصَة بَين الْعَالم والمعلوم. فَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْعلم الحصولي هُوَ الأول وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره أَن هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور. وَوجه بِأَن الْعلم يُوصف بالمطابقة وَعدمهَا وَإِنَّمَا الْمَوْصُوف بهما الصُّورَة، وَفِي شرح الإشارات أَن من الصُّورَة مَا هِيَ مُطَابقَة للْخَارِج وَهِي الْعلم - وَمَا هِيَ غير مُطَابقَة وَهِي الْجَهْل فالسيد السَّنَد قدس سره يَجْعَل الْعلم من مقولة الكيف وينحصر الاتصاف بالمطابقة وَعدمهَا فِي الصُّورَة الَّتِي من مقولة الكيف وينكر ذَلِك الاتصاف فِي الانفعال وَالنِّسْبَة. وَأَنت تعلم أَن عدم جَرَيَان الْمُطَابقَة فيهمَا مَمْنُوع لجَوَاز جريانها بِاعْتِبَار الْوُجُود النَّفس الأمري أَو الْخَارِجِي بِاعْتِبَار مبدأ الانتزاع وَلَو وَجه بِأَن الصِّفَات الَّتِي يَتَّصِف بهَا الْعلم مثل البداهة والنظرية والاكتساب من الْحَد والبرهان والانقسام إِلَى التَّصَوُّر والتصديق إِنَّمَا ينطبق على الصُّورَة الْحَاصِلَة لَا على الْإِضَافَة والارتسام لَكَانَ أسلم وَبَعْضهمْ إِلَى أَنه هُوَ الثَّانِي فَيكون من مقولة الانفعال وَبَعْضهمْ إِلَى أَنه هُوَ الثَّالِث فَيكون من مقولة الْإِضَافَة، وَأما إِنَّه نفس حُصُول الصُّورَة فِي الذِّهْن فَلم يقل بِهِ أحد لِأَن الْعلم بِمَعْنى الْحُصُول معنى مصدري لَا يكون كاسبا وَلَا مكتسبا لِأَنَّهُ لايكون آلَة وعنوانا لملاحظة الْغَيْر كَمَا مر. وَلِهَذَا قَالُوا إِن من عرف الْعلم بِحُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل تسَامح فِي الْعبارَة بِقَرِينَة أَنه قَائِل بِأَنَّهُ من مقولة الكيف فَعلم أَنه أَرَادَ الصُّورَة الْحَاصِلَة بِجعْل الْحُصُول بِمَعْنى الْحَاصِل وَالْإِضَافَة من قبيل جرد قطيفة لكنه قدم ذكر الْحُصُول تَنْبِيها على أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 الْعلم مَعَ كَونه صفة حَقِيقِيَّة يسْتَلْزم إِضَافَة إِلَى مَحَله بالحصول لَهُ، وَالْحَاصِل أَن الصُّورَة من حَيْثُ هِيَ هِيَ لما لم تكن علما بل إِنَّمَا الْعلم هُوَ الصُّورَة بِصفة حُصُولهَا فِي الذِّهْن حمل حُصُولهَا على الْعلم مُبَالغَة تَنْبِيها على أَن مدَار كَونهَا علما هُوَ الْحُصُول نعم لَو أخر ذكر الْحُصُول وَقَالَ هُوَ الصُّورَة الْحَاصِلَة لحصل ذَلِك التَّنْبِيه لَكِن لَا فِي أول الْأَمر وَلَا يخفى أَن تَعْرِيفه بِحُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل مَعَ ذَلِك التسامح لَيْسَ بِجَامِع لِأَن الْمُتَبَادر من صُورَة الشَّيْء الصُّورَة الْمُطَابقَة وَلَا يَشْمَل الجهليات المركبة وَهِي الِاعْتِقَاد على خلاف مَا عَلَيْهِ الشَّيْء مَعَ الِاعْتِقَاد بِأَنَّهُ حق وَلِأَنَّهُ يخرج عَنهُ الْعلم بالجزئيات المادية عِنْد من يَقُول بارتسام صورها فِي القوى أَو الْآلَات دون نفس النَّفس. وَالْعلم فِي فواتح كتب الْمنطق المنقسم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق هُوَ الْعلم الحصولي لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن يكون لَهُ دخل فِي الاكتسابات التصورية والتصديقية واختصاص بهَا وَإِنَّمَا هُوَ الْعلم الحصولي وَلذَا قَالَ الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي الرسَالَة المعمولة فِي التَّصَوُّر والتصديق أَن الْعلم الَّذِي هُوَ مورد الْقِسْمَة إِلَى التَّصَوُّر والتصديق هُوَ الْعلم المتجدد وَالْمرَاد بالمتجدد علم يتَحَقَّق كل فَرد مِنْهُ بعد تحقق الْمَوْصُوف بعدية زمانية وَهُوَ لَيْسَ إِلَّا الْعلم الحصولي، والحضوري وَإِن كَانَ بعض أَفْرَاده كَالْعلمِ الْمُتَعَلّق بالصورة العلمية متحققا بعد تحقق الْمَوْصُوف لَكِن جَمِيع أَفْرَاده لَيْسَ كَذَلِك فَإِن علم المجردات بذواتها وصفاتها حضوري وَهِي علل لعلومها وَلَا تنفك علومها عَنْهَا فَلَيْسَ بَين علومها ومعلوماتها بعدية زمانية وتعريفه الأشمل للجهليات وللمذهبين فِي الْعلم بالأشياء والأسلم عَن ارْتِكَاب الْمجَاز الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء عِنْد الْعقل. وَإِن أردْت توضيح هَذَا التَّعْرِيف وتحقيقه وتنقيحه ودرجة كَونه أشمل وَأسلم من تَعْرِيفه بِأَنَّهُ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل مَعَ أَن فِي هَذَا التَّعْرِيف ارْتِكَاب إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف كَمَا مر بِخِلَاف التَّعْرِيف الْمَذْكُور فاستمع لما يَقُول هَذَا الْغَرِيب الْقَلِيل البضاعة أَن المُرَاد بالصورة إِمَّا نفس مَاهِيَّة الْمَعْلُوم أَي الْمَوْجُود الذهْنِي الَّذِي لَا تترتب عَلَيْهِ الْآثَار الخارجية فَإِن الْمَاهِيّة بِاعْتِبَار الْحُضُور العلمي تسمى صُورَة وَبِاعْتِبَار الْوُجُود الْعَيْنِيّ أَي الْخَارِجِي تسمى عينا أَو المُرَاد بهَا ظلّ الْمَعْلُوم وشبحه الْمُخَالف لَهُ بِالْحَقِيقَةِ على اخْتِلَاف فِي الْعلم بالأشياء. فَإِن الْمُحَقِّقين على أَن الْعلم بالأشياء بِأَعْيَانِهَا وَغَيرهم على أَنه بإظلالها وأشباحها الْمُخَالفَة لَهَا بالحقائق وعَلى الأول مَا هُوَ الْحَاصِل فِي الْعقل علم من حَيْثُ قِيَامه بِهِ وَمَعْلُوم بِالنّظرِ إِلَى ذَاته وعَلى الثَّانِي صُورَة الشَّيْء وظله علم وَذُو الصُّورَة مَعْلُوم وَمعنى علم الْأَشْيَاء بِأَعْيَانِهَا أَن مَا فِي الذِّهْن لَو وجد فِي الْخَارِج متشخصا بتشخص زيد مثلا لَكَانَ عين زيد وبتشخص عَمْرو لَكَانَ عين عَمْرو. وَالْحَاصِل من الْحَاصِل فِي الذِّهْن نفس الْمَاهِيّة بِحَيْثُ إِذا وجد فِي الْخَارِج كَانَ عين الْعين وَبِالْعَكْسِ لَكِن هَذَا وجود ظِلِّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وَفِي الْخَارِج وجود أُصَلِّي وللكل أَحْكَام على حِدة وَلَا أَن مَا فِي الْخَارِج مَوْجُود فِي الذِّهْن بِعَيْنِه حَتَّى يلْزم كَون الْوَاحِد بالشخص سَوَاء كَانَ جوهرا أَو عرضا فِي مكانين فِي آن وَاحِد وَهُوَ محَال. والوجود العلمي يُسمى وجودا ذهنيا وظليا وَغير أصيل أما تَسْمِيَته بالوجود الظلي على الْمَذْهَب الثَّانِي فَظَاهر، وَأما على الْمَذْهَب الأول فَلِأَن مُرَادهم أَنه وجود كوجود الظل فِي انْتِفَاء الْآثَار الخارجية المختصة بالوجود الْخَارِجِي كَمَا أَن الْوُجُود فِي مَا وَرَاء الذِّهْن يُسمى وجودا عينيا وأصيليا وخارجيا. فَإِن قيل إِن الْعلم بالأشياء بِأَعْيَانِهَا مُمْتَنع فَإِنَّهُ يسْتَلْزم كَون الذِّهْن حارا بَارِدًا مُسْتَقِيمًا معوجا عِنْد تصور الْحَرَارَة والبرودة والاستقامة والاعوجاج لِأَنَّهُ إِذا تصورت الْحَرَارَة تكون الْحَرَارَة حَاصِلَة فِي الذِّهْن وَلَا معنى للحار إِلَّا مَا قَامَت بِهِ الْحَرَارَة وَقس عَلَيْهِ الْبُرُودَة وَغَيرهَا وَهَذِه الصِّفَات منفية عَن الذِّهْن بِالضَّرُورَةِ وَأَيْضًا إِن حُصُول حَقِيقَة الْجَبَل وَالسَّمَاء مَعَ عظمها فِي الذِّهْن مِمَّا لَا يعقل قُلْنَا الْحَاصِل فِي الذِّهْن صُورَة وماهية مَوْجُودَة بِوُجُود ظِلِّي لَا بهوية عَيْنِيَّة مَوْجُودَة بِوُجُود أصيل والحار مَا تقوم بِهِ هوية الْحَرَارَة أَي ماهيتها الْمَوْجُودَة بِوُجُود عَيْني لَا مَا تقوم بِهِ الْحَرَارَة الْمَوْجُودَة بِوُجُود ظِلِّي فَلَا يلْزم اتصاف الذِّهْن بِتِلْكَ الصِّفَات المنفية عَنهُ والممتنع فِي الذِّهْن حُصُول هوية الْجَبَل وَالسَّمَاء وَغَيرهمَا من الْأَشْيَاء فَإِن ماهياتها مَوْجُودَة بِوُجُود خارجي يمْتَنع أَن يحصل فِي أذهاننا وَأما مفهوماتها الْكُلية وماهياتها الْمَوْجُودَة بالوجودات الظلية فَلَا يمْتَنع حُصُولهَا فِي الذِّهْن إِذْ لَيست مَوْصُوفَة بِصِفَات تِلْكَ الهويات لَكِن تِلْكَ الماهيات بِحَيْثُ لَو وجدت فِي الْخَارِج متشخصة بتشخص جبل الطّور وسماء الْقَمَر مثلا لكَانَتْ بِعَينهَا جبل طور وسماء قمر وَلَا نعني بِعلم الْأَشْيَاء بِأَعْيَانِهَا إِلَّا هَذَا. وَالْحَاصِل أَن للموجود فِي الذِّهْن وجودا ظليا وَلذَلِك الْمَوْجُود فِي الْخَارِج وجود أُصَلِّي وَلكُل أَحْكَام على حِدة كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ آنِفا وَالْمرَاد بِكَوْن الصُّورَة حَاصِلَة من الشَّيْء أَنَّهَا ناشئة مِنْهُ مُطَابقَة لَهُ أَو لَا بِخِلَاف صُورَة الشَّيْء فَإِن المُرَاد مِنْهَا الصُّورَة الْمُطَابقَة للشَّيْء لِأَن الْمُتَبَادر من إِضَافَة الصُّورَة إِلَى الشَّيْء مطابقتها لَهُ فتعريفه بِحُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل لَا يَشْمَل الجهليات المركبة بِخِلَاف التَّعْرِيف الْمَذْكُور كَمَا عرفت. ثمَّ ننقل مَا حررنا فِي تعليقاتنا على حَوَاشِي عبد الله اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق تَحْقِيقا للمرام وتفصيلا للمقام أَن الْعقل المرادف للنَّفس الناطقة هُوَ جَوْهَر مُجَرّد عَن الْمَادَّة فِي ذَاته لَا فِي فعله وَالْعقل الَّذِي هُوَ مرادف الْملك جَوْهَر مُجَرّد فِي ذَاته وَفِي فعله. وَقد يُطلق على الْقُوَّة المدركة وَالْمرَاد بِهِ هَا هُنَا أما الأول أَو الثَّالِث. فَإِن قيل، على أَي حَال يخرج علم الله الْوَاجِب المتعال لعدم إِطْلَاق الْعقل عَلَيْهِ تَعَالَى، قُلْنَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 المُرَاد بِهِ هَاهُنَا الْمدْرك والمجرد وَقيل الْمَقْصُود تَعْرِيف الْعلم الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الِاكْتِسَاب أَي مَا يكون كاسبا أَو مكتسبا وَعلمه تَعَالَى لكَونه حضوريا منزه عَن ذَلِك فَلَا بَأْس بِخُرُوجِهِ لعدم دُخُوله فِي الْمُعَرّف فَإِن قيل قواعدهم كُلية عَامَّة وَهَذَا التَّخْصِيص يُنَافِي تَعْمِيم قواعدهم قُلْنَا تَعْمِيم الْقَوَاعِد إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الْحَاجة فَهَذَا التَّخْصِيص لَا يُنَافِي التَّعْمِيم الْمَقْصُود وَإِن كَانَ منافيا لمُطلق التَّعْمِيم فَلَا ضير وَقَوْلهمْ عِنْد الْعقل يعم المذهبين دون فِي الْعقل. وتوضيحه أَن الْمُحَقِّقين اتَّفقُوا على أَن الْمدْرك للكليات والجزئيات المادية وَغَيرهَا هُوَ النَّفس الناطقة، وعَلى أَن نِسْبَة الْإِدْرَاك إِلَى قواها كنسبة الْقطع إِلَى السكين لَا أَن مدرك الكليات هُوَ النَّفس الناطقة ومدرك الجزئيات هُوَ الْآلَات كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ. ثمَّ بعد هَذَا الِاتِّفَاق اتَّفقُوا على أَن صور الكليات والجزئيات الْغَيْر المادية كمحبة عَمْرو وعداوة زيد ترتسم فِي النَّفس الناطقة وَاخْتلفُوا فِي أَن صور الجزئيات المادية ترتسم فِيهَا أَو فِي آلاتها. فَقَالَ بَعضهم إِنَّهَا ترتسم فِي آلاتها دون نَفسهَا لِأَن الصُّور الشخصية الجسمانية منقسمة فَلَو ارتسمت فِي النَّفس الناطقة لانقسمت بانقسامها لِأَن انقسام الْحَال يسْتَلْزم انقسام الْمحل وَهُوَ بَاطِل لِأَن النَّفس الناطقة بسيطة كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه، وَيرد عَلَيْهِم أَن تِلْكَ الصُّور المرتسمة فِي الْآلَات عُلُوم بِنَاء على التَّعْرِيف الْمَذْكُور وَأَن الْمدْرك هُوَ الْعقل فَيلْزم أَن لَا يكون مَا قَامَ بِهِ الْعلم عَالما وَأَن يكون مَا لم يقم بِهِ الْعلم عَالما وَكِلَاهُمَا خلف، وَأَيْضًا الْمَانِع من الارتسام فِي النَّفس الناطقة هُوَ الانقسام إِلَى الْأَجْزَاء المتبائنة فِي الْوَضع لَا مُطلق الانقسام وَذَلِكَ من تَوَابِع الْوُجُود الْخَارِجِي وخواصه فَلَا يلْزم الْفساد من ارتسامها وَلَو كَانَت صور الجزئيات الجسمانية على طبق تِلْكَ الجزئيات فِي الانقسام والصغر وَالْكبر لَا متنع ارتسامها فِي الْآلَات أَيْضا كَنِصْف السَّمَاء وَالْجِبَال والأودية وأمثالها. وَقَالَ بَعضهم أَن صور الجزئيات المادية كصورة زيد ترتسم فِي النَّفس الناطقة وَهِي مدركة للأشياء كلهَا إِلَّا أَن إِدْرَاكهَا للجزئيات المادية أَي الجسمانية بِوَاسِطَة الْآلَات لَا بذاتها وَذَلِكَ لَا يُنَافِي ارتسام الصُّور فِيهَا، ودليلهم الوجدان الْعَام بِأَنا إِذا رَجعْنَا إِلَى الوجدان علمنَا أَن لأنفسنا عِنْد إِدْرَاكهَا للجزئيات المادية حَالَة إدراكية انكشافية لم تكن حَاصِلَة قبل ذَلِك الْإِدْرَاك. فَإِن قيل إِن معنى عِنْد هُوَ الْمَكَان الْقَرِيب من الشَّيْء فَكيف يتَنَاوَل مَا ارتسم فِي النَّفس فَكَمَا أَن فِي الْعقل لَا يَشْمَل المذهبين كَذَلِك عِنْد الْعقل لَا يَشْمَل صور الكليات والجزئيات الْغَيْر المادية لحصولها فِي الْعقل دون مَكَان قريب مِنْهُ. وَأجِيب عَنهُ بِأَن كلمة عِنْد بِحَسب الْعرف لاخْتِصَاص شَيْء بمدخولها كَمَا يُقَال هَذِه الْمَسْأَلَة كَذَا عِنْد فلَان أَي لَهَا اخْتِصَاص بِهِ. وَلَا شكّ أَن للصورة الْحَاصِلَة اخْتِصَاص بِالْعقلِ من جِهَة الْإِدْرَاك لِأَنَّهُ الْمدْرك للصورة فَيتَنَاوَل مَا ارتسم فِي النَّفس والآلات فَثَبت أَن عِنْد الْعقل يَشْمَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 المذهبين دون فِي الْعقل لاخْتِصَاص كلمة فِي بالداخل. وَالْحمل على التَّوَسُّع بِحَيْثُ يتَنَاوَل الْحَاصِل فِي الْآلَات أَيْضا يدْفع الْمَحْذُور لكنه خلاف الظَّاهِر ومدار الْكَلَام على مُحَافظَة الظَّاهِر ورعاية الْمُتَبَادر فعلى هَذَا الْجَواب الْمَذْكُور إِنَّمَا يجدي نفعا لَو كَانَ عِنْد مَعَ رِعَايَة مَعْنَاهُ الْمُتَبَادر متناولا للمذهبين دونه فِي فِي - وَلَيْسَ كَذَلِك لما مر آنِفا. ثمَّ اعْلَم أَن الصُّورَة من مقولة الكيف لكَونهَا عرضا لَا يَقْتَضِي لذاته قسْمَة وَلَا نِسْبَة فَيكون الْعلم الْمَعْرُوف بالصورة الْمَذْكُور من مقولة الكيف وَهُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور كَمَا مر وَلَعَلَّ من ذهب إِلَى أَنه من مقولة الانفعال يَقُول بِأَنَّهُ من مقولة الكيف أَيْضا لَكِن لما كَانَ الْعلم أَي الصُّورَة الْمَذْكُورَة حَاصِلا بالانفعال أَي بانتقاش الذِّهْن بالصورة الناشئة من الشَّيْء وقبوله إِيَّاهَا قَالَ إِنَّه من مقولة الانفعال مُبَالغَة وتنبيها على أَن حُصُول الْعلم بالانفعال لَا بِغَيْرِهِ. وَاعْترض بِأَن الكيف من الموجودات الخارجية لِأَن الموجودات الخارجية تَنْقَسِم إِلَى الْجَوَاهِر الْخَمْسَة والأعراض التِّسْعَة فَكيف تكون الصُّورَة الذهنية أَي الْعلم من مقولة الكيف وَالْجَوَاب أَن الْعلم من الموجودات الخارجية والمعلوم من الموجودات الذهنية كَمَا مر. وَأجَاب عَنهُ جلال الْعلمَاء فِي الْحَوَاشِي الْقَدِيمَة على الشَّرْح الْجَدِيد للتجريد فِي مَبْحَث الْوُجُود الذهْنِي أَن عدهم إِيَّاهَا كيفا على سَبِيل الْمُسَامحَة وتشبيه الْأُمُور الذهنية بالأمور العينية فعلى هَذَا يكون الْعلم من الموجودات الذهنية. فَإِن قيل الْأَشْيَاء حَاصِلَة فِي الذِّهْن بأنفسها فَيجب أَن يكون الْعلم بالجواهر جوهرا وبالكم كَمَا وبالكيف كيفا وَهَكَذَا وَلَا يُمكن أَن يكون من مقولة الكيف مُطلقًا قُلْنَا أجَاب شَارِح التَّجْرِيد بِالْفرقِ بَين الْقيام والحصول بِأَن حُصُول الشَّيْء فِي الذِّهْن لَا يُوجب اتصاف الذِّهْن وقيامه بِهِ كحصول الشَّيْء فِي الزَّمَان وَالْمَكَان فَمَا هُوَ جَوْهَر حَاصِل فِي الذِّهْن وموجود فِيهِ وَمَا هُوَ عرض وَكَيف قَائِم بِهِ وموجود فِي الْخَارِج وَكَون الْأَشْيَاء حَاصِلَة فِي الذِّهْن بأنفسها بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكرنَا آنِفا لَا يُنَافِي هَذَا الْفرق وَمَا فِي هَذَا الْجَواب سيتلى عَلَيْك. وَالشَّيْخ أورد فِي الهيات الشِّفَاء إشكالين أَحدهمَا أَن الْعلم هُوَ المكتسب من صور الموجودات مُجَرّدَة عَن موادها وَهِي صور جَوَاهِر وإعراض فَإِن كَانَت صور الْإِعْرَاض إعْرَاضًا فصور الْجَوَاهِر كَيفَ تكون إعْرَاضًا فَإِن الْجَوْهَر لذاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 جَوْهَر فماهيته لَا تكون فِي مَوْضُوع الْبَتَّةَ وماهيته مَحْفُوظَة سَوَاء نسبت إِلَى إِدْرَاك الْعقل لَهَا أَو نسبت إِلَى الْوُجُود الْخَارِجِي. فَنَقُول إِن مَاهِيَّة الْجَوْهَر جَوْهَر بِمَعْنى أَنه الْمَوْجُود فِي الْأَعْيَان لَا فِي مَوْضُوع وَهَذِه الصّفة مَوْجُودَة لماهية الْجَوْهَر المعقولة فَإِنَّهَا مَاهِيَّة شَأْنهَا أَن تكون مَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان لَا فِي مَوْضُوع أَي إِن وجدت فِي الْأَعْيَان وجدت لَا فِي مَوْضُوع وَأما وجوده فِي الْعقل بِهَذِهِ الصّفة فَلَيْسَ ذَلِك فِي حَده من حَيْثُ هُوَ جَوْهَر أَي لَيْسَ حدا لجوهر أَنه فِي الْعقل لَا فِي مَوْضُوع بل حَده أَنه سَوَاء كَانَ فِي الْعقل أَو لم يكن فَإِن وجوده لَيْسَ فِي مَوْضُوع انْتهى. وَحَاصِل الْجَواب أَنه لَا إِشْكَال فِي كَون الشي الْوَاحِد جوهرا وعرضا باعتبارين وتغاير وجودين فَإِن الْجَوْهَر على مَا عرف ماهيته إِذا وجدت فِي الْخَارِج كَانَت لَا فِي مَوْضُوع وَالْعرض هُوَ الْمَوْجُود فِي الْمَوْضُوع فالصورة الجوهرية لكَونهَا بِحَيْثُ إِذا وجدت فِي الْخَارِج كَانَت لَا فِي مَوْضُوع جَوْهَر وَمن حَيْثُ إِنَّهَا مَوْجُودَة فِي الْمَوْضُوع عرض وَأَنت تعلم أَن بَين الْجَوْهَر وَالْعرض تباينا وتغايرا ذاتيا لَا اعتباريا. وَأَيْضًا اعْترض الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الرسَالَة القطبية المعمولة حَيْثُ قَالَ لَا يخفى عَلَيْك أَن القَوْل بعرضية الصُّورَة الجوهرية منَاف لحصر الْعرض فِي المقولات التسع لِأَن المقولات أَجنَاس عالية متبائنة بِالذَّاتِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مُرَادهم حصر الْأَعْرَاض الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج انْتهى. وَقَالَ فِي الْهَامِش قَوْله اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون إِلَى آخِره إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا الْجَواب غير تَامّ وَذَلِكَ لِأَن التَّحْقِيق عِنْدهم أَن الْإِضَافَة وَغَيرهَا من المقولات التسع لَيست مَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَالصَّوَاب فِي الْجَواب أَن يُقَال مُرَادهم حصر الْأَعْرَاض الْمَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر. وَالْمَوْجُود فِيهَا هَاهُنَا أَمْرَانِ الْحَقِيقَة العلمية والحقيقة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن من حَيْثُ هِيَ وكل مِنْهُمَا مندرج فِي مقولة. الأولى من مقولة الكيف، وَالثَّانيَِة فِي مقولة أُخْرَى من مقولة الْجَوْهَر وَغَيرهَا، وَأما الْحَقِيقَة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن من حَيْثُ إِنَّهَا مكيفة بالعوارض الذهنية بِأَن يكون التَّقْيِيد دَاخِلا والقيد خَارِجا أَو بِأَن يكون كل مِنْهُمَا دَاخِلا أَي الْمركب من الْعَارِض والمعروض فَلَا شكّ أَنَّهَا من الاعتبارات الذهنية وَلَيْسَ لَهَا وجود فِي نفس الْأَمر انْتهى. ضَرُورَة أَن التَّقْيِيد أَمر اعتباري فَكَذَا مَا هُوَ مركب مِنْهُ فَافْهَم. وَثَانِيهمَا أَنه إِذا حصلت حَقِيقَة جوهرية فِي الذِّهْن كَانَت تِلْكَ الْحَقِيقَة علما وعرضا فَيلْزم أَن يكون شَيْء وَاحِد علما ومعلوما وجوهرا وعرضا. وَأجَاب شَارِح التَّجْرِيد بِالْفرقِ بَين الْقيام والحصول إِلَى آخر مَا ذكرنَا آنِفا وَاعْترض عَلَيْهِ الزَّاهِد حَيْثُ قَالَ وَحَاصِله كَمَا يظْهر بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِق أَن الْقَائِم بالذهن شبح الْمَعْلُوم ومثاله وَالْحَاصِل فِيهِ عين الْمَعْلُوم وَنَفسه فَهُوَ جمع بَين المذهبين انْتهى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 ثمَّ اعْلَم أَن للزاهد فِي هَذَا الْمقَام فِي تصنيفاته تَحْقِيقا تفرد بِهِ فِي زَعمه وتفاخر بِهِ فِي ظَنّه وَتكلم عَلَيْهِ أَبنَاء الزَّمَان وجرحه بعض فضلاء الدوران وَأَنا شمرت بِقدر الوسع فِي تحريره وتفصيل مجملاته وَإِظْهَار مقاصده وإبراز مضمراته بعد إتْيَان كَلَامه ليظْهر على الناظرين علو مرامه. فَأَقُول إِنَّه قَالَ فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي جلال الْعلمَاء على تَهْذِيب الْمنطق. اعْلَم أَن للْعلم مَعْنيين. الأول الْمَعْنى المصدري، وَالثَّانِي الْمَعْنى الَّذِي بِهِ الانكشاف. وَالْأول حُصُول الصُّورَة وَالثَّانِي هِيَ الصُّورَة الْحَاصِلَة وَلَا شكّ أَن الْغَرَض العلمي لم يتَعَلَّق بِالْأولِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كاسبا وَلَا مكتسبا فَالْمُرَاد بِحُصُول الصُّورَة هَاهُنَا الصُّورَة الْحَاصِلَة على سَبِيل الْمُسَامحَة هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ النّظر الْجَلِيّ. ثمَّ النّظر الدَّقِيق يحكم بِأَن المُرَاد بِحُصُول الصُّورَة الْمَعْنى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ وَحَقِيقَته مَا يعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (بدانش) وَهِي حَالَة إدراكية يتَحَقَّق عِنْد حُصُول الشَّيْء فِي الذِّهْن تِلْكَ الْحَالة الإدراكية تصدق على الْأَشْيَاء الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن صدقا عرضيا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا حصل فِي الذِّهْن شَيْء يحصل لَهُ وصف يحمل ذَلِك الْوَصْف عَلَيْهِ فَيُقَال لَهُ صُورَة علمية وَهَذَا الْمَحْمُول لَيْسَ نفس الْمَوْضُوع وَإِلَّا لَكَانَ مَحْمُولا عَلَيْهِ حَال كَونه فِي الْخَارِج ضَرُورَة أَن الذَّات والذاتي لَا يَخْتَلِفَانِ باخْتلَاف الْوُجُود فَهَذَا الْحمل من قبيل حمل الْكَاتِب على الْإِنْسَان فالعرضي من مقولة الكيف سَوَاء كَانَ معروضه من هَذِه المقولة أَو من مقولة أُخْرَى انْتهى. فَأَقُول مستعينا بِاللَّه الْملك العلام، وَهُوَ الْهَادِي إِلَى الْحق فِي كل مقصد ومرام، أَن فِي تَحْقِيق الْعلم نظرين نظر جلي فويق، وَنظر دَقِيق خَفِي عميق. وبالقبول حري وحقيق، وَعَن الجروح الْمَذْكُورَة سليم وعتيق. أما الأول فَهُوَ أَن الْعلم هُوَ الصُّورَة الْحَاصِلَة والتعريف الْمَشْهُور أَعنِي حُصُول صُورَة الشَّيْء المُرَاد بِهِ الصُّورَة الْحَاصِلَة على الْمُسَامحَة لَا الْمَعْنى المصدري إِذْ لَا يتَعَلَّق بِهِ الْغَرَض العلمي لِأَنَّهُ لَا يكون كاسبا وَلَا مكتسبا كَمَا مر وَحِينَئِذٍ يرد الإشكالات الْمَذْكُورَة فَيحْتَاج فِي دَفعهَا إِلَى أجوبة لَا تَخْلُو عَن إِيرَاد كَمَا لَا يخفى وَأما الثَّانِي فَهُوَ أَن الْعلم هُوَ الْوَصْف الْعَارِض للصورة الْمَحْمُول عَلَيْهَا حملا عرضيا لَا ذاتيا وَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَال وَلَا إِيرَاد. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَنَّك قد علمت فِيمَا مر أَن الْأَشْيَاء بعد حُصُولهَا فِي الأذهان تسمى صورا فَأَقُول إِنَّه يحصل لتِلْك الصُّور فِي الأذهان وصف لَيْسَ بحاصل لَهَا وَقت كَونهَا فِي الْأَعْيَان وَذَلِكَ الْوَصْف هُوَ الْحَالة الإدراكية أَي كَيْفيَّة كَون تِلْكَ الصُّور مدركة ومنكشفة وَهَذَا الْوَصْف هُوَ الْعلم وَإِذا حصل للصور الذهنية هَذَا الْوَصْف أَي الْحَالة الإدراكية يحصل بِسَبَب هَذَا الْوَصْف وصف آخر لتِلْك الصُّور وَهُوَ كَونهَا صورا علمية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وَذَلِكَ الْوَصْف الَّذِي هُوَ الْعلم حَقِيقَة يحمل على الشَّيْء الْحَاصِل فِي الذِّهْن حملا عرضيا وَيصدق عَلَيْهِ صدقا عرضيا فَيُقَال للصورة الإنسانية مثلا علم وَكَذَا يُقَال عَلَيْهَا إِنَّهَا صُورَة علمية وَلَيْسَ كل من هذَيْن المحمولين نفس الْمَوْضُوع وَإِلَّا لَكَانَ مَحْمُولا عَلَيْهِ حَال كَونه فِي الْخَارِج ضَرُورَة أَن الذَّات والذاتي لَا يَخْتَلِفَانِ باخْتلَاف الْوُجُود فَهَذَا الْحمل من قبيل حمل الْكَاتِب على الْإِنْسَان فالعارض من مقولة الكيف سَوَاء كَانَ معروضه من هَذِه المقولة أَو من مقولة أُخْرَى. فَالْحَاصِل أَن الْعلم بِحَسب الْحَقِيقَة لَيْسَ نفس الْحَاصِل فِي الذِّهْن بل عَارض لَهُ وَإِطْلَاق الْعلم على الْحَاصِل فِي الذِّهْن من قبيل إِطْلَاق الْعَارِض على المعروض مثل طَلَاق الضاحك على الْإِنْسَان فالعارض الَّذِي هُوَ الْعلم كَيفَ يصدق عَلَيْهِ رسمه والمعروض تَابع للموجود الْخَارِجِي فِي الجوهرية والكيفية وَغَيرهمَا لاتحاده مَعَه وَبِهَذَا التَّحْقِيق ينْحل كثير من الإشكالات الْمَذْكُورَة. وَأَيْضًا ينْدَفع الْإِشْكَال الْمَشْهُور فِي التَّصَوُّر والتصديق وَهُوَ أَن الْمُحَقِّقين ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِحَسب الْحَقِيقَة وَإِذا تعلق التَّصَوُّر بالتصديق يلْزم اتحادهما لِاتِّحَاد الْعلم والمعلوم وَحَاصِل الدّفع أَن التَّصَوُّر والتصديق قِسْمَانِ لما هُوَ علم بِحَسب الْحَقِيقَة لَا لما صدق هُوَ عَلَيْهِ وَالْعلم الَّذِي هُوَ عين الْمَعْلُوم هُوَ مَا يصدق عَلَيْهِ الْعلم أَي مَا هُوَ حَاصِل فِي الذِّهْن وَإِن تَأَمَّلت فِيمَا حررنا ينْدَفع مَا قيل إِن قَوْله فَيُقَال لَهُ صُورَة علمية يشْعر بِأَن الْحَالة الإدراكية الَّتِي هِيَ علم بِالْحَقِيقَةِ هِيَ الْوَصْف أَي هَذَا الْمَحْمُول أَعنِي كَونهَا صُورَة علمية، وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ مَفْهُوم لفظ هَذَا الْمَحْمُول فَظَاهر أَنه لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ من الكيفيات النفسانية العلمية، وَإِن أَرَادَ مصداقه فَهُوَ الصُّورَة الْحَاصِلَة فَهَذَا هُوَ الَّذِي فر عَنهُ. وتوضيح الدّفع أَن هَاهُنَا وصفين متغائرين أَحدهمَا الْحَالة الإدراكية وَهِي علم فِي الْحَقِيقَة وَثَانِيهمَا كَون الْحَاصِل فِي الذِّهْن صُورَة علمية وَلَيْسَ أَحدهمَا عين الآخر نعم إِذا حصلت الْحَالة الإدراكية أَي الصّفة الأولى للصورة فِي الذِّهْن يحصل لتِلْك الصُّورَة بِسَبَب الصّفة الأولى صفة أُخْرَى وَهُوَ كَونهَا صُورَة علمية فالفاء فِي قَوْله فَيُقَال للتفريع والتعقيب أَي بعد حمل ذَلِك الْوَصْف الأول على الشَّيْء الْحَاصِل فِي الذِّهْن يُقَال لَهُ صُورَة علمية أَي يحمل هَذَا الْوَصْف الثَّانِي على ذَلِك الشَّيْء. فَإِن قلت الْمَقْصُود إِثْبَات زِيَادَة الْوَصْف الأول وعرضيته أَي الْكَيْفِيَّة الإدراكية الَّتِي هِيَ الْعلم وَلَا فَائِدَة فِي إِثْبَات الْوَصْف الثَّانِي وزيادته وعروضه مَعَ أَنه لَيْسَ بِعلم نعم لَكِن لما كَانَ إِثْبَات زِيَادَة الْوَصْف الثَّانِي وعرضيته توجب زِيَادَة الْوَصْف الأول وعرضيته لِأَن الْوَصْف الثَّانِي وَهُوَ كَون الْحَاصِل فِي الذِّهْن صُورَة علمية من لَوَازِم الْوَصْف الأول أَعنِي الْحَالة الإدراكية تعرض لإِثْبَات الْوَصْف الثَّانِي وزيادته وعرضيته. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْوَصْف الثَّانِي من لَوَازِم الْوَصْف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 الأول لِأَن الْوَصْف الثَّانِي اللَّازِم مُنْتَفٍ فِي ظرف الْخَارِج لِأَن الشَّيْء فِي الْخَارِج لَا تطلق عَلَيْهِ الصُّورَة العلمية فالوصف الأول الْمَلْزُوم أَيْضا يكون منتفيا عَنهُ فِي الْخَارِج. وَبَقِي هَاهُنَا اعْتِرَاض قوي تَقْرِيره أَن قَوْله يصدق إِلَى آخِره وَقَوله حصل إِلَى آخِره وَقَوله فالعرض من مقولة الكيف إِلَى آخِره نُصُوص وشواهد على أَن الْحَالة الإدراكية من عوارض الصُّورَة الْحَاصِلَة ومحمولاتها وصفاتها مَعَ أَنَّهَا الْعلم حَقِيقَة فَيلْزم أَن يكون كل وَاحِد مِنْهَا عَالما حَقِيقَة لِأَن الْعَالم وكل مُشْتَقّ مِنْهُ يصدق على مَا قَامَ بِهِ مبدؤه ومأخذه وَهُوَ هَاهُنَا الصُّورَة الْحَاصِلَة فَتكون هِيَ عَالِمَة حَقِيقَة لَا النَّفس الناطقة الإنسانية اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن الْكَيْفِيَّة الإدراكية إِذا حصلت حصلت لَهَا جهتان جِهَة النِّسْبَة إِلَى النَّفس الناطقة وجهة النِّسْبَة إِلَى الصُّورَة الْحَاصِلَة كَمَا أَن للمصدر الْمُتَعَدِّي حِين حُصُوله نسبتان نِسْبَة إِلَى الْفَاعِل وَنسبَة إِلَى الْمَفْعُول كالضرب فَإِن لَهُ علاقَة بالضارب بالصدور وبالمضروب بالوقوع. والمصدر حَقِيقَة من عوارض الْفَاعِل وَمن صِفَاته فَإِن الضَّرْب حَقِيقَة صفة الضَّارِب لَكِن لَا بعد فِي أَن يعد من صِفَات الْمَفْعُول مجَازًا نظرا إِلَى العلاقة الثَّانِيَة فَيُقَال إِن الضَّرْب صفة الْمَضْرُوب كَمَا أَنه صفة الضَّارِب وَإِن كَانَ أَحدهمَا حَقِيقَة وَالْآخر تجوزا. وَلَا مشاحة أَيْضا فِي أَن يُقَال إِن الْمصدر مَحْمُول على الْمَفْعُول فِي ضمن مُشْتَقّ من مشتقاته فَإِن الضَّرْب مَحْمُول على الْمَفْعُول بِاعْتِبَار أَن مشتقا من مشتقاته مَحْمُول عَلَيْهِ. وَحَاصِل هَذَا الْجَواب أَنه لَا بَأْس بِكَوْن الصُّورَة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن عَالِمَة وَيُمكن أَن يُقَال إِن الْعلم وصف للصورة الْحَاصِلَة بِحَال متعلقها لَا بِحَال نَفسهَا فَلَا يلْزم من كَون الْعلم وَصفا للصورة ومحمولا عَلَيْهَا كَونه وَصفا لَهَا على وزن الْمَوْصُوف بِحَال الْمَوْصُوف، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْعلم وصف الصُّورَة بِحَال متعلقها لِأَن معنى الْحَالة الإدراكية الَّتِي هِيَ الْعلم حَقِيقَة حَالَة إِدْرَاك النَّفس الناطقة للصورة الْحَاصِلَة فِيهَا فَهِيَ وصف النَّفس بِحَال نَفسهَا وَالصُّورَة بِحَال متعلقها الَّذِي هُوَ النَّفس الناطقة المدركة لَهَا. والمشتق الْمَبْنِيّ للْفَاعِل إِنَّمَا يصدق على مَا قَامَ بِهِ المأخذ، والمشتق الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول إِنَّمَا يصدق على مَا قَامَ بِهِ المأخذ الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول. أَلا ترى أَن الضَّارِب لَا يصدق على مَا قَامَ بِهِ الضَّرْب الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول. والمضروب لَا يصدق على مَا قَامَ بِهِ الضَّرْب الْمَبْنِيّ للْفَاعِل. هَذَا مَا خطر بالبال، وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الأشكال، لِأَن الْمُتَبَادر من الْإِدْرَاك الْمصدر الْمَبْنِيّ للْفَاعِل وَفِيه مَا فِيهِ أَيْضا وَلَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا. وَلَا يخفى على الذكي الوكيع مَا يرد على الزَّاهِد من الأبحاث القوية أَحدهَا أَن الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ يكون مُؤَخرا عَن الْمصدر فَكيف يَصح أَن يُقَال إِن المُرَاد بِحُصُول الصُّورَة الْمَعْنى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ وَجعل ذَلِك الْمَعْنى علما حَقِيقَة لِأَن الْعلم على مَا قَالَ مبدؤ الانكشاف ومقدم عَلَيْهِ فَلَو كَانَ الْعلم عبارَة عَن الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ يكون مُؤَخرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 عَن الْمصدر أَي عَن حُصُول الصُّورَة الملازم للانكشاف فَيلْزم أَن يكون الْعلم مُؤَخرا عَن الانكشاف أَيْضا. وَثَانِيها أَن الْعلم من الموجودات الخارجية فَلَو كَانَ وَصفا عارضا للصورة الذهنية يلْزم زِيَادَة الْعَارِض على المعروض فِي الْوُجُود فَإِن الْعَارِض فرض كيفا مَوْجُودا فِي الْخَارِج والمعروض مَوْجُود ذهني وَثَالِثهَا أَنه لَا يتَصَوَّر أَن يكون الْمَوْجُود الْخَارِجِي عارضا للوجود الذهْنِي فَإِن الْعَارِض يكون تَابعا لمعروضه فِي طرفه فَإِن وجود الْعَارِض الْمَحْمُول إِنَّمَا هُوَ وجود الْمَوْجُود الْمَوْضُوع فَيكون تَابعا لوُجُود الْمَوْضُوع وَوُجُود الْمَوْضُوع هَاهُنَا ذهني فَكيف يكون بعارضه الْمَحْمُول وجود خارجي. وَقد أجَاب عَنْهَا بعض أَبنَاء الزَّمَان بأجوبة مَا لَهَا خلاف ظَاهر بَيَان الزَّاهِد بل استحداث مَذْهَب آخر غير مذْهبه وَتَحْقِيق سوى تَحْقِيقه لم ألتفت إِلَيْهَا مَعَ أَن تردد البال وتشتت الْحَال لم يرخص أَيْضا بنقلها. ثمَّ اعْلَم أَن هَاهُنَا تحقيقات وشبهات أذكرها للناظرين رَجَاء مِنْهُم دُعَاء بَقَاء الْإِيمَان، والتجاوز عَن جَزَاء الْعِصْيَان، قد أَشرت فِي العجالة إِلَى شُبْهَة مَشْهُورَة وجوابها بطرِيق الرَّمْز والألغاز وَهَاهُنَا أذكرها بتقرير وَاضح وتحرير لائح بِأَن البداهة والنظرية صفتان متبائنتان لَا يُمكن جَمعهمَا فِي شَيْء وَاحِد فالعلم لَا يكون إِلَّا بديهيا أَو نظريا على سَبِيل الِانْفِصَال الْحَقِيقِيّ وَهُوَ منقسم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق المنقسمين إِلَى البديهي والنظري فَيلْزم انقسام الْعلم إِلَيْهِمَا أَيْضا فَإِن كَانَ نظريا كَمَا هُوَ الْحق أَو ضَرُورِيًّا كَمَا هُوَ مَذْهَب الإِمَام يلْزم انقسام الشَّيْء إِلَى نَفسه وَإِلَى غَيره وبطلانه أظهر من أَن يخفى. وَالْجَوَاب أَن الْعلم من حَيْثُ مَفْهُومه إِمَّا ضَرُورِيّ أَو كسبي وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون جَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ ضَرُورِيًّا أَو جَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ كسبيا بل يجوز أَن يكون بعض مَا صدق عَلَيْهِ ضَرُورِيًّا وَالْبَعْض الآخر كسبيا. وَحَاصِل الْجَواب أَن الضَّرُورِيّ أَو الكسبي هُوَ مَفْهُوم الْعلم والمنقسم إِلَيْهِمَا إِنَّمَا هُوَ مَا صدق عَلَيْهِ الْعلم وَلَا يلْزم من كَون مَفْهُوم شَيْء ضَرُورِيًّا أَو كسبيا أَن يكون جَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ ذَلِك الشَّيْء أَيْضا كَذَلِك. أَلا ترى أَن الضَّرُورِيّ نَظَرِي مفهوما مَعَ أَن مَا صدق عَلَيْهِ إِنَّمَا يكون ضَرُورِيًّا بديهيا. فَإِن قلت، قَوْلهم الْعلم إِمَّا تصور أَو تَصْدِيق مُنْفَصِلَة حَقِيقِيَّة أَو مَانِعَة الْجمع أَو مَانِعَة الْخُلُو فعلى الْأَوَّلين لَا يفهم أَن للْعلم قسمَيْنِ، وعَلى الثَّالِث لَا يحصل الْجَزْم بالقسمين مَعَ أَنه الْمَقْصُود. وَالْجَوَاب أَن هَذِه الْقَضِيَّة لَيست بمنفصلة وَإِنَّمَا هِيَ حملية شَبيهَة بالمنفصلة والمنافاة قد تعْتَبر فِي القضايا المنفصلات وَقد تعْتَبر فِي الْمُفْردَات بِحَسب صدقهَا على الذَّات وَهِي الحمليات الشبيهة بالمنفصلات. وَفِي الرسَالَة القطبية فِي الْحِكْمَة العملية الْعلم هُوَ الْمَوْجُود المستلزم عدم الْغَيْبَة فَإِن كَانَ بِآلَة فَهُوَ الْعلم وَإِن كَانَ بِغَيْر وَاسِطَة فَهُوَ الْمُشَاهدَة وَإِن كَانَ بِآلَة روحانية فَهُوَ الْمَعْقُول والجازم الَّذِي لَيْسَ مطابقا هُوَ الْجَهْل الْمركب والمطابق الَّذِي لَا مُسْتَند لَهُ هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 التَّقْلِيد الْحق وَالَّذِي لَهُ مُسْتَند وَكفى فِي التَّصْدِيق بِنِسْبَة أحد جزئيه إِلَى الآخر تصور أحد الطَّرفَيْنِ فَقَط فَهُوَ الفطري وَإِن لم يكف فَهُوَ الفكري وَإِن كَانَ غير جازم فأقرب الطَّرفَيْنِ إِلَى الْجَزْم ظن وأوسطها شكّ وأبعدهما وهم. والجازم المطابق الَّذِي لَهُ مُسْتَند إِن كَانَ برهَان الْآن فَهُوَ الْيَقِين وَإِن كَانَ ببرهان اللم فَهُوَ علم الْيَقِين، والمشاهدة إِن كَانَت على وَجه يُمكن أتم مِنْهَا فَهُوَ عين الْيَقِين، وَإِن كَانَ على وَجه لَا يُمكن أتم مِنْهَا فَهُوَ حق الْيَقِين انْتهى. قَالَ بعض الْحُكَمَاء لِابْنِهِ يَا بني خُذ الْعلم من أَفْوَاه الرِّجَال فَإِنَّهُم يَكْتُبُونَ أحسن مَا يسمعُونَ ويحفظون أحسن مَا يَكْتُبُونَ وَيَقُولُونَ أحسن مَا يحفظون. الْعلم الحضوري وَالْعلم الحصولي قد عرفت تَعْرِيف كل مِنْهُمَا فِي تَحْقِيق الْعلم فَاعْلَم أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا حَقِيقَة نوعية محصلة عِنْدهم ذاتي لما تَحْتَهُ مغائر للْآخر مُغَايرَة نوعية، وَالْعلم والمعلوم فِي الْعلم الحضوري متحدان بِالذَّاتِ وَالِاعْتِبَار. وَفِي الحصولي متحدان بِالذَّاتِ متغائران بِالِاعْتِبَارِ فَإِن الْعلم فِي الحصولي الْمَاهِيّة من حَيْثُ إِنَّهَا مكيفة بالعوارض الذهنية، والمعلوم فِيهِ الْمَاهِيّة مَعَ قطع النّظر عَن تِلْكَ الْحَيْثِيَّة. فَإِن قيل زعم بَعضهم أَن مَجْمُوع المعروض والعوراض الذهنية علم حصولي والمعروض فَقَط مَعْلُوم بِهِ فَيعلم من هَاهُنَا أَن التغاير بَينهمَا فِي الْعلم الحصولي بِالذَّاتِ، قُلْنَا، هَذَا المظنون غير صَحِيح لِأَن الْعلم عِنْدهم حَقِيقَة محصلة لَا أَمر اعتباري أَي لَيْسَ من الْأُمُور الَّتِي تحققها بِاعْتِبَار الْعقل واختراع الذِّهْن بل هُوَ أَمر مُحَقّق فِي نفس الْأَمر وَله حَقِيقَة محصلة مَوْجُودَة بِلَا اعْتِبَار واختراع فَلَو كَانَ الْعلم أَي مَا يصدق عَلَيْهِ الْكَيْفِيَّة العلمية مَجْمُوع الْعَارِض والمعروض مَجْمُوع الْإِنْسَان وعوارضه الذهنية مثلا يلْزم أَن يكون حَقِيقَة الْعلم ملتئمة عَن الْجَوْهَر وَالْعرض أَو عَن غَيرهمَا من المقولتين المتبائنتين. وَلَا شكّ أَن كل حَقِيقَة مركبة كَذَلِك فَهُوَ أَمر اعتباري لَيْسَ لَهُ حَقِيقَة وحدانية محصلة مَعَ أَن منَاط الانكشاف هُوَ أَن يحصل المعروض فَقَط لَا أَن يحصل مَجْمُوع المعروض والعوارض على مَا تشهد بِهِ الضَّرُورَة، أَلا ترى أَنه لَو حصل المعروض فِي الذِّهْن خَالِيا عَن الْعَوَارِض لتحَقّق الانكشاف فَإِن قيل زعم بَعضهم أَن التغاير بَين الْعلم والمعلوم فِي الحضوري تغاير اعتباري كتغاير المعالج والمعالج فَلَيْسَ بَينهمَا اتِّحَاد بِالذَّاتِ وَالِاعْتِبَار قُلْنَا التغاير على نَوْعَيْنِ تغاير بِاعْتِبَار المصداق أَي التغاير الَّذِي هُوَ مصداق تحقق المتغائرين وتغاير بعد تحقق المتغائرين وَالْمُعْتَبر فِي الِاتِّحَاد بِالذَّاتِ هُوَ نفي التغاير الأول فالتغاير الثَّانِي لَا يضر فِي ذَلِك الِاتِّحَاد فقد اشْتبهَ على هَذَا الزاعم التغاير الأول بالتغاير الثَّانِي. وتفصيل هَذَا الْإِجْمَال أَن فِي المعالج والمعالج حيثيتين حيثية الْقُوَّة الفعلية وحيثية الْقُوَّة الانفعالية وَيُقَال المعالج بِالْكَسْرِ بِالِاعْتِبَارِ الأول والحيثية الأولى والمعالج بِالْفَتْح بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي والحيثية الثَّانِيَة وَالْعلم الحضوري لَيْسَ كَذَلِك لِأَن منَاط الانكشاف فِي الْعلم الحضوري هُوَ الصُّورَة الخارجية الْحَاضِرَة. نعم هَذِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 الصُّورَة من حَيْثُ إِنَّهَا منَاط الانكشاف يُقَال لَهَا علم حضوري وَمن حَيْثُ إِنَّهَا منكشفة يُقَال لَهَا مَعْلُوم حضوري وَهَاتَانِ الحيثيتان متأخرتان عَن مصداق تحققهما وَهَذَا المصداق لَيْسَ إِلَّا وَاحِد، وَالْمرَاد باتحاد الْعلم والمعلوم فِي الْعلم الحضوري هُوَ الِاتِّحَاد بِاعْتِبَار المصداق وَهُوَ مُتحد فِي الْعلم الحضوري وَأَن تحدث بعد تحَققه حيثيتان بِخِلَاف المعالج والمعالج فَإِن مصداق تحققهما مُتَعَدد فيهمَا وَلَو كَانَ مصداق الْعلم والمعلوم فِي الْعلم الحضوري مُتَعَددًا بِأَن كَانَ التغاير بَينهمَا مَوْجُودا أَن تحققهما عِلّة لتحققهما مقدما على التغاير الَّذِي بعد تحققهما لَكَانَ الْعلم الحضوري صُورَة منتزعة من الْمَعْلُوم وَكَانَ علما حصوليا. فَإِن قيل كَيفَ يكون الْعلم والمعلوم فِي الحصولي متحدين بِالذَّاتِ ومتغائرين بِالِاعْتِبَارِ قُلْنَا قَالَ الزَّاهِد أَن للشَّيْء الْحَاصِل صورته فِي الذِّهْن ثَلَاثَة اعتبارات الأول اعْتِبَاره من حَيْثُ هُوَ أَي مَعَ قطع النّظر عَن عوارضه الخارجية والذهنية وَالثَّانِي اعْتِبَاره من حَيْثُ الْعَوَارِض الخارجية وَالثَّالِث اعْتِبَاره من حَيْثُ الْعَوَارِض الذهنية وَذَلِكَ الشَّيْء بِالِاعْتِبَارِ الأول أَي من حَيْثُ هُوَ مَعْلُوم بِالْعلمِ الحصولي بِالذَّاتِ لحُصُول صورته فِي الذِّهْن وموجود فِي الْخَارِج لحصوله فِي الْخَارِج بِنَفسِهِ وموجود فِي الذِّهْن لحصوله فِي الذِّهْن بصورته الْحَاصِلَة فِيهِ وَالشَّيْء الْمَذْكُور بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي أَي من حَيْثُ الْعَوَارِض الخارجية مَعْلُوم بِالْعلمِ الحصولي بِالْعرضِ لِأَن الْعلم يتَحَقَّق عِنْد انتفائه. وَأَنت تعلم أَن الْعلم صفة ذَات إِضَافَة لَا بُد لَهُ من مَعْلُوم وموجود فِي الْخَارِج فَقَط لترتب الْآثَار الخارجية عَلَيْهِ دون الذهنية وَالشَّيْء المسطور بِالِاعْتِبَارِ الثَّالِث أَي من حَيْثُ الْعَوَارِض الذهنية علم حصولي لكَونه صُورَة ذهنية للاعتبار الأول وَعلم حضوري بِنَفس هَذَا الْعلم وَمَعْلُوم بِالْعلمِ الحضوري لكَونه صفة قَائِمَة بِالنَّفسِ وَعلمهَا بذاتها وصفاتها علم حضوري وموجود فِي الْخَارِج لترتب الْآثَار الخارجية واتصاف الذِّهْن بِهِ اتصافا انضماميا وَهُوَ يَسْتَدْعِي وجود الحاشيتين فِي الْخَارِج كَمَا حققناه فِي تَحْقِيق الاتصاف. وَلَا يخفى على الوكيع أَن جَمِيع مَا ذكر على تَقْدِير أَن يكون الْعلم الحصولي عبارَة عَن الصُّورَة الْحَاصِلَة لَا عَن كَيْفيَّة إدراكية، فَإِن قلت، إِن الْعلم الحضوري على مَا عرف بِكَوْن الصُّورَة العلمية فِيهِ الصُّورَة الخارجية وَنَفس الْعلم الحصولي أَي نفس الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء عِنْد الْعقل علم حضوري عِنْدهم لحضورها بِنَفسِهَا عِنْد الْعقل فَيلْزم أَن يكون تِلْكَ الصُّورَة خارجية وَغير خارجية قُلْنَا جَوَابه قد مر فِي تَحْقِيق الْعلم. وَحَاصِله أَن الصُّورَة العلمية الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن من حَيْثُ إِنَّهَا صُورَة علمية حَاصِلَة فِي الذِّهْن لَهَا وجود يحذو حَذْو الْوُجُود الْخَارِجِي فِي ترَتّب الْآثَار الخارجية فَتلك الصُّورَة بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة خارجية وَلَا مُنَافَاة بَين كَونهَا خارجية بِهَذَا الْمَعْنى وَبَين كَونهَا لَيست بخارجية بِمَعْنى أَنَّهَا لَيست بموجودة فِي الْخَارِج أَي مَا وَرَاء الذِّهْن - فَالْمُرَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 بالموجود الْخَارِجِي فِي الْعلم الحضوري أَعم مِمَّا لَهُ وجود خارجي حَقِيقَة وَمِمَّا لَهُ وجود خارجي حكما بِأَن يكون لَهُ وجود يحذو حَذْو الْوُجُود الْخَارِجِي فِي ترَتّب الْآثَار الخارجية. وَلَا شكّ أَن مَا لَهُ وجود فِي الْخَارِج كالنار مثلا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْآثَار الخارجية مثل الإحراق واللمعان كَذَلِك تترتب على الصُّورَة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن آثَار خارجية كالفرح والانبساط والحزن والانقباض وَمن أَرَادَ زِيَادَة التَّفْصِيل وَالتَّحْقِيق فَليرْجع إِلَى الْعلم والتصور والتصديق. وَهَا هُنَا سُؤال مَشْهُور تَقْرِيره أَن الحضوري لما كَانَ عين الْمَوْجُود الْخَارِجِي وَعلم الْوَاجِب عينه فَيلْزم أَن يكون الْوَاجِب عين الممكنات وَالْجَوَاب أَن معنى كَون ذَاته تَعَالَى عين علمه أَنه يَتَرَتَّب على ذَاته مَا يَتَرَتَّب على الْعلم من انكشاف المعلومات كَمَا يُقَال إِن الْعَالم الْفُلَانِيّ عين الْكتاب أما سَمِعت أَن مقصودهم من نفي الصِّفَات عَن ذَاته تَعَالَى إِثْبَات غاياتها. الْعلم المتحدد: علم يتَحَقَّق كل فَرد مِنْهُ بعد تَحْقِيق الْمَوْصُوف وَهُوَ لَيْسَ إِلَّا الْعلم الحصولي لِأَنَّهُ الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء عِنْد الْعقل، وَأَنت تعلم أَن الصُّورَة مُتَأَخِّرَة عَن ذِي الصُّورَة. الْعلم الْأَعْلَى: فِي الإلهي. الْعلم الْأَوْسَط: علم بأحوال مَا يفْتَقر إِلَى الْمَادَّة الْمَخْصُوصَة فِي الْوُجُود الْخَارِجِي دون التعقل كالكرة فَإِنَّهَا غير محتاجة إِلَى الْمَادَّة الْمَخْصُوصَة فِي التعقل أَو يُمكن تعقلها سَوَاء كَانَت من ذهب أَو فضَّة أَو خشب أَو حجر أَو مدر بِخِلَاف الْجِسْم الطبيعي فَإِن تعقل الْإِنْسَان مُحْتَاج إِلَى أَن يكون صورته من عظم وَلحم - وَهُوَ الْعلم الْمَنْسُوب إِلَى بطليموس وَإِنَّمَا كَانَ أَوسط لتنزهه عَن الْمَادَّة بِوَجْه وَهُوَ التعقل دون وَجه لاحتياجه إِلَيْهَا فِي الْخَارِج وَيُسمى بالرياضي والتعليمي. وَإِنَّمَا سمي بالرياضي لرياضة النُّفُوس بِهَذَا الْعلم إِذْ الْحُكَمَاء كَانُوا يفتتحون بِهِ فِي التَّعْلِيم وَسمي بالتعليمي لتعليمهم بِهِ أَولا وَلِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن الْجِسْم التعليمي. الْعلم الْكُلِّي: هُوَ الْعلم الإلهي وَإِنَّمَا سمي الإلهي علما كليا لكَونه كليا لتجرده عَن الِاحْتِيَاج إِلَى الْمَادَّة الَّتِي هِيَ منشأ الْجُزْئِيَّة وَلِأَنَّهُ يبْحَث فِيهِ عَن الْأُمُور الْعَامَّة الشاملة للموجودات وَتلك الْأُمُور كليات. وَاعْلَم أَنه قد جعل بَعضهم مَا لَا يفْتَقر إِلَى الْمَادَّة أَي لَا فِي التعقل وَلَا فِي الْخَارِج قسمَيْنِ مَا لَا يقارنها مُطلقًا لَا فِي الْعقل وَلَا فِي الْخَارِج كالإله والعقول وَمَا يقارنها لَكِن لَا على وَجه الافتقار كالوحدة وَالْكَثْرَة وَسَائِر الْأُمُور الْعَامَّة فَإِن الْوحدَة مِنْهَا يَتَّصِف بهَا الْوَاجِب والممكن وَلَو كَانَت مفتقرة إِلَى الْمَادَّة لما اتّصف بهَا الْوَاجِب تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وَكَذَا الْكَثْرَة تتصف بهَا الْعُقُول الْعشْرَة والأمور المفتقرة إِلَى الْمَادَّة فِي التعقل والوجود الْخَارِجِي وَكَذَا سَائِر الْأُمُور الْعَامَّة فيسمى الْعلم بأحوال الأول الهيا وَالْعلم بأحوال الثَّانِي علما كليا وفلسفة أولى. الْعلم الْفعْلِيّ: هُوَ الْعلم الخلاق الَّذِي يكون الْوُجُود الْخَارِجِي مستفادا مِنْهُ كَمَا يتَصَوَّر أَن يَبْنِي مَسْجِدا مثلا على هَيْئَة كَذَا ثمَّ يَبْنِي على وفْق مَا حصل فِي الْعقل. الْعلم تَابع للمعلوم: فَإِن الْعلم صُورَة حَاصِلَة من الشَّيْء عِنْد الْعقل فَلَا يكون الْمَعْلُوم أَعنِي الشَّيْء حَاصِلا قبل حُصُول صورته الَّتِي هِيَ الْعلم فَمَعْنَى كَونه تَابعا للمعلوم أَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ إِلَّا بعد وُقُوعه، وَعَلَيْك أَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي علمنَا لَا فِي علمه تَعَالَى. نعم إِن علمه تَعَالَى أَيْضا تَابع للمعلوم لَكِن لَا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور بل بِمَعْنى أَن الْمُطَابقَة تعْتَبر من جِهَة الْعلم بِأَن يكون هُوَ على طبق الْمَعْلُوم وقوعا وَعدم وُقُوع فَلَا يرد الْمَنْع بِأَنا لَا نسلم كَون علمه تَعَالَى تَابعا للمعلوم بِمَعْنى أَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ إِلَّا بعد وُقُوعه فَإِن الله تَعَالَى عَالم فِي الْأَزَل بِكُل شَيْء أَنه يكون أَو لَا يكون وَحِينَئِذٍ لزم الْوُجُوب والامتناع فَيبْطل الِاخْتِيَار والتكليف وَيثبت الْجَبْر. وَأما الْعلم الْفعْلِيّ الخلاق فمقدم على الْمَعْلُوم مُطلقًا لَكِن فِي علمه تَعَالَى بِالذَّاتِ وَفِي علمنَا بِالزَّمَانِ، وَأَنت تعلم أَن علمه تَعَالَى حضوري لَا حصولي حَتَّى يتَصَوَّر هُنَاكَ صُورَة فَتَأمل. الْعلم الانفعالي: هُوَ الْعلم الَّذِي يكون مستفادا من الْوُجُود الْخَارِجِي كعلمنا بالسماء وَالْأَرْض وَالْمَسْجِد الْمَصْنُوع الْمَوْجُود فِي الْخَارِج وَلذَا وَقع فِي بعض الْكتب الْعلم الْفعْلِيّ مَا لَا يُؤْخَذ من الْغَيْر. وَالْعلم الانفعالي مَا يُؤْخَذ من الْغَيْر. علم الْخلاف: علم بكيفية بحث وطرق اسْتِدْلَال على المطالب لرعاية مَذْهَب بإلزام الْخصم. علم المناظرة: علم باحث عَن كَيْفيَّة الْبَحْث صِيَانة للذهن عَن الضَّلَالَة. علم الْخط: علم بكيفية تَصْوِير الْأَلْفَاظ بحروف الهجاء وبالأحوال الَّتِي تعرضها فِي الْكِتَابَة. وتعريف الْخط فِي الْخط. الْعلم العادي: هُوَ الْعلم بالشَّيْء الْحَاصِل يجْرِي عَادَة الله تَعَالَى على إبْقَاء ذَلِك الشَّيْء على مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر. الْعلَّة: بِالْفَتْح الضرة وَمِنْه بَنو العلات كَمَا مر. وبالكسر فِي اللُّغَة هِيَ الْعرض الَّذِي إِذا حل فِي معروضه يتَغَيَّر بِهِ حَاله أَي حَال معروضه، وَفِي الطّلب الْعلَّة الْمَرَض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 لِأَنَّهُ بحلوله يتَغَيَّر بِهِ حَال الشَّخْص الْمَرِيض من الْقُوَّة إِلَى الضعْف وَمن الْحَيَاة إِلَى الْمَمَات. وَعند النُّحَاة مَا يَنْبَغِي أَن يخْتَار الْمُتَكَلّم عِنْد حُصُوله أمرا يُنَاسِبه - وَذَلِكَ الْأَمر الْمُنَاسب حكمه وأثره لَا بِمَعْنى الْمُوجب. وَعند الْأُصُولِيِّينَ الْعلَّة الْبَاعِث لَا على سَبِيل الْإِيجَاب أَي الْمُشْتَمل على حِكْمَة مَقْصُودَة للشارع فِي شَرْعِيَّة الحكم من جلب نفع إِلَى الْعباد أَو دفع ضَرَر. وَعلة الشَّيْء عِنْد الْحُكَمَاء مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ ذَلِك الشَّيْء وَهِي على ضَرْبَيْنِ الأول من أَجْزَائِهَا وَالثَّانِي عِلّة الْوُجُود: وَهِي مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ اتصاف الْمَاهِيّة. عِلّة الْمَاهِيّة: وَهِي مَا يتقوم بِهِ الْمَاهِيّة المتقومة بأجزائها بالوجود الْخَارِجِي. وتفصيلهما فِي الْفَصْل إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْعلَّة التَّامَّة: مَا يجب وجود الْمَعْلُول عِنْده، وَفِي تقدم الْعلَّة التَّامَّة على معلولها مغالطة مَشْهُورَة فِي التَّقَدُّم. الْعلَّة النَّاقِصَة: مَا لَا يجب وجود الْمَعْلُول عِنْده وتفصيلهما أَنه لَا بُد فِي كل مركب مُمكن أَو بسيط مُمكن من عِلّة والإمكان عِلّة عِنْد الْحُكَمَاء. وَعند الْمُتَكَلِّمين عِلّة احْتِيَاج الْمَعْلُول إِلَى الْعلَّة الْحُدُوث الزماني كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. وَمُطلق الْعلَّة مَا لَهُ مدْخل فِي وجود شَيْء آخر إِمَّا بِحَسب وجوده فَقَط كالفاعل وَالشّرط والمادة وَالصُّورَة فَيجب أَن يكون مَوْجُودا. وَإِمَّا بِحَسب عَدمه فَقَط كالمانع فَيجب أَن يكون مَعْدُوما، وَإِمَّا بِحَسب وجوده وَعَدَمه مَعًا كالمعد إِذْ لَا بُد من الطاري على وجوده فَيجب أَن يُوجد أَولا ثمَّ يعْدم - وَالْحق أَن الْعلَّة الْمعدة هِيَ الْعلَّة الَّتِي يتَوَقَّف وجود الْمَعْلُول عِنْدهَا من غير أَن يجب وجودهَا مَعَ وجوده فَيجوز أَن تكون مَعْدُومَة عِنْد وجود الْمَعْلُول أَو مَوْجُودَة كَمَا يفهم من حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على شرح الشمسية. ثمَّ الْعلَّة مُطلقًا على نَوْعَيْنِ نَاقِصَة وتامة. أما النَّاقِصَة فَهِيَ الْعلَّة المادية والفاعلية والصورية والغائية وَالشّرط وَعدم الْمَانِع والمعد. وَأما التَّامَّة فَهِيَ جملَة الْأُمُور الْمُعْتَبرَة فِي تحقق الْمَعْلُول فَعِنْدَ وجود الْعلَّة التَّامَّة يتَحَقَّق الْمَعْلُول بِالضَّرُورَةِ وتوارد العلتين التامتين مثلا محَال لِأَنَّك إِذا فرضت لمعلول وَاحِد شَخْصَيْنِ علتين مستقلتين تامتين. فَتَقول إِن لكل وَاحِد مِنْهُمَا تَأْثِيرا تَاما فَيلْزم الِاسْتِغْنَاء عَن الْأُخْرَى أَو تَأْثِيرا نَاقِصا فَكل وَاحِدَة مِنْهُمَا جُزْء الْعلَّة المستقلة التَّامَّة فَهَذَا الْمَجْمُوع عِلّة تَامَّة وَاحِدَة لَا كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أَو لأَحَدهمَا تَأْثِير فَقَط فَهِيَ الْعلَّة التَّامَّة دون الْأُخْرَى. وعَلى أَي حَال يلْزم خلاف الْمَفْرُوض. وَأما تواردهما على سَبِيل الْبَدَل مَعَ امْتنَاع الِاجْتِمَاع إِذا لم يكن تعاقبهما فَلَا اسْتِحَالَة فِيهِ بِأَن يكون كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِحَيْثُ لَو وجدت ابْتِدَاء وجد ذَلِك الْمَعْلُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 الشخصي فَإِذا وجدت إِحْدَاهمَا وجد الْمَعْلُول وَامْتنع حِينَئِذٍ وجود الْأُخْرَى إِذْ لَو أمكن تعاقبهما بِأَن يعْدم الأولى وَيُوجد الْأُخْرَى مثلا فَإِن عدم الْمَعْلُول بِعَدَمِ الأولى وَوجد بإيجاد الثَّانِيَة لزم إِعَادَة الْمَعْدُوم وَإِن لم يعْدم وَجب أَن يكون الثَّانِيَة مفيدة للمعلول لأصل وجود الْحَاصِل لَهُ بإيجاد الأولى فَيلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل. فَإِن قيل تَأْثِير الْعلَّة فِي الْمَعْلُول وإفادة الْوُجُود فِيهِ محَال لِأَنَّهُ إِمَّا فِي حَالَة عَدمه أَو وجوده أَو وجوده وَعَدَمه مَعًا لَا مساغ إِلَى الأول للُزُوم اجْتِمَاع وجود شَيْء وَعَدَمه. وَلَا إِلَى الثَّانِي للُزُوم تَحْصِيل الْحَاصِل، وَلَا إِلَى الثَّالِث للُزُوم المحذورين مَعًا. قلت الْعلَّة تفِيد وجود الْمَعْلُول حَالَة وجوده الْحَاصِل من تِلْكَ الْعلَّة لَا الْحَاصِل قبل تأثيرها حَتَّى يلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل فَمَعْنَى إِفَادَة الْوُجُود أَن وجود الْعلَّة يستتبع وجود الْمَعْلُول فِي حَالَة الْوُجُود كاستتباع حَرَكَة الْأصْبع حَرَكَة الْخَاتم إياك وَهَذِه المزلقة. وَقَرِيب مِنْهَا مَا قيل إِنَّه لَا يجوز أَن يُوجد شَيْء من الْأَشْيَاء الممكنة. بَيَان ذَلِك أَنه لَو وجد شَيْء من الْأَشْيَاء الممكنة فإمَّا أَن يكون حَال اتصافه بالوجود أَو بِالْعدمِ مَوْجُودا أَو مَعْدُوما أَو لَا هَذَا وَلَا ذَاك فعلى الأول يلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل أَو الدّور أَو التسلسل. وعَلى الثَّانِي بِحَيْثُ يلْزم اجْتِمَاع النقيضين وعَلى الثَّالِث ارْتِفَاع النقيضين. وَمَا قيل فِي الْجَواب أَنا نَخْتَار أَن لُحُوق الْوُجُود للموجود فِي آن الاتصاف بذلك الْوُجُود بِمَعْنى أَن آن اتصافه بالوجود وآن لُحُوق صفة الْوُجُود آن وجود هُوَ أول ظرف زمَان الْوُجُود وَنِهَايَة زمَان الْعَدَم فَحِينَئِذٍ لَا يرد شَيْء من المحذورات. فَفِيهِ بحث لِأَن مَا ثَبت لَهُ الْوُجُود إِمَّا مَوْجُود أَو لَا. فعلى الأول يلْزم أحد المحذورات الثَّلَاثَة، وعَلى الثَّانِي يلْزم بطلَان الْقَاعِدَة المقررة من أَن ثُبُوت شَيْء لغيره فرع لثُبُوت ذَلِك الْغَيْر فِي ظرف ذَلِك الثُّبُوت، وَالْحق فِي الْجَواب اخْتِيَار الشق الأول والتزام التسلسل وَمنع بُطْلَانه فَإِن التسلسل فِي الموجودات الذهنية الانتزاعية لَيْسَ بباطل كَمَا مر فِي التسلسل فَافْهَم. ثمَّ إِن الْمَعْلُول إِن كَانَ مركبا صادرا عَن فَاعل مُخْتَار لَا بُد لَهُ من عِلّة غائية وفاعلية ومادية وصورية إِذْ الْبَسِيط الصَّادِر عَن الْمُوجب لَا بُد لَهُ من عِلّة فاعلية فَقَط، والبسيط الصَّادِر عَن الْفَاعِل الْمُخْتَار لَا بُد لَهُ من عِلّة فاعلية وغائية. والمركب الصَّادِر عَن الْمُوجب لَا بُد لَهُ من عِلّة فاعلية ومادية وصورية وَأَن هَذِه الناقصات بعد اشتراكها فِي توقف الْمَعْلُول ممتاز كل وَاحِدَة مِنْهَا عَن الْأُخْرَى لِأَن مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجود الْمَعْلُول إِمَّا خَارج عَنهُ أَو دَاخل فِيهِ، وَالْأول إِمَّا أَن يكون وجوده صادرا عَنهُ فَهِيَ. الْعلَّة الفاعلية: أَو لأجل تَحْصِيله فَهِيَ الْعلَّة الغائية: وَالثَّانِي إِمَّا أَن يكون جُزْءا مِنْهُ وَيكون وجود الْمَعْلُول بِهِ بِالْقُوَّةِ فَهِيَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 الْعلَّة المادية: أَو بِالْفِعْلِ فَهِيَ: الْعلَّة الصورية: وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْعلَّة الغائية إِنَّمَا هِيَ عِلّة فِي الذِّهْن وَأما فِي الْخَارِج فَالْأَمْر بِالْعَكْسِ وَلِهَذَا يُقَال إِن الْعلَّة الغائية كالجلوس مُقَدّمَة على الْمَعْلُول فِي الذِّهْن - وَأما فِي الْخَارِج فالسرير عِلّة لَهُ - وَقد نبهناك على تعريفات هَذِه الْعِلَل فِي ارْتِفَاع الْمَانِع. الْعلَّة المؤثرة: وَاعْلَم أَن الْعِلَل عِنْد أَصْحَاب أصُول الْفِقْه نَوْعَانِ طردية ومؤثرة - أما الْعلَّة المؤثرة مَا ظهر أَثَرهَا بِنَصّ أَو إِجْمَاع فِي جنس الحكم الْمُعَلل بهَا مثل التَّعْلِيل بعلة الطّواف فِي سُقُوط نَجَاسَة سور سواكن الْبيُوت اعْتِبَارا بالهرة - وَأما الْعلَّة الطردية: فَهِيَ الْوَصْف الَّذِي اعْتبر فِيهِ دوران الحكم مَعَه وجودا فَقَط عِنْد الْبَعْض ووجودا وعدما عِنْد الْبَعْض من غير نظر إِلَى ثُبُوت أَثَره فِي مَوضِع بِنَصّ أَو إِجْمَاع وَالتَّفْصِيل فِي كتبهمْ. الْعلَّة الْحَقِيقِيَّة: مَا يكون مؤثرا فِي الْمَعْلُول حَقِيقَة. الْعلَّة العادية: مَا يَدُور عَلَيْهِ الشَّيْء وجودا وعدما كالنار للإحراق فَإِنَّهُ يَدُور مَعهَا وجودا وعدما لِأَن عَادَة الْمُؤثر الْحَقِيقِيّ وَهُوَ الله تَعَالَى قد جرت بِخلق الإحراق عِنْد مساس النَّار الْيَابِس. الْعِلَل النحوية: لَيست عللا مُوجبَة بل نكات يقْصد بهَا نوع رُجْحَان للمستعمل فِي محاوراتهم. علم الْجِنْس: مَا وضع لشَيْء بِعَيْنِه ذهنا كأسامة فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة للمعهود فِي الذِّهْن وتفصيله فِي اسْم الْجِنْس. العلاقة: بِالْفَتْح تسْتَعْمل فِي المعقولات، وبالكسر فِي المحسوسات وَهِي الْحبّ اللَّازِم للقلب وَسمي علاقَة لتعليق الْقلب بالمحبوب، وَعند المنطقيين شَيْء بِسَبَبِهِ يستصحب أَي يسْتَلْزم أَمر أمرا. وَالْمرَاد بهَا فِي تَعْرِيف الْمُتَّصِلَة اللزومية شَيْء بِسَبَبِهِ يستصحب الْمُقدم التَّالِي كالعلية والتضايف. أما الْعلية فبأن يكون الْمُقدم عِلّة للتالي أَو بِالْعَكْسِ أَو يَكُونَا معلولي عِلّة وَاحِدَة كَقَوْلِنَا إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود. وَبِالْعَكْسِ وَإِن كَانَ النَّهَار مَوْجُودا فالأرض مضيئة. وَأما التضايف فتفسيره فِي التضايف مثل إِن كَانَ زيد أَبَا عَمْرو فَيكون عَمْرو ابْنه. علم الْفَرَائِض: علم يعرف بِهِ مصارف تَركه الْمُتَوفَّى وحقوقها بهَا إِرْثا. وموضوعه الصّرْف من حَيْثُ تعلقه بتركة الْمُتَوفَّى من حَيْثُ الوراثة وَقيل تَرِكَة من حَيْثُ صرفهَا فِي مصارفها من تِلْكَ الْجِهَة. وغرضه يجوز أَن يكون أمورا مِنْهَا دفع الْحَاجة عِنْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 احْتِيَاج النَّاس إِلَيْهِ فَإِن احتياجهم بِهِ أَشد ومسائله أوقع وَمِنْهَا نيل السَّعَادَة وَالثَّوَاب لِأَنَّهُ نصف الْعلم من جِهَة الثَّوَاب قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنَّهَا نصف الْعلم. وَإِنَّمَا جعل الْعلم بهَا نصف الْعلم إِمَّا لاختصاصها بِإِحْدَى حالتي الْإِنْسَان وَهِي الْمَمَات، وَإِمَّا من جِهَة الثَّوَاب فَإِنَّهُ إِذا قَالَ رجل فِي الْمَقَابِر أَن رجلا مَاتَ وَترك ابْنا لَا غير فتركته لَهُ بعد التَّجْهِيز والتكفين وَأَدَاء الدُّيُون وتنفيذ الْوَصَايَا من ثلث مَاله بعد الدّين وَيجْعَل ثَوَاب هَذِه الْمَسْأَلَة لأهل الْقُبُور رفع الْعَذَاب مِنْهُم جَمِيعًا. والفرائض بِهَذَا الْمَعْنى جمع فَرِيضَة وَهِي مَا قدر من السِّهَام فِي الْمِيرَاث وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم فَرَائض لِأَن الْفَرْض التَّقْدِير وسهام هَذَا الْعلم مقدرَة والعالم بِهِ فَرضِي كَذَا فِي الْكَافِي لِأَن فِي النِّسْبَة يرد الْجمع إِلَى الْوَاحِد ثمَّ ينْسب إِلَيْهِ بِحَذْف الْيَاء كَمَا يُقَال فِي ثَقِيف ثقفي. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره. وَلَا يبعد أَن يَجْعَل لفظ الْفَرَائِض فِي الِاصْطِلَاح جَارِيا مجْرى الْأَعْلَام كالأنصار فَيُقَال فِي النِّسْبَة فرائضي كَمَا يُقَال أَنْصَارِي وَإِن كَانَ قِيَاسه فِي أَصله أَن يُقَال فَرضِي. وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام نصف الْعلم باعبتار الْمَشَقَّة لِأَن فِي تَصْحِيح الْفَرَائِض مشقة كَثِيرَة وَفِي تَصْحِيح مسَائِل الْفِقْه لَيْسَ بِمَشَقَّة كَثِيرَة. وَالْحَاصِل أَن مشقة الْفِقْه مَعَ كَثْرَة أَجْزَائِهِ وَكَثْرَة مشقة الْفَرَائِض مَعَ قلَّة أَجْزَائِهِ نزلها منزلَة شَيْئَيْنِ متساويين فَيكون الْفَرَائِض نصف الْعلم بِاعْتِبَار هَذَا ومغالطات هَذَا الْعلم فِي الْفَرَائِض إِن شَاءَ الله تَعَالَى. علم الْمعَانِي: فِي الْمعَانِي. علم الْعَرَبيَّة: الْمُسَمّى بِعلم الْأَدَب علم يحْتَرز بِهِ عَن الْخلَل فِي كَلَام الْعَرَب لفظا أَو كتابا. وينقسم على مَا صرح بِهِ الزَّمَخْشَرِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى (بقسطاس الْعَرُوس) إِلَى اثْنَي عشر قسما، مِنْهَا أصُول هِيَ الْعُمْدَة فِي ذَلِك الِاحْتِرَاز، وَمِنْهَا فروع. أما الْأُصُول فالبحث فِيهَا إِمَّا عَن الْمُفْردَات من حَيْثُ جواهرها فَعلم اللُّغَة يَعْنِي أَن جواهرها وموادها ملحوظة فِي مبَاحث اللُّغَة بخصوصياتها وَلَيْسَت ملحوظة فِي مبَاحث الصّرْف. أَو من حَيْثُ صورها وهيئاتها فَعلم الصّرْف، أَو من حَيْثُ انتساب بَعْضهَا إِلَى بعض بِالْأَصَالَةِ والفرعية فَعلم الِاشْتِقَاق وَإِمَّا عَن المركبات على الْإِطْلَاق أَي موزونة أَو غير موزونة. فَأَما بِاعْتِبَار هيئاتها التركيبية يَعْنِي تَقْدِيم بعض الْكَلم ورعاية الْإِعْرَاب وَالْبناء وَبِاعْتِبَار تأديتها لمعانيها الْأَصْلِيَّة فَعلم النَّحْو، أَو بِاعْتِبَار إفادتها لمعان مغائرة لأصل الْمَعْنى فَعلم الْمعَانِي، أَو بِاعْتِبَار كَيْفيَّة تِلْكَ الإفادة فِي مَرَاتِب الوضوح فَعلم الْبَيَان، أَو عَن المركبات الموزونة، فَأَما من حَيْثُ وَزنهَا فَعلم الْعرُوض، أَو من حَيْثُ أَوَاخِر أبياتها فَعلم القافية، وَأما الْفُرُوع فالبحث فِيهَا إِمَّا أَن يتَعَلَّق بنقوش الْكِتَابَة فَعلم الْخط، أَو يخْتَص بالمنظوم فَهُوَ الْعلم الْمُسَمّى بقرض الشّعْر، أَو بالمنثور فَعلم إنْشَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 النثر، من الرسائل والخطب أَولا يخْتَص بِشَيْء مِنْهُمَا فَعلم المحاضرات أَي المجاوبات، وَمِنْه التواريخ. العلاج: إِحْدَاث الْفِعْل بالجوارح والمداوة لدفع الْمَرَض. علم الْعرُوض: فِي الْعرُوض. علم الْمصدر: بِفَتْح الأول وَالثَّانِي هُوَ اسْم الْمصدر كالسبحان فَإِنَّهُ علم التَّسْبِيح مَوْضُوع لَهُ كوضع الْإِعْلَام لَا مصدر فَمَعْنَاه لفظ التَّسْبِيح وَمعنى التَّسْبِيح بِالْفَارِسِيَّةِ (باكى يادكردن) كالإسلام اسْم التَّسْلِيم، والوجهة اسْم التَّوَجُّه فَإِن أردْت زِيَادَة الْبَيَان فَانْظُر فِي السبحان. الْعلم بِالْوَجْهِ: أَي بِوَجْه الشَّيْء. وَعلم الشَّيْء بِالْوَجْهِ: أَي بِوَجْه ذَلِك الشَّيْء بَينهمَا فرق ظَاهر فَإِن الْوَجْه فِي الْعلم بِالْوَجْهِ مَقْصُود بِالذَّاتِ كَمَا أَنه مَعْلُوم بِالذَّاتِ وَفِي علم شَيْء بِالْوَجْهِ مَعْلُوم بِالذَّاتِ ومقصود بِالْعرضِ، وَالْعلم بِوَجْه الشَّيْء لَا يسْتَلْزم الْعلم بذلك الشَّيْء لِأَن الْوَجْه لم يَجْعَل آلَة لملاحظته. وتفصيل هَذَا الْفرق أَن معنى الْعلم بِالْوَجْهِ أَن يحصل فِي الذِّهْن صُورَة تكون آلَة لملاحظة ذَلِك الْوَجْه فَالْوَجْه مَعْلُوم ومقصود بِالذَّاتِ وَصورته الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن علم وَمعنى الْعلم بالشَّيْء من ذَلِك الْوَجْه أَن يكون ذَلِك الْوَجْه آلَة لملاحظته فَالْحَاصِل فِي الذِّهْن نَفسه ذَلِك الْوَجْه والمعلوم بِوَاسِطَة ذَلِك الشَّيْء فَالْوَجْه مَعْلُوم بِالذَّاتِ ومقصود بِالْعرضِ وَالشَّيْء مَقْصُود بِالذَّاتِ وَمَعْلُوم بِالْعرضِ وَقس عَلَيْهِ الْفرق بَين الْعلم بالكنه وَعلم الشَّيْء بالكنه: بِلَا تفَاوت. علمه تَعَالَى شَامِل: أَي للممكنات والممتنعات وَلذَا قَالُوا إِن مَعْلُومَات الله تَعَالَى أَكثر من مقدوراته فَإِن قدرته تَعَالَى إِنَّمَا تتَعَلَّق بِمَا يُمكن تعلق الْقُدْرَة بِهِ وَهُوَ الْمُمكن وَالْعلم يتَعَلَّق بالممكن والممتنع فمعلوماته تَعَالَى أَكثر من مقدوراته فَإِن قلت لَا نسلم أَن علمه تَعَالَى شَامِل للممكنات والممتنعات لأَنهم قَالُوا إِن علمه تَعَالَى لَا يتَعَلَّق بمراتب الْأَعْدَاد الْغَيْر المتناهية إِذْ مَرَاتِب الْأَعْدَاد غير متناهية فِي الْوُجُود العلمي لَهُ تَعَالَى فَلَو كَانَ علمه تَعَالَى مُتَعَلقا بهَا مفصلة لزم عدم تناهيها لجَرَيَان برهَان التطبيق حِينَئِذٍ لكَون تِلْكَ الْمَرَاتِب وَنسبَة الانطباق بَينهَا معلومتان لَهُ تَعَالَى على مَا قُلْتُمْ من شُمُول علمه تَعَالَى بالممكن والممتنع قُلْنَا إِن علمه الشَّامِل للممكنات والممتنعات إِنَّمَا يَشْمَل مَا لَا يمْتَنع الْعلم بِهِ كَمَا أَن قدرته الشاملة إِنَّمَا تشْتَمل مَا لَا يمْتَنع وجوده وَإِمْكَان تعلق الْعلم بالمراتب الْغَيْر المتناهية مفصلة مَمْنُوع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 فَإِن قيل فَيلْزم الْجَهْل على الله تَعَالَى قُلْنَا الْجَهْل عدم الْعلم بِمَا يَصح تعلق الْعلم بِهِ كَمَا أَن الْعَجز عدم الْقُدْرَة بِمَا يَصح تعلقهَا بِهِ فَلَا يلْزم الْجَهْل من عدم علمه تَعَالَى بِتِلْكَ الْمَرَاتِب كَمَا لَا يلْزم الْعَجز من عدم تعلق الْقُدْرَة بِمَا يمْتَنع وجوده فِي الْخَارِج كاجتماع الضدين والنقيضين وَشريك الْبَارِي وَغير ذَلِك. فَإِن قيل إِن الْقلَّة وَالْكَثْرَة من لَوَازِم التناهي فَكيف يَصح أَن يُقَال إِن معلوماته تَعَالَى أَكثر من مقدوراته مَعَ لَا تناهيهما قُلْنَا معنى لَا تناهي المعلومات والمقدورات وَكَذَا لَا تناهي الْأَعْدَاد أَنَّهَا لَا تَنْتَهِي إِلَى حد لَا يتَصَوَّر فَوْقه آخر لَا بِمَعْنى أَن مَا لَا نِهَايَة لَهُ يدْخل فِي الْوُجُود فَإِنَّهُ محَال فَإِن التناهي وَعَدَمه فرع الْوُجُود سَوَاء كَانَ ذهنا أَو خَارِجا وَلَيْسَ الْمَوْجُود من مَرَاتِب الْأَعْدَاد وَكَذَا من المعلومات والمقدورات إِلَّا قدرا متناهيا فإطلاق التناهي عَلَيْهَا مجازي بِاعْتِبَار أَنَّهَا لَو فرض وجودهَا بأسرها لكَانَتْ غير متناهية. عَلَامَات الْقِيَامَة: فِي أَشْرَاط السَّاعَة. الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة: كالصرف والنحو والمنطق وَغَيرهَا. اعْلَم أَن هَذِه الْأَسْمَاء قد تطلق على المعلومات الْمَخْصُوصَة كَمَا يُقَال فلَان يعلم النَّحْو، وَقد تطلق على إدراكات تِلْكَ المعلومات كَمَا يُقَال النَّحْو علم من الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة، وَقد تطلق على الملكة الْحَاصِلَة من الممارسة بِتِلْكَ المعلومات. الْعَلامَة: بتَخْفِيف اللَّام الْمَفْتُوحَة الأمارة وعلامة الشَّيْء مَا يعرف بِهِ. وَقد يُرَاد بهَا الْخَاصَّة كَمَا يُقَال وَمن عَلَامَات الِاسْم التَّنْوِين أَي من خواصه، وبتشديد اللَّام مُبَالغَة الْعَالم وَالتَّاء للْمُبَالَغَة وَلَا تطلق على الله تَعَالَى مَعَ أَنه تَعَالَى هُوَ الْحقيق بالمبالغة فِي الْعلم لتوهم التَّأْنِيث بل يُقَال العلام وَلَا يحترزون عَن توهم التَّذْكِير مَعَ أَنه تَعَالَى منزه عَن التَّذْكِير والتأنيث لِأَن الاهتمام بِرَفْع التَّأْنِيث أَكثر. عَلَامَات التَّأْنِيث: ثَلَاث أَحدهَا التَّاء الساكنة الْمَوْقُوف عَلَيْهَا هَاء كالرحمة والظلمة وَثَانِيها الْألف الْمَقْصُورَة كحبلى وبشرى وَثَالِثهَا الْألف الممدودة كحمراء وصفراء. وَقَالَ بَعضهم أَنَّهَا أَربع بِزِيَادَة الْيَاء فِي ذِي وتي وَزعم أَنَّهَا للتأنيث لكنه مَمْنُوع لجَوَاز أَن تكون تِلْكَ الصِّيغَة مَوْضُوعَة للمؤنث مثل هِيَ وَأَنت بِالْكَسْرِ. وَاعْلَم أَن الأَصْل من هَذِه العلامات للمؤنث هُوَ التَّاء الْمَذْكُورَة دون الْأَلفَيْنِ الْمَذْكُورين إِذْ الْألف الْمَقْصُورَة تحذف وَتبقى الفتحة قبلهَا دَالَّة عَلَيْهَا مثل مصطفين وَقد تبدل بِالْيَاءِ مثل حبليين والممدودة تقلب واوا مثل حمراوين وَالْأَصْل فِي الْعَلامَة عدم التَّغَيُّر وَالتَّاء الْمَذْكُورَة لَا تَتَغَيَّر عَن حَالهَا فَهِيَ بَاقِيَة على أصالتها فَصَارَت أصلا من سَائِر العلامات وَلَا بُد للمبتدي من حفظ هَذَا المرام لِأَنَّهُ نَافِع لَهُ فِي عدَّة مقَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 (بَاب الْعين مَعَ الْمِيم) ف (73) العملي: سَيَأْتِي فِي النظري إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْعُمْرَى: بِضَم الْعين وَسُكُون الْمِيم وَفتح الرَّاء الْمُهْملَة بِالْألف المقصوره على وزن قصوى اسْم لهبة شَيْء مُدَّة عمر الْمَوْهُوب لَهُ أَو الْوَاهِب بِشَرْط الِاسْتِرْدَاد بعد موت الْمَوْهُوب لَهُ أَو الْوَاهِب، أَو عَارِية شَيْء كَذَلِك كجعل الدَّار مثلا لأحد مُدَّة عمره كَمَا فِي كتب الْفِقْه فِي كتاب الْعَارِية وداري لَك سُكْنى أَي جعلت سكناهَا لَك مُدَّة عمرك أَو مُدَّة عمري ثمَّ تردها إِلَى ورثتي فعمرى مفعول لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره أعمرتها لَك عمري وسكنى تَمْيِيزه. وَفِي حَوَاشِي كنز الدقائق فِي بَاب الْهِبَة الْعُمْرَى أَن يَقُول هَذِه الدَّار لَك عمرك أَي مُدَّة حياتك فَإِذا مت أَنْت فَهِيَ لي أَو يَقُول هَذِه الدَّار لَك عمرى فَإِذا مت أَنا أَخذهَا ورثتي مِنْك هَذَا صَحِيح وَالشّرط بَاطِل. الْعمرَة: بِالضَّمِّ وَسُكُون الْمِيم هِيَ الْإِحْرَام وَالطّواف وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة ثمَّ الْحلق وَلَيْسَ فِيهَا وقُوف بِعَرَفَة. الْعَمَل لَيْسَ بِجُزْء من الْإِيمَان عِنْد أهل السّنة: لِأَن حَقِيقَة الْإِيمَان هِيَ التَّصْدِيق كَمَا مر فِي الْإِيمَان فالأعمال أَي الطَّاعَات بالجوارح خَارِجَة عَنهُ خلافًا للخوارج والمعتزلة فَإِن الْخَوَارِج والعلاف وَعبد الْجَبَّار من الْمُعْتَزلَة ذَهَبُوا إِلَى أَن الْأَعْمَال جُزْء من الْإِيمَان فرضا كَانَ أَو نفلا وَذهب أَبُو عَليّ الجبائي وَابْنه أَبُو هَاشم من الْمُعْتَزلَة وَأكْثر معتزلة الْبَصْرَة إِلَى أَن الْأَعْمَال الْمَفْرُوضَة فَقَط جُزْء الْإِيمَان إِلَّا أَن الْخَوَارِج جعلُوا تَارِك الْأَعْمَال دَاخِلا فِي الْكفْر والمعتزلة جَعَلُوهُ خَارِجا عَن الْإِيمَان وَغير دَاخل فِي الْكفْر وَهُوَ منزلَة بَين المنزلتين. الْعَمَل المتكرر فِي مهلة: قَالَ أَصْحَاب التصريف أَن بَاب التفعل قد يَجِيء للْعَمَل المتكرر فِي مهلة أَي لإِفَادَة أَن أصل الْفِعْل حصل مرّة بعد مرّة نَحْو تجرعه أَي شربه جرعة بعد جرعة - وتفهم أَي حصل لَهُ فهمه شَيْئا فَشَيْئًا. الْعَمَل بِالْعَكْسِ: قد يُسمى بالتحليل والتعاكس لما فِي هَذَا الْعَمَل تَحْلِيل وتعاكس ولأرباب الْحساب ضوابط لاستخراج المجهولات العددية واستعلامها مِنْهَا الْعَمَل بِالْعَكْسِ وَهُوَ الْعَمَل بعكس مَا أعطَاهُ السَّائِل من التَّضْعِيف والتنصيف وَالْجمع والتفريق وَالضَّرْب والتقسيم وَغير ذَلِك بِأَن تنصف إِذا ضعف السَّائِل - أَو تنقص إِذا زَاد - أَو تقسم إِذا ضرب - أَو تربع إِذا جذر فَإِن التنصيف عكس التَّضْعِيف وَالْجمع عكس التَّفْرِيق وَالضَّرْب عكس التَّقْسِيم فالجذر عكس المجذور - وَإِن عكس السَّائِل فاعكس أَي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 إِذا نصف فضعف أَو نقص فزد أَو قسم فَاضْرب أَو ربع فجذر واعمل هَذَا مبتدئا من آخر السُّؤَال ليحصل الْجَواب عَن سُؤَاله فَلَو قيل أَي عدد من الْأَعْدَاد إِذا ضرب فِي نَفسه وَزيد على الْحَاصِل من الضَّرْب اثْنَان وَضعف الْمُجْتَمع وَزيد على الْحَاصِل من التَّضْعِيف ثَلَاثَة وَقسم الْمُجْتَمع على خَمْسَة وَضرب الْخَارِج من الْقِسْمَة فِي عشرَة حصل خَمْسُونَ فاقسم الْخمسين على الْعشْرَة لِأَنَّهُ قَالَ ضرب الْخَارِج فِي الْعشْرَة وَاضْرِبْ الْخَمْسَة الْخَارِجَة من الْقِسْمَة فِي الْخَمْسَة - لِأَن السَّائِل قَالَ وَقسم الْمُجْتَمع على الْخَمْسَة وانقص من الْحَاصِل من الضَّرْب أَعنِي من خَمْسَة وَعشْرين ثَلَاثَة لِأَنَّهُ قَالَ زيد على الْحَاصِل ثَلَاثَة وأنقص من منصف الِاثْنَيْنِ وَالْعِشْرين الْبَاقِي اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ قَالَ وَضعف بعد قَوْله وَزيد على الْحَاصِل اثْنَان فأعكسهما وجذر التِّسْعَة الْبَاقِيَة جَوَاب لِأَنَّهُ قَالَ أَي عدد ضرب فِي نَفسه فالثلاثة هِيَ الْمَطْلُوب هَذَا مَا فِي خُلَاصَة الْحساب وَشَرحه. الْعمد: هُوَ الْقَصْد مَعَ الْعقل فَلَا عمد للمجنون وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي التَّلْوِيح فِي تَحْقِيق الْقُرْآن وَقيل من غير تعمد وَإِلَّا لَكَانَ مَجْنُونا فيداوى أَو زنديقا فَيقْتل انْتهى وَقَوله من غير تعمد وَإِلَّا إِلَى آخِره مَعْنَاهُ أَن يقْرَأ سَهوا وَإِن لم يقْرَأ سَهوا لَكَانَ مَجْنُونا فيداوى أَو زنديقا فَيقْتل فَلَا يرد أَنه لَا عمد للمجنون لما مر أَن الْعمد هُوَ الْقَصْد مَعَ الْعقل فَافْهَم. العمود: يُطلق على كل وَاحِد من الخطين اللَّذين يقوم أَحدهمَا على الآخر بِحَيْثُ لَو أخرجَا على الاسْتقَامَة تحدث هُنَاكَ أَربع زَوَايَا مُتَسَاوِيَة. الْعُمُوم: إحاطة الْأَفْرَاد دفْعَة وَعند الصُّوفِيَّة مَا يَقع بِهِ الِاشْتِرَاك فِي الصِّفَات سَوَاء كَانَ فِي صِفَات الْحق كالحياة وَالْعلم أَو صِفَات الْخلق كالغضب والضحك. العماء: فِي اللُّغَة كورى وَعند الصُّوفِيَّة الأحدية. عُمُوم السَّلب: هُوَ السَّلب الْكُلِّي مثل لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر وَالْفرق بَينه وَبَين سلب الْعُمُوم فِي سلب الْعُمُوم. الْعُمُوم من وَجه مُمْتَنع بَين الْمقسم وأقسامه: بديهي بعد مُلَاحظَة مَفْهُوم التَّقْسِيم وَالْمرَاد بقولنَا الْحَيَوَان إِمَّا أَبيض أَو أسود الْحَيَوَان إِمَّا حَيَوَان أَبيض أَو حَيَوَان أسود وَمَا هُوَ الْمَشْهُور من جَوَاز ذَلِك قَول عَامي أَقُول إِن الْعُمُوم وَالْخُصُوص من وَجه وَإِن لم يجز بَين الْمقسم والأقسام لكنه جَائِز بل وَاقع بَين الْمقسم وقيود الْأَقْسَام أَلا ترى أَن الْأَبْيَض الَّذِي هُوَ قيد حصل للقسم للحيوان أَعم من الْحَيَوَان من وَجه كَانَ هَذَا الْقدر منشأ لذَلِك الْمَشْهُور فَافْهَم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 (بَاب الْعين مَعَ النُّون) العناد: رد الْحق مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ حق. العنادية: هم الَّذين يُنكرُونَ حقائق الْأَشْيَاء ويزعمون أَنَّهَا أَوْهَام أَو خيالات بَاطِلَة كالنقوش على المَاء وَعند المنطقيين قَضِيَّة يكون الحكم فِيهَا بالتنافي لذات الجزأيين مَعَ قطع النّظر عَن الْوَاقِع كَمَا بَين الْفَرد وَالزَّوْج وَالشَّجر وَالْحجر وَبَين زيد فِي الْبَحْر وَإِن لَا يغرق. العندية: هم الَّذين يَقُولُونَ حقائق الْأَشْيَاء تَابِعَة للاعتقادات حَتَّى أَن اعتقدنا الشَّيْء جوهرا فجوهر وعرضا فَعرض أَو قَدِيما فقديم أَو حَادِثا فحادث فَالْفرق بَين العنادية والعندية مَعَ اشتراكهم واتفاقهم فِي إِنْكَار ثُبُوت الْحَقَائِق فِي نفس الْأَمر أَن العنادية ينفون ثُبُوت الْحَقَائِق فِي نفس الْأَمر مُطلقًا يَعْنِي يَقُولُونَ إِنَّه لَا ثُبُوت لَهَا فِي أَنْفسهَا وَلَا بتبعية الِاعْتِقَاد - والعندية ينفون ثُبُوتهَا فِي أَنْفسهَا فِي نفس الْأَمر وقائلون بثبوتها بتبعية الِاعْتِقَاد فَافْهَم. عنفوان الشَّبَاب: أَوله وَلَو فرضا. العنصر: فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة الأَصْل كالأسطقس فِي اللُّغَة اليونانية وَهُوَ الأَصْل الَّذِي يتألف مِنْهُ الْأَجْسَام الْمُخْتَلفَة الطبائع. وَجمعه. العناصر: وَهِي أَرْبَعَة النَّار والهواء وَالْمَاء وَالْأَرْض وَهَذِه الْأَرْبَعَة تسمى بأَرْبعَة أَسمَاء العناصر والاسطقسات والأركان وأصول الْكَوْن وَالْفساد - لَكِن باعتبارات مُخْتَلفَة، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَة من حَيْثُ تتركب مِنْهَا المركبات تسمى اسطقسات - وَمن حَيْثُ إِنَّهَا تنْحَل إِلَيْهِ المركبات تسمى عناصر - فلوحظ فِي إِطْلَاق لفظ الاسطقس معنى الْكَوْن وَفِي إِطْلَاق العنصر معنى الْفساد - وَمن حَيْثُ إِنَّهَا أَجزَاء المركبات تسمى أركانا إِذْ ركن الشَّيْء جزؤه - وَمن حَيْثُ إِنَّهَا يَنْقَلِب كل مِنْهُمَا إِلَى الآخر تسمى أصُول الْكَوْن وَالْفساد وأسامي جُزْء الْمركب باعتبارات مُخْتَلفَة فِي الدَّاخِل. العنصر الْخَفِيف: مَا كَانَ أَكثر حركته إِلَى جِهَة الفوق - فَإِن كَانَ جَمِيع حركته إِلَى الفوق فخفيف مُطلق وَهُوَ النَّار وَإِلَّا فخفيف بِالْإِضَافَة وَهُوَ الْهَوَاء. العنصر الثقيل: مَا كَانَ حركته إِلَى الْأَسْفَل فَإِن كَانَ جَمِيع حركته إِلَيْهِ فثقيل مُطلق وَهُوَ الأَرْض وَإِلَّا فثقيل بِالْإِضَافَة وَهُوَ المَاء. الْعنين: من لَا يقدر على الْجِمَاع لآفة أَصْلِيَّة أَو لمَرض أَو ضعف أَو كبر سنّ أَو سحر فَلَا يصل إِلَى النِّسَاء أصلا أَو يصل إِلَى الثّيّب دون الْأَبْكَار أَو يصل إِلَى غير زَوجته وَلَا يصل إِلَيْهَا فَهُوَ عنين فِي حق من لَا يصل إِلَيْهَا من عَن إِذا حبس فِي الْعنَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وَهِي حَظِيرَة الْإِبِل أَو من عِنْد إِذا عرض لِأَنَّهُ يعن يَمِينا وَشمَالًا وَلَا يقْصد إِلَى الْمَقْصد وَقيل يُسمى عنينا لِأَن ذكره يسترخي فيعن يَمِينا وَشمَالًا وَلَا يقْصد المأتي من الْمَرْأَة وَلَو وجدت زَوجهَا مجبوبا فرق فِي الْحَال وَأجل القَاضِي سنة لَو كَانَ عنينا أَو خَصيا لِأَن الطبائع الْأَرْبَع الَّتِي جبل عَلَيْهَا الْإِنْسَان لَا تتبدل عَادَة إِلَّا بِانْقِضَاء الْفُصُول الْأَرْبَعَة. وَاعْلَم أَن رجلا إِذا وطئ امْرَأَته مرّة ثمَّ عجز لَا خِيَار لَهَا. العنقاء: هُوَ الهباء الَّذِي فتح الله تَعَالَى فِيهِ أجساد الْعَالم مَعَ أَنه لَا عين لَهُ فِي الْوُجُود إِلَّا بالصورة الَّتِي فتحت فِيهِ وَإِنَّمَا سمي بالعنقاء لِأَنَّهُ يسمع مذكوره وَيعْقل وَلَا وجود لَهُ فِي عينه. العند: بِالْفَتْح فِي الصِّحَاح العناد والعند والمعاندة مُخَالفَة الْحق ورده مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ حق. (بَاب الْعين مَعَ الْوَاو) الْعود: بِالْفَتْح (بازكشتن) وَمِنْه عود الضَّمِير أَي رُجُوعه، وَفِي الرضى لَا يستنكر عود ضمير الِاثْنَيْنِ إِلَى الْمَعْطُوف بِأَو مَعَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَإِن كَانَ المُرَاد أَحدهمَا لِأَنَّهُ لما اسْتعْمل أَو كثيرا فِي الْإِبَاحَة صَار كالواو وَفِي الْقُرْآن الْمجِيد وَإِن لم يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما. وعَلى هَذَا يجوز إرجاع ضمير الْوَاحِد الْمُؤَنَّث إِلَى شَيْئَيْنِ أَو أَشْيَاء بِاعْتِبَار كثرتهما فِي أَنفسهمَا وَإِن كَانَا اثْنَيْنِ من حَيْثُ الْعَطف وَقد تحير الناظرون فِي الإرجاع وَالْعود بِالضَّمِّ الْخشب الَّذِي يحرق للبخور وَله رَائِحَة طيبَة وَقت الحرق، وَأَيْضًا الْعود الْمَشْهُور خُصُوصا عِنْد المجاورين للمقابر سِيمَا عِنْد المجاورين فِي مغسل عالمكير اللَّهُمَّ احفظني مِنْهُم وَسَائِر الْمُسلمين بل الْكَافرين. وَأَيْضًا الْعود البربط كَمَا قَالَ قَائِل: (فِي زَاوِيَة الْعِشْق أنيني عودي ... وَالْقلب فَوق نَار عشقي عودي) (مَا نلْت مقاصدي وَلَا مقصودي ... يَا عافيتي عجزت عودي عودي) وعودي أَمر من عَاد يعود للواحدة المخاطبة والأنين بِالْفَارِسِيَّةِ آو ازكريه. عود الشَّيْء على مَوْضِعه بِالنَّقْضِ: كَون مَا شرع لمَنْفَعَة الْعباد فَيكون الْأَمر بِهِ للْإِبَاحَة فَلَو كَانَ الْأَمر بِهِ للْوُجُوب يعود الْأَمر على مَوْضِعه وبالنقض حَيْثُ يلْزم الْإِثْم والعقوبة بِتَرْكِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 الْعَوْل: فِي اللُّغَة الْميل إِلَى الْجور وَالرَّفْع. وَعند أَرْبَاب الْفَرَائِض الْعَوْل زِيَادَة بعض السِّهَام على مخرجها وَقت ضيقه عَن الْوَفَاء بالفروض المجتمعة فِي ذَلِك الْمخْرج وَحِينَئِذٍ يدْخل النُّقْصَان عَلَيْهِم بِقدر حصصهم. الْعَوَارِض الذاتية: هِيَ الْأُمُور الْخَارِجَة عَن الشَّيْء اللاحقة لَهُ لما هُوَ هُوَ أَي بِالذَّاتِ كالتعجب اللَّاحِق لذات الْإِنْسَان من غير وَاسِطَة أَمر آخر أَو لجزئه كالحركة بالإرادة اللاحقة للْإنْسَان بِوَاسِطَة كَونه حَيَوَانا أَو بِوَاسِطَة أَمر خَارج عَنهُ مسَاوٍ لَهُ كالضحك الْعَارِض للْإنْسَان بِوَاسِطَة التَّعَجُّب وَيحصل لَك التَّعَجُّب إِن نظرت فِي التَّعَجُّب وَمَا سوى هَذِه الْأَعْرَاض الْأَعْرَاض الغريبة. الْعَوَارِض الغريبة: وَيُقَال لَهَا. الْعَوَارِض الْعُرْفِيَّة: أَيْضا وَهِي الْعَوَارِض لأمر خَارج أَعم من المعروض كالحركة اللاحقة للأبيض بِوَاسِطَة أَنه جسم وَهُوَ أَعم من الْأَبْيَض وَغَيره. والعوارض للْخَارِج الْأَخَص كالضحك الْعَارِض للحيوان بِوَاسِطَة أَنه إِنْسَان وَهُوَ أخص من الْحَيَوَان. والعوارض بِسَبَب المبائن كالحرارة الْعَارِضَة للْمَاء بِسَبَب النَّار وَهِي مبائنة لَهُ. الْعَوَارِض السماوية: مَا يثبت من قبل الشَّارِع وَلَا يكون لاختيار العَبْد فِيهِ مدْخل على أَنه نَازل من السَّمَاء وَهُوَ الصغر وَالْجُنُون والعته وَالنِّسْيَان وَالنَّوْم وَالْإِغْمَاء وَالرّق وَالْمَرَض وَالْحيض وَالنّفاس وَالْمَوْت. الْعَوَارِض المكتسبة: هِيَ الَّتِي يكون لكسب العَبْد مدْخل فِيهَا بِمُبَاشَرَة الْأَسْبَاب وَهِي نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا من المكتسب بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل وَثَانِيهمَا مَا من غَيره، وَأما الَّذِي مِنْهُ فالجهل والسفه وَالسكر والهزل وَالْخَطَأ وَالسّفر. وَأما الَّذِي من غَيره فالإكراه بِمَا فِيهِ الجاء وَبِمَا لَيْسَ فِيهِ الجاء وتفصيله فِي الْإِكْرَاه. الْعَوْرَة: سوءة النِّسَاء وَمَا يستحيي مِنْهُ. وعورة الرجل مَا تَحت سرته إِلَى ركبته ويروى مَا دون سرته حَتَّى تجَاوز رُكْبَتَيْهِ وَبِهَذَا تبين أَن السُّرَّة لَيست من عَورَة الرجل وَالركبَة مِنْهَا وَكلمَة إِلَى لغاية إِسْقَاط مَا وَرَاء الرّكْبَة لِأَن صدر الْكَلَام أَعنِي مَا تَحت رُكْبَتَيْهِ وَكَذَا مَا بَين سرته وَكَذَا مَا دون سرته يتَنَاوَل الرّكْبَة وَمَا دونهَا فلولا الرّكْبَة لاستوعب الحكم الْكل. فَعلم أَن هَذِه الْغَايَة لإِسْقَاط مَا وَرَاءَهَا. وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله السُّرَّة من الْعَوْرَة دون الرّكْبَة وبدن الْحرَّة كلهَا عَورَة إِلَّا وَجههَا وكفيها لَكِن على النَّاظر أَن لَا ينظر بِشَهْوَة وَهَذَا الْكَلَام بِظَاهِرِهِ يدل على أَن ظهر الْكَفّ عوره وَقَالَ شمس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 الْأَئِمَّة هَذَا غلط لِأَن الْكَفّ اسْم لباطن الْيَد وظاهرها لَا للرسغ وَمَعْنَاهَا بِالْفَارِسِيَّةِ (نيجه) قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمَرْأَة عَورَة مستورة وَأما اسْتثِْنَاء العضوين الْمَذْكُورين فلدفع الْحَرج. وَالْمرَاد بِالْمَرْأَةِ الْحرَّة لِأَنَّهَا تطلق على الْحرَّة عِنْد إِطْلَاقهَا لِأَنَّهَا أكمل أَفْرَاد الْمَرْأَة وَلِأَن الأهم بَيَان حكم الْحرَّة فَيَنْصَرِف إِلَيْهَا - وَفِي الْجَامِع الصَّغِير أَن قدم الْحرَّة أَيْضا لَيست بِعَوْرَة - وَالْأمة كَالرّجلِ وظهرها وبطنها عَورَة وَمَا سوى ذَلِك لَيْسَ بِعَوْرَة وَقَالَ الحبر الْمُحَقق أَبُو البركات صَاحب كنز الدقائق رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَاب ثُبُوت النّسَب والمعتدة أَن جحدت وِلَادَتهَا بِشَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ أَو لحبل ظَاهر أَو إِقْرَار بِهِ أَو تَصْدِيق الْوَرَثَة انْتهى. فَإِن قيل كَيفَ يشْتَرط شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا يحل للرجل النّظر إِلَى مَوضِع الْولادَة قُلْنَا تقبل شَهَادَتهم لأَنهم لم يَقُولُوا تعمدنا النّظر لَكِن وَقع ذَلِك اتِّفَاقًا أَو هم رَأَوْا امْرَأَة فِي بَيت وَقد علمُوا أَنه لَيْسَ فِيهِ غَيرهَا ثمَّ أخرجت ولدا شهدُوا أَنَّهَا وَلدته على أَنا نقُول يُبَاح النّظر لتحمل الشَّهَادَة كَمَا فِي الزِّنَا - فَإِن شُهُود الزِّنَا لَو قَالُوا تعمدنا النّظر إِلَى فرج المزنية حسبَة حَتَّى يحل لنا أَدَاء الشَّهَادَة وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ كالميل فِي المكحلة قبلت شَهَادَتهم وَإِن قَالُوا تعمدنا النّظر تلذذا لم تقبل شَهَادَتهم لأَنهم فسقوا بِهَذَا النّظر فَافْهَم. الْعَوْرَة الغليظة: هِيَ الذّكر والخصيتان والفرج والدبر. (بَاب الْعين مَعَ الْهَاء) الْعهْدَة: مُشْتَرك قد تطلق على الصَّك الْقَدِيم وَهُوَ ملك البَائِع - وَقد تطلق على العقد لِأَن الْعهْدَة من الْعَهْد كالعقدة من العقد وَالْعقد والعهد وَاحِد - وَقد تطلق على حُقُوق العقد لِأَنَّهَا من ثمراته - وَقد تطلق على الدَّرك وَهُوَ تَسْلِيم الثّمن عِنْد اسْتِحْقَاق الْمَبِيع - وَقد تطلق على خِيَار الشَّرْط كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث عُهْدَة الرَّقِيق ثَلَاثَة أَيَّام، أَي خِيَار الشَّرْط وَلِهَذَا لَو اشْترى رجل عبدا فضمن لَهُ رجل بالعهدة وَلم يبين مَا هِيَ فَالضَّمَان بَاطِل وَإِنَّمَا بُطْلَانه للْجَهَالَة لِأَن الضَّمَان بالعهدة بِالْمَعْنَى الأول أَي ملك البَائِع مُتَعَذر لِأَن من ضمن بِتَسْلِيمِهِ إِلَى المُشْتَرِي فقد ضمن مَا لَا يقدر عَلَيْهِ فَلَا يَصح بِخِلَاف ضَمَان الدَّرك فَإِنَّهُ مُسْتَعْمل فِي ضَمَان الِاسْتِحْقَاق عرفا - وَفِي الْهِدَايَة وَلَو ضمن الْخَلَاص لَا يَصح عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لِأَنَّهُ عبارَة عَن تَخْلِيص الْمَبِيع وتسليمه لَا محَالة وَهُوَ غير قَادر عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَة الدَّرك وَهُوَ تَسْلِيم الْمَبِيع أَو قِيمَته فصح انْتهى. وَاعْلَم أَنه أَرَادَ بِالْقيمَةِ الثّمن لِأَن الْوَاجِب فِي صُورَة الِاسْتِحْقَاق الثّمن لَا الْقيمَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 وَاعْلَم أَن هَاهُنَا ثَلَاث مسَائِل - ضَمَان الْعهْدَة - وَضَمان الدَّرك - وَضَمان الْخَلَاص - أما ضَمَان الْعهْدَة فَبَاطِل بالِاتِّفَاقِ لما ذكرنَا - وَضَمان الدَّرك فَجَائِز بالِاتِّفَاقِ - وَأما ضَمَان الْخَلَاص فمختلف فِيهِ - وَلَا يخفى على الوكيع أَن الْخلاف لَفْظِي لِأَن الْخَلَاص عِنْده رَحمَه الله عبارَة عَن استخلاص الْمَبِيع عِنْد الِاسْتِحْقَاق فَيَقُول بِبُطْلَانِهِ لِأَن الْكَفِيل لَا يقدر على استخلاصه من الْمُسْتَحق وتسليمه إِلَى المُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا رَحمَه الله تَعَالَى عبارَة عَن الدَّرك فَيجوز أَنه وَقيل إِن الْعهْدَة عِنْدهمَا ضَمَان الدَّرك فَفِيهَا أَيْضا خلاف كَذَلِك فَتَأمل. (بَاب الْعين مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة) الْعِيد: عيدَان عيد الْفطر وَعِيد الضُّحَى. أما عيد الْفطر فَهُوَ الْيَوْم الأول من شَوَّال وَأما عيد الضُّحَى فَهُوَ الْيَوْم الْعَاشِر من ذِي الْحجَّة ثمَّ يستعار لكل يَوْم حصل فِيهِ الْبَهْجَة وَالسُّرُور - وَالْمُسْتَحب يَوْم عيد الْفطر للرِّجَال الِاغْتِسَال والسواك - وَلبس أحسن ثِيَابه - والتختم والتطيب - وَسُرْعَة الابكار وَهُوَ المسارعة إِلَى الْمصلى - والإفطار بالحلو قبل الصَّلَاة - وَأكل التمرات وترا أحب - وَأَدَاء صَدَقَة الْفطر قبل الصَّلَاة - وَالْخُرُوج إِلَى الْمصلى مَاشِيا وَالرُّجُوع فِي طَرِيق آخر. والأضحى كالفطر فِي هَذِه الْأُمُور إِلَّا أَنه يتْرك الْأكل حَتَّى يُصَلِّي الْعِيد وَهُوَ أحب - وَإِن أكل لَا يكره وَهُوَ الْمُخْتَار - والمستحق أَن يَأْكُل من لُحُوم الْأَضَاحِي الَّتِي هِيَ ضِيَافَة الله تَعَالَى - وَبِنَاء الْمِنْبَر فِي الْجَبانَة لَا يكره على الصَّحِيح، وَخُرُوج النَّاس فِي الْعِيدَيْنِ إِلَى الْمصلى على السكينَة وَالْوَقار مَعَ غض الْبَصَر عَمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يبصر، وَيكبر فِي الطَّرِيق جَهرا فِي الْأَضْحَى - وَتجب صَلَاة الْعِيدَيْنِ على كل من تجب عَلَيْهِ صَلَاة الْجُمُعَة وَيشْتَرط لصَلَاة الْعِيدَيْنِ مَا يشْتَرط للْجُمُعَة إِلَّا الْخطْبَة فَإِنَّهَا سنة بعد صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَتجوز الصَّلَاة بِدُونِهَا بِخِلَاف صَلَاة الْجُمُعَة، وَالْخطْبَة قبل صَلَاة الْعِيدَيْنِ جَائِز مَعَ الْكَرَاهَة وَلَيْسَ لَهَا أَذَان وَإِقَامَة وَكره التَّنَفُّل فِي الْمصلى وَالْبَيْت قبلهَا لَا قَضَاء صَلَاة الْفجْر والفوائت، وَوقت صَلَاة الْعِيدَيْنِ من حِين تبيض الشَّمْس إِلَى أَن تَزُول - وَالْأَفْضَل تَعْجِيل الْأَضْحَى وَتَأْخِير الْفطر. وَطَرِيق صَلَاة الْعِيدَيْنِ: وَهِي رَكْعَتَانِ أَن يكبر تَكْبِير التَّحْرِيم ثمَّ يقْرَأ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ إِلَى آخِره ثمَّ يكبر ثَلَاثًا ثمَّ يقْرَأ جَهرا ثمَّ يكبر تَكْبِير الرُّكُوع ثمَّ يرفع رَأسه بالتسميع أَو التَّكْبِير ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ يقوم إِلَى الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَيقْرَأ جَهرا ثمَّ يكبر ثَلَاثًا ثمَّ يكبر للرُّكُوع فَيتم صلَاته فتكبيرات الزَّوَائِد سِتّ ثَلَاث فِي الرَّكْعَة الأولى بعد الاستفتاح وَثَلَاث فِي الثَّانِيَة بعد الْقِرَاءَة وَثَلَاث أصليات تَكْبِير التَّحْرِيم أَي الِافْتِتَاح وتكبيرتان للرُّكُوع، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا من طَرِيق صَلَاة الْعِيدَيْنِ معنى قَوْلهم ويوالي بَين الْقِرَاءَتَيْن أَي لَا يفصل بَينهمَا بالتكبيرات الزَّوَائِد وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِد ويسكت بَين كل تكبيرتين مِقْدَار ثَلَاث تسبيحات وَيُرْسل الْيَدَيْنِ بَين التكبيرتين، ثمَّ يخْطب بعد الصَّلَاة خطبتين وَيجْلس بَينهمَا جلْسَة خَفِيفَة وافتتاح الْخطْبَة الأولى بتسع تَكْبِيرَات وَالثَّانيَِة بِسبع مُسْتَحبّ ويخطب يَوْم الْفطر بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيح والتهليل والتحميد وَالصَّلَاة على النَّبِي الْأُمِّي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيعلم النَّاس صَدَقَة الْفطر وأحكامها وَهِي خَمْسَة على من تجب وَلمن تجب وَمَتى تجب وَكم تجب وَمِمَّا تجب وَقد ذَكرنَاهَا فِي صَدَقَة الْفطر. وَفِي عيد الْأَضْحَى يكبر الْخَطِيب ويسبح ويعظ النَّاس وَيُعلمهُم أَحْكَام الذّبْح والنحر والقربان وَيعلم تَكْبِيرَات التَّشْرِيق وَإِذا كبر الإِمَام فِي الْخطْبَة يكبر الْقَوْم مَعَه وَإِذا صلى على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي النَّاس فِي أنفسهم امتثالا لِلْأَمْرِ - وسنيته الْإِنْصَات، وتؤخر بِعُذْر صَلَاة الْفطر إِلَى الْغَد فَقَط وَصَلَاة الْأَضْحَى إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ الْعذر مِنْهَا لنفي الْكَرَاهَة حَتَّى لَو أخروها إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام من غير عذر جَازَت الصَّلَاة وَقد أساؤوا. وَفِي الْفطر للْجُوَاز حَتَّى لَو أخروها إِلَى الْغَد من غير عذر لَا تجوز هَكَذَا فِي التَّبْيِين، وَإِذا نسي الإِمَام تَكْبِير الْعِيد حَتَّى قَرَأَ فَإِنَّهُ يكبر بعد الْقِرَاءَة أَو فِي الرُّكُوع مَا لم يرفع رَأسه كَذَا فِي التاتارخانية. وَالسَّمَاء لَا تَخْلُو إِمَّا أَن يكون فِيهَا عِلّة مَانِعَة من رُؤْيَة الْهلَال كالغيم وَالْغُبَار أَو لَا فَإِن كَانَ يقبل خبر عدل وَلَو قِنَا أَو انثى لأجل صَوْم رَمَضَان وَشَهَادَة حُرَّيْنِ أَو حرَّة وحرتين للفطر وَيشْتَرط لفظ الشَّهَادَة كَذَا فِي خزانَة المفتيين وتشترط الْعَدَالَة كَذَا فِي النقاية. وَإِن لم يكن فِي السَّمَاء عِلّة لم تقبل إِلَّا شَهَادَة جمع كثير يَقع الْعلم بخبرهم فِي هِلَال رَمَضَان وَالْفطر، وهلال الْأَضْحَى كهلال الْفطر فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَهُوَ الْأَصَح كَذَا فِي الْهِدَايَة، فِي فَتَاوَى عالمكيري إِن كَانَ بالسماء عِلّة فشهادة الْوَاحِد على رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان مَقْبُولَة إِذا كَانَ عدلا مُسلما عَاقِلا بَالغا حرا كَانَ أَو عبدا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَكَذَا شَهَادَة الْوَاحِد على شَهَادَة الْوَاحِد وَشَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف بعد التَّوْبَة فِي ظَاهر الرِّوَايَة كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. وَأما مَسْتُور الْحَال فروى الْحسن عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه تقبل شَهَادَته وَهُوَ الصَّحِيح كَذَا فِي الْمُحِيط وَبِه أَخذ الحلوائي كَذَا فِي شرح النقاية وَتقبل شَهَادَة عبد على عبد فِي هِلَال رَمَضَان وَكَذَا الْمَرْأَة على الْمَرْأَة وَلَا يشْتَرط فِي هَذِه الشَّهَادَة لفظ الشَّهَادَة وَلَا الدَّعْوَى وَلَا حكم الْحَاكِم حَتَّى أَنه لَو شهد عِنْد الْحَاكِم وَسمع رجل شَهَادَته عِنْد الْحَاكِم وَظَاهره الْعَدَالَة وَجب على السَّامع أَن يَصُوم وَلَا يحْتَاج إِلَى حكم الْحَاكِم وَهل يستفسره فِي رُؤْيَة الْهلَال قَالَ أَبُو بكر الإسكاف إِنَّمَا تقبل إِذا فسر بِأَن قَالَ رَأَيْته خَارج الْمصر فِي الصَّحرَاء أَو فِي البلدتين خلال السَّحَاب وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة أَنه يقبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 بِدُونِ هَذَا كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج وَإِن لم يكن فِي السَّمَاء عِلّة لم تقبل إِلَّا شَهَادَة جمع يُوجب إخباركم الْعلم كَذَا فِي الْمجمع وَهُوَ مفوض إِلَى رَأْي الإِمَام وَهُوَ الصَّحِيح كَذَا فِي الْمُخْتَار شرح الِاخْتِيَار وَسَوَاء فِي ذَلِك رَمَضَان وشوال وَذُو الْحجَّة كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج. وَذكر الطَّحَاوِيّ أَنه تقبل شَهَادَة الْوَاحِد إِذا جَاءَ من خَارج الْمصر وَكَذَا إِذا كَانَ على مَكَان مُرْتَفع. وَفِي الْهِدَايَة وعَلى قَول الطَّحَاوِيّ اعْتمد الإِمَام المرغيناني وَصَاحب الْأَقْضِيَة والفتاوى الصُّغْرَى كَذَا فِي الدِّرَايَة، وَلَو رأى الإِمَام وَحده أَو القَاضِي وَحده هِلَال رَمَضَان فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين أَن ينصب من شهد عِنْده وَبَين أَن يَأْمر النَّاس بِالصَّوْمِ بِخِلَاف هِلَال الْفطر والأضحى كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج. إِذا رأى الْوَاحِد الْعدْل هِلَال رَمَضَان يلْزمه أَن يشْهد بهَا فِي ليلته حرا كَانَ أَو عبدا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى حَتَّى الْجَارِيَة المخدرة تخرج وَتشهد بِغَيْر إِذن مَوْلَاهَا وَالْفَاسِق إِذا رَآهُ وَحده يشْهد لِأَن القَاضِي رُبمَا يقبل شَهَادَته لَكِن القَاضِي يردهُ كَذَا فِي الْوَجِيز للكردي انْتهى. وَاعْلَم أَنه إِذا رَآهُ الْحَاكِم وَحده وَلم يصم فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي للْإِمَام إِذا رَآهُ وَحده أَن يَأْمر النَّاس بِالصَّوْمِ وَلَو شهد فَاسق وَقبلهَا الإِمَام وَأمر النَّاس بِالصَّوْمِ فَأفْطر الشَّاهِد أَو غَيره يلْزمه الْكَفَّارَة وَمن رأى هِلَال شَوَّال فِي تَاسِع وَعشْرين من رَمَضَان لَا يفْطر احْتِيَاطًا فِي الْعِبَادَة وَإِن أفطره قَضَاهُ وَلَا كَفَّارَة وَلَو رأى الإِمَام وَحده أَو القَاضِي وَحده هِلَال شَوَّال لَا يخرج إِلَى الْمصلى وَلَا يَأْمر النَّاس بِالْخرُوجِ وَلَا يفْطر لَا سرا وَلَا جَهرا كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج وَسَائِر التفاصيل فِي كتب الْفِقْه، حُكيَ أَن صَبيا من الْعَرَب سَأَلَ يَا أبي مَتى الْعِيد فَأَجَابَهُ أَبوهُ مَتى كَانَ الْعين على الْيَد، وَلَا يخفى لطفه وَإِنَّمَا سمي كل من هذَيْن الْيَوْمَيْنِ الْمَذْكُورين عيدا لعوده فِي كل سنة وَللَّه در الشَّاعِر. (در روز عيد وصلت من هم براي زينت ... ) (بوشيده أم بصد رنكك حَال خراب خودرا ... ) الْعين: لمعان كَثِيرَة، الْجَارِيَة وَجمعه الْعُيُون، وَالْمَوْجُود فِي الْخَارِج وَجمعه الْأَعْيَان، والباصرة وَجمعه الْأَعْين وَغير ذَلِك كَمَا بَين فِي كتب اللُّغَة والأمور الحافظة لقُوَّة الْعين الباصرة والضارة لَهَا فِي الْبَصَر وَاعْلَم أَن الْعين الباصرة مركبة من سبع طَبَقَات وَثَلَاث رطوبات وَهِي الطَّبَقَة الصلبية والمشيمة والشبكية والرطوبة الزجاجية والرطوبة الجليدية والطبقة العنكبوتية والرطوبة البيضية والطبقة العينية والقرنية والمتلحمة وتفصيلها فِي الطِّبّ والتشريح. العينية: الِاتِّحَاد فِي الذَّات، وَفِي الْفِقْه أَن يَأْتِي الرجل رجلا ليقرضه فَلَا يرغب الْمقْرض وَلَا يقْرض قرضا حسنا طَمَعا فِي الْفضل الَّذِي لَا يَنَالهُ بالقرض فَيَقُول أبيعك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 هَذَا الثَّوْب بِاثْنَيْ عشر درهما إِلَى أجل وَقِيمَته عشرَة وَإِنَّمَا سمي عَيْنِيَّة لِأَن الْمقْرض أعرض عَن الْقَرْض إِلَى بيع الْعين. عين الْيَقِين: مَا أعطَاهُ الْمُشَاهدَة والكشف. الْعين الثَّابِتَة: هِيَ الْحَقِيقَة الْمَوْجُودَة فِي الحضرة العلمية لَيست بموجودة فِي الْخَارِج بل مَعْدُومَة فِيهِ ثَابِتَة فِي علم الله تَعَالَى كَمَا مر تَحْقِيقه فِي الْأَعْيَان الثَّابِتَة. الْعَيْب: مَا يُوجب النُّقْصَان فِي الْعِزَّة وَالْحُرْمَة أَو الْقيمَة والمالية عِنْد التُّجَّار وَيُطلق على النُّقْصَان أَيْضا، وَفِي التحفه الْعُيُوب على نَوْعَيْنِ أَحدهمَا مَا يُوجب فَوَات جُزْء من الْمَبِيع وتغيره من حَيْثُ الظَّاهِر دون الْبَاطِن - وَالثَّانِي مَا يُوجب النُّقْصَان من حَيْثُ الْمَعْنى دون الصُّورَة - أما الأول فكثير نَحْو الْعَمى والعور والصم والشلل والزمانة والأصبع النَّاقِصَة وَالسّن السَّاقِط وَالظفر الْأسود والخدش والكلم والقروح والشجاج والأمراض كلهَا الَّتِي فِي سَائِر الْبدن والحميات وَأما الثَّانِي فنحو السعال الْقَدِيم وارتفاع الْحيض فِي زمَان طَوِيل أدناه شَهْرَان فَصَاعِدا فِي الْجَوَارِي وَمِنْهَا صهوبة الشّعْر والشمط فِي العَبْد والجواري وَالْحَبل فِي الْجَارِيَة لَا فِي الْبَهَائِم وَالنِّكَاح فِي الْجَارِيَة والغلام عيب. الْعِيَال: من الْعيلَة بِفَتْح الأول وَسُكُون الثَّانِي بِالْفَارِسِيَّةِ (درويش شدن) وعيال الرجل من يسكن مَعَه وَتجب نَفَقَته عَلَيْهِ كغلامه وَامْرَأَته وَولده الصَّغِير. ف (74) تمّ الْجُزْء الثَّانِي بِحَمْد الله وعونه ويليه الْجُزْء الثَّالِث أَوله بَاب الْغَيْن مَعَ الْألف وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ( [حرف الْغَيْن] ) (بَاب الْغَيْن مَعَ الْألف) الْغَايَة: اعْلَم أَن مَا يَتَرَتَّب على فعل إِن كَانَ تصَوره باعثا للْفَاعِل على صدوره عَنهُ يُسمى غَرضا وَعلة غائية وَإِلَّا يُسمى فَائِدَة وَمَنْفَعَة وَغَايَة. وَالْمرَاد بِكَوْن تصور الْفِعْل باعثا للْفَاعِل على صدوره مِنْهُ أَنه مُحْتَاج إِلَيْهِ فِي تَحْصِيل كَمَاله وَيكون بِدُونِهِ نَاقِصا بِالذَّاتِ وَمَعَهُ يكون مستكملا لغيره فَيكون تصور الْغَرَض مِمَّا لَا بُد للْفَاعِل مِنْهُ لِئَلَّا يبْقى نَاقِصا وَلذَا قَالُوا إِن أَفعَال الله تَعَالَى لَيست معللة بالأغراض وَإِن كَانَت فِيهَا فَوَائِد وَمَنَافع ومصالح وغايات فَافْهَم واحفظ. الْغَالِب: وَالْفرق بَين الْغَالِب وَالْكثير أَن مَا لَيْسَ بِكَثِير نَادِر وكل مَا لَيْسَ بغالب لَيْسَ نَادِر بل قد يكون كثيرا وَاعْتبر بِالصِّحَّةِ وَالْمَرَض والجذام فَإِن الأول غَالب وَالثَّانِي كثير وَالثَّالِث نَادِر. ف (75) : (بَاب الْغَيْن مَعَ الْبَاء) الغباوة: فِي الْعَدَالَة وَفِي الذكاوة أَيْضا. الْغِبْطَة: بِالْكَسْرِ تمني حُصُول النِّعْمَة لَهُ كَمَا كَانَ حَاصِلا لغيره من غير تمني زَوَالهَا عَنهُ فَهِيَ ضد الْحَسَد وَمِمَّا لَا بَأْس بِهِ بِخِلَاف الْحَسَد. الْغبن: النُّقْصَان. الْغبن الْفَاحِش: مَا لَا يدْخل تَحت تَقْوِيم المقومين وَقيل مَا لَا يتَغَابَن النَّاس فِيهِ وَقيل حد الْفَاحِش فِي الْعرُوض نصف عشر الْقيمَة وَفِي الْحَيَوَان عشر الْقيمَة وَفِي الْعقار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 خمس الْقيمَة وَقيل لَا يتَحَمَّل الْغبن الْيَسِير أَيْضا وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء هَذَا كُله إِذا كَانَ سعره غير مَعْرُوف بَين النَّاس وَيحْتَاج فِيهِ إِلَى تَقْوِيم المقومين - وَأما إِذا كَانَ مَعْرُوفا كالخبز وَاللَّحم والجوز والموز والجبن لَا يُعْفَى فِيهِ الْغبن وَإِن قل وَلَو كَانَ فلسًا وَاحِدًا. الْغبن الْيَسِير: مَا يدْخل تَحت تَقْوِيم المقومين كَمَا لَو تقومه عدل عشرَة وَعدل آخر ثَمَانِيَة فِيمَا بَين الْعشْرَة وَالثَّمَانِيَة دَاخل تَحت تَقْوِيم المقومين. الغب: بِالْكَسْرِ الْعَاقِبَة وَمن الْحمى مَا تَأْخُذ يَوْمًا وَتَدَع يَوْمًا. ف (76) : (بَاب الْغَيْن مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الْغَدَاء: الْأكل من الْفجْر إِلَى الظّهْر. الْغدر: الْخِيَانَة وَنقض الْعَهْد. (بَاب الْغَيْن مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الْغرَّة: بِالْفَتْح الخداع يَعْنِي (فريفتن) - وبالضم (اول ماه ودوم وسوم وسبيدي بيشانى اسب كه زياده ازدرم باشد) . فِي الْقَامُوس الْغرَّة بِالضَّمِّ العَبْد وَالْأمة وَمن الشَّهْر لَيْلَة استهلال الْقَمَر - وَمن الْهلَال طلعته - وَمن الْأَسْنَان بياضها وأولها - وَمن الْمَتَاع خِيَاره - وَمن الْقَوْم شريفهم - وَمن الْكَرم مَا يسرعه من الكباسة - وَمن الرجل وَجهه - وكل مَا بدا لَك من ضوء أَو أصبح فقد بَدَت غرته - وَفِي الْكِفَايَة غرَّة المَال خِيَاره كالفرس وَالْبَعِير النجيب وَالْعَبْد وَالْأمة. وَفِي الْمغرب غرَّة المَال خِيَاره - وَفِي الشَّرْع يُسمى بدل الْجَنِين وَهُوَ عبد أَو أمة قِيمَته نصف عشر الدِّيَة غرَّة لكَونه من خِيَار المَال - وَفِي مَبْسُوط فَخر الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى بدل الْجَنِين غرَّة لِأَن الْوَاجِب عبد وَالْعَبْد غرَّة - وَقيل لِأَنَّهُ أول مِقْدَار ظهر فِي بَاب الدِّيَة - وغرة الشَّيْء أَوله كَمَا يُسمى أول الشَّهْر غرَّة - وَسمي وَجه الْإِنْسَان غرَّة لِأَن أول شَيْء يظْهر مِنْهُ الْوَجْه انْتهى - فِي كنز الدقائق ضرب بطن امْرَأَة فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا تجب غرَّة نصف عشر الدِّيَة انْتهى. قَوْله نصف عشر الدِّيَة يجوز أَن يكون بَدَلا من غرَّة - أَو خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هِيَ نصف عشر الدِّيَة. الْغَرَض: فِي الْغَايَة. الغرابة: الندرة. وَعند أَصْحَاب الْمعَانِي كَون الْكَلِمَة وحشية أَي غير ظَاهِرَة الْمَعْنى وَلَا مأنوسة الِاسْتِعْمَال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 الْغُرَاب: أَنْوَاع - والحلال مِنْهَا غراب الزَّرْع وَهُوَ مَا لَا يَأْكُل الْجِيَف أصلا وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْفِقْه. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْغُرَاب الْجِسْم الْكل وَهُوَ أول صُورَة قبله الْجَوْهَر الهبائي وَبِه عمر الْخَلَاء وَهُوَ امتداد متوهم فِي غير جسم وَحَيْثُ قبل الْجِسْم الْكل الشكل من الأشكال الاستدارة علم أَن الْخَلَاء مستدير وَلما كَانَ هَذَا الْجِسْم أصل الصُّورَة الجسمية الْغَالِب عَلَيْهَا غسق الْإِمْكَان وسواده وَكَانَ فِي غَايَة الْبعد من عَالم الْقُدس والحضرة الأحدية سمي بالغراب الَّذِي مثل فِي الْبعد والسواد. الْغَرِيب: الْمُحْتَاج وَالْمُسَافر وَالْأَمر النَّادِر - والغريب عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث هُوَ الحَدِيث الَّذِي يكون إِسْنَاده مُتَّصِلا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَكِن يرويهِ وَاحِد إِمَّا من التَّابِعين أَو أَتبَاع التَّابِعين. الغرابية: قوم قَالُوا إِن مُحَمَّدًا بعلي أشبه من الْغُرَاب بالغراب والذباب بالذباب فَبعث الله تَعَالَى جِبْرَائِيل إِلَى عَليّ فغلط جِبْرَائِيل فِي تَبْلِيغ الرسَالَة من عَليّ إِلَى مُحَمَّد فيلعنون صَاحب الريش ويعنون بِهِ جِبْرَائِيل. الْغرُور: سُكُون النَّفس إِلَى مَا يُوَافق الْهوى أَو يمِيل إِلَيْهِ الطَّبْع. وَفِي تَفْسِير القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى الْغرُور وَهُوَ إِظْهَار النَّفْع فِيمَا فِيهِ الضَّرَر. (بَاب الْغَيْن مَعَ السِّين الْمُهْملَة) الْغسْل: هُوَ الإسالة مَعَ التقاطر. (بَاب الْغَيْن مَعَ الشين الْمُعْجَمَة) الغشاوة: وَهُوَ مَا يركب على وَجه مرْآة الْقلب من الصداء ويكل عين البصيرة ويعلو وَجه مرآتها. (بَاب الْغَيْن مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة) الْغَصْب: فِي اللُّغَة أَخذ الشَّيْء من الْغَيْر على وَجه الْقَهْر وَالظُّلم مَالا كَانَ أَو غَيره يُقَال غصب زَوْجَة فلَان وخمر فلَان. وَفِي الشَّرْع إِزَالَة الْيَد المحقة بِإِثْبَات الْيَد المبطلة فِي مَال مُتَقَوّم مُحْتَرم قَابل للنَّقْل بِغَيْر إِذن مَالِكه عَلَانيَة - وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ أَخذ مَال مُتَقَوّم مُحْتَرم بِلَا إِذن مَالِكه بِلَا خُفْيَة. فالغصب لَا يتَحَقَّق فِي الْميتَة لِأَنَّهَا لَيست الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 بِمَال. وَكَذَا فِي الْحر وَلَا فِي خمر الْمُسلم لِأَنَّهَا لَيست بمتقومة فِي حَقه وَلَا بِمَال الْحَرْبِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمحترم - وَقَوله بِلَا إِذن الْمَالِك احْتِرَاز عَن الْوَدِيعَة - وَقَوله بِلَا خُفْيَة عَن السّرقَة وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ إِثْبَات الْيَد المبطلة وَلَا يشْتَرط إِزَالَة الْيَد المحقة. وفوائد الْقُيُود فِي كتب الْفِقْه. وَفِي الْوِقَايَة الْغَصْب أَخذ مَال مُتَقَوّم مُحْتَرم بِلَا إِذن مَالِكه يزِيل يَده. وَذكر فِي الزَّاهدِيّ أَن الْغَصْب على ضَرْبَيْنِ. مَا هُوَ مُوجب للضَّمَان فَيشْتَرط إِزَالَة الْيَد وَمَا هُوَ مُوجب للرَّدّ فَيشْتَرط لَهُ إِثْبَات الْيَد وَلِهَذَا لَو كَانَ فِي يَد إِنْسَان درة ضرب عَلَيْهَا يَده فَوَقَعت فِي الْبَحْر فقد ضمن وَإِن فقد إِثْبَات الْيَد وَلَو أتلف ثَمَر بُسْتَان مَغْصُوب لم يضمن وَإِن وجد إِثْبَات الْيَد. وَعند أَرْبَاب المناظرة هُوَ منع الْمُقدمَة الممنوعة مَعَ الِاسْتِدْلَال بِدَلِيل يدل على انْتِفَاء تِلْكَ الْمُقدمَة قبل إِقَامَة الْمُعَلل الدَّلِيل على ثُبُوتهَا وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْمَنْع غصبا لِأَن السَّائِل ترك هُنَاكَ منصب نَفسه وَهُوَ الْمَنْع أَي مُطَابقَة الدَّلِيل وَغَايَة أمره تأييده مَنعه بالسند فَإِذا ترك منصبه وَأخذ منصب غَيره أَعنِي الْمُسْتَدلّ وَهُوَ الِاسْتِدْلَال فقد غصب حَقه كَمَا لَا يخفى. (بَاب الْغَيْن مَعَ الضَّاد الْمُعْجَمَة) الْغَضَب: هُوَ الشوق إِلَى دفع منافر للطبع. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ تغير يحصل عِنْد غليان دم الْقلب بِشَهْوَة الانتقام ليحصل عَنهُ الشِّفَاء للصدر لَكِن كثيرا مَا يحصل مِنْهُ الْمَرَض الَّذِي لَا شِفَاء لَهُ أَعنِي زَوَال الْعقل والعز وَالْحُرْمَة وَحُصُول الندامة والخسران وَللَّه در الشَّاعِر: شعر: (رفته رفته آبرو رابر طرف سازد غضب ... ) (آب راجندانكه جوشانند كمتر مي شود ... ) (بَاب الْغَيْن مَعَ الْفَاء) الْغَفْلَة: مُتَابعَة النَّفس على مَا تشتهيه وَقَالَ الْعَارِف التسترِي رَحمَه الله الْغَفْلَة إبِْطَال الْوَقْت بالبطالة وَقيل الْغَفْلَة عَن الشَّيْء أَن لَا يخْطر ببالك وَالْمرَاد بالغفلة فِي الْفِقْه فِي بَاب الْحجر الْغبن فِي التِّجَارَات وَالْعقد بِغَيْر الْمُرَابَحَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 (بَاب الْغَيْن مَعَ اللَّام) الْغُلَام: فِي الصَّبِي. الْغلَّة: مَا يردهُ بَيت المَال وَيَأْخُذهُ التُّجَّار من الدَّرَاهِم وَأَيْضًا غلَّة الشَّيْء حَاصله كَأُجْرَة الدَّار الْمُسْتَأْجرَة والزراعة الْحَاصِلَة من زرع الأَرْض. الْغَلَط: الْمُخَالف للْوَاقِع قَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة فِي حَوَاشِيه على شرح العقائد النسفية قَوْله قد يغلط كثيرا إِطْلَاق الْغَلَط مِنْهُم أَي اللاأدرية بِنَاء على زعم النَّاس انْتهى. إِشَارَة إِلَى دفع مَا يُقَال إِن الْغَلَط هُوَ الْمُخَالف للْوَاقِع وهم يُنكرُونَ الْوَاقِع وَوُجُود الْحس فَلَا يَصح أَن يُقَال إِنَّهُم يَقُولُونَ إِن الْحس قد يغلط وَحَاصِل الدّفع أَن إِطْلَاق الْغَلَط مِنْهُم بِنَاء على زعم النَّاس وَإِلَّا فَإِنَّهُم شاكون فِي وجود الْحس وَفِي إِدْرَاكه وَفِي غلطه بل فِي الشَّك أَيْضا فَافْهَم. الْغلُول: السّرقَة من الْمغنم. الْغَلَبَة: فِي الِاسْم على نَوْعَيْنِ: غَلَبَة فِي الْأَوْصَاف وَغَلَبَة فِي الْأَسْمَاء تسمى. غَلَبَة اسمية: وَهِي اخْتِصَاص الْوَصْف بِبَعْض أَفْرَاده بِحَيْثُ لَا يحْتَاج فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ إِلَى قرينَة كَمَا أَن أسود كَانَ مَوْضُوعا لكل مَا فِيهِ سَواد ثمَّ كثر اسْتِعْمَاله فِي الْحَيَّة السَّوْدَاء بِحَيْثُ لَا يحْتَاج فِي الْفَهم عَنهُ إِلَى قرينَة. الْغَلَبَة فِي الْأَسْمَاء: على نَوْعَيْنِ: غَلَبَة تحقيقية، وَغَلَبَة تقديرية. الْغَلَبَة التحقيقية: أَن يسْتَعْمل الِاسْم أَولا فِي الْمَعْنى ثمَّ يغلب على آخر. وَالْغَلَبَة التقديرية: أَن لَا يسْتَعْمل الِاسْم من ابْتِدَاء وَضعه فِي غير ذَلِك الْمَعْنى لَكِن يكون مُقْتَضى الْقيَاس أَن يسْتَعْمل فِيهِ. وَيجْرِي هَذَانِ القسمان فِي الْأَفْعَال والحروف أَيْضا. وَهَذَا التَّفْصِيل ينفعك فِي حَاشِيَة السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على المطول فِي مَبْحَث تَعْرِيف الْمسند إِلَيْهِ وَهِي قَوْله قَوْله ثمَّ جعل علما - قيل جعله علما - إِمَّا بطرِيق الْوَضع ابْتِدَاء وَإِمَّا بطرِيق الْغَلَبَة التقديرية فِي الْأَسْمَاء كَمَا أَن الرَّحْمَن من الصِّفَات الْغَالِبَة غَلَبَة تقديرية وَذَلِكَ لَا يُنَافِي اخْتِصَاص اسْم الله والرحمن بِهِ تَعَالَى انْتهى - قَوْله قدس سره (وَذَلِكَ لَا يُنَافِي إِلَى آخِره) جَوَاب دخل مُقَدّر تَقْدِيره أَنا لَا نسلم أَن فِي الرَّحْمَن غَلَبَة تقديرية فَإِنَّهَا تَقْتَضِي أَن يكون الرَّحْمَن مُسْتَعْملا فِي الْمَعْنى الْأَصْلِيّ لَكِن يكون قَلِيلا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك وَذَا لَا يُنَافِي الِاخْتِصَاص. وَحَاصِل الْجَواب أَن الْغَلَبَة التقديرية لَا تنَافِي الِاخْتِصَاص بِخِلَاف التحقيقية فَافْهَم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 ف (77) : (بَاب الْغَيْن مَعَ النُّون) الْغنم: فِي الضَّأْن وَفِي حَيَاة الْحَيَوَان الْغنم الشَّاء لَا وَاحِد لَهَا من لَفظه وَالْجمع أَغْنَام وغنوم - وَقَالَ الْجَوْهَرِي الْغنم اسْم مؤنث مَوْضُوع للْجِنْس يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَإِذا صغرتها ألحقتها الْهَاء فَقلت غنيمَة لِأَن أَسمَاء الجموع لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا إِذا كَانَت لغير الْآدَمِيّين فالتأنيث لَهَا لَازم. الغنة: صَوت يخرج من الخيشوم وَيجب إظهارها بالشدة فِي الْمِيم وَالنُّون إِذا كَانَتَا مشددتين نَحْو ثمَّ لتسألن. الْغنى: ضد الْفقر على ثَلَاث مَرَاتِب. الأولى: مَا يتَعَلَّق بِهِ وجوب الزَّكَاة. وَالثَّانيَِة: مَا يتَعَلَّق بِهِ وجوب صَدَقَة الْفطر وَالْأُضْحِيَّة وَهُوَ أَن يكون مَالِكًا لمقدار النّصاب فَاضلا عَن حَوَائِجه الْأَصْلِيَّة - وَالثَّالِثَة: مَا يتَعَلَّق بِهِ تَحْرِيم السُّؤَال وَهُوَ أَن يكون مَالِكًا لقوت يَوْمه وَمَا يستر بِهِ عَوْرَته وَكَذَا الْفَقِير الصَّحِيح الْقَادِر على الْكسْب يحرم عَلَيْهِ السُّؤَال. (بَاب الْغَيْن مَعَ الْوَاو) الْغَوْث: هُوَ القطب حِين مَا يلجأ إِلَيْهِ وَلَا يُسمى فِي غير ذَلِك الْوَقْت غوثا. (بَاب الْغَيْن مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة) غير الشَّيْء: سواهُ يُقَال هَذَا الشَّيْء غَيره أَي لَيْسَ عينه - فَإِن قيل: إِن الْمُتَكَلِّمين قَالُوا إِن صِفَات الله تَعَالَى لَا عينه وَلَا غَيره وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا ارْتِفَاع النقيضين فِي الظَّاهِر وَجمع بَينهمَا فِي الْحَقِيقَة - أما الأول فَظَاهر وَأما الثَّانِي فَلِأَن نفي الغيرية صَرِيحًا إِثْبَات العينية ضمنا وإثباتها ضمنا مَعَ نفي العينية صَرِيحًا جمع بَين النقيضين. وَكَذَا نفي العينية صَرِيحًا إِثْبَات الغيرية ضمنا وإثباتها ضمنا مَعَ نفي الغيرية صَرِيحًا جمع بَين النقيضين - فَالْجَوَاب أَن المُرَاد بِالْغَيْر عِنْدهم الْغَيْر المصطلح وَهُوَ المنفك عَن الشَّيْء فَمَعْنَى قَوْلهم إِن صِفَاته تَعَالَى لَا عينه وَلَا غَيره أَنَّهَا لَا عينه تَعَالَى وَلَا منفكة عَنهُ فَبين الْعين والغير بِهَذَا الْمَعْنى تقَابل التضاد والضدان لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَكِن يرتفعان. وَاعْلَم أَن الْغَيْر والمثل إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا مُبْتَدأ خَبره فعل مُثبت أَو منفي فَحِينَئِذٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 قد يُرَاد بهما مَا أضيفا إِلَيْهِ على الْكِنَايَة - وَإِن أردْت التَّفْصِيل والأمثلة فاطلب فِي الْمثل فَإِن لي فِيهِ تَحْقِيقا وضابطة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. غير المنصرف: فِي المنصرف إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَغير الْمِقْدَار: فِي بَاب التَّمْيِيز يعرف بالمقايسة على الْمِقْدَار قَالَ فَاضل الْأمة نجم الْأَئِمَّة الشَّيْخ الرضي الأسترابادي رَحمَه الله وَهُوَ كل فرع يحصل لَهُ بالتفريع اسْم خَاص يَلِيهِ أَصله وَيكون بِحَيْثُ يَصح إِطْلَاق اسْم الأَصْل عَلَيْهِ نَحْو خَاتم حديدا وَهُوَ ينْتَصب عَنهُ التَّمْيِيز. وَأما الْفَرْع الَّذِي لم يحصل لَهُ اسْم خَاص فَلَا يجوز انتصاب مَا يَلِيهِ على التَّمْيِيز نَحْو قِطْعَة ذهب انْتهى. وَلِصَاحِب المباحث: رَحمَه الله تَعَالَى ضابطة عَجِيبَة غَرِيبَة فِي خفض تَمْيِيز مُفْرد غير مِقْدَار ونصبه حَيْثُ قَالَ والضابطة أَن كل اسْم وضع بِصُورَة صناعية فِي مَادَّة كل وَاحِد مِنْهُمَا يُوجد بِدُونِ صَاحبهَا فَإِذا أفردت إِحْدَاهمَا بِالذكر الْتبس وَأبْهم مَادَّة أَو صُورَة فَإِذا ذكرتا مَعًا رفعت كل وَاحِد مِنْهُمَا إِبْهَام صَاحبهَا سَوَاء قدم اسْم الصُّورَة أَو أخر وَسَوَاء نصب اسْم الْمَادَّة أَو رفع أَو جر إِلَّا أَنه إِذا قدم اسْم الْمَادَّة لم ينْتَصب اسْم الصُّورَة على التَّمْيِيز بل يرْتَفع على الْبَدَلِيَّة وَإِذا أخر جَازَ فِيهِ الرّفْع على الْبَدَلِيَّة والجر بِالْإِضَافَة وانتصب على التَّمْيِيز وَهُوَ الْأَكْثَر لكَونه أخف وَخص اسْم التَّمْيِيز بالمنصوب اصْطِلَاحا وَإِلَّا فَمَعْنَى التَّمْيِيز حَاصِل فِي الْجَمِيع انْتهى - وَغير الْمِقْدَار عِنْد الْحُكَمَاء مَا لَا يَنْقَسِم. غير الْمُوجب: فِي الْمُوجب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْغَيْبَة بِالْفَتْح: غيبَة الْقلب عَن علم مَا سوى الله تَعَالَى حَتَّى عَن نَفسه حِين وُرُود أَمر عَظِيم من الله تَعَالَى واستيلاء سُلْطَان الْحَقِيقَة عَلَيْهِ فَهُوَ خَاص بِالْحَقِّ غَائِب عَن نَفسه وَعَن الْخلق كَمَا يذكر من قصَّة النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ حِين مُشَاهدَة يُوسُف على نَبينَا وَعَلِيهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِذا كَانَت الْغَيْبَة الْحَاصِلَة بمشاهدة جمال مخلوقه تَعَالَى هَكَذَا فَكيف يكون الْغَيْبَة الْحَاصِلَة بمشاهدة خَالق كل جميل وجمال. والغيبة بِالْكَسْرِ: أَن تذكر رجلا بِمَا يكرههُ فَإِن كَانَ فِيهِ فقد اغْتَبْته وَإِن لم يكن فِيهِ فقد بَهته أَي قلت عَلَيْهِ مَا لَيْسَ فِيهِ. الْغيرَة: كَرَاهَة شركَة الْغَيْر فِي حَقه. الغيهب: شَدِيد السوَاد من اللَّيْل وَغَيره والغياهب جمعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 ( [حرف الْفَاء] ) (بَاب الْفَاء مَعَ الْألف) الفاضلة: هِيَ المزية المتعدية وَجَمعهَا الْفَضَائِل وستعرفها فِي الْفَضَائِل إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْفَاحِشَة: فِي الْقَامُوس الزِّنَا وَمَا يشْتَد قبحه من الذُّنُوب وكل مَا نهى الله تَعَالَى عَنهُ. وَأَيْضًا الْفَاحِشَة هِيَ الَّتِي توجب الْحَد فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة. الفاتر: المَاء الَّذِي بَين الْحَار والبارد. الْفَاتِحَة: سُورَة الْفَاتِحَة وَابْتِدَاء كل شَيْء - فِي بُسْتَان أبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي من قَرَأَ الْفَاتِحَة أَو الْخَتْم بنية الْمَيِّت فِي يَوْم الْجُمُعَة يشوش روح الْمَيِّت لِأَن الْأَرْوَاح ترفع إِلَى مَا تَحت الْعَرْش يَوْم الْجُمُعَة حَتَّى الظّهْر ويسجدون لله تَعَالَى وَيصلونَ مَعَ جمَاعَة الْمَلَائِكَة فَإِذا قرئَ الْفَاتِحَة أَو الْخَتْم قبل صلَاتهَا ترجع الْأَرْوَاح إِلَى الْقَارئ وتلعنه إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى. الفاعلة: قُوَّة للحيوان قسم من قسمي الْقُوَّة المحركة وَهِي الْقُوَّة الَّتِي تعد العضلات بقبضها وبسطها على التحريك وَاعْلَم أَنهم قَالُوا إِن مبادئ الْأَفْعَال الاختيارية المنسوبة إِلَى النَّفس الحيوانية فِي الْأَغْلَب أَربع مَرَاتِب. أَولهَا: إِدْرَاك الجزئي للشَّيْء الملائم والمنافر. وَثَانِيها: الشوق الْبَاعِث وَهُوَ إِمَّا شَهْوَة أَو غضب. وَثَالِثهَا: الْإِرَادَة الجازمة. وَرَابِعهَا: تَحْرِيك العضلات. وَإِنَّمَا قَالُوا فِي الْأَغْلَب لِأَنَّهُ قد يَقع الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ بِلَا شوق كَأَن يكون الْإِنْسَان مُرِيد التَّنَاوُل مَا لَا يشتهيه من الدَّوَاء البشع. الْفَائِدَة: من الْمُفِيد فِي اللُّغَة (آنجه داده شود وكرفته شودازدانش وَمَال) وَفَائِدَة الْخَبَر عِنْد أَصْحَاب الْمعَانِي الحكم الَّذِي يقْصد بالْخبر إفادته ولازم فَائِدَة الْخَبَر هُوَ كَون الْمخبر عَالما بالحكم وَإِنَّمَا سمي الأول فَائِدَة الْخَبَر لكَونه مستفادا ومقصودا مِنْهُ بِوَضْعِهِ لَهُ فَهُوَ مُسْتَحقّ باسم الْفَائِدَة بِخِلَاف الثَّانِي فَإِن وضع الْخَبَر لَيْسَ لذَلِك بل هُوَ لَازم للْأولِ غير منفك عَنهُ لكنه لَيْسَ بِلَازِم مسَاوٍ بل لَازم أَعم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 ثمَّ اخْتلف فِي أَن فَائِدَة الْخَبَر ولازمها إِمَّا معلومان أَو علمَان أَو فَائِدَة الْخَبَر علم ولازمها مَعْلُوم فَذهب السكاكي إِلَى الأول حَيْثُ يفهم من كَلَامه فِي الْمِفْتَاح أَنَّهُمَا معلومان لَكِن اللُّزُوم بِاعْتِبَار علم السَّامع فعلى هَذَا فَائِدَة الْخَبَر هِيَ الحكم ولازمها كَون الْمخبر عَالما بِهِ وَمعنى اللُّزُوم أَنه كلما علم السَّامع الحكم علم كَونه عَالما بِهِ من غير عكس كلي كَمَا فِي قَوْلك حفظت الْقُرْآن لحافظه. وَذهب الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي شرح الْمِفْتَاح إِلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لما وجد اللُّزُوم بَينهمَا بِاعْتِبَار الْعلم جَعلهمَا علمين وَاعْتبر اللُّزُوم بَين العلمين بِاعْتِبَار التحقق وَأما الثَّالِث فَإِنَّهُ يفهم من قَول الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله فِي المطول وَيُمكن أَن يُقَال إِن لَازم فَائِدَة الْخَبَر الخ وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره وَأما عكس هَذَا أَي عكس الثَّالِث فَلَا صِحَة لَهُ أصلا لِأَن تحقق الحكم فِي نَفسه لَا يسْتَلْزم الْخَبَر فضلا عَن أَن يسْتَلْزم علم الْمُخَاطب من الْخَبَر نَفسه كَون الْمُتَكَلّم عَالما بالحكم. وَلَك أَن تتكلف فِي تَصْحِيحه أَي تَصْحِيح عكس الثَّالِث اعْتِبَار اللُّزُوم بَين الْعلم بالفائدة وَنَفس لازمها لكنه تعسف جدا انْتهى. قَوْله: وَلَك أَن تتكلف بِأَن تَقول إِن بَين فَائِدَة الْخَبَر الَّتِي هِيَ مَعْلُوم ولازمها الَّذِي هُوَ علم مُلَازمَة بِاعْتِبَار الْعلم بالفائدة وَنَفس اللَّازِم كَمَا جعل صَاحب الْمِفْتَاح الْفَائِدَة ولازمها معلومين والملازمة بَينهمَا بِاعْتِبَار الْعلم فَافْهَم. الْفَاعِل: عِنْد النُّحَاة اسْم أسْند إِلَيْهِ الْفِعْل الْمَعْلُوم أَو شبهه بالإصالة الْمُقدم عَلَيْهِ مثل ضرب زيد وَطَالَ زيد وَمَات زيد. الْفَاعِل الْمُخْتَار: هُوَ الَّذِي إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ ترك. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ الَّذِي يَصح أَن يصدر عَنهُ الْفِعْل مَعَ قصد وَإِرَادَة وَقد يكنى بِهِ إِلَى أَمر شنيع. فِي ذمّ رجل قَبِيح. كَمَا قَالَ قَائِل فِي هجو مُخْتَار خَان. (كم كسى در خانه مُخْتَار خَان بيكار بود ... هركرا ديديم اَوْ خود فَاعل مُخْتَار بود) الْفَاء الفصيحة: هِيَ الْفَاء الدَّاخِلَة على جَزَاء الشَّرْط الْمَحْذُوف فَهِيَ تفصح عَن شَرطهَا وَتظهر. الْفَاسِد: فِي الْبَاطِل وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا فرق بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل. الفئة: الطَّائِفَة المقيمة وَرَاء الْجَيْش للالتجاء إِلَيْهِم عِنْد الْهَزِيمَة. الْفَاسِق: من الْفسق وَسَيعْلَمُ فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَحكمه الْحَد فِيمَا يجب فِيهِ الْحَد والتعزيز فِي غَيره وَالْأَمر بِالتَّوْبَةِ ورد الشَّهَادَة وسلب الْولَايَة على اخْتِلَاف فِي ذَلِك بَين الْفُقَهَاء رَحِمهم الله تَعَالَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 الْفَاكِهَة: اسْم لما يُؤْكَل على سَبِيل التفكه أَي التنعم بعد الطَّعَام كالتفاح والبطيخ والمشمش لَا الْعِنَب وَالرُّمَّان وَالرّطب والقثاء وَالْخيَار. (بَاب الْفَاء مَعَ التَّاء الْفَوْقِيَّة) الْفَتْوَى: فِي السخاء وَالْكَرم. وَعند أَرْبَاب الْحَقَائِق أَن تُؤثر الْحق على نَفسك بالدنيا وَالْآخِرَة. ثمَّ اعْلَم أَن فتيا على وزن دنيا اسْم مَأْخُوذ من فتا بِالْفَتْح مصدر فَتى على وزن علم كَمَا أَن تقيا اسْم مَأْخُوذ من تقى وَالْفَتْوَى بِالْفَتْح لُغَة فِي فتيا كَمَا أَن تقوى لُغَة فِي تقيا وأصل فَتْوَى فتيا الْيَاء مَقْلُوبَة عَن الْوَاو للخفة. وَقَالَ بَعضهم إِن أفتى فرع فَتْوَى وفتوى فرع فتيا وفتيا فرع فتا مصدرا فافتا فرع الْمصدر بوسائط وَهَذَا الْفِعْل فِي الْمَزِيد من الْأَفْعَال المتصرفة يُقَال أفتى يُفْتِي إِفْتَاء واستفتى يستفتي استفتاء وَفِي الْمغرب أَن فَتْوَى مَأْخُوذ من فَتى وَمعنى فتيا حَادِثَة مُبْهمَة والافتاء تَبْيِين ذَلِك الْمُبْهم والاستفتاء السُّؤَال من الافتاء واشتقاقه اشتقاق صَغِير وَرُبمَا يمال فَتْوَى كَمَا يمال تقوى وَدَعوى وَيجْعَل حَرَكَة الْفَاء تَابِعَة لحركة الْوَاو فِي الْفَتْوَى لَا فِي التَّقْوَى وَالدَّعْوَى وَيكْتب الْألف فِي كلهَا على صُورَة الْيَاء لِأَن الْحَرْف الرَّابِع مَقْصُور إِلَّا وَقت الْإِضَافَة إِلَى الْمُضمر فَيُقَال فتواه ودعواه وتقواه بِخِلَاف فَتْوَى الْعلمَاء وَدَعوى الخصماء وتقوى الأتقياء وَجمع الْفَتْوَى فَتَاوَى بِفَتْح الْوَاو والمفتي من يبين الْحَوَادِث المبهمة. وَفِي الشَّرْع هُوَ الْمُجيب فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة. والنوازل الفرعية. أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي الشريفية شرح السِّرَاجِيَّة فِي بَاب مقاسمة الْجد وَمن رسم الْمُفْتِي أَنه إِذا كَانَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي جَانب وصاحباه فِي جَانب كَانَ هُوَ مُخَيّرا فِي أَي الْقَوْلَيْنِ شَاءَ انْتهى. ثمَّ اعْلَم أَن هَا هُنَا إشارات ولطائف: الأولى: إِن أفتا بِاعْتِبَار الثلاثي الْمُجَرّد من الْأَفْعَال الْغَيْر المتصرفة وَبِاعْتِبَار الْمَزِيد فِيهِ من الْأَفْعَال المتصرفة فَيَنْبَغِي للمفتي أَن لَا يتَصَرَّف فِي الْأُصُول والنصوص بِوَجْه من الْوُجُوه بل لَهُ جَوَاز التَّصَرُّف وَالِاخْتِيَار فِي الفرعيات والمستنبطات والمجتهدات. الثَّانِيَة: إِن أفتا مُتَعَدٍّ فَيَنْبَغِي أَن يكون علمه مُتَعَدِّيا إِلَى الْغَيْر. وَالثَّالِثَة: إِن أفتا من بَاب الْأَفْعَال وَهُوَ أول أَبْوَاب الْمَزِيد فَمن وصل إِلَى دَرَجَة الْإِفْتَاء لَهُ رَجَاء فتح أَبْوَاب الْمَزِيد. وَالرَّابِعَة: إِن الْمُفْتِي يَنْبَغِي أَن يكون ذَا فتوة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 فَإِن بَين الافتا والفتوة أخوة فَلَا يطْمع من المستفتي شَيْئا وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ الملال من كَثْرَة السُّؤَال. وَالْخَامِسَة: إِن أول أفتا وَآخره. ألف يُشِير أَن الْمُفْتِي يَنْبَغِي أَن يكون فِي الِابْتِدَاء والانتهاء متصفا بِوَصْف الاسْتقَامَة والصدق وَالْقِيَام بِأُمُور الدّين وَالْألف الْقطعِي الَّذِي فِي أَوله يُشِير أَن أول مَا وَجب على الْمُفْتِي هُوَ قطع الطمع. وَالسَّادِسَة: إِن عدد حُرُوف افتا وَهُوَ بِحِسَاب الْجمل أَربع مائَة وَاثْنَانِ وَثَمَانُونَ يُشِير أَن عدد كتب الْمُفْتِي فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع لَا يَنْفِي أَن يكون نَاقِصا عَنهُ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ بعد تفحص كتب ظَاهر الرِّوَايَة أَن عدد كتب الافتاء يصل إِلَى ذَلِك الْعدَد وَتلك الْكتب خَمْسَة صنفها الإِمَام مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وأساميها فِي هَذَا الْبَيْت. (مَبْسُوط وجامعين وزيادات باسير ... در ظَاهر الرِّوَايَة ايْنَ بنج رانكر) وَالْمرَاد بالجامعين: الْجَامِع الصَّغِير وَالْجَامِع الْكَبِير. وَالسَّابِعَة: إِن حُرُوف افتا خَمْسَة تُشِير أَن للمفتي أَن يُلَاحظ أَحْكَام الْكتب الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة ويحفظ الْأَركان الْخَمْسَة الإسلامية. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن بَاب الْأَفْعَال أول أَبْوَاب الْمَزِيد لِأَن الْمَزِيد نَوْعَانِ مَا فِيهِ همزَة الْوَصْل وَمَا لَيست فِيهِ وَالْأَصْل هُوَ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يسْقط فِيهِ حرف زَائِد من ماضيه لَا فِي الِابْتِدَاء وَلَا فِي الدرج. ثمَّ الأَصْل فِي ذَلِك الأَصْل بَاب الْأَفْعَال لِأَن الزَّائِد فِي أَوله حرف من مبدأ المخارج وَهِي الْهمزَة. ثمَّ اعلموا أَيهَا الناظرون أَن هَا هُنَا فَوَائِد غَرِيبَة نافعة بالعبارة الفارسية فِي كتاب مُخْتَار الِاخْتِيَار كتبتها فِي هَذَا الْمقَام. لينْتَفع بهَا الْخَواص والعوام. ف (78) : الْفَتْح: كشادن وَنَوع من أَنْوَاع ألقاب الْبناء وتحقيقه مَعَ تَحْقِيق. الفتحة: فِي الرّفْع. الْفتُوح: حُصُول شَيْء مِمَّا لم يتَوَقَّع ذَلِك مِنْهُ. الْفَتى والفتاة: الشَّاب والشابة وَيُسمى العَبْد وَالْأمة فَتى وفتاة وَإِن كَانَا كبيرين لِأَنَّهُمَا لَا يوقران توقير الْكِبَار لرقيتهما. فَتْرَة الرُّسُل: فِي زمَان فَتْرَة الرُّسُل. (بَاب الْفَاء مَعَ الْجِيم) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 الْفُجُور: هَيْئَة حَاصِلَة للنَّفس بهَا تباشر عُمُوما على خلاف الشَّرْع والمروة. الْفجْر: هُوَ الصُّبْح. (بَاب الْفَاء مَعَ الْحَاء) الْفَحْشَاء: كل مَا يتنفر عَنهُ الطَّبْع السَّلِيم. ويستنقصه الْعقل الْمُسْتَقيم. وَأَيْضًا الْبُخْل فِي أَدَاء الزَّكَاة. والفاحش الْبَخِيل جدا وَالْكثير الْغَالِب. وَالْفُحْش بِالضَّمِّ وَالْفَتْح (سخن درشت وناسزا) . وبالفتح خَاصَّة بِمَعْنى الْإِظْهَار أَيْضا قَالَ الله تَعَالَى {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء} . الْإِشَارَة فِيهِ إِلَى أَن الشَّيْطَان حِين يَعدكُم بالفقر ظَاهرا فَهُوَ يَأْمُركُمْ بالفحشاء حَقِيقَة. والفحشاء اسْم جَامع لكل سوء لِأَن عدته بالفقر يتَضَمَّن مَعَاني الْفَحْشَاء وَهِي الْبُخْل والحرص واليأس من الْحق وَالشَّكّ فِي مواعيد الْحق لِلْخلقِ بالرزق ومضاعفة الْحَسَنَات وَسُوء الظَّن بِاللَّه تَعَالَى وَترك التَّوَكُّل عَلَيْهِ تَعَالَى وَتَكْذيب قَول الْحق ونسيان فَضله وكفران النِّعْمَة والإعراض عَن الْحق والإقبال على الْخلق وَانْقِطَاع الرَّجَاء من الله تَعَالَى والتعلق بِغَيْرِهِ ومتابعة الشَّهَوَات وإيثار الحظوظ وَترك الْعِفَّة والقناعة والتمسك بحب الدُّنْيَا وَهُوَ رَأس كل خَطِيئَة وبذر كل بلية. وَلِهَذَا الْقَوْم بالانحطاط من كل مقَام على إِلَى منزل دني فِي مثل الْخُرُوج عَن حول الله تَعَالَى وقوته إِلَى حول نَفسه وقوتها - وَالنُّزُول عَن التَّسْلِيم - والتفويض إِلَى التَّدْبِير وَالِاخْتِيَار - وَمن العزائم إِلَى الرُّخص والتأويلات - والركون إِلَى غير الله بعد السّكُون مَعَه - وَالرُّجُوع إِلَى مَا ترك لله تَعَالَى بعد بذله فِي الله فَهَذِهِ كلهَا وأضعافها مِمَّا تضمنه عدَّة الشَّيْطَان بالفقر فَمن فتح على نَفسه بَاب وسوسته فَسَوف يبتلى بِهَذِهِ الْآيَات وَمن سد بَاب وسوسته بالعدة وَيفتح على نَفسه بَاب عدَّة الْحق بالمغفرة يفِيض الله عَلَيْهِ من بحار فَضله سِجَال نواله ويحفظه من هَذِه الْآفَات وَيُعْطِيه على عكسها من أَنْوَاع الكرامات ورفعة الدَّرَجَات - والركون فِي اللُّغَة الْميل. (بَاب الْفَاء مَعَ الْخَاء الْمُعْجَمَة) الْفَخر: الاستعظام على النَّاس بتعديد المناقب وَللَّه در الشَّاعِر: (لَيْسَ الْفَخر بِالْمَالِ وَالنّسب ... فَإِن الْفَخر بِالْعلمِ وَالْأَدب) (لَيْسَ الْيَتِيم من مَاتَ وَالِده ... فَإِن الْيَتِيم بِدُونِ الْعلم وَالْأَدب) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 وَهَذَا الشَّاعِر اقتبس من كَلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ خَليفَة رَسُول رب الْعَالمين موصل الطَّالِب إِلَى المطالب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ المرتضى بن أبي طَالب كرم الله وَجهه شرف الْمَرْء بالأدب لَا بِالْأَصْلِ وَالنّسب. الْفَخْذ: بِالْفَارِسِيَّةِ (ران) كَمَا قَالَ أَبُو نصر الفراهي رَحمَه الله تَعَالَى صَاحب النّصاب. (فَخذ ران عقب باشنه رجل باي ... ) وَفِي كنز الدقائق فِي بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَلَو قَالَا فيهمَا التميمية لم يجز حَتَّى ينسباها إِلَى فَخذهَا وَالْمرَاد بالفخذ هَا هُنَا الْقَبِيلَة الْخَاصَّة. وَفِي الصِّحَاح الْفَخْذ آخر الْقَبِيلَة السِّت - أَولهَا الشّعب - ثمَّ الْقَبِيلَة - ثمَّ الفصيلة - ثمَّ الْعِمَارَة بِكَسْر الْعين - ثمَّ الْبَطن - ثمَّ الْفَخْذ. (بَاب الْفَاء مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الْفِدْيَة: بِالْكَسْرِ. (سر بهَا وسر خريدي يَعْنِي طَعَام وَمَالِي كه براي واخر يدن نفس خودداده شود) . وَفِي الْكَشْف اسْم من الْفِدَاء بِمَعْنى الْبَدَل الَّذِي يخلص بِهِ عَن مَكْرُوه يتَوَجَّه إِلَيْهِ. الْفِدَاء: أَن يتْرك الْأَمِير أَسِيرًا كَافِرًا وَيَأْخُذ مَالا بدله. (بَاب الْفَاء مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الْفَرْض: فِي اللُّغَة التَّقْدِير كَمَا يُقَال فرض الْمحَال لَيْسَ بمحال أَي تَقْدِيره. وَبِمَعْنى تَجْوِيز الْعقل كَمَا فِي قَوْلهم الْمَفْهُوم إِن امْتنع فرض صدقه على كثيرين فجزئي وَإِلَّا فكلي أَي إِن امْتنع تَجْوِيز الْعقل صدقه وَإِلَّا فالجزئي لَا يمْتَنع تَقْدِير صدقه على كثيرين كَمَا لَا يخفى. وَالتَّقْدِير بِالْفَارِسِيَّةِ (اندازه كردن) . وَالْفَرْض على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: انتزاعي وَهُوَ إِخْرَاج مَا هُوَ مَوْجُود فِي الشَّيْء بِالْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْل وَلَا يكون الْوَاقِع مَا يُخَالف الْمَفْرُوض. وَالْآخر: اختراعي وَهُوَ التعمل واختراع مَا لَيْسَ بموجود فِي الشَّيْء بِالْقُوَّةِ أصلا وَيكون الْوَاقِع مَا يُخَالف الْمَفْرُوض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وَهَذَا هُوَ الْفَرْض فِي قَوْلهم فرض الْمحَال لَيْسَ بمحال. وَالْفَرْض فِي الشَّرْع مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ لَا شُبْهَة فِيهِ وَجمعه الْفُرُوض وَحكمه الثَّوَاب بِالْفِعْلِ وَالْعِقَاب بِالتّرْكِ وَالْكفْر بالإنكار فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ بِلَا تَأْوِيل. فالمنكر المؤول لَيْسَ بِكَافِر كَمَا أَن الْمُنكر فِي غير الْمُتَّفق عَلَيْهِ لَيْسَ بِكَافِر. فَلَا يرد أَن مسح ربع الرَّأْس فرض عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى. وَمِقْدَار شَعْرَة أَو ثَلَاث شَعرَات مثلا أَي أدنى مَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْمسْح فرض عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله. وَمسح كل الرَّأْس فرض عِنْد مَالك رَحمَه الله فَكل وَاحِد مُنكر لآخر فَالْأَمْر مُشكل وَقد يُطلق الْوَاجِب على الْفَرْض كَمَا ستطلع فِي الْوَاجِب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَالْفَرْض فِي اصْطِلَاح أهل الْفَرَائِض سهم مُقَدّر فِي كتاب الله تَعَالَى أَو سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو إِجْمَاع الْأمة أَو اجْتِهَاد مُجْتَهد فِيمَا لَا قَاطع فِيهِ - وَجمعه الْفُرُوض. (والفروض) أَي السِّهَام الْمقدرَة الْمَذْكُورَة سِتَّة النّصْف - وَالرّبع - وَالثمن - وَهَذِه الثَّلَاثَة تسمى بالنوع الأول - وَالثَّلَاثَة الْأَخِيرَة أَعنِي الثُّلثَيْنِ - وَالثلث - وَالسُّدُس - تسمى بالنوع الثَّانِي. وَفِي كل من النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورين تَضْعِيف وتنصيف فَإِن النّصْف ضعف الرّبع وَهُوَ ضعف الثّمن - وَالثمن نصف الرّبع وَهُوَ نصف النّصْف وَقس عَلَيْهِ النَّوْع الثَّانِي قيل لَا يتَصَوَّر اجْتِمَاع النّصْف وَالرّبع وَالثمن فِي مَسْأَلَة أَقُول يتَصَوَّر ذَلِك فِي الْخُنْثَى بِأَن مَاتَ وَترك زوجا وَزَوْجَة وبنتا وَاحِدَة فَللزَّوْج الرّبع وَالزَّوْجَة الثّمن وللبنت النّصْف. وَاعْلَم أَن الْفَرْض عِنْد الْفُقَهَاء يُطلق أَيْضا على شَرط الصَّلَاة وصفتها دَائِما يسْتَعْمل خَاصَّة فِي الصّفة الَّتِي هِيَ عبارَة عَن الرُّكْن أَيْضا. الْفَرِيضَة: فعيلة من الْفَرْض وَهِي فِي الشَّرْع مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ لَا شُبْهَة فِيهِ. وَأَيْضًا الْفَرِيضَة مَا قدر من السِّهَام فِي الْمِيرَاث وَجَمعهَا الْفَرَائِض أَيْضا كَمَا هِيَ جمع الْفَرْض وَقد علمت من هَذَا الْبَيَان أَن الْفَرِيضَة وَالْفَرْض وَاحِد. الْفَرَائِض: الْفَرْض جمع الْفَرِيضَة. وَإِن أردْت تَحْقِيق الْفَرَائِض فَارْجِع إِلَى علم الْفَرَائِض فَإِن هُنَاكَ تحقيقات دقيقة وتدقيقات حَقِيقَة. ثمَّ اعْلَم أَن فِي الْفَرَائِض مسَائِل عَجِيبَة لَطِيفَة. يصعب على المتعلمين الْوُصُول إِلَى أدنى مدارجها. وأجوبة غَرِيبَة يشكل على المعلمين الصعُود على أَعلَى معارجها. اذكر بَعْضهَا بعد التمَاس الأحباب. متوكلا ومستعينا بملهم الصدْق وَالصَّوَاب. فَإِن سُئِلَ عَن رجل مَاتَ وَترك أَخا أعيانيا ويرثه أَخُو امْرَأَته دون أَخِيه بِلَا مَانع شَرْعِي - فَالْجَوَاب أَن زيدا مثلا تزوج بِأم امْرَأَة أَبِيه عَمْرو فولد لزيد مِنْهَا ابْن فَمَاتَ زيد ثمَّ مَاتَ عَمْرو وَترك أَخا أعيانيا وَابْن ابْنه الَّذِي هُوَ أَخُو امْرَأَته فَالْمَال كُله لِابْنِ ابْنه دون أَخِيه. فَإِن قيل كَيفَ أَن رجلا مَاتَ وَترك عَم أَبِيه الأعياني ويرثه خَاله دون الْعم الْمَذْكُور - قُلْنَا: تزوج زيد مثلا بِأم امْرَأَة أَخِيه عَمْرو لأَب وَأم فَولدت لَهُ ابْنا مُسَمّى ببكر وَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 لعَمْرو ابْن مُسَمّى بِخَالِد وَعم أعياني أَيْضا مُسَمّى بطلحة ثمَّ مَاتَ زيد ثمَّ عَمْرو ثمَّ ابْنه خَالِد فتركته لبكر دون عَم عَمْرو أَعنِي طَلْحَة. وَإِن سُئِلَ عَن رجل وَأمه ورثا المَال نِصْفَيْنِ - فَالْجَوَاب أَن زيدا زوج ابْنَته ابْن أَخِيه فَولدت لَهُ ابْنا فَمَاتَ ابْن الْأَخ ثمَّ مَاتَ زيد وَخلف بنته وَابْنهَا الَّذِي هُوَ ابْن ابْن أَخِيه فللبنت النّصْف ولابنها النّصْف الْبَاقِي. وَإِن سُئِلت عَن ثَلَاثَة إخْوَة لأَب وَأم ورث أحدهم ثُلثي المَال وكل من الْأَخَوَيْنِ سدسا. فَالْجَوَاب أَن الْمَيِّت امْرَأَة لَهَا ثَلَاثَة من بني الْعم أحدهم زَوجهَا فَتَصِح المسئلة من سِتَّة للزَّوْج النّصْف بالفرضية وَهُوَ ثلثه وَالْبَاقِي بَينهم أَثلَاثًا بالعصوبة. وَإِن سُئِلَ عَن رجل ترك أَربع نسْوَة فورثت إِحْدَاهُنَّ ربع المَال وَنصف ثمن وَالثَّانيَِة نصف المَال وَنصف ثمن وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة ثمن المَال. فَالْجَوَاب أَنه رجل تزوج بابنة خَالَته لأَب وَابْنَة عَمه لأَب وَابْنَة خَالَته لأم وَابْنَة عَمه لأم فَمَاتَ وَلم يتْرك وَارِثا سواهن فللنسوة الرّبع ولابنة الْخَالَة لأَب الثُّلُث ولابنة الْعم لأَب الْبَاقِي وَلَا شَيْء لابنَة الْخَالَة لأم ولابنة الْعم لأم من جِهَة الْقَرَابَة النسبية فتصحيح المسئلة من سِتَّة عشر. أَرْبَعَة أسْهم لَهُنَّ بالفرضية ولابنة الْخَالَة لأَب ثلث مَا بَقِي وَهُوَ أَرْبَعَة - ولابنة الْعم لأَب الثَّمَانِية الْبَاقِيَة فَصَارَ لابنَة الْخَالَة لأم سَهْمَان وهما ثلث جَمِيع المَال. ولابنة الْخَالَة لأَب خَمْسَة وَهُوَ ربع المَال وَنصف الثّمن. فَإِن قيل: كَيفَ يقسم تَرِكَة من خلف خالا لِابْنِ عمته وعمة لِابْنِ خَاله قُلْنَا: إِنَّه يقسم تركته أَثلَاثًا لِأَن الأول أَبوهُ وَالثَّانيَِة أمه - فَإِن قيل أَي مسئلة تصح من تسعين وأصحابها سِتَّة يَأْخُذ وَاحِد مِنْهُم سَهْما وَاحِدًا - قُلْنَا هِيَ أم وجد وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ وإخوان وَأُخْت لأَب وَهِي من سِتَّة. وَثلث الْبَاقِي بعد سهم الْأُم وَهُوَ ثلث جَمِيع المَال خير للْجدّ فَيضْرب مخرج الثُّلُث فِي المسئلة بلغ ثَمَانِيَة عشر للْأُم ثَلَاثَة وللجد خَمْسَة وَللْأُخْت الأعيانية تِسْعَة يبْقى سهم لَا يَسْتَقِيم على خَمْسَة علاتية فَيضْرب عدد الْخَمْسَة فِي الْمبلغ الْمَذْكُور أَعنِي ثَمَانِيَة عشر بلغ تسعين فللأخوين العلاتيين أَرْبَعَة أسْهم وَللْأُخْت العلاتية سهم وَاحِد هَذِه مسئلة الْجد على مَذْهَب زيد بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَإِن قيل: أَي مسئلة لَا يزِيد أَصْحَابهَا على عشرَة وَلم تصح من أقل من ثَلَاثِينَ ألفا - قُلْنَا إِنَّهَا مسئلة أَربع نسْوَة وَخمْس جدات وَسبع بَنَات وَتِسْعَة إخْوَة لأَب هِيَ من أَرْبَعَة وَعشْرين وَتَصِح من ثَلَاثِينَ ألفا وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَقد اشتهرت فِيمَا بَينهم بمسئلة الامتحان. فَإِن قيل: أَي مسئلة أخذت الْأُخْت فِيهَا دِينَارا وَأخذ الْوَرَثَة الْبَاقُونَ التَّرِكَة الْبَاقِيَة أَعنِي سِتّ مائَة دِينَار قُلْنَا إِنَّهَا مسئلة زَوْجَة وَأم وبنتين وَاثنا عشر أَخا لِأَبَوَيْنِ وأختا أعيانية. أصل المسئلة من أَرْبَعَة وَعشْرين للزَّوْجَة ثَلَاثَة وَللْأُمّ أَرْبَعَة وللبنتين سِتَّة عشر وَالْوَاحد الْبَاقِي لَا يَسْتَقِيم على الْإِخْوَة وَالْأُخْت وَعدد رُؤُوس الْإِخْوَة وَالْأُخْت خَمْسَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 وَعِشْرُونَ فَتضْرب فِي المسئلة بلغ سِتّ مائَة فللزوجة خَمْسَة وَسَبْعُونَ وَللْأُمّ مائَة وللبنتين أَربع مائَة وَلكُل أَخ سَهْمَان وَللْأُخْت وَاحِد. رُوِيَ أَن هَذِه المسئلة وَقعت فِي زمَان شُرَيْح رَحمَه الله تَعَالَى فَحكم بِهَذَا الطَّرِيق فَجَاءَت الْأُخْت عليا المرتضى كرم الله وَجهه فتظلمته فَقَالَت ترك أخي سِتّ مائَة دِينَار وَلم يُعْطِنِي سوى دِينَار وَاحِد فَقَالَ عَليّ على الْفَوْر لَعَلَّ أَخَاك ترك هَذِه الْوَرَثَة فَقَالَت نعم فَقَالَ مَا ظلمك. فَإِن قيل جَاءَت امْرَأَة عِنْد القَاضِي فَقَالَت لَهُ لَا تعجل فِي الْقِسْمَة فَإِنِّي حُبْلَى إِن أَلد أُنْثَى تَرث وَإِن أَلد ذكرا لم يَرث كَيفَ تكون هَذِه المسئلة. قُلْنَا إِن هَذِه الْمَرْأَة زَوْجَة ابْن للْمَيت وَالْوَرَثَة الظاهرون للْمَيت زوج وأبوان وَبنت. فَإِن ولدت ذكرا فَأصل المسئلة من اثْنَي عشر وتعول إِلَى ثَلَاثَة عشر فَللزَّوْج ثَلَاثَة وَلكُل من الْأَبَوَيْنِ اثْنَان وللبنت سِتَّة وَلَا شَيْء لِابْنِ الابْن. وَإِن ولدت أُنْثَى تعول المسئلة إِلَى خَمْسَة عشر إِذْ يكون للْبِنْت مَعَ بنت الابْن الثُّلُثَانِ أَي الثَّمَانِية فَيكون النّصْف أَعنِي السِّتَّة للْبِنْت وَالسُّدُس لبِنْت الابْن تَكْمِلَة للثلثين. وَيُمكن أَن تكون هَذِه الْمَرْأَة زَوْجَة الْأَب وَالْوَرَثَة الظاهرون زوج وَأم وأختان لأم. فَإِن كَانَ الْوَلَد ذكرا كَانَ أَخا لأَب فَلَا يَرث لاستكمال السِّهَام بذوي الْفُرُوض. وَإِن كَانَ أُنْثَى فلهَا النّصْف فتعول المسئلة من سِتَّة إِلَى سَبْعَة. فَإِن قيل: إِنَّه حضر فِي مجْلِس القَاضِي وارثان فَقَالَ أَحدهمَا لآخر أَعْطِنِي نصف مَا مَعَك من التَّرِكَة ليتم لي أحد عشر دِينَارا. وَقَالَ الآخر بل أَنْت أَعْطِنِي ثلث مَا مَعَك مِنْهَا ليتم لي اثْنَا عشر دِينَارا كم كَانَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا. قُلْنَا كَانَ مَعَ الأول سِتَّة وَمَعَ الآخر عشرَة وتتم السِّتَّة بِنصْف الْعشْرَة أحد عشر وَالْعشرَة بِثلث السِّتَّة اثْنَي عشر. وَإِن سُئِلَ كَانَ لرجل ثَلَاث قطائع من الْغنم ثَانِيهَا ثَلَاثَة أَمْثَال أَولهَا وَثَالِثهَا ثَلَاثَة أَمْثَال ثَانِيهَا فأوصى لأحد بِثُلثي الأول وَثَلَاثَة أَربَاع الثَّانِيَة وَخَمْسَة أَسْدَاس الثَّالِثَة فَأعْطَاهُ القَاضِي مائَة وَخَمْسَة وَعشْرين رَأْسا كم كَانَ كل قطيعة مِنْهَا، قُلْنَا عدد القطيعة الأولى اثْنَا عشر وَعدد الثَّانِيَة سِتَّة وَثَلَاثُونَ وَعدد الثَّالِثَة مائَة وَثَمَانِية وَثلثا الأول ثَمَانِيَة وَثَلَاثَة أَربَاع الثَّانِيَة سَبْعَة وَعِشْرُونَ وَخَمْسَة أَسْدَاس الثَّالِثَة تسعون والجميع مائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ. وَإِن قيل حضر وارثان عِنْد القَاضِي فَقَالَ أَحدهمَا إِنِّي أخذت من حِصَّة صَاحِبي عَن تَرِكَة مورثنا عشرَة إِلَّا نصف مَا أَخذه من حصتي وَصدقه الآخر. كم لكل وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر. قيل كَانَ للْأولِ على الآخر ثَمَانِيَة وَللْآخر على الأول أَرْبَعَة. وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون للْأولِ على الآخر اثْنَان وَله عَلَيْهِ ثَمَانِيَة عشر وَإِن أَرَادَ مثلا فَالْجَوَاب لَيْسَ بصواب لِأَن السَّائِل طَالب التَّعْيِين كَمَا لَا ستْرَة عَلَيْهِ وَإِن سُئِلَ أَن رجلا خلف ابْنا وبنتين وَأوصى فِي مَرضه لأَجْنَبِيّ بِمثل نصيب الابْن إِلَّا نصف مَا يبْقى من ربع المَال بعد نصِيبهَا وَلآخر بِمثل نصيب الابْن وَالْبِنْت إِلَّا سدس المَال. كم أصل التَّرِكَة وَنصِيب كل وَاحِد. فَالْجَوَاب أَن أصل المسئلة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ للِابْن سِتَّة وَلكُل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 بنت ثَلَاثَة وللموصى لَهُ الأول خَمْسَة وللموصى لَهُ الثَّانِي اثْنَان وللموصى لَهُ الثَّالِث خَمْسَة. وَإِن سُئِلَ عَن صُورَة يكون كل من الْمُورث وَالْوَارِث ابْن عَم الآخر وَابْن خَالَته، فَالْجَوَاب صورته أَن ينْكح رجلَانِ كل أُخْت الآخر لِأَبِيهِ وهما اخوان للْأُم فتولد لَهما ابْنَانِ. فَإِن قيل كَيفَ أَن يكون كل من الْمُورث وَالْوَارِث خالا لآخر - وَالثَّانِي عَمَّا للْأولِ. قُلْنَا ذَلِك بِأَن يتَزَوَّج رجل امْرَأَة وَابْنه أمهَا فولد لكل مِنْهُمَا ابْن فولد الرجل عَم لِابْنِ الابْن لَهُ وَولد ابْنه خَال لِابْنِ الرجل. وَإِن قيل كَيفَ يكون الْوَارِث عَمَّا للمورث وَعَما لأمه قُلْنَا بِأَن يتَزَوَّج الْأَخ العلاتي لرجل بنت أَخِيه الأخيافي فَولدت لَهُ ولدا فَمَاتَ الْوَلَد وَخلف ذَلِك الرجل وَإِن قيل كَيفَ يَقع أَن يكون الْمُورث خالا للْوَارِث وَعَما لَهُ قُلْنَا ذَلِك بِأَن يتَزَوَّج أَبُو أبي رجل بِأم أمه فَولدت لَهُ ابْنا وَهُوَ عَم الرجل وخاله أَو تزوج الْأَخ العلاتي لشخص أُخْتا إخيافية لَهُ فَولدت ابْنا فَذَلِك الشَّخْص عَم الابْن وخاله وَإِن قيل كَيفَ يكون أَن يَقع كل من الْوَارِث والمورث عَمَّا لآخر قُلْنَا بِأَن تزوج كل من الْأَخَوَيْنِ الإخيافيين بِأم أَب الآخر فولد لَهما ابْنَانِ. وَإِن سُئِلَ عَن صُورَة يكون الْوَارِث عَمَّا للمورث وَابْن خَاله. فَالْجَوَاب أَنَّهَا بِأَن تزوج خَال الْمُورث بِأم أَبِيه فَولدت لَهُ ابْنا لَهُ وَهَذَا الابْن يكون عَم الْمُورث وَابْن خَاله أَيْضا. الفرط: بِفَتْح الأول وَالثَّانِي الْأجر الْمُقدم. الْفَرد: بِالْفَارِسِيَّةِ (تنها) وَهُوَ مَا يتَنَاوَل شَيْئا وَاحِدًا دون غَيره فَهُوَ خلاف الزَّوْج وَجمعه أَفْرَاد وَمن لَا نَظِير لَهُ وَجمعه فُرَادَى والأفراد أَيْضا. وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب الْعرُوض الْبَيْت الْوَاحِد. وَفِي اصْطِلَاح أهل الْحساب خلاف الزَّوْج وتحقيقه فِي الزَّوْج. وَعند المنطقيين هُوَ الطبيعة الْمَأْخُوذَة مَعَ الْقَيْد بِأَن يكون كل من الْقَيْد وَالتَّقْيِيد دَاخِلا كزيد وَعَمْرو للْإنْسَان والطبيعة المنضافة إِلَى الْقَيْد بِأَن يكون التَّقْيِيد من حَيْثُ هُوَ تَقْيِيد دَاخِلا والقيد خَارِجا هِيَ الْحصَّة كوجود زيد وَوُجُود عمر وَوُجُود بكر فالوجود حَقِيقَة وَاحِدَة وَله أَفْرَاد حصصية. وَالْحَاصِل أَن الْحَقِيقَة إِن كَانَت ملحوظة مَعَ التَّقْيِيد والقيد فَهِيَ الْفَرد - وَإِن كَانَت ملحوظة مَعَ التَّقْيِيد فَقَط فَهِيَ الْحصَّة - وَإِن كَانَت ملحوظة مَعَ الْقَيْد فَقَط فَهِيَ الشَّخْص وعَلى التَّحْقِيق أَن الشَّخْص هُوَ معروض التشخص وَهَذَا هُوَ الْفرق بَين الْفَرد والحصة والشخص عِنْدهم. وَأما عِنْد أَرْبَاب الْمعَانِي فالفرد والحصة بِمَعْنى وَاحِد فَإِن قلت فَلم اخْتَارَهَا الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي المطول فِي تَعْرِيف الْمسند إِلَيْهِ بِاللَّامِ فِي شرح قَوْله بِاللَّامِ للْإِشَارَة إِلَى مَعْهُود حَيْثُ قَالَ أَي إِلَى حِصَّة من الْحَقِيقَة وَلم يقل إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 فَرد قلت لِأَن الْمُتَبَادر من الْفَرد الشَّخْص الْوَاحِد وَهُوَ مخل بِالْمَقْصُودِ لِأَن الْمَعْهُود الْخَارِجِي قد يكون نوعا وَقد يكون أَكثر من وَاحِد وَلذَا قَالَ فِيمَا بعد وَاحِدًا كَانَ أَو أَكثر أَو جمَاعَة فتفرد رَحمَه الله تَعَالَى عَن الْفَرد وَأخذ الْحصَّة. وَمن هَا هُنَا ينْدَفع مَا قيل إِن لَام التَّعْرِيف فِي قَول الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى الْكَلِمَة لفظ إِلَى آخِره لَا تصح أَن يكون للْعهد لِأَنَّهُ يُشِير إِلَى الْفَرد الشخصي الْمنَافِي لمقام التَّعْرِيف. وَوجه الاندفاع إِن حصر إِشَارَته فِي الْفَرد الشخصي مَمْنُوع لِأَنَّهُ يُشِير إِلَى النَّوْع الْوَاحِد الْمَعْهُود أَيْضا. الْفَرد الأول: هُوَ الْعدَد الْفَرد الَّذِي لَا يعده سوى الْوَاحِد عدد آخر كالثلاثة والسبعة. الْفرْقَة: بِالضَّمِّ (جدائي) وبالكسر الطَّائِفَة من النَّاس قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَتَفْتَرِقُ أمتِي ثَلَاثًا وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة. قيل وَمن هم أَي الْفرْقَة النَّاجِية قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام الَّذين هم على مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام كلهَا فِي النَّار أَي من حَيْثُ الِاعْتِقَاد الْبَاطِل فَلَا يرد أَنه لَو أُرِيد الخلود فِيهَا فَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع فَإِن الْمُؤمنِينَ لَا يخلدُونَ فِي النَّار. وَإِن أُرِيد مُجَرّد الدُّخُول فِيهَا فَهُوَ مُشْتَرك بَين الْفرق إِذْ مَا من فرقة إِلَّا وَبَعْضهمْ عصاة وَالْقَوْل بِأَن مَعْصِيّة الْفرْقَة النَّاجِية مُطلقًا مغفورة بعيد جدا. وَلَا يبعد أَن يكون المُرَاد اسْتِقْلَال مكثهم فِي النَّار بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر الْفرق ترغيبا فِي تَصْحِيح العقائد ذكره الْمُحَقق الْجلَال الدواني فِي شرح العقائد العضدية. الْفرق: هُوَ التَّفْرِقَة. الْفَرح: لَذَّة فِي الْقلب لنيل المشتهى. فَرح الْكَوَاكِب: عبارَة عَن سرورها وتأثيرها فَرحا وسرورا للْعَالم وسعادة لمولود فِي وَقت فرحها وَيكون الشُّرُوع فِي أَمر فِي ذَلِك الْوَقْت حسنا مَحْمُودًا وَلكُل كَوْكَب فَرح فَإِن للشمس مثلا فَرح إِذا كَانَت فِي الدرجَة الثَّالِثَة من الْأسد أَو الدَّلْو أَو الْحمل أَو الْمِيزَان. وَإِن أردْت أَن تعرف دَرَجَات فَرح سَائِر الْكَوَاكِب فَارْجِع إِلَى شرف الْكَوَاكِب فَإِن هُنَاكَ جد وَلَا يفرحك فَرحا عَظِيما. الْفَرْع: خلاف الأَصْل وَهُوَ اسْم لشَيْء يبتني على غَيره. الْفرج: بِفتْحَتَيْنِ (كشادكي وكشايش) . وبالسكون (شرمكاه مرد وزن) - وَقد اشْتهر فِي فرج الْمَرْأَة ولفرجها دَاخل وخارج - وَالْفرق بَين الْفرج الدَّاخِل وَالْخَارِج أَن ثقبة الْمَرْأَة على صُورَة الْفَم فالفرج الدَّاخِل كَمَا بَين الْأَسْنَان وجوف الْفَم وَمَوْضِع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 الْبكارَة كالأسنان - والفرج الْخَارِج كَمَا بَين الشفتين والأسنان والركنان كالشفتين. الْفرْقَان: الْقُرْآن الْمجِيد وَالْعلم التفصيلي الْفَارِق بَين الْحق وَالْبَاطِل. الْفراش: بِالْكَسْرِ كَون الْمَرْأَة متعينة للولادة لشخص وَاحِد. الفرائد: جمع الفريدة وَهِي الدرة الْكَبِيرَة وفرائد الدّرّ كِبَارهَا. الفرسخ: مُعرب فرسنكك وَسَيَجِيءُ تَحْقِيقه فِي الْميل. الْفرس: وَاحِد الْخَيل وَالْجمع أَفْرَاس - الذّكر وَالْأُنْثَى فِي ذَلِك سَوَاء - وَقَالَ الْجَوْهَرِي كَانَ يُسمى الْأُنْثَى من الْخَيل فرسا وَهُوَ اسْم على الذّكر وَالْأُنْثَى فرسة - وروى أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُسَمِّي الْأُنْثَى من الْخَيل فرسا. وَالْفرس أشبه الْحَيَوَان بالإنسان لما يُوجد فِيهِ من الْكَرم وَشرف النَّفس وعلو الهمة. وتزعم الْعَرَب أَنه كَانَ وحشيا وَأول من ذلله وَركبهُ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام. وَالْفرس الْعَتِيق مَا أَبَوَاهُ عربيان سمي بذلك لعتقه من الْعُيُوب وسلامته من الطعْن فِيهِ بالأمور المنقصة. ف (79) : (بَاب الْفَاء مَعَ السِّين الْمُهْملَة) الْفساد: عِنْد الْحُكَمَاء زَوَال الصُّورَة عَن الْمَادَّة بعد أَن كَانَت حَاصِلَة وَهُوَ الْكَوْن وَالْفساد - وَعند الْفُقَهَاء كَون الْعَمَل مَشْرُوعا بِأَصْلِهِ غير مَشْرُوع بوصفه فالفساد يرادف الْبطلَان. فَسَاد الْوَضع: فِي أصُول الْفِقْه عبارَة عَن كَون الْجَامِع فِي الْقيَاس بِحَيْثُ قد ثَبت اعْتِبَاره بِنَصّ أَو إِجْمَاع فِي نقيض الحكم الَّذِي أثْبته الْمُعَلل - وَعبارَة بَعضهم فَسَاد الْوَضع أَن لَا يكون الْقيَاس على الْهَيْئَة الصَّالِحَة لاعتباره فِي ترَتّب الحكم كتلقي التَّضْيِيق من التوسيع يَعْنِي أَن يكون الْمقَام مقتضيا للتوسيع والمعلل أثبت بتعليله التَّضْيِيق - وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فَسَاد الْوَضع عبارَة عَن كَون الْعلَّة مُعْتَبرَة فِي نقيض الحكم بِالنَّصِّ أَو الْإِجْمَاع مثل تَعْلِيل أَصْحَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى لإِيجَاب الْفرْقَة بِإِسْلَام أحد الزَّوْجَيْنِ. الْفَسْخ: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْبطلَان. وَعند الْقَائِلين بالتناسخ هُوَ نزُول النَّفس الإنسانية وانتقالها من الْبدن الإنساني إِلَى الْأَجْسَام الجمادية. الفسيح: بِالْحَاء الْمُهْملَة الوسيع وَقيل الفسيح الْغَلَط. فَمَعْنَى قَوْلهم غلط الْعَام فسيح أَنه وسيع وَفِيه وسعة أَو غلط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 الْفسق: الْخُرُوج عَن طَاعَة الله تَعَالَى بارتكاب الْكَبِيرَة وَيَنْبَغِي أَن يُقيد بِعَدَمِ التَّأْوِيل فِي ارْتِكَاب الْكَبِيرَة للاتفاق على أَن الْبَاغِي لَيْسَ بفاسق - وَفِي معنى ارْتِكَاب الْكَبِيرَة الْإِصْرَار على الصَّغَائِر بِمَعْنى الْإِكْثَار مِنْهَا سَوَاء كَانَت من نوع وَاحِد أَو من أَنْوَاع مُخْتَلفَة - وَأما استحلال الْمعْصِيَة بِمَعْنى اعْتِقَاد حلهَا فَكفر صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة. وَكَذَا الاستهانة بهَا بِمَعْنى عدهَا هَيْئَة ترتكب من غير مبالات وتجري مجْرى الْمُبَاحَات وَلَا خَفَاء فِي أَن المُرَاد مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ. (بَاب الْفَاء مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة) الفصاحة: فِي اللُّغَة الْإِبَانَة والظهور وخلوص الْكَلَام عَن اللكنة وانطلاق اللِّسَان والجودة والصراحة والوضوح - وَفِي المطول الفصاحة تنبئ عَن الْإِبَانَة والظهور. يُقَال فصح الأعجمي وأفصح إِذا انْطلق لِسَانه وخلصت لغته عَن اللكنة وجادت فَلم يلحن أَي لم يُخطئ وأفصح بِهِ أَي صرح انْتهى - وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه يفهم من هَذَا الْكَلَام أَنه لم يثبت عِنْد الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَن الفصاحة مُشْتَركَة فِي الْمعَانِي الْمَذْكُورَة أَو حَقِيقَة أَو مجَاز لِأَنَّهُ قَالَ تنبئ عَن الْإِبَانَة والظهور لوُجُود الظُّهُور فِي جَمِيع مَعَانِيهَا. والفصاحة يُوصف بهَا الْمُفْرد وَالْكَلَام والمتكلم - أما فصاحة الْمُفْرد فخلوصه من تنافر الْحُرُوف والغرابة وَمُخَالفَة الْقيَاس اللّغَوِيّ - وفصاحة الْكَلَام التَّام كَونه مركبا من الْكَلِمَات الفصيحة وخلوصه من ضعف التَّأْلِيف وَمن تنافر الْكَلِمَات الْحَاصِل من اجتماعها وَمن التعقيد - وَإِنَّمَا قيدنَا الْكَلَام بالتام لعدم اتصاف الْكَلَام النَّاقِص بالفصاحة وَكَذَا بالبلاغة فِي نَفسه هَذَا هُوَ الْحق كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحكيمية على المطول. والفصاحة فِي الْمُتَكَلّم ملكة يقتدر بهَا على التَّعْبِير عَن كل مَقْصُود بِلَفْظ فصيح. وَاعْلَم أَنه كثيرا مَا يُطلق الفصاحة على البلاغة أَي مُطَابقَة الْكَلَام لمقْتَضى الْحَال وَعَلِيهِ مدَار دفع التَّنَاقُض المتوهم من كَلَام الشَّيْخ عبد القاهر رَحمَه الله تَعَالَى فِي دَلَائِل الإعجاز وتفصيله فِي المطول. الْفَصْل: فِي اللُّغَة (جدا كردن) وَهُوَ كثيرا مَا يَقع فِي الْكتب وَيكون مستعارا للألفاظ والنقوش تَنْبِيها على مُغَايرَة مَا بعده لما قبله وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر بِمَعْنى الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول وَيكون مَبْنِيا على السّكُون لِأَنَّهُ يَقع غير مركب أَو مَرْفُوعا على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هَذَا فصل مفصول عَن الْكَلَام السَّابِق وَيجوز أَن يَقع مُبْتَدأ ومضافا إِلَى مَا بعده بِحَسب صَلَاحِية الْمقَام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 وَعند المنطقيين كلي مقول على الشَّيْء جِنْسا كَانَ أَو نوعا فِي جَوَاب السُّؤَال بِأَيّ شَيْء هُوَ فِي جوهره فَإِن ميز شَيْئا عَن مشاركيه فِي الْجِنْس الْقَرِيب ففصل قريب كالناطق للْإنْسَان والحساس للحيوان وَإِن ميزه عَن مشاركيه فِي الْجِنْس الْبعيد ففصل بعيد كالحساس للْإنْسَان. وَاعْلَم أَن قَوْلهم فِي جوهره ظرف مُسْتَقر فِي مَوضِع الْحَال عَن هُوَ إِمَّا بِلَا تَأْوِيل على مَذْهَب من جوز الْحَال عَن الْخَبَر فَالْمَعْنى أَي شَيْء هُوَ مُعْتَبرا أَو ملاحظا فِي ذَاته أَي مَعَ قطع النّظر عَن عوارضه وَإِمَّا بالتأويل على مَذْهَب من قَالَ إِن الْحَال يبين هَيْئَة الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول بِهِ لَا غير فَالْمَعْنى أَي شَيْء يميزه مُعْتَبرا أَو ملاحظا فِي ذَاته فَإِن قلت وجود الْفَصْل يسْتَلْزم الْمحَال إِذْ لَا بُد للفصل من فصل آخر وهلم جرا فَيلْزم التسلسل لِأَن الْفَصْل كالناطق لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون أَعم من محمولات نَوعه كالإنسان أَو أخص مِنْهَا لَا جَائِز أَن يكون أعمها إِذْ من جُمْلَتهَا الْحَيَوَان مثلا الَّذِي هُوَ جنس الْإِنْسَان وَفصل النَّوْع لَا يكون أَعم من جنسه بل يكون مُخَصّصا ومقوما لَهُ فَبَقيَ أَن يكون أخص من تِلْكَ المحمولات فَيكون حِينَئِذٍ متميزا عَن المشاركات بفصله فَإِذن لَا بُد لكل فصل فصل قُلْنَا الْفَصْل مَفْهُوم من المفهومات وَلَا نسلم أَن يكون كل مَفْهُوم ممتازا عَمَّا سواهُ بفصله لم لَا يجوز أَن يكون بعض المفهومات بسيطا والبسيط لَا يكون لَهُ جنس وَلَا فصل لِأَن كلا مِنْهُمَا جُزْء والبسيط لَا جُزْء لَهُ. وَاعْلَم أَن القَاضِي محب الله افتخر باعتراضه فِي السّلم بقوله وَالثَّانِي سنح لي وَهُوَ أَن الْكُلِّي إِلَى آخِره. وَتَقْرِير الِاعْتِرَاض أَن قَوْلهم لَا يكون لشَيْء وَاحِد فصلان قريبان بَاطِل لِأَن الْكُلِّي قد يكون لَهُ فصلان قريبان كالحيوان فَإِنَّهُ كَمَا يصدق على وَاحِد من أَفْرَاده كالفرس مثلا بِصدق وَاحِد كَذَلِك يصدق على كثيرين من أَفْرَاده كالإنسان وَالْفرس مَعًا بِصدق وَاحِد فَحِينَئِذٍ مَجْمُوع الْإِنْسَان وَالْفرس حَيَوَان فَلهُ حِينَئِذٍ فصلان قريبان النَّاطِق والصاهل أَقُول صدق الْحَيَوَان على كثيرين من أَفْرَاده بِصدق وَاحِد مَمْنُوع (نعم) أَنه يصدق عَلَيْهَا على سَبِيل الْبَدَلِيَّة وَهُوَ لَا يضرنا لِأَن الْحَيَوَان حِينَئِذٍ لَيْسَ بِشَيْء وَاحِد بل شَيْئَانِ وَإِنَّمَا الْمحَال أَن يكون لشَيْء وَاحِد فصلان قريبان لَا مُطلقًا. وَيُؤَيِّدهُ مَا وجدنَا بعد تَحْرِير هَذَا الْجَواب فِي الْحَاشِيَة الْقَدِيمَة لجلال الْعلمَاء الدواني رَحمَه الله أَن كل مَفْهُوم كَمَا يصدق على وَاحِد من أَفْرَاده يصدق على الْكثير مِنْهَا كالإنسان مثلا كَمَا يصدق على كل وَاحِد من زيد وَعَمْرو وَبكر يصدق على جَمِيعهم وكالواحد يصدق على كل وَاحِد وعَلى الْجَمِيع أَيْضا إِلَّا أَنه يصدق على الْوَاحِد بِقَيْد الْوحدَة وعَلى الكثيرين بِقَيْد الْكَثْرَة. وَالْمُطلق صَادِق عَلَيْهِمَا على السوَاء فَيصدق على كل وَاحِد من زيد وَعَمْرو وَغَيره إِنَّه إِنْسَان وَاحِد وعَلى جمعهم أنَاس كَثِيرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 فَإِن قيل مَا ذكره جلال الْعلمَاء يسْتَلْزم الْمحَال لاستلزامه صدق الْعلَّة على الْمَعْلُول وَهُوَ محَال لِأَن بَينهمَا مباينة كُلية. وَوجه الاستلزام أَن الْعلَّة مَفْهُوم من المفهومات فَيلْزم على مَا ذكرْتُمْ أَن تصدق على الْمَعْلُول الْمركب من الْعلَّة المادية والصورية كَمَا تصدق على الْعلَّة المادية فَقَط قُلْنَا الْمَجْمُوع الَّذِي يصدق عَلَيْهِ الْمَعْلُول لَا تصدق عَلَيْهِ الْعلَّة وَالَّذِي تصدق عَلَيْهِ الْعلَّة لَا يصدق عَلَيْهِ الْمَعْلُول فَمَا هُوَ محَال لَيْسَ بِلَازِم وَمَا هُوَ لَازم لَيْسَ بمحال. وتوضيحه أَن الْمَعْلُول إِنَّمَا يصدق على الْمَجْمُوع من حَيْثُ إِنَّه وَاحِد وَالْعلَّة إِنَّمَا تصدق على مَجْمُوع الْآحَاد بِلَا اعْتِبَار الْوحدَة وَالْفرق بَينهمَا كالفرق بَين الْفرق والقدم. وَالْحَاصِل أَن الْمَجْمُوع مَعَ اعْتِبَار الْوحدَة بِالدُّخُولِ أَو الْعرُوض مَعْلُول وَبلا اعْتِبَارهَا عِلّة فَإِن قيل لم لَا يجوز أَن يكون لشَيْء وَاحِد فصلان قريبان. قُلْنَا إِن الْفَصْل عِلّة لتقوم الْجِنْس وتحصله كَمَا فصلنا فِي تَحْقِيق الْجِنْس أَمر مُبْهَم فَلَو كَانَ لشَيْء وَاحِد فصلان قريبان فِي مرتبَة وَاحِدَة لزم توارد الْعِلَل المستقلة على مَعْلُول وَاحِد وَهُوَ محَال. وَأَيْضًا يلْزم الِاسْتِغْنَاء عَن الذاتي لاكتفاء أَحدهمَا فِي التَّقْوِيم. فَإِن قلت إِن للحيوان فصلين قريبين الحساس والمتحرك بالإرادة قلت قد مر هَذَا السُّؤَال وَجَوَابه فِي (الْحَيَوَان) فللإنسان أَن يرجع إِلَى الْحَيَوَان حَتَّى يحصل لَهُ تَقْرِيره الوافي وَجَوَابه الشافي. ف (80) : فصل الْجَوْهَر جَوْهَر: إِذْ لَو كَانَ فصل الْجَوْهَر عرضا وَقد علمت أَن الْفَصْل يكون عِلّة لتقوم الْجِنْس لزم زِيَادَة الْفَرْع على الأَصْل الَّذِي هُوَ الْفَصْل لكَونه عِلّة لَهُ. وَقَالُوا أَيْضا إِن الْعرض لَا يكون عِلّة محصلة للجوهر فَلَا يتقوم الْجَوْهَر إِذْ الْعرض طبيعة ناعتة وبماهيته يفْتَقر إِلَى مُطلق الْمَوْضُوع والجوهر طبيعة منعوتة وَلَا فاقة لَهُ إِلَيْهِ بماهيته أصلا وَالْجِنْس والفصل فِي القوام والوجود شَيْء وَاحِد فيستحيل أَن يكون أَحدهمَا بطبيعته نعتا مفتاقا مستدعيا للوجود الرابطي وَالْآخر جوهرا مستدعيا للوجود فِي نَفسه مستغنيا فِي وجوده عَن غَيره وَإِلَّا يلْزم أَن تكون الْمَاهِيّة الْوَاحِدَة محتاجة فِي حد ذَاتهَا ومستغنية كَذَلِك. قَالَ القَاضِي محب الله فِي حَوَاشِيه على السّلم: فَإِن قيل كَيفَ يكون الْجِنْس والفصل شَيْئا وَاحِدًا متحدا فِي الْوُجُود على تَقْدِير كَونهمَا جوهرين أَيْضا وَقد قَالَ الشَّيْخ فِي الهيئات (الشِّفَاء) إِن من الْمحَال أَن يتحد الجوهران. قُلْنَا: لَيْسَ هُنَا جوهران متعددان ثمَّ اتحدا بل جَوْهَر وَاحِد مَوْجُود لوُجُود الْجِنْس والفصل كَمَا قَالَ الشَّيْخ فِي تَحْدِيد الْإِنْسَان بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق أَنه يفهم مِنْهُ شَيْء هُوَ بِعَيْنِه الْحَيَوَان الَّذِي ذَلِك الْحَيَوَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 بِعَيْنِه النَّاطِق نعم لَو فرض وجودهما منفردين كَانَا جوهرين متعددين موجودين بوجودين متغائرين بِخِلَاف الْعرض والعرضي فَإِنَّهُ لَا قابلية لَهما بذاتيهما للوجود انفرادا وَإِن كَانَا الْآن متحدين مَعَ المعروض وَالْمحل هَذَا هُوَ الْفرق فاحفظ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا تَجدهُ من غَيرنَا انْتهى. فالجنس والفصل متحدان بِالذَّاتِ بِحَسب الْوُجُود كَمَا أَن الْعرض وَالْمحل متحدان بِحَسبِهِ بِالذَّاتِ وَلَيْسَ الْفرق إِلَّا بِاعْتِبَار قابلية الْوُجُود الْمُنْفَرد وَعدمهَا وَمَا ذكرنَا أَن فصل الْجَوْهَر لَا يكون إِلَّا جوهرا مَذْهَب الْمَشَّائِينَ. وَأما الإشراقيون فقد جوزوا كَون فُصُول الْجَوْهَر عرضا مُتَمَسِّكِينَ بالسرير فَإِنَّهُ مَجْمُوع قطعات الْخشب والهيئة الوحدانية لَا الْمركب مِنْهُمَا وبالجسم فَإِنَّهُ مركب من جَوْهَر وَعرض هُوَ الْمِقْدَار. وَالْجَوَاب أَن السرير هِيَ القطعات الخشبية المعروضة للهيئة الوحدانية لَا الْمركب مِنْهُمَا. وَأما الْجِسْم فَهُوَ الْمركب من الهيولى وَالصُّورَة الجسمية الجوهرية كَمَا بَين فِي كتب الْحِكْمَة المشائية. وَإِن أردْت تَحْقِيق الْعرض والعرضي فَانْظُر فِي أَن الْعرض أَعم من العرضي. فصل الْجِنْس لَا يكون جِنْسا لَهُ: عِنْد الْمَشَّائِينَ يَعْنِي أَن الْفَصْل الَّذِي يُمَيّز النَّوْع عَن مشاركيه فِي جنسه لَا يكون ذَلِك الْفَصْل جِنْسا لذَلِك الْجِنْس بِأَن يكون ذَلِك الْجِنْس فصلا مُمَيّزا لذَلِك النَّوْع عَمَّا يُشَارِكهُ فِي ذَلِك الْفَصْل وَهَذَا لَا يتَصَوَّر إِلَّا إِذا كَانَ بَينهمَا عُمُوم من وَجه. فَالْحَاصِل أَنه لَا يكون بَينهمَا عِنْدهم عُمُوم من وَجه وَإِلَّا يلْزم أَن يكون كل مِنْهُمَا عِلّة للْآخر وَهُوَ بَاطِل لتقدم الشَّيْء على نَفسه. أَقُول لم لَا يجوز أَن يكون التَّفَاوُت بالحيثية كَمَا جوزوا كَون الْعلَّة الغائية عِلّة معلولة لمعلولها بالحيثيتين حَيْثُ قَالُوا لِلْعِلَّةِ الغائية علاقَة الْعلية والمعلولية بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء وَاحِد لَكِن بِحَسب وجوديها الذهْنِي والخارجي. وَأما عِنْد الإشراقيين فَيجوز أَن يكون بَينهمَا عُمُوم من وَجه حَيْثُ قَالُوا النَّاطِق جنس الْإِنْسَان نظرا إِلَى الْملك وفصله نظرا إِلَى غَيره وَالْحَيَوَان بِالْعَكْسِ. وَالْجَوَاب أَن المُرَاد بالناطق هُوَ الْجَوْهَر المادي الَّذِي لَهُ النُّطْق أَي إِدْرَاك المعقولات فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى لَيْسَ بمشترك بَين الْإِنْسَان وَالْملك فَلَا يكون جِنْسا لَهما. وَأما إِذا أُرِيد بالناطق مَفْهُوم مَا لَهُ قُوَّة إِدْرَاك المعقولات أَي هَذَا الْعَارِض لم يكن فصلا للْإنْسَان بل يكون حِينَئِذٍ أثرا من آثَار فَصله كَمَا مر فِي الْحَيَوَان. الفصد: فِي البزغ. (بَاب الْفَاء مَعَ الضَّاد الْمُعْجَمَة) الْفضل: ابْتِدَاء الْإِحْسَان بِلَا عِلّة. الْفَضِيلَة: المزية الْغَيْر المتعدية أَي المزية الْمُقْتَضِيَة فِي تحققها بِحَسب مفهومها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 التَّعَدِّي ووصول الْأَثر إِلَى الْغَيْر كَالْعلمِ. والمزية هِيَ الْخصْلَة الَّتِي هِيَ ذَات فضل وَجَمعهَا الْفَضَائِل. وَأما الفواضل فَهِيَ جمع فاضلة وَهِي المزية المتعدية كالإحسان والإنعام. وَالْمرَاد بالمتعدي هَا هُنَا هُوَ الْمُتَعَلّق بِالْغَيْر وجوبا فِي تحَققه فَإِن الإنعام هُوَ إِعْطَاء النِّعْمَة للْغَيْر لَا المُرَاد بالمتعدي الْمُنْتَقل إِلَى الْغَيْر كَمَا توهم فَإِن الْإِحْسَان والإنعام لكَون كل مِنْهُمَا عرضا فعلا لَا يقبل الِانْتِقَال. وَقد عرفت معنى المزية آنِفا فِي الْفَضِيلَة. الْفُضُولِيّ: من لم يكن وليا وَلَا أصيلا وَلَا وَكيلا فِي العقد. فضل الْقسمَيْنِ ضعف الْفضل بَين نصف الْمقسم وكل من قسميه: ضابطة كُلية يحْتَاج إِلَيْهَا فِي اسْتِخْرَاج المجهولات العددية وتفصيلها أَن الْفضل بَين الْقسمَيْنِ الْمُخْتَلِفين من الْعدَد يكون دَائِما ضعف الْفضل بَين نصف ذَلِك الْعدَد وَبَين كل وَاحِد من ذَيْنك الْقسمَيْنِ. أَلا ترى أَنَّك إِذا قسمت الثَّمَانِية على قسمَيْنِ مُخْتَلفين أقلهما ثَلَاثَة وأكثرهما خَمْسَة وَالْفضل بَينهمَا اثْنَان. وَلَا شكّ أَن هَذَا الْفضل ضعف الْفضل بَين نصف الثَّمَانِية أَعنِي الْأَرْبَعَة وَبَين كل وَاحِد من الثَّلَاثَة والخمسة لَهُ. (بَاب الْفَاء مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة) الفطنة: فِي الذكاء. الفطريات: فِي البديهي. الْفطْرَة: بِالْكَسْرِ على وزن الْخلقَة فِي اللُّغَة (آفرينش وَدين وجبلت وآغاز كَارِهًا) . وَفِي بعض كتب الْفِقْه كمختصر الْوِقَايَة الْفطْرَة من بر الخ على حذف الْمُضَاف أَي صَدَقَة الْفطْرَة أَي صَدَقَة الْإِنْسَان الْمَخْلُوق فيؤول إِلَى قَوْله زَكَاة الرؤوس فَإِنَّهُ هُوَ السَّبَب للصدقة عِنْد الْجُمْهُور فالفطرة على هَذَا الْمَعْنى المفطور أَي الْمَخْلُوق. اعْلَم أَن صَدَقَة الْفطر وَاجِبَة على الْحر الْمُسلم الْمَالِك لمقدار النّصاب الْفَاضِل عَن حَوَائِجه الْأَصْلِيَّة سَوَاء كَانَ ناميا أَو لَا. وَتجب عَن نَفسه وطفله الْفَقِير وَعَن مَمْلُوكه للْخدمَة مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا وَعَن مدبره وَأم وَلَده لَا عَن زَوجته وَولده الْكَبِير وَلَا عَن مكَاتبه وَلَا عَن عبد مُشْتَرك وَلَا عَن عبيد مُشْتَركَة بَينه وَبَين غَيره وَالْمَعْتُوه وَالْمَجْنُون بِمَنْزِلَة الصَّغِير سَوَاء كَانَ أَصْلِيًّا بِأَن بلغ مَجْنُونا أَو عارضيا وَإِذا كَانَ الْوَلَد الصَّغِير أَو الْمَجْنُون ذَا مَال فالأب أَو وَصِيّه أَو جدهما أَو وَصِيّه يخرج صَدَقَة الْفطر من مَالهمَا. وَلَا تجب عَن الْجَنِين لِأَنَّهُ لَا يعرف حَيَاته. وَلَا يُؤَدِّي عَن أجداده وجداته وَلَا تلْزم للرجل الْفطْرَة عَن أَبِيه وَأمه وَإِن كَانَا فِي عِيَاله لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَا تلْزم عَن أَوْلَاده الْكِبَار وَإِن كَانُوا فِي عِيَاله وَلَو أدّى عَنْهُم أَو عَن زَوجته بِغَيْر إذْنهمْ أجزاهم. وَيجب دفع صَدَقَة فطر كل شخص إِلَى مِسْكين وَاحِد حَتَّى لَو فرقها على مسكينين أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 أَكثر لم يجز. وَيجوز دفع مَا يجب على جمَاعَة إِلَى مِسْكين وَاحِد. وَإِنَّمَا تجب صَدَقَة الْفطْرَة من أَرْبَعَة أَشْيَاء من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب وَهِي نصف صَاع من بر أَو زبيب أَو صَاع من تمر أَو شعير كَذَا فِي كنز الدقائق ودقيق الْبر وَالشعِير وسويقهما مثلهمَا. وَالْخبْز لَا يجوز إِلَّا بِاعْتِبَار الْقيمَة وَهُوَ الْأَصَح. وَأما الزَّبِيب فقد ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير نصف صَاع عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى صَاعا وَهُوَ قَوْلهمَا. والأحوط أَن يُرَاعِي فِيهِ الْقيمَة. والدقيق أولى من الْبر. وَالدَّرَاهِم أولى من الدَّقِيق لدفع الْحَاجة وَمَا سوى مَا ذكر من الْحُبُوب لَا يجوز إِلَّا بِاعْتِبَار الْقيمَة. وَذكر فِي الْفَتَاوَى أَن الْقيمَة أفضل من عين الْمَنْصُوص وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. وَأما وَقت وُجُوبهَا فَهُوَ بعد طُلُوع الصُّبْح الصَّادِق من يَوْم الْفطر فَمن ولد أَو أسلم قبله وَجَبت وَمن ولد أَو أسلم بعده أَو مَاتَ قبله لم تجب وَالْمُسْتَحب إِخْرَاج الْفطْرَة بعد طُلُوع الْفجْر قبل الْخُرُوج إِلَى الْمصلى. والصاع ثَمَانِيَة أَرْطَال بالبغدادي والرطل الْبَغْدَادِيّ عشرُون أستارا والأستار أَرْبَعَة مَثَاقِيل وَنصف. ف (81) : وَاعْلَم أَن الْوَلَد إِذا كَانَ بَين أبوين فعلى كل وَاحِد مِنْهُمَا صَدَقَة تَامَّة فَإِن كَانَ أَحدهمَا مُوسِرًا وَالْآخر مُعسرا أَو مَيتا فعلى الآخر صَدَقَة تَامَّة وَسَائِر تفاصيل هَذَا الْبَاب فِي مطولات الْفِقْه. الْفطْرَة الجليلة: هِيَ المتهيئة لقبُول الدّين. (بَاب الْفَاء مَعَ الْعين الْمُهْملَة) الْفِعْل: بِالْفَتْح مصدر فعل يفعل. وبالكسر عِنْد النُّحَاة كلمة دلّت على معنى فِي نَفسهَا مقترن بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة بِأَصْل الْوَضع. وَعند الْحُكَمَاء عرض من الْأَعْرَاض التِّسْعَة وَهِي الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للقاطع بِسَبَب كَونه قَاطعا مَا دَامَ يقطع وَلما كَانَ الْفِعْل وَكَذَا الانفعال أَمريْن غير قارين قَالُوا فِي تمثيلهما كَقطع الْقَاطِع مَا دَامَ يقطع وكالتسخن مَا دَامَ يتسخن وَالْفِعْل الْمُقَابل بِالْقُوَّةِ هُوَ التحقق فِي أحد الْأَزْمِنَة. فعل التَّعَجُّب: عِنْد النُّحَاة مَا وضع لإنشاء التَّعَجُّب. فعلية الذَّات: فِي الْجعل الْفِعْل الممتد: عِنْد الْفُقَهَاء مَا يقبل التَّوْقِيت كالأمر بِالْيَدِ وَالصَّوْم وَالسُّكْنَى وَالرُّكُوب وَنَحْوه تَقول أَمرك بِيَدِك من الطُّلُوع إِلَى الْغُرُوب أَو يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَصمت يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَقس عَلَيْهِ. وَغير الممتد مَا لَا يقبله كَالطَّلَاقِ والتزوج. فَإِن قيل التَّكَلُّم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 مِمَّا يقبل التَّقْدِير بالمدة فَكيف جَعَلُوهُ غير ممتد - قيل امتداد الْأَعْرَاض إِنَّمَا هُوَ بتجدد الْأَمْثَال كالضرب وَالْجُلُوس وَالرُّكُوب لعدم بَقَاء الْأَعْرَاض عِنْدهم بِخِلَاف الْحُكَمَاء كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه فَمَا يكون فِي الْمرة الثَّانِيَة مثلهَا فِي الْمرة الأولى من كل وَجه يَجْعَل كَالْعَيْنِ الممتد بِخِلَاف التَّكَلُّم فَإِن المتحقق فِي الْمرة الثَّانِيَة لَا يكون مثله فِي الْمرة الأولى فَلَا يتَحَقَّق تجدّد الْأَمْثَال. وَفِي شرح الْوِقَايَة: وَاعْلَم أَن المُرَاد بالامتداد امتداد يُمكن أَن يستوعب النَّهَار لَا مُطلق الامتداد لأَنهم جعلُوا التَّكَلُّم من قبيل غير الممتد وَلَا شكّ أَن التَّكَلُّم ممتد زَمَانا طَويلا لَكِن لَا يَمْتَد بِحَيْثُ يستوعب النَّهَار انْتهى. فَلَا إِشْكَال. وَلَا يخفى أَنه يُقَال كَلمته يَوْمًا كَامِلا أَي تَمام الْيَوْم فَالْكَلَام أَيْضا يستوعب النَّهَار وَأَيْضًا كَون الضَّرْب وَالْجُلُوس وَغَيرهمَا مِمَّا يكون فِي الْمرة الثَّانِيَة مثله فِي الأولى دون الْكَلَام غير ظَاهر وَأَيْضًا كَون الضَّرْب وَالْجُلُوس مثلا مِمَّا يكون فِي الْمرة الثَّانِيَة مثله فِي الْمرة الأولى من كل وَجه مَمْنُوع - اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال إِن الْعبْرَة للْعُرْف فَإِن الْجُزْء الثَّانِي من الْكَلَام يعد بِحَسب الْعرف أَنه غير الْجُزْء الأول مِنْهُ بِخِلَاف الضَّرْب وَالْجُلُوس وَغَيرهمَا. وَفِي التَّلْوِيح - فَإِن قيل كَيفَ جعلُوا التَّخْيِير والتفويض مِمَّا يَمْتَد وَالطَّلَاق وَالْعتاق مِمَّا لَا يَمْتَد مَعَ أَنه إِن أُرِيد إنْشَاء الْأَمر وحدوثه فَهُوَ غير ممتد فِي الْكل وَإِن أُرِيد كَونهَا مخيرة ومفوضة وَهُوَ ممتد فَكَذَا كَونهَا مُطلقَة وَكَون العَبْد معتقا ممتدا. قُلْنَا أُرِيد فِي الطَّلَاق وَالْعتاق وقوعهما لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي تَقْيِيد كَون الشَّخْص مُطلقًا أَو معتقا بِالزَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يقبل التَّوْقِيت بالمدة. وَفِي التَّخْيِير والتفويض كَونهَا مخيرة ومفوضة لِأَنَّهُ يَصح أَن يكون يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو أَكثر ثمَّ يَنْقَطِع فَيُفِيد توقيته بالمدة انْتهى. وَالْحَاصِل أَنه إِذا دلّت الْقَرِينَة على أَن المُرَاد إنْشَاء الْأَمر وحدوثه فالفعل غير ممتد. وَإِن دلّت على أَن المُرَاد كَون ذَلِك الشَّخْص متصفا بِهِ فَهُوَ ممتد. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك التَّفْوِيض وَالطَّلَاق وَنَحْوهمَا. وَظَاهر أَن الْمَقْصُود فِي أَمرك بِيَدِك يَوْم كَذَا بَيَان مُدَّة خِيَارهَا لَا زمَان إنشائه إِذْ لَيْسَ فِيهِ كثير فَائِدَة فالفعل فِيهِ ممتد. وَفِي أَنْت طَالِق عكس ذَلِك فالفعل فِيهِ غير ممتد فَفِيمَا يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ كَانَ التعويل على الْقَرَائِن فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ: هُوَ الْفِعْل الَّذِي يصدر بِاخْتِيَار الْفَاعِل بِأَن يكون إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ لم يفعل كالقيام وَالْقعُود وَالصَّلَاة وَالْقَتْل وَغير ذَلِك ويقابله الْفِعْل الاضطراري كالارتعاش والسعال وَغير ذَلِك. ثمَّ اعْلَم أَن كل فعل اخْتِيَاري مَوْقُوف على الْقَصْد وتصور الْغَايَة لِأَن التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح محَال وَهَا هُنَا مغالطة تقريرها أَن الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ محَال لِأَنَّهُ لَو كَانَ مَوْقُوفا على الْقَصْد الَّذِي هُوَ فعل اخْتِيَاري لَكَانَ مَسْبُوقا بِقصد آخر وهلم جرا إِلَى غير النِّهَايَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 وَمَا يتَوَقَّف حُصُوله على الْأُمُور الْغَيْر المتناهية فَهُوَ محَال لتوقفه على الْمحَال. وحلها منع كَون الْقَصْد مُحْتَاجا فِي صدوره إِلَى قصد آخر بِسَنَد أَن تِلْكَ الضابطة أَعنِي أَن كل فعل اخْتِيَاري مَوْقُوف على الْقَصْد مُخْتَصَّة بِمَا سوى الْقَصْد. وَأَيْضًا أَن قصد الْقَصْد هُوَ عين الْقَصْد فَلَيْسَ هُنَاكَ أَمْرَانِ فضلا عَن أُمُور غير متناهية وَلَك أَن تَقول إِن الْقَصْد من الْأُمُور الاعتبارية وَبطلَان التسلسل فِيهَا مَمْنُوع. (بَاب الْفَاء مَعَ الْقَاف) الْفِقْه: بِالْكَسْرِ الْعلم بالشَّيْء وَغلب على علم الدّين لشرفه وَهُوَ معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي طريقها الِاجْتِهَاد - وَقد يُطلق على الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة العملية الْحَاصِلَة من الْأَدِلَّة السمعية التفصيلية فَالْمَعْنى الأول يتَحَقَّق فِي فقاهة الْمُقَلّد دون الثَّانِي - لِأَن الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة إِلَى آخِره من حَيْثُ إِنَّه حَاصِل بالاستدلال هُوَ الْعلم بِمَعْنى الْيَقِين بِالْأَحْكَامِ عَن الإمارات - وَهَذَا الْعلم لَيْسَ بحاصل للمقلد الَّذِي لَهُ معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَإِن كَانَت فِي أَنْفسهَا مستنبطة من أدلتها. فَإِن قلت إِن هَا هُنَا إجماعين أَحدهمَا على أَن الْمُقَلّد لَيْسَ بفقيه وَثَانِيهمَا على أَن الْفِقْه من الْعُلُوم الْمُدَوَّنَة فالإجماع الأول يَنْفِي كَون الْمُقَلّد فَقِيها وَالثَّانِي يُثبتهُ قُلْنَا المُرَاد بالفقه فِي الْإِجْمَاع الأول هُوَ الْيَقِين بِالْأَحْكَامِ عَن الإمارات وَفِي الثَّانِي هُوَ جَمِيع الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة العملية فللفقه مَعْنيانِ وَعدم حُصُول أَحدهمَا فِي الْمُقَلّد لَا يُنَافِي حُصُول الآخر فِيهِ. وَيعلم من شرح العقائد النسفية للمحقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله أَن الْفِقْه مَا يُفِيد الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة العملية عَن أدلتها التفصيلية. وَقَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة إِن قلت الْفِقْه نفس معرفَة مَا يُفِيد الخ حَاصله أَن الْمَشْهُور أَن الْفِقْه علم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة العملية عَن أدلتها التفصيلية. وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى الْفِقْه معرفَة النَّفس مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا وَعرف الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى الْفِقْه بِأَنَّهُ مَا يُفِيد معرفَة الْأَحْكَام إِلَى آخِره فَيلْزم خلاف الْمَشْهُور وَكَون الْمُفِيد والمفاد وَاحِدًا لِأَن الْفِقْه لَيْسَ إِلَّا معرفَة الْأَحْكَام فَيصير الْمَعْنى الْفِقْه معرفَة الْأَحْكَام المفيدة لمعْرِفَة الْأَحْكَام إِلَى آخِره. وَأجَاب عَنهُ بِثَلَاثَة أجوبة - وَحَاصِل الْجَواب الأول أَن للفقه مَعْنيانِ أَحدهمَا نفس الْمسَائِل وَالثَّانِي التَّصْدِيق بالمسائل فالمعرف بالتعريف الْمَشْهُور هُوَ الْفِقْه بِمَعْنى التَّصْدِيق بالمسائل والمعرف هَا هُنَا أَي فِي عبارَة الشَّارِح رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ نفس الْمسَائِل - وَقَوله فَإِن من طالعها إِلَى آخِره جَوَاب سُؤال مُقَدّر كَأَنَّهُ قيل لَيست نفس الْمسَائِل مفيدة لمعْرِفَة الْأَحْكَام إِلَى آخِره فَكيف يُقَال فِي تَعْرِيفه أَنه مَا يُفِيد معرفَة الْأَحْكَام إِلَى آخِره. وَحَاصِل الْجَواب أَن معنى إفادتها للمعرفة الْمَذْكُورَة أَن من طالع تِلْكَ الْمسَائِل ووقف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 على دلائلها حصل لَهُ معرفَة أَحْكَام تِلْكَ الْمسَائِل عَن دلائلها وَهَذَا الْقدر كَاف لصِحَّة الإفادة وَقَوله وَلَك أَن تَقول إِلَى آخِره جَوَاب ثَان حَاصله أَن هَذَا هُوَ التَّعْرِيف الْمَشْهُور لِأَن المُرَاد بِكَلِمَة مَا علم الْأَحْكَام الْكُلية وَالْمرَاد من الْأَحْكَام فِي قَوْله معرفَة الْأَحْكَام الْأَحْكَام الْجُزْئِيَّة بِقَرِينَة لفظ الْمعرفَة لِأَنَّهَا إِنَّمَا تسْتَعْمل فِي الجزئيات فَالْمَعْنى أَن الْفِقْه علم الْأَحْكَام الْكُلية المفيدة لمعْرِفَة الْأَحْكَام الْجُزْئِيَّة الْمَخْصُوصَة وَقَوله وَقد يُقَال إِن التغاير إِلَى آخِره جَوَاب ثَالِث. وَحَاصِله أَن المُرَاد بِكَلِمَة مَا هُوَ التَّصْدِيق والمعرفة فَالْمَعْنى أَن الْفِقْه التَّصْدِيق الْمُفِيد للتصديق فَيلْزم اتِّحَاد الْمُفِيد والمفاد إِلَّا أَن الْمُفِيد هُوَ التَّصْدِيق من غير اعْتِبَار حُصُوله فِي النَّفس. والمفاد أَيْضا هُوَ التَّصْدِيق لَكِن بِاعْتِبَار حُصُوله فِيهَا. وَهَذَا مَا حررناه فِي التعليقات على تِلْكَ الْحَوَاشِي. وأصول الْفِقْه معرفَة أَحْوَال الْأَدِلَّة السمعية إِجْمَالا فِي إفادتها الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة العملية والأدلة السمعية الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس. الْفقر: هُوَ فقد مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. الْفَقِير: من لَهُ أدنى شَيْء أَي قوت يَوْم فَلَا يحل لَهُ السُّؤَال وَلِهَذَا قَالُوا الْفَقِير هُوَ الَّذِي لَا يسْأَل النَّاس وَلَا يطوف على الْبَاب. والمسكين هُوَ الَّذِي يسْأَل أَي لَا يحرم عَلَيْهِ السُّؤَال فَلَا يكون لَهُ قوت يَوْم فالمسكين أَسْوَأ حَالا من الْفَقِير وَالْفَقِير المعتمل فِي الْجُزْئِيَّة. الْفَقْرَة: بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَة كل حلي يصاغ على هَيْئَة فقار الظّهْر وإطلاقها على أَجود بَيت فِي القصيدة بالاستعارة. الْفقر سَواد الْوَجْه فِي الدَّاريْنِ: فِي سَواد الْوَجْه والغناء. فقعس صمعج: قَالَ صَاحب كنز الدقائق رَحمَه الله تَعَالَى وَلَا يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي فقعس صمعج أَي إِلَّا فِي مدلولات حُرُوف هَذَا اللَّفْظ. فالفاء عَلامَة تَكْبِير الِافْتِتَاح أَي تَكْبِير التَّحْرِيمَة. وَالْقَاف عَلامَة الْقُنُوت. وَالْعين عَلامَة الْعِيدَيْنِ. وَالسِّين عَلامَة الْحجر الْأسود أَي عِنْد استلامه. وَالصَّاد عَلامَة الصَّفَا. وَالْمِيم عَلامَة الْمَرْوَة. وَالْعين الثَّانِي عَلامَة عَرَفَات. وَالْجِيم عَلامَة الْجَمْرَتَيْن الأولى وَالْوُسْطَى وَقد نظمها الشَّاعِر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 (ارْفَعْ يَديك لَدَى التَّكْبِير مفتحا ... وقانتا وَالْعِيدَيْنِ قد وَصفا) (وَفِي الوقوفين والجمرتين مَعًا ... وَفِي استلام كَذَا فِي مروة وَصفا) فَإِن قلت الحَدِيث فِي سبع مَوَاضِع وَهَذِه ثَمَانِيَة. قلت: الصَّفَا والمروة فِي حكم وَاحِد. ثمَّ اعْلَم أَن قَوْله وَلَا يرفع يَدَيْهِ مسئلة على حِدة وَلَيْسَ بداخل تَحت الِاسْتِثْنَاء كَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض أقراني فَيرد عَلَيْهِ أَن الْمَقْصُود هَا هُنَا نفي الثَّنَاء والتعوذ وَرفع الْيَدَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَقَط لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء وَإِن لم تشرع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَكَذَا فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة أَيْضا لَكِن قَوْله وَالثَّانيَِة كالأولى لَا يَقْتَضِي ثُبُوتهَا إِلَّا فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَلَا يحْتَاج إِلَى النَّفْي إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا. فعلى هَذَا صَار تَقْدِير الْكَلَام إِلَّا أَنه لَا يثنى وَلَا يتَعَوَّذ وَلَا يرفع يَدَيْهِ فِيهَا. وَلَا شكّ أَن نفي رفع الْيَدَيْنِ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة لَا يُوجب نَفْيه فِي الْقُنُوت وتكبيرات الْعِيدَيْنِ واستلام الْحجر الْأسود والصفا والمروة وعرفات والجمرة حَتَّى يحْتَاج إِلَى الِاسْتِثْنَاء فَقَوله إِلَّا فِي فقعس صمعج لَيْسَ فِي مَحَله وَضمير لَا يرفع رَاجع إِلَى الْمُكَلف لَا إِلَى الْمُصَلِّي حَتَّى يرد أَن رفع الْيَدَيْنِ عِنْد استلام الْحجر الْأسود مثلا لَيْسَ فِي حَال الصَّلَاة فَيحْتَاج إِلَى أَن يُقَال إِن الضَّمِير رَاجع إِلَى ذَات الْمُصَلِّي سَوَاء كَانَ بِوَصْف الصَّلَاة أَو لَا. ف (82) : (بَاب الْفَاء مَعَ الْكَاف) الْفِكر: إمعان النّظر فِي الشَّيْء وَاعْلَم أَن النّظر والفكر كالمترادفين لِأَن بَينهمَا تغاير اعتباريا بِأَن مُلَاحظَة مَا فِيهِ الْحَرَكَة مُعْتَبرَة فِي النّظر وَغير مُعْتَبرَة فِي الْفِكر. وَالْمَشْهُور فِي تعريفيهما تَرْتِيب أُمُور مَعْلُومَة للتأدي إِلَى مَجْهُول نَظَرِي تصوري أَو تصديقي. وعَلى هَذَا يُرَاد أَنه لَا يَصح التَّعْرِيف بالمفرد كتعريف الْإِنْسَان بالناطق وبالضاحك. وَأجِيب بِأَن الْمُعَرّف يجب أَن يكون مَعْلُوما بِوَجْه مَا فالتعريف بالمركب من ذَلِك الْوَجْه والمفرد أَو بِأَن التَّعْرِيف بالمفرد إِنَّمَا يكون بالمشتقات وَهِي مركبة من حَيْثُ اشتمالها على الذَّات وَالصّفة أَو من حَيْثُ إِنَّهَا أَعم بِحَسب الْمَفْهُوم فَلَا بُد من قرينَة مخصصة فالتعريف بالمفرد مركب من معنى الْمُشْتَقّ والقرينة. وَلَا يخفى مَا فِي هَذِه الْأَجْوِبَة الثَّلَاثَة من الاختلال لِأَن الْوَجْه الَّذِي علم بِهِ الْمَطْلُوب سَابق على التَّعْرِيف وَلَو كَانَ مَعَه يلْزم طلب الْمَجْهُول الْمُطلق وَأَيْضًا لَا تَرْتِيب بَينه وَبَين الْمُفْرد وَكَذَا لَا تَرْتِيب فِي الْمُشْتَقّ لَا بَين الذَّات وَالصّفة وَلَا بَين الْمُشْتَقّ والقرينة. فحاصل الْإِيرَاد أَن تَفْسِير النّظر بالترتيب لَا يَشْمَل التَّعْرِيف بالمفرد مَعَ أَنه لَا خلاف فِي إِمْكَان وُقُوع التَّصَوُّر بالمعاني المفردة وَتلك الْأَجْوِبَة مقدوحة مزيفة كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 عرفت. وَالْجَوَاب أَن نظر المنطقي والبحث فِيهِ إِنَّمَا هُوَ مضبوط والتعريف بالمفرد لَيْسَ بمضبوط مثل ضبط الْمركب فَإِن الْمُفْرد لَيْسَ بمنحصر فِي الْفَصْل والخاصة بل إِنَّمَا يكون على خلاف ذَلِك كَمَا فِي البسائط فَإِنَّهُ لَا يكون تَعْرِيفهَا بِالْفَصْلِ وَهُوَ ظَاهر لعدم التَّرْكِيب وَلَا بالخاصة لعدم الْعلم والجزم يكون الْمُعَرّف خَاصَّة لَهَا لم لَا يجوز أَن يكون ذاتيا لَهَا بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ فَلَا يكون جَمِيع أَفْرَاد التَّعْرِيف بالمفرد منضبطة فَلَمَّا لم يكن مضبوطا لم يلتفتوا إِلَيْهِ لِأَن التفاتهم إِنَّمَا هُوَ إِلَى مَا هُوَ مضبوط عرفُوا النّظر والفكر بالترتيب الْمَذْكُور. وَالْأولَى فِي تَوْجِيه عدم الانضباط أَن يُقَال إِن كثيرا مَا تكون البسائط معرفَة بالمفردات وأكثرها أُمُور انتزاعية وَالْأَمر الانتزاعي غير مضبوط. وَلما كَانَ التَّعْرِيف الْمَشْهُور منظورا فِيهِ عرفهما الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله بملاحظة الْمَعْقُول لتَحْصِيل الْمَجْهُول لشُمُوله جَمِيع أفرادهما بِلَا كلفة سَوَاء كَانَ بالمفرد أَو بالمركب مَعْلُوما كَانَ أَو مظنونا أَو مَجْهُولا بِالْجَهْلِ الْمركب فَإِن الْمَعْقُول شَامِل لكل وَاحِد مِنْهَا بِخِلَاف الْمَعْلُوم فَإِن الْمُتَبَادر مِنْهُ الْمَعْلُوم بِالْعلمِ التصديقي اليقيني. وَاعْلَم أَن للفكر ثَلَاثَة معَان: الأول: حَرَكَة النَّفس فِي المعقولات سَوَاء كَانَت لتَحْصِيل مَطْلُوب أَو لَا ويقابله التخيل وَهُوَ حركتها فِي المحسوسات. وَالثَّانِي: الْحَرَكَة من المطالب إِلَى المبادئ وَمن المبادئ إِلَى المطالب أَي مَجْمُوع الحركتين وَهَذَا هُوَ الْفِكر الَّذِي يحْتَاج فِيهِ وَفِي جزئياته إِلَى الْمنطق وبإزائه الحدس فَإِنَّهُ انْتِقَال من المطالب إِلَى المبادئ دفْعَة وَمن المبادئ إِلَى المطالب كَذَلِك أَعنِي مَجْمُوع الانتقالين على مَا صرح بِهِ فِي النمط الثَّالِث من شرح الإشارات وَغَيره وَالثَّالِث: الْحَرَكَة الأولى وَهِي رُبمَا انْقَطَعت وَرُبمَا عَادَتْ وَلَحِقت للحركة الثَّانِيَة وَهَذَا هُوَ الْفِكر الَّذِي تقابله الضَّرُورَة. (بَاب الْفَاء مَعَ اللَّام) الفلسفة: فِي اللُّغَة اليونانية التَّشَبُّه بِحَضْرَة وَاجِب الْوُجُود بِقدر الطَّاقَة البشرية لتَحْصِيل السَّعَادَة الأبدية كَمَا ورد فِي الحَدِيث " تخلقوا بأخلاق الله " أَي تشبهوا بِهِ فِي الْإِحَاطَة بالمعلومات والتجرد عَن الجسمانيات. وَقَالُوا إِن الفلسفة مُشْتَقَّة من فيلاسوفا أَي محب الْحِكْمَة. الفلاسفة: الْحُكَمَاء. ف (83) : الفلسفة الأولى: هِيَ الْعلم الإلهي وتحقيقها فِي الإلهي. الْفلك: بِضَم الأول وَسُكُون الثَّانِي مُفْرد وَجمع أَيْضا لَكِن إِذا كَانَ مُفردا فضمته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 ضمة قفل - وَإِن كَانَ جمعا فضمته ضمة أَسد بِضَم الْهمزَة جمع أَسد بِفَتْحِهَا. والفلك بِفَتْح الأول وَالثَّانِي جسم كروي لَا يقبل الْخرق والإنارة وَيدخل فِي هَذَا التَّعْرِيف المتممات وَأَيْضًا الْفلك جسم كروي يُحِيط بِهِ سطحان متوازيان مركزهما وَاحِد - والأفلاك الْكُلية الثَّابِتَة بالرصد تِسْعَة وَهَذِه التِّسْعَة مَعَ مَا فِي ضمنهَا من الأفلاك الْجُزْئِيَّة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فلكا تِسْعَة كُلية وَسِتَّة تداوير وَثَمَانِية خَارِجَة المراكز - وللقمر فلك آخر مُوَافق المركز يُسمى بالجوزهر - أما التِّسْعَة الْكُلية فَهِيَ فلك الأفلاك الْمُسَمّى بالفلك الأطلس وبالعرش الْمجِيد فِي لِسَان الشَّرْع - وَتَحْته فلك الثوابت وَهُوَ الْكُرْسِيّ - ثمَّ فلك الزحل - ثمَّ فلك المُشْتَرِي - ثمَّ فلك المريخ - ثمَّ فلك الشَّمْس - ثمَّ فلك الزهرة - ثمَّ فلك العطارد - ثمَّ فلك الْقَمَر الَّذِي فَوْقنَا. (بَاب الْفَاء مَعَ النُّون) الفناء: بِالْكَسْرِ (بيش سراى وكرداكرد خانه) - وبالفتح (نيست شدن) . وَمَا هُوَ عِنْد الصُّوفِيَّة فِي الْولَايَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأَيْضًا الفناء عِنْدهم عبارَة عَن عدم شُعُور الشَّخْص بِوَاسِطَة اسْتِيلَاء ظُهُور وجود الْحق على بَاطِنه. وَأَيْضًا الفناء عِنْدهم سُقُوط الْأَوْصَاف المذمومة كَمَا أَن الْبَقَاء وجود الْأَوْصَاف المحمودة. وَاعْلَم أَنهم قَالُوا إِن الفناء على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: مَا ذكر وَهُوَ يحصل بِكَثْرَة الرياضة - وَالثَّانِي: عدم الإحساس بعالم الْملك والملكوت وَهُوَ يحصل بالاستغراق فِي عَظمَة الْبَارِي ومشاهدة الْحق عز شَأْنه وَجل برهانه كَمَا أشاروا إِلَيْهِ بقَوْلهمْ الْفقر سَواد الْوَجْه فِي الدَّاريْنِ يَعْنِي الفناء فِي الْعَالمين. الفناء فِي الشَّيْخ: تبدل صِفَات المريد بِصِفَات شَيْخه ومرشده فِي الطَّرِيق وَهُوَ أول مَرَاتِب الفناء - وَثَانِيها. الفناء فِي الرَّسُول: وَهُوَ تبدل الصِّفَات البشرية للسالك بِصِفَات نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَثَالِثهَا. الفناء فِي الله: وَهُوَ تبدل الصِّفَات البشرية للسالك بِالصِّفَاتِ الإلهية. فنَاء الْمصر: هُوَ الْموضع الْمعد لمصَالح الْمصر وَهُوَ مُتَّصِل بِالْمِصْرِ وَلَو كَانَ بَين الْمصر وَبَين ذَلِك الْموضع فُرْجَة من الْمزَارِع والمراعي فَلَيْسَ بفنائه وَلَا جُمُعَة على أهل ذَلِك الْموضع وَإِن كَانَ النداء يبلغهم. والميل والأميال والغلوة لَيْسَ بِشَيْء كَذَا فِي الْفَتَاوَى العالمكيرية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 (بَاب الْفَاء مَعَ الْوَاو) الفواضل: فِي الفاضلة. الفوق: اعْلَم أَن للجهة إطلاقين قد تطلق على مُنْتَهى الْإِشَارَة الحسية. وَقد تطلق على مُنْتَهى الحركات المستقيمة فبالنظر إِلَى الأول قيل إِن جِهَة الفوق هِيَ محدب الْفلك الْأَعْظَم لِأَنَّهُ مُنْتَهى الْإِشَارَة الحسية ومقطعها. وبالنظر إِلَى الثَّانِي قيل هِيَ مقعر فلك الْقَمَر لِأَنَّهُ مُنْتَهى الحركات المستقيمة. وَالْحق هُوَ الأول لِأَن الْإِشَارَة إِذا نفذت من فلك الْقَمَر فنسأل أَنَّهَا إِلَى أَي جِهَة تَوَجَّهت إِمَّا توجهها إِلَى التحت فَظَاهر الْبطلَان فَلَيْسَ إِلَّا إِلَى جِهَة الفوق فَعلم من هَا هُنَا أَن الفوق لَيْسَ مقعر فلك الْقَمَر بل أَمر آخر فَوْقه وَهُوَ سطح محدب الْفلك الْأَعْظَم. فَإِن قيل مَا وَجه كَون الفوق السَّطْح المحدب من الْفلك الْأَعْظَم على تَقْدِير كَونهَا مُنْتَهى الْحَرَكَة المستقيمة. قُلْنَا إِن الْفلك لَا يقبل الْخرق كَمَا تقرر وَالْحَرَكَة تقوم بالجسم المتحرك فنفوذها فِي الْفلك يسْتَلْزم الْخرق فَلَا يُمكن نفوذها فِي فلك الْقَمَر وتجاوزها إِلَى السَّطْح المحدب للفلك الْأَعْظَم فَيكون السَّطْح المقعر لفلك الْقَمَر مُنْتَهى الْحَرَكَة المستقيمة. وَأما الْإِشَارَة فَهِيَ أَمر وهمي ونفود الْأَمر الوهمي فِي الْفلك لَا يُوجب خرقه فَلَا يكون ذَلِك المقعر مُنْتَهى الْإِشَارَة الحسية بل يكون السَّطْح المحدب للفلك الْأَعْظَم الَّذِي لَيْسَ وَرَاءه جسم مشارا إِلَيْهِ مُنْتَهَاهَا. ثمَّ اعْلَم أَن جِهَة التحت غير منقسمة أصلا لِأَنَّهَا نقطة فِي بَاطِن الأَرْض مَرْكَز الْعَالم. وَأَنت تعلم أَن النقطة لَا تقبل الْقِسْمَة أصلا لَا طولا وَلَا عرضا وَلَا عمقا - وَأما جِهَة الفوق فلكونها سطحا محدبا أَو مقعرا فمنقسمة فِي الطول وَالْعرض دون العمق فهاتان الجهتان مشتركتان فِي عدم الانقسام فِي جَانب امتداد مَأْخَذ الْحَرَكَة أَي فِي العمق فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع جدا. الفواق: بِالْفَارِسِيَّةِ شجك وبالهندية هجكى - وَهُوَ حَرَكَة أَجزَاء الطَّبَقَة الدَّاخِلَة من الْمعدة وَتلك الْحَرَكَة مركبة من تشنج انقباضي وتمدد انبساطي وَله أَسبَاب شَتَّى كَمَا فِي الْأَسْبَاب والعلامات. وَاعْلَم أَن الفواق بعد الإسهال والقيء وَفِي الْحَرَارَة قبل البحران وَفِي حبس الْبَوْل يُفْضِي إِلَى الْهَلَاك إِلَّا مَا شَاءَ الله تَعَالَى. وللعطاس تَأْثِير عَظِيم فِي دَفعه. ف (84) : الْفَوْر: وجوب الْأَدَاء فِي أول أَوْقَات الْإِمْكَان بِحَيْثُ يلْحقهُ الذَّم بِالتَّأْخِيرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 (بَاب الْفَاء مَعَ الْهَاء) الْفَهم: تصور الْمَعْنى من اللَّفْظ. (بَاب الْفَاء مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة) الْفَيْء: الرُّجُوع من فَاء يفِيء إِذا رَجَعَ. والفيء فِي بَاب الْإِيلَاء الوطي إِذا قدر عَلَيْهِ وَإِلَّا أَن يَقُول فئت إِلَيْهَا. وَأَيْضًا الْفَيْء الْغَنِيمَة. وَإِنَّمَا سمي الظل الَّذِي من الزَّوَال إِلَى الْغُرُوب فَيْئا لرجوعه من جَانب إِلَى جَانب وَغلب اسْتِعْمَال الظل فِيمَا هُوَ من طُلُوع الشَّمْس إِلَى الزَّوَال. وَحكى أَبُو عُبَيْدَة عَن رؤبة كل مَا كَانَ عَلَيْهِ الشَّمْس فَزَالَتْ فَهُوَ فَيْء. وَمَا لم تكن عَلَيْهِ الشَّمْس فَهُوَ ظلّ. وَفِي شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة لأبي المكارم رَحمَه الله فَيْء الزَّوَال هُوَ الظل الْحَاصِل للأشياء عِنْد اسْتِوَاء الشَّمْس إِلَى خطّ نصف النَّهَار وَهُوَ يخْتَلف طولا وقصرا باخْتلَاف الْأَمَاكِن والأزمان. وَغَايَة طوله عِنْد تحول الشَّمْس إِلَى الجدي وقصره عِنْد التَّحَوُّل إِلَى السرطان. وَالتَّفْصِيل فِي هَذَا الْمقَام أَن فَيْء كل شَيْء عِنْد التَّحَوُّل إِلَى السرطان سَبْعَة فَإِن كَانَ الْفَيْء قدما عِنْده تتزايد فِي كل سَبْعَة عشرَة يَوْمًا نصف قدم إِلَى أَن يمْضِي أحد وَخَمْسُونَ يَوْمًا - ثمَّ فِي كل تِسْعَة نصفه إِلَى أَن يمْضِي سَبْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا - ثمَّ فِي كل سَبْعَة نصفه إِلَى أَن يمْضِي مائَة وَخَمْسَة أَيَّام. وَبعد هَذِه الْأَيَّام يكون التَّحَوُّل إِلَى الجدي وَصَارَ الْفَيْء حِينَئِذٍ أحد عشر قدما وَنصفه ثمَّ ينقص نصف قدم على عكس التَّرْتِيب الْمَذْكُور إِلَى أَن يؤول إِلَى قدم وَاحِد بعد مُضِيّ تِلْكَ الْمدَّة. وَهَذَا الْكَلَام على اعْتِبَار الظَّن والتقريب. وَتَحْقِيق ذَلِك مفوض إِلَى دقائق علم النُّجُوم انْتهى. وَفِيه أَيْضا وَوقت الظّهْر من وَقت الزَّوَال إِلَى وَقت بُلُوغ ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى فَيْء الزَّوَال إِن كَانَ لَهُ فَيْء فِي وقته وَإِن لم يكن لَهُ فَيْء فِيهِ كَمَا فِي الْحَرَمَيْنِ فِي أطول الْأَيَّام فالتقدير ببلوغ ظله مثلَيْهِ انْتهى. وَاعْلَم أَنه إِذا بلغ ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ سوى فَيْء الزَّوَال يخرج وَقت الظّهْر وَيدخل وَقت الْعَصْر فِي ظَاهر الرِّوَايَة عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى. وَعنهُ فِي رِوَايَة أَنه إِذا صَار الظل مثله سوى الْفَيْء يخرج الظّهْر وَيدخل الْعَصْر وَهُوَ قَوْلهمَا وَقَول الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. وَعِنْدَهُمَا أَيْضا بِرِوَايَة الْحسن وَأسد بن عَمْرو أَنه إِذا صَار مثله سواهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 خرج وَقت الظّهْر وَلم يدْخل وَقت الْعَصْر مَا لم يصر مثلَيْهِ فَكَانَ بَينهمَا وَقت مهمل وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النَّاس بَين الصَّلَاتَيْنِ. وفيء الزَّوَال عبارَة عَن ظلّ كل شَيْء يكون وَقت زَوَال الشَّمْس من كبد السَّمَاء. ولمعرفته طرق شَتَّى مِنْهَا الدائرة الْهِنْدِيَّة كَمَا فِي شرح الْوِقَايَة وأيسر الطّرق أَن يغرز خَشَبَة فِي كل مَكَان مستو غَايَة الاسْتوَاء فلهَا ظلّ قطعا فَمَا دَامَ الظل ينقص فَهُوَ قبل الزَّوَال. وَإِذا أَخذ فِي التزايد فَهُوَ بعد الزَّوَال وَإِذا لم يزدْ وَلم ينقص فَهُوَ وَقت الزَّوَال. والظل الْحَاصِل حِينَئِذٍ هُوَ الْفَيْء والظل الْأَصْلِيّ. فِي الْفَتَاوَى الْكَامِل لَا يدْخل وَقت الظّهْر بَعْدَمَا زَالَت الشَّمْس حَتَّى يصير ظلّ جِدَار عشرَة أَذْرع ذِرَاعا وَاحِدًا فَدخل وَقت الظّهْر وَهُوَ الْأَصَح وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. وَفِي رِوَايَة لَا يدْخل الظّهْر حَتَّى لَا يخرج الظل الْأَصْلِيّ كلما خرج ذَلِك دخل وَقت الظّهْر. وَإِنِّي التمست إِلَى جناب الأقدس الأطهر جَامع الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول حاوي الْفُرُوع وَالْأُصُول الَّذِي أخضرت رياض الرياضيات بزلال حِيَاض أفكاره وأنورت آفَاق سماوات الْعُلُوم الغريبة بِطُلُوع شموس أنواره. معاذي وأستاذي السَّيِّد السَّنَد شمس الدّين الْمَدْعُو بِسَيِّد مُحَمَّد ميرك بن شاه منيب الله الخجندي النقشبندي خلد الله ظلاله وضاعف عمره وجلاله الدائرة الْهِنْدِيَّة فرسمها بِحَيْثُ لَا يرى أحد مثلهَا وَكتب سلمه الله تَعَالَى فِي حاشيتها هَذِه الْعبارَة. اعْلَم أَن وَقت الظّهْر إِلَى وُصُول ظلّ المقياس بقوس الْعَصْر للمثل على مَا أفتى بِهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى والمحققون من الْعلمَاء الْحَنَفِيَّة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم لَا كَمَا اشْتهر بَين النَّاس أَن وقته إِلَى وُصُول الظل قوسه للمثلين عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن رِوَايَات الْمُحَقِّقين وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تنادي بِخِلَافِهِ وَقد سنح ببالي دَلِيل حسن لم يسبقني بِهِ أحد وَهُوَ أَن ارْتِفَاع الْعَصْر للمثلين (يح) حِين كَون الشَّمْس أول الجدي ودائرة على مَا استخرجنا بالأسطرلاب وَالرّبع الْمُجيب (الب) وَهُوَ سَاعَة وَنصف مثلا تَقْرِيبًا فَلَو كَانَ وَقت الظّهْر إِلَى وُصُول الظل قَوس الْعَصْر للمثلين يكون وقته فِي ذَلِك الْيَوْم أَي كَون الشَّمْس أول الجدي إِلَى أَن يبْقى من الْيَوْم سَاعَة وَنصف وَهُوَ غير الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول جدا على أَن هَذَا فِي بلدنا (يط) عرضا وَأما فِي مَكَّة المعظمة وَالْمَدينَة المشرفة يكون الْبَاقِي من الْيَوْم فِي نِهَايَة وَقت الظّهْر أقل مِمَّا ذكرنَا لِأَنَّهُمَا أعرض من بلدنا فَإِن عرض مَكَّة (كَا) وَالْمَدينَة (اله) وَلَا رِيبَة أَنه قد بَان مِمَّا نقدنا تزبيب الرِّوَايَات فِي بَاب المثلين فَافْهَم واحفظ وَقد نطق بحفظه الذّكر الْحَكِيم {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} . أكملت الْعَمَل لمحبي فِي الله القَاضِي عبد النَّبِي سلمه الله وأبقاه انْتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 والضابطة فِي معرفَة قدر فَيْء الزَّوَال أَن يغرز المقياس بِقدر سَبْعَة أَصَابِع فِي مَرْكَز الدائرة الْهِنْدِيَّة فَلَا يكون لَهُ ظلّ أصلا إِذا كَانَت الشَّمْس فِي الجوزاء وَمن السرطان إِلَى الْقوس يزِيد الظل اصبعا إِلَى سِتَّة أَصَابِع ثمَّ من الجدي إِلَى الثور ينقص اصبعا اصبعا. وَاعْلَم أَن الشَّمْس تكون فِي الجوزاء فِي (خوردادماه) بالهندية اكهار. وَتَكون فِي السرطان فِي (تيرماه) يَعْنِي ساون. وَفِي الْأسد فِي (امْر دادماه) يَعْنِي بهادون. وَفِي السنبلة فِي (شهر يورماه) يَعْنِي آسين. وَفِي الْمِيزَان فِي (مهرماه) يَعْنِي كارتك. وَفِي الْعَقْرَب فِي (آبان) ماه يَعْنِي ماركيسر. وَفِي الْقوس فِي (آذرماه) يَعْنِي بوس. وَفِي الجدي فِي (دي ماه) يَعْنِي ماهو. وَفِي الدَّلْو فِي (بهمن ماه) يَعْنِي بهاكن. وَفِي الْحُوت فِي (اسفندار ماه) يَعْنِي جيت. وَفِي الْحمل فِي (فروردى ماه) يَعْنِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 ويساك. وَفِي الثور فِي (اردي بهشت) يَعْنِي جيته. الْفَيْض: (ريختن ودادن وباران) من فاض المَاء فيضا إِذا كثر حَتَّى سَالَ من جَانب الْوَادي. وَفِي الِاصْطِلَاح القاء الْأَمر فِي الْقلب بطرِيق الإلهام لَا بتجشم الْكسْب. وَأَيْضًا فِي الِاصْطِلَاح الآخر إِنَّمَا يُطلق على فعل فَاعل يفعل دَائِما لَا لعوض وَلَا لغَرَض وَمِنْه قَوْلهم المبدأ الْفَيَّاض. الْفَيْض الأقدس: هُوَ تجلي الْحَيّ الذَّات الْمُوجب لوُجُود الْأَشْيَاء واستعداداتها فِي الحضرة العلمية ثمَّ العينية كَمَا قَالَ كنت كنزا مخفيا فَأَحْبَبْت أَن أعرف فخلقت الْخلق لأعرف. الْفَيْض الْمُقَدّس: عبارَة عَن التجليات الأسمائية الْمُوجبَة لظُهُور مَا تَقْتَضِيه استعدادات تِلْكَ الْأَعْيَان فِي الْخَارِج. فالفيض الْمُقَدّس مترتب على الْفَيْض الأقدس فبالأول: تحصل الْأَعْيَان الثَّابِتَة واستعداداتها الْأَصْلِيَّة فِي الْعلم. وَبِالثَّانِي: يحصل تِلْكَ الْأَعْيَان فِي الْخَارِج مَعَ لوازمها وتوابعها. الفيح: بِفَتْح الأول والحاء الْمُهْملَة الغلبات من فاحت الْقدر إِذا غلبت. وَالْمرَاد مِنْهُ فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي صَحِيحه أبردوا بِالظّهْرِ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم شدَّة حر جَهَنَّم على التَّشْبِيه أَي فَإِن شدَّة حر الشَّمْس مثل شدَّة حر النَّار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 ( [حرف الْقَاف] ) (بَاب الْقَاف مَعَ الْألف) القانون: يوناني أَو سرياني مسطر الْكِتَابَة. وَفِي الِاصْطِلَاح هُوَ وَالْقَاعِدَة قَضِيَّة كُلية تعرف مِنْهَا بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة من الْفِعْل أَحْوَال جزئيات موضوعها مثل كل فَاعل مَرْفُوع فَإِذا أردْت أَن تعرف حَال زيد مثلا فِي جَاءَنِي زيد فَعَلَيْك أَن تضم الصُّغْرَى السهلة الْحُصُول أَعنِي زيد فَاعل مَعَ تِلْكَ الْقَضِيَّة وَتقول زيد فَاعل وكل فَاعل مَرْفُوع يحصل لَك معرفَة أَنه مَرْفُوع. وَفرق بَعضهم بِأَن القانون هُوَ الْأَمر الْكُلِّي المنطبق على جَمِيع جزئياته الَّتِي يتعرف أَحْكَامهَا مِنْهُ وَالْقَاعِدَة هِيَ الْقَضِيَّة الْكُلية الْمَذْكُورَة. القاسر: فِي اللُّغَة الْمَانِع وَعند الْحُكَمَاء مَا كَانَ تَأْثِيره على خلاف مُقْتَضى طبع الشَّيْء وَقد يُرَاد بِهِ الْأَمر الْخَارِج عَن الشَّيْء مُطلقًا سَوَاء كَانَ اقتضاؤه على مُقْتَضى طبعه أَو خلاف مُقْتَضَاهُ. القار: بتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة مُجْتَمع الْأَجْزَاء فِي الْوُجُود. الْقَاعِدَة: القانون كَمَا مر وَيُطلق على أحد أضلاع المثلث غَالِبا وَقد يُطلق على الْخط الْمقسم للدائرة ولمحيطها إِلَى قطعتين مختلفتين فَإِن هَذَا الْخط يُسمى وتر الْكل من قسمي الْمُحِيط وَقَاعِدَة لكل من قطعتي الدائرة. القافية: عِنْد أَصْحَاب الْعرُوض هِيَ الْكَلِمَة الْوَاقِعَة فِي أَوَاخِر الأبيات والمصاريع. وَقَالَ بَعضهم الْحَرْف الآخر مِنْهَا وَهِي نَوْعَيْنِ مُطلقَة ومقيدة. أما القافية الْمُطلقَة فَهِيَ الَّتِي يكون حُرُوف رويها متحركا تولدت من مد حركتها إِحْدَى حُرُوف الْعلَّة وَتسَمى هَذِه الْحُرُوف حِينَئِذٍ حُرُوف الْإِطْلَاق. والحرف الروي هُوَ الْحَرْف الْوَاقِع فِي آخر القافية، وَأما القافية الْمقيدَة فَهِيَ الَّتِي يكون رويها سَاكِنا فَيكون الصَّوْت حِينَئِذٍ مُقَيّدا مَحْبُوسًا لَا مُطلقًا جَارِيا بِخِلَاف الأول. الْقَائِف: من يعرف النّسَب بفراسته وَنَظره إِلَى أَعْضَاء الْمَوْلُود. القانت: الْقَائِم بِالطَّاعَةِ الدَّائِم عَلَيْهَا. قاب قوسين: مقَام الْقرب الإلهي وَهُوَ الِاتِّحَاد بِالْحَقِّ مَعَ بَقَاء التميز الْمعبر عَنهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 بالاتصال. وَلَا أَعلَى من هَذَا الْمقَام إِلَّا مقَام أَو أدنى وَهُوَ أحدية عين الْجمع الذاتية الْمعبر عَنهُ بقوله تَعَالَى: {أَو أدنى} لارْتِفَاع التميز والاثنينية الاعتبارية هُنَاكَ بالفناء الْمَحْض والطمس الْكُلِّي للرسوم كلهَا. الْقَارِن: فِي الْمحرم. القَاضِي: من الْقَضَاء وَهُوَ مَا سَيَجِيءُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَيعلم القَاضِي مِنْهُ وَمن لَهُ أَهْلِيَّة الشَّهَادَة لَهُ أَهْلِيَّة الْقَضَاء وَالْفَاسِق أهل للْقَضَاء إِلَّا أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يُقَلّد وَسَائِر أَحْكَام القَاضِي فِي كتب الْفِقْه. ف (85) : وَاعْلَم أَن الْقَضَاء بِالْحَقِّ من أقوى الْفَرَائِض بعد الْإِيمَان وَمن أشرف الْعِبَادَات قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ} . وَجَمِيع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام مأمورون بِهِ وَقَضَاء يَوْم بِالْحَقِّ وَالْعدْل أحب من جِهَاد سنة فِي سَبِيل الله وأجز عَدَالَة يَوْم أفضل من أجر صلوَات سبعين سنة فِي الْبَيْت خَالِصَة لله. أما ترك الدُّخُول فِي الْقَضَاء والامتناع عَن قبُوله أصلح فِي الدُّنْيَا وَالدّين وَإِن كَانَ فِي الْمصر جمَاعَة لكل وَاحِد مِنْهُم صَلَاحِية الْقَضَاء وَالْوَاحد مِنْهُم يمْتَنع عَن قبُوله لَا يَأْثَم وَإِن كَانَ هُوَ مُتَعَيّنا بأهلية الْقَضَاء يَأْثَم بالامتناع لِأَن قبُول الْقَضَاء فرض عَلَيْهِ وتارك الْفَرْض آثم. وَقَالَ بَعضهم لَا يجوز قبُول الْقَضَاء إِلَّا بِالْإِكْرَاهِ وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى كلف بِالْقضَاءِ ثَلَاث مَرَّات وَضرب فِي كل مرّة ثَلَاثِينَ سَوْطًا فَلم يقبل وَالصَّحِيح أَن قبُول الْقَضَاء بِاخْتِيَارِهِ رخصَة والامتناع عَزِيمَة. ف (86) : (بَاب الْقَاف مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الْقَبْر: مَا يدْفن فِيهِ الْمَيِّت. فِي مَجْمُوعَة الرِّوَايَات من الْجَامِع الصَّغِير الخاني ويرش على الْقَبْر المَاء كَيْلا ينتشر بِالرِّيحِ. ف (87) : الْقبْح والقبيح: فِي الْحسن. الْقَبْض: خلاف الْبسط. وَعند أَرْبَاب السلوك هما حالتان بعد ترقي العَبْد عَن حَالَة الْخَوْف والرجاء فالقبض للعارف كالخوف للمستأمن - وَالْفرق بَينهمَا أَن الْخَوْف والرجاء يتعلقان بِأَمْر مُسْتَقْبل مَكْرُوه أَو مَحْبُوب وَالْقَبْض فِي الْعرُوض حذف الْحَرْف الْخَامِس السَّاكِن مثل يَاء مفاعيلن ليبقى مفاعلن وَيُسمى مَا فِيهِ هَذَا الْحَرْف مَقْبُوضا. وَأَيْضًا الْقَبْض من الطعوم التِّسْعَة وَهُوَ طعم مَا يَأْخُذ ظَاهر اللِّسَان وباطنه بِخِلَاف العفوصة كَمَا مر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 الْقبُول: بِالْفَتْح من المصادر الشاذة وَالْقِيَاس الضَّم وَمَعْنَاهُ انفعال الْأَثر بِالْفَارِسِيَّةِ بذيرائي نمودن - وَجَاء الْقبُول بِالْفَتْح بِمَعْنى ريح الصِّبَا ومهبها المستوى مطلع الشَّمْس إِذا اسْتَوَى اللَّيْل وَالنَّهَار ويقابلها الدبور فَإِن مهبها المستوى مغرب الشَّمْس. ف (88) : (بَاب الْقَاف مَعَ التَّاء) القتاد: فِي خرط القتاد. الْقَتْل: فعل يحصل بِهِ زهوق الرّوح وذهابه. الْقَتْل الْعمد: عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى مَا تعمد ضربه بسلاح أَو مَا أجري مجْرى السِّلَاح فِي تَفْرِيق الْأَجْزَاء كالمحدد من الْخشب وَالْحجر والليطة وَالنَّار وَعِنْدَهُمَا وَالشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ ضربه قصدا بِمَا لَا يطيقه بدن الْإِنْسَان حَتَّى أَن ضربه بِحجر عَظِيم أَو خشب عَظِيم فَهُوَ عمد - وموجبه الْإِثْم وَالْقصاص إِلَّا أَن يعْفُو الْوَلِيّ. ثمَّ الْقصاص مُتَعَيّن وَلَيْسَ للْوَلِيّ أَخذ الدِّيَة إِلَّا بِرِضا الْقَاتِل عندنَا وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. وَفِي قَوْله الآخر أَن مُوجب الْعمد الْقصاص أَو الدِّيَة وَتعين ذَلِك بِاخْتِيَار الْوَلِيّ وَحقّ الْعَفو للأولياء من الْعصبَة وَذَوي الْأَرْحَام والزوجين فِي ظَاهر الرِّوَايَة. وَقَالَ اللَّيْث بن سعد الْعَفو للْعصبَةِ دون غَيرهَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْقَتْل الْكَفَّارَة. الْقَتْل الَّذِي هُوَ شبه الْعمد: هُوَ أَن يتَعَمَّد ضربه بِمَا لَيْسَ بسلاح وَمَا أجري مجْرَاه فِي تَفْرِيق الْأَجْزَاء عِنْده. