الكتاب: غريب الحديث المؤلف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ) المحقق: د. عبد الله الجبوري الناشر: مطبعة العاني - بغداد الطبعة: الأولى، 1397 عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- غريب الحديث لابن قتيبة الدِّينَوري، ابن قتيبة الكتاب: غريب الحديث المؤلف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ) المحقق: د. عبد الله الجبوري الناشر: مطبعة العاني - بغداد الطبعة: الأولى، 1397 عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] قَالَ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة قَالَ الْحَمد لله أهل الْحَمد ووليه وَالْهَادِي إِلَيْهِ والمثيب بِهِ أَحْمَده بأرضى الْحَمد لَهُ وأزكاه لَدَيْهِ على تظاهر آلائه وَجَمِيل بلائه حمدا يكافي نعمه ويوافي مننه وَيُوجب مزيده وأسأله أَن يشغلنا بِذكرِهِ ويلهجنا بشكره وينفعنا بحب الْقُرْآن وَاتِّبَاع الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وَحسن الْقبُول لما أدياه ويصرفنا عَن سبل الجائرين إِلَى سَوَاء السَّبِيل وينور بِالْعلمِ قُلُوبنَا وَيفتح بالحكمة أسماعنا وَيسْتَعْمل بِالطَّاعَةِ أبداننا ويجعلنا مِمَّن صمت ليسلم وَقَالَ ليغنم وَكتب ليعلم وَعلم ليعْمَل ونعوذ بِاللَّه من حيرة الْجَهْل وفتنة الْعلم وإفراط التعمق وَأَن يشغلنا التكاثر بِالْعلمِ عَن التفقه فِيهِ ويقطعنا مَا وَضعه الله عَنَّا عَمَّا كلفنا فِيهِ وَأَن يسْلك بِنَا إِلَيْهِ فِي غير طَرِيقه ويقحمنا فِيهِ من غير بَابه فكم من طَالب حَظه العناء وضارب فِي الأَرْض غنيمته الإياب يجوب الْبِلَاد ويغني التلاد وَيقطع الرَّحِم ويضيع الْعِيَال صَابِرًا على جَفا الغربة وَطول الْعزبَة وخشونة الْمطعم ورثاثة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الْهَيْئَة مبيته الْمَسَاجِد ومصباحه الْقَمَر وَطَعَامه قفار وهجوعه غرار وهمه الْجمع دون التفقه فِيهِ والطرق دون الْمُتُون والغرائب دون السّنَن والاستكثار من أَسمَاء الرِّجَال حَتَّى يعود كَمَا بَدَأَ لم يحل مِمَّا طلب إِلَّا بأسفار حملهَا وَلم يَنْفَعهُ علمهَا وَلَو يسر للصَّوَاب لعلم أَن أوجب عَلَيْهِ من حَدِيث أسلم سَالَمَهَا الله وغفار غفر الله لَهَا وَعصيَّة عَصَتْ الله. وَمن الحَدِيث فِي أكل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحم حبارى أَن تسْأَل عَن معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي يَوْم الْجُمُعَة من غسل واغتسل وَبكر وابتكر واستمع وَلم يلغ كفر ذَلِك مَا بَين الجمعتين يعرف معنى مَا غسل واغتسل وَيعرف الْفرق بَين بكر وابتكر فَيَأْخُذ بِهِ ليكفر الله عَنهُ وَأَن يسْأَل عَن قَوْله للرجل الَّذِي سَأَلَهُ أَن يقْضِي بَينه وَبَين خَصمه بِكِتَاب الله لأقضين بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله ثمَّ قضى بِالرَّجمِ والتغريب وَلَيْسَ لَهما فِي الْقُرْآن ذكر ليعرف ذَلِك فَلَا يقْدَح فِي صَدره عَارض من الشكوك فِيمَا يَدعِيهِ قوم من أهل الْبدع على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببتر الْقُرْآن ونقصه وَتغَير كثير مِنْهُ عَن جِهَته فَيهْلك باتهام السّلف الْبَراء مِمَّا قرفوهم بِهِ وَأَن يسْأَل عَن قَوْله لَو جعل الْقُرْآن فِي إهَاب ثمَّ ألقِي فِي النَّار مَا احْتَرَقَ ليعلم مَعْنَاهُ وَلَا يدْخل قلبه ريب إِذا رأى الْمَصَاحِف تحترق بالنَّار وَرَأى الْمُلْحِدِينَ يغمزون بِهَذَا الحَدِيث ويطعنون بِهِ على الْمُسلمين وَأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 يسْأَل عَن قَوْله كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ليعلم تَأْوِيله فَلَا يعلق بِقَلْبِه الهول بِالْقدرِ. وَعَن قَوْله الْحيَاء شُعْبَة من الْإِيمَان كَيفَ جعل الْحيَاء وَهُوَ غريزة شُعْبَة من الْإِيمَان وَهُوَ عمل وَلم سمي الْغُرَاب فَاسِقًا والغراب غير مُكَلّف وَلَا مَأْمُور وَلم تعوذ فِي وَقت من الْفقر وَسَأَلَ الله غناهُ وغنى مَوْلَاهُ وَسَأَلَ فِي وَقت أَن يحييه مِسْكينا ويميته مِسْكينا ويحشره فِي زمرة الْمَسَاكِين وَقَالَ الْفقر أحسن بِالْمُؤمنِ من العذار الْحسن على حد الْفرس ليعلم معنى الْحَدِيثين فَلَا يتَوَهَّم على نقلة الحَدِيث مَا يشنع بِهِ ذَوُو الْأَهْوَاء عَلَيْهِم فِي مثل هَذِه الْأَحَادِيث من حمل الْكَذِب والمتناقض حَتَّى قَالَ بَعضهم من الرجز ... يروي أَحَادِيث ونروي نقضهَا ... وَعَن قَوْله لعن الله السَّارِق يسرق الْبَيْضَة فتقطع يَده وَيسْرق الْحَبل فتقطع يَده وَأهل الْعلم مجمعون على أَنه لَا يقطع مِمَّا دون ثمن الْمِجَن الْمَذْكُورَة قِيمَته والخوارج تخالفهم وتوجب عَلَيْهِ الْقطع فِي كل شَيْء قل أَو كثر لقَوْله عز وَجل: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} . فَإِذا احْتج عَلَيْهِم مُحْتَج بِهَذَا الحَدِيث الْمِجَن عارضوه بِهَذَا الحَدِيث مَعَ ظَاهر الْكتاب وَأَن يسْأَل عَن قَوْله ضرس الْكَافِر فِي النَّار مثل أحد وكثاقة جلده أَرْبَعُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْجَبَّار. وَعَن قَوْله: (لَا تسبوا الرّيح فَإِنَّهَا من نفس الرَّحْمَن) . وَعَن قَوْله: (آخر وَطْأَة وَطئهَا الله بوج) وَعَن قَوْله (إِنِّي لأجد نفس ربكُم من قبل الْيمن) وَأَن يسْأَل عَن قَوْله: (الكاسيات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 العاريات لَا يدخلن الْجنَّة) ليعلم كَيفَ يكون الكاسي عَارِيا وَعَن قَول أبي بكر رَضِي الله عَنهُ: (سلوا الله الْعَافِيَة والمعافاة) لعرف مَا الْفرق بَينهمَا فنسأل الله مَا يُعلمهُ. وَعَن قَول ابْن عَبَّاس حِين ذكر عِنْده قَول عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ: حرمتهن آيَة وأحلتهن آيَة فَقَالَ ابْن عَبَّاس تحرمهن عَليّ قَرَابَتي مِنْهُنَّ وَلَا تحرمهن عَليّ قرَابَة بَعضهنَّ من بعض وأية قرَابَة بَين الرجل وَامْرَأَته وَمَا الْآيَة الْمحلة للْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ وَالْآيَة الْمُحرمَة لَهُ. وَمثل هَذَا كثير يطول بِذكرِهِ الْكتاب وَفِيمَا ذكرت فِيهِ مَا دلّ على مَا أوردت وستقف على تَفْسِير هَذِه الْأَحَادِيث فِي أَضْعَاف الْكتاب إِن شَاءَ الله. وَقد كَانَ تعرف هَذَا وأشباهه عسيرا فِيمَا مضى على من طلبه لِحَاجَتِهِ إِلَى أَن يسْأَل عَنهُ أهل اللُّغَة وَمن يكمل مِنْهُم ليفسر غَرِيب الحَدِيث وفتق مَعَانِيه وَإِظْهَار غوامضه قَلِيل فَأَما زَمَاننَا هَذَا فقد كفى حَملَة الحَدِيث فِيهِ مُؤنَة التَّفْسِير والبحث بِمَا أَلفه أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام ثمَّ بِمَا ألفناه فِي هَذَا بِحَمْد الله. وَقد كنت زَمَانا أرى أَن كتاب أبي عبيد قد جمع تَفْسِير غَرِيب الحَدِيث وَأَن النَّاظر فِيهِ مستغن بِهِ ثمَّ تعقبت ذَلِك بِالنّظرِ والتفتيش والمذاكرة فَوجدت مَا تَركه نَحوا مِمَّا ذكر أَو أَكثر مِنْهُ فتتبعت مَا أغفل وفسرته على نَحْو مِمَّا فسر بِالْإِسْنَادِ لما عرفت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 إِسْنَاده وَالْقطع لما لم أعرفهُ وأشبعت ذَلِك بِذكر الِاشْتِقَاق والمصادر والشواهد من الشّعْر وكرهت أَن يكون الْكتاب مَقْصُورا على الْغَرِيب فأودعته من قصار أَخْبَار الْعَرَب وأمثالها وَأَحَادِيث السّلف وَأَلْفَاظهمْ مَا يشاكل الحَدِيث أَو يُوَافق لَفظه لَفْظَة لتكثر فَائِدَة الْكتاب ويمتع قارئه وَيكون عونا على مَعْرفَته وَتَحفظه وَلم أعرض لشَيْء مِمَّا ذكره أَبُو عبيد إِلَّا أَحَادِيث وَقع فِيهَا ذَلِك فنبهت عَلَيْهِ ودللت على الصَّوَاب فِيهِ وأفردت لَهَا كتابا يدعى كتاب إصْلَاح الْغَلَط وَإِلَّا حروفا تعرض فِي بَاب وَلَا يعْمل ذَلِك الْبَاب إِلَّا بذكرها فَذَكرتهَا بِزِيَادَة فِي التَّفْسِير والفائدة وَلنْ يخفى ذَلِك على من جمع بَين الْكِتَابَيْنِ وَكنت حِين ابتدأت فِي عمل الْكتاب اطَّلَعت عَلَيْهِ قوما من حَملَة الْعلم والطالبين لَهُ وأعجلتهم الرَّغْبَة فِيهِ والحرص على تدوينه عَن انْتِظَار فراغي مِنْهُ وسألوا أَن أخرج لَهُم من الْعَمَل مَا يرْتَفع فِي كل أُسْبُوع فَفعلت ذَلِك حَتَّى تمّ لَهُم الْكتاب وسمعوه وَحمله قوم مِنْهُم إِلَى الْأَمْصَار ثمَّ عرضت بعد ذَلِك أَحَادِيث كَثِيرَة فَعمِلت بهَا كتابا ثَانِيًا يدعى كتاب الزَّوَائِد فِي غَرِيب الحَدِيث ثمَّ تدبرت الْكِتَابَيْنِ فَرَأَيْت الأصوب فِي الرَّأْي أَن أجمعهما وأقدم مَا سَبيله أَن يقدم وأوخر مَا سَبيله أَن يُؤَخر وأحذف مَا سَبيله أَن يحذف فَمن رأى ذَيْنك الْكِتَابَيْنِ على غير تأليف هَذَا الْكتاب فَليعلم أَنَّهَا شَيْء وَاحِد وَأَن الِاخْتِلَاف بَينهمَا إِنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيم وَتَأْخِير ومكرر من التَّفْسِير وَرَأَيْت أَن أفتح كتابي هَذَا بتبيين الْأَلْفَاظ الدائرة بَين النَّاس فِي الْفِقْه وأبوابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 والفراض وأحكامها لتعرف من أَيْن أخذت تِلْكَ الْحُرُوف فيستدل بأصولها فِي اللُّغَة على مَعَانِيهَا كَالْوضُوءِ وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْأَذَان وَالصِّيَام وَالْعتاق وَالطَّلَاق وَالظِّهَار وَالتَّدْبِير وأشباهها مِمَّا لَا يكمل علم المتفقه والمفتي إِلَّا بِمَعْرِِفَة أُصُوله ثمَّ اتبعت ذَلِك تَفْسِير مَا جَاءَ فِي الحَدِيث من ذكر الْقُرْآن وسوره وأحزابه وَسَائِر كتب الله ثمَّ مَا جَاءَ فِي الحَدِيث وَالْكتاب من ذكر الْكَافرين والظالمين والفاسقين وَالْمُنَافِقِينَ والفاجرين والملحدين وَمن أَيْن أَخذ كل اسْم مِنْهَا ثمَّ مَا جَاءَ فِي الحَدِيث من ذكر أهل الْأَهْوَاء الرافضة والمرجئة والقدرية والخوارج. ثمَّ ابتدأت بتفسير غَرِيب حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضمنته الْأَحَادِيث الَّتِي يدعى بهَا على حَملَة الْعلم حمل المتناقض وتلوته بِأَحَادِيث صحابته رجلا رجلا ثمَّ بِأَحَادِيث التَّابِعين وَمن بعدهمْ وختمت الْكتاب بِذكر أَحَادِيث غير منسوبة سَمِعت أَصْحَاب اللُّغَة يذكرونها لَا أعرف أَصْحَابهَا وَلَا طرقها حَسَنَة الْأَلْفَاظ لطاف الْمعَانِي تضعف على الْأَحَادِيث الَّتِي ختم بهَا أَبُو عبيد كِتَابه أضعافا وَأَرْجُو أَن لَا يكون بَقِي بعد هذَيْن الْكِتَابَيْنِ من غَرِيب الحَدِيث مَا يكون لأحد فِيهِ مقَال. وأسأل الله أَن ينفعنا بِمَا علمنَا ويتغمد برأفته زللنا ويوفقنا لصواب القَوْل وَالْعَمَل وَيجْعَل تعلمنا وتعليمنا لوجهه الْكَرِيم وثوابه الجسيم إِنَّه سميع قريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ذكر الْأَلْفَاظ فِي الْفِقْه وَالْأَحْكَام واشتقاقها قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُسلم فِي الْوضُوء وَمَا يعرض من الْأَلْفَاظ فِي أبوابه. الْوضُوء الْوضُوء للصَّلَاة هُوَ من الْوَضَاءَة والوضاءة النَّظَافَة وَالْحسن وَمِنْه قيل فلَان وضيء الْوَجْه أَي نظيفه وَحسنه فَكَأَن الْغَاسِل لوجهه وضأه أَي نظفه بِالْمَاءِ وَحسنه وَمن غسل يَده أَو رجله أَو عضوا من أَعْضَائِهِ أَو سكن من شعث رَأسه بِالْمَاءِ فقد وضأه. وَالْوُضُوء الَّذِي حَده الله تَعَالَى فِي كِتَابه للصَّلَاة هُوَ غسل الْوُجُوه وَالْأَيْدِي إِلَى الْمرَافِق وَالْمسح بالرؤوس والأرجل وَالْغسْل للرجل وَغَيرهَا يُسمى مسحا خبرنَا بذلك سهل بن مُحَمَّد عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ قَالَ وَقَالَ أَلا ترى أَنَّك تَقول تمسحت للصَّلَاة إِذا تَوَضَّأت لَهَا وَإِنَّمَا سمي الْغسْل مسحا لِأَن الْغسْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 للشَّيْء تَطْهِير لَهُ بإفراغ المَاء وَالْمسح تَطْهِير لَهُ بإمرار المَاء فالمسح خَفِيف الْغسْل. وَكَانُوا يتوضؤون بِالْقَلِيلِ من المَاء وَلَا يسرفون فِيهِ وَكَانَ وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمد من مَاء وَالْمدّ رَطْل وَثلث برطل زَمَاننَا فَهَذَا يدلك على أَنه كَانَ يمسح بِالْمَاءِ يَدَيْهِ وَوَجهه وَرجلَيْهِ وَهُوَ لَهَا غاسل ويدلك أَيْضا مَا رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم أَن رجلا قَالَ لَهُ إِن أُمِّي إِذا تَوَضَّأت أخذت المَاء بكفيها ثمَّ صبته ثمَّ مسحت وَجههَا فَقَالَ إِبْرَاهِيم أَي وضوء أتم من هَذَا مَا كَانُوا يطلمون وُجُوههم بِالْمَاءِ فَهَذَا مسح وَهُوَ غسل وَالْوَاجِب على من أجنب أَن يغْتَسل بِالْمَاءِ وَلَو أَنه ترك عضوا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أَعْضَائِهِ لم يغسلهُ ثمَّ ذكره فمسحه بندى يَده حَتَّى يعمه أَجْزَأَ ذَلِك عَنهُ وَكَانَ مغتسلا فَلَمَّا كَانَ الْمسْح قد يكون غسلا وَوَقعت الرؤوس فِي التِّلَاوَة بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا ثمَّ جَاءَت الأرجل بعد كَأَن الْمسْح بهَا هُوَ غسلهَا. وَأما الْوضُوء مِمَّا مست النَّار فَهُوَ غسل الْيَد والفم بعد الْفَرَاغ من الطَّعَام لينظفا ويطيب ريحهما وَكَانَ أَكثر الْأَعْرَاب لَا يغسلون أَيْديهم وَيَقُولُونَ فَقده أَشد من رِيحه فأدبنا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغسْل الْيَد مِمَّا مست النَّار يُرِيد الأطبخة والشواء وَقد جرى النَّاس بعد فِي كل مصر وكل نَاحيَة على الْوضُوء من الزهم وَأَن يَقُولُوا إِذا غسلوا أَيْديهم قبل أَن يطعموا توضأنا يُرِيدُونَ نظفنا أَيْدِينَا من الزهم لنطعم بهَا وَإِذا غسلوا أَيْديهم وأفواههم بعد الطَّعَام توضأنا يُرِيدُونَ نظفناها من الزهم وأمطناه عَنْهَا وَمن تَوَضَّأ مِمَّا غيرت النَّار فَغسل وَجهه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَرجلَيْهِ فَإِنَّمَا وَقع غلطه فِي ذَلِك من جِهَة وضوئِهِ للصَّلَاة لِأَنَّهُ لما رأى وضوء الصَّلَاة على هَيئته ظن أَن كل وضوء أَمر بِهِ على تِلْكَ الْهَيْئَة وَالْوُضُوء فِي اللُّغَة على مَا أعلمتك قد يكون للعضو الْوَاحِد ويدلك على ذَلِك حَدِيث حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبد العزيز عَن ابْن الْأَصْبَهَانِيّ عَن أبي عُبَيْدَة النَّاجِي عَن الْحسن أَنه قَالَ: الْوضُوء قبل الطَّعَام يَنْفِي الْفقر وَبعده يَنْفِي اللمم فَسُمي غسل الْيَد وضُوءًا وحَدثني أَبُو حَاتِم قَالَ أخبرنَا الْأَصْمَعِي عَن أبي هِلَال عَن قَتَادَة أَنه قَالَ: غسل الْيَد وضوء ويوضح هَذَا أَيْضا حَدِيث عكراش أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل ثمَّ غسل يَدَيْهِ وَمسح ببلل يَدَيْهِ وَجهه وذراعيه وَرَأسه وَقَالَ هَكَذَا الْوضُوء مِمَّا مست النَّار وَكَذَلِكَ الْوضُوء من مس الذّكر والفرج والدبر هُوَ غسل الْيَد لِأَن هَذِه مخارج الْحَدث وَالْبَوْل وَالدَّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وطرق النَّجَاسَات وَكَانَ أَكثر الْمُسلمين فِي صدر الْإِسْلَام يستنجون بالأحجار وَلَا يغسلون الْفروج بِالْمَاءِ وَمن مس من هَذِه الْمَوَاضِع شَيْئا لم يُؤمن أَن يعلق بِيَدِهِ مِنْهَا أَذَى وَإِن قل أَو ريح خبيثة فأدبنا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغسْل أَيْدِينَا من مس الْفروج كَمَا أدبنا بغسلها مِمَّا مست النَّار وَمن أَسْوَأ أدبا وَأَقل توقيا مِمَّن مس فرجه أَو دبره أَو مس غمرا ثمَّ صَافح بهَا أَو طاعم أَو أَخذ وَأعْطى من غير غسل وَمثله الْوضُوء من مس الْإِبِط إِنَّمَا هُوَ غسسل الْيَد ويدلك على ذَلِك أَيْضا حَدِيث حَدَّثَنِيهِ أَبُو وَائِل قَالَ ثَنَا يزِيد بن هرون وعبد الله بن بكر عَن هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من مَنَامه فَلَا يغمس يَده فِي طهوره حَتَّى يفرغ عَلَيْهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده. يَقُول لَعَلَّه فِي مَنَامه مس بهَا فرجه أَو دبره وَلَيْسَ يُؤمن أَن يخرج مِنْهُمَا فِي نَومه ندى أَو قاطر بَوْل أَو بَقِيَّة مني إِن كَانَ جَامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 قبل الْمَنَام فَيُصِيب الْيَد فَإِن أدخلها فِي الْإِنَاء من غير غسل أفسد المَاء إِن كَانَ مِمَّا ينجس مثله وَمن مس فرجه وَعلم يَقِينا أَنه لم يصب يَده مِنْهُ أَذَى فالأحوط لَهُ أَن يغسلهَا مستطهرا أَو أخذا بأدب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن لم يفعل فَلَا جنَاح عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله لِأَنَّهُ مَا سلم من الْأَذَى كعضو من أَعْضَائِهِ أَو جارحة من جوارحه وَقد جَاءَت فِي ذَلِك آثَار أَحْبَبْت أَن أذكرها فِي هَذَا الْمَوْضُوع لأوكد مَا ذهبت إِلَيْهِ بهَا. حَدثنِي خَالِد بن مُحَمَّد ثَنَا عبد الرحمن بن مهْدي ومُوسَى بن مَسْعُود عَن سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن جَابر عَن قيس بن طلق بن عَليّ عَن أَبِيه أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مس الذّكر فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ بضعَة مِنْك وحَدثني أَبُو وَائِل أَيْضا ثَنَا المؤمل عَن سُفْيَان عَن قَابُوس بن أبي ظبْيَان عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي مس الذّكر مَا أُبَالِي إِيَّاه مسست أَو أُذُنِي وحَدثني أَيْضا قَالَ ثَنَا يزِيد بن هرون قَالَ ثَنَا مسعر عَن إياد بن لَقِيط عَن الْبَراء بن قيس عَن حُذَيْفَة فِي مس الذّكر مَا أُبَالِي إِيَّاه مسست أَو أنفي وحَدثني أَيْضا قَالَ حَدثنِي مَحْبُوب ثَنَا أَبُو حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 قصابا عَن إِبْرَاهِيم أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: مَا أُبَالِي أإياه مسست أَو طرف أُذُنِي وحَدثني أَيْضا ثَنَا الرّبيع بن يحيى ثَنَا شُعْبَة عَن مسعر قَالَ سَمِعت عُمَيْر بن سعيد يَقُول: سَمِعت عمار بن يَاسر وَهُوَ يسْأَل عَن مس الذّكر فَقَالَ إِن لِلْيَدَيْنِ موضعا غَيره وَإِنَّمَا هُوَ بضعَة مِنْك وَلَا أرى الطَّهَارَة الَّتِي تخْتَار للنائم أَن يبيت عَلَيْهَا إِلَّا الِاغْتِسَال من الْجَنَابَة يدلك على ذَلِك حَدِيث حَدَّثَنِيهِ حُسَيْن بن حسن الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن ابْن لَهِيعَة عَن عُثْمَان بن نعيم الرعيني عَن أبي الأصبحي عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ إِذا نَام الْإِنْسَان عرج بِنَفسِهِ حَتَّى يُؤْتى بهَا إِلَى الْعَرْش فَإِن كَانَ طَاهِرا أذن لَهَا بِالسُّجُود وَإِن كَانَ جنبا لم يُؤذن لَهَا فِي السُّجُود فَجعل طَهَارَة النَّائِم فِي نَومه أَن يكون على غير جَنَابَة وَأكْثر النَّاس على أَنه التَّوَضُّؤ للصَّلَاة وَالنَّوْم نَاقض للْوُضُوء وَلَيْسَ بناقض للْغسْل. والاستنجاء التمسح بالأحجار وَأَصله من النجوة وَهُوَ ارْتِفَاع من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الأَرْض وَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ قَضَاء حَاجته تستر بنجوة فَقَالُوا ذهب يتغوط إِذا أَتَى الْغَائِط وَهُوَ المطمئن من الأَرْض لقَضَاء الْحَاجة ثمَّ سمي الْحَدث نَجوا واشتق مِنْهُ قد استنجى إِذا مسح مَوْضِعه أَو غسله. والاستجمار أَيْضا هُوَ التمسح بالأحجار وَمِنْه الحَدِيث: إِذا تَوَضَّأت فاستنثر وَإِذا استجمرت فأوتر أَي تمسح بِوتْر من الْحِجَارَة وَالْحِجَارَة الصغار يُقَال لَهَا الْجمار وَبِه سميت جمار مَكَّة. وَيُقَال جمرنا تجميرا إِذا رمينَا الْجمار وَهِي الْحَصَى. والاستنثار: سمي بذلك لِأَن النثرة الْأنف فالاستنثار استفعال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 من ذَلِك يُرَاد اجْعَل المَاء فِي أَنْفك. وَالتَّيَمُّم بالصعيد أَصله التعمد يُقَال تيممتك وتأممتك قَالَ الله عز وَجل {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} أَي تعمدوا تُرَابا طيبا ثمَّ كثر استعمالهم هَذِه الْكَلِمَة حَتَّى صَار التَّيَمُّم مسح الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ بِالتُّرَابِ والقلة الَّتِي جعلت مِقْدَارًا بَين مَا ينجس من المَاء وَمَا لَا ينجس هِيَ مَأْخُوذَة من اسْتَقل فلَان بِحمْلِهِ وَأقله إِذا أطاقه وَحمله وَإِنَّمَا سمت الكيزان قلالا لِأَنَّهَا تقل بِالْأَيْدِي وَتحمل فيشرب فِيهَا والقلة تقع على الْكوز الصَّغِير والجرة اللطيفة والعظيمة وَالْحب اللَّطِيف إِذا كَانَ الْقوي من الرِّجَال يَسْتَطِيع أَن يقلهُ قَالَ جميل بن [معمر من الْخَفِيف] ... فظللنا بِنِعْمَة وأتكأنا ... وشربنا الْحَلَال من قلله ... والقلل هَا هُنَا جرار يكون فِيهَا الشَّرَاب وَلست أعرف فِي ذَلِك على طَرِيق اللُّغَة حدا محدودا فَأَما الْمَدّ والصاع فَإِن خَالِد بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ حَدثنِي عَن عبد الوهاب وَحَفْص بن رَاقِد عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ يغْتَسل بالصاع يتَوَضَّأ بِالْمدِّ. وَقد اخْتلف النَّاس فِي مِقْدَار الْمَدّ والصاع فَكَانَ ابراهيم وَمن وَافقه من الْعِرَاقِيّين يَقُولُونَ صَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة أَرْطَال ومده رطلان رَوَاهُ حجاج عَن الحكم عَن ابراهيم وَكَانَ شريك يَقُول الصَّاع أقل من ثَمَانِيَة وَأكْثر من سَبْعَة وَكَانَ سُفْيَان يَقُول هُوَ مثل القفيز الْحَجَّاجِي والحجاجي ثَمَانِيَة أَرْطَال وَأخْبرنَا اسحق بن ابراهيم الْحَنْظَلِي الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه ان الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثَلَاث برطل زَمَاننَا وان الْمَدّ ربع الصَّاع. وَحدثنَا أَحْمد بن سعيد اللحياني صَاحب أبي عبيد عَن أبي عبيد أَنه قَالَ فِي الصَّاع وَالْمدّ مثل ذَلِك قَالَ وانما نرى الْعِرَاقِيّين ذَهَبُوا الى ان الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال لأَنهم سمعُوا ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يغْتَسل بالصاع وسمعوا فِي حَدِيث آخر انه كَانَ يغْتَسل بِثمَانِيَة أَرْطَال وَفِي حَدِيث آخر أَنه كَانَ يتَوَضَّأ برطلين فتوهموا أَن الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال لهَذَا فَأَما أهل الْحجاز فَلَا اخْتِلَاف بَينهم فِيهِ أعلمهُ يعرفهُ عالمهم وجاهلهم ويتبايعون بِهِ فِي أسواقهم واحكام الْمُسلمين تَدور فِيمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 ينوبهم من أَمر الْكَيْل فِي زَكَاة الْأَرْضين وَصدقَة الْفطر وَكَفَّارَة الْيَمين وفدية النّسك على أَن الْمَدّ رَطْل وَثلث والصاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث قَالَ والصاع ثلث الْفرق وَالْفرق سِتَّة عشر رطلا وَكَذَلِكَ قَالَ لنا اسحق قَالَ والقسط نصف صَاع. قَالَ أَبُو عبيد ثَنَا هِشَام بن عمار عَن صَدَقَة بن خَالِد عَن عتبَة بن أبي حَكِيم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ حَدَّثتنِي عَائِشَة وبيننا وَبَينهَا حجاب قَالَت: كنت أَغْتَسِل أَنا وحبيبي من إِنَاء وَاحِد وأشارت الى اناء قدر الْفرق وَالْفرق سِتَّة أقساط وَلَا يعلم أَنه جَاءَ فِي وضوئِهِ انه كَانَ يتَوَضَّأ بِأَقَلّ من مد وَلَا فِي غسله انه كَانَ بِأَقَلّ من صَاع فَهَذَا أقل مَا يُجزئ وحَدثني خَالِد بن مُحَمَّد أَبُو وَائِل عَن المؤمل بن اسماعيل عَن سُفْيَان قَالَ الْمَدّ يَجْزِي فِي الْوضُوء والصاع يُجزئ من غسل الْجَنَابَة وَلَو كَانَ مَا دون هَذَا مجزيا لذكره وَقَالَ اسحق وَهَذَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اختبار وان أَتَى على مَا أَمر بِهِ فِي الْوضُوء وَالْغسْل فَكَانَ وضوءه بِأَقَلّ من مد وغسله بِأَقَلّ من صَاع أَجزَأَهُ أَلا ترى أَن عَائِشَة قَالَت: كنت أَغْتَسِل أَنا وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الصَّلَاة وَالسَّلَام من اناء وَاحِد وَهُوَ الْفرق وَذَلِكَ ثَلَاثَة أصوع فقد يعلم أَن المغتسلين من اناء وَاحِد يفضل أَحدهمَا على الآخر فَفِي هَذَا بَيَان أَن الْمَدّ والصاع ليسَا بحتم. والأذنان حد الرَّأْس بَين الْوَجْه والقفا فهما يشكلان على قوم من أهل النّظر وَلَا يقضون عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُمَا من الْوَجْه فيغسلونهما وَلَا انهما من الرَّأْس فيمسحونهما. وَأخْبرنَا اسحق بن رَاهَوَيْه أَنه كَانَ يخْتَار أَن يغسل بَاطِن أُذُنَيْهِ مَعَ وَجهه وَيمْسَح ظاهرهما مَعَ رَأسه قَالَ وَقَالَ ابراهيم أما أَنا فأغسل مقدمهما مَعَ وَجْهي وأمسح مؤخرهما مَعَ رَأْسِي فان كَانَتَا من الْوَجْه كنت قد غسلتهما وان كَانَتَا من الرَّأْس مسحتهما. قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا من الرَّأْس لَا من الْوَجْه لِأَن الْوَجْه مَا استقبلك كَمَا تَقول يستقبلك من وسط الْجَبَل وَجهه وصفحه والصفح فِي الْجَبَل مثل صفحة الْوَجْه وكما تَقول وَجه الْحَائِط وَوجه الدِّرْهَم وَمن الْوَجْه قيل واجهت فلَانا اذا استقبلته وَكنت حذاءه وَكَانَ وَجهك تجاه وَجهه والأذنان فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يكونَانِ من الْوَجْه كَمَا أَنه لَا يكون جانبا الْجَبَل من وَجهه وَلَا جانبا الْحَائِط من وَجهه. وَمن اعْتبر هَذَا بآذان الْأَنْعَام وآذان السبَاع لم يخف عَلَيْهِ ان آذانها من رؤسها لَا من وجوهها وَيدل على ذَلِك قَول الشَّاعِر [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 .. الى هَامة قد وقر الضَّرْب سَمعهَا ... وَلَيْسَت كأخرى سَمعهَا لم يوقر ... وَإِذا كَانَ السّمع لَهَا فالأذنان هما السامعتان والمسمعان. وَقَالَ آخر: [من الْبَسِيط] ... تكَاد آذانها فِي الْهَام تقصفها ... ويروى فِي المَاء. قَالَ وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ فِي الأكسال إِلَّا الطُّهْر. يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أبي أَيُّوب عَن ابْن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الإكسال هُوَ أَن يُجَامع الرجل ثمَّ يُدْرِكهُ فتور فَلَا ينزل. يُقَال: أكسل الرجل يكسل إكسالا إِذا أَصَابَهُ ذَلِك. وأحسب أَصله من الكسل يُقَال: كسل الرجل إِذا فتر وأكسل صَار فِي الكسل أَو دخل فِي الكسل. كَمَا يُقَال يبس الشَّيْء وأيبس إِذا صَار فِي اليبس وقحط إِذا أردْت أَنه صَار فِي الْقَحْط. قلت: اقحط وَأَرَادَ أَن الْغسْل بإنزال الْمَنِيّ يجب لَا بملاقاة الْخِتَان وَقد ذهب هَذَا الْمَذْهَب قوم يَقُولُونَ المَاء من المَاء يُرِيدُونَ الْغسْل من الْمَنِيّ فَإِن لم ينزل فَلَا غسل عَلَيْهِ إِنَّمَا عَلَيْهِ الْوضُوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَهَذَا كَانَ فِي صدر الْإِسْلَام ثمَّ نسخ وَمثل هَذَا قَوْله من أَتَى فأقحط فَلَا يغْتَسل هُوَ من قَوْلهم قحط الْمَطَر إِذا انْقَطع وَقل. هذات آخر الطَّهَارَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فِي الصَّلَاة وأوقاتها وَمَا يعرض من الْأَلْفَاظ فِي أَبْوَابهَا وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله أصل الصَّلَاة الدُّعَاء قَالَ الله عز وَجل {وصل عَلَيْهِم إِن صَلَاتك سكن لَهُم} أَي أدع لَهُم. وَقَالَ تَعَالَى {وَمن الْأَعْرَاب من يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ويتخذ مَا ينْفق قربات عِنْد الله وصلوات الرَّسُول} أَي دعاؤه فسميت الصَّلَاة بذلك لأَنهم كَانُوا يدعونَ فِيهَا ويدلك على ذَلِك الصَّلَاة على الْمَيِّت إِنَّمَا هِيَ دُعَاء لَهُ لَيْسَ فها رُكُوع وَلَا سُجُود. فالركوع الانحناء يُقَال للشَّيْخ أذا انحنى من الْكبر قد ركع قَالَ لبيد [من الطَّوِيل] ... أَلَيْسَ ورائي إِن تراخت منيتي ... لُزُوم الْعَصَا تحنى عَلَيْهَا الْأَصَابِع أخبر أَخْبَار الْقُرُون الَّتِي مَضَت ... أدب كَأَنِّي كلما قُمْت رَاكِع ... وَقد يجوز أَن يُسمى الرَّاكِع سَاجِدا غير أَنه لم يسْتَعْمل فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 الصَّلَاة لِأَن السُّجُود أَيْضا إِنَّمَا هُوَ التطامن والميل مَعًا. يُقَال سجد الْبَعِير وأسجد إِذا خفض رَأسه ليركب وسجدت النَّخْلَة إِذا مَالَتْ وَهَذِه نخل سواجد أَي موائل. وَالرُّكُوع هُوَ سُجُود الْعَجم لساداتها وَإِنَّمَا قيل للواضع جَبهته بِالْأَرْضِ سَاجِدا لتطامنه وَيجوز أَن يزن سمي سَاجِدا لخشوعه وذله. وكل شَيْء خشع وذل فقد سجد وَمِنْه سُجُود الظلال إِنَّمَا هُوَ استسلامها لما سخرت وَقد بيّنت هَذَا فِي كتاب [مُشكل الْقُرْآن] بِأَكْثَرَ من هَذَا الْبَيَان. والتحيات الْملك وَأَصله إِن الْملك كَانَ يحيا فَيُقَال أنعم صباحا وأبيت اللَّعْن وَلَا يُقَال ذَلِك لغيره قَالَ الشَّاعِر من [مجزوء الْكَامِل] ... وَلكُل مَا نَالَ الْفَتى ... قد نلته إِلَّا التَّحِيَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 يُرِيد إِلَّا أَنِّي لم أصر ملكا أَحْيَا بِتَحِيَّة الْمُلُوك فَيُقَال لي أَبيت اللَّعْن وأنعم صباحا ثمَّ سمي الْملك تَحِيَّة إِذْ كَانَت التَّحِيَّة لَا تكون إِلَّا للملوك قَالَ عَمْرو بن معدي كرب [من الوافر] ... أَسِيرهَا إِلَى النُّعْمَان حَتَّى ... أُنِيخ على تحيته بجند أَي على ملكه وَقَول الْقَائِل فِي افْتِتَاح الصَّلَاة سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك يُرِيد بسبحان الله التَّنْزِيه لله والتنزيه لَهُ من كل مَا ينْسبهُ إِلَيْهِ الْمُشْركُونَ بِهِ جلّ وَعز يُقَال سبح الله إِذا نزهه وبرأه من من كل عيب وَقَوله وَبِحَمْدِك مُخْتَصر كَأَنَّهُ يُرَاد وَبِحَمْدِك أفتح أَو سبح وتبارك اسْمك (تفَاعل) مَعَ الْبركَة كَمَا يُقَال تَعَالَى اسْمك من الْعُلُوّ يُرَاد أَن الْبركَة فِي اسْمك وَفِيمَا سمي عَلَيْهِ وأنشدني بعض أَصْحَاب أللغة بَيْتا حفظت عَجزه [من الطَّوِيل] ... إِلَى الْجذع جذع النَّخْلَة المتبارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وَقَوله وَتَعَالَى جدك أَي عظمتك على كل شَيْء وَالْجد العظمة يُقَال جد فلَان فِي النَّاس أَي عظم فِي عيونهم وَجل فِي صُدُورهمْ وَمِنْه حَدِيث أنس بن مَالك: كَانَ الرجل منا إِذا قَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان جد فِينَا أَي جد فِي صدورنا وَعظم فِي عيوننا. وَقَوله فِي صَلَاة الْوتر وَإِلَيْك نسعى ونحفد يُرِيد بنحفد نبادر. وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع فِيهِ يُقَال حفد الْحَادِي وَرَاء الْإِبِل إِذا أسْرع ودارك خطوه وَمِنْه قيل للعبيد وَالْإِمَاء حفدة لأَنهم يسرعون إِذا مَشوا للْخدمَة. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {وَجعل لكم من أزواجكم بَنِينَ وحفدة} يُرِيد أَنهم بنُون وهم خدم وَقد ذكرت هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فِي مَوَاضِع أخر. وَقَوله: ويخشى عذابك الْجد بِكَسْر الْجِيم وَلَا تفتح أَي هُوَ الْحق لَا اللّعب وَلَا الْعَبَث أَي وَأَن عذابك بِالْكَفَّارَةِ مُلْحق بِكَسْر الْحَاء وَلَا تفتح هَكَذَا يرْوى هَذَا الْحَرْف يُقَال: لحقت الْقَوْم وألحقتهم بِمَعْنى وَاحِد وملحق فِي هَذَا الْموضع بِمَعْنى لَاحق وَمن قَالَ مُلْحق بِفَتْح الْحَاء أَرَادَ أَن الله جلّ وَعز يلْحقهُ إِيَّاه وَهُوَ معنى صَحِيح غير أَن الرِّوَايَة هِيَ الأولى وَمثل لَاحق وملحق تَابع ومتبع يُقَال تبِعت الْقَوْم وأتبعتهم. والقنوت أَصله الْقيام وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سُئِلَ عَن أفضل الصَّلَاة فَقَالَ: طول الْقُنُوت أَي طول الْقيام وانما قيل للدُّعَاء قنوت لانه كَانَ يدعى بِهِ وهم قيام قبل الرُّكُوع اَوْ بعده فَسُمي باسم الْقيام على مَا بيّنت من تَسْمِيَة الشئ باسم غَيره اذا كَانَ مِنْهُ بِسَبَب. والقنوت يتَصَرَّف على وُجُوه قد ذكرتها فِي كتاب الْمُشكل وَالْوتر الْفَرد وَاحِدًا كَانَ ذَلِك أَو ثَلَاثَة أَو خَمْسَة وَمَا فَوق وَمن أوتر بِثَلَاث لَا يفصل بَينهَا بِتَسْلِيم أَو بِخمْس أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 بِسبع فَهُوَ مُصِيب على طَرِيق اللُّغَة وَمن فصل بَينهمَا بِتَسْلِيم وأوتر بِوَاحِدَة فَهُوَ مُصِيب أَيْضا أَلا ترى انه قَالَ: اذا استجمرت فأوتر يُرِيد استنج بِثَلَاثَة أَحْجَار وَلم يرد استنج بِحجر وَاحِد وَقَالَ: اكتحلوا وترا لَا يُرِيد بِهِ الْميل الْوَاحِد وَيُقَال الله جلّ وَعز وتر وَهُوَ وَاحِد وَلما كَانَت الْمغرب وتر النَّهَار وَاخْتلف النَّاس فِي وتر اللَّيْل كَانَ أحسن الْأَشْيَاء أَن يشبه بهَا. وَالْأَذَان هُوَ اعلام النَّاس للصَّلَاة وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وأذان من الله وَرَسُوله} أَي إِعْلَام من الله وَأَصله من الاذن وَالْأُذن يُقَال آذنتك بِالْأَمر فاذنت أَي أعلمتك بِهِ فَعلمت يُرِيد أوقعته فِي أُذُنك وَقَوْلهمْ فِي الْأَذَان حَيّ على الْفَلاح أَرَادَ هَلُمَّ اليه يُقَال حَيّ الى كَذَا وَحي على كَذَا أَي أقبل اليه والفلاح الْبَقَاء فِي الْجنَّة الخلود وَلذَلِك قيل للفائزين المفلحون قَالَ عبيد [من مخلع الْبَسِيط] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 أَفْلح بِمَا شِئْت فقد يبلغ بالضعف وَقد يخدع الأديب أَي عش بِمَا شِئْت من كيس أَو حمق. والتثويب فِي أَذَان الْفجْر أَن تَقول بعد حَيّ على الْفَلاح الصَّلَاة خير من النّوم الصَّلَاة خير من النّوم وانما سمي تثويبا من قَوْلك ثاب فلَان الى كَذَا أَي عَاد اليه وثاب الى فلَان جِسْمه بعد الْعلَّة أَي رَجَعَ لِأَن الْمُؤَذّن قَالَ حَيّ على الْفَلاح فَدَعَا النَّاس الى الصَّلَاة ثمَّ قَالَ الصَّلَاة خير من النّوم الصَّلَاة خير من النّوم فثوب أَي عَاد الى دُعَائِهِمْ بِهَذَا القَوْل يُقَال ثوب الدَّاعِي حَدثنِي أَبُو وَائِل عَن عَفَّان بن مُسلم عَن اسماعيل بن سِنَان عَن حَمَّاد عَن قَتَادَة عَن طَاوُوس قَالَ أول من ثوب فِي صَلَاة الصُّبْح على عهد أبي بكر رَضِي الله عَنهُ بِلَال فَكَانَ اذا قَالَ حَيّ على الْفَلاح قَالَ الصَّلَاة خير من النّوم الصَّلَاة خير من النّوم وهما فجران فالفجر الأول هُوَ المستطيل الَّذِي يشبه بذنب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 السرحان والسرحان الذِّئْب وانما يشبه بذنب السرحان لِأَنَّهُ مستدق صاعد فِي غير اعْتِرَاض وَهُوَ الْفجْر الْكَاذِب الَّذِي لَا يحل شَيْئا وَلَا يحرمه قَالَ الْكُمَيْت وَذكر ثورا عِنْد أَرْطَاة وكلابا [من المتقارب] ... فَلَمَّا علا سطة المضبأي ... ن من لَيْلَة الذَّنب الأشعل وأطلع مِنْهُ اللياح الشيمط ... خدودا كَمَا سلت الأ نصل ... يُرِيد مضبأ الثور ومضبأ الْكلاب حَيْثُ ضبأ وضبأت أَي لصقت بِالْأَرْضِ والذنب الأشعل يُرِيد آخر اللَّيْل من الْفجْر الأول واللياح الْأَبْيَض يُرِيد الصُّبْح والشميط فِيهِ لونان من ظلمَة وضوء وَمِنْه قيل شمط رَأسه اذا خالط سوَاده بَيَاض وَالْفَجْر الثَّانِي هُوَ المستطير الصَّادِق وانما سمي مُسْتَطِيرا لِأَنَّهُ مستعرض منتشر فِي الْأُفق وكل شئ انْتَشَر فقد استطار قَالَ جرير [من الوافر] ... أَرَادَ الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبِي فاستطار ... وَقَالَ حسان [من الوافر] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 .. لهان على سراة بني لؤَي ... حريق بالبويرة مستطير ... وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا} أَي منتشرا وَيُقَال للفجر الثَّانِي الصَّادِق والمصدق لِأَنَّهُ صدق عَن الصُّبْح وَبَينه لَك قَالَ أَبُو ذُؤَيْب وَذكر الثور وَالْكلاب [من الْكَامِل] ... شعف الْكلاب الضاريات فُؤَاده ... فاذا يرى الصُّبْح الْمُصدق يفرغ ... يُرِيد أَنه يَأْمَن بِاللَّيْلِ لِأَن القناص انما يجيئون نَهَارا فاذا رأى الصُّبْح فزع وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا يهدينكم الطالع المصعد حَتَّى يعْتَرض لكم الْأَحْمَر فالطالع المصعد هُوَ الْفجْر الأول وَقَوله لَا يهدينكم هُوَ من هدت الشئ اذا حركته أَو أقلقته والأحمر هُوَ الْفجْر الثَّانِي وَفِيه يبين الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود وَذَلِكَ عِنْد ارفضاض عَمُود الصُّبْح وانتشار الضَّوْء فِي الْأُفق وَقَالَ أَبُو دؤاد الايادي [من المتقارب] ... فَلَمَّا أَضَاءَت لنا سدفة ... ولاح من الصُّبْح خيط أنارا ... أَلا ترَاهُ يَقُول أَضَاءَت لنا سدفة وَهِي هَهُنَا الظلمَة وَيَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 .. لَاحَ من الصُّبْح خيط أنارا ... أَي بدا وَظهر. وحَدثني خَالِد بن مُحَمَّد عَن بشر بن عَمْرو عَن مبارك عَن الْحسن أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز {حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} هُوَ بَيَاض النَّهَار من سَواد اللَّيْل وَلذَلِك جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السّحُور فجرا لِأَنَّهُ بَين الْفجْر الأول وَالثَّانِي قبل أَن ينتشر الضَّوْء وَيكثر. حَدثنِي خَالِد بن مُحَمَّد ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي ثَنَا مُعَاوِيَة بن صَالح عَن يُونُس بن سيف عَن الْحَارِث بن زِيَاد عَن أبي رهم عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ دَعَاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الى السّحُور فِي شهر رَمَضَان فَقَالَ: هَلُمَّ الى الْغَدَاء الْمُبَارك وحَدثني أَيْضا قَالَ ثَنَا روح ثَنَا أَشْعَث عَن الْحسن فِي الَّذِي يشك فِي الْفجْر قَالَ: كل حَتَّى لَا تشك وحَدثني أَيْضا قَالَ ثَنَا مُوسَى ابْن مَسْعُود قَالَ ثَنَا سُفْيَان عَن حبيب بن أبي ثَابت قَالَ بعث ابْن عَبَّاس غلامين ينْظرَانِ الْفجْر فَقَالَ أَحدهمَا قد طلع وَقَالَ الآخر لم يطلع فَقَالَ ابْن عَبَّاس: اخْتلفَا عَليّ أروني شرابي أَو قَالَ: ائْتُونِي شرابي الشَّك مني وهما شفقان فَالْأول الْأَحْمَر واذا غَابَ حلت صَلَاة عشَاء الْآخِرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 والشفق الثَّانِي هُوَ الْأَبْيَض الَّذِي يرى فِي الْمغرب وَآخر وَقت الْعشَاء الْآخِرَة عِنْد مغيبه على مَا روى عَن الْخَلِيل بن أَحْمد فانه قَالَ راعيته الى نصف اللَّيْل. وَكَانَ طَاوُوس يُصَلِّي الْعشَاء قبل أَن يغيب الْبيَاض والزوال هُوَ انحطاط الشَّمْس عَن كبد السَّمَاء الى جَانب الْمغرب وكبد السَّمَاء وَسطهَا الَّذِي تقوم فِيهِ الشَّمْس عِنْد الزَّوَال فَيُقَال عِنْد انحطاطها زَالَت ومالت وَرُوِيَ عَن عبد الْوَهَّاب عَن أبي معشر الْمدنِي عَن مُحَمَّد بن قيس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أمني جِبْرِيل مرَّتَيْنِ فصلى الظّهْر حِين مَالَتْ الشَّمْس قيد الشرَاك وَصلى الْعَصْر وظله مثله وَصلى الْمغرب حِين وَقعت الشَّمْس وَصلى الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق وَصلى الصُّبْح حِين طلع الْفجْر فَلَمَّا كَانَ الْغَد صلى الظّهْر وظله مثله وَصلى الْعَصْر وظله مثلاه وَصلى الْمغرب حِين وَقعت الشَّمْس وَصلى الْعشَاء حِين ذهب ثلث اللَّيْل أَو نصف اللَّيْل وَصلى الْغَدَاة فأسفر بهَا وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان الصَّلَاة فِيمَا بَينهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 قَوْله حِين مَالَتْ الشَّمْس قيد الشّرك يُرِيد أَنَّهَا زَالَت فَصَارَ فِيمَا يسير قدر الشرَاك وَهَذَا الْوَقْت الَّذِي لَا يجوز لأحد أَن يتقدمه فِي صَلَاة الظّهْر وَلَيْسَ هَذَا يكون فِي كل بلد إِنَّمَا يكون فِي الْبَلَد الَّذِي ينتعل فِيهِ الظل عِنْد زَوَال الشَّمْس فَلَا يكون للشَّخْص فِيمَا أصلا وأحسب الْحجاز وَمَا يَلِيهِ كَذَلِك وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ذكر صَلَاة الْفجْر: لَا صَلَاة حَتَّى تطلع الشَّمْس وترتفع قيد رمح أَو رُمْحَيْنِ ثمَّ الصَّلَاة مَقْبُولَة حَتَّى يقوم الظل قيام الرمْح وَلَا صَلَاة حَتَّى تَزُول الشَّمْس. يُرِيد أَن الظل لَا يمِيل مِنْهُ شَيْء إِلَى أحد الْجَانِبَيْنِ وَلكنه يصير تَحت الشَّخْص فينتصب انتصابه وَهَذَا مثل قَول الْأَعْشَى [من الْخَفِيف] ... إِذا الظل أحرزته السَّاق ... وَنَحْو مِنْهُ قَول الآخر [من الرجز] ... إِذا زفا الْحَادِي الْمطِي اللغبا ... وانتعل الظل فَكُن جوربا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وَقَالَ أَعْرَابِي خرجنَا حُفَاة وَالشَّمْس فِي قلَّة السَّمَاء حَيْثُ انتعل كل شَيْء ظله وَمَا زادنا إِلَّا التَّوَكُّل وَمَا مطايانا إِلَّا الأرجل حَتَّى لحقنا الْقَوْم فَأَما الْبَلَد الَّذِي تَزُول فِيهِ الشَّمْس وللشمس ظلّ فَإِنَّهُ يعرف قدر الظل الَّذِي زَالَت عَلَيْهِ فَإِذا زَاد عَلَيْهِ مثل طول الشَّخْص فَذَلِك آخر وَقت الظّهْر وَأول وَقت الْعَصْر وَإِذا زَاد عَلَيْهِ مثلا طول الشَّخْص فَذَلِك آخر وَقت الْعَصْر. وحَدثني أَحْمد بن الْخَلِيل عَن عَمْرو ابْن عون عَن خَالِد عَن دَاوُد بن أبي هِنْد عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود عَن عبد الله بن فضَالة عَن أَبِيه فضَالة الزهْرَانِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: حَافظ على العصرين قَالَ وَمَا كَانَت من لغتنا قلت وَمَا العصران قَالَ: صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس وَصَلَاة قبل غُرُوبهَا يُرِيد بالعصرين صَلَاة الصُّبْح وَصَلَاة الْعَصْر وَقد أَمر الله عز وَجل بالمحافظة على الصَّلَوَات ثمَّ خص صَلَاة الْعَصْر فَقَالَ: {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} وَهِي صَلَاة الْعَصْر وَإِنَّمَا سميت وسطى لِأَنَّهَا بَين صَلَاتَيْنِ فِي اللَّيْل وصلاتين فِي النَّهَار وسمت باسم الْوَقْت كَمَا سميت الظّهْر باسم الْوَقْت والعصران الْغَدَاة والعشي وَكَذَلِكَ البردان قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الْحَارِث بن حلزة [من الْخَفِيف] ... آنست نبأة وأفزعها القناص عصرا وَقد دنا الإمساء ... وَهَذَا مثل حَدِيثه الآخر: إِن اسْتَطَعْتُم أَن لَا تغلبُوا على صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا فافعلوا وتلا: {وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل الْغُرُوب} . والسبحة الصَّلَاة وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا دلّ على تَأْخِير الْعَصْر وَفِي تَسْمِيَتهَا بِالْوَقْتِ دَلِيل على ذَلِك لِأَن الهاجرة عِنْدهم من الزَّوَال إِلَى الْإِبْرَاد قَلِيلا ثمَّ مَا بعد ذَلِك الْأَصِيل ثمَّ مَا بعد ذَلِك الْعَصْر وَالْقصر تطفيل الشَّمْس وَكَانَ ابْن عمر يَقُول: عجلوا بهَا يَعْنِي الْعَصْر قبل أَن تطفل الشَّمْس ثمَّ الجنوح حِين تجنح الشَّمْس للمغيب وَفِي الحَدِيث أَيْضا مَا دلّ على الْإِسْفَار بِصَلَاة الصُّبْح إِذْ سَمَّاهَا عصرا باسم الْوَقْت لِأَن جوز اللَّيْل وَسطه وجهمة اللَّيْل أول مآخيره والسدفة مَعَ الْفجْر والسحرة السحر الْأَعْلَى والتنوير الْإِسْفَار وَهُوَ أحد العصرين وَكَانَ إِبْرَاهِيم يُصَلِّي الْعَصْر مِقْدَار مَا إِذا انْصَرف صلى رجل المكتوبه ثمَّ تغير الشَّمْس فروى الْعَلَاء بن عبد الكريم أَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ أَلا أريكم وقتا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 لصَلَاة الْعَصْر قُلْنَا بلَى قَالَ هَذِه السَّاعَة فَقُمْت فقست الظل فَوَجَدته ثَمَانِي عشرَة قدما وَأما قَول أبي قلَابَة وَسَعِيد بن جُبَير أَنَّهُمَا قَالَا إِنَّمَا سميت الْعَصْر لتعصر فَإِنَّهُمَا أخذا هَذَا الْمَعْنى من لفظ اسْمهَا وَإِنَّمَا سميت عصرا باسم الْوَقْت كَمَا أَخْبَرتك وَهُوَ مثل قَوْلهم إِنَّمَا سميي هوى لِأَنَّهُ يهوى بِصَاحِبِهِ فِي النَّار وَسمي درهما لِأَنَّهُ دَار الْهم وَالْعصر أَيْضا الدَّهْر وَيُقَال الْعَصْر وَالْعصر وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس [من الطَّوِيل] ... أَلا انْعمْ صباحا أَيهَا الطلل الْبَالِي ... وَهل ينعمن من كَانَ فِي الْعَصْر الْخَالِي ... وَأما قَول الْفُقَهَاء فِي آدَاب الصَّلَاة: لَا تفترش ذراعيك وادعم على راحتيك وآبد ضبعيك فَإِن افتراش الذراعين أَن تضعهما بِالْأَرْضِ وَلَا تَتَجَافَى بهما والادعام على الراحتين الِاعْتِمَاد عَلَيْهِمَا مَأْخُوذ من الدعامة يُقَال هَذَا عماد الشَّيْء ودعامته لما قَامَ بِهِ الشَّيْء والضبعان العضدان وإبدادهما هُوَ تفريجهما يُقَال أَبَد فلَان يَده إِذا مدها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَقد ذكرت هَذَا فِي غير هَذَا الْموضع بِأَكْثَرَ من هَذَا الشَّرْح. والإقعاء الَّذِي نهي عَنهُ فِي الصَّلَاة وَهُوَ أَن يقْعد الرجل بِالْأَرْضِ على أليتيه وَينصب فَخذيهِ كَمَا تفعل السبَاع وَالْكلاب وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر فِي الْكَلْب [من الرجز] ... يقصر يمشي وَيطول باركا ... يُرِيد أَنه إِذا مَشى كَانَ أقصر مِنْهُ إِذا أقعى واشتمال الصماء عِنْد الْعَرَب هُوَ أَن يتجلل الرجل بِإِزَارِهِ وَلَا يرفع فِيهِ جانبا وَإِنَّمَا قيل لذَلِك الصماء لِأَنَّهُ إِذا اشتملها شدّ على بدنه وَيَديه المنافذ كلهَا فَكَأَنَّهَا لَا تصل إِلَى شَيْء وَلَا يصل إِلَيْهَا شَيْء كالصخرة الصماء الَّتِي لَيْسَ فِيهَا صدع وَلَا خرق. والسدل هُوَ أَن يسدل الرجل إزَاره من جابنيه وَلَا يضم طَرفَيْهِ بيدَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 سمي ذَلِك سدلا كَمَا قيل لإرخاء السّتْر سدل فَإِن ضم طَرفَيْهِ بيدَيْهِ لم يَك سادلا لِأَنَّهُ قد ضم إِلَيْهِ نشره. والاضطباع الَّذِي يُؤمر بِهِ الطَّائِف بِالْبَيْتِ هُوَ أَن تدخل الرِّدَاء من تَحت إبطك الْأَيْمن وَترد طرفه على يسارك وتبدي منكبك الْأَيْمن وتغطي الْأَيْسَر وَإِنَّمَا سمي اضطباعا لإبدائك فِيهِ ضبعيك وهما عضداك. والتدبيح الَّذِي نهي عَنهُ فِي الرُّكُوع هُوَ أَن يخْفض الرجل رَأسه حَتَّى يكون أَشد انخفاضا من أليتيه قَالَ الشَّاعِر من الْبَسِيط ... وَلَا يدبح مِنْهُم مُحدث أبدا ... إِلَّا رَأَيْت على بَاب استه القمرا ... يُرِيد أَنهم برص الأستاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي الزَّكَاة وَالصَّدقَات وَمَا يعرض من الْأَلْفَاظ فِي أَبْوَابهَا الزَّكَاة من الزكاء وَهُوَ النَّمَاء وَالزِّيَادَة سميت بذلك لِأَنَّهَا تثمر المَال وتنميه يُقَال زكا الزَّرْع إِذا كثر ريعه وزكت النَّفَقَة إِذا بورك فِيهَا وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {أقتلت نفسا زكية} بِالْألف أَي نامية. وَمِنْه تَزْكِيَة القَاضِي للشُّهُود لِأَنَّهُ يرفعهم بالتعديل وَالذكر الْجَمِيل ثمَّ يُقَال فِيهِ فلَان زكي وَفُلَان أزكى من فلَان وأطهر ثمَّ قيل لزكاة الْفطر فطْرَة والفطرة الْخلقَة وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} أَي جبلته الَّتِي جبل النَّاس عَلَيْهَا يُرَاد أَنَّهَا صَدَقَة عَن الْبدن وَالنَّفس كَمَا كَانَت الزَّكَاة الأولى صَدَقَة عَن المَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 والقطنية الَّتِي أَخذ مِنْهَا عمر الزَّكَاة هِيَ الْحُبُوب وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذَا فَكَانَ قوم من الْفُقَهَاء يرَوْنَ أَلا زَكَاة على الْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب مِنْهُم عبد الله بن الْمُبَارك وَرَأى بَعضهم أَن السلت من ذَلِك وَإِنَّمَا ألْحقُوا السلت بِهَذِهِ الْأَصْنَاف لِأَنَّهُ ضرب من الشّعير صغَار الْحبّ لَيْسَ لَهُ قشر. وَسُئِلَ سعد بن أبي وَقاص عَن السلت بالبيضاء فكرهه والبيضاء الْحِنْطَة وَهِي السمراء أَيْضا وَإِنَّمَا كره بيع السلت بِالْحِنْطَةِ لِأَنَّهُمَا عِنْده جنس وَاحِد وَكَذَلِكَ الذّرة يلْحقهَا قوم بِهَذِهِ الْأَصْنَاف لِأَنَّهَا قوت للسودان كالحنطة لغَيرهم. وَرَأى قوم على القطنية وَهِي الْحُبُوب مثل العدس والحمص والأرز والجلبان وَهُوَ الخلر والفول وَهُوَ الباقلاء وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الجرجر أَيْضا وَأَحْسبهُ معربا والترمس وَهُوَ الجرجر الرُّومِي والدخن وَهن الجاورس واللوبياء والذرة وَأَشْبَاه ذَلِك مِمَّا يبْقى فِي أَيدي النَّاس لِلزَّكَاةِ لِأَنَّهَا حب. وَأخْبرنَا إِسْحَق بن رَاهَوَيْه أَن الَّذِي يعْتَمد عَلَيْهِ إِيجَاب الزَّكَاة على الْحُبُوب لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث رَوَاهُ: لَيْسَ فِي أقل من خَمْسَة أوساق من تمر وَلَا حب صَدَقَة وَقَالَ الشَّافِعِي لَا زَكَاة فِي الْفَاكِهَة كلهَا رطبها ويابسها وَلَا فِي الْبُقُول وَلَا فِي قصب السكر وَلَا فِي الْجَوْز واللوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 والجلوز وَحب الْكَتَّان وَلَا الزَّيْتُون وَلَا الجلجلان وَلَا حب الفجل وَلَا زيوتها وَلَا فِي أثمانها حَتَّى يحول عَلَيْهَا الْحول. والجلجلان السمسم وحَدثني عبد الرحمن بن عبد الله عَن عَمه الْأَصْمَعِي قَالَ سَمِعت نَافِعًا ينشد [من مجزوء الرمل] ... ضحك النَّاس وَقَالُوا ... شعر وضاح الْيَمَانِيّ إِنَّمَا شعري قند ... قد خلط بجلجلان ... أَي بسمسم وَإِنَّمَا سكن خلط لِاجْتِمَاع الحركات كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس [من السَّرِيع] ... فاليوم أشْرب غير مستحقب ... إِثْمًا من الله وَلَا واغل ... قَالَ أَبُو زيد يُقَال أصبت جلجلان قلبه أَي حَبَّة قلبه وَقوم يذهبون إِلَى أَن على جَمِيع مَا أخرجت الأَرْض من رطب ويابس الزَّكَاة وَالْوَرق وَالْفِضَّة وَإِذا ضربت دَرَاهِم فَهِيَ ورق ويدلك على أَن الْفضة ورق إِن عرْفجَة بن أسعد أُصِيب أَنفه يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الْكلاب فَاتخذ أنفًا من ورق فانتن عَلَيْهِ فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَّخذ أنفًا من ذهب والرقة أَيْضا الْفضة وَالْعرب تَقول: إِن الرقين يُغطي أفن الأفين والرقين جمع رقة مثل عزين وعضين يُرَاد أَن المَال يُغطي على الْعُيُوب. والكسعة الَّتِي لَا صَدَقَة فِيهَا هِيَ العوامل من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْحمير وَقيل لَهَا كسعة لِأَنَّهَا تكسع أَي تضرب مآخيرها إِذا سيقت وَفِي الحَدِيث: إِن رجلا من الْمُهَاجِرين كسع رجلا من الْأَنْصَار فَقَالَ الْأنْصَارِيّ يَا للْأَنْصَار وَقَالَ الْمُهَاجِرِي يَا للمهاجرين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بَال دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة. والكسع أَيْضا: أَن يضْرب الضَّرع بِالْيَدِ بعد أَن ينضح بِمَاء بَارِد ليصعد اللَّبن قَالَ أَبُو جَعْفَر وَلَيْسَ من الْكتاب أَنْشدني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 أبي رَحمَه الله قَول الْحَارِث بن حلزة [من السَّرِيع] ... لَا تكسع الشول بأغبارها ... إِنَّك لَا تَدْرِي من الناتج واصبب لأضيافك من رسلها ... فَإِن شَرّ اللَّبن الوالج ... الكسع أَن يضْرب لضرع بِالْيَدِ بعد أَن ينضح بِمَاء بَارِد ليصعد اللَّبن فِي الظّهْر فَيكون طرقا لَهَا فِي الْعلم الْمقبل وأغبارها جمع الغبر وَهُوَ بَقِيَّة اللَّبن فِي الضَّرع يَقُول لَا تفعل ذَلِك فَإنَّك لَا تَدْرِي لَعَلَّه يغار عَلَيْك فَيذْهب بهَا فَيكون النِّتَاج لغيرك وَشر اللَّبن الوالج يَقُول شَره مَا حقن فِي الضَّرع. وَفِي الحَدِيث أَيْضا: لَا صَدَقَة فِي الْإِبِل الجارة وَلَا القتوبة والجارة الَّتِي تجر بأزمها وتقاد وَهِي فاعلة فِي معنى مفعولة كَمَا يُقَال سر كاتم وليلأ نَائِم وَأَرْض غامرة إِذا غمرها المَاء وَكتب عمر بن عبد العزيز: إِنَّه لَيْسَ فِي الْإِبِل العوامل وَلَا إبل القطار صَدَقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 والقتوبة الَّتِي تُوضَع الأقتاب على ظُهُورهَا فعولة فِي معنى مفعولة كَمَا يُقَال: ركوبة الْقَوْم وحلبتهم لما يركبون ويحلبون وَأَرَادَ بِهِ لَيْسَ فِي الْإِبِل العوامل صَدَقَة إِنَّمَا الصَّدَقَة على السوائم وَهِي الَّتِي تسوم أَي ترعى وَتذهب فِي المراعي. والركاز الْمَعَادِن قَول أهل الْعرَاق وَقَالَ أهل الْحجاز هِيَ كنوز أهل الْجَاهِلِيَّة واللغة تدل على أَن القَوْل قَول أهل الْعرَاق لِأَن الرِّكَاز مَا ركز فِي الأَرْض وَأثبت أَصله والمعدن شَيْء مركوز الأَصْل لَا تَنْقَطِع مادته والكنز مَتى استخرج ذهب لِأَنَّهُ لَا أصل لَهُ وَلَا مَادَّة. وَمن جعل الْكَنْز ركازا لِأَنَّهُ ركز فِي الأَرْض أَي جعل فِيهَا كَمَا يركز الرمْح فِي الأَرْض وَغَيره فقد ذهب مذهبا تحتمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 اللُّغَة على ضعف فِيهِ وَفرق مَا بَين الْفَقِير والمسكين إِن الْمِسْكِين هُوَ الَّذِي لَا شَيْء لَهُ وَالْفَقِير هُوَ الَّذِي لَهُ الْبلْغَة من الْعَيْش قَالَ الرَّاعِي [من الْبَسِيط] ... أما الْفَقِير الَّذِي كَانَت حلوبته ... وفْق الْعِيَال فَلم يتْرك لَهُ سبد ... فَجعل للْفَقِير حلوبة وَجعلهَا وفقا لِعِيَالِهِ أَي قدر قوتهم وَلذَلِك فصل الله تَعَالَى بَين الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فِي آيَة الصَّدقَات وَلم يجمعهما باسم وَاحِد وَجعل لكل صنف مِنْهُمَا سَهْما فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} وَقَالَ يُونُس قلت لأعرابي أفقير أَنْت أم مِسْكين فَقَالَ لَا بل مِسْكين. وَفِي الحَدِيث: لَيْسَ الْمِسْكِين الَّذِي ترده التمرة وَالتَّمْرَتَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 أواللقمة وَاللُّقْمَتَانِ إِنَّمَا الْمِسْكِين الْمُتَعَفِّف اقرؤ أَن شِئْتُم: {لَا يسْأَلُون النَّاس إلحافا} أَرَادَ بالمسكين هَا هُنَا السَّائِل الطّواف لِأَنَّهُ بمسئلته تَأتيه الْكِفَايَة وتأتيه الزِّيَادَة عَلَيْهَا فيزول عَنهُ اسْم المسكنة والغارمون الَّذين عَلَيْهِم الدّين وَلَا يَجدونَ الْقَضَاء لِأَن الْغرم فِي اللُّغَة الخسران وَمِنْه قيل فِي الرَّهْن لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه أَي ربحه لَهُ وخسرانه أَو هَلَاكه عَلَيْهِ فَكَأَن الْغَارِم خسر مَاله وَلَا يُقَال لمن وجد الْقَضَاء غَارِم وَإِن كَانَ مُثقلًا بِالدّينِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي الْبيُوع وَمَا يعرض من الْأَلْفَاظ فِي أَبْوَابهَا بيع الْمُزَابَنَة الْمنْهِي عَنهُ هُوَ بيع للثمر فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ كَيْلا وَبيع الْعِنَب على الْكَرم بالزبيب كَيْلا وَأخْبرنَا شيخ من أَصْحَاب اللُّغَة أَنه سمي مزابنة لِأَن الْمُتَبَايعين إِذا وَقفا فِيهِ على الْغبن أَرَادَ المغبون أَن يفْسخ البيع وَأَرَادَ الغابن أَن يمضيه فتزابنا أَي تدافعا واختصما. والزبن الدّفع يُقَال زبنته النَّاقة إِذا دَفعته برجلها فَسُمي هَذَا الضَّرْب من البيع مزابنة لِأَن الْمُزَابَنَة وَهُوَ التدافع والقتال يَقع فِيهِ كثيرا وَمِمَّا يشْهد لهَذَا ان مَالِكًا كَانَ يَجْعَل كل بيع وَقع فِيهِ غرر ومخاطرة مزابنة. حَدثنِي مُحَمَّد عَن العصبي عَن مَالك أَنه قَالَ الْمُزَابَنَة كل شَيْء من الجراف الَّذِي لَا يعلم كَيْله وَلَا وَزنه وَلَا عدده أبيع بِشَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 مُسَمّى من الْكَيْل وَالْوَزْن وَالْعدَد وشبيه بِهَذَا قَوْلهم لما يدْفع بَين السَّلامَة وَالْعَيْب فِي السّلْعَة أرش لِأَن الْمُبْتَاع للثوب على أَنه صَحِيح إِذا وقف فِيهِ على خرق أَو عيب وَقع بذلك بَينه وَبَين البَائِع أرش أَي خُصُومَة وَاخْتِلَاف من قَوْلك أرشت بَين الرجلَيْن إِذا أغريت أَحدهمَا بِالْآخرِ وأوقعت بَينهمَا الشَّرّ فَسُمي مَا نقص الْعَيْب الثَّوْب أرشا إِذا كَانَ سَببا للأرش. والمحاقلة الَّتِي نهي عَنْهَا فِيهَا أقاويل ثَلَاثَة يُقَال هِيَ بيع الزَّرْع بِالْحِنْطَةِ وَيُقَال هِيَ اكتراء الأَرْض بِالْحِنْطَةِ وَيُقَال هِيَ الْمُزَارعَة بِالثُّلثِ وَالرّبع وَأَقل من ذَلِك وَأكْثر وَهَذَا الْوَجْه أشبه بهَا على طَرِيق اللُّغَة لِأَن المحاقلة مأخودة من الحقل والحقل القراح والمفاعلة تكون من اثْنَيْنِ فِي أَمر وَاحِد كالمزارعة هِيَ من اثْنَيْنِ مَأْخُوذَة من الزَّرْع والمشاتمة وَالْمُضَاربَة وَيُقَال للأقرحة المحاقل كَمَا يُقَال لَهَا الْمزَارِع وَفِي الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا تَصْنَعُونَ بمحاقلكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 قَالُوا نواجرها على الرّبيع وعَلى الأوسق من التَّمْر وَالشعِير قَالَ فَلَا تَفعلُوا فَكَمَا قيل للمزارع محاقل وَكَذَلِكَ المحاقلة الْمُزَارعَة يُقَال للرجل أحقل أَي إزرع. والمخاضرة الَّتِي نهي عَنْهَا بيع الثِّمَار وَهِي خضر لم يبد صَلَاحهَا يُسَمِّي ذَلِك مخاضرة لِأَن الْمُتَبَايعين تبَايعا شَيْئا أَخْضَر فَهِيَ من اثْنَيْنِ مَأْخُوذَة من الخضرة. والمعاومة بيع النّخل أَو الشّجر سنتَيْن أَو ثَلَاثًا فَمَا فَوق ذَلِك. قَالَ جَابر بن عبد الله نهيت ابْن الزبير عَن بيع النّخل معاومة وَقَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال للنخلة إِذا حملت سنة وَلم تحمل سنة قد عاومت وسانهت وَيُقَال عاملت فلَانا معاومة ومسانهة ومساناة ومياومة وملايلة ومساوعة ومحاينة ومشاتاة ومصايفة ومرابعة ومخارفة ومداهرة ومزامنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَالْمُخَابَرَة هِيَ الَّتِي نهي عَنْهَا أَيْضا الْمُزَارعَة عل الثُّلُث وَالرّبع وَأَقل من ذَلِك وَأكْثر يُقَال خابرت بِالْأَرْضِ وَكَانَ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول أصل المخابرة من خَيْبَر لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أقرها فِي أَيدي أَهلهَا على النّصْف فَقيل خابروهم أَي عاملوهم فِي خَيْبَر قَالَ ثمَّ تنازعوا فنهي عَن ذَلِك ثمَّ جَازَت بعد. وَقيل للأكار من هَذَا خَبِير قَالَ والخبرة أَيْضا النَّصِيب وَأنْشد لعروة بن الْورْد [من الطَّوِيل] ... إِذا مَا جعلت الشَّاة للْقَوْم خبْرَة ... فشأنك إِنِّي ذَاهِب لشؤوني ... قَالَ والخبرة أَن يَشْتَرِي الشَّاة جمَاعَة فيقسمونها. والثنياء الَّتِي نهي عَنْهَا هِيَ أَن يَبِيع الرجل شَيْئا جزَافا فَلَا يجوز لَهُ أَن يَسْتَثْنِي مِنْهُ شَيْئا قل أَو كثر لِأَنَّهُ لَا يدْرِي لَعَلَّ مَا اسْتَثْنَاهُ يَأْتِي على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 جَمِيعه إِن كَانَ مِمَّن لَا يُؤمن هَذَا فِيهِ وَلَا يدْرِي كم يبْقى مِنْهُ هَذَا قَول الشَّافِعِي فِي الِاسْتِثْنَاء وَقَالَ مَالك من بَاعَ ثمارا وَاسْتثنى مِنْهَا مكيله فَلَا بَأْس بذلك إِذا كَانَت للكيلة ثلث الشَّيْء فَمَا دون وَتَكون الثنيا فِي الْمُزَارعَة أَن يَسْتَثْنِي بعد النّصْف أَو الثُّلُث كَيْلا مَعْلُوما. وَبيع العربان الَّذِي نهي عَنهُ هُوَ أَن يَشْتَرِي الرجل السّلْعَة فَيدْفَع شَيْئا درهما أَو دِينَارا على إِنَّه إِن أَخذ السّلْعَة كَانَ ذَلِك الشَّيْء الَّذِي دَفعه من الثّمن وَإِن لم يدْفع الثّمن كَانَ ذَلِك الشَّيْء لصَاحِبهَا لَا يرتجعه مِنْهُ. وَيُقَال عربان وعربون وأربان وأربون والعوام تَقول ربون. وَبيع المواصفة هُوَ أَن يَبِيع الرجل سلْعَة لَيست عِنْده ثمَّ يبتاعها بعد فيدفعها إِلَى المُشْتَرِي وَإِنَّمَا قيل لَهَا مواصفة لِأَنَّهُ بَاعَ بِالصّفةِ من غير نظر وَلَا حِيَازَة ملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَكَانَ عبد الله بن عمر يَقُول للْبَائِع: لَا تبع بِمَا لَيْسَ عنْدك وَيَقُول للْمُشْتَرِي: لَا تبع مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْده. وَمن الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا بيع مالم يقبض وَيكون ذَلِك فِي وُجُوه مِنْهَا أَن يسلف الرجل فِي طَعَام ثمَّ يَبِيعهُ من غير المستسلف عِنْد مَحل الْأَجَل قبل أَن يقبضهُ فَإِن بَاعه بِأَكْثَرَ من الثّمن فَهُوَ ربح مَا لم يضمن فَإِن بَاعه من المستسلف عِنْد مَحل الْأَجَل من غير أَن يقبضهُ فَذَلِك الدّين بِالدّينِ والكالئ بالكالئ. وَمن ذَلِك البيع بالسلف وَهُوَ أَن يَقُول الرجل أبيعك هَذِه السّلْعَة بِكَذَا وَكَذَا على أَن تسلفني كَذَا وَكَذَا درهما وَكره هَذَا لِأَنَّهُ لَا يُؤمن أَن يكون بَاعه السّلْعَة بِأَقَلّ من ثمنهَا من أجل الْقَرْض وَمن ذَلِك شَرْطَانِ فِي بيع السّلْعَة وَهُوَ أَن يَشْتَرِي الرجل السّلْعَة إِلَى شهر بدينارين وَإِلَى ثَلَاثَة دَنَانِير وَهُوَ بِمَعْنى بيعين فِي بيع وَمن ذَلِك تلقي الركْبَان وَذَلِكَ أَن أهل الْمصر كَانُوا إِذا بَلغهُمْ وُرُود الْأَعْرَاب بالسلع تلقوهم قبل أَن يدخلُوا الْمصر فاشتروا مِنْهُم وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 علم للأعراب بِسعْر الْمصر فيغبونهم ثمَّ أدخلوه الْمصر فباعوه وأغلوه. وَمِنْه بيع الْحَاضِر للبادي وَكَانَ الْأَعْرَاب إِذا قدمُوا بالسلع لم يقيموا على بيعهَا فتسهلوا فِيهِ وَكَانَ نَاس من أهل الْمصر يَتَوَكَّلُونَ لَهُم بِبَيْعِهَا وينطلق الْأَعْرَاب إِلَى باديتهم فنهوا عَن ذَلِك ليصيب النَّاس مِنْهُم. والنجش فِي الْمُبَايعَة هُوَ أَن يزِيد الرجل فِي ثمن السّلْعَة وَهُوَ لَا يُرِيد شراءها ليزِيد غَيره بِزِيَادَتِهِ وأصل النجش الختل وَمِنْه قيل للصائد ناجش لِأَنَّهُ يخْتل الصَّيْد ويحتال لَهُ وكل من اسْتَشَارَ شَيْئا فقد نجش. والشرك ثَلَاث شركَة الْمُضَاربَة وَشركَة الْعَنَان وَشركَة الْمُفَاوضَة فَأَما شركَة الْمُضَاربَة فَهُوَ أَن يدْفع رجل إِلَى رجل مَالا يتجر بِهِ وَيكون الرِّبْح مِنْهُمَا على مَا يتفقان عَلَيْهِ وَتَكون الوضيعة على رَأس المَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وأصل الْمُضَاربَة الضَّرْب فِي الأَرْض وَذَلِكَ أَن الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ يدْفع إِلَى الرجل مَاله على أَن يخرج بِهِ إِلَى الشَّام وَغَيرهَا فيبتاع الْمَتَاع على هَذَا الشَّرْط. وَأما شركَة الْعَنَان فَإِنَّهُ مَأْخُوذ من قَوْلك عَن لَك الشَّيْء يعن إِذا عرض لَك يُقَال شَارك فلَان شركَة عنان وهوأن يشتركا فِي شَيْء خَاص كَأَنَّهُ عَن لَهما أَي عرض فاشتركا فِيهِ. وَأما الْمُفَاوضَة فِي الشّركَة فَهُوَ أَن يشتركا فِي جَمِيع مَا يستفيدان فَلَا يُصِيب وَاحِد مِنْهُمَا شَيْئا إِلَّا كَانَ فِيهِ للْآخر شركَة وَسميت مُفَاوَضَة لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا يعملان ويشرعان فِي الْأَخْذ والإعطاء ويستويان فِي الرِّبْح وَمِنْه يُقَال تفاوض الرّجلَانِ فِي الحَدِيث إِذا شرعا فِيهِ جَمِيعًا. وَكتب إِلَيّ الرّبيع بن سُلَيْمَان يُخْبِرنِي عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ شركَة الْمُفَاوضَة بَاطِل وَلَا تقع الشّركَة عِنْده على أَمر مَجْهُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَلَا تجوز بالعروض وَلَا بِالدّينِ وَذَلِكَ أَن يَقُول الرجل للرجل مَا اشْتريت من شَيْء فَهُوَ فِيمَا بيني وَبَيْنك وَكَذَلِكَ مَا اشْتريت فَلَا تقع بِهَذَا شركَة وَمن اشْترى شَيْئا فَهُوَ لَهُ قَالَ وَلَا تجوز الشّركَة إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالدَّنَانِيرِ وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا دَنَانِير وَللْآخر دَرَاهِم لم يجز وَلَا تجوز أَيْضا حَتَّى يخلطا. وَقَالَ لنا إِسْحَق: الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَلكُل امْرِئ مَا نوى وَلم نسْمع أحدا حكى عَن من يلْزمنَا قبُول قَوْله أَنه لَا يجوز حَتَّى يخلطا وَهُوَ أَمر مُحدث. وَأما أَصْحَاب الرَّأْي أَو أَكْثَرهم فيرون شركَة الْمُفَاوضَة جَائِزَة فِي كل شَيْء حَتَّى فِي الْهَدِيَّة تهدى لأَحَدهمَا وَفِي كل شَيْء خلا الْمِيرَاث. وَأما بيع الْخِيَار فَإِن الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَت تَدعُوهُ صَفْقَة الْخِيَار. وحَدثني مُحَمَّد بن عبيد عَن عبد الصمد بن عبد الوارث عَن همام عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة بن أوفى عَن عمر أَنه قَالَ: البيع عَن ترَاض صَفْقَة الْخِيَار وَمَعْنَاهُ أَن البيع يجب أَن يفْتَرق الْمُتَبَايعَانِ راضيتين فَإِن وَقع البيع ثمَّ بدا لأَحَدهمَا فِيمَا أَخذ أَو أعْطى قبل الْفِرَاق فسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَأما قَول الْعَرَب صَفْقَة الْخِيَار فَإِنَّهَا كَانَت إِذا تبايعت وَرَضي كل وَاحِد قَالَ أَحدهمَا للْآخر اختر الْآن إِمْضَاء البيع أَو فَسخه فَإِن اخْتَار أَمْضَاهُ على مَا وَقع بَينهمَا وَجب البيع وَإِن لم يَتَفَرَّقَا وَإِن اخْتَار الْفَسْخ فسخ فَهَذِهِ صَفْقَة الْخِيَار وَهُوَ معنى حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: التغابن بِالْخِيَارِ مَا لم يفترقا إِلَّا بيع الْخِيَار يَقُول إِذا فعلا هَذَا وَجب البيع وَإِن لم يفترقا. الشُّفْعَة وَأما الشُّفْعَة فَإِن الرجل كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ بيع منزل أَو حَائِط أَتَاهُ الْجَار وَالشَّرِيك والصاحب فشفع إِلَيْهِ فِيمَا بَاعَ فشفعه وَجعله بِهِ أولى مِمَّن بعد سَببه فسميت شُفْعَة وَسمي طالبها شَفِيعًا وَجعلهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقًا لقوم من ذَوي الْموَات والأسباب دون قوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 النِّكَاح وَالطَّلَاق وَمَا يعرض من الْأَلْفَاظ فِي أَبْوَابهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي النِّكَاح وَالطَّلَاق وَمَا يعرض من الْأَلْفَاظ فِي أَبْوَابهَا اخْتلف النَّاس فِي الإقراء فَقَالَ قوم هِيَ الْحيض لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَرْأَة تقعد أَيَّام أقرائها يُرِيد أَيَّام الْحيض وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا الإطهار وَاحْتَجُّوا بقول الْأَعْشَى [من الطَّوِيل] ... وَفِي كل عَام أَنْت جاشم غَزْوَة ... تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة مَالا وَفِي الأَصْل رفْعَة ... لما ضَاعَ فِيهَا من قُرُوء نسائكا ... يُرِيد أَنَّك غزوت فأضعت أطهارهن إِذا لم تغشهن فِيهَا وَالْفَرِيقَانِ جَمِيعًا مصيبان على طَرِيق اللُّغَة لِأَن الْقُرْء هُوَ الْوَقْت وكل شَيْء أَتَاك لوقت مَعْلُوم فقد أَتَاك لقرءه وقارئه وَالْحيض يَأْتِي لوقت فَهُوَ قرء وَالطُّهْر يَأْتِي لوقت فَهُوَ قرء قَالَ الْهُذلِيّ مَالك بن الْحَارِث [من الوافر] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 .. كرهت الْعقر عقر بني شليل ... إِذا هبت لِقَارِئِهَا الرِّيَاح ... أَي إِذا هبت الرِّيَاح لوَقْتهَا وَذَلِكَ فِي الشتَاء وَقَالَ الآخر [من الرجز] ... يَا رب ذِي ضغن عَليّ فارض ... لَهُ قُرُوء كقروء الْحَائِض ... يُرِيد أَن عداوته لأوقات كَمَا يَأْتِي الْحيض لأوقات والعقر الَّذِي تعطاه الْمَرْأَة على وَطْء الشُّبْهَة هُوَ مَأْخُوذ من عقرت لِأَن الْوَاطِئ للبكر يعقرها إِذا افتضها فَسُمي مَا أَعْطيته بالعقر عقرا ثمَّ صَار هَذَا للثيب وَمن وَطْء فِي غير الْفرج أَيْضا. الشّغَار وللشغار الْمنْهِي عَنهُ أَن يُزَوّج الرجل امْرَأَة هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وَليهَا رجلا على أَن يُزَوجهُ الآخر ويعقد بَينهمَا النِّكَاح على ذَلِك من غير مهر وَكَانَ الرجل يَقُول للرجل فِي الْجَاهِلِيَّة شاغرني أَي زَوجنِي أختك على أَن أزَوجك ابْنَتي وَقيل لذَلِك شغار لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يشغر إِذا نكح وأصل الشغر للكلب وَهُوَ أَن يرفع إِحْدَى رجلَيْهِ ويبول فكني بذلك عَن النِّكَاح إِذا كَانَ على هَذَا الْوَجْه وَجعل لَهُ علما كَمَا قيل للزِّنَا سفاح لِأَن الزَّانِيَيْنِ يتسافحان يسفح هَذَا المَاء أَي يصبهُ ويسفح هَذَا أما النُّطْفَة وَأما المَاء الَّذِي يغتسلان بِهِ فكني بذلك عَن الزِّنَا وَجعل لَهُ علما. وَكَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يلقى الْمَرْأَة فَيَقُول لَهَا سافحيني فَيكون ذَلِك عِنْده أحسن من أَن يَقُول: زانيني. الْعسيلَة أما الْعسيلَة الَّتِي تذوقها الْمَرْأَة فِي النِّكَاح من الزَّوْج وَتحل بهَا للمطلق ثَلَاثًا فَإِنَّهَا تَصْغِير الْعَسَل وَإِنَّمَا صغر بِالْهَاءِ لِأَن الْعَسَل يؤنث وَيذكر والأغلب عَلَيْهِ التَّأْنِيث قَالَ الشماخ [من الطَّوِيل] ... كَأَن عُيُون الناظرين تشوقها ... بهَا عسل طابت يدا من يشورها ... وَكَذَلِكَ الضَّرْب وَهُوَ الْعَسَل الغليظ يذكر وَيُؤَنث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 قَالَ الْهُذلِيّ أَبُو ذُؤَيْب [من الطَّوِيل] ... فماضرب بَيْضَاء يأوي مليكها ... إِلَى طنف أعيا براق ونازل ... وَلَو صغرت على مَذْهَب التَّأْنِيث لَقلت ضريبة كَمَا قلت عسيلة وَبَعض النَّاس يتَوَهَّم أَن عسيلة النِّكَاح الَّتِي تحل بهَا الْمَرْأَة للمطلق ثَلَاثًا هِيَ النُّطْفَة وَأرَاهُ توهم ذَلِك للهاء الَّتِي لحقته وَلَيْسَ ذَلِك كَمَا توهم وَإِنَّمَا الْعسيلَة كِنَايَة عَن حلاوة الْجِمَاع فَكل من جَامع حَتَّى يجوز الْخِتَان الْخِتَان فقد ذاق وأذاق الْعسيلَة وحلت بذلك الْمَرْأَة للزَّوْج الأول أنزل أَو لم ينزل. وَكَانَ ابْن مَسْعُود وَشُرَيْح يذهبان إِلَى أَن الْمهْر إِنَّمَا يجب بذلك لَا بإغلاق الْبَاب وإرخاء السّتْر كَمَا يَقُول كثير من النَّاس وَقَالَت بنت الحمارس أنْشدهُ الْأَصْمَعِي [من الرجز] ... هَل هِيَ إِلَّا حظوة أَو تطليق ... أَو صلف مَا بَين ذَاك تَعْلِيق ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 .. قد وَجب الْمهْر إِذا غَابَ الحوق ... والحوق حرف الْحَشَفَة وَهُوَ إطارها الْمُحِيط بهَا. الظِّهَار وَالظِّهَار الَّذِي تحرم بِهِ الْمَرْأَة مَأْخُوذ من الظّهْر وَذَلِكَ أَن تَقول لَهَا أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي فَكَانَت تطلق فِي الْجَاهِلِيَّة بذلك. وَإِنَّمَا اختصوا الظّهْر دون الْبَطن والفخذ والفرج وَهَذَا أولى بِالتَّحْرِيمِ لِأَن الظّهْر مَوضِع الرّكُوب وَالْمَرْأَة مركوبة إِذا غشيت فَكَأَنَّهُ إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَرَادَ ركوبك للنِّكَاح حرَام عَليّ كركوب أُمِّي للنِّكَاح. فَأَقَامَ الظّهْر مقَام الرّكُوب لِأَنَّهُ مركوب وَأقَام الرّكُوب مقَام النِّكَاح لِأَن الناكح رَاكب وَهَذَا من لطيف الِاسْتِعَارَة للكناية. وَقد أشكل على كثير من الْفُقَهَاء معنى قَول الله جلّ وَعز: {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} حَتَّى ظن بَعضهم أَن الْمَرْأَة لَا تحرم على من ظَاهرهَا حَتَّى يُعِيد اللَّفْظ ب الظهار ثَانِيَة فَيَقُول أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي وَهَذَا خلاف مَا أجمع عَلَيْهِ الْفُقَهَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وَكَانَ الشَّافِعِي يذهب إِلَى أَن الْعود لما قَالُوا أَنه الْعود إِلَى إمْسَاك الْمَرْأَة وَالرَّغْبَة فِيهَا وَقَالُوا إِذا ظَاهر من امْرَأَته وَلم يطلقهَا فَكَأَنَّهُ لزمَه الظِّهَار لِأَن إِمْسَاكه عَن الطَّلَاق سَاعَة ظَاهر هُوَ معاودته لما حرم مِنْهَا فيمسكه وأحسب أَن أَبَا عبيد يتبعهُ على هَذَا القَوْل وَلَا أرى هَذَا التَّأْوِيل على طَرِيق اللُّغَة صَحِيحا لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ بِالْعودِ الرُّجُوع إِلَى إمْسَاك الْمَرْأَة وَالرَّغْبَة فِيهَا لقَالَ: وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما كَانُوا عَلَيْهِ أَي يعودون إِلَى التَّمَسُّك بِالنسَاء وَالرَّغْبَة فِيهِنَّ وَلم يقل {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} لِأَن الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ لم يكن قولا إِنَّمَا كَانَ نِكَاحا وتعاشرا وائتلافا. وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ على طَرِيق التدبر وَالِاسْتِدْلَال وَالله أعلم أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يطلقون النِّسَاء بالظهار فَجعل الله جلّ وَعز حكم الظِّهَار فِي الْإِسْلَام خلاف حكمه عِنْدهم فِي الْجَاهِلِيَّة بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي تحلهن لَهُم وَأنزل: {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم} يُرِيد فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ يعودون لما قَالُوا يَعْنِي مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ من هَذَا الظِّهَار فِي الْإِسْلَام {فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا} وأضمر فكفارته وَمثل هَذَا من الْمَحْذُوف فِي الْقُرْآن كثير وَمِنْه قَوْله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 {فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} أَي فكفارة ذَلِك مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي وَقَوله بعد ذَلِك {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} أَرَادَ فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه فحلق فَعَلَيهِ فديَة من صِيَام وشبيه بِهَذِهِ الْآيَة مِمَّا يشكل على كثير من أهل النّظر قَول الله تَعَالَى: {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} وَذَلِكَ أَنهم رَأَوْا الْيَأْس يَقِينا والارتياب شكا وَلم يَأْتِ فِي الْقُرْآن الْأَمر الَّذِي وَقع فِيهِ الارتياب فَيَقُول إِن ارتبتم فِي كَذَا وَكَذَا من أمورهن فَقَالُوا فِيهِ أقاويل لَا تخفى على من تدبرها إِذا فهم مَا قُلْنَاهُ. وَالْمعْنَى إِن الله جلّ وَعز لما ذكر عدَّة اللواتي يحضن من النِّسَاء فَقَالَ: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} ارتاب النَّاس فِي اللائي لَا يحضن من الْقَوَاعِد وَالصغَار فَلم يدروا كَيفَ يعتدن فَأنْزل الله جلّ وَعز: {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم} فَلم تعلمُوا كَيفَ يعتددن {فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} وَكَذَلِكَ عدد اللائي لم يحضن وَإِن فِي هَذَا الْموضع بِمَعْنى إِذْ كَأَنَّهُ قَالَ إِذا ارتبتم والمفسرون يُقِيمُونَ إِن فِي مقَام إِذْ فِي كثير من الْقُرْآن نَحْو قَول الله جلّ وَعز: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤمنين} وَقَوله جلّ وَعز: {وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا وَأَنْتُم الأعلون إِن كُنْتُم مُؤمنين} . وَكَفَّارَة الظِّهَار الصّيام والأيمان وَالنُّذُور مَأْخُوذَة من كفرت الشَّيْء إِذا غطيته وسترته كَأَنَّهَا تكفر الذُّنُوب أَي تسترها وَكَذَلِكَ الغفران وَالْمَغْفِرَة السّتْر تَقول غفرت كَذَا إِذا سترته وَمِنْه قيل لجنة الرَّأْس مغفر لِأَنَّهُ يغْفر الرَّأْس وَلما كَانَت كَفَّارَة الذَّنب تسقطه وَكَأن غفران الذَّنب هُوَ أَلا يُؤَاخذ بِهِ وَكَانَ مَعْنَاهُمَا جَمِيعًا السّتْر رجونا أَن نَكُون من ستر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا لم يؤاخذه فِي الْآخِرَة إِن شَاءَ الله الطَّلَاق وَالطَّلَاق مَأْخُوذ من قَوْلك أطلقت النَّاقة فَطلقت إِذا أرسلتها من عقال أَو قيد فَكَأَن ذَات الزَّوْج موثقة عِنْد زَوجهَا فَإِذا فَارقهَا أطلقها من وثاق وَيدل على ذَلِك قَول النَّاس هِيَ فِي حبالك إِذا كَانَت تَحْتك يُرِيد أَنَّهَا مرتبطة عنْدك كارتباط النَّاقة فِي حبالها ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 فرقوا بالحركات بَين فعل النَّاقة وَفعل الْمَرْأَة وَالْأَصْل وَاحِد فَقَالُوا طلقت النَّاقة بِفَتْح اللَّام وَقَالُوا طلقت الْمَرْأَة بضَمهَا وَقَالُوا أطلقت النَّاقة وَقَالُوا طلقت الْمَرْأَة. ومتعة الْمُطلقَة هُوَ نَفعهَا شَيْئا وكل من نفعته أَو أرفقته فقد متعته وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تدْخلُوا بُيُوتًا غير مسكونة فِيهَا مَتَاع لكم} يَعْنِي بيُوت الْخَانَات يَقُول تنفعكم وتكنكم من الْحر وَالْبرد وَكَذَلِكَ قَوْله جلّ وَعز: {وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار ابْتِغَاء حلية أَو مَتَاع زبد مثله} يُرِيد ابْتِغَاء مَنْفَعَة وَكَذَلِكَ قَوْله فِي النَّار {جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين} أَي تذكركم جَهَنَّم وتنفعكم إِذا سافرتم وَلِهَذَا قيل للْمحرمِ بِعُمْرَة إِلَى الْحَج متمتع لِأَنَّهُ إِذا قضى طَوَافه تمتّع بِلبْس ثِيَابه وَحل لَهُ كل مَا حرم عَلَيْهِ وَلَيْسَ لمتعة الْمُطلقَة حد مَعْلُوم وإحداد الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا هُوَ منعهَا نَفسهَا من الزِّينَة والكحل والصبيغ وَالطّيب وكل من منعته من شَيْء فقد حددته عَنهُ وَمِنْه قيل للبواب حداد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 لِأَنَّهُ يمْنَع النَّاس من الدُّخُول وَيُقَال دون ذَلِك حدد أَي منع وَالطَّلَاق للعدة هُوَ أَن تطلق الْمَرْأَة فِي قبل الطُّهْر أَي فِي أَوله من غير أَن تمسها لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: طلقوا الْمَرْأَة فِي قبل عدتهَا. وَلقَوْله لعبد الله بن عمر وَقد طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض ليرجعها فَإِذا طهرت فليطلق أَو يمسك وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يُطلق للعدة وَهِي المطهر وَيكون الاحتساب مِنْهُ بالعدة من الْحيض. والمحصنة ذَات الزَّوْج وَقد تكون الْحرَّة الْبكر يدلك على ذَلِك قَول الله تَعَالَى فِي الْإِمَاء: {فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} أَي على الْحَرَائِر لَا ذَوَات الْأزْوَاج لِأَن ذَوَات الْأزْوَاج عَلَيْهِنَّ الرَّجْم وَالرَّجم لَا يَتَبَعَّض وَإِنَّمَا سميت الْحرَّة الْبكر مُحصنَة لِأَن الْإِحْصَان يكون لَهَا وَبهَا لَا بالأمة كَمَا قيل للبقر مثيرة وَإِن لم تثر شَيْئا لِأَن المثيرة مِنْهَا وكما قيل لِلْإِبِلِ هدي وَإِن لم تهد لِأَن الْهَدْي يكون مِنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الفاظ تعرض فِي أَبْوَاب من الْفِقْه مُخْتَلفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي أَلْفَاظ تعرض فِي أَبْوَاب من الْفِقْه مُخْتَلفَة الصّيام الصّيام هُوَ الْإِمْسَاك عَن الْمطعم وَالْمشْرَب والرفث وَمِنْه يُقَال خيل صِيَام إِذا كَانَت واقفة لَا تعتلف وَلَا تعْمل وَيُقَال صَامَ النَّهَار إِذا قَامَ قَائِم الظهيرة لِأَن الشَّمْس إِذا صَارَت فِي كبد السَّمَاء وَقت الزَّوَال وَكَأَنَّهَا تقف عَن السّير فَيُقَال عِنْد ذَلِك صَامَ النَّهَار وَلذَلِك قَالَ ذُو الرمة [من الْبَسِيط] ... وَالشَّمْس حيرى لَهَا بالجو تدويم ... الِاعْتِكَاف وَالِاعْتِكَاف هُوَ الْإِقَامَة يُقَال اعْتكف فلَان بمَكَان كَذَا إِذا أَقَامَ بِهِ وَلم يخرج عَنهُ وَعَكَفَ فلَان على فلَان إِذا أَقَامَ عَلَيْهِ وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز {وَانْظُر إِلَى إلهك الَّذِي ظلت عَلَيْهِ عاكفا} أَي مُقيما وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب يذكر الأثافي [من المتقارب] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 .. فهن عكوف كنوح الْكَرِيم ... قد شف أكبادهن الْهَوِي ... أَي الأثافي عكوف كَمَا تعكف النوائح على الْقَبْر شف أكبادهن الْحزن فهوت أجوافهن يُقَال شفني الْأَمر أَي شقّ عَليّ يُرِيد أَن الأثافي مُقِيمَة لَا تَبْرَح مَكَانهَا. الإهلال والإهلال بِالْحَجِّ هُوَ الْإِظْهَار لَا يجابه بِالتَّلْبِيَةِ وَمِنْه يُقَال أهل الصَّبِي واستهل إِذا صَاح أَو بَكَى حِين يسْقط إِلَى الأَرْض. الْإِحْرَام وَالْإِحْرَام هُوَ الدُّخُول فِي التَّحْرِيم كَأَن الرجل يحرم على نَفسه النِّكَاح وَالطّيب وَأَشْيَاء من اللبَاس فَيُقَال أحرم أَي دخل فِي التَّحْرِيم كَمَا يُقَال أشتا إِذا دخل فِي الشتَاء وَأَرْبع إِذا دخل فِي الرّبيع وأقحط إِذا دخل فِي الْقَحْط. وَالْإِحْرَام أَيْضا الدُّخُول فِي الْأَشْهر الْحرم يُقَال أحرم الرجل إِذا دخل فِي رَجَب وَأحل إِذا خرج مِنْهُ فَدخل فِي شعْبَان وَيُقَال حل من الأحرام من الأول بِغَيْر ألف وَحج الْبَيْت مَأْخُوذ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 قَوْلك حججْت فلَانا إِذا عدت إِلَيْهِ مرّة بعد مرّة فَقيل حج الْبَيْت لِأَن النَّاس يأتونه فِي كل سنة وَقَالَ المخبل [من الطَّوِيل] ... وَأشْهد من عَوْف حلولا كَثِيرَة ... يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا ... يَقُول يأْتونَ الزبْرِقَان مرّة بعد مرّة لسؤدده وسبه عمَامَته وَقد ذكرت هَذَا الْبَيْت وَمَعْنَاهُ فِيمَا بعد. الْعمرَة وَالْعمْرَة الزِّيَادَة يُقَال أَتَانَا فلَان مُعْتَمِرًا