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى هُوَ أَن يتَعَمَّد الضَّرْب بِآلَة لَا تقتل بِمِثْلِهَا فِي الْغَالِب كالعصا وَالسَّوْط وَالْحجر وَالْيَد فَلَو ضربه بِحجر عَظِيم أَو خَشَبَة عَظِيمَة فَهُوَ عمد عِنْدهم خلافًا لَهُ وَلَو ضربه بِسَوْط صَغِير ووالى فِي الضربات حَتَّى مَاتَ يقْتَصّ عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى خلافًا لنا وَلَيْسَ مُوجبه الْقصاص بل الْإِثْم ودية مُغَلّظَة على الْعَاقِلَة. وَالْكَفَّارَة وَهِي عتق رَقَبَة مُؤمنَة ذكرا أَو أُنْثَى فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين. الْقَتْل الخطاء: أَن يَرْمِي شخصا ظَنّه صيدا أَو حَرْبِيّا فَإِذا هُوَ مُسلم أَو غَرضا فَأصَاب آدَمِيًّا فَقتله. وموجبه الْكَفَّارَة الْمَذْكُورَة وَالدية على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين لَا الاثم. الْقَتْل الْجَارِي مجْرى الخطاء: كنائم انْقَلب على رجل فَقتله. وموجبه مُوجب الْقَتْل الخطاء. الْقَتْل بِالسَّبَبِ: كحفر الْبِئْر أَو وضع الْحجر فِي غير ملكه. وموجبه الدِّيَة على الْعَاقِلَة إِذا تلف بِهِ إِنْسَان لَا الْكَفَّارَة وَهَذَا إِذا كَانَت الْبِئْر على ممر النَّاس وَإِذا لم تكن على ممر النَّاس فَلَا دِيَة عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وَاعْلَم أَن كل قتل ظلما عمدا يتَعَلَّق بِهِ وجوب الْقصاص أَو الْكَفَّارَة يُوجب حرمَان الْقَاتِل عَن إِرْث الْمَقْتُول إِلَّا الْقَتْل بالتسبيب. (بَاب الْقَاف مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة) القحبة: هِيَ الَّتِي تخرج إِلَى الْفَاحِشَة وَهِي أفحش من الزَّانِيَة لِأَن الزَّانِيَة تفعل سرا والقحبة جَهرا لِأَنَّهَا من تجاهر بِالْأُجْرَةِ تفعل الزِّنَا عَلَانيَة. (بَاب الْقَاف مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الْقُدْرَة: هِيَ الصّفة الَّتِي يتَمَكَّن الْحَيّ مَعهَا من الْفِعْل وَتَركه بالإرادة أَي كَون الْحَيّ بِحَيْثُ يَصح صُدُور الْفِعْل عَنهُ وَعدم صدوره بِالْقَصْدِ. قَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى إِن للقدرة مَعْنيين. أَحدهمَا: صِحَة الْفِعْل وَالتّرْك أَي يَصح مِنْهُ تَعَالَى الإيجاد وَالتّرْك وَلَيْسَ شَيْء مِنْهُمَا لَازِما لذاته تَعَالَى بِحَيْثُ يَسْتَحِيل الانفكاك عَنهُ وَإِلَى هَذَا ذهب المتكلمون. وَثَانِيهمَا: إِن شَاءَ فعل وَإِن لم يَشَاء لم يفعل وَهَذَا الْمَعْنى مُتَّفق عَلَيْهِ بَيْننَا وَبَين الْحُكَمَاء إِلَّا أَن الْحُكَمَاء ذَهَبُوا إِلَى أَن مَشِيئَة الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْفَيْض والجود لَازِمَة لذاته تَعَالَى كلزوم الْعلم وَسَائِر الصِّفَات الكمالية زعما مِنْهُم إِن تَركه نقص فيستحيل انفكاكه عَنهُ فمقدم الشّرطِيَّة الأولى وَاجِب صدقه ومقدم الشّرطِيَّة الثَّانِيَة مُمْتَنع الصدْق. وكلتا الشرطيتين صادقتان فِي حَقه تَعَالَى. إِذْ صدق الشّرطِيَّة لَا يسْتَلْزم صدق طرفيها وَلَا يُنَافِي كذبهما. وَهَذَا الْمَعْنى لَا يُنَافِي الْإِيجَاب فَإِن دوَام الْفِعْل وَامْتِنَاع التّرْك بِسَبَب الْغَيْر لَا يُنَافِي الِاخْتِيَار بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَات الْمُخْتَار كَمَا أَن الْعَاقِل مَا دَامَ عَاقِلا يغمض عَيْنَيْهِ كلما قرب إبرة من عَيْنَيْهِ بِقصد الغمز فيهمَا من غير تخلف مَعَ أَنه يَفْعَله بِاخْتِيَارِهِ وَامْتِنَاع ترك الإغماض بِسَبَب كَونه عَالما بِضَرَر التّرْك لَا يُنَافِي الِاخْتِيَار انْتهى. وَيفهم من هَا هُنَا معنى الْإِيجَاب فِي قَول الْحُكَمَاء أَن الْعقل الأول صادر عَنهُ تَعَالَى بِالْإِيجَابِ وَأَنه تَعَالَى فَاعل مُوجب فَلَا تظن أَن إِيجَابه تَعَالَى عِنْدهم كإيجاب النَّار حرق الْحَطب الْوَاقِع فِيهَا فَإِنَّهُ تَعَالَى قَادر على فعله وَتَركه عِنْدهم لَكِن لزم فعله وَامْتنع تَركه للْغَيْر وَهُوَ كَون الْفِعْل فيضا وجودا وَكَون التّرْك نقصا وبخلا وَهُوَ يتعالى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَهَذَا اللُّزُوم والامتناع لَا يُنَافِي الْقُدْرَة عَلَيْهِمَا بِالنّظرِ إِلَى ذَاته تَعَالَى لَكِن قد يُقَال كَون الْقُدْرَة بِالْمَعْنَى الثَّانِي مُتَّفقا عَلَيْهِ مَحل بحث لِأَن مَشِيئَة الله تَعَالَى عِنْدهم عبارَة عَن علمه تَعَالَى بالأشياء على النظام الْأَكْمَل على مَا صرح بِهِ فِي المواقف فِي بحث إِرَادَة الْوَاجِب تَعَالَى فَمَعْنَى قَوْلهم إِن شَاءَ فعل وَإِن لم يَشَأْ لم يفعل إِن علم فعل وَإِن لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 يعلم لم يفعل وَلما كَانَ الْعلم لَازِما لذاته كَانَ طرف الْفِعْل لَازِما لذاته وَهَذَا معنى أَن مقدم الشّرطِيَّة لَازم لَهُ. وَعند الْمُتَكَلِّمين عبارَة عَن الْقَصْد فَمَعْنَى إِن شَاءَ فعل وَإِن لم يَشَأْ لم يفعل إِن قصد فعل وَإِن لم يقْصد لم يفعل وَلما لم يكن تعلق الْقَصْد لَازِما لذاته لم يكن شَيْء من الطَّرفَيْنِ لَازِما لذاته وَهَذَا معنى عدم لُزُوم الشّرطِيَّة الأولى فَلَا يكون الِاتِّفَاق بَين الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا فِي اللَّفْظ. ثمَّ فِي تقدم الْقُدْرَة على الْفِعْل اخْتِلَاف. قَالَ الْمُعْتَزلَة إِنَّهَا مُقَدّمَة عَلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا على تقدمها بِوَجْهَيْنِ: الأول: إِنَّه لَو لم يتَحَقَّق قبل الْفِعْل لَكَانَ تَكْلِيف الْكَافِر بِالْإِيمَان تَكْلِيف الْعَاجِز وَلَا يجوز وُقُوعه بالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} . وَأجِيب عَنهُ بِأَن تَكْلِيف الْكَافِر فِي الْحَال بإيقاع الْإِيمَان فِي ثَانِي الْحَال أَعنِي وَقت حُصُول الْقُدْرَة وَهِي مَعَ الْفِعْل وَفِيه أَنه لَو اسْتمرّ على الْكفْر لم يتَحَقَّق الْقُدْرَة بِنَاء على أَنَّهَا مَعَ الْفِعْل والتالي بَاطِل فالمقدم مثله. الثَّانِي: إِن الْقُدْرَة تحْتَاج إِلَيْهَا فِي الْفِعْل وَمَعَ الْفِعْل لَا يبْقى الِاحْتِيَاج. وَيرد عَلَيْهِ أَن الْحُصُول لَا يُنَافِي الِاحْتِيَاج إِلَى الْعلَّة وَإِمَّا عندنَا فَهِيَ مَعَ الْفِعْل لِأَن المُرَاد بهَا الْقُدْرَة الْحَقِيقِيَّة وَهِي إِمَّا عِلّة تَامَّة للْفِعْل أَو شَرط وَهَذَا الْبَحْث يرجع إِلَى الِاسْتِطَاعَة. ثمَّ اعْلَم أَن الْقُدْرَة الَّتِي يتَمَكَّن بهَا العَبْد وَعَلَيْهَا مدَار التَّكْلِيف هِيَ بِمَعْنى سَلامَة الْأَسْبَاب والآلات وَلها نَوْعَانِ: أَحدهمَا: الْقُدْرَة الممكنة: الَّتِي سَمَّاهَا صَاحب منار الْأُصُول. قدرَة مُطلقَة: لِأَنَّهَا غير مُقَيّدَة بِصفة الْيُسْر والسهولة وَهِي أدنى قُوَّة يتَمَكَّن بهَا الْمَأْمُور من أَدَاء مَا لزمَه بدنيا أَو ماليا. وَهَذَا النَّوْع من الْقُدْرَة شَرط فِي كل أَمر احْتِرَازًا عَن تَكْلِيف مَا لَيْسَ فِي الوسع. وَثَانِيهمَا: الْقُدْرَة الميسرة: أَي للْأَدَاء وَجعل صَاحب منار الْأُصُول الْقسم الثَّانِي كَامِلا وَفَسرهُ بِالْقُدْرَةِ الميسرة وَهِي مَا يُوجب الْيُسْر على الْأَدَاء وَهِي زَائِدَة على الْقُدْرَة الممكنة بِدَرَجَة فِي الْقُوَّة إِذْ بهَا يثبت الْإِمْكَان ثمَّ الْيُسْر بِخِلَاف الأولى إِذْ لَا يثبت بهَا الْإِمْكَان وشرطت هَذِه الْقُدْرَة فِي الْوَاجِبَات الْمَالِيَّة دون الْبَدَنِيَّة لِأَن أداءها أشق على النَّفس من البدنيات لِأَن المَال شَقِيق الرّوح. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق غير صَحِيح بِالنَّصِّ فَلَا بُد من قدرَة الْمُكَلف الْمَأْمُور على فعل الْمَأْمُور بِهِ. وَتلك الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ بِمَعْنى سَلامَة الْأَسْبَاب والآلات نَوْعَانِ: أَحدهمَا: مُطلق أَي غير مُقَيّد بِصفة الْيُسْر والسهولة وَهُوَ أدنى مَا يتَمَكَّن بِهِ الْمَأْمُور من أَدَاء مَا لزمَه وَهُوَ شَرط فِي أَدَاء كل أَمر بدنيا كَانَ أَو ماليا وَالْبَاقِي زَائِد على الأولى فَإِن قدر مَا يسع فِيهِ أَربع رَكْعَات من الظّهْر مثلا أدنى مَا يتَمَكَّن بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 الْمَأْمُور من أَدَاء مَا لزمَه وَالْبَاقِي زَائِد على هَذَا الْقدر وَهَذِه الْقُدْرَة تسمى قدرَة مُمكنَة وَهِي غير مَشْرُوطَة فِي وجوب الْقَضَاء لِأَنَّهَا لَا تشْتَرط إِلَّا فِيمَا كَانَ الْمَطْلُوب مِنْهُ فعله وَوُجُوب الْقَضَاء لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمَطْلُوب من وجوب الْقَضَاء السُّؤَال وَالْإِثْم لَا الْفِعْل فَلَا تشْتَرط فِيهِ فَإِن من عَلَيْهِ ألف صَلَاة يُقَال لَهُ فِي النَّفس الْأَخير أَن هَذِه الصَّلَوَات وَاجِبَة عَلَيْك وثمرته تظهر فِي وجوب الْإِيصَاء بالفدية وَالْإِثْم. وَاعْلَم أَيْضا أَن الْقُدْرَة الممكنة لَيست بِشَرْط بِمَعْنى كَونهَا متحققة الْوُجُود بل شَرط بِمَعْنى كَونهَا متوهمة الْوُجُود أَي لَا يلْزم أَن يكون الْوَقْت الَّذِي يسع أَربع رَكْعَات مَوْجُودا متحققا فِي الْحَال بل يَكْفِي توهم وجوده فَإِن تحقق هَذَا الموهوم أَي وجد بِأَن يَمْتَد الْوَقْت بفضله تَعَالَى يُؤَدِّيه وَإِلَّا يظْهر ثَمَرَته فِي وجوب الْقَضَاء. وَثَانِيهمَا: مُقَيّد وَيُقَال لَهُ الْكَامِل أَيْضا وَهُوَ الْقُدْرَة الميسرة للْأَدَاء لِأَنَّهُ جعل الْأَدَاء بهَا يَسِيرا سهلا على الْمُكَلف لَا بِمَعْنى أَنه قد كَانَ قبل ذَلِك عسيرا ثمَّ يسره الله تَعَالَى بعد ذَلِك بل بِمَعْنى أَنه أوجب من الِابْتِدَاء بطرِيق الْيُسْر والسهولة كَمَا يُقَال ضيق فَم البير أَي اجْعَلْهُ ضيقا من الِابْتِدَاء لَا أَنه كَانَ وَاسِعًا ثمَّ ضيقه. وَهَذِه الْقُدْرَة شَرط فِي الْعِبَادَات الْمَالِيَّة دون الْبَدَنِيَّة فَمَا دَامَ هَذِه الْقُدْرَة بَاقِيَة يبْقى الْوَاجِب وَإِذا انْتَفَى يَنْتَفِي الْوَاجِب لِأَن الْوَاجِب كَانَ ثَابتا باليسر فَإِن بَقِي بِدُونِ الْقُدْرَة تبدل الْيُسْر إِلَى الْعسر الصّرْف. هَذَا مَا حررنا فِي التعليقات على أصُول الحسامي. الْقَدَرِيَّة: فِي الجبرية وَهِي طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة. الْقدر: بِالْفَتْح مِقْدَار الشَّيْء ومرتبته. وبالكسر وَسُكُون الثَّانِي (ديكك) . وبالفتحتين (اندازه وآفريدن ونوشتن وتواناشدن) . وَفِي الِاصْطِلَاح تعلق الْإِرَادَة الذاتية بالأشياء فِي أَوْقَاتهَا الْخَاصَّة فَتعلق كل حَال من أَحْوَال الْأَعْيَان بِزَمَان معِين وَسبب معِين عبارَة عَن الْقدر وَيُقَال لكل شَيْء فِي الْأَزَل قَضَاء وَقدر. وَقَالَ بَعضهم بِالْفرقِ بَينهمَا بِأَن الحكم الْكُلِّي الأزلي قَضَاء. وَحكم جزئياته قدر يَعْنِي أَن الْقَضَاء فِي مرتبَة الْإِجْمَال وَالْقدر فِي مرتبَة التَّفْصِيل. وَإِن أردْت تَفْصِيل الْقدر فَانْظُر فِي الْجَبْر. وَعند أَرْبَاب السلوك الْقَضَاء عبارَة عَن حكم كلي على أَعْيَان الموجودات بأحوال جَارِيَة وَأَحْكَام طارية عَلَيْهَا من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْقَضَاء. وَالْقدر عبارَة عَن تَفْصِيل هَذَا الحكم الْكُلِّي بِأَن يخصص إِيجَاد الْأَعْيَان بأوقات وأزمان يَقْتَضِي استعدادها وُقُوعهَا فِيهَا وَأَن يعلق كل حَال من أحوالها بِزَمَان معِين وَنسبَة مَخْصُوصَة. الْقدَم: بِالْفَتْح الرجل بِالْكَسْرِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 اعْلَم أَنه قد جرت عَادَتهم بِأَنَّهُم إِذا قسموا الشاخص على سَبْعَة أَقسَام مُتَسَاوِيَة سموا كل قسم قدما. وَإِذا قسموا على اثْنَي عشر قسما سموا كل قسم مِنْهَا اصبعا. وَأَيْضًا الْقدَم مَا ثَبت للْعَبد فِي علم الْحق تَعَالَى من بَاب السَّعَادَة والشقاوة - وَإِن اخْتصَّ بالسعادة فَهُوَ قدم الصدْق أَو بالشقاوة فَقدم الخسار وبالكسر عدم مسبوقية الْوُجُود بِالْعدمِ وَهُوَ على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: الْقدَم الذاتي: وَهُوَ كَون الشَّيْء غير مُحْتَاج فِي وجوده إِلَى الْغَيْر وَهُوَ منحصر فِي ذَاته تَعَالَى ويقابله الْحُدُوث الذاتي. وَثَانِيهمَا: الْقدَم الزماني: وَهُوَ كَون الشَّيْء غير مَسْبُوق بِالْعدمِ ويقابله الْحُدُوث الزماني فعلى هَذَا. الْقَدِيم بِالذَّاتِ: هُوَ الْمَوْجُود الَّذِي لَا يكون وجوده من غَيره وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ لَا غير ويقابله الْمُحدث بِالذَّاتِ وَهُوَ الَّذِي يكون وجود من غَيره. وَهَا هُنَا مغالطة مَشْهُورَة وَهِي أَنه لَا قديم فِي نفس الْأَمر لِأَن الْوَاجِب تَعَالَى مَحل الْحَوَادِث وكل مَا هُوَ كَذَلِك فَهُوَ حَادث فَالله تَعَالَى حَادث - وَإِذا ثَبت حُدُوثه ثَبت حُدُوث سَائِر الْأَشْيَاء - أما الصُّغْرَى فَلِأَن صُدُور زيد فِي هَذَا الْوَقْت عَن الْوَاجِب تَعَالَى سَوَاء كَانَ بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَار أَو بِالْإِيجَابِ يسْتَلْزم اتصافه تَعَالَى بِأَمْر حَادث وَهُوَ كَونه موجدا لزيد. وَلَا شكّ أَن الإيجاد قَائِم بالموجد فَيلْزم كَونه تَعَالَى محلا للحوادث - وَأما الْكُبْرَى فَهُوَ مَشْهُور برهن عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه - وَإِنَّمَا قُلْنَا إِذا ثَبت حُدُوثه ثَبت حُدُوث غَيره لِأَن القدماء الَّذين هم غَيره تَعَالَى إِمَّا صِفَاته أَو معلولاته - وَلَا شكّ أَن حُدُوث الْمَوْصُوف أَو الْعلَّة يسْتَلْزم حُدُوث الصّفة أَو الْمَعْلُول - وحلها أَن الْحَادِث هُوَ تعلق إِرَادَته تَعَالَى بِوُجُود زيد لَا نفس الإيجاد وَصفته تَعَالَى هُوَ الثَّانِي الْقَدِيم لَا الأول الْحَادِث - وَمَا قيل من أَن تعلق الإيجاد صفة للإيجاد فَيلْزم حُدُوث الإيجاد إِذْ مَحل الْحَادِث حَادث فَيَعُود الْمَحْذُور مَرْدُود بِأَن التَّعَلُّق لَيْسَ بحادث إِذْ معنى الْحُدُوث هُوَ مسبوقية الْمَوْجُود بِالْعدمِ والتعلق لَيْسَ بموجود لِأَنَّهُ أَمر اعتباري. الْقَدِيم بِالزَّمَانِ: هُوَ الْمَوْجُود الَّذِي لَا يكون وجوده مَسْبُوقا بِالْعدمِ كالعقول والأفلاك مثلا عِنْد الْحُكَمَاء ويقابله الْمُحدث بِالزَّمَانِ وَهُوَ الَّذِي سبق عَدمه على وجوده سبقا زمانيا - وَاعْلَم أَن بَين الْقَدِيم بِالذَّاتِ وَالْقَدِيم بِالزَّمَانِ عُمُوما وخصوصا مُطلقًا - فَإِن كل قديم بِالذَّاتِ قديم بِالزَّمَانِ وَلَيْسَ كل قديم بِالزَّمَانِ قديم بِالذَّاتِ فَيكون الْمُحدث بِالذَّاتِ أَعم من الْمُحدث بِالزَّمَانِ لِأَن مُقَابل الْأَخَص يكون أَعم من مُقَابل الْأَعَمّ ونقيض الْأَعَمّ من شَيْء مُطلقًا يكون أخص من نقيض الْأَخَص. الْقدَم يُنَافِي الْعَدَم: أَي كل مَا كَانَ قَدِيما لَا يُمكن طريان الْعَدَم عَلَيْهِ لِأَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 الْقَدِيم إِمَّا وَاجِب بِالذَّاتِ أَو وَاجِب بِالْغَيْر وَعدم إِمْكَان طريان الْعَدَم على الْوَاجِب بِالذَّاتِ تَعَالَى شَأْنه ظَاهر - وَإِن كَانَ الْقَدِيم وَاجِبا بِالْغَيْر فَلَا محَالة يكون مُسْتَندا إِلَى الْوَاجِب بِالذَّاتِ بطرِيق الْإِيجَاب فَيكون الْوَاجِب بِالذَّاتِ عِلّة تَامَّة لَهُ. وَلَا يُمكن طريان الْعَدَم عَلَيْهِ فَلَا يُمكن طريانه على معلوله أَيْضا وَإِلَّا لزم تخلف الْمَعْلُول عَن علته التَّامَّة وَهُوَ محَال بِالضَّرُورَةِ. وَلَا يذهب عَلَيْك أَن كل مُسْتَند إِلَى الْوَاجِب بِالذَّاتِ قديم مُسْتَمر بل المُرَاد أَن كل مُسْتَند إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَة أَو بِوَاسِطَة شَرط مُسْتَمر قديم - وَإِنَّمَا قَالُوا بطرِيق الْإِيجَاب لِأَن الْمُسْتَند إِلَى الْوَاجِب بِالذَّاتِ بطرِيق الْقَصْد وَالِاخْتِيَار يكون حَادِثا إِذْ الْقَصْد إِنَّمَا يكون حَال الْعَدَم فَإِن الْقَصْد إِلَى إِيجَاد الْمَوْجُود مُمْتَنع بِالضَّرُورَةِ وَعَلِيهِ منع مَشْهُور. تَقْرِيره لَا نسلم أَن يكون الصَّادِر عَن الْوَاجِب بِالذَّاتِ بطرِيق الْقَصْد حَادِثا إِنَّمَا يلْزم ذَلِك إِذا كَانَ تقدم الْقَصْد على الْوُجُود بِحَسب الزَّمَان ليَكُون مُقَارنًا بِعَدَمِهِ وَهُوَ مَمْنُوع لم لَا يجوز أَن يكون تقدم الْقَصْد على الْوُجُود بِحَسب الذَّات فَإِن قَصده تَعَالَى إِنَّمَا يكون كَامِلا فَكَمَا أَن تقدم الإيجاد على الْوُجُود ذاتي لَا زماني بِأَن يكون الإيجاد فِي زمَان والوجود فِي زمَان آخر بل زَمَانه عين زمَان الْوُجُود فَكَذَلِك لم لَا يكون تقدم الْقَصْد الْكَامِل على الإيجاد تقدما ذاتيا فَيكون زمَان الْقَصْد عين زمَان الإيجاد والوجود فَحِينَئِذٍ يكون الْمُسْتَند إِلَى الْوَاجِب بطرِيق الِاخْتِيَار قَدِيما لَا حَادِثا. وَالْقَصْد الْكَامِل مَا يكون مستلزما للمقصود وَهُوَ قصد الْوَاجِب تَعَالَى بِخِلَاف الْقَصْد النَّاقِص كقصدنا فَإِنَّهُ مُتَقَدم على الإيجاد والوجود فَإِنَّهُ يحْتَاج فِي حُصُول الْمَقْصُود بعده إِلَى مُبَاشرَة الْأَسْبَاب وَاسْتِعْمَال الْآلَات. وَبِالْجُمْلَةِ أَن الْقَصْد إِذا كَانَ كَافِيا فِي حُصُول الْمَقْصُود يكون مَعَه بِحَسب الزَّمَان فَلَا يلْزم حُدُوث الْمَقْصُود وَإِذا لم يكن كَافِيا فيتقدم عَلَيْهِ بِالزَّمَانِ فَيكون الْمَقْصُود حَادِثا بِالزَّمَانِ الْبَتَّةَ. وَهَا هُنَا اعْتِرَاض وَهُوَ أَنا لَا نسلم أَن كل مُسْتَند إِلَى الْمُوجب بِالذَّاتِ بطرِيق الْإِيجَاب بِوَاسِطَة شَرط مُسْتَمر قديم لجَوَاز أَن يكون وجود زيد الْقَدِيم مثلا مُسْتَندا إِلَى الْمُوجب بِالذَّاتِ بِشَرْط أَمر عدمي ثَابت فِي الْأَزَل كَعَدم بكر فَإِن الإعدام أزلية فوجود زيد غير مَسْبُوق بِالْعدمِ ومستند إِلَى الْمُوجب الْقَدِيم. وَمَعَ هَذَا يجوز أَن يطْرَأ عَلَيْهِ الْعَدَم بِزَوَال شَرطه أَعنِي عدم بكر بِأَن يُوجد بكر فِيمَا لَا يزَال بِسَبَب تحقق جَمِيع مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجوده فَيكون انتفاؤه بِسَبَب انْتِفَاء شَرطه لَا لانْتِفَاء علته حَتَّى يلْزم عدم الْمُوجب الْقَدِيم - فَإِن قلت إِن ذَلِك الْأَمر العدمي إِمَّا مُسْتَند إِلَى الْمُوجب الْقَدِيم بِالذَّاتِ بِلَا وَاسِطَة أَو بِوَاسِطَة شَرَائِطه العدمية لَا إِلَى نِهَايَة أَو إِلَى الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ وأياما كَانَ يمْتَنع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 زَوَال عدم الْحَادِث أما على الأول وَالثَّالِث فَظَاهر - وَأما على الثَّانِي فَلِأَن زَوَاله لَا يتَصَوَّر إِلَّا بِزَوَال تِلْكَ الوسائط الْغَيْر المتناهية وزوالها يسْتَلْزم وجود أُمُور غير متناهية وَهُوَ بَاطِل ببرهان التطبيق. فَنَقُول لَا نسلم أَن الْأَمر العدمي يحْتَاج إِلَى عِلّة فَإِن الإعدام غير محتاجة إِلَى سَبَب إِذْ عِلّة الِاحْتِيَاج عِنْد الْمُتَكَلِّمين هِيَ الْحُدُوث. وَأَنت تعلم أَن الِاحْتِيَاج غير مُتَحَقق فِي حَال الْعَدَم. نعم يتم الْجَواب على مَذْهَب الْحُكَمَاء فَإِن عِلّة الِاحْتِيَاج إِلَى الْعلَّة عِنْدهم هِيَ الْإِمْكَان لَكِن كلامنا على مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين. الْقدر الْمُشْتَرك: مَا بِهِ الِاشْتِرَاك بَين الْأَمريْنِ الْمُخْتَلِفين. وَقد يُرَاد بِالْمَصْدَرِ الْقدر الْمُشْتَرك. وتحقيقه فِي الْمصدر الْمَبْنِيّ للْفَاعِل. (بَاب الْقَاف مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة) الْقَذْف: فِي اللُّغَة الرَّمْي مُطلقًا. وَفِي الشَّرْع الرَّمْي بِالزِّنَا أَي السب بِهِ فَلَو قذف زَوجته بِالزِّنَا وصلحا شَاهِدين وَهِي مِمَّن يحد قاذفها وَجب اللّعان لَا حد الْقَذْف وَإِن لم يصلح الزَّوْج شَاهدا حد حد الْقَذْف وَإِن صلح الزَّوْج للشَّهَادَة وَهِي مِمَّن لَا يحد قاذفها فَلَا حد عَلَيْهِ وَلَا لعان. وَإِن قذف أَجْنَبِيَّة مُحصنَة أَو قذف رجلا مُحصنا بِالزِّنَا حد ثَمَانِينَ سَوْطًا. وإحصان الْقَذْف أَن يكون الْمَقْذُوف مُكَلّفا أَي عَاقِلا - بَالغا - حرا - مُسلما - عفيفا - عَن زنا فَهِيَ خمس شَرَائِط. (بَاب الْقَاف مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الْقَرِينَة: بِمَعْنى الْفَقْرَة وَعِنْدهم الْأَمر الدَّال على الشَّيْء لَا بِالْوَضْعِ وَعند المنطقيين هِيَ اقتران الصُّغْرَى بالكبرى فِي الْإِيجَاب وَالسَّلب وَفِي الْكُلية والجزئية وَيُسمى هَذَا الاقتران ضربا أَيْضا عِنْدهم. الْقَرْض: الْقطع وَمَا يجب فِي الذِّمَّة بِسَبَب أَخذ دَرَاهِم الْغَيْر مثلا وتحقيقه مر فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 الدّين وقدوة العارفين عَارِف نامي نور الدّين شيخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فرموده. (مده يَك جبه مستان نيم حبه ... فَإِن الْقَرْض مقراض المحبه) الْقُرْآن: بِضَم الأول وَالْمدّ هُوَ الْمنزل على رَسُولنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف الْمَنْقُول عَنهُ نقلا متواترا. وَتَحْقِيق هَذَا المرام فِي كتب أصُول الْفِقْه - وَإِن أردْت تَحْقِيق أَنه كَلَام لَفْظِي أَو نَفسِي أَو كِلَاهُمَا فَانْظُر فِي الْكَلَام فَإِنَّهُ يشفيك إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَعند أهل الْحق الْقُرْآن هُوَ الْعلم اللدني الإجمالي الْجَامِع للحقائق كلهَا. وَالْقُرْآن بِالْكَسْرِ بِغَيْر الْمَدّ هُوَ الْجمع بَين الْعمرَة وَالْحج بِإِحْرَام وَاحِد فِي سفر وَاحِد. وَإِن نظرت إِلَى نظرات الْكَوَاكِب علمت أَن الْقُرْآن مَا هُوَ عِنْد عُلَمَاء النُّجُوم. وَإِن أردْت عدد مَا فِي الْقُرْآن الْمجِيد من الْكَلِمَات وحروف الْمعَانِي والمباني فَانْظُر فِي الْحَرْف وتفصيل آيَاته فِي الْآيَة والسور فِي السُّورَة. الْقرب: ضد الْبعد وَالْقِيَام بِالطَّاعَةِ. وَفِي الِاصْطِلَاح قرب العَبْد من الله تَعَالَى بِكُل مَا يُعْطِيهِ والسعادة لمن كَانَ أقرب إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَّا فالقرب عَام فَإِنَّهُ تَعَالَى قريب إِلَى كل عبد شقي أَو سعيد حَيْثُ قَالَ {وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم} . و {نَحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} . قرب النَّوَافِل: قرب يكون الْحق فِيهِ بَاطِنا وَالْعَبْد ظَاهرا. وَقَالَ الْعَارِف النامي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي (قرب نوافل انرا كويند كه بنده سالك وفاعل ومدرك باشد وَحقّ تَعَالَى اله وى. واين حَدِيث شرِيف اشاره بدين مرتبه است كه) لَا يزَال العَبْد يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته كنت لَهُ سمعا وبصرا وَلِسَانًا ويدا فَبِي يسمع وَبِي يبصر وَبِي ينْطق وَبِي يبطش. قرب الْفَرَائِض: قرب يكون الْحق فِيهِ ظَاهرا وَالْعَبْد بَاطِنا كَمَا قَالَ الْعَارِف النامي الجامي قدس سره السَّامِي (قرب فَرَائض آنرا كويند كه حق تَعَالَى سالك وفاعل ومدرك باشد وبنده باقوى واعضا وجوارح خود شود بمنزله آله وى واين حَدِيث شرِيف إِشَارَة باين مرتبه است كه) الْحق ينْطق على لِسَان عمر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 القرابادين: لفظ يوناني يُطلق على الْأَدْوِيَة المركبة. القرطبان: هُوَ الَّذِي يرى مَعَ امْرَأَته أَو محرمه رجلا فيدعه خَالِيا بهَا. وَفِي الْمغرب هُوَ الَّذِي يعلم فجور امْرَأَته وَهُوَ رَاض بِهِ. الْقرْيَة: المعمورة الَّتِي تقَابل الْمصر. (بَاب الْقَاف مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة) القزح: فِي قَوس قزَح إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (بَاب الْقَاف مَعَ السِّين الْمُهْملَة) الْقِسْمَة: بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَة اسْم للاقتسام كالقدرة للاقتدار كَمَا فِي الْمغرب وَغَيره. وَأَيْضًا الْقِسْمَة التَّقْسِيم كَمَا فِي الْقَامُوس لَكِن الْأَنْسَب بِلَفْظ الْقسم أَن يكون مصدر قسمه أَي جزاه كَمَا فِي الْمُقدمَة وَمَعْنَاهَا رفع الشُّيُوع وَقطع الشّركَة وَقَرِيب من ذَلِك مَا وَقع من التَّخْصِيص والتمييز. وَمِنْه الْقسم للْيَمِين إِذْ بِهِ يتَمَيَّز أحد طرفِي الْفِعْل أَي الْعَدَم والوجود عَن الآخر بتأكيد يتَعَلَّق بِهِ دون الآخر. وَفِي الشَّرْع تَمْيِيز الْحُقُوق وإفراز الانصباء. والانصباء جمع نصيب شَائِع فِي نصيب معِين وكل قسْمَة تشْتَمل على معنى الْإِفْرَاز والمبادلة وَإِنَّمَا التَّفَاوُت فِي الظُّهُور فَإِن الْإِفْرَاز ظَاهر فِي الْمثْلِيّ كالمكيل وَالْمَوْزُون والعددي المتقارب لعدم التَّفَاوُت بَين أَبْعَاضه فَيجوز أَن يَأْخُذ كل شريك نصِيبه من الْمثْلِيّ بغيبة صَاحبه وَإِن لم يرض بِهِ وَيبِيع كل نصِيبه مُرَابحَة والمبادلة ظَاهِرَة فِي غير الْمثْلِيّ كالثياب وَالْعَقار والحيوانات للتفاوت بَين أَبْعَاضه فَلَا يَأْخُذ أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه حَال غيبَة صَاحبه لِأَن كل مَا يَأْخُذهُ أَحدهمَا عوض عَمَّا فِي يَد صَاحبه من نصِيبه فَلَا يكون إِلَّا بحضورهما كَالْبيع وَلَا يَبِيع مُرَابحَة لِأَنَّهُ لَيْسَ حَقه. وَالْقِسْمَة فِي علم الْحساب تَحْصِيل عدد ثَالِث من الصِّحَاح أَو الكسور أَو مِنْهُمَا نِسْبَة الْوَاحِد إِلَيْهِ أَو نسبته إِلَى الْوَاحِد كنسبة الْمَقْسُوم عَلَيْهِ إِلَى الْمَقْسُوم أَو نِسْبَة الْمَقْسُوم إِلَى الْمَقْسُوم عَلَيْهِ. وَبِعِبَارَة أُخْرَى الْقِسْمَة تَحْصِيل عدد ثَالِث إِذا ضرب فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ يكون حَاصِل الضَّرْب مُسَاوِيا للمقسوم. وَالتَّفْصِيل أَن الْقِسْمَة فِي عرفهم طلب عدد وَاحِد من الصِّحَاح أَو الكسور أَو أَكثر يكون ذَلِك الْعدَد نَصِيبا من الْمَقْسُوم لوَاحِد من آحَاد الْمَقْسُوم عَلَيْهِ عِنْد تجزية الْمَقْسُوم بِعَدَد وحدات الْمَقْسُوم عَلَيْهِ فَيكون نِسْبَة الْعدَد الْمَطْلُوب إِلَى الْمَقْسُوم كنسبة الْوَاحِد إِلَى الْمَقْسُوم عَلَيْهِ هَذَا بِاعْتِبَار أصل النِّسْبَة. أَو نسبته إِلَى ذَلِك الْعدَد الْمَطْلُوب كنسبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 الْمَقْسُوم إِلَى الْمَقْسُوم عَلَيْهِ هَذَا بِاعْتِبَار إِبْدَال النِّسْبَة. أَو نِسْبَة الْوَاحِد إِلَى ذَلِك الْعدَد الْمَطْلُوب كنسبة الْمَقْسُوم عَلَيْهِ إِلَى الْمَقْسُوم هَذَا بِاعْتِبَار خلاف إِبْدَال النِّسْبَة. أَو نِسْبَة الْمَقْسُوم إِلَى ذَلِك الْعدَد الْمَطْلُوب كنسبة الْمَقْسُوم عَلَيْهِ إِلَى الْوَاحِد هَذَا بِاعْتِبَار خلاف أصل النِّسْبَة وَخلاف النِّسْبَة. وعكسها عبارَة عَن جعل التَّالِي مقدما والمقدم تاليا. وإبدال النِّسْبَة عبارَة عَن أَخذ النِّسْبَة للمقدم إِلَى الْمُقدم وللتالي إِلَى التَّالِي. وَالْمرَاد بالمقدم الأول ذَلِك الْعدَد الْمَطْلُوب وبالمقدم الثَّانِي الْوَاحِد والتالي الْمَقْسُوم وَبِالثَّانِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ. فَالْمُرَاد بالمقدم والتالي هَا هُنَا مَا هُوَ الْمَذْكُور أَولا وَمَا هُوَ الْمَذْكُور ثَانِيًا فِي قَوْلنَا فَيكون نسبته إِلَى الْمَقْسُوم كنسبة الْوَاحِد إِلَى الْمَقْسُوم عَلَيْهِ فَافْهَم. فَإِن قيل كَيفَ يقسم عشرُون وَرقا من التنبول مثلا على عشْرين آدَمِيًّا بَعضهم رجال وَبَعْضهمْ نسوان وَبَعْضهمْ صبيان بِحَيْثُ يصل إِلَى كل من الرِّجَال أَرْبَعَة أوراق وَإِلَى كل وَاحِد من النسوان نصف ورق وَإِلَى كل وَاحِد من الصّبيان ربع ورق. قُلْنَا هُنَاكَ ثَلَاثَة رجال وَخمْس عشرَة امْرَأَة وصبيان اثْنَان. فللرجال اثْنَا عشر ورقة لكل مِنْهُم أَربع. وللنساء سبع وَنصف ورقة لكل نصف ورقة. وللصبيين نصف ورقة لكل مِنْهُمَا ربع ورقة. الْقِسْمَة الأولية: أَن يكون الِاخْتِلَاف بَين الْأَقْسَام بِالذَّاتِ أَي بالفصول وَالْحَاصِل بهَا الْأَنْوَاع كانقسام الْحَيَوَان إِلَى الْإِنْسَان وَالْفرس. الْقِسْمَة الثانوية: أَن يكون الِاخْتِلَاف بَين الْأَقْسَام بالعارض كالرومي والحبشي للْإنْسَان الَّذِي هُوَ قسم الْحَيَوَان. الْقسَامَة: بِالْفَتْح على وزن الغرابة اسْم بِمَعْنى الْأَقْسَام ثمَّ قيل لأيمان تقسم على أهل الْمحلة إِذا وجد قَتِيل فِيهَا. فِي كنز الدقائق قَتِيل وجد فِي محلّة لم يدر قَاتله حلف خَمْسُونَ رجلا مِنْهُم أَي من أهل تِلْكَ الْمحلة وَتلك الرِّجَال هم الَّذين يتخيرهم ولي الْمَقْتُول فَيقسم كل وَاحِد مِنْهُم بِأَن يَقُول مَا قتلته وَمَا علمت لَهُ قَاتلا فَإِن حلفوا فعلى أهل الْمحلة الدِّيَة وَلَا يحلف الْوَلِيّ وَحبس الآبي حَتَّى يحلف وَإِن لم يتم الْعدَد كرر الْحلف عَلَيْهِم ليتم خَمْسُونَ وَلَا قسَامَة على صبي وَمَجْنُون وَامْرَأَة وَعبد وَسَائِر الْأَحْكَام فِيهِ وَفِي سَائِر كتب الْفِقْه. الْقِسْمَة الوهمية: وَكَذَا الْقِسْمَة الْفَرْضِيَّة فِي الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ. الْقسم: بِالْفَتْح مصدر بِمَعْنى التجزية. وَقِسْمَة الزَّوْج بيتوتته بِالسَّوِيَّةِ بَين النِّسَاء أَي تَسْوِيَة الزَّوْج بَين الزَّوْجَات فِي الْمَأْكُول والبيتوتة وَغَيرهمَا وبالكسر النَّصِيب أَو الْجُزْء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 من الشَّيْء الْمَقْسُوم. وبفتح الأول وَالثَّانِي الْيَمين بِاللَّه وحروف الْقسم ثَلَاثَة الْبَاء - وَالْوَاو - وَالتَّاء -. وَاعْلَم أَن التَّاء فرع الْوَاو وَالْوَاو فرع الْبَاء فالباء أصل الأَصْل - وَالتَّاء فرع الْفَرْع وَالْوَاو ذُو جِهَتَيْنِ من وَجه أصل وَمن وَجه آخر فرع. وَلِهَذَا تدخل الْبَاء على مُضْمر وكل مظهر وَالْوَاو لَا تدخل إِلَّا على مظهر مُطلقًا وَخص التَّاء من بَين الْمظهر باسم الله تَعَالَى شَأْنه وَجل برهانه. وَإِنَّمَا حكمنَا بأصالة الْبَاء ثمَّ الْوَاو لِأَن أصل الْبَاء الإلصاق فَهِيَ تلصق فعل الْقسم بالمقسم بِهِ وأبدلت الْوَاو مِنْهَا لِأَن بَينهمَا تنَاسبا لفظيا لِكَوْنِهِمَا شفويتين ومعنويا لما فِي الْوَاو من معنى الجمعية الْقَرِيبَة من معنى الإلصاق وإبدال الْوَاو بِالتَّاءِ كثير شَائِع للقرب فِي الْمخْرج مثل اتقد وتتمة هَذَا المرام فِي الْيَمين إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قسم الشَّيْء: مَا يكون مندرجا تَحْتَهُ كالاسم للكلمة. قسيم الشَّيْء: مَا كَانَ مُقَابلا للشَّيْء مندرجا مَعَه تَحت شَيْء آخر كالتصور للتصديق المندرجين تَحت الْعلم. القسي: الْمَنْسُوب إِلَى الْقوس الَّتِي هِيَ قِطْعَة من مُحِيطَة الدائرة. (بَاب الْقَاف مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة) القص: الْقطع وَمِنْه قصّ الشّعْر وَالظفر وَقَالَ مقرب حضرت الْبَارِي ملا عَليّ الْقَارِي رَحمَه الله تَعَالَى وقص الْأَظْفَار أَي تقليمها وَيحصل سنيتها بِأَيّ كَيْفيَّة كَانَت وَالْأولَى أَن يبْدَأ بقصها فِي الْيَدَيْنِ بمسبحة الْيَد الْيُمْنَى ثمَّ بالوسطى ثمَّ بالبنصر ثمَّ بالخنصر ثمَّ بالإبهام ثمَّ بخنصر الْيُمْنَى وَيخْتم بخنصر الْيُسْرَى. الْقصاص: بِالضَّمِّ مُنْتَهى منبت الشّعْر من مقدم الرَّأْس أَو مؤخره. وبالكسر الْمُعَاوضَة وَأَن يفعل بالفاعل مثل مَا فعل. وَالْقَتْل عوض الْقَتْل وَالْجرْح عوض الْجرْح وَأخذ مَا أعطَاهُ. وَإِذا كَانَ الْقصاص موروثا للْوَرَثَة فللوارث الْكَبِير اسْتِيفَاؤهُ قبل بُلُوغ الصَّغِير بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ للبالغين فَإِن الْحَاضِر لَا يملكهُ فِي غيبَة الآخر اتِّفَاقًا لاحْتِمَال الْعَفو. وَطَرِيق الاقتصاص فِي الْعين الَّتِي ذهب ضوءها وَهِي قَائِمَة أَن يحمي لَهُ مرْآة ثمَّ يقرب مِنْهَا ويربط على عينه الْأُخْرَى وَوَجهه قطن رطب ويقابل عينه بِتِلْكَ الْمرْآة فَيذْهب ضوءها. فقد وَقعت هَذِه الْحَادِثَة فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَشَاور أَصْحَابه فَلم يَجدوا عِنْدهم شَيْئا حَتَّى قضى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالْقصاصِ. وَبَين طَرِيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 الاقتصاص بِهَذِهِ الصّفة وَاتَّفَقُوا على قَوْله. وَطَرِيق الاقتصاص فِي السن المكسور أَن يبرد بالمبرد بِقدر مَا كسر مِنْهُ وَإِن قلع السن فَإِنَّهُ لَا يقْلع سنه قصاصا لتعذر اعْتِبَار الْمُمَاثلَة فَرُبمَا يفْسد بِهِ طعابة وَلَكِن يبرد الْمبرد إِلَى مَوضِع أصل السن. القصبة: عِنْد أَرْبَاب المساحة هِيَ سِتَّة أَذْرع. الْقصر: (كوتاه كردن) . وَأَيْضًا فِي اللُّغَة الْحَبْس. وَقصر الصَّلَاة فِي الشَّرْع أَن يُؤْتِي بركعتي الصَّلَاة الرّبَاعِيّة فِي السّفر. وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب الْمعَانِي تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء بطرِيق مَعْهُود من طرق الْقصر نَحْو الْعَطف وَالِاسْتِثْنَاء والتقديم وَإِنَّمَا وَنَحْوهَا كَمَا فصل فِي التَّلْخِيص مثل جَاءَنِي زيد لَا عَمْرو وَمَا ضرب إِلَّا زيد وتميمي أَنا وَإِنَّمَا زيد قَائِم وَيُسمى الشَّيْء الأول مَقْصُورا وَالثَّانِي مَقْصُورا عَلَيْهِ. وَقصر الْعَام: عِنْد الْأُصُولِيِّينَ عبارَة عَن قصره على بعض مَا يتَنَاوَلهُ إِمَّا بمستقل أَو غير مُسْتَقل والتوضيح فِي التَّوْضِيح. وَالْقصر من الإضافيات لِأَنَّهُ إِمَّا تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء بِالْإِضَافَة إِلَى جَمِيع مَا عداهُ أَو بعض مَا عداهُ. الأول: الْقصر الْحَقِيقِيّ: وَالثَّانِي: الْقصر الْغَيْر الْحَقِيقِيّ: وَهُوَ مَشْهُور. بِالْقصرِ الإضافي: نَحْو مَا زيد إِلَّا قَائِم بِمَعْنى أَن زيدا لَا يتَجَاوَز عَن قِيَامه إِلَى قعوده لَا بِمَعْنى أَنه لَا يتَجَاوَز إِلَى صفة أُخْرَى أصلا وَالْقصر الْحَقِيقِيّ على نَوْعَيْنِ: قصر تحقيقي: إِن كَانَ بِحَسب نفس الْأَمر وَالتَّحْقِيق. وَقصر ادعائي: إِن كَانَ على سَبِيل الادعاء وَالْمُبَالغَة لعدم الِاعْتِدَاد بِغَيْر الْمَذْكُور كَمَا يَقع فِي الْمَدْح والذم وَغير ذَلِك مثل مَا فِي الدَّار إِلَّا زيد وَالْمَقْصُود أَن من فِي الدَّار مِمَّن عدا زيد فِي حكم الْمَعْدُوم وَهَذَا قصر حَقِيقِيّ ادعائي لَا غير حَقِيقِيّ إضافي لفَوَات الْمَقْصُود الْمَذْكُور. قصر الْإِفْرَاد: قصر الْمَوْصُوف على الصّفة. أَو قصر الصّفة على الْمَوْصُوف إِذا اعْتقد الْمُخَاطب شركَة صفتين أَو أَكثر فِي مَوْصُوف وَاحِد فِي قصر الْمَوْصُوف على الصّفة أَو اعْتقد شركَة موصوفين أَو أَكثر فِي صفة وَاحِدَة فِي قصر الصّفة على الْمَوْصُوف مثل مَا زيد إِلَّا كَاتب لمن يعْتَقد اتصافه بِالْكِتَابَةِ والشاعرية وَمَا كَاتب إِلَّا زيد لمن يعْتَقد اشْتِرَاك زيد وَعَمْرو فِي الْكِتَابَة. وَلما كَانَ هَذَا الْقصر قَاطعا للشَّرِكَة الْمَذْكُورَة مُفِيدا للإفراد سمي بقصر الْإِفْرَاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 قصر الْقلب: تَخْصِيص أَمر بِصفة مَكَان أُخْرَى أَو تَخْصِيص صفة بِأَمْر مَكَان آخر إِذا كَانَ الْمُخَاطب مُعْتَقدًا بعكس الحكم الَّذِي أثْبته الْمُتَكَلّم حَتَّى يكون الْمُخَاطب بقولنَا مَا زيد إِلَّا قَائِم من يعْتَقد اتصافه بالقعود دون الْقيام وكقولنا مَا شَاعِر إِلَّا زيد من يعْتَقد أَن الشَّاعِر عَمْرو دون زيد وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْقصر قصر الْقلب لِأَنَّهُ يقلب حكم الْمُخَاطب واعتقاده. قصر التَّعْيِين: تَخْصِيص أَمر بِصفة أَو تَخْصِيص صفة بِأَمْر عِنْد اعْتِقَاد الْمُخَاطب تَسَاوِي الْأَمريْنِ أَعنِي اتصاف الْمَوْصُوف بِتِلْكَ الصّفة وبغيرها فِي قصر الْمَوْصُوف على الصّفة واتصاف غَيره بِتِلْكَ الصّفة فِي قصر الصّفة على الْمَوْصُوف كَقَوْلِنَا مَا زيد إِلَّا قَائِم لمن يعْتَقد أَنه إِمَّا قَائِم أَو قَاعد وَلَا يعرف على التَّعْيِين وَقَوْلنَا مَا شَاعِر إِلَّا زيد لمن يعْتَقد أَن الشَّاعِر إِمَّا زيد أَو عَمْرو من غير أَن يُعلمهُ على التَّعْيِين - وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْقصر بقصر التَّعْيِين لِأَنَّهُ يُفِيد تعْيين مَا هُوَ غير معِين عِنْد الْمُخَاطب. قصار الْمفصل: فِي الْمفصل إِن شَاءَ الله تَعَالَى. (بَاب الْقَاف مَعَ الضَّاد الْمُعْجَمَة) الْقَضَاء: فِي اللُّغَة الحكم وَفِي الِاصْطِلَاح هُوَ الحكم الْكُلِّي الإلهي فِي أَعْيَان الموجودات على مَا هِيَ عَلَيْهِ من الْأَحْوَال الْجَارِيَة فِي الْأَزَل إِلَى الْأَبَد كَمَا فِي الْقدر - وَأَيْضًا الْقَضَاء الْأَدَاء والمفاجأة وَالْمَوْت وَأَدَاء الصَّلَاة الْفَائِتَة - وَعند أَئِمَّة الْأُصُول وَالْفُقَهَاء تَسْلِيم مثل الْوَاجِب بِالسَّبَبِ. وَأَيْضًا هُوَ إِسْقَاط الْوَاجِب بِالسَّبَبِ بِمثل من عِنْد الْمُكَلف هُوَ حَقه أَي بِالْمثلِ الَّذِي هُوَ حق الْمُكَلف لِأَن الْمُكَلف إِذا صلى فِي غير الْوَقْت فَصلَاته نفل - وَالنَّفْل حق الْمُكَلف فَإِن النَّفْل فِي سَائِر الْأَوْقَات شرع حَقًا للْعَبد لينفتح عَلَيْهِ أَبْوَاب طرق اكْتِسَاب الْخيرَات ونيل السعادات. فَإِذا كَانَ النَّفْل حق الْمُكَلف فَإِذا أَرَادَ قَضَاء الْفَائِتَة وَصلى يكون صلَاته النَّفْل مصروفة إِلَى قَضَاء مَا وَجب عَلَيْهِ فَثَبت أَن الْقَضَاء إِسْقَاط بِمثل من عِنْده هُوَ حَقه. قَالَ الْفَاضِل الجلبي وَهَا هُنَا بحث. حَاصله أَن النَّفْل لم يشرع على ثَلَاث رَكْعَات فَمُقْتَضى هَذَا التَّعْرِيف أَن لَا يقْضِي صَلَاة الْمغرب لِأَنَّهُ لَا نفل على هَيْئَة الْمغرب شرعا وَأَن جمَاعَة إِذا قضوا صَلَاة اللَّيْل بِالنَّهَارِ لَا يجوز لَهُم الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ لِأَن الْجَهْر فِي نَافِلَة النَّهَار غير مَشْرُوع. وَيُمكن الْجَواب عَنهُ بِأَن النَّهْي عَن الشَّيْء يَقْتَضِي المشروعية بِأَصْلِهِ كَمَا تقرر عِنْدهم. وَمَا لم يشرع من الْوَصْف كَيْفيَّة كَانَت أَو كمية فَذَلِك بمقتضيات كَونه نفلا فَإِذا انْتَفَى ذَلِك بِالصرْفِ إِلَى مَا عَلَيْهِ لم يبْق إِلَّا الأَصْل الْمَشْرُوع كَيفَ مَا كَانَ. وَالْقَضَاء على الْغَيْر إِلْزَام أَمر لم يكن لَازِما قبله - وَلِهَذَا يُقَال القَاضِي للْحَاكِم فَإِنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 يلْزم الإحكام وَبِمَعْنى التَّقْدِير أَيْضا يُقَال قضى فلَان على فلَان بِالنَّفَقَةِ أَي قدرهَا. وَبِمَعْنى الْأَمر كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَقضى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} . أَي أَمر -. وَفِي عرف الْفِقْه الْقَضَاء عبارَة عَن فصل الْخُصُومَات وَقطع المنازعات أَيْضا - وَفِي الْكِفَايَة وَالْكَافِي الْقَضَاء فِي اللُّغَة الإحكام (يَعْنِي استوار كردن) . وَفِي الشَّرْع الْإِلْزَام. وَفِي تَاج المصادر الْقَضَاء (حكم كردن وبكذاردن آنجه برتو وَاجِب باشد وَتَمام كردن ومحكم كردن كاري) . وَعَلَيْك أَن تعلم أَن الْقَضَاء فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء عبارَة عَن حكم القَاضِي عِنْد المرافعة يَعْنِي إِذا اخْتصم رجلَانِ ثمَّ القَاضِي حكم بِالْبَيِّنَةِ والحجج الشَّرْعِيَّة بِأَمْر بَينهمَا فَهَذَا الحكم قَضَاء عِنْدهم لَا مُطلق الحكم فَإِذا أَمر القَاضِي رجلا بِالصَّلَاةِ لَا يُقَال إِنَّه قضى بهَا اصْطِلَاحا فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ يهديك إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم. وَفِي شرح المواقف اعْلَم أَن قَضَاء الله تَعَالَى عِنْد الأشاعرة هُوَ إِرَادَته الأزلية الْمُتَعَلّقَة بالأشياء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يزَال. أما عِنْد الفلاسفة فَهُوَ علمه تَعَالَى بِمَا يَنْبَغِي أَن يكون الْوُجُود عَلَيْهِ حَتَّى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام وَهُوَ الْمُسَمّى عِنْدهم بالعناية الأزلية الَّتِي هِيَ مبدأ لفيضان الموجودات من حَيْثُ جُمْلَتهَا على أحسن الْوُجُوه وأكملها. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى وَمَا وَقع فِي شرح الطوالع الْأَصْفَهَانِي من أَن الْقَضَاء عبارَة عَن وجود جَمِيع الْمَخْلُوقَات فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَفِي الْكتاب الْمُبين مجتمعة ومجملة على سَبِيل الإبداع فَهُوَ رَاجع إِلَى تَفْسِير الْحُكَمَاء ومأخوذ مِنْهُ فَإِن المُرَاد بالوجود الإجمالي الْوُجُود الظلي للأشياء. واللوح الْمَحْفُوظ جَوْهَر عَقْلِي مُجَرّد عَن الْمَادَّة فِي ذَاته وَفِي فعله يُقَال لَهُ الْعقل فِي عرف الْحُكَمَاء. وَإِنَّمَا قُلْنَا المُرَاد ذَلِك لِأَن مَا ذكر مَنْقُول من شرح الإشارات للطوسي حَيْثُ قَالَ اعْلَم أَن الْقَضَاء عبارَة عَن وجود جَمِيع الموجودات فِي الْعَالم الْعقلِيّ مجتمعة على سَبِيل الإبداع. وَالْقدر عبارَة عَن وجود مَعَاني موادها الخارجية مفصلة وَاحِدًا بعد وَاحِد كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} . كَذَا ذكره الْمعِين التوني فِي حَوَاشِيه. وَفِي مُجمل اللُّغَة الْقَضَاء الْمنية وَهَذَا الْمَعْنى يلائم مَا يُشَاهد فِي هَذَا الزَّمَان. (هركس كه درين زَمَانه قَاضِي كردد ... فِي الْحَال بمركك خويش راضي كردد) وَفِي كتب الْكَلَام إِن أَفعَال الْعباد كلهَا اختيارية واضطرارية بإرادته تَعَالَى. ومشيته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 وتكوينه وَقَضيته أَي قَضَائِهِ. وَالْقَضَاء عبارَة عَن الْفِعْل مَعَ زِيَادَة أَحْكَام. وَهَا هُنَا سُؤال مَشْهُور وَهُوَ أَنا لَا نسلم تِلْكَ الْكُلية لِأَن من جملَة أَفعَال الْعباد الْكفْر وَهُوَ لَيْسَ بِقَضَاء الله تَعَالَى إِذْ لَو كَانَ بِقَضَائِهِ تَعَالَى لوَجَبَ على العَبْد الرِّضَا بِهِ لِأَن الرِّضَا بِالْقضَاءِ وَاجِب وَاللَّازِم بَاطِل لِأَن الرِّضَا بالْكفْر كفر. وَأَجَابُوا بِأَن الْكفْر مقضي لَا قَضَاء وَالرِّضَا إِنَّمَا يجب بِالْقضَاءِ دون الْمقْضِي. وَحَاصِله رفع السَّنَد بِمَنْع الْمُلَازمَة الْوَاقِعَة فِيهِ بِأَنَّهُ لَا نسلم لَو كَانَ الْكفْر بِقَضَائِهِ تَعَالَى لوَجَبَ على العَبْد الرِّضَا بِهِ أَي بالْكفْر بل الْوَاجِب عَلَيْهِ الرِّضَا بِالْقضَاءِ لَا بالْكفْر فَإِن الْكفْر مقضي وَإِنَّمَا الْوَاجِب الرِّضَا بِالْقضَاءِ لَا بالمقضي. وللوكيع أَن يَقُول إِن الرِّضَا بِالْقضَاءِ يُوجب الرِّضَا بالْكفْر لِأَن الرِّضَا بِالْقضَاءِ مُسْتَلْزم للرضا بمتعلقه وَهُوَ الْكفْر. وَالْجَوَاب أَن الرِّضَا بالْكفْر يسْتَلْزم الرِّضَا بِالْقضَاءِ من غير عكس فَيكون بَينهمَا عُمُوم مُطلقًا فَحِينَئِذٍ الرِّضَا بِالْقضَاءِ يسْتَلْزم الرِّضَا بالْكفْر لِأَن الْعَام لَا يسْتَلْزم الْخَاص. نعم الرِّضَا بِالْقضَاءِ من حَيْثُ إِنَّه مُتَعَلق بالْكفْر يسْتَلْزم الرِّضَا بالْكفْر وَإِنَّمَا الْوَاجِب الرِّضَا بِالْقضَاءِ مُطلقًا بل الْحق أَن الرِّضَا إِنَّمَا يجب بِالْقضَاءِ المستلزم للرضا بالمقضي من حَيْثُ كَونه مُتَعَلقا لَهُ لَا بالمقضي من حَيْثُ ذَاته وَلَا من سَائِر الحيثيات. ورضا العَبْد بالْكفْر من حَيْثُ ذَاته كفر لَا من حَيْثُ إِنَّه مُتَعَلق الْقَضَاء فَافْهَم. الْقَضِيَّة: عِنْد المنطقيين قَول يحْتَمل الصدْق وَالْكذب وَهِي ترادف الْخَبَر فتعريفه تَعْرِيفهَا وَلِهَذَا يعْتَرض بِأَن الصدْق وَالْكذب مُطَابقَة الْخَبَر للْوَاقِع وَعدم مطابقته لَهُ فَيلْزم الدّور لِأَن الْخَبَر مَأْخُوذ فِي تَعْرِيف الصدْق وَالْكذب وهما مأخوذان فِي تَعْرِيف الْقَضِيَّة الَّتِي هِيَ الْخَبَر فتوقف معرفَة الْخَبَر على الْخَبَر وَيُجَاب بِأَن الصدْق هُوَ الْمُطَابقَة للْوَاقِع وَالْكذب هُوَ اللامطابقة للْوَاقِع وهما بِهَذَا الْمَعْنى لَا يتوقفان على الْخَبَر والقضية فَلَا يلْزم الدّور. فَإِن قيل فَاعل الْمُطَابقَة لَيْسَ إِلَّا الْخَبَر فتعريف الصدْق وَالْكذب بالمطابقة للْوَاقِع واللامطابقة لَهُ بِحَذْف الْخَبَر لَا يدْفع الدّور قُلْنَا الْحصْر مَمْنُوع فَإِن غير الْخَبَر أَيْضا يَتَّصِف بِالصّدقِ وَالْكذب كَمَا فصلنا فِي تَحْقِيق الصدْق وَإِن سلمنَا فَنَقُول إِن فَاعل الْمُطَابقَة وَإِن كَانَ هُوَ الْخَبَر بِحَسب الظَّاهِر لكنه النِّسْبَة فِي نفس الْأَمر وَإِن سلمنَا أَنه الْخَبَر يكْسب الظَّاهِر وَفِي نفس الْأَمر لَكِن نفس مَفْهُوم الْمُطَابقَة للْوَاقِع واللامطابقة لَهُ بحقي فِي معرفَة الصدْق وَالْكذب من غير نظر والتفات إِلَى فاعلها وَالصَّوَاب أَن يُفَسر الصدْق وَالْكذب بمطابقة النِّسْبَة الإيقاعية أَو الانتزاعية للْوَاقِع وَالْكذب بِعَدَمِ مطابقتها لَهُ فَلَا دور وَلَا مَحْذُور. وَهَا هُنَا سُؤال مَشْهُور وَهُوَ أَن تَعْرِيف الْخَبَر بِمَا ذكر لَيْسَ بِجَامِع بِحَيْثُ لَا يصدق على شَيْء من أَفْرَاده لِأَن كل خبر لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون مطابقا للْوَاقِع أَو لَا فعلى الأول يكون صَادِقا فَقَط - وعَلى الثَّانِي كَاذِبًا فَحسب فضلا عَن الِاحْتِمَال مَعَ أَن الْعقل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 بالبديهيات الأوليات وبخبر الْمخبر الصَّادِق الْبَارِي عز شَأْنه وَرَسُوله جلّ برهانه جازم بصدقها فَلَا احْتِمَال للكذب فِيهَا - وَالْجَوَاب بِأَن الْوَاو العاطفة فِي تَعْرِيف الْخَبَر بِمَعْنى أَو الَّتِي لأحد الْأَمريْنِ فَمَعْنَى التَّعْرِيف أَن الْخَبَر والقضية مَا يحْتَمل الصدْق أَو الْكَذِب لَيْسَ بسديد لِأَنَّهُ لَا معنى حِينَئِذٍ للاحتمال الْمشعر بِجَوَاز أَمر آخر. وَالْجَوَاب الصَّوَاب أَن المُرَاد بِاحْتِمَال الصدْق وَالْكذب مَعًا أَن الْخَبَر بِمُجَرَّد النّظر إِلَى مَفْهُومه وَقطع النّظر إِلَى خُصُوصِيَّة متكلمه وخصوصية مَفْهُومه مُحْتَمل لَهما. فَالْمَعْنى أَن الْخَبَر مَا إِذا جرد النّظر إِلَى مُحَصل مَفْهُومه وَهُوَ إِمَّا ثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو سلبه عَنهُ وَقطع النّظر إِلَى خُصُوصِيَّة متكلمه وخصوصية مَفْهُومه يكون مُحْتملا للصدق وَالْكذب وَخبر الله تَعَالَى وَكَذَا خبر رَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا قَطعنَا النّظر عَن خُصُوصِيَّة متكلمه ولاحظنا مَفْهُومه وَجَدْنَاهُ إِمَّا ثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو سلبه عَنهُ - وَذَلِكَ يحْتَمل الصدْق وَالْكذب عِنْد الْعقل وَكَذَا البديهيات الأوليات مثل الْكل أعظم من الْجُزْء فَإنَّا إِذا قَطعنَا النّظر عَن خُصُوصِيَّة تِلْكَ المفهومات البديهيات ونظرنا إِلَى مُحَصل مفهوماتها وماهياتها وَجَدْنَاهُ إِمَّا ثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو سلبه عَنهُ - وَذَلِكَ يحْتَمل الصدْق وَالْكذب عِنْد الْعقل بِلَا اشْتِبَاه. وَإِن أردْت الْفرق بَين الْقَضِيَّة والتصديق فَاعْلَم أَن الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الْمركب من الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبِه وَالْحكم بِمَعْنى وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا من حَيْثُ إِنَّه حَاصِل فِي الذِّهْن يُسمى قَضِيَّة وَالْعلم بِهِ يُسمى تَصْدِيقًا عِنْد الإِمَام - وَأما عِنْد الْحُكَمَاء فالتصديق هُوَ الْعلم أَي الإذعان بالمعلوم الْوَاحِد الْخَاص أَعنِي وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا - فالقضية مَعْلُوم والتصديق علم. وَعَلَيْك أَن تعلم أَيْضا أَن حُصُول الْمَعْلُوم حُصُول ظِلِّي لَا يُوجب اتصاف النَّفس بهَا وَحُصُول الْعلم أصيلي فَلَا يرد أَنه إِذا اعْتبر الْحُصُول فِي الذِّهْن فِي الْقَضِيَّة يلْزم اتِّحَاد التَّصْدِيق والقضية إِذْ لَا فرق بَين الْمَعْلُوم وَالْعلم عِنْد الْقَائِل بِحُصُول الْأَشْيَاء أَنْفسهَا فِي الذِّهْن إِلَّا بِاعْتِبَار الْقيام بالذهن وَعدم الْقيام بِهِ. ثمَّ إِن لفظ الْقَضِيَّة يُطلق تَارَة على الملفوظ وَتارَة على الْمَعْقُول فَيحْتَمل أَن يكون هَذَا الْإِطْلَاق إِمَّا بالاشتراك اللَّفْظِيّ بِأَن يكون لفظ الْقَضِيَّة مَوْضُوعا لكل وَاحِد من الملفوظ والمعقول بِوَضْع على حِدة أَو بِالْحَقِيقَةِ وَالْمجَاز بِأَن يكون مَوْضُوعا لأَحَدهمَا دون الآخر وَالثَّانِي أولى لِأَن الْمُعْتَبر هُوَ الْقَضِيَّة المعقولة وَإِنَّمَا اعْتبر الملفوظة لدلالتها على المعقولة تَسْمِيَة للدال باسم الْمَدْلُول وَقس على لفظ الْقَضِيَّة لفظ القَوْل الْوَاقِع فِي تَعْرِيفهَا وَلذَا اشْتهر أَن القَوْل عِنْدهم هُوَ الْمركب سَوَاء كَانَ معقولا أَو ملفوظا كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فَإِن كَانَ ملفوظا فالقضية ملفوظة وَإِن كَانَ معقولا فالقضية معقولة. ثمَّ اعْلَم أَن للمركب التَّام أَسمَاء شَتَّى بِحَسب الاعتبارات كَمَا ستعلم فِي الْمركب التَّام إِن شَاءَ الله تَعَالَى فانتظر أَنِّي مَعَ المنتظرين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 الْقَضِيَّة الحملية: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بِثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو نَفْيه عَنهُ مثل كل إِنْسَان حَيَوَان وَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر وَإِن لم يكن الحكم فِيهَا كَذَلِك. فالقضية شَرْطِيَّة: مثل كلما كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود. وَاعْلَم أَنه وَقع الِاخْتِلَاف فِي أَن الحكم فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة فِي الْجَزَاء أم بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء قَالَ المنطقيون أَن الحكم بَين طرفيها أَي الْمُقدم والتالي وَمَفْهُوم الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة الحكم بِلُزُوم الْجَزَاء للشّرط مثلا وصدقها بِاعْتِبَار مُطَابقَة الحكم باللزوم للْوَاقِع وكذبها بِعَدَمِ تِلْكَ الْمُطَابقَة وكل من طرفيها قد انخلع عَن الخبرية وَاحْتِمَال الصدْق وَالْكذب - فالقضية الشّرطِيَّة تشارك الْقَضِيَّة الحملية فِي أَنَّهَا قَول يحْتَمل الصدْق وَالْكذب وتخالفها بِأَن طرفيها يكونَانِ مفردين وَيكون الحكم فِيهَا بِأَن أحد الطَّرفَيْنِ هُوَ الآخر - فَإِن قَوْلنَا كلما كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود مَفْهُومه عِنْدهم أَن وجود النَّهَار لَازم لطلوع الشَّمْس فالقضية إِذا جعلت جُزْءا من الشّرطِيَّة مقدما أَو تاليا ارْتَفع عَنْهَا اسْم الْقَضِيَّة وَلم يبْق لَهَا احْتِمَال الصدْق وَالْكذب وَتعلق هَذَا الِاحْتِمَال بالربط بَين القضيتين سَوَاء كَانَ بالاتصال أَو الِانْفِصَال فَإِن كَانَ الحكم بالاتصال أَو الِانْفِصَال مطابقا للْوَاقِع فَيكون صَادِقا وَإِلَّا فكاذبا وَلَا مُلَاحظَة إِلَى الشَّرْط وَلَا إِلَى الْجَزَاء. والمحقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله صرح فِي المطول أَن مَذْهَب أهل الْعَرَبيَّة أَن الحكم فِي الْجَزَاء وَالشّرط قيد الْمسند فِيهِ بِمَنْزِلَة الْحَال أَو الظّرْف فَإِن قَوْلك إِن تكرمني أكرمك بِمَنْزِلَة قَوْلك أكرمك وَقت إكرامك إيَّايَ وَلَا يخرج الْكَلَام بتقييده بِهَذَا الْقَيْد عَمَّا كَانَ من الخبرية والإنشائية فالجزاء إِن كَانَ خَبرا فالجملة خبرية نَحْو إِن جئتني أكرمك بِمَعْنى أكرمك وَقت مجيئك. وَإِن كَانَ إنشائية فالجملة إنشائية نَحْو إِن جَاءَك زيد فَأكْرمه أَي أكْرمه وَقت مَجِيئه. وَإِنَّمَا صرح الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بِهَذَا نظرا إِلَى مَا اخْتَارَهُ السكاكي فِي الْمِفْتَاح حَيْثُ قَالَ إِن الْجُمْلَة الشّرطِيَّة جملَة خبرية مُقَيّدَة بِقَيْد مَخْصُوص مُحْتَملَة فِي نَفسهَا للصدق وَالْكذب. وَإِنَّمَا قَالَ جملَة خبرية وَلم يقل جملَة خبرية أَو إنشائية بِنَاء على أَنه فِي بحث تَقْيِيد الْمسند الخبري - وَقَوله فِي نَفسهَا إِشَارَة إِلَى أَن الِاحْتِمَال يجب أَن يقطع فِيهِ النّظر عَن خُصُوصِيَّة الْمُتَكَلّم وَالْخَبَر كَمَا هُوَ الْمَشْهُور وَلَا المُرَاد بِهِ مَا ظَنّه الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي شرح الْمِفْتَاح كَمَا سَيَجِيءُ وَلَيْسَ فِي كَلَام غير السكاكي تَصْرِيح بِهَذَا فالعجب من الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ أَنه اطلع على مَذْهَب السكاكي وَنسب الْمَذْهَب إِلَى أهل الْعَرَبيَّة. وَقد صرح النحويون بِأَن كلم المجازاة تدل على سَبَبِيَّة الأول ومسببية الثَّانِي وَهَذَا يُنَادي نِدَاء كالرعد القاصف بِأَن الحكم إِنَّمَا هُوَ بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء - وَالْمَقْصُود هُوَ الارتباط بَينهمَا فَأهل الْعَرَبيَّة صَارُوا متهمين بِهَذَا الْمَذْهَب من زمَان الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ المنطقيون لِأَن انْتِفَاء الْقَيْد يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمُقَيد فَلَو كَانَ الحكم فِي الْجَزَاء وَيكون الشَّرْط قَيده وَيكون قَوْلك إِن ضَرَبَنِي زيد ضَربته بِمَعْنى أضربه فِي وَقت ضربه إيَّايَ يلْزم أَن لَا يكون صَادِقا إِلَّا إِذا تحقق الضَّرْب مَعَ ذَلِك الْقَيْد فَإِذا فرض انْتِفَاء الْقَيْد أَعنِي وَقت ضربه إيَّايَ لم يكن الضَّرْب الْمُقَيد بِهِ وَاقعا فَيكون الْخَبَر الدَّال على وُقُوعه كَاذِبًا سَوَاء وجد مِنْك الضَّرْب فِي غير ذَلِك الْوَقْت أَو لم يُوجد. وَذَلِكَ بَاطِل قطعا لِأَنَّهُ إِذا لم يَضْرِبك وَلم تضربه وَكنت بِحَيْثُ إِن ضربك ضَربته عد كلامك هَذَا صَادِقا عرفا ولغة فَلَو جعل الشَّرْط قيد الْجَزَاء يلْزم خلاف الْعرف واللغة. حَاصله أَن الْجُمْلَة الشّرطِيَّة صَادِقَة إِذا كَانَ قصد الْمُتَكَلّم تَعْلِيق مَضْمُون الْجَزَاء بِالشّرطِ سَوَاء تحقق الْجَزَاء وَالشّرط أَو لَا وَلَو كَانَ الشَّرْط قيدا للجزاء كالظرف كَانَ صدقهَا مَوْقُوفا على تحقق الْجَزَاء فِي وَقت تحقق الشَّرْط كَقَوْلِك أكرمتك فِي وَقت مجيئك وَذَلِكَ لِأَن الْإِخْبَار عَن نِسْبَة وَاقعَة فِي وَقت إِنَّمَا يصدق إِذا وَقعت تِلْكَ النِّسْبَة فِي ذَلِك الْوَقْت وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِن قَوْلك إِن ضربتني ضربتك صَادِق إِذا كَانَ الْمَقْصُود التَّعْلِيق وَإِن لم يُوجد مِنْك ضرب للمخاطب أصلا. أَلا ترى أَن قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} . شَرْطِيَّة صَادِقَة مَعَ امْتنَاع تحقق الْجَزَاء فِي وَقت تحقق الشَّرْط لامتناعه فَافْهَم. وَأَيْضًا مفَاد الشّرطِيَّة نِسْبَة اتصالية أَو انفصالية ومفاد الحملية نِسْبَة حملية. وَمن الْمَعْلُوم أَن هَذِه النّسَب الثَّلَاث متبائنة فَكَذَا القضايا الثَّلَاث فَكيف يتَصَوَّر الِاتِّحَاد بَينهَا وَإِن نظرت حق النّظر فِي كَلَام السكاكي فِي الْمِفْتَاح ظهر لَك أَن كَلَامه يدل ظَاهرا على مَا يدل لَكِن مُرَاده من جعل الشَّرْط قيدا للجزاء ضبط الْكَلَام وتقليل الانتشار للأقسام لِأَن الْكَلَام حِينَئِذٍ يكون مضبوطا بِحَيْثُ يكون بعض أَجْزَائِهِ مُلْصقًا بِالْبَعْضِ. وَأَيْضًا يكون الْجُمْلَة خبرية جملَة مُقَيّدَة بالظرف أَو الْحَال لَا شَرْطِيَّة قسما آخر مُقَابلا للحملية فَيحصل تقليل الْأَقْسَام وَهُوَ أرفع للانتشار فالسكاكي مُوَافق للمنطقيين فالمحقق التَّفْتَازَانِيّ توهم من ظَاهر كَلَامه مَا توهم فَقَالَ مَا قَالَ. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ إِن الْعَلامَة الرَّازِيّ ذكر فِي شرح الْمِفْتَاح أَن مُرَاد السكاكي بقوله فِي نَفسهَا أَن الْجَزَاء بِالنّظرِ إِلَى ذَاته مُجَردا عَن التَّقْيِيد بِالشّرطِ جملَة خبرية وبالنظر إِلَى تَقْيِيده بِالشّرطِ وأداة الشَّرْط إنشائية مَعَ أَن مُرَاد السكاكي بقوله فِي نَفسهَا مَا مر فَلَمَّا حمل الْعَلامَة الرَّازِيّ قَوْله فِي نَفسهَا على مَا حمله كَمَا علمت آنِفا. قَالَ إِن مَذْهَب السكاكي أَن الشَّرْط قيد الْجَزَاء وَالْجَزَاء جملَة إنشائية فطعن عَلَيْهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ بِأَنَّهُ خلط المذهبين وأحدث مذهبا آخر من الْبَين لِأَن تَقْيِيد الْجَزَاء بِالشّرطِ مَذْهَب أهل الْعَرَبيَّة على مَا زَعمه وَخُرُوجه عَن الخبرية إِلَى الْإِنْشَاء مَذْهَب المنطقيين فَأَخذهُمَا جَمِيعًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 ثمَّ اعْلَم أَن الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ قَالَ فِي المطول وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام أَن مَفْهُوم الشّرطِيَّة بِحَسب اعْتِبَار المنطقيين غَيره بِحَسب اعْتِبَار أهل الْعَرَبيَّة لأَنا إِذا قُلْنَا إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود فَعِنْدَ أهل الْعَرَبيَّة النَّهَار مَحْكُوم عَلَيْهِ وموجود مَحْكُوم بِهِ وَالشّرط قيد لَهُ. وَمَفْهُوم الْقَضِيَّة أَن الْوُجُود ثَبت للنهار على تَقْدِير طُلُوع الشَّمْس وَظَاهر أَي على هَذَا الْمَفْهُوم أَن الْجَزَاء بَاقٍ على مَا كَانَ عَلَيْهِ من احْتِمَال الصدْق وَالْكذب وصدقها بِاعْتِبَار مُطَابقَة الحكم بِثُبُوت الْوُجُود للنهار حِين طُلُوع الشَّمْس للْوَاقِع وكذبها بعدمها أَي بِعَدَمِ تِلْكَ الْمُطَابقَة وَأما عِنْد المنطقيين فالمحكوم عَلَيْهِ هُوَ الشَّرْط والمحكوم بِهِ هُوَ الْجَزَاء وَمَفْهُوم الْقَضِيَّة الحكم بِلُزُوم الْجَزَاء للشّرط وصدقها بِاعْتِبَار مُطَابقَة الحكم باللزوم وكذبها بعدمها انْتهى. وغرض الْمُحَقق من هَذَا التَّحْقِيق الأنيق بَيَان أَن منشأ النزاع وَالْخلاف هُوَ الِاخْتِلَاف فِي الْمَفْهُوم يَعْنِي أَن مَفْهُوم الشّرطِيَّة عِنْد أهل الْعَرَبيَّة غير مَا هُوَ مفهومها عِنْد المنطقيين وَلَو كَانَ مفهومها وَاحِدًا عِنْدهمَا لما وَقع النزاع وَالْخلاف. وَلَكِن لَا يخفى على من لَهُ أدنى مسكة أَن النَّحْوِيين الباحثين عَن كلم المجازاة بِأَنَّهَا تدل على سَبَبِيَّة الأول ومسببية الثَّانِي كَيفَ يكون عِنْدهم مَفْهُوم قَوْلنَا إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود إِن الْوُجُود ثَبت للنهار على تَقْدِير طُلُوع الشَّمْس من غير مُلَاحظَة السَّبَبِيَّة والمسببية قيل النزاع بَينهمَا لَفْظِي فَإِن نظر أهل الْعَرَبيَّة على محاورة الْعَرَب وهم إِذا قَالُوا إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق مثلا لَا يرومون بِهِ مُجَرّد الْإِخْبَار بالاتصال لُزُوما أَو اتِّفَاقًا بل إِنَّمَا يرومون بِهِ مُجَرّد إِيقَاع الطَّلَاق وَقت الدُّخُول. فالمقصود عِنْدهم أَن الحكم فِي الْجَزَاء مُقَيّد بذلك الْوَقْت بِخِلَاف المنطقيين فَإِن غرضهم يتَعَلَّق بنظم الْقيَاس وَهُوَ لَا يُمكن إِلَّا بِاعْتِبَار الحكم الاتصالي بَين النسبتين. وَلَا يخفى أَن هَذَا إِنَّمَا يتم فِي الشرطيات الَّتِي تواليها إنشاءات بِحَسب الْعرف كَسَائِر أَلْفَاظ الْعُقُود الَّتِي يقْصد بهَا حُصُول الْمَعْنى الشَّرْعِيّ كَالْبيع وَالشِّرَاء وَالنِّكَاح وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهَا بل فِيمَا قصد بِهِ مُجَرّد الْإِخْبَار كَقَوْلِنَا إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود وَلَا يُمكن قِيَاس هَذَا على تِلْكَ الْوُجُود الْفَارِق. وَقد يُقَال إِن قَول أهل الْعَرَبيَّة هَذَا مَقْصُور فِي تِلْكَ الشرطيات خَاصَّة لَا فِي جَمِيعهَا. وَأَصْحَاب الْمنطق لم يخالفوهم فِيهَا. وَلقَائِل أَن يَقُول لَا نسلم أَن الشّرطِيَّة الَّتِي تَالِيهَا إنْشَاء فِيهَا حكم حَتَّى يُقَال إِنَّه فِي الْجَزَاء أَو بَين الْمُقدم والتالي لانْتِفَاء الْحِكَايَة وَإِنَّمَا الْكَلَام فِيمَا فِيهِ حكم فَافْهَم. الْقَضِيَّة البسيطة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي تكون حَقِيقَتهَا ملتئمة من الْإِيجَاب أَو السَّلب مثل كل إِنْسَان حَيَوَان بِالضَّرُورَةِ وَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر بِالضَّرُورَةِ. الْقَضِيَّة المركبة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي تكون حَقِيقَتهَا ملتئمة من الْإِيجَاب وَالسَّلب مَعًا مثل كل إِنْسَان كَاتب لَا دَائِما أَي لَا شَيْء من الْإِنْسَان بكاتب بِالْفِعْلِ. وَالْعبْرَة فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 تَسْمِيَة الْقَضِيَّة المركبة مُوجبَة أَو سالبة للجزء الأول الْمَذْكُور صَرِيحًا لَا الثَّانِي الْمَذْكُور إِجْمَالا. الْقَضِيَّة الطبيعية: هِيَ الَّتِي حكم فِيهَا على نفس الْحَقِيقَة وعَلى الْأَفْرَاد سَوَاء كَانَ موضوعها صَالحا للكلية والجزئية أَولا كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان نوع وَالْحَيَوَان جنس. وَاعْلَم أَن الْقَضِيَّة الطبيعية لَا تقع كبرى الشكل الأول لاشْتِرَاط كليتها فاندفعت المغالطة الْمَشْهُورَة وَهِي أَن قَوْلنَا زيد إِنْسَان وَالْإِنْسَان نوع وَكَذَا قَوْلنَا الْإِنْسَان حَيَوَان وَالْحَيَوَان جنس على هَيْئَة الشكل الأول وينتج زيد نوع وَالْإِنْسَان جنس. وَلَا يخفى بُطْلَانه وَمَا ذكرنَا فِي تَعْرِيف الْقَضِيَّة الطبيعية أحسن من تَعْرِيفهَا الَّذِي يعلم من كَلَام صَاحب الشمسية وَهُوَ أَن الْقَضِيَّة الطبيعية هِيَ الْقَضِيَّة الحملية الَّتِي يكون موضوعها كليا غير صَالح للكلية والجزئية لِأَنَّهُ على هَذَا التَّعْرِيف يخرج مثل قَوْلنَا الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق عَن الطبيعية لصلاحية وموضوعه لَهما بِخِلَاف ذَلِك التَّعْرِيف كَمَا لَا يخفى. وَاعْلَم أَن مثل قَوْلنَا الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق يحْتَمل أَمريْن لِأَنَّهُ إِن حكم فِيهِ على نفس طبيعة الْإِنْسَان كَانَ طبيعية وَإِن كَانَ على أفرادها كَانَ مُهْملَة. وَإِنَّمَا قُلْنَا أحسن لَا مَكَان حمل تَعْرِيف صَاحب الشمسية على مَا ذكرنَا لِأَن نفس طبيعة الْإِنْسَان من حَيْثُ هِيَ هِيَ مَوْضُوع للحيوان النَّاطِق غير صَالح للكلية والجزئية فَافْهَم. الْقَضِيَّة الخارجية: والقضية الْحَقِيقِيَّة والقضية الذهنية أَقسَام ثَلَاثَة للقضية الحملية بِاعْتِبَار وجود موضوعها. وَاعْلَم أَن كل قَضِيَّة لَا بُد لَهَا من الحكم وَلَا بُد للْحكم من تصور الْمَحْكُوم عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَوْجُود الذهْنِي. فالقضايا الثَّلَاث الْمَذْكُورَة مُشْتَركَة فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي للموضوع ومتساوية الْإِقْدَام فِيهِ. ثمَّ إِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الذهنية فَقَط للموضوع أَو على أَفْرَاده الخارجية فَإِن كَانَ الحكم على أَفْرَاده الذهنية فَقَط مُحَققَة أَو مقدرَة فَهِيَ الْقَضِيَّة الذهنية مثل شريك الْبَارِي مُمْتَنع بِمَعْنى أَن كل مَا يُوجد فِي الْعقل ويفرضه الْعقل شريك الْبَارِي فَهُوَ مَوْصُوف فِي الذِّهْن بالامتناع فِي الْخَارِج. وَإِنَّمَا فسرنا مَعْنَاهُ بذلك بِنَاء على أَن الْمُمْتَنع لَيْسَ بموجود فِي الذِّهْن أَيْضا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُوجبَة وكالقضايا المستعملة فِي الْمنطق فَإِن موضوعاتها معقولات ثَانِيَة لَا يحاذيها أَمر فِي الْخَارِج وَهِي كلهَا موجودات ذهنية بِالْفِعْلِ - أما فِي القوى الْعَالِيَة أَو القوى القاصرة. وَإِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج محققا أَو على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج مُقَدرا - فَإِن كَانَ الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج محققا فَهِيَ الْقَضِيَّة الخارجية مثل كل إِنْسَان حَيَوَان بِمَعْنى أَن كل إِنْسَان مَوْجُود فِي الْخَارِج فَهُوَ حَيَوَان فِي الْخَارِج وَإِن كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 الحكم على الْأَفْرَاد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج مُقَدرا يَعْنِي على الْأَفْرَاد الممكنة الَّتِي قدر وَفرض وجودهَا فِي الْخَارِج سَوَاء كَانَت مَوْجُودَة فِي الْخَارِج محققا أَو لَا فَهِيَ الْحَقِيقِيَّة مثل كل إِنْسَان حَيَوَان أَي كل مَا لَو وجد فِي الْخَارِج وَكَانَ إنْسَانا فَهُوَ على تَقْدِير وجوده حَيَوَان وَقس عَلَيْهِ معنى كل عنقاء طَائِر - وَهَذَا الْوُجُود الْمُقدر إِنَّمَا اعتبروه فِي الْأَفْرَاد الممكنة لَا الممتنعة كأفراد اللاشيء وَشريك الْبَارِي. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره وَهَذَا الْقَيْد أَعنِي إِمْكَان وجود الْأَفْرَاد إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا لم يعْتَبر إِمْكَان صدق الْوَصْف العنواني على ذَات الْمَوْضُوع بِحَسب نفس الْأَمر بل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد فرض صدقه. أَو إِمْكَان فرض صدقه عَلَيْهِ كَمَا فِي صدق الْكُلِّي على جزئياته حَتَّى إِذا وَقع الْكُلِّي مَوْضُوع الْقَضِيَّة الْكُلية كَانَ متناولا لجَمِيع أَفْرَاده الَّتِي هُوَ كلي بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا سَوَاء أمكن صدقه عَلَيْهَا أَو لَا. وَإِمَّا إِذا اعْتبر إِمْكَان صدق العنوان على ذَات الْمَوْضُوع فِي نفس الْأَمر كَمَا هُوَ مَذْهَب الفارابي. أَو اعْتبر مَعَ الْإِمْكَان الصدْق بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّيْخ فَلَا حَاجَة إِلَى اعْتِبَار إِمْكَان وجود الْأَفْرَاد انْتهى. وَإِن أردْت أَن مُرَاد الفارابي بالإمكان هَا هُنَا مَا هُوَ فَعَلَيْك الرُّجُوع إِلَى الْوَصْف العنواني فهناك مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَحَاصِل الْكَلَام أَنهم إِنَّمَا قسموا القضايا إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة لِأَن أَحْوَال الْأَشْيَاء أَي محمولاتها ثَلَاثَة لِأَنَّهَا إِمَّا شَامِلَة للأفراد الذهنية والخارجية المحققة والمقدرة لموضوعاتها وَتسَمى لَوَازِم الماهيات كالزوجية للأربعة والفردية للثَّلَاثَة وتساوي الزوايا القائمتين للمثلث. والقضايا الَّتِي يكون محمولاتها هَذِه الْأَحْوَال تسمى حَقِيقِيَّة مثل كل أَرْبَعَة زوج وكل ثَلَاثَة فَرد وكل مثلث تَسَاوِي زواياه للقائمتين وَإِمَّا مُخْتَصَّة بالأفراد الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج لموضوعاتها كالحركة والسكون والإضاءة والإحراق والقضايا الَّتِي تكون محمولاتها هَذِه الْأَحْوَال خارجية مثل كل فلك متحرك وكل أَرض سَاكِنة وكل نَار مضيئة ومحرقة. وَإِمَّا مُخْتَصَّة بالأفراد الْمَوْجُودَة فِي الذِّهْن كالكلية والجزئية والقضايا الَّتِي تكون محمولاتها هَذِه الْأَحْوَال تسمى ذهنية مثل الْإِنْسَان كلي وَنَوع - وَالْحَيَوَان جنس وَزيد المتصور جزئي فَافْهَم. ثمَّ اعْلَم أَن التَّسْمِيَة بالحقيقية من قبيل نِسْبَة الْفَرد إِلَى الْكُلِّي فَإِن الْقَضِيَّة لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا فِي ذَلِك الْمَعْنى كَأَنَّهَا مَوْضُوعَة لَهُ وَحَقِيقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. فالقضية فَرد من أَفْرَاد الْحَقِيقَة فنسبت إِلَيْهَا. وَلَك أَن تَقول إِن هَذَا الْمَعْنى حَقِيقَة الْقَضِيَّة وماهيتها إِذْ لم يعْتَبر فِيهِ قيد زَائِد على مفهومها الْمُتَبَادر وَهُوَ تَقْيِيد اتصاف ذَات الْمَوْضُوع بالعنوان بِكَوْنِهِ فِي الْخَارِج فَإِذا اسْتعْملت فِي ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي هُوَ حَقِيقَتهَا بِدَلِيل التبادر وَهَذَا هُوَ مُرَاد الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي شرح الشمسية بقوله وَتسَمى حِينَئِذٍ حَقِيقِيَّة كَأَنَّهَا حَقِيقَة الْقَضِيَّة وكما أَن القضايا الثَّلَاث الْمَذْكُورَة مُتَسَاوِيَة الْإِقْدَام فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي للموضوع كَذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 الْقَضِيَّة الْمُوجبَة والقضية السالبة سَوَاء كَانَتَا خارجيتين أَو حقيقيتين أَو ذهنيتين مشتركتان فِي ذَلِك الِاقْتِضَاء لِأَن الحكم بِثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع وَانْتِفَاء الْمَحْمُول عَنهُ لَا يُمكن إِلَّا بعد تصور الْمَوْضُوع. فَلَا فرق بَينهمَا فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي بِحَسب الحكم وَإِنَّمَا الْفرق بَينهمَا بِأَن صدق الْمُوجبَة يتَوَقَّف على وجود الْمَوْضُوع فِي ظرف الْإِثْبَات لِأَن الحكم فِي الْمُوجبَة بِثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع وَثُبُوت شَيْء وجودي أَو عدمي فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ فِي ظرف الثُّبُوت وبحسب الثُّبُوت إِن دَائِما فدائما وَإِن سَاعَة فساعة وَإِن خَارِجا فخارجا وَإِن ذهنا فذهنا. بِخِلَاف السالبة فَإِن صدقهَا لَا يتَوَقَّف على وجود الْمَوْضُوع فِي ظرف سلب الْمَحْمُول عَن الْمَوْضُوع لِأَن سلب الْمَحْمُول عَن الْمَوْضُوع كَمَا يصدق عِنْد عدم الْمَوْضُوع وَانْتِفَاء الْمَحْمُول عَنهُ كَذَلِك يصدق عِنْد عدم الْمَوْضُوع لِأَن الْمَوْضُوع إِذا لم يكن مَوْجُودا لم يكن الْمَحْمُول ثَابتا لَهُ لما مر من أَن ثُبُوت شَيْء لشَيْء فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ فِي ظرف الْإِثْبَات فَيكون الْمَحْمُول مسلوبا عَنهُ الْبَتَّةَ - فللموضوع وجودان وجود ذهني وَوُجُود فِي ظرف الْإِثْبَات أما الْوُجُود الذهْنِي فَلَا بُد مِنْهُ لأجل الحكم إيجابيا كَانَ أَو سلبيا وَأما الْوُجُود فِي ظرف الْإِثْبَات أَي ظرف كَانَ ذهنا أَو خَارِجا إِنَّمَا هُوَ لأجل صدق الْإِيجَاب وتحققه والسالبة لَا تستدعي صدقهَا هَذَا الْوُجُود. وَمن هَا هُنَا قَالُوا إِن الْإِثْبَات إِن كَانَ فِي الْخَارِج فَيجب لصدقه أَن يكون ثُبُوت الْمَوْضُوع أَيْضا محققا أَو مُقَدرا فِي الْخَارِج وَإِن كَانَ فِي الذِّهْن فليعتبر وجود الْمَوْضُوع فِي الذِّهْن وَرَاء اقْتِضَاء الحكم فَإِنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنى فِي السالبة أَيْضا بل لصِحَّة ثُبُوت الْمَحْمُول لَهُ فَافْهَم. ثمَّ اعْلَم أَن الْقَضِيَّة الخارجية قد يتَوَقَّف صدقهَا أَي تحققها فِي الْخَارِج على وجود الْمَوْضُوع ومبدأ الْمَحْمُول فِي الْخَارِج مثل قَوْلك زيد أسود فِي الْخَارِج وَقد يتَوَقَّف صدقهَا على وجود الْمَوْضُوع فَقَط فِي الْخَارِج كَمَا إِذا كَانَ الْمَحْمُول عدميا مثل زيد أعمى وَزيد كَاتب. وَهَاتَانِ القضيتان خارجيتان لَكِن يتَوَقَّف تحققهما على وجود الْمَوْضُوع فَقَط فِي الْخَارِج وَإِمَّا فِي قَوْلك زيد مَوْجُود فِي الْخَارِج فقضية ذهنية لِأَن الْخَارِج فِي الْقَضِيَّة الخارجية ظرف لاتصاف الْمَوْضُوع الْمَوْجُود فِي الْخَارِج بالمحمول فِيهِ فَيتَوَقَّف صدقهَا وتحققها على وجود الْمَوْضُوع فِي الْخَارِج أَو لَا ثمَّ الحكم عَلَيْهِ فِي الْخَارِج بِأَيّ مَحْمُول كَانَ وَفِي الْمِثَال الْمَذْكُور لَيْسَ كَذَلِك. وتوضيحه أَن معنى قَوْلك زيد مَوْجُود فِي الْخَارِج أَنه مَوْجُود بِوُجُود أُصَلِّي تترتب عَلَيْهِ الْآثَار وَتظهر مِنْهُ الْأَحْكَام. وَلَا شكّ أَن كَونه كَذَلِك لَا يتَوَقَّف على كَونه مَوْجُودا أَصْلِيًّا أَو لَا حَتَّى يتَصَوَّر اتصافه بالوجود الْأَصْلِيّ أَو لَا. ثمَّ الحكم عَلَيْهِ فِي الْخَارِج بالوجود الْأَصْلِيّ أَي بالوجود فِي الْخَارِج. هَكَذَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي أم الْحَوَاشِي على الشَّرْح الْقَدِيم للتجريد وَالْحَاصِل أَنه لَا بُد فِي الْقَضِيَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 الخارجية من اتصاف الْمَوْضُوع بالوجود الْخَارِجِي أَو لَا. ثمَّ الحكم عَلَيْهِ بالمحمول فعلى هَذَا زيد كَاتب قَضِيَّة خارجية. وَزيد مَوْجُود فِي الْخَارِج قَضِيَّة ذهنية إِذْ لَيْسَ الحكم فِيهَا بالوجود فِي الْخَارِج بعد اتصاف زيد بالوجود فِيهِ وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع على دفع الْإِشْكَال فِي الْحمل الإيجابي على المفهومات الممتنعة مثل شريك الْبَارِي مُمْتَنع واجتماع النقيضين محَال والخلاء مَعْدُوم ونظائره فَلْينْظر إِلَى تحقيقنا فِي الْمُوجبَة واشكر شكرا جميلا واسأل لهَذَا العَاصِي الغفران وَأَجرا جزيلا. القضايا ثَلَاث: أَي القضايا بِحَسب حكم الْعقل على موضوعاتها بِالْوُجُوب والإمكان والامتناع ثَلَاثَة أَقسَام وَاجِبَات وممكنات وممتنعات. أما الْوَاجِبَات: فَهِيَ القضايا الَّتِي يحكم الْعقل بِوُجُوب وجود موضوعاتها فِي الْخَارِج مثل الصَّانِع مَوْجُود والصانع قديم. والممكنات: هِيَ القضايا الَّتِي يحكم الْعقل بِإِمْكَان وجود موضوعاتها أَي تَسَاوِي وجودهَا وَعدمهَا فِي الْخَارِج. والممتنعات: هِيَ القضايا الَّتِي يحكم الْعقل بامتناع وجود موضوعاتها فِي الْخَارِج مثل شريك الْبَارِي مَعْدُوم واجتماع النقيضين بَاطِل. القضايا المتعارفة: هِيَ القضايا الَّتِي يكون الْحمل فِيهَا حملا متعارفا. (بَاب الْقَاف مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة) الْقطر: بِالضَّمِّ هُوَ الْخط الْمنصف للدائرة وَيُطلق على الْخط الْمَار بمركز الكرة أَيْضا، وَالْفرق بَين الْقطر وَالْوتر بِالِاعْتِبَارِ فَإِن الْخط الْمَار بمركز الدائرة من حَيْثُ مروره إِلَيْهِ سمي بالقطر. وَمن حَيْثُ انقسام الدائرة بِهِ على قسمَيْنِ يُسمى بالوتر. قطر الظل: هُوَ الْخط الْوَاصِل بَين رَأس المقياس وَرَأس الظل. الْقطع: فِي الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ. وَفِي التَّلْوِيح أَن الْقطع يُطلق على نفي الِاحْتِمَال أصلا وعَلى نفي الِاحْتِمَال النَّاشِئ عَن دَلِيل وَهَذَا أَعم من الأول لِأَن احْتِمَال النَّاشِئ عَن دَلِيل أخص من مُطلق الِاحْتِمَال. ونقيض الْأَخَص أَعم من نقيض الْأَعَمّ انْتهى فللقطع عِنْدهم مَعْنيانِ الْمَعْنى الأول أخص وَالثَّانِي أَعم. قطّ: بِالْفَتْح وَتَشْديد الطَّاء بِمَعْنى الدَّهْر مَخْصُوص بالماضي أَي فِيمَا مضى من الزَّمَان أَو فِيمَا انْقَطع من الْعُمر مثل مَا رَأَيْته قطّ. وَإِذا كَانَ اسْم فعل بِمَعْنى يَكْفِي أَو انْتهى فيخفف. وَإِذا أردْت بقط الزَّمَان فمرتفع غير منون كَمَا مر مِثَاله. القطب: بِالضَّمِّ نجم بني عَلَيْهِ الْقبْلَة وَسيد الْقَوْم وملاك الشَّيْء ومداره كَذَا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 الْقَامُوس وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره وَقد يُسمى غوثا بِاعْتِبَار التجاء الملهوف إِلَيْهِ وَهُوَ عبارَة عَن الْوَاحِد الَّذِي هُوَ مَوضِع نظر الله تَعَالَى فِي كل زمَان أعطَاهُ الطلسم من لَدَيْهِ وَهُوَ يسري فِي الْكَوْن وأعيانه الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة سريان الرّوح فِي الْجَسَد قسطاس الْفَيْض الْأَعَمّ وَأَنه يتبع علمه وَعلمه يتبع علم الْحق الْأَعَمّ وَعلم الْحق يتبع الماهيات الْغَيْر المجعولة وَهُوَ يفِيض روح الْحَيَاة على السّكُون الْأَعْلَى والأسفل وَهُوَ على قلب إسْرَافيل من حَيْثُ ملكيته الحاملة مَادَّة الْحَيَاة والإحساس لَا من حَيْثُ إنسانيته. وَحكم جِبْرَائِيل فِيهِ كَحكم النَّفس الناطقة فِي النشأة الإنسانية وَحكم مِيكَائِيل كَحكم الْقُوَّة الجاذبة فِيهَا وَحكم عزرائيل كَحكم الْقُوَّة الدافعة. القطبية الْكُبْرَى: هِيَ مرتبَة قطب الأقطاب وَهُوَ بَاطِن نبوة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَا يكون إِلَّا لوَرثَته لاختصاصه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالأكملية فَلَا يكون خَاتم الْولَايَة وقطب الأقطاب إِلَّا على بَاطِن خَاتم النُّبُوَّة قطب الدائرة: الْخط الْمُسْتَقيم الْوَاصِل من جَانب الدائرة إِلَى الْجَانِب الْأُخْرَى بِحَيْثُ يكون وَاسِطَة وَاقعا على المركز. قطب الكرة: فِي الأسطوانة. (بَاب الْقَاف مَعَ الْفَاء) القفاز: بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الْفَاء هُوَ شَيْء تلبسه النِّسَاء فِي أَيْدِيهنَّ حفظا لَهَا وَمِنْه الْجلد الَّذِي يلْبسهُ الصيادون فِي أَيْديهم ويمسكون الْجَوَارِح عَلَيْهِ ويسمونه كفة. قفيز الطَّحَّان: قد نهى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنهُ وَهُوَ أَن يسْتَأْجر رجلا ليطحن لَهُ بِكَذَا قَفِيزا من دقيقها. وَإِنَّمَا نهى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنهُ لِأَن الْمُسْتَأْجر لَا بُد أَن يكون قَادِرًا على إِعْطَاء أجر الْأَجِير وَالْمُسْتَأْجر هَا هُنَا عَاجز عَن تَسْلِيم الْأجر وَيُرَاد بقفيز الطَّحَّان وَصفه الْمَشْهُور وَهُوَ جعل أجر الْأَجِير بعض مَا يخرج من عمله. وَلِهَذَا قَالُوا لَو دفع إِلَى آخر غزلا لينسجه بِنصفِهِ أَو اسْتَأْجر حمارا ليحمل عَلَيْهِ زادا بِبَعْضِه لَا يَصح لِأَنَّهُ فِي معنى قفيز الطَّحَّان فَافْهَم. (بَاب الْقَاف مَعَ اللَّام) الْقَلَم: بتسكين اللَّام خامه وَبِفَتْحِهَا الْقطع يُقَال قلمه أَي قطعه. والقلامة بِضَم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 الْقَاف مَا سقط مِنْهُ عِنْد صنعه وَجعله قَلما كالقراضة مَا سقط من قرض المقراض وَمَا يحصل مِنْهُ نعم مَا قَالَ الشَّاعِر فِي مدحه. (كفى قلم الْكتاب مجدا ورفعة ... مدى الدَّهْر أَن الله أقسم بالقلم) قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْقَلَم علم التَّفْصِيل فَإِن الْحُرُوف الَّتِي مظَاهر تفصيلها مجملة فِي مداد الدورة وَلَا تقبل التَّفْصِيل مَا دَامَ فِيهَا فَإِذا انْتقل المداد مِنْهَا إِلَى الْقَلَم تفصلت الْحُرُوف بِهِ فِي اللَّوْح وتفصيل الْعلم بهَا لَا إِلَى غَايَة كَمَا أَن النُّطْفَة هِيَ مَادَّة الْإِنْسَان مَا دَامَت فِي آدم ومجموع الصُّور الإنسانية مجملة فِيهَا وَلَا تقبل التَّفْصِيل مَا دَامَت فِيهَا فَإِذا انْتَقَلت إِلَى لوح الرَّحِم بالقلم الإنساني تفصلت الْأَرْوَاح الإنسانية. قل مَا: فِي طَال مَا. قُلُوب الْأَبْرَار قُبُور الْأَسْرَار: يَعْنِي كَمَا أَن الْقَبْر يستر الْمَيِّت وَلَا يخرج عَنهُ كَذَلِك الْأَسْرَار إِذا اطلع عَلَيْهَا الْأَبْرَار وَوضعت وأودعت فِي قُلُوبهم لَا تخرج عَنْهَا وَلَا يطلع عَلَيْهَا أحد غَيرهم. القلقلة: ضرب الشَّيْء على الشَّيْء وَشدَّة الصياح وَصَوت الْأَشْيَاء الْيَابِسَة وحروف القلقلة مَا يَنْضَم فِيهَا إِلَى الشدَّة ضغط فِي الْوَقْف والضغط الْعَصْر وَهِي خَمْسَة أحرف - الْقَاف - والطاء - وَالْبَاء الْمُوَحدَة - وَالْجِيم - وَالدَّال الْمُهْملَة ومجموعها قطب جد. فَهَذِهِ الْحُرُوف فِي حَالَة الْوَقْف أَشد وَأبين وَأَيْضًا فِي حَالَة السّكُون إِلَّا أَن الشدَّة فِي الْوَقْف أَزِيد مِنْهَا فِي حَالَة السّكُون فَتَقول فِي حَالَة الْوَقْف فِي شقَاق - وَفِي سم الْخياط - وَأَن هَذَا الشَّيْء عُجاب - وملح أجاج - وَبئسَ المهاد - وَتقول فِي حَالَة السّكُون يقطعون - ويطرحون - وينجلون - ويجهلون - ويدخلون. الْقلَّة: بِالْكَسْرِ ضد الْكَثْرَة. وبالضم وَاحِد الْقلَّتَيْنِ وَقدر الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى الْقلَّتَيْنِ بِخمْس قرب وكل قربَة خَمْسُونَ منا فَيكون جُمْلَتهَا مِائَتَيْنِ وَخمسين منا وَهَذَا مَا قَالُوا القلتان خمس مائَة رَطْل والرطل نصف الْمَنّ. الْقلب: بِالْفَارِسِيَّةِ (دلّ ووازكونه) قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْقلب لَطِيفَة ربانية لَهَا بِهَذَا الْقلب الجسماني الصنوبري الشكل الْمُودع فِي جَانب الْأَيْسَر من الصَّدْر تعلق وَتلك اللطيفة هِيَ حَقِيقَة الْإِنْسَان ويسميها الْحَكِيم النَّفس الناطقة وَالروح بَاطِنه وَالنَّفس الحيوانية مركبة انْتهى. وَعند أَرْبَاب الْمعَانِي هُوَ أَن يَجْعَل أحد أَجزَاء الْكَلَام مَكَان الآخر وَالْآخر مَكَانَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 وَإِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ لأمرين. أَحدهمَا: توقف صِحَة اللَّفْظ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يكون الْمَعْنى تَابعا للفظ يَعْنِي يكون الْمَعْنى أَيْضا مقلوبا بِوَاسِطَة الْقلب فِي اللَّفْظ كَمَا إِذا وَقع مَا هُوَ فِي موقع الْمُبْتَدَأ نكرَة وَمَا هُوَ فِي موقع الْخَبَر معرفَة - وَالثَّانِي: أَن يكون الدَّاعِي إِلَيْهِ من جِهَة الْمَعْنى بِأَن يكون صِحَة الْمَعْنى متوقعة على الْقلب وَيكون اللَّفْظ حِينَئِذٍ تَابعا للمعنى فِي الْقلب مِثَال الأول قَوْله: (قفي قبل التَّفَرُّق يَا ضباعا ... وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا) قَوْله يَا ضباعا منادى مرخم أَي يَا ضباعة بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة اسْم بنت صَغِيرَة للشاعر - (وَالْألف) للإطلاق وَالْمعْنَى قفي يَا ضباعة حَتَّى أودعك قبل التَّفَرُّق ثمَّ دَعَا الشَّاعِر بِأَن لَا يكون وداع وفراق و (موقف) اسْم كَانَ وَهُوَ نكرَة و (الوداعا) بِتَقْدِير الْمُضَاف أَي موقف الْوَدَاع هُوَ خَبره وتنكير الْمُبْتَدَأ مَعَ تَعْرِيف الْخَبَر لما لم يَقع فِي الْجُمْلَة الخبرية فاحتاجوا إِلَى الْقلب. وَمِثَال الثَّانِي: أدخلت القلنسوة فِي الرَّأْس أَي أدخلت الرَّأْس فِي القلنسوة. وَأَيْضًا الْقلب من المحسنات اللفظية البديعية وَهُوَ أَن يكون الْكَلَام بِحَيْثُ لَو عكس وبدئ من حرفه الْأَخير إِلَى الْحَرْف الأول كَانَ الْحَاصِل هُوَ هَذَا الْكَلَام بِعَيْنِه مثل قَوْله تَعَالَى {كل فِي فلك} - وَقَوله تَعَالَى {وَرَبك فَكبر} - وَقد يكون مَجْمُوع الْبَيْت قلبا لمجموعه كَقَوْل القَاضِي. (مودته تدوم لكل هول ... وَهل كل مودته تدوم) والحرف المشدد فِي حكم المخفف فَلَا يرد الِاعْتِرَاض فِي كل فِي فلك وَالْقلب أَيْضا من السرقات الشعرية وَهُوَ أَن يكون معنى الثَّانِي نقيض معنى الأول وَالتَّفْصِيل فِي التَّلْخِيص فِي خَاتِمَة فن البديع. قلب قاب القوسين: القاب الْمِقْدَار والقوسان هما القطعتان الحاصلتان من تنصيف الدائرة والخط الْمنصف هُوَ قلبهما هَكَذَا: مَحْبُوب: محب: ف (89) : (بَاب الْقَاف مَعَ الْمِيم) الْقَمَر: كَوْكَب ليلِي مكدر أَزْرَق مائل إِلَى السوَاد مظلم غير نوراني كثيف صقيل قَابل للاستنارة من غَيره يكْسب النُّور عَنهُ بالمحاذاة وَإِنَّمَا يستضيء استضاءة يعْتد بهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 بضياء الشَّمْس لَا بضياء غَيرهَا من الْكَوَاكِب لضعف أضوائها كالمرآة المجلوة الَّتِي تستنير من المضيء المواجه لَهَا وينعكس النُّور عَنْهَا إِلَى مَا يقابلها فَيكون نصف الْقَمَر المواجه للشمس أبدا مستضيئا لَو لم يمْنَع مَانع كحيلولة الأَرْض بَينهمَا وَالنّصف الآخر مظلما فيستفاد من هَا هُنَا أَن نور الْقَمَر مُسْتَفَاد من الشَّمْس فعلى الْقَمَر مِنْهُ الشَّمْس والامتنان أصعب من جروح السنان - نعم مَا قَالَ الصائب رَحمَه الله تَعَالَى. (باتيركى بسازكه ابروى عنبرين ... يكشب سفيد كشت زمنت هِلَال را) وتتمة هَذَا المرام فِي المحاق إِن شَاءَ الله تَعَالَى. ف (90) : (بَاب الْقَاف مَعَ النُّون) الْقِنّ: بِالضَّمِّ الْجَبَل الصَّغِير. وبالكسر العَبْد الْمَمْلُوك أَبَوَاهُ ويساوي فِيهِ الْجمع وَالْوَاحد وَقد يجمع على أقنان وأقنة وَالْعَبْد الْخَالِص الْعُبُودِيَّة. وَمِنْه قَالَ الْفُقَهَاء الْقِنّ العَبْد الْكَامِل فِي الْعُبُودِيَّة بِأَن لَا يكون مكَاتبا وَلَا مُدبرا فَإِن الْكِتَابَة وَالتَّدْبِير نُقْصَان فِي العَبْد وَلِهَذَا لَا يُبَاع الْمُدبر وَلَا يُوهب. ونقصان العَبْد بِالْكِتَابَةِ يظْهر من تَعْرِيفهَا. أَلا ترى أَن الْكِتَابَة تَحْرِير الْمَمْلُوك يدا فِي الْحَال ورقبة فِي الْمَآل فَالْعَبْد عَام شَامِل للْمكَاتب وَالْمُدبر والقن والقن أخص مِنْهُ فبينهما عُمُوم وخصوص مُطلق كالحيوان وَالْإِنْسَان. القناعة: فِي اللُّغَة الرِّضَا بِالْقِسْمَةِ. وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب الْحَقَائِق هِيَ السُّكُوت عِنْد المألوفات. الْقُنُوت: الإطاعة وَالْقِيَام الطَّوِيل فِي الصَّلَاة وَقِرَاءَة الدُّعَاء وَالسُّكُوت وَاسم دُعَاء يقْرَأ فِي الْوتر وَهُوَ اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عَلَيْك ونثني عَلَيْك الْخَيْر ونشكرك وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد وَنَرْجُو رحمتك ونخشى عذابك إِن عذابك بالكفار مُلْحق. وَاعْلَم أَن للْعُلَمَاء اخْتِلَاف فِي الواوات الْوَاقِعَة فِيهِ. وَفِي الْمَعْدن شرح كنز الدقائق عَن الإِمَام الْبَلْخِي أَنه لَا وَاو فِي ثَلَاث كَلِمَات نشكرك ونخلع وَنَرْجُو. وَفِي الْبَحْر الرَّائِق الْأَصَح أَن الْوَاو ثَابت فِي نخلع كَمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ. وَصَاحب الْمَعْدن وعمدة الْإِسْلَام على أَن فِي كل كلمة مِنْهُ واوا لِأَنَّهُ يُوجب تعدد الثَّنَاء. فعلى تَحْقِيق الإِمَام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 الْبَلْخِي أَن الواوات فِيهِ إِحْدَى عشرَة. وعَلى تَحْقِيق الْبَحْر الرَّائِق اثْنَتَا عشرَة. وعَلى تَحْقِيق الْمَعْدن وعمدة الْإِسْلَام أَربع عشر. ف (91) : (بَاب الْقَاف مَعَ الْوَاو) الْقُوَّة: تمكن الْحَيَوَان من الْأَفْعَال الشاقة أَي الْقُدْرَة. وَاعْلَم أَن الْقُوَّة بِمَعْنى إِمْكَان حُصُول الشَّيْء مَعَ عدم تقَابل الْفِعْل بِمَعْنى الْحُصُول فِي أحد الْأَزْمِنَة. وَقد تطلق الْقُوَّة على الشَّيْء الَّذِي هُوَ مبدأ التَّغَيُّر فِي آخر من حَيْثُ هُوَ آخر سَوَاء كَانَ ذَلِك المبدأ جوهرا أَو عرضا وَسَوَاء كَانَ فَاعِلا أَو غَيره وَفَائِدَة الْحَيْثِيَّة التَّنْبِيه على أَن الآخر لَا يجب أَن يكون مغايرا لَهُ بِالذَّاتِ بل قد يكون مغايرا بِالِاعْتِبَارِ كَمَا فِي معالجة الْإِنْسَان نَفسه الناطقة فِي الْأَمْرَاض النفسانية فَإِن التغاير هَا هُنَا اعتباري فَإِن الْإِنْسَان من حَيْثُ إِنَّه عَالم بمعالجة تِلْكَ الْأَمْرَاض معالج. وَمن حَيْثُ إِنَّه مَرِيض بِتِلْكَ الْأَمْرَاض معالج. وَأما فِي معالجة الْإِنْسَان فِي الْأَمْرَاض الْبَدَنِيَّة فهما متغايران بِالذَّاتِ أَيْضا قيل قد يُطلق على الْأَمر العرضي الَّذِي هُوَ مبدأ الْأَفْعَال والانفعالات وَقد تطلق على الصُّورَة النوعية بِاعْتِبَار كَونهَا مُؤثرَة ومبدأ للْفِعْل والانفعال. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هذَيْن الإطلاقين منفردان على إِطْلَاق الْقُوَّة على ذَلِك المبدأ فَافْهَم. الْقُوَّة النظرية وَالْقُوَّة العملية: قوتان للنَّفس الناطقة. اعْلَم أَن للنَّفس جِهَتَيْنِ جِهَة إِلَى عَالم الْغَيْب وَهِي بِاعْتِبَار هَذِه الْجِهَة متأثرة مستفيضة عَمَّا فَوْقهَا من المبادئ الْعَالِيَة. وجهة إِلَى عَالم الشَّهَادَة وَهِي بِاعْتِبَار هَذِه الْجِهَة مُؤثرَة متصرفة فِيمَا تحتهَا من الْأَبدَان هُوَ لَا بُد لَهَا بِحَسب كل جِهَة من قُوَّة يتنظم بهَا حَالهَا هُنَاكَ فالقوة الَّتِي بهَا تتأثر وتستفيض تسمى قُوَّة نظرية وَالَّتِي بهَا توتر وتتصرف تسمى قُوَّة عملية. الْقُوَّة الغاذية: هِيَ الْقُوَّة الَّتِي تحيل جسما آخر إِلَى مشاكلة الْجِسْم الَّذِي هِيَ فِيهِ فتلصق تِلْكَ الْقُوَّة ذَلِك الْجِسْم المشاكل بذلك الْجِسْم بدل مَا يتَحَلَّل عَن ذَلِك الْجِسْم بالحرارة الغريزية أَو الْحَرَارَة الْحَادِثَة بِسَبَب الْحَرَكَة والحمى وَغير ذَلِك من الْأَمْرَاض. وَاعْلَم أَن تحيل من الإحالة أَي تخلع الصُّورَة الغذائية من الْغذَاء إِلَى الصُّورَة العضوية وَإِنَّمَا خلق الله تَعَالَى هَذِه الْقُوَّة لأجل بَقَاء الشَّخْص لِأَنَّهُ لَو لم يكن التبدل لزم فنَاء الْبدن فِي مُدَّة يسيرَة كَذَا فِي الموجز. وللغاذية خوادم أَربع قُوَّة جاذبة - وماسكة - وهاضمة - ودافعة - للثفل فَهِيَ تجذب الْغذَاء وتمسكه وتهضمه وتدفع ثفله بخوادمها وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْحِكْمَة. الْقُوَّة المنمية: هِيَ الْقُوَّة الَّتِي تزيد فِي الْجِسْم الَّذِي هِيَ فِيهِ زِيَادَة فِي أقطاره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 طولا وعرضا وعمقا إِلَى أَن يبلغ كَمَال النشو على تناسب طبيعي. وفوائد الْقُيُود والاحترازات مَذْكُورَة فِي كتب الْحِكْمَة وَإِنَّمَا خلق الله تَعَالَى هَذِه الْقُوَّة لأجل كَمَال الشَّخْص. وَقد تطلق على تِلْكَ الْقُوَّة الْقُوَّة النامية على خلاف الْقيَاس إِذْ الْقيَاس أَن يُقَال منمية بِالتَّخْفِيفِ من الإنماء أَو بِالتَّشْدِيدِ من التنمية لِأَن فعلهَا الإنماء والتنمية لَا النمو. وَأما النامي فَهُوَ الْجِسْم فإطلاق النامية على هَذِه الْقُوَّة بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى اللّغَوِيّ بِاعْتِبَار أَن محلهَا هُوَ النامي أَو لأَنهم راعوا شاكلة الغاذية. الْقُوَّة المولدة: هِيَ الْقُوَّة الَّتِي تَأْخُذ من الْجِسْم الَّذِي هِيَ فِيهِ جُزْءا وتجعله مَادَّة فِي الْجُمْلَة ومبدأ لمثله أَو لشخص من جنسه ليشتمل الْبَغْل فَإِنَّهُ يتَوَلَّد من الْحمار وَالْفرس. وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْجُمْلَة لِئَلَّا يردان مني وَاحِد مثلا لَا يكون مبدأ لمثله إِلَّا إِذا امتزج بآخر. إِن قلت: يلْزم أَن يكون للجماد قُوَّة مولدة إِذْ الدُّود يتكون من الطين لقُوَّة فِيهِ. وَلَا شكّ أَنه شخص من جنسه وَهُوَ الْجِسْم. قلت: المُرَاد بِجُزْء الْجِسْم مَا حصل من هضم الْغذَاء أَو المُرَاد من قَوْلنَا أَو شخص من جنسه اتحادهما فِي الْجِنْس الْقَرِيب والدود المتكون من الطين لَيْسَ كَذَلِك. وَاعْلَم أَنه ذهب بقراط واتباعه إِلَى أَن الْقُوَّة المولدة فِي كل الْبدن وَأَن الْمَنِيّ يخرج عَن جَمِيع الْأَعْضَاء فَيخرج عَن الْعظم مثله وَعَن اللَّحْم مثله وَهَكَذَا وعَلى هَذَا فالمني متخالف الْحَقِيقَة متشابه الامتزاج لِأَن الْحس لَا يُمَيّز بَين تِلْكَ الْأَجْزَاء وَعند أرسطو أَن تِلْكَ الْقُوَّة لَا تفارق الْأُنْثَيَيْنِ فَيكون الْمَنِيّ الْمُتَوَلد هُنَاكَ متشابه الْحَقِيقَة. الْقُوَّة المحركة: نَوْعَانِ باعثة وفاعلة واطلب كلا فِي مَوْضِعه فَلَا نطول الْكَلَام بِذكرِهِ. الْقُوَّة الباعثة وَالْقُوَّة الفاعلة: الأولى هِيَ الباعثة وَالثَّانيَِة هِيَ الفاعلة لَا غير وَقد مر ذكرهمَا فِيهِ. الْقُوَّة الْعَاقِلَة: قُوَّة روحانية غير حَالَة فِي الْجِسْم مستعملة للمفكرة وَتسَمى بِالنورِ الْقُدسِي والحدس من لوامع أنواره وَقيل هِيَ قُوَّة فِي الْإِنْسَان يدْرك بهَا الْأُمُور التصورية والتصديقة وَتسَمى تِلْكَ الْقُوَّة الْعقل النظري وَالْقُوَّة النظرية وللنفس الناطقة بِاعْتِبَار قوتها الْعَاقِلَة أَربع مَرَاتِب كَمَا مر فِي الْعقل الهيولاني وَالْقُوَّة الْعَاقِلَة تطلق على النَّفس الناطقة فَإِنَّهَا كَمَا تطلق على مبدأ التعقل للنَّفس تطلق على نَفسهَا. وَإِن أردْت دَلِيل تجرد النَّفس الناطقة عَن الْمَادَّة فَانْظُر فِي النَّفس الناطقة. الْقُوَّة الحافظة: فِي الحافظة كَمَا أَن. الْقُوَّة الوهمية: فِي الْوَهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْقُوَّة العاملة: قُوَّة فِي الْإِنْسَان تحرّك بدنه إِلَى الْأَفْعَال الْجُزْئِيَّة الْحَاصِلَة بالفكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 والروية أَو بالحدس وَتسَمى تِلْكَ الْقُوَّة الْعقل العملي وَالْقُوَّة العملية وَالْأَفْعَال الْجُزْئِيَّة كالسفر وَالنِّكَاح وَالْجِمَاع فَإِنَّهُ يفكر بِأَن السّفر موصل إِلَى الْمَقَاصِد الْعلية الدِّينِيَّة من حُصُول مُلَازمَة الْأَوْلِيَاء والفقراء والفضلاء وملاقات الأحباء وَالْحِفْظ عَن إِيذَاء الْأَعْدَاء وَالْكفَّار والفساق والفجار وَإِلَى المطالب الدنية الدُّنْيَوِيَّة من أَخذ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير والنهب وَقطع الطَّرِيق وَغير ذَلِك. ويفكر بِأَن النِّكَاح مفض إِلَى صَلَاح الْمعَاد والمعاش ثمَّ الْقُوَّة العاملة تحرّك بدنه إِلَى السّفر وَالنِّكَاح وَالْجِمَاع قيل النَّفس الْكَامِلَة فِي هَاتين القوتين أَعنِي الْعَاقِلَة والعاملة هِيَ المطمئنة. وَاعْلَم أَن للنَّفس بِاعْتِبَار الْقُوَّة العاملة أَيْضا أَربع مَرَاتِب: أولاها: تَهْذِيب الظَّاهِر بِاسْتِعْمَال الشَّرَائِع والنواميس الإلهية. وثانيتها: تَهْذِيب الْبَاطِن عَن الملكات الردية وَنقص آثَار شواغله عَن عَالم الْغَيْب. وثالثتها: مَا يحصل بعد الِاتِّصَال بعالم الْغَيْب وَهُوَ تخلي النَّفس عَن النقوش الخسيسة وتحليها بالصور القدسية. ورابعتها: مَا يتجلى لَهُ عقيب اكْتِسَاب ملكة الِاتِّصَال والانفصال عَن نَفسه بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مُلَاحظَة جلال الله تَعَالَى وجماله الْأَجَل الْأَكْمَل وَقصر النّظر على كَمَاله حَتَّى يرى كل قدرَة مضمحلة فِي جنب قدرته الْكَامِلَة وكل علم مُسْتَغْرقا فِي علومه الشاملة بل كل وجود وَكَمَال فائض من جنابه المتعال. الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة والنطقية والشهوانية والبهيمية والغضبية والسبعية: كل مِنْهَا فِي الْعَدَالَة. وَاعْلَم أَن قُوَّة النَّفس الإنسانية تسمى قُوَّة عقلية وَهِي بِاعْتِبَار إِدْرَاكهَا للكليات تسمى قُوَّة نظرية وَبِاعْتِبَار استنباطها للصناعات الفكرية من أدلتها بِالرَّأْيِ تسمى قُوَّة عملية. الْقَوْم: فِي الأَصْل مصدر قَامَ يقوم فوصف بِهِ أَي جعل وَصفا شَامِلًا للذكور وَالْإِنَاث لتحَقّق الْقيام بهما. ثمَّ غلب على الرِّجَال خَاصَّة لقيامهم بِأُمُور النِّسَاء ذكره فِي الْفَائِق وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا تَأْوِيل مَا يُقَال إِن قوما جمع قَائِم كَصَوْم جمع صَائِم وَإِلَّا فَفعل لَيْسَ من أبنية الْجمع هَكَذَا فِي التَّلْوِيح. الْقوس: قِطْعَة من مُحِيط الدائرة سَوَاء كَانَت تسعين جُزْءا أَو أقل أَو أَكثر فَإِن نقصت تِلْكَ الْقطعَة عَن تسعين جُزْءا من الْأَجْزَاء الَّتِي يكون بهَا الْمُحِيط ثَلَاث مائَة وَسِتِّينَ جُزْءا ففضل التسعين عَلَيْهَا يُسمى تَمام تِلْكَ الْقوس. قَوس الِارْتفَاع: هِيَ الْخط الْمُحِيط للربع الْمُجيب الْمَقْسُوم على (ص) أَي على تسعين دَرَجَة أقساما مُتَسَاوِيَة من أول الْقوس وَهُوَ الْجَانِب الَّذِي يكون فِي يمنيك إِلَى آخرهَا وَهُوَ الْجَانِب الَّذِي يكون فِي يسارك وَبِالْعَكْسِ أَي من آخر الْقوس إِلَى أَولهَا وَإِنَّمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 قسموا قَوس الرّبع الْمُجيب على تسعين لِأَن خطّ معدل النَّهَار مقسوم على ثَلَاث مائَة وَسِتِّينَ دَرَجَة فربعها تسعون. قَوس قزَح: بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة تركيب إضافي فكتابتها قَوس وقزح بِالْوَاو غلط. وَفِي بعض الْحَوَاشِي أَنه مركب كبعلبك. وَفِي كنز اللُّغَة قزَح اسْم جبل وَاسم إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة فَمَعْنَى قَوس قزَح قَوس يحدث من وَرَاء ذَلِك الْجَبَل أَو قَوس إِبْلِيس وَسبب حدوثها مَذْكُور فِي كتب الْحِكْمَة. ثمَّ اعْلَم أَن الْحُكَمَاء اخْتلفُوا فِي قَوس قزَح وأمثالها كالهالة هَل هِيَ خيالات أم لَا - فَذهب المشاؤون إِلَى أَنَّهَا خيالات وَالْآخرُونَ إِلَى أَنَّهَا مَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَمعنى الخيال هَا هُنَا هُوَ أَن ترى صُورَة الشَّيْء مَعَ صُورَة شَيْء مظهر لَهُ كالمرآة فتظن أَن الصُّورَة حَاصِلَة فِيهِ فِي نفس الْأَمر قيل إِذا لم تكن الصُّورَة حَاصِلَة فِيهِ فَكيف يتَصَوَّر رويتها فِيهِ إِذْ الروية لَا تتَعَلَّق إِلَّا بالحاصل. وَأجِيب بِأَن الصُّورَة وَإِن لم تكن فِي الْمظهر لَكِن الأشعة الْخَارِجَة عَن الْبَصَر تنعكس مِنْهُ وَلما كَانَت الروية بطرِيق الاسْتقَامَة لَا بطرِيق الانعكاس تظن أَن الصُّورَة حَاصِلَة فِيهِ. وَاعْلَم أَن مَا ذكره الْفَاضِل الْحسن الميبذي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح هِدَايَة الْحِكْمَة فِي بَيَان سَبَب حدوثها ثمَّ اعْترض عَلَيْهِ وَأجَاب عَنهُ مَوْقُوف على بَيَان عدَّة اصْطِلَاحَات وَبَعض مُقَدمَات. فَاعْلَم أَن دَائِرَة الْأُفق مَذْكُورَة فِي محلهَا وَأَن فِي الْأَجْزَاء الرشية بل فِي كل صَغِير جدا لَا يرى شكل الشَّمْس وَغَيرهَا بل ضوءها ولونها لِأَن الْجِسْم لَا يرى مُشكلا إِلَّا وَهُوَ بِحَيْثُ يقسمهُ الْحس فَكيف يرى شكلا مَا لَا يَنْقَسِم فِي الْحس وَلعدم إحاطة قَاعِدَة الشعاع المخروطي مِنْهُ سطحه فَإِن الْمرْآة إِذا صغرت جدا بِحَيْثُ لَا يُحِيط قَاعِدَة الشعاع المخروطي المنعكس مِنْهَا بسطح المرئي بل يبْقى من السَّطْح شَيْء من خَارج عَنْهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُؤدِّي شكل المرئي بل ضوءه ولونه فَقَط وَأَن معنى وُقُوع تِلْكَ الْأَجْزَاء على هَيْئَة الاستدارة كَونهَا بِحَيْثُ لَو أخرج من الشَّمْس خطّ مُسْتَقِيم إِلَى أحد من تِلْكَ الْأَجْزَاء وأدير على قطر الْأُفق الْمَار بدائرة ارْتِفَاع الشَّمْس مرت الدائرة المرتسمة من طرفه الْكَائِن عِنْد الْجُزْء الْمَذْكُور على جَمِيع تِلْكَ الْأَجْزَاء وكل من الْقطر ودائرة ارْتِفَاع الشَّمْس مَذْكُور فِي مَحَله وَأَنه إِذا وضع الضَّوْء من المضيء على جسم صقيل كَالْمَاءِ والمرآة لَا ينعكس ضوءه إِلَى كل جسم بل إِلَى الْجِسْم الَّذِي وَضعه من الصَّقِيل كوضع المضيء من الصَّقِيل كَمَا يرى انعكاس الضَّوْء من الشعاع النَّافِذ فِي الكوة الْوَاقِعَة على صقيل المَاء إِلَى الْجِدَار الْمُقَابل للكوة وَأَن زَاوِيَة الشعاع مَا يحدث على سطح المرئي من الْخط الشعاعي الْخَارِج من الْبَصَر الْوَاصِل على نقطة من سطحه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وزاوية الانعكاس مَا يحدث من الْخط الانعكاسي الْخَارِج من تِلْكَ النقطة إِلَى الشَّمْس مثله هَكَذَا. والزاوية الْوَاقِعَة على سطح الصَّقِيل بَين خطي الشعاع والانعكاس تسمى بالزاوية الأولى وَلَا بُد فِي انعكاس الضَّوْء من الشعاع النَّافِذ فِي الكوة مثلا الْوَاقِعَة صقيل المَاء إِلَى الْجِدَار الْمُقَابل للكوة من تَسَاوِي زاويتي الشعاع والانعكاس الحادثتين عَن جنبتي الزاوية الأولى على مَا يشْهد بِهِ الْحس فَإِذا لم تَجْتَمِع تِلْكَ الْأَجْزَاء الرشية على هَيْئَة الاستدارة لم ينعكس شُعَاع الْبَصَر مِنْهَا إِلَى الشَّمْس لعدم الْمُسَاوَاة الْمَذْكُورَة فَلَا يرى فِي الجو شَيْء غير مستدير على ألوان قَوس قزَح. وَاعْلَم أَن كَيْفيَّة صيرورة الشَّيْء مرئيا فِي الْمرْآة أَنه يخرج من الحدقة شُعَاع ممتد إِلَى الْمرْآة يُقَال لَهُ شُعَاع مخروطي بَصرِي وَيُقَال لطرفه الَّذِي فِي الحدقة رَأسه وَالَّذِي فِي الْمرْآة قَاعِدَته ثمَّ ينعكس هَذَا الشعاع من الْمرْآة إِلَى المرئي وَيُقَال لَهُ الْخط الشعاعي المخروطي المنعكس وطرفه الَّذِي فِي الْمرْآة رَأسه وَالَّذِي فِي المرئي قَاعِدَته فَيرى الرَّائِي صور الْأَشْيَاء فِي المرايا بِهَذَا الْوَجْه. القوامع: كل مَا يقمع الْإِنْسَان عَن مقتضيات الطَّبْع وَالنَّفس والهوى ويردعه عَنْهَا وَهِي الإمدادات الاسمائية والتأييدات الإلهية لأهل الْعِنَايَة فِي السّير إِلَى الله تَعَالَى. القَوْل: مَشْهُور وَقد يسْتَعْمل بِمَعْنى الْحمل إِذا عدي بعلى مثل الْقيام مقول على زيد أَي مَحْمُول عَلَيْهِ. وَفِي الِاصْطِلَاح الْمركب لفظا أَو معنى فَهُوَ إِمَّا لفظ مركب كَمَا فِي الْقَضِيَّة الملفوظة أَو معنى مركب عَقْلِي كَمَا فِي الْقَضِيَّة المعقولة وَهُوَ بِالْمَعْنَى الاصطلاحي اسْم جامد لَا يشتق مِنْهُ المشتقات وَلَا يتَعَلَّق بِهِ شَيْء من الظّرْف وَالْجَار وَالْمَجْرُور فَهُوَ لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد. فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي الْقيَاس. القَوْل بِمُوجب الْعلَّة من أَرْبَعَة وُجُوه دفع الْعِلَل الطردية عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 الْتِزَام مَا يلْزمه الْمُعَلل مَعَ بَقَاء الْخلاف أَي تَسْلِيم الدَّافِع دَلِيل الْمُعَلل وَحكم دَلِيله بِحَيْثُ لَا يرْتَفع الْخلاف من الْبَين بل يكون بَاقِيا على حَاله كَقَوْل الشَّافِعِيَّة فِي صَوْم رَمَضَان أَنه صَوْم فرض فَلَا يتَأَدَّى إِلَّا بِتَعْيِين النِّيَّة بِأَن يَقُول بِصَوْم غَد نَوَيْت لفرض رَمَضَان. فأوردوا الْعلَّة الطردية وَهِي الْفَرْضِيَّة للتعيين إِذْ أَيْنَمَا تُوجد الْفَرْضِيَّة يُوجد التَّعْيِين كَصَوْم الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة والصلوات الْخمس وَنحن ندفعه بِمُوجب علته. فَنَقُول سلمنَا أَن التَّعْيِين ضَرُورِيّ للْفَرض وَلَكِن التَّعْيِين نَوْعَانِ: تعْيين من جَانب العَبْد قصدا وَتَعْيِين من جَانب الشَّارِع وَإِنَّمَا جوزناه بِمُطلق النِّيَّة لِأَن هَذَا الْإِطْلَاق فِي حكم التَّعْيِين من جَانب الشَّارِع فَإِنَّهُ قَالَ إِذا انْسَلَخَ شعْبَان فَلَا صَوْم إِلَّا عَن رَمَضَان. فَإِن قَالَ الْخصم إِن التَّعْيِين القصدي هُوَ الْمُعْتَبر عندنَا كَمَا فِي الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة دون التَّعْيِين مُطلقًا. فَنَقُول لَا نسلم أَن التَّعْيِين القصدي مُعْتَبر وَلَا نسلم أَن عِلّة التَّعْيِين القصدي فِي الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة هُوَ مُجَرّد الْفَرْضِيَّة بل كَون وقته صَالحا لأنواع الصّيام بِخِلَاف رَمَضَان فَإِنَّهُ مُتَعَيّن كالمتوحد فِي الْمَكَان يتَعَيَّن بِالْخِطَابِ وَالْجَوَاب فَإِنَّهُ إِذا كَانَ فِي الدَّار زيد وَحده فَقَالَ آخر يَا إِنْسَان فَالْمُرَاد زيد لَا محَالة. القَوْل بِالْمُوجبِ: من المحسنات المعنوية البديعية أَي القَوْل بِثُبُوت عِلّة الحكم من غير التَّعَرُّض لَهُ لَا نفيا وَلَا إِثْبَاتًا وَهُوَ على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: أَن تقع صفة فِي كَلَام الْغَيْر كِنَايَة عَن شَيْء أثبت لذَلِك الشَّيْء حكم فَتثبت أَنْت فِي كلامك تِلْكَ الصّفة لغير ذَلِك الشَّيْء من غير تعرض لثُبُوت ذَلِك الحكم لذَلِك الْغَيْر أَو نَفْيه مثل قَوْله تَعَالَى: {يَقُولُونَ لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ} . فَإِن الْأَعَز صفة وَقعت فِي كَلَام الْمُنَافِقين كِنَايَة عَن فريقهم وَكَذَا الْأَذَل صفة وَقعت فِي كَلَامهم عبارَة عَن الْمُؤمنِينَ وأثبتوا لفريقهم حكما وَهُوَ إِخْرَاج الْمُؤمنِينَ عَن الْمَدِينَة فَجعلُوا صفة الْعِزَّة عِلّة لحكم هُوَ الْإِخْرَاج فَالله تَعَالَى رد عَلَيْهِم بِأَن أثبت صفة الْعِزَّة لغير فريقهم وَهُوَ الله وَرَسُوله والمؤمنون وَلم يتَعَرَّض لثُبُوت ذَلِك الحكم أَعنِي الْإِخْرَاج للموصوفين بِالْعِزَّةِ وَلَا لنفيه عَنْهُم فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ ردا عَلَيْهِم إِن الْعِزَّة الَّتِي هِيَ عِلّة الْإِخْرَاج عنْدكُمْ ثَابِتَة لغيركم فَتكون الذلة ثَابِتَة لكم فالمخرج بِالْكَسْرِ وبالفتح وَاضح عنْدكُمْ. وَثَانِيهمَا: حمل لفظ وَقع فِي كَلَام الْغَيْر على خلاف مُرَاده الَّذِي يحْتَملهُ ذَلِك اللَّفْظ وَلَا يحمل على خلاف مُرَاده إِلَّا بعد ذكر مُتَعَلق ذَلِك اللَّفْظ كَقَوْلِه: (ثقلت إِذا أتيت مرَارًا قَالَ ... ثقلت كاهلي بالأيادي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 فَلفظ ثقلت وَقع فِي كَلَام الْغَيْر بِمَعْنى حَملتك المونة وثقلتك بالإتيان مرّة بعد أُخْرَى وَقد حمله على تثقيل عَاتِقه بالأيادي والمنن وَالنعَم فَتَأمل. القواد: مُبَالغَة الْقَائِد وَهُوَ الَّذِي يجر النِّسَاء إِلَى الرِّجَال وَالرِّجَال إِلَى النِّسَاء. القَوْل الشَّارِح: هُوَ الْمَعْلُوم التصوري الْموصل إِلَى مَجْهُول تصوري وَيُسمى مُعَرفا بِالْكَسْرِ أَيْضا كَمَا أَن الْحجَّة هِيَ الْمَعْلُوم التصديقي الْموصل إِلَى مَجْهُول تصديقي وَيُسمى دَلِيلا أَيْضا وَوجه التَّسْمِيَة على الطَّالِب المفكر موجه. الْقود: الْقصاص. (بَاب الْقَاف مَعَ الْهَاء) القهقهة: مَا يكون مسموعا لَهُ ولجيرانه كَمَا مر فِي التبسم والضحك وقهقهة مصل بَالغ عمدا أَو نَاسِيا فِي صَلَاة ذَات رُكُوع وَسُجُود ناقضة للْوُضُوء على خلاف الْقيَاس لِأَنَّهَا لَيست بِنَجس حَتَّى يكون خُرُوجهَا ناقضا وَلِهَذَا لَا تكون حَدثا فِي صَلَاة الْجِنَازَة وَسجْدَة التِّلَاوَة وخارج الصَّلَاة وَلِهَذَا لَا يَقُول الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى بنقضها وَلنَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أَلا من ضحك مِنْكُم قهقهة فليعد الْوضُوء وَالصَّلَاة جَمِيعًا " وَهَذَا الحَدِيث ورد فِي صَلَاة ذَات رُكُوع وَسُجُود فَيقْتَصر عَلَيْهَا وَلَا يُقَاس غَيرهَا عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا بُد فِي الْقيَاس من مساعدة الْعقل وَالْقِيَاس وَفِي مثل هَذَا يقْتَصر على المورد. وَاعْلَم أَنه إِذا اغْتسل للجنابة ثمَّ شرع فِي الصَّلَاة ثمَّ ضحك قهقهة لَا ينْتَقض الْوضُوء على الْمُخْتَار وَلَكِن يفْسد الصَّلَاة لِأَنَّهُ أثبت الْوضُوء ضمنا لَا قصدا هَكَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان وَالْمُحِيط وَشرح مُخْتَصر الْوِقَايَة لأبي المكارم وَفِي الْمُضْمرَات أَنَّهَا تبطل على قَول. (بَاب الْقَاف مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة) القيراط: خمس شعيرات كَذَا فِي التَّبْيِين وَفِيه اخْتِلَاف سَيَجِيءُ فِي المثقال إِن شَاءَ الله المتعال. الْقَيْد تَحت النَّفْي: للتعميم والإدخال وَتَحْت الْإِثْبَات للتخصيص والإخراج اعْلَم أَن السِّرّ فِيهِ أَن النَّفْي إِذا كَانَ مُتَوَجها إِلَى الْمُقَيد يكون الْمُقَيد منفيا وَنفي الْمُقَيد يتَصَوَّر على وَجْهَيْن بِانْتِفَاء الْقَيْد والمقيد مَعًا وبانتفاء الْقَيْد دون الْمُقَيد بِخِلَاف الْقَيْد فِي الْإِثْبَات فَإِنَّهُ لَا احْتِمَال لَهُ سوى تَخْصِيص الْعَام وَتَقْيِيد الْمُطلق وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 الشريف الشريف قدس سره فِي شرح المواقف فِي تَعْرِيف الضدين فِي الْمَقْصد التَّاسِع من المرصد الرَّابِع من الْأُمُور الْعَامَّة وَهُوَ قيد للمنفي فحقه أَن يُفِيد تَعْمِيم الْحَد وَإِدْخَال شَيْء فِيهِ لَا تَخْصِيصه وَإِخْرَاج شَيْء عَنهُ انْتهى. وَأَنت تعلم أَنه يفهم من هَا هُنَا أَن الْقَيْد تَحت النَّفْي لَا يُوجب التَّعْمِيم والإدخال لِأَنَّهُ قد يكون لنفي الْقَيْد فَقَط وَلذَا قَالَ أهل الْبَيَان إِن كل كَلَام فِيهِ قيد يكون الْمَقْصُود بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات ذَلِك الْقَيْد وَلَعَلَّ الأول فِي الْمقَام البرهاني وَالثَّانِي فِي الْمقَام الْخطابِيّ. وَإِنَّمَا قُلْنَا يفهم من هُنَا إِلَى آخِره لِأَنَّهُ قدس سره قَالَ فحقه وَلم يقل فَالْوَاجِب أَن يُقيد الخ فَيُفِيد تَعْمِيم الْحَد الخ. وَقَالَ قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول فِي الْحَقِيقَة الْعَقْلِيَّة وَاعْلَم أَن القَوْل بِكَوْن الْقُيُود فِي الْإِثْبَات مخصصة إِنَّمَا يَصح إِذا كَانَ الْقَيْد أخص مِمَّا قيد بِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِر من الْقُيُود فِي سَائِر الْحُدُود مثل الْحَيَوَان النَّاطِق وَلَفظ وضع لِمَعْنى مُفْرد. وَأما إِذا كَانَ الْقَيْد أَعم كالإنسان الْمَاشِي أَو مُسَاوِيا كالحيوان الْمَاشِي كَانَ الْمُقَيد مُسَاوِيا للمطلق فِي الصدْق قطعا أما الأول فَظَاهر وَأما الثَّانِي فَلِأَن المُرَاد بالماشي فِي الْإِنْسَان الْمَاشِي هُوَ الْإِنْسَان الْمَاشِي لَا الْمَاشِي مُطلقًا فَلَا خَفَاء فِي كَون الْمُقَيد مُسَاوِيا للمطلق فِي الصدْق فِي الصُّورَتَيْنِ إِلَّا أَن التَّخْصِيص بِحَسب الْمَفْهُوم لَازم للتَّقْيِيد مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ الْقَيْد أَعم من الْمُقَيد أَو أخص فَإِن صُورَة التَّقْيِيد تفِيد التَّخْصِيص بِحَسب الْمَفْهُوم وَإِن كَانَ بَين الْقَيْد والمقيد مُسَاوَاة فِي الصدْق. أَلا ترى أَن بَين الْحَيَوَان قبل تَقْيِيده بالماشي وَبعد تَقْيِيده بِهِ فرقا ظَاهرا بِحَسب الْفَهم والملاحظة. وَقَالَ الْفَاضِل المدقق ملا مرزاجان رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن قلت: هَذَا اللُّزُوم غير مُسلم لِأَن الْإِنْسَان إِذا قيد بِالْحَيَوَانِ لم يكن الْمُقَيد أخص من الْقَيْد لَا بِحَسب الْوَاقِع وَلَا بِحَسب الْمَفْهُوم أما الأول فَظَاهر وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْعقل لم يجوز تحقق الْكل بِدُونِ الْجُزْء فِي بَادِي النّظر أَيْضا قلت: هَا هُنَا لَا تَقْيِيد حَقِيقَة إِذْ مَعْنَاهُ قريب من التَّخْصِيص أَو نقُول الْإِنْسَان الْمُقَيد بِالْحَيَوَانِ اعْتبر فِيهِ الْحَيَوَان مرّة وَاحِدَة وَالْعقل يجوز تحقق مَا اعْتبر فِيهِ الْحَيَوَان مرّة بِدُونِ مَا اعْتبر فِيهِ الْحَيَوَان مرَّتَيْنِ فَيكون الْمُطلق أَعم مفهوما من الْمُقَيد وَقس عَلَيْهِ نَظَائِره انْتهى. ثمَّ اعْلَم أَنه قد تكون الْقُيُود الْوَاقِعَة تَحت النَّفْي مفيدة لدُخُول مَا كَانَ خَارِجا عَن الْحَد بِدُونِهَا فَمن هُنَا يعْتَرض بِأَن زِيَادَة الْقُيُود على مَا فِي حيّز النَّفْي يُوجب تعميما وتناولا لما كَانَ خَارِجا بِدُونِ الْقَيْد لِأَن نفي الْأَخَص أَعم من نفي الْأَعَمّ. وَأما الْقُيُود فِي الْإِثْبَات فَيجب أَن تكون مخصصة فَكيف يتَصَوَّر أَن تكون الْقُيُود الْوَاقِعَة تَحت النَّفْي مُوجبَة لِأَن يدْخل فِي الْحَد مَا كَانَ خَارِجا عَنهُ بِدُونِهَا. فيجاب بِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَقْيِيد فِي الْحَقِيقَة بل تَغْيِير للعبارة السَّابِقَة عَن مَعْنَاهَا الْمُتَبَادر مِنْهَا إِلَى معنى آخر وَإِن كَانَت تتراءى قيود هُنَاكَ. فَإِن أردْت وضوح هَذَا الْمقَال فَعَلَيْك بمطالعة حَاشِيَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 السَّنَد السَّنَد قدس سره هُنَاكَ المعنونة بقوله هَذَا ليدْخل فِيهِ مَا يُطَابق الِاعْتِقَاد دون الْوَاقِع. وَقَالَ الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي صرح كثير من محققي أَئِمَّة الْمعَانِي أَن النَّفْي إِنَّمَا يتَوَجَّه إِلَى الْقَيْد إِذا صَحَّ كَون الْقَيْد قيدا فِي الْإِثْبَات أما إِذا لم يَصح فَلَا فَإِذا قلت زيد لَا يحب المَال محبته للفقر مثلا لم يكن النَّفْي مُتَوَجها إِلَى الْقَيْد كَمَا لَا يخفى - وعَلى هَذَا فَلَا احْتِيَاج إِلَى تَأْوِيل قَول من قَالَ لم أبلغ فِي اخْتِصَار لَفظه تَقْرِيبًا لتعاطيه بترك الْمُبَالغَة كَمَا وَقع فِي المطول وَغَيره تَأمل. الْقيَاس: فِي اللُّغَة التَّقْدِير يُقَال قست الأَرْض بالقصبة إِذا قدرتها بهَا والمساواة يُقَال قَاس النَّعْل بالنعل إِذا حاذاه فساواه. وتعديته بعلى بتضمين معنى الْبناء فَإِن انْتِقَال الصِّلَة للتضمين. وَعند المنطقين الْقيَاس قَول مؤلف من قضايا إِذا سلم يلْزم لذاته قَول آخر. اعْلَم أَن المُرَاد بالْقَوْل الأول الْمركب ملفوظا أَو معقولا وَالْقَوْل الثَّانِي مُخْتَصّ بالمعقول إِذْ لَا يجب تلفظ الْمَدْلُول من تلفظ الدَّلِيل وَلَا من تعقله والمؤلف لكَونه من الألفة أَعم من الْمركب بِعَدَمِ اعْتِبَار الألفة والمناسبة بَين أَجْزَائِهِ فَفِي ذكر الْمُؤلف بعد القَوْل إِشَارَة إِلَى أَن التَّأْلِيف مُعْتَبر فِي الْقيَاس دون التَّرْكِيب مُطلقًا وَإِن كَانَ جِنْسا لَهُ على أَنه لَو قيل الْقيَاس قَول من قضايا لما تعلق من قضايا بالْقَوْل لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الاصطلاحي اسْم جامد كَمَا مر فِي القَوْل فَلَا بُد من ذكر الْمُؤلف بعده ليَصِح التَّعَلُّق وَأَيْضًا لَو لم يذكر لتوهم أَن كلمة من للتَّبْعِيض فَلَا يكون تَعْرِيف الْقيَاس مَانِعا لصدقه على قَضِيَّة مستلزمة لعكسها المستوي وَعكس النقيض فَإِن قلت: إِن القَوْل لما كَانَ أَعم فَيكون تَعْرِيف الْقيَاس شَامِلًا للملفوظ والمعقول فالاستلزام مَمْنُوع فَإِن تلفظ الدَّلِيل لَا يسْتَلْزم بالمدلول أَي الْمَطْلُوب قُلْنَا إِذا أُرِيد بالْقَوْل الملفوظ فَالْمُرَاد بالاستلزام الاستلزام عِنْد الْعَالم بِالْوَضْعِ. فَمَعْنَى التَّعْرِيف الْمَذْكُور أَنه كلما تلفظ بِهِ الْعَالم بِالْوَضْعِ لزمَه الْعلم بمطلوب جزئي فالاستلزام لَيْسَ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بعض الْأَشْخَاص وَهُوَ لَا يضرنا إِذْ لَا ندعي الْكُلية. وَاعْلَم أَن الْقيَاس لَا يتألف إِلَّا من مقدمتين إِمَّا الْمُقدمَات فقياسات محصلة لقياس ينْتج الْمَطْلُوب - فَإِن صرح بنتائجها فموصولة النتائج وَإِلَّا فمفصولة النتائج. وَالْقِيَاس عِنْد الْأُصُولِيِّينَ مُسَاوَاة فرع الأَصْل فِي عِلّة حكمه. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ إِثْبَات مثل حكم مَعْلُوم فِي مَعْلُوم آخر لاشْتِرَاكهمَا فِي عِلّة الحكم عِنْد الْمُثبت وَهَذِه الْمُسَاوَاة أَو الْإِثْبَات الْمَذْكُور يُسمى عِنْد المنطقيين بالتمثيل الْمُعَرّف عِنْدهم بِأَنَّهُ مُشَاركَة جزئي لآخر فِي عِلّة الحكم لإِثْبَات حكم كلي. وَفِي التَّحْقِيق شرح الحسامي والمعول عَلَيْهِ أَي الْمُعْتَمد عَلَيْهِ فِي تَحْدِيد الْقيَاس مَا نقل عَن الشَّيْخ أبي مَنْصُور أَنه إبانة مثل حكم أحد الْمَذْكُورين بِمثل علته فِي الآخر. وَاخْتَارَ لفظ الْإِبَانَة أَي الْإِظْهَار دون الْإِثْبَات لِأَن الْقيَاس مظهر لَا مُثبت فَإِن الْمُثبت هُوَ الله تَعَالَى. وَذكر مثل الحكم وَمثل الْعلَّة احْتِرَازًا عَن لُزُوم القَوْل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 بانتقال الْأَوْصَاف فَإِنَّهُ لَو لم يذكر لفظ الْمثل للَزِمَ ذَلِك. وَذكر لفظ الْمَذْكُورين ليشْمل الْقيَاس بَين الْمَوْجُودين والمعدومين كقياس عديم الْعقل بِسَبَب الْجُنُون على عديم الْعقل بِسَبَب الصغر فِي سُقُوط خطاب الْإِدْرَاك عِنْده بِالْعَجزِ عَن فهم الْخطاب وَأَدَاء الْوَاجِب - وَحكم الْقيَاس تَعديَة حكم النَّص إِلَى مَا لَا نَص فِيهِ ليثبت مثل حكمه فِيمَا لَا نَص فِيهِ بغالب الرَّأْي على احْتِمَال الخطاء وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْقيَاس لَا يُفِيد الْقطع وَالْيَقِين. وَاعْلَم أَن الْقيَاس وَالتَّعْلِيل مُتَرَادِفَانِ عندنَا فَالْحكم بِأَن التَّعْدِيَة حكم لَازم للْقِيَاس حكم بِأَنَّهَا لَازِمَة للتَّعْلِيل وَبِالْعَكْسِ عندنَا لِأَنَّهُ لَا يجوز التَّعْلِيل بِدُونِ التَّعْدِيَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي يجوز التَّعْلِيل بِدُونِهَا فَإِن التَّعْلِيل بِالْعِلَّةِ القاصرة جَائِز عِنْده لَا عندنَا وَالتَّفْصِيل أَن الحكم فِي النَّص إِمَّا مَنْصُوص الْعلَّة أَو لَا وعَلى الأول لَا حَاجَة إِلَى التَّعْلِيل وعَلى الثَّانِي يُعلل لَكِن عندنَا لغَرَض إِثْبَات ذَلِك الحكم وتعديته إِلَى مَا لَا نَص فِيهِ لَا لإِثْبَات ذَلِك الحكم لِأَن النَّص مُثبت لَهُ فَلَا حَاجَة إِلَى إثْبَاته إِلَى أَمر آخر وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يجوز التَّعْلِيل لإِثْبَات الحكم نَفسه لَا للتعدية وَفَائِدَته أَن يصير الحكم أقرب إِلَى الْقبُول فالتعليل عِنْده قد يكون للتعدية كالقياس وَقد لَا يكون فالتعليل عِنْده عَام وَالْقِيَاس خَاص عَنهُ وَنَوع مِنْهُ فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي الْأُصُول الحسامي. الْقيَاس الاقتراني: مَا لَا يكون عين النتيجة وَلَا نقيضها مَذْكُورا فِيهِ بِالْفِعْلِ مثل الْعَالم متغير وكل متغير حَادث فالعالم حَادث. ثمَّ هُوَ على نَوْعَيْنِ: حملي وشرطي لِأَن مقدمتيه إِن كَانَتَا حمليتين مثل الْمِثَال الْمَذْكُور فاقتراني حملي - وَإِلَّا فاقتراني شرطي مثل إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود وَكلما كَانَ النَّهَار مَوْجُودا كَانَت الأَرْض مضيئة ينْتج كلما كَانَت الشَّمْس طالعة كَانَت الأَرْض مضيئة - وَالتَّفْصِيل أَن الْقيَاس بِحَسب الصُّورَة استثنائي إِن ذكر فِيهِ النتيجة أَو نقضيها. وَإِلَّا فاقتراني لعدم فصل مقدماته بأداة الِاسْتِثْنَاء بِخِلَاف الاستثنائي ثمَّ الاقتراني حملي إِن تألف من الحمليات الصرفة وَإِلَّا فشرطي وبحسب الْمَادَّة إِن أَفَادَ تخيلا فشعري. أَو تَصْدِيقًا ظنيا فخطابي. أَو يَقِينا فبرهاني أَو مَبْنِيا على اعْتِرَاف النَّاس أَو الْخصم فجدلي وَإِلَّا فسفسطي ومغالطة. الْقيَاس الاستثنائي: مَا يكون عين النتيجة أَو نقيضها مَذْكُورا فِيهِ بِالْفِعْلِ مثل إِن كَانَ هَذَا إنْسَانا كَانَ حَيَوَانا لكنه إِنْسَان ينْتج أَنه حَيَوَان أَو لكنه لَيْسَ بحيوان ينْتج أَنه لَيْسَ بِإِنْسَان. فَإِن قيل كلما كَانَ هَذَا إنْسَانا فَهُوَ ضَاحِك بِالْفِعْلِ لكنه لَيْسَ بضاحك بِالْفِعْلِ لَا يصدق فَلَيْسَ بِإِنْسَان قُلْنَا: إِن نقيض الْمُطلقَة الْعَامَّة الدائمة. قِيَاس الْمُسَاوَاة: كل قِيَاس يتركب من قضيتين بِحَيْثُ يكون مُتَعَلق مَحْمُول أولاهما مَوْضُوع الْأُخْرَى كَقَوْلِنَا: (أ) مسَاوٍ (لب) و (ب) مسَاوٍ (لج) وَيلْزم من هذَيْن الْقَوْلَيْنِ أَن (أ) مسَاوٍ (لج) لَكِن لَا لذاتيهما بل بِوَاسِطَة مُقَدّمَة أَجْنَبِيَّة وَهِي أَن كل مساوي الْمسَاوِي للشَّيْء مَا وَلذَلِك الشَّيْء وَحَيْثُ لَا تصدق الْمُقدمَة الْأَجْنَبِيَّة لَا يتَحَقَّق الاستلزام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 كَمَا فِي قَوْلك (أ) نصف (لب) و (ب) نصف (لج) فَلَا يصدق (أ) نصف (لج) لِأَن نصف النّصْف لَيْسَ بِنصفِهِ بل ربعه. وَلِهَذَا قِيَاس الْمُسَاوَاة خَارج عَن الْقيَاس الْمُعَرّف عِنْد المنطقيين بقول مؤلف من قضايا يلْزم لذاته قَول آخر. قِيَاس الْخلف: فِي الْخلف. الْقيَاس الْمركب: قِيَاس مركب من مُقَدمَات ينْتج مقدمتان مِنْهَا نتيجة وَهِي مَعَ الْمُقدمَة الْأُخْرَى نتيجة أُخْرَى وهلم جرا إِلَى أَن يحصل الْمَطْلُوب وَهُوَ على قسمَيْنِ لِأَنَّهُ إِن صرح بنتائج تِلْكَ القياسات فموصول النتائج لوصل تِلْكَ النتائج بالمقدمات وَإِن لم يُصَرح بِتِلْكَ النتائج بل فصلت عَن الْمُقدمَات وَتركت فِي الذّكر فمفصول النتائج والأمثلة فِي كتب الْمنطق. قِيَاس الطَّرْد: أَن يَجْعَل عكس الْمَقِيس عَلَيْهِ مقدم الشّرطِيَّة والمقيس تاليا للملازمة وَالْقِيَاس بَيَانا لَهَا مِمَّا يُقَال لَو كَانَ التَّذَكُّر يُولد لَكَانَ النظير يُولد بَيَانه أَن النّظر كالتذكر. قِيَاس الْعَكْس: مَا يثبت فِيهِ فِي الْفَرْع بنقيض حكم الأَصْل بنقيض علته كَقَوْل الأشعرية فِي خلق الْأَعْمَال لَو كَانَ العَبْد قَادِرًا على الإيجاد لَكَانَ قَادِرًا على الْإِعَادَة كالباري تَعَالَى وَلما لم يكن قَادِرًا على الْإِعَادَة اتِّفَاقًا لم يكن قَادِرًا على الإيجاد أَيْضا. وَإِن أردْت تَفْصِيل هذَيْن القياسين فَارْجِع إِلَى الْمَقْصد الْخَامِس من المرصد السَّادِس من الْموقف من شرح المواقف. القياسي: مَا يُمكن أَن يذكر فِيهِ ضابطة عِنْد وجود تِلْكَ الضابطة يُوجد هُوَ. الْقيمَة: مَا يدْخل تَحت تَقْوِيم مقوم من الدَّرَاهِم أَو الدَّنَانِير. الْقِيَامَة: بِالْفَارِسِيَّةِ (رستخيز) وخلاصة مَا فِي إحْيَاء الْعُلُوم أَن الْقِيَامَة قيامتان الْقِيَامَة الْكُبْرَى وَهُوَ يَوْم الْحَشْر وَالْقِيَامَة الصُّغْرَى وَهِي حَالَة الْمَوْت وَإِلَيْهِ أَشَارَ نَبِي آخر الزَّمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من مَاتَ فقد قَامَت قِيَامَته ". وَفِي هَذِه الْقِيَامَة يكون الْإِنْسَان وَحده وَعِنْدهَا يُقَال لَهُ لقد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة وَأما فِي الْقِيَامَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 الْكُبْرَى الجامعة لأصناف الْخَلَائق فَلَا يكون وَحده وأهوال الْقِيَامَة الصُّغْرَى تحاكي وتماثل أهوال الْقِيَامَة الْكُبْرَى. إِلَّا أَن أهوال الصُّغْرَى تخصك وَحدك وأهوال الْكُبْرَى تعم الْخَلَائق أَجْمَعِينَ. وَقد تعلم أَنَّك أَرض مَخْلُوق من التُّرَاب وحظك الْخَالِص من التُّرَاب بدنك خَاصَّة وَأما بدن غَيْرك فَلَيْسَ حظك وَالَّذِي يخصك من زَلْزَلَة الأَرْض زَلْزَلَة بدنك فَقَط الَّذِي هُوَ أَرْضك فَإِن انْهَدَمت بِالْمَوْتِ أَرْكَان بدنك فقد زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا. وَلما كَانَت عظامك جبال أَرْضك ورأسك سَمَاء أَرْضك وقلبك شمس أَرْضك وسمعك وبصرك وَسَائِر حواسك نُجُوم سمائك والعرق بَحر أَرْضك فَإِذا رمت الْعِظَام فقد نسفت الْجبَال نفسا. وَإِذا أظلم قَلْبك عِنْد الْمَوْت فقد كورت الشَّمْس تكويرا. وَإِذا بَطل سَمعك وبصرك وَسَائِر حواسك فقد انكدرت النُّجُوم انكدارا فَإِذا انْشَقَّ دماغك فقد انشقت السَّمَاء انشقاقا فَإِذا انفجر من هول الْمَوْت عرق جبينك فقد فجرت الْبحار تفجيرا فَإِذا الْتفت أحد ساقيك بِالْأُخْرَى وهما مطياتك فقد عطلت العشار تعطيلا فَإِذا فَارق الرّوح الْجَسَد فقد أَلْقَت الأَرْض مَا فِيهَا وتخلت. وَاعْلَم أَن أهوال الْقِيَامَة الْكُبْرَى أعظم بِكَثِير من أهوال هَذِه الصُّغْرَى وَهَذِه الْأَمْثِلَة لأهوال تِلْكَ فَإِذا قَامَت عَلَيْك هَذِه بموتك فقد جرى عَلَيْك مَا كَأَنَّهُ جرى على كل الْخَلَائق فَهِيَ أنموذج للقيامة الْكُبْرَى. فَإِن حواسك إِذا عطلت فَكَأَنَّمَا الْكَوَاكِب انتثرت إِذْ الْأَعْمَى يَسْتَوِي عِنْده اللَّيْل وَالنَّهَار وَمن انْشَقَّ رَأسه فقد انشقت السَّمَاء فِي حَقه إِذْ من لَا رَأس لَهُ لَا سَمَاء لَهُ. وَنسبَة الْقِيَامَة الصُّغْرَى إِلَى الْقِيَامَة الْكُبْرَى كنسبة الْولادَة الصُّغْرَى وَهِي الْخُرُوج من الصلب والترائب إِلَى فضاء الرَّحِم إِلَى الْولادَة الْكُبْرَى وَهِي الْخُرُوج من الرَّحِم إِلَى فضاء الدُّنْيَا وَنسبَة سَعَة عَالم الْآخِرَة الَّذِي تقدم عَلَيْهِ العَبْد بِالْمَوْتِ إِلَى فضاء الدُّنْيَا كنسبة فضاء الدُّنْيَا إِلَى الرَّحِم بل أوسع وَأعظم بِمَا لَا يُحْصى. قيام الشَّيْء بِذَاتِهِ وَقيام الشَّيْء بِغَيْرِهِ: فِي الْأَعْيَان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 ( [حرف الْكَاف] ) (بَاب الْكَاف مَعَ الْألف) الْكَافِر: من الْكفْر وَهُوَ السّتْر وَالْكَافِر لما ستر الْحق سمي بِهِ وَهُوَ ضد الْمُؤمن. فِي خزانَة المفتيين الْكَافِر إِذا أقرّ بِخِلَاف مَا اعتقده حكم بِإِسْلَامِهِ فَمن يُنكر الوحدانية كالثنوي وَعَبدَة الْأَوْثَان وَالْمُشْرِكين إِذا قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أَو قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أَو قَالَ أسلمت أَو آمَنت بِاللَّه وَأَنا على دين الْإِسْلَام أَو على الحنيفية فَهَذَا كُله إِسْلَام. وَفِي الْمُحِيط الْكفَّار على نَوْعَيْنِ مِنْهُم من يجْحَد الْبَارِي عز شَأْنه. وَمِنْهُم من يقربهُ إِلَّا أَنه يُنكر وحدانيته تَعَالَى كعبدة الْأَوْثَان فَمن أنكر إِذا أقرّ بِهِ يحكم بِإِسْلَامِهِ وَمن أقرّ بوحدانيته تَعَالَى وَجحد رِسَالَة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أقرّ برسالته يحكم بِإِسْلَامِهِ. وَفِي فَتَاوَى قاضيخان الوثني الَّذِي لَا يقر بوحدانية الله تَعَالَى إِذا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يصير مُسلما حَتَّى لَو رَجَعَ عَن ذَلِك يقتل وَلَو قَالَ الله لَا يصير مُسلما وَلَو قَالَ أَنا مُسلم يصير مُسلما وَمذهب أَصْحَاب الشَّرْع الظَّاهِر أَن الْكفَّار مخلدون فِي النَّار. وَقَالَ قدوة الْمُحَقِّقين الشَّيْخ محيي الدّين بن الْعَرَبِيّ رَحمَه الله فِي فص يونسي أما أهل النَّار فمآلهم إِلَى النَّعيم لَكِن فِي النَّار إِذْ لَا بُد لصورة النَّار بعد انْتِهَاء مُدَّة الْعقَاب أَن يكون بردا وَسلَامًا على من فِيهَا وَهَذَا هُوَ النَّعيم وَهُوَ رَحمَه الله يزْعم أَنه لم يرد نَص بخلود عَذَابهمْ بل بخلودهم فِي النَّار. وَقَالَ القيصري فِي شرح فصوص الحكم اعْلَم أَن من اكتحلت عينه بِنور الْحق يعلم أَن الْعَالم بأسره عباد الله وَلَيْسَ لَهُم وجود وَصفَة وَفعل إِلَّا بِاللَّه وَحَوله وقوته وَكلهمْ محتاجون إِلَى رَحمته وَهُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم وَمن شَأْن من هُوَ مَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات أَن لَا يعذب أحدا عذَابا أبديا وَلَيْسَ ذَلِك الْمُقدر من الْعَذَاب إِلَّا لأجل إيصالهم إِلَى كمالاتهم الْمقدرَة كَمَا يذاب الذَّهَب وَالْفِضَّة بالنَّار لأجل الْخَلَاص مِمَّا يكدرهما وَينْقص عيارهما وَهُوَ يتَضَمَّن أَمن اللطف وَالرَّحْمَة كَمَا قيل. (وتعذيبكم عذب وسخطكم رضى ... وقطعكم وصل وجوركم عدل) وَقَالَ رَحمَه الله فِي فص اسمعيلي الثَّنَاء بِصدق الْوَعْد والحضرة الإلهية يطْلب الثَّنَاء الْمَحْمُود بِالذَّاتِ فيثني عَلَيْهَا بِصدق الْوَعْد لَا يصدق الْوَعيد بل بالتجاوز فَلَا تحسبن الله مخلف وعده رسله. وَلم يقل ووعيده بل قَالَ ويتجاوز عَن سيئاتهم مَعَ أَنه يوعد على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 ذَلِك. ويلائم هَذَا الْكَلَام. حَدِيث شَفِيع الْأَنَام. عَلَيْهِ وعَلى آله الصَّلَاة وَالسَّلَام. سَيَأْتِي على جَهَنَّم زمَان ينْبت فِي قعرها الجرجير. كائنات الجو: مَا يحدث من العناصر بِلَا مزاج والجو فِي الجو. كَانَ: بتَخْفِيف النُّون الْمَفْتُوحَة تكون نَاقِصَة تَارَة فَتكون محتاجة إِلَى الْغَيْر وتامة أُخْرَى فَلَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَتَكون بِمَعْنى ثَبت وَوجد يَعْنِي يكون حِينَئِذٍ حَاصِل مَعْنَاهُ ثَبت وَوجد فَلَا يردان كَون كَانَ بِمَعْنى ثَبت مُسلم. وَأما كَونه بِمَعْنى وجد فَمَمْنُوع لِأَنَّهُ مَعْرُوف وَوجد مَجْهُول وَبَينهمَا مباينة فَلَا يَصح أَن يُفَسر أَحدهمَا بِالْآخرِ وَكَانَ ممتاز عَن سَائِر الْأَفْعَال لِأَن دلَالَته على الزَّمَان الْمَاضِي لَا تنفك عَنهُ أبدا لقُوَّة دلَالَته على الْمُضِيّ - أَلا ترى أَن كثيرا من النُّحَاة ذكرُوا أَنه إِذا أُرِيد إبْقَاء معنى الْمَاضِي مَعَ أَن جعل الشَّرْط لفظ كَانَ نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كَانَ قَمِيصه قد من قبل} . فَإِن قيل مَا وَجه قُوَّة دلَالَته على الْمُضِيّ وَعدم انفكاكه عَنهُ. قُلْنَا سَائِر الْأَفْعَال تدل على الْحَدث وَالزَّمَان وَالنِّسْبَة إِلَى فَاعل مَا كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فبضاعة الْأَفْعَال مَجْمُوع هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة. وَلما كَانَ الْحَدث الْمُطلق الَّذِي هُوَ مَدْلُول كَانَ يُسْتَفَاد من خَبره صَار الْحَدث الْمَذْكُور مسلوبا عَنهُ فَكَانَت النِّسْبَة إِلَى فَاعل مَا أَيْضا مسلوبة عَنهُ فتمحض وتلخص للزمان الْمَاضِي فَلم يجوزوا عِنْد حرف الشَّرْط سلب الزَّمَان الْمَاضِي عَنهُ الَّذِي بَقِي من بضاعته تَحَرُّزًا عَن الظُّلم والجور وترحما على ذلة حَاله وَقلة مَاله فَلَا يَنْفَكّ دلَالَته على الزَّمَان الْمَاضِي. حُكيَ أَن رجلا أرسل خادمه إِلَى رجلَيْنِ أعورين استخبارا عَن حَالهمَا فَأخْبر عَنْهُمَا بِأَنَّهُ قَالَ كَانَا يأكلان الطَّعَام وَلَا يخفى لطفه على الْهِنْدِيّ. وَاعْلَم أَن رجلا كَانَ فِي الْهِنْد اسْمه كَانَ وَله أَسمَاء شَتَّى عِنْد البراهمة كالكشن وَغير ذَلِك وولادته فِي متهراونشوه ونماؤه فِي (كوكل) وكل مِنْهُمَا اسْم معمورة فِي الْهِنْد بَينهمَا وَبَين الدهلي مَسَافَة أَرْبَعِينَ فرسخا. قيل إِنَّه كَانَ صَاحب الاستدراج وَالْكفَّار يعتقدونه ويذكرون لَهُ خوارق الْعَادَات وَكَانَ أسود اللَّوْن سوادا شَدِيدا. قيل إِنَّه كَانَ نَبيا وتمسكوا فِي ذَلِك بِمَا فِي تَفْسِير المدارك فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {مِنْهُم من قَصَصنَا عَلَيْك وَمِنْهُم من لم نَقْصُصْ عَلَيْك} . وَعَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بعث الله نَبيا أسود فَهُوَ لم يذكر قصَّته فِي الْقُرْآن. أَقُول لَا نَص فِيهِ على أَن ذَلِك الْأسود هُوَ كَانَ الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون غير كَانَ المسطور. وَسمعت عَن من لَا وثوق عَلَيْهِ إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لَو كَانَ نَبيا فِي الْهِنْد لَكَانَ أسود. فعلى تَقْدِير صِحَّته وَكَون المُرَاد بالأسود هُوَ كَانَ يعلم إِن كَانَ لم يكن نَبيا بل إيمَانه مَشْكُوك بل مَرْجُوح. قيل: سُئِلَ عَن إيمَانه عَن مَعْدن اللطائف الأنسية - مخزن المعارف القدسية أَمِير خسرو الدهلوي رَحْمَة الله عَلَيْهِ وعَلى مرشده سُلْطَان الْمَشَايِخ نظام الْملَّة وَالدّين الدهلوي البداوني فَأجَاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 (رنكك درونش شده بيرون نشين ... كفت خدا كَانَ من الْكَافرين) وَلِهَذَا الْكَلَام عِنْد ذَوي الإفهام معَان وَلكُل وجهة هُوَ موليها لَا نتعرض بذكرها خوفًا عَن الإطناب وَهُوَ ملهم الصدْق وَالصَّوَاب. الكاهن: هُوَ الَّذِي يخبر عَن الكوائن فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان وَيَدعِي معرفَة الْأَسْرَار والاطلاع على المغيبات سَوَاء كَانَ بِلَا وَاسِطَة أَو بِوَاسِطَة القاء الْجِنّ. الكاملية: أَصْحَاب أبي كَامِل يكفر الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بترك بيعَة عَليّ وَيكفر عليا كرم الله وَجهه بترك طلب الْحق. الْكَاتِب: من يكْتب ويخط الْخط وشاع اسْتِعْمَال الْكِتَابَة فِي عرف البلغاء فِي تأليف كَلَام منثور حسن فالكاتب عِنْدهم من يؤلف كلَاما منثورا حسنا وَهُوَ المنشئ فِي عرفنَا يُقَال كَاتب فصيح أَي منشئ فصيح. كَأَن: بِالتَّشْدِيدِ من الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ وَقد يَجِيء للشَّكّ فِي الحكم كَمَا فِي قَول الامرأة الخارجية ترثي أخاها كَمَا مر فِي تجاهل الْعَارِف وَهُوَ سوق الْمَعْلُوم فِي سِيَاق الْمَجْهُول وَقد يسْتَعْمل للتحقيق لَا للظن والتشبيه كَمَا فِي (مُغنِي اللبيب) وَمن هَذَا الْقَبِيل كَانَ فِي قَول الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي جلال الْعلمَاء الدواني رَحمَه الله تَعَالَى على (تَهْذِيب الْمنطق) حَيْثُ قَالَ وَكَأن معنى الْأَخيرينِ بِعَيْنِه معنى الْأَوَّلين كَمَا حققناه فِي الْحَوَاشِي على تِلْكَ الْحَوَاشِي. (بَاب الْكَاف مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الْكَبِيرَة: مَا كَانَ حَرَامًا مَحْضا شرع عَلَيْهَا عُقُوبَة بِنَصّ قَاطع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَفِي تعدادها اخْتِلَاف فَإِنَّهُ روى عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهَا تسع الشّرك بِاللَّه - وَقتل النَّفس بِغَيْر حق - وَقذف المحصنة - وَالزِّنَا - والفرار من الزَّحْف - وَالسحر - وَأكل مَال الْيَتِيم - وعقوق الْوَالِدين الْمُسلمين - والإلحاد فِي الْحرم -. وَزَاد أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أكل الرِّبَا - وَزَاد أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه السّرقَة - وَشرب الْخمر - وَلَيْسَ المُرَاد بالشرك القَوْل بالإلهين بل المُرَاد بِهِ الْكفْر مُطلقًا سَوَاء كَانَ بإنكار الألوهية أَو النُّبُوَّة أَو شَيْء من أَحْكَامهَا وَإِنَّمَا خص بِالذكر لِكَثْرَة وجوده فِي بِلَاد الْعَرَب أَو لكَونه أَعلَى أَفْرَاد الْكفْر. قيل المُرَاد بِالسحرِ الْعَمَل بِهِ. وَأما التَّعْلِيم والتعلم فجوزه بَعضهم وَمنعه بَعضهم. وَالْحق أَن المُرَاد بِهِ التَّعْلِيم والتعلم وهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 حرامان لَا الْعَمَل بِهِ فَإِنَّهُ كفر بالِاتِّفَاقِ وَحِينَئِذٍ ينْدَفع الِاعْتِرَاض بِأَن انحصار الْكَبِيرَة فِي التسع بَاطِل لِأَن المُرَاد بالشرك أما مُطلق الْكفْر فالسحر دَاخل فِيهِ فَتكون ثَمَانِي لَا تسعا وَإِلَّا فَتبقى أَنْوَاع الْكفْر سوى اعْتِقَاد الشَّرِيك فِي وجوب الْوُجُود كاتخاذ الْوَلَد وإنكار النُّبُوَّة وَإِثْبَات الحيز والجهة لله تَعَالَى خَارِجَة عَن الْكَبِيرَة فَافْهَم. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْكَرِيم رَحمَه الله تَعَالَى وَيُؤَيّد مَا ذكرنَا يَعْنِي أَن المُرَاد بِالسحرِ هَا هُنَا تعلمه وتعليمه مَا وَقع فِي رِوَايَة أبي طَالب الْمَكِّيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَن الْكَبِيرَة سَبْعَة عشر وَبَينهَا إِلَى أَن قَالَ أَرْبَعَة فِي اللِّسَان هِيَ شَهَادَة الزُّور - وَقذف المحصنة - وَالْيَمِين الْغمُوس - وَالسحر - حَيْثُ جعل السحر من الْكَبِيرَة الَّتِي فِي اللِّسَان وَمَا فِي اللِّسَان إِلَّا تَعْلِيمه وتعلمه انْتهى. وَلَا يخفى أَن هَذَا إِنَّمَا يتم إِذا كَانَ الْعَمَل بِالسحرِ فِي غير اللِّسَان وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَا بُد فِي الْعَمَل بِهِ من القَوْل بِاللِّسَانِ كأسامي الشَّيَاطِين وَغَيرهَا. وَقيل إِن الصَّغِيرَة والكبيرة اسمان إضافيان حَتَّى أَن كل سَيِّئَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فَوْقهَا صَغِيرَة وبالنسبة إِلَى مَا دونهَا كَبِيرَة. وَالْحق أَن الْكَبَائِر مُمَيزَة عَن الصَّغَائِر بِالذَّاتِ كَمَا يدل عَلَيْهِ ظَاهر قَوْله تَعَالَى {وَأَن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر حِين كَونهمَا إضافيين اجْتِنَاب الْكَبَائِر إِلَّا بترك جَمِيع المنهيات سوى وَاحِدَة هِيَ دون الْكل وَهَذَا خَارج عَن طوق الْبشر. ف (92) : الْكبر: بِالضَّمِّ وَسُكُون الثَّانِي وَقع فِي الحَدِيث الشريف وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " الْوَلَاء للكبر ". وَالْمرَاد بِهِ الْقرب أَي يقدم فِي اسْتِحْقَاق الْوَلَاء أقرب بني الْمُعْتق يَوْم مَوته حَتَّى أَن مَاتَ الْمُعْتق عَن ابْن وَابْن ابْن آخر كَانَ الْوَلَاء لِابْنِهِ لِأَنَّهُ أقرب. وَالْكبر بِالْكَسْرِ الرّفْعَة والشرف وَالْعَظَمَة وَمِنْه الْكِبْرِيَاء وَللَّه در الشَّاعِر: (مرا مسوز كه نازت ز كبريا افتد ... جو خس تَمام شود شعله هم زبا افتد) (بَاب الْكَاف مَعَ التَّاء الْفَوْقِيَّة) الْكِتَابَة: فِي اللُّغَة لمعان مِنْهَا بِالْفَارِسِيَّةِ نوشتن. وَفِي الشَّرْع تَحْرِير الْمَمْلُوك يدا وتصرفا فِي الْحَال ورقبة فِي المَال عِنْد أَدَاء المَال. وَإِنَّمَا سمي هَذَا العقد بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا بِمَعْنى الْجمع. وَفِي الْمُكَاتبَة ضم حريَّة الْيَد إِلَى حريَّة الرّقية أَو لِأَن فِيهِ جمعا بَين نجمين فَصَاعِدا أَو لِأَن كل وَاحِد من الْعَاقِدين أَي الْمولى والمملوك يكْتب الْوَثِيقَة عَادَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وَهُوَ أظهر كَذَا فِي التَّبْيِين وَالْفرق بَين الْمكَاتب وَالْمُعتق على المَال مَوْجُود لفظا وَمعنى. أما لفظا فلاشتراط لفظ الْكِتَابَة أَو مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ دون الْمُعْتق. وَأما معنى فلَان الْمكَاتب بِالْعَجزِ يعود رَقِيقا دون الْمُعْتق على مَال وَإِن اشْتَركَا فِي كَونهمَا عاقدين لاحتياجهما إِلَى الْإِيجَاب وَالْقَبُول. الْكِتَابِيّ: فِي الْمُنَافِق. الْكتاب الْمُبين: اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَهُوَ المُرَاد بقوله تَعَالَى: {لَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين} . الْكتاب: مصدر وَكثير إِمَّا يُرَاد بِهِ الْمَكْتُوب وَالْكتاب الْمُؤلف. إِمَّا عبارَة عَن الْأَلْفَاظ الْمعينَة الدَّالَّة على الْمعَانِي الْمَخْصُوصَة وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر. وَإِمَّا عَن النقوش الدَّالَّة على تِلْكَ الْمعَانِي بتوسط تِلْكَ الْأَلْفَاظ. وَإِمَّا عَن الْمعَانِي الْمَخْصُوصَة لَكِن لَا مُطلقًا بل من حَيْثُ إِنَّهَا مدلولة لتِلْك الْأَلْفَاظ والنقوش. وَإِمَّا عَن الْمركب عَن الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة أَو عَن الِاثْنَيْنِ مِنْهَا. وَإِذا كَانَ الْكتاب عبارَة عَن أَمر من هَذِه الْأُمُور يكون كل جُزْء مِنْهُ كالمقدمة والأقسام والأبواب والفصول عبارَة عَن ذَلِك الْأَمر بديهية. وَعَلِيهِ مدَار اندفاع الِاعْتِرَاض باتحاد الظّرْف والمظروف فِي قَوْلهم الْمُقدمَة فِي حد الْعلم أَي رسمه. وَالْغَرَض مِنْهُ وموضوعه. فَإِن الْمَعْنى أَن هَذِه الْأَلْفَاظ أَو النقوش أَو مجموعهما فِي بَيَان تِلْكَ الْمعَانِي وَقس على هَذَا قَوْلهم الْكتاب الْفُلَانِيّ فِي علم كَذَا وَالْقسم الأول مِنْهُ فِي كَذَا وأبوابه فِي كَذَا هَذَا إِذا كَانَ الْكتاب عبارَة عَن الْأَلْفَاظ أَو النقوش أَو مجموعهما. وَأما إِذا كَانَ عبارَة عَن تِلْكَ الْمعَانِي فقد يُوَجه قَوْلهم الْمُقدمَة فِي كَذَا أَن مَفْهُوم الْمُقدمَة مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الشُّرُوع فِي الْعلم على بَصِيرَة وَهَذَا مَفْهُوم كلي منحصر فِيمَا يذكر فِيهَا من الْأُمُور الثَّلَاثَة أَو الْأَرْبَعَة إِذا ضم إِلَيْهَا مبَاحث الْأَلْفَاظ فَكَأَنَّهُ قيل هَذَا الْكُلِّي منحصر فِي هَذَا الجزئي وَهَكَذَا مَفْهُوم الْقسم الأول أَو الْبَاب الأول أَو الْفَصْل الأول مثلا كلي منحصر فِيمَا ذكر فِيهِ. وَلَهُم توجيهات أخر كَمَا ذكرهَا السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول. (بَاب الْكَاف مَعَ الثَّاء الْمُثَلَّثَة) الْكَثْرَة: فِي الْوحدَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 (بَاب الْكَاف مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة) الْكحل: بِالضَّمِّ المَال الْكثير والإثمد. وكل مَا يوضع فِي الْعين للشفاء والجلاء. ف (93) : (بَاب الْكَاف مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الكدم: العض بِمقدم الْأَسْنَان وَضرب الشَّيْء بجسده أَي بِنَفسِهِ. (بَاب الْكَاف مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة) الْكَذِب: يعلم من الصدْق. كذب الْخَبَر: عدم مطابقته للْوَاقِع أَي الْإِخْبَار لَا على مَا عَلَيْهِ الْمخبر عَنهُ فِي نفس الْأَمر. (بَاب الْكَاف مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الْكَرِيم: صَاحب الْكَرم وَاسم من أَسمَاء الله تَعَالَى وَمن أَسمَاء النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيْضا وَهُوَ من يُوصل النَّفْع بِلَا عوض. فالكرم هُوَ إِفَادَة مَا يَنْبَغِي لَا لغَرَض فَمن يهب المَال لعوض جلبا للنفع أَو خلاصا من الذَّم فَلَيْسَ بكريم. قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه النَّاس خَمْسَة أَقسَام - مِنْهُم الكرماء - وَمِنْهُم الأسخياء - وَمِنْهُم البخلاء - وَمِنْهُم اللؤماء - وَمِنْهُم الأشقياء - فَأَما الْكَرِيم فَلَا يَأْكُل وَيُعْطِي - والسخي يَأْكُل وَيُعْطِي - والبخيل يَأْكُل وَلَا يُعْطي - واللئيم لَا يَأْكُل وَلَا يُعْطي - والشقي لَا يَأْكُل وَلَا يُعْطي وَيمْنَع. الْكَرَامَة: فِي الخارق للْعَادَة. الكرة: جسم يُحِيط بِهِ سطح مستدير يُمكن أَن يفْرض فِي دَاخله نقطة يكون جَمِيع الخطوط المستقيمة الْخَارِجَة مِنْهَا إِلَيْهِ مُتَسَاوِيَة وَتلك النقطة مركزها. الْكر: بِالضَّمِّ وَتَشْديد الرَّاء اثْنَا عشر وسْقا - والوسق سِتُّونَ صَاعا - والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد - وَالْمدّ رَطْل وَثلث رَطْل - وَهَذَا صَاع حجازي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. وَأما الصَّاع عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فعراقي وَهُوَ ثَمَانِيَة أَرْطَال. الكراثي: لون مركب من الْحمرَة والسواد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 الْكَرَاهِيَة: مصدر كرهت الشَّيْء كَرَاهَة وكراهية فَهُوَ مَكْرُوه إِذا لم يردهُ وَلم يرضه. وَفِي حل الرموز وَهِي فِي الأَصْل منسوبة إِلَى الكره بِالضَّمِّ فَغير وَعوض الْألف عَن أحد اليائين وَاسْتعْمل كالكراهة مصدر كره الشَّيْء بِالْكَسْرِ أَي لم يردهُ فَهُوَ كَارِه وَشَيْء كره كنصر وخجل وكريه أَي مَكْرُوه كَمَا فِي الْقَامُوس وَغَيره. وَشرعا مَا كَانَ تَركه أولى وَهُوَ على نَوْعَيْنِ كَرَاهَة تَحْرِيم وَكَرَاهَة تَنْزِيه - (ثمَّ الْمَكْرُوه كَرَاهَة التَّحْرِيم) حرَام عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يَعْنِي اعْتقد أَنه كالحرام فِي الْعقُوبَة بالنَّار وَنَصّ أَن كل مَكْرُوه حرَام أَي كالحرام وَحكمه حكم الْحَرَام وَلَكِن لم يُطلق مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لفظ الْحَرَام على الْمَكْرُوه لعدم وجدان الدَّلِيل الْقَاطِع على حرمته فَإِن الْحَرَام مَا منع عَنهُ بِدَلِيل قَطْعِيّ وَتَركه فرض كشرب الْخمر - وَالْمَكْرُوه كَرَاهَة التَّحْرِيم مَا منع عَنهُ بِدَلِيل ظَنِّي وَتَركه وَاجِب كَأَكْل الضَّب واللعب بالشطرنج كَمَا فِي الْكَشْف - والبدعة مرادفة للمكروه عِنْد مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى كَمَا فِي العمان وَعند الشَّيْخَيْنِ أَي أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى الْمَكْرُوه الْمَذْكُور أقرب إِلَى الْحَرَام من الْحَلَال فالمكروه عِنْدهمَا مَا لم يمْنَع عَنهُ عُقُوبَة فَاعله وَهُوَ الْمُخْتَار كَمَا فِي الْخُلَاصَة والمضمرات والكبرى والتجنيس وَغَيرهَا وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي الْجَوَاهِر - وَالْأَصْل فِي الْفرق بَين الكراهتين أَنه إِن كَانَ الأَصْل فِيهِ حُرْمَة أسقطت لعُمُوم الْبلوى فتنزيه وَإِلَّا فتحريم كسور الْهِرَّة وَلحم الْحمار وَإِن كَانَ إِبَاحَة غلب على الظَّن وجود الْمحرم فتحريم وَإِلَّا فتنزيه كسور الْبَقَرَة الْجَلالَة وسور سِبَاع الطير كَمَا فِي الْجَوَاهِر. الْأكل من الْحَلَال: على وُجُوه. أكل فرض إِن دفع بِهِ هَلَاكه فيؤجر عَلَيْهِ أَن كَانَ بنية بَقَاء ذَاته لأَدَاء الشَّرَائِع. وَأكل مأجور عَلَيْهِ إِن مكنه من أَدَاء صلَاته قَائِما وَمن أَدَاء صَوْمه وَنَحْوه وَهُوَ نوى ذَلِك. ومباح إِلَى الشِّبَع ليزِيد قوته. وَحرَام فَوْقه لَا لقُوَّة صَوْم الْغَدَاء وَلِئَلَّا يستحيي ضَيفه. فِي التَّاج الشِّبَع كالعنب سيرشدن من علم. الكرامية: أَصْحَاب عبد الله بن مُحَمَّد الْكِرَام. (بَاب الْكَاف مَعَ السِّين الْمُهْملَة) الْكسر: شكستن وَحَقِيقَته فِي الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ. وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب الْحساب كميته تنْسب إِلَى جملَة تفرض وَاحِدًا والمنسوب إِلَيْهِ يُسمى مخرجا وَلذَا قَالُوا الْكسر هُوَ الْعدَد الْمُضَاف. ثمَّ الْكسر على نَوْعَيْنِ منطق وأصم - أما الْمنطق فَهُوَ الْكسر الَّذِي يكون مخرجه منطقا بِهِ كالكسور التِّسْعَة وَهِي النّصْف وَالثلث وَالرّبع وَالْخمس وَالسُّدُس والسبع وَالثمن وَالتسع وَالْعشر فَإِن مخارجها ناطقة بهَا من غير إِضَافَة الكسور إِلَيْهَا - وَأما الْأَصَم فَهُوَ الْكسر الَّذِي لَا يكون مخرجه ناطقا بِهِ وَلَا يُمكن التَّعْبِير عَنهُ إِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 بالجزء كجزء من أحد عشر وجزء من خَمْسَة عشر. وَمن هَذَا يَتَّضِح لَك إِن وصف الْكسر بالْمَنْطق والأصم من قبيل وصف الشَّيْء بِحَال مُتَعَلّقه. ولتحصيل الْمخْرج الْوَاحِد للكسور التِّسْعَة الْمَذْكُورَة ضوابط. أشرفها وأشهرها مَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَسد الله الْغَالِب الْمَطْلُوب لكل طَالب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه كَمَا حُكيَ أَنه كرم الله وَجهه سُئِلَ عَن مخرج تِلْكَ الكسور فَقَالَ فِي جَوَابه فَوْرًا وبداهة. اضْرِب أَيَّام أسبوعك فِي أَيَّام سنتك أَي اضْرِب السَّبْعَة الَّتِي عدد أَيَّام أسبوعك فِي ثَلَاث مائَة وَسِتِّينَ هِيَ الَّتِي عدد أَيَّام سنتك - وَالْحَاصِل أَعنِي أَلفَيْنِ وَخمْس مائَة وَعشْرين مطلوبك أَي مخرج تِلْكَ الكسور. وَقَالَ الْفَاضِل الخلخالي. وَاعْلَم أَنهم اخْتلفُوا فِي عدَّة أَيَّام السّنة. فَعِنْدَ أهل الشَّرْع قريب من ثَلَاث مائَة وَأَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا. وَعند أهل الْفرس ثَلَاث مائَة وَخَمْسَة وَسِتُّونَ يَوْمًا. وَعند حكماء الرّوم ثَلَاثَة مائَة وَخَمْسَة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَكسر من يَوْم وَهُوَ ربع من الْيَوْم إِلَّا جُزْءا وَاحِدًا من ثَلَاث مائَة جُزْء مِنْهُ وَعند بعض الْمُتَأَخِّرين ثَلَاث مائَة وَخَمْسَة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَربع يَوْم. فَحمل عدد أَيَّام السّنة على ثَلَاث مائَة وَسِتِّينَ لَا يكون إِلَّا بِحَسب الْمَشْهُور فِيمَا بَين الْعَوام وَفِي كَلَامه كرم الله وَجهه إِشْعَار بِكَوْن السَّائِل من الْعَوام لَا من الْخَواص وَإِنَّمَا أجَاب بِمَا اعْتقد بِهِ السَّائِل إيثارا لما رُوِيَ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " كلم النَّاس على قدر عُقُولهمْ ". وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال انْتهى. إِنَّمَا قَالَ عِنْد أهل الشَّرْع قريب من ثَلَاث مائَة إِلَى آخِره لِأَنَّهُ زَائِد عَلَيْهَا بثمان سَاعَات وثمان وَأَرْبَعين دقائق - وَالْكَسْر عِنْد النُّحَاة حَرَكَة من الحركات البنائية لَا تطلق على الْحَرَكَة الإعرابية وَلَا على حرف من حُرُوف الْإِعْرَاب. والكسرة: بِالتَّاءِ بعد اختصاصها بالحركة تطلق على الْحَرَكَة الإعرابية أَيْضا وَإِنَّمَا سميت تِلْكَ الْحَرَكَة كسرا لِأَن الشّفة السُّفْلى عِنْد التَّلَفُّظ بهَا تسْقط وتنكسر أَي تميل إِلَى السُّقُوط والسفل. الْكسْب: هُوَ الْفِعْل المفضي إِلَى اجتلاب نفع أَو دفع ضَرَر وَلَا يُوصف فعل الله تَعَالَى بِأَنَّهُ كسب لكَونه منزها عَن جلب نفع أَو دفع ضَرَر. وَأَيْضًا الْكسْب هُوَ مُبَاشرَة الْأَسْبَاب بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ المعني بقَوْلهمْ الْكسْب صرف العَبْد قدرته فَإِن قيل مَا الْفرق بَين الْكسْب والخلق قُلْنَا صرف العَبْد قدرته وإرادته إِلَى الْفِعْل وإيجاد الله تَعَالَى الْفِعْل عقيب ذَلِك الصّرْف خلق والمقدور الْوَاحِد دَاخل تَحت القدرتين لَكِن بجهتين مختلفتين فالفعل مَقْدُور الله تَعَالَى بِجِهَة الإيجاد ومقدور العَبْد بِجِهَة الْكسْب فَلَا يلْزم توارد العلتين المستقلتين على الْمَعْلُول الْوَاحِد الشخصي وَهُوَ محَال. وللمتكلمين فِي الْفرق بَينهمَا عِبَارَات مثل أَن الْكسْب يَقع بِآلَة والخلق لَا بِآلَة وَالْكَسْب مَقْدُور الكاسب يَقع فِيمَا هُوَ قَائِم بالكاسب كَمَا فِي الْحَرَكَة والسكون القائمين بالمتحرك والساكن فَكَانَ الْكسْب وَقع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 فِي ذَات الكاسب وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْكسْب مَقْدُور وَقع فِي مَحل قدرته أَي قدرَة الْكسْب والخلق مَقْدُور لَكِن لَا يَقع فِي مَا هُوَ قَائِم بالخالق بل فِيمَا هُوَ غير قَائِم بِهِ فَإِن خلق الله تَعَالَى وإيجاده إِنَّمَا هُوَ وَاقع فِي زيد وَعَمْرو مثلا وهما ليسَا بقائمين بالخالق فالخلق غير وَاقع فِي الْخَالِق. وَمثل أَن الْكسْب لَا يَصح انْفِرَاد الْقَادِر بِهِ أَي لَا يَصح استقلاله فِي كَسبه بِأَن لَا يحْتَاج فِي كَسبه إِلَى أَمر بل العَبْد الكاسب يكون مُحْتَاجا فِيهِ إِلَى أُمُور كخلق الله تَعَالَى الْقُدْرَة عِنْد إِرَادَته الْفِعْل وَغير ذَلِك بِخِلَاف الْخلق فَإِنَّهُ يَصح انْفِرَاد الْقَادِر على الْخلق بِهِ وَعدم احْتِيَاجه فِي الْخلق إِلَى غَيره. وَتَحْقِيق صرف العَبْد قدرته فِي مَوْضِعه فاطلب هُنَاكَ. فَإِن قيل إِن العَبْد مُخْتَار فِي فعله أم مجبور قُلْنَا مُخْتَار لِأَنَّهُ يفعل بِالِاخْتِيَارِ بِوَاسِطَة الْكسْب الْمَذْكُور. فَإِن قيل ذَلِك الْكسْب فعل أم لَا وَلَا سَبِيل إِلَى الثَّانِي لِأَن كل فعل اخْتِيَاري مَخْلُوق الله تَعَالَى فَيلْزم الْجَبْر. أَقُول إِن الْكسْب فعل لَكِن لَيْسَ بمخلوق الله تَعَالَى وَلَا يلْزم بطلَان الْكُلية لِأَن المُرَاد بِالْفِعْلِ فِيهَا الْفِعْل الْمَوْجُود وَالْكَسْب من الْأُمُور اللاموجودة واللامعدومة أَو نقُول إِن المُرَاد من الْفِعْل فِي تِلْكَ الْكُلية مَا يصدر بعد الْكسْب وَالِاخْتِيَار وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا. نعم إِن الْكسْب مَخْلُوق الله تَعَالَى بِمَعْنى أَنه تَعَالَى خلق قدرَة يصرفهَا العَبْد إِلَى كل من الْأَفْعَال وَالتّرْك على سَبِيل الْبَدَل. ثمَّ صرفهَا إِلَى وَاحِد معِين فعل العَبْد فَهُوَ مَخْلُوق الله تَعَالَى بِمَعْنى استناده لَا على سَبِيل الْوُجُوب ليلزم الْجَبْر إِلَى موجودات هِيَ مخلوقة الله تَعَالَى لَا أَن الله تَعَالَى خلق هَذَا الصّرْف قصدا فَلَا يلْزم الْجَبْر كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُؤثر إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وتفصيل هَذَا المرام فِي الْمُقدمَات الْأَرْبَع فِي التَّلْوِيح قَالُوا إِن الله تَعَالَى خَالق لأفعال الْعباد كلهَا اعْلَم أَن المُرَاد بالأفعال المفعولات لَا الْمَعْنى المصدري لِأَنَّهُ أَمر اعتباري لَا يتَعَلَّق بِهِ الْخلق وَلَا تحقق لَهُ فِي الْخَارِج وَإِلَّا لزم التسلسل فِي الإيقاعات وَأَيْضًا لَيْسَ المُرَاد بالمفعول الْجَوَاهِر لِأَنَّهُ لَيْسَ الْخلاف إِلَّا فِيمَا يُوجد بكسب العَبْد ويستند إِلَيْهِ من الْأَعْرَاض مثل الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا وَإِلَّا فالسرير مثلا أَيْضا مفعول بِالنِّسْبَةِ إِلَى النجار ومعموله لِأَنَّهُ تعلق بِهِ فعله وَعَمله لكنه مَخْلُوق الله تَعَالَى بالِاتِّفَاقِ. الْكُسُوف: بِالضَّمِّ (كرفتكى آفتاب) وَسَببه حيلولة الْقَمَر بَين الشَّمْس والناظر وتفصيله فِي كتب الْهَيْئَة. الكستيج: هُوَ حَبل غليظ بِقدر الاصبع من الصُّوف يشده الذِّمِّيّ على وَسطه وَهُوَ غير الزنار. الْكسر بعد الزِّيَادَة يصير كسرا فَوْقه للمجتمع: تَوْضِيحه أَن كل عدد إِذا زيد عَلَيْهِ نصفه كَانَ ذَلِك النّصْف ثلث الْمُجْتَمع وَلِهَذَا قَالُوا ثلث الْمُجْتَمع مسَاوٍ لنصف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 الْمَزِيد عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ إِذا زيد على الْأَرْبَعَة نصفه كَانَ ثلث الْمُجْتَمع وَهُوَ السِّتَّة أَعنِي الِاثْنَيْنِ مُسَاوِيا لنصف الْأَرْبَعَة. وَإِذا زيد على الشَّيْء ثلثه كَانَ ذَلِك الثُّلُث ربع الْمُجْتَمع أَو نقُول كَانَ ربع الْمُجْتَمع مُسَاوِيا لثلث السِّتَّة وَهَكَذَا إِذا زيد على الشَّيْء ربعه كَانَ خمس الْمُجْتَمع مُسَاوِيا لربع الْمَزِيد عَلَيْهِ وَهَكَذَا إِلَى غير النِّهَايَة. (بَاب الْكَاف مَعَ الشين الْمُعْجَمَة) الْكَشْف: فِي اللُّغَة رفع الْحجاب. وَفِي الِاصْطِلَاح هُوَ الِاطِّلَاع على مَا وَرَاء الْحجاب من الْمعَانِي الْعلية والأمور الْخفية وجودا وشهودا. الكشخان: من تساهل فِي أَمر الْغيرَة وَلَا يَخْلُو عَن نوع غيرَة بِخِلَاف الديوث. (بَاب الْكَاف مَعَ الْعين الْمُهْملَة) الكعب: (باي وباشنه ومرد نجس وشوم وشتالنكك) وَفِي بَاب الْجَبْر والمقابلة يُسمى الْمَجْهُول شَيْئا وَيُسمى مضروبه فِي المَال كَعْبًا. الْكَعْبِيَّة: طَائِفَة أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد الكعبي كَانَ من معتزلة بَغْدَاد قَالُوا فعل الرب وَاقع بِغَيْر إِرَادَته وَلَا يرى نَفسه وَلَا غَيره إِلَّا بِمَعْنى أَنه يُعلمهُ. (بَاب الْكَاف مَعَ الْفَاء) الْكَفّ: الْمَنْع وَمِنْه مَا الكافة أَي الْمَانِعَة عَن الْعَمَل. وَفِي الْعرُوض حذف الْحَرْف السَّابِع السَّاكِن وَيُسمى مَا فِيهِ الْحَذف مكفوفا. الْكَفَاءَة: الْمُمَاثلَة. وَفِي الشَّرْع كَون الزَّوْج نظيرا للزَّوْجَة. الكفو: النظير. الكفاف: مَا كَانَ بِقدر الْحَاجة من غير زِيَادَة وَإِنَّمَا سمي كفافا لِأَنَّهُ يكف السُّؤَال ويمنعه. الْكَفَّارَة: إِسْقَاط مَا لزم على الذِّمَّة بِسَبَب الذَّنب وَالْجِنَايَة. الكفران: ستر نعْمَة الْمُنعم بالإنكار صَرِيحًا أَو دلَالَة كمخالفة الْمُنعم وَالْعَمَل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 بِخِلَاف رِضَاهُ بل وَصرف الهمة فِي إيذائه بِقدر الوسع كَمَا يرى فِي هَذَا الزَّمَان لبَعض التلاميذ والإخوان. الْكفَالَة: فِي اللُّغَة الضَّم مُطلقًا. وَفِي الشَّرْع ضم ذمَّة الْكَفِيل إِلَى ذمَّة الْأَصِيل مُطَالبَة دون الدّين فَيكون الدّين بَاقِيا فِي ذمَّة الْأَصِيل كَمَا كَانَ وَقَالَ مَالك رَحمَه الله تَعَالَى يبرأ الْأَصِيل وَقيل فِي الدّين وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فَيصير دين الْوَاحِد دينين. الْكَفَن: للرجل سنة ثَلَاثَة أَثوَاب لفافة وَإِزَار وقميص - و (اللفافة) مَا يلتف بِهِ وَهِي من الْفرق إِلَى الْقدَم. (والإزار) أَيْضا كَذَلِك لَكِن تكون اللفافة فَوْقه - (والقميص) مَا يكون من أصل الْعُنُق إِلَى الْقدَم بِلَا حبيب وَلَا دخريص وَلَا كمين وَلَيْسَ فِي الْكَفَن عِمَامَة فِي ظَاهر الرِّوَايَة - واستحسنها الْمُتَأَخّرُونَ لمن كَانَ عَالما وَيجْعَل ذنبها على وَجهه بِخِلَاف حَال الْحَيَاة. وكفايته ثَوْبَان إِزَار ولفافة - وَقيل قَمِيص ولفافة - وَالْأول أصح - والكفن ضَرُورَة للرجل وَالْمَرْأَة مَا يُوجد وكفن الْمَرْأَة سنة خَمْسَة أَثوَاب - درع - وَإِزَار - وخمار - ولفافة - وخرقة - ترْبط بهَا ثدياها وعرضها مَا بَين الثدي إِلَى السُّرَّة - وَالْأولَى أَن تكون الْخِرْقَة من الثديين إِلَى الْفَخْذ كَذَا فِي الْجَوْهَرَة النيرة. والدرع هُوَ الْقَمِيص لكنه للنِّسَاء يُسمى درعا - وللرجال قَمِيصًا - وكفاية زار ولفافة وخمار. وَيكرهُ الِاقْتِصَار على ثَوْبَيْنِ لَهَا وَكَذَا للرجل على ثوب وَاحِد إِلَّا للضَّرُورَة. ويكفن الرجل بِمثل ثِيَابه فِي الْحَيَاة لخُرُوج الْعِيدَيْنِ وَالْمَرْأَة بِمثل ثِيَابهَا إِذا خرجت إِلَى زِيَارَة أَبَوَيْهَا. وَأحب الأكفان الثِّيَاب الْبيض. والخلق والجديد فِي التَّكْفِين سَوَاء وَلَا بَأْس بالبرد والكتان والقصب. وَفِي حق النِّسَاء بالحرير والإبرسيم والمعصفر والغلام الْمُرَاهق وَالْجَارِيَة المراهقة بِمَنْزِلَة الْبَالِغ - وَإِن كَانَ لم يراهق كفن بِهِ فِي خرقتين إِزَار ورداء - وَإِن كفن فِي إِزَار وَاحِد أجزاه - وَالْخُنْثَى الْمُشكل الْمُرَاهق لَا يغسل رجلا وَلَا امْرَأَة وَلَا يغسلهَا رجل وَلَا امْرَأَة ويتيم وَرَاء ثوب ويكفن كَمَا تكفن الْمَرْأَة احْتِيَاطًا. ويكفن الْمحرم كَمَا يُكفن الْحَلَال أَي يطيب ويغطى وَجهه وَرَأسه وَكَيْفِيَّة التَّكْفِين أَن يبسط للرِّجَال اللفافة ثمَّ يبسط عَلَيْهَا إِزَار ثمَّ قَمِيص ثمَّ يوضع الْمَيِّت على الْقَمِيص فيقمص وَيُوضَع الحنوط فِي رَأسه ولحيته وَسَائِر جسده وَلَا بَأْس بِسَائِر الطّيب غير الزَّعْفَرَان والورس فِي حق الرِّجَال وَيُوضَع الكافور على مساجده أَي جَبهته وَأَنْفه وَيَديه وركبتيه وقدميه ثمَّ يلف الْإِزَار عَلَيْهِ من قبل الْيَسَار ثمَّ من قبل الْيَمين ثمَّ اللفافة كَذَلِك وَإِن خيف انتشار الْكَفَن يعْقد بِشَيْء. وَأما الْمَرْأَة فتبسط لَهَا اللفافة والإزار على مَا بَينا للرجل ثمَّ الدرْع ثمَّ تُوضَع عَلَيْهِ وتلبس الدرْع وَيجْعَل شعرهَا ضفيرتين على صدرها فَوق الدرْع ثمَّ يَجْعَل الْخمار فَوق ذَلِك ثمَّ يعْطف الْإِزَار ثمَّ اللفافة كَمَا بَينا فِي الرجل ثمَّ الْخِرْقَة بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 ذَلِك ترْبط فَوق الأكفان فَوق الثديين ويجمر الأكفان قبل أَن يدرج فِيهَا وترا مرّة أَو ثَلَاثًا أَو خمْسا. وَلَا يُزَاد على هَذَا. وَجَمِيع مَا يجمر فِيهِ الْمَيِّت ثَلَاثَة مَوَاضِع عِنْد خُرُوج روحه لإِزَالَة الرَّائِحَة الكريهة وَعند غسله - وَعند تكفينه. وَلَو مَاتَ رجل بَين النِّسَاء تيَمّمه ذَات رحم محرم مِنْهُ أَو زَوجته أَو أمته بِغَيْر ثوب وَغَيرهَا بِثَوْب. وَلَو مَاتَت امْرَأَة بَين الرِّجَال ييممها ذُو رحم مِنْهَا وَإِن لم يكن فالأجنبي يلف على يَدَيْهِ خرقَة ثمَّ ييممها. (بَاب الْكَاف مَعَ اللَّام) الْكَلْب: بِسُكُون اللَّام (سِكَك) وَبِفَتْحِهَا (سِكَك ديوانه) . وَأَيْضًا يشبه الْجُنُون يحدث للْإنْسَان من عض الْكَلْب الْكَلْب وَهُوَ الْكَلْب الَّذِي يَأْكُل لُحُوم النَّاس وَيَأْخُذهُ من ذَلِك شبه جُنُون وَلَا يعَض إنْسَانا إِلَّا كلب وَلَا دَوَاء لَهُ أنجع من شرب دم ملك أَي سيد صَحِيح النّسَب من ولد عَليّ وَفَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَطَرِيقَة شرب الدَّم أَن يشد الْأصْبع من الرجل الْيُسْرَى من السَّيِّد الْأَصِيل النجيب الصَّحِيح النّسَب فَيُؤْخَذ من دَمه قَطْرَة على تَمْرَة يطعم بهَا المعضوض فَيبرأ بِإِذن الله تَعَالَى. وَقَوله تَعَالَى: {وكلبهم باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} إِذا قرئَ حِين الملاقات بالكلب الْكَلْب أَو تحفظ مَكْتُوبَة لَا يُؤْذِيه بِإِذن الله تَعَالَى وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي التذْكَار فِي أفضل الْأَذْكَار بلغنَا عَن من تقدم أَن فِي سُورَة الرَّحْمَن آيَة تقْرَأ على الْكَلْب إِذا حمل على الْإِنْسَان وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض فانفذوا لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان} فَإِنَّهُ لَا يُؤْذِيه بِإِذن الله تَعَالَى. الْكَلم: بِفَتْح الأول وَكسر الثَّانِي جنس مِمَّا الْفَارِق بَينه وَبَين واحده التَّاء كتمر وَتَمْرَة فوزانه تمر بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَمْرَة فلفظه مُفْرد - وَإِنَّمَا سمي جمعا نظرا إِلَى مَعْنَاهُ الجنسي فَهُوَ بِاعْتِبَار لَفظه مُفْرد وَبِاعْتِبَار مَعْنَاهُ الجنسي جمع ولاعتبار جَانِبي اللَّفْظ وَالْمعْنَى يجوز فِي وَصفه التَّذْكِير والتأنيث ثمَّ لما غلب اسْتِعْمَال الْكَلم على ثَلَاثَة وَمَا فَوْقهَا بِحَيْثُ لَا يسْتَعْمل فِي الْوَاحِد والاثنين أصلا توهم بَعضهم أَنَّهَا جمع كلمة وَلَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 مثل ثَمَر وَتَمْرَة - وَالْحق أَنه لَيْسَ بِجمع لأمرين: أَحدهمَا: قَوْله تَعَالَى: {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} - بتذكير الْوَصْف فَإِنَّهُم أَجمعُوا على امْتنَاع وصف الْجمع بالمفرد الْمُذكر - وعَلى أَن هَذَا الْوَصْف هُوَ الْفَارِق بَين الْجمع وَاسم الْجمع. وَالثَّانِي: أَن لفظ الْكَلم لَيْسَ على وزن من أوزان الْجمع فَلَا يَنْبَغِي أَن يشك فِي جمعية الْكَلم بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ الجنسي كَمَا لَا يشك فِي جمعية تمر وَركب بذلك الِاعْتِبَار فَإِن جمعية الْكَلم وَالتَّمْر والركب بِهَذَا الْمَعْنى يقيني مَقْطُوع بِهِ. وَأَيْضًا لَا يَنْبَغِي أَن لَا يشك فِي عدم جمعية الْكَلم حَقِيقَة بِاعْتِبَار اللَّفْظ كَمَا لَا يشك فِي جمعية نسب ورتب جمع نِسْبَة ورتبة فَإِنَّهُمَا جمعان حقيقيان لفظا لِأَن جمعية الْكَلم بِهَذَا الْمَعْنى منتفية قطعا - فالكلم مثل تمر وَركب وَلَيْسَ مثل نسب ورتب وَلِهَذَا قَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي التَّلْوِيح فَفِي قَوْله والكلم إِن كَانَ جمعا حزازة وَالصَّوَاب وَإِن كَانَ بِالْوَاو. وَوجه الحزازة أَي القباحة على مَا نقل عَنهُ أَنه يشْعر بالتردد وَلَا تردد فِيهِ أَي فِي جمعية الْكَلم بِالْمَعْنَى الجنسي إِذْ الجمعية بِهَذَا الْمَعْنى ثَابِتَة فِيهِ والجمعية اللفظية منتفية فِيهِ لما مر وَإِنَّمَا كَانَ وَإِن كَانَ بِالْوَاو صَوَابا لدلالته هِيَ الْقطع بالجمعية - والجمعية بِاعْتِبَار معنى الجنسية مَقْطُوع بهَا فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع فِي التَّلْوِيح. الْكَلِمَة: مُشْتَقَّة من الْكَلم بِسُكُون اللَّام بِمَعْنى الْجرْح. وَهِي عِنْد أهل الْحق مَا يكنى بِهِ عَن كل وَاحِدَة من الماهيات والأعيان. وَعند النُّحَاة لفظ وضع لِمَعْنى مُفْرد. وَعند المنطقيين مرادف للْفِعْل يَعْنِي كلمة دلّت على معنى فِي نَفسهَا مقترن بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة - وَأما إِن كَون كل فعل عِنْد النُّحَاة كلمة عِنْد المنطقيين أَو لَا فمسئلة معركة الآراء - وَإِن أردْت الِاطِّلَاع عَلَيْهَا فَانْظُر فِي لَيْسَ كل فعل عِنْد الْعَرَب كلمة عِنْد المنطقين، وَفِي الشَّرْع الْكَلِمَة الطّيبَة أَعنِي لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله. وفضائلها أَكثر من أَن تحصى وَبَعضهَا مَذْكُور فِي الْقَبْر فَانْظُر فِيهِ فَإِنَّهُ ينفعك لبَقَاء الْإِيمَان فَإِن قيل إِن أُرِيد بِلَفْظ إِلَه فِي الْكَلِمَة الطّيبَة المعبود الْمُطلق لم يَصح الحكم بِالنَّفْيِ. وَإِن أُرِيد المعبود بِالْحَقِّ لزم اسْتثِْنَاء الشَّيْء عَن نَفسه أَقُول: إِنَّا نَخْتَار الثَّانِي وَلَا نسلم الْمَحْذُور الْمَذْكُور لِأَن المعبود بِالْحَقِّ أَعم من الله تَعَالَى مفهوما وَإِن كَانَ مُسَاوِيا لَهُ صدقا وَعُمُوم الْمُسْتَثْنى مِنْهُ صدقا يَكْفِي فِي صِحَة الِاسْتِثْنَاء. وَكلمَة لَا لنفي الْجِنْس وإله اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف فَإِن قيل خَبَرهَا الْمَحْذُوف إِمَّا مَوْجُودا وممكن وَلَا يَصح الأول وَلَا الثَّانِي. أما الأول: فَلِأَن تَقْدِير الْكَلَام حِينَئِذٍ لَا إِلَه مَوْجُود إِلَّا الله وَنفي الْوُجُود لَا يسْتَلْزم نفي الْإِمْكَان بِخِلَاف الْعَكْس فَيبقى إِمْكَان تِلْكَ الْأَفْرَاد المتعددة على حَاله فَلَا يكون توحيدا مَحْضا لِأَن الْمَقْصُود إِثْبَات امْتنَاع شريك الْبَارِي لَا نفي وجوده مَعَ إِمْكَانه. وأمال الثَّانِي: فَلِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ فِي لَا إِلَه مُمكن إِلَّا الله. وَأَنت تعلم أَن الْإِمْكَان لَا يسْتَلْزم الْوُجُود فَلَا يعلم حِينَئِذٍ إِلَّا إِمْكَانه تَعَالَى لَا وجوده تَعَالَى. وللعلماء فِي جَوَاب هَذَا الْإِشْكَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 أنحاء شَتَّى ذكرتها فِي نظام الْجَوَاهِر مَعَ مَا سنح لي فِي دَفعه وَهُوَ أَن هَذِه الْقَضِيَّة سالبة ضَرُورِيَّة بِمَعْنى أَنه حكم فِيهَا بِسَبَب الْمَحْمُول الثَّابِت للموضوع بِالضَّرُورَةِ فَلَا إِشْكَال لِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ لَا إِلَه مَوْجُود بِالضَّرُورَةِ إِلَّا الله فَإِنَّهُ مَوْجُود بِالضَّرُورَةِ فَتَأمل حَتَّى يظْهر لَك حسن هَذَا الْمقَال وَلَا تذْهب إِلَى مَا قيل أَو يُقَال. أَلا ترى أَن من قَالَ فِي التفصي عَن هَذَا الْمقَال إِن كلمة لَا هَذِه لَيست لنفي الْجِنْس حَتَّى يحْتَاج إِلَى حذف الْخَبَر حَتَّى يرد الْإِشْكَال بل هِيَ للنَّفْي دَالَّة بِمَعْنى معبود مُبْتَدأ وَالله خَبره مثل لَا ضَارب زيد فَكَانَ لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الأَصْل معبود الله - ثمَّ جِيءَ بِلَا النافية وبألا للحصر فَالْمَعْنى أَن المعبود هُوَ الله لَا غير. يرد عَلَيْهِ أَن كلمة لَا لما كَانَت للنَّفْي فإمَّا هِيَ نَافِيَة لذات الْإِلَه أَو لوُجُوده لَا سَبِيل إِلَى الأول لِأَن نفي الذَّات لَا يكون إِلَّا بِاعْتِبَار تقرره وثبوته لَا نَفسه وَلَا إِلَى الثَّانِي لوُرُود الْمَحْذُور الْمَذْكُور. وَأَيْضًا لَا بُد لكلمة إِلَّا من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فَهُوَ إِمَّا مَوْجُود أَو مُمكن فَيَعُود الْإِشْكَال بحذافيره. الْكَلَام: كالكلمة فِي الِاشْتِقَاق من الْكَلم بتسكين اللَّام وَهُوَ الْجرْح. وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ مَا يتَكَلَّم بِهِ قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا. وَفِي اصْطِلَاح النُّحَاة لفظ تضمن كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ مُطلقًا يَعْنِي سَوَاء كَانَ ذَلِك الْإِسْنَاد مَقْصُودا لذاته أَو لَا فَحِينَئِذٍ بَين الْكَلَام وَالْجُمْلَة ترادف كَمَا ذهب إِلَيْهِ صَاحب اللّبَاب وَصَاحب الْمفصل وَإِلَيْهِ يشْعر كَلَام الْعَلامَة ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى حَيْثُ لم يُقيد الْإِسْنَاد بِالْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ وَإِذا قيد بِهِ فبينهما عُمُوم وخصوص مُطلقًا. وَقَالَ القَاضِي شهَاب الدّين الْهِنْدِيّ رَحمَه الله تَعَالَى: إِن المُرَاد بِالْإِسْنَادِ فِي كَلَام الْعَلامَة هُوَ الْإِسْنَاد الْمُقَيد لِأَن اللَّام للْعهد يُشِير إِلَيْهِ وَأَيْضًا أَن الْجُمْلَة أَعم مُطلقًا من الْكَلَام من جِهَة أَنَّهَا عبارَة عَن كَلِمَتَيْنِ أسندت إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى سَوَاء أَفَادَ فَائِدَة تَامَّة كَقَوْلِك زيد قَائِم أَو لم يفد كَقَوْلِك إِن يكرمني زيد - فَإِنَّهُ جملَته لَا تفِيد إِلَّا بعد مَجِيء الْجَواب وَلَيْسَ بِكَلَام فَيكون الْجُمْلَة حِينَئِذٍ أَعم من الْكَلَام مُطلقًا وَعلم الْكَلَام علم بِأُمُور يحصل مَعَه حصولا دَائِما عاديا قدرَة تَامَّة على إِثْبَات العقائد الدِّينِيَّة على الْغَيْر وإلزامه إِيَّاهَا بإيراد الْحجَج عَلَيْهَا وَدفع الشّبَه عَنْهَا. وَالْمرَاد بالعقائد مَا يقْصد فِيهِ نفس الِاعْتِقَاد كَقَوْلِنَا الله تَعَالَى عَالم قَادر سميع بَصِير وَهَذِه تسمى اعتقادية وأصلية وعقائد. وَقد دون علم الْكَلَام لحفظها فَإِنَّهَا مضبوطة محصورة لَا تتزايد فِيهَا أَنْفسهَا فَلَا يتَعَذَّر الْإِحَاطَة بهَا والاقتدار على إِثْبَاتهَا وَإِنَّمَا يتكثر وُجُوه استدلالاتها وطرق دفع شبهاتها - وَالثَّانِي مَا يقْصد بِهِ الْعَمَل كَقَوْلِنَا الْوتر وَاجِب وَالزَّكَاة فَرِيضَة وَهَذِه تسمى عملية وفرعية وأحكامها ظاهرية. وَقد دون علم الْفِقْه لَهَا وَأَنَّهَا لَا تكَاد تَنْحَصِر فِي عدد بل تتزايد بتعاقب الْحَوَادِث الْعَقْلِيَّة فَلَا يَتَأَتَّى أَن يحاط بهَا كلهَا وَإِنَّمَا مبلغ من يعلمهَا هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 التهيؤ التَّام لَهَا أَعنِي أَن يكون عِنْده مَا يَكْفِيهِ فِي استعلامها إِذا رَجَعَ إِلَيْهِ وَالْمرَاد بالعقائد الدِّينِيَّة العقائد المنسوبة إِلَى دين مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وموضوعه الْمَعْلُوم وَمن حَيْثُ إِنَّه يتَعَلَّق بِهِ إِثْبَات العقائد الدِّينِيَّة تعلقا قَرِيبا أَو بَعيدا وَذَلِكَ لِأَن مسَائِل هَذَا الْعلم. إِمَّا عقائد دينية كإثبات الْقدَم والوحدة للصانع وَإِثْبَات الْحُدُوث وَصِحَّة الْإِعَادَة للأجسام. وَإِمَّا قضايا تتَوَقَّف عَلَيْهَا تِلْكَ العقائد كتركب الْأَجْسَام من الْجَوَاهِر الفردة وَجَوَاز الْخَلَاء وكإنشاء الْحَال وَعدم تمايز المعدومات الْمُحْتَاج إِلَيْهَا فِي اعْتِقَاد كَون صِفَاته تَعَالَى مُتعَدِّدَة مَوْجُودَة فِي ذَاته والشامل لموضوعات هَذِه الْمسَائِل هُوَ الْمَعْلُوم المتناول للموجود والمعدوم وَالْحَال فَإِن حكم على الْمَعْلُوم بِمَا هُوَ من العقائد الدِّينِيَّة تعلق بِهِ إِثْبَاتهَا تعلقا قَرِيبا. وَإِن حكم عَلَيْهِ بِمَا هُوَ وَسِيلَة إِلَيْهَا تعلق بِهِ إِثْبَاتهَا تعلقا بَعيدا وللبعد مَرَاتِب مُتَفَاوِتَة. وَقَالَ القَاضِي الأرموي: مَوْضُوع الْكَلَام ذَات الله تَعَالَى إِذْ يبْحَث فِيهِ عَن أعراضه الذاتية أَعنِي عَن صِفَاته الثبوتية والسلبية وَعَن أفعالها. وَأما فِي الدُّنْيَا كأحداث الْعَالم. وَأما فِي الْآخِرَة كالحشر للأجساد مثلا وَهَذَا مَنْظُور فِيهِ لِأَنَّهُ يبْحَث فِي علم الْكَلَام عَن أَحْوَال الْجَوَاهِر والأعراض لَا من حَيْثُ هِيَ مستندة إِلَيْهِ تَعَالَى حَتَّى يُمكن إدراجها فِي الْبَحْث عَن الْأَعْرَاض الذاتية. وَقيل الْكَلَام هُوَ الْعلم الباحث عَن أَحْوَال البدء والمعاد على نهج قانون الْإِسْلَام وَيفهم مِمَّا قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح العقائد النسفية إِن علم الْكَلَام مَا يُفِيد معرفَة العقائد عَن أدلتها وَأَشَارَ رَحمَه الله تَعَالَى هُنَاكَ إِلَى وَجه تَسْمِيَة هَذَا الْعلم بالْكلَام بِوُجُوه شَتَّى مِنْهَا قَوْله وَلِأَنَّهُ أول مَا يجب من الْعُلُوم الَّتِي إِنَّمَا تعلم وتتعلم بالْكلَام فَأطلق عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم لذَلِك ثمَّ خص بِهِ وَلم يُطلق على غَيره تمييزا انْتهى. وَقَالَ صَاحب الخيالات اللطيفة قَوْله فَأطلق عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم أَي أَولا إِذْ لَو لم يُقيد بِهِ لضاع أما قيد الأول فِي الأول الخ، اعْلَم أَن قَوْله إِذْ لَو لم يُقيد الخ حَاصله أَن قَول الشَّارِع الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لذَلِك أما إِشَارَة إِلَى كَون الْكَلَام من الْعُلُوم الَّتِي إِنَّمَا تعلم وتتعلم بالْكلَام فَحِينَئِذٍ لفظ الأول فِي قَوْله: وَلِأَنَّهُ أول إِمَّا يجب إِلَى آخِره زَائِد لَا فَائِدَة فِيهِ كَمَا لَا يخفى ولظهوره تَركه الْمحشِي وَإِمَّا إِشَارَة إِلَى كَون الْكَلَام أول مَا يجب إِلَى آخِره فَحِينَئِذٍ لَا حجَّة إِلَى قَوْله ثمَّ خص بِهِ إِذْ لَا شركَة إِلَى آخِره بِخِلَاف مَا إِذا قيد الْإِطْلَاق بقولنَا أَو لَا فَحِينَئِذٍ يكون قَوْله ذَلِك إِشَارَة إِلَى كَون الْكَلَام من تِلْكَ الْعُلُوم فَالْمَعْنى أَنه أطلق عَلَيْهِ هَذَا الِاسْم لذَلِك أَي لكَونه من تِلْكَ الْعُلُوم إطلاقا أَولا لِأَنَّهُ أول مَا يجب أَن يعلم إِلَى آخِره فَحِينَئِذٍ قَوْله ثمَّ خص إِلَى آخِره جَوَاب سُؤال مُقَدّر كَأَنَّهُ قيل لما كَانَ وَجه إِطْلَاق هَذَا الِاسْم كَون الْكَلَام من تِلْكَ الْعُلُوم وَهَذَا الْوَجْه مُشْتَرك بَين هَذَا الْعلم أَي الْكَلَام وَغَيره فَمَا وَجه التَّخْصِيص فَأجَاب بقوله ثمَّ خص بِهِ إِلَى آخِره وَقَوله وَأما احْتِمَال تَسْمِيَة الْغَيْر إِلَى آخِره جَوَاب عَن سُؤال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 مُقَدّر كَأَنَّهُ قيل إِنَّا نَخْتَار الْإِشَارَة إِلَى كَون الْكَلَام أول مَا يجب وَلَا يلْزم حِينَئِذٍ ضيَاع قَوْله ثمَّ خص بِهِ إِلَى آخِره لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون لدفع احْتِمَال أَن يُسمى غير الْكَلَام بِهَذَا الِاسْم لغير هَذَا الْوَجْه فَأجَاب الْمحشِي رَحمَه الله بِأَن هَذَا الِاحْتِمَال قَائِم فِي بَاقِي الْوُجُوه الْمَذْكُورَة أَيْضا فَافْهَم هَذَا مَا ذكرنَا فِي الْحَوَاشِي على الْحَوَاشِي الخيالية. وَفِي خزانَة الْمُفْتِينَ فِي الرَّوْضَة: وَيمْنَع الصَّلَاة خلف من يَخُوض فِي علم الْكَلَام وَإِن تكلم بِحَق. وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَن رجلا إِذا أوصى بكتب الْعلم لشخص لَا تدخل كتب الْكَلَام فِي الْوَصِيَّة لِأَن الْكَلَام لَيْسَ بِعلم. وَقَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز شَهَادَة أهل الْبدع والأهواء وَقَالَ أَصْحَابه إِنَّه رَضِي الله عَنهُ أَرَادَ بِأَهْل الْأَهْوَاء أهل الْكَلَام على أَي مَذْهَب كَانُوا. وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: من طلب الْعلم بالْكلَام تزندق. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ: عُلَمَاء الْكَلَام زنادقة. وَاعْلَم أَن أكَابِر الْمُتَكَلِّمين لم يثبتوا وَلم يصححوا عقائد بالدلائل الكلامية إِذْ لَيْسَ الْغَرَض من الْكَلَام إِلَّا إفحام الجاحد وإلزام المعاند فمأخذ أنوار عقائدهم مشكوة النُّبُوَّة لَا غير. (علم دين فقه است وَتَفْسِير وَحَدِيث ... هركه خواند غير ازين كردد خَبِيث) وَاعْلَم أَن الْكَلَام من صِفَاته تَعَالَى الأزلية الْقَدِيمَة وَأَن أَرْبَاب الْملَل لما رَأَوْا اجْتِمَاع النتيجتين المتنافيتين الحاصلتين من قَوْلهم الْكَلَام صفة الله تَعَالَى وكل مَا هُوَ صفته تَعَالَى فَهُوَ قديم فَالْكَلَام قديم وَالْكَلَام مُرَتّب الْأَجْزَاء مقدم بَعْضهَا على بعض وكل مَا هُوَ كَذَلِك فَهُوَ حَادث فَالْكَلَام حَادث. منع كل طَائِفَة مُقَدّمَة فِيهَا كالمعتزلة للاولى والكرامية للثَّانِيَة والأشاعرة للثالثة والحنابلة للرابعة. وَالْحق أَن الْكَلَام يُطلق على مَعْنيين على الْكَلَام النَّفْسِيّ وعَلى الْكَلَام اللَّفْظِيّ اللساني وَقد يقسم الْأَخير إِلَى حالتين مَا للمتكلم بِالْفِعْلِ وَمَا للمتكلم بِالْقُوَّةِ ويتبين الْكل بالضد كالنسيان للْأولِ وَالسُّكُوت للثَّانِي والخرس للثَّالِث. وَالْمعْنَى يُطلق على مَعْنيين الْمَعْنى الَّذِي هُوَ مَدْلُول اللَّفْظ وَالْمعْنَى الَّذِي هُوَ الْقَائِم بِالْغَيْر. فالشيخ الْأَشْعَرِيّ لما قَالَ الْكَلَام هُوَ الْمَعْنى النَّفْسِيّ فهم الْأَصْحَاب مِنْهُ أَن المُرَاد مِنْهُ مَدْلُول اللَّفْظ حَتَّى قَالُوا بحدوث الْأَلْفَاظ وَله لَوَازِم كَثِيرَة فَاسِدَة. كَعَدم التَّكْفِير لمنكري كَلَامه تَعَالَى مَا بَين الدفتين لكنه علم بِالضَّرُورَةِ من الدّين أَنه كَلَام الله تَعَالَى. وكلزوم عدم الْمُعَارضَة والتحدي بالْكلَام. بل نقُول المُرَاد بِهِ الْكَلَام النَّفْسِيّ بِالْمَعْنَى الثَّانِي شَامِلًا للفظ وَالْمعْنَى قَائِما بِذَات الله تَعَالَى وَهُوَ مَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف مقروء بالألسنة مَحْفُوظ فِي الصُّدُور وَهُوَ غير الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة وَالْحِفْظ الْحَادِثَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور من أَن الْقِرَاءَة غير المقروء. وَقَوْلهمْ إِنَّه مترتب الْأَجْزَاء قُلْنَا. لَا نسلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 بل الْمَعْنى الَّذِي فِي النَّفس لَا ترَتّب فِيهِ وَلَا تَأَخّر كَمَا هُوَ قَائِم بِنَفس الْحَافِظ وَلَا ترَتّب فِيهِ. نعم الترتب إِنَّمَا يحصل فِي التَّلَفُّظ لضَرُورَة عدم مساعدة الْآلَة وَهُوَ حَادث مِنْهُ وَتحمل الْأَدِلَّة على الْحُدُوث على حُدُوثه جمعا بَين الْأَدِلَّة وَهَذَا الْبَحْث وَإِن كَانَ ظَاهره خلاف مَا عَلَيْهِ متأخروا الْقَوْم لَكِن بعد التَّأَمُّل يعرف حَقِيقَته وَالْحق أَن هَذَا الْمحمل محمل صَحِيح لكَلَام الشَّيْخ وَلَا غُبَار عَلَيْهِ. الْكَلَام اللَّفْظِيّ: هُوَ الْمركب من الْأَلْفَاظ والحروف الدَّالَّة على معنى فِي نفس الْمُتَكَلّم. الْكَلَام النَّفْسِيّ: هُوَ معنى فِي نفس الْمُتَكَلّم يدل عَلَيْهِ بالعبارة أَو الْكِتَابَة أَو الْإِشَارَة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الأخطل. (إِن الْكَلَام لفي الْفُؤَاد وَإِنَّمَا ... جعل اللِّسَان على الْفُؤَاد دَلِيلا) وَالْمرَاد بِالْمَعْنَى مَا يُقَابل النّظم والألفاظ لَا مَا فِيهِ يُقَابل الذَّات. كُله سر: فِي الطلسم فَارْجِع إِلَيْهِ حَتَّى يظْهر لَك سره. الْكَلم من الْكَلِمَة: أَي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَلِمَة بِمَنْزِلَة التَّمْر من الثَّمَرَة يفرق بَين الْجِنْس وواحده بِالتَّاءِ فكلمة من فِي مثل هَذَا الْمقَام لبَيَان معنى النِّسْبَة وَقيل كلمة من فِي الْمَوْضِعَيْنِ ابتدائية إِلَّا أَن الِابْتِدَاء بِاعْتِبَار الِاتِّصَال وَالْمعْنَى أَن الْكَلم حَال كَونه ناشئا من الْكَلِمَة مُتَّصِلا بهَا بِمَنْزِلَة التَّمْر حَال كَونه ناشئا من التمرة مُتَّصِلا بهَا. وَمُلَخَّصه أَن اتِّصَال الْكَلم بِالْكَلِمَةِ مثل اتِّصَال التَّمْر بالتمرة وَالْأول أولى لأَنهم قَالُوا إِن أصل هَذَا التَّرْكِيب لما وَقع فِي النِّسْبَة بِالْقربِ والبعد شاع اسْتِعْمَاله بِمن فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع فِي التَّلْوِيح. الْكَلِمَات الْحَقِيقِيَّة: والكلمات الوجودية، اعْلَم أَن المنطقيين سموا مَا هُوَ فعل عِنْد النُّحَاة كلمة وَقَالُوا إِن الْكَلِمَات على نَوْعَيْنِ: حَقِيقِيَّة إِن دلّت على نِسْبَة شَيْء دَاخل فِي مدلولها إِلَى مَوْضُوع مَا وعَلى زمانها كضرب مثلا - ووجودية إِن دلّت على نِسْبَة شَيْء خَارج عَن مدلولها وعَلى زمانها ككان مثلا. الْكَلَالَة: الإعياء وَذَهَاب الْقُوَّة هَذَا فِي أصل اللُّغَة ثمَّ استعيرت لقرابة من عدا الْوَلَد وَالْوَالِد أَي لهَذِهِ الْقَرَابَة الْمقيدَة كَانَ هَذِه الْقَرَابَة كلا ضَعِيفَة بِالْقِيَاسِ إِلَى قرَابَة الْوَلَد وَالْوَالِد. وَيُطلق أَيْضا على من لَا يخلف ولدا وَلَا والدا وَأَيْضًا على من لَيْسَ بِولد وَلَا وَالِد من الْمُخلفين. وَاعْلَم أَن أهل اللُّغَة اخْتلفُوا فِي الْكَلَالَة وَاخْتَارَ أهل الْبَصْرَة أَنه اسْم لمَيت لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا وَالِد - وَاخْتَارَ اهل الْكُوفَة وَالْمَدينَة أَنه اسْم لوَرَثَة لَيْسَ فيهم ولد وَلَا وَالِد - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 وَالْأول أصح لتفسير النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما رُوِيَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصَحبه وَسلم قَالَ الْكَلَالَة من لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا وَالِد. كل مِقْدَار وسط فِي النِّسْبَة فَهُوَ ضلع مَا يُحِيط بِهِ الطرفان: فِي الْمِقْدَار إِن شَاءَ الله تَعَالَى. كل مركب مُمكن: أَي مفتقر إِلَى الْأَجْزَاء وكل مفتقر إِلَى الْغَيْر مُمكن وَلَيْسَ فِي طباع الْمركب ضَرُورِيَّة الفعلية أَو الْبطلَان حَتَّى يكون وَاجِبا أَو مُمْتَنعا وَهَا هُنَا شكّ يبتنى على ضابطة كُلية وَهِي أَن الْكُلِّي كَمَا يُطلق على وَاحِد من أَفْرَاده بِصدق وَاحِد كَذَلِك يصدق على كثيرين من أَفْرَاده بِصدق وَاحِد كَمَا فصلناها فِي الْفَصْل - وَتَقْرِير الشَّك أَن قَوْلهم كل مركب مُمكن بَاطِل لاستلزامه كَون الْمُمْتَنع مُمكنا فَإِن شريك الْبَارِي كَمَا يصدق على وَاحِد من أَفْرَاده أَعنِي شريك الْبَارِي كَذَلِك يصدق على مَجْمُوع شَرِيكي الْبَارِي بِحكم تِلْكَ الضابطة فبعض شريك الْبَارِي مركب فَلَو كَانَ كل مركب مُمكنا لزم كَون شريك الْبَارِي مُمكنا وَهُوَ مُمْتَنع بِالذَّاتِ. وَلَا يخفى على المستيقظ إِيرَاد هَذَا الشَّك لنقض تِلْكَ الضابطة أَيْضا - وَالْجَوَاب الَّذِي ذكره القَاضِي محب الله فِي السّلم لما كَانَ مُجملا أردْت تَفْصِيله وتوضيحه مستعينا بِاللَّه الْهَادِي إِلَى الصَّوَاب - فَأَقُول إِن اللَّازِم من هَذَا الشَّك هُوَ إِمْكَان مَفْهُوم مَجْمُوع شَرِيكي الْبَارِي لافتقاره إِلَى الْأَجْزَاء للتأليف والاجتماع بِحَسب تقوم نفس ماهيته فِي الْوُجُود الفرضي وَهَذَا الْإِمْكَان لَا يضر الِامْتِنَاع الذاتي فِي نفس الْأَمر فَلَا يكون مُمكنا فِي نفس الْأَمر حَتَّى يُنَافِي الِامْتِنَاع الذاتي -. والسر فِيهِ أَن الافتقار نَوْعَانِ: الأول: افتقار الْمَاهِيّة فِي الصُّدُور إِلَى جاعلها - وَالثَّانِي: افتقارها إِلَى المقومات والافتقار الأول يسْتَوْجب التباين الْحَقِيقِيّ بِالذَّاتِ والوجود بَين المفتقر والمفتقر إِلَيْهِ والافتقار الثَّانِي لَا يَقْتَضِي التباين الْمَذْكُور بل يَكْفِيهِ التغاير فِي نَحْو من اللحاظ كلحاظ الْإِبْهَام والتحصل والتعين وَأَيْضًا الأول يَقْتَضِي الْإِمْكَان الذاتي دون الثَّانِي حَتَّى لَو فرض انسلاخ الْمَاهِيّة المركبة عَن الْإِمْكَان الذاتي والافتقار الأول لَا يَنْسَلِخ عَنْهَا الافتقار الثَّانِي فيجامع الافتقار الثَّانِي مَعَ عدم الْإِمْكَان الذاتي فَلَا يُنَافِيهِ. فللماهية المركبة الممكنة افتقاران افتقار فِي الصُّدُور والمجعولية إِلَى الْجَاعِل من جِهَة الْإِمْكَان الذاتي. وافتقار إِلَى المقومات من جِهَة التَّرْكِيب والتأليف. وللماهية البسيطة الممكنة افتقار وَاحِد هُوَ افتقارها فِي المجعولية إِلَى الْجَاعِل من جِهَة إمكانها الذاتي. فالتركيب لَا يسْتَلْزم فِي نفس الْأَمر. وَأما إِمْكَانه وافتقاره من حَيْثُ التَّأْلِيف والتقوم على فرض التقرر والوجود فَلَا يَقْتَضِي الْإِمْكَان الذاتي فَلَا يُنَافِي الِامْتِنَاع الذاتي. فَيجوز أَن يكون شَيْئا مُمْتَنعا بِالذَّاتِ وممكنا بِحَسب التَّأْلِيف على فرض الْوُجُود. وَيكون مَفْهُوم مَجْمُوع شَرِيكي الْبَارِي من هَذَا الْقَبِيل. وَلَك أَن تَقول فِي تَقْرِير الْجَواب أَنه إِن أُرِيد أَن الْمركب مُمكن مفتقر فِي صدوره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 ووجوده إِلَى الْجَاعِل. فَقَوْلهم كل مركب مُمكن مَمْنُوع لجَوَاز أَن يكون بعض الْمركب مُمْتَنعا بِالذَّاتِ. وَإِن أُرِيد أَن الْمركب مُمكن مفتقر إِلَى مقوماته الَّتِي تدخل فِي قوام ماهيته فَمُسلم. لَكِن هَذَا الْإِمْكَان والافتقار لَا يُوجب الْإِمْكَان الذاتي الْمنَافِي للامتناع الذاتي. فَيجوز أَن يكون مَجْمُوع شَرِيكي الْبَارِي مُمكنا بِاعْتِبَار التَّرْكِيب والافتقار إِلَى المقومات مُمْتَنعا بِالذَّاتِ. وَاعْلَم أَنه لما ثَبت أَن الافتقار على نَوْعَيْنِ يكون المفتقر إِلَيْهِ وَهُوَ الْعلَّة الَّتِي تفْتَقر إِلَيْهَا الْمَاهِيّة الممكنة أَيْضا على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: جاعلها الَّذِي يصدر عَنهُ نَفسهَا أَو اتصافها بالوجود على الِاخْتِلَاف فِي الْجعل. فافتقارها إِلَيْهِ افتقار صُدُور وَخُرُوج من الليس إِلَى الأيس من حَيْثُ إفادته فعليتها وقوامها بِحَسب إمكانها. وَهَذَا هُوَ عِلّة الْوُجُود. وَثَانِيهمَا: مقوماتها الَّتِي تدخل فِي قوامها ويتألف جوهرها مِنْهَا وافتقار الْمَاهِيّة إِلَيْهَا لَيْسَ افتقار صُدُور لِاسْتِحَالَة كَون ذَات الْمَاهِيّة مجعولة لجزئها بل افتقارها افتقار التَّأْلِيف والتركيب فِي تقوم ذَاتهَا. وَهَذَا هُوَ عِلّة الْمَاهِيّة بِالْمَعْنَى الاصطلاحي. وافتقار الشَّيْء إِلَى هَذِه الْعلَّة لَا يُوجب إِمْكَانه الذاتي وَقد يُقَال إِن عِلّة الْمَاهِيّة نَوْعَانِ الْجَاعِل والمقوم. فَلَا يُرَاد بهَا الْمَعْنى الاصطلاحي بل يُرَاد بهَا الْمَعْنى اللّغَوِيّ أَي مَا تفْتَقر إِلَيْهِ الْمَاهِيّة مُطلقًا أَي من غير تقيد بالصدور أَو القوام هَذَا وَلَعَلَّ عِنْد غَيْرِي أحسن من هَذَا. الْكل: فِي اللُّغَة الْمَجْمُوع الْمعِين. وَفِي الِاصْطِلَاح مَا يتركب من الْأَجْزَاء. وَأَيْضًا الْكل اسْم للحق تَعَالَى بِاعْتِبَار الحضرة الوحدية الإلهية الجامعة للأسماء وَلِهَذَا يُقَال إحدي بِالذَّاتِ كلي بالأسماء. وَاعْلَم أَن الْكل يسْتَلْزم جزءه بِدُونِ الْعَكْس. وَهَا هُنَا مغالطة وَهِي أَن الْكل لَا يسْتَلْزم جزءه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مستلزما لزم صدق قَوْلنَا كلما تحقق النقيضان تحقق أَحدهمَا مَعَ أَن هَذِه الْقَضِيَّة كَاذِبَة. إِذْ لَو كَانَت صَادِقَة لزم صدق عكسها المستوى اللَّازِم لَهَا وَهُوَ قد يكون إِذا تحقق أحد النقيضين تحقق النقيضان مَعَ أَن هَذَا الْعَكْس كَاذِب بداهة. وحلها منع عدم صدق هَذَا الْعَكْس وَلَا يلْزم مِنْهُ تَسْلِيم اجْتِمَاع النقيضين فِي نفس الْأَمر لجَوَاز أَن يكون بعض الزَّمَان الَّذِي فرض تحقق أحد النقيضين فِيهِ محالا فقد اجْتمع النقيضان فِي هَذَا الزَّمَان الْمحَال فَافْهَم. ثمَّ الْكل على نَوْعَيْنِ: (مجموعي) مثل كل إِنْسَان لَا يشبعه هَذَا الرَّغِيف - (وإفرادي) مثل كل إِنْسَان حَيَوَان - فَفِي الأول يكون الحكم بِإِثْبَات الْمَحْمُول لمجموع أَفْرَاد الْمَوْضُوع أَو نَفْيه عَنهُ - وَفِي الثَّانِي يكون الحكم بِإِثْبَات الْمَحْمُول لكل وَاحِد وَاحِد من أَفْرَاد مَوْضُوعه ونفيه عَنهُ. الْكُلِّي: عِنْد المنطقيين مَا لَا يمْنَع نفس تصَوره من وُقُوع الشّركَة فِيهِ كالحيوان. وَإِنَّمَا سمي كليا لِأَن كُلية الشَّيْء إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجزئي. والكلي يكون جُزْء الجزئي غَالِبا فَيكون ذَلِك الشَّيْء مَنْسُوبا إِلَى الْكل والمنسوب إِلَى الْكل كلي كَمَا فصلنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 هَذَا المرام فِي الجزئي. وَمعنى اشْتِرَاك الْمَاهِيّة بَين كثيرين أَن صورتهَا الْعَقْلِيَّة مُطَابقَة لكل وَاحِد من جزئياتها. وَمعنى الْمُطَابقَة مُنَاسبَة مَخْصُوصَة لَا تكون لسَائِر الصُّور الْعَقْلِيَّة. فَإنَّا إِذا تعقلنا زيدا حصل فِي عقلنا أثر لَيْسَ ذَلِك الْأَثر هُوَ بِعَيْنِه الْأَثر الَّذِي يحصل فِي الْعقل عِنْد تعقلنا فرسا معينا. وَمعنى الْمُطَابقَة لكثيرين أَنه لَا يحصل من تعقل كل وَاحِد مِنْهَا أثر متجدد بل يكون الْحَاصِل فِي الْعقل من تعقل كل هُوَ الصُّورَة الْوَاحِدَة على تِلْكَ النِّسْبَة الْمَخْصُوصَة. فَإنَّا إِذا رَأينَا زيدا حصل مِنْهُ فِي أذهاننا الصُّورَة الإنسانية المعراة عَن المشخصات واللواحق. وَإِذا أبصرنا بعد ذَلِك خَالِدا لم تقع مِنْهُ صُورَة أُخْرَى بل الصُّورَة الْحَاصِلَة الأولى بِعَينهَا. بِخِلَاف مَا إِذا رَأينَا فرسا معينا فَافْهَم. فَإِن قيل تَعْرِيف الْكُلِّي لَيْسَ بمانع لصدقه على الصُّورَة الخيالية من الْبَيْضَة الْمعينَة تنطبق على كل من البيضات بِحَيْثُ يجوز الْعقل أَن يكون هِيَ هِيَ. وَأَن ضَعِيف الْبَصَر يرى شبحا من بعيد وَيجوز عقله أَن يكون زيدا وعمرا إِلَى غير ذَلِك. وَأَن الطِّفْل فِي مبدأ الْولادَة لنُقْصَان الْحس الْمُشْتَرك لَا يَأْخُذ الصُّورَة عَمَّا هُوَ فِي الْخَارِج بِخُصُوصِهِ. وَلَا يفرق بَين أمه عَن غَيرهَا وَأَبِيهِ عَن غَيره بل يدْرك شبحا وَاحِدًا لَا يتَمَيَّز فِيهِ أَبَاهُ وَأمه عَن الْغَيْر. فَيلْزم أَن تكون هَذِه الصُّور كُلية مَعَ أَنهم عدوها من الجزئيات. قُلْنَا المُرَاد وُقُوع الشّركَة على سَبِيل الِاجْتِمَاع لَا على الْبَدَلِيَّة والترديد وَصدق تِلْكَ الصُّور على الْكَثْرَة واشتراكها فِيهَا لَيْسَ على سَبِيل الِاجْتِمَاع بل على سَبِيل الْبَدَلِيَّة كَمَا لَا يخفى. فَإِن قيل إِن الصُّورَة الخارجية لزيد مثلا جزئي حَقِيقِيّ وَيصدق عَلَيْهَا تَعْرِيف الْكُلِّي لِأَنَّهَا تصدق وتطابق على سَبِيل الِاجْتِمَاع على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا كَمَا أَن كل وَاحِد من الصُّور الْحَاصِلَة فِي تِلْكَ الأذهان تطابق لتِلْك الصُّورَة الخارجية. فَإِن الْمُطَابقَة من الْجَانِبَيْنِ - وَالْعقل يجوز الْمُطَابقَة فِيمَا بَينهمَا على سَبِيل الِاجْتِمَاع. فَإِن التَّحْقِيق أَن حُصُول الْأَشْيَاء بأنفسها فِي الذِّهْن لَا بأشباحها وإظلالها. فَإِن الدَّلَائِل الدَّالَّة على الْوُجُود الذهْنِي للأشياء إِنَّمَا تدل على وجودهَا حَقِيقَة لَا بِاعْتِبَار الشبح والمثال الَّذِي هُوَ وجودهَا مجَازًا. وَأَيْضًا أَن الصُّورَة الذهنية لزيد جزئي حَقِيقِيّ وَتصدق على الصُّور الْحَاصِلَة فِي أذهان طَائِفَة تصوروا زيدا وتطابقها. قُلْنَا لَا نسلم صدق الجزئي الْحَقِيقِيّ على شَيْء فضلا عَن أَن تصدق الصُّورَة الخارجية الْجُزْئِيَّة على الذهنية كَيفَ فَإِن الْحمل الْمُعْتَبر فِي حمل الْكُلِّي على جزئياته هُوَ الْحمل بالمواطأة - وَهُوَ أَن المتغايرين مفهوما متحدان ذاتا. وَهَذَا الْحمل بَين الصُّورَة الخارجية والذهنية مُنْتَفٍ. وَإِن سلمنَا فَنَقُول إِن الْكُلِّي والجزئي قِسْمَانِ للمفهوم الْعقلِيّ لأَنهم قَالُوا إِن الْمَفْهُوم أَي مَا حصل فِي الْعقل إِمَّا كلي وَإِمَّا جزئي. فالكلي على هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم الْعقلِيّ الَّذِي لَا يمْنَع نفس تصَوره عَن وُقُوع الشّركَة فِيهِ وَالْمرَاد بِالشّركَةِ لَيست هِيَ الْمُطَابقَة مُطلقًا بل مُطَابقَة الْحَاصِل فِي الْعقل لكثيرين بِحَسب الْخَارِج بِأَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 يتكثر ذَلِك الْمَفْهُوم بِحَسب خَارج الذِّهْن بِمُجَرَّد النّظر إِلَيْهِ من حَيْثُ تصَوره فَقَط مَعَ الإغماض عَمَّا وَرَاه من برهَان التَّوْحِيد والخصوصيات الْمَانِعَة من التكثير فِي الْخَارِج وَالصُّورَة المتكثرة الْحَاصِلَة من زيد بِاعْتِبَار تكْثر الأذهان تستحيل أَن تتكثر فِي الْخَارِج عَن الذِّهْن بل كلهَا هوية زيد بِنَاء على أَنَّهَا لَو وجدت فِي الْخَارِج لكَانَتْ عين زيد. وَهَذَا معنى قَوْلهم حُصُول الْأَشْيَاء بأنفسها وبأعيانها فِي الذِّهْن لَا بأشباحها وأمثالها. فَإِن قيل فعلى هَذَا يخرج الكليات الْفَرْضِيَّة الَّتِي لَا تكْثر فِيهَا أصلا. والمعقولات الثَّانِيَة الَّتِي لَا يُحَاذِي لَهَا أَمر فِي الْخَارِج. وَالْحَاصِل أَنكُمْ اعتبرتم فِي الْكُلية تكْثر الْمَفْهُوم بِحَسب الْخَارِج وَهُوَ إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي الكليات الْحَقِيقِيَّة الَّتِي لَهَا أشخاص مَوْجُودَة فِي الْخَارِج فَيخرج مَا سوى هَذِه الكليات عَن تَعْرِيف الْكُلِّي. قُلْنَا إِن الْعقل بِمُجَرَّد تصور تِلْكَ الْأُمُور وَالنَّظَر إِلَيْهَا مَعَ الإغماض عَن الخصوصيات الْخَارِجَة عَنْهَا يجوز تكثرها بِحَسب الْخَارِج. لِأَن الْمَانِع من هَذَا التجويز لَيْسَ إِلَّا اشْتِمَال الْمَفْهُوم على الهذية وَهُوَ مَفْقُود هَا هُنَا. فَتكون تِلْكَ الْأُمُور المنقوضة بهَا كليات لَا جزئيات. فَإِن قيل لَا نسلم أَن ارْتِفَاع ذَلِك الْمَانِع كَاف فِي ذَلِك التجويز. لم لَا يجوز أَن يكون هُنَاكَ مَانع آخر كَيفَ فَإِن خُصُوصِيَّة عنوان اللاشيء مثلا وَكَون الصُّورَة الذهنية من المعقولات الثَّانِيَة عِلّة مُسْتَقلَّة لِامْتِنَاع وجود أفرادهما فِي الْخَارِج ومانعة من ذَلِك التجويز. . نعم لَو لم يكن هُنَاكَ مَانع عَن ذَلِك التجويز سوى الهذية للَزِمَ من انتفاءها انْتِفَاء امْتنَاع تَجْوِيز التكثر بِحَسب الْخَارِج. قُلْنَا إِن الْكُلية من الْأُمُور الإضافية الْمَحْضَة يَعْنِي لَيْسَ فِي نفس الْمَوْصُوف بهَا أَمر متقرر يكون منشأ لانتزاعها بل إِذا نسب شَيْء إِلَى جزئياته الْمَوْجُودَة أَو الموهومة بصدقه عَلَيْهَا وتطابقه لَهَا يكون موصوفاتها وَحكم عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ. فالكلي مَا جوز الْعقل تكثره من حَيْثُ خُصُوص عنوانه مَعَ عزل النّظر عَمَّا هُوَ خَارج عَنهُ بِحَسب الْوَاقِع. والأفراد الَّتِي بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا كُلية ذَلِك الْكُلِّي مَا لَا يَأْبَى هُوَ نفس مَفْهُومه وخصوص عنوانه عَن الِاتِّحَاد مَعهَا مَوْجُودَة كَانَت أَو مَعْدُومَة وَهِي الْأَفْرَاد النَّفس الأمرية. وَأما الْفَرْضِيَّة الْمَحْضَة الَّتِي يَأْبَى هُوَ بِخُصُوص عنوانه عَن الِاتِّحَاد عَنْهَا فَلَيْسَتْ لَهَا حَظّ من الفردية بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ إِلَّا بِالْفَرْضِ البحت. وَتلك الكليات المنقوضة بهَا بِخُصُوص عنواناتها لَا تمنع الْعقل عَن تَجْوِيز كثرتها بِحَسب الْحمل على أفرادها فِي نفس الْأَمر وَإِن كَانَت متوهمة أَو ممتنعة. هَذَا مَا ذكره بعض الْفُضَلَاء. قيل فِي اندراج الكليات الْفَرْضِيَّة تَحت الْكُلِّي خَفَاء إِذْ الْكُلِّي مَا لَا يمْنَع تصَوره عَن الشّركَة. والتصور هُوَ حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل فَلَو كَانَت كليات لكَانَتْ أَشْيَاء قبل الشَّيْء الْمَأْخُوذ فِي تَعْرِيف التَّصَوُّر بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ الشَّامِل للموجود والمعدوم واللاشيء واللاممكن. فَإِن قيل يلْزم فِي الْكُلِّي سلب الشَّيْء عَن نَفسه لِأَن مَفْهُوم الْكُلِّي يصدق على نَفسه صدقا عرضيا لِأَن مَفْهُوم الْكُلِّي أَيْضا كلي كَمَا لَا يخفى. فَهُوَ فَرد من نَفسه ومعروض لَهُ فَهُوَ غير نَفسه لِأَن المعروض لَيْسَ نفس الْعَارِض فَهُوَ لَيْسَ نَفسه فَلَزِمَ سلب الشَّيْء عَن نَفسه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وَهُوَ محَال. قُلْنَا كُلية الْكُلِّي وَكَونه صَادِقا على نَفسه وعارضا لَهَا بِاعْتِبَار الْإِطْلَاق. وَكَونه فَردا لنَفسِهِ ومعروضا لَهَا بِاعْتِبَار الخصوصية. وَاعْتِبَار المعروضية غير اعْتِبَار العارضية ويتفاوت الِاعْتِبَار بتفاوت الْأَحْكَام. أما سَمِعت لَوْلَا الاعتبارات لبطلت الْحِكْمَة لِأَن أَكثر مسائلها مَبْنِيّ على الْأُمُور الاعتبارية فَافْهَم. الكليات خمس: لِأَن الْكُلِّي إِذا نسب إِلَى أَفْرَاده إِمَّا عين حَقِيقَتهَا أَو جُزْء حَقِيقَتهَا أَو خَارج عَن حَقِيقَتهَا. الأول: النَّوْع كالإنسان. وَالثَّانِي: إِن كَانَ تَمام الْمُشْتَرك بَين حَقِيقَة أَفْرَاده وَبَين حَقِيقَة أَفْرَاد غَيره أَو لَا. الأول الْجِنْس كالحيوان والجسم النامي. وَالثَّانِي الْفَصْل فَإِن لم يكن مُشْتَركا أصلا. ففصل قريب كالناطق. أَو كَانَ مُشْتَركا لَكِن لَا يكون تَمام الْمُشْتَرك. ففصل بعيد كالحساس. وعَلى الثَّالِث إِن كَانَ خَاصّا بماهية وَاحِدَة. فخاصة كالضاحك وَإِلَّا فَعرض عَام كالماشي. وَهَذَا الْقدر يَكْفِي للضبط فاحفظ. الْكُلِّي المنطقي: هُوَ مَفْهُوم لفظ الْكُلِّي من غير اعْتِبَار تَقْيِيده بمادة من الْموَاد كَمَا مر. وَهَذَا الْمَفْهُوم يَقع مَوْضُوعا فِي الْمسَائِل المنطقية الَّتِي يبْحَث فِيهَا عَن المعقولات الثَّانِيَة من حَيْثُ الإيصال ويورد عَلَيْهِ أَحْكَام لتَكون تِلْكَ الْأَحْكَام عَامَّة شَامِلَة لجَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ مَفْهُوم الْكُلِّي. وَلذَا سمي منطقيا لنسبته إِلَيْهِ وَلِأَن المنطقي إِنَّمَا يُرِيد بِلَفْظ الْكُلِّي ذَلِك الْمَفْهُوم الْمَذْكُور. وَمَا يُوجد فِي كتب الْمُتَأَخِّرين أَن الْكُلية هِيَ الْكُلِّي المنطقي غلط بل هِيَ مبدأ كَمَا ذكره الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي رسَالَته. وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت الْحَيَوَان كلي فهناك أُمُور ثَلَاثَة. أَحدهَا: الْحَيَوَان من حَيْثُ هُوَ هُوَ وَهُوَ معروض لمَفْهُوم لفظ الْكُلِّي. وَالثَّانِي: هُوَ مَفْهُوم لفظ الْكُلِّي من غير إِشَارَة إِلَى مَادَّة من الْموَاد أَعنِي مَا لَا يمْنَع نفس تصَوره عَن وُقُوع الشّركَة. وَهَذَا الْمَفْهُوم عَارض للكليات. وَالثَّالِث: الْحَيَوَان الْكُلِّي أَي المعروض مَعَ الْعَارِض. وَالْأَمر الثَّانِي هُوَ الْكُلِّي المنطقي كَمَا عرفت. وكليته لما ستعرف فِي الْكُلِّي الطبيعي وَالْأَمر الأول هُوَ. الْكُلِّي الطبيعي: فَهُوَ معروض الْكُلِّي المنطقي وَإِنَّمَا سمي كليا طبيعيا لِأَنَّهُ طبيعة من الطبائع أَي حَقِيقَة من الْحَقَائِق أَو لِأَنَّهُ مَوْجُود فِي الطبيعة أَي فِي الْخَارِج. وَأما كليته فَلِأَنَّهُ يصلح لِأَن يكون معروض الْكُلية أَي عدم منع تصَوره عَن وُقُوع الشّركَة بَين كثيرين وَهِي أَفْرَاده. وَأما الْكُلِّي المنطقي فَلَيْسَ بكلي بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَفْرَاد الْكُلِّي الطبيعي بل كلي بِالنِّسْبَةِ إِلَى فراده وموضوعاته فَإِن الْإِنْسَان مثلا كلي طبيعي وافراده زيد وَعَمْرو وَبكر. والكلي المنطقي لَا يصدق على هَذِه الْأَفْرَاد فالكلي المنطقي لَيْسَ بكلي بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا بل بِالْقِيَاسِ إِلَى مَوْضُوعَاته أَعنِي مَفْهُوم الْإِنْسَان وَالْفرس وَالْبَقر وَغير ذَلِك وَالْأَمر الثَّالِث هُوَ. الْكُلِّي الْعقلِيّ: فَهُوَ عبارَة عَن الْمَجْمُوع من الْعَارِض والمعروض كالحيوان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 الْكُلِّي. وَإِنَّمَا سمي عقليا إِذْ لَا وجود لَهُ إِلَّا فِي الْعقل إِذْ الْعَارِض الَّذِي هُوَ جزؤه عَقْلِي لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج. وَانْتِفَاء الْجُزْء فِي الْخَارِج يسْتَلْزم انْتِفَاء الْكل فِيهِ فَلَا وجود للْكُلّ من حَيْثُ هُوَ هُوَ إِلَّا فِي الْعقل. وَاعْلَم أَن الْكُلِّي الْعقلِيّ اعتباري مَحْض. وكليته لَيست إِلَّا بِاعْتِبَار أَن جزءه كلي وَهُوَ لَيْسَ بكلي أصلا إِذْ لَيْسَ لَهُ فَرد فضلا عَن أَن يكون لَهُ أَفْرَاد. وَمَا قيل إِن الْكُلِّي الْعقلِيّ كالإنسان الْكُلِّي مثلا كلي وأفراده الرُّومِي الْكُلِّي والحبشي الْكُلِّي يبعد عَن الْحق بمراحل. فَإِنَّهُ جُزْء الْكُلِّي الْعقلِيّ الْمَذْكُور وَهُوَ الْكُلِّي إِنَّمَا يحمل على أَنْوَاعه لَا على أَنْوَاع مَوْضُوعه. والرومي الْكُلِّي مثلا لَيْسَ بفرد من الْإِنْسَان الْكُلِّي الْمركب من الْمَوْضُوع والمحمول لِأَن الْكُلِّي من حَيْثُ إِنَّه صَادِق على الْإِنْسَان لَا يصدق على مَا تَحْتَهُ. فالكلي الصَّادِق على الرُّومِي غير الصَّادِق على الْإِنْسَان بِاعْتِبَار فَلَا يكون هَذَا الْمَجْمُوع الاعتباري أَعنِي الرُّومِي الْكُلِّي فَرد الْإِنْسَان. وتوضيحه أَن الْكُلِّي إِنَّمَا يصدق على الْإِنْسَان بِاعْتِبَار أَن نفس تصَوره لَا يمْنَع وُقُوع الشّركَة بَين كثيرين وَهِي أَفْرَاده الشخصية والكلي إِنَّمَا يصدق على الرُّومِي بِاعْتِبَار أَن نفس تصَوره لَا يمْنَع وُقُوع الشّركَة بَين أَفْرَاده لَا بِاعْتِبَار أَن الرُّومِي فَرد الْإِنْسَان الَّذِي يصدق عَلَيْهِ الْكُلِّي كَمَا يظْهر بِأَدْنَى تَأمل. هَذَا مَا حررناه فِي الْحَوَاشِي على الْحَوَاشِي للفاضل اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق. وَقَالَ الْعَلامَة الرَّازِيّ فِي رسَالَته فِي تَحْقِيق الكليات. وَأما الْكُلِّي الْعقلِيّ فَهُوَ لَيْسَ بكلي أصلا لِأَنَّهُ لَا فَرد لَهُ. وَمن هَا هُنَا ترى عُلَمَاء الْمنطق قسموا الجزئي إِلَى جزئي بالتشخص وجزئي بِالْعُمُومِ. وعدوا مثل قَوْلنَا الْإِنْسَان نوع وَالْحَيَوَان جنس من القضايا الْمَخْصُوصَة انْتهى. وَاعْلَم أَن لفظ الْكُلِّي مَوْضُوع لكل وَاحِد من الْكُلِّي المنطقي والطبيعي والعقلي بِوَضْع على حِدة فَيكون مُشْتَركا بَينهَا بالاشتراك اللَّفْظِيّ. الْكُلية: إِمْكَان فرض الِاشْتِرَاك والجزئية استحالته. الْكُلِّي الذاتي: هُوَ مَا لَيْسَ بعرضي أَي الْكُلِّي الَّذِي لَا يكون خَارِجا عَن حَقِيقَة جزئياته سَوَاء كَانَ عين حَقِيقَتهَا كالإنسان أَو جُزْءا مِنْهَا كالحيوان والناطق وَقد يُفَسر بِأَنَّهُ الَّذِي يكون دَاخِلا فِي حَقِيقَة جزئياته فَحِينَئِذٍ يلْزم الْوَاسِطَة بَين الْكُلِّي الذاتي والعرضي بالنوع كالإنسان. وَيشكل على الأول بِأَن الذاتي هُوَ المنتسب إِلَى الذَّات فَلَا يجوز أَن يكون نفس الْمَاهِيّة ذاتية وَإِلَّا لزم انتساب الشَّيْء إِلَى نَفسه وَهُوَ ظَاهر الْبطلَان لوُجُوب التغاير بَين الْمَنْسُوب والمنسوب إِلَيْهِ. وَالْجَوَاب أَن للذاتي مَعْنيين: أَحدهمَا: لغَوِيّ وَهُوَ كَون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 الشَّيْء مَنْسُوبا إِلَى الذَّات. وَثَانِيهمَا: اصطلاحي كَمَا ذكرنَا وَعدم كَون نفس الْمَاهِيّة ذاتية بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ مُسلم لَكِن لَا يضرنا لِأَن تَسْمِيَتهَا ذاتية لَيست بلغوية أَي بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ حَتَّى يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور بل إِنَّمَا هِيَ اصطلاحية أَي بِالْمَعْنَى الاصطلاحي وَلَا ريب فِي كَونهَا ذاتية بِهَذَا الْمَعْنى لِأَنَّهَا مَا لَيْسَ بعرضي بالتفسير الْمَذْكُور فَإِن قيل مَا الْمُنَاسبَة بَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ والاصطلاحي قُلْنَا أَكثر أَفْرَاد الذاتي كَذَلِك أَي منسوبة إِلَى الذَّات كالجنس والفصل نعم أَن النَّوْع نفس الْمَاهِيّة وَلَيْسَ مَنْسُوبا إِلَى الذَّات وَهَذَا لَا يضر فِي وَجه التَّسْمِيَة. الْكُلِّي العرضي: هُوَ الْكُلِّي الَّذِي لَا يدْخل فِي حَقِيقَة جزئياته بل يكون خَارِجا عَنْهَا كالضاحك والماشي للْإنْسَان. الكليات الْفَرْضِيَّة: هِيَ الَّتِي لَا يُمكن صدقهَا فِي نفس الْأَمر على شَيْء من الْأَشْيَاء الخارجية والذهنية كاللاشيء واللاموجود واللاممكن بالإمكان الْعَام فَإِن كل مَا يفْرض فِي الْخَارِج فَهُوَ شَيْء فِي الْخَارِج ضَرُورَة وكل مَا يفْرض فِي الذِّهْن فَهُوَ شَيْء فِي الذِّهْن ضَرُورَة فَلَا يصدق فِي نفس الْأَمر على شَيْء مِنْهُمَا أَنه لَا شَيْء وكل مَا فِي الْخَارِج يصدق عَلَيْهِ أَنه مَوْجُود فِيهِ وكل مَا فِي الذِّهْن يصدق عَلَيْهِ أَنه مَوْجُود فِي الذِّهْن فَلَا يُمكن صدق نقيضه أَعنِي اللاموجود على شَيْء أصلا وَكَذَا كل مَفْهُوم يصدق عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر أَنه مُمكن بالإمكان الْعَام فَيمْتَنع صدق نقيضه أَعنِي اللاممكن بالإمكان الْعَام على مَفْهُوم من المفهومات. (بَاب الْكَاف مَعَ الْمِيم) الْكَمَال: مَا خرج من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل دفْعَة أَو تدريجا وَمَا يتم بِهِ الشَّيْء وَمَا يكمل بِهِ النَّوْع فِي ذَاته أَو صِفَاته. وَمَا يكمل بِهِ فِي ذَاته هُوَ: الْكَمَال الأول: وَمَا يكمل بِهِ فِي صِفَاته هُوَ: الْكَمَال الثَّانِي: لتأخره عَن النَّوْع وَيُقَال لَهُ التَّمام فالكمال مَا يتم بِهِ الشَّيْء فِي ذَاته والتمام مَا يتم بِهِ الشَّيْء فِي صِفَاته. الْكمّ: هُوَ الْعرض الْقَابِل للانقسام بِالذَّاتِ وَهُوَ على نَوْعَيْنِ مُتَّصِل وَكم مُنْفَصِل أما الْكمّ الْمُتَّصِل فَهُوَ مَا يكون بَين أَجْزَائِهِ الْمَفْرُوضَة حد مُشْتَرك وَالْحَد الْمُشْتَرك مَا يكون نسبته إِلَى الجزئين نِسْبَة وَاحِدَة كالنقطة بِالْقِيَاسِ إِلَى جزئي الْخط والكم الْمُنْفَصِل مَا لَا يكون بَين أَجْزَائِهِ الْمَفْرُوضَة حد مُشْتَرك وَهُوَ الْعدَد لَا غير قيل انحصار الْكمّ الْمُنْفَصِل فِي الْعدَد غير بَين لَا برهَان عَلَيْهِ كَيفَ والجسم مَعَ سطحه والسطح مَعَه خطه لَيْسَ بَينهمَا حد مُشْتَرك وليسا بِعَدَد وَالْجَوَاب أَنهم قد استدلوا على الانحصار بِأَن الْكمّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 الْمُنْفَصِل مركب من متفرقات والمتفرقات مُفْرَدَات والمفردات أحاد وَالْوَاحد إِمَّا أَن يُؤْخَذ من حَيْثُ هُوَ وَاحِد فَقَط أَو من حَيْثُ إِنَّه إِنْسَان أَو حجر فَإِن أَخذ من حَيْثُ إِنَّه وَاحِد فَقَط لم يكن الْحَاصِل من اجْتِمَاع أَمْثَاله إِلَّا الْعدَد وَإِن أَخذ من حَيْثُ إِنَّه إِنْسَان أَو حجر فَإِنَّهُ لَا يُمكن اعْتِبَار كَون الأناسي الْحَاصِلَة من اجْتِمَاع الْإِنْسَان الْوَاحِد وَبِاعْتِبَار كَون الْأَحْجَار الْحَاصِلَة من اجْتِمَاع الْحجر الْوَاحِد كميات مُنْفَصِلَة إِلَّا عِنْد اعْتِبَار كَونهَا مَعْدُودَة بالآحاد الَّتِي فِيهَا فَهِيَ إِنَّمَا تكون كميات مُنْفَصِلَة من حَيْثُ كَونهَا مَعْدُودَة بالآحاد الَّتِي فِيهَا فَلَيْسَ الْكمّ مُنْفَصِلا إِلَّا الْعدَد وَمَا عداهُ إِنَّمَا يكون كَمَا مُنْفَصِلا بِوَاسِطَة وَهُوَ الْمَطْلُوب. وَذهب بعض النَّاس إِلَى أَن القَوْل كم مُنْفَصِل غير قار الذَّات كَمَا أَن الْعدَد كم مُنْفَصِل قار الذَّات كَمَا سَيَجِيءُ وَالْحق أَن القَوْل إِنَّمَا يكون لأجل الْكَثْرَة الَّتِي فِيهِ ولولاها لم يكن كَمَا فَهُوَ كم مُنْفَصِل بِالْعرضِ وَأما الْجِسْم مَعَ سطحه فَهُوَ أَيْضا كم مُنْفَصِل بِالْعرضِ وَإِن كَانَ كل وَاحِد من جزئيه كَمَا مُتَّصِلا بِالذَّاتِ وَكَذَا الْحَال فِي السَّطْح مَعَ خطه. ثمَّ اعْلَم أَن الْكمّ الْمُتَّصِل إِن كَانَ ذَا امتداد وَاحِد وَهُوَ الْخط أَو ذَا امتدادين وَهُوَ السَّطْح أَو ذَا امتدادات ثَلَاثَة وَهُوَ الْجِسْم التعليمي وَهَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة للكم الْمُتَّصِل القار الذَّات أَي مُجْتَمع الاجزاء. وَأما الْكمّ الْمُتَّصِل الْغَيْر القار الذَّات فَهُوَ الزَّمَان كَمَا حققنا فِي الزَّمَان. فالكم الْمُتَّصِل على نَوْعَيْنِ قار الذَّات وَغير قار الذَّات ثمَّ قار الذَّات ثَلَاثَة الْخط والسطح والجسم التعلمي وَفِي هِدَايَة الْحِكْمَة وينقسم إِلَى كم مُنْفَصِل كالعدد وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الْكَاف للتمثيل وَهُوَ يَقْتَضِي تعدد أَقسَام الْمثل لَهُ وَهُوَ الْكمّ الْمُنْفَصِل وَقد ذكرُوا أَنه منحصر فِي الْعدَد فالكاف لَيْسَ بِصَحِيح. وتوجيهه أَن الْكَاف للْبَيَان لَا للتشبيه كَمَا فِي قَول ابْن الْحَاجِب كَمَا مَعَ غير الطّلب وَيُمكن أَن يُقَال إِن التَّمْثِيل بِاعْتِبَار أَنْوَاع الْعدَد لَا بِاعْتِبَار أَنْوَاع الْكمّ الْمُنْفَصِل حَتَّى لَا يَصح فَالْمُرَاد من قَوْله كالعدد كالخمسة والستة وَغير ذَلِك - قَالَ الشَّارِح الْقَدِيم لَعَلَّ المُصَنّف تبع فِي ذَلِك مَا قَالَه بعض الْمُتَقَدِّمين من أَن الْكمّ الْمُنْفَصِل إِمَّا قار وَهُوَ الْعدَد أَو غير قار وَهُوَ القَوْل فَإِن أجزاءه لَا تُوجد مَعًا وَلَيْسَ بَينهَا حد مُشْتَرك فصح التَّمْثِيل وَقد مر جَوَابه آنِفا. كَمَا: كلمة مَا فِي كَمَا مَصْدَرِيَّة وَالْكَاف للتشبيه وَفِي مثل كَمَا إِذا قُلْنَا كَافَّة وروى التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا استجد ثوبا سَمَّاهُ عِمَامَة أَو قَمِيصًا أَو رِدَاء ثمَّ يَقُول: " اللَّهُمَّ لَك الْحَمد كَمَا كسوتنيه أَسأَلك خَيره وَخير مَا صنع لَهُ وَأَعُوذ بك من شَره وَشر مَا صنع لَهُ ". وَقَالَ الْفَاضِل المدقق عِصَام الدّين رَحمَه الله فِي شَرحه الْكَاف فِي كَمَا للتشبيه كَمَا هُوَ الظَّاهِر يَعْنِي اخْتِصَاص الْحَمد كاختصاص الْكسْوَة بك أَو لَك الْحَمد منا كالكسوة لنا بِمَعْنى كَمَا أَن كسوتنا لَا لغَرَض وَلَا لعوض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 بل لاسْتِحْقَاق بالفقر وَالْحَاجة نحمدك لَا لعوض وَلَا لغَرَض بل لاستحقاقك بالغنا والاستغناء. فَإِن هَذَا بَيَان بديع من خَصَائِص هَذَا الْكتاب وَلمن سبق توجيهات أخر ووجيهات غرر. أَحدهَا: تَشْبِيه الْحَمد بِالنعْمَةِ فِي الْمِقْدَار. وَثَانِيها: كَون الْكَاف لِلْقُرْآنِ كَمَا فِي سلم دخل أثْبته الْمُغنِي. وَثَالِثهَا: للتَّعْلِيل جوزه الْمُغنِي. وَرَابِعهَا: كَونهَا للظرفية الزمانية نقل عَن الإِمَام الْغَزالِيّ رَحمَه الله وَرُبمَا يجوز تعلقه بأسألك. الكمية: فِي اسْم الْعدَد. (بَاب الْكَاف مَعَ النُّون) الكنية: فِي الِاسْم. كنه الشَّيْء: فِي اللُّغَة نهايته ودقته. وَفِي الِاصْطِلَاح حَقِيقَته وَجَمِيع ذاتياته قَالُوا تصور الْحَد التَّام بكنهه هُوَ الْمُفِيد لتصور الْمَحْدُود بكنهه أَي بِجَمِيعِ ذاتياته. وتفصيله أَن معرف الشَّيْء مَا يسْتَلْزم تصَوره بِالنّظرِ تصور ذَلِك الشَّيْء فها هُنَا تصوران: أَحدهمَا: كاسب وَهُوَ تصور الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ. وَثَانِيهمَا: مكتسب مِنْهُ وَهُوَ تصور الْمُعَرّف بِالْفَتْح. ثمَّ تصور كل مِنْهُمَا على ضَرْبَيْنِ بالكنه وَبِغير الكنه. والمعرف أَرْبَعَة - حد تَامّ - وحد نَاقص - ورسم تَامّ - ورسم نَاقص وتصور الْمُعَرّف بِالْفَتْح بِغَيْر الكنه إِنَّمَا يحصل بِمَا عدا الْحَد التَّام سَوَاء تصور مَا عداهُ بالكنه أَو بِغَيْرِهِ كَمَا أَن تصور الْمُعَرّف بالكنه إِنَّمَا يحصل بِالْحَدِّ التَّام المتصور بكنهه لَا مُطلقًا. أما الأول فَلِأَن مَا عداهُ لَيْسَ بِجَامِع لجَمِيع ذاتيات الْمُعَرّف. وَأما الثَّانِي فَلِأَن تصور الشَّيْء بالكنه عبارَة عَن تصور جَمِيع ذاتياته وأجزائه بالكنه ومجموع تصورات أَجْزَائِهِ بالكنه هُوَ الْحَد التَّام المتصور بكنهه الَّذِي هُوَ عين الْمَحْدُود. وَإِنَّمَا الْفرق بالإجمال وَالتَّفْصِيل فَمن قَالَ إِن الْحَد التَّام يَكْفِي فِي إفادته كنه الْمَحْدُود تصورات أَجْزَائِهِ وذاتياته مفصلة. أما بالكنه أَو بِغَيْرِهِ فقد ضل ضلالا بَعيدا لِأَنَّهُ إِذا لم يكن بعض ذاتيات الْمَحْدُود مَعْلُوما بالكنه لم يكن الْمَحْدُود مَعْلُوما بكنهه بِالضَّرُورَةِ فضلا عَن أَن لَا يكون جَمِيع ذاتياته مَعْلُوما بالكنه. فَاعْلَم أَن تصور الْإِنْسَان بالكنه يكون مكتسبا من تصور الْحَيَوَان النَّاطِق بالكنه بِأَن تصور الْحَيَوَان بجوهر جسم إِلَى آخِره والناطق بمدرك المعقولات. وَأما إِذا تصورا بِغَيْر كنههما بِأَن تصور الْحَيَوَان بالماشي والناطق بالمتعجب لَا يحصل تصور الْإِنْسَان بكنه لِأَن الْمُعَرّف فِي الْحَقِيقَة حِينَئِذٍ هُوَ الْمَاشِي المتعجب وهما ليسَا بذاتيين للْإنْسَان هَكَذَا يَنْبَغِي توضيح المرام لينْتَفع بِهِ الْخَواص والعوام فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. الْكِنَايَات: جمع الْكِنَايَة وَهِي فِي اللُّغَة عبارَة عَن تَعْبِير أَمر معِين بِلَفْظ غير صَرِيح فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ بغرض من الْأَغْرَاض كالإبهام على السامعين. واصطلح النُّحَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 على هَذَا الْمَعْنى اللّغَوِيّ بِلَا تفَاوت. ومرادهم بِالْكِنَايَةِ فِي المبنيات اسْم يكنى بِهِ من كم وَكَذَا وَغير ذَلِك لَا كل اسْم يكنى بِهِ وَلَا كل بعض مِنْهُ بل بعض معِين اصْطَلحُوا عَلَيْهِ فِي بَاب المبنيات كَمَا بَين فِي كتب النَّحْو. وَالْكِنَايَة: عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان تطلق على مَعْنيين: أَحدهمَا: الْمَعْنى المصدري الَّذِي هُوَ فعل الْمُتَكَلّم أَعنِي ذكر اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم مَعَ جَوَاز إِرَادَة اللَّازِم أَيْضا فاللفظ يكنى بِهِ وَالْمعْنَى مكنى عَنهُ. وَالثَّانِي: اللَّفْظ الَّذِي أُرِيد لَازم مَعْنَاهُ مَعَ جَوَاز إِرَادَة ذَلِك الْمَعْنى مَعَ لَازمه كَلَفْظِ طَوِيل النجاد وَالْمرَاد بِهِ لَازم مَعْنَاهُ أَعنِي طَوِيل الْقَامَة مَعَ جَوَاز أَن يُرَاد بِهِ حَقِيقَة طول النجاد أَيْضا وَمثل فلَان كثير الرماد وجبان الْكَلْب ومهزول الفصيل أَي كثير الضَّيْف. وَقد عرفت الْفرق بَين الْمجَاز وَالْكِنَايَة فِي الْمجَاز بِأَنَّهُ لَا بُد فِي الْمجَاز من قرينَة مَانِعَة عَن إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ بِخِلَاف الْكِنَايَة فَإِنَّهُ لَا يجوز فِي قَوْلنَا رَأَيْت أسدا يَرْمِي مثلا أَن يُرَاد بالأسد الْحَيَوَان المفترس. وَيجوز فِي طَوِيل النجاد أَن يُرَاد لَازم مَعْنَاهُ أَعنِي طَوِيل الْقَامَة مَعَ إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ أَعنِي طول النجاد. والسكاكي فرق بَين الْكِنَايَة وَالْمجَاز بِأَن الِانْتِقَال فِي الْكِنَايَة يكون من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم كالانتقال من طول النجاد الَّذِي هُوَ لَازم لطول الْقَامَة إِلَيْهِ والانتقال فِي الْمجَاز يكون من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم كالانتقال من الْغَيْث الَّذِي هُوَ ملزوم النبت إِلَى النبت وَمن الْأسد الَّذِي هُوَ ملزوم الشجاع إِلَى الشجاع. وَهَذَا الْفرق يَنْبَغِي أَن يوضع على الْفرق تَحت الْمِيزَاب حَتَّى يحصل لَهُ الْفرق لِأَن اللَّازِم مَا لم يكن ملزوما لم ينْتَقل مِنْهُ لِأَن اللَّازِم من حَيْثُ إِنَّه لَازم يجوز أَن يكون أَعم من الْمَلْزُوم وَلَا دلَالَة للعام على الْخَاص بل إِنَّمَا يكون ذَلِك على تَقْدِير تلازمهما وتساويهما وَإِذا كَانَ اللَّازِم ملزوما يكون الِانْتِقَال من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم كَمَا فِي الْمجَاز فَلَا يتَحَقَّق الْفرق. والسكاكي قد اعْترف بِأَنَّهُ مَا لم تكن الْمُسَاوَاة بَين اللَّازِم والملزوم أَي الْمُلَازمَة لَا يُمكن الِانْتِقَال والانتقال حِينَئِذٍ من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم يكون بِمَنْزِلَة الِانْتِقَال من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره الْكِنَايَة كل مَا استتر المُرَاد مِنْهُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ ظَاهرا فِي اللُّغَة سَوَاء كَانَ المُرَاد مِنْهُ الْحَقِيقَة أَو الْمجَاز فَيكون تردد فِيمَا أُرِيد بِهِ فَلَا بُد من النِّيَّة أَو مَا يقوم مقَامهَا من دلَالَة الْحَال كَحال مذاكرة الطَّلَاق ليزول التَّرَدُّد وَيتَعَيَّن المُرَاد. وَاعْلَم أَن كنايات الطَّلَاق مثل أَنْت بَائِن أَنْت حرَام يُطلق عَلَيْهَا لفظ الْكِنَايَة مجَازًا لَا حَقِيقَة فَإِن حَقِيقَة الْكِنَايَة مَا استتر المُرَاد بِهِ ومعاني هَذِه الْأَلْفَاظ ظَاهِرَة غير مستترة لَكِنَّهَا شابهت الْكِنَايَة من جِهَة الْإِبْهَام فِيمَا يتَعَلَّق بمعانيها فَإِن الْبَائِن مثلا مَعْنَاهُ ظَاهر غير مستتر وَهُوَ الْبَيْنُونَة لَكِنَّهَا مُبْهمَة من حَيْثُ متعلقها فَإِنَّهُ لَا يعلم أَن الْبَيْنُونَة إِمَّا عَن النِّكَاح أَو غَيره فَالنِّكَاح وَغَيره من متعلقات الْبَيْنُونَة. وَالْكِنَايَة عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان هِيَ أَن يعبر عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 شَيْء لفظا كَانَ أَو معنى بِلَفْظ غير صَرِيح فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ لغَرَض من الْأَغْرَاض كالإبهام على السَّامع نَحْو جَاءَنِي فلَان أَو لنَوْع فصاحة نَحْو فلَان كثير الرماد انْتهى. الْكَنْز: فِي الرِّكَاز. الْكَنْز المخفي: هُوَ الهوية الأحدية الْمكنون فِي الْغَيْب. الكنود: من يعد المصائب وينسى الْمَوَاهِب. الكنيف: المستراح. (بَاب الْكَاف مَعَ الْوَاو) كَوْكَب الخرقاء: الخرقاء اسْم امْرَأَة نسب الْكَوْكَب إِلَيْهَا لظُهُور جدها فِي تهيئة ملابس الشتَاء بتفريقها قطنها فِي قرائبها ليغزل لَهَا فِي زمَان طلوعه الَّذِي هُوَ ابْتِدَاء الْبرد. وَقَالَ الْفَاضِل الجلبي فِي الْحَوَاشِي على المطول قَوْله نَحْو كَوْكَب الخرقاء تلميح إِلَى قَول الشَّاعِر: (إِذْ كَوْكَب الخرقاء لَاحَ بسحرة ... سُهَيْل أذاعت غزلها فِي القرائب) الخرقاء اسْم الْمَرْأَة الَّتِي فِي عقلهَا خفَّة وَبهَا حَمَاقَة وَكَانَت هَذِه الخرقاء امْرَأَة تضيع وَقتهَا طول الصَّيف فَإِذا طلع سُهَيْل وَهِي كَوْكَب بِقرب الْكَوْكَب الجنوبي يطلع عِنْد ابْتِدَاء الْبرد تنبهت لمجيء الشتَاء وَفرقت قطنها الَّذِي يصير غزلا فِي مَا يؤول إِلَيْهِ فِي قرائبها اسْتِعْدَادًا لَهُ السَّحَرَة بِالضَّمِّ السحر سُهَيْل رفع بَدَلا من كَوْكَب أَو عطف بَيَان وأذاعت بِمَعْنى فرقت. الْكَوَاكِب: جمع الْكَوْكَب وَهِي أجسام بسيطة مركوزة فِي الأفلاك عِنْد الْحُكَمَاء كالفص فِي الْخَاتم كلهَا مضيئة بذاتها إِلَّا الْقَمَر فَإِنَّهُ يستضيء من الشَّمْس وَهِي سيارة وثوابت. أما السيارة فسبعة الْقَمَر وَعُطَارِد والزهرة وَالشَّمْس والمريخ وَالْمُشْتَرِي وزحل وَمَا عدا هَذِه السَّبْعَة ثوابت. وَإِنَّمَا سميت تِلْكَ السَّبْعَة سيارة وَمَا عَداهَا ثوابت لسرعة سَيرهَا وبطء مَا سواهَا أَو لثبات أوضاع بَعْضهَا من بعض فِي الْقرب والبعد والمحاذاة قَالَ قَائِل: (قمر است وَعُطَارِد وزهره ... شمس ومريخ ومشتري وزحل) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 والثوابت الَّتِي يخيلون الصُّور بالخطوط الْوَاصِلَة ألف وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ كوكبا. وَإِن أردْت شرف الْكَوَاكِب وهبوطها وفرحها ومنازلها فَارْجِع إِلَى شرف الْكَوَاكِب. وَالْقَمَر على الْفلك الأول أَي فلك الدُّنْيَا. وَعُطَارِد على الثَّانِي. والزهرة على الثَّالِث. وَالشَّمْس على الرَّابِع. والمريخ على الْخَامِس. وَالْمُشْتَرِي على السَّادِس. وزحل على السَّابِع. والثوابت على الثَّامِن. والفلك التَّاسِع هُوَ الْفلك الأطلس أَي الساذج عَن الْكَوَاكِب وَهُوَ فلك الأفلاك وأسامي الْكَوَاكِب السَّبْعَة بِالْفَارِسِيَّةِ ماه - عُطَارِد - ناهيد - خورد - بهْرَام - برجيس - كيوان. ثمَّ اعْلَم أَن يَوْم الْأَحَد مَنْسُوب إِلَى الشَّمْس فَإِنَّهَا صاحبته وتتصرف فِيهِ بآثارها وَيَوْم الِاثْنَيْنِ إِلَى الْقَمَر وَالثُّلَاثَاء إِلَى المريخ وَالْأَرْبِعَاء إِلَى عُطَارِد وَالْخَمِيس إِلَى المُشْتَرِي وَالْجُمُعَة إِلَى الزهرة والسبت إِلَى زحل. وَاعْلَم أَن المربوب بِكُل كَوْكَب معمورة خَاصَّة كَمَا قَالَ قَائِل: (شدّ زحل هندوستان برجيس جين بهْرَام شام ... ) (خور خُرَاسَان نيز جيهون ماه ترك وزهره زنكك ... ) وَأما اللَّيَالِي فليلة يَوْم الْأَحَد لعطارد وَلَيْلَة يَوْم الِاثْنَيْنِ للْمُشْتَرِي وَلَيْلَة يَوْم الثُّلَاثَاء للزهرة وَلَيْلَة يَوْم الْأَرْبَعَاء لزحل وَلَيْلَة الْخَمِيس للشمس وَالْجُمُعَة للقمر والسبت للمريخ. ثمَّ اعْلَم أَن الشَّمْس وَالْقَمَر من السَّبْعَة السيارة تسميان بالنيرين والباقية مِنْهَا بالخمسة الْمُتَحَيِّرَة. ثمَّ عُطَارِد والزهرة من الْخَمْسَة تسميان بالسفليتين لِكَوْنِهِمَا أَسْفَل من الشَّمْس. وزحل وَالْمُشْتَرِي والمريخ تسمى بالعلويات لكَونهَا أَعلَى من الشَّمْس. وَالْقَمَر هُوَ النير الْأَصْغَر. وَعُطَارِد يُسمى بالكاتب أَيْضا. والزهرة تسمى بالسعد الْأَصْغَر أَيْضا. وَالشَّمْس هِيَ النير الْأَعْظَم - والمريخ يُسمى بالأحمر أَيْضا وَهُوَ النحس الْأَصْغَر - وَالْمُشْتَرِي هُوَ السعد الْأَكْبَر - وزحل يُسمى بكيوان أَيْضا وَهُوَ النحس الْأَكْبَر - وَفِي شرح الجغمني الْكَوْكَب جرم كري مركوز فِي الْفلك مُنِير فِي الْجُمْلَة أَي سَوَاء كَانَ إنارته بِالذَّاتِ كَمَا سوى الْقَمَر أَو بالواسطة كَالْقَمَرِ وَقَوله تنير احْتِرَاز عَن التداوير لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت مركوزة فِي الْفلك لَكِنَّهَا لَيست منيرة فَافْهَم فَإِن قيل مَا وَجه تَسْمِيَة تِلْكَ الْكَوَاكِب الْخَمْسَة بالمتحيرة قُلْنَا إِن لَهَا سرعَة وبطأ واستقامة وَإِقَامَة ورجوعا كَأَنَّهَا متحيرة فِي سَيرهَا. فِي الفتوحات المكية فِي الْبَاب التَّاسِع وَالسِّتِّينَ وَهُوَ الْبَاب الْمَعْقُود لبَيَان أسرار الصَّلَاة مَا يدل بصريحه على أَن أنوار جَمِيع الْكَوَاكِب مستفادة من نور الشَّمْس وَعَلِيهِ المتكلمون وَكَلَام الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي رَحمَه الله تَعَالَى فِي هياكل النُّور يدل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 على ذَلِك. وَقَالَ الْمُحَقق الدواني فِي شَرحه هَذَا هُوَ الْحق وأجوبة الْمُخَالفين فِي المطولات. وَفِي المثنوي للعارف الرُّومِي قدس سره مَا يدل على ذَلِك فَافْهَم واحفظ. الْكَوْن: بِالْفَتْح وَهُوَ اسْم لما حدث دفْعَة كانقلاب المَاء هَوَاء فَإِن الصُّورَة الهوائية كَانَت للْمَاء بِالْقُوَّةِ فَخرجت مِنْهَا إِلَى الْفِعْل دفْعَة كَمَا مر فِي الْحَرَكَة وَقيل الْكَوْن اسْم لحُصُول الصُّورَة فِي الْمَادَّة بعد أَن لم تكن حَاصِلَة فِيهَا. والكون: عِنْد أَرْبَاب السلوك عبارَة عَن وجود الْعَالم من حَيْثُ هُوَ عَالم لَا من حَيْثُ هُوَ حق وَعند أهل النّظر بِمَعْنى المكون. الْكَوْثَر: الْأَصَح أَنه نهر فِي الْجنَّة وَقَالَ بَعضهم أَنه حَوْض كَمَا قَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ إِلَى آخِره والحوض حق لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} . وَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " حَوْضِي مسيرَة شهر وزواياه سَوَاء " أَي طوله وَعرضه وماؤه أَبيض من اللَّبن وريحه أطيب من الْمسك وكيزانه أَكثر من نُجُوم السَّمَاء من يشرب مِنْهَا فَلَا يظمأ أبدا. وَالْأَحَادِيث فِيهِ كَثِيرَة انْتهى وعَلى هَذَا ثَبت أَن الْكَوْثَر لَيْسَ بمدور فَإِن المدور لَا يُسمى نهر أَو أَن الزوايا لَا تتَصَوَّر فِي المدور. ف (95) : وَأجِيب عَنهُ بِأَن الْكَوْثَر مربع لِأَن الشَّيْخ الْأَجَل جلال الدّين السُّيُوطِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه البدور السافرة أخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنا على حَوْضِي أنظر من يرد عَليّ والحوض مسيرَة شهر وزواياه على السوية " انْتهى. أَقُول لم لَا يجوز أَن يكون مثلثا مثلا متساوي الأضلاع فَلَا يتم التَّقْرِيب لِأَن الْمُدَّعِي أَن الْكَوْثَر مربع وبمساواة الزوايا لَا يثبت المربع كَمَا لَا يخفى نعم عدم تَمام التَّقْرِيب إِنَّمَا هُوَ على تَقْدِير دَعْوَى الْمُجيب بِأَنَّهُ مربع لَكِن بِالنّظرِ إِلَى دَعْوَى الْمَحْمُود الصّباغ أَنه مدور فَهُوَ تَامّ لِأَن الزوايا لَا تتَصَوَّر فِي المدور فضلا عَن مساواتها فبتساوي الزوايا يثبت أَنه لَيْسَ بمدور وَهُوَ مدعى الْمُجيب فَافْهَم. (بَاب الْكَاف مَعَ الْهَاء) الكهولة: التجاوز عَن أَرْبَعِينَ سنة وَقيل عَن ثَلَاثِينَ كَمَا يعلم مِمَّا ذكرنَا فِي الصَّبِي فَافْهَم واحفظ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 (بَاب الْكَاف مَعَ الْيَاء) الكيمياء: فِي الطلسم. كيمياء السَّعَادَة: تَهْذِيب النَّفس باجتناب الرذائل وتزكيتها عَنْهَا واكتساب الْفَضَائِل وتحليها بهَا. وَاسم كتاب صنفه الإِمَام الْهمام مُحَمَّد الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى. كيمياء الْعَوام: استبدال الْمَتَاع الأخروي الْبَاقِي بالحطام الدنيوي الفاني. كيمياء الْخَواص: تَخْلِيص الْقلب عَن الْكَوْن باستئثار المكون. الكيف: عرض لَا يَقْتَضِي لذاته قسْمَة وَلَا نِسْبَة والقيد الأول احْتِرَاز عَن الْكمّ لاقْتِضَائه الْقِسْمَة بِالذَّاتِ وَالثَّانِي عَن الْبَوَاقِي فَإِن الْإِضَافَة كالأبوة تَقْتَضِي النِّسْبَة إِلَى الْأَب وَمَتى يَقْتَضِي نِسْبَة حُصُول الشَّيْء فِي الزَّمَان وعَلى هَذَا قِيَاس الْبَوَاقِي. وَإِنَّمَا قُلْنَا لذاته ليدْخل فِي الكيف الكيفيات الْمُقْتَضِيَة للْقِسْمَة أَو للنسبة بِوَاسِطَة اقْتِضَاء محلهَا ذَلِك. اعْلَم أَن القدماء رسموا الكيف بِأَنَّهُ هَيْئَة قارة لَا تَقْتَضِي قسْمَة وَلَا نِسْبَة لذاتها وَالْمرَاد بالقارة الثَّابِتَة. والمتأخرون بِأَنَّهُ عرض لَا يتَوَقَّف تصَوره على تصور غَيره وَلَا يَقْتَضِي الْقِسْمَة واللاقسمة فِي مَحَله اقْتِضَاء أوليا. وَلَا يخفى أَن هَذَا التَّعْرِيف أحسن من تَعْرِيف القدماء لِأَن فِي تعريفهم خللا من وُجُوه ثَلَاثَة: الأول: إِن فِي لفظ الْهَيْئَة والقارة خَفَاء. وَالثَّانِي: أَنه يخرج الْأَصْوَات لِأَنَّهَا إِمَّا آنِية أَو زمانية فَلَيْسَتْ بقارة أَي ثَابِتَة فِي محلهَا مَعَ أَنَّهَا من الكيفيات. وَالثَّالِث: أَنه يرد على تعريفهم أَنه لَيْسَ بمانع لصدقه على النقطة والوحدة على قَول من قَالَ إِن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَيْسَ من مقولة الكيف. وَقَوْلهمْ لَا يَقْتَضِي قسْمَة أَي قبُول الْقِسْمَة الوهمية ليخرج الْكمّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي قبُولهَا. وَقَوْلهمْ اللاقسمة ليخرج الْوحدَة والنقطة على الْأَصَح فَإِنَّهُمَا تقتضيان اللاقسمة. وَقَوْلهمْ فِي مَحَله ظرف مُسْتَقر حَال عَن فَاعل لَا يَقْتَضِي وَالْمعْنَى لَا يَقْتَضِي الْقِسْمَة واللاقسمة حَال كَونه فِي مَحَله. وَفَائِدَة التَّقْيِيد الْإِشَارَة إِلَى أَن عدم اقْتِضَاء الْقِسْمَة واللاقسمة لَيْسَ بِاعْتِبَار التَّصَوُّر بِأَن يكون تصَوره مستلزما لتصور الْقِسْمَة واللاقسمة بل بِاعْتِبَار الْوُجُود والألم يخرج الْكمّ لعدم اقتضائه الْقِسْمَة فِي الذِّهْن ضَرُورَة أَن تصَوره لَا يسْتَلْزم تصور الْقِسْمَة واللاقسمة وَالْمرَاد بالاقتضاء الأول الِاقْتِضَاء الذاتي وَإِنَّمَا قيد بِهِ ليدْخل الكيف الَّذِي يَقْتَضِي اللاقسمة لَكِن لَا لذاته الْعلم الْبَسِيط الْحَقِيقِيّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اللاانقسام لَكِن لَا لذاته وَلِئَلَّا تخرج الكيفيات الْمُقْتَضِيَة للْقِسْمَة بِسَبَب عروضها للكميات كالبياض الْقَائِم بالسطح وَأَنت تعلم أَنه لَا اقْتِضَاء هَا هُنَا وَإِنَّمَا هُوَ قبُول الْقِسْمَة بالتبع. والكيفيات أَنْوَاع أَرْبَعَة: الأول: الكيفيات المحسوسة بالحواس الظَّاهِرَة وَهِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 انفعاليات وانفعالات. وَالثَّانِي: الكيفيات النفسانية وَهِي ملكات وحالات. وَالثَّالِث: الكيفيات المختصة بالكميات الْمُتَّصِلَة كالتثليث والتربيع وَغير ذَلِك أَو الْمُنْفَصِلَة كالزوجية والفردية والتساوي وَالزِّيَادَة وَغير ذَلِك. وَالرَّابِع: الكيفيات الاستعدادية وَهِي الضعْف وَالْقُوَّة. الكيفيات النفسانية: قيل هِيَ الكيفيات المختصة بذوات الْأَنْفس الحيوانية. وَيرد عَلَيْهِ أَن الكيفيات النفسية كالعلوم ثَابِتَة للمجردات أَيْضا من الْوَاجِب والعقول فَلَا تكون مُخْتَصَّة بذوات الْأَنْفس الحيوانية وَالْجَوَاب أَنَّهَا خَاصَّة إضافية فَالْمَعْنى أَن تِلْكَ الكيفيات من بَين الْأَجْسَام مُخْتَصَّة بِالْحَيَوَانِ أَي لَا تُوجد فِي النَّبَات والجماد على أَن الْقَائِل بثبوتها للْوَاجِب تَعَالَى وَغَيره من المجردات لم يَجْعَلهَا مندرجة فِي جنس الكيف وَلَا فِي الْأَعْرَاض وفسرها بَعضهم بالمختصة بذوات الْأَنْفس مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ حَيَوَانا أَو نباتا وَبِهَذَا التَّفْسِير أَيْضا الْخَاصَّة إضافية فَإِنَّهَا تُوجد فِي غير ذَوَات الْأَنْفس أَيْضا لوجودها فِي الْوَاجِب والعقول كَمَا مر. وَإِنَّمَا قَالَ مُطلقًا لِأَن الصِّحَّة ومقابلها من هَذِه الكيفيات توجدان فِي النَّبَات بِحَسب قُوَّة التغذية والتنمية كَمَا ذكرُوا. ثمَّ الكيفيات النفسانية خَمْسَة أَنْوَاع الْحَيَاة ثمَّ الْعلم ثمَّ الْإِرَادَة ثمَّ الْقُدْرَة ثمَّ بَقِيَّة الكيفيات النفسانية من اللَّذَّة والألم. الكيفيات الاستعدادية: أَي الكيفيات الَّتِي من جنس الاستعداد فالياء للنسبة تفِيد إِضَافَة الْفَرد ونسبته إِلَى جنسه كَقَوْلِك كوزة ترابية وجسم حيواني فَلَيْسَتْ تِلْكَ مُغَايرَة للاستعداد كَيفَ فَإِنَّهَا مفسرة باستعداد شَدِيد نَحْو الدّفع واللاانفعال كالصلابة وَتسَمى قُوَّة وَلَا ضعفا أَو نَحْو الْقبُول واللاانفعال كاللين وَيُسمى ضعفا فالاستعداد الْمُطلق جنس وَالْقُوَّة والضعف نَوْعَانِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 ( [حرف اللَّام] ) (بَاب اللَّام مَعَ الْألف) اللَّازِم: الْغَيْر المنفك. وَفِي اصْطِلَاح الْمَعْقُول الْخَارِج عَن الشَّيْء الْمُمْتَنع انفكاكه عَنهُ. وَهُوَ نَوْعَانِ لَازم الْوُجُود ولازم الْمَاهِيّة ولازم الْوُجُود هُوَ لَازم الْفَرد الْمَوْجُود الْخَاص للماهية كالسواد للحبشي فَإِنَّهُ لَازم للفرد الْخَاص للْإنْسَان فَالْمُرَاد بالوجود الْخَاص الْوُجُود الْخَاص فَلَا يرد أَن يُقَال إِن السوَاد لَو كَانَ لَازِما لوُجُود الْإِنْسَان فِي الْخَارِج لَكَانَ كل إِنْسَان مَوْجُود أسود وَلَيْسَ كَذَلِك ولازم الْمَاهِيّة هُوَ اللَّازِم لَهَا أَيْنَمَا وجدت كالزوجية للأربعة فَإِنَّهُ أَيْنَمَا تحقق مَاهِيَّة الْأَرْبَعَة امْتنع انفكاك الزَّوْجِيَّة عَنْهَا. ثمَّ لَازم الْمَاهِيّة نَوْعَانِ بَين وَغير بَين. ثمَّ الْبَين نَوْعَانِ بَين بِالْمَعْنَى الْأَخَص وَبَين بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ أما اللَّازِم الْبَين بِالْمَعْنَى الْأَخَص فَهُوَ الَّذِي يلْزم تصور الْمَلْزُوم تصَوره ككون الِاثْنَيْنِ ضعف الْوَاحِد فَإِنَّهُ من تصور الِاثْنَيْنِ أدْرك أَنه ضعف الْوَاحِد. وَأما اللَّازِم بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ فَهُوَ الَّذِي يَكْفِي تصَوره مَعَ تصور ملزومه فِي جزم الْعقل باللزوم بَينهمَا كالانقسام بمتساويين للأربعة فَإِن من تصور الْأَرْبَعَة تصور الانقسام بمتساويين جزم بِمُجَرَّد تصورهما بِأَن الْأَرْبَعَة منقسمة بمتساويين. وَإِنَّمَا كَانَ اللَّازِم الْبَين بِهَذَا الْمَعْنى أَعم مِنْهُ بِالْمَعْنَى الأول لِأَنَّهُ مَتى كفى تصور الْمَلْزُوم فِي اللُّزُوم يَكْفِي تصور اللَّازِم مَعَ تصور الْمَلْزُوم وَلَيْسَ كلما يَكْفِي التَّصَوُّر أَن يَكْفِي تصور وَاحِد. فَإِن قيل لما ثَبت أَن اللَّازِم مَا يمْتَنع انفكاكه عَن الْمَلْزُوم فَكيف يَصح مَا قَالُوا إِن اللَّازِم قد يكون أخص فَالْجَوَاب أَن اللَّازِم هَا هُنَا بِمَعْنى التَّابِع الَّذِي يكون وجوده قَائِما بِغَيْرِهِ لَا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور كَمَا فِي الْمُخْتَصر فِي آخر فن الْبَيَان. وَهَا هُنَا مغالطة مَشْهُورَة وَهِي أَنه يجوز تخلف اللَّازِم عَن الْمَلْزُوم، وَبَيَان ذَلِك أَن عدم الْعقل الأول مُمكن فَيجوز وُقُوع عَدمه وَأَنت تعلم أَن عِلّة عَدمه عدم الْوَاجِب لِأَن عدم الْمَعْلُول مَعْلُول لعدم علته وَعَدَمه تَعَالَى مُسْتَحِيل وَلَا شكّ أَن الْمَعْلُول ملزوم وَالْعلَّة لَازم فعلى تَقْدِير إِمْكَان الْمَعْلُول وَامْتِنَاع الْعلَّة يلْزم انفكاك الْمَلْزُوم عَن اللَّازِم والمعلول هَا هُنَا مُمكن جَائِز الْوُقُوع وَالْعلَّة المستحيلة غير جَائِز الْوُقُوع فَلَزِمَ تخلف اللَّازِم عَن الْمَلْزُوم وحلها أَن عدم الْعقل الأول من حَيْثُ إِسْنَاده إِلَى عدم الْوَاجِب مَعْلُول وملزوم وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار مُسْتَحِيل وَغير مُمكن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 وَكَونه مُمكنا بِاعْتِبَار الذَّات وَلُزُوم الْمحَال عَن فرض وُقُوع الْمحَال لَيْسَ بمحال فالتخلف الْمَذْكُور محَال فضلا عَن جَوَازه وَاللَّازِم عِنْد النُّحَاة هُوَ غير الْمُتَعَدِّي والمتعدي هُوَ الَّذِي يتَوَقَّف فهمه على تعقل الْمَفْعُول بِهِ كضرب وَغير الْمُتَعَدِّي هُوَ الَّذِي لَا يتَوَقَّف فهمه على تعقله كقعد وَإِن أردْت تَفْصِيل هَذَا المرام فَانْظُر فِي كتَابنَا جَامع الغموض شرح الكافية فِي هَذَا الْمقَام. وَلَكِن عَلَيْك أَن تحفظ ضابطة فِي معرفَة الْمُتَعَدِّي وَغير الْمُتَعَدِّي على مَا ذكرهَا نجم الْأَئِمَّة فَاضل الْأمة الشَّيْخ الرضي الاسترآبادي رَحمَه الله تَعَالَى وَهِي أَن اسْتِعْمَال الْفِعْل إِذا كَانَ بِحرف الْجَرّ وبدونه كثيرا فَهُوَ مُتَعَدٍّ ولازم وَإِذا كَانَ بِحرف الْجَرّ كثيرا فَهُوَ لَازم وَمَا ورد بِدُونِهِ فَهُوَ على نزع الْخَافِض وَإِن كَانَ اسْتِعْمَاله بِدُونِ حرف الْجَرّ كثيرا فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَمَا ورد بِهِ فحرف الْجَرّ فِيهِ زَائِد. وَاللَّازِم عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان مَا يَصح الِانْتِقَال من ملزومه إِلَيْهِ لَا مَا هُوَ مصطلح أَرْبَاب الْمَعْقُول أَلا ترى أَنهم قَالُوا إِن قَوْلهم زيد طَوِيل النجاد كِنَايَة عَن طول هيكله وَزيد جبان الْكَلْب وَزيد كثير الرماد كنايتان عَن أَنه كثير الضَّيْف وَلَيْسَ طول الهيكل لَازِما لطول النجاد وَهَكَذَا كَثْرَة الضَّيْف لَيْسَ بِلَازِم لكثير الرماد وَجبن الْكَلْب بِالْمَعْنَى المصطلح عِنْد أَرْبَاب الْمَعْقُول. ولازم فَائِدَة الْخَبَر هُوَ كَون الْمخبر عَالما بالحكم أَو علم السَّامع ذَلِك الْكَوْن على اخْتِلَاف فِي كَون لَازم فَائِدَة الْخَبَر مَعْلُوما أَو علما كَمَا مر تَفْصِيله فِي الْفَائِدَة. لَا بُد فِي الْمُوجبَة من وجود الْمَوْضُوع: فِي الْمُوجبَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. لَا سِيمَا: اعْلَم أَن سيا كَمثل وزنا وَمعنى فَمَعْنَى لَا سي لَا مثل وَقد يحذف لَا فِي اللَّفْظ لكنه مُرَاد. وَقَالَ الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَوَاشِيه على المطول أَن اسْتِعْمَال سِيمَا بِلَا لَا لَا نَظِير لَهُ فِي كَلَام الْعَرَب انْتهى. وَكلمَة مَا إِمَّا مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة أَو كَافَّة أَو زَائِدَة وَفِيمَا بعده ثَلَاثَة أوجه. الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَو مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر وَالْجُمْلَة إِمَّا صلَة وَصفَة. وَالنّصب على الِاسْتِثْنَاء والجر على الْإِضَافَة وَكلمَة مَا على الْأَخيرينِ زَائِدَة وعده النُّحَاة من كَلِمَات الِاسْتِثْنَاء وتحقيقه أَنه لاستثناء شَيْء من الحكم الْمُتَقَدّم ليحكم عَلَيْهِ على وَجه أتم بِحكم من جنس الحكم السَّابِق. وَقَالَ الرضي إِنَّه لَيْسَ من كَلِمَات الِاسْتِثْنَاء حَقِيقَة وعد مِنْهَا لخُرُوج مَا بعده مِمَّا تقدم من حَيْثُ الْأَوْلَوِيَّة فَفِيهِ حكم من جنس مَا ذكر لَكِن لما خَالف بِالزِّيَادَةِ والأولوية فَكَانَ فِيهِ حكم غير حكم تقدم فِيهِ فَافْهَم. لَا بُد وَأَن يكون: كثيرا مَا وَقع فِي الْكتب مَعَ الْوَاو. وَاعْلَم أَن الْوَاو فِي قَوْلهم لَا بُد وَأَن يكون لَا بُد وَأَن يكون لالتزامهم إِيَّاهَا فِي عباراتهم فالمعروف أَن الْوَاو فِي مثل هَذَا. إِمَّا عاطفة على مُقَدّر أَي لَا بُد أَن يَصح وَأَن يكون. أَو لتأكيد اللصوق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 بَين اسْم لَا وَخَبره وَمعنى لَا بُد لَا فِرَاق. هَذَا حَاصِل مَا ذكره الْفَاضِل الجلبي فِي حَوَاشِيه على المطول. اللَّئِيم: فِي الْكَرِيم اللَّام: على نَوْعَيْنِ اسْمِي وحرفي. اللَّام الاسمي بِمَعْنى الَّذِي مثل الضَّارِب والحرفي تدخل على النكرَة فتجعلها معرفَة وَهِي للْجِنْس والاستغراق والعهد الْخَارِجِي والعهد الذهْنِي لِأَنَّهُ لَا بُد وَأَن يكون لمدخولها مَاهِيَّة وَمَفْهُوم. فَهِيَ إِمَّا تُشِير إِلَى مَاهِيَّة مدخولها من حَيْثُ هِيَ بِأَن لَا تكون الْأَفْرَاد ملحوظة فَهِيَ لَام الْجِنْس مثل الرجل خير من الْمَرْأَة. أَو تُشِير إِلَى مَاهِيَّة مدخولها لَا من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة. فَأَما من حَيْثُ إِنَّهَا متحققة فِي ضمن جَمِيع الْأَفْرَاد. أَو فِي ضمن فَرد مَا نَوْعي أَو شخصي. الأول لَام الِاسْتِغْرَاق كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا} . وعَلى الثَّانِي فَذَلِك الْفَرد إِمَّا مَعْهُود بَين الْمُتَكَلّم والمخاطب أَولا بِأَن يفرضه الْمُتَكَلّم. فعلى الأول لَام الْعَهْد الْخَارِجِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فعصى فِرْعَوْن الرَّسُول} . وعَلى الثَّانِي لَام الْعَهْد الذهْنِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {أكله الذِّئْب} . وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول إِذا دخلت اللَّام على اسْم جنس فإمَّا أَن يشار بهَا إِلَى حِصَّة مُعينَة مِنْهُ أَي من ذَلِك الْجِنْس فَردا كَانَت تِلْكَ الْحصَّة الْمعينَة أَو أفرادا مَذْكُورا تَحْقِيقا كَمَا هُوَ الظَّاهِر أَو تَقْديرا كَمَا إِذا قيل خرج الْأَمِير وَلَا يكون هُنَاكَ أَمِير سواهُ وَيُسمى لَام الْعَهْد الْخَارِجِي وَإِمَّا أَن يشار بهَا إِلَى الْجِنْس نَفسه وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن يقْصد الْجِنْس من حَيْثُ هُوَ كَمَا فِي التعريفات وَنَحْو قَوْلك الرجل خير من الْمَرْأَة وَتسَمى (لَام الْحَقِيقَة والطبيعة) . وَإِمَّا أَن يقْصد الْجِنْس من حَيْثُ هُوَ مَوْجُود فِي ضمن الْأَفْرَاد بِقَرِينَة الْأَحْكَام الخارجية عَلَيْهِ الثَّابِتَة لَهُ فِي ضمن تِلْكَ الْأَفْرَاد. فإمَّا فِي جَمِيعهَا كَمَا فِي الْمقَام الْخطابِيّ كالمدح والذم واليقيني مثل {إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا} . وَهُوَ الِاسْتِغْرَاق أَو فِي بَعْضهَا وَهُوَ الْمَعْهُود الذهْنِي فَإِن قلت هلا جعلت الْعَهْد الْخَارِجِي كالذهني والاستغراق رَاجعا إِلَى الْجِنْس قلت: لِأَن معرفَة الْجِنْس غير كَافِيَة فِي تعْيين شَيْء من أَفْرَاده بل يحْتَاج فِيهِ إِلَى معرفَة أُخْرَى انْتهى. يَعْنِي لَا بُد فِي الْعَهْد الْخَارِجِي من تعْيين فَرد أَو أَكثر مَذْكُورا فِيمَا سبق تَحْقِيقا أَو تَقْديرا وَلَا بِكَوْنِهِ تَعْرِيف الْجِنْس فَقَط فَلَا يَصح إرجاع الْعَهْد الْخَارِجِي إِلَيْهِ وإدراجه فِيهِ وَإِن أردْت تَفْصِيل هَذَا الْمقَام وَتَحْقِيق هَذَا المرام فَانْظُر فِي الْمعرفَة فَإِنَّهَا مَمْلُوءَة بحقائق ومعارف بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ. ثمَّ اعْلَم أَن فِي لَام التَّعْرِيف ثَلَاثَة مَذَاهِب. مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ. وَهُوَ أَن أَدَاة التَّعْرِيف هِيَ اللَّام وَحدهَا زيدت عَلَيْهَا همزَة الْوَصْل لتعذر الِابْتِدَاء بالساكن وَلم تتحرك لِأَن الضمة ثَقيلَة وَعند تحريكها بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح يلْزم الالتباس بِاللَّامِ الجارة وَلَام التَّأْكِيد وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور. وَمذهب الْخَلِيل. أَن أل كهل. وَمذهب الْمبرد. وَهُوَ أَن أَدَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 التَّعْرِيف هِيَ الْهمزَة وَحدهَا زيدت اللَّام للْفرق بَينهَا وَبَين همزَة الِاسْتِفْهَام. وَلنَا تحقيقات عَجِيبَة وتدقيقات فويقة فِي تَفْصِيل هَذِه الْمذَاهب الثَّلَاثَة فِي جَامع الغموض منبع الفيوض شرح الكافية. ثمَّ اعْلَم أَن لَام التَّعْرِيف تُدْغَم فِي أَرْبَعَة عشر حرفا. فِي التَّاء نَحْو التائبون. وَفِي الثَّاء نَحْو وَمَا تَحت الثرى. وَفِي الدَّال نَحْو وَالدَّم. وَفِي الذَّال نَحْو والذرع. وَفِي الرَّاء نَحْو وَالرُّمَّان. وَفِي الزَّاي نَحْو وَالزَّيْتُون. وَفِي السِّين نَحْو وَالسَّمَاء. وَفِي الشين نَحْو وَالشَّمْس. وَفِي الصَّاد نَحْو وَالصَّافَّات. وَفِي الضَّاد نَحْو وَالضُّحَى وَفِي الطَّاء نَحْو والطيبات. وَفِي الظَّاء نَحْو أَن الظَّن. وَفِي اللَّام نَحْو وَاللَّيْل. وَفِي النُّون نَحْو وَالنَّاس وَتسَمى هَذِه الْحُرُوف حروفا شمسية لِأَن الشَّمْس كَمَا تُؤثر فِي الْقَمَر بِحَيْثُ يصير هُوَ منورا كَذَلِك هَذِه الْحُرُوف عِنْد اتصالها بلام التَّعْرِيف مُؤثرَة فِيهَا بِحَيْثُ تصير اللَّام مثلهَا كَمَا مر وَيُسمى هَذَا الْإِدْغَام بِالنّظرِ إِلَى هَذِه الْحُرُوف إدغاما شمسيا. وَتظهر لَام التَّعْرِيف عِنْد اتِّصَال حرف من حُرُوف (ابغ حجك وخف عقيمه) كَمَا تَقول الْأَعْمَى - والبصير - والغاوون وَالْحَمْد - والجمل وَالْكتاب - والوسواس - والخناس - وَالْفَجْر - وَالْعَادِيات - والقارعات واليتيم - والمسكين - وَالْهَادِي. وَتسَمى هَذِه الْحُرُوف قمرية لِأَن الْقَمَر لَا يُؤثر نوره فِي غَيره كَالشَّمْسِ كَذَلِك هَذِه الْحُرُوف لَا تُؤثر تأثيرها أصلا فِي اللَّام عِنْد اتصالها بهَا وَيُسمى هَذَا الْإِظْهَار بِالنّظرِ إِلَى هَذِه الْحُرُوف قمريا. اللَّاحِق: من أدْرك أول الصَّلَاة مَعَ الإِمَام وَفَاتَ الْبَاقِي لنوم أَو حدث أَو بَقِي قَائِما للزحام والطائفة الأولى فِي صَلَاة الْخَوْف كَأَنَّهُ خلف الإِمَام لَا يقْرَأ وَلَا يسْجد للسَّهْو وَلَو سجد الإِمَام للسَّهْو لَا يُتَابِعه اللَّاحِق قبل قَضَاء مَا عَلَيْهِ بِخِلَاف الْمَسْبُوق - واللاحق إِذا عَاد بعد الْوضُوء يَنْبَغِي لَهُ أَن يشْتَغل أَولا بِقَضَاء مَا سبقه الإِمَام بِغَيْر قِرَاءَة يقوم مِقْدَار قيام الإِمَام وركوعه وَسُجُوده وَلَو زَاد أَو نقص فَلَا يضرّهُ وَلَو لم يشْتَغل بِقَضَاء مَا سبقه الإِمَام وَلَكِن تَابع الإِمَام أَولا ثمَّ قضى مَا سبقه الإِمَام بعد تَسْلِيم الإِمَام جَازَت صلَاته - ولللاحق إِمَام فِيمَا يُؤَدِّيه بِخِلَاف الْمَسْبُوق. لَام الْأَمر: لَام يطْلب بهَا الْفِعْل فالإضافة بِأَدْنَى مُلَابسَة. لَا الناهية: هِيَ لَا الَّتِي يطْلب بهَا ترك الْفِعْل فإسناد النَّهْي إِلَيْهَا مجَاز لِأَن الناهي إِنَّمَا هُوَ الْمُتَكَلّم بواسطتها. اللاادرية: طَائِفَة من السوفسطائية يُنكرُونَ الْعلم بِثُبُوت شَيْء وَلَا ثُبُوته ويزعمون أَنهم شاكون وشاكون فِي أَنهم شاكون وهلم جرا وهم الشاكة. لَا نقائض للتصورات: قَول مَشْهُور فِيمَا بَينهم مَعَ أَن قَوْلهم نقيضا المتساويين متساويان ونقيضا المتبائنين متبائنان وَعكس النقيض أَخذ نقيض الْمَوْضُوع مَحْمُولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وَبِالْعَكْسِ أشهر من ذَلِك فهما تنَاقض صَرِيح وَلَكِن ضعف القَوْل الأول والتوفيق على التَّحْقِيق أَن للنقيضين تفسيرين. على تَفْسِير لَا نقائض للتصورات وعَلى تَفْسِير لَهَا نقائض يَعْنِي إِن فسرا بالمتمانعين لذاتيهما فَلَا نقائض لَهَا إِذْ لَا تمانع بَينهَا بِدُونِ اعْتِبَار النِّسْبَة. وَإِن فسرا بالمتنافيين لذاتيهما أَي الْأَمريْنِ اللَّذين يكون كل مِنْهُمَا نافيا للْآخر لذاته سَوَاء كَانَ التمانع فِي التحقق والانتفاء كَمَا فِي القضايا أَو مُجَرّد تبَاعد فِي الْمَفْهُوم بِأَنَّهُ إِذا قيس أَحدهمَا إِلَى الآخر كَانَ ذَلِك أَشد بعدا مِمَّا سواهُ سَوَاء كَانَ للتصور نقيض كالإنسان واللاإنسان وَقد حققنا هَذَا المرام فِي التَّنَاقُض. والتمانع عبارَة عَن كَون الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ يُنَافِي صدق كل وَاحِد مِنْهُمَا صدق الآخر وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك إِلَّا فِيمَا اعْتبر فِيهِ النِّسْبَة فَلَا يتَحَقَّق فِي الْمُفْردَات فَمَعْنَى كَون النقيضين متمانعين بِالذَّاتِ أَنَّهُمَا أَمْرَانِ يتمانعان ويتدافعان بِحَيْثُ يَقْتَضِي لذاته تحقق أَحدهمَا فِي نفس الْأَمر انْتِفَاء الآخر فِيهَا وَبِالْعَكْسِ كالإيجاب وَالسَّلب فَإِذا تحقق الْإِيجَاب بَين الشَّيْئَيْنِ انْتَفَى السَّلب وَبِالْعَكْسِ وَلَا شكّ أَنه لَا نقيض للتصور أَي الصُّورَة بِهَذَا الْمَعْنى إِذْ لَا يسْتَلْزم تحقق صُورَة انْتِفَاء الْأُخْرَى فَإِن صُورَتي الْإِنْسَان واللاإنسان كلتاهما حاصلتان وَلَا تدافع بَينهمَا إِلَّا إِذا اعْتبر نسبتهما إِلَى شَيْء فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يحصل قضيتان متنافيتان صدقان لم يَجْعَل السَّلب رَاجعا إِلَى نِسْبَة الْإِنْسَان إِلَى شَيْء بل اعْتبر جُزْءا مِنْهُ وَإِن جعل السَّلب رَاجعا إِلَيْهَا كَانَتَا متنافيتين صدقا وكذبا فَافْهَم. لَا يجمع فرضان فِي وَقت بِلَا حج: أَي يجوز جَمعهمَا فِي الْحَج فِي وَقت وَاحِد فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي وَقت الظّهْر صَلَاة الظّهْر وَالْعصر - وَفِي وَقت الْعشَاء صَلَاة الْعشَاء وَالْمغْرب بِعَرَفَة بِشَرْط الْإِحْرَام وَالصَّلَاة بِالْجَمَاعَة وَلَا يجوز هَذَا الْجمع فِي غير الْحَج خلافًا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ أجَاز الْجمع الْمَذْكُور بِعُذْر سفر ومطر. اللاضرورة: الْإِمْكَان الْمَقُول بالاشتراك اللَّفْظِيّ على أَرْبَعَة معَان: أَحدهَا: الْإِمْكَان الْعَاميّ وَهُوَ سلب الضَّرُورَة الْمُطلقَة أَي الذاتية عَن أحد طرفِي الْوُجُود والعدم وَهُوَ طرف الْمُخَالف للْحكم وَإِنَّمَا سمي إمكانا عاميا لِأَنَّهُ الْمُسْتَعْمل عِنْد الْجُمْهُور الْعَامَّة فَإِنَّهُم يفهمون من الْمُمكن هَذَا الْمَعْنى - وَثَانِيها: الْإِمْكَان الخاصي وَهُوَ سلب الضَّرُورَة الذاتية عَن الطَّرفَيْنِ الْمُخَالف والموافق للْحكم وَإِنَّمَا سمي خاصيا لِأَنَّهُ الْمُسْتَعْمل عِنْد الْخَاصَّة من الْحُكَمَاء - وَثَالِثهَا: الْإِمْكَان الْأَخَص وَهُوَ سلب الضَّرُورَة الْمُطلقَة والوصفية والوقتية عَن الطَّرفَيْنِ - واربعها: الْإِمْكَان الاستقبالي وَهُوَ إِمْكَان يعْتَبر بِالْقِيَاسِ إِلَى الزَّمَان الْمُسْتَقْبل - وَالتَّفْصِيل فِي شرح الْمطَالع. لَا ريب فِيهِ: بمزلة التَّأْكِيد الْمَعْنَوِيّ لقَوْله تَعَالَى: {ذَلِك الْكتاب} . لِأَنَّهُ يؤكده دفعا لتوهم التَّجَوُّز مثل نَفسه فِي أعجبني زيد نَفسه. وَيعلم من كَلَام الشَّيْخ عبد القاهر رَحمَه الله تَعَالَى فِي دَلَائِل الإعجاز أَن لَا ريب فِيهِ تَأْكِيد لَفْظِي من ذَلِك الْكتاب لِأَنَّهُ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 لَا ريب فِيهِ بَيَان وتوكيد وَتَحْقِيق لقَوْله تَعَالَى {ذَلِك الْكتاب} وَزِيَادَة تثبت لَهُ وبمنزلة أَن تَقول وَهُوَ ذَلِك الْكتاب هُوَ ذَلِك الْكتاب فتعيده مرّة ثَانِيَة لتثبته انْتهى. فَإِن قلت: كَيفَ يكون تَأْكِيدًا لفظيا وَهُوَ عبارَة عَن تَكْرِير اللَّفْظ الأول وَلَيْسَ هُنَاكَ هَذَا التكرير قُلْنَا المُرَاد أَنه بِمَنْزِلَة التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ لِأَن ذَلِك الْكتاب بِمَعْنى الْكتاب الْكَامِل لِأَن الْمُبْتَدَأ إِذا كَانَ اسْم الْإِشَارَة وَالْخَبَر مُعَرفا بِاللَّامِ يكون الْمَعْنى أَن الْمُبْتَدَأ الْمشَار إِلَيْهِ كَامِل فِي وصف الْخَبَر فَإِن معنى ذَلِك الرجل أَنه رجل كَامِل وَأَنت تعلم أَن كَمَال الْكتاب الْمنزل إِنَّمَا هُوَ بِسَبَب أَنه لَا ريب فِي نُزُوله من عِنْد الله فَقَوله تَعَالَى لَا {ريب فِيهِ} . يدل على أَنه كتاب كَامِل فصح أَن يُقَال إِنَّه كالتأكيد اللَّفْظِيّ لذَلِك الْكتاب. ثمَّ اعْلَم أَن قَوْله تَعَالَى: {لَا ريب فِيهِ} على الأول لَا على مُقْتَضى الظَّاهِر لِأَن التَّأْكِيد الْمَعْنَوِيّ لَا يُؤَكد الحكم حَتَّى يكون الْخَبَر مؤكدا مطابقا لمقْتَضى ظَاهر حَال المخاطبين وَهُوَ الْإِنْكَار وعَلى الثَّانِي على مُقْتَضى الظَّاهِر لِأَن التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ يُؤَكد الحكم فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي المطول. (لَا وَلَا لب لَا وَلَا شش مَه است ... لل كط وكط لل شهور كوته است) تَوْضِيحه أَن الشُّهُور الشمسية سِتَّة مِنْهَا طَوِيلَة وَسِتَّة مِنْهَا قَصِيرَة وشروع السّنة من وَقت تَحْويل الشَّمْس إِلَى برج الْحمل وَالشَّمْس إِذا كَانَت فِي برج الْحمل يكون ذَلِك الشَّهْر أحدا وَثَلَاثِينَ وأشير إِلَيْهِ بِكَلِمَة لَا بِحِسَاب الْجمل فَإِن للام بِحِسَابِهِ ثَلَاثُونَ وَالْألف وَاحِد وَقس عَلَيْهِ الْبَوَاقِي وأرباب النُّجُوم أخذُوا الْمحرم ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ صفر تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ الرّبيع الأول ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَهَكَذَا وَإِن كنت فِي ريب مِمَّا فصلنا فَانْظُر إِلَى هَذَا الْجَدْوَل وَكن من الشَّاكِرِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 ( البروج ) الْحمل الثور الجوزاء السرطان الْأسد السنبلة الْمِيزَان الْعَقْرَب الْقوس الجدي الدَّلْو الْحُوت (أَيَّام البروج) لَا لَا لب لَا لَا لَا ل ل كط كط ل ل (الشُّهُور) محرم صفر ربيع الأول ربيع الآخر جُمَادَى الأول جُمَادَى الآخر رَجَب شعْبَان رَمَضَان شَوَّال ذِي الْقعدَة ذِي الْحجَّة (أَيَّام الشُّهُور) 30 - 29 30 - 29 30 - 29 30 - 29 30 - 29 30 - 29 الحديث: 30 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 (بَاب اللَّام مَعَ الْبَاء) اللب: الْعقل الْمنور بِنور الْقُدس الصافي عَن فتور الأوهام والتخيلات. (بَاب اللَّام مَعَ التَّاء) اللتيا: تَصْغِير الَّتِي على خلاف الْقيَاس لِأَن قِيَاس التصغير أَن يضم أول المصغر وَهَذَا أبقى على فَتحته الْأَصْلِيَّة لكِنهمْ عوضوا عَن ضم أَوله بِزِيَادَة الْألف فِي آخِره كَمَا فعلوا ذَلِك فِي نَظَائِره من اللذيا وَغَيره جَاءَ بِالضَّمِّ. وَاعْلَم أَن المصنفين قد أوردوا اللتيا فِي تصانيفهم بِحَذْف الصِّلَة حَيْثُ قَالُوا وَبعد اللتيا واللتي. وَقَالَ نجم الْأَئِمَّة فَاضل الْأمة الشَّيْخ رَضِي الدّين الاسترآبادي رَحمَه الله تَعَالَى الْتزم حذف الصِّلَة مَعَ اللتيا مَعْطُوف عَلَيْهَا الَّتِي إِذا قصد بهما الدَّوَاهِي ليُفِيد حذفهَا أَن الداهية الصَّغِيرَة والكبيرة وصلت إِلَى حد من الْعظم لَا يُمكن شَرحه وَلَا يدْخل فِي حد الْبَيَان انْتهى. فَلِذَا يتركونهما على الْإِبْهَام وَلَا يذكرُونَ الصِّلَة ويريدون بِالْأولَى الداهية الصَّغِيرَة وبالثانية الداهية الْكَبِيرَة. ثمَّ الناظرون يُرِيدُونَ بالداهية الصَّغِيرَة والكبيرة مَا يُنَاسب ذَلِك الْمقَام من الْمَكْرُوه والممنوع والداهية الْبلَاء وَيجوز أَن يُرَاد بِالْأولَى الداهية الْكَبِيرَة بِأَن يكون التصغير للتعظيم. وَحكي أَن رجلا تزوج امْرَأَة قَصِيرَة فقاسى مِنْهَا الشدائد وَكَانَ يعبر عَنْهَا بِالتَّصْغِيرِ فَتزَوج امْرَأَة طَوِيلَة فقاسى مِنْهَا ضعف مَا قاسى من الصَّغِيرَة فطلقهما وَقَالَ بعد اللتيا وَالَّتِي لَا أَتزوّج أبدا. وَقَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي المطول فِي تَعْرِيف الْمسند إِلَيْهِ بالعلمية وَبعد اللتيا وَالَّتِي يكون احْتِرَازًا عَن سَائِر المعارف إِلَى آخِره أَي بعد الخبطة الصَّغِيرَة والخبطة الْكَبِيرَة تكون احْتِرَازًا الخ أما الصَّغِيرَة فَهِيَ أَن يكون معنى الِابْتِدَاء بِنَفسِهِ من غير اعْتِبَار معنى الأولية فِيهِ وَهُوَ مُعْتَبر فِيهِ والكبيرة فَهِيَ أَن يصير معنى الِابْتِدَاء بِعَيْنِه معنى قَوْله باسم مُخْتَصّ بِهِ على هَذَا التَّقْدِير فَافْهَم واحفظ. (بَاب اللَّام مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة) اللحظ: بِفَتْح الأول وَسُكُون الثَّانِي والظاء الْمُعْجَمَة النّظر إِلَى شَيْء بمؤخر الْعين والمؤخر على وزن مكرم مَا يَلِي الصدغ كَمَا أَن الْمُقدم بِالتَّخْفِيفِ على ذَلِك الْوَزْن أَيْضا مَا يَلِي الْأنف من الْعين. اللحاظ: بِالْفَتْح مُؤخر الْعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 اللّحن: مَكْرُوه فِي الْقُرْآن وَالْأَذَان وَهُوَ التَّطْوِيل فِيمَا يطال وَيكرهُ التلحين والتغني فِي الْأَذَان بِحَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى تغير كَلِمَاته وَأما تَحْسِين الصَّوْت للأذان فَحسن مَا لم يكن لحنا كَذَا فِي شرح مجمع الْبَحْرين لِابْنِ الْملك والسراجية. (بَاب اللَّام مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) اللدغ: (كزيدن مارو كثر دم كاللسغ) . (بَاب اللَّام مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة) اللَّذَّة: فِي الْأَلَم. اللذيا: تَصْغِير الَّذِي كَمَا فِي اللتيا. (بَاب اللَّام مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة) اللُّزُوم: كَون أحد الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ لَا يتَصَوَّر وجوده بِدُونِ الآخر وَهَا هُنَا شكّ مَشْهُور وَهُوَ أَن اللُّزُوم أَيْضا لَازم وَإِلَّا ينهدم أصل الْمُلَازمَة فَلهُ لُزُوم آخر وهلم جرا فَيلْزم تسلسل اللزومات وَهُوَ محَال وَدفعه أَن اللُّزُوم من الْأُمُور الاعتبارية الانتزاعية لَيْسَ لَهُ تحقق إِلَّا فِي الذِّهْن بِاعْتِبَارِهِ فَيَنْقَطِع التسلسل بِانْقِطَاع الِاعْتِبَار فَلَيْسَ هُنَاكَ تسلسل. وَقَوْلهمْ إِن التسلسل فِي الْأُمُور الانتزاعية لَيْسَ بمحال صَادِق لعدم الْمَوْضُوع والسالبة تصدق عِنْد عَدمه وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن التسلسل فِي الْأُمُور الاعتبارية مَوْجُود وَمَعَ هَذَا لَيْسَ بمحال فَإِن الْمحَال فِي أَي مَحل وعَلى كل حَال محَال. اللزومية: فِي الْمُتَّصِلَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. اللُّزُوم الذهْنِي: كَون الشَّيْء بِحَيْثُ يلْزم من تصور الْمُسَمّى تصَوره كتصور الْبَصَر عِنْد تصور الْعَمى وَهُوَ الْمُعْتَبر فِي الدّلَالَة الالتزامية. اللُّزُوم الْخَارِجِي: كَون الشَّيْء بِحَيْثُ يلْزم من تحقق الْمُسَمّى فِي الْخَارِج تحَققه فِيهِ كوجود النَّهَار لطلوع الشَّمْس. لزم إتْمَام نفل شرع فِيهِ قصدا: وَلَو عِنْد الطُّلُوع والغروب والاستواء وَإِنَّمَا قُلْنَا قصدا لِأَنَّهُ لَو شرع ظنا كَمَا إِذا ظن أَنه لم يصل فرض الظّهْر فشرع فِيهِ فَتذكر أَنه قد صلاه صَار مَا شرع فِيهِ نفلا لَا يجب إِتْمَامه حَتَّى لَو نقضه لَا يجب الْقَضَاء. فَإِن قيل لَا نسلم كُلية ذَلِك اللُّزُوم بِسَنَد مَا فِي شرح الْوِقَايَة فِي بَاب الْحيض أَن الصائمة إِذا حَاضَت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 فِي النَّهَار فَإِن كَانَ أَي حَيْضهَا فِي آخِره أَي آخر النَّهَار بَطل صَومهَا فَيجب قَضَاؤُهُ إِن كَانَ صوما وَاجِبا وَإِن كَانَ نفلا لَا. بِخِلَاف صَلَاة النَّفْل إِذا حَاضَت فِي خلالها أَي يجب قَضَاؤُهَا انْتهى. وَإِنَّمَا قَالَ فِي آخِره مَعَ أَنه لَو كَانَ فِي خلاله فَالْحكم كَذَلِك لِأَنَّهُ يُمكن أَن يتَوَهَّم أَنه لَو كَانَ فِي آخِره يتم صَوْم ذَلِك الْيَوْم فَلَا يكون عَلَيْهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم فلدفع هَذَا الْوَهم خصّه بِالذكر. قُلْنَا الضابطة الْمَذْكُورَة كُلية وحدوث الْحيض فِي الصَّوْم يُوجب فَسَاد الشُّرُوع فِيهِ فَكَأَنَّهُ لم يتَحَقَّق الشُّرُوع حَتَّى يلْزم قَضَاؤُهُ وَأما وجوب قَضَاء الصَّوْم الْوَاجِب فلوجوبه من غير شُرُوع فِيهِ. فَإِن قيل مَا وَجه فَسَاد الشُّرُوع فِي الصَّوْم النَّفْل بحدوث الْحيض فِيهِ وَعدم فَسَاد الصَّلَاة النَّفْل عِنْد حُدُوث الْحيض فِيهَا. قُلْنَا فرق بَين الصَّلَاة وَالصَّوْم فَإِن أَجزَاء الصَّوْم كلهَا متحدة فَإِذا وَقع الْفساد فِي جُزْء مِنْهُ فسد الْكل بِاعْتِبَار الِاتِّحَاد فَكَانَ الشُّرُوع لم يكن مَوْجُودا بِخِلَاف الصَّلَاة فَإِن أجزاءها لَيست متحدة فَلَا تفْسد. وَأَيْضًا لصَلَاة النَّفْل قُوَّة على الصَّوْم النَّفْل لِأَنَّهُ اسْتثْنى شُرُوع الصَّوْم النَّفْل فِي الْأَيَّام المنهية عَن تِلْكَ الضابطة وَلم يسْتَثْن شُرُوع الصَّلَاة النَّفْل فِي الْأَوْقَات المنهية كَمَا مر آنِفا. لُزُوم الْكفْر لَيْسَ بِكفْر: إِذا لم يكن مَعْلُوما فَإِن لُزُوم الْكفْر الْمَعْلُوم كفر أَيْضا كالتزام الْكفْر. لُزُوم مَا لَا يلْزم: من المحسنات اللفظية البديعية هُوَ أَن يَأْتِي قبل حرف الروي من الأبيات أَو قبل فاصلة الْفَقْرَة مَا لَيْسَ بِلَازِم فِي السجع مثل قَوْله تَعَالَى: {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر وَأما السَّائِل فَلَا تنهر} . فالراء حُرُوف الروي ومجيء الْهَاء قبلهَا فِي الفاصلة لُزُوم مَا لَيْسَ بِلَازِم لصِحَّة السجع بِدُونِهَا نَحْو فَلَا تنهر وَلَا تنحر. اللوازم على نَوْعَيْنِ: على مَا ذكره فِي القبسات. وَحَاصِله أَن اللوازم تطلق على مَعْنيين أولية كالضوء اللَّازِم للشمس والزوجية للأربعة وثانوية كاللزوم الَّذِي بَين اللَّازِم والملزوم. وَأما انْتِفَاء اللَّازِم يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمَلْزُوم فمخصوص باللوازم الأولية فَقَط دون الثانوية فَإِن عدم اللَّازِم الَّذِي هُوَ من الثواني لَا يسْتَلْزم عدم الْمَلْزُوم بل إِنَّمَا يسْتَلْزم رفع الْمُلَازمَة الْأَصْلِيَّة وَانْتِفَاء العلاقة بَين اللَّازِم والملزوم وَلَا يسْتَلْزم انتفاؤهما وَلَا انْتِفَاء أَحدهمَا بل يجوز أَن يَكُونَا موجودين وَلَا يكون علاقَة بَينهمَا. والسر فِي ذَلِك أَن اللَّازِم الثانوي فِي الْحَقِيقَة لَازم لملزومية الْمَلْزُوم ولازمية اللَّازِم فَيلْزم من انتفائه انْتِفَاء هذَيْن الوضعين وَلَا يلْزم من ذَلِك انْتِفَاء ذَات اللَّازِم وَلَا انْتِفَاء ذَات الْمَلْزُوم. وعَلى هَذَا التَّحْقِيق الْحقيق مدَار دفع شُبْهَة الاستلزام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 (بَاب اللَّام مَعَ السِّين) اللسغ: بالغين الْمُعْجَمَة (كزيدن مارو كثردم كاللدغ) . ف (96) : اللسن: مَا يَقع الْإِيضَاح الإلهي لآذان العارفين عِنْد خطابه تَعَالَى لَهُم. لِسَان الْحق: الْإِنْسَان الْكَامِل المتحقق بمظهرية اسْم الْمُتَكَلّم. (بَاب اللَّام مَعَ الطَّاء) اللَّطِيف: يُطلق على خَمْسَة معَان: الأول: سهل التشكل. الثَّانِي: رَقِيق القوام. الثَّالِث: قَابل الانقسام إِلَى أَجزَاء صَغِيرَة جدا. الرَّابِع: سريع التأثر عَن الملاقي. الْخَامِس: الشفاف. وَيفهم من الصِّحَاح أَنه يُطلق أَيْضا على الَّذِي يرفق فِي الْعَمَل وعَلى الْمُوفق وعَلى العاصم. اللطف: بِالضَّمِّ (مهربانى وباكيزكى هر شَيْء) ولطف الله تَعَالَى مَا يقرب العَبْد إِلَى الطَّاعَة ويبعده عَن الْمعْصِيَة بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إِلَى الإلجاء وَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِ تَعَالَى عِنْد الْحُكَمَاء والمعتزلة دون الأشاعرة. اللطيفة: هِيَ كل إِشَارَة دقيقة الْمَعْنى تلوح للفهم لَا تسعها الْعبارَة كطعوم الأذواق وَسَيَجِيءُ زِيَادَة تَفْصِيل فِي النُّكْتَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. اللطيفة الإنسانية: هِيَ النَّفس الناطقة الْمُسَمَّاة عِنْدهم بِالْقَلْبِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ينزل الرّوح إِلَى رُتْبَة قريبَة من النَّفس مُنَاسبَة لَهَا بِوَجْه ومناسبة للروح بِوَجْه آخر وَيُسمى الْوَجْه الأول الصَّدْر وَالثَّانِي الْفُؤَاد. (بَاب اللَّام مَعَ الْعين) اللَّعْن: الإبعاد وَهُوَ من الله تَعَالَى إبعاد العَبْد بسخطه. وَمن الْإِنْسَان الدُّعَاء بسخطه وَلَا يلعن إِلَّا الْكَافِر. وَاخْتلف فِي لعن يزِيد بن مُعَاوِيَة فَمن كفره لَعنه وَمن لَا فَلَا. وَفِي الْخُلَاصَة وَغَيرهَا أَنه لَا يَنْبَغِي اللَّعْن عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح العقائد النسفية وَبَعْضهمْ أَي بعض السّلف الْمُجْتَهدين وَالْعُلَمَاء الصَّالِحين أطلق اللَّعْن عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كفر حِين أَمر بقتل الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَاتَّفَقُوا على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 جَوَاز اللَّعْن على من قَتله أَو أمره أَو أجَاز بِهِ أَو رَضِي بِهِ. وَالْحق أَن رِضَاء يزِيد بقتل الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ واستبشاره بذلك وإهانته أهل بَيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِمَّا تَوَاتر مَعْنَاهُ وَإِن كَانَ تفاصيله آحَاد فَنحْن لَا نتوقف فِي شَأْنه بل فِي إيمَانه لعنة الله عَلَيْهِ وعَلى معاونيه انْتهى. وَفِي بعض النّسخ وأعوانه. أَقُول إِن اللَّعْن لَا يكون ضائعا فَإِن كَانَ الملعون مُسْتَحقّا لَهُ وَإِلَّا فَيَعُود اللَّعْن إِلَى اللاعن وَسَأَلت وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى عَن لعن يزِيد قَالَ الْأَحْسَن لمن أَرَادَ أَن يلعن يزِيد أَن يَقُول عَلَيْهِ مَا هُوَ أَهله. أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ إِن مَا صدر عَن يزِيد عَلَيْهِ مَا هُوَ أَهله من الْأَفْعَال والأقوال يتنفر عَنهُ الطباع ويكرهه الآذان كإهانة أهل بَيت النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحل الْمَدِينَة سِيمَا شَهَادَة أَمِير الْمُؤمنِينَ حُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَغَيرهَا بأَمْره واستبشاره وسروره واهتزازه حِين شَهَادَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَمَا ثَبت بالتواتر ونطقت بهَا كتب السيرا بكوا على مصائبه ومصائب أهل بَيته وأعوانه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعنهم أَجْمَعِينَ. اللّعان: فِي اللُّغَة الطَّرْد والإبعاد مصدر لَاعن يُلَاعن ملاعنة. وَفِي الشَّرْع أَربع شَهَادَات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن فِي الْخَامِسَة قَائِمَة مقَام حد الْقَذْف فِي حَقه ومقام حد الزِّنَا فِي حَقّهَا وَسمي الْكل لعانا لشروع اللَّعْن فِيهَا كَالصَّلَاةِ يُسمى رُكُوعًا وسجودا لسرعتهما فيهمَا وَصفته أَن يَبْتَدِئ القَاضِي بِالزَّوْجِ فَيشْهد أَربع مَرَّات بِأَن يَقُول فِي كل مرّة {أشهد بِاللَّه أَنِّي لمن الصَّادِقين} فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا وَيَقُول فِي {الْخَامِسَة لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين} فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا يُشِير إِلَيْهَا فِي جَمِيع ذَلِك ثمَّ تشهد الْمَرْأَة أَربع مَرَّات بِأَن تَقول فِي كل مرّة أشهد بِاللَّه أَنه لمن الْكَاذِبين فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا وَتقول فِي الْخَامِسَة {غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين} فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَا. وَذكر فِي النَّوَادِر وَهِي أَن تَقول أَنْت من الْكَاذِبين فِيمَا رميتني بِهِ من الزِّنَا فَإِنَّهُ أقطع للاحتمال. فَإِن قيل إِن اللّعان على مَا قُلْتُمْ من بَاب المفاعلة فَإِنَّمَا يكون بَين اثْنَيْنِ واللعن هَا هُنَا إِنَّمَا هُوَ فِي كَلَام الزَّوْج وَإِمَّا فِي كَلَام الزَّوْجَة فَذكر الْغَضَب فَقَط. قُلْنَا هَذَا من بَاب التغليب كالقمرين على أَن الْغَضَب يسْتَلْزم اللَّعْن وَفِيه مَا فِيهِ وَاللّعان إِنَّمَا يجب بِقَذْف زَوجته وَبِمَا يُوجب قَذفهَا وصلحا شَاهِدين وَهِي مِمَّن يحد قاذفها بِأَن كَانَت مُحصنَة لِأَنَّهَا إِن كَانَت أمة أَو كَافِرَة بِأَن كَانَت كِتَابِيَّة أَو صبية أَو مَجْنُونَة أَو زَانِيَة فَلَا حد وَلَا لعان. وَقيل إِذا كَانَ مَعهَا ولد وَلَيْسَ لَهُ أَب مَعْرُوف لَا يجب اللّعان وَإِن كَانَت من أهل الشَّهَادَة. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِذا كَانَا صالحين لأَدَاء الشَّهَادَة إِذْ لَو كَانَا صبيين أَو عَبْدَيْنِ أَو مجنونين أَو محدودين فِي الْقَذْف أَو كَافِرين فَلَا لعان. فَإِن قيل يشكل على هَذَا سريان اللّعان بَين الزَّوْجَيْنِ الأعميين أَو الْفَاسِقين قُلْنَا هما من أهل الشَّهَادَة وَلِهَذَا لَو قضى القَاضِي بِشَهَادَة هَؤُلَاءِ جَازَ وَإِنَّمَا يجب اللّعان لقَوْله تَعَالَى: (وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم فشهادة أحدهم أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الصَّادِقين وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين. ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين} {وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين} . فَإِن الْوَاجِب للزِّنَا أَرْبَعَة شَوَاهِد فَإِذا لم يكن للزَّوْج هَؤُلَاءِ إِلَّا نَفسه فَوَجَبَ أَربع شَهَادَات وَالْخَامِسَة مقرونة باللعن وَبَاقِي تفاصيل هَذَا الْبَاب فِي كتب الْفِقْه. اللّعب: هُوَ فعل الصّبيان يعقبه التَّعَب بِلَا فَائِدَة. (بَاب اللَّام مَعَ الْفَاء) اللفيف: فِي المعتل. اللَّفْظ: فِي اللُّغَة الرَّمْي مُطلقًا وَرمي شَيْء من الْفَم سَوَاء كَانَ المرمي حرفا اَوْ غَيره. وَفِي الِاصْطِلَاح مَا يتَلَفَّظ بِهِ الْإِنْسَان حَقِيقَة أَو حكما مهملا كَانَ أَو مَوْضُوعا مُفردا كَانَ أَو مركبا وَتَحْقِيق هَذَا بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي كتَابنَا جَامع الغموض. وَاعْلَم أَنه قد يذكر اللَّفْظ فِي مُقَابل الْحَرْف وَيُرَاد بِهِ مَا يكون مركبا من حُرُوف التهجي كَمَا مر تَحْقِيقه فِي الْحَرْف وَقد يذكر اللَّفْظ وَيُرَاد بِهِ الْمعَانِي الأول مجَازًا كَمَا قَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ نَاقِلا عَن الشَّيْخ عبد القاهر أَنهم إِذا وصفوا بِمَا يدل على تفخيمه مثل لفظ فصيح بليغ عَظِيم الشَّأْن لم يُرِيدُوا اللَّفْظ الْمَنْطُوق وَلَكِن أَرَادوا معنى اللَّفْظ الَّذِي دلّ بِهِ على الْمعَانِي الثانوية أَي الْمعَانِي اللُّغَوِيَّة - وَالسَّبَب أَي فِي ارْتِكَاب التَّجَوُّز الخ وَقَالَ الْفَاضِل الجلبي قَوْله وَالسَّبَب أَنهم لَو جعلوها يَعْنِي أَن السَّبَب فِي ارْتِكَاب التَّجَوُّز أَنهم لَو جعلُوا الفصاحة والبلاغة والبراعة وَمَا شاكل ذَلِك أوصافا للمعاني لم يفهم أَنَّهَا صِفَات للمعاني الأول لاحْتِمَال أَن يُرَاد الْمعَانِي الثواني فجعلوها نعوتا للألفاظ وَأَرَادُوا بهَا الْمعَانِي الأول وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الْمعَانِي كَمَا تحْتَمل الثواني عِنْد إِطْلَاقهَا كَذَلِك الْأَلْفَاظ تحْتَمل عِنْد إِطْلَاقهَا الْأَلْفَاظ بل أولى فَلَا بُد من بَيَان سَبَب التَّرْجِيح. لَا يُقَال الْمعَانِي مُشْتَركَة بَين الْمعَانِي الأول والثواني وَاللَّفْظ مجَاز فِي الْمَعْنى الأول وَقد تقرر أَن الْمجَاز حِين الِاشْتِرَاك أولى فَظهر فَائِدَة الْعُدُول لأَنا نقُول معنى ذَلِك أَن اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي معنى إِذا كَانَ دائرا بَين كَونه مُشْتَركا فِي ذَلِك الْمَعْنى وَغَيره وَكَونه مجَازًا فِي ذَلِك حَقِيقَة فِي غَيره كَانَ الْحمل على كَونه مجَازًا فِيهِ أولى لِأَن التَّعْبِير عَن معنى بِلَفْظ يدل عَلَيْهِ مجَازًا أولى من التَّعْبِير بِلَفْظ يدل عَلَيْهِ بالاشتراك بعد قيام الْقَرِينَة الْمعينَة للمراد فِي كلا الاستعمالين وَيُمكن أَن يُقَال مُرَاد الشَّيْخ أَنهم لَو جعلوها صفاتا للمعاني لم يفهم انفهاما ظَاهرا أَنَّهَا صِفَات الْمعَانِي الأول لِأَن للمعاني الثواني دخلا تَاما فِي البلاغة حَتَّى أَن الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ لَهُ معنى ثَان سَاقِط عَن دَرَجَة الِاعْتِبَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 عِنْد البلغاء لما سبق فتردد الذِّهْن بَين الْمعَانِي الأول والثواني بِخِلَاف مَا إِذا جعلوها صِفَات اللَّفْظ إِذْ عدم كَون اللَّفْظ الْمَنْطُوق منشأ للفضيلة أظهر فتبادر الذِّهْن إِلَى أَن لَيْسَ المُرَاد اللَّفْظ نَفسه وَلما كَانَت العلاقة بَين اللَّفْظ والمعاني الأول دون مَا يحدث فِيهَا أقوى وَأظْهر يتَبَادَر الذِّهْن إِلَيْهَا - وَهَذَا الْقدر كَاف للترجيح انْتهى. اللف والنشر: أَن يلف شَيْئَانِ مثلا أَولا ثمَّ يردفا بتفسيرهما أَو بِمَا يناسبهما جملَة اعْتِمَادًا على أَن السَّامع الفطن يرد إِلَى كل مِنْهُمَا مَا هُوَ لَهُ فَإِن كَانَ على التَّرْتِيب بِأَن كَانَ الأول للْأولِ وَالثَّانِي للثَّانِي وَهَكَذَا فاللف والنشر على التَّرْتِيب وَإِلَّا فعلى غير التَّرْتِيب كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمن رَحمته جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار لتسكنوا فِيهِ ولتبتغوا من فَضله} . فَإِنَّهُ تَعَالَى ذكر اللَّيْل وَالنَّهَار على التَّفْصِيل ثمَّ ذكر مَا لِليْل وَهُوَ السّكُون فِيهِ وَمَا للنهار وَهُوَ الابتغاء من فضل الله على التَّرْتِيب وَللَّه در الفردوسي الطوسي حَيْثُ قَالَ: (بروز نبر دآن يل ار جمند ... بشمشير وخنجربكرز وكمند) (دُرَيْد وبريد وشكست وببست ... يلان راسر وسينه وباودس) اللفافة: مَا يلف بِهِ شَيْء كقطعة القرطاس الَّتِي يلف بهَا الْمَكْتُوب. وَفِي الْكَفَن هِيَ من الرَّأْس إِلَى الْقدَم على الأزار. (بَاب اللَّام مَعَ الْقَاف) اللقب: فِي الِاسْم اللّقطَة: بِضَم الأول وَسُكُون الثَّانِي فِي اللُّغَة الرّفْع من الأَرْض - وَفِي الشَّرْع هِيَ مَال يُوجد فِي الطَّرِيق أَو غَيره وَلَا يعرف لَهُ مَالك بِعَيْنِه. سمي بهَا لِأَنَّهُ يلقط غَالِبا. اللَّقِيط: فعيل بِمَعْنى الْمَفْعُول فِي اللُّغَة الْمَأْخُوذ وَالْمَرْفُوع. وَفِي الشَّرْع اسْم لمولود حَيّ طَرحه أَهله خوفًا من الْعيلَة أَي الْفقر أَو فِرَارًا من تُهْمَة الزِّنَا - وَفِي بعض شُرُوح كنز الدقائق اللَّقِيط فِي اللُّغَة مَا يلتقط أَي مَا يرفع من الأَرْض فعيل بِمَعْنى مفعول ثمَّ غلب على الصَّبِي المنبوذ لِأَنَّهُ على عرض أَن يلتقط - وَفِي الشَّرِيعَة اسْم لمولود طَرحه أَهله خوفًا من الْفقر أَو احْتِرَازًا عَن تُهْمَة الزِّنَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 (بَاب اللَّام مَعَ الْكَاف) اللكنة: عدم مطاوعة اللِّسَان عِنْد النُّطْق وَالْبَيَان وقصوره فِيهِ بتشنج الأعصاب وَالْعُرُوق اللسانية لمَانع من تَحْرِيك اللِّسَان عِنْد التَّكَلُّم. نعم الْقَائِل: (نه از مَا راست حرف أَو بلب دير آشنا كردد ... ) (سخن راخوش نمي آيد كز ان لبها جدا كردد ... ) (بَاب اللَّام مَعَ الْمِيم) لما: على أَرْبَعَة أوجه ظرفية كَمَا هُوَ الْمَشْهُور وجازمة مثل لما يضْرب وحرف الِاسْتِثْنَاء مثل قَوْله تَعَالَى: {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} وَفعل مَاض للمثنى من اللم بِمَعْنى الْجمع وَالنُّزُول - قَالَ سِيبَوَيْهٍ أعجب الْكَلِمَات كلمة لما أَن دخلت على الْمَاضِي تكون ظرفا - وَإِن دخلت على الْمُضَارع تكون حرفا - وَإِن دخلت على غَيرهمَا تكون بِمَعْنى إِلَّا كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} أَي إِلَّا عَلَيْهَا. اللَّمْس: قُوَّة فِي العصب المخالط لأكْثر الْبدن وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهَا قُوَّة وَاحِدَة. وَقَالَ كثير من الْمُحَقِّقين مِنْهُم الشَّيْخ أَنَّهَا أَربع الحاكمة بَين الْحَرَارَة والبرودة وَبَين الرُّطُوبَة واليبوسة وَبَين الخشونة والملاسة وَبَين اللين والصلابة. وَمِنْهُم من زَاد الحاكمة بَين الثّقل والخفة وَإِنَّمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا أَربع لما مهدوه فِي تَكْثِير القوى من أَن الْقُوَّة الْوَاحِدَة لَا يصدر عَنْهَا أَكثر من وَاحِد وَهَا هُنَا ملموسات مُخْتَلفَة الْأَجْنَاس متضادة فَلَا بُد لَهَا من قوى مدركة مُخْتَلفَة يحكم بالتضاد بَينهَا فأثبتوا لكل ضدين مِنْهَا قُوَّة وَاحِدَة وَأَنت خَبِير بِأَن قَوْلهم الْوَاحِد من حَيْثُ هُوَ وَاحِد لَا يصدر عَنهُ إِلَّا الْوَاحِد على تَقْدِير صِحَّته لَا يسْتَلْزم فِي الْإِدْرَاك المختلفات المتضادة وَالْحكم بالتضاد إِلَّا بِعَدَد الْجِهَات إِمَّا كَون تِلْكَ الْجِهَات قوى مُتعَدِّدَة فَلَا وكلا. وَأَيْضًا الْمدْرك بالحس هُوَ المتضادان كالحرارة والبرودة دون التضاد فَإِنَّهُ من الْمعَانِي المدركة بِالْعقلِ وَالوهم - وَإِذا جَازَ إِدْرَاك قُوَّة وَاحِدَة لضدين فقد صدر عَنْهَا اثْنَان فَلم لَا يجوز أَن يصدر عَنْهَا مَا هُوَ أَكثر من ذَلِك. وَقَالَ الطوسي اللَّمْس قُوَّة منبثة فِي الْبدن كُله. وتوضيح الْمقَام أَنه قَالَ بَعضهم لشدَّة الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ كَانَ بمعونة الأعصاب ساريا فِي جَمِيع الْأَعْضَاء إِلَّا مَا أمكن عدم الْحس أَنْفَع لَهُ كالكبد وَالطحَال والكلية لِئَلَّا تتأذى بِمَا يلاقيها من الحاد اللذاع فَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 الكبد مولد للصفراء والسوداء وَالطحَال والكلية مصبان لما فِيهِ لذع وكالرئة فَإِنَّهَا دائمة الْحَرَكَة فتتألم باصطكاك بَعْضهَا بِبَعْض وكالعظام فَإِنَّهَا أساس الْبدن ودعامة الحركات فَلَو أحست لتألمت بالضغط والمزاحمة وَبِمَا يرد عَلَيْهَا من المصاكات وَقَالَ بَعضهم أَن حس اللَّمْس فِي الْأَعْضَاء الْمَذْكُورَة قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْأَعْضَاء بِنَاء على مَا ذكرُوا. وَاعْلَم أَن اللَّمْس لما كَانَت ذَات كيفيات لكَونهَا مركبة من العناصر الْأَرْبَع فبقدر مَا يقرب من التَّوَسُّط الاعتدالي يكون إِدْرَاكه فَكل مَا كَانَ أقرب كَانَ إِدْرَاكه أَكثر لكَون تأثره من الكيفيات أَكثر - وَلما كَانَ قُوَّة اللَّمْس فِي الْجلد من بَين الْأَعْضَاء أَكثر ثمَّ فِي جلد الْبدن من سَائِر الْجُلُود ثمَّ فِي جلد الْكَفّ ثمَّ فِي جلد الرَّاحَة ثمَّ فِي جلد الْأَصَابِع ثمَّ فِي جلد أنملتها كَانَ كل من تِلْكَ الْأَعْضَاء أعدل مِمَّا دونهَا على التَّرْتِيب. (بَاب اللَّام مَعَ الْوَاو) اللوحي: الْمَنْسُوب إِلَى اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَمَا أُرِيد بِهِ فِي التلويحات مَذْكُور فِي العرشي. اللوص: (دردكوش) . لواحق الْقيَاس: أَرْبَعَة - الْقيَاس الْمركب - وَقِيَاس الْخلف - والاستقراء والتمثيل - وَإِنَّمَا عدوا الْقيَاس الْمركب من لواحق الْقيَاس لِأَن الْمركب فرع الْبَسِيط وَتَابعه وَقِيَاس الْخلف لِأَنَّهُ يخْدم الْمَطْلُوب الْحَاصِل بِالْقِيَاسِ لإثباته إِيَّاه بِإِبْطَال نقيضه والاستقراء والتمثيل لعدم إفادتهما الْيَقِين. لَوْلَا الاعتبارات لبطلت الْحِكْمَة: لِأَن الْحِكْمَة هِيَ معرفَة أَحْوَال الموجودات الْحَقِيقِيَّة وَهَذِه الْمعرفَة محتاجة إِلَى معرفَة المفهومات الاعتبارية وَبَيَان أحوالها لِأَن معرفَة الْحَقَائِق العينية وَتَعْلِيمهَا وتعلمها مَوْقُوفَة على معرفَة الْأَلْفَاظ والدلالات فَلَا بُد من معرفَة مَفْهُوم الِاسْم والكلمة والأداة وَمَفْهُوم الدّلَالَة وَمَفْهُوم أقسامها مثلا ومقومات هَذِه الْأُمُور اعتبارية وَلَا شكّ أَن بطلَان الْمُحْتَاج إِلَيْهِ يُوجب بطلَان الْمُحْتَاج وخرابه. لَوْلَا الحمقاء لخربت الدُّنْيَا: فَإِن الدُّنْيَا عبارَة عَن الْغَفْلَة عَن الله تَعَالَى وَلَا يغْفل عَنهُ تَعَالَى إِلَّا الأحمق فَلَو لم يُوجد غافل لم تُوجد الْغَفْلَة بل عدمت وَخَربَتْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 (بَاب اللَّام مَعَ الْهَاء) اللَّهْو: هُوَ الشَّيْء الَّذِي يتلذذ بِهِ الْإِنْسَان فيلهيه ثمَّ يَنْقَضِي. (بَاب اللَّام مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة) اللَّيْل: ظلّ الأَرْض عِنْد غرُوب الشَّمْس وَهُوَ يُسَاوِي الْيَوْم إِذا كَانَت الشَّمْس فِي الجوزاء كَمَا مر فِي الْفَيْء ثمَّ يتفاوتان زِيَادَة ونقصانا كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْيَوْم إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الليميا: فِي الطلسم. لَيْلَة الرغائب وَلَيْلَة الْبَرَاءَة: أما الأولى فَهِيَ لَيْلَة أول الْجُمُعَة من رَجَب والرغائب جمع الرَّغْبَة الَّتِي بِمَعْنى الْعَطاء الْكثير - وَأما الثَّانِيَة فَهِيَ لَيْلَة الْخَامِس عشر من شعْبَان - والبراءة بَرَاءَة من النيرَان وَالْمَغْفِرَة من الْعِصْيَان وهما ليلتان مباركتان - وللفقهاء والصلحاء فيهمَا صلوَات وأذكار وَلَكِن لم يثبت شَيْء من ذَلِك عِنْد الْمُحدثين الأخيار. ف (97) : وَفِي شرح عين الْعلم لملا عَليّ الْقَارِي قدس سره. وَفِي الْإِحْيَاء أما لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فيصلى فِيهَا مائَة رَكْعَة سُورَة الْإِخْلَاص عشر مَرَّات وفاتحة الْكتاب مرّة كَانُوا لَا يتركونها - فَقَالَ الْعِرَاقِيّ حَدِيث بَاطِل - وَصَلَاة الرغائب وَهِي لَيْلَة أول الْجُمُعَة من رَجَب يصلى اثْنَا عشر رَكْعَة بست تسليمات يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْقدر ثَلَاثًا وَالْإِخْلَاص اثْنَي عشر مرّة وَبعد الْفَرَاغ يصلى على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سبعين مرّة وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ وَهِي بِدعَة مُنكرَة كَمَا صرح بِهِ النَّوَوِيّ وَغَيره انْتهى - وَفِي الْبَحْر الرَّائِق شرح كنز الدقائق وَفِي أَوَاخِر شرح منية الْمُصَلِّي وَمن المندوبات إحْيَاء لَيْلَة النّصْف من شعْبَان كَمَا وَردت بِهِ الْأَحَادِيث وَذكرهَا فِي التَّرْغِيب والترهيب مفصلة. وَالْمرَاد بإحياء اللَّيْل قِيَامه وَظَاهره الِاسْتِيعَاب وَيجوز أَن يُرَاد غالبه وَيكرهُ الِاجْتِمَاع على إحْيَاء لَيْلَة فِي الْمَسَاجِد. قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدسِي وَلَا يصلى تطوع بِجَمَاعَة غير التَّرَاوِيح وَمَا رُوِيَ من الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الشَّرِيفَة كليلة الْقدر وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَلَيْلَة الْعِيد وعرفة وَالْجُمُعَة وَغَيرهَا فُرَادَى انْتهى. وَمن هَا هُنَا يعلم كَرَاهَة الِاجْتِمَاع فِي صَلَاة الرغائب الَّتِي تفعل فِي رَجَب لَيْلَة أول جُمُعَة مِنْهُ فَإِنَّهَا بِدعَة وَمَا يحتال لَهَا أهل الرّوم من نذرها ليخرج من النَّفْل وَالْكَرَاهَة فَبَاطِل وَقد أوضحه الْعَلامَة الجلبي رَحمَه الله تَعَالَى وَأطَال فِيهِ إطالة حَسَنَة كَمَا هُوَ دأبه انْتهى. وَفِي شرح الْأَشْبَاه والنظائر للحموي رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله وَيكرهُ الِاقْتِدَاء فِي صَلَاة الرغائب وَصَلَاة الْبَرَاءَة وَصَلَاة الرغائب هِيَ الَّتِي فِي رَجَب فِي لَيْلَة أول جُمُعَة مِنْهُ وَصَلَاة الْبَرَاءَة هِيَ الَّتِي تفعل لَيْلَة نصف شعْبَان وَإِنَّمَا كره الِاقْتِدَاء فِي صَلَاة الرغائب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 وَمَا ذكر بعْدهَا لِأَن أَدَاء النَّفْل بِجَمَاعَة على سَبِيل التداعي مَكْرُوه إِلَّا مَا اسْتثْنِي كَصَلَاة التَّرَاوِيح. قَالَ ابْن أَمِير الْحَاج فِي الْمدْخل وَقد حدثت صَلَاة الرغائب بعد أَربع مائَة وَثَمَانِينَ من الْهِجْرَة وَقد صنف الْعلمَاء فِي إنكارها وذمها وتسفيه فاعلها وَلَا تغتر بِكَثْرَة الفاعلين لَهَا فِي كثير من الْأَمْصَار انْتهى. فِي تذكرة الموضوعات: لصَاحب مجمع الْبحار وَحَدِيث صَلَاة الرغائب مَوْضُوع بالِاتِّفَاقِ وَفِي اللآلي فضل لَيْلَة الرغائب واجتماع الْمَلَائِكَة مَعَ طوله وَصَوْم أول خَمِيس وَصَلَاة اثْنَي عشر رَكْعَة بعد الْمغرب مَعَ الْكَيْفِيَّة الْمَشْهُورَة مَوْضُوع رِجَاله مَجْهُولُونَ. قَالَ شَيخنَا وفتشت جَمِيع الْكتب فَلم أجدهم. وَفِي شرح مُسلم للنووي احْتج الْعلمَاء على كَرَاهَة صَلَاة الرغائب بِحَدِيث " لَا تختصوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام وَلَا تختصوا يَوْم الْجُمُعَة بصيام ". فَإِنَّهَا بِدعَة مُنكرَة من بدع الضَّلَالَة والجهالة وفيهَا مُنكرَات ظَاهِرَة قَاتل الله تَعَالَى واضعها. وَقد صنف الْأَئِمَّة مصنفات نفيسة فِي تقبيحها وتضليل مصليها ومبدعها ودلائله أَكثر من أَن تحصى. وَفِي الْمُخْتَصر حَدِيث صَلَاة نصف شعْبَان بَاطِل. وَلابْن حبَان من حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان قومُوا لَيْلهَا وصوموا نَهَارهَا ضَعِيف. وَفِي اللآلي مائَة رَكْعَة فِي نصف شعْبَان بالإخلاص عشر مَرَّات مَعَ طول فَضله للديلمي وَغَيره مَوْضُوع وَجُمْهُور رُوَاته من الطّرق الثَّلَاث مَجَاهِيل وضعفاء انْتهى. والطرق الثَّلَاث هِيَ الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف والمقطوع. وَفِي مَا ثَبت من السّنة فِي أَيَّام السّنة للشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي قدس سره وَاخْتلفت الْآثَار فِي إحْيَاء لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَقَالَ بِهِ من التَّابِعين خَالِد بن معدان وَمَكْحُول ولقمان بن عَامر وَخَالف فِي ذَلِك عَطاء وَابْن أبي مليكَة وَغَيرهم وَعَلِيهِ أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وخَالِد بن معدان ولقمان بن عَارِم كَانَا يلبسان فِيهَا أحسن الثِّيَاب ويكتحلان وَيقومَانِ فِي الْمَسْجِد تِلْكَ اللَّيْلَة. وَفِي تَنْزِيه الشَّرِيعَة فِي الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يَا عَليّ من صلى مائَة رَكْعَة فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَقل هُوَ الله أحد أحد عشرَة مرّة " الحَدِيث. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِيهِ مَجَاهِيل وضعفاء - وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ أما صَلَاة الرغائب وَصَلَاة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فليستا بِسنتَيْنِ بل هما بدعتان قبيحتان مذمومتان - وَلَا تغتر بِذكر أبي طَالب الْمَكِّيّ لَهما فِي قوت الْقُلُوب وَلَا بِذكر حجَّة الْإِسْلَام الْغَزالِيّ لَهما فِي الْإِحْيَاء وَلَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور فيهمَا فَإِن ذَلِك بَاطِل. وَقد صنف عز الدّين بن عبد السَّلَام كتابا نفيسا فِي إبطالهما وَأطَال الإِمَام الْمَذْكُور فِي فَتَاوَاهُ أَيْضا ذمهما وتقبيحهما وإنكارهما - وَقَالَ الشَّيْخ ابْن حجر الْمَكِّيّ هَذَا مَذْهَبنَا وَمذهب الْمَالِكِيَّة وَآخَرين من الْأَئِمَّة وَمذهب أَكثر عُلَمَاء الْحجاز وَمذهب فُقَهَاء الْمَدِينَة. وَقد صنف الشَّيْخ الْمَذْكُور كتابا فِي هَذَا الشَّأْن انْتهى - وَأما صَلَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 التَّسْبِيح فَالصَّحِيح أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِيهَا صَحِيحَة ورواتها ثِقَات فَلَا تلْتَفت إِلَى الِاخْتِلَاف واترك الاعتساف. لَيْلَة الْقدر: أفضل ليَالِي السّنة وَأَشْرَفهَا خصها الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْأمة المرحومة وَهِي بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة خلافًا للروافض وَهِي لَيْلَة فِي تَمام السّنة يخْتَص فِيهَا السالك بتجلي خَاص يعرف بِهِ قدرته ورتبته بِالنِّسْبَةِ إِلَى محبوبه وَهُوَ ابْتِدَاء وُصُول السالك إِلَى عين الْجمع وَفِي تعينها اخْتِلَاف كَالصَّلَاةِ الأولى قد أخفاها الله تَعَالَى عَن عُيُون الْأَجَانِب. والإشكال فِي قَوْله تَعَالَى: {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} فِي الْمُشكل. اللين واللينة: نرمي - وحروف اللين فِي حُرُوف الْعلَّة. لَيْسَ للنِّسَاء من الْوَلَاء إِلَّا مَا اعتقن أَو اعْتِقْ من اعتقن أَو كاتبن أَو كَاتب من كاتبن أَو دبرن أَو دبر من دبرن أَو جر وَلَاء معتقهن أَو مُعتق معتقهن حَدِيث شرِيف يتَمَسَّك بِهِ على أَن لَا شَيْء للإناث من وراثة الْمُعْتق بِالْكَسْرِ من وَلَاء الْمُعْتق بِالْفَتْح فَلَيْسَ من هُوَ عصبَة بِغَيْرِهِ أَو مَعَ غَيره فِي عصبَة الْمُعْتق الْوَارِثين من الْمُعْتق بل الْعَصَبَات بِالنَّفسِ يَرِثُونَ الْوَلَاء وهم رجال بِخِلَاف الْعصبَة بِالْغَيْر وَمَعَ الْغَيْر فَإِنَّهُنَّ نسَاء -. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ معَارض لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب " فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون الْوَلَاء بَين الذّكر وَالْأُنْثَى كَمَا فِي النّسَب. وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ تَخْصِيص بعد التَّعْمِيم أَو بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء أَو بَيَان لانحطاط رُتْبَة الْمُشبه عَن الْمُشبه بِهِ يَعْنِي أَن حَدِيث الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب مُشْتَمل على التَّشْبِيه وَهُوَ يَقْتَضِي انحطاط رُتْبَة الْمُشبه عَن المتشبه بِهِ وَكَانَ ذَلِك الانحطاط مُجملا ففصله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقوله لَيْسَ للنِّسَاء من الْوَلَاء الخ وَلَا يخفى على المتنبه أَن صِحَة هَذَا الْجَواب مَوْقُوفَة على تَأَخّر هَذَا الحَدِيث عَن حَدِيث الْوَلَاء لحْمَة إِلَى آخِره وَهُوَ مُؤخر عَنهُ تَارِيخا وَإِلَّا لما تمسكوا بِهِ فِي دَعوَاهُم. فَإِن قيل إِن هَذَا الحَدِيث شَاذ فَكيف يتَمَسَّك بِهِ على نفي تَوْرِيث الْإِنَاث من وَرَثَة الْمُعْتق من وَلَاء الْمُعْتق. قُلْنَا قَالَ شرِيف الْعلمَاء قدس سره هَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ فِيهِ شذوذ لكنه قد تَأَكد بِمَا رُوِيَ من أَن كبار الصَّحَابَة كعمر وَعلي وَابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَالُوا بِمثل ذَلِك فَصَارَ بِمَنْزِلَة الْمَشْهُور انْتهى. أَي بِمَنْزِلَة الحَدِيث الْمَشْهُور الَّذِي الْعَمَل بِهِ وَاجِب وَيجوز بِهِ الزِّيَادَة على الْكتاب. ثمَّ اعْلَم أَنه حذف من هَذَا الحَدِيث خَمْسَة أَشْيَاء - أَحدهَا: الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهُوَ اسْم لَيْسَ أَي لَيْسَ للنِّسَاء شَيْء من الْوَلَاء. - وَثَانِيها: الْمُضَاف إِلَى كلمة مَا فِي قَوْله مَا اعتقن أَي إِلَّا وَلَاء مَا اعتقن - وَثَالِثهَا: الْمُضَاف مَعَ الْمُضَاف إِلَيْهِ من قَوْله أَو أعتق من اعتقن أَو كاتبن أَو كَاتب من كاتبن اكْتِفَاء بالْعَطْف على اعتقن. وَرَابِعهَا: ضمير الْمَفْعُول الرَّاجِع إِلَى الْمَوْصُول فِي الْأَفْعَال كلهَا - وخامسها: حذف أَن المصدرية لِأَن قَوْله أَو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 جر مَعْطُوف على الْوَلَاء الْمَحْذُوف الْمُضَاف إِلَى كلمة مَا فَيكون مُسْتَثْنى بِوَاسِطَة الْعَطف وَالْفِعْل لَا يكون مُسْتَثْنى. - وَقيل عطف الْجُمْلَة على الْمُفْرد غير جَائِز فَيقدر أَن المصدرية ليجعل مدخولها مصدرا فَيصح الْعَطف. وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن عطف الْجُمْلَة على الْمُفْرد الَّذِي لَهُ مَحل من الْإِعْرَاب جَائِز. - وَقَوله وَلَاء فِي قَوْله أَو جر وَلَاء معتقهن مَنْصُوب على أَنه مفعول جر ومعتقهن فَاعله. وَقَوله أَو مُعتق مَعْطُوف على معتقهن ومضاف إِلَى معتقهن. - وَقَوله أَو جر بتقديران فِي تَأْوِيل الْمصدر وَذَلِكَ الْمصدر بِمَعْنى اسْم الْمَفْعُول فَمَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هَكَذَا لَيْسَ للنِّسَاء شَيْء من الْوَلَاء إِلَّا وَلَاء مَا اعتقنه أَو وَلَاء مَا اعتقه من اعتقنه أَو وَلَاء مَا كاتبنه أَو وَلَاء مَا كَاتبه من كاتبنه أَو وَلَاء مَا دبرنه أَو وَلَاء مَا دبره من دبرنه أَو إِلَّا أَن جر وَلَاء معتقهن أَو إِلَّا أَن جر وَلَاء مُعتق معتقهن. - وتصوير الْمسَائِل بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي شرح الْفَرَائِض السِّرَاجِيَّة للسَّيِّد السَّنَد شرِيف الْعلمَاء قدس سره. - وَالْمرَاد بِكَلِمَة مَا الْمَذْكُورَة والمقدرة المرقوق الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الاعتاق وبكلمة من من صَار حرا مَالِكًا. - فَإِن قيل المرقوق من جنس الْعُقَلَاء فَكيف يجوز اسْتِعْمَال كلمة مَا الْمَوْضُوعَة بِغَيْر الْعُقَلَاء فِيهِ. قيل كلمة مَا هَا هُنَا مجَاز عَن من - وَالْجَوَاب أَن الرّقّ فِي المرقوق بِمَنْزِلَة الْمَوْت كَمَا أَن الْإِعْتَاق فِي الْمُعْتق بِمَنْزِلَة الْحَيَاة فالمرقوق ميت جماد بِمَنْزِلَة سَائِر مَا يتَمَلَّك مِمَّا لَا عقل لَهُ وَالْمُعتق حَيّ عَاقل مَالك فَاسْتحقَّ المرقوق أَن يعبر لكلمة مَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} . وَالْمُعتق اسْتحق أَن يعبر عَنهُ بِكَلِمَة من فَعبر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كلا مِنْهُمَا بِمَا اسْتَحَقَّه. لَيْسَ كل مَا هُوَ فعل عِنْد النُّحَاة كلمة عِنْد المنطقيين: هَذِه المسئلة معركة الآراء قَالَ بهَا الشَّيْخ الرئيس فِي الشِّفَاء وتحريرها أَن بعض الْأَفْعَال كالمضارع الْغَائِب مثل يضْرب كلمة بالِاتِّفَاقِ وَأما الْمُضَارع الْمُخَاطب مثل تضرب والمتكلم مثل اضْرِب ونضرب فَهُوَ فعل عِنْد النُّحَاة وَلَيْسَ بِكَلِمَة عِنْد المنطقيين. فَثَبت لَيْسَ كل مَا يُسَمِّيه النُّحَاة فعلا كلمة عِنْد المنطقيين لَكِن كَون الْمُضَارع الْغَائِب كلمة بالِاتِّفَاقِ دون الْمُضَارع الْمُخَاطب والمضارع الْمُتَكَلّم نَظَرِي. اسْتدلَّ عَلَيْهِ بِأَن كَونهمَا فعلين عِنْد النُّحَاة ظَاهر وَعدم كَونهمَا كلمة عِنْد المنطقيين لِأَنَّهُمَا مركبين وَلَا شَيْء من الْمركب بِكَلِمَة. أما الصُّغْرَى فلأمرين: أَحدهمَا: أَن الْفَاعِل جُزْء لمفهومهما وَالتَّاء والهمزة وَالنُّون تدل عَلَيْهِ. وَيُؤَيِّدهُ امْتنَاع تَصْرِيح الْفَاعِل بعدهمَا إِلَّا بطرِيق التَّأْكِيد كَمَا حقق فِي مَوْضِعه فهناك جُزْء اللَّفْظ يدل على جُزْء مَعْنَاهُ دلَالَة مَقْصُودَة وكل مَا دلّ جُزْء لَفظه على جُزْء مَعْنَاهُ فَهُوَ مركب. وَثَانِيهمَا: أَنَّهُمَا يحتملان الصدْق وَالْكذب وكل مَا يحتملهما فَهُوَ مركب فهما مركبان. وَأما الْكُبْرَى فَلِأَن الْكَلِمَة قسم من الْمُفْرد وَلَا شَيْء من الْمُفْرد بمركب فَلَا شَيْء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 من الْكَلِمَة بمركب. وَأما الْمُضَارع الْغَائِب فكلمة بالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمركب لعدم الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين. أما الأول: فَلِأَن الْفَاعِل لَيْسَ جُزْءا من مَفْهُومه وَلَا يدل الْيَاء عَلَيْهِ وَلِهَذَا يُصَرح بفاعله. وَأما الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب لِأَن احتمالهما إِنَّمَا هُوَ بعد تعْيين الْفَاعِل لِأَن الِاحْتِمَال وصف النِّسْبَة الْمُتَأَخِّرَة عَن الطَّرفَيْنِ المعينين بِالتَّعْيِينِ الشخصي فَلَا يرد أَن الْفَاعِل فِيهِ مُتَعَيّن أَيْضا لِأَنَّهُ مُتَعَيّن بالوحدة الْكُلية لَا الشخصية. - وَلِهَذَا قَالُوا إِن يضْرب قبل ذكر فَاعله مَجْهُول عِنْد السَّامع - أَقُول لَا نسلم أَن الْفَاعِل جُزْء لمَفْهُوم الْمُضَارع الْمُخَاطب والمتكلم لِأَن الْمَدْلُول المطابقي للْفِعْل هُوَ مَجْمُوع الْحَدث وَالزَّمَان وَالنِّسْبَة إِلَى فَاعل مَا فالفاعل من متعلقات النِّسْبَة خَارج عَن مَفْهُوم الْفِعْل. وَإِن سلمنَا أَنه دَاخل فِيهِ فَلَا نسلم أَن التَّاء والهمزة وَالنُّون تدل عَلَيْهِ لِأَنَّهَا عَلَامَات وَالدَّال إِنَّمَا هُوَ الْمَجْمُوع على الْمَجْمُوع. وَلِأَنَّهُ لَو كَانَت لَهَا دلَالَة على الْفَاعِل الْمُخَاطب والمتكلم لما انفكت عَنْهَا تِلْكَ الدّلَالَة وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا لَا يخفى. وَإِن سلمنَا أَنَّهُمَا تدلان لَكِن لَا نسلم أَن هَذَا الْقدر يَقْتَضِي التَّرْكِيب وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ لَو كَانَ الْبَاقِي من اللَّفْظ دَالا على الْبَاقِي من الْمَعْنى وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْبَاقِي من اللَّفْظ لَيْسَ بِلَفْظ لِأَنَّهُ لَا يُمكن الِابْتِدَاء بِهِ فَلَا يُمكن التَّلَفُّظ بِهِ. وَإِن فرضناه لفظا فَعدم دلَالَته وَاضح. وَلَا نسلم أَيْضا أَن الْفَاعِل لَيْسَ جُزْءا من الْمُضَارع الْغَائِب فَإِن النِّسْبَة إِلَى فَاعل مَا مَأْخُوذَة فِي مَفْهُومه لَا الْفَاعِل نَفسه. وَإِن سلمنَا أَنه جزؤه فَلَا نسلم أَن الْيَاء فِي الْمُضَارع الْغَائِب لَا يدل عَلَيْهِ. وَدَعوى دلَالَة التَّاء والهمزة وَالنُّون عَلَيْهِ دون الْيَاء دَعْوَى بِلَا دَلِيل. وتصريح الْفَاعِل بعده لَا يدل على عدم دلالتها عَلَيْهِ مُطلقًا لم لَا يجوز أَن يكون دلالتها مَشْرُوطَة بِعَدَمِ تَصْرِيح الْفَاعِل. وَإِن أردْت زِيَادَة على هَذَا فَانْظُر فِي شرح الْمطَالع فعلى أَي حَال لَا يَخْلُو ذَلِك الِاسْتِدْلَال عَن الْمقَال. وَلِهَذَا قَالَ بعض أَبنَاء الزَّمَان أَنه لم يَأْتِ أحد بِمَا يتَعَلَّق بقلب الأذكياء. وَلما كَانَ نظر النُّحَاة مَقْصُورا على الْأَلْفَاظ على خلاف أَرْبَاب الْمَعْقُول عدوهما من الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ قسم الْكَلِمَة انْتهى. وَالْحق عِنْدِي أَن الْفِعْل عِنْد النُّحَاة هُوَ مَا سوى فَاعله وَالْفِعْل مَعَ فَاعله جملَة فعلية كَلَام لَيْسَ بِكَلِمَة فضلا عَن أَن يكون فعلا. أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ فِي بَيَان تركيب زيد يضْرب أَن زيد مُبْتَدأ وَيضْرب فعل وَالضَّمِير الْمَنوِي الرَّاجِع إِلَى زيد فَاعله وَيضْرب مَعَ فَاعله جملَة فعلية وَقعت خبر الْمُبْتَدَأ. وَكَذَا يَقُولُونَ إِن تضرب وَاضْرِبْ ونضرب أَفعَال وَالضَّمِير الْمَنوِي فِي الأول فَاعله وَهَكَذَا الضَّمِير الْمَنوِي فِي الثَّانِي وَالثَّالِث فَكل فعل بِدُونِ فَاعله كلمة وَمَعَ فَاعله جملَة فعلية وَالْفَاعِل لَيْسَ بِجُزْء من مَفْهُوم الْفِعْل بل النِّسْبَة إِلَى فَاعل معِين من أَجْزَائِهِ هَذَا وَلَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا. فَإِن قلت إِن المنطقيين اتَّفقُوا على أَن الْكَلِمَة أَي الْفِعْل تدل على الزَّمَان بهيئته فَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 وَجه اتِّفَاقهم على كَون الْمُضَارع الْغَائِب كلمة مَعَ أَن هَيئته تدل على الزَّمَان بالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مركب أَيْضا كالمضارع الْمُخَاطب والمتكلم. قُلْنَا دلَالَة الْهَيْئَة على جُزْء معنى الْفِعْل لَا يضر فِي كَونه كلمة لِأَن المُرَاد الْأَجْزَاء الملفوظة المترتبة المسموعة والهيئة لَيست كَذَلِك كَمَا حققناه فِي جَامع الغموض منبع الفيوض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 ( [حرف الْمِيم] ) (بَاب الْمِيم مَعَ الْألف) المَاء: بَارِد رطب. وَجمعه على الْمِيَاه دَلِيل على أَن همزته منقلبة عَن الْهَاء. وأصل الْمِيَاه مواه لدلَالَة جمع جمعه على الأمواه وتصغير المَاء على المويه فقلبت الْوَاو لانكسار مَا قبلهَا. وَالْمَاء جنس يُطلق على الْقَلِيل وَالْكثير وَلِهَذَا لَا يجمع إِلَّا إِذا أُرِيد بِهِ الْأَنْوَاع. ف (98) : المَاء الْمُطلق: هُوَ المَاء الَّذِي بَقِي على أصل خلقته. المَاء الْمُسْتَعْمل لقربة: هُوَ المَاء الَّذِي اسْتَعْملهُ المتوضي أَو غير جنب بِأَن يتَوَضَّأ المتوضي أَو الطَّاهِر عَن الْجَنَابَة نَاوِيا تَجْدِيد الْوضُوء أَو تَجْدِيد الْغسْل ليَكُون لَهُ قربَة إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَنظر لطفه إِلَيْهِ. المَاء الْمُسْتَعْمل لرفع حدث: هُوَ المَاء الَّذِي اسْتَعْملهُ الْمُحدث للْوُضُوء أَو لرفع الْجَنَابَة. وَالْفَتْوَى على أَن المَاء الْمُسْتَعْمل مُطلقًا طَاهِر لَا مطهر حِين استقراره فِي مَكَان طَاهِر. المَاء الْجَارِي: شرعا هُوَ المَاء الَّذِي يذهب بتبنة وَهُوَ المَاء الْجَارِي حَقِيقَة. وَأما المَاء الْجَارِي حكما فَهُوَ المَاء الَّذِي يكون عشرا فِي عشر. وعمقه أَن يكون بِحَيْثُ لَا ينْكَشف أرضه بالغرف أَي بِرَفْع المَاء بالكفين. وَالْمُعْتَبر ذِرَاع الكرباس وَهُوَ ذِرَاع الْعَامَّة سِتّ قبضات فَصَارَت أَرْبعا وَعشْرين اصبعا. وَإِن كَانَ الْحَوْض مدورا يعْتَبر ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ وَهُوَ الْأَحْوَط. وَالْمَاء إِذا كَانَ لَهُ طول وَلَيْسَ لَهُ عرض وَهُوَ بِحَال لَو جمع وَقدر يصير عشرا فِي عشر لَا بَأْس بِالْوضُوءِ تيسيرا على الْمُسلمين كَذَا فِي السِّرَاجِيَّة. المَال: مَا من شَأْنه أَن يدّخر للِانْتِفَاع بِهِ وَقت الْحَاجة سرا وَكَانَ الِانْتِفَاع بِهِ مُبَاحا شرعا كَمَا هُوَ الظَّاهِر أَولا كَالْخمرِ وَالْخِنْزِير. فَإِن أُبِيح الِانْتِفَاع بِهِ شرعا فمتقوم بِالْكَسْرِ وَإِلَّا فَغير مُتَقَوّم. وَإِنَّمَا سمي المَال مَالا لِأَنَّهُ مَال بِالنَّاسِ عَن طَاعَة الله عز وَجل. فالمنفعة ملك لَا مَال وَالْمَنَافِع لَا تتقوم إِذْ لَا تتقوم بِلَا إِحْرَاز وَلَا إِحْرَاز بِلَا بَقَاء وَلَا بَقَاء للأعراض. فَإِن قيل إِن لم يكن الْمَنَافِع مُتَقَومَة فَكيف يرد عقد الْإِجَارَة على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 الْمَنَافِع. قُلْنَا بِإِقَامَة الْعين مقَامهَا والتوضيح فِي التَّوْضِيح. وَالْملك مَا من شَأْنه أَن يتَصَرَّف فِيهِ بِوَصْف الِاخْتِصَاص. وَالْحَاصِل من ضرب الْعدَد فِي نَفسه يُسمى مَالا فِي الْجَبْر والمقابلة ومجذورا فِي المحاسبات العددية ومربعا فِي المساحة. مَا يحْتَمل طرفِي الزَّمَان أَو أَحدهمَا: أَي عَلامَة الْفِعْل مَا يحْتَمل إِلَى آخِره هَذِه الْعبارَة وَقعت فِي الرسَالَة الْمَشْهُورَة بالضريري فِي علم النَّحْو. وتحقيقها أَن عَلامَة الشَّيْء هِيَ الْأَمر الْخَارِج عَنهُ الَّذِي يعرف بِهِ ذَلِك الشَّيْء بِحَيْثُ يمتاز عَن غَيره فَلَا بُد أَن تكون خَاصَّة لذَلِك الشَّيْء فبيان عَلامَة الْفِعْل تَعْرِيفه بالخاصة. وَأَنت تعلم أَن تَعْرِيف الشَّيْء بالخاصة تَعْرِيفه بالرسم فَهَذَا تَعْرِيف رسمي للْفِعْل وَالزَّمَان قد مر تَحْقِيقه. وَفِي نقد المحصل أَن الزَّمَان إِمَّا الْمَاضِي وَإِمَّا الْمُسْتَقْبل وَلَيْسَ قسم آخر هُوَ الْآن وَإِنَّمَا الْآن فصل مُشْتَرك بَين الْمَاضِي والمستقبل كالنقطة فِي الْخط - وَالْمَشْهُور أَن الزَّمَان إِمَّا الْمَاضِي وَإِمَّا الْمُسْتَقْبل وَإِمَّا الْحَال - فَاعْلَم أَن كلمة مَا فِي قَوْله مَا يحْتَمل يحْتَمل أَن تكون مَوْصُولَة وَيحْتَمل أَن تكون مَصْدَرِيَّة - إِمَّا على الأول فَالْمُرَاد بهَا الْحَرْف وَالْمعْنَى أَن خَاصَّة الْفِعْل حرف يحْتَمل طرفِي الزَّمَان كقد أَو أَحدهمَا كالسين وسوف - فَإِن كلمة قد - قد تدخل على الْفِعْل الْمَاضِي - وَقد تدخل على الْفِعْل الْمُسْتَقْبل والأخير أَن على الْفِعْل الْمُسْتَقْبل فَقَط - وَالْمرَاد بِالِاحْتِمَالِ صِحَة الدُّخُول على مَا يدل على الزَّمَان الْمَاضِي وعَلى مَا يدل على الزَّمَان الْمُسْتَقْبل. وعَلى الِاحْتِمَال الأول قَوْله مَا يحْتَمل إِلَى آخِره بَيَان لخواصه اللفظية - وَإِنَّمَا اخْتَار التَّعْرِيف بهَا لظهورها - وَأما على الثَّانِي فَالْمَعْنى أَن خَاصَّة الْفِعْل احْتِمَاله وضعا طرفِي الزَّمَان أَو أَحدهمَا فَإِن فِي صِيغَة الْمُضَارع صَلَاحِية الِاسْتِقْبَال مثل ينصر وصلاحية الزَّمَان الْمَاضِي مثل لم ينصر. وَفِي صِيغَة الْمَاضِي صَلَاحِية الزَّمَان الْمَاضِي فَقَط وَفِي الْأَمر الْحَاضِر صَلَاحِية الزَّمَان الْمُسْتَقْبل فَقَط. هَذَا على مَا هُوَ فِي نقد المحصل. وَأما على الْمَشْهُور فَإِن فِي صِيغَة الْمُضَارع صَلَاحِية زمَان الْحَال والاستقبال أَيْضا وَفِي صِيغَة الْمَاضِي صَلَاحِية الزَّمَان لَا غير - وعَلى الِاحْتِمَال الثَّانِي قَوْله مَا يحْتَمل إِلَى آخر بَيَان خواصه المعنوية فَإِن الِاحْتِمَال معنى من الْمعَانِي كالإسناد وَالْإِضَافَة اللَّتَيْنِ من الْخَواص المعنوية للاسم. وَفِي بعض النّسخ وعلامة الْفِعْل قد وَالسِّين وسوف وَمَا يحْتَمل طرفِي الزَّمَان أَو أَحدهمَا فعلى هَذَا قَوْله مَا يحْتَمل لَا يحْتَمل إِلَّا الِاحْتِمَال الثَّانِي وَيكون بَيَانا لخواصه اللفظية والمعنوية فَافْهَم واحفظ. وَلَعَلَّ عِنْد غَيْرِي أحسن من هَذَا كَيفَ لَا وَقد حقق السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره هَذَا الْمقَام وَشرح مَا هُوَ المرام وَإِن لم يطلع عَلَيْهِ هَذَا الْغَرِيب المستهام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 مَا قبل الطبيعة وَمَا بعد الطبيعة: فِي الإلهي. الْمَاهِيّة: كَانَت فِي الأَصْل ماهوية الْيَاء للنسبة وَالتَّاء للمصدرية. ثمَّ قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء وَكسرت الْهَاء. وَقَالَ بعض الْعلمَاء الْمَاهِيّة مَأْخُوذَة عَن مَا هُوَ بإلحاق يَاء النِّسْبَة وَحذف إِحْدَى اليائين للتَّخْفِيف وإلحاق التَّاء للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية - وَقيل الأَصْل المائية ثمَّ قلبت الْهمزَة هَاء كَمَا فِي قِرَاءَة هياك فِي إياك. وَهِي فِي عرف الْحُكَمَاء بِمَا بِهِ يُجَاب عَن السُّؤَال بِمَا هُوَ فعلى هَذَا يُطلق الْمَاهِيّة على الْحَقِيقَة الْكُلية. وَرُبمَا تفسر بِمَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ فَتطلق على الْحَقِيقَة الْكُلية والجزئية أَيْضا. والحقيقة والماهية مترادفتان فَإِن قيل التَّعْرِيف بِمَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ لَيْسَ بمانع لِأَنَّهُ يصدق على الْعلَّة الفاعلية لِأَن الظَّاهِر أَن يكون الْبَاء فِي قَوْله مَا بِهِ للسَّبَبِيَّة وَالضَّمِير أَن للشَّيْء فَالْمَعْنى الْأَمر الَّذِي بِسَبَبِهِ الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء. وَلَا شكّ: أَنه يصدق على الْعلَّة الفاعلية لِأَن الْإِنْسَان مثلا إِنَّمَا يصير إنْسَانا متمايزا عَن جَمِيع مَا عداهُ بِسَبَب الْفَاعِل وإيجاده إِيَّاه ضَرُورَة أَن الْمَعْدُوم لَا يكون إنْسَانا بل لَا يكون ممتازا عَن غَيره لما تقرر من أَنه لَا تمايز فِي المعدومات فَيلْزم أَن تكون الْعلَّة الفاعلية مَاهِيَّة لمعلولاتها وَهُوَ ظَاهر الْبطلَان. قُلْنَا معنى مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ هُوَ مَا بِهِ الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء وَالْفَاعِل مَا بِسَبَبِهِ الشَّيْء مَوْجُود فِي الْخَارِج وَذَلِكَ إِمَّا بِأَن يكون أثر الْفَاعِل نفس مَاهِيَّة ذَلِك الشَّيْء مستتبعا لَهُ استبتاع الضَّوْء للشمس وَالْعقل يتنزع مِنْهُ الْوُجُود ويصفها بِهِ على مَا قَالَ بِهِ الإشراقيون وَغَيرهم الْقَائِلُونَ بِأَن الماهيات مجعولة فَإِنَّهُم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْمَاهِيّة هِيَ الْأَثر الْمُتَرَتب على تَأْثِير الْفَاعِل وَمعنى التَّأْثِير الاستتباع ثمَّ الْعقل ينْزع مِنْهُ الْوُجُود ويصفها بِهِ. وَالْحَاصِل أَن الْمَاهِيّة مَا بِهِ الشَّيْء ذَلِك الشَّيْء وَالْفَاعِل مَا بِهِ الشَّيْء مَوْجُود وَكم فرق بَينهمَا وَهَا هُنَا كَلَام طَوِيل فِي حَوَاشِي صَاحب الخيالات اللطيفة والحواشي الحكيمية - وَرُبمَا يُطلق الْمَاهِيّة وَيُرَاد بهَا المجانسة أَي الْمُشَاركَة فِي الْجِنْس المنطقي أَو اللّغَوِيّ الْأَمر الشَّامِل للأنواع أَيْضا فَإِنَّهُ يُقَال مَا عنْدك بِمَعْنى أَن أَي جنس من الْأَجْنَاس عنْدك. فيجاب بِأَنَّهُ إِنْسَان أَو فرس أَو طَعَام وَإِنَّمَا يُرَاد بهَا المجانسة لِأَن معنى مَا السُّؤَال عَن الْجِنْس فَمَعْنَى الْمَاهِيّة الْمَنْسُوب إِلَى مَا أَعنِي مَا يَقع جَوَابا عَنهُ وَهُوَ الْجِنْس فَيكون معنى قَوْلهم وَالله تَعَالَى لَا يُوصف بالماهية أَنه تَعَالَى لَا يُوصف بِأَن لَهُ جِنْسا وَلَا يُقَال إِنَّه تَعَالَى مجانس لشَيْء من الْأَشْيَاء -. وَالْمرَاد بِالْجِنْسِ فِي قَوْلهم الْمَذْكُور الْجِنْس المنطقي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم التَّرْكِيب لِأَنَّهُ تَعَالَى لَو كَانَ مشاركا للأشياء فِي الْجِنْس المنطقي لَكَانَ مفتقرا إِلَى الْفَصْل الْمُمَيز عَن المتجانسات لِأَن الْجِنْس فِي تحصله وتقومه يكون مفتقرا إِلَى الْفَصْل كَمَا تقرر. فَيلْزم التَّرْكِيب الَّذِي يجب تَنْزِيه الله تَعَالَى عَنهُ بِخِلَاف الْجِنْس اللّغَوِيّ فَإِنَّهُ إِذا قيل إِنَّه تَعَالَى متصف بالماهية أَي المجانسة والمشاركة فِي الْجِنْس اللّغَوِيّ لَا يلْزم التَّرْكِيب فِي ذَاته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 تَعَالَى لجَوَاز أَن يكون لَهُ تَعَالَى حَقِيقَة نوعية بسيطة فَلَا يلْزم التَّرْكِيب. هَذَا على أصل الْمُتَكَلِّمين فَإِن للْوَاجِب تَعَالَى عِنْدهم حَقِيقَة نوعية بسيطة من غير لُزُوم التَّرْكِيب فِي ذَاته تَعَالَى. وَأما على أصل الفلاسفة فَالْوَاجِب تَعَالَى منزه عَن الْمَاهِيّة بِالْمَعْنَى اللّغَوِيّ أَيْضا لاستلزامه التَّرْكِيب مُطلقًا. فَكل شخص لَهُ مَاهِيَّة كُلية سَوَاء كَانَت نوعية أَو جنسية فَهُوَ مركب عِنْدهم فَافْهَم واحفظ - وللماهية معنى آخر يفهم من كَلَام الشَّيْخ الرئيس فِي الآهيات الشِّفَاء حَيْثُ قَالَ كل بسيط ماهيته ذَاته لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْء قَابل لماهيته وَصورته أَيْضا ذَاته لِأَنَّهُ لَا تركيب فِيهِ. وَأَيْضًا الْمَاهِيّة هِيَ الْحَقِيقَة المعراة عَن الْأَوْصَاف فِي اعْتِبَار الْعقل. وَمن هَا هُنَا يُقَال إِن الْوَاجِب سُبْحَانَهُ وجود خَاص قَائِم بِذَاتِهِ ذاتية مَحْضَة لَا مَاهِيَّة لَهُ لِأَن الْمَاهِيّة هِيَ الْحَقِيقَة إِلَى آخِره وَهُوَ سُبْحَانَهُ منزه عَن أَن يلْحقهُ التعرية وَأَن يخيط بِهِ الِاعْتِبَار. وَرُبمَا يفرق بَين الْحَقِيقَة والماهية بِأَن الْوُجُود مُعْتَبر فِي الْحَقِيقَة دون الْمَاهِيّة وَأَن الْمَاهِيّة تتَنَاوَل الْمَاهِيّة الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَالْمَفْهُوم الاعتباري أَيْضا بِخِلَاف الْحَقِيقَة فَإِن الْحَقِيقَة أخص والماهية أَعم - وَعَلَيْك أَن تشكر وَتعلم أَن للماهيات ثَلَاث اعتبارات. الأول: بِشَرْط شَيْء أَي مَعَ الْعَوَارِض فتسمى مخلوطة وَهِي فائزة بالوجود قطعا - وَالثَّانِي: بِشَرْط لَا شَيْء فتسمى مُجَرّدَة لم تُوجد قطّ لتجردها حَتَّى نفوا وجودهَا الذهْنِي وَالْحق إثْبَاته إِذْ لَا حجر فِي التَّصَوُّر. - وَالثَّالِث: لَا بِشَرْط شَيْء فتسمى مُطلقَة وَهِي فِي نَفسهَا لَا مَوْجُودَة وَلَا مَعْدُومَة وَلَا كُلية وَلَا جزئية وَكَذَا سَائِر الْعَوَارِض أَي لَيْسَ شَيْء مِنْهَا جزؤها وَلَا عينهَا بل كلهَا خَارِجَة عَنْهَا يَتَّصِف بهَا عِنْد عروضها فمفهوم الْإِنْسَان مثلا فِي نَفسه لَا كلي وَإِلَّا لما حمل على زيد وَلَا جزئي وَإِلَّا لما حمل على كثيرين. لكنه صَالح لكل عَارض يَتَّصِف بِهِ عِنْد عروضه. فبعروض التشخص جزئي وبعروض عَدمه كلي. وَقس عَلَيْهِ فالمعروض وَاحِد والعوارض شَتَّى وَهُوَ مَعَ عَارض غَيره مَعَ آخر فَهُوَ وَاحِد بِالذَّاتِ ومختلف بالحيثيات فاتصف بالمتقابلات. فَفِي الْخَارِج يَتَّصِف بالعوارض الخارجية كالحرارة والبرودة وبتشخص بهَا. وَفِي الذِّهْن بالعوارض الذهنية كالكلية والمفهومية فالماهية وَاحِدَة وَاخْتِلَاف الْأَحْوَال باخْتلَاف الْمحَال. فَكَمَا لَا يلْزم حرارة الْمَوْجُود الذهْنِي لَا يلْزم كُلية الْمَوْجُود الْعَيْنِيّ فَافْهَم واحفظ. ثمَّ اعْلَم أَن الْمَاهِيّة على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: حَقِيقِيَّة أَي مَوْجُودَة بِوُجُود أصيل. وَثَانِيهمَا: اعتبارية يَعْتَبِرهَا الْعقل إِمَّا بِأَن ينتزعها من أُمُور مَوْجُودَة فِي الْخَارِج كالوجوب والإمكان والامتناع وَسَائِر الْأُمُور والاصطلاحية فَإِنَّهَا مفهومات انتزعها الْعقل من الموجودات العينية أَي الخارجية وَلَيْسَ لَهَا وجود أصيلي وَمعنى ثُبُوتهَا فِي نفس الْأَمر ومطابقة أَحْكَامهَا إِيَّاهَا أَن مبدأ انتزاعها أَمر فِي الْخَارِج وَأَنه بِحَيْثُ يُمكن أَن ينتزع الْعقل تِلْكَ الْأُمُور مِنْهُ ويصفه بهَا أَو يخترعها من عِنْد نَفسه كإنسان ذِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 راسين وأنياب الأغوال. وَقد ظهر مِمَّا ذكرنَا فَسَاد مَا قيل إِن الاعتبارية الَّتِي وَقعت فِي مُقَابلَة الْمَوْجُودَة قِسْمَانِ: أَحدهمَا: مَا لَا يكون لَهُ تحقق فِي نفس الْأَمر إِلَّا بِاعْتِبَار الْمُعْتَبر كالمفهومات الاصطلاحية. وَالثَّانِي: مَفْهُوم لَهُ تحقق فِي نفس الْأَمر بِدُونِ اعْتِبَاره وَإِن لم يكن مَوْجُودا كالوجوب والإمكان والحدوث وَغَيرهمَا من الْأُمُور الممتنعة الْوُجُود فِي الْخَارِج. وَقَوْلنَا أَي مَوْجُودَة بِوُجُود أصيل أولى من قَوْلهم أَي مَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان لِأَن ذَلِك يَشْمَل الصِّفَات الْقَائِمَة بِالنَّفسِ الناطقة. بِخِلَاف قَوْلهم أَي مَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان كَمَا لَا يخفى. وَقد ظهر من هَذَا التَّحْقِيق معنى الْأُمُور الاعتبارية أَيْضا فَتَأمل. الْمَانِع: مَا يُوجب انعدام الحكم عِنْد وجود سَببه وتفصيله فِي التَّوَقُّف. الْمَادَّة: هِيَ الهيولى وَهِي مَحل الْجَوْهَر أَي الصُّورَة جسمية كَانَت أَو نوعية والموضوع هُوَ مَحل الْعرض وتحقيقها فِي الهيولى إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي شَوَاهِد الربوبية أَن الْمَادَّة الَّتِي تتصرف فِيهَا النَّفس لَيست هَذَا الْجِسْم الغليظ الثقيل الَّذِي يَقع لَهَا بِهِ الإعياء بل هِيَ اللطيفة المعتدلة النورية وَهُوَ الْبدن الْأَصْلِيّ وَهَذَا غلافه وقشره وَلَا يُوجب الإعياء والرعشة لِأَنَّهُ يُنَاسب لجوهر النَّفس انْتهى. وَأما مَادَّة الْقَضِيَّة: فَهِيَ لفظ مُشْتَرك بَين الطَّرفَيْنِ والكيفية الثَّابِتَة فِي نفس الْأَمر لِأَن كلا مِنْهَا جُزْء الْقَضِيَّة المربعة وعنصرها. وَقَالَ بَعضهم إِن مَادَّة الْقَضِيَّة هِيَ الْكَيْفِيَّة فِي نفس الْأَمر لِأَن مَادَّة الشَّيْء هِيَ مَا يتركب عَنهُ وَتَكون أصلا لَهُ. ومادة الْقَضِيَّة وَأَصلهَا وَإِن كَانَ الْمَوْضُوع والمحمول وَالنِّسْبَة لَكِن الْأَشْرَف من هَذِه الْأَجْزَاء الثَّلَاثَة هُوَ النِّسْبَة وَتلك الْكَيْفِيَّة فِي نفس الْأَمر لَازم لَهَا فسميت تِلْكَ الْكَيْفِيَّة مَادَّة تَسْمِيَة للازم للجزء الْأَشْرَف باسم الْكل. ثمَّ إِن جَمِيع الْعلمَاء اصْطَلحُوا على أَن الْكَيْفِيَّة الثَّابِتَة للنسبة فِي نفس الْأَمر تسمى مَادَّة وَالَّتِي يُدْرِكهَا الْعقل سَوَاء كَانَت لَهَا فِي نفس الْأَمر أَو لَا تسمى جِهَة. وَيفهم من كَلَام الطوسي فِي التَّجْرِيد أَن الْمَادَّة والجهة متحدان بِالذَّاتِ ومتخالفان بِحَسب الِاعْتِبَار يَعْنِي يفهم أَن كَيْفيَّة نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع فِي نفس الْأَمر تسمى مَادَّة إِن اعْتبرت فِي نَفسهَا. وَتسَمى جِهَة إِن اعْتبرت فِي الْعقل. ولتحقيق هَذَا الْكَلَام مقَام آخر. وَتَحْقِيق الْجِهَة بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي الْجِهَة. مَانِعَة الْخُلُو: ومانعة الْجمع كِلَاهُمَا فِي الْمُنْفَصِلَة. مَا أضمر عَامله على شريطة التَّفْسِير: عِنْد النُّحَاة كل اسْم قبل فعل أَو شبهه معرض عَن الْعَمَل فِيهِ بِسَبَب عمله فِي الضَّمِير الرَّاجِع إِلَيْهِ أَو فِي مُتَعَلّقه بِحَيْثُ لَو غلب ذَلِك المعرض نَفسه أَو مرادفه أَو لَازمه عَلَيْهِ بِمُجَرَّد رفع مَا بِهِ الْأَعْرَاض لنصبه ذَلِك المعرض أَو مرادفه أَو لَازمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 الْمَاضِي: عِنْد أَرْبَاب الْعَرَبيَّة فعل دلّ بِحَسب الْوَضع على زمَان مُتَقَدم على الزَّمَان الْحَاضِر الَّذِي أَنْت فِيهِ تقدما بِالذَّاتِ أَي بِلَا وَاسِطَة الزَّمَان كَمَا هُوَ رَأْي الْمُتَكَلِّمين. أَو تقدما بِالزَّمَانِ كَمَا هُوَ عِنْد الْحُكَمَاء وعَلى أَي حَال لَا يلْزم للزمان زمَان إِمَّا على رَأْي الْمُتَكَلِّمين فَظَاهر وَإِمَّا على طور الْحُكَمَاء فَلَمَّا مر فِي التَّقَدُّم فَانْظُر فِيهِ فَإِن فِيهِ حل المشكلات وَفتح المغلقات. الماذيانات: جمع الماذيانة وَهِي أَصْغَر من النَّهر وَأعظم من الْجَدْوَل - وَقيل مَا يجْتَمع فِيهِ مَاء السَّيْل ثمَّ يسقى مِنْهُ الأَرْض والسواقي جمع الساقية وَهِي الْأَنْهَار الصغار - وَفِي الْمغرب الماذيانات جمع الماذيان وَهُوَ فَارسي مُعرب والماذيانات الْأَنْهَار الْعِظَام - وَإِنَّمَا سميت بذلك لِأَنَّهَا تتولد مِنْهَا الْأَنْهَار الصغار. مَا لَا جنس لَهُ لَا فصل لَهُ: كالوجود إِذْ لَو كَانَ لَهُ فصل لزم تركب الْمَاهِيّة من أَمريْن متساويين وَهُوَ مُمْتَنع لِأَن أحد لأمرين إِمَّا مُحْتَاج إِلَى الآخر أَو لَا. وَالثَّانِي بَاطِل لوُجُوب احْتِيَاج بعض أَجزَاء الْمَاهِيّة الْحَقِيقِيَّة إِلَى الْبَعْض. وعَلى الأول إِمَّا أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مُحْتَاجا إِلَى الآخر أَو أَحدهمَا إِلَى الآخر. وعَلى الأول يلْزم الدّور كَمَا لَا يخفى. وعَلى الثَّانِي التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح لِأَنَّهُمَا ذاتيان متساويان فاحتياج أَحدهمَا إِلَى الآخر لَيْسَ أولى من احْتِيَاج الآخر إِلَيْهِ. ثمَّ إِنَّهُم قَالُوا إِن الْوُجُود لَا جنس لَهُ وَإِلَّا فإمَّا أَن يَتَّصِف بالوجود فَيكون الْكل صفة للجزء لَكِن صفة ذَلِك الْجُزْء لَا تكون صفة لنَفسِهِ بل تكون صفة لباقي الْأَجْزَاء فَلَا يكون الْعَارِض بِتَمَامِهِ عارضا أَو بِالْعدمِ فَيلْزم اجْتِمَاع النقيضين وَهَا هُنَا كَلَام فِي المطولات. المأول: من آل يؤول إِذا رَجَعَ وأولته إِذا رجعته. وَعند الْأُصُولِيِّينَ هُوَ الْمُشْتَرك مثلا ترجح بعض وجوهه بغالب الرَّأْي فَإنَّك إِذا تَأَمَّلت مَوضِع اللَّفْظ وصرفت اللَّفْظ عَمَّا يحْتَمل من الْوُجُوه إِلَى شَيْء معِين بِنَوْع رَأْي فقد أولته إِلَيْهِ فالمشترك قبل التَّأَمُّل والترجح مُشْتَرك وبعدهما مأول وَلذَا قيل إِن المأول فِي الْحَقِيقَة من أَقسَام الْمُشْتَرك. وَإِنَّمَا قُلْنَا مثلا لِأَن الْمُشْتَرك لَيْسَ بِلَازِم فَإِن الْمُشكل والخفي إِذا علم بِالرَّأْيِ بِأَن زَالَ الخفاء عَنهُ بِدَلِيل فِيهِ شُبْهَة كَخَبَر الْوَاحِد وَالْقِيَاس كَانَ مأولا أَيْضا. وَإِنَّمَا قيدنَا بغالب الرَّأْي لِأَنَّهُ لَو ترجح بِالنَّصِّ كَانَ مُفَسرًا لَا مأولا. وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْأُصُول. مَا يشق زَوَاله من النَّجس: هُوَ النَّجس الَّذِي يحْتَاج لإزالته إِلَى شَيْء آخر سوى المَاء كالصابون وَغَيره كَذَا فِي التَّبْيِين. مَا لَا يزَال: قد يُرَاد بِهِ إِذا وَقع فِي مُقَابل الْأَزَل الزَّمَان الَّذِي لم يَأْتِ عَلَيْهِ الزَّوَال وَهُوَ الْحَال والاستقبال فَإِنَّهُ لم يَأْتِ عَلَيْهِمَا الزَّوَال بِخِلَاف الْمَاضِي فَإِنَّهُ أَتَى عَلَيْهِ الزَّوَال. وَكَثِيرًا مَا يُرَاد بِهِ زمَان الِاسْتِقْبَال فَقَط فَافْهَم واحفظ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 الْمُؤثر: لما كَانَت الْهمزَة فِيهِ على صُورَة الْوَاو جعلنَا مَحل تَفْصِيله بَاب الْمِيم مَعَ الْوَاو فاطلب هُنَاكَ. مَا لَا يُطَاق: فِي تَكْلِيف العَبْد بِمَا لَا يُطَاق غير وَاقع. الْمَأْثُور: فِي الْأَثر. ماه وجور: علمين لبلدتين وَللَّه در الشَّاعِر: (شدّ خلد برين زطلعت ايْنَ مَه جور ... ) (خورم دلّ آن كز ونباشد مهجور ... ) (آن ماه وجور منصرف كشت زمن ... ) (وين طرفه كه نيست منصرف ماه وجور ... ) مَا جرى: كلمة مَا مَوْصُولَة كَمَا يُقَال اسْمَع مَا جرى على هَذَا الرجل من المصائب والصعوبات والشدائد وَيحْتَمل أَن تكون نَافِيَة واستفهامية وَلكُل مَوضِع ومقام وَمَا نجر أنهر عَظِيم فِي الدكن وَللَّه در من قَالَ: (لَو جرى مَا جرى عَليّ على ... مَا نجر اما جرى بل انجمدا) (بَاب الْمِيم مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) المباهلة: الْمُلَاعنَة وَهِي أَن يجمع الْقَوْم إِذا اخْتلفُوا فِي شَيْء فَيَقُولُونَ لعنة الله على الظَّالِم منا أَو الْمُبْطل منا. وَفِي الْمغرب إِذا اخْتلفُوا فِي شَيْء اجْتَمعُوا وَقَالُوا بهلة الله على الظَّالِم. وَهَذَا هُوَ المباهلة. والبهلة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتحهَا اللَّعْنَة. المبادئ الْعَالِيَة: الْعُقُول الْعشْرَة. المبنى: مَا كَانَ حركته وسكونه لَا بعامل وَالِاسْم الْمَبْنِيّ وَمَا ناسب مَبْنِيّ الأَصْل أَو وَقع غير مركب بعامله. المبنى اللَّازِم: مَا لَا يَقع فِي الْكَلَام إِلَّا مَبْنِيا. والمبنى الْعَارِض: بِخِلَافِهِ. مبْنى الأَصْل: أَي المبنى الَّذِي هُوَ الأَصْل فِي الْبناء أَي لَا يكون بِنَاؤُه بمشابهة أَمر آخر ومناسبته فالإضافة بَيَانِيَّة وَهُوَ ثَلَاثَة الْفِعْل الْمَاضِي - وَالْأَمر بِغَيْر اللَّام - والحرف - وَبَين المبنى اللَّازِم ومبنى الأَصْل عُمُوم وخصوص مُطلقًا كَمَا لَا يخفى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 الْمُبْتَدَأ: على قسمَيْنِ. غير ضَرُورِيّ وَهُوَ الأَصْل. وضروري وَهُوَ خلاف الأَصْل. أما الأول: فَهُوَ الِاسْم الْمسند الَّذِي لَا يُوجد فِيهِ عَامل لَفْظِي غير زَائِد مثل زيد قَائِم وَبِحَسْبِكَ دِرْهَم. وَأما الثَّانِي: فَهُوَ الصّفة الْوَاقِعَة بعد حرف النَّفْي أَو همزَة الِاسْتِفْهَام الرافعة للاسم الظَّاهِر مثل مَا قَائِم الزيدان وأقائم الزيدان. وَإِنَّمَا صَار هَذَا الْقسم ضَرُورِيًّا لِأَن مثل مَا قَائِم الزيدان كَلَام تَامّ يَصح السُّكُوت عَلَيْهِ وَإسْنَاد الصّفة إِلَى فاعلها غير تَامّ وَلَا يَصح أَن يكون الزيدان مُبْتَدأ مُؤَخرا لعدم مُطَابقَة الْخَبَر الْمُشْتَقّ حِينَئِذٍ فاضطر النُّحَاة وَقَالُوا بابتدائية الصّفة مَعَ كَونهَا مُسْند أَو بِقِيَام فاعلها لَهُ مقَام الْخَبَر. الْمُبَالغَة: فِي الشَّيْء زِيَادَته بِحَسب الْكَيْفِيَّة دون الكمية بِخِلَاف التكثير فَإِنَّهُ زِيَادَة فِي الشَّيْء بِاعْتِبَار الكمية فبينهما فرق بَين كالفرق بَين الْفرق والقدم. فاتضح من هَا هُنَا قَول أَصْحَاب التصريف أَن بَاب التفعيل قد يَجِيء للْمُبَالَغَة مثل صرح وَعلم. وَتارَة للتكثير مثل حرك وطوف - وَفِي فن البديع أَن الْمُبَالغَة نَوْعَانِ مَقْبُول ومردود وَهِي مُطلقًا أَن يَدعِي بِوَصْف بُلُوغه فِي الشدَّة أَو الضعْف حدا مستحيلا أَو مستبعدا وَإِنَّمَا يَدعِي ذَلِك لِئَلَّا يظنّ أَن ذَلِك الْوَصْف غير متناه فِي الشدَّة والضعف. وينحصر الْمُبَالغَة فِي التَّبْلِيغ والإغراق والغلو لِأَن الْمُدَّعِي إِن كَانَ مُمكنا عقلا وَعَادَة فتبليغ. وَإِن كَانَ مُمكنا عقلا لَا عَادَة فإغراق. وَإِن لم يكن مُمكنا لَا عقلا وَلَا عَادَة فغلو - والتبليغ والإغراق مقبولان مُطلقًا - وَالْأَكْثَر من الغلو مَرْدُود وَبَعضه مَقْبُول. وَالتَّفْصِيل فِي كتب البديع. الْمُبَاح: مَا اسْتَوَى طرفاه أَي الْفِعْل وَتَركه. الْمُبَاشرَة: كَون الْحَرَكَة بِدُونِ توَسط فعل آخر كحركة الْيَد. وَالْمرَاد بِمُبَاشَرَة الْعَالم بِأَسْبَاب الْعلم أَن يتَصَرَّف بأسبابه بِالِاخْتِيَارِ وَجعلهَا آلَة للْعلم بِالْقَصْدِ. الْمُبَاشرَة الْفَاحِشَة: إِن تماس بدن الرجل بدن الْمَرْأَة وانتشر آلَته وتماس الفرجان وَهِي تنقض الْوضُوء وَلَا توجب الْغسْل. المباراة: مفاعلة مَهْمُوز اللَّام وَهِي أَن يَقُول الرجل لامْرَأَته برأت من نكاحك بِكَذَا وتقبله هِيَ. المبتدع: اسْم مفعول مَا لَا يكون مَسْبُوقا بمادة وَمُدَّة. وَاسم فَاعل هُوَ من صدر عَنهُ مَا لَا يكون إِلَى آخِره. المبتدع: من خَالف فِي العقيدة طَرِيق السّنة وَالْجَمَاعَة وَيَنْبَغِي أَن يكون حكمه حكم الْفَاسِق لِأَن الْإِخْلَال بالعقائد لَيْسَ بادون من الْإِخْلَال بِالْأَعْمَالِ وَأما فِيمَا يتَعَلَّق بِأَمْر الدُّنْيَا فَحكمه حكم الْمُؤمن ظَاهرا لَكِن حكمه البغض والعداوة والإعراض والإهانة والطعن وَكَرَاهَة الصَّلَاة خَلفه. المبدأ: هُوَ الله تَعَالَى وكل مَا بِهِ ابْتِدَاء شَيْء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 المبادئ: هِيَ الَّتِي يتَوَقَّف عَلَيْهَا مسَائِل الْعلم. وَهِي إِمَّا تصورات أَو تصديقات. أما التصورات فَهِيَ حُدُود الموضوعات وأجزاؤها وجزئياتها وأعراضها الذاتية - وَأما التصديقات فإمَّا بَيِّنَة بِنَفسِهَا وَتسَمى علوما متعارفة. وَأما غير بَيِّنَة بِنَفسِهَا فَإِن أذعن المتعلم بهَا بِحسن الظَّن على الْمعلم سميت أصولا مَوْضُوعه. - وَإِن تلقاها بالإنكار وَالشَّكّ سميت مصادرات. المبصر: على ثَلَاثَة أَقسَام: الأول: المبصر بِالذَّاتِ بِمَعْنى نفي الواسطتين أَي الْوَاسِطَة فِي الثُّبُوت والواسطة فِي الْعرُوض وَهُوَ الضَّوْء - وَالثَّانِي: المبصر بِالذَّاتِ بِمَعْنى نفي الْوَاسِطَة فِي الْعرُوض فَقَط وَهُوَ الألوان والسطوح أَيْضا عِنْدهم - وَالثَّالِث: المبصر بِالْعرضِ بِمَعْنى الْوَاسِطَة فِي الْعرُوض وَهُوَ الْمِقْدَار والشكل والوضع وَالْحَرَكَة والسكون. فَالْمُرَاد بالإدراك بِالذَّاتِ فِي قَوْلهم إِن الْقُوَّة البصرية مدركة للأضواء والألوان بِالذَّاتِ نفي الْوَاسِطَة فِي الْعرُوض فاحفظ فَإِنَّهُ نَافِع جدا. (بَاب الْمِيم مَعَ التَّاء الْفَوْقِيَّة) متقاربا الْمَفْهُوم: هَذِه الْعبارَة متعارفة فِي محاورات الْعلمَاء كَمَا قَالُوا الْهَيْئَة وَالْعرض متقاربا الْمَفْهُوم إِلَّا أَن الْعرض يُقَال بِاعْتِبَار عروضه أَي حُصُوله فِي شَيْء آخر - والهيئة بِاعْتِبَار حُصُوله أَي فِي نَفسه. وَلَا يخفى أَن قَوْلهم متقاربا الْمَفْهُوم يدل على الْفرق فَمَا وَجه قَوْلهم إِلَّا أَن الْعرض إِلَى آخِره الدَّال أَيْضا على الْفرق - والتوجيه أَن الِاسْتِثْنَاء من مُقَدّر تَقْدِيره لَا فرق بَينهمَا إِلَّا بِهَذَا الِاعْتِبَار وَلَيْسَت كلمة الِاسْتِثْنَاء استدراكية على مَا وهم. المتجمل والمتعفف والمتدين: لكل من هَذِه الثَّلَاثَة مَعْنيانِ كَمَا قَالَ قَائِل: (قد كنت قدما مثريا متمولا ... متجملا متعففا متدينا) (فَالْآن صرت وَقد عدمت تمولي ... متجملا متعففا متدينا) أَي كنت ذَا ثروة ودولة وعفة وديانة فصرت آكل لحم مذاب وشارب عفافة أَي بَقِيَّة فِي الضَّرع من اللَّبن وَذَا دين. المتكلمون: فِي الإشراقيين وَأَيْضًا فِي الرواقين. المتعرف: فِي الْمعرفَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. المتداخلة: والمترادفة فِي الْحَال وَمن أقسامها: المتسق النظام: فِي الصِّحَاح الاتساق الانتظام فعلى هَذَا كَانَ النظام مَأْخُوذ من الاتساق. فَذكر النظام بعده مَبْنِيّ على تجريده. وَالْمرَاد بالمتسق النظام فِي الفلكيات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 الشَّيْء الَّذِي يكون نظامه على نهج وَاحِد كَأَن يكون من مبدأ وَاحِد امتداد وَاحِد مُتَّصِل فِي نَفسه وَإِن كَانَ لَهُ أَجزَاء ومفاصل بِاعْتِبَار الْفَرْض وَيُمكن أَن يُرَاد بالمتسق النظام أَن يكون بَين أَجزَاء السلسلة الْغَيْر المتناهية ترَتّب إِمَّا عقلا بِأَن يكون أَحدهَا عِلّة للْآخر وَهَكَذَا إِلَى غير النِّهَايَة. أَو وَصفا كَمَا هُوَ الظَّاهِر سَوَاء كَانَت تِلْكَ الْأَجْزَاء مَوْجُودَة أَو مَفْرُوضَة. المتصرفة: قُوَّة مرتبَة فِي التجويف الْأَوْسَط من الدِّمَاغ وسلطانها وتصرفها فِي الْجُزْء الأول من ذَلِك التجويف من شَأْنهَا تركيب بعض مَا فِي الخيال أَو الحافظة من الصُّور والمعاني مَعَ بعض وتفصيله عَنهُ. كَمَا إِذا تصور إِنْسَان ذَا جناحين وَذَا رَأْسَيْنِ. وكما إِذا تصور إِنْسَان بِلَا رَأس وَرجل - وَهَذِه الْقُوَّة إِذا استعملها الْعقل فِي مدركاته بِضَم بَعْضهَا إِلَى بعض أَو فَصله عَنهُ سميت مفكرة لتصرفها فِي الْموَاد الفكرية - وَإِذا استعملها الْوَهم فِي المحسوسات مُطلقًا أَي بسمع أَو بصر أَو غير ذَلِك سميت. متخيلة: لتصرفها فِي الصُّور الخيالية. فالمتخيلة هِيَ الْقُوَّة الَّتِي تتصرف فِي الصُّور المحسوسة والمعاني الْجُزْئِيَّة المنتزعة عَنْهَا. وَاعْلَم أَن هَذِه الْقُوَّة متحركة دَائِما لَا تسكن فِي النّوم واليقظة أصلا وَمن شَأْنهَا محاكات المدركات المحسوسة والمعقولة وَرُبمَا حاكت الكيفيات المزاجية كَمَا أَن السوداوي يرى فِي الْمَنَام الأدخنة والصفراوي النيرَان والبلغمي الْمِيَاه والثلوج وَلذَلِك يسْتَدلّ الْأَطِبَّاء بالمنامات على الأمزجة وَلكُل نفس خاصية فِي تِلْكَ المحاكات فَرُبمَا حاكته بِأَمْر يحاكيه غَيرهَا بِأَمْر آخر وَلذَلِك كَانَ تَعْبِير الرُّؤْيَا يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص. وَلَا بُد فِيهِ من حدس تَامّ وَقد يحاكي الشَّيْء بضده فَإِن الضدين يَجْتَمِعَانِ فِي الْحس الْمُشْتَرك فَرُبمَا انْتقل من أَحدهمَا إِلَى الآخر كَمَا أَن الْبكاء فِي الرُّؤْيَا معبر بالفرح وَالْمَوْت بطول عمره إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يعرفهُ أَهله. المتكرر النَّوْع: هُوَ كل نوع يكون بِحَيْثُ إِذا فرض إِن فَردا أَمنه أَي فَرد كَانَ مَوْجُودا وَجب أَن يَتَّصِف ذَلِك الرَّد بذلك النَّوْع حَتَّى يُوجد ذَلِك النَّوْع فِي ذَلِك الْفَرد مرَّتَيْنِ مرّة على أَنه حَقِيقَته أَي تَمام حَقِيقَة ذَلِك الرَّد وَمرَّة على أَنه صفته وَعرضه. فَلَا يرد أَن كل نوع كَذَلِك فَإِن الْإِنْسَان يُوجد فِي زيد مثلا مرّة على أَنه تَمام حَقِيقَته. وَمرَّة على أَنه يَتَّصِف بالإنسان. وَإِلَّا لم يكن قَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ كل إِنْسَان حَيَوَان مَا دَامَ إنْسَانا مَشْرُوطَة عَامَّة لِأَن الْوَصْف العنواني فِيهِ عين حَقِيقَة ذَات الْمَوْضُوع كَمَا يكون زَائِدَة عَلَيْهِ بِخِلَاف الْوحدَة مثلا فَإِنَّهُ لَو وجد فَرد مِنْهَا لكَانَتْ هِيَ عين حَقِيقَته وعارضة لَهُ أَيْضا. وَلَا يخفى على الزكي الوكيع أَنه يعلم من هَذَا التَّقْرِير جَوَاب آخر وَهُوَ أَن الْإِنْسَان لَيْسَ بِعَيْنِه عارضا لفرده بل كَونه إنْسَانا وَهُوَ أَمر آخر. بِخِلَاف الْوحدَة فَإِنَّهَا عين حَقِيقَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 فَردهَا وَهِي بِعَينهَا عارضة لَهُ. وَالْفرق بَين الجوابين أَن الأول مَبْنِيّ على تَسْلِيم أَن الْإِنْسَان وصف لفرده وَمنع كَونه زَائِدا بِسَنَد أَن الْوَصْف العنواني قد يكون زَائِدا على حَقِيقَة ذَات الْمَوْضُوع وَقد يكون عين حَقِيقَتهَا. وَالثَّانِي على منع كَون الْإِنْسَان بِعَيْنِه وَصفا لفرده فَإِن الْوَصْف الَّذِي هُوَ كَونه إنْسَانا غير الْإِنْسَان فَتَأمل. ثمَّ اعْلَم أَن كل نوع بل كل مَفْهُوم يكون بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّة يجب أَن يكون أمرا اعتباريا لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج وَإِلَّا لزم التسلسل فِي الْأُمُور الخارجية المترتبة الْمَوْجُودَة مَعًا كالقدم والحدوث والبقاء والوحدة وَالْكَثْرَة والتعين فَإِنَّهُ لَو وجد فَرد كل مِنْهَا لَكَانَ قَدِيما وحادثا وباقيا وَاحِدًا وَكَثِيرًا ومتعينا أَي لَكَانَ متصفا بالقدم والحدوث والبقاء والوحدة وَالْكَثْرَة والتعين وَإِلَّا لَكَانَ الْقَدِيم حَادِثا والحادث قَدِيما وَالْبَاقِي فانيا وَالْوَاحد كثيرا وَالْكثير وَاحِدًا والمتعين غير مُتَعَيّن وَالْكل محَال. فَثَبت وجوب تِلْكَ الْأَفْرَاد بأنواعها. الْمُتَقَدّم: والمتأخر يفهم كل مِنْهُمَا فِي التَّقَدُّم والتأخر. الْمُتَشَابه: عِنْد أَرْبَاب الْأُصُول مَا لَا طَرِيق لدركه أصلا حَتَّى يسْقط طلب مُرَاده. وَحكمه وجوب التَّوَقُّف فِيهِ فِي الدُّنْيَا واعتقاد حقية المُرَاد على الْإِبْهَام بِأَن مَا أَرَادَ الله تَعَالَى مِنْهُ حق - وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ يُوقف على المُرَاد مِنْهُ فِي الْآخِرَة لِأَنَّهُ لَا ابتلاء فِي الْآخِرَة. وَالْحكم الْمَذْكُور أَعنِي وجوب التَّوَقُّف مَذْهَب عَامَّة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَعَامة مُتَقَدِّمي أهل السّنة من أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي رَحِمهم الله تَعَالَى. وَذهب أَكثر الْمُتَأَخِّرين إِلَى أَن الراسخ يعلم تَأْوِيل الْمُتَشَابه. وتوضيح المرام أَن فِي المتشابهات مذهبان: أَحدهمَا: وَهُوَ مَذْهَب السّلف أَن الله تَعَالَى اسْتَأْثر ذَاته بِعلم المتشابهات ولاحظ للراسخين فِي علمهَا بل حظهم فِيهَا ترك الِاشْتِغَال بهَا وتفويضها إِلَى علم الله تَعَالَى وهم يقفون على قَوْله إِلَّا الله. ويجعلون قَوْله تَعَالَى {والراسخون} . كلا مَا مُبْتَدأ بَيَانا لتفويضهم إِلَى علم الله تَعَالَى واعترافهم بقصورهم فِي دَرك مَعَاني المتشابهات. وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَب الْخلف أَن الراسخين لَهُم حَظّ فِي علمهَا وتأويلها فَهَؤُلَاءِ لَا يقرؤون الْوَقْف على الله وَالْمُخْتَار هُوَ مَذْهَب السّلف لكَونه أسلم لما بَين فِي المطولات فَإِن قيل فَمَا فَائِدَة إنزاله وإنزال الْقُرْآن لتعليم الْأَحْكَام وَبَيَان المرام، قلت فِي التَّلْوِيح وَفَائِدَة إنزاله ابتلاء الراسخين فِي الْعلم بمنعهم عَن التفكر فِيهِ والوصول إِلَى مَا هُوَ غَايَة متمناهم من الْعلم بأسراره فَكَمَا أَن الْجُهَّال مبتلون بتحصيل مَا هُوَ غير مَطْلُوب عِنْدهم من الْعلم والإمعان فِي الطّلب. كَذَلِك الْعلمَاء الراسخون مبتلون بِالْوَقْفِ وَترك مَا هُوَ مَحْبُوب عِنْدهم إِذْ ابتلاء كل وَاحِد إِنَّمَا يكون بِمَا هُوَ خلاف هَوَاهُ وَعكس متمناه. والمتشابه عِنْد الْحُكَمَاء مَا يكون كل جُزْء مقداري مِنْهُ بِحَسب الْحس مُسَاوِيا للْكُلّ فِي الِاسْم وَالْحَد. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هِيَ مَا يكون جُزْء الْعُضْو مُسَاوِيا لكله فِي الِاسْم وَالْحَد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 الْمُتَعَدِّي: فِي اللَّازِم مَعَ ضابطة مضبوطة عَجِيبَة غَرِيبَة فِي معرفَة الْمُتَعَدِّي وَغير الْمُتَعَدِّي. الْمُتَّصِلَة: هِيَ الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بِصدق قَضِيَّة أَو لَا صدقهَا على تَقْدِير صدق قَضِيَّة أُخْرَى كَقَوْلِنَا إِن كَانَ هَذَا إنْسَانا فَهُوَ حَيَوَان وَلَيْسَ إِن كَانَ هَذَا إنْسَانا فَهُوَ جماد. الْمُتَّصِلَة اللزومية: هِيَ الشّرطِيَّة الْمُتَّصِلَة الَّتِي يحكم فِيهَا بِصدق التَّالِي أَو رَفعه على تَقْدِير صدق الْمُقدم لعلاقة بَينهمَا توجب ذَلِك وَتَحْقِيق العلاقة فِي العلاقة. الْمُتَّصِلَة الاتفاقية: هِيَ الشّرطِيَّة الْمُتَّصِلَة الَّتِي يحكم فِيهَا بِصدق التَّالِي أَو رَفعه على تَقْدِير صدق الْمُقدم لَا بعلاقة بَينهمَا بل بِمُجَرَّد صدقهما. وَقد اكْتفى فِي الاتفاقية بِصدق التَّالِي حَتَّى قيل إِنَّهَا الَّتِي حكم فِيهَا بِصدق التَّالِي فَقَط لَا لعلاقة بل لمُجَرّد صدق التَّالِي وَيجوز أَن يكون الْمُقدم فِيهَا صَادِقا أَو كَاذِبًا وَتسَمى هَذَا الْمَعْنى اتفاقية عَامَّة - وَالْمعْنَى الأول اتفاقية خَاصَّة للْعُمُوم وَالْخُصُوص مُطلقًا بَينهمَا فَإِنَّهُ مَتى صدق الْمُقدم والتالي فقد صدق التَّالِي وَلَا ينعكس. فقد ظهر مِمَّا ذكرنَا إِن صدق التَّالِي فِي الاتفاقية وَاجِب ومقدمها يحْتَمل أَن يكون صَادِقا وَأَن يكون كَاذِبًا وَلذَا أطلقوها على مَعْنيين: أَحدهمَا: مَا يُجَامع صدق تَالِيهَا فرض الْمُقدم - وَثَانِيهمَا: مَا يُجَامع صدق التَّالِي فِيهَا صدق الْمُقدم - وسموها بِالْمَعْنَى الأول اتفاقية عَامَّة وبالمعنى الثَّانِي اتفاقية خَاصَّة لما مر. فالاتفاقية الْعَامَّة يمْتَنع تركبها من كاذبين ومقدم صَادِق وتال كَاذِب بل تركبها إِمَّا من صَادِقين أَو من مقدم كَاذِب وتال صَادِق كَقَوْلِنَا كلما كَانَ الْخَلَاء مَوْجُودا فالحيوان مَوْجُود. والاتفاقية الْخَاصَّة يمْتَنع تركبها من كاذبين وصادق وكاذب وَإِنَّمَا تتركب من صَادِقين فَافْهَم. الْمُتَّصِلَة الْمُطلقَة: هِيَ الشّرطِيَّة الْمُتَّصِلَة الَّتِي اكْتفى فِيهَا بِمُجَرَّد الحكم بالاتصال من غير أَن يتَعَرَّض لعلاقة نفيا كَمَا فِي الاتفاقية وَلَا إِثْبَاتًا كَمَا فِي اللزومية المتلاحمة: فِي الشجاج. المتحرك: فِي السَّاكِن. الْمُتَوَاتر: فِي الْخَبَر الْمُتَوَاتر - و. المتواترات: جمعه. وَقد مر ذكرهَا فِي البديهي أَيْضا. المنى: حَالَة حَاصِلَة للشَّيْء بِسَبَب حُصُوله فِي الزَّمَان أَو الْآن. المتقابلان: هما الْأَمْرَانِ اللَّذَان لَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَيْء وَاحِد من جِهَة وَاحِدَة فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 يخرج المتضائفان كالأبوة والبنوة فَإِنَّهُمَا وَإِن اجْتمعَا فِي زيد لَكِن لَا من جِهَة وَاحِدَة بل من جِهَتَيْنِ فَإِن أبوته بِالْقِيَاسِ إِلَى ابْنه وبنوته بِالْقِيَاسِ إِلَى أَبِيه. والمتقابلان أَرْبَعَة أَقسَام - المتقابلان بالتضاد - والمتقابلان بالتضايف - والمتقابلان بِالْعدمِ والملكة - والمتقابلان بالإيحاب وَالسَّلب - لِأَن المتقابلان إِمَّا وجوديان أَو لَا. وعَلى الأول إِمَّا أَن يكون تعقل كل مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الآخر فيهمَا. المتقابلان بالتضايف: كالأبوة والبنوة. ثمَّ التضايف يُطلق تَارَة على نفس النِّسْبَة الْعَارِضَة للشَّيْء كالأبوة والبنوة وَهُوَ التضايف الْحَقِيقِيّ. وَتارَة على ذِي النِّسْبَة أَي المعروض من حَيْثُ هُوَ معروض كَالْأَبِ وَالِابْن وَهُوَ التضايف المشهوري فَافْهَم. ثمَّ اعْلَم أَن المتضايفين لَا يعقلان إِلَّا مَعًا فِي زمَان وَاحِد من غير أَن يكون لأَحَدهمَا تقدم على الآخر بِالذَّاتِ. وَلِهَذَا لَا يذكر أحد المتضايفين فِي تَعْرِيف الآخر لِأَن الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ يكون عِلّة للمعرف بِالْفَتْح فَيكون للمعرف تقدم على الْمُعَرّف بِالذَّاتِ بالعلية فَلَو ذكر أحد المتضايفين فِي تَعْرِيف المضايف الآخر لما كَانَ مقدما عَلَيْهِ فَلَا يكون مُعَرفا لَهُ. فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع فِي حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره على شرح الشمسية فِي بحث الجزئي الإضافي. أَولا. فهما: المتقابلان بالتضاد: كالسواد وَالْبَيَاض. وعَلى الثَّانِي لَا يجوز أَن يَكُونَا عدميين لما سَيَجِيءُ فَيكون أَحدهمَا وجوديا وَالْآخر عدميا لذَلِك الْأَمر الوجودي. فإمَّا أَن يعْتَبر فِي العدمي مَحل قَابل للوجودي فهما. المتقابلان بِالْعدمِ والملكة: كالبصر والعمي. وَإِن لم يعْتَبر فهما: المتقابلان بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب: كالفرسية واللافرسية. فَإِن قيل لم لَا يجوز أَن يَكُونَا عدميين - قُلْنَا لِأَن العدميين إِمَّا مطلقان أَو مقيدان أَي مضافان أَو أَحدهمَا مُطلق وَالْآخر مُقَيّد - والعدم الْمُطلق لَا يُقَابل نَفسه لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر لَهُ مَحل يقوم بِهِ. وَلَو فَرضنَا شَيْئا هُوَ عدم مُطلق يجْتَمع فِيهِ عدمان مطلقان فَإِن زيد الْقَائِم قَائِم. وَكَذَا الْعَدَم الْمُطلق يُجَامع الْعَدَم الْمُقَيد لِاجْتِمَاع الْمُطلق مَعَ الْمُقَيد بِالضَّرُورَةِ. وَكَذَا العدمان المقيدان لاجتماعهما فِي كل مَوْجُود مُغَاير لما أضيف إِلَيْهِ العدمان -. أَلا ترى إِلَى اجْتِمَاع عدم زيد وَعدم عَمْرو فِي بكر -. قيل يتَصَوَّر التقابل بَين العدمين المقيدين إِذا كَانَ أَحدهمَا مُضَافا إِلَى الآخر كالعمى وَعدم الْعَمى فَإِنَّهُمَا عدمان مقيدان يمْتَنع اجْتِمَاعهمَا فِي مَحل وَاحِد - وَأجِيب عَنهُ بِأَن المُرَاد بامتناع الِاجْتِمَاع الْمَأْخُوذ فِي تَعْرِيف التقابل هُوَ الِامْتِنَاع الْمسند إِلَى ذاتهما وَلَيْسَ الِاجْتِمَاع فِي مثل الْعَمى وَعدم الْعَمى بذاتهما بل لاستلزامهما المتقابلين بِالذَّاتِ. وَبِهَذَا الْجَواب ينْدَفع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 أَيْضا مَا قيل إِنَّه يجوز أَن لَا يكون بَين مَا أضيف إِلَيْهِ العدمان وَاسِطَة كَعَدم الْقيام بِالنَّفسِ وَعدم الْقيام بِالْغَيْر. فَإِن عدم اجْتِمَاعهمَا لَيْسَ لذاتهما بل بِاعْتِبَار مَا أضيف إِلَيْهِ العدمان وَهُوَ الْقيام بِالنَّفسِ وَالْقِيَام بِالْغَيْر الَّذِي بِمَعْنى عدم الْقيام بِالنَّفسِ عَمَّا من شَأْنه الْقيام فَلَا يدخلَانِ فِي المتقابلين بِالذَّاتِ المنحصرين فِي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة. وَاعْترض على دَلِيل الْحصْر الْمَذْكُور بِأَن انحصار المتقابلين فِي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة مَمْنُوع بِسَنَدَيْنِ: أَحدهمَا: أَن العدمين إِذا أضيفا إِلَى المفهومين اللَّذين بَينهمَا وَاسِطَة كَعَدم الْحول عَمَّا من شَأْنه أَن يكون أَحول وَعدم قابلية الْبَصَر لَا يَجْتَمِعَانِ على شَيْء وَاحِد مَعَ أَنَّهُمَا خارجان عَن الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة. وَأَيْضًا يلْزم مِنْهُ جَوَاز التقابل بَين العدمين المضافين وَقد مر أَنهم قَالُوا إِنَّه لَا يكون بَينهمَا - وَثَانِيهمَا: أَن وجود الْمَلْزُوم بِمحل يُقَابل انْتِفَاء اللَّازِم عَن ذَلِك الْمحل كوجود الْحَرَكَة للجسم مَعَ انْتِفَاء السخونة اللَّازِمَة لَهَا عَنهُ. وَلَيْسَ دَاخِلا فِي الْعَدَم والملكة وَلَا فِي السَّلب والإيجاب. إِذْ الْمُعْتَبر فيهمَا أَن يكون العدمي عدما للوجودي. وَيُمكن الْجَواب عَن الأول بِأَن الْحول مُسْتَلْزم لقابلية الْبَصَر فَبين عدم الْحول عَمَّا من شَأْنه أَن يكون أَحول وَبَين عدم قابلية الْبَصَر لَيْسَ امْتنَاع الِاجْتِمَاع بِالذَّاتِ. وَعَن الثَّانِي أَيْضا بِمثل ذَلِك لِأَن امْتنَاع وجود الْمَلْزُوم بِمحل وَاحِد وَانْتِفَاء اللَّازِم عَنهُ لَيْسَ لذاته بل لاستدعاء وجود الْمَلْزُوم وجود اللَّازِم فَلَا يدخلَانِ فِي المتقابلين بِالذَّاتِ المنحصرين فِي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة. وَالْأَحْسَن فِي التفصي عَن الْجَمِيع أَن يُجَاب أَنهم لَا يدعونَ الْحصْر فِي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة فَلَا يضر خُرُوج تقَابل مثل هَذِه الْأَشْيَاء عَن تِلْكَ الْأَقْسَام - كَمَا قَالَ الشَّارِح الْقَدِيم لحكمة الْعين أَن الْحُكَمَاء مَا ادعوا انحصار التقابل فِي أَرْبَعَة إِذْ لَيْسَ لَهُم دَلِيل يدل على ذَلِك بل اصْطَلحُوا على أَنَّهَا أَرْبَعَة لاحتياجهم إِلَيْهَا فِي الْعُلُوم. المتواطي: المتوافق من التواطؤ وَهُوَ التوافق. وَعند المنطقيين هُوَ الْكُلِّي الَّذِي تَسَاوَت أَفْرَاده مَوْجُودَة أَو مَعْدُومَة فِي صدقه عَلَيْهَا أَي يكون صدقه على أَفْرَاده على السوية بِأَن لَا يكون على بَعْضهَا أولى أَو أقدم أَو أَشد أَو أَزِيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَعْض الآخر - وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ الْكُلِّي الَّذِي يكون صدقه على أَفْرَاده الذهنية والخارجية على السوية كالإنسان وَالشَّمْس. المترادف: هُوَ اللَّفْظ الَّذِي يكون مَعْنَاهُ الْمَوْضُوع لَهُ وَاحِد أَو يكون لذَلِك الْمَعْنى لفظ آخر مَوْضُوع لَهُ أَو أَلْفَاظ كَذَلِك وَوجه التَّسْمِيَة فِي الترادف والمترادف ضد الْمُشْتَرك. المتباين: مَا كَانَ لَفظه وَمَعْنَاهُ مُخَالفا للْآخر كالإنسان والشيطان. الْمُتَمَتّع: فِي الْمحرم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 الْمُتْعَة: فِي اللُّغَة التَّمَتُّع وَالِانْتِفَاع. وَالْمرَاد بهَا فِي قَول الْفُقَهَاء وَتجب الْمُتْعَة إِن طَلقهَا قبل الوطئ درع - وخمار - وَمِلْحَفَة - يَعْنِي بيرهن ودامني وردا - وَصُورَة نِكَاح الْمُتْعَة فِيهِ. الْمُتَحَيِّرَة: فِي الْكَوَاكِب. (بَاب الْمِيم مَعَ الثَّاء الْمُثَلَّثَة) الْمثل: والمثال بِالْفَارِسِيَّةِ مانند - وَالْفرق بَينهمَا أَن الْمثل هُوَ المشارك فِي جَمِيع الْأَوْصَاف - والمثال هُوَ المشارك فِي أحد الْأَوْصَاف سَوَاء كَانَ مشاركا فِي جَمِيع الْأَوْصَاف أَو لَا - وَلِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى: {لَيْسَ كمثله شَيْء} فَلَا يُقَال لَيْسَ مثله شَيْء. وَلَا بَأْس بِأَن يُقَال لَهُ تَعَالَى مِثَال كَمَا يُقَال إِن الْعقل مِثَال الشَّمْس لِأَنَّهُ كَمَا ينْكَشف المحسوسات بالشمس ينْكَشف المعقولات بِالْعقلِ. فالعقل يُشَارك الشَّمْس فِي الانكشاف وَلَا يُقَال إِن الْعقل مثل الشَّمْس. وَاعْلَم أَن صَاحب الْبِدَايَة من الأشعرية يَقُول لَا مماثلة إِلَّا بالمساواة من جَمِيع الْوُجُوه - وَقَالَ أَبُو الْمعِين من الماتريدية فِي التَّبْصِرَة وَمَا يَقُوله الأشعرية من أَنه لَا مماثلة إِلَّا بالمساواة من جَمِيع الْوُجُوه فَاسد لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ مثلا بِمثل ". وَأَرَادَ الاسْتوَاء فِي الْكَيْل لَا غير وَإِن تفَاوت الْوَزْن وَعدد الحبات والصلابة والرخاوة كَيفَ. فَإِن اشْتِرَاك الشَّيْئَيْنِ فِي جَمِيع الْأَوْصَاف ومساواتهما من جَمِيع الْوُجُوه يرفع التَّعَدُّد فَكيف يتَصَوَّر التَّمَاثُل - وَالْحق أَن النزاع لَفْظِي. وَمُرَاد الْكل الْمُسَاوَاة من جَمِيع الْوُجُوه فِيمَا بِهِ الْمُمَاثلَة كالكيل مثلا فَافْهَم واحفظ واستقم وَلَا تكن من الغافلين. وَالْفرق بَين الْمِثَال والنظير أَن الْمِثَال يكون جزئيا للمثل بِخِلَاف النظير - وَالْفرق بَين الْأَمْثِلَة والشواهد أَن الْأَمْثِلَة أَعم من الشواهد لِأَن الشواهد تسْتَعْمل فِي كَلَام الله تَعَالَى وَكَلَام النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَلَام الفصحاء - والأمثلة فِيهَا وَفِي الْكَلَام الَّذِي يؤلفه الْمعلم مثلا للتمثيل والتفهيم. والمثل بالضمتين جمع الْمِثَال. ف (99) : ثمَّ اعْلَم أَنه قد جرت عَادَة أَصْحَاب الحَدِيث أَن الحَدِيث إِذا رُوِيَ بِإِسْنَادَيْنِ أَو أَكثر وَسَاقُوا الحَدِيث بِإِسْنَاد وَاحِد أَولا - ثمَّ ساقوا إِسْنَادًا آخر يَقُولُونَ فِي آخِره مثله وَنَحْوه اختصارا - والمثل يسْتَعْمل بِحَسب الِاصْطِلَاح فِيمَا إِذا كَانَت الْمُوَافقَة بَين الْحَدِيثين فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى والنحو يسْتَعْمل فِيمَا إِذا كَانَت الْمُوَافقَة فِي الْمَعْنى فَقَط - هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِيمَا بَينهم وَقد يسْتَعْمل كل وَاحِد مِنْهُمَا مقَام الآخر. والمثال فِي اصْطِلَاح الصّرْف المعتل الْفَاء وتفصيله فِي المعتل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وَاعْلَم أَن مثل وَغير قد يُرَاد بهما مَا يضافان إِلَيْهِ إِذا كَانَا مُسْندًا إِلَيْهِمَا بِفعل - والضابطة حِينَئِذٍ أَن الْفِعْل الْوَاقِع بعد مثل يثبت لما أضيف إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ مثبتا أَو منفيا نَحْو مثلك لَا يبخل أَي أَنْت لَا تبخل وَمثل الْأَمِير يُعْطي أَي الْأَمِير يُعْطي. وَالْفِعْل الْوَاقِع بعد غير إِن كَانَ مثبتا يثبت لما أضيف إِلَيْهِ منفيا. وَإِن كَانَ منفيا يثبت لَهُ منفيا نَحْو غَيْرك لَا يجود أَي أَنْت تجود. وَغَيْرك يُؤْذِي أَي أَنْت لَا تؤذي. وَوجه كل من هَذِه الْأُمُور فِي المطول - وَقد يُرَاد بهما مَا يضافان إِلَيْهِ نَحْو مثلك لَا يُوجد وغيري جنى وَأَنت تَشْتمنِي. فَإِن الْمَقْصُود نفي الْفِعْل فِي الأول عَن إِنْسَان مماثل لمن أضيف إِلَيْهِ مثل وَثُبُوت الْفِعْل فِي الثَّانِي لإِنْسَان مغائر لمن أضيف إِلَيْهِ غير. المثقال: الدِّينَار عشرُون قيراطا كَذَا فِي فَتَاوَى العالمكيري والقيراط خمس شعيرات كَذَا فِي التَّبْيِين - وَالدِّينَار يكون من الذَّهَب. وَالدَّرَاهِم من الْفضة. وَفِي الْقنية مِثْقَال بِالْكَسْرِ (جهارونيم ماشه) . فَيعلم من هَا هُنَا أَن المثقال سِتَّة وَثَلَاثُونَ حَبَّة حَمْرَاء - وَفِي بعض حَوَاشِي (كنز الدقائق) أَن المثقال عشرُون قيراطا. والقيراط حَبَّة وَاحِدَة. فَعلم من هَا هُنَا أَن صَاحب الْقنية أَرَادَ بالقيراط حَبَّة وَأَرْبَعَة أَخْمَاس حَبَّة - وَفِي الصِّحَاح المثقال دِرْهَم وَثَلَاثَة أَسْبَاع دِرْهَم - وَالدِّرْهَم سِتَّة دوانيق والدانق قيراطان والقيراط طسوجان والطسوج حبتان والحبة سدس ثمن دِرْهَم وَهُوَ جُزْء من ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين جُزْءا من دِرْهَم. الْمثنى: عِنْد النُّحَاة اسْم لحق آخر مفرده ألف حَالَة الرّفْع وياء مَفْتُوح مَا قبلهَا حالتي النصب والجر وَنون مَكْسُورَة عوضا عَن الْحَرَكَة أَو التَّنْوِين فِي الْوَاحِد ليدل ذَلِك اللحوق أَو اللَّاحِق وَحده أَو مَعَ الملحوق على أَن مَعَ مفرده مثله فِي الْعدَد حَال كَون ذَلِك الْمثل من جنس ذَلِك الْمُفْرد. وَتَحْقِيق هَذَا المرام فِي جَامع الغموض منبع الفيوض. المثلث: فِي اصْطِلَاح الهندسة هُوَ السَّطْح المحاط بِثَلَاث خطوط مُسْتَقِيمَة. وَهُوَ تَارَة يَنْقَسِم بِاعْتِبَار الأضلاع. وَتارَة بِاعْتِبَار الزاوية. فَهُوَ بِاعْتِبَار الأضلاع على ثَلَاثَة أَقسَام - متساوي الأضلاع - ومتساوي السَّاقَيْن - ومختلف الأضلاع. أما متساوي الأضلاع ومختلفها فظاهران - وَأما متساوي السَّاقَيْن فَهُوَ المثلث الَّذِي يكون ساقاه متساويان دون قَاعِدَته - وَفِي المثلث إِذا عين أحد أضلاعه قَاعِدَة يُسمى الضلعان الباقيان بساقين - وَأما بِاعْتِبَار الزاوية فأقسامه ثَلَاثَة. قَائِم الزاوية - ومنفرج الزاوية - وحاد الزوايا. والأقسام الْعَقْلِيَّة تِسْعَة حَاصِلَة من ضرب الثَّلَاثَة بِاعْتِبَار الضلع فِي الثَّلَاثَة بِاعْتِبَار الزاوية. وَثَلَاثَة مِنْهَا غير مُمكن الْوُقُوع إِذْ لَا يجوز فِي المثلث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 قائمتان أَو منفرجتان أَو قَائِمَة ومنفرجة. إِذْ برهن فِي الهندسة أَن الزوايا الثَّلَاث للمثلث مُسَاوِيَة لقائمتين. فأقسامه الممكنة الْوُقُوع سَبْعَة: الأول: المتساوي الأضلاع حاد الزوايا - وَالثَّانِي: المتساوي السَّاقَيْن فَقَط قَائِم الزاوية - وَالثَّالِث: المتساوي السَّاقَيْن منفرج الزاوية - وَالرَّابِع: المتساوي السَّاقَيْن حاد الزوايا - الْخَامِس: مُخْتَلف الأضلاع قَائِم الزاوية - السَّادِس: مُخْتَلف الأضلاع منفرج الزاوية - السَّابِع: مُخْتَلف الأضلاع حاد الزوايا - والمثلث العنبي مَاء الْعِنَب الَّذِي يطْبخ حَتَّى يذهب ثُلُثَاهُ وَبَقِي ثلثه ثمَّ يوضع حَتَّى يغلى ويشتد ويقذف بالزبد. وَكَذَا إِن صب فِيهِ المَاء حَتَّى يرق بَعْدَمَا ذهب ثُلُثَاهُ ثمَّ يطْبخ أدنى طبخة ثمَّ يتْرك إِلَى أَن يغلى ويشتد ويقذف بالزبد يُسمى مثلثا أَيْضا إِلَّا أَنه مُخَالف لعامة الْكتب فَإِنَّهُ يُسمى بأسامي أخر كالجمهوري لاستعمال الْجُمْهُور. والْحميدِي مَنْسُوب إِلَى حميد فَإِنَّهُ صنعه. وَأَبُو يوسفي ويعقوبي لِأَنَّهُ اتخذ لهارون الرشيد وَهُوَ حَلَال عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله تَعَالَى مَا لم يسكر خلافًا لمُحَمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى. ف (100) : المثول: الْقَائِم منتصبا. الْمثلَة: بِالضَّمِّ الْعقُوبَة بِقطع عُضْو من أَعْضَاء الْحَيّ. الْمُثمن: من الثَّمَانِية (هشت بهلو) وَمن الثّمن مَا يُبَاع وَيُؤْخَذ الثّمن فِي عوضه. وَالثمن النقدان أَي الذَّهَب وَالْفِضَّة. (بَاب الْمِيم مَعَ الْجِيم المنقوطة) المجادلة: هِيَ الْمُنَازعَة لَا لإِظْهَار الصَّوَاب بل لإلزام الْخصم. المجاهدة: لُغَة الْمُحَاربَة وَشرعا محاربة النَّفس الأمارة بالسوء بتحميلها مَا يشق عَلَيْهَا بِمَا هُوَ مَطْلُوب فِي الشَّرْع. الْمُجْتَهد: من الِاجْتِهَاد فمعرفته بعد معرفَة الِاجْتِهَاد فِي غَايَة السهولة. وتعريفه برسمه من يحوي علم الْكتاب ووجوه مَعَانِيه وَعلم السّنة بطرقها ومتونها ووجوه مَعَانِيهَا وَيكون عَالما بِالْقِيَاسِ. الْمَجْنُون: من لم يستقم كَلَامه وأفعاله وَإِن أردْت تَمام تَفْصِيله فَانْظُر فِي الْجُنُون. الْمَجْهُول: ضد الْمَعْلُوم. وَعند عُلَمَاء الصّرْف والنحو هُوَ الْفِعْل الَّذِي حذف فَاعله وَبني للْمَفْعُول بِأَن يضم أَوله وَكسر مَا قبل آخِره أَو يضم الثَّالِث مَعَ همزَة الْوَصْل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 أَو يضم الثَّانِي مَعَ التَّاء إِن كَانَ مَاضِيا وَإِن كَانَ مضارعا يضم حرف المضارعة وَيفتح مَا قبل آخِره. وَاعْلَم أَن المُرَاد بِالْمَجْهُولِ الَّذِي يُسمى شَيْئا فِي مُقَدمَات الْجَبْر والمقابلة غير الْوَاحِد لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاحِدًا فَلَا فَائِدَة فِي ضربه فِي نَفسه وَلَا حَاصِل فَافْهَم واحفظ. الْمَجْهُول الْمُطلق: مَا لَا يكون مَعْلُوما بِوَجْه من الْوُجُوه. وَمن أَحْكَامه امْتنَاع الحكم عَلَيْهِ وَامْتِنَاع طلبه قيل إِن قَوْلك إِن الْمَجْهُول الْمُطلق يمْتَنع عَلَيْهِ الحكم قَضِيَّة مُوجبَة قد حكم فِيهَا على الْمَجْهُول الْمُطلق بامتناع الحكم فَهُوَ إِمَّا أَن يكون مَعْلُوما أَو مَجْهُولا. وعَلى كل تَقْدِير يلْزم كذبهَا - إِمَّا على الأول فلصدق قَوْلنَا الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي هَذِه الْقَضِيَّة مَعْلُوم وكل مَعْلُوم لَا يمْتَنع عَلَيْهِ الحكم فَهَذَا لَا يمْتَنع عَلَيْهِ الحكم هَذَا خلف. وَإِمَّا على الثَّانِي فلصدق قَوْلنَا بعض الْمَجْهُول الْمُطلق مَحْكُوم عَلَيْهِ وَإِن كَانَ بالامتناع وكل مَحْكُوم عَلَيْهِ فَهُوَ مَعْلُوم بِوَجْه مَا وكل مَعْلُوم بِوَجْه مَا لَا يمْتَنع عَلَيْهِ الحكم ينْتج بعض الْمَجْهُول الْمُطلق لَا يمْتَنع عَلَيْهِ الحكم. هَذَا خلف فَيلْزم الحكم وسلبه مَعًا. وَالْجَوَاب أَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي ذَلِك القَوْل بل فِي هَذِه القضايا الْمَذْكُورَة فِي تَقْرِير الِاعْتِرَاض مَعْلُوم وموجود بِالذَّاتِ أَي بِحَسب نفس الْأَمر بِاعْتِبَار حُصُوله فِي الذِّهْن وَمَا صدق عَلَيْهِ مَجْهُول ومعدوم مُطلق بِالْفَرْضِ بِاعْتِبَار اتصافه بِوَصْف المجهولية والمعدومية. فكونه مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالِاعْتِبَارِ الأول. وسلب الحكم عَنهُ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي. وَزِيَادَة تَحْقِيق هَذَا الْمقَام سَيَأْتِي فِي الْمُوجبَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْمجَاز: هُوَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي غير الْمَوْضُوع لَهُ لمناسبة بَينهمَا سَوَاء قَامَت قرينَة دَالَّة على عدم إِرَادَة الْمَوْضُوع لَهُ أَو لَا - وَالْمجَاز بِهَذَا الْمَعْنى مُقَابل للْحَقِيقَة شَامِل للكناية أَيْضا. وَأما الْمجَاز الْمُقَابل للكناية فَهُوَ: الْمجَاز اللّغَوِيّ: وَيُسمى. مجَازًا مُفردا: أَيْضا وَهُوَ الْكَلِمَة المستعملة فِي غير مَا وضعت لَهُ فِي اصْطِلَاح التخاطب مَعَ قرينَة صارفة مَانِعَة عَن إِرَادَة مَا وضعت لَهُ مثل رَأَيْت أسدا يَرْمِي. بِخِلَاف الْكِنَايَة فَإِنَّهَا أَيْضا لفظ مُسْتَعْمل فِي غير الْمَوْضُوع لَهُ لَكِن يَصح هُنَاكَ إِرَادَة الْمَوْضُوع لَهُ مثل زيد كثير الرماد وطويل النجاد وجبان الْكَلْب - وَإِنَّمَا قُلْنَا لمناسبة بَينهمَا لِأَن مَا اسْتعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ لَا لمناسبة فَإِن ذَلِك لَا يُسمى مجَازًا بل كَانَ مرتجلا أَو خطأ -. وَاعْلَم أَن المرتجل من أَقسَام الْحَقِيقَة كَمَا ستعلم فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. ثمَّ الْمجَاز على نَوْعَيْنِ: مجَاز مُرْسل: ومجاز مستعار لِأَنَّهُ إِن كَانَت العلاقة المصححة للانتقال من الْمَوْضُوع إِلَى غير الْمَوْضُوع لَهُ التَّشْبِيه فمجاز مستعار وَإِلَّا فمجاز مُرْسل - والعمدة فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 أَنْوَاع العلاقة الاستقراء ويرتقي مَا ذكره الْقَوْم إِلَى خَمْسَة وَعشْرين. أَحدهَا: إِطْلَاق السَّبَب على الْمُسَبّب - وَالثَّانِي: عَكسه - وَالثَّالِث: إِطْلَاق اسْم الْكل على الْجُزْء. وَالرَّابِع: عَكسه - وَالْخَامِس: إِطْلَاق اسْم الْمَلْزُوم على اللَّازِم - وَالسَّادِس: عَكسه - وَالسَّابِع: إِطْلَاق أحد المتشابهين على الآخر كإطلاق الْأسد على الشجاع وَإِطْلَاق الْإِنْسَان على الصُّورَة المنقوشة لتشابههما شكلا. وَالثَّامِن: إِطْلَاق اسْم الْمُطلق على الْمُقَيد. وَالتَّاسِع: عَكسه. والعاشر: إِطْلَاق اسْم الْخَاص على الْعَام. وَالْحَادِي عشر: عَكسه. وَالثَّانِي عشر: حذف الْمُضَاف سَوَاء أقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه نَحْو {واسأل الْقرْيَة} أَي أَهلهَا أَولا كَقَوْل أبي دَاوُد: (أكل امرء تحسبين امْرأ ... ونار توقد بِاللَّيْلِ نَارا) وَيُسمى هَذَا مجَازًا بِالنُّقْصَانِ ومجازا فِي الْإِعْرَاب. وَالثَّالِث عشر: نَحْو أَنا ابْن جلا أَي رجل جلا. وَالرَّابِع عشر: تَسْمِيَة الشَّيْء باسم مَا لَهُ تعلق بالمجاورة كالغائط للفضلات. وَالْخَامِس عشر: تَسْمِيَة الشَّيْء باسم مَا يؤول إِلَيْهِ نَحْو {أَنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا} أَي عنبا يؤول إِلَى الْخمر. وَالسَّادِس عشر: تَسْمِيَة الشَّيْء باسم مَا كَانَ نَحْو هَذَا عبد للْمُعْتق بِالْفَتْح. وَالسَّابِع عشر: إِطْلَاق اسْم الْمحل على الْحَال نَحْو جرى الْمِيزَاب. وَالثَّامِن عشر: عَكسه نَحْو {فَأَما الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوههم فَفِي رَحْمَة الله} أَي فِي الْجنَّة لِأَنَّهَا مَحل الرَّحْمَة. وَالتَّاسِع عشر: إِطْلَاق اسْم آلَة الشَّيْء عَلَيْهِ نَحْو {وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين} أَي ذكرا حسنا. وَالْعشْرُونَ: إِطْلَاق اسْم الشَّيْء على بدله نَحْو فلَان أكل الدَّم أَي الدِّيَة. وَالْحَادِي وَالْعشْرُونَ: النكرَة تذكر للْعُمُوم نَحْو {علمت نفس مَا قدمت} . أَي كل نفس. وَالثَّانِي وَالْعشْرُونَ: إِطْلَاق اسْم أحد الضدين على الآخر نَحْو {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} . وَالثَّالِث وَالْعشْرُونَ: إِطْلَاق الْمُعَرّف بِاللَّامِ وَإِرَادَة وَاحِد مُنكر نَحْو ادخُلُوا الْبَاب. أَي بَابا من أَبْوَابهَا. وَالرَّابِع وَالْعشْرُونَ: إِطْلَاق الْحَذف نَحْو {يبين الله لكم أَن تضلوا} . أَي لِئَلَّا تضلوا. وَالْخَامِس وَالْعشْرُونَ: الزِّيَادَة نَحْو {لَيْسَ كمثله شَيْء} . فَافْهَم واحفظ. وَإِنَّمَا سمي اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي غير الْمَوْضُوع مجَازًا لِأَن الْمجَاز مَأْخُوذ من جَازَ الشَّيْء يجوزه أَي تعداه. وَإِذا اسْتعْمل اللَّفْظ فِي الْمَعْنى الْمجَازِي فقد جَازَ مَكَانَهُ الأولى وموضعه الْأَصْلِيّ. فعلى هَذَا الْمجَاز مصدر ميمي اسْتعْمل بِمَعْنى اسْم الْفَاعِل ثمَّ ثقل إِلَى اللَّفْظ الْمَذْكُور. وَيحْتَمل أَن يكون الْمجَاز ظرف مَكَان فَإِن الْمُتَكَلّم جَازَ فِي هَذَا اللَّفْظ عَن مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ إِلَى معنى آخر فَهُوَ مَحل الْجَوَاز. وَإِنَّمَا سمي اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي غير الْمَوْضُوع لَهُ بعلاقة التَّشْبِيه مستعارا وبدونها مُرْسلا لِأَن الْإِرْسَال فِي اللُّغَة الْإِطْلَاق والاستعارة مُقَيّدَة بادعاء أَن الْمُشبه من جنس الْمُشبه بِهِ والمرسل مُطلق عَن هَذَا التَّقْيِيد. الْمجَاز الْمركب: هُوَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي الْمَعْنى الَّذِي شبه بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 الَّذِي يدل عَلَيْهِ ذَلِك اللَّفْظ بالمطابقة تَشْبِيه التَّمْثِيل للْمُبَالَغَة فِي التَّشْبِيه كَمَا يُقَال للمتردد فِي أَمر أَنِّي أَرَاك تقدم رجلا وتؤخر أُخْرَى فَإِن شبه صُورَة تردد من قَامَ فَيذْهب فِي أَمر فَتَارَة يُرِيد الذّهاب فَيقدم رجلا. وَتارَة لَا يُرِيد فيؤخر أُخْرَى فَاسْتعْمل الْكَلَام الدَّال على هَذِه الصُّورَة فِي تِلْكَ. وَوجه الشّبَه هُوَ الْإِقْدَام تَارَة والأحجام أُخْرَى منتزع عَن عدَّة أُمُور وَهَكَذَا فِي المطول. المجازاة: بِالضَّمِّ وَالزَّاي الْمُعْجَمَة (باداش كردن) - وَمِنْه قَوْلهم كلم المجازاة أَي الشَّرْط وَالْجَزَاء. المجاراة بِالضَّمِّ وَالرَّاء الْمُهْملَة الجريان مَعَ الْخصم فِي المناظرة كالمداراة فِي عرف المناظرة. المجهورة: هِيَ الْحُرُوف الَّتِي ينْحَصر أَي يحتبس جري النَّفس مَعَ تحركها وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تكون قَوِيَّة فِي أَنْفسهَا وَقَوي الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا فِي مَوضِع خُرُوجهَا فَلَا تخرج إِلَّا بِصَوْت قوي شَدِيد وتمنع النَّفس من الجري مَعهَا وَهِي مَا عدا حُرُوف (ستشحثك خصفه) و (خصفة) اسْم امْرَأَة (والشحث) الإلحاح فِي الْمَسْأَلَة. وَمِنْه يُقَال للمكدي أَي المكار شحاث - قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْحَوَاشِي مَعْنَاهُ ستكدي أَي ستمكر عَلَيْك هَذِه الْمَرْأَة. وَإِنَّمَا سميت مجهورة من قَوْلهم جهرت بالشَّيْء إِذا أعلنته وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما امْتنع النَّفس أَن يجْرِي مَعهَا انحصرت الصَّوْت بهَا فَقَوِيت التصويت وَهَذَا قَول الْمُتَقَدِّمين. وَخَالف بعض الْمُتَأَخِّرين فَجعل الضَّاد والظاء وَالدَّال وَالزَّاي والغين المعجمات وَالْعين من المهموسة وَجعل الْكَاف وَالتَّاء من المجهورة. وَظن أَنَّهُمَا من الْحُرُوف الشَّدِيدَة (والشدة) عبارَة عَن تَأَكد الْجَهْر وَلَيْسَ الْأَمر على ذَلِك. المجهولية: طَائِفَة مذاهبهم مَذْهَب الشِّيعَة إِلَّا أَنهم قَالُوا يَكْفِي مَعْرفَته تَعَالَى بِبَعْض أَسْمَائِهِ فَمن علمه كَذَلِك فَهُوَ عَارِف بِهِ مُؤمن. الْمَجْمُوع: اسْم دَال على جملَة آحَاد مَقْصُودَة بحروف هِيَ مَادَّة لمفرده متغيرة بِتَغَيُّر مَا بِحَسب الصُّورَة إِمَّا بِالزِّيَادَةِ أَو النُّقْصَان أَو الِاخْتِلَاف فِي الحركات والسكنات حَقِيقَة أَو حكما. وتفصيل هَذَا المرام فِي كتب النَّحْو سِيمَا فِي كتَابنَا جَامع الغموض. المجذور: اعْلَم أَن الْعدَد إِذا ضرب فِي غَيره يُسمى الْحَاصِل بالمسطح وَإِذا ضرب فِي نَفسه وَيُسمى الْحَاصِل بالمجذور. الْمَجْرُور: مَا اشْتَمَل على علم الْمُضَاف إِلَيْهِ من حَيْثُ إِنَّه مُضَاف إِلَيْهِ لَا ذَات الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ الْجَرّ. سَوَاء كَانَ بِالْكَسْرِ أَو الفتحة أَو الْيَاء لفظا أَو تَقْديرا. المجذوب: الْمَجْنُون. وَعند الصُّوفِيَّة من اصطفاه الْحق لنَفسِهِ واصطفاه بِحَضْرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 أنسه واطلعه بجناب قدسه فَحصل لَهُ جَمِيع المقامات والمراتب بِلَا كلفة المكاسب والمتعب. الْمُجْمل: مَا اجْتمعت فِيهِ المعنيان أَو الْمعَانِي من غير رُجْحَان لأحدها على الْبَاقِي فَاشْتَبَهَ المُرَاد بِهِ اشتباها لَا يدْرك إِلَّا بِبَيَان من جِهَة الْمُجْمل. وَالْفرق بَينه وَبَين الْمُشْتَرك أَن توارد الْمعَانِي فِي الْمُشْتَرك بِحَسب الْوَضع فَقَط. وَفِي الْمُجْمل بِحَسبِهِ وَبِاعْتِبَار غرابة اللَّفْظ وتوحشه من غير اشْتِرَاك فِيهِ وَبِاعْتِبَار إِبْهَام الْمُتَكَلّم الْكَلَام. فَإِن الْمُجْمل على ثَلَاثَة أَنْوَاع. نوع لَا يفهم مَعْنَاهُ لُغَة كالهلوع قبل التَّفْسِير. وَنَوع مَعْنَاهُ مَعْلُوم لُغَة وَلَكِن لَيْسَ بِمُرَاد كالربا وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَنَوع مَعْنَاهُ مَعْلُوم لُغَة إِلَّا أَنه مُتَعَدد. وَالْمرَاد وَاحِد مِنْهَا وَلم يُمكن تَعْيِينه لانسداد بَاب التَّرْجِيح فِيهِ. وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْأُصُول. وَالْفرق بَين الْمُجْمل وَالْمُطلق فِي الْمُطلق. وَاعْلَم أَن الْمُجْمل مَا لَا يُمكن الْعَمَل بِهِ إِلَّا بعد الْبَيَان من جِهَة الْمُجْمل وَقَوله تَعَالَى: {وامسحوا برؤوسكم} . مُجمل عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمُطلق عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. فَإِن قيل لَا نسلم أَن الْكتاب مُجمل والمجمل لَا يُمكن الْعَمَل بِهِ قبل الْبَيَان وَهَا هُنَا الْعَمَل بِهَذَا النَّص مُمكن وَهُوَ الْقَلِيل فَلَا يكون مُجملا. قُلْنَا الْبَيَان إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي مَوضِع الْإِجْمَال وَلَيْسَ الْإِجْمَال فِي مَحل الْمسْح فَإِنَّهُ الرَّأْس بِيَقِين لنا فالإجمال فِي الْمِقْدَار لِأَن المُرَاد مِنْهُ بعض مُقَدّر لَا مُطلق الْبَعْض لِأَن الْمَفْرُوض فِي سَائِر الْأَعْضَاء غسل بعض مُقَدّر فَكَذَا فِي هَذِه الْوَظِيفَة. وَبِمَا قُلْنَا إِن الْمُطلق مَوْجُود فِي الشّعْر والشعرتين وَهُوَ لَا يَنُوب عَن الْمسْح. والمقدر مُجمل فاستفدنا بَيَان الْمِقْدَار من فعل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وعملنا بِإِطْلَاق النَّص فِيمَا عداهُ فَقُلْنَا بِجَوَاز الْمسْح على أَي ربع كَانَ. الْمُجْتَهد قد يُصِيب وَقد يُخطئ: يَعْنِي أَن الْمُجْتَهد فِي الْمَسْأَلَة الاجتهادية قد يُصِيب ويصل إِلَى مَا هُوَ الحكم الْحق عِنْد الله تَعَالَى فَيكون مأجورا على كده وسعيه وإصابته ووصوله إِلَى مَا هُوَ الحكم الصَّوَاب. وَقد يُخطئ عَن الْوُصُول إِلَيْهِ فَيكون مَعْذُورًا ومأجورا على كده وسعيه فَقَط لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " إِن أصبت فلك عشر حَسَنَات وَإِن أَخْطَأت فلك حَسَنَة ". وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " جعل للمصيب أَجْرَيْنِ وللمخطئ أجرا وَاحِدًا ". وَضمير جعل رَاجع إِلَى الله تَعَالَى. قَالَ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي التَّلْوِيح: وَحكمه أَي الْأَثر الثَّابِت بِالِاجْتِهَادِ غَلَبَة الظَّن بالحكم مَعَ احْتِمَال الْخَطَأ فَلَا يجْرِي الِاجْتِهَاد فِي القطعيات وَفِيمَا يجب فِيهِ الِاعْتِقَاد الْجَازِم من أصُول الدّين وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الْمُصِيب عِنْد اخْتِلَاف الْمُجْتَهدين وَاحِد. وَقد اخْتلف فِي ذَلِك بِنَاء على اخْتلَافهمْ فِي أَن لله تَعَالَى فِي كل صُورَة حكما معينا أم الحكم مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد الْمُجْتَهد فعلى الأول: يكون الْمُصِيب وَاحِدًا - وعَلى الثَّانِي: يكون كل مُجْتَهد مصيبا. وَتَحْقِيق هَذَا الْمقَام أَن الْمَسْأَلَة الاجتهادية إِمَّا أَن لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 يكون لله تَعَالَى فِيهَا حكم معِين قبل اجْتِهَاد الْمُجْتَهد أَو يكون. وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن لَا يدل عَلَيْهِ دَلِيل أَو يدل. وَذَلِكَ الدَّلِيل إِمَّا قَطْعِيّ أَو ظَنِّي فَذهب إِلَى كل احْتِمَال ذَاهِب فَحصل أَرْبَعَة مَذَاهِب. الأول: أَن لَا حكم فِي الْمَسْأَلَة الاجتهادية قبل الِاجْتِهَاد بل الحكم مَا أدّى إِلَيْهِ رَأْي الْمُجْتَهد وَإِلَيْهِ ذهب عَامَّة الْمُعْتَزلَة - ثمَّ اخْتلفُوا فَذهب بَعضهم إِلَى اسْتِوَاء الْحكمَيْنِ فِي الْحَقِيقَة - وَبَعْضهمْ إِلَى كَون أَحدهمَا أَحَق وَقد ينْسب ذَلِك إِلَى الْأَشْعَرِيّ بِمَعْنى أَنه لم يتَعَلَّق الحكم بِالْمَسْأَلَة قبل الِاجْتِهَاد وَإِلَّا فَالْحكم قديم عِنْده. الثَّانِي: أَن الحكم معِين وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ بل العثور عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة العثور على دَفِين فَلِمَنْ أصَاب أَجْرَانِ وَلمن أَخطَأ أجر الكد وَإِلَيْهِ ذهب طَائِفَة من الْفُقَهَاء والمتكلمين. الثَّالِث: أَن الحكم معِين وَعَلِيهِ دَلِيل قَطْعِيّ والمجتهد مَأْمُور بِطَلَبِهِ وَإِلَيْهِ ذهب طَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن الْمُخطئ هَل يسْتَحق الْعقَاب وَفِي أَن حكم القَاضِي بالْخَطَأ هَل ينْقض. الرَّابِع: أَن الحكم معِين وَعَلِيهِ دَلِيل ظَنِّي إِن وجده أصَاب وَإِن فَقده أَخطَأ. والمجتهد غير مُكَلّف بإصابته لغموضه وخفائه فَلهَذَا كَانَ الْمُخطئ مَعْذُورًا بل مأجورا انْتهى. فَلَا خلاف فِي هَذَا الْمَذْهَب فِي أَن الْمُخطئ لَيْسَ بآثم - وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنه مُخطئ ابْتِدَاء وانتهاء أَي بِالنّظرِ إِلَى الدَّلِيل وَالْحكم جَمِيعًا يَعْنِي لم يطلع على الدَّلِيل وَالْحكم اللَّذين هما عِنْد الله تَعَالَى وَإِلَيْهِ ذهب بعض الْمَشَايِخ وَهُوَ مُخْتَار الشَّيْخ أبي مَنْصُور رَحمَه الله تَعَالَى. أَو انْتِهَاء فَقَط أَي بِالنّظرِ إِلَى الحكم حَيْثُ أَخطَأ فِيهِ وَإِن أصَاب فِي الدَّلِيل الظني الَّذِي كَانَ عِنْد الله تَعَالَى حَيْثُ أَقَامَهُ على وَجهه مستجمعا بشرائطه وأركانه فَأتى بِمَا كلف بِهِ من الِاعْتِبَار وَالْقِيَاس وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الاجتهاديات إِقَامَة الْحجَّة القطعية الَّتِي مدلولها حق الْبَتَّةَ. الْمجَاز الْعقلِيّ: عِنْد الْخَطِيب الدِّمَشْقِي صَاحب التَّلْخِيص رَحمَه الله تَعَالَى إِسْنَاد الْفِعْل أَو مَعْنَاهُ إِلَى ملابس لَهُ غير مَا هُوَ لَهُ بتأول كَقَوْل الْمُؤمن أنبت الرّبيع البقل. وَعند الشَّيْخ عبد القاهر رَحمَه الله تَعَالَى الْمجَاز الْعقلِيّ كَلَام يَشْمَل على إِسْنَاد إِلَى غير مَا هُوَ لَهُ. وَإِن أردْت وَجه التَّسْمِيَة فَارْجِع إِلَى الْإِسْنَاد. قَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي المطول وَقد خرج من تَعْرِيفه للإسناد الْمجَازِي أَمْرَانِ: أَحدهمَا: وصف الْفَاعِل إِلَى آخِره. حَاصله أَن تَعْرِيفه لَيْسَ بِجَامِع لخُرُوج مثل رجل عدل وَإِنَّمَا هِيَ إقبال وإدبار. وَمثل الْكتاب الْحَكِيم والأسلوب الْحَكِيم وأمثالها. وَوجه الْخُرُوج أَن الرجل لكَونه مُبْتَدأ لَيْسَ من ملابسات الْعدْل. وَكَذَا النَّاقة فَإِن ملابسات الْفِعْل وَمَعْنَاهُ هِيَ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ وَالْمَفْعُول الْمُطلق وَالزَّمَان وَالْمَكَان والمبتدأ لَيْسَ مِنْهَا والحكيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 وَإِن أسْند إِلَى الْفَاعِل الَّذِي هُوَ الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى الْكتاب والأسلوب لَكِن الْكتاب والأسلوب ليسَا من ملابسات هَذَا الْمسند أَعنِي الْحَكِيم بل من ملابسات فعل آخر مثل أنشأت وأحدثت. وَكَلَامه صَرِيح فِي أَن الْمَفْعُول الَّذِي يكون الْإِسْنَاد إِلَيْهِ مجَازًا يجب أَن يكون مِمَّا يلابسه ذَلِك الْمسند. وَالْجَوَاب أَن الْإِسْنَاد فِي المثالين الْأَوَّلين عِنْده لَيْسَ بِحَقِيقَة وَلَا مجَاز لِأَنَّهُ قَائِل بالواسطة بَينهمَا وَأَن الْكتاب والأسلوب من ملابسات الْحَكِيم. فَإِن الملابسة أَعم من أَن يكون بِوَاسِطَة حرف أَو بِدُونِهَا - والمثالان الأخيران من قبيل الأول إِذْ الأَصْل هُوَ الْحَكِيم فِي كِتَابه وأسلوبه. ثمَّ قَالَ الْعَلامَة وَالْمُعْتَبر عِنْد صَاحب الْكَشَّاف تلبس مَا أسْند إِلَيْهِ الْفِعْل بفاعله الْحَقِيقِيّ وَلَا يجب أَن يكون ذَلِك الْمسند إِلَيْهِ مِمَّا يلابسه ذَلِك الْمسند لِأَنَّهُ قَالَ الْمجَاز الْعقلِيّ أَن يسند الْفِعْل إِلَى شَيْء يتلبس أَي ذَلِك الشَّيْء بِالَّذِي هُوَ أَي ذَلِك الْفِعْل فِي الْحَقِيقَة لَهُ. وغرض الْعَلامَة من هَذَا الْكَلَام التأييد فِي تَعْمِيم الملابسة يَعْنِي يعلم من ظَاهر كَلَام صَاحب الْكَشَّاف مَعَ قطع النّظر عَمَّا قبله أَن الْمُعْتَبر عِنْده فِي تَعْرِيف الْمجَاز الْعقلِيّ هُوَ تلبس الْفَاعِل الْمجَازِي بالفاعل الْحَقِيقِيّ مُطلقًا سَوَاء كَانَت فِي مُلَابسَة ذَلِك الْفِعْل الْمسند إِلَيْهِ أَو فِي مُلَابسَة فعل آخر من أَفعاله لِأَنَّهُ أطلق التَّلَبُّس وَلم يُقيد. فعلى مَا حررنا لَا يرد اعْتِرَاض السَّيِّد السَّنَد قدس سره بِأَن صَاحب الْكَشَّاف قَالَ قبيل هَذَا الْكَلَام إِلَى آخِره. ثمَّ اعْلَم أَن قَوْله قدس سره: فَإِن قلت مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ الْفِعْل لَا بِذَاتِهِ وَلَا بِوَاسِطَة إِلَى آخِره اعْتِرَاض على الِاحْتِمَال الْأَخير. وَقَوله قدس سره قلت ترك الْقَيْد فِي التعريفات إِلَى آخِره جَوَاب بالمعارضة لِأَن السَّائِل مستدل. - وَتَقْرِير السُّؤَال أَن هَذَا الِاحْتِمَال بَاطِل لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ أَن مُطلق التَّلَبُّس بالفاعل الْحَقِيقِيّ كَاف فِي جَوَاز الْإِسْنَاد - وَالْحَال أَن مَا لَا يتَعَلَّق بهَا لفعل لَا بِذَاتِهِ وَلَا بِوَاسِطَة حرف يبعد إِسْنَاده إِلَيْهِ وَمَا هُوَ بعيد لَا يجوز فِي الْكَلَام الفصيح فَكيف يَكْتَفِي بِمُطلق التَّلَبُّس فَهَذَا الِاحْتِمَال الْمشعر بالاكتفاء بَاطِل. - وَحَاصِل الْجَواب أَن الْبعد كَمَا هُوَ مَوْجُود فِي هَذَا الِاحْتِمَال كَذَلِك مَوْجُود فِي الِاحْتِمَال الأول لِأَن ترك قيد فِي التعريفات اعْتِمَادًا على فهم السَّامع أَو على الْكَلَام السَّابِق بعيد مَتْرُوك. وَلَا يخفى على من لَهُ أدنى ذوق من الْمعَانِي أَن الْبعد فِي الِاحْتِمَال الثَّانِي معنوي مخل بالفصاحة وَفِي الأول لَفْظِي مَعَ وجود الْقَرِينَة الجلية على المُرَاد فَمَا بِهِ يلْزم الْبعد فِي الْمَعْنى مَعَ عدم إِمْكَان زَوَاله أبعد بمراحل مِمَّا بِهِ يلْزم فِي اللَّفْظ مَعَ إِمْكَان زَوَاله فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. الْمُجْتَمع: المُرَاد بِهِ فِي خُلَاصَة الْحساب فِي فصل الْجمع والتضعيف أَمْرَانِ: أَحدهمَا: مَجْمُوع ميزاني المجموعين أَي الْمَزِيد والمزيد عَلَيْهِ. وَثَانِيهمَا: مَا يحصل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 بِتَضْعِيف ميزَان المضعف وَالْمرَاد بِهِ فِي فصل التنصيف مَا يتَحَصَّل بِجمع الْمنصف وَالنّصف فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ مزال الْأَقْدَام فِي ذَلِك الْمقَام. الْمَجْنُون: من بِهِ الْجُنُون الْمَذْكُور فِي مَحَله وَأَحْكَامه هُنَاكَ أَيْضا. (بَاب الْمِيم مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة) ف (101) : المحاسبات العددية: فِي الجذر. الْمُحَابَاة: مَأْخُوذَة من الحباء وَهُوَ الْعَطِيَّة فَهِيَ من حبا يحبو حبوة بِفَتْح الْحَاء أَي أعطَاهُ والحباء الْعَطاء كَذَا فِي الْقَامُوس. وَيعلم من جَامع الرموز فِي بَاب الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ أَن الْمُحَابَاة هِيَ النُّقْصَان عَن قيمَة الْمثل فِي الْوَصِيَّة وَالزِّيَادَة على الْقيمَة فِي الشِّرَاء فَلَا تقتصر على أَنَّهَا هِيَ البيع بِأَقَلّ من الْقيمَة وتأجيل الْمُعَجل أَيْضا مُحَابَاة فَهِيَ كَمَا يَقع فِي الْمِقْدَار يَقع فِي التَّأْخِير والتأجيل. الْمُحَاذَاة: كَون الشَّيْئَيْنِ فِي مكانين بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْجِهَات. وَالْمُعْتَبر فِي الْمُحَاذَاة فِي مسئلة الْمُحَاذَاة السَّاق والكعب على الصَّحِيح. وبمحاذاة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة تفْسد صَلَاة أحد عَن يَمِينهَا وَآخر عَن يسارها وَآخر عَن خلفهَا وَلَا تفْسد صَلَاة أَكثر من ذَلِك كَذَا فِي التَّبْيِين والينابيع وَعَلِيهِ الْفَتْوَى. الْمَحْمُول: فِي الْمَوْضُوع. مُجَدد جِهَات الْعَدَالَة: نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي محيطها ومعينها والجهات جمع جِهَة وَهِي الْمَقْصد. وَالْمرَاد هَا هُنَا الْمَقَاصِد أَو الْوُجُوه أَو الطّرق أَي مُحِيط مَقَاصِد الْعَدَالَة أَو وجوهها أَو طرقها أَو معِين مقاصدها أَو وجوهها أَو طرقها. وَالْعَدَالَة وجهاتها أَعنِي الشجَاعَة والعفة وَالْحكمَة كلهَا مَذْكُورَة فِي الْعَدَالَة. الْمحل: الْمَكَان. وَفِي عرف الْحُكَمَاء المسري فِيهِ. وَاعْلَم أَن كل مُمكن إِمَّا أَن يكون مُخْتَصًّا بِشَيْء ساريا فِيهِ بِالذَّاتِ. أَو لَا يكون فَإِن كَانَ الْوَاقِع هُوَ الْقسم الأول يُسمى الساري حَالا والمسري فِيهِ محلا. وَلَا بُد أَن يكون لأَحَدهمَا حَاجَة إِلَى صَاحبه بِوَجْه من الْوُجُوه وَإِلَّا لامتنع ذَلِك الَّذِي هُوَ مُقْتَضى الذَّات بِالضَّرُورَةِ فَلَا يخلوا إِمَّا أَن يكون كل من الْحَال وَالْمحل مُحْتَاجا إِلَى الآخر فيسمى الْمحل هيولى ومادة وعنصرا واسطقسا. وَالْحَال صُورَة جسمية أَو نوعية - فَإِن الهيولى محتاجة إِلَى الصُّورَة فِي وجودهَا وَالصُّورَة إِلَى الهيولى فِي تشكلها أَو يكون الْحَال مُحْتَاجا إِلَى الْمحل فيسمى الْمحل مَوْضُوعا وَالْحَال عرضا. فالمحل أَعم من الْمَادَّة والموضوع لَا من الهيولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 ويندرج فِي الْقسم الثَّانِي الْبَاقِي من الْجَوَاهِر الْخَمْسَة. الْمحَال: مَا يمْتَنع وجوده فِي الْخَارِج. المحرك للفلك: بعيد وَقَرِيب. والمحرك الْبعيد الْقُوَّة الْمُجَرَّدَة عَن الْمَادَّة الْغَيْر الْحَالة فِي الْفلك وَلَا يَنْقَسِم بانقسامه وَلما أثبتوا بالبرهان أَن حَرَكَة الْفلك إرادية أثبتوا أَن الْقُوَّة المحركة لَهُ مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة أَي المبدأ الصَّادِر عَنهُ هَذَا التحريك الإرادي نفس مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة ذَات إِرَادَة كُلية مُتَعَلقَة بجرم الْفلك تعلق التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف كتعلق النَّفس الناطقة ببدن الْإِنْسَان. وَيفهم من كَلَام الْحَكِيم الشهير بصدرا فِي شرح الْهِدَايَة للحكمة فِي فصل أَن الْقُوَّة المحركة للفلك يجب أَن تكون مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة. إِن الْفلك حَيَوَان متحرك بالإرادة وَأَنه إِنْسَان كَبِير بِمَعْنى أَن لَهُ نفسا مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة ذَات إِرَادَة كُلية لَا يكون تعلقهَا بجرم الْفلك تعلق الانطباع بل تعلق التَّدْبِير وَالتَّصَرُّف كتعلق النَّفس الناطقة ببدن الْإِنْسَان. وَاعْلَم أَنهم أثبتوا المحرك الْبعيد الْمَذْكُور بالشكل الثَّانِي هَكَذَا الْقُوَّة المحركة للفلك تقوى على أَفعَال غير متناهية وَلَا شَيْء من القوى الجسمانية تقوى على أَفعَال غير متناهية فالقوة المحركة للفلك لَيست قُوَّة جسمانية. وعَلى كل من الصُّغْرَى والكبرى دَلِيل لَهُم فِي الْمقَام والمحرك الْقَرِيب للفلك قُوَّة جسمانية نسبتها إِلَى الْفلك كنسبة الخيال إِلَيْنَا فِي أَن كلا مِنْهُمَا مَحل ارتسام الصُّور الْجُزْئِيَّة إِلَّا أَن الخيال مُخْتَصّ بالدماغ وَتلك الْقُوَّة سَارِيَة فِي جرم الْفلك كُله لبساطته وَعدم رُجْحَان بعض أَجْزَائِهِ على بعض فِي محلية تِلْكَ الْقُوَّة وَتسَمى تِلْكَ الْقُوَّة نفسا منطبعة أَي مجبولة عَلَيْهَا الْفلك لانتفاش الصُّور الْجُزْئِيَّة فِيهَا. والمحرك الْبعيد لتجرده أشرف من المحرك الْقَرِيب لكَونه جسمانيا. ثمَّ اعْلَم أَن الْمَشَّائِينَ على أَن للفلك نفسا منطبعة لَا غير. وَالشَّيْخ الرئيس على أَن لَهُ نفسا مُجَرّدَة لَا غير - وَالْإِمَام الرَّازِيّ على أَن لَهُ نفسين منطبعة ومجردة. وَقَالَ الطوسي وَذَلِكَ شَيْء لم يذهب إِلَيْهِ ذَاهِب قبله فَإِن الْجِسْم الْوَاحِد يمْتَنع أَن يكون ذَا نفسين أَعنِي ذاتين هُوَ آلَة لَهما. وَالْحق أَن لَهُ نفسا وَقُوَّة خيالية وَهَذَا مُرَاد الإِمَام غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه عبر عَن الْقُوَّة خيالية بِالنَّفسِ المنطبعة فَافْهَم واحفظ. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن المُرَاد بالمحرك الْقَرِيب المحرك الْقَرِيب الْمُبَاشر لتحريك الْفلك بِلَا وَاسِطَة محرك آخر فَلَا يُنَافِي وجود وَاسِطَة غَيره. فَلَا يرد أَنهم قَالُوا إِن صُدُور التحريكات الْجُزْئِيَّة الْغَيْر المتناهية من الْقُوَّة الجسمانية الَّتِي هِيَ المحرك الْقَرِيب بِوَاسِطَة الانفعالات الْغَيْر المتناهية فَلَا يكون ذَلِك المحرك قَرِيبا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 وَمن كَانَ لَهُ نور الْعقل يعلم من هَذَا الْبَيَان الْفرق بَين المحرك الْقَرِيب والمحرك الْبعيد بِأَن المحرك الْبعيد مُجَرّد عَن الْمَادَّة. بِخِلَاف المحرك الْقَرِيب فَإِنَّهُ مادي. وَبِأَن المحرك الْبعيد لَهُ تصورات كُلية وللمحرك الْقَرِيب تصورات جزئية سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ أَن بعض الْمُؤمنِينَ فِي هَذِه اللَّيْلَة الْمُبَارَكَة الْخَامِسَة عشر من شعْبَان مشتغلون بإضاءة السرج والمشاعل. وَبَعْضهمْ بِأَكْل الجباتي والحلواء وأنواع المآكل. وَبَعْضهمْ بالتسبيح والتهليل والنوافل. وَهَذَا العَاصِي فِي إِضَاعَة بضَاعَة الْعُمر الْعَزِيز بتحقيق المحرك الْمجَازِي غافلا عَن المحرك الْحَقِيقِيّ. اللَّهُمَّ أحرق بِنَار الْعَفو بَيت السَّيِّئَات. وَنور صرح وجودي بسراج توفيق الْحَسَنَات. إِنَّك غفار الذُّنُوب. وستار الْعُيُوب. شعر: (امشب شب براءت جهان است اي خدا ... ) (مارا براءت عَفْو جرائم بكن عطا ... ) (از قاضيان كه قَاضِي عاصي بود منم ... ) (از فضل خويش جرم ببخش وكرم نما ... ) المحاق: المحو وَآخر الشَّهْر أَو ثَلَاث لَيَال من آخِره. وَفِي الْهَيْئَة المحاق خلو وَجه الْقَمَر المواجه لنا عَن النُّور الْوَاقِع عَلَيْهِ من الشَّمْس لَا لحيلولة الأَرْض بَينهمَا. وَاعْلَم أَن جرم الْقَمَر فِي نَفسه مكدر أَزْرَق مائل إِلَى السوَاد ومظلم غير نوراني كثيف قَابل للاستنارة من غَيره صقيل ينعكس النُّور عَنهُ إِلَى مَا يحاذيه. وَإِنَّمَا يستضيء استضاءة يعْتد بهَا بضياء الشَّمْس لَا بضياء غَيرهَا من الْكَوَاكِب لضعف أضوائها كالمرآة المجلوة الَّتِي تستنير من المضيء المواجه لَهَا. وينعكس النُّور عَنْهَا إِلَى مَا يقابلها فَيكون نصف الْقَمَر المواجه للشمس أبدا مستضيئا لَو لم يمْنَع مَانع كحيلولة الأَرْض بَينهمَا وَالنّصف الآخر مظلما. وَهَذَا الحكم تقريبي لما بَين فِي مَوْضِعه من أَن الكرة إِذا استضاء من كرة أكبر مِنْهَا كَانَ المستضيء من نصفهَا. فَعِنْدَ اجْتِمَاع الشَّمْس وَالْقَمَر فِي مَوضِع وَاحِد من فلك البروج يكون الْقَمَر بَيْننَا وَبَين الشَّمْس فَيكون نصفه المظلم مواجها لنا فَلَا نرى شَيْئا من ضوئه وَذَلِكَ هُوَ المحاق. وَإِذا بعد الْقَمَر من الشَّمْس مِقْدَارًا قَرِيبا من اثْنَي عشر جُزْءا أَو أقل مِنْهُ بِقَلِيل أَو أَكثر كَذَلِك على اخْتِلَاف أوضاع المساكن مَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 نصفه المضيء إِلَيْنَا ميلًا صَالحا فَيرى طرف مِنْهُ وَهُوَ الْهلَال. ثمَّ كلما ازْدَادَ بعده من الشَّمْس ازْدَادَ ميل النّصْف المضيء إِلَيْنَا فازداد نور الْقَمَر بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا حَتَّى إِذا قابلها صرنا بَينهمَا وَصَارَ مَا يواجه الشَّمْس يواجهنا وَهُوَ الْكَمَال. فَإِذا انحرف عَن الْمُقَابل بِحَسب قربه مِنْهَا شَيْئا فَشَيْئًا مَال إِلَيْنَا شَيْء من نصفه المظلم. ثمَّ كلما يزْدَاد ذَلِك الْميل يَأْخُذ الظلام أَيْضا فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان بِالْقِيَاسِ إِلَيْنَا حَتَّى ينمحق الْقَمَر عِنْد الِاجْتِمَاع ثَانِيًا وَهَكَذَا إِلَى غير النِّهَايَة. الْمحْضر: فِي التوقيع. المحصلة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي لَا يكون حرف السَّلب جُزْء شَيْء من الْمَوْضُوع والمحمول مِنْهَا سَوَاء كَانَت مُوجبَة أَو سالبة مثل زيد إِنْسَان وَزيد لَيْسَ بِحجر. الْمُحصن: حر مُكَلّف مُسلم وطئ بِنِكَاح صَحِيح وتفصيله فِي الْإِحْصَان. المحرز: مَال مَعْصُوم يمْنَع وُصُول يَد الْغَيْر إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ الْمَانِع بَيْتا أَو صندوقا أَو حَافِظًا. المحو: عِنْد أهل الْحَقَائِق فنَاء وجود العَبْد فِي ذَات الْحق كَمَا أَن الطمس فنَاء الصِّفَات فِي صِفَات الْحق. وَأَيْضًا قَالُوا إِن المحو رفع أَوْصَاف الْعَادة بِحَيْثُ يغيب العَبْد عِنْدهَا عَن عقله وَيحصل مِنْهُ أَفعَال وأقوال لَا مدْخل لعقله فِيهَا كالسكر من الْعقل. المحاضرة: حُضُور الْقلب مَعَ الْحق فِي الاستفاضة من أَسْمَائِهِ تَعَالَى. المحاوبة: خطاب الْحق للعارفين من عَالم الْملك وَالشَّهَادَة كالنداء من الشَّجَرَة لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام. الْمُحكم: لُغَة مَا كَانَ بِنَاؤُه محكما مَأْمُونا عَن الانتقاص. وَعند أَرْبَاب الْأُصُول هُوَ مَا أحكم المُرَاد بِهِ عَن التبديل والتغيير أَي التَّخْصِيص والتأويل والنسخ. ثمَّ انْقِطَاع احْتِمَال النّسخ قد يكون بِمَعْنى فِي ذَاته بِأَن لَا يحْتَمل التبديل عقلا كالآيات الدَّالَّة على وجود الصَّانِع وَصِفَاته. وحدوث الْعَالم والإخبارات وَيُسمى محكما لعَينه. وَقد يكون بِانْقِطَاع الْوَحْي بوفاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيُسمى هَذَا محكما لغيره. المحكمة: الْمَكَان الْمُتَعَيّن لحكم القَاضِي. وَقد تطلق على الْبَيَان الَّذِي سيق لإِظْهَار حَقِيقَة أَمر من أَمريْن أَو الْأُمُور - وَالظَّاهِر أَن الْمَعْنى الأول حَقِيقِيّ وَالثَّانِي مجازي. نعم الْقَائِل. شعر: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 (اشك وآهم دو كواه اند بيا محكمه ... دلّ من بردي وانكار جرا ميدارى) الْمُحَقق: بِالْكَسْرِ من يُحَقّق الْمسَائِل بدلائلها وبالفتح الْأَمر الثَّابِت. الْمحرم: بِالْكَسْرِ من الْإِحْرَام مَا يَجْعَل الشَّيْء حَرَامًا مَمْنُوعًا. وَعند الْفُقَهَاء فِي بَاب الْحَج من يَجْعَل الْمُبَاح عَلَيْهِ حَرَامًا بنية الْحَج أَو الْعمرَة. وَهُوَ أَنْوَاع مُفْرد بِالْحَجِّ وَهُوَ أَن يحرم بِهِ من الْمِيقَات أَو قبله فِي أشهر الْحَج أَو قبلهَا - ومفرد بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ من يحرم بهَا من الْمِيقَات أَو قبله - وقارن وَهُوَ من يجمع بَينهمَا بِالْإِحْرَامِ من الْمِيقَات أَو قبله فِي أشهر الْحَج أَو قبلهَا - ومتمتع وَهُوَ من يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج أَو قبلهَا. ثمَّ يحجّ من عَامه ذَلِك قبل أَن يلم بأَهْله إلماما صَحِيحا. وبالفتح من التَّحْرِيم المكرم والمعظم وَمَا جعل حَرَامًا مَمْنُوعًا والإلمام نَوْعَانِ صَحِيح وفاسد الْإِلْمَام الصَّحِيح أَن يرجع إِلَى أَهله وَلَا يكون الْعود إِلَى مَكَّة مُسْتَحقّا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيط - والإلمام الْفَاسِد أَن يلم بأَهْله حرا مَا كَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ - والإلمام الصَّحِيح إِنَّمَا يكون فِي الْمُتَمَتّع الَّذِي لَا يَسُوق الْهَدْي. أما إِذا سَاق الْهَدْي فإلمامه فَاسد لَا يمْنَع صِحَة التَّمَتُّع خلافًا لمُحَمد رَحمَه الله تَعَالَى كَذَا فِي السراج الْوَهَّاج. المحتضر: من الاحتضار وَهُوَ الْقرب من الْمَوْت فالمحتضر هُوَ الْقَرِيب مِنْهُ. (بَاب الْمِيم مَعَ الْخَاء الْمُعْجَمَة) المخلوطة: فِي الْمَاهِيّة. الْمَخَاض: بِالْفَتْح وجع الْولادَة. مُخَالفَة الْقيَاس اللّغَوِيّ: أَن تكون الْكَلِمَة على خلاف القوانين المستنبطة من تتبع مُفْرَدَات ألفاظهم الْمَوْضُوعَة. أَو مَا هُوَ فِي حكمهَا كالمنسوب فَإِن الصّرْف باحث عَن أَحْوَاله وَلَيْسَ بمفرد حَقِيقَة. لكنه فِي حكم الْمُفْرد فِي كَون يَاء النِّسْبَة كالجزء مِنْهُ وَكَونه بِمَنْزِلَة الْمُشْتَقّ. فَإِن القريشي فِي منزلَة الْمَنْسُوب إِلَى القريش. وَالْمرَاد بِالْقِيَاسِ اللّغَوِيّ مَا يُقَابل الْقيَاس الْعقلِيّ فَيدْخل فِيهِ الْقيَاس النَّحْوِيّ والصرفي وَمِثَال مُخَالفَة الْقيَاس النَّحْوِيّ جعل الِاسْم غير منصرف بِسَبَب وَاحِد وَمُخَالفَة الْقيَاس الصرفي كالأجلل بفك الادغام. الْمخْرج: اسْم ظرف من الْخُرُوج - و (المخارج) جمعه ومخرج الْحَرْف هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 الْمَكَان الَّذِي ينشأ مِنْهُ. وَمَعْرِفَة ذَلِك بِأَن تسكنه أَنْت وَتدْخل عَلَيْهِ همزَة الْوَصْل وَتنظر أَيْن يَنْتَهِي الصَّوْت فَحَيْثُ انْتهى. فثم مخرجه. أَلا ترى أَنَّك تَقول (اب) وتسكت فتجد الشفتين قد أطبقت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى. وَجُمْلَة المخارج (سِتَّة عشر تَقْرِيبًا) لتسعة وَعشْرين حرفا كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ أصل الْحُرُوف الْعَرَبيَّة تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا. وَهِي الْهمزَة - وَالْألف - وَالْهَاء - إِلَى آخرهَا - ثمَّ قَالَ وللحروف الْعَرَبيَّة سِتَّة عشر مخرجا. وَالْمرَاد تَقْرِيبًا كَمَا ذكرنَا لِأَن التَّحْقِيق أَن لكل حرف مخرجا مُخَالفا لمخرج الآخر وَإِلَّا لَكَانَ إِيَّاه. فَاعْلَم أَن الْمخْرج. الأول: مَا يخرج مِنْهُ ثَلَاثَة أحرف الْألف الساكنة المفتوح مَا قبلهَا. وَالْوَاو الساكنة المضموم مَا قبلهَا. وَالْيَاء الساكنة المكسور مَا قبلهَا وَهُوَ الْجوف. وَالثَّانِي: مَا يخرج مِنْهُ حرفان الْهمزَة - وَالْهَاء - وَهُوَ أقْصَى الْحلق. وَالثَّالِث: مَا يخرج مِنْهُ حرفان. الْعين. والحاء المهملتان وَهُوَ أَوسط الْحلق. وَالرَّابِع: مَا يخرج مِنْهُ حرفان. الْغَيْن. وَالْخَاء المعجمتان وَهُوَ أدنى الْحلق. وَالْخَامِس: مَا يخرج مِنْهُ الْقَاف وَحدهَا وَهُوَ أقْصَى اللِّسَان مَعَ مَا يَلِيهِ من الحنك الْأَعْلَى - وَالسَّادِس: مَا يخرج مِنْهُ الْكَاف وَهُوَ أَسْفَل من مخرج الْقَاف قَلِيلا. وَالسَّابِع: مَا يخرج مِنْهُ ثَلَاثَة أحرف. الْجِيم. والشين. وَالْيَاء المتحركة والساكنة المفتوح مَا قبلهَا وَهُوَ وسط اللِّسَان مَعَ مَا يَلِيهِ من الحنك الْأَعْلَى - وَالثَّامِن: مَا يخرج مِنْهُ الضَّاد وَحدهَا وَهُوَ حافة اللِّسَان مَعَ مَا يَلِيهِ من الأضراس الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى - وَالتَّاسِع: مَا يخرج مِنْهُ اللَّام وَهُوَ أدنى اللِّسَان - والعاشر: مَا يخرج مِنْهُ النُّون لَا غير هُوَ طرف اللِّسَان مَعَ مَا يحاذيه من الحنك الْأَعْلَى ومخرج النُّون تَحت مخرج اللَّام قَلِيلا - وَالْحَادِي عشر: مَا يخرج مِنْهُ الرَّاء وَهُوَ طرف اللِّسَان إِلَى جَانب ظَهره مَعَ مَا يَلِيهِ من الحنك الْأَعْلَى - وَالثَّانِي عشر: مَا يخرج مِنْهُ ثَلَاثَة أحرف. التَّاء والطاء. وَالدَّال وَهُوَ طرف اللِّسَان مَعَ أصُول الثنايا الْعليا. وَالثَّالِث عشر: مَا يخرج مِنْهُ ثَلَاثَة أحرف. الرَّاء. وَالسِّين. وَالصَّاد وَهُوَ طرف اللِّسَان مَعَ فَوق الثنايا السُّفْلى - وَالرَّابِع عشر: مَا يخرج مِنْهُ ثَلَاثَة أحرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة. والذال. والظاء المعجمتان وَهُوَ طرف اللِّسَان مَعَ أَطْرَاف الثنايا الْعليا - وَالْخَامِس عشر: مَا يخرج مِنْهُ الْفَاء مُنْفَرِدَة وَهُوَ بطن الشّفة السُّفْلى مَعَ أَطْرَاف الثنايا الْعليا - وَالسَّادِس عشر: مَا يخرج مِنْهُ ثَلَاثَة أحرف. الْبَاء. وَالْمِيم. وَالْوَاو المتحركة والساكنة المفتوح مَا قبلهَا وَهُوَ بَين الشفتين. وَإِنَّمَا لم يعد مخرج الغنة كَمَا عده ابْن الْجَزرِي رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالَ مخارج الْحُرُوف سَبْعَة عشر لِأَن الغنة لَيست بِحرف بل هِيَ صفة للميم وَالنُّون فَعدم عدهَا فِي المخارج أولى وأنسب. مخرج الْكسر: أقل عدد صَحِيح يكون الْكسر مِنْهُ عددا صَحِيحا أَي يكون نِسْبَة عدد صَحِيح تَحت ذَلِك الْأَقَل إِلَى ذَلِك الْأَقَل على نِسْبَة عدد الْكسر إِلَى عدد جملَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 الْوَاحِد. فَإِن مخرج التسع تِسْعَة وَهِي أقل عدد يكون التسع مِنْهُ عددا صَحِيحا وَأَن يُمكن إِخْرَاجه عَن ضعفها وَضعف ضعفها إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ. ومخارج الكسور التِّسْعَة: فِي الكسور التِّسْعَة. المخروط: شكل يُحِيط بِهِ سطحان أَحدهمَا قَاعِدَته وَالْآخر مُبْتَدأ مِنْهُ ويضيق إِلَى أَن يَنْتَهِي بِنُقْطَة هِيَ رَأسهَا. فَإِن كَانَ مستديرا يُسمى صنوبريا وَإِلَّا فمضلعا كَمَا مر فِي الأسطوانة. المخروط المستدير: هُوَ جسم أحد طَرفَيْهِ دَائِرَة هِيَ قَاعِدَته وَالْآخر نقطة هِيَ رَأسه ويصل بَينهمَا سطح مستدير. الْمَخْصُوصَة: هِيَ الْقَضِيَّة الحملية الَّتِي يكون موضوعها جزئيا حَقِيقِيًّا أَي شخصيا ومخصوصيا وَتسَمى شخصية أَيْضا مثل زيد إِنْسَان - وَمن تَعْرِيفهَا يظْهر وَجه التَّسْمِيَة. المخيلات: هِيَ قضايا إِذا أوردت على النَّفس أثرت فِيهَا تَأْثِيرا عجيبا من قبض أَو بسط كَقَوْلِهِم الْخمر ياقوتية سيالة. وَالْعَسَل مرّة مهوعة - وَالْقِيَاس الْمُؤلف مِنْهَا يُسمى شعريا. وَالْغَرَض مِنْهُ انفعال النَّفس بالترغيب أَو التنفير أَو غير ذَلِك ويروجه الْوَزْن وَالصَّوْت. المخابرة: هِيَ مُزَارعَة الأَرْض على الثُّلُث أَو الرّبع مثلا أَي بِبَعْض الْخَارِج وَهِي لُغَة مَدَنِيَّة فِي الْمُزَارعَة كَمَا ستعلم فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. المخلص: بِفَتْح اللَّازِم من صفاه الله تَعَالَى عَن الشّرك والمعاصي - وبكسرها من أخْلص الْعِبَادَة لله تَعَالَى. وَقيل من يخفي حَسَنَاته كَمَا يخفي سيئاته. المختط لَهُ: هُوَ الَّذِي ملكه الإِمَام أول الْفَتْح. المخافة: ضد الْجَهْر وتحقيقها فِي تَحْقِيقه. المخنث: هُوَ الَّذِي فِي أَعْضَائِهِ لين وَفِي كَلَامه تكسر والتخنث بدود رآمدن. المخلب: للطير كالظفر للْإنْسَان. وَحرم أكل كل ذِي مخلب لَكِن لَا مُطلقًا بل مَا كَانَ من السبَاع كَمَا حرم أكل كل ذِي نَاب من السبَاع لَا مُطلقًا لِأَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهى عَن أكل كل ذِي مخلب من الطير وكل ذِي نَاب من السبَاع - وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من السبَاع بعد النَّوْعَيْنِ فَيَنْصَرِف إِلَيْهِمَا فَيتَنَاوَل سِبَاع الطُّيُور والبهائم لأكل ذِي مخلب أَو نَاب - والسبع كل مختطف منتهب جارح قَاتل عَاد عَادَة كَذَا فِي الْهِدَايَة. المخطي: وَاضح - وَالْفرق بَين الْخَطَأ وَالنِّسْيَان مَذْكُور فِي مَحلهمَا - وَفِي الدّرّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 الْفَائِق فِيمَا يفْسد الصَّوْم وَمَا لَا يُفْسِدهُ. المخطي هُوَ الذاكر للصَّوْم غير القاصد للفطر وَالنَّاسِي عَكسه كَذَا فِي النِّهَايَة. (بَاب الْمِيم مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الْمُدَّعِي: اسْم الْفَاعِل من إِذا ترك دَعْوَاهُ ترك أَي لَا يجْبر على الْخُصُومَة إِذا تَركهَا لِأَن لَهُ حق الطّلب فَإِذا ترك لَا سَبِيل عَلَيْهِ. وَاسم الْمَفْعُول هُوَ الَّذِي ادَّعَاهُ رجل فيطلب الدَّلِيل عَلَيْهِ وَلذَا يُسمى مَطْلُوبا. وَالْمُدَّعِي وَالْمَطْلُوب والنتيجة متحدة بِالذَّاتِ ومتغائرة بِالِاعْتِبَارِ. مدمن الْخمر: المداوم على شربهَا وكل من شرب الْخمر وَفِي نِيَّته أَن يشرب كلما وجده فَهُوَ مد من الْخمر. المداهنة: أَن يرى مُنكر غير مَشْرُوع وَيقدر على دَفعه وَلم يَدْفَعهُ حفظا لجَانب مرتكبه أَو جَانب غَيره أَو لقلَّة مبالات فِي الدّين. الْمدْرك: من الْإِدْرَاك يَعْنِي دريابنده. وَعند الْفُقَهَاء الْمدْرك من أدْرك الصَّلَاة من أَولهَا إِلَى آخرهَا مَعَ الإِمَام. المدد: فِي الْفِقْه فِي بَاب الْجِهَاد هُوَ الَّذِي يُرْسل إِلَى الْجَيْش ليزيدوا - وَفِي الأَصْل مَا يُزَاد بِهِ الشَّيْء كَذَا فِي جَامع الرموز. الْمَدْح: فِي الْحَمد. المداراة: فِي المناظرة الجريان مَعَ الْخصم. المداد: بِالْكَسْرِ سياهي كتابت. وَإِنَّمَا سمي مدادا لجريانه ومده على القرطاس عِنْد الْكِتَابَة وَيُسمى مركبا أَيْضا لتركبه من الْأَجْزَاء. ف (102) : الْمَدِينَة: مَشْهُورَة مَعْرُوفَة شرفها الله تَعَالَى على سَائِر الْبِلَاد والأمصار لما هَاجر نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من مَكَّة المعظمة أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ المنورة حَتَّى توفّي فِيهَا. وَاخْتلفُوا فِي أَن مَكَّة أفضل من الْمَدِينَة أم الْمَدِينَة من مَكَّة فَذهب أهل مَكَّة والكوفة إِلَى الأول وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَعَلِيهِ جمَاعَة من الْمَالِكِيَّة وَذهب مَالك رَحمَه الله تَعَالَى وَأكْثر الْمَدَنِيين إِلَى الثَّانِي وَهُوَ قَول عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قلت لَا خلاف فِي أَن مَوضِع قَبره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أفضل الْأَرَاضِي لما ورد أَن كلا من الْأَمْوَات يدْفن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 فِي تربة خلق مِنْهَا وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أفضل الْمَخْلُوقَات فَتعين أَن أَرض الْمَدِينَة المنورة أفضل الْأَرَاضِي فَهِيَ أفضل الْبِقَاع. الْمدنِي: الْمَنْسُوب إِلَى الْمَدِينَة المنورة وَعند الْمُفَسّرين لَيْسَ المُرَاد بِالْمَكِّيِّ مَا نزل فِي مَكَّة وبالمدني مَا نزل فِي الْمَدِينَة بل المُرَاد بِالْمَكِّيِّ مَا نزل قبل الْهِجْرَة وبالمدني مَا نزل بعْدهَا وَإِن كَانَ النُّزُول فِي الْأَسْفَار والقريات أَلا ترى أَن قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} مدنِي وَقد نزل فِي مَكَّة وَسورَة الْفَاتِحَة مَكِّيَّة ومدنية لِأَنَّهَا نزلت مرَّتَيْنِ مرّة قبل الْهِجْرَة وَمرَّة بعْدهَا - و (الْمدنِي) بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون وَالْيَاء الْمُشَدّدَة الْمُحْتَاج كَمَا قَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي (المطول) ثمَّ إِنَّه صرح بِبَعْض النعم إِيمَاء إِلَى أصُول مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي بَقَاء النَّوْع (بَيَانه) أَن الْإِنْسَان مدنِي بالطبع أَي مُحْتَاج فِي تعيشه إِلَى التمدن وَهُوَ اجتماعه مَعَ بني نَوعه يتعاونون ويتشاركون فِي تَحْصِيل الْغذَاء واللباس والمسكن وَغَيرهَا انْتهى. اعْلَم أَن مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْإِنْسَان وَهُوَ الْغذَاء واللباس والمسكن وَغَيرهَا من المنكح وَدفع المؤذيات وجلب الْمَنَافِع وأصولها هِيَ المعاونة والمشاركة بأنواعها فِي تَحْصِيل الْغذَاء واللباس والمسكن وَغَيرهَا وَهَذِه الْأُصُول مَوْقُوفَة على تَعْرِيف كل وَاحِد صَاحبه مَا فِي ضَمِيره والتعريف الْمَذْكُور مَوْقُوف على الْبَيَان المعرب عَمَّا فِي الْقُلُوب فَذكر الْبَيَان حَيْثُ قَالَ هُوَ علم من الْبَيَان مَا لم يعلم إِيمَاء وانتقالا إِلَى أصُول مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْإِنْسَان كالانتقال من الْعلَّة إِلَى الْمَعْلُول والمؤثر إِلَى الْأَثر ثمَّ الْعَلامَة قَالَ بعد ذَلِك ثمَّ إِن هَذَا الِاجْتِمَاع إِنَّمَا يَنْتَظِم إِذا كَانَ بَينهم مُعَاملَة إِلَى آخِره. اعْلَم أَن غَرَض الشَّارِح القمقام من هَذَا الْكَلَام بَيَان لوجه تعرض المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى للصَّلَاة على سيد الْأَنَام وَتَخْصِيص الصِّفَات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة من الصِّفَات الْكِرَام وَحَاصِله أَنه لَا بُد لنا فِي بَقَاء نوعنا فِي الدُّنْيَا ووصولنا إِلَى أناعيم الْآخِرَة من شَارِع نَاطِق بِالصَّوَابِ مُبين للحكمة أَي الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام مؤيدا بالمعجزات الناطقات فحقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاجِب علينا وَلَا نقدر على أَدَاء حَقه وَلَيْسَ فِي بضاعتنا إِلَّا الصَّلَاة وَالدُّعَاء لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام وَلِهَذَا تعرض المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَوَصفه عَلَيْهِ السَّلَام بِتِلْكَ الصِّفَات الثَّلَاث أَي النُّطْق بِالصَّوَابِ وإيتاء الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب. فَاعْلَم أَن قَوْله بل لَا بُد لنا من شَارِع مَوْصُوف بالحكمة أَي علم الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام وَقَوله وَلَا بُد لَهَا إِلَى قَوْله مصونة إِشَارَة إِلَى أَنه لَا بُد أَن يكون مَوْصُوفا بِكَوْنِهِ ناطقا بِالصَّوَابِ. ثمَّ قَوْله ثمَّ إِن هَذَا الِاجْتِمَاع إِلَى قَوْله وَهُوَ الشَّارِع مشْعر بِأَن حق الشَّارِع وَاجِب علينا فَوَجَبَ علينا الصَّلَاة أَدَاء لحقه - وَقَوله ثمَّ الشَّارِع إِلَى آخِره توطية لتعرضه بِوَصْف ثَالِث أَعنِي إيتَاء فصل الْخطاب فَإِن قيل بَيَان وَجه تعرضه للصَّلَاة وَتَخْصِيص الصِّفَات الثَّلَاث لَيْسَ فِي مَحَله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 كَمَا لَا يخفى. قُلْنَا لما كَانَ لهَذَا الْبَيَان كَمَال اتِّصَال بِبَيَان قَوْله ثمَّ إِنَّه صرح بِبَعْض النعم إِيمَاء إِلَى أصُول مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ذكره عَقِيبه وَهَذَا مَا حررناه فِي حَوَاشِي المطول أَو أَن تكْرَار الحبيب الشفيق الشَّقِيق الْحقيق العديم فِي الشَّرْقِي والغربي الشَّيْخ غُلَام نَبِي الْأَخ الأعياني لهَذَا الْمُؤلف العثماني برد الله مضجعه وَنور ضريحه وبمقتضاي حَال هجران بِهِ بَيت مرزا صائب عَلَيْهِ الرَّحْمَة والغفران مي بردازد. شعر: (بياكز دوريت مزكان بجشمم سوزن است امشب ... ) (نفس درسينه أم جون خار در بيراهن است امشب ... ) الْمَدّ: بِالضَّمِّ الرطل وَثلث الرطل وَقَالَ الْفَاضِل المدقق قرء كَمَال الْمَدّ هُوَ نصف الصَّاع وَقيل هُوَ ربع الصَّاع انْتهى. وبالفتح فِي اللُّغَة كشيدن وحروف الْمَدّ حُرُوف الْعلَّة الساكنة الَّتِي تكون حَرَكَة مَا قبلهَا مُوَافقَة لَهَا ومجموعها فِي قَوْله تَعَالَى: {ونوحيها} . وَأَصْحَاب التجويد ذكرُوا أَقسَام الْمَدّ بِأَنَّهُ إِذا اتَّصل بِأحد هَذِه الْحُرُوف الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة حرف مشدد نَحْو أتحاجوني أَو حرف سَاكن نَحْو الْآن. أَو حرف وقف عَلَيْهِ نَحْو مَالك يَوْم الدّين. يمد مدا وَيُسمى الأول عدلا وضروريا. وَالثَّانِي سَاكِنا ولازما. وَالثَّالِث عارضا ووقفيا. وَإِذا اتَّصل بأحدها همزَة متحركة فالمد نَوْعَانِ. فَإِذا اجْتمع حرف الْمَدّ والهمزة المتحركة فِي كلمة وَاحِدَة نَحْو أُولَئِكَ يُسمى مُتَّصِلا وَهَذَا الْمَدّ وَاجِب. وَإِذا كَانَا فِي كَلِمَتَيْنِ بِحَيْثُ يُوجد حرف الْمَدّ فِي آخر الْكَلِمَة الأولى والهمزة المتحركة فِي أول الْكَلِمَة الْأُخْرَى نَحْو بِمَا أنزل يُسمى مُنْفَصِلا وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِب بل يجوز فِيهِ الْمَدّ بِمِقْدَار ثَلَاث ألفات. والتوسط بِمِقْدَار أَلفَيْنِ وَالْقصر بِمِقْدَار ألف وَاحِد. وَإِذا اجْتمعت الهمزتان وَالْأولَى مِنْهُمَا متحركة وَالثَّانيَِة سَاكِنة ثمَّ قلبت الثَّانِيَة بِحرف الْعلَّة على وفْق حَرَكَة الْهمزَة الأولى فالمد وَاجِب قدر ألف وَيُسمى بَدَلا نَحْو آمنا وآتينا وَإِذا اتَّصل بضمير الْمُذكر الْوَاحِد الْغَائِب همزَة متحركة وتحرك مَا قبل ذَلِك الضَّمِير فالمد جَائِز وَيُسمى ضمير يَا نحور بِهِ أحدا - لَهُ أسرى - بِخِلَاف مَا إِذا وَقع السَّاكِن قبله فَلَا يجوز الْمَدّ نَحْو نوحيه إِلَيْك. وَإِذا اجْتمعت الواوان أَو الياءان من كَلِمَتَيْنِ وَالْأولَى مِنْهُمَا حرف مد وَالْأُخْرَى متحركة يمد بِحَيْثُ يظْهر الْمدَّة وَتسَمى تبعيا نَحْو قَالُوا وجدنَا - رَأَيْت الَّذِي يكذب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 ثمَّ اعْلَم أَن الْحُرُوف المقطعات الْمصدر بهَا بعض السُّور إِذا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف أوسطه حرف مد يجب الْمَدّ أَيْضا نَحْو نون والقلم - ق وَالْقُرْآن الْمجِيد. وَإِنَّمَا قيدوا ذَلِك الْحَرْف بِكَوْنِهِ على ثَلَاثَة أحرف وأوسطه حرف مد ليخرج عَن هَذَا الحكم الْحَرْف (الثنائي) كيا من يس وحا من حم - (والثلاثي) الَّذِي لم يكن أوسطه حرف مد كألف من الم أما عين من كهيعص وحم عسق فللقراء فِيهِ ثَلَاثَة أوجه (الْمَدّ) لمناسبة مَا قبله وَمَا بعده (والتوسط) للْفرق بَين حرف الْمَدّ واللين (وَالْقصر) لعدم وجود الشَّرْط وَهُوَ كَون أوسطه حرف وَيخْتَلف الْقُرَّاء فِي حد طول هَذِه المدات فبعضهم يمدونها بِمِقْدَار ثَلَاث ألفات وَبَعْضهمْ بِمِقْدَار أَربع ألفات إِلَّا مد الْبَدَل والتبعي فَلَا خلاف فِي طولهَا على مَا ذكرُوا. الْمدْرك: من لم يفته مَعَ الإِمَام شَيْء من الرَّكْعَات. المدقق: من يُحَقّق المسئلة بدليلها وَذَلِكَ الدَّلِيل بِدَلِيل آخر. الْمُدبر: الْمَمْلُوك الَّذِي علق مَوْلَاهُ عتقه بِمُطلق مَوته بِأَن قَالَ أَنْت حر بعد موتِي أَو إِذا مت فَأَنت حر وَأما إِذا قيد مَوته بِمَرَض كَذَا أَو بِمُطلق موت رجل آخر لَا يكون مُدبرا مُطلقًا بل مُدبرا مُقَيّدا وَبَينهمَا تفَاوت فِي الْأَحْكَام كَمَا بَين فِي كتب الْفِقْه. (بَاب الْمِيم مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة) الْمَذْي: المَاء الغليظ الْأَبْيَض الَّذِي يخرج عِنْد ملاعبة الرجل أَهله وَهُوَ نَاقض الْوضُوء لَا الْغسْل فَلَا يجب الْغسْل عِنْده. الْمُذكر: خلاف الْمُؤَنَّث. وَعند النُّحَاة اسْم لَا يُوجد فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث لَا لفظا وَلَا تَقْديرا. الْمَذْهَب الكلامي: هُوَ إِيرَاد حجَّة للمطلوب على طَريقَة أهل الْكَلَام وَهُوَ أَن يكون بعد تَسْلِيم الْمُقدمَات مُقَدّمَة مستلزمة للمطلوب نَحْو {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} . وَاللَّازِم وَهُوَ فَسَاد السَّمَوَات وَالْأَرْض بَاطِل لِأَن المُرَاد بِهِ خُرُوجهَا عَن النظام الَّذِي هما عَلَيْهِ فَكَذَا الْمَلْزُوم وَهُوَ تعدد الْآلهَة. وَهَذَا الْإِيرَاد طَريقَة أهل الْكَلَام فَإِن سيرتهم عدم القناعة بِالدَّعْوَى والاهتمام بِإِقَامَة الدَّلِيل بِخِلَاف أَرْبَاب المحاورات فَإِن شَأْنهمْ الْأَخْبَار الصّرْف والتأكيد فِي مقَام التَّرَدُّد وَالْإِنْكَار. (بَاب الْمِيم مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الْمَرَض: كَيْفيَّة بدنية غير طبيعية تصدر الْأَفْعَال عَنْهَا مؤوفة أَي ذَات آفَة وَتغَير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 وضده الصِّحَّة وَلَا وَاسِطَة بَين الْمَرَض وَالصِّحَّة والنزاع بَين المثبتين والنافين لَفْظِي لأَنا إِن عنينا بِالْمرضِ كَون الْحَيّ بِحَيْثُ يخْتل جَمِيع أَفعاله وبالصحة كَونه بِحَيْثُ تسلم جَمِيعهَا فالواسطة ثَابِتَة قطعا وَهُوَ الَّذِي تسلم بعض أَفعاله دون بعض وَفِي بعض الْأَوْقَات دون بعض وَإِن عنينا كَون الْفِعْل الْوَاحِد فِي الْوَقْت الْوَاحِد سليما أَو لَا فَلَا وَاسِطَة قطعا - وَقيل الْمَرَض عَارض غير طبيعي يَسْتَدْعِي حَالَة غير طبيعية. قَوْلهم غير طبيعي احْتِرَاز عَن عَارض طبيعي كالصحة فَإِنَّهَا عَارض طبيعي بِخِلَاف الْمَرَض وَلِهَذَا يداوي لدفعه. وَقَوْلهمْ يَسْتَدْعِي احْتِرَاز عَن عَارض طبيعي لَا يَسْتَدْعِي حَالَة أصلا كحمرة الخجل وصفرة الوجل. وَقَوله حَالَة غير طبيعية احْتِرَاز عَن عَارض غير طبيعي يَسْتَدْعِي حَالَة طبيعية كالكيفية الْحَاصِلَة من اسْتِعْمَال الدَّوَاء أَعنِي الصِّحَّة وَالْعلَّة عِنْدهم ترادف الْمَرَض. المرضي: وَكَذَا المعدي اسْم مفعول من رَضِي يُرْضِي وَعدا يعدو كَانَا فِي الأَصْل مرضوو ومعدوو. أبدلت الضمة بالكسرة على خلاف الْقيَاس ثمَّ الْوَاو الساكنة لكسرة مَا قبلهَا قلبت بِالْيَاءِ فَاعل اعلال مرمي وَكَانَ الْقيَاس ادغام الْوَاو فِي الْوَاو مثل مدعُو فقلبت الضمة فيهمَا بالكسرة على خلاف الْقيَاس لِأَن الْقيَاس أَن كل اسْم مُتَمَكن فِي آخِره حرف عِلّة قبلهَا ضمة أَو جمع يَقع فِيهِ الْوَاو والمدة بَين الضمة وحرف الْعلَّة تبدل الضمة فيهمَا بالكسرة فيعل إعلال قَاض أَيْضا إِذا كَانَ يائيا. وَإِذا كَانَ واويا تبدل الْوَاو بِالْيَاءِ ثمَّ يعل اعلال قَاض أَيْضا مثل قلنس وترق ودلي وظبي أَصْلهَا قلنسو وترقي ولود وظبوي والمرضي والمعدي ليسَا كَذَلِك فَلَا تذْهب إِلَى مَا قيل إِن كلا مِنْهُمَا نَاقص يائي وجاءا نَاقِصا واويا أَيْضا فاسم الْمَفْعُول من اليائي مرضِي ومعدي وَمن الواوي مرضو ومعدو كمدعو نَاقص لَا غير وَاسم الْمَفْعُول لم يجِئ إِلَّا مرضِي ومعدي على خلاف الْقيَاس. الْمُرْتَد: فِي الْمُنَافِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْمركب: مَا تألف من الجزئين أَو الْأَجْزَاء ضد الْبَسِيط الَّذِي بِمَعْنى مَا لَا جُزْء لَهُ. وَعند النُّحَاة هُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع الَّذِي قصد بِجُزْء مِنْهُ الدّلَالَة على جُزْء مَعْنَاهُ. والمركب الْمَعْدُود من المبنيات كل اسْم حَاصِل من تركيب كَلِمَتَيْنِ لَيْسَ بَينهمَا نِسْبَة أصلا لَا فِي الْحَال وَلَا قبل التَّرْكِيب - والكلمتان أَعم من أَن تَكُونَا حَقِيقَة أَو حكما اسْمَيْنِ أَو فعلين أَو حرفين أَو مُخْتَلفين وأقسام الْمركب مُطلقًا سِتَّة كَمَا بَينا فِي التَّرْكِيب. إِن قلت لَا وجود للمركب لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون عبارَة عَن جَمِيع أَجْزَائِهِ وَمن جُمْلَتهَا الْعلَّة الصورية أَي الْهَيْئَة الاجتماعية فعلى الأول يلْزم توقفه على نَفسه لِأَنَّهُ عين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 أَجْزَائِهِ وَهُوَ بَاطِل. وعَلى الثَّانِي يلْزم أَن يكون الْمركب عين بعض مَا تركب مِنْهُ وَمن غَيره وَهُوَ أَيْضا بَاطِل للُزُوم الْخلف. قُلْنَا نَخْتَار الأول وَلَا يلْزم الْمَحْذُور لِأَن الْمركب عبارَة عَن مَجْمُوع الْأَجْزَاء بِشَرْط كَونهَا معروضة للهيئة الاجتماعية والأجزاء لَا بِشَرْط ذَلِك الْعرُوض فالهيئة الاجتماعية خَارِجَة عَن الْمركب. وَالْفرق حِينَئِذٍ بَين الْمركب وأجزائه ظَاهر وَهَذَا كَمَا فِي الْعدَد على الْمَذْهَب الصَّحِيح من أَنه وحدات من حَيْثُ إِنَّهَا معروضة للهيئة الاجتماعية فَتَأمل. وَقد يقسم الْعدَد عِنْد أهل الْحساب إِلَى الْمُفْرد والمركب - والمفرد عِنْدهم هُوَ الْعدَد الْوَاقِع فِي مرتبَة من مَرَاتِب الْعدَد كالواحد والاثنين وَالْعشرَة وَالْعِشْرين. والمركب هُوَ الْعدَد الْوَاقِع فِي مرتبتين أَو أَكثر كاثني عشر وَمِائَتَيْنِ وَإِحْدَى وَعشْرين وَألف وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسَة وَخمسين وَغير ذَلِك وَقد يُقَال الْمركب للمداد لتركبه من عدَّة أَشْيَاء كَمَا مر فِيهِ وَللَّه در الشَّاعِر: (بِي تو دوكان مركب ساز شدّ كاشانه أم ... ) (جون جراغان ميكنم آخر سياهي ميشود ... ) الْمركب التَّام: عِنْد النُّحَاة هُوَ الَّذِي يَصح السُّكُوت عَلَيْهِ بِأَن يكون مُشْتَمِلًا على الْمسند والمسند إِلَيْهِ. فَإِن قصد بِهِ الْحِكَايَة عَن الْوَاقِع أَي عَن الْأَمر الْوَاقِع الَّذِي يَحْكِي ذَلِك الْمركب عَنْهَا بِأَن يَجْعَل إِشَارَة إِلَيْهِ وَآلَة لملاحظتها فخبر وَقَضِيَّة وَإِلَّا فإنشاء. وَمن هَا هُنَا يسمع جذر الْأَصَم هَلَاك نَفسه وكل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه تبَارك وَتَعَالَى - وَعند الْحُكَمَاء هُوَ الَّذِي لَهُ صُورَة نوعية تحفظ تركيبه وتفصيله فِي المواليد الثَّلَاثَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْمركب النَّاقِص: هُوَ الْمركب الْغَيْر التَّام الَّذِي لَا يَصح السُّكُوت عَلَيْهِ أَي يكون مُحْتَاجا فِي الإفادة إِلَى لفظ آخر ينْتَظر السَّامع مثل احْتِيَاج الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِلَى الْمَحْكُوم بِهِ وَبِالْعَكْسِ وَهَذَا الْمركب إِمَّا. مركب تقييدي: إِن كَانَ قيدا للْأولِ بِالْإِضَافَة أَو الوصفية مثل غُلَام زيد وَزيد الْعَاقِل وَإِمَّا. مركب غير تقييدي: كالمركب من اسْم وأداة - مثل فِي الدَّار أَو من فعل وأداة مثل قد قَامَ - وأقسام الْمركب فِي التَّرْكِيب. المركز: فِي الدائرة ومركز الرّبع الْمُجيب هُوَ الثقبة الَّتِي فِيهَا الْخَيط. المركبة: عِنْد المنطقيين هِيَ الْقَضِيَّة الموجهة الَّتِي يكون مَعْنَاهَا ملتئما من الْإِيجَاب وَالسَّلب كَقَوْلِنَا كل إِنْسَان ضَاحِك لَا دَائِما فَإِن مَعْنَاهُ إِيجَاب الضاحك للْإنْسَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وسلبه عَنهُ بِالْفِعْلِ لِأَن اللادوام يكون إِشَارَة إِلَى مُطلقَة عَامَّة مُخَالفَة للقضية الصَّرِيحَة فِي الكيف وموافقة لَهَا فِي الْكمّ كَمَا أَن اللاضرورة تكون إِشَارَة إِلَى مُمكنَة عَامَّة كَذَلِك كَقَوْلِنَا كل إِنْسَان كَاتب لَا بِالضَّرُورَةِ أَي لَا شَيْء من الْإِنْسَان بكاتب بالإمكان الْعَام. ثمَّ اعْلَم أَن القضايا المركبة الْمُعْتَبرَة عِنْدهم سبع مَشْرُوطَة خَاصَّة وعرفية خَاصَّة - ووقتية - ومنتشرة - ووجودية لَا ضَرُورِيَّة - وممكنة خَاصَّة ووجودية لَا دائمة. المرتجل: هُوَ اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ بِلَا مُنَاسبَة بَينهمَا قصدا وَعند عدم الْقَصْد يكون خطأ. وَاعْلَم أَن المرتجل من أَقسَام الْحَقِيقَة لِأَن الِاسْتِعْمَال فِي الْغَيْر بِلَا علاقَة قصدا وضع جَدِيد فَيكون اللَّفْظ مُسْتَعْملا فِيمَا وضع لَهُ وَإِنَّمَا يَجْعَل من أَقسَام الْمُسْتَعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ نظرا إِلَى الْوَضع الأول فَإِنَّهُ أولى بِالِاعْتِبَارِ. الْمَرْفُوع: من الحَدِيث مَا يكون منتهيا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا يَقُول الرَّاوِي قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَذَا أَو فعل كَذَا أَو قَرَأَ كَذَا - وَالْمَوْقُوف مِنْهُ مَا انْتهى إِلَى الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم - وَعند النُّحَاة مَا اشْتَمَل على علم الفاعلية أَعنِي الضمة وَالْوَاو وَالْألف. والمرفوعات: جمعه لَا جمع المرفوعة وَإِن كَانَ بِحَسب الظَّاهِر أَن يكون جمعهَا لِأَن مَوْصُوف الْمَرْفُوع الِاسْم الْمُقَابل للْفِعْل والحرف وَهُوَ نَفسه مُذَكّر لَا يعقل وَإِن كَانَ بعض مصداقه من الْأَسْمَاء مؤنثا كطلحة وَزَيْنَب والمذكر الَّذِي لَا يعقل يجمع صفة مطردا بِالْألف وَالتَّاء مثل جمالات وسجلات وَالْأَيَّام الخاليات وَلَا يخفى على الذكي الوكيع حسن الْبَيَان والإشارات إِلَى دفع الشُّبُهَات وَإِن كنت فِي ريب مِمَّا قُلْنَا فَانْظُر إِلَى كتَابنَا جَامع الغموض منبع الفيوض. المربع: هُوَ الْحَاصِل من ضرب الْعدَد فِي نَفسه كَمَا مر فِي التربيع. الْمركب مُمكن: فِي كل مركب مُمكن. مَرْكَز الْعَالم: نقطة فِي بَاطِن الأَرْض جَمِيع الخطوط الْخَارِجَة مِنْهَا إِلَى سطح الْفلك إِلَّا على مستوية وَلَو وصل حجر إِلَيْهَا لوقف وَلم يمل إِلَى جَانب. الْمُرْسل: من الحَدِيث مَا حذف آخر إِسْنَاده فَيكون إِسْنَاده مُتَّصِلا إِلَى التَّابِعِيّ أَو تبع التَّابِعِيّ فَيَقُول قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَذَا أَو فعل كَذَا من غير أَن يذكر الصَّحَابِيّ الَّذِي رُوِيَ الحَدِيث عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. الْمُرْسل من الْأَمْلَاك: هُوَ الَّذِي ادَّعَاهُ ملكا مُطلقًا أَي مُرْسلا عَن سَبَب معِين وَكَذَلِكَ الْمُرْسلَة من الدَّرَاهِم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 المريد: من الْإِرَادَة فَمن أَرَادَ تَحْقِيقه فَعَلَيهِ الْإِرَادَة إِلَى الْإِرَادَة - والمريد عِنْد أَرْبَاب السلوك من انْقَطع إِلَى الله تَعَالَى عَن نظر واستبصار وتجرد عَن إِرَادَته وَفِيه تَفْصِيل كَمَا بَين فِي كتبهمْ سِيمَا الفتوحات المكية. وَالْمَشْهُور أَن المريد من أَرَادَ كشف الْعُلُوم الْبَاطِنَة والأسرار الإلهية والقرب الرباني من مرشد يكون خِلَافَته فِي الْإِرْشَاد معنعنة إِلَى الجناب الْمُقَدّس النَّبَوِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَطَرِيق الْإِرَادَة والبيعة مَذْكُور فِي كتبهمْ. وللإرادة من جناب مرشد مَوْصُوف مَنَافِع لَا تعد وَلَا تحصى سِيمَا بَقَاء الْإِيمَان عِنْد النزع وَدفع الشَّيْطَان فَإِن مرشده يحضر عِنْد نَزعه إِن كَانَ كَامِلا وَإِلَّا فمرشد مرشده وَهَكَذَا إِلَى الجناب الأقدس النَّبَوِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَذَا سَمِعت من كبار الْعلمَاء العارفين بِاللَّه رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. ف (103) : مَرَاتِب الْأَنْوَاع الإضافية: أَربع كمراتب الْأَجْنَاس أما الأول فَلِأَن النَّوْع الإضافي إِمَّا أَعم الْأَنْوَاع بِأَن لَا يكون فَوْقه نوع فَهُوَ النَّوْع العالي كالجسم وَإِمَّا أخص الْأَنْوَاع بِأَن لَا يكون تَحْتَهُ نوع فَهُوَ النَّوْع السافل كالإنسان وَإِمَّا أَعم من بَعْضهَا وأخص من الْبَعْض الآخر فَهُوَ النَّوْع الْمُتَوَسّط كالجسم النامي وَالْحَيَوَان - وَأما مبائن لما ذكر بِأَن لَا يكون فَوْقه وَلَا تَحْتَهُ نوع فَهُوَ النَّوْع الْمُفْرد كالعقل - وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْجِنْس إِمَّا أَعم الْأَجْنَاس بِأَن لَا يكون فَوْقه جنس فَهُوَ الْجِنْس العالي كالجوهر. أَو أخص الْأَجْنَاس بِأَن لَا يكون تَحْتَهُ جنس فَهُوَ الْجِنْس السافل كالحيوان. أَو يكون أَعم من بَعْضهَا وأخص من الْبَعْض الآخر فَهُوَ الْجِنْس الْمُتَوَسّط كالجسم والجسم النامي. أَو مبائن لما ذكر بِأَن لَا يكون فَوْقه وَلَا تَحْتَهُ جنس فَهُوَ الْجِنْس الْمُفْرد كالعقل. فَإِن قلت أحد التمثيلين بَاطِل لِأَن عقل عَاقل لَا يجوز كَون الْعقل جِنْسا مُفردا ونوعا مُفردا مَعًا للتقابل بَينهمَا لِأَن كَون الْعقل مِثَالا للنوع الْمُفْرد مَوْقُوف على أَمريْن. أَحدهمَا: كَون الْجَوْهَر جِنْسا لَهُ. وَثَانِيهمَا: كَون الْعُقُول الْعشْرَة الَّتِي تَحْتَهُ متفقين بِالْحَقِيقَةِ وَكَون الْعقل مِثَالا للْجِنْس الْمُفْرد مَشْرُوط بِعَدَمِ ذَيْنك الْأَمريْنِ أَعنِي عدم كَون الْجَوْهَر جِنْسا لَهُ وَعدم كَونه مقولا على كثيرين متفقين بِالْحَقِيقَةِ بل على كثيرين مُخْتَلفين بِالْحَقِيقَةِ أَعنِي الْعُقُول الْعشْرَة الَّتِي تَحْتَهُ. فَتكون هَذِه الْعشْرَة حِينَئِذٍ أنواعا لَهُ منحصرا كل وَاحِد مِنْهَا فِي فَرد وَاحِد فيستحيل أَن يكون الْعقل نوعا مُفردا وجنسا مُفردا مَعًا. قلت الْمَقْصُود من هَذَا التَّمْثِيل التفهيم لَا بَيَان مَا فِي نفس الْأَمر ويكفيه الْفَرْض سِيمَا فِي مَا لَا يُوجد لَهُ مِثَال فِي الْوُجُود فكون أحد التمثيلين صَحِيحا مطابقا للْوَاقِع دون الآخر لَا يضر فِي الْمَقْصُود. فَإِن قيل إِن التَّرْتِيب يَقْتَضِي التَّعَدُّد فَكيف يكون النَّوْع الْمُفْرد أَو الْجِنْس الْمُفْرد من الْمَرَاتِب - قُلْنَا إِن بعض المنطقيين لم يعدوا الْمُفْرد نوعا أَو جِنْسا من الْمَرَاتِب لعدم كَونه فِي سلسلة الترتب وَجعلُوا الْمَرَاتِب منحصرة فِي الثَّلَاثَة العالي والسافل والمتوسط. وَأَكْثَرهم تسامحوا فعدوه من الْمَرَاتِب لِأَن مُلَاحظَة التَّرْتِيب ثَابت فِي كل من الْمُفْرد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 وَغَيره إِلَّا أَنه فِي الْمُفْرد ملحوظ من حَيْثُ الْعَدَم. وَفِي غَيره من حَيْثُ الْوُجُود على قِيَاس مَا قَالُوا إِن الْإِدْغَام إِمَّا وَاجِب كمد. أَو جَائِز مثل لم يمد. أَو مُمْتَنع نَحْو مددن. وَإِنَّمَا قيدنَا النَّوْع بالإضافي لِأَن النَّوْع الْحَقِيقِيّ لَا يتَصَوَّر فِيهِ الترتب وَإِلَّا لَكَانَ نوع حَقِيقِيّ فَوق نوع حَقِيقِيّ آخر. فَيلْزم إِمَّا كَون النَّوْع الفوقاني جِنْسا أَو كَون النَّوْع التحتاني صنفا وَكِلَاهُمَا خلاف الْمَفْرُوض كَمَا بَين فِي كتب الْمنطق. وَاعْلَم أَن بَين النَّوْع السافل وَبَين الْجِنْس أَي جنس كَانَ مباينة كُلية كَذَلِك بَين الْجِنْس العالي وَبَين النَّوْع أَي نوع كَانَ مباينة كُلية كَمَا لَا يخفى. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره وَبَين كل وَاحِد من النَّوْع العالي والمتوسط وَبَين كل وَاحِد من الْجِنْس الْمُتَوَسّط والسافل عُمُوم من وَجه. وَعَلَيْك باستخراج الْأَمْثِلَة انْتهى. أما بَين الْجِنْس الْمُتَوَسّط وَالنَّوْع العالي فلتحققهما مَعًا فِي الْجِسْم وَتحقّق الْجِنْس الْمُتَوَسّط بِدُونِ النَّوْع العالي فِي الْجِسْم النامي وَتحقّق النَّوْع العالي بِدُونِ الْجِنْس الْمُتَوَسّط فِي اللَّوْن فَإِنَّهُ نوع عَال بِالْقِيَاسِ إِلَى الكيف وجنس سافل لأنواعه أَعنِي الْحمرَة والخضرة والصفرة مثلا. وَأما بَين الْجِنْس الْمُتَوَسّط وَالنَّوْع الْمُتَوَسّط فلتحققهما مَعًا فِي الْجِسْم النامي وَتحقّق الْجِنْس الْمُتَوَسّط بِدُونِ النَّوْع الْمُتَوَسّط فِي الْجِسْم وَتحقّق النَّوْع الْمُتَوَسّط فِي الْحَيَوَان. وَأما بَين الْجِنْس السافل وَالنَّوْع العالي فلتحققهما مَعًا فِي اللَّوْن فَإِن فَوْقه جِنْسا وَهُوَ الكيف وَلَيْسَ تَحْتَهُ جنس بل أَنْوَاع كَمَا مر وَلَيْسَ فَوق اللَّوْن نوع لِأَن فَوْقه كيفا وَهُوَ جنس عَال لَهُ لَا نوع للعرض كَمَا يتَوَهَّم لِأَن الْعرض الَّذِي فَوق الكيف بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ عرض لَهُ لَا ذاتي كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. وتتحقق الْجِنْس السافل بِدُونِ النَّوْع العالي فِي الْحَيَوَان. وَتحقّق النَّوْع العالي بِدُونِ الْجِنْس السافل فِي الْجِسْم. وَأما بَين الْجِنْس السافل وَالنَّوْع الْمُتَوَسّط فلتحققهما مَعًا فِي الْحَيَوَان وَتحقّق الْجِنْس السافل بِدُونِ النَّوْع الْمُتَوَسّط فِي اللَّوْن. وَتحقّق النَّوْع الْمُتَوَسّط بِدُونِ الْجِنْس السافل فِي الْجِسْم النامي. وَهَذِه هِيَ الْأَمْثِلَة المستخرجة فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره على شرح الشمسية. الْمُرَاهق: هُوَ الْحَيّ الَّذِي قَارب الْبلُوغ وتحرك آلَته واشتهى سَوَاء كَانَ مذكرا أَو مؤنثا إِلَّا أَنه يُقَال للمؤنث المراهقة. المراقبة: اسْتِدَامَة علم العَبْد باطلاع الرب عَلَيْهِ فِي جَمِيع أَحْوَاله. مُرَاعَاة النظير: هِيَ جمع أَمر وَمَا يُنَاسِبه لَا بالتضاد وَهِي قد تكون بِالْجمعِ بَين أَمريْن نَحْو {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} - وَقد يكون بِالْجمعِ بَين ثَلَاثَة أُمُور إِلَى غير ذَلِك. وتشابه الْأَطْرَاف قسم من مُرَاعَاة النظير. الْمرجع: مَكَان رُجُوع الشَّيْء أَو زَمَانه وَيحْتَمل أَن يكون مصدرا ميميا بِمَعْنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 الرُّجُوع وَقد يُرَاد بمرجع الشَّيْء مَا يجب أَن يحصل حَتَّى يُمكن حُصُول ذَلِك الشَّيْء كَمَا يُقَال مرجع صدق الْخَبَر والمخبر ومرجع كذبهما إِلَى طباق الحكم للْوَاقِع وَلَا طباقه أَي مَا بِهِ يتحققان ويتحصلان ذَلِك الطباق واللاطباق وَقد يُفَسر مرجع الشَّيْء بِالْعِلَّةِ الغائية لذَلِك الشَّيْء وَالْغَرَض مِنْهُ كَمَا يُقَال الْجُلُوس مرجع السرير أَي الْعلَّة الغائية لَهُ وَالْغَرَض مِنْهُ الْجُلُوس عَلَيْهِ. المرجئة: فرقة من كبار الْفرق الإسلامية وهم أَربع فرق اليونسية والعبدية والفسانية والثوبانية. وَأما اليونسية فَقَالُوا الْإِيمَان هُوَ الْمعرفَة بِاللَّه تَعَالَى والخضوع لَهُ والمحبة بِالْقَلْبِ فَمن اجْتمعت فِيهِ هَذِه الصِّفَات فَهُوَ مُؤمن وَلَا يضر مَعهَا ترك الطَّاعَات وارتكاب الْمعاصِي وَلَا يُعَاقب عَلَيْهَا وإبليس كَانَ عرافا بِاللَّه وَإِنَّمَا كفر باستكباره وَترك الخضوع لَهُ تَعَالَى وتفصيل الْبَوَاقِي ومعتقداتهم فِي شرح المواقف وَإِنَّمَا لقبوا بالمرجئة لأَنهم يرجئون الْعَمَل عَن النِّيَّة أَي يؤخرونه فِي الرُّتْبَة عَنْهَا وَعَن الِاعْتِقَاد من أرجأه أَي أَخّرهُ وَلِأَنَّهُم يَقُولُونَ لَا يضر مَعَ الْإِيمَان مَعْصِيّة كَمَا لَا ينفع مَعَ الْكفْر طَاعَة فهم يُعْطون الرَّجَاء. الْمُرَابَحَة: هِيَ بيع السّلْعَة بِثمن سَابق مَعَ زِيَادَة ربح وَلَا مُرَابحَة فِي الْأَثْمَان وَلِهَذَا لَو اشْترى بِالدَّرَاهِمِ الدَّنَانِير لَا يجوز بيع الدَّنَانِير بعد ذَلِك مُرَابحَة كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان. (بَاب الْمِيم مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة) المزية: فِي الْفَضَائِل. المزاج: بِكَسْر الْمِيم وَالْجِيم فِي الأَصْل عبارَة عَن اخْتِلَاط الْأَركان إِلَّا أَن ذَلِك الِاخْتِلَاط لما كَانَ سَببا لحدوث كَيْفيَّة مَخْصُوصَة سميت بِهِ تَسْمِيَة للمسبب باسم السَّبَب وَيُقَال فِي حَده أَنه كَيْفيَّة متشابهة ملموسة حَاصِلَة فِي الْجِسْم الْمركب عَن العناصر المتضادة الْكَيْفِيَّة عِنْد انكسار كَيْفيَّة كل وَاحِد مِنْهَا بطبيعة الْأُخْرَى. وَإِن أردْت إِثْبَات المزاج بعد إِبْطَاله فاستمع لما قَالَه الْعَلامَة الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أورد على أَن القَوْل بالمزاج يسْتَلْزم أحد الْأَمريْنِ. وَهُوَ إِمَّا خلو جُزْء من الْجِسْم الْمركب عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية. أَو تدَاخل الْأَجْسَام وَكِلَاهُمَا محَال أما الْمُلَازمَة فَلِأَنَّهُ إِمَّا أَن يُوجد فِي أَجزَاء الْجِسْم الْمركب مَا يَخْلُو عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية. أَو لَا. فَإِن وجد يلْزم الأول. وَإِن لم يُوجد يلْزم الثَّانِي لِأَنَّهُ إِذا لم يخل جُزْء مَا عَن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة وَإِن بلغ فِي الصغر إِلَى حَيْثُ لَا يقبل الْقِسْمَة فَيكون كل جُزْء مُشْتَمِلًا على العناصر الْأَرْبَعَة فَلَا يكون جُزْء من أَجزَاء الْجِسْم الْمركب خَالِيا عَن المَاء مثلا لوُجُوده فِي كل جُزْء وَكَذَا عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 كل وَاحِد من العناصر الْبَاقِيَة وعَلى هَذَا يكون كل وَاحِد من العناصر شاغلا لمَكَان الْمركب بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ عين التَّدَاخُل. وَأما بطلَان الْجُزْء الأول من الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَو خلا جُزْء من الْمركب عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية لما كَانَ المزاج كَيْفيَّة متشابهة فِي جَمِيع أَجزَاء الْجِسْم الممتزج وَاللَّازِم بَاطِل على مَا يدل حَدهمْ المزاج عَلَيْهِ - وَأما بطلَان الْجُزْء الثَّانِي بالأدلة الدَّالَّة على امْتنَاع التَّدَاخُل. وَأجِيب عَنهُ بأنكم إِن أردتم بِجُزْء من أَجزَاء الْمركب مَا يعم البسائط وَغَيرهَا فيختار خلو جُزْء مِنْهَا عَن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة وَهُوَ الْجُزْء الْبَسِيط - لِأَن المزاج كَيْفيَّة قَائِمَة بالمركب وَلكُل جُزْء من أَجْزَائِهِ المركبة من البسائط الْأَرْبَعَة لَا بجزئه الْبَسِيط وَلَا بجزئين وَثَلَاثَة كَذَلِك - وَإِن أردتم بِهِ مَا عدا البسائط فيختار عدم خلو شَيْء من الْأَجْزَاء عَن تِلْكَ الْكَيْفِيَّة. وَلَا يلْزم التَّدَاخُل على مَا لَا يخفى. وبوجه آخر - أَقُول وَلَا نسلم أَنه إِذا لم يخل جُزْء مَا عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية كَانَ كل جُزْء مُشْتَمِلًا على العناصر الْأَرْبَعَة فَإِن الْجُزْء الْبَسِيط غير خَال عَن الْكَيْفِيَّة المزاجية وَغير مُشْتَمل على العناصر الْأَرْبَعَة - وَهَذَا الْجَواب أحسن من الأول يظْهر بِالتَّأَمُّلِ لمن وفْق لَهُ انْتهى. قَالَ بعض شرَّاح الملخص الجغمني فِي الْهَيْئَة: إِن مزاج الْمركب كلما أبعد من الِاعْتِدَال كَانَ عرضه أوسع والأقسام المندرجة تَحْتَهُ أَكثر - وَقَالَ القَاضِي زَاده فِي شَرحه: وَفِي كلتا المقدمتين نظر. وَقَالَ بعض المحشين: وَالْمرَاد بالاعتدال الِاعْتِدَال الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ أحسن أَقسَام المزاج الإنساني ونهايته الَّتِي لَا مزاج أعدل مِنْهُ. وبالعرض الْحَال المعنوية الشبيهة بالامتداد المكاني سيعمل الْعرض فِيهِ حَقِيقَة وبالاتساع الْأَمر المشابه بالاتساع الْحَقِيقِيّ المكاني وَكَأَنَّهُ يشبه الأمزجة بالدوائر المحيطة بَعْضهَا بَعْضًا - وَلِهَذَا أثبت الْعرض والاتساع. فعلى هَذَا تَصْوِيره أَن مزاج الْإِنْسَان دَائِرَة صَغِيرَة والاعتدال الْحَقِيقِيّ هُوَ مركزه وَعرضه من المركز إِلَى هَذِه الدائرة وَبَين المركز وَالْمُحِيط دوائر أُخْرَى هِيَ أَقسَام مزاج الْإِنْسَان. ثمَّ فَوْقه دَائِرَة أُخْرَى هِيَ عبارَة عَن مزاج الْحَيَوَان. وَعرضه مَا بَين تِلْكَ الدائرة والدائرة الأولى الَّتِي هِيَ أولى أمزجة الْإِنْسَان وَهُوَ أول مَا يُطلق عَلَيْهِ مزاج الْحَيَوَان وأقسامه فِيهِ. ثمَّ فَوْقه دَائِرَة أُخْرَى هِيَ عبارَة عَن مزاج النَّبَات وَعرضه مَا بَين هَذِه الدائرة والدائرة الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ أول أمزجة الْحَيَوَان وأقسامه فِيهِ. ثمَّ فَوْقه دَائِرَة أُخْرَى هِيَ عبارَة عَن مزاج الْمَعْدن - وَعرضه مَا بَين هَذِه الدائرة والدائرة الثَّالِثَة الَّتِي هِيَ أول أمزجة النَّبَات وَمَا بَينهمَا دوائر هِيَ أقسامه. فعلى هَذَا التَّصْوِير وَالْبَيَان ظهر أَن عرض مزاج الْمَعْدن هَا هُنَا بَين هَاتين الدائرتين المذكورتين لَا مَا بَين المركز والدائرة الْأَخِيرَة حَتَّى يلْزم أَن يكون أوسع وعَلى تَقْدِير أوسعيته اتِّفَاقًا لَا يلْزم أَن يكون أقسامه أَكثر لجَوَاز أَن يكون أقل وَهَذَا هُوَ مُرَاد الْمُحَقق بِالنّظرِ فِي كلتا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 المقدمتين. وَقيل مآل المقدمتين وَاحِد. وَقَالَ الْفَاضِل البرجندي قَوْله وَفِي كلتا المقدمتين نظرا مَا فِي الأولى فَلِأَن مبناها على أَن المعتدل مَا كَانَ أَجزَاء بسائطه مُتَسَاوِيَة وَمَا كَانَ أقرب إِلَيْهِ يكون أجزاؤه قريبَة من التَّسَاوِي. أما إِذا بعد عَن الِاعْتِدَال بِسَبَب اخْتِلَاف الْأَجْزَاء أمكن الْوُجُود على أنحاء مُخْتَلفَة مثلا يكون مركب جزؤه الناري وَاحِد - والهوائي اثْنَان - والمائي ثَلَاثَة - والأرضي أَرْبَعَة، والأعداد كَثِيرَة. فَعِنْدَ عدم تَسَاوِي الْأَجْزَاء أمكن التَّرْكِيب على صور غير متناهية فَيكون عرض الْأَبْعَد عَن الِاعْتِدَال أوسع. فَيرد عَلَيْهِ أَنه لَا يلْزم أَن تتَحَقَّق المركبات على الْوُجُوه الْمُخْتَلفَة لجَوَاز أَن يكون لوُجُود الْمركب شُرُوط كَثِيرَة لَا يتَحَقَّق ذَلِك الْمركب بِدُونِهَا فَبعد الْمركب عَن الِاعْتِدَال لَا يسْتَلْزم وجود الْعرض الأوسع وَإِن استلزم إِمْكَانه - وَأما فِي الثَّانِيَة فَلِأَن مبناها على أَن كل مَا هُوَ عرضه أوسع يكون شُرُوط وجوده أقل بِنَاء على أَن كل مَا هُوَ شَرط لوُجُود الْمركب الْأَبْعَد عَن الِاعْتِدَال فَهُوَ شَرط لوُجُود الْمركب الْأَقْرَب إِلَيْهِ من غير عكس. وَمَا يكون شُرُوط وجوده أقل يكون أسهل وجودا فَيكون أقسامه وأفراده أَكثر. وَيرد عَلَيْهِ أَنه يُمكن أَن تتَحَقَّق شُرُوط وجود الْمركب الْأَقْرَب إِلَى الِاعْتِدَال مَعًا وَلَا تتَحَقَّق شُرُوط وجود الْأَبْعَد على انفرادها وَحِينَئِذٍ يحْتَمل أَن يكون أَفْرَاد الْمركب الْأَقْرَب أَكثر من أَفْرَاد الْمركب الْأَبْعَد كَمَا لَا يخفى - وَبِهَذَا التَّقْرِير يظْهر تغاير المقدمتين ويندفع توهم اتحادهما كَمَا وَقع لبَعض الناظرين انْتهى. المزاح: بِالْكَسْرِ والحاء الْمُهْملَة مباسطة لَا تؤذي الْمُخَاطب وَلَا توجب حقارته. بِخِلَاف الْهزْل والسخرية أَي الِاسْتِهْزَاء. فِي شرح السّنة المزاح بِالْكَسْرِ مصدر مازحته مزاحا. وبالضم مصدر مزحته مزحا انْتهى - وَقد مازح النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا فِي الشَّمَائِل لِلتِّرْمِذِي. الْمُزَارعَة: من الزَّرْع وَهُوَ الإنبات لُغَة. وَلذَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَقُولَن أحدكُم زرعت بل حرثت ". أَي طرحت الْبذر كَمَا فِي الْكَشَّاف وَغَيره. فَمَا قَالُوا إِن الْمُزَارعَة فِي اللُّغَة من الزَّرْع وَهُوَ إِلْقَاء الْبذر فِي الأَرْض مَحْمُول على الْمجَاز. والحقيقة إِنَّمَا هِيَ الإنبات ثمَّ هِيَ فِي الشَّرْع عقد على إِلْقَاء الْحبّ فِي الأَرْض بمقابل بعض الْخَارِج بِأَن يكون الْخَارِج مُشْتَركا بَين الْعَاقِدين. فِي الْكِفَايَة اعْلَم أَن الْمُزَارعَة مفاعلة من الزَّرْع وَهُوَ يَقْتَضِي فعلا من الْجَانِبَيْنِ كالمناظرة والمقابلة وَفعل الزَّرْع يُوجد من أحد الْجَانِبَيْنِ - وَإِنَّمَا سمي بهَا بطرِيق التغليب كالمضاربة مفاعلة من الضَّرْب انْتهى. وَتسَمى مخابرة فِي لُغَة مَدَنِيَّة. فِي الْكِفَايَة هِيَ الْمُزَارعَة من الْخَبَر وَهُوَ الإكار لمعالجة الخبار وَهِي الأَرْض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 الرخوة. وَالْأولَى فِي تَعْرِيفهَا عقد حرث بِبَعْض الْحَاصِل بِمَا طرح فِي الأَرْض من بذر الْبر وَالشعِير وَنَحْوهمَا. وَلَو كَانَ الْخَارِج كُله لرب الأَرْض أَو الْعَامِل فَإِنَّهُ لَا يكون مُزَارعَة بل الأول الِاسْتِعَانَة من الأول وَالْآخر إِعَارَة من الْمَالِك كَمَا فِي الذَّخِيرَة. وركنها الْإِيجَاب وَالْقَبُول بِأَن يَقُول مَالك الأَرْض دفعتها إِلَيْك مُزَارعَة بِكَذَا. وَيَقُول الْعَامِل قبلت. وَلَا يَصح إِلَّا فِي ثَلَاث صور. الأول: أَن يكون الأَرْض وَالْبذْر لوَاحِد وَالْبَقر وَالْعَمَل لآخر. وَالثَّانِي: أَن يكون الأَرْض لوَاحِد وَالْبَاقِي لآخر. وَالثَّالِث: أَن يكون الْعَمَل من وَاحِد وَالْبَاقِي لآخر كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت. (زمين تنها عمل تنها زمين با تخم أَي عَاقل ... ) (وراى ايْنَ سه صورت دَان همه نَا جَائِز وباطل ... ) المزدارية: طَائِفَة أبي مُوسَى عِيسَى بن صبيح المزدار قَالَ النَّاس قادرون على مثل الْقُرْآن وَأحسن مِنْهُ نظما وبلاغة وَكفر الْقَائِل بقدمه. وَقَالَ من لَازم السُّلْطَان فَهُوَ كَافِر لَا يُورث مِنْهُ وَلَا يَرث وَكَذَا من قَالَ بِخلق الْأَعْمَال والرؤية. المزاوجة: (قرين كردن جيزى باجيزى) - وَعند أَرْبَاب البديع إِيقَاع المزاوجة بَين مَعْنيين فِي الشَّرْط وَالْجَزَاء أَي يَجْعَل مَعْنيانِ واقعان فِي الشَّرْط وَالْجَزَاء مزدوجين فِي أَن يرتب على كل مِنْهُمَا معنى رتب على الآخر كَمَا فِي قَول البحتري. شعر: (إِذا مَا نهى الناهي فلج بِي الْهوى ... أصاخت إِلَى الواشي فلج بهَا الهجر) ف (104) : فزاوج الشَّاعِر الْمَذْكُور بَين نهي الناهي واصاختها إِلَى الواشي الواقعين فِي الشَّرْط وَالْجَزَاء فِي أَن رتب عَلَيْهِمَا اللجاج لشَيْء - (اللجاج) اللُّزُوم و (الإصاخة) الِاسْتِمَاع (الواشي) النمام. الْمُزَابَنَة: بيع التَّمْر على النخيل بِتَمْر مجذوذ أَي مَقْطُوع من الزَّبْن هُوَ الدّفع. وَهَذَا البيع لما كَانَ بِقِيَاس وتخمين يحْتَمل وُقُوع الْمُنَازعَة بِزِيَادَة ونقصان فيفضي إِلَى المدافعة ورد البيع وَلِهَذَا سمي بالمزابنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 (بَاب الْمِيم مَعَ السِّين الْمُهْملَة) الْمُسَاقَاة: مفاعلة من السَّقْي. وَفِي الشَّرْع معاقدة دفع الْأَشْجَار إِلَى من يعْمل فِيهَا على أَن الثَّمر بَينهمَا - وَبِعِبَارَة أُخْرَى هِيَ الْمُعَامَلَة فِي الْأَشْجَار بِبَعْض الْخَارِج مِنْهَا وَتسَمى مُعَاملَة فِي لُغَة مَدَنِيَّة. المساوقة: قد تسْتَعْمل فِيمَا يعم الِاتِّحَاد فِي الْمَفْهُوم. والمساواة فِي الصدْق فَيكون الْإِنْسَان والسهو وَالنِّسْيَان فِي قَوْلهم الْإِنْسَان يساوق السَّهْو وَالنِّسْيَان على الأول ألفاظا مترادفة. وعَلى الثَّانِي ألفاظا مُتَسَاوِيَة فِي الصدْق. وَلَا شكّ فِي أَنه لَا مرادفة بَينهَا وَلم يقل بهَا أحد وَلَا مُسَاوَاة بَينهمَا إِذْ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام معصومون عَن السَّهْو وَالنِّسْيَان. وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي أَن السَّهْو وَالنِّسْيَان جائزان على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام كَمَا نَص عَلَيْهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح الْمَقَاصِد فِي السمعيات فِي الْبَحْث السَّادِس فِي عصمَة الْأَنْبِيَاء وَلذَلِك اشْتهر بَين النَّاس أول نَاس أول النَّاس. وَالْجَوَاب عَن الأول أَن الْجَوْهَرِي نَص على أَنه قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إِنَّمَا سمي إنْسَانا لِأَنَّهُ نسي عهد الله فنسى. وَلذَا قَالَ قوم أَصله النسْيَان فحذفت الْيَاء لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال. وَفِيه أَن الْإِنْسَان بِمَعْنى الْحَيَوَان النَّاطِق لَا يرادف النسْيَان. اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال ثَبت المرادفة والمساوقة فِي الأَصْل وَمَعَ ذَلِك يبْقى الْكَلَام فِي السَّهْو. وَلَا يبعد أَن يُقَال السَّهْو وَالنِّسْيَان متقاربان فِي الْمَعْنى بِحَسب اللُّغَة وَلَهُم تردد فِي أَن الْوُجُود والشيئية مُتَرَادِفَانِ أَو متساويان صدقا فَلِذَا يُقَال إِن الشيئية تساوق الْوُجُود. المستفتي: فِي الْفَتْوَى. الْمسْح: (دست رسانيدن بشى) . وَفِي الشَّرْع إِصَابَة الْيَد المبتلة الْعُضْو بِلَا تسييل المَاء إِمَّا بللا يَأْخُذهُ من الْإِنَاء أَو بللا بَاقِيا فِي الْيَد بعد غسل عُضْو من المغسولات. وَلَا يَكْفِي البلل الْبَاقِي فِي يَده بعد مسح عُضْو من الممسوحات. لَا يَكْفِي بَلل يَأْخُذهُ من بعض أَعْضَائِهِ سَوَاء كَانَ ذَلِك الْعُضْو مغسولا أَو ممسوحا وَكَذَا فِي مسح الْخُف. اعْلَم أَن المُرَاد بِالْمَسْحِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وامسحوا برؤوسكم} مسح بعض الرَّأْس بالِاتِّفَاقِ لِأَن الْبَاء هُنَاكَ دخلت على الْمحل - وَالْأَصْل أَن تدخل على الْآلَة وَهِي غير مَقْصُودَة فَإِنَّهُ يَكْتَفِي فِيهَا بِقدر مَا يحصل بِهِ الْمَقْصُود فحين دخلت على الْمحل شبه الْمحل بالآلة فَلَا يشْتَرط الِاسْتِيعَاب فَاعْلَم أَن الْآيَة عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى مُطلق. وَلِهَذَا اعْتبر أقل مَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْمسْح إِذْ لَا دَلِيل على الزِّيَادَة وَلَا إِجْمَال فِي الْآيَة. وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى مُجمل فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ بِمُرَاد لحصوله فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 ضمن غسل الْوَجْه الْبَتَّةَ مَعَ عدم تأدي الْفَرْض أَي مسح الرَّأْس فِي غسل الْوَجْه اتِّفَاقًا. بل المُرَاد بعض مُقَدّر فَصَارَت مُجملا بَينه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمِقْدَار الناصية وَهُوَ ربع الرَّأْس. وَأجَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن عدم تأدي الْفَرْض أَي مسح الرَّأْس بِمَا حصل فِي ضمن غسل الْوَجْه مَبْنِيّ على فَوَات التَّرْتِيب وَهُوَ فرض فَصَارَ الْخلاف مَبْنِيا على الْخلاف فِي اشْتِرَاط التَّرْتِيب. فَإِن قيل قِرَاءَة الْجَرّ فِي أَرْجُلكُم فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} متواترة كَمَا أَن قِرَاءَة النصب متواترة فَمُقْتَضى الْجمع بَين الْقِرَاءَتَيْن التَّخْيِير بَين الْغسْل وَالْمسح كَمَا قَالَ بِهِ الْبَعْض - قُلْنَا قِرَاءَة الْجَرّ ظَاهرهَا متروكة بِالْإِجْمَاع لِأَن من قَالَ بِالْمَسْحِ لم يَجعله مُقَيّدا بالكعبين. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعد غسل رجلَيْهِ " هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ " - والجر للجوار كَمَا قرئَ كسر الدَّال فِي الْحَمد لله وككسر محرم فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " من ملك ذَا رحم محرم مِنْهُ عتق ". وَكَانَ الْقيَاس محرما بِالنّصب لِأَنَّهُ صفة ذَا محرم - وَفَائِدَة صُورَة الْجَرّ التَّنْبِيه على أَنه يَنْبَغِي أَن لَا يفرط فِي صب المَاء عَلَيْهِمَا ويغسلا غسلا خَفِيفا شَبِيها بِالْمَسْحِ. وَتَحْقِيق الْمقَام وتنقيح المرام على مَا حررنا فِي رسالتنا التحقيقات أَن الماسحين قَائِلُونَ بِالْجَرِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وأرجلكم} وَيَقُولُونَ بفرضية مسح الأرجل فِي الْوضُوء - والغاسلون يقرؤون النصب فِيهِ فيستدلون بِهِ على فَرضِيَّة الْغسْل فِي الْوضُوء أَقُول بجره لَا يثبت الْمسْح وبنصبه لَا يثبت الْغسْل. أما الأول: فَلِأَن قَوْله تَعَالَى: {وأرجلكم} بِالْجَرِّ يحْتَمل أَن يكون مَعْطُوفًا على قَوْله: {وَأَيْدِيكُمْ} وَيكون جَرّه للجوار كَمَا مر. وَأما الثَّانِي: فَلِأَن قَوْله تَعَالَى: {وأرجلكم} بِالنّصب يحْتَمل أَن يكون مَعْطُوفًا على مَحل قَوْله تَعَالَى: {رؤوسكم} لِأَن مَحَله النصب لِأَنَّهُ مفعول بِهِ بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ مَعَ أَن الْوَاو يحْتَمل أَن يكون وَاو الْمَعِيَّة الَّتِي تنصب مَا بعدهمَا مثل اسْتَوَى المَاء والخشبة فعلى أَي حَال إِذا قَامَ الِاحْتِمَال بَطل الِاسْتِدْلَال. وَلَا يخفى: على سالك مسالك الانصاف. والمعرض عَن طَرِيق التعصب والاعتساف. أَنه يصول من وَادي هَذَا الْبَيَان أَسد. لَا يُمكن دَفعه لأحد. من الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا مَا شَاءَ الله تَعَالَى وَهُوَ أَن الْآيَة الْمَذْكُورَة حِينَئِذٍ لَا تدل على فَرضِيَّة غسل الرجل وَلَا على مَسحه دلَالَة قَطْعِيَّة جلية فَلَا تثبت فرضيته كَيفَ فَإِن الْفَرْض مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ لَا شُبْهَة فِيهِ فَفرض الْوضُوء حِينَئِذٍ ثَلَاثَة لَا أَرْبَعَة فَافْهَم فَإِنَّهُ من مطارح الأذكياء - فَأَقُول استدلالنا على وجوب غسل الأرجل ودخولها فِي المغسولات دون الممسوحات بأمرين: الأول: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ بعد غسل رجلَيْهِ " هَذَا وضوء لَا يقبل الله الصَّلَاة إِلَّا بِهِ ". كَمَا مر. وَالثَّانِي: أَن الله تَعَالَى ذكر الْغَايَة فِي المغسولات دون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 الممسوحات. فَهَذِهِ الْوَظِيفَة تدل دلَالَة جلية على دُخُولهَا تَحت المغسولات. لِأَنَّهُ تَعَالَى أَتَى بالغاية حَيْثُ قَالَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فهذان الْأَمْرَانِ يدلان على أَن قَوْله تَعَالَى: {وأرجلكم} مَنْصُوب مَعْطُوف على قَوْله تَعَالَى: {وَأَيْدِيكُمْ} لَا على مَحل {رؤوسكم} وَإِن كَانَ مجرورا فيدلان على أَن جَرّه للجوار لَا لِأَنَّهُ مَعْطُوف على قَوْله: {رؤوسكم} فَإِن قيل لم لم يَأْتِ بالغاية فِي غسل الْوَجْه. قُلْنَا لما كَانَ الْمَقْصُود غسل تَمام الْوَجْه مَا أَتَى بالغاية فِيهِ. وَالْوَجْه من المواجهة وَحده طولا وعرضا مَعْلُوم. قيل إِن الْجَرّ بالجوار لَا يجوز إِلَّا فِي الْجُمْلَة الْوَاحِدَة فَقَوله تَعَالَى: {أَرْجُلكُم} إِن كَانَ مَعْطُوفًا على {أَيْدِيكُم} لَا يجوز جَرّه بجوار قَوْله تَعَالَى: {ورؤوسكم} لاخْتِلَاف الجملتين. الْمُسَامحَة: من التسامح فاطلب هُنَاكَ وَقيل هُوَ ترك مَا يجب سرها. المستعلية: أَي الْحُرُوف المستعلية وَهِي مَا يرْتَفع اللِّسَان بهَا إِلَى الحنك وَلذَا سميت مستعلية. وَهِي أَعم من الْحُرُوف المطبقة. وَأَنت تعلم أَن وجود الْأَخَص يسْتَلْزم وجود الْأَعَمّ بِدُونِ الْعَكْس. وَلذَا قَالُوا إِن الْحُرُوف المستعلية هِيَ الْحُرُوف المطبقة وَالْخَاء والغين المعجمتان وَالْقَاف وَلَا يلْزم من الاستعلاء الأطباق وَيلْزم من الأطباق الاستعلاء. أَلا ترى أَنَّك إِذا نطقت بِالْخَاءِ والغين وَالْقَاف استعلى أقْصَى اللِّسَان إِلَى الحنك من غير إطباق وَإِذا نطقت بالصَّاد وَأَخَوَاتهَا استعلى اللِّسَان أَيْضا وانطبق الحنك على وسط اللِّسَان وَفِي تَسْمِيَة تِلْكَ الْحُرُوف بالمستعلية تجوز لِأَن اللِّسَان يستعلي عِنْدهَا إِلَى الحنك فَهِيَ مستعلي عِنْدهَا اللِّسَان كَمَا تجوز فِي قَوْلهم ليله نَائِم ونهاره صَائِم أَي نَام فِيهِ صَاحبه وَصَامَ فِيهِ صَاحبه. الْمُسْتَثْنى: هُوَ الِاسْم الْمَذْكُور بعد إِلَّا غير الصّفة وَأَخَوَاتهَا سَوَاء كَانَ مخرجا عَن مُتَعَدد أَو غير مخرج فَإِن كَانَ مخرجا عَن مُتَعَدد فالمستثنى مُتَّصِل. وَإِلَّا فمنقطع وَيُسمى مُنْفَصِلا أَيْضا. فَإِن أردْت التَّفْصِيل وَالتَّحْقِيق فَانْظُر فِي الِاسْتِثْنَاء وَقد علم من هَا هُنَا تَعْرِيف قسمي الْمُسْتَثْنى وَلَكِن الْمَنْدُوب ذكره رِعَايَة للمبتدين فَاعْلَم أَن. الْمُسْتَثْنى الْمُتَّصِل: هُوَ الْمخْرج عَن مُتَعَدد لفظا بإلا وَأَخَوَاتهَا نَحْو جَاءَنِي الرِّجَال إِلَّا زيدا. فزيد مخرج عَن مُتَعَدد لفظا أَو تَقْديرا نَحْو جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا زيدا. فزيد مخرج عَن الْقَوْم وَهُوَ مُتَعَدد تَقْديرا. والمستثنى الْمُنْقَطع: هُوَ الَّذِي ذكر بعد إِلَّا وَأَخَوَاتهَا وَلم يكن مخرجا نَحْو جَاءَنِي الْقَوْم إِلَّا حمارا. الْمُسْتَثْنى المفرغ: هُوَ الَّذِي حذف مِنْهُ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ ففرغ الْفِعْل قبل إِلَّا للْعَمَل فِي الْمُسْتَثْنى الْمَذْكُور بعد إِلَّا نَحْو مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد. فالمفرغ صفة الْمُسْتَثْنى بِحَال مُتَعَلّقه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 المسطح: ضد المقعر والمحدب بِالْفَارِسِيَّةِ برابر. وَفِي اصْطِلَاح الْحساب هُوَ الْعدَد الْحَاصِل من ضرب عدد فِي غَيره مثل الْعشْرين الْحَاصِل من ضرب أَرْبَعَة فِي خَمْسَة وَإِذا ضرب الْعدَد فِي نَفسه يُسمى الْحَاصِل مجذورا. المساحة: استعلام مَا فِي الْكمّ الْمُتَّصِل القار من أَمْثَال الْوَاحِد الخطى كالذراع. أَو أَمْثَال إبعاض الْوَاحِد الخطى كَنِصْف الذِّرَاع وربعه وَغير ذَلِك. أَو أَمْثَال الْوَاحِد الخطى وأبعاضه كليهمَا كالذراع وَنصفه. وَهَذَا تَعْرِيف المساحة إِذا كَانَ الممسح خطا. وَأما إِذا كَانَ الممسح مسطحًا فتعريف المساحة حِينَئِذٍ استعلام مَا فِي الْكمّ الْمُتَّصِل القار من أَمْثَال مربع الْوَاحِد الخطى. أَو أَمْثَال أبعاض مربع الْوَاحِد الخطى. أَو أَمْثَال مربعه وأبعاضه مَعًا. وَاعْلَم أَن مربع الْوَاحِد الخطى هُوَ الذِّرَاع التكسيري ومربع القصبة سِتَّة وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَهُوَ الْمُسَمّى بالعشير عِنْدهم ومربع سِتِّينَ ذِرَاعا هُوَ الْمُسَمّى بالجريب. وَهُوَ ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة ذِرَاع. وَإِذا كَانَ الممسح جسما فتعريف المساحة حِينَئِذٍ استعلام مَا فِي الْكمّ الْمُتَّصِل القار من أَمْثَال مكعب الْوَاحِد الخطى. أَو أَمْثَال أبعاض مكعب الْوَاحِد الخطى أَو أَمْثَال كليهمَا. وَاعْلَم أَنه بتقييد الْكمّ بالاتصال خرج الْعدَد عَن التَّعْرِيف لِأَنَّهُ كم مُنْفَصِل. وبتقييد الِاتِّصَال بالقار خرج الزَّمَان عَنهُ أَيْضا. إِذا الزَّمَان هُوَ غير قار الذَّات أَي لَيْسَ مُجْتَمع الْأَجْزَاء. وَرُبمَا يستعلم مساحة الْأَجْسَام المشكلة المساحة كالفيل والجمل بِأَن يلقى فِي حَوْض مربع وَيعلم المَاء ثمَّ يخرج مِنْهُ وَيعلم أَيْضا وَيمْسَح مَا نقص فَهُوَ المساحة تَقْرِيبًا. مسْقط الْحجر: الْخط الْوَاصِل بَين رَأس الْمُرْتَفع ومركز قَاعِدَته. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ مَوضِع سُقُوط الْحجر إِذا ألقِي من رَأس الْقَائِم فَيسْقط على الْخط الْمُسْتَقيم. المستريح من الْعباد: من اطلعه الله تَعَالَى على سر الْقدر لِأَنَّهُ يرى أَن كل مُقَدّر يجب وُقُوعه فِي وقته الْمَعْلُوم. وكل مَا لَيْسَ بمقدر يمْتَنع وُقُوعه فاستراح من الطّلب والانتظار لما يَقع. المسلمات: هِيَ قضايا تسلم من الْخصم ويبنى عَلَيْهِ الْكَلَام لدفعه سَوَاء كَانَت مسلمة فِيمَا بَينهمَا خَاصَّة أَو بَين أهل الْعلم كتسليم الْفُقَهَاء مسَائِل أصُول الْفِقْه. كَمَا يسْتَدلّ الْفَقِيه على وجوب الزَّكَاة فِي حلي الْبَالِغَة بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي الْحلِيّ زَكَاة ". فَلَو قَالَ الْخصم هَذَا خبر وَاحِد وَلَا نسلم أَنه حجَّة فَيَقُول الْفَقِيه لَهُ قد ثَبت هَذَا فِي علم أصُول الْفِقْه وَلَا بُد أَن تَأْخُذهُ هَا هُنَا مُسلما. الْمُسْتَقْبل: هُوَ الزَّمَان الَّذِي يَتَرَتَّب وجوده بعد زَمَانك الَّذِي أَنْت فِيهِ - وَإِنَّمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 سمي بِهِ الْفِعْل الْمُضَارع عِنْد الصرفيين لدلالته على ذَلِك الزَّمَان الْمُسْتَقْبل. المسخ: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة تَحْويل صُورَة إِلَى مَا هُوَ أقبح مِنْهَا. وَأَيْضًا مَا هُوَ مَذْكُور فِي التناسخ. الْمُسْتَحَاضَة: هِيَ الْمَرْأَة الَّتِي ترى الدَّم من فرجهَا أَي قبلهَا فِي زمَان لَا يعد من الْحيض وَلَا من النّفاس مُسْتَغْرقا وَقت صَلَاة فِي الِابْتِدَاء وَلَا يَخْلُو وَقت صَلَاة عَنهُ فِي الْبَقَاء. المسرف: من ينْفق المَال الْكثير للغرض الخسيس. المسارة: خطاب الْحق للْعَالمين من عَالم الْأَسْرَار والغيوب. الْمُسَافِر: من فَارق بيُوت مصره قَاصِدا سيرا وسطا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها وتتمة هَذَا المرام فِي السّفر. الْمسند إِلَيْهِ: اسْم أسْند إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ فَاعِلا أَو مُبْتَدأ أَو مفعول مَا لم يسم فَاعله. الْمسند: اسْم أسْند سَوَاء كَانَ فعلا أَو خَبرا مُفردا أَو جملَة - والمسند عِنْد أَرْبَاب أصُول الحَدِيث هُوَ الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده إِلَى الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ على ثَلَاثَة أَقسَام - الْمُتَوَاتر وَالْمَشْهُور - والآحاد. الْمُسْتَند إِلَى الْقَدِيم قديم: لَا مُطلقًا بل مَشْرُوط ومقيد بِمَا مر فِي الْقدَم يُنَافِي الْعَدَم. المستور: من لم تظهر عَدَالَته وَلَا فسقه فَلَا يكون خَبره حجَّة فِي بَاب الحَدِيث. المسئلة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي برهن عَلَيْهَا فِي الْعلم وتطلب فِيهِ فَلَا بُد أَن تكون نظرية. والمسائل: جمعهَا وَهِي المطالب الَّتِي برهن عَلَيْهَا فِي الْعلم إِن كَانَت كسبية وَيكون الْغَرَض من ذَلِك الْعلم مَعْرفَتهَا وَيعلم من هَا هُنَا أَن مسَائِل الْعلم لَا تكون إِلَّا كسبية فَإِن قيل الشكل الأول منتج وضروبه الْأَرْبَعَة منتجة. وَكَذَا القضايا الْحَاصِلَة من العكوس والتناقض كَقَوْلِنَا إِن الْمُوجبَة تنعكس جزئية ونقيض السالبة مُوجبَة وَبِالْعَكْسِ مسَائِل من مسَائِل الْمنطق مَعَ أَنَّهَا بديهيات قُلْنَا هَذِه القضايا عِنْدهم لَيست بمسائل وَلَا يعبرونها بهَا بل بالمباحث - قَالَ شرِيف الْعلمَاء قدس سره فَإِن قلت إِذا كَانَ هَذِه المباحث بديهية فَلَا حَاجَة إِلَى تدوينها فِي الْكتب قلت فِي تدوينها فَائِدَتَانِ. إِحْدَاهمَا: إِزَالَة مَا عَسى أَن يكون فِي بَعْضهَا من خَفَاء محوج إِلَى التَّنْبِيه. وثانيتهما: أَن يتَوَصَّل بهَا إِلَى المطالب الكسبية الْأُخْرَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 الْمسْح على الْخُفَّيْنِ: جَائِز عندنَا بِالسنةِ الْمَشْهُورَة فَإِن قيل إِن الْكتاب الْمجِيد نَاطِق بفرضية غسل الرجلَيْن وَالزِّيَادَة على الْكتاب بَاطِل قُلْنَا الزِّيَادَة بِالسنةِ الْمَشْهُورَة جَائِز على الْكتاب كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه - وَإِنَّمَا قُلْنَا جَائِز لِأَن ثُبُوته على وَجه التَّخْيِير لَا على وَجه الْإِيجَاب. ثمَّ إِن الْمسْح على الْخُفَّيْنِ يَصح للذّكر وَالْأُنْثَى. وَلَا يَصح للْجنب بِأَن لبس خُفَّيْنِ بعد الْوضُوء - ثمَّ أجنب فَيغسل جَمِيع بدنه إِلَّا رجلَيْهِ لَو وضعهما على مَكَان مُرْتَفع فيمسح عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَا يجوز. وَأَيْضًا صورته رجل تَوَضَّأ وَلبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ أجنب وَعدم المَاء فَتَيَمم للجنابة ثمَّ أحدث ثمَّ وجد مَاء يَكْفِي للْوُضُوء وَلَا يَكْفِي للاغتسال فَإِنَّهُ يتَوَضَّأ وَيغسل رجلَيْهِ وَلَا يمسح وَيتَيَمَّم للجنابة وَأَيْضًا صورته مُسَافر مَعَه مَاء فَتَوَضَّأ وَلبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ أجنب فَتَيَمم للجنابة ثمَّ أحدث وَمَعَهُ مَاء يَكْفِيهِ للْوُضُوء لَا يجوز لَهُ الْمسْح لِأَن الْجَنَابَة سرت إِلَى الْقَدَمَيْنِ. وَفِي شرح الْوِقَايَة قيل صورته جنب تيَمّم ثمَّ أحدث وَمَعَهُ من المَاء مَا يتَوَضَّأ بِهِ فَتَوَضَّأ وَلبس الْخُفَّيْنِ ثمَّ مر على مَاء يَكْفِي للاغتسال وَلم يغْتَسل ثمَّ وجد من المَاء مَا يتَوَضَّأ بِهِ فَتَيَمم ثَانِيًا للجنابة فَإِن أحدث بعد ذَلِك تَوَضَّأ وَنزع خفيه انْتهى. وَعَلَيْك أَن لَا تقع فِي الصُّور الْمعينَة بل تعلم أَن الْجَنَابَة سرت إِلَى الْقَدَمَيْنِ فَمن أجنب بعد لبس الْخُف على الطَّهَارَة لَا يجوز لَهُ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ مُطلقًا فَإِن الشَّرْع جعل الْخُف مَانِعا لسراية الْحَدث الْأَصْغَر إِلَى الْقَدَمَيْنِ وَلم يَجعله مَانِعا لسراية الْحَدث الْأَكْبَر إِلَيْهِمَا فَلَا يَزُول بِالْمَسْحِ مَا حل بالقدمين. وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن الْمسْح شرع لرفع الْحَرج وَذَلِكَ فِيمَا يغلب وجوده لَا فِيمَا ينْدر وَلَا يغلب وجوده. وَاعْلَم أَن الْمسْح على خف يكون من كرباس أَو صوف كَيفَ مَا كَانَ لَا يجوز كَذَا فِي الْمُحِيط وجامع الرموز. الْمَسْجِد: بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْجِيم أَو فتحهَا ظرف من سجد يسْجد على نصر ينصر - وَالْقِيَاس فِي هَذَا الْبَاب مَجِيء الظّرْف بِفَتْح الْعين. وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْمَسْجِد بِفَتْح الْجِيم قِيَاس وبكسرها على خِلَافه كالمشرق وَالْمغْرب. وَلَا فرق بَينهمَا على ظَاهر مَا قَالَه الْجَوْهَرِي فِي الصِّحَاح أَن الْمَسْجِد وَاحِد الْمَسَاجِد لِأَنَّهُ يفهم من ظَاهر هَذَا الْكَلَام أَن الْمَسْجِد بِالْمَعْنَى الْمَشْهُور يجوز فِيهِ الْفَتْح وَالْكَسْر. وَفِي شمس الْعُلُوم أَن الْمَسْجِد بِفَتْح الْمِيم وَالْجِيم مَوضِع السُّجُود من الأَرْض وبكسر الْجِيم بَيت الصَّلَاة. وَاعْلَم أَن الْمَسْجِد الْكَبِير مثل الْمَسْجِد الْجَامِع كَذَا فِي الْمُحِيط. وَفِي بعض شُرُوح الْمُخْتَصر الصَّغِير أقل من جريب. الْمِسْكِين: فِي الْفَقِير. الْمسَاوِي: هُوَ الْجِسْم الْمُوَافق لجسم آخر فِي جِهَة أَو جِهَات. وَعند المنطقيين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 هُوَ الْكُلِّي الْمُوَافق لكلي آخر فِي الصدْق مُوَافقَة كُلية كالإنسان والناطق. وَعند أهل الْحساب هُوَ الْعدَد الَّذِي يكون كسوره الصَّحِيحَة المفردة الْعَادة لذَلِك الْعدَد مُسَاوِيَة لَهُ وَيُسمى عددا تَاما أَيْضا كالستة - فَإِن أجزاءه وَهِي السُّدس وَالثلث وَالنّصف مُسَاوِيَة لَهُ. وَإِن أردْت زِيَادَة تَفْصِيل وتوضيح لهَذَا المرام فَارْجِع إِلَى التَّام. الْمَسْبُوق: من لم يدْرك الرَّكْعَة الأولى مَعَ الإِمَام. وَله أَحْكَام كَثِيرَة. مِنْهَا أَنه إِذا أدْرك الإِمَام فِي الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الَّتِي يجْهر فِيهَا لَا يَأْتِي بالثناء وَفِي صَلَاة المخافة يَأْتِي بِهِ. وَمِنْهَا أَنه يُصَلِّي أَولا مَا أدْركهُ مَعَ الإِمَام ثمَّ يقْضِي مَا سبق. وَمِنْهَا أَنه لَا يقوم إِلَى الْقَضَاء بعد التسليمتين بل ينْتَظر فرَاغ الإِمَام حَتَّى يعلم أَن الإِمَام لَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَة السَّهْو واشتغل إِلَى غير صلَاته. وَمِنْهَا أَن الْمَسْبُوق بِبَعْض الرَّكْعَات يُتَابع الإِمَام فِي التَّشَهُّد الْأَخير. وَإِذا تمّ التَّشَهُّد لَا يشْتَغل بِمَا بعده من الصَّلَاة والدعوات. وَمِنْهَا أَنه لَو سلم مَعَ الإِمَام سَاهِيا أَو قبله لَا يلْزمه سُجُود السَّهْو. وَإِن سلم بعده لزمَه. فبالتسليم سَهوا لَا تفْسد صلَاته. وَلذَا وَقع فِي الظَّهِيرِيَّة إِن سلم مَعَ الإِمَام على ظن أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ الإِمَام فَهُوَ سَلام عمد تفْسد صلَاته. وَفِي فَتَاوَى قاضيخان وَإِذا سلم مَعَ الإِمَام نَاسِيا فَظن أَن ذَلِك مُفسد فَكبر وَنوى الِاسْتِقْبَال يصير خَارِجا - وَمِنْهَا أَنه يقْضِي أول صلَاته فِي حق الْقِرَاءَة وَآخِرهَا فِي حق التَّشَهُّد حَتَّى لَو أدْرك رَكْعَة من الْمغرب قضى رَكْعَتَيْنِ وفصلهما بقعدة فَيكون صلَاته بِثَلَاث قعدات. وَقَرَأَ فِي كل رَكْعَة من هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ الْفَاتِحَة وَسورَة فَلَو ترك الْقِرَاءَة فِي إِحْدَاهمَا تفْسد. وَفِي شرح منية الْمُصَلِّي وَإِن أدْرك مَعَ الإِمَام رَكْعَة من الْمغرب يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سبق بهما السُّورَة مَعَ الْفَاتِحَة وَيقْعد فِي أولاهما لِأَنَّهُ يقْضِي أول صلَاته فِي حق الْقِرَاءَة وَآخِرهَا فِي حق الْقعدَة. وَلَكِن لَو لم يقْعد فِيهَا سَهوا لَا يلْزمه سُجُود لكَونهَا أولى من وَجه. وَلَو أدْرك رَكْعَة من الرّبَاعِيّة فَعَلَيهِ أَن يقْضِي رَكْعَة يقْرَأ فِيهَا الْفَاتِحَة وَالسورَة ويتشهد وَيَقْضِي رَكْعَة أُخْرَى كَذَلِك وَلَا يتَشَهَّد وَفِي الثَّالِثَة بِالْخِيَارِ وَالْقِرَاءَة أفضل. وَلَو أدْرك رَكْعَتَيْنِ قضى رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَة وَلَو ترك فِي إِحْدَاهمَا فَسدتْ. وَمِنْهَا أَنه ينْفَرد فِيمَا يقْضِي إِلَّا فِي أَربع مسَائِل - إِحْدَاهَا: أَنه لَا يجوز اقْتِدَاؤُهُ وَلَا الِاقْتِدَاء بِهِ بِخِلَاف الْمُنْفَرد - وثانيتها: أَنه لَو كبر نَاوِيا للاستئناف يصير مستأنفا بِخِلَاف الْمُنْفَرد - وثالثتها: أَنه لَو قَامَ إِلَى قَضَاء مَا سبق وعَلى الإِمَام سجدتا سَهْو قبل أَن يدْخل مَعَه كَانَ عَلَيْهِ أَن يعود فَيسْجد مَعَه مَا لم يُقيد الرَّكْعَة بِسَجْدَة فَإِن لم يعد حَتَّى سجد يمْضِي. وَعَلِيهِ أَن يسْجد فِي آخر صلَاته بِخِلَاف الْمُنْفَرد فَإِنَّهُ لَا يلْزمه السُّجُود بسهو غَيره - ورابعتها: أَنه يَأْتِي بتكبير التَّشْرِيق بعد صلَاته اتِّفَاقًا بِخِلَاف الْمُنْفَرد فَإِنَّهُ لَا يجب عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 - وَمِنْهَا أَنه يُتَابع الإِمَام فِي السَّهْو وَلَا يُتَابِعه فِي التَّسْلِيم وَالتَّكْبِير أَي تَكْبِير التَّشْرِيق والتلبية فَإِن تَابعه فِي التَّسْلِيم والتلبية فَسدتْ صلَاته وَإِن تَابعه فِي تَكْبِير التَّشْرِيق وَهُوَ يعلم أَنه مَسْبُوق لَا تفْسد صلَاته. وَمِنْهَا أَن الإِمَام لَو تذكر سَجْدَة تلاوتية أَو صلاتية فَإِن كَانَت تلاوتية وسجدها إِن لم يُقيد الْمَسْبُوق رَكْعَة بِسَجْدَة يرفض ذَلِك ويتابعه وَيسْجد مَعَه للسَّهْو ثمَّ يقوم إِلَى الْقَضَاء. وَلَو لم يُقيد فَسدتْ صلَاته وَلَو تَابعه بعد تقييدها بِالسَّجْدَةِ فِيهَا فَسدتْ. وَإِن لم يُتَابِعه فَعدم الْفساد فِي ظَاهر الرِّوَايَة -. وَمِنْهَا أَنه لَا يقوم قبل السَّلَام بعد قدر التَّشَهُّد إِلَّا فِي مَوَاضِع - إِذا خَافَ الماسح زَوَال مدَّته - أَو صَاحب الْعذر خَافَ خُرُوج الْوَقْت - أَو خَافَ الْمَسْبُوق فِي الْجُمُعَة دُخُول وَقت الْعَصْر - أَو فِي الْعِيدَيْنِ دُخُول وَقت الظّهْر - أَو فِي الْفجْر طُلُوع الشَّمْس - أَو خَافَ أَن يسْبقهُ الْحَدث - أَو خَافَ أَن يمر النَّاس بَين يَدَيْهِ لَو انْتظر سَلام الإِمَام. لَهُ أَن لَا ينْتَظر فرَاغ الإِمَام فِي هَذِه الصُّور. وَلَو قَامَ فِي غَيرهَا بعد قدر التَّشَهُّد صَحَّ وَلَكِن يكون مسيئا. (بَاب الْمِيم مَعَ الشين الْمُعْجَمَة) الْمشْط: بِالضَّمِّ وَسُكُون الثَّانِي (شانه) وَفِي (فَتَاوَى قاضيخان) من مشط قَائِما مَاتَ من الْجُوع وَلَو كَانَ ربع الأَرْض ملكه. الْمشَاع: مُشْتَرك وتقسيم نيافته - وَبيع الْمشَاع جَائِز دون هِبته لِأَن الْقَبْض شَرط فِي الْهِبَة دون البيع. وَقبض مَا لم يقسم وَلم يَتَقَرَّر فِي حِصَّة الْوَاهِب غير مُتَصَوّر بِالضَّرُورَةِ. الْمَشْرُوطَة الْعَامَّة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي يحكم فِيهَا بضرورة ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع أَو سلبه عَنهُ بِشَرْط أَن يكون ذَات الْمَوْضُوع متصفا بِوَصْف الْمَوْضُوع أَي يكون لوصف الْمَوْضُوع دخل فِي تحقق تِلْكَ الضَّرُورَة مثل كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع بِالضَّرُورَةِ مَا دَامَ كَاتبا - وَتارَة يُطلق الْمَشْرُوطَة الْعَامَّة على الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بضرورة ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع أَو بضرورة سلبه عَنهُ فِي جَمِيع أَوْقَات ثُبُوت الْوَصْف للموضوع - وَالْفرق بَين الْمَعْنيين أَن الْوَصْف فِي الأول جُزْء الْمَوْضُوع فَيكون ضَرُورَة نِسْبَة الْمَحْمُول إِيجَابا أَو سلبا إِلَى مَجْمُوع ذَات الْمَوْضُوع وَوَصفه. وَإِن الْوَصْف فِي الثَّانِي ظرف الضَّرُورَة لَا جُزْء الْمَوْضُوع. وَاعْلَم أَن بَين الْمَعْنيين عُمُوما من وَجه لِأَن وصف الْمَوْضُوع لَا يَخْلُو من أَن يكون لَهُ دخل فِي ضَرُورَة نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع أَولا. فعلى الثَّانِي لَا تصدق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 الْمَشْرُوطَة الْعَامَّة بِالْمَعْنَى الأول بل بِالْمَعْنَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا بُد لوصف الْمَوْضُوع فِيهَا من أَن يكون لَهُ دخل فِي الضَّرُورَة مثل كل كَاتب إِنْسَان بِالضَّرُورَةِ مَا دَامَ كَاتبا. فَإِنَّهُ يَصح أَن يُقَال إِن مَعْنَاهُ إِن ذَات الْكَاتِب إِنْسَان بِالضَّرُورَةِ فِي جَمِيع أَوْقَات ثُبُوت الْكِتَابَة لَهُ. وَلَا يَصح أَن يُقَال إِن ثُبُوت الْإِنْسَان ضَرُورِيّ لذات الْكَاتِب بِشَرْط ثُبُوت وصف الْكِتَابَة لَهُ. أَي لذات الْكَاتِب مَعَ وصف الْكِتَابَة. وعَلى الأول فالوصف الْمَذْكُور إِمَّا ضَرُورِيّ لذات الْمَوْضُوع حَال ثُبُوته أَو لَا. فعلى الأول تصدق الْمَشْرُوطَة بالمعنيين مَعًا كَقَوْلِك كل منخسف فَهُوَ مظلم بِالضَّرُورَةِ مَا دَامَ منخسفا. سَوَاء أُرِيد مِنْهُ بِشَرْط كَونه منخسفا أَو مَا دَامَ منخسفا بِلَا اعْتِبَار الِاشْتِرَاط. أَي فِي جَمِيع أَوْقَات ثُبُوت وصف الانخساف لذات المنخسف. وعَلى الثَّانِي تصدق الْمَشْرُوطَة الْعَامَّة بِالْمَعْنَى الأول دون الثَّانِي مثل كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع مَا دَامَ كَاتبا. فَإِنَّهُ بِالْمَعْنَى الأول صَادِق وبالمعنى الثَّانِي كَاذِب لِأَن حَرَكَة الْأَصَابِع لَيست ضَرُورِيَّة فِي وَقت كِتَابَته وَهُوَ وَقت الظّهْر مثلا إِذْ الْكِتَابَة لَيست ضَرُورِيَّة لَهُ فِي شَيْء من الْأَوْقَات فَكَذَا حَرَكَة الْأَصَابِع. فقد حصل لَك من هَذَا الْبَيَان مَادَّة الِاجْتِمَاع ومادتا الِافْتِرَاق. وَإِنَّمَا كَانَ الانخساف ضَرُورِيًّا لذات الْقَمَر وَقت ثُبُوته لَهُ لما قَالُوا إِن وَقت الانخساف هُوَ وَقت الْحَيْلُولَة والانخساف ضَرُورِيّ الثُّبُوت لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت. - فَإِن قلت إِن قَوْلنَا كل مَعْدُوم الْعلَّة من الْمُمكن فَهُوَ مُمْتَنع الْوُجُود بِالضَّرُورَةِ مَا دَامَ مَعْدُوم الْعلَّة أَي بِشَرْط كَونه مَعْدُوم الْعلَّة مَشْرُوطَة عَامَّة. وتنعكس بعكس النقيض إِلَى عرفية عَامَّة أَعنِي قَوْلنَا كل مَا أمكن وجوده يكون علته مَوْجُودَة بالدوام مَا دَامَ أمكن وجوده. وَأَنت تعلم أَن الْعَكْس لَازم للقضية. وَبطلَان اللَّازِم أظهر من أَن يخفى لِأَن إِمْكَان الْوُجُود يتَحَقَّق حَال عدم الْعلَّة نعم لَا تحقق بِشَرْط عدم الْعلَّة - وَأَيْنَ التحقق من الْإِمْكَان فبطلان الْمَلْزُوم أظهر من أَن يظْهر - قُلْنَا إِن الِامْتِنَاع هَا هُنَا هُوَ الِامْتِنَاع بِشَرْط وصف الْعَدَم أَي الِامْتِنَاع الَّذِي منشأه عدم الْعلَّة فنقيضه لَيْسَ الْإِمْكَان الذاتي بل الْإِمْكَان الوصفي أَي الْإِمْكَان بِشَرْط الْوُجُود أَي حَال الْوُجُود. وَلَا شكّ أَن إِمْكَان الشَّيْء حَال وجوده لَا يكون إِلَّا عِنْد وجود علته. الْمَشْرُوطَة الْخَاصَّة: هِيَ الْمَشْرُوطَة الْعَامَّة الْمقيدَة باللادوام الذاتي مثل بِالضَّرُورَةِ كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع مَا دَامَ كَاتبا لَا دَائِما. أَي لَا شَيْء من الْكَاتِب متحرك الْأَصَابِع بِالْفِعْلِ. الْمُشرك: فِي الْمُنَافِق إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 الْمُشْتَرك: مَا وضع لِمَعْنى مُتَعَدد وَهُوَ نَوْعَانِ: (مُشْتَرك بالاشتراك اللَّفْظِيّ ومشترك بالاشتراك الْمَعْنَوِيّ) ومعرفتهما بِمَعْرِِفَة (الِاشْتِرَاك) . المشائيون: فِي الاشراقيين - وَقَالَ الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي فِي كشكوله التَّوَصُّل إِلَى المطالب النظرية والمعارف الْأُصُولِيَّة إِمَّا بطرِيق الْفِكر وَهُوَ مَسْلَك الْمُتَكَلِّمين والمشائين. أَو بالرياضة وَهُوَ طَرِيق الصُّوفِيَّة والإشراقيين مثل الْفَرِيقَيْنِ كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَل يستويان مثلا أَفلا تذكرُونَ. وَالطَّرِيق الأول لَا اعْتِمَاد عَلَيْهِ لابتنائه على التخمين وَالْقِيَاس وَلذَلِك وَقع فِيهِ الِاخْتِلَاف الْعَظِيم - وَقَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب رشف النصائح الإيمانية أَنه أحرق عشر نسخ من كتاب الشِّفَاء وَمن شعره رَحمَه الله تَعَالَى. شعر: (وَكم قلت للْقَوْم أَنْتُم على ... شفا حُفْرَة من كتاب الشفا) (فَلَمَّا استهانوا بتوبيخنا ... فَدَعْنَا على مِلَّة الْمُصْطَفى) المشابه بالمضاف: عِنْد النُّحَاة هُوَ اسْم تعلق بِشَيْء هُوَ من تَمام مَعْنَاهُ كتعلق خير بزيد فِي قَوْلهم يَا خيرا من زيد. المشاهدات: فِي البديهي. الْمَشْهُور: مَشْهُور والْحَدِيث الْمَشْهُور مَا كَانَ مرويا من الْآحَاد فِي الأَصْل ثمَّ انْتَشَر فَصَارَ يَنْقُلهُ قوم لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب وهم الْقرن الثَّانِي وَمن بعدهمْ فَيكون كالمتواتر بعد الْقرن الأول. وَلذَا جَازَ بِهِ الزِّيَادَة على الْكتاب. المشهورات: هِيَ قضايا يعْتَرف بهَا جَمِيع النَّاس وَسبب شهرتها فِيمَا بَينهم. إِمَّا اشتمالها على مصلحَة عَامَّة كَقَوْلِنَا الْعدْل حسن وَالظُّلم قَبِيح - وَإِمَّا مَا فِي طباعهم من الرقة والرأفة كَقَوْلِنَا مُرَاعَاة الضُّعَفَاء محمودة - وَإِمَّا مَا فيهم من الحمية كَقَوْلِنَا كشف الْعَوْرَة مَذْمُوم - وَإِمَّا انفعالاتهم من عاداتهم كَقَوْل الْكفَّار ذبح الْبَقر مَذْمُوم. وَقَوْلنَا ذبح الْبَقر مَحْمُود - أَو من شرائع وآداب كالأمور الشَّرْعِيَّة وَغَيرهَا. الْمُشكل: مَا لَا يَتَيَسَّر الْوُصُول إِلَيْهِ. وَالْحق المشابه بِالْبَاطِلِ. وَعند الْأُصُولِيِّينَ مَا لَا يعلم المُرَاد مِنْهُ إِلَّا بِالتَّأَمُّلِ بعد الطّلب لدُخُوله فِي إشكاله وَأَمْثَاله مَأْخُوذ من أشكل أَي دخل فِي أشكاله وَأَمْثَاله كَمَا يُقَال أحرم أَي دخل فِي الْحرم. وأشتى أَي دخل فِي الشتَاء كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} - اشْتبهَ معنى أَنى على السَّامع أَنه بِمَعْنى كَيفَ أَو بِمَعْنى أَيْن فَعرف بعد الطّلب والتأمل أَنه بِمَعْنى كَيفَ بِقَرِينَة الْحَرْث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 وبدلالة حرمَان القربان فِي الْأَذَى الْعَارِض وَهُوَ الْحيض فَفِي الْأَذَى اللَّازِم أولى. وَقَوله تَعَالَى: {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} . فَإِن لَيْلَة الْقدر تُوجد فِي كل اثْنَي عشر شهرا فَيُؤَدِّي إِلَى تَفْضِيل الشَّيْء على نَفسه بِثَلَاث وَثَمَانِينَ مرّة فَكَانَ مُشكلا. فَبعد التَّأَمُّل عرف أَن المُرَاد ألف شهر لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقدر لَا ألف شهر على الْوَلَاء وَلِهَذَا لم يقل خير من أَرْبَعَة أشهر وَثَلَاث وَثَمَانِينَ سنة لِأَنَّهَا تُوجد فِي كل سنة لَا محَالة فَيُؤَدِّي إِلَى مَا ذكرنَا - وَفِي تعْيين لَيْلَة الْقدر بِأَنَّهَا أَي لَيْلَة من ليَالِي السّنة اخْتِلَاف مَشْهُور. المشكك: هُوَ الْكُلِّي الَّذِي يكون حُصُوله وَصدقه فِي بعض أَفْرَاده بالتشكيك. وَالِاخْتِلَاف بِأَن يكون فِي بعض أَفْرَاده أولى أَو أقدم أَو أَشد من الْبَعْض الآخر كالوجود فَإِنَّهُ فِي الْوَاجِب تَعَالَى أولى وأقدم وَأَشد. وَاعْلَم أَن الْمُعْتَبر فِي التَّقَدُّم الْمُعْتَبر فِي التشكيك هُوَ التَّقَدُّم بِالذَّاتِ. وَلَا عِبْرَة بتقدم الزَّمَان كَمَا فِي أَفْرَاد الْإِنْسَان لرجوعه إِلَى أَجزَاء الزَّمَان لَا إِلَى حُصُول مَعْنَاهُ فِي أَفْرَاده. الْمَشِيئَة: فِي الْإِرَادَة - وَقَالَ شرِيف الْعلمَاء قدس سره مَشِيئَة الله تَعَالَى عبارَة عَن تجليه الذاتي والعناية السَّابِقَة لإيجاد الْمَعْدُوم وإعدام الْمَوْجُود - وإرادته عبارَة عَن تجليه لإيجاد الْمَعْدُوم - فالمشيئة أَعم من الْإِرَادَة وَمن تتبع مَوَاضِع استعمالات الْمَشِيئَة والإرادة فِي الْقُرْآن الْمجِيد يعلم ذَلِك وَإِن كَانَ بِحَسب اللُّغَة يسْتَعْمل كل مِنْهُمَا مقَام الآخر. المشبهة: قوم شبهوا الله تَعَالَى بالمخلوقات ومثلوه بالمحدثات. المشاغبة: فِي المغالطة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْمُشْتَقّ: اسْم مفعول من الِاشْتِقَاق فَبعد الْعلم بِهِ الْعلم بذلك أَهْون. ثمَّ فِي معنى الْمُشْتَقّ ثَلَاثَة أَقْوَال - الأول: وَهُوَ الْمَشْهُور أَنه مركب من الذَّات وَالصّفة وَالنِّسْبَة وَذهب إِلَيْهِ أَصْحَاب الْعَرَبيَّة - وَالثَّانِي: أَنه مركب من أَمريْن الْمُشْتَقّ مِنْهُ وَالنِّسْبَة فَقَط وَذهب إِلَيْهِ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره. وَاسْتدلَّ بِأَن الذَّات أَي الْمَوْصُوف لَو كَانَ مُعْتَبرا فِي مَفْهُوم الْمُشْتَقّ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون عَاما كالشيء الَّذِي هُوَ عرض عَام لجَمِيع الموجودات. أَو خَاصّا أَي مَا يصدق عَلَيْهِ ذَلِك الْمُشْتَقّ وَكِلَاهُمَا بَاطِل - أما الأول فَلِأَن الْمَوْصُوف الأعلم لَو كَانَ مُعْتَبرا فِي مَفْهُوم كل مُشْتَقّ لَكَانَ مَفْهُوم الشَّيْء مُعْتَبرا أَيْضا فِي النَّاطِق مثلا فَيلْزم دُخُول الْعرض الْعَام وَهُوَ الشَّيْء فِي الْفَصْل وتقومه بِهِ وَهُوَ بَاطِل ضَرُورَة أَن الْعرض الْعَام لَيْسَ من الكليات الذاتية. وَأما الثَّانِي فَلِأَن مَا يصدق عَلَيْهِ النَّاطِق لَيْسَ إِلَّا الْإِنْسَان فَيكون مَعْنَاهُ إِنْسَان عرض لَهُ النُّطْق فَيلْزم خُرُوج النُّطْق عَن الْإِنْسَان. وَأَيْضًا على ذَلِك التَّقْدِير يلْزم انقلاب مَادَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 الْإِمْكَان الْخَاص بِالضَّرُورَةِ فِي ثُبُوت الضاحك للْإنْسَان مثلا فَإِن الشَّيْء الَّذِي لَهُ الضحك هُوَ الْإِنْسَان لَيْسَ إِلَّا وَثُبُوت الشَّيْء لنَفسِهِ ضَرُورِيّ. وَقيل فِي الْجَواب إِنَّا نَخْتَار الأول ونقول إِن النَّاطِق لَيْسَ بفصل بل الْفَصْل أَمر جوهري يعبر بِهِ عَن النَّاطِق كَمَا حققناه فِي الْإِنْسَان. فَلَا يلْزم تقوم الْفَصْل بِالْعرضِ الْعَام على أَن التَّحَرُّز عَن دُخُول الْعرض الْعَام وَجعل النِّسْبَة الَّتِي من الْأَعْرَاض فِي مَفْهُوم الْمُشْتَقّ يُوجب اعْتِبَارهَا فِي الْفَصْل وتقومه بهَا وَهُوَ عَجِيب وبعيد. وَأَيْضًا نَخْتَار أَن الْمَوْصُوف الْخَاص مُعْتَبر فِي مَفْهُوم الْمُشْتَقّ وَإِنَّمَا يلْزم الانقلاب الْمَذْكُور إِذا اعْتبر الْمَوْصُوف مُطلقًا فِيهِ بِدُونِ تَقْيِيده بِصفة وَأما إِذا اعْتبر مُقَيّدا بهَا فَلَا ضَرُورَة أَنه من قبيل ثُبُوت الْمُقَيد للمطلق لَا من قبيل ثُبُوت الشَّيْء لنَفسِهِ فَإِن الضاحك مَعْنَاهُ إِنْسَان لَهُ الضحك لَا الْإِنْسَان مُطلقًا حَتَّى يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور. على أَنا نقُول إِن الْمَوْصُوف عَاما أَو خَاصّا مُعْتَبر فِي الْمُشْتَقّ. وَعند ذكره يكون مُجَردا عَنهُ. أَلا ترى أَن أسرى لما كَانَ اللَّيْل مأخوذا فِي مَفْهُومه جرد عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {أسرِي بِعَبْدِهِ لَيْلًا} فَلَا يلْزم المحذوران. وَالْقَوْل الثَّالِث إِن مَفْهُوم الْمُشْتَقّ بسيط لَا تركيب فِيهِ أصلا لِأَنَّهُ عبارَة عَن المبدأ أَي الْمُشْتَقّ مِنْهُ فَقَط. وَذهب إِلَيْهِ جلال الْعلمَاء رَحمَه الله حَيْثُ قَالَ إِن الْمُشْتَقّ لَا يدل على النِّسْبَة بِنَاء على أَن معنى الْأَبْيَض وَالْأسود مثلا مَا يعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ (بسفيدوسياه) . وَلَا يخفى مَا فِيهِ لِأَن مَعْنَاهُمَا بِالْفَارِسِيَّةِ (ذاتيكه دروسفيدى وسياهي است) وَأَيْضًا لَا يدل على الْمَوْصُوف لَا عَاما وَلَا خَاصّا إِذْ لَو دخل فِي الْأَبْيَض مثلا لَكَانَ معنى الثَّوْب الْأَبْيَض الثَّوْب الشَّيْء الْأَبْيَض أَو الثَّوْب الثَّوْب الْأَبْيَض وَكِلَاهُمَا مَعْلُوم الانتفاء. وَلَيْسَ بَين الْمُشْتَقّ وَبَين مبدئه تغاير إِلَّا بِالِاعْتِبَارِ فَإِن الْأَبْيَض مثلا لَا يشرط شَيْء عرضي وبشرط شَيْء عين الْمحل أَي الثَّوْب الْأَبْيَض وبشرط لَا شَيْء عرض مُقَابل للجوهر. وَيفهم من حَوَاشِي الْفَاضِل الزَّاهِد على شرح المواقف أَن الْمُشْتَقّ ومبدأه أَي الْمُشْتَقّ مِنْهُ مفهومان مُخْتَلِفَانِ بِالذَّاتِ كَمَا يشْهد بِهِ الوجدان. فَكيف يكون بَينهمَا اتِّحَاد بِالذَّاتِ وتغاير بِالِاعْتِبَارِ إِذْ لَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لَكَانَ حمل الْأَبْيَض على الْبيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ صَحِيحا. وَذَلِكَ مَعْلُوم الانتفاء بِالضَّرُورَةِ مَعَ أَنه مستبعد جدا كَيفَ ويعبر عَنهُ بِالْفَارِسِيَّةِ عَن الْبيَاض بسفيدي وَعَن الْأَبْيَض بسفيد. وَمن أيد التغاير الاعتباري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 والاتحاد بِالذَّاتِ بَينهمَا بقوله الْحَرَارَة إِذا كَانَت قَائِمَة بِنَفسِهَا كَانَت حرارة وحارة. والضوء إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ ضوءا ومضيئا. فقد اشْتبهَ عَلَيْهِ مَفْهُوم الْمُشْتَقّ بِمَا يصدق عَلَيْهِ كَمَا سينكشف عَلَيْك. وَذهب إِلَى أَن الْمُشْتَقّ لَيْسَ عبارَة عَن المبدء أَيْضا بل مَعْنَاهُ أَمر بسيط تنْزع عَن الْمَوْصُوف بِشَرْط قيام الْوَصْف بِهِ صَادِق عَلَيْهِ. وَرُبمَا يصدق على الْوَصْف وَالنِّسْبَة أَي الرَّبْط أَيْضا. حَيْثُ قَالَ وَالْحق أَن معنى الْمُشْتَقّ أَمر بسيط ينتزعه الْعقل عَن الْمَوْصُوف نظرا إِلَى الْوَصْف الْقَائِم بِهِ والموصوف وَالْوَصْف وَالنِّسْبَة كل مِنْهَا لَيْسَ عينه وَلَا دَاخِلا فِيهِ بل منشأ لانتزاعه وَهُوَ يصدق على الْمَوْصُوف. وَرُبمَا يصدق على الْوَصْف وَالنِّسْبَة انْتهى. قَالَ فِي الْهَامِش كالوجود الْمُطلق فَإِنَّهُ يصدق على الْوُجُود وَالنِّسْبَة انْتهى. فَإِن الْوُجُود الْمُطلق يصدق على الْمَوْصُوف بالاشتقاق. وعَلى الْوُجُود الَّذِي هُوَ حِصَّة مِنْهُ. وعَلى الْوُجُود الرابطي الَّذِي هُوَ النِّسْبَة. فَإِن قلت مَا وَجه صِحَة حمل الْحَرَارَة الْقَائِمَة بِنَفسِهَا عَلَيْهَا مواطأة واشتقاقا. وَكَذَا صِحَة حمل الضَّوْء الْقَائِم بِنَفسِهِ عَلَيْهِ مواطأة واشتقاقا فَإِنَّهُ يَصح أَن يُقَال تِلْكَ الْحَرَارَة حرارة وحارة وَذَلِكَ الضَّوْء ضوء ومضيء. وَمَا وَجه عدم صِحَة حمل الْحَرَارَة والضوء القائمين بِالْغَيْر على أَنفسهمَا اشتقاقا فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يُقَال إِن تِلْكَ الْحَرَارَة حارة وَأَن ذَلِك الضَّوْء مضيء. وَكَذَا عدم صِحَة حمل الْأَبْيَض على الْبيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ اشتقاقا فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يُقَال إِن ذَلِك الْبيَاض أَبيض. قُلْنَا لَيْسَ مَفْهُوم الْمُشْتَقّ مَا يصدق عَلَيْهِ بل مَا قَامَ بِهِ مبدأ الِاشْتِقَاق قيَاما حَقِيقِيًّا أَو غير حَقِيقِيّ فَإِن مصداق حمل الْمُشْتَقّ على الشَّيْء قيام مبدأ الِاشْتِقَاق بِهِ قيَاما حَقِيقِيًّا. وَهُوَ إِذا كَانَ مبدأ الِاشْتِقَاق مغائرا لذَلِك الشَّيْء أَو قيَاما غير حَقِيقِيّ وَهُوَ إِذا كَانَ مبدأ الِاشْتِقَاق نفس ذَلِك الشَّيْء. وَلَا شكّ أَنه بكلا قسميه مُنْتَفٍ فِي الْحَرَارَة والضوء وَالْبَيَاض الْقَائِمَة بمحالها. فَإِن الضَّوْء مثلا إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ ضوءا ومضيئا لِأَنَّهُ يضيء بِنَفسِهِ. وَإِذا كَانَ قَائِما بِغَيْرِهِ كَانَ ضوءا بِغَيْرِهِ والغير مضيئا بِهِ كالوجود. فَإِنَّهُ إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ حَقِيقَة الْوَاجِب ووجودا وموجودا. وَإِذا كَانَ قَائِما بِغَيْرِهِ كَانَ وجودا والغير مَوْجُودا بِهِ. وَقس عَلَيْهِ الْحَرَارَة وَسَائِر الْأَغْرَاض فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ تَحْقِيق عَجِيب وَبَيَان غَرِيب. المشاكلة: فِي اصْطِلَاح البديع ذكر معنى بِلَفْظ غَيره لوُقُوعه فِي صُحْبَة ذَلِك الْغَيْر وقوعا محققا أَو مُقَدرا. مِثَال الأول قَوْله تَعَالَى: {تعلم مَا فِي نَفسِي وَلَا أعلم مَا فِي نَفسك} . حَيْثُ أطلق النَّفس على ذَات الله تَعَالَى. فَإِن قيل النَّفس قد تطلق وَيُرَاد بِهِ الذَّات. وَقد تطلق وَيُرَاد بِهِ الْقلب. والمشاكلة إِنَّمَا تتَصَوَّر بِالْمَعْنَى الثَّانِي لَا بِالْمَعْنَى الأول - فَإِن الذَّات قد يُطلق عَلَيْهِ تَعَالَى. قُلْنَا إِطْلَاق النَّفس بِأَيّ معنى كَانَ عَلَيْهِ تَعَالَى لَيْسَ بِحَقِيقَة كَمَا فِي شرح الْمِفْتَاح وَقَالَ القطب الإمامي وتحقيقه فِي حواشينا على شرح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 الْمِفْتَاح وَمِثَال الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {صبغة الله وَمن أحسن من الله صبغة وَنحن لَهُ عَابِدُونَ} . وتوضيحه فِي المطول. (بَاب الْمِيم مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة) المصادرة: (خون كسي رابمال آن كس خريدن) . والمصادرة على الْمَطْلُوب عِنْدهم عبارَة عَن جعل الْمُدَّعِي عين الدَّلِيل أَو جزءه مثلا لَا كَون الدَّلِيل مستلزما لَهُ. أَلا ترى أَنه مَا من دَلِيل إِلَّا وَيكون كَذَلِك. ثمَّ المصادرة على الْمَطْلُوب: على أَرْبَعَة أَنْوَاع: أَحدهَا: أَن يكون الْمُدَّعِي عين الدَّلِيل. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمُدَّعِي جُزْء الدَّلِيل. وَالثَّالِث: أَن يكون الْمُدَّعِي مَوْقُوفا عَلَيْهِ صِحَة الدَّلِيل. وَالرَّابِع: أَن يكون الْمُدَّعِي مَوْقُوفا عَلَيْهِ صِحَة جُزْء الدَّلِيل - وَالْكل بَاطِل للُزُوم الدّور الْبَاطِل. المصادرات: هِيَ المبادئ التصديقية الَّتِي غير بَيِّنَة بِنَفسِهَا وَأَخذهَا المتعلم من الْمعلم بالإنكار وَالشَّكّ كَقَوْلِنَا لنا أَن نعمل بِأَيّ بعد وعَلى أَيَّة نقطة شِئْنَا دَائِرَة. وَإِنَّمَا سميت مصادرات لِأَنَّهَا يصدر بهَا الْمسَائِل الَّتِي تتَوَقَّف عَلَيْهَا. الْمصدر: هُوَ اسْم الْحَدث الْجَارِي على الْفِعْل. وَتَحْقِيق الْحَدث فِي الْحَدث وَالْمرَاد بجريانه على الْفِعْل هُوَ صَلَاحِية أَن يَقع بعد اشتقاق الْفِعْل مِنْهُ تَأْكِيدًا لَهُ أَو بَيَانا لنوعه أَو عدده مثل جَلَست جُلُوسًا وجلسة وجلسة وَهُوَ من الثلاثي الْمُجَرّد سَمَاعي. وَمن غَيره قياسي. قَالُوا أبنية مصدر الثلاثي الْمُجَرّد كَثِيرَة نَحْو قتل وَفسق وشغل - وَرَحْمَة - ونشدة - وكدرة - وَدَعوى - وذكرى - وبشرى - وليان - وحرمان - وغفرى - ونزوان - وَطلب - وخنق - وَصغر - وهدي - وَغَلَبَة - وسرقة - وَذَهَاب وصراف - وسوال - وزهادة - ودراية - وَدخُول - وَقبُول - وجيف - وصهوبة - ومدخل - ومرجع - ومسعاة - ومحمدة - وبغاية - وكراهية - إِلَّا أَن الْغَالِب فِي الْفِعْل اللَّازِم على رُكُوع. وَفِي الْمُتَعَدِّي على ضرب. وَفِي الصَّنَائِع وَنَحْوهَا على كِتَابَة وَعبارَة. وَفِي فعل من أَفعَال الِاضْطِرَاب على خفقان. وَمن الْأَصْوَات على صُرَاخ. وأبنية مصدر الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ. والرباعي الْمُجَرّد والمزيد فِيهِ قياسية كَمَا بَين فِي الصّرْف نَحْو اجْتنب اجتنابا. وَجَاء مصدر بَاب التفعيل سوى الْمَشْهُور على تكرمة وَكَذَّاب بِالتَّشْدِيدِ وَبِغَيْرِهِ - والمفاعلة عَليّ ضراب وقيتال والتفعل على تفعال مثل تملاق أَيْضا وَالْمَشْهُور عِنْد المبتدئين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 (مصدر اسْم است اكر بود روشن ... آخر فارسيش دن يَا تن) وَلَهُم على هَذَا الْمَشْهُور اعْتِرَاض أشهر بالجيد والعنق والرقبة. فَإِن مَعْنَاهَا بِالْفَارِسِيَّةِ (كردن) . وَلَيْسَت بمصادر وتحرير الرَّقَبَة من رقية ربقة هَذَا الِاعْتِرَاض بِأَن المُرَاد بالنُّون فِي (دن وتن) نون إِذا حذفت يكون الْبَاقِي معنى الْفِعْل الْمَاضِي مِنْهُ وَهَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِك كَمَا لَا يخفى. وَاعْلَم أَن الْمصدر الْمُؤَنَّث كَالشَّهَادَةِ يَصح إرجاع الضَّمِير إِلَيْهِ بِاعْتِبَار أَن الْمصدر فِي معنى أَن مَعَ الْفِعْل كَمَا فِي التَّلْوِيح فِي بَاب الحكم. الْمصدر الْمَبْنِيّ للْفَاعِل والمصدر الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول: ذكر نجم الْأَئِمَّة فَاضل الْأمة الشَّيْخ الرضي الاسترآبادي فِي بحث الْمصدر أَن الْمصدر مَوْضُوع للْحَدَث الساذج. وَالْفِعْل الْمَبْنِيّ للْفَاعِل مَوْضُوع للْحَدَث الْمَنْسُوب إِلَى مَا قَامَ بِهِ من الْفَاعِل - والمبني للْمَفْعُول مَوْضُوع للْحَدَث الْمَنْسُوب إِلَى غير مَا قَامَ بِهِ من الزَّمَان وَالْمَكَان وَمَا وَقع عَلَيْهِ والآلة وَالسَّبَب. فالنسبة إِلَى مَا قَامَ بِهِ أَو إِلَى مَا عداهُ مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ مَأْخُوذ فِي مَفْهُوم الْفِعْل خَارج عَن الْمصدر لَازم فِي الْوُجُود. فَإِن أضيف الْمصدر إِلَى الْفَاعِل كَانَ مَبْنِيا للْفَاعِل. وَإِن أضيف إِلَى الْمَفْعُول كَانَ مَبْنِيا للْمَفْعُول - وَإِن لم يذكر مَعَه شَيْء مِنْهُمَا كَانَ مُحْتملا للمعنيين فَهُوَ الْقدر الْمُشْتَرك انْتهى. وَقيل الْقدر الْمُشْتَرك مَا يُطلق عَلَيْهِ ذَلِك الْمصدر. فالقدر الْمُشْتَرك فِي الْحَمد هُوَ مَا يُطلق عَلَيْهِ الْحَمد وَقس عَلَيْهِ - ثمَّ إِن الْمَعْنى المصدري من مقولة الْفِعْل إِن كَانَ مَبْنِيا للْفَاعِل - وَمن مقولة الانفعال إِن كَانَ مَبْنِيا للْمَفْعُول فَهُوَ أَمر غير قار الذَّات. وَأما الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ فَهُوَ الْهَيْئَة القارة المترتبة عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا إِن الْحَمد بِالْمَعْنَى المصدري (ستودن) وَالْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ (ستايش) وَقَالَ الْفَاضِل الجلبي رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَوَاشِيه على المطول فِي تَعْرِيف التعقيد. وَهَا هُنَا بحث شرِيف ذكره جدي الْمُحَقق فِي تَفْسِير الْفَاتِحَة يَنْبَغِي أَن يتَنَبَّه لَهُ وَهُوَ إِن صِيغ الْمصدر تسْتَعْمل إِمَّا فِي أصل النِّسْبَة وَيُسمى مصدرا. - وَإِمَّا فِي الْهَيْئَة الْحَاصِلَة مِنْهَا للمتعلق معنوية كَانَت أَو حسية كَهَيئَةِ الْحَرَكَة الْحَاصِلَة وَيُسمى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ. وَتلك الْهَيْئَة للْفَاعِل فَقَط فِي اللَّازِم كالمتحركية والقائمية من الْحَرَكَة وَالْقِيَام أَو للْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَذَلِكَ فِي الْمُتَعَدِّي كالعالمية والمعلومية من الْعلم. وباعتباره يتَسَامَح أهل الْعَرَبيَّة فِي قَوْلهم الْمصدر الْمُتَعَدِّي قد يكون مصدرا للمعلوم. وَقد يكون مصدرا للْمَجْهُول يعنون بهما الهئتين اللَّتَيْنِ هما مَعنا الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ وَإِلَّا لَكَانَ كل مصدر مُتَعَدٍّ مُشْتَركا وَلَا قَائِل بِهِ أحد. بل اسْتِعْمَال الْمصدر فِي الْمَعْنى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ اسْتِعْمَال الشَّيْء فِي لَازم مَعْنَاهُ انْتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 الْمُصَاهَرَة: من الصهر فِي الْقَامُوس الصهر بِالْكَسْرِ الْقَرَابَة وَحُرْمَة الختونة فِي كنز الدقائق وَالزِّنَا أَو الْمس أَو النّظر بِشَهْوَة يُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة وَفِي الْكَافِي وَمن زنى بِامْرَأَة حرمت عَلَيْهِ أمهَا وابنتها. فالزنا يُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة أَي يثبت بهَا حرمات أَربع تحرم على آبَاء الواطي وَإِن علوا. وعَلى أَوْلَاده وَإِن سفلوا وَتحرم على الواطي أمهاتها وَإِن علون وبناتها وَإِن سفلن. وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى الزِّنَا لَا يُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة لِأَنَّهَا نعْمَة لِأَن الله تَعَالَى من عَلَيْهَا بهَا كَمَا من بِالنّسَبِ فَقَالَ وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا. والحكيم إِنَّمَا يمن بِالنعْمَةِ انْتهى. وَفِي الْهِدَايَة وَمن زنى بِامْرَأَة حرمت عَلَيْهِ أمهَا وابنتها - وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى الزِّنَا لَا يُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة لِأَنَّهَا نعْمَة فَلَا تنَاول بالمحظور انْتهى أَي الْحَرَام وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى من بِهِ على عباده بقوله تَعَالَى: {فَجعله نسبا وصهرا} . ف (105) : المصغر: فِي اصْطِلَاح الصّرْف هُوَ الِاسْم الْمَزِيد فِيهِ شَيْء ليدل على تقليل فِي الكيف كرجيل وعويلم - أَو الْكمّ كدريهمات ودنييرات. فَإِن قيل هَذَا التَّعْرِيف غير جَامع لما قيل قد يصغر للتعظيم كدويهية تَصْغِير داهية قُلْنَا إِنَّه حسب احتقار النَّاس لَهَا وتهاونهم بهَا أَي هِيَ عَظِيمَة فِي نَفسهَا وهم يحقرونها وَطَرِيق التصغير فِي التصغير. المصمت: ضد المجوف. والحروف المصمتة مَا عدا الْحُرُوف الذلاقة. وَإِنَّمَا سميت مصمتة لِأَنَّهَا لثقلها كالشيء المصمت الَّذِي لَا جَوف لَهُ أَو لِأَنَّهَا صمت عَنْهَا فِي بِنَاء رباعي أَو خماسي أَي اصمت المتكلمون أَن يجْعَلُوا مِنْهَا رباعيا أَو خماسيا. المصاحبة: هِيَ الْمُشَاركَة فِي الْأَمر كَمَا مر فِي الإلصاق. مصداق الشَّيْء: مَا يدل على صدقه. المص: بِالْفَارِسِيَّةِ (مكيدن) وَهُوَ عمل الشّفة خَاصَّة. الْمصر: كل مَوضِع لَا يسع أكبر مساجده أَهله. فِي العالمكيري والمصر فِي ظَاهر الرِّوَايَة الْموضع الَّذِي يكون فِيهِ مفت وقاض يُقيم الْحُدُود وَينفذ الْأَحْكَام وَبَلغت أبنيته أبنية منى هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة وفتاوى قاضيخان. وَفِي الْخُلَاصَة وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد وَكَذَا فِي التاتارخانية وَمعنى إِقَامَة الْحُدُود الْقُدْرَة عَلَيْهَا كَذَا فهم من الغياثية. الْمُصدق: اسْم فَاعل من التَّصْدِيق وَجَاء أَيْضا بِمَعْنى السَّاعِي وَهُوَ آخذ الصَّدَقَة كَمَا فِي الْهِدَايَة فِي كتاب الزَّكَاة من وَجب عَلَيْهِ مسن فَلم يُوجد أَخذ الْمُصدق أَعلَى مِنْهَا ورد الْفضل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 المصوتة: هِيَ الْحُرُوف الَّتِي تسمى فِي الْعَرَبيَّة حُرُوف الْمَدّ - واللين - وَهِي الْألف - وَالْوَاو - وَالْيَاء - إِذا كَانَت مُتَوَلّدَة من إشباع مَا قبلهَا من الحركات المتجانسة فَإِن الضَّم مجانس للواو - وَالْفَتْح للألف - وَالْكَسْر للياء. وَوجه التنمية لَا يخفى على الذكي من هَذَا الْبَيَان. وَاعْلَم أَن الْحُرُوف على نَوْعَيْنِ: (مصوتة) كَمَا علمت. و (صامتة) وَهِي مَا سوى المصوتة - والصامتة قد تكون متحركة وَقد تكون سَاكِنة. بِخِلَاف المصوتة فَإِنَّهَا لَا تكون إِلَّا سَاكِنة مَعَ كَون حَرَكَة مَا قبلهَا من جِنْسهَا فالألف لَا يكون إِلَّا مصوتا لِامْتِنَاع كَونه متحركا مَعَ وجوب كَون الْحَرَكَة السَّابِقَة فَتْحة. وَأما الْوَاو وَالْيَاء فَكل وَاحِد مِنْهُمَا قد يكون مصوتا وَقد يكون صامتا بِأَن يكون متحركا أَو سَاكِنا لَيْسَ حَرَكَة مَا قبله من جنسه. (بَاب الْمِيم مَعَ الضَّاد الْمُعْجَمَة) الْمُضَاربَة: مفاعلة من الضَّرْب فِي الأَرْض وَهُوَ السّير فِيهَا - قَالَ الله تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يضْربُونَ فِي الأَرْض} . يَعْنِي الَّذين يسافرون فِي التِّجَارَة وَهِي فِي الشَّرْع شركَة فِي الرِّبْح بِمَال من جَانب وَهُوَ رب المَال. وَعمل من جَانب وَهُوَ الْمضَارب وَإِنَّمَا سمي هَذَا العقد بالمضاربة لِأَن الْمضَارب يسير فِي الأَرْض غَالِبا لطلب الرِّبْح. الْمُضَاف: الَّذِي يُضَاف وينسب إِلَى آخر وَذَلِكَ الآخر هُوَ الْمُضَاف إِلَيْهِ. والمضاف عِنْد النُّحَاة هُوَ الْكَلِمَة المنسوبة إِلَى الِاسْم بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ لفظا مثلا غُلَام لزيد ومررت بزيد. أَو تَقْديرا مرَادا من حَيْثُ بَقَاء أَثَره وَهُوَ الْجَرّ مثل غُلَام زيد. وَالْمرَاد بِالْكَلِمَةِ هَا هُنَا مَا سوى الْحَرْف سَوَاء كَانَ اسْما أَو فعلا. فَإِن الْفِعْل أَيْضا يُضَاف لَكِن بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ لفظا لَا تَقْديرا. والمضاف بِتَقْدِير حرف الْجَرّ لَا يكون سوى الِاسْم كَمَا أَن الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا يكون إِلَّا الِاسْم. وَلِهَذَا عرفوه بِأَنَّهُ كل اسْم نسب إِلَيْهِ شَيْء بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ لفظا أَو تَقْديرا. والمضاف إِلَى الْجمل فِي الْحَقِيقَة مُضَاف إِلَى مضمونها كَمَا حققناه فِي جَامع الغموض شرح الكافية. والمضاف عِنْد أهل الْحساب كل عدد نسب إِلَى مَا يفْرض وَاحِدًا أَي إِلَى جملَة فرضت وَاحِدًا حَتَّى صَار ذَلِك الْعدَد كسر تِلْكَ الْحصَّة وَلذَا يُسمى ذَلِك الْعدَد الْمُضَاف كسرا كالواحد من الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة من الْخَمْسَة وَالْوَاحد من أحد عشر. الأول يُسمى بِالنِّصْفِ وَالثَّانِي بِثَلَاثَة أَجنَاس وَالثَّالِث بِجُزْء من أحد عشر. الْمُضَارع: من المضارعة الَّتِي من الضَّرع وَهُوَ الثدي. والمضارعة المشابهة فِي الضَّرع فالمضارع فِي اللُّغَة المشابه والمشارك فِي الضَّرع. وَعند النُّحَاة الْفِعْل المشابه بِالِاسْمِ حَال كَونه متلبسا بِأحد حُرُوف (الاتين) . وَوجه المشابهة الْعُمُوم وَالْخُصُوص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 ومنشأ وَجه المشابهة وُقُوع الْفِعْل الْمُضَارع مُشْتَركا بَين زماني الْحَال والاستقبال. كَمَا أَن الِاسْم يكون مُشْتَركا بَين الْمعَانِي المتعددة وتخصيصه بِأَحَدِهِمَا بِدُخُول السِّين أَو سَوف. كَمَا أَن الِاسْم الْمُشْتَرك يتخصص بِأحد الْمعَانِي بِالْقَرِينَةِ فَكَانَ المضارعين أَي المشابهين يشربان لبن المشابهة من ضرع وَاحِد وَهُوَ الْعُمُوم وَالْخُصُوص. ولي فِي هَذَا الْمقَام تحقيقات فِي جَامع الغموض. الْمُضَارع بالمضاف: هُوَ المشابه بِهِ. الْمُضمر: من الْإِضْمَار وَهُوَ الْإخْفَاء والاستتار والاستكنان. أَو من الضمورة وَهِي قلَّة اللَّحْم - والمضمر عِنْد النُّحَاة اسْم وضع لمتكلم أَو مُخَاطب أَو غَائِب تقدم ذكره لفظا مثل زيد قَائِم غُلَامه - أَو معنى بِأَن ذكر مشتقه كَقَوْلِه تَعَالَى: {اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} . أَي الْعدْل أقرب - أَو حكما بِأَن كَانَ ثَابتا فِي الذِّهْن مثل هُوَ زيد قَائِم أَي الشَّأْن. فَإِن كَانَ مُحْتَاجا إِلَى كلمة أُخْرَى قبله ليَكُون كالجزء مِنْهَا أَو لَا - الأول: الْمُضمر الْمُتَّصِل - وَالثَّانِي: الْمُضمر الْمُنْفَصِل - وَالْغَرَض من وضع الْمُضمر الِاخْتِصَار وكماله فِي الْمُضمر الْمُسْتَتر فاصل الْمُضمر الْمُتَّصِل الْمُسْتَتر الْمَنوِي. ثمَّ الْمُتَّصِل البارز. ثمَّ الْمُنْفَصِل. المضافان: هما المتقابلان الوجوديان يعقل كل مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الآخر كالأبوة والبنوة. فَإِن الْأُبُوَّة لَا تعقل إِلَّا مَعَ تعقل الْبُنُوَّة وبالقياس إِلَيْهَا. المضاعف: عِنْد عُلَمَاء الصّرْف مَا تكَرر فِيهِ حرف صَحِيح وَهُوَ من الثلاثي مَا كَانَ عينه ولامه من جنس وَاحِد مثل ذب وفر - وَمن الرباعي مَا كَانَ فاؤه ولامه الأولى وعينه ولامه الثَّانِيَة من جنس وَاحِد نَحْو ذبذب وزلزل. (بَاب الْمِيم مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة) الْمُطلق: ضد الْمُقَيد فَهُوَ مَا يدل على وَاحِد غير معِين. أَو مَا لم يُقيد بِبَعْض صِفَاته وعوارضه. وَفِي حَوَاشِي شرح الْوِقَايَة الْمُطلق هُوَ الشَّائِع فِي جنسه أَنه حِصَّة من الْحَقِيقَة مُحْتَملَة لحصص كَثِيرَة من غير شُمُول وَلَا تعْيين - والمقيد مَا أخرج عَن الشُّيُوع بِوَجْه مَا كرقبة ورقبة مُؤمنَة. وَاعْلَم أَن الْمُطلق والمقيد قد يدخلَانِ فِي السَّبَب وَالشّرط أَي يقعان سَببا أَو شرطا فَحِينَئِذٍ لَا يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد عندنَا لِأَن الْجمع مُمكن لجَوَاز أَن يكون لشَيْء وَاحِد علل شَتَّى. خلافًا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فَإِن حمله على الْمُقَيد وَاجِب عِنْده لِأَنَّهُ لَا يَقُول بِجَوَاز تعدد الْعِلَل وَإِذا وَقعا متعلقي الحكم فَحِينَئِذٍ خَمْسَة صور ثَلَاثَة مِنْهَا اتفاقية فِي عدم الْحمل. وَاثْنَتَانِ مِنْهَا اختلافيتان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 فَاعْلَم أَنه إِذا ورد الْمُطلق والمقيد فِي حكمين فِي حَادِثَة وَاحِدَة. أَو فِي حكم وَاحِد فِي حَادِثَة وَاحِدَة نفيا. أَو فِي حكمين فِي حادثتين. فَلَا حمل فِي هَذِه الصُّور الثَّلَاث بالِاتِّفَاقِ عندنَا وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى. وَإِذا وردا فِي حكم وَاحِد فِي حَادِثَة وَاحِدَة إِثْبَاتًا فالحمل بالِاتِّفَاقِ. وَإِذا وردا فِي حكم وَاحِد فِي حادثتين فَلَا حمل عندنَا. خلافًا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى. وَإِن أردْت أَن تطلع على الْأَمْثِلَة فَعَلَيْك النّظر إِلَى التَّحْقِيق شرح الْأُصُول الحسامي. اعْلَم أَن الْفرق بَين الْمُجْمل وَالْمُطلق. أَن المُرَاد بالمجمل فَرد معِين لَكِن لَا يفهم من كَلَام الْمُتَكَلّم. وَالْمُطلق مَا لَا يكون المُرَاد مِنْهُ فَرد معِين وَأَيْضًا لَا يفهم من كَلَام الْمُتَكَلّم - وَقَالَ أَرْبَاب الْمَعْقُول إِن الْمُطلق على وَجْهَيْن - الأول: الطبيعية من حَيْثُ الْإِطْلَاق وَيُقَال لَهُ الطبيعة الْمُطلقَة - وَالثَّانِي: الطبيعة من حَيْثُ هِيَ وَيُقَال لَهُ مُطلق الطبيعة. وتحقيقه أَن الْمُطلق يُؤْخَذ على وَجْهَيْن - الأول: أَن يُؤْخَذ من حَيْثُ هُوَ وَلَا يُلَاحظ مَعَه الْإِطْلَاق وَحِينَئِذٍ يَصح إِسْنَاد أَحْكَام الْأَفْرَاد إِلَيْهِ لاتحاده مَعهَا ذاتا ووجودا. وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار يتَحَقَّق بتحقق فَرد مَا وينتفي بانتفائه وَهُوَ مَوْضُوع الْقَضِيَّة الْمُهْملَة إِذْ موجبتها تصدق بِصدق الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة. وسالبتها تصدق بِصدق السالبة الْجُزْئِيَّة - وَالثَّانِي: أَن يُؤْخَذ من حَيْثُ إِنَّه مُطلق ويلاحظ مَعَه الْإِطْلَاق وَحِينَئِذٍ لَا يَصح إِسْنَاد أَحْكَام الْأَفْرَاد إِلَيْهِ لِأَن الْحَيْثِيَّة الإطلاقية تَأتي عَنهُ. وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار يتَحَقَّق بتحقق فَرد مَا وَلَا يَنْتَفِي بانتفائه بل بِانْتِفَاء جَمِيع الْأَفْرَاد وَهُوَ مَوْضُوع الْقَضِيَّة الطبيعية. وَمن هَا هُنَا يعلم الْفرق بَين الشَّيْء الْمُطلق وَمُطلق الشَّيْء كالوجود الْمُطلق وَمُطلق الْوُجُود. بِأَن الأول مُقَيّد بِقَيْد الْإِطْلَاق وَالثَّانِي مُطلق مِنْهُ فَالْأول أخص وَالثَّانِي أَعم وَقس عَلَيْهِ الْحُصُول الْمُطلق وَمُطلق الْحُصُول - والتصور الْمُطلق وَمُطلق التَّصَوُّر هَكَذَا فِي مصنفات الزَّاهِد رَحمَه الله تَعَالَى. والأصوليون قسموا الْمَأْمُور بِهِ على قسمَيْنِ الْمُؤَقت وَالْمُطلق. ومرادهم بالمؤقت مَا يتَعَلَّق بِوَقْت مَحْدُود بِحَيْثُ لَا يكون الْإِتْيَان بِهِ فِي غير ذَلِك الْوَقْت أَدَاء بل يكون قَضَاء كَالصَّلَاةِ خَارج الْوَقْت. أَو لَا يكون مَشْرُوعا أصلا كَالصَّوْمِ فِي غير النَّهَار - وبالمطلق مَا لَا يكون كَذَلِك وَإِن كَانَ وَاقعا وقتا لَا محَالة. مُطلق الطبيعة: فِي الطبيعة الْمُطلقَة. الْمُطلقَة: هِيَ الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة الْمُتَّصِلَة الَّتِي اعْتبر فِيهَا الحكم بالاتصال لَكِن لم يعْتَبر كَونه لعلاقة أَو لَا لعلاقة بل أطلق. فَإِذا اعْتبر فِي الحكم بالاتصال كَون الِاتِّصَال لعلاقة أَو لَا لعلاقة فالمتصلة لزومية. وَإِن اعْتبر كَونه لَا لعلاقة فالمتصلة اتفاقية. وَقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 يُطلق الْمُطلق على الْقَضِيَّة الحملية الَّتِي حكم فِيهَا بِثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع أَو سلبه عَنهُ بِالْفِعْلِ أَي وقتا من الْأَوْقَات كَقَوْلِك كل إِنْسَان ضَاحِك بِالْفِعْلِ وَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر بِالْفِعْلِ وَيُقَال لَهَا. الْمُطلقَة الْعَامَّة: وَإِنَّمَا سميت مُطلقَة لِأَن الْقَضِيَّة إِذا أطلقت وَلم يُقيد بِقَيْد من الدَّوَام أَو الضَّرُورَة. أَو اللادوام أَو اللاضرورة يفهم مِنْهَا فعلية. فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنى مَفْهُوم الْقَضِيَّة الْمُطلقَة سميت بهَا وَإِنَّمَا كَانَت عَامَّة لِأَنَّهَا أَعم من الوجودية اللادائمة والوجودية اللاضرورية لِأَنَّهُمَا المطلقتان العامتان المقيدتان باللادوام واللاضرورية الذاتيتين. وَلَا شكّ أَن غير الْمُقَيد يكون أَعم من الْمُقَيد. وَاعْلَم أَن تَحت الضَّرُورَة أَربع ضرورات. الضَّرُورَة بِحَسب الذَّات - والضرورة بِحَسب الْوَصْف والضرورة فِي وَقت معِين - والضرورة فِي وَقت منتشر غير معِين. وَإِن تَحت الدَّوَام دوامين الدَّوَام بِحَسب الذَّات. والدوام بِحَسب الْوَصْف. وَإِن اللاضرورة نَوْعَانِ. سلب الضَّرُورَة عَن جَانب مُخَالف وَهُوَ الْإِمْكَان الْعَام. وسلب الضَّرُورَة عَن جانبين مُوَافق ومخالف وَهُوَ الْإِمْكَان الْخَاص. الْمُطلقَة الاعتبارية: هِيَ الْمَاهِيّة الَّتِي اعتبرها الْمُعْتَبر. وَلَا تحقق لَهَا فِي نفس الْأَمر. المطالعة: صرف الْفِكر ليتجلى الْمَطْلُوب - وَعلم المطالعة علم باحث عَن كَيْفيَّة المطالعة - وَالْأَحْسَن فِي التَّعْرِيف أَن المطالعة علم يعرف بِهِ مُرَاد الْمُحَرر بتحريره وغايتها الْفَوْز بمراده حَقًا. والسلامة عَن الخطاء والتخطية. وموضوعها الْمُحَرر من حَيْثُ هُوَ. المطمئنة: فِي الْعَدَالَة. الْمَطَر: باران وَهُوَ مَا ينزل من السَّحَاب الَّذِي هُوَ البخار الصاعد المتكاثف بالبرودة. وَقد ينزل الْمَطَر من السَّحَاب المتكون من انقباض الْهَوَاء بالبرد الشَّديد. الْمُطَابقَة: دلَالَة اللَّفْظ على تَمام مَا وضع لَهُ من حَيْثُ إِنَّه كَذَلِك من طابق النَّعْل بالنعل إِذا تساويتا وتوافقتا فِي الْمِقْدَار - وَفَائِدَة الْحَيْثِيَّة عدم وُرُود النَّقْض بِلَفْظ مُشْتَرك بَين الْكل وجزئه كالإمكان فَإِنَّهُ مَوْضُوع للإمكان الْخَاص وَهُوَ سلب الضَّرُورَة عَن الطَّرفَيْنِ. وللإمكان الْعَام وَهُوَ سلب الضَّرُورَة عَن أحد الطَّرفَيْنِ - والمطابقة عِنْد عُلَمَاء البديع هُوَ الطباق وَمعنى مُطَابقَة الْمَاهِيّة لكثيرين مَذْكُور فِي الْكُلِّي. مُطَابقَة الْكَلَام لمقْتَضى الْحَال: فِي الْمُقْتَضى إِن شَاءَ الله تَعَالَى المتعال. المطاوعة: قبُول الشَّيْء رَغْبَة. وَمعنى كَون الْفِعْل مطاوعا كَونه دَالا على معنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 حصل عَن تعلق فعل آخر مُتَعَدٍّ بِهِ كَقَوْلِك باعدته فتباعد. فقولك تبَاعد عبارَة عَن معنى حصل عَن تعلق فعل آخر مُتَعَدٍّ بِهِ وَهُوَ باعدته أَي بِهَذَا الَّذِي قَامَ بِهِ تبَاعد - وَقَالَ الشَّيْخ عبد القاهر رَحمَه الله تَعَالَى معنى المطاوع أَنه قبل الْفِعْل وَلم يمْتَنع فَالثَّانِي مُطَاوع لِأَنَّهُ طاوع الأول. وَالْأول: مُطَاوع لِأَنَّهُ طاوعه الثَّانِي. وَقد يتَكَلَّم بالمطاوع وَإِن لم يكن مِنْهُ مُطَاوع كَقَوْلِك انْكَسَرَ الْإِنَاء - وَقَالَ شرِيف الْعلمَاء المطاوعة حُصُول الْأَثر عَن تعلق الْفِعْل الْمُتَعَدِّي بمفعوله نَحْو كسرت الْإِنَاء فتكسر. فَيكون تكسر مطاوعا أَي مُوَافقا لفاعل الْفِعْل الْمُتَعَدِّي وَهُوَ كسرت. المطبقة: أَي الْحُرُوف المطبقة وَهِي مَا ينطبق اللِّسَان مَعَه على الحنك الْأَعْلَى فينحصر الصَّوْت حِينَئِذٍ بَين اللِّسَان وَمَا حاذه من الحنك الْأَعْلَى وَهِي الصَّاد - وَالضَّاد - والطاء - والظاء - وَإِطْلَاق هَذَا الِاسْم على هَذِه الْحُرُوف على الْمجَاز لِأَن المنطبق إِنَّمَا هُوَ اللِّسَان والحنك. وَأما الْحَرْف فَهُوَ منطبق عِنْده فاختصر فَقيل مطبق كَمَا قيل للمشترك فِيهِ مُشْتَرك. والحروف المطبقة ضد المفتحة فَلَا ينْحَصر الصَّوْت عِنْد النُّطْق بهَا بَين اللِّسَان والحنك بل يكون مَا بَين اللِّسَان والحنك منفتحا. وَالْكَلَام فِي المنفتحة فِي التَّسْمِيَة كَالْكَلَامِ فِي المطبقة لِأَن الْحَرْف لَا ينفتح وَإِنَّمَا ينفتح عِنْدهَا اللِّسَان عَن الحنك. المطرد: الشَّائِع الْكثير الْوُقُوع. وَقسم من الثلاثي الْمُجَرّد الْمُقَابل للشاذ. وَله خَمْسَة أَبْوَاب: نصر ينصر - وَضرب يضْرب - وَسمع يسمع - وَفتح يفتح وكرم يكرم - وَمعنى أَن هَذَا التَّعْرِيف مطرد فِي الاطراد. الْمطرف: هُوَ السجع الَّذِي اخْتلف فِيهِ الفاصلات فِي الْوَزْن نَحْو قَوْله تَعَالَى: {مَا لكم لَا ترجون لله وقارا} . و {قد خلفكم أطوارا} - فَإِن الأطوار وَالْوَقار مُخْتَلِفَانِ فِي الْوَزْن. (بَاب الْمِيم مَعَ الظَّاء الْمُعْجَمَة) المظنونات: هِيَ قضايا يحكم فِيهَا حكما راجحا مَعَ تَجْوِيز نقيضه كَقَوْلِنَا فلَان يطوف بِاللَّيْلِ فَهُوَ سَارِق وَالْقِيَاس الْمركب من المظنونات يُسمى خطابية. المظان: بتَشْديد النُّون جمع المظنة كالمضار بتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة جمع الْمضرَّة والمظنة الْمَكَان وَمَكَان الظَّن. (بَاب الْمِيم مَعَ الْعين الْمُهْملَة) الْمَعْنى: إِمَّا مصدر ميمي بِمَعْنى الْقَصْد أَو اسْم مَكَان بِمَعْنى الْمَقْصد أَو مخفف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 معنى اسْم مفعول على وزن مرمى. ثمَّ بعد حذف إِحْدَى اليائين تَخْفِيفًا أُرِيد قلب الْيَاء الْبَاقِيَة بِالْألف تَخْفِيفًا فَفتح النُّون فقلبت الْيَاء بِالْألف. وَفِي الِاصْطِلَاح مَا يقْصد بِشَيْء. وَاعْلَم أَن الْمَعْنى هُوَ الصُّورَة الذهنية من حَيْثُ إِنَّه وضع بإزائها اللَّفْظ. وَبِدُون هَذِه الْحَيْثِيَّة لَا تسمى معنى. وَقد يَكْتَفِي فِي إِطْلَاق الْمَعْنى على الصُّورَة الذهنية بِمُجَرَّد صلاحيتها لِأَن تقصد بِاللَّفْظِ سَوَاء وضع لَهَا لفظ أم لَا. وعَلى الأول يَتَّصِف الْمَعْنى بِالْإِفْرَادِ والتركيب بِالْفِعْلِ. وعَلى الثَّانِي بالإمكان وصلاحيتهما فَافْهَم. وَالصُّورَة الْحَاصِلَة فِي الْعقل من حَيْثُ إِنَّهَا تحصل من اللَّفْظ فِي الْعقل سميت مفهوما. وَمن حَيْثُ إِنَّهَا تقصد بِاللَّفْظِ تسمى معنى. وَمن حَيْثُ إِنَّه وضع لَهَا اسْم مُسَمّى إِلَّا أَن الْمَعْنى قد يخص بِنَفس الْمَفْهُوم دون الْأَفْرَاد. والمسمى يعمهما فَيُقَال لكل من زيد وَعَمْرو وَبكر مُسَمّى الرجل وَلَا يُقَال إِنَّه مَعْنَاهُ. وَمن حَيْثُ إِن اللَّفْظ يدل عَلَيْهَا سميت مدلولا. وَمن حَيْثُ إِنَّهَا مقولة فِي جَوَاب مَا هُوَ سميت مَاهِيَّة - وَمن حَيْثُ ثُبُوتهَا فِي الْخَارِج سميت حَقِيقَة - وَمن حَيْثُ امتيازها عَن الأغيار سميت هوية - ثمَّ الْمَعْنى يُوصف بِالْإِفْرَادِ والتركيب. وَالْمعْنَى الْمُفْرد: الْمَعْنى الَّذِي لَا يدل جُزْء لَفظه على جُزْء ذَلِك الْمَعْنى. وَالْمعْنَى الْمركب: بِخِلَافِهِ وَالْمعْنَى يجمع علم الْمعَانِي. وَعلم الْمعَانِي علم يعرف بِهِ أَحْوَال الْمعَانِي الَّتِي بهَا يُطَابق اللَّفْظ مُقْتَضى الْحَال. الْمَعْدُوم الْمُطلق: مَا لَيْسَ لَهُ ثُبُوت بِوَجْه من الْوُجُوه لَا ذهنا وَلَا خَارِجا. وَعَلَيْك قِيَاسه على الْمَجْهُول الْمُطلق سؤالا وجوابا. ثمَّ اعْلَم أَن الْمَعْدُوم الْمُطلق لكَونه مَقْصُورا بعنوان المعدومية ثَابت فِي الذِّهْن متصف بالوجود الذهْنِي بِحَسب نفس الْأَمر وَقس الثَّابِت بِحَسب فرض الْعقل ومحض اعْتِبَاره لِأَن الْعقل فَرْضه مَعْدُوما مُطلقًا ولاحظه بعنوان المعدومية وَلَيْسَ هَذَا يجمع بَين النقيضين. وتوضيحه أَنه قد يجْتَمع الْمَوْجُود الْمُطلق والمعدوم الْمُطلق فِي مَحل وَاحِد لَكِن لَا بِاعْتِبَار التقابل بِاعْتِبَار لَا يقْدَح فِي تقابلهما. فَإنَّا إِذا قُلْنَا كل مَعْدُوم مُطلق يمْتَنع الحكم عَلَيْهِ فَإِن ذَات الْمَوْضُوع فِي هَذِه الْقَضِيَّة يكون مَوْصُوفا بِالْعدمِ الْمُطلق لكَونه عنوانا لوُجُود الْمُطلق لِأَنَّهُ مُتَصَوّر مَوْجُود فِي الذِّهْن لَكِن هَذَا الِاجْتِمَاع لَا يقْدَح فِي تقابلهما إِذْ الْمُعْتَبر فِي التقابل أَن لَا يجْتَمع المتقابلان فِي مَحل وَاحِد بِحَسب نفس الْأَمر أَي لَا يَتَّصِف بِكُل مِنْهُمَا فِي نفس الْأَمر. وَهَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِك فَإِن اتصاف ذَات الْمَوْضُوع بالوجود وَإِن كَانَ فِي نفس الْأَمر لَكِن اتصافه بِالْعدمِ لَيْسَ بِحَسب نفس الْأَمر بل بِحَسب فرض الْعقل فَإِن الْعقل يفْرض ذاتا مَوْصُوفَة بالوجود والعدم وَلَيْسَ ذَلِك من اجْتِمَاع المتقابلين. وَتَحْقِيق هَذَا الْمقَام بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي الْمُوجبَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 الْمَعْرُوف: ضد الْمُنكر. وَعند أهل الْعَرَبيَّة فعل ذكر فَاعله أَي أسْند إِلَى فَاعله ضد الْمَجْهُول. الْمُعَرّف: بِكَسْر الرَّاء الْمُهْملَة (شناساكننده) . وَعند المنطقيين معرف الشَّيْء مَا يُقَال وَيحمل عَلَيْهِ لإِفَادَة تصَوره وَهُوَ حَقِيقِيّ ولفظي - ثمَّ الْحَقِيقِيّ إِمَّا حَقِيقِيّ أَو اسْمِي - ثمَّ كل وَاحِد مِنْهُمَا حد - ورسم - ثمَّ كل وَاحِد من الْحَد والرسم تَامّ وناقص - وبالفتح (شناخة شده) . وَعِنْدهم ذَلِك الشَّيْء - وَالتَّحْقِيق وَالتَّفْصِيل فِي التَّعْرِيف. الْمعد: فِي التَّوَقُّف وَفِي ارْتِفَاع الْمَانِع وَالْعلَّة النَّاقِصَة أَيْضا. ف (106) : المعونة: وَيُقَال لَهَا الْإِعَانَة أَيْضا. وتحقيقها فِي الخارق للْعَادَة. مَعًا: انتصابه على الحالية أَي مُجْتَمعين. وَالْفرق بَين قَوْلنَا مَعًا وَقَوْلنَا جَمِيعًا أَن مَعًا يُفِيد الِاجْتِمَاع فِي حَال الْفِعْل وجميعا بِمَعْنى كليا سَوَاء اجْتَمعُوا أَو لَا كَذَا فِي الرضي. الْمَعِيَّة الذاتية: اعْلَم أَن للمعية الذاتية فردين الْمَعِيَّة بالطبع - والمعية بالعلية - وَفسّر صَاحب المحاكمات. الأولى: بالشيئين الَّذين لَا يكون بَينهمَا احْتِيَاج أصلا. وَالثَّانيَِة: بالشيئين اللَّذين لَا يكون أَحدهمَا عِلّة مُسْتَقلَّة للْآخر سَوَاء كَانَ بَينهمَا احْتِيَاج أم لَا. وَفسّر السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي الْحَوَاشِي على الشَّرْح الْقَدِيم للتجريد. الأولى: بالعلتين الناقصتين لمعلول وَاحِد أَو المعلولين لعِلَّة نَاقِصَة - وَالثَّانيَِة: بالعلتين المستقلتين لمعلول وَاحِد بالنوع. أَو المعلولين لعِلَّة وَاحِدَة مُسْتَقلَّة بِمَعْنى أَن يكون ذَات الْعلَّة وَاحِدَة. إِذْ الْوَاحِد من حَيْثُ إِنَّه وَاحِد لَا يصدر عَنهُ اثْنَان. الْمَعِيَّة الزمانية: هِيَ أَن يكون الشيئان موجودين فِي زمَان وَاحِد من غير علاقَة الْعلية أَو مُطلقًا. المعدني: هُوَ الْمركب التَّام الَّذِي لم يتَحَقَّق كَونه ذَا حس ونماء. الْمعرفَة: إِدْرَاك الْأَمر الجزئي أَو البسيطة مُطلقًا أَي عَن دَلِيل. أَولا كَمَا أَن الْعلم إِدْرَاك الْكُلِّي أَو الْمركب. وَلِهَذَا يُقَال عرفت الله وَلَا يُقَال علمت الله. وَأَيْضًا يُقَال للإدراك الْمَسْبُوق بِالْعدمِ أَو للأخير من الإدراكين بِشَيْء وَاحِد إِذا تخَلّل بَينهمَا عدم بِأَن أدْرك أَولا ثمَّ ذهل عَنهُ ثَانِيًا - وَالْعلم يُقَال للإدراك الْمُجَرّد من هذَيْن الاعتبارين وَلذَا يُقَال الله عَالم الأعارف - وَفسّر صدر الشَّرِيعَة الْمعرفَة بِإِدْرَاك الجزئيات عَن دَلِيل - وَاعْترض عَلَيْهِ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي التَّلْوِيح بقوله والقيد الْأَخير مِمَّا لَا دلَالَة عَلَيْهِ أصلا لَا لُغَة وَلَا اصْطِلَاحا انْتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 وَلَك أَن تَقول لَا نسلم أَنه لَا دلَالَة للفظ على هَذَا الْقَيْد لُغَة لِأَن الْمعرفَة إِدْرَاك الشَّيْء بتفكر وتدبر. وَلذَا يُقَال عرفت الله إِذْ معرفَة الله تَعَالَى إِنَّمَا هِيَ بتدبر آثاره. قَالَ الْعَلامَة الطَّيِّبِيّ لَا يُقَال يعرف الله بل يُقَال يعلم لِأَن الْمعرفَة تسْتَعْمل فِي الْعلم الْمَوْصُوف بتفكر وتدبر. وَأَيْضًا لم يطلقوا لفظ الْمعرفَة على اعْتِقَاد الْمُقَلّد لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ معرفَة على دَلِيل. فَلَمَّا ثَبت عدم إِطْلَاقهم الْمعرفَة على اعْتِقَاد الْمُقَلّد ثَبت الِاصْطِلَاح أَيْضا يَعْنِي أَنهم وَإِن لم يصرحوا بالاصطلاح إِلَّا أَنه وَقع مِنْهُم مَا يدل عَلَيْهِ حَيْثُ لم يطلقوا لفظ الْمعرفَة على اعْتِقَاد الْمُقَلّد وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يصرحوا أَي المصطلحون باصطلاحهم إِذْ كثير من الاصطلاحات إِنَّمَا يعلم بموارد استعمالات الْأَلْفَاظ. وَعند النُّحَاة الْمعرفَة مَا يشار بهَا إِلَى مُتَعَيّن أَي مَعْلُوم عِنْد السَّامع من حَيْثُ إِنَّه كَذَلِك. والنكرة مَا يشار بهَا إِلَى أَمر مُتَعَيّن من حَيْثُ ذَاته وَلَا يقْصد مُلَاحظَة تعينه وَإِن كَانَ مُتَعَيّنا معهودا فِي نَفسه فَإِن بَين مصاحبة التَّعْيِين وملاحظته فرقا بَينا. وَذَلِكَ الْأَمر إِمَّا فَرد منتشر أَو مَاهِيَّة من حَيْثُ هِيَ على اخْتِلَاف المذهبين كَمَا ذكرنَا فِي التَّعْرِيف - والمعرفة خَمْسَة أَنْوَاع - الْمُضْمرَات. والأعلام. وَأَسْمَاء الإشارات. والموصلات. وَذُو اللَّام والمضاف إِلَى أَحدهَا. وَتَحْقِيق الْمقَام أَن فهم الْمعَانِي من الْأَلْفَاظ إِنَّمَا هُوَ بعد الْعلم بِالْوَضْعِ فَلَا بُد أَن يكون الْمعَانِي متميزة متعينة عِنْد السَّامع. فَإِذا دلّ الِاسْم على معنى فَإِن كَانَ كَونه متميزا معهودا عِنْد السَّامع ملحوظا مَعَ ذَلِك الْمَعْنى فَهُوَ معرفَة وَإِن لم يكن ملحوظا مَعَه يكون نكرَة. ثمَّ ذَلِك التَّعْيِين الْمشَار إِلَيْهِ فِي الْمعرفَة إِن كَانَ مستفادا من جَوْهَر اللَّفْظ فَهُوَ علم. إِمَّا جنسي إِن كَانَ الْمَعْهُود جِنْسا. وَإِمَّا شخصي إِن كَانَ حِصَّة. وَإِلَّا فَلَا بُد من قرينَة خَارِجَة يُسْتَفَاد مِنْهَا ذَلِك. فَإِن كَانَت إِشَارَة حسية فَهِيَ أَسمَاء الْإِشَارَة. وَإِن كَانَت خطابا مثلا أَي تَوْجِيه الْكَلَام إِلَى الْغَيْر فَهِيَ الْمُضْمرَات. وَإِن كَانَت نِسْبَة فإمَّا الخبرية فَهِيَ الموصولات. وَإِمَّا الإضافية فَهُوَ الْمُضَاف إِلَى أَحدهَا. وَإِن كَانَت حرف التَّعْرِيف فإمَّا حرف النداء فَهُوَ الْمُنَادِي. وَإِمَّا اللَّام فَهُوَ الْمُعَرّف بِاللَّامِ. ثمَّ الْمُعَرّف بِاللَّامِ أَن أُشير بِهِ إِلَى حِصَّة مُعينَة من مَفْهُوم مدخولها فَهُوَ الْمُعَرّف بلام الْعَهْد. وَإِن أُشير إِلَى نفس مَفْهُومه فَهُوَ الْمُعَرّف بلام الْجِنْس. وَأما القسمان الباقيان أَعنِي الْمُعَرّف بلام الِاسْتِغْرَاق والمعرف بلام الْعَهْد الْحَقِيقَة الذهْنِي فهما فرعا الْمُعَرّف بلام الْجِنْس. وَتَحْقِيق هَذَا إِن الْمُعَرّف بلام الْجِنْس أَي إِنَّمَا كَانَ معرفَة لِأَنَّهُ مَوْضُوع للْحَقِيقَة الموصوفة بالوحدة فِي الذِّهْن الْمَعْهُودَة فِيهِ فَيصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف الْمعرفَة أَعنِي مَا وضع لشَيْء بِعَيْنِه. فَإِن الْمَاهِيّة الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن أَمر وَاحِد لَا تعدد فِيهِ فِي الذِّهْن وَإِنَّمَا يلْحقهَا التَّعَدُّد بِحَسب الْوُجُود. فَلَمَّا كَانَت معهودة فَصَارَت أمرا وَاحِدًا معهودا فَصَارَ الْمُعَرّف بلام الْجِنْس معرفَة - ثمَّ إِن كَانَ هُنَاكَ قرينَة مَانِعَة عَن تحققها فِي فَرد مَا أَو جَمِيع الْأَفْرَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 يَعْنِي إِن كَانَ هُنَاكَ قصد إِلَى نفس الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ هِيَ فَهِيَ لَام الْجِنْس الصّرْف مثل الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق. وَالْفرق بَين هَذَا الْمُعَرّف وَاسم الْجِنْس أَي النكرَة على مَذْهَب من قَالَ إِن اسْم الْجِنْس مَوْضُوع للماهية من حَيْثُ هِيَ هِيَ بالمعلومية والمعهودية وَعدمهَا كَمَا مر مفصلا فِي التَّعْرِيف. وَقد يُطلق الْمُعَرّف بلام الْجِنْس على فَرد مَوْجُود من الْحَقِيقَة الْمَعْلُومَة الْمَعْهُودَة بِاعْتِبَار أَنه جزئي من جزئياتها مُطَابق إِيَّاهَا وَذَلِكَ الْفَرد الْمُبْهم بِاعْتِبَار مطابقته للماهية الْمَعْلُومَة صَار معهودا ذهنيا. وَمعنى الْمُطَابقَة اشْتِمَال الْفَرد عَلَيْهَا أَو صدق الْمَاهِيّة عَلَيْهِ. وَلَا بُد لهَذَا الْإِطْلَاق من الْقَرِينَة كَقَوْلِك أَدخل السُّوق وَلَا تُرِيدُ سوقا معينا - فَإِن قَوْلك أَدخل قرينَة دَالَّة على أَنه لَيْسَ الْقَصْد إِلَى الْحَقِيقَة الْمَعْهُودَة من حَيْثُ هِيَ هِيَ بل من حَيْثُ إِنَّهَا مَوْجُودَة فِي فَرد من أفرادها لِأَن الدُّخُول لَا يتَصَوَّر فِي الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ هِيَ فَذَلِك الْمُعَرّف هُوَ الْمُعَرّف بلام الْعَهْد الذهْنِي. وَيعلم من هَا هُنَا أَن الْمَعْهُود والمعلوم بِالذَّاتِ هَا هُنَا إِنَّمَا هُوَ الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ هِيَ. وفردها الْمُبْهم إِنَّمَا هُوَ مَعْلُوم ومعهود بالتبع وبواسطة أَنه مُطَابق لتِلْك الْحَقِيقَة الْمَعْلُومَة الْمَعْهُودَة - وَقد يُطلق الْمُعَرّف بلام الْحَقِيقَة أَي لَام الْجِنْس وأشير بهَا إِلَى الْحَقِيقَة لَكِن لم يقْصد بهَا الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ هِيَ وَلَا من حَيْثُ تحققها ووجودها فِي ضمن بعض الْأَفْرَاد بل فِي ضمن جَمِيعهَا مثل قَوْله تَعَالَى: {إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} . بِدَلِيل صِحَة الِاسْتِثْنَاء الَّذِي شَرطه دُخُول الْمُسْتَثْنى فِي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ لَو سكت عَن ذكره وَالْحَاصِل إِن اسْم الْجِنْس الْمُعَرّف بِاللَّامِ إِمَّا أَن يُطلق على نفس الْحَقِيقَة الْمَعْلُومَة الْمَعْهُودَة من غير نظر إِلَى مَا صدقت الْحَقِيقَة عَلَيْهِ من الْأَفْرَاد وَهُوَ تَعْرِيف الِاسْم الْمُعَرّف بلام الْجِنْس والحقيقة وَنَحْوه علم الْجِنْس وَإِمَّا على حِصَّة مُعينَة مِنْهَا وَاحِدًا نوعيا أَو شخصيا أَو اثْنَيْنِ أَو جمَاعَة وَهُوَ تَعْرِيف الِاسْم الْمُعَرّف بلام الْعَهْد الْخَارِجِي وَنَحْوه علم الشَّخْص كزيد. وَإِمَّا على حِصَّة غير مُعينَة وَهُوَ تَعْرِيف الِاسْم الْمُعَرّف بلام الْعَهْد الذهْنِي وَمثله النكرَة كَرجل - وَإِمَّا على كل الْأَفْرَاد وَهُوَ تَعْرِيف الِاسْم الْمُعَرّف بلام الِاسْتِغْرَاق وَمثله كلمة كل مُضَاف إِلَى النكرَة. فَثَبت مِمَّا ذكرنَا أَن الْمُعَرّف بلام الْعَهْد الذهْنِي والاستغراق فرعا الْمُعَرّف بلام الْجِنْس - فَإِن قلت لم لَا يكون الْمُعَرّف بلام الْعَهْد الْخَارِجِي فرع الْمُعَرّف بلام الْجِنْس - قلت بَينهمَا بون بعيد فَإِن الْمُعَرّف بلام الْعَهْد الْخَارِجِي يُرَاد بِهِ حِصَّة مُعينَة من الْحَقِيقَة بِخِلَاف الْمُعَرّف بلام الْجِنْس - فَإِن المُرَاد بِهِ نفس الْحَقِيقَة كَمَا علمت - فَإِن قلت مَا الْفرق بَين الْمُعَرّف بلام الْعَهْد الذهْنِي والنكرة مَعَ أَن المُرَاد من كل مِنْهُمَا الْفَرد الْمُبْهم الْمُنْتَشِر - قُلْنَا الْفَرد الْمُبْهم الْمُنْتَشِر فِي الْمُعَرّف بلام الْعَهْد الذهْنِي مَعْلُوم مَعْهُود بِاعْتِبَار مطابقته للماهية الْمَعْلُومَة الْمَعْهُودَة بِخِلَاف الْفَرد الْمُبْهم فِي النكرَة فَإِنَّهُ لم يعْتَبر فِيهَا مَاهِيَّة مَعْلُومَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 معهودة ليطابقها الْفَرد الْمُبْهم وَيصير بِسَبَب تِلْكَ الْمُطَابقَة مَعْلُوما معهودا مَا فَإِذا قلت أكلت الْخبز فكأنك قلت أكلت فَردا من هَذِه الْمَاهِيّة الْمَعْلُومَة للمخاطب - وَإِذا قلت أكلت خبْزًا كَانَ مَعْنَاهُ أكلت فَردا من مَاهِيَّة الْخبز من غير مُلَاحظَة معلوميتها ومعهوديتها وَإِن كَانَت مَعْلُومَة فِي نفس الْأَمر وَقس عَلَيْهِ أَدخل السُّوق وَأدْخل سوقا. فَإِن قلت مَا الْفرق بَين الْمُعَرّف بلام الْجِنْس الصّرْف وَعلم الْجِنْس مَعَ أَن المُرَاد من كل مِنْهُمَا نفس الْمَاهِيّة الْمَعْلُومَة الْمَعْهُودَة. قلت علم الْجِنْس يدل بجوهره على كَون تِلْكَ الْحَقِيقَة مَعْلُومَة معهودة عِنْد الْمُخَاطب كَمَا أَن الْأَعْلَام الشخصية تدل بجواهرها على كَون الْأَشْخَاص معهودة لَهُ بِخِلَاف الْمُعَرّف بلام الْجِنْس فَإِنَّهُ يدل عَلَيْهِ بالآلة وَهِي اللَّام لَا بجوهره. وَإِنَّمَا أطنبنا الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام لِأَنَّهُ قد زل فِيهِ أَقْدَام الْأَعْلَام وَعَلَيْك أَن تحفظ هَذَا التَّحْقِيق وَلَا تنظر إِلَى مَا ذكرنَا فِي جَامع الغموض فِي شرح الْكَلِمَة فَإِنَّهُ مُنَاسِب بِحَال المبتدين مَعَ أَن لَهُ وَجها وجيها عِنْد الموجه. ف (107) : الْمُعَامَلَات: فِي الديانَات. المعاقل: جمع معقلة بِفَتْح الْمِيم وَضم الْقَاف كالمكارم جمع مكرمَة - والمعقلة الدِّيَة وَتسَمى الدِّيَة عقلا وَهُوَ الْمَنْع والمسك لِأَنَّهَا تعقل الدِّمَاء من أَن تسفك أَي تمنعها وَتمسك من السفك وتمنع صَاحبهَا عَن القبائح. الْمعز: بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الثَّانِي وَالزَّاي الْمُعْجَمَة جمع الماعز فِي الضان. المعقولات الأولى: مَا يكون مصداقه وَمَا يحاذيه مَوْجُودا فِي الْخَارِج كالإنسان وَالْحَيَوَان فَإِنَّهُ يتَصَوَّر أَولا ويحاذيه أَمر فِي الْخَارِج. المعقولات الثَّانِيَة: مَا يتَصَوَّر ثَانِيًا وَلَا يحاذيه أَمر فِي الْخَارِج فَإِن كُلية الْإِنْسَان ونوعيته يتَصَوَّر بعد تصَوره من غير أَن يحاذيها شَيْء فِي الْخَارِج وَقيل هِيَ مَا لَا يعقل إِلَّا عارضا لمعقول آخر وَقيل هِيَ الَّتِي منشأ انتزاعها الْمَوْجُود الذهْنِي وَقيل مَا لَا يكون مصداقه فِي الْخَارِج كالنوع وَالْجِنْس والكلي وَغير ذَلِك إِذْ لَا شَيْء فِي الْخَارِج يكون النَّوْع مثلا صَادِقا عَلَيْهِ بِخِلَاف الْإِنْسَان فَإِنَّهُ من المعقولات الأولى لِأَن مَا يطابقه ويحاذيه مَوْجُود فِي الْخَارِج من أَفْرَاده كزيد وَعَمْرو وَبكر - وَالْإِنْسَان يصدق عَلَيْهَا والمآل وَاحِد. المعجزة: من الإعجاز وَهِي أَمر دَاع إِلَى الْخَيْر والسعادة يظْهر بِخِلَاف الْعَادة على يَد من يَدعِي النُّبُوَّة عِنْد تحدي المنكرين على وَجه يعجز المنكرين عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ والتحدي الْمُعَارضَة. الْمُعَطل: فِي الْمُنَافِق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 الْمَعْنى الأول: وَالْمعْنَى الثَّانِي اعْلَم أَن الْمَعْنى الأول فِي علم الْمعَانِي مَا يفهم من اللَّفْظ بِحَسب التَّرْكِيب وَهُوَ أصل الْمَعْنى مَعَ الخصوصيات من التَّعْرِيف والتنكير والتقديم وَالتَّأْخِير والحذف والإضمار - وَالْمعْنَى الثَّانِي الْأَغْرَاض الَّتِي يقصدها الْمُتَكَلّم من جعل الْكَلَام مُشْتَمِلًا على تِلْكَ الخصوصيات من الْإِشَارَة إِلَى مَعْهُود والتعظيم والحصر وَدفع الْإِنْكَار وَالشَّكّ ومحصلها الْأَغْرَاض الَّتِي يُورد الْمُتَكَلّم هَذِه الخصوصيات لأَجلهَا فَإِن الْمَعْنى الأول فِي إِن زيدا قَائِم هُوَ إِثْبَات الْقيام الْمُؤَكّد بتأكيد وَاحِد لزيد وَمَعْنَاهُ الثَّانِي هُوَ رد إِنْكَار السَّامع وشكه وَقس عَلَيْهِ. وَإِن الْمَعْنى الأول فِي علم الْبَيَان هُوَ الْمَدْلُول المطابقي مَعَ رِعَايَة مُقْتَضى الْحَال - وَالْمعْنَى الثَّانِي هُوَ الْمَعْنى الْمجَازِي والكنوي فَإِن الْمَعْنى الأول فِي زيد كثير الرماد هُوَ كَثْرَة رماده وَمَعْنَاهُ الثَّانِي أَنه كثير الضَّيْف. المعتل: فِي اصْطِلَاح التصريف كلمة يكون حرف من حروفها الْأُصُول حرف من حُرُوف الْعلَّة وأقسامه سَبْعَة لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يَتَعَدَّد فِيهِ حرف الْعلَّة أَو لَا فَإِن لم يَتَعَدَّد فإمَّا أَن يكون فاأ أَو عينا أَو لاما - فَإِن كَانَ فاأ يُسمى مِثَالا لمماثلته الصَّحِيح فِي عدم الإعلال وَالصِّحَّة وَهَذَا هُوَ مُرَاد من قَالَ لاحْتِمَال ماضيه ثَلَاثَة حركات بِخِلَاف ماضي الأجوف والناقص - وَإِن كَانَ عينا يُسمى أجوف لِأَن اعتلاله من وَسطه الَّذِي هُوَ كالجوف وَلِأَن جَوْفه خَال عَن الْحَرْف الصَّحِيح وَلِأَن جَوْفه يكون خَالِيا وساقطا عِنْد الْجَزْم وَالْوَقْف وَيُقَال لَهُ ذُو الثَّلَاثَة أَيْضا لكَون ماضيه على ثَلَاثَة أحرف من الْمُتَكَلّم الْوَاحِد إِلَى الْجمع الْمُؤَنَّث المخاطبة وَكَذَا فِي الْجمع الْمُؤَنَّث الغائبة - وَإِن كَانَ لَا مَا يُسمى نَاقِصا لنقصانه عَن قبُول بعض الْإِعْرَاب وَهُوَ الرّفْع ولنقصانه وحذفه عِنْد الْجَزْم وَالْوَقْف وَيُسمى ذَا الْأَرْبَعَة أَيْضا لكَون ماضيه على أَرْبَعَة أحرف من الْمُتَكَلّم الْوَاحِد إِلَى الْجمع الْمُؤَنَّث المخاطبة وَكَذَا فِي الْجمع الْمُؤَنَّث الغائبة فَإِنَّهُ لما صَار فِي الأجوف إِلَى ثَلَاثَة أحرف فَفِي النَّاقِص أولى لكَون حرف الْعلَّة فِي الآخر الَّذِي هُوَ مَحل التَّغَيُّر فَكَأَنَّهُ خَالف الأَصْل فَسُمي باسم مُسْتَأْنف وَلَا يرد الصَّحِيح نَحْو ضربت لِأَنَّهُ على الأَصْل وَسلم عَن الْمنَافِي. وَإِن تعدد فِيهِ حرف الْعلَّة فإمَّا أَن يكون اثْنَيْنِ أَو أَكثر فَإِن كَانَ أَكثر فَهُوَ المعتل الْمُطلق كواو وياي لاسمي الحرفين. وَإِن لم يكن أَكثر. فإمَّا أَن يفترقا أَو يقترنا. فَإِن افْتَرقَا فيسمى (لفيفا مفروقا) لالتفاف حر فِي الْعلَّة فِيهِ وافتراقهما. وَإِن اقترنا. فإمَّا أَن يَكُونَا فِي الْفَاء وَالْعين كويل وَيَوْم. وَلَا يبْنى مِنْهُ فعل أَو فِي الْعين وَاللَّام كغوى وَيُسمى (لفيفا مَقْرُونا) لالتفاف حر فِي الْعلَّة فِيهِ مَعَ الاقتران. المعرب: اسْم مفعول من الْإِعْرَاب أَو ظرف مِنْهُ وَعند النُّحَاة هُوَ الِاسْم الَّذِي لم يُنَاسب مَبْنِيّ الأَصْل مُنَاسبَة مُعْتَبرَة فِي منع الْإِعْرَاب فبعضهم اعتبروا مَعَ صَلَاحِية الْإِعْرَاب حُصُول اسْتِحْقَاقه بِالْفِعْلِ فَلِذَا عرفوه بِأَنَّهُ الِاسْم الْمركب مَعَ غَيره تركيبا يتَحَقَّق مَعَه عَامله الَّذِي لم يُنَاسب مبْنى الأَصْل بِتِلْكَ الْمُنَاسبَة وَبَعْضهمْ اكتفوا بِتِلْكَ الصلاحية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 فَلم يعتبروا التَّرْكِيب الْمَذْكُور فَجعلُوا الْأَسْمَاء الْعَارِية عَن المشابهة الْمَذْكُورَة معربة نَحْو زيد - عَمْرو - بكر وَإِطْلَاق المعرب على الْمُضَارع بِمَعْنى أَنه أعرب أَي أجْرى الْإِعْرَاب على آخِره وَإِنَّمَا سمي الِاسْم الْمَذْكُور معربا لِأَنَّهُ من الْإِعْرَاب بِمَعْنى الْإِظْهَار أَو إِزَالَة الْفساد كَمَا عرفت فِي الْإِعْرَاب وَالِاسْم الْمَذْكُور مَحل إِظْهَار الْمعَانِي وَمَكَان إِزَالَة فَسَاد التباس بعض الْمعَانِي بِبَعْضِهَا فالمعرب على هَذَا اسْم مَكَان. الْمعَاد: مصدرا وَاسم مَكَان وَهُوَ الْعود وَتوجه الشَّيْء إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ - وَالْمرَاد بِهِ فِي علم الْكَلَام الرُّجُوع إِلَى الْوُجُود بعد الفناء أَو رُجُوع أَجزَاء الْبدن إِلَى الِاجْتِمَاع بعد التَّفَرُّق وَإِلَى الْحَيَاة بعد الْمَوْت والأرواح إِلَى الْأَبدَان الْمُفَارقَة وَهَذَا هُوَ الْمعَاد الجسماني - وَأما الْمعَاد الروحاني الْمَحْض على مَا يرَاهُ الفلاسفة فَمَعْنَاه رُجُوع الْأَرْوَاح إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من التجرد عَن علاقَة الْبدن وَاسْتِعْمَال الْآلَات أَو التبرؤ عَمَّا ابْتليت بِهِ من الظُّلُمَات والمعاد والبعث والحشر بِمَعْنى وَاحِد كَمَا مر فِي الْبَعْث. الْمَعْتُوه: من كَانَ قَلِيل الْفَهم مختلط الْكَلَام فَاسد التَّدْبِير كَمَا مر فِي الْحجر والعته أَيْضا. الْمُعَلق: مَا علق وربط بِشَيْء وَمن الحَدِيث مَا حذف مبدأ إِسْنَاده وَاحِدًا كَانَ أَو أَكثر. الْمُعَارضَة: فِي اللُّغَة الْمُزَاحمَة والمقابلة على سَبِيل الممانعة وَفِي اصْطِلَاح المناظرة إِقَامَة الدَّلِيل على خلاف مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْخصم فَإِن اتَّحد دليلاهما بِأَن اتحدا فِي الْمَادَّة وَالصُّورَة جَمِيعًا كَمَا فِي المغالطات الْعَامَّة الْوُرُود تسمى. مُعَارضَة بِالْقَلْبِ: وَإِن اتَّحد صورتاهما بِأَن تَكُونَا على الضَّرْب الأول من الشكل الأول مثلا مَعَ اخْتِلَافهمَا فِي الْمَادَّة تسمى: مُعَارضَة بِالْمثلِ: وَإِن لم يتحد دليلاهما لَا صُورَة وَلَا مَادَّة تسمى: مُعَارضَة بِالْغَيْر: والأمثلة فِي كتب المناظرة. المعدولة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي يكون حرف السَّلب جُزْءا من جزئها مُوجبَة أَو سالبة سَوَاء كَانَ من الْمَوْضُوع فَقَط مثل كل لاحي جماد وَتسَمى حِينَئِذٍ: معدولة الْمَوْضُوع: أَو من الْمَحْمُول فَقَط مثل كل جماد لاحي وَتسَمى حِينَئِذٍ: معدولة الْمَحْمُول: أَو من كليهمَا مثل اللاحي لَا عَالم وَتسَمى حِينَئِذٍ: معدولة الطَّرفَيْنِ: وَإِنَّمَا سميت معدولة لِأَن حرف السَّلب مَوْضُوع لسلب النِّسْبَة فَإِذا اسْتعْمل لَا فِي هَذَا الْمَعْنى كَانَ معدولا عَن مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ فسميت الْقَضِيَّة الَّتِي هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 الْحَرْف جُزْء من جزئيها معدولة تَسْمِيَة للْكُلّ باسم الْجُزْء. المعدولة المعقولة والمحصلة الملفوظة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي يكون حرف السَّلب جُزْءا من جزئها معنى لَا لفظا مثل زيد أعمى فَإِن معنى الْعَمى سلب الْبَصَر عَمَّا من شَأْنه الْبَصَر. وَعند الْمُحَقِّقين مثل هَذِه الْقَضِيَّة محصلة لفظا وَمعنى فَإِن معنى الْعَمى هُوَ الْأَمر الإجمالي أَي الْحَالة البسيطة الَّتِي يعبر عَنْهَا بذلك السَّلب الْمَخْصُوص. - فَإِن أُرِيد بِهِ الْمَعْنى التفصيلي فَالْحق هُوَ الأول - وَإِن أُرِيد بِهِ الْمَعْنى الإجمالي فَالْحق هُوَ الثَّانِي - قيل جزئية الْحَرْف من الشَّيْء تَسْتَلْزِم عدم اسْتِقْلَال ذَلِك الشَّيْء بالمفهومية بِنَاء على مَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره فِي بعض تصانيفه من أَن الْمركب من المستقل وَغير المستقل لَا يَصح أَن يحكم عَلَيْهِ وَبِه فَلَا يَصح وُقُوع حرف السَّلب جُزْءا من شَيْء من طرفِي الْقَضِيَّة - فالقضية المعدولة بَاطِلَة. وَالْجَوَاب أَن حرف السَّلب لَيْسَ على مَعْنَاهُ كَمَا مر فَهُوَ فِي المعدولة أحد أَجزَاء الْمَوْضُوع أَو الْمَحْمُول فَهُوَ فِيهِ كالزاي فِي زيد فالمجموع مَوْضُوع للمعنى فَافْهَم. الْمَعْلُول الْأَخير: هُوَ الْمَعْلُول الَّذِي لَا يكون عِلّة لشَيْء أصلا. المعمرية: أَصْحَاب معمر بن عباد السّلمِيّ قَالُوا الله لم يخلق شَيْئا غير الْأَجْسَام - وَأما الْأَعْرَاض فتخرجها الْأَجْسَام إِمَّا طبعا كالنار للإحراق - وَإِمَّا اخْتِيَارا كالحيوان للأكوان وَقَالُوا لَا يُوصف الله تَعَالَى علوا كَبِيرا بالقدم لِأَنَّهُ يدل على الْقدَم الزماني وَالله سُبْحَانَهُ لَيْسَ بزماني وَلَا يعلم نَفسه وَإِلَّا اتَّحد الْعَالم والمعلوم وَهُوَ مُمْتَنع. المعلومية: مَذْهَبهم كمذهب الْخَوَارِج إِلَّا أَن الْمُؤمن عِنْدهم من عرف الله سُبْحَانَهُ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وَمن لم يعرف لذَلِك فَهُوَ جَاهِل لَا مُؤمن. المعمى: هُوَ الْكَلَام الْمَوْزُون الدَّال على اسْم من الْأَسْمَاء أَو غير ذَلِك بطرِيق الرَّمْز والإيماء بِحَيْثُ يقبله ذُو طبع سليم وَفهم مُسْتَقِيم. وَله ثَلَاثَة أَعمال تحصيلية وتكميلية وتسهيلية وَالْكل مَذْكُور فِي كتب المعمى - وَبَعْضهمْ لم يُقيد الْكَلَام فِي تَعْرِيفه بالموزون إِشَارَة إِلَى أَنه لَيْسَ مَخْصُوصًا بالمنظوم فَإِنَّهُ يكون فِي المنثور أَيْضا مِثَاله فِي النّظم باسم مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. شعر: (خُذ الميمين من مِيم فَلَا تنقط على مد ... فامزجها يكن اسْما لمن كَانَ بِهِ فَخر) وَأَيْضًا بِالْفَارِسِيَّةِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 شعر: (خم جو نَكُون كشت ازو قطره ريخت ... ) (هوش ز مدهوش محبت برفت ... ) وباسم الْبَرْق. (خُذ الْقرب ثمَّ اقلب جَمِيع حُرُوفه ... فَذَاك اسْم من أقْصَى من الْقلب قربه) الْمُعْتَزلَة: أَصْحَاب وَاصل بن عَطاء الْغَزالِيّ لما اعتزل عَن مجْلِس الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يُقرر أَن مرتكب الْكَبِيرَة لَيْسَ بِمُؤْمِن وَلَا كَافِر وَيثبت الْمنزلَة بَين المنزلتين فَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قد اعتزل عَنَّا فسموا بالمعتزلة وَقد مر نبذ من تَحْقِيق هَذَا المرام فِي الْكَلَام. ثمَّ الْمُعْتَزلَة بعد اتِّفَاقهم فِي إِثْبَات الْوَاسِطَة بَين الْإِيمَان وَالْكفْر اخْتلفُوا فِي ورشتي كَمَا بَين فِي المطولات أَلا ترى إِن أَكثر من معتزلة الْبَصْرَة وَمِنْهُم أَبُو عَليّ الجبائي وَأَتْبَاعه ذَهَبُوا إِلَى أَن الْأَصْلَح أَي الأنفع للْعَبد فِي الْآخِرَة وَاجِب على الله تَعَالَى أَي الْوَاجِب على الله تَعَالَى أَن يُعْطي العَبْد مَا علم نَفعه فِي الدّين وَقَالُوا فِي وَجه وجوب هَذَا الْأَصْلَح على الله تَعَالَى إِن تَركه بخل وَجَهل يجب تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن ذَلِك لِأَنَّهُ إِن علم الله تَعَالَى بِمَا هُوَ أَنْفَع للْعَبد فِي دينه فَتَركه يكون بخلا وَإِن لم يعلم يكون جهلا. وَمَا قيل إِنَّه يكون سفها لَيْسَ بِأولى كَمَا لَا يخفى حَتَّى على السَّفِيه. وَاعْلَم أَن مَذْهَب أبي عَليّ الجبائي لما كَانَ مَا ذكرنَا صَار مبهوتا حِين سَأَلَهُ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى عَمَّن مَاتَ كَبِيرا عَاصِيا بِأَن الْأَصْلَح للْعَبد فِي الدّين وَاجِب على الله تَعَالَى على مذهبك فَإِذا يَقُول الْمُكَلف العَاصِي يَا رب لم لم تمتني صَغِيرا لِئَلَّا أعصي فَلَا أَدخل النَّار فَمَاذَا يَقُول الرب - وَقَالَ الْبَعْض مِنْهُم إِن الْأَصْلَح وَاجِب على الله تَعَالَى لَكِن لَا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور بل بِمَعْنى التَّعْرِيض للثَّواب يَعْنِي أَن مَا هُوَ أَنْفَع للْعَبد فِي الدّين وَاجِب على الله تَعَالَى تعريضه لَا أَن مَا هُوَ أَنْفَع للْعَبد فِي الدّين فِي علم الله تَعَالَى وَاجِب عَلَيْهِ بِأَن يفعل فِي حَقه ذَلِك وَلِهَذَا قَالُوا إِن من علم الله تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 مِنْهُ الْكفْر على تَقْدِير تَكْلِيفه يجب تعريضه للثَّواب بِأَن يَجعله مُكَلّفا ثمَّ يعرضه الْأَوَامِر والنواهي سَوَاء فعل المأمورات وَترك المنهيات أَو لَا وَلِهَذَا قيل لهَذَا الْبَعْض إلزاما إِن الله تَعَالَى لم ترك الْوَاجِب الْمَذْكُور فِيمَن مَاتَ صَغِيرا - وَأما معتزلة بَغْدَاد فقد ذَهَبُوا إِلَى وجوب الْأَصْلَح فِي الدُّنْيَا وَالدّين مَعًا بِمَعْنى الأوفق فِي الْحِكْمَة وَالتَّدْبِير يَعْنِي مَا يَقْتَضِيهِ الْحِكْمَة الأزلية وتدبير نظام الْعَالم على الله تَعَالَى أَي يجب عَلَيْهِ تَعَالَى فعله وقبح تَركه سَوَاء كَانَ فِيهِ نفع العَبْد فِي الدُّنْيَا أَو فِي الدّين أَو فِي كليهمَا أَو لم يكن، وَلَا يخفى أَنه لَا يرد عَلَيْهِم شَيْء مِمَّا يرد على أبي عَليّ الجبائي وعَلى الْبَعْض من معتزلة الْبَصْرَة. الْمُعَلق بالممكن مُمكن: إِذْ لَو كَانَ مُمْتَنعا لأمكن صدق الْمَلْزُوم بِدُونِ اللَّازِم وَهُوَ محَال. لِأَن تَعْلِيق الشَّيْء بالممكن مَعْنَاهُ الْإِخْبَار بِثُبُوت الْمُعَلق عِنْد ثُبُوت الْمُعَلق عَلَيْهِ. والمحال لَا يثبت على شَيْء من التقادير الممكنة. فَإِذا علق ثُبُوت أَمر بِثُبُوت شَيْء علم أَن ثُبُوت ذَلِك الْأَمر مُمكن - وَهَا هُنَا إِشْكَال مَشْهُور وَهُوَ أَنا لَا نسلم أَن الْمُعَلق بالممكن مُمكن فَإِنَّهُ يَصح أَن يُقَال إِن انْعَدم الْمَعْلُول انعدمت الْعلَّة - وَالْعلَّة قد تكون ممتنعة الْعَدَم مَعَ إِمْكَان عدم الْمَعْلُول فِي نَفسه كالصفات بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَاته تَعَالَى وَالْعقل الأول بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى عِنْد الْحُكَمَاء. فَيعلم من هَا هُنَا جَوَاز تَعْلِيق الْمُمْتَنع بالممكن. وَالْجَوَاب أَن السِّرّ فِي جَوَازه أَن الارتباط بَين الْمُعَلق وَالْمُعَلّق عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الْوُقُوع بِمَعْنى إِن وَقع عدم الْمَعْلُول وَقع عدم الْعلَّة. والممكن الذاتي قد يكون مُمْتَنع الْوُقُوع كالممتنع الذاتي فَيجوز التَّعْلِيق بَينهمَا بِحَسب الْوُقُوع. فها هُنَا تَعْلِيق الْمُمْتَنع بالممتنع لَا الْمُمْتَنع بالممكن إِذْ لَيْسَ الارتباط بَينهمَا بِحَسب الْإِمْكَان حَتَّى يلْزم من إِمْكَان الْمُعَلق عَلَيْهِ إِمْكَان الْمُعَلق. وَأجِيب بِأَن المُرَاد بالممكن الْمُعَلق عَلَيْهِ الْمُمكن الصّرْف الْخَالِي عَن الِامْتِنَاع مُطلقًا. وَلَا شكّ أَن إِمْكَان عدم الْمَعْلُول فِيمَا امْتنع عدم علته لَيْسَ كَذَلِك بل التَّعْلِيق بَينهمَا إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الِامْتِنَاع بِالْغَيْر. فَإِن استلزام عدم الصِّفَات وَعدم الْعقل الأول عدم الْوَاجِب من حَيْثُ إِن وجود كل مِنْهُمَا وَاجِب وَعَدَمه مُمْتَنع لوُجُود الْوَاجِب. وَأما بِالنّظرِ إِلَى ذَاته مَعَ قطع النّظر عَن الْأُمُور الْخَارِجَة فَلَا استلزام. هَكَذَا فِي الْحَوَاشِي الحكيمية. وَاعْلَم أَن الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي شرح العقائد فِي مَبْحَث الرُّؤْيَة بِأَنا لَا نسلم أَن الْمُعَلق عَلَيْهِ مُمكن بل هُوَ اسْتِقْرَار الْجَبَل حَال تحركه وَهُوَ محَال انْتهى. وَقد خَفِي على بعض الأحباب أَنه كَيفَ يفهم اسْتِقْرَار الْجَبَل حَال تحركه فبيانه أَن إِن حرف الشَّرْط يَجْعَل الْمَاضِي مُسْتَقْبلا فَقَوله تَعَالَى: (إِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَسَوف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 تراني} مَعْنَاهُ لَو كَانَ الْجَبَل مُسْتَقرًّا فِي الزَّمَان الْمُسْتَقْبل وَالزَّمَان الْمُسْتَقْبل زمَان تحرّك الْجَبَل - فَعلم إِن مَا علق بِهِ الرُّؤْيَة هُوَ اسْتِقْرَار الْجَبَل فِي زمَان تحركه وَهُوَ محَال فَافْهَم واحفظ. المعيار: مَا يُقَاس بِهِ غَيره وَيَسْتَوِي بِهِ - وَعند أَصْحَاب الْأُصُول هُوَ الْوَقْت الَّذِي يكون الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ وَاقعا فِيهِ ومقدرا بِهِ فَيَزْدَاد ذَلِك الْفِعْل وَينْقص بطول ذَلِك الْوَقْت وقصره فَيكون ذَلِك الْوَقْت المعيار بِحَيْثُ لَا يُوجد جُزْء من أَجْزَائِهِ إِلَّا وَذَلِكَ الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ مَوْجُود فِيهِ كَالْيَوْمِ للصَّوْم بِخِلَاف الظّرْف فَإِنَّهُ عِنْدهم هُوَ الْوَقْت الَّذِي يكون الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ وَاقعا فِيهِ وَلَا يكون مُقَدرا بِهِ ومساويا لَهُ بل قد يفضل عَنهُ كالأوقات الْخَمْسَة للصلوات الْخمس. مَعْدُوم النظير: مَشْهُور فِي مقَام الْمَدْح كَمَا يُقَال زيد مَعْدُوم النظير عِنْد مدحه وشبهة مَعْدُوم النظير أشهر فِيمَا بَينهم. تورد على كُلية قَوْلهم كذب الْمُطلق على شَيْء وسلبه عَنهُ يسْتَلْزم كذب الْمُقَيد عَلَيْهِ وسلبه عَنهُ أَو على قَوْلهم صدق الْمُقَيد على شَيْء مُسْتَلْزم لصدق الْمُطلق عَلَيْهِ أَي كذب الْعَام على شَيْء يسْتَلْزم كذب الْخَاص عَنهُ وَصدق الْخَاص عَلَيْهِ يسْتَلْزم صدق الْعَام عَلَيْهِ. وتقريرها أَنه مَمْنُوع بِسَنَد صدق مَعْدُوم النظير على زيد مَعَ كذب الْمَعْدُوم الْمُطلق عَلَيْهِ فَإِن زيد مَعْدُوم كَاذِب. وَتَقْرِير الدّفع إِن مُطلق زيد مَعْدُوم النظير لَيْسَ الْمَعْدُوم فِي نَفسه. لِأَنَّهُ أَيْضا مُقَيّد بل مطلقه الْمَعْدُوم بِوَجْه مَا. وَهُوَ يتَنَاوَل عدم الشَّيْء فِي نَفسه وَعدم شَيْء مِنْهُ سَوَاء كَانَ نَظِيره أَو غَيره فالمعدوم فِي نَفسه. والمعدوم النظير فردان للمعدوم الْمُطلق - والكاذب على زيد إِنَّمَا هُوَ الْمَعْدُوم فِي نَفسه وَهُوَ لَيْسَ بِمُطلق بل مُقَيّد كمعدوم النظير فحين صدق مَعْدُوم النظير على زيد يصدق الْمَعْدُوم الْمُطلق أَيْضا فِي ضمن أحد فرديه كَمَا لَا يخفى. (بَاب الْمِيم مَعَ الْغَيْن الْمُعْجَمَة) المغالبة: عِنْد عُلَمَاء الصّرْف مَا يذكر بعد المفاعلة مُسْندًا إِلَى الْغَالِب. أَي الْمَقْصُود بَيَان الْغَلَبَة فِي الْفِعْل الَّذِي جَاءَ بعد المفاعلة على الآخر. فَإِذا قلت كارمني اقْتضى أَن يكون من غَيْرك إِلَيْك كرم مثل مَا كَانَ مِنْك إِلَيْهِ فَإِن غلبته فِي الْكَرم وَأَرَدْت بَيَانه فتبنيه على فعل بِفَتْح الْعين وَيفْعل بِضَم الْعين. وَإِن كَانَ من غير هَذَا الْبَاب نَحْو كارمني فكرمته يكارمني فَأكْرمه وضاربني فضربته يضاربني فأضربه. فَهَذَا لقد ضَربته وضربك وَلَكِنَّك غلبته فِي الضَّرْب - وَيجوز أَن لَا يكون ضَربته وَلَا ضربك ولكنكما ضربتما غير كَمَا لتغلبه فِي ذَلِك أَو ليغلبك وَكَذَا الْبَوَاقِي. وَهَذَا معنى قَوْلهم وَبَاب المغالبة يبْنى على فعلته أَفعلهُ. وَالْحَاصِل أَنه إِذا صدر مِنْك فعل وَصدر من غَيْرك أَيْضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 مثل ذَلِك الْفِعْل. أَو تقصد صدوره فِي الِاسْتِقْبَال كَذَلِك فطريقه أَن تَجِيء بِالْفِعْلِ الْمَاضِي أَو الْمُضَارع من بَاب المفاعلة من ذَلِك الْفِعْل ثمَّ تَجِيء بعده بِالْفِعْلِ الْمَاضِي على الأول والمضارع على الثَّانِي من بَاب نصر. وَإِن كَانَ ذَلِك الْفِعْل من غَيره إِلَّا معتل الْفَاء واويا كَانَ نَحْو وعد أَو يائيا نَحْو يسر فَإِنَّهُ لَا ينْقل إِلَى يفعل بِالضَّمِّ لِئَلَّا يلْزم خلاف لغتهم إِذْ لم يَجِيء مِنْهُ مِثَال مضموم الْعين فَيُقَال واعدني فوعدته يواعدني أعده. وَإِلَّا معتل أَو اللَّام اليائيين فَإِنَّهُ لَا ينْقل إِلَى يفعل بِالضَّمِّ بل يبْقى على الْكسر. يُقَال بايعني فَبِعْته يبايعني أبيعه وراماني فرميته يراماني أرميه إِذْ لم يَجِيء أجوف وَلَا نَاقص يَأْبَى من يفعل بِالضَّمِّ لِأَنَّك لَو ضممت عينه لانقلب الْيَاء واوا فيلتبس بذوات الْوَاو. المغالطة: كسي رادر غلط انداختن - وَفِي الِاصْطِلَاح قِيَاس فَاسد. أما من جِهَة الْمَادَّة. أَو من جِهَة الصُّورَة أَو من جهتهما مَعًا مُفِيد للتصديق الخبري أَو الظني الْغَيْر المطابقين للْوَاقِع. وَالْقِيَاس الْفَاسِد هُوَ الْقيَاس الْمركب من مُقَدمَات شَبيهَة بِالْحَقِّ وَلَا تكون حَقًا وَتسَمى سفسطة. أَو شَبيهَة بالمقدمات الْمَشْهُورَة أَو الْمسلمَة وَتسَمى مشاغبة - وَالْفساد إِمَّا من جِهَة الصُّورَة فبأن لَا يكون على هَيْئَة منتجة لاختلال شَرط بِحَسب الْكَيْفِيَّة أَو الكمية أَو الْجِهَة. كَمَا إِذا كَانَ صغرى الشكل الأول سالبة أَو مُمكنَة أَو كبراه جزئية - وَإِمَّا من جِهَة الْمَادَّة فبأن يكون الْمَطْلُوب وَبَعض مقدماته شَيْئا وَاحِدًا وَهُوَ المصادرة على الْمَطْلُوب كَقَوْلِنَا كل إِنْسَان بشر وكل بشر ضحاك فَكل إِنْسَان ضحاك. فَإِن قيل النظري بِتَغَيُّر العنوان يصير بديهيا فَإِن الْعَالم حَادث نَظَرِي والعالم متغير بديهي فَلم لَا يجوز أَن يكون كل بشر ضحاك بعنوان البشرية بديهيا وبعنوان الْإِنْسَان نظريا. قُلْنَا الْإِنْسَان والبشر مُتَرَادِفَانِ فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون نِسْبَة أَمر إِلَى أَحدهمَا نظريا وَإِلَى الآخر بديهيا. - وَإِن قلت هَذَا عِنْد الْعلم بالمرادفة مُسلم وَأما عِنْد عَدمه فَمَمْنُوع. قُلْنَا تصور الْمَوْضُوع ضَرُورِيّ فالعلم بالمرادفة لَا يَنْفَكّ. أَو بِأَن يكون بعض الْمُقدمَات كَاذِبَة شَبيهَة بالصادقة. إِمَّا من حَيْثُ الصُّورَة أَو من حَيْثُ الْمَعْنى. وَأما من حَيْثُ الصُّورَة فكقولنا لصورة الْفرس المنقوش على الْجِدَار أَنَّهَا فرس وكل فرس صهال ينْتج أَن تِلْكَ الصُّورَة صهالة. وَأما من حَيْثُ الْمَعْنى فلعدم رِعَايَة وجود الْمَوْضُوع فِي الْمُوجبَة كَقَوْلِنَا كل إِنْسَان وَفرس فَهُوَ إِنْسَان وكل إِنْسَان وَفرس فَهُوَ فرس ينْتج أَن بعض الْإِنْسَان فرس -. والغلط فِيهِ أَن مَوْضُوع المقدمتين لَيْسَ بموجود إِذْ لَيْسَ شَيْء مَوْجُود يصدق عَلَيْهِ أَنه إِنْسَان وَفرس - ولوضع الْقَضِيَّة الطبيعية مقَام الْكُلية كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان حَيَوَان. وَالْحَيَوَان جنس. ينْتج أَن الْإِنْسَان جنس. المغالطات الْعَامَّة الْوُرُود: هِيَ الَّتِي يُمكن بهَا إِثْبَات الْمَطْلُوب وَإِثْبَات نقيضه. كَمَا يُقَال الْمُدَّعِي ثَابت لِأَنَّهُ لَو لم يكن ثَابتا لَكَانَ نقيضه ثَابتا. وعَلى تَقْدِير أَن يكون نقيضه ثَابتا لَكَانَ شَيْء من الْأَشْيَاء ثَابتا. فَلَزِمَ من هَذِه الْمُقدمَات هَذِه الشّرطِيَّة إِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 لم يكن الْمُدَّعِي ثَابتا لَكَانَ شَيْء من الْأَشْيَاء ثَابتا. وينعكس بعكس النقيض إِلَى هَذَا إِن لم يكن شَيْء من الْأَشْيَاء ثَابتا لَكَانَ الْمُدَّعِي ثَابتا هَذَا خلف ضَرُورَة أَن الْمُدَّعِي شَيْء من الْأَشْيَاء فعلى تَقْدِير أَن لَا يكون شَيْء من الْأَشْيَاء ثَابتا لَو كَانَ الْمُدَّعِي ثَابتا. لزم ثُبُوت الشَّيْء على تَقْدِير نَفْيه. وللفضلاء الْمُحَقِّقين فِي حلهَا جوابات تركتهَا مَخَافَة الإطناب. وَالَّذِي خطر فِي خاطري الكليل. وذهني العليل. أَو أَن التعليقات على الرشيدية شرح الشريفية فِي آدَاب المناظرة أَن الشَّيْء فِي قَوْله لَكَانَ شَيْء من الْأَشْيَاء ثَابتا وَإِن وَقع نكرَة لَكِن المُرَاد مِنْهُ نقيض الْمُدَّعِي لَا مُطلق الشَّيْء كَمَا لَا يخفى. فعكس النقيض حِينَئِذٍ هَكَذَا إِن لم يكن نقيض الْمُدَّعِي الَّذِي هُوَ شَيْء من الْأَشْيَاء ثَابتا لَكَانَ الْمُدَّعِي ثَابتا. وَلَا مَحْذُور فِيهِ فَافْهَم. ثمَّ لما نظرت فِي الْآدَاب الْبَاقِيَة وجدت فِي حل تِلْكَ المغالطة مَا هُوَ مُنَاسِب لذَلِك الْمَحْظُور. وَهُوَ أَن يُقَال لَا نسلم أَن تِلْكَ الشّرطِيَّة تنعكس بذلك الْعَكْس إِلَى هَذِه الشّرطِيَّة حَتَّى يلْزم الْخلف. كَيفَ والشيئان فِي الأَصْل وَالْعَكْس مُخْتَلِفَانِ بالخصوص والعموم بل تِلْكَ الشّرطِيَّة إِنَّمَا تنعكس بذلك الْعَكْس إِلَى قَوْلنَا إِن لم يكن ذَلِك الشَّيْء ثَابتا كَانَ الْمُدَّعِي ثَابتا. وَبَين أَن هَذَا لَيْسَ بخلف فَتعين أَن مَوضِع الْغَلَط فِي المغالطة إِنَّمَا هُوَ الانعكاس إِلَى تِلْكَ الشّرطِيَّة فَتدبر انْتهى. أَقُول لَو سلمنَا أَنَّهَا تنعكس بذلك الْعَكْس لَا يلْزم الْمحَال أَيْضا لِأَن الشَّيْء هَا هُنَا لَيْسَ إِلَّا النقيض فَيكون الْمَعْنى كلما لم يكن نقيض من نقائض الشَّيْء ثَابتا كَانَ الْمُدَّعِي ثَابتا وَهُوَ حق لَا ريب فِيهِ. مغالطات الْفَرَائِض: فِي الْفَرَائِض. المغيرية: أَصْحَاب مُغيرَة بن سعيد الْعجلِيّ قَالُوا إِن الله تَعَالَى جسم على صُورَة الْإِنْسَان من نور على رَأسه تَاج وَقَلبه منبع الْحِكْمَة. الْمَغْفِرَة: أَن يستر الْقَادِر قبيحا صادرا مِمَّن تَحت قدرته حَتَّى أَن العَبْد إِذا ستر عيب سَيّده مَخَافَة عِقَابه لَا يُقَال لَهُ غفران. الْمَغْرُور: من غره آخر فِي الْمَتَاع بِأَن أخْفى عَيبه وَبَاعَ مِنْهُ وَله جزئيات كَثِيرَة. مِنْهَا رجل وطئ امْرَأَة مُعْتَمدًا على ملك يَمِين أَو نِكَاح فَولدت ثمَّ اسْتحقَّت. وَإِنَّمَا سمي مغرورا لِأَن البَائِع غره وأخفى عيب مبيعه وَبَاعَ مِنْهُ جَارِيَة لم تكن ملكا لَهُ. (بَاب الْمِيم مَعَ الْفَاء) الْمُفْتِي: فِي الْفَتْوَى. الْمُفْتِي الماجن: فِي الْحجر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 مفعول مَا لم يسم فَاعله: أَي مفعول فعل أَو شبهه لم يذكر فَاعله فَمَعْنَى لم يسم لم يذكر. من بَاب ذكر الْمَلْزُوم وَإِرَادَة اللَّازِم وَحده. كل مفعول حذف فَاعله وأقيم هُوَ مقَامه. وَشَرطه أَن تغير صِيغَة الْمَعْلُوم إِلَى الْمَجْهُول. الْمَفْعُول الْمُطلق: اسْم مَا فعله فَاعل فعل مَذْكُور بِمَعْنَاهُ مثل ضربت ضربا وَإِنَّمَا سمي بِهِ لكَونه غير مُقَيّد بِأَمْر وَإِمَّا تَقْيِيده بالمطلق فلبيان الْإِطْلَاق لَا التَّقْيِيد. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل فِي كتَابنَا جَامع الغموض. الْمَفْعُول بِهِ: هُوَ اسْم مَا وَقع عَلَيْهِ فعل الْفَاعِل مثل ضربت زيدا. وعرفه الْجُمْهُور بِأَنَّهُ مَا كَانَ أَولا وَوَقع عَلَيْهِ الْفِعْل ثَانِيًا وَنقض بقولنَا خلق الله الْعَالم فَإِن الْعَالم هَا هُنَا مفعول بِهِ بِالْإِجْمَاع وَمَا كَانَ الْعَالم قبل الْخلق شَيْئا. وَعَلَيْك تَقْرِير النَّقْض بِأَن الْمَفْعُول بِهِ سَوَاء عرف بِمَا هُوَ الْمَشْهُور أَو بِمَا ذكره الْجُمْهُور لَا بُد وَأَن يكون مَوْجُودا إِلَّا فِي ظرف إِيقَاع الْفِعْل عَلَيْهِ ثمَّ يُوقع الْفِعْل عَلَيْهِ والعالم فِي خلق الله الْعَالم لَيْسَ كَذَلِك. وَالْجَوَاب بِمَنْع كُلية لُزُوم أولية وجوده فِي ظرف الْإِيقَاع. وَالْحَاصِل أَن المُرَاد بِوُجُود الْمَفْعُول بِهِ أَولا إِمَّا وجوده مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ لَهُ وجود علمي أَو خارجي فَمُسلم وَلَا شكّ أَن الْعَالم مَوْجُود فِي علمه تَعَالَى وَإِن أُرِيد بِهِ وجوده فِي ظرف الْإِيقَاع أَولا فَمَمْنُوع وَمن أحَاط بتحقيق الْجعل فَالْأَمْر عَلَيْهِ هَين. الْمَفْعُول لَهُ: هُوَ اسْم مَا فعل لقصد تَحْصِيله أَو لوُجُوده فعل مَذْكُور. الأول: مثل ضَربته تأديبا. وَالثَّانِي: مثل قعد هُوَ عَن الْحَرْب جبنا. الْمَفْعُول مَعَه: هُوَ الِاسْم الْمَذْكُور بعد الْوَاو لمصاحبة مَعْمُول فعل لفظا أَو معنى مثل اسْتَوَى المَاء والخشبة وَمَا شَأْنك وزيدا. وَإِن أردْت تَحْقِيق هَذِه الْحُدُود لهَذِهِ المفاعيل فَارْجِع إِلَى كتَابنَا جَامع الغموض منبع الفيوض. المفرغ: فِي الْمُوجب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الْمُفْرد: يَقع صفة اللَّفْظ وَالْمعْنَى وَلَكِن اللَّفْظ الْمُفْرد هُوَ اللَّفْظ الَّذِي لَا يدل جزؤه على جُزْء مَعْنَاهُ - وَالْمعْنَى الْمُفْرد هُوَ الْمَعْنى الَّذِي لَا يدل جُزْء لَفظه على جزئه. وَالْمَشْهُور أَن الْإِفْرَاد صفة اللَّفْظ بِالذَّاتِ عِنْد النُّحَاة لَكِن كَلَام نجم الْأَئِمَّة فَاضل الْأمة الشَّيْخ الرضي الاسترآبادي رَحمَه الله تَعَالَى يُنَادي بِأَن الْإِفْرَاد صفة اللَّفْظ عِنْد المنطقيين وَصفَة الْمَعْنى عِنْد النُّحَاة - والمفرد عِنْد أهل الْحساب فِي الْمركب. وَاعْلَم أَن الْمُفْرد بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكرنَا أَعنِي اللَّفْظ الَّذِي لَا يدل جزؤه إِلَى آخِره هُوَ الْمُفْرد الْمُقَابل للمركب. وَقد يُطلق الْمُفْرد وَيُرَاد بِهِ مَا يُقَابل الْمُضَاف فَيُقَال هَذَا مُفْرد أَي لَيْسَ بمضاف. وَقد يُطلق وَيُرَاد بِهِ مَا يُقَابل الْجُمْلَة فَيُقَال هَذَا مُفْرد أَي لَيْسَ بجملة - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 والمفرد بِهَذَا الْمَعْنى شَامِل للمركبات التقييدية وَالْوَاحد والمثنى وَالْمَجْمُوع. هَكَذَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره. الْمُفْرد بِالْحَجِّ: والمفرد بِالْعُمْرَةِ كِلَاهُمَا فِي الْمحرم. الْمُفْردَات: جمع المفردة وَثَلَاث مسَائِل من الْمسَائِل السِّت الجبرية فَإِن المعادلة إِمَّا وَاقعَة بَين جنس وجنس وَهِي ثَلَاث مسَائِل من السِّت تسمى بالمفردات لإفراد الْأَجْنَاس فِيهَا أَو المعادلة وَاقعَة بَين جنس وجنسين وَهِي ثَلَاث مسَائِل أخر من السِّت تسمى بالمقترنات لاقتران الجنسين فِيهَا. الْمَفْقُود: هُوَ الْغَائِب الَّذِي لم يدر مَوْضِعه وَلم يدر أهوَ حَيّ أم ميت. المفارقات: هِيَ الْجَوَاهِر الْمُجَرَّدَة عَن الْمَادَّة الْقَائِمَة بأنفسها. الْمُفَاوضَة: فِي شركَة الْمُفَاوضَة. المفوضة: من التَّفْوِيض وَهُوَ التَّسْلِيم وَترك الْمُنَازعَة اسْتعْمل فِي النِّكَاح بِلَا مهر. أَو على أَن لَا مهر لَهَا وَهِي تحْتَمل أَن تكون بِكَسْر الْوَاو وَفتحهَا فعلى الأول هِيَ الَّتِي فوضت نَفسهَا إِلَى الزَّوْج بِلَا مهر أَي نكحت بِلَا ذكر مهرهَا أَو على أَن لَا مهر لَهَا - وعَلى الثَّانِي هِيَ الَّتِي فوضها وَليهَا إِلَى الزَّوْج بِغَيْر تَسْمِيَة الْمهْر - وَفِي المسكيني شرح كنز الدقائق المفوضة بالكسرة الْحرَّة الَّتِي فوضت نَفسهَا من غير مهر إِلَى الزَّوْج - وبالفتح الْحرَّة الَّتِي زَوجهَا وَليهَا بِلَا أذنها بِلَا مهر أَو أمة زَوجهَا مَوْلَاهَا بِلَا مهر - فالحرة بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَالْأمة بِالْفَتْح فَقَط. المفوضية: قوم قَالُوا فوض الله تَعَالَى خلق الدُّنْيَا إِلَى مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. مَفْهُوم الْمُوَافقَة: مَا يفهم من الْكَلَام بطرِيق الْمُطَابقَة. مَفْهُوم الْمُخَالفَة: مَا يفهم من الْكَلَام بطرِيق الِالْتِزَام وَقيل هُوَ أَن يثبت الحكم فِي الْمَسْكُوت على خلاف مَا ثَبت فِي الْمَنْطُوق - وَفِي التَّحْقِيق شرح الْأُصُول الحسامي وَاعْلَم أَن عَامَّة الْأُصُولِيِّينَ لَيْسَ من أَصْحَاب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى قسموا دلَالَة اللَّفْظ إِلَى مَنْطُوق وَمَفْهُوم وَقَالُوا دلَالَة الْمَنْطُوق مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ فِي مَحل النُّطْق وَجعلُوا مَا سميناه عبارَة وَإِشَارَة واقتضاء من هَذَا الْقَبِيل - وَقَالُوا دلَالَة الْمَفْهُوم مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ لَا فِي مَحل النُّطْق. ثمَّ قسموا الْمَفْهُوم. إِلَى مَفْهُوم مُوَافقَة وَهُوَ أَن يكون الْمَسْكُوت عَنهُ فِي الحكم مُوَافقا للمنطوق ويسمونه فحوى مُوَافق الْخطاب ولحن الْخطاب أَيْضا وَهُوَ الَّذِي سميناه دلَالَة النَّصْر. وَإِلَى مَفْهُوم مُخَالفَة وَهُوَ أَن يكون الْمَسْكُوت عَنهُ مُخَالفا للمنطوق بِهِ فِي الحكم ويسمونه دَلِيل الْخطاب وَهُوَ الْمعبر عندنَا بتخصيص الشَّيْء بِالذكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 الْمُفَسّر: هُوَ الْكَلَام الَّذِي ازْدَادَ وضوحه على وضوح النَّص على وَجه لَا يبْقى فِيهِ احْتِمَال التَّخْصِيص إِن كَانَ عَاما وَاحْتِمَال التَّأْوِيل إِن كَانَ خَاصّا. وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن النَّص يحْتَمل التَّخْصِيص والتأويل كَالظَّاهِرِ. وَإِن ازْدَادَ وضوحه على الظَّاهِر. وَإِنَّمَا سمي مُفَسرًا لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من التَّفْسِير الَّذِي هُوَ الانكشاف. وَلما لم يبْق فِي ذَلِك الْكَلَام احْتِمَال قريب وَلَا بعيد صَار مُفَسرًا منكشفا خَالِيا عَن الْإِبْهَام نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} . فَإِن قَوْله تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة} ظَاهر فِي سُجُود جَمِيع الْمَلَائِكَة يحْتَمل التَّخْصِيص وَإِرَادَة الْبَعْض كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم} أَي جِبْرَائِيل. فبقوله تَعَالَى: {كلهم} انْقَطع ذَلِك الِاحْتِمَال وَصَارَ نصا لازدياد وضوحه على الأول لكنه يحْتَمل التَّأْوِيل وَالْحمل على التَّفَرُّق. فبقوله أَجْمَعُونَ انْقَطع ذَلِك الِاحْتِمَال وَصَارَ مُفَسرًا لانْقِطَاع الِاحْتِمَال عَن اللَّفْظ بِالْكُلِّيَّةِ - فَإِن قيل النَّص يُفِيد الْعلم الْقطعِي فَكيف يحْتَمل التَّخْصِيص والتأويل - قُلْنَا النَّص يحتملهما احْتِمَالا غير ناش عَن دَلِيل بل احْتِمَاله لَهما احْتِمَال عَقْلِي وَهُوَ لَا يقْدَح فِي إفادته الْعلم الْقطعِي. وَاعْلَم أَن الْمُفَسّر يحْتَمل النّسخ - فَإِن قيل قَوْله تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة} لَا يحْتَمل النّسخ لِأَنَّهُ من جملَة الْأَخْبَار وَالْأَخْبَار بأسرها غير قَابِلَة للنسخ وَإِنَّمَا الْقَابِل لَهُ الْأَوَامِر والنواهي فَلَا يصلح مِثَالا للمفسر. قُلْنَا المُرَاد بالْخبر الْمَعْنى الْقَائِم بِصِيغَة الْخَبَر - فَالْمُرَاد بقَوْلهمْ إِن الْأَخْبَار بأسرها لَا تحْتَمل النّسخ أَن مَعَانِيهَا لَا تحتمله لِأَنَّهَا لَو احتملته لَأَدَّى إِلَى كذب الْمخبر أَو غلطه وَهُوَ مُسْتَحِيل على الله تَعَالَى - فإمَّا اللَّفْظ فَيجْرِي فِيهِ النّسخ وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ محكما فَإِنَّهُ يجوز أَن لَا يتَعَلَّق بِهِ جَوَاز الصَّلَاة وَحُرْمَة الْقِرَاءَة على الْجنب وَهُوَ المُرَاد من نسخ اللَّفْظ. الْمفصل: فِي الْفِقْه هُوَ السَّبع السَّابِع من الْقُرْآن وَإِنَّمَا سمي بِهِ لِكَثْرَة فصوله وَهُوَ من سُورَة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَقيل من (الْفَتْح) . وَقيل من (ق) إِلَى آخر الْقُرْآن. وطوال الْمفصل إِلَى (البروج) . وأوساطه إِلَى (لم يكن) . وقصاره إِلَى آخر الْقُرْآن. وتحرير شرح الْوِقَايَة صَرِيح فِي أَن الْمفصل من الحجرات إِلَى آخر الْقُرْآن. مفصول النتائج: فِي الْقيَاس الْمركب. الْمُفلس: من التَّفْلِيس هُوَ رجل حكم القَاضِي بإفلاسه ويقابله المليء أَي الْغَنِيّ. (بَاب الْمِيم مَعَ الْقَاف) الْمَقُول: الملفوظ وَجَاء بِمَعْنى الْمَحْمُول أَيْضا. وَحِينَئِذٍ يتَعَدَّى بعلى. الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ: فِي اصْطِلَاح المنطقيين هُوَ اللَّفْظ الْمَذْكُور فِي جَوَاب مَا هُوَ الدَّال بالمطابقة على الْمَاهِيّة المسؤول عَنْهَا بِمَا هِيَ كالحيوان النَّاطِق فَإِنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 إِذا سُئِلَ عَن الْإِنْسَان بِمَا هُوَ يُجَاب بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق الدَّال على ماهيته بالمطابقة. المقولة: فِي عرف الْحُكَمَاء الْجَوْهَر وَالْعرض فَيَقُولُونَ المقولات عشر الْجَوْهَر والأعراض التِّسْعَة. وَوجه إِطْلَاق المقولة عَلَيْهَا إِمَّا كَونهَا محمولات إِذا كَانَ الْمَقُول بِمَعْنى الْمَحْمُول - وَإِمَّا كَونهَا بِحَيْثُ يتَكَلَّم فِيهَا ويبحث عَنْهَا إِذا كَانَ الْمَقُول بِمَعْنى الملفوظ. وَالتَّاء إِمَّا للنَّقْل من الوضعية إِلَى الاسمية. وَإِمَّا للْمُبَالَغَة فِي المقولة. المقولات الْعشْر: (الْجَوْهَر) والأعراض التِّسْعَة أَعنِي الْكمّ، والكيف، والاين، والمتى، وَالْإِضَافَة، وَالْملك، والوضع، وَالْفِعْل، والانفعال - وَقَالَ العليمي فِي غَايَة الْهِدَايَة أَقُول لَا يظْهر وَجه أَنهم يَقُولُونَ إِن الْجَوَاهِر الْخمس مقولة وَاحِدَة. وَلَا يَقُولُونَ مقولات خمس وَيَقُولُونَ الْأَعْرَاض التسع مقولات تسع. وَلَا يَقُولُونَ مقولة وَاحِدَة. فَالظَّاهِر أَن تكون الْجَوَاهِر والأعراض مقولتين أَو أَربع عشرَة مقولة. وَوجه الضَّبْط أَن الْعرض إِن قبل الْقِسْمَة لذاته فالكم. وَإِلَّا فَإِن لم يقتض النِّسْبَة لذاتها فالكيف. وَإِن اقتضاها فالنسبة. أما للأجزاء بَعْضهَا إِلَى بعض فالوضع. أَو للمجموع إِلَى عرض خَارج فَذَلِك الْخَارِج إِمَّا كم غير قار فَمَتَى. أَو قار ينْتَقل بانتقاله فالملك. أَو لَا فالاين. وَإِمَّا نِسْبَة فبالإضافة. وَإِمَّا كَيفَ وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ بِأَن يحصل مِنْهُ غَيره فالفعل. أَو يحصل هُوَ من غَيره فالانفعال. شعر: (هرجه موجوداست اَوْ را يافتند ... اهل حكمت منحصر در ده مقَال) (جَوْهَر وَكَيف وَكم وَوضع وَمَتى ... ايْنَ إضافه ملك وَفعل وانفعال) وَالْمرَاد بالموجود هَا هُنَا الْمُمكن فَلَا إِشْكَال - وَقَائِل قَالَ فِي أَمْثِلَة المقولات الْعشْرَة بِالْفَارِسِيَّةِ. شعر: (كل ببستان دوش در بهتر لباسى خفته بود ... ) ((جَوْهَر) (ايْنَ) (مَتى) (ملك) (وضع) ) (يَك نسيم از كوى جانان يافت خورم در شكفت ... ) ((كم) (إضافه) (انفعال) (كَيفَ) (فعل) ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 وبالعربية شعر: (قمر عَزِيز الْحسن الطف مصره ... لَو قَامَ يكْشف غمي لما أثنى) الْمِقْدَار: فِي اللُّغَة مَا يعرف بِهِ قدر الشَّيْء كالذراع والكيل وَالْوَزْن والمقياس وَالْعدَد. وَعند الْحُكَمَاء الْكمّ الْمُتَّصِل القار الْأَجْزَاء كالخط والسطح والجسم التعليمي. أَو غير قار الْأَجْزَاء كالزمان. وَمعنى كَون الْمِقْدَار وسطا فِي النِّسْبَة عِنْد المهندسين كَونه بَين مقدارين نِسْبَة ذَلِك الْمِقْدَار الْوسط إِلَى أحد ذَيْنك المقدارين مثل نِسْبَة الْمِقْدَار الآخر من ذَيْنك المقدارين إِلَى ذَلِك الْمِقْدَار الْوسط كالأربعة بَين الِاثْنَيْنِ وَالثَّمَانِيَة فَإِنَّهَا نصف الثَّمَانِية كَمَا أَن الِاثْنَيْنِ نصف لَهَا أَو يُقَال إِن الثَّمَانِية ضعف الْأَرْبَعَة كَمَا أَن الْأَرْبَعَة ضعف الِاثْنَيْنِ. وَمعنى كَون الْمِقْدَار الْوسط ضلع مَا يُحِيط بِهِ الطرفان أَن الْحَاصِل من ضرب الْمِقْدَار فِي نَفسه مثل ضرب أحد الطَّرفَيْنِ فِي الآخر فَإِن الْحَاصِل من ضرب الْأَرْبَعَة فِي نَفسهَا سِتَّة عشر كَمَا أَن الْحَاصِل من ضرب الِاثْنَيْنِ فِي الثَّمَانِية وَبِالْعَكْسِ أَيْضا سِتَّة عشر. المقياس: مَا يُقَاس بِهِ الشَّيْء أَي مَا يعرف الشَّيْء بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ وَمَا ينصب من الْخشب أَو الْحَدِيد أَو غَيرهمَا لمعْرِفَة الْأَوْقَات والساعات يُسمى مقياسا وَيقسم المقياس ثَلَاثَة تقسيمات. قد يقسم على سَبْعَة. وَتارَة على سِتَّة وَنصف وَيُسمى أقسامه أقداما لِأَن الْإِنْسَان عِنْدَمَا يُرِيد أَن يعرف أَن ظلّ كل شَيْء هَل صَار مثله يعْتَبر ذَلِك بقامته ثمَّ بأقدامه. وَطول معتدل الْقَامَة سبع أَقْدَام أَو سِتّ وَنصف وَيُسمى الظل الْمَأْخُوذ من المقياس الْمَقْسُوم على الْوَجْه الْمَذْكُور ظلّ الْأَقْدَام وَقد يقسم على اثْنَي عشر قسما. وَيُسمى أقسامه أَصَابِع لما مر فِي ظلّ الْأَصَابِع والظل الْمَأْخُوذ من هَذَا المقياس يُسمى ظلّ الْأَصَابِع. وَمرَّة يقسم على سِتِّينَ قسما لِأَن عَادَتهم قد جرت بتقسيم كثير من الْأَشْيَاء بذلك وَيُسمى أقسامه أَجزَاء والظل الْمَأْخُوذ مِنْهُ ستينا. ثمَّ اعْلَم أَن المقياس. قد ينصب فِي الْجِدَار بِأَن يكون رَأسه إِلَى الشَّمْس وَيُسمى الظل الْمَأْخُوذ من هَذَا المقياس الظل الأول لِأَن أول حُدُوثه فِي أول النَّهَار. والمعكوس والمنكوس أَيْضا لكَون رَأسه إِلَى تَحت والمنتصب أَيْضا لانتصابه على الْأُفق. أَو لنصب مقياسه على وَجه الشَّمْس وَهُوَ الْمُسْتَعْمل فِي الْأَعْمَال النجومية. وَقد ينصب على الأَرْض المستوية قَائِما عمودا وَيُسمى ظله الظل الثَّانِي والظل الْمَبْسُوط لانبساطه إِلَى سطح الْأُفق. وَإِذا طلعت الشَّمْس من أفق الْمشرق لَا يكون للظل المستوي نِهَايَة. ثمَّ يتناقص بِحَسب تزايد ارْتِفَاع الشَّمْس حَتَّى إِذا وصلت سمت الرَّأْس يَنْعَدِم ذَلِك الظل - وَأما الظل المعكوس فَهُوَ عَكسه لِأَنَّهُ عِنْد الطُّلُوع يَنْعَدِم وَحين الْوُصُول إِلَى سمت الرَّأْس لَا يَنْتَهِي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 الْمُقَارنَة: التلاقي فِي زمَان أَو مَكَان كالملابسة. مقدورات الله تَعَالَى غير متناهية: مَعْنَاهُ فِي أَن الْجِسْم قَابل للانقسامات. الْمقدرَة: الَّتِي من أَقسَام الْحَال فِي الْحَال. الْمُقدر: الْمَفْرُوض. وكل لفظ حذف من التَّلَفُّظ لَا النِّيَّة فَهُوَ مُقَدّر - وَلذَا قَالُوا الْمُقدر كالملفوظ. الْمقَام: بِالضَّمِّ ظرف زمَان أَو مَكَان من أَقَامَ يُقيم إِقَامَة. فَلَا بُد أَن يكون بِضَم الْمِيم فِي قَول ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى فِي الكافية وأقيم هُوَ مقَامه وبالفتح ظرف من قَامَ يقوم. وَعند أَرْبَاب الْمعَانِي الْمقَام وَالْحَال متقاربا الْمَفْهُوم أَي متحدان فِيهِ - والتغاير بَينهمَا اعتباري فَإِن الْأَمر الدَّاعِي إِلَى التَّكَلُّم على وَجه مَخْصُوص مقَام بِاعْتِبَار توهم كَونه محلا لوُرُود الْكَلَام فِيهِ على خُصُوصِيَّة مَا وَحَال بِاعْتِبَار توهم كَونه زَمَانا لَهُ. فالتوهم الأول مُعْتَبر فِي مَفْهُوم الْمقَام - والتوهم الثَّانِي مُعْتَبر فِي مَفْهُوم الْحَال. فهما متغائران بِهَذَا الِاعْتِبَار متحدان فِي الْقدر الْمُشْتَرك وَهُوَ الْأَمر الدَّاعِي إِلَى اعْتِبَار الخصوصية فِي الْكَلَام. فيكونان متقاربي الْمَفْهُوم. وَمَا ذكرنَا لَيْسَ بَيَانا لوجه التَّسْمِيَة حَتَّى يردان وَجه التَّسْمِيَة غير دَاخل فِي الْمَفْهُوم. فَلَا يحصل التغاير فِي الْمَفْهُوم لسببها. وَوجه ذَلِك التَّوَهُّم انطباق الْمُقْتَضِي بِالْأَمر الدَّاعِي انطباق الزماني بِالزَّمَانِ. وانطباق المتمكن بِالْمَكَانِ. وَأَيْضًا بَينهمَا فرق. بِأَن الْمقَام يعْتَبر فِيهِ إِضَافَة إِلَى الْمُقْتَضِي بِالْفَتْح إِضَافَة لامية فَيُقَال مقَام التَّأْكِيد وَالْإِطْلَاق والحذف وَالْإِثْبَات. وَالْحَال يعْتَبر إضافتها إِلَى الْمُقْتَضِي بالكثر إِضَافَة بَيَانِيَّة فَيُقَال حَال الْإِنْكَار وَحَال خلو الذِّهْن وَغير ذَلِك. وَالْمقَام فِي اصْطِلَاح أَصْحَاب الْحَقَائِق مَا يُوصل إِلَيْهِ بِنَوْع تصرف ويتحقق بِضَرْب تطلب. ومقاساة تكلّف. وَقد مر نبذ من تَفْصِيله فِي الْحَال. الْمُقْتَضِي: بِالْكَسْرِ اسْم الْفَاعِل من الِاقْتِضَاء وبالفتح اسْم مفعول مِنْهُ وَمُقْتَضى الْحَال عِنْد أَرْبَاب الْمعَانِي هُوَ الْأَمر الْخَاص الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَال. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل مَا هُوَ فِي المطول أَن المُرَاد بِالْحَال الْأَمر الدَّاعِي للمتكلم إِلَى أَن يعْتَبر مَعَ الْكَلَام الَّذِي يُؤَدِّي بِهِ أصل الْمَعْنى خُصُوصِيَّة مَا أَي أمرا مَخْصُوصًا وَذَلِكَ الْأَمر الْمَخْصُوص هُوَ مُقْتَضى الْحَال مثلا كَون الْمُخَاطب مُنْكرا للْحكم حَال يَقْتَضِي تأكيده. والتأكيد مقتضاها لَكِن مجَازًا فَإِنَّهُم تسامحوا فِي القَوْل بِأَن مُقْتَضى الْحَال هُوَ التَّأْكِيد وَالذكر والحذف وَنَحْو ذَلِك. فَإِن مُقْتَضى الْحَال عِنْد التَّحْقِيق كَلَام مُؤَكد وَكَلَام يذكر فِيهِ الْمسند إِلَيْهِ أَو يحذف وَقس على هَذَا. وَإِنَّمَا يُطلق الْمُقْتَضِي على التَّأْكِيد وَالذكر والحذف وَغير ذَلِك بِنَاء على أَنَّهَا هِيَ الَّتِي يتَحَقَّق مُقْتَضى الْحَال بهَا. وَمعنى مُطَابقَة الْكَلَام لمقْتَضى الْكَلَام أَن الْكَلَام الَّذِي يُورِدهُ الْمُتَكَلّم يكون جزئيا من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 جزئيات ذَلِك الْكَلَام وَيصدق هُوَ عَلَيْهِ صدق الْكُلِّي على الجزئي مثلا يصدق على أَن زيدا قَائِم أَنه كَلَام مُؤَكد. وعَلى زيد قَائِم أَنه كَلَام ذكر فِيهِ الْمسند إِلَيْهِ. وعَلى قَوْلنَا الْهلَال وَالله أَنه كَلَام حذف فِيهِ الْمسند إِلَيْهِ. وَمَا ذكرنَا مُرَاد من قَالَ معنى مُطَابقَة الْكَلَام لمقْتَضى الْحَال أَن الْحَال إِن اقْتضى التَّأْكِيد كَانَ الْكَلَام مؤكدا. وَإِن اقْتضى الْإِطْلَاق كَانَ عَارِيا عَن التَّأْكِيد. وَهَكَذَا إِن اقْتضى حذف الْمسند إِلَيْهِ يحذف. وَإِن اقْتضى ذكره إِلَى غير ذَلِك من التفاصيل الْمُشْتَمل عَلَيْهَا علم الْمعَانِي. المقترنات: فِي الْمُفْردَات. الْمُقدمَة: بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة أَو فتحهَا كَمَا سَيَجِيءُ تَحْقِيقه فِي مُقَدّمَة الدَّلِيل فِي اللُّغَة هِيَ مُقَدّمَة الْجَيْش وَهِي الْجَمَاعَة الْمُتَقَدّمَة من الْجَيْش بِالْفَارِسِيَّةِ (بيشواي لشكر) (وللجيش) جماعات خمس مُقَدّمَة، وقلب، وميمنة، وميسرة، وساقة، وَقد تستعار لأوّل كل شَيْء فَيُقَال مُقَدّمَة الْعلم ومقدمة الْكتاب ومقدمة الْقيَاس ومقدمة الْحجَّة ومقدمة الدَّلِيل أما مُقَدّمَة الْعلم: فَهِيَ مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الشُّرُوع فِي مسَائِله. سَوَاء توقف نفس الشُّرُوع عَلَيْهِ كتصوره بِوَجْه مَا - والتصديق بفائدة مَا. أَو الشُّرُوع على وَجه البصيرة كمعرفته برسمه والتصديق بفائدته المترتبة عَلَيْهِ الْمُعْتَدَّة بهَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الْمَشَقَّة عِنْد الشَّارِع. والتصديق بموضوعية مَوْضُوعه وَغير ذَلِك من الروس الثَّمَانِية الْمَذْكُورَة فِي آخر تَهْذِيب الْمنطق وَأما. مُقَدّمَة الْكتاب: فَهِيَ طَائِفَة من الْكَلَام تذكر قبل الشُّرُوع فِي الْمَقَاصِد لارتباطها بِهِ ونفعها فِيهَا سَوَاء توقف عَلَيْهِ الشُّرُوع أَو لَا - وَالْكتاب إِمَّا عبارَة عَن الْأَلْفَاظ أَو الْمعَانِي أَو الْمَجْمُوع مِنْهُمَا فمقدمة الْكتاب إِمَّا طَائِفَة من الْأَلْفَاظ أَو الْمعَانِي أَو الْمَجْمُوع مِنْهُمَا. وَالذكر لَيْسَ بمختص بِاللَّفْظِ كَمَا وهم فَإِن كلا من اللَّفْظ وَالْمعْنَى يُوصف بِالذكر. وَفِي الْكتاب احتمالات أخر لَكِنَّهَا لَا تَخْلُو عَن تكلّف وارتكاب مجَاز وَإِنَّمَا ذكر مُقَدّمَة الْكتاب الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي المطول - وَلِهَذَا قَالَ السَّيِّد السَّنَد رَحمَه الله تَعَالَى هَذَا اصْطِلَاح جَدِيد أَي غير مَذْكُور فِي كَلَام المصنفين لَا صَرَاحَة وَلَا إِشَارَة بِأَن يفهم من إطلاقاتهم. وَلما أثبت مُقَدّمَة الْكتاب انْدفع الْإِشْكَال عَن كَلَام المصنفين فِي أَوَائِل كتبهمْ مُقَدّمَة فِي تَعْرِيف الْعلم وغايته وموضوعه. وتحرير الْإِشْكَال أَن الْأُمُور الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 عين مُقَدّمَة الْعلم فَيلْزم كَون الشَّيْء ظرفا لنَفسِهِ. وَتَقْرِير الدّفع أَن الْمَحْذُور يلْزم لَو لم يثبت إِلَّا مُقَدّمَة. وَلما ثَبت مُقَدّمَة الْكتاب أَيْضا انْدفع ذَلِك الْمَحْذُور. لأَنا نقُول المُرَاد بالمقدمة مُقَدّمَة الْكتاب وَتلك الْأُمُور إِنَّمَا هِيَ مُقَدّمَة الْعلم. فمقدمة الْعلم ظرف لمقدمة الْكتاب. وَالْمعْنَى أَن مُقَدّمَة الْكتاب فِي بَيَان مُقَدّمَة الْعلم. وَإِن أردْت مَا عَلَيْهِ فَارْجِع إِلَى حَوَاشِي السَّيِّد السَّنَد قدس سره على المطول. وَلَا يخفى على من لَهُ مسكة إِن مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد قدس سره من أَن هَذَا اصْطِلَاح جَدِيد لَيْسَ بِشَيْء لِأَن إِطْلَاق الْمُقدمَة على طَائِفَة من الْكَلَام إِلَى آخِره يفهم من إطلاقات الْكتاب الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي تَحْقِيقه فَذَلِك الْإِطْلَاق ثَابت فِيمَا بَينهم فَافْهَم واحفظ. وَأما مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة: فَهِيَ قَضِيَّة جعلت جُزْء قِيَاس أَو حجَّة على تعدد الِاصْطِلَاح. فَقيل إِنَّهَا مُخْتَصَّة بِالْقِيَاسِ. وَقيل إِنَّهَا غير مُخْتَصَّة بِهِ. بل يُقَال لكل قَضِيَّة جعلت جُزْء التَّمْثِيل والاستقراء أَيْضا. فالمقدمة فِي المباحث القياسية تطلق على مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة. والمقدمة بِهَذَا الْمَعْنى أخص من مُقَدّمَة الدَّلِيل لِأَنَّهَا عبارَة عَمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَة الدَّلِيل أَعم من أَن يكون جُزْءا مِنْهُ كالصغرى والكبرى. أَولا كشرائط الْأَدِلَّة - فالمقدمة بِهَذَا الْمَعْنى متناولة لتِلْك الْقَضِيَّة وشرائط الْأَدِلَّة أَيْضا كإيجاب الصُّغْرَى وفعليتها وكلية الْكُبْرَى فِي الشكل الأول مثلا. فمقدمة الدَّلِيل أَعم من مُقَدّمَة الْقيَاس وَالْحجّة - والمقدمة فِي أَوَائِل الْكتب كثيرا مَا تطلق على مُقَدّمَة الْكتاب - وَفِي المباحث القياسية على مُقَدّمَة الْقيَاس أَو الْحجَّة كَمَا عرفت وَفِي مبَاحث آدَاب المناظرة على مُقَدّمَة الدَّلِيل. وَاعْلَم أَن الْمُقدمَة إِمَّا بِكَسْر الدَّال أَو فتحهَا أما كسرهَا فعلى أَنَّهَا من قدم بِمَعْنى تقدم أَي من التَّقْدِيم اللَّازِم قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} . وَأما فتحهَا فعلى أَنَّهَا من قدم من التَّقْدِيم الْمُتَعَدِّي - والمقدمة بِكَسْر الدَّال إِنَّمَا تطلق على الإدراكات أَو الْأَلْفَاظ أَو الْجَمَاعَة من الْجَيْش لِأَنَّهَا بأنفسها مُسْتَحقَّة التَّقْدِيم. وَلما كَانَت مُسْتَحقَّة التَّقْدِيم بِالذَّاتِ قدمت فِي الذّكر فصح إِطْلَاق الْمُقدمَة بِالْفَتْح عَلَيْهَا أَيْضا. فَإِن قيل فتح الدَّال أحسن من كسرهَا أَو بِالْعَكْسِ أَو هما متساويان. قلت قَالَ صَاحب الْكَشَّاف فِي الْفَائِق: إِن الْمُقدمَة بِفَتْح الدَّال خلف من القَوْل انْتهى. أَي قَول بَاطِل لِأَن فِي الْفَتْح إِيهَام أَن تقدم هَذِه الْأُمُور إِنَّمَا هُوَ بِحَسب الْجعل وَالِاعْتِبَار دون الِاسْتِحْقَاق الذاتي وَلَيْسَ كَذَلِك بل بِحَسب الذَّات. وَقَالَ الْفَاضِل الزَّاهِد رَحمَه الله تَعَالَى: إِن الْفَتْح ظَاهر بِحَسب الْمَعْنى. أَقُول بِحَسب اللَّفْظ أَيْضا فَإِن إِطْلَاق الْمُقدمَة بِالْكَسْرِ على مَعَانِيهَا الْمَشْهُورَة فِيمَا بَينهم من مُقَدّمَة الْجَيْش ومقدمة الْعلم ومقدمة الْكتاب مُحْتَاج إِلَى تكلّف - أما فِي اللَّفْظ بِأَن يَجْعَل مُشْتَقَّة من التَّقْدِيم بِمَعْنى التَّقَدُّم وَهُوَ قَلِيل نَادِر. وَأما فِي الْمَعْنى بِأَن يعْتَبر تقدم الْأُمُور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 الْمَذْكُورَة بِنَفسِهَا كَمَا حققناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي هَذَا الْفَاضِل على حَوَاشِي جلال الْعلمَاء على تَهْذِيب الْمنطق. وَاعْلَم أَن مُحرز قصبات السَّبق فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول جَامع الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول عبيد الله بن مَسْعُود بن تَاج الشَّرِيعَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ ذكر أَربع مُقَدمَات فِي مَبْحَث الْحسن والقبح. وَحَاصِل. الْمُقدمَة الأولى: أَن الْفِعْل يُطلق على الْمَعْنى المصدري وعَلى الْحَاصِل بِهِ - وَالْأول أَمر اعتباري لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج لوجوه ثَلَاثَة اثْنَان مِنْهَا برهانيان وَالثَّالِث إلزامي على الشَّيْخ الْأَشْعَرِيّ بِمَا اعْترف من أَن التكوين لَيْسَ من الصِّفَات الْمَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَهُوَ معنى مصدري. والمقدمة الثَّانِيَة: حاصلها أَن الْمُمكن يجب وجوده عِنْد جملَة مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وَإِلَّا لزم المحذورات. والمقدمة الثَّالِثَة: حاصلها أَنه لَا بُد أَن يدْخل فِي جملَة مَا يجب عِنْد وجود الْحَادِث أُمُور لَا مَوْجُودَة وَلَا مَعْدُومَة كالأمور الإضافية مثل الْإِيقَاع وَهُوَ القَوْل بِالْحَال وَهُوَ صفة لموجود لَيست بموجودة وَلَا مَعْدُومَة وَتلك الْأُمُور مُمكنَة الصُّدُور فَيجب استنادها إِلَى عِلّة لَا محَالة لَكِن لَا بطرِيق الْوُجُوب وَإِلَّا لزم إِمَّا قدم الْعَالم وَإِمَّا انْتِفَاء الْوَاجِب تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا بل بطرِيق الِاخْتِيَار. والمقدمة الرَّابِعَة: حاصلها أَن الرجحان بِلَا مُرَجّح أَي الْوُجُود بِلَا موجد بَاطِل وَكَذَا التَّرْجِيح من غير مُرَجّح أَي الإيجاد بِلَا موجد لَكِن تَرْجِيح أحد المساويين أَو الْمَرْجُوح وَاقع. الْمُقدمَة الغريبة: هِيَ الَّتِي لَا تكون مَذْكُورَة فِي الْقيَاس لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ كَمَا فِي قِيَاس الْمُسَاوَاة كَمَا إِذا قُلْنَا (أ) مسَاوٍ (لب) و (ب) مسَاوٍ (لج) - ينْتج أَن (أ) مسَاوٍ (لج) - بِوَاسِطَة مُقَدّمَة غَرِيبَة وَهِي كل مسَاوٍ لمساوي شَيْء مسَاوٍ لذَلِك الشَّيْء. المقاطع: هِيَ الْمُقدمَات الَّتِي تَنْتَهِي الْأَدِلَّة والحجج إِلَيْهَا من الضروريات وَالْمُسلمَات وَمثل الدّور والتسلسل واجتماع النقيضين. المقبولات: هِيَ قضايا تُؤْخَذ مِمَّن تعتقد فِيهِ (إِمَّا) لأمر سماوي من المعجزات والكرامات كالأنبياء والأولياء - (وَإِمَّا) لاختصاصه بمزيد عقل وَدين كَأَهل الْعلم والزهد. الْمَقْطُوع: عِنْد أَرْبَاب أصُول الحَدِيث هُوَ الحَدِيث الَّذِي جَاءَ من التَّابِعين مَوْقُوفا عَلَيْهِم من أَقْوَالهم وأفعالهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 مُقْتَضى النَّص: هُوَ الْأَمر الَّذِي لَا يكون ملفوظا وَلَا يدل عَلَيْهِ النَّص بل اقْتَضَاهُ لتوقف صِحَّته على ذَلِك الْأَمر فَهُوَ من ضروريات صِحَة النَّص - وَقيل هُوَ أَمر غير مَنْطُوق جعل منطوقا لتصحيح الْمَنْطُوق. وتفصيل هَذَا المرام فِي اقْتِضَاء النَّص. المقولات الَّتِي تقع فِيهَا الْحَرَكَة أَربع: كَمَا مر فِي الْحَرَكَة فِي المقولة. الْمُقَيد: ضد الْمُطلق أَعنِي مَا قيد بِبَعْض صِفَاته وعوارضه كَمَا مر فِي الْمُطلق. الْمُقَابلَة: أدخلها الْخَطِيب الدِّمَشْقِي صَاحب التَّلْخِيص فِي الطباق وَجعلهَا السكاكي قسما بِرَأْسِهِ من المحسنات المعنوية. وَهِي أَن يُؤْتى بمعنيين متوافقين أَو بمعان متوافقة. ثمَّ يُؤْتى بِمَا يُقَابل الْمَعْنيين المتوافقين أَو الْمعَانِي المتوافقة على التَّرْتِيب. وَالْمرَاد بالتوافق خلاف التقابل لَا أَن يَكُونَا مناسبين ومماثلين فَإِن ذَلِك غير مَشْرُوط. وَإِنَّمَا سمي هَذَا الإيتاء بالتقابل بِالنّظرِ إِلَى الْعدَد الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الْمُقَابلَة مثل مُقَابلَة الِاثْنَيْنِ بالاثنين وَالثَّلَاثَة بِالثَّلَاثَةِ إِلَى غير ذَلِك. مِثَال الأول قَوْله تَعَالَى: {فليضحكوا قليلاا وليبكوا كثيرا} . حَيْثُ أَتَى الله تَعَالَى بالضحك والقلة المتوافقين ثمَّ بالبكاء وَالْكَثْرَة المتقابلين وَمِثَال مُقَابلَة الْأَرْبَعَة بالأربعة قَوْله تَعَالَى: {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى فسنيسره لليسرى وَأما من بخل وَاسْتغْنى وَكذب بِالْحُسْنَى فسنيسره للعسرى} . وَالْمعْنَى من أعْطى الطَّاعَة وَاتَّقَى الْمعْصِيَة وَصدق بِالْكَلِمَةِ الْحسنى وَهِي مَا دلّت على حق ككلمة التَّوْحِيد فسنيسره لليسرى. أَي فسنهيئه للخلة الَّتِي تُؤدِّي إِلَى يسر وراحة كدخول الْجنَّة. وَإِمَّا من بخل بِمَا أَمر بِهِ وَاسْتغْنى بشهوات الدُّنْيَا عَن نعيم العقبى وَكذب بِالْحُسْنَى بإنكار مدلولها فسنيسره للعسرى. أَي للخصلة المؤدية إِلَى الْعسر والشدة. والمقابلة عِنْد أَصْحَاب النُّجُوم فِي نظرات الْكَوَاكِب. الْمُقَابلَة خير من الْمُقَارنَة: لَكِن لَا مُطلقًا بل إِذا كَانَت الْمُقَابلَة مَعَ السعيد. وَإِلَّا فالمقابلة شَرّ من الْمُقَارنَة كَمَا سَيَجِيءُ فِي نظرات الْكَوَاكِب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. المقنطرات: فِي الْأُفق. (بَاب الْمِيم مَعَ الْكَاف) المكابرة: الْمُنَازعَة لَا لإِظْهَار الصَّوَاب وَلَا لإلزام الْخصم بل لغَرَض آخر مثل عدم ظُهُور الْجَهَالَة وإخفائها عِنْد النَّاس. مَكَّة والمكي: فِي الْمَدِينَة وَالْمَدَنِي. الْمَكَان: إِمَّا مصدر ميمي بِمَعْنى الْكَوْن. أَو مفعل اسْم مَكَان بِمَعْنى الْموضع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 فَهُوَ فِي اللُّغَة مَا يوضع الشَّيْء فِيهِ وَمَا يعْتَمد عَلَيْهِ كالأرض للسرير. وَالْمَكَان عِنْد الْمُتَكَلِّمين هُوَ الْبعد الموهوم أَي الْفَرَاغ المتوهم مَعَ اعْتِبَار حُصُول الْجِسْم فِيهِ. وَعند الإشراقيين الْبعد الْجَوْهَرِي الْمَوْجُود الْمُجَرّد عَن الْمَادَّة. وَعند الْمَشَّائِينَ السَّطْح الْبَاطِن من الْجِسْم الْحَاوِي المماس للسطح الظَّاهِر من الْجِسْم المحوي. فالمكان فِي مَا وَرَاء اللُّغَة لَيْسَ إِلَّا السَّطْح الْمَذْكُور أَو الْبعد الْمَوْجُود أَو الموهوم لِأَن الْجِسْم بكليته وَتَمَامه فِي مَكَانَهُ مالئ لَهُ فَلَا يجوز أَن يكون مَكَانَهُ غير منقسم فِي جَمِيع الْجِهَات لِاسْتِحَالَة أَن يكون الْجِسْم الَّذِي هُوَ منقسم فِي جمع الْجِهَات حَاصِلا بِتَمَامِهِ فِيمَا لَا يَنْقَسِم أصلا. وَلَا يجوز أَيْضا أَن يكون منقسما فِي جِهَة وَاحِدَة فَقَط لِاسْتِحَالَة أَن يكون مُحِيط الْجِسْم بكليته منقسما فِي جِهَة وَاحِدَة لِأَن المنقسم فِي جِهَة وَاحِدَة هُوَ الْخط العرضي. وَلَا يُمكن أَن يكون الْخط محيطا لتَمام الْجِسْم بِالضَّرُورَةِ. وَإِنَّمَا قيدنَا الْخط بالعرضي لِاسْتِحَالَة الْخط الْجَوْهَرِي كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. وَإِن فَرضنَا وجوده فَهُوَ كالخط العرضي فِي عدم إِمْكَان الْإِحَاطَة للجسم بِتَمَامِهِ. فَإِذا ثَبت أَنه لَا يجوز أَن يكون الْمَكَان منقسما أصلا. وَلَا أَن يكون منقسما فِي جِهَة وَاحِدَة فَهُوَ إِمَّا منقسم فِي جِهَتَيْنِ فَكَانَ سطحا. أَو فِي جِهَات فَكَانَ بعدا. وعَلى الأول لَا يجوز أَن يكون ذَلِك السَّطْح جوهريا بالاستحالة السَّطْح الْجَوْهَرِي. وَلَا يجوز أَيْضا أَن يكون ذَلِك السَّطْح حَالا فِي المتمكن. وَإِلَّا لانتقل بانتقاله دَائِما. بل الْوَاجِب أَن يكون حَالا فِيمَا يحويه. وَيجب أَن يكون مماسا للسطح الظَّاهِر من المتمكن فِي جَمِيع جهاته. وَإِلَّا لم يكن مالئا فَهُوَ السَّطْح الْبَاطِن من الْجِسْم الْحَاوِي المماس للسطح الظَّاهِر من الْجِسْم المحوي وَهَذَا مَذْهَب الْمَشَّائِينَ. وعَلى الثَّانِي أَي على أَن يكون منقسما فِي الْجِهَات يكون بعدا منقسما فِي جَمِيع الْجِهَات مُسَاوِيا للبعد الَّذِي فِي الْجِسْم بِحَيْثُ ينطبق ذَلِك الْبعد على هَذَا الْبعد ساريا فِيهِ بكليته فَذَلِك الْبعد الَّذِي هُوَ الْمَكَان إِمَّا يكون أمرا موهوما يشْغلهُ الْجِسْم ويملأه على سَبِيل التَّوَهُّم وَهَذَا مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين - وَإِمَّا أَن يكون أمرا مَوْجُودا وَلَا يجوز أَن يكون بعدا ماديا أَي مَنْسُوبا إِلَى الْمَادَّة أَي الهيولى بِسَبَب قِيَامه بهَا. وَأَنت تعلم أَن الهيولى لَا تنفك عَن الصُّورَة فَالْمَعْنى أَنه لَا يجوز أَن يكون ذَلِك الْبعد قَائِما بالجسم وَلَا يلْزم من حُصُول الْجِسْم فِيهِ تدَاخل الْأَجْسَام لِأَن الْبعد المادي المنقسم فِي الْجِهَات كلهَا هُوَ الْجِسْم التعليمي الْقَائِم بالجسم الطبيعي الساري فِي جَمِيع الْجِهَات. فَلَو تمكن فِيهِ جسم لَكَانَ بِدُخُول مِقْدَار ذَلِك الْجِسْم ونفوذه فِيهِ وَهَذَا لَا يتَصَوَّر إِلَّا بتداخل الْجِسْم المتمكن فِي الْجِسْم الْحَاوِي وَأَنه محَال. وَأَيْضًا لَو كَانَ الْمَكَان بعدا ماديا قَائِما بالجسم يلْزم التسلسل فِي الموجودات الخارجية لِأَن مَكَان الْجِسْم الَّذِي يقوم الْبعد لَا ينْتَقل بانتقاله وَأَنه محَال فَيكون مَكَانَهُ بعدا آخر قَائِما بجسم آخر وننقل الْكَلَام إِلَيْهِ فَيلْزم التسلسل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 قطعا. فَثَبت أَن الْمَكَان المنقسم فِي جَمِيع الْجِهَات بعد مُجَرّد عَن الْمَادَّة وَهَذَا مَذْهَب الإشراقيين. وَيجب أَن يكون جَوْهَر الْقِيَامَة بِذَاتِهِ وتوارد الممكنات عَلَيْهِ مَعَ بَقَاء شخصه. فَكَانَ ذَلِك الْبعد الْمُجَرّد عِنْد الإشراقيين جَوْهَر متوسط بَين الجوهرين أَعنِي بَين الْجَوْهَر الْمُجَرّد الَّذِي لَا يقبل الْإِشَارَة الحسية وَبَين الْجِسْم الَّذِي يقبلهَا أَي الْجَوْهَر المادي الكثيف فَافْهَم. فَإِن هَذَا تَحْرِير الْمذَاهب وَأَن هَذَا الْغَرِيب المستهام لم يتعهد لدفع مَا يرد عَلَيْهِ من أَن تدَاخل الْجَوْهَر أَيْضا محَال كتداخل الْأَجْسَام. وَأَن الْبعد لما كَانَ منقسما فِي جَمِيع الْجِهَات فَكَانَ قَابلا للانفصال والاتصال. وَقد تقرر أَن الْقَابِل لَهما هُوَ الهيولى وَهِي الْمَادَّة فَكيف يكون ذَلِك الْبعد مُجَردا عَن الْمَادَّة. ثمَّ إِن الْمذَاهب الْمَشْهُورَة فِي الْمَكَان هِيَ الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة. لِأَن بَعضهم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْمَكَان هُوَ الهيولى وَبَعْضهمْ إِلَى أَنه هُوَ الصُّورَة. وَذكر الْعَلامَة فِي حَاشِيَته على الْعين فِي الْحِكْمَة أَنه قيل إِن الْمَكَان هُوَ السَّطْح الْمُطلق فللفلك الْأَعْلَى مَكَان بِهَذَا الْمَعْنى - وَاعْلَم أَن الْبعد هُوَ الْمِقْدَار وَهُوَ مَا يَنْقَسِم مُطلقًا لَكِن لَا يذكرُونَهُ فِي مَاهِيَّة الْمَكَان لِأَن الْمُتَبَادر مِنْهُ الْمِقْدَار العرضي وَهُوَ غير مُرَاد هَا هُنَا كَمَا علمت. الْمَكَان الْمُبْهم: مُفَسّر بالجهات السِّت. يَعْنِي أَنهم قَالُوا إِن الْمَكَان الْمُبْهم هُوَ الْجِهَات السِّت. وَهِي أَمَام وَخلف وَيَمِين وشمال وَفَوق وَتَحْت وَمَا فِي مَعْنَاهَا كالقدام وَغير ذَلِك - وَعرفُوا الْمَكَان الْمُبْهم بمَكَان لَهُ اسْم تَسْمِيَته بِهِ بِسَبَب أَمر غير دَاخل فِي مُسَمَّاهُ كالخلف فَإِن تَسْمِيَة ذَلِك الْمَكَان بالخلف إِنَّمَا هُوَ بِسَبَب كَون الْخلف فِي جِهَة وَهُوَ غير دَاخل فِي مُسَمَّاهُ. الْمَكَان الْمعِين: هُوَ مَكَان لَهُ اسْم تَسْمِيَته بِهِ بِسَبَب أَمر دَاخل فِي مُسَمَّاهُ كَالدَّارِ فَإِن تَسْمِيَة الْمَكَان بهَا إِنَّمَا هِيَ بِسَبَب الْحَائِط والسقف وَغَيرهمَا وكل مِنْهَا دَاخل فِي مسماها. الْمكَاتب: اسْم مفعول من كَاتب يُكَاتب. وَهُوَ عِنْد الشَّرْع العَبْد الَّذِي كَاتبه مَوْلَاهُ. وتفصيله فِي الْكِتَابَة وَجَاء مصدرا ميميا أَيْضا بِمَعْنى الْكِتَابَة كَمَا وَقع فِي كنز الدقائق كتاب الْكَاتِب أَي هَذَا مَكْتُوب فِي بَيَان أَحْوَال الْكِتَابَة ومفهومها عِنْد الشَّارِع. وَإِنَّمَا لم نقل كتاب الْكِتَابَة احْتِرَازًا عَن التّكْرَار فِي الْكِتَابَة فَتَأمل. المكرر: من التكرير والحرف المكرر فِي مخرجه هُوَ الرَّاء. لِأَنَّك إِذا وَقعت عَلَيْهِ يتَغَيَّر لما فِيهِ من التكرير فَهُوَ فِي مخرجه حرف مُكَرر ثقيل - وَلِهَذَا بنى فعال الَّتِي علم مؤنث من ذَوَات الرَّأْي بالِاتِّفَاقِ مثل حضار وطمار. المكعب: فِي الأسطوانة. الْمَكْر: من جَانب الْحق تَعَالَى شَأْنه إرداف النِّعْمَة مَعَ الْمُخَالفَة وإلقاء الْحَال مَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 سوء الْأَدَب. وَمن جَانب العَبْد إِيصَال الْمَكْرُوه إِلَى الْإِنْسَان من حَيْثُ لَا يشْعر. المكاري الْمُفلس: هُوَ الَّذِي يكاري الدَّابَّة وَيَأْخُذ الْكِرَاء فَإِذا جَاءَ أَوَان السّفر لَا دَابَّة لَهُ. الْمَكْرُوه تحريمي وتنزيهي: فَإِن الْمَكْرُوه مُطلقًا مَا هُوَ رَاجِح التّرْك. فَإِن كَانَ إِلَى الْحَرَام أقرب يكون مَكْرُوها تحريميا وكراهته تحريمية. وَإِن كَانَ إِلَى الْحل أقرب يكون مَكْرُوها تنزيهيا وكراهته تنزيهية. وَالتَّفْصِيل فِي الْكَرَاهِيَة. الْمُكَافَأَة: مُقَابلَة الْإِحْسَان بِمثلِهِ أَو زِيَادَة وَالأَصَح تعميمها بِأَن يُقَال هِيَ مُقَابلَة عمل خيرا أَو شرا بجزائه. وَفِي كتب اللُّغَة الْمُكَافَأَة (جزا - وَبرا بَرى - وكسى رابكردار اوباداش دادن) - وَيشْهد بتعميمها هَذَا الشّعْر: (كندم از كندم برويد جوزجو ... از مكافات عمل غافل مشو) المكرمية: أَصْحَاب مكرم الْعجلِيّ قَالُوا تَارِك الصَّلَاة كَافِر لَا لترك الصَّلَاة بل لجهله بِاللَّه تَعَالَى. المكثر: فِي الْجِزْيَة. (بَاب الْمِيم مَعَ اللَّام) الملاء الْمُتَشَابه: قيل هُوَ جسم لَا يُوجد فِيهِ أُمُور مُخْتَلفَة الْحَقَائِق - وَقيل المُرَاد مِنْهُ الْجِسْم الْغَيْر المتناهي فَإِن حمل الْأُمُور فِي الْمَعْنى الأول على الْأَجْزَاء فَبين الْمَعْنيين عُمُوم من وَجه لتصادقهما فِي الْجِسْم الْغَيْر المتناهي الْمُتَّفق الْأَجْزَاء فِي الْحَقِيقَة - وتفارقهما فِي المتناهي الْمُتَّفق الْأَجْزَاء وَغير المتناهي الْمُخْتَلف الْأَجْزَاء - وَإِن حمل الْأُمُور على الْحُدُود فمآلهما وَاحِد. وَقيل المُرَاد مِنْهُ الْجِسْم الْغَيْر المتناهي الَّذِي لَا يُوجد فِيهِ أُمُور متخالفة الْحَقِيقَة. وَهَذَا الْمَعْنى أخص مُطلقًا من الْمَعْنيين السَّابِقين والتشابه فِي الملاء أَن يكون أجزاؤه متفقة الطبائع. الملابسة: فِي الْمُقَارنَة. الْملك: بِالضَّمِّ وَسُكُون اللَّام السلطنة - وبفتح الأول وَكسر الثَّانِي السُّلْطَان وَجمعه الْمُلُوك - وَقد يُطلق على عدَّة بقاع وبلاد وأمصار وقريات وأراضيها - وَجَمعهَا الممالك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 وَعند أهل الْحَقَائِق عَالم الشَّهَادَة من المحسوسات الْغَيْر العنصرية كالعرش والكرسي وَغير ذَلِك. والعنصرية وَهِي كل جسم يتركب من الاسطقسات الْأَرْبَعَة - (وبالفتحتين) فرشته وَهُوَ جسم لطيف نوارني يتشكل بأشكال مُخْتَلفَة وَكَانَ فِي الأَصْل مألك بِسُكُون الْهمزَة من الألوك بِالْفَتْح أَي الرسَالَة - قدم اللَّام على الْهمزَة فَصَارَ ملئكا وحذفت الْهمزَة للتَّخْفِيف فَصَارَ ملكا. وَإِنَّمَا سمي الْملك ملكا لِأَن الْملك يَأْتِي بالألوك أَي الرسَالَة وَجمعه الْمَلَائِكَة - وبكسر الْمِيم وَسُكُون اللَّام مَالك شدن وَجَاء بِمَعْنى الْمَمْلُوك أَيْضا وَفِي الْفِقْه الْملك بِالْكَسْرِ مَا من شَأْنه أَن يتَصَرَّف بِوَصْف الِاخْتِصَاص بِأَن يتَصَرَّف هُوَ دون غَيره. وَأَيْضًا فِي اصْطِلَاح الْفِقْه الْملك اتِّصَال شَرْعِي بَين الْإِنْسَان وَبَين شَيْء يكون سَببا لتصرفه فِيهِ ومانعا عَن تصرف غَيره فِيهِ كَمَا مر فِي المَال. وَعند الْحُكَمَاء الْملك بِالْكَسْرِ مقولة من المقولات التِّسْعَة للعرض وعرفوه بالهيئة الْحَاصِلَة للجسم بِسَبَب إحاطة جسم آخر ينْتَقل بانتقال الْجِسْم المحاط كالهيئة الْحَاصِلَة للجسم بِسَبَب التعمم والتقمص - وَيُقَال للْملك جدة أَيْضا. وَإِن أردْت دراية نور الْهِدَايَة لينكشف عَنْك ظلمَة التَّعَارُض وظلام التَّنَاقُض ويتضح لَك صِرَاط مُسْتَقِيم وَطَرِيق قويم إِلَى أَن النِّسْبَة بَين الرّقّ وَالْملك من النّسَب الْأَرْبَع مَا هُوَ فاستمع لما أَقُول إِن أول مَا يُوصف بِهِ الماسور الرّقّ وَلَا يُوصف بِالْملكِ إِلَّا بعد الْإِخْرَاج من دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام وَإِن الْكفَّار فِي دَارهم قبل الْإِحْرَاز والإخراج أرقاء وَإِن لم يكن عَلَيْهِم ملك لأحد فهم حِينَئِذٍ أرقاء لَا مماليك. وَلِهَذَا قَالَ صَاحب جَامع الرموز شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة عِنْد شرح ونملك بهما حرهم أَي ونملك نَحن بِالِاسْتِيلَاءِ والإحراز حرهم. وَفِيه إِشْعَار بِأَن الْكفَّار فِي دَارهم أَحْرَار وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُم أرقاء فِيهَا. وَإِن لم يكن ملك عَلَيْهِم لأحد على مَا فِي عتاق الْمُسْتَصْفى انْتهى. وَإِن الرّقّ خَاص بالإنسان بِخِلَاف الْملك فَإِنَّهُ يُوجد فِيهِ وَفِيمَا سواهُ من سَائِر الْحَيَوَانَات والجمادات كالعروض وَالْعَقار وَهَذِه مُقَدمَات يتَوَقَّف عَلَيْهَا معرفَة النِّسْبَة بَينهمَا فَاعْلَم أَن الْجُمْهُور مِنْهُم صَاحب غَايَة الْبَيَان ذَهَبُوا إِلَى أَن بَينهمَا عُمُوما من وَجه وشارح الْوِقَايَة الَّذِي هُوَ مصَارِع الْعلمَاء خَالف الْجُمْهُور وَتفرد عَنْهُم كَمَا هُوَ دأبه حَيْثُ صرح بِالْعُمُومِ الْمُطلق بَينهمَا. وتوضيح هَذَا الْمُجْمل أَن حَاصِل عِبَارَات الْجُمْهُور فِي تعريفي الرّقّ وَالْملك أَن الرّقّ هُوَ الذل الَّذِي رَكبه الله تَعَالَى على عباده جَزَاء استنكافهم عَن طَاعَته تَعَالَى. وَالْملك هُوَ تمكن الْإِنْسَان من التَّصَرُّف فِي غَيره. وَقَالَ الْفَاضِل الْكَامِل أَبُو المكارم فِي شرح النقاية أما الْملك فَهُوَ حَالَة شَرْعِيَّة مقتضية لإِطْلَاق التَّصَرُّف فِي محلهَا لَوْلَا الْمَانِع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 من إِطْلَاقه كملك الْخمر - وَأما الرّقّ فَهُوَ ضعف شَرْعِي فِي الْإِنْسَان يُوجب عَجزه عَن دفع تملك الْغَيْر إِيَّاه وَعَن الْولَايَة كَالشَّهَادَةِ والمالكية. وَفِي مَوضِع آخر وَقد نبهناك أَن الرّقّ أَعم من الْملك من وَجه. وَقَالَ صَاحب غَايَة الْبَيَان وَاعْلَم أَن بَين الْملك وَالرّق مُغَايرَة لِأَن الرّقّ ضعف حكمي يصير بِهِ الشَّخْص عرضة للتَّمْلِيك والابتذال شرع جَزَاء للكفر الْأَصْلِيّ. وَالْملك عبارَة من الْمُطلق الحاجز أَي الْمُطلق للتَّصَرُّف لمن قَامَ بِهِ الْملك الحاجز عَن التَّصَرُّف لغير من قَامَ بِهِ. وَقد يُوجد الرّقّ وَلَا ملك ثمه كَمَا فِي الْكَافِر الْحَرْبِيّ فِي دَار الْحَرْب والمستأمن فِي دَار الْإِسْلَام لأَنهم خلقُوا أرقاء جَزَاء للكفر وَلَكِن لَا ملك لأحد عَلَيْهِم. وَقد يُوجد الْملك وَلَا رق كَمَا فِي الْعرُوض والبهائم لِأَن الرّقّ مُخْتَصّ ببني آدم وَقد يَجْتَمِعَانِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرك انْتهى. فَظهر من هَذَا الْمَذْكُور أَن النِّسْبَة بَينهمَا عِنْدهم الْعُمُوم من وَجه - ومادة الِافْتِرَاق من قبل الرّقّ الْكَافِر الْمُسْتَأْمن فِي دَار الْإِسْلَام وَالْكَافِر فِي دَار الْحَرْب سَوَاء لم يكن مسبيا أَو كَانَ مسبيا لَكِن لم يخرج من دَار الْحَرْب وَلم ينْقل إِلَى دَار الْإِسْلَام لتحَقّق الذل الَّذِي هُوَ جَزَاء الاستنكاف وَوُجُود الضعْف الْحكمِي الَّذِي يَقْتَضِي الْعَجز أَو يصير بِسَبَبِهِ عرضة للْبيع وَلَا ملك لأحد فيهمَا لعدم تملك التَّصَرُّف وَعدم الْمُطلق الحاجز على كلا التفسيرين المتحدين فِي الْمَآل لما مر - وَلِهَذَا لَا يجوز التَّصَرُّف فِي السبايا فِي دَار الْحَرْب بالوطي وَالْبيع أَو غَيرهمَا كَمَا هُوَ مُصَرح فِي مَوْضِعه. ومادة الِافْتِرَاق من جَانب الْملك البهايم وَالْعرُوض مثلا فَإِنَّهَا مَمْلُوكَة لَا مرقوقة لاخْتِصَاص الرّقّ بالإنسان كَمَا علمت - ومادة الِاجْتِمَاع والتصادق السبايا بعد انتقالهم من دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام لما مر. أَلا ترى أَنهم صَرَّحُوا بتحقق الْملك فيهم وَالرّق أَيْضا وَلذَا قَالُوا إِن الرّقّ بَاقٍ إِلَى الْعتْق وَالْعِتْق لَا يكون إِلَّا بعد الِانْتِقَال. فَإِن قيل صَاحب غَايَة الْبَيَان مثل لمادة الِاجْتِمَاع بِالْعَبدِ الْمُشْتَرك وَخص هَذَا الْمِثَال بِالذكر وَاخْتَارَهُ من الْأَمْثِلَة لَهَا مَعَ خفائه وجلاء مَا سواهُ فِي التطبيق بالممثل فَلَا بُد من مُرَجّح قُلْنَا لما كَانَ فِي الْمِثَال الْمَذْكُور خَفَاء ومظنة أَن لَا يكون مندرجا تَحت الممثل مثله بِهِ ليَكُون متضمنا لدفع تِلْكَ المظنة الَّتِي تنشأ من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَنهم صَرَّحُوا بِأَن الرّقّ حق الله تَعَالَى وَالْملك حق العَبْد وَأَن الْملك يتجزى وَالرّق لَا يتجزى فَالْعَبْد الْمُشْتَرك كُله رَقِيق لحقه تَعَالَى وَلَيْسَ بمملوك لأحد الشَّرِيكَيْنِ وَالْملك الْمُضَاف إِلَى الْمَجْمُوع يُرَاد بِهِ ملك الْمَجْمُوع أَلا ترى أَنه تقرر فِي الْأُصُول أَن رجلا إِذا قَالَ إِن ملكت عبدا فَهُوَ حر فَاشْترى نصفه ثمَّ بَاعه ثمَّ اشْترى نصفه الآخر لَا يعْتق عَلَيْهِ هَذَا النّصْف فَلَو اشْتَمَل الْملك الْمُضَاف إِلَى العَبْد على ملك شقصه لعتق هَذَا النّصْف لتحَقّق الشَّرْط فَفِي الْمِثَال الْمَذْكُور أَعنِي العَبْد الْمُشْتَرك يصدق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 أَنه لَيْسَ بمملوك لأحد فَإِن كل وَاحِد لَا يملكهُ مَعَ أَنه مرقوق فيظن أَنه لَا يصلح لِأَن يكون مَادَّة الِاجْتِمَاع ومثالا لَهَا. وَدفع هَذِه المظنة بِأَن يُقَال لَا يلْزم من أَن لَا يكون مَمْلُوكا. لأَحَدهمَا: أَن لَا يكون مَمْلُوكا لكليهما فمجموعه مَمْلُوك لمجموعهما فتحقق الْملك أَيْضا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَجْمُوع فيصلح لِأَن يكون مَادَّة الِاجْتِمَاع ومثالا لَهَا. وَثَانِيهمَا: أَنه يُمكن أَن يُقَاس العَبْد الْمُشْتَرك على الْغَنِيمَة بعلة الِاشْتِرَاك فَإِن الِاشْتِرَاك مِمَّا هُوَ مَانع عَن الْملك فِي الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة. كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون مَانِعا فِي العَبْد الْمُشْتَرك فَلَا يكون مَمْلُوكا لأحد فَلَا يصطلح مثلا لمادة اجْتِمَاع الْملك وَالرّق. وَدفعه بِأَنَّهُ قِيَاس مَعَ الْفَارِق فَإِن الِاشْتِرَاك فِي الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة اشْتِرَاك تعلق الْحُقُوق وَهُوَ لَا يَقْتَضِي الْملك وَفِي العَبْد الْمُشْتَرك اشْتِرَاك الْملك وَهُوَ يَقْتَضِي الْملك فضلا عَن أَن يكون مَانِعا عَن الْملك. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن شَارِح الْوِقَايَة صرح بِالْعُمُومِ الْمُطلق بَين الرّقّ وَالْملك لِأَنَّهُ قَالَ فِي شرح الْوِقَايَة وَاعْلَم أَن الرّقّ هُوَ عجز شَرْعِي يثبت فِي الْإِنْسَان أثرا للكفر وَهُوَ حق الله تَعَالَى. وَأما الْملك فَهُوَ اتِّصَال شَرْعِي بَين الْإِنْسَان وَبَين شَيْء يكون مُطلقًا لتصرفه فِيهِ وحاجزا عَن تصرف الْغَيْر. فالشيء يكون مَمْلُوكا وَلَا يكون مرقوقا لَكِن لَا يكون مرقوقا إِلَّا وَأَن يكون مَمْلُوكا انْتهى. وَإِنَّمَا نشأت الْمُخَالفَة بتفسيره الرّقّ بِالْعَجزِ الشَّرْعِيّ وَأَنَّهُمْ فسروه بالذل الْمَذْكُور أَو الضعْف المسطور. فالكافر فِي دَار الْحَرْب مسبيا كَانَ أَو لَا عِنْدهم مرقوق لوُجُود الذل والضعف الْحكمِي لَا مماليك لما مر. وَعِنْده الْكَافِر الْغَيْر المسبي فِي دَار الْحَرْب حر لعدم الْعَجز الشَّرْعِيّ فِيهِ لتملكه الشَّهَادَة والمالكية شرعا ولقدرته على دفع تملك الْغَيْر إِيَّاه - فَإِن أحدا لَا يقدر شرعا أَن يَتَمَلَّكهُ فِي ذَلِك الْحِين فَلَا يتَحَقَّق الْعَجز عَن ذَلِك الدّفع الْمَذْكُور إِلَّا بعد الْإِحْرَاز فَحِينَئِذٍ يتَحَقَّق الْملك أَيْضا فَثَبت على مَا عرف الرّقّ بِهِ أَن كل رَقِيق مَمْلُوك وَلَا عكس. وَلَكِن يرد عَلَيْهِ منع هَذِه الْكُلية بِسَنَد أَن العَبْد الْمَبِيع بِشَرْط خِيَار المُشْتَرِي دون البَائِع رَقِيق وَلَيْسَ بمملوك عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لِأَنَّهُ يخرج عَن ملك البَائِع وَلَا يدْخل فِي ملك المُشْتَرِي عِنْده خلافًا لَهما. وَأَن العَبْد الَّذِي اشْتَرَاهُ مُتَوَلِّي الْوَقْف لخدمة الْوَقْف فَإِنَّهُ خرج عَن ملك البَائِع للْبيع وَلم يدْخل فِي ملك المُشْتَرِي لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ من مَال الْوَقْف. وَأَن العَبْد من التَّرِكَة المستغرقة بِالدّينِ رَقِيق وَلَيْسَ بمملوك أَيْضا لِأَنَّهُ خرج عَن ملك الْمَيِّت وَلم يدْخل فِي ملك الْوَرَثَة وَلَا للْغُرَمَاء كَمَا فِي بَحر الرَّائِق وَغَيره. فَهَذِهِ العبيد الثَّلَاثَة أرقاء وَلَيْسوا بمماليك فَقَوله لَا يكون مرقوقا إِلَّا وَأَن يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 مَمْلُوكا لَيْسَ بِصَحِيح فَلَا يثبت الْعُمُوم الْمُطلق بَين الرّقّ وَالْملك على مَا عرفهما بِهِ. إِلَّا أَن يُقَال إِنَّه اخْتَار أَن التصادق الْمُعْتَبر فِي النّسَب إِيجَابا وسلبا لَيْسَ بمشروط بِأَن يكون فِي زمَان وَاحِد بل يَكْفِي أَن يصدق كلي فِي زمَان على مَا يصدق عَلَيْهِ الْكُلِّي الآخر وَإِن كَانَ فِي زمَان آخر فَكَمَا أَن بَين النَّائِم والمستيقظ تَسَاويا كَذَلِك بَين النَّائِم المستلقي والمستيقظ عُمُوما مُطلقًا كَمَا ذكرنَا فِي تَحْقِيق التَّسَاوِي فَحِينَئِذٍ يصدق أَن كل مَا هُوَ رَقِيق فَهُوَ مَمْلُوك وَأَن تغاير زَمَانا الصدْق كَمَا يصدق كل نَائِم مستلق فَهُوَ مستيقظ وَإِن كَانَ نَائِما فِي زمَان ومستيقظا فِي زمَان آخر. فَإِن قيل إِن النزاع بَينه وَبَين الْجُمْهُور لَفْظِي أَو معنوي. قُلْنَا لَفْظِي مَنُوط باخْتلَاف التفسيرين كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ آنِفا بقولنَا وَإِنَّمَا نشأت الْمُخَالفَة بتفسيره الرّقّ إِلَى آخِره. فَإِن قلت اعْترض صَاحب جَامع الرموز شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة على شَارِح الْوِقَايَة المُصَنّف لمختصر الْوِقَايَة بقوله فَمَا ذكره المُصَنّف وَغَيره أَن الرّقّ لم يُوجد بِلَا ملك فَلَا يَخْلُو عَن شَيْء فالرق عجز شَرْعِي لأثر الْكفْر انْتهى. فَهُوَ فسر الرّقّ بِمَا فسره بِهِ شَارِح الْوِقَايَة مَعَ أَنه قَائِل بِالْعُمُومِ من وَجه بَينهمَا. فَيعلم من هَا هُنَا أَن النزاع معنوي قُلْنَا أَرَادَ صَاحب جَامع الرموز بِالْعَجزِ الشَّرْعِيّ مَا هُوَ بِالْقُوَّةِ فَيتَحَقَّق حِينَئِذٍ فِي الْحَرْبِيّ فِي دَار الْحَرْب والمستأمن فِي دَارنَا. وَصَاحب شرح الْوِقَايَة الْقَائِل بِالْعُمُومِ الْمُطلق يُرِيد بِهِ مَا هُوَ فِي الْحَال فَافْتَرقَا. فَإِن قيل أَي شَيْء حمل صَاحب شرح الْوِقَايَة على تَفْسِير الرّقّ بِمَا ذكر وَالْقَوْل بِالْعُمُومِ الْمُطلق بَينه وَبَين الْملك حَتَّى لَزِمته الْمُخَالفَة مَعَ الْجُمْهُور. قُلْنَا لَعَلَّ منشأ ذَلِك التَّفْسِير وَالْقَوْل الْمَذْكُور المستلزم للمخالفة المسطورة مَا رأى من أَنهم جعلُوا اخْتِلَاف الدَّاريْنِ سَببا مُسْتقِلّا من الْمَوَانِع الْخَمْسَة للإرث مَعَ جعلهم الرّقّ أَيْضا سَببا للْمَنْع الْمَذْكُور. فَلَو كَانَ الرّقّ متحققا فِي الْحَرْبِيّ فِي دَار الْحَرْب والمستأمن فِي دَار الْإِسْلَام للغات اعْتِبَار اخْتِلَاف الدَّاريْنِ فَإِن اخْتِلَاف الدَّاريْنِ حَقِيقَة أَو حكما إِمَّا بِأَن يكون بَين مُسلمين بِأَن مَاتَ مُسلم فِي دَار الْإِسْلَام وورثته فِي دَار الْكفْر أَو بِالْعَكْسِ وَهُوَ لَا يمْنَع التَّوَارُث لتصريحهم بجري التَّوَارُث بَينهمَا لاخْتِصَاص منع الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور بالكفار كَمَا مر فِي مَوْضُوعه. أَو بَين الذِّمِّيّ وَالْحَرْبِيّ أَو بَين الذِّمِّيّ والمستأمن أَو بَين الْحَرْبِيين فِي دارين أَو المستأمنين من دارين فعلى تَحْقِيق الرّقّ فِي الْحَرْبِيّ والمستأمن ثَبت الْمَنْع عَن الْإِرْث بعلة الرّقّ فَلَا حَاجَة إِلَى عد اخْتِلَاف الدَّاريْنِ سَببا بِرَأْسِهِ وَجعله مَانِعا مُسْتقِلّا من مَوَانِع الْإِرْث. فَإِن قيل: مَا حَال الْقَائِلين بِالْعُمُومِ من وَجه قُلْنَا الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ من وَجه يوجهونه بِأَنَّهُم أَرَادوا بِالرّقِّ هُنَاكَ الْملك بطرِيق التَّجَوُّز وينادي على هَذِه الْإِرَادَة استدلالهم على سَبَبِيَّة الرّقّ للْمَنْع عَن الْإِرْث بقَوْلهمْ لِأَن الرَّقِيق مُطلقًا لَا يملك المَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 بِسَائِر أَسبَاب الْملك فَلَا يملكهُ أَيْضا بِالْإِرْثِ وَلِأَن جَمِيع مَا فِي يَده من المَال فَهُوَ لمَوْلَاهُ إِلَى آخر مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي شرح السراجي. وَأَنت تعلم أَن الْحَرْبِيّ والمستأمن يملكَانِ بِسَائِر أَسبَاب الْملك وَلَيْسَ لَهما مولى يملك مَا فِي أَيْدِيهِمَا على أَنا لَا نسلم جري التَّوَارُث بَين الْمُسلمين الْمُخْتَلِفين بداري الْكفْر وَالْإِسْلَام مُطلقًا لتصريح صَاحب الْبَسِيط وشارحه بِعَدَمِ التَّوَارُث بَين الْمُسلم المُهَاجر وَالَّذِي لم يُهَاجر فلعلهم عدوا ختلاف الدَّاريْنِ سَببا مُسْتقِلّا لذَلِك. هَذَا خُلَاصَة مَا كتبني بعد استفساري السَّيِّد الْأَجَل الْعَالم الْعَامِل المتوحد فِي التَّقْرِير. المتفرد فِي التَّحْرِير. علم الْهدى عَلامَة الورى سيد نور الْهدى ابْن أستاذ الْكل فِي الْكل زبدة الْمُحَقِّقين عُمْدَة المدققين ركن الْإِسْلَام وملاذ الْمُسلمين سيد قمر الدّين الْحُسَيْنِي النقشبندي الخجندي البالابوري خلد الله ظلالهما وأفاض على الْعَالمين برهما ونوالهما. الملكة: صفة راسخة للنَّفس فَإِن للنَّفس تحصل هَيْئَة أَي صفة بِسَبَب فعل من الْأَفْعَال وَيُقَال لتِلْك الْهَيْئَة عِنْد الْحُكَمَاء كَيْفيَّة نفسانية ثمَّ هِيَ تسمى حَالَة مَا دَامَت سريعة الزَّوَال. فَإِذا صَارَت بطيئة الزَّوَال وَحصل لَهَا الرسوخ بالتكرار وممارسة النَّفس بهَا تسمى ملكة. الملال: فتور يعرض للْإنْسَان من كَثْرَة مزاولة شَيْء فَيُوجب الكلال والإعراض عَنهُ. الْمُلَازمَة: واللزوم والتلازم فِي اللُّغَة امْتنَاع انفكاك شَيْء عَن آخر وَفِي الِاصْطِلَاح كَون أَمر مقتضيا لآخر على معنى أَنه يكون بِحَيْثُ لَو وَقع يَقْتَضِي وُقُوع أَمر آخر كطلوع الشَّمْس للنهار وَالنَّهَار لطلوع الشَّمْس. وكالدخان للنار فِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَالنَّار للدخان كَذَلِك. وَإِن كَانَ الدُّخان مرئيا فِي النَّهَار وَغير مرئي فِي اللَّيْل. الْمُلَازمَة الْعَقْلِيَّة: عدم إِمْكَان تصور الْمَلْزُوم بِدُونِ تصور لَازمه لِلْعَقْلِ. الْمُلَازمَة العادية: هِيَ أَن يُمكن لِلْعَقْلِ تصور الْمَلْزُوم بِدُونِ تصور لَازمه كفساد الْعَالم على فرض تعدد الْآلهَة لِإِمْكَان الِاتِّفَاق. الملامتية: هم الَّذين يواظبون على الْفَرَائِض والنوافل ويستقيمون على الشَّرِيعَة الظَّاهِرَة وَلَكِن يكتمونها عَن الْخلق احْتِرَازًا عَن الرِّيَاء ويجتهدون فِي تحقق كَمَال الْإِخْلَاص. الْملَّة: هِيَ الشَّرِيعَة من حَيْثُ إِنَّهَا تملي. أَو من حَيْثُ إِنَّهَا تَجْتَمِع عَلَيْهَا مِلَّة. فَإِن قيل إِن الْملَّة مضاعف لِأَنَّهَا من الإملال والإملاء نَاقص فَكيف يَصح الْوَجْه الأول. قُلْنَا جَاءَ الإملال بِمَعْنى الْإِمْلَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 الْملك يشْتَرط لآخر الشَّرْطَيْنِ: فِي الشَّرْط. الملوان: اللَّيْل وَالنَّهَار. الْمُلَامسَة: وإلقاء الْحجر والمنابذة هَذِه بُيُوع كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة وَهِي أَن يتساوم الرّجلَانِ على سلْعَة فَإِذا لمسها المُشْتَرِي أَو وضع عَلَيْهَا حَصَاة أَو نبذها إِلَيْهِ البَائِع لزمَه البيع. فَالْأول بيع ملامسة - وَالثَّانِي إِلْقَاء الْحجر - وَالثَّالِث الْمُنَابذَة. والنبذ (بيفكندن) . (بَاب الْمِيم مَعَ الْمِيم) الْمُمكن: هُوَ الَّذِي سلب ضَرُورَة وجوده وَعَدَمه وَهَذَا هُوَ الْمُمكن بالإمكان الْخَاص. وَمن هَا هُنَا يُقَال الْمُمكن هُوَ الَّذِي لَا يلْزم من فرض وُقُوعه محَال. فالممكن بالإمكان الْخَاص هُوَ الَّذِي لَا يكون وجوده وَلَا عَدمه ضَرُورِيًّا يَعْنِي لَا تَقْتَضِي ذَاته وجوده وَلَا عَدمه بل يكون وجوده وَعَدَمه بِمُقْتَضى الْغَيْر كالعالم. والممكن بالإمكان الْعَام هُوَ الَّذِي حكم بسلب ضَرُورَته عَن الْجَانِب الْمُخَالف سَوَاء كَانَ الْجَانِب الْمُوَافق ضَرُورِيًّا أَو لَا. فَإِن كَانَت الْقَضِيَّة مُوجبَة مثل الله مَوْجُود بالإمكان الْعَام كَانَ مَعْنَاهَا أَن سلب الْوُجُود عَن الله تَعَالَى لَيْسَ بضروري. والجانب الْمُوَافق أَعنِي وجوده تَعَالَى ضَرُورِيّ هَا هُنَا. وَمثل الْإِنْسَان كَاتب بالإمكان الْعَام يَعْنِي أَن سلب الْكِتَابَة عَن الْإِنْسَان لَيْسَ بضروري مَعَ أَن ثُبُوت الْكِتَابَة أَيْضا كَذَلِك. وَإِن كَانَت سالبة مثل شريك الْبَارِي لَيْسَ بموجود بالإمكان الْعَام كَانَ مَعْنَاهَا أَن وجوده لَيْسَ بضروري وَأَنت تعلم أَن عَدمه ضَرُورِيّ. فَإِن قلت. إِن عدم الْعقل الأول مثلا مُمكن لكنه يسْتَلْزم الْمحَال أَعنِي عدم الْوَاجِب لِأَن انْتِفَاء الْمَعْلُول يسْتَلْزم انْتِفَاء الْعلَّة فَقَوْلهم إِن الْمُمكن مَا لَا يلْزم مِنْهُ محَال بَاطِل. قلت: عدم الْعقل الأول مثلا لَهُ جهتان. الْإِمْكَان بِالذَّاتِ كَمَا هُوَ الظَّاهِر. والامتناع بِالْغَيْر وَهُوَ امْتنَاع عَدمه تَعَالَى لِأَن وجود الْوَاجِب ضَرُورِيّ فامتناع عَدمه بِالذَّاتِ فلوجود الْعقل الأول وجوب بِالْغَيْر وَامْتِنَاع بِالْغَيْر وَعدم الْعقل الأول من حَيْثُ إِنَّه مُمْتَنع بِالْغَيْر مُسْتَلْزم للمحال الَّذِي هُوَ عدم الْوَاجِب الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ لَا من حَيْثُ إِنَّه مُمكن بِالذَّاتِ فَثَبت أَن الْمُمكن من حَيْثُ إِنَّه مُمكن لَا يلْزم مِنْهُ محَال. وَالْحَاصِل أَنا لَا نسلم أَن كل مُمكن فِي نَفسه لَا يلْزم من فرض وُقُوعه محَال - وَإِنَّمَا يجب عدم لُزُوم الْمحَال من فرض وُقُوعه لَو لم يعرض لَهُ الِامْتِنَاع بِالْغَيْر وَإِن عرض لَهُ الِامْتِنَاع بِالْغَيْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 جَازَ لُزُوم الْمحَال من فرض وُقُوعه بِنَاء على الِامْتِنَاع بِالْغَيْر. فالخلاصة أَن الْمُمكن لَا يلْزم من فرض وُقُوعه محَال بِالنّظرِ إِلَى ذَاته - وَأما بِالنّظرِ إِلَى أَمر زَائِد على نَفسه فَلَا نسلم أَنه يسْتَلْزم الْمحَال. وَمن هَذَا الْجَواب ينْحل كثير من الإشكالات. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَوَاشِيه على شرح المواقف: إِن الْمُمكن بِالْغَيْر أَي بِسَبَب الْغَيْر لَا يتَصَوَّر لِأَنَّهُ لَو كَانَ مُمكنا بِالْغَيْر لَكَانَ فِي ذَاته وَاجِبا أَو مُمْتَنعا فَيلْزم الانقلاب - وَأما الْمُمكن بِالْقِيَاسِ إِلَى الْغَيْر فمتحقق كالواجب تَعَالَى فَإِنَّهُ مُمكن بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا سواهُ إِذْ لَا يَقْتَضِي شَيْء مِنْهُ وجود الْوَاجِب وَلَا عَدمه انْتهى. فَإِن قيل: إِن الْمُمكن بِالْغَيْر مُتَصَوّر بل وَاقع كالواجب بِالْغَيْر والممتنع بِالْغَيْر لِأَن عدم الْمَعْلُول يُوجب عدم علته لكَونه معلولا لعدم علته. فَنَقُول إِن عدم الْعقل الأول الَّذِي هُوَ الْمَعْلُول الأول يُوجب عدم الْوَاجِب الَّذِي هُوَ الْعلَّة فَيكون الْوَاجِب مِمَّا يجْرِي عَلَيْهِ الْعَدَم بِسَبَب الْغَيْر الَّذِي هُوَ عدم الْعقل الأول فَيكون مُمكنا بِالْغَيْر إِذْ الْمَوْجُود الَّذِي يجْرِي عَلَيْهِ الْعَدَم بِسَبَب الْغَيْر مُمكن لَا محَالة. قيل إِن معنى الْإِمْكَان بِالْغَيْر هُوَ تَسَاوِي طرفِي الْوُجُود والعدم وَتلك الْمُسَاوَاة تنَافِي الْوُجُوب الذاتي وَهَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِك فَلَا يكون الْوَاجِب فِي الْمِثَال الْمَذْكُور مُمكنا بِالْغَيْر. وَفِيه أَن المُرَاد بالإمكان لَيْسَ مُسَاوَاة طرفِي الْوُجُود والعدم بِسَبَب الْغَيْر بل هُوَ أَن الْغَيْر لَا يَقْتَضِي شَيْئا من الْوُجُود والعدم على قِيَاس الْوَاجِب بِالْغَيْر والممتنع بِالْغَيْر. فَإِن معنى الأول هُوَ أَن الْغَيْر يَقْتَضِي الْوُجُود. وَمعنى الثَّانِي هُوَ أَن الْغَيْر يَقْتَضِي الْعَدَم. ورد ذَلِك بِأَن مُرَاد من قَالَ بِالْوُجُوب بِالْغَيْر والامتناع بِالْغَيْر دون الْإِمْكَان بِالْغَيْر هُوَ أَن مَا لَا يكون وَاجِبا وممتنعا قد يصير وَاجِبا وممتنعا بِسَبَب الْغَيْر. بِخِلَاف الْمُمكن فَإِن مَا لَا يكون مُمكنا لَا يصير مُمكنا بِسَبَب الْغَيْر - وَالْوَاجِب تَعَالَى أَن اعْتبر الْإِضَافَة إِلَى كَونه عِلّة الْمَعْلُول الأول فَهُوَ من هَذِه الْحَيْثِيَّة غير وَاجِب لذاته. وَإِن اعْتبر مَا يكون وجوده لذاته فَهُوَ وَاجِب لذاته لَا يعرضه الْإِمْكَان من هَذِه الْحَيْثِيَّة. فَافْهَم فَإِنَّهُ من مزال الْأَقْدَام. المكنة الْعَامَّة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بسلب الضَّرُورَة عَن الْجَانِب الْمُخَالف للْحكم كَمَا مر آنِفا. والأمثلة فِي الْمُمكن والإمكان الْعَام أَيْضا وَهِي من الموجهات البسيطة - وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهَا لَيست بقضية بِالْفِعْلِ لعدم اشتمالها على الحكم فَلَا تكون قَضِيَّة فضلا عَن أَن يكون مُمكنَة - وَإِنَّمَا هِيَ قَضِيَّة بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة من الْفِعْل لاشتمالها على الطَّرفَيْنِ وَالنِّسْبَة. وعدها من القضايا كعدهم المخيلات مِنْهَا مَعَ أَنه لَا حكم فِيهَا بِالْفِعْلِ. وعدها من الموجهات بِاعْتِبَار الصُّورَة. وَالَّذِي حملهمْ على هَذَا الْغَلَط عدم فرقهم بَين الثُّبُوت بطرِيق الْإِمْكَان وَإِمْكَان الثُّبُوت وَالْحق أَنَّهَا قَضِيَّة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 بِالْفِعْلِ. وَبَين الثُّبُوت بطرِيق الْإِمْكَان وَإِمْكَان الثُّبُوت مُغَايرَة - فَإِن أصل النِّسْبَة هُوَ الثُّبُوت والإمكان أَمر زَائِد عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَيْفيَّة النِّسْبَة. وَتَحْقِيق الْمقَام أَن مدَار الْقَضِيَّة على ثَلَاثَة معَان - ثَالِثهَا النِّسْبَة الخبرية الَّتِي صورتهَا وَهِي عبارَة عَن نفس الثُّبُوت فِي الحملية وَنَفس الِاتِّصَال فِي الْمُتَّصِلَة وَنَفس الِانْفِصَال فِي الْمُنْفَصِلَة وكل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة أَعم من أَن يكون بِالْفِعْلِ أَو بالإمكان أَو بالدوام أَو بِغَيْرِهِ. فَإِذا حصلت تِلْكَ النِّسْبَة فِي الْعقل حصلت الْقَضِيَّة بِالْفِعْلِ وَإِن اعتبرها الْعقل بِأَن لَهَا بِحَسب وجودهَا فِي الْوَاقِع كَيْفيَّة الْإِمْكَان - فالإمكان وَالْإِطْلَاق حالتان زائدتان على نفس النِّسْبَة وَإِن كَانَ الْمُتَبَادر هُوَ الْإِطْلَاق وَلَا ضير فِيهِ كَمَا فِي الْوُجُود حَيْثُ يتَبَادَر مِنْهُ الْخَارِجِي مَعَ أَنه أَعم مِنْهُ نعم الْإِمْكَان أَضْعَف مَرَاتِب النِّسْبَة وَهُوَ أَمر آخر كَمَا قَالَ الطوسي وَغَيره أَن الْوُجُوب والامتناع دالان على وثاقة الرابطة - والإمكان على ضعفها وَمعنى وُقُوع النِّسْبَة سنح الثُّبُوت سَوَاء كَانَ بالإمكان أَو بِالْإِطْلَاقِ لَا الثُّبُوت بِالْفِعْلِ كَمَا يتَبَادَر. فالممكنة قَضِيَّة بِالْفِعْلِ وموجهة لحُصُول الحكم فِيهَا بِالْفِعْلِ مَعَ الْكَيْفِيَّة الزَّائِدَة وَهِي الْإِمْكَان. وَاعْلَم أَن المُرَاد بِالْفِعْلِ فِي قَوْلهم إِنَّهَا لَيست قَضِيَّة بِالْفِعْلِ - وَقَوْلهمْ إِنَّهَا قَضِيَّة بِالْفِعْلِ هُوَ قسيم الْقُوَّة وَهُوَ كَون الشَّيْء من شَأْنه أَن يكون وَهُوَ كَائِن. الممكنة الْخَاصَّة: هِيَ الممكنة الْعَامَّة الَّتِي حكم فِيهَا بسلب الضَّرُورَة عَن الْجَانِب الْمُوَافق أَيْضا. فَهِيَ قَضِيَّة حكم فِيهَا عَن جَانِبي الْإِيجَاب وَالسَّلب - وَلَا فرق بَين موجبتها وسالبتها فِي الْمَعْنى بل فِي اللَّفْظ حَتَّى إِذا عبرت بِعِبَارَة إيجابية فموجبة. وَبِعِبَارَة سلبية فسالبة. مثل كل إِنْسَان كَاتب بالإمكان الْخَاص - وَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بكاتب بالإمكان الْخَاص وَهِي من القضايا الموجهات المركبة. الْمُمْتَنع: هُوَ الَّذِي يكون عَدمه فِي الْخَارِج ضَرُورِيًّا. فَإِن اقْتَضَاهُ الذَّات فَهُوَ. الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ: وَإِن اقْتَضَاهُ الْغَيْر فَهُوَ. الْمُمْتَنع بِالْغَيْر: وَلَا يجوز أَن يَنْقَلِب الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ إِلَى الْمُمكن بِالذَّاتِ. فَإِن قلت لَا نسلم عدم الْجَوَاز وَسَنَد الْمَنْع مَوْقُوف على تمهيد مُقَدّمَة وَهِي أَن إِمْكَان الْحَادِث الَّذِي ترَاهُ الْآن حَادث وَنحن نثبت هَذِه بِوُجُوه. أَحدهَا: أَن الْحَادِث لَا يُمكن أَن يتَحَقَّق فِي الْأَزَل لِأَن معنى الْحَادِث مَا يكون مَسْبُوقا بِالْعدمِ - وَإِذا لم يُمكن أَن يتَحَقَّق فِي الْأَزَل لم يكن إِمْكَان التحقق فِي الْأَزَل أَيْضا. وَإِلَّا لَكَانَ الْحَادِث مُمكن التحقق فِي الْأَزَل وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض وَإِذا لم يكن إِمْكَانه أزليا يكون حَادِثا - وَثَانِيها: أَنه لَو كَانَ الْإِمْكَان أزليا لَكَانَ ذَات ذَلِك الْحَادِث متحققة فِي الْأَزَل. وَإِلَّا يلْزم تقدم الصّفة على الْمَوْصُوف وَهُوَ محَال لِأَن ثُبُوت الشَّيْء لغيره فرع لثُبُوت ذَلِك الْغَيْر وَلَيْسَ ذَات الْحَادِث مِمَّا يجوز تحَققه فِي الْأَزَل - وَثَالِثهَا: أَنه لَو كَانَ إِمْكَان الْحَادِث فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 الْأَزَل لجَاز أَن يتَحَقَّق ذَلِك الْحَادِث أَيْضا فِيهِ لكنه لَا يتَحَقَّق فِي الْأَزَل لِأَنَّهُ لَو تحقق فِي الْأَزَل لَكَانَ مِمَّا لَا يصدق عَلَيْهِ أثر الْحَادِث والمقدر خِلَافه. وَإِذا عرفت هَذَا فلنرجع إِلَى مَا نَحن بصدد بَيَانه فَنَقُول إِن ذَات زيد الْحَادِث قبل اتصافه بإمكانه الَّذِي ثَبت حُدُوثه لَا شكّ أَنه مَفْهُوم من المفهومات فَهُوَ إِمَّا مُمكن أَو وَاجِب أَو مُمْتَنع لَا جَائِز أَن يكون مُمكنا إِذْ لزيد إِمْكَان وَاحِد وَلَا جَائِز أَن يكون وَاجِبا أَيْضا إِذْ الْوَاجِب يجب أَن يكون مَوْجُودا. وَأَيْضًا على هَذَا الِاحْتِمَال يلْزم الانقلاب الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب فَتعين أَن يكون مُمْتَنعا فَيلْزم انقلاب الْمُمْتَنع بِالذَّاتِ إِلَى الْمُمكن بِالذَّاتِ. وحلها بِمَنْع مُقَدمَات الدَّلَائِل الْمَذْكُورَة على إِثْبَات أَن إِمْكَان الْحَادِث حَادث أما الدَّلِيل الأول وَالثَّالِث فبأن يُقَال لَا نسلم أَنه إِذا كَانَ إِمْكَان الْحَادِث أزليا يلْزم كَون الْحَادِث أَيْضا أزليا. وَمعنى أزلية إِمْكَان زيد مثلا هُوَ أَن زيدا مَاهِيَّة يحكم الْعقل باتصافها بتساوي الْوُجُود والعدم نظر إِلَى ذَاتهَا وَلَا يسْتَلْزم تحقق الْحَادِث فِي الْأَزَل حَتَّى يلْزم خلاف الْمَفْرُوض. - وَأما الدَّلِيل الثَّانِي فبأن الْإِمْكَان من المعقولات الثَّانِيَة الَّتِي يَتَّصِف بهَا الْأَشْيَاء فِي الذِّهْن فكون إِمْكَان زيد صفة لَهُ يَقْتَضِي وجوده فِي ذهن من الأذهان وَإِن كَانَ قَدِيما وَهُوَ لَا يُنَافِي حُدُوث زيد فَتَأمل. الْمَمْدُود: هُوَ الِاسْم الَّذِي يكون فِي آخِره همزَة بعد الْألف كالحمراء والصفراء ورداء وَكسَاء. الممانعة: امْتنَاع السَّائِل عَن قبُول مَا أوجبه الْمُعَلل من غير دَلِيل. (بَاب الْمِيم مَعَ النُّون) الْمنطق: اسْم الْفَاعِل من بَاب الْأَفْعَال وَفِي اصْطِلَاح الْحساب هُوَ الْعدَد الَّذِي يكون لَهُ أحد الكسور التِّسْعَة أَو يكون لَهُ جذر على سَبِيل منع الْخُلُو. وَإِنَّمَا سمي منطقا لِأَنَّهُ نَاطِق بجذره وكسره. وَيحْتَمل أَن يكون اسْم مفعول أَي جعل ناطقا بجذره وكسره وَمُقَابِله الْأَصَم وبفتح الْمِيم إِمَّا مصدر ميمي أَو اسْم مَكَان. والمنطق الَّذِي هُوَ من الْعُلُوم الآلية حَده وكنهه جَمِيع الْمسَائِل الَّتِي لَهَا دخل فِي عصمَة الذِّهْن عَن الْخَطَأ فِي الْفِكر أَو الْقدر المعتد بِهِ مِنْهَا. ورسمه آلَة قانونية تعصم مراعاتها الذِّهْن عَن الْخَطَأ فِي الْفِكر فَهُوَ علم عَمَلي آلي كَمَا أَن الْحِكْمَة علم نَظَرِي غير آلي. فالآلة بِمَنْزِلَة الْجِنْس - والقانونية يخرج الْآلَات الْجُزْئِيَّة لأرباب الصَّنَائِع - وتعصم مراعاتها الذِّهْن عَن الْخَطَأ فِي الْفِكر يخرج الْعُلُوم القانونية الَّتِي لَا تعصم مراعاتها الذِّهْن عَن الْخَطَأ والضلالة فِي الْفِكر بل فِي الْمقَال كالعلوم الْعَرَبيَّة - وَإِنَّمَا سمي هَذَا الْعلم منطقا لِأَن الْمنطق يُطلق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 على الظَّاهِرِيّ وَهُوَ التَّكَلُّم. وعَلى الباطني وَهُوَ إِدْرَاك الكليات. وَهَذَا الْعلم يُقَوي النَّفس الناطقة على إِدْرَاك الكليات ويسلك اللِّسَان فِي التَّكَلُّم مَسْلَك السداد فاشتق لَهُ اسْم من النُّطْق. فالمنطق مصدر ميمي بِمَعْنى النُّطْق وَأطلق على هَذَا الْعلم مُبَالغَة فِي مدخليته فِي تَكْمِيل النُّطْق كَأَنَّهُ هُوَ هُوَ - وَأما اسْم مَكَان كَانَ هَذَا الْعلم مَحل النُّطْق ومظهره. وَاخْتلف فِي أَنه من الْحِكْمَة أم لَا كَمَا مر فِي تَحْقِيق الْحِكْمَة فَانْظُر هُنَاكَ وَإِنَّمَا كَانَ الْمنطق آلَة لِأَنَّهُ وَاسِطَة بَين الْقُوَّة الْعَاقِلَة وَبَين المعلومات الَّتِي ترتبها لِاكْتِسَابِ المجهولات فَإِن الْأَثر الْحَاصِل فِيهَا بترتب الْعَاقِلَة إِيَّاهَا على وَجه الصَّوَاب إِنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَة هَذَا الْفَنّ - وَإِنَّمَا كَانَ قانونا لِأَن مسَائِله قوانين كُلية منطبقة على جزئياتها. فَإِن قيل الْمَنْسُوب يكون مغائرا للمنسوب إِلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَصح حمله عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقَال زيد بَصرِي وَلَا يَصح أَن يُقَال زيد بصرة فَيلْزم أَن يكون الْمنطق آلَة غير القانون قُلْنَا الْمُغَايرَة بَين الْمَنْسُوب والمنسوب إِلَيْهِ لَا يلْزم أَن تكون على وَجه المباينة بل لَا بُد وَأَن يكون بِوَجْه مَا سَوَاء كَانَت على وَجه المباينة. كَمَا إِذا نسب شَيْء إِلَى مباينة مثل زيد بَصرِي أَو بِوَجْه آخر. كَمَا إِذا نسب الْخَاص إِلَى عَامه مثل زيد إنساني. أَو بِالْعَكْسِ مثل جسم حيواني وجسم نباتي. وكما إِذا كَانَ بَينهمَا عُمُوم من وَجه مثل آلَة قانونية والخاتم فضي والجمجمة ترابية. فَالْحَاصِل أَنه إِن أُرِيد بالمغايرة بَين الْمَنْسُوب والمنسوب إِلَيْهِ الْمُغَايرَة بِوَجْه المبانية فَمَمْنُوع - وَإِن أُرِيد الْمُغَايرَة مُطلقًا فَمُسلم وَبَين الْآلَة والقانون مُغَايرَة لِأَن بَينهمَا عُمُوما من وَجه كَمَا لَا يخفى فَلَا إِشْكَال. ثمَّ اعْلَم أَنه قد اتّفقت الآراء على أَن حِكْمَة ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام فِي إِيجَاد الْعُقَلَاء هِيَ معرفَة الذَّات وَالصِّفَات بالاستدلال عَلَيْهِمَا بالآثار والآيات وَهِي متوقفة على الْعلم الْمُسَمّى بالْمَنْطق. وَلذَا حكم الفحول من الْعلمَاء والنحارير من العظماء بفرضية مَعْرفَته علينا. كَيفَ لَا فَإِن الْغَايَة من خلق الْجِنّ وَالْإِنْس إِنَّمَا هِيَ الْعِبَادَة والمعرفة وَكِلَاهُمَا مَوْقُوف على إِثْبَات المعبود وَوُجُود وَاجِب الْوُجُود فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} . المناظرة: عِنْد أَصْحَابهَا توجه المتخاصمين فِي النِّسْبَة بَين الشَّيْئَيْنِ إِظْهَارًا للصَّوَاب مَأْخُوذَة إِمَّا من النظير بِمَعْنى أَن مأخذهما شَيْء وَاحِد. أَو من النّظر بِمَعْنى الإبصار لَا بِمَعْنى الْفِكر وَالتَّرْتِيب. أَو بِمَعْنى الْتِفَات النَّفس إِلَى المعقولات والتأمل فِيهَا. أَو بِمَعْنى الِانْتِظَار. أَو بِمَعْنى الْمُقَابلَة. وَوجه الْمُنَاسبَة أَن فِي الأول إِيمَاء إِلَى أَنه يَنْبَغِي أَن يكون المناظرة بَين متماثلين بِأَن لَا يكون أَحدهمَا فِي غَايَة الْعُلُوّ والكمال وَالْآخر فِي نِهَايَة الدناءة وَالنُّقْصَان والزوال - أما سَمِعْتُمْ أَن رجلا بحاثا من الطلباء المستعدين أَتَى إِلَى بَاب الْأَمِير الْكَبِير وَزِير الممالك نواب سعد الله خَان وَهُوَ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 فَاضلا جيدا - وَقَالَ للبوابين أَخْبرُوهُ أَن طَالب الْعلم جَاءَك للبحث والمناظرة مَعَك. فَطَلَبه فِي الْخلْوَة وَقَالَ أَتُرِيدُ المباحثة مني قَالَ نعم فَقَالَ الْأَمِير المباحثة بيني وَبَيْنك غَدا فتزين فِي الْغَد بمراسم الْإِمَارَة باللباس الفاخر وَالْجُلُوس فِي الْمَكَان العالي مَعَ حشمته وجلاله والأمراء الْعِظَام قائمون حوله بالأدب وَالْوَقار. فَطَلَبه وَقَالَ سل عَمَّا شِئْت فَقَالَ يَا أَمِير رُتْبَة السَّائِل دون رُتْبَة الْمُجيب أَنْت سل فَسَأَلَ الْأَمِير مَتى وَقت صَلَاة الْمغرب فَأجَاب يَا أَمِير وَقتهَا عِنْد غرُوب الْحَشَفَة فَضَحِك الْأَمِير وَسَائِر جُلَسَائِهِ وَقَالَ لم قلت هَكَذَا قَالَ لما رَأَيْت الْأَمِير بِهَذِهِ الشَّوْكَة والجلال غلب الشَّهْوَة عَليّ. فعلكيم أَيهَا الإخوان أَن لَا تنَاظرُوا إِلَّا بمثلكم وَلَا بأجنبي مَسْتُور الْحَال وَلَا فِي مجمع النَّاس خُصُوصا عِنْد كَثْرَة الجهلاء - وَفِي الثَّالِث إِيمَاء إِلَى أَوْلَوِيَّة التَّأَمُّل بِأَن لَا يَقُول مَا لم يتَأَمَّل فِيمَا يُرِيد أَن يَقُول - وَفِي الرَّابِع إِلَى أَنه جدير أَن ينْتَظر أحد المتخاصمين إِلَى أَن يتم كَلَام الآخر لَا أَن يتَكَلَّم فِي وسط كَلَامه. وآداب المناظرة فِي آدَاب الْبَحْث والمناظرة. المناقضة: فِي اللُّغَة إبِْطَال أحد الْقَوْلَيْنِ بِالْآخرِ. وَفِي الِاصْطِلَاح منع مُقَدّمَة مُعينَة من مُقَدمَات الدَّلِيل. وَشَرطه أَن لَا يكون الْمُقدمَة من الأوليات وَلَا من المسلمات - وَأما إِذا كَانَت من التجربيات أَو الحدسيات أَو المتواترات فَيجوز منعهَا لِأَنَّهَا لَيست بِحجَّة على الْغَيْر - وَطَرِيق المناقضة وتفصيلها فِي آدَاب الْبَحْث والمناظرة. من آمن بالنجوم فقد كفر وَمن أنكر عَن النُّجُوم فقد كفر: والتوفيق أَن من اعْتقد أَن للنجوم تأثيرات فِي ذواتها بذواتها فقد كفر بِاللَّه لِأَن الْمُؤثر الْحَقِيقِيّ هُوَ الله الغيور المتكبر لَا شريك لَهُ تَعَالَى شَأْنه وَجل برهانه فِي ملكه. وَمن أنكر عَن النُّجُوم بِأَن لَا تَأْثِير لَهَا أصلا أَي لم يخلق الله تَعَالَى فِيهَا تَأْثِير أَو مَنَافِع فقد كفر لِأَنَّهُ الْحَكِيم على الْإِطْلَاق لم يخلق شَيْئا عَبَثا أعْطى لكل نجم تَأْثِيرا فِي عَالم العناصر وتدبيرا فِيهَا. المنجم: بِالْكَسْرِ الْعَارِف بأحوال النُّجُوم - وبالفتح الْمُؤَقت بأزمنة مُعينَة أَخذ من التَّوْقِيت بِطُلُوع النَّجْم ثمَّ شاع بعد ذَلِك فِي كل وَقت معِين بِحَيْثُ لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان كعشرة أَيَّام وَسِتَّة أَيَّام - وَأما الْمُؤَجل فَهُوَ الْمُؤَقت بآخر الْمدَّة مَعْلُومَة كَانَت أَو لَا كَمَا لَو أجل أَدَاء المَال إِلَى الْحَصاد أَو الدياس هَذَا هُوَ الْفرق بَين المنجم والمؤجل فَافْهَم واحفظ. من حَيْثُ: ذكر السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي حَوَاشِي الْمطَالع أَن قَوْلك من حَيْثُ كَذَا إِيرَاد بِهِ بَيَان الْإِطْلَاق وَأَنه لَا قيد هُنَاكَ كَمَا فِي قَوْلك الْإِنْسَان من حَيْثُ هُوَ. وَقد يُرَاد بِهِ التَّقْيِيد كَمَا فِي قَوْلك النَّار من حَيْثُ إِنَّهَا حارة تسخن. الْمُنَافِق: فِي شرح الْمَقَاصِد أَن الْكَافِر إِن أظهر الْإِيمَان فَهُوَ الْمُنَافِق - وَإِن أظهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 كفره بعد الْإِيمَان فَهُوَ الْمُرْتَد - وَإِن قَالَ بالشريك فِي الألوهية فَهُوَ الْمُشرك - وَإِن تدين بِبَعْض الْأَدْيَان والكتب المنسوخة فَهُوَ الْكِتَابِيّ. وَإِن ذهب إِلَى قدم الدَّهْر واستناد الْحَوَادِث إِلَيْهِ فَهُوَ الدهري - وَإِن كَانَ لَا يثبت الْبَارِي فَهُوَ الْمُعَطل - وَإِن كَانَ مَعَ اعْتِرَاف نبوة النَّبِي ينْطق عقائد هِيَ كفر بالِاتِّفَاقِ فَهُوَ الزنديق - فالمنافق هُوَ الَّذِي يظهرالإيمان قولا ويضمر الْكفْر اعتقادا. وَحكمه إِجْرَاء أَحْكَام الْإِسْلَام لكَونه مظهر الْإِيمَان. وَأَحْكَام الشَّرْع تجْرِي على الظَّاهِر. المنطقة: بِكَسْر الْمِيم أعظم دَائِرَة فِي الكرة تعرض فِي منتصف القطبين بِحَيْثُ يتساوى بعدهمَا مِنْهَا. وَتَكون الْحَرَكَة عَلَيْهَا أَكثر من سَائِر الدَّوَائِر وَللَّه در الْفَاضِل النامي مير علام على آزاد البلكرامي سلمه الله تَعَالَى. شعر: (عمده بيش ازهمه دركار جهان سعى كند ... ) (سرعت منْطقَة از دايرها افزون است ... ) وَفِي الرسَالَة المجدية فِي الرّبع الْمُجيب: المنطقة قوسان يخرجَانِ من نقطة الْمشرق تَنْتَهِي إِحْدَاهمَا إِلَى طرف مدَار السرطان وَهِي الشمالية وَالْأُخْرَى إِلَى طرف مدَار الجدي وَهِي الجنوبية. وَاعْلَم أَن الْقطعَة الشمالية من المنطقة مقسومة بِسِتَّة بروج بِالْحملِ - والثور - والجوزاء - صاعدا ثمَّ السرطان - والأسد - والسنبلة هابطا وَالْأُخْرَى بالميزان - وَالْعَقْرَب - والقوس - هابطا ثمَّ الجدي - والدلو - والحوت صاعدا. من رَآنِي فقد رأى الْحق: رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ حَيْثُ قَالَ حَدثنَا عبد الله بن أبي زِيَاد حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد حَدثنَا ابْن أخي ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عَمه قَالَ قَالَ أَبُو سَلمَة قَالَ أَبُو قَتَادَة قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من رَآنِي يَعْنِي فِي النّوم فقد رأى الْحق ". وَمَعْنَاهُ عِنْد الصُّوفِيَّة مَا يفهم مَا قَالَ الْعَارِف النامي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي. شعر: (خود كفت هر انكس كه مرا ديد خدا ديد ... ) (يَعْنِي بود آئينه حق روى مُحَمَّد ... ) وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من إِسْنَاد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 " من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي " - قَالَ قدوة المدققين مَوْلَانَا عِصَام الدّين رَحمَه الله تَعَالَى: فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي يَعْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من رَآنِي فِي وَقت النّوم فقد رَآنِي ذاتي فَإِنَّهُ تمثل لَهُ ذاتي بِصُورَة مُنَاسبَة للْوَقْت لهدايته - فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي أَي بشبهي وَفِي صُورَة مُضَافَة إِلَيّ وَلَا يخدع الرابي بإلقاء أَنه رَسُول الله عز وَجل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فعلى هَذَا من رأى إنْسَانا فِي النّوم واعتقد أَنه رَسُول الله عز وَجل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقد رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أَي صُورَة كَانَت. وَهَذَا مَذْهَب الْأَكْثَر وَهُوَ الْمَعْقُول المقبول عِنْد الْعُقُول أَيْضا لِأَن الله تَعَالَى جعله رَحْمَة للْعَالمين وهاديا للضالين وحافظا من وساوس الشَّيْطَان. وَإِذا تنور الْعَالم بِنور وجوده رجمت الشَّيَاطِين من الِاسْتِمَاع من الْمَلَائِكَة وهدمت بُنيان الكهنة فَكيف يتَصَوَّر أَن يضل الشَّيْطَان مُؤمنا فِي صورته وَلَو كَانَ يتَمَثَّل بصورته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لتمثل فِي الْخَارِج أَيْضا. فَكَمَا لَا يقدر أَن يظْهر على الْعُيُون بصورته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للمتيقظين لَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي الْمَنَام. ويرشد بِهَذَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ بإسنادهما إِلَى أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم عَن رَسُول الله عز وَجل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من رَآنِي فِي الْمَنَام فسيراني فِي الْيَقَظَة أَو فَكَأَنَّمَا يراني فِي الْيَقَظَة وَلَا يتَمَثَّل الشَّيْطَان بِي ". فَإِنَّهُ يُنبئ عَن أَنه كَمَا لم يُمكن لَهُ التمثل فِي الْيَقَظَة لَا يُمكنهُ فِي الْمَنَام. وَذهب الْبَعْض إِلَى أَنه إِذا رَآهُ فِي صُورَة من الصُّور كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاته فقد رَآهُ - وَذهب الْبَعْض إِلَى أَنه من رَآهُ فِي صُورَة من الصُّور يرَاهُ بِعَيْنِه كَمَا يُمكن رَآهُ فِي حَيَاته. وَاعْترض الْقُرْطُبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بِأَنَّهُ يلْزم أَن يخرج من قَبره ويصل إِلَى مَكَان المرئي وَلَا يرَاهُ اثْنَان مَعًا فِي الْيَقَظَة فِي مكانين وَلَا يظْهر فِي غير صُورَة كَانَت لَهُ فِي أَيَّام حَيَاته. وَيَردهُ أَنه يرَاهُ بِعَين فَلَا يشْتَرط الْقرب والبعد فيراه فِي مَكَانَهُ - وَأما الرُّؤْيَة فِي مكانين وعَلى غير صورته فتخيل من الرَّأْي فَلَا بَأْس أَن لَا يكون لَهُ حَقِيقَة وَيكون تغييرا عَن أَمر آخر سوى كَونه فِي هَذَا الْمَكَان وَسوى هَذِه الصُّورَة. ولنذكر لَك فصلا من رُؤْيَة الله تَعَالَى وَالْمَلَائِكَة وأئمة الدّين تتميما لباب الرُّؤْيَة - قَالَ الشَّيْخ الإِمَام محيي السّنة رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح السّنة رُؤْيَته تَعَالَى فِي الْمَنَام جَائِزَة. قَالَ معَاذ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنِّي نَعَست فَرَأَيْت رَبِّي عز وَجل ". ورؤيته تَعَالَى ظُهُور الْعدْل والفرح وَالْخصب وَالْخَيْر لأهل ذَلِك الْموضع فَإِن رَآهُ فوعد لَهُ جنَّة أَو مغْفرَة أَو نجاة من النَّار فَهُوَ وعد حق وَكَلَام صدق. وَإِذا رَآهُ معرضًا عَنهُ فَهُوَ تحذير من الذُّنُوب لقَوْله تَعَالَى: {لَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم} . وَإِن أعطَاهُ من اتبعهُ فِي الدّين فَهُوَ بلَاء ومحنة يُصِيبهُ توصلا إِلَى أجر عَظِيم. وَلَا يتَمَثَّل الشَّيْطَان بِنَبِي من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 الْأَنْبِيَاء وَلَا بِملك من الْمَلَائِكَة وَلَا بالشمس وَالْقَمَر والنجوم المضيئة والسحاب الَّذِي فِيهِ الْغَيْن. ورؤية الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان - ورؤية أهل الدّين بركَة وَخير على قدر مَنَازِلهمْ فِي الدّين - وَمن رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كثيرا فِي الْمَنَام لم يزل خَفِيف الْحَال مقلا فِي الدُّنْيَا من غير حَاجَة وَلَا خذلان من الله عز وَجل - ورؤية الإِمَام إِصَابَة خير وَشرف. سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام الزَّاهِد مُحَمَّد بن حمويه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. أما عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ إِذا اشْتقت إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صليت هَذِه الصَّلَاة فَلَا أَبْرَح فِي مَكَاني حَتَّى أرَاهُ. وَفِي حَدِيث عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ من صلاهَا وَلم يره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلست بعمر وَإِن من صلاهَا وَلَو فِي عمره مرّة وَاحِدَة يقْضِي الله تَعَالَى حَوَائِجه كلهَا وَيغْفر ذنُوبه وَلَو كَانَت ملْء الأَرْض وَهِي أَربع رَكْعَات بتشهدين وتسليمة وَاحِدَة تقْرَأ فِي كل رَكْعَة فَاتِحَة الْكتاب مرّة وَإِنَّا أنزلنَا عشر مَرَّات وتسبح خَمْسَة عشر مرّة سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر ثمَّ تركع وَتقول ثَلَاث مَرَّات سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وتسبح فِي الرُّكُوع عشر مَرَّات ثمَّ ترفع رَأسك وتسبح ثَلَاث مَرَّات ثمَّ تسْجد وتسبح خمس مَرَّات ثمَّ ترفع رَأسك وَلَيْسَ فِيمَا بَين السَّجْدَتَيْنِ شَيْء. ثمَّ تسْجد ثَانِيًا على مَا وصف إِلَى أَن يتم أَربع رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة. فَإِذا فرغت من الصَّلَاة فَلَا تكلم حَتَّى تقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب عشر مَرَّات وَإِنَّا أنزلنَا عشر مَرَّات ثمَّ تسبح ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ثمَّ تَقول جزى الله مُحَمَّدًا عَنَّا مَا هُوَ أَهله فَإِنَّهُ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة - قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من صلاهَا فِي عمره مرّة وَاحِدَة يَأْتِيهِ ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ رَيَّان وَيدخل الْقَبْر وَهُوَ رَيَّان ويفرش لَهُ من الْورْد والياسمين وينبت عبهر عِنْد رجلَيْهِ وعبهر عِنْد رَأسه وعبهر عَن يَمِينه وعبهر عَن يسَاره فَإِذا خرج من الْقَبْر خرج من وسط العبهر وَقد توج بتاج الْكَرَامَة. نقلت هَذِه النِّعْمَة الْعُظْمَى من خطّ جمال الدّين بن عبد الْعَزِيز الأجيهتي رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَلْدَة أَحْمد نكر من (مضافاة خجسته بنياد اورنكك آباد) من بِلَاد دكن فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع شهر شعْبَان الْمُعظم سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة وَألف وَكَانَ الْمَكْتُوب بِخَطِّهِ رَحمَه الله تَعَالَى هَذِه الْعبارَة نقلنا هَذَا الدّرّ الْأَزْهَر والمسك الأذفر من خطّ السَّيِّد الْجَلِيل صَاحب وقته أَحْمد بن مُحَمَّد الْغَزالِيّ بِمَكَّة المشرفة فِي صَبِيحَة ثَالِث عشر من مولد هَذَا النَّبِي الْكَرِيم عَلَيْهِ أفضل التَّحِيَّة وَأجل التَّسْلِيم من سنة تِسْعَة وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ بذيله بِخَطِّهِ الشريف وَهَذَا خطّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْغَزالِيّ حامدا لله تَعَالَى على نعمه ومصليا على نبيه سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد وَآله الأكرمين فِي شهر الله الْأَصَم رَجَب سنة ثَلَاث وَخمْس مائَة نَقله الْفَقِير إِلَى كرم الله الْوَدُود صفي الدّين مُحَمَّد ابْن سُلْطَان مَحْمُود عفى الله عَنْهُمَا من شرِيف خطّ الْمولى الْأَعْظَم الأكرم الْمولى مصطفى الرُّومِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 سلمه الله تَعَالَى فِي شهر ذِي الْحجَّة سنة تسع وَخمسين وَتِسْعمِائَة ببلدة بخارا بجوار مدرسة غازيان وَكَانَ بذيله بِخَطِّهِ الشريف الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا وَهَذَا من جملَة نعمه علينا بِمَكَّة المشرفة نقلت من شرِيف خطّ الشَّيْخ الْكَامِل صفي الدّين مُحَمَّد سلمه الله الصَّمد حامدا لله على مَا أنعم. ومصليا على رَسُوله الأكرم. وَآله الأتقياء. وَصَحبه الأصفياء. وَأَنا الْفَقِير إِلَى الْغَنِيّ جمال الدّين عبد الْعَزِيز الأجيهتي عفى عَنْهُمَا سنة ثَلَاث وَسبعين وَتِسْعمِائَة. المناولة: فِي اصْطِلَاح أصُول الحَدِيث أَن يدْفع الشَّيْخ كِتَابه الَّذِي فِيهِ الْأَحَادِيث وقرأه عِنْد شَيْخه وَصَححهُ أَو يدْفع مَا يقوم مقَام ذَلِك الْكتاب من الْمَنْقُول الصَّحِيح للطَّالِب أَو يحضر الطَّالِب ذَلِك الْكتاب الَّذِي ملكه بِالْهبةِ أَو الشِّرَاء وَيَقُول الشَّيْخ للطَّالِب فِي صُورَتي الرّفْع والإحضار هَذِه روايتي عَن فلَان أَو سَمَاعي عَن فلَان فأروه عني أَو أجزت لَك رِوَايَته عني. المنحرف: من الانحراف والحرف المنحرف عِنْد أَرْبَاب التصريف هُوَ اللَّام لِأَن اللِّسَان عِنْد النُّطْق بهَا ينحرف إِلَى دَاخل الحنك. المنحرفة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي يكون السُّور فِيهَا مَذْكُورا فِي جَانب الْمَحْمُول سَوَاء ذكر فِي جَانب الْمَوْضُوع أَو لَا مثل كل إِنْسَان كل ضَاحِك وَالْإِنْسَان كل ضَاحِك - وَفِي شرح الْمطَالع من حق السُّور أَن يرد على الْمَوْضُوع الْكُلِّي أما وُرُوده على الْمَوْضُوع فَلِأَن الْمَوْضُوع بِالْحَقِيقَةِ كَمَا ستبين هُوَ الْأَفْرَاد وَكَثِيرًا بِالشَّكِّ فِي كَونه كل الْأَفْرَاد أَو بَعْضهَا فمست الْحَاجة إِلَى بَيَان ذَلِك بِخِلَاف الْمَحْمُول فَإِنَّهُ مَفْهُوم الشَّيْء وَلَا يقبل الْجُزْئِيَّة والكلية. وَأما وُرُوده على الْكُلِّي فَلِأَن السُّور يَقْتَضِي التَّعَدُّد فِيمَا يرد عَلَيْهِ والجزئي لَا تعدد فِيهِ فَإِذا اقْترن السُّور بالمحمول أَو بالموضوع الجزئي فقد انحرفت الْقَضِيَّة عَن الْوَضع الطبيعي فِيهِ تسمى منحرفة انْتهى. وَإِن كنت مشتاقا إِلَى التَّفْصِيل فَارْجِع إِلَيْهِ. المنطفي: بِالْفَاءِ. السراج الَّذِي ذهبت شعلته. الْمُنْفَصِلَة: قسم من الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة لِأَن الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة إِمَّا مُتَّصِلَة وَهِي الَّتِي يحكم فِيهَا بِصدق قَضِيَّة أَو لَا صدقهَا على تَقْدِير صدق قَضِيَّة أُخْرَى كَقَوْلِنَا إِن كَانَ هَذَا إنْسَانا فَهُوَ حَيَوَان - وَلَيْسَ إِن كَانَ هَذَا إنْسَانا فَهُوَ جماد وَإِمَّا مُنْفَصِلَة وَهِي الَّتِي يحكم فِيهَا بالتنافي بَين القضيتين - فَإِن كَانَ التَّنَافِي بَينهمَا فِي الصدْق وَالْكذب مَعًا فَهِيَ الْحَقِيقِيَّة مثل هَذَا الْعدَد إِمَّا زوج أَو فَرد أَو فِي الْكَذِب فَقَط فَهِيَ مَانِعَة الْخُلُو كَقَوْلِك إِمَّا أَن يكون زيد فِي الْبَحْر وَإِمَّا أَن لَا يغرق. أَو فِي الصدْق فَقَط. فَهِيَ مَانِعَة الْجمع كَقَوْلِك إِمَّا أَن يكون هَذَا الشَّيْء شَجرا أَو حجرا. فمانعة الْخُلُو هِيَ الْقَضِيَّة الْمُنْفَصِلَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 الَّتِي حكم فِيهَا بالتنافي بَين جزئيها كذبا فَقَط كالمثال الْمَذْكُور. ومانعة الْجمع هِيَ الْقَضِيَّة الْمُنْفَصِلَة الَّتِي حكم فِيهَا بالتنافي بَين جزئيها صدقا فَقَط كالمثال المسطور. فَإِن قلت المُرَاد بالمنافاة الْمُعْتَبرَة فِي جزئي مَانِعَة الْجمع إِمَّا عدم صدقهما وحملهما على ذَات وَاحِدَة أَو عدم اجْتِمَاعهمَا فِي الْوُجُود والتحقق لَا يَصح الأول وَلَا الثَّانِي - أما الأول: فَلِأَن مَانِعَة الْجمع من أَقسَام الْمُنْفَصِلَة والانفصال لم يعتبروه إِلَّا بَين القضيتين فَلَا يكون منع الْجمع إِلَّا بَين القضيتين. فَلَو كَانَ المُرَاد بالمنافاة بَين جزئيها عدم الِاجْتِمَاع فِي الصدْق وَالْحمل لزم أَن يكون بَين كل قضيتين منع الْجمع لِاسْتِحَالَة أَن تصدق قَضِيَّة على مَا صدقت عَلَيْهِ قَضِيَّة أُخْرَى لِأَن الْقَضِيَّة من حَيْثُ إِنَّهَا قَضِيَّة لَا تصدق وَلَا تحمل على شَيْء بالمواطأة فضلا أَن تصدق قَضِيَّة على مَا صدق عَلَيْهِ صدق أُخْرَى وَلزِمَ أَن لَا يكون بَين القضيتين منع الْخُلُو أصلا لِأَن الْقَضِيَّة لَا تصدق على شَيْء من الْأَشْيَاء كَمَا عرفت وَأقله مُفْرد من الْمُفْردَات وَبَين الْمُفْرد والقضية تبَاين فَلَا تصدق قَضِيَّة على مُفْرد فَتكون كَاذِبَة عَلَيْهِ فتكذب القضيتان بل القضايا على مُفْرد من الْمُفْردَات بل على كل شَيْء من الْأَشْيَاء. وَأما الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ المُرَاد بِتِلْكَ الْمُنَافَاة عدم اجْتِمَاع الجزئين أَي القضيتين فِي الْوُجُود والتحقق لزم أَن لَا يكون بَين الْوَاحِد وَالْكثير منع الْجمع لِأَن الْوَاحِد جُزْء الْكثير وجزء الشَّيْء يجامعه فِي الْوُجُود مَعَ أَن الشَّيْخ صرح بِمَنْع الْجمع بَينهمَا قلت المُرَاد الثَّانِي وَلَيْسَ مُرَاد الشَّيْخ أَن بَين مفهومي الْوَاحِد وَالْكثير منع الْجمع بل بَين القضيتين اللَّتَيْنِ يكون مَحْمُول إِحْدَاهمَا وَاحِدًا وأخراهما كثيرا مَعَ اشتراكهما فِي الْمَوْضُوع. فَمثل قَوْلك إِمَّا أَن يكون هَذَا الشَّيْء وَاحِدًا وَإِمَّا أَن يكون هَذَا الشَّيْء كثيرا قَضِيَّة مَانِعَة الْجمع لِامْتِنَاع اجْتِمَاع جزئيها فِي الْوُجُود - وقولك هَذَا إِمَّا وَاحِد وَإِمَّا كثير فَلَيْسَ بمنفصلة مَانِعَة الْجمع لعدم اعْتِبَار الْمُنَافَاة بَين القضيتين بل قَضِيَّة حملية شَبيهَة بالمنفصلة وبمشاركة الحملية الْمُنْفَصِلَة فِيمَا هُوَ حَاصِل الْمَعْنى ومآله لَا يلْزم أَن تكون مُنْفَصِلَة كَمَا أَن قَوْلنَا طُلُوع الشَّمْس ملزوم لوُجُود النَّهَار مشارك للشرطية أَعنِي إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود وَلَيْسَ بشرطية فالمنافاة أَعم من الْمُنَافَاة الْمُعْتَبرَة فِي مَانِعَة الْجمع فَإِن الْمُنَافَاة قد تكون بَين مفهومين فِي الصدْق وَالْحمل على ذَات وَاحِدَة كَمَا بَين الْوَاحِد وَالْكثير. وَقد تكون بَين مفهومين فِي الْوُجُود فِي مَحل وَاحِد كالسواد وَالْبَيَاض - وَقد تكون بَين قضيتين فِي الْوُجُود والتحقق كَمَا فِي مَانِعَة الْجمع فالمنافاة فِي مَانِعَة الْجمع لَا تكون إِلَّا بَين قضيتين فِي الْوُجُود والتحقق لَا غير. فَإِن عبرت الْمُنَافَاة بَين الْوَاحِد وَالْكثير وَبَين السوَاد وَالْبَيَاض بالقضية فَهِيَ حملية شَبيهَة بالمنفصلة. وَإِن عبرتها بقضيتين فمنفصلة مَانِعَة الْجمع فقولك هَذَا إِمَّا وَاحِد وَإِمَّا كثير. وقولك الْمَوْجُود فِي هَذَا الْمحل إِمَّا سَواد وَإِمَّا بَيَاض حمليتان شبيهتان بالمنفصلة. وقولك إِمَّا هَذَا وَاحِد وَإِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 كثير. وقولك إِمَّا أَن يكون السوَاد مَوْجُودا فِي هَذَا الْمحل أَو يكون الْبيَاض مَوْجُودا فِيهِ منفصلتان كل مِنْهُمَا مَانِعَة الْجمع. وَقد يكون الحملية الدَّالَّة على الْمُنَافَاة صرفة أَي غير شَبيهَة بالمنفصلة لعدم الترديد فِي مَفْهُوم محمولها كَقَوْلِك الْوَاحِد وَالْكثير متنافيان فِي الْوُجُود فِي مَحل وَاحِد. وَاعْلَم أَنه إِذا حمل على مَوْضُوع وَاحِد أَمْرَانِ متقابلان. فَإِن قدم الْمَوْضُوع على حرف العناد فالقضية حملية شَبيهَة بالمنفصلة. وَإِن أخر عَنْهَا فالقضية مُنْفَصِلَة شَبيهَة بالحملية. وَإِن أردْت الْبَحْث الْمَشْهُور فِي قَوْلهم الْعلم إِمَّا تصور وَإِمَّا تَصْدِيق فَانْظُر فِي تَحْقِيق كلمة إِمَّا. وَالنِّسْبَة بَين الْحَقِيقِيَّة ومانعة الْجمع ومانعة الْخُلُو على مَا ذكر من التعريفات تبَاين كلي لِأَن الْمُعْتَبر فيهمَا قيد فَقَط دون الْحَقِيقَة فَإِن الْمُعْتَبر فِيهَا الْمَعِيَّة. وَقد يَكْتَفِي فِي مَانِعَة الْجمع على التَّنَافِي فِي الصدْق مُطلقًا وَفِي مَانِعَة الْخُلُو على التَّنَافِي فِي الْكَذِب مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ التَّنَافِي فِي الْكَذِب أَو لَا - وَفِي الصدْق أَو لَا فَحِينَئِذٍ الْحَقِيقِيَّة أخص وهما أَعم وَيكون بَينهمَا عُمُوم من وَجه كَمَا لَا يخفى. وَاعْلَم أَن الْحَقِيقِيَّة من المنفصلات لَا تتركب إِلَّا من جزئين بِخِلَاف مَانِعَة الْجمع ومانعة الْخُلُو فَإِنَّهُمَا يتركبان من ثَلَاثَة أَجزَاء فَصَاعِدا أَيْضا كَمَا بَين فِي مطولات الْمنطق - فَإِن قيل إِن الْحَقِيقِيَّة أَيْضا تتركب من ثَلَاثَة أَجزَاء فَصَاعِدا مثل الْعدَد إِمَّا زَائِد أَو نَاقص أَو مسَاوٍ - قُلْنَا لَو كَانَ كَذَا لزم جَوَاز الْجمع وَجَوَاز الْخُلُو فِيهَا لِأَن عين أحد أَجْزَائِهَا الْمُنْفَصِلَة الْحَقِيقِيَّة يسْتَلْزم رفع الآخر لِامْتِنَاع الْجمع وَبِالْعَكْسِ لِامْتِنَاع الْخُلُو فكون الْعدَد زَائِدا فِي الْمِثَال مَذْكُور يسْتَلْزم كَونه غير نَاقص وَكَونه غير نَاقص يسْتَلْزم كَونه مُسَاوِيا فَيلْزم استلزام كَونه زَائِدا فَاجْتمع الجزءان. وَكَونه غير زَائِد يسْتَلْزم كَونه نَاقِصا وَكَونه نَاقِصا يسْتَلْزم كَونه غير مسَاوٍ فاستلزم كَونه غير زَائِد كَونه غير مسَاوٍ فارتفع الجزءان - فَأَيْنَ امْتنَاع الْجمع وَامْتِنَاع الْخُلُو - والمثال الْمَذْكُور فِي الأَصْل هَكَذَا الْعدَد إِمَّا زَائِد أَو غير زَائِد وَإِذا كَانَ غير زَائِد فإمَّا نَاقص أَو مسَاوٍ وَلما كَانَ ذَلِك الْمِثَال فِي قُوَّة هَذَا الْمِثَال أقيم مقَامه فَافْهَم. الْمنزل: فِي الدَّار. الْمنزلَة بَين المنزلتين: الَّتِي قَالَ بهَا رَئِيس الْمُعْتَزلَة وَاصل بن عَطاء حِين اعتزل عَن مجْلِس الْحسن الْبَصْرِيّ رَئِيس أهل السّنة وَالْجَمَاعَة - وَالْمرَاد بِتِلْكَ الْمنزلَة الْوَاسِطَة بَين الْإِيمَان وَالْكفْر - فَإِن الْوَاصِل قَالَ إِن مرتكب الْكَبِيرَة أَي الْفَاسِق لَيْسَ بِمُؤْمِن وَلَا كَافِر فقد أثبت الْمنزلَة أَي الْوَاسِطَة بَين المنزلتين أَي الْإِيمَان وَالْكفْر لَا بَين الْجنَّة وَالنَّار كَمَا وهم لِأَن الْفَاسِق عِنْد الْمُعْتَزلَة مخلد فِي النَّار فَلَو كَانَ عِنْدهم منزلَة بَين الْجنَّة وَالنَّار لَكَانَ الْفَاسِق فِيهَا لَا فِي النَّار. وَلما كَانَ عِنْدهم مخلدا فِي النَّار إِن مَاتَ بِلَا تَوْبَة علم أَن الْمنزلَة بَين المنزلتين عِنْدهم لَيست إِلَّا الْوَاسِطَة بَين الْإِيمَان وَالْكفْر. وَأَيْضًا أَن بعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 السّلف ذَهَبُوا إِلَى أَن الاعراف وَاسِطَة بَين الْجنَّة وَالنَّار وَأَهْلهَا من اسْتَوَت حَسَنَاته مَعَ سيئآته فَلَو كَانَ المُرَاد بالمنزلة الْوَاسِطَة بَين الْجنَّة وَالنَّار فَلَا وَجه لنسبة إِثْبَاتهَا إِلَى الْمُعْتَزلَة لقَوْل بعض السّلف أَيْضا - فَإِن قيل إِن الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَيْضا قَائِل بالمنزلة بَين الْكفْر وَالْإِيمَان لِأَن مرتكب الْكَبِيرَة عِنْده لَيْسَ بِمُؤْمِن وَلَا كَافِر فَمَا وَجه تَخْصِيص الْمُعْتَزلَة بذلك الْإِثْبَات. قُلْنَا إِن الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِنَّمَا أثبت الْوَاسِطَة بَين الْإِيمَان وَنَوع الْكفْر وَهُوَ الْكفْر بطرِيق الْجَهْر. والمعتزلة يثبتون الْوَاسِطَة بَين الْإِيمَان وَمُطلق الْكفْر فَيكون اعتزالا عَن مذْهبه لِأَنَّهُ يثبت الْمنزلَة بَين المنزلتين لِأَن الْفَاسِق عِنْده مُنَافِق دَاخل فِي الْكَافِر لِأَن النِّفَاق نوع من الْكفْر - فمراد الْبَصْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بالكافر الْكَافِر المجاهر. المنقلة: فِي الشجاج. الْمَنْسُوب: عِنْد عُلَمَاء الصّرْف هُوَ الَّذِي ألحق آخِره يَاء مُشَدّدَة ليدل على النِّسْبَة إِلَى الْمُجَرّد عَنْهَا. وَالْغَرَض من النِّسْبَة أَن يَجْعَل الْمَنْسُوب من آل الْمَنْسُوب إِلَيْهِ أَو من أهل تِلْكَ الْبَلدة أَو الصّفة. وفائدتها فَائِدَة الصّفة - وَإِنَّمَا افْتَقَرت إِلَى عَلامَة لِأَنَّهَا معنى حَادث فَلَا بُد لَهَا من عَلامَة وَكَانَت من حُرُوف اللين خلفتها وَكَثْرَة زيادتها - وَإِنَّمَا ألحقت بِالْآخرِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْإِعْرَاب من حَيْثُ الْعرُوض فموضع زيادتها هُوَ الآخر وَإِنَّمَا لم يلْحق الْألف لِئَلَّا يصير الْإِعْرَاب تقديريا وَلَا الْوَاو لِأَنَّهُ أثقل وَإِنَّمَا كَانَت مُشَدّدَة لِئَلَّا يلتبس بياء الْمُتَكَلّم وَإِنَّمَا قُلْنَا ليدل إِلَى آخِره ليخرج نَحْو كرْسِي. ثمَّ الْمَنْسُوب نَوْعَانِ لَفْظِي ومعنوي كَمَا سيتضح فِي النِّسْبَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وضابطة النِّسْبَة وشرائطها فِي الشافية لِابْنِ الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى. المنفتحة: فِي المطبقة. المنخفضة: هِيَ الْحُرُوف الَّتِي خلاف الْحُرُوف المستعلية لِأَن اللِّسَان لَا يستعلي بهَا عِنْد النُّطْق إِلَى الحنك كَمَا يستعلي بالمستعلي. المنصرف: عِنْد النُّحَاة هُوَ الِاسْم الَّذِي لَا يكون فِيهِ عِلَّتَانِ من علل تسع أَو وَاحِدَة مِنْهَا تقوم مقامهما وَمُقَابِله غير المنصرف تقَابل الْعَدَم والملكة كالعمى وَالْبَصَر فَهُوَ الِاسْم الَّذِي يكون فِيهِ عِلَّتَانِ أَو وَاحِدَة من تِلْكَ الْعِلَل التسع. وَقَالَ أَبُو سعيد الْأَنْبَارِي النَّحْوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تعداد الْعِلَل التسع الْمَانِعَة للصرف. (مَوَانِع الصّرْف تسع كلما اجْتمعت ... ثِنْتَانِ مِنْهَا للصرف تصويب) (عدل وَوصف وتأنيث وَمَعْرِفَة ... وعجمة ثمَّ جمع ثمَّ تركيب) (وَالنُّون زَائِدَة من قبلهَا الف ... وَوزن فعل وَهَذَا القَوْل تقريب) فِي التَّاج التصويب (بيشت فرودآمدن وكسى رابصواب نسبت كردن) وَإِنَّمَا سمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 ذَلِك الِاسْم منصرفا لِأَنَّهُ من الصّرْف بِمَعْنى الْفضل وَالزِّيَادَة وَذَلِكَ الِاسْم أَيْضا مُشْتَمل على أَمر زَائِد على الْإِعْرَاب وَهُوَ تَنْوِين التَّمَكُّن وَقيل المنصرف من الصّرْف بِمَعْنى الصَّوْت وَفِي آخر ذَلِك الِاسْم أَيْضا صَوت يحصل بتنوين التَّمَكُّن - وَيعلم من هَا هُنَا وَجه تَسْمِيَة الِاسْم الَّذِي فِيهِ عِلَّتَانِ أَو وَاحِدَة بِغَيْر المنصرف. الْمَنْع: الْمُزَاحمَة وَفِي اصْطِلَاح المناظرة قد يُطلق بِمَعْنى السُّؤَال بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ وَالْمَشْهُور إِطْلَاقه على طلب الدَّلِيل على مُقَدّمَة مُعينَة وَيُسمى ذَلِك الْمَنْع مناقضة ونقضا. تفصيلها أَيْضا كَمَا مر مفصلا فِي آدَاب الْبَحْث والمناظرة وَمعنى الْمَنْع فِي قَوْلهم إِن هَذَا التَّعْرِيف جَامع ومانع أَن يكون بِحَيْثُ لَا يدْخل فِيهِ شَيْء من أغيار الْمُعَرّف وَمعنى الْجمع أَن يكون متناولا لكل وَاحِد وَاحِد من أَفْرَاد الْمُعَرّف. الْمَنْصُوب: عِنْد النُّحَاة هُوَ مَا اشْتَمَل على علم المفعولية أَعنِي الفتحة والكسرة وَالْألف وَالْيَاء. المنصوبات: جمعه لَا جمع المنصوبة لما مر فِي المرفوعات. المنادى: عِنْد النُّحَاة هُوَ الِاسْم الْمَطْلُوب إقبال مَدْلُوله بِوَجْهِهِ أَو بِقَلْبِه حَقِيقَة أَو حكما بِحرف قَائِم مقَام أَدْعُو سَوَاء كَانَ ذَلِك الْحَرْف ملفوظا مثل يَا زيد - أَو مُقَدرا مثل {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} أَي يَا يُوسُف فَإِن أعرض لكَونه أمرا أنشأ مَانع عَن كَون يُوسُف مُبْتَدأ كَمَا لَا يخفى. الْمَنْدُوب: عِنْد النُّحَاة هُوَ الِاسْم المتفجع على وجود مَدْلُوله أَو عدم مَدْلُوله بيا أَو وَاو - وَفِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء هُوَ الَّذِي يكون فعله راجحا على تَركه فِي نظر الشَّارِع وَيكون تَركه جَائِز أَيْضا. المنتصب عَنهُ: عِنْد النُّحَاة هُوَ الِاسْم الَّذِي أقيم مقَام التميز وَنسب إِلَيْهِ عَامل التميز حَتَّى يصير التميز بِسَبَب قِيَامه مقَامه فضلَة كزيد فِي طَابَ زيد نفسا فَإِن أَصله طابت نفس زيد. وَتَسْمِيَة ذَلِك الِاسْم بالمنتصب عَنهُ من بَاب الْمجَاز لِأَن التميز لم ينْتَصب عَنهُ أَي لم يصر مَنْصُوبًا بِسَبَبِهِ لَكِن لما كَانَ سَببا لنصبه حَيْثُ انتصب بِاعْتِبَار نِسْبَة الْفِعْل أَو شبهه إِلَيْهِ سمي منتصبا عَنهُ أَو لِأَن كلمة عَن بِمَعْنى الْبعد كَقَوْلِه تَعَالَى: {طبقًا عَن طبق} أَي طبقًا بعد طبق. وَلَا شكّ أَن التَّمْيِيز يكون مَنْصُوبًا بعده. المنعة: جمع الْمَانِع وَيُرَاد بهَا الْجَيْش الَّتِي يمْنَع وَيدْفَع بهَا الْخُصُوم والجيش الْعَسْكَر. المنطبعة: من الانطباع أَي المجبولة والمخلوقة كَمَا يُقَال للفلك نفس منطبعة أَي مجبولة ومخلوقة عَلَيْهَا الْفلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 اعْلَم أَن للفلك محركين قريب وبعيد. الأول: قُوَّة مُجَرّدَة عَن الْمَادَّة. وَالثَّانِي: قُوَّة جسمانية سَارِيَة فِي جرم الْفلك كُله. والمحرك الأول يُحَرك الْفلك بِلَا مُبَاشرَة لِأَنَّهُ يحركه بِوَاسِطَة الثَّانِيَة أَعنِي الْقُوَّة الجسمانية الَّتِي تسمى نفسا منطبعة فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْآلَة للقوة الأولى. من ترك الصَّلَاة عمدا مُتَعَمدا فقد كفر: وَاحْتج الْخَوَارِج فِي أَن الْفَاسِق كَافِر بالنصوص الظَّاهِرَة. مِنْهَا هَذَا الحَدِيث الشريف. وَالْجَوَاب أَنه مَصْرُوف عَن الظَّاهِر بِحمْل التّرْك على سَبِيل الاستحلال وعده حَلَالا وَلَا نزاع فِي كفر مستحله. أَو بِحمْل الْكفْر على الْمَعْنى اللّغَوِيّ وَهُوَ السّتْر أَي من ترك الصَّلَاة فَهُوَ سَاتِر لنعمة الله تَعَالَى غير شَاكر لَهُ. أَو يُقَال يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى من ترك الصَّلَاة مقصرا مشارك للْكفَّار فِي عدم حُرْمَة دَمه وَمَاله كَمَا ذكره الْفَاضِل الْمُحَقق الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَوَاشِيه على حَوَاشِي صَاحب الخيالات اللطيفة على (شرح العقائد النسفية) . وَفِي التَّفْسِير الْحُسَيْنِي: (وَأقِيمُوا الصَّلَاة) (وبياداريد نماز را) وَلَا تَكُونُوا: (ومباشيد) من الْمُشْركين (از شرك آرندكان بترك نماز مُتَعَمدا خطاب بامت است) . در تيسير (از شيخ محد اسْلَمْ طوسي رَحمَه الله تَعَالَى نقل ميكند كه حَدِيثي بِمن رسيده كه هرجه از من روايت كنند عرض كنيد بر كتاب خداي تَعَالَى اكر مُوَافق بود قبُول كنيد: بس من ايْنَ حَدِيث راكه من ترك الصَّلَاة عمدا مُتَعَمدا فقد كفر. (خواستم كه بآيتي از قُرْآن موافقت كنم وبيدا سازم. سى سَالَ تامل كردم تا ايْنَ آيَة يافتم) - {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَلَا تَكُونُوا من الْمُشْركين} . انْتهى. وَحِينَئِذٍ لَا بُد لنا من الْجَواب للخوارج الْقَائِلين بِأَن مرتكب الْكَبِيرَة كَافِر بِأَن مَحل النزاع هُوَ الْكَبِيرَة سوى الْكفْر والإشراك. وَلما دخل ترك الصَّلَاة عمدا فِي الْكفْر عمدا فَلَا ضير. فَإنَّا نقُول إِن الْفَاسِق بِالْفِسْقِ الَّذِي هُوَ كفر كَافِر وَإِنَّمَا النزاع فِي الْفسق الَّذِي سوى الْكفْر. أَيهَا الإخوان لَا يَغُرنكُمْ تِلْكَ الجوابات. واستقيموا على الصَّلَوَات وتوبوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا واتركوا الْحِيَل والتأويلات فِي الْعِبَادَات. وَللَّه در النَّاظِم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 شعر: (اَوْ سجده بيش آدم واين بيش حق نكرد ... ) (شَيْطَان هزار مرتبه بهتر ز آدَمِيّ ... ) المنتشرة الْمُطلقَة: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بضرورة ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع أَو سلبه عَنهُ فِي وَقت غير معِين من أَوْقَات وجود الْمَوْضُوع مثل كل إِنْسَان متنفس وقتا مَا وَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بمتنفس وقتا مَا وَإِن قيدت باللادوام الذاتي فَهِيَ. المنتشرة: فَهِيَ مركبة من المنتشرة الْمُطلقَة واللادوام الذاتي المشير إِلَى الْمُطلقَة الْعَامَّة مثل كل إِنْسَان متنفس وقتا مَا لَا دَائِما أَي لَا شَيْء من الْإِنْسَان بمتنفس بِالْفِعْلِ. وَقس عَلَيْهِ السالبة والمنتشرة الْمُطلقَة من الموجهات البسيطة والمنتشرة من الموجهات المركبة. الْمَنْقُول: هُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع لِمَعْنى الْمَشْهُور اسْتِعْمَاله فِي الْمَعْنى الثَّانِي الْمَنْقُول إِلَيْهِ بمناسبة بِحَيْثُ كثر اسْتِعْمَاله فِي الثَّانِي وهجر فِي الأول بِحَيْثُ لَا يسْتَعْمل فِيهِ إِلَّا مَعَ الْقَرِينَة. وَإِنَّمَا وَصفنَا الْمَعْنى الثَّانِي بالمنقول إِلَيْهِ تَنْبِيها على أَن المُرَاد بِالْمَعْنَى الثَّانِي الْمَنْقُول إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ ثَانِيًا أَو ثَالِثا لِأَن كل مَنْقُول إِلَيْهِ ثَان من الْمَنْقُول - وَالْمَنْقُول ينْسب إِلَى النَّاقِل فَإِن كَانَ ناقله أهل الشَّرْع فمنقول شَرْعِي. وَإِن كَانَ أهل الْعرف الْخَاص فمنقول عرفي خَاص. وَيُقَال لَهُ الْمَنْقُول الاصطلاحي كمصطلحات النُّحَاة وَغَيرهم. وَإِن كَانَ أهل الْعرف الْعَام فمنقول عرفي عَام وَيُسمى حَقِيقَة عرفية - وَالْمَنْقُول الْمُقَابل للعقار هُوَ الْمَتَاع الَّذِي يقبل البقل من مَكَان إِلَى مَكَان آخر كالسيف والترس والبساط والأواني وَغير ذَلِك بِخِلَاف الأَرْض وَالدَّار وَالْحمام. الْمُنْقَطع: من الحَدِيث مَا سقط من إِسْنَاده اثْنَان غير متواليين فِي موضِعين مثلا. وَكَذَا إِن سقط وَاحِد فَقَط أَو أَكثر من اثْنَيْنِ من إِسْنَاده لَكِن بِشَرْط عدم التوالي فَهُوَ مُنْقَطع. والمستثنى الْمُنْقَطع هُوَ الْمُسْتَثْنى الَّذِي حذف عَنهُ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ. الْمُنكر: مَا لَيْسَ فِيهِ رضَا الله تَعَالَى من قَول أَو فعل وَالْمَعْرُوف ضِدّه. وَعند أَرْبَاب أصُول الحَدِيث الْمُنكر حَدِيث راو ضَعِيف حَال كَون ذَلِك الحَدِيث مُخَالفا لحَدِيث من هُوَ أقل وأخفى مِنْهُ فِي الضعْف. ويقابله الْمَعْرُوف فالراويان فِي كل من الْمَعْرُوف وَالْمُنكر ضعيفان لَكِن رَاوِي الْمُنكر أَضْعَف من رَاوِي الْمَعْرُوف - وَقَالَ بَعضهم الْمُنكر فِي اصطلاحهم حَدِيث من فحش غلطه أَو كثرت غفلته أَو ظهر فسقه. وَعَكسه بِاعْتِبَار الْمُقَابلَة مَعْرُوف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 المنشعبة: هِيَ الْأَبْنِيَة الْمَزِيد عَلَيْهَا حرف أَو أَكثر على أُصُولهَا سَوَاء كَانَ ثلاثية أَو ربَاعِية أَو خماسية أَو تكَرر فِيهَا حرف من أُصُولهَا كاستنصر وكرم. ف (108) : منى: بِالْكَسْرِ وَالْقصر قَرْيَة بَينهَا وَبَين مَكَّة فَرسَخ سميت بِهِ لِأَن جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لآدَم هُنَاكَ مَاذَا تتمنى فَقَالَ آدم الْجنَّة. وَقيل لِأَنَّهُ يمنى فِيهَا الدِّمَاء أَي تراق أَي فِي الْحَج يَوْم النَّحْر. قَالَ الْجَوْهَرِي منى مُذَكّر منصرف فَاعْتبر كَونه علم الْمَكَان لَا الْبقْعَة. وَقَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ فِيهِ لُغَتَانِ الصّرْف وَالْمَنْع وَيكْتب بِالْألف وَالْيَاء والأجود حذفهَا وكتبها بِالْألف. وَفِي شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة لأبي المكارم وَهِي قَرْيَة لَهَا ثَلَاث سِكَك فِيهَا يذبح الْهَدَايَا والضحايا على أَرْبَعَة أَمْيَال من مَكَّة تميل إِلَى الْجنُوب. الْمَنَاسِك: عبادات الْحَج من كَيْفيَّة الْإِحْرَام - وَالْخُرُوج إِلَى منى - والتوجه إِلَى عَرَفَات - وَالنُّزُول بهَا - وَالصَّلَاة فِيهَا وَغير ذَلِك - والنسك فِي الأَصْل غَايَة الْعِبَادَة وشاع فِي الْحَج لما فِيهِ من الكلفة فَوق الْعِبَادَة - وَفِي شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة لأبي المكارم والمناسك أُمُور الْحَج جمع المنسك بِفَتْح السِّين وَكسرهَا فِي الأَصْل المعبد وَيَقَع على الْمصدر وَالزَّمَان وَالْمَكَان. قَالَ ابْن الْأَثِير فِي الأساس وَالْمغْرب أَنه بِمَعْنى المذبح أَي كل مَوضِع يذبح فِيهِ. من لم يعرف إِمَام زَمَانه مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة: حَدِيث شرِيف تمسكوا بِهِ على أَن نصب الإِمَام وَاجِب على الْخلق بِدَلِيل سَمْعِي لَا على الله تَعَالَى. وَلَا بِدَلِيل عَقْلِي كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْمُعْتَزلَة فَإِنَّهُ لَا يجب علينا عقلا لعدم الْحسن والقبح العقليين وَلَا على الله تَعَالَى أصلا لَا سمعا وَلَا عقلا لما تقرر من أَنه لَا يجب على الله تَعَالَى شَيْء كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه. وَأَيْضًا لَو وَجب على الله تَعَالَى لما خلا الزَّمَان عَن الإِمَام والتالي بَاطِل كَمَا لَا يخفى فالمقدم مثله - أَقُول لم لَا يكون وَاجِبا على الله تَعَالَى بِمَعْنى أَنه لَا ينصب الإِمَام أحد سوى الله تَعَالَى. وَالْوُجُوب على الله تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْنى لَا يسْتَلْزم عدم خلو الزَّمَان عَن الإِمَام وَلَكِن لَا يخفى أَن الْوُجُوب بِهَذَا الْمَعْنى غير ثَابت - وَالْميتَة بِكَسْر الْمِيم مصدر للنوع - وَالْميتَة الْجَاهِلِيَّة هِيَ الْمَوْت على طَرِيق أهل الْجَاهِلِيَّة وخصلتهم فَهِيَ نوع من أَنْوَاع الْمَوْت. وَطَرِيقَة أهل الْجَاهِلِيَّة الضَّلَالَة وَعدم وُصُول الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِلَيْهِم. فَإِن قيل لُزُوم هَذَا النَّوْع من الْمَوْت لعدم معرفَة إِمَام زَمَانه غير مَعْقُول كَيفَ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ يصير ملكا عَضُوضًا ". فَمن لم يعرف ملكا عَضُوضًا وَعرف الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي أَتَى بهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَات على الْإِيمَان كَيفَ يَصح أَن يُقَال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 إِنَّه مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة - قُلْنَا المُرَاد بِالْإِمَامِ فِي الحَدِيث الشريف النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا قَالَ الله تَعَالَى لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام {إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا} . وَإِنَّمَا هُوَ بِالنُّبُوَّةِ فَالْمَعْنى من مَاتَ وَلم يعرف نَبِي زَمَانه مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة لِأَنَّهُ لم يعرف الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي أَتَى بهَا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَيْضا وَلَكِن لَا يخفى أَن هَذَا الحَدِيث على تَقْدِير صِحَّته على هَذَا الْمَعْنى لَا يكون دَلِيلا على وجوب نصب الإِمَام على الْخلق. وَالْحق أَن الحَدِيث مَوْضُوع كَمَا ذكره أَبُو الشكُور السّلمِيّ فِي تمهيداته فَانْدفع من هَا هُنَا جَمِيع الشكوك والضلالات فَافْهَم. الْمَنّ: بِالْفَتْح أَن يتْرك الْأَسير الْكَافِر من غير أَن يُؤْخَذ مِنْهُ شَيْء وَالْفِدَاء أَن يتْرك وَيُؤْخَذ مِنْهُ مَال. وَأَيْضًا الْمَنّ فِي بَاب الأوزان بِالْفَارِسِيَّةِ يَك سير. الْمُنَابذَة: فِي الْمُلَامسَة. الْمنَازل: جمع الْمنزل وَهُوَ مَحل نزُول الشَّيْء قمرا أَو شمسا أَو غير ذَلِك - وَاعْلَم أَن الشَّيْء وَالْمَال والكعب وَهَكَذَا إِلَى غير النِّهَايَة فِي بَاب الْجَبْر والمقابلة يُسمى منَازِل. وَهِي منَازِل الصعُود وأجزاء هَذِه الْمنَازل هِيَ النُّزُول - وَالْحَاصِل أَن مَا لَيْسَ بِجُزْء مُضَاف إِلَى شَيْء وَمَال مثلا فَهُوَ من منَازِل الصعُود وَإِلَّا فَمن النُّزُول فَافْهَم فَإِنَّهُ ينفعك هُنَاكَ - وَقَالَ الخلخالي فِي شرح خُلَاصَة الْحساب: إِن أردْت أَن تعرف عدد الْمنزلَة ضربت عدد الكعاب فِي الثَّلَاثَة وَعدد الْأَمْوَال فِي الِاثْنَيْنِ والجميع عدد سمي الْمنزلَة. وَإِن أردْت أَن تعرف منزلَة الْعدَد قسمت الْعدَد على الثَّلَاثَة فالخارج عدد الكعاب - فَإِن بَقِي اثْنَان أضفت مَالا إِلَيْهِ وَإِن بَقِي وَاحِد نقصت من عدد الكعاب وَاحِدًا وأضفت إِلَى الْبَاقِي مالين انْتهى. المناسخة: مفاعلة من النّسخ فِي اللُّغَة النَّقْل والتحويل. وَفِي اصْطِلَاح أَصْحَاب علم الْفَرَائِض نقل نصيب بعض الْوَرَثَة قبل الْقِسْمَة إِلَى من يَرث مِنْهُ. الْمَنْسُوخ: من النّسخ وَهُوَ لُغَة الْإِزَالَة وَالنَّقْل. وَشرعا وُرُود دَلِيل شَرْعِي متراخيا عَن دَلِيل شَرْعِي مقتضيا خلاف حكمه. فالنسخ تَبْدِيل بِالنّظرِ إِلَى علمنَا وَبَيَان لمُدَّة الحكم بِالنّظرِ إِلَى علم الله تَعَالَى - والنسخ عِنْد الْقَائِلين بالتناسخ فِي التناسخ. وَقَالَ القَاضِي الإِمَام ركن الْإِسْلَام أَبُو عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الإِسْفِرَايِينِيّ رَحمَه الله تَعَالَى. اعْلَم أَن النّسخ فِي لُغَة الْعَرَب مُشْتَقّ من انتساخ الْآثَار وذهابها يُقَال نسخت الرّيح آثَار الديار ونسخها الْمَطَر أَي أذهب آثارها وَفِي الشَّرِيعَة يقرب مَعْنَاهُ من ذَلِك لِأَن النَّاسِخ يرفع حكم الْمَنْسُوخ فَلَا يبْقى للمنسوخ أثر وَلَا يجوز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 الحكم بِهِ وَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِالْآيَةِ الَّتِي نسخ حكمهَا غير أَن التَّعَبُّد بِقِرَاءَتِهَا بَاقٍ انْتهى. أَيهَا الإخوان من علم مِنْكُم بمعاني كتاب الله تَعَالَى وَتَفْسِيره فَالْوَاجِب عَلَيْهِ أَن لَا يتَكَلَّم فِيهَا إِلَّا بعد معرفَة النَّاسِخ والمنسوخ لِأَنَّهُ إِن لم يعرف النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ فَرُبمَا يحكم بِجَوَاز شَيْء وَيكون ذَلِك مَنْسُوخا. وَأَجْمعُوا على أَن الِاسْتِدْلَال بالمنسوخ لَا يجوز أما سَمِعْتُمْ أَنه قد رُوِيَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه دخل مَسْجِد الْكُوفَة فَرَأى رجلا اسْمه عبد الرَّحْمَن من تلاميذ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قد اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس يسألونه عَن آيَات الْقُرْآن وتفسيرها فَقَالَ لَهُ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أتعرف النَّاسِخ والمنسوخ فَقَالَ لَا فَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من أَنْت فَقَالَ أَبُو يحيى فَأخذ أُذُنَيْهِ وفتلهما فَتلا شَدِيدا فَقَالَ لَهُ لَا تقص فِي مَسْجِدنَا هَذَا بعد. وَعَن عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَنَّهُمَا منعا رجلا من تَفْسِير الْقُرْآن والوعظ إِذْ لم يعرف النَّاسِخ والمنسوخ. وَعَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَا يحل لأحد أَن يعظ النَّاس ويفسر الْقُرْآن إِلَّا أَن يكون عَالما بالناسخ والمنسوخ وَلم يُخَالف لهَؤُلَاء أحد من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَصَارَ الْإِجْمَاع مِنْهُم على أَنه لَا يحل لأحد أَن يُفَسر الْقُرْآن ويعظ النَّاس إِلَّا بعد أَن يعرف النَّاسِخ والمنسوخ ليتميز بذلك الْحَلَال وَالْحرَام وَالْوَاجِب من الْجَائِز. ثمَّ اعْلَم أَنه قد اخْتلف أهل السّنة بعد ذَلِك فِيمَا بَينهم فَذهب أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَن النّسخ وَإِن جَازَ قبل وجود الْفِعْل فَلَا يجوز قبل دُخُول وَقت الْفِعْل لِأَن وُجُوبه لَا يَتَقَرَّر إِلَّا بعد دُخُول الْوَقْت الَّذِي علق بِهِ فإمَّا قبل دُخُول ذَلِك الْوَقْت فَلَا يجوز وُرُود النّسخ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يكون رفع حكم قبل تقرره فَأَما عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فَيجوز النّسخ قبل الْفِعْل وَقبل دُخُول وَقت الْفِعْل - والنسخ جَائِز عِنْد جَمِيع الْمُسلمين - فَإِذا ورد فِي الشَّرِيعَة حكم بِإِيجَاب أَو تَحْرِيم أَو غَيرهمَا جَازَ أَن يرفع ذَلِك الحكم إِلَى ضِدّه أَو إِلَى مثله أَو يرفع بِلَا بدل وَلم يُخَالف فِيهِ أحد من أهل السّنة - وَالرَّوَافِض والإمامية منعُوا جَوَاز النّسخ -. وَأكْثر الْيَهُود قَالُوا إِن النّسخ لَا يجوز. وغرضهم من هَذَا الْمقَال التطرق إِلَى أَن شَرِيعَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَا يجوز نسخهَا. وَمن جوز مِنْهُم قَالُوا أخبرنَا أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِنَّه لَا نَبِي بعده وكذبوا على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي وَصفه مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وبشارتهم بِخُرُوجِهِ فِي آخر الزَّمَان بِحَسب مَا ورد فِي التَّوْرَاة. وَمِنْهُم من نصبوا أَن يُؤمنُوا بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عرفُوا كفرُوا بِهِ فلعنة الله على الْكَافرين. وَادعوا شُبْهَة لأَنْفُسِهِمْ فِي منع النّسخ - وَقَالُوا لَو جَازَ النّسخ من الله تَعَالَى لَأَدَّى ذَلِك إِلَى جَوَاز والبدأ والبدأ على الله تَعَالَى لَا يجوز فِيمَا أدّى إِلَيْهِ مثله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 وَالْجَوَاب أَنه إِنَّمَا يكون ذَلِك بداء مِمَّن لَا يعرف عواقب الْأُمُور فَأَما الله تَعَالَى عَالم بعواقب الْأُمُور وَقبل إِنْزَال الحكم الْمَنْسُوخ كَانَ لم يزل عَالما بِأَنِّي أنزل حكما فَيكون ثَابتا إِلَى وَقت كَذَا ثمَّ ارفعه بِحكم آخر وَمثل هَذَا لَا يكون بدءا وَلَكِن لَهُ فِيهِ حِكْمَة وَهُوَ أعلم بهَا - والمنسوخ فِي كتاب الله تَعَالَى ثَلَاثَة أَقسَام. فَمِنْهَا حكم رفع إِلَى مَا هُوَ أغْلظ من الأول وَهُوَ مثل حد الزِّنَا فَإِنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاء الْحَبْس فِي الْبَيْت حَتَّى تَمُوت قَالَ الله تَعَالَى: {فامسكوهن فِي الْبيُوت حَتَّى يتوفاهن الْمَوْت أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} . ثمَّ نسخ ذَلِك الحكم بِالْجلدِ وَالرَّجم - وَالثَّانِي حكم رفع إِلَى مَا هُوَ أخف مِنْهُ كَمَا فِي بَاب الْجِهَاد فَإِنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام وَاجِبا على كل مُسلم بِأَن يُقَاوم عشرَة من الْكفَّار فَإِن هرب من الْعشْرَة كَانَ عَاصِيا مُسْتَحقّا للعقوبة قَالَ الله تَعَالَى: {إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ} . فنسخ ذَلِك إِلَى مَا هُوَ أخف مِنْهُ بقوله تَعَالَى: {الْآن خفف الله عَنْكُم} الْآيَة. فَجعل كل مُسلم فِي مُقَابلَة كَافِرين فَلَا يحل الْآن أَن يهرب من اثْنَيْنِ وَيحل أَن يهرب من ثَلَاثَة أَو أَكثر - وَالثَّالِث أَن يرفع حكم إِلَى مثله مثل أَمر الْقبْلَة كَانَت الصَّلَاة أَولا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام إِلَى صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس ثمَّ نسخ ذَلِك بالتوجه إِلَى الْكَعْبَة فِي الصَّلَاة -. والمنسوخ: فِي خبر الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام أَيْضا منقسم إِلَى هَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة - والنسخ على أَرْبَعَة أَقسَام - نسخ الْكتاب بِالْكتاب وَنسخ السّنة بِالسنةِ وَنسخ السّنة بِالْكتاب - وَنسخ الْكتاب بِالسنةِ. - فإمَّا (نسخ الْكتاب بِالْكتاب) فَإِنَّهُ يجوز أَن ينْسَخ حكم الْكتاب بِحكم الْكتاب أَو نظم الْكتاب بنظم الْكتاب. وَإِمَّا (نسخ السّنة بِالسنةِ) فالمنتفي فِيهِ الحكم دون النّظم (وَنسخ السّنة بِالسنةِ) جَائِز (فنسخ حكم السّنة بِحكم الْكتاب) جَائِز - إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن الْكتاب مثل الْكتاب وَالسّنة مثل السّنة. وجوزنا نسخ السّنة بِالْكتاب لِأَن الْكتاب أرفع دَرَجَة من السّنة - وَإِمَّا (نسخ الْكتاب بِالسنةِ) فَالظَّاهِر من مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَنه لَا يجوز بِحَال. وَقَالَ بَعضهم أَن نسخ نظم الْكتاب بِالسنةِ لَا يجوز لما مر - وَإِمَّا نسخ حكم الْكتاب بِالسنةِ فَفِيهِ تَفْصِيل بِأَنَّهُ لَا يجوز بالآحاد والمستفيض - وَإِمَّا بالمتواتر فَيجوز وَالْأولَى عدم جَوَاز نسخ الْكتاب بِالسنةِ متواترا كَانَ أَو أحادا لرفع دَرَجَته عَن درجتها. والمنسوخ: فِي كتاب الله تَعَالَى على ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا: مَا نسخ نظمه وقراءته وَحكمه. وَالثَّانِي: مَا نسخ نظمه وقراءته وَبَقِي حكمه ثَابتا - وَالثَّالِث: مَا نسخ حكمه وَبَقِي نظمه وقراءته ثَابِتَة - فَأَما مَا نسخ نظمه وَحكمه فَهُوَ مثل مَا رُوِيَ عَن أنس ابْن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ كُنَّا نَقْرَأ على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُورَة تعدل سُورَة بَرَاءَة وَلست ... إِلَّا آيَة وَاحِدَة وَهِي قَوْله تَعَالَى: " لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من ذهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 لابتغى إِلَيْهِمَا ثَالِثا وَلَو كَانَ لَهُ ثَالِثا لابتغى رَابِعا " " وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب ثمَّ يَتُوب الله على من تَابَ ". وكل ذَلِك قد نسخ حكمه وقراءته وَهَكَذَا رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آيَة فحفظتها وأثبتها فِي مصحف فَلَمَّا كَانَ فِي جَوف اللَّيْل رجعت إِلَى حفظي فَلم أجد مِنْهَا شَيْئا وعدت إِلَى مصحفي فَإِذا الورقة بَيْضَاء فَأخْبرت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك فَقَالَ لي يَا ابْن مَسْعُود تِلْكَ قد رفعت البارحة. وَأما مَا نسخ نظمه وقراءته وَبَقِي حكمه ثَابتا فَهُوَ مَا رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَوْلَا أَن أخْشَى ان يَقُول النَّاس زَاد عمر فِي الْقُرْآن لكتبت على حَاشِيَة الْمُصحف آيَة كُنَّا وَالله نقرأها على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم ". الرَّجْم ثَابت وَالْقِرَاءَة مَنْسُوخَة - وَأما مَا نسخ حكمه وَبَقِي نظمه بِأَن صَحَّ الْعِبَادَة بقرَاءَته فَذَلِك فِي خمس وَخمسين سُورَة من الْقُرْآن. وَاعْلَم أَن سور الْقُرْآن الْمجِيد مائَة وَأَرْبَعَة عشر سُورَة كَمَا ذكرنَا فِي السُّورَة. وَأما السُّور الَّتِي هِيَ خمس وَخَمْسُونَ فَهِيَ هَذِه: الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وَالتَّوْبَة وَيُونُس وَهود والرعد وَالْحجر والنحل وَبني إِسْرَائِيل والكهف وكهيعص وطه والأنبياء وَالْحج والمؤمنون والنور وَالْفرْقَان والنمل والقصص وَالْعَنْكَبُوت وَالروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وَالصَّافَّات وص وَالزمر وحم غَافِر الذَّنب وحم السَّجْدَة وحم عسق والزخرف وَالدُّخَان والجاثية والأحقاف وق والذاريات وَالطور والنجم وَالْقَمَر والمجادلة والممتحنة ون وَسَأَلَ سَائل والمزمل والمدثر وَهل أَتَى والطارق والغاشية والكافرون. وَأما السُّور الَّتِي فِيهَا نَاسخ وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخ فَهِيَ سِتّ سور: إِنَّا فتحنا لَك والحشر والمنافقون والتغابن وَالطَّلَاق والأعلى. وَأما السُّور الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ فَهِيَ ثَلَاث وَخَمْسُونَ سُورَة: الْفَاتِحَة ويوسف وَإِبْرَاهِيم وَالشعرَاء وفاطر وَيس وَمُحَمّد والحجرات والرحمن والواقعة وَالْحَدِيد والصف وَالْجُمُعَة وَالتَّحْرِيم وَالْملك والحاقة ونوح وَالْجِنّ وَالْقِيَامَة والمرسلات والنبأ والنازعات وَعَبس والتكوير والانفطار والمطففين والانشقاق والبروج وَالْفَجْر والبلد وَالشَّمْس وَاللَّيْل وَالضُّحَى وألم نشرح والتين والقلم وَالْقدر وَلم يكن وَإِذا زلزلت وَالْعَادِيات وَالْقَارِعَة وَالتَّكَاثُر وَالْعصر والهمزة والفيل وقريش والماعون والكوثر والنصر وتبت وَالْإِخْلَاص والفلق وَالنَّاس. وتفصيل الْآيَات الناسخة والمنسوخة فِي كتب التفاسير والرسائل الْمُدَوَّنَة فِي بَيَان النَّاسِخ والمنسوخ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 الْمَنْفَعَة: فِي الْغَايَة. الْمَنِيّ: هُوَ المَاء الْأَبْيَض الَّذِي ينكسر الذّكر بعد خُرُوج ويتولد مِنْهُ الْوَلَد - فِي كشكول الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي من تأويلات جمال العارفين الشَّيْخ عبد الرَّزَّاق الكاشي فِي قصَّة مَرْيَم إِنَّمَا تمثل لَهَا بشرا سوي الْخلق حسن الصُّورَة لتأثر نَفسهَا فِي الطبيعة فتتحرك على مُقْتَضى الجبلة ويسري الْأَثر من الخيال فِي الطبيعة فتتحرك شهوتها فتتنزل كَمَا يَقع فِي الْمَنَام من الِاحْتِلَام. وَإِنَّمَا أمكن تولد الْوَلَد من نُطْفَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ ثَبت فِي الْعُلُوم الطبيعية أَن مني الذّكر فِي تولد الْوَلَد بِمَنْزِلَة الأنفحة فِي الْجُبْن - ومني الْأُنْثَى بِمَنْزِلَة اللَّبن أَي العقد من مني الذّكر والانعقاد من مني الْأُنْثَى لَا على معنى أَن مني الذّكر ينْفَرد بِالْقُوَّةِ العاقدة ومني الْأُنْثَى بِالْقُوَّةِ المنعقدة بل على معنى أَن الْقُوَّة العاقدة فِي مني الذّكر أقوى والمنعقدة فِي مني الْأُنْثَى أقوى وَإِلَّا لم يكن أَن يتحدا شَيْئا وَاحِدًا وَلم ينْعَقد مني الذّكر حَتَّى يصير جُزْءا من الْوَلَد. فعلى هَذَا إِذا كَانَ مزاج الْأُنْثَى قَوِيا ذكوريا كَمَا تكون أمزجة النِّسَاء الشَّرِيفَة النَّفس أقوى وَكَانَ مزاج كَبِدهَا حارا كَانَ الْمَنِيّ الَّذِي ينْفَصل عَن كليتها الْيُمْنَى أحر كثيرا من الْمَنِيّ الَّذِي ينْفَصل عَن كليتها الْيُسْرَى. فَإِذا اجْتمعَا فِي الرَّحِم وَكَانَ مزاج الرَّحِم قَوِيا فِي الْإِمْسَاك والجذب قَامَ الْمُنْفَصِل من الْكُلية الْيُمْنَى مقَام مني الرجل فِي شدَّة قُوَّة العقد والمنفصل من الْكُلية الْيُسْرَى مقَام مني الْأُنْثَى فِي قُوَّة الِانْعِقَاد فيتخلق الْوَلَد هَذَا. وخصوصا إِذا كَانَت متأيدة بِروح الْقُدس متقوية بِهِ يسري أثر اتصالها بِهِ إِلَى الطبيعة وَالْبدن وَتغَير المزاج ويمد جَمِيع القوى فِي أفعالها بالمدد الروحاني فَتَصِير أقدر على أفعالها بِمَا لَا يَنْضَبِط بِالْقِيَاسِ انْتهى. من فَاتَهُ الْحَج: وَكَذَا من فَاتَتْهُ الصَّلَاة أَي من ترك الْحَج وَترك الصَّلَاة وَإِنَّمَا يعبر هَذَا بِذَاكَ تَنْبِيها على أَن العَبْد الْمُؤمن لَا يتركهما قصدا وَأما سَمِعْتُمْ " ظنُّوا الْمُؤمنِينَ خيرا ". (بَاب الْمِيم مَعَ الْوَاو) الْمُوجبَة: من الْإِيجَاب وَهُوَ الْإِثْبَات ويقابله السّلم والموجبة عِنْد المنطقيين هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بِثُبُوت النِّسْبَة سَوَاء كَانَت حملية أَو اتصالية أَو انفصالية وَلَا بُد فِي صدق الْقَضِيَّة الحملية الْمُوجبَة وتحققها من وجود الْمَوْضُوع فِي ظرف الْإِثْبَات حَال الْإِثْبَات لِأَن الحكم فِيهَا بِثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع. وَلَا شكّ أَن ثُبُوت شَيْء لشَيْء فِي ظرف فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ أَو مُسْتَلْزم لثُبُوته فِي ذَلِك الظّرْف ضَرُورَة أَن مَا ثُبُوت لَهُ أصلا لم يثبت لَهُ شَيْء أصلا فَإِن مَا لَيْسَ بموجود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 لَيْسَ بِشَيْء من الْأَشْيَاء حَتَّى يصدق سلبه عَن نَفسه. وَلِهَذَا يَسْتَدْعِي الْإِيجَاب وجود الْمَوْضُوع فِي ظرف الْإِثْبَات حَال ثُبُوت الْمَحْمُول لَهُ فِيهِ لَا حَال الحكم بِالْإِيجَابِ إِذْ رُبمَا يكون مَعْدُوما حَال الحكم مَعَ صِحَة الْإِيجَاب كَقَوْلِك زيد سيوجد غَدا فَإِن هَذَا الحكم يصدق إِذا يُوجد غَدا - أما وجود الْمَوْضُوع فِي الذِّهْن أَي تصَوره فَلَا بُد مِنْهُ فِي الْمُوجبَة والسالبة مَعًا لَكِن حَال الحكم لَا مُطلقًا وَلِهَذَا اشْتهر أَن الْمُوجبَة والسالبة مشتركتان فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي للموضوع حَال الحكم فَإِن الحكم سَوَاء كَانَ إيجابيا أَو سلبيا لَا يتَصَوَّر إِلَّا على المتصور. وَأما الصدْق فَأمر آخر وَإِنَّمَا عممنا وَقُلْنَا فرع ثُبُوت الْمُثبت لَهُ أَو مُسْتَلْزم لثُبُوته مَعَ أَن المشهوران ثُبُوت الشَّيْء للشَّيْء فرع وجود ثُبُوت الْمُثبت لَهُ فِي ظرفه لِأَنَّهُ يرد على الْمَشْهُور النَّقْض بالوجود لِأَن الفرعية بِحَسبِهِ تَسْتَلْزِم أَن يكون لشَيْء وجودات غير متناهية بَعْضهَا فَوق بعض. وَمن هَا هُنَا أنكر جلال الْعلمَاء الدواني رَحمَه الله تَعَالَى وتشبث بالاستلزام. وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين طبيعة الاتصاف مُطلقًا تَسْتَلْزِم ثُبُوت الْمَوْصُوف وخصوص اتصاف الانضمامي فرع ثُبُوته والانتزاعي يسْتَقرّ على مُجَرّد الاستلزام - وَالْحق أَن الفرعية بِاعْتِبَار الفعلية كالاستلزام بِاعْتِبَار الثُّبُوت فَإِن الْوُجُود من حَيْثُ إِنَّه صفة بعد الْأَمر الْمَوْجُود فَإِن مرتبَة الْعَارِض أَي عَارض كَانَ بعد مرتبَة المعروض وَإِن كَانَ بعديته لَا بِالزَّمَانِ بل بِالذَّاتِ. وَهَا هُنَا منع يمْنَع وَهُوَ أَنا لَا نسلم أَن الْمُوجبَة تستدعي وجود الْمَوْضُوع فِي ظرف الْإِثْبَات. أَلا ترى أَن قَوْلنَا شريك الْبَارِي مُمْتَنع فِي الْخَارِج واجتماع النقيضين محَال والمجهول الْمُطلق يمْتَنع الحكم عَلَيْهِ والمعدوم الْمُطلق يُقَابل الْمَوْجُود الْمُطلق مُوجبَات وَلَا وجود لموضوعاتها فِي ظرف الْإِثْبَات لِأَن ظرفه إِمَّا ذهن وَإِمَّا خَارج وَلَا وجود لتِلْك الموضوعات لَا فِي الْخَارِج وَلَا فِي الذِّهْن. أما الأول: فَظَاهر - وَأما الثَّانِي: فَلِأَن الْمحَال من حَيْثُ إِنَّه محَال لَيْسَ لَهُ صُورَة فِي الْعقل فَهُوَ مَعْدُوم ذهنا كَمَا هُوَ مَعْدُوم خَارِجا فَلَا يحكم عَلَيْهِ إِيجَابا بالامتناع أَو سلبا بالوجود - وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن الْمحَال لَيْسَ لَهُ صُورَة فِي الْعقل لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَهُ صُورَة فِي الذِّهْن لَكَانَ مَوْجُودا فِي الذِّهْن وكل مَوْجُود فِي الذِّهْن حَقِيقَة مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر فَلَو كَانَ مَوْجُودا فِي الذِّهْن لَكَانَ مَوْجُودا فِي نفس الْأَمر. وَالْقَوْل بِوُجُود شريك الْبَارِي واجتماع النقيضين والمعدوم الْمُطلق فِي نفس الْأَمر بَاطِل قطعا وَكَذَا الْمَجْهُول الْمُطلق من حَيْثُ هُوَ لَيْسَ لَهُ وجود فِي الذِّهْن وَإِلَّا لم يبْق مَجْهُولا مُطلقًا. وَلما صالت أسود هَذِه القضايا من أَرض مسبعَة الْمَنْع الْمَذْكُور اخْتَار كل مُخْتَار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 فِرَارًا على الْقَرار إِلَى مفر بدا لَهُ كَمَا سلك الْعَلامَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح الْمطَالع إِلَى مَسْلَك السَّلب يَعْنِي جعل تِلْكَ القضايا الموجبات السوالب بإرجاع محصلها إِلَى السَّلب فقولنا شريك الْبَارِي مُمْتَنع فِي الْخَارِج مثلا على زَعمه يرجع إِلَى لَا شَيْء من شريك الْبَارِي بممكن الْوُجُود وَلم يتَنَبَّه بِأَن وَادي السَّلب أَيْضا ماسدة يصول مِنْهَا غضنفر آخر بل يعقبه ذِئْب يخَاف مِنْهُ لِأَن مَوْضُوعَات تِلْكَ القضايا لما ثَبت أَنه لَا وجود لَهَا لَا ذهنا وَلَا خَارِجا وَقد مر أَن السالبة والموجبة متساويتان فِي اقْتِضَاء الْوُجُود الذهْنِي فَلم يَنْفَعهُ الْفِرَار عَن ميدان الْإِيجَاب والقرار فِي وَادي السَّلب. فَهَذِهِ القضايا كَمَا لَا يَصح أَن تكون مُوجبَات كَذَلِك لَا يَصح أَن تكون سوالب. والقضية منحصرة فيهمَا فَلَا يتَصَوَّر التفصي عَن هَذَا الْحصار المتين الرفيع إِلَّا بالصعود على مِعْرَاج بطلَان الْحصْر أَو بالتمسك بِحَبل إخراجهما عَن الْقَضِيَّة. وكل مِنْهُمَا مُمْتَنع كشريك الْبَارِي وَالذِّئْب المعاقب أَن الحكم يكون تِلْكَ القضايا سوالب تحكم غير مسموع ضَرُورَة أَن كل مَفْهُوم إِذا نسب إِلَى الآخر فَلَا مَانع لِلْعَقْلِ مَعَ قطع النّظر عَن مطابقته لما فِي نفس الْأَمر وَعدمهَا أَن يحكم بِالْإِيجَابِ. وَذهب الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى أَن تِلْكَ القضايا مَعَ دُخُولهَا فِي الموجبات مُسْتَثْنَاة عَنْهَا لعدم اقتضائها وجود الْمَوْضُوع فِي ظرف الْإِثْبَات كالسوالب فَكَمَا أَن السوالب تصدق عِنْد عدم الْمَوْضُوع كَذَلِك هَذِه القضايا. وَلَا يخفى أَنه يصادم البداهة إِذْ اقْتِضَاء طبيعة الْإِيجَاب وجود الْمَوْضُوع ضَرُورِيّ - وَالذِّئْب المعاقب هُنَاكَ معاقب هَا هُنَا أَيْضا إِذْ الحكم مُطلقًا يَقْتَضِي الْوُجُود الذهْنِي للموضوع وَهُوَ فِي تِلْكَ القضايا مَفْقُود كَمَا مر. وجم غفير من الْمُتَأَخِّرين طلبُوا المأمن وفوضوا أَمرهم إِلَى التَّقْدِير فَذَهَبُوا إِلَى أَن الحكم فِي تِلْكَ القضايا على الْأَفْرَاد الْفَرْضِيَّة الْمقدرَة الْوُجُود لموضوعاتها بِنَاء على تعميمهم فِي وجود الْمَوْضُوع بالحقيقي والفرضي فكأنهم قَالُوا فِي تِلْكَ الْأَمْثِلَة حِينَئِذٍ مَا يتَصَوَّر بعنوان شريك الْبَارِي ويفرض صدقه عَلَيْهِ مُمْتَنع فِي نفس الْأَمر. وزيفه بعض الْفُضَلَاء بِأَنَّهُ يلْزم حِينَئِذٍ محَال آخر وَهُوَ أَن يكون وجود الصّفة فِي نَفسهَا أَعنِي الِامْتِنَاع والعدم مثلا أَزِيد كمالا وتماما من وجود الْمَوْصُوف أَعنِي الْأَفْرَاد الممتنعة الْمقدرَة الْوُجُود فَإِن امْتنَاع أَفْرَاد شريك الْبَارِي وَعدمهَا مُتَحَقق فِي نفس الْأَمر على مَا قَالُوا بِخِلَاف تِلْكَ الْأَفْرَاد فَإِنَّهَا ممتنعة فِيهَا. وَلَكِن من أُوتِيَ الْحِكْمَة وَفتح لَهُ أَبْوَاب الْمعرفَة يعلم أَن الصّفة هَا هُنَا مثل الْمَوْصُوف لِأَن الِامْتِنَاع الَّذِي هُوَ اسْتِحَالَة الذَّات وَكَذَا الْعَدَم الَّذِي هُوَ رفع الذَّات لَيْسَ لَهما قوام وتقرر فِي نفس الْأَمر. والوجود إِنَّمَا يعرض لمفهوميهما لِأَن لمفهوميهما ثبوتا فِي الذِّهْن وَلَا وجود لما يطابقه مفهوماهما وَذَلِكَ المطابق بِالْفَتْح صفة الْمُمْتَنع والمعدوم لَا المطابق بِالْكَسْرِ حَتَّى يلْزم أَن يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وجود الصّفة أَزِيد عَن وجود الْمَوْصُوف كَيفَ وَلَيْسَ لَهَا ثُبُوت فِي نفس الْأَمر أصلا فضلا عَن أَن يكون أَزِيد. وَمن أَرَادَ العروج على سَمَاء التَّحْقِيق. والصعود على عرش التدقيق. فَعَلَيهِ أَن لَا يحول حول الاعتساف. وَيقوم مقَام الانصاف. وَلَا ينظر إِلَى مَا قيل أَو يُقَال بل يسمع مَا هُوَ ملخص فِي جَوَاب هَذَا الْإِشْكَال. وَهُوَ أَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي الحمليات مُطلقًا لَا بُد وَأَن يكون أمرا متصورا مَوْجُودا فِي الذِّهْن فَيكون وَاقعا فِي نفس الْأَمر سَوَاء كَانَ مَعَ ذَلِك الْوُجُود مَوْجُودا فِي ظرف الْإِثْبَات أَو لَا وَإِن كَانَ فِي الحملية الْمُوجبَة لَا بُد مَعَ ذَلِك من وجوده فِي ظرف الْإِثْبَات أَيْضا. وَلما كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِيهَا أمرا متصورا مَوْجُودا فِي الذِّهْن وَاقعا فِي نفس الْأَمر لَا يحكم عَلَيْهِ بِمَا يُنَافِي الْوُجُود والواقعية فَيرد النَّقْض بِمثل شريك الْبَارِي مُمْتَنع والخلاء مَعْدُوم وَغير ذَلِك. فالتفصي عَن هَذَا الإعضال بِأَن ذَلِك الْأَمر المتصور كثيرا مَا يَجْعَل عنوانا لأمور متقرر الْوُجُود مثل كل إِنْسَان حَيَوَان وَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَال. وَقد يَجْعَل عنوانا لأمور لَا يكون لَهَا تقرر أصلا وَلم يتَعَلَّق بهَا التَّصَوُّر بل وَاقعَة فِي حضيض الْعَدَم ويفرض أَن تِلْكَ الْأُمُور متصفة بذلك الْأَمر المتصور فَيحكم على ذَلِك الْأَمر بِأُمُور تنَافِي الْوُجُود والواقعية كالامتناع والعدم واستحالة الحكم عَلَيْهِ مثلا فَلذَلِك الْأَمر جهتان. إِحْدَاهمَا: أَنه عنوان لتِلْك الْأُمُور الْبَاطِلَة وَفرض اتحاده مَعهَا عقدا وصفيا فرضيا. وثانيتهما: أَنه ثَابت فِي نَفسه ذهنا فبالاعتبار الأول يَصح الحكم عَلَيْهِ بالامتناع ونظائره - وبالاعتبار الثَّانِي يَصح الحكم عله فمدار صِحَة الحكم بالامتناع مثلا هُوَ الأول ومدار صِحَة ذَات الحكم هُوَ الثَّانِي. وَحَاصِل مَا أجَاب عَنهُ الباقر أَن مثل قَوْلك شريك الْبَارِي مُمْتَنع والمعدوم الْمُطلق يمْتَنع الحكم عَلَيْهِ يصدق على سَبِيل حمل إيجابي غير بتي فالامتناع إِنَّمَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ على تَقْدِير الانطباق على مَا فرض أَنه بإزائه لَا بِاعْتِبَار نفس مَفْهُومه الثَّابِت على الْبَتّ وَعَلِيهِ بِنَاء صِحَة الحكم عَلَيْهِ. وَنَظِيره أَنَّك إِذا قلت الْوَاجِب تَعَالَى تشخصه عينه كَانَ الحكم فِيهِ على مَفْهُوم الْوَاجِب المرتسم فِي الْعقل لَكِن عَيْنِيَّة التشخص غير متوجهة إِلَيْهِ بل إِلَى مَا هُوَ بإزائه وَهُوَ الْمَوْجُود الْحق الْقَائِم بِنَفس ذَاته وَأَنه تَعَالَى شَأْنه عَن أَن يتَمَثَّل ويرتسم فِي ذهن مَا. وَمن طَرِيق آخر أَن هَذَا اللحاظ لما كَانَ هُوَ اعْتِبَار الْمَعْدُوم الْمُطلق مُجَردا عَن جَمِيع أنحاء الْوُجُود كَانَ هَذَا الْمَفْهُوم فِي هَذَا الِاعْتِبَار غير مخلوط بِشَيْء من الموجودات. وَهَذَا هُوَ منَاط امْتنَاع الحكم وَمن حَيْثُ إِن هَذَا اللحاظ بِخُصُوصِهِ نَحْو من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 أنحاء وجود هَذَا الْمَفْهُوم كَانَ مخلوطا بالوجود فِي هَذَا اللحاظ وَهَذَا هُوَ منَاط صِحَة الحكم عَلَيْهِ بامتناع الحكم. وَهُوَ فِي أفق الْمُبين قسم الحملية إِلَى حلمية بتة وحملية غير بتة وَإِن كَانَ بالاتحاد بِالْفِعْلِ على تَقْدِير انطباق طبيعة العنوان على فَرد وَإِنَّمَا يحصل بتقرر مَاهِيَّة الْمَوْضُوع ووجودها سميت حملية غير بتة وَهِي مساوقة فِي الصدْق للشرطية لَا رَاجِعَة إِلَيْهَا كَمَا يظنّ أفكيف وَقد حكم فِيهَا بالاتحاد بِالْفِعْلِ على الْمَأْخُوذ بِتَقْدِير مَا لست أَقُول على سَبِيل التَّوْقِيت أَو التَّقْيِيد حَتَّى يكون قد فرض مَوْضُوع وَثمّ فِي فرض فِي نَفسه ثمَّ خصص الحكم عَلَيْهِ لتوقيت أَو تَقْيِيد لَهُ أَي عَاد الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِلَى أَن يكون هُوَ الطبيعة المؤقتة أَو الْمقيدَة بل إِنَّمَا على سَبِيل التَّعْلِيق المتمم لغَرَض الْمَوْضُوع فِي نَفسه حَيْثُ لم يكن بِالْفِعْلِ طبيعة متقررة أصلا وَلَعَلَّ بَين الاعتبارين فرقا يذهل عَنهُ المتفلسفون والبتة إِنَّمَا تستدعي تقرر الْمَوْضُوع ووجوده بِالْفِعْلِ وَغير الْبَتَّةَ تقرره ووجوده على التَّقْدِير لَا بِالْفِعْلِ انْتهى. قَالَ الْحَكِيم صَدرا فِي الْأَسْفَار فصل فِي أَن الحكم السلبي لَا يَنْفَكّ عَن نَحْو من وجود طَرفَيْهِ: إِن مَحْمُول الْعُقُود الحملية سَوَاء كَانَت مُوجبَة أَو سالبة قد يكون ثبوتيا وَقد يكون عدميا فِي الْخَارِج. وَأما فِي الذِّهْن فَلَا بُد وَأَن يكون حَاضرا مَوْجُودا لاستحالته على مَا لَا يكون كَذَلِك. وَأما فِي الْخَارِج فَكَذَلِك وَإِذا كَانَ الحكم بِالْإِيجَابِ بِحَسب ظرف الْخَارِج لاستدعاء الحكم بِحَسب أَي ظرف وجود الْمَوْضُوع فِيهِ لِأَن إِثْبَات شَيْء لشَيْء فِي أَي ظرف كَانَ يتَفَرَّع على ثُبُوته فِي نَفسه. اللَّهُمَّ إِلَّا إِذا كَانَ الْمَحْمُول فِي معنى السَّلب مُطلقًا نَحْو زيد مَعْدُوم فِي الْخَارِج أَو شريك الْبَارِي مُمْتَنع فَإِنَّهُ وَإِن نسب إِلَى الْخَارِج لكنه نفس السَّلب عَنهُ فَكَأَنَّهُ قيل زيد المتصور فِي الذِّهْن لَيْسَ فِي الْخَارِج. وَإِذا كَانَ الحكم بالسلب فِي الْخَارِج فَلَا يَقْتَضِي نفس الحكم وَوُجُود الْمَوْضُوع فِيهِ لجَوَاز سلب الْمَعْدُوم وَالسَّلب عَن الْمَعْدُوم هَذَا بِحَسب خُصُوص من طبيعة السَّلب بِمَا هُوَ سلب لَا بِمَا هُوَ حكم من الْأَحْكَام الْوَاقِعَة عَن النَّفس الإنسانية. فَقَوْلهم إِن مَوْضُوع السالبة أَعم من مَوْضُوع الْمُوجبَة المعدولة أَو السالبة الْمَحْمُول لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن مَوْضُوع السالبة يجوز أَن يكون مَعْدُوما فِي الْخَارِج دون مَوْضُوع الْمُوجبَة إِذْ مَوْضُوع الْمُوجبَة أَيْضا قد يكون مَعْدُوما فِي الْخَارِج كَقَوْلِنَا شريك الْبَارِي مُمْتَنع واجتماع النقيضين محَال. وَلَا أَن مَوْضُوع الْمُوجبَة يجب أَن يتَحَقَّق أَو يتَمَثَّل فِي وجود أَو ذهن دون مَوْضُوع السالبة إِذْ مَوْضُوع السالبة أَيْضا كَذَلِك. بل مَعْنَاهُ أَن السَّلب يَصح عَن الْمَوْضُوع الْغَيْر الثَّابِت بِمَا هُوَ غير الثَّابِت أصلا. على أَن لِلْعَقْلِ أَن يعْتَبر هَذَا الِاعْتِبَار فِي السَّلب وَيَأْخُذ مَوْضُوع السالبة على هَذَا الْوَجْه بِخِلَاف الْإِيجَاب والموجبة. فالإيجاب وَإِن صَحَّ على الْمَوْضُوع الْغَيْر الثَّابِت لَكِن لَا يَصح عَلَيْهِ من حَيْثُ هُوَ غير ثَابت بل من حَيْثُ لَهُ ثُبُوت مَا لِأَن الْإِيجَاب يَقْتَضِي وجود شَيْء حَتَّى يُوجد لَهُ شَيْء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 آخر وَلِهَذَا يَصح أَن يُقَال الْمَعْدُوم لَيْسَ من حَيْثُ هُوَ مَعْدُوم بِشَيْء وَلَا لَهُ من هَذِه الْحَيْثِيَّة شَيْء بل من حَيْثُ لَهُ وجود وَتحقّق فِي ظرف مَا. وَأَيْضًا يجوز نفي كل مَا هُوَ غير الثَّابِت عَن الْمَوْضُوع من حَيْثُ هُوَ غير ثَابت. بِخِلَاف إِثْبَات كل مَا يغايره عَلَيْهِ من تِلْكَ الْحَيْثِيَّة بل إِثْبَات شَيْء مِمَّا يغايره عَلَيْهِ من تِلْكَ الْجِهَة. اللَّهُمَّ إِذا كَانَ أمرا عدميا أَو محالا فَإِنَّهُ إِذا كَانَ ذَلِك لم يكن صدق الحكم من حَيْثُ خُصُوص الْمَحْمُول أَيْضا مستدعيا لوُجُود الْمَوْضُوع كَمَا أَنه يستدعيه من حَيْثُ النِّسْبَة الإيجابية فَلذَلِك اشْتهر أَن مَوْضُوع السالبة أَعم من مَوْضُوع الْمُوجبَة وَهُوَ غير صَحِيح إِلَّا أَن يُصَار إِلَى مَا قدمْنَاهُ وَيُرَاد بِالْعُمُومِ مَا سَيَجِيءُ ذكره. وَلَيْسَ معنى كَلَامهم على مَا فهمه الْجُمْهُور أَن الْعُمُوم إِنَّمَا هُوَ لجَوَاز كَون مَوْضُوع السالبة مَعْدُوما فِي الْخَارِج دون الْمُوجبَة. وَأما مَا قيل إِن مَوْضُوع السالبة إِن كَانَ أَعم من مَوْضُوع الْمُوجبَة المعدولة أَو السالبة الْمَحْمُول لم يتَحَقَّق التَّنَاقُض لتَفَاوت أفرادهما وَإِن لم يكن أَعم زَالَ الْفرق. فَنَقُول هُوَ أَعم بِاعْتِبَار الْمَذْكُور وَلَا يلْزم مِنْهُ تغاير الْأَفْرَاد للْعُمُوم بمعنيين والأعمية بِحَسب الِاعْتِبَار الْمَذْكُور لَا توجب بطلَان التَّنَاقُض. وَنفي الأعمية بِحَسب الْأَفْرَاد لَا يسْتَلْزم زَوَال الْفرق لكَون الْمَوْضُوع فِي السالبة أَعم اعْتِبَارا وَإِن لم يكن أَكثر شمولا وتناولا انْتهى. الْمَوْجُود فِي نفس الْأَمر: اعْلَم أَن معنى كَون الشَّيْء مَوْجُودا فِي نفس الْأَمر أَنه مَوْجُود فِي نَفسه فَالْأَمْر هُوَ الشَّيْء. ومحصله أَن وجوده لَيْسَ مُتَعَلقا بِفَرْض فارض وَاعْتِبَار مُعْتَبر مثلا الْمُلَازمَة بَين طُلُوع الشَّمْس وَوُجُود النَّهَار متحققة قطعا فِي ذَاتهَا سَوَاء وجد فارض أَو لم يُوجد وَسَوَاء فَرضهَا أَو لم يفرضها. وَمعنى الْوَاقِع وَنَفس الْأَمر فِي الْوَاقِع وَالْمَوْجُود فِي نفس الْأَمر أَعم من الْمَوْجُود فِي الْخَارِج مُطلقًا فَكل مَوْجُود فِي الْخَارِج يكون مَوْجُودا فِي نفس الْأَمر بِلَا عكس كلي وأعم من الْمَوْجُود فِي الذِّهْن من وَجه لاجتماعهما فِي زوجية الْأَرْبَع المتصورة فَإِنَّهَا مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر وَفِي الذِّهْن أَيْضا. وافتراق الأول عَن الثَّانِي فِي الْحَقَائِق الْغَيْر المتصورة. وافتراق الثَّانِي عَن الأول فِي الكواذب المتصورة كزوجية الْخَمْسَة فَإِنَّهَا مَوْجُودَة فِي الذِّهْن لَا فِي نفس الْأَمر - وَذهب الشَّيْخ الرئيس إِلَى أَن كل مَوْجُود فِي الذِّهْن حَقِيقَة مَوْجُود فِي نفس الْأَمر فَمَا قَالُوا إِن الْمَوْجُود فِي نفس الْأَمر أَعم من وَجه من الْمَوْجُود لَا فِي نفس الْأَمر. تَأْوِيله أَن الكواذب كَالْعلمِ بزوجية الثَّلَاثَة مثلا لما كَانَ تحققها بالاختراع الْمَحْض لم تكن مَوْجُودَة فِي نفس الْأَمر مَعَ قطع النّظر عَن ذَلِك الاختراع بِخِلَاف الصوادق لوُجُود منشأ انتزاعها مَعَ قطع النّظر عَن الاختراع. الْمَوْجُود الْخَارِجِي: مَا كَانَ الْخَارِج ظرفا لوُجُوده كزيد وَعَمْرو. والوجود لَيْسَ مَوْجُودا خارجيا إِذْ لَيْسَ للوجود وجود حَتَّى يكون الْخَارِج ظرفا لوُجُود الْوُجُود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 فالوجود أَمر خارجي وَهُوَ مَا يكون الْخَارِج ظرفا لذاته. وَلَا شكّ أَن الْخَارِج ظرف لذات الْوُجُود وَذَات زيد مَوْجُود خارجي فَافْهَم واحفظ. والوجود الْخَارِجِي قِسْمَانِ: وجود بِنَفسِهِ وَهُوَ الْمَأْخُوذ فِي الْمُمْتَنع وَالْوَاجِب وَوُجُود بتوسط الذِّهْن كَالْعلمِ. قيل وَمن هَا هُنَا ينْدَفع مغالطة أَن الْحَاصِل فِي الذِّهْن ماهيات الْأَشْيَاء وَالْعلم مَوْجُود خارجي فيتعدد الْوَاجِب وَأمكن الْمُمْتَنع. وَلَا يخفى على المتنبه أَنه تَعَالَى لَا مَاهِيَّة لَهُ - وَإِن سلم فحصولها فِي الذِّهْن مَمْنُوع والممتنع مَعْدُوم - وَأَنت تعلم أَنه لَا مَاهِيَّة للإعدام. وَاعْلَم أَن الْمَوْجُود الْخَارِجِي مَا دَامَ فِي الْخَارِج يُسمى شخصا وهوية عَيْنِيَّة ويتصف بعوارض خارجية شخصية فتشخص بهَا. وَإِذا وجد فِي الذِّهْن فيسمى مفهوما وَصُورَة عقلية ومعقولا أوليا - وَالْأَحْوَال الْعَارِضَة لَهُ فِي الذِّهْن تسمى معقولات ثَانِيَة وعوارض ذهنية كالكلية والذاتية والعرضية. وَهَا هُنَا مغالطة تشحذ أذهان الطلباء وَهِي أَن كل مَا هُوَ مَوْجُود فِي الذِّهْن فَهُوَ مَوْجُود فِي الْخَارِج وَعكس ذَلِك. وَأَن كل مَا هُوَ مَعْدُوم فِي الذِّهْن فَهُوَ مَعْدُوم فِي الْخَارِج وَعكس ذَلِك - أما الْبَيَان فِي الدَّعْوَى الأولى من الدَّعَاوَى الْأَرْبَع فَهُوَ أَنه إِذا كَانَ الشَّيْء مَوْجُودا فِي الذِّهْن كَانَ متصفا بالوجود الْمُطلق. وَإِذا كَانَ متصفا بالوجود الْمُطلق سلب عَنهُ الْعَدَم الْمُطلق. وَإِذا سلب عَنهُ الْعَدَم الْمُطلق سلب عَنهُ الْعَدَم الْخَارِجِي. وَإِذا سلب عَنهُ الْعَدَم الْخَارِجِي ثَبت لَهُ الْوُجُود الْخَارِجِي حَتَّى لَا يلْزم ارْتِفَاع النقيضين فَيلْزم أَن كل مَا هُوَ مَوْجُود فِي الذِّهْن فَهُوَ مَوْجُود فِي الْخَارِج. وَيجْرِي هَذَا الْبَيَان فِي الدَّعَاوَى الثَّلَاث الْبَاقِيَة وحلها بالترديد. وَأما فِي الْعَدَم الْمُطلق فِي قَوْله سلب عَنهُ الْعَدَم الْمُطلق. وَأما فِي الْوُجُود الْمُطلق. وَأما الترديد فِي الْعَدَم الْمُطلق فبأن يُقَال إِن أردتم بِالْعدمِ الْمُطلق رفع الْوُجُود الْمُطلق أَي الْعَدَم الَّذِي لَا يجْتَمع مَعَ الْوُجُود أصلا فنمنع الْكُبْرَى أَعنِي قَوْله فَإِذا سلب عَنهُ الْعَدَم الْمُطلق سلب عَنهُ الْعَدَم الْخَارِجِي لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي تحقق هَذَا السَّلب صدق الْوُجُود الذهْنِي - وَإِن أردتم بِهِ رفع الْوُجُود فِي الْجُمْلَة أَي رَفعه بِحَيْثُ لَا يجْتَمع مَعَ الْوُجُود أصلا فنمنع الصُّغْرَى أَعنِي إِذا اتّصف بالوجود الْمُطلق سلب عَنهُ الْعَدَم الْمُطلق إِذْ الْعَدَم فِي الْجُمْلَة والوجود فِي الْجُمْلَة ليسَا بنقيضين. وَأما الترديد فِي الْوُجُود فبأن يُقَال إِن أردتم بالوجود الْمُطلق هُوَ رفع الْعَدَم مُطلقًا أَي بِحَيْثُ لَا يجْتَمع مَعَ الْعَدَم أصلا نمْنَع قَوْلكُم إِذا كَانَ الشَّيْء مَوْجُودا فِي الذِّهْن كَانَ متصفا بالوجود الْمُطلق إِذْ لَا يلْزم من اتصاف الشَّيْء بالوجود فِي الذِّهْن اتصافه بالوجود مُطلقًا بِهَذَا الْمَعْنى. وَإِن أردتم بِهِ رفع الْعَدَم فِي الْجُمْلَة أَي بِحَيْثُ يجوز اجتماعه مَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 الْعَدَم نمْنَع الصُّغْرَى أَعنِي قَوْله إِذا اتّصف بالوجود الْمُطلق سلب عَنهُ عدم خارجي إِذْ الاتصاف بالوجود فِي الْجُمْلَة إِنَّمَا يَقْتَضِي رفع الْعَدَم فِي الْجُمْلَة لَا رفع الْعَدَم بِحَيْثُ يرْتَفع الْعَدَم الْخَارِجِي. وَقس عَلَيْهِ حل المغالطات الثَّلَاث الْبَاقِيَة. الموازاة: عدم اخْتِلَاف الْبعد بَين الشَّيْئَيْنِ. وَإِن أردْت تفصيلها فَارْجِع إِلَى التوازي. الْمَوْضُوع: من الْوَضع وَهُوَ فِي اللُّغَة بِالْفَارِسِيَّةِ نهادن. وَفِي الِاصْطِلَاح تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء بِحَيْثُ مَتى أطلق أَو أحس الشَّيْء الأول فهم مِنْهُ الشَّيْء الثَّانِي يُقَال لفظ مَوْضُوع أَي مَوْضُوع للمعنى. وموضوع الْعلم مَا يبْحَث فِيهِ عَن أعراضه الذاتية - وَفِي عرف المنطقيين الْمَوْضُوع هُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وضع لِأَن يحكم عَلَيْهِ كَمَا أَن الْمَحْمُول عِنْدهم الْمَحْكُوم بِهِ لِأَنَّهُ يحمل على الْمَوْضُوع. وَاعْلَم أَنه قد جرت عَادَتهم بِأَنَّهُم يعبرون عَن الْمَوْضُوع فِي الْقَضِيَّة (بج) . وَعَن الْمَحْمُول (بب) . واختاروا هذَيْن الحرفين لِأَن الْألف الساكنة لَا يُمكن التَّلَفُّظ بهَا والمتحركة لَيست لَهَا صُورَة فِي الْخط فاعتبروا الْحَرْف الأول أَعنِي الْبَاء ثمَّ الْحَرْف الثَّانِي الَّذِي يُمَيّز عَن (ب) فِي الْخط وَهُوَ (ج) . وعكسوا التَّرْتِيب فَلم يَقُولُوا (ب ج) للإشعار بِأَنَّهُمَا خارجان عَن أَصلهمَا وَهُوَ أَن يُرَاد بهما أَنفسهمَا. وَعند الْحُكَمَاء الْمَوْضُوع هُوَ الْمحل الْمُقَوّم للعرض أَي مَا بِهِ قوام الْعرض. والموضوع فِي أصُول الحَدِيث هُوَ الحَدِيث الَّذِي فِيهِ الطعْن بكذب الرَّاوِي وَالْحكم على الحَدِيث بِالْوَضْعِ إِنَّمَا هُوَ بطرِيق الظَّن الْغَالِب لَا بِالْقطعِ إِذْ قد يصدق الكذوب لَكِن لأهل الْعلم بِالْحَدِيثِ ملكة قَوِيَّة يميزون بهَا ذَلِك وَإِنَّمَا يقوم بذلك مِنْهُم من يكون اطِّلَاعه تَاما وذهنه ثاقبا وفهمه قَوِيا ومعرفته بالقرائن الدَّالَّة على ذَلِك متمكنة. قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم: إِن للْحَدِيث ضوءا كضوء النَّهَار معرفَة وظلمة اللَّيْل منكره - وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ إِن الحَدِيث الْمُنكر يقشعر لَهُ جلد الطَّالِب للْعلم وينكسر مِنْهُ قلبه فِي الْغَالِب. وَقد يعرف الْوَضع بِإِقْرَار وَاضع الحَدِيث المتفرد بِهِ كَقَوْل عمر بن الصُّبْح أَنا وضعت خطْبَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. أَي نسبتها إِلَيْهِ. وكالحديث عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي فَضَائِل سور الْقُرْآن اعْترف بِالْوَضْعِ رَاوِيه وَهُوَ أَبُو عصمَة. أَو يعرف بِمَا ينزل منزلَة الْإِقْرَار بِأَن يعين الْمُنْفَرد بِهِ تَارِيخ مولده بِمَا لَا يُمكن مَعَه الْأَخْذ عَن شَيْخه. وَبَعض المتعبدين اللَّذين ينسبون إِلَى الزّهْد وَالصَّلَاح وضعُوا فِي الْفَضَائِل والرغائب ويتدينون بذلك فِي زعمهم وجهلهم وهم أعظم الْأَصْنَاف لأَنهم يحتسبون بذلك ويرونه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 قربَة فَلَا يُمكن تَركهم لذَلِك وَالنَّاس يثقون بهم ويركنون إِلَيْهِم لما نسبوا إِلَيْهِ من الزّهْد وَالصَّلَاح فينقلونها عَنْهُم. وَمِثَال ذَلِك مَا رُوِيَ عَن أبي عصمَة نوح بن أبي مَرْيَم الْجَامِع الْمروزِي قَاضِي مرو فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِم بِسَنَدِهِ إِلَى أبي عمار الْمروزِي أَنه قيل لأبي عصمَة وَقد كَانَ يروي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن مَالك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فِي فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة وَلَيْسَ عِنْد أَصْحَاب عِكْرِمَة هَذَا. فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت النَّاس قد أَعرضُوا عَن الْقُرْآن وَاشْتَغلُوا بِفقه أبي حنيفَة وَمَغَازِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق فَوضعت حسبَة لله. وأقسام الْمَوْضُوع كَثِيرَة فِي كتب الْأُصُول مَرْدُودَة غير مَقْبُولَة - والوضع حرَام بِإِجْمَاع من يعْتد بِهِ كالمجتهدين مِمَّن لَيْسَ من أهل الْبِدْعَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ". إِلَّا أَن بعض الكرامية وَبَعض المتصوفة نقل عَنْهُم إِبَاحَة الْوَضع فِي التَّرْغِيب والترهيب أَي فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ حكم من الثَّوَاب وَالْعِقَاب ترغيبا للنَّاس فِي الطَّاعَة وزجرا لَهُم عَن الْمعْصِيَة. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ فِي بعض الحَدِيث من كذب عَليّ مُتَعَمدا ليضل بِهِ النَّاس فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار سَمِعت أَن المقعد هَا هُنَا بِمَعْنى الدبر وَالْوَاجِب على من يترجم هَذَا الحَدِيث الشريف أَن يترجم المقعد بأفحش لغاته فَإِن كَانَ مترجما بِالْفَارِسِيَّةِ فَالْوَاجِب عَلَيْهِ أَن يترجم المقعد بالفارسي وَكَذَا حَال من يترجمه بالهندي أَو التركي أَو غير ذَلِك. وَحمل بَعضهم من كذب عَليّ على أَنه سَاحر أَو مَجْنُون وَهُوَ خطأ من فَاعله نَشأ عَن جهل لما ذكرنَا من الحَدِيث. وَمَا ذَكرُوهُ من التأويلات الْفَاسِدَة وَلِأَن التَّرْغِيب والترهيب من جملَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَاتَّفَقُوا على أَن تعمد الْكَذِب على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْكَبَائِر - وَبَالغ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ فَكفر من تعمد الْكَذِب على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَاتَّفَقُوا على تَحْرِيم رِوَايَة الْمَوْضُوع مَعَ الْعلم بِحَالهِ بِسَنَد أَو غَيره فِي أَي معنى كَانَ من الْأَحْكَام والقصص وَالتَّرْغِيب وَغَيرهَا إِلَّا مَقْرُونا بِبَيَان أَنه مَوْضُوع لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين ". أخرجه مُسلم بِخِلَاف غَيره من الْأَحَادِيث الضعيفة الَّتِي يحْتَمل صدقهَا فَإِنَّهُ يجوز رِوَايَتهَا فِي التَّرْغِيب والترهيب والفضائل من غير بَيَان. وَيرى فِي الحَدِيث بِضَم أَوله أَي يظنّ أَو بفتحه أَي يعلم والكاذبين بِصِيغَة التَّثْنِيَة أَو الْجمع. ثمَّ اعْلَم أَنه ذكر الواحدي حَدِيث أبي بن كَعْب الطَّوِيل فِي فَضَائِل السُّور سُورَة سُورَة وقلده غَيره فِي ذكرهَا فِي التَّفْسِير كالزمخشري وَالْقَاضِي الْبَيْضَاوِيّ وَكلهمْ أخطأوا وَلَا يُنَافِي ذَلِك مَا ورد فِي فَضَائِل كثير من السُّور بِمَا هُوَ صَحِيح أَو أحسن أَو ضَعِيف. مَوْضُوع الْمنطق: أَمْرَانِ: أَحدهمَا: الْمَعْلُوم التصوري من حَيْثُ إِنَّه يُوصل إِلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 الْمَجْهُول التصوري. وَثَانِيهمَا: الْمَعْلُوم التصديقي من حَيْثُ إِنَّه يُوصل إِلَى الْمَجْهُول التصديقي - والمنطقي لَا يبْحَث عَن جَمِيع أَحْوَال المعلومات التصورية وَكَذَا لَا يبْحَث عَن جَمِيع أَحْوَال المعلومات التصديقية بل عَن أحوالهما الْعَارِضَة لَهما بِاعْتِبَار إيصالهما إِلَى مَجْهُول تصوري ومجهول تصديقي فَإِن كَونهمَا مَوْجُودَة فِي الذِّهْن أَو غير مَوْجُودَة فِيهِ أَيْضا من أحوالهما لَكِن لما لم يكن عروضها لَهما من حَيْثُ الإيصال لَا يبْحَث المنطقي عَنْهَا. قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره أَحْوَال المعلومات التصورية الَّتِي يبْحَث عَنْهَا فِي الْمنطق ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا: الإيصال إِلَى مَجْهُول تصوري. أما بالكنه كَمَا فِي الْحَد التَّام. وَأما بِوَجْه مَا ذاتي أَو عرضي كَمَا فِي الْحَد النَّاقِص والرسم التَّام والناقص وَذَلِكَ فِي بَاب التعريفات. وَثَانِيها: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهَا الإيصال إِلَى الْمَجْهُول التصوري توقفا قَرِيبا ككون المعلومات التصورية كُلية وجزئية ذاتية وعرضية وجنسا وفصلا وخاصة فَإِن الْموصل إِلَى التَّصَوُّر يتركب من هَذِه الْأُمُور. فالإيصال يتَوَقَّف على هَذِه الْأَحْوَال بِلَا وَاسِطَة - وَذكر الْجُزْئِيَّة هَا هُنَا على سَبِيل الاستطراد. والبحث عَن هَذِه الْأَحْوَال فِي بَاب الكليات الْخمس. وَثَالِثهَا: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهَا الإيصال إِلَى الْمَجْهُول التصديقي توقفا بَعيدا أَي بِوَاسِطَة ككون المعلومات التصورية مَوْضُوعَات ومحمولات والبحث عَنْهَا فِي ضمن بَاب القضايا. وَأما أَحْوَال المعلومات التصديقية الَّتِي يبْحَث عَنْهَا فِي الْمنطق فَثَلَاثَة أَقسَام أَيْضا: أَحدهَا: الإيصال إِلَى الْمَجْهُول التصديقي يَقِينا كَانَ أَو غير يقيني جَازِمًا أَو غير جازم وَذَلِكَ مبَاحث الْقيَاس والاستقراء والتمثيل الَّتِي هِيَ أَنْوَاع الْحجَّة. وَثَانِيها: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الإيصال إِلَى الْمَجْهُول التصديقي توقفا قَرِيبا وَذَلِكَ مبَاحث القضايا. وَثَالِثهَا: مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الإيصال إِلَى الْمَجْهُول التصديقي توقفا بَعيدا ككون المعلومات التصديقية مُقَدمَات وتوالي - فَإِن الْمُقدم والتالي قضيتان بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة من الْفِعْل فهما معدودان فِي المعلومات التصديقية دون التصورية بِخِلَاف الْمَوْضُوع والمجهول فَإِنَّهُمَا من قبيل التصورات انْتهى. فَإِن قلت لَا نسلم أَن الإيصال من أَحْوَال المعلومات التصورية أَو التصديقية الَّتِي يبْحَث عَنْهَا فِي الْمنطق فَإِن كلا من موضوعيه مُقَيّد بالإيصال فَحِينَئِذٍ يكون الإيصال من تَتِمَّة الْمَوْضُوع وَفِي حكمه فِي كَونه مُسلم الثُّبُوت فِي ذَلِك الْعلم إِذْ لَا بُد فِي كل علم من كَون مَوْضُوعه مُسلما فَلم يكن الإيصال من الْأَعْرَاض الْمَطْلُوبَة فِي هَذَا الْفَنّ بل يجب أَن يكون المبحوث عَنهُ أَحْوَال تعرض للموصل بعد كَونه موصلا. وَلَك فِي تَقْرِير الِاعْتِرَاض أَن تَقول إِن قَوْلهم الْمُعَرّف هُوَ الْمَعْلُوم التصوري من حَيْثُ إِنَّه يُوصل إِلَى مَجْهُول تصوري. وَكَذَا قَوْلهم الْحجَّة هِيَ الْمَعْلُوم التصديقي من حَيْثُ إِنَّه يُوصل إِلَى مَجْهُول تصديقي إِن أُرِيد بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 أَنَّهُمَا مُطلقًا مَوْضُوعا علم الْمنطق فَهُوَ ظَاهر الْفساد لما علمت أَن المنطقي لَا يبْحَث عَن جَمِيع المعلومات. وَإِن أُرِيد أَنَّهُمَا مَوْضُوعا الْمنطق من حَيْثُ الإيصال كَانَ الإيصال من تَتِمَّة الْمَوْضُوع وَفِي حكمه وَهُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون من الْمَوْضُوع وجزئه لَا خَارِجا فضلا عَن أَن يكون عرضا ذاتيا لَهُ قلت إِن مَوْضُوع الْمنطق هُوَ الْمَعْلُوم التصوري الْمُقَيد بِصِحَّة الإيصال لَا بِنَفس الإيصال وَكَذَا الْمَعْلُوم التصديقي الْمُقَيد بِصِحَّة الإيصال لَا بِنَفسِهِ مَوْضُوع الْمنطق. فَالْمُرَاد من قَوْلهم من حَيْثُ إِنَّه يُوصل من حَيْثُ صِحَّته واستعداده للإيصال. فالإيصال خَارج عَن الْمَوْضُوع عَارض لذاته. فَإِن قيل مَا وَجه تعدد مَوْضُوع الْمنطق لم لَا يجوز أَن يكون وَاحِدًا بِأَن يكون الْمَعْلُوم التصوري موصلا إِلَى الْمَجْهُول التصوري وَإِلَى الْمَجْهُول التصديقي أَيْضا أَو يكون الْمَعْلُوم التصديقي موصلا إِلَيْهِمَا. قُلْنَا لَا يجوز. أما الثَّانِي فَلِأَن الْمَعْلُوم التصديقي لَو كَانَ موصلا إِلَى التَّصَوُّر لَكَانَ مُعَرفا بِالْكَسْرِ والمعرف لَا بُد وَأَن يكون مقولا مَحْمُولا على الْمُعَرّف بِالْفَتْح. فَنَقُول على الشكل الأول أَن الْمُعَرّف مَحْمُول وَلَا شَيْء من الْمَحْمُول بِتَصْدِيق ينْتج لَا شَيْء من الْمُعَرّف بِتَصْدِيق. أَو على الشكل الثَّانِي أَن الْمُعَرّف مَحْمُول وَلَا شَيْء من التَّصْدِيق بمحمول ينْتج تِلْكَ النتيجة إِمَّا بعكس الْكُبْرَى أَو النتيجة. فَإِن قيل الْكُبْرَى مسلمة وَلَكِن لَا نسلم الصُّغْرَى يَعْنِي لَا نسلم أَن الْمُعَرّف لَا بُد وَأَن يكون مَحْمُولا على الْمُعَرّف لم لَا يجوز أَن لَا يكون مقولا مَحْمُولا فَيجوز أَن يكون تَصْدِيقًا أَلا ترى أَن الْمُعَرّف مَعْنَاهُ مَا يُفِيد حُصُول معرفَة الشَّيْء فذاته لَا تَقْتَضِي الْحمل والمقولية. قُلْنَا الْمُعَرّف الكاسب للْمَجْهُول التصوري يكون الْمَقْصُود مِنْهُ أما إِفَادَة تصَوره بالكنه أَو بِالْوَجْهِ. وَهَذِه الإفادة إِنَّمَا تتَصَوَّر بالذاتيات أَو العرضيات للمعرف وكل من الْكُلِّي الذاتي والعرضي يكون مقولا لَا محَالة كَمَا لَا يخفى. وَأما الأول وَهُوَ أَنه لَا يجوز أَن يكون الْمَعْنى التصوري موصلا إِلَى التَّصْدِيق وكاسبا لَهُ فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ كاسبا لَكَانَ عِلّة لَهُ وَالْعلَّة لَا بُد وَأَن تكون مُسَاوِيَة النِّسْبَة إِلَى وجود الْمَعْلُول وَعَدَمه - وَالْمعْنَى الْوَاحِد التصوري مساوي النِّسْبَة إِلَى وجود التَّصْدِيق وَعَدَمه. فَلَا يَصح أَن يكون الْمَعْنى التصوري عِلّة وكاسبا للتصديق. وَإِذا اقْترن بذلك الْمَعْنى التصوري وجودا وعدما لم يكن وَحده موقعا للتصديق وموصلا إِلَيْهِ. هَذَا حَاصِل مَا اسْتدلَّ بِهِ على امْتنَاع اكْتِسَاب التَّصْدِيق بالتصور - ونقضه جلال الْعلمَاء رَحمَه الله تَعَالَى بِالنَّقْضِ الإجمالي بِأَن هَذَا الدَّلِيل بِعَيْنِه يجْرِي فِي اكْتِسَاب التَّصَوُّر من التَّصَوُّر مَعَ تخلف الحكم - وبالنقض التفصيلي بِأَن اقتران التَّصَوُّر بِوُجُودِهِ الذهْنِي لَا يَقْتَضِي التَّصْدِيق إِذْ كَونه فِي الذِّهْن لَيْسَ فِي الذِّهْن فَيُفِيد الْمُفْرد فِي الذِّهْن بِوُجُودِهِ الْخَارِجِي التَّصْدِيق كإفادته التَّصَوُّر بِعَيْنِه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 والزاهد رَحمَه الله تَعَالَى خرج عَن صومعته فِي ميدان الدّفع قَائِلا بِمَا حَاصله أَن الْمَعْلُول فِي الْحَقِيقَة مفَاد الْهَيْئَة التركيبية على مَذْهَب الْمَشَّائِينَ الْقَائِلين بالجعل الْمُؤلف لِأَن الْعلَّة لَا تجْعَل الْمَاهِيّة مَاهِيَّة وَلَا الْوُجُود وجودا وَلَا الاتصاف اتصافا وَلَا الاتصاف مَوْجُودا. بل تجْعَل الْمَاهِيّة متصفة بالوجود كالصباغ نظرا إِلَى الثَّوْب والصبغ فالمعلول حَقِيقَة لَيْسَ إِلَّا وجوده فِي نَفسه أَو وجوده فِي حَاله. فالمعلول هُوَ مفَاد الْهَيْئَة التركيبية وَكَذَا الْعلَّة حَقِيقَة وجودهَا فِي نَفسهَا أَو وجودهَا فِي حَالَة عل مَا بَينه الشَّيْخ وَمَا هُوَ مَعْلُول بِحَسب ظرف فعليته بِحَسب ذَلِك الظّرْف يجب أَن يتَحَقَّق فِيهِ لِأَن مَا هُوَ مَعْدُوم فِي ظرف لَا يحصل مِنْهُ وجود شَيْء فِي ذَلِك الظّرْف بِالضَّرُورَةِ فَكَمَا أَن الشَّيْء بِحَسب الْخَارِج وَاجِب وممكن وكل مِنْهُمَا لَا يحصل من الْمَعْدُوم فِي الْخَارِج كَذَلِك الشَّيْء بِحَسب الذِّهْن ضَرُورِيّ وكسبي وكل مِنْهُمَا لَا يحصل من الْمَعْدُوم فِي الذِّهْن والمعلولية فِي التَّصْدِيق بِحَسب الذِّهْن إِذْ الْمَعْلُول هُوَ الصُّورَة العلمية التركيبية أَي صُورَة ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع حِكَايَة عَن الْخَارِج فَيجب أَن يتَحَقَّق مَا هُوَ علته فِي الذِّهْن وَهُوَ لَا يكون إِلَّا معنى تركيبيا تصديقيا وَهُوَ المعلولية فِي التَّصَوُّر خارجية إِذْ الْوَاقِع فِي الذِّهْن نَفسه وَهُوَ معنى مُفْرد لَا يصلح للمعلولية لما مر من الْجعل الْمُؤلف والهيئة الصَّالِحَة لَهَا هِيَ الْهَيْئَة التركيبية الخارجية وَهِي حُصُوله فِي الذِّهْن. وَلَا شكّ أَنه أَمر خارجي فَمَا هُوَ علته بِحَسب ظرف الْخَارِج يجب حُصُوله فِيهِ لَا فِي الذِّهْن وَمَا هُوَ إِلَّا التَّصَوُّر دون التَّصْدِيق فحصول صُورَة الْمُعَرّف بِالْكَسْرِ للذهن عِلّة لحُصُول صُورَة الْمُعَرّف بِالْفَتْح لَهُ وَأما الضروريات الْحَاصِلَة فِي الذِّهْن فَلَيْسَتْ بِحَسب ظرف الذِّهْن لِأَن الضَّرُورِيّ فِي الذِّهْن لَا يُعلل فِيهِ فَهِيَ مستفاضة من المبدأ الْفَيَّاض بإلقائه فِي الذِّهْن وَالْإِلْقَاء فِي الذِّهْن لَيْسَ فِي الذِّهْن بل فِي الْخَارِج وَبِهَذَا الدَّلِيل يعلم امْتنَاع اكْتِسَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا من الآخر. وَلَا يخفى على الذكي الوكيع أَن الزَّاهِد رَحمَه الله تَعَالَى بِمُقْتَضى صفة العنوانية وَإِن ترك الرَّاحَة الجسمانية بِاخْتِيَار التكلفات الشاقة للراحة فِي العاجل لَكِن حصلت لَهُ القباحات فِي الآجل لِأَن مَا هُوَ الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ هُوَ امْتنَاع تَأْثِير الْمَعْدُوم مُطلقًا فِي شَيْء وَأما امْتنَاع تَأْثِير الْمَفْقُود فِي ظرف فِي شَيْء فِي ذَلِك الظّرْف فَغير مَعْلُوم بل غير وَاقع - أَلا ترى أَن الْعلَّة الغائية الْمَوْجُودَة فِي الذِّهْن المعدومة فِي الْخَارِج عِلّة لمعلولها فِي الْخَارِج وَأَن غير الزماني والمكاني مُؤثر فيهمَا بِلَا ريب مريب وإنكار مُنكر - وَالْعجب مِنْهُ أَن الْكَلَام فِي معلولية التَّصْدِيق لَا فِي معلولية مُتَعَلقَة. وَأَنت تعلم أَن التَّصْدِيق هُوَ الإذعان لَا الْهَيْئَة التركيبية أَي صُورَة ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع فَإِنَّهَا مُتَعَلقَة الإذعان لَا نفس الإذعان. وَقَالَ الْفَاضِل الأحمدآبادي مُحَمَّد نور الدّين فِي شرح تَهْذِيب الْمنطق وَالْأَقْرَب أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 يُقَال فِي بَيَانه أَي بَيَان امْتنَاع اكْتِسَاب التَّصْدِيق من التَّصَوُّر أَن الكاسب والمكسوب فِي النَّوْعَيْنِ هِيَ الصُّورَة الذهنية لَكِن طبيعة التَّصْدِيق بِحَيْثُ إِن لم يكن ضَرُورِيًّا لَا يحصل إِلَّا بِالْعلمِ بِمَا هُوَ مُوجب للمصدق بِهِ وَعلة لثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع فالموقع من حَيْثُ هُوَ لَيْسَ إِلَّا مَا هُوَ قَابل للعلية - وَالْمعْنَى التصوري من حَيْثُ هُوَ معنى مُفْرد متساوي النِّسْبَة غير قَابل للعلية أصلا لِأَنَّهُ لَو كَانَ عِلّة لم يكن وجوده وَعَدَمه سَوَاء بِالنّظرِ إِلَى مَا هُوَ فرض معلوله إِذْ لَا دخل لمتساوي الطَّرفَيْنِ نظرا إِلَيْهِ فِي إِيقَاعه فَلَا يَقع بالمفرد بِلَا ضم شَيْء إِلَيْهِ كِفَايَة فِي تَحْصِيل أَمر فَلَا يكون التَّصَوُّر مُؤديا إِلَى التَّصْدِيق وَبعد قرَان شَيْء لَا يكون الْمُؤَدِّي إِلَّا معنى تركيبيا تصديقيا وَلَا كَذَلِك حكم الْموصل إِلَى التَّصَوُّر لِأَن كاسبه لَيْسَ عِلّة إِذْ لَا لمية قبل الهلية وَمعنى الْكسْب فِيهِ الِاحْتِمَال لملاحظة الْمَطْلُوب فِي مرْآة الْكَشْف حَتَّى كَانَ الْحمل مراتبه مَا فِيهِ الْمرْآة والمرئي وَاحِد. ومآل الْوَجْه أَن التَّصَوُّر فِي التعريفات تصور وَاحِد مُتَعَلق بالمعرف بِالْكَسْرِ بِالذَّاتِ وبالمعرف بِالْفَتْح بِالْعرضِ. فَعلم أَن الْموصل فيهمَا هُوَ الْمَعْنى الذهْنِي من حَيْثُ هُوَ إِنَّمَا الْفرق بالكشف عَن وَجه الْمُفْرد كنها أَو وَجها بِلَا احْتِمَال تَوْجِيه أَي اسْتِدْلَال والكشف عَن وَجه التَّرْكِيب فَلَا نقض وَلَا دخل للوجود الْخَارِجِي أَو الذهْنِي فِي الإيصال وَلَيْسَ الْبَيَان مَبْنِيا على مَذْهَب الْمَشَّائِينَ انْتهى. المواليد الثَّلَاثَة: المعدنيات والنباتات والحيوانات لِأَن الْمركب التَّام الَّذِي لَهُ صُورَة نوعية تحفظ تركيبه إِمَّا أَن يكون لَهُ نشوء ونماء أَو لَا. الثَّانِي هُوَ المعدني - وَالْأول إِمَّا أَن يكون لَهُ حس وحركة إرادية أَو لَا. الثَّانِي هُوَ النَّبَات - وَالْأول هُوَ الْحَيَوَان وَيُسمى الْحَيَوَان والنبات والمعدني بالمواليد الثَّلَاثَة لتولدها من العناصر الْأَرْبَعَة وَسمي الأفلاك بِالْآبَاءِ - والعناصر بالأمهات لما لَا يخفى. مولى الْمُوَالَاة: فِي الْوَلَاء. الْمُوَضّحَة: فِي الشجاج. مَوْضُوع السالبة أَعم من مَوْضُوع الْمُوجبَة: مسئلة مَشْهُورَة عِنْد المنطقيين. وَمَعْنَاهَا أَن السَّلب رفع الْإِيجَاب وَهُوَ إِمَّا بِانْتِفَاء عقد الْوَضع حَتَّى يصدق سلب الشَّيْء عَن نَفسه كَقَوْلِنَا لَا شَيْء من الْخَلَاء بخلاء. أَو بِانْتِفَاء عقد الْحمل وَهُوَ ثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع كَقَوْلِنَا لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِحجر. وَهَذَا بِخِلَاف الْمُوجبَة فَإِنَّهَا لَا تصدق عِنْد انْتِفَاء عقد الْوَضع وَهُوَ ثُبُوت الْوَصْف العنواني لذات الْمَوْضُوع وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن أَفْرَاد السالبة أَكثر من أَفْرَاد الْمُوجبَة لِأَن مَوْضُوع السالبة مَوْضُوع الْمُوجبَة. الْمُؤمن: من آمن بِاللَّه وَرَسُوله. وتحقيقه على من حقق الْإِيمَان وَاضح. وَحكمه الخلود فِي الْجنَّة وَحكم الْكَافِر الخلود فِي النَّار وَيخْتَص الْمُنَافِق بالدرك الْأَسْفَل لقَوْله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 تَعَالَى: {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار} - وَحكم الْفَاسِق من الْمُؤمنِينَ الخلود فِي الْجنَّة - أما ابْتِدَاء بِمُوجب الْعَفو أَو الشَّفَاعَة. وَأما بعد التعذيب بِقدر الذَّنب خلاف للمعتزلة والخوارج. ثمَّ اعْلَم أَن الخلود فِي النَّار لَا يَقْتَضِي تعذيبهم بهَا دَائِما. وتفصيل هَذَا الْإِجْمَال فِي الْكَافِر. الْمُؤمن فِي الْجنَّة وَالْمُؤمن فِي النَّار: الأول: من الْإِيمَان بِمَعْنى الإذعان والاعتقاد بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي بالعقائد الإسلامية - وَالثَّانِي: من الْإِيمَان بِمَعْنى أَمن دادن. فَالْمَعْنى أَن الْمُسلم فِي الْجنَّة وَمن آمن نَفسه من عَذَاب الله تَعَالَى فَفِي النَّار. فَإِن الْأَمْن من الله تَعَالَى كفر كَمَا أَن الْيَأْس مِنْهُ تَعَالَى كفر. الْمُوجب: اسْم الْفَاعِل من الْإِيجَاب هُوَ ضد الْمُخْتَار الَّذِي إِن شَاءَ فعل وَإِن لم يَشَأْ لم يفعل. فَهُوَ الَّذِي يجب أَن يصدر عَنهُ فعل من غير قصد وَإِرَادَة كالإشراق من الشَّمْس والإحراق من النَّار. وَاسم الْمَفْعُول مِنْهُ هُوَ أثر الْفَاعِل الْمُوجب بِالْكَسْرِ. وَالْفرق بَين الْمُوجب بِالْفَتْح وَبَين الْمُقْتَضِي أَنه مُتَقَدم والموجب مُتَأَخّر كَمَا فهم من التَّلْوِيح حَيْثُ قَالَ وَالْفرق بَينهمَا هُوَ أَن الْمُقْتَضِي مُتَقَدم بِمَعْنى أَن يكون الشَّيْء يكون حسنا ثمَّ يتَعَلَّق بِهِ الْأَمر ضَرُورَة أَن الْأَمر لَا يتَعَلَّق إِلَّا بِمَا هُوَ حسن. والموجب مُتَأَخّر بِمَعْنى أَن الْأَمر يُوجب حسنه من جِهَة كَونه إتيانا بالمأمور بِهِ وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك إِلَّا بعد وُرُود الْأَمر بِهِ -. وَالْكَلَام الْمُوجب عِنْد النُّحَاة هُوَ الْكَلَام الَّذِي لَيْسَ بِنَفْي وَلَا نهي وَلَا اسْتِفْهَام. وَغير الْمُوجب ضِدّه أَي الْكَلَام الَّذِي فِيهِ نفي أَو نهي أَو اسْتِفْهَام. وَاعْلَم أَن الِاسْتِفْهَام يسْتَلْزم النَّفْي وَالْإِنْكَار فَإِن أَزِيد قَائِم بِمَعْنى أَنه قَائِم أم لَيْسَ بقائم - ثمَّ كل من الْكَلَام الْمُوجب وَالْكَلَام الْغَيْر الْمُوجب فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء على نَوْعَيْنِ تَامّ وناقص و (التَّام) هُوَ الْكَلَام الَّذِي يكون الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فِيهِ مَذْكُورا. و (النَّاقِص) ضِدّه أَعنِي الْكَلَام الَّذِي لَا يكون الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فِيهِ مَذْكُورا وَيُسمى الْمُسْتَثْنى حِينَئِذٍ مفرغا لِأَن عَامل الْمُسْتَثْنى مِنْهُ يعْمل فِيهِ بفراغه من غير مَانع ودغدغة أَو لِأَن الْمُسْتَثْنى فرغ لِأَن يعْمل ذَلِك الْعَامِل فِيهِ. الْمَوْصُول: مَا يحْتَاج إِلَى وصلَة وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ بيوند. هُوَ عِنْد النُّحَاة نَوْعَانِ: أَولهمَا حرفي مثل أَن وَمَا المصدريتين وَيعرف بِمَا أول مَعَ مَا يَلِيهِ من الْجمل بمصدر وَلَا يلْزم فِي صلته أَن تكون جملَة خبرية. وَهَذَا الْمَوْصُول لَا يحْتَاج إِلَى عَائِد بل لَا يجوز أَن يعود إِلَيْهِ لِأَن الْحَرْف لعدم استقلاله بالمفهومية لَا يصلح أَن يعود إِلَيْهِ عَاد. وَثَانِيهمَا اسْمِي وَيعرف بِأَنَّهُ اسْم لَا يصير جُزْءا تَاما من الْكَلَام إِلَّا مَعَ جملَة خبرية بعده مُشْتَمِلَة على ضمير عَائِد إِلَيْهِ. والجزء التَّام هُوَ الْجُزْء الأول الَّذِي ينْحل إِلَيْهِ الْمركب أَولا كالمبتدأ وَالْخَبَر وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول - وَالْمرَاد بِالْجُمْلَةِ الخبرية أَعم من أَن يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 صُورَة وَمعنى أَو معنى فَقَط كاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بعد الْألف وَاللَّام الَّتِي من الْأَسْمَاء الموصلات. فَإِن صلَة الْألف وَاللَّام لَا تقع إِلَّا اسْم الْفَاعِل مَعَ فَاعله أَو اسْم الْمَفْعُول مَعَ مفعول مَا لم يسم فَاعله. وكل مِنْهُمَا حِينَئِذٍ جملَة خبرية معنى وَحكما لِأَن اسْم الْفَاعِل بعد اللَّام الْمَوْصُول فِي الْمَعْنى فعل مَاض مَعْرُوف أَو مضارع مَعْرُوف استتر وتبرقع ببرقعة صُورَة اسْم الْفَاعِل وَكَذَا اسْم الْمَفْعُول بعْدهَا فعل مَاض مَجْهُول أَو مضارع مَجْهُول ارتدى برداء صفة اسْم الْمَفْعُول - وَإِنَّمَا جعلُوا صلتها هَكَذَا لِأَن اللَّام الموصولة تشبه اللَّام الحرفية صُورَة فَجعلُوا صلتها مَا كَانَ جملَة معنى مُفردا صُورَة بِالْحَقِيقَةِ والشبه مَعًا. وَتَحْقِيق هَذَا الْمقَام بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي جَامع الغموض. مَوْصُولَة النتائج ومفصولة النتائج: كِلَاهُمَا فِي الْقيَاس الْمركب. الْمُؤَنَّث اللَّفْظِيّ: عِنْد النُّحَاة اسْم فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث لفظا أَو تَقْديرا وَهِي ثَلَاثَة التَّاء الْمَوْقُوف عَلَيْهَا هَاء - وَالْألف الممدودة - والمقصورة. الْمُؤَنَّث الْحَقِيقِيّ: عِنْد النُّحَاة اسْم مَا بإزائه ذكر من الْحَيَوَان كامرأة وناقة وَغير الْحَقِيقِيّ بِخِلَافِهِ. الْمولى: بِالضَّمِّ اسْم الْفَاعِل من الْإِيلَاء. وَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَليرْجع إِلَى الْإِيلَاء وبفتح الْمِيم وَاللَّام بِمَعْنى صَاحب وخداوند وَهُوَ لفظ مُشْتَرك بَين الْمُعْتق بِالْكَسْرِ وَالْمُعتق بِالْفَتْح. وَابْن الْعم وَالْجَار والناصر وَالْأولَى بِالتَّصَرُّفِ والحليف. مولى الْعتَاقَة: الْمُعْتق بِالْكَسْرِ. مَوَانِع الْإِرْث خَمْسَة: الأول: الرّقّ وافرا كَانَ أَو نَاقِصا - وَاعْلَم أَن المُرَاد بِالرّقِّ هَا هُنَا الْملك عِنْد من جعله أَعم من وَجه من الْملك فَلَا يرد أَنه لَا فَائِدَة فِي اعْتِبَار اخْتِلَاف الدَّاريْنِ وَجعله مَانِعا رَابِعا بعد اعْتِبَار الرّقّ. واتضح لَك هَذَا الْمُجْمل فِي الْملك بِفضل الله تَعَالَى - وَالثَّانِي: الْقَتْل الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وجوب الْقصاص أَو الْكَفَّارَة - وَالثَّالِث: اخْتِلَاف الدينَيْنِ - وَالرَّابِع: اخْتِلَاف الدَّاريْنِ - وَالْخَامِس: استبهام تَارِيخ الْمَوْت كَمَا فِي الغرقى والحرقى والهدمى. وَالْوَارِث بِسَبَب أحد هَذِه الْأُمُور يكون محروما عَن الْإِرْث وَيصير كالميت. وَلِهَذَا لَا يحجب حجب الحرمان بالِاتِّفَاقِ وَلَا حجب النُّقْصَان على الِاخْتِلَاف. وَالْفَتْوَى على أَنه لَا يحجب أصلا. وتفصيل هَذِه الْأُمُور فِي كتب الْفَرَائِض. الْمَوْت: صفة وجودية كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {خلق الْمَوْت والحياة} وَهُوَ ضد الْحَيَاة. وَقيل صفة عدمية وَهِي عدم الْحَيَاة عَمَّا من شَأْنه أَن يكون حَيا فبينهما تقَابل الْعَدَم والملكة فَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {خلق الْمَوْت قدره} - وَفِي اصْطِلَاح أَرْبَاب السلوك الْمَوْت قمع هوى النَّفس فَمن مَاتَ عَن هَوَاهُ فقد حَيّ بهداه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 حُكيَ لما حضر بشر بن مَنْصُور الْمَوْت فَرح فَقيل لَهُ أتفرح بِالْمَوْتِ فَقَالَ أَتَجْعَلُونَ قدومي على خَالق أرجوه كمقامي مَعَ مَخْلُوق أخافه. ثمَّ قَالَا لأبي الدَّرْدَاء مَا لنا نكره الْمَوْت فَقَالَ لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم فكرهتم أَن تَنقلُوا من الْعمرَان إِلَى الخراب. الموعظة: تليين الْقُلُوب القاسية وتدميع الْعُيُون الجامدة وَإِصْلَاح الْأَعْمَال الْفَاسِدَة. الْمَوْقُوف: عِنْد أهل الْعَرَبيَّة هُوَ الْكَلِمَة الَّتِي وقف عَلَيْهِ أَي لم يَتَحَرَّك كَمَا يُقَال إِن الْأَمر الْحَاضِر هُوَ الْمَوْقُوف الآخر من الْأَفْعَال. وَفِي اصْطِلَاح أصُول الحَدِيث مَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة من قَول أَو فعل مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْقَطِعًا فَيتَوَقَّف عَلَيْهِم وَلَا يتَجَاوَز بِهِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. الموق: هُوَ الجرموق الَّذِي يلبس فَوق الْخُف وَسَاقه أقصر من الْخُف بالهندية ثرموزه. وَإِنَّمَا يلبس فَوق الْخُف لحفظه من الطين أَو غَيره على الْمَشْهُور. الْمُؤَجل: فِي المنجم. الْمُؤثر: مَا لَهُ تَأْثِير فِي الشَّيْء إِمَّا تَامّ فَهُوَ الْعلَّة التَّامَّة أَو غير تَامّ فَهُوَ الْعلَّة النَّاقِصَة. وَالْمرَاد بالتأثير التَّام عدم الاجتياج فِي إِيجَاد الْمَعْلُول إِلَى شَيْء آخر. وَاخْتلفُوا فِي أَن الْمُؤثر فِي الْمَلْزُوم هُوَ الْمُؤثر فِي اللَّازِم فِي آن وَاحِد أم الْمُؤثر فِي اللَّازِم غير الْمُؤثر فِي الْمَلْزُوم - فَقَالَ بَعضهم بِالْأولِ وَبَعْضهمْ بِالثَّانِي بِأَن الْمُؤثر فِي اللَّازِم قد يكون مَا هُوَ الْمُؤثر فِي الْمَلْزُوم لَكِن فِي آنين وَقد يكون على حِدة - وَالْمذهب الْمَنْصُور أَن الْمُؤثر فِي الْمَلْزُوم هُوَ الْمُؤثر فِي اللَّازِم فِي آن وَاحِد وَإِلَّا يلْزم وجود الْمَلْزُوم بِدُونِ اللَّازِم. وَفِي الْمُؤثر فِي الْأَفْعَال الاختيارية للعباد اخْتِلَاف قَالَت الجبرية إِن الْمُؤثر فِيهَا قدرَة الله تَعَالَى بِلَا قدرَة من الْعباد أصلا أَي لَيْسَ للْعَبد قدرَة أصلا عِنْدهم - وَعند أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ الْمُؤثر فبها قدرَة الله تَعَالَى بِلَا تَأْثِير لقدرة الْعباد يَعْنِي أَن للْعَبد قدرَة لَكِن لَا تَأْثِير لَهَا فِي إِيجَاد الْفِعْل عِنْده فَإِنَّهُ قَالَ إِن الله تَعَالَى أجْرى عَادَته بِأَن العَبْد إِذا صرف قدرته وإرادته إِلَى الْفِعْل أوجده عقيب ذَلِك من غير أَن يكون لقدرته وإرادته تَأْثِير فِي وجوده فَذَلِك الْفِعْل مَخْلُوق الله تَعَالَى ومكسوب للْعَبد فَجعل قدرَة العَبْد شرطا ومدارا لتأثير قدرته تَعَالَى وإيجاده. والمؤثر فِي فعل العَبْد عِنْد الْمُعْتَزلَة قدرَة العَبْد فَقَط بِلَا إِيجَاب واضطرار. وَعند الفلاسفة الْمُؤثر فِيهِ قدرَة العَبْد بِالْإِيجَابِ وَامْتِنَاع التَّخَلُّف كَمَا يفهم من ظَاهر كَلَامهم - وَالتَّحْقِيق أَن مَذْهَبهم أَنه تَعَالَى فَاعل الْحَوَادِث كلهَا وَأَن الْمَرَاتِب شُرُوط معدة لإفاضة المبدأ - وَقيل إِن إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحمَه الله تَعَالَى ذهب إِلَى مَذْهَب الْحُكَمَاء وَلَكِن قَالَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح الْمَقَاصِد هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 القَوْل من الإِمَام وَإِن اشْتهر فِي الْكتب إِلَّا أَنه خلاف مَا صرح بِهِ فِي الْإِرْشَاد وَغَيره حَيْثُ قَالَ إِن الْخَالِق هُوَ الله تَعَالَى لَا خَالق سواهُ وَإِن الْحَوَادِث كلهَا حَادِثَة بقدرته تَعَالَى من غير فرق بَين مَا يتَعَلَّق بقدرة الْعباد وَمَا لَا يتَعَلَّق بهَا انْتهى. وَذهب الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الاسفراييني إِلَى أَن المُرَاد الْمُؤثر فِي فعل العَبْد مَجْمُوع القدرتين أَي قدرَة الله تَعَالَى وقدرة العَبْد فَذَلِك الْمَجْمُوع يُؤثر وَيُوجد أصل الْفِعْل فَيكون قدرَة الله تَعَالَى جُزْء الْمُؤثر كقدرة العَبْد. وَمذهب القَاضِي أبي بكر الباقلاني رَحمَه الله تَعَالَى أَيْضا أَن الْمُؤثر فِي فعل العَبْد مَجْمُوع القدرتين لَكِن قدرَة الله تَعَالَى تُؤثر فِي أصل الْفِعْل وقدرة العَبْد فِي وَصفه بِأَن تجْعَل ذَلِك الْفِعْل مَوْصُوفا بِكَوْنِهِ طَاعَة أَو مَعْصِيّة أَو مَكْرُوها أَو مُبَاحا وَفِي أَفعَال سَائِر الْحَيَوَانَات أَيْضا اخْتِلَاف على هَذَا التَّفْصِيل. وَقَالَ الْفَاضِل الْكَامِل ملا شرِيف كجكنه رَحمَه الله تَعَالَى اعْلَم أَن بداهة الْعقل حاكمة على أَن الْأَفْعَال الْوَاقِعَة من الْعباد بمدخلية الِاخْتِيَار لَيست اضطرارية صرفة للْفرق الضَّرُورِيّ بَين حَرَكَة المرتعش وحركة الْمُخْتَار فَبَطل الْجَبْر الْمَحْض وَبعد الحكم يتَحَقَّق الْقُدْرَة فَالْحكم بِأَن قدرَة العَبْد مُسْتَقلَّة فِي التَّأْثِير وَالْعَبْد فَاعل موجد يُنَافِيهِ عُمُوم قَوْله تَعَالَى: {خَالق كل شَيْء} فَبَطل مَذْهَب الاعتزال فالجبر الْمَحْض والتفويض الْمَحْض اللَّذَان هما طرفان باطلان. وَبعد بطلانهما فالحد الْوسط الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخ الْأَشْعَرِيّ أَن قدرَة العَبْد مدَار مَحْض لَا أَنَّهَا مَعَ قدرَة الله تَعَالَى مُؤثرَة فِي أصل الْفِعْل فَيكون جُزْء الْمُؤثر كَمَا هُوَ مَذْهَب الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وَلَا أَنَّهَا مَعَ قدرَة الله تَعَالَى مُؤثرَة فِي وصف الْفِعْل بِأَن تُؤثر قدرته تَعَالَى فِي أصل الْفِعْل وقدرة العَبْد فِي كَونه طَاعَة أَو مَعْصِيّة كَمَا هُوَ مَذْهَب القَاضِي أبي بكر الباقلاني لِأَن فِي كل من هذَيْن الْقَوْلَيْنِ نوع ضَرَر فِي اسْتِقْلَال الْوَاجِب بالفاعلية وَفِي التَّوْحِيد الافعالي. وَالْمرَاد بِكَوْن قدرَة العَبْد مدارا مَحْضا أَن الصَّانِع تقدست ذَاته وتنزهت صِفَاته جعل عَبده صَاحب إِرَادَة وقدرة بِحَيْثُ لَو تَركه مَعَ نَفسه لَهُ أَن يُؤثر وَيُوجد مَا أَرَادَهُ من الْأَفْعَال لَكِن الْوَاجِب تَعَالَى لعزته وجلاله لم يرض أَن يكون فِي ملكه صَاحب تصرف فأوجد مَا علم أَنه إِذا خلي وطبعه لَا وجده بإرادته وَقدرته بِحَيْثُ لم يطلع العَبْد أَنه سُبْحَانَهُ أوجده دونه بل ظن أَنه فعله سُبْحَانَهُ فسبحان الَّذِي لَيْسَ لَهُ شريك فِي الْملك وَكبره تَكْبِيرا. فاستقام أَمر التكاليف الشَّرْعِيَّة وترتب الْجَزَاء فِي هَذِه النشأة وَيَوْم الْجَزَاء - هَذَا مَا أَفَاضَ الله علينا فِي تَحْقِيق مَذْهَب الشَّيْخ ولغيرنا فِي تَحْقِيق كَلَامه غير هَذَا فَارْجِع إِلَى المطولات من الْكتب فَانْظُر أَيهَا الطَّالِب الصَّادِق أَن هَذَا الشَّيْخ الإِمَام الْهَام مقتدى الْأَنَام مَا أدق نظره وَمَا أجلى بَصَره أحسن الله إِلَيْهِ وَجعل بحار الْمَغْفِرَة عَلَيْهِ انْتهى. الموازنة: من المحسنات اللفظية البديعية. وَهِي تَسَاوِي الْكَلِمَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ من الفقرتين أَو المصراعين فِي الْوَزْن دون التقفية نَحْو قَوْله تَعَالَى: {ونمارق مصفوفة} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 {وزرابي مبثوثة} . فَإِن مصفوفة ومبثوثة متساويان فِي الْوَزْن لَا فِي التقفية إِذْ الأولى على الْفَاء وَالثَّانيَِة على الثَّاء وَلَا عِبْرَة لتاء التَّأْنِيث فِي القافية كَمَا بَين فِي مَوْضِعه. المواجر: فِي بَاب التَّعْزِير وَقصد الشتم هُوَ الَّذِي يَأْخُذ أجر الزواني. الْمَوَدَّة: الوداد والمحبة الفؤادية لَا اللسانية - لله در الْقَائِل. شعر: (وَإِذا اعتراك الشَّك فِي ود امرء ... وَأَرَدْت تعرف حلوه من مره) (فَسَأَلَ فُؤَادك عَن ضمير فُؤَاده ... ينيبك سرك كلما فِي سره) الموسيقى: فِي كشكول الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي هُوَ علم يعرف مِنْهُ النغم والإيقاع وَأَحْوَالهَا وَكَيْفِيَّة تأليف اللحون واتخاذ الْآلَات الموسيقاوية وموضوعه الصَّوْت بِاعْتِبَار نظامه - والنغمة صَوت لابث زَمَانا تجْرِي فِيهِ الألحان يجْرِي مجْرى الْحُرُوف من الْأَلْفَاظ - وبسائطها سَبْعَة عشر وأوتارها أَرْبَعَة وَثَمَانُونَ - والإيقاع اعْتِبَار زمَان الصَّوْت وَلَا مَانع شرعا من تعلم هَذَا الْعلم وَكثير من الْفُقَهَاء كَانَ مبرزا فِيهِ. وَصَاحب الموسيقى يتَصَوَّر الْأَنْغَام من حَيْثُ إِنَّهَا مسموعة على الْعُمُوم من أَي آلَة اتّفقت. وَصَاحب الْعَمَل إِنَّمَا يَأْخُذهَا على أَنَّهَا مسموعة من الْآلَات الطبيعية كالحلوق الإنسانية أَو الصناعية كالآلات الموسيقاوية وَمَا يُقَال من أَن ألحان الموسيقية مَأْخُوذَة من نسب الاصطكاكات الفلكية فَهُوَ من جملَة رموزهم إِذْ لَا اصطكاكات فِي الأفلاك. (بَاب الْمِيم مَعَ الْهَاء) الْمهْر: بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء (كابين زن) وَيصِح النِّكَاح بِلَا ذكر الْمهْر لِأَن ذَاته وَاجِب شرعا لَا ذكره فَلم يتَوَقَّف على التَّسْمِيَة وَكَذَا يَصح مَعَ نَفْيه خلافًا لمَالِك رَحمَه الله. وَأَقل الْمهْر شرعا عشرَة دَرَاهِم سَوَاء كَانَت مَضْرُوبَة أَو غَيرهَا حَتَّى يجوز وزن عشرَة أتبار. وَإِن كَانَت قيمتهَا أقل بِخِلَاف نِصَاب السّرقَة وَلَا حد لأكثره. وَكَانَ مهر سيدة النِّسَاء فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة. وَالْأُوقِية أَرْبَعُونَ درهما كَذَا فِي النِّهَايَة. وَفِي بعض الْكتب مهرهَا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضَّة - واين ازروى حِسَاب يكصدو بنجاه توله نقره مي شود. وَمهر أَزوَاج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام اثْنَتَا عشرَة أُوقِيَّة وَنصف أُوقِيَّة - وَالْأُوقِية أَرْبَعُونَ درهما فالمجموع يكون خَمْسمِائَة دِرْهَم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 وَاعْلَم أَن الْوَاجِب بِالطَّلَاق قبل الوطي نصف الْمهْر الْمُسَمّى إِلَّا إِذا نكح معتدته وَطَلقهَا قبل الوطي فَإِنَّهُ يجب حِينَئِذٍ مهر تَامّ وعدة مُبتَدأَة - فَإِن قلت لَو بَاعَ رجل أَبَاهُ فِي مهر أمه يَصح كَيفَ يتَصَوَّر. أَقُول عبد تزوج حرَّة بِإِذن مَوْلَاهُ فولد لَهُ ولد وَهُوَ حر فَطلب الْوَلَد وكَالَة من أمه مهرهَا من مولي أَبِيه فوكله بِبيعِهِ يجوز أَن يَبِيع أَبَاهُ فِي مهر أمه. وَيُمكن الْجَواب بِأَن امْرَأَة تزوجت بِعَبْد وَولدت مِنْهُ ابْنا ثمَّ طَلقهَا فانقضت عدتهَا ثمَّ تزوج سيد العَبْد بِهَذِهِ الْمَرْأَة على أَن يكون هَذَا العَبْد ملكا لَهَا فوكلت الابْن فِي بيع أَبِيه صَحَّ البيع. المهرجان: بِالْكَسْرِ وَسُكُون الْهَاء وَفتح الرَّاء الْمُهْملَة وَالْجِيم أول يَوْم من نزُول الشَّمْس فِي الْمِيزَان. وَفِي الْمُضْمرَات المهرجان مُعرب (ديوالي) وَهُوَ طرف الخريف. وَفِي الْأَنْوَار فِي فقه الشَّافِعِي المهرجان الْيَوْم السَّادِس عشر من مهر وَهُوَ أول الخريف. المهموسة: هِيَ الْحُرُوف الَّتِي بِخِلَاف الْحُرُوف المجهورة وَهِي حُرُوف لَا ينْحَصر أَي لَا يحتبس جري النَّفس مَعَ تحركها. وَذَلِكَ لِأَنَّهَا ضعفت فِي أَنْفسهَا وَضعف الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا ولضعف اعتمادها لَا تقوى على منع النَّفس فَيجْرِي مَعهَا النَّفس. وجري النَّفس مَعَ الْحُرُوف مِمَّا يضعفها وَهِي مَا سوى الْحُرُوف المجهورة الْمَذْكُورَة. وَإِنَّمَا سميت مهموسة أخذا من الهمس الَّذِي هُوَ الْإخْفَاء لِأَنَّهُ لما جرى مَعهَا لم يقو التصويت بهَا قوته فِي المجهورة فَصَارَ فِي التصويت بهَا نوع خَفَاء. وَالِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِي المهموسة فِي المجهورة. المهتوت: من الهت. وَهُوَ إسراع الْكَلَام يُقَال للرجل إِذا كَانَ جيد السباق للْحَدِيث هُوَ يسرده سردا ويهته هتا وَرجل هتات أَي خَفِيف كثير الْكَلَام لِأَن الَّذِي يسْرد الحَدِيث وَيكسر الْكَلَام رُبمَا لم يبين الْحُرُوف. والحرف المهتوت الْهَاء لِضعْفِهَا وخفائها وسرعتها على اللِّسَان. الْمُهْملَة: هِيَ الْقَضِيَّة الحملية الَّتِي موضوعها كلي وَحكم على أَفْرَاده فِي الْجُمْلَة أَي لم يبين كمية أَفْرَاده لَا كلا وَلَا بَعْضًا فَيكون السُّور متروكا فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ مثل الْإِنْسَان كَاتب. وَاعْلَم أَن الْإِنْسَان فِي هَذَا الْمِثَال وَإِن كَانَ فِي صُورَة الْمعرفَة لكنه نكرَة فِي الْمَعْنى كحسن الْوَجْه واللئيم فِي قَول الشَّاعِر: (وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني ... ) فَلَا يرد أَن اللَّام على الْإِنْسَان لَا يَخْلُو عَن أحد الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة الْمَشْهُورَة وَلَيْسَ قسم آخر سواهَا وعَلى أَي حَال لَا يكون القَوْل الْمَذْكُور مِثَالا للمهملة. وَقَالَ مَوْلَانَا عِصَام الدّين رَحمَه الله تَعَالَى إِن اللَّام للْعهد الذهْنِي - وَأَنت تعلم أَنه يُشِير إِلَى فَرد غير مَعْهُود فالقضية الْمَذْكُورَة حِينَئِذٍ جزئية مُهْملَة وَهِي فِي قُوَّة الجزيئة فَإِن الحكم على أَفْرَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 الْمَوْضُوع فِي الْجُمْلَة يكون على بعض الْبَتَّةَ وَبِالْعَكْسِ فبينهما تلازم من حَيْثُ الحكم فَافْهَم وَلَا تكن من الغافلين. المهملات: جمع المهمل هُوَ الَّذِي لم يوضع لِمَعْنى سَوَاء كَانَ دَالا على معنى أَو لَا. المهموز: المذموم. وَفِي اصْطِلَاح الصّرْف كلمة يكون أحد أُصُولهَا همزَة سَوَاء كَانَت مَوْجُودَة أَو مَقْلُوبَة أَو محذوفة كأمر وَيَأْمُر وَمر. المهاباة: بِالْبَاء الْمُوَحدَة مصدر بَاب المفاعلة كَانَت فِي الأَصْل مهابية قلبت الْيَاء الْفَا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَهِي قسْمَة الْمَنَافِع على التَّعَاقُب والتناوب. المهأياة: بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّة بنقطتين من التهية. وَهِي أَن يتواضع شريكان أَو الشُّرَكَاء على أَمر بالطوع وَالرِّضَا. وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن قسْمَة الْمَنَافِع فِي الْأَعْيَان الْمُشْتَركَة. وَفِي شرح الْوِقَايَة الْمُهَايَأَة مفاعلة من التهية وَهِي مصدر من بَاب التفعيل فَيكون حِينَئِذٍ مُتَعَدِّيا فَكَانَ أَحدهمَا يُهَيِّئ الدَّار لانتفاع صَاحبه أَو من التهيؤ وَهُوَ مصدر من بَاب التفعل فَيكون حِينَئِذٍ لَازِما فَكَانَ أَحدهمَا يتهيأ للِانْتِفَاع بِالدَّار حِين فرَاغ شَرِيكه من الِانْتِفَاع بهَا فَافْهَم. ف (109) : (بَاب الْمِيم مَعَ الْيَاء) الْميل: بِالْفَتْح خاطر - وخيال - ورغبت - وعشق - وَعند الْحُكَمَاء مَا قَالُوا فِي مَبْحَث الْميل أَن مدافعة الْمَانِع مستندة إِلَى الْميل الَّذِي سَمَّاهُ المتكلمون اعْتِمَادًا. وعرفه الشَّيْخ الرئيس فِي رِسَالَة الْحُدُود بالكيفية الَّتِي بهَا يكون الْجِسْم مدافعا لما يمانعه عَن حَرَكَة إِلَى جِهَة مَا. وَقد يُطلق الْميل على نفس المدافعة. وَلَا يخفى على الوكيع أَن هَذَا رَاجع إِلَى الأول لِأَن نفس المدافعة كَيْفيَّة يكون بهَا الْجِسْم مدافعا. وبالكسر ثلث الفرسخ. فِي التَّبْيِين وَأقرب الْأَقْوَال أَن الْميل ثلث الفرسخ أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع طولهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ اصبعا. وَعرض كل اصبع سِتّ حبات شعير مُلْصقًا ظهرا بِبَطن انْتهى. وَالتَّفْصِيل فِي الذِّرَاع. الميمونية: طَائِفَة مَيْمُون بن عمرَان وهم قَالُوا بِالْقدرِ وبكون الِاسْتِطَاعَة قبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 الْفِعْل وَأَن الله تَعَالَى يُرِيد الْخَيْر دون الشَّرّ وَأَطْفَال الْمُشْركين فِي الْجنَّة - ويروى عَنْهُم تَجْوِيز نِكَاح الْبَنَات للبنين. الْميتَة: بِالْكَسْرِ مصدر للنوع. يَعْنِي يَك نوع مردن. الْميتَة الْجَاهِلِيَّة: هِيَ موت من لم يصل إِلَيْهِ أَحْكَام الشَّرْع أَو من لم يعرف نَبِي زَمَانه. كَمَا مر " فِي من مَاتَ وَلم يعرف إِمَام زَمَانه " الحَدِيث لكنه مَوْضُوع كَمَا مر هُنَاكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 ( [حرف النُّون] ) (بَاب النُّون مَعَ الْألف) الناموس: هُوَ الشَّرْع الَّذِي شَرعه الله تَعَالَى أَعنِي الْإِسْلَام كَمَا مر فِي الْإِسْلَام - والناموس الْأَكْبَر هُوَ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام. النَّار: عنصر من العناصر الْأَرْبَعَة حَار يَابِس كرتها مماسة لسطح مقعر فلك الْقَمَر فَوق كرة الْهَوَاء. النَّاقِص: ضد التَّام. وَفِي اصْطِلَاح الصّرْف هُوَ الْكَلِمَة الَّتِي يكون لامها حرفا من حُرُوف الْعلَّة. وَإِنَّمَا سمي نَاقِصا لنُقْصَان لامه عَن الْحَرْف الصَّحِيح أَو لحذف لامه عِنْد الْجَزْم وَالْوَقْف كَمَا مر فِي المعتل - والناقص فِي عرف الْحساب مَا مر فِي التَّام -. وَالْكَلَام النَّاقِص فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء عِنْد النُّحَاة قد مر بَيَانه فِي الْمُوجب - والناقص فِي بَاب الْجَبْر والمقابلة فِي الزَّائِد. النَّاطِق: مدرك المعقولات فصل قريب للْإنْسَان من النُّطْق بِمَعْنى إِدْرَاك المعقولات لَا من النُّطْق الظَّاهِرِيّ. فَإِن قلت فصل الْجَوْهَر لَا يكون إِلَّا جوهرا وَإِلَّا لزم تركب الْجَوْهَر من الْجَوْهَر وَالْعرض وَهُوَ محَال. فَإِن الْمركب من الْجَوْهَر وَالْعرض عرض والنطق عرض فَكيف يكون فصل الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ جَوْهَر. وَإِن قلت إِن الْفَصْل هُوَ النَّاطِق أَي الْجَوْهَر الَّذِي هُوَ معروض النُّطْق قلت معروضه لَيْسَ إِلَّا الْحَيَوَان الَّذِي هُوَ الْجِنْس فَكيف يكون فصلا. فَالْجَوَاب أَن النَّاطِق لَيْسَ بفصل حَقِيقَة فَإِن الْفَصْل فِي الْحَقِيقَة للْإنْسَان هُوَ الْجَوْهَرِي الَّذِي من آثاره النُّطْق فإطلاق الْفَصْل على النَّاطِق مجَاز. وَتَحْقِيق هَذَا المرام فِي الْحَيَوَان وتتمة هَذَا الْكَلَام فِي النَّفس الناطقة. النَّادِر: مَا قل وجوده سَوَاء كَانَ مُخَالفا للْقِيَاس أَو مُوَافقا لَهُ. النَّاشِزَة: من النُّشُوز وَهُوَ الْعِصْيَان. وَفِي الشَّرْع امْرَأَة عاصية فِي حق زَوجهَا بِأَن خرجت من منزله ومنعت نَفسهَا مِنْهُ بِغَيْر حق بِأَن أوفى مهرهَا أَو وهبت لَهُ. الناب: من الْإِنْسَان مَا يَلِي الرباعيات. وَحرم أكل كل ذِي نَاب من السبَاع وَإِن أردْت التَّفْصِيل فَارْجِع إِلَى المخلب. النَّاسِي: فِي المخطي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 النَّاسِخ: فِي الْمَنْسُوخ. (بَاب النُّون مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) النَّبَات: مركب تَامّ يكون الْأَثر الْمُتَيَقن بصورته النوعية المنمية مَعَ حفظ التَّرْكِيب. وَاعْلَم أَنه لَا خلاف فِي أَن النَّبَات لَيْسَ بحيوان وَإِنَّمَا الْخلاف فِي حَيَاته فَقيل هُوَ حَيّ لِأَن الْحَيَاة صفة هِيَ مبدأ التغذية والتنمية وَقيل لَا إِذْ الْحَيَاة صفة هِيَ مبدأ الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية - وَمِنْهُم من ادّعى تحققهما فِيهِ مُسْتَندا بالإمارات - وَمِنْهُم من بَالغ فِي اتصافه بالإدراك حَتَّى أثبت لَهُ إِدْرَاك الكليات وَهُوَ الْمَعْنى بِالْعقلِ زعما مِنْهُ أَن يُشَاهد من ميل أناث النخيل إِلَى بعض الذُّكُور دون الْبَعْض لَا يَتَأَتَّى بِدُونِ ذَلِك وَإِلَيْهِ ذهب قدماء الْحُكَمَاء. النَّبِي: فعيل من النبأ بِمَعْنى الْخَبَر فَيكون مَهْمُوز اللَّام فالنبي الْمخبر. أَو من النُّبُوَّة بِمَعْنى الرّفْعَة فَيكون معتل اللَّام فالنبي الرفيع - وَفِي الشَّرْع إِنْسَان بَعثه الله تَعَالَى إِلَى الْخلق لتبليغ الْأَحْكَام - وَقيل إِنْسَان بَعثه الله تَعَالَى وَمَعَهُ شَرِيعَة سَوَاء أَمر بتبليغها أَو لَا والمناسبة بَين الْمعَانِي اللُّغَوِيَّة وَالْمعْنَى الشَّرْعِيّ ظَاهِرَة. وَالرَّسُول قد يسْتَعْمل مرادفا للنَّبِي وَقد يخص بالمأمور بالتبليغ إِلَى الْخلق أَو بِمن نزل بِهِ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَو بِصَاحِب كتاب أَو بشريعة خَاصَّة بِمَعْنى أَنه لم يكن مَأْمُورا بمتابعة شَرِيعَة من قبله من الْأَنْبِيَاء - وَالْمَشْهُور أَن الرَّسُول إِنْسَان بَعثه الله تَعَالَى إِلَى الْخلق بتبليغ الْأَحْكَام وَمَعَهُ كتاب وَشَرِيعَة - وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره النَّبِي من أُوحِي إِلَيْهِ بِملك أَو ألهم فِي قلبه أَو نبه بالرؤيا الصَّالِحَة فالرسول أفضل بِالْوَحْي الْخَاص الَّذِي فَوق وَحي النُّبُوَّة. النبهرجة: من الدَّرَاهِم مَا يردهُ التُّجَّار. النبش: كفن دزديدن - وَالْفرق بَينه وَبَين السّرقَة ظَاهر. (بَاب النُّون مَعَ التَّاء الفوقانية) النتيجة: مَا يحصل بعد إتْيَان الدَّلِيل وَالْحجّة وَيلْزم مِنْهُ وَهِي قبل الدَّلِيل مدعي وَبعده نتيجة فهما متحدان بِالذَّاتِ ومتغائران بِالِاعْتِبَارِ. النِّتَاج: فِي الْحمل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 (بَاب النُّون مَعَ الْجِيم) النَّجس: بِفَتْح الثَّانِي يعم النَّجَاسَة الْحكمِيَّة الَّتِي هِيَ الْحَدث. والنجاسة الْحَقِيقِيَّة الَّتِي هِيَ الْخبث أَي عين النَّجَاسَة. وَالنَّجس بكسره مَا كَانَ ملوثا بِالنَّجَاسَةِ كَالثَّوْبِ وَالْبدن إِذا كَانَ ملوثا بِالنَّجَاسَةِ - وَالنَّجس بِالْفَتْح على نَوْعَيْنِ مرئي وَهُوَ مَا يرى أَثَره بعد اليبس كَالدَّمِ والقذر وَغير ذَلِك. وَغير مرئي وَهُوَ مَا لَا يرى أَثَره بعد اليبس كالبول وَالْمَاء النَّجس - وَأَيْضًا قَالُوا النَّجَاسَة نَوْعَانِ غَلِيظَة وخفيفة الغليظة مَا ورد فِي نَجَاسَته نَص وَلم يُعَارضهُ نَص آخر اخْتلف النَّاس فِيهِ أم اتَّفقُوا وَإِن عَارضه نَص آخر فَهُوَ خَفِيفَة اتَّفقُوا أم اخْتلفُوا. النَّجس المغلط: وَالنَّجس المخفف يعلم كل مِنْهُمَا مِمَّا ذكرنَا آنِفا. النجش: بِفَتْح الأول وَسُكُون الْجِيم. وَجَاء بِفتْحَتَيْنِ أَيْضا هُوَ أَن تزيد فِي ثمن سَاعَة وَلَا رَغْبَة لَك فِي شِرَائهَا. النجارية: أَصْحَاب مُحَمَّد بن الْحسن النجار يوافقون الْمُعْتَزلَة فِي نفي الصِّفَات الوجودية وحدوث الْكَلَام وَنفي الرُّؤْيَة لأهل السّنة فِي خلق الْأَفْعَال وَأَن الِاسْتِطَاعَة مَعَ الْفِعْل. (بَاب النُّون مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة) النَّحْو: فِي اللُّغَة الْقَصْد والمثل يُقَال نحوت نَحوا أَي قصدت قصدا وَالْفَاعِل مَرْفُوع نَحْو جَاءَنِي زيد. وَبِمَعْنى الْجَانِب - والتشبيه - وَالنَّوْع - وَالصرْف مثل قصدت نَحوه أَي جَانِبه - وَرَأَيْت رجلا نَحْو أَسد وَهُوَ على نَحْو وَاحِد أَي نوع وَاحِد وَجمعه الأنحاء. ونحوت بَصرِي إِلَيْك أَي صرفت وَعلم النَّحْو علم يبْحَث فِيهِ عَن أَحْوَال الْكَلِمَة وَالْكَلَام من حَيْثُ الْإِعْرَاب وَالْبناء - فموضوع النَّحْو الْكَلِمَة وَالْكَلَام - وَالتَّحْقِيق الْحقيق أَن مَوْضُوعه وَاحِد وَهُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع للمعنى - والتعدد بِاعْتِبَار النَّوْعَيْنِ أَعنِي الْكَلِمَة وَالْكَلَام -. وَإِن أردْت أَن تعلم حَقِيقَة الْحَقِيقَة فِي معرفَة علم النَّحْو فاستمع إِلَى هَذَا الْمقَال الرفيع الشَّأْن عَجِيب الْبَيَان أَن لكل وَاحِد من الْكَلِمَات الثَّلَاث أَعنِي الِاسْم وَالْفِعْل والحرف فِي لِسَان الْعَرَب أحوالا وأحكاما مَخْصُوصَة من الْإِعْرَاب وَالْبناء والحركات والسكون وَهِي كَمَا وَقعت فِي كَلَامهم وَجَرت على لسانهم كَمَا فِي سَائِر الْأَلْسِنَة واللغات فَإِذا سُئِلَ لم وَقعت هَذِه الْكَلِمَة هَكَذَا - أُجِيب بِأَنَّهَا هَكَذَا جرت فِي استعمالهم إِلَّا أَن النُّحَاة اخترعوا عللا وأثبتوها بدلائل تطبيقا للمنقول على الْمَعْقُول وتوجيها لكلامهم وترويجا لهَذِهِ اللُّغَة الفصيحة الَّتِي هِيَ أفضل اللُّغَات وَأَشْرَفهَا لنزول الْقُرْآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 الْمجِيد عَلَيْهَا حَتَّى أَنهم حكمُوا أَن علم النَّحْو عبارَة عَن معرفَة أَحْوَال الْكَلم بدلائلها ونكاتها وَأما بِدُونِهَا فحكاية النَّحْو دون علمه وَلَيْسَ مَا ذكرُوا عللا مُوجبَة لتِلْك الْأَحْكَام وَإِنَّمَا هِيَ نكات ومناسبات تفِيد نوع رُجْحَان واستحسان فِي الِاعْتِبَار بعد الْوُقُوع وَلَيْسَت مطردَة يتَوَجَّه عَلَيْهَا النَّقْض والمعارضة. وَقد يُفْضِي الْكَلَام فِيهَا إِلَى الْبَحْث والمناظرة تكثيرا للْكَلَام وإجرائها مجْرى الدَّلَائِل على مَا هُوَ دأب أهل الْعلم وَإِن لم يكن ضَرُورِيًّا فِي أصل الْمَقْصُود وَالْأَصْل مَا ذكرنَا فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ من الْأَسْرَار المخزونة فِي قُلُوب الْأَبْرَار. وَأما تَحْقِيق. نَحوه: الْوَاقِع فِي كتب الْأَحَادِيث فاطلبه فِي مثله. النَّحْل: بِكَسْر النُّون وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة جمع النحلة وَهِي مَا اخترعه قوم وَاتَّفَقُوا عَلَيْهَا من غير أَن يكون عَلَيْهَا دَلِيل نقلي وَسَمَاع من النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. وَلذَا وَقع فِي حَاشِيَة الشريفية شرح السِّرَاجِيَّة - النَّحْل الْملَّة والديانة. النحرير: الْعَالم المتقن البليغ فِي الْعلم وَالْغَالِب عَلَيْهِ غَلَبَة تَامَّة كَأَنَّهُ ينْحَر الشَّيْء علما وَعَملا أَي مزاولة وتكرارا فَإِن الاتقان وَالْبُلُوغ إِلَى الْكَمَال لَا يحصل إِلَّا بهَا - وَقد يُقَال نحرت الْكتاب كَذَا علما أَي عَلمته حق الْعلم فَهُوَ مَأْخُوذ بِاعْتِبَار أصل اللُّغَة من النَّحْر يكون فِي اللبة كالذبح فِي الْحلق والمناسبة الْغَلَبَة. (بَاب النُّون مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) النداء: بِالْكَسْرِ وَالْمدّ لُغَة (آوازدادن) . مصدر نَادَى وَقد يضم بجعله من قبيل الْأَصْوَات كالصراخ والبكاء. وَاصْطِلَاحا طلب الإقبال بِحرف نَائِب مناب أَدْعُو لفظا أَو تَقْديرا. وَفِي أدوات النداء اخْتِلَاف الْجُمْهُور على أَنَّهَا حُرُوف. وَعند الْبَعْض أَسمَاء الْأَفْعَال لتمامها بِمَا بعْدهَا - ورد بِأَن بِنَاء بَعضهم لَيْسَ بِنَاء الِاسْم وَلِأَن استتار ضمير الْمُتَكَلّم فِي الْأَسْمَاء مُمْتَنع - وأدوات النداء تُؤدِّي معنى أَدْعُو الْمُسْتَتر فِيهِ ضمير الْمُتَكَلّم كأداء الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ مَعَاني الْأَفْعَال فَتَأمل. النَّدَم: التحزن والتوجع على أَن فعل وَتمنى كَونه لم يفعل. (بَاب النُّون مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة) النّذر: إِيجَاب مَا وَجب من جنسه لله تَعَالَى بِعَيْنِه حَتَّى لَا يجب اتِّبَاع الْجِنَازَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 بِالنذرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِب من جنسه. وَلَا الْوضُوء لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِب بِعَيْنِه بل وَاجِب للصَّلَاة. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد شرِيف الْعلمَاء قدس سره النّذر إِيجَاب عين الْفِعْل الْمُبَاح على نَفسه تَعْظِيمًا لله تَعَالَى. (بَاب النُّون مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة) النزل: بِالضَّمِّ مَا حضر من الطَّعَام للضيف. (بَاب النُّون مَعَ السِّين الْمُهْملَة) النِّسْبَة: الرَّبْط وَهِي تَامَّة خبرية وإنشائية. وَغير تَامَّة كالنسبة التقييدية أَي الإضافية والتوصيفية - وَأَرَادَ الْفَاضِل الْكَامِل الْعَارِف النامي الشَّيْخ نور الدّين عبد الرَّحْمَن الجامي. قدس سره السَّامِي. بِالنِّسْبَةِ فِي قَول جمال الْعَرَب جمال الدّين الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله فِي الكافية المركبات كل اسْم ركب من كَلِمَتَيْنِ لَيْسَ بَينهمَا نِسْبَة النِّسْبَة المفهومة من ظَاهر هَيْئَة التَّرْكِيب لِئَلَّا يخرج نَحْو خَمْسَة عشر عَن حد الْمركب. وَطعن على الْفَاضِل الْهِنْدِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لما عين النِّسْبَة بِالنِّسْبَةِ الإسنادية والإضافية والتوصيفية والتعليقية الَّتِي تكون بَين الْفِعْل وَالْمَفْعُول لإِخْرَاج نَحْو خَمْسَة عشر مِمَّا بَين جزئه نِسْبَة الْعَطف قبل التَّرْكِيب حَيْثُ قَالَ وَتَعْيِين النِّسْبَة على وَجه يخرج مِنْهَا هَذِه النِّسْبَة أصعب من خرط القتاد لِأَن النِّسْبَة فِي القَوْل الْمَذْكُور نكرَة تَحت النَّفْي فَهِيَ صَرِيح وَنَصّ فِي استغراق أفرادها فإرادة بعض دون بعض بِلَا قرينَة تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح. وَلَكِن يرد على الْعَارِف النامي. قدس سره السَّامِي. أَنه أَيْضا عين النِّسْبَة الْمَذْكُورَة بِالنِّسْبَةِ المفهومة من ظَاهر هَيْئَة التَّرْكِيب مَعَ أَنَّهَا تَحت النَّفْي. فَهَذَا التَّعْيِين أَيْضا لَا يَخْلُو عَن صعوبة خرط القتاد. واندفاع هَذَا الْإِيرَاد على وَجه التَّحْقِيق الإلهامي قد ذَكرْنَاهُ فِي كتَابنَا جَامع الغموض منبع الفيوض شرح الكافية وخلاصته من بِنَاء جَوَاب الْفَاضِل الْهِنْدِيّ على تَخْصِيص النِّسْبَة بِبَعْض أفرادها بِلَا قرينَة وَبِنَاء جَوَاب الْعَارِف الجامي. قدس سره السَّامِي. على حملهَا على مَا هُوَ الْمُتَبَادر مِنْهَا والألفاظ مَحْمُولَة على المتبادرات بل حقائق عرفية فِيهَا فَافْهَم واحفظ. ثمَّ اعْلَم أَن النِّسْبَة تكون مُتَأَخِّرَة عَن المنتسبين بِالضَّرُورَةِ. فَإِن قيل لَا نسلم تأخرها عَنْهُمَا لِأَنَّهُ إِذا لوحظ جَمِيع النّسَب بِحَيْثُ لَا يخرج عَنهُ نِسْبَة مَا وَنسب ذَلِك الْجمع إِلَى زيد فنسبة جَمِيع النّسَب إِلَيْهِ لَا تكون حِينَئِذٍ مُتَأَخِّرَة عَن المنتسبين إِذْ الْمَفْرُوض أَن أحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 طرفيها جَمِيع النّسَب بِحَيْثُ لَا يشذ عَنهُ نِسْبَة مَا. قُلْنَا إِن فرض دُخُول النِّسْبَة الَّتِي تُوجد بَين جَمِيع النّسَب وَبَين زيد على الْوَجْه الَّذِي هُوَ نِسْبَة بَين طرفيها فرض محَال فَجَاز أَن يسْتَلْزم محالا آخر أَعنِي دُخُول النِّسْبَة الْمُتَأَخِّرَة عَن الطَّرفَيْنِ فِي أَحدهمَا. وَالنِّسْبَة عِنْد أَصْحَاب التصريف عبارَة عَن إِلْحَاق الْيَاء فِي آخر الِاسْم -. ثمَّ هِيَ معنوية كبصري وقرشي - ولفظية ككرسي. وَفِي عرف الْحساب النِّسْبَة كمية تحصل لمقدار أَو عدد بِالْقِيَاسِ إِلَى مثله مثلا إِذا نسبنا الْوَاحِد إِلَى اثْنَيْنِ عرض لَهُ كَونه نصفا لَهما وَبِالْعَكْسِ عرض لَهما كَونهمَا ضعفا لَهُ. النِّسْبَة المتكررة: هِيَ النِّسْبَة المعقولة بِالْقِيَاسِ إِلَى نِسْبَة أُخْرَى معقولة بِالْقِيَاسِ إِلَى الأولى. النِّسْبَة الْحكمِيَّة: هِيَ النِّسْبَة الخبرية مورد الحكم والتصديق. اعْلَم أَن الْحُكَمَاء بعد اتِّفَاقهم على أَن التَّصْدِيق بسيط عبارَة عَن الحكم والإذعان اخْتلفُوا فِي أَن مُتَعَلق الإذعان أما النِّسْبَة الخبرية ثبوتية كَانَت أَو سلبية أَو وُقُوع النِّسْبَة الثبوتية التقييدية. أَو لَا وُقُوعهَا. فَاخْتَارَ المتقدمون مِنْهُم. الأول وَقَالُوا بِتَثْلِيث أَجزَاء الْقَضِيَّة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمحكوم بِهِ وَالنِّسْبَة الخبرية ثبوتية أَو سلبية - وَهَذَا هُوَ الْحق إِذْ لَا يفهم من زيد قَائِم مثلا إِلَّا نِسْبَة وَاحِدَة وَلَا يحْتَاج فِي عقده إِلَى نِسْبَة أُخْرَى - والتصديق عِنْدهم نوع آخر من الْإِدْرَاك مُغَاير للتصور تغايرا ذاتيا بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق - وَذهب الْمُتَأَخّرُونَ مِنْهُم إِلَى الثَّانِي وَقَالُوا بتربيع أَجزَاء الْقَضِيَّة الْمَحْكُوم عَلَيْهِ والمحكوم بِهِ وَالنِّسْبَة التقييدية ثبوتية أَو سلبية وسموها بِالنِّسْبَةِ الْحكمِيَّة لكَونهَا مورد الحكم -. وَالرَّابِع نِسْبَة تَامَّة خبرية هِيَ وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا إِلَّا أَن يُقَال لَيْسَ مقصودهم إِثْبَات النسبتين المتغائرتين بِالذَّاتِ كَمَا مر -. وَالَّذِي حملهمْ على ذَلِك أَنهم فرقوا بَين التَّصَوُّر والتصديق بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق فظنوا أَنهم لَو جعلُوا مُتَعَلق الْإِدْرَاك النِّسْبَة الْحكمِيَّة لَا وُقُوع النِّسْبَة أَو لَا وُقُوعهَا لدخل الشَّك فِي التَّصْدِيق لِأَنَّهُ أَيْضا إِدْرَاك النِّسْبَة الْحكمِيَّة فازدادوا جُزْءا رَابِعا وجعلوه مُتَعَلق الْإِدْرَاك. وَزَعَمُوا أَن الشَّك لَيْسَ إِدْرَاك الْوُقُوع أَو اللاوقوع وَلَكِن لم يتنبهوا أَن الشَّك أَيْضا إِدْرَاك الْوُقُوع أَو اللاوقوع لَكِن لَا على سَبِيل التَّسْلِيم والإذعان فَلم يَنْفَعهُمْ الازدياد بل زَاد الْفساد فَالْحق أَن يَجْعَل التَّصْدِيق مغائرا للتصور بِالذَّاتِ لَا بالمتعلق بِأَن يَجْعَل التَّصْدِيق إدراكا إذعانيا مُتَعَلقا بِالنِّسْبَةِ الْحكمِيَّة وَلَا يدْخل حِينَئِذٍ الشَّك فِي التَّصْدِيق لِأَن النِّسْبَة الْحكمِيَّة فِيهِ لَيست مُتَعَلقَة للإذعان. هَذَا مَا حررته فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي الْفَاضِل اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق. النّسَب: بِالْكَسْرِ جمع النِّسْبَة وبالفتح الْقَرَابَة وَمَا يصل من الْأَبَوَيْنِ من الشرافة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 والدناءة. ويقابله الْحسب الْحَاصِل بِالْكَسْبِ وَمَا يعده الْإِنْسَان من مفاخره مَأْخُوذ من الْحساب. وشرافة الْحسب أشرف من شرافة النّسَب والحسب يضْحك على النّسَب - وَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه شرف الْمَرْء بالأدب لَا بِالْأَصْلِ وَالنّسب - وَأَيْضًا قَالَ كرم الله وَجهه. (وَإِنَّمَا أُمَّهَات النَّاس أوعية ... مستودعات وللأحساب آبَاء) (يَعْنِي نيست مادران مرد مكر ظرفي جندكه مَحل سبردن وَدِيعَة نطفه اند تا بيرورند وبازسبارند وبراى احساب بدران اند كه فَضَائِل وكمالات دارند) . شعر: (درباب نسب اكركنى عمر تلف ... باري ببدركه باشدش فضل وَشرف) (مادرجو صدف باشد وفرزند جو در ... هركز نبود عزت در بهر صدف) شعر: وَللَّه در الشَّاعِر: (نجيب كيسه تهي خار هر نظر باشد ... درين زَمَانه نسب نامه نقش زر باشد) النِّسْبَة الخارجية: فِي قَوْلنَا الصدْق مُطَابقَة النِّسْبَة الخبرية للنسبة الخارجية. مَعْنَاهَا أَن الْخَارِج ظرف لنَفسهَا لَا لوجودها فَهِيَ لَيست مَوْجُودَة خارجية بل أَمر خارجي كالوجود فَإِنَّهُ أَمر خارجي بِمَعْنى أَن الْخَارِج ظرف لنَفسِهِ لَا لوُجُوده وَإِلَّا يلْزم للوجود وجود آخر. فكون النِّسْبَة خارجية لَا يسْتَلْزم كَونهَا مَوْجُودَة خارجية حَتَّى يرد أَن النِّسْبَة من الْأُمُور الاعتبارية لَا الخارجية فَلَا يَصح وصفهَا بالخارجية. فَالْمُرَاد بالخارج على هَذَا الْبَيَان مَا يرادف الْأَعْيَان وَمعنى قَوْلهم النِّسْبَة لَيست بخارجية أَنَّهَا لَيست من الموجودات الخارجية أَي العينية لِأَنَّهَا من الْأُمُور الاعتبارية. وَلَك أَن تَقول المُرَاد بالخارج فِي قَوْلنَا النِّسْبَة الخارجية خَارج النِّسْبَة الذهنية الَّتِي يدل عَلَيْهَا الْكَلَام لَا مَا يرادف الْأَعْيَان. وَالْحق أَن المُرَاد بالخارج فِي قَوْلهم النِّسْبَة خارجية نفس الْأَمر وَفِي قَوْلهم النِّسْبَة لَيست بخارجية الْأَعْيَان وَأَن لَا تصدقني فِي صدق هَذَا التَّحْقِيق فَانْظُر فِي الصدْق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 النِّسْبَة: البيع بِالثّمن الْمُؤَجل. وَعِنْدَهُمَا يتَقَيَّد بِأَجل مُتَعَارَف كَذَا فِي شرح الْوِقَايَة. النسْيَان: زَوَال صُورَة الْمَعْلُوم عَن النَّفس بِحَيْثُ لَا تتمكن من ملاحظتها إِلَّا بتجشم إِدْرَاك جَدِيد. وَللَّه در الشَّاعِر: شعر: (دلّ زمن رم كرده درابروي جانان مانده است ... ) (ياد من كي ميكند در طاق نِسْيَان مانده است ... ) النِّسَاء: بِالْكَسْرِ وَالْمدّ جمع امْرَأَة لَا عَن لَفظهَا. وبالفتح وَالْقصر التَّأْخِير وبازبس انداختن دَامَ ازكسى يُقَال بِعته بنسا أَي بِتَأْخِير ثمن. وَأَيْضًا اسْم عرق يَمْتَد عَن مفصل الورك وَيَنْتَهِي إِلَى آخر الْقدَم وَرَاء الْعقب وَهُوَ عرق وَاحِد يُسمى فِي الْيَد أكحل وَفِي الْفَخْذ النسا. وَيُطلق عرق النسا على الوجع الَّذِي يحدث فِي الْعرق الْمَذْكُور ويبتدي غَالِبا من الورك وَينزل إِلَى الرّكْبَة وَقد ينزل إِلَى الْعقب أَو إِلَى أَصَابِع الرجل ويمتد بطول الزَّمَان وَكَثْرَة الْمَادَّة وَيُؤَدِّي إِلَى العرج. النِّسَاء ناقصات الْعقل وَالدّين: فِي أَن النِّسَاء ناقصات عقل وَدين. النّسخ: فِي الْمَنْسُوخ. نستعين: فِي نعْبد إِن شَاءَ الله الْمُسْتَعَان. (بَاب النُّون مَعَ الشين الْمُعْجَمَة) النُّشُوز: فِي النَّاشِزَة. (بَاب النُّون مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة) النصب: (برباداشتن) - وَنَوع من أَنْوَاع الْإِعْرَاب وتحقيقه فِي الرّفْع. النَّصِيحَة: هِيَ الدُّعَاء والطلب إِلَى مَا فِيهِ الصّلاح وَالنَّهْي عَمَّا فِيهِ الْفساد. ف (110) : النصح: إخلاص الْعَمَل عَن شوائب الْفساد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 النصيرية: جمَاعَة مضلة قَالُوا إِن الله عز وَجل حل فِي عَليّ كرم الله وَجهه. النَّص: فِي اللُّغَة الْمُبَالغَة فِي الْإِظْهَار - وَفِي اصْطِلَاح أصُول الْفِقْه مَا ازْدَادَ وضوحا على الظَّاهِر بِمَعْنى فِي الْمُتَكَلّم أَي بِسَبَب معنى فِيهِ بِأَن سَاق الْكَلَام لأجل ذَلِك الْمَعْنى وَجعله مَقْصُودا وَلَيْسَ لَهُ صِيغَة تدل عَلَيْهِ وضعا بل يفهم بِالْقَرِينَةِ الَّتِي اقترنت بالْكلَام أَنه هُوَ الْغَرَض للمتكلم من السُّوق نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} فَإِنَّهُ ظَاهر فِي إِبَاحَة النِّكَاح نَص فِي بَيَان الْعدَد لِأَن الْكَلَام سيق لأَجله بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {فَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تعدلوا فَوَاحِدَة} - وكما يُقَال أكْرمُوا فلَانا الَّذِي يفرح بفرحي ويغم بغمي فَإِنَّهُ ظَاهر فِي الْإِكْرَام وَنَصّ فِي بَيَان محبته. وَالنَّص مَأْخُوذ من قَوْلهم نصصت الدَّابَّة إِذا خرجت مِنْهَا سيرا فَوق سير الْمُعْتَاد بِزِيَادَة تكلّف إِمَّا بِالضَّرْبِ أَو بالكبح أَو بالركض وكما أَنه ينص الدَّابَّة لظُهُور السّير مِنْهَا فَوق الْمُعْتَاد فَكَذَلِك الْكَلَام بِالسوقِ للمقصود يظْهر زِيَادَة ظُهُور وانكشاف وانجلاء فَوق مَا يكون بِاعْتِبَار الصِّيغَة نَفسهَا - وَمِنْه المنصة وَهِي الْمجْلس الَّذِي يجلس الْعَرُوس عَلَيْهِ لظُهُوره بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِر الْمجَالِس فَكَمَا أَن بالمنصة تتَحَقَّق فِي الْعَرُوس زِيَادَة ظُهُور وَرَاء ظُهُوره بِنَفسِهِ وقامته كَذَلِك الْكَلَام بِالسوقِ للمقصود يظْهر فِيهِ زِيَادَة ظُهُور وانكشاف فَوق مَا يكون بِاعْتِبَار الصّفة نَفسهَا. نصف النَّهَار: مَعْرُوف وَأما دَائِرَة نصف النَّهَار فَهِيَ دَائِرَة عَظِيمَة تفصل بَين الْمشرق وَالْمغْرب وتمر بقطبي الْأُفق وتقاطعه على نقطتين هما نقطتا الشمَال والجنوب وقطباها منتصف النّصْف الشَّرْقِي ومنتصف النّصْف الغربي من الْأُفق وهما نقطتا الْمشرق وَالْمغْرب - والخط الْوَاصِل بَين نقطتي الشمَال والجنوب هُوَ خطّ نصف النَّهَار وَهُوَ الْفَصْل الْمُشْتَرك بَين الدائرتين المذكورتين وكل قَوس يفْرض من أَحدهمَا فَإِن جيبها عَمُود على خطّ نصف النَّهَار إِذا فرضناه الْقطر الْخَارِج من الطّرف الآخر. (بَاب النُّون مَعَ الظَّاء الْمُعْجَمَة) النّظر: (ديدن - درجيزي بتأمل) - والمطالعة فيتعدى بفي يُقَال نظرت فِي الْكتاب - والشفقة فيتعدى بِاللَّامِ يُقَال نظرت للْيَتِيم - والعشق فيتعدى بإلى مثل نظرت إِلَى سلمى. وَفِي عرف المنطقيين مرداف الْفِكر فتفكر. النظري: يسْتَعْمل فِي معَان: أَحدهَا: علم بأحوال مَا لَا يكون وجوده بقدرتنا واختيارنا ويقابله العملي كَمَا مر فِي الْحِكْمَة. وَثَانِيها: مَا لَا يتَعَلَّق بكيفية الْعَمَل ويقابله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 العملي بِمَعْنى مَا يتَعَلَّق بهَا. وَثَالِثهَا: مَا لَا يتَوَقَّف حُصُوله على ممارسة الْعَمَل ويقابله العملي بِمَعْنى مَا يتَوَقَّف حُصُوله عَلَيْهَا. وَرَابِعهَا: مَا يتَوَقَّف حُصُوله على نظر أَي يكون مترتبا على النّظر ويقابله البديهي بِمَعْنى مَا لَا يتَوَقَّف حُصُوله عَلَيْهِ. وَتَحْقِيق البديهي والنظري بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي رسالتنا العجالة فِي تَحْقِيق الْعلم. النظير: فِي الْمِثَال. نظر بر قدم: در (هوش دردم) . النّظم: فِي اللُّغَة در رشته كشيدن جَوَاهِر - وَفِي اصْطِلَاح الْعرُوض الْكَلَام وَالشعر. وَعند الْأُصُولِيِّينَ هُوَ الْكَلَام الْمنزل وَحَدِيث رَسُولنَا الْأَكْمَل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَيُقَال نظم الْقُرْآن ونظم الحَدِيث الشريف وَهُوَ بِاعْتِبَار وَصفه على أَرْبَعَة أَقسَام - خَاص - وعام - مُشْتَرك - ومأول. النظام: بِالْكَسْرِ على وزن الْكتاب (آراستكى وَصَلَاح كارومدار كار يَعْنِي كسيكه كاربدو راست شود) - والنظام بِالضَّمِّ على وزن الْغُلَام اسْم رجل من الْعلمَاء الْمُعْتَزلَة قَائِل بالطفرة وَسَائِر المزخرفات. النظامية: أَصْحَاب إِبْرَاهِيم بن ستار النظام وَهُوَ من شياطين الْقَدَرِيَّة طالع كتب الفلاسفة فخلط كَلَامهم بالمعتزلة قَالُوا لَا يقدر الله تَعَالَى أَن يفعل بعباده فِي الدُّنْيَا مَا لَا صَلَاح لَهُم فِيهِ وَلَا يقدر أَن يزِيد فِي الْآخِرَة أَو ينقص من ثَوَاب أَو عِقَاب لأهل الْجنَّة وَالنَّار. النّظم الطبيعي: عِنْد المنطقيين هُوَ الِانْتِقَال من مَوْضُوع الْمَطْلُوب إِلَى الْحَد الْأَوْسَط ثمَّ مِنْهُ إِلَى الْمَحْمُول حَتَّى يلْزم مِنْهُ النتيجة - وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الشكل الأول من الأشكال الْأَرْبَعَة. النّظر الصَّحِيح مُفِيد للْعلم: الظَّاهِر أَن هَذِه الْقَضِيَّة كُلية - فَإِن قيل إِنَّهَا ضَرُورِيَّة أَو نظرية لَا جَائِز أَن تكون ضَرُورِيَّة لِأَنَّهَا لَو كَانَت ضَرُورِيَّة لم يَقع خلاف الْبَتَّةَ فِي جَمِيع النظريات وَخلاف بعض الفلاسفة فِي الإلهيات. وَلَا نظرية لِأَنَّهَا لَو كَانَت نظرية للَزِمَ إِثْبَات إِفَادَة النّظر بإفادة النّظر وَأَنه توقف الشَّيْء على نَفسه - وتوجيه اللُّزُوم إِن إِثْبَات تِلْكَ الْقَضِيَّة الْكُلية إِنَّمَا يكون بِالنّظرِ الْمَخْصُوص الَّذِي من جزئيات موضوعها. وَلَا شكّ أَن حكم هَذَا النّظر أَعنِي كَونه مُفِيدا للْعلم مندرج تَحت تِلْكَ الْكُلية فإثبات تِلْكَ الْكُلية بِالنّظرِ الْمَخْصُوص يسْتَلْزم إِثْبَات حكم هَذَا الْمَخْصُوص بِنَفس إفادته الْعلم وَأَنه إِثْبَات الشَّيْء بِنَفسِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 قُلْنَا نَخْتَار الشق الأول ونمنع الْمُلَازمَة يَعْنِي لَا نسلم أَن عدم الْخلاف لَازم للضَّرُورَة فَيجوز أَن تكون تِلْكَ الْقَضِيَّة ضَرُورِيَّة وَيَقَع فِيهَا الْخلاف إِمَّا لعناد أَو قُصُور فِي الْإِدْرَاك فَإِن القَوْل بِحَسب خلقتها مُتَفَاوِتَة. ونختار الشق الثَّانِي وَلَا نسلم لُزُوم إِثْبَات إِفَادَة النّظر الْمَخْصُوص بِنَفس إفادته لأَنا نثبت تِلْكَ الْكُلية بِنَظَر مَخْصُوص ضَرُورِيّ لم يُؤْخَذ بعنوان مَوْضُوع تِلْكَ الْكُلية يَعْنِي أَن النّظر الْمَخْصُوص لَهُ جهتان بِإِحْدَاهُمَا يكون إفادته الْعلم نظريا وبالأخرى ضَرُورِيًّا فَإِنَّهُ إِذا أَخذ من حَيْثُ إِنَّه نظر وجزئي من جزئيات النظري الَّذِي هُوَ مَوْضُوع تِلْكَ الْقَضِيَّة يكون الحكم بإفادته الْعلم نظريا. وَإِذا أَخذ من حَيْثُ ذَاته يكون ذَلِك الحكم ضَرُورِيًّا. فاللازم على تَقْدِير نظرية تِلْكَ الْكُلية وإثباتها بِالنّظرِ الْمَخْصُوص إِثْبَات حكمه من حَيْثُ إِنَّه نظر بِحكمِهِ من حَيْثُ خُصُوص ذَاته فالمثبت بِصِيغَة الْمَفْعُول هُوَ حكم النّظر الْمَخْصُوص من حَيْثُ إِنَّه نظر. وبصيغة الْفَاعِل هُوَ حكمه من حَيْثُ ذَاته. فَإِن قلت إِن تِلْكَ الْقَضِيَّة حِين كَونهَا نظرية لَا جَائِز أَن يكون النّظر الْمَخْصُوص ضَرُورِيًّا لدُخُوله فِي تِلْكَ الْكُلية فَيكون نظريا ثَابتا بإفادة نظر آخر لَهُ ونتكلم فِيهِ أَيْضا. فإمَّا أَن يذهب أَو يعود فَيلْزم الدّور أَو التسلسل - قُلْنَا إِن النّظر الْمَخْصُوص إِذا أَخذ من حَيْثُ ذَاته أَي مَعَ قطع النّظر عَن كَونه نظرا يكون بديهيا. وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار مُثبت بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل غير مندرج تَحت تِلْكَ الْكُلية. وَإِذا أَخذ بعنوان تِلْكَ الْكُلية أَي من حَيْثُ كَونه نظرا يكون نظريا. وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار مُثبت بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول مندرج تَحت تِلْكَ الْكُلية وَلَا استبعاد فِي ذَلِك فَإِن الْقَضِيَّة باخْتلَاف العنوان تخْتَلف بداهة وكسبا. أَلا ترى أَن قَوْلنَا الْعَالم حَادث نَظَرِي والمتغير حَادث بديهي فَافْهَم. وَهَذَا حَاصِل مَا فِي حَوَاشِي صَاحب الخيالات اللطيفة. ثمَّ اعْلَم أَن فِي كَيْفيَّة إِفَادَة النّظر الصَّحِيح للْعلم اخْتِلَافا - قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ إِن حُصُول الْعلم عقيب النّظر الصَّحِيح بِالْعَادَةِ أَي عَادَة الله قد جرت بِخلق الْعلم بعد النّظر كَمَا أَنَّهَا قد جرت بِخلق الحرق عقيب المماسة بالنَّار وَلَيْسَ بِوَاجِب عَلَيْهِ تَعَالَى فَلهُ أَن يخلق وَإِن لَا يخلق فَيكون عاديا. وَقَالَت الْمُعْتَزلَة إِن ذَلِك الْحُصُول بالتوليد فَإِنَّهُم لما أثبتوا لبَعض الْحَوَادِث مؤثرا غير الله تَعَالَى قَالُوا الْفِعْل الصَّادِر عَنهُ إِمَّا بِالْمُبَاشرَةِ وَإِمَّا بالتوليد. وَمعنى التوليد عِنْدهم أَن يُوجب فعل لفَاعِله فعلا آخر كحركة الْيَد حَرَكَة الْمِفْتَاح - فَإِن حَرَكَة الْيَد أوجبت لفاعلها حَرَكَة الْمِفْتَاح فكلتاهما صادرتان عَنهُ الأولى بِالْمُبَاشرَةِ وَالثَّانيَِة بالتوليد - وَالنَّظَر فعل للْعَبد وَاقع بمباشرته أَي بِلَا وَاسِطَة فعل آخر مِنْهُ يتَوَلَّد مِنْهُ فعل آخر هُوَ الْعلم بالمنظور فِيهِ. وَذهب الْحُكَمَاء إِلَى أَن ذَلِك الْحُصُول بطرِيق الْإِيجَاب فَإِنَّهُم قَالُوا إِن الْعقل الفعال مبدأ الْفَيْض الْعَام وَحُصُول الْفَيْض مِنْهُ مَوْقُوف على استعداد خَاص. وَالِاخْتِلَاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 فِي الْفَيْض إِنَّمَا هُوَ بِحَسب اخْتِلَاف استعدادات القوابل. فالنظر الصَّحِيح يعد الذِّهْن إعدادا تَاما. والنتيجة تفيض عَلَيْهِ من ذَلِك المبدأ وجوبا أَي لُزُوما عقليا. وَإِنَّمَا فسرنا الْوُجُوب باللزوم الْعقلِيّ ليندفع مَا قيل إِن القَاضِي الباقلاني وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَيْضا ذَهَبا إِلَى مَذْهَب الْحُكَمَاء حَيْثُ قَالَا باستلزام النّظر للْعلم على سَبِيل الْوُجُوب من غير توليد. وَوجه الاندفاع أَن مرارهما بِالْوُجُوب الْوُجُوب العادي دون الْعقلِيّ - وَالْحق هُوَ الْمَذْهَب الأول وَدَلَائِل الْكل ورد الْأَخيرينِ فِي المطولات. نظرات الْكَوَاكِب: اعْلَم أَن الكوكبين إِذا اجْتمعَا فِي برج وَاحِد ودرجة وَاحِدَة مِنْهُ يُسمى هَذَا الِاجْتِمَاع عِنْد أَرْبَاب النُّجُوم قرانا ونظرا. وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا نَاظرا إِلَى الآخر بِأَن يكون أَحدهمَا فِي برج وَالْآخر فِي برج آخر فَإِن كَانَ أَحدهمَا من الآخر فِي البرج الثَّالِث وَالْآخر مِنْهُ فِي الْحَادِي عشر فتسديس وأثره الانشراح وَالسُّرُور - وَإِن كَانَ أَحدهمَا من الآخر فِي الرَّابِع وَالْآخر مِنْهُ فِي الْعَاشِر فتربيع وأثره الْهم وَالْغَم والمحنة - وَإِن كَانَ أَحدهمَا من الآخر فِي الْخَامِس وَالْآخر مِنْهُ فِي التَّاسِع فتثليث وأثره الْمحبَّة والوداد - وَإِن كَانَ كل وَاحِد من الآخر فِي السَّابِع فمقابلة وأثره المجادلة وَالْخُصُومَة - فالمقابلة حِينَئِذٍ شَرّ من الْمُقَارنَة. فَإِن سَأَلَ سَائل عَن كَيْفيَّة أَمر أَو حَال مَوْلُود فِي وَقت فاعرف أَولا طالع الْوَقْت على مَا بَيناهُ فِي مَوْضِعه فَانْظُر إِلَى هَذِه الزابحة ليعلم أَن لهَذَا البرج الطالع أَي نظر من النظرات الْمَذْكُورَة فَتكون للبروج نظرات كَمَا تكون للكواكب وَهَذَا الْجَدْوَل يَكْفِيك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 وَإِن أردْت التَّوْضِيح فَارْجِع إِلَى التربيع فَإِن هُنَاكَ تَفْصِيلًا بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ. وَإِن كَانَ الْقَمَر مُقَارنًا مَعَ الشَّمْس فَلَا تفعل أمرا إِلَّا الْحَرْب مَعَ الْعَدو وتسميمه وَالسَّرِقَة وَدفن المَال فَإِن هَذِه الْأُمُور عِنْد هَذَا الْقرَان حسن. وَإِن كَانَ للقمر مَعَ الشَّمْس نظر تسديس فافعل مَا شِئْت فَإِنَّهُ يكون ميسرًا لَك بِلَا خطر - وَإِن كَانَ نظر تربيع فَلَا بُد لَك الحذر من جَمِيع الْأُمُور إِلَّا تعمير الْعِمَارَة وإحداث الْبناء - وَإِن كَانَ نظر تثليث فلاق السُّلْطَان واطلب الْحِوَالَة. وَإِن كَانَ نظر مُقَابلَة فالابتداء والشروع فِي الْأُمُور لَيْسَ بِحسن فَإِنَّهُ يُثمر النحوسة. وَلَو كَانَ للقمر قرَان مَعَ زحل فالتزويج وَالسّفر والشروع فِي الْأُمُور مَمْنُوع منحوس إِلَّا بِنَاء الْحَوْض والكاريز وحفر البير. وَإِن كَانَ للقمر مَعَ زحل نظر تسديس فَجَمِيع الْأُمُور يكون مُبَارَكًا حسنا - وَإِن كَانَ نظر تربيع لَا يكون أَمر سوى التَّكْلِيف والتصديع - وَإِن كَانَ نظر تثليث لَا يحسن الِاصْطِيَاد وَالشعر - وَإِن كَانَ نظر مُقَابلَة فَلَا شَيْء أَسْوَأ من هَذِه الْمُقَابلَة. وَلَو كَانَ للقمر قرَان مَعَ المُشْتَرِي يكون كل أَمر مَعَ السَّعَادَة وَالْبركَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 سِيمَا ملاقاة السلاطين والوزراء والحكام - وَإِن كَانَ نظر تسديس فالتجارة وَالسّفر حسن - وَإِن كَانَ نظر تربيع فبناء الْمَسْجِد والصومعة حسن - وَإِن كَانَ نظر تثليث فدليل على حسن الْعَيْش وملاقاة الأكابر وَرفع الغموم والهموم - وَإِن كَانَ نظر مُقَابلَة فَلَا تفعل مناظرة ومكابرة مَعَ شخص وَلَا تذْهب عِنْد القَاضِي لانفصال الْقَضِيَّة. وَلَو كَانَ للقمر قرَان مَعَ المريخ فدليل على الْخلَل فِي الْأُمُور فَعَلَيْك بالمحافظة واستعداد السِّلَاح - وَإِن كَانَ نظر تسديس فالملاقاة بالحكام أحسن - وَإِن كَانَ نظر تربيع فَلَا تفعل أمرا - وَإِن كَانَ نظر تثليث فالفصد والحجامة أحسن. وَإِن كَانَ نظر مُقَابلَة فاحذر عَن جَمِيع الْأُمُور فَإِنَّهَا نحس أكبر وَلَو كَانَ للقمر قرَان مَعَ الزهرة يكون الشُّرُوع فِي الْأُمُور مُبَارَكًا. وَإِن كَانَ نظر تسديس فَحسن للتزويج وَالشَّرِكَة - وَإِن كَانَ نظر تربيع فالتجارة والعمارة والبستان حسن - وَإِن كَانَ نظر تثليث فدليل على حسن الْعَيْش وَالسُّرُور فِي الْأُمُور - وَإِن كَانَ نظر مُقَابلَة فالمناظرة فِي الْعُلُوم وإرسال الرَّسُول حسن - وَلَو كَانَ للقمر قرَان مَعَ عُطَارِد فاحترز عَن الْعلمَاء والوزراء - وَإِن كَانَ نظر تسديس فالتداوي والمعالجة حسن - وَإِن كَانَ نظر تربيع فالتعليم حسن - وَإِن كَانَ نظر تثليث فالملاقاة بالأكابر حَسَنَة نافعة - وَإِن كَانَ نظر مُقَابلَة فَلَا تلاق أهل الْقَلَم فَإِنَّهَا تَضُرك. وَاعْلَم أَن كل برج يكون على الرَّأْس فَيكون البرج الرَّابِع مِنْهُ طالعا وكل برج يكون طالعا يكون البرج السَّابِع مِنْهُ غاربا فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ أَنْفَع لَك وَكن من الشَّاكِرِينَ. (بَاب النُّون مَعَ الْعين الْمُهْملَة) النَّعْت: فِي اللُّغَة (ستودن) . وَعند النُّحَاة تَابع يدل على معنى فِي متبوعه مُطلقًا. وَعند الصُّوفِيَّة عبارَة عَن صفة وجودية. بِخِلَاف الْوَصْف فَإِنَّهُ عِنْدهم شَامِل للصفة الوجودية والعدمية. وَقَالَ بَعضهم إِن النَّعْت مَا يُوجب تميزا ذاتيا وَالْوَصْف مَا يُوجب تميزا عرضيا -. وَقَالَ بَعضهم إِن النَّعْت هُوَ الصّفة الراسخة وَالْوَصْف هُوَ الصّفة الْغَيْر الراسخة. النِّعْمَة: فِي تَعْرِيف الْحَمد اللّغَوِيّ هِيَ الفاضلة الَّتِي جمعه الفواضل وَمَعْنَاهَا الْعَطِيَّة المتعدية - وَالْمرَاد بِالتَّعَدِّي هَا هُنَا هُوَ التَّعْلِيق بِالْغَيْر فِي تحَققه وجوبا كالأنعام أَي عَطاء النِّعْمَة. لَا المُرَاد بِهِ الِانْتِقَال كَمَا توهم لِأَن الْمَحْمُود عَلَيْهِ فعل اخْتِيَاري الْبَتَّةَ وَالْفِعْل لكَونه عرضا لَا يقبل الِانْتِقَال - وَفِي الْكَشَّاف فِي تَفْسِير سُورَة المزمل النِّعْمَة بِالْفَتْح النعم وبالكسر الْأَنْعَام وبالضم المسرة لَكِنَّهَا هَا هُنَا مَكْسُورَة أَي الْأَنْعَام. هَذَا مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 حررناه فِي الْحَوَاشِي على حَوَاشِي عبد الله اليزدي على تَهْذِيب الْمنطق - وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد شرِيف الْعلمَاء قدس سره النِّعْمَة مَا قصد بِهِ الْإِحْسَان والنفع. نعم: هِيَ لتقرير مَا سبق من الْإِثْبَات وَالنَّفْي. وَقد تكون لتقرير مَا بعْدهَا. النَّعْل: مَشْهُور وَقد يذكر وَيُرَاد بِهِ الْجلد من قبيل إِطْلَاق اسْم الشَّيْء بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ. وَمِنْه مَا وَقع فِي كنز الدقائق وَصَحَّ بيع نعل على أَن يحذوه. نعْبد: قَالَ الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي فِي الكشكول ذكر الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} وُجُوهًا عديدة للإتيان بنُون الْجمع وَالْمقَام مقَام الانكسار والمتكلم وَاحِد. وَمن جيد تِلْكَ الْوُجُوه مَا أوردهُ الإِمَام الرَّازِيّ فِي التَّفْسِير الْكَبِير - وَحَاصِله أَنه قد ورد فِي الشَّرِيعَة المطهرة إِن بَاعَ أجناسا مُخْتَلفَة صَفْقَة ثمَّ خرج بَعْضهَا معيبا فَالْمُشْتَرِي مُخَيّر بَين رد الْجَمِيع وإمساكه وَلَيْسَ لَهُ تبعيض الصَّفْقَة برد الْمَعِيب وإبقاء السَّلِيم وَهَا هُنَا حَيْثُ يرى العابد أَن عِبَادَته نَاقِصَة مَعِيبَة لم يعرضهَا وَحدهَا على حَضْرَة ذِي الْجلَال بل ضم إِلَيْهَا عبَادَة العابدين من الْأَنْبِيَاء والأولياء والصلحاء. وَعرض الْكل صَفْقَة وَاحِدَة راجيا قبُول عِبَادَته فِي الضمن لِأَن الْجَمِيع لَا يرد الْبَتَّةَ إِذْ بعضه مَقْبُول ورد الْمَعِيب وإبقاء السَّلِيم تبعيض للصفقة. وَقد نهى سُبْحَانَهُ عباده عَنهُ فَكيف يَلِيق بكرمه العميم فَلم يبْق إِلَّا قبُول الْجَمِيع وَفِيه المُرَاد انْتهى. وَلَا يخفى مَا فِيهِ من أَن الله سُبْحَانَهُ عَالم بالمعيب والسليم قبل الْقبُول فجنابه الأقدس منزه عَن الِاطِّلَاع على الْمَعِيب بعد الصَّفْقَة الْوَاحِدَة بِقبُول الْجَمِيع فَتَأمل - وَلما قَالَ الشَّيْخ إِن الْمُفَسّرين ذكرُوا وُجُوهًا مِنْهَا هَذَا الْوَجْه الْوَجِيه صرفت عنان الْقَلَم عَن تَحْرِير مَا سمح بِهِ خاطري الفاتر وَمَا ذكره قُرَّة عَيْني غُلَام إِسْحَاق. أتم الله تَعَالَى فضائله وَحسن خصائله وَسلمهُ فِي الْآفَاق. لجَوَاز أَن يكون هَذَانِ الْوَجْهَانِ من تِلْكَ الْوُجُوه {رب نور وَجْهي يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} . (بَاب النُّون مَعَ الْغَيْن) النغف: بِالتَّحْرِيكِ الدُّود الَّذِي يكون فِي أنف الْإِبِل وَالْغنم كَذَا فِي الصِّحَاح فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي يَأْجُوج وَمَأْجُوج. (بَاب النُّون مَعَ الْفَاء) النَّفس: فِي الْحَيَوَان هِيَ الْجَوْهَر البُخَارِيّ اللَّطِيف الَّذِي هُوَ منشأ الْحَيَاة والحس وَالْحَرَكَة الإرادية. وَهُوَ جَوْهَر مشرق للبدن وَعند الْمَوْت يَنْقَطِع ضوءه عَن ظَاهر الْبدن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 وباطنه. بِخِلَاف النّوم فَإِن ضوءه يَنْقَطِع عَن ظَاهر الْبدن دون بَاطِنه. فالموت وَالنَّوْم متفقان فِي الْجِنْس وَهُوَ الِانْقِطَاع ومختلفان بِأَن الْمَوْت هُوَ الِانْقِطَاع الْكُلِّي وَالنَّوْم هُوَ الِانْقِطَاع النَّاقِص. وَلِهَذَا قَالُوا إِن الله تَعَالَى جعل تعلق النَّفس أَي الرّوح على ثَلَاثَة أضْرب. أَحدهَا: أَن يلمع ضوؤها على جَمِيع أَجزَاء الْبدن ظَاهره وباطنه وَهَذَا هُوَ الْيَقَظَة - وَثَانِيها: أَن يَنْقَطِع ضوؤها عَن ظَاهر الْبدن دون بَاطِنه وَهُوَ النّوم. وَثَالِثهَا: أَن يَنْقَطِع ضوؤها بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْمَوْت - وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين النُّفُوس جَوَاهِر روحانية لَيست بجسم وَلَا جسمانية لَا دَاخِلَة الْبدن وَلَا خَارِجَة عَنهُ لَهَا تعلق بالأجساد كتعلق العاشق بالمعشوق وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ - وَسُئِلَ بعض أَصْحَاب الْمجْلس عَن الرّوح وَالنَّفس فَقَالَ الرّوح هُوَ الرّيح - وَالنَّفس هِيَ النَّفس فَقَالَ لَهُ السَّائِل فَحِينَئِذٍ إِذا يتنفس الْإِنْسَان خرجت نَفسه وَإِذا ضرط خرجت روحه فَانْقَلَبَ الْمجْلس ضحكا. نفس الْأَمر: فِي الْوَاقِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى. النَّفس اللوامة: وَالنَّفس المطمئنة وَالنَّفس الملكية فِي الْعَدَالَة وَالتَّحْقِيق أَن النَّفس الناطقة تسمى بِهَذِهِ الْأَسَامِي باعتبارات مُخْتَلفَة فَإِنَّهَا إِذا سكنت تَحت الْأَمر الإلهي وتحلى بفضائلها وتخلى عَن رذائلها بِسَبَب مُعَارضَة الشَّهَوَات سميت مطمئنة وَإِذا لم يتم سكونها وَلَكِن صَارَت مدافعة للشهوات وتعترض عَلَيْهَا سميت لوامة لِأَنَّهَا تلوم صَاحبهَا بتقصيرها فِي عبَادَة مَوْلَاهَا. وَإِن تركت الِاعْتِرَاض ودعت بِمُقْتَضى الشَّهَوَات ودواعي الشَّيْطَان إِلَى السَّيِّئَات سميت أَمارَة. النَّفس القدسية: هِيَ الَّتِي لَهَا ملكة استحضار جَمِيع مَا يُمكن للنوع أَو قَرِيبا من ذَلِك على وَجه يقيني وَهَذَا نِهَايَة الحدس. النَّفس المنطبعة: فِي المحرك للفلك. النَّفس النباتية: صُورَة نوعية عديمة الشُّعُور تحفظ تركيب النَّبَات وتصدر عَنْهَا النمو فِي الْأَطْرَاف وَالْأَفْعَال الْمُخْتَلفَة بالآلات الْمُخْتَلفَة كالقوة الغاذية والنامية والمولدة والجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة. وَتلك الصُّورَة كَمَال أول لجسم طبيعي آلى من جِهَة التولد والنمو والتغذية فَقَط. النَّفس الحيوانية: كَمَال لجسم طبيعي آلي من جِهَة إِدْرَاك الجزئيات الجسمانية وَالْحَرَكَة بالإرادة فلهَا قُوَّة مدركة ومحركة - أما المدركة فَهِيَ عشر. خمس فِي الظَّاهِر بالوجدان السّمع وَالْبَصَر والشم والذوق واللمس - وَخمْس فِي الْبَاطِن أَيْضا بالاستقراء الْحس الْمُشْتَرك والخيال وَالوهم والحافظة والمتصرفة. وَأما المحركة فَهِيَ نَوْعَانِ: باعثة وفاعلة واطلب كلا فِي مَوْضِعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 النَّفس الإنسانية: هِيَ النَّفس الناطقة وَلها قُوَّة عَاقِلَة وَقُوَّة عاملة مر ذكرهمَا فِي مَحلهمَا. وَاعْلَم أَن النَّفس الناطقة مُقَارنَة للمادة فِي أفعالها يَعْنِي لَا تفعل إِلَّا إِذا كَانَت فِي الْمَادَّة وَلكنهَا مُجَرّدَة عَنْهَا فِي ذَاتهَا لِأَنَّهَا لَو كَانَت مادية فإمَّا أَن لَا تَنْقَسِم وَهُوَ بَاطِل لما هُوَ الْمَشْهُور فِي نفي الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ أَو تَنْقَسِم وَهُوَ بَاطِل أَيْضا لتعقل البسائط فَيلْزم انقسامها إِذْ الْحَال فِي أحد الجزئين غير الْحَال فِي الآخر. وَهَا هُنَا مُعَارضَة هِيَ أَن النَّفس لَو كَانَت مُجَرّدَة لزم أَن لَا تعقل الماهيات المركبة والتالي بَاطِل فالمقدم مثله. بَيَان الْمُلَازمَة أَن الماهيات المركبة منقسمة. وانقسام الْحَال يسْتَلْزم انقسام الْمحل. وَيُمكن إيرادها بطرِيق النَّقْض - وجوابها أَن انقسام الْحَال إِنَّمَا يسْتَلْزم انقسام الْمحل إِذا كَانَ ذَلِك الانقسام إِلَى الْأَجْزَاء المقدارية. وَلَا نسلم أَن الماهيات المركبة الَّتِي تعقلها النَّفس منقسمة إِلَى أَجزَاء مقدارية. وَاعْلَم أَن قدماء الْحُكَمَاء على أَن للحيوانات نفوسا ناطقة مُجَرّدَة وَهُوَ مَذْهَب الشَّيْخ الْمَقْتُول وَقد صرح الشَّيْخ الرئيس فِي جَوَاب أسئلة بهمنيار بِأَن الْفرق بَين الْإِنْسَان والحيوانات فِي هَذَا الحكم مُشكل. النَّفر: من الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة كَذَا فِي مُخْتَصر الْكَشَّاف - وَقيل إِلَى الْعشْرَة وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الرِّجَال دون النِّسَاء إِلَّا إِذا أولت بِالنَّفسِ أَو الْإِنْسَان. النّفاس: بِضَم النُّون أَو فتحهَا مصدر نفست الْمَرْأَة أَي ولدت فَهِيَ نفسَاء. وَفِي الشَّرْع دم يعقب الْوَلَد الْخَارِج من قبل سَوَاء كَانَ صَحِيحا أَو مُنْقَطِعًا فَلَو خرج أَقَله لم تصر نفسَاء. بِخِلَاف مَا إِذا خرج أَكْثَره وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَعَن الشَّيْخَيْنِ بعض الْوَلَد - وَعَن مُحَمَّد الرَّأْس وَنصف الْبدن وَالرجلَانِ وَأكْثر من النّصْف وَعنهُ جَمِيع الْبدن كَمَا فِي الْمُحِيط - وَلَو خرج من السُّرَّة لم تصر نفسَاء وَإِن سَالَ مِنْهَا الدَّم بِأَن كَانَ بِبَطْنِهَا جرح فانشقت وَخرج الْوَلَد مِنْهَا تكون صَاحِبَة جرح سَائل لَا نفسَاء كَذَا فِي الْبَحْر الرَّائِق. وَلَا حد لأقله وَأَكْثَره أَرْبَعُونَ يَوْمًا - وَفِي الْخُلَاصَة مَتى وضعت مَا فِي بَطنهَا فَهِيَ نفسَاء رَأَتْ الدَّم أَو لَا حَتَّى يُجيب الْغسْل عَلَيْهَا. النَّفْي: الْإِخْبَار عَن ترك الْفِعْل وَعَدَمه بِخِلَاف النَّهْي فَإِنَّهُ طلب ترك الْفِعْل فَهُوَ إنْشَاء وَطلب لَا أَخْبَار. النِّفَاق: إِظْهَار الْإِيمَان بِاللِّسَانِ وكتمان الْكفْر فِي الْقلب. النَّفْل: فِي اللُّغَة الْفضل وَالزِّيَادَة - وَفِي الشَّرْع الْغَنِيمَة وَمَا سوى الْفَرَائِض والواجبات وَهُوَ الْمُسَمّى بالمندوب وَالْمُسْتَحب والتطوع. وَإِنَّمَا سميت الْغَنِيمَة نفلا لِأَنَّهَا زِيَادَة على مَا هُوَ الْمَقْصُود من شَرْعِيَّة الْجِهَاد وَهُوَ إعلاء كَلِمَات الله وقهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 أعدائه. وَمَا سوى الْفَرَائِض والواجبات زَائِد وَفضل عَلَيْهِمَا. النَّفَقَة: فِي اللُّغَة اسْم من الْإِنْفَاق وَهُوَ من النفوق وَهُوَ الْهَلَاك - وَفِي الشَّرْع مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ بَقَاء شَيْء من نَحْو مَأْكُول وملبوس وسكنى فَيتَنَاوَل نَحْو العبيد فَإِن الْمَالِك مجبور على الْإِنْفَاق بالِاتِّفَاقِ. وَكَذَا الْبَهَائِم عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى - وَقَالَ هِشَام سَأَلت مُحَمَّدًا عَن النَّفَقَة فَقَالَ إِنَّهَا الطَّعَام وَالْكِسْوَة وَالسُّكْنَى كَمَا فِي الْخُلَاصَة. وَقد تذكر النَّفَقَة ويسكت عَن الْكسْوَة وَالسُّكْنَى. وَقد يذكران مَعًا قصدا إِلَى التَّوْضِيح وميلا إِلَى التَّصْرِيح وَتجب النَّفَقَة بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِالزَّوْجِيَّةِ والقرابة وَالْملك. النفح: هبوب ريح الطّيب وَالضَّرْب بِالرجلِ يُقَال نفحت النَّاقة إِذا ضربت برجلها وَأَيْضًا الضَّرْب بِحَدّ الْحَافِر. (بَاب النُّون مَعَ الْقَاف) النقطة: شَيْء ذُو وضع لَا يقبل الْقِسْمَة لَا عقلا وَلَا وهما وَلَا قطعا وَلَا كسرا فَإِن كَانَ جوهرا فالنقطة الجوهرية والجزء الَّذِي لَا يتجزئ والجوهر الْفَرد وَإِن كَانَ عرضا فالنطقة الغرضية والجزء الَّذِي لَا يتجزئ بَاطِل عِنْد الْحُكَمَاء فالجسم عِنْدهم مركب من الهيولى وَالصُّورَة لَا من الْأَجْزَاء الَّتِي لَا تتجزئ. ووجوه بُطْلَانه مَذْكُورَة فِي كتب الْحِكْمَة - وَذَلِكَ الْجُزْء ثَابت مَوْجُود عِنْد الْمُتَكَلِّمين والجسم مركب من تِلْكَ الْأَجْزَاء عِنْدهم. وَدَلَائِل إثْبَاته مسطورة فِي كتبهمْ. قيل إِن دَلَائِل إبِْطَال الْجُزْء الَّذِي لَا يتجزئ تجْرِي فِي النقطة العرضية بل فِي الْخط العرضي والسطح العرضي مَعَ إِنَّهَا ثَابِتَة مَوْجُودَة عِنْد الْحُكَمَاء أَقُول إِبْطَاله مَبْنِيّ على امْتنَاع التَّدَاخُل - والتداخل مُمْتَنع فِي الْجَوَاهِر دون الْأَعْرَاض - فَإِن قلت لَا بُد وَأَن تكون النقطة العرضية وأخويها مَعْدُومَة لِأَنَّهَا لَو كَانَت مَوْجُودَة لكَانَتْ محاطة بالجهات السِّت لِأَن كل مَوْجُود محاط بهَا وكل مَا كَانَ كَذَا يكون منقسما فِي جَمِيع الْجِهَات. قلت إِنَّهَا مَوْجُودَة فِي ضمن الْجِسْم التعليمي لَا بِنَفسِهَا. وَمَا قَالُوا إِن النقطة طرف الْخط قَضِيَّة مُهْملَة فِي قُوَّة الْجُزْئِيَّة لَا كُلية فَإِن نِهَايَة أحد سطح المخروط المستدير أَعنِي السَّطْح الْمُبْتَدِئ من الْقَاعِدَة المنتهي إِلَى النقطة فِي جَانب الرَّأْس فِي كلا امتداديه أَعنِي الطول وَالْعرض نقطة بِلَا خطّ بِالْفِعْلِ وَكَذَا مَرْكَز الكرة والدائرة نقطة بِلَا خطّ. وَاعْلَم أَنه لَا نقطة بِالْفِعْلِ فِي سطح الكرة الْحَقِيقِيَّة وَيجوز أَن تحصل فِي سطحها نقطة بعد تماسها بالسطح الْحَقِيقِيّ كَمَا تحصل بعد حركتها على نَفسهَا من غير أَن تخرج من مَكَانهَا نقطتان غير متحركتين هما قطبا الكرة. فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك فِي دَلَائِل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 إِثْبَات النقطة الجوهرية. وَهَاهُنَا تحقيقات. وَعَلَيْك أَن تنظر فِي كتب الْمُتَقَدِّمين الْمُحَقِّقين حَتَّى يكون سَمعك مقروعة وأصول شبهاتك مقلوعة. النقلَة: فِي الْحَرَكَة الأينية. النَّقْض: فِي اللُّغَة الْكسر. وَفِي الِاصْطِلَاح بَيَان تخلف الحكم الَّذِي أورد لثُبُوته أَو نَفْيه دَلِيل دَال عَلَيْهِ فِي بعض من الصُّور - وَفِي اصْطِلَاح المناظرة هُوَ إبِْطَال دَلِيله الْمُعَلل بعد تَمَامه متمسكا بِشَاهِد يدل على عدم اسْتِحْقَاقه للاستدلال بِهِ لاستلزامه فَسَادًا مَا أَعم من أَن يكون تخلف الْمَدْلُول عَن الدَّلِيل بِأَن يُوجد الدَّلِيل فِي مَوضِع وَلم يُوجد الْمَدْلُول فِيهِ أَو فَسَادًا آخر مثل لُزُوم الْمحَال على تَقْدِير تحقق الْمَدْلُول. وكما يُطلق عَلَيْهِ اسْم مُطلق النَّقْض كَذَلِك يُطلق عَلَيْهِ النَّقْض الْمُقَيد بالإجمال فيسمى نقضا إجماليا لِأَن مرجعه إِلَى منع شَيْء من مُقَدمَات الدَّلِيل على الْإِجْمَال وَلما كَانَ هُوَ دَعْوَى إبِْطَال الدَّلِيل فَلَا بُد هُنَاكَ من شَاهد على الاختلال والإبطال فَإِن الدَّعْوَى بِدُونِ الدَّلِيل وَالشَّاهِد غير مسموعة كَمَا لَا يخفى سِيمَا على القَاضِي. النقيض: فِي التَّنَاقُض. (بَاب النُّون مَعَ الْكَاف) النُّكْتَة: هِيَ مسئلة لَطِيفَة أخرجت بدقة نظر أَو إمعان فكر. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هِيَ الدقيقة الَّتِي تحصل بإمعان النّظر سميت بهَا لتأثيرها فِي النُّفُوس من نكت فِي الأَرْض إِذا ضربهَا بقضيب أَو اصبع وَنَحْوهمَا فأثر فِيهَا. أَو لِأَن حُصُولهَا بِحَالَة فكرية شَبيهَة بالنكت فِي الأَرْض أَو لِأَن النكت غَالِبا مُقَارن بالفكر وَهِي إِن كَانَت مُوجبَة للانبساط والنشاط تسمى لَطِيفَة. النِّكَاح: فِي اللُّغَة الْجمع وَالضَّم - وَفِي الشَّرْع عقد يرد على ملك الْمُتْعَة قصدا. وَهُوَ سنة فِي حَال اعْتِدَال الشَّهْوَة - وواجب عِنْد غلبتها وتوقانها. ومكروه إِذا خَافَ الْجور - وَالْأَقْرَب أَن يُقَال إِن لَهُ حَالَة رَابِعَة وَهِي أَنه حرَام - وممنوع - إِذْ لم يقدر على الْجِمَاع. وَقد يُطلق النِّكَاح على الوطئ من قبيل إِطْلَاق الشَّيْء على غَايَته وغرضه كَمَا فِي حَدِيث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح ". أَي اصنعوا قبْلَة ولمسا من أزواجكم حَالَة الْحيض إِلَّا القربان من مَا تَحت الأزار. وَرَأَيْت مَكْتُوبًا فِي بَيَاض من يوثق بِهِ وَفِي الذَّخِيرَة والولوالجية وَلَا يَنْبَغِي لأحد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 أَن يعْقد نِكَاحا إِلَّا بِإِذن القَاضِي لِأَن سَماع الشُّهُود بِإِثْبَات الْوكَالَة حَقه فَلَا يجوز لغيره إِلَّا بِإِذْنِهِ وَيُعَزر الْعَاقِد انْتهى. وَهَذِه بِشَارَة عظمى للقضاة سِيمَا للقضاة فِي هَذَا الزَّمَان ثمَّ لما ظَفرت على الْوَلوالجِيَّة مَا وجدت هَذِه الرِّوَايَة فَلَا صِحَة لَهَا كَيفَ فَإِن الْمَقْصُود بالاستشهاد فِي النِّكَاح الإعلان لَا الْإِثْبَات. وَلذَا جَازَ فِيهِ شَهَادَة العَبْد والمحدود فِي الْقَذْف وَالْفَاسِق فَلَو نكح عِنْد حضورهم يكون صَحِيحا. وَلَا يثبت بهم النِّكَاح عِنْد الْمُخَاصمَة وَينْعَقد النِّكَاح بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول فَلَا بُد فِي النِّكَاح من رضَا الْمَرْأَة. فَإِن قيل إِن الطَّلَاق مَوْقُوف على النِّكَاح وَالنِّكَاح مَوْقُوف على رضَا الْمَرْأَة ينْتج أَن الطَّلَاق مَوْقُوف على رضَا الْمَرْأَة وَهُوَ بَاطِل بِالْإِجْمَاع. فَلَا بُد أَن لَا يكون النِّكَاح أَيْضا مَوْقُوفا على رِضَاهَا مَعَ أَنه لَيْسَ كَذَلِك لما علمت آنِفا أَن النِّكَاح مَوْقُوف على رِضَاهَا. وَمَا قيل فِي الْجَواب أَنه قِيَاس الْمُسَاوَاة لِأَن مُتَعَلق مَحْمُول الصُّغْرَى فِيهِ مَوْضُوع فِي الْكُبْرَى - وَهَذَا الْقيَاس لَا ينْتج لَيْسَ بِشَيْء لأَنا نقُول لَا نسلم أَنه لَا ينْتج مُطلقًا وَإِن سلمنَا أَنه لَا ينْتج بِذَاتِهِ فَلَا يجدي نفعا فَإِنَّهُ ينْتج بانضمام مُقَدّمَة أَجْنَبِيَّة مَعَه وَهِي هَا هُنَا أَن الْمَوْقُوف على الْمَوْقُوف على الشَّيْء مَوْقُوف على ذَلِك الشَّيْء. فَالْجَوَاب الحاسم لمادة المغالطة أَنا لَا نسلم بطلَان توقف الطَّلَاق على رضَا الْمَرْأَة. نعم أَن الطَّلَاق لَا يتَوَقَّف على رِضَاهَا مُطلقًا بل مَوْقُوفا على رِضَاهَا الَّذِي توقف عَلَيْهِ النِّكَاح وَهُوَ الرِّضَا عِنْد حُدُوث النِّكَاح لَا الرِّضَا الْجَدِيد الْحَادِث عِنْد حُدُوث الطَّلَاق. فَإِن النِّكَاح إِنَّمَا يتَوَقَّف على الرِّضَا الْحَادِث عِنْد النِّكَاح فَلَا يكون الطَّلَاق بِوَاسِطَة النِّكَاح مَوْقُوفا إِلَّا على ذَلِك الرِّضَا الَّذِي توقف عَلَيْهِ النِّكَاح لَا مُطلق الرِّضَا كَمَا لَا يخفى. نِكَاح السِّرّ: هُوَ النِّكَاح الَّذِي يكون بِلَا شهرة. نِكَاح الْمُتْعَة: صورته أَن يَقُول الرجل لامْرَأَة خذي هَذِه الْعشْرَة أتمتع بك أَيَّامًا فقبلته وَهُوَ بَاطِل حرَام وَإِن كَانَت الْمدَّة مَعْلُومَة مُعينَة فَهُوَ. النِّكَاح الْمُؤَقت: وَهُوَ أَيْضا حرَام سَوَاء كَانَ الْوَقْت طَويلا أَو لَا. صورته أَن يتَزَوَّج امْرَأَة بِشَهَادَة شَاهِدين عشرَة أَيَّام مثلا. وَقيل الْفرق بَينهمَا بِذكر لفظ التَّمَتُّع وَعَدَمه فَافْهَم. نِكَاح الشّغَار: فِي الشّغَار. نِكَاح الْفُضُولِيّ: أَن يُزَوّج رجل رجلا غَائِبا بِلَا إِذْنه أَو امْرَأَة بِلَا إِذْنهَا بِامْرَأَة حَاضِرَة أَو رجل حَاضر بِالنَّفسِ أَو بالوكيل. فَقبل الْحَاضِر ينقعد النِّكَاح عقدا مَوْقُوفا على إجَازَة ناكح غَائِب. بِخِلَاف شطر العقد فَإِنَّهُ غير صَحِيح وَغير منقعد لِأَن وجود الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي مجْلِس العقد شَرط صِحَة النِّكَاح وَلَيْسَ أحد فِي شَرط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 العقد يقبل العقد فِي الْمجْلس وَصُورَة شطر العقد فِيهِ. النكرَة: عِنْد النُّحَاة مَا وضع لشَيْء لَا بِعَيْنِه. وَتَحْقِيق هَذَا الْمقَام أَن النكرَة يقْصد بهَا الْتِفَات نفس السَّامع إِلَى الْمعِين من حَيْثُ ذَاته وَلَا يُلَاحظ فِيهَا تعينه وَإِن كَانَ معينا فِي نَفسه وَأَنت تعلم أَن بَين مصاحبة التعين وملاحظته فرقا جليا. والمعرفة يقْصد بهَا معِين عِنْد السَّامع من حَيْثُ هُوَ معِين فعينها إِشَارَة إِلَى معِين من حَيْثُ هُوَ معِين. وتفصيل هَذَا الْمُجْمل أَن فهم الْمعَانِي من الْأَلْفَاظ بمعونة الْوَضع وَالْعلم بِهِ فَلَا بُد وَأَن تكون الْمعَانِي متصورة ممتازة بَعْضهَا عَن بعض عِنْد السَّامع فَإِذا دلّ باسم على معنى فإمَّا أَن يكون ذَلِك الِاعْتِبَار أَي كَون الْمَعْنى مُتَعَيّنا عِنْد السَّامع متميزا فِي ذهنه ملحوظا مَعَه أَو لَا. فَالْأول يُسمى معرفَة وَالثَّانِي نكرَة. وَتَحْقِيق الْمعرفَة والتعريف على مَا يَنْبَغِي فِي مَحلهمَا. نكاه داشت: در (هوش دردم) . النكرَة تَحت النَّفْي تفِيد الْعُمُوم: لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لفرد منتشر وانتفاؤه إِنَّمَا يحصل بِانْتِفَاء جَمِيع الْأَفْرَاد. وَلِهَذَا قَالُوا إِن النكرَة المنفية خَاصَّة بِحَسب الْوَضع وَلذَا لَا تعم فِي الْإِثْبَات وعمومها عَقْلِي ضَرُورِيّ. ثمَّ اعْلَم أَن الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى النكرَة الْوَاقِعَة فِي سِيَاق النَّفْي لَا يجب أَن يكون رَاجعا إِلَيْهَا من حَيْثُ عمومها. أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت لَا رجل فِي الدَّار وَإِنَّمَا هُوَ على السَّطْح لَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون جَمِيع الْعَالم على السَّطْح. حَتَّى يكون صَادِقا إِذْ يصدق بِوُجُود وَاحِد من الرِّجَال على السَّطْح. وَالتَّحْقِيق عِنْدِي أَن الضَّمِير إِن كَانَ فِي جملَة وَقعت النكرَة المنفية فِيهَا يجب حِينَئِذٍ رُجُوعه إِلَيْهَا من حَيْثُ عمومها وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون فِي سِيَاق النَّفْي كوقوع النكرَة فِيهِ فَيعم أَيْضا فَافْهَم. فَإِن قيل كَون النكرَة المنفية خَاصَّة بِحَسب الْوَضع مُخَالف لكتب الْأُصُول لِأَن النكرَة المنفية عَامَّة بِحَسب الْوَضع عِنْد الْأَوليين. أَلا ترى أَن صدر الشَّرِيعَة رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ فِي التَّوْضِيح إِن الْعَام لفظ وضع لكثير غير مَحْصُور مُسْتَغْرق لجَمِيع مَا يصلح لَهُ ثمَّ عد النكرَة المنفية من الْعَام نَحْو لَا يَأْكُل رَأْسا قُلْنَا المُرَاد أَن النكرَة خَاصَّة بِحَسب الْوَضع الشخصي وَهُوَ لَا يُنَافِي كَونهَا عَامَّة بِحَسب الْوَضع النوعي الْمجَازِي ضَرُورَة أَن دلالتها بِوَاسِطَة قرينَة وَهِي الْوُقُوع فِي سِيَاق النَّفْي والوضع فِي تَعْرِيف الْعَام أَعم من الشخصي والنوعي فَيشْمَل النكرَة المنفية أَيْضا كَمَا صرح بِهَذَا الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ فِي التَّلْوِيح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 (بَاب النُّون مَعَ الْمِيم) النمو: ازدياد حجم الْأَجْزَاء الْأَصْلِيَّة للجسم بِمَا يَنْضَم إِلَيْهِ ويداخله فِي جَمِيع الأقطار والأطراف بِنِسْبَة طبيعية أَي على تناسب تَقْتَضِيه طبيعة الْجِسْم بِخِلَاف السّمن فَإِنَّهُ زِيَادَة فِي الْأَجْزَاء الزَّائِدَة وَبِخِلَاف الورم فَإِنَّهُ ازدياد لكنه لَيْسَ بِنِسْبَة طبيعية. والأجزاء الْأَصْلِيَّة فِي بعض الْحَيَوَانَات هِيَ المتولدة من الْمَنِيّ كالعظم والعصب والرباط والزائدة فِيهِ هِيَ المتولدة من الدَّم كَاللَّحْمِ والشحم وَالسمن وَالدَّم يتَوَلَّد من الْغذَاء. وَإِنَّمَا قيدنَا بِلَفْظ الْبَعْض لِأَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام غير متولد مِنْهُ وَكَذَا حَوَّاء عَلَيْهَا السَّلَام وقنفس من الطُّيُور وأمثال ذَلِك. والعبارة الجامعة لبَيَان الْأَجْزَاء الْأَصْلِيَّة هِيَ مَا يتَوَلَّد من الْمَنِيّ أَو مِمَّا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ كالطين لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَالْبذْر لبَعض النباتات وَغير ذَلِك فالعبارة الجامعة لبَيَان الْأَجْزَاء الزَّائِدَة أَنَّهَا هِيَ المتولدة من غير الْمَنِيّ وَمن غير مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ. وَوجدت فِي بعض شُرُوح الْهِدَايَة فِي الْحِكْمَة فِي تَفْسِير نِسْبَة طبيعية هَكَذَا يَعْنِي إِذا فَرضنَا جسما يكون طوله ذِرَاع وَعرضه نصف ذِرَاع وعمقه ربع ذِرَاع فَذَلِك الازدياد لَا بُد وَأَن يكون بِنِسْبَة طبيعة أَي نصف مَا يزِيد على الطول يزِيد على الْعرض وربعه يزِيد على العمق - فالنمو عبارَة عَن هَذَا انْتهى. النمام: من يتحدث مَعَ شخص فينم عَلَيْهِ ليكشف مَا يكره كشفه سَوَاء كرهه الْمَنْقُول عَنهُ - أَو الْمَنْقُول إِلَيْهِ - أَو ثَالِث - وَسَوَاء كَانَ الْكَشْف بالعبارة أَو بِالْإِشَارَةِ أَو بِغَيْرِهِمَا. (بَاب النُّون مَعَ الْوَاو) النَّوْع: فِي عرف الْأُصُولِيِّينَ كلي مقول على كثيرين متفقين بالأغراض كَالرّجلِ وَالْمَرْأَة - وَفِي عرف المنطقيين كلي مقول على كثيرين متفقين بِالْحَقِيقَةِ وَهُوَ. النَّوْع الْحَقِيقِيّ: لِأَن منشأ نوعيته هُوَ الْحَقِيقَة المتحدة فِي أَفْرَاده - وَأما: النَّوْع الإضافي: فَهُوَ الْمَاهِيّة الْمَقُول عَلَيْهَا وعَلى غَيرهَا الْجِنْس فِي جَوَاب مَا هُوَ قولا أوليا فَلَا ينْتَقض التَّعْرِيف الْمَذْكُور بالصنف كالتركي والرومي فَإِنَّهُ كلي يُقَال عَلَيْهِ وعَلى غَيره الْجِنْس. فَإِنَّهُ إِذا سُئِلَ عَن التركي وَالْفرس بِمَا هما كَانَ الْجَواب الْحَيَوَان. لَكِن قَول الْجِنْس على الصِّنْف لَيْسَ بأولي بل بِوَاسِطَة حمل النَّوْع عَلَيْهِ وَتَحْقِيق هَذَا فِي الْجِنْس وَإِنَّمَا سمي هَذَا النَّوْع بالإضافي لِأَنَّهُ لَا بُد من نوعيته من اندراجه مَعَ نوع آخر تَحت جنس فَيكون مضائفا لَهُ. النّوم: حَالَة تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدِّمَاغ من رطوبات الأبخرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 المتصاعدة بِحَيْثُ تقف الْحَواس الظَّاهِرَة عَن الإحساس رَأْسا. وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ حَالَة طبيعية تتعطل بهَا القوى بِسَبَب ترقي البخارات إِلَى الدِّمَاغ. وَأما السّنة بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة فَهِيَ فتور يتَقَدَّم النّوم - وَإِن أردْت فَائِدَة نفي النّوم بعد نفي السّنة فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} . فَانْظُر فِي السّنة - وَإِمَّا مَا يرى فِي النّوم فَهُوَ الرُّؤْيَا - والرؤيا صَادِقَة وكاذبة. وَمن أَرَادَ تحقيقهما وتفصيلهما فَليرْجع إِلَى تَحْقِيق قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " رُؤْيا الْمُؤمن جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة ". النّوم أَخُو الْمَوْت: فِي النَّفس. النوائب: جمع نائبة وَهِي مَا يلْحقهُ من جِهَة السُّلْطَان بِحَق أَو بَاطِل. أما الأول: كَأُجْرَة الحراس وَكري النَّهر الْمُشْتَرك وَالْمَال الموظف لتجهيز الْجَيْش وَفِدَاء الْأَسير - وَأما الثَّانِي: فكالجبايات الَّتِي فِي زَمَاننَا تأخذها الظلمَة بِغَيْر حق - والجبايات عبارَة عَن أَن تَأْخُذ الأعونة من الْمُسلمين شَيْئا بِغَيْر حق. النوايت: قوم من شرفاء الْعَرَب قُرَيْش أخرجهم الْحجَّاج بن يُوسُف من ديار الْعَرَب ظلما فسكنوا فِي ديار كوكن وتوطنوا فِيهِ وَاشْتَغلُوا بَعضهم بِالْفَضْلِ والإفضال والتوكل والفقر وَكسب الْكَمَال على الطَّرِيقَة السَّابِقَة. وَبَعْضهمْ بكسب من الأكساب وهم ملقبون بِالْأَلْقَابِ كالأعراب وَمن زمرة أعيانهم أستاذي حَافظ مُحَمَّد عبد الله الْبَصِير رَحمَه الله تَعَالَى وَقد مر ذكره الشريف فِي (أَحْمد نكر) - وشرافته من حَيْثُ النّسَب والحسب أظهر من أَن تخفى وَهَذَا اللَّفْظ فِي الأَصْل كَانَ (نوآمد) . ثمَّ بِتَصَرُّف المستعملين صَار نوايت وَمَا قَالَ الجهلاء أَن النوايت قوم ملاحون مُتَمَسِّكِينَ بِمَا فِي الْقَامُوس النواتي الملاحون فِي الْبَحْر الْوَاحِد نوتي. غلط فَاحش ناش من سوء الْفَهم فَإِن من لَهُ أدنى ذائقة من علم الصّرْف يعلم أَن لفظ النوايت إِذا فرض عَرَبيا وجمعا كَانَ إِمَّا جمع النائت كالتوابع جمع التَّابِع أَو جمع النائتة كالطوالب جمع الطالبة فَبين النوائت والنواتي بون بعيد. فَحَيْثُ لم يعلمُوا السباحة غرقوا فِي الْقَامُوس وَلما كَانُوا مقطوعي الأجنحة وقصدوا الطيران مثل الطاوس إِلَى شرف الْعلي فوقعوا كالجاموس فِي وَحل تَحت الثرى. النُّون: اسْم لحرف من حُرُوف الهجاء والحوت وَغير ذَلِك كَمَا بَين فِي التفاسير وَأَيْضًا النُّون الْعلم الإجمالي وَيُرَاد بِهِ الذوات فَإِن الْحُرُوف الَّتِي هِيَ صُورَة الْعلم مَوْجُودَة فِي مدادها إِجْمَالا وَفِي قَوْله تَعَالَى: {ن والقلم} - هُوَ الْعلم الإجمالي فِي الحضرة الأحدية والقلم حَضْرَة التَّفْصِيل - وَفِي كتب التجويد أَن للنون الساكنة وَكَذَا للتنوين أَحْوَال أَرْبَعَة - الْقلب والإدغام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 والإظهار - والإخفاء - (فَإِذا لقيتهما بَاء) قلبتا ميما مَعَ الغنة كَمَا تَقول أنبتت من كل زوج بهيج. فِي مِثَال النُّون الساكنة والتنوين - (وَإِذا لقيهمَا) حرف من حُرُوف (يومن) أدغمتا فِيهِ مَعَ الغنة - وَقَالَ بَعضهم أَنَّهُمَا تدغمان فِي الْوَاو وَالْيَاء بِلَا غنة كَمَا تَقول آمن يَأْتِي. آمنا يَوْم الْقِيَامَة - وَمن ولي وَلَا نصير - وَمن مَاء مهين - وَلنْ نؤمن لرقيك حَتَّى تنزل علينا كتابا نقرؤه - وَإِذا اجْتمعت النُّون الساكنة مَعَ الْوَاو وَالْيَاء فِي كلمة وَاحِدَة فالقراء كلهم متفقون على إِظْهَار النُّون يَعْنِي لَا يجوز فيهمَا الْإِدْغَام نَحْو صنْوَان وقنوان وبنيان وَدُنْيا. (وَإِذا لقيهمَا) حرف من حرفي (ر ل) أَي الرَّاء الْمُهْملَة وَاللَّام أدغمتا فِيهِ بِلَا غنة نَحْو من رب رَحِيم. وَإِن لبثتم. وَأما إظهارهما فَعِنْدَ اتصالهما بِحرف من حُرُوف الْحلق السِّتَّة الْمَشْهُورَة فَهِيَ حُرُوف الْإِظْهَار كَمَا تَقول إِن حكمتم. وفالله خير حَافِظًا - وَإِن خَرجْتُمْ. ومثقال ذرة خيرا يره - وَإِن علمْتُم - وَلَا خوف عَلَيْهِم - وفسينغضون - وميثاقا غليظا. وَإِن أَحْسَنْتُم. وبغتة أَو جهرة. وَلَوْلَا إِن هدَانَا الله ومنسكاهم ناسكوه. وَأما إخفاؤهما فَعِنْدَ اتصالهما بِخَمْسَة عشر حرفا التَّاء بنقطتين والثاء الْمُثَلَّثَة وَالْجِيم وَالدَّال والذال وَالزَّاي الْمُعْجَمَة وَالسِّين والشين وَالصَّاد وَالضَّاد والطاء والظاء وَالْفَاء وَالْقَاف وَالْكَاف فَإِذا اتَّصل بهما حرف من هَذِه الْحُرُوف الْمَذْكُورَة تخفيان مَعَ الغنة فَهَذِهِ حُرُوف الْإخْفَاء كَمَا تَقول انْتَهوا وَمن نعْمَة تجزى وَمن ثَمَرَة. وسائحات ثيبات وَمن جبال وَمن خلق جَدِيد وَمن دبر وَمن مَاء دافق ومنذرون وعزيز ذُو انتقام وأنزلت وَمن كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وينسلون وزلفة سيئت وينشرون وَلكُل صبار شكور وينصرون وريحا صَرْصَرًا وبمن ضل وكلا ضربنا وينطقون وصعيدا طيبا وَيَنْظُرُونَ وظلا ظليلا وينفقون وينقذون ومؤمنات قانتات ومنكم وكراما كاتبين. نون الْوِقَايَة: نون يقي ويحفظ آخر الْفِعْل عَن الْكسر عِنْد لُحُوق يَاء الْمُتَكَلّم وَيُقَال لَهُ. نون الْعِمَاد: أَيْضا لِأَن الْعِمَاد أَي الاستوانة كَمَا تحفظ السّقف عَن الْكسر والسقوط كَذَلِك هَذَا النُّون تحفظ آخر الْفِعْل عَن الْكسر المشابه بِالْجَرِّ الْمُخْتَص بِالِاسْمِ فِي كَونه فِي آخر الِاسْم بطرِيق اللُّزُوم لَا لعروض التقاء الساكنين كالجر. وَتَحْقِيق هَذَا المرام فِي جَامع الغموض. النُّور: كَيْفيَّة يُدْرِكهَا الباصرة أَولا وبواستطها سَائِر المبصرات. نور النُّور: عِنْد أهل السلوك هُوَ الله تَعَالَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 (بَاب النُّون مَعَ الْهَاء) النهب: أَخذ مَال من بلد أَو قَرْيَة قهرا. النَّهْي: هُوَ طلب ترك الْفِعْل. وَعِنْدهم قَول الْقَائِل لمن دونه لَا تفعل فَهُوَ ضد الْأَمر. وَاعْلَم أَن الثَّوَاب فِي ترك الْمنْهِي عَنهُ أَكثر مِنْهُ فِي إتْيَان الْمَأْمُور بِهِ قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " ترك ذرة مِمَّا نهى الله خير من عبَادَة الثقلَيْن ". والسر فِيهِ أَن ترك الْمنْهِي عَنهُ أَشْقَى من فعل الْمَأْمُور بِهِ إِذْ الْمُكَلف بِالْأَمر يخرج عَن عهدته بِفِعْلِهِ مرّة. فَأَما الْمُكَلف بِالنَّهْي لَا يخرج عَن عهدته مَا لم يمْتَنع مُدَّة عمره وَلذَا غفر ذَنْب آدم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ كَانَ من بَاب النَّهْي. وَلم يغْفر ذَنْب إِبْلِيس لِأَنَّهُ كَانَ من بَاب الْأَمر. (بَاب النُّون مَعَ الْيَاء) النيف: هُوَ الْجُزْء الأول من الْعدَد الْمركب وَهُوَ من أحد عشر إِلَى تِسْعَة عشر. النِّيَابَة: (كسى را نَائِب خود كردانيدن در امري) . اعْلَم أَن النِّيَابَة تجْرِي فِي الْعِبَادَات الْمَالِيَّة الْمَحْضَة عِنْد الْعَجز وَالْقُدْرَة وَلم تجر فِي الْبَدَنِيَّة الْمَحْضَة بِحَال. وَفِي الْمركب من الْمَالِيَّة والبدنية تجْرِي عِنْد الْعَجز فَقَط كَالْحَجِّ الْمَفْرُوض بِخِلَاف الْحَج نفلا فَإِن النِّيَابَة تجْرِي فِيهِ عجز أَو قدرَة. وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه يجوز للْإنْسَان أَن يَجْعَل ثَوَاب عمله لغيره صَلَاة وصوما أَو صَدَقَة أَو غَيرهَا عِنْد أهل السّنة خلافًا للمعتزلة - وَإِمَّا جَوَاز النِّيَابَة بِحَيْثُ يسْقط الْفَرْض عَن الْمُنِيب بأَدَاء النَّائِب فَفِيهِ تَفْصِيل كَمَا مر -. والعبادات ثَلَاثَة أَنْوَاع: (مَالِيَّة مَحْضَة) وَهِي مَا يتَأَدَّى بِالْمَالِ كَالزَّكَاةِ وَصدقَة الْفطر وَالْإِطْعَام بِالْكَفَّارَةِ. و (بدنية مَحْضَة) وَهِي مَا يتَأَدَّى بِعَمَل الْبدن فَقَط كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم، و (مركبة مِنْهُمَا) كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ مَالِي من حَيْثُ شَرط الِاسْتِطَاعَة وَوُجُوب الأجزية بارتكاب الْمَحْظُورَات (وبدني) من حَيْثُ الطّواف وَالْوُقُوف. النيروز: بِالْفَتْح وَسُكُون الثَّانِي وَالرَّاء الْمُهْملَة المضمومة مُعرب نوروز وَهُوَ أول يَوْم من نزُول الشَّمْس فِي الْحمل. اعْلَم أَن النيروز نيروزان. نيروز الْمَجُوس. ونيروز السُّلْطَان - وَفِي الْأَنْوَار فقه الشَّافِعِي النيروز الْيَوْم الأول من فروردين وَهُوَ أول الرّبيع. النيك: (جماع كردن) . النِّيَّة: فِي اللُّغَة الْقَصْد يُقَال نوى يَنْوِي نِيَّة أَي قصد يقْصد قصدا وَأَيْضًا بِمَعْنى انبعاث الْقلب نَحْو مَا يرَاهُ مُوَافقا لغَرَض من جلب نفع أَو دفع ضرّ حَالا أَو مَآلًا وَفِي الشَّرْع قصد الطَّاعَة والتقرب إِلَى الله تَعَالَى فِي إِيجَاد الْفِعْل كَذَا فِي التَّلْوِيح - وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ إِنَّهَا شرعا إِرَادَة التَّوَجُّه نَحْو الْفِعْل ابْتِغَاء لوجه الله تَعَالَى وامتثالا لحكمه - فَإِن قيل هَذَا فِي التروك مُشكل - قُلْنَا الْإِشْكَال إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ التّرْك بِمَعْنى الْعَدَم لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفعل فَلَا صِحَة للنِّيَّة بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور إِلَيْهِ لَكِن التّرْك هَا هُنَا لكَونه مُكَلّفا بِهِ أَي مَأْمُورا بِهِ فِي النَّهْي بِمَعْنى الْكَفّ وَهُوَ فعل. ثمَّ اعْلَم أَنه لَا ثَوَاب إِلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا مر فِي " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ". وَهِي لَيست بِشَرْط الصِّحَّة فِي الْوَسَائِل كَالْوضُوءِ وَالْغسْل وَمسح الْخُفَّيْنِ وَإِزَالَة النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة عَن الثَّوْب وَالْبدن وَالْمَكَان والأواني. دون الْعِبَادَات فَإِنَّهَا شَرط لصحتها سوى الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يَصح بِدُونِهَا. وَلذَا قَالُوا إِن إِسْلَام الْمُكْره صَحِيح وَالْكفْر لَا بُد فِيهِ من النِّيَّة فَهِيَ شَرطه فِيهِ لما قَالُوا إِن كفر الْمُكْره غير صَحِيح. - وَإِمَّا اشْتِرَاطهَا فِي التَّيَمُّم مَعَ أَنه من الْوَسَائِل فلدلالة قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} . لِأَن التَّيَمُّم بِمَعْنى الْقَصْد. - وَإِمَّا غسل الْمَيِّت فَهِيَ لَا تشْتَرط لصِحَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ وَتَحْصِيل طَهَارَته بل إِنَّمَا هِيَ شَرط لإِسْقَاط الْفَرْض عَن ذمَّة الْمُكَلّفين وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: إِن الغريق يغسل ثَلَاثًا. - وَفِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَنه لَو نوى عِنْد الْإِخْرَاج من المَاء يغسل مرَّتَيْنِ وَإِن لم ينْو فثلاثا - وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يغسل مرَّتَيْنِ وَإِن لم ينْو فثلاثا. وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يغسل مرّة وَاحِدَة كَذَا فِي فتح الْقَدِير. - فَإِن قيل: لم شرعت النِّيَّة وَمَا الْغَرَض مِنْهَا؟ قُلْنَا: تميز الْعِبَادَات من الْعَادَات وتميز بعض الْعِبَادَات عَن بعض وَهَذَا التميز هُوَ الْبَاعِث على شَرْعِيَّة النِّيَّة وَهُوَ الْغَرَض مِنْهَا. أَلا ترى أَن الْإِمْسَاك عَن المفطرات قد يكون للحمية أَو للتداوي وَالْجُلُوس فِي الْمَسْجِد قد يكون للاستراحة وَدفع المَال قد يكون هبة لغَرَض دُنْيَوِيّ - وَقد يكون قربَة زَكَاة وَصدقَة - وَالذّبْح قد يكون للْأَكْل فَيكون مُبَاحا أَو مَنْدُوبًا. أَو للأضحية فَيكون عبَادَة. أَو لقدوم أَمِير فَيكون حَرَامًا. أَو كفرا على قَول فشرعت النِّيَّة لتمتاز الْعِبَادَة عَن الْعَادة - وَالْعِبَادَة أَي التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى تكون بِالْفَرْضِ وَالنَّفْل وَالْوَاجِب فشرعت لتميز بعض الْعِبَادَة عَن بعض. وَيعلم من هَا هُنَا أَن مَا لَا يكون عَادَة أَو مَا لَا يلتبس بِغَيْرِهِ لَا يشْتَرط فِيهِ النِّيَّة كالإيمان بِاللَّه تَعَالَى والمعرفة وَالْخَوْف والرجاء وَالنِّيَّة وَقِرَاءَة الْقُرْآن والأذكار لِأَنَّهَا متميزة لَا تَلْتَبِس بغَيْرهَا - وَذكر ابْن وهبان أَن مَا لَا يكون إِلَّا عبَادَة لَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة وَأَن النِّيَّة لَا تحْتَاج إِلَى النِّيَّة - وَأَيْضًا ذكر الْعَيْنِيّ فِي شرح البُخَارِيّ الْإِجْمَاع على أَن التِّلَاوَة والأذكار وَالْأَذَان لَا تحْتَاج إِلَى نِيَّة وَأَن النِّيَّة لَا تحْتَاج إِلَى النِّيَّة - وَأَنت تعلم أَن جَمِيع هَذَا متفرع على مَا ذكرنَا من التميز الْمَذْكُور. فَإِن قيل أَلا بُد من تعْيين الْمَنوِي أم يَكْفِي مُطلق النِّيَّة قلت فِي بعض الْعِبَادَات يَكْفِي مُطلق النِّيَّة وَفِي بَعْضهَا لَا بُد من تعينها. وَالتَّفْصِيل أَن الْمَنوِي إِمَّا من الْعِبَادَات. أَو من الْعَادَات. أما على الثَّانِي فَلَا يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 مَا يحْتَمل أَن يكون عَادَة عبَادَة إِلَّا بِتَعْيِين النِّيَّة. وَأما على الأول فوقته إِمَّا ظرف للمؤدي أَو معيار لَهُ أَو مُشكل - فَإِن كَانَ ظرفا فَلَا بُد من التَّعْيِين كَانَ يَنْوِي الْفجْر. وعلامة حُصُول التَّعْيِين للصَّلَاة أَن يكون الْمُصَلِّي بِحَيْثُ لَو سُئِلَ أَي صَلَاة يصلى يُمكنهُ أَن يُجيب بِلَا تَأمل وتدبر - وَإِن كَانَ معيارا فالتعيين لَيْسَ بِشَرْط فِيهِ كَالصَّوْمِ فِي رَمَضَان - فَإِن كَانَ الصَّائِم صَحِيحا مُقيما يَصح بِمُطلق النِّيَّة وبنية النَّفْل وبنية وَاجِب آخر لِأَن التَّعْيِين فِي الْمُتَعَيّن لَغْو وَإِن كَانَ مَرِيضا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ - وَالصَّحِيح وُقُوعه عَن رَمَضَان سَوَاء نوى وَاجِبا آخر أَو نفلا. وَأما الْمُسَافِر فَإِن نوى عَن وَاجِب آخر وَقع عَمَّا نَوَاه لَا عَن رَمَضَان - وَفِي النَّفْل رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيح وُقُوعه عَن رَمَضَان - وَإِن كَانَ مُشكلا فيكفيه مُطلق النِّيَّة كَالْحَجِّ فَإِن وقته مُشكل لِأَنَّهُ يشبه المعيار بِاعْتِبَار أَنه لَا يَصح فِي السّنة إِلَّا حجَّة وَاحِدَة والظرف بِاعْتِبَار أَن أَفعاله لَا تستغرق وقته فيطلب بِمُطلق النِّيَّة نظرا إِلَى المعيارية وَإِن نوى نفلا وَقع عَمَّا نوى نظرا إِلَى الظَّرْفِيَّة. هَذَا فِي الْأَدَاء وَأما فِي الْقَضَاء فَلَا بُد من التَّعْيِين صَلَاة أَو صوما أَو حجا. وَاعْلَم أَن الْعتْق لَيْسَ بِعبَادة عندنَا وضعا بِدَلِيل صِحَّته من الْكَافِر وَلَا عبَادَة لَهُ فَإِن نوى وَجه الله تَعَالَى كَانَ عبَادَة مثابا عَلَيْهِ. وَإِن أعتق بِلَا نِيَّة صَحَّ وَلَا ثَوَاب. وَالْوَصِيَّة وَالْوَقْف كَالْعِتْقِ. وَأما الْجِهَاد فلكونه من أعظم الْعِبَادَات لِأَن فِيهِ اخْتِيَار الفناء على الْبَقَاء لَا بُد لَهُ من خلوص النِّيَّة. وَأما النِّكَاح فلكونه أقرب إِلَى الْعِبَادَة حَتَّى قَالُوا إِن الِاشْتِغَال بِهِ أفضل من الِاشْتِغَال بمحض الْعِبَادَة يحْتَاج إِلَى النِّيَّة لَكِن لتَحْصِيل الثَّوَاب وَهِي أَن يقْصد إعفاف نَفسه وتحصينها وَحُصُول الْوَلَد لَا لصِحَّته. وَلِهَذَا قَالُوا يَصح النِّكَاح مَعَ الْهزْل لَكِن قَالُوا لَو عقد بِلَفْظ لَا يعرف مَعْنَاهُ فَفِيهِ خلاف وَالْفَتْوَى على صِحَّته علم الشُّهُود أَولا. فَإِن قيل إِن الْهِبَة وَالطَّلَاق الصَّرِيح وَالْعتاق مُشْتَركَة فِي عدم التَّوَقُّف على النِّيَّة فَلم افترق الْهِبَة عَنْهُمَا فِي الْإِكْرَاه بِأَنَّهُ لَو أكره على الْهِبَة لم تصح بِخِلَاف الطَّلَاق وَالْعتاق فَإِنَّهُمَا لَو أكره عَلَيْهِمَا يقعان. قُلْنَا لِأَن الرِّضَا شَرط فِي صِحَة الْهِبَة دون الطَّلَاق وَالْعتاق. فَإِن قيل لَو لقن الْهِبَة وَلم يعرفهَا لم تصح. فَيعلم من هَا هُنَا أَن النِّيَّة شَرط فِيهَا. قُلْنَا عدم صِحَة الْهِبَة حِينَئِذٍ لَيْسَ لاشْتِرَاط النِّيَّة فِيهَا بل لفقدان شَرطهَا وَهُوَ الرِّضَا. وَالطَّلَاق الصَّرِيح وَالْعتاق يقعان بالتلقين مِمَّن لَا يعرفهما لِأَن الرِّضَا لَيْسَ بِشَرْط فيهمَا. وَلَا بُد أَن تعلم أَن الزَّوْج لَو كرر مسَائِل بحضرتها وَيَقُول فِي كل مرّة أَنْت طَالِق لم يَقع وَلَو كتب امْرَأَتي طَالِق وَقَالَت لَهُ اقْرَأ عَليّ فَقَرَأَ عَلَيْهَا لم يَقع عَلَيْهَا لعدم قَصدهَا بِاللَّفْظِ كَمَا لَا يخفى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 ( [حرف الْوَاو] ) (بَاب الْوَاو مَعَ الْألف) الْوَاجِب: عِنْد الْفُقَهَاء مَا ثَبت بِدَلِيل شَرْعِي ظَنِّي فِيهِ شُبْهَة سَوَاء كَانَ منزلا أَو غَيره. وَحكمه الثَّوَاب بِالْفِعْلِ وَالْعِقَاب بِالتّرْكِ عمدا وَعدم الْكفْر بالإنكار وَهَذَا وَاجِب الْعَمَل فَهُوَ اسْم لما لزم علينا بِالدَّلِيلِ الْمَذْكُور وَقد يُطلق الْوَاجِب على الْفَرْض كَمَا لَا يخفى على من طالع كتب الْفِقْه. وَأما الْوَاجِب عِنْد الْمُتَكَلِّمين والحكماء فَهُوَ الْمَوْجُود الَّذِي يمْتَنع عَدمه فَإِن كَانَ وجوده لذاته أَي لَا يكون مُحْتَاجا فِي وجوده إِلَى غَيره فَهُوَ. الْوَاجِب لذاته: وواجب الْوُجُود لذاته وَإِن كَانَ لغيره فَهُوَ. وَاجِب الْوُجُود لغيره: وتحقيقه بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي الْإِمْكَان. الْوَاقِع: اعْلَم أَن فِي تَفْسِير الْوَاقِع وَنَفس الْأَمر اخْتِلَافا. قَالَ بَعضهم هما مَا تَقْتَضِيه الضَّرُورَة أَو الْبُرْهَان. وَلَا يخفى أَنه خلاف الْمُتَبَادر من اللَّفْظ. وَقيل إنَّهُمَا عبارتان عَن الْعقل الفعال وَلَا يخفى قبحه لِأَن قَوْلنَا الْوَاجِب مَوْجُود فِي نفس الْأَمر. وَالْوَاقِع قَضِيَّة صَادِقَة وَحِينَئِذٍ يلْزم تقدم الْعقل الفعال على الْوَاجِب تَعَالَى لتقدم الظّرْف على المظروف. وَقَالَ بَعضهم هما بِمَعْنى النِّسْبَة الخارجية عَن الذِّهْن كَمَا هُوَ الْمَشْهُور وَلَا ريب فِي أَنه منقوض بالقضايا نِسْبَة خارجية بل اعتبارية مَحْضَة. وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ من أَنَّهُمَا عبارتان عَن كَون الْمَوْضُوع بِحَيْثُ يَصح عَلَيْهِ الحكم بِأَنَّهُ كَذَا وَتلك الْحَيْثِيَّة قد تكون ذَات الْمَوْضُوع كَمَا فِي حمل الذاتيات والوجود فِي الْوَاجِب. وَقد يكون استناده إِلَى الْجَاعِل كَمَا فِي حمل الْوُجُود فِي الممكنات. وَقد يكون قيام مَأْخَذ الْمَحْمُول بِهِ انضماميا أَو انتزاعيا كَمَا فِي الْأَوْصَاف الخارجية أَو الاعتبارية. وَقد تكون عدم مصاحبة أَمر مَعَه كَمَا فِي حلم الإعدام. وَقد تكون مقايسة إِلَى الآخر كَمَا فِي حمل الإضافيات. هَذَا فِي الحمليات - وَأما فِي الشرطيات فهما كَون الْمَعْنيين فِي أَنفسهمَا بِحَيْثُ يَصح الحكم بِثُبُوت أَحدهمَا على تَقْدِير ثُبُوت الآخر أَو كَونهمَا فِي أَنفسهمَا بِحَيْثُ يَصح الحكم بالانفصال بَينهمَا. فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 الْوَاقِع فِي طَرِيق مَا هُوَ: وَكَذَا الدَّاخِل فِي جَوَاب مَا هُوَ اسمان لجزء الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ - وَالْمقول فِي جَوَاب مَا هُوَ مَا مر فِي مَحَله. وَبَيَانه أَن جُزْء الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ أَي جُزْء مَدْلُوله إِن كَانَ مَذْكُورا فِيهِ بِلَفْظ دَال عَلَيْهِ بالمطابقة يُسمى ذَلِك الْجُزْء بالواقع فِي طَرِيق مَا هُوَ. وَإِن كَانَ مَذْكُورا فِيهِ بِلَفْظ دَال عَلَيْهِ بالتضمن يُسمى بالداخل فِي جَوَاب مَا هُوَ. فَاعْلَم أَن لفظ الْحَيَوَان النَّاطِق الْوَاقِع فِي جَوَاب الْإِنْسَان مَا هُوَ الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ. وَمعنى هَذَا اللَّفْظ هُوَ مَاهِيَّة الْإِنْسَان أَعنِي الْجَوْهَر الْجِسْم النامي الحساس المتحرك بالإرادة مدرك الكليات. وجزء هَذَا الْمَعْنى أَعنِي الْجَوْهَر الْجِسْم النامي الحساس المتحرك بالإرادة فَقَط مثلا يدل عَلَيْهِ لفظ الْحَيَوَان بالمطابقة أَنه مَوْضُوع لهَذَا الْجُزْء فَمَعْنَى الْحَيَوَان يُسمى بالواقع فِي طَرِيق مَا هُوَ لِأَن الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ هُوَ طَرِيق مَا هُوَ وَمعنى الْحَيَوَان وَاقع ومذكور فِيهِ وَأما كل وَاحِد من معنى الْجَوْهَر فَقَط والجسم النامي فَقَط والحساس المتحرك بالإرادة فَقَط جُزْء مَدْلُول ذَلِك الْمَقُول لِأَنَّهُ جُزْء معنى الْحَيَوَان الدَّال عَلَيْهِ بالتضمن فَمَعْنَى الْحَيَوَان جُزْء مَدْلُول ذَلِك الْمَقُول وجزء الْجُزْء جُزْء لَكِن كل وَاحِد من هَذِه الْأَجْزَاء مَذْكُور فِي الْمَقُول الْمَذْكُور بالتضمن وَهُوَ الْحَيَوَان فَكل وَاحِد من هَذِه الْأَجْزَاء يُسمى بالداخل فِي جَوَاب مَا هُوَ لِأَن الْحَيَوَان النَّاطِق جَوَاب مَا هُوَ وَمعنى الْجَوْهَر أَو الْجِسْم النامي مثلا دَاخل فِيهِ وَفِي ضمنه. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد قدس سره تَخْصِيص الْوَاقِع فِي الطَّرِيق بالجزء الْمَدْلُول عَلَيْهِ مُطَابقَة وَتَخْصِيص الدَّاخِل فِي الْجَواب بالجزء الْمَدْلُول عَلَيْهِ تضمنا اصْطِلَاح والمناسبة فِي التَّسْمِيَة مرعية فَإِن الْوَاقِع أنسب بالمدلول هَا هُنَا تضمنا ومطابقة والداخل أنسب بالمدلول تضمنا وَإِن كَانَ لكل مِنْهُمَا مُنَاسبَة مَعَ كل من الجزئين انْتهى. الْوَارِد: كل مَا يرد على الْقلب من الْمعَانِي الغيبية من غير كسب من العَبْد. الواصلية: أَصْحَاب أبي حُذَيْفَة وَاصل بن عَطاء قَالُوا بِنَفْي الصِّفَات عَن الله تَعَالَى وبإسناد الْقُدْرَة إِلَى الْعباد. الْوَاسِطَة فِي الثُّبُوت: والواسطة فِي الْإِثْبَات والواسطة فِي التَّصْدِيق والواسطة فِي الْعرُوض اعْلَم أَن معنى كَون الشَّيْء وَاسِطَة لثُبُوت وصف لأمر أَن يكون ذَلِك الشَّيْء عِلّة لثُبُوت ذَلِك الْوَصْف لذَلِك الْأَمر وَهُوَ قِسْمَانِ: أَحدهمَا: أَن لَا يثبت ذَلِك الْوَصْف للواسطة أصلا فَيكون عَارض وَاحِد وعروض وَاحِد بِالذَّاتِ وبالاعتبار كأعراض الْقَائِمَة بالممكنات بِوَاسِطَة الْوَاجِب. وَثَانِيهمَا: أَن يَتَّصِف الْوَاسِطَة بذلك الْوَصْف وبواسطتها يَتَّصِف ذَلِك الْأَمر لَا بِمَعْنى أَن هُنَاكَ اتصافين حقيقيين لِامْتِنَاع قيام الْوَصْف الْوَاحِد بموصوفين حَقِيقَة بل اتصاف وَاحِد بِالْحَقِيقَةِ للواسطة وبتبعيتها لذَلِك الْأَمر وَلَا غُبَار على جَوَاز تعدد الشَّيْء بِالِاعْتِبَارِ - وَهَذَا الْقسم يُسمى وَاسِطَة فِي الْعرُوض فالواسطة فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 الْعرُوض مَا يكون معروضا فِي الْحَقِيقَة كالحديد فَإِنَّهُ وَاسِطَة لعروض الْحَرَارَة بِالْمَاءِ والواسطة فِي الثُّبُوت مَا يُفِيد لُحُوق الشَّيْء للشَّيْء فِي الْوَاقِع أَي يكون عِلّة لهَذَا اللحوق كالتعجب فَإِنَّهُ عِلّة للحوق الضحك للْإنْسَان والواسطة فِي التَّصْدِيق مَا يقْتَرن بقولنَا لِأَنَّهُ كالتغير فِي قَوْلنَا لِأَنَّهُ متغير إِلَى آخِره لِأَنَّهُ وَاسِطَة فِي التَّصْدِيق بِأَن الْعَالم حَادث. وَيُقَال لَهَا الْوَاسِطَة فِي الْإِثْبَات أَيْضا. فالواسطة للاثبات عِلّة للْحكم بِمَعْنى الْإِيقَاع والواسطة فِي الثُّبُوت هِيَ عِلّة للنسبة. الواحدية: وَالْوَاحد فِي الأحدية والأحد. الْوَاحِد بِالْعدَدِ: الْوَاحِد الشخصي ويقابله الْوَاحِد الجنسي وَالْوَاحد النوعي وَالْوَاحد على أَقسَام لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون تصَوره مَانِعا عَن حمله على كثيرين وَهُوَ الْوَاحِد بالشخص أَو لَا يكون مَانِعا عَن ذَلِك الْحمل وَهُوَ الْوَاحِد لَا بالشخص وَأَنه عبارَة عَن كثير لَهُ جِهَة وَاحِدَة فَهُوَ وَاحِد من حَيْثُ الْمَفْهُوم كثير من حَيْثُ الْأَفْرَاد وَأما الْوَاحِد بالشخص فَإِن لم يقبل الْقِسْمَة إِلَى الْأَجْزَاء المقدارية أَو غير المقدارية مَحْمُولَة كَانَت أَو غير مَحْمُولَة فَهُوَ الْوَاحِد الْحَقِيقِيّ وَهُوَ إِن لم يكن لَهُ مَاهِيَّة نوعية سوى مَفْهُوم عدم الانقسام فالوحدة الشخصية وَأما الْوحدَة فواحد لَا بالشخص لِأَنَّهَا وَاحِد من حَيْثُ الْمَفْهُوم وَكثير من حَيْثُ الْأَفْرَاد وَإِن كَانَ لَهُ مَاهِيَّة نوعية سوى مَفْهُوم عدم الانقسام فإمَّا أَن يكون قَابلا للْإِشَارَة الحسية وَهُوَ النقطة الجوهرية عِنْد مثبتيها والنقطة العرضية أَو لَا يكون قَابلا لَهَا وَهُوَ المفارق المشخص أَعم من أَن يكون وَاجِبا أَو مُمكنا. وَإِن قبل الْوَاحِد بالشخص الْقِسْمَة فإمَّا أَن يَنْقَسِم إِلَى أَجزَاء مقدارية متشابهة فِي الْحَقِيقَة وَهُوَ الْوَاحِد بالاتصال فَإِن كَانَ قبُوله الْقِسْمَة إِلَى تِلْكَ الْأَجْزَاء المتشابهة لذاته فَهُوَ الْمِقْدَار الشخصي الْقَابِل للْقِسْمَة الوهمية لَا الانفكاكية وَإِن كَانَ قبُوله لَا لذاته فَهُوَ الْجِسْم الْبَسِيط كَالْمَاءِ الْوَاحِد بالشخص إِذْ يَنْقَسِم إِلَى أَجزَاء مقدارية مُخْتَلفَة بالحقائق وَهُوَ الْوَاحِد بالاجتماع كالمعاجين والأجسام المركبة من العناصر كالشجر الْوَاحِد المشخص فَإِنَّهُ مركب من العناصر وَهِي متخالفة الْمَاهِيّة بِخِلَاف الْبَسِيط كَالْمَاءِ. وَالْوَاحد بالاتصال بعد الْقِسْمَة الانفكاكية وَاحِد بالنوع وَوَاحِد بالموضوع أَي الْمحل والمادة عِنْد من يَقُول بهَا. أما الأول: فبمعنى أَن نوعهما وَاحِد فَإِن المَاء الْوَاحِد إِذا جزئ كَانَ هُنَاكَ ماءان متحدان فِي الْحَقِيقَة النوعية. وَأما الثَّانِي: فتوجيهه أَن تِلْكَ الْأَجْزَاء الْحَاصِلَة بِالْقِسْمَةِ من شَأْنهَا أَن يتَّصل بَعْضهَا بِبَعْض وَيحل فِي مَادَّة وَاحِدَة فَلَا يردان الصُّورَة الجسمية تَتَعَدَّد بعد الانفكاك فتتعدد الْمَادَّة بِالضَّرُورَةِ وَلَو بِالْعرضِ وللواحد بالاتصال إطلاقان قد يُطلق على مقدارين يتلاقيان عِنْد حد مُشْتَرك بَينهمَا كالخطين المحيطين بزاوية هَكَذَا (ل) وَقد يُطلق على جسمين يلْزم من حَرَكَة كل مِنْهُمَا حَرَكَة الآخر وَأما الْوَاحِد لَا بالشخص فقد عرفت أَنه وَاحِد من حَيْثُ الْمَفْهُوم كثير من حَيْثُ الْأَفْرَاد فجهة الْوحدَة فِيهِ إِمَّا ذاتية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 للكثرة أَي غير خَارِجَة عَن ماهيتها أَو عارضة لَهَا أَي مَحْمُولَة عَلَيْهَا خَارِجَة عَن ماهيتها أَو لَا تكون ذاتية للكثرة وَلَا أمرا عارضا لَهَا بِأَن لَا تكون مَحْمُولَة عَلَيْهَا أصلا - فَإِن كَانَت ذاتية بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور فإمَّا أَن تكون تِلْكَ الْجِهَة تَمام مَاهِيَّة تِلْكَ الْكَثْرَة فَذَلِك الْكثير هُوَ الْوَاحِد بالنوع كأفراد الْإِنْسَان فَإِن جِهَة وحدتهم الْإِنْسَان الَّذِي هُوَ تَمام ماهيتهم فالإنسان وَاحِد نَوْعي وأفراده وَاحِد بالنوع أَو تكون تِلْكَ الْجِهَة جُزْء مَاهِيَّة تِلْكَ الْكَثْرَة فَذَلِك الجزءان كَانَ تَمام الْمُشْتَرك بَين مَاهِيَّة تِلْكَ الْكَثْرَة وَغَيرهَا فَذَلِك الْكثير هُوَ الْوَاحِد بِالْجِنْسِ فَإِن أَفْرَاد الْإِنْسَان وَالْفرس وَالْبَقر مثلا وَاحِدَة بِالْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْحَيَوَان وَإِن لم يكن ذَلِك الْجُزْء تَمام الْمُشْتَرك فَذَلِك الْكثير وَاحِد بِالْفَصْلِ كأفراد النَّاطِق فَإِنَّهَا وَاحِدَة بِالْفَصْلِ وَهُوَ النَّاطِق وَإِن كَانَت تِلْكَ الْجِهَة عارضة بِالْمَعْنَى المسطور فَذَلِك الْكثير وَاحِد بِالْعرضِ فَإِن كَانَت تِلْكَ الْجِهَة الْعَارِضَة مَوْضُوعَة بالطبع لتِلْك الْكَثْرَة بِأَن كَانَت مَوْصُوفَة بهَا فَذَلِك الْكثير وَاحِد بالموضوع كَمَا يُقَال الضاحك وَالْكَاتِب وَاحِد فِي الإنسانية الَّتِي هِيَ جِهَة الْوحدَة الْخَارِجَة عَن مَاهِيَّة الضاحك وَالْكَاتِب الْمَوْضُوعَة بالطبع لَهما لِأَن الْإِنْسَان مَوْصُوف بِالْكِتَابَةِ والضحك فالإنسان مَوْضُوع بالطبع كَمَا تَقول الْإِنْسَان كَاتب ضَاحِك وَإِن جعلته مَحْمُولا كَمَا تَقول الضاحك وَالْكَاتِب إِنْسَان. وَإِن كَانَت تِلْكَ الْجِهَة الْعَارِضَة مَحْمُولَة بالطبع للكثير بِأَن كَانَت صفة لَهُ فَذَلِك الْكثير وَاحِد بالمحمول كَمَا يُقَال الْقطن والثلج وَاحِد فِي الْبيَاض فَإِن الْأَبْيَض خَارج عَنْهُمَا ومحمول عَلَيْهِمَا طبعا فَإِن طبيعة الْأَبْيَض تَقْتَضِي المحمولية إِذْ هُوَ عَارض للقطن والثلج ووجوده مُؤخر عَنْهُمَا وَإِن جَازَ أَن يَجْعَل الْأَبْيَض مَوْضُوعا لَهَا بِأَن لَا يكون أمرا مَحْمُولا عَلَيْهَا فيسمى ذَلِك الْكثير الْوَاحِد بِهَذِهِ الْجِهَة وَاحِدًا بِالنِّسْبَةِ كتعلق النَّفس بِالْبدنِ وَتعلق الْملك بِالْمَدِينَةِ فهذان التعلقان نسبتان متحدان فِي التَّدْبِير الَّذِي لَيْسَ مُقَومًا وَلَا عارضا لشَيْء مِنْهُمَا بل هُوَ عَارض للنَّفس وَالْملك فَإِن الْمُدبر إِنَّمَا يُطلق حَقِيقَة عَلَيْهِمَا وَإِن كَانَ زَائِدا فِي الْمُمكن قَالَ أفضل المتأخيرين الشَّيْخ عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَوَاشِيه على شرح المواقف فِي الْمَقْصد الثَّالِث من الْأُمُور الْعَامَّة. قَوْله وَإِن كَانَ زَائِدا فِي الْمُمكن جملَة حَالية بِالْوَاو - وَفِي شرح التسهيل الشّرطِيَّة تقع حَالا نَحْو أفعل هَذَا إِن جَاءَ زيد فَقيل يلْزم الْوَاو - وَقيل لَا يلْزم وَهُوَ قَول ابْن جني وَفِي شرح الْكَشَّاف أَن كلمة أَن هَذِه لَا تكون لقصد التَّعْلِيق والاستقبال بل لثُبُوت الحكم الْبَتَّةَ - وَلذَا قيل إِنَّه للتَّأْكِيد وَإِلَيْهِ يُشِير كَلَام الشَّارِح حَيْثُ جعل كلا الْأَمريْنِ مدعي الْحُكَمَاء وَلَيْسَ هَذَا أَن الوصلية الْمَقْصُود مِنْهُ اسْتِمْرَار الْجَزَاء على تَقْدِير الشَّرْط وَعَدَمه انْتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 (بَاب الْوَاو مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الْوَبر: فِي الصُّوف. (بَاب الْوَاو مَعَ التَّاء الْفَوْقِيَّة) الْوتر: بِالْفَتْح فِي اللُّغَة الْفَرد من الْعدَد مَا لم يشفع وجله كمان - وَفِي الهندسة الْوتر أحد أضلاع المثلث وَيُطلق أَيْضا على الْخط الْمَار بمركز الدائرة من حَيْثُ انقسامها بِهِ على قسمَيْنِ كَمَا مر فِي الْقطر الَّذِي هُوَ الْخط الْمَار بمركز الدائرة من حَيْثُ مروره إِلَيْهِ فَإِن الِاخْتِلَاف بَين الْقطر وَالْوتر بِحَسب الِاعْتِبَار - وَفِي حل الرموز شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة الْوتر بِكَسْر الْوَاو وَفتحهَا وَسُكُون التَّاء وَكسرهَا. وَالْأول من كل مِنْهَا هُوَ الْمَشْهُور خلاف الشفع - وَفِي الشَّرْع الْوتر عبارَة عَن ثَلَاث رَكْعَات وَإِنَّمَا سميت بِهِ لِأَنَّهُ خلاف الشفع. وَحكى الْحسن أَن الثَّلَاث مجمع عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ إِجْمَاعًا ثَبت بِخَبَر الْوَاحِد دون الْمَشْهُور والمتواتر وَإِلَّا لم يكن للِاجْتِهَاد فِيهِ مساغ - وَقد قيل بِرَكْعَة إِلَى ثَلَاث عشرَة كَمَا فِي كتب الحَدِيث. وَاعْلَم أَن الْوتر عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَاجِب ثَابت بِدَلِيل ظَنِّي فِيهِ شُبْهَة وَرُوِيَ أَنه فرض أَي عملا لَا علما وَرُوِيَ أَيْضا أَنه سنة أَي ثَابت وجوابها بِالسنةِ فَهُوَ وَاجِب وَفرض وَسنة باعتبارات مُخْتَلفَة لكَونه وَاجِبا وَسنة من حَيْثُ ثُبُوته بِالدَّلِيلِ الظني الَّذِي هُوَ السّنة وفرضا من حَيْثُ الْعَمَل فَإِن الْفَرْض وَالْوَاجِب مشتركان فِي عِقَاب تاركهما عمدا وَإِن اخْتلفَا فِي الْعلم فَإِن مُنكر الْفَرْض إِن لم يكن ماؤلا كَافِر بِخِلَاف مُنكر الْوَاجِب فَإِنَّهُ لَا يكفر جاحده وَلَا يُؤَدب لَهُ وَلأبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام " إِن الله زادكم صَلَاة إِلَّا وَهِي الْوتر فصلوها مَا بَين الْعشَاء إِلَى طُلُوع الْفجْر " أَمر وَهُوَ للْوُجُوب وَلِهَذَا وَجب الْقَضَاء بِالْإِجْمَاع - وَإِنَّمَا لَا يكفر جاحده لِأَن وُجُوبه ثَبت بِالسنةِ وَهُوَ الْمَعْنى بِمَا رُوِيَ عَنهُ سنة. وَثَمَرَة الِاخْتِلَاف تظهر فِيمَا إِذا صلى الْفجْر وَهُوَ ذَاكر أَنه لم يُوتر فسد عِنْده فجره وَعِنْدَهُمَا لَا يفْسد وَفِيمَا إِذا صلى الْعشَاء بِغَيْر الْوضُوء نَاسِيا وَالْوتر بِوضُوء ثمَّ صلى الْعشَاء بِوضُوء عِنْده لَا يُعِيد الْوتر وَعِنْدَهُمَا يُعِيد الْوتر. (بَاب الْوَاو مَعَ الْجِيم) الْوُجُود: قوي الْوُجُود. عَزِيز الْوُجُود. عَظِيم الشَّأْن. رفيع الْبَيَان. الْفَهم لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 يعرج معارجه. وَالْعقل لَا يصعد مدارجه. السُّكُوت فِي معرض بَيَانه أولى. الْعَجز فِي مضمار تبيانه أَحْرَى لَكِن لما لم يُنَاسب أَن تَخْلُو هَذِه الحديقة الْعليا من أَشجَار ذكره. وَهَذِه الرَّوْضَة الرعنا من أثمار فكره. أَقُول معتصما بِاللَّه أَن الحكم على الشَّيْء مَسْبُوق عَن مَعْرفَته فَلَا بُد من معرفَة الْوُجُود أَولا. فَاعْلَم أَن فِي تَعْرِيفه ثَلَاثَة مَذَاهِب: الأول: أَنه بديهي التَّصَوُّر فَلَا يجوز أَن يعرف إِلَّا تعريفا لفظيا. وَالثَّانِي: أَنه كسبي يُمكن أَن يعرف. وَالثَّالِث: أَنه كسبي لَا يتَصَوَّر أصلا وَمن ادّعى أَنه بديهي التَّصَوُّر فدعواه إِمَّا بديهي جلي فَلَا احْتِيَاج إِلَى الْإِثْبَات بِالدَّلِيلِ أَو التَّنْبِيه أصلا أَو خَفِي فَلَا بُد من التَّنْبِيه أَو كسبي فَلَا بُد من الدَّلِيل بِأَن الْوُجُود الْمُطلق جُزْء وجودي لِأَن الْمُطلق جُزْء للمقيد بِالضَّرُورَةِ وَالْعلم بِوُجُود الْمُقَيد بديهي لِأَن من لَا يقدر على الْكسْب حَتَّى البله وَالصبيان يعلم وجوده فَيكون الْوُجُود الْمُطلق بديهيا لِأَن مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ البديهي بديهي وَفِيه نظر مَشْهُور بِأَنا لَا نسلم أَن الْعلم لوُجُود الْمُقَيد بالكنه بديهي - وَإِن سلمنَا فَلَا نسلم أَن الْمُطلق جُزْء مِنْهُ إِذْ تصَوره جُزْء من تصَوره لِأَن الْوُجُود الْمُطلق يَقع على الموجودات وُقُوع الْعَارِض على المعروض وَلَيْسَ الْعَارِض جُزْء للمعروض وَمن يَقُول إِنَّه كسبي يُمكن تَعْرِيفه يسْتَدلّ بِوَجْهَيْنِ: الأول: أَنه إِمَّا نفس الْمَاهِيّة كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ فَلَا يكون بديهيا كالماهيات فَإِنَّهُ لَيْسَ كنه شَيْء مِنْهَا بديهيا عِنْده إِنَّمَا البديهي بعض وجوهها. وَإِمَّا زَائِد على الماهيات كَمَا هُوَ مَذْهَب غير الْأَشْعَرِيّ فَيكون حِينَئِذٍ من عوارض الماهيات فيعقل الْوُجُود تبعا لَهَا لِأَن الْعَارِض لَا يسْتَقلّ بالمفهومية لَكِن الماهيات لَيست بديهية فَلَا يكون الْوُجُود بديهيا أَيْضا لِأَن التَّابِع للكسبي أولى بِأَن يكون كسبيا. وَالْجَوَاب لَا نسلم أَنه إِذا كَانَ عارضا للماهية يعقل تبعا لَهَا إِذْ قد يتَصَوَّر مَفْهُوم الْعَارِض بِدُونِ مُلَاحظَة معروضة كَذَا فِي شرح المواقف. أَقُول إِن قَوْله لِأَن التَّابِع للكسبي أولى بِأَن يكون كسبيا أَيْضا مَمْنُوع كَيفَ فَإِن الكسبي مَا يكون حُصُوله مَوْقُوفا على النّظر وَالْكَسْب لَا مَا يكون تَابعا للكسبي لجَوَاز أَن يكون بديهيا فِي نَفسه عارضا للكسبي وَمن يَقُول إِنَّه كسبي لَا يتَصَوَّر أصلا بل هُوَ مُمْتَنع التَّصَوُّر اسْتدلَّ بِأَن التَّصَوُّر حُصُول الْمَاهِيّة فِي النَّفس أَي الْمَاهِيّة الْحَاصِلَة فِيهَا فَيحصل مَاهِيَّة الْوُجُود فِيهَا على تَقْدِير كَونه متصورا وللنفس وجود آخر وَإِلَّا امْتنع أَن يتَصَوَّر شَيْئا فيجتمع فِي النَّفس مثلان أَي وجودهَا وَوُجُود المتصور فِيهَا واجتماع المثلين فِي مَحل وَاحِد محَال لِأَن المثلين متحدان فِي الْمَاهِيّة فَلَو اجْتمعَا فِي مَحل وَاحِد لاتحدا بِحَسب الْعَوَارِض الْحَاصِلَة بِسَبَب حلولهما فِي الْمحل أَيْضا وَهُوَ محَال لَا محَالة وَفِيه مَا فِيهِ كَمَا لَا يخفى. وَالْجَوَاب إِن مَا ذكرْتُمْ من أَن التَّصَوُّر حُصُول الْمَاهِيّة فِي النَّفس قَول بالوجود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 الذهْنِي والمتكلمون ينكرونه - وَإِن سلم الْوُجُود الذهْنِي بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور فَلَا نسلم ذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ لِأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ فِي الْأُمُور الْخَارِجَة عَن النَّفس وَأما فِي الْأُمُور الْقَائِمَة بهَا فَيَكْفِي فِي تصورها حُصُول أَنْفسهَا والوجود من جُمْلَتهَا وَهَذَا بِنَاء على مَا قَالُوا من أَن الْعلم بالأمور الْخَارِجَة عَن النَّفس علم حصولي انطباعي وَالْعلم بِالنَّفسِ والأمور الْقَائِمَة بهَا علم حضوري يَكْفِي فِيهَا حُضُورهَا بِنَفسِهَا عِنْد النَّفس بِمَعْنى أَنه لَا يحْتَاج إِلَى حُصُول صُورَة منتزعة مِنْهَا لَا بِمَعْنى أَن مُجَرّد قِيَامهَا بِالنَّفسِ كَاف فِي الْعلم حَتَّى يرد أَنه لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ جَمِيع الصِّفَات الْقَائِمَة بِالنَّفسِ والأمور الذاتية والعارضة لَهَا مَعْلُومَة لنا والوجدان يكذبهُ وَإِن سلم أَن الْعلم بالوجود حصولي فَلَا نسلم مماثلة الصُّورَة الْكُلية الَّتِي هِيَ مَاهِيَّة الْوُجُود للوجود الجزئي الثَّابِت للنَّفس وَلَو سلم الْمُمَاثلَة بَينهمَا فَأَقُول الْمُمْتَنع أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا حَالا فِي مَحل وَاحِد حُلُول الْأَعْرَاض لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يلْزم اتِّحَاد المثلين ضَرُورَة اتِّفَاقهمَا فِي الْمَاهِيّة والتشخص الْحَاصِل بِسَبَب الْحُلُول فِي الْمحل - والوجود الْقَائِم بِالنَّفسِ لَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ أَمر انتزاعي مَحْض تتصف بِهِ الْأَشْيَاء فِي الذِّهْن وَلَيْسَ أمرا زَائِدا على الْمَاهِيّة فِي الْخَارِج وَمن قَالَ إِن الْوُجُود كسبي يُمكن تَعْرِيفه عرفه بعبارات يلْزم من كل وَاحِد مِنْهَا تَعْرِيف الشَّيْء بالأخفى بل الدّور أَيْضا. الْعبارَة الأولى الْوُجُود ثُبُوت الْعين. وَالثَّانيَِة مَا بِهِ يَنْقَسِم الشَّيْء إِلَى فَاعل ومنفعل وَإِلَى حَادث وقديم. وَالثَّالِثَة مَا يَصح بِهِ أَن يعلم الشَّيْء ويخبر عَنهُ - وَوجه الخفاء والدوران الْجُمْهُور يعْرفُونَ معنى الْوُجُود وَلَا يعْرفُونَ شَيْئا مِمَّا ذكر فِي هَذِه الْعبارَات. وَأَيْضًا الثُّبُوت يرادف الْوُجُود فَلَا يَصح تَعْرِيفه بِهِ تعريفا حَقِيقِيًّا بل تَعْرِيفه بِهِ لَفْظِي وَهُوَ لَا يُنَافِي البداهة وَالْفَاعِل مَوْجُود لَهُ أثر فِي الْغَيْر والمنفعل مَوْجُود فِيهِ أثر من الْغَيْر. وَالْقَدِيم مَوْجُود لَا أول لَهُ والحادث وَأَن يُطلق على المتجدد مُطلقًا فَيشْمَل الْمَعْدُوم الَّذِي لَهُ أول أَيْضا لَكِن الْحَادِث فِي تَعْرِيف الْوُجُود مَوْجُود لَهُ أول. فَلَا يَصح أَخذ شَيْء مِنْهَا فِي تَعْرِيف الْوُجُود وَصِحَّة الْعلم والإخبار إِمْكَان وجودهما - فَإِن مَعْنَاهَا إِمْكَان الْعلم والإخبار. والإمكان لَا يتَعَلَّق بِشَيْء إِلَّا بِاعْتِبَار وجوده فِي نَفسه أَو وجوده لغيره فَيكون مَعْنَاهَا إِمْكَان وجودهما فالتعريف بِهَذِهِ الصِّحَّة أَيْضا دوري. ثمَّ اعْلَم أَن فِي الْوُجُود ثَلَاثَة مَذَاهِب أَيْضا. الأول: أَنه مُشْتَرك معنى بَين الْجَمِيع، وَالثَّانِي: أَنه لَيْسَ بمشترك أصلا، وَالثَّالِث: أَنه مُشْتَرك لفظا بَين الْوَاجِب والممكن لكنه مُشْتَرك معنى بَين الممكنات. والدلائل فِي المطولات وَأَيْضًا فِيهِ أَرْبَعَة مَذَاهِب: الأول: أَنه نفس الْمَاهِيّة فِي الْكل وَهُوَ مَذْهَب الشَّيْخ الْأَشْعَرِيّ والصوفية، وَالثَّانِي: أَنه زَائِد عَلَيْهَا فِي الْكل وَهُوَ مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين، وَالثَّالِث: أَنه نَفسهَا فِي الْوَاجِب تَعَالَى وزائد فِي الْمُمكن وَهُوَ مَذْهَب الْحُكَمَاء الْمَشَّائِينَ، وَالرَّابِع: أَنه نفس الْوَاجِب تَعَالَى مَعَ المباينة الْمَخْصُوصَة وَهُوَ مَذْهَب الْحُكَمَاء الإشراقيين. وَلَيْسَ مُرَادهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 بالوجود الْمَعْنى المصدري الْمعبر عَنهُ بالكون والحصول فَإِنَّهُ عرض عَام فِي جَمِيع الموجودات وَمن المفهومات الاعتبارية الَّتِي لَا تحقق لَهَا إِلَّا فِي الذِّهْن. فَمَا قيل إِن من ذهب إِلَى أَنه زَائِد على الْمَاهِيّة أَرَادَ بِهِ الْكَوْن. وَمن ذهب إِلَى أَنه نفس الْمَاهِيّة أَرَادَ بِهِ الذَّات لَيْسَ بِشَيْء لِأَن النزاع حِينَئِذٍ لَفْظِي وَلَيْسَ كَذَلِك - فَإِن مَحل النزاع هُوَ أَن الْوُجُود بِمَعْنى مصدر الْآثَار المختصة إِمَّا عين الذَّات فِي الْكل - أَو زَائِد على الذَّات فِي الْكل - أَو عين الذَّات فِي الْوَاجِب وزائد فِي الْمُمكن فالنزاع معنوي وَالتَّفْصِيل فِي المطولات. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الطَّائِفَة الْعلية الصُّوفِيَّة الصافية قدس الله تَعَالَى أسرارهم أَن الْوُجُود عين الْوَاجِب تَعَالَى. وتفصيل هَذَا الْإِجْمَال أَنهم قَالُوا إِن كل مَا فِي الْخَارِج وَله آثَار مُخْتَصَّة تترتب عَلَيْهِ إِمَّا مُحْتَاج فِي ترَتّب تِلْكَ الْآثَار إِلَى ضميمة مَا لم يَنْضَم بهَا لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ تِلْكَ الْآثَار أَو لَيْسَ بمحتاج إِلَى ضميمة فِي ذَلِك التَّرْتِيب بل يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْآثَار بِلَا اشْتِرَاط انضمام أَمر مغائر لَهُ. وَالْأول: يعبر عِنْدهم بالممكن. وَالثَّانِي: بِالْوَاجِبِ تَعَالَى وَتلك الضميمة بالوجود. وذهبوا بالكشف وَالشُّهُود إِلَى أَن الْوَاجِب تَعَالَى هُوَ عين تِلْكَ الضميمة الَّتِي هِيَ الْوُجُود وَهُوَ مُحِيط بِذَاتِهِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاء وَهُوَ الساري فِي الْجَمِيع. وَإِلَى أَن للممكن عِنْد اقترانه بِتِلْكَ الضميمة وجود بِمَعْنى الْكَوْن والحصول وللواجب بِدُونِ ذَلِك الاقتران. فالوجود بِمَعْنى الْكَوْن والحصول عرض عَام لجَمِيع الموجودات وَمن المفهومات الاعتبارية والمعقولات الثانوية الَّتِي لَا يحاذى بهَا أَمر فِي الْخَارِج وَيحمل على الْوَاجِب والممكن بالاشتقاق بِأَن تشتق لفظ الْمَوْجُود من الْوُجُود بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور وَيحمل على الْكل. وَأما الْوُجُود الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ عين الْوَاجِب يحمل عَلَيْهِ تَعَالَى بالمواطأة من غير احْتِيَاج إِلَى اشتقاق مِنْهُ وَلَا بَأْس باشتقاق لفظ الْمَوْجُود من الْوُجُود الْحَقِيقِيّ وَحمله على الْوَاجِب لِأَن مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ ذُو الْوُجُود أَعم من أَن يكون لَهُ وجود من نَفسه أَو من غَيره كَمَا أَن الْمَعْنى يحمل وَيُطلق على الضَّوْء بِمَعْنى أَن لَهُ ضوءا من نَفسه لَا من غَيره. فَإِن قيل قد علم من هَذَا الْبَيَان أَن الْوَاجِب مَوْصُوف بالوجود بِمَعْنى الْكَوْن والحصول فَهُوَ أَيْضا مُحْتَاج فِي ترَتّب الْآثَار المختصة إِلَى انضمام ضميمة هِيَ الْوُجُود قُلْنَا ترَتّب الْآثَار المختصة على الْوَاجِب لَيْسَ بِوَاسِطَة عرُوض الْوُجُود الَّذِي بِمَعْنى الْكَوْن والحصول لَهُ تَعَالَى بل ترَتّب الْآثَار عَلَيْهِ تَعَالَى لذاته. وَمن جملَة تِلْكَ الْآثَار اتصافه تَعَالَى بالوجود الْمَذْكُور الَّذِي هُوَ عرض عَام فَإِن ثُبُوته فرع وجود الْمُثبت لَهُ. وَكَذَا الْحَال فِي الممكنات إِلَّا أَن عرُوض الْوُجُود الْعَام لَهَا لَا بذواتها بل بِوَاسِطَة موجوديتها بالوجود الْحق تَعَالَى. والنزاع بَين من قَالَ إِن الْوُجُود عين الْوَاجِب وَمن قَالَ إِنَّه غَيره تَعَالَى زَائِد عَلَيْهِ معنوي بِأَن الْأَمر الَّذِي بانضمامه واقترانه بالماهيات تترتب عَلَيْهَا الْآثَار وَالْأَحْكَام ويعبر عَنهُ بالوجود هَل هُوَ ذَات الْوَاجِب بِعَينهَا أَو أَمر عرضي لَا لَفْظِي كَمَا وهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي الْحَوَاشِي على الشَّرْح الْقَدِيم للتجريد: وَهَا هُنَا مقَالَة أُخْرَى قد أَشَرنَا فِيمَا سبق من أَنَّهَا لَا يُدْرِكهَا إِلَّا أولو الْأَبْصَار والألباب الَّذين خصوا بحكمة بَالِغَة وَفصل الْخطاب فلنفصلها هَا هُنَا بِقدر مَا يَفِي بِهِ قُوَّة التَّحْرِير وتحيط بِهِ دَائِرَة التَّقْرِير. فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. وَهُوَ نعم الرفيق. كل مَفْهُوم مغائر للوجود كالإنسان مثلا فَإِنَّهُ مَا لم يَنْضَم إِلَيْهِ الْوُجُود بِوَجْه من الْوُجُوه فِي نفس الْأَمر لم يكن مَوْجُودا فِيهَا قطعا وَمَا لم يُلَاحظ الْعقل انضمام الْوُجُود إِلَيْهِ لم يُمكن لَهُ الحكم بِكَوْنِهِ مَوْجُودا فَكل مَفْهُوم مغائر للوجود فَهُوَ مُمكن وَلَا شَيْء من الْمُمكن بِوَاجِب فَلَا شَيْء من المفهومات المغائرة للوجود بِوَاجِب وَقد ثَبت بالبرهان أَن الْوَاجِب مَوْجُود فَهُوَ لَا يكون إِلَّا عين الْوُجُود الَّذِي هُوَ مَوْجُود بِذَاتِهِ لَا بِأَمْر مغائر لذاته. وَلما وَجب أَن يكون الْوَاجِب جزئيا حَقِيقِيًّا قَائِما بِذَاتِهِ وَيكون تعينه لذاته لَا بِأَمْر مغائر لذاته وَجب أَن يكون الْوُجُود أَيْضا كَذَلِك إِذْ هُوَ عينه فَلَا يكون الْوُجُود مفهوما كليا يُمكن أَن يكون لَهُ أَفْرَاد بل هُوَ فِي حد ذَاته جزئي حَقِيقِيّ لَيْسَ فِيهِ إِمْكَان تعدد وَلَا انقسام قَائِم بِذَاتِهِ منزه عَن كَونه عارضا لغيره فَيكون الْوَاجِب هُوَ الْوُجُود الْمُطلق أَي المعرى عَن التَّقْيِيد لغيره والانضمام إِلَيْهِ. وعَلى هَذَا لَا يتَصَوَّر عرُوض الْوُجُود للماهيات الممكنة فَلَيْسَ معنى كَونهَا مَوْجُودَة إِلَّا أَن لَهَا نِسْبَة مَخْصُوصَة إِلَى حَضْرَة الْوُجُود الْقَائِم بِذَاتِهِ. وَتلك النِّسْبَة على وُجُوه مُخْتَلفَة وأنحاء شَتَّى يتَعَذَّر الِاطِّلَاع على ماهياتها. فالموجود كلي وَإِن كَانَ الْوُجُود جزئيا حَقِيقِيًّا. هَذَا ملخص مَا ذكره بعض الْمُحَقِّقين من مَشَايِخنَا وَقَالَ وَلَا يُعلمهُ إِلَّا الراسخون فِي الْعلم انْتهى. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا طور وَرَاء طور الْعقل لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بالمشاهدات الكشفية دون المناظرات الْعَقْلِيَّة. وَاعْلَم أَن الْوُجُود الَّذِي هُوَ عين الْوَاجِب لَيْسَ بكلي لِأَن الكليات لَيْسَ بموجودة فِي الْخَارِج إِلَّا فِي ضمن الْأَفْرَاد فَلَو كَانَ كليا يلْزم أَن لَا يكون الْوَاجِب مَوْجُودا إِلَّا فِي ضمن الْأَفْرَاد وَهُوَ سفسطة وَأَيْضًا يصدق الْكُلِّي على أَفْرَاده فَيلْزم أَن يصدق الْوَاجِب على المتعدد فَيلْزم تعدد الْوَاجِب لذاته وَهُوَ يُنَافِي التَّوْحِيد بل هُوَ كفر صَرِيح وإلحاد قَبِيح. بل هُوَ جزئي حَقِيقِيّ مُتَعَيّن بتعين هُوَ عينه كَمَا هُوَ مَذْهَب الْحُكَمَاء وَبَعض الْمُحَقِّقين من أهل النّظر وَأَصْحَاب الْكَشْف. وَمَا وَقع فِي كَلَام بعض الصُّوفِيَّة من أَنه لَا كلي وَلَا جزئي فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ متصفا بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا بالجزئية فِي الْخَارِج لِأَنَّهُ ارْتِفَاع النقيضين إِذْ لَيْسَ بَين معنى الجزئي والكلي وَاسِطَة. بل مَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ عين الْكُلية والجزئية وَأَنه لَيْسَ شَيْء مِنْهُمَا دَاخِلا فِيهِ بل الْجُزْئِيَّة زَائِدَة عَلَيْهِ وَهُوَ متصف بهَا فِي الْخَارِج. وَهَذَا كَمَا يُقَال لَا هُوَ فِي مرتبَة اللاتعين لَيْسَ عَالما وَلَا قَادِرًا وَلَا مرِيدا وَكَذَا جَمِيع الصِّفَات بل لَا اسْم وَلَا رسم هُنَاكَ. يَعْنِي اعْتبرنَا الذَّات البحت مُجَردا عَن جَمِيع الصِّفَات والأسماء ومطلقا عَن جَمِيع الْقُيُود والاعتبارات حَتَّى عَن قيد الْإِطْلَاق أَيْضا لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 أَن لَيْسَ لَهُ هَذِه الصِّفَات والأسماء فِي نفس الْأَمر بل مَعْنَاهُ أَنه وَإِن كَانَ لَهُ صِفَات وَأَسْمَاء فِي الْوَاقِع إِلَّا أَن الذَّات من حَيْثُ هِيَ هِيَ مَعَ قطع النّظر عَن الْقُيُود والاعتبارات حَتَّى عَن قيد الْإِطْلَاق أَيْضا مرتبَة اللاتعين وَالْإِطْلَاق. وَهَذَا هُوَ المُرَاد بقَوْلهمْ الْوَاجِب هُوَ الْوُجُود الْمُطلق أَي الْوُجُود البحت مُطلقًا عَن التَّقْيِيد بالقيود ومنزه عَن الْعرُوض وَالْحَال فِيهَا. لَا بِمَعْنى أَنه الْوُجُود الْكُلِّي الَّذِي لَا وجود لَهُ إِلَّا فِي ضمن الْأَفْرَاد كَمَا هُوَ مَذْهَب الْمَلَاحِدَة. فَالْحَاصِل أَن الْجُزْئِيَّة وَكَذَا جَمِيع الْقُيُود والاعتبارات لَيست عينه وَلَا دَاخِلَة فِيهِ بل هِيَ زَائِدَة عَلَيْهِ وَهُوَ متصف بهَا فِي نفس الْأَمر إِلَّا أَنه لَيْسَ تِلْكَ الصِّفَات والأسماء. فَإِن قلت الْوُجُود فِي مرتبَة الْإِطْلَاق لَا يحصل إِلَّا فِي الذِّهْن فَهُوَ مُقَيّد لَا محَالة وَلَا أقل من تَقْيِيده بالحصول فِي الذِّهْن فَكيف يكون الْوَاجِب هُوَ الْوُجُود الْمُطلق. وَقد اشْتهر بَين الصُّوفِيَّة أَن كل مَا يعقل وَيتَصَوَّر ويتخيل ويوهم فَالْوَاجِب منزه عَنهُ لِأَنَّهُ لَا اسْم وَلَا رسم هُنَاكَ والكلية والجزئية من أَقسَام الْمَفْهُوم وكل مَا لَا يفهم لَا يكون كليا وَلَا جزئيا لَا محَالة فَلَا يكون الْوَاجِب جزئيا قلت لَيْسَ المُرَاد بِالْمَفْهُومِ الْمَفْهُوم بالكنه بل أَعم من أَن يكون بالكنه أَو بِوَجْه مَا والوجود البحت مَفْهُوم بِوَجْه مَا إِجْمَالا كَيفَ لَا وهم يحكمون عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مرتبَة اللاتعين وَالْإِطْلَاق وَلَا يتَصَوَّر الحكم على الشَّيْء من غير تصَوره بِوَجْه مَا وَلَا معنى لتصور الشَّيْء إِلَّا أَن يحصل صُورَة مِنْهُ عِنْد الْعقل لِأَنَّهُ لَا يحصل عينه عِنْد الْعقل. وَالْوَجْه الْمَذْكُور الَّذِي حصل عِنْد الْعقل صُورَة معنوية مَأْخُوذَة مِنْهُ لَا محَالة. وَهَذَا معنى كَونه مفهوما بِوَجْه مَا إِجْمَالا غَايَة الْأَمر أَنه لَيْسَ صُورَة مُطَابقَة لَهُ لِأَنَّهُ مُطلق وَهَذِه الصُّورَة مُقَيّدَة وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن لَا يكون مفهوما بِوَجْه مَا لِأَن الْعلم هُوَ الصُّورَة الْحَاصِلَة من الشَّيْء عِنْد الْعقل سَوَاء كَانَت مُطَابقَة لَهُ أَو لَا وَلِهَذَا رجح هَذَا التَّعْرِيف على حُصُول صُورَة الشَّيْء فِي الْعقل لِأَن الْمُتَبَادر من صُورَة الشَّيْء الصُّورَة الْمُطَابقَة لَهُ - وَمَا قَالُوا إِن كل مَا يعقل فالوجود البحت مُطلق ومنزه عَنهُ فَمَعْنَاه أَن كل مَا يعقل لَيْسَ عينه وَلَا صُورَة مُطَابقَة لَهُ لِأَنَّهُ مُطلق وَهَذِه الصُّورَة مُقَيّدَة وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ بِمَفْهُوم بِوَجْه مَا أصلا - لِأَن هَذِه الصُّورَة الْمقيدَة صَارَت آلَة ومرآة لملاحظة ذَلِك الْمُطلق إِلَّا أَنه لَيست مُطَابقَة لَهُ وَهَذَا معنى كَونه مفهوما بِوَجْه مَا. وَهَذَا كَمَا يُقَال معنى من غير مُسْتَقل لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي هَذَا الحكم مُتَصَوّر بِصُورَة مُسْتَقلَّة وَهُوَ مَدْلُول لفظ معنى من لِأَنَّهُ اسْم وَالِاسْم يدل على معنى مُسْتَقل إِلَّا أَن هَذِه الصُّورَة المستقلة آلَة ومرآة لملاحظة الصُّورَة الْغَيْر المستقلة الَّتِي هِيَ مدلولة كلمة من فَمَعْنَى من حَيْثُ إِنَّه مَدْلُول عَلَيْهِ بِلَفْظ الِاسْم وَهُوَ لفظ معنى من معنى مُسْتَقل يَصح أَن يَقع مَحْكُومًا عَلَيْهِ لِأَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ يجب أَن يكون معنى مُسْتقِلّا. وَمن حَيْثُ إِن هَذِه الصُّورَة المستقلة آلَة ومرآة لملاحظة وَهُوَ الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِكَلِمَة من غير مُسْتَقل يَصح أَن يحكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غير مُسْتَقلَّة فَلهُ حيثيتان بحيثية الِاسْتِقْلَال صَار مَوْضُوعا وبحيثية عدم الِاسْتِقْلَال ثَبت لَهُ الْمَحْمُول وَهُوَ عدم الِاسْتِقْلَال. وَهَذِه الصُّورَة المستقلة آلَة ومرآة لملاحظة تِلْكَ الصُّورَة الْغَيْر الْمُتَّصِلَة وَغير مُطَابقَة لَهَا فَلَا يلْزم التَّنَاقُض. وَهَذَا التَّحْقِيق مثل مَا مر فِي الْمَجْهُول الْمُطلق والموجبة. وَإِذا ثَبت أَن الْوُجُود الْمُطلق مَفْهُوم بِوَجْه مَا فَهُوَ إِمَّا يمْنَع نفس تصَوره بِوَجْه مَا إِجْمَالا الشّركَة بَين كثيرين أَو لَا وَلَا وَاسِطَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات فَهُوَ إِمَّا كلي أَو جزئي وَلَا يكون كليا وجزئيا مَعًا لِأَنَّهُ جمع بَين النقيضين. وَلما كَانَ كليته محالا لما مر ثَبت أَنه جزئي حَقِيقِيّ. فَظهر أَن الْوُجُود البحت الَّذِي صَارَت الصُّورَة الْمقيدَة آلَة ومرآة لَهُ عين وَاجِب الْوُجُود ومتعين بتعين هُوَ عينه وَأَن وجود جَمِيع الممكنات أَعنِي مَا بِهِ تحققها هُوَ ذَلِك الْوُجُود الْمُطلق الْمَوْجُود فِي الْخَارِج الْمُتَعَيّن بتعين هُوَ عينه. وَهَذَا معنى وحدة الْوُجُود عِنْد الْمُحَقِّقين يَعْنِي أَن الْوُجُود الْمَوْجُود فِي الْخَارِج وَاحِد بالشخص قَائِم بِذَاتِهِ غير عَارض لشَيْء من الممكنات وَلَا حَالا فِيهِ وَلَا محلا لَهُ. وعَلى هَذَا لَا معنى لوُجُود الْمُمكن إِلَّا أَن لَهُ تعلقا وَنسبَة خَاصَّة مَجْهُولَة الكنه بذلك الْوُجُود الْقَائِم بِذَاتِهِ عَنْهَا ويعبر عَنْهَا بِنِسْبَة القيومية والمعية والمبدئية وإشراق نور الْوُجُود وَلَيْسَت نِسْبَة الْحُلُول وَالْعرُوض والاتصال والاتحاد بل هِيَ أم النّسَب لَيْسَ لَهَا مِثَال مُطَابق فِي الْخَارِج وَإِنَّمَا يمثل بِمَا يمثل من بعض الْوُجُوه تَقْرِيبًا إِلَى فهم الْمُبْتَدِئ وَهُوَ من وَجه تقريب وَمن وَجه تبعيد. وَتلك النِّسْبَة على أنحاء شَتَّى بِحَسب قابلية الممكنات يتَعَذَّر الِاطِّلَاع على هيئاتها. (درين مشْهد زكويائي مزن دم ... سخن را ختم كن وَالله اعْلَم) الْوُجُود لَهُ صُورَة وللعدم صُورَتَانِ: أَي للوجود صُورَة علمية وَاحِدَة يعرف بهَا فَلهُ معرف وَاحِد بِاعْتِبَار ذَاته - وللعدم صُورَتَانِ علميتان أَي معرفان. أَحدهمَا: بِاعْتِبَار ذَاته - وَثَانِيهمَا: بِاعْتِبَار أَنه عدم ملكة الْوُجُود وَهُوَ عدم الْوُجُود فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع فِي حَوَاشِي الزَّاهِد على الْأُمُور الْعَامَّة من شرح المواقف - وَفِي الْأَسْفَار أَن الْعَدَم مَفْهُوم وَاحِد لِأَنَّهُ فِي نَفسه لَيْسَ إِلَّا أمرا بسيطا مُتحد الْمَعْنى لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَاف وامتياز وَلَا تحصل إِلَّا من جِهَة مَا يُضَاف إِلَيْهِ إِلَى آخِره فَإِن كنت مشتاقا فَعَلَيْك السّفر إِلَى الْأَسْفَار وَأَنِّي صرت مُقيما فِي هَذَا الْمقَام وَالدَّار. الْوُجُود المحمولي: وجود الشَّيْء فِي نَفسه فَهُوَ مفَاد كَانَ التَّامَّة فَيكون الْوُجُود حِينَئِذٍ مَحْمُولا على ذَلِك الشَّيْء كَقَوْلِك الْإِنْسَان مَوْجُود. الْوُجُود الرابطي: وجود الشَّيْء وثبوته للْغَيْر فَهُوَ مفَاد كَانَ النَّاقِصَة فَيكون ذَلِك الشَّيْء مَحْمُولا على ذَلِك الْغَيْر وَيجْعَل الْوُجُود رابطة لحمله على ذَلِك الْغَيْر. فالوجود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 الَّذِي للْقِيَام فِي نَفسه وجود محمولي ووجوده وثبوته لزيد فِي زيد قَائِم وجود رابطي فللقيام فِي زيد قَائِم وجودان. وجود فِي نَفسه وَوُجُود لغيره. الأول: محمولي - وَالثَّانِي: رابطي - وَفِي الْحَاشِيَة الفخرية أَن الْوُجُود الرابطي مصدر كَانَ النَّاقِصَة والوجود المحمولي مصدر كَانَ التَّامَّة وَقد مر زِيَادَة التَّحْقِيق وَالتَّفْصِيل فِي أُمَّهَات المطالب ثَلَاثَة. ثمَّ اعْلَم أَن إِطْلَاق الْوُجُود على وجود الشَّيْء فِي نَفسه حَقِيقَة وعَلى وجوده لغيره مجَاز. وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ الزَّاهِد بِأَن الْمَوْضُوع لَهُ أَي الَّذِي وضع لَهُ لفظ الْوُجُود لَيْسَ معنى مُشْتَركا بَينهمَا أَي بالاشتراك الْمَعْنَوِيّ لِأَن هَذَا الْمَعْنى كَانَ مُسْتقِلّا بالمفهومية فَهُوَ وجود الشَّيْء فِي نَفسه لَا الْأَعَمّ مِنْهُ وَمن الْوُجُود الرابطي وَإِن كَانَ غير مُسْتَقل بالمفهومية فَهُوَ الْوُجُود الرابطي لَا الْأَعَمّ مِنْهُ وَمن وجود الشَّيْء فِي نَفسه أَي الْوُجُود المحمولي وَلَا شكّ أَن إِطْلَاق الْوُجُود على وجود الشَّيْء فِي نَفسه على سَبِيل الْحَقِيقَة فَكَانَ إِطْلَاقه على الْوُجُود الرابطي على سَبِيل الْمجَاز لما تقرر فِي مَوْضِعه أَن اللَّفْظ الدائر بَين الِاشْتِرَاك وَالْمجَاز مَحْمُول على الْمجَاز انْتهى. قَوْله لِأَن هَذَا الْمَعْنى إِلَى آخِره. أَقُول لم لَا يجوز أَن يكون الْمَعْنى الْمُشْتَرك أَعم من المستقل بالمفهومية وَمن غَيره، قَوْله وَلَا شكّ أَن إِطْلَاق الْوُجُود إِلَى آخِره فِيهِ شكّ ظَاهر وَمنع باهر لِأَن للمانع أَن يَقُول لَا نسلم أَن إِطْلَاق الْوُجُود على وجود الشَّيْء فِي نَفسه على سَبِيل الْحَقِيقَة اللَّهُمَّ إِلَّا إِن يُقَال إِن المتبارد من الْوُجُود إِذا أطلق وجود الشَّيْء فِي نَفسه. والتبادر إِمَارَة الْحَقِيقَة كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه. وجود الشَّيْء على صفة: مَعْنَاهُ فِي قَوْلهم إِن بَاب الْأَفْعَال يَجِيء لوُجُود الشَّيْء على صفة أَن الْفَاعِل وجد الْمَفْعُول مَوْصُوفا بِصفة مُشْتَقَّة من أصل ذَلِك الْفِعْل وَتلك الصّفة فِي معنى الْفَاعِل إِن كَانَ أصل الْفِعْل لَازِما نَحْو أبخلته أَي وجدته بَخِيلًا وَفِي معنى الْمَفْعُول إِن كَانَ مُتَعَدِّيا نَحْو أحمدته أَي وجدته مَحْمُودًا. الْوُجُود الْكِتَابِيّ: اعْلَم أَن للشَّيْء فِي الْوُجُود أَربع وجودات. الأول: وجوده الْحَقِيقِيّ وَهُوَ حَقِيقَته الْمَوْجُودَة فِي نَفسهَا - وَالثَّانِي: وجوده الذهْنِي وَهُوَ وجوده الظلي المثالي الْمَوْجُود فِي الذِّهْن - وَالثَّالِث: وجوده اللَّفْظِيّ وَهُوَ وجود لَفظه الدَّال على الْوُجُود الْخَارِجِي والمثال الذهْنِي - وَالرَّابِع: وجوده الْكِتَابِيّ وَهُوَ وجود النقوش الدَّالَّة على اللَّفْظ الدَّال على الشَّيْء - والوجودان الْأَوَّلَانِ لَا يَخْتَلِفَانِ باخْتلَاف الْأُمَم - والأخيران قد يَخْتَلِفَانِ باختلافهم كاختلاف اللُّغَة الْعَرَبيَّة والفارسية والخط الْعَرَبِيّ والفارسي والهندي. وبهذه الوجودات الْأَرْبَع صرح الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ فِي شرح العقائد بقوله إِن للشَّيْء وجودا فِي الْأَعْيَان. ووجودا فِي الأذهان. ووجودا فِي الْعبارَة. ووجودا فِي الْكِتَابَة. فالكتابة تدل على الْعبارَة وَهِي على مَا فِي الأذهان وَهُوَ على مَا فِي الاعيان انْتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 الوجودي: على مَعْنيين: أَحدهمَا: الْمَوْجُود - وَثَانِيهمَا: مَا لَا يكون السَّلب أَو الْعَدَم جُزْءا من مَفْهُومه سَوَاء كَانَ مَوْجُودا فِي الْخَارِج أَو لَا - فالوجود بِهَذَا الْمَعْنى أَعم مِنْهُ بِالْمَعْنَى الأول. الوجد: مَا يُصَادف الْقلب وَيرد عَلَيْهِ بِلَا تكلّف. وَقيل هُوَ برق يلمع ويخمد سَرِيعا. الْوُجُوب كَون الشَّيْء لَازِما وَغير جَائِز النقيض. وَبَينه وَبَين الْجَوَاز تقَابل الْعَدَم والملكة إِذا فسر الْجَوَاز بتساوي الطَّرفَيْنِ وَالْوُجُوب بِعَدَمِهِ فَحِينَئِذٍ بَينهمَا تبَاين كلي - وَأما إِذا فسر الْجَوَاز بِعَدَمِ الِامْتِنَاع فبينهما عُمُوم وخصوص مُطلقًا - لِأَن الْجَوَاز بِهَذَا الْمَعْنى أَعم مُطلقًا من الْوُجُوب وَهُوَ أخص وَقسم مِنْهُ فَافْهَم. وجوب الْأَدَاء: طلب تَفْرِيغ الذِّمَّة. الْوُجُوب الشَّرْعِيّ: مَا يكون فَاعله مثابا وتاركه مُسْتَحقّا للزجر وَالْعِقَاب. الْوُجُوب الْعقلِيّ: مَا لزم صدروه عَن الْفَاعِل بِحَيْثُ لَا يتَمَكَّن عَن التّرْك بِنَا على استلزامه محالا. الوجودية اللاضرورية: هِيَ الْمُطلقَة الْعَامَّة الْمقيدَة باللاضرورة الذاتية الَّتِي تُشِير إِلَى الممكنة الْعَامَّة مثل كل إِنْسَان ضَاحِك بِالْفِعْلِ لَا بِالضَّرُورَةِ. أَي لَا شَيْء من الْإِنْسَان بضاحك بالإمكان الْعَام. وَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بضاحك بِالْفِعْلِ لَا بِالضَّرُورَةِ أَي كل إِنْسَان ضَاحِك بالإمكان الْعَام. الوجودية اللادائمة: هِيَ الْمُطلقَة الْعَامَّة الْمقيدَة باللادوام الذاتي المشير إِلَى الْمُطلقَة الْعَامَّة مثل كل إِنْسَان ضَاحِك بِالْفِعْلِ لَا دَائِما أَي لَا شَيْء من الْإِنْسَان بضاحك بِالْفِعْلِ. الوجدانيات: فِي البديهي. (بَاب الْوَاو مَعَ الْحَاء الْمُهْملَة) الْوحدَة: وَكَذَا الْكَثْرَة بديهيتان بِمثل مَا قَالُوا فِي الْوُجُود فَإِن تصور الْوحدَة جُزْء من تصور وَحْدَتي المتصورة بِالضَّرُورَةِ. وَأَيْضًا يعلم كل وَاحِد أَنه وَاحِد بِلَا كسب مِنْهُ. وَقس عَلَيْهَا الْكَثْرَة وَلَكنهُمْ عرفوها توضيحا بِأَنَّهَا كَون الشَّيْء بِحَيْثُ لَا يَنْقَسِم من حَيْثُ إِنَّه وَاحِد وَالْكَثْرَة بِأَنَّهَا كَون الشَّيْء بِحَيْثُ يَنْقَسِم من حَيْثُ إِنَّه كثير. ثمَّ إِن الْوحدَة فِي الْوَصْف العرضي والذاتي تتغاير أسماؤها بتغاير الْمُضَاف إِلَيْهِ - فَإِن الْوحدَة فِي النَّوْع تسمى مماثلة وَفِي الْجِنْس مجانسة وَفِي الكيف مُسَاوَاة - وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 الْوَضع موازاة - وَفِي الْإِضَافَة مُنَاسبَة - وَفِي الْأَطْرَاف مُطَابقَة - وَعَلَيْك أَن تعلم أَن الْوحدَة وَكَذَا الْكَثْرَة من الْأُمُور المتكررة الْأَنْوَاع كَمَا مر فِي متكرر النَّوْع. وحدة الْوُجُود: فِي الْوُجُود. الوحدانية: كَون الشَّيْء بِحَيْثُ لَا ثَانِي لَهُ فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته. (بَاب الْوَاو مَعَ الدَّال الْمُهْملَة) الْوَدِيعَة: فِي اللُّغَة فعيلة بِمَعْنى الْمَفْعُول من الودع وَهُوَ التّرْك. وَمِنْه التوديع عِنْد السّفر وَالِاسْم الْوَدَاع بِالْفَتْح - وَللَّه در الشَّاعِر. (بكذار تا بكريم جون ابر نو بهاران ... كز سنكك كريه خيزد وَقت وداع ياران) وَمن المصائب الْعَظِيمَة فِي الدُّنْيَا مهاجرة الأحباب ووداع الْأَطْفَال وخلص الْأَصْحَاب. يَا جَامع المتفرقين احفظني وَسَائِر ذَوي الْحَيَاة من هَذَا الْبلَاء - نعم مَا قَالَ الصائب. (جدائي مُشكل است ازدشمن جَان سوز اكرباشد ... ) (سبند جون دور از اتش شود ازوى صدا خيزد ... ) والوديعة فِي الشَّرِيعَة أَمَانَة دفعت إِلَى الْغَيْر للْحِفْظ - وَالْأَمَانَة جنس يعم الْوَدِيعَة وَغَيرهَا لاعْتِبَار الاستحفاظ فِي الْوَدِيعَة دون الْأَمَانَة. فَلَو ألْقى الرّيح ثوب وَاحِد فِي حجر آخر فَهُوَ أَمَانَة دون وَدِيعَة - وَقَوْلهمْ دفعت إِلَى الْغَيْر للْحِفْظ احْتِرَازًا عَن مثل ذَلِك. فالوديعة أخص من الْأَمَانَة فَكل وَدِيعَة أَمَانَة دون الْعَكْس كَيفَ فَإِن الْوَدِيعَة تسليط الْغَيْر على حفظ مَاله. وَالْأَمَانَة حفظ المَال بِلَا تصرف فِيهِ سَوَاء كَانَ مَاله أَو مَال غَيره سَوَاء سلطه عَلَيْهِ أَو لَا. (بَاب الْوَاو مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة) الوذي: بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة أَو الْمُهْملَة المَاء الغليظ الَّذِي يخرج بعد الْبَوْل وَهُوَ نَاقض الْوضُوء وَلَا يُوجب الْغسْل - فَإِن قيل لما كَانَ الوذي المَاء الغليظ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 الْخَارِج بعد الْبَوْل فَكيف يكون ناقضا للْوُضُوء فَإِنَّهُ قد نقض الْوضُوء بالبول فَلَيْسَ بعد الْبَوْل وضوء قَائِم حَتَّى ينْقضه الوذي - قلت إِن الْبَوْل قد لَا يكون ناقضا كَمَا إِذا تسلس فَحِينَئِذٍ يكون الوذي ناقضا - وَهَذَا الْجَواب فِي غَايَة الصَّوَاب مِمَّا قيل إِن الْمَقْصُود أَنه لَيْسَ من مُوجبَات الْغسْل فَافْهَم. (بَاب الْوَاو مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) الورم: فِي النمو. الْوَرع: اجْتِنَاب المشتبهات خوفًا من الْوُقُوع فِي الْمُحرمَات. وَأَيْضًا مُلَازمَة الْأَعْمَال الحميدة وَترك الْأَفْعَال السَّيئَة - وَفِي حَوَاشِي الْهِدَايَة الْوَرع الْعِفَّة - وَقيل التحامي عَن الْمُحرمَات وَعَما فِيهِ شُبْهَة الْحُرْمَة وَالتَّقوى التحامي عَن الْمُحرمَات فَقَط والتحامي الِاحْتِرَاز. الورس: بالهندي تن - وَقيل نبت طيب الرَّائِحَة. (بَاب الْوَاو مَعَ الزَّاي الْمُعْجَمَة) وزن سَبْعَة: فِي كنز الدقائق وَالْمُعْتَبر فِي الدَّرَاهِم وزن سَبْعَة. وَهُوَ أَن يكون كل عشرَة مِنْهَا وزن سَبْعَة مَثَاقِيل. وَأَصله أَن الدَّرَاهِم فِي الِابْتِدَاء كَانَت على ثَلَاثَة أَصْنَاف. صنف مِنْهَا كل عشرَة مِنْهُ عشرَة مَثَاقِيل. وصنف مِنْهَا كل عشرَة مِنْهُ سِتَّة مَثَاقِيل كل دِرْهَم نصف مِثْقَال وَعشر مِثْقَال أَو ثَلَاثَة أَخْمَاس مِثْقَال. وصنف مِنْهَا كل عشرَة خَمْسَة مَثَاقِيل كل دِرْهَم نصف مِثْقَال وَكَانَ النَّاس يتصرفون فِيهَا إِلَى أَن اسْتخْلف عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأَرَادَ أَن يَسْتَوْفِي الْخراج فطالبهم بِالْأَكْثَرِ والتمسوا مِنْهُ التَّخْفِيف فَجمع حِسَاب زَمَانه ليتوسطوا بَين أَمر عمر وَمَا رامته الرّعية فَاسْتَخْرَجُوا لَهُ وزن السَّبْعَة بِأَن جمعُوا من كل صنف عشر دَرَاهِم فَصَارَ الْكل إِحْدَى وَعشْرين مِثْقَالا. ثمَّ أخذُوا ثلث ذَلِك وَكَانَ سَبْعَة مَثَاقِيل. وزن الْفِعْل: الَّذِي هُوَ من أَسبَاب منع الصّرْف عِنْد النُّحَاة كَون الِاسْم على وزن يعد من أوزان الْفِعْل سَوَاء كَانَ لَهُ اخْتِصَاص بِالْفِعْلِ أَو لَا. لَكِن هَذَا الْوَزْن إِنَّمَا يُؤثر فِي منع الصّرْف بِشَرْط اخْتِصَاصه بِالْفِعْلِ بِأَن لَا يُوجد فِي الِاسْم إِلَّا مَنْقُولًا من الْفِعْل وَإِذا لم يكن مُخْتَصًّا بِهِ فشرطه فِي ذَلِك التَّأْثِير أَن يكون فِي أَوله زِيَادَة كزيادة الْحَرْف فِي أول الْفِعْل غير قَابل لتاء التَّأْنِيث بِحَسب الْوَضع قِيَاسا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 (بَاب الْوَاو مَعَ السِّين الْمُهْملَة) الْوسط: بِسُكُون الثَّانِي عَام من أَن يكون حَقِيقِيًّا أَو لَا. بِخِلَاف الْوسط بِالتَّحْرِيكِ فَإِنَّهُ لَا يُطلق إِلَّا على الْوسط الْحَقِيقِيّ. وَأَيْضًا الْفرق بَينهمَا أَن الأول ظرف وَالثَّانِي اسْم - وَقَالَ بعض الْفُضَلَاء الظرفاء الْوسط المتحرك سَاكن والساكن متحرك وَلَا يخفى لَا لطفه. وَالْوسط عِنْد أَرْبَاب الْمَعْقُول هُوَ الْحَد الْأَوْسَط الَّذِي هُوَ الْوَاسِطَة فِي التَّصْدِيق. الْوَسِيلَة: مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الْغَيْر وَحصل الْوُصُول إِلَيْهِ. الوسق: سِتُّونَ صَاعا والصاع أَرْبَعَة إمداد وَالْمدّ رَطْل وَثلث رَطْل. (بَاب الْوَاو مَعَ الصَّاد الْمُهْملَة) الْوَصْف: فِي اللُّغَة بَيَان سير الشَّيْء وخصائله - وَعند النُّحَاة كَون الِاسْم دَالا على ذَات مُبْهمَة مَأْخُوذَة مَعَ بعض صفاتها سَوَاء كَانَت هَذِه الدّلَالَة بِحَسب الْوَضع مثل أَحْمَر. أَو بِحَسب الِاسْتِعْمَال مثل أَربع فِي مَرَرْت بنسوة أَربع. وَقد يسْتَعْمل مرادفا للنعت الَّذِي من التوابع. وَمَا هُوَ عِنْد الصُّوفِيَّة مَذْكُور فِي النَّعْت. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد شرِيف الْعلمَاء قدس سره الْوَصْف عبارَة عَمَّا دلّ على الذَّات بِاعْتِبَار معنى هُوَ الْمَقْصُود من جَوْهَر حُرُوفه أَي يدل على الذَّات بِصفة كأحمر فَإِنَّهُ بجوهر حُرُوفه يدل على معنى مَقْصُود هُوَ الْحمرَة - وَالْوَصْف وَالصّفة مصدران كالوعد وَالْعدة - والمتكلمون فرقوا بَينهمَا فَقَالُوا الْوَصْف يقوم بالواصف وَالصّفة تقوم بالموصوف. الْوَصْف العنواني: اعْلَم أَن مَا يصدق عَلَيْهِ (ج) يُسمى ذَات الْمَوْضُوع وَمَا يعبر بِهِ عنوانه وَوَصفه وَهُوَ إِمَّا عين حَقِيقَتهَا مثل كل إِنْسَان حَيَوَان أَو جزءها مثل كل حَيَوَان متحرك. أَو خَارج عَنْهَا مثل كل كَاتب متحرك الْأَصَابِع. واتصاف ذَات الْمَوْضُوع بذلك الْوَصْف العنواني عقد الْوَضع واتصافها بِوَصْف الْمَحْمُول عقد الْحمل - ثمَّ أَبُو نصر الفارابي اعْتبر فِي عقد الْوَضع صدق عنوان الْمَوْضُوع على ذَاته بالإمكان فِي نفس الْأَمر. وَمرَاده بِهَذَا الْإِمْكَان أَن لَا يكون الْمَوْضُوع بِنَفس مَفْهُومه آبيا عَن الصدْق عَلَيْهِ وَإِن امْتنع ذَلِك بِالنّظرِ إِلَى كَون الْفَرد محالا فِي الْوَاقِع. فَالْمُعْتَبر عِنْده صدق عنوان الْمَوْضُوع عَلَيْهِ بِحَسب نفس الْأَمر بِالنّظرِ إِلَى نفس الْمَفْهُوم لَا فِي الْوَاقِع وَالْخَارِج وَالدَّلِيل فَيشْمَل نَحْو كل شريك الْبَارِي مُمْتَنع. فَإِن الْإِمْكَان بِهَذَا الْمَعْنى لَا يَقْتَضِي إِمْكَان وجود الْأَفْرَاد. والمتأخرون زَعَمُوا أَن الشَّيْخ الرئيس لما وجده مُخَالفا للْعُرْف واللغة فَإِن الْأسود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 إِذا أطلق لم يفهم مِنْهُ عرفا ولغة شَيْء لم يَتَّصِف بِالسَّوَادِ أزلا وأبدا وَإِن أمكن اتصافه بِهِ اعْتبر صدق عنوان الْمَوْضُوع على ذَاته بِالْفِعْلِ أَي فِي أحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة فِي الْوُجُود الْخَارِجِي أَو فِي الْفَرْض الذهْنِي بِمَعْنى أَن الْعقل يعْتَبر اتصافها بِأَن وجودهَا بِالْفِعْلِ فِي نفس الْأَمر يكون كَذَا سَوَاء وجد أَو لم يُوجد. والذات الخالية عَن السوَاد دَائِما كالرومي لَا يدْخل فِي كل أسود عِنْد الشَّيْخ. وَيدخل على رَأْي الفارابي. فَإِن قيل من القضايا مَا لَيْسَ لموضوعاتها أَفْرَاد لَا ذهنا وَلَا خَارِجا مثل كل شريك الْبَارِي مُمْتَنع إِذْ لَيْسَ لَهُ فَرد مُحَقّق فِي الذِّهْن وَالْخَارِج لِامْتِنَاع تعدد الْوَاجِب ذهنا وخارجا على مَا قَالُوا وَمثل اجْتِمَاع النقيضين محَال والمجهول الْمُطلق يمْتَنع الحكم عَلَيْهِ والمعدوم الْمُطلق يُقَابل الْمَوْجُود الْمُطلق أَيْضا كَذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ لموضوعاتها أَفْرَاد لَا ذهنا وَلَا خَارِجا لما ذكرنَا فِي الْمُوجبَة. فَلَا يُمكن صدق وصف هَذِه الموضوعات فِي هَذِه القضايا على أفرادها لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بالإمكان. فَإِن قلت لما كَانَ لَيْسَ لموضوعات هَذِه القضايا أَفْرَاد لَا ذهنا وَلَا خَارِجا فَكيف اعْترفت بِكَوْنِهَا قضايا فَإِنَّهُ لَا بُد للقضية من الحكم وللحكم من تصور الْمَوْضُوع وَإِلَّا لامتنع الحكم عَلَيْهِ فَيكون مَوْضُوعَات هَذِه القضايا متصورة الْبَتَّةَ فَتكون مَوْجُودَة فِي الذِّهْن. وَالْحَاصِل أَن مَوْضُوعَات هَذِه القضايا متصورة أَولا. فعلى الأول يكون لذوات الموضوعات وجود ذهني. - وعَلى الثَّانِي لَيْسَ مَا يتَرَاءَى أَنه قضايا قضايا - قيل تصور موضوعاتها إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار مفهوماتها أَعنِي شريك الْبَارِي مثلا واتصاف ذَوَات الموضوعات بمفهوماتها وصدقها عَلَيْهَا بالإمكان أَو بِالْفِعْلِ بِمُجَرَّد الْفَرْض وَالتَّقْدِير لَا فِي نفس الْأَمر. وَمن هَا هُنَا يعلم أَن الصَّوَاب تَعْمِيم الْوُجُود الذهْنِي بالمحقق والمقدر كتعميم الْوُجُود الْخَارِجِي - وَقَالَ بَعضهم إِن هَذِه القضايا غير مُعْتَبرَة فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة وخارجة عَمَّا نَحن فِيهِ فَلَا نبحث عَنْهَا - وَإِن أردْت الْحق فَالْوَاجِب عَلَيْك الرُّجُوع إِلَى مَا ذكرنَا فِي الْمُوجبَة. الْوَصَايَا: جمع الْوَصِيَّة وَهِي فِي اللُّغَة مصدر كالوصاية بِالْفَتْح أَو الْكسر تَقول وصات الشَّيْء بالشَّيْء إِذا أوصلته بِهِ ووصيت الأَرْض إِذا اتَّصل نبتها ذكره الْجَوْهَرِي. وَفِي الشَّرْع إِيجَاب شَيْء من مَال أَو مَنْفَعَة لله تَعَالَى أَو لغيره بعد الْمَوْت. وَلَا تصح الْوَصِيَّة للْوَارِث لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا وَصِيَّة للْوَارِث. وَلَا يجوز تَنْفِيذ الْوَصِيَّة إِلَّا فِي ثلث مَا بَقِي بعد أَدَاء الدّين لَا من ثلث الْكل لِأَن مَا يقدم من التَّجْهِيز والتكفين وَقَضَاء الدّين قد صَار مصروفا فِي ضروراته الَّتِي لَا بُد مِنْهَا. فالباقي هُوَ مَاله الَّذِي كَانَ لَهُ أَن يتَصَرَّف فِي ثلثه لِأَن حَاجَة الْمَيِّت دينية وحاجة الْوَرَثَة دينية ودنيوية. فَإِذا انقسم المَال على الْحَاجَات يكون نصيب الْمَيِّت الثُّلُث. وَفِي الْفَرَائِض الحسامية ثمَّ تنفذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 وَصَايَاهُ من ثلث مَا بَقِي بعد التَّكْفِين وَالدّين إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة أَكثر من الثُّلُث ثمَّ الصَّحِيح أَن الْوَصِيَّة من ثلث مَا بَقِي بعد التَّكْفِين وَالدّين مقدم على الْإِرْث سَوَاء كَانَت مُطلقَة أَو مُعينَة هَكَذَا ذكر شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ رَحمَه الله تَعَالَى. قَالَ شيخ الْإِسْلَام خواهرزاده إِن كَانَت مُعينَة كَانَت مُقَدّمَة عَلَيْهِ وَإِن كَانَت مُطلقَة كَانَ يُوصي بِثلث مَاله أَو ربعه كَانَت فِي معنى الْمِيرَاث لشيوعها فِي التَّرِكَة فَيكون الْمُوصى لَهُ شَرِيكا للْوَرَثَة لَا مقدما عَلَيْهِم. وَيدل على شيوع حَقه فِيهَا كحق الْوَارِث أَنه إِذا زَاد المَال بعد الْوَصِيَّة زَاد على الْحَقَّيْنِ. وَإِذا نقص نقص عَنْهُمَا حَتَّى إِذا كَانَ مَاله حَال الْوَصِيَّة ألفا مثلا ثمَّ صَار أَلفَيْنِ فَلهُ ثلث الْأَلفَيْنِ. وَإِن انعكس فَلهُ ثلث الْألف. الوصيف: الْمَوْصُوف والغلام وَالْجمع وصفاء وَالْجَارِيَة وصيفة وَجَمعهَا وصائف. (بَاب الْوَاو مَعَ الضَّاد الْمُعْجَمَة) الْوَضع: فِي اللُّغَة نهادن وَجعل اللَّفْظ بِإِزَاءِ الْمَعْنى أَيْضا والاتفاق. وَفِي اصْطِلَاح أَصْحَاب الْعَرَبيَّة تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء بِحَيْثُ مَتى أطلق أَو أحس الشَّيْء الأول فهم مِنْهُ الشَّيْء الثَّانِي. وَفِي الْوَضع أَربع احتمالات: الأول: أَن يكون كل من الْوَضع والموضوع لَهُ خَاصّا. وَالثَّانِي: أَن يكون كل مِنْهُمَا عَاما. وَالثَّالِث: أَن يكون الْموضع عَاما والموضوع لَهُ خَاصّا. وَالرَّابِع: عكس الثَّالِث وَلَا وجود لَهُ. بِخِلَاف الثَّلَاث الأول. وَقَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره على المطول - فَإِن قلت مَا معنى كَون الْوَضع عَاما والموضوع لَهُ خَاصّا قلت مَعْنَاهُ أَن الْوَاضِع تصور أمورا مَخْصُوصَة بِاعْتِبَار أَمر مُشْتَرك بَينهمَا وَعين اللَّفْظ بِإِزَاءِ تِلْكَ الخصوصيات دفْعَة وَاحِدَة أَي بِوَضْع وَاحِد لَا بأوضاع مُتعَدِّدَة كَمَا عين لَفْظَة أَنا لكل مُتَكَلم وَاحِد وَلَفْظَة نَحن لَهُ مَعَ غَيره. وَلَفْظَة هَذَا لكل مشار إِلَيْهِ مُفردا مذكرا إِلَى غير ذَلِك فَالْمُعْتَبر فِي الْوَضع مَفْهُوم عَام. وَهَذَا معنى كَونه عَاما والموضوع لَهُ خصوصيات أَفْرَاد ذَلِك الْمَفْهُوم الْعَام فإطلاق أَنا وَأَنت وَهَذَا على الجزئيات الْمَخْصُوصَة بطرِيق الْحَقِيقَة وَلَا يجوز إِطْلَاقهَا على ذَلِك الْمَفْهُوم الْكُلِّي. فَلَا يُقَال أَنا وَيُرَاد بِهِ مُتَكَلم مَا وَلَا أَنْت وَيُرَاد مُخَاطب مَا وَبِهَذَا الْوَجْه أمكن تعدد مَعَاني لفظ وَاحِد من غير اشْتِرَاك وتعدد أوضاع. وَإِذا تصور الْوَاضِع مفهوما كليا وَعين اللَّفْظ بإزائه كَانَ كل من الْوَضع والموضوع لَهُ عَاما وَإِذا تصور معنى جزئيا وَعين اللَّفْظ لَهُ كَانَ كل مِنْهُمَا خَاصّا وَأما كَون الْوَضع خَاصّا والموضوع لَهُ عَاما فَغير مَعْقُول انْتهى. وَلَكِن أَقُول مَعْقُول لِأَنَّهُ يُمكن أَن يتَصَوَّر جزئي وينتزع مِنْهُ الْمَفْهُوم الْكُلِّي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 فَيُوضَع اللَّفْظ بِإِزَاءِ ذَلِك الْمَفْهُوم الْكُلِّي وَهَذَا هُوَ الْوَضع الْخَاص والموضوع لَهُ الْعَام وَالْحق أَنه رَاجع إِلَى الْوَضع الْعَام. والوضع عِنْد أَرْبَاب الْمَعْقُول هُوَ الْقبُول للْإِشَارَة الحسية - وَقيل التحيز بِالذَّاتِ وَلذَا قَالُوا فِي تَعْرِيف الْجَوْهَر الْفَرد جَوْهَر ذُو وضع أَي قَابل للْإِشَارَة الحسية وَقيل أَي متحيز بذواته. وَقد يُطلق الْوَضع عِنْدهم على الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للجسم بِنِسْبَة بعض أَجْزَائِهِ إِلَى أَجزَاء آخر مِنْهُ. وَقد يُطلق على الْهَيْئَة الْحَاصِلَة للجسم بِنِسْبَة بعض أَجْزَائِهِ إِلَى أَجزَاء جسم آخر أَي إِلَى الْأُمُور الْخَارِجَة عَنهُ كالقيام وَالْقعُود فَإِن كلا مِنْهُمَا هَيْئَة عارضة للشَّخْص بِسَبَب أَعْضَائِهِ بَعْضهَا إِلَى بعض وَإِلَى الْأُمُور الْخَارِجَة عَنهُ وَلكُل مقَام عِنْدهم. والوضع بِهَذَا الْمَعْنى عرض مقولة من المقولات التسع للعرض. وَقد يُرَاد بِالْوَضْعِ الْحَالة الَّتِي تحصل للمقدم بِسَبَب اقترانه مَعَ الْأُمُور الممكنة الِاجْتِمَاع مَعَه وتحقيقه فِي الأوضاع. الْوَضع الجزئي: بِأَن يُلَاحظ الْمَوْضُوع والموضوع لَهُ بخصوصهما فَإِن خُصُوصِيَّة الْإِضَافَة بِاعْتِبَار خُصُوصِيَّة الطَّرفَيْنِ. الْوَضع الْكُلِّي: بِأَن يُلَاحظ الْمَوْضُوع لَهُ بِوَجْه أَعم كَمَا فِي المشتقات فَإِنَّهُم قَالُوا مثلا إِن اسْم الْفَاعِل مَوْضُوع لمن قَامَ بِهِ الْفِعْل. أَو بِأَن يُلَاحظ الْمَوْضُوع لَهُ بِوَجْه أَعم كَمَا فِي الْحُرُوف - والمضمرات - والمبهمات - وتفصيل هَذَا الْمقَام فِي كتَابنَا جَامع الغموض. الوضعي: الْمَنْسُوب إِلَى الْوَضع. وَعند أَرْبَاب الْأُصُول الحكم بِالسَّبَبِ وَالشّرط وتفصيله فِي الحكم. الْوضُوء: بِالضَّمِّ مصدر من الْوَضَاءَة وَهِي الْحسن. وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن غسل الْأَعْضَاء الْمَخْصُوصَة وَالْمسح على الرَّأْس. وَفِي شرح مُخْتَصر الْوِقَايَة لأبي المكارم الْوضُوء بِالضَّمِّ مصدر بِمَعْنى التوضئ - وبالفتح المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ كَذَا عِنْد جُمْهُور أهل اللُّغَة. وَذهب بَعضهم مِنْهُم الْخَلِيل إِلَى أَنه بِالْفَتْح فيهمَا. وَحكي الضَّم فيهمَا - وَذكر الْأَخْفَش الْفَتْح فِي الْمصدر. وَعَن أبي عمرَان الْقبُول بِالْفَتْح مصدر لم أسمع غَيره - وَقيل الْقبُول وَالرُّكُوع بِالْفَتْح مصدران شَاذان وَمَا سواهُمَا فبالضم. - وَإِن أردْت تَحْقِيق دُخُول الْمرَافِق والكعبين فِي غسل الْأَيْدِي والأرجل فِي الْوضُوء فَانْظُر فِي الصَّوْم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 (بَاب الْوَاو مَعَ الطَّاء الْمُهْملَة) الوطر: بِالتَّحْرِيكِ الْحَاجة. الوطن الْأَصْلِيّ: قَالُوا الأوطان ثَلَاثَة الوطن الْأَصْلِيّ وَهُوَ مولد الرجل فِي الْبَلَد - وَقيل مَا يكون بالتوطن بالأهل أَو بالمولد. ووطن الْإِقَامَة: وَهُوَ مَوضِع يَنْوِي أَن يسْتَقرّ فِيهِ خَمْسَة عشر يَوْمًا أَو أَكثر من غير أَن يَتَّخِذهُ مسكنا. ووطن السُّكْنَى: وَهُوَ مَوضِع يَنْوِي فِيهِ الْإِقَامَة أقل من خَمْسَة عشر يَوْمًا. (بَاب الْوَاو مَعَ الْعين الْمُهْملَة) الْوَعْظ: هُوَ التَّذْكِير بِالْخَيرِ والنصيحة. (بَاب الْوَاو مَعَ الْفَاء) الْوَفَاء: مُلَازمَة طَرِيق الْمُسَاوَاة ومحافظة العهود وَحفظ مراسم الْمحبَّة والمخالطة سرا وَعَلَانِيَة حضورا وغيبة. نعم الشَّاعِر. (بدل كفتم كدامين شيوه دشوار است انجامش ... ) (دلم درخون طببد وكفت باس اشنائي هَا ... ) (بَاب الْوَاو مَعَ الْقَاف) الْوَقْف: مصدر وَقفه أَي حَبسه فَهُوَ وَاقِف وهم وقُوف وَذَاكَ مَوْقُوف وَقد يُطلق على الْمَوْقُوف تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ فَيجمع على الْأَوْقَاف وَيَتَعَدَّى بِنَفسِهِ وَلَا يتَعَدَّى فَلَا يُقَال أوقفهُ إِلَّا على لُغَة ردية كَمَا فِي الْمغرب. وَفِي الشَّرِيعَة عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ هُوَ حبس الْعين بالْقَوْل حَال كَونهَا مقتصرة على ملك الْوَاقِف والتصديق بِالْمَنْفَعَةِ على الْفُقَرَاء أَو على وَجه من وَجه الْخَيْر. وَالْمرَاد بحبسها ومنعها على ملك الْوَاقِف أَن لَا يتَجَاوَز إِلَى ملك غَيره من الْعباد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 فَلَا يشكل بوقف الْمَسْجِد فَإِنَّهُ حبس على ملك الله تَعَالَى بِالْإِجْمَاع وَملك الْوَاقِف عَن الْمَوْقُوف إِنَّمَا يَزُول بِقَضَاء القَاضِي بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي إِلَى يَد مَالك من الْخلق. وَلَا يتم الْوَقْف حَتَّى يقبض الْمُتَوَلِي ويفرز وَيجْعَل آخِره بِجِهَة لَا تَنْقَطِع أَي على طَريقَة لَا تَنْقَطِع تِلْكَ الطَّرِيقَة بِأَن يَقُول وقفت على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين لَا على أَوْلَاده فَإِنَّهُم ينقطعون. وَإِنَّمَا قُلْنَا بالْقَوْل لِأَنَّهُ لَو كتب صُورَة الوقفية على الشَّرَائِط بِلَا تلفظ لم تصر وَقفا بالِاتِّفَاقِ. وَصُورَة حكم الْحَاكِم مَا ذكره فِي فَتَاوَى قَاضِي خَان وَهِي أَن يسلم الْوَاقِف مَا وَقفه إِلَى الْمُتَوَلِي ثمَّ يُرِيد أَن يرجع عَنهُ فنازعه بعلة اللُّزُوم فيختصمان إِلَى القَاضِي فَقضى القَاضِي بلزومه. - وَالْوَقْف عِنْد عُلَمَاء الصّرْف: قطع الْكَلِمَة عَمَّا بعْدهَا أَي على تَقْدِير أَن يكون بعْدهَا شَيْء وَإِنَّمَا فسرناه بِهَذَا لِأَنَّهُ قد يقف وَلَا يكون بعد ذَلِك شَيْء - وَقَالَ بَعضهم الْوَقْف قطع الْكَلِمَة عَن الْحَرَكَة. وَأورد عَلَيْهِ أَنه لَيْسَ بواضح لِأَنَّهُ قد لَا يكون متحركا وَجَوَاب هَذَا يحصل بتفسيره بِمثل مَا مر أَي على تَقْدِير أَن يكون متحركا. ثمَّ اعْلَم أَن الْوَقْف ضد الِابْتِدَاء فَيجب أَن يكون علامته ضد عَلامَة الِابْتِدَاء فَلَو وقفت على متحرك كَانَ خطأ بل الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لَا يكون إِلَّا سَاكِنا أَو فِي حكمه إِلَّا أَن الِابْتِدَاء بالمتحرك ضَرُورِيّ لما بَين فِي الِابْتِدَاء بالساكن. وَالْوَقْف على السَّاكِن استحساني عِنْد كلال اللِّسَان من ترادف الْأَلْفَاظ والحروف - والحركات. وَفِي كتب التجويد أَن الْوَقْف فِي الْقِرَاءَة عبارَة من قطع الصَّوْت زَمَانا بِمِقْدَار التنفس عَادَة بنية اسْتِئْنَاف الْقِرَاءَة وَهُوَ على أَرْبَعَة أَقسَام - تَامّ - وكاف - وَحسن - وقبيح - أما التَّام فَهُوَ مَا يكون على الْكَلَام المقطع عَمَّا بعده وَذَلِكَ يُوجد غَالِبا فِي أَوَاخِر الْقَصَص كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ هم المفلحون} . فَإِنَّهُ آخر قصَّة الْمُتَّقِينَ وَقَوله تَعَالَى: {وَلَهُم عَذَاب عَظِيم} . فَإِنَّهُ آخر قصَّة الْكَافرين - وَقَوله تَعَالَى: {مَالك يَوْم الدّين} . فَإِنَّهُ آخر صِفَات الله تَعَالَى - وَقد يُوجد فِي رُؤُوس الْآي كَمَا مر وَقبل رؤوسها وَبعد رؤوسها كَقَوْلِه تَعَالَى: حِكَايَة عَن بلقيس {وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة} . هُوَ التَّام. ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى: تقريرا لكلامها {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} . وَهَذَا هُوَ رَأس الْآيَة - وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم مصبحين} . هَذَا هُوَ رَأس الْآيَة وبالليل. هَذَا هُوَ التَّام. وَأما الْكَافِي فَهُوَ مَا يكون على الْكَلَام الْمُتَعَلّق بِمَا بعده فِي الْمَعْنى وَيُرَاد بِهِ التَّفْسِير وَذَلِكَ يُوجد فِي رَأس الْآيَة وَغير رَأسهَا كَمَا تَقول فِي مِثَال رَأس الْآيَة {أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} . فالوقف على قَوْله تَعَالَى: {لَا يُؤمنُونَ} كَاف لِأَنَّهُ مُتَعَلق بقوله تَعَالَى: {ختم الله} . من حَيْثُ الْمَعْنى. وَتقول فِي مِثَال غير رَأس الْآيَة {وآمنوا بِمَا أنزلت مُصدقا لما مَعكُمْ} - فالوقف على قَوْله تَعَالَى: {لما مَعكُمْ} كَاف لِأَنَّهُ مُتَعَلق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 بقوله تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ} . فِي الْمَعْنى وَيجوز الْوَقْف على هذَيْن النَّوْعَيْنِ والابتداء بِمَا بعدهمَا. وَأما الْحسن فَهُوَ مَا يكون على الْكَلَام الْمُتَعَلّق بِمَا بعده فِي اللَّفْظ وَأُرِيد بِهِ الْإِعْرَاب وَيُسمى هَذَا الْقسم حسنا لِأَنَّهُ يُوجد على الْكَلَام يفهم مِنْهُ معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ. وَهَذَا النَّوْع يُوجد فِي رَأس الْآيَة وَغير رَأسهَا فَإِن وجد فِي رَأس الْآيَة يجوز الْوَقْف عَلَيْهِ والابتداء بِمَا بعده فَيجوز للقارئ أَن يقف على قَوْله تَعَالَى: {رب العلمين} ويبتدئ بقوله تَعَالَى: {الرَّحْمَن} وَكَذَلِكَ يقف على قَوْله تَعَالَى: {الرَّحِيم} ويبتدئ بقوله: {مَالك يَوْم الدّين} . وَأَيْضًا يقف على قَوْله: {هدى لِلْمُتقين} ويبتدئ بقوله تَعَالَى: {الَّذين يُؤمنُونَ} وَمَا أشبه ذَلِك. وَإِن وجد فِي غير رَأس الْآيَة نَحْو: {بِسم الله} {وَالْحَمْد لله وَسبح اسْم رَبك} . جَازَ الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا يجوز الِابْتِدَاء بِمَا بعده وَإِنَّمَا جَازَ الْوَقْف على رَأس الْآي والابتداء بِمَا يعقبها وَإِن كَانَت مُتَعَلقَة بِمَا بعْدهَا فِي اللَّفْظ لما رُوِيَ عَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا قَرَأَ قطع قِرَاءَته آيَة آيَة فَيَقُول: {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} . ثمَّ يقف. {الْحَمد لله رب العلمين} . ثمَّ يقف. {الرَّحْمَن الرَّحِيم} . ثمَّ يقف. {مَالك يَوْم الدّين} . ثمَّ يقف هَكَذَا. وَأما الْقَبِيح فَهُوَ وقُوف الْقَارئ على القَوْل دون الْمَقُول نَحْو قَالَ إِنِّي عبد الله وعَلى الشَّرْط دون الْجَواب نَحْو وَمَا تَفعلُوا من خير. وعَلى اسْم أَن دون خَبَرهَا نَحْو إِن الله. وعَلى اسْم كَانَ دون خَبَرهَا نَحْو وَكَانَ الله - وعَلى الْمُبْتَدَأ دون خَبره نَحْو الْحَمد من قَوْله تَعَالَى: {الْحَمد لله} وَمَا أشبه ذَلِك فَلَا يكون الْوَقْف على شَيْء من ذَلِك اخْتِيَارا - فَإِن اضْطر الْقَارئ ووقف على شَيْء عَن ذَلِك أعَاد الْكَلَام وَوصل بعضه بِبَعْض. وَاعْلَم أَن للْوَقْف عَلَامَات فِي الْمُصحف الْمجِيد فالميم (م) عَلامَة الْوَقْف اللَّازِم والوصل عِنْده فِي بعض الْمَوَاضِع يُوجب تغير الْمَعْنى بل يُفْضِي إِلَى الْكفْر وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّاعِر: (مِيم وقف لَازم است مكذر ازو ... كرّ كذشتى بيم كفراست اندرو) كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّهُم أَصْحَاب النَّار (م} الَّذين يحملون الْعَرْش} . فَمن لم يقف على قَوْله تَعَالَى: {النَّار} وَوصل الَّذين يكون الْمَوْصُول مَعَ صلته صفة لقَوْله: {أَصْحَاب النَّار} وَهُوَ بَاطِل. والطاء (ط) عَلامَة الْوَقْف الْمُطلق غير الْمُقَيد بِكُل وَاحِد من اللُّزُوم وَالْجَوَاز والرخصة وَغَيرهَا. وَهَذَا الْوَقْف يكون فِي آخر الْكَلَام الَّذِي إِن قطع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 عَمَّا بعده فمستحسن وثواب. وَإِن وصل بِهِ لَا يُغير الْمَعْنى. والوقفة (وَقْفَة) بِالتَّاءِ عَلامَة الْقطع. وَالْحَلقَة المدروة (هـ) تعبر بِالْآيَةِ مثله إِن لم يكن مَعهَا شَيْء وَإِذا كَانَت مَعهَا (لَا) فالوجهان الْوَصْل وَالْوَقْف لَكِن الأول أفضل - وَإِذا كَانَ مَعهَا شَيْء من الْجِيم (ج) وَالزَّاي (ز) وَالْمِيم (م) وَالصَّاد (ص) وَغَيرهَا فَهِيَ تَابِعَة لَهُ فِي حكمه وَكلمَة (قف) عَلامَة الْوَقْف بِخِلَاف (صلى) فَإِنَّهُ عَلامَة أَن الْوَصْل أولى. وَالْجِيم (ج) فِيهِ وَجْهَان الْوَقْف والوصل إِلَّا أَن الأول أولى - الزَّاي (ز) يجوز عِنْده الْوَقْف والوصل لَكِن الثَّانِي أفضل - وَالصَّاد (ص) عَلامَة المرخص يَعْنِي رخص الْقَارئ فِي الْوَقْف عِنْده للضَّرُورَة - وَالْقَاف (ق) عَلامَة قيل لِأَن بعض الْقُرَّاء يقفون عِنْده لَا الْجُمْهُور فالوصل عِنْده أنسب بِخِلَاف (فَلَا) فَإِن أَكْثَرهم يقفون عِنْده فالوقف عِنْده أولى. وَالْوَقْف بِغَيْر التَّاء (وقف) وَالسِّين (س) كل وَاحِد مِنْهُمَا عَلامَة السكتة وَهِي عبارَة عَن قطع الصَّوْت زَمَانا دون زمَان الْوَقْف عَادَة من غير التنفس. وَإِذا وجدت كلمة (لَا) فَقَط فالوصل وَاجِب. وَمن وقف عِنْده يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة بالوصل من رَأس الْآيَة الَّتِي مِنْهَا كلمة (لَا) و (الْكَاف) (ك) بِمَعْنى كَذَلِك. فَحكمهَا كَحكم الْوَقْف الَّذِي مر قبلهَا (وَكلمَة) صل بِغَيْر الْيَاء عَلامَة أَنه قد يُوصل فَيجوز الْوَقْف عِنْده. وَالْوَقْف فِي الْعرُوض إسكان الْحَرْف السَّابِع المتحرك. الْوُقُوف الزماني: عِنْد الصُّوفِيَّة عبارَة عَن المحاسبة يَعْنِي دريابنده نفس خودشدن كه بِحُضُور ميكذرديا بغفلت. الْوُقُوف العددي: عِنْد الصُّوفِيَّة عبارَة عَن رِعَايَة الْعدَد فِي ذكره تَعَالَى - (حضرت خواجه بزركك بهَا الدّين نقشبند قدس سره فرمودهاند كه رعايت عدد ذكر قلبِي براى جمع خواطر مُتَفَرِّقه است) . الْوُقُوف القلبي: عِنْد الصُّوفِيَّة عبارَة عَن التنبه وَحُضُور الْقلب فِي جنابه تَعَالَى وَالْقِيَام على هَذَا الْمقَام بِحَيْثُ لَا يخْطر فِي قلبه غَيره تَعَالَى. وَقت الْفجْر: فِي الصُّبْح الصَّادِق. وَقت الظّهْر: فِي الْفَيْء. الْوَقار: بِالْفَتْح التأني فِي التَّوَجُّه نَحْو الْمَطْلُوب. الوقتية: هِيَ الْقَضِيَّة الَّتِي حكم فِيهَا بِثُبُوت الْمَحْمُول للموضوع أَو بضرورة سلبه عَنهُ فِي وَقت معِين من أَوْقَات وجود الْمَوْضُوع مُقَيّدا باللادوام بِحَسب الذَّات مثل كل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 قمر منخسف بِالضَّرُورَةِ وَقت الْحَيْلُولَة لَا دَائِما وَلَا شَيْء من الْقَمَر بمنخسف بِالضَّرُورَةِ وَقت التربيع لَا دَائِما. (بَاب الْوَاو مَعَ الْكَاف) الْوكَالَة: بِفَتْح الأول وكسره اسْم للتوكيل وَهُوَ الْحِفْظ والاعتماد. وَمِنْه الْوَكِيل فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَهُوَ فعيل بِمَعْنى الْفَاعِل على الأول أَي الْحَافِظ. وَبِمَعْنى الْمَفْعُول على الثَّانِي أَي الْمُعْتَمد عَلَيْهِ. - وَفِي الشَّرْع تَفْوِيض التَّصَرُّف فِي أَمر شَرْعِي إِلَى غَيره أَي إِقَامَة الْغَيْر مقَام نَفسه فِي التَّصَرُّف مِمَّن يملك التَّصَرُّف. الْوَكِيل: هُوَ الَّذِي فوض إِلَيْهِ التَّصَرُّف بِإِقَامَة الْمُفَوض أَي الْمُوكل إِيَّاه مقَام نَفسه فِي التَّصَرُّفَات. (بَاب الْوَاو مَعَ اللَّام) الْولَايَة: الْقرْبَة وَالتَّصَرُّف والقرابة الْحَاصِلَة من الْعتْق. أَو من الموالات - وَعند أَرْبَاب السلوك مرتبَة علية لخواص الْمُؤمنِينَ المقربين فِي الحضرة الصمدية تحصل بالمواظبة على الطَّاعَات والاجتناب عَن السَّيِّئَات. ف (111) : الْوَلَاء: بِالْكَسْرِ لُغَة الْمُتَابَعَة. وَشرعا مُتَابعَة فعل بِفعل بِحَيْثُ لَا يجِف الْعُضْو الأول مثلا فِي الْوضُوء عِنْد اعْتِدَال الْهَوَاء. فَلَو جفف الْوَجْه وَالْيَد بالمنديل قبل غسل الرجل لم يتْرك الْوَلَاء. بِخِلَاف مَا فِي التُّحْفَة وَالِاخْتِيَار من أَن لَا يشْتَغل بَين الْأَفْعَال بِعبَادة أُخْرَى بغَيْرهَا. فَإِنَّهُ على هَذَا لَو جفف لترك الْوَلَاء. وَلذَا منع عَنهُ الْمَشَايِخ كَذَا فِي الزَّاهدِيّ. وَهُوَ سنة مُؤَكدَة فِي الْوضُوء. وَفِي بعض شُرُوح كنز الدقائق الْوَلَاء أَن يغسل الْأَعْضَاء على سَبِيل التَّعَاقُب بِحَيْثُ لَا يجِف الْعُضْو الأول. وبالفتح لُغَة الْقَرَابَة يُقَال بَينهمَا وَلَاء أَي قرَابَة حكمِيَّة حَاصِلَة من الْعتْق. وَقيل الْوَلَاء بِالْفَتْح النُّصْرَة والمحبة. وَفِي الْكِفَايَة الْوَلَاء من الْوَلِيّ بِمَعْنى الْقرب يُقَال بَينهمَا وَلَاء أَي قرَابَة. وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث ". أَي وصلَة كوصلة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب وَلَا يُورث أَي بطرِيق الْفَرْضِيَّة - وَأما بطرِيق الْعُصُوبَة فيورث. وَفِي الشَّرْع هُوَ التناصر سَوَاء كَانَ وَلَاء عتاقة أَو وَلَاء مُوالَاة. فالتناصر يُوجب الْإِرْث أَو الْعقل. فَمَا وَقع فِي شرح الْوِقَايَة هُوَ مِيرَاث يسْتَحقّهُ الْمَرْء بِسَبَب عتق شخص فِي ملكه أَو بِسَبَب عقد الْمُوَالَاة بَيَان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 للمعنى الْعرفِيّ وَحكمه. فَالْمُرَاد بِالْوَلَاءِ فِي الحَدِيث الشريف الْمَذْكُور التناصر بالاعتاق من قبيل ذكر الْمُسَبّب وَإِرَادَة السَّبَب أَي الاعتاق وصلَة وقرابة كوصلة النّسَب وقرابته لَا يُبَاع أَي سَببه وَقس عَلَيْهِ. ثمَّ اعْلَم أَن الْوَلَاء نَوْعَانِ - الأول وَلَاء عتاقة وَيُسمى وَلَاء نعْمَة. وَسبب هَذَا الْوَلَاء الاعتاق عِنْد الْجُمْهُور. وَالأَصَح أَن سَببه الْعتْق على ملكه سَوَاء حصل بالاعتاق كَمَا هُوَ الظَّاهِر - أَو بِسَبَب الشِّرَاء كَمَا فِي شِرَاء ذِي رحم محرم مِنْهُ. وَالثَّانِي وَلَاء الْمُوَالَاة وَسَببه العقد الَّذِي يجْرِي بَين اثْنَيْنِ. وَصُورَة مولى الْمُوَالَاة شخص مَجْهُول النّسَب قَالَ لآخر أَنْت مولَايَ ترثني إِذا مت وتعقل عني إِذا جنيت وَقَالَ الآخر قبلت. فعندنا يَصح هَذَا العقد وَيصير الْقَائِل وَارِثا عَاقِلا وَيُسمى بِهِ كَمَا يُسمى أَيْضا بمولى الْمُوَالَاة. وَإِذا كَانَ الآخر أَيْضا مَجْهُول النّسَب وَقَالَ للْأولِ مثل ذَلِك وَقَبله ورث كل مِنْهُمَا صَاحبه وعقل عَنهُ. وللمجهول أَن يرجع عَن عقد الْمُوَالَاة مَا لم يعقل عَنهُ مَوْلَاهُ. وَكَانَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول: إِذا أسلم رجل على يَدي رجل ثمَّ وَالَاهُ صَحَّ - قَالَ شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ: لَيْسَ الْإِسْلَام على يَدَيْهِ شرطا فِي صِحَة الْمُوَالَاة - وَإِنَّمَا ذكره فِيهِ على سَبِيل الْعَادة - وَكَانَ الشّعبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول لَا وَلَاء إِلَّا وَلَاء الْعتَاقَة. وَبِه أَخذ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ مَذْهَب زيد بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الحنفيون مَذْهَب عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ. وَاعْلَم أَن الْعقل بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف الدِّيَة - فَإِن قيل مَا وَجه كَون الْعتْق سَبَب الْوَلَاء والقرابة كقرابة النّسَب - قُلْنَا إِن الْحُرِّيَّة حَيَاة للْإنْسَان إِذْ بهَا يثبت لَهُ صفة الْمَالِكِيَّة الَّتِي امتاز بهَا عَن سَائِر مَا عداهُ من الْحَيَوَانَات والجمادات والرقية تلف وهلاك -. أَلا ترى أَن الرَّقِيق لَا يملك شَيْئا وَلَا تقبل شَهَادَته ومحجور عَن التَّصَرُّفَات. فالمعتق بِالْكَسْرِ سَبَب إحْيَاء الْمُعْتق بِالْفَتْح. كَمَا أَن الْأَب سَبَب لإيجاد الْوَلَد فَكَمَا أَن الْوَلَد يصير مَنْسُوبا إِلَى أَبِيه بِالنّسَبِ وَإِلَى أقربائه بالتبعية. كَذَلِك الْمُعْتق بِالْفَتْح يصير مَنْسُوبا إِلَى مُعْتقه بِالْوَلَاءِ وَإِلَى عصبته بالتبعية. فَكَمَا يثبت الْإِرْث بِالنّسَبِ كَذَلِك يثبت بِالْوَلَاءِ وَيجوز إِعْطَاؤُهُ لبِنْت الْمُعْتق أَيْضا كَمَا مر فِي الْعصبَة من جِهَة السَّبَب. الْوَلِيّ: بِفَتْح الأول وَسُكُون الثَّانِي الْقرب. وَمِنْه الْوَلِيّ على وزن فعيل وَهُوَ الْقَرِيب. وَجَاء الْوَلِيّ بِمَعْنى الحري أَي اللَّائِق وَبِمَعْنى الْمُجيب. فِي جَامع الزمور الْوَلِيّ لُغَة الْمَالِك وَشرعا وَارِث مُكَلّف كَمَا فِي الْمُحِيط. وَفِي الْفِقْه فِي بَاب النِّكَاح الْوَلِيّ من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 لَهُ ولَايَة التَّزْوِيج. فِي كنز الدقائق الْوَلِيّ الْعصبَة بترتيب الْإِرْث أَي التَّرْتِيب فِي الْعَصَبَات فِي ولَايَة الْإِنْكَاح كالترتيب فِي الْإِرْث فالأبعد مَحْجُوب بالأقرب. فأقرب الْأَوْلِيَاء الابْن للمجنونة. ثمَّ ابْن الابْن وَإِن سفل. ثمَّ الْأَب - ثمَّ الْجد أَب الْأَب وَإِن علا - ثمَّ الْأَخ لأَب وَأم - ثمَّ الْأَخ لأَب - ثمَّ ابْن الْأَخ لأَب وَأم - ثمَّ ابْن الْأَخ لأَب - ثمَّ الْعم لأَب وَأم - ثمَّ الْعم لأَب - ثمَّ ابْن الْعم لأَب وَأم - ثمَّ ابْن الْعم لأَب - ثمَّ الْمُعْتق بِالْكَسْرِ - وَإِن لم يكن عصبَة فالولاية للْأُم - ثمَّ للْأُخْت لأَب وَأم - ثمَّ لأَب - ثمَّ لولد الْأُم - ثمَّ لِذَوي الْأَرْحَام - ثمَّ للْحَاكِم أَي القَاضِي. وَالْوَلِيّ عِنْد أَرْبَاب السلوك قدس الله تَعَالَى أسرارهم هُوَ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى وَصِفَاته المواظب على الطَّاعَات المجتنب عَن الْمعاصِي المعرض عَن الانهماك فِي اللَّذَّات والشهوات وكرامته ظُهُور أَمر خارق للْعَادَة من قبله غير مُقَارن لدعوى النُّبُوَّة. وَبِهَذَا يمتاز عَن المعجزة وبمقارنته الِاعْتِقَاد وَالْعَمَل الصَّالح والتزام مُتَابَعَته النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن الاستدراج وَعَن مؤكدات تَكْذِيب الْكَذَّابين. الْولَايَة أفضل من النُّبُوَّة: قَول بعض الصُّوفِيَّة وَقيل حَدِيث نبوي وأفضليتها من النُّبُوَّة بِخَمْسَة وُجُوه: أَحدهَا: أَن الْولَايَة صفة الْخَالِق. والنبوة صفة الْمَخْلُوق. وَثَانِيها: أَن اشْتِغَال الْولَايَة إِلَى الْحق - واشتغال النُّبُوَّة إِلَى الْخلق. وَثَالِثهَا: أَن الْولَايَة أَمر بَاطِن - والنبوة أَمر ظَاهر. وَرَابِعهَا: أَن الْولَايَة أَمر خَاص - والنبوة أَمر عَام. وخامسها: أَن الْولَايَة لَا انْتِهَاء لَهَا - والنبوة لَهَا انْتِهَاء. وَفِي شرح الْمَقَاصِد حُكيَ عَن بعض الكرامية أَن الْوَلِيّ قد يبلغ دَرَجَة النَّبِي بل أَعلَى. وَعَن بعض الصُّوفِيَّة أَن الْولَايَة أفضل من النُّبُوَّة لِأَنَّهَا تنبئ عَن الْقرب والكرامة كَمَا هُوَ شَأْن خَواص الْملك المقربين مِنْهُ. والنبوة عَن الأنباء والتبليغ كَمَا هُوَ حَال من أرْسلهُ الْملك إِلَى الرعايا لتبليغ أَحْكَامه. إِلَّا أَن الْوَلِيّ لَا يبلغ دَرَجَة النَّبِي لِأَن النُّبُوَّة لَا تكون بِدُونِ الْولَايَة. وَفِي كَلَام بعض العرفاء إِن مَا قيل الْولَايَة أفضل من النُّبُوَّة لَا يَصح مُطلقًا. وَلَيْسَ من الْأَدَب إِطْلَاق القَوْل بِهِ بل لَا بُد من التَّقْيِيد وَهُوَ أَن ولَايَة النَّبِي أفضل من نبوته لِأَن النُّبُوَّة مُتَعَلقَة بمصلحة الْوَقْت وَالْولَايَة لَا تعلق لَهَا بِوَقْت دون وَقت بل قَامَ سلطانها إِلَى قيام السَّاعَة بِخِلَاف النُّبُوَّة فَإِنَّهَا بجناب أقدس مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَصَحبه وَسلم حَيْثُ ظَاهرهَا الَّذِي هُوَ الإنباء وَإِن كَانَت دائمة من حَيْثُ بَاطِنهَا الَّذِي هُوَ الْولَايَة أَعنِي التَّصَرُّف فِي الْخلق بِالْحَقِّ. فَإِن الْأَوْلِيَاء من أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُم تصرف فِي الْخلق بِالْحَقِّ إِلَى قيام السَّاعَة. وَلِهَذَا كَانَت علامتهم الْمُتَابَعَة إِذْ لَيْسَ الْوَلِيّ إِلَّا مظهر تصرف النَّبِي. وَعَن أهل الْإِبَاحَة والإلحاد أَن الْوَلِيّ إِذا بلغ الْغَايَة فِي الْمحبَّة وصفاء الْقلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 وَكَمَال الْإِخْلَاص سقط عَنهُ الْأَمر وَالنَّهْي وَلم يضرّهُ الذَّنب وَلَا يدْخل النَّار بارتكاب الْكَبِيرَة. وَالْكل فَاسد بِإِجْمَاع الْمُسلمين ولعموم الخطابات. وَلِأَن أكمل النَّاس فِي الْمحبَّة وَالْإِخْلَاص هم الْأَنْبِيَاء سِيمَا حبب الله خَاتم رسل الله تَعَالَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ أَن التكاليف فِي حَقهم أتم وأكمل حَتَّى يعاتبون بِأَدْنَى زلَّة بل بترك الأولى وَالْأَفْضَل. نعم حُكيَ عَن بعض الْأَوْلِيَاء أَنه استعفى الله تَعَالَى عَن التكاليف وَسَأَلَهُ الاعتاق عَن ظواهر الْعِبَادَات فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك بِأَن سلبه الْعقل الَّذِي هُوَ منَاط التكاليف. وَمنع ذَلِك من علو الْمرتبَة على مَا كَانَ. ولد الزِّنَا: هُوَ الْمَوْلُود من الزِّنَا. وَمن أنكر أَبَاهُ فقد أقرّ على نَفسه بِأَنَّهُ مَوْلُود من غير نِكَاح - وَمن كَانَ مولودا بِغَيْر النِّكَاح فَهُوَ ولد الْحَرَام. فَمَا حَال من أنكر أستاذه الَّذِي هُوَ خير الْآبَاء. أما سَمِعت خير الأباء من علمك سَوَاء كَانَ إِنْكَاره صَرَاحَة كَمَا هُوَ الظَّاهِر أَو دلَالَة كَمَا إِذا كَانَ طاعنا عَلَيْهِ ومصرا على إيذائه ومغموما عِنْد وُصُول الْخَيْر إِلَيْهِ. ومسرورا لَدَى نزُول الشَّرّ عَلَيْهِ. وَسمعت من غير وَاحِد من الثِّقَات أَن من أنكر الْأُسْتَاذ ابتلاه الله تَعَالَى بِثَلَاث بليات نِسْيَان مَا قَرَأَ وضيق الْمَعيشَة وَزَوَال الْإِيمَان عِنْد الْمَوْت. اللَّهُمَّ خرب عاقبته وأسلب عافيته. الْوَلِيمَة: طَعَام الزفاف وَغَيره. وَهِي ثَمَانِيَة مَذْكُورَة فِي هَذَا الشّعْر: (وَلِيمَة عرس ثمَّ خرس ولادَة ... عقيقة مَوْلُود وكيرة ذِي بِنَا) (وضيمة موت ثمَّ اعذار خاتن ... نقيقة سفر والمأدب للثنا) (بَاب الْوَاو مَعَ الْهَاء) الْوَهم: بِفَتْح الأول وَالثَّانِي الْغَلَط. وبسكون الثَّانِي الطّرف الْمَرْجُوح من طرفِي الْخَبَر. وَقُوَّة مرتبَة فِي الدِّمَاغ كُله لَكِن الْأَخَص بهَا هُوَ آخر التجويف الْأَوْسَط من الدِّمَاغ يدْرك الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة الْمَوْجُودَة فِي المحسوسات كالقوة الحاكمة فِي الشَّاة بِأَن الذِّئْب مهروب عَنهُ أَو الْوَلَد مَعْطُوف عَلَيْهِ - وَالْمرَاد بالمعاني هِيَ مَا لَا يدْرك بالحواس الظَّاهِرَة. الوهميات: قضايا كَاذِبَة يحكم بهَا الْوَهم فِي أُمُور غير محسوسة كَالْحكمِ بِأَن مَا وَرَاء الْعَالم فضاء لَا يتناهي. وَالْقِيَاس الْمركب مِنْهَا يُسمى سفسطة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 ( [حرف الْهَاء] ) (بَاب الْهَاء مَعَ الْألف) الهالة: دَائِرَة بَيْضَاء تَامَّة أَو نَاقِصَة ترى حول الْقَمَر. وَسبب حدوثها فِي الْحِكْمَة وَنقض هَذَا التَّعْرِيف بهالة الشَّمْس وَيُجَاب بِأَنَّهَا طفاوة لَا هَالة. وَبَعْضهمْ زَاد قيدا فِي التَّعْرِيف - وَقَالَ حول الْقَمَر وَغَيره فَافْهَم نعم الشَّاعِر: (كسى كه رُوِيَ تو در آينه ديد كريان است ... ) (جوماه هاله نمايد دَلِيل باران است ... ) الهالة: فِي الشجاج. هَذَا مركب من (هَاء) التَّنْبِيه - و (ذَا) اسْم الْإِشَارَة. وَاعْلَم أَنه كثيرا مَا يَقع فِي الْعبارَات هَذَا فَيقدر خُذ أَي خُذ هَذَا - وَلَا يخفى على الذكي الوكيع الظريف اللَّطِيف أَن تَقْدِير هَذَا بِهَذَا لَا يقبله الطَّبْع السَّلِيم. والذهن الْمُسْتَقيم. وَتكره سَمَاعه الآذان. أعوذ بِاللَّه من وساوس الشَّيْطَان. فالتقدير بافهم أَو اعْلَم أَو احفظ هَذَا أَو هَذَا تَحْقِيق المرام أَو الْمقَام أَو هَذَا كَمَا ذكر أَو كَمَا ترى أحسن عِنْد الورى كَمَا ترى. لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَبِه نستعين وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه. الهاوي: من الْهَوِي بِضَم الْهَاء وَهُوَ الصعُود وَبِفَتْحِهَا وَهُوَ النُّزُول. والحرف الهاوي الْألف لِأَنَّهُ يهوي فِي مخرجه الَّذِي هُوَ أقْصَى الْحلق إِذا مددته من غير عمل عُضْو فِيهِ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ رَحمَه الله تَعَالَى هُوَ حرف يتبع لهواء الصَّوْت مخرجه أَشد من اتساع مخرج الْوَاو وَالْيَاء لِأَنَّك قد تضم شفتيك فِي الْوَاو وترفع فِي الْيَاء لسَانك جَانب الحنك يَعْنِي أَن الْوَاو وَالْيَاء مثل الْألف لِأَنَّك قد تضم الشفتين فِي الْوَاو وترفع لسَانك نَحْو الحنك فِي الْيَاء فَيحصل فِيهِ عمل الْعُضْو وَالْألف لَيْسَ كَذَلِك. فَإنَّك تَجِد فِيهِ الْفَم وَالْحلق منفتحتين وَقيل إِنَّمَا سمي الْألف هاويا لِأَنَّهُ ذُو الْهَوَاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 (بَاب الْهَاء مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) الْهِبَة: مصدر وهب يهب كوعد يعد عدَّة. فِي اللُّغَة التَّبَرُّع والتفضل وإيصال النَّفْع إِلَى الْغَيْر مَالا كَانَ أَو غير مَال. وَفِي الشَّرْع تمْلِيك الْعِوَض بِلَا مَال. وَأما الْهِبَة بِشَرْط الْعِوَض فَلَيْسَتْ هبة خَالِصَة ساذجة فَإِنَّهَا هبة ابْتِدَاء أَي قبل الْقَبْض وَبيع انْتِهَاء أَي بعد الْقَبْض حَتَّى لَو تقابضا صَحَّ العقد وَصَارَ فِي حكم البيع. وَلما كَانَت هبة ابْتِدَاء شَرط التَّقَابُض فِي الْعِوَضَيْنِ فِي الْمجْلس أَو بعده بِإِذْنِهِ لِأَن كل وَاحِد فِي هَذِه الْهِبَة واهب من جِهَة وموهوب لَهُ من جِهَة وَالْقَبْض شَرط صِحَة الْهِبَة وَتبطل بالشيوع بِأَن وهب شِقْصا مشَاعا بِشَرْط الْعِوَض فَإِنَّهَا لَا تجوز. وَلما كَانَت بيعا انْتِهَاء ترد بِالْعَيْبِ وَخيَار الروية وَيُؤْخَذ بِالشُّفْعَة لَو كَانَ الْمَوْهُوب بِالْعِوَضِ عقارا. ثمَّ اعْلَم أَن الْهِبَة إِنَّمَا تصح بِثَلَاثَة أُمُور. بِإِيجَاب من الْوَاهِب - وَقبُول من الْمَوْهُوب لَهُ - وبقبضه الْمَوْهُوب فِي مجْلِس الْهِبَة - سَوَاء كَانَ بِإِذن الْوَاهِب أَو بِغَيْر إِذْنه أَو بِقَبْضِهِ الْمَوْهُوب بعد مجْلِس الْهِبَة بِإِذن الْوَاهِب. وَلَا تصح الْهِبَة إِلَّا فِي محوز أَي مفرغ عَن ملك الْوَاهِب خلقَة. فَلَا تجوز هبة الثَّمَرَة على الشَّجَرَة وَلَا فِي كل محوز بل فِي حوز مقسوم أَي محوز حصل فِيهِ التَّعْيِين والتشخص بِسَبَب التَّقْسِيم. فَلَا يجوز فِي المحوز الْمشَاع كَنِصْف الدَّار أَو ثلثه مثلا. وَلَيْسَ عدم جَوَاز الْهِبَة فِي كل مشَاع بل فِي مشَاع يقبل الْقِسْمَة. وَأما فِي الْمشَاع الَّذِي لَا يقبل الْقِسْمَة بِأَن لَا يبْقى مشفعا بِهِ بعد الْقِسْمَة فالهبة فِيهِ صَحِيحَة بالِاتِّفَاقِ كَهِبَة نصف رحى وَنصف الْحمام مثلا. وَقد يُقَال للْمَوْهُوب هبة وموهوبة - وَالْجمع هبات ومواهب - وَإِنَّمَا شَرط فِي صِحَّتهَا الْإِيجَاب وَالْقَبُول لِأَنَّهَا عقد لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " تهادوا تحَابوا " - وَالْعقد إِنَّمَا ينْعَقد بهما وَيصِح الرُّجُوع فِي الْهِبَة. وَالْمَانِع عَنهُ مدلولات حُرُوف (دمع خزقة) كَمَا مر فِي مَوْضِعه. وَأما فِي الْهِبَة بِالْعِوَضِ فَلَا يَصح الرُّجُوع. وَالتَّفْصِيل فِي كتب الْفِقْه. هبوط الْكَوَاكِب: عبارَة عَن دناءة أحوالها وانتقاص تسلطها وتأثيراتها. وَإِن أردْت التَّوْضِيح فَانْظُر فِي شرف الْكَوَاكِب. (بَاب الْهَاء مَعَ الْجِيم الْمُعْجَمَة) الهجاء: فِي التهجي وأصل الْحُرُوف الْعَرَبيَّة تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا وَهِي حُرُوف الهجاء كَمَا مر فِي الْمخْرج وَلها بِحَسب الصِّفَات انقسامات كَثِيرَة. - ذكر بَعضهم أَرْبَعَة وَأَرْبَعين وَزَاد بَعضهم وَنقص بَعضهم - وَالْمَشْهُور مَا ذكره الشَّيْخ ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 تَعَالَى فِي الشافية حَيْثُ قَالَ - وَمِنْهَا المجهورة والمهموسة - وَمِنْهَا الشَّدِيدَة والرخوة وَمَا بَينهمَا. وَمِنْهَا المطبقة والمنفتحة - وَمِنْهَا المستعلية والمنخفضة - وَمِنْهَا حُرُوف الذلاقة والمصمتة - وَمِنْهَا حُرُوف القلقلة والصفير واللينة والمنحرف والمكرر والهاوي والمهتوت انْتهى. وَإِن أردْت تَعْرِيف كل فاطلب فِي مَوضِع كل. وَفَائِدَة هَذِه الصِّفَات الْفرق بَين ذَوَات الْحُرُوف لِأَنَّهُ لَوْلَا هِيَ لَا تحدث أصواتها فَكَانَت كأصوات الْبَهَائِم لَا تدل على معنى. فسبحان من كنز وأودع جَوَاهِر حكمه البديعة فِي كل شَيْء. الهجو: الشتم بالشعر - والشتم بِغَيْرِهِ لَا يُسمى هجوا. وَعِنْدِي أَنه لَا شَيْء أقبح وأضر مِنْهُ. - أما سَمِعت طعن اللِّسَان أَشد من ضرب السنان. سِيمَا الشتم والطعن بالشعر فَإِنَّهُ إِذا لم يكن بالشعر لم يحفظ بِعَيْنِه. وَأما إِذا كَانَ بِهِ فَيكون مقروءا بِاللِّسَانِ. ومحفوظا فِي الأذهان. فيفضي إِلَى دوَام الشتم وإفشائه بل إِلَى شتم كل شخص - كلما قرئَ ذَلِك الشّعْر - اللَّهُمَّ احفظني من سوء اللِّسَان المفضي إِلَى الْعد وَإِن نعم مَا قَالَ الشَّاعِر: (برخود درهجو وذم نمى بايد زد ... بيرون از حد قدم نمى بايد زد) (عَالم همه آئنه حسن ازلي است ... مي بايد ديد وَدم نمى بايدزد) نعم هجو أَعدَاء الله ومنكري رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام أولى وَأحسن بل أَرْجُو أَن يكون الهاجي مثابا ممدوحا. ف (112) : (بَاب الْهَاء مَعَ الدَّال) الْهِدَايَة: عِنْد الأشاعرة إراءة الطَّرِيق الْموصل فِي نفس الْأَمر إِلَى الْمَطْلُوب - وَعند الْمُعْتَزلَة هِيَ الدّلَالَة الموصلة أَي الإيصال إِلَى الْمَطْلُوب وكل مِنْهَا منقوض. وَيُمكن دفع الانتقاض وَالْكل مَذْكُور فِي حَوَاشِي تَهْذِيب الْمنطق. ومختار الطوسي أَن الْهِدَايَة مَوْضُوعَة للقدر الْمُشْتَرك بَين الْمَعْنيين الْمَذْكُورين لِأَنَّهَا مستعملة بَينهمَا فَالْقَوْل بِكَوْنِهَا مَوْضُوعَة لأَحَدهمَا بخصوصة يُوجب الِاشْتِرَاك أَو الْحَقِيقَة والمجازوالأصل ينفيهما. ف (113) : الْهَدِيَّة: مَا يُؤْخَذ وَيُرْسل بِلَا شَرط الْإِعَانَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 (بَاب الْهَاء مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة) الهذيلية: أَصْحَاب أبي الْهُذيْل من الْمُعْتَزلَة قَالُوا بِفنَاء مقدورات الله تَعَالَى وَإِن أهل الْخلد يَنْقَطِع حركاتهم ويصيرون إِلَى خمود دَائِم وَسُكُون. (بَاب الْهَاء مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) ف (114) : (بَاب الْهَاء مَعَ الزَّاي) الهزال: بِالضَّمِّ انْتِقَاض عَن الْأَجْزَاء الزَّائِدَة. الْهزْل: إِن لَا يُرَاد بِاللَّفْظِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ وَلَا الْمجَازِي. وَالْجد بِكَسْر الْجِيم ضِدّه. الْهزْل الَّذِي يُرَاد بِهِ الْجد: مُسْتَغْنى عَن التَّفْسِير وَهُوَ من المحسنات المعنوية البديعية. وَحَاصِله أَن تذكر الشَّيْء على سَبِيل اللّعب والمزاح والمطايبة بِحَسب الظَّاهِر. وَالْغَرَض أَمر صَحِيح بِحَسب الْحَقِيقِيَّة. (بَاب الْهَاء مَعَ الشين الْمُعْجَمَة) الهشيم: فِي الصِّحَاح هُوَ النَّبَات الْيَابِس المنكسر. وَفِي الترجمان الْحُسَيْنِي (هشيم كياه ريزه خشك) . الهشامية: أَصْحَاب هِشَام بن عمر والقرطي قَالُوا الْجنَّة وَالنَّار لم يخلقا بعد وَقَالُوا لَا دلَالَة فِي الْقُرْآن على حَلَال وَحرَام والإمامة لَا تَنْعَقِد مَعَ الِاخْتِلَاف. (بَاب الْهَاء مَعَ اللَّام) الْهلَال: هُوَ الطّرف المرئي من النّصْف المضيء من الْقَمَر عِنْد بعده من الشَّمْس اثْنَتَا عشرَة دَرَجَة أَو أقل أَو أَكثر. وتفصيله فِي كتب الْهَيْئَة - وَفِي شرح قصيدة الْبردَة أَن الْهلَال إِلَى ثَلَاثَة لَيَال وَبعد ذَلِك يُسمى قمرا إِلَى أَن يُسمى بَدْرًا. والهلال فِي قَوْلهم الْهلَال وَالله مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هَذَا الْهلَال وَالله - لَا مُبْتَدأ مَحْذُوف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 الْخَبَر لِأَن الْمَقْصُود تعْيين شَيْء بِالْإِشَارَةِ ثمَّ الحكم عَلَيْهِ بالهلالية. وَلَكِن فِي شرح الأوراد كنز الْعباد فِي الْكُبْرَى إِذْ رَأَوْا الْهلَال يكره أَن يشيروا إِلَيْهِ لِأَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَلِك وَللَّه در الشَّاعِر: (شدّ مبارك باد هر سوليك بِي لبرويء يار ... ماه نوامشب بداغ كهنهء مَا ناخن است) وَأَيْضًا: (مهت جو بدر شود بادلم جه خواهد كرد ... هِلَال يكشبهء ابروي توكتانم سوخت) هَلُمَّ: الْهَاء فِيهِ للتّنْبِيه وَلم بِضَم اللَّام وَفتح الْمِيم الْمُشَدّدَة اسْم فعل لَازم أَو مُتَعَدٍّ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بيابيا - وَصَارَ بعد التَّرْكِيب بِمَعْنى أقبل أَو أحضر من الْإِحْضَار - وجرا فِي قَوْلهم هَلُمَّ جرا مفعول لَهُ أَو مصدر جر كَذَا فِي حَاشِيَة شيخ الْإِسْلَام على التَّلْوِيح - وَقيل هَلُمَّ من أَسمَاء الْأَفْعَال يُقَال كَانَ كَذَا عَام كَذَا وهلم جرا يَعْنِي (بكش كشيدني) . الْهَلَاك: أَعم من الفناء وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْهَلَاك لَا يسْتَلْزم الفناء وَهُوَ يسْتَلْزم الْهَلَاك لِأَن الْهَلَاك هُوَ خُرُوج الشَّيْء عَن الِانْتِفَاع الْمَقْصُود بِهِ أَي عَن مَنَافِعه الْمَطْلُوبَة بِهِ سَوَاء لم يبْق أصلا بِأَن يصير مَعْدُوما بِذَاتِهِ وأجزائه وَهُوَ الفناء أَو يبْقى وَلَكِن لَا يبْقى مُنْتَفعا بِهِ كالمشربة الْمَكْسُورَة الْمَطْلُوب بهَا شرب المَاء والجواهر الفردة المنثورة الْمَطْلُوب بهَا انضمام بَعْضهَا إِلَى بعض ليحصل الْجِسْم. وَالشَّمْس الْمظْلمَة الْمَطْلُوب بهَا الضَّوْء. وَلما قيدنَا الِانْتِفَاع بِالْمَقْصُودِ لَا يرد الِاعْتِرَاض بِأَن الْمشْربَة الْمَكْسُورَة بل كل مَوْجُود مُمكن يدل على وجود الصَّانِع وَهِي من أعظم الْمَنَافِع فَلَا يخرج عَن الِانْتِفَاع أصلا. فالهلاك هُوَ فنَاء الشَّيْء بِالْكُلِّيَّةِ لَا خُرُوجه عَن الِانْتِفَاع. وَمن عرف الْهَلَاك لم يهْلك بالتناقض فِي قَوْله تَعَالَى: {وأكلها دَائِم} . وَقَوله تَعَالَى: {وكل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} . وَقد يدْفع بِأَن المُرَاد بالدوام هَا هُنَا اسْتِمْرَار الشَّيْء وبقاؤه إِلَّا لَحْظَة وَهُوَ لَا يُنَافِي الْهَلَاك لَحْظَة وَهُوَ الدَّوَام التجددي بِأَنَّهُ إِذا فني شَيْء جِيءَ بِبَدَلِهِ شَيْء آخر مثله بِلَا مهلة يَعْنِي لَيْسَ التَّنَاقُض إِلَّا إِذا أُرِيد بالدوام الدَّوَام الْحَقِيقِيّ وَهُوَ عدم طريان الْعَدَم مُطلقًا. وَأما إِذا أُرِيد بِهِ الدَّوَام الْعرفِيّ وَهُوَ عدم طريان الْعَدَم زَمَانا يعتبد بِهِ فَلَا. وَالْجَوَاب بِأَن المُرَاد بِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ وبدوام أكل الْجنَّة دوَام أَنْوَاعهَا لَا أشخاصها. وَيجوز أَن لَا يَنْقَطِع النَّوْع أصلا مَعَ هَلَاك الْأَشْخَاص أَن يكون هَلَاك كل شخص معِين من الْأكل بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 وجود مثله صَحِيح على مَذْهَب الْجُمْهُور من أَن الْجنَّة وَالنَّار لَا يطْرَأ عَلَيْهِمَا الْعَدَم وَلَو لَحْظَة لَا على مَا قيل من جَرَيَان الْعَدَم عَلَيْهِمَا لَحْظَة لِأَنَّهُ يلْزم حِينَئِذٍ انْقِطَاع النَّوْع جزما هَكَذَا فِي الْحَوَاشِي الحكيمية على شرح العقائد النسفية. (بَاب الْهَاء مَعَ الْمِيم) هما: ضمير مُشْتَرك بَين تَثْنِيَة الْمُذكر والمؤنث فَإِن قيل قَالَ جَار الله الزَّمَخْشَرِيّ صَاحب الْكَشَّاف فِي ميزَان الصّرْف فِي بَيَان معنى فعلا كردندآن دومردان صِيغَة تثينه مُذَكّر غَائِب لفظ إِثْبَات فعل ماضي مَعْرُوف هما درومضمر است. وَكَذَا قَالَ فِي فعلوا هم درومضمر است. وَهَكَذَا فِي فعلن وَفعلت إِلَى فعلت وَفعلنَا. وَلَا يخفى أَن الْألف فِي فعلا وَالْوَاو فِي فعلوا وَكَذَا النُّون فِي فعلن وَالتَّاء المتحركة فِي فعلت وَسَائِر الصِّيَغ ضمائر بارزة وَلَيْسَ فَاعل هَذِه الْأَفْعَال ضميرا مستترا فَكيف صِحَة هَذَا الْمقَال. قلت مَا ذكره على مذْهبه لَا على مَذْهَب الْجُمْهُور فَإِن مذْهبه أَن الْألف فِي فعلا وَالْوَاو فِي فعلوا وَكَذَا سَائِر الضمائر البارزة عِنْد الْجُمْهُور عَلَامَات تذكير الْفَاعِل وتأنيثه وَجمعه وخطابه. وضمائر الْفَاعِل مستترة فِي هَذِه الصِّيَغ. وَمذهب الْجُمْهُور إِنَّهَا ضمائر الْفَاعِل بارزة وَلَيْسَ فاعلها بمنوي مستتر فالزيدان فِي مثل ضربا الزيدان والزيدون فِي ضربوا الزيدون فَاعل عِنْد الزَّمَخْشَرِيّ ومبتدأ مُؤخر أَو بدل عَن الْفَاعِل عِنْد الْجُمْهُور فَافْهَم. الْهم: الْغم وَالْقَصْد أَي عقد الْقلب على فعل شَيْء قبل أَن يفعل من خير أَو شَرّ. الهمة: توجه الْقلب وقصده بِجَمِيعِ قواه الروحانية إِلَى جَانب الْحق تَعَالَى أَو غَيره لحُصُول الْكَمَال لَهُ أَو لغيره. (بَاب الْهَاء مَعَ النُّون) ف (115) : (بَاب الْهَاء مَعَ الْوَاو) الهوية: هِيَ الْحَقِيقَة الْجُزْئِيَّة حَيْثُ قَالُوا الْحَقِيقَة الْجُزْئِيَّة تسمى هوية يَعْنِي أَن الْمَاهِيّة إِذا عتبرت مَعَ التشخص سميت هوية. وَقد تسْتَعْمل الهوية بِمَعْنى الْوُجُود الْخَارِجِي وَقد يُرَاد بهَا التشخص. وَقَالُوا الهوية مَأْخُوذَة من الهو هُوَ وَهِي فِي مُقَابلَة الغيرية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 الْهوى: ميلان النَّفس إِلَى مَا تستلذه من غير دَاعِيَة الشَّرْع جمعه إِلَّا هَوَاء يُقَال بِخِلَاف أهل الْأَهْوَاء. الْهَوَاء: عنصر من العناصر الْأَرْبَعَة حَار رطب فَوق كرة المَاء وَتَحْت كرة النَّار. وَاعْلَم أَنهم قد ذكرُوا أَن للهواء أَربع طَبَقَات: الأولى: مَا يمتزج مَعَ النَّار وَهِي الَّتِي يتلاشى ويضمحل فِيهَا الأدخنة المرتفعة عَن السّفل ويتكون وَيحصل فِيهَا الْكَوَاكِب ذَوَات الأذناب والنيازك وَمَا يشبهها كذوات الذوائب والرماح والأعمدة. الثَّانِيَة: الْهَوَاء الْغَالِب وَهِي الَّتِي يحدث فِيهَا الشهب. الثَّالِثَة: الْهَوَاء الْبَارِد اللَّطِيف الْمُخْتَلط بالأجزاء المائية وَلَا يصل إِلَيْهَا أثر شُعَاع الشَّمْس بالانعكاس من وَجه الأَرْض وَتسَمى طبقَة زمهريرية وَهِي منشأ السَّحَاب والرعد والبرق والصاعقة - الرَّابِعَة: الْهَوَاء الكثيف الَّذِي يصل إِلَيْهِ أثر شُعَاع الشَّمْس. والطبقتان الأوليان مِنْهَا مجاورتان للنار والأخريان للْمَاء. وَالْفرق بَين الرّيح والهواء بالحركة والسكون فَمَا كَانَ سَاكِنا فَهُوَ هَوَاء وَمَا كَانَ متحركا فَهُوَ ريح. ف (116) : (بَاب الْهَاء مَعَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة) الهيولى: فِي عرف الْحُكَمَاء هِيَ الْجَوْهَر الْقَابِل للاتصال والانفصال وَهِي مَحل للصورتين أَي الجسمية والنوعية وَهِي الهيولى الأولى - وَأما الهيولى الثَّانِيَة فَهِيَ جسم تركب مِنْهُ جسم آخر كَقطع الْخشب الَّتِي تركب مِنْهَا السرير. والهيولى لفظ يوناني مَعْنَاهُ الأَصْل والمادة. وَقَالَ بَعضهم الهيولى فِي الأَصْل هَيْئَة أولى والهيئة هَا هُنَا بِمَعْنى الْجَوْهَر. الهيميا: فِي الطلسم. الْهَيْئَة: هِيَ الْعرض إِلَّا أَن اعْتِبَار الْحُصُول فِي الْهَيْئَة وَالْعرُوض فِي الْعرض يَعْنِي أَن الْعرض يُقَال بِاعْتِبَار عروضه أَي حُصُوله فِي شَيْء آخر والهيئة بِاعْتِبَار حُصُوله أَي فِي نَفسه - وَقد يُقَال الْهَيْئَة على الْجَوْهَر كَمَا مر آنِفا فِي الهيولى وَعلم الْهَيْئَة هُوَ الَّذِي يبْحَث فِيهِ عَن أَحْوَال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية من حَيْثُ الكمية والكيفية والوضع وَالْحَرَكَة اللَّازِمَة لَهَا أبدية أَو ممتنعة الانفكاك وَمَا يلْزم مِنْهَا. الهيواء: هِيَ الْحَالة الظَّاهِرَة للمتهيئ - وَفِي الشَّرْع أَن يتواضعوا على أَمر فتراضوا بِهِ وَحَقِيقَته أَن يرضى الشُّرَكَاء بهيئة وَاحِدَة أَن ينْتَفع هَذَا بِهَذَا النّصْف المفرز وَذَاكَ بِذَاكَ النّصْف أَو هَذَا بكله فِي كَذَا من الزَّمَان وَذَاكَ بِقدر مُدَّة الأول - وَالْحَاصِل أَنَّهَا فِي الشَّرْع عبارَة عَن قسْمَة الْمَنَافِع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 ( [حرف الْيَاء] ) (بَاب الْيَاء مَعَ الْألف) الْيَأْس إِحْدَى الراحتين: مثل يضْرب بِهِ فِي الْعَرَب لمن يسْعَى ويرجى مرامه من رجل يقبل إيصاله إِلَيْهِ وَلَكِن لَا يُوصل فَتحصل لَهُ من ذَلِك صعوبة وملال. وَاعْلَم أَن الرَّاحَة راحتان: الأولى: الْوُصُول إِلَى الْمَطْلُوب. وَالثَّانيَِة: الخيبة واليأس مِنْهُ فَإِن صَاحب السَّعْي عِنْد الْيَأْس يجر رجْلي التَّرَدُّد وَالْمَشَقَّة فِي ذيل الرَّاحَة والاطمئنان. (يادداشت) و (يادكرد) در (هوش دردم) . يَأْجُوج وَمَأْجُوج: اسمان عجميان بِدَلِيل منع الصّرْف كَذَا فِي المدارك. وَفِيه أَن يَأْجُوج من التّرْك وَمَأْجُوج من الْجَبَل والديلم - وَفِي شرح الْمَقَاصِد وَأما يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَقيل من أَوْلَاد يافث بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَقيل جمع كثير من أَوْلَاد آدم عَلَيْهِ السَّلَام أَضْعَاف سَائِر بني آدم لَا يَمُوت الرجل مِنْهُم حَتَّى ينظر إِلَى مائَة ذكر من صلبه يحملون السِّلَاح. فَمنهمْ من هُوَ فِي غَايَة الطول خَمْسُونَ ذِرَاعا وَقيل سَبْعُونَ وَقيل مائَة وَعِشْرُونَ. وَمِنْهُم من طوله وَعرضه كَذَلِك. وَمِنْهُم من هُوَ فِي غَايَة الْقصر مِقْدَار شبر كَانُوا يخرجُون أَيَّام الرّبيع إِلَى قوم صالحين بقربهم فيهلكون زُرُوعهمْ ويقتلونهم فَجعل ذُو القرنين سدا دونهم فيحفرون كل يَوْم ذَلِك السد حَتَّى إِذا كَادُوا يرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِم ارْجعُوا فستحفرونه غَدا فيعيده الله تَعَالَى كَمَا كَانَ حَتَّى إِذا بلغت مدتهم حفروا حَتَّى إِذا كَادُوا يرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس - قَالَ الَّذِي عَلَيْهِم ارْجعُوا فستحفرونه غَدا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فيعودون وَهُوَ كَهَيْئَته فيحفرون وَيخرجُونَ مقدمهم بِالشَّام ومؤخرهم بخراسان فيشربون الْمِيَاه ويتحصن النَّاس مِنْهُم فِي حصونهم وَلَا يقدرُونَ على إتْيَان مَكَّة وَبَيت الْمُقَدّس فَيُرْسل الله تَعَالَى نغفا فِي أَعْنَاقهم فيهلكون جَمِيعًا فَيُرْسل طيرا تلقيهم فِي الْبَحْر فَيُرْسل مَطَرا يغسل الأَرْض. وخروجهم يكون بعد خُرُوج الدَّجَّال وَقتل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِيَّاه انْتهى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 (بَاب الْيَاء مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) اليبوسة: كَيْفيَّة فِي الْجِسْم تَقْتَضِي صعوبة الشكل والتفرق والاتصال. (بَاب الْيَاء مَعَ التَّاء الْفَوْقِيَّة) الْيُتْم: بِالضَّمِّ وَالْفَتْح وَسُكُون الثَّانِي. وَقد جَاءَ ضم الأول مَعَ ضم الثَّانِي بِي بدرشدن إِنْسَان قبل ازبلوغ وَبِي مادرشدن جَار بايه قبل از استغنا وَبِي نَظِير بودن درلآلى. الْيَتِيم: يعلم من هَذَا الْبَيَان لكَونه صفة مشبهة مِنْهُ. يتقه: بِسُكُون الْقَاف مضارع مَعْرُوف اتَّصل بِهِ ضمير الْمُذكر الْغَائِب أَو هَاء السكتة من اتَّقى يَتَّقِي. وَيعلم من بادئ النّظر اعْتِرَاض فِي سكونها لِأَن الْقيَاس كسرهَا وسكونها باقتضاء هَذِه الْقَاعِدَة وَهِي أَن كل اسْم من الثلاثي الْمُجَرّد إِذا كَانَ عينه مكسورا جَازَ إسكان عينه تَخْفِيفًا. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْكَتف بِكَسْر تَاء الْكَتف وبسكونها ثمَّ وزن كتف بِكَسْر التَّاء إِذا وجد فِي فعل فَحِينَئِذٍ أَيْضا يجوز إسكان عين ذَلِك الْفِعْل مشابهة لكتف وَإِن لم يكن لتركيب جَمِيع حُرُوف ذَلِك الْفِعْل دخل فِي ذَلِك الْوَزْن بل لتركيب بَعْضهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {ويتقه} أَصله يَتَّقِي فحذفت لَام الْكَلِمَة للجزم وَهِي الْيَاء لكَونه مَعْطُوفًا على المجزوم السَّابِق. فالقراء متفقون على كسر الْقَاف وَحذف الْيَاء الأحفص فَإِنَّهُ ذهب بعد حذف الْيَاء إِلَى إسكان الْقَاف لِأَن تقه فِي قَوْله تَعَالَى: {يتقه} على وزن كتف فأسكن الْعين وَهِي الْقَاف مشابهة لكتف كَمَا جَاءَ فِي انْطلق بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْقَاف انْطلق بِسُكُون اللَّام وَفتح الْقَاف فَإِن طلق فِي انْطلق على وزن كتف فأسكن اللَّام مشابهة لكتف فَاجْتمع الساكنان اللَّام وَالْقَاف فحركت الْقَاف لِأَنَّهَا أخف الحركات. ثمَّ حَفْص بعد إسكان الْقَاف فِي قَوْله تَعَالَى: {يتقه} قَائِل فِي هائه بقولين: أَحدهمَا: أَن الْهَاء للسكتة فعلى هَذَا التَّقْدِير كَانَت الْهَاء سَاكِنة فِي الأَصْل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أدريك ماهيه} . فَاجْتمع الساكنان الْقَاف وَالْهَاء فحركت الْهَاء بِالْكَسْرِ لِأَن السَّاكِن إِذا حرك حرك بِالْكَسْرِ - وَثَانِيهمَا: أَن الْهَاء ضمير للمذكر الْغَائِب فَلَا يلْزم على هَذَا التَّقْدِير التقاء الساكنين للمشابهة الْمَذْكُورَة وَالْهَاء متحركة لكَونه ضميرا لَكِن القَوْل الأول أَضْعَف وَالثَّانِي أقوى. هَكَذَا فِي الرسَالَة الْمُسَمَّاة بالمصارف فِي علم الصّرْف للسَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره. ثمَّ خطر على بَال الْفَقِير وَجه آخر وَهُوَ أَن الْقَاف من أقْصَى اللِّسَان وَالْهَاء من الْحلق فَكل وَاحِد مِنْهُمَا ثقيل فِي التَّلَفُّظ والكسرة على كل مِنْهُمَا أَيْضا ثَقيلَة - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 وَقَاعِدَة التجويد أَن هَاء الضَّمِير للمفرد الْمُذكر الْغَائِب إِذا كَانَ مكسورا وَمَا قبله أَيْضا مكسورا فَحِينَئِذٍ يكون صلَة ذَلِك الضَّمِير بِالْيَاءِ مثل بهي فَلَو كَانَت الْقَاف مَكْسُورَة يُوصل هَاء الضَّمِير بِالْيَاءِ فَلَزِمَ توالي كسرات مَعَ ثقل الْقَاف وَالْهَاء - فَإِن كسر الْقَاف وَالْهَاء مَعَ يَاء الصِّلَة كسرات لِأَن الْيَاء أَيْضا بِمَنْزِلَة الكسرتين فاسكن الْقَاف حَتَّى لَا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور هَذَا مَا حررنا فِي أَوَان الشَّبَاب لبَعض الأحباب. (بَاب الْيَاء مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة) اليرقان: هُوَ تغير من لون الْبدن فَاحش إِلَى صفرَة أَو سَواد لجَرَيَان الْخَلْط الْأَصْفَر وَالْأسود إِلَى الْجلد وَمَا يَلِيهِ بِلَا عفونة. وتفصيله فِي كتب الطِّبّ. ف (117) : (بَاب الْيَاء مَعَ الْقَاف الْمُعْجَمَة) الْيَقِين: عِنْد أَرْبَاب السلوك ظُهُور نور الْحَقِيقَة فِي الموقن حَال كشف الأستار البشرية بِشَاهِد الوجد والذوق لَا بِدلَالَة الْعقل وَالنَّقْل. فالإيمان نور من وَرَاء الْحجاب - وَالْيَقِين نور عِنْد كشف الْحجاب. وَاعْلَم أَنهم أَجمعُوا على أَنه كلما وجد حكم وجد تَصْدِيق إِمَّا غير جازم فَظن. أَو جازم صَادِق راسخ فيقين. أَو غير راسخ فتقليد. أَو جازم كَاذِب فجهل مركب. وتفصيل هَذَا الْإِجْمَال أَن الْيَقِين فِي الْعرف هُوَ التَّصْدِيق الْجَازِم المطابق الثَّابِت وَبِعِبَارَة أُخْرَى هُوَ اعْتِقَاد الشَّيْء بِأَنَّهُ لَا يُمكن إِلَّا كَذَا مطابقا للْوَاقِع غير مُمكن الزَّوَال. وبالقيد الأول يخرج الظَّن فَإِنَّهُ اعْتِقَاد الشَّيْء بِأَنَّهُ كَذَا مَعَ احْتِمَال مَرْجُوح لنقيضه. وبالقيد الثَّانِي أَعنِي مطابقا للْوَاقِع يخرج الْجَهْل الْمركب وبالقيد الثَّالِث يخرج اعْتِقَاد الْمُقَلّد فَإِنَّهُ غير راسخ مُمكن الزَّوَال بتشكيك المشكك. وَالشَّكّ عبارَة عَن تَسَاوِي طرفِي الْخَبَر أَي وُقُوعه وَلَا وُقُوعه - وَقد يذكر الشَّك وَيُرَاد بِهِ الظَّن كَمَا قَالُوا أَفعَال الْقُلُوب تسمى أَفعَال الشَّك وَالْيَقِين. وَأَرَادُوا بِالشَّكِّ هَا هُنَا الظَّن وَإِلَّا فَلَا شَيْء من هَذِه الْأَفْعَال بِمَعْنى الشَّك الْمُقْتَضِي لتساوي الطَّرفَيْنِ. وَإِن لم يتساويا فالطرف الرَّاجِح ظن والمرجوح وهم. وَقد مر تَحْقِيق حقيق لهَذِهِ الْأُمُور فِي الْعلم فَاعْلَم. الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ: بِالنَّقْلِ وَالْعقل. أما الأول فَمَا رَوَاهُ مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَرْفُوعا " إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه شَيْئا فأشكل عَلَيْهِ أخرج مِنْهُ شَيْء أَو لَا فَلَا يخْرجن من الْمَسْجِد حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا ". وَأما الْعقل فَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 عدم إِمْكَان الزَّوَال مُعْتَبر فِي مَفْهُوم الْيَقِين كَمَا مر. فَإِن قيل لَا نسلم أَن الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ بِسَنَد زَوَال النَّجَاسَة المتيقنة بِالشَّكِّ فِي إِزَالَتهَا. وتوضيحه أَنه إِذا تنجس طرف من أَطْرَاف الثَّوْب وَنسي مَحل النَّجَاسَة فَغسل طرفا من أَطْرَافه بتحر أَو بِلَا تحر حكم بِطَهَارَة الثَّوْب وَهُوَ الْمُخْتَار كَمَا فِي (التاتارخانيه) نَاقِلا عَن الْكُبْرَى. وَإِن كَانَ الْأَحْوَط غسل كُله كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة وَبِسَنَد مسئلة (السّير الْكَبِير) وَهِي إِذا فتحنا حصنا وَفِيهِمْ ذمِّي لَا يعرف لَا يجوز قَتلهمْ لقِيَام الْمَانِع بِيَقِين فَلَو قتل الْبَعْض أَو أخرج حل قتل الْبَاقِي للشَّكّ فِي قيام الْمحرم - فَلَو كَانَ الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ لما حكم بِزَوَال النَّجَاسَة الَّتِي ثُبُوتهَا يقيني بِالشَّكِّ فِي زَوَالهَا عِنْد غسل طرف من أَطْرَاف الثَّوْب. وَأجِيب بِأَن الأَصْل الْمُتَيَقن طَهَارَة الثَّوْب وَوَقع الشَّك فِي قيام النَّجَاسَة بعد ذَلِك الْغسْل لاحْتِمَال كَون المغسول محلهَا فَلَا يقْضِي وَلَا يحكم بِالنَّجَاسَةِ. فَثَبت أَن الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ وَلَكِن لَك أَن تَقول إِن النَّجَاسَة إِذا وصلت ثوبا فنجاسته يقينية فَلَا بُد أَن لَا يحكم بِطَهَارَتِهِ عِنْد ذَلِك الْغسْل بِالشَّكِّ فِي زَوَالهَا لاحْتِمَال كَون المغسول محلهَا فَلَا يقْضِي وَلَا يحكم بِالنَّجَاسَةِ فَثَبت أَن الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ. فَالْجَوَاب أَن نَجَاسَة النَّجس وطهارة الطَّاهِر مَا علمنَا إِلَّا بِبَيَان الشَّارِع الْحَكِيم الْعَالم بالمصالح فَلَمَّا حكم بِطَهَارَة الثَّوْب عِنْد غسل طرف مِنْهُ علم أَنه حكم بِأَن ذَلِك الطّرف المغسول هُوَ مَحل النَّجَاسَة يقيني دفعا للْحَرج أَو لمصَالح عِنْده. فَكَمَا أَن النَّجَاسَة يقينية زَوَالهَا أَيْضا يقيني بِحكم الشَّارِع لَا مَشْكُوك فَلم يلْزم زَوَال الْيَقِين بِالشَّكِّ هَذَا وَلَعَلَّ عِنْد غَيْرِي أحسن من هَذَا. فَإِن قلت: فَلَو صلى مَعَ هَذَا الثَّوْب صلوَات ثمَّ ظهر أَن النَّجَاسَة فِي الطّرف الآخر يجب عَلَيْهِ إِعَادَة تِلْكَ الصَّلَوَات أم لَا؟ قلت: تجب كَمَا فِي الْخُلَاصَة أَقُول: لِأَن حكم الشَّارِع بِنَجَاسَة ذَلِك الطّرف المغسول كَانَ مَشْرُوطًا بِالنِّسْيَانِ فَإِذا تذكر يعود نَجَاسَة الثَّوْب على مَا كَانَ من وَقت اللوث وَالطُّهْر المتخلل بَين النجاستين نَجَاسَة كالطهر بَين الدمين دم. فَإِن قلت لما كَانَ عدم الزَّوَال مأخوذا فِي مَفْهُوم الْيَقِين فَالْوَاجِب أَن لَا يَزُول أصلا. أَقُول لَيْسَ مُطلق عدم الزَّوَال مأخوذا فِي مَفْهُومه بل عدم الزَّوَال بالتشكيك مَأْخُوذ فِيهِ فَيجوز زَوَاله بِيَقِين آخر وَلَا يخفى لطفه. (بَاب الْيَاء مَعَ الْمِيم) الْيَمين: دست راست وَقُوَّة وتوانائي. - وَفِي الشَّرْع تَقْوِيَة أحد طرفِي الْخَبَر بالمقسم بِهِ وَجمعه الْإِيمَان. وَفِي مجمع الْحَوَاشِي الْيَمين تَقْوِيَة مَا عزم عَلَيْهِ من تَحْصِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 فعل أَو امْتِنَاعه عَنهُ بِذكر اسْم الله تَعَالَى سَوَاء كَانَ ذَلِك وَاجِبا أَو مُبَاحا أَو حَرَامًا انْتهى. ثمَّ الْيَمين بِاللَّه ثَلَاثَة أَقسَام - غموس - ولغو - ومنعقد. إِنَّه إِن حلف على إِثْبَات أَمر مَاض كذبا عمدا فَهُوَ غموس وجزاءه الْإِثْم والغموس هَا هُنَا هُوَ الدُّخُول فِي النَّار. - وَإِن حلف على ذَلِك الْإِثْبَات ظنا فَهُوَ لَغْو لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا إِثْم - وَإِن حلف على أَمر آتٍ فِي الْمُسْتَقْبل مُنْعَقد - وَفِيه كَفَّارَة فَقَط وَلَو مكْرها أَو مجبورا أَو نَاسِيا أَو حنث كَذَلِك - ثمَّ تطلق الْأَيْمَان على التعليقات أَيْضا لِأَن فِيهَا أَيْضا تَقْوِيَة أحد طرفِي الْخَبَر بِالشّرطِ أَو لِأَنَّهَا أَيْمَان التزاما وَلذَا قَالُوا الشَّرْط فِي مثل إِن فعلت كَذَا فعبده حر أَو امْرَأَته طَالِق للْيَمِين على تَحْقِيق نقيض مَضْمُون الشَّرْط -. فَإِن كَانَ الشَّرْط مثبتا مثل إِن ضربت رجلا فَكَذَا فَهُوَ يَمِين للْمَنْع بِمَنْزِلَة قَوْلك وَالله لَا أضْرب رجلا. وَإِن كَانَ منفيا مثل إِن لم أضْرب رجلا فَكَذَا فَهُوَ يَمِين للْحَمْل بِمَنْزِلَة قَوْلك وَالله لَأَضرِبَن رجلا. وَالْحَاصِل أَن الْيَمين فِي الْإِثْبَات للْمَنْع - وَفِي النَّفْي للْحَمْل. فَمَعْنَى إِن ضربت رجلا فَعَبْدي حر وَالله لَا أضْرب رجلا. وَمعنى إِن لم أضْرب رجلا فَعَبْدي حر وَالله أضْرب رجلا. وَشرط الْبر فِي الأول أَن لَا يضْرب أحدا من الرِّجَال - وَفِي الثَّانِي ضرب أحد من الرِّجَال. وَاعْلَم أَن بَين أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك رَحِمهم الله تَعَالَى اخْتِلَاف فِي أَلْفَاظ الْأَيْمَان وَالْأَصْل أَن الْأَلْفَاظ المستعملة فِي الْأَيْمَان مَبْنِيَّة على الْعرف عندنَا. وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى تبتنى على الْحَقِيقَة. وَعند مَالك رَحمَه الله تَعَالَى تبتنى على كلم الْقُرْآن. ثمَّ اعْلَم أَن الْيَمين على نَوْعَيْنِ شَرْعِي وعرفي أما الْيَمين الشَّرْعِيّ فَهُوَ الَّذِي يُوجب الْإِثْم وَالْكَفَّارَة وَهُوَ لَا يجوز إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى وكفارته تَحْرِير رَقَبَة فَإِن لم يجد فإطعام عشرَة مَسَاكِين أَو كسوتهم وَإِن لم يسْتَطع فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَوَالِيَة. وَأما الْيَمين الْعرفِيّ فَهُوَ مَا اعتاده النَّاس من الْقسم بالعمر والبقاء والقدم وَغير ذَلِك لتأكيد الحكم وَهَذِه الْكَلِمَات بِمَنْزِلَة الْحُرُوف الْمُؤَكّدَة فاليمين الْعرفِيّ بِغَيْر اسْم الله تَعَالَى جَائِز لَيْسَ بمنهي عَنهُ. اليمانين: جمع يمَان وَهُوَ فِي الأَصْل يمني بياء النِّسْبَة ثمَّ حذفت للتَّخْفِيف كَمَا فِي بصر وعوضت بِالْألف قبل النُّون الْمَكْسُورَة إبْقَاء للكسرة الدَّالَّة عَلَيْهَا. وَقَالَ أفضل الْمُتَأَخِّرين مَوْلَانَا عبد الْحَكِيم رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَوَاشِي المطول أصل يمَان يمنى حذفت الْيَاء المدغمة وَعوض عَنْهَا الْألف قبل النُّون على خلاف الْقيَاس فَصَارَ يماني وَحذف الْألف لالتقاء الساكنين كَذَا قَالُوا وَإِلَّا ظهر أَنه حذف يَاء النِّسْبَة وَعوض عَنْهَا قبل النُّون على خلاف الْقيَاس لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَالتَّخْفِيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 (بَاب الْيَاء مَعَ الْوَاو) يَوْم: {يَأْتِي بعض آيَات رَبك لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا} اسْتدلَّ جَار الله الزَّمَخْشَرِيّ صَاحب الْكَشَّاف بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة على مذْهبه وَهُوَ أَن مُجَرّد الْإِيمَان بِدُونِ الْعَمَل غير نَافِع. وتوجيهه على مَا قَرَّرَهُ الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي التَّلْوِيح أَن كلمة أَو هَا هُنَا لإيقاع أحد الشَّيْئَيْنِ وَأَنَّهَا تفِيد عدم الشُّمُول للُزُوم التّكْرَار على تَقْدِير الشُّمُول - وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا نفي الْإِيمَان كَانَ كسب الْخَيْر فِيهِ منفيا لِأَن كسب الْخَيْر فِي الْإِيمَان وَلَا إِيمَان محَال. فَلَا بُد أَن يَنْتَفِي كسب الْخَيْر فِيهِ فَإِذا نفي كَانَ تَكْرَارا. أَو معنى الْآيَة أَن النَّفس الَّتِي انْتَفَى مِنْهَا مَجْمُوع الْإِيمَان مَعَ كسب الْخَيْر وَهِي إِمَّا نفس كَافِرَة أَو مُؤمنَة لم تكتسب الْخَيْر فِي إيمَانهَا لَا ينفع إيمَانهَا. وتوضيحه أَن عِنْد ظُهُور أَشْرَاط السَّاعَة تكون النَّفس ثَلَاثًا. أَحدهَا: الَّتِي آمَنت وكسبت الْخَيْر وَهَذِه ينفعها إيمَانهَا بِاتِّفَاق بَيْننَا وَبينهمْ. وَثَانِيها: الَّتِي آمَنت قبل ظُهُور أَشْرَاط السَّاعَة وَلم تكتسب الْخَيْر وَهَذِه ينفعها إيمَانهَا عندنَا خلافًا للمعتزلة. وَالثَّالِثَة: الَّتِي لم تؤمن قبل ظُهُور أَشْرَاط السَّاعَة وَآمَنت عِنْد ظُهُورهَا وَهَذِه لَا ينفع إيمَانهَا بالِاتِّفَاقِ لِأَن إِيمَان الْيَأْس غير مَقْبُول وَأَن الْآيَة بيّنت حكم الْأَخِيرَتَيْنِ فَلم يفرق بَينهمَا - وَقَالَ الطَّيِّبِيّ لَا يتم مَا ذكره من الِاسْتِدْلَال فَإِن هَذَا الْكَلَام فِي البلاغة يلقب باللف وَأَصله يَوْم يَأْتِي بعض آيَات رَبك لَا ينفع نفسا لم تكن مُؤمنَة قبل إيمَانهَا بعد وَلَا نفسا لم تكتسب فِي إيمَانهَا خيرا قبل مَا كسبت من الْخَيْر بعد. وَالْمَقْصُود من الْآيَة أَن الْإِيمَان بعد ظُهُور الْآيَات الملجية وَالْعَمَل الصَّالح غير نافعين. هَذَا مَا ذكره قدوة الْمُحَقِّقين زبدة الواصلين حضرت شاه وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين الْعلوِي الأحمدآبادي قدس سره وَنور مرقده - وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام يرد على تَوْجِيه جَار الله الْآيَة أَن الْخَيْر نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي فتعم - فَيلْزم أَن يكون نفع الْإِيمَان بِمُجَرَّد خير وَلَو وَاحِدًا وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْد الْمُعْتَزلَة - فَإِن جَمِيع الْأَعْمَال الصَّالِحَة دَاخِلَة فِي الْإِيمَان عِنْدهم. ثمَّ إِنَّه لَا يخفى أَن اسْتِدْلَال الْمُعْتَزلَة لَا يَخْلُو عَن قُوَّة. فَأجَاب أهل السّنة تَارَة بِأَن المُرَاد بِالْخَيرِ الْإِخْلَاص وبالإيمان ظَاهره من القَوْل وَالْعَمَل وَفِيه بعد. وَتارَة بِأَن الْآيَة من اللف التقديري أَي لَا ينفع نفسا إيمَانهَا وَلَا كسبها فِي الْإِيمَان فيوافق الْأَحَادِيث والآيات الشاهدة بِأَن مُجَرّد الْإِيمَان نَافِع ويلائم مَقْصُود الْآيَة حَيْثُ وَردت تخسيرا للَّذين أخْلفُوا مَا أوعدوا من الرسوخ فِي الْهِدَايَة عِنْد إِنْزَال الْكتب حَيْثُ كذبُوا بِهِ وصدفوا عَنهُ. وَفِيه أَنه ذكر فِي خُلَاصَة الْفَتْوَى وَغَيره من كتب الْفِقْه أَن تَوْبَة اليائس مَقْبُولَة وَإِن لم يكن إِيمَان الْيَأْس مَقْبُولًا لَكِن ذكر فِي جَامع الْمُضْمرَات خلاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 ذَلِك. وَالْأَظْهَر أَن يُجَاب عَن الِاسْتِدْلَال بِأَن المُرَاد بالنفع كَمَاله أَعنِي الْوُصُول إِلَى رفع الدَّرَجَات والخلاص عَن الدركات بِالْكُلِّيَّةِ انْتهى. اليونسية: أَصْحَاب ابْن يُونُس بن عبد الرَّحْمَن قَالُوا الله تَعَالَى على الْعَرْش تحمله الْمَلَائِكَة. يَوْم التَّرويَة: هُوَ الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة. وَوجه تَسْمِيَته بِهِ فِي التَّرويَة. يَوْم نحس مُسْتَمر: يَوْم الْأَرْبَعَاء آخر الشَّهْر. الْيَوْم: حَقِيقَة فِي النَّهَار فَإِذا اقْترن مَعَ فعل ممتد يُرَاد بِهِ النَّهَار لَا غير لصِحَّة حمله على الْحَقِيقَة حِينَئِذٍ. وَإِذا اقْترن مَعَ فعل غير ممتد فيراد بِهِ الْوَقْت الْمُطلق مجَازًا. وَهَذَا تَفْصِيل مَا قَالُوا إِنَّه حَقِيقَة فِي النَّهَار ومجاز فِي الْوَقْت الْمُطلق سَوَاء كَانَ جُزْء اللَّيْل أَو النَّهَار. وَكَلَام الْمُحِيط مشْعر باشتراكه بَين النَّهَار وَمُطلق الْوَقْت إِلَّا أَن الْمُتَعَارف اسْتِعْمَاله فِي النَّهَار إِذا اقْترن مَعَ فعل ممتد. - وَإِذا اقْترن بِفعل غير ممتد يُرَاد بِهِ الْوَقْت مُطلقًا سَوَاء كَانَ جُزْء اللَّيْل أَو النَّهَار لِأَن ظرف الزَّمَان إِذا تعلق بِالْفِعْلِ بِلَا كلمة فِي يكون معيارا لَهُ كَقَوْلِك صمت السّنة بِخِلَاف قَوْلنَا صمت فِي السّنة. فَإِذا كَانَ الْفِعْل ممتدا كالأمر بِالْيَدِ كَانَ المعيار ممتدا فيراد بِالْيَوْمِ النَّهَار. وَإِن كَانَ الْفِعْل غير ممتد كوقوع الطَّلَاق كَانَ المعيار غير ممتد فيراد بِالْيَوْمِ الْوَقْت مُطلقًا. ثمَّ اعْلَم أَن الامتداد وَعَدَمه إِنَّمَا يعْتَبر أَن فِي عَامل الْيَوْم لَا فِي مَا أضيف إِلَيْهِ عِنْد الْمُحَقِّقين وَبَعض الْمَشَايِخ اعتبروهما فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ. وَفِي شرح الْوِقَايَة فَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا غير ممتد كَقَوْلِك أَنْت طَالِق يَوْم يقدم زيد يُرَاد بِالْيَوْمِ مُطلق الْوَقْت وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا أَي عَامله وَمَا أضيف إِلَيْهِ ممتدا نَحْو أَمرك بِيَدِك يَوْم أسكن هَذِه الدَّار يُرَاد بِالْيَوْمِ النَّهَار وَإِن كَانَ الْفِعْل الَّذِي تعلق بِهِ الْيَوْم أَي عَامله غير ممتد وَالْفِعْل الَّذِي أضيف إِلَيْهِ الْيَوْم ممتدا نَحْو أَنْت طَالِق يَوْم أسكن هَذِه الدَّار أَو بِالْعَكْسِ نَحْو أَمرك بِيَدِك يَوْم يقدم زيد يَنْبَغِي أَن يُرَاد بِالْيَوْمِ النَّهَار تَرْجِيحا لجَانب الْحَقِيقَة. وَفِي التَّحْقِيق شرح الحسامي. وَاعْلَم أَن لفظ الْيَوْم يُطلق على بَيَاض النَّهَار بطرِيق الْحَقِيقَة اتِّفَاقًا وعَلى مُطلق الْوَقْت بطرِيق الْحَقِيقَة عِنْد الْبَعْض فَيصير مُشْتَركا وبطريق الْمجَاز عِنْد الْأَكْثَر وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن حمل الْكَلَام على الْمجَاز أولى من حمله على الِاشْتِرَاك عِنْد التَّعَارُض بَين كَونه حَقِيقَة وَكَونه مجَازًا لِأَن الْمجَاز فِي الْكَلَام أَكثر فَيحمل على الْأَغْلَب وَلِأَن الْحمل على الْمجَاز لَا يفْتَقر إِلَى إِثْبَات الْوَضع بِخِلَاف الْحمل على الْحَقِيقَة فَإِنَّهُ مفتقر إِلَيْهِ والغني أولى من الْفَقِير وَلِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى إِيهَام المُرَاد لِأَن اللَّفْظ إِن خلا عَن قرينَة الْمجَاز فالحقيقة متعينة وَإِن لم يخل عَنْهَا فَالَّذِي تدل عَلَيْهِ الْقَرِينَة وَهُوَ الْمجَاز مُتَعَيّن بِخِلَاف الِاشْتِرَاك فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَال فِي الْكَلَام لعدم إفهام المرام ثمَّ لَا شكّ أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 الْيَوْم ظرف على كلا التَّقْدِيرَيْنِ عِنْد الْفَرِيقَيْنِ فيترجح أحد محتمليه لمظروفه. فَإِن كَانَ مظروفه مِمَّا يَمْتَد وَهُوَ مَا يَصح فِيهِ ضرب الْمدَّة أَي يَصح تَقْدِيره بِمدَّة كاللبس وَالرُّكُوب والمساكنة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ يَصح أَن يقدر بِزَمَان يُقَال لبست هَذَا الثَّوْب يَوْمًا وَركبت هَذِه الدَّابَّة يَوْمًا وسكنت فِي الدَّار وَاحِدَة شهرا يحمل على بَيَاض النَّهَار لِأَنَّهُ يصلح مِقْدَارًا فَكَانَ الْحمل عَلَيْهِ أولى وَإِن كَانَ مظروفه مِمَّا لَا يَمْتَد كالخروج وَالدُّخُول والقدوم فَإِنَّهَا لكَونهَا آنِية لَا يَصح تقديرها بِزَمَان يحمل على مُطلق الْوَقْت اعْتِبَارا للتناسب انْتهى. وكل من الْفِعْل الممتد وَغير الممتد والمعيار فِي مَحَله وَالْيَوْم الَّذِي وَصفه الله تَعَالَى بنحس مُسْتَمر أَي مُسْتَمر شؤمه هُوَ يَوْم الْأَرْبَعَاء آخر الشَّهْر. وَاعْلَم أَن اللَّيْل وَالْيَوْم يكونَانِ متساويين بِأَدْنَى تفَاوت بِاعْتِبَار اللمحات إِذا كَانَت الشَّمْس فِي الْحمل مثلا ثمَّ يتفاوتان فَإِن أردْت أَن تعلم الْمُسَاوَاة والتفاوت بَينهمَا فَاعْلَم أَولا أَن اللَّيْل وَالْيَوْم كِلَاهُمَا يكونَانِ سِتِّينَ طاسا وَهِي أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ سَاعَة والساعة عبارَة عَن طاسين وَنصف طاس والطاس بِالْفَارِسِيَّةِ (كهري) وَهُوَ يكون سِتِّينَ لمحة وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ يانيئول وبالهندية بل بِالْبَاء الفارسية الْمَفْتُوحَة فَإِذا كَانَ الْيَوْم ثَلَاثِينَ طاسا يكون اللَّيْل أَيْضا ثَلَاثِينَ طاسا وَإِذا كَانَ الْيَوْم أقل من ثَلَاثِينَ طاسا أَو أَكثر يكون اللَّيْل مَا بَقِي من سِتِّينَ طاسا وَإِن أردْت معرفَة زِيَادَة مِقْدَار اللَّيْل وَالنَّهَار فِي الْفُصُول الْأَرْبَعَة فَارْجِع إِلَى الْفَصْل وَإِن أردْت أَن تعلم الْمُسَاوَاة والتفاوت بَين الْأَيَّام والليالي بسهولة فَانْظُر إِلَى الجداول الثَّلَاثَة فَإِنَّهَا لم تتْرك شَيْئا وأسامي البروج اثْنَي عشر بالعربي (حمل) (ثَوْر) (جوزاء) (سرطان) (أَسد) (سنبله) (ميزَان) (عقرب) (قَوس) (جدي) (دلو) (حوت) . وأسامي الشُّهُور بالفارسي (فروردي) (اردي بهشت) (خورداد) (تير) (امرداد) (شهر يور) (مهر) (آبان) (آذر) (دي) (بهمن) (اسفندار) . وبالهندي ويساك - جيته - اسار - سارون - بهادون - آسين - كاتك - اكهن. بوس - ماهو - بهاكن - جيت - وَتلك الجداول هَذِه. ف (118) : اعلموا أَن الْمسَائِل والدلائل والتحقيقات والتدقيقات والسؤالات والجوابات غير متناهية فَمن ادّعى الإحاطاة فقد خسر خسرانا مُبينًا - وَمن تكلّف جمعهَا بالتحرير فقد جعل نَفسه بالمحال رهينا - وَالْمُحِيط بهَا من هُوَ بِكُل شَيْء مُحِيط - والعليم بهَا من هُوَ بِكُل شَيْء عليم - فتبت واستغفرت من الدَّعَاوَى إِلَى الله الْغفار التواب - وختمت بِحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 توفيقه هَذَا الْكتاب - يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر من الْمحرم الْحَرَام المنتظم فِي سلك شهور ألف وَمِائَة وَثَلَاث وَسبعين من الْهِجْرَة المقدسة فِي الْبَلدة الطّيبَة أَحْمد نكر من مضافات أَو رنكك آباد خجسته بنياد عمرهما الله تَعَالَى إِلَى يَوْم التناد - اللَّهُمَّ اغْفِر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي فِي أَمْرِي وَأَنت أعلم بِهِ مني اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي وخطائي وعمدي وكل ذَلِك عِنْدِي {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} . {رَبنَا لَا تزع قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب} - رَبنَا تب علينا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم - الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيد الْمُرْسلين وَآله الطيبين وَأَصْحَابه الطاهرين وَالتَّابِعِينَ وَتبع التَّابِعين أَجْمَعِينَ. تمّ الْجُزْء الثَّالِث من دستور الْعلمَاء ويليه الْجُزْء الرَّابِع والأخير وَهُوَ " ضميمة دستور الْعلمَاء " وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) (] حرف الْألف [) (بَاب الْألف مَعَ الْألف) الأحمد: وَفِي حديقة الْحَقِيقَة للحكيم السنائي رَحْمَة الله عَلَيْهِ: (قَالَ أَحْمد عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم ... أَن اسْمِي أَحْمد وَلكنه خَال من الْمِيم) (وَلما سمع عَليّ الْكَلَام وَالْقَوْل السرمدي ... اسْتمع إِلَى كَلَام الرّوح بحكمة) (قَالَ إِن مَحْمُود من دون الْوَاو ... فقد وضع للحق سر غيبَة لي) الْآل: خطب عمر رَضِي الله عَنهُ أم كُلْثُوم ابْنة عَليّ رَضِي الله عَنهُ لكنه اعتذر لصِغَر سنّهَا وَبِأَن لَهُ رَأْي بِأَن يُعْطِيهَا لِابْنِ أَخِيه جَعْفَر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْدهَا قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم أرد من هَذَا التَّزْوِيج الباه وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: ((كل سَبَب وَنسب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة، سوى سببي ونسبي)) وكل أَبنَاء الْبِنْت ينسبون لأبائهم سوى أَبنَاء فَاطِمَة. فَعَلَيْكُم أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ بحب بني فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وتعظيمهم وتكريمهم وإعانتهم بالجنان وَاللِّسَان والأبدان. نعم الْقَائِل. (هم السَّادة الْعِظَام وأوصافهم جلية ... ) (أَبنَاء الْمُصْطَفى وَقطعَة من كبد عَليّ ... ) (لَا تنظر أَيهَا الْقلب إِلَى أفعالهم بِجَهْل ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 (الصالحون لله والطالحون لي ... ) وَأَيْضًا: (هم السَّادة المنورون وأعيان الْعَالم ... من حُرْمَة مُحَمَّد وَعزة عَليّ) (غَدا يصبح طَعَاما لمعدة جَهَنَّم كل فَرد ... لم تمتلء جنبتاه وخباياه من محبتهم) (وَإِذا مَا صدرت زلَّة من أحدهم ... ) (لَا يُمكن أَن تنكسر حرمتهم من الْجَهْل ... ) (وَمن بِفضل قَول سيد الكونين ... ) (الصالحون لله والطالحون لي ... ) قَالَ الْفَاضِل السَّيِّد غُلَام عَليّ آزاد بلكرامي سلمه الله تَعَالَى فِي رسَالَته الْمُسَمَّاة: ((أفضل السعادات فِي حسن خَاتِمَة السادات)) أَن مَا وصل إِلَى كَاتب هَذِه الأوراق فِي بَاب بِشَارَة السَّادة أَعلَى الله درجاتهم ووفقهم لِلْخَيْرَاتِ وَإِن كَانَ غير خَافَ على أَصْحَاب الفطنة والذكاء ثمَّ إِن قرَابَة وشفاعة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تطال العاصين من أهل الْبَيْت وَهِي ثَابِتَة ومقررة، وَلَيْسَ هُنَاكَ شكّ من أَن النَّهْي قد صدر عَن ذَات الرَّسُول فِي النَّهْي عَن الْمعاصِي وَالْعَمَل خلاف الَّذِي يرضيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِذا مَا فعل أحد من السَّادة أفعالا غير مرضية وَغير مَقْبُولَة فَإِن خاطره الشريف يتكدر ويغلي لِأَن أحد أَوْلَاده اخْتَار طَرِيقا غير طَرِيقه وَيعْمل على اضلال وضلال الْأمة. وَفِي الْحَقِيقَة أَن السَّادة الَّذين سلكوا طَرِيقا مُخَالفَة لطريقة جدهم الْعَظِيم، وَسَارُوا فِي طَرِيق العقوق والمخالفة عَن معرفَة وَعلم فَإِنَّهُم يسببون الخجل للرسول بِالْقربِ من الْعَزِيز تَعَالَى شَأْنه معَاذ الله مِنْهَا وعندما يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يُرِيدُونَ شَفَاعَة مِنْهُ، وَهَذَا الْأَمر بعيد عَن الْإِنْصَاف بمراحل كَبِيرَة، وَخير مَا قيل: (لَيْسَ ابْن النَّبِي من لَيْسَ على طَرِيق النَّبِي ... ) كَمثل الْآيَة المنسوخة. وصلنا أَن الرَّسُول الأكرم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعْطى صلَة الرَّحِم الرِّعَايَة الْكُبْرَى من توجهه الْمُقَدّس وتحدث عَن أَثَرهَا فِي الشَّفَاعَة وَمَا لَهَا من مكانة ووجاهة لَدَى الْإِخْوَة والأقران، وَهَذَا مَا جعل اهتمام الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينصب على صلحاء أهل الْبَيْت فِي الدرجَة الأولى يليهم فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة العصاة وَالدُّعَاء بهدايتهم. وَأَن الاهتمام الأول طبيعي أما الثَّانِي فَإِنَّهُ قسري، لِأَن الطَّائِفَة الأولى مِنْهُم مكانتها فِي الْمقَام الرفيع فِي الْجنَّة يتنعمون بِهِ أما الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَإِنَّهَا غارقة فِي الخجالة والندامة وَقد قَالَ الشَّاعِر (عرفي) : (كل وَاحِد كَانَ محروما من لَذَّة الطَّاعَة ... ) فَأَنا فأكيد أَنه سَيكون فِي الْجنَّة يتلضى بحرمانه ... ) إِذن على السَّادة أَن يشكروا طهر الطينة وَبشَارَة الْمَغْفِرَة ويعتبروها ويختاروها وَسِيلَة الْمجد الْأَشْرَف وَأَن يثبتوا أَقْدَامهم على إتباع الْمَأْمُور بِهِ وَاجْتنَاب الْمُحرمَات وَأَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 يهدوا الْأمة إِلَى طَرِيق الشَّرْع القويم حَتَّى يَكُونُوا كمنطوق القَوْل ((الْوَلَد الْحر يَقْتَدِي بآبائه الغر)) ، وَمن الْحق والأجدر بهم اتِّبَاع طَرِيق النُّبُوَّة وعدالة الشَّرِيعَة. حَتَّى لَا يعتمدوا على شرف النّسَب وينحرفوا عَن الطَّرِيق ويذهبوا فِي تيه الْمعاصِي وَالْمُنكر وَقد قَالَ الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} . وَالْمرَاد بِأَهْل الْبَيْت فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} . أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لدلَالَة مَا قبل هَذِه الْآيَة وَمَا بعْدهَا. وَمَا روى مُسلم فِي صَحِيحه أَنه خرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَدَاة وَعَلِيهِ مرط مرجل من شعر أسود فجَاء الْحسن بن عَليّ فَأدْخلهُ فِيهِ ثمَّ جَاءَ الْحُسَيْن فَأدْخلهُ مَعَه ثمَّ جَاءَت فَاطِمَة فَأدْخلهَا ثمَّ جَاءَ عَليّ فَأدْخلهُ ثمَّ قَالَ {إِنَّمَا يُرِيد الله} الْآيَة يدل على أَنهم أهل بَيت لَا على أَنهم لَيْسَ غَيرهم لِأَن تَخْصِيص أهل الْبَيْت بهم لَا يُنَاسب مَا قبل الْآيَة الْمَذْكُورَة وَمَا بعْدهَا كَمَا لَا يخفى على المتأمل وَالضَّمِير فِي يطهركم على التغليب لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَاخل فِي هَذَا الحكم وَكَلَام القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ صَرِيح فِيمَا ذكرنَا وَفِي التَّفْسِير الْحُسَيْنِي. وَقَالَ صَاحب عين الْمعَانِي أَن ظَاهر تَفْسِير الْآيَة يدل على أَن الْمَقْصُود هُنَا أَزوَاج النَّبِي. وَلَكِن نقل عَن عَائِشَة وَأم سَلمَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَن أهل الْبَيْت هم فَاطِمَة وَعلي وَالْحسن وَالْحُسَيْن رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. وَجَاء فِي أَسبَاب النُّزُول عَن أم سَلمَة رَضِي تَعَالَى عَنْهَا أَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أَتَت الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِطَعَام (سنبوسات أَو لحم) فَقَالَ لَهَا الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا فَاطِمَة نَادِي على عَليّ وولديك حَتَّى يشاركوني فِي هَذَا الطَّعَام وَقد كَانَ الْمُصْطَفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يضع بردته عَلَيْهِ وَقَالَ يَا رب هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي فَأذْهب عَنْهُم الرجس وطهرهم فَنزلت هَذِه الْآيَة، وَقد كنت مَوْجُودَة وحاولت أَن أَضَع رَأس تَحت الْبردَة وَقلت يَا رَسُول الله أَلَسْت من أهل الْبَيْت فَقَالَ لي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أَنْت على خير)) . وَمن هَذَا المنطلق فَإِن آل الْبَيْت خَمْسَة أشخاص. (انْتهى) . وَأَنت تعلم أَن القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ لم يطلع على شَأْن نزُول هَذِه الْآيَة الَّذِي ذكره صَاحب عين الْمعَانِي أَو أغمض عَنهُ أَو لم يثبت عِنْده وَإِن ثَبت أَن هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة نزلت مرَّتَيْنِ مرّة فِي حَادِثَة الْأزْوَاج المطهرة وَمرَّة فِي هَذِه الْحَادِثَة الَّتِي روتها عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَغَيرهَا فَلَا إِشْكَال وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. الْآيَة: وَقَالَ الْعَارِف النامي مَوْلَانَا الشَّيْخ نور الدّين عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي: (إِن آيَات الْقُرْآن جَيِّدَة وجميلة وَهِي ... ) (وَهِي سِتَّة الآف وستمائه وَسِتَّة وَسِتِّينَ آيَة ... ) (ألف مِنْهَا للوعد والوعيد ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 (وَألف لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي ... ) (وَألف للأمثال والعبر ... ) (وَألف للقصص والتذكر ... ) (خَمْسمِائَة لمباحث الْحَلَال وَالْحرَام ... ) (وَمِائَة للتسبيح فِي الصَّباح والمساء ... ) (وَسِتَّة وَسِتُّونَ للناسخ والمنسوخ ... ) (فَافْهَم وَالله أعلم بِالصَّوَابِ ... ) (بَاب الْألف مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة) أَبُو الْقَاسِم: كنية نَبينَا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّمَا يكنى بِهِ لِأَن ابْنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ قاسما من خَدِيجَة الْكُبْرَى رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. أَبُو بكر الصّديق: اسْمه عبد الله بن أبي قُحَافَة عُثْمَان بن عَامر بن عمر بن كَعْب بن لؤَي وَهُوَ أول الْخُلَفَاء الرَّاشِدين بعد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَمُدَّة خِلَافَته سنتَانِ وَثَلَاثَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام وَقيل سنتَانِ وشهران. توفّي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء بَين الْمغرب وَالْعشَاء لثمان مَضَت من جُمَادَى الآخر سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة. وَله ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة. وَكَانَ سَبَب مَوته حزنا لحقه على مُفَارقَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَكَانَ مُدَّة شدَّة مَرضه خَمْسَة عشر يَوْمًا. وَدفن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي حجرَة أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأسه عِنْد صَدره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَفِي شرح الْمَقَاصِد مرض أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ فِي جُمَادَى الآخر سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة بَعْدَمَا انْقَضتْ من خِلَافَته سنتَانِ وَأَرْبَعَة أشهر أَو سِتَّة أشهر فَشَاور الصَّحَابَة وَجعل الْخلَافَة لعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ انْتهى. فَإِن قيل إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - توفّي فِي ربيع الأول بِلَا خلاف وَهُوَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ توفّي فِي جُمَادَى الآخر فَيكون خِلَافَته سنتَيْن وَأَرْبَعَة أشهر لَا سِتَّة فَمَا وَجه الشَّك قُلْنَا إِن ابْتِدَاء السّنة يحْتَسب من الْمحرم فَإِن احتسب خِلَافَته من الْمحرم بِاعْتِبَار ان ابْتِدَاء السّنة مِنْهُ كَانَ سِتَّة وَإِن احتسب من وَفَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ أَرْبَعَة وَلكُل وجهة يفهم من مارس كتب التواريخ. وَإِنَّمَا سمي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عتيقا لجماله وكماله. والعتيق الْكَرِيم من كل شَيْء وَالْخيَار مِنْهُ. وَيُقَال إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ أَنْت عَتيق الرَّحْمَن من النَّار. وَقيل لِأَن أمه كَانَ لَا يعِيش لَهَا ولد فَلَمَّا عَاشَ سمته عتيقا لِأَنَّهُ عتق من الْمَوْت. أبجد: نعم النَّاظِم: (الْآحَاد عدهَا من ابجد حَتَّى حرف حطي ... وَكَذَلِكَ من كلمن حَتَّى سعفص بالعشرات ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 (وَلَكِن من قرشت إِلَى ضنطغ بالمئات ... وَهَكَذَا يُمكن استخلاص حِسَاب الْجمل) أَبُو مَنْصُور الماتريدي: هُوَ تلميذ أبي نصر العياض أبي بكر الْجِرْجَانِيّ. تلميذ مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ من أَصْحَاب الإِمَام الْأَعْظَم أبي حنيفَة رَحِمهم الله تَعَالَى كَذَا فِي شرح الْمَقَاصِد وَمَا تُرِيدُ قَرْيَة من قرى سَمَرْقَنْد. أَبُو حنيفَة: كنية الإِمَام الْهمام الْأَعْظَم نعْمَان بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وِلَادَته فِي سنة ثَمَانِينَ وَتُوفِّي فِي شهر رَجَب أَو شعْبَان فِي سنة مائَة وَخمسين من الْهِجْرَة. والمنصور الْخَلِيفَة جعله مسجونا فَمَاتَ فِي السجْن سَاجِدا وَدفن فِي بَغْدَاد فِي مَقْبرَة خيزران رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَرُوِيَ عَن الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: (بَان النَّاس فِي فقه عِيَال ... على فقه الإِمَام أبي حنيفه) وَفِي الْمُضْمرَات رُوِيَ عَن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ إِنَّا نجد فِي التَّوْرَاة الَّتِي أنزلهَا الله تَعَالَى على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَن الله تَعَالَى سَيكون فِي أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نورا يكنى بِأبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَهُوَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على طَريقَة أبي الْمَنْصُور الماتريدي وَالشَّافِعِيّ رَحْمَة الله تَعَالَى على طَريقَة أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَفِي الْبَحْر الرَّائِق شرح كنز الدقائق قد حُكيَ فِي المناقب أَن أَبَا حنيفَة رأى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُ أوجبت على من صلى عَليّ سُجُود السَّهْو فَأجَاب لكَونه صلى عَلَيْك سَاهِيا فَاسْتَحْسَنَهُ. ابْن الْحَاجِب رَحمَه الله تَعَالَى: هُوَ أَبُو عمر عُثْمَان بن عمر بن أبي بكر الْمَشْهُور بِابْن الْحَاجِب. وَمن مصنفاته (الشافية) و (الكافية) و (مُخْتَصر الْأُصُول الحاجبي) وَكَانَ مالكيا ولد فِي سنة سبعين وَخمْس مائَة فِي اسنا من مضافات مصر وَتُوفِّي يَوْم الْأَرْبَعَاء فِي سِتَّة وَعشْرين من شَوَّال سنة سِتّ وَأَرْبَعين وست مائَة فِي الْإسْكَنْدَريَّة وَصَارَ مَدْفُونا خَارج بَاب الْبَحْر. أَبُو مُضر: بِفَتْح الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة أستاذ جَار الله الزَّمَخْشَرِيّ كَانَ عَالما وحدانيا فِي عصره وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي مرئيته: (وقائلة مَا هَذِه الدُّرَر الَّتِي ... تساقطها عَيْنَاك سمطين سمطين) (فَقلت هِيَ الدّرّ اللواتي حَشا بهَا ... أَبُو مُضر اذني تناثر من عَيْني) قَوْله وقائلة أَي رب طَائِفَة أَو جمَاعَة تَقول لي مثل هَذَا وتناثر فِي الأَصْل تتناثر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 بِحَذْف إِحْدَى التائين للتَّخْفِيف وَرُوِيَ تساقط مَكَان تناثر. أَبُو عَليّ: حُسَيْن بن عبد الله بن سينا ولد فِي ولَايَة بُخَارى فِي سنة سبعين وَثَلَاث مائَة وَكَانَ تَابعا للنَّفس الْإِمَارَة فِي الشَّهَوَات وَاللَّذَّات وَصَاحب نوح بن مَنْصُور الساماني واستفاد من كتبه وَلما احترقت صَار مُتَّهمًا بالاحراق وَلما أَرَادَ السُّلْطَان مَحْمُود قَتله فر إِلَى هَمدَان ثمَّ صَار وَزِير شمس الدولة ثمَّ بعد وَفَاته صَاحب عَلَاء الدولة وَالِي أصفهان وَقَالَ الإِمَام اليافعي أَنه حفظ الْقُرْآن الْمجِيد وَتُوفِّي فِي رَمَضَان سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبع مائَة. وَاعْلَم أَن الإِمَام مُحَمَّد الْغَزالِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ كفر رجلَيْنِ وهما (أَبُو نصر الفارابي) و (أَبُو عَليّ) فِي رسَالَته المنقذ من الضلال وهما كَانَا من أكَابِر الْحُكَمَاء الْمَشَّائِينَ وَإِنَّمَا كفرهما بِسَبَب نفيهما علم الله تَعَالَى بالجزئيات وَنفي حشر الأجساد وَإِيجَاب قدم الْعَالم وَكَانَ تَكْفِير أبي عَليّ فِي حَيَاته كَمَا حُكيَ أَنه لما سمع تكفيره قَالَ: (ان اتهمَ بالْكفْر أحدا لَيْسَ سهلا ... فَلَيْسَ اثْبتْ من إيماني إِيمَان) (وَإِذا كنت فِي الدَّهْر وَاحِدًا وهم كافرون ... إِذا لَيْسَ فِي الدَّهْر أَي مُسلما وَاحِدًا) ومصنفات أبي نصر فِي الْحِكْمَة كَثِيرَة وَكَانَ تَارِكًا للدنيا وَتُوفِّي فِي سنة أَرْبَعِينَ وَثَلَاث مائَة. قَالَ الْعَارِف النامي مَوْلَانَا الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي (نفحات الطّيب من حضرات الْقُدس) فِي كَلَامه عَن أَحْوَال الشَّيْخ مجد الدّين الْبَغْدَادِيّ قدس سره أَن الشَّيْخ مجد الدّين الْبَغْدَادِيّ قَالَ إِنَّه فِي الْحَادِثَة سَأَلَ حَضْرَة صَاحب الرسَالَة السماوية - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا تَقول فِي حق ابْن سينا، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ رجل أَرَادَ أَن يصل إِلَى الله بِلَا واسطتي فَحَجَبَتْهُ بيَدي هَكَذَا فَسقط فِي النَّار. وَهَذِه الْحِكَايَة قصصتها على أستاذنا ومولانا جمال الدّين الجلبي فتعجب مِنْهَا. وَقَالَ بعْدهَا كنت مُسَافِرًا من بَغْدَاد إِلَى الشَّام لأذهب من بعْدهَا إِلَى بِلَاد الرّوم، وعندما وصلت إِلَى الْموصل قصدت الْمَسْجِد الْجَامِع وَرَأَيْت فِيمَا يرَاهُ النَّائِم أَن وَاحِدًا يَقُول لي أَنَّك لن تذْهب إِلَى الْمَكَان الَّذِي تقصده وَلَا فَائِدَة فِي ذَلِك، وَنظرت حَولي فَرَأَيْت جمَاعَة يعقدون حَلقَة وَفِي وَسطهمْ شخص جَالس يشع مِنْهُ نور مُتَّصِل بالسماء يخْطب فيهم وهم سامعون، فَقلت من هَذَا، قَالُوا إِنَّه الْمُصْطَفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذَهَبت إِلَيْهِ وسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وافسحوا لي فِي حلقتهم وَبعد أَن جَلَست سَأَلت الرَّسُول فَقلت: يَا رَسُول الله مَا تَقول فِي حق ابْن سينا، فَقَالَ: اضله الله على علم، فَقلت: مَا تَقول فِي حق شيخ شهَاب الدّين الْمَقْتُول، قَالَ: هُوَ من متبعيه، بعْدهَا سَأَلت عَن عُلَمَاء الْإِسْلَام. سَأَلته: مَا تَقول فِي حق فَخر الدّين الرَّازِيّ، فَقَالَ: هُوَ رجل معاتب، قلت: مَا تَقول فِي حق إِمَام الْحَرَمَيْنِ عبد الْملك ضِيَاء الدّين أبي الْمَعَالِي رَحمَه الله تَعَالَى، قَالَ: هُوَ مِمَّن نصر ديني. قلت: مَا تَقول فِي حق أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: أَنا قلت وَقَوْلِي صدق الْإِيمَان وَالْحكمَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 يَمَانِية. بعْدهَا همزني شخص كَانَ جَالِسا بقربي قَائِلا مَا الْفَائِدَة الَّتِي تجنيها من وَرَاء هَذِه الأسئلة، لماذا لَا تسأله أَن يعلمك دُعَاء يفيدك فِيمَا بعد، فَقلت: يَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلمنِي دُعَاء. فَقَالَ: قل: ((اللَّهُمَّ تب عَليّ حَتَّى أَتُوب، واعصمني حَتَّى أَعُود، وحبب إِلَيّ الطَّاعَات وَكره إِلَيّ الطَّيِّبَات) . انْتهى. أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ: كنية حجَّة الْإِسْلَام زين الدّين مُحَمَّد الطوسي الْغَزالِيّ قدس سره صَاحب إحْيَاء الْعُلُوم وكيمياء السَّعَادَة وَله قدس سره مصنفات كَثِيرَة قَالُوا من أَرَادَ أَن يضع الْقدَم فِي سلوك مَسْلَك الدقائق والحقائق ولطائف المعارف فَلَا بُد لَهُ من مُنَاسبَة بهَا أَلا ترى أَن من الاستفادة من مجْلِس الشُّعَرَاء فَإِن كَانَ لَهُ طبع مَوْزُون يُمكن لَهُ الإستفادة مِنْهُم وَمن كتبهمْ وَإِلَّا فَلَا فَمن كَانَ حَرِيصًا على مطالعة كَلَام العرفاء وَيُرِيد الْكَمَال مثلهم فَإِن كَانَ لَهُ مُنَاسبَة بهم وبمذاقهم واستعداد لأنوارهم يَرْجُو أَن تشرق عَلَيْهِ شمس الْمعرفَة وَإِلَّا فحاله مثل من لَيْسَ لَهُ طبع مَوْزُون وَيُرِيد أَن يكون شَاعِرًا بمطالعة كتب الْعرُوض وعلامة الْمُنَاسبَة أَن يطالع أَولا من كتب حجَّة الْإِسْلَام قدس سره سِيمَا احياء الْعُلُوم وكيمياء السَّعَادَة فَإِن وجد فِي نَفسه سُرُورًا وشوقا وتنفرا من الدُّنْيَا وميلا إِلَى مُلَازمَة أَرْبَاب الْكَمَال وَأَصْحَاب الْحَال فَإِنَّهُ عَلامَة تِلْكَ الْمُنَاسبَة الشَّرِيفَة وَله قدس سره كمالات وخوارق فِي كتب السّير وَقَالَ الإِمَام عبد الله بن أسعد اليافعي رَحمَه الله فِي الْإِرْشَاد أَنه قَالَ الشَّيْخ ابْن عَسَاكِر فِي حَدِيث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن الله يبْعَث لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لهاديتها أَنه بعث على رَأس الْمِائَة الأولى عمر بن عبد الْعَزِيز وعَلى رَأس الْمِائَة الثَّانِيَة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعَلى رَأس الْمِائَة الثَّالِثَة أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وعَلى رَأس الْمِائَة الرَّابِعَة أَبُو بكر الباقلاني رَحمَه الله وعَلى رَأس الْمِائَة الْخَامِسَة أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ رَحمَه الله وولادته فِي سنة خمسين وَأَرْبع مائَة فِي طوس وتلمذ فِي نيسابور من الإِمَام الْحَرَمَيْنِ عبد الْملك ضِيَاء الدّين أبي الْمَعَالِي رَحمَه الله وَخرج مِنْهَا بعد مَوته وَورد بِبَغْدَاد وفوض إِلَيْهِ تدريس النظامية وَكَانَ يحضر مجْلِس درسه ثَلَاث مَائه من الْأَعْيَان المدرسين فِي بَغْدَاد وَمن أَبنَاء الْأُمَرَاء أَكثر من مَائه ثمَّ ترك جَمِيع ذَلِك وتزهد وآثر الْعُزْلَة واشتغل بِالْعبَادَة وَأقَام بِدِمَشْق مُدَّة وفيهَا صنف الْأَحْيَاء ثمَّ انْتقل إِلَى الْقُدس ثمَّ إِلَى مصر وَأقَام بالاسكندرية ثمَّ ألْقى عَصَاهُ بوطنه الْأَصْلِيّ طوس وآثر الْخلْوَة وصنف الْكتب المفيدة وَتُوفِّي صبح يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَخمْس مائَة. وَقَالَ السَّمْعَانِيّ فِي كتاب الْأَنْسَاب أَن الْغَزالِيّ بتَخْفِيف الزَّاي الْمُعْجَمَة والغزالة قَرْيَة من قريات طوس وَقَالَ ابْن خلكان أَن الْغَزالِيّ بتَشْديد الزَّاي الْمُعْجَمَة على عَادَة أهل خوارزم وجرجان فَإِنَّهُم يَقُولُونَ للعصار عصارى وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. ابْن جني: هُوَ أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن جني الْموصِلِي، كَانَ نحويا مُجْتَهدا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 النَّحْو، توفّي فِي بَغْدَاد فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة وَله مصنفات كَثِيرَة فِي النَّحْو. أَبُو الْفضل: كنيته أَحْمد بن حُسَيْن بن يحيى بن سعيد الْهَمدَانِي الْمَشْهُور ببديع الزَّمَان مُصَنف (المقامات البديعة) كتب صَاحب ((منتخب التَّارِيخ)) يَقُول إِنَّه فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة توفّي أَبُو الْفضل فِي مَدِينَة هرات على أثر سكتة قلبية على مَا قيل، وعجلوا بدفنه، وأثناء اللَّيْل سمع صَوت من نَاحيَة قَبره، فنبشوا الْقَبْر فوجدوه قَابِضا على لحيته وَهُوَ ميت من هول الْقَبْر. وَكَذَلِكَ الشَّيْخ أَبُو الْفضل والفضول ولد الملا الْمُبَارك وَأَخُوهُ الْأَكْبَر أَبُو الْفَيْض الفيضي كَانَ من أَصْحَاب الْملك الْحَاكِم على (دلهي) جلال الدّين مُحَمَّد أكبر. وَفِي تَارِيخ يَوْم الْجُمُعَة الرَّابِع من شهر ربيع الأول سنة 1011 هجرية توجه أَبُو الْفضل الَّذِي كَانَ فِي (الدكن) إِلَى (اكرا) بِنَاء على أوَامِر وصلته، وعَلى بعد نصف ميل من سراي (سنير) والسراي تبعد عَن (اكرا) نَحْو 6 أَمْيَال انقض عَلَيْهِ عبد مَجْنُون وَقَتله بِنَاء على أوَامِر الْأَمِير سليم: (إِن شفرة اعجاز الرَّسُول الله قطعت رَأس الْبَاغِي ... فالتاريخ الْكَاذِب هُوَ منتحب التَّارِيخ) (بَاب الْألف مَعَ الْحَاء) الأحمد: قد ذكر فِي أول الْكتاب تيمنا وتبركا، قيل إِن عَلَاء الدّين سُلْطَان دلهي كتب إِلَى السُّلْطَان أَحْمد سُلْطَان الكجرات يَقُول: (أَنا الْعَلَاء وعَلى حرف جر ... فَهَل يُمكن أَن يجر عَليّ) لما وصل الْمَكْتُوب إِلَى السُّلْطَان أَحْمد كتب فِي الْجَواب: (اسْم أَحْمد مَمْنُوع من الصّرْف ... وَلَيْسَ مُمكنا أَن يجر عَليّ) أَحْمد نكر بَلْدَة طيبَة فِي (الدكن) من مضافات (اورنك) عامرة الْبُنيان حفظهما الله تَعَالَى عَن الْآفَات وَالشَّر وعمرهما مدى الْأَيَّام والشهور، وَبِمَا أَن الْبَلدة الْمَذْكُورَة هِيَ مَوضِع ولادَة العَبْد الْفَقِير، وَبِمَا أنني فِي قَضَائهَا وعشت فِيهَا مُدَّة الْعُمر فِي رخاء وَيسر ونشأة وترعرعت فِيهَا فَكَانَ من حَقّهَا