أَي زَائِرًا قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... وراكب جَاءَ من تثليث مُعْتَمر ... أَي زائر. الْبَدنَة و البدنة هِيَ النَّاقة سميت بَدَنَة بالعظم إِمَّا لسمنها أَو لسنها لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يساق مِنْهَا الصغار إِنَّمَا يساق مِنْهَا الثنيان فَمَا فَوق وكل مَا أسن مِنْهَا وَعظم فَهُوَ أفضل وَيُقَال للرجل المسن: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 بدن قَالَ الْأسود بن يعفر [من السَّرِيع] ... هَل لشباب فَاتَ من مطلب ... أم مَا بكاء الْبدن الأشيب ... التَّلْبِيَة و التلبية مَأْخُوذَة من وَلَك ألب فلَان بِالْمَكَانِ إِذا لزمَه وَمعنى لبيْك أَنا مُقيم عِنْد طَاعَتك وعَلى أَمرك غير خَارج عَن ذَلِك وَلَا شارد عَلَيْك هَذَا وَمَا أشبهه وَإِنَّمَا ثنوه لأَنهم أَرَادوا بِهِ إِقَامَة بعد إِقَامَة وَطَاعَة مَعَ طَاعَة كَمَا قَالُوا حنانيك رَبنَا أَي هَب لنا رَحْمَة بعد رَحْمَة أَو رَحْمَة مَعَ رَحْمَة وكما قَالُوا سعديك أَي سَعْدا مَقْرُونا بِسَعْد. وَيُقَال لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك بِكَسْر إِن وفتتحها فَمن كسرهَا ابْتَدَأَ القَوْل بهَا وَمن فتحهَا أَرَادَ لبيْك بِأَن الْحَمد وَالنعْمَة لَك أَو لِأَن الْحَمد لَك وَالْكَسْر اعْجَبْ إِلَيّ. إِشْعَار الْهَدْي وإشعار الْهَدْي هُوَ أَن تطعن فِي أسنمتها وَإِنَّمَا سمي إشعارا لِأَنَّهُ جعل عَلامَة لَهَا ودليلا على أَنَّهَا لله تَعَالَى وكل شَيْء أعلمته بعلامة فقد أشعرته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وشعائر الله من هَذَا إِنَّمَا هِيَ إِعْلَام طَاعَته. استلام الْحجر واستلام الْحجر هُوَ افتعال فِي التَّقْدِير مَأْخُوذ من السَّلَام وَهِي الْحِجَارَة واحدتها سَلمَة تَقول استلمت الْحجر إِذا لمسته من السلمة كَمَا تَقول اكتحلت إِذا أخذت من الْكحل وادهنت إِذا أصبت من الدّهن الملبد والملبد الَّذِي لبد شعره حَتَّى لبد بلزوق يَجعله فِيهِ وَمِنْه قَول الشَّاعِر [من الْكَامِل] ... يحملن كل ملبد مأجور ... الضامر والعاقص والضامر الَّذِي فتل شعره كَمَا يضفر الْحَبل والعاقص الَّذِي لواه فَأدْخل أَطْرَافه فِي أُصُوله وَمِنْه قيل للشاة الملتوية الْقُرُون عقصاء الرمل والرمل فِي الطّواف الجمز والإسراع وَلذَلِك قيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 لخفيف الشّعْر والشدو رمل الْحُدُود وَقيل للعقوبات على الذُّنُوب حُدُود كَجلْد الزَّانِي الْبكر ورجم الْمُحصن وَقطع يَد السَّارِق لِأَنَّهَا عقوبات حَدهَا الله جلّ وَعز فَلَيْسَ لأحد أَن يتجاوزها وَلَا يقصر عَنْهَا وَمَا دون الْحُدُود تَعْزِير أَي تَطْهِير. وَقد يكون التَّعْزِير لله جلّ وَعز أَن ينْسب إِلَى الظهارة والقدس. الْغرَّة و الغرة الَّتِي يودى بهَا الْجَنِين هِيَ عبد أوأمة سميا بذلك لِأَنَّهُمَا غرَّة مَا يملك الرجل أَي أفضله وأشهره وَالْعرب أَيْضا تجْعَل الْفرس غرَّة لِأَنَّهُ غرَّة مَا يملك وَقَالَ ابْن أَحْمَر من الْبَسِيط ... إِن نَحن إِلَّا أنَاس أهل سَائِمَة ... مَا إِن لنا دونهَا حرث وَلَا غرر ... يُرِيد أَنه من أنَاس قليلي الْأَمْوَال لَيْسَ لَهُم من المَال إِلَّا مَا يرْعَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وَلَيْسَ لَهُم زرع وَلَا عبيد وَلَا خيل. الدِّيَة وَالْعقل الدِّيَة وَالْأَصْل فِي ذَلِك إِن الْإِبِل كَانَت تجمع وتعقل بِفنَاء ولي الْمَقْتُول ثمَّ سميت الدِّيَة عقلا وَإِن كَانَت دَرَاهِم ودنانير وَقيل لمن أَدَّاهَا عَاقِلَة وَمثل هَذَا من كَلَام الْعَرَب كثير ستقف عَلَيْهِ فِي الْكتاب إِن شَاءَ الله. وَقد اخْتلف النَّاس فِي الْموضع الَّذِي تقطع فِيهِ يَد السَّارِق فَقَالَ بَعضهم الرسغ وَجُمْهُور النَّاس عَلَيْهِ وَقَالَ بَعضهم الْمرْفق وَقَالَ بَعضهم الْمنْكب وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى لم يحد فِيهِ حدا كَمَا حد فِي الْوضُوء فَقَالَ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي التَّيَمُّم فَقَالَ بَعضهم إِلَى الرسغ وَقَالَ بَعضهم إِلَى الْمرْفق قِيَاسا على وضوء الصَّلَاة. وَبَعض النَّاس يتَوَهَّم أَن الْيَد حَدهَا الرسغ وَمَا دون الرسغ فَلَيْسَ يدا لما رأى الْكَفّ هِيَ المتناولة وَهِي المعطية والباطشة وَسمع النَّاس يَقُولُونَ أَخَذته بيَدي ولمسته بيَدي ظن أَن مَا دون الْكَفّ لَيْسَ من الْيَد وَالْيَد اسْم وَاحِد لعدة أَعْضَاء للأصابع والكف والذراع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 والعضك وكل هَذَا يُسمى يدا كَمَا أَن الرَّأْس اسْم وَاحِد لِأَشْيَاء كالوجه والقفا وَالْعين وَالْأُذن يدلك على ذَلِك قَول الله جلّ وَعز: {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} فَجعل الذِّرَاع مِنْهَا ويدلك أَيْضا أَيدي الْأَنْعَام وَالسِّبَاع. حَدثنَا سهل بن مُحَمَّد ثَنَا أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ عَن الْعَرَب أَن فِي فرسن الْبَعِير السلَامِي وَهِي عِظَام الفرسن وقصبها ثمَّ الرسغ ثمَّ الوظيف ثمَّ فَوق الوظيف من يَد الْبَعِير الذِّرَاع ثمَّ فَوق الذِّرَاع الْعَضُد ثمَّ فَوق الْعَضُد الْكَتف وَقَالُوا فِي رجله بعد الفرسن الرسغ ثمَّ الوظيف ثمَّ السَّاق ثمَّ الْفَخْذ ثمَّ الورك. وَذكر نَحْو هَذَا فِي الْخَيل وَالْبَقر وَالْغنم وَالسِّبَاع وَإِن كَانَت قد تخْتَلف بعض أسمائها إِلَّا أَنَّهَا تجْعَل ذَلِك كُله يدا من الفرسن والظلف والحافر إِلَى الورك فَمن قطع الْيَد من الرسغ فقد قطع الْيَد كَمَا يقطع الشَّيْء نِصْفَيْنِ وَكَذَلِكَ من قطعهامن الْمرْفق وَمن قطعهَا من الْمنْكب فقد قطعهَا كلهَا وَمن وَجَبت لَهُ دِيَة يَد وَجَبت لَهُ بالرسغ كَمَا تجب بالمرفق كَمَا تجب بالمنكب سَوَاء وَلَا يُزَاد لفضل مَا قطعه على الْكَفّ وَلما كَانَت الْيَد على مَا أعلمتك لم يكن الحكم إِلَّا بتقليد من يجب تَقْلِيده فِي مَوضِع الْقطع. الْمُدبر وَالْمُدبر من العبيد وَالْإِمَاء مَأْخُوذ من الدبر لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 السَّيِّد أعْتقهُ بعد مماته وَالْمَمَات دبر الْحَيَاة فَقيل مُدبر وَالْفُقَهَاء المتقدمون يَقُولُونَ الْمُعْتق من دبر أَي بعد الْمَوْت وَلَو ان رجلا أحبس فرسا بعد مَوته [25 / أ] لم يقل أحبسه عَن دبر وَلَا هُوَ فرس مُدبر وَإِن كَانَ الْقيَاس وَاحِدًا لِأَن هَذِه اللَّفْظَة لم تطلق إِلَّا فِي العبيد وَالْإِمَاء وَإِنَّمَا تَنْتَهِي فِي اللُّغَة إِلَى حَيْثُ انْتَهوا ونقف حَيْثُ وقفُوا. الْمُعْتق وَالْمُعتق مَأْخُوذ من قَوْلك عتقت عَليّ يَمِين أَي سبقت وَعتق فرخ القطاة إِذا طَار وعتقت الْفرس إِذا سبقت وَقَالَ أَعْرَابِي فِي كَلَامه هَذَا أَوَان عتقت الشقراء أَي سبقت. فَكَأَن الْمُعْتق خلي فَعتق أَي فَذهب وَإِنَّمَا قيل بِمن أعتق نسمَة أعتق رَقَبَة وَفك رَقَبَة فخصت الرَّقَبَة دون جَمِيع الْأَعْضَاء لِأَن ملك السَّيِّد لعَبْدِهِ كالحبل فِي الرَّقَبَة وكالغل هُوَ بِهِ محتبس كَمَا تحبس الدَّابَّة بِحَبل فِي عُنُقهَا فَإِذا أعتق فَكَأَنَّهُ أطلق من ذَلِك. عصبَة الرجل وعصبة الرجل قرَابَته لِأَبِيهِ وَبَنوهُ وَسموا بذلك لأَنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 عصبَة عصبوا بِهِ أَي أحاطوا بِهِ فالأب طرف وَالِابْن طرف وَالْعم جَانب وَالْأَخ جَانب وَالْعرب تسمي قَرَابَات الرجل أَطْرَافه أنْشد أَبُو زيد لعون بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود من الطَّوِيل ... فَكيف بأطرافي إِذا مَا شتمتني ... وَمَا بعد شتم الْوَالِدين صلوح ... وَلما أحاطب بِهِ هَذِه الْقرَابَات عصبت بِهِ وكل شيءاستدار حول شئ واستكف فقد عصب بِهِ وَمِنْه العصائب وهم العمائم وَلم أسمع للْعصبَةِ بِوَاحِد وَالْقِيَاس أَن يكون عاصبا مثل طَالب وطلبة وظالم وظلمة. الْكَلَالَة والكلالة هُوَ أَن يَمُوت الرجل وَلَا يتْرك ولدا لَا والدا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة هُوَ مصدر تكلله النّسَب أَي أحَاط بِهِ فالأم [25 / ب] وَالِابْن طرفان للرجل فَإِذا مَاتَ وَلم يخلفهما فقد مَاتَ عَن ذهَاب طَرفَيْهِ فَسُمي ذهَاب الطَّرفَيْنِ كَلَالَة وَكَأَنَّهَا اسْم للمصيبة من تكلل النّسَب مَأْخُوذ مِنْهُ. الْغلُول فِي الْمغنم والغلول فِي الْمغنم أَصله ان الرجل كَانَ إِذا اخْتَار من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 الْمغنم شَيْئا غله أَي أدخلهُ فِي أَضْعَاف مَتَاعه وستره فَسُمي الخائن غالا يُقَال غللت الشَّيْء فانغل أَي أدخلته وَمِنْه قيل للْمَاء الْجَارِي بَين خلال الشّجر غلل وَقيل فلَان يتغلغل إِلَى كَذَا أَي يتَوَصَّل إِلَيْهِ بِالدُّخُولِ فِي أَسبَابه. وَالْأَصْل يتغلل فأبدلوا من احدى اللامات غينا كَمَا قَالُوا يتكمكم وَالْأَصْل يتكمم. من الكمة وَهِي القلنسوة وَقَالُوا: يَتَحَلْحَل وَالْأَصْل: يتحيل وَهَذَا إِنَّمَا يكون فِي الْحَرْف إِذا كَانَ آخِره مشددا مثل الْحَث فَيُقَال: حثحثته وَالْأَصْل حثثته وغلغلته وَالْأَصْل غللته. وَقد جَاءَ مِنْهُ حرف شَاذ تَقول الْعَرَب فِي مثل لَهَا تعظعظي ثمَّ عظيني وَقَالَ الْأَصْمَعِي لَا تعظيني وتعظعظي من الْوَعْظ وَلَا أعلم أَنه جَاءَ لَهُ مثل. السّريَّة و السرية الَّتِي تنفذ إِلَى بِلَاد الْعَدو وَأَصلهَا من السرى وَهُوَ سير اللَّيْل وَكَانَت تخفي خُرُوجهَا لِئَلَّا ينتشر الْخَبَر بِهِ وتكتب بِهِ الْعُيُون فَتخرج لَيْلًا فَيُقَال سرت سَرِيَّة أَي: خرجت وَسَار ت لَيْلًا وَهِي فعيلة بِمَعْنى فاعلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 والفيء خراج الْأَرْضين وجزية رُؤُوس أهل الذِّمَّة وَكَانَ الْفَيْء على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أفاءه الله من الْمُشْركين مِمَّا لم يوجف عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ بخيل وَلَا ركاب بصلح صالحوه عَلَيْهِ عَن أَمْوَالهم وأرضيهم فَلَمَّا قبض صَار ذَلِك للْمُسلمين بِمَنْزِلَة خراج الْأَرْضين الَّتِي افتتحت عنْوَة. والفيء فِي اللُّغَة هُوَ الرُّجُوع يُقَال فَاء إِلَى كَذَا فَهُوَ يفِيء فَيْئا أَي رَجَعَ وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم} وَالْمعْنَى أَنه مَال رجعه الله إِلَى الْمُسلمين ورده وَمِنْه قيل للظل بعد الزَّوَال فَيْء لِأَنَّهُ رَجَعَ عَن جَانب إِلَى جَانب. الْغَنِيمَة وَالْغنيمَة مَا غنمه الْمُسلمُونَ من أَرض الْعَدو عَن حَرْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 تكون بَينهم فَهِيَ لمن غنمها إِلَّا الْخمس وأصل الْغَنِيمَة وَالْغنم فِي اللُّغَة الرِّبْح وَالْفضل وَمِنْه يل فِي الرَّهْن لَهُ غنمه وَعَلِيهِ غرمه أَي فَضله للرَّاهِن ونقصانه عَلَيْهِ. النَّفْل وَالنَّفْل هُوَ مَا نفله الإِمَام قَاتل الْمُشرك من سلبه وفرسه وَمَا خص بِهِ السَّرَايَا بعد أَن تخمس الْغَنِيمَة مِمَّا جَاءَت واشباه ذَلِك مِمَّا يرى الامام أَن يخص بِهِ من جملَة الْغَنِيمَة وَمن الْخمس إِذا صَار فِي يَده. وَالْأَصْل فِي النَّفْل مَا تطوع بِهِ الْمُعْطِي مِمَّا لَا يجب عَلَيْهِ وَمِنْه قيل لصَلَاة التَّطَوُّع نَافِلَة وَيُقَال تَنْفَلِت اذا صليت غير الْفَرْض فَكَأَن الْأَنْفَال شئ خص الله بِهِ الْمُسلمين ان لم يكن لغَيرهم من الْأُمَم السالفة. وَكَذَلِكَ يرْوى فِي الحَدِيث: أَن الْمَغَانِم كَانَت مُحرمَة على الْأُمَم فنفلها الله جلّ وَعز هَذِه الْأمة. وروى زَائِدَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لم تحل الْغَنَائِم لأحد قبلكُمْ كَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 تنزل نَار فتأكلها. وَمن أوصى بشئ لولد وَلَده فَهُوَ لولد الذُّكُور دون ولد الْبَنَات لِأَن ولد الْبَنَات منسوبون إِلَى آبَائِهِم لَا إِلَى أمهاتهم وَقَالَ الشَّاعِر: [من الطَّوِيل] ... بنونا بَنو أَبْنَائِنَا وبناتنا ... بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد ... فان قَالَ لذريتي فَهُوَ للذكور والاناث من الْوَلَد وَولد الْوَلَد لِأَن الذُّرِّيَّة مَأْخُوذَة من ذَرأ الله الْخلق أَي خلقهمْ كَأَنَّهَا خلق الله من الرجل وانما ترك همزها اسْتِخْفَافًا كَمَا ترك همز الْبَريَّة وَهِي من برأَ الله الْخلق وَقد جعل الله تَعَالَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام من ذُرِّيَّة ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ من ولد الْبَنَات. فان قَالَ لعترتي فَهُوَ ولولده وَولد وَلَده الذُّكُور والاناث ولعشيرته الأدنين يدلك على ذَلِك قَول أبي بكر: نَحن عترة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي خرج مِنْهَا وبيضته الَّتِي تفقات عَنهُ. وان قَالَ لأختاني فأختانه ذَوُو محارم الْمَرْأَة من الرِّجَال وَالنِّسَاء الَّذين تحرم عَلَيْهِم وتضع خمارها عِنْدهم وان قَالَت مرأة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 هُوَ لأحمائي فاحماؤها أَمْثَال الْأخْتَان من أهل بَيت الرجل والأصهار تجمع الْفَرِيقَيْنِ فَتَقَع على قَرَابَات الزَّوْج وقرابات الْمَرْأَة فان قَالَ للأيامى من أهل بَيْتِي فهم الَّذين لَا أَزوَاج لَهُم من الرِّجَال وَالنِّسَاء أَبْكَارًا وَغير أبكار قَالَ الله جلّ وَعز: {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وَإِمَائِكُمْ} أَرَادَ انكحوا من لَا زوج لَهُ من الرِّجَال وَالنِّسَاء وان قَالَ للعزاب فهم الَّذين لَا أَزوَاج لَهُم من الرِّجَال وَالنِّسَاء يُقَال رجل عزب وَامْرَأَة عزبة وانما قيل لَهُ عزب لِأَنَّهُ انْفَرد وكل شئ انْفَرد فَهُوَ عزب قَالَ ذُو الرمة وَذكر الثور [من الْبَسِيط] ... تجلو البوارق عَن مجر مز لهق ... كَأَنَّهُ متقبي يلمق عزب ... وَمثله الْيَتِيم سمي يَتِيما لإنفراده وكل شئ انْفَرد فقد تيتم ييتم واليتيم فِي النَّاس من قبل الْأَب وَفِي الْبَهَائِم من قبل الْأُم. الثّيّب وَالثَّيِّب يكون للرجل وَالْمَرْأَة وَكَذَلِكَ الْبكر والعانس قَالَ قيس بن رِفَاعَة الوَاقِفِي من الْبَسِيط ... منا الَّذِي مَا عدا ان طر شَاربه ... والعانسون وَفينَا المرد والشيب ... والكهول من الرِّجَال هم الَّذين جازوا الثَّلَاثِينَ قَالَ الله تَعَالَى فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: {ويكلم النَّاس فِي المهد وكهلا} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ ابْن ثَلَاثِينَ وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم اكتهل النَّبَات اذا تمّ وَقَوي قبل أَن يهيج ثمَّ لَا يزَال الرجل كهلا حَتَّى يبلغ خمسين ويشيخ وَلَيْسَ لَهُ حد قَالَ الوَاقِفِي من الْبَسِيط ... هَل كهل خمسين ان شاقته منزلَة ... مسفه رَأْيه فِيهَا ومسبوب ... وَمن قَالَ كَذَا لبني تَمِيم فَهُوَ للذكور والاناث لِأَن الْبَنِينَ اذا خالطوا الْبَنَات غلب الذُّكُور فَقيل هَذِه بَنو تَمِيم قد انْتَقَلت وَهِي رجال وَنسَاء وان لم يكن بذلك الْمَكَان فهم الا اناث فَهُوَ لَهُم لِأَنَّهُ أَرَادَ من وَلَده تَمِيم وَكَذَلِكَ ان قَالَ لتميم وَهَذَا يجوز فِي الْقَبِيل [27 / ب] الْأَعْظَم الْمَشْهُور دون الْأَب الْأَدْنَى وَمن قَالَ كَذَا وَكَذَا لبني عبد الله فَهُوَ للاثنين فَمَا فَوْقهمَا لِأَن الِاثْنَيْنِ جَمِيع إِنَّمَا هما وَاحِد جمع مَعَ الآخر قَالَ الله جلّ وَعز: {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} يُرِيد أَخَوَيْنِ فَصَاعِدا وَقَالَ: {وَلما سكت عَن مُوسَى الْغَضَب أَخذ الألواح} جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنَّهُمَا لوحان وَقَالَ: {فقد صغت قُلُوبكُمَا} وهما قلبان وَمثل هَذَا كثير قد بَينته فِي كتاب تَأْوِيل مُشكل الْقُرْآن فِي بَاب مُخَالفَة ظَاهر الْكَلَام مَعْنَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وان قَالَ لولد فلَان فَالْوَلَد يَقع على الْوَاحِد والاثنين والجميع وَمن قَالَ لأرامل بني فلَان فَهُوَ على طَرِيق اللُّغَة للرِّجَال وَالنِّسَاء لِأَن الأرامل تقع على الذُّكُور والاناث يُقَال امْرَأَة أرملة وَرجل أرمل قَالَ الشَّاعِر من الزّجر ... أحب أَن أصطاد ضبا سحبلا ... رعى الرّبيع والشتاء أرملا ... أَرَادَ لَا أُنْثَى لَهُ لِأَنَّهُ إِذا سفد هزل. وَقَالَ يزِيد الرقاشِي قيل لأعرابي تمنه فَقَالَ ضَب أَعور عنين بِأَرْض كلدة. طلبه عنينا لِأَن المَاء اذا بَقِي فِي ظَهره كَانَ أسمن لَهُ وَطَلَبه أَعور لقلَّة تلفته وَالْأَرْض الكلدة الغليظة واذا كَانَت الضباب فِي الْحِجَارَة وبالبعد من المَاء كَانَ أسمن لَهَا. حَدثنِي اسحق بن رَاهَوَيْه ثَنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن طَلْحَة الأعلم عَن الشّعبِيّ فِي رجل أوصى لأرامل بني حنيفَة قَالَ تُعْطى من خرج من كمرة حنيفَة قَالَ وأنشدنا غير وَكِيع من الْبَسِيط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 .. هذي الأرامل قد قضيت حَاجَتهَا ... فَمن بحاجة هَذَا الأرمل الذّكر ... [28 / أ] وَأما أَصْحَاب الرَّأْي فيرون الأرامل من النِّسَاء دون الرِّجَال هَذَا هُوَ الَّذِي يعرفهُ عوام النَّاس ويقصدون إِلَيْهِ فِي الْوَصِيَّة وَذَلِكَ لَا يعرفهُ الا الْخَواص وانما تقع الْفتيا على الْمَشْهُور المتعالم الْمَعْرُوف وعَلى قدر علم الْمُوصي وطبقته فِي النَّاس وَنِيَّته. وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس رَحمَه الله عَن رجل مَاتَ وَأوصى ببدنة أتجزئ عَنهُ بقرة فَقَالَ نعم ثمَّ قَالَ وَمِمَّنْ صَاحبكُم قيل لَهُ من بني رَبَاح فَقَالَ وَمَتى اقتنت بَنو رَبَاح الْبَقر الى الابل وهم صَاحبكُم أَي ذهب وهمه فَلم يَجْعَل الْفتيا مَا يحْتَملهُ اللَّفْظ عِنْده وَلكنه قصد بهَا الى النِّيَّة وَلَو أَن رجلا قَالَ ثُلثي لموَالِي لم يكن ذَلِك الا لمواليه بالعتاقة دون بني عَمه وقرابته وهم أَيْضا موَالِيه قَالَ الله جلّ وَعز: {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} يَعْنِي الْعصبَة وَلَو قَالَ للغلمان لم يكن الا للذكور وَقد تَقول الْعَرَب لِلْجَارِيَةِ غلامة قَالَ الشَّاعِر فِي وصف فرس لَهُ من الوافر ... تهان لَهَا الغلامة والغلام وَلَو قَالَ للرِّجَال لم يكن الا رجلة قَالَ الشَّاعِر من المديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 .. كل جَار ظلّ مغتبطا ... غير جيران بني جبله هتكوا جيب فَتَاتهمْ ... لم يبالوا حُرْمَة الرجله ... وَسُئِلَ بعض الْحُكَّام عَن رجل جعل مَالا فِي الْحُصُون فَقَالَ اشْتَروا بِهِ خيلا واحملوا عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله ذهب الى قَول الْجعْفِيّ [من الْكَامِل] ... وَلَقَد علمت على توقي الردى ... أَن الْحُصُون الْخَيل لَا مدر الْقرى ... وَهَذَا من الألغاز والمنكرات الَّتِي لَا تذْهب الْعلمَاء اليها وانما قيل للقسم يَمِين لأَنهم كَانُوا اذا تحالفوا أَو توافقوا ضرب كل امْرِئ مِنْهُم يَمِينه على يَمِين صَاحبه كَمَا يفعل فِي بيعَة السُّلْطَان فَيُقَال أَخذ يَمِينه وَأخذ صفقته اذا فعل ذَلِك ثمَّ قيل للحلف بِاللَّه وَبِكُل مَا يحلف بِهِ يَمِين اذ كَانَ ذَلِك يَقع مَعَ التصافق بالأيمان. وَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع وكل ذِي مخلب من الطير وَالْفرق بَين سِبَاع الْوَحْش وهائمها بالأنياب وأنيابها تكون فِي مقاديم أفواهها مَكَان الْأَسْنَان لبهائم الْأَنْعَام والسبع كل صائد أَو عَاقِر أَو آكل لحم وَلَا تسمى سبعا حَتَّى تكون كَذَلِك مثل الْأسد وَالذِّئْب وَالْكَلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 والنمر والفهد. فان بعض الْفُقَهَاء لَا يَرَاهَا سبعا وَيَقُول هِيَ نعجة من الْغنم وَلَو كَانَ قَالَ هِيَ حَلَال لظننا أَنه ذهب مَذْهَب من يُطلق جَمِيع السبَاع لقَوْل الله تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ} الْآيَة وَلكنه قَالَ هِيَ نعجة من الْغنم وَلست أَدْرِي لم أخرجهَا من السبَاع وَجعلهَا من بَهِيمَة الْأَنْعَام وَهِي تساور من تعرض لَهَا وتأكل الْجِيَف وَلُحُوم الْمَوْتَى وتفرس الْغنم كَمَا يفرس الذِّئْب قَالَ كثير وَذكر نَاقَة [من المتقارب] ... وذفرى ككاهل ذيخ الخليف ... أصَاب فريقة ليل فعاثا ... والذيخ ذكر الضباع والفريقة من الْغنم الْأُنْثَى أضلها صَاحبهَا أَصَابَهَا الذيخ فعاث فِيهَا وعيثه أَنه يَأْكُل وَيقتل مَالا يَأْكُل وَقَالَ مَالك بن نُوَيْرَة [من الْكَامِل] ... يَا لهف من عرفاء ذَات فليلة ... جَاءَت إِلَيّ على ثَلَاث تخمع ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 .. ظلت تراصدني وَتنظر حولهَا ... ويريبها دمق وأنى مطمع وتظل تنشطني وتلحم أجريا ... وسط العرين وَلَيْسَ حَيّ يدْفع لَو كَانَ سَيفي بِالْيَمِينِ ضربتها ... عني وَلم أوكل وجنبي الأضيع ... وأنشدني الرياشي فِي وصف ضبع [من الوافر] ... دفوع للقبور بمنكبيها ... كَأَن بوجهها تحميم قدر ... فَأخْبر أَنَّهَا تستثير الْمَوْتَى من الْقُبُور لتأكل لحومهم وأنشدني لساعدة بن جؤية الْهُذلِيّ يذكر مَيتا [من الوافر] ... وغودر ثاويا وتأوبته ... مذرعة أميم لَهَا فليل ... والمذرعة الضبع لِأَن لَهَا خُطُوطًا فِي ذراعيها والفليل مَا تكبب من شعرهَا فَإِن كَانَ إِنَّمَا رخص فِي لَحمهَا لما أوجبته الْعلمَاء من الْفِدْيَة فِيهَا فَإِن ذَلِك إِنَّمَا وَجب لِأَنَّهَا لَا تبتدئ بالعقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وَلَا تعدو على حَيّ حَتَّى يعرض لَهَا وَكَذَلِكَ كل سبع يُؤمن فَفِيهِ الْفِدْيَة وترخص قوم فِي الثَّعْلَب وَلَا أَدْرِي أَيْضا لم ذَلِك فَإِن كَانَ لِأَنَّهُ قد يَأْكُل الثِّمَار وَالْأَعْنَاب وَلَا يساور لصِغَر جثته وَضَعفه فالأغلب عَلَيْهِ أكل اللَّحْم وَهُوَ يصيد كَمَا تصيد السبَاع وَذَا قوي على الأرنب فرسها وعَلى صغَار الشَّاء أكلهَا قَالَ دُرَيْد [من الطَّوِيل] ... إِذا نسبوا لم يعرفوا غير ثَعْلَب ... أَبِيهِم وَمن شَرّ السبَاع الثعالب ... فَأَما الأرنب فَإِنَّهَا من هائم الْوَحْش تَأْكُل العشب وَلَا تصطاد وَإِنَّمَا كرهها من كرهها للْحيض وَأما ذَوَات المخالب من الطير فَهِيَ سِبَاع الطير شبهت بسباع الْوَحْش لِأَنَّهَا تصطاد وتعقر وتجرح وتأكل اللَّحْم كالعقاب والبازي والصقر وَرُبمَا كَانَ من سِبَاع الطير مَا لَيْسَ لَهُ مخلب كالنسر لَا مخلب لَهُ إِنَّمَا ظفر كظفر الدَّجَاجَة وكالغراب والرخمة فَإِن قَالَ قَائِل إِن هَذِه لَيست دَاخِلَة فِي التَّحْرِيم لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرم ذَوَات المخالب قيل لَهُ لم يكن الْقَصْد بِالتَّحْرِيمِ للمخلب وَلَا للناب وَإِنَّمَا المخلب علم للسباع من الطير كَمَا كَانَ الناب علما للسباع من الْوَحْش لِأَن المخالب تكون لأكثرها وَإِنَّمَا الْقَصْد بِالتَّحْرِيمِ لما صَاد وعقر وَأكل اللَّحْم وكل مَا فعل ذَلِك فَهُوَ محرم وَإِن لم يكن ذَا مخلب والنسر أعظم الطير جثة وأشدها قُوَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 والغراب سبع يَأْكُل اللَّحْم ويصيد حشرات الأَرْض والفأر وَيسْقط مَعَ الذِّئْب على الْجِيَف وَالْعرب تدعوهما الأصرمين لاجتماعهما على المآكل قَالَ المرار يذكر فلاة [من الوافر] ... على صرماء فِيهَا أصرماها ... وخريت الفلاة بهَا قَلِيل ... يَعْنِي الذِّئْب والغراب وَقَالَ آخر [من الطَّوِيل] ... بملحمة لَا يسْتَقلّ غرابها ... دَفِينا ويمسي الذِّئْب فِيهَا مَعَ النسْر ... قَوْله لَا يسْتَقلّ غرابها يُرِيد أَنه لَا يطير محلقا وَلكنه يطير عَن قَتِيل إِلَى قَتِيل وَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسِقًا لعِلَّة تذكرها فِيمَا بعد وَأمر بقتْله فِي الْحل وَالْحرم وَكَانَت الْعَرَب تتعاير بِأَكْل لَحْمه وتعده من الْخَبَائِث قَالَ وَعلة الْجرْمِي [من الوافر] ... فَمَا لحم الْغُرَاب لنا بزاد ... وَلَا سرطان أَنهَار البريص ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 فَانْتفى من أكل لَحْمه وَعرض بِقوم يَأْكُلُونَهُ وقرنه بلحوم السراطين وَكَذَلِكَ الرخمة هِيَ أقذر الطير طعمة لِأَنَّهَا تَأْكُل الْعذرَة وَتَقَع مَعَ الْغرْبَان على الْجِيَف والقتلى قَالَ الْكُمَيْت يذكر رجلا غازيا [من الْبَسِيط] ... فِي دَاره حِين يَغْزُو من وضائعه ... مَال تنافسه الْغرْبَان والرخم ... فَإِن احْتج مُحْتَج بالدجاج وقذر طعمه وَأكله اللَّحْم قُلْنَا لَهُ لَيْسَ الدَّجَاج سبعا لِأَن الْأَغْلَب عَلَيْهِ لقط الْحبّ وَإِنَّمَا يقْضى بأغلب الْأُمُور أَلا ترى أَنا قد نسمي الرجل حِرَاش أُمِّيا وَإِن كَانَ قد يكْتب الْحَرْف والحرفين والحروف وَكَذَلِكَ العصفور يشبه بسباع الطير لِأَنَّهُ يلقم فِرَاخه وَلَا يزق وَيَأْكُل اللَّحْم ويصيد النَّمْل وَالْجَرَاد إِلَّا أَنه يفارقها بِأَن الْأَغْلَب عَلَيْهِ لقط الْحبّ وَأَنه لَا مخلب لَهُ وَلَا منسر وَأَنه مِمَّا يعايش النَّاس ويصاحبهم وَلَا يحل إِلَّا حَيْثُ حلوا فَصَارَ شَبِيها بالدواجن من الطير والدجاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 تَفْسِير مَا جَاءَ فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذكر الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي تَفْسِير ماجاء فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذكر الْقُرْآن وسوره وأحزابه وَسَائِر كتب الله عز وَجل حَدثنِي سهل بن مُحَمَّد عَن أبي عُبَيْدَة أَنه سمي فرقانا لِأَنَّهُ فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل وَبَين الْكَافِر وَالْمُؤمن وَسمي قُرْآنًا لِأَنَّهُ جمع السُّور وَضمّهَا وَيُقَال للَّتِي لم تَلد من النوق مَا قَرَأت سلى قطّ أَي مَا ضمت فِي رَحمهَا ولدا وَكَذَلِكَ مَا قَرَأت جَنِينا وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِن علينا جمعه وقرآنه} أَي تأليفه قَالَ وَالسورَة تهمز وَلَا تهمز فَمن همزها جعلهَا من أسأرت يَعْنِي أفضلت فضلَة كَأَنَّهَا قِطْعَة من الْقُرْآن وَمن لم يهمز جعلهَا من سُورَة الْبناء أَي منزلَة بعد منزلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَبَلغنِي عَن أبي عَمْرو الشياني أَنه قَالَ معنى آيَة من كتاب الله أَي جمَاعَة حُرُوف قَالَ وَمِنْه يُقَال خرج الْقَوْم بآيتهم أَي بجماعتهم والسبع الطوَال آخرهَا بَرَاءَة وَكَانُوا يرَوْنَ الْأَنْفَال وبراء سُورَة وَاحِدَة وَلذَلِك لم يفصلوا بَينهمَا ذكر ذَلِك سُفْيَان عَن مسعر عَن بعض أهل الْعلم والسور الَّتِي تعرف بالمئين هِيَ مَا ولي السَّبع الطول وَإِنَّمَا سميت بمئين لِأَن كل سُورَة مِنْهَا تزيد على مائَة آيَة أَو تقاربها والمثاني مَا ولي المئين من السُّور الَّتِي هِيَ دون المئة كَأَن المئين مباد وَهَذِه مثان وَقد تكون المثاني سور الْقُرْآن كُله قصارها وطوالها يُقَال من ذَلِك قَول الله تبَارك وَتَعَالَى {كتابا متشابها مثاني} وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم} وَإِنَّمَا سمي مثاني لِأَن الأنباء والقصص تثنى فِيهِ وَيُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 بل المثاني فِي قَوْله {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} آيَات سُورَة الْحَمد سَمَّاهَا مثاني لِأَنَّهَا تثنى فِي كل صَلَاة وَفِي كل رَكْعَة وَأما الْمفصل فَهُوَ مَا يَلِي المثاني من قصار السُّور وَإِنَّمَا سميت مفصلا لقصرها وَكَثْرَة الْفُصُول فِيهَا بسطر بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَأما {آل حميم} فَإِنَّهُ يُقَال إِن {حم} اسْم من أَسمَاء الله أضيفت هَذِه السُّور إِلَيْهِ كَأَنَّهُ قيل سُورَة الله لشرفها وفضلها وَإِن كَانَ الْقُرْآن كُله سور الله فَإِن هَذَا كَمَا يُقَال بَيت الله والبيوت كلهَا لله وَحرم الله وناقة الله وَقد يَجْعَل {حم} اسْما للسورة ويدخله الْإِعْرَاب وَلَا يصرف قَالَ الشَّاعِر من الطَّوِيل ... يذكرنِي حَامِيم وَالرمْح شاهر ... فَهَلا تلِي حَامِيم قبل التَّقَدُّم ... وَمن قَالَ هَذَا قَالَ فِي الْجمع الحواميم وبسم الله الرَّحْمَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الرَّحِيم آيَة من الْحَمد لِاجْتِمَاع النَّاس على أَنَّهَا سبع آيَات وَلَا تكون سبعا إِلَّا بهَا والبصريون يجْعَلُونَ {عَلَيْهِم} رَأس آيَة وأرداف رُؤُوس الْآي فِيهَا كلهَا الْيَاء والردف فِي {عَلَيْهِم} هَاء ورؤوس الْآي فِي أَكثر الْقُرْآن تأي على مِثَال وَلَا تكَاد أَن يُخَالف بَينهَا وَلِأَن {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} مفتتح كل كتاب بِكُل لِسَان وَلكُل أمة وَالدَّلِيل على ذَلِك كتاب سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْمَرْأَة وَأما التَّوْرَاة فَإِن الْفراء يَجْعَلهَا من ورى الزند يري إِذا خرجت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 ناره وأوريته يُرِيد أَنَّهَا ضِيَاء وَفِيه لُغَة أُخْرَى وري الزند يري وَيُقَال وريت بك نَارِي وَمثله زهرت بك نَارِي وَأما الزبُور فَإِنَّهُ من زبر الْكتاب يزبره إِذا كتبه وَهُوَ فعول بِمَعْنى مفعول مثل جلوب بِمَعْنى مجلوب وركوب بِمَعْنى مركوب وأصل قَوْلهم كتب الْكتاب بِمَعْنى جمع حُرُوفه وَمِنْه كتب الخرز وَمِنْه يُقَال كتبت البغلة إِذا جمعت بَين شفربها بِحَلقَة وَفِيه لُغَة أُخْرَى الزبُور بِضَم الزَّاي وَكَأَنَّهُ جمع وَقد قرىء بهما قَالَ أَبُو ذُؤَيْب من [المتقارب] ... عرفت الديار كرقم الدواة ... يزبرها الْكَاتِب الْحِمْيَرِي ... ويروى يذبرها أَيْضا وَهُوَ مثله يُقَال زبر الْكَاتِب الْكتاب يزبره ويزبره وذبره يذبره ويذبره فَأَما الْإِنْجِيل فَإِنَّهُ من نجلت الشَّيْء إِذا أخرجته وَمِنْه قيل لنسل الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 نجله كَأَنَّهُ هُوَ استخرجه يُقَال فتح الله ناجليه أَي وَالِديهِ وَقيل للْمَاء الَّذِي يظْهر من النز نجل يُقَال قد استنجل الْوَادي وإنجيل إفعيل من ذَلِك كَأَن الْحق كَانَ دثر ودرس كثير من معالمه وَكثر تَحْرِيف أهل الْكتاب وخفي على النَّاس مَا أحدثوه فأظهر الله جلّ وَعز ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 ذكر أَلْفَاظ وَردت فِي الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِيمَا جَاءَ فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي كتاب الله تَعَالَى من ذكر الْكَافرين والظالمين والفاسقين وَالْمُنَافِقِينَ والفاجرين والملحدين وَمن أَيْن أَخذ كل حرف فِيهَا أما الْكَافِر فَهُوَ من قَوْلك كفرت الشَّيْء إِذا غطيته وَمِنْه يُقَال تكفر فلَان فِي السِّلَاح إِذا لبسه وَقَالَ بَعضهم وَمِنْه كافور النّخل وَهُوَ قشر الطلعة تَقْدِيره فاعول لِأَنَّهُ يُغطي الكفرى وَمِنْه قيل ليل كَافِر لِأَنَّهُ يستر كل شَيْء قَالَ لبيد وَذكر الشَّمْس [من الْكَامِل] ... حَتَّى إِذا أَلْقَت يدا فِي كَافِر ... وأجن عورات الثغور ظلامها ... قَوْله أَلْقَت يدا فِي كَافِر أَي دخل أَولهَا فِي الْغَوْر وَهُوَ مثل قَول الآخر يصف ظليما أَو نعَامَة [من الْكَامِل] ... فتذكرا ثقلا رشيدا بَعْدَمَا ... أَلْقَت ذكاء يَمِينهَا فِي كَافِر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وذكاء هِيَ الشَّمْس وَمِنْه يُقَال للصبح ابْن ذكاء لِأَن ضوءه من الشَّمْس فَكَأَن الأَصْل فِي قَوْلهم كَافِر أَي سَاتِر لنعم الله عَلَيْهِ وَكَانَ بعض الْمُحدثين يذهب فِي قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض إِلَى التكفر فِي السِّلَاح يُرِيد ترجعوا بعد الْولَايَة أَعدَاء يتكفر بَعْضكُم لبَعض فِي الْحَرْب وَأما الظَّالِم فَهُوَ من قَوْلك ظلمت السقاء إِذا شربته قبل أَن يدْرك وظلمت الْجَزُور إِذا عقرته لغير مَا عِلّة وَقَالَ ابْن مقبل يمدح قوما [من الْبَسِيط] ... هرت الشقاشق ظلامون للجزر ... يُرِيد أَنهم يعتبطونها وَكَانَت الْعَرَب تذم بِأَكْل الْعَوَارِض وَهِي الَّتِي تنحر لعِلَّة تحدث بهَا فيخشون عَلَيْهَا ان تَمُوت فتذبح وَكَانُوا يَقُولُونَ بَنو فلَان أكالون للعوارض وكل من وضع شَيْئا فِي غير مَوْضِعه فقد ظلم فَكَأَن الظَّالِم هُوَ الَّذِي يزِيل الْحق عَن جِهَته وَيَأْخُذ مَا لَيْسَ لَهُ هَذَا وَمَا أشبهه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَأما الْفَاسِق فَإِن الْفراء يذكر أَنه الْخَارِج عَن طَاعَة ربه قَالَ وَمِنْه يُقَال فسقت الرّطبَة إِذا خرجت من قشرها وَاحْتج بقول الله تَعَالَى {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ ففسق عَن أَمر ربه} قَالَ خرج عَن طَاعَته وَقد جرى ذكر هَذَا فِي ذكر تَسْمِيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفَأْرَة فويسقة وَلَا أعلمني سَمِعت فِي هَذَا شَيْئا عنن غير الْفراء أما الْمُنَافِق فَهُوَ مَأْخُوذ من نافقاء اليربوع وَهُوَ جُحر من جحرته قَالَ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي وَله أَرْبَعَة جحرة والنافقاء وَهُوَ هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ والقاصعاء تسمى بذلك لِأَنَّهُ يخرج تُرَاب الْجُحر ثمَّ يقصع بِبَعْضِه كَأَنَّهُ يسد بِهِ فَم الْجُحر وَمِنْه يُقَال خرج قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 قصع بِالدَّمِ إِذا امْتَلَأَ وَلم يسل والداماء سمي بذلك لِأَنَّهُ يخرج التُّرَاب من فَم الْجُحر ثمَّ يدم بِهِ فَم الآخر كَأَنَّهُ يطليه بِهِ وَمِنْه يُقَال ادمم قدرك بشحم أَو طحال أَي اطلها بِهِ والراهطاء وَلم يذكر اشتقاقه قَالَ وَإِنَّمَا يتَّخذ هَذِه الْحُجْرَة عددا لَهُ فَإِذا أَخذ عَلَيْهِ بَعْضهَا خرج من بعض وَكَأن النافقاء هُوَ الَّذِي يخرج مِنْهُ كثيرا لم يدْخل فِيهِ كثيرا قَالَ أَبُو زيد هِيَ الَّتِي يخرج مِنْهَا إِذا فزع فَيُقَال قد نفق ونافق فَشبه الْمُنَافِق بِهِ لِأَنَّهُ يدْخل فِي الْإِسْلَام بِلَفْظِهِ وَيخرج مِنْهُ بعقده كَمَا يدْخل اليربوع من بَاب وَيخرج من بَاب وَأما الْفَاجِر فَهُوَ المائل والفجور الْميل قَالَ لبيد [من الطَّوِيل] ... وَإِن أخرت فالكفل فَاجر ... وَلذَلِك قيل للكاذب فَاجر لِأَنَّهُ مَال عَن الصدْق وَقَالَ أَعْرَابِي فِي عمر رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ أَتَاهُ فَشَكا إِلَيْهِ نقب إبِله ودبرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 واستحمله فَقَالَ لَهُ كذبت وَلم تحمله من الرجز ... أقسم بِاللَّه أَبُو حَفْص عمر ... مَا مَسهَا من نقب وَلَا دبر اغْفِر لَهُ اللَّهُمَّ إِن كَانَ فجر ... فَكَأَن الْفَاجِر المائل عَن الْحق وَأما الملحد فَهُوَ الْعَادِل الجائر عَن الْقَصْد وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز {إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا} أَي يَجُورُونَ ويعدلون وَمِنْه سمي اللَّحْد لِأَنَّهُ فِي نَاحيَة وَلَو كَانَ مُسْتَقِيمًا لَكَانَ ضريحا يُقَال ألحدت ولحدت وَكَانَ الْأَحْمَر يفرق بَينهمَا فَيَقُول ألحدت ماريت وجادلت ولحدت جرت وملت وَقد قرئَ باللغتين جَمِيعًا يلحدون ويلحدون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ذكر أهل الْأَهْوَاء و الرافضة وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي ذكر ماجاء فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذكر أهل الْأَهْوَاء والرافضة والخوارج والمرجئة والقدرية وَمن أَيْن أَخذ كل حرف مِنْهَا الرافضة بَلغنِي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ إِنَّمَا سميت الرافضة لأَنهم رفضوا زيد بن عَليّ وتركوه ثمَّ لزم هَذَا الِاسْم كل من غلا مِنْهُم فِي مذْهبه وتنقص السّلف وَأما الْخَوَارِج فَإِنَّهُم سموا بذلك لخروجهم عَن الْبَيْضَة وشقهم الْعَصَا وَلذَلِك سماهم المارقين والمروق الْخُرُوج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وَأما الشراة فَإِنِّي أحسبهم المسمين أنفسهم بِهِ يُرِيدُونَ أَنهم شروا أنفسهم لله أَي باعوها وَاسْتَخْرَجُوا ذَلِك من قَول الله جلّ وَعز {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله} وَهَذَا حرف من حُرُوف الأضداد تَقول شريت الشَّيْء بِمَعْنى اشْتَرَيْته وشريت الشَّيْء بِعته وَمثله بِعْت الشَّيْء وَأَنت تُرِيدُ بِعته واشتريته وَمثله شعبت الشَّيْء جمعته وفرقته وَإِنَّمَا سميت الْمنية شعوب لِأَنَّهَا تفرق وخفيت الشَّيْء أظهرته وكتمته وأسررت الشَّيْء أخفيته وأعلنته وواحدهم شار أَي بَائِع وَأما المرجئة فَيُقَال بهمز وَبِغير همز وَهُوَ من أرجيت الشَّيْء وأرجأته إِذا أَنْت أَخَّرته وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} يقْرَأ مهموزا وَغير مَهْمُوز وَمثله مِمَّا يُقَال بِالْهَمْز وَبِغير الْهَمْز دارأتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وداريتك وروأت فِي الْأَمر وَرويت وناوأت الرجل وناويته وَإِنَّمَا سموا بذلك لأَنهم زَعَمُوا أَن الْإِيمَان قَول وأرجؤا الْعَمَل وَأما الْقَدَرِيَّة فَإِنَّهُم منسوبون إِلَى الْقدر وَفِيه لُغَة أُخْرَى الْقدر وَبَلغنِي عَن الْكسَائي أَنه قَالَ يُقَال هَذَا قدر الله وَقدره وَقَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} لَو ثقلت كَانَ صَوَابا وَفِي قَوْله {أَوديَة بِقَدرِهَا} لَو خففت كَانَ صَوَابا وَأنْشد [من الطَّوِيل] ... وَمَا صب رجْلي فِي حَدِيد مجاشع ... مَعَ الْقدر إِلَّا حَاجَة لي أريدها ... أَرَادَ الْقدر وَيُقَال هَذَا على قدر هَذَا وَقدر هَذَا قَالَ الْأَصْمَعِي أَنْشدني عِيسَى بن عمر لبدوي [من الْخَفِيف] ... كل شَيْء حَتَّى أَخِيك مَتَاع ... وبقدر تفرق واجتماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وَتقول قدرت الشَّيْء بِمَعْنى قدرته قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْهلَال إِذا غم عَلَيْكُم فاقدروا لَهُ وَمِنْه قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فاقدروا قدر الْجَارِيَة الحديثة السن المشتهية للنَّظَر وَقد كَانَ فريق مِنْهُم يَزْعمُونَ أَن هَذَا الِاسْم لَا يلْزمهُم باللغة وَإِنَّمَا يلْزم غَيرهم وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك أَنه يدعا عَلَيْهِم أَنهم يَقُولُونَ لَا قدر فَكيف ينسبون إِلَى مَا يجحدون وَهَذَا تمويه من المحتج وَإِنَّمَا لَزِمَهُم لأَنهم يضيفون إِلَى أنفسهم الْقدر وَغَيرهم يَجعله لله عز وَجل دون نَفسه ومدعي الشَّيْء لنَفسِهِ أَحْرَى بِأَن ينْسب إِلَى ذَلِك الشَّيْء من جعله لغيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَفْسِير غَرِيبه ومعانيه 1 - قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أهل الْجنَّة الضُّعَفَاء المغلبون وَأهل النَّار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع حَدثنِي أبي رَحمَه الله قَالَ حَدَّثَنِيهِ أَحْمد بن الْخَلِيل عَن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن مُوسَى بن عَليّ عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النبيت صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [34 / ب] وَأَخْبرنِي السجسْتانِي سهل بن مُحَمَّد عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ سعيد بن أَوْس بن ثَابت أَنه قَالَ الجواظ الْكثير اللَّحْم المختال فِي مشيته يُقَال جاظ يجوظ جوظانا (2) . وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِيهِ نَحْو ذَلِك وَأنْشد لرؤبة [من الرجز] : ... يَعْلُو بِهِ ذَا العضل الجواظا ... قَالَ وَقَالَ أَبُو زيد والجعظري الَّذِي يتنفج لما لَيْسَ عِنْده وَهُوَ إِلَى الْقصر مَا هُوَ قَالَ الْأَصْمَعِي وَيُقَال أَيْضا جعظار وجعظارة الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وَرُوِيَ عَن خلف أَنه سَأَلَ أَبَا الخضري عَن الجعظارة فَقَالَ بيدَيْهِ وألزق ضبعيه إِلَى جَنْبَيْهِ وَضم أَصَابِع يَدَيْهِ وَجعل كَأَنَّهُ يتجمع ويتوتر وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي رجز لَهُ يصف رجلا من الرجز ... لَيْسَ بقساس وَلَا نم نجث ... وَلَا يجواظ العشيات مغث بالجار يعلق حبله ضبس شبث ... القساس المتجسس والنجث الَّذِي يسْتَخْرج الْأَخْبَار والنجيثة تُرَاب الْبِئْر إِذا أخرج وَقد جَاءَ هَذَا الْحَرْف مُفَسرًا فِي حَدِيث آخر حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنِي القومسي عَن أبي نعيم قَالَ حَدثنِي الْبَراء بن عبد الله عَن عبد الله بن شَقِيق عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَلا أنبئكم بِأَهْل النَّار كل جعطري هم الَّذين لَا يألمون رُؤْسهمْ أَرَادَ أَنهم المصحون وَلم يرد الرَّأْس خَاصَّة دون سَائِر الْبدن فَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِك فلَان مَا صدع رَأسه قطّ يُرِيد مَا اعتل وَقد جَاءَ هَذَا الحرفان فِي حَدِيث آخر بلغَة أُخْرَى مفسرين حَدثنِي أبي حَدثنِي عَبدة بن عبد الله الصفار عَن يحيى بن آدم عَن إِسْرَائِيل عَن أبي يحيى القَتَّات عَن مُجَاهِد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أنبئك بِأَهْل الْجنَّة قلت بلَى قَالَ كل ضَعِيف متضعف ذِي طمرين لَا يؤبه لَهُ لَو أقسم على الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 جلّ وَعز لَأَبَره أَلا أنبئك بِأَهْل النَّار كل جظ جعظ مستكبر قلت مَا الجظ قَالَ الضخم قلت مَا الجعظ قَالَ الْعَظِيم فِي نَفسه 2 - قَالَ أَبُو مُحَمَّد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بالأبكار فَإِنَّهُنَّ أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير حَدثنِي أبي حَدَّثَنِيهِ أَحْمد ابْن الْخَلِيل عَن عبد الرحمن بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي ثَنَا مُحَمَّد بن طَلْحَة التَّيْمِيّ عَن عبد الرحمن بن سَالم بن عتبَة بن عويم بن سَاعِدَة عَن ابيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك قَوْله أنتق أرحاما يُرِيد أَكثر أَوْلَادًا قَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال امْرَأَة ناتق أَي كَثِيرَة الْوَلَد وَأخذ من نتق السقاء وَهُوَ نفضه حَتَّى تقتلع الزبدة مِنْهُ وَقَالَ النَّابِغَة يصف جَيْشًا [من الْكَامِل] ... لم يحرموا حسن الْغذَاء وأمهم ... دحقت عَلَيْك بناتق مذكار ... يُرِيد أَنهم غذوا غذَاء حسنا فنموا وكثروا وَقَوله دحقت عَلَيْك بناتق أَي هِيَ نَفسهَا ناتق كَمَا قَالَ الأخطل [من الطَّوِيل] ... بنزوة لص بعد مَا مر مُصعب ... بأشعث لَا يفلى وَلَا هُوَ يغسل الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 يُرِيد أَنه مر مُصعب وَهُوَ كَذَلِك قَالَ أبي وأنشدنا الرياشي [من الرجز] ... ينتقن أقتاد الشليل نتقا ... يَعْنِي إبِلا أَي ينفضن قَالَ وَيُقَال نتق الْمَاشِيَة الْكلأ وَهُوَ من هَذَا قَالَ وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة} قَالَ كَأَنَّهُ قلع من أَصله 3 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث موادعته أهل مَكَّة وَإِسْلَام أبي سُفْيَان وَأَنه رأى الْمُسلمين لما قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الصَّلَاة قَامُوا فَلَمَّا كبر كبروا فَلَمَّا ركع ركعوا ثمَّ سجد فسجدوا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان للْعَبَّاس يَا أَبَا الْفضل مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ طَاعَة قوم وَلَا فَارس الأكارم وَلَا الرّوم ذَات الْقُرُون حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن زِيَاد عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة قَوْله وَلَا الرّوم ذَات الْقُرُون بَلغنِي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ أَرَادَ قُرُون شُعُورهمْ وَكَانُوا يطولون ذَلِك فَكَانُوا يعْرفُونَ بِهِ وَقَالَ فِي قَول المرقش [من الْخَفِيف] الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 .. أبلغ الْمُنْذر المنقب عني ... غير مستعتب وَلَا مستعين لات هُنَا وليتني طرف الز ... ج وَأَهلي بِالشَّام ذَات الْقُرُون ... لات هُنَا أَي لَيْسَ هَذَا وَقت لدادتك والزج مَوضِع وَقَوله بِالشَّام ذَات الْقُرُون أَرَادَ الرّوم وَكَانُوا ينزلون الشَّام كَأَنَّهُ قَالَ بِالشَّام ذَات الْعَدو أَي لَيْتَني فِي بِلَاد الْعَدو وَقد جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث آخر هَذَا الْحَرْف كالمفسر حَدثنِي أبي حَدثنِي مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي عَمْرو عَن ابْن محيريز قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَارس نطحة أَو نطحتين ثمَّ لَا فَارس بعْدهَا أبدا وَالروم ذَات الْقُرُون كلما هلك قرن خلف مَكَانَهُ قرن أهل صَخْر وبحر هَيْهَات آخر الدَّهْر وَهَذَا حَدِيث مُنْقَطع فَإِن صَحَّ فَهُوَ مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام 4 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عكراش بن ذُؤَيْب بَعَثَنِي بَنو مرّة بن عبيد بصدقات أَمْوَالهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقدمت عَلَيْهِ بِإِبِل كَأَنَّهَا عروق الأرطى وَذكر حَدِيثا طَويلا فِيهِ أَنه أكل مَعَه قَالَ فأتينا بِجَفْنَة كَثِيرَة الثَّرِيد والوذر حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو الغنوي ثَنَا الْعَلَاء بن الْفضل الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 عَن عبيد الله بن عكراش عَن أَبِيه قَوْله كَأَنَّهَا عروق الأرطى فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه اراد كَأَنَّهَا حمر وحمر الْإِبِل كرامها وَلذَلِك يُقَال مَا يسرني بِكَذَا حمر النعم وَالْآخر أَنه اراد أَنَّهَا دقاق رقاق كعروق الأرطى وَذَلِكَ من أَمارَة كرمها والمعنيان جيدان جَمِيعًا لِأَن الشُّعَرَاء تشبه الثور وَالْحمار بعروق الشَّجَرَة فِي الضمر وَفِي الْحمرَة وتصف عروق الأرطى بالحمرة وَكَذَلِكَ السدر قَالَ الْهُذلِيّ يصف حمارا من مجزوء الْكَامِل ... خاظ كعرق السدر يسْبق غَارة الخوص النجائب ... قَالَ الْأَصْمَعِي أَرَادَ كَأَنَّهُ فِي حمرته عرق سِدْرَة وَلَيْسَ يجوز أَن يكون أَرَادَ الضمر هَا هُنَا لِأَنَّهُ قَالَ خاظ والخاظي الممتليئ وَقَالَ العجاج يصف ثَوْر الْحفر عَن أصل أَرْطَاة [من الرجز] ... إِذا انتحى كالنابت المثير ... مرت لَهُ دون الرجا المحفور نواشط الأرطاة كالسيور ... أَي يعْتَرض لَهُ عروق الشَّجَرَة دون الرجا يَعْنِي نَاحيَة الكناس والنواشط عروق تَأْخُذ من جَانب إِلَى جَانب وَشبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 عروقها بالسيور فِي الرقة وَفِي الْحمرَة كَمَا قَالَ ذُو الرمة يصف ثورا بحفرة فِي أصل شَجَرَة [من الطَّوِيل] ... توخاه بالأظلاف حَتَّى كَأَنَّمَا ... يثير الكباب الْجَعْد عَن متن محمل ... قَالَ الْأَصْمَعِي الْمحمل حمالَة السَّيْف شبه عروق الشَّجَرَة بحمرة حمائل السَّيْف قَالَ والكباب مَا تكبب من الرمل وَقَالَ آخر [من الْكَامِل] ... تَيْس قعيد كالوشيجة أعضب ... قَالُوا الوشيجة عرق الشَّجَرَة شبه بهَا فِي الضمر وَقَوله كَثِيرَة الوذر يُرِيد كَثِيرَة بضع اللَّحْم واحدتها وذرة قَالَ أَبُو زيد يُقَال وذرت الوذرة أذرها وذرا وبضعتها أبضعها بضعا سَوَاء وحَدثني السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ قَالَ رجل جاؤوا بثريدة ذَات حفافين من الْبضْع أَو الوذر وجناحين من الْعرَاق تجذب أولاها فتنقعر أخراها وَإِنَّمَا فرق بَين الْبضْع وَالْعراق لِأَن الْعرَاق الْعِظَام وَاحِدهَا عرق وَهِي تسمى عراقا إِذا كَانَت جردا لَا لحم عَلَيْهَا وَتسَمى عَلَيْهَا اللَّحْم عراقا لِأَنَّهَا تتعرق فَيُؤْخَذ مَا عَلَيْهَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 اللَّحْم وَهِي فِي هَذَا الحَدِيث عَلَيْهَا اللَّحْم وَمثله حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه دخل على أم سَلمَة وَقد تَوَضَّأ فانتشل كَتفًا أَو تنَاول عرقا ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ وَأما موَاضعهَا وَهِي جرد فَمثل حَدِيث جَابر أَنه قَالَ أكلت مَعَ أبي بكر خبْزًا وَلَحْمًا وَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ وَفِي يَده عرق يتمشمشه ثمَّ دلك يَده وَصلى وَلم يتَوَضَّأ وَمثل قَول الْأَعرَابِي وَكَانَ يطرد الطير عَن زرع فِي سنة جَدب [من الرجز] ... عجبت من نَفسِي وَمن إشفاقها ... وَمن مطرادي الطير عَن أرزاقها فِي سنة قد كشفت عَن سَاقهَا ... حَمْرَاء تبري اللَّحْم عَن عراقها وَالْمَوْت فِي عنقِي وَفِي أعناقها ... وَيُقَال ألأم من كلب على عرق حَدثنِي أبي قَالَ ثَنَا الرياشي عَن أبي زيد أَنه قَالَ قَول النَّاس ثريدة كَثِيرَة الْعرَاق خطأ لِأَن الْعرَاق الْعِظَام وَلَكِن يُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ثريدة كَثِيرَة الوذر وَأنْشد [من الوافر] ... إِذا استهديت من لحم فأهدي ... من المأنات أَو فدر السنام وَلَا تهدي الْأَمر وَمَا يَلِيهِ ... وَلَا تهدن معروق الْعِظَام ... المأنة الطفطفة الَّتِي عَلَيْهَا الشَّحْم تكون بَين الضدع والسرة وَالْأَمر المصارين ومعروق الْعِظَام هُوَ الْعرَاق وَلم يَأْتِ فعال بنية لجَمِيع إِلَّا فِي حُرُوف يسيرَة قَالُوا رخل ورخال وتؤم وتؤام وشَاة ربى وَهِي الَّتِي ولدت وغنم ربَاب وفرير وَهُوَ ولد الْبَقَرَة وفرار وعرق وعراق قَالَ الرياشي والعرام مثله يُقَال عرمت الْعظم أعرمه وَحدثنَا الرياشي عَن أبي عَاصِم عَن أبي مُحَمَّد بن السّمع قَالَ رَأَيْت أَبَا الْملح قيد ابْنا لَهُ فِي عرام 5 - قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أعْطى بِلَال بن الْحَارِث معادن الْقبلية جلسيها وغوريها الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ القومسي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس قَالَ حَدثنِي أبي عَن ثَوْر بن زيد عَن خَاله مُوسَى بن ميسر ة مولى بني الدئل عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَوْله جلسيها يَعْنِي نجديها وَيُقَال لنجد جلس قَالَ الْأَصْمَعِي وكل مُرْتَفع جلس يُقَال جبل جلس أَي مشرف وَيُقَال جلس الرجل إِذا أَتَى نجدا فَهُوَ جَالس قَالَ الشماخ وَذكر نَاقَته [من الطَّوِيل] ... فمرت على مَاء العذيب وعينها ... كوقب الصَّفَا جلسيها قد تغورا ... جعل نجدا والغور لعينها مثلا أَرَادَ أَن مَا كَانَ من عينهَا عَالِيا بارزا قد غَار قَالَ الْهُذلِيّ [من الطَّوِيل] ... إِذا مَا جلسنا لَا تزَال ترومنا ... سليم لَدَى أَبْيَاتنَا وهوازن ... أَي أنجدنا والقبلية من نَاحيَة الْفَرْع 6 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه بعث عشرَة عينا وَأقر عَلَيْهِم عَاصِم بن ثَابت فَلَقِيَهُ الْمُشْركُونَ فَقَالَ من الرجز الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 .. أَبُو سُلَيْمَان وَرِيش المقعد ... ووبر من متن ثَوْر أجرد وضالة مثل الْجَحِيم الموقد ... فَرَمَوْهُ بِالنَّبلِ حَتَّى قتلوره فِي سَبْعَة وَبعثت قُرَيْش إِلَى عَاصِم ليأتوا بِرَأْسِهِ وَشَيْء من جسده فَبعث الله جلّ وَعز عَليّ مثل الظلة من الدبر فحمته حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَاق عَن ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عَمْرو بن أبي سُفْيَان الثَّقَفِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَقَوله أَبُو سُفْيَان يَعْنِي نَفسه والمقعد رجل كَانَ يعْمل النبل ويريشها وَكَانَ مقْعدا وضالة شَجَرَة من السدر تعْمل مِنْهَا النبل والضال من السدر مَا بعد من المَاء والعبري مَا نبت على شطوط الْأَنْهَار وَعظم وَكَانَ نبله الَّتِي كَانَت مَعَه من ضَالَّة وراشها هَذَا المقعد يَقُول فَمَا عِنْدِي وَأَنا عَاصِم وقوسي ونبلي هَكَذَا فِي أَن لَا أقاتلهم وَقَوله مثل الْجَحِيم الموقد شبه السِّهَام بالجمر قَالَ الْهُذلِيّ من الطَّوِيل ... أذبهم بِالسَّيْفِ ثمَّ أبثها ... عَلَيْهِم كَمَا بَث الْجَحِيم القوابس ... [38 / أ] قَالَ الْأَصْمَعِي الْجَحِيم الْجَمْر هَاهُنَا شبه النبلأ بهَا قَالَ أَوْس بن حجر [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 .. تخيرن أنضاء وركبن أنصلا ... كجمر غضا فِي يَوْم ريح تزيلا ... والأنضاء القداح الَّتِي لم تبر وَالْوَاحد نضي وَقَالَ أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ فِي مثله من الْكَامِل ... ومعابلا صلع الظبات كَأَنَّهَا ... جمر بمسهكة تشب لمصطلي ... المسهكة الْموضع الَّذِي تسهك فِيهِ الرّيح أَي تمر مرا سَرِيعا يُقَال ريح سهوك وَقَوله ضَالَّة مثل الْجَحِيم أَرَادَ سهاما من ضَالَّة مثل الْجَحِيم فَسُمي النبل ضَالَّة أَي تعْمل مِنْهَا وَمثل ذَلِك قَول سَاعِدَة بن جؤية الْهُذلِيّ من الطَّوِيل ... أجزت بمخشوب صقيل وضالة ... مباعج ثجر كلهَا أَنْت شائف ... أَلا ترَاهُ أَنه قَالَ ضَالَّة ثمَّ وصفهَا بِصِفَات النبل فَقَالَ مباعج وَهِي العراض الْجراح والثجر العراض الأوساط لِأَنَّهُ أَرَادَ نبْلًا عملت مِنْهَا وشائف حَال والدبر جمَاعَة النَّحْل وَكَذَلِكَ الثول والخشرم وَلَا وَاحِد لشَيْء من هَذَا وَهُوَ كَمَا يُقَال لجَماعَة الْجَرَاد رجل ولجماعة النعام خيط ولجماعة الظباء إجل وَلَيْسَ بِشَيْء من هَذَا وَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 6 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله الله نشدتك بِاللَّه إِلَّا قضيت بَيْننَا بِكِتَاب الله فَقَامَ خَصمه وَكَانَ أفقه مِنْهُ فَقَالَ صدق أقض بَيْننَا بِكِتَاب الله وأئذن لي فَقَالَ قل قَالَ إِن ابْني كَانَ عسيفا على هَذَا فزنى بامرأته [38 / ب] فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَة شَاة وخادم ثمَّ سَأَلت رجَالًا من أهل الْعلم فَأَخْبرُونِي أَن على ابْني جلد مائَة وتغريب عَام وعَلى امْرَأَة هَذَا الرَّجْم فَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأقضين بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله الْمِائَة الشَّاة وَالْخَادِم رد عَلَيْك وعَلى ابْنك جلد مائَة وتغريب عَام وعَلى امْرَأَة هَذَا الرَّجْم فاغد يَا أنس على امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها فغدا عَلَيْهَا فَاعْترفت فرجمها حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد ثناه سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد وشبل يذهب قوم من أهل الزيغ والهوى إِلَى أَن الْقُرْآن قد نقص مِنْهُ وَغير وَحذف بعض أَحْكَامه وَاحْتَجُّوا بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث لأقضين بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله ثمَّ حكم بِالنَّفْيِ وَالرَّجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وَلَيْسَ لَهما فِي الْقُرْآن ذكر وَقَالُوا فِي هَذَا دَلِيل على أَنَّهُمَا كَانَا فِيهِ بِكِتَاب الله هَا هُنَا الْقُرْآن وَإِنَّمَا أَرَادَ لأقضين بَيْنكُمَا بِمَا كتب الله أَي بِمَا فرض وَالْكتاب يتَصَرَّف على وُجُوه قد ذكرتها فِي كتاب تَأْوِيل مُشكل الْقُرْآن وَمِنْهَا الْفَرْض قَالَ الله جلّ وَعز {كتاب الله عَلَيْكُم وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم} أَي فَرْضه عَلَيْكُم وَقَالَ {كتب عَلَيْكُم الْقصاص} أَي فرض وَقَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا رَبنَا لم كتبت علينا الْقِتَال} أَي فرضت وَقَالَ تَعَالَى {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} أَي فَرضنَا عَلَيْهِم فِيهَا وَقَالَ الْجَعْدِي [من الطَّوِيل] ... وَمَال الْوَلَاء بالبلاء فملتم ... وَمَا ذَاك قَالَ الله إِذْ هُوَ يكْتب ... أَرَادَ مَالَتْ الْقَرَابَة بأحسابنا إِلَيْكُم وَمَا ذَاك قَالَ الله إِذْ هُوَ يحكم 7 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أنس بن مَالك قَالَ كناني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببقلة كنت أجتنيها الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وحدثنيه أبي قَالَ حَدثنِي زيد بن أخزم الطَّائِي ثَنَا أَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة عَن جَابر عَن أبي نصر عَن انس بن مَالك كَانَ أنس يكنى أَبَا حَمْزَة والحمزة فِي الطَّعَام لذعة وقرصة للسان يُقَال طَعَام فِيهِ حروة وَحَمْزَة فالحروة حرارة والحمزة حِدة وحرافة فِيهِ تقرص اللِّسَان كقرص الْخَرْدَل وأشباهه للفم قَالَ ابو حَاتِم تغدى أَعْرَابِي مَعَ قوم وَاعْتمد على الْخَرْدَل فَقَالُوا مَا يُعْجِبك مِنْهُ قَالَ حراوته وحمزه وَمن ذَلِك حَدِيث رَوَاهُ أَبُو معمر عَن عبد الوارث عَن أبي عَمْرو قَالَ شرب عمر شرابًا فِيهِ حمازة يُرِيد شرابًا يحذي للسان إِمَّا لحموضة أَو غير ذَلِك وَمِنْه قَول الشماخ [عَن الطَّوِيل] وَفِي الْقلب حزاز من اللوم حامز ... أَي ممض للفؤاد محرق وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ أحمزها يُرِيد أمضها وأشقها وَكَأن البقلة الَّتِي كَانَ يجتنيها أنس كَانَ فِيهَا حَمْزَة أَي لذع اللِّسَان إِذا أكلت فسميت بِفِعْلِهَا وكنى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أنسا بهَا 8 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت أَتَيْته بقناع من رطب وَأجر زغب فَأكل مِنْهُ يرويهِ أسود بن عَامر عَن شريك عَن عبد الله بن مُحَمَّد الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 ابْن عقيل عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء وَأَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي زيد أَنه قنع وَهُوَ الطَّبَق الَّذِي تجْعَل فِيهِ الْفَاكِهَة أَو غَيرهَا ثمَّ يَأْكُلُون عَلَيْهِ جمعه أقناع وَقَالَ غَيره عَن ابي زيد أَنه يُقَال لَهُ القناع أَيْضا على مَا جَاءَ فِي الحَدِيث والزغب القثاء وَفِي حَدِيث آخر أَنه أهدي إِلَيْهِ ضغابيس وَهِي صغَار القثاء وَمِنْه قيل للرجل الضَّعِيف ضغبوس بِسَبَبِهَا فِي الضعْف وَأَخْبرنِي عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب عَن عَمه الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ الضغابيس نبت ينْبت فِي أصل الثمام يشبه الهليون يسلق وَيجْعَل بالخل وَالزَّيْت ويؤكل وروى الزيَادي عَنهُ نَحْو ذَلِك وَقَالَ وَإِن عجوزا قيل لَهَا مَا طَعَامك فَقَالَت الْحَار والقار وَمَا حشت بِهِ النَّار وَإِن ذكرت الضغابيس فَإِنِّي ضغبة قَالَ وضغبة مُشْتَقّ مِنْهُ وَأجر جمع جرو وَيجمع أَيْضا أجراء مَمْدُود وجرو القثاء وَالرُّمَّان والحنظل صغاره قَالَ الشَّاعِر وَذكر ظليما [من السَّرِيع] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 .. أصك صعل ذُو جران شاخص ... وَهَامة فِيهَا كجرو الرُّمَّان ... أَي صَغِيرَة 9 - قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لما طعن أبي بن خلف بالعنزة بَين ثدييه انْصَرف إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ قتلني ابْن أبي كَبْشَة فنظروا فَإِذا هُوَ خدش فَقَالَ لَو كَانَت بِأَهْل ذِي الْمجَاز لقتلتهم حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الْمطلب بن حنْطَب كَانَ الْمُشْركُونَ ينسبون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أبي كَبْشَة وَكَانَ أَبُو كَبْشَة رجلا من خُزَاعَة خَالف قُريْشًا فِي عبَادَة الْأَوْثَان وَعبد الشعرى العبور وَحكي أَنه كَانَ يَقُول إِن الشعرى العبور قطعت السَّمَاء عرضا وَلم يقطع السَّمَاء عرضا نجم غَيرهَا فسميت بذلك عبورا فعبدها وَخَالف قُريْشًا فَأنْزل الله جلّ وَعز {وَأَنه هُوَ رب الشعرى} أَي هُوَ رب هَذَا النَّجْم المعبود من دونه فَلَمَّا خالفهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عبَادَة الْأَوْثَان ودعاهم إِلَى غَيرهَا قَالُوا هَذَا ابْن أبي كَبْشَة تَشْبِيها لَهُ الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 بِهِ يُرِيدُونَ أَنه خَالَفنَا كَمَا خَالَفنَا وَيُقَال كَانَ وهب بن عبد منَاف بن زهرَة جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمه ابْن بنت كَبْشَة فَأَبُو كَبْشَة جد جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمه يذهبون إِلَى أَنه نزع إِلَيْهِ فِي الشّبَه 10 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خطب فَذكر الدَّجَّال وَقتل الْمَسِيح لَهُ قَالَ فَلَا يبْقى شَيْء مِمَّا خلقه الله جلّ وَعز يتَوَارَى بِهِ يَهُودِيّ إِلَّا أنطق الله ذَلِك الشَّيْء لَا شَجَرَة وَلَا حجر وَلَا دَابَّة إِلَّا فَيَقُول يَا عبد الله الْمُسلم هَذَا يَهُودِيّ فاقتله إِلَّا الغرقدة فَإِنَّهَا من شجرهم فَلَا تنطق وترفع الشحناء والتباغض وتنزع حمة كل دَابَّة حَتَّى يدْخل الْوَلِيد يَده فِي الحنش فَلَا يضرّهُ وَتَكون الأَرْض كفاثور الْفضة تنْبت كَمَا كَانَت تنْبت على عهد آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجْتَمع النَّفر على القطف فيشمعهم حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن يُونُس بن عبد الرحيم الْعَسْقَلَانِي وَأحمد بن الْوَلِيد بن برد عَن ضَمرَة بن ربيعَة عَن يحيى بن عَمْرو عَن عَمْرو بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ عَن ابي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغَرْقَد شجر من العضاه والعضاه كل شجر لَهُ شوك مثل الطلح وَالسّلم والسمر والسدر وَبَلغنِي أَن الْغَرْقَد كبار العوسج إِنَّمَا قيل لمدفن أهل الْمَدِينَة الحديث: 10 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 بَقِيع الْغَرْقَد لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ غرقد قَالَ ذُو الرمة [من الرجز] ... ألفن ضَالًّا نَاعِمًا وغرقدا ... وَقَوله وتنزع حمة كل دَابَّة يُرِيد سمها وضرها والعامة تذْهب الى أَن حمة الْعَقْرَب شوكتها وَلَيْسَ كَذَلِك انما الْحمة سمها والشوكة هِيَ الابرة والحنش الأفعى قَالَ ذُو الرمة [من الطَّوِيل] ... وَكم حَنش ذعف اللعاب كَأَنَّهُ ... على الشّرك العادي نضو عِصَام ... والذعف الْقَاتِل وَمِنْه قيل موت ذعاف أَي سريع الاجهاز والعصام حَبل الْقرْبَة شبه الأفعى بِحَبل خلق وَأما فاثور الْفضة فَفِيهِ قَولَانِ يُقَال انه خوان من فضَّة وَيُقَال انه جَام من فضَّة قَالَ لبيد وَذكر النُّعْمَان [من الطَّوِيل] ... حقائبهم رَاح عَتيق ودرمك ... وريط وفاثورية وسلاسل ... يُقَال فِي الفاثورية أَنَّهَا أخونة وَيُقَال جامات والدرمك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الْحوَاري والسلاسل مَا يتسلسل من صفائه وسهولته وَيُقَال للخمر أَيْضا سلسل وانما أَرَادَ أَن الأَرْض تنقى من كل دغل وَشَوْك حَتَّى تعود الى حَالهَا فِي زمن آدم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ يروي الحَدِيث: ان الأَرْض أنبتت الشوك بعد قتل ابْن آدم أَخَاهُ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّوْرَاة وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن سعيد الْجريرِي عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ ابْن صياد عَن تربة الْجنَّة فَقَالَ: درمك بَيْضَاء مسك خَالص فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق. وَذكر خَالِد بن صَفْوَان الدِّرْهَم فَقَالَ يطعم الدرمق ويكسو النرمق. أَرَادَ النرم بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ اللين وَأَرَادَ بالدرمق الْحوَاري وَيُقَال درمك أَيْضا وَفِي الحَدِيث: ان النَّاس يحشرون على الأَرْض بَيْضَاء كقرصة النقي يُرِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الحوارى والقطف العنقود والمحدثون أَو أَكْثَرهم يَرْوُونَهُ بِفَتْح الْقَاف وَالْقِيَاس أَن يكسر لِأَنَّهُ اسْم مَا قطف فَأَما القطف بِالْفَتْح فَهُوَ مصدر قطفت وَمثل ذَلِك الذّبْح وَالذّبْح فالذبح مصدر ذبحت وَالذّبْح الْمَذْبُوح والرعي والرعي فالرعي مصدر رعيت والرعي الْكلأ والطحن والطحن فالطحن مصدر طحنت والطحن الدَّقِيق وَمثل هَذَا كثير 11 - قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه نهى عَن الْجَلالَة وَالْمُجَثمَة وَفِي حَدِيث آخر وَنهى عَن الْخَطفَة حَدثنِي أبي حَدثنِي بِالْأولِ القومسي عَن عبيد الله بن مُوسَى عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أما الْجَلالَة فَهِيَ الَّتِي تَأْكُل الجلة والجلة البعر كنى بهَا عَن الْعذرَة وَقد فسر أَبُو عُبَيْدَة ذَلِك وَمِنْه قَوْله لرجل سَأَلَهُ عَن لُحُوم الْحمير أطْعم أهلك من سمين مَالك فَإِنِّي إِنَّمَا كرهت لَك جوال الْقرْيَة جمع جالة وَهِي بِمَنْزِلَة الْجَلالَة وَأما الْمُجثمَة فَهِيَ الَّتِي جثمت على الْمَوْت يُقَال برك الْبَعِير وربضت الشَّاة وجثم الطَّائِر وجثمت الأرنب وجثمتها إِذا أَنا فعلت بهَا مكْرها لَهَا عَلَيْهِ الحديث: 11 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وَهِي بِمَنْزِلَة المصبوة والمصبورة المحبوسة على الْمَوْت يُقَال صبرت الْبَهِيمَة أصبرها صبرا إِذا انت أوثقتها ثمَّ قتلتها رميا وَضَربا وَمِنْه حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه نهى عَن صَبر الرّوح رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس وَقَالَ الزُّهْرِيّ الخصاء صَبر شَدِيد وَبَين الجاثم والمجثم فرق فالجاثم من الصَّيْد يجوز لَك أَن ترميه حَتَّى تضطاده والمجثم فَهُوَ مَا ملكته فجثمته ثمَّ جعلته غَرضا ترميه حَتَّى تقتله وَأما مَا جثمته على الذَّكَاة فَلَيْسَ من هَذَا والخطفة قَالَ أَبُو حَاتِم سَأَلت عَنْهَا الْأَصْمَعِي فَقَالَ لَا أعرف ذَلِك قَالَ وَقَالَ غَيره هُوَ مَا اقتطعته السَّبع من الدَّابَّة فاختطفه نهي عَن أكله وَكَذَلِكَ مَا أبنته عَن الصَّيْد عَن ضَرْبَة بِسيف أَو غَيره فَهُوَ ميتَة لَا يحل أكله وَالْأَصْل فِي ذَلِك الحَدِيث أَنه قدم الْمَدِينَة وَبهَا نَاس يَعْمِدُونَ إِلَى أسنمة الْإِبِل وأليات الْغنم فيجبونها فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا وَقع من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة فَهُوَ ميتَة 12 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الْمُنَافِق مثل الشَّاة ين الربضين إِذا أَتَت هَذِه نطحتها وَإِذا الحديث: 12 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 أَتَت هَذ نطحتها حَدَّثَنِيهِ ابي حَدثنِي مُحَمَّد بن يحيى الْقطعِي ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا المَسْعُودِيّ ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن قَالَ بَينا أَنا جَالس عِنْد عبيد بن عُمَيْر وَعِنْده ابْن عمر قَالَ عبيد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ذكر ذَلِك فَقَالَ ابْن عمر إِنَّمَا قَالَ كشاة بَين غنمين فاختلط عبيد وَغَضب فَقَالَ ابْن عمر لَو لم أسمعهُ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم أَقَله ربض الْغنم مأواها وَلَا أَحسب سمي ربضا إِلَّا أَنَّهَا تربض فِيهِ وَجمعه أرباض وَقَالَ العجاج [من الرجز] ... واعتاد أرباضا لَهَا آري ... فَأَما الربيض فجماعة الْغنم فَإِن كَانَ الْحَرْف على مَا رَوَاهُ من الربضين فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ منزلَة شَاة بَين مربضي غنم وَإِن كَانَ بَين الربيضين فَلَا فرق بَينه وَبَين الْغَنَمَيْنِ وَقد يُقَال ذَلِك للجماعتين إِذا انْفَرَدت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا يُقَال الغنمان والإبلان قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... هما سيدانا يزعمان وَإِنَّمَا ... يسوداننا أَن يسرت غنماهما ... وَقَالَ الْحَارِث بن حلزة [من الْخَفِيف] ... عنتا بَاطِلا وظلما كَمَا تعتر حجرَة الربيض الظباء ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 قَالَ الْأَصْمَعِي العتر الذّبْح والعتر الذّبْح فِي رَجَب وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا فرعة وَلَا عتيرة والحجرة الحظيرة وتتخذ للغنم والربيض جمَاعَة الْغنم وَكَانَ الرجل من الْعَرَب ينذر نذرا على شائه إِذا بلغت مئة أَن يذبح عَن كل عشر مِنْهَا شَاة فِي رَجَب فَكَانَت تسمى تِلْكَ الذَّبَائِح الرجبية والعتاتر فَكَانَ الرجل رُبمَا بخل بشائه فيصيد الظباء ويذبها عَن غنمه ليوفي بهَا نَذره فَقَالَ الشَّاعِر أَنْتُم تأذوننا بذنوب غَيرنَا كَمَا ذبح أُولَئِكَ الظباء عَن غَنمهمْ فَأَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمثل معنى قَول الله تَعَالَى {مذبذبين بَين ذَلِك لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} وَلست أَدْرِي أَي شَيْء أنكر ابْن عمر من الربض أَو الربيض ومعناهما معنى الْغنم إِلَّا أَن يكون لذكر اللَّفْظ بِعَيْنِه دون الْمَعْنى وروى ابْن عمر فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث بَين غنمين 11 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شُرَيْح بن هَانِئ قَالَ لعَائِشَة أَكَانَ رَسُول الله يُصَلِّي على الْحَصِير فَإِنِّي سَمِعت فِي كتاب الله تَعَالَى {وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} فَقَالَت لم يكن يُصَلِّي عَلَيْهِ يرويهِ يزِيد عَن الْمِقْدَام [43 / أ] عَن أَبِيه عَن شُرَيْح عَن أَبِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 أَنا أذكر هَذَا الحَدِيث للغلط فِي تاويله قَول الله جلّ وَعز {وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} وَلِأَنَّهُ قد رُوِيَ عَن عَائِشَة أَنه كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَصِير يبسطه بِالنَّهَارِ ويحتجره بِاللَّيْلِ يُصَلِّي عَلَيْهِ وروى ذَلِك مُحَمَّد بن بشر الْعَبْدي عَن عبد الله بن عمر عَن سعيد بن أبي سَلمَة بن عبد الرحمن عَن عَائِشَة وَقَالَ أبي خبرني السجسْتانِي عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز {وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} أَي محبسا وَهُوَ من قَوْلك حصرت الرجل إِذا حَبسته وضيقت عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قيل للْملك حَصِير لأنن مَحْجُوب فَهُوَ كالمحبوس وَأَحْسبهُ جَاءَ على فعيل بِمَعْنى مفعول قَالَ الشَّاعِر من الطَّوِيل ... بني مَالك جَار الْحَصِير عَلَيْكُم ... وَمِنْه قيل للبخيل حصر وَالَّذِي لَا يخرج مَعَه الشّرْب شَيْئا حصور وَقَوْلها يحتجره بِاللَّيْلِ أَي يحظره لنَفسِهِ دون غَيره وَمِنْه يُقَال احتجرت الأَرْض إِذا ضربت عَلَيْهَا منارا أَو أعلمت عَلَيْهَا علما فِي الْحُدُود للحيازة وَمِنْه حجر القَاضِي على الرجل حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 يقْضِي دينه وعَلى الْغُلَام المبذر حَتَّى يؤنس مِنْهُ الرشد 13 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عرْفجَة بن أسعد أُصِيب أَنفه يَوْم الْكلاب فِي الْجَاهِلِيَّة فَاتخذ أنفًا من ورق فَأَنْتن عَلَيْهِ فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَّخذ أنفًا من ذهب حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو بن الْبَراء الغنوي [43 / ب] ثَنَا جناد بن هِلَال عَن ابي الْأَشْهب حَدثنِي عبد الرحمن بن طرفَة أَن عرْفجَة أُصِيب أَنفه وَذكر الحَدِيث الْوَرق الْفضة بِكَسْر الرَّاء وَالْوَرق بِفَتْح الرَّاء المَال من الْغنم وَالْإِبِل وَقَالَ لي يزِيد بن عَمْرو ذاكرت الْأَصْمَعِي بِهَذَا الحَدِيث فَقَالَ إِنَّمَا أَتَّخِذ أنفًا من ورق فَأَنْتن عَلَيْهِ فَأَما الْوَرق فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة الذَّهَب لَا ينتن وأحسب الْأَصْمَعِي أَرَادَ بالورق الرّقّ الَّذِي كتب فِيهِ وَقد كنت أَحسب قَول الْأَصْمَعِي أَن الْوَرق لَا ينتن وَأَنه بِمَنْزِلَة الذَّهَب صَحِيحا ثمَّ خبرني بعض أهل الْخِبْرَة بهما أَن الذَّهَب لَا يبليه الثرى وَلَا يصدئه الندى وَلَا تنقصه الأَرْض وَلَا تَأْكُله النَّار وَلَا تَتَغَيَّر رِيحه على الفرك وَأَنه ألطف شَيْء شخصا وأثقل شَيْء ميزانا قَالَ وقليله يلقى فِي الزئبق فيرسب ويلقى الْكثير من غَيره فيطفو وَأَخْبرنِي أَن الْفضة تصدأ وتنتن وتبلى فِي الحمأة وَقد روى أَبُو قَتَادَة عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ كتب عمر بن عبد العزيز الحديث: 13 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فِي الْيَد إِذا قطعت أَن تختم بِالذَّهَب فَإِنَّهُ لَا يقيح 14 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَأَن نَبِي الله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يحضر وَأَصْحَابه فيرغب إِلَى الله عز وَجل فَيُرْسل عَلَيْهِم النغف فِي رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس وَاحِدَة قَالَ ثمَّ يُرْسل الله مَطَرا فتغسل الأَرْض حَتَّى يَتْرُكهَا كالزلفة حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن أَخِيه بن الْوَلِيد بن برد عَن بشر بن بكر عَن عبد الرحمن بن يزِيد عَن جَابر الْحِمصِي عَن عبد الرحمن بن نفير الْحَضْرَمِيّ عَن أَبِيه عَن النواس بن سمْعَان الْكلابِي إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر ذَلِك النغف دود يكون فِي أنوف الْغنم وَالْإِبِل واحدتها نغفة وَمِنْه قَوْلك للرجل تحتقره يَا نغفة وَقَوله فيصبحون فرسى أَي قَتْلَى وَمِنْه يُقَال فرس الذِّئْب الشَّاة يفرسها فرسا وَقد أَفرس الرَّاعِي إِذا فرس الذِّئْب شَاة من غنمه وَهَذِه فريسة الْأسد وأصل الْفرس دق الْعُنُق ثمَّ كثر وَاسْتعْمل حَتَّى صير كل قتل فرسا وَوَاحِد فرسى فريس مثل قَتِيل وقتلى وَأنْشد الْأَصْمَعِي لطفيل الغنوي [من الوافر] الحديث: 14 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 .. وَيتْرك مَاله فرسى ويقرش ... إِلَى مَا كَانَ من ظفر وناب ... يقرش يجمع وَمِنْه قيل قُرَيْش وَيُقَال ذبح الرجل ففرس إِذا بلغ النخاع وَهُوَ كالخيط الْأَبْيَض فِي الفقار ثمَّ دقه ولواه وَمِنْه الحَدِيث كره الْفرس فِي الذَّبِيحَة وَيُقَال أَيْضا ذبح فنخع إِذا بلغ النخاع وَقَوله حَتَّى يَتْرُكهَا كالزلفة فالزلفة مصنعة المَاء وَجَمعهَا زلف قَالَ لبيد وَذكر ساقية تَسْقِي زرعا [من الْكَامِل] ... حَتَّى تحيرت الدبار كَأَنَّهَا ... زلف وَأُلْقِي قتبها المحزوم ... والدبار المشارات تحيرت من كَثْرَة المَاء حِين لم يجد المَاء منفذا وَأُلْقِي قتب النَّاقة عِنْد فراغها وَيُقَال قتب وقتب مثل حلْس وحلس وَمثل وَمثل وَبدل وَبدل واراد أَن الْمَطَر يكثر حَتَّى يقوم المَاء فِي الأَرْض فَتَصِير الأَرْض كَأَنَّهَا مصنعة من مصانع المَاء وَقد فسرت الزلفة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 الحَدِيث أَنَّهَا المحارة وَهِي الصدفة وَلست أعرف هَذَا التَّفْسِير إِلَّا أَن يكون الغدير يُسمى محارة لِأَن المَاء يحور إِلَيْهِ ويجتمع فَيكون بِمَنْزِلَة تفسيرنا 15 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قيل لَهُ يَا رَسُول الله أَتَرَى رَبنَا فَقَالَ أتضارون فِي رُؤْيَة الشَّمْس فِي غير سَحَاب قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنَّكُم لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَته يرويهِ عبد الله بن أدريس عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قُلْنَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك وَفِي حَدِيث آخر لَا تضَامون فِي رُؤْيَته أما المحدثون أَو أَكْثَرهم فَيَقُولُونَ تضَارونَ وتضامون كَأَنَّهُ من الضير والضيم أَي لَا يضير وَلَا يضيم بَعْضكُم بَعْضًا بِأَن يَدْفَعهُ عَن ذَلِك أَو يستأثر دونه وَقَالَ بعض أَصْحَاب اللُّغَة إِنَّمَا هُوَ تضَارونَ وتضامون على تَقْدِير تفاعلون بإدغام الرَّاء وَالْمِيم فَأَما تضَارونَ فَهُوَ من الضرار والضرار أَن يتضار الرّجلَانِ عِنْد الِاخْتِلَاف يُقَال ضار فلَان فلَانا مضارة وضرارا وَقد وَقع الضرار بَينهمَا وَالِاخْتِلَاف قَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي [من المتقارب] الحديث: 15 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 .. وخصمي ضرار ذَوي مأقة ... مَتى يدن سلمهما يشغب ... والمأقة الأنفة والحدة يُقَال رجل مئق وَالْمعْنَى أَنكُمْ لَا تختلفون وَلَا تمارون فيضار بَعْضكُم بَعْضًا وَأما تضَامون فَإِنَّهُ من الانضمام يُرِيد أَنكُمْ لَا تختلفون فِيهِ حَتَّى تجتمعون للنَّظَر وينضم بَعْضكُم إِلَى بعض فَيَقُول وَاحِد هُوَ ذَاك وَيَقُول آخر لَيْسَ كَذَلِك فعل النَّاس عِنْد النّظر إِلَى الْهلَال أول لَيْلَة من الشَّهْر وَالْعرب تَقول للشَّيْء الْمُخْتَلف فِيهِ محلف ومحنث وَقَالُوا حضار وَالْوَزْن محلفان وهما نجمان يطلعان قبل طُلُوع سُهَيْل فِي نَاحيَة ة مطلعه ويأخذان على سمته ويشبهانه فِي المرأى فيختلف النَّاس فيهمَا ويتضامون فَيَقُول بَعضهم لأَحَدهمَا هَذَا سُهَيْل وَيَقُول بَعضهم لَيْسَ بِهِ وَلَا يزَال بهم الِاخْتِلَاف حَتَّى يحلف كل فريق مِنْهُم على مَا ادَّعَاهُ وَيُقَال كميت محلفة إِذا كَانَت تشبه الشقر وَغير محلفة إِذا كَانَت خَالِصَة الكمتة لَا تشبه الشقر فَيَقَع فِيهَا الِاخْتِلَاف وَالْحلف قَالَ الشَّاعِر [من الوافر] ... كميت غير محلفة وَلَكِن ... كلون الصّرْف عل بِهِ الْأَدِيم ... 