عَليّ أَن أسرد بَعْضًا أَو نفحات من تاريخها الَّذِي استنبطه أَو وصل لي من خلال الرِّوَايَات المتواترة المحققة. هَذِه الْبَلدة بناها أَحْمد نظام شاه البحري عَلَيْهِ شآبيب سَحَاب الرَّحْمَة والغفران وَأحمد نظام شاه البحري هُوَ ابْن ملك نَائِب بحري، وَهُوَ من أَوْلَاد برهمنان بيجانكر واسْمه الْأَصْلِيّ تيمابهت وَاسم وَالِده بهريون، زمن سُلْطَان أَحْمد شاه بهمني من أَوْلَاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 بهمن بن اسفنديار الَّذِي كَانَ يحكم منْطقَة (مُحَمَّد آباد بيدر) وَقع أَسِيرًا أَيَّام ملك بيجانكر وَعرف بِملك حسن وَدخل فِي سلك غلْمَان المملكة، وعندما رأى السُّلْطَان أَحْمد مَا لَدَى ملك حسن من علم وَمَعْرِفَة واطلاع وعقل ورأي أهداه إِلَى وَلَده الْأَكْبَر مُحَمَّد شاه بهمني وأرسله إِلَى الْكتاب لتعلم الْخط والعلوم الفارسية الَّتِي برع فِيهَا ملك حسن بِسُرْعَة وَفِي مُدَّة قَصِيرَة واشتهر بعْدهَا ب (ملك حسن بهريور) فأغدق عَلَيْهِ العطايا والمراكز الْعَالِيَة والممتازة وَتَوَلَّى قيادة الحرس الْخَاص للقصر واصطفاه وقربه مِنْهُ واستبدل كلمة (بهريور) بِكَلِمَة (بحري) وخلع عَلَيْهِ لقب (نظام أشرف هايون الْملك بحري) بِمُوجب فرمان همايوني شرِيف مِمَّا عَاد على أَوْلَاده بالشرف الرفيع وعلو الْقيمَة وَالْقدر، وَبعد وَفَاة أَحْمد شاه بهمني، تحول الْملك إِلَى أكبر أَوْلَاده مُحَمَّد شاه بهمني، فَأصْبح (أشرف همايون نظام الْملك بحري) وَكيلا للسلطنة بِنَاء لوَصِيَّة أَحْمد شاه بهمني، فعين وَلَده (ملك أَحْمد) قائدا للجيش وأقطعه (ويركنات) مِمَّا يَلِي قلعة (دولت آباد) وفوضه أمرهَا. ووصلت سلطة ملك أَحْمد إِلَى حُدُود (جنير) واهتم بإدارتها وضبطها غير أَن قلعة (سنير) الْوَاقِعَة على بعد ميل من (جنير) لجِهَة الغرب وقلعة (جوند) و (هرسل) وَغَيرهَا من القلاع وَالَّتِي كَانَت أَيَّام سُلْطَان أَحْمد شاه بهمني تَحت سيطرة (مرهته هاي) ، لم تدخل تَحت نُفُوذه على الرغم من الفرمانات والقرارات الَّتِي اصدرها وَكيل السلطنة وَالَّتِي تقضي بِوُجُوب تَسْلِيم القلاع إِلَى ملك أَحْمد، لَكِن (مرهته هاي) اعتذر عَن ذَلِك مَا دَامَ مُحَمَّد شاه بهمني لم يبلغ سنّ الرشد والتمييز وَيُصْبِح صاحبا لملكه وقادرا على ادارته، عِنْد ذَلِك يُطِيع الْأَوَامِر وَيسلم القلاع. غير أَن ملك أَحْمد كَانَ صَاحب قَرَار وعزم فقرر الِاسْتِيلَاء على قلعة (سنير) فَعمد إِلَى محاصرتها لمُدَّة سِتَّة أشهر بعْدهَا خرج آمُر القلعة وَسلم مَفَاتِيح القلعة إِلَى ملك أَحْمد، فاستولى على جَمِيع الْأَمْوَال والأشياء الَّتِي كَانَت تحويها القلعة وَالَّتِي كَانَت كَثِيرَة وَلَا تحصى وافتخر بذلك أَيّمَا افتخار وطارت أخباره بذلك، مِمَّا دفع القلاع الْأُخْرَى (جوند) و (هرسل) و (جيودهن) وَغَيرهَا إِلَى التَّسْلِيم لَهُ قهرا فسيطر بذلك على ملك (كوكن) وَعَن قلعة (سنير) يَقُول مُحَمَّد قَاسم فرشته واصفا، أَنَّهَا تقع على رَأس قمة جبل شَاهِق تعانق السَّحَاب وَلَا يصلها النسْر فِي تحليقه. وَقد زار الْكَاتِب قلعة ((سنير)) فِي الفترة الَّتِي كَانَ حَاكما عَلَيْهَا ابْن عبد الْعَزِيز الَّذِي كَانَ يتحلى بِصِفَات الشجَاعَة وَالْكَرم وَالْوَفَاء. وَالَّذِي أصبح قائدا لقلعة ((سنير)) بعد وَفَاة مَحْمُود عَالم خَان، وَفِي عهد مُحَمَّد فرخ سير قَائِد دلهي عقد اتِّفَاق بَينه وَبَين أَمِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 الْأُمَرَاء سيد حُسَيْن عَليّ خَان المشرف على (دكن) بعد تدخل من سنكراجي ملها رزناردار 1129 وَكَانَ من شُرُوطه عدم الانقلاب والثورة على الْملك وَعدم التَّعَرُّض إِلَى سبل النَّقْل (الطّرق) والاحتفاظ بِخَمْسَة عشر ألف رَاكب تَحت إمرة المسؤول عَن (الدكن) وَأسْندَ إِلَيْهِ أَو جوتهه وسرد بسمكى النواحي السِّتَّة من (الدكن) وَتفرد غنيم بِملك (كوكن) وَمَا حولهَا من الْمَوَاشِي والأبقار وقصبات وأمصار وبلاد وبقاع. وَأصْبح كَذَلِك مسيطرا على ملك كجرات ومالوة وفنديس وَمَا وَرَاء الدكن وأغلب أَرَاضِي الْهِنْد والبنغال. وبسبب ضعف جيوش الْإِسْلَام بلغ الْأَمر إِزَالَة الشعارات والعلامات الإسلامية من الْقرى والامصار الَّتِي سيطر عَلَيْهَا وهدمت الْمَسَاجِد وَمنع ذبح الأبقار. وَبلغ الْأَمر أَنهم قطعُوا أَيدي القصابين فِي بَلْدَة برهَان بوركو وأخرجوهم مِنْهَا ... وَبعد انتصار غنيم حاصر قلعة ((سنير)) الَّتِي كَانَت لمحمود عَالم خَان الَّذِي رأى أَن الْأَصْحَاب والأتباع وَمن يُؤَيّد مُحَمَّد حُسَيْن نويته الَّذِي كَانَ صَاحب الرَّأْي لَدَى مَحْمُود عَالم خَان قد تفَرقُوا بعد أَن وصلوا إِلَى الْهَلَاك وَلم تصلهم امدادات جيوش الْإِسْلَام قرر وبشكل مزاجي أَن يفضل الْحَيَاة الدُّنْيَوِيَّة على الشَّهَادَة والحياة الأبدية فَاخْتَارَ مَا يلطخ الجبين إِلَى الْأَبَد فقرر فِي السَّادِس عشر من شهر جُمَادَى الأولى سنة 1170 تَسْلِيم القلعة إِلَى غنيم فَخرجت السيطرة عَن القلعة بذلك من يَد الْمُسلمين وَمَات بعْدهَا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون. وصلنا إِلَى أصل الْمَوْضُوع ذَلِك أَن أشرف همايون نظام الْملك بحري قد توفّي فتسمى ابْنه الْملك أَحْمد بِأَحْمَد نظام الْملك شاه بحري وَبسط لِوَاء سلطته، وعندما وصل هَذَا الْخَبَر إِلَى مسامع السُّلْطَان مُحَمَّد شاه بهمني وَجه إِلَيْهِ جَيْشًا جرارا بقيادة جهانكير خَان، الَّذِي وصل إِلَى قَصَبَة (بهنكار) عابرا من ((تلِي كانون)) فَتوجه أَحْمد نظام الْملك شاه بحري من قَصَبَة (جيور) إِلَى ملاقاته، فَنزل الجيشان تفصل بَينهمَا مَسَافَة سِتَّة فراسخ لمُدَّة شهر تَقْرِيبًا، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء علم جهانكير خَان أَن جَيش أَحْمد نظام شاه بحري لَا يملك التنظيم وَلَيْسَ لَهُ قدرَة على المواجهة، وَكَانَت الْأَيَّام تِلْكَ مُنَاسبَة لإِقَامَة الملذات ومجالس الطَّرب وَالشرَاب فَعمد إِلَى إِقَامَتهَا. وصلت أَخْبَار هَذِه الْمجَالِس الَّتِي يقيمها جهانكير خَان إِلَى مسامع أَحْمد نظام شاه بحري الَّذِي اغتنم الفرصة وتحرك بجيشه الَّذِي يَقُودهُ أعظم خَان لَيْلَة الثَّالِث من رَجَب المرجب سنة 895 عبر جبال قَصَبَة (جيور) فوصل مَعَ الصُّبْح إِلَى قَصَبَة (بهنكار) وَنزل كالصواعق على جَيش جهانكير خَان فَقَتلهُمْ وَأسر من بَقِي مِنْهُم فأركبهم أَحْمد نظام شاه بحري على ظُهُور الأبقار وأطلقهم وسط عسكره مشهرا بهم، وَأعْطى الْأمان لمن بَقِي بِالْقربِ من (مُحَمَّد آباد بيدر) ، وَأما الْمَكَان الَّذِي جرت فِيهِ المعركة وَفتح الله لَهُ فِيهَا فقد أَقَامَ حديقة وسماها حديقة نظام وَلذَلِك فَإِن هَذِه المعركة عرفت بمعركة (الحديقة) . وحول هَذِه الحديقة زرعت الغابات والأزهار وبنيت العمارات الشاهقة وَسميت ((نكينه مَحل)) و ((سون مَحل)) وجر إِلَيْهَا نَهرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 من السوَاد فِي محلّة (كافور باري) تنبع من بِئْر مَشْهُور باسم (ناكابائين) وَمَعَ الْوَقْت أَصبَحت هَذِه الحديقة تعرف ((بروضة الرضْوَان)) . بعد ذَلِك وَمن بَاب الشُّكْر لله على فتح قَصَبَة (جيور) وَمَعَهَا قَرْيَة (إِمَام بور) عمد أَحْمد نظام الشاه بحري إِلَى جعل هَذِه النَّاحِيَة وَقفا على الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء، وغادر بعْدهَا منصورا مظفرا إِلَى (بجنير) . ثمَّ أَزَال اسْم السُّلْطَان مَحْمُود شاه بهمن من الْخطْبَة بعد أَن أَشَارَ عَلَيْهِ بذلك يُوسُف عَادل خَان واستبدله باسمه وَركب جملا أَبيض وَهَذَا الرَّسْم كَانَ من خصوصيات سُلْطَان دلهي وكجرات، بعد ذَلِك راوده حلم السيطرة على قلعة (دولت آباد) ، وأرقه وجود أَفْوَاج السلاطين فِي (بيجابور) و (حيدر آباد) و (بيدر) فَخرج من (جنير) لمواجهتهم ولصعوبة هَذِه المهمة ومقتضيات الْأُمُور عمد إِلَى بِنَاء مَدِينَة فِي الْوسط مَا بَين (دولت آباد) و (جنير) وسماها (دَار السلطنة) والعاصمة وَذَلِكَ فِي شهور سنة (900) فِي الْمُقَابل من (حديقة نظام) إِلَى الْجَانِب الغربي على نهر (السِّين) . وَكَانَ يُرِيد أَن يُطلق عَلَيْهَا اسْم (أَحْمد آباد) وَلكنه بعد أَن علم أَن عَاصِمَة ملك كجرات سُلْطَان أَحْمد شاه كجرات كَائِن على هَذَا الِاسْم نَفسه، وَهِي مستمدة من اسْمه وَهُوَ اسْم يُوَافق اسْم وزيره الْقَدِير وقاضيه الْعَادِل، فَعدل عَن ذَلِك، إِلَى اسْم (أَحْمد نكر) الَّذِي يتوافق مَعَ اسْمه وَالِاسْم الْأَصْلِيّ لنصير الْملك ووزير الممالك وقاضي الْعَسْكَر ظفر بيكر، وأصدر أوامره إِلَى جَمِيع الْأُمَرَاء وَالْأَصْحَاب والقادة الْكِبَار وَأَصْحَاب الخدمات بِبِنَاء العمائر الْكَبِيرَة والضخمة، فبنوها على النمط الْمصْرِيّ والبغدادي وارفقوها بالعديد من الْمَسَاجِد والحمامات وجروا إِلَيْهَا عدَّة أنهر وزرعوا عدَّة حدائق جميلَة ورائعة تخلب الأنظار والقلوب مَعًا فَأَصْبَحت (أَحْمد نكر) خضراء أَكثر وَأفضل من (كشمير) وهواها ألطف وأرق من سَائِر الْبِلَاد. وَبعد وَفَاة ملك أشرف صَاحب قلعة (دولت آباد) ضم أَحْمد نظام شاه بحري هَذِه القلعة إِلَى سلطته فَبنى مَا تهدم مِنْهَا وترفق بِالنَّاسِ ثمَّ قفل إِلَى مَدِينَة (أَحْمد نكر) منصورا مظفرا. فِي هَذِه الفترة مَاتَ وزيره نصير الْملك كجراتي فعين مَكَانَهُ كَمَال خَان دكهني، بعْدهَا مرض أَحْمد نظام شاه بحري وَاسْتمرّ مَرضه مُدَّة ثَلَاثَة أشهر، فَجمع أَرْكَان دولته إِلَيْهِ وأعلن ابْنه الْأَمِير وليا لعهده الْبَالِغ من الْعُمر سبع سنوات. حكم أَحْمد نظام شاه مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة وَتُوفِّي سنة (904) . فارتعدت السَّمَاء وَالْأَرْض عِنْد مَوته وَحمل نعشه الطَّاهِر السَّادة والفضلاء والأمراء بِجلَال ووقار السلطنة إِلَى الْقرب من نهر (السِّين) حَيْثُ دفن هُنَاكَ: (أَيهَا الْمَوْت لقد دمرت آلَاف الْبيُوت ... وخطفت الْأَرْوَاح من عَالم الْوُجُود) (وكل درة نفيسة أَتَت إِلَى هَذِه الدُّنْيَا ... أَخَذتهَا ووضعتها تَحت التُّرَاب) بني على قبر أَحْمد نظام شاه بحري قبَّة عالية وأحيط بسور كَبِير ووسيع أطلق عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 اسْم (حديقة الرَّوْضَة) وَفِي دَاخل هَذَا السُّور هُنَاكَ قُبُور عديدة وعدة قبب صَغِيرَة، أما الأَرْض خَارج السُّور فَهِيَ مليئة بالقبور لمساحة رمية سَهْمَيْنِ أَو أَكثر لجِهَة الْجنُوب حَتَّى يُمكن القَوْل أَن لَيْسَ فِيهَا وجبا وَاحِدًا خَالِيا من قبر. لقد تحولت هَذِه الْمقْبرَة إِلَى مقصد للْعُلَمَاء لطلاب الْعلم الَّذين يَجْلِسُونَ تَحت قبَّة قبر أَحْمد نظام شاه بحري إِلَى الْمِحْرَاب الْوَاقِع لجِهَة الشمَال حَيْثُ يعقدون الحلقات، وأبرز هَؤُلَاءِ الْعلمَاء المرحوم مير عنايت الله ولد مير طَاهِر جنيري الَّذِي قبل الانتساب إِلَى بيُوت الْفقر من أجل تَحْصِيل الْعلم فَقضى مُعظم أوقاته فِي تِلْكَ الْمقْبرَة. وَلَقَد اسميت هَذَا الْمُحب السعيد بالشهيد لِأَنَّهُ فِي شهر رَمَضَان الْمُبَارك من هَذِه السّنة جَاءَ إِلَى منزلي وَقَالَ إِنَّه إِذا ربح بطيخة فَأولى لَهُ أَن يربح أَو يكْسب الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة فَقبلت مَعَه فَقضيت مَعَه شهر رَمَضَان فِي تكْرَار درس ((شرح الْوِقَايَة)) بحاشية ((الْجبلي)) فِي ذَلِك الْمِحْرَاب. وَكنت فِي بعض الأحيان اذْهَبْ إِلَى ((حديقة الرَّوْضَة)) لزيارة الْقُبُور وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة على العظماء المدفونين فِيهَا وأجلس إِلَى قبر حَافظ مُحَمَّد عبد الله التلميذ النجيب لوالد المرحوم المدفونين دَاخل سور الحديقة. الَّذِي كَانَ لَهُ الِاطِّلَاع الْوَاسِع والمعرفة الْحجَّة والبصيرة الواسعة والفكر الصائب، وَقَالَ كلَاما مجيدا وَوَجهه إِلَى الْمُلُوك الْمُخْتَلِفين وَكَانَ لَهُ اطلَاع وَاسع على علم الْقِرَاءَة وصنف رِسَالَة فِي التجويد شعرًا ونثرا. وَقد اسْتَفَدْت مِنْهُ فِي دراسة ((شرح الملا)) وَبَعض أَبْوَاب ((كنز الْفَوَائِد)) اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وَأَنت الْغفار الرَّحِيم. وَظهر يَوْم الْأَحَد من سنة 1164 اسْتشْهد محبي لله مير عنايت الله فِي المعركة الَّتِي نشبت بَين هدايت محيي الدّين خَان ((وفاغنة)) والقصة أَن مكمل خَان انفق جهدا كَبِيرا فِي تربية وَتَعْلِيم وتأديب برهَان نظام شاه ولمدة عشرَة سنوات الَّتِي كَانَت كَافِيَة وجيدة لاتقان الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة بِخَط جميل بشكل جيد. وَكتب ((مُحَمَّد قَاسم)) يَقُول إِن برهَان نظام شاه كتب رِسَالَة فِي علم الْأَخْلَاق وسلوك الْمُلُوك ووصلت إِلَيْهِ وَقد كتب فِي آخرهَا هَذِه الْجُمْلَة ((كَاتبه الشَّيْخ برهَان بن أَحْمد الملقب بنظام الْملك بحري)) . وَقد كَانَ برهَان نظام شاه مَعْرُوفا بالشجاعة وَالتَّقوى وَالصَّلَاح وَالْكَرم وفريدا فِي عصره. وَيُقَال إِنَّه كَانَ عِنْدَمَا يركب فرسه وَيخرج إِلَى السُّوق فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) مَعَ أَصْحَابه، فَإِنَّهُ لَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا يسارا، وعندما سَأَلَهُ أحد المقربين عَن عدم التفاتة إِلَى الْأَطْرَاف والجوانب قَالَ لَهُ: عِنْدَمَا أعبر فَإِن كثيرا من الرِّجَال وَالنِّسَاء يقفون لمشاهدة هَذَا الفاني، وَأَنا أَخَاف. أَن تلفت أَن تقع عَيْني على شَيْء حرَام فَينزل عَليّ وبال ذَلِك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وَلما كَانَ هَذَا الْملك الْعَظِيم شَابًّا ومغامرا فِي أَوَائِل سلطنته أَرَادَ أَن يسيطر على قلعة (كاويل) ، فَخرج من أجل ذَلِك من دَار السلطنة فِي (أَحْمد نكر) باتجاه تِلْكَ القلعة وسيطر عَلَيْهَا، وَكَانَ من جملَة الأسرى الَّذين وَقَعُوا فِي يَد قَائِد جَيْشه جَارِيَة بَالِغَة الْحسن وَالْجمال تشابه الْقَمَر أَو المُشْتَرِي، فَلَمَّا وَقع نظره على وَجه الْملاك هَذَا فشاهد الْمُسْتَقْبل فِي مرْآة وَجههَا تملكه الوله والحيرة وَلم يملك سَبِيلا إِلَّا أَن يحملهَا إِلَى السُّلْطَان وَيرى أَثَرهَا عَلَيْهِ، وَفِي خلْوَة بَينهمَا قَالَ نصير الْملك للسُّلْطَان دَامَ ضله أَنه قد حجب عَن بَاقِي الْعَسْكَر وَالنَّاس فاتنه من بَين الأسرى لَا مثيل لَهَا وَلَا تلِيق إِلَّا بالسلطان فَإِذا أَمر السُّلْطَان فَإِنَّهُ يبْعَث بهَا إِلَى الْجنَاح الليلي، فتملك شهريار حَالَة من الانشراح والفرح فَاسْتحْسن نصير الْملك ذَلِك وَلما ذهبت هَذِه الْجَارِيَة إِلَى الْجنَاح الليلي كَانَت تضع على رَأسهَا شادورا كحليا مقصبا بِالذَّهَب وَكَأَنَّهَا ملاك يسير باتجاه برهَان نظام شاه، وَلما تمّ اللِّقَاء بَينهمَا، شرفها الشاه بِالْحَدِيثِ مَعهَا فَسَأَلَهَا من أَي قوم هِيَ وَإِلَى من تنْسب وَمن يتَّصل بهَا بِالْقَرَابَةِ أيتها الوردة الجميلة الخالية من الشوك. فأجابت، روحي فدَاء للعلي الْقَدِير أَنا من قَبيلَة (فلَان) وَأبي وَأمي وَزَوْجي هم فعلا فِي قَبْضَة السُّلْطَان. فَلَمَّا سمع الْملك اسْم زَوجهَا سيطرت عَلَيْهِ الحمية وَاجْتنَاب الْمعاصِي فذوت شَهْوَته وَقَالَ لَهَا مطيبا خاطرها سَوف أطلق سراح والدك ووالدتك وزوجك وأهبك إيَّاهُم. عِنْدهَا ركعت الْجَارِيَة وَقبلت الأَرْض بَين يَدَيْهِ وشرعت بِالدُّعَاءِ لَهُ وَالثنَاء عَلَيْهِ. وَفِي الصَّباح عِنْدَمَا دخل عَلَيْهِ نصير الْملك يُرِيد تهنئته بِهَذِهِ اللَّيْلَة الجميلة، فَضَحِك ((يُوسُف زَمَانه)) وَقَالَ: لقد سترنا عَورَة هَذَا الشّرف الْكَرِيم وأعطيتها وَعدا أَن أعيدها إِلَى زَوجهَا فَلذَلِك أحضر لي والدها ووالدتها وَزوجهَا إِلَى هَذَا الْمجْلس فأنعم عَلَيْهِم وأغدق ووهبهم لَهَا. وَفِي عهد برهَان نظام شاه ازدهرت مَدِينَة (أَحْمد نكر) وَأخذت رونقا جَدِيدا فَاجْتمع فِيهَا الْعلمَاء والسادات والأكابر وَالشعرَاء أَصْحَاب الْفُنُون والحرف والفقراء. التقى الملا بير مُحَمَّد الشيرواني من كبار عُلَمَاء الْمَذْهَب السّني وأستاذ الْملك الْمُعظم عَن طَرِيق الِاتِّفَاق بالشاه طَاهِر دكنهي عِنْد جهان كاوان الَّذِي كَانَ ركن السلطنة لَدَى مُحَمَّد شاه بهمني فِي قلعة (بريندا) ، ودرس عَلَيْهِ كتاب (المجسطي) فِي علم الْهَيْئَة لمُدَّة سنة وعندما عَاد إِلَى (أَحْمد نكر) سَأَلَهُ برهَان نظام شاه عَن سَبَب توقفه هُنَاكَ. فَقَالَ لَهُ الملا بير مُحَمَّد ظَاهر أَنه كَانَ طول هَذِه الْمدَّة برفقة عَالم محلق فِي الْفَهم الإنساني، وَلَيْسَ من طَرِيق إِلَى إِدْرَاك سر كَمَاله وعقله يزن عقول أهل زَمَانه وَلَا أحد يبلغ شرف مرتبَة علمه، فاعتبرت ذَلِك فوزا عَظِيما أَن أَقرَأ عَلَيْهِ كتاب (المجسطي) الَّذِي يعْتَبر محك امتحان الْفُضَلَاء لَا بل ميزَان معركة حكماء اليونان وَالْعراق وَأنْشد فِي وصف شاه طَاهِر هذَيْن الْبَيْتَيْنِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 (لقد حَار الْعُقَلَاء فِي وصف كَمَاله ... فَلَا يُدْرِكهُ لَا بقراط الْحَكِيم وَلَا أَبُو عَليّ) (مَعَ علمهمْ وحكمتهم وفضلهم وكمالهم ... فَإِنَّهُم جَمِيعًا يدرسون علم الْألف فِي صفه) لقد رغب برهَان نظام شاه بمصاحبة الْعلمَاء والفضلاء، وخصوصا صُحْبَة شاه طَاهِر فَأرْسل لَهُ رِسَالَة حملهَا شوقه وحبه واحترام مَعَ الملا بير مُحَمَّد، وعندما وصلت الرسَالَة إِلَى شاه طَاهِر فِي (بريندا) فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن اطلع (خواجه جهان) على الرسَالَة الَّذِي لم ير بدا من مركب السّفر لشاه طَاهِر وَيبْعَث بِهِ إِلَى مَدِينَة (أَحْمد نكر) ، فَخرج أَعْيَان وأمراء وأقرباء الْملك من الْمَدِينَة لمسافة أَرْبَعَة فراسخ لاستقباله بِكُل اعزاز وإكرام وأدخلوه الْمَدِينَة. وَبعد أَن التقاه برهَان نظام شاه وَكَرمه وعظمه اعترافا بِقَدرِهِ ومنزلته، الَّتِي ادركها شاه طَاهِر من بَين جَمِيع المقربين، وَبعد أَن فرغ من مراسم الِاسْتِقْبَال والمهمات مَعَ السُّلْطَان (بهادر الكجراتي) ، اتخذ لَهُ مَكَانا فِي أَسْفَل قلعة (أَحْمد نكر) للدرس الَّذِي تحول فِيمَا بعد إِلَى مَسْجِد جَامع فَجَلَسَ للدرس يَوْمَيْنِ فِي الْأُسْبُوع يدرس الْعلمَاء الْكِبَار ويطلعهم على الْكتب الدراسية. وَقد حضر دروسه كل من السَّيِّد جَعْفَر أَخ الشاه طَاهِر، وشاه حسن الْجواد، والملا مُحَمَّد النيشابوري، والملا حيدر الاسترآبادي، وَالسَّيِّد حسن المشهدي، والملا عَليّ كلمش الاسترآبادي، والملا ولي مُحَمَّد، والملا رستم الْجِرْجَانِيّ، والملا عَليّ المازندراني، وَأَبُو الْبركَة والملا عَزِيز الله الكيلاني، والملا مُحَمَّد الأسترآبادي، وَالْقَاضِي زين العابدين وقاضي الْعَسْكَر ظفر بيكر وَالسَّيِّد عبد الْحق (كَاتب بركنه ((انبر)) ) وَالشَّيْخ جَعْفَر، ومولانا عبد الأول وَالْقَاضِي مُحَمَّد نور الْمُخَاطب بِأَفْضَل خَان وَالشَّيْخ عبد الله القَاضِي، وَآخَرين من الْفُضَلَاء وطلاب الْعلم وَقد جلس إِلَيْهِ فِي درسه كَذَلِك كل من برهَان نظام شاه واستاذه الملا بير مُحَمَّد الشرواني فَكَانَ يجلس من أول الدَّرْس إِلَى آخِره وَيسْأل ويجيب ويناقش ويعارض. وَلما كَانَ شاه طَاهِر على مَذْهَب الإمامية، فَإِن برهَان نظام شاه قد اخْتَار مَذْهَب الإمامية هُوَ وَجَمِيع أَهله وَعِيَاله والمقربين لَهُ، وَبعد النقاش الَّذِي دَار بَين شاه طَاهِر وَجمع من الْفُضَلَاء حول هَذَا الْمَذْهَب عمد برهَان نظام شاه إِلَى قتل قَاضِي (انبر) ، وَلَيْسَ هُنَا مقَام الْكَلَام على هَذَا الْمَوْضُوع. لقد توفّي الشاه طَاهِر فِي زمن سلطنة برهَان نظام شاه سنة 956 وَدفن دَاخل سور حديقة الرَّوْضَة خَارج قبَّة نظام شاه بحري إِلَى الْجَانِب الشمالي. وَقد عمد هاني نظام شاه بعد مُدَّة إِلَى نقل رفاة شاه طَاهِر إِلَى كربلاء المعظمة. وَخلف شاه طَاهِر وَرَاءه أَرْبَعَة أَبنَاء هم: شاه حيدر وشاه رفيع الدّين حُسَيْن وشاه أَبُو الْحسن وشاه أَبُو طَالب وَثَلَاثَة بَنَات بقيت اسماميهن مستورة كَمَا كن هن مستورات. وَبَقِي أَوْلَاد شاه طَاهِر حَتَّى زمن كِتَابَة هَذِه الْكَلِمَات يسكنون فِي عمارات عامرة فِي مَكَان اقامة شاه طَاهِر فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) ويتولون تصريفها وادارتها، وَالْحَال أَن الْكَاتِب قد اشْترى منزلا من وَرَثَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 شاه طَاهِر فِي منطقته، وَقد عمد برهَان نظام شاه بعد جُلُوسه على عرش السلطة سنة (908) إِلَى بِنَاء قلعة من الْحجر الْمَطْبُوخ فِي أَرَاضِي (حديقة نظام) وَبنى فِيهَا أَرْبَعَة أبراج وَأعْطى كل برج وتوابعه إِلَى أحد الْأُمَرَاء المرموقين، وَمَعَ مُرُور وَقت قصير أَصبَحت قلعة (أَحْمد نكر) من القلاع النادرة وَبلا نَظِير وشيرازة (نِسْبَة إِلَى شيراز) ملك الدكن، فَكَانَت فِي بنائها وصقل أحجارها وتدويرها وأسلوب أَحْكَامهَا فريدة بَين قلاع الأَرْض وأصبحت مَدِينَة (أَحْمد نكر) مَدِينَة مَشْهُورَة بِطيب هوائها ومائها ومناخها بَين جَمِيع الْخلق من الْخَاصَّة والعامة فِي جَمِيع الْبِلَاد والأمصار. وَقد بنى أَحْمد نظام شاه بحري إِلَى جَانب الشمالي من مَدِينَة (أَحْمد نكر) حديقة سميت بحديقة (فيض نجش) والمشهورة بحديقة (الْجنَّة) وَبنى دَاخل الحديقة حوضا ضخما مثمن الاضلاع، وَفِي دَاخل الْحَوْض بنى عمَارَة كمنزل لَهُ مثمن الاضلاع، وَإِلَى جَانب الْحَوْض بنى إيوانه وحماما جميلا ومترفا. وَفِي أَيَّام التعطيل نَذْهَب مَعَ الطّلبَة الرفقاء إِلَى تِلْكَ الحديقة لصيد السّمك والتفرج والنزهة، لَكِن النَّهر خرب هَذَا الْحَوْض وأصبحت الحديقة تعاني من قلَّة المَاء فآلت إِلَى الخراب، فأصبحنا عِنْدَمَا نعبر هَذِه الحديقة تتملكنا الْحَسْرَة والندم عَلَيْهَا. أما برهَان نظام شاه فقد بنى حديقة إِلَى الْجَانِب الجنوبي من (أَحْمد نكر) وأسماها حديقة (فَرح نجش) وَبنى دَاخل الحديقة (حوضا) مربع وَبنى وسط هَذَا الْحَوْض (جبوتره) مثمنة وواسعة، وَبنى فَوق (جبوتره) بِنَاء عَالِيا ومثمن من طبقتين بطراز غَرِيب وَعَجِيب يعجز الْقَلَم وَاللِّسَان عَن وَصفه ويحتار بِهِ، وَلَا يَسْتَطِيع عقل المهندسين ادراك عَظمَة تصميمه، وَكم حاول وسعى شاه طَاهِر لوصفه وتكلف الْمَشَقَّة غير أَنه لم يصل إِلَى إيفائه حَقه، وَمِمَّا قَالَه قصيدة طَوِيلَة فِي سِتَّة وَعشْرين بَيْتا يصف فِيهَا عَظمَة الْبناء وعظمة الْبَانِي وَالْقُدْرَة على تصميمه وَأَن لَا أحد من الْمُلُوك العظماء من سبق يَسْتَطِيع انجاز مَا أنْجز فِي هَذَا الْبناء حَتَّى أَن ديوَان كسْرَى وكلستان خسرو لَا يُمكن لَهما أَن يصلا إِلَى مستوى هَذَا الْبناء. وَفِي حديقة (فَرح نجش) نهر عَظِيم يصل إِلَيْهَا من السوَاد من مَوضِع يُقَال لَهُ (كافور باري) ويدخلها من تَحت السُّور ويصل إِلَى خزان للمياه عَظِيم، وَقد خطّ تأريخ لهَذِهِ الحديقة على لوح رُخَام قرب خزان المَاء كتب عَلَيْهِ مَا مَعْنَاهُ. اسْمهَا (فَرح نجش) اشتق من طيب هوائها ومائها فاشتهرت بذلك: (لتكن النِّعْمَة مرافقة للساعي ببنائها ... فَجَمِيع سَعْيه مشكور) (أردْت أَن أأرخ لهَذَا الْكَبِير والحكيم ... فَقلت يَا رب لتكن عامرة إِلَى الْأَبَد) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وَبِمَا أَن شاه طَاهِر كَانَ مَعَ نعمت خَان كدورتي فقد أنْشد حول الحديقة بَيْتَيْنِ من الشّعْر قَالَ فِيمَا مَعْنَاهُ: (مر على حديقة فَرح نجش أَيهَا الشاه ... وَانْظُر إِلَى أصل النشاط) (فقد بنى نعمت خَان وَمن فضل التَّارِيخ ... فَخَرجُوا أقمارا من حديقة فَرح نجش أَيهَا الشاه) وَبعدهَا أنْشد شاه نور المتخلص بنزهت من قَصَبَة (جمار كونده قلندرانه) شعرًا بِوَصْف هَذِه الحديقة، وشاه نور كَانَ على علاقَة بشاه مُسَافر النقشبندي وَصَاحب بَاعَ فِي الخطابة وخطب مرّة فِي حَضْرَة شاه مُسَافر خطْبَة تقَارب الاعجاز وشعره رفيع بمقام شعر ميرزا صائب رَحمَه الله صَاحب الدِّيوَان والقصائد الغراء. وَقد التقاه الْكَاتِب وتباحث مَعَه مطولا لمرتين، ولنزهت حَاجِب ديوَان للشعر يُقَلّد فِي كَثِيره نسق ميرزا صائب. ونعمت خَان كَانَ فِي عهد برهَان نظام شاه ذَا سليقة شعرية وسلوك حسن ورفيع وَصَاحب حَسَنَات فريدة. ومكانة نعمت خَان فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) أظهر من الشَّمْس فَكَانَ صَاحب عمارات وَمَسْجِد وبركة مَاء خلف الْمَسْجِد ودكاكين رفيعة الشَّأْن ووقف دكاكين السُّوق وخراجها وَبنى خلف الْمَسْجِد حَماما لَا مثيل لَهُ فِي سَائِر الْبِلَاد وَقد كتب شاه ظَاهر فِي تَارِيخ بِنَاء هَذَا الْحمام (وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا) (سنة 925) . وَكَانَ ل (نعمت خَان) ولد وَاحِد كَانَ اسْمه (الملا نادري) توفّي فِي حَيَاة وَالِده فدفنه تَحت دكان فِي شمال السُّوق، أما قبر نعمت خَان وزوجه فقد دفنا فِي دَاخل سرداب إِلَى جَانب الْمَسْجِد فِي الْجِهَة الشمالية، وَلَا ولد لَهُ. وَتلك الدكاكين والعمارات الَّتِي كَانَ يملكهَا وصلت إِلَى الخراب وَقد بيع ترابها وحجارتها، فَإِذا كَانَ تعاقب الْأَيَّام على هَذَا المنوال فَلَنْ يبْقى لَهُ بعد أَيَّام أَي ذكر أَو أَكثر فسبحان الله. لقد كَانَ يعرف بحاتم زَمَانه. الْقِصَّة من زمن برهَان نظام شاه راج مَذْهَب الإمامية وحينها أَصبَحت مَدِينَة (أَحْمد نكر) ذَات رونق جَدِيد بِفضل العمارات والدكاكين والحدائق والحمامات المتعددة والأنهر الْكَثِيرَة ... وَلما شرع برهَان نظام شاه بترويج هَذَا الْمَذْهَب مُعْتَمدًا على شاه طَاهِر فقد اسند المناصب والوظائف الَّتِي قررها أَحْمد نظام شاه بحري لأهل السّنة إِلَى أَتبَاع الْمَذْهَب الشيعي وَبنى لَهُم سورا ومسجدا عَظِيما وبركة وغرفا كَثِيرَة فِي الْجِهَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 الْمُقَابلَة لقلعة (أَحْمد نكر) وأصبحت مدرسة لَهُم. وَسمي هَذَا الْمَكَان ب (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) ووقف لَهُم قصبات (جيور) و (سيور) و (راسيابور) وَبَعض الْقرى الْأُخْرَى لنفقات السَّادة والطلبة والفضلاء من الشِّيعَة، جعل لَهُم طَعَاما يوزع عَلَيْهِم يوميا لمرتين. أما أَسمَاء الْأُمَرَاء المعروفين فِي ذَلِك الْعَهْد فهم: مير أَحْمد الْمُخَاطب بمير مرتضى خَان تكتي، وجنكيز خَان، وشرزه خَان، واعتماد خَان، وفرهاد خَان يُوسُف، وزمرد فرهاد خَان، ونعمت خَان، ورومي خَان، وصلابت خَان كرجي، وَحَكِيم كاشي، وَصدر جهان، وَاخْتِيَار خَان، وابهنك خَان، وفولاد خَان حبشِي، وبساط خَان، وغالب خَان شَهِيد، وآتش خَان، وَسيد منتجب الدّين، وعالم خَان ميواتي، وشمشير خَان جبشي، وَسيد الهداد خَان، وَسُهيْل خَان، وَسيد جلال الدّين، وخواجه سُهَيْل، وقاسم خَان، وميرزا خَان سبزواري، وجمشيد خَان، وبهائي خَان، وجمال خَان، وبحري خَان، وَأسد خَان الرُّومِي، وبهادر خَان الكيلاني كور، وموثي خَان وَغَيرهم. وَالِدَة برهَان نظام شاه ابْنة أحد أكَابِر استرآباد توفيت فِي (جنير) ودفنت هُنَاكَ، أما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 قبَّة غَالب خَان الشَّهِيد تقع على مَسَافَة رميتي سهم من مَقْبرَة قدوة الواصلين وزبدة السالكين وجامع الكمالات الصورية والمعنوية حَضْرَة السَّيِّد عبد الرَّحْمَن الجشتي من أَتبَاع ومريدي حَضْرَة شاه نظام نارنولي، الَّتِي تتصل سلسلة بيعَته بالشيخ نصير الدّين مَحْمُود مَنَارَة دلهي قدس الله تَعَالَى أسرارهم. وَقد توفّي برهَان نظام شاه سنة 961 وَدفن تَحت الْقبَّة فِي حديقة الرَّوْضَة إِلَى جَانب أَحْمد نظام شاه بحري، وَبعد مُدَّة نقلت رفاتهما إِلَى كربلاء ودفنت على مَسَافَة درع وَاحِدَة من الْقبَّة الْخَاص بآل الْعَبَّاس. وَكَانَ عمر برهَان نظام شاه 54 سنة حكم مِنْهَا 47 سنة. خَلفه على سَرِير الْملك وَلَده حُسَيْن نظام الْملك وَكَانَ شجاعا وكريما وحاتميا وَقَامَ بأعمال جلة وفتوحات عديدة. وَكَانَ فِي زَمَانه (رامراج) وَكَانَ لَدَيْهِ فرقة من الفرسان وتسع فرق من المشاة ويسيطر على (بيجانكر) ويتسلط على من فِيهَا وتحالف مَعَ الْكَفَرَة السامريين فِي قَصَبَة (بهنكار) وَفِي أحد الْأَيَّام فِي السُّوق وأثناء الازدحام أَخذ يتداخل بَين النَّاس ويستعطيهم، وَلما كَانَ (راجه ساهو) فِي يَد (عالمكير بادشاه) فقد نجاه من قَيده مُحَمَّد أعظم شاه ابْن عالمكير بادشاه بِالْقربِ من منْطقَة (فردابور) بِنَاء على توصية ذُو الفقار خَان ابْن وَزِير الممالك اسد خَان، وعندما رَجَعَ إِلَى الْقَوْم الْكَفَرَة اجْتَمعُوا حوله فوصل إِلَى (أَحْمد نكر) وأغار على قَصَبَة (بهنكار) وأحرق الْبيُوت، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء وَقعت على رَأسه صَاعِقَة حارقة فَاحْتَرَقَ. أما حُسَيْن نظام الْملك فقد بنى مَسْجِدا عَظِيما سَمَّاهُ الْمَسْجِد الْجَامِع دَاخل قلعة (أَحْمد نكر) فِي مَكَان مدرسة شاه طَاهِر الْمَوْقُوفَة لسَائِر الْعلمَاء وَقد حكم حُسَيْن نظام الْملك مُدَّة 13 سنة وَمَات، فخلفه وبحكم الْوَصِيَّة وَلَده مرتضى نظام الْملك بن حُسَيْن نظم الْملك وَبعد عدَّة أَيَّام أَصَابَهُ مس فِي دماغه فانزوى فِي (رَوْضَة الْجنَّة - بَاغ بهشت) فَعمد ميرزا خَان السبزواري إِلَى ربطه فِي حمام رَوْضَة الْجنَّة حَتَّى مَاتَ من حرارة الْحمام، استمرت حكومته مُدَّة سِتَّة سنوات وعدة أشهر، وَيُقَال إِن أفضل شَيْء فعله فِي حكمه هُوَ مَوته. وَفِي عَهده تولى الْخطْبَة الملا ملك القمي وَكَانَ إِلَى جَانب ذَلِك شَاعِرًا عالي الدرجَة، وَفِي عَهده كَذَلِك وصلت الخطابة إِلَى أقْصَى الدَّرَجَات فِي (أَحْمد نكر) وَكَانَ لنسق الملا ظهوري فِي النّظم والنثر طرز خَاص وَألف (ساقي نامه) (رِسَالَة الساقي) على اسْم النامي برهَان نظام شاه وَكَانَ لَهَا صفاء وطلاوة وحلاوة خَاصَّة بهَا تنم عَن ذائقة رفيعة، وعندما رأى الملا ملك القمي هَذَا التمايز وَهَذِه القابلية والكمال من الملا ظهوري زوجه ابْنَته لِأَنَّهُ كَانَ فِي تَمام مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَبعد سنة من وَفَاة الملا ملك القمي، انْتقل الملا ظهوري إِلَى رَحْمَة الله وَالدَّار الْبَاقِيَة فَأشْعلَ نَار فِي قُلُوب الخطباء. وعندما مَاتَ أفلاطون قَالَ هَذِه الْكَلِمَات (من الحيف أَن يَمُوت الْعلمَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 ويعيش الجهلاء) وَبعد مرتضى نظام الْملك، عمد الميرزا خَان الْمَذْكُور سالفا إِلَى تنصيب حُسَيْن نظام الْملك نظام بن مرتضى نظام الْملك وَكَانَ صَغِيرا، فَكَانَ وبحكم سنه يمِيل إِلَى اللَّهْو واللعب، فَعمد الميرزا خَان إِلَى حَبسه فِي الْمنزل فَأصْبح كَمثل ياقوت الْغُلَام وَصِيّا على الْعَرْش، بعْدهَا جَاءَ جمال خَان وَمَعَهُ عَسْكَر جرار إِلَى بَاب القلعة. فَمَا كَانَ من الميرزا خَان إِلَّا أَن عمد إِلَى قطع رَأس هَذَا الْغُلَام البريء وَالصَّغِير وَرمى بِهِ من القلعة إِلَى الْخَارِج قَاصِدا بذلك إِيجَاد فتْنَة. وَنصب مَكَانَهُ إِسْمَاعِيل نظام الْملك ابْن برهَان نظام الْملك على الْعَرْش وفرش لَهُ مظلة الحكم وَأمر المنادين بالمناداة أَن حُسَيْن نظام الْملك كَانَ بِلَا عقب وَخلف وَقد قتل، وَقد نصبنا مَكَانَهُ إِسْمَاعِيل نظام الْملك. وَبِمَا أَن رَأس حُسَيْن نظام الْملك قد رمي إِلَى الْخَارِج وشاهدته الجيوش، فقد أثار ذَلِك نائرة الْقِتَال والجدال، فأحرقوا بَاب القلعة فَمَا كَانَ من الميرزا خَان إِلَّا أَن خرج من القلعة فَارًّا هَارِبا، وَقد قتل مَا يُقَارب أَرْبَعمِائَة شخص فِي الْمسَافَة الفاصلة مَا بَين بَاب القلعة وَمَسْجِد قدوة الواصلين وزبدة العارفين الْعَارِف حَضْرَة الْغَوْث الْهَمدَانِي مقرب بِسَاط الرحمان وَاحِد عصره حَضْرَة السَّيِّد إِسْحَاق قدس الله سره وَنور مرقده الْوَاقِع فِي (أَحْمد نكر) . والقبة الْمُبَارَكَة للسَّيِّد إِسْحَاق قدس سره تقع على أَعلَى جبل يبعد عَن (أَحْمد نكر) ثَلَاثَة فراسخ إِلَى الْجِهَة الشمالية. وَقد قتل كل من جمشيد خَان وبهائي خَان وَأمين الْملك وَالسَّيِّد مرتضى وَآخَرين مِمَّن كَانُوا على علاقَة بالميرزا خَان. وَقد حكم حُسَيْن نظام الْملك مُدَّة شَهْرَيْن، وَبعد مُرُور الْأَيَّام وبمساعدة من جلال الدّين مُحَمَّد أكبر حَاكم دلهي وَفِي شهر رَجَب المرجب من سنة 999 جلس برهَان نظام الْملك شَقِيق مرتضى نظام الْملك على عرش (أَحْمد نكر) وعزل إِسْمَاعِيل نظام الْملك وَلكنه توفّي سنة 1003، وَالْبَعْض يَقُول إِن أُخْته سقته السم فَمَاتَ، بعده جلس على عرش (أَحْمد نكر) إِبْرَاهِيم نظام شاه بن برهَان نظام شاه، فنشب بَينه وَبَين إِبْرَاهِيم عَادل شاه وَالِي (بيجابور) نزاع، فَوَقَعت معركة عَظِيمَة بَينهمَا على مَسَافَة أَرْبَعِينَ فرسخا من (أَحْمد نكر) وَذَلِكَ بتاريخ السَّادِس عشر من شهر (مرداد) سنة 5 ألف وَثَلَاثَة (1003) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 أُصِيب فِيهَا بِسَهْم الْهَلَاك وَمَات، فَأَرَادَ بعض الْأُمَرَاء تنصيب (أَحْمد) ابْن (خوابنده بكلاني) وَبَعْضهمْ أَرَادَ تنصيب (موتِي شاه) ابْن (قَاسم شاه بن برهَان نظام شاه) مِمَّا أصَاب مملكة (أَحْمد نكر) بالفتور الْعَظِيم فتحول الْأَمر وعصمة المآب وعفت الإياب إِلَى (ملكة زماني جاند بِي بِي) ابْنة حُسَيْن نظام شاه بن برهَان نظام شاه بن أَحْمد نظام شاه بن أشرف همايون نظام الْملك بحري الَّتِي فاقت أقرانها من الشجعان والمقدامين فِي قدرتها واستيعابها للمراحل الْمَاضِيَة من تواريخ السلاطين، وأصبحت سيدة على (أَحْمد نكر) واستعملت الْأُمَرَاء الأجلاء مثل عنبر جنكيز خاني الْمَعْرُوف بعدله وأمانته وتدينه وَقدرته على تَدْبِير أُمُور المملكة فَكَانَ بِلَا نَظِير وشبيه وَكَذَلِكَ استعانت ب (اعْتِمَاد خَان الثَّانِي) وَغَيره من الْأُمَرَاء. وَمَعَ تحين أول فرْصَة أصبح عنبر غُلَام جنكيز خَان وَكيلا للسلطنة وَتسَمى بِالْملكِ عنبر وَبسط سلطته مُعْلنا بَدْء دولة الْملك عنبر وَجلسَ على كرْسِي الحكم وَقد قَالَ الشَّاعِر فِي ذَلِك: (لم يكن للرسول غير بِلَال ذَاك ... ) (وَبعد ألف سنة جَاءَ ملك عنبر ... ) وَلما مَاتَ الْملك عنبر دفن فِي رَوْضَة (خلد آباد) بِالْقربِ من (دولت آباد) بِالْقربِ من قبَّة قدوة الواصلين وزبدة العارفين السَّيِّد يُوسُف بن السَّيِّد عَليّ بن السَّيِّد مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الدهلوي الدولت آبادي الْمَشْهُور ب (سدراجا) وَالْمَعْرُوف فِي هَذَا الْوَقْت ب (شاه راجو قتال) ، وَالِد الْمَاجِد حَضْرَة السَّيِّد مُحَمَّد كيسو دراز قدس الله تَعَالَى أسرارهم وَبني فَوق قَبره قبَّة عَظِيمَة الشَّأْن. وعندما وصلت أَخْبَار الإفراط والتفريط بسلطنة (أَحْمد نكر) إِلَى أكبر شاه، جرد الْأَمِير الشاه مُرَاد عسكرا جرارا يرافقه الْأُمَرَاء المعروفين قَاصِدا السيطرة على (أَحْمد نكر) ، وعندما علمت (جاند بِي بِي) بِهَذَا الْخَبَر سارعت إِلَى تنصيب بهادر نظام شاه ابْن إِبْرَاهِيم نظام شاه بن برهَان نظام شاه على عرش (أَحْمد نكر) وتفرغت للاستعداد إِلَى الْحَرْب والقتال وإدارة الدولة، وَبعد عدَّة أشهر حاصر شاه مُرَاد قلعة (أَحْمد نكر) وَهزمَ فَعَاد إِلَى دلهي فَتوفي فِي أثْنَاء عودته، فَأَرَادَ الْأَمِير دانيال معاودة فتح (أَحْمد نكر) والسيطرة على ملك (الدكن) فَاسْتَأْذن لذَلِك الْخَانَات وكل من ميرزا شاه رخ وميرزا يُوسُف خَان، فحاصر الشاه دانيال (أَحْمد نكر) لمُدَّة أَرْبَعَة أشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام، وَفتحهَا فِي النِّهَايَة بِوَاسِطَة حِيلَة مُحرمَة سنة (1008) وَقبض على بهادر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 نظام الْملك، أما (جاند بِي بِي) الَّتِي كَانَت رائعة الْجمال بحسنها وشديدة العفاف فخافت أَن تقع فِي يَد عَسَاكِر دلهي الَّتِي سَمِعت عَنْهُم أَنهم سَوف يهتكون سترهَا، فرمت بِنَفسِهَا فِي حَوْض من (مَاء النَّار) فتحولت فِي طرفَة عين إِلَى أثر بعد عين فَكَانَ مَوتهَا سترا لَهَا من يَد الْعَسْكَر والمحارم عَنْهَا. و (جاند بِي بِي) هَذِه كَانَت مخطوبة لأحد أَبنَاء سلاطين (بيجابور) وَكَانَ والدها قد أرسلها بوفير التَّجْهِيز وَركب عَظِيم إِلَى زَوجهَا فِي (بيجابور) فَكَانَ برفقة الْأُمَرَاء وَأَصْحَاب السلطة فِي استقبالها، وَلكنهَا وَفِي لَيْلَة الزفاف رَأَتْ من زَوجهَا مَا كدرها، وَأَنه لَا يَلِيق بهَا فاعتزلته، حَتَّى آخر اللَّيْل وَفِي الصَّباح خرجت من (بيجابور) راكبة حصانها عَائِدَة إِلَى (أَحْمد نكر) . فلحقتها أَفْوَاج عديدة من (بيجابور) ولمسافة أَرْبَعِينَ فرسخا ساعين إِلَى اعادتها لكِنهمْ لم يوفقوا إِلَى ذَلِك فَعَادَت ظافرة غانمة إِلَى دَاخل قلعة (أَحْمد نكر) أما اعْتِمَاد خَان الثَّانِي وبسبب من وسواس كَانَ فِي باله فَإِنَّهُ ذهب إِلَى (بجنير) وعندما حوصرت (جاند بِي بِي) من قبل الْأَمِير دانيال ارسلت لَهُ رِسَالَة تعهد مختومة بخاتمها الْخَاص ونقشت عَلَيْهَا كف يَدهَا المضمخة بالزعفران والصندل ورسالة التعهد هَذِه مَوْجُود لَدَى أَوْلَاد اعْتِمَاد خَان، وبرأي الْكَاتِب فَإِن أَصَابِع تِلْكَ الْيَد العفيفة طَوِيلَة وضعيفة وراحة يَدهَا صَغِيرَة وَكَانَت تلبس خَاتمًا فِي خنصرها، وَقد تملك كل من كَانَ حَاضرا ذَلِك الْمجْلس وَشَاهد هَذَا التعهد وَنقش الْيَد عَلَيْهِ وانتبه إِلَى البلاغة والفصاحة والعبارة الَّتِي يتحلى بهَا هَذَا التعهد ومعانيه المتنوعة والمتينة تغلب عَلَيْهِ الْحَسْرَة ويسيل الدمع أسفا عَلَيْهَا وَيضْرب أَخْمَاسًا بأسداس. إِن بَلْدَة (أَحْمد نكر) وَحَتَّى كِتَابَة هَذِه السطور قد تعرضت ثَلَاثَة مَرَّات للغارات: الْمرة الأولى: عِنْدَمَا هاجمها الْكَافِر الشقي (رامراج) حَاكم (بيجانكرد) فِي عهد حُسَيْن نظام شاه بأفواجه الجرارة من الفرسان والمشاة الكثر واحتل (أَحْمد نكر) وذبحوا الْخَنَازِير فِي مَسْجِد (لنكرد) الْأَئِمَّة الاثنا عشر عَلَيْهِم وعَلى جدهم الأمجد الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبَقِي فِي الْمَدِينَة مُدَّة تِسْعَة أشهر محاصرا قلعتها غير أَنه انهزم فِي النِّهَايَة وهرب مهزوما خائبا وخاسرا. الْمرة الثَّانِيَة: حِين استغل (بابونا) ابْن الْملك عنبر جنكيز خَان اضْطِرَاب العلاقة بَين السلطة النظامية والأمراء فَأَغَارَ على (أَحْمد نكر) واحرق عمارات الْأُمَرَاء المبنية من الْخشب، وَكَذَلِكَ الْبيُوت الْوَاقِعَة فِي أَعلَى بوابة (كلان) فِي محلّة شاه طَاهِر وَأبقى على أبنية أهل الْحَرْف والغرباء وَالَّذين عاونوه. الْمرة الثَّالِثَة: كَانَت فِي السّنة السَّادِسَة فِي عهد مُحَمَّد فرخ سير حَاكم (دلهي) فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّانِي وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الأول سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وَألف فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 زمن أَمِير الْأُمَرَاء حُسَيْن عَليّ خَان الْمُتَوَلِي على (الدكن) وَكَانَ يتَوَلَّى امرة القلعة أَسد الدّين خَان بن تهور خَان (كهندو دبهارية) من طرف عَسَاكِر (غنيم) الْبَالِغَة أَرْبَعِينَ ألف خيال وراجل الَّذين انحدروا إِلَيْهَا من نَاحيَة (كنجاله) و (نيبه دهيره) وحاصروها (أَي أَحْمد نَكِير) ، وَلم يسْتَطع مُحَمَّد إِبْرَاهِيم مُتَوَلِّي القلعة من قبل آمرها الصمود بِوَجْهِهِ هَؤُلَاءِ لقلَّة الْعدَد الَّذِي كَانَ مَعَه فَخرج من القلعة فَارًّا مِنْهَا قبل سُقُوطهَا بساعات فَدَخلَهَا المغيرون وَعمِلُوا بالنهب وَالسَّلب طوال اللَّيْل وَبَعض النَّهَار التَّالِي واحرقوا كثيرا من الْأَبْنِيَة والدكاكين، وَلما سمع المغيرون أَن سيف الدّين عَليّ خَان شَقِيق أَمِير الْأُمَرَاء حُسَيْن عَليّ خَان قد وصل إِلَى مشارف (كنجاله) وَمَعَهُ خَمْسُونَ ألف فَارس قَاصِدا النّيل من (غنيم) عَمدُوا إِلَى الْفِرَار. حينها لم يسْتَطع أَكثر السَّادة والفقراء الْوُصُول إِلَى القلعة فلجأوا بأهلهم وعيالهم إِلَى (تاراجى) وَالْكَاتِب حينها لم يكن قد بلغ سنّ الْبلُوغ بعد فَذهب مَعَ وَالِده الْمَاجِد المرحوم بعد صَلَاة الظّهْر إِلَى القلعة وَقَالَ للشَّيْخ فتح مُحَمَّد الملا من قَصَبَة (جيور) وَكَانَ من الْفُقَهَاء القدماء لَدَى وَالِده طَالبا مِنْهُ أَن يُوصل الْأَشْيَاء المهمة والمستورات إِلَى القلعة وَكَذَلِكَ إِيصَال مَا تحويه المكتبات من كتب الَّتِي كَانَ يعدها هَذَا الشَّيْخ أهم من الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْجَامِع. فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن أَمر بتحميل جَمِيع الْكتب الَّتِي كَانَت فِي (بالكي وبهل) وأرسلها إِلَى القلعة أما مَا بَقِي من أثاث الْبَيْت والماشية فقد نهب وسرق، وَيَقُول الشَّيْخ عصمت الله ابْن الشَّيْخ تَاج مُحَمَّد أَنه قضى اللَّيْل كُله على سطح منزله الْوَاقِع فِي محلّة شاه طَاهِر دكهني خوفًا من أَن يَنَالهُ أَذَى جمَاعَة غنيم، وَأَنه شَاهد هَؤُلَاءِ المغيرين يخرجُون من منزل (شعريعت بناه) اثْنَا عشر جملا محملًا بالفرش والأواني وَغَيرهَا من الْمَتَاع وَأَن كثيرا من أرزاق وَأَسْبَاب معاش الْفُقَرَاء وَأهل الْحَرْف والشرف والغرباء ذهب نهبا وأحرقت مَنَازِلهمْ وَتَفَرَّقُوا فِي جَمِيع الأنحاء. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي كَانَت (أَحْمد نكر) تحترق فِيهَا، كَانَت النَّار ترى على مَسَافَة سِتَّة فراسخ من جَمِيع الْجِهَات، ويحضر فِي بالي أنني فِي حينها شَكَوْت إِلَى والدتي الماجدة المرحومة الْجُوع فَلم يكن لَدَيْهَا شَيْء، وَفِي منتصف الْيَوْم الثَّانِي أرسل صَاحب القلعة أَسد الدّين خَان بن تهور خَان طَعَاما، فَمَا كَانَ من وَالِدي إِلَّا أَن قسمه على التَّابِعين والأقرباء. وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاء جَاءَ الشَّيْخ عبد الْملك قريب وَالِدي بِخَبَر مفاده أَن جَمِيع دكاكين السُّوق ومنازل النَّاس، وَمَا أخرجناه من غلَّة قد احْتَرَقَ، كَمَا احْتَرَقَ منزلنا ومحلنا وديوانيتنا، وَمَا بَقِي لنا هُوَ السَّلامَة، فَشكر وَالِدي الله على هَذِه النِّعْمَة. وَقَالَ راجي مُحَمَّد وَهُوَ شخص ورع وشريف وكهاران بالكي أَنه يجب إرْسَال بعض الْغلَّة إِلَى القلعة وتوزيعها على أَتبَاع شاه أَبُو تُرَاب وشاه قَاسم وَغَيرهم من أَبنَاء شاه طَاهِر دكهني وَكَذَلِكَ الأتباع من السَّادة الْأَشْرَاف وَأهل الْمعرفَة والحقيقة فالسيد بخش الْكرْمَانِي الخيرآبادي قدس سره الَّذِي حزت شرف خدمته وقرأت عَلَيْهِ بعض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 رسائل الْمنطق وكل من يسْتَحق من الْجِيرَان فَمَا كَانَ مِنْهُم إِلَّا أَن أوصلوا ذَلِك إِلَى القلعة ووزعوه من سَاعَته على الْجَمِيع وَهَذَا مَا يشْهد لوالدي بِتِلْكَ الهمة الْعَالِيَة فِي فعل الْخَيْر وخدمة الْفُقَرَاء والسادة وَهِي صِحَة أظهر من الشَّمْس وَأبين من الأمس. فقد كَانَ يوزع الطَّعَام على الْفُقَرَاء مطبوخا ونيئا، وَقد وضع عدَّة قطع من الأَرْض فِي تصرف الْقَضَاء من جُمْلَتهَا (يكجاور وبنجاه بيكه) من الأَرْض من أجل سد حاجات الْكِبَار وَهِي بَاقِيَة حَتَّى الْآن وَقد أضفت عَلَيْهَا بعض الْأَرَاضِي وفقا على حاجات السَّادة. وَقد تلقى وَالِدي المرحوم هَذِه الْخِصَال الحميدة والعقيدة والتربية من الْعَارِف بِاللَّه الغواص فِي بحار معرفَة الله حَضْرَة الشاه عبد الْمَاجِد نبيره قدوة الواصلين وزبدة السالكين حَضْرَة الشاه وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأحمد آبادي قدس الله تَعَالَى أسرارهما، وَكَذَلِكَ من حَضْرَة الشاه نصير الدّين خلف الصدْق شاه عبد الْمَاجِد وَكَذَلِكَ الملا أَحْمد بن سُلَيْمَان بن مشاهير عُلَمَاء (أَحْمد آباد) صَاحب التصانيف أنار الله برهانهم ودرس عَلَيْهِ الْعُلُوم الظَّاهِرِيَّة المطولة ودرس التجويد على فريد الْعَصْر الشَّيْخ فريد رَحْمَة الله عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ الْحَوَاشِي والمعروفة عَليّ الْمولى زَاده وَكتب دراسية أُخْرَى مَشْهُورَة ومعروفة، واتصل فِي (بيران بتن) بِخِدْمَة الفاضلي العارفي الَّذِي كَانَ يجلس مُنْفَردا فِي مَسْجِد (آدينه) ونال مَعَه الْبركَة والسعادة والتوفيق، وبأمر مِنْهُ ذهب إِلَى (شاه جهان آياد) وَتَوَلَّى قَضَاء (دهولقه) من تَوَابِع (أَحْمد آباد) فَقضى فِيهَا خمس سِنِين ثمَّ استعفى من ذَلِك وَعَاد إِلَى (أَحْمد آباد) واتصل بِخِدْمَة المرشد لعدة سنوات حظي فِيهَا بالتوفيق وَلما كَانَ المرشد يُرِيد الالتحاق بِجَيْش مُحَمَّد اورنك زيب عالمكير المعسكر فِي قَرْيَة (كلكله) ، فقد عزم الْأَمر على الرحيل، وَلما صَادف مُرُور الْعَسْكَر بِجَانِب (أَحْمد نكر) وَكَانَ فِيهَا آنذاك شاه عَسْكَر قدس سره الَّذِي وصلت إِلَيْهِ شهرة الْوَاحِد فَأَرَادَ الِاتِّصَال بِهِ وَكَانَ حينها يُقيم فِي مَسْجِد (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشرَة) ، وَبِمَا أَن المرحوم وَالِدي كَانَ قد سمع عَن كمالاته فَأحب أَن يلازمه، وَلكنه وَهُوَ فِي الطَّرِيق أَخذ يفكر فِي مَاهِيَّة مَذْهَب شاه عَسْكَر فِي حِين أَنه يُقيم فِي مَسْجِد (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) وَهُوَ مَعْرُوف أَنه لأتباع الْمَذْهَب الإمامية، ولكنهما عِنْدَمَا التقيا وتباحثا فِي الْمسَائِل والقضايا، وَبَان الِاتِّفَاق بَينهمَا، فَقَامَ وَالِدي بتقبيل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، فَأَجَازَهُ، فالتحق وَالِدي بالعسكر وَأمره بِقَضَاء (أَحْمد نكر) ، وَفِي هَذِه الْأَثْنَاء زَارَهُ طَائِر الْمَوْت فَتوفي وَجعل قَبره مَا بَين (أَحْمد نكر) و (خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر) خَارج بوابة (شاه كنج) ، بعد ذَلِك وبسبب من ظلم مُتَوَلِّي (أَحْمد نكر) الَّذِي كَانَ يحمي الْكفَّار وَيظْلم النَّاس قرر المرحوم وَالِدي السكن فِي قلعة (أَحْمد نكر) ، فَلم يبْق أحد من أكَابِر والسادات وَجَمَاعَة الْمُسلمين إِلَّا وأتى إِلَى قلعة (أَحْمد نكر) طَالبا مِنْهُ أَن يعود للسكن فِي مَدِينَة (أَحْمد نكر) وَلكنه لم يقبل. وَفِي سنة (1130) وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس التَّاسِع عشر من شهر شَوَّال فِي الهزيع الْأَخير من اللَّيْل فَارق الدُّنْيَا إِلَى الدَّار الْآخِرَة، وَدفن فِي مَقْبرَة حَضْرَة شاه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 بنكالي قدس سره الْوَاقِعَة فِي مُقَابل القلعة وَقد كَانَ عثماني النّسَب يَعْنِي أَنه من أَوْلَاد جَامع الْقُرْآن كَامِل الْحَيَاة وَالْإِيمَان حَضْرَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وجده الْأَعْلَى صَاحب الْفَضَائِل والكمالات الْوَاصِل إِلَى منزلَة الْحَقَائِق والمعارف قدوة العارفين حَضْرَة مَوْلَانَا حسام الدّين قدس سره وَنور مرقده. وينتسب إِلَيْهِ عَن طَرِيق الشَّيْخ عبد الرَّسُول ابْن الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الْوَارِث ابْن الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ابْن الشَّيْخ عبد الْملك ابْن الشَّيْخ مُحَمَّد إِسْمَاعِيل ابْن الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن مَوْلَانَا الشَّيْخ حسام الدّين العثماني قدس الله تَعَالَى أسرارهم ومرقده الشريف يَقع فِي (كلكشت) من نَاحيَة (كبيرنبج) الْوَاقِع على بعد سِتَّة فراسخ من (أَحْمد آباد) إِلَى الْجِهَة الغربية وَهُوَ مقصد للزائرين. والناحية الْمَذْكُورَة تعْتَبر موطن وَمَكَان ولادَة المرحوم وَالِدي وأجداده. وَقد توَلّوا فِيهَا الْقَضَاء والخطابة مُنْذُ الْقَدِيم، أما جده لأمه فَهُوَ الْعَارِف بِاللَّه الْمُسْتَغْرق فِي بحار معرفَة الله (مخدوم شيخو) قدس الله سره الْعَزِيز وَهُوَ فيض من جناب قدوة الواصلين وزبدة العارفين أستاذ الْجَمِيع حَضْرَة شاه (وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين) الْعلوِي الْحُسَيْنِي الأحمد آبادي قدس الله سرهما وَنور مرقدهما. وَقد أنْشد الشَّاعِر (بزركي) قصيدة فِي شمائل هَذَا الشَّيْخ تقع فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ بَيْتا تحدث فِيهَا عَن فَضَائِل وأخلاق وَعلم ودرجة هَذَا الْعَالم الْجَلِيل ومكانته العلمية والأدبية والاجتماعية وموقعه الديني فِي زَمَانه. الأحدية: قَالَ الْعَارِف النامي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي شرح رباعياته: الأول تعييني أما الثَّانِي فَهُوَ انتقاد الهوية وَثَانِي الْمرتبَة أَن لَا تعين، والوحدة الْخَالِصَة هِيَ أصل جَمِيع القابليات. وَقد سَاوَى بَين الظَّاهِر وَالْبَاطِن والمشروط والمقيد لَا يَنْفِي أَي من الاعتبارات وأثباتها. لكنه عين قابلية الذَّات. ويرتبط بالباطن وَالظَّاهِر والأزلية والأبدية وَانْتِفَاء الاعتبارات وأثباتها. وَعِنْده أَن هَذِه الْوحدَة لَهَا اعتباران: الأول: اعْتِبَاره هُوَ شَرط عدم الاعتبارات ولسقوطها بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ اعْتِبَار الأحدية. والذات بِهَذَا الِاعْتِبَار وَاحِدَة. وَيتَعَلَّق بِهَذَا الِاعْتِبَار ظُهُور الذَّات وأبديتها. إِذن الأحدية مقَام انْقِطَاع واستهلاك الْكَثْرَة النسبية والوجودية هِيَ أحدية الذَّات، وَإِذا انْتَفَت الْكَثْرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 فِي الواحدية فَإِن الْكَثْرَة النسبية فِيهِ معقولة التحقق. كَمَا هِيَ مُمكنَة التعقل فِي الْعدَد الْوَاحِد كَمثل النّصْف وَالثلث وَالرّبع، لِأَن منشأ الإعداد من عِنْده. وَجَمِيع تعيينات الوجودية غير المتناهية هِيَ مظَاهر هَذِه النِّسْبَة الْمُتَعَلّقَة فِي مرئية الأحدية وَلَفْظَة الأحدية فِي اصْطِلَاح أَرْبَاب السلوك تطلق على ثَلَاثَة أَشْيَاء: الأول: أحدية الذَّات وهوية الْغَيْب وَلَا تعْيين فِيهِ. الثَّانِي: أحدية نفي أَو سلب الاعتبارات الَّتِي هِيَ الثُّبُوت فِي مُقَابل الواحدية. الثَّالِث: أحدية الْجمع الَّتِي هِيَ الألوهية وَفِي هَذِه الْمرتبَة فَإِن الذَّات تكون بِالصِّفَاتِ الملحوظة كَمثل (الْحَيَاة) و (الْعلم) والادارة) وَالْقُدْرَة (والسمع) و (الْبَصَر) و (الْكَلَام) . (بَاب الْألف مَعَ الرَّاء) وأرسطو: قَالَ فِي انولوجيا، اخْتَرْت الْخلْوَة والرياضة وانخلعت من بدني وَخرجت من لِبَاس الطَّبْع، فأحسست بإحساس غَرِيب وَنور عَجِيب وَرَأَيْت نَفسِي جزأ من أَجزَاء الْعَالم الروحاني وَصَاحب تَأْثِير. بعْدهَا ارتقيت إِلَى الحضرة الربوبية فَرَأَيْت نورا يعجز اللِّسَان عَن وَصفه وَلَا أذن يُمكنهَا سَماع نَعته. وَفِي غَفلَة صَار بيني وَبَين هَذَا النُّور حجاب، بقيت متحيرا كَيفَ تنزلت من هَذَا الْعَالم، وَقد نسب الشَّيْخ الْمَقْتُول فِي كتاب (التلويحات) وَكَذَلِكَ مَوْلَانَا قطب الدّين الْعَلامَة فِي شرح (حِكْمَة الأشراق) هَذَا المشهد إِلَى أفلاطون. (بَاب الْألف مَعَ الشين) الاشارة: وَقَالَ الْعَارِف بِاللَّه الصَّمد بَابا فتح مُحَمَّد الْبُرْهَان النوري فِي (مِفْتَاح الصَّلَاة) استفسر بعض الأصدقاء هَذَا العَبْد الْفَقِير عَن أَن فِي التَّحِيَّات ((وَحده لَا شريك لَهُ)) غير مَوْجُودَة وَكَيف أَصبَحت مَعَ الْوَقْت. وَيُقَال إِن لَهَا وَجها احْتِمَال: الأول: أَنَّهَا مَعَ إِشَارَة الْأصْبع كَمَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح هِيَ سهم من حَدِيد قَاس على الشَّيْطَان. الثَّانِي: أَنَّهَا جَاءَت على لِسَان الْمَلَائِكَة فِي الْمِعْرَاج، وَهَذَا الْمَكَان لَا شرك فِيهِ. وكما ورد فِي (مِعْرَاج النُّبُوَّة) وَغَيره أَن الْخطاب إِلَى سرُور الْعَالم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن اطلق الثَّنَاء فَقَالَ: (التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات) فَقَالَ الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته) فَرد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 فَقَالَ الملائك (أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله) انْتهى. مُلَاحظَة: حول ذكر الصَّالِحين وَترك العاصين أَن الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمن بَاب الشَّفَقَة قد أَدخل نَفسه فِي (علينا) وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيد عَنهُ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام رَحْمَة للْعَالمين. (بَاب الْألف مَعَ الْعين) الْأَعْيَان الثَّابِتَة: يَقُول الْعَارِف النامي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي شرح رباعياته، أَن الْمرتبَة الأولى التَّعْيِين من الملكوت وَهِي مرتبَة الْأَرْوَاح ويمتاز الملكوت عَن الجبروت الَّذِي هُوَ من مرتبَة الصِّفَات وَكَذَلِكَ الجبروت عَن اللاهوت الَّذِي هُوَ مرتبَة الذَّات. لَكِن الْوحدَة خَالِصَة والقابلية مَحْضَة وَهَذِه الْمَرَاتِب كلهَا مندرجة ومندمجة فِيهِ من غير امتياز بَعْضهَا عَن بعض لَا عينا وَلَا علما. وخصوصيات هَذِه الاعتبارات هِيَ أَنَّهَا لَا تمتاز عَن اعْتِبَار الاندماج والاندراج فِي هَذِه الْمرتبَة عَن بَعْضهَا الْبَعْض الآخر. وَيُقَال لَهَا مظَاهر الذاتية والحروف العاليات والصور الْأَصْلِيَّة، وَبعد امتيازهم عَن بَعضهم الْبَعْض الآخر فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة بِسَبَب من نورانية الصورية الْمَذْكُورَة والمسمات يُصْبِحُونَ أعيانا ثَابِتَة وماهيات انْتهى. الْأَعْصَار: وَيُقَال لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ (كردباد) وبالهندية (بهكولا) . نعم النَّاظِم: (دخل اللابس الْأَحْمَر إِلَى الْوسط وَبَدَأَ بالرقص ... ) (أعصار من تُرَاب الشُّهَدَاء ارْتَفع ... ) نعم النَّاظِم: (اللابسون للثياب الْخضر كَأَنَّهُمْ صور من الْبشر ... ) (بِحَمْد الله أَن مرادي من الْأَخْضَر أصبح نخيلا ... ) وَقَرِيب من هَذَا تحضرني قصَّة، كنت يَوْمًا مَعَ بعض طلبة الْعلم من الأصدقاء وَالْأَصْحَاب نتنزه باتجاه حديقة (فَرح نجش) الْوَاقِعَة إِلَى الْجِهَة الجنوبية من (أَحْمد نكر) ووصلنا إِلَى قرب مستنقع المَاء فِيهَا بِكُل نشاط وسرور وكل وَاحِد منا أَخذ يتَذَكَّر وَطنه وهواءه ويفرغ هموم الغربة وَالْهجْرَة عَن كَاهِله وَكَانَت مياه هَذَا المستنقع صَافِيَة وثمار الْمَوْسِم ناضجة، فَجْأَة قَامَ إعصار وَبَدَأَ يرقص ويهز مَا حولنا، وَوصل إِلَى مياه المستنقع الَّتِي بدأت تَدور على نَفسهَا وترتفع وتهبط متعاقبة حَتَّى لتصل إِلَى ارْتِفَاع المنارة ويشاهدها الناظرون وَلما خَافَ وارتعب الجالسون انفض مَجْلِسنَا وَنحن نذرف الدُّمُوع وَالْحَسْرَة على ذَلِك. وأصبحت كلما ذهبت إِلَى تِلْكَ الحديقة أَتَذكر بحرارة هَؤُلَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 الأصدقاء متألما مستشهدا بِهَذَا الْبَيْت من الشّعْر: (أَلا أيتها الحديقة قولي إِذا كنت صَادِقَة ... ) (إِذا كنت حديقة كتلك الحديقة فَأَيْنَ أَصْحَابِي لَا أَرَاهُم ... ) (بَاب الْألف مَعَ اللَّام) التقاء الساكنين: لَا يخفى على أَرْبَاب الْفطْرَة والفكر وَأَصْحَاب الظّرْف والخبرة أَن نعمت خَان عالي قد أنْشد قِطْعَة شعرية هزلية فِي كدخدائي كامكار خَان، أرخ فِيهَا لَهُ وَقَالَ: (بِكُل حِكْمَة قلت إِن الخطابة أَصبَحت آلَة وسيعة ... ) (عِنْد أهل الْقلب وَقَول التَّارِيخ أصبح فرض عين ... ) (فَقَالَ عِنْدهَا عَجُوز الْعقل أَنَّك ادغمت حرف الْمَدّ ... ) (وَالَّذِي أجَاز ذَلِك فِي هَذَا الْمَكَان هُوَ التقاء الساكنين ... ) يَقُول الْفَاضِل النامي مير غُلَام عَليّ بلكرامي سلمه الله تَعَالَى فِي شرح هَذَا القَوْل أَن سنة كدخائي كامكار خَان وَالَّتِي يبينها المصراع التأريخي النامي هِيَ سنة 1099 وَأَنه فتح قلعة كولكنده حيدر آباد سنة 1098 وَهَذَا يُوضح كَذَلِك أَن زواج كدخدائي كامكار خَان من ابْنة السَّيِّد مظفر وَزِير أَبُو الْحسن وَالِي حيدر آباد حدث بعد سنة من الْفَتْح، وحروف الْمَدّ فِي اصْطِلَاح عُلَمَاء الصّرْف هِيَ الْألف وَالْوَاو وَالْيَاء، وَيَقُول المؤرخون الْعَرَب أَن الْهمزَة التالية للألف لَا تحسب لِأَن لَيْسَ لَهَا صُورَة من صور حُرُوف الهجاء. وَلَا يخفى أَن بعض النقاد لمادة تَارِيخ الخطابة يعتبرون أَن مَوْضُوع التقاء الساكنين فِي بعض الْمَوَاضِع هُوَ من مسَائِل علم الصّرْف. وَأَن وُرُود اللَّفْظ فِي هَذَا المصراع هُوَ من هَذَا الْبَاب على مَا هُوَ مَشْهُور فِي هَذَا الْموقع. وَالصَّوَاب أَن هَذِه الْمَسْأَلَة يوردونها من جِهَة علمية وَكَذَلِكَ من جِهَة أُخْرَى تتَعَلَّق بِعلم آخر. وَهنا فِي الْبَحْث الْمُطلق لالتقاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 الساكنين فِي علم الصّرْف يعتبرونه من أَعْرَاض جَوْهَر الْكَلِمَة والتقاء آخر الْكَلِمَة بِأول كلمة أُخْرَى فَإِنَّهُم يبحثونه فِي علم النَّحْو لذَلِك فَإِنَّهُ من هَذَا المنطلق هُوَ من أَعْرَاض آخر الْكَلِمَة (الْفَوَائِد الضيائية) أما الملا الجامي فَإِنَّهُ يشْرَح التقاء الساكنين فِي كَلَامه عَن نون التَّأْكِيد (التوكيد) . وعَلى كل فَفِي أَي مَوضِع خَاص لالتقاء الساكنين هُوَ التقاء الختانين، ولدى النَّحْوِيين أَن التقاء الساكنين من كَلِمَتَيْنِ، والإتيان بِلَفْظ هُوَ الْأَفْضَل. وَيجب أَن نعلم أَن التقاء الساكنين عِنْدَمَا تلْحق نون التوكيد يَقع فِي اطار التَّثْنِيَة وواو الْجَمَاعَة (وَاو الْجمع) وَقد اعْتبر جَمِيع النحات أَن هَذِه النُّون هِيَ النُّون الثَّقِيلَة أما (يُونُس النَّحْوِيّ) فقد اعْتقد على خلافهم أَنَّهَا تجوز كَذَلِك فِي النُّون الْخَفِيفَة. إِذن، فِي مَوضِع خَاص وَفِي صُورَة التَّثْنِيَة يُمكن جمع (ألف داماد) الَّتِي هِيَ فَاعل الْفِعْل مَعَ (نون الْعَرُوس) الَّتِي هِيَ تَأْكِيد للْفِعْل. وَإِذا اعْتبرت (نون الْعَرُوس) ثَقيلَة بِاعْتِبَار التَّشْدِيد فَإِن الْمَقْصُود من مَذْهَب جُمْهُور النَّحْوِيين أَن هَذَا جَائِز. وَأما إِذا اعْتبرت النُّون خَفِيفَة بِاعْتِبَار التسكين من أجل تَحْرِير الْقَضِيَّة وعَلى الرغم من وُرُود الْقبُول وَالشّرط فَإِن المُرَاد من مَذْهَب (يُونُس) هُوَ جَوَاز التقاء الساكنين كحالة خَاصَّة. (انْتهى) . (بَاب الْألف مَعَ النُّون) الِانْتِقَال: اعْلَم أَنه لم نحدد الِانْتِقَال فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة أَو مَسْأَلَتَيْنِ وَثمّ نعمد بعد عدَّة أَيَّام إِلَى إِضَافَة مَسْأَلَة أُخْرَى أَو مَسْأَلَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ كلما احتجنا إِلَى ذَلِك فَإِن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى فتح بَاب وصلب مَوْضُوع الْمَذْهَب واختلاط المباحث وَعَلِيهِ فَإِن ذَلِك غير جَائِز. وَيجب أَن نعلم أَنه من الْوَاجِب وَحسب الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة الَّتِي يُسْتَفَاد مِنْهَا إِبَاحَة الزَّكَاة فِي بَاب الْحِلْية كَمَا أَن على الْمَذْهَب الْحَنَفِيّ حَيْثُ حلية الزَّكَاة فرض فَإِنَّهَا على الْمَذْهَب الشافي لَيست فرضا. فَإِذا مَا كَانَ شخص على الْمَذْهَب الْحَنَفِيّ وَمن أجل دفع الزَّكَاة يرى جَوَاز تَقْلِيد الشَّافِعِي فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك، لِأَن جَمِيع الْفُقَهَاء عَلَيْهِم الرَّحْمَة والغفران قد أَجَازُوا جَمِيع الْحِيَل واستثنوا مِنْهَا حِيلَة الزَّكَاة وَقَالُوا بِإِسْقَاط حِيلَة الزَّكَاة وبطلانها نظرا لحقوق الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين، وَإِلَّا سينسد بَاب الزَّكَاة. وَنقل عَن الإِمَام أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى أَن شخصا سَأَلَهُ عَن حِيلَة الزَّكَاة، وَعَاد بعْدهَا الرجل إِلَى منزله مَسْرُورا متمرغا فِي فرحته فَاعْتقد خاروف لَهُ فِي الْبَيْت أَن أحد يَدْعُو إِلَى الْقِتَال من المشهد الَّذِي رَآهُ، فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن أَخذ بِضَرْب بِرَأْسِهِ رَأس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 الرجل حَتَّى أَحَالهُ إِلَى قطع صغيره، فجَاء أهل الْبَيْت إِلَى الإِمَام ووصفوا لَهُ حَال الرجل فَقَالَ الإِمَام، نعم هَذَا جَزَاء من لَا يُرِيد أَدَاء الزَّكَاة ... (بَاب الْألف مَعَ الْيَاء) الْإِيمَان: قَالَ الْعَارِف النامي نور الدّين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس الله تَعَالَى سره السَّامِي فِي (نفحات الْأنس من حضرات الْقُدس) فِي وصف أَحْوَال أَبُو الرّبيع الكفيف الحافي رَحمَه الله تَعَالَى: إِن قَول كلمة (لَا إِلَه إِلَّا الله) توفر النجَاة لمن يَقُولهَا سَبْعَة آلَاف مرّة أَو لمن تقال نِيَابَة عَنهُ أَو بنيته. وَيَقُول الشَّيْخ أَبُو الرّبيع أَنه جَاءَ بِهَذَا الذّكر سَبْعَة آلَاف مرّة من غير نِيَّة حَتَّى كَانَ يَوْم كنت حَاضرا فِيهِ مائدة طَعَام مَعَ جمَاعَة وَمَعَهُمْ طِفْل أعطَاهُ الله قدرَة الْكَشْف، وعندما أَرَادَ هَذَا الطِّفْل البدء بِالْأَكْلِ أَخذ يبكي، فَقَالُوا لَهُ: مَا الَّذِي يبكيك: فَقَالَ: إِنَّنِي أرى عَالم البرزخ وَأرى والدتي فِي نارها، فَمَا كَانَ من الشَّيْخ أَبُو الرّبيع إِلَّا أَن عقد النِّيَّة فِي سره على إهداء ذَلِك الذّكر إِلَى وَالِدَة هَذَا الطِّفْل من أجل خلاصها من نَار البرزخ، وَيَقُول مَا إِن أتتمت النِّيَّة حَتَّى ضحك الطِّفْل وَظَهَرت عَلَيْهِ البشاشة وَقَالَ: الْحَمد لله لقد نجت والدتي من عَذَاب نَار البرزخ وَشرع بِالطَّعَامِ مَعَ الْجَمَاعَة، وَيَقُول الشَّيْخ أَبُو الرّبيع أَنه علم لي فِي هَذَا الْبَاب والكشف الَّذِي حدث للطفل صِحَة الْخَبَر النَّبَوِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْتهى. الإيجاد: وَقَالَ الْعَارِف النامي الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي شرح رباعياته أَن الإيجاد هُوَ عبارَة عَن استتار وجود الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وصور الْأَعْيَان الثَّابِتَة والماهيات. واتصافه بِالْأَحْكَامِ والإثارة والغاية وَثَمَرَة استتار وجود الْحق بِصُورَة كل عين ثَابِتَة هُوَ ظُهُوره سُبْحَانَهُ بِاعْتِبَار الشأنية، أَي أَن هَذِه الْعين الثَّابِتَة مظهر لَهُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ على الشَّأْن نَفسه أَو على الْأَمْثَال، جمعا وفرادى أَو الْجمع نَفسه بَين الظهورين. وكل شَأْن يظْهر من الْحق سُبْحَانَهُ كَمَا يَبْغِي إِمَّا أَن يكون شَأْن كليا جَامعا على جَمِيع الْأَفْرَاد، وَإِمَّا شَأْنًا لَا يتَحَقَّق لَدَى بعض الْأَفْرَاد فِي ظُهُوره سُبْحَانَهُ والْحَدِيث إِلَّا إِذا كَانَت حَقِيقَة الْإِنْسَان الْكَامِل مَعَ هَذَا الشَّأْن الْكُلِّي الْجَامِع. إِذن، فَإِن الْحق سُبْحَانَهُ يظْهر فِي مرْآة الْإِنْسَان الْكَامِل فِي نَفسه من حيثية الشَّأْن الْكُلِّي الْجَامِع بِالْكُلِّيَّةِ والأحدية. إِذا يجب الْعلم أَن كل شَأْن عِنْدَمَا يُعْطي لَونه وَصفته لجَمِيع الْأُمُور والشؤون وعندما يظْهر كل فَرد بِصفة الْمَجْمُوع فَإِنَّهُ كَذَلِك وَفِي مرتبَة الأحدية فَإِن جمع كل شَأْن مُشْتَمل على جَمِيع الشؤون وَكَذَلِكَ الْأَمر فِي مرتبَة الْإِنْسَان الْكَامِل فَإِن ذَلِك الشَّأْن الْكُلِّي الْجَامِع يشْتَمل على كل من تِلْكَ الشؤون وَأَن غَايَة الغايات من ظُهُور الْحق سُبْحَانَهُ على أساس كل شَأْن هُوَ هَذَا الإكتساب الْمَذْكُور وَلَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 أَن يظْهر ذَلِك الشَّأْن فَقَط حَتَّى يظْهر الْحق سُبْحَانَهُ على قدر ذَلِك الشَّأْن. (انْتهى) . ( [حرف الْبَاء] ) (بَاب الْبَاء مَعَ الْألف) الباه: لَيْسَ خافيا على أَبنَاء الدَّهْر أَن شَرط اسْتِعْمَال أدوية الباه يجب ان يترافق مَعَ الطَّعَام الْمُنَاسب. وَإِذا كَانَ الْمَخْلُوط زَائِد فَيجب أَولا تنظيفه. وَأَيْضًا لَيْسَ كَافِيا أَن يكون كل مرهم يُوَافق ويؤثر فِي كل مزاج. وَأَنه قد يُوَافق دَوَاء مزاجا لَدَى شخص مَا وَمَعَ شخص آخر لَا يُوَافق، وَلَكِن هَذَا الدَّوَاء نَفسه قد يكون مُوَافق لهَذَا الشَّخْص إِذا لم يتَغَيَّر مزاجه وعندما يتَغَيَّر لَا يُوَافقهُ، وَالْعقل يعْتَرف بقصره أَمَام الخصوصيات، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ يُوجد عدَّة وصفات فِي مَوْضُوع أَو حَالَة وَاحِدَة، وَإِذا لم ينْتَفع طَالب الدَّوَاء من دَوَاء وَصفه لَهُ الطَّبِيب الْعَالم، فَلَا بُد لَهُ أَن يلْتَمس العلاج فِي دَوَاء آخر، وَأَن لَا يظنّ سوءا فِي الطَّبِيب وخصوصا فِي مَسْأَلَة (الباه) لِأَن أدوية هَذَا الْأَمر وَبعد مُرَاعَاة عدَّة شُرُوط تصبح مُؤثرَة. المربى: من الشقاقل الْمصْرِيّ يُعْطي الباه قُوَّة وَهُوَ نعوط كَامِل يُقَوي المثانة. يُؤْخَذ الشقاقل الطازج يغسل بِالْمَاءِ ثَلَاث مَرَّات بعد نزع قشره ثمَّ يغلى فِي المَاء حَتَّى يصبح مطبوخا بِمِقْدَار النّصْف، ثمَّ يُضَاف إِلَيْهِ الْعَسَل الْمُصَفّى ثمَّ يوضع على نَار خَفِيفَة وَيتْرك عَلَيْهَا حَتَّى ينضج، فَيُوضَع فِي إِنَاء وَيتْرك أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ يسْتَعْمل بعْدهَا، كسفوف، وَهُوَ مجرب فِي هَذَا الْبَاب. زهرَة من الشقاقل وزهرتين من ال (بهمنين وردة جبلية زهرها أصفر أَو أَحْمَر وأوراقها حادة) وزهرتين من (قدامَة وَيُقَال لَهَا قدومه أَو اسيمتون اَوْ شندله اَوْ جنفج) بَيْضَاء وصفراء، مِقْدَار من (خصية الثَّعْلَب) وَمِقْدَار من وبر جمل عَرَبِيّ وتسع مقادير من الْمسك وَثَلَاثَة مقادير من العنبر وَثَلَاث مقادير من السّمن وتخلط مَعَ بَعْضهَا وتطحن جيدا ويصنع مِنْهَا سفوف أَو شراب بِإِضَافَة خَمْسَة كاسات من حليب الْبَقر وَإِذا مَا كَانَ الطقس حارا وجافا يُضَاف إِلَيْهَا كأسين فَقَط. وَيجب أَن يكون العنبر أَصْلِيًّا وَكَذَلِكَ الْجمل الْعَرَبِيّ. وَإِذا مَا طَال شعر الْعَانَة وبلل بِالْمَاءِ وَحلق ودهن الْقَضِيب والخصيتين وَمَكَان الْحلق والمؤخرة بِزَيْت جوز الْهِنْد وفرك جيدا لمرتين أَو ثَلَاثَة على هَذَا التَّرْتِيب وَبعدهَا يعمد إِلَى حلق شعر الْعَانَة والدهن بالزيت فِي الْأَمَاكِن الْمَارَّة فَإِن ذَلِك يُقَوي الباه وَله فَائِدَة عَظِيمَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 وَكَذَلِكَ أكل لب الفستق المشوي فِي النَّار وَكَذَلِكَ أكل الْبيض (البرشت) (نصف مسلوق) من ثَلَاث بيضات إِلَى عشرَة إِذا اسْتَطَاعَ ذَلِك فَإِنَّهُ يُقَوي الباه وَيزِيد من الْمَنِيّ، وَإِذا أَخذ من لب الشمندر ولب البصل ولب الدارصيني ولب نبة شبيبته بالبنفسج مِقْدَار كاسه من كل مِنْهَا ودقت مَعَ بَعْضهَا الْبَعْض الآخر وخلطت مَعَ صفار بيض نصف مسلوق وشربت فَإِنَّهَا تُعْطِي طَاقَة قَوِيَّة جدا. والمرهم الْمَصْنُوع من الشقنقور (التمساح أَو السحلاة) واللبوب الْكَبِير لَهُ الْأَثر الْقوي فِي قُوَّة الباه. والطريقة أَن نغلي المَاء فِي وعَاء ثمَّ نضع فِيهِ الْبَيْضَة ونعد حَتَّى الْعشْرَة أَو نمسك بيدنا بمسبحة فِيهَا مائَة حَبَّة ونشرع بقول (الله الله) حَتَّى تَنْتَهِي من الحبات ثمَّ نرفع الْبَيْضَة من المَاء بِسُرْعَة ونكسرها ونفصل الصفار فِيهَا عَن الْبيَاض فنشرب الصفار ونرمي الْبيَاض. وَيجب أَن نعلم أَن استرخاء الْقَضِيب إِمَّا من الْبُرُودَة أَو من الرُّطُوبَة فَإِذا مَا كَانَ من الْبُرُودَة فَإِن عَلامَة ذَلِك أَن يكون الْقَضِيب ضَعِيفا ورفيعا، وَمَعَ ذَلِك فَفِي بعض الْحَالَات وعندما يكون الْبدن حاميا فَإِن الاسترخاء يظْهر كَذَلِك أما عَلامَة الرُّطُوبَة أَن يكون الْقَضِيب دَائِم الاسترخاء وعَلى نسق أَو نهج وَاحِد فِي جَمِيع الْحَالَات وَهنا فِي حَالَة الرُّطُوبَة يجب تنَاول الْأَطْعِمَة الجافة أَو المجففة وَأما فِي حَالَة الْبُرُودَة فَيجب تنَاول الْأَطْعِمَة الحارة أَو الَّتِي تبْعَث على الْحَرَارَة. (بَاب الْبَاء مَعَ الْوَاو) بو عَليّ سينا: هُوَ أَبُو عَليّ سينا كَمَا مر. بو زرجمهر: كَانَ حكيما وكيعا عَالما عَاملا وليا كَامِلا. وَمن كَلَامه عاداني الْأَعْدَاء فَلم أر عدوا أعدى من نَفسِي. عَالَجت الشجعان وَالسِّبَاع فَلم يغلبني أحد كصاحب السوء. أكلت الطّيب وضاجعت الحسان فَلم أر ألذ من الْعَافِيَة. أكلت الصَّبْر وشربت المر فَمَا رَأَيْت أَشد من الْفقر. صارعت الأقران وبارزت الشجعان فَلم أر أغلب من الْمَرْأَة السليطة. رميت بِالسِّهَامِ ورجمت بالأحجار فَلم أجد أصعب من كَلَام السوء من فَم مطَالب بِحَق. تَصَدَّقت بالأموال والذخائر فَلم أر صَدَقَة أفضل من رد ذِي ضَلَالَة إِلَى الْهدى. سررت بِقرب الْمُلُوك وصلاتهم فَلم أر أحسن من الْخَلَاص مِنْهُم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 ( [حرف التَّاء] ) (بَاب التَّاء مَعَ الْخَاء) تَخْلِيل الْأَصَابِع: قَالَ قدوة الْمُحدثين الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح (الصِّرَاط الْمُسْتَقيم) عَن كَيْفيَّة تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن أَن يبْدَأ التَّخْلِيل بخنصر الْيَد الْيُسْرَى من خنصر الرجل الْيُمْنَى وَهَكَذَا حَتَّى يصل إِلَى خنصر الرجل الْيُسْرَى، مراعيا التَّيَامُن فِي ذَلِك، أما تَخْلِيل أَصَابِع الْيَدَيْنِ فَيكون فِي ادخال الْأَصَابِع بَين بَعْضهَا الْبَعْض الآخر. وَالسّنة من تَخْلِيل الْأَصَابِع هُوَ وُصُول المَاء إِلَى بَاطِن الْأَصَابِع، وَالْمَقْصُود من التَّخْلِيل هُوَ الْمُبَالغَة والتكميل فِي التطهر، وَإِذا مَا كَانَ أصبعان ملتصقان ببعضهما الْبَعْض الآخر بِحَيْثُ إِن المَاء لَا يصل إِلَى باطنهما وَجب التَّخْلِيل بالِاتِّفَاقِ (انْتهى) . وَلَا يخفى أَن تَخْلِيل الْأَصَابِع وَاجِب عِنْد غسل الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين وَلَيْسَ عَن غسل الْيَدَيْنِ إِلَى الرسغين. (بَاب التَّاء مَعَ الرَّاء) التَّرْتِيب: وَاعْلَم أَن التَّرْتِيب بَين الْفُرُوض الْخَمْسَة وَالْوتر فائتا كلهَا أَو بَعْضهَا فرض _ وَلما وَقعت المناظرة بل المكابرة فِي حصن أَحْمد نكر بيني وَبَين بعض المتعصبين فِي حل الْوِقَايَة وَشَرحهَا فِي بَاب قَضَاء الْفَوَائِت كتبت الْحَوَاشِي عَلَيْهَا وعرضتها على أَصْحَاب الأنصاف. الراغبين عَن التعصب والاعتساف. فاستحسنوها وَقَالُوا الْحق إِلَيْك. وَلَا شَيْء عَلَيْك. وَتلك الْحَوَاشِي هَذِه _. قَالَ المُصَنّف صلي خمْسا أَي صلي خمْسا مَعَ سَعَة الْوَقْت وَلم يذكر هَذَا الْقَيْد لظُهُوره. قَالَ المُصَنّف فَائِتَة أَي فَائِتَة وَاحِدَة لِأَن تَصْوِير الْمَسْأَلَة بِأَن صلي خمْسا مَعَ تذكر الْفَائِتَة إِنَّمَا يتَصَوَّر إِذا كَانَت الْفَائِتَة وَاحِدَة. وَأما إِذا كَانَت الفائتتان فتصوير الْمَسْأَلَة حِينَئِذٍ أَنه صلى أَرْبعا مَعَ تذكر فائتتين وَقس على هَذَا. قَالَ المُصَنّف إِن أدّى سادسا أَي سابعا وَالْمرَاد بأَدَاء السَّادِسَة خُرُوج وَقت الْخَامِسَة أَي إِن خرج وَقت الْخَامِسَة وَدخل وَقت السَّادِسَة والفائتة غير منظورة فِي الْحساب وَإِلَّا فالخامسة مَعهَا سادسة وَالسَّادِسَة مَعهَا سابعة وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق الْحقيق. لِأَن الْفَوَائِت بِمُجَرَّد خُرُوج وَقت الْخَامِسَة تصير سِتَّة. وَإِنَّمَا ذكر أَدَاء السَّادِسَة الَّتِي هِيَ سابعة بِالنّظرِ إِلَى المتروكة ليصير كَون الْفَوَائِت سِتا متيقنا. وَلِهَذَا لَو ترك الْفجْر ثمَّ صلى الظّهْر ثمَّ الْعَصْر ثمَّ الْمغرب ثمَّ الْعشَاء ثمَّ الْفجْر من الْيَوْم الثَّانِي مَعَ تذكر صَلَاة الْفجْر المتروكة ثمَّ طلع الشَّمْس يصير الْفَوَائِت سِتا وتقلب المؤديات صَحِيحَة على أَصْلهَا لوُجُود عِلّة سُقُوط التَّرْتِيب بِخُرُوج وَقت السَّادِسَة. وَهِي صيرورة الْفَوَائِت سِتا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 فَلَو قضى صَلَاة الْفجْر المتروكة قبل الزَّوَال أَو بعد أَدَاء الظّهْر لَا تفْسد المؤديات. فَيعلم من هَا هُنَا أَن عِلّة سُقُوط التَّرْتِيب هِيَ كَثْرَة الْفَوَائِت. وحد الْكَثْرَة أَن يصير الْفَوَائِت سِتا. وَلَيْسَ عِلّة ذَلِك السُّقُوط أَدَاء السَّادِسَة الَّتِي هِيَ سابعة هَكَذَا فِي حَوَاشِي الْهِدَايَة. قَوْله: وَهُوَ الْقيَاس لِأَن الْكَثْرَة عِلّة لسُقُوط التَّرْتِيب وَالْعلَّة لَا تُؤثر فِي نَفسهَا بل فِي غَيرهَا وَهُوَ مَا بعد السِّتَّة فالكثرة تكون مصححة للصلوات الَّتِي بعْدهَا فَيكون نَفسهَا فَاسِدَة غير صَحِيحَة. قَوْله: إِن أدّى سادسا يَعْنِي إِن خرج وَقت الْخَامِسَة الَّتِي هِيَ سادسة مَعَ المتروكة وَدخل وَقت السَّادِسَة الَّتِي هِيَ سابعة مَعَ المتروكة. فَالْحَاصِل: إِن مدَار تَصْحِيح الْخمس لَيْسَ على أَدَاء السَّادِسَة السَّابِعَة. قَوْله: فحين أدّى السَّادِس الَّذِي هُوَ السَّابِع. قَوْله: تبين الخ لِأَن صفة الْكَثْرَة إِذا ثَبت بِوُجُود الْأَخِيرَة أسندت إِلَى أَولهَا. قَوْله: كَانَت فِي الْكثير وَهُوَ الْخَمْسَة مَعَ المتروكة. قَوْله: وَهَذَا بَاطِل اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِل بفرضية التَّرْتِيب فِي الْكثير. قَوْله: إِن كَانَت فِي الْكثير بِأَن أدّى الْخَامِسَة وَخرج وَقتهَا سَوَاء أدّى السَّادِسَة أَو لَا. قَوْله: فَلَا يجوز أَي فَلَا يجوز القَوْل حِينَئِذٍ بِفساد الْغَيْر الْمَوْقُوف لِأَنَّهُ إِذا قيل حِينَئِذٍ بِهَذَا الْفساد يلْزم الْفساد وَهُوَ رِعَايَة التَّرْتِيب فِي الْكثير وَهَذَا بَاطِل بالِاتِّفَاقِ وَضمير لَا يجوز إِلَى رِعَايَة التَّرْتِيب. قَوْله: أَو فِي الْقَلِيل عطف على قَوْله فِي الْكثير أَي حَتَّى يظْهر أَن رِعَايَة التَّرْتِيب إِن كَانَت فِي الْقَلِيل بِأَن أدّى الْفَائِتَة قبل الْخَامِسَة فَيجوز القَوْل بِفساد الْغَيْر الْمَوْقُوف فَيصير مَا أدّى فَاسِدا باتا. ثمَّ اعْلَم: أَن المُرَاد بالحديثة فِي الْوِقَايَة مَا يكون مُقَارنًا بالمؤدى وبالقديمة فِيهَا مَا يكون سَابِقًا عَلَيْهِ فاحفظ فَإِنَّهُ ينفعك هُنَاكَ. وَلما ذكر صَاحب (التَّوْضِيح) فِيهِ مَسْأَلَتَيْنِ فِي مِثَال الْجَهْل فِي مَوضِع الِاجْتِهَاد الصَّحِيح وَكَانَ وَجه الْفرق بَين حكميهما خفِيا على الأذهان القاصرة ذكرهمَا بِحَيْثُ يَزُول الخفاء عَنهُ فَأَقُول: الْمَسْأَلَة الأولى: من صلى الظّهْر بِلَا وضوء يظنّ أَنه على طَهَارَة ثمَّ صلى الْعَصْر بِالْوضُوءِ زاعما صِحَة ظَهره ثمَّ تذكر أَنه صلى الظّهْر بِلَا وضوء ثمَّ قضى الظّهْر بِنَاء على هَذَا التَّذَكُّر ثمَّ صلى الْمغرب على ظن أَن الْعَصْر جَائِز بِنَاء على جَهله بفرضية التَّرْتِيب الَّذِي مَوضِع الِاجْتِهَاد يَصح الْمغرب لِأَن التَّرْتِيب مُجْتَهد فِيهِ وَلَا يضر الْجَهْل فِي مَوضِع الِاجْتِهَاد وَيكون الْجَاهِل بِهَذَا الْجَهْل مَعْذُورًا وَلَا مُؤَاخذَة على الْمَعْذُور فَلَا يجب عَلَيْهِ إِعَادَة الْمغرب وَيجب عَلَيْهِ قَضَاء الْعَصْر عندنَا لِأَنَّهُ أَدَّاهُ زاعما صِحَة ظَهره وَهَذَا الزَّعْم زعم بِخِلَاف الاجماع وَعند الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا يحب قَضَاء الْعَصْر لعدم فَرضِيَّة التَّرْتِيب عِنْده. هَذَا إِذا كَانَ يزْعم وَقت أَدَاء الْمغرب أَن عصره جَائِز حَتَّى يصير جَاهِلا عَن التَّرْتِيب الَّذِي هُوَ مَوضِع الِاجْتِهَاد الصَّحِيح. أما لَو علم وَقت أَدَاء الْمغرب أَن عصره لم يجز فَعَلَيهِ إِعَادَة الْمغرب كَمَا يجب عَلَيْهِ قَضَاء الْعَصْر. وَالْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: من صلى الظّهْر بِلَا وضوء ثمَّ علم بِهِ وَزعم صِحَّته ثمَّ صلى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 الْعَصْر بِالْوضُوءِ زاعما صِحَة ظهر فَلم يقْض الظّهْر يكن عَالما بِعَدَمِ الْوضُوء حَتَّى صلى الظّهْر فَعلم بِهِ وَزعم أَن الصَّلَاة المؤداة بِلَا وضوء من غير علم بذلك صَحِيحَة لَا يجب قَضَاؤُهَا فَلم يقْض الظّهْر بِنَاء على هَذَا الزَّعْم فَالْحكم حِينَئِذٍ أَن عصره غير صَحِيح فَالْوَاجِب عَلَيْهِ قَضَاء الظّهْر ثمَّ إِعَادَة الْعَصْر (فَإِن قيل) إِنَّه كَمَا صلى الْمغرب فِي الْمَسْأَلَة الأولى بِنَاء على زَعمه صِحَة الْعَصْر كَذَلِك صلى الْعَصْر فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة بِنَاء على زَعمه صِحَة الظّهْر فَمَا وَجه الْفرق بَين زعم صِحَة صَلَاة الْعَصْر وَبَين زعم صِحَة صَلَاة الظّهْر حَيْثُ حكمتم بِفساد صَلَاة الْعَصْر وَوُجُوب إِعَادَتهَا وقضائها وبصحة صَلَاة الْمغرب وَعدم قَضَائهَا وإعادتها. (قُلْنَا) فَسَاد الظّهْر قوي وَفَسَاد الْعَصْر ضَعِيف لِأَن فَسَاد الظّهْر الْمَذْكُور مجمع عَلَيْهِ بالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لم يذهب أحد من الْمُجْتَهدين إِلَى صِحَّته وَفَسَاد الْعَصْر مُجْتَهد فِيهِ فَمن قَالَ بفرضية التَّرْتِيب يَقُول بفساده وَمن لَا فَلَا ففساده لَيْسَ بقطعي بِخِلَاف فَسَاد الظّهْر الْمَذْكُور فَزعم صِحَّته مُخَالف للاجماع فالجهل بفساده لَا يصلح عذرا فَلَا يكون حكمه مُتَعَدِّيا إِلَى صَلَاة أُخْرَى أَعنِي الْمغرب فَلَا يكون فَاسِدا بل صَحِيحا فَزعم صِحَة الظّهْر الْمَذْكُور وَزعم بِخِلَاف الْمجمع عَلَيْهِ وَزعم صِحَة الْعَصْر زعم بِخِلَاف الْمُجْتَهد فِيهِ. فَالْفرق بَين الزعمين ظَاهر. وَقَالَ أفضل الْمُتَقَدِّمين برهَان الْمُتَأَخِّرين دَلِيل الطالبين سُلْطَان العارفين شاه وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين الأحمد آبادي قدس سره وَنور مرقده حَاصِل الْفرق إِن فَسَاد الظّهْر بترك الْوضُوء قوي مجمع عَلَيْهِ فَكَانَت متروكة بِيَقِين فَلَا يتَعَدَّى حكمه إِلَى صَلَاة أُخْرَى انْتهى. وَاعْلَم أَن الْجَهْل فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة جهل بالاجماع أَي بالمجمع عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يصلح عذرا وشبهة وَالْجهل فِي الْمَسْأَلَة الأولى جهل فِي مَوضِع الِاجْتِهَاد وَهُوَ يصلح شبهته دراءة للحد وَمَا يتَرَجَّح فِيهِ معنى الْعقُوبَة من الْكَفَّارَات فَافْهَم. التربيع: وَعند أهل التنجيم فَإِن التربيع هُوَ عبارَة عَن الْمنزلَة الرَّابِعَة فِي تناظر الْكَوَاكِب مَعَ بَعْضهَا الْبَعْض الآخر. وَهُوَ دَلِيل على انتصاف الْعَدَاوَة كَأَن يكون إِحْدَاهَا فِي الْحمل وَالثَّانِي فِي السرطان، وَإِذا كَانَ نجمان ناظران إِلَى الْخَامِس وَالتَّاسِع فَإِنَّهَا تَعْنِي تَمام الْمحبَّة وَهَذَا يُسمى التَّثْلِيث كَأَن يكون وَاحِد فِي الْحمل وَالثَّانِي فِي الْأسد. وَالَّذِي يكون فِي الْحمل فَإِنَّهُ ينظر إِلَى الْخَامِس وَالَّذِي فِي الْأسد ينظر إِلَى التَّاسِع، لِأَن مَا بَين الْحمل والأسد خَمْسَة منَازِل، وَمَا بَين الْأسد وَالْحمل تِسْعَة منَازِل، وَإِذا نَظرنَا إِلَى الثَّالِث وَالْحَادِي عشر كَأَن يكون أَحدهمَا فِي الْحمل وَالثَّانِي فِي الجوزاء فَهَذَا دَلِيل على انتصاف الْمحبَّة وَيُسمى التسديس وَإِذا نَظرنَا إِلَى الأول وَالسَّابِع فَهُوَ دَلِيل على تَمام الْعَدَاوَة وَيُسمى الْمُقَابلَة وَإِذا كَانَ النجمان فِي برج وَاحِد فيسمى ذَلِك بِالْقُرْآنِ. وَالْحَاصِل أَن التربيع عِنْدهم عبارَة عَن كَون الكوكبين فِي ربع الْفلك مثل أَن يكون الْقَمَر مثلا فِي أول دَرَجَة الْحمل وَالشَّمْس فِي أول دَرَجَة السرطان فَيكون الْبعد بَينهمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 بتسعين دَرَجَة وَقس عَلَيْهِ التَّثْلِيث بِأَن يكون الكوكبان فِي ثلث الْفلك والتسديس والتسبيع وَغير ذَلِك هَكَذَا. التصريف: قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف الشريف قدس سره فِي رسَالَته الْمَشْهُورَة ب (صرف المير) أَن لَيْسَ فِي الْحَرْف تصريف وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي الْحَرْف صرف. وَلَا دلَالَة لَهُ على معنى فِي نَفسه (انْتهى) . وَفِي بعض النّسخ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَرْف تصريف وعَلى أَي حَال، فَإِن حَاصِل كَلَام هَذَا الْقدْوَة وَصَاحب الْكَمَال هُوَ أَن لَا تصريف اصْطِلَاحا فِي الْحَرْف يَعْنِي أَن لَا تغير للفظ الْوَاحِد إِلَى صِيغ مُخْتَلفَة بغرض الْحُصُول على معَان مُتَفَاوِتَة للحرف وَذَلِكَ لسببين: الأول: أَنه لَا يحصل أصلا أَي تَحْويل أَو تَغْيِير بِأَيّ وَجه من الْوُجُوه فِي الْحَرْف، إِذا فَإِن التَّحْوِيل الْخَاص الَّذِي هُوَ عبارَة عَن تَحْويل اللَّفْظ الْوَاحِد إِلَى صِيغ مُخْتَلفَة لَا يُمكن أَن يحصل وَإِذا كَانَ الظَّاهِر هُوَ النَّفْي الْعَام فَإِنَّهُ يَقْتَضِي النَّفْي الْخَاص كَذَلِك. وَالثَّانِي: وعَلى تَقْدِير الْجَوَاز فرضا وتسليما بالتحويل الْخَاص فَإِن مَا يُرَاد بِهِ من التَّحْوِيل لَا يُمكن أَن يتَكَرَّر دَائِما فِي الْحَرْف، وَذَلِكَ لِأَن الْحَرْف لَيْسَ لَهُ دلَالَة على معنى بِذَاتِهِ بل أَنه مُحْتَاج للإضافة إِلَى اسْم أَو فعل حَتَّى يدل على مَعْنَاهُ. إِذن إِذا مَا حول الْحَرْف إِلَى صِيغ مُخْتَلفَة فَلَا يُمكن تصور وجود صِيغ بِنَفسِهَا وَعَلِيهِ فَلَا فَائِدَة فِي تصريف الْحُرُوف. وَهنا وَمن هَذَا الْكَلَام يَأْتِي اعْتِرَاض مُتَعَارَف فِيمَا بَين مبتدئين وَتَقْرِيره هُوَ قَوْله قدس سره (لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَرْف تصرف وَلَيْسَ فِيهِ تصريف) مِمَّا يوحي بالدور، ومدار ظُهُور الِاعْتِرَاض هُوَ أَن المُرَاد من التصريف معنى اصطلاحي وَفِي الدَّلِيل فَإِن المُرَاد من التَّصَرُّف أَو التصريف معنى لغَوِيّ. ( [حرف الْجِيم] ) (بَاب الْجِيم مَعَ الْألف) الجاحظ: من الْمُعْتَزلَة كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصدْق إِن شَاءَ الله تَعَالَى وكنيته أَبُو عُثْمَان واسْمه عَمْرو بن بَحر وَكَانَ عمره سِتا وَتِسْعين سنة وَتُوفِّي فِي سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فِي الْبَصْرَة. يَقُول الْعَارِف النامي مَوْلَانَا نور الدّين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي ال (بهارستان) أَن الجاحظ يَقُول إِنَّه لم يشْعر بِنَفسِهِ الخجل أَكثر من ذَلِك الْيَوْم الَّذِي أخذت بيَدي امْرَأَة وساقتني إِلَى دكان حرفي وَقَالَ لَهُ ((مثل هَذَا)) ، احترت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 حينها وَقلت كَيفَ يكون هَذَا وَسَأَلت الْمعلم فَقَالَ، طلبت مني أَن أصنع لَهَا تمثالا على صُورَة الشَّيْطَان فَقلت لَهَا لَا أَدْرِي على أَي صُورَة يجب أَن أصنعه، فَجَاءَت بك إِلَى هُنَا وَقَالَت على هَذَا الشكل: (يَا للعجب أَي وَجه وشكل لَك ... لَا أحد يُمكنهُ أَن يكون بِهَذَا الْوَجْه والشكل) (وَلنْ يَسْتَطِيع أحد أَن يصور ... وَجه الشَّيْطَان أَكثر من صُورَة وَجهك) (بَاب الْجِيم مَعَ الْبَاء) الْجَبْر: أنْشد نعمت خَان البارع فِي التَّخَلُّص قِطْعَة شعر فِي (طوى كامكار خَان) ابْن جَعْفَر خَان الْوَزير الْأَعْظَم ل (عالمكير الْملك) فاشعل فِيهَا الألسن وأحمى فِيهَا الطباع الطّيبَة وَقد جَاءَ فِي هَذِه الْقطعَة بَيت يَقُول فِيهِ: (لقد جَاءَ بذلك السَّنَد عَن الْجَبْر وَهَذَا السَّنَد من الِاخْتِيَار ... ) (وَهَذِه الْخطْبَة ستبقى فِي الْوسط مَا بَين بَين ... ) فَاضل: النامي مير غُلَام عَليّ بلكرامي المتخلص ب (الْحر، آزاد) سلمه الله تَعَالَى الَّذِي استخلصه لَهُ أَنا أخلاصا خَالِصا لله وَبِنَاء على طلب ملحاح من بعض الأحباب كتب شرحا غَرِيبا لهَذِهِ الْقطعَة. وَفِي شرح الْبَيْت السالف كتب يَقُول: المُرَاد بِالِاخْتِيَارِ مَذْهَب الْقَدَرِيَّة الَّذِي يَقُول بقدرة العَبْد المستقلة وَيَقُول بِأَن العَبْد هُوَ الَّذِي يخلق أَفعاله، وَأَن المُرَاد من (بَين بَين) مَذْهَب أهل الْحق أَي أَن صُدُور أَفعَال الْعباد مربوطة بقدرة الْحق وقدرة العَبْد وَالْحق هُوَ الْخَالِق وَالْعَبْد هُوَ المكتسب. وَحَاصِل: الْمَعْنى فِي الْإِشَارَة الأولى موجه إِلَى كامكار خَان وَالثَّانيَِة إِلَى صبية السَّيِّد مظفر وَزِير السُّلْطَان أَبُو الْحسن وَالِي حيدرآباد الَّتِي تزوجت من الخان الْمَذْكُور بعد فتح حيدرآباد، بِمَعْنى أَن الخان الْمَذْكُور وجد نَفسه من دون أَي اخْتِيَار فِي تحركه وَقد اخْتَار مَذْهَب الجبرية مُسْتَندا ليمهد لعذره والعروس وَمن أجل الْمُطَالبَة بِحَقِّهَا ومواجهة حجَّة الْخصم ذهبت إِلَى مَذْهَب الْقَدَرِيَّة لتقول إِن لَهَا الْقُدْرَة المستقلة فِي اخْتِيَار أفعالها وَإِذا كَانَ لَك الْقُدْرَة وَالْقُوَّة فابداء الْعَمَل. وَقد بقيت هَذِه الْخطْبَة فِي الأوساط يَعْنِي كَلَام الْعَرُوس عَن اخْتِيَارهَا وَمَا تَقوله عَن قدرتها واستقلالها وَلم تصل دَرَجَة الثُّبُوت وَلم تصل إِلَى المحصلة الْمَقْصُودَة لَكِنَّهَا جَاءَت مُطَابقَة لمَذْهَب أهل السّنة لِأَن أَو (بَين بَين) أبقى نصف الْفِعْل بِمَعْنى أَن الخان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 العالي الشَّأْن قد صرف قوته وَقدرته فِي الرِّبْح وَالْحَرب وَلكنه لم يحدد الْفَاعِل الْحَقِيقِيّ لِلْخلقِ والإيجاد. الْجَبْر والمقابلة: وَقَالَ الْفَاضِل الخلخالي الْجَبْر إِمَّا رفع الِاسْتِثْنَاء بِأَن يُزَاد على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مثل الْمُسْتَثْنى وعَلى الطّرف الآخر مثل ذَلِك، وَإِمَّا تَكْمِيل الكسور أَمْوَالًا وَأَشْيَاء. والمقابلة القاء الْمُشْتَرك من الْجَانِبَيْنِ انْتهى. والفاضل الآملي قَالَ فِي خُلَاصَة الْحساب والطرف ذُو الِاسْتِثْنَاء يكمل وَيُزَاد مثل ذَلِك على الآخر وَهُوَ الْجَبْر والأجناس المتجانسة المتساوية فِي الطَّرفَيْنِ يسْقط مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُقَابلَة. وَلما كَانَ بعض مَا فِي خُلَاصَة الْحساب فِي بَاب الْجَبْر والمقابلة مُحْتَاجا إِلَى التَّوْضِيح وَلم يتَعَرَّض لَهُ الشَّارِح الخلخالي أوضحته بِمَا خطر فِي خاطري الفاتر وذهني الْقَاصِر بِعِبَارَة وَاضِحَة لعُمُوم النَّفْع هَكَذَا. قَوْله: يُسمى الْمَجْهُول شَيْئا. (اعْلَم) أَنه لَا بُد وَأَن يكون الشَّيْء الْمَجْهُول غير الْوَاحِد لِأَنَّهُ إِن كَانَ وَاحِدًا فَلَا فَائِدَة فِي ضربه فِي نَفسه إِذْ لَا حَاصِل لَهُ سواهُ. (وَاعْلَم) إِن المَال وَالشَّيْء والكعب وَهَكَذَا إِلَى غير النِّهَايَة يُسمى منَازِل وَهِي منَازِل الصعُود وأجزاء الْمنَازل هِيَ النُّزُول. قَوْله: فسابع الْمَرَاتِب مَال مَال الكعب لِأَن ابْتِدَاء الْحساب من الشَّيْء. قَوْله: صعُودًا أَي فِي جَانب الْمنَازل. قَوْله: ونزولا أَي فِي جَانب أَجزَاء الْمنَازل. قَوْله: كنسبة الكعب إِلَى المَال فَأن الكعب كَمَا أَنه ضعف المَال كَذَلِك مَال المَال ضعف الكعب فَإِن الشَّيْء إِذا فرضناه اثْنَيْنِ فمضروبه فِي نَفسه الَّذِي هُوَ المَال أَربع. وَلَا شكّ أَنه ضعف الِاثْنَيْنِ وَالثَّمَانِيَة الَّتِي هِيَ الكعب ضعف المَال. والكعب اعني سِتَّة عشر ضعف الثَّمَانِية وَقس عَلَيْهِ والعاقل تكفيه الْإِشَارَة. قَوْله: وَالْوَاحد إِلَى جُزْء الشَّيْء عطف على الكعب أَي كنسبة الْوَاحِد إِلَى جُزْء الشَّيْء فَإنَّا إِذا فَرضنَا الشَّيْء اثْنَيْنِ كَانَ جزؤه النّصْف نِسْبَة الْوَاحِد إِلَى النّصْف نِسْبَة الضعْف فَإِن الْوَاحِد ضعف النّصْف وَكَذَا نِسْبَة النّصْف إِلَى جُزْء المَال لِأَنَّهُ على ذَلِك الْفَرْض ربع لِأَن المَال حِينَئِذٍ أَرْبَعَة. وَلَا شكّ أَن النّصْف ضعف الرّبع. وَهَكَذَا نِسْبَة الرّبع إِلَى جُزْء الكعب الَّذِي هُوَ الثّمن لِأَن الكعب على ذَلِك الْفَرْض ثَمَانِيَة _ وَالرّبع ضعف الثّمن وَقس على هَذَا. قَوْله: فَإِن كَانَا فِي طرف وَاحِد. يَعْنِي إِذا أردْت ضرب منزل من الْمنَازل فِي جنس آخر. فَإِن كَانَ الجنسان مَعًا فِي طرف وَاحِد من طرفِي الصعُود وَالنُّزُول فاجمع مراتبهما _ وَحَاصِل الضَّرْب سمي الْمَجْمُوع فِي ذَلِك الطّرف كَمَال الكعب فِي مَال مَال الكعب: الأول: وَاقع فِي الْمرتبَة الْخَامِسَة. وَالثَّانِي: فِي الْمرتبَة السَّابِعَة. فَالْحَاصِل من هَذَا الضَّرْب كَعْب كَعْب كَعْب كَعْب أَربَاعًا وَهُوَ وَاقع فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة عشر. أَو كَانَ الجنسان فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 طرفين من طرفِي الصعُود وَالنُّزُول. فَالْحَاصِل من الضَّرْب هُوَ من جنس الْفضل فِي طرف ذِي الْفضل _ فَالْمُرَاد من الطّرف الْوَاحِد طرف الصعُود فَقَط أَو طرف النُّزُول فَقَط _ وَالْمرَاد بالطرفين طرفا الصعُود وَالنُّزُول مَعًا. قَوْله: من جنس الْفضل يَعْنِي إِن كَانَ الْفضل وَاحِدًا فَيكون ذَلِك الْوَاحِد الْفضل من جنس الشَّيْء وَهُوَ الجذر وَإِن كَانَ الْفضل اثْنَيْنِ فَيكون الِاثْنَان مالين لِأَن جنس الِاثْنَيْنِ هُوَ المَال وَقس على هَذَا. قَوْله: فِي طرف ذِي الْفضل يَعْنِي إِن كَانَ ذُو الْفضل فِي طرف الصعُود يكون جنس الْفضل فِي طرف الصعُود. يعْنى لايضاف إِلَيْهِ الْجُزْء وَإِن كَانَ فِي طرف النُّزُول أَي الْجُزْء يكون جنس الْفضل فِي طرف النُّزُول أَي يُضَاف إِلَيْهِ الْجُزْء. مِثَال: الأول مَا مر وَمِثَال الثَّانِي جُزْء كَعْب كَعْب الكعب لشَيْء فِي مَال مَال الكعب لشَيْء _ الْحَاصِل جُزْء المَال لِأَن الْمَضْرُوب فِي طرف النُّزُول والمضروب فِيهِ فِي طرف الصعُود _ وَفضل الْمَضْرُوب على الْمَضْرُوب فِيهِ بِاثْنَيْنِ وجنس الِاثْنَيْنِ هُوَ المَال فاعتبرناه فِي طرف ذِي الْفضل وطرف ذِي الْفضل هُوَ النُّزُول فأضفنا الْجُزْء إِلَى المَال فَصَارَ الْحَاصِل جُزْء المَال وَكَذَا إِذا ضرب جُزْء مَال المَال فِي مَال الكعب لشَيْء يكون الْحَاصِل هُوَ الشَّيْء أَي الجذر لِأَن مرتبَة الْوَاحِد هُوَ الشَّيْء إِذا كَانَ الْمَضْرُوب والمضروب فِيهِ فِي طرفين وَلم يُوجد فضل أَحدهمَا على آخر. فَالْحَاصِل من جنس الْوَاحِد أبدا يَعْنِي يكون الْحَاصِل هُوَ الْوَاحِد فَإِن جُزْء الشَّيْء الَّذِي فرض اثْنَيْنِ نصف فَإِذا ضربنا جُزْء الشَّيْء فِي الشَّيْء يكون الْحَاصِل هُوَ النّصْف مرَّتَيْنِ وَالنّصف مرَّتَيْنِ هُوَ الْوَاحِد. وَإِذا ضربنا جُزْء المَال الَّذِي فرض أَرْبعا مثلا وجزؤه هُوَ الرّبع فِي المَال يكون الْحَاصِل هُوَ الرّبع أَربع مَرَّات. وَالرّبع أَربع مَرَّات هُوَ الْوَاحِد وَعَلِيهِ الْقيَاس. قَوْله: اضْرِب عدد أحد الجنسين إِلَى آخِره فَإِن ضربت شَيْئا مثلا وَقد فرضته أَرْبَعَة فِي شَيْء آخر وَقد فرضته خَمْسَة فَاضْرب عدد الأول فِي عدد الثَّانِي يحصل عشرُون فَهَذَا الْعشْرُونَ يكون من الْجِنْس الْوَاقِع فِي ملتقى المضروبين فَانْظُر فِيهِ فَإِذا هُوَ مَال فَيكون عشْرين مَالا وَقيس عَلَيْهِ. قَوْله: من الْجِنْس الْوَاقِع إِلَى آخِره فَاجْعَلْ مَا وَقع فِي الْمُلْتَقى تميزا لذَلِك الْعدَد الْحَاصِل. قَوْله: وَإِن كَانَ اسْتثِْنَاء أَي إِن وجد فِي أحد المضروبين أَو فِي كليهمَا اسْتثِْنَاء وَجَزَاء هَذَا الشَّرْط قَوْله فَاضْرب الْأَجْنَاس إِلَى آخِره وَقَوله وَيُسمى الْمُسْتَثْنى إِلَى آخِره جملَة مُعْتَرضَة بَينهمَا _ قَوْله: زَائِد أَي بِلَا اسْتثِْنَاء. قَوْله: نَاقص أَي مُسْتَثْنى فَيكون مَقْرُونا بِحرف الِاسْتِثْنَاء قَوْله: والطرف ذُو الِاسْتِثْنَاء أَي الطّرف الَّذِي هُوَ ذُو الِاسْتِثْنَاء سَوَاء كَانَ مَعَ حرف الِاسْتِثْنَاء مثل الْأَشْيَاء أَو فِي حكمه مثل نصف شَيْء فَإِنَّهُ فِي حكم إِلَّا نصف شَيْء _ قَوْله: يكمل بِأَن يسْقط حرف الِاسْتِثْنَاء إِن كَانَ أَو يُؤْخَذ وَاحِد تَامّ إِن كَانَ نصف شَيْء وَإِن كَانَ نصف مَال فَيُؤْخَذ مَال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 وَقَالَ الْفَاضِل: الخلخالي أَن المُصَنّف غفل عَن بعض الْمُقدمَات وَهُوَ قَوْلنَا إِمَّا يكمل الكسور أَمْوَالًا. قَوْله: عدد يعدل أَشْيَاء إِلَى آخِره يَعْنِي هَذِه ضابطة كُلية أَي كلما يعدل عدد جنس شَيْء فاقسم الْعدَد بعد المعادلة على عدد جنس الشَّيْء _ فَالْمُرَاد بالأشياء جنس الشَّيْء سَوَاء كَانَ شَيْئا وَاحِدًا أَو شَيْئَيْنِ أَو أَشْيَاء وَقس عَلَيْهِ أَمْوَالًا وأعدادا _ وجنس الشَّيْء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الأولى شَيْء وَربع. قَوْله: يخرج الشَّيْء الْمَجْهُول وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَال مَا صرح بقوله فلزيد ألف ومائتان ولعمرو أَربع مائَة. قَوْله: فافرض مَا لزيد شَيْئا إِلَى قَوْله يعدل شَيْئا وربعا. الْغَرَض مِنْهُ تَحْصِيل المعادلة. قَوْله: فلعمرو ألف إِلَّا نصف شَيْء يَعْنِي لَهُ ألف بعد اخراج نصف مَا لزيد مِنْهُ فَيكون لعَمْرو مَا بَقِي من الْألف بعد ذَلِك الْإِخْرَاج. وستعلم أَن لزيد ألفا وَمِائَتَيْنِ وَنصفه سِتّ مائَة فَإِذا خرجت من الْألف بَقِي أَربع مائَة فَهِيَ لعَمْرو. قَوْله: فلزيد ألف وَخمْس مائَة إِلَّا ربع شَيْء أما الْألف فَلِأَنَّهُ أقربه لزيد وَأما خمس مائَة إِلَّا ربع فَلِأَنَّهُ أقرّ لزيد مَعَ ذَلِك بِنصْف مَا لعَمْرو وَكَانَ لعَمْرو ألف إِلَّا نصف شَيْء وَنصف الْألف خمس مائَة وَنصف إِلَّا نصف شَيْء إِلَّا ربع شَيْء فَتَأمل. قَوْله: يعدل شَيْئا يَعْنِي أَن الْألف وَخمْس مائَة إِلَّا ربع شَيْء يعدل الشَّيْء الَّذِي فرض لزيد أَولا يَعْنِي كَانَ الشَّيْء لزيد مَفْرُوضًا أَولا ثمَّ وصل لَهُ بعد الْعَمَل مقَام الشَّيْء الْمَذْكُور ألف وَخمْس مائَة إِلَّا ربع شَيْء. قَوْله: وَبعد الْجَبْر أَي لزيد بعد الْجَبْر. وَاعْلَم: إِن هَا هُنَا طرفين: أَحدهمَا: ذُو الِاسْتِثْنَاء وَهُوَ ألف وَخمْس مائَة إِلَّا ربع شَيْء فكملناه بِرَفْع الِاسْتِثْنَاء فَصَارَ ألفا وَخمْس مائَة. والطرف الآخر هُوَ الشَّيْء الْمَفْرُوض لزيد أَولا ثمَّ حصل المعادلة فزدنا الرّبع الْمُسْتَثْنى على ذَلِك الشَّيْء فَصَارَ شَيْئا وربعا فألف وَخمْس مائَة صَار معادلا بِشَيْء وَربع. فعملنا بِتِلْكَ الضابطة الْمَذْكُورَة أَعنِي عددا يعدل أَشْيَاء فاقسمه على عَددهَا يخرج الشَّيْء الْمَجْهُول. بِأَن قسمنا على ضابطة قسْمَة الصِّحَاح على الصِّحَاح مَعَ الْكسر عدد الْأَعْدَاد وَهُوَ ألف وَخمْس مائَة على عدد شَيْء وَربع وَهُوَ خَمْسَة بعد التَّجْنِيس بِأَن ضربت ألفا وَخمْس مائَة فِي مخرج الرّبع وَهُوَ أَرْبَعَة حصل سِتَّة أُلُوف فضربنا الشَّيْء فِي ذَلِك الْمخْرج وزدنا على الْحَاصِل صُورَة الْكسر كَمَا هُوَ ضابطة التَّجْنِيس حصل خَمْسَة فقسمنا سِتَّة أُلُوف على خَمْسَة حصل ألف ومائتان لزيد وَنصفه سِتّ مَائه فَلَمَّا استثنيناها من الْألف بَقِي أَربع مائَة وَهِي لعَمْرو كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ آنِفا. قَوْله: أَشْيَاء تعدل أَمْوَالًا إِلَى آخِره وَهَذِه أَيْضا ضابطة كُلية أَي كلما تعدل أَشْيَاء أَمْوَالًا فاقسم إِلَى آخر. قَوْله: انتهبوا أَي أخذُوا التَّرِكَة على خلاف فَرَائض الله تَعَالَى. قَوْله: فاسترد الْحَاكِم أَي فاسترده القَاضِي بعد الْخُصُومَة. قَوْله: وقسمه بَينهم أَي قسم القَاضِي المسترد على فَرَائض الله على ابنائه الْعَصَبَات على السوية. قَوْله: فافرض الدَّنَانِير إِلَى آخِره هَذِه الْأَعْمَال إِنَّمَا هِيَ لغَرَض تَحْصِيل المعادلة ليعْمَل بعد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 المعادلة بالضابطة الْمَذْكُورَة حَتَّى يحصل الْمَجْهُول. قَوْله: فافرض الدَّنَانِير شَيْئا لكَونهَا مَجْهُولَة. قَوْله: وَخذ طَرفَيْهِ أَي طرف الشَّيْء وَاحِد طَرفَيْهِ مَعْلُوم تعينا وَهُوَ الْوَاحِد لِأَنَّهُ مبدأ سلسلة الْأَعْدَاد وطرفه الآخر مَجْهُول ففرضناه شَيْئا. قَوْله: وَاضْرِبْهُ إِلَى آخِره يَعْنِي لما كَانَ الشَّيْء قَائِما مقَام الدَّنَانِير الَّتِي على الْأَعْدَاد المتوالية وَحصل لنا وَاحِد مَعَه أَي وَاحِد وَشَيْء فأجرينا فِيهِ ضابطة معرفَة الْأَعْدَاد المتوالية. قَوْله: يحصل نصف مَال لِأَن مَضْرُوب الشَّيْء فِي الشَّيْء مَال فَإِذا أضفنا إِلَيْهِ النّصْف صَار نصف مَال. قَوْله: وَنصف شَيْء لِأَن مَضْرُوب الْوَاحِد فِي الشَّيْء شَيْء فَإِذا أضفنا إِلَيْهِ النّصْف صَار نصف شَيْء فالمجموع الْحَاصِل نصف مَال وَنصف شَيْء. قَوْله: إِذْ مَضْرُوب الْوَاحِد إِلَى آخِره يَعْنِي إِنَّمَا أمرنَا بِالضَّرْبِ الْمَذْكُور لِأَن حَاصِل ضرب كل عدد مَعَ الْوَاحِد فِي نصف ذَلِك الْعدَد يُسَاوِي مَجْمُوع الْأَعْدَاد المتوالية من الْوَاحِد إِلَى ذَلِك الْعدَد فَإنَّك إِذا أردْت أَن تعرف الْأَعْدَاد المتوالية من الْوَاحِد إِلَى الْخَمْسَة فزد عَلَيْهَا وَاحِدًا لتصير سِتَّة فاضربها فِي نصف الْخَمْسَة وَهُوَ اثْنَان وَنصف الْوَاحِد يحصل خَمْسَة عشر وَهِي الْأَعْدَاد المتوالية من الْوَاحِد إِلَى الْخَمْسَة وَإِن ضربت نصف الْمَجْمُوع أَعنِي ثَلَاثَة فِي هَذَا الْمِثَال فِي الْخَمْسَة يحصل أَيْضا خَمْسَة عشر والأعداد المتوالية هِيَ الْوَاحِد والاثنان وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة والخمسة إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ من غير أَن يتْرك عدد من الْوسط كَأَن يُؤْخَذ وَاحِد وَثَلَاثَة بترك الِاثْنَيْنِ فَيكون كل عدد زَائِدا على مَا تَحْتَهُ بِوَاحِد وَيكون مَا تَحْتَهُ نَاقِصا عَمَّا فَوْقه بِوَاحِد فَتَأمل. قَوْله: فاقسم أَي ثمَّ افْرِضْ عدد الْجَمَاعَة الْمَجْهُول شَيْئا فاقسم عدد الدَّنَانِير وَهُوَ نصف مَال وَنصف شَيْء على ذَلِك الشَّيْء الْمَفْرُوض فَيخرج حِصَّة كل مِنْهُم من ذَلِك الْعدَد سَبْعَة فَاضْرب السَّبْعَة فِي ذَلِك الشَّيْء الْمَفْرُوض الْمَقْسُوم عَلَيْهِ ليحصل لَك عدد الْمَقْسُوم الْمَجْهُول إِذْ الضابطة الْكُلية إِن حَاصِل الْقِسْمَة إِذا ضرب فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ يكون حَاصِل الضَّرْب عين الْمَقْسُوم فَإنَّك إِذا قسمت عشْرين على الْخَمْسَة يكون خَارج الْقِسْمَة أَرْبَعَة فَإِن كنت عَالما بِأَن الْمَقْسُوم عَلَيْهِ خَمْسَة وَوصل لكل أَرْبَعَة وجاهلا عدد الْمَقْسُوم فلتضرب الْأَرْبَعَة فِي الْخَمْسَة ليحصل عشرُون وَهُوَ عدد الْمَقْسُوم. قَوْله: يعدل نصف مَال وَنصف شَيْء لِأَن حَاصِل ضرب حَاصِل الْقِسْمَة فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ يُسَاوِي عدد الْمَقْسُوم ويعدله فَيكون الْمَقْسُوم وَحَاصِل ذَلِك الضَّرْب شَيْئا وَاحِدًا لَا غير فَيكون سَبْعَة أَشْيَاء وَنصف مَال وَنصف شَيْء أمرا وَاحِدًا. قَوْله: وَبعد الْجَبْر والمقابلة أَي بعد تَكْمِيل الكسور فِي الطَّرفَيْنِ بِإِسْقَاط النصفين وازديادهما على سَبْعَة وَبعد الْمُقَابلَة بِأَن يَكْفِي الْمُشْتَرك عَن الطَّرفَيْنِ مَالا يعدل ثَلَاثَة عشر شَيْئا. وَسَأَلت عَن وَجه هَذِه المعادلة أفضل فضلاء الزَّمَان صَاحب النُّفُوس القدسية الشَّيْخ الْأَجَل أستاذي قطب الْملَّة وَالدّين العثماني الأحمد آبادي سقى الله ثراه وَجعل الْجنَّة مثواه. فَقَالَ: لِأَنَّهُ إِذا جبر وكمل نصف المَال وَنصف الشَّيْء صَارا مَالا وشيئا ثمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 إِذا زيد ذَانك الكسران فِي الطّرف الآخر صَار ذَلِك الطّرف أَرْبَعَة عشر شَيْئا لوُجُود سَبْعَة أَشْيَاء فِي ذَلِك الطّرف وَكَون ذَيْنك الكسرين بِمَنْزِلَة سَبْعَة أَشْيَاء ومعادلين لَهَا فَيصير مَال وَشَيْء فِي طرف وَأَرْبَعَة عشر شَيْئا فِي طرف آخر ثمَّ القيت شَيْئا من الطَّرفَيْنِ فَبَقيَ ثَلَاثَة عشر شَيْئا فِي طرف وَمَال فِي طرف آخر انْتهى. قَوْله: فالشيء ثَلَاثَة عشر أَي فالشيء الَّذِي هُوَ عدد الْجَمَاعَة ثَلَاثَة عشر لِأَنَّهُ وَقع المعادلة بَين ثَلَاثَة عشر شَيْئا وَبَين المَال وَقد سبق الضابطة الناطقة بِأَن المعادلة إِذا وَقعت بَين الْأَشْيَاء وَالْمَال يقسم عدد الْأَشْيَاء على عدد الْأَمْوَال فقسمنا ثَلَاثَة عشر شَيْئا على المَال حصل ثَلَاثَة عشر وَهِي عدد الْجَمَاعَة الْمَجْهُول ثمَّ معرفَة عدد الدَّنَانِير فِي غَايَة السهولة لِأَن السَّائِل قَالَ أصَاب لكل سَبْعَة فضربناها فِي ثَلَاثَة عشر حصل أحد وَتسْعُونَ وَهِي عدد الدَّنَانِير فَإِن قلت: كَيفَ يكون خَارج الْقِسْمَة ثَلَاثَة عشر بقسمتها على المَال. قُلْنَا: عدد المَال أَرْبَعَة لما مر من أَن الشَّيْء الْمَفْرُوض أدناه اثْنَان فمضروبه فِي نَفسه أَرْبَعَة فَإِذا قسمنا ثَلَاثَة عشر على أَرْبَعَة ضربناها فِي أَرْبَعَة فَحصل اثْنَان وَخَمْسُونَ فخارج قسمتهَا على أَرْبَعَة ثَلَاثَة عشر. فَإِن قلت الضابطة فِي الْقِسْمَة أَن الْمَقْسُوم عَلَيْهِ إِذا كَانَ نَاقِصا عَن الْمَقْسُوم فحاصل نِسْبَة الْمَقْسُوم عَلَيْهِ إِلَى الْمَقْسُوم خَارج الْقِسْمَة فَمَا وَجه الضَّرْب قُلْنَا: مرجع النِّسْبَة إِلَى ضرب الْمَقْسُوم فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ وَجعل الكسور صحاحا كَمَا لَا يخفى على المحاسب. قَوْله: فَاضْرِبْهُ أَي عدد الْأَوْلَاد فِي سَبْعَة أَو بِالْعَكْسِ لِأَن مَضْرُوب خَارج الْقِسْمَة فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ أَو بِالْعَكْسِ يُسَاوِي الْمَقْسُوم كَمَا مر فالدنانير أحد وَتسْعُونَ. قَوْله: فالخطأ الأول أَرْبَعَة نَاقِصَة لأَنا إِذا فَرضنَا عدد الْأَوْلَاد خَمْسَة كَانَ عدد الدَّنَانِير خَمْسَة عشر لِأَنَّهَا مَجْمُوع الْأَعْدَاد المتوالية من الْوَاحِد إِلَى الْخَمْسَة فالخطأ الأول أَرْبَعَة نَاقِصَة لِأَن حِصَّة كل وَاحِد من الْأَوْلَاد الْخَمْسَة من خَمْسَة عشر دِينَارا ثَلَاثَة دَنَانِير فَلَا بُد من أَرْبَعَة أُخْرَى حَتَّى يصير الْمَجْمُوع سَبْعَة كَمَا قَالَ السَّائِل فالخطأ الأول إِنَّمَا هُوَ أَرْبَعَة نَاقِصَة من سَبْعَة. قَوْله: فَالثَّانِي اثْنَان كَذَلِك أَي فالخطأ الثَّانِي اثْنَان ناقصان لِأَنَّهُ مَجْمُوع الْأَعْدَاد المتوالية من الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ والنصيب مِنْهَا لكل من التِّسْعَة خَمْسَة وَلَا بُد لنا من سَبْعَة كَمَا قَالَ السَّائِل فَلَا بُد من اثْنَيْنِ زائدين فالخطأ إِنَّمَا هُوَ بقدرهما. قَوْله: وَالْفضل بَينهمَا أَي بَين المحفوظين. قَوْله: وَبَين الْخَطَّائِينَ أَي الْفضل بَين الْخَطَّائِينَ اثْنَان فَإِذا قسمنا الْفضل بَين المحفوظين أَعنِي سِتَّة عشر على الْفضل بَين الْخَطَّائِينَ أَعنِي اثْنَيْنِ يخرج ثَلَاثَة عشر وَهِي عدد الْأَوْلَاد وَمِنْه يعلم عدد الدَّنَانِير بِضَرْب السَّبْعَة فِي عَددهمْ كَمَا لَا يخفى. قَوْله: فحاصل إِلَّا وَاحِد. أَي فَالْحَاصِل التَّضْعِيف وَهُوَ أَرْبَعَة عشر عدد الْأَوْلَاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 لَكِن بعد اسْتثِْنَاء الْوَاحِد مِنْهَا فَبَقيَ ثَلَاثَة عشر وَهِي عَددهمْ وَحِصَّة كل وَاحِد سَبْعَة كَمَا قَالَ السَّائِل فضربناها فِي عَددهمْ فَالْحَاصِل هُوَ عدد الدَّنَانِير لِأَن مَضْرُوب خَارج الْقِسْمَة فِي الْمَقْسُوم عَلَيْهِ يُسَاوِي الْمَقْسُوم كَمَا مر. قَوْله: عدد يعدل مَالا. يَعْنِي كلما وَقع المعادلة بَين عدد وأموال فالضابطة حِينَئِذٍ قسْمَة ذَلِك الْعدَد على الْأَمْوَال. قَوْله: وجذر الْخَارِج من الْقِسْمَة. قَوْله: أقرّ زيد عِنْد القَاضِي. قَوْله: بِأَكْثَرَ الْمَالَيْنِ لَيْسَ المُرَاد بِالْمَالِ هَا هُنَا المَال الاصطلاحي فِي هَذَا الْبَاب أَعنِي مَضْرُوب الشَّيْء فِي نَفسه بل المُرَاد الْمَعْنى اللّغَوِيّ أَي مَاله مَالِيَّة وَقِيمَة. قَوْله: ومسطحهما أَي مسطح مَجْمُوع الْمَالَيْنِ أَي حَاصِل ضرب أحد الْمَالَيْنِ فِي آخر والمسطح هُوَ الْعدَد الْحَاصِل من ضرب عدد فِي غَيره مثل الْعشْرين الْحَاصِل من ضرب أَرْبَعَة فِي خَمْسَة كَمَا سَيَجِيءُ فِي مَوْضِعه. قَوْله: أَحدهمَا أَي أحد الْمَالَيْنِ لزيد. قَوْله: عشرَة وشيئا لِأَن الْعشْرَة وشيئا أَكثر من قسمَيْنِ من عشْرين وَقد أقرّ الْمقر لزيد بِأَكْثَرَ الْمَالَيْنِ اللَّذين مجموعهما عشرُون. وَاعْلَم أَن الْعشْرَة أَمر يقيني فِي أَكثر الْمَالَيْنِ وَإِنَّمَا الْمَجْهُول هُوَ الشَّيْء الَّذِي فرض مَعَ الْعشْرَة وَالْعَمَل إِنَّمَا هُوَ لتَحْصِيل الْعلم بِهِ فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ نَافِع فِيمَا سَيَأْتِي. قَوْله: وَبعد الْجَبْر والمقابلة بِأَن تعْتَبر الْمِائَة بِغَيْر الِاسْتِثْنَاء وَهُوَ إِلَّا مَالا فَصَارَ مائَة تَامَّة _ وزدنا المَال على الطّرف الآخر أَعنِي سِتَّة وَتِسْعين فَصَارَ سِتَّة وَتِسْعين ومالا ثمَّ وَقعت الْمُقَابلَة بَين مائَة وَسِتَّة وَتِسْعين مَالا فأسقطنا سِتَّة وَتِسْعين من الْمِائَة من الطَّرفَيْنِ فَبَقيَ أَرْبَعَة من الْمِائَة فَوَقَعت المعادلة بَين الْأَرْبَعَة وَالْمَال فقسمنا الْأَرْبَعَة على المَال فَحصل خَارج الْقِسْمَة الْأَرْبَعَة وجذرها اثْنَان. قَوْله: وَالشَّيْء الَّذِي فرض مَعَ الْعشْرَة لزيد اثْنَان فزدناهما على الْعشْرَة فَصَارَ اثْنَي عشر وَلما اسْتثْنِي الشَّيْء الَّذِي علم أَنه اثْنَان من الْعشْرَة الْبَاقِيَة بَقِي ثَمَانِيَة فَأكْثر الْمَالَيْنِ اثْنَا عشر لزيد _ وَالْبَاقِي الثَّمَانِية للْقَاضِي حق السَّعْي نَعُوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات اعمالنا. قَوْله: عدد يعدل أَشْيَاء وأموالا ضابطة كُلية أَي كلما تقع المعادلة بَين الْأَشْيَاء وَالْأَمْوَال. قَوْله: فكمل المَال بعد المعادلة وَاحِدًا أَي اجْعَلْهُ مَالا وَاحِدًا فَإِن كَانَ نصف مَال فزد نصفا عَلَيْهِ حَتَّى يصير مَالا كَامِلا وَاحِدًا وَإِن كَانَ ثلث مَال أَو ربع مَال فزد ثُلثي مَال أَو ثَلَاثَة أَرْبَاعه عَلَيْهِ ليصير مَالا كَامِلا وَاحِدًا وَقس عَلَيْهِ. قَوْله: إِن كَانَ أقل مِنْهُ أَي إِن كَانَ المَال أقل من المَال الْوَاحِد كنصفه وَثلثه وربعه وَغير ذَلِك كَمَا مر. قَوْله: ورده أَي رد المَال إِلَى مَال وَاحِد إِن كَانَ ذَلِك المَال أَكثر من مَال وَاحِد بِأَن كَانَ مالين أَو ثَلَاثَة أَمْوَال أَو غير ذَلِك. قَوْله: وحول الْعدَد كاثني عشر فِي الْمِثَال الْآتِي والأشياء كخمسة أَشْيَاء فِي ذَلِك الْمِثَال. قَوْله: إِلَى تِلْكَ النِّسْبَة أَي نِسْبَة التَّكْمِيل وَالرَّدّ بأنك إِن كملت نصف المَال مثلا بِزِيَادَة النّصْف الآخر عَلَيْهِ أَي بِتَضْعِيف النّصْف أَو رددت الْمَالَيْنِ مثلا إِلَى المَال بِإِسْقَاط نصف الْمَالَيْنِ إِلَى المَال فكمل الْعدَد بتضعيفه أَو انقصه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 بتنصيفه فَكَمَا أَن نصف المَال بالتضعيف يصير مَالا والمالان بالتنصيف مَالا كَذَلِك الْعدَد كالخمسة مثلا يصير بتكميلها بالتضعيف عشرَة كَامِلَة كالعشرين بتنصيفه يصير عشرَة نَاقِصَة وَكَذَا إِن كَانَ ربع مَال فتكميله بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَربَاع أَي ثَلَاثَة أَمْثَاله عَلَيْهِ كَذَلِك إِذا كَانَ الْعدَد خَمْسَة يصير بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَمْثَالهَا عَلَيْهَا عشْرين وكما أَن أَرْبَعَة أَمْوَال بِالرَّدِّ بِإِسْقَاط ثَلَاثَة أَمْوَال يبْقى مَالا كَذَلِك الْعدَد إِذا كَانَ عشْرين مثلا يبْقى بِالرَّدِّ بِإِسْقَاط ثَلَاثَة أَرْبَاعه أَعنِي خَمْسَة عشر خَمْسَة. قَوْله: بقسمة عدد كل أَي ذَلِك التَّحْوِيل يحصل بقسمة عدد كل وَاحِد من الْعدَد والأشياء على عدد الْأَمْوَال قيل التَّكْمِيل وَالرَّدّ فمجموع خَارج الْقِسْمَة هُوَ الْمَطْلُوب من التَّحْوِيل فَإِن كلا من خَمْسَة أَشْيَاء وَاثنا عشر فِي الْمِثَال الْآتِي ذَا قسم على نصف مَال على ضابطة قسْمَة الصَّحِيح على الْكسر يكون خَارج الْقِسْمَة فِي الأول خَمْسَة خَمْسَة ومجموعهما عشرَة وَفِي الثَّانِي اثْنَي عشر ومجموعهما أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ. قَوْله: ثمَّ ربع أَي بعد التَّكْمِيل نصف عدد الْأَشْيَاء وَذَلِكَ النّصْف خَمْسَة لِأَن عدد الْأَشْيَاء فِي الْمِثَال عشرَة ومربع الْخَمْسَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ. قَوْله: وزده على الْعدَد أَي زد ذَلِك المربع على الْعدَد الَّذِي حصل المعادلة بِهِ بعد التَّكْمِيل والتحويل وَذَلِكَ الْعدَد فِي الْمِثَال الْآتِي أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَإِذا زيد عَلَيْهِ مربع الْخَمْسَة أَعنِي خَمْسَة وَعشْرين يحصل تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ. قَوْله: وانقص من جذر الْمَجْمُوع أَعنِي الْمَزِيد والمزيد عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمِثَال تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ وجذره سَبْعَة وَإِذا نقصنا مِنْهَا نصف عدد الْأَشْيَاء وَهُوَ خَمْسَة يبْقى اثْنَان وَهُوَ الْعدَد الْمَجْهُول الْمَطْلُوب الْمقر بِهِ. قَوْله: فِي نصف بَاقِيهَا أَي فِي نصف الْبَاقِي من الْعشْرَة بعد القاء الْمَجْهُول مِنْهَا الَّذِي سنفرضه شَيْئا. قَوْله: فافرضه أَي فافرض مَا مَجْمُوع مربعه إِلَى آخِره شَيْئا لجهالته. قَوْله: وَنصف الْقسم الآخر أَي نصف الْبَاقِي من الْعشْرَة. قَوْله: خَمْسَة إِلَّا نصف شَيْء لِأَن الْقسم الآخر عشرَة إِلَّا شَيْئا فنصفه خَمْسَة إِلَّا نصف شَيْء. قَوْله: ومضروب الشَّيْء فِيهِ أَي فِي نصف الْقسم الآخر يَعْنِي فِي خَمْسَة إِلَّا نصف شَيْء. قَوْله: خَمْسَة أَشْيَاء إِلَّا نصف مَال لِأَن مَضْرُوب الشَّيْء فِي الْخَمْسَة خَمْسَة أَشْيَاء ومضروب الشَّيْء فِي إِلَّا نصف شَيْء إِلَّا نصف مَال. قَوْله: فَنصف مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء بل مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء إِلَّا نصف مَال لِأَن عندنَا مَالا وَهُوَ مربع الْقسم الأول وَخَمْسَة أَشْيَاء إِلَّا نصف مَال وَهُوَ مَضْرُوب الشَّيْء فِي الْقسم الآخر فالمجموع عندنَا مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء إِلَّا نصف مَال. وَلما كَانَ هَذَا كلَاما طَويلا لَا طائل تَحْتَهُ اخْتَار نصف مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء فِي مقَامه لِأَن مفَاد هَذَا مفَاد ذَلِك مَعَ الِاخْتِصَار لِأَنَّهُ لما اسْتثْنى من المَال نصف مَال بَقِي نصف المَال فَنصف مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء صَحَّ أَن يُقَال فِي مقَام مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء إِلَّا نصف مَال كَمَا لَا يخفى على المتأمل. قَوْله: يعدل اثْنَي عشر الْوَاقِع فِي السُّؤَال. قَوْله: فَمَال وَعشرَة أَشْيَاء يَعْنِي لما وَقع المعادلة بَين الْعدَد أَعنِي اثْنَي عشر وَبَين جنس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 الْأَمْوَال والأشياء أَعنِي نصف مَال وَخَمْسَة أَشْيَاء عَملنَا بالضابطة الْمَذْكُورَة بِأَن كملنا نصف المَال أَي جَعَلْنَاهُ مَالا وَاحِدًا بالتضعيف وحولنا عدد الْأَشْيَاء أَعنِي خَمْسَة إِلَى عشرَة وَالْعدَد أَعنِي اثْنَي عشر إِلَى أَرْبَعَة وَعشْرين بِتِلْكَ النِّسْبَة أَي بِتَضْعِيف الْخَمْسَة واثني عشر صَار مَال وَعشرَة أَشْيَاء معادلا لأربعة وَعشْرين. قَوْله: نقصنا نصف عدد الْأَشْيَاء وَهُوَ خَمْسَة لِأَن عدد الْأَشْيَاء عشرَة بعد التَّكْمِيل. قَوْله: من جذر مَجْمُوع إِلَى الآخر. اعْلَم أَن عدد الْأَشْيَاء عشرَة وَنِصْفهَا خَمْسَة ومربع الْخَمْسَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ وَالْعدَد أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ومجموع ذَلِك المربع وَهَذَا الْعدَد تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ وجذره سَبْعَة فَإِذا نقصنا الْخَمْسَة الَّتِي نصف عدد الْأَشْيَاء من السَّبْعَة الَّتِي جذر الْمَجْمُوع بَقِي اثْنَان وَهُوَ الْمقر بِهِ. (قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى) فِي الْهَامِش لِأَن مربعه أَرْبَعَة ومضروبه فِي نصف الْبَاقِي من الْعشْرَة بعد القاء الِاثْنَيْنِ مِنْهَا ثَمَانِيَة ومجموع الْأَرْبَعَة وَالثَّمَانِيَة اثْنَا عشر. قَوْله: أَشْيَاء تعدل إِلَى آخِره أَي كلما وَقع المعادلة بَين الْأَشْيَاء وَالْعدَد وَالْأَمْوَال فَبعد التَّكْمِيل أَو الرَّد على وزان مَا مر فِي الْمَسْأَلَة الأولى من المقترنات تنقص الْعدَد إِلَى آخِره. قَوْله: جذر الْبَاقِي من المربع. قَوْله: على نصفه أَي على نصف عدد الْأَشْيَاء. قَوْله: أَو تنقصه مِنْهُ أَي الجذر الْمَذْكُور من نصف عدد الْأَشْيَاء مَعْطُوف على تزيد وَكلمَة أَو للتَّخْيِير. قَوْله: أَمْثَال الْعدَد أَي ذَلِك الْعدَد الْمَضْرُوب فِي نصفه. قَوْله: فَاضْرب شَيْئا أَي فافرض ذَلِك الْعدَد الْمَجْهُول لجهالته شَيْئا وَاضْرِبْهُ فِي نَفسه يحصل نصف مَال وزد عَلَيْهِ اثْنَي عشر فَنصف مَال مَعَ اثْنَي عشر يعدل وَيقوم مقَام خَمْسَة أَمْثَال ذَلِك الشَّيْء أَي مقَام خَمْسَة أَشْيَاء فَإِذا كملنا نصف مَال صَار مَالا وحولنا اثْنَي عشر إِلَى أَرْبَعَة وَعشْرين وَخَمْسَة أَشْيَاء إِلَى عشرَة أَشْيَاء على نِسْبَة ذَلِك التَّكْمِيل فَبعد هَذَا التَّكْمِيل وَقع المعادلة بَين عشرَة أَشْيَاء وَمَال وَأَرْبَعَة وَعشْرين فعملنا والضابطة الْمَذْكُورَة بِأَن نقصنا الْعدَد أَعنِي أَرْبَعَة وَعشْرين من مربع نصف عدد الْأَشْيَاء وَهُوَ خَمْسَة وَعِشْرُونَ لِأَن عدد الْأَشْيَاء عشرَة وَنِصْفهَا خَمْسَة ومربع الْخَمْسَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ بَقِي بعد هَذَا التنقيص وَاحِد وجذره لَيْسَ إِلَّا وَاحِد فَإِن زِدْت الْوَاحِد على الْخَمْسَة الَّتِي هِيَ نصف عدد الْأَشْيَاء يحصل سِتَّة وَهُوَ الْعدَد الْمَجْهُول الْمَطْلُوب لِأَنَّك إِذا ضربتها فِي نصفهَا أَعنِي ثَلَاثَة تحصل ثَمَانِي عشر فَإِن زِدْت عَلَيْهِ اثْنَي عشر يحصل ثَلَاثُونَ وَهُوَ خَمْسَة أَمْثَال السِّتَّة. قَوْله: أَو نقصته مِنْهَا أَي نقصت الْوَاحِد من الْخَمْسَة يحصل أَرْبَعَة وَهِي الْعدَد الْمَجْهُول المسؤول عَنهُ أَيْضا لِأَنَّهُ إِذا ضرب أَرْبَعَة فِي نصفهَا يحصل ثَمَانِيَة وَأَنا أَزِيد عَلَيْهَا اثْنَا عشر يحصل عشرُون وَهُوَ خَمْسَة أَمْثَال الْأَرْبَعَة. قَوْله: أَمْوَال تعدل عددا إِلَى آخِره يَعْنِي كلما وَقعت المعادلة بَين المَال وَالْعدَد والأشياء فَبعد التَّكْمِيل أَو الرَّد على الْوَجْه الْمَذْكُور تزيد مربع إِلَى آخِره. قَوْله: وجذر الْمَجْمُوع أَي تزيد جذره. قَوْله: عدد نقص من مربعه أَي عدد ربع ثمَّ نقص ذَلِك الْعدَد من مربعه. قَوْله: وَزيد الْبَاقِي بعد نُقْصَان الجذر. قَوْله: نقصنا من المَال شَيْئا أَي فَرضنَا ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 الْعدَد الْمَجْهُول شَيْئا ثمَّ ضَرَبْنَاهُ فِي نَفسه حَتَّى صَار مَالا ثمَّ نقصنا الشَّيْء من المَال فَيبقى مَال الْأَشْيَاء. قَوْله: وكملنا الْعَمَل أَي سلكنا على مَا قَالَ السَّائِل بِأَن زِدْنَا الْبَاقِي أَعنِي مَال الْأَشْيَاء على المربع الْمَذْكُور أَعنِي مَالا حصل مالان الْأَشْيَاء وَهُوَ معادل للعشرة لِأَنَّهُ حصل لنا بعد التربيع والتنقيص وَزِيَادَة الْبَاقِي كَمَا كَانَ الْعشْرَة حَاصِلَة بعد هَذِه الْأُمُور فِي قَول السَّائِل فَعلمنَا إِن مالين الْأَشْيَاء هُوَ بِعَيْنِه الْعشْرَة الْمَذْكُورَة فِي قَول السَّائِل لَكِن لَا نعلم أَن مالين الْأَشْيَاء مَا هُوَ فعملنا بالضابطة الْمَذْكُورَة لمعادلة الْأُمُور للأعداد والأشياء بعد الرَّد والتكميل. قَوْله: وَبعد الْجَبْر وَالرَّدّ. قَالَ الخلخالي بِأَن أَخذنَا الْمَالَيْنِ الكاملين بِغَيْر الِاسْتِثْنَاء وزدنا الشَّيْء على الْعشْرَة فَصَارَ مالان يعادل عشرَة وشيئا ثمَّ رددنا الْمَالَيْنِ إِلَى مَال وَاحِد وَالْعشرَة إِلَى الْخَمْسَة وَالشَّيْء إِلَى نصف الشَّيْء صَار خَمْسَة أعداد نصف شَيْء. قَوْله: ومربع نصف عدد الْأَشْيَاء. وَاعْلَم إِن عدد الْأَشْيَاء نصف لِأَن الشَّيْء بعد الرَّد صَار نصف شَيْء وَنصف النّصْف ربع فَنصف عدد الْأَشْيَاء ربع ومربع الرّبع نصف ثمن. قَوْله: مُضَافا إِلَى الْخَمْسَة أَي حَال كَون ذَلِك المربع مُنْضَمًّا إِلَى الْخَمْسَة. قَوْله: خَمْسَة وَنصف ثمن خبر قَوْله ومربع نصف عدد الْأَشْيَاء المنضم إِلَى الْخَمْسَة. قَوْله: وجذره أَي جذر خَمْسَة وَنصف ثمن اثْنَان وَربع. يعلم هَذَا بضابطة اسْتِخْرَاج الجذر بأنك إِن ضربت الْخَمْسَة فِي مخرج الْكسر وَهُوَ سِتَّة عشر وتزيد على الْحَاصِل صُورَة الْكسر يحصل أحد وَثَمَانُونَ وجذره تِسْعَة فَإِذا قسمناها على جذر مخرج الْكسر وَهُوَ أَرْبَعَة يخرج اثْنَان وَربع. قَوْله: تزيد عَلَيْهِ أَي على الجذر الْمَذْكُور أَعنِي اثْنَيْنِ وَنصفا وربعا. قَوْله: ربعا أَي تزيد ربعا. قَوْله: يحصل اثْنَان وَنصف لِأَن الرّبع نصف عدد الشَّيْء وَهُوَ نصف كَمَا مر وَنصف النّصْف ربع فَإِذا زِدْنَا الرّبع على اثْنَيْنِ وَربع صَار اثْنَيْنِ وَنصفا. قَوْله: وَهُوَ الْمَطْلُوب قَالَ المُصَنّف فِي الْهَامِش لِأَن مربعه سِتَّة وَربع وَإِذا نقصنا مِنْهُ اثْنَيْنِ وَنصفا يبْقى ثَلَاثَة وَثَلَاثَة أَربَاع وزدنا ذَلِك على سِتَّة وَربع صَارَت عشرَة انْتهى. وتوضيحه إِنَّه إِنَّمَا قُلْنَا إِن الِاثْنَيْنِ وَنصفا هُوَ الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ يصدق عَلَيْهِ مَا قَالَ السَّائِل لِأَن مربع اثْنَيْنِ وَالنّصف على ضابطة ضرب الصَّحِيح مَعَ الْكسر فِي مثله سِتَّة وَربع لِأَن مجنس الِاثْنَيْنِ وَالنّصف خَمْسَة ومربعها خَمْسَة وَعِشْرُونَ وَهُوَ الْحَاصِل الأول ومربع مخرجي الكسرين أَرْبَعَة لِأَن مخرج النّصْف اثْنَان ومضروب الِاثْنَيْنِ فِي أَنفسهمَا أَرْبَعَة وَهِي الْحَاصِل الثَّانِي. فَلَمَّا قسمنا الْحَاصِل الأول على الْحَاصِل الثَّانِي يخرج سِتَّة وَربع وَإِذا نقصنا مِنْهَا ذَلِك الْعدَد أَعنِي اثْنَيْنِ وَنصفا يبْقى ثَلَاثَة وَثَلَاثَة أَربَاع. فَإِذا زِدْنَا هَذَا الْبَاقِي على المربع الْمَذْكُور أَعنِي سِتَّة وربعا صَارَت عشرَة كَمَا قَالَ السَّائِل فَافْهَم واحفظ وَكن من الشَّاكِرِينَ. اللَّهُمَّ أعنا على الْجَواب يَوْم السُّؤَال والحساب. كَمَا هونتني مغلقات الْجَبْر والمقابلة فِي خُلَاصَة الْحساب. وَلما كَانَ مطمح نَظَرِي فِي هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 الْكتاب. بل فِي كل مَا تأليفاتي توضيح المطالب بعبارات وَاضِحَة وتحرير المآرب باعتبارات لائحة. اخْتَرْت تَطْوِيل الْكَلَام. فِي تبيان كل مطلب ومرام. والزمت غلق أَبْوَاب الِاقْتِصَار. وَفتح إقفال الِاخْتِصَار. بِحَيْثُ يُوهم الْأَطْنَاب ليتيسر الْوُصُول على القاصرين من كل بَاب. نعم وَأَن يغبر مرْآة أَرْبَاب البصيرة الأذكياء لَكِن يحسبه أَصْحَاب البصارة الضُّعَفَاء كحل الْجلاء. اللَّهُمَّ وفقني للنفع الْعَام. والبذل التَّام. واغفر لي وَتب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم. الجبائي: هُوَ أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الجبائي من الْمُعْتَزلَة بِالْبَصْرَةِ والجباء بِضَم الأول وَتَشْديد الثَّانِي قَرْيَة من قرى الحضضستان وبالتخفيف قَرْيَة من قرى الكازرون وَهُوَ أستاذ الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله لكنه ترك مَذْهَب استاذه لما ذكر فِي الْكتب الكلامية. (بَاب الْجِيم مَعَ الْهَاء) الْجِهَة: قَالَ الْحسن الميبذي رَحمَه الله فِي (الفواتح) حكما يَقُولُونَ إِن الْجِهَات الْحَقِيقِيَّة اثْنَتَانِ فَوق وَتَحْت. ويحددان بالفلك الْأَعْظَم، فَوق بمحيطه وَتَحْت بالمركز. وَعَلِيهِ يُقَال إِنَّه محدد الْجِهَات (أَي الْفلك) وَجَمِيع الأفلاك شفافة بِمَعْنى أَنهم لَا يحجبون الْأَبْصَار وَلَيْسوا خفافا وَلَا ثقالا، فالخفة تميل إِلَى الْمُحِيط والثقل يمِيل إِلَى المركز وَلَيْسوا باردين وَلَا حارين وَكَذَلِكَ لَا رطبين وَلَا جافين وَلَا ينمون وَلَا يزيلون وَلَا شَهْوَة وَلَا غضب لَهُم، وَلَا يقبلُونَ الكينونة وَلَا الْفساد وهم دائمو الْحَرَكَة بِإِرَادَة دائرية، وهم أَحيَاء ناطقون، وَلَا تعتقد أَن كَونهمَا ناطقين وحيين يَعْنِي أَن لَا مَانع فِي تَحْدِيد الإنساني بِالْحَيَوَانِ النَّاطِق. إِذا مَا كَانَ المُرَاد من الْحَيّ هُوَ حَاجِب الْحَيَاة وَمن الْحَيَوَان الْجِسْم النامي الحساس المتحرك بِإِرَادَة وعلاقته الْقَدِيمَة مَوْقُوفَة بالحوادث على الْأَمر على وَجه الْعلية. وَأَنه بِوَجْه مُسْتَمر وَيَوْم آخر متجدد ومستند على اعْتِبَار الِاسْتِمْرَار بالقديم، وَبِاعْتِبَار تجدّد وَاسِطَة صُدُور الْحَوَادِث. وَهَذَا الْحَرَكَة الفلكية. المشاؤون يَقُولُونَ إِن الْعقل هُوَ حَاصِل جَمِيع الكمالات الممكنة بِالْفِعْلِ، وَإِن الْكَمَال الْمُمكن بِالْقُوَّةِ لَيْسَ فلكا إِلَّا الأوضاع الْمُخْتَلفَة، وَهُوَ يُرِيد أَن يتشبه بِالْعقلِ وَيُرِيد أَن ينْقل الأوضاع الْمُخْتَلفَة من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل وَهَذَا لَيْسَ ميسرًا دفْعَة وَاحِدَة وَلَكِن بالتدريج عَن طَرِيق أَو بوسيلة الْحَرَكَة ينْتَقل إِلَى الْفِعْل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 ( [حرف الْحَاء] ) (بَاب الْحَاء مَعَ الْألف) الْحَال: وَمَا ذكره هَذَا العَاصِي الْمُؤلف فِي (جَامع الغموض) شرح الْكِفَايَة فِي أَقسَام الْحَال يذكر بعبارته فِي هَذَا الْكتاب لانتفاع الطلاب وَيجب أَن نعلم أَن الْحَال على أَقسَام: الأول: منتقلة، وَهِي الْحَال المنتقلة من ذِي الْحَال مثل جَاءَنِي زيد رَاكِبًا. الثَّانِي: الْمُؤَكّدَة وَهِي الْحَال الَّتِي تؤكد جُزْءا من الْجُمْلَة مثل (لَا ريب فِيهِ) فِي جملَة (هُوَ الْحق لَا ريب فِيهِ) وَهِي حَال مُؤَكد لجزء من الْجُمْلَة الَّذِي هُوَ (الْحق) وَمَا يُحَقّق ذَلِك كَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {آلم ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ} وَقد ذكر ذَلِك فِي كتاب الطول فِي بَاب الْفَصْل والوصل بشكل مفصل وَمن أَرَادَ الإطلاع عَلَيْهِ فَليُرَاجع إِلَيْهِ، وَالْبَعْض قَالَ إِن الْحَال الْمُؤَكّدَة هِيَ تِلْكَ الْحَال الَّتِي لَا تنفك عَن ذِي الْحَال أَي إِنَّهَا من الصِّفَات اللَّازِمَة، مثل قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الْحق مُصدقا لما مَعكُمْ من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} ، اذن (مُصدقا) هِيَ حَال من (الْحق) الَّذِي هُوَ ذِي الْحَال وَهِي من الصِّفَات اللَّازِمَة، وقريبا من هَذَا يعْتَبر الْبَعْض الْحَال الْمُؤَكّدَة دَاخله فِي الْحَال الدائمة وَالْبَعْض قَالَ إِن الْحَال الْمُؤَكّد هِيَ تِلْكَ الَّتِي لَا تنفك غَالِبا عَن صَاحبهَا مَا دَامَ صَاحبهَا مَوْجُودا. وَالثَّالِث: المتداخلة هِيَ الْحَال الْآتِيَة من مَعْمُول الْحَال الأول كَمثل (جَاءَنِي زيد يقوم غُلَامه مجروحا رَأسه) . الرَّابِع: المترادفة، وَهِي الْحَال الْآتِيَة من الْعَامِل أَو عَامل الْحَال الأول مثل (رَأَيْت زيدا قَائِما عَالما رَاكِبًا) . الْخَامِس: الْحَال الْمقدرَة وَهِي الْحَال الَّتِي يكون حُصُولهَا مُقَدرا وَصَاحب هَذِه الْحَال لم يكن على تِلْكَ الْحَال زمن الْأَخْبَار عَنْهَا (جَاءَنِي زيد مَعَه صقر صائدا راعدا) . (بَاب الْحَاء مَعَ السِّين) الْحسن وَالْحُسَيْن: سبطا رَسُول الله أفضل الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ السَّلَام وهما ابْنا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَسد الله الْغَالِب الْمَطْلُوب لكل طَالب عَليّ المرتضى كرم الله وَجهه من بنت رَسُول الله فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. اعْلَم ان ولادَة الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَت فِي الْخَامِس عشر من رَمَضَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 يَوْم الثُّلَاثَاء السّنة الثَّالِثَة لِلْهِجْرَةِ فِي الْمَدِينَة المكرمة. قيل إِنَّه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تمم الْخلَافَة بِسِتَّة أشهر إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة ثمَّ تَركهَا وَاخْتَارَ الانزواء وَالِاعْتِكَاف فِي الْمَدِينَة المعظمة وَهُوَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قد سمته امْرَأَته (مقدمه أَو جعده) بنت الْأَشْعَث فَمَكثَ شَهْرَيْن يرفع من تَحْتَهُ فِي الْيَوْم كَذَا وَكَذَا طسا من دم _ وَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سقيت السم مرَّتَيْنِ وَهَذِه الْمرة الثَّالِثَة هَكَذَا فِي حَيَاة الْحَيَوَان. وكنية هَذَا الإِمَام الْهمام أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي (حبيب السّير) مَكْتُوب أَن مَرْوَان بن الحكم الَّذِي كَانَ حَاكما للمدينة من قبل مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قد أرْسلهُ مُعَاوِيَة وَمَعَهُ منديل ملطخ بالسم وَقَالَ لَهُ أَن عَلَيْهِ بِأَيّ تَدْبِير يستطيعه أَن يخدع جعده بنت الْأَشْعَث بن قيس زَوْجَة الْحسن حَتَّى تقدم بعْدهَا على إِزَالَة وجود الْحسن من هَذِه الدُّنْيَا بِوَاسِطَة هَذَا المنديل، وَقل لَهَا عني أَنَّهَا إِذا أرْسلت الْحسن إِلَى الْعَالم الآخر وأتمت المهمة فَإِن لَهَا خمسين ألف دِرْهَم وَأَنَّهَا سَتَكُون زوجا ليزِيد. فأسرع مَرْوَان بن الحكم إِلَى الْمَدِينَة ليقوم بِمَا قَالَه مُعَاوِيَة وسعى جاهدا إِلَى خداع جعدة الَّتِي كَانَ لقبها (أَسمَاء) الَّتِي انطلت عَلَيْهَا الْحِيلَة ونفذت مَا قَالَه مُعَاوِيَة ودست السم للْإِمَام الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي سرى فِي جسده فَنقل إِلَى دَار السَّلَام. وَيظْهر من (رَوْضَة الشُّهَدَاء) أَن جعدة قد دست السم أَكثر من مرّة للْإِمَام الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام فَلم يُؤثر فِيهِ، بعْدهَا عَمَدت إِلَى وضع السم الْأسود فِي المَاء وخلطته فِيهِ وَلما شرب الإِمَام من ذَلِك المَاء غلب عَلَيْهِ الْقَيْء فَخرج كبده مقطعا إِلَى سبعين قِطْعَة، فَشرب شربة الشَّهَادَة فِي الْحَادِي عشر من شهر ربيع الأول سنة خمسين وارتحل إِلَى جوَار رَحْمَة الْحق. وَصلى عَلَيْهِ سعيد بن الْعَاصِ وَدفن فِي مَقْبرَة البقيع، بلغ عمره الشريف سَبْعَة وَأَرْبَعين سنة. خلف من الْأَوْلَاد عشرَة صبيان وَسِتَّة بَنَات وَالْبَعْض قَالَ خَمْسَة عشر ولدا عشرَة صبيان وَخمْس بَنَات أساميهم مَذْكُورَة فِي كتب السّير، وَيكْتب كَمَال الدّين الدَّمِيرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي (حَيَاة الْحَيَوَان) أَن مَرْوَان بن الحكم حَاكم الْمَدِينَة منع دفن الإِمَام بِالْقربِ من صَاحب الرسَالَة عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالتَّفْصِيل فِي المطولات، وحضرة سيد الشُّهَدَاء الإِمَام الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْأَخ الْأَصْغَر للْإِمَام الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من حَضْرَة سيدة الْجنَّة فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَكتب أَنه بعد ولادَة الإِمَام الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِخَمْسِينَ يَوْمًا قد حملت سيدة النِّسَاء فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بِالْإِمَامِ الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَكَانَت وِلَادَته فِي الرَّابِع أَو الْخَامِس من شهر شعْبَان من السّنة الرَّابِعَة لِلْهِجْرَةِ ويروي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 جمع من جامعي الْأَخْبَار أَن مُدَّة حمل هَذَا الإِمَام الْهمام كَانَت سِتَّة أشهر، وَلم يُولد ولد لسِتَّة أشهر وعاش باستثناء الْحُسَيْن بن عَليّ المرتضى رَضِي الله عَنْهُمَا إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام، وَلما وصل خبر وِلَادَته إِلَى المسامع الْمُبَارَكَة لخير الْأَنَام عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ابتهج وسر وَذهب إِلَى منزل سيدة الْجنَّة (خاتون الْجنَّة) وَحمل الإِمَام الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي حضنه وَأذن فِي أُذُنه الْمُبَارَكَة لهَذَا الإِمَام الْهمام وَسَماهُ الْحُسَيْن. وعاش هَذَا الإِمَام العالي الْمقَام فِي حضن خير الْأَنَام عَلَيْهِ وعَلى آله الصَّلَاة وَالسَّلَام سِتَّة سنوات وعدة أشهر، وَكَانَ عمره فِي زمن شَهَادَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه سِتَّة وَثَلَاثِينَ سنة، وعندما انْتقل الإِمَام الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ عمره أَرْبَعَة وَأَرْبَعين سنة، وَبعد وَفَاة أَخِيه العالي الْمقَام عَاشَ عشر سنوات وبضع السّنة فِي دَار الفناء وَفِي يَوْم الْجُمُعَة أَو الْخَمِيس فِي الْعَاشِر من محرم الْحَرَام سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ من هِجْرَة سيد الْمُرْسلين وعَلى أَرض كربلاء فاضت روحه إِلَى الفردوس الْأَعْلَى وَصَارَ إِمَام الشُّهَدَاء، وَفِي هَذَا الْيَوْم وكما يَقُول الإِمَام اليافعي رَحمَه الله تَعَالَى أَن اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ شخصا من أهل بَيته وَأَتْبَاعه قد فاضت أَرْوَاحهم بَين يَدي حَضْرَة النُّور الْفَيَّاض لهَذَا الإِمَام العالي الْقيمَة على يَد أهل الْكُوفَة السيء الطالع. وَالْبَعْض يزِيد على الْعدَد أما الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة أَن عدد الْجَمَاعَة كَانَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ لم يزِيدُوا وعَلى رِوَايَة حسن الْبَصْرِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَن سِتَّة عشر مِمَّن اسْتشْهد هم من الأقرباء المباركين من الْأَوْلَاد والأخوان وَأَوْلَاد الأخوان وَأَوْلَاد الْأَعْمَام للْإِمَام الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبَعض المؤرخين يرى أَن عَددهمْ هُوَ ثَلَاثَة عشر. إِن مُدَّة عمر هَذَا الإِمَام الْهمام كَانَت سِتَّة وَخمسين سنة وَخَمْسَة أشهر وعدة أَيَّام، وَقَاتل هَذَا النُّور المحمدي وكبد عَليّ المرتضى وَفَاطِمَة الزهراء بخنجر مَسْمُوم بعد الصَّلَاة الْآخِرَة يَوْم الْجُمُعَة أَو السبت هُوَ شمر بن الجوشن عَلَيْهِ اللَّعْنَة _ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون. وتفصيل هَذَا الْحَادِث الَّذِي يفتت الكبد وَبَعض الظُّلم والجور الَّذِي نزل على الإِمَام الْحسن وَالْإِمَام الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وعَلى أهل بَيتهمْ على يَد اليزيديين قد كتب وَحبر فِيهِ دفاتر ومجلدات كَثِيرَة وَمَعَ هَذَا إِذا أردْت أَنا كَاتب هَذِه الْحُرُوف أَن أحرر بَعْضًا من ذَلِك فَإِن الدمع والألم سيغلب عَليّ وسأفقد عَقْلِي. (يَا رب برسالة رَسُول الثقلَيْن ... يَا رب أظهر على الْغُزَاة السيئين) (وَأقسم أعمالي السَّيئَة يَوْم الْحَشْر إِلَى قسمَيْنِ ... نصفهَا اعطها لِلْحسنِ وَنِصْفهَا للحسين) (بَاب الْحَاء مَعَ الْكَاف) الْحِكْمَة: يَقُول شمس الدّين الشهرزوري فِي (تَارِيخ الْحُكَمَاء) أَنه ظهر وباء فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 زمن أفلاطون وَكَانَ هُنَاكَ مذبح على شكل مكعب، فجَاء الْوَحْي على أحد أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل أَن يُضَاعف هَذَا المذبح حَتَّى ينْتَفع بِهِ، فعمدوا إِلَى بِنَاء مذبح مشابه إِلَى جَانب المذبح السَّابِق وَزَادُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا ذَلِك للنَّبِي فجَاء الْوَحْي أَنهم يبنوا إِلَى جَانب المذبح مذبحا ويجعلوه تِسْعَة أَضْعَاف المكعب. فاستعانوا عِنْدهَا بأفلاطون فَقَالَ لَهُم إِنَّكُم نفرتم من الهندسة وَالْحق تَعَالَى قد نبهكم بِهَذِهِ الطَّرِيقَة كلما اسْتَطَعْتُم اسْتِخْرَاج خطين وسط خطين على نِسْبَة وَاحِدَة فَإِنَّكُم ستحصلون على الْمَطْلُوب. وتحقيقه فِي كتب الهندسة وَعَلَيْك أَن لَا تكون تَابعا للحكماء فِي الآلهيات فَإِنَّهُم فِيهَا على الْبطلَان والخذلان. (بَاب الْحَاء مَعَ اللَّام) الْحلف: تحضرني هُنَا طرفه، أَن شخصا جَاءَ إِلَى منزل القَاضِي وَقَالَ لَهُ أَطْعمنِي، فَقَالَ لَهُ القَاضِي ألم تسمع أَنهم لَا يَأْكُلُون فِي منزل القَاضِي إِلَّا الْقسم. (بَاب الْحَاء مَعَ الْوَاو) الْحَوْض: وَلما كَانَت مَسْأَلَة الْحَوْض فِي خُلَاصَة الْحساب مغلقة وَلم يتَعَرَّض بتفصيل مغلقاتها الشَّارِح الخلخالي رَحمَه الله التمس مني من هُوَ زبدة الْأَبْرَار أَو أَن التّكْرَار بالتعليقات عَلَيْهَا بعبارات مُوضحَة للمراد. وَبِاللَّهِ استعين وَهُوَ الْمعِين فِي المبدء والمعاد. وَتلك التعليقات هَذِه. قَوْله: والبواقي بِزِيَادَة يَوْم بِأَن يمْلَأ الأنبوبة الثَّانِيَة فِي يَوْمَيْنِ وَالثَّالِثَة فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَالرَّابِعَة فِي أَرْبَعَة أَيَّام. قَوْله: فَفِي كم تملأ أَي فَفِي كم جُزْء من أَجزَاء الْيَوْم تملأ تِلْكَ الأنابيب الْأَرْبَعَة الْحَوْض. قَوْله: فبالأربعة المتناسبة. أَي فاستعلامه بالأربعة المتناسبة بِأَن لَا ريب إِلَى آخِره. قَوْله: لَا ريب أَن الْأَرْبَع إِلَى آخِره بَيَان لمعلومية الطَّرفَيْنِ وَاحِد الوسطين ومجهولية أحد الوسطين الآخر مثلي الْحَوْض الَّذِي تملأه الأنبوبة الأولى. قَوْله: وَنصف سدسه عطف على مثلي الْحَوْض أَي تملأ تِلْكَ الْأَرْبَع فِي يَوْم وَاحِد حوضين كل وَاحِد مِنْهُمَا مماثل لذَلِك الْحَوْض الَّذِي تملأه الأنبوبة الأولى وَنصف سدس ذَلِك الْحَوْض. وَأما الْحَوْض الأول فَلِأَن الأنبوبة الأولى تملأه. وَأما الْحَوْض الثَّانِي وَنصف سدسه فَلِأَن الثَّانِيَة تملأ نصف ذَلِك الْحَوْض وَالثَّالِثَة ثلثه وَالرَّابِعَة ربعه. وَأَنت تعلم أَن مَجْمُوع نصفه وَثلثه وربعه حَوْض وَاحِد وَنصف سدسه فالمجموع فِي يَوْم وَاحِد تملأ مثلي ذَلِك الْحَوْض وَنصف سدسه. قَوْله: فالمجهول أحد الوسطين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 أَي إِذا ثَبت أَن عندنَا مَعْلُومَات ثَلَاثَة: أَحدهَا: الْيَوْم الْوَاحِد وَهُوَ الطّرف الأول وَالثَّانِي مثلا الْحَوْض وَنصف سدسه وَهُوَ الْوسط الأول وَالثَّالِث الْحَوْض الْوَاحِد وَهُوَ الطّرف الثَّانِي فالمجهول إِنَّمَا هُوَ الْوسط الثَّانِي وَهُوَ أَجزَاء الْيَوْم الْوَاحِد. قَوْله: فانسب إِلَى آخِره يَعْنِي أَن أحد الوسطين إِذا كَانَ مَجْهُولا فالضابطة حِينَئِذٍ أَن يضْرب أحد الطَّرفَيْنِ فِي الطّرف الآخر وَيقسم حَاصِل الضَّرْب على الْوسط الْمَعْلُوم فخارج الْقِسْمَة هُوَ الْوسط الْمَجْهُول الْمَطْلُوب. وَلما كَانَ الطرفان هَا هُنَا وَاحِدًا يكون مسطحهما أَيْضا وَاحِدًا وَهُوَ أقل من الْمَقْسُوم عَلَيْهِ وَهُوَ الْوسط الْمَعْلُوم أَعنِي مثلي الْحَوْض وَنصف سدسه _ والمقسوم إِذا كَانَ أقل من الْمَقْسُوم عَلَيْهِ فالضابطة أَن ينْسب الْمَقْسُوم إِلَى الْمَقْسُوم عَلَيْهِ فحاصل النِّسْبَة هُوَ خَارج الْقِسْمَة. فَلهَذَا أَمر المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى بِأَن ينْسب الْوَاحِد وَهُوَ مسطح الطَّرفَيْنِ إِلَى اثْنَيْنِ وَنصف سدس فَلَمَّا نسبناه إِلَيْهِ وَجَدْنَاهُ خمسين وخمسي خمس بعد التَّجْنِيس بِأَن ضربنا الْوَاحِد فِي مخرج السُّدس أَعنِي سِتَّة حصل سِتَّة. ثمَّ ضربناها فِي مخرج النّصْف أَعنِي اثْنَيْنِ حصل اثْنَا عشر نصف سدس هَذَا تجنيس الْوَاحِد. وَأما تجنيس اثْنَيْنِ وَنصف سدس فبانا ضربنا الِاثْنَيْنِ فِي مخرج السُّدس وَهُوَ سِتَّة حصل اثْنَا عشر سدسا. ثمَّ ضَرَبْنَاهُ فِي مخرج النّصْف وَهُوَ اثْنَان حصل أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ نصف سدس. ثمَّ زِدْنَا نصف السُّدس عَلَيْهِ حصل خَمْسَة وَعِشْرُونَ نصف سدس، وَلَا ريب فِي أَن اثْنَي عشر نصف سدس الَّذِي هُوَ تجنيس الْوَاحِد إِذا نسب إِلَى خَمْسَة وَعشْرين نصف سدس الَّذِي هُوَ تجنيس الِاثْنَيْنِ وَنصف سدس يكون خمسين وخمسي خمس وَهُوَ الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ علم أَن الْحَوْض الْوَاحِد يكون مملوءا بِتِلْكَ الأنابيب الْأَرْبَعَة فِي الْيَوْم الْوَاحِد الْمَقْسُوم على خَمْسَة وَعشْرين جُزْءا فِي خمسين وخمسي خمس مِنْهُ أَي فِي اثْنَي عشر جُزْءا من خَمْسَة وَعشْرين جُزْء يَوْم وَاحِد وَفِيه علمت من هَذَا الْبَيَان أَن الْمَنْسُوب هُوَ اثْنَا عشر نصف سدس الَّذِي هُوَ مجنس الْوَاحِد بِالْكَسْرِ الْمَذْكُور أَعنِي نصف سدس والمنسوب إِلَيْهِ هُوَ خَمْسَة وَعِشْرُونَ نصف سدس هُوَ مجنس اثْنَيْنِ وَنصف سدس. قَوْله: وبوجه آخر عطف على قَوْله وَخمسين وخمسي خمس أَي أنسب الْوَاحِد إِلَى اثْنَيْنِ وَنصف سدس بِوَجْه آخر غير مَا ذكر أَولا وَهُوَ أَن الأنابيب الْأَرْبَعَة تملأ حوضا كَبِيرا وَهُوَ خَمْسَة وَعِشْرُونَ جُزْءا من الْأَجْزَاء الَّتِي بهَا الْحَوْض الأول اثْنَا عشر جُزْءا بِأَن فَرضنَا الْحَوْض الأول اثْنَي عشر ذِرَاعا فَيكون الْحَوْض الْكَبِير خَمْسَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا فيمتلئ الْحَوْض الأول فِي اثْنَي عشر جُزْءا من خَمْسَة وَعشْرين جُزْءا من الْيَوْم الْوَاحِد الَّذِي قسم على خَمْسَة وَعشْرين جُزْءا. وَحَاصِل هَذِه النِّسْبَة أَن الْوَاحِد اثْنَا عشر جُزْءا من اثْنَيْنِ وَنصف سدس بعد التَّجْنِيس. وَأَنت تعلم أَن الْفرق بَين النسبتين فِي الْبَيَان وَالْمَاء وَاحِد. قَوْله: فَلَا ريب أَن الرَّابِعَة أَي الأنبوبة الرَّابِعَة تملأ فِي يَوْم وَاحِد ثمن حَوْض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة على حَالهَا لِأَن اخراج البالوعة إِنَّمَا اعْتبر فِي حق الرَّابِعَة لسُهُولَة الْفَهم وَإِن كَانَ مُمكنا فِي حق كل وَاحِد مِنْهَا فَعلم مِمَّا ذكر أَن البالوعة لَا تُؤثر إِلَّا فِي الرَّابِعَة دون غَيرهَا والأنبوبة الرَّابِعَة تملأ الْحَوْض فِي أَرْبَعَة أَيَّام فِي كل يَوْم ربعه والبالوعة تفرغه فِي ثَمَانِيَة أَيَّام فَيكون مخرجا لنصف ذَلِك الرّبع وَهُوَ الثّمن. قَوْله: فالأربعة تملأ فِيهِ أَي فِي يَوْم وَاحِد مثل ذَلِك الْحَوْض إِلَى آخِره لِأَن الأنبوبة الأولى تملأ الْحَوْض كُله فِي يَوْم وَاحِد بِلَا مُشَاركَة أُخْرَى. وَالثَّانيَِة تملأ فِيهِ نصفه وَالثَّالِثَة ثلثه وَالرَّابِعَة ثمنه لِأَنَّهَا كَانَت تملأ ربعه لَكِن بِمُقْتَضى اخراج البالوعة بَقِي الثّمن وَخرج الثّمن فالحوض الْوَاحِد وَالنّصف وَالثلث وَالثمن إِنَّمَا هِيَ مثل ذَلِك الْحَوْض وَثَلَاثَة وَعشْرين جُزْءا من أَرْبَعَة وَعشْرين جُزْءا من ذَلِك الْحَوْض. قَوْله: فانسب مسطح الطَّرفَيْنِ عملا بضابطة المتناسبة فَإِن الْمَجْهُول أحد الوسطين والطرفان وَاحِد الوسطين مَعْلُومَات لِأَن الطّرف الأول الْيَوْم الْوَاحِد والطرف الثَّانِي الْحَوْض الْوَاحِد وَاحِد الوسطين هُوَ الْحَوْض الْوَاحِد وَثَلَاثَة عشر جُزْءا من أَرْبَعَة وَعشْرين جُزْءا. قَوْله: بأَرْبعَة وَعشْرين لِأَن كل وَاحِد من الطَّرفَيْنِ وَاحِد فَإِذا ضربنا وَاحِدًا وَهُوَ الْيَوْم فِي وَاحِد وَهُوَ الْحَوْض المنقسم على أَرْبَعَة وَعشْرين جُزْءا يحصل أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ جُزْءا. قَوْله: من سَبْعَة وَأَرْبَعين جُزْءا هِيَ مجنس الْحَوْض الْوَاحِد وَثَلَاثَة وَعشْرين جُزْءا من أَرْبَعَة وَعشْرين جُزْءا من ذَلِك الْحَوْض الْوَاحِد. وَاعْلَم أَن الْحَوْض الْوَاحِد منقسم على أَرْبَعَة وَعشْرين ربع مسدس وَهِي مَعَ ثَلَاثَة وَعشْرين ربع سدس سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ ربع سدس. فَعلم الْوسط الْمَجْهُول وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ جُزْءا من سَبْعَة وَأَرْبَعين جُزْءا من الْيَوْم الْوَاحِد فيمتلئ الْحَوْض الأول فِي أَرْبَعَة وَعشْرين جُزْءا من سَبْعَة وَأَرْبَعين جُزْءا من الْيَوْم الْوَاحِد. قَوْله: وعَلى الْوَجْه الآخر أَي أنسب على الْوَجْه الْأَخير. قَوْله: وَالْبَاقِي وَهُوَ أَن الْحَوْض الأول يمتلئ فِي أَرْبَعَة وَعشْرين جُزْءا من سَبْعَة وَأَرْبَعين جُزْءا من يَوْم وَاحِد ظَاهر غير مفتقر إِلَى الْبَيَان. (بَاب الْحَاء مَعَ الْيَاء) الْحيض: نقل أَن الْمَأْمُون بن الرشيد عِنْدَمَا أَرَادَ أَن يتَزَوَّج من ابْنة وزيره وَكَانَ اسْمهَا بوران دخل عَلَيْهَا لَيْلَة الزفاف وَمد يَده إِلَيْهَا فَجَاءَهَا الْحيض من شدَّة الْحيَاء فِي غير معاده فَقَالَت لَهُ بوران {أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه} فَلم يفهم الْمَأْمُون كنايتها، فَعَادَت بوران لتقول لَهُ فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ {فار التَّنور} فَقَالَ الْمَأْمُون {سآوي إِلَى جبل يعصمني من المَاء} فأجابته بوران {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله} فَرفع الْمَأْمُون يَده عَنْهَا. وَمن هُنَا يصبح مَعْلُوما أَن الْحيض يدفق من شدَّة الْحيَاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 ( [حرف الْخَاء] ) (بَاب الْخَاء مَعَ التَّاء) الْخِتَان: يَقُول أفضل الْمُحدثين الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي قدس سره فِي شرح (الصِّرَاط الْمُسْتَقيم) محاججا على وجوب الْخِتَان، بِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمرنَا بِاتِّبَاع مِلَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام والمحقق وَالثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن ختان إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ وَهُوَ فِي سنّ الثَّمَانِينَ وروى أَبُو دَاوُد أَن الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمر شخصا أسلم حَدِيثا أَن ينْزع عَنهُ شعر الْكفْر وَأَن يختتن. وَبِمَا أَن القلفة تحتفظ بِالنَّجَاسَةِ وتمنع صِحَة الصَّلَاة لذا وَجب إِزَالَتهَا. وَقَالَ الإِمَام الْفَخر الرَّازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْحِكْمَة الشَّرْعِيَّة من الْخِتَان أَن الملاحظ عِنْدَمَا تكون الْحَشَفَة مغطاة بالقلفة تكون ناعمة واللذة فِيهَا قَوِيَّة عِنْد الْمُبَاشرَة، وعندما تقطع يصبح جلد القلفة سميكا وتقل عِنْدهَا اللَّذَّة. وبالإجمال فَإِن الإحساس واللمس بالشَّيْء المستورة أتم وأكمل مِنْهَا بالشَّيْء المكشوف. وَهَذَا مَا يُمكن أَن نستخلصه من حَالَة اللِّسَان والشفتين، وَهَذَا مَا يتوافق ويليق بشريعتنا لِأَنَّهَا شَرِيعَة الْوسط والاعتدال فِيمَا بَين الإفراط والتفريط فَإِنَّهَا تقلل وتعديل اللَّذَّة بالختان فَلَا تقطعها مُطلقًا وَلَا تتركها حد الإفراط. والختان يُوجب الِاعْتِدَال (انْتهى) . وَلَكِن مؤلف هَذَا الْكتاب يقدم لأولي الْأَلْبَاب أَن الْخِتَان يُؤَخر ويقلل من سرعَة الْإِنْزَال بِحَسب الطبيعة بِخِلَاف غير المختون الَّذِي يكون سريع الْإِنْزَال بِسَبَب اللَّذَّة الْكَامِلَة الناتجة من تماس جلدين أَي جلده (القلفة) وجانبي بَاطِن الْفرج، وَقد سَأَلت شخصا حَدِيث الْإِسْلَام وَهُوَ شخص كَانَت بيني وَبَينه مَوَدَّة وَلَا كلفة بَيْننَا عَن الْحَالَتَيْنِ، فَقَالَ عِنْدَمَا كنت غير مختون كَانَت لذتي عالية وَلَكِنِّي كنت سريع الْإِنْزَال وَهَذَا لم يكن يُرْضِي زَوْجَتي، وعندما اختتنت أصبح الْإِنْزَال عِنْدِي بطيئا وَهَذَا مَا أَرض زَوْجَتي. وَفِي شريعتنا إِذا مَا كَانَت نعْمَة اللَّذَّة الْكَامِلَة مفقودة فَإِن واهب العطيات قد أبدلنا عَن ذَلِك بالختان وَنعم الْبَدَل. ختام السَّادة: وَقد أورد بعض السَّادة الأخيار عَلَيْهِم الرَّحْمَة والغفران أَن تحقق بعض المواضيع الدِّينِيَّة والدنيوية وَحُصُول البركات الصورية والمعنوية لجَمِيع الأصدقاء والاخلاء وخذلان الْأَعْدَاء لَهُ أثر عَظِيم وَذَلِكَ بِوَاسِطَة الختمة وَهُوَ مَوْجُود فِي هَذِه القصيدة: (من حرز السَّادة أورد لكم حِكَايَة ... عَن بعض الْمَشَايِخ هَذِه الرِّوَايَة) (وعندما يعترضك مشكلة لَيْسَ لَك ... الْقُدْرَة على حلهَا أَو دَفعهَا لَا تقلها لأحد) (اختم الْقُرْآن وَلَا تَتَكَلَّم مَعَ أحد ... وَأَنت تقْرَأ هَذِه الختمة) (وَمهما كَانَت نِيَّة هَذِه الختمة ... فَإِنَّهُ وَمن لطفه سيجيبك على أَي سُؤال) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 (اقرأه يَوْم الْجُمُعَة من الِاثْنَيْنِ فِي ... اللَّيَالِي الْأُخْرَى فَلَيْسَ لَهَا أثر بَين) (تطهر أَولا أَيهَا الصّديق ... واغسل بدنك من الْجَنَابَة) (وَحَتَّى يكون التَّوْفِيق محالفا ... لَك اقْرَأ الْفَاتِحَة سبع مَرَّات) (وَبعد الْفَرَاغ من قِرَاءَة الْفَاتِحَة ... ارسل السَّلَام على الرَّسُول مائَة مرّة) (وعندما تفرغ من هَذِه الْقِرَاءَة والسلامات ... تصبح يقضا فاقرأ (ألم نشرح) تسع وَسبعين مرّة) (وعندما تصل إِلَى هُنَا فَقل بِسم الله ... واقرأ (قل هُوَ الله أحد) ألفا وَمرَّة وَاحِدَة) (وَفِي الآخر عِنْدَمَا تَنْتَهِي أَيهَا الرجل الصَّالح ... اعد قِرَاءَة الْفَاتِحَة سبع مَرَّات) (وكما فِي الأول أعد إرْسَال التَّحِيَّات ... على الرَّسُول مائَة مرّة) وقراء الختمة لَا يجب أَن يَكُونُوا أقل من سَبْعَة وَإِذا كَانُوا أَكثر من ذَلِك فَلَا إِشْكَال وَلَكِن يجب أَن يَكُونُوا من الصوفيين والورعين. وعندما تفرغ من الختمة اقْرَأ هَذَا الدُّعَاء عشر مَرَّات ((بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، يَا مفتح الْأَبْوَاب، يَا مسبب الْأَسْبَاب، يَا مُقَلِّب الْقُلُوب والأبصار، وَيَا دَلِيل المتحيرين، وَيَا غياث المستغيثين، توكلت عَلَيْك يَا رب وأفوض أَمْرِي إِلَيْك، لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعَلِيم الْعَظِيم)) . وَقبل البدء اقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ وانذر شَيْئا من الحلو أَو أَي شَيْء معادل لَهُ. أما أسامي هَؤُلَاءِ السَّادة قدس الله تَعَالَى أسرارهم هُوَ، سلمَان الْفَارِسِي، وَالقَاسِم ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، بايزيد البسطامي، أَبُو الْحسن الخرقاني، أَبُو عَليّ الفارمدي، يُوسُف الْهَمدَانِي، عبد الْخَالِق الغجدواني، عَارِف الريوكري، مُحَمَّد الْخَيْر الفغنوي، عَليّ الراميتني، بَابا مُحَمَّد السماسي، السَّيِّد أَمِير الكلال، بهاء الدّين النقشبند، قدس الله تَعَالَى أَرْوَاحهم. وَقَالَ إِن هَذَا الْخَتْم الْعَظِيم جَائِز مَا بَين صَلَاة الْعَصْر وَصَلَاة الْمغرب وَهُوَ مستحسن بعد صَلَاة الْعشَاء. (بَاب الْخَاء مَعَ الطَّاء) الْخطْبَة: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا جَاءَكُم طَالب زواج ترضونه وَلم تزوجوه تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد. وَقد كتب قدوة عُلَمَاء الدَّهْر وأوحد فضلاء عصره وَصَاحب الكرامات الظَّاهِرَة وواقف الْأَسْرَار الباهرة وجامع الْمَنْقُول والمعقول. وحاوي الْفُرُوع وَالْأُصُول، وَالَّذِي اخضرت رياض الرياضيات والرياضة بِذَاتِهِ، وَصَارَت أَشجَار الْعُلُوم الغريبة مثمرة بزلال حِيَاض صِفَاته، (السَّيِّد شمس الدّين) مد الله ظلال جَلَاله وأفاض على الْعَالمين أمطار فَضله وكماله، رِسَالَة سَمَّاهَا (العنايات الإلهية) وَقد ضمنهَا نفحة من أَحْوَال خوارق الْعَادَات الَّتِي كَانَت لجده الأمجد قبْلَة أَوْلِيَاء الْعَصْر وكعبة أتقياء الدَّهْر (السَّيِّد عنايت الله الخجندي النقشبندي) وَكَذَلِكَ نفحة من الشَّمَائِل التَّامَّة والكاملة لوالده الْعظم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 صَاحب الْمقَام الرفيع وَوَاحِد الحضرة الصمدية ومقرب بِسَاط الأحدية (السَّيِّد شاه منيب الله) قدس الله تَعَالَى أسرارهما وَنور مرقدهما. وَيَقَع الْمقَام الْمُقَدّس لقطبي الْولَايَة هذَيْن فِي ولَايَة (برار) فِي سَواد (بالابور) وَهُوَ معد لزيارة الْخَاصَّة والعامة. وَقد أظهر فِي هَذِه الرسَالَة بعض أَحْوَال وَالِده الْمَاجِد قدس سره فَقَالَ: ذَهَبْنَا إِلَى منزل سيد من مَشَايِخ العامرة فَأَرْسَلنَا رَسُولا للخطبة فَقبل هَذَا الشَّخْص، ولى كَانَ من الْعَادَات فِي تِلْكَ الْأَيَّام وكما هُوَ مُتَعَارَف عَلَيْهِ عَن الْخَاصَّة والعامة عِنْد الْخطْبَة الحَدِيث عَن شُرُوط الْأُمُور الشَّرْعِيَّة والاحتراز عَن الْأَشْيَاء المنهية، وَالَّتِي قد تحدث فِي مُقَدّمَة الزواج، فَلَمَّا تمّ التطرق لَهَا، رفض هَذَا السَّيِّد الْأَمر بِسَبَب عسر الْحَال وضيق ذَات الْيَد، فَقلت لَهُ لقد رفضتنا وَنحن مُسلمين ونلتزم جَمِيع الشُّرُوط الشَّرْعِيَّة وأمورها وعَلى فرض أَن جَاءَك يَوْمًا مَا كَافِر يتبع الْبدع وَيفْعل المنهيات وَقد توفر لَدَيْهِ مَا لم يتوفر لدينا فَإنَّك سَوف تلبي طلبه، وَبعد عدَّة أَيَّام جَاءَهُ رجل حَدِيث الْإِسْلَام خاطبا ابْنَته، وَقد عرف هَذَا الرجل نَفسه بِأَنَّهُ من السَّادة الأخيار وَمن أهل النجابة، فَمَا كَانَ فِيهِ إِلَّا أَن زوجه لَهَا، وَلَكِن هَذَا الرجل وَبعد اتمام العقد ودخوله على الْبِنْت عمد إِلَى تطليقها. أما الإبنة الثَّانِيَة لهَذَا الرجل فقد احرقت نَفسهَا وَمَاتَتْ أما الإبنة الثَّالِثَة لَهُ فقد زَوجهَا من رجل تبين فِيمَا بعد أَنه عنين. لقد أرسلنَا إِلَى هَذَا الرجل الشريف المحتد الَّذِي لَا أحد يجاري نسبه وحسبه فِي هَذَا الْعَالم الرَّسُول خاطبا فَلم يجب وَأَرْسَلْنَا لَهُ ثَانِيَة الحَدِيث الشريف فَلم يقبل. وَبعد عدَّة أَيَّام انزلقت بَنَاته إِلَى دَرك الْمعاصِي الْكَبِيرَة وأصبحتا ملذة للعامة والخاصة وتفصيل ذَلِك لَا يُمكن أَن أكتبه (انْتهى) . (بَاب الْخَاء مَعَ اللَّام) الْخلَافَة ثَلَاثُونَ سنة: كتب صَاحب كتاب (جَوَامِع الْكَلم) يَقُول إِن خلَافَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على نَوْعَيْنِ: خلَافَة كبرى وَخِلَافَة صغرى. أما الْخلَافَة الْكُبْرَى فَهِيَ خلَافَة الْبَاطِن وَهِي خَاصَّة بأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه. وَأما الْخلَافَة الصُّغْرَى فَهِيَ خلَافَة الظَّاهِر الَّتِي اخْتلفت حولهَا الْأمة فَأهل السّنة وَالْجَمَاعَة اعتبروها فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي بكر الصّديق وَأما الشِّيعَة فجعلوها فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه (انْتهى) والخلافة الْكُبْرَى انْتَقَلت عبر الْأَمِير الْكَبِير (أَي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 عَليّ) إِلَى كبار الْولَايَة وَهِي بَاقِيَة حَتَّى يَوْم الْقِيَامَة. والخلافة الظَّاهِرَة استمرت ثَلَاثِينَ سنة وانتهت مَعَ الْأَصْحَاب الْكِبَار. وتفصيل أَو شرح قَضِيَّة الْأَرْبَعَة الْكِبَار وَالْأَرْبَعَة عشر عائلة، وذرية هُوَ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ كرم الله وَجهه خَلفه أَرْبَعَة خلفاء اثْنَيْنِ من صلبه واثنين من غير صلبه. أما من كَانَ من صلبه فهما الْإِمَامَيْنِ الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَأما من غير صلبه فهما الْحسن الْبَصْرِيّ وكميل بن زِيَاد وَهَؤُلَاء هم الْكِبَار الْأَرْبَعَة بعد الصَّحَابَة الْأَرْبَعَة الْكِبَار رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ. وَقد كَانَ لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ خليفتان هما: الأول حبيب العجمي وَالثَّانِي عبد الْوَاحِد ابْن زيد، وَقد تفرع من حبيب العجمي تِسْعَة فرق أَو عوائل هِيَ: 1 - الحبيبية. 2 _ الطيفورية. 3 _ الكرخية. 4 _ السقطية. 5 _ الجنيدية. 6 _ الكازرونية. 7 _ الطوسيه. 8 _ السهرورية. 9 _ الفردوسية. وَأما من تفرع من عبد الْوَاحِد بن زيد فخمسة وهم: 1 _ الزيدية. 2 _ العياطية. 3 _ الأدهمية. 4 _ الهبيرية. 5 _ الجشتية. إِذا أَرْبَعَة كبار اثْنَان مِنْهُمَا أصبحا أَصْحَاب فرق أَو عوائل وهما: حبيب العجمي وَعبد الْوَاحِد بن زيد رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا. يَقُول المقرب من الْأَسْرَار والقدس الإلهي الشَّيْخ فريد الدّين الْعَطَّار قدس سره وأنور مرقده فِي كِتَابه: (تذكرة الْأَوْلِيَاء) أَن لربيب النُّبُوَّة ونجيب الشهامة وكعبة الْعلم وَالْعَمَل وخلاصة الْوَرع والحلم والمرقب لصَاحب الصَّلَاة صدر السّنة الْحسن الْبَصْرِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ مَنَاقِب كَثِيرَة. ومجهداته لَا تعد وَكَانَ صَاحب علم ومعاملة دَائِم الْخَوْف والحزن، وَكَانَت والدته (أمة) مولاة لأم الْمُؤمنِينَ أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَمرَّة كَانَت أمه تقوم بِعَمَل مَا فَبَدَأَ حسن الْبَصْرِيّ بالبكاء، فَجَاءَتْهُ أم سَلمَة وأعطته صدرها الْمُبَارك حَتَّى يرضع مِنْهُ، فَحدث أَن در صدر أم سَلمَة من الرَّحْمَة والشفقة، فرضع حَتَّى شبع. وَنقل أَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقد كَانَ طفْلا، شرب المَاء من إِنَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ لَهُ الرَّسُول، هَل شربت من هَذَا المَاء، وَقَالَ من شرب من هَذَا المَاء فقد سرى علمي فِيهِ. (انْتهى) ، لذَلِك وَلِهَذَا السَّبَب فقد دعى الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْحسن الْبَصْرِيّ (ابْني) وَكَذَلِكَ فَإِن كميل بن زِيَاد رَحْمَة الله عَلَيْهِ قد قضى مُدَّة فِي جوَار رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَحَازَ نعْمَة نبوته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 وَفِي تَفْصِيل خبر هَذِه العائلة أَن أَبنَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَانُوا اثْنَيْنِ وَقد التحقوا بالعالم والمتقي واصلح النَّاس حبيب العجمي، معتزلين النَّاس مؤثرين الْخلْوَة قد تسموا (بالحبيبية) وَهُوَ اسْم: العائلة أَو الْفرْقَة الأولى: قاطعين بذلك انتسابهم إِلَى آبَائِهِم وأجدادهم كَمَا فعل بَاقِي أَفْرَاد (الْفرق) أَو العوائل الْأُخْرَى حِين اسقطوا عائلاتهم من نسبهم. (أَصبَحت عبدا للعشق فاترك نسبك يَا (جامي) ) (لِأَن فِي هَذَا الطَّرِيق فلَان ابْن فلَان لَا تَسَاوِي شَيْئا ... ) العائلة الثَّانِيَة: (الطيفورية) الَّتِي تتصل بسُلْطَان العارفين (بايزيد البسطامي) عَلَيْهِ الرَّحْمَة، وطيفور اسْم مَدِينَة، وَكَانَ عَلَيْهِ الرَّحْمَة خَليفَة حبيب العجمي وَعمر مائَة وَخمسين سنة. العائلة الثَّالِثَة: (الكرخية) الَّتِي تتصل ب (مَعْرُوف الْكَرْخِي) خَليفَة دَاوُد الطَّائِي الَّذِي يرقى إِلَى حبيب العجمي، والكرخ محلّة فِي بَغْدَاد. العائلة الرَّابِعَة: (السقطية) الَّتِي تتصل (بالسري السَّقطِي) الَّذِي كَانَ خَليفَة مَعْرُوف الْكَرْخِي. العائلة الْخَامِسَة: (الجنيدية) الَّتِي تتصل (بالجنيد الْبَغْدَادِيّ) رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَكَانُوا اثْنَيْنِ، الأول هُوَ الشَّيْخ عُثْمَان الدقاق، وَالثَّانِي هُوَ فَخر الدّين الْمَنْصُور وَكَانَ كِلَاهُمَا من تلامذة الإِمَام أَبُو حنيفَة الْكُوفِي، لَا مثيل لَهما فِي الْعلم وَالتَّقوى، يصومان أسبوعا وقضيا سبعين سنة فِي المجاهدة الرياضة وأصبحا من مريدي الْجُنَيْد الْبَغْدَادِيّ. العائلة السَّادِسَة: (الكازرونية) يتبعُون بِالنعْمَةِ والبيعة للسُّلْطَان إِسْحَاق الْأَمِير الكازروني، وَقد ترك السُّلْطَان رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَمر الْملك وَأصْبح مرِيدا لعبد الله الْخَفِيف، وكازرون اسْم مَدِينَة. العائلة السَّابِعَة: (الطوسية) الَّتِي تتصل بالشيخ عَلَاء الدّين الطوسي. العائلة الثَّامِنَة: (الفردوسية) وتتصل بالجنيد الْبَغْدَادِيّ وَكَانَ شيخهم هُوَ الشَّيْخ نجم الدّين الْكُبْرَى الَّذِي قَالَه الشَّيْخ ضِيَاء الدّين الجنيدي لقد صنعت مِنْك شَيخا من أكَابِر مَشَايِخ الْجنَّة. العائلة التَّاسِعَة: (السهروردية) وَالَّتِي تتصل كَذَلِك بالجنيد الْبَغْدَادِيّ عَن طَرِيق الشَّيْخ شهَاب الدّين السهروردي وضياء الدّين أَبُو النجيب السهروردي، وَالشَّيْخ ممشاد الدينَوَرِي الَّذِي أصبح خَليفَة الْجُنَيْد الْبَغْدَادِيّ. أما تَفْصِيل العوائل الْخَمْسَة لعبد الْوَاحِد بن زيد هُوَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 العائلة الأولى: (الزيدية) فقد كَانَ لعبد الْوَاحِد بن زيد خليفتين الأول هُوَ عبد الرَّزَّاق، الَّذِي يُقَال لَهُ (الزيدي) . العائلة الثَّانِيَة: (العياطية) لقد كَانَ ل (فُضَيْل بن عِيَاض الزيدي) خليفتان هما الشَّيْخ عبد الله وَالسُّلْطَان إِبْرَاهِيم أدهم الْبَلْخِي، وَعبد الله هُوَ العياطي. العائلة الثَّالِثَة: (الأدهمية) الَّتِي تتصل بالسلطان إِبْرَاهِيم أدهم الْبَلْخِي وبهذه الطَّرِيقَة كَانَ لإِبْرَاهِيم أدهم خليفتين الأول حميد الدّين وَالثَّانِي حُذَيْفَة المرعشي، والأدهمية نِسْبَة إِلَى (عبد الحميد) . العائلة الرَّابِعَة: (الهبيرية) لقد كَانَ ل (هُبَيْرَة الْبَصْرِيّ) خليفتان الأول الشَّيْخ (بايزيد) وَالثَّانِي الشَّيْخ ممشاد علو الدينَوَرِي والهبيرية نِسْبَة إِلَى الشَّيْخ (بايزيد) . العائلة الْخَامِسَة: (الجشتية) الَّتِي تتصل بِأبي إِسْحَاق الجشتي والجشتي كَانَ من مريدي الشَّيْخ ممشاد علو الدينَوَرِي رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، و (جشت) اسْم ولَايَة. ( [حرف الدَّال] ) (بَاب الدَّال مَعَ الْجِيم) الدَّجَّال: يَقُول أفضل الْمُحدثين الْمُتَأَخِّرين الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي قدس سره فِي تَرْجَمَة (الْمشكاة) . أَن الدَّجَّال مُشْتَقّ من الدجل والدجل مَعْنَاهُ الْخَلْط وَالْمَكْر وَالْخداع والتلبيس وَقد جَاءَ (دجل الْحق بِالْبَاطِلِ) أَي عِنْدَمَا يعمد شخص إِلَى خلط الْحق بِالْبَاطِلِ ويموهه، وَقد أَتَى بِمَعْنى الْكَذِب. وَجَمِيع وُجُوه هَذِه الْمعَانِي ظَاهِرَة فِي (الدَّجَّال) وَيُمكن أَن يكون لَهَا أوجه أُخْرَى قد تظهر لاحقا. لأننا أوردنا ذَلِك فِي الْقَامُوس السالف الذّكر عِنْد شرحنا للكلمة. والمسيح اسْم مُشْتَرك بَين الدَّجَّال وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَيُقَال لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام الْمَسِيح لِأَنَّهُ مسح على الأكمة والأبرص ولمسهم فشفوا وَكَذَلِكَ لسَبَب أَنه عِنْد وِلَادَته من بطن أمه كَانَ ممسوحا أَي لم يكن عَلَيْهِ من الدَّم والخلاص مَا يكون على الْأَوْلَاد العاديين. وَالْبَعْض قَالَ إِن الْمَسِيح بِمَعْنى الصّديق أَو لِأَن بَاطِن قدمه كَانَ سويا أَو لِأَنَّهُ كَانَ يسوح فِي الأَرْض كثيرا وَهَذَا وَجه اشْتِرَاك بَينه وَبَين الدَّجَّال. وَيُقَال للدجال مسيح بِسَبَب أَن إِحْدَى عَيْنَيْهِ ممسوحة وممسوح الْوَجْه هُوَ الشَّخْص الَّذِي يكون أحد طرفِي وَجهه مَمْسُوح الْعين والحاجب أَو لِأَنَّهُ لَا خير فِيهِ وَلَا حَسَنَات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 كَمَا مسح عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام الشَّرّ وَالسوء، لذَلِك فالدجال هُوَ مسيح الضَّلَالَة وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مسيح الْهِدَايَة. (بَاب الدَّال مَعَ الرَّاء) الدرجَة: يَقُول صَاحب (الْكِفَايَة) المنصوري. اعْلَم أَن كل شَيْء يدْخل الْبدن لَهُ تَأْثِير على حَالَته، فَإِذا مَا تأثرت الْحَرَارَة الطبيعية وزادت حَالَة الْبدن مِنْهُ فَلَا يُقَال لهَذَا الشَّيْء أَنه جيد أَو معتدل. فَإِذا مَا كَانَ التَّأْثِير الْكَبِير غير محسوس فَإِنَّهُ يكون من الدرجَة الأولى وَإِذا مَا أحس بِهِ وَلكنه لم يكن مضرا فَإِنَّهُ يكون من الدرجَة الثَّانِيَة، وَإِذا مَا وصل إِلَى حد الضَّرَر وَلكنه لَا يهْلك فَإِنَّهُ يكون من الدرجَة الثَّالِثَة، وَأما إِذا وصل الضَّرَر إِلَى حد الْهَلَاك فَإِنَّهُ يكون من الدرجَة الرَّابِعَة وَهَذِه هِيَ الْأَدْوِيَة السامة. (بَاب الدَّال مَعَ الْعين) الدُّعَاء: وَقد عين الْخَلِيفَة الرَّابِع سيد الكونين ووصي الرَّسُول الثقلَيْن وموصل الطَّالِب إِلَى المطالب عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجه مدى تَأْثِير الْكَوَاكِب على أَوْقَات استجابة الدُّعَاء فَقَالَ: إِذا أردْت الدُّعَاء لأمر الْآخِرَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا من أُمُور فَيجب أَن يكون الْقَمَر فِي برج الْقوس أَو الْحُوت مسامتا الزهرة (نَاظرا إِلَى الزهرة) . وَإِذا أردْت الدُّعَاء من أجل الدُّنْيَا وَطلب المَال فَيجب أَن يكون الْقَمَر فِي برج الثور أَو الْمِيزَان مسامتا المُشْتَرِي، وَإِذا كَانَ الدُّعَاء من أجل الجاه يجب أَن يكون الْقَمَر فِي برج الْأسد وَالشَّمْس فِي برج الْحمل أَو أَن يكون الْقَمَر وَالشَّمْس فِي برج الْأسد. وَإِذا كَانَ المُشْتَرِي فِي برج الْأسد أَو الْقوس أَو الْحُوت وَالْقَمَر فِي برج الثور أَو الْمِيزَان مُتَّصِلا بالمشتري فَإِن الدُّعَاء يكون مستجابا فِي الْحَال. وَمن أجل الْأَعْمَال السُّلْطَانِيَّة والوزارية يجب أَن يكون الْقَمَر فِي برج السرطان وَالْمُشْتَرِي فِي برج الثور، أَو أَن يكون المُشْتَرِي فِي برج السرطان وَالْقَمَر فِي برج الثور شَرط أَن يَكُونَا متسامتين (ناظرين لبعضهما الْبَعْض) ، وَإِن أردْت أَن (النّظر) مَا هُوَ فَانْظُر فِي (نظرات الْكَوَاكِب) . (بَاب الدَّال مَعَ الْهَاء) الدَّهْر: وَنسبَة الثَّابِت إِلَى الثَّابِت سرمد، وَكَون الزَّمَان بكله مَوْجُود فِي الدَّهْر والسرمد من غير مُضِيّ وَحَال واستقبال مستبعد عِنْد المبتدئين. فلتوضيحه يَكْفِي مَا قَالَه جلال الْعلمَاء والمدققين الدواني رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي شرح رباعياته فِي تَحْقِيق علم الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 تَعَالَى وَكَلَامه وَالْإِشَارَة إِلَى حل الإشكالات الَّتِي تتراءى فِي قدمهَا: (فِي علم الْحق سُبْحَانَهُ وَكَلَامه يَا أهل الْكَمَال ... ) (إِذا أَحْسَنت وامعنت النّظر فَإنَّك لَا تَجِد إشْكَالًا ... ) (هُنَا كل الْمَاضِي والمستقبل وَالْحَال وَهنا حَيْثُ ... ) (جَمِيع الْكَوْن فَكيف يكون الْعَدَم ... ) وَفِي الْعلم الإلهي وَالْكَلَام الرباني فَإِن السالكين المسالك النظرية والشهورية يشتبهون حِين يقررون الشّبَه فِي علم اللدني، معتبرين أَن علمه قديم ومتعلق بالحوادث الْأَمر الَّذِي يُوجب التَّغَيُّر فِي علمه فَإِذا كَانَ زيد قَائِما وَهُوَ عَالم بقيامه وَإِذا تبدل هَذَا الْقيام إِلَى الْقعُود، فَإِذا بَقِي علمه وَاقِفًا على الْقيام يصبح الْعلم الإلهي جهلا، وَإِذا تغير وتحول إِلَى الْعلم بالقعود فَإِن تبدلا قد حدث فِي علم الله، تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا، وَأَيْضًا إِن الله عَالم بالحوادث الآتيه مُنْذُ الْأَزَل. فَإِذا كَانَ الْعلم على هَذَا الْوَجْه إِلَى أَنهم موجودون، فَهَذَا خلاف الْوَاقِع، وَإِذا كَانَ على وَجه أَنهم سيوجدون بعد وجود الْحَادِث فَإِذا بَقِي الْعلم على هَذَا الْوَجْه فَهُوَ الْجَهْل، وَإِذا ارْتَفع علمه وَأصْبح علمه بِمَا هُوَ مَوْجُود فَإِن هَذَا يَسْتَدْعِي زَوَال علمه الأول وحدوث علمه الثَّانِي وَكِلَاهُمَا محالين لَدَى ذَات الله تَعَالَى. وَبِنَاء على ذَلِك قَالَ بعض الحشوية أَن علم الله تَعَالَى بالحوادث فِي وَقت حُصُولهَا لَا غير، تَعَالَى عَن ذَلِك. والمتكلمين المتقصين قَالُوا عَن أساس الشّبَه أَن الْعلم الإلهي قديم وَأَن تبدل الْعلم الْحَادِث وتعلقه يَقع فِي متعلقاته وَلَيْسَ فِي نفس الْعلم. وَهَذَا كَلَام واه. فَكيف يعلم أَن لَا يتَعَلَّق بِشَيْء وَلم يعلم هَذَا الشَّيْء، إِذا يجب أَن يكون الله تَعَالَى لَيْسَ عَالم بالحوادث مُنْذُ الْأَزَل وَهَذَا يعيدنا إِلَى كَلَام الحشوية. أما وَجه التَّقَصِّي فِيهِ فَهُوَ أَن الذَّات الإلهية لَيست زمانية وَلكنهَا مُحِيطَة وعالية عَن زمَان علمه تَعَالَى وَكَذَلِكَ لَيْسَ زمانيا لكنه مُحِيط بِجَمِيعِ الْأَزْمِنَة دفْعَة وَاحِدَة، وكل جُزْء مَفْرُوض من أَجزَاء الزَّمَان والحوادث الْوَاقِعَة فِيهِ وعَلى الْكَيْفِيَّة الْوَاقِعَة فَهِيَ فِي مشاهديه. مثلا فَإِن زمَان بعثة نوح عَلَيْهِ السَّلَام على هَذَا الْوَجْه هُوَ مَاض نِسْبَة إِلَى بعثة الْأَنْبِيَاء الْمُتَأَخِّرين عَنهُ وَهُوَ فِي الْمُسْتَقْبل بِالنِّسْبَةِ لبعثة آدم والأنبياء الآخرين الْمُتَقَدِّمين عَلَيْهِ وَهُوَ حَاضر بِالنِّسْبَةِ للحوادث الْمُقَارنَة لَهُ. وعَلى هَذَا الْوَجْه فَإِن جَمِيع وَسَائِر الْأَزْمِنَة والحوادث لَا تَتَغَيَّر. وَلَا يُمكن أَن تكون بعثة نوح عَلَيْهِ السَّلَام خَالِيَة فِي هَذِه الصِّفَات. والماضي والمستقبل فِيهَا نِسْبَة للأمور الْأُخْرَى وَلَيْسَ بِالنِّسْبَةِ لله تَعَالَى. وأساس هَذَا الْمَعْنى أَن الذَّات الإلهية فالأمور السَّابِقَة أَو الْمُتَقَدّمَة على الزَّمَان الْمُطلق غير محاطة بِالزَّمَانِ لَكِنَّهَا مُحِيطَة بِالزَّمَانِ، إِذا الْمَاضِي والمستقبل لَا يُوجد بِالنِّسْبَةِ لَهُ ولكنهما موجودان بِالنِّسْبَةِ للزمنين المتساوين فِي أقدمية الْحُضُور وعَلى الرغم من أَن ثُبُوت الْمَاضِي والاستقبال حَاصِل من الْعَدَم وَذَلِكَ لِأَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 الْمَاضِي والاستقبال هما الزَّمَان، وَالزَّمَان فرع من الْحَرَكَة وَالْحَرَكَة ناشئة من الْقُوَّة وَالْقُوَّة تَسْتَلْزِم الْعَدَم بِالْقُوَّةِ والعدم لَيْسَ لَهُ طَرِيق فِي ساحة الْوُجُود الْحَقِيقِيّ، بل فِي المجردات: والمثال على هَذَا الْوَجْه من الْمَعْنى أَن يعرض شخص مَا على آخر دفْعَة وَاحِدَة، ثمَّ يعمد إِلَى عرض هَذَا الْخط على حَيَوَان ضيق الحدقة بالتدريج بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ الْإِحَاطَة بهَا كليا. وَبِمَا أَن هَذَا الْحَيَوَان سيرى أَن اللَّوْن يتبدل بَين لَحْظَة وَأُخْرَى، فَإِنَّهُ يعْتَقد أَن الأول صَار مَعْدُوما وَأَن الثَّانِي إِن وجد وَذَلِكَ بِسَبَب تبدل علمه بالألوان، وَهَذَا بِمَعْنى غياب آحَاد الألوان عَن ناظريه وتعاقب الْحُضُور عِنْده ... وَمَا ينْقل عَن أساطين الْحِكْمَة السَّابِقين أَن نِسْبَة الثَّابِت إِلَى الثَّابِت هُوَ السرمد، وَنسبَة الثَّابِت إِلَى الْمُتَغَيّر هُوَ الدَّهْر، وَنسبَة الْمُتَغَيّر إِلَى الْمُتَغَيّر هُوَ الزَّمَان، وَيَا أَيهَا الذكي الْعَالم بالدقائق إِلَيْك التَّنْبِيه على هَذَا الْمَعْنى. إِذا أزيلت غشاوة الامتراء وسبل الْجِدَال عَن أعين أهل البصيرة وألقوا من يدهم عَصا تَقْلِيد المصطلحات واتجهوا إِلَى وَادي إِدْرَاك الْأَشْيَاء الْمُقَدّس وينير لَهُم الْهَادِي نور الطَّرِيق فَيجب أَن يعلمُوا أَنه من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد هُوَ مجَال الْعلم الإلهي ودفعة وَاحِدَة. وَلَا يُمكن لأي شَيْء أَن يغيب عَن خطّ شُهُوده مَاضِيا كَانَ أم اسْتِقْبَالًا. وبنظري الْقَاصِر، فَإِن الْعَالم إِمْكَان ممزوج بِثَوْب الْعَدَم، وَلَا طَرِيق لغبار الْعَدَم إِلَى الساحة المقدسة للكمال والوجود الْمَحْض. وَلَا وجود بعْدهَا للماضي والاستقبال، وَقد أورد بعض أَصْحَاب الْحِكْمَة هَذَا الْمَعْنى شعرًا فَقَالَ: (الْمَاضِي والمستقبل والحاضر فِي علم الله ... للَّذي يعلم أَنه لَا يعلم ذَلِك) (وهم جَمِيعًا فِي سجن الزَّمَان ... وَمن ضيق الْمقَال اطلق سراحهم) ( [حرف الذَّال] ) (بَاب الذَّال مَعَ الْوَاو) ذُو القرنين: وَقد قيل فِي بَيَان بِنَاء سد الاسكندر، أَن الاسكندر ذُو القرنين أَمر بِحَفر حُفْرَة عَظِيمَة فِيمَا بَين جبلين، ثمَّ ردم هَذِه الحفرة بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مستوى الأَرْض فِي أَعلَى الجبلين وأذاب فِيهَا الْحَدِيد والرصاص والنحاس وعالج الْبناء بِالْبِنَاءِ حَتَّى خرج مَا بَقِي من مَاء فِيهِ فَأصْبح مستويا مَعَ الْجَبَل كقطعة وَاحِدَة وبطول مائَة وَخمسين (فَرسَخ أَو ميل على اخْتِلَاف مَا قيل) وبعرض خمسين وارتفاع الفين وَثَمَانمِائَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 (بَاب الذَّال مَعَ الْهَاء) الذَّهَب: تحضرني هُنَا أحجية شعرية بِهَذِهِ الْمُنَاسبَة: (إِن قطر تِلْكَ الدائرة هُوَ كل محيطها ... وَأَن جذر تصحيفها هُوَ عكس النِّسْبَة) (وَهِي قرين الْمُصحف جَعلتهَا ... إِن اسْتَطَعْت أَن تعرف الِاسْم وَلنْ تعرف) وَيَأْتِي من هَذِه الأحجية لَفْظَة (الذَّهَب) (زر) وَهِي ضد أَو عكس النِّسْبَة (النَّقْد) وَأَن تَصْحِيف (النَّقْد) هُوَ (التفد) وحساب لَفْظَة (تفد) على حِسَاب الْجمل هِيَ أَرْبَعَة مائَة وَأَرْبَعَة وَثَمَانِينَ وجذرها اثْنَيْنِ وَعشْرين، ومحيط كل دَائِرَة هُوَ اثْنَيْنِ وَعشْرين ذِرَاعا وقطرها سَبْعَة أَذْرع وَفِي تَرْتِيب الْحُرُوف الأبجدية فَإِن حرف (الزاء) هُوَ السَّابِع فَيكون لدينا الْجُزْء الأول من اللَّفْظَة الَّذِي هُوَ (الزاء) ، وَفِي علم النُّجُوم فَإِن (الزاء الْمُعْجَمَة) عَلامَة الْعَقْرَب، وتصحيفها هُوَ (الرَّاء) الْمُهْملَة، إِذا، أصبح لدينا الجزءان من اللَّفْظَة الَّتِي هِيَ (زر = الذَّهَب) وَالْمرَاد من هَذَا الْكَلَام أَن لَيْسَ لَدَيْهِ ذَهَبا. ( [حرف الرَّاء] ) (بَاب الرَّاء مَعَ الْألف) الرَّأْس: وتوضيحه بِالْفَارِسِيَّةِ مَعَ الْفَوَائِد الْكَثِيرَة هَكَذَا، تعبر الشَّمْس مدارها الَّذِي هُوَ وسط الأبراج وَتسَمى تِلْكَ المنطقة بالبروج، ويعبر الْقَمَر مدارا آخر يتقاطع مَعَ مدَار الشَّمْس فِي نقطتين وَتسَمى هَاتين النقطتين بالعقدتين، إِذا فَإِن النّصْف الأول لمدار الْقَمَر من الْجِهَة الشمالية لمدار الشَّمْس والجزء الثَّانِي فِي الْجِهَة الجنوبية لمدار الشَّمْس. وعندما يجتاز الْقَمَر من تِلْكَ ليُصبح فِي الْجِهَة الشمالية من مدَار الشَّمْس تسمى الرَّأْس، وعندما يعبر الْقَمَر تِلْكَ الْعقْدَة إِلَى الْجِهَة الجنوبية لمدار الشَّمْس تسمى (الذَّنب) . وَيُسمى مِقْدَار دورة الْقَمَر حول مدَار الشَّمْس بِعرْض الْقَمَر وأقصاه خمس دَرَجَات إِذا مَا كَانَ معدل النَّهَار لمنطقة البروج بِثَلَاثَة وَعشْرين وَنصف الدرجَة وَهُوَ أقْصَى الْبعد. وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لباقي الْكَوَاكِب فَإِن دورانها حول سطح مدَار الشَّمْس يُسمى بِالْعرضِ، ويحسب طول الشَّهْر من أول الْحمل على التوالي لباقي البروج. وَيجب أَن نعلم أَن الرَّأْس والذنب لم يكن سوى مُقَارنَة مَعَ الْكَوَاكِب الْأُخْرَى، إِن الدورة تَنْتَهِي بعد عشر سنوات، وكل برج ينهيها فِي سنة وَنصف وَيبقى فِي كل منزلَة سَبْعَة أشهر وَوَاحِد وَعشْرين يَوْمًا ومسيره من الْمشرق باتجاه الْمغرب على خلاف جَمِيع السيارات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 وَقَالَ الطوسي فِي الْمدْخل المنظوم فِي علم النُّجُوم: (عِنْدَمَا يصل الرَّأْس إِلَى كل نجم ... فَإِن آثر فعله يزْدَاد) (وَإِذا مَا اقْترن الذَّنب بِالنَّجْمِ ... فَإِنَّهُ ينقص السعد والنحس) (بَاب الرَّاء مَعَ الْبَاء) الرباعي: (بِاللَّه لقد رَأَيْت صدريك فِي الْمَنَام ... وَبِاللَّهِ لقد وضعت شفتي على شفتك) (بِاللَّه لقد استيقظت فَلم أجدك ... لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه) (بَاب الرَّاء مَعَ الْعين) الرعاف: كتب الْحَكِيم الأرزاني فِي (القرابادين فادري) أَن الرعاف جَاءَ على المرتفعات وَبعد حَادِثَة فَلَا يجب حَبسه قدر الْمُمكن أما إِذا حدث ضعف من جرائه فَيجب إيقافه. بإقفال الساعدين والفخذين والضغط على الخصيتين وَوضع ضمادة بِأَحْكَام لحبسه، وَكَذَا إِذا كَانَ الرعاف خَارِجا من الثقب الْأَيْسَر يجب الضغط على جِهَة الصَّدْر الْيُسْرَى وَإِذا كَانَ من الْأَيْمن يجب الضغط على الْجِهَة الْيُمْنَى وَأَن يضعوا كاستي حجامة ويمصون الدَّم من دون الضَّرْب على الرَّأْس حَتَّى يخرج الدَّم غير النقي، وَهُوَ عمل مجرب فَانْظُر هُنَاكَ. (انْتهى) . وَهُنَاكَ دَوَاء مجرب لمنع الرعاف هُوَ أَن يُؤْخَذ من (كهجري مسور) ويطبخ جيدا، ثمَّ يرفع مِنْهُ مِقْدَار يُضَاف إِلَيْهِ قَلِيل من الزَّيْت ويذاب فِي عصير الحامض وَيَأْكُل الْمُصَاب بالرعاف لقمتين أَو ثَلَاثَة مِنْهُ ولحظات يَنْقَطِع الرعاف، وَفِي أَكثر الْأَوْقَات عِنْدَمَا ينزل هَذَا الدَّوَاء فِي البلعوم يَنْقَطِع الرعاف، يُمكن إِضَافَة عصير الحامض بالمقدار الَّذِي تريده. (بَاب الرَّاء مَعَ الْمِيم) الرمل: رُوِيَ أَنه قبل أَن تتشرف الْمَدِينَة المنورة بقدوم صَاحب الرسَالَة عَلَيْهِ الصَّلَوَات وَالسَّلَام كَانَ أهل الْمَدِينَة يأْتونَ إِلَى مَكَّة من أجل الْحَج وَكَانَ أهل مَكَّة يسخرون مِنْهُم ويحقرونهم ويصفونهم بالضعف وصفرة اللَّوْن ويشيرون إِلَيْهِم بِأَن أهل الْمَدِينَة قد أضعفتهم الْحَرَارَة وريح السمُوم وَجعلت ألوانهم صفراء، وَلما قدم صَاحب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 الرسَالَة النَّبَوِيَّة عَلَيْهِ الصَّلَوَات وَالسَّلَام إِلَى الْمَدِينَة وبنوا لَهُ رَوْضَة الرضْوَان من السعف فأنعم الْقَدِير تقدس وَتَعَالَى على الْمَدِينَة تيمنا بقدوم صَاحب الرسَالَة بالهواء العليل والطقس الْجَمِيل وبكثرة الثِّمَار والانعامات الجيدة والفاخرة وَأصْبح سكنة هَذِه الْمَدِينَة قَادِرين وأصحاء اللَّوْن والجسد واعتدال المزاج وَلما خرج الرَّسُول الأقدس مَعَ أهل الْمَدِينَة لِلْحَجِّ إِلَى مَكَّة المعظمة وبداء بِالطّوافِ اضطبع الرمل وَأمر الآخرين بذلك وَقَالَ لَهُم حَتَّى يعلم الْكَفَرَة أَنه بيمن من الْآيَات الَّتِي أَتَى بهَا عَلَيْهِ السَّلَام فَإِن الله سُبْحَانَهُ عز شَأْنه قد أبدل الْمَدِينَة من الْجَفَاف والنشاف إِلَى الطقس الْجيد والهواء الْجَمِيل وتبدل أَهلهَا إِلَى الْأَفْضَل وَإِلَى صِحَة الْبدن والعالمية. (بَاب الرَّاء مَعَ الْوَاو) الرُّؤْيَا: صَادِق المؤخرين مُحَمَّد بن خاوند شاه رَحمَه الله تكفل بتحقيق الرُّؤْيَا وأقسامها فِي رَوْضَة الصَّفَا فِي بَيَان رُؤْيا عبد الْمطلب وتعبيرها بقدوم نَبِي آخر الزَّمَان عَلَيْهِ الصَّلَوَات وَالسَّلَام من الله الْملك المنان حَيْثُ قَالَ: لَا يخفى على العارفين أَن النّوم هُوَ عبارَة عَن توقف الْحَواس الظَّاهِرَة عَن مُشَاهدَة وَإِدْرَاك المحسوسات عَن طَرِيق ميل الرّوح الحيوانية نَحْو الْبَاطِن. وَفِي هَذِه الْحَالة إِذا مَا النَّفس أَو تلاحظه هُوَ صُورَة مَا فَإِن ذَلِك يعْتَبر أَيْضا (حلما) . والحلم بِمَعْنى ثَان يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ صَادِق وكاذب. فالنوم الصَّادِق هُوَ أَن تفرغ النَّفس البشرية من الشواغل والمضايقات وَبِنَاء على ذَلِك تصبح مُنَاسبَة للاتصال الروحاني بالملأ الْأَعْلَى والمنتسبين لهَذَا الْعَالم الْعلوِي وَأَن تطلع على بعض التصورات الَّتِي تخْتَص بالمبادىء الْعَالِيَة. وَبِمَا أَن هَذِه الْقَضِيَّة مقررة لَدَى الصُّوفِيَّة وَجَمِيع الْحُكَمَاء أَي أَن جَمِيع صور الْحَوَادِث الكونية والمفاسد مرتسمة فِي النُّفُوس الفلكية كَمَا ترتسم صور الْأَشْيَاء فِي الخيال وَبِمَا أَن النَّفس الناطقة تكون قَوِيَّة وتضعف الْقُوَّة المتخيلة فِيهَا فَإِن الْجَوَاهِر الشَّرِيفَة والعالية فِي الْعَالم تغلب النَّفس وَلَا يُمكنهَا الاتيان بِأَيّ شَيْء وَحَتَّى لَا يُمكنهَا الْمُمَاثلَة بِأَيّ شَيْء آخر. لَكِنَّهَا توكله إِلَى الخيال ويجد النَّائِم بعد استيقاظه أَن الرَّسْم الَّذِي تقبله فِي نَفسه مَوْجُود فِي خياله بِلَا تَغْيِير. وَهَذَا هُوَ الْحلم الصَّادِق الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى تَعْبِير أَو تَفْسِير وَإِذا كَانَت المتخيلة قَوِيَّة بِحَيْثُ تنعكس النَّفس الفلكية على النَّفس البشرية وتنصرف فِيهَا وتلبسها من لبوسها الْمُنَاسب فَإِنَّهَا توكلها للخيال، وَهَذَا الْحلم صَادِق وَلكنه يحْتَاج إِلَى تَعْبِير أَو تَفْسِير وَمن هَذِه الْمُقدمَات أصبح لَازِما أَن الْحلم الصَّادِق يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ وَكَذَلِكَ كل حلم يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ. وَلَيْسَ خافيا على أَصْحَاب الْعلم أَن الرُّؤْيَا لَا تَنْحَصِر فَقَط بِأَهْل الْعلم والشريعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 وَالْملك فَإِذا كَانَت الْقُدْرَة المتخيلة قَوِيَّة وَالنَّفس ضَعِيفَة، فَإِن المتخيلة دَائِما تَأْخُذ النَّفس وعَلى عَادَتهَا الْقَدِيمَة فِي الْحلم إِلَى حركتها من التَّشْبِيه والتمثيل والتأليف وَالتَّفْصِيل وتمنعها من مُتَابعَة عالمها المشغول: (إِذا اسْتَقر الطَّبْع السيء فِي الطبيعة ... ) (فَإِنَّهُ لَا يذهب إِلَّا حِين وَقت الْمَوْت ... ) وَكَذَلِكَ فَإِن عمل المتخيلة أَن تشابه الْأَشْيَاء المرتبطة بَعْضهَا بِالْبَعْضِ الآخر وقوائم الْأَشْيَاء الْمُنْفَصِلَة، وَأَحْيَانا تفصل الْأَشْيَاء المتوائمة عَن بَعْضهَا الْبَعْض الآخر. مصرع: (مِنْهَا التَّصَوُّر الْبَاطِل وَمِنْهَا الخيال الْمحَال ... ) وَأَحْيَانا يسيطر على الْبدن أحد الأخلاط الْأَرْبَعَة وحينها فَإِن المتخيلة تكون فِي الْمقَام الْمُنَاسب لهَذَا الْخَلْط فتظهر للنَّفس صورا توافقه، مثلا إِذا سيطر الدَّم على الْبدن، فَإِن النَّفس الناطقة وبمساعدة من المتخيلة تعرض فِي الْحلم الْأَشْيَاء الْحَمْرَاء وعَلى هَذَا الْقيَاس، وَهَذَا من أَقسَام الْحلم الْكَاذِب. وَمن جملَة المنامات الكاذبة أَن المتخيلة وأثناء الْيَقَظَة تدْرك صُورَة مَا، فتعكس هَذِه الصُّورَة فِي عَالم الْحلم. وَمن فحوى هَذِه السطور يصبح وَاقعا أَن الرُّؤْيَا الكاذبة على ثَلَاثَة أوجه (انْتهى) . ( [حرف الزَّاي] ) (بَاب الزَّاي مَعَ الْمِيم) الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ أَبُو الْقَاسِم الْعَلامَة مَحْمُود بن عمر الزَّمَخْشَرِيّ الملقب بجار الله، وزمخشر قَرْيَة من خوارزم، توفّي لَيْلَة عَرَفَة وَقيل: فِي الْحَادِي عشر من شَوَّال سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخمْس مائَة فِي جرجان بعد عودته من الْحَج، وَولد يَوْم الْأَرْبَعَاء فِي سَبْعَة وَعشْرين من رَجَب سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة. (بَاب الزَّاي مَعَ النُّون) الزنجار: مُعرب الزنكار وَهُوَ عَمَلي يصنع من النّحاس والنوشادر والخل وَمَاء الليمون وَله طرق اذْكُرْهَا بِالْفَارِسِيَّةِ لعُمُوم النَّفْع، اجلب طاسا من برادة النّحاس وَأَرْبَعَة طاسات من من عصير زهر الليمون وطاسا وَاحِدَة من النوشادر الْأَبْيَض، وَيجب أَن تكون الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 برادة النّحاس فِي إِنَاء من النّحاس غير مَدْخُول بالرصاص، ثمَّ يراق عَلَيْهِ عصير زهر الليمون وَأما النوشادر فَيقسم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام، يُضَاف إِلَى الْمَخْلُوط قسم كل يَوْم على التوالي بعْدهَا يُحَرك المزيج جيدا حَتَّى لَا يلتصق، هَكَذَا عدَّة ثَلَاثَة أَيَّام، بعد ذَلِك يتْرك لثَلَاثَة أَيَّام بعْدهَا يُعَاد حلّه ثمَّ يتْرك حَتَّى يجِف، وَإِذا أردنَا اسْتِعْمَاله فِيمَا بعد فنضيف عَلَيْهِ عصير الليمون وَيسْتَعْمل. طَريقَة أُخْرَى: إِنَاء من برادة النّحاس وَخَمْسَة إناءات من عصير الليمون والنوشادر يعادل الْجَمِيع، يوضع عصير الليمون فِي وعَاء من النّحاس غير مَدْخُول بِرَصَاصٍ، ثمَّ فِي الْمنزل تَحت الأَرْض لمُدَّة ثَلَاثَة أشهر بعْدهَا يسْتَخْرج ويفرش على حَصِير من سعف النّخل وَيُوضَع فِي الظل غير رطب، فَإِذا كَانَ المحلول غير خامر، فيعاد إِلَى حفظه مُدَّة شهر آخر. طَرِيق آخر يوضع إِنَاء من برادة النّحاس وَمَا يعادله من النوشادر ويخلطان ثمَّ يدْفن الْمَخْلُوط فِي أَرض ندية ورطبة لمُدَّة أَرْبَعِينَ يَوْمًا، طَريقَة الزنجار، وَهُوَ لطيف وشديد الخضرة، اجلب إِنَاء من برادة النّحاس فِي ثَلَاثَة أواني، ضع اثْنَيْنِ مِنْهَا فِي وعَاء من النّحاس وأقفل فَتحته بإحكام وَأدْخلهُ فِي تنور حَتَّى يسخن وَأخرجه بعد يَوْم وَاحِد. ( [حرف السِّين] ) (بَاب السِّين مَعَ الْحَاء) السحر: مَا هُوَ المجرب لرد السحر عَن المسحور وَدفعه عَنهُ أكتب لكم أَيهَا الخلان بِالْفَارِسِيَّةِ للنفع الْعَام وأجزت الْعَمَل لمن أَرَادَ الدّفع فاعمل يَا طَالب المُرَاد واستعن بِاللَّه المتعال فَإِنَّهُ تَعَالَى هُوَ الرَّاد، وَالْعَمَل الْمَذْكُور هُوَ أَن تقْرَأ بعد صَلَاة الْعشَاء الأولى الْفَاتِحَة للشاه شرف يحيى المنيري قدس سره وَبعدهَا ترسل التَّحِيَّات مائَة مرّة وتقرأ الْفَاتِحَة مَعَ الْبَسْمَلَة سبع مَرَّات وَآيَة الْكُرْسِيّ مرّة وَاحِدَة {وَقل هُوَ الله أحد} ثَلَاث مَرَّات، والمعوذتين ثَلَاث مَرَّات، و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} ثَلَاث مَرَّات على هَذَا التَّرْتِيب وينفع على نَفسه إِذا كَانَ الَّذِي يقْرَأ هُوَ المسحور على الشَّخْص المسحور، وينفض كَفه المقبوضة فِي الْجِهَات الْأَرْبَعَة وَيَقُول فِي كل مرّة ارْجع ارْجع بِحَق شاه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 شرف يحيى المنيري ارْجع، وَبعدهَا يقْرَأ {لِإِيلَافِ قُرَيْش} سبع مَرَّات ثمَّ ينْفخ على جَمِيع بدن المسحور أَكَانَ هُوَ أم غَيره وَإِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن السحر يدْفع عَنهُ، وَزِيَادَة فِي الِاحْتِيَاط وَبعد الْفَرَاغ من هَذَا الْعَمَل يقْرَأ سُورَة (يس) سبع مَرَّات وينفخ حَتَّى يرْتَفع احْتِمَال الْمُرَاجَعَة. ولدفع السحر: مجرب أَن يقْرَأ لَيْلًا وَنَهَارًا (بِسم الله يَلِي ثَمَان الرَّحْمَن أبر ثَمَان الرَّحِيم حيثمان) بعد الصَّلَاة على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقبلهَا. (بَاب السِّين مَعَ الْعين) السعال: اعْرِض هُنَا دَوَاء لمعالجة السعال حَتَّى ينْتَفع بِهِ خلق الله وَحَتَّى يُخَفف عَن هَذَا العَبْد العَاصِي ببركة دُعَاء الداعين بِالْخَيرِ، يُؤْتى بالقرنفل، وقشرة البليلة والدارصيني والمرج الْأسود كل وَاحِد مِنْهُم بِمِقْدَار وزن نصف فلس، والكهير الْجبلي بِمِقْدَار وزن فلسين وَإِذا لم يتوفر الكهير فيستعاض عَنهُ بالأرز الْأَبْيَض المسلوق، ويطحن كل وَاحِد مِنْهُم على حدا ويصفون ثمَّ يوضع الْمَخْلُوط الْمُصَفّى فِي قماشة ثمَّ يخلط فِي شراب الْعِنَب المكثف ويغلى حَتَّى يصبح كالخميرة أما مِقْدَار حبات المرج الْأسود فَيجب أَن تكون مِقْدَار عشْرين حَبَّة، ثمَّ يوضع الخليط فِي ظلّ جَاف، ثمَّ تُوضَع مِنْهُ حبتان فِي الْفَم، وَعِنْدهَا يجب أَن ينخفض التعرق، وَيجب أَن يتَكَرَّر هَذَا الْعَمَل صباحا مسَاء وَوقت النّوم، وَإِذا مَا رَضِيع يعاني من السعال فَيُوضَع لَهُ الْحبّ فِي حليب أمه فَيذْهب السعال بِفعل الله. (بَاب السِّين مَعَ الْفَاء) السّفر: وَللَّه در من قَالَ: (كل من يُسَافر يصبح أفضل وَأحسن ... ) (لِأَن كل مَا يُشَاهِدهُ يصبح رأسمال الْعين ... ) (فَمن المَاء الْجيد لَا يبْقى شَيْئا ... ) (غير الَّذِي يبْقى فِي مَكَانَهُ فيتأسن ... ) (بَاب السِّين مَعَ النُّون) سنمار: بِكَسْر (الأول) و (الثَّانِي) وَتَشْديد الْمِيم الْمَفْتُوحَة وَالْألف بعده ثمَّ الرَّاء الْمُهْملَة، اسْم رجل رومي بنى الخورنق على ظهر الْكُوفَة للنعمان بن امرىء الْقَيْس، فَلَمَّا أتمه أَلْقَاهُ من أَعْلَاهُ فَخر مَيتا، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لِئَلَّا يَبْنِي مثله لغيره فَضرب الْعَرَب بذلك مثلا لمن يَجْزِي الْإِحْسَان بالإساءة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 (بَاب السِّين مَعَ الْوَاو) سَواد الْوَجْه: عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الْفقر سَواد الْوَجْه فِي الدَّاريْنِ) وَالْمرَاد من الْفقر هُنَا الْفقر الاضطراري، إِذا فَالْحَدِيث الشريف يَقع فِي مذمة الْفقر. وَأما عِنْد العارفين فَهُوَ فِي مدح الْفقر وَبَيَان حَقِيقَته وَالْمَقْصُود من وَجه الْحَقِيقَة وَوجه الْمُنَاسبَة هُوَ أَن مُلَاحظَة العارفين الأولى أَن كل شَيْء هُوَ تَعْبِير عَن حَقِيقَته وَقد استدلت هَذِه الطَّائِفَة مِنْهُم على ذَلِك بِأَن تَأتي من الْمُؤثر على الْأَثر وَلَيْسَ من الْأَثر على الْمُؤثر. وَلِهَذَا قَالَ الْخَلِيفَة الأول الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (مَا رَأَيْت شَيْئا إِلَّا وَرَأَيْت الله قبله) . قَالَ السَّيِّد السَّنَد الشريف قدس سره فِي اصطلاحاته سَواد الْوَجْه فِي الدَّاريْنِ هُوَ الفناء فِي الله بِالْكُلِّيَّةِ. بِحَيْثُ لَا وجود لَهُ أصلا ظَاهرا وَبَاطنا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ الفناء الْحَقِيقِيّ وَالرُّجُوع إِلَى الْعَدَم الْأَصْلِيّ. وَلِهَذَا قَالُوا: ((إِذا تمّ الْفقر فَهُوَ الله)) . (انْتهى) . إِذن سَواد الْوَجْه فِي الدَّاريْنِ مرتبَة عَن الْمَرَاتِب الَّتِي تدل على الْقرب والوصول وَلِهَذَا قَالَ (بزركي) فِي مدح أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه: (إِذا مَا كَانَ قنبر اسواد الْوَجْه فِي الدَّاريْنِ ... ) (فَإِن الشَّمْس تَأْخُذ نورها دَائِما من وَجه قنبر ... ) (لقد نقش على صَدره لَا فَتى إِلَّا عَليّ ... ) (وَإِذا لم يكن كَذَلِك فلماذا أرى صُورَة الْفَتى فِي الشَّمْس ... ) (وَلما أصبح صوفي الصّفة صَار صافيا إِلَّا من رَحمته ... ) (فَنزع خرقَة الْعُبُودِيَّة من الْبَاب حَتَّى الشَّمْس ... ) (وَيَوْم الْقِيَامَة عِنْد اعطاء شراب الْكَوْثَر لِلْخلقِ ... ) (فَإِن الشَّمْس تضع الكأس على حَوْض الْكَوْثَر ... ) (وَإِذا أردْت أَن أصنع كَمثل وَجهه بوضوح ... ) (فَإِن خيالي لَا يَسْتَطِيع تصور غير الشَّمْس ... ) (هُوَ الَّذِي عَادَتْ من أجل طَاعَة صلَاته من الْمغرب ... ) (وَإِذا لم تعد فَإِن روحه تذْهب كَمَا ذهبت الشَّمْس ... ) (يشع نورا على جَمِيع الْخلق من الْعَام وَالْخَاص ... ) (أليست الشَّمْس من تُرَاب حَضرته الْمُعْتق ... ) (أرَاهُ غارقا من رَأسه إِلَى قَدَمَيْهِ فِي نور الْمعرفَة ... ) (السنا مخلوقين برحمته فِي هَذِه الشَّمْس ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 (بَاب السِّين مَعَ الْيَاء) سِيبَوَيْهٍ: إِمَام النُّحَاة ومقتداهم، اجْتهد فِي النَّحْو وَكَانَ تلميذ أبي الْخطاب وكنيته الْأَخْفَش الْأَكْبَر _ يَقُول صَاحب منتخب التواريخ أَنه بتاريخ سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة توفّي أَبُو بشر عمر بن عُثْمَان الملقب بسيبويه أستاذ النَّحْوِيين فِي مَدِينَة (ساوه) وَالْبَعْض قَالَ فِي (الْبَصْرَة) وَالْبَعْض قَالَ فِي (الْبَيْضَاء) وفيهَا ولد، وَعَن وَفَاته هُنَا أَقْوَال أُخْرَى فِي بعض التواريخ، وصل عمره إِلَى الْأَرْبَعين سنة، وسيبويه لَفْظَة فارسية مَعْنَاهَا الْعَرَبِيّ (رَائِحَة التفاح) . ( [ حرف الشين ] ) (بَاب الشين مَعَ الْألف) الشَّافِعِي: هُوَ الإِمَام الثَّانِي فِي الِاجْتِهَاد بعد سراج الْأمة الإِمَام الْهمام الْأَعْظَم أبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا، وَقد كتب عَنهُ قدوة السالكين وزبدة العارفين الشَّيْخ فريد الدّين الْعَطَّار قدس سره وأنور مرقده فِي كتاب (تذكرة الْأَوْلِيَاء) يَقُول: إِن فضائله وشمائله ومناقبه ومجاهداته خَارِجَة عَن حد الْوَصْف، درس فِي الْحرم الشريف ثَلَاثَة عشر سنة وَكَانَ يَقُول: ((سلوني عَمَّا شِئْتُم)) وَقد أفتى هُوَ فِي سنّ الْخَامِسَة عشر من الْعُمر. وَأحمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى الَّذِي كَانَ إِمَام الدُّنْيَا، ويحفظ ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث وَمَعَ كل هَذِه العظمة أصبح تلميذا لَهُ يدْخل عَلَيْهِ، وَقد قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله، إِذا وزنا عقل الشَّافِعِي مَعَ عقول جَمِيع الْخلق لرجح عقل الشَّافِعِي. وَالشَّافِعِيّ مَعَ كل هَذِه الْمرتبَة والمنقبة كَانَ تلميذا ل (مُحَمَّد بن الْحسن) الَّذِي كَانَ تلميذا للْإِمَام أَبُو حنيفَة، وَإِذا أردْت أَن تعرف مدى علم هَذَا الرجل فَمَا عَلَيْك سوى الرُّجُوع إِلَى (طَالب الْعلم) . (انْتهى) . وقبة الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى قبَّة عَظِيمَة الْبناء وَاسِعَة الفضاء وَفِي رَأس ميل الْقبَّة سفينة صَغِيرَة من حَدِيد، وَأنْشد بعض الشُّعَرَاء لما زار الْقبَّة وَرَأى ذَلِك الْميل والسفينة فِي رَأسه: (قبَّة مولَايَ قد علاها ... لعظم مقدارها السكينَة ... ) (لَو لم يكن تحتهَا بحار ... مَا كَانَ من فَوْقهَا السَّفِينَة ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 (بَاب الشين مَعَ الْمِيم) الشَّمْس: وضابطة أُخْرَى فِي تِلْكَ الْمعرفَة بالعبارة الفارسية، إِذا أردْت أَن تعرف البرج وَفِي أَي دَرَجَة من هَذَا البرج تقع الشَّمْس فَمَا عَلَيْك سوى أَن تتذكر طوال السّنة يَوْم تحول الشَّمْس إِلَى أول (الْحمل) وَبعده إِذا أردْت معرفَة التَّقْوِيم الشمسي فَعَلَيْك الْحساب من هَذَا الْيَوْم إِلَى يَوْم تحول الشَّمْس، وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة فَإِن عدد أَيَّام شهر محرم ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَشهر صفر تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا، وربيع الأول ثَلَاثِينَ يَوْمًا وربيع الثَّانِي تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا، وجمادى الأول ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وجمادى الآخر تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا وَرَجَب ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَشَعْبَان تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا ورمضان ثَلَاثِينَ يَوْمًا وشوال تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا وَذي الْقعدَة ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَذي الْحجَّة تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا، فاجمع جَمِيع الْأَيَّام من أول (الْحمل) وَقسم كل برج على هَذَا التَّرْتِيب: (لَا وَلَا لب لَا وَلَا لَا سِتَّة أشهر ... ) (لل كط وكط لل الْأَشْهر القصيرة ... ) وَحَيْثُ تَنْتَهِي يكون برج الشَّمْس ودرجتها، ومثلا إِذا أردْت معرفَة برج الشَّمْس ودرجتها بتاريخ الْحَادِي عشر من ذِي الْحجَّة سنة ألف وَوَاحِد وَسبعين لِلْهِجْرَةِ، فَاعْلَم أَنه بِهَذَا التَّارِيخ وبحسابات الْهِنْد قد تحولت الشَّمْس إِلَى برج (الْحمل) وَعَلِيهِ يكون شهر رَجَب ثَلَاثِينَ يَوْمًا، إِذا يبقي مِنْهُ اثْنَا عشر يَوْمًا، وَشَعْبَان تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا ورمضان ثَلَاثِينَ يَوْمًا وشوال تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا وَذي الْقعدَة ثَلَاثِينَ، وَبِمَا أننا أَخذنَا تَارِيخ الْحَادِي عشر من ذِي الْحجَّة فَإِن جملَة الْأَيَّام هِيَ مائَة وَوَاحِد وَأَرْبَعين يَوْمًا. فَيمكن حِسَاب الْأَيَّام الْبَاقِيَة عَن طَرِيق (لَا وَلَا لب إِلَى آخِره) وَقسمهَا، أَي أَن (الْحمل) يصبح وَاحِد وَثَلَاثِينَ، والثور وَاحِد وَثَلَاثِينَ والجوزاء اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ والسرطان وَاحِد وَثَلَاثِينَ وَالْبَاقِي عَن الْقِسْمَة هُوَ سِتَّة عشر، فَاعْلَم أَنه بتاريخ الْحَادِي عشر من شهر ذِي الْحجَّة من تِلْكَ السّنة كَانَت الشَّمْس فِي برج الْأسد فِي الدرجَة السَّادِسَة عشر مِنْهُ، وَإِذا أردْت توضيحا ل (لَا وَلَا لب ... إِلَى آخِره) فاطلبه فِي مَحَله، وَلَك فِي معرفَة مَوضِع الشَّمْس أيسر الطّرق فِي الْفَيْء، فَعَلَيْك الْفَيْء إِلَى الْفَيْء. وَاعْلَم أَيهَا الطَّالِب الصَّادِق، اكْتُبْ هَذَا النقش فِي سَاعَة الشَّمْس لسعة الرزق وازدياد الْعِزَّة وَالْوَقار وَدفع نظر الْجِنّ وَالْبَلَاء فَإِنَّهُ مجرب هَكَذَا (115 آملم اااهه و) وَقد قَالَ قَائِل فِي طَرِيق كِتَابَة هَذَا النقش. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 (صفر وَثَلَاثَة ألفات لَهَا مُدَّة على رَأسهَا ... وَمِيم ملتوية ورقعة نرد بمدخلين) (ثمَّ أَرْبَعَة ألفات وهه وواو معكوسه ... وَهَذَا هُوَ الِاسْم الْأَعْظَم لله الْأَكْبَر) وَهَذَا المنقوش مَرْوِيّ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه، وَقَالُوا أَن هَذَا شكل سُورَة الْفَاتِحَة الَّتِي هِيَ سبع آيَات وَرَأَيْت مقَام الصفر صفرا هَكَذَا فِي بعض الْكتب. (بَاب الشين مَعَ النُّون) الشنجرف: مُعرب الشنكرف، عَمَلي من الزيبق والكبريت ولغسله وتصفيته طرق شَتَّى اذكر بَعْضهَا بِالْفَارِسِيَّةِ لعُمُوم النَّفْع. يجب سحق الشنجرف الجاف بشكل شَدِيد ثمَّ وَضعه فِي قدر فِيهِ مَاء ويخلط مَعَه جيدا ثمَّ يوضع فِي إِنَاء (جاط) من النّحاس ويضاف إِلَيْهِ كمية كَبِيرَة من المَاء ثمَّ يوضع على النَّار وَيتْرك ليغلي مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثَة ثمَّ يرفع عَن النَّار ويرمى مَاؤُهُ فِي مَكَان بعيد، ثمَّ يُضَاف المَاء مرّة أُخْرَى إِلَى المسحوق الَّذِي بَقِي فِي قَعْر الْإِنَاء ويخلطان جيدا ثمَّ يوضع الْمَخْلُوط مرّة أُخْرَى على النَّار وَيتْرك ليغلي عشر مَرَّات أَو أَكثر، فَإِذا مَا لم يبْق مِنْهُ سوى مَادَّة حَمْرَاء، فَإِنَّهُ يكون الصمغ الْعَرَبِيّ وَيُمكن عِنْدهَا اسْتِعْمَاله. طَريقَة أُخْرَى، يعلى الشنجرف بالنَّار جيدا ثمَّ يوضع فِي طاس صيني (فخار) ويضاف إِلَيْهِ كمية كَبِيرَة من المَاء ليغسل بِهِ وَيتْرك فِيهِ، ثمَّ بعْدهَا ترمى صفرَة المَاء بَعيدا، وَهَكَذَا عدَّة مَرَّات حَتَّى لَا يعود المَاء أصفر، ثمَّ يُضَاف إِلَيْهِ عصير الليمون ليُصبح جافا، بعْدهَا يصبح لدينا صمغا عَرَبيا يُمكن اسْتِعْمَاله. وَطَرِيقَة أُخْرَى هِيَ أَن تدخل الشنجرف فِي دَاخل حَبَّة باذنجان أَو رَأس من البصل، ثمَّ نطمره فِي تُرَاب محمى ليشوى فِيهِ، فَإِذا مَا شوي، نخرجهُ على الطَّرِيقَة الْمَشْهُورَة، ثمَّ نطحنه جيدا ونفصل عَنهُ المَاء الْأَصْفَر، فنحصل بذلك على الصمغ الْعَرَبِيّ الَّذِي يمكننا بعْدهَا اسْتِعْمَاله. وَطَرِيقَة أسهل هُوَ أَن نَأْخُذ قِطْعَة من الشنجرف ونضعها فِي قِطْعَة قماش ونربطها إِلَى ديك، ثمَّ نضع الديك طوال لَيْلَة يَمَانِية على النَّار حَتَّى يذوب وبهذه الطَّرِيقَة لَا يبْقى من (الشنجرف) أَي مَاء أصفر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 ( [حرف الصَّاد] ) (بَاب الصَّاد مَعَ الْبَاء) الصُّبْح الصَّادِق: فِي مِفْتَاح الصَّلَاة أَن المراحل الْأَرْبَعَة ترْتَفع وتهبط فِي الْأَيَّام المعتدلة على هَذَا الْقيَاس وَفِي الْأَيَّام الطَّوِيلَة تزداد والقصيرة تقل، فَفِي النّصْف الْأَخير فِي الصُّبْح تكون الشَّمْس على مرحلَتَيْنِ ثابرة، فَإِذا كنت على سفر يفضل التَّعْجِيل بِالصَّلَاةِ حَتَّى إِذا مَا تبين فَسَادهَا يُمكن لَك اعادتها. وظاهرا المُرَاد من الْأُفق لَيْسَ الجو، وَإِلَّا فَإِن التجربة تثبت أَن بعد انتشار النُّور فِي الجو حَتَّى طُلُوع الشَّمْس لَا يفصلهما أَكثر من ثَلَاثَة مراحل وَبعد الْفجْر الْمُتَعَارف عَلَيْهِ هُنَاكَ مرحلة وَاحِدَة، إِذا وَبِنَاء على الإختلاف فَإِن الصَّلَاة فِي الْفجْر الْمُتَعَارف عَلَيْهِ هِيَ فِي غَايَة الإستحباب. (بَاب الصَّاد مَعَ الدَّال) الصدْق: وَالتَّحْقِيق الْحقيق والتدقيق الأنيق مَا ذكره السَّيِّد السَّنَد الشريف قدس سره فِي حَوَاشِيه على المطول بقوله. قَوْله: وَذكر بَعضهم أَنه لَا فرق بَين النِّسْبَة فِي الْمركب الإخباري وَغَيره الْإِبَانَة إِلَى آخِره إِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا أصلا إِلَّا فِي التَّعْبِير فَالْفرق بِوُجُوب علم الْمُخَاطب بِالنِّسْبَةِ التقييدية دون الإخبارية يُبطلهُ قطعا وَإِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه. وَهَذَا مُنَاسِب لما مر من أَن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب من خَواص الْخَبَر فِي الْمَشْهُور وَلَا يجْرِي فِي غَيره وكاف فِي إِثْبَات مَا قَصده من شُمُول الِاحْتِمَال للمركبات التقييدية والخبرية فَذَلِك الْفرق بَاطِل لَا طائل تَحْتَهُ لِأَن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب فِي الْخَبَر إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ إِلَى نفس مَفْهُومه مُجَردا عَن اعْتِبَار حَال الْمُتَكَلّم والمخاطب بل عَن خُصُوصِيَّة الْخَبَر أَيْضا ليندرج فِي تَعْرِيفه الْأَخْبَار الَّتِي يتَعَيَّن صدقهَا أَو كذبهَا نظرا إِلَى خصوصياتها كَقَوْلِنَا النقيضان لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان والضدان يَجْتَمِعَانِ. فَإِن الأول يجب صدقه ويستحيل كذبه فِي الْوَاقِع وَعند الْعقل أَيْضا إِذا لاحظ مَفْهُومه الْمَخْصُوص. وَالثَّانِي: بِالْعَكْسِ لكنهما إِذا جردا عَن خصوصيتهما ولوحظ مَاهِيَّة مفهومهما أَعنِي ثُبُوت شَيْء لشَيْء أَو سلبه عَنهُ احتملا الصدْق وَالْكذب على السوية. فَإِذا قيل إِن المركبات التقييدية تحتملهما الْمركب الخبري كَانَ مَعْنَاهُ على قِيَاس الْخَبَر أَن النِّسْبَة التقيدية من حَيْثُ ماهيتها مُجَرّدَة عَن الْعَوَارِض والخصوصيات تحْتَمل الصدْق وَالْكذب. وَالظَّاهِر أَن كَون تِلْكَ النِّسْبَة مَعْلُومَة للمخاطب مِمَّا لَا مدْخل لَهُ فِي نفي ذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 الِاحْتِمَال فَإِن الْأَخْبَار البديهية مَعْلُومَة لكل وَاحِد مَعَ كَونهَا مُحْتَملَة لَهما وَكَذَلِكَ كَون معلومية تِلْكَ النّسَب مستفادة من نفس اللَّفْظ بِخِلَاف النِّسْبَة الخبرية فَإِن معلوميتها إِنَّمَا تستفاد من خَارج اللَّفْظ لَا يجدي نفعا فِيمَا نَحن بصدده لِأَن الْأَحْكَام الثَّابِتَة للماهيات من حَيْثُ ذواتها لَا تخْتَلف بتبدل أحوالها وَاخْتِلَاف عوارضها _ فَظهر بِمَا ذكرنَا أَن قَوْله وَظَاهر أَن النِّسْبَة الْمَعْلُومَة من حَيْثُ هِيَ مَعْلُومَة لَا تحْتَمل الصدْق وَالْكذب مِمَّا لَا يُغني من الْحق شَيْئا لِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَن النِّسْبَة الْمَعْلُومَة من حَيْثُ هِيَ مَعْلُومَة لَا تحتملها عِنْد الْعَالم بهَا فَمُسلم لَكِن الْمُدَّعِي أَن النِّسْبَة من حَيْثُ ذَاتهَا وماهيتها تحتملهما وَأَيْنَ أَحدهمَا من الآخر _ وَإِن أَرَادَ أَن النِّسْبَة الْمَعْلُومَة للمخاطب لَا تحْتَمل الصدْق وَالْكذب أصلا فَهُوَ فَاسد لما مر بل الْحق أَن يُقَال إِن النِّسْبَة الذهنية فِي المركبات الخبرية تشعر من حَيْثُ هِيَ هِيَ بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا فَلذَلِك احتملت عِنْد الْعقل مطابقتها أَو لَا مطابقتها. (وَأما النِّسْبَة) فِي المركبات التقييدية فَلَا إِشْعَار لَهَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا تطابقها أَو لَا تطابقها _ بل رُبمَا أشعرت بذلك من حَيْثُ إِن فِيهَا إِشَارَة إِلَى نِسْبَة خبرية بَيَان ذَلِك إِنَّك إِذا قلت زيد فَاضل فقد اعْتبرت بَينهمَا نِسْبَة ذهنية على وَجه تشعر بذاتها بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا وَهِي أَن الْفضل ثَابت لَهُ فِي نفس الْأَمر لَكِن النِّسْبَة الذهنية لَا تَسْتَلْزِم هَذِه الخارجية استلزاما عقليا فَإِن كَانَت النِّسْبَة الخارجية الْمشعر بهَا وَاقعَة كَانَت الأولى صَادِقَة وَإِلَّا فكاذبة. وَإِذا لاحظ الْعقل تِلْكَ النِّسْبَة الذهنية من حَيْثُ هِيَ جوز مَعهَا كلا الْأَمريْنِ على السوَاء وَهُوَ معنى الإحتمال. وَأما إِذا قلت يَا زيد الْفَاضِل فقد اعْتبرت بَينهمَا نِسْبَة ذهنية على وَجه لَا تشعر من حَيْثُ هِيَ بِأَن الْفضل ثَابت لَهُ فِي الْوَاقِع بل من حَيْثُ إِن فِيهَا إِشَارَة إِلَى معنى قَوْلك زيد فَاضل إِذْ الْمُتَبَادر إِلَى الأفهام أَن لَا يُوصف شَيْء إِلَّا بِمَا هُوَ ثَابت لَهُ فالنسبة الخبرية تشعر من حَيْثُ هِيَ بِمَا يُوصف بِاعْتِبَارِهِ بالمطابقة واللامطابقة أَي الصدْق وَالْكذب فَهِيَ من حَيْثُ هِيَ مُحْتَملَة لَهما. وَأما التقييدية فَإِنَّهَا تُشِير إِلَى نِسْبَة خبرية والإنشائية تَسْتَلْزِم نِسْبَة خبرية فهما بذلك الِاعْتِبَار يحتملان الصدْق وَالْكذب. وَأما بِحَسب مفهوميتهما فكلا فصح أَن الْحق مَا هُوَ الْمَشْهُور من كَون الإحتمال من خَواص الْخَبَر انْتهى. قَوْله: إِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا أصلا. أَي إِن أَرَادَ نفي الْفرق مُطلقًا إِلَّا بِأَنَّهُ إِلَى آخِره فَحِينَئِذٍ يكون الْمُسْتَثْنى مُتَّصِلا. قَوْله: وَإِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ أَي إِن أَرَادَ نفي الْفرق الْخَاص أَي الْفرق الَّذِي بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه. وَلَا يخفى عَلَيْك أَن قَوْله إِلَّا بِأَنَّهُ إِلَى آخِره يكون حِينَئِذٍ مُسْتَثْنى مُنْقَطِعًا وَالْقصر إضافيا. قَوْله: وَهَذَا مُنَاسِب أَي حَال كَون هَذَا المُرَاد مناسبا لما مر إِلَى آخِره لِأَن غَرَض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 ذَلِك الْبَعْض إِثْبَات مَا هُوَ خلاف الْمَشْهُور فَعَلَيهِ أَن يُرِيد أَن بَينهمَا لَيْسَ فرقا بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الصدْق وَالْكذب فَإِن الْمَشْهُور أَن بَينهمَا فرقا بِهِ يَخْتَلِفَانِ فيهمَا. قَوْله: فَذَلِك الْفرق جَزَاء الشَّرْط أَعنِي قَوْله وَإِن أَرَادَ أَي إِن أَرَادَ أَنه لَا فرق بَينهمَا يَخْتَلِفَانِ بِهِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه فَذَلِك الْفرق بِوُجُوب علم الْمُخَاطب لَا طائل تَحْتَهُ فَإِن الْمُفِيد إِثْبَات الْفرق الَّذِي بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه. قَوْله: لِأَن احْتِمَال الصدْق وَالْكذب يَعْنِي أَنه لَا يلْزم من الْفرق الَّذِي بَينه وَهُوَ وجوب علم الْمُخَاطب بِالنِّسْبَةِ فِي الْمركب التقييدي دون الخبري أَن يكون بَينهمَا فرق بِهِ يكون للمركب الخبري احْتِمَال الصدْق وَالْكذب دون التقييدي لِأَن الِاحْتِمَال وَعَدَمه لَيْسَ إِلَّا بِالنّظرِ إِلَى مَفْهُوم الْخَبَر وَلَا مدْخل لعلم الْمُتَكَلّم والمخاطب فِيهِ _ وَكَذَا حَال الْمركب التقييدي بل عَن خُصُوصِيَّة الْخَبَر أَي بل مُجَردا عَن خُصُوصِيَّة الْخَبَر أَيْضا. قَوْله: ليندرج فِي تَعْرِيفه أَي تَعْرِيف الْخَبَر. قَوْله: فَإِذا قيل يَعْنِي لما ثَبت أَنه لَا دخل لعلم الْمُتَكَلّم أَو الْمُخَاطب فِي احْتِمَال الْخَبَر الصدْق أَو الْكَذِب بل الْخَبَر يحتملهما بِالنّظرِ إِلَى مَفْهُومه مُجَردا عَن حَال الْمُتَكَلّم أَو الْمُخَاطب قَوْله: وَالظَّاهِر إِلَى آخِره يَعْنِي إِن قلت أَن بَينهمَا فرقا بِأَن النِّسْبَة التقييدية تكون مَعْلُومَة للمخاطب والخبرية مَجْهُولَة فَأَقُول وَالظَّاهِر إِلَى آخِره. قَوْله: وَكَذَلِكَ كَون معلومية تِلْكَ النّسَب إِلَى آخِره يَعْنِي إِن قلت إِن بَينهمَا فرقا بِأَن معلومية النّسَب التقييدية مستفادة من نفس اللَّفْظ بِخِلَاف النِّسْبَة الخبرية. أَقُول: كَذَلِك كَون معلومية تِلْكَ النّسَب إِلَى آخِره. قَوْله: فَإِن الْأَخْبَار البديهية إِلَى آخِره يَعْنِي لَو كَانَ لعلم الْمُخَاطب مدْخل فِي نفي ذَلِك الِاحْتِمَال لما كَانَت الْأَخْبَار البديهية مُحْتَملَة لَهما. قَوْله: فِيمَا نَحن بصدده أَي من إِثْبَات الْفرق بَينهمَا بِهِ يَخْتَلِفَانِ فِي الِاحْتِمَال وَعَدَمه. قَوْله: لِأَن الْأَحْكَام الثَّابِتَة أَي كالاحتمال وَعَدَمه فِيمَا نَحن فِيهِ. قَوْله: لَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب أصلا أَي لَا من حَيْثُ إِنَّهَا مَعْلُومَة عِنْد الْعَالم بهَا وَلَا من حَيْثُ ذَاتهَا وماهياتها. قَوْله: لما مر أَي من أَن الْأَخْبَار البديهية إِلَى آخِره. قَوْله: فَلذَلِك احتملت أَي النِّسْبَة الذهنية. قَوْله: مطابقتها أَو لَا مطابقتها أَي مُطَابقَة النِّسْبَة الذهنية لنسبة أُخْرَى خَارِجَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 فَيكون للْخَبَر احْتِمَال الصدْق وَالْكذب بِخِلَاف الْمركب التقييدي. قَوْله: رُبمَا أشعرت بذلك أَي بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا تطابقها أَو لَا تطابقها. قَوْله: من حَيْثُ إِن فِيهَا إِشَارَة إِلَى نِسْبَة خبرية وَهِي تشعر بِوُقُوع نِسْبَة أُخْرَى خَارِجَة عَنْهَا فالنسبة التقييدية من هَذِه الْحَيْثِيَّة تحْتَمل الْمُطَابقَة واللامطابقة. قَوْله: والإنشائية تَسْتَلْزِم نِسْبَة خبرية لِأَن اضْرِب مثلا يسْتَلْزم قَوْلنَا اطلب مِنْك الضَّرْب أَو أَنْت مَأْمُور بِالضَّرْبِ _ هَذِه الْحَوَاشِي من تعليقاتي على تِلْكَ الْحَوَاشِي الشَّرِيفَة الشريفية وَلَا أَزِيد على هَذَا فِي إِظْهَار الصدْق وَبَيَانه _ وَللَّه در الصائب رَحمَه الله تَعَالَى. شعر: (إِن إِظْهَار الصدْق يبْعَث على الْعَذَاب ... فَإِذا مَا ارْتَفع قَول الْحق يصبح وَاقعا) (بَاب الصَّاد مَعَ اللَّام) الصَّلَاة: عَن أَحْوَال السُّلْطَان الثَّانِي كتب فِي (مرْآة الاسكندري فِي تَارِيخ سلاطين كجرات) أَن شخصا مُسلما من أحد الْقرى أَتَى السُّلْطَان مَحْمُود وَقَالَ لَهُ أَنا أَبُو بَنَات وَلم أعد قَادِرًا على تَقْدِيم الْخَيْر لَهُنَّ وَفِي هَذِه اللَّيْلَة رَأَيْت جمال وَجه ذِي الْكَمَال مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَنَام وَقَالَ لي أَن مَا تريده هُوَ (تنكه) (أَي مائَة وَخَمْسَة وَعشْرين ألف) فَاذْهَبْ وخذها من السُّلْطَان مَحْمُود واعطه دَلِيلا على ذَلِك بِأَنَّهُ يُرْسل السَّلَام لنا يوميا مائَة ألف مرّة، فَقَالَ السُّلْطَان أَن الذَّهَب الَّذِي تريده سأعطيك إِيَّاه أما الدَّلِيل الَّذِي قلت عَنهُ فَلَيْسَ لَهُ وَاقع، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَقُول مَا سمعته من حبيب الله. وللمصادفة فَإِن السُّلْطَان رأى فِي مَنَامه الْوَاقِعَة نَفسهَا فَأصْبح مَا قيل وَاقعا وَقَالَ لَهُ الرَّسُول فِي الْمَنَام إِن السَّلَام الْوَاحِد الَّذِي تَقوله كل يَوْم يعادل ثَوَاب مائَة ألف سَلام، وَهَذَا السَّلَام الْمُعظم هُوَ: ((اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد بِعَدَد أنفاس الْمَخْلُوقَات، وصل على مُحَمَّد بِعَدَد أشعار الموجودات، وصل على مُحَمَّد بِعَدَد حُرُوف اللَّوْح والدعوات، وصل على مُحَمَّد بِعَدَد البدايات والنهايات من الموجودات والمعدومات إِلَى أَبَد الآبد من أول أزمنته وأواسط عصره وَآخر بَقَائِهِ، وصل على مُحَمَّد بِعَدَد سكان الْأَرْضين وَالسَّمَوَات، وصل على خير خلقه مُحَمَّد وَآله أَجْمَعِينَ)) . وَفِي صباح تِلْكَ اللَّيْلَة استدعى السُّلْطَان ذَلِك الرجل وَأَعْطَاهُ كل مَا طلب وَزَاد عَلَيْهَا أَن ولاه وَظِيفَة. (انْتهى) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 ( [حرف الطَّاء] ) (بَاب الطَّاء مَعَ الْهَاء) الطُّهْر وَالطَّهَارَة: فقد جَاءَ فِي (الْكَنْز الْفَارِسِي) بقول (مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الميداني أَنه بعد مُضِيّ تِسْعَة عشر شهرا وَعشرَة أَيَّام إِلَّا أَربع سَاعَات من وُقُوع الطَّلَاق يُمكن للْمَرْأَة أَن تتَزَوَّج ثَانِيَة (انْتهى)) وَإِذا قلت لماذا تِسْعَة عشر شهرا وَعشرَة أَيَّام؟ فَإِن قَوْله ذَلِك هُوَ عدَّة تِلْكَ الْمَرْأَة، وَالْجَوَاب هُوَ أَن عدَّة الْمُطلقَة ثَلَاثَة حيضات وَبِمَا أَن كل حَيْضَة هِيَ عشرَة أَيَّام وَثَلَاثَة تَسَاوِي شهرا وكل طهر عِنْده هُوَ سِتَّة أشهر فمجموع الْأَطْهَار الثَّلَاثَة يصبح ثَمَانِيَة عشر شهرا، ويضاف إِلَيْهَا الشَّهْر الْمَفْرُوض للحيضات الثَّلَاثَة فَيُصْبِح الْمَجْمُوع تِسْعَة عشر شهرا، أما زِيَادَة الْأَيَّام الْعشْرَة فَيَعُود إِلَى احْتِمَال أَن يكون الطَّلَاق من زَوجهَا قد وَقع أثْنَاء الْحيض فَلَا تعد هَذِه الْحَيْضَة من الْعدة. فَمن بَاب الِاحْتِيَاط أضَاف عشرَة أَيَّام. وَإِذا قلت لماذا إِلَّا أَربع سَاعَات؟ فَيكون الْجَواب نقلل ثَلَاث سَاعَات من الْأَطْهَار الثَّلَاثَة، لِأَن الطُّهْر على مَذْهَبنَا مِقْدَاره سِتَّة أشهر إِلَّا سَاعَة وَاحِدَة، لِأَن الْعَادة نُقْصَان طهر غير الْحَامِل عَن الْحَامِل، وَأَقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر فانتقص عَن هَذَا شَيْء وَهُوَ السَّاعَة، أما إنقاص السَّاعَة الرَّابِعَة من أجل أَن الْعد للعدة يبْدَأ من بعد زمن التَّطْلِيق وَلَيْسَ من زمن التَّطْلِيق فَافْهَم واحفظ فَإِنَّهُ ينفعك هُنَاكَ. الطُّهْر المتخلل بَين الدمين فِي الْمدَّة حيض ونفاس: هَذِه الْمَسْأَلَة وَاقعَة فِي أَكثر كتب الْفِقْه وَشرح الْوِقَايَة فِي هَذَا الْمقَام معركة آراء الطلباء بل مزال أَقْدَام الْفُضَلَاء وَقد وَقع أَوَان تكْرَار بعض الأحباب طول المباحثة فِي تَحْقِيقه فنقلت عَن الْأُسْتَاذ رَحمَه الله مَا سمح بِهِ خاطري فَاسْتَحْسَنَهُ وحرره بِعِبَارَة هَكَذَا إِن قَوْله (الطُّهْر) مُبْتَدأ مَوْصُوف و (المتخلل) صفته و (بَين) ظرف مُضَاف إِلَى (الدمين) مُتَعَلق بالمتخلل و (فِي الْمدَّة) ظرف مُسْتَقر حَال عَن الدمين وَالْمعْنَى أَن الطُّهْر المتخلل بَين الدمين حَال كَونهمَا واقعين فِي مُدَّة الْحيض حيض وَفِي مُدَّة النّفاس نِفَاس على رِوَايَة مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى بل على رِوَايَة مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف كَمَا هُوَ التَّحْقِيق فمسألة الْمُتُون على مَا قَررنَا لَا تصدق إِلَّا على صُورَة وجد فِيهَا دمان فِي الْمدَّة وَأما إِذا خرج أحد الدمين عَن الْمدَّة فَلَا تصدق فَالْمَسْأَلَة الْوَاقِعَة فِي الْوِقَايَة مثلا مَا رَوَاهُ مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا غير بل مَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى كَمَا مر فَبين قَول صَاحب الْوِقَايَة وَقَول شارحها وَهُوَ قَوْله وَاعْلَم أَن الطُّهْر الَّذِي يكون أقل من خَمْسَة عشر إِذا تخَلّل بَين الدمين إِلَى آخر الاختلافات عُمُوم وخصوص مُطلق أَعنِي قَول صَاحب الْوِقَايَة اخص وَقَول شارحها أَعم لِأَنَّهُ كل مَا صدق عَلَيْهِ تخَلّل الطُّهْر بَين الدمين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 فِي الْمدَّة صدق عَلَيْهِ تخَلّل الطُّهْر بَين الدمين وَلَا عكس فالطهر الَّذِي يكون أقل من خَمْسَة عشرَة إِذا تخَلّل بَين الدمين فَإِن كَانَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَو خَمْسَة أَو سِتَّة أَو سَبْعَة أَو ثَمَانِيَة فَهُوَ دَاخل تَحت مَسْأَلَة الْوِقَايَة وَأما إِذا كَانَ ذَلِك الطُّهْر تِسْعَة أَو عشرَة أَو أحد عشرَة أَو اثْنَا عشر أَو ثَلَاثَة عشر أَو أَرْبَعَة عشر فَلَا فالشارح إِنَّمَا ذكر مَا سوى مَسْأَلَة الْوِقَايَة للفائدة لَا لِأَن جَمِيع الاختلافات مندرجة تَحت مَسْأَلَة الْوِقَايَة بِأَن تكون مُشْتَمِلَة على رِوَايَة مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وَغَيرهَا على مَا وهم حَتَّى يَقع الْخبط والصعوبة فِي تطبيق مَسْأَلَة الْوِقَايَة على جَمِيع الرِّوَايَات واندراجها فِيهَا. قَالَ الشَّارِح: وَاعْلَم أَن الطُّهْر الَّذِي يكون أقل من خَمْسَة عشر إِذا تخَلّل بَين الدمين فَإِن كَانَ أقل من ثَلَاثَة أَيَّام لَا يفصل بَينهمَا بل هُوَ كَالدَّمِ المتوالي إِجْمَاعًا انْتهى (المُرَاد بِعَدَمِ الْفَصْل) أَن لَا يَجْعَل الطُّهْر طهرا بل يَجْعَل كأيام ترى فِيهَا الدَّم كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله بل هُوَ كَالدَّمِ المتوالي وَإِنَّمَا لَا يفصل الطُّهْر إِلَّا أقل من ثَلَاثَة لِأَن دون الثَّلَاث من الدَّم لَا حكم لَهُ فَكَذَا الطُّهْر. (صورته) امْرَأَة رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْما أَو يَوْمَيْنِ طهرا أَو يَوْمًا دَمًا فَهَذَا الطُّهْر مَعَ الدمين حيض بالِاتِّفَاقِ (فَإِن قيل) لَا يعلم من كَون ذَلِك الطُّهْر دَمًا مُتَوَلِّيًا أَنه حيض (قُلْنَا) لَا شكّ أَن الدَّم إِذا صلح للْحيض يكون حيضا وَإِذا لم يصلح فَهُوَ استحاضه وَالدَّم الصَّالح للْحيض مَا يكون أَكثر من يَوْمَيْنِ وَأَقل من أحد عشر يَوْمًا فَإِذا جعل ذَلِك الطُّهْر فِي هَذِه الصُّورَة دَمًا صَار الدَّم ثَلَاثَة أَيَّام على تَقْدِير كَون الطُّهْر يَوْمًا وَأَرْبَعَة أَيَّام على تَقْدِير كَونه يَوْمَيْنِ وَذَلِكَ الدَّم يصلح أَن يكون حيضا فَاعْتبر كَذَلِك. قَالَ الشَّارِح: وَإِن كَانَ أَي الطُّهْر ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَكثر وَهُوَ مَا بَين ثَلَاثَة وَخمْس عشر فَعِنْدَ أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله لَا يفصل أَي الطُّهْر بَين الدمين بل هُوَ كَالدَّمِ المتوالي لِأَن مَا دون خَمْسَة عشر طهر فَاسد فَيكون كَالدَّمِ. (صورته) رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَة طهرا وَيَوْما مَا دَمًا أَو رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَأَرْبَعَة عشر طهرا وَيَوْما دَمًا لَا يفصل الطُّهْر عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ قَول آخر لأبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فأيام الْحيض على الأول سِتَّة وعَلى الثَّانِي عشرَة وَإِنَّمَا قَالَ آخر لِأَن القَوْل السَّابِق الَّذِي عَلَيْهِ الاجماع قَالَ بِهِ أَيْضا أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فَهَذَا القَوْل بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ قَول آخر وَإِنَّمَا قَالَ وَإِن كَانَ أَكثر من عشرَة بالوصل مَعَ أَنه كَانَ متفهما من قَوْله السَّابِق أَو أَكثر توضيحا للمراد ودفعا لتوهم أَن المُرَاد دفعا بِالْأَكْثَرِ الأول أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام فَقَط. قَالَ الشَّارِح: فَيجوز بداية الْحيض وختمه بِالطُّهْرِ عطف على قَوْله لَا يفصل. قَالَ الشَّارِح: على هَذَا القَوْل فَقَط أَي على قَول أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى دون الْأَقْوَال الْخَمْسَة الْبَاقِيَة. (صورته) امْرَأَة عَادَتهَا فِي أول كل شهر خَمْسَة فرأت قبل أَيَّامهَا يَوْمًا دَمًا ثمَّ طهرت خمستها ثمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فَعنده خمستها حيض إِذا جَاوز الْعشْرَة أما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 إِذا لم يتَجَاوَز فَيكون الْجَمِيع حيضا والأوضح فِي التَّصْوِير أَن يُقَال مُعْتَادَة بِعشْرَة حيضا وَعشْرين طهرا رَأَتْ تِسْعَة عشر طهرا ثمَّ يَوْمًا دَمًا ثمَّ عشرَة طهرا ثمَّ يَوْمًا دَمًا فالعشرة بَين الدمين حيض فَحِينَئِذٍ بداية الْحيض بِالطُّهْرِ وختمه أَيْضا بِهِ ظَاهر فطهر مِنْهُ أَن تصور الْبِدَايَة والختم مَعًا بِالطُّهْرِ لَا يُمكن إِلَّا فِيمَن لَهَا عَادَة مَعْرُوفَة. قَالَ الشَّارِح: قد ذكر أَن الْفَتْوَى على هَذَا تيسيرا على الْمُفْتِي والمستفتي لِأَن فِي مَذْهَب مُحَمَّد وَغَيره تفاصيل يحرج الْمُفْتِي والمستفتي فِي ضَبطهَا والتيسير هُوَ اللَّائِق فِي الشَّرِيعَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يسروا وَلَا تُعَسِّرُوا (فَإِن قلت) إِذا كَانَ الْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى للتيسير وَمَعَ ذَلِك قد اجْتمع عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ فَكيف ذكر فِي الْمُتُون رِوَايَة مُحَمَّد وشارح الْوِقَايَة ذكرهَا فِي مُخْتَصر الْوِقَايَة أَيْضا (قلت) كَونهَا رِوَايَة مُحَمَّد وهم لِأَن الطُّهْر المتخلل بَين الدمين مُطلقًا حَال كَون الطُّهْر فِي مُدَّة الْحيض حيض على رِوَايَة أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى سَوَاء كَانَ الدمَان فِي مُدَّة الْحيض أَو لَا (نعم) يجب تَقْيِيد الطُّهْر بالناقص. قَالَ الشَّارِح: وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد عَنهُ أَي عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى لَا يفصل إِن أحَاط الدَّم بطرفيه فِي عشرَة أَو أقل. (صورته) امْرَأَة رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِية طهرا وَيَوْما دَمًا أَو رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَة طهر أَو يَوْمًا دَمًا فالحيض على الصُّورَة الأولى عشرَة أَيَّام وعَلى الثَّانِيَة خَمْسَة أَيَّام. قَالَ الشَّارِح: فِي رِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَنهُ أَي عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يشْتَرط مَعَ ذَلِك أَي مَعَ اشْتِرَاط إحاطة الدَّم بطرفيه فِي عشرَة أَو أقل كَون الدمين نِصَابا يَعْنِي ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها كمن رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسَبْعَة طهرا ويومين دَمًا أَو رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَة طهرا ويومين دَمًا فالحيض على الصُّورَة الأولى عشرَة أَيَّام وعَلى الثَّانِيَة سَبْعَة أَيَّام. قَالَ الشَّارِح: وَعند مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى يشْتَرط مَعَ هَذَا أَي يشْتَرط عِنْده مَعَ كَون الدمين نِصَابا كَون الطُّهْر مُسَاوِيا للدمين أَو أقل كمن رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَة طهرا ويومين دَمًا وَرَأَتْ يَوْمًا دَمًا ويومين طهرا ويومين دَمًا فالحيض على الصُّورَة الأولى سِتَّة أَيَّام وعَلى الثَّانِيَة خَمْسَة أَيَّام. قَالَ الشَّارِح: ثمَّ إِذا صَار دَمًا عِنْده. الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي قَوْله صَار رَاجع إِلَى الطُّهْر المتخلل الْمسَاوِي للدمين أَو الْأَقَل وَالضَّمِير الْمَجْرُور فِي قَوْله عِنْده رَاجع إِلَى مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى. قَالَ الشَّارِح: فَإِن وجد. شَرط مَعَ جَزَائِهِ جَزَاء لقَوْله إِذا صَار. قَالَ الشَّارِح: فِي عشرَة. مُتَعَلق بقوله وجد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 قَالَ الشَّارِح: هُوَ فِيهَا. جملَة وَقعت صفة لقَوْله عشرَة وَضمير هُوَ رَاجع إِلَى الطُّهْر وَضمير فِيهَا عَائِد إِلَى قَوْله عشرَة. قَالَ الشَّارِح: طهر. مفعول مَا لم يسم فَاعله لقَوْله وجد. وَقَوله آخر صفة لقَوْله طهر. قَالَ الشَّارِح: يغلب. جملَة وَقعت صفة ثَانِيَة لقَوْله طهر وَالضَّمِير الْمُسْتَتر فِي يغلب رَاجع إِلَى الطُّهْر الآخر. قَالَ الشَّارِح: الدمين. مفعول بِهِ لقَوْله يغلب. قَالَ الشَّارِح: المحيطين. صفة لقَوْله الدمين. قَالَ الشَّارِح: بِهِ رَاجع. إِلَى الطُّهْر الاخر. قَالَ الشَّارِح: لَكِن، عاطفة. قَالَ الشَّارِح: يصير مَغْلُوبًا، مَعْطُوف على قَوْله يغلب وَالضَّمِير الْمُسْتَتر فِي قَوْله يصير رَاجع إِلَى الطُّهْر الآخر. قَالَ الشَّارِح: إِن عدد ذَلِك الدَّم الْحكمِي دَمًا. مُتَعَلق بقوله يصير مَغْلُوبًا وَالْمرَاد بقوله ذَلِك الدَّم الْحكمِي الطُّهْر الْمَذْكُور أَي الطُّهْر الأول. قَالَ الشَّارِح: فَإِنَّهُ يعد دَمًا. جَزَاء لقَوْله فَإِن وجد. وَالضَّمِير الْمَنْصُوب رَاجع إِلَى الطُّهْر الآخر وَكَذَا الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي قَوْله يعد. قَالَ الشَّارِح: حَتَّى يَجْعَل الطُّهْر الآخر حيضا أَيْضا مُتَعَلق بقوله يعد. قَالَ الشَّارِح: إِلَّا فِي قَول أبي سُهَيْل. يَعْنِي أَنه لَا يعد ذَلِك الطُّهْر الآخر دَمًا (صورته) امْرَأَة رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَة طهرا أَو يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَة طهرا وَيَوْما دَمًا فالحيض عِنْد مُحَمَّد الْعشْرَة كلهَا وَعند أبي سُهَيْل السِّتَّة الأول حيض. قَالَ الشَّارِح: وَلَا فرق بَين كَون الطُّهْر الآخر مقدما على ذَلِك الطُّهْر أَو مُؤَخرا. يَعْنِي يجوز فِي الْمِثَال أَن يَجْعَل الثَّلَاثَة الأول دَمًا حكما. وَيجْعَل الثَّانِيَة كَذَلِك وَيجوز الْعَكْس أَيْضا. صورته امْرَأَة رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَة طهرا وَيَوْما دَمًا وَثَلَاثَة طهرا ويومين دَمًا فَيجْعَل الطُّهْر الثَّانِي حيضا لكَونه مُسَاوِيا للدمين المحيطين بِهِ ثمَّ يَجْعَل الطُّهْر الأول أَيْضا حيضا لكَونه أقل من الدمين المحيطين وَيجْعَل الطُّهْر الثَّانِي دَمًا. قَالَ الشَّارِح: وَعند الْحسن بن زِيَاد الطُّهْر الَّذِي يكون ثَلَاثَة أَو أَكثر يفصل مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ ذَلِك الطُّهْر مُسَاوِيا للدمين المحيطين بِهِ أَو أقل مِنْهُمَا أَو أَكثر. فَإِن رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَة طهرا وَيَوْما دَمًا. أَو رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَة طهرا وَيَوْما دَمًا. فَفِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ يفصل الطُّهْر عِنْده. وَإِن رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْما طهرا وَيَوْما دَمًا. أَو رَأَتْ يَوْمًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 دَمًا ويومين طهرا وَيَوْما دَمًا. فالحيض على الصُّورَة الأولى عِنْده ثَلَاثَة أَيَّام وعَلى الثَّانِيَة أَرْبَعَة أَيَّام. ( [حرف الْعين] ) (بَاب الْعين مَعَ الْألف) عَاشُورَاء: قدوة السالكين وزبدة العارفين مرشدي ومولاي حَضْرَة الشاه وجيه الْحق وَالْملَّة وَالدّين الْعلوِي الأحمد آبادي قدس سره وَنور مرقده كتب فِي أوراده كلما جَاءَ يَوْم عَاشُورَاء اغْتسل، وَبعد أَن ترتدي عباءتك خُذ مَاء وادهن بِهِ رَأسك سبع مَرَّات وَفِي كل مرّة اسْتعْمل مَاء جَدِيدا، وَسبح بِهَذَا التَّسْبِيح (حسبي الله وَكفى، سمع الله لمن دَعَا لَيْسَ وَرَاء الله مُنْتَهى، من اعْتصمَ بِحَبل الله نجا) فَإِنَّهُ يبرىء من ألم الرَّأْس: (فِي لَيْلَة قَالَ بازي لبازي آخر ... إِلَى مَتى سَوف نبقى نقطع الْجبَال والصحارى) (تعال لنطير باتجاه الْمَدِينَة ... ولنصبح أخلاء الْأُمَرَاء) (مرّة نَكُون جلساء احتفالات الْمُلُوك ... وَمرَّة برفقة أَصْحَاب القلانس الذهبية) (وَمرَّة نجلس على أَيدي الْمُلُوك ... وَمرَّة نختلي بِالْحَرِيمِ الجميلات) (ونقضي اللَّيَالِي على ضوء شموع الكافور ... وَنَلْعَب مَعَ الْأُمَرَاء الناعمين) (أَجَابَهُ الآخر لَا تقل هَذَا الْكَلَام أَيهَا الْمَغْرُور ... فَأَنت لَا صِحَة لَك من رَأسك إِلَى قَدَمَيْك) (إِذا قضيت مائَة سنة فِي الصَّحرَاء ... فكأنك تفتش عَن الثَّلج فِي الْمَطَر) (أَقْْضِي كل لَحْظَة بِمِائَة حيرة نَدم ... إِذا وَقعت فريسة مخالب العقبان) (هَل الْأَفْضَل أَن تجْلِس على عرش من ذهب ... أم تكون تَحت حكم غَيْرك) (طُوبَى لذاك الَّذِي اخْتَار الْحُرِّيَّة ... يذهب إِلَى أَيْن يُرِيد وَيجْلس حَيْثُ يَشَاء) (بَاب الْعين مَعَ الثَّاء) عُثْمَان: من العثم وَهُوَ الْعظم المكسور. وَله معَان آخر فِي الْقَامُوس وَالْألف وَالنُّون فِيهِ مزيدتان هُوَ علم الْخَلِيفَة الثَّالِث من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ. وَهُوَ عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف. وَأمه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أروى بنت كريز بن ربيعَة. وَقيل أمهَا أم حَكِيم بَيْضَاء بنت عبد الْمطلب. وَهُوَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بُويِعَ لَهُ بالخلافة فِي أول يَوْم من سنة أَربع وَعشْرين لِأَن أهل الْحل وَالْعقد اشتوروا بعد دفن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِثَلَاثَة أَيَّام وَاتَّفَقُوا على مبايعته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَهُوَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ جَامع الْقُرْآن كَامِل الْحيَاء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 وَالْإِيمَان. وَكتاب الله تَعَالَى وَأَحَادِيث رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ناطقة بفضائله وَحسن أخلاقه وفواضله وَلم يزل اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام عُثْمَان ويكنى أَبَا عَمْرو وَأَبا عبد الله وَالْأول أشهر ويدعى بِذِي النورين قيل لِأَنَّهُ تزوج بِابْنَتي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رقية وَأم كُلْثُوم رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كَمَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام زوجه رقية رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَمَاتَتْ بَعْدَمَا خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى بدر فَلَمَّا رَجَعَ من بدر زوجه أم كُلْثُوم. وَقيل لِأَنَّهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ يخْتم الْقُرْآن فِي الْوتر. فالقرآن نور وَقيام اللَّيْل نور. وَتُوفِّي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ رَاض عَنهُ وبشره بِالْجنَّةِ ودعا لَهُ بالخصوصية غير مرّة فأثري وَكثر مَاله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَكَانَت لَهُ شَفَقَة وَرَحْمَة برعيته. وَقَالَ الْمَدَائِنِي قتل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَوْم الْأَرْبَعَاء بعد الْعَصْر وَدفن يَوْم السبت قبل الظّهْر وَقيل يَوْم الْجُمُعَة لثمان عشرَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ. وَكَانَت خِلَافَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اثْنَي عشر إِلَّا اثْنَي عشر يَوْمًا. وَقتل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة. قَالَه ابْن إِسْحَاق وَقَالَ غَيره كَانَت خِلَافَته إِحْدَى عشرَة سنة وَأحد عشر شهرا وَأَرْبَعَة عشر يَوْمًا. وَقتل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعمره ثَمَان وَثَمَانُونَ سنة. وَقيل غير ذَلِك وَالله أعلم وَسبب شَهَادَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَذْكُور فِي السّير وَقَتله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قنبرة وسودان. وَقيل ثَلَاثَة رجال وَثبُوا عَلَيْهِ فذبحوه والمصحف بَين يَدَيْهِ وَقيل سَالَ الدَّم فَوَقع على آيَة كَرِيمَة: {فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} . وَفِي (حَيَاة الْحَيَوَان) ضربه رَضِي الله عَنهُ دِينَار بن عِيَاض وَسَوَاد بن حمْرَان بسيفيهما فنضح الدَّم على قَوْله تَعَالَى {فَسَيَكْفِيكَهُم الله} الْآيَة. وَجلسَ عَمْرو بن الْحمق على صَدره وضربه حَتَّى مَاتَ ووطىء عُمَيْر بن صاتي على بَطْنه فَكسر لَهُ ضلعين من أضلاعه وَالله اعْلَم. (ثمَّ اعْلَم) أَن الشَّيْخ الْأَجَل الْحسن بن عَليّ الجهيمي رَحمَه الله تَعَالَى كتب فِي شرح القصيدة اللامية للشَّيْخ ابْن الفارض الْمصْرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَن من أرخ وَفَاة شيخ كَانَ فِي شَفَاعَته (انْتهى) . يَعْنِي أَن كل وَاحِد أرخ لوفاة أحد الْمَشَايِخ الْكِبَار بِالْآيَاتِ القرآنية أَو بالشعر أَو بالنثر فَإِنَّهُ يشفع لَهُ يَوْم الْقِيَامَة وَلِهَذَا فَإِن أَكثر الْكِبَار اشتغلوا فِي تَارِيخ آجال الواصلين. (بَاب الْعين مَعَ الرَّاء) الْعرض أَعم من العرضي: قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْقَدِيمَة الْأَبْيَض إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء فَهُوَ عرضي وَإِذا أَخذ بِشَرْط شَيْء فَهُوَ الثَّوْب الْأَبْيَض مثلا وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا شَيْء فَهُوَ الْعرض الْمُقَابل للجوهر فَكَمَا أَن طبيعة الذاتي جنس ومادة باعتبارين أَو فصل وَصُورَة باعتبارين فطبيعة العرضي عرض وعرضي باعتبارين. وَهَذَا تَحْقِيق الْفرق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 بَين الْعرض والعرضي لَا مَا يتخيل من أَن الْفرق بَينهمَا بِالذَّاتِ فالمدرك بالبصر أَولا وبالذات هُوَ الْأَبْيَض ثمَّ من خَارج يعلم أَن الْأَبْيَض مُقَارن بموجود آخر هُوَ ثوب أَو حجر أَو غَيرهمَا حَتَّى لَو لم تكن تِلْكَ الملاحظة لم يعلم أَنه شَيْء أَبيض بل جَازَ أَن يكون أَبيض بِذَاتِهِ كَمَا أَن الثَّوْب ثوب بِذَاتِهِ وَحِينَئِذٍ كَانَ بَيَاضًا وأبيض فَيكون أَبيض ببياض هُوَ عين ذَاته إِذْ الْبيَاض هُوَ الْأَبْيَض بِاعْتِبَار التحصل وَلذَلِك لَا يحمل على مَجْمُوع المعروض والعارض. وَذَلِكَ كَمَا أَن الْبدن اسْم للجسم من حَيْثُ هُوَ مَادَّة للنَّفس وَلذَلِك لَا يحمل على مَجْمُوع النَّفس وَالْبدن بِخِلَاف الْجِسْم فَإِنَّهُ اسْم لَهُ بِأَيّ اعْتِبَار أَخذ فَلذَلِك يحمل على الْمَجْمُوع إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء وَهَذَا وَإِن كَانَ مُخَالفا لظَاهِر أقاويل الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء فَهُوَ الْحق ويلوح إِلَيْهِ كَلَام الْمعلم الثَّانِي فِي الْمدْخل الْأَوْسَط وَيُوَافِقهُ تَعْلِيم الْمعلم الأول بِحَسب ترجمتي حنين بن اسحاق فَإِنَّهُ عبر عَن أَكثر المقولات بالمشتقات كالفاعل والمنفعل والمضاف وَغَيرهَا. وَأَرَادَ فِي التَّمْثِيل المشتقات وَمَا فِي حكمهَا كَالْأَبِ وَالِابْن وَفِي الدَّار وَفِي الْوَقْت ونظائرها وَيشْهد بِهِ الْفطْرَة السليمة من ذَوي فطنة قويمة انْتهى. وَقَالَ الزَّاهِد فِي حَوَاشِيه على الْأُمُور الْعَامَّة من شرح المواقف وَبِهَذَا يظْهر أَن الْعرض أَعم من العرضي والمشتقات وَمَا فِي حكمهَا أَعْرَاض كَمَا يلوح إِلَيْهِ مَا نقل من الْمعلم الأول فَافْهَم فَإِنَّهُ مَعَ وضوحه لَا يَخْلُو عَن دقة انْتهى. وَقَالَ زبدة الْعلمَاء أُسْوَة الْفُضَلَاء مَوْلَانَا مُحَمَّد أكبر الْمُفْتِي فِي أَحْمد آباد رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي حَوَاشِيه على تِلْكَ الْحَوَاشِي. قَوْله: وَبِهَذَا ظهر أَي بِإِرَادَة الاتصاف الْأَعَمّ الشَّامِل للمواطأة والاشتقاق فِي مَفْهُوم النَّعْت يظْهر عُمُوم الْعرض وشموله للعرضي فَإِن المشتقات عرضيات بِلَا ريب. وبهذه الْإِرَادَة صَار الْعرض متناولا لَهَا تنَاوله للمبادىء الَّتِي اعراض بِلَا رِيبَة. وَلَو اقْتصر على إِرَادَة الاتصاف بِوَاسِطَة ذُو لَا يظْهر ذَلِك. فَإِن قيل قد تنبهت مِمَّا أسلفنا أَن المشتقات على تَحْقِيق الْمُحَقق بِاعْتِبَار شَرط لَا أَعْرَاض ومحمول بِوَاسِطَة ذُو فعلى الِاقْتِصَار أَيْضا يكون الْعرض متناولا للعرضيات (قُلْنَا) الْكَلَام فِي هَذِه الْمرتبَة على زعم الْمحشِي وَهُوَ غافل عَنهُ إِذْ نقُول الْمَقْصُود تنَاول الْعرض للعرضي من حَيْثُ إِنَّه عرضي وَهُوَ مقتصر على إِرَادَة الْأَعَمّ وَفِي الِاقْتِصَار إِنَّمَا يظْهر التَّنَاوُل لما صدق عَلَيْهِ الْعرض لَا من حَيْثُ إِنَّه عرضي فَتدبر فَإِنَّهُ دَقِيق. وانتظر لما نتكلم عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بالتكلم حقيق. قَوْله والمشتقات وَمَا فِي حكمهَا إِلَى آخِره إِمَّا دَاخل تَحت الظُّهُور أَو اسْتِئْنَاف دفعا لما يتَوَهَّم على الظَّاهِر من الْمُخَالفَة المشتهرة بَين الْأَلْسِنَة فَإِن كَلِمَات الْمُتَأَخِّرين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء صَرِيحَة فِي الْفرق بَين الْعرض والعرضي وَإِن المشتقات عرضيات لَيست بأعراض. والمبادىء أَعْرَاض لَيست بعرضيات بِأَن مَا نقل من الْمعلم الأول يلوح إِلَيْهِ حَيْثُ عبر عَن أَكثر المقولات بالمشتقات وَمثل لَهَا أَيْضا بالمشتقات وَمَا فِي حكمهَا على مَا سَيظْهر بعد. فَقَوله كَمَا يلوح إِلَيْهِ على الأول مُرْتَبِط بقوله يظْهر. وعَلى الثَّانِي بالمستأنف كَمَا لَا يخفى على المتأمل. وَبِالْجُمْلَةِ الْمَقْصُود أَنه وَإِن كَانَ مُخَالفا لمُخَالفَة الْمُتَأَخِّرين لكنه مُوَافق لكَلَام من هُوَ أفضل مِنْهُم من القدماء. قَوْله وَمَا فِي حكمهَا أَي مثل ذِي سَواد. قَوْله فَافْهَم فَإِنَّهُ مَعَ وضوحه دَقِيق فهم هَذَا المرام وتنقيح هَذَا الْمقَام دَاع إِلَى نوع بسط فِي الْكَلَام. فَاعْلَم إِن السوَاد عرض وَالْأسود عرضي على مَا هُوَ الْمَشْهُور وَالْمَفْهُوم من كَلَام الْمُتَأَخِّرين حَتَّى الشَّيْخ فِي الشِّفَاء كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ آنِفا وَأَن الْفرق بَينهمَا والتغاير بِالذَّاتِ وَأَن الأول مَحْمُول اشتقاقا _ وَالثَّانِي مَحْمُول مواطأة وَالْعرض مُقَابل الْجَوْهَر غير العرضي الْمُقَابل للذاتي. وَخَالفهُم الْمُحَقق الْأُسْتَاذ الدواني مستنبطا من كَلَام القدماء على مَا لوحنا إِلَيْهِ. وَقَالَ إنَّهُمَا متحدان ذاتا لَا تغاير بَينهمَا إِلَّا اعْتِبَارا فالأسود هُوَ السوَاد وَكَذَا الْعَكْس إِلَّا أَنه إِذْ أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء عرضي مَحْمُول مواطأة. وبشرط لَا شَيْء عرض مَحْمُول اشتقاقا ومبنى كَلَامه هَذَا على مَا يظْهر من الْحَاشِيَة الْقَدِيمَة على أَمريْن. أَحدهمَا: أَن الْمدْرك بالبصر أَولا وبالذات هُوَ الْأسود أَو الْأَبْيَض ثمَّ من خَارج يعلم أَن الْأسود والأبيض مُقَارن لموجود آخر هُوَ ثوب أَو حجر أَو غَيرهمَا حَتَّى لَو لم يكن تِلْكَ الملاحظة لم يعلم أَنه شَيْء أسود أَو أَبيض _ بل جَازَ أَن يكون أسود وأبيض بِذَاتِهِ كَمَا أَن الثَّوْب ثوب بِذَاتِهِ وَحِينَئِذٍ كَانَ بَيَاضًا وأبيض وسوادا وأسود. وتوضيحه إِنَّه إِذا رُؤِيَ شَيْء أَبيض مثلا فالمرئي بِالذَّاتِ هُوَ الْبيَاض على مَا قَالُوا ونعلم بِالضَّرُورَةِ أَنا قبل مُلَاحظَة أَن الْبيَاض عرض وَأَن الْعرض لَا يُوجد قَائِما بِنَفسِهِ نحكم بِأَنَّهُ بَيَاض وأبيض _ فَفِي تِلْكَ الْمرتبَة كَمَا يحكم بِأَنَّهُ بَيَاض يحكم بِأَنَّهُ أَبيض وَلَوْلَا الِاتِّحَاد بِالذَّاتِ بَينهمَا لم يجوز الْعقل قبل مُلَاحظَة تِلْكَ الْمُقدمَات كَونه أَبيض. وَثَانِيهمَا: أَنه لَا يدْخل فِي مَفْهُوم الْمُشْتَقّ الْمَوْصُوف وَلَا النِّسْبَة فَيكون عين الصّفة. وتفصيله أَن فِي معنى الْمُشْتَقّ أقوالا _ الأول مَا هُوَ الْمَشْهُور من أَنه مركب من الذَّات وَالصّفة وَالنِّسْبَة. وَالثَّانِي مَا اخْتَارَهُ السَّيِّد السَّنَد الْأُسْتَاذ الْعَلامَة الشريف وَهُوَ أَنه مركب من نِسْبَة والمشتق مِنْهُ فَقَط. وَمعنى القَوْل الأول ظَاهر لَا ستْرَة فِيهِ فَإِن تَفْسِير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 الْكَاتِب مثلا على مَا اشْتهر وَدَار على الْأَلْسِنَة أَعنِي شَيْء لَهُ الْكِتَابَة صَرِيح الدّلَالَة عَلَيْهِ ومطمح نظر السَّيِّد السَّنَد قدس سره أَنه لَا يُمكن اعْتِبَار مَفْهُوم الشَّيْء وَلَا مَا صدق عَلَيْهِ فِيهِ للُزُوم دُخُول الْعرض الْعَام فِي الْفِعْل على الأول وَدخُول النَّوْع فِيهِ مَعَ لُزُوم انقلاب مُشْتَقّ الْإِمْكَان بِالْوُجُوب على الثَّانِي فَمَا بَقِي إِلَّا الصّفة وَالنِّسْبَة. والمحقق لما رأى أَن دُخُول النِّسْبَة الَّتِي هِيَ غير مُسْتَقلَّة المفهومية فِي حَقِيقَة مُسْتَقلَّة من غير دُخُول المنتسبين أَمر غير مَعْقُول ذهب إِلَى أَن الْمُشْتَقّ أَمر بسيط غير مُشْتَمل على النِّسْبَة إِذْ لَا يرى أَنه يعبر عَن معنى الْأسود والأبيض (بسياه وسفيد) . (كَذَا) على الْمَوْصُوف لَا عَاما وَلَا خَاصّا بل عبارَة عَن الْمُشْتَقّ مِنْهُ فَقَط وَلَيْسَ بَينه وَبَين الْمُشْتَقّ مِنْهُ تغاير بِحَسب الْحَقِيقَة فَهُوَ إِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء فَهُوَ عرضي ومشتق. وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا شَيْء فَهُوَ عرض ومشتق مِنْهُ مَحْمُول اشتقاقا كَمَا ذكرنَا آنِفا وَهَذَا هُوَ القَوْل الثَّالِث. وَقد يُؤَيّد هَذَا القَوْل بِمَا قَالُوا إِن الضَّوْء إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ ضوءا مضيا على مَا يُشِير إِلَيْهِ كَلَام بهمنيار وَإِن الْوُجُود إِذا كَانَ قَائِما بِنَفسِهِ كَانَ وجودا وموجودا حَقِيقَة وَإِن الْحَرَارَة إِذا كَانَت قَائِمَة بِنَفسِهَا وَكَانَت يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْآثَار الْمَطْلُوبَة يُقَال إِنَّهَا حرارة وحارة كَمَا بَين فِي بحث عَيْنِيَّة الْوُجُود للْوَاجِب وَمن الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ إِن الضَّوْء بِمُجَرَّد قِيَامه بِذَاتِهِ لَا يتبدل ذَاته وجوهره فَإِذا كَانَ عِنْد الْقيام بِالنَّفسِ مضيا ومتحدا مَعَه بِحَسب الذَّات وَالْمَفْهُوم وَلَا شكّ أَنه حِينَئِذٍ لَا يتَصَوَّر دُخُول أَمر فِيهِ يتَوَهَّم اعْتِبَاره كالموصوف وَالنِّسْبَة علم أَنَّهُمَا ليسَا بمتغائرين _ بل هما متحدان ذاتا ثمَّ إِنَّه مُتَعَلق أَيْضا بِمَا نقل من الْمعلم الأول ومترجم كَلَامه حَيْثُ عبروا عَن المقولات بالمشتقات وَمثل أَكْثَرهم بهَا فَإِنَّهُ لَوْلَا الِاتِّحَاد لما صَحَّ ذَلِك إِلَّا بالتكلف وَاعْتِبَار الْمُسَامحَة. وَأَيْضًا وَقع النزاع فِي عرضية بعض الْأَعْرَاض كالألوان وَلَو كَانَ حَقِيقَتهَا مبادىء الِاشْتِقَاق لم يكن النزاع ضَرُورَة أَن السوَاد وَالْبَيَاض بِمَعْنى المبدأ ليسَا بجوهرين. وَأَنت خَبِير بِمَا فِي مبْنى هَذَا القَوْل من الْوَجْهَيْنِ وَغَيرهمَا من التأييد وَالتَّعْلِيق من قدح ووهن. أما فِي الْوَجْه الأول فبأنا إِذا فَرضنَا أَن أحدا لم يسمع لفظ الْبيَاض والأبيض والجسم وَغَيره وَلم يتَصَوَّر مَعَاني هَذِه ثمَّ رأى جسما أَبيض فَفِي هَذِه الْحَالة يدْرك الْبيَاض أَي هَذَا الْعرض الْخَاص وَحده وَلم يعلم أَن هَا هُنَا شَيْئا آخر ثمَّ إِذا شَاهد أَن الْأَمر قد زَالَ وَبَقِي شَيْء آخر علم إِن هَا هُنَا شَيْء آخر كَانَ ذَلِك الْأَمر حَالا فِيهِ وَهَذَا هُوَ المُرَاد بالأبيض. وَلَا شكّ أَن هَذَا الْمَعْنى الْأَخير الَّذِي أدْركهُ آخر غير الْمَعْنى الأول وَلَا نعني بالأبيض إِلَّا هَذَا نعم لَو اصْطلحَ أحد على أَن يَجْعَل الْأَبْيَض بِمَعْنى مَا يصدر عَنهُ الْأَثر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 الَّذِي يُشَاهد من الْجِسْم ذِي الْبيَاض أَعنِي تَفْرِيق الْبَصَر مثلا فَحِينَئِذٍ يَصح أَن الشَّخْص الْمَفْرُوض حِين مُشَاهدَة الْبيَاض بمشاهدة الْآثَار الَّتِي تترتب عَلَيْهِ يتخيل فِي بادىء الرَّأْي أَن الشَّيْء الَّذِي تترتب عَلَيْهِ تِلْكَ الْآثَار هُوَ ذَلِك الْأَمر الْمشَاهد أَعنِي الْبيَاض لَكِن على هَذَا يصير النزاع لفضيا على إننا حِينَئِذٍ أَيْضا نقُول إِنَّه بِمُجَرَّد أَن يتخيل فِي بادىء الرَّأْي أَن الْبيَاض هُوَ الْأَبْيَض لَا يلْزم أَن يكون مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا بِالذَّاتِ مغائرا بِالِاعْتِبَارِ. أَلا ترى أَن من أدْرك أَولا الصُّورَة الجسمية ووجدها بِحَيْثُ تتصل وتنفصل يتخيل أَن الْقَابِل للاتصال والانفصال هُوَ الْأَمر ثمَّ بعد مُلَاحظَة الْبُرْهَان يظْهر لَهُ أَن الْقَابِل لَيْسَ هُوَ ذَلِك الْأَمر بل أَمر آخر وبمجرد هَذَا التخيل فِي بادىء الرَّأْي لَا يلْزم أَن يكون الْقَابِل فِي الْوَاقِع هُوَ ذَلِك فضلا عَن أَن يكون مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا وَمَعَ ذَلِك نقُول إِنَّه لَا شكّ أَن الْبيَاض والجسم موجودان فِي الْخَارِج بِوُجُود مغائر. وَلَا شكّ أَن المتغاير فِي الْوُجُود الْخَارِجِي لَا يُمكن حمل أَحدهمَا على الآخر بِأَيّ اعْتِبَار أَخذ من الاعتبارات الثَّلَاثَة. وَأما فِي الْوَجْه الثَّانِي فبأن الْمَوْصُوف لَا يدْخل فِيهِ على وَجه الْعُمُوم وَلَا على وَجه الْخُصُوص حَتَّى يرد عَلَيْهِ مَا ذكر بل بعنوان مُتَعَلق الْحَدث الَّذِي هُوَ مَأْخَذ الِاشْتِقَاق كَمَا يدل عَلَيْهِ تَفْسِير الْقَوْم إِيَّاه بِمَا يدل على ذَات مُبْهمَة بِاعْتِبَار معنى معِين فَفِي الْأَبْيَض مثلا لَا يدْخل الْمَوْصُوف فِي مَفْهُومه لَا بعنوان الشيئية وَلَا بعنوان الثوبية بل بعنوان المنسوبية إِلَى الْبيَاض وَذي الْبيَاض لَا بِمَعْنى أَنه معنى مفصل بل هُوَ أَمر إجمالي إِذا فصل وحلل يعبر عَنهُ بالمنسوب إِلَى الْبيَاض. وَهَذَا كَمَا يَقُولُونَ إِن التَّصْدِيق عبارَة عَن إِدْرَاك أَن النِّسْبَة وَاقعَة ومرادهم أَنه أَمر بسيط إجمالي يفصله الْعقل إِلَى ذَلِك لَا أَنه معنى تفصيلي فَلَا يلْزم التسلسل على مَا توهم ثمَّ إِنَّه كَمَا يدْخل الْمَوْصُوف إِجْمَالا يدْخل النِّسْبَة ومبدء الِاشْتِقَاق إِجْمَالا أَيْضا وَعدم المعقولية إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَ بِدُونِ الْمَوْصُوف تَفْصِيلًا _ وَهَذَا تَحْقِيق مَا حَقَّقَهُ السَّيِّد السَّنَد صدر الدّين رَحمَه الله بِحَيْثُ انْدفع بِهِ مَا أورد عَلَيْهِ الْأُسْتَاذ الْمُحَقق الجديدة كَمَا يظْهر على من يطالع كَلَام الأستاذين فِي الحاشيتين. وَالتَّحْقِيق إِن مصداق حمل الْمُشْتَقّ على شَيْء قيام مبدء الِاشْتِقَاق بِهِ. وَالْقِيَام إِمَّا قيام (حَقِيقِيّ) وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ مبدء الِاشْتِقَاق غير الْمَوْصُوف ذاتا أَو اعْتِبَارا أَو (غير حَقِيقِيّ) وَهُوَ فِيمَا إِذا لم يكن غَيره أصلا بل يكون حَاصِلا بِنَفسِهِ وَأما فِي التأييد فَمَا ذكره الْمحشِي المدقق فِي بحث الْأَجْزَاء أَنه اشْتِبَاه مَفْهُوم الْمُشْتَقّ بِمَا صدق عَلَيْهِ. ومحصله إِن مَا يعلم من هَذَا الَّذِي فالوا إِن الضَّوْء على تَقْدِير الْقيام بِالنَّفسِ يكون فَردا للمضيء لَا أَنه يكون عين مَفْهُوم المضيء وَحَقِيقَته. وَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِيهِ وَلَو قَالَ الْمُؤَيد إِنَّا سلمنَا مَا قلت وَنحن أَيْضا نعلمهُ كَمَا قلت لِأَنَّك خَبِير بِأَن صدق المضيء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 عَلَيْهِ لَيْسَ كصدقه على الْجِسْم المضيء بِهِ بِأَن يكون هَا هُنَا ذَات وَنسبَة وَوصف فَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَّا ضوء فَقَط فَلَا يكون الصدْق إِلَّا بِاعْتِبَار أَنه ضوء فَلَو لم يكن الِاتِّحَاد بَين الضَّوْء والمضيء لم يكن الصدْق. وَهَذَا لَيْسَ من اشْتِبَاه فِي شَيْء بل الِاسْتِدْلَال من الصدْق والفردية على الِاتِّحَاد فِي الْمَفْهُوم والحقيقة يدْفع مَا قَالَ فَإنَّك خَبِير أَيْضا بِمَا قَالُوا إِن الضَّوْء إِذا كَانَ قَائِما بِغَيْرِهِ إِن لم يكن مضيئا بل الْغَيْر مضيء بِهِ وَإِن وجودات الممكنات لَيست بموجودة وَكَذَا الْبيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ لَيْسَ بأبيض فَلَو كَانَ الِاتِّحَاد صدق المضيء وَالْمَوْجُود والأبيض على مبادئها وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مَعْلُوم الانتفاء بِالضَّرُورَةِ. وَمَا يتَوَهَّم إِن وجودات الممكنات موجودات والضوء الْقَائِم بِغَيْرِهِ مضيء وَكَذَا الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ أَبيض إِلَّا أَن لَا يُطلق عَلَيْهِ فِي عرف اللُّغَة لاشْتِرَاط الْقيام بِالنَّفسِ فِي الاطلاق فَلَو تمّ لَا يتم كليا ضَرُورَة إِن عدم كَون وجودات الممكنات مَوْجُودَة لَيْسَ بِاعْتِبَار أَمر لَفْظِي بل هُوَ أَمر معنوي إِذْ من الْمَعْلُوم بديهة إِنَّهَا لَيست بموجودة بِالْمَعْنَى البديهي الْعَام الَّذِي نفهمه من لفظ الْمَوْجُود ونحمله على الماهيات من دون أَن يلاحظه الْعرف واللغة. فَاعْلَم إِن صدق المضيء على الضَّوْء الْقَائِم بِنَفسِهِ لَيْسَ مَبْنِيا على الِاتِّحَاد. بل التَّحْقِيق إِن مصداق حمل الْمُشْتَقّ على شَيْء قيام مبدء الِاشْتِقَاق بِهِ قيَاما (حَقِيقِيًّا) وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف غير الشَّيْء الْمَوْصُوف سَوَاء كَانَ غَيره بِالذَّاتِ كَمَا فِي الضَّوْء الْقَائِم بالشمس وَالْبَيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ أَو بِالِاعْتِبَارِ كحصة الْوُجُود الْقَائِم بِهِ لَو اعْتبر الْوُجُود مَوْجُودا أَو غير حَقِيقِيّ وَهُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف حَاصِلا بِنَفسِهِ والوجود الْقَائِم بِنَفسِهِ وَالْبَيَاض الَّذِي يكون كَذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ قَائِما بِالْغَيْر لَا ذاتا وَلَا اعْتِبَارا. وَلَا شكّ فِي أَن الْقيام بكلا قسميه فِي الضَّوْء وَالْبَيَاض القائمين بِغَيْرِهِمَا مُنْتَفٍ. أما الثَّانِي فَظَاهر. وَأما الأول فلَان الْبيَاض الْقَائِم بِالثَّوْبِ مثلا إِنَّمَا هُوَ وصف لَهُ وَاعْتبر قِيَامه بِهِ وَلم يعْتَبر فِيهِ قيام بَيَاض آخر مغائر لَهُ حَقِيقَة أَو اعْتِبَارا فَلَا يكون ذَلِك مصداق حمل الْأَبْيَض أصلا بِخِلَاف الْقَائِم بِنَفسِهِ. فَإِن الْقيام على النَّحْو الثَّانِي مُتَحَقق فِيهِ. (نعم) لَو اعْتبر الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ فِي مرتبَة الْمَوْصُوف وَاعْتبر قيام بَيَاض آخر بِهِ مغائر لَهُ اعْتِبَارا كَمَا فِي حِصَّة الْوُجُود الْقَائِم بالوجود يكون مصداقا لذَلِك لكنه حِينَئِذٍ لَا يكون فِي مرتبَة الْوَصْف والمبدء بل فِي مرتبَة الْمَوْصُوف. وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ وَلَو اتَّحد الْبيَاض والأبيض ذاتا ومفهوما لَكَانَ فِي مرتبَة الوصفية لغيره أَيْضا أَبيض وَلَيْسَ فَلَيْسَ. فَإِن قيل إِن الْبيَاض الْقَائِم بِنَفسِهِ لم يعْتَبر فِيهِ أَيْضا قيام بَيَاض آخر بِهِ فَمَا الْفرق بَينه وَبَين الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ فِي أَن لَا يكون فِي الثَّانِي قيام غير حَقِيقِيّ وَيكون فِي الأول. قُلْنَا الْفرق ظَاهر فَإِنَّهُ فِيمَا إِذا كَانَ قَائِما بِذَاتِهِ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب فِي الْقَائِم بِغَيْرِهِ على مَجْمُوع الذَّات وَالْوَصْف فَيكون هَذَا فِي مرتبَة الذَّات وَالْوَصْف وَالنِّسْبَة فَكَأَنَّهُ ذَات قَامَ بِهِ وصف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى اعْتِبَار قيام وصف آخر بِهِ وَلَو اعْتِبَارا. بِخِلَاف الْقَائِم بِغَيْرِهِ. فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّب فِيهِ على مُجَرّد الْوَصْف بل على ذَات مَعَ ذَلِك فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْمرتبَة قَائِما مقَام الذَّات وَالْوَصْف بل يحْتَاج فِي كَونه أَبيض إِلَى مُلَاحظَة قيام حِصَّة الْبيَاض بِهِ وَهُوَ فِي هَذِه الْمرتبَة لَيْسَ من قبيل الْوَصْف والمبدء. وَأما مَا تعلق بِهِ مِمَّا نقل من الْمعلم الأول من التَّعْبِير والتمثيل فَهُوَ لَا يُوجب إِلَّا أَن يكون الْمُشْتَقّ عرضا وَهُوَ لَيْسَ بمستلزم لِأَن يكون مَعْنَاهُ عين معنى المبدء بل الْمُشْتَقّ مَعَ كَونه مغائرا لَهُ لَهُ اعتباران. بِاعْتِبَار عرض. وَبِاعْتِبَار عرضي على مَا يظْهر فِيمَا يذكر بعد عَن الْمحشِي وَكَذَا وُقُوع النزاع فِي عرضية بعض الْأَعْرَاض كالألوان لَا يدل على مَا رامه. فَإِن الْبيَاض المحسوس وَأَمْثَاله لَيْسَ مِمَّا يَأْبَى الْعقل كَونه صُورَة نوعية بديهية حَتَّى لَا يتَصَوَّر النزاع فِيهِ على تَقْدِير كَونه عبارَة عَن نفس المبدء. وَبِالْجُمْلَةِ مَا قَالَه الْمُحَقق وَتفرد بِهِ مستبعد جدا مُخَالف لما يشْهد بِهِ الوجدان والبرهان. وَلما رأى الْمحشِي المدقق مَا رَأينَا وأريناك مَا ارتضى بذلك. وَقَالَ فِي بحث الْأَجْزَاء أَنَّهُمَا متغائران ذاتا وَحَقِيقَة. وَمعنى الْمُشْتَقّ أَمر بسيط ينتزعه الْعقل عَن الْمَوْصُوف نظرا إِلَى الْوَصْف الْقَائِم بِهِ. والموصوف وَالْوَصْف وَالنِّسْبَة كل مِنْهَا لَيْسَ عينه وَلَا دَاخِلا فِيهِ وَهُوَ يصدق على الْمَوْصُوف. وَرُبمَا يصدق على الْوَصْف وَالنِّسْبَة انْتهى. وتوضيحه إِن الْمَوْصُوف لَيْسَ بداخل فِيهِ لَا عَاما وَلَا خَاصّا وَلَا عينه وَكَذَا الْوَصْف وَالنِّسْبَة بل هُوَ معنى بسيط انتزاعي ينتزعه الْعقل عَن الْمَوْصُوف بملاحظة قيام الْوَصْف بِهِ سَوَاء كَانَ الْقيام حَقِيقِيًّا كَمَا إِذا كَانَ الْوَصْف غير الْمَوْصُوف غيرا بِالذَّاتِ أَو غيرا بِالِاعْتِبَارِ. أَو غير حَقِيقِيّ كَمَا إِذا كَانَ حَاصِلا بِلَا مَحل على مَا عرفت. وَصدقه على الْمَوْصُوف ظَاهر وَأما صدقه على الْوَصْف وَالنِّسْبَة وَإِن كَانَ لَيْسَ كليا فَإِنَّهُ لَا يصدق الْأَبْيَض على الْبيَاض الْقَائِم بِغَيْرِهِ وعَلى نِسْبَة الْبيَاض وَلَا على الْمَجْمُوع. لكنه قد يصدق كالموجود الْمُطلق فَإِنَّهُ يصدق على الْوُجُود وَالنِّسْبَة. وَفِيه كَلَام نذكرهُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقَالَ أَيْضا قبل هَذَا الْكَلَام بأوراق أَن الْحمل يُطلق على ثَلَاثَة معَان: الأول: الْحمل اللّغَوِيّ وَهُوَ الحكم بِثُبُوت الشَّيْء وانتفائه عَنهُ وَحَقِيقَة الإذعان وَالْقَبُول. وَالثَّانِي: الْحمل الاشتقاقي وَيُقَال لَهُ الْحمل بِوُجُود شَيْء يتوسط ذُو. وَحَقِيقَة الْحُلُول وَهُوَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بالمبادىء بل يجْرِي فِي المشتقات أَيْضا. فَإِن الْعرض أَعم من العرضي كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ سَابِقًا. وَقَالَ فِي هَامِش الْحَاشِيَة فالعرضي هُوَ الْعرض لَكِن باعتبارين فَإِذا أَخذ لَا بِشَرْط شَيْء كَانَ عرضيا ومحمولا مواطاة وَإِذا أَخذ بِشَرْط لَا كَانَ عرضا ومحمولا بالاشتقاق _ وَأما مَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين من أَن الْعرض والعرضي كالسواد وَالْأسود متحدان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 بِالذَّاتِ ومتغائران بِالِاعْتِبَارِ _ فَإِن أَخذ بِشَرْط الْأسود عرض _ والمأخوذ لَا بِشَرْط أسود عرضي. فَكَلَام بعيد هُوَ متفرد عَسى أَن يطلع عَلَيْهِ من مُسْتَقْبل القَوْل إِن شَاءَ الله تَعَالَى انْتهى الكلامان. ولعلك استنبطت من هَذِه الْكَلِمَات أمورا: أَحدهَا: إِن الْمُشْتَقّ والمبدأ متغائران حَقِيقَة. وَالثَّانِي: إِن الْمُشْتَقّ مَعَ كَونه مغائرا للمبدأ لَهُ اعتباران بِاعْتِبَار عرض وَبِاعْتِبَار عرضي. وَالثَّالِث: إِن الْعرض يصدق على مَا يصدق عَلَيْهِ العرضي لَكِن بِاعْتِبَار آخر. وَالرَّابِع: إِن الْمُعْتَبر فِي اعْتِبَار الْعرض كَونه مَحْمُولا اشتقاقا وَفِي العرضي كَونه مَحْمُولا مواطأة. وَالْخَامِس: إِن الْحمل الاشتقاقي غير مُخْتَصّ بالمبادىء بل يجْرِي فِي المشتقات أَيْضا بِاعْتِبَار _ وعساك تنبهت الْفرق أَيْضا بَين مَا عِنْد الْمُحَقق فِي هَذَا المبحث بِوُجُوه _ أما: أَولا: فبأن الْمُشْتَقّ عِنْد الْمُحَقق عبارَة عَن نفس المبدأ وَعند الْمحشِي عَن أَمر بسيط انتزاعي لَيْسَ بداخل فِيهِ فضلا عَن أَن يكون عينه كَمَا عرفت _ وَأما ثَانِيًا: فبأن الاعتبارين اللَّذين يكون الْمُشْتَقّ عرضا وعرضيا بحسبهما إِنَّمَا هما للمبدأ عِنْد الْمُحَقق وَعند الْمحشِي لَيْسَ كَذَلِك بل البدء عرض فَقَط والاعتباران الْمَذْكُورَان عِنْده للمعنى الْبَسِيط الانتزاعي المغائر لَهُ. وَكَذَا الْحمل الاشتقاقي وَالْحمل الموطاتي يكونَانِ للمبدأ فِي الْحَقِيقَة عِنْد الْمُحَقق وَعند الْمحشِي إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى المغائر لَهُ الانتزاعي _ وَأما: ثَالِثا: فبأن الْعرض والعرضي متساويان فِي التَّحْقِيق عِنْد الْمُحَقق _ وَعند الْمحشِي الْعرض أَعم من العرضي فَإِن المبدأ عرض وَلَيْسَ بعرضي بِلَا خَفَاء والمشتق المغائر لَهُ عرض كَمَا هُوَ عرضي باعتبارين عِنْده بِخِلَافِهِ عِنْد الْمُحَقق فَإِن الْمُشْتَقّ عِنْده لَيْسَ إِلَّا المبدأ وَهُوَ عرض بِاعْتِبَار كَمَا هُوَ عرضي بِاعْتِبَار على مَا حققت آنِفا إِلَّا أَنَّهُمَا متفقان فِي أَن الْمُعْتَبر فِي جِهَة العرضية كَونه مَحْمُولا اشتقاقا. وَإِذا مَا لاحظت جَمِيع جَوَانِب الْكَلَام. وتنقح عنْدك مَا هُوَ تَحْقِيق المرام. فَاعْلَم إِن كَلَام الْمحشِي الَّذِي وَقع هَا هُنَا أَعنِي قَوْله وَبِهَذَا يظْهر أَن الْعرض أَعم من العرضي مَعْنَاهُ بِالنّظرِ إِلَى هَذِه الْكَلِمَات أَن الْعرض أَعم مِنْهُ تحققا فَإِنَّهُ يتَحَقَّق فِي كل من المبدأ والمشتق بِخِلَاف العرضي فَإِنَّهُ لَا يتَحَقَّق إِلَّا فِي الْمُشْتَقّ أَو صدقا إِن أُرِيد بالعرضي مُجَرّد ذَات العرضي لَا من حَيْثُ أَنه عرضي فَإِن الْعرض لَا يصدق على العرضي من حَيْثُ هُوَ عرضي لِأَنَّك تفطنت مِمَّا نقلنا أَن الْعرض يصدق عَلَيْهِ بِاعْتِبَار لَا يصدق عَلَيْهِ العرضي بذلك الِاعْتِبَار فَلَا يكون مَا هُوَ عرضي فَردا للعرض _ وَمعنى قَوْله والمشتقات أَعْرَاض إِنَّهَا أَعْرَاض بِاعْتِبَار غير اعْتِبَار كَونهَا عرضيات. قَوْله على مَا يلوح إِلَيْهِ مَا نقل من الْمعلم الأول. فِيهِ تلويح إِلَى أَن مَا نقل من التَّعْبِير والتمثيل لَا يدل على أَن المشتقات عبارَة عَن المبدأ وَإِنَّهَا عينه. بل إِنَّمَا يدل على كَون المشتقات أعراضا وَهُوَ غير موجوب لَهُ فَإِن للمشتق مَعَ كَونه عبارَة عَن معنى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 بسيط انتزاعي كَمَا عرفت اعتبارين أَيْضا بِاعْتِبَار عرض ومحمول اشتقاقا وَبِاعْتِبَار عرضي مَحْمُول مواطأة فَإِن الْأَبْيَض مَعْنَاهُ (سبيد) فَإِن لوحظ لَا بِشَرْط فَهُوَ عرضي يحمل مواطأة على الثَّوْب وَإِن لوحظ بِشَرْط لَا وتجريده عَن الثَّوْب فَهُوَ عرض يحمل اشتقاقا _ وَيُقَال إِنَّه ذُو (سبيدي) _ أَولا يرى أَن الثَّوْب فِيمَا إِذا كَانَ أسود وأبيض وأحمر وأخضر يُقَال إِنَّه ذُو هَذِه الْأَوْصَاف والنعوت. فَفِي هَذِه الْحَالة إِنَّمَا يعْتَبر المشتقات بِشَرْط لَا _ وَهَذَا وَإِن استبعد بِهِ فِي بادىء الرَّأْي إِلَّا أَنَّك لَو رجعت إِلَى الوجدان لوجدت بِهَذَا العنوان فَظهر بِهَذَا الْبَيَان أَن الملحوظ فِي جِهَة كَونهَا اعراضا هُوَ الِاعْتِبَار الَّذِي بِهِ هَا هُنَا يكون مَحْمُولَة اشتقاقا فَالْمُعْتَبر فِي الْعرض هُوَ الْحمل الاشتقاقي لَكِن قَوْله وَالْمرَاد بالنعت مَا يَتَّصِف بِهِ الشَّيْء مواطأة واشتقاقا مشْعر بِأَن الْعرض يصدق على العرضي من حَيْثُ عرضي حَيْثُ اعْتبر الاتصاف فِيهِ أَعم من أَن يكون مواطاة واشتقاقا فَيكون المشتقات اعراضا بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي يكون عرضيات ومحمولات مواطاة فَيكون الْمُعْتَبر فِي الْعرض الْحمل الْمُطلق لَا الاشتقاقي فَقَط. وَإِن توهم أحد أَنه لَا يلْزم من جعل النَّعْت أَعم من مَا يَتَّصِف بِهِ الشَّيْء مواطاة أَو اشتقاقا لإدخال المشتقات فِي الْعرض اعْتِبَار الْحمل أَيْضا أَعم فِي كَون الشَّيْء عرضا فَإِنَّهُ يَصح بِأَن يكون مَا هُوَ مَحْمُول مواطاة عرضا بِاعْتِبَار يكون بذلك مَحْمُولا اشتقاقا إِنَّمَا يلْزم ذَلِك لَو لم يكن للمحمولات مواطاة اعْتِبَار بهَا يَصح كَونهَا محمولات اشتقاقا وَلَيْسَ كَذَلِك فتوهمه توهم مَحْض فَإِنَّهُ لَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لما كَانَ لإيراده على الْمُحَقق بِخُرُوج المشتقات لاقتصاره على الْحمل الاشتقاقي وَجه. وَأَيْضًا مَا نقل عَنهُ فِي هَامِش الْحَاشِيَة هَا هُنَا أَعنِي قَوْله الصِّفَات المشتقة لَهَا اخْتِصَاص بموصوفاتها هُوَ منشأ لاتحادها مَعهَا اتحادا بِالْعرضِ وَحملهَا عَلَيْهَا حمل المواطاة انْتهى صَرِيح فِي أَن صدق الْعرض على المشتقات بِاعْتِبَار حمل المواطاة. ثمَّ إِن قَوْله فِيهِ اتحادا بِالْعرضِ إِشَارَة إِلَى مَا حقق الْمُحَقق الدواني فِي مَوْضِعه. وَيَجِيء فِي هَذِه الْحَاشِيَة أَيْضا أَن اتِّحَاد الذاتيات لما هِيَ ذاتيات لَهُ اتِّحَاد بِالذَّاتِ واتحاد العرضيات اتِّحَاد بِالْعرضِ. وَقد خَالف فِيهِ السَّيِّد السَّنَد صدر الدّين ونفصل الْكَلَام بعون الله الْملك العلام. فِي ذَلِك الْمقَام. بَقِي هَا هُنَا شَيْء وَهُوَ أَن كَلَام الْمُحَقق الدواني لَيْسَ ينص فِي الِاقْتِصَار على الْحمل الاشتقاقي فِي تَعْرِيف الْحُلُول إِنَّمَا استنبط مِنْهُ الْمحشِي المدقق من طَرِيقَته جَوَابه وَسِيَاق كَلَامه فِي الْحَاشِيَة الْقَدِيمَة فِي بحث الْجَوَاهِر. وَلَا يخفى هَذَا على من نظر فِيهِ من أهل البصائر إِنَّمَا أطنبنا الْكَلَام. فِي هَذَا الْمقَام. لِأَنَّهُ كَانَ من مزال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 أَقْدَام الْعلمَاء الْأَعْلَام. فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ التَّام. والاستعانة بالعليم العلام. انْتهى. اعلموا أَيهَا الناظرون أَن هَذَا الْمُؤلف الضَّعِيف العَاصِي عَفا الله عَنهُ تلمذ أَكثر كتب التَّحْصِيل من خدمَة أُسْوَة الْفُضَلَاء وزبدة الْعلمَاء الحبر النحرير صَاحب التَّقْرِير والتحرير الشَّيْخ الْأَجَل مَوْلَانَا مُحَمَّد محسن ابْن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الصديقي الأحمد آبادي وَهُوَ من تلاميذ أستاذ الْكل من الْكل الْفَاضِل الْكَامِل الْمُحَقق والمدقق ملا مُحَمَّد أكبر بن مُحَمَّد أشرف الدهلوي الْمُفْتِي فِي أَحْمد آباد نور الله مضجعهما بِنور الْمَغْفِرَة والرضوان وَأنزل عَلَيْهِمَا شآبيب الرَّحْمَة والغفران. (بَاب الْعين مَعَ الْقَاف) الْعَقِيقَة: وَلَا بُد من الْعَقِيقَة، إِنَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ كل غُلَام رهينة أَي مَرْهُون وَالتَّاء للْمُبَالَغَة، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد أَن معنى هَذَا الحَدِيث هُوَ إِذا ولد الطِّفْل وَلم يعق عَنهُ وَمَات فِي طفولته وَأَنه لايشفع بِوَالِديهِ حَتَّى يعقوا عَنهُ، وَمعنى الرَّهْن فِي اللُّغَة هُوَ الْحَبْس وَالْمَنْع وَالْبَعْض يَقُول إِن معنى الحَدِيث هُوَ أَن الْخيرَات والسلامة من الْآفَات وَالزِّيَادَة فِي النشوء والنماء تحبس وتمنع عَن الْوَلَد حَتَّى يعق عَنهُ، وَقَرِيب مِنْهُ مَا قيل إِنَّه مثل الشَّيْء الْمَرْهُون لَا يكتمل الِاسْتِمْتَاع بِهِ وَفِيه حَتَّى يعق عَنهُ. لِأَنَّهُ نعْمَة من نعم الله يجب أَن تقَابل بالشكر، وَالْبَعْض يَقُول إِنَّه مَرْهُون بالأذى والمصائب لِأَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيث آخر أَنه ((أميطوا عَنهُ الْأَذَى، بِمَعْنى أزيلوا عَنهُ مَا لصق بِهِ من دم الرَّحِم، كَذَا قيل، هَذَا مَا فِي شرح الصِّرَاط الْمُسْتَقيم الْمَشْهُور ب ((سفر السَّعَادَة)) . (بَاب الْعين مَعَ اللَّام) الْعلي: من الْعُلُوّ أَصله عليو فَاعل اعلال سيد ومرمي. وَهُوَ اسْم رَابِع الْخُلَفَاء الرَّاشِدين رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. وَهُوَ ابْن أبي طَالب بن عبد الْمطلب جد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَهُوَ ابْن عَم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ كرم الله وَجهه قَامَ بِأَمْر الْخلَافَة يَوْم قتل عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَلم يزل اسْمه كرم الله وَجهه فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. ويكنى أَبَا الْحسن وَأَبا تُرَاب كناه بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ كرم الله وَجهه أسلم وَكَانَ أحب الْإِسْلَام وَهُوَ ابْن سبع سِنِين وَقيل ابْن تسع وَقيل عشر وَقيل خَمْسَة عشر وَقيل غير ذَلِك. وَشهد كرم الله وَجهه الْمشَاهد كلهَا إِلَّا تَبُوك فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَلفه فِي أَهله وَكَانَ غزير الْعلم. وَلما هَاجر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَقَامَ بعده ثَلَاث لَيَال وأيامها حَتَّى أدّى عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الودائع ثمَّ لحق بِهِ. وَيُقَال إِنَّه أول من أسلم وَأول من صلى. وزوجه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْنَته الْكَرِيمَة فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَشهد لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْجنَّةِ وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 وَصِيّ رَسُول الله لأَدَاء الدّين وتجهيزه تكفينه وَغير ذَلِك. ومناقب فَضله أَكثر من أَن تحصى _ وَأظْهر من أَن تخفى _ وَهُوَ مظهر الْعَجَائِب _ موصل الطَّالِب إِلَى المطالب _ أَسد الله الْغَالِب _ وَبَاب الْعلم ومخزن الْولَايَة _ ومعدن الشجَاعَة والدراية _ وَأُمُور المعارف الإلهية _ والقرب الإلهي تعود إِلَيْهِ _ ومفاتيح الْفضل والنوال لَدَيْهِ _ وَأمه كرم الله وَجهه فَاطِمَة بنت أَسد. وَقَتله كرم الله وَجهه عبد الرَّحْمَن ابْن ملجم فِي لَيْلَة الْجُمُعَة السَّابِع عشر من شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة وثب عَلَيْهِ فَضَربهُ بخنجر على دماغه فَمَاتَ بعد يَوْمَيْنِ. فَأخذُوا ابْن ملجم. وَذكر غير وَاحِد أَنه لما ضربه ابْن ملجم أوصى الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَصِيَّة طَوِيلَة. وَفِي آخرهَا يَا بني عبد الْمطلب أَلا لَا يقتلن بِي إِلَّا قاتلي واضربوه ضَرْبَة بضربة وَلَا تمثلوا بِهِ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول إيَّاكُمْ والمثلة. وَلما مَاتَ عَليّ كرم الله وَجهه قتل الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن ملجم فَقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وكحل عَيْنَيْهِ بمسمار محمى كل ذَلِك وَلم يتأوه فَزعًا وَلَا جزعا من الْمَوْت وَلم يجزع. فَلَمَّا أَرَادوا قطع لِسَانه تأوه وجزع فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ وَالله مَا أتأوه فَزعًا وَلَا جزعا من الْمَوْت وَلَكِن أتأوه لكَون أَن تمر عَليّ سَاعَة من سَاعَات الدُّنْيَا أَلا أذكر الله فِيهَا فَقطعُوا لِسَانه فَمَاتَ بعد ذَلِك كَذَا فِي حَيَاة الْحَيَوَان. أَيهَا الاخوان إِذا جرى على لِسَان الْكَافِر ذكر الله تَعَالَى لَا ينفع أصلا فَلَا يَغُرنكُمْ قَول ذَلِك الملعون. وَكَانَ عمره كرم الله وَجهه سبعا وَقيل ثمانيا وَخمسين وَقيل ثَلَاثًا وَقيل ثمانيا وَسِتِّينَ. وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ مَاتَ كرم الله وَجهه وعمره خمس وَسِتُّونَ سنة. وَقَالَ غَيره ثَلَاث وَسِتُّونَ. وَكَانَت خِلَافَته كرم الله وَجهه أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَيَوْما وَاحِدًا. وَكَانَت مُدَّة إِقَامَته أَرْبَعَة أشهر ثمَّ سَار إِلَى الْعرَاق وَقتل بِالْكُوفَةِ وَدفن فِي قصر الْإِمَارَة فِيهَا. وَقيل إِنَّه فِي النجف الْأَشْرَف فِي المشهد الَّذِي يزار الْيَوْم. وَعلي كرم الله وَجهه أول إِمَام عُفيَ قَبره. وَقيل إِنَّه كرم الله وَجهه أوصى أَن يخفى قَبره ليأمن أَن يمثلوا أَي بَنو أُميَّة بقبره كرم الله وَجهه. وَكَانَ وِلَادَته كرم الله وَجهه يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر من رَجَب وَكَانَ لَهُ اثْنَا عشر ابْنا وَخمْس عشرَة بِنْتا. (بَاب الْعين مَعَ الْمِيم) عَمْرو: بِالْفَتْح وَسُكُون الْمِيم علم رجل كزيد وَيكْتب بعده الْوَاو للْفرق بَينه وَبَين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 عمر بِالضَّمِّ وَفتح الْمِيم. وَهُوَ اسْم عمر بن الْخطاب خَليفَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَهُوَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عمر الْفَارُوق بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الله. ويجتمع رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كَعْب بن لؤَي. وَأمه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وبويع لَهُ بالخلافة فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِوَصِيَّة مِنْهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَامَ بعده بِمثل سيرته. وَلما أسلم رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أعز الله تَعَالَى بِهِ الْإِسْلَام. وَتُوفِّي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ رَاض عَنهُ وبشره بِالْجنَّةِ. ومناقبه وفضله كَثِيرَة جدا. وَهُوَ أول من سمي بأمير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَكَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ زاهدا عادلا فارقا بَين الْحق وَالْبَاطِل واعظا ناصحا ذَا مهابة وهيبته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَت فِي قُلُوب أَعدَاء الدّين وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ يلبس المرقوع وَيَأْكُل خبز الشّعير ويجاهد فِي الدّين. حُكيَ أَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ فِي أَوَاخِر أَيَّام حَيَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَا عمر استعد لسفر الْآخِرَة وقم بمراسم الْوَصِيَّة فَإِن الْبَاقِي من أَيَّام حياتك ثَلَاثَة أَيَّام. فَقَالَ يَا كَعْب من أَيْن تعلم هَذَا فَقَالَ من التَّوْرَاة فَإِن من صفاتك وأفعالك مَذْكُور فِيهَا. وَفِي تِلْكَ الأوان جَاءَهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَبُو لؤلؤة النَّصْرَانِي غُلَام مُغيرَة بن شُعْبَة واسْمه فَيْرُوز وشكا من مَوْلَاهُ أَنه يطلبني أَرْبَعَة دَرَاهِم فَأمره أَن يُخَفف عني فَسَأَلَهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا تصنع. قَالَ أَبُو لؤلؤة إِنِّي أفعل فعل النجار والحداد والنقاش فَقَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا يَطْلُبهُ مَوْلَاك مِنْك لَيْسَ بظُلْم بل مقرون بِالْعَدْلِ اتَّقِ الله وَأحسن إِلَى مَوْلَاك. فَغَضب أَبُو لؤلؤة وَقَالَ يَا عجباه وَقد وسع النَّاس عدله غَيْرِي. واضمر على قَتله واصطنع لَهُ خنجرا لَهُ رأسان وسمه. فجَاء إِلَى صَلَاة الْغَدَاة. قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون إِنِّي لقائم فِي الصَّلَاة وَمَا بيني وَبَين عمر إِلَّا ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَمَا هُوَ إِلَّا أَن كبر فَسَمعته يَقُول قتلني الْكَلْب حِين طعنه وطار العلج بسكين ذَات طرفين لَا يمر على أحد يَمِينا وَشمَالًا إِلَّا طعنه حَتَّى طعن ثَلَاثَة عشر رجلا. مَاتَ سَبْعَة وَقيل تِسْعَة. فَلَمَّا رأى ذَلِك رجل من الْمُسلمين طرح عَلَيْهِ برنسا. فَلَمَّا علم أَنه مَأْخُوذ نحر نَفسه. فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَاتله الله تَعَالَى لقد أمرت بِهِ مَعْرُوفا. ثمَّ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل منيتي بيد رجل يَدعِي الْإِسْلَام وَكَانَ أَبُو لؤلؤة مجوسيا وَيُقَال كَانَ نَصْرَانِيّا. وَتُوفِّي عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي ذِي الْحجَّة لسبع وَعشْرين لَيْلَة مِنْهُ فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين بعد طعنه بِيَوْم وَلَيْلَة عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة. وَدفن عِنْد أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة بِحَيْثُ وضع رَأسه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد صدر أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ رَأس أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد صدر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 خِلَافَته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَخمْس لَيَال. وَقَالَ غَيره ثَلَاثَة عشر يَوْمًا. وَكَانَ لَهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سِتَّة بَنِينَ وَخمْس بَنَات. وَحكي أَنه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لما صَار مجروحا بِسِتَّة جروح أَو ثَلَاثَة جروح وإحداهن تَحت لسرة كَانَت مهلكة قَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تمم الْوَصِيَّة واستعد لسفر الْآخِرَة. فَبَيْنَمَا حضر كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَلَمَّا رأه أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنْشد ببيتين ترجمتها بِالْفَارِسِيَّةِ وَهَكَذَا: (لقد أخبر كَعْب عَن عمرك يَا عمر ... ) (بَقِي ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا اشْتِبَاه فِي ذَلِك ... ) (وَالله لَا خوف من انْقِضَاء الْعُمر ... ) (وَلَكِنِّي أحذر من كَثْرَة الأخطاء ... ) وَلما التمسوا أَن يُوصي ابْنه عبد الله بالخلافة أنكر وَترك الْخلَافَة شُورَى بَين سِتَّة أَصْحَاب مبشرين بِالْجنَّةِ (عُثْمَان) و (عَليّ) و (سعد بن أبي وَقاص) و (طَلْحَة) و (زبير) و (عبد الرَّحْمَن بن عَوْف) رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. وَأوصى أَن يختاروا وَاحِدًا مِنْهُم للخلافة. حُكيَ أَن بعض الْمُسلمين لما اطلعوا على وَصيته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فتحُوا لِسَان الطعْن على أَصْحَاب الشورى فَلَمَّا اطلع رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ استنكره _ وَقَالَ إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مَا من موقف من المواقف أَلا وَيكون يَدي فِي يَد عَليّ بن أبي طَالب. وَإِن عُثْمَان يُصَلِّي لَيْلًا وملائكة السَّمَوَات السَّبع يترحمون عَلَيْهِ. وَهَذَا مَخْصُوص بِهِ فَإِنَّهُ يستحي من الله تَعَالَى أَن يصدر عَنهُ مَعْصِيّة. هَكَذَا ذكر فَضَائِل كل من الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة كَمَا فصلت فِي كتب السّير. وَزوج رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بنته حَفْصَة من النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْمَدِينَة وَأَيْضًا عمر اسْم نحوي كَانَ مُجْتَهدا فِي النَّحْو حُكيَ أَنه جَاءَ عمر النَّحْوِيّ إِلَى بَاب عَالم وحرك حَلقَة الْبَاب فَقَالَ الْعَالم: من؟ فَأجَاب المحرك عمر _ فَقَالَ الْعَالم وَهُوَ فِي الْبَيْت انْصَرف. فَأجَاب المحرك أَلا تعلم أَن عمر لَا ينْصَرف. فَقَالَ الْعَالم إِذا نكر صرف. فَأجَاب المحرك هَذَا عمر غير مُنكر فَقَالَ الْعَالم نكرته. فضحكا فَفتح الْبَاب _ والعمر بِضَم الْعين وَسُكُون الْمِيم الْبَقَاء وَلَا يسْتَعْمل مَعَ اللَّام إِلَّا مَفْتُوح الْعين لِأَن الْقسم مَوضِع التَّخْفِيف لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله فَيُقَال لعمرك أَي بَقَاءَك قسمي أَي مَا اقْسمْ: (ذهب هَذَا الْعُمر الغالي حسرات مَعَ الرّيح ... ) (فَلم يضع أحد يَده لحماية هَذِه الشمعة ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 (بَاب الْعين مَعَ الْيَاء) عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام: قيل كَانَت مَرْيَم بنت عمرَان إِذا حَاضَت تتحول عَن الْمَسْجِد إِلَى بَيت خَالَتهَا فَإِذا طهرت عَادَتْ مبيتة فَإِذا هِيَ تَغْتَسِل من الْحيض وَقد أخذت مَكَانا شرقيا أَي مشرقة وَكَانَت فِي الشتَاء وَمن ثمَّ اتَّخذت النَّصَارَى الْمشرق قبْلَة ثمَّ ضربت من دونهم حِجَابا أَي سترا فجَاء جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام وبشرها بالغلام وَنفخ فِي جيب درعها فَحملت بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام. وَذكر أَيْضا أَنه ظهر جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمًا على صُورَة شَاب أَمْرَد وضيء الْوَجْه جعد الشّعْر سوى الْخلق. وَقَالَ يَا مَرْيَم إِن الله بَعَثَنِي إِلَيْك لأهب لَك غُلَاما زكيا. قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا. فَلَمَّا استعاذت مِنْهُ مَرْيَم قَالَ أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكيا. قَالَت {أَنى يكون لي غُلَام وَلم يمسسني بشر وَلم أك بغيا} . قَالَ كَذَلِك قَالَ رَبك هُوَ عَليّ هَين ولنجعله آيَة للنَّاس وَرَحْمَة منا وَكَانَ أمرا مقضيا. فَلَمَّا قَالَ ذَلِك استسلمت لقَضَاء الله فَنفخ فِي جيب درعها وَكَانَت قد وَضعته ثمَّ انْصَرف عَنْهَا فَلَمَّا لبست مَرْيَم درعها حملت بِعِيسَى وَكَانَت هَذِه الْوَاقِعَة فِي مفازة كَانَت ذهبت إِلَيْهَا لتسقي. وَكَانَت مَرْيَم حِين الْحمل بنت خمس عشرَة سنة وَقيل سِتّ عشر سنة وَقيل ثَلَاث عشرَة سنة. وَسَائِر الْقِصَّة فِي كتب السّير والتواريخ _ ونزول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام من السَّمَاء إِلَى الدُّنْيَا من عَلَامَات الْقِيَامَة كَمَا ذكرنَا فِي (الدَّجَّال) . وَيَقُول صَاحب (منتخب التواريخ) أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم ولد يَوْم الْأَرْبَعَاء فِي عَاشُورَاء فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من كانون الأول بعد خُرُوج الاسكندر، وعَلى قَول سنة مِائَتَيْنِ واثنين وَثَمَانِينَ وعَلى قَول آخر ثَلَاثمِائَة وَوَاحِد وَثَلَاثِينَ وعَلى قَول صَاحب (جهان آرا) ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة وَسِتِّينَ. وَكَانَ عمر مَرْيَم حينها ثَلَاثَة عشر سنة، وَبعث فِي سنّ الثَّلَاثِينَ، واستمرت دَعوته فِي حكم القيصر ثَلَاث سنوات بعْدهَا عرج إِلَى السَّمَاء، وَيَقُول صَاحب (المعارف) أَن الْإِنْجِيل نزل عَلَيْهِ وَهُوَ فِي سنّ الثَّانِيَة عشر. وعرج إِلَى السَّمَاء فِي سنّ الثَّانِيَة وَالْأَرْبَعِينَ وعَلى هَذَا القَوْل تكون مُدَّة دَعوته ثَلَاثِينَ سنة. وعَلى رِوَايَة الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله أَنه بعث فِي سنّ الثَّالِثَة عشر وَرفع إِلَى السَّمَاء فِي سنّ الثَّالِثَة وَالثَّلَاثِينَ وعَلى هَذَا التَّقْدِير تكون بعثته عشرُون سنة، وعَلى قَول الْبَعْض أَن بَين وَفَاة دَاوُد إِلَى عِيسَى ألف وَمِائَة سنة، وعَلى قَول صَاحب (جهان آرا) ألف وَثَلَاثَة وَخَمْسُونَ سنة، وَمن عروج عِيسَى حَتَّى ولادَة نَبِي آخر الزَّمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سِتّمائَة وَعِشْرُونَ سنة، وعَلى قَول صَاحب (جهان آرا) أَنَّهَا كَانَت ثَلَاثمِائَة سنة (انْتهى) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 ( [حرف الْغَيْن] ) (بَاب الْغَيْن مَعَ الْألف) الْغَالِب: اعْلَم أَن الْحَكِيم ارسطاطاليس قد صنع رِسَالَة الاسكندر فِي الاستعلام عَن (الْغَالِب والمغلوب) على حِسَاب الأبجدية ليستعملها من أجل الْغَلَبَة فِي الحروب وَالْخُصُومَة. وَتَكون فِيمَا بَين الْمُلُوك والأمراء وَالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ فِي الْخُصُومَة حِين اللجوء إِلَى الْقَضَاء وَمَا يتبعهَا من الْمُنَازعَة بَين خصمين، وَإِذا كَانَت بَين اثْنَيْنِ فَاحْسبْ اسْم كل مِنْهُمَا بِحَسب طالع وِلَادَته على حِسَاب (أبجد) ، وَإِذا كَانَ النزاع بَين مخلوقين من جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين فَاحْسبْ اسْم كل مِنْهُمَا بالطريقة نَفسهَا وَإِذا كَانَ المتنازعين من جنس وَاحِد فَاحْسبْ مَعَ اسميهما اسْم (الله) ثمَّ اطرَح مِنْهُمَا تِسْعَة _ تِسْعَة، وَالْبَاقِي من الِاثْنَيْنِ على السوَاء احفظه وَانْظُر إِلَى أَي دَائِرَة ينتمي وبهذه الطَّرِيقَة يمكنك معرفَة الْغَالِب من المغلوب، وَقَالَ ارسطاطاليس يَوْمًا للاسكندر أَيهَا الْملك إِذا أردْت أَن تعرف الْغَالِب والمغلوب من عهد آدم عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى هَذِه اللحظة، من كَانَ وَمن رَحل، فَمَا عَلَيْك سوى اتِّبَاع هَذَا الْحساب حَتَّى تعرف وَتعلم ذَلِك وَقد وزع هَذِه الرسَالَة على ثَمَانِيَة أَبْوَاب باليونانية هَذِه ترجمتها. الْبَاب الأول: وَاحِد مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الْوَاحِد / وَاحِد مَعَ ثَمَانِيَة، الْوَاحِد يغلب الثَّمَانِية / وَاحِد مَعَ سَبْعَة، الْوَاحِد يغلب السَّبْعَة / وَاحِد مَعَ سِتَّة، السِّتَّة تغلب الْوَاحِد / وَاحِد مَعَ خَمْسَة، الْوَاحِد يغلب الْخَمْسَة / وَاحِد مَعَ أَرْبَعَة، الْوَاحِد يغلب الْأَرْبَعَة / وَاحِد مَعَ ثَلَاثَة، الْوَاحِد يغلب ثَلَاثَة / الْوَاحِد مَعَ اثْنَيْنِ، الِاثْنَيْنِ يغلب الْوَاحِد / وَاحِد مَعَ وَاحِد، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب. الْبَاب الثَّانِي: اثْنَان مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الِاثْنَيْنِ / اثْنَان مَعَ ثَمَانِيَة، الِاثْنَان يغلب الثَّمَانِية / اثْنَان مَعَ سَبْعَة، السَّبْعَة تغلب الِاثْنَيْنِ / اثْنَان مَعَ سِتَّة، الِاثْنَان يغلب السِّتَّة / اثْنَان مَعَ خَمْسَة، الْخَمْسَة تغلب الِاثْنَيْنِ / اثْنَان مَعَ أَرْبَعَة، الِاثْنَان يغلب الْأَرْبَعَة / اثْنَان مَعَ ثَلَاثَة، الثَّلَاثَة تغلب الِاثْنَيْنِ / اثْنَان مَعَ اثْنَيْنِ، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب. الْبَاب الثَّالِث: ثَلَاثَة مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الثَّلَاثَة / ثَلَاثَة مَعَ ثَمَانِيَة، الثَّمَانِية تغلب الثَّلَاثَة / ثَلَاثَة مَعَ سَبْعَة، الثَّلَاثَة تغلب السَّبْعَة / ثَلَاثَة مَعَ سِتَّة، السِّتَّة تغلب الثَّلَاثَة / ثَلَاثَة مَعَ خَمْسَة، الثَّلَاثَة تغلب الْخَمْسَة / ثَلَاثَة مَعَ أَرْبَعَة، الْأَرْبَعَة تغلب الثَّلَاثَة / ثَلَاثَة مَعَ ثَلَاثَة، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب. الْبَاب الرَّابِع: أَرْبَعَة مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الْأَرْبَعَة / أَرْبَعَة مَعَ ثَمَانِيَة، الْأَرْبَعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 تغلب الثَّمَانِية / أَرْبَعَة مَعَ سَبْعَة، السَّبْعَة تغلب الْأَرْبَعَة / أَرْبَعَة مَعَ سِتَّة، الْأَرْبَعَة تغلب السِّتَّة / أَرْبَعَة مَعَ خَمْسَة، الْخَمْسَة تغلب الْأَرْبَعَة / أَرْبَعَة مَعَ أَرْبَعَة، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب. الْبَاب الْخَامِس: خَمْسَة مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الْخَمْسَة / خَمْسَة مَعَ ثَمَانِيَة، الْخَمْسَة تغلب الثَّمَانِية / خَمْسَة مَعَ سَبْعَة، السَّبْعَة تغلب الْخَمْسَة / خَمْسَة مَعَ سِتَّة، الْخَمْسَة تغلب السِّتَّة / خَمْسَة مَعَ خَمْسَة، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب. الْبَاب السَّادِس: سِتَّة مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب السِّتَّة / سِتَّة مَعَ ثَمَانِيَة، السِّتَّة تغلب الثَّمَانِية / سِتَّة مَعَ سَبْعَة، السَّبْعَة تغلب الثَّمَانِية / سِتَّة مَعَ سِتَّة، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب. الْبَاب السَّابِع: سَبْعَة مَعَ تِسْعَة، السَّبْعَة تغلب التِّسْعَة / سَبْعَة مَعَ ثَمَانِيَة، الثَّمَانِية تغلب السَّبْعَة / سَبْعَة مَعَ سَبْعَة، الْغَلَبَة تكون لطَالب الْحَرْب. الْبَاب الثَّامِن: ثَمَانِيَة مَعَ تِسْعَة، التِّسْعَة تغلب الثَّمَانِية / ثَمَانِيَة مَعَ ثَمَانِيَة، فالغلبة تكون لطَالب الْحَرْب. وَإِذا كَانَ العددان مماثلان أَي تِسْعَة مَعَ تِسْعَة فَإِن الْأَقَل عمرا أَو الْأَصْغَر يكون الْغَالِب وَهَذَا مَا هُوَ مَذْكُور ومرقوم وتفصيله فِي هَذَا (الدوبيتي) . (مَعَ المنافس من نفس الْجِنْس أَن تكون قَلِيلا هُوَ الْأَحْسَن ... ) (وَأَن تكون محتشما مَعَ الْمُخَالف بِالْجِنْسِ أفضل ... ) (وَإِذا كَانَ الْعدَد لكلينا هُوَ نَفسه ... ) (فَإِن الْغَلَبَة تكون للَّذي عمر أقل أَو أَصْغَر ... ) (فَإِذا مَا تساوى الْعمرَان ... ) (فَإِن الْغَلَبَة تكون لطَالب الشَّيْء ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 وَهَذَا الْجَدْوَل يَكْفِي ويفي لهَذِهِ الحسابات: (بَاب الْغَيْن مَعَ الْبَاء) الغب: بِالْكَسْرِ، الْعَاقِبَة، وَمن الْحمى مَا تَأْخُذ يَوْمًا وَتَدَع يَوْمًا، وَإِذا كَانَ (الرّبع) بِالْكَسْرِ فَإِن الْحمى تَأْخُذ يَوْمًا وَتَدَع يَوْمَيْنِ، والحمى الَّتِي تَأْخُذ كل يَوْم وتبرد أَو تهبط تسمى الْحمى اليومية، وَتلك الَّتِي لَا تخف وَتَكون دائمة تسمى المؤذية، وَمن هَذِه الْحمى يكون الْخَوْف من الْهَلَاك، فَإِذا مَا استمرت الْحمى المؤذية دفْعَة وَاحِدَة حَتَّى الْيَوْم الْخَامِس أَو السَّابِع ثمَّ جَاءَ الْعرق أَو خرج الرعاف، فَإِن ذَلِك دَلِيل على استعادة الصِّحَّة والشفا. وتفصيل ذَلِك مَذْكُور فِي كتب الطِّبّ: وَللَّه در الشَّاعِر: (جَاءَت الْحمى وَتركت وَجهك أصفر ورحلت ... ) (الشُّكْر مائَة مرّة أَن حَرَارَتهَا صَارَت بردا وَقضي الْأَمر ... ) (من هُوَ الَّذِي لم يرق مَائه أسفا عَلَيْك ... ) (إِذا كَانَت الْحمى، يَأْتِي الْعرق وَتذهب هِيَ ... ) (بَاب الْغَيْن مَعَ الْمِيم) الْغم: اعْلَم أَن الْهم وَالْغَم لفظان مطلقان قريبان من بعضهما، وَالْغَم هُوَ عبارَة عَن الضّيق والبرم الَّذِي يولده الانقباض والحزن وَيقْعد على الْقلب، وَهُوَ مُشْتَقّ من الْغَمَام، أَي أَنه عَارض. وَهُوَ كَذَلِك عبارَة عَن المحنة الَّتِي تحدث عِنْد عدم التَّمَكُّن من شَيْء إِرَادَة الْقلب وَالسَّعْي للاستحصال عَلَيْهِ، فيصيبنا الْحزن والندم عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 ( [حرف الْفَاء] ) (بَاب الْفَاء مَعَ التَّاء) الْفَتْوَى: اعْلَم أَن الافتاء فرض كِفَايَة. أما فرض الْكِفَايَة قد يصبح فرض عين فِي وَقت يصبح من المتوجب والمتعين اعطاء على من كَانَ الافتاء عَلَيْهِ فرض كِفَايَة. وَفِي (الْكَشَّاف) أَن لُقْمَان الْحَكِيم كَانَ يُفْتِي قبل بعثة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَمَّا بعث دَاوُد ترك لُقْمَان الافتاء. وَفِي الْكِفَايَة قَالَ إِن الْإِفْتَاء فرض كِفَايَة مثل الْقَضَاء، وَأدنى دَرَجَات فرض الْكِفَايَة هُوَ (الندبة) ، إِذا فالمندوب فِي أَمر الافتاء هُوَ من كَانَ أَهلا لذَلِك، لِأَن فِيهِ خطر عَظِيم لأجل ذَلِك هُوَ بَحر لَا يصل إِلَى شواطئه كل سابح. حَتَّى إِذا كَانَ هُوَ بِذَاتِهِ يُوصل النَّاس إِلَى بر السَّلامَة (ظهر الْمُفْتِي جسر جَهَنَّم) وَهِي إِشَارَة إِلَى أَن أَحْيَانًا هبوب رِيحه يكون شَدِيدا: {مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} فتعصف الرّيح وتتلاطم أمواج الِاشْتِبَاه والأشكال وتتراكم وَلَا ترسو وَلَا تَسْتَقِر عِنْدهَا سفية الراسخين على شاطئ التَّوْفِيق الإلهي وَلَا تتحرك فلك الْمُجْتَهدين من دون انسياب نسيم الْفَيْض اللامتناهي. أما شَرط الافتاء فَهُوَ الْإِسْلَام وَالْعقل. وَالْبَعْض قَالَ. إِن شَرط الْإِفْتَاء هُوَ نَفسه شَرط الْقَضَاء أَي الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْعَدَالَة. وَهَذَا مَا يكون من أهل الِاجْتِهَاد. وَأما الصَّحِيح فَهُوَ أَن هَذَا شَرط الْكَمَال، وَأول الشَّرْط الصِّحَّة، وأهلية الِاجْتِهَاد شَرط الأولية، وَفِي صَحِيح الْمذَاهب فِي (الْفُصُول) جَاءَ إِجْمَاع الْعلمَاء، أَن من الْوَاجِب أَن يكون الْمُفْتِي من أهل الِاجْتِهَاد من أجل أَنه هُوَ الَّذِي يبين أَحْكَام الشَّرْع هَذَا يكون مُمكنا عِنْدَمَا يكون عَالما بالدلائل الشَّرْعِيَّة. قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي بقولنَا حَتَّى يعلم من أَيْن قُلْنَاهُ. وَفِي (الغياث) جَاءَ أَن معنى هَذَا الْكَلَام هُوَ أَن لَا يُقَاس على الْمَسْأَلَة من عِنْده مَا دَامَ هُوَ لَا يعلم من أَي وَجه أعْطى الإِمَام جَوَابه على الْمَسْأَلَة الأولى. وَجَاء فِي (الْمُلْتَقط) وَغَيره، وَلِأَن جَوَابه غَالب على خطائه، فَمن الْجَائِز لنا الْأَخْذ إِذا مَا أعْطى هُوَ الْفَتْوَى حَتَّى وَلَو لم يكن الْآخِذ من أهل الإجتهاد، وَلَكِن لَا يحل لَهُ أَن يُفْتِي إِلَّا عَن طَرِيق الرِّوَايَة عَن قَول الْفُقَهَاء. قَالَ فِي (المفاتيح) وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُفْتِي عَاقِلا بَالغا عَالما باللغة والنحو وَالْأَحَادِيث الْمُتَعَلّقَة بِالْأَحْكَامِ والناسخ والمنسوخ وَالصَّحِيح والسقيم وَأَن يكون فَقِيه النَّفس عَالما بالتواريخ وسير الصَّحَابَة ومذاهب الْأَئِمَّة وأصول الْفِقْه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 وَجَاء فِي شرح (الْقَدُورِيّ) أَن الإِمَام أَبُو يُوسُف رَحمَه الله فِي هَذَا الْمَعْنى قد أَخذ الْأَمر بِشدَّة وَقَالَ، لَا يصل أحد إِلَى إِعْطَاء الْفَتْوَى إِذا لم يكن من أهل الْعقل والرأي وَإِذا لَا يعرف أَحْكَام الْكتاب وَالسّنة والناسخ والمنسوخ وأقوال الصَّحَابَة وسيرهم ووجوه الْكَلَام، وَيظْهر من هَذِه الْأَقْوَال جَوَاز الْإِفْتَاء مَعَ الِاجْتِهَاد والتقليد مَعَ أَوْلَوِيَّة الأول. أما الْآدَاب والمستحبات فِي ذَلِك هِيَ أَنه إِذا لم يكن الْمُفْتِي من أهل الِاجْتِهَاد فليجب على الْفُرُوع فَذَلِك أسلم وأحوط، وَكَذَلِكَ أَن لَا يتجرأ على الافتاء استنادا إِلَى علمه وَيَقُول لقد أجازني علمي، لَكِن عَلَيْهِ أَن يلازم الْمُفْتِينَ وَيَأْخُذ الْإِجَازَة عَلَيْهِم حَتَّى يصبح على بَصِيرَة من أمره، قَالُوا وَإِن حفظ جَمِيع كتب أَصْحَابنَا فَلَا بُد أَن يتلمذ للْفَتْوَى حَتَّى يهتدى إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَا تقدم على الْجَواب قبل الْقِرَاءَة والمطالعة الجديدة والتأمل الطَّوِيل واجتنب الْمُبَادرَة والتعجيل فِي إِعْطَاء الْجَواب، حَتَّى إِذا وَقع الْخَطَأ عذرت وَمَسْأَلَة التَّحَرِّي فِي هَذَا الْمقَام هِيَ الدَّلِيل التَّام، ويروى عَن الإِمَام الْأَعْظَم رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَنه لم يجب على كثير من الْمسَائِل الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا. وَلَا يجب الِالْتِفَات إِلَى إلحاح المستفتي، ويروى عَن أَبُو نصر رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَنه كَانَ يَقُول للَّذي يستفتيه ويلح عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ وَيَقُول لَهُ أرد جَوَاب فقد أتيت من طَرِيق بعيد: (فَلَا نَحن ناديناك من حَيْثُ جئتنا ... وَلَا نَحن عمينا عَنْك الذهبا) وَكَذَلِكَ أَن تصبح ملولا من كَثْرَة السُّؤَال وَالْجَوَاب وَأَن لَا تُعْطِي جَوَابا وَأَنت مشتت الذِّهْن، فَإِذا أجبْت فَلَا تَدعِي الْجَواب لنَفسك وَتقول أَنا أَقُول إِن الحكم كَذَا وَأَنا أُفْتِي بِكَذَا وَغير ذَلِك بل قل بالرواية عَن الْعلمَاء هَكَذَا وَفِي الْكتاب الْفُلَانِيّ هَكَذَا. وَكَذَلِكَ إِذا سُئِلَ عَن الْعِبَادَات صِحَّتهَا وفسادها وَوجه فَسَادهَا وصحتها، فاختر وَجه الْفساد، وَإِذا كَانَ السُّؤَال فِي الْمُعَامَلَات فاختر وَجه الصِّحَّة، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي (الْمُحِيط) وَفِي (الذَّخِيرَة) أَنه فِي هَذَا النَّوْع من الْمسَائِل فِي المعتقدات عَلَيْهِ أَن يخْتَار الْإِيمَان وَمهما أمكن أَلا يحكم بالْكفْر. وَأَيْضًا أَن لَا يَأْخُذ أجرا على الْإِفْتَاء نَفسه لِأَنَّهُ (طَاعَة) وَهَذِه الْمَسْأَلَة قد فصلناها فِي بَاب (الْأجر) ، وعَلى كل حَال فَإِن عدم أَخذ الْأجر فِي الْعِبَادَات أولى وَأَحْرَى لقَوْله تَعَالَى: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} ، وَأَيْضًا إِذا سَأَلَهُ أحدهم عَن جَوَاب مَسْأَلَة فَلْيقل إِنَّه على قَول الإِمَام الْأَعْظَم جوابها هَكَذَا. وَفِي بَاب السيوم من كتاب النِّكَاح لشيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده جَاءَ إِذا زوجت امْرَأَة بكر بَالِغَة شافعية الْمَذْهَب من رجل شَافِعِيّ أَو حَنَفِيّ ووالدها كَانَ غَائِبا، فَإِن هَذَا النِّكَاح يكون صَحِيحا، على الرغم من أَنه عِنْد الشَّافِعِي غير صَحِيح، لِأَن عِنْده يجب أَن يكون الزَّوْج وَالزَّوْجَة على الْمَذْهَب الشَّافِعِي، وعَلى الرغم من اعتقادنا أَن الشَّافِعِي فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 هَذِه الْمَسْأَلَة كَانَ على خطأ، إِلَّا أَن الْوَاجِب علينا أَن نعطي الْجَواب بغض النّظر عَمَّا هُوَ اعتقادنا فِي الْمَسْأَلَة. وَإِذا كَانَ السُّؤَال مَا هُوَ جَوَاب الشَّافِعِي على هَذِه الْمَسْأَلَة، فَالْوَاجِب أَن نقُول إِنَّهَا صَحِيحَة وَعند أبي حنيفَة كَذَا رَحمَه الله تَعَالَى، وَالله أعلم. وَإِذا كَانَ السُّؤَال عَن مسَائِل مؤيده (مصدقه) فَإِن على الْمُفْتِي فِيهَا (ديانَة لَا قَضَاء) مَا هُوَ حكم الدّيانَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة. فَإِذا كَانَ الْجَواب مَكْتُوبًا فَيكْتب (لَيْسَ مُصدقا، بل قَضَاء) وَإِذا كَانَ الْجَواب شفويا فَيَقُول (مُصدق، وديانة لَيْسَ سليما) . أَن لَا يُبَادر إِلَى الْجَواب فِي حُضُور شخص أعلم مِنْهُ، لَا تقريرا وَلَا تحريرا وَإِذا ورد عَلَيْهِ جَوَاب مفت آخر على مَسْأَلَة مَا وَيظْهر ان ذَلِك الْمُفْتِي قد أَخطَأ فَإِن ذَلِك الْمُفْتِي مَعْذُور فِي ترك الْجَواب ورد الْفَتْوَى إِذا مَا كَانَ مُجْتَهدا. أما إِذا كَانَ مَنْصُوص عَلَيْهِ فَهُوَ لَيْسَ مَعْذُورًا فِي الرَّد بل يحْتَفظ بِهِ أَو أَن يمزقه حَتَّى لَا يعْمل بِهِ. وَقد أورد (كَمَال البياعي) أَنه فِي الْفَتَاوَى لَيْسَ مَعْذُورًا مُطلقًا فِي ردهَا إِذا علم بخطئه وَأدْركَ أَنه سيعمل بهَا. وَإِذا وَردت عَلَيْهِ رقْعَة فِيهَا استفتاء لم يسْتَوْف الْقُيُود الأساسية لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَن لَا يُجيب عَلَيْهِ بل يُعِيدهُ للمستفتي حَتَّى يكمله، وَإِذا قَيده مَعَ التمَاس المستفتي فَإِنَّهُ غير سليم. وَعَلِيهِ أَن يُرَاعِي فِي الْقُيُود شُرُوط الإيجاز ويبتعد عَن الْأَطْنَاب وَكَذَلِكَ الحشو والتطويل، مِثَال الإيجاز: قَالَ زيد لِزَيْنَب كَذَا، وَمِثَال الْأَطْنَاب زيد الْحر والمكلف قَالَ لِزَيْنَب الْحرَّة والمكلفة كَذَا وَكَذَا. وَمِثَال الحشو زيد رجل ابْن عمر قَالَ لِزَيْنَب الْمَرْأَة وَابْنَة خَالِد كَذَا. وَمِثَال التَّطْوِيل زيد الْكَبِير فِي دَار الْإِسْلَام قَالَ على زَيْنَب الْكَبِيرَة فِي دَار الْإِسْلَام كلَاما نابيا وسبها. وَلَا يجب على الْكَلَام النابي حد الْقَذْف الَّذِي هُوَ عبارَة عَن ثَمَانِينَ جلدَة. وَيجب أَن يحْتَرز من أَن يضر الْقَيْد بالمستفتي، وَأَن لَا يُعْطِيهِ الرقعة من دون اسْتِحْقَاق الْإِجَابَة أَو أَن يكون مشعرا بالحيلة والالتباس. وَإِذا كَانَت الْمَسْأَلَة من الخلافات الَّتِي لَهَا أَكثر من قَول فيعطي الْفَتْوَى على إِحْدَى الْأَقْوَال والطريقة فِي ذَلِك أَن يعلم أَنه فِي هَذِه الْحَادِثَة لَا تُوجد رِوَايَة أُخْرَى تنقض الْفَتْوَى، حَتَّى لَا يطعن بِهِ ويتهم لَدَى الْعَامَّة. وَأَن يجْتَنب مُطلقًا تَعْلِيم الْحِيَل والتلبيس حَتَّى لَا يسْتَحق الْحجر وَالْمَنْع، وَقَالَ الإِمَام الْأَعْظَم رَحمَه الله أَن الْحجر لَا يجوز إِلَّا على ثَلَاثَة وعد الْمُفْتِي الماجن من ضمنهم. وَجَاء فِي (الذَّخِيرَة) وَقد أَمر أَن تستر عَورَة الْمُرْتَد عَن الْإِسْلَام لِأَن زَوجته قد حرمت عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أصبح كَافِرًا، نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا. وَجَاء فِي (جَوَاهِر الْفَتَاوَى) وكل مفتي حَنَفِيّ يَأْمر مُطلقَة بِالثَّلَاثَةِ أَن تنقل مذهبها إِلَى الْمَذْهَب الشَّافِعِي وتقر أَن نِكَاحهَا كَانَ بَاطِلا بِسَبَب كَونهَا من دون ولي من الْوَاجِب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 على سُلْطَان الزَّمَان أَن يزجره ويمنعه. وَقد قَالَ صَاحب (الْجَوَاهِر) لقد أستفتي أَئِمَّة بخارا عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَكَانَت إجاباتهم على هَذَا النَّحْو. أجَاب الإِمَام ظهير الدّين المرغيناني بعد قَول المستفتي كَانَ من الْوَاجِب على سُلْطَان الزَّمَان زَجره وَمنع هَذَا الْمُفْتِي وتعزيزه وَالله أعلم، وَعَن أَئِمَّة السّلف، سُئِلَ عَن مثل هَذِه الْمَسْأَلَة فَأجَاب، أعتقد هَذَا رجل خرج من دنيا الْإِيمَان وَالله العاصم. وَالْقَاضِي الإِمَام فَخر الدّين حُسَيْن بن مَنْصُور الأوزجندي أجَاب بِمثل ذَلِك وَالله أعلم. أما الإِمَام قوام الدّين الصفار فَأجَاب لَا يجب أَن يفعل وَإِن فعل فَذَلِك لَيْسَ حَلَالا. وعَلى سُلْطَان الْوَقْت أَن يزجره وَأَن يحْجر على هَذَا الْمُفْتِي وَألا يفعل مثل ذَلِك. وَلَيْسَ سليما من الْمُفْتِي أَن يقبل الْهَدِيَّة وَلَكِن إِذا قبل الْهَدِيَّة بعد الاستفتاء وَالْجَوَاب عَلَيْهِ هُوَ أقرب للْحلّ وَأبْعد عَن الرِّشْوَة. يَقُول شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده إِذا جَاءَ المستفتي بهدية إِلَى الْمُفْتِي بعد الاستفتاء وَالْجَوَاب عَلَيْهِ فَلَا عيب فِي قبُولهَا. وَيجب عَلَيْهِ أَن يحْتَاط كثيرا فِي أُمُور الْفرج بِقدر الِاسْتِطَاعَة كَمَا جَاءَ فِي (الْمُحِيط) ، وَأَن يذيل الرِّوَايَة بِلَفْظ (هُوَ الْأَصَح) أَو (هُوَ الأولى) أَو (هُوَ الْأَيْسَر) أَو (افتى بِهِ فلَان) أَو (بِهِ أَخذ فلَان) أَو (عَلَيْهِ فَتْوَى فلَان) أَو (مَا فِي هَذَا الْمَعْنى) وَيجوز للمفتي أَن يُفْتِي اعْتِمَادًا على الرِّوَايَات بِمَا خَالف ذَلِك. أما إِذا كَانَت الرِّوَايَة مذيلة بِلَفْظ (عَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَو (هُوَ الصَّحِيح) أَو (هُوَ الْمَأْخُوذ للْفَتْوَى) أَو (بِهِ يُفْتِي) وَمَا شابه ذَلِك، فَلَا يجوز عِنْدهَا للمفتي أَن يُفْتِي بِخِلَاف ذَلِك. وَقد جَاءَ فِي (الْمُضْمرَات) بعض عَلَامَات الْفَتْوَى هِيَ: (عَلَيْهِ الْفَتْوَى) _ بِهِ نَأْخُذ _ بِهِ يعْتَمد _ عَلَيْهِ الِاعْتِمَاد _ عَلَيْهِ عمل النَّاس الْيَوْم _ عَلَيْهِ عمل الِاعْتِمَاد _ هُوَ الصَّحِيح _ هُوَ الظَّاهِر _ هُوَ الْأَظْهر _ هُوَ الْمُخْتَار _ عَلَيْهِ فَتْوَى مَشَايِخنَا _ هُوَ الْأَشْبَه _ هُوَ الْأَوْجه. وَفِي حَاشِيَة (بزدوي) أَن لفظ (الْأَصَح) يَقْتَضِي أَن يكون غير صَحِيحا، أما لفظ (صَحِيح) فَلَا يَقْتَضِي أَن يكون غير صَحِيحا: (انْظُر أَيهَا الْقلب كم هِيَ شُرُوط الافتاء عِنْد الْمُجْتَهدين ... ) (وَلَكِن فِي عصرنا فَإِن للمفتي حكم العنقاء والكيمياء ... ) وَمن الحرمان والخسران أنني قضيت مُدَّة من عمري الْعَزِيز فِي طلب هَذِه الطَّائِفَة فَلم أجد إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُم الَّذين يتحلون بِهَذِهِ الصِّفَات، ولأنني حرمت من تَحْقِيق مقصودي فقد رَأَيْت كثيرا من الَّذين لَا علم لَهُم وَلَا عمل ويتصدون لهَذَا الْأَمر الْجَلِيل عَن جهل وَعدم الدّين فأنشدت قصيدة من ثَلَاثِينَ بَيْتا: (قيل الْآن كَانَ مفتي كل مَدِينَة ... على اطلَاع على الْعُلُوم الدِّينِيَّة) (وَكَانُوا من سالكي طَرِيق الله ... وَمن وارثي علم الْمُصْطَفى) (وَكَانَ علمهمْ دستورا قبل حلمهم ... عُلَمَاء فِي الْعلم وحلمهم عَامر ومعمور) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 (تنير الدُّنْيَا من نور علمهمْ ويتضوع ... الْعَالم من عطر زهورهم) (طويتهم نور تحرق الظلمَة وَلَكِن ... علمهمْ بِنَاء وَدينهمْ ثَابت) (أقلامهم تسطر علم الْغَيْب ... ورسم توقيعهم بَرِيء من الْعَيْب) (كل وَاحِد مِنْهُم فِي صفائه كَأَنَّهُ صوفي ... وَالثَّانِي أَبُو حنيفَة الْكُوفِي) (سعيت سنوات عدَّة من أجل اكْتِسَاب ... الْكَمَال جادا وجاهدا) (فدرست علم النَّحْو وَالصرْف ورأينا ... الْمنطق وَالْحكمَة وَالْبَيَان) (وَبعد أَن أنفقت السنوات فِي هَذِه الْعُلُوم ... اتجهت إِلَى علم الْأُصُول) (فَأَصْبَحت مَشْهُورا بَين الْخَاصَّة والعامة ... فِي علم الْأُصُول والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْكَلَام) (بعد ذَلِك اتجهت لعلم الْفِقْه ... وقضيت السنوات فِي ممارسته) (وَمُدَّة أُخْرَى سرا وجهرا كنت ... تركض وَرَاء الأساتذة) (وَلما أَصبَحت فِي الدُّنْيَا صَاحب علم الْعلم ... فَجعلت من الْعلم أفضل من الْعَمَل) (وَإِذا لم يبْق من الْمَرْء عَلامَة وَاسم ... فَلَا أثر لَهُ فِي هَذِه الدُّنْيَا) (من هُوَ الْمُفْتِي فِي هَذِه الْأَيَّام ... أشخص جَاهِل بعيد عَن النّسَب وحسبه عاطل) (لَك كل مَا أردْت من الفضول وَعدم الْمَعْنى ... فَهُوَ لَا يعرف من الْجَهْل الْمَوْجُود من عَدمه) (يَقُولُونَ إِن الْحق وبال ... وَالدَّم الْحَرَام حَلَال) وَهَكَذَا حَتَّى الآخر. (بَاب الْفَاء مَعَ الرَّاء) الْفرس: وَكثير من الشُّعَرَاء عرفُوا الْفرس وعدوا محاسنه بِالْفَارِسِيَّةِ والعربية وأحسنها مَا قَالَه قَائِل بِالْفَارِسِيَّةِ حَيْثُ كَانَ يصف سرعَة الْفرس فَقَامَتْ قِيَامَة السامعين وتركهم فِي حيرة من أَمرهم، فَقَالَ: (ملك الْخُيُول هُوَ إِذا مَا ركض ... صَارَت الرّيح خَلفه صَرْصَرًا) (هَكَذَا يسْرع فِي حربه وَكَأَنَّهُ ... يصل إِلَى (الْعَاقِبَة) فِي لَيْلَة وَاحِدَة) (بَاب الْفَاء مَعَ الصَّاد) الْفَصْل: وَفِي (الصراح) الْفَصْل هُوَ جُزْء من أَرْبَعَة أَجزَاء من السّنة، وَلَا يخفى أَن أَصْحَاب التنجيم قسموا السّنة إِلَى أَرْبَعَة فُصُول، وَبَيَانه فِي الْإِجْمَال أَنه فِي مُعظم المعمورة يكون الْحمل والثور والجوزاء بروج الرّبيع يَعْنِي أَنه عِنْدَمَا تكون الشَّمْس فِي هَذِه البروج يكون فصل الرّبيع، وَأما السرطان والأسد والسنبلة (الْعَذْرَاء) فَهِيَ بروج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 الصَّيف، وَالْمِيزَان وَالْعَقْرَب والقوس بروج الخريف، والجدي والدلو والحوت بروج الشتَاء. وَفِي بعض الْإِمْكَان يسمون بروج الرّبيع والصيف الشمالية، وبروج الخريف والشتاء الجنوبية، وعندما تكون الشَّمْس فِي برج الْحمل أَو الْمِيزَان يتساوى اللَّيْل وَالنَّهَار فِي كل الْآفَاق. أَي يكون اللَّيْل اثْنَتَا عشر سَاعَة وَالنَّهَار اثْنَتَا عشر سَاعَة. وَفِي بَاقِي أَيَّام السّنة، فعندما تكون الشَّمْس فِي البروج الشمالية يكون النَّهَار أطول من اللَّيْل. وَاعْلَم أَنه من أول الْحمل حَتَّى أول السرطان يزْدَاد طول النَّهَار وَيقصر اللَّيْل، إِذا فَإِن أطول نهارات السّنة وأقصر لياليها فِي أول السرطان وَمن أول السرطان حَتَّى أول الْمِيزَان يبْدَأ النَّهَار بِالْقصرِ وَيطول اللَّيْل حَتَّى يعودان للتساوي فِي أول الْمِيزَان وَمن هُنَاكَ حَتَّى أول الجدي يكون اللَّيْل أطول من النَّهَار، إِذا فَإِن أطول لَيْلَة وأقصر نَهَار فِي السّنة يكونَانِ فِي أول الجدي وَمن هُنَاكَ حَتَّى أول الْحمل يعود اللَّيْل إِلَى النُّقْصَان وَالنَّهَار إِلَى الزِّيَادَة حَتَّى يعاودان التَّسَاوِي فِي أول الْحمل. (بَاب الْفَاء مَعَ الطَّاء) الْفطْرَة: وَفِي (الْقنية) وزن أَرْبَعَة (أَقْرَان) وَنصف أَي رَطْل وَاحِد ويوزن أَرْبَعَة عشر تنكة وَثَلَاثَة عشر قرنا وَوزن نصف الصَّاع الَّذِي هُوَ أَرْبَعَة أَرْطَال مَا يعادل سَبْعَة وَخمسين تنكة وَنصف وَعشرَة أَقْرَان والرطلان الشرعيان يعادلان ثَمَانِيَة وَعشْرين تنكة وَنصف واثنتا عشر قرنا. (بَاب الْفَاء مَعَ الْقَاف) الْفَقِيه الهنداوني: هُوَ أَبُو جَعْفَر الْبَلْخِي رَحمَه الله كَانَ من أكَابِر الْفُقَهَاء والمحدثين وَذكر هَا هُنَا لِئَلَّا تعده من نسَاء الْهِنْد. (بَاب الْفَاء مَعَ اللَّام) الفلاسفة: الْحُكَمَاء. و (معجون الفلاسفة) أَو (مرهم الفلاسفة) الَّذِي يُسمى كَذَلِك مَادَّة الْحَيَاة وَيسْتَعْمل فِي معالجة الْأَمْرَاض الْبَارِدَة الَّتِي تصيب الدِّمَاغ مثل الفالج وَالنِّسْيَان وَمَا شابهها. وَهُوَ نَافِع من اجل تَقْوِيَة الدِّمَاغ وَزِيَادَة الْفَهم والتذكر والانبساط وَزِيَادَة الْعقل. وينفع من أجل الشهية واطلاق اللِّسَان وَدفع البلغم وسلس الْبَوْل وألم الظّهْر والكلية ويفيد أوجاع المفاصل وَيزِيد الْمَنِيّ وَيُقَوِّي الذّكر والباه ويطيب الْبدن ويبسط ويفرح الْقلب وَيحسن اللَّوْن ومطيب للفم ومشدد للأسنان ومضمر للثة ومزيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 لضعف الْمعدة والكبد ويوقع القولنج البلغمي والريحي وَالِاسْتِسْقَاء وبحص الكلى والمثانة وتقطع الْبَوْل وأمراض المثانة الْأُخْرَى وَهُوَ يُوَافق الْكِبَار ذَوي الطبيعة الْبَارِدَة وَلَا يُوَافق ذَوي الطبيعة الحارة، ويصلحه الحليب الطازج والاسكنجبيل. أما شرابه من مثقالين إِلَى أَرْبَعَة مثقالات، وتدوم قوته إِلَى أَربع سنوات، وَفِي نسخته اخْتِلَاف، أما فِي كتبه الشَّيْخ أَبُو عَليّ سينا وَصَاحب الذَّخِيرَة والحكيم الأرزاني فِي (القرابادينهاي) فَهُوَ. زنجبيل: فلفل، الدارفلفل (فلفل هندي) الدارصيني، قشر الهليل، أمله (أَو أملج، شجر هندي) ، قشر البليله، شيطرج الْهِنْدِيّ، زراوند مدحرج، خصية ثَعْلَب، صنوبر، عرق بابونج ونارجيل طازج، من كل وَاحِد عشرَة دَنَانِير (درم أَو دِرْهَم) ، وبزر البابونج خَمْسَة مقادير، وعنب أسود مجفف ثَلَاثُونَ مِقْدَارًا وَعسل مصفى مقدارين أَو ثَلَاثَة وتعجن بالطريقة الْمَعْرُوفَة ويصنع مِنْهَا هَذَا المعجون أَو المرهم، وَيتْرك إِلَى الْيَوْم الثَّانِي ثمَّ يسْتَعْمل. (بَاب الْفَاء مَعَ الْوَاو) الفواق: بِالْفَارِسِيَّةِ (شجك) وبالهندية (هجكى) ، وللعطاس تَأْثِير عَظِيم فِي دَفعه، يوضع ثَلَاث مقادير من حب الأيجي والفرفحين والمستكى فِي قدر من المَاء وَيُوضَع على النَّار حَتَّى يغلي ثمَّ يشرب فَإِنَّهُ يدْفع الفواق. (] حرف الْقَاف [) (بَاب الْقَاف مَعَ الْألف) القَاضِي: سَائِر أَحْكَام القَاضِي فِي كتب الْفِقْه، وَفِي (مُخْتَار الِاخْتِيَار) فِي شرح آدَاب القَاضِي أَن أَهْلِيَّة الْقَضَاء تكون للَّذي لَدَيْهِ علم الْكتاب وَالسّنة حَتَّى يحكم بِالْحَقِّ، وَأَن يكون محيطا بالحوادث والنوازل على أوسع وَجه وَمن ملاحي النُّصُوص والآيات الَّذِي يمكننا بواسطته الْوُصُول إِلَى بر الْأمان وساحل النجَاة وَهَؤُلَاء قَلَائِل. فَإِذا وَقع فِي مستنقع وَاقعَة مَخْصُوصَة وَلم يسْتَطع الْوُصُول إِلَى ملاحي النُّصُوص فَيجب أَن يسبح بِالِاجْتِهَادِ فِي كل ظَاهِرَة حَتَّى يصل وعَلى قدر استطاعته وَقدرته الْوُصُول إِلَى السَّاحِل. وَيكون الِاجْتِهَاد حجَّة عِنْدَمَا لَا يُخَالف الْكتاب وَالسّنة، وَمَعْرِفَة مَا إِذا كَانَ غير مُخَالف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 للْكتاب وَالسّنة يكون يَسِيرا إِذا مَا كَانَ عَالما بِالْكتاب وَالسّنة، إِذا فالعلم هُنَا شَرط. وَفِي (فُصُول الاستروشني) جَاءَ لتَكون قَاضِيا فَلَيْسَ شرطا أَن تكون عَالما ومجتهدا، حَتَّى إِذا جعلُوا الْجَاهِل قَاضِيا، فَإِنَّهُ يصبح قَاضِيا أما الْعَدَالَة يَقُول الْخصاف هِيَ شَرط صِحَة التَّقْلِيد. وَهَذَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، وَعند الْجَصَّاص الأولية شَرط. وَفِي (الاستروشني) جَاءَ أَن الْعَدَالَة شَرط الأولية وَفِي ظَاهر الرِّوَايَة وَفِي رِوَايَة (النَّوَادِر) شَرط صِحَة التَّقْلِيد، وَبعد عدَّة أسطر يَقُول إِن الْفَاسِق لَدَيْهِ صَلَاحِية الْقَضَاء على أصح الْأَقَاوِيل. وَقَالَ فِي (الْخُلَاصَة) الْأَصَح أَن يَصح تَقْلِيد الْفَاسِق، وَلَكِن فِي (خزانَة الْفَتَاوَى) قَالَ إِن الْجَاهِل الْوَرع أولى من الْعَالم الْفَاسِق، وَفِي (الْخُلَاصَة) و (الْفُصُول) إِذا أَخذ قَاض رشوة أثْنَاء قَضَائِهِ فَفِي أَهْلِيَّته خلاف لَدَى الْمَشَايِخ. وَالصَّحِيح أَنه لَا يصلح قَاضِيا، وَإِذا حكم فَإِن حكمه غير نَافِذ. وعندما يَأْخُذ قَاض رشوة فِي قَضِيَّة مَا أَو ابْنه أَو كَاتبه أَو أحد أعوانه بمعرفته أَو رِضَاهُ أَو بأَمْره فَإِن حكمه يكون غير نَافِذ. أما كبر السن أَو حَدَاثَة السن فَلَا دخل لَهَا فِي الْقَضَاء. لِأَنَّهُ جَاءَ فِي (الْمَبْسُوط) لشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ أَن الرَّسُول عَلَيْهِ وعَلى آله الصَّلَاة وَالسَّلَام قد عين (عتاب بن أسيد) أَمِيرا وقاضيا على مَكَّة وَكَانَ عمره ثَمَانِيَة عشر سنة. وَكَانَ فِي الشَّام أَيَّام خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَاض حَدِيث السن، وَهَذَا شكل مدخلًا للْبَعْض لِلطَّعْنِ عَلَيْهِ، فاستدعاه أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر وَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء فِي بَاب الْقَضَاء فَأجَاب عَن جَمِيعهَا صَوَابا فَمَا كَانَ من أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر وَبعد أَن تَأمل كثيرا فِي أَمْثَاله إِلَّا أَن أقره على الْقَضَاء، ويحكى أَن الْمَأْمُون بن الرشيد قلد يحيى بن الأكثم قَضَاء الْبَصْرَة وَكَانَ فِي سنّ الثَّامِنَة عشر، فطعن بَعضهم فِي حَدَاثَة سنه، فَأرْسل لَهُ الْمَأْمُون كتابا يسْأَله فِيهِ عَن عمره فَأَجَابَهُ أنني فِي مثل سنّ (عتاب بن أسيد) حِين عينه صَاحب الرسَالَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على إِمَارَة مَكَّة وقضائها. وَأورد الصَّدْر الشَّهِيد: فِي شرح آدَاب القَاضِي الْخصاف رِوَايَة عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه أَنه صعد يَوْمًا فِي مَوضِع ذِي قار إِلَى أَعلَى تلة وَقَالَ ((أَيهَا النَّاس صَادِقا، لقد سَمِعت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول مَا من ملك أَو قَاضِي إِلَّا ويأتى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة وَيُوقف أَمَام الْخَالِق تَعَالَى على الصِّرَاط ثمَّ يخرج الْمَلَائِكَة صحيفَة عمله مَعَ الرّعية هَل كَانَ عادلا أم جائرا فَإِذا كَانَ عادلا فِي الْخلق فَإِن الله تَعَالَى ينجيه بعدله وَإِذا كَانَ جائرا فَإِنَّهُ يقطع حَتَّى يكون بَين كل عُضْو من أَعْضَائِهِ وَالثَّانِي مسيرَة مائَة سنة ثمَّ يرْمى بِهِ فِي النَّار ليَكُون مَعَ الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من جَهَنَّم. وَنقل عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن بني إِسْرَائِيل يقطعون الأمل فِي أَي شخص يصبح قَاضِيا أَن يصير نَبيا. لِأَنَّهُ كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل أَن من يعبد الله سِتِّينَ سنة يطمعون أَن يَبْعَثهُ الله نَبيا، وعندما يصبح قَاضِيا يَنْقَطِع طمعهم، وَيكْتب اخْتِيَار بن غياث الدّين الْحُسَيْنِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 (مُخْتَار الِاخْتِيَار) أنني ذكرت هَذَا الحَدِيث عِنْد أحد الْكِبَار فَقَالَ، هَذَا كَانَ فِي الزَّمن الْمَاضِي، أما فِي زَمَاننَا هَذَا فَيجب أَن نغسل أَيْدِينَا من عقل كل شخص يضع قدمه فِي الْقَضَاء، اللَّهُمَّ احفظنا من شرور أَنْفُسنَا من سيئات أَعمالنَا وَللَّه در من قَالَ: (ذهب شخص من فاذقان إِلَى القَاضِي فِي اردو ... حَتَّى يرضى وَلكنه لم يفعل) (فَأعْطَاهُ أخيرا حمارا رشوة ... فَإِذا لم يكن حمارا لم يصبح قَاضِيا) (بَاب الْقَاف مَعَ الْبَاء) الْقَبْر: مَا يدْفن فِيهِ الْمَيِّت، فِي مَجْمُوعَة الرِّوَايَات من الْجَامِع الصَّغِير الخاني ويرش على الْقَبْر المَاء كَيْلا ينتشر بِالرِّيحِ، وَفِي (جنَّة المريدين) عِنْدَمَا يهال التُّرَاب على الْقَبْر ويسوى مَعَ الأَرْض، فَإِنَّهُ يراق عَلَيْهِ المَاء من الرَّأْس حَتَّى آخِره، لِأَن الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ (إِن رش المَاء أَمَان من عَذَاب الْقَبْر) ، وَفِي (الْجَوَاهِر الْخَمْسَة) مَكْتُوب أَن كل من يكْتب على يَد الْمَيِّت هَذَا الِاسْم (يَا كريم الْعَفو ذَا الْعدْل؟ أَنْت الَّذِي مَلأ كل شَيْء عدله يَا كريم) أَو أَن يَضَعهَا فِي ورقة فِي الْقَبْر فَإِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وبفضله يَجْعَل القبره رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَيرْفَع عَنهُ الْعَذَاب، يجب كتاب (مِيم) كريم و (لَام) عدل مضمومتين، وَبعد الذَّال تكْتب ألف فِي (ذَا الْعدْل) وَلَيْسَ (واوا) أَي (ذُو الْعدْل) ، وَهنا لَا يجب الْأَخْذ بقانون النُّحَاة. وَيجب الْأَخْذ بقانون (مرشد النجَاة) . الْقبُول: بِالْفَتْح، من المصادر الشاذة وَالْقِيَاس الضَّم، وَجَاء الْقبُول بِالْفَتْح بِمَعْنى ريح الصِّبَا ويقابلها الدبور، وَاعْلَم أَن فَائِدَة الدبور أَنَّهَا تفرق الْغَيْم وترفع الْهَوَاء إِلَى الْأَعْلَى وعندما يرْتَفع تبقى الدبور تَحت الْغَيْم عِنْدهَا تتلاقى مَعَ ريح الصِّبَا، فتجمع السَّحَاب المتفرق إِلَى بعضه ليشكل سَحَابَة وَاحِدَة ليهطل الْمَطَر بعْدهَا فَتكون سَببا فِي الطراوة ونمو الْأَشْجَار، وَإِلَى هَذِه الْفَائِدَة أَشَارَ الْعَلامَة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي التَّلْوِيح حَيْثُ قَالَ، وَالْعرب يزْعم أَن الدبور تزعج إِلَى آخِره، فَذكره اتِّفَاقًا للتّنْبِيه على أَن لريح الصِّبَا فَائِدَة _ وللدبور فَائِدَة أُخْرَى، سُبْحَانَكَ مَا خلقت هَذَا بَاطِلا. (بَاب الْقَاف مَعَ اللَّام) قلب قاب القوسين: القاب الْمدَار والقوسان هما القطعتان الحاصلتان من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 الدائرة إِذا نصفت والخط الْمنصف هُوَ قلبهما مَحْبُوب / محب وَهَذَا الْكَلَام وَقع فِي (نزهة الْأَرْوَاح) فِي نعت خَاتم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي هَذِه الْقطعَة: (رَسُول الشرق وَالْمغْرب وَإِمَام الْإِنْس وَالْملك ... ) (وعَلى بِسَاط الشّرف فَارس فرسَان الكونين ... ) (وَهُوَ فِي الْقوس الْأَعْلَى من صف الدَّعْوَى ... ) (وَدَلِيل ذَلِك أَنه قلب قاب القوسين ... ) وَيَقُول الموحد عبد الْوَاحِد بلكرامي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح هَذِه الأبيات أَن لرسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوس الرُّتْبَة الْعليا فِي الْعِشْق الَّذِي تدل على وَصفه عَلامَة النُّبُوَّة يَعْنِي أَن توجه قلبه دَائِما لمقام (قاب قوسين) وقاب القوسين هُوَ مِقْدَار قوسين، وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} أَي كَانَ دنوه أقرب لقرب قاب قوسين. وَهَذَا من جملَة المتشابهات حَتَّى يعلمهَا الْعَارِف بِنور مَعْرفَته ويصدقها الْمُؤمن الصَّادِق بعقيدته وَيهْلك الْجَاهِل الْمُنكر، كَمَا أَن أَبَا جهل ضحك وَفَرح عِنْد سَمَاعه قصَّة الْمِعْرَاج وَقَالَ، أَولا كَانَ مُحَمَّد يَقُول إِن جِبْرِيل يَأْتِيهِ من السَّمَاء وَنحن لم نصدق وَلم نعتقد أَو نؤمن، والآن لقد جَاءَنَا بِمَا هُوَ أعجب من ذَلِك أَنه ذهب لَيْلَة إِلَى السَّمَاء وَعَاد، وأعتقد أَن أحدا لن يصدق هَذَا، حَتَّى ذهب إِلَى الصّديق وَقَالَ: مَاذَا تَقول فِي حق أساطير مُحَمَّد، أَنه يَقُول إِنَّه ذهب لَيْلَة إِلَى السَّمَاء وَحكى عدَّة آلَاف حِكَايَة وَقَالَ كلَاما كثيرا وعندما انْتَهَت الرحلة عَاد فِي اللَّيْلَة ذَاتهَا، فَقَالَ الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لقد آمَنت بِمُحَمد وَبِمَا يَقُوله من الْبِدَايَة، ألم يقل إِن جِبْرِيل يتنزل عَلَيْهِ من السِّدْرَة (انْتهى) . اعْلَم أَن الْخط الْمنصف للدائرة يُقَال لَهُ قلب ال (قاب قوسين) وَهُوَ خطّ وهمي، وَيُسمى كَذَلِك بالبرزخ ومقام التنزل الأول والحقيقة المحمدية. وَإِذا لم يكن هَذَا الْخط فِي وسط الدائرة، فَإِن الدائرة تكون سرا مخفيا، وَلَا يمتاز فِيهَا الْمُحب والمحبوب _ والعارف وَالْمَعْرُوف _ والخالق والمخلوق _ وَالْعَابِد والمعبود، كَيفَ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّعَدُّد وَلَا تعود فِي تِلْكَ الْمرتبَة. (وَالْحَاصِل) أَن معنى الْبَيْت الْمَذْكُور هُوَ لما أَرَادَت الْإِرَادَة الأزلية للذات الإلهية ذَات الْجلَال وَالْعَظَمَة أَن تظهر، ظهر هَذَا الْخط فِي وسط الدائرة وَجعل نصف الدائرة للمحب وَالنّصف الآخر للمحبوب. وَالدَّلِيل على سيد الكائنات عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ هَذَا الْخط الْفَارِق فِي وسط الدائرة، والشاعر يُرِيد أَن يَنْزعهُ من وسط الدائرة حَتَّى تتوحد الدائرة ويلغي الثنائية الَّتِي أوجدها هَذَا الْخط كَذَلِك بَين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 الْمُحب والمحبوب، وَلِهَذَا الْكَلَام مقَام عَظِيم لَا يَعْلُو معارجه وَلَا يسمو مدارجه إِلَّا من هداه الله تَعَالَى بأسراره وَأَتَاهُ بقلب سليم ... قصيدة لِلْكَاتِبِ باللغة الْهِنْدِيَّة من تِسْعَة أَبْيَات. (بَاب الْقَاف مَعَ الْمِيم) الْقَمَر: كتب صَاحب (مطالع الْقَمَر) يَقُول إِنَّه لما ارتحل الْحَكِيم الْمُحَقق مَا شَاءَ الله الْمصْرِيّ عَن هَذِه الدُّنْيَا وإلتحقت روحه بالباري عز وَجل تاركة القفص الطيني، وجدوا فِي خزانَة كتبه صندوقا، نزعوا أقفاله فوجدوا فِيهِ قدرا من الْحَرِير الْأَبْيَض كتب عَلَيْهِ هَذَا الْفَصْل الَّذِي محصلته مَا يَلِي: كل من يُبَاشر عملا وَيكون الْقَمَر فِي برج الْعَقْرَب أَو السنبلة (الْعَذْرَاء) فَإِنَّهُ سَوف ينْدَم، وكل من يرتدي لباسا جَدِيدا وَالْقَمَر فِي برج الْأسد، يكون بَين النحسين وَيَمُوت فِيهِ (أَي اللّبْس) ، وكل من يُسَافر وَالْقَمَر فِي طَرِيقه إِلَى الْمُحْتَرِقَة لَا يرجع إِلَّا بِعَذَاب وصعوبة وَأَكْثَره أَن لَا يعود إِلَى وَطنه. وكل من يتَزَوَّج وَالْقَمَر فِي منزلَة سعد ذابح فَإِنَّهُ سيطلق فِي المحاق قبل الِاجْتِمَاع. وَإِذا مَا اجْتمع رجل مَعَ امْرَأَة فإمَّا أَن يَمُوت فِي هَذِه السّنة أَو أَنه سيفارقها بِصُورَة وَطَرِيقَة وَلَا أقبح مِنْهَا. وكل من ينْكح وَالْقَمَر فِي منزلَة (زبانا) فَإِن زوجه تَمُوت فِي المحاق. وَهُنَاكَ أَحْكَام أُخْرَى للمواليد من النَّاس ذكرهَا هُنَا، وَهِي إِذا كَانَت الْكَفّ المخضبة فِي طالع الرجل حِين وِلَادَته فَإِنَّهُ لَا يتَزَوَّج أبدا، وكل مَوْلُود يُولد والزهرة وَعُطَارِد (اوفا) خَالَة بالمريخ فَإِن هَذَا الْمَوْلُود حتما سيدعو النَّاس إِلَيْهِ حَتَّى وَلَو كَانُوا تَحت الأَرْض الثَّانِيَة دَعْوَة خُفْيَة، وَإِذا كَانُوا فَوق الأَرْض فَإِنَّهَا تكون دَعْوَة عَلَانيَة وَإِذا ابتدأت بِالْخُصُومَةِ وَالْقَمَر فِي برج النحس، فَإنَّك تغلب، وَيَقُول أَن لَا تُسَافِر إِذا كَانَ أحد النيرين فِي طالعك فَإنَّك لن تعود أَو تمرض وَكلما كَانَ الطالع نحسا فِي وَقت السّفر فَإِن صَاحب الطالع مسعودا، فَهُوَ يدل على صِحَة الْبدن، وَكلما كَانَ الطالع سَعْدا، وَصَاحب الطالع منحوسا، فَهُوَ يدل على موت مفاجئ. وَإِذا كَانَ الْقَمَر فِي برج الْقوس فَلَا تُسَافِر لِأَنَّهُ يسبب فِي تَأْخِير الْأُمُور، وَلَا تقدم على الزواج حِين يكون الْقَمَر فِي برج السرطان لِأَنَّهُ لَا خير فِيهِ، وَلَا تكْتب شَيْئا وَالْقَمَر فِي الطالع فَإِنَّهُ لَا يستحسن، وَإِذا كَانَ الْقَمَر خَالِي السّير فَإِن الْوَقْت يكون مناسبا للصَّيْد وَالرُّكُوب والتبطل والاختلاء وَالشرب والضيافة. وَإِذا كَانَ الْقَمَر فِي الرَّأْس فَإِنَّهُ من الْحسن زِيَارَة السُّلْطَان والحكام وَطلب الْحَاجة مِنْهُم. (انْتهى) . والضابطة المضبوطة فِي معرفَة أَن الْقَمَر فِي أَي برج من بروج الْفلك فِي هَذِه الْقطعَة: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 (كل مَا يَأْتِي من الْقَمَر أَجله ... مثنى وأضف عَلَيْهَا خَمْسَة) (ثمَّ خُذ خَمْسَة مِنْهَا من مَوضِع الشَّمْس ... فَإنَّك ستعرف البرج وَمَكَان الْقَمَر) وتوضيحها هَكَذَا، إِذا أردْت أَن تعرف مَكَان الْقَمَر فِي أَي برج هُوَ، فَانْظُر كم مضى من الشَّهْر ثمَّ ضاعفه وأضف عَلَيْهِ خَمْسَة من عنْدك ثمَّ احسب من البرج الَّذِي تكون فِيهِ الشَّمْس خَمْسَة، ثمَّ زد عَلَيْهَا وَاحِدًا وَبعدهَا كل زِيَادَة تبقى تنظر أَي برج توَافق فَيكون الْقَمَر فِيهَا. وَمِثَال ذَلِك، الْيَوْم هُوَ الْحَادِي عشر من شهر شعْبَان سنة (1171) هجرية إِذا فقد ذهب من الشَّهْر أحد عشر يَوْمًا، فتضاعفه فَيُصْبِح اثْنَان وَعشْرين فنضيف عَلَيْهِ خَمْسَة ليُصبح سَبْعَة وَعشْرين، فَإِذا نَظرنَا وجدنَا الشَّمْس فِي برج الْحمل، ثمَّ نقسم الْخَمْسَة وَالْعِشْرين على خَمْسَة فَيبقى لدينا اثْنَان فَنَضْرِب هَذَا الْعدَد بِسِتَّة فَيُصْبِح اثْنَتَا عشر وَهُوَ مِقْدَار الدرجَة، مثلا _ الْحمل _ الثور _ الجوزاء _ السرطان _ الْأسد _ السنبلة (الْعَذْرَاء) ، إِذا حينها نَعْرِف أَن الْقَمَر فِي برج السنبلة (الْعَذْرَاء) وَقد قطع اثْنَتَا عشرَة دَرَجَة مِنْهُ. وضابطة أُخْرَى: (اضْرِب أَيهَا الْقَائِد الْأَيَّام الَّتِي قضيت من الشَّهْر بِثَلَاثَة ... ) (عشر ثمَّ اضف عَلَيْهَا ثَلَاثَة عشر ... ) (ثمَّ قسم الْحَاصِل ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ ... ) (ووزعها على الشُّهُور من حَيْثُ هِيَ الشَّمْس فتعرف الْقَمَر ... ) أَي نحسب كم مضى من الشَّهْر فنضربه بِثَلَاثَة عشر ثمَّ نضيف عَلَيْهِ ثَلَاثَة عشر ونقسم الناتج ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ وَتُعْطِي كل ثَلَاثِينَ لكل شهر ابْتِدَاء من الشَّهْر الَّذِي تكون فِيهِ الشَّمْس والشهر الَّذِي نصل إِلَيْهِ أخيرا يكون فِيهِ الْقَمَر. مُلَاحظَة: يمكننا حِسَاب الدَّرَجَات بِهَذِهِ الطَّرِيقَة، نعد الْأَيَّام الَّتِي خلت من الشَّهْر ونضيف إِلَيْهَا (وَاحِد) فنعرف بذلك مِقْدَار الدَّرَجَات الَّتِي قطعت. الْقُنُوت: وَقَالَ الشَّيْخ الْأَجَل عبد الْحق الدهلوي رَحمَه الله فِي شرح (سفر السَّعَادَة) . قَالَ الْبَعْض أَن فِي أَوله سبع كَلِمَات (نؤمن _ نثني _ نشكرك _ نخلع _ نسجد _ نحفد _ نرجو، لَا حَاجَة للإتيان بِالْوَاو) وَقَالُوا إِنَّه من الأولى الْإِتْيَان بِالْوَاو، لِأَن الْإِتْيَان بواو الْعَطف يُوجب الثَّنَاء وتعدد الأثنية كَمَا هُوَ فِي التَّشَهُّد. (انْتهى) . وَهَذِه الْقطعَة على رِوَايَة ذَلِك الْبَعْض: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 (هن سبع كَلِمَات فَلَا تَأتي بِالْوَاو فِي الْقُنُوت ... ) (كَذَلِك نقل ابْن مَسْعُود عَن شَفِيع الْمُجْرمين ... ) (نؤمن ونثني ونسعى نخلع ونسجد وَأُخْرَى ... ) (نحفد وَنَرْجُو وَرَحْمَة وكل من دون الْوَاو فَاعْلَم ... ) ( [حرف الْكَاف] ) (بَاب الْكَاف مَعَ الْبَاء) الْكَبِيرَة: مَا كَانَ حَرَامًا مَحْضا، وَقد أورد الشَّيْخ أَبُو طَالب الْمَكِّيّ قدس سره فِي (قُوَّة الْقُلُوب) ، أَن الْكَبَائِر سَبْعَة عشر، أَرْبَعَة فِي الْقلب: وَهن: الاشراك، والاصرار على حب الْمعْصِيَة، وَالْقَصْد عِنْدَمَا يعْتَقد أَنَّهَا صَغِيرَة، واليأس من روح الله، وَأَرْبَعَة فِي اللِّسَان: وَهن: شَهَادَة الزُّور المعطلة للحق، وَالسحر، وَالْقسم الْكَاذِب، وَالْقَذْف الْمُوجب للحد. وَثَلَاثَة فِي الْبَطن: شرب الْخمر، وَمَال الْيَتِيم والربا، وَاثْنَتَانِ فِي الْفرج: الزِّنَا واللواط، وَاثْنَتَانِ فِي الْيَد: وهما فِي غَايَة السوء، السّرقَة وَالْقَتْل بِغَيْر حق، وَوَاحِدَة فِي الرجل: الْهَرَب من قتال الْكَافرين، وَآخر الْأَشْيَاء وتتعلق بِجَمِيعِ الْجَسَد وَهِي: (عقوق الْوَالِدين) . (بَاب الْكَاف مَعَ الْحَاء) الْكحل: بِالضَّمِّ المَال الْكثير والأثمد، وكل مَا يوضع فِي الْعين للشفاء والجلاء، وَقد تعرفت أَنا جَامع هَذِه الْجَوَاهِر الزواهر وبسبب من المطالعة وَكِتَابَة الْكتب والتحشية لذَلِك، فقد كَانَ جلّ عَمَلي فِي ذَلِك، فقد كنت أكتب كل يَوْم جزوتين وَنصف واقراء مَعَ قدمي الأجلاء مَا يُقَارب الْأَرْبَعَة عشر كتابا مَعَ التَّحْقِيق والتدقيق كل يَوْم. وأقضي أَكثر اللَّيْل فِي المطالعة والتحشية، وَلما بلغت سنّ الرَّابِعَة وَالْعِشْرين أصَاب الضَّرَر عَيْنَايَ فَبَقيت خمس سنوات انْقَطَعت فِيهَا علاقتي بالكتب إِلَّا من خلال الأعزاء فَلم يكن لي قدرَة على رُؤْيَة الْكتب وَالْكِتَابَة، حَتَّى عجز الْأَطِبَّاء على مداواتي مِمَّا أوصلني إِلَى الْيَأْس: (يَكْفِي أملا عِنْد فقدان الأمل ... أَن آخر سَواد اللَّيْل النُّور) وَفِي أحد الْأَيَّام لاحظ جَامع الكمالات المرحوم ميرزا عبد الْملك بيك الَّذِي كَانَ يسكن فِي (كوتله) فِي خَان الْأَئِمَّة الاثنا عشر الْكِرَام على جدهم الأقدس وَعَلَيْهِم الصَّلَاة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 وَالسَّلَام وَكَانَ بيني وَبَينه مَوَدَّة وإخلاص، الْوَضع الَّذِي عَلَيْهِ عَيْني فتأسف لذَلِك، وَقَالَ إِن لدي وَصفَة إِذا صنعتها ووضعتها فِي عَيْنَيْك فَإنَّك وَمن عِنْد الْحق الشافي والأمل كَبِير وصادق سَوف تشفى من الإحمرار والضفر وَجَمِيع الْأَمْرَاض الَّتِي تصيبها، فَأخذت الوصفة وطبقتها، وَمن الْيَوْم الأول لاستعمالها تكرم عَليّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالشفاء، وَبعد ثَلَاثَة أَيَّام شفيت تَمامًا. وَأَنا مُنْذُ ذَلِك الْوَقْت حَتَّى هَذَا الْوَقْت أقوم باعطاء هَذِه الوصفة للنَّاس، وكل من استعملها نفعته بِفضل الله. والوصفة هِيَ (الْكحل) ، توتياء هارونية أَرْبَعَة مقادير، حجر بَصرِي أصفر مِقْدَار وَاحِد، زبد الْبَحْر سِتَّة أَقْرَان، وَوَاحِد من الميرميران _ قرنفل _ مرج أَبيض من كل وَاحِد قرنان، ويطحن كل وَاحِد مِنْهَا على حدا ثمَّ يخلطون ويوزن الخليط ثمَّ يوضع فِي مَاء الخزام المغلي لمُدَّة أسبوعين ثمَّ يرفع وَبِمَا أَنه سَيبقى من المَاء نصفه، فتضاف هَذِه الخميرة إِلَى حجر السماق المطحون فِي هاون حَتَّى تنشف وتجف، فنعمد بعْدهَا لَيْلًا إِلَى إِدْخَال المسحوق فِي الْعين بميل من الْفضة أَو الذَّهَب، ليقضي على الظلام والاحمرار والضفر، وَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ نَافِع لجَمِيع أمراض الْعين، وكل من ينْتَفع بِهَذَا الْكحل عَلَيْهِ أَن يَدْعُو بالمغفرة للمرحوم الميرزا عبد الله بيك، وَإِذا مَا أَرَادَ أَن يَدْعُو لنا، وَالله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ. وَصفَة أُخْرَى وَقد وصلتني فِي هَذِه الْأَيَّام وَلها فَوَائِد كَثِيرَة لجِهَة دفع غشاوة وإحمرار وضفر الْعين وَزِيَادَة الضَّوْء، وَهِي مجربة، وكل شخص يكون بحاجة إِلَى نظارة ويستعملها هَذِه الوصفة فَإِنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْهَا لذَلِك سمي هَذَا الْكحل ليكحل النظارة وَطَرِيقَة صنعه هَكَذَا، مِقْدَار من التُّرَاب الْأَحْمَر من (ديكدان حلوائي) حبتان وَنصف من الفلفل الْحبّ، ورقتان من شجر (النيم) وتوضع جَمِيعهَا فِي قماشة وتسحق جيدا. (بَاب الْكَاف مَعَ السِّين) كسْرَى: اسْم نوشيروان وَهُوَ كَانَ سُلْطَان زَمَانه عادلا تولد نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي زَمَانه قيل لما فتحت خزانَة كسْرَى وجد فِيهَا لوح من زبرجد كتب عَلَيْهِ خَمْسَة أسطر: أَولهَا: من لَا مَال لَهُ لَا جاه لَهُ. وَالثَّانِي: من لَا أَخ لَهُ لَا عضد لَهُ. وَالثَّالِث: من لَا زَوْجَة لَهُ لَا عَيْش لَهُ. وَالرَّابِع: من لَا ابْن لَهُ لَا عين لَهُ. وَالْخَامِس: من لَا يكون لَهُ من هَذِه الْأَرْبَعَة شَيْء لَا هم لَهُ وَلَا غم لَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 (بَاب الْكَاف مَعَ الْوَاو) الْكَوْثَر: نهر فِي الْجنَّة وعَلى هَذَا النَّحْو تسيل من الْقَلَم قصَّة هِيَ أَنه لما أَمر ملك (دلهي) جلال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر الشَّيْخ الفيضي بِالسَّفرِ سفيرا لَهُ إِلَى برهَان نظام شاه وَالِي (أَحْمد نكر) فَأرْسل هَذَا الْأَخير عريضته إِلَى الْملك من (أَحْمد نكر) يَقُول: إِن مَوْلَانَا الظهوري ينْقل، أَنه فِي يَوْم مَا اجْتمع عدد من شرفاء مَكَّة المعظمة فِي حديقة أحدهم حول الْحَوْض وَأخذُوا يتبادلون الحَدِيث، وعَلى التَّقْرِيب المعظمة. قَالَ أحد الْأَشْخَاص من سكان مَا وَرَاء النَّهر أَنه غَدا سيجلس أَرْبَعَة أَحيَاء على الزوايا الْأَرْبَعَة لحوض الْكَوْثَر ويسقون الْمُؤمنِينَ المَاء. فَوقف عِنْدهَا مَحْمُود الصّباغ النَّيْسَابُورِي وَقَالَ هَذَا قَول غير مَعْقُول إِن حَوْض الْكَوْثَر دائري وساقيه هُوَ المرتضى عَليّ وهرب. (] حرف اللَّام [) (بَاب اللَّام مَعَ السِّين) اللسع: وَهُوَ عضة الْحَيَّة، بالغين الْمُعْجَمَة. قَالَ حُسَيْن الْفُضَلَاء الْحُسَيْن بن معِين الدّين الميبذي رَحمَه الله فِي (الفوائح) روى أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن جِبْرَائِيل جَاءَ وَقَالَ يَا رَسُول الله إِن فُقَرَاء أمتك سيدخلون الْجنَّة قبل أغنيائها بِخَمْسِمِائَة سنة، ففرح رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ أَلَيْسَ بَيْنكُم من يَقُول الشّعْر، فَقَامَ أحدهم وَقَالَ: (قد لسغت حَيَّة الْهوى كَبِدِي ... فَلَا طَبِيب لَهُ وَلَا راقي) (إِلَّا الحبيب الَّذِي شغفت بِهِ ... فَعنده رقيتي وترياقي) وَقد تَرْجمهُ عَن أَصله بِالْعَرَبِيَّةِ إِلَى الفارسية الجامي قدس سره السَّامِي. عِنْد سَماع النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه هَذَا الشّعْر وصلوا إِلَى مرتبَة الوجد فَسقط رِدَاءَهُ عَن كَاهِله الْمُبَارك عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلما انْتَهوا من ذَلِك عَاد كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى مَجْلِسه، فَقَالَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، مَا أحسن لعبكم يَا رَسُول الله، فَقَالَ الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ((يَا مُعَاوِيَة، لَيْسَ بكريم من لم يَهْتَز عِنْد سَماع ذكر الحبيب)) . بعْدهَا قطع رِدَاءَهُ إِلَى أَرْبَعمِائَة قِطْعَة وَأعْطى كل وَاحِد وصلَة مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 وَفِي الْحصن الْحصين: من كَلَام سيد الْمُرْسلين، ويرقى اللديغ بِالْفَاتِحَةِ سبع مَرَّات، ولدغت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عقرب وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا فرغ قَالَ: لعن الله الْعَقْرَب لَا تدع مُصَليا وَلَا غَيره. ثمَّ دَعَا بِمَاء وملح وَجعل يمسح عَلَيْهَا وَيقْرَأ: {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} {وَقل أعوذ بِرَبّ الفلق} {وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس} . (انْتهى) . ولمداواة سم الْعَقْرَب هُنَاكَ أدوية كَثِيرَة لَكِنَّهَا تتَوَقَّف على موافقتها للمزاج، وَلَكِن يجب الانتباه أَنه فِي حَال لسعة الْعَقْرَب أَن لَا يَأْكُل الملسوع أَو الملدوغ الكرفش أَو أَن يُطلق الرّيح وَإِلَّا إِذا أكل الكرفش فَإِنَّهُ يَمُوت. (بَاب اللَّام مَعَ الْيَاء) لَيْلَة الرغائب وَلَيْلَة الْبَرَاءَة: كَمَا قَالَ زين الْمُحدثين الشَّيْخ عبد الْحق الدهلوي رَحمَه الله فِي رِسَالَة (موصل المريد إِلَى المُرَاد) أَن طَرِيق الْمُحدثين هُوَ أَخذ الْعَمَل بالمنصوص. الَّذِي ثَبت بِالنَّقْلِ الصَّحِيح، أَو جَوَاز الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَلَا سِيمَا عِنْدَمَا تَتَعَدَّد الطّرق وتتعاضد. وَطَرِيقَة الْفُقَهَاء اعْتِبَار الْمَعْنى وَعلة الحكم قَاعِدَة الْبَاب. باستثناء أَن يَقع نَص فِي مقابلها كَمَا ثَبت فِي تَحْقِيق الْقيَاس وَأكْثر صلوَات الْأَيَّام والأسابيع وَالْأَشْهر ومراسيم لَيْلَة الرغائب تكون لَيْلَة الْجُمُعَة الأول من رَجَب تقضى بشكل وَكَيْفِيَّة خَاصَّة وَالْمَشْهُور فِي أوساط الْمَشَايِخ هُوَ من هَذَا الْقَبِيل، وَقد أَنْكَرُوا إِنْكَار غَرِيبا على من يمْنَع أَو يشنع عَلَيْهَا. والْحَدِيث الَّذِي ينقلونه فِي هَذَا الْبَاب مطعون فِيهِ. وَكَذَلِكَ الصَّلَوَات الَّتِي تصلى فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَالَّتِي يسميها الْعَامَّة بليلة الْبَرَاءَة وَكَذَلِكَ فِي يَوْم عَاشُورَاء وأمثال ذَلِك لَهَا الحكم نَفسه. وَكَذَلِكَ قيام اللَّيْل وَتَطْوِيل السَّجْدَة والدعاة وزيارة الْقُبُور وَالدُّعَاء لأَهْلهَا وَالِاسْتِغْفَار لَهُم. فَلم يثبت سوى الصَّوْم والتوسعة فِي الطَّعَام يَوْم عَاشُورَاء، وَأَحَادِيث التَّوسعَة فِي الطَّعَام ضَعِيفَة وتعدد الطّرق أنقص من جبرها، أما فِيمَا يخص صَوْم يَوْم عَاشُورَاء فقد ورد التَّأْكِيد التَّام عَلَيْهِ. وَطَرِيقَة أَكثر مَشَايِخ ديار الْعَرَب، خُصُوصا أهل الْمغرب مُوَافقَة لطريقة الْمُحدثين. وَقَالَ: فِي الْأَخْذ بِالصَّحِيحِ كِفَايَة من الطَّالِب واستغناء عَمَّا سواهُ. (انْتهى) . وَقد قَالَ فِي شرح (سفر السَّعَادَة) فِي بَاب صَلَاة الرغائب أَنه لم يتَبَيَّن شَيْء فِي صَلَاة الرغائب وَصَلَاة النّصْف من شعْبَان وَصَلَاة الْإِيمَان، وَصَلَاة النّصْف من رَجَب وَصَلَاة لَيْلَة الْقدر، وَصَلَاة كل من رَجَب وَشَعْبَان ورمضان، وَهَذِه الصَّلَاة وأمثالها كتبت فِي أوراد بعض مَشَايِخ الطَّرِيقَة واقترنت بهم، والْحَدِيث لم يبلغ الصِّحَّة لَدَى مَشَايِخ الحَدِيث وَبَعْضهمْ يرى فِيهِ مُبَالغَة عَظِيمَة. وَقد قَالَ السَّيِّد أَحْمد بن زَرُّوق وَهُوَ من مشاهير مَشَايِخ ديار الْعَرَب فِي وَصَايَاهُ، ((لَا تقل بِصَلَاة الْأَيَّام والأسابيع)) . (انْتهى) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 (] حرف الْمِيم [) (بَاب الْمِيم مَعَ الْألف) المَاء: يجب الْعلم أَن مَاء الْعَالم على نَوْعَيْنِ من الْعُيُون وَمن الْعُيُون أما مَاء الْعُيُون الأول فَهُوَ لغسل الرسائل وَأما مَاء الْعُيُون الثَّانِي فلغسل الثِّيَاب وَلأَجل غسل الرسائل أذرف الدمع وَمن أجل غسل الثِّيَاب اسْتعْمل (الْمسك) كِنَايَة عَن المَاء (بَاب الْمِيم مَعَ التَّاء) الْمثل والمثال: قَالَ الْفَاضِل النامي الْعَلامَة مير عبد الْجَلِيل البلكرامي رَحْمَة الله عَلَيْهِ: (مثل على علمه إِذا مَا سمع ... فقد صنع أفلاطون من الْمثل أَشْيَاء) والمثل الأفلاطوني جَاءَ على عدَّة معَان: أَحْيَانًا يُرَاد بِهِ، الماهيات الْكُلية الْمُجَرَّدَة عَن عوارض الأبدية والأزلية وَلَا تغير وَلَا فنَاء فِيهَا باستثناء أَفْرَاد هَذِه الماهيات. وَأَحْيَانا يُرَاد بِهِ الْعَالم الْمِثَال الْمُتَوَسّط بَين عَالم الْغَيْب وعالم الشَّهَادَة. وَأَحْيَانا يُرَاد بِهِ الصُّور العلمية الإلهية الْقَائِمَة بِالذَّاتِ الإلهية وَلَيْسَ بِذَات الله. وَأَحْيَانا يُرَاد بِهِ الْجَوَاهِر الْمُجَرَّدَة الَّتِي تسمى أَرْبَاب الْأَنْوَاع، أَي من كل نوع فَرد مُجَرّد من الْمَادَّة الأزلية والأبدية الَّتِي تكون جَمِيع إضافات الكمالات على كل أَفْرَاد هَذَا النَّوْع مُتَعَلقَة بِهِ وَهُوَ بِلِسَان الشَّرْع ملك الْبحار وَملك الْجبَال وَغير ذَلِك فَافْهَم واحفظ أَيهَا الْقَارئ. المثلث: كتب الْحَكِيم الأرزاني رَحمَه الله فِي (القرابادين القادري) أَن المثلث عِنْد جُمْهُور الْأَطِبَّاء عبارَة عَن الشَّرَاب الْمُسْتَخْرج من عصير الْعِنَب الَّذِي يغلى حَتَّى يذهب ثلثه، وَهُوَ مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاء كَذَلِك، وَلَكِن الآملي فِي شرح (الكليات) للإيلافي كتب يَقُول إِن المثلث هُوَ ثَلَاثَة أَجزَاء من شراب الْعِنَب وجزء من المَاء تغلى على النَّار حَتَّى يذهب الثُّلُث وَيُسمى كَذَلِك (المغسول) . وباختصار فَإِن المثلث يُقَوي الباه وَيقوم مقَام الْخمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 (بَاب الْمِيم مَعَ الْحَاء) مُحَمَّد: اسْم نَبينَا خَاتم الْأَنْبِيَاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من التَّحْمِيد للْمُبَالَغَة فِي الْحَمد يُقَال فلَان أَحْمَده إِذا أثنى عَلَيْهِ بجلائل صِفَاته وأحمدته ذَا وجدته مَحْمُودًا وَيُقَال لَهُ هَذَا الرجل مَحْمُود فَإِذا بلغ النِّهَايَة فِي ذَلِك وتكامل فِي المحاسن والمناقب فَهُوَ مُحَمَّد _ وَإِنَّمَا سمي عَلَيْهِ السَّلَام مُحَمَّدًا لِكَثْرَة خصاله المحمودة وسيكثر حَمده. وَقَالَ مَوْلَانَا عَليّ الْقَارئ رَحمَه الله سيحمده الْأَولونَ وَالْآخرُونَ فِي الْمقَام الْمَحْمُود تَحت اللِّوَاء الْمَمْدُود. وَمن نظر إِلَى تَسْمِيَة الله تَعَالَى إِيَّاه مُحَمَّدًا وَمَعْنَاهُ الَّذِي بلغ إِلَى الْغَايَة فِي المحمودية أَي الْمَحْمُود بِكُل المحامد وَإِلَى أَنه تَعَالَى قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين يَعْنِي أَن المحمودية منحصرة فِي الله تَعَالَى ينْكَشف عَلَيْهِ مَا هُوَ الْحق المرموز عِنْد العرفاء الْأَوْلِيَاء. وَاعْلَم إِن من تَمام الْإِيمَان بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعْتِقَاد أَنه لم يجْتَمع فِي بدن آدَمِيّ من المحاسن الظَّاهِرَة مَا اجْتمع فِي بدنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وسر ذَلِك أَن المحاسن الظَّاهِرَة آيَات على المحاسن الْبَاطِنَة والأخلاق الزكية وَلَا أكمل مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بل وَلَا مساوئ لَهُ فِي هَذَا الْمَدْلُول فَكَذَلِك فِي الدَّال _ ثمَّ نقل الْقُرْطُبِيّ عَن بَعضهم أَنه لم يظْهر تَمام حسنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِلَّا لما طاقت أعين الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم النّظر إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. نقل من شرح الشَّمَائِل الْمُسَمّى بأشرف الْوَسَائِل للشَّيْخ الْحَافِظ ابْن حجر. وَاعْلَم أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام ابْن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر ابْن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان _ وتنتهي هَذِه السلسلة الْعلية الطّيبَة إِلَى إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَأمه عَلَيْهَا السَّلَام آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف الزُّهْرِيّ وَثَبت وِلَادَته عَلَيْهِ السَّلَام بالتواتر فِي طالع الجدي فِي شهر ربيع الأول فِي مَكَّة الْمُبَارَكَة فِي بَيت من بيُوت عبد الْمطلب بن هَاشم _ ثمَّ فِي التَّارِيخ وَالْيَوْم اخْتِلَاف الْأَشْهر يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشر من ذَلِك الشَّهْر بعد شَهْرَيْن من وَاقعَة أَصْحَاب الْفِيل وَبعد سِتّ مائَة سنة من عروج عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى السَّمَاء وَبعد أَرْبَعِينَ سنة من جُلُوس كسْرَى الْعَادِل وَبَعثه الله تَعَالَى إِلَى الْخلق بعد أَرْبَعِينَ سنة فَأَقَامَ بِمَكَّة عشر سِنِين على الِاخْتِلَاف فِي الزِّيَادَة وبالمدينة عشر سِنِين وتوفاه الله تَعَالَى على رَأس سِتِّينَ سنة كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى _ وَفِي عمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثَلَاثَة أَقْوَال. خَمْسَة وَسِتُّونَ. وَثَلَاثَة وَسِتُّونَ _ وَسِتُّونَ وَقد جَاءَت الرِّوَايَات الثَّلَاث فِي الصَّحِيح _ وَالْأول أصح وَأشهر. قَالَ الْعلمَاء فِي الْجمع من روى خمْسا وَسِتِّينَ عد سنتي الْولادَة والوفاة وَمن روى ثَلَاثًا وَسِتِّينَ لم يعدهما. وَمن روى سِتِّينَ لم يعد الكسور وَهِي خَمْسَة كَذَا فِي تَهْذِيب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 الْأَسْمَاء وَفِيه أَنه لَا يلائم لفظ الرَّأْس مَعَ أَنه لَا يتعارف إِسْقَاط مَا بَين العشرات. وَقيل إِن سنة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اثْنَتَانِ وَنصف وَسِتُّونَ لما روى عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أَن عمر كل نَبِي نصف عمر نَبِي كَانَ قبله وَكَانَ عمر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام خمْسا وَعشْرين وَمِائَة _ وزيف هَذَا الحَدِيث كَذَا فِي شرح الشَّمَائِل للفاضل المدقق عِصَام الدّين رَحمَه الله. وَقَالَ الشَّيْخ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي رَحمَه الله اتَّفقُوا على أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولد يَوْم الِاثْنَيْنِ من شهر ربيع الأول واختلفو هَل هُوَ فِي الْيَوْم الثَّانِي أَو الثَّامِن أم الْعَاشِر أم الثَّانِي عشر فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقْوَال مَشْهُورَة _ وَتُوفِّي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحى يَوْم الِاثْنَيْنِ اثْنَتَيْ عشرَة خلت من شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة. وَفِيه إِشْكَال من جِهَة أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت وقفته بِعَرَفَات بِالْجمعَةِ فِي السّنة الْعَاشِرَة إِجْمَاعًا فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا يتَصَوَّر وُقُوع يَوْم الِاثْنَيْنِ فِي ثَانِي عشر من ربيع الأول من السّنة الَّتِي بعْدهَا وَذَلِكَ مطرد فِي كل سنة يكون الوقفة قبله بِالْجمعَةِ على كل تَقْدِير من تَمام الشُّهُور ونقصانها وَتَمام بَعْضهَا ونقصان بَعْضهَا. وَأجَاب بَعضهم بِاحْتِمَال وُقُوع الْأَشْهر الثَّلَاثَة كوامل أَو كَانَ أهل مَكَّة وَالْمَدينَة اخْتلفُوا فِي رُؤْيَة هِلَال ذِي الْحجَّة فَرَآهُ أهل مَكَّة لَيْلَة الْخَمِيس وَلم يره أهل الْمَدِينَة إِلَّا لَيْلَة الْجُمُعَة فحصلت الوقفة بِرُؤْيَة أهل مَكَّة ثمَّ رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة فارخوا بِرُؤْيَة أَهلهَا. وَهَذَا الْجَواب بعيد من حَيْثُ إِنَّه يلْزم توالي ثَلَاثَة أشهر كوامل. وَأجَاب بَعضهم بِحمْل قَوْلهم لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت أَي بأيامها فَيكون فَوته فِي الْيَوْم الثَّالِث وبفرض الشُّهُور كوامل فَيصح قَول الْجُمْهُور. وَفِيه أَنه لَا يفهم من قَوْلهم لِاثْنَتَيْ عشرَة إِلَّا مُضِيّ اللَّيَالِي وَيكون مَا أرخ وَاقعا فِي الْيَوْم الثَّانِي عشر انْتهى. أردْت أَن أكتب حلية أفضل الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. ليستسعد بهَا الْخَواص والعوام. فَوَجَدتهَا منظومة فِي عدَّة أَبْيَات مُطَابقَة لما نَقله الثِّقَات نظمها الْعَارِف بِاللَّه الصَّمد مير مُحَمَّد الدهداري قدس سره وأنور مرقده. تَتَحَدَّث عَن صِفَات وأحوال الرَّسُول والرسالة ومدى علمه ومعرفته وَوَصفه وصفات خلقه وخلقه وجماله وَرَحمته ورأفته وحلمه وقوته ... الخ. لَا طَاقَة لأحد أَن يصف علو جنابك صلى الله عَلَيْك وَسلم فَإنَّك أول مرتبَة تنزل الذَّات الْوَاجِب الْوُجُود والحقيقة المحمدية والعالم بجود وجودك وجد الْوُجُود وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حمدك حمدا كثيرا وَأمر بِالصَّلَاةِ عَلَيْك كل مَوْجُود سُبْحَانَهُ تَعَالَى مَا أعظم شَأْنك وَمَا أجل برهانك فالاعتراف بالقصور فِي هَذَا الْمقَام أولى. والاختصار فِي هَذَا المرام على هَذَا الْكَلَام أَحْرَى. (بَاب الْمِيم مَعَ الدَّال) المداد: بِالْكَسْرِ، الْكِتَابَة بالأسود، وَإِنَّمَا سمي مدادا لجريانه ومده على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 القرطاس عِنْد الْكِتَابَة، وَيُسمى مركبا أَيْضا لتركبه من الْأَجْزَاء. (الخطاطون) لقد جعلُوا يَوْمًا لخط النّسخ. وَقد قَالَ بَعضهم نظما مَا مَعْنَاهُ. أَن تجلب كوبا من عصير البلوط وتغليه مَعَ المَاء وتتركه خَمْسَة أَو سِتَّة أَيَّام حَتَّى تترسب الْمَادَّة فِي قَعْر الْإِنَاء فترمي المَاء وتضعه فِي قَصَبَة وَمن ثمَّ تستعمله. ثمَّ يذكر الْكَاتِب خَمْسَة أوجه أُخْرَى لكيفية صناعَة (المداد) . وَقَالَ المحبي إِذا أردْت أَن تمحو الْحُرُوف من على الورقة حَتَّى تصبح بَيْضَاء، فَعَلَيْك حطن؟ مقادير مُتَسَاوِيَة من السم أَو (خلف الْحَيَوَان) والفارسهاكه (كلمة هندية) ونوشادر حَتَّى تصبح سَوْدَاء مثل (المداد) وتوضع فِي إِنَاء للْمَاء ثمَّ نضعها أَو نمسحها على الْحُرُوف السَّوْدَاء فتنمحي، وَهَذَا مجرب فجربه. (بَاب الْمِيم مَعَ الرَّاء) المريد: وَحدث زبدة القارئين المصطفين خُلَاصَة العائلة المرتضوية جَامع الكمالات الإنسانية والواقف على الْأَسْرَار الربانية السَّيِّد شمس الدّين الْمَعْرُوف بالسيد مُحَمَّد ميرك الخجندي النقشبندي البالابوري خلد الله ظلاله وأوصل إِلَى الْعَالمين بره ونواله فِي رِسَالَة (العنايات الإلهية) عَن جده الأمجد قدوة العارفين وزبدة السالكين السَّيِّد عنايت الله قدس سره وأنور مرقده. أَن كَرَامَة السالك وَفَائِدَة المريد كَمَا أعلم أَن عوام النَّاس يعتبرون أَمر الْإِرَادَة من جملَة الْفَرَائِض. وَإِذا رفضنا هَؤُلَاءِ المريدين إِلَى فُقَرَاء آخَرين وَأَكْثَرهم فِي هَذِه الْأَيَّام من المبتدعين والفساق فَإِنَّهُم سيصبحون مريدين ومرتكبي الْأَفْعَال القبيحة ويعتبرونها أعمالا مستحسنة لَا بل عبَادَة، فيصبحون عِنْدهَا كفرة ويموتون على هَذَا الِاعْتِقَاد، العياذ بِاللَّه مِنْهَا. وَإِذا لم توفقنا الْإِرَادَة للإشتغال بالأوامر وَاجْتنَاب النواهي فَتكون عِنْد الْبَارِي مَعْصِيّة وتخرجنا من دَائِرَة الْإِسْلَام وَلَيْسَ ذَلِك غنيمَة. (بَاب الْمِيم مَعَ الزَّاي) المزاوجة: جعل شَيْء قرينا لشَيْء آخر، وَعند أَرْبَاب البديع فَإِن المزاوجة هِيَ الْإِيقَاع بَين معنين فِي الشَّرْط وَالْجَزَاء: (إِذا نهى الناهي فلج بِي الْهوى ... أصاخت إِلَى الواشي فلج بهَا الهجر) أَي عِنْدَمَا يَمْنعنِي مَانع عَن حب المحبوب فَيُصْبِح لَازِما عَليّ أَن لَا أبتعد عَن محبته. يَعْنِي كلما أَمرنِي الناصح بالامتناع عَن محبته فأبالغ فِي ذَلِك بِمُقْتَضى أَن الْإِنْسَان حَرِيص على مَا منع، فَتُصْبِح محبته لَازِمَة عَليّ رغم إِنَّهَا قد أصاخت السّمع وأعطت المحبوبة أذنها لمن استغابني (آكل اللَّحْم النيء) الَّذِي أوصل لَهَا حكايات كَاذِبَة عني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 فصدقت كَلَامه، وَعِنْدهَا يصبح وَاجِبا عَليّ أَن أهجرها وأترك حبها. فزاوج الشَّاعِر بَين نهي الناهي وإصاختها إِلَى الواشين الواقعين فِي الشَّرْط وَالْجَزَاء فِي أَن رتب عَلَيْهِمَا اللجاج بِشَيْء. (بَاب الْمِيم مَعَ الصاء) الْمُصَاهَرَة: من الصهر، فِي الْقَامُوس الصهر بِالْكَسْرِ الْقَرَابَة وَحُرْمَة الختونة وَمن أهل هِدَايَة الْعَوام وتنبيه الْخَواص من الْأَنَام، فاذكر لَهُم هَذِه الْحَادِثَة الَّتِي وَقعت هَذِه الْأَيَّام، الَّتِي أرى من الْوَاجِب ذكرهَا، حَتَّى ينجو بِرِوَايَة (الْفُصُول الْعمادِيَّة) كل إِنْسَان من الضَّلَالَة وَيقطع بَاب الزِّنَا. أَرَادَ أحد أَبنَاء الْأُمَرَاء فِي الْبَلدة العامرة (اورنك آباد) أَن يتَزَوَّج من (مزنية الْأَب) فَذهب إِلَى الْمُفَوض بِأُمُور النِّكَاح مُحَمَّد كَامِل وَأظْهر لَهُ مُرَاده وَطَلَبه. فَأَجَابَهُ الْمَذْكُور إِن ذَلِك على مَذْهَب الشَّافِعِي لَيْسَ حَرَامًا، إِذا مَا تحولت من مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. لتحقيق طَلَبك ومرادك إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ _ قد أوردت رِوَايَات الِانْتِقَال والتحويل من مَذْهَب إِلَى مَذْهَب آخر _ وَبِمَا أَن الْأَمر كَانَ يتَعَلَّق بتحقيق الْغَرَض، وَصَاحب الْغَرَض، كَانَ مَشْهُورا بجنونه لَدَى الْعَامَّة والخاصة، فَأَخذه مُحَمَّد كَامِل وَمَعَهُ رِوَايَات الِانْتِقَال بَين الْمذَاهب إِلَى مُحَمَّد الْعَارِف مفتي تِلْكَ الْبَلدة وَبَين لَهُ الْقَضِيَّة. فَقَالَ الْمُفْتِي هَذَا لَا احتجاج بانتقال الْمَذْهَب _ وسأعطيك أَيْضا رِوَايَة من (الْفُصُول الْعِمَادِيّ) فِي بَاب جَوَاز نِكَاح (مزنية الْأَب) على مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَمَا كَانَ من مُحَمَّد كَامِل إِلَّا أَن أرسل النَّص الْمَكْتُوب إِلَى قَاضِي الْبَلدة المذكوره الشَّيْخ أَمَان الله الْمُخَاطب بكريم الدّين خَان، وَقَامَ هَذَا القَاضِي، وَبِنَاء على الرِّوَايَة باعطاء الْإِجَازَة بِالنِّكَاحِ، عِنْدهَا قَامَ مُحَمَّد كَامِل بِعقد الزواج. وَلما اشْتهر هَذَا الْأَمر الشنيع، وَوصل خَبره إِلَى مسامع أفضل فضلاء الزَّمَان وحيد عصره وعارف المعارف الإلهية والواقف على الْأَسْرَار اللامتناهية ركن الشَّرِيعَة النَّبَوِيَّة عماد الطَّرِيقَة المصطفوية السَّيِّد السَّنَد مَوْلَانَا السَّيِّد قمر الدّين خلد الله ظلاله وضاعف عمره وجلاله، خلف الصدْق حَضْرَة الشاه منيب الله بن السَّيِّد عنايت الله الْحُسَيْنِي النقشبندي الخجندي البالابوري قدس سره الله تَعَالَى سرهما وأنور مرقدهما، فَأرْسل بِطَلَب الْمُفْتِي وَمُحَمّد كَامِل وأفهمهم معنى الرِّوَايَة وَحكم بِفَسْخ العقد، وَأَنا الْكَاتِب كنت فِي خدمَة صَاحب العقيدة الراسخ والمناقب الْعَالِيَة أَن يكرمني باعطائي رِوَايَة (الْفُصُول الْعمادِيَّة) وَكَيْفِيَّة الْفَسْخ. فتكرم بذلك وَهَذَا نَصهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي الْحَادِثَة الْمَشْهُورَة الَّتِي ابْتُلِيَ بهَا ذَلِك الشَّخْص، أَولا: أَتَانَا استفسار عَن جَوَاز هَذَا النِّكَاح الَّذِي وَقع، وَالْجَوَاب الَّذِي أعطيناه هُوَ عدم جَوَازه على مَذْهَبنَا. وَقَالَ إِذا مَا كَانَت الرِّوَايَة بِجَوَازِهِ ضَعِيفَة فلماذا يُعْطي أحدهم فَتْوَى بِنَاء على ذَلِك، وَهُوَ مَأْخُوذ بِعَمَلِهِ هَذَا عِنْد الله. وَمَعَ ذَلِك فَإِن الرِّوَايَة لَيست ضَعِيفَة بِهَذَا الشكل. وَمن هُنَا وَلِأَنَّهُ كَانَ قد حصل على جَوَاب شاف بِالظَّاهِرِ وَذهب إِلَى مُحَمَّد كَامِل وَقَالَ عَن جَوَاز هَذَا النِّكَاح عِنْد الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأظْهر لَهُ رِوَايَات الِانْتِقَال من الْمَذْهَب الْمُنْتَخب. وَلما وصل هَذَا الْكَلَام إِلَى سَمْعِي كَانَ مَحل تعجب مني، والأناس الَّذِي يزينون للْمَرْأَة أَن تتْرك مذهبها وتتحول إِلَى مَذْهَب آخر حَتَّى يحسنوا نِكَاح (مزنية الْأَب) فَهَؤُلَاءِ لَيْسَ بَعيدا عَنْهُم أَن يزينوا ترك دين الْإِسْلَام والتحول إِلَى الدّين الْمَجُوسِيّ ويمرروا حَتَّى أَن (مزنية الْأَب) أم حَقِيقِيَّة. الْقِصَّة: أَن هَذَا الرجل ذهب إِلَى الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف وَمَعَهُمْ الرِّوَايَات المستخرجة على انْتِقَال من الْمَذْهَب، فَقَالَ الْمُفْتِي الْعَارِف أَن لَا حَاجَة للانتقال عَن الْمَذْهَب، وَقد استخرجت رِوَايَة جَوَاز هَذَا النِّكَاح على مَذْهَبنَا. وَلما كَانَت هَذِه الرِّوَايَة قد أرْسلت إِلَى القَاضِي مَعَ هَذَا الشَّخْص. وَلما رأى القَاضِي هَذِه الرِّوَايَة بالخط الشريف أجْرى النِّكَاح، وَلما كَانَ مُحَمَّد كَمَال وَبِنَاء على فَتْوَى الْمُفْتِي ورسالته قد أوقع النِّكَاح. فَجَاءَنِي هَذَا الرجل بعد وُقُوع النِّكَاح وعَلى الشماتة وَقَالَ لقد أَعْطَانِي الْمفْتُون فَتْوَى وأجريت النِّكَاح، وَكَذَلِكَ وصلني ذَلِك عَن طَرِيق النَّقْل، وحينها استدعي الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف وَسُئِلَ من أَيْن أَعْطَيْت رِوَايَة جَوَاز هَذَا النِّكَاح، فأظهر أَن هَذِه الرِّوَايَة مَكْتُوبَة فِي (فُصُول الْعِمَادِيّ) وَهِي (وَلَو قضى بِجَوَاز نِكَاح مزنية الْأَب أَو مزنية الابْن لَا ينفذ عِنْد أبي يُوسُف لِأَن الْحَادِثَة مَنْصُوص عَلَيْهَا فِي الْكتاب، وَعند مُحَمَّد ينفذ، وَمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا، أَنه قَالَ الْحَرَام لَا يحرم الْحَلَال يُؤَيّد قَول مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 مُجْتَهدا فِيهِ فَينفذ حكمه، كَذَا ذكر فِي الْمُحِيط) . قيل إِن هَذِه الرِّوَايَة لَيست محصورة فِي (فُصُول الْعِمَادِيّ) وَلكنهَا مَوْجُودَة فِي كتب أُخْرَى. وَلكنهَا لَا تدل على مقصودكم، أما لماذا، لِأَن الْمَذْكُور فِي هَذِه الرِّوَايَة هُوَ نَفاذ الْقَضَاء فِي مزنية الْأَب أَو مزنية الابْن وَلَيْسَ جَوَاز نِكَاحهَا، وَإِذا كَانَت الْعبارَة (لَو نكح أحد بمزنية الْأَب) فَإِنَّهَا تُؤدِّي هَذَا الْمَعْنى، وَلَكِن الْعبارَة هِيَ (لَو قضى) وَالْقَضَاء فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء مَشْرُوط بالدعوة أَو الْقَضِيَّة، وتريد دَعْوَى سبق النِّكَاح. يَعْنِي أَن النِّكَاح قد سبق، وَوَقع بَين الزَّوْجَيْنِ دَعْوَى لجِهَة الْمهْر أَو النَّفَقَة وأمثال ذَلِك، وترافعوا لَدَى القَاضِي، وَأخذ القَاضِي حكما بِنَاء على بَيِّنَة أَو أَي من الْحجَج الشَّرْعِيَّة. فَهَذَا الحكم يُقَال لَهُ الْقَضَاء. وَلَيْسَ كل مَا قَالَه القَاضِي بِصِيغَة الْأَمر هُوَ قَضَاء. كَأَن يَقُول مثلا ضع الإبريق فِي بَيت الْخَلَاء، فَهَذَا لَيْسَ قَضَاء بالاصطلاح الشَّرْعِيّ فالقضاء بحاجة إِلَى الِاصْطِلَاح الْعرفِيّ. وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الْمُتَعَارف على اصْطِلَاحه لَدَى الْعلمَاء ومشهور فِيمَا بَينهم، وَمَعَ هَذَا فقد صرح بعض المصنفين عَن هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى لَا يَقع أحد فِي الْغَلَط. كَمَا فِي (حسب الْمُفْتِينَ) إِذا قضى القَاضِي مُجْتَهدا فِيهِ وَهُوَ لَا يعلم بذلك الْأَصَح أَنه يجوز قَضَاؤُهُ وَأَن ينفذ إِذا علم بِكَوْنِهِ مُجْتَهدا فِيهِ، قَالَ شمس الْأَئِمَّة، وَهَذَا ظَاهر الْمَذْهَب وَهَا هُنَا شَرط لنفاذ الْقَضَاء فِي الْمُجْتَهد فِيهِ وَهُوَ أَن يصير الحكم حَادِثَة فتجري فِيهِ خُصُومَة صَحِيحَة بَين يَدي القَاضِي من خصم على خصم، وَفِي الْبَحْر الرَّائِق هَا هُنَا شَرط لنفاذ الْقَضَاء فِي المجتهدات وَهُوَ أَن تصير حَادِثَة تجْرِي بَين القَاضِي من خصم على خصم حَتَّى لَو فَاتَ هَذَا الشَّرْط لَا ينفذ الْقَضَاء لِأَنَّهُ فَتْوَى) . وَالْأَصْل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هُوَ أَنه إِذا اخْتلف المجتهدون فِي الْقَضِيَّة، ترجع إِلَى القَاضِي وَيظْهر القَاضِي حكمه بِخِلَاف مذْهبه. عِنْد الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه إِذا حكم سَاهِيا فَينفذ. وَإِذا كَانَ عَامِدًا فَإِن فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَعند الصاحبين نَافِذ مُطلقًا سَاهِيا كَانَ أم عَامِدًا. وَأَصْحَاب الْمُتُون مثل (وفاية الرِّوَايَة) وَغَيره وَأَصْحَاب الشُّرُوح مثل (الْهِدَايَة) وَشرح (الْوِقَايَة) وَغَيره وعَلى قَول الصاحبين هُوَ فَتْوَى، وَكتب الشَّيْخ كَمَال الدّين بن همام فِي (فتح الْقَدِير) حَاشِيَة (الْهِدَايَة) إِنَّه فِي زَمَاننَا الْفَتْوَى على قَول الْأَصْحَاب لِأَنَّهُ فِي هَذَا الزَّمن كل من يحكم بِخِلَاف مذْهبه، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَو لَيْسَ خَالِيا من الطمع. إِذا فِي هَذِه الْحَادِثَة إِذا تحقق الْقَضَاء الَّذِي اصْطلحَ عَلَيْهِ الْعلمَاء، فَإِن نَفاذ الْقَضَاء على الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة يثبت، وَلَكِن بقول الصاحبين فَإِن قَضَاء الْمُفْتِي لَا ينفذ فِي جَوَاز النِّكَاح، وَلَا إِمْكَان. وعلاوة على ذَلِك فَإِن فِي نَفاذ مثل هَذَا الْقَضَاء شَرطه اجْتِهَاد القَاضِي حَتَّى لَا ينفذ قَضَاء من قضى وَهُوَ غير مُجْتَهد عِنْد الإِمَام والصاحبين. وَهَذَا الِاشْتِرَاط يفهم من كَلَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 صَاحب (الْهِدَايَة) وَكَذَلِكَ صرح صَاحب (الْفَتْح الْقَدِير) وَغَيره من الْمُحَقِّقين، (هَذَا كُله فِي القَاضِي الْمُجْتَهد فَأَما الْمُقَلّد فَإِنَّمَا ولاه ليحكم بِمذهب أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مثلا فَلَا يملك الْمُخَالفَة فَيكون معزولا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك الحكم) . وَكَذَلِكَ مَعَ أَن هَذِه الرِّوَايَة لَا دلَالَة لَهَا على الْمَقْصُود، فَإِنَّهَا لَيست خَالِيَة من الضعْف لِأَنَّهَا تخَالف الْقَاعِدَة الْكُلية الْمَذْكُورَة فِي جَمِيع الْمُتُون والشروح، مَعَ وجود أَن الْعلمَاء صَرَّحُوا أَن رِوَايَات الْمُتُون مُقَدّمَة على رِوَايَات الشُّرُوح، وَرِوَايَات الشُّرُوح مُقَدّمَة على رِوَايَات فَتَاوَى الْخُصُوص. وَكتب أَيْضا أَن تَصْحِيح صَاحب الْهِدَايَة مقدم على الآخرين، وَبعد الَّتِي واللتيا، لما فهم الْمُفْتِي (الْمَذْكُور سَابِقًا) وَأدْركَ سوء فهمه وَعرف أَن مَدْلُول الرِّوَايَة هُوَ نَفاذ الْقَضَاء وَلَيْسَ زواج النِّكَاح، قَالَ هَذَا خطأ القَاضِي لِأَنَّهُ أذن بِالنِّكَاحِ وَلَيْسَ مني لأنني أَعْطَيْت سَابِقًا فَتْوَى نَفاذ قَضَاء هَذَا النِّكَاح ومضمون الرِّوَايَة شَرْطِيَّة، والشرطية صَادِقَة، حَتَّى وَلَو لم يتَحَقَّق مَا تقدم. قيل إِنَّه هُنَا لَا يسري صدق الشّرطِيَّة، وَيجب الْمُطَابقَة بَين سُؤال، فالمستفتي يسْأَل عَن جَوَاز النِّكَاح، وَأَنت تجيب عَن نَفاذ الْقَضَاء. وَإِذا كتبت فِي جَوَاب الاستفتاء الْمَذْكُور (كل مَا يخرج من السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء) فَإِن الرِّوَايَة فِي نَفسهَا صَحِيحَة وَلكنهَا من حَيْثُ الْمُطَابقَة كَاذِبَة. وعَلى قَول مولوي فِي المثنوي: (أيتها الْخَالَة بطريقة سَيِّئَة أَصبَحت خالا ... ) أَي على صدق هَذِه الشّرطِيَّة فَلَا يمكننا اجراء أَحْكَام الْخَال على الْخَالَة. وَقد قيل كَذَلِك فِي نَفاذ الْقَضَاء على مَدْلُول الرِّوَايَة كَلَام، لِأَنَّهُ مُخَالف للمتون والشروح الَّتِي فِيهَا الْفَتَاوَى على قَول الصاحبين، وَنُخَالِف الْمُحَقِّقين الَّذين اشترطوا الِاجْتِهَاد وعدوا الافتاء على رِوَايَة غير الْمُفْتِي بِخِلَاف آدَاب الْإِفْتَاء وَالدّين. قَالَ لقد أتيت (السبهري) بالمفتي الثَّانِي، وَقد جَاءَ كل من الْمُفْتِي الْمَذْكُور مَعَ مُحَمَّد يحيى الَّذِي أصبح الْمُفْتِي الثَّانِي وَأصْبح الْحل وَالْعقد فِي الْقَضَاء بِيَدِهِ مَعَ مُحَمَّد كَامِل الَّذِي وصلت إِلَيْهِ خُلَاصَة افتاء الْمُفْتِي الثَّانِي وَلما فهم القَاضِي والمفتيان أَن معنى الرِّوَايَة بِخِلَاف ذَلِك الَّذِي بنوا عَلَيْهِ الْعَمَل، فبدل مُحَمَّد يحيى مجْرى الْوَاقِعَة مقررا بقوله بِمَا أَن هَذَا النِّكَاح قد انْعَقَد أَمَامه وترافعوا لَدَيْهِ، فَحكم القَاضِي بِجَوَازِهِ وموافقته لمَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي وَحكم بِهِ، قيل فِي جَوَابه، لماذا هَذَا التَّحْرِير فِي التَّقْرِير، أَولا لقد أعْطى القَاضِي الْإِذْن الَّذِي بِمُوجبِه انْعَقَد النِّكَاح، وَلم ينْعَقد أَولا النِّكَاح وَبعد ذَلِك ترافعوا أَمَام القَاضِي. وَمن الاتفاقات الجيدة، كَانَ الْمُفْتِي مُحَمَّد الْعَارِف قد حضر، وَفِي الْوَقْت نَفسه حضر فَجْأَة ذَلِك الشَّخْص المبتلي، وَمن أجل الْآخِرَة وَحَتَّى لَا يحور النَّاس تَقْرِيره بعد أَن سمعُوا معنى الرِّوَايَة كَانَ يجب أَخذ الْإِقْرَار من ذَلِك الرجل المبتلي على مَا حدث فَسئلَ هَذَا الرجل المبتلي عَمَّا إِذا أَخذ الْإِذْن من القَاضِي أَولا وَبعد ذَلِك عقد النِّكَاح أم أَنه عقد النِّكَاح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 ثمَّ جَاءَ إِلَى القَاضِي ليَأْخُذ مِنْهُ حكما بِجَوَازِهِ، فَقَالَ أَولا حصلت على الرِّوَايَة وَبِنَاء عَلَيْهَا اعطاني القَاضِي الْإِذْن وبموجب ذَلِك عقد مُحَمَّد كَامِل عقد النِّكَاح، فَلَمَّا ثَبت كذب مُحَمَّد يحيى وتحويره للتقرير، أَخذ الْمُفْتِي الْعَارِف شَاهدا وَقيل لَهُ أَن لَا تكْتم الشَّهَادَة. وَمَا سمعته من هَذَا الرجل صباحا أعده وقله، فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن أظهر مَا سَمعه. وَكَذَلِكَ قيل لمُحَمد يحيى على تَقْدِير أَن النِّكَاح كَانَ سَابِقًا لإذن القَاضِي، فَكيف لَهُ أَن يُعْطي حكما بِجَوَاز هَذَا النِّكَاح. لِأَن الثَّابِت عِنْد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم حُرْمَة الْمُصَاهَرَة بالزنى، وَهَذَا النِّكَاح غير جَائِز عِنْد أَي وَاحِد مِنْهُم، وَمهما كَانَ القَاضِي مُجْتَهدا فَلَا يجوز لَهُ أَن يحكم بِمَا يُخَالف الْعلمَاء الثَّلَاثَة. وَقد جَاءَ التَّنْصِيص على أَنه (إِذا اتّفق أَصْحَابنَا أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رَحِمهم الله تَعَالَى فِي مَسْأَلَة، لَا يسع القَاضِي أَن يخالفهم وَلَا يبقي ذَلِك محلا للِاجْتِهَاد، وَإِن اخْتلفُوا فِي مَسْأَلَة فِيمَا بَينهم قَالَ عَامَّة مَشَايِخنَا رَحِمهم الله إِن كَانَ القَاضِي من أهل الِاجْتِهَاد يجْتَهد، فَإِن وَقع اجْتِهَاده على قَول الْوَاحِد أَخذ بقوله وَيتْرك قَول الْمثنى وَإِن كَانَ فِي الْمثنى أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى) وَالرِّوَايَة الْمَذْكُورَة لَا تدل على أَنه يجوز للْقَاضِي أَن يُعْطي حكما بِجَوَاز هَذَا النِّكَاح. وَلكنهَا تدل على أَنه على تَقْدِير أَنه حكم، فَإِن حكمه ينفذ كَمَا هِيَ الْعبارَة (لَو قضى القَاضِي _ الخ) وَهُوَ نَص صَرِيح وَكتب الْفِقْه مشحونة بأمثال هَذِه الْعبارَة. مثل (لَو وطئ رجل دبر امْرَأَة وَلَو وطئ فرج بَهِيمَة فَعَلَيهِ الْغسْل) فَهَذِهِ الْعبارَات تدل على وجوب الْغسْل على تَقْدِير الوطئ فِي الدبر أَو فِي فرج الْبَهِيمَة، أم تدل على جَوَاز الوطئ فِي الدبر أَو فِي فرج الْبَهِيمَة. وَبعد تَقولُونَ إِن القَاضِي حكم بعد سَماع المرافعة وعَلى تَقْدِير صدق هَذَا القَوْل من أَيْن كَانَ للْقَاضِي أَن يحكم، وَمَا هُوَ الدَّلِيل الَّذِي حكم بِهِ. بعد ذَلِك اعتذروا وَمضى مَا سَمِعُوهُ.) انْتهى) . (بَاب الْمِيم مَعَ الْعين) الْمعلم الأول: الْحَكِيم ارسطاطاليس وَقد يُخَفف وَيُقَال ارسطو قَالُوا مقنن قوانين الْمنطق والفلسفة هُوَ الْحَكِيم ارسطو ودونها بِأَمْر الاسكندر وَلِهَذَا لقب بالمعلم الأول، وَقيل إِن الْمنطق مِيرَاث ذِي القرنين. ثمَّ بعد نقل المترجمين تِلْكَ الفلسفات من لُغَة اليونان إِلَى لُغَة الْعَرَب القح. هذبها ورتبها وأحكمها وأتقنها ثَانِيًا. الْمعلم الثَّانِي: وَهُوَ الْحَكِيم أَبُو نصر الفارابي واسْمه مُحَمَّد بن طرخون، وَقد فصلها وحررها بعد إِضَاعَة كتب أبي نصر الشَّيْخ الرئيس أَبُو عَليّ سينا شكر الله مساعيهم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 الجميلة، وَالنِّسْبَة بَين الْمعلم والمتعلم عُمُوم من وَجه، فَإِنَّهُمَا قد يصيبان وَقد يُخطئ الْمعلم ويصيب المتعلم فِي المطالعة فيعترض على معلمه، وَقد يُخطئ المتعلم فيعترض الْمعلم عَلَيْهِ ويهديه. الْمعرفَة: والمعرفة فِي اصْطِلَاح أَرْبَاب السلوك فِي هِيَ مَا قَالَه الْعَارِف النامي قدوة العارفين نور الدّين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي (نفحات الْأنس من حضرات الْقُدس) من أَن الْمعرفَة عبارَة عَن إِعَادَة الْمعرفَة بالمعلوم الْمُجْمل فِي صور التفاصيل. كَمَا هُوَ فِي (علم النَّحْو) كل من العوامل اللفظية والمعنوية وَمَا هُوَ عَملهَا، هَذَا النَّوْع من الْفَهم على سَبِيل الْإِجْمَال (هُوَ النَّحْو) . وإعادة فهم كل عَامل مِنْهَا على التَّفْصِيل فِي وَقت قِرَاءَة سَواد الْعَرَبيَّة بِلَا توقف وَلَا روية واستعمالها فِي محلهَا هُوَ معرفَة النَّحْو. وإعادة الْفَهم بالفكر الْجيد وروية هُوَ التعرف على النَّحْو. إِذا معرفَة الربوبية عبارَة عَن إِعَادَة فهم الذَّات وَالصِّفَات الإلهية فِي صور تفاصيل الْأَهْوَال والحوادث والنوازل، بعد ذَلِك وعَلى سَبِيل الْإِجْمَال يصبح مَعْلُوما أَن الْمَوْجُود الْحَقِيقِيّ وَالْفَاعِل الْمُطلق هُوَ سُبْحَانَهُ، وَحَتَّى تكون صُورَة التَّوْحِيد الْمُجْمل مفصلة علميا وَلَا عيب فِيهَا فعلى صَاحب علم التَّوْحِيد أَلا يرى فِي صور تفاصيل الوقائع وَالْأَحْوَال المتجددة والمتضادة من ضَرَر ونفع وَمنع وَعَطَاء وثابت ومتحول وضار وَنَافِع ومعطي ومانع وقابض وباسط سوى الْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَن لَا يعلم من دون التَّوَقُّف والروية، فَإِذا لم يفعل لَا يُسمى عَارِفًا. وَإِذا كَانَ لأوّل وهلة غافلا وحاضرا عَن قريب وَيعرف الْفَاعِل الْمُطلق جلّ ذكره فِي صُورَة الوسائط والروابط، فَإِنَّهُ يُسمى متعرفا وَلَيْسَ عَارِفًا، وَإِذا كَانَ غافلا كليا ويحول تأثيرات الْأَفْعَال إِلَى الوسائط فَإِنَّهُ يُسمى سَاهِيا ولاهيا مُشْركًا خفِيا. مثلا إِذا قرر معنى التَّوْحِيد وَهُوَ مُسْتَغْرق فِي بَحر التَّوْحِيد وَالْآخر وعَلى سَبِيل انكاره يعاوده وَيَقُول إِن هَذَا القَوْل لَيْسَ عَفْو الخاطر بل نتيجة للفكر والروية، فَيُؤْخَذ فِي الْحَال بغضب وقسوة لِأَنَّهُ لَا يعلم أَن جَزَاء هَذَا هُوَ عين مصداق قَول الْمُنكر، وَإِلَّا فالفاعل الْمُطلق فِي صُورَة هَذَا الانكار إِعَادَة الْفَهم ويترفق بِهِ. المعمى: هُوَ الْكَلَام الْمَوْزُون الدَّال على اسْم من الْأَسْمَاء أَو غير ذَلِك بطرِيق الرَّمْز والإيماء بِحَيْثُ يقبله ذُو طبع سليم وَفهم مُسْتَقِيم (مِثَاله فِي النّظم اسْم مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) : (خُذ الميمين من مِيم فَلَا تنقط على أَمر ... فامزجها يكن اسْما لمن كَانَ بِهِ فَخر) وَأَيْضًا بِالْفَارِسِيَّةِ: (خم جونكون كشت أزو قطره ريخت ... ) (هُوَ ش ز مدهو ش برفت برفت ... ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 أَي ننزع نقط (خم) ونقلبها فَتُصْبِح (مح) وننزع (هوش) من كلمة (مدهوش) فَيبقى لدينا (مد) . فندمجهما ببعضهما الْبَعْض الآخر، فنحصل على (مُحَمَّد) . وباسم الْبَرْق: (خُذ الْقرب ثمَّ اقلب جَمِيع حُرُوفه ... فَذَاك اسْم من اقصى من الْقلب قربه) ومثاله فِي النثر (آش دِرْهَم جوش بانمك خوان آصف جاه) . يَقُول اخلط ال (آش) مَعَ بعض (هم) وأغليه بملح قشرة آصف جاه. وَهَذَا كَلَام منثور يعلم مِنْهُ اسْم (هَاشم عَليّ خَان) بالاستعانة بقوانين المعمى على هَذِه الطَّرِيقَة إِذا أنزلنَا ال (آش) فِي وسط (هم) فنحصل على (هَاشم) ، وَعدد (عَليّ) و (نمك) متساو إِذا المُرَاد ب (نمك) هُوَ عَليّ، وَإِذا أضفنا هَاشم إِلَى عَليّ فنحصل على (هَاشم عَليّ) ، وَلما كَانَت (الْوَاو) فِي (خوان) لَا اعْتِبَار لَهَا وَلَا تلفظ كَمَا هُوَ مُقَرر فِي الْعرُوض عِنْدهَا نحصل على (هَاشم عَليّ خَان) . (بَاب الْمِيم مَعَ النُّون) من بنته فِي بَيته: سُئِلَ أحد الْكِبَار فِي مجْلِس مختلط كَانَ فِيهِ من السّنة والشيعة، من أفضل النَّاس بعد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فَأجَاب ذَلِك الْكَبِير ب (من بنته فِي بَيته) وَهَذِه الْعبارَة تفِيد مَعْنيين، أَحدهَا أَن الْأَفْضَل هُوَ أَبُو بكر الصّديق لِأَن ابْنَته فِي منزل الرَّسُول، وَثَانِيها هُوَ أَن عَليّ المرتضى هُوَ الْأَفْضَل لِأَن ابْنة الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي منزله. إِذا لهَذَا الْكَلَام مَعْنيانِ متضادان. وكما ورد فِي التواريخ الْمَكْتُوبَة انه لما أَتَى عقيل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ابْن أبي طَالب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه أَيَّام خِلَافَته وَطلب مِنْهُ زِيَادَة فِي أَعْطيته، فَقَالَ لَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن زِيَادَة الْعَطاء لَا تناسب أهل العفاف، والمعيشة على سَبِيل القناعة أَنْفَع وانفس بضَاعَة. فَلَمَّا سمع عقيل هَذَا القَوْل قرر الْهِجْرَة والذهاب إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، وَبعد اسْتِقْبَال مُعَاوِيَة لَهُ وتكريمه والإنعام الْكَبِير عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ أصبح لَازِما عَلَيْك حَتَّى تثبت خِلافك مَعَ عَليّ أَن تصعد إِلَى الْمِنْبَر أَمَام حشد النَّاس وتلعن (عَليّ) وَكلما أَرَادَ عقيل التملص من هَذَا الْأَمر فَلم يسْتَطع وَلم يقبل مِنْهُ أَي عذر، بعْدهَا صعد عقيل الْمِنْبَر وَقَالَ: ((أَن عَليّ بن أبي طَالب أخي وَأَمرَنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ مُعَاوِيَة أَن ألعنه، فلعنة الله عَلَيْهِ)) . وَهَذِه الْعبارَة تَتَضَمَّن مَعْنيين متضادين لِأَنَّهُ إِذا عَاد ضمير (عَلَيْهِ) إِلَى مُعَاوِيَة، فَإِن اللَّعْنَة تكون عَلَيْهِ، وَإِذا عَاد إِلَى (عَليّ) اسْتغْفر الله من ذَلِك، فَلَا تعود اللَّعْنَة على مُعَاوِيَة، فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لمعاوية حينها، لقد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 لعنك عقيل وَلم يلعن (عَليّ) لِأَن ارجاع الضَّمِير إِلَى الْأَقْرَب أولى. وَقَالَ قدوة العارفين الشَّيْخ فريد الدّين الْعَطَّار قدس سره فِي (تذكرة الْأَوْلِيَاء) عَن الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ: إِن معرفَة أَصْحَاب الرَّسُول من أصُول الْإِيمَان إِذا لَيْسَ فضلا إِذا كنت تعرف ملك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مُحَمَّد، ووزراءه فِي خِلَافَته وصحابته فِي مكانتهم وَأَوْلَاده فِي مكانتهم حَتَّى تكون سنيا مُسْتَقِيمًا، وَلَا تكون شماتا لأي من المقربين لَهُ. وَقد سُئِلَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَي من المقربين للرسول الْفَاضِل (أَكثر فضلا) فَقَالَ من الْكِبَار الصّديق والفاروق، وَمن الشَّبَاب عُثْمَان وَعلي، وَمن النِّسَاء عَائِشَة، وَمن الْبَنَات فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم ورضوان الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ. (بَاب الْمِيم مَعَ الْهَاء) الْمهْدي: من هدى يهدي هِدَايَة، وَالْإِمَام الْهمام مُحَمَّد الْمهْدي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سيولد خلافًا لرأي الشِّيعَة، فَإِنَّهُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْدهم مَوْجُود مختف عَن الْأَعْدَاء وَهُوَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من أَوْلَاد الْحسن بن فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا خلافًا للشيعة فَإِنَّهُم يَقُولُونَ من أَوْلَاد الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَيكْتب صَاحب (منتخب التواريخ) أَن الإِمَام مُحَمَّد الْمهْدي ابْن الإِمَام الْحسن العسكري أمه أم ولد اسْمهَا (نرجس) كَانَت وِلَادَته لَيْلَة الْجُمُعَة الْخَامِس عشر من شعْبَان سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فِي سامراء، غَابَ غيبته الصُّغْرَى فِي زمن الْمُعْتَمد العباسي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وغيبته الْكُبْرَى كَانَت فِي زمن الراضي بن المقتدر العباسي بتاريخ ثَمَان وَعشْرين وَثَلَاث مائَة. (انْتهى) . وَعِنْدنَا اسْمه مُحَمَّد وَاسم أَبِيه عبد الله، وَاسم أمه آمِنَة، مَوْلُود بِمَكَّة، وهجرته بِبَيْت الْمُقَدّس وَيكون فِيهَا قَبره. وحليته مسطورة فِي كتب السّير وَيظْهر على الْخلق وَله أَرْبَعُونَ سنة فِي مَكَّة الشَّرِيفَة يَوْم عَاشُورَاء بعد الْعشَاء وَيفهم من بعض الرسائل أَن ظُهُوره فِي الْمِائَتَيْنِ بعد الْألف وَفِي وَقت ظُهُوره رِوَايَات مُخْتَلفَة ويبايعه ثَلَاث مائَة وَثَلَاثَة عشر رجلا من أَشْرَاف الْقَوْم على عدد أهل بدر بَين الْحجر الْأسود ومقام إِبْرَاهِيم، وَمَعَهُ علم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مَكْتُوب عَلَيْهِ الْبيعَة لله وحامله شُعَيْب بن صَالح التَّيْمِيّ وَأَيْضًا قَمِيص النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وسيفه وَأكْثر من يبايعه أهل الْكُوفَة وَأهل الْيمن وأبدال الشَّام وَيملك الدُّنْيَا كلهَا كسليمان عَلَيْهِ السَّلَام وَذي القرنين يملك الْعَرَب والعجم بِلَا محاربة وَمُدَّة سلطنته سبع سِنِين. وَفِي رِوَايَة ثَمَان. وَفِي رِوَايَة تسع. مقدم جَيْشه جِبْرَائِيل ومؤخره مِيكَائِيل وَمَعَهُ ثَلَاثَة آلَاف من الْمَلَائِكَة. وَيكون على رَأسه سَحَاب فِيهِ ملك يَقُول هَذَا هُوَ الْمهْدي الْمَوْعُود فَبَايعُوهُ وسعة كَلَامه من الْمشرق إِلَى الْمغرب حَتَّى يَسْتَيْقِظ النَّائِم مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 وَله خوارق وكرامات وَيخرج من الْبَلدة التابوت فِيهِ سكينَة من ربكُم وَبَقِيَّة مِمَّا ترك آل مُوسَى وَآل هَارُون وَأَرْبَعَة أَلْوَاح من التَّوْرَاة وعصا مُوسَى وحلة آدم وَخَاتم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام. وَإِذا أَتَى على بَلْدَة يَقُول الله أكبر الله أكبر فيهدم جدران حصنها. فَإِذا ملك الأَرْض كلهَا يملأها عدلا بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي المؤذيات أحدا ويلعب الصّبيان مَعَ الْحَيَّات والعقارب ويسكن فِي بَيت الْمُقَدّس ثمَّ يبلغهُ الْخَبَر بِخُرُوج الدَّجَّال. فَينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام. ثمَّ الْأَصَح أَنه يُصَلِّي بِالنَّاسِ ويقتدي بِهِ الْمهْدي لِأَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أفضل فإمامته أولى كَذَا فِي شرح العقائد للعلامة التَّفْتَازَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى وَهُوَ الْمعول عَلَيْهِ الَّذِي اتّفق عَلَيْهِ الثِّقَات من الْمُحدثين (وَقَالَ القَاضِي عِيسَى) فِي رسَالَته فِي بَاب الْمهْدي أَنه يجمع الْمهْدي وَعِيسَى ابْن مَرْيَم فِي وَقت الصَّلَاة فَيَقُول الْمهْدي لعيسى ابْن مَرْيَم تقدم فَيَقُول عِيسَى أَنْت أولى بِالصَّلَاةِ فَيصَلي عِيسَى عَلَيْهِ وَالسَّلَام وَرَاءه مَأْمُوما. وَعَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قَالَ الْمهْدي ينزل عَلَيْهِ عِيسَى ابْن مَرْيَم يُصَلِّي خَلفه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام. وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمهْدي مني أجلى الْجَبْهَة أقنى الْأنف يمْلَأ الأَرْض قسطا وعدلا كَمَا ملئت ظلما وجورا يملك سبع سِنِين. ( [حرف النُّون] ) (بَاب النُّون مَعَ الصَّاد) النَّصِيحَة: هِيَ الدُّعَاء والطلب إِلَى مَا فِيهِ الصّلاح وَالنَّهْي عَمَّا فِيهِ الْفساد. وَقد قَالَ الشَّيْخ زين الْحق وَالْملَّة وَالدّين دَاوُد بن السَّيِّد مَحْمُود الشِّيرَازِيّ قدس سره وَصَاحب سجادة الشَّيْخ برهَان الدّين الْغَرِيب قدس سره وَمن عُظَمَاء الْأَوْلِيَاء وكبراء هَذِه الطَّائِفَة الْعليا وَصَاحب الكرامات الظَّاهِرَة وَمجمع الْعُلُوم الظَّاهِرِيَّة والباطنة ومرقده الْمُبَارك فِي رَوْضَة (خلدآباد) الْوَاقِعَة على فاصلة ثَمَانِيَة فراسخ من معمورة الْبُنيان (اورنك آباد) ، يجب اسداء النَّصِيحَة عَن طَرِيق الْكِنَايَة بالحكاية وَمَا شابه حسب الْحَال، لِأَن النَّصِيحَة إِذا كَانَت صَرِيحَة تصبح خُصُومَة وَلَيْسَ نصيحة، أَو النَّصِيحَة والفضيحة وَالْخُصُومَة، كل مَا يُقَال فِي خلْوَة فَهُوَ نصيحة، وكل مَا يُقَال على الْمَلأ فَهُوَ فضيحة، وكل مَا يُقَال صَرَاحَة فَهُوَ خُصُومَة. وَقد قَالَ سُلْطَان الْمَشَايِخ حَضْرَة الشاه نظام الدّين البداواني قدس سره: ((كلامنا إِشَارَة فَإِذا صَار عبارَة صَار جفَاء)) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 ( [حرف الْوَاو] ) (بَاب الْوَاو مَعَ اللَّام) الْولَايَة: الْقرْبَة وَالتَّصَرُّف والقرابة الْحَاصِلَة من الْعتْق أَو من الموالات وَعند أَرْبَاب السلوك مرتبَة عالية لخواص الْمُؤمنِينَ المقربين فِي الحضرة الصمدية تحصل بالمواضبة على الطَّاعَات والإجتناب عَن السَّيِّئَات. وَقد قَالَ قدوة العارفين الْعَارِف النامي نور الدّين الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الجامي قدس سره السَّامِي فِي (نفحات الْإِنْس من حضرات الْقُدس) أَن الْولَايَة على قسمَيْنِ: ولَايَة عَامَّة وَولَايَة خَاصَّة. وَالْولَايَة الْعَامَّة مُشْتَركَة بَين جَمِيع الْمُؤمنِينَ. قَالَ الله تَعَالَى: {الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} ، وَالْولَايَة الْخَاصَّة مَخْصُوصَة بالواصلين وأرباب السلوك. وَهِي عبارَة عَن فنَاء العَبْد فِي الْحق وبقاءه بِهِ _ فالولي هُوَ الفاني فِيهِ وَالْبَاقِي بِهِ _ والفناء عبارَة عَن نِهَايَة السّير إِلَى الله تَعَالَى، والبقاء عبارَة عَن بداية السّير فِي الله تَعَالَى، وَيَنْتَهِي السّير إِلَى الله بعد قطع بداية الْوُجُود بقدم الصدْق دفْعَة وَاحِدَة، وَالسير فِي الله يتَحَقَّق بعد فنَاء العَبْد الْمُطلق وَيُصْبِح وجوده وذاته مطهرا من لوث الْحدثَان الرخيصان حَتَّى يَتَّصِف فِي ذَلِك الْعَالم بالأوصاف الإلهية ويتخلق بالأخلاق الربانية ويرتقي. وَيَقُول أَبُو عَليّ الْجوزجَاني رَحْمَة الله عَلَيْهِ (الْوَلِيّ هُوَ الفاني من حَاله الْبَاقِي فِي مُشَاهدَة الْحق لم يكن لَهُ عَن أَخْبَار وَلَا مَعَ غير الله قَرَار) . قَالَ إِبْرَاهِيم بن أدهم رَحمَه الله لرجل، أَتُرِيدُ أَن تصبح وليا من أَوْلِيَاء الله، قَالَ بلَى أُرِيد، فَقَالَ: (لَا ترقب فِي شَيْء من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وأفرغ نَفسك لله تَعَالَى وَأَقْبل بِوَجْهِك عَلَيْهِ) فَإِذا وجدت هَذِه الْأَوْصَاف فِيك أَصبَحت وليا. وَفِي الرسَالَة القشيرية أَن الْوَلِيّ لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: فعيل بِمَعْنى مفعول وَهُوَ من يتَوَلَّى الله أمره (قَالَ الله تَعَالَى وَهُوَ يتَوَلَّى الصَّالِحين) فَلَا يكله إِلَى نَفسه لَحْظَة بل يتَوَلَّى الْحق سُبْحَانَهُ رعايته. وَالثَّانِي: فعيل مُبَالغَة من الْفَاعِل وَهُوَ الَّذِي يتَوَلَّى عبَادَة الله وطاعته، فعبادته تجْرِي عَلَيْهِ على التوالي من غير أَن يتخللها عصيان. وكلا الوصفين وَاجِب حَتَّى يكون الْوَلِيّ وليا يجب قِيَامه بِحُقُوق الله على الِاسْتِقْصَاء والاستيفاء ودوام حفظه الله إِيَّاه فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء. (وَمن شَرط الْوَلِيّ) أَن يكون مَحْفُوظًا كَمَا أَن من شَرط النَّبِي أَن يكون مَحْفُوظًا فَكل مَا كَانَ للشَّرْع عَلَيْهِ اعْتِرَاض فَهُوَ مغرور مخادع. (قصد أَبُو يزِيد البسطامي) قدس الله تَعَالَى روحه بعض من وصف بِالْولَايَةِ فَلَمَّا دنا مَسْجده قعد ينْتَظر خُرُوجه فَخرج الرجل وَرمى ببزاقه تجاه الْقبْلَة فَانْصَرف أَبُو يزِيد وَلم يسلم عَلَيْهِ، وَقَالَ هَذَا رجل غير مَأْمُون على أدب من آدَاب الشَّرِيعَة فَكيف يكون أَمينا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 على أسرار الْحق) . جَاءَ شخص إِلَى الشَّيْخ أَبُو سعيد أَبُو الْخَيْر قدس سره، فَدخل عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد بِرجلِهِ الْيُسْرَى أَولا، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ ارْجع، فَنحْن لَا نُكَلِّم من لَا يُرَاعِي الْآدَاب فِي منزل الحبيب (انْتهى) _ (السَّرَّاء) الرخَاء و (الضراء) الشدَّة. ( [حرف الْهَاء] ) (بَاب الْهَاء مَعَ الْجِيم) الهجو: هُوَ الشتم بالشعر. كَانَ فِي (أَحْمد نكر) عمرها الله تَعَالَى وحفظها عَن الْخطر سنة ألف وَمِائَة وَعشْرين هجرية شخص اسْمه (إِسْحَاق) من قوم (النوايه) وَكَانَ لَهُ نصيب وافر من الفارسية وَصَاحب فنون وَكَانَ لَا يجاري فِي النّظم والنثر، فَسَأَلَ يَوْمًا أحد الْأَشْخَاص أَي كتاب تقْرَأ، فَقَالَ إنْشَاء أَبُو الْفضل وطغرا، فَضَحِك إِسْحَاق وَقَالَ أَسْتَطِيع كِتَابَة هَذَا النَّوْع من الْإِنْشَاء أثْنَاء الْبَوْل. وَأرْسل بِطَلَبِهِ ذُو الفقار خَان ابْن وَزِير الممالك أَسد خَان وَكَرمه وَجعله من جُلَسَائِهِ. وَقَالَ لَهُ فِي أحد الْأَيَّام يجب أَن أرسل رِسَالَة منظومة إِلَى الْأَمِير الْفُلَانِيّ، فَحمل إِسْحَاق الْقَلَم وَبَدَأَ يكْتب مَا يُريدهُ ذُو الفقار خَان عِنْد مُجَرّد سَمَاعه لما يُرِيد، فَكَانَ ينظم ذَلِك مُسْتَعْملا بديع الاستعارات الغريبة وبطريقة لَطِيفَة ومطبوعة، وَلما كَانَ كثير التكبر والغرور انقلبت هَذِه الصُّحْبَة إِلَى زعل بَينهمَا ... وَكَانَ يكْتب بالخط (النستعليق) و _ المكسور شكسته) وَكَانَ فريد عصره فِي استنساخ الْكتب. وَيَقُول السَّيِّد السَّنَد السَّيِّد نجش قدس سره أَنه أنْجز نسخ (الكلستان) فِي لَيْلَة وَاحِدَة، وَكَانَ طَالب علم إِلَى أَن قراء (الكافية) وتتلمذ فِي الفارسية على الْعَارِف بِاللَّه شاه محسن رَحمَه الله. وتتلمذ فِي الْعَرَبيَّة على أستاذ الْكل فِي الْكل حَضَره سيد نجش الْكرْمَانِي الخيرآبادي ثمَّ الأحمد نكرِي قدس سره وَكَانَ ذَا طباع عالية وسامية. وَقد قَالَ لي حَضْرَة السَّيِّد نجش قدس سره أَن لإسحاق طباع عالية، وَفِي حِين الْقِرَاءَة (الكافية) كَانَ يُجيب على أسئلتي بعد التفكير والتأمل. وَكَانَ مدمنا على (البنج) _ قصير الْقَامَة، مستدير الْوَجْه واللحية، أسود اللَّوْن، يرتدي الثِّيَاب النفسية والمكلفة. وَقد صرف كل جهد طباعه الرَّديئَة فِي الهجاء. وَكَانَ يضع فِي مجَالِس الْكِبَار عطرا ودهنا حادا ونفاذا. وَكَانَ على علاقَة فسق بِامْرَأَة تسمى (رام بولِي) فتشاحن مَعهَا يَوْمًا وتحولت الصداقة الَّتِي بَينهمَا إِلَى خُصُومَة، فنظم قصيدة طَوِيلَة يهجوها فِيهَا. وَكَانَ الشَّيْخ عظمت الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 درويش الأحمد نكرِي على صداقة مَعَ عالمكير بادشاه كرمي، وَكَانَ قد سمع عَن لِسَان إِسْحَاق السليط، فَقَالَ لَهُ: أَلا تخَاف مني يَا إِسْحَاق فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلَّا أَن نظم قِطْعَة شعر على البديهة مضمونها هُوَ: أَنا اسْمِي إِسْحَاق من مَادَّة سحق، وَأَنت اسْمك عظمت من مَادَّة الْعظم. يَعْنِي يجب أَن يكون أَنا من يسحق عظامك، لذَلِك يجب عَلَيْك أَنْت أَن تخَاف مني وَلَيْسَ أَنا. وَيَوْما كَانَ فِي ضِيَافَة أحد الْمجَالِس، فَلَمَّا فرغ الْمجْلس، فتش عَن حذائه فَلم يجده وَوجد حذاء عتيقا مَكَانَهُ. فَقَالَ للسَّيِّد صَاحب مَا هُوَ هَذَا الْمجْلس الَّذِي يُوجب التشويش والتردد. وَقَالَ على البدية: (ذهبت إِلَى مجْلِس لم يكن بِالْمَكَانِ الْمُنَاسب لي ... ) (تركت حذائي الْفَرد، فَلم أَجِدهُ ورائي ... ) (أَخذ لص وَوَضعه فِي فرج امْرَأَة ... ) (الشُّكْر الْكثير أَن رجلاي لم تكن فِيهِ ... ) فَمَا كَانَ من صَاحب الْمجْلس إِلَّا أَن جَاءَهُ بحذاء جَدِيد طَالب مِنْهُ الْعذر وَالْعَفو. (بَاب الْهَاء مَعَ الدَّال) الْهِدَايَة: وَيَقُول بعض الأحباب فِي تَفْصِيل هَذَا اللَّفْظ الْمُجْمل أَنه لَدَى الأشاعرة هُوَ دلَالَة على مَا يُوصل إِلَى الْمَطْلُوب، وَعند الْمُعْتَزلَة هُوَ إِيصَال إِلَى الْمَطْلُوب، وَالْفرق بَين هذَيْن الْمَعْنيين هُوَ أَن الأول لَا يسلتزم الْوُصُول إِلَى الْمَطْلُوب أما الثَّانِي فَإِنَّهُ مُسْتَلْزم الْوُصُول إِلَى الْمَطْلُوب. وَالْمعْنَى الأول ينْتَقض بقوله تَعَالَى: {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} وَهُوَ خطاب موجه إِلَى صَاحب الرسَالَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. لِأَن الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يهدي الْجَمِيع إِلَى طَرِيق الْحق، وَهَذِه كرامته ومقامه الرفيع. أما القَوْل الثَّانِي فمنقوض بقوله تَعَالَى: {وَأما ثَمُود فهديناهم فاستحبوا الْعَمى على الْهدى} وَإِذا كَانَت الْهِدَايَة هُنَا بِمَعْنى الدّلَالَة إِلَى الْمَطْلُوب فَإِن الْمَعْنى هُنَا يصبح أَنهم وصلوا إِلَى الْمَطْلُوب وَلَكنهُمْ اخْتَارُوا الضَّلَالَة والعمى. وَالظَّاهِر أَن الْعَمى بعد الْوُصُول إِلَى الْمَطْلُوب غير مُتَصَوّر. وَهل هَذَا إِلَّا تنَاقض فَاحش، وَالْحق أَن الْهِدَايَة لَفْظَة مُشْتَركَة بَين الْمَعْنيين الْمَذْكُورين. وَهَذَا مُخْتَار الطوسي يسْتَعْمل الْمَعْنى للدلالة على مَا يُوصل بالقرائن مثل: {وَأما ثَمُود فهديناهم فاستحبوا الْعَمى على الْهدى} وَأَحْيَانا بِمَعْنى الدّلَالَة الموصولة مثل: {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} وتفصيل الْقَرَائِن هُوَ أَن الْهِدَايَة أَحْيَانًا متعدية إِلَى مفعول ثَان بِنَفسِهَا مثل: {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} . وَأَحْيَانا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 متعدية ب (إِلَى) مثل: {وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} وَأَحْيَانا أُخْرَى ب (اللَّام) مثل: {إِن هَذَا الْقُرْآن يهدي للَّتِي هِيَ أقوم} أَي يهدي النَّاس للَّتِي (أَي للطريقة) الَّتِي هِيَ أقوم. وعندما تكون متعدية بِنَفسِهَا تكون بِمَعْنى الإيصال إِلَى الْمَطْلُوب، وَإِذا كَانَت متعدية ب (إِلَى وَاللَّام) تكون بِمَعْنى إراءة الطَّرِيق. فَافْهَم واحفظ. وَقَالَ شخص فِي هجاء الشَّيْخ المصلح بدكيش الَّذِي كَانَ مقربا مُشِيرا فِي الدولة وَصَاحب المرثية فِي الْهِدَايَة وَكَانَ آباؤه يعْملُونَ فِي الحلاقة. (إِن الْإِصْلَاح هُوَ فِي امكانك وقوتك ... وَهُوَ صفة ورسم من مِيرَاث كبارك) (وَلَيْسَت الْهِدَايَة فَقَط يُمكن اصلاحها ... فالعالم كُله منقاد مطئاطئ على بَاب دكانك) (بَاب الْهَاء مَعَ الرَّاء) هِرقل: بِكَسْر الأول وَفتح الثَّانِي وَسُكُون الْقَاف، على وزن (قمطر) ، اسْم عَظِيم الرّوم، وَكتب إِلَيْهِ نَبينَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَكَذَا: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، من مُحَمَّد بن عبد الله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم، فَإِنِّي أَدْعُوك بدعوة الْإِسْلَام، اسْلَمْ تسلم) ، وَسَائِر قصَّته فِي كتب السّير. (بَاب الْهَاء مَعَ النُّون) هِنْد: بِكَسْر الأول وَسُكُون الثَّانِي، اسْم ابْن أبي هَالة، وَكَانَ هُوَ أَخا اخيافيا لسيدة النِّسَاء خاتون الْجنَّة فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا _ وَكَانَ هِنْد بن أبي هَالة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وصاف النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا مر فِي ذكر أشرف الْأَسْمَاء مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَيكْتب صَاحب الْقَامُوس الإبراهيمي أَن الْهِنْد بِالْكَسْرِ إقليم كَبِير وَاسم معشوقه بشر ومنكوحة مُعَاوِيَة وَابْن هِنْد هُوَ يزِيد. (انْتهى) . وَفِي (كشكول) الشَّيْخ بهاء الدّين العاملي رَحمَه الله تَعَالَى يُقَال فَضَائِل الْهِنْد ثَلَاث: كليلة ودمنة وَلعب الشطرنج والحروف التِّسْعَة الَّتِي تجمع أَنْوَاع الْحساب. (انْتهى) . لَعَلَّ المُرَاد بالحروف الرقوم الهندسية أَو النقوش كَمَا لايخفى. والفاضل النامي مير غُلَام عَليّ البلكرامي سلمه الله تَعَالَى كتب فِي فَضَائِل اقليم الْهِنْد رِسَالَة عَجِيبَة الْبَيَان عَظِيمَة الشَّأْن كنز الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مَعْدن الْأَقَاوِيل الرفيعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 بالعبارة الفصيحة البليغة، وَكَانَ الصائب رَحمَه الله تَعَالَى لم يطلع على تِلْكَ الْفَضَائِل، وَلِهَذَا قَالَ: (يَا صائب اخْرُج من الْهِنْد آكِلَة الأكباد ... ) (بأنك سَوف تعتقل حَتَّى وَلَو كنت على نجف كَبِير ... ) عَفا الله عَنهُ. وَمن هُنَا يصبح مَعْلُوما أَن (هِنْد) هُوَ اسْم أم مُعَاوِيَة _ وَيكْتب (مُحَمَّد أفضل سرفوش) شعرًا أَنه كتب لملك الرّوم رِسَالَة تهنئة بتنصيب الْمُعظم شاه جهان قَالَ: كن على يَقِين أَنه إِذا لم يكن ملكنا مَعَ إيران وطوران وَغَيرهَا من الأقاليم من ضمن عالمكم فَإِنَّهُ لَا امبراطورية لَك عِنْدهَا (أولست امبراطور الدُّنْيَا) وَأفضل الْأَسْمَاء عِنْد الله عبد الله وَعبد الرَّحْمَن أَي اختر اسْما من هَذِه، وَبعد مطالعة يَمِين الدولة لهَذِهِ الرسَالَة رأى من الْمصلحَة أَن يُغير هَذَا الْخطاب، وَقد نمي إِلَيّ أَنهم وضعُوا هَذَا الْبَيْت: (الْهِنْد وَالدُّنْيَا متساويان بِالْعدَدِ ... ) (وَكِلَاهُمَا قد أقرّ بِكَلَام الشاه جهان ... ) وَقد كتبُوا هَذَا الْبَيْت فِي الْجَواب بِمَاء الذَّهَب (تمّ لَفظه) . فهم الْحَال: من جملَة الْكَلِمَات القدسية لحضرة الخواجة بهاء الدّين النقشبندي قدس سره الْعَزِيز فِي (الرشحات) وَكَذَلِكَ من الْكَلِمَات القدسية لحضرة الخواجا ثَمَانِيَة فقرات تبنى عَلَيْهَا الطَّرِيقَة (الخواجية) قدس الله تَعَالَى أَرْوَاحهم. وَهِي (فهم الْحَال) _ (النّظر إِلَى الْقدَم) _ (السّفر فِي الوطن) _ الْخلْوَة فِي الْمجْلس) _ (الذّكر) _ (العودة) _ (المداومة) _ (الاستذكار أَو التَّذَكُّر) . أما (فهم الْحَال) فَهُوَ أَن كل نفس يخرج من الدَّاخِل يجب أَن يكون نابعا من أصل الْحُضُور والمعرفة وَأَن لَا يكون للغفلة طَرِيقا عَلَيْهِ. و (النّظر إِلَى الْقدَم) أَنه على السالك فِي ذَهَابه ومجيئه فِي الصَّحرَاء والحاضرة وَجَمِيع الْأَمَاكِن أَن يكون نظره على قَدَمَيْهِ. حَتَّى لَا يتشتت نظره وَحَتَّى لَا يَقع فِي مَكَان لَا يجب أَن يَقع عَلَيْهِ، وَيُمكن أَن يكون (النّظر إِلَى الْقدَم) إِشَارَة إِلَى سرعَة سير السالك فِي قطع مَسَافَة الْوُجُود وطي عقبات الأنانية وَعبادَة الذَّات. و (السّفر فِي الوطن) يَعْنِي أَن يُسَافر السالك فِي الطبيعة البشرية، أَي الِانْتِقَال من الصِّفَات البشرية إِلَى الصِّفَات الملكوتية. وَمن الصِّفَات الذميمة إِلَى الصِّفَات الحميدة. و (الْخلْوَة فِي الْمجْلس) وَقد سُئِلَ حَضْرَة الخواجة بهاء الدّين قدس سره، على الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 مَاذَا تقوم طريقتكم، فَقَالَ إِن الْخلْوَة فِي الْمجْلس ظَاهرا مَعَ الْخلق وَبَاطنا مَعَ الْحق. و (الذّكر) هُوَ عبارَة عَن الذّكر بِاللِّسَانِ أَو الْقلب وَهُوَ عِنْدهم مرسوم. و (العودة) أَو الأوبة وَهِي أَنه كلما ورد على لِسَان قلب الذاكر كلمة طيبَة، يجب أَن يَقُول وباللسان نَفسه فِي عَقبهَا (يَا إلهي، إِن مقصودي أَنْت ورضاك) لِأَن لهَذِهِ الْكَلِمَة حَاصِل سالب. لكل خاطر يَأْتِي من الْحسن أَو الْقبْح من يصفي ذكره ويفرغ رَأسه عَمَّا سواهُ، وَإِذا ذكر الْمُبْتَدِئ فِي الْبِدَايَة كلمة لَا يظْهر مِنْهَا الصدْق فَلَا يجب أَن يَتْرُكهَا لِأَن آثَار صدقهَا ستظهر بالتدريج. و (المداومة) هِيَ عبارَة عَن مراقبة الخاطر، لِأَنَّهُ فِي لَحْظَة مَا يَقُول كلمة طيبَة عدَّة مَرَّات حَتَّى لَا يتَغَيَّر خاطره، وَقد قَالَ مَوْلَانَا سعد الدّين قدس سره الْعَزِيز فِي معنى هَذِه الْكَلِمَة أَن احفظ خاطرك سَاعَة أَو ساعتين أَو أَكثر من ساعتين على قدر المتيسر وداوم على أَن لَا يكون فِي خاطرك سواهُ. و (الاستذكار أَو التَّذَكُّر) هُوَ عبارَة عَن دوَام التنبه والانتباه للحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على سَبِيل الذَّوْق، وَالْبَعْض عبر بِهَذَا (الْحُضُور الشهودي _ لَا غيب فِيهِ) وَعند أهل التحقق الْمُشَاهدَة أَي اسْتِيلَاء شُهُود الْحق على الْقلب بِوَاسِطَة الْحبّ الذاتي، كِنَايَة عَن حُصُول الاستذكار أَو التَّذَكُّر. ( [حرف الْيَاء] ) (بَاب الْيَاء مَعَ الرَّاء) اليرقان: الدَّوَاء الَّذِي جرب مررا لدفعه هُوَ نبته الكمون بجذورها وأوراقها وَأَغْصَانهَا، شومر أَبيض بِمِقْدَار (دمري وَاحِد) وَمِقْدَار دمري وَاحِد من السكر الْأَبْيَض، تغسل شَجَرَة الكمون بِالْمَاءِ وتعصر حَتَّى نحصل على خلاصتها، ثمَّ نعصر الشومر لنحصل على خلاصته، ثمَّ نضع فَوْقهَا السكر ويشربه على رِيقه لمُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام، وَيجب أَن يبتعد عَن الْملح والدهن الْأَصْفَر وَهُوَ مجرب. (بَاب الْيَاء مَعَ الزَّاي) يزِيد: مضارع مَعْرُوف من الزِّيَادَة يُقَال زَاد الْعَذَاب عَلَيْهِ يزِيد زِيَادَة فجوفه خَال عَن الصِّحَّة من الْأَزَل إِلَى الْأَبَد مَمْلُوء من الْعلَّة وَالْفساد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 وَهُوَ علم ابْن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأَيْضًا علم ابْن نهشل وَاعْلَم أَن يزِيد بن نهشل كَانَ مَشْهُورا بالجود والسخاء وإعانة العاجزين عَن انتقام الْأَعْدَاء وَإِعْطَاء السَّائِلين بِغَيْر وَسِيلَة عِنْد اهلاك الهالكين أَمْوَالهم كَمَا أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة أشهر من الشَّيْطَان عَلَيْهِ اللَّعْنَة والخسران فِي الشرارة والخباثة وإيذاء أهل بَيت رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأحل الْمَدِينَة المكرمة ثَلَاثَة أَيَّام وَقد قَالَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أَبَاحَ حرمي فقد حل عَلَيْهِ غَضَبي. فَغَيره سوى عِلّة الْجوف عِلَّتَانِ: أَحدهمَا: أَنه علم مَشْهُور فِي أمره بقتل أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحُسَيْن بن عَليّ كرم الله وَجهه على اخْتِلَاف الرِّوَايَة أَو استحلاله واستبشاره عِنْد سَماع الْخَبَر بقتْله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالثَّانيَِة: وزن فعله فَإِنَّهُ لَو اتزن فعله الشنيع مَعَ سَائِر الْأَفْعَال السَّيئَة للعصاة الْأَوَّلين والآخرين لرجح _ وَلِهَذَا امْتنع صرفه من جَزَاء الشَّرّ إِلَى جَزَاء الْخَيْر وَإِن سَأَلت عَن جَوَاز اللَّعْن عَلَيْهِ فَانْظُر فِي اللَّعْن. وَهلك يزِيد بن مُعَاوِيَة عَلَيْهِ مَا هُوَ أَهله فِي رَابِع عشرَة من ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة وَله تسع وَثَلَاثُونَ سنة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير فِي فنَاء قَرْيَة حواريم من مضافات دمشق. وَقَالَ صَاحب الْمُجْمل الفصيحي أَنه ولد فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من الْهِجْرَة وَكَانَ مخمورا وسكران فتواجد فِي مجْلِس الرقص فَوَقع بِرَأْسِهِ على الأَرْض وَانْشَقَّ رَأسه فَهَلَك وَدخل فِيمَا دخل وَالله أعلم. وَكَانَ عبيد الله بن زِيَاد أَمِير الْجَيْش وَهُوَ أجهز على أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحُسَيْن بن عَليّ كرم الله وَجهه وعَلى من كَانَ مَعَه من أهل بَيته ورفقائه السُّعَدَاء حَتَّى قَتله رَئِيس الأشقياء شمر بن ذِي الجوشن لعنة الله عَلَيْهِ وسبى عبيد الله الملعون بن زِيَاد حرمه المكرم وأهان بِمَا يقشعر من ذكره جُلُود الْأَبدَان. ويبكي الْملك وَالْإِنْس والجان _ وَكَانَ مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثَمَانِيَة عشر رجلا من أهل بَيته وَسِتُّونَ رجلا من شيعته _ وَحكي أَن شمر بن ذِي الجوشن لعنة الله عَلَيْهِ لما قتل الإِمَام الْهمام وَأخذ بِرَأْسِهِ وَذهب بِهِ مَعَ جماعته الخبيثة إِلَى يزِيد بن مُعَاوِيَة وَهُوَ يَوْمئِذٍ كَانَ بِدِمَشْق حَتَّى وصلت تِلْكَ الْجَمَاعَة إِلَى دير فِي الطَّرِيق فنزلوا ليقيلوا بِهِ فوجدوا مَكْتُوبًا على بعض جدرانه. شعر: (اترجوا أمة قتلت حُسَيْنًا ... شَفَاعَة جده يَوْم الْحساب) فسألوا الراهب عَن السطر وَعَمن كتبه فَقَالَ إِنَّه مَكْتُوب هُنَا من قبل أَن يبْعَث نَبِيكُم بِخمْس مائَة عَام. وَقيل إِن الْجِدَار انْشَقَّ وَظهر مِنْهُ كف مَكْتُوب فِيهِ بِالدَّمِ هَذَا السطر هَكَذَا فِي حَيَاة الْحَيَوَان للفاضل الْكَامِل كَمَال الدّين الدَّمِيرِيّ رَحمَه الله. وَأَنا لَا أَزِيد على هَذَا فِي ذكر يزِيد بن مُعَاوِيَة كلما أَزِيد فِي مقاله يزِيد لَك سوء أَحْوَاله وشناعة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 أَفعاله اعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار أَن سوء نَفسه الخبيثة الملعونة كَيفَ سَار سرَايَة تَامَّة إِلَى اسْمه حَيْثُ لَا يُسمى أحد أحدا باسمه قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَبئسَ مثوى الظَّالِمين} أَيهَا المحبون الْمُؤْمِنُونَ الصادقون الخارجون عَن طرق الْخَوَارِج الرافضون سنَن الروافض السالكون مَسْلَك أهل السّنة السّنيَّة وَالْجَمَاعَة الهنية أَن الْعين تَدْمَع وَالْقلب يَحْتَرِق بِقصَّة شَهَادَة سيد الشُّهَدَاء حُسَيْن بن عَليّ المرتضى قُرَّة عين فَاطِمَة الزهراء وَأَتْبَاعه الطيبين الطاهرين رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ _ اللَّهُمَّ هون عَليّ شَدَائِد الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ببركة حبهم واحشرني يَوْم الْقِيَامَة مَعَهم تَحت لوائهم هَذَا مَا حررنا بِحَسب الِاتِّفَاق فِي اللَّيْلَة الْعَاشِرَة من الْمحرم الْحَرَام سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة وَألف من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْكِرَام وَأَصْحَابه الْعِظَام. (بَاب الْيَاء مَعَ الْوَاو) الْيَوْم: إِن أردْت أَن تعلم الْمُسَاوَاة والتفاوت بَين الْأَيَّام والليالي بسهولة فَانْظُر إِلَى الجداول الثَّلَاثَة الْآتِيَة فَإِنَّهَا لم تتْرك شَيْئا. وختمت بِحسن توفيقه هَذَا الْكتاب يَوْم الْجُمُعَة رَابِع عشر من الْمحرم الْحَرَام المنتظم فِي سلك شهور ألف وَمِائَة وَثَلَاث وَسبعين من الْهِجْرَة المقدسة فِي الْبَلدة الطّيبَة أَحْمد نكر من مضافات اورنك آباد العامرة عمرهما الله تَعَالَى إِلَى يَوْم التناد. وَهَذِه عدَّة أَبْيَات تناسب الْحَال وَالَّتِي تشْتَمل على الشُّكْر والامتنان لخالق الْمِثَال وَالسَّلَام اللامحدود على سيد الْمُرْسلين عَلَيْهِ وعَلى آله أفضل الصَّلَوَات وأكمل التَّحِيَّات وَكَذَلِكَ وصف هَذِه الباقة من الصدْق والصفا وَالرَّوْضَة الْغناء والحديقة الْعليا. وَهِي قصيدة طَوِيلَة من ثَلَاثَة وَأَرْبَعين بَيْتا. وبفضل الله تَعَالَى تمّ التصنيف فِي خمس سنوات. تمّ الْقسم الأول من المجلد الرَّابِع، وَهُوَ النَّص الْعَرَبِيّ من ((ضميمة دستور الْعلمَاء)) ويليه الْقسم الثَّانِي وَهُوَ النَّص الْفَارِسِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136