16 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه الحديث: 16 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 قَالَ سموا أَوْلَادكُم اسماء الْأَنْبِيَاء وَأحسن الْأَسْمَاء عبد الله وعبد الرحمن وَأصْدقهَا الْحَارِث وَهَمَّام وأقبحها حَرْب وَمرَّة حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ أَحْمد بن الْخَلِيل عَن عمرَان بن مُوسَى عَن يحيى بن صَالح عَن مُحَمَّد بن المُهَاجر عَن عقيل بن شهيب عَن أبي وهب الكلَاعِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصدق الْأَسْمَاء الْحَارِث لِأَن الْحَارِث الكاسب يُقَال حرث فلَان إِذا كسب واحتراث المَال كَسبه وَلَيْسَ من أحد إِلَّا وَهُوَ يحرث قَالَ الله جلّ وَعز {من كَانَ يُرِيد حرث الْآخِرَة نزد لَهُ فِي حرثه وَمن كَانَ يُرِيد حرث الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا} أَي من كَانَ يُرِيد كسب الْآخِرَة نضاعف لَهُ كَسبه يُرِيد تَضْعِيف الْحَسَنَات وَمن كَانَ يُرِيد كسب الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا وحَدثني أبي حَدثنِي السجسْتانِي ثَنَا الْأَصْمَعِي عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبيد الله بن الْعيزَار عَن عبد الله بن عَمْرو أَنه قَالَ احرث لدنياك كَأَنَّك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كَأَنَّك تَمُوت غَدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 قَالَ كثير [من المتقارب] ... بأيه أَبى إِذا مَا ذكرت عرفت خلائق مني ثَلَاثًا عفافا ومجدا إِذا مَا الرِّجَال تبالوا خلائقهم واحتراثا ... وَأما همام فَهُوَ من هَمت بالشَّيْء إِذا أردته وَلَيْسَ من أحد إِلَّا وَهُوَ يهم وأقبحهما حَرْب لما فِي الْحَرْب من المكاره وَمرَّة للمرارة وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب الفأل الصَّالح وَالِاسْم الْحسن حَدثنِي أبي حَدثنِي يزِيد بن عَمْرو ثَنَا خَالِد بن يزِيد الصفار ثَنَا همام بن يحيى عَن حضرمي بن لَاحق أَو عَن أبي سَلمَة قَالَ أَبُو مُحَمَّد أرَاهُ عَن يحيى بن أبي كثير عَن حضرمي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكْتب إِلَى أمرائه إِذا أبردتم إِلَيّ بريدا فَاجْعَلُوهُ حسن الْوَجْه حسن الِاسْم 17 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اللَّهُمَّ إِن عَمْرو بن الْعَاصِ هجاني وَهُوَ يعلم أَنِّي لست بشاعر فاهجه اللَّهُمَّ والعنه عدد مَا هجاني أَو مَكَان مَا هجاني حَدَّثَنِيهِ أَبُو الْخطاب زِيَاد بن يحيى بن حسان ثناه أَبُو عتاب عَن عِيسَى بن عبد الرحمن السّلمِيّ حَدثنِي عدي بن ثَابت الحديث: 17 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 عَن الْبَراء بن عَازِب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك قَالَ ابو الْخطاب الشَّك من عِيسَى فِي عدد أَو مَكَان قَوْله أهجه يُرِيد جازه عَن الهجاء جَزَاء الهجاء وَمثل هَذَا كثير مِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من يسمع يسمع الله بِهِ وَمن يراءي يراءي الله بِهِ وَنَحْوه قَول الله عز وَجل {نسوا الله فنسيهم} وَالله أعلم جازاهم جَزَاء النسْيَان وَقد فسر تَرَكُوهُ فتركهم وَالْأَمر وَاحِد لِأَنَّهُ جازاهم جَزَاء التّرْك وَقَوله تَعَالَى {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} وَجَزَاء السَّيئَة لَا يكون سَيِّئَة وَهُوَ من هَذَا أَرَادَ جَزَاء السَّيئَة مثلهَا عُقُوبَة وَقَوله {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} فالعدوان الأول ظلم وَالثَّانِي قصاص وَالْقصاص لَا يكون ظلما وَإِن خرج لَفظه كَلَفْظِ الأول هَذَا قَول الْفراء ونرى هَذَا من قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 كَانَ قبل إِسْلَام عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ 18 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من تَوَضَّأ للْجُمُعَة فبها ونعمت وَمن اغْتسل فَذَلِك أفضل حَدثنِي أبي حَدثنِي مُحَمَّد عَن عبد الله بن عبد الوهاب الحجني عَن أبي عوَانَة عَن قَتَادَة عَن الْحسن أَن رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ ذَلِك قَالَ أَبُو حَاتِم سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن التَّأْنِيث فِي قَوْله فبها فَقَالَ أَظُنهُ أُرِيد فبالسنة أَخذ أضمر ذَلِك إِن شَاءَ الله وَأما قَوْله ونعمت فَفِيهِ قَولَانِ يُقَال أَرَادَ ونعمت الْخلَّة أَو الفعلة ثمَّ تحذف الْخلَّة اختصارا وَيُقَال ونعمت بِكَسْر الْعين وتسكين الْمِيم أَي نعمك الله وَأما حَدِيثه الآخر فِي يَوْم الْجُمُعَة من غسل واغتسل وَبكر وابتكر واستمع وَلم يلغ فَإِن أَكثر النَّاس يذهبون فِي غسل إِلَى أَنه أَرَادَ مجامعة الرجل أَهله قبل خُرُوجه إِلَى الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَا يُؤمن عَلَيْهِ أَن يرى فِي طَرِيقه مَا يُحَرك مِنْهُ ويشغل قلبه وَيذْهب آخَرُونَ أَنه أَرَادَ بقوله غسل تَوَضَّأ للصَّلَاة فَغسل جوارح الحديث: 18 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الْوضُوء وَثقل الْفِعْل لِأَنَّهُ أَرَادَ غسلا بعد غسلأ لِأَنَّهُ إِذا أَسْبغ وأكمل الطّهُور غسل كل عُضْو ثَلَاث مَرَّات ثمَّ اغْتسل بعد ذَلِك غسل الْجُمُعَة وَأما قَوْله بكر فَإِن الْعَوام تذْهب فِي هَذَا إِلَى أَنه الغدو إِلَى الْمَسْجِد الْجَامِع وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا التبكير هَا هُنَا إتْيَان الصَّلَاة لأوّل وَقتهَا وكل من أسْرع إِلَى شَيْء فقد بكر إِلَيْهِ وَلذَلِك يُقَال بَكرُوا بصلا ة الْمغرب أَي صلوها عِنْد سُقُوط القرص وَيُقَال لأوّل شَيْء يَأْتِي من الْفَوَاكِه باكورة لِأَنَّهُ جَاءَ فِي أول الْوَقْت وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي أَبُو وَائِل عَن شَاذ بن فياض عَن الْحَارِث بن شبْل عَن أم النُّعْمَان الكندية عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزَال أمتِي على سنتي مَا بَكرُوا بِصَلَاة الْمغرب وَأما قَوْله وابتكر فَإِنَّهُ أَرَادَ أدْرك الْخطْبَة من أَولهَا وأولها بكورتها كَمَا يُقَال ابتكر الرجل إِذا أكل باكورة الْفَاكِهَة وابتكر إِذا نكح بكرا أَو تزوج بكرا ويدلك أَيْضا على هَذَا التَّأْوِيل قَوْله بعقب ابتكر اسْتمع وَلم يلغ وَمن الدَّلِيل على هَذَا التَّأْوِيل حَدِيث رَوَاهُ الزيَادي قَالَ ثَنَا أَبُو صَالح عَن اللَّيْث قَالَ حَدثنِي خَالِد بن يزِيد عَن سعيد بن ابي هِلَال عَن مُحَمَّد بن سعيد الْأَزْدِيّ عَن عباد بن نسي عَن أَوْس الثَّقَفِيّ صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من غسل رَأسه واغتسل ثمَّ هجر إِلَى الْمَسْجِد وابتكر ثمَّ دنا واقترب واستمع كتب لَهُ بِكُل خطْوَة يخطوها صِيَام سنة وَقيام سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 19 - قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجد نفس ربكُم من قبل الْيمن يرويهِ يزِيد بن هرون عَن جرير عَن شبيب بن نعيم الكلَاعِي عَن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ يزِيد إِنَّمَا يَعْنِي بذلك أَن الْأَنْصَار من الْيمن وَأَن الله نفس عَنهُ الكرب بهم وَيُقَال أَنْت فِي نفس من أَمرك أَي فِي سَعَة وَيُقَال اعْمَلْ وَأَنت فِي نفس أَي فِي فسحة قبل الْهَرم والأمراض وَأَشْبَاه ذَلِك من الْحَوَادِث وَنَحْو هَذَا الحَدِيث قَوْله لَا تسبوا الرّيح فَإِنَّهَا من نفس الرَّحْمَن يُرِيد أَنه تفرج بهَا الكرب وَيذْهب بهَا الجدب يُقَال اللَّهُمَّ نفس عني أَي فرج عني فَمن نفس الله بِالرِّيحِ أَنَّهَا إِذا هشت فِي الْبَلَد الْحَار والهواجر أذهب الوهد وأطابت للْمُسَافِر الْمسير وَإِذا هبت أنشأت السَّحَاب وألقحته بِإِذن الله وَكَانَت الْعَرَب تَقول إِذا كثرت الرِّيَاح كثر الْحبّ وَإِذا تنسمها عليل أَو محزون وجد فِي نسيمها شِفَاء وفرجا مِمَّا يجد قَالَ الشَّاعِر من الطَّوِيل الحديث: 19 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 .. فَإِن الصِّبَا ريح إِذا مَا تنسمت ... على كبد محزون تجلت همومها ... قَالَ الْعُتْبِي هجمت على بطن بَين جبلين فِيمَا رَأَيْت وَاديا أخصب مِنْهُ فَإِذا وُجُوه أَهله مهجة وألوانهم مصفرة فَاسِدَة فَقلت واديكم أخصب وَاد وَأَنْتُم لَا تشبهون المخاصيب فَقَالَ لي شيخ مِنْهُم لَيْسَ لنا ريح وَقد نصر الله تَعَالَى رَسُوله بالصبا وَنَفس عَنهُ الكرب يَوْم الْأَحْزَاب بِالرِّيحِ فَقَالَ عز وَجل {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنودا لم تَرَوْهَا} فَهِيَ من نفس الله كَمَا كَانَ الْأَنْصَار من نفس الله تَعَالَى وَمِمَّا يزِيد هَذَا التَّأْوِيل وضوحا حَدِيث حَدَّثَنِيهِ أَحْمد بن الْخَلِيل عَن مُحَمَّد بن حَرْب عَن اللَّيْث بن سعد عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن ثَابت بن قيس عَن ابي هُرَيْرَة أَنه قَالَ لعمر الرّيح من روح الله تَأتي بِالرَّحْمَةِ وَالْعَذَاب فَلَا تسبوها فَروح الله بِمَنْزِلَة نفس الله مَا أَكثر من يذهب من حَملَة الحَدِيث إِلَى غير مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ وَإِذا وَقع الْحَرْف بَين تأويلين وَلم يكن لنا فيهمَا إِمَام من السّلف نقلد مثله ملنا إِلَى أقربهما من السَّلامَة أَلا ترى أَن من ذهب إِلَى هَذَا الْمَذْهَب فِي نفس الرَّحْمَن صَادِق وَإِن كَانَ مُرَاد النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام معنى آخر وَأَن من ذهب الْمَذْهَب الآخر إِن كَانَ مُرَاد النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 مَا أردنَا متعسف فِي القَوْل غير مَأْمُون عَلَيْهِ المأثم 20 - قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عَامر بن الطُّفَيْل أَتَاهُ فوثبه وسَادَة وَقَالَ لَهُ أسلم يَا عَامر فَقَالَ على أَن لي الْوَبر وَلَك الْمدر فَأبى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَ عَامر مغضبا وَقَالَ وَالله لأَمْلَأَنهَا عَلَيْك خيلا جردا ورجالا مردا ولأربطن بِكُل نَخْلَة فرسا رَوَاهُ الزبيرِي عَن ظمياء بنت عبد العزيز بن مؤله بن كثيف بن حمل قَالَت حَدثنِي أبي عَن جدي مؤله بذلك قَوْله وثبه وسَادَة أَي فرشه إِيَّاهَا وَأَجْلسهُ عَلَيْهَا والوثاب الْفراش بلغَة حمير وهم يسمون الْملك إِذا كَانَ لَا يَغْزُو موثبانا يُرِيدُونَ أَنه يُطِيل الْجُلُوس وَلَا يَغْزُو وَيَقُولُونَ للرجل ثب أَي اجْلِسْ وَرُوِيَ أَن زيد بن عبد الله بن دارم وَفد على بعض مُلُوك حمير فَأَلْقَاهُ فِي متصيد لَهُ على جبل مشرف فَسلم عَلَيْهِ وانتسب لَهُ فَقَالَ لَهُ الْملك ثب يُرِيد اجْلِسْ فَظن الرجل أَنه أمره بالوثوب من الْجَبَل فَهَلَك فَقَالَ الْملك مَا شَأْنه فخبروه بِقِصَّتِهِ الحديث: 20 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 فَقَالَ من دخل ظفار حمر وظفار الْمَدِينَة الَّتِي كَانَ بهَا واليها ينْسب الْجزع الظفاري وَأَرَادَ من دخل ظفار فليتعلم الحميرية وليفهمها وَبَعْضهمْ يذهب بِهَذَا القَوْل هَذَا الْمَذْهَب قَالَ ظفار قَرْيَة فِيهَا مغرة فَمن دَخلهَا أصَاب من ذَلِك وَنَحْو من هَذَا الحَدِيث حَدِيث رَوَاهُ الْهَيْثَم عَن مُجَاهِد عَن الشّعبِيّ أَن عدي بن حَاتِم أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر لَهُ بمنبذة وَقَالَ إِذا أَتَاكُم كريم قوم فأكرموه والمنبذة الوسادة سميت بذلك لِأَنَّهَا تنبذ أَي تلقى وَيجْلس عَلَيْهَا 21 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من يتتبع المشمعة يشمع الله بِهِ من حَدِيث عبد العزيز بن عمرَان عَن عبد الله بن مُصعب بن مَنْظُور عَن أَبِيه عَن عقبَة بن عَامر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك فِي خطْبَة خطبهَا طَوِيلَة هَكَذَا يرْوى هَذَا الْحَرْف فِي هَذَا الحَدِيث بالشين مُعْجمَة وَفِي حَدِيث آخر من سمع النَّاس بِعَمَلِهِ يسمع الله بِهِ بِالسِّين غير مُعْجمَة أَي من يرائي بِهِ وَيُحب إِظْهَاره يشهره الله بالرياء ويفضحه وَهَذَا غير ذَلِك الْمَعْنى والمشمعة المزاح والضحك قَالَ المنتخل الْهُذلِيّ وَذكر الحديث: 21 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 أضيافه [من الوافر] ... سأبدؤهم بمشمعة وأثني ... بجهدي من طَعَام أَو بِسَاط ... يُرِيد أَنه يبْدَأ أضيافه عِنْد نزولهم بالمزاح والمضاحكة ليؤنسهم بذلك وَهُوَ نَحْو قَول الآخر [من الرجز] ... وَرب ضيف طرق الْحَيّ سرى ... صَادف زادا وحديثا مَا اشْتهى إِن الحَدِيث جَانب من الْقرى ... وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي عبد الرحمن بن عبد الله عَن الْأَصْمَعِي عَن خلف الْأَحْمَر قَالَ سنة الْأَعْرَاب إِذا حدثوا الرجل الْغَرِيب وهشوا إِلَيْهِ ومازحوه أَيقَن بالقرى وَإِذا أَعرضُوا عَنهُ عرف الحرمان فَلذَلِك قَالَ إِن الحَدِيث جَانب من الْقرى وَيُقَال شمع الرجل وَمَا جد فَهُوَ يشمع شموعا وَامْرَأَة شموع إِذا كَانَت كَثِيرَة اللَّهْو والمزاح قَالَ أَبُو ذُؤَيْب يصف الْحمير [من الْكَامِل] ... فلبثن حينا يعتلجن بروضة ... فيجد حينا فِي العلاج ويشمع ... وَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن من كَانَ شَأْنه الْعَبَث بِالنَّاسِ والاستهزاء بهم أصاره الله إِلَى حَالَة يعبث بِهِ فِيهَا ويستهزأ مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 22 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بلغ الكديد أَنه أَمر النَّاس بِالْفطرِ فأصح النَّاس شرجين حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَق عَن سعيد بن عبد العزيز عَن عَطِيَّة بن قيس عَن قزعة عَن ابي سعيد قَوْله أصبح النَّاس شرجين أَي فريقين كل وَاحِد مِنْهُمَا مثل الآخر يُرِيد أَن بَعضهم أصبح صَائِما وَبَعْضهمْ أصبح مُفطرا وَمثله شريجين يُقَال شرج وشريج وَهَذَا شرج هَذَا وشريجة إِذا كَانَ مثله ولفقه وَأَصله أَن تشق الْخَشَبَة نِصْفَيْنِ فَيكون أحد النصفين شريج الآخر بَلغنِي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ قَالَ يُوسُف بن عمر أَنا شريج الْحجَّاج أَي مثله فِي السن وَقَالَ المنخل الْيَشْكُرِي [من مجزوء الْكَامِل] ... وَإِذا الرِّيَاح تكمشت ... بجوانب الْبَيْت الْقصير الفينني هش الندى ... بشريج قدحي أَو شجيري ... والشجير الْغَرِيب يُقَال نزل فلَان شجيرا فِي بني فلَان أَي غَرِيبا الحديث: 22 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَقَالَ جندل [من الرجز] ... من شعب شَتَّى وأنساب شجر ... يَقُول الفيتني فِي هَذَا الْوَقْت أضْرب بقدحين فِي الميسر أَحدهمَا لي وَالْآخر مستعار 23 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الله نظيف يحب النَّظَافَة فنظفوا أفنيتكم وَفِي حَدِيث آخر فنظفوا عذراتكم وَلَا تشبهوا باليهود تجمع الأكباء فِي دورها حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ القومسي عَن الْحسن بن بشر البَجلِيّ عَن المعافا بن عمرَان عَن خَالِد بن الياس عَن المُهَاجر ابْن مِسْمَار عَن عَامر بن سعد عَن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك الأكباء جمع كبا وَهِي الكناسة وَقَالَ الْأَصْمَعِي إِذا قصر فَهُوَ الكناسة وَإِذا مد فَهُوَ البخور وَمن الأول حَدِيث يرويهِ مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن يزِيد عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن الْمطلب بن ربيعَة قَالَ أَن أُنَاسًا من الْأَنْصَار قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّا نسْمع من قَوْمك حَتَّى يَقُول الْقَائِل مِنْهُم الحديث: 23 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 إِنَّمَا مُحَمَّد مثل نَخْلَة نَبتَت فِي كبا وَفِي حَدِيث أَنه قيل لَهُ يَا رَسُول الله أَيْن ندفن ابْنك قَالَ عِنْد فرطنا عُثْمَان بن مَظْعُون وَكَانَ قبر عُثْمَان عِنْد كبا عَمْرو بن عَوْف وَأما العذرات فَهِيَ الأفنية الْوَاحِدَة عذرة ويروى فِي حَدِيث الْيَهُود أنتن خلق الله عذرة أَي فنَاء وَمن ذَلِك سمي الْحَدث عذرة لِأَنَّهُ كَانَ يلقى بالأفنية فكني عَنهُ باسم الفناء كَمَا كني عَنهُ باسم الْغَائِط وَأنْشد الزيَادي عَن زيد بن كثوة الْعَنْبَري [من الطَّوِيل] ... أَلا أَن قومِي لَا تلط قدورهم ... وَلكنهَا يوقدن بالعذرات ... يَقُول لَا تستر وَلكنهَا تطبخ بالأفنية وكل شَيْء سترته فقد لططت عَنهُ 24 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ سيد أدام أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة اللَّحْم وَسيد ريحَان أهل الْجنَّة الفاغية حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ القومسي قَالَ ثناه الْأَصْمَعِي عَن أبي هِلَال الرَّاسِبِي عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 24 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وَقَالَ القومسي قَالَ الْأَصْمَعِي الْفَا غية هَاهُنَا نور الحنا وَقَالَ غَيره وفاغية كل نبت نوره وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي عَبده الصفار ثَنَا سُلَيْمَان بن كثير الوَاسِطِيّ عَن عبد الحميد عَن أنس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعجبه الفاغية وَأحب الطَّعَام إِلَيْهِ الدُّبَّاء والدباء القرع واحدته دباءة قَالَ الْأَصْمَعِي والفغو أَيْضا هُوَ الفاغية وَأنْشد لأوس بن حجر [من الْكَامِل] ... لَا زَالَ ريحَان وفغو ناضر ... يجْرِي عَلَيْك بمسبل هطال ... وَقَالَ الفغو هَا هُنَا نور الريحان وروى مُسلم بن قُتَيْبَة عَن ابْن دعامة عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن السّلف فِي الزَّعْفَرَان فَقَالَ إِذا فغا يُرِيد إِذا نور وَأَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن سيد رياحينهم فِي الْجنَّة أنوار الشّجر من كل ضرب وَلَا أَرَادَ نور الْحِنَّاء وَحده كَمَا ذكر الْأَصْمَعِي وَجعل اللَّحْم أدما وَبَعض أَصْحَاب الرَّأْي لَا يَجعله أدما وَيَقُول لَو أَن رجلا حلف لَا يأتدم حولا ثمَّ أكل لَحْمًا قبل تصرم الْحول لم يَحْنَث وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا دلّ على خَطِيئَة وكل شَيْء قرنته بِشَيْء فقد أدمته بِهِ وَقَالَ النَّابِغَة الذبياني [من الْبَسِيط] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 .. إِنِّي أتمم أيساري وأمنحهم ... مثنى الأيادي وأكسوا الْجَفْنَة الأدما ... يُرِيد اللَّحْم وَقَوله أتمم أيساري أَي نقص الأيسار وهمم المتقامرون أخذت مَا بَقِي فتممتهم ومثنى الأيادي إِعَادَة الْمَعْرُوف وَيُقَال هُوَ مَا فضل من الْجَزُور يَشْتَرِيهِ فيقسمه على الأبرام والأبرام الَّذين لَا يدْخلُونَ فِي الميسر 25 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا صِيَام لمن لم يبيت الصّيام حَدثنِي أبي حَدَّثَنِيهِ القومسي ثَنَا خَالِد بن مخلد عَن مُحَمَّد بن هِلَال الْمدنِي عَن أَبِيه عَن مَيْمُونَة بنت سعد مولاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك وَقَوله يبت الصّيام يَعْنِي ينويه قبل الْفجْر وأصل الْبَتّ الْقطع يُقَال بت الْحَبل أَي قطعه وَبت الْقَضَاء على فلَان أَي قطعه وَمِنْه بت الطَّلَاق وَمِنْه قَوْلهم سَكرَان لَا يبت أَي لَا يقطع أمرا وَأَجَازَ الْفراء لَا يبت الحديث: 25 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 على لفظ الْعَامَّة وَقَالَ هما لُغَتَانِ بت وأبت فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا صِيَام لمن لم يقطع الصّيام على نَفسه قبل دُخُوله فِي وقته بِالنِّيَّةِ والعزيمة وَإِلَى هَذَا يذهب الشَّافِعِي وَمن سلك طَرِيقه وَأما أَصْحَاب الرَّأْي فيرون صِيَام من فَرْضه على نَفسه بعد دُخُوله فِي الْوَقْت وَفِي صدر النَّهَار تَاما وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا دلّ على الصَّوَاب وَقد جَاءَ فِي هَذَا مَا هُوَ أبين من هَذَا الحَدِيث روى مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن ابْن شهَاب عَن حَمْزَة بن عبد الله عَن حَفْصَة قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا صِيَام لمن لم يُوجِبهُ من اللَّيْل هَذَا مَعَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَوقت الصّيام من لدن طُلُوع الْفجْر إِلَى وجوب الشَّمْس وَكَيف يكون صَائِما من مضى عَنهُ من هَذَا الْوَقْت الْبَعْض وَهُوَ على عقد الْإِفْطَار 26 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا عسله قيل يَا رَسُول الله وَمَا عسله قَالَ يفتح لَهُ عملا صَالحا بَين يَدي مَوته حَتَّى يرضى عَنهُ من حوله حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ عَبده بن عبد الله الصفار ثَنَا زيد بن الْحباب الحديث: 26 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 ثَنَا مُعَاوِيَة بن صَالح حَدثنِي عبد الرحمن بن جُبَير بن نفير بن مَالك بن عَامر الْحَضْرَمِيّ عَن أَبِيه أَنه سمع عَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ يَقُول أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ذَلِك قَوْله عسله أرَاهُ مأخوذا من الْعَسَل شبه الْعَمَل الصَّالح الَّذِي يفتح للْعَبد حَتَّى يرضى النَّاس عَنهُ ويطيب ذكره فيهم بالعسل يُقَال عسلت الطَّعَام أعسله وأعسله عسلا إِذا جعلت فِيهِ السّمن وزت الطَّعَام أزيته إِذا لتته بالزيت أَو جعلته فِيهِ فَهُوَ طَعَام معسول ومسمون ومزيت وَكَذَلِكَ عسلت الْقَوْم وسمنتهم وزتهم إِذا جعلت أدمهم الْعَسَل وَالسمن وَالزَّيْت فَإِن أردْت أَنَّك زودتهم ذَلِك قلت عسلتهم وسمنتهم وزيتهم بِالتَّشْدِيدِ فَالْمَعْنى وَالله أعلم فِي قَوْله عسله جعل فِيهِ كالعسل من الْعَمَل الصَّالح كَمَا يعسل الطَّعَام إِذا جعل فِيهِ الْعَسَل 27 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْأَنْصَار لما أَرَادوا أَن يبايعوه قَالَ أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان يَا رَسُول الله إِن بَيْننَا وَبَين الْقَوْم حِبَالًا وَنحن قَاطِعُوهَا فنخشى إِن الله أعزّك وَأَظْهَرَك أَن ترجع إِلَى قَوْمك فَتَبَسَّمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ الدَّم الدَّم وَالْهدم الْهدم أَنا مِنْكُم وَأَنْتُم مني أُحَارب من الحديث: 27 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 حَارَبْتُمْ واسالم من سَالَمْتُمْ من حَدِيث عبد الأعلى عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن معبد بن كَعْب بن مَالك عَن أَخِيه عَن أَبِيه كَعْب قَوْله إِن بَيْننَا وَبَين الْقَوْم حِبَالًا يَعْنِي قُريْشًا أَي بَيْننَا وَبينهمْ عهود ومواثيق وَالْحَبل الْعَهْد والأمان وَقَالَ الله جلّ وَعز {ضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْن مَا ثقفوا إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس} أَي إِلَّا بِأَمَان وعهد وَمِنْه قَول الْأَعْشَى من الْكَامِل ... وَإِذا تجوزها إِلَيْك حبال قَبيلَة ... أخذت من الْأُخْرَى إِلَيْك حبالها ... يُرِيد أَنه يستجير بِقوم بعد قوم وَتَأْخُذ مِنْهُم عهدا بعد عهد حَتَّى يصل وَأَرَادَ أَبُو الْهَيْثَم أَنه كَانَت بَيْننَا وَبَين قوم يَعْنِي قُريْشًا عهود ومواثيق ثمَّ قَطعْنَاهَا فِيك فلعلك ترجع إِلَى مَكَّة إِذا ظَهرت وتخلينا وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّم الدَّم وَالْهدم الْهدم فَهَكَذَا رُوِيَ فِي الحَدِيث وَقد اخْتلف فِي اللَّفْظ والتأويل لَهُ فَقَالَ بَعضهم كَانَت قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا احتلفت أَو حالفت غَيرهَا تَقول الدَّم الدَّم وَالْهدم الْهدم يُرِيدُونَ تطلب بدمي وأطلب بدمك وَمَا هدمت من الدِّمَاء هدمت أَي مَا عَفَوْت عَنهُ وهدرته عَفَوْت عَنهُ وهدرته وَقَالَ آخر كَانُوا يَقُولُونَ هدمي هدمك وَدمِي دمك وترثني أرثك وتطلب بِي وأطلب بك فَإِذا مَاتَ أَحدهمَا وَرثهُ الآخر السُّدس وَدفع الْبَاقِي إِلَى ورثته فَهَذَا وَجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى يَقُول هُوَ الْهدم الْهدم واللدم اللدم أَي حرمتي مَعَ حرمتكم وبيتي مَعَ بَيتكُمْ وَأنْشد ... ثمَّ الحقي بهدمي ولدمي ... أَي بأصلي وَمَوْضِعِي وأصل الْهدم مَا انْهَدم تَقول هدمت هدما والمهدوم هدم وَسمي مبرك الرجل هدما لانهدامه وَيجوز أَن يكون الْهدم الْقَبْر سمي بذلك لِأَنَّهُ يحْفر ثمَّ يرد ترابه فِيهِ وَهُوَ هَدمه قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... كَأَنَّهَا هدم فِي الجفر منقاض ... يُرِيد بالهدم مَا انْهَدم من جَوَانِب الْبِئْر فَسقط فِيهَا والجفر الْبِئْر ومنقاض سَاقِط فَكَأَنَّهُ أَرَادَ على هَذَا التَّأْوِيل مقبري مقبركم أَي لَا أَزَال حَتَّى أَمُوت عنْدكُمْ وَمِمَّا يشْهد لهَذَا التَّأْوِيل أَنه رُوِيَ فِي حَدِيث آخر أَن الْأَنْصَار قَالُوا أَتَرَوْنَ أَن نَبِي الله إِذا فتح الله عَلَيْهِ مَكَّة أرضه وبلده يُقيم بهَا فَقَالَ مَا قُلْتُمْ فأخبروه فَقَالَ معَاذ الله الْمحيا محياكم وَالْمَمَات مماتكم واللدم الْحُرْمَة جمع لادم مثل طَالب وَطلب وحارس وحرس وَسمي أهل الرجل ونساؤه لدما لِأَنَّهُنَّ يلتدمن عَلَيْهِ إِذا مَاتَ أَي يضربن صدورهن أَو خدودهن واللدم الضَّرْب يُرِيد حرمي مَعَ حرمكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 28 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه خطب فَذكر أهل النَّار فَقَالَ أَلا وَإِن أهل النَّار خَمْسَة الضَّعِيف الَّذِي لَا زبر لَهُ الَّذين هم فِيكُم أَتبَاع لَا يَبْغُونَ أَهلا وَلَا مَالا والشنظير الفحاش وَذكر سَائِرهمْ رَوَاهُ يزِيد عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن مطرف عَن عِيَاض بن حَمَّاد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله لَا زبر أَي لَا رَأْي لَهُ يرجع إِلَيْهِ يُقَال رجل لَا زبر لَهُ وَلَا زور لَهُ وَلَا صيور إِذا لم يكن لَهُ رَأْي يرجع إِلَيْهِ والشنظير السيء الْخلق وأنشدني أَبُو حَاتِم لرجل فِي امْرَأَته ... شنظيرة الْأَخْلَاق رأراء الْعين ... قَالَ والرأراء الْعين الَّتِي كَأَن حدقتها تموج وتدور وَقد سمعته فِي وصف الرجل أَيْضا بِالْهَاءِ رجل شنظيرة وَقَالَ الْفراء تدخل الْهَاء فِي نعت الْمُذكر يذهبون بِهِ إِلَى الداهية وعَلى الذَّم يذهبون بِهِ إِلَى الْبَهِيمَة وَقَالَت امْرَأَة من الْأَعْرَاب تصف زَوجهَا [من الرجز] ... شنظيرة زوجنيه أَهلِي ... من جَهله يحْسب رَأْسِي رجْلي كَأَنَّهُ لم ير أُنْثَى قبلي ... الحديث: 28 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 29 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه نهى عَن القنازع حد ثنيه أبي قَالَ حد ثني القومسي ثناه قبيصَة بن عقبَة ثَنَا سُفْيَان بن عبد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن ذَلِك قَالَ الْأَصْمَعِي القنازع واحدتها قنزعة وَهُوَ أَن يُؤْخَذ الشّعْر وَيتْرك مِنْهُ شَيْء متفرق فِي أَمَاكِن لَا يُؤْخَذ يُقَال لم يبْق من شعره إِلَّا قنزعة والعنصوة مثل ذَلِك وَجَمعهَا عناص وَمثله أَو نَحوه القزع الَّذِي نهى عَنهُ وَقد فسره أَبُو عبيد وَفِي حَدِيث آخر ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأم سليم خضلي قنازعك قَوْله خضلي أَي ندي والخضل الندى 30 - وَفِي خطْبَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب بهَا الْأَنْصَار فَقَالَ أوجدتم يَا معشر الْأَنْصَار من لعاعة من الدُّنْيَا تألفت بهَا قوما ليسلموا ووكلتكم الى إسلامكم فَبكى الْقَوْم حَتَّى أخضلوا لحاهم أَي بلوها بالدموع واللعاعة أول مَا يَبْدُو من النبت وَهُوَ طري ناعم جعله الحديث: 29 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 مثلا لما نالهم وَكَذَلِكَ زهرَة الدُّنْيَا أَصله زهرَة النَّبَات والقنازع فِي حَدِيث أم سليم شعر تطاير وَقَامَ من الشعث بعد شَيْء مِنْهُ نتف فَأمرهَا أَن تنديه بدهن أَو مَاء ليسكن يُقَال رَطْل فلَان شعره اذا لينه بالدهن أَو المَاء من قَوْلهم فلَان رَطْل اذا كَانَ فِيهِ لين 31 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه ذكر الدَّجَّال فَقَالَ أَعور جعد أَزْهَر هجان كَأَن رَأسه أصلة أشبه النَّاس بِعَبْد الْعُزَّى بن قطن وَلَكِن الهلك كل الهلك أَن ربكُم لَيْسَ بأعور وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فاما هَلَكت هلك فان ربكُم لَيْسَ باعور حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد ثَنَا مُسلم بن ابراهيم عَن شُعْبَة عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الهجان الْأَبْيَض يُقَال رجل هجان وَامْرَأَة هجان وَرِجَال هجان ونسوة هجان هَذَا الْأَكْثَر وَرُبمَا قيل هجائن قَالَ أَبُو زيد إمرأة هجان بَيِّنَة الهجانة وَفرس هجين بَين الهجنة والأزهر الْأَبْيَض الحديث: 31 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وَفِي حَدِيث زَائِدَة عَن سماك هجان أقمر والأقمر الْأَبْيَض الشَّديد الْبيَاض وَيُقَال للسحاب الَّذِي يشْتَد ضوؤه لِكَثْرَة مَائه أقمر وأتان قَمْرَاء أَي بَيْضَاء وَيُقَال إِذا رَأَيْت السحابة كَأَنَّهَا بطن أتان قمرءا فَذَلِك الْجُود والأصلة الأفعى وَلست أَدْرِي لأي شَيْء شبه رَأسه بالأفعى غير أَن الْعَرَب تشبه الرَّأْس الصَّغِير الْكثير الْحَرَكَة بِرَأْس الْحَيَّة قَالَ طرفَة من الطَّوِيل ... أَنا الرجل الضَّرْب الَّذِي تعرفونه ... خشَاش كرأس الْحَيَّة المتوقد ... وَلَا أرى هَذَا من ذَلِك لِأَن الأصلة كَبِيرَة الرَّأْس قَصِيرَة الْجِسْم وَأما الهلك كل الهلك أَن ربكُم لَيْسَ بأعور فَإِنَّهُ يُرِيد أَنه يَدعِي الربوبية لنَفسِهِ وَلَيْسَ على النَّاس بأَشْيَاء لَا تكون مثلهَا فِي الْبشر إِلَّا العور فَإِنَّهُ لَا يقدر أَن يُزِيلهُ وَلَا يُغَيِّرهُ فالهلك كل الهلك [54 / ا] أَنه أَعور وَالنَّاس يعلمُونَ أَن الله جلّ وَعز لَيْسَ بأعور فبذلك يهْلك وَيبْطل مَا يَدعِيهِ وَمن رَوَاهُ فَأَما هلك هلك فَإِنَّهُ يُرِيد فَإِن هَلَكت بِهِ هلك وصلت فاعلموا أَن الله لَيْسَ بأعور وَهلك جمع هَالك مثل حاسر وحسر وَالْعرب تَقول أفعل ذَلِك أما هَلَكت هلك بِضَم اللَّام وتخفيفها أَي أَفعلهُ على مَا خيلت فَإِن كَانَت الرِّوَايَة كَذَلِك فَإِنَّهُ أَرَادَ فَإِن شبه عَلَيْكُم بِكُل معنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 فَلَا يتشبهن عَلَيْكُم إِن ربكُم لَيْسَ بأعور وَأما الحَدِيث الَّذِي يرويهِ الفلتان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صفة مسيح الضَّلَالَة إِنَّه رجل أجلى الْجَبْهَة مَمْسُوح الْعين الْيُسْرَى عريض النَّحْر فِيهِ دفأ فَإِن الأجلى الْجَبْهَة هُوَ الَّذِي انحسر الشّعْر عَن مقدم رَأسه والجبهة مَسْجِد الرجل والجبينان يكتنفانها والأجلى والأجله وَالْأَجْلَح سَوَاء والجميع جلو وجله وجلح فَإِذا ارْتَفع ذَلِك الانحسار حَتَّى يبلغ اليافوخ فَهُوَ الصلع وَقَوله فِيهِ دفا يُرِيد انحناء وأصل الدفا الْميل قَالَ ذُو الرمة وَذكر حميرا من الطَّوِيل ... يحاذرن من أدفا إِذا مَا هُوَ انتحى ... عَلَيْهِنَّ لم تنج الفرور المشائح ... جعله أدفى لِأَنَّهُ يمِيل على جَانب من نشاطه وَيُقَال شَاة دفواء إِذا مَال قرناها مِمَّا يَلِي العلباوين 32 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن العركي سَأَلَهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّا نركب هَذِه الأرمات فِي الْبَحْر [54 / ب] الحديث: 32 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 حَدثنِي أبي حَدَّثَنِيهِ القومسي ثَنَا مُحَمَّد بن عباد الْمَكِّيّ ثَنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن أُسَامَة بن زيد عَن أبي عبد الرحيم عَن عبد الله بن زرير الغافقي عَن العركي قَالَ الْأَصْمَعِي العركي صائد السّمك والجميع عَرك وَفِي كتاب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقوم من يهود إِن عَلَيْكُم ربع مَا أخرجت نخلكم وَربع مَا صَاد عروككم وَربع المغزل أَي ربع مَا غزل نِسَاؤُكُمْ وَهَذَا شَيْء خص بِهِ هَؤُلَاءِ وَلَا نعلم ألزم هَذَا غَيرهم وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي بَيت زُهَيْر لأ [من الْبَسِيط] ... يغشى الحداة بهم حر الْكَثِيب كَمَا ... يغشى السفائن موج اللجة العرك ... العرك هَا هُنَا الملاحون وَقَالَ أَبُو عَمْرو إِنَّمَا سمي الملاحون عركا لأَنهم يصيدون السّمك وروى أَبُو عُبَيْدَة ... كَمَا يغشى السفائن موج اللجة العرك ... والعرك فِي هَذِه الرِّوَايَة المتلاطم الَّذِي يدافع بعضه بَعْضًا لِشِدَّتِهِ والأرماث خشب يضم بعضه إِلَى بعض ويركب وَقد فسره أَبُو عُبَيْدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 33 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مَا ينْتَظر أحدكُم إِلَّا هرما مفندا أَو مَرضا مُفْسِدا رَوَاهُ الْمُعْتَمِر ابْن سُلَيْمَان عَن معمر عَن رجل من غفار عَن سعيد بن ابي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله هرما مفندا هُوَ من الفند يُقَال أفند الرجل إِذا كثر كَلَامه من الخرف وأفنده الْكبر وَقَالَ أَبُو زيد إِذا لم يعقل من الْكبر قيل أفند فَهُوَ مُفند حَدثنِي أبي قَالَ ثَنَا الرياشي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ ثَنَا طَلْحَة بن مُحَمَّد بن سعيد بن الْمسيب قَالَ حَدثنِي من رأى مساور بن هِنْد قد كبر وأفند وَعظم رَأسه وَاسْتَرْخَتْ أذنَاهُ وَقطع لَهُ حفش ووكلت بِهِ مرأة تقوم عَلَيْهِ فغفلت فَقَامَ حَتَّى قعد وسط الْبَيْت فكوم كومة من تُرَاب ثمَّ أَخذ بعرتين فجعلهما على رَأس الكومة ثمَّ ارسلهما فَقَالَ أرْسلت الحواء والبلندح ثمَّ نظر فَقَالَ سبقت الحواء فبصرت الْمَرْأَة فَأَقْبَلت تهودل وَهُوَ يدف حَتَّى دخل الحفش وَقَالَ إِمَّا لَا فهبي لي بعبقة البلندج السمينة الحديث: 33 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الْعَظِيمَة من النوق والحفش أَصله الدرج شبه مَا قطع لَهُ فِي الْبَيْت بِهِ بصغره وتهودل تسترخي فِي مشيها وتضطرب ويدف من الدفيف وَهُوَ مشي الْكَبِير إِذا أسْرع ويدج مثله ويدب نَحْو ذَلِك 34 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن فِي كل أمة محدثين أَو مروعين فَإِن يكن فِي هَذِه الْأمة أحد فَإِن عمر مِنْهُم يرويهِ مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن الْأَشْعَث عَن الْحسن قَوْله محدثين يُرِيد قوما يصيبون إِذا ظنُّوا وَإِذا حدسوا يُقَال رجل مُحدث وَإِنَّمَا قيل لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ يُصِيب رَأْيه وَيصدق ظَنّه إِذا توهم فَكَأَنَّهُ حدث بِشَيْء فقاله وَمِنْه قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي ابْن عَبَّاس إِنَّه لينْظر إِلَى الْغَيْب من ستر رَقِيق وَقَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... وأبغي صَوَاب الظَّن أعلم أَنه ... إِذا طاش ظن الْمَرْء طاشت مقادره ... وَقَالَ أَوْس بن حجر [من المنسرح] ... الألمعي الَّذِي يظنّ لَك الظَّن ... كَأَن قد رأى وَقد سمعا ... الحديث: 34 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَيُقَال فِي بعض الْأَمْثَال من لم ينفعك ظَنّه لم ينفعك يقينه والمروع الَّذِي ألقِي فِي روعه الشَّيْء كَأَن الله جلّ وَعز أَلْقَاهُ فِيهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي أَن نفسا لن تَمُوت حَتَّى تستوفي رزقها فَاتَّقُوا الله وأجملوا فِي الطّلب والروع النَّفس يُقَال وَقع كَذَا فِي روعي أَي فِي خلدي وَنَفْسِي وَكَانَ عمر يَقُول الشَّيْء ويظن الشَّيْء فَيكون كَمَا قَالَ وكما يظنّ كَقَوْلِه فِي سَارِيَة بن زنيم الدؤَلِي وَكَانَ ولاه جَيْشًا فَوَقع فِي قلب عمر أَنه لَقِي الْعَدو وَإِن جبلا بِالْقربِ مِنْهُ فَجعل عمر يُنَادِيه يَا سَارِيَة الْجَبَل الْجَبَل وَوَقع فِي قلب سَارِيَة ذَلِك فاستند هُوَ وَأَصْحَابه إِلَى الْجَبَل فَقَاتلُوا الْعَدو من جَانب وَاحِد وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله جلّ وَعز جعل الْحق على لِسَان عمر وَقَلبه وَفِي حَدِيث آخر إِن السكينَة تنطق على لِسَان عمر هَذَا أَو نَحوه من الْكَلَام ويروى فِي بعض الحَدِيث إِن الْمُحدث هُوَ الَّذِي تنطق الْمَلَائِكَة على لِسَانه وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 مر على أَسمَاء بنت عُمَيْس وَهِي تمعس إهابا لَهَا حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَاق عَن سعيد بن عبد العزيز قَوْله تمعس أَي تدبغ وأصل المعس الدَّلْك قَالَ الْأَصْمَعِي بعثت امْرَأَة من الْعَرَب بِنْتا لَهَا إِلَى جارتها فَقَالَت تَقول لَك أُمِّي أعطيني نفسا أَو نفسين أمعس بِهِ منيئتي فَإِنِّي أفدة قَوْلهَا نفسا أَو نفسين أَي قدر دبغة من الدّباغ أَو دبغتين والمنيئة الْجلد مَا كَانَ فِي الدّباغ قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... إِذا أَنْت باكرت المنيئة باكرت ... مداكا لَهَا من زعفران وإثمدا ... وَقَوْلها فَإِنِّي أفدة أَي عجلة وَمِنْه يُقَال أفد الترحل 36 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عَائِشَة قَالَت لسودة إِذا دخل عَلَيْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقولِي أكلت مَغَافِير فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَا وسيقول سقتني حَفْصَة شربة من عسل فَقولِي جرست نحله العرفط يرويهِ أَبُو اسامة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة المغافير وَاحِدهَا مغْفُور بِضَم الْمِيم وَيُقَال لَهَا مغثور أَيْضا كَمَا يُقَال ثوم وفوم وجدث وجدف وَهُوَ شَيْء ينضحه العرفط الحديث: 36 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 حُلْو كالناطف وَله ريح مُنكرَة والعرفط شجر من العضاه كل شجر لَهُ شوك وَلَيْسَ فِي الْكَلَام مفعول بِضَم الْمِيم الا مغْفُور ومغرود وَهُوَ ضرب من الكمأة وَجمعه مغاريد ومنحور وَهُوَ المنحر ومعلوق وَاحِد المعاليق شبه بفعلول. وَقَوله جرست نحله أَي أكلت وَيُقَال للنحل جوارس بِمَعْنى أَو أكل وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب وَذكر نحلا [من الطَّوِيل] ... يظل على الثمراء مِنْهَا جوارس ... مواضيع صهب الريش زغب رقابها ... والثمراء شجر وَيُقَال جبل وَيُقَال جمع ثَمَرَة كَمَا قيل شَجَرَة وشجراء وقصبة وقصباء مراضيع مَعهَا أَوْلَادهَا وَهِي لَا ترْضع وَلكنه لما كَانَت المراضيع تستتبع أَوْلَادهَا شبهها بهَا وصهب الريش أَرَادَ صفر الأجنحة. 37 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَيْسَ فِي الاكسال الا الطّهُور. يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أبي أَيُّوب عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الاكسال هُوَ أَن يُجَامع الرجل ثمَّ يُدْرِكهُ فتور فَلَا ينزل يُقَال أكسل الرجل يكسل اكسالا اذا أَصَابَهُ ذَلِك وأحسب أَصله من الكسل يُقَال كسل الرجل اذا فتر وأكسل صَار فِي الكسل أَو دخل فِي الكسل كَمَا يُقَال يبس الشئ أَو أيبس اذا صَار فِي اليبس. الحديث: 37 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وقحط فاذا أردْت انه صَار فِي الْقَحْط قلت أقحط وَأَرَادَ أَن الْغسْل بانزال الْمَنِيّ يجب لَا بملاقاة الْخِتَان الْخِتَان وَقد ذهب قوم يَقُولُونَ المَاء من المَاء يُرِيدُونَ الْغسْل من الْمَنِيّ فاذا لم ينزل فَلَا غسل عَلَيْهِ انما عَلَيْهِ الْوضُوء وَهَذَا كَانَ فِي صدر الاسلام ثمَّ نسخ وَمثل هَذَا قَوْله من أَتَى أَهله فأقحط فَلَا يغْتَسل هُوَ من قَوْلهم قحط الْمَطَر اذا انْقَطع أَو قل. 38 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن الشُّهَدَاء فوصفهم ثمَّ قَالَ أُولَئِكَ يتلطون من الغرف العلى من الْجنَّة. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير. وَفِي حَدِيث آخر ذكر فِيهِ الشُّهَدَاء فَقَالَ المجنوب فِي سَبِيل الله شَهِيد. قَوْله يتلبطون هُوَ قَوْلك لبطت الرجل لبطا اذا أَنْت صرعته. وَيُقَال لبط بِالرجلِ يلبط لبطا اذا سقط وَرجل ملبوط وَمِنْه حَدِيث سهل بن حنيف ان رجلا عانه فلبط بِهِ أَي صرع وَقد ذكر ذَلِك أَبُو عبيد فَكَأَن يتلبطون بِمَنْزِلَة الحديث: 38 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 يتصرعون فِي التَّقْدِير وَالْمعْنَى يضطجعون. والمجنوب الَّذِي بِهِ ذَات الْجنب يُقَال جنب الرجل فَهُوَ مجنوب وَمثله صدر فَهُوَ مصدور اذا اشْتَكَى صَدره وبطن فَهُوَ مبطون اذا اشْتَكَى بَطْنه. حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر قَالَ قلت لأعرابي مَا تَقول فِيمَن تصاب رئته قَالَ مرئي قلت فيصاب فُؤَاده قَالَ مفؤود قلت فتصاب كليته قَالَ مكلي وَفِي الْعين معِين وَفِي الْجنب مجنوب فَقَالَ لي مَا تَقول أَنْت فِي المكمور فَقلت انه لمكمور فَقَالَ شهِدت لَك بالفقه أَرَادَ أَن يَقُول مَا تَقول أَنْت فِيمَن تصاب كمرته فَلم يرفق فِي المسئلة وَيُقَال رجل فقر ظهر وفقر اشْتَكَى ظَهره وفقاره وَلم أسمع بمظهور وَلَا مفقور قَالَ طرفَة من الرمل ... واذا تلسنني ألسنها ... انني لست بموهون فقر ... قَوْله تلسنني تأخذني بلسانها وَيُقَال فَقير أَيْضا وَمِنْه قَول الآخر من الْكَامِل ... لما رأى لبد النسور تطايرت ... رفع القوادم كالفقير الأعزل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 39 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ عَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة فان يَد الله على الْفسْطَاط يرويهِ سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز عَن النُّعْمَان بن الْمُنْذر عَن مَكْحُول عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفسْطَاط الْمَدِينَة وكل مَدِينَة فسطاط وَلذَلِك قيل لمصر فسطاط. وَأَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ حَدثنِي رجل من بني تَمِيم قَالَ قَرَأت فِي كتاب رجل من قُرَيْش هَذَا مَا اشْترى فلَان بن فلَان من عجلَان مولى زِيَاد اشْترى مِنْهُ خمس مائَة جريب حِيَال الْفسْطَاط يُرِيد الْبَصْرَة. وَمِنْه قَول الشّعبِيّ فِي الْآبِق اذا أَخذ فِي الْفسْطَاط عشرَة فاذا أَخذ خَارِجا من الْفسْطَاط أَرْبَعُونَ وَأَرَادَ ان يَد الله على أهل الْأَمْصَار وان من شَذَّ عَنْهُم وفارقهم فِي الرَّأْي فقد خرج عَن يَد الله وَفِي ذَلِك آثَار مِنْهَا حَدِيثه ان الله لم يرض بالوحدانية وَمَا كَانَ الله ليجمع أمتِي على ضَلَالَة بل يَد الله عَلَيْهِم فَمن شَذَّ تخلف عَن صَلَاتنَا وَطعن على أَئِمَّتنَا فقد خلع ربقة الاسلام من عُنُقه شرار أمتِي الوحداني المعجب بِدِينِهِ الْمرَائِي بِعَمَلِهِ المخاصم بحجته وَمِنْهَا قَوْله من عمل لله فِي الْجَمَاعَة تقبل الله مِنْهُ وان أَخطَأ غفر الله لَهُ وَمن عمل لله فِي الْفرْقَة فَأصَاب لم الحديث: 39 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 يتَقَبَّل الله مِنْهُ فان أَخطَأ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار. وَمِنْهَا قَوْله ان أمتِي لَا تجمع على ضَلَالَة فاذا رَأَيْتُمْ الِاخْتِلَاف فَعَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم وَلَيْسَت كل جمَاعَة اجْتمعت هِيَ فِي هَذَا السوَاد الْأَعْظَم انما السوَاد الْأَعْظَم جملَة النَّاس الَّتِي اجْتمعت على طَاعَة السُّلْطَان وبخعت بهَا برا كَانَ أَو فَاجِرًا مَا أَقَامَ الصَّلَاة كَمَا قَالَ أنس بن مَالك وَقَالَ يزِيد الرقاشِي روى عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن عِكْرِمَة بن عمار عَن يزِيد بن ابان الرقاشِي قَالَ قلت لأنس أَيْن الْجَمَاعَة فَقَالَ أمرائكم. 40 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ بَينا رجل بفلاة من الأَرْض سمع صَوتا فِي سَحَابَة أَسْقِي حديقة فلَان فَتنحّى ذَلِك السَّحَاب فأفرغ مَاءَهُ فِي شرجة فاذا شرجة من تِلْكَ الشراج قد استوعبت ذَلِك المَاء. يرويهِ يزِيد بن هَارُون عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون عَن رجل عَن عبيد بن عُمَيْر عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الْأَصْمَعِي الشراج مجاري المَاء من الْحرار الى السهل وأحدها شرج هَذِه رِوَايَة أبي عبيد عَنهُ. حَدثنِي أبي وَأَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَنهُ قَالَ سَمِعت عُثْمَان بن طَلْحَة يَقُول اقتتل أهل الْمَدِينَة وموالي مُعَاوِيَة فِي شرج من شرج الحديث: 40 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الْحرَّة سَالَتْ قَالَ والشرج شعب من الْحرَّة تسيل قَالَ وَفِي الحَدِيث خَاصم الزبير فِي شرج الْمَدِينَة وانما هُوَ شرج وشرج جمع الْجمع كَأَنَّهُ جمع شراج وشراج جمع شرج كَمَا قَالُوا رهن ورهان وَرهن وَفِي بعض الْأَمْثَال أشبه شرج شرجا لَو أَن أسيمرا يضْرب للشيئين يشتبهان وَيُفَارق أَحدهمَا صَاحبه فِي الْبَعْض وَلم أجعَل شرجا جمع شرج لِأَنَّهُ فعلا لَا يجمع على فعل وَقد كَانَ بعض أهل الْأَعْرَاب يَقُول رهن جمع رهن وسقف جمع سقف قَالَ وَيُقَال رجل حشر الْأذن أَي محددها وَرِجَال حشر الْأَذَان فرس ورد وخيل ورد وَهَذَا من الْجمع شَاذ لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَلَا يعرف غَيره. وَكَانَ الْفراء فِيمَا أَحسب أَو غَيره من البغداديين يَقُول رهن جمع رهان مثل كتاب وَكتب ورهان جمع رهن مثل كلب وكلاب وسقف جمع سقيف مثل كثيب وكثب وقضيب وقضب وَلَا أحفظ عَنْهُم فِي الحرفين الآخرين شَيْئا. 41 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُصَلِّي الهجير الَّتِي يسمونها الأولى حِين تدحض الشَّمْس. الحديث: 41 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 يرويهِ إِسْمَاعِيل بن علية عَن عَوْف عَن أبي الْمنْهَال عَن أبي بَرزَة قَوْله حِين تدحض الشَّمْس يَعْنِي تَزُول وَاصل الدحض الزلق يُقَال دحض يدحض دحضا إِذا زلق وَجعل الشَّمْس تدحض لِأَنَّهَا لَا تزَال ترْتَفع من لدن تطلع إِلَى أَن تصير فِي كبد السَّمَاء ثمَّ تنحط عَن الكبد للزوال فَكَأَنَّهَا تزلق فِي ذَلِك الْوَقْت فَلَا تزَال فِي انحطاط حَتَّى تغرب وَمن ذَلِك قَول مُعَاوِيَة لعَمْرو بن الْعَاصِ حِين ذكر لَهُ مَا وَرَاه عبد الله ابْنه عَن قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمَّار تقتلك الفئة الباغية لَا تزَال تَأْتِينَا بهنة تدحض بهَا فِي نولك أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ إِنَّمَا قَتله الَّذِي جَاءَ بِهِ 42 - قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ سبق المفردون قَالُوا وَمَا المفردون قَالَ الَّذين أهتروا فِي ذكر الله يضع الذّكر عَنْهُم أثقالهم فَيَأْتُونَ يَوْم الْقِيَامَة خفافا يرويهِ مُحَمَّد بن بشر عَن عمر بن رَاشد عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله أهتروا من الهتر وَهُوَ السقط من القَوْل والغلط يُقَال أهتر الرجل فَهُوَ مهتر إِذا أَصَابَهُ ذَلِك من الخرف وَمِنْه أَخذ التهاتر فِي القَوْل بَين الرجلَيْن قَالَ أَبُو زيد هُوَ أَن يَدعِي كل وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر بَاطِلا وَقَالَ غَيره هِيَ الْأَقَاوِيل والشهادات الَّتِي يكذب بَعْضهَا بَعْضًا وَالْأَصْل الهتر وَهُوَ أَن يحملهُ اللجاج وَالْحمية على أَن يتكلما بِهِ وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 42 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 المستبان شيطانان يتكاذبان ويتهاتران وَأما المفردون فهم الهرمى الَّذين قد هلك لداتهم من النَّاس وَذهب الْقرن الَّذِي كَانُوا فِيهِ وبقوا فهم يذكرُونَ الله وَقد اهتروا وَهُوَ كَمَا تَقول قد هرم فلَان فِي طَاعَة الله وخرف فِي ذكر الله تُرِيدُ هرم وَهُوَ يُطِيع الله وخرف وَهُوَ يذكرهُ أَي لم يزل يفعل ذَلِك حَتَّى خرف وهرم هَكَذَا أرَاهُ وَالله أعلم وَقد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَنه قَالَ سبق المفردون المستهترون بِذكر الله وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يجوز أَن تجْعَل الإهتار بِمَنْزِلَة الاستهتار وَهُوَ كالولوع بالشَّيْء وَتجْعَل المفردين المنفردين المتحلين من النَّاس بِذكر الله جلّ وَعز 43 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن سفينة أشاط دم جزور بجذل فَأَكله رَوَاهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن عُثْمَان بن عمر عَن عَليّ بن الْمُبَارك عَن يحيى بن أبي كثير عَن عمر بن هرون عَن صُهَيْب عَن سفينة [59 / ب] قَوْله أشاط دم جزور أَي سفكه يُقَال أشاط دَمه فشاط أَي أبْطلهُ فَبَطل وأصل الإشاطة الإحراق وَقَالَ الْأَعْشَى من الْبَسِيط الحديث: 43 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 .. قد نخضب العير من مَكْنُون قَائِله ... وَقد يشيط على أرماحنا البطل ... أَي يبطل دَمه وَهَكَذَا كَانَ الْأَصْمَعِي يرويهِ نخضب العير من مَكْنُون قَائِله والفائل والفال عرق فِي الْفَخْذ وَكَانَ غَيره يرويهِ قد يطعن العير فِي مَكْنُون فائله وَكَانَ الْأَصْمَعِي يُنكر هَذَا وَيَقُول كَيفَ يطعنه فِي الدَّم وَيُقَال أشاط فلَان دم فلَان إِذا عرضه للْقَتْل وَالْأَصْل فِي هَذَا كُله الإحراق والجذل أصل الشَّجَرَة يقطع وفيهَا لُغَتَانِ جذل وجذل هَذَا أَصله وَرُبمَا جعل الْعود جذلا وَهُوَ كَذَلِك فِي هَذَا الْموضع أَرَادَ بِهِ ذبحه بِعُود قد أحده للذبح وَجمع الجذل أجذال وَفِي بعض الحَدِيث كَيفَ تبصر القذاة فِي عين أَخِيك وَلَا تبصر الجذل فِي عَيْنك 44 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه لما فرغ من قتال أهل بدر أَتَاهُ جِبْرِيل على فرس أُنْثَى حَمْرَاء عاقدا ناصيته عَلَيْهِ درعه وَرمحه فِي يَده قد عصم ثنيته الحديث: 44 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 الْغُبَار فَقَالَ إِن الله جلّ وَعز أَمرنِي أَن لَا أُفَارِقك حَتَّى ترْضى فَهَل رضيت قَالَ نعم قد رضيت فَانْصَرف حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي بكر بن عبد الله العسافي عَن عَطِيَّة بن قيس هَكَذَا رَوَاهُ قد عصم ثنيتيه الْغُبَار وَأَحْسبهُ غَلطا من بعض نقلة الحَدِيث وَالصَّوَاب عصب بِالْبَاء [60 / أ] أَي يبس الْغُبَار على ثنيتيه فتوهمه السَّامع عصم لقرب مخرج الْبَاء من مخرج الْمِيم وأشباههما فِي السّمع يُقَال عصب الرِّيق بِفِيهِ يعصب عصبا إِذا يبس وَقد عصب فَاه الرِّيق قَالَ ابْن أَحْمَر من الطَّوِيل ... يُصَلِّي على من مَاتَ منا عريفنا ... وَيقْرَأ حَتَّى يعصب الرِّيق بالفم ... وَقَالَ بعض الرجاز من الرجز ... يعصب فَاه الرِّيق أَي عصب ... عصب الْجبَاب بشفاه الوطب ... والجباب شَيْء يجْتَمع من ألبان الْإِبِل كالزبد وَلَيْسَ لِلْإِبِلِ زبد وَأما عصم فبمعنى منع وَمِنْه الْعِصْمَة فِي الدّين إِنَّمَا هُوَ الْمَنْع من الْمعاصِي وَقَوله {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله} أَي لَا مَانع وَيُقَال قد عصمه الطَّعَام أَي مَنعه من الْجُوع وَلَيْسَ لعصم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 فِي هَذَا الحَدِيث وَجه إِلَّا أَن يكون أعصم بثنيتيه أَي لزمهما ولصق بهما قَالَ أَبُو زيد أعصم الرجل بِصَاحِبِهِ إِذا لزمَه وَيُقَال أعصم الرجل يعْصم إِذا تشدد واستمسك بِشَيْء لِئَلَّا يصرعه فرسه أَو بعيره قَالَ الشَّاعِر من الْكَامِل ... كفل الفروسة دَائِم الإعصام ... وَقَالَ طفيل [من الطَّوِيل] ... وَلم يشْهد الهيجا بألوث معصم ... 45 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي ذكره فِيهِ أَن الْملك يَأْتِي العَبْد إِذا وضع فِي قَبره قَالَ فَإِن كَانَ كَافِرًا أَو منافقا فَيُقَال لَهُ مَا تَقول فِي هَذَا الرجل يَعْنِي مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَيَقُول لَا أَدْرِي سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فقلته فَيَقُول لَا دَريت وَلَا تليت وَلَا اهتديت رَوَاهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن عبد الملك بن عمر عَن عباد بن رَاشد عَن دَاوُد بن أبي هِنْد عَن أبي نصْرَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله وَلَا تليت هَكَذَا يَقُولُونَهُ وَإِذا قطع أَيْضا من لَا قَالُوا تليت وَهُوَ غلط وَفِيه قَولَانِ بَلغنِي عَن يُونُس الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ هُوَ لَا دَريت وَلَا الحديث: 45 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 أتليت سَاكِنة التَّاء يَدْعُو عَلَيْهِ أَن لَا تتلي إبِله أَي لَا يكون لَهَا أَوْلَاد تتلوها أَي تتبعها يُقَال للناقة قد أتلت فَهِيَ متلية وتلاها وَلَدهَا إِذا تبعها وَقَالَ غَيره هُوَ لَا دَريت وَلَا ائتليت تَقْدِيره افتعلت من قَوْلك مَا ألوت هَذَا وَلَا استطعته وَيُقَال لَا آلو كَذَا أَي لَا أستطيعه كَأَنَّهُ يُقَال لَا دَريت وَلَا اسْتَطَعْت وَهَذَا أشبه بِالْمَعْنَى وَلَفظه أشبه بِاللَّفْظِ فِي الحَدِيث أَلا ترى أَنَّك إِذا خففت الْهمزَة وأدرجت الْكَلَام وَافَقت اللَّفْظَة لفظ الْمُحدث 46 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سمى الْغُرَاب فَاسِقًا حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن القعنسي عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه الْفَاسِق العَاصِي وأصل الْفسق الْخُرُوج من الشَّيْء قَالَ الله تَعَالَى {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ ففسق عَن أَمر ربه} أَي خرج عَن طَاعَته قَالَ الْفراء وَلَا أَحسب الْفَأْرَة سميت فويسقة إِلَّا لخروجها من جحرها على النَّاس الحديث: 46 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 حَدثنِي أبي حَدثنِي القومسي عَن عبد العزيز بن عبد الله الأوسي ثَنَا اللَّيْث بن سعد عَن أبي الزبير عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ غطوا الْإِنَاء وأوكوا السقاء وَأَغْلقُوا الْبَاب وأطفئوا السراج فَإِن الفويسقة تصرم على أهل الْبَيْت بَيتهمْ يَعْنِي الْفَأْرَة وَلَا اراه سمى الْغُرَاب فَاسِقًا إِلَّا أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أرْسلهُ ليَأْتِيه بِخَبَر مَاء الطوفان فَوجدَ جيفة طافية على المَاء فشغل بهَا وَلم يرجع إِلَيْهِ فَأرْسل الْحَمَامَة بعده فَرَجَعت إِلَيْهِ بِمَا أحب من الْخَبَر فَدَعَا الله لَهَا بالطوق فِي عُنُقهَا والخضاب فِي رِجْلَيْهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّد وقرأت فِي التَّوْرَاة أَنه لما كَانَ بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا فتح نوح كوَّة الْفلك الَّتِي صنع ثمَّ ارسل الْغُرَاب فَخرج وَلم يرجع حَتَّى يبس المَاء عَن الأَرْض وَأرْسل الْحَمَامَة مرّة بعد مرّة فَرَجَعت حِين أمست وَفِي منقارها ورقة زيتون فَعلم أَن المَاء قد قل عَن وَجه الأَرْض وأحسب هَذَا أصل قَوْلهم غراب الْبَين لِأَنَّهُ بَان فَذهب وَلذَلِك تشاءموا بِهِ وزجروا فِي نعيقه الْفِرَاق والإغتراب مِنْهُ وَقَوْلهمْ قَذَفته نوى غربَة وَهَذَا شأو مغرب أَي بعيد وَهَذِه عنقاء مغرب أَي جائية من بعيد وَمَا أشبه هَذَا مشتقا من اسْمه لمفارقته نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام ومباينته إِيَّاه وَسَماهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسِقًا لمعصيته إِيَّاه وَأمر بقتْله فِي الْحرم وَقَالَ بَعضهم سمي غراب الْبَين لِأَنَّهُ يسْقط فِي الديار إِثْر الْقَوْم إِذا تحملوا يتقمم وَالتَّفْسِير الأول أعجب إِلَيّ وَالشَّاهِد عَلَيْهِ أقوى وَسُئِلَ بعض عُلَمَاء الْأَعْرَاب لم سمي الْغُرَاب غرابا فَقَالَ لِأَنَّهُ نأى واغترب وَذهب هَذَا إِلَى أَن اسْمه مُشْتَقّ من الغربة لَا إِن الغربة مُشْتَقَّة مِنْهُ وَهَذَا وَجه أَيْضا وَمِمَّا يزِيد هَذَا الْمَعْنى وضوحا حَدِيث مُحَمَّد بن سِنَان الْعَوْفِيّ عَن عبد الله بن الْحَارِث بن أَبْزي الْمَكِّيّ قَالَ حَدَّثتنِي أُمِّي ريطة ابْنة مُسلم عَن أَبِيهَا قَالَ شهِدت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنينا فَقَالَ لي مَا اسْمك قلت غراب فَقَالَ أَنْت مُسلم كره أَن يكون اسْمه غرابا لفسق الْغُرَاب ومعصيته فَسَماهُ مُسلما وَكَذَلِكَ كَانَ مذْهبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الِاسْم إِذا كرهه للرجل أَن يُسَمِّيه بضد مَعْنَاهُ كَقَوْلِه لقوم قَالُوا لَهُ نَحن بَنو زنية فَقَالَ أَنْتُم بَنو رشدة وَكَقَوْلِه لحزن جد سعيد بن الْمسيب أَنْت سهل كَذَلِك ذهب فِي تَسْمِيَته بِمُسلم إِلَى ضد معنى غراب لِأَن الْغُرَاب عَاص وَالْمُسلم مُطِيع مَأْخُوذ من الاستسلام وَهُوَ الإنقياد وَالطَّاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 45 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ام سَلمَة قَالَت يَا رَسُول الله أَرَاك ساهم الْوَجْه أَمن عِلّة قَالَ لَا وَلكنه السَّبْعَة الدَّنَانِير الَّتِي أَتَيْنَا بهَا أمس نسيتهَا فِي خصم الْفراش فَبت وَلم أقسمها يرويهِ حُسَيْن بن عَليّ عَن زَائِدَة بن قدامَة عَن عبد الملك بن عُمَيْر عَن ربعي عَن أم سَلمَة وخصم الْفراش جَانِبه وَكَذَلِكَ هُوَ من كل شَيْء وَجمعه خصوم وأخصام قَالَ الأخطل وَذكر السَّحَاب [من الطَّوِيل] ... إِذا طعنت فِيهِ الْجنُوب تحاملت ... بأعجاز جرار تداعى خصومها ... أَي جوانبها وَطعن الْجنُوب فِيهِ سوقها إِيَّاه والجرار الثقيل ذُو المَاء تحاملت بأعجازه دفعت أواخره وخصومها جوانبها الْوَاحِد خصم يُرِيد تداعى بالرعد وَمِنْه قَول سهل بن حنيف يَوْم صفّين لما حكم الحكمان إِن هَذَا الْأَمر لَا يسد لله فِيهِ خصم إِلَّا انْفَتح علينا خصم آخر 46 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 ابْن الشخير قَالَ قدمت عَلَيْهِ فِي رَهْط من بني عَامر فسلمنا عَلَيْهِ أَنْت والدنا وَأَنت سيدنَا وَأَنت الْجَفْنَة الغراء فَقَالَ قُولُوا بقولكم وَلَا يستجرينكم الشَّيْطَان يرويهِ يُونُس بن مُحَمَّد عَن مهْدي ابْن مَيْمُون عَن غيلَان بن جرير عَن مطرف بن عبد الله بن الشخير عَن أَبِيه قَوْلهم أَنْت الْجَفْنَة الغراء كَانَت الْعَرَب تَدْعُو السَّيِّد الْمطعم للطعام جَفْنَة لِأَنَّهُ يَضَعهَا وَيطْعم فِيهَا وَأكْثر مَا يَقع هَذَا فِي المراثي قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... يَا جَفْنَة كإزاء الْحَوْض قد كفؤوا ... ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره ... فَإِنَّمَا أَرَادَ رجلا قتل يَقُول فَلَمَّا قتل كفئت جَفْنَة وَقَالَ آخر [من الوافر] ... وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى تكلل بالسنام ... والشيزى خشب الجفان وَإِنَّمَا أَرَادَ كم بالقليب من جَفْنَة تكلل بالسنام يَعْنِي أَن صَاحبهَا قتل والغراء الْبَيْضَاء من الشَّحْم وَقَوله لَا يستجرينكم الشَّيْطَان هُوَ من الجري والجري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 الْوَكِيل يَقُول جريت جَريا واستجريت جَريا أَي اتَّخذت وَكيلا تسجعوا فتكونوا كأنكم تنطقون عَن الشَّيْطَان وَقد قَالَ لرجل مسجع فِي مَنْطِقه أسجع كسجع الْكُهَّان وَجَاءَت فِي كَرَاهَة مثل هَذَا عَنهُ أَحَادِيث كَثِيرَة ذكر فِيهَا البلغاء والثرثارين والمتشدقين والمتفيهقين 47 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن أهل الْجنَّة أَكْثَرهم البله رَوَاهُ عَمْرو بن حَمَّاد عَن سَلامَة بن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن أَبِيه يذهب عوام النَّاس إِلَى أَن البله هَاهُنَا المجانين وَمن لَا يعقل ويمتد إِلَى خشائرهم وَلَا أرى إِلَّا أَن موحد الله وعابده بعقل وَعلم وَإِن كَانَت مِنْهُ الزلات والهفوات أفضل عِنْد الله من المجانين وَأولى بتعظيم الْحُرْمَة فِي الْمحيا وَالْمَمَات وَلَيْسَ البله الَّذين ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم أَكثر أهل الْجنَّة على مَا ظنُّوا وَإِن كُنَّا لَا نبعد أُولَئِكَ أَيْضا من رَحْمَة الله وفضله وَإِنَّمَا البله فِي الحَدِيث الَّذين غلبت عَلَيْهِم سَلامَة الصُّدُور وَحسن الظَّن بِالنَّاسِ قَالَ النمر بن تولب [من الْكَامِل] ... وَلَقَد لهوت بطفلة ميالة ... بلهاء تطلعني على أسرارها ... يُرِيد أَنَّهَا غر لَيْسَ لَهَا دهاء فَهِيَ تُخبرنِي بأسرارها وَلَا تفهم الحديث: 47 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 مَا فِي ذَلِك عَلَيْهَا وَلم يرد أَنَّهَا بمجنونة وَلَا معتوهة وَمن شَأْنهمْ أَن يصفوا الْجَارِيَة بالغرارة وسلامة الصَّدْر والانقطاع قَالَ ابْن الدمينة [من الطَّوِيل] ... بنفسي وَأَهلي من إِذا عرضوا لَهُ ... بِبَعْض الْأَذَى لم يدر كَيفَ يُجيب وَلم يعْتَذر عذر البريء وَلم يزل ... بِهِ صعقة حَتَّى يُقَال مريب ... وَقَالَ أَبُو دواد الْإِيَادِي يصف ضعفة النِّسَاء [من الْخَفِيف] ... يكتبين الينجوع فِي كبة المشتى وبله أحلامهن وسام ... والأحلام هَاهُنَا الْعُقُول والبله فِيهَا سلامتها وعقلتها عَن الشَّرّ والخب وَالْمَكْر وَقد يكنى عَن الْعُقُول بالأحلام لِأَن الأحلام تكون عَنْهَا قَالَ الله تَعَالَى {أم تَأْمُرهُمْ أحلامهم بِهَذَا} وَإِلَى هَذَا بِعَيْنِه ذهب ابْن شهَاب فِي هَذَا الحَدِيث وَمن الشَّاهِد عَلَيْهِ أَيْضا قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام حِين ذكر زَمَانا ذمّ أَهله وَقَالَ لَا ينجو فِيهِ إِلَّا كل نومَة يَعْنِي الْمَيِّت الذّكر أُولَئِكَ أَئِمَّة الْهدى ومصابيح الْعلم لَيْسُوا بالعجل المذاييع الْبذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وَفِي الحَدِيث إِن الله جلّ وَعز يدْخل الْجنَّة أَقْوَامًا بسلامة الصُّدُور لَيْسَ لَهُم كَبِير عمل هَذَا أَو نَحوه من الْكَلَام 49 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه صلى فِي ثوب وَاحِد متلببا بِهِ حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ عَبده بن عبد الله الصفار ثَنَا مُحَمَّد بن بشر الْعَبْدي عَن عَمْرو بن كثير الْمَكِّيّ عَن عبد الرحمن بن كيسَان عَن أَبِيه متلببا بِهِ أَي محتزما والتلبب التحزم وَرُوِيَ فِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يُصَلِّي الرجل حَتَّى يحتزم وَفِي حَدِيث آخر أَنه أَمر بالتحزم فِي الصَّلَاة وَقَالَ المنخل الْيَشْكُرِي وَذكر فُرْسَانًا [من مجزوء الْكَامِل] ... واستلأموا وتلببوا ... إِن التلبب للمغير ... قَوْله استلأموا أَي لبسوا اللأمات وَهِي الدروع وَاحِدهَا لأمة وَمِنْه الحَدِيث لِأَن أقدم سقطا أحب إِلَيّ من أَن أخلف مائَة مستلئم أَي مائَة ابْن قد لبسوا الدروع وحاربوا وَمعنى الحَدِيث أَنهم كَانُوا يصلونَ فِي الثَّوْب الْوَاحِد وَلَيْسَ تجوز الصَّلَاة فِيهِ إِلَّا بِأَن تتحزم بِهِ إِن كَانَ إزارا أَو تزره إِن كَانَ قَمِيصًا كَمَا روى الحديث: 49 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 انه قَالَ زره وَلَو بِالشَّوْكَةِ فَأَما الْمَرْأَة فَأول مَا تحزم للصَّلَاة درع تبلغ قدميها وخمار يستر صدرها كتب الي بذلك الرّبيع بن سُلَيْمَان يذكرهُ عَن الشَّافِعِي وَلم يذكر التحزم وَقَالَ ابْن عمر من لم تَجِد غير ثوب فانها تتزر بِهِ اتزارا 50 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ تُوضَع الرَّحِم يَوْم الْقِيَامَة لَهَا حجنة كحجنة المغزل تكلم بِلِسَان طلق ذلق أَو بألسنة ذلق يرويهِ عَفَّان عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة عَن أبي ثُمَامَة الثَّقَفِيّ عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله حجنة المغزل الصنارة وَهِي الحديدة العقفاء الَّتِي يعلق بهَا الْخَيط ثمَّ يفتل المغزل وكل شَيْء انعقف فَهُوَ أحجن وَيُقَال أحجن بَين الحجنة كَمَا يُقَال أَحْمَر بَين الْحمرَة وَمِنْه المحجن وَهُوَ شبه الصولجان روى ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف بِالْبَيْتِ يسْتَلم الْحجر بِمِحْجَنِهِ وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي عبد الله بن حبَان النَّحْوِيّ عَن مُحَمَّد بن الحديث: 50 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 سَلام الجُمَحِي عَن حَمَّاد بن سَلمَة أَنه حدث بِحَدِيث صَاحب المحجن الَّذِي كَانَ يسرق الْحَاج فِي الْجَاهِلِيَّة بمحجنة فاذا فطن لَهُ قَالَ لم آخذه انما تعلق بمحجني أَو انما أَخذه محجني فَقَالَ حَمَّاد لَو أدْرك زَمَاننَا هَذَا كَانَ من أَصْحَاب أبي حنيفَة ولسرق هَذَا بِمِحْجَنِهِ قَالُوا احتجن فلَان المَال اذا اقتطعه هَكَذَا أَحسب وَالله أعلم. 51 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انه كره من الشَّاء سبعا الدَّم والمرار وَالْحيَاء والغدة وَالذكر والأنثيين والمثانة. رَوَاهُ أَبُو عَاصِم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن وَاصل بن أبي جميل عَن مُجَاهِد قَالَ الرياشي أرَاهُ أَرَادَ الْأَمر فَقيل لَهُ المرار وَالْأَمر المصارين وأنشدنا عَن أبي زيد [من الوافر] الحديث: 51 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 .. وَلَا تهد الْأَمر وَمَا يَلِيهِ ... وَلَا تهدن معروق الْعِظَام ... وَلَا أرى هَذَا الا كَمَا ذكر لِأَن المرار لَيْسَ أحد يستحبه فيكرهه لَهُ وَلَا يَأْكُلهُ فينهاه عَنهُ. والمصران قد يُؤْكَل فكرهه لَا أَنه حرمه وَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ لمن اشتهاه وَقد نهي عَن لُحُوم الْجَلالَة وَكسب الْحجام نهي تَأْدِيب وَلَيْسَ هما مِمَّا حرم الله وَلَا رَسُوله فان احْتج مُحْتَج بِأَنَّهُ كره الدَّم وَالدَّم حرَام وَقَالَ وسبيل هَذِه الْأَشْيَاء سَبيله لِأَنَّهُ لَا يكون أَن يكره شَيْئَيْنِ فَيكون أَحدهمَا حَرَامًا وَالْآخر حَلَالا قُلْنَا لَهُ قد يجوز ذَلِك الا ترى أَن الله جلّ وَعز يَقُول: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} فالحج فَرِيضَة وَالْعمْرَة غير فرض الا فِي قَول من يُخَالِفهُ عَامَّة الْمُسلمين فِيهَا. وَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كل مُسكر ومفتر والمسكر محرم بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ قَالَ: كل مُسكر حرَام وكل مُسكر خمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 والمفتر نهي عَنهُ نهي تَأْدِيب لِأَنَّهُ لم يَأْتِ فِي شئ من الحَدِيث انه قَالَ كل مفتر حرَام وَلَا كل مفتر خمر وَقد نهى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن شَيْئَيْنِ حكمهمَا مُخْتَلف وَجمع بَينهمَا فِي النَّهْي وَنهى عَن كسب المومسة وَكسب الْحجام والمومسة الزَّانِيَة وكسبها حرَام وَكسب الْحجام مَكْرُوه وَجمع بَينهمَا فِي النَّهْي. 52 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ويل لأقماع القَوْل وويل للمصرين يرويهِ يحيى بن أبي بكير عَن حريز بن عُثْمَان عَن حبَان بن زيد الشرعبي عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله ويل لأقماع القَوْل يَعْنِي الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل كثيرا وَلَا يعْملُونَ بِهِ وَهُوَ جمع قمع وَمِنْه لُغَة أُخْرَى قمع مثل ضلع وضلع شبه آذانهم لِكَثْرَة مَا يدخلهَا من الْوَعْظ وهم مصرون بالأقماع الَّتِي تفرغ فِيهَا الْأَنْوَاع وَلَيْسَ يبْقى فِيهَا مِنْهَا شَيْء وَيُقَال أصر الرجل على الذَّنب وأصر الْفرس أُذُنه وصر الشَّيْء اذا جمعه. الحديث: 52 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 53 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ يتَعَوَّذ من خمس من العيمة والغيمة وَالْأَيمَة والكزم وَالْقَرْمُ. يرويهِ سُلَيْمَان بن الرّبيع الْكُوفِي عَن همام عَن أبي الْعَوام عمرَان بن دَاوُد الطان عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. العيمة شَهْوَة اللَّبن حَتَّى لَا تصبر عَنهُ يُقَال عَام الى اللَّبن يعام ويعيم عيما وَمَا أَشد عيمته وَرجل عيمان وَقوم عيامى. والغيمة أَن يكون الانسان شَدِيد الْعَطش كثير الاسْتِسْقَاء للْمَاء يُقَال غام يغيم قَالَ الشَّاعِر يصف حميرا [من المتقارب] ... فظلت صَوَافِن خزر الْعُيُون الى الشَّمْس من رهبة أَن تغيما ... يَقُول خشيت أَن يشْتَد عطشا فَهِيَ ترقب الشَّمْس الى أَن تغيب فَترد المَاء. وَالْأَيمَة طول التعزب من قَوْلك رجل أيم وَامْرَأَة أيم اذا كَانَا عزبين وَالْقَرْمُ فِي اللَّحْم كالعيمة فِي اللَّبن يُقَال قرمت الى اللَّحْم وعمت الى اللَّبن اذا اشتدت شهوتك لَهما. والكزم فِيهِ قَولَانِ يُقَال هُوَ شدَّة الْأكل من قَوْلك الحديث: 53 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 كزم فلَان الشىء بِفِيهِ يكزمه كزما اذا كَسره الْمصدر سَاكن الزَّاي وَالِاسْم مفتوحها وَيُقَال هُوَ الْبُخْل من قَوْلك فلَان أكزم البنان أَي قصيها وأكزم الرجل وَهَذَا كَمَا يُقَال فِي الرجل الممسك جعد الْكَفّ وقصير البنان وَذهب قَتَادَة فِي تَفْسِير الكزم الى الْبُخْل. 54 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان صعصعة بن نَاجِية الْمُجَاشِعِي جد الفرزدق بن غَالب قدم عَلَيْهِ وَأسلم وَقَالَ اني كنت أعمل أعمالا فِي الْجَاهِلِيَّة فَهَل لي فِيهَا من أجر فَقَالَ مَا عملت قَالَ اني أضللت ناقتين لي عشراوين فَخرجت أبغيهما فَرفع لي بيتان فِي فضاء من الأَرْض فقصدت قصدهما فَوجدت فِي أَحدهمَا شَيخا كَبِيرا فَقلت هَل أحسست من ناقتين عشراوين قَالَ وَمَا نارهما قلت ميسم بني دارم قَالَ قد أصبْنَا ناقتيك وتجناهما فظأرناهما على أولادهما وَذكر حَدِيث الموؤدة واحيائه اياها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا بَاب من الْبر وَلَك أجره اذ من الله عَلَيْهِ بالاسلام. [65 / ب] حَدَّثَنِيهِ ابي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن مَرْزُوق عَن الْعَلَاء بن الْفضل عَن الحديث: 54 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 عباد بن نسيب عَن طفيل بن عَمْرو عَن صعصة بن نَاجِية الْمُجَاشِعِي انه ذكر ذَلِك. النَّاقة العشراء الَّتِي أَتَى على حملهَا عشرَة اشهر ثمَّ لَا يزَال ذَلِك أسمها حَتَّى تضع وَبعد أَن تضع أَيْضا. وَجَمعهَا عشار وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {وَإِذا العشار عطلت} . وَمثله فِي التَّقْدِير امْرَأَة نفسَاء وَجَمعهَا نِفَاس وَيُقَال عشرت فَهِيَ عشراء وَلَا يُقَال ذَلِك الا للناقة وَكَذَلِكَ الخلفة هِيَ الْحَامِل من النوق وَالْجمع خلفات ومخاض قَالُوا وكل ذَات حافر ننوج وعتوق وكل سَبْعَة ملمع وَذَلِكَ إِذا أشرقت ضروعها للْحَمْل واسودت حلماتها وَذَوَات الْحَافِر كَذَلِك أَيْضا وكل مقرب من الْحَوَامِل مجح وَقَالَ أَبُو زيد الاجحاح انما هُوَ للسباع فاستعير فِي الانسان وأصل الْحَبل للنِّسَاء. وَقَوله مَا نارهما يُرِيد مَا ميسمها قَالَ الْأَصْمَعِي كل وسم بمكوى فَهُوَ نَار وَمَا كَانَ بِغَيْر مكوى فَهُوَ جرف وحز وُقُوع وقرم وزنم وَيُقَال فِي مثل: نجارها نارها أَي ميسمها يدلك على جوهرها قَالَ الشَّاعِر من الرجز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 .. حَتَّى سقوا آبالهم بالنَّار ... وَالنَّار قد تشفي من الأوار ... والأوار الْعَطش وَقَوله سقوها بالنَّار يَقُول سقوها على مواسمها فقدموا الْأَعَز مِنْهَا فالأعز أَرْبَابًا وَقَالَ بعض لصوص الْأَعْرَاب وَذكر ابلا سَرَقهَا من مواضيع كَثِيرَة من الرجز ... نجار كل ابل نجارها ... ونار كل الْعَالمين نارها ... [66 / أ] وَقَوله نتجناهما يُقَال قد نتجت نَاقَتي على تَقْدِير فعلت كَأَن الْفِعْل لَك اذا ولدت عنْدك وَقَالَ الْكُمَيْت من المتقارب وَقَالَ المذمر للناتجين مَتى ذمرت قلبِي الأرجل ذكر دواهي فَضرب اليتن وَهُوَ الْجَنِين الَّذِي يخرج رِجْلَاهُ قبل يَدَيْهِ لَهما مثلا. والمذمر الَّذِي يدْخل يَده فِي رحم النَّاقة ليعلم مَا الْجَنِين أذكر هُوَ أم أُنْثَى وَسمي بذلك لِأَن يَده على مذمره وَهُوَ أصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الْقَفَا عِنْد الذفرى وَيُقَال نتجت النَّاقة اذا ولدت وَلَا يُقَال نتجت فاذا تبين حملهَا قيل أنتجت فَهِيَ نتوج وَلَا يُقَال منتج وَكَذَلِكَ أعقت الْفرس فَهِيَ عقوق وَلَا يُقَال معق. وَقَوله ظأرناهما على أولادهما يُرِيد أَنهم عطفوهما على أولادهما وَلم يعطفوهما على غَيرهمَا قَالَ الْأَصْمَعِي كَانَت الْعَرَب اذا أَرَادَت أَن تغير ظاءرت تَقْدِير فاعلت قَالَ وَذَلِكَ أَنهم يبقون اللَّبن ليسقوه الْخَيل وَيُقَال فِي مثل الطعْن يظأر أَي يعْطف على الصُّلْح. 55 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثِينَ وَمِائَة فَقَالَ هَل مَعَ أحد مِنْكُم طَعَام فاذا مَعَ رجل صَاع من طَعَام فَأمر بِهِ فعجن ثمَّ جَاءَ رجل مُشْرك طَوِيل مشعان بِغنم يَسُوقهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبيع أم عَطِيَّة أم هبة قَالَ بل بيع فَاشْترى مِنْهُ شَاة فَأمر بهَا فصنعت وَأمر بسواد الْبَطن أَن يشوى قَالَ وأيم الله مَا من الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَة الا قد حز لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حزة من سَواد بَطنهَا يرويهِ الْمُعْتَمِر عَن أَبِيه عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن الحديث: 55 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر. قَوْله مشعان يُرِيد أَنه متنفش الشّعْر يُقَال رجل مشعان الرَّأْس وَشعر مشعان اذا كَانَ ذَلِك متنفشا. وروى الْأَصْمَعِي عَن جوريرية بن أَسمَاء انه قَالَ خرج الْوَلِيد وَهُوَ مشعان الرَّأْس يَقُول هلك الْحجَّاج بن يُوسُف وقرة بن شريك يتفجع عَلَيْهِمَا قَالَ الْأَصْمَعِي وَكَذَلِكَ الشوع هُوَ انتشار الشّعْر وَأرى قَوْلهم ابْن أَشوع مِنْهُ وَسَوَاد الْبَطن هُوَ الكبد. 56 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان سَعْدا استأذنه فِي أَن يتَصَدَّق بِمَالِه فَقَالَ لَا ثمَّ قَالَ الشّطْر فَقَالَ لَا قَالَ فَالثُّلُث قَالَ الثُّلُث وَالثلث كثير انك أَن تتْرك أولادك أَغْنِيَاء خير من أَن تتركهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه. الشّطْر النّصْف يُقَال شاطره المَال شقّ الأبلمة والأبلمة الخوصة وَشطر الشَّيْء فِي مَوضِع آخر قَصده وَنَحْوه وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَمن حَيْثُ خرجت فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} الحديث: 56 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَقَوله عَالَة أَي فُقَرَاء وَهُوَ جمع عائل يُقَال عَال الرجل يعيل اذا افْتقر وعال يعول اذا جَار قَالَ الله تَعَالَى: {ذَلِك أدنى أَلا تعولُوا} . والعول فِي الْفَرِيضَة مِنْهُ وأعال يعيل اذا كثر عِيَاله. وَقَوله يَتَكَفَّفُونَ النَّاس أَي يَسْأَلُونَهُمْ وَهُوَ من الْكَفّ مَأْخُوذ كَأَنَّهُمْ يبسطون أكفهم للنَّاس يَسْأَلُونَهُمْ يُقَال تكففت واستكففت وَمِنْه الحَدِيث الآخر: ان رجلا رأى فِي الْمَنَام كَأَن ظلة تنطف سمنا وَعَسَلًا وَكَانَ النَّاس يتكففونه فَمنهمْ المستكثر وَمِنْهُم المستقل هَذَا أَو نَحوه من الْكَلَام يَأْخُذُونَ بأكفهم وَقَالَ الْكُمَيْت [من الطَّوِيل] ... وَلَا يطعموا فِيهَا يدا مستكفة ... لغيركم لَو يَسْتَطِيع انتشالها ... 57 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ: أفضل الصَّدَقَة على ذِي الرَّحِم الْكَاشِح رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ذَلِك. الحديث: 57 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 الْكَاشِح الْعَدو وَقَالَ الْكُمَيْت [من مجزوء الْكَامِل] ... لما رَآهُ الكاشحون من الْعُيُون على الحنادر ... والحنادر نواظر الْعُيُون وَاحِدهَا حندورة وحنديرة أَي رَأَوْهُ كَأَنَّهُ على أَبْصَارهم من بغضه وَيُقَال انما سمي الْعَدو كاشحا لِأَنَّهُ مخبأ الْعَدَاوَة فِي كشحه قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... وأضمر أضغانا عَليّ كشوحها ... والكشح والقرب وَالْخضر وَاحِد وَهُوَ مِمَّا يَلِي الخاصرة وَمِنْه يُقَال طوى كشحا اذا أعرض قَالَ الْأَعْشَى من الطَّوِيل ... صرمت وَلم أصرمكم وكصارم ... أَخ قد طوى كشحا وَأب ليذهبا ... أَب تهَيَّأ وشمر للذهاب وَالِاسْم الأبابة والكبد فِي الكشح وانما يُرِيدُونَ أَن الْعَدَاوَة فِيهَا يُقَال عَدو أسود الكبد كَأَن شدَّة الْعَدَاوَة قد أحرقت كبده قَالَ الْأَعْشَى [من الوافر] ... فَمَا أجشمت من اتيان قوم ... هم الْأَعْدَاء والأكباد سود ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وَقَالَ العجاج [من الرجز] ... فَقَأَ أكبادهم المرار ... يَقُول احتشت أكبادهم غيظا وَانْشَقَّ مِنْهُم المرارات وبخروج الكشحين يعرف حمل النَّاقة. وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي أَبُو حَاتِم ثَنَا الْأَصْمَعِي عَن اهاب بن عُمَيْر قَالَ قَالَ فلَان كَانَ لنا جمل يعرف كشح الْحَامِل من قبل أَن يشمها. 58 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَتَاهُ رجل وَعَلِيهِ شارة وَثيَاب فأتأره بصرة وجاءه رجل آخر فِيهِ بذاذة تعلو عَنهُ الْعين فَقَالَ هَذَا خير من طلاع الأَرْض ذَهَبا ان هَذَا لَا يُرِيد أَن يظلم النَّاس شَيْئا رَوَاهُ اسماعيل بن علية عَن الْجريرِي عَن عبد الله بن شَقِيق. الشارة الْهَيْئَة واللباس يُقَال مَا أحسن شوار الرجل وشارته. والشوار فِي غير هَذَا مَتَاع يحمل على الْبَعِير. وَقَوله أتأره بَصَره أَي أحده إِلَيْهِ قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... أتأرتهم بَصرِي والآل يرفعهم ... حَتَّى اسمدر بِطرف الْعين اتآري ... الحديث: 58 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَقَوله اسمدر أَي ضعف نَظَرِي وَهُوَ من السمادير. وَقَوله تعلو عَنهُ الْعين بِمَنْزِلَة تنبو عَنهُ واذا نبا الشَّيْء عَن الشَّيْء وَلم يلصق بِهِ فقد علا عَنهُ. قَوْله طلاع الأَرْض حَدثنِي أبي قَالَ خبرني أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ أَظُنهُ يُرِيد مَا يمْلَأ الأَرْض حَتَّى يطلع ويسهل قَالَ وَمن ذَلِك حَدِيث الْحسن: لَان أعلم أَنِّي برِئ من النِّفَاق أحب إِلَيّ من طلاع الأَرْض ذَهَبا. وحَدثني أبي قَالَ وحدثنيه أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي الْأَشْهب قَالَ أَظُنهُ عَن عَوْف عَن الْحسن. 59 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان سَلمَة ابْن الاكوع قَالَ غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هوَازن فَبَيْنَمَا نَحن نتضحى مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ رجل على جمل أَحْمَر فأناخه ثمَّ انتزع طلقا من حقبه فقيد بِهِ الْجمل وَفِي حَدِيث آخر بِإِسْنَاد هَذَا الحَدِيث سَوَاء قَالَ سَلمَة غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبينا نَحن نزُول يَوْمًا جَاءَ رجل يَقُود فرسا عقوقا مَعهَا مهرَة فَقَالَ مَا فِي بطن فرسي هَذِه قَالَ غيب وَلَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله يَرْوِيهَا عمر بن يُونُس اليمامي عَن عِكْرِمَة بن عمار عَن أياس بن سَلمَة عَن أَبِيه سَلمَة قَوْله نتضحى أَي نتغدى وَالِاسْم الضحاء وَإِنَّمَا سمي الحديث: 59 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الْغَدَاء ضحاء باسم الْوَقْت والضحاء مَفْتُوح الأول مَمْدُود فَإِذا أَنْت ضممت أَوله قصرت فَقلت الضُّحَى والطلق قيد من جُلُود والطلق فِي غير هَذَا الْمَوْضُوع الشوط يُقَال عدا طلقا أَو طلقين والطلق والقرب يَوْمَانِ يكونَانِ بَيْنك وَبَين المَاء فاليوم الأول الطلق وَالثَّانِي الْقرب والحقب حَبل يشد على حقو الْبَعِير وَكَانَ قد علق الطلق يُقَال أحقبت الْبَعِير إِذا شددته بالحقب وأبطنته بالبطان إِذا شددت بطانه وصدرت عَنهُ من التصدير وَهُوَ الحزام قَالَ الراجز [من الرجز] ... محملج أدرج إدراج الطلق ... يَعْنِي حمارا والحقب فِي غير هَذَا أَن يحقب الْبَعِير ببوله وَذَلِكَ أَن يُصِيب الحقب وَهُوَ الْحَبل ثيله فيحتبس بَوْله يُقَال حقب الْبَعِير يحقب حقبا وَلَا يُصِيب ذَلِك الْإِنَاث لِأَن الْحَبل لَا يبلغ حَيَاء النَّاقة وَمِنْه قَول عبَادَة بن أَحْمَر الْمَازِني كنت فِي إبلي عاها فأغارت علينا خيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو خيل أَصْحَابه فَجمعت إبلي وَركبت الْفَحْل فحقب فتفاج يَبُول فَنزلت عَنهُ وَركبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 نَاقَة مِنْهَا فنجوت عَلَيْهَا وطردوا الْإِبِل والعقوق هِيَ الْحَامِل يُقَال أعقت فَهِيَ عقوق وَلَا يُقَال معق وَكَانَ الْقيَاس ذَلِك والأبلق العقوق يضْرب مثلا لما لَا يكون لِأَن الأبلق ذكر وَالذكر لَا يكون عقوقا 60 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْحمى رائد الْمَوْت وَهِي سجن الله فِي الأَرْض يحبس بهَا عَبده إِذا شَاءَ ويرسله إِذا شَاءَ حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ أَبُو الْخطاب قَالَ ثناه بشر بن الْمفضل عَن يُونُس عَن الْحسن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك رائد الْقَوْم رسولهم الَّذِي يرتاد لَهُم مساقط الْغَيْث وَمِنْه الحَدِيث إِن الرائد لَا يكذب أَهله يُرِيد أَنهم ينتقلون عَن مواضعهم بِخَبَرِهِ فَهُوَ لَا يكذبهم وَبَلغنِي أَنهم كَانُوا يشمون الْبَرْق فَإِذا لمعت سَبْعُونَ برقة لم يرسلوا رائدا وانتقلوا كَأَنَّهُمْ يثقون بالغيث يُرِيد أَن الْحمى رَسُول الْمَوْت 61 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الحديث: 60 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ كَمَا تناتج الْإِبِل من بَهِيمَة جَمْعَاء هَل نحس من جَدْعَاء قَالُوا يَا رَسُول الله أَفَرَأَيْت من يَمُوت وَهُوَ صَغِير قَالَ الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد يَعْنِي ابْن عبد العزيز عَن القعْنبِي عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أما قَوْله كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَإِنَّهُ يُرِيد أَنه يُولد على الْإِقْرَار بِاللَّه وَهُوَ الْمِيثَاق الَّذِي أَخذه الله عَلَيْهِم حِين أخرجهم من ظهر آدم أَمْثَال الدّرّ {وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} فَالنَّاس جَمِيعًا وَإِن اخْتلفُوا فِي أديانهم ونحلهم عالمون بِأَن الله عز وَجل خالقهم والفطرة ابْتِدَاء الْخلقَة وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {الْحَمد لله فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي مبتدئهما وَقد بيّنت هَذَا فِي كتاب إصْلَاح الْغَلَط بِأَكْثَرَ من هَذَا الْبَيَان وَمثله فِي كتاب الله جلّ وَعز {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدّين الْقيم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 يُرِيد أَن الله جلّ وَعز فطر النَّاس على مَعْرفَته لَا تَبْدِيل لخلق الله أَي لهَذَا من دين الله والبهيمة الجمعاء هِيَ السليمة سميت بذلك لِاجْتِمَاع السَّلامَة لَهَا فِي أعضائها وَلَا أَحْسبهُ قيل للبكر يدْخل بهَا زَوجهَا دخل عَلَيْهَا يجمع إِلَّا من هَذَا يُرَاد أَنه دخل بهَا وَهِي سليمَة وَشبه الْمَوْلُود حِين يُولد فِي سَلَامَته من الْكفْر بهَا ثمَّ يهود الْيَهُود أَبْنَاءَهُم وينصر النَّصَارَى أَبْنَاءَهُم أَي يعلمونهم ذَلِك كَمَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تقطع آذان الْبَهَائِم السليمة وتفقأ عيونها وَأما سُؤَالهمْ إِيَّاه عَن الصَّغِير مِنْهُم يَمُوت فَإِنَّهُم أَرَادوا أَن يعلمُوا مَاذَا ينسبونهم إِلَيْهِ من كفر أَو إِيمَان فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين لَو أبقاهم يُرِيد فَلَا تحكموا عَلَيْهِم بِكفْر آبَائِهِم إِذا لم يبلغُوا فيكفروا وَلَا تحكموا عَلَيْهِم بميثاق الْفطْرَة الَّتِي ولدُوا عَلَيْهَا لأَنهم لم يبلغُوا فيؤمنوا 62 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهُم سَأَلُوهُ عَن بني عَامر بن صعصعة فَقَالَ جمل أَزْهَر متفاج يتَنَاوَل من أَطْرَاف الشّجر وسألوه عَن غطفان فَقَالَ الحديث: 62 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 رهوة تنبع مَاء حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ إِبْرَاهِيم بن مُسلم ثَنَا أَبُو عَاصِم عَن سَلام بن سعد عَن زيد الْعمي عَن مَنْصُور بن زَاذَان عَن أبي هُرَيْرَة الْأَزْهَر الْأَبْيَض من الْإِبِل وَهُوَ أحسن الْإِبِل إِذا كَانَ أسود المقلة والمتفاج الَّذِي يفتح مَا بَين رجلَيْهِ ليبول يُرِيد أَنه مخصب فِي مَاء وَشَجر فَهُوَ لَا يزَال يتفاج للبول سَاعَة بعد سَاعَة وَذَلِكَ لِكَثْرَة مَا يشرب من المَاء وَقَوله يتَنَاوَل من أَطْرَاف الشّجر يُرِيد أَنه فِي مرعى مخصب فَهُوَ شبعان وَلَيْسَ يرْعَى إِنَّمَا يستطرف ويصيب الشَّيْء بعد الشَّيْء وَفِي نَحْو هَذَا الْمَعْنى قَول ابْن ميادة من الْبَسِيط ... إِنِّي امْرُؤ أعتفي الْحَاجَات أطلبها ... كَمَا اعتفى سنق يلقى لَهُ العشب ... والسنق المتخم والرهوة تكون الْمُرْتَفع من الأَرْض وَتَكون المنخفض مِنْهَا وَهِي حرف من حُرُوف الأضداد قَالَ الْأَصْمَعِي الرهاء أَمَاكِن مُرْتَفعَة وَاحِدهَا رهو قَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 من الوافر ... نصبنا مثل رهوة ذَات حد ... مُحَافظَة وَكُنَّا المسنفينا ... يُرِيد مثل جبل وَكَأَنَّهُ فِي هَذَا الْموضع اسْم جبل بِعَيْنِه لِأَنَّهُ لم يعرفهُ وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَقد يكون الرهو الانخفاض وَحكي عَن أَعْرَابِي أَنه مر بِهِ فالج وَهُوَ الْبَعِير لَهُ سنامان فَقَالَ سُبْحَانَ الله رهو بَين سنَامَيْنِ وَحكى غَيره عَن بعض بني نمير أَنه قَالَ دليت رجْلي فِي رهوة فَهَذَا انخفاض وَأَرَادَ فِي الحَدِيث جبل يَنْبع مِنْهُ مَاء وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه رُوِيَ فِي حَدِيث آخر عِنْد ذكره غطفان أَنه قَالَ أكمة خشناء وَيَتَّقِي النَّاس عَنْهَا يُرِيد أَن فيهم توعرا وخشونة وَهَذِه أَمْثَال ضربهَا لَهُم فِي أَحْوَالهم وَبَلغنِي عَن أبي الْيَقظَان أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أريت جدود الْعَرَب فَرَأَيْت جد بني عَامر جملا أَحْمَر يَأْكُل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 من فروع الشّجر وَقَالَ اللَّهُمَّ أكفني عَامِرًا يَعْنِي بن الطُّفَيْل واهد بني عَامر قَالَ أَبُو الْيَقظَان وهجان الْعَرَب قُرَيْش وعامر وحَنْظَلَة ابْن مَالك آخر الْجُزْء الأول من الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 63 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أم سَلمَة قَالَت كنت مَعَه فِي لِحَاف فحضت فَخرجت فشددت عَليّ ثِيَابِي ثمَّ رجعت فَقَالَ أنفست يُرِيد أحضت يُقَال طمثت الْمَرْأَة ودرست ونفست تنفس وعركت تعرك وَمِنْه الحَدِيث كَانَت عَائِشَة إِذا عركت قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ائتزري على وسطك ويباشرها وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا قيل للْمَرْأَة إِذا ولدت نفسَاء لسيلان الدَّم وَفِي الحَدِيث أَن أَسمَاء بنت عُمَيْس نفست بِالشَّجَرَةِ فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ أَن يأمرها أَن تَغْتَسِل وتهل يُرِيد حَاضَت وَقَالَ إِبْرَاهِيم كل شَيْء لَيست لَهُ نفس سَائِلَة فَإِنَّهُ لَا ينجس المَاء إِذا مَاتَ فِيهِ أَي لَيْسَ لَهُ دم 64 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عمر قَالَ إِن الْمُشْركين كَانُوا يَقُولُونَ أشرق ثبير كَيْمَا نغير وَكَانُوا الحديث: 63 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 لَا يفيضون حَتَّى تطلع الشَّمْس فخالفهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرويهِ أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن حجاج وَعَن أبي إِسْحَق عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَوْلهم أشرق ثبير هُوَ من شروق الشَّمْس وشروقها طُلُوعهَا يُقَال شَرقَتْ الشَّمْس شروقا إِذا هِيَ طلعت وأشرقت إِذا أَضَاءَت وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَدخل أَيهَا الْجَبَل فِي الشروق كَمَا تَقول أشمل الْقَوْم إِذا دخلُوا فِي ريح الشمَال وأجنبوا إِذا دخلُوا فِي الْجنُوب وأراحوا إِذا دخلُوا فِي الرّيح وأربعوا إِذا دخلُوا فِي الرّبيع فَإِذا أردْت شَيْئا من هَذَا أَصَابَهُم قلت شَمل الْقَوْم وجنبوا وريحوا وربعوا وشرقوا وَكَذَلِكَ غيثوا إِذا أَصَابَهُم الْغَيْث خبرني غير وَاحِد مِنْهُم الطوسي عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء عَن ذِي الرمة أَنه قَالَ مَا رَأَيْت أفْصح من أمة بني فلَان قلت لَهَا كَيفَ الْمَطَر عنْدكُمْ أَو كَيفَ كَانَ مطركم فَقَالَت غثنا مَا شِئْنَا وَقَوْلهمْ كَيْمَا نغير يُرِيدُونَ كَيْمَا ندفع للنحر قَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال أغار إغارة الثَّعْلَب إِذا أسْرع وَدفع وَمِنْه قَالَ بشر بن أبي خازم [من الوافر] ... فعد طلابها وتعز عَنْهَا ... بِحرف قد تغير إِذا تبوع ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 يُقَال باعت تبوع إِذا مدت بِيَدَيْهَا فِي السّير وَأرَاهُ من الباع مأخوذا ويروى وتعد عَنْهَا أَي انْصَرف عَنْهَا 65 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رد السَّلَام على الْيَهُود قَالَ أَنهم يَقُولُونَ السام عَلَيْكُم فَقولُوا وَعَلَيْكُم حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن يزِيد بن هرون عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سماكة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْأَصْمَعِي السام الْمَوْت والبرسام بالسُّرْيَانيَّة ابْن الْمَوْت وَذَلِكَ إِن بر هُوَ الابْن والسام هُوَ الْمَوْت وَأَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَنهُ أَنه يُقَال وَمَا أَدْرِي أَي البرنساء هُوَ يُرَاد أَي النَّاس هُوَ وَأَصله بالسُّرْيَانيَّة ابْن الْإِنْسَان وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي هَذِه الْحبَّة السَّوْدَاء الحديث: 65 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 شِفَاء من كل دَامَ إِلَّا السام قيل وَمَا السام قَالَ الْمَوْت وَأما الحَدِيث الْأُخَر لَو كَانَ شَيْء يُنجي من الْمَوْت لَكَانَ السنا والسنوت فَإِن السنوت الْعَسَل وَفِيه لُغَة أُخْرَى السنوت قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... هم السّمن بالسنوت لَا ألس فيهم ... وهم يمْنَعُونَ جارهم أَن يقردا ... والألس الْخِيَانَة وَالْعَيْب وَمِنْه يُقَال لَا يوالس يَعْنِي لَا يمْنَعُونَ جارهم أَن يستذل كَمَا يستذل الْبَعِير إِذا نزع قردانه والسام فِي غير هَذَا عروق الذَّهَب وَاحِدهَا سامة وَبهَا سمي سامة ابْن لؤَي قَالَ قيس بن الخطيم وَذكر قوما تراصوا فِي الْحَرْب واشتبكوا [من الطَّوِيل] ... لَو أَنَّك تلقي حنظلا فَوق بيضنا ... تدحرج عَن ذِي سامه المتقارب ... وَذُو سامه الْبيض الْمَذْهَب وَعَن فِي هَذَا الْموضع بِمَعْنى فَوق يَقُول لَو ألقِي عَلَيْهِم حنظل لجرى فَوق الْبيض وَلم يسْقط إِلَى الأَرْض لشدَّة تراصفهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 65 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْعَبَّاس بن عبد المطلب قَالَ لَهُ يَا رَسُول الله إِنِّي أُرِيد أَن أمتدحك قَالَ قل لَا يفضض الله فَاك قَالَ الْعَبَّاس [من المنسرح] ... 1 - من قبلهَا طبت فِي الظلال وَفِي ... مستودع حَيْثُ يخصف الْوَرق 2 - ثمَّ هَبَطت الْبِلَاد لَا بشر ... أَنْت وَلَا مُضْغَة وَلَا علق 3 - بل نُطْفَة تركب السفين وَقد ألْجم نسرا وَأَهله الْغَرق 4 - تنقل من صالب إِلَى رحم ... إِذا مضى عَالم بدا طبق 5 - حَتَّى احتوى بَيْتك الْمُهَيْمِن من خندف علياء تحتهَا النُّطْق 6 - وَأَنت لما ولدت أشرقت الأَرْض وضاءت بنورك الْأُفق 7 - فَنحْن فِي ذَلِك الضياء وَفِي النُّور وسبل الرشاد نخترق ... حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو الغنوي ثناه زَكَرِيَّا بن يحيى الْكُوفِي ثَنَا عَم أبي زحر بن حُصَيْن عَن جده حميد بن ينهب قَالَ سَمِعت جدي حَرِيم بن أَوْس بن حَارِثَة يَقُول هَاجَرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة بعد مُنْصَرفه من تَبُوك فَسمِعت الْعَبَّاس يَقُول ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 قَوْله لَا يفضض الله فَاك أَي لَا يسْقط ثغرك والعوام تَقول يفضض الله وَهُوَ خطأ وَإِنَّمَا يُقَال يفضض بِفَتْح الْيَاء وَضم الضَّاد الأولى لِأَنَّهُ من فض يفض وَيُقَال فضضت جموعهم إِذا فرقتها وَقَالَ الله جلّ وَعز {وَلَو كنت فظا غليظ الْقلب لانفضوا من حولك} وَيُقَال فضضت الْكتاب من ذَلِك والفم يقوم مقَام الْأَسْنَان يُقَال سقط فَم فلَان فَلم تبْق لَهُ حاكة إِذا سَقَطت أَسْنَانه وَرُوِيَ أَن النابعة الْجَعْدِي أنْشد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شعره الَّذِي يَقُول فِيهِ [من الطَّوِيل] ... أتيت رَسُول الله إِذْ جَاءَ بِالْهدى ... وَيَتْلُو كتابا كالمجرة نيرا ... فَلَمَّا بلغ ... وَلَا خير فِي حلم إِذا لم يكن لَهُ ... بَوَادِر تَحْمِي صَفوه أَن يكدرا ... قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يفضض الله فَاك فغبر مائَة سنة لم تنغص لَهُ سنّ وَأنْشد فيهمَا من الطَّوِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 .. بلغنَا السَّمَاء مَجدنَا وجدودنا ... وَإِنَّا لنَرْجُو فَوق ذَلِك مظْهرا ... فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَيْن يَا أَبَا ليلى فَقَالَ إِلَى الْجنَّة وَأما قَول الْعَبَّاس من قبلهَا طبت فِي الظلال فَإِنَّهُ يَعْنِي فِي ظلال الْجنَّة وَأَرَادَ أَنه كَانَ طيبا فِي صلب آدم وآدَم فِي الْجنَّة قبل أَن يهْبط إِلَى الأَرْض والظلال جمع ظلّ وَلَيْسَ يُرِيد بِظِل الْجنَّة ظلّ الشّجر والبنيان إِنَّمَا يكون ذَلِك حَيْثُ تطلع الشَّمْس وَالْجنَّة كلهَا ظلّ لَا شمس فِيهَا قَالَ الله جلّ وَعز {وظل مَمْدُود} أَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ دَائِم لَا تنسخه الشَّمْس وَرُوِيَ فِي حَدِيث ظلّ الْجنَّة سَجْسَج والسجسج المعتدل لَا حر فِيهِ وَلَا برد وَقَالَ بَعضهم هُوَ كغدوات الصَّيف قبل طُلُوع الشَّمْس وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة سنة لَا يقطعهَا أَي ذراها وَهُوَ مثل قَوْلك للرجل أَنا فِي ظلك تُرِيدُ ي ذراك وناحيتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 وَالْعرب تجْعَل اللَّيْل ظلا وَهُوَ لَا شمس فِيهِ قَالَ ذُو الرمة [من الْبَسِيط] ... قد أعسف النازح الْمَجْهُول معسفه ... فِي ظلّ أَخْضَر يَدْعُو هامه البوم ... والأخضر هَاهُنَا اللَّيْل والخضرة عِنْدهم سَواد وَأَرَادَ فِي ستر ليل أسود وَقَوله فِي مستودع يحْتَمل مَعْنيين أَحدهمَا أَن يكون أَرَادَ بالمستودع الْموضع الَّذِي جعل بِهِ آدم وحواء عَلَيْهِمَا السَّلَام من الْجنَّة واستودعاه وَالْآخر أَن يكون أَرَادَ الرَّحِم والنطفة فِيهِ وَأَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم من نفس وَاحِدَة فمستقر ومستودع} قَالَ فمستقر فِي الصلب ومستودع فِي الرَّحِم وَقَوله حَيْثُ يخصف الْوَرق أَي فِي الْجنَّة حَيْثُ خصف آدم وحواء عَلَيْهِمَا السَّلَام عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة أَي يخصفان الْوَرق بعضه إِلَى بعض وَلم يزدْ على ذَلِك فِي التَّفْسِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 والخصف هُوَ أَن تضم الشَّيْء إِلَى الشَّيْء وتشكه مَعَه أَو تلصقه بِهِ وَمِنْه يُقَال خصفت نَعْلي وَقيل للصانع خصاف ولإشفائه مخصف وكأنهما كَانَا يضمان الْوَرق بعضه إِلَى بعض ليَكُون لَهما لبسا وسترا وَقَوله ثمَّ هَبَطت الْبِلَاد يُرِيد أَنه لما هَبَط آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الأَرْض هَبَطت لِأَنَّهُ فِي صلبه وَهُوَ إِذْ لَا بشر وَلَا لحم وَلَا دم يُرِيد أَنه نُطْفَة لم ينْتَقل فِي هَذِه الْمَرَاتِب الَّتِي ينْتَقل فِيهَا الْجَنِين أَلا ترَاهُ يَقُول بل نُطْفَة تركب السفين يُرِيد ركُوب نوح السَّفِينَة فِي وَقت الطوفان وَهُوَ فِي صلبه ونسر أحد الْأَصْنَام الَّتِي كَانَت لقوم نوح وَقَوله تنقل من صالب يَعْنِي الصلب وَلم أسمعهُ بِهَذِهِ اللُّغَة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث وَفِيه لُغَة أُخْرَى صلب وَمثله فِي التَّقْدِير سقم وسقم وبخل وبخل وَطَعَام قَلِيل النزل والنزل قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الراجز ... فِي صلب مثل الْعَنَان المؤدم ... وَقَوله إِذا مضى عَالم بدا طبق يُرِيد إِذا مضى قرن بَدَأَ قرن وَإِنَّمَا قيل للقرن طبق لأَنهم طبق الأَرْض ثمَّ ينقرضون وَيَأْتِي طبق للْأَرْض آخر وَيُقَال هَذَا مطر طبق الأَرْض إِذا طبقها وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين استسقى اللَّهُمَّ اسقنا غيثا مغيثا طبقًا وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس [من الطَّوِيل] ... دِيمَة هطلاء فِيهَا وَطف ... طبق الأَرْض تحرى وتدر ... وطبق الأَرْض يرفع وَينصب قَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال قُرَيْش الكتبة الْحِسْبَة ملح هَذِه الْأمة علم عالمهم طباق الأَرْض فَيكون طباقا لَهَا وَقَالَ الله جلّ وَعز {لتركبن طبقًا عَن طبق} أَي حَالا بعد حَال كَذَلِك فسر وَهُوَ من ذَلِك قَالَ كَعْب بن زُهَيْر [من الْبَسِيط] ... كَذَلِك الْمَرْء إِن ينسأ لَهُ أجل ... يركب بِهِ طبق من بعده طبق ... أَي ينْقل من حَال الشَّبَاب إِلَى الْهَرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 والنطق جمع نطاق وَهُوَ مَا انتطقت بِهِ الْمَرْأَة أَي شدته فِي وَسطهَا وانتطقت بِهِ وانتطق بِهِ الرجل أَيْضا وَبِه سميت المنطقة وَضرب هَذَا مثلا فِي ارتفاعه وتوسطه فِي عشيرته وعزه فَجعله فِي علياء وجعلهم تَحْتَهُ نطاقا لَهُ وَقَوله وضاءت أَي أَضَاءَت وهما لُغَتَانِ أَضَاء النَّهَار وضاء 66 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْحيَاء شُعْبَة من الْإِيمَان حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدثنِي أَبُو مَسْعُود الدَّارمِيّ قَالَ حَدَّثَنِيهِ جدي خرَاش قَالَ ثناه أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جعل الْحيَاء وَهُوَ غريزة شُعْبَة من الْإِيمَان وَهُوَ اكْتِسَاب لِأَن المستحي يَنْقَطِع بِالْحَيَاءِ عَن الْمعاصِي وَإِن لم يكن لَهُ تقية فَصَارَ كالإيمان الَّذِي يقطع عَنْهَا وَلذَلِك يُقَال إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت يُرَاد أَن من لم يستح صنع مَا شَاءَ لِأَنَّهُ لَا يكون لَهُ حَيَاء يحجزه ويكفه عَن الْفَوَاحِش والقبح الحديث: 66 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وَقَالَ رجل لِلْحسنِ بليتني الرجل وَأَنا أمقته مَا أعْطِيه إِلَّا حَيَاء فَهَل لي فِي ذَلِك من أجر قَالَ إِن ذَلِك من الْمَعْرُوف [74 / أ] وَإِن فِي الْمَعْرُوف لأجرا 67 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تهْلك أمتِي حَتَّى يكون التحايل والتمايز والمعامع يرويهِ مُحَمَّد بن كثم عَن إِسْمَاعِيل عَن هِشَام بن الْغَاز عَن مَكْحُول الوصفي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك أَرَادَ بالتحايل أَنه لَا يكون سُلْطَان يكف النَّاس من الْمَظَالِم فيميل بَعضهم على بعض بالغارة وَأَرَادَ بالتمايز أَن النَّاس يتَمَيَّز بَعضهم من بعض بهَا ويتحزبون أحزابا بِوُقُوع العصبية وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز {وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون} قَالَ أَبُو مُحَمَّد أَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ تميزوا يُرِيد انْقَطَعُوا عَن الْمُؤمنِينَ وَكُونُوا فرقة وَاحِدَة وَقَوله {تكَاد تميز من الغيظ} أَي يَنْقَطِع بَعْضهَا عَن بعض وَأما المعامع فَهِيَ شدَّة الْحَرْب وَالْجد فِي الْقِتَال وَالْأَصْل فِيهِ معمعة النَّار وَهِي سرعَة تلهبها قَالَ الشَّاعِر وَوصف فرسا من المتقارب الحديث: 67 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 .. جموحا مروحا وإحضارها ... كمعمعة السعف الموقد ... شبه حفيفها من المرح فِي عدوها بحفيف النَّار إِذا التهبت فِي السعف وَمثله معمعة الْحر ومعمعات الصَّيف قَالَ ذُو الرمة من الْبَسِيط ... حَتَّى إِذا معمعان الصَّيف هَب لَهُ ... بأجة نش عَنْهَا المَاء وَالرّطب ... والأجة من تأجج النَّار وَمِنْه يُقَال للْمَرْأَة الذكية المتوقدة معمع حَدثنِي أبي حَدثنِي عبد الرحمن بن عبد الله عَن عَمه حَدثنِي أَبُو بكر بن ابي عَاصِم عَن مَوْلَاهُ ابْن الأجيد عَن أوفى بن دلهم [74 / ب] أَنه كَانَ يَقُول النِّسَاء أَربع فمنهن معمع لَهَا شَيْئا أجمع ومنهن تبع ترى وَلَا تَنْفَع وَمِنْهُم صدع تفرق وَلَا تجمع ومنهن غي وَقع بِبَلَد فأمرع أَي أنبت قَالَ وَذكرت بعض هَذَا الحَدِيث لأبي عوَانَة قَالَ فَكَانَ عبد الملك بن عُمَيْر يزِيد فِيهِ ومنهن القرثع وَهِي الَّتِي تلبس درعها مقلوبا وتكحل إِحْدَى عينيها وتترك الْأُخْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وشبيه بقَوْلهمْ معمة الْحَرْب الْآن حمي الْوَطِيس يرْوى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه فِي بغض مغازيه وَيُقَال أَن الْوَطِيس التَّنور أَو شَيْء يشبه التَّنور 68 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ ذَات يَوْم كَيفَ أَنْتُم إِذا مرج الدّين وَظَهَرت الرَّغْبَة وَاخْتلف الإخوان وَحرق الْبَيْت الْعَتِيق حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ عَبده الصفار قَالَ ثناه عبد الله بن مُوسَى عَن سعد بن أَوْس عَن بِلَال الْعَبْسِي عَن مَيْمُونَة قَوْله مرج الدّين يَعْنِي فسد وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن عمر كَيفَ أَنْت إِذا بقيت فِي حثالة من النَّاس قد مرجت عهودهم وأماناتهم أَي فَسدتْ وأصل المرج أَن يقلق الشَّيْء فَلَا يسْتَقرّ يُقَال مرج الْخَاتم فِي يَدي مرجا إِذا قلق وَأَخْبرنِي السجسْتانِي عَن ابي عُبَيْدَة أَنه قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى {فهم فِي أَمر مريج} أَي مختلط الحديث: 68 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وَقَالَ فِي قَول الله تَعَالَى {مرج الْبَحْرين} أَي خلاهما يُقَال مرجت دَابَّتي إِذا خليتها وأمرجتها إِذا رعيتها قَالَ الشَّاعِر [من الرمل] ... مرج الدّين فأعددت لَهُ ... مشرف الحارك محبوك الكتد ... وَقَوله ظَهرت الرَّغْبَة يُرِيد كثر السُّؤَال وَقل الاستعفاف وَمِنْه قَوْلك رغبت إِلَى فلَان فِي كَذَا إِذا سَأَلته إِيَّاه وَمثله قَول عبد الله بن مَسْعُود حِين ذكر نُقْصَان الْإِسْلَام فَقَالَ وَآيَة ذَلِك أَن تَفْشُو الْفَاقَة وَقَوله وَاخْتلف الإخوان يُرِيد اخْتِلَاف الْمُسلمين فِي الْفِتَن وتحزبهم وَيكون الِاخْتِلَاف الَّذِي يَقع بَينهم فِي الْأَهْوَاء والبدع حَتَّى يتباغضوا ويتعادوا ويتبرأ بَعضهم من بعض وَأما قَوْله لعبد الله بن عمر كَيفَ أَنْت إِذا بقيت فِي حثالة من النَّاس فَإِن الحثالة رذال النَّاس وشرارهم وَهُوَ الرَّدِيء من كل شَيْء وَمِنْه حَدِيثه الآخر لَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على حثالة من النَّاس وَمثله الخشارة والحفالة وَفِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ يذهب الصالحون الأول فَالْأول حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 تبقى حفالة كحفالة التَّمْر وَفِي الحثالة لفظ آخر رُوِيَ عَن أنس أَنه قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أبقى فِي حثل من النَّاس لَا تبالي أغلبوا أَو غلبوا 69 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن سَلمَة بن الْأَكْوَع سَأَلَهُ عَن الصَّلَاة فِي الْقوس والقرن فَقَالَ صل فِي الْقوس واطرح الْقرن يرويهِ عقبَة بن خَالِد السكونِي عَن مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ الْأَصْمَعِي الْقرن جعبة من جُلُود تشق ثمَّ تخرز وَإِنَّمَا تشق حَتَّى تصل الرّيح إِلَى الريش فَلَا يفْسد قَالَ الشَّاعِر [من الرجز] ... يَابْنَ هِشَام أهلك النَّاس اللَّبن ... فكلهم يغدوا بقوس وَقرن ... ويروى يعدو يُرِيد أَنهم أخصبوا فغزا بَعضهم بَعْضًا وَمثله قَول الآخر [من الْكَامِل] ... قوم إِذا نبت الرّبيع لَهُم ... نَبتَت عداوتهم مَعَ البقل ... وَإِنَّمَا أمره بِنَزْع الْقرن فِيمَا أرى لِأَنَّهُ كَانَ من جلد غير ذكي الحديث: 69 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وَلَا مدبوغ فَأَما غير الْقرن من الجعاب فَلَا بَأْس بِأَن يصلى فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقرن إِن كَانَ من جلد ذكي مدبوغ 70 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه توضأك فاستوكف ثَلَاثًا حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد بن يزِيد بن هرون عَن شُعْبَة عَن النُّعْمَان بن سَالم عَن ابْن أبي أَوْس الثَّقَفِيّ عَن جده أَوْس استوكف ثَلَاثًا يُرِيد أَنه غسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَهُوَ من وكف الْبَيْت يكف وكوفا ووكفا إِذا قطر وَتقول أَصَابَنَا وكف وواكف ووكف الدمع يكف وكوفا ووكفا إِذا قطر واستوكف استفعل من هَذَا أَرَادَ أَخذ ثَلَاث دفع من المَاء وَقَالَ حميد بن ثَوْر وَذكر الْحمر [من الطَّوِيل] ... إِذا استوكفت بَات الغوي يسوفها ... كَمَا جس أحشاء السقيم طَبِيب ... أَرَادَ إِذا استقطرت وَمثله استودقت يُقَال استودفت الشحمة أَي استقطرتها وودف الشَّحْم سَالَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه صب على يَده المَاء وَلم يدخلهَا فِي الْإِنَاء وَهَذَا مثل حَدِيثه إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من مَنَامه فَلَا يغمس يَده فِي طهوره حَتَّى يفرغ عَلَيْهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده وَقد تقدم ذكر هَذَا وَتَفْسِيره الحديث: 70 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 71 - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن جَابر ابْن عبد الله قَالَ عرضت يَوْم الخَنْدَق كدية وَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المسحاة ثمَّ سمى ثَلَاثًا وَضرب فَعَادَت كثيبا أهيل حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ عَن عبد الرحمن بن مُحَمَّد الْمحَاربي عَن عبد الواحد بن أَيمن الْمَكِّيّ عَن أَبِيه عَن جَابر وَفِي حَدِيث آخر أَن الْمُسلمين وجدوا أعبلة فِي الخَنْدَق وهم يحفرون فضربوها حَتَّى تَكَسَّرَتْ معاولهم فدعوا لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا دَعَا بِمَاء فَصَبَّهُ عَلَيْهَا فَصَارَت كثيبا ينهال انهيالا الكدية قِطْعَة من الأَرْض غَلِيظَة صلبة يُقَال حفرت حَتَّى أكديت وَأَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز {وَأعْطى قَلِيلا وأكدى} أَرَادَ وَقطع وَهُوَ من الكدية مَأْخُوذ وَذَلِكَ أَنه إِذا حفر فَبلغ الكدية يئس من المَاء لصلابة الأَرْض فَقطع الْحفر يُقَال بلغنَا كدية الرَّكية وَلِهَذَا قيل للرجل يطْلب الشَّيْء فَلَا يقدر عَلَيْهِ قد أكدى وَمَا أجدى وَيُقَال فِي مثل مَا هُوَ إِلَّا ضَب كدية وَإِنَّمَا نسب الضَّب إِلَيْهَا لِأَنَّهُ لَا يحْفر أبدا إِلَّا فِي صلابة خوفًا من انهيار الْحجر عَلَيْهِ الحديث: 71 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 قَالَ كثير [من المتقارب] ... فَإِن شِئْت قلت لَهُ صَادِقا ... وَجَدْتُك بالقف ضبا جحولا من اللائي يحفرن تَحت الكدى ... وَلَا يبتغين الدماث السهولا ... فَإِن بلغ الْحَافِر المَاء قيل أنبط وأماه وأموه وَأمّهَا وأنهر وأعين إِذا بلغ الْعُيُون وأجبل بلغ الْجَبَل وأثلج بلغ الطين وأسهب بلغ الرمل وَقَوله عَادَتْ كثيبا أهيل الْكَثِيب قِطْعَة من الرمل محدودبة والأهيل والمنهال وَاحِد وَهُوَ السَّائِل والأعبل والعبلاء حِجَارَة بيض قَالَ الشَّاعِر [من السَّرِيع] ... وَالضَّرْب فِي أقبال ملمومة ... كَأَنَّمَا لأمتها الأعبل يَقُول درعها فِي الحصانة كالأعبل والأعبلة جمع على غير هَذَا الْوَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 أَلْفَاظ من أَحَادِيث الْإِسْرَاء رويت لنا من وُجُوه مُخْتَلفَة مِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخَذَنِي جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل فصعدا بِي فَإِذا بنهرين عظيمين جلواخين قلت يَا جِبْرِيل مَا هَذَانِ النهران قَالَ سقيا أهل الدُّنْيَا وَفِي حَدِيث آخر ذكر فِيهِ لَيْلَة الْإِسْرَاء فَقَالَ رَأَيْت الدَّجَّال فَإِذا رجل فيلق أَعور كَأَن شعره أَغْصَان الشّجر أشبه من رَأَيْت بِهِ عبد العزى بن قطن الْخُزَاعِيّ وَفِي حَدِيث آخر قَالَ عرض عَليّ الْأَنْبِيَاء فَجعل النَّبِي يمر مَعَه الثَّلَاثَة والنفر وَالرجل وَالرجلَانِ وَالنَّبِيّ لَيْسَ مَعَه أحد حَتَّى مر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي كبكبة من بني إِسْرَائِيل أعجبتني فَقلت رب أمتِي فَقيل انْظُر عَن يَمِينك فَنَظَرت فَإِذا بشر كثير يتهاوشون قيل انْظُر عَن يسارك فَنَظَرت فَإِذا الظراب مستدة بِوُجُوه الرِّجَال قيل هَذِه أمتك أرضيت قلت رَبِّي رضيت وَفِي حَدِيث آخر قَالَ انْطلق بِي إِلَى خلق من خلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 الله عَظِيم كثير مُوكل بهم رجال يَعْمِدُونَ إِلَى عرض جنب أحدهم فيحذون مِنْهُ الحذوة من اللحل مثل النَّعْل ثمَّ يضفزونه فِي فِي أحدهم وَيُقَال لَهُ كل كَمَا أكلت وَفِي حَدِيث آخر قَالَ وَإِذا أَنا بأمتي شطرين شطرا عَلَيْهِم ثِيَاب بيض كَأَنَّهَا الْقَرَاطِيس وشطرا عَلَيْهِم ثِيَاب رمد فحجبوا وهم على خير الجلواخ الْوَاسِع يُقَال وَاد جلواخ إِذا كَانَ وَاسِعًا وَكَذَلِكَ الحوأب والجواء أنْشد الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء لرجل من غطفان [من الطَّوِيل] ... أَلا لَيْت شعري هَل أبيتن لَيْلَة ... بأبطح جلواخ بأسفله نخل ... وَقَوله فِي صفة الدَّجَّال رجل فيلق بِالْقَافِ وَلست أعرف الفيلق إِلَّا الكتيبة الْعَظِيمَة قَالَ الشَّاعِر [من المتقارب] ... فِي فيلق جَاءُوا بملمومة ... يعصف بالدارع والحاسر ... فَإِن كَانَ جعله فيلقا لعظمه فَهُوَ وَجه إِن كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ الفيلم بِالْمِيم والفيلم الْعَظِيم من الرِّجَال قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 البريق الْهُذلِيّ [من المتقارب] ... ويحمي الْمُضَاف إِذا مَا دَعَا ... إِذا فر ذُو اللمة الفيلم ... والكبكبة الْجَمَاعَة الَّتِي قد انْضَمَّ بَعْضهَا إِلَى بعض وَقَوله يتهاوشون أَي يدْخل بَعضهم فِي بعض ويخالط بَعضهم بَعْضًا وَلَا يستقرون وَهُوَ من قَوْلك هوشت الشَّيْء إِذا أخلطت بعضه بِبَعْض وَمن الْمُحدثين من يروي من كسب مَالا من تهاوش بِالتَّاءِ مَنْصُوبَة وَالْوَاو مَضْمُومَة يُرِيد مصدر تهاوش الْقَوْم تهاوشا إِذا اختلطوا فِي الْفِتَن واضطربوا وَأَكْثَرهم يرويهِ مهاوش وَهُوَ فِي ذَلِك الْمَعْنى وَقَوله يحذون أَي يقطعون وَمِنْه يُقَال حذوت النَّعْل حذوا وَقيل للصانع حذاء كَأَنَّهُ قطاع وَجَاء فِي حَدِيث فِي مس الذّكر إِنَّمَا هُوَ حذْيَة مِنْك أَي قِطْعَة مِنْك وَقَوله يضفزونه أَي يدفعونه فِي فِيهِ وَمِنْه قيل ضفز الرجل الْمَرْأَة إِذا وَطئهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وَالثيَاب الرمد هِيَ الغبر فِيهَا كدرة وَهُوَ من الرماد مَأْخُوذ وَمِنْه قيل لضرب من البعوض رمد قَالَ أَبُو وجزة وَذكر صائدا [من الْبَسِيط] ... تبيت جارته الأفعى وسامره ... رمد بِهِ عاذر مِنْهُنَّ كالجرب ... يُرِيد بعوضا والعاذر الْأَثر من قرصهن فَإِن كَانَت الغبرة فِي حمرَة فَهِيَ قتمة وَإِن كَانَت الغبرة فِي صفرَة فَهِيَ عبسة وَبَعْضهمْ يرويهِ ثِيَاب ربد والأربد مثله وَأرى أَصله أرمد فأبدل من ميمه بَاء والأطحل والأغثر الَّذِي فِيهِ غبرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 أَلْفَاظ من أَحَادِيث المولد والمبعث قَالَ أَبُو مُحَمَّد حَدثنَا بهَا من وُجُوه مُخْتَلفَة مِنْهَا إِن سعد بن أبي وَقاص قَالَ خرج عبد الله يَعْنِي أَبَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم متقربا متخصرا حَتَّى جلس فِي الْبَطْحَاء فَنَظَرت إِلَيْهِ ليلى العدوية فدعته إِلَى نَفسهَا فَقَالَ أرجع إِلَيْك وَدخل على آمِنَة فألم بهَا ثمَّ خرج فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَت لقد دخلت بِنور مَا خرجت بِهِ المتقرب الْوَاضِع يَده على قربه والقرب الخصر وَجمعه أقراب وَكَذَلِكَ المتخصر هُوَ الْوَاضِع يَده على خصره وَمِنْه قَول الشَّاعِر فِي صفة خيل [من الْكَامِل] ... قب الْبُطُون لواحق الأقراب ... وَمِنْهَا أَن آمِنَة أمه قَالَت وَالله مَا وجدته تَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قطن وَلَا ثنة وَلَا آخذه إِلَّا على ظهر كَبِدِي وَفِي ظَهْري وَجعلت توحم الْقطن أَسْفَل الظّهْر والثنة أَسْفَل الْبَطن من السُّرَّة إِلَى مَا تحتهَا وَقَوله جعلت توحم أَي تشْتَهي مَا تشْتَهي الْحَامِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 والوحمى هِيَ الَّتِي تشْتَهي الشَّهَوَات فِي حبلها يُقَال وَحمى بَيِّنَة الوحام وَقَالَ بشر بن ابي خازم يصف حُبْلَى [من المتقارب] ... تراهن من أزمها شزبا ... إِذا هن آنسن مِنْهَا وحاما ... أَي إِذا أحسسن مِنْهَا شَهْوَة لِلْعَدو وَالْعرب تَقول فِي مثل وَحمى وَلَا حَبل وَمِنْهَا أَنه بَينا هُوَ يلْعَب وَهُوَ صَغِير مَعَ الغلمان بِعظم وضاح مر عَلَيْهِ يَهُودِيّ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ لتقتلن صَنَادِيد هَذِه الْقرْيَة وَعظم وضاح لعبة للصبيان بِاللَّيْلِ وَهِي أَن يَأْخُذُوا عظما أَبيض شَدِيد الْبيَاض فَيُلْقُوهُ ثمَّ يتفرقوا فِي طلبه فَمن وجده مِنْهُم ركب اصحابه ولصبيان الْأَعْرَاب لعب مِنْهَا هَذِه وَمِنْهَا الفيال وَهِي بِالتُّرَابِ وَذَلِكَ أَن تخبئ فِيهِ خبيء ثمَّ يقسم نِصْفَيْنِ فَمن أصَاب النّصْف الَّذِي فِيهِ ذَلِك الخبيء قمر قَالَ طرفَة [من الطَّوِيل] ... كَمَا قسم الترب المفايل بِالْيَدِ ... وَمِنْهَا البقيرى وَهِي أَيْضا بِالتُّرَابِ يُقَال بقر الصّبيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 فهم يبقرون قَالَ الْأَصْمَعِي فِي رجزه ... كَأَن آثَار الظرابي تنتقث ... حولك بقيرى الْوَلِيد المنتحث تُرَاب مَا هال عَلَيْك المجتدث ... المجتدث القابر والجدث الْقَبْر وَمِنْهَا الخطرة هِيَ بالمخراق وَمِنْهَا خراج وَهِي أَن يمسك أحدهم شَيْئا بِيَدِهِ وَيَقُول لسائرهم اخْرُجُوا مَا فِي يَدي وَمِنْهَا لعبة الضَّب وَهُوَ أَن يصور الضَّب فِي الأَرْض ثمَّ يحول أحدهم وَجهه وَيُقَال لَهُ ضع يدك على صُورَة الضَّب ثمَّ يُقَال لَهُ على أَي مَوضِع من الضَّب وَضعته فَإِن أصَاب قمر وَفِي حَدِيث آخر ذكر فِيهِ أَنه شقّ عَن قلبه وجئ بطست رهرهة قَالَ أَبُو حَاتِم سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن ذَلِك فَلم يعرفهُ وَلست أعرفهُ أَنا أَيْضا وَقد التمست لهَذَا الْحَرْف مخرجا فَلم أَجِدهُ إِلَّا من مخرج وَاحِد وَهُوَ أَن تكون الْهَاء فِيهِ مبدلة من حاء وَهِي تبدل مِنْهَا لقرب مخرجها تَقول مدحته ومدهته وَهَذَا الْأَمر مُهِمّ لي ومحم بِمَعْنى وَاحِد فَكَأَنَّهُ اراد جِيءَ بطست رحرحة وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 الواسعة فأبدل من الْحَاء هَاء يُقَال إِنَاء رحراح إِذا كَانَ وَاسِعًا وأنشدني عبد الرحمن عَن عَمه للأغلب الراجز يذكر ساقيا [من الرجز] ... يعدو بِدَلْو ورشاء مصلح ... إِلَى إِنَاء كالمجن الرحرح ... وإناء الْحَوْض مصب الدَّلْو وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي [من الرجز] ... تمتهي مَا شِئْت أَن تمتهي ... فلست من هوئي وَلَا مَا أشتهي ... اراد تمدحي والهوء الهمة وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي كَانَ يُقَال التمته يزري بالألباء وَلَا يتمته ذَوُو الْعُقُول وَقَالَ فِي حَدِيث آخر أَنه كَانَ بَيْنَمَا فِي حجر أبي طَالب فَكَانَ يقرب إِلَى الصّبيان تصبيحهم فيختلسون ويكف وَيُصْبِح الصّبيان غمصا وَيُصْبِح صقيلا دهينا تصبيحهم غداؤهم والغمص والرمص وَاحِد وَهُوَ الغمص فِي الْعين وَمِنْه قيل لإحدى الشعريين الغميصاء وَتقول الْأَعْرَاب فِي أحاديثها أَن سهيلا والشعريين كَانَت مجتمعة فانحدر سُهَيْل فَصَارَ يَمَانِيا وتبعته العبور فعبرت المجرة فسميت لذَلِك عبورا وأقامت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الغميصاء فَبَكَتْ لفقد سُهَيْل حَتَّى غمصت وَفِي حَدِيث آخر ذكر فِيهِ اعْتِكَافه بحراء فَقَالَ فَإِذا أَنا بجبرائيل على الشَّمْس وَله جنَاح بالمشرق وَجَنَاح بالمغرب فهلت مِنْهُ وَذكر كلَاما ثمَّ قَالَ أَخَذَنِي فسلقني بحلاوة الْقَفَا ثمَّ شقّ بَطْني فاستخرج الْقلب وَذكر كلَاما ثمَّ قَالَ لي اقْرَأ فَلم أدر مَا أَقرَأ فَأخذ بحلقي فسأبني حَتَّى أجهشت بالبكاء ثمَّ قَالَ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} فَرجع بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترجف بوادره قَوْله سلقني ألقاني وأصل السلق الضَّرْب وَكَذَلِكَ الصلق كَأَنَّهُ قَالَ ضرب بِي الأَرْض بحلاوة الْقَفَا أَي على حق الْقَفَا لم يمل بِهِ عَن ذَلِك على أحد جانبيه يُقَال حلاوة وحلاوة [79 / ب] وحلاوي الْقَفَا وَقَوله سأبني أَي خنقني يُقَال سأبه يسأبه إِذا خنقه وسأته مثله فَإِذا قدمت الْبَاء قبل الْهمزَة فَهُوَ السلخ يُقَال سبأت جلده أَي سلخته وانسبأ الْجلد يَعْنِي انْسَلَخَ وَقَوله أجهشت بالبكاء أَي تهيأت للبكاء قَالَ الشَّاعِر من الطَّوِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 .. بَكَى جزعا من أَن يَمُوت وأجهشت ... إِلَيْهِ الجرشى وارمعل خنينها ... والجرشى النَّفس والبوادر واحدتها بادرة وَهِي لحْمَة بَين الْمنْكب والعنق وَكَذَلِكَ هِيَ من الْفرس وَغَيره وَإِنَّمَا ترجف من الْفَزع وَفِي حَدِيث آخر أَنه رأى جِبْرَائِيل ينتثر من جناحيه الدّرّ والتهاويل والتهاويل الألوان الْمُخْتَلفَة من الْأَحْمَر والأصفر والأخضر يُقَال لما يخرج فِي الزَّرْع أَو فِي الرياض من الشقائق والزهر التهاويل وَلما علق على الهودج من الصُّوف الْأَحْمَر والأصفر والأخضر التهاويل قَالَ الشَّاعِر يذكر نبتا من الْبَسِيط ... وعازب قد علا التهويل جنبته ... لَا تَنْفَع النَّعْل فِي رقراقه الحافي ... وَفِي حَدِيث آخر أَن رجلا من الْيَهُود قَالَ لعبد المطلب صَبِيحَة اللَّيْلَة الَّتِي ولد فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عبد المطلب الْمَوْلُود الَّذِي كنت أحدثكُم عَنهُ قد ولد البارحة فَقَالَ لَهُ عبد المطلب قد ولد لي البارحة غُلَام قَالَ فَمَا اسْمه قَالَ مُحَمَّد قَالَ الْيَهُودِيّ ثَلَاث يشهدن عَلَيْهِ مِنْهَا أَنه طلع نجمه البارحة وَمِنْهَا اسْمه مُحَمَّد وَمِنْهَا أَنه ولد فِي صيابة قومه وَأَنت صيابتهم صيابة الْقَوْم صميمهم وخالصهم قَالَ ذُو الرمة وَذكر الْغرْبَان من الطَّوِيل ... ومستشحجات بالفرقا كَأَنَّهَا ... مثاكيل من صيابة النوب نوح ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 شبه الْغرْبَان فِي سوادها وشحيجها بنساء مثاكيل من أَشْرَاف النّوبَة يَنحن وَفِيه لُغَة أُخْرَى صوابة وَفِي حَدِيث يرويهِ وهب بن مُنَبّه إِن الله جلّ وَعز أوحى إِلَى شعيا أَنِّي أبْعث أعمى فِي عُمْيَان وَأُمِّيًّا فِي أُمِّيين أنزل عَلَيْهِ السكينَة وأؤيده بالحكمة لَو يمر إِلَى جنب السراج لم يطفئه وَلَو يمر على الْقصب الرعراع لم يسمع صَوته إِنَّمَا قيل لمن لَا يكْتب أُمِّي لِأَنَّهُ نسب إِلَى أمة الْعَرَب أَي جماعتها وَلم يكن من يكْتب من الْعَرَب إِلَّا قَلِيل فنسب من لَا يكْتب إِلَى الْأمة فَقيل أُمِّي كَمَا تَقول رجل عَامي تنسبه إِلَى عَامَّة النَّاس ثمَّ لزم هَذَا الِاسْم كل من لَا يكْتب فَقيل الْعَرَب أُمِّيُّونَ والقصب الرعراع الَّذِي قد طَال وَمِنْه يُقَال قد ترعرع الصَّبِي إِذا شب يُقَال صبي مترعرع ورعراع كَمَا تَقول تقَعْقع الشَّيْء فَهُوَ متقعقع وقعقاع وَمِنْه سمي الرجل الْقَعْقَاع قَالَ لبيد [من الطَّوِيل] ... تبْكي على إِثْر الشَّبَاب الَّذِي مضى ... أَلا أَن إخْوَان الشَّبَاب الرعارع ... وَإِذا طَال الْقصب فَهبت عَلَيْهِ أدنى ريح أَو مر بِهِ ألطف شخص تحرّك وَصَوت وَأَرَادَ جلّ وَعز أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وقور سَاكن الطَّائِر قَالَ عَمْرو بن أُميَّة بن عبد غنم فِي مجاشع [من الرجز] ... يَا قصبا هبت لَهُ الدبور ... فَهُوَ إِذا حرك جَوف خور ... وَبِهَذَا الْبَيْت قيل لمجاشع الخور قَالَ جرير [من الوافر] ... وخور مجاشع تركُوا لقيطا ... وَقَالُوا حنو عَيْنك والغرابا ... وَفِي حَدِيث آخر أَنه بَينا هُوَ وجبرئيل يتحدثان تغير وَجه جِبْرِيل حَتَّى عَاد كَأَنَّهُ كركمة والكركمة وَاحِدَة الكركم وَهُوَ الزَّعْفَرَان وَأَحْسبهُ فارسيا معربا وَبِه سمي الدَّوَاء الْمَنْسُوب إِلَى الكركم أنْشد أَبُو عُبَيْدَة [من الرجز] ... غيبا أرجيه ظنون الأظنن ... أماني الكركم إِذْ قَالَ اسْقِنِي ... وَهَذَا كَمَا يَقُول النَّاس منى الكمون وَفِي حَدِيث آخر أَنه كَانَ قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ يَأْتِي حراء فَيَتَحَنَّث فِيهِ اللَّيَالِي أَي يتعبد وَقيل للتعبد التحنث لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 يلقِي الْحِنْث عَن نَفسه وَمِنْه التحوب والتأثم وَلَيْسَ يعرف تفعل الرجل إِذا ألْقى الشَّيْء عَن نَفسه غير هَذِه قَالَ الْكُمَيْت وَذكر ذئبا أطْعمهُ وسقاه [من الطَّوِيل] ... وصب لَهُ شول من المَاء غابر ... بِهِ كف عَنهُ الحيبة المتحوب ... فَقَوله كف عَن نَفسه بِمَعْنى أَلْقَاهُ عَنهُ وَمِنْه قَول حَكِيم ابْن حزَام يَا رَسُول الله أَرَأَيْت أمورا كنت أتحنث بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة من صَدَقَة وصلَة رحم هَل لي فيهمَا من أجر فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسلمت على مَا سلف من خير يُرِيد بأتحنث ألقِي عَن نَفسِي الْحِنْث وأطلب النَّمَاء وَالْبركَة وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه وَأَبا بكر حِين خرجا مُهَاجِرين استأجرا رجلا من بني الديل هاديا خريتا فَأخذ بهم يَد بَحر يرويهِ معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة. قَوْله هاديا خريتا يُرِيد دَلِيلا ماهرا بِالدّلَالَةِ وَالدّلَالَة جَمِيعًا بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا وَيُقَال إِنَّه سمي خريتا لِأَنَّهُ يَهْتَدِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 لمثل خرت الإبرة وَلَا يخفى عَلَيْهِ قَالَ الطرماح وَذكر فلاة [من الطَّوِيل] ... إِذا اجتابها الخريت قَالَ لنَفسِهِ ... أَتَاك برجلي حائن كل حائن ... أَرَادَ قَوْلهم فِي الْمثل أتتك بحائن رِجْلَاهُ أَي ساقته رِجْلَاهُ إِلَيْك لحينه والخوتع أَيْضا مثل الخريت قَالَ الراجز [من الرجز] ... بهَا يضل الخوتع المشهر ... يُرِيد مفازة وَقَوله يَد بَحر يُرِيد السَّاحِل لِأَنَّهُ الطَّرِيق عَلَيْهِ وَمن هَذَا يُقَال للْقَوْم إِذا تفَرقُوا فِي الْبِلَاد تفَرقُوا أَيدي سبا يُرَاد أخذُوا طَرِيق سبا الَّذين مزقهم الله جلّ وَعز فِي الْبِلَاد كل ممزق وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أريت فِي الْمَنَام أَنِّي أنزع على قليب بِدَلْو بكرَة فجَاء أَبُو بكر فَنزع ذنوبا أَو ذنوبين فَنزع نزعا ضَعِيفا وَالله يغْفر لَهُ ثمَّ جَاءَ عمر فاستقا فاستحالت غربا فَلم أر عبقريا يفري فريه حَتَّى رُوِيَ النَّاس وضربوا بِعَطَن حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ عَبده بن عبد الله الصفار ثَنَا مُحَمَّد بن بشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 الْعَبْدي عَن عبيد الله بن عمر عَن أبي بكر بن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم القليب الْبِئْر وَجَمعهَا قلب والذنُوب الدَّلْو قَالَ الراجز [من الرجز] ... إِنَّا إِذا نازعنا شريب ... لنا ذنُوب وَله ذنُوب فَإِن أَبى كَانَ لَهُ القليب ... ونازعنا فِي هَذَا الْموضع لَيْسَ من مُنَازعَة الْخُصُومَة وَلكنه من مُنَازعَة الدلاء نَحْو المساجلة يَقُول ننزع دلوا وَينْزع دلوا والغرب الدَّلْو الْعَظِيم يكون من مسك الثور للسانية يُرِيد أَن الدَّلْو الصَّغِيرَة الَّتِي كَانَ يستقى بهَا أَبُو بكر صَارَت حِين استقى بهَا عمر دلوا عَظِيمَة وَذَلِكَ مثل لأفعاله وآثاره وقوته فَإِن نصبت الرَّاء فَقلت الغرب فَهُوَ المَاء السَّائِل بَين الْبِئْر والحوض والعطن الْموضع الَّتِي تبرك فِيهِ الْإِبِل إِذا رويت وصدرت عَن الْحَوْض يُقَال إبل عواطن وَقد ضربت بِعَطَن إِذا بَركت وَفِي الحَدِيث إِن رَسُول الله صلى ت الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صلوا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 مرابض الشَّاء وَلَا تصلوا فِي أعطان الْإِبِل وَقد فسر أَبُو عبيد رَحمَه الله فَلم أر عبقريا يفري فريه وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر نزُول الْمَسِيح وَقَالَ ينزل عِنْد المنارة الْبَيْضَاء شَرْقي دمشق فِي مهرودتين قَالَ وَتَقَع الأمنة فِي الأَرْض حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبد العزيز عَن أَحْمد ابْن الْوَلِيد بن برد عَن بشر بن بكر عَن عبد الرحمن بن يزِيد بن جَابر الْأَزْدِيّ عَن يحيى بن جَابر الْحِمصِي عَن عبد الرحمن بن جُبَير بن نفير الْحَضْرَمِيّ عَن أَبِيه عَن النواس بن سمْعَان الْكلابِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله مهرودتين هَذَا عِنْدِي غلط من بعض نقلة الحَدِيث وَلَا أرَاهُ إِلَّا مهروتين يُرِيد ملاءتين صفراوين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 يُقَال هريت الْعِمَامَة إِذا لبستها صفراء وَكَأن فعلت مِنْهُ هروت قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... رَأَيْتُك هريت الْعِمَامَة بَعْدَمَا ... أَرَاك زَمَانا حاسرا لم تعصب ... وَإِنَّمَا أَرَادَ بأنك لبست عِمَامَة صفراء كَمَا يلبس السَّادة وَكَانَ السَّيِّد يعتم بعمامة مصبوغة بصفرة وَلَا يكون ذَلِك لغيره قَالَ المخبل [من الطَّوِيل] ... وَأشْهد من عَوْف حلولا كَثِيرَة ... يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا ... يحجون يَعْنِي يعودون مرّة بعد مرّة وَحج الْبَيْت من هَذَا لِأَنَّهُ يُؤْتى فِي كل سنة والسب الْعِمَامَة يَقُول يأْتونَ الزبْرِقَان لسؤدده وَيُقَال إِنَّمَا سمي الزبْرِقَان لصفرة عمَامَته واسْمه حُصَيْن يُقَال تزبرقت الشَّيْء إِذا صفرته والزبرقان الْقَمَر أَيْضا وَمِمَّا يشْهد لهَذَا الْمَذْهَب الحَدِيث الآخر فِي صفة الْمَسِيح عِنْد نُزُوله رجل مَرْبُوع إِلَى الْحمرَة وَالْبَيَاض بَين مُمَصَّرَتَيْنِ والممصرة من الثِّيَاب الَّتِي فِيهَا صفرَة خَفِيفَة وَهِي نَحْو المهروة وَإِن كَانَت الرِّوَايَة مهرودتين فَلَا أعلم لَهَا وَجها إِن لم يكن مَنْسُوبا إِلَى نَبَات يصْبغ بِهِ إِلَّا أَن يَجْعَل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 الهرد والهرد والهرت الشق كَأَنَّهُ قَالَ بَين شقتين والشقة نصف الملاءة فِي الْعرض فَإِذا وصلت نصفا بِنصْف فَهِيَ ملاءة فَإِن كَانَت الملاءة قِطْعَة وَاحِدَة فَهِيَ ريطة قَالَ سَاعِدَة بن العجلان الْهُذلِيّ [من الوافر] ... غَدَاة شواحط فنجوت شدا ... وثوبك فِي عباقية هريد ... بِمَعْنى مهرود فعيل فِي معنى مفعول أَي مشقوق والعباقية قَالَ الْأَصْمَعِي هِيَ ضرب من الشّجر والأمنة والأمن وَاحِد قَالَ الله تَعَالَى {إِذْ يغشيكم النعاس أَمَنَة} مِنْهُ يَقُول يَقع فِي الأَرْض حَتَّى يَأْمَن صغَار الطير وضعافها كِبَارهَا وجوارحها وَحَتَّى يَأْمَن الشَّاء الذئاب والأنعام السبَاع وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ فِي حجَّة الْوَدَاع النِّسَاء لَا يعشرن وَلَا يحشرن حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو بن الْبَراء ثَنَا بن الْحَارِث ثَنَا هِشَام بن عبد الله ثَنَا بسام بن عبد الرحمن قَالَ سَمِعت أنسا يذكر ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله لَا يعشرن أَي لَا يُؤْخَذ الْعشْر من أموالهن وَمثله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 حَدِيثه الآخر إِن وَفد ثَقِيف اشترطوا عَلَيْهِ أَن لَا يحْشرُوا وَلَا يعشرُوا وَلَا يجبوا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا خير فِي دين لَا رُكُوع فِيهِ أَرَادوا أَن لَا يلزموا مَعَ الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة عشرا فِي أَمْوَالهم وَقَوله لَا يحشرن أَي لَا يحشرن إِلَى الْمُصدق ليَأْخُذ مِنْهُنَّ الصَّدقَات وَلَكِن يُؤْخَذ مِنْهُنَّ الصَّدقَات فِي مواضعهن وَقَالَ بسام لَا يحشرن أَي لَا يخْرجن فِي الْمَغَازِي وَلَيْسَ لهَذَا وَجه إِنَّمَا التَّفْسِير مَا أعلمتك حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنِي أَبُو وَائِل ثَنَا مُوسَى بن مَسْعُود عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن معقل بن عبيد الله عَن عَطاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُؤْخَذ صدقَات الْمُسلمين عِنْد بُيُوتهم وأفنيتهم وعَلى مِيَاههمْ وَأما شَرط ثَقِيف أَلا يجبوا فَإِن التجبية بمعنيين أَحدهمَا أَن يكب الرجل على وَجهه باركا وَالْآخر أَن يضع يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ وَهُوَ قَائِم وينحني وَهَذَا هُوَ الرُّكُوع يُقَال فيهمَا جَمِيعًا جبى الرجل يجبي تجبية وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 كل رَافِعَة رفعت علينا من الْبَلَاغ فقد حرمتهَا أَن تعضد أَو تخبط إِلَّا لعصفور قتب أَو مسد محَالة أَو عَصا حَدِيدَة حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الحجي عَن أبي حَازِم عَن حرَام بن عُثْمَان عَن ابي جَابر بن [83 / أ] عبد الله عَن جَابر قَوْله كل رَافِعَة رفعت علينا يُرِيد كل جمَاعَة مبلغة تبلغ عَنَّا وتذيع مَا نقُوله وَهَذَا كَمَا تَقول رفع فلَان على الْعَامِل إِذا أذاع خَبره وَحكى عَنهُ أَي فَكل حاكية حكت عَنَّا وَبَلغت فلتحك أَنِّي قد حرمتهَا يَعْنِي الْمَدِينَة أَن تعضد أَي يقطع شَجَرهَا يُقَال عضدت الشَّجَرَة إِذا قطعتها أَو قطعت مِنْهَا شَيْئا وَاسم مَا قطعته عضد قَالَ الْهُذلِيّ من الْبَسِيط ... ضرب الْمعول تَحت الديمة العضدا ... وَفِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ لَا يخضد شَوْكهَا يُرِيد لَا يقطع يُقَال خضدته وحصدته وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز {فِي سدر مخضود} أَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ لَا شوك فِيهِ فَكَأَنَّهُ خضد شوكه أَي قطع وَمن هَذَا قيل لمن أكل بجفاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وَسُرْعَة رجل مخضد وروى الْحسن بن مُوسَى عَن أبي هِلَال عَن جبلة بن عَطِيَّة عَن مسلمة بن مخلد قَالَ أَبُو هِلَال أَو عَن رجل عَن مسلمة أَنه رأى مُعَاوِيَة يَأْكُل فَقَالَ لعَمْرو بن الْعَاصِ إِن ابْن عمك هَذَا المخضد أما إِنِّي أَقُول هَذَا وَقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اللَّهُمَّ علمه الْكتاب وَمكن لَهُ فِي الْبِلَاد وقه الْعَذَاب فَقَوله أَو تخبط أَي يخبط وَرقهَا أَي يضْرب حَتَّى يسْقط إِلَى الأَرْض وَاسم مَا ضَربته فَسقط إِلَى الأَرْض خبط وَبِه سمي خبط الْإِبِل الَّذِي توجره لِأَنَّهُ ورق يخبط على شَجَرَة فَيسْقط ثمَّ يدق وَقَوله إِلَّا لعصفور قتب والقتب قتب الرحل وعصافيره عيدَان [83 / ب] تكون فِي الرّحال صغاره قَالَ الطرماح وَذكر الرّحال من المنسرح ... كل مَشْكُوك عصافيره ... قانئ اللَّوْن حَدِيث الدمام ... والدمام الطلاء من حمرَة أَو غَيرهَا يُقَال أدمم قدرك أَي أطلها والمسد هَاهُنَا الليف والمحالة البكرة يُرِيد إِلَّا الليف يمسد أَي يفتل فيسقى بِهِ المَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وَقَوله عَصا حَدِيدَة يُرِيد عَصا تقطع وَتجْعَل فِيهَا حَدِيدَة كالعنزة وأشباهها يَقُول فَلَا يقطع مِنْهَا شَيْء. . ذَلِك لبِنَاء وَلَا لغيره وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه ذكر قوما يخرجُون من النَّار ضبائر فيطرحون على نهر من أَنهَار الْجنَّة فينبتون كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي حميل السَّيْل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل رَأَيْتُمْ الصبغاء وَفِي حَدِيث آخر أَو كَمَا تنْبت التغاريز أَو الثعارير حَدَّثَنِيهِ أبي عَن يحيى بن سعيد عَن عُثْمَان بن غياث عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث طَوِيل الضبائر الْجَمَاعَات وكل شَيْء جمعته وضممت بعضه إِلَى بعض فقد ضبرته وَمِنْه قيل ضبرت الْكتب إِذا جمعتها وَمِنْه قيل للْجَمَاعَة يَغْدُونَ ضبر والحبة بزر النَّبَات وَقد ذكر أَبُو عبيد فِي حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 آخر لَيست فِيهِ هَذِه الْأَلْفَاظ وَقَوله هَل رَأَيْتُمْ الصبغاء شبه نَبَات لحومهم بعد احتراقها بنبات الطَّاقَة من النبت حِين تطلع وَذَلِكَ أَنَّهَا حِين تطلع تكون صبغاء فَمَا يَلِي الشَّمْس من أعاليها أَخْضَر وَمَا يَلِي الظل أَبيض والأصبغ من الدَّوَابّ الَّذِي ابْيَضَّتْ ناصيته وَمن المعزى الَّتِي ابيض طرف ذنبها ويوضح هَذَا حَدِيث آخر يرويهِ عَطاء بن بشار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فينبتون كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي حميل السَّيْل ألم تَرَوْهَا مَا يَلِي الظل مِنْهَا أصفر أَو أَبيض وَمَا يَلِي الشَّمْس مِنْهَا أَخْضَر وَإِذا كَانَت كَذَلِك فَهِيَ صبغاء والتغاريز يُقَال هُوَ مَا حول من فسيل النّخل وَغَيره سمي بذلك لِأَنَّهُ يحول فيغرز وَهُوَ التغريز والتنبيت قَالَ الشَّاعِر [من الرجز] ... صحراء لم ينْبت بهَا تنبيت ... وَمثله فِي التَّقْدِير التناوير جمع تنوير وَهِي نور الشّجر قَالَ عدي بن زيد [من الْخَفِيف] ... ومجود قد اسجهر تناوير ... كلون العهون فِي الأعلاق ... اسجهر ظهر وانبسط والتعارير الثآليل وَاحِدهَا ثعرور والثعارير أَيْضا حمل الطراثيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ فِي قصَّة خَيْبَر لَأُعْطيَن الرَّايَة رجلا يفتح الله على يَدَيْهِ فَبَاتَ النَّاس يدوكون فَلَمَّا أصبح دَعَا عليا عَلَيْهِ السَّلَام فَأعْطَاهُ الرَّايَة وَفِي حَدِيث آخر أَنه لما أعطَاهُ الرَّايَة خرج بهَا يؤج حَتَّى ركزها فِي رضم من حِجَارَة تَحت الْحصن يرويهِ عبيد بن هَاشم عَن عبد العزيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل بن سعد قَوْله يدوكون أَي يَخُوضُونَ فِيمَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ يُقَال النَّاس فِي دوكة إِذا كَانُوا فِي اخْتِلَاط وخوض وَقَوله يؤج أَي يسْرع يُقَال أج يؤج أجا وَيُقَال لَهُ أج الهرولة قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... سدا بيدَيْهِ ثمَّ أج بسيره ... كأج الظليم من قنيص وكالب ... وَقَالَ الآخر [من الطَّوِيل] ... يؤج كَمَا أج الظليم المنفر ... والرضم جمع رضمة وَهِي صخور أَمْثَال الجزر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 يكن بَعْضهَا على بعض يُقَال بنى فلَان دَاره فرضم فِيهَا الْحِجَارَة رضما وَمِنْه قيل رضم الْبَعِير بِنَفسِهِ إِذا رمى بِنَفسِهِ والرجمة دون الرضمة وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} أَتَى رضمة جبل فعلا أَعْلَاهَا حجرا فَنَادَى بالعهد يَا آل عبد منَاف إِنِّي نَذِير إِنَّمَا مثلي ومثلكم كَمثل رجل ذهب يربأ أَهله فَرَأى الْعَدو فخشي أَن يسبقوه فَجعل يُنَادي أَو يَهْتِف يَا صَبَاحَاه وَفِي حَدِيث آخر أَنه لما نزلت هَذِه الْآيَة بَات يفخذ عشيرته يَدعُوهُم إِلَى الله جلّ وَعز فَقَالَ الْمُشْركُونَ لقد بَات يهوت قَوْله يفخذ عشيرته أَي يَدعُوهُم فخذا فخذا وَقَوْلهمْ يهوت أَي يُنَادي يُقَال هيت بالقوم يهيت تهييتا إِذا قَالَ لَهُم هيت هيت ويهوت أَيْضا من هوت هوت وَفِي حَدِيث خَيْبَر إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 غَدا إِلَى النطاة وَقد دله الله على مشارب كَانُوا يستقون مِنْهَا ودبول كَانُوا ينزلون إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ فيتروون من المَاء فقطعها فَلم يَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى أعْطوا بِأَيْدِيهِم الدبول الجداول سميت بذلك لِأَنَّهَا تدبل أَي تنقى وَتصْلح قَالَ الْكسَائي يُقَال أَرض مدبولة إِذا أصلحتها بالسرجين وَغَيره حَتَّى تجود وكل شَيْء أصلحته فقد دبلته ودملته وَمِنْه يُقَال داملت الصّديق إِذا استصلحته قَالَ الشَّاعِر من الطَّوِيل ... شنئت من الإخوان من لست زائلا ... أدامله دمل السقاء المخرق ... وَقَوله يربأ أَهله أَي يحفظهم من عدوهم وَالِاسْم الربيئة يُقَال هَذَا ربيئة الْقَوْم أَي كالئهم وعينهم وَيُقَال ربأتهم أربؤهم ربأ وَإِنَّمَا قيل لَهُ ربيئة لِأَنَّهُ يكون على جبل أَو شرف ينظر وَيُقَال إِنِّي لأربأ بك عَن كَذَا أَي أرفعك وَمَا عرفت فلَانا حَتَّى أربأ لي أَي أشرف وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَقَالَ عراض الْوُجُوه صغَار الْعُيُون صهب الشعاف وَمن كل حدب يَنْسلونَ يرويهِ مُحَمَّد ابْن بشر عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن خَالِد بن عبد الله بن حَرْمَلَة عَن خاليه ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فَقَالَ فِي خطبَته ذَلِك وَقَالَ فِي حَدِيث آخر ذكر فِيهِ اهلاك الله اياهم فَقَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ ان دَوَاب الأَرْض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم قَوْله صهب الشعاف يُرِيد شعر الرؤوس وَاحِدهَا شعفة وَهِي أعلا الشّعْر وشعفة كل شَيْء أَعْلَاهُ وَكَذَلِكَ شعفة الْجَبَل قَالَ الْأَصْمَعِي قَالَ رجل ضَرَبَنِي عمر رَضِي الله عَنهُ فَسقط الْبُرْنُس عَن رَأْسِي فأغاثني بشعيفتين فِي رَأْسِي يَعْنِي أَنَّهُمَا وقتاه الضَّرْب وَقَوله تشكر أَي تمتليء وَمِنْه قيل شكرت الشَّاة تشكر شكرا اذا امْتَلَأَ ضرْعهَا لَبَنًا وشَاة شكرى وَبَعْضهمْ يتَوَهَّم انه تسكر سكرا من لحومهم وَالرِّوَايَة بالشين مُعْجمَة وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ من اقتراب السَّاعَة اخراب العامر وَعمارَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 الخرب وَأَن يكون الْفَيْء رفدا وَأَن يتمرس الرجل بِدِينِهِ تمرس الْبَعِير بِالشَّجَرَةِ حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن ابي اسحاق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن مُحَمَّد بن خراشة عَن عَمْرو بن مُحَمَّد ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك قَوْله اخراب العامر وَعمارَة الخرب يُرِيد نَحوا مِمَّا يَفْعَله الْمُلُوك من اخراب بِنَاء جيد مُحكم وابتناء غَيره فِي الْموَات والخراب فِي الأَرْض لغير مَا عِلّة الا اعطاء النَّفس الشَّهْوَة ومتابعة الْهوى وَيكون ان يُرِيد ادالة موتان الأَرْض من عامرها فِي آخر الزَّمَان حَتَّى يخرب العامر بالحاح الْفِتَن عَلَيْهِ ويعمر الخراب وَقد جَاءَت فِي هَذَا الْمَعْنى آثَار مِنْهَا ان خراب الْبَصْرَة بِالْغَرَقِ وخراب السوَاد بِالسَّيْفِ والجوع وخراب الجزيرة بممر الجيوش عَلَيْهَا وخراب خُرَاسَان بِالتّرْكِ وَقَوله وان يكون الْفَيْء رفدا أَي يكون الْخراج الَّذِي هُوَ لجَماعَة الْمُسلمين رفدا أَي صلات وَيُوضَع مَوْضِعه وَلَا يفرق على أَهله لكنه يخص قوم دون قوم على قدر الْهوى لَا بِالِاسْتِحْقَاقِ والرفد الصِّلَة يُقَال رفدت الرجل أرفده رفدا فالمصدر مَفْتُوح الرَّاء وَالِاسْم مكسورها وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن أَبِيه قَالَ قَالَ عمر لرجل مَا مَالك قَالَ أَلفَانِ مضمومان فِي بَيت المَال فَقَالَ أنجد مَالا سوى هَذَا فيوشك أَن يَأْتِي من لَا يُعْطي إِلَّا من يحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَقَوله أَن يتمرس الرجل بِدِينِهِ أَي يتلعب بِهِ ويعبث فِيهِ وَمِنْه قَول النَّاس فلَان يتمرس بِي أَي يتحكك ويتعبث وَقَوله تمرس الْبَعِير بِالشَّجَرَةِ أَي كَمَا يتحكك الْبَعِير بهَا أَو يتعبث وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ سَار مَعَه لَيْلًا فَسَأَلَهُ عَن شَيْء فَلم يجبهُ ثمَّ سَأَلَهُ فَلم يجبهُ ثمَّ سَأَلَهُ فَلم يجبهُ فَقَالَ عمر ثكلتك أمك يَا عمر نزرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَارًا لَا يجيبك حَدثنِي أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبد العزيز عَن القعْنبِي عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن عمر بن الْخطاب قَوْله نزرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي ألححت عَلَيْهِ قَالَ كثير [من المنسرح] ... لَا أنزر النائل الْخَلِيل إِذا مَا اعتل ... نزر الظؤور لم ترم ... اراد لم ترأم فَحذف الْهمزَة وَنقل لَهَا جرها إِلَى الرَّاء وَمِنْه يُقَال أَعْطَانَا عَطاء غير منزور أَي بِغَيْر إلحاح فِي سُؤال وَقَالَ آخر [من الطَّوِيل] ... فَخذ عَفْو من آتاك لَا تنزرنه ... فَعِنْدَ بُلُوغ الكد رنق المشارب ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 قَالَ كَانَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء يخط فَمن صَادف مثل خطه يرويهِ عبيد الله بن مُوسَى عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن أبي لبيد عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخطاط هُوَ الَّذِي يخط بإصبعه فِي الرمل ويزجر والعائف هُوَ الَّذِي يعيف الطير أَي يزجرها يُقَال عفت الطير أعيفها عيافة أَي زجرتها وعافت الطير تعيف عيفا إِذا حامت على المَاء وعاف الرجل الطَّعَام يعافه عيافا إِذا كرهه والطارق بالحصى هُوَ الَّذِي ينثرها ويزجر وَإِنَّمَا قيل لَهُ طَارق لِأَنَّهُ يضْرب بهَا الأَرْض والطرق الضَّرْب وَمِنْه سميت مطرقة الْحداد لِأَنَّهُ يضْرب بهَا ومطرق النجاد عوده الَّذِي يضْرب بِهِ الصُّوف حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد أَنه قَالَ للخطين الَّذين يخطهما الخطاط فِي الأَرْض ثمَّ يزْجر إبنا عيان فَإِذا زجرهما قَالَ ابْني عيان أَسْرعَا الْبَيَان قَالَ الرَّاعِي وَذكر قدحا [من الطَّوِيل] ... وأصفر عطاف إِذا رَاح ربه ... غَدا ابْنا عيان بالشواء المضهب ... يَقُول إِذا رَاح صَاحب هَذَا الْقدح بِهِ علم أَنه يخرج فائزا فَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 قمر أَتَى بالشواء فرواح صَاحبه بِهِ دَلِيل على الشواء كدلالة ابْني عيان وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى {أَو أثارة من علم} أَي أَنه الْخط آخر الرَّابِع من الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الصَّلَاة مثنى وَتشهد فِي كل رَكْعَتَيْنِ تبأس وتمسكن وتقنع يَديك وَفِي غير هَذِه الرِّوَايَة وتقنع رَأسك وَتقول اللَّهُمَّ اللَّهُمَّ فَمن لم يفعل ذَلِك فَهِيَ خداج قَالَ أَبُو جَعْفَر حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ حُسَيْن بن حُسَيْن بن حَرْب الْمروزِي قَالَ ثناه عبد الله بن الْمُبَارك عَن لَيْث بن سعد عَن عبد ربه بن سعيد عَن عمرَان بن أبي أنس عَن عبد الله بن نَافِع بن العمياء عَن ربيعَة بن الْحَرْب عَن الْفضل بن الْعَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله تبأس من الْبُؤْس وروى الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر أَنه قَالَ أَنْشدني ذُو الرمة من الطَّوِيل ... وَظَاهر لَهَا من يَابِس الشخت واستعن ... عَلَيْهَا الصِّبَا وَاجعَل يَديك لَهَا سترا ... [87 / أ] ثمَّ أنْشد فِيهِ ثَانِيَة ... وَظَاهر لَهَا من يأبس الشخت ... فَقلت لَهُ إِنَّك أنشدتنيه من يَابِس فَقَالَ اليبس هُوَ الْبُؤْس وَقَوله تمسكن أَي تذل وتخضع وأصل الْحَرْف السّكُون والمسكنة مفعلة مِنْهُ وَكَانَ الْقيَاس تسكن كَمَا يُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 تشجع وتحلم إِذا تشبه بالشجعاء والحلماء إِلَّا أَنه جَاءَ فِي هَذَا الْحَرْف تفعل وَمثله تمدرع من المدرعة وَأَصله تدرع قَالَ سِيبَوَيْهٍ كل مِيم كَانَت فِي أول حرف فَهِيَ مزيدة إِلَّا مِيم معزى وَمِيم معد تَقول تمعدد وَمِيم منجنيق وَمِيم مأجج وَمِيم مهدد وَقَوله وتقنع يَديك يُرِيد ترفعهما إِلَى السَّمَاء مُسْتَقْبلا ببطونهما وَجهك والإقناع فِي الرَّأْس أَيْضا نَحْو ذَلِك هُوَ أَن ترفعه وَتقبل بطرفك على مَا بَين يَديك قَالَ الله تَعَالَى {مهطعين مقنعي رؤوسهم} والمهطع المسرع يَقُول فَمن لم يفعل ذَلِك فَصلَاته خداج أَي نَاقِصَة وَأَصله من خدجت النَّاقة إِذا أَلْقَت وَلَدهَا قبل تَمام الْوَقْت يُقَال خدجت فَهِيَ خادج فَإِن ألقته لتَمام وَهُوَ نَاقص الْخلق قيل أخدجت فَهِيَ مُخْدج وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 خرج ذَات يَوْم وَهُوَ محتضن أحد ابْني بنته وَهُوَ يَقُول وَالله إِنَّكُم لتجبنون وتبخلون وتجهلون وَإِنَّكُمْ لمن ريحَان الله وَإِن آخر وَطْأَة وَطئهَا الله بوج يرويهِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة [87 / ب] قَالَ سَمِعت ابْن أبي سُوَيْد يَقُول سَمِعت عمر بن عبد العزيز يَقُول زعمت الْمَرْأَة الصَّالِحَة خَوْلَة بنت حَكِيم امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون ثمَّ ذكر ذَلِك قَوْله تبخلون وتجبنون وتجهلون سَمِعت قوما من حَملَة الحَدِيث فِي مجْلِس إِسْحَق يَخْتَلِفُونَ فِي هَذِه الْحُرُوف فَيَقُول بَعضهم هِيَ مُشَدّدَة وَيَقُول بَعضهم هِيَ مُخَفّفَة تبخلون وتجبنون وتجهلون وَأَنا مُبين لَك اجْتِمَاع فعلت وأفعلت فِي بعض الْحُرُوف وافتراقهما إِن فعلت تَأتي بِمَعْنى أفعلت كَقَوْلِك خبرت وأخبرت وبكرت وأبكرت وَسميت فلَانا لَا فرق بَينهمَا أَيهمَا قلت فَهُوَ بِمَعْنى الآخر وَتدْخل فعلت على إفعلت إِذا أردْت تَكْثِير الْعَمَل وَالْمُبَالغَة كَقَوْلِك أَجدت وجودت وأغلقت الْأَبْوَاب وغلقت وأقفلت وقفلت وأنزلت وَنزلت وَكَذَلِكَ تدخل فعلت على فعلت بتكثير الْعَمَل وَالْمُبَالغَة كَقَوْلِك كَسرته وكسرته وَفتحت الْبَاب وَفتحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 الْأَبْوَاب وطفت فِي الْبِلَاد وطوفت وَتَأْتِي فعلت أفعلت فِي حرفو يخْتَلف المعنيان فيهمَا من ذَلِك قَوْلك أكفرت الرجل وأضللتته إِذا أدخلته فِي الْكفْر والضلال فَإِن أردْت أَنَّك رميته بهما نسبته إِلَيْهِمَا قلت كفرته وضللته وَكَذَلِكَ حوبته وطلحته وفسقته وفجرته وسرقته وَقد قرئَ إِن ابْنك سرق أَي نسب إِلَى السرق أَو رمي بِهِ وَمن ذَلِك أبخلت الرجل وأجهلته وأجبنته أَي وجدته بَخِيلًا جَاهِلا جَبَانًا وَمثله أحمدته وأذممته وأخلفته أَي وجدته مَحْمُودًا ومذموما ومخلافا للوعد وَرُوِيَ عَن عمر بن معدي كرب أَنه قَالَ لبني سليم قاتلناكم فَمَا أجبناكم وسألناكم فَمَا أبخلناكم وهاجيناكم فَمَا أفحمناكم أَي لم نجد جبناء وَلَا بخلاء وَلَا مفحمين وَلَا يُرَاد بأفعل فِي شَيْء من هَذِه أدخلناكم فِي ذَلِك فَإِذا قلت بخلته وجهلته وجبنته فَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنَّك رميته بذلك وَمثله شجعته وَكَذَلِكَ تَقول إِذا أردْت أَنَّك أدخلته فِي شَيْء من هَذِه وَهُوَ معنى الحَدِيث بِالتَّشْدِيدِ تُرِيدُ أَن الْوَلَد ينْسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 أَبَاهُ إِلَى الْبُخْل والجبن وَالْجهل لِأَنَّهُ سَبَب لنسب النَّاس إِيَّاه إِلَى ذَلِك أَو أَنه يدْخلهُ فِي هَذِه الْخلال وَهَذَا كالحديث الآخر الْوَلَد مَبْخَلَة مَجْبَنَة مجهلَة وَأما قَوْله آخر وَطْأَة وَطئهَا الله بوج فَإِنِّي أرَاهُ وَالله أعلم أَن آخر مَا أوقع الله بالمشركين بِالطَّائِف وَوَج هِيَ الطَّائِف وَكَذَلِكَ قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة آخر غزَاة غَزَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّائِف وحنين وَاد قبل الطَّائِف وَذهب أَيْضا فِي تَفْسِير هَذَا الْحَرْف هَذَا الْمَذْهَب وَهَذَا شَبيه بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر وَابعث عَلَيْهِم سِنِين كَسِنِي يُوسُف وَمِنْه يُقَال وطأهم وطأ ثقيلا ووطأ الْمُقَيد يُرِيد بذلك أَنه طحنهم وأبادهم قَالَ الشَّاعِر [من الْكَامِل] ... ووطئتنا وطأ على حنق ... وطأ الْمُقَيد يَابِس الْهَرم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 ويروى نابت الْهَرم والهرم نبت ضَعِيف من الحمض والمقيد أثقل شَيْء وطأ لِأَنَّهُ يرسف فَيَضَع رجلَيْهِ مَعًا فِي مَوضِع فَإِذا وطئ الْهَرم كَسره وفته وَذكر الْأَصْمَعِي إِن أَعْرَابِيًا جِيءَ بِثَوْب رَقِيق فَقَالَ هَذَا حمضة قَالَ وَذَلِكَ أَن الحمضة إِذا مست تفتت وَفِيه قَول آخر حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنِي يزِيد بن عَمْرو ثَنَا عبد الله بن الزبير الْمَكِّيّ ثَنَا عبد الله بن الْحَارِث عَن ابي بكر بن عبد الرحمن عَن كَعْب قَالَ إِن وجا مقدس مِنْهُ عرج الرب إِلَى السَّمَاء يَوْم قضى خلق الأَرْض وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن رجلا قَالَ لَهُ يَا رَسُول الله مَا تركت من حَاجَة وَلَا داجة إِلَّا أتيت قَالَ أَلَيْسَ تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ بلَى قَالَ فَإِن هَذَا بِذَاكَ حَدَّثَنِيهِ زيد بن أخزم الطَّائِي ثناه أَبُو عَاصِم عَن مُسْتَوْرِد عَن عباد عَن ثَابت عَن أنس بن مَالك وَقَوله حَاجَة وَلَا داجة إِلَّا أتيت يُرِيد أَنه لم يدع شَيْئا دَعَتْهُ نَفسه إِلَيْهِ من الْمعاصِي إِلَّا رَكبه وداجة فِي هَذَا الْموضع إتباع كَمَا يُقَال حسن بسن وعطشان نطشان وَشَيْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 ليطان وَإِنَّمَا يتبعُون الْحَرْف الأول هَذَا التَّالِي بِإِرَادَة التوكيد وَالْمُبَالغَة فِي الْوَصْف وَالِاسْتِقْصَاء للمعنى وَمثله من الإتباع فِي الْجحْد بتكرير لَا قَوْلهم مَاله أثر وَلَا عثير وَمَاله حم وَلَا رم أَي لَا بُد من ذَلِك ورم تبع وخبرني أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ ثَنَا أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ بنيت سلحين مَدِينَة بِالْيمن فِي ثَمَانِينَ أَو سبعين سنة وبنيت براقش ومين بغسالة أَيْديهم فَلَا يرى لسلحين أثر وَلَا عثير وَهَاتَانِ قائمتان وَأنْشد لعَمْرو بن معدي كرب [من الوافر] ... دَعَانَا من براقش أَو معِين ... فاسمع واتلأب بِنَا مليع ... إتلأب تتَابع ومليع طَرِيق والعثير تبع فَأَما العثير فَهُوَ الْغُبَار وحَدثني الرياشي أَن العيثر أخفا من الْأَثر حَدثنَا عبد الله بن حبَان النَّحْوِيّ عَن أَبِيه عَن بعض الْعلمَاء إِن العثير هُوَ عين الشَّيْء يُرِيد شخصه وَهُوَ مثل قَوْلهم مَاله عين وَلَا أثر وَأنْشد [من الوافر] ... لعمر أَبِيك يَا صَخْر بن عَمْرو ... لقد عيثرت طيرك لَو تعيف ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 أَي لقد أَبْصرت وعاينت وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى عَلَيْهِ وَسلم أَنه دَعَا بِلَالًا بِتَمْر فَجعل يَجِيء بِهِ قبصا قبصا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْفق بِلَال وَلَا تخش من ذِي الْعَرْش إقلالا حَدثنِي ابي قَالَ حَدَّثَنِيهِ أَبُو سُفْيَان الغنوي قَالَ ثناه مُوسَى بن مَسْعُود النَّهْدِيّ ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَق قَالَ سَمِعت مسروقا يَقُول ذَلِك قبص جمع قبصة وَهُوَ من القبص والقبص بأطراف الْأَصَابِع والقبص بالكف كلهَا وَمثل ذَلِك مِمَّا يتقارب فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى القضم والخصم فالقضم بالأسنان والخضم بالفم كُله والنصح والنصخ والنصخ أَكثر من النصح وَلَا يُقَال مِنْهُ فعلت والحزم والحزن يُقَال إِن الحزم أرفع من الْحزن وَيُقَال هما جَمِيعًا وَاحِد لِأَن الْمِيم تبدل من النُّون وتبدل النُّون مِنْهَا لقرب مخرجها والمضمضة والمصمصة فالمصمصة بِطرف اللِّسَان والشفتين والمضمضة بالفم كُله حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن إِسْحَق عَن صَفْوَان عَن ابي الْمثنى عَن عتبَة بن عبد الرحمن وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن رَسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْقَتْلَى ثَلَاثَة رجل كَذَا وَرجل كَذَا وَرجل مُؤمن قرف على نَفسه من الذُّنُوب جَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله حَتَّى إِذا لَقِي الْعَدو قَاتل حَتَّى يقتل فَتلك ممصمصة محت ذنُوبه وخطاياه إِن السَّيْف محاء الْخَطَايَا أَرَادَ أَن الْقَتْل طهُور لَهُ من الذُّنُوب كَمَا يطهر التمضمض وَمن المصمصة حَدِيث أبي قلَابَة كُنَّا نمصمص من اللَّبن وقرأت بِخَط الْأَصْمَعِي حَدثنِي أَبُو الْأَشْهب عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرَأ فقبصت قبصة من أثر الرَّسُول على صَاد غير مُعْجمَة وَقَالَ أحفظ عَن ابي رَجَاء قبضت على ضاد مُعْجمَة وَكَأن قبصة اسْم مَا قبصت وقبصة بِفَتْح الْقَاف هِيَ الْمرة الْوَاحِدَة تَقول قبصت قبصة وَمثل هَذَا الغرفة والغرفة وَبَلغنِي عَن يُونُس أَنه قَالَ غرفت غرفَة بِالْفَتْح إِذا أردْت الْمرة الْوَاحِدَة وَفِي الْإِنَاء غرفَة وَكَذَلِكَ حسوت حسوة وَاحِدَة وَفِي الصحفة حسوة وَقَالَ الْفراء خطوت خطْوَة وَاحِدَة والخطوة مَا بَين الْقَدَمَيْنِ فالمضموم من هَذِه هُوَ اسْم الشَّيْء بِعَيْنِه وَالْمعْنَى إِن بِلَالًا كَانَ يَأْتِيهم بِهِ قَلِيلا قَلِيلا فَقَالَ لَهُ أنْفق وَلَا تخف فقرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يوطن الْمَسَاجِد للصَّلَاة وَالذكر رجل إِلَّا تبشبش الله بِهِ من حِين يخرج من بَيته كَمَا تبشبش أهل الْبَيْت بغائبهم إِذا قدم عَلَيْهِم حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن دَاوُد عَن عبد الله بن وهب عَن رجل عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله يتبشبش هُوَ من البشاشة وَهُوَ يتفعل إِلَّا أَنهم يستثقلون الْكَلِمَة إِذا جَاءَت على هَذَا الْوَزْن وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يجْتَمع فِيهِ ثَلَاثَة أحرف فيبدلون الْأَوْسَط مِنْهَا وَمثله قَوْلهم فلَان يتململ على فرَاشه وَإِنَّمَا أَصله يتملل من الْملَّة يُرِيدُونَ كَأَنَّهُ على مِلَّة وَهِي مَوضِع الخبزة فِي الرماد أَو فِي الْجَمْر وَمِنْه قَوْلهم حثحثته إِنَّمَا أَصله حثثته وكفكفته إِنَّمَا هُوَ كففته وتكمكمت الْجَارِيَة إِنَّمَا هُوَ تكممت من الكمة وَهِي القلنسوة وَقَالَ الفرزدق يصف نسَاء [من الطَّوِيل] ... مَوَانِع للأسرار إِلَّا لأَهْلهَا ... ويخلفن مَا ظن الغيور المشفشف ... أَرَادَ المشفف وَهُوَ الَّذِي شفته الْغيرَة وَمثل هَذَا حَدِيثه الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 إِن نَاقَته أناخت عِنْد بَيت أبي أَيُّوب وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام وَاضع زمامها ثمَّ تلحلحت وأرزمت وَوضعت جِرَانهَا تلحلحت أَقَامَت وَثبتت بمكانها يُقَال تلحلح الرجل إِذا أَقَامَ وَلم يبرح فَإِذا قدمت الحاءين قبل اللامين فَقلت تحلحل أردْت ذهب وَلم يقم لِأَن أصل تلحلح تلح مَأْخُوذ من ألح يلح كَأَنَّهَا ألحت على الْمَكَان فَلم تَبْرَح وَيُقَال ألحت النَّاقة كَمَا يُقَال حرن الْفرس إِذا اقام وَلم يبرح وأصل تحلحل تتحلل والتحلحل هُوَ الذّهاب والافتراض قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... أنَاس إِذا قيل انفروا قد أتيتم ... أَقَامُوا على أثقالهم وتلحلحوا ... وَقَوله أرزمت أَي صوتت يُقَال أرزمت النَّاقة ترزم إرزاما وَالِاسْم الرزمة وَهُوَ صَوت لَا تفتح بِهِ فاها دون الحنين حَدثنِي أبي حَدَّثَنى عبد الرحمن بن عبد الله عَن عَمه الْأَصْمَعِي قَالَ ثَنَا بعض جلساء أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ ضرب الْمَخَاض امْرَأَة من أهل الْبَادِيَة فَاجْتمع إِلَيْهَا النِّسَاء فَلَمَّا ولدت سكتن وارتابت بسكوتهن وَلم ترهن تبشبشن وَلَا فرحن فَقَالَت [من الرجز] ... كأنني من قولهن الهمس ... وَقلة التَّكْبِير عِنْد اللَّمْس ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 .. مَعَ الأشاكي سليم يأس ... مَا بك من جَارِيَة من بَأْس ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أرسل أم سليم تنظر إِلَى امْرَأَة فَقَالَ شمي عوارضها وانظري إِلَى عقبيها يرويهِ إِسْحَق بن مَنْصُور عَن عمَارَة الصيدلاني عَن ثَابت عَن أنس الْعَوَارِض الْأَسْنَان الَّتِي فِي عرض الْفَم وَعرضه جَانِبه وَهِي مَا بَين الثنايا والأضراس وَاحِدهَا عَارض يُقَال امْرَأَة نقية الْعَارِض والعارضين قَالَ جرير من الوافر ... أَتَذكر يَوْم تصقل عارضيها ... بفرع بشامة سقِِي البشام ... وكل جَانب عَارض قَالَ الْأَصْمَعِي للْإنْسَان من فَوق ثنيتان ورباعيتان مُخَفّفَة ونابان وضاحكان وست أرحاء ثَلَاث من كل جَانب وناجذان وَمِنْه الحَدِيث ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه يُرَاد انْفَتح فوه من شدَّة الضحك حَتَّى رأى آخر أَضْرَاسه من استقبله وَله مثل ذَلِك من أَسْفَل والنواجذ للْفرس أَيْضا أقْصَى أَضْرَاسه وَهِي الأنياب من الْخُف والسوالغ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 الظلْف وَاحِدهَا سالغ قَالَ أَبُو زيد لكل خف وظلف ثنيتان من أَسْفَل فَقَط وللحافر وَالسِّبَاع كلهَا أَربع ثنايا وللحافر بعد الثنايا أَربع رباعيات وَأَرْبَعَة قوارح وَأَرْبَعَة أَنْيَاب وَثَمَانِية أضراس والعارض أَيْضا الخد فِي غير هَذَا الْموضع يُقَال أَخذ من عارضيه أَي من خديه وَإِنَّمَا أمرهَا أَن تشم عوارضها لتبور بذلك ريح فمها وَتنظر إِلَى عقبيها لتستدل بِهِ على جَسدهَا قَالَ الْأَصْمَعِي إِذا اسود عَقبهَا اسود سائرها وَأنْشد قَول النَّابِغَة [من الْبَسِيط] ... لَيست من السود أعقابا إِذا انصرفت ... وَلَا تبيع بجنبي نَخْلَة البرما ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سحر جَاءَنِي رجلَانِ فَجَلَسَ أَحدهمَا عِنْد رَأْسِي وَالْآخر عِنْد رجْلي فَقَالَ أَحدهمَا مَا وجع الرجل قَالَ مطبوب قَالَ من طبه قَالَ لبيد بن الأعصم قَالَ فِي أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 شَيْء قَالَ فِي مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قَالَ وَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي بِئْر ذِي أروان يرويهِ ابْن نمير عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَفِي حَدِيث أَنه حِين أخرج سحره جعل عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام يحله وَكلما حل عقدَة وجد لذَلِك خفَّة فَقَامَ فَكَأَنَّمَا أنشط من عقال المطبوب المسحور وأصل الطِّبّ الحذق بالأشياء يُقَال رجل طب بِكَذَا إِذا كَانَ حاذقا بِهِ وَمِنْه قَول عنترة من الْكَامِل ... فإنني طب بِأخذ الْفَارِس المستلئم ... وَيُقَال فِي مثل عمله لَك عمل من طب لمن حب أَي عمل الحاذق لمن يحب وَمن هَذَا قيل للمعالج طَبِيب والمشاطة الشّعْر الَّذِي يسْقط من الرَّأْس إِذا سرح بالمشط وَمثله مَا جَاءَ على فعالة مِمَّا يسْقط على معالجة وَعمل النحاتة وَهِي اسْم مَا وَقع عَن النحت والنخالة اسْم مَا وَقع عَن النّخل والقوارة اسْم مَا وَقع عَن التقوير وقلامة للظفر اسْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 مَا وَقع عَن تقليمه والسحالة اسْم مَا وَقع عَن السحل والخلالة اسْم مَا سقط من الْفَم عَن التخلل والكساحة وَالْقُمَامَة والخمامة اسْم مَا وَقع عَن الكسح والقم والخم وَهُوَ الكنس وجف الطلعة قشرها وَأما الجف الَّذِي نهي أَن ينْبذ فِيهِ فَإِنَّهُ شَيْء ينقر من جذع النَّخْلَة وَهِي أَيْضا قربَة يقطع عِنْد يَديهَا وينبذ فِيهَا وبئر ذِي أروان بِئْر مَعْرُوفَة وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَبَعْضهمْ يخطأ فَيَقُول ذروان وَقَوله أنشط من عقال أَي حل يُقَال أنشطت الْعقْدَة حللتها ونشطتها عقدتها بأنشوطة وَقد جَاءَت حُرُوف على هَذَا الْمِثَال وَيكون أفعلت فِيهَا ضدا لفَعَلت مثل قَوْلهم أخفيت الشَّيْء سترته وخفيته أظهرته وأفرطت جَاوَزت الْقدر وفرطت قصرت وأعذرت فِي طلب الْحَاجة بالغت وعذرت قصرت وأقسطت فِي الحكم عدلت وقسطت فِيهِ جرت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن المقسطين فِي الدُّنْيَا على منائر من لُؤْلُؤ يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ أَبُو مُوسَى من إجلال الله إكرام ذِي الشيبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 الْمُسلم وحامل الْقُرْآن غير الغالي فِيهِ وَلَا الجافي عَنهُ وإكرام ذِي السُّلْطَان المقسط فَهَذَا من أقسطت أَي عدلت وَقَالَ الله جلّ وَعز {وَأما القاسطون فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا} وَهَذَا من قسطت أَي جرت وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر الْحق على صَاحب الْإِبِل فَقَالَ إطراق فَحلهَا وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على المَاء وَحمل عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله يرويهِ يعلى عَن عبد الملك عَن أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله إطراق فَحلهَا يَعْنِي إنزاؤه يُقَال طرق الْفَحْل النَّاقة إِذا نزا عَلَيْهَا وَيُقَال أطرقني فحلك وفرسك والطروقة هِيَ الَّتِي يضْربهَا الْفَحْل ومنحتها إعارتها فِي هَذَا الْموضع وَهُوَ أَن يدْفع مِنْهَا بَعْضًا إِلَى قوم لَا در لم يَنْتَفِعُونَ بألبانها وَمِنْه حَدِيثه الآخر حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو الْحطاب عَن بشر بن الْمفضل عَن يُونُس عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل من رجل يمنح من إبِله نَاقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 أهل بَيت لَا در لَهُم تَغْدُو برفد وَتَروح برفد إِن أجرهَا لعَظيم والرفد الْقدح فَإِن أَنْت دفعت مِنْهَا شَيْئا ليركب فَذَلِك الإفقار يُقَال أفقرت فلَانا بَعِيرًا وَمِنْه حَدِيثه الآخر قَالَ أَبُو رهم الْغِفَارِيّ خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك فَسَأَلَنِي عَن قوم تخلفوا عَنهُ وَقَالَ مَا يمْنَع أحدهم أَن يفقر الْبَعِير من إبِله فَيكون لَهُ مثل أجر الْخَارِج فَإِن أَنْت دفعت مِنْهَا شَيْئا للضراب فَذَلِك الإطراق وَتَكون المنحة فِي مَوضِع آخر الْهِبَة وَأما قَوْله وحلبها على المَاء فَإِنَّهُ أَرَادَ عِنْد المَاء يَقُول عَلَيْهِ من الْحق أَن يحلبها فِي الْمجمع ليسقي أَهله وَهَذَا مثل نَهْيه عَن جدَاد النّخل بِاللَّيْلِ وَهُوَ صرامه أَرَادَ أَن يصرم نَهَارا ليحضره النَّاس فينالوا من التَّمْر وَكَانُوا إِذا أوردوا الْإِبِل حلبوها يَوْم الْورْد وَسقوا من حضر قَالَ النمر بن تولب لامْرَأَته حِين عاتبته على إيثاره بألبان إبِله [من الطَّوِيل] ... عَلَيْهِنَّ يَوْم الْورْد حق وَحُرْمَة ... وَهن غَدَاة الغب عنْدك حفل ... يَقُول على الْإِبِل يَوْم وردهَا حق وَهُوَ أَن يسقى من حضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 أَلْبَانهَا وَهِي بعد الْورْد بِيَوْم تَأْتِيك حفلا أَي ممتلئات الضروع فاسكبي وَلَا تجزعي وَمثله الحَدِيث الآخر أَنه قَالَ نعم الْإِبِل الثَّلَاثُونَ تحمل على نجيبها وتمنحها يَوْم وردهَا فِي أعطانها اراد تدفع مِنْهَا يَوْم الْورْد مَا يحلب وَيشْرب لبنه ثمَّ ترد إِلَيْك وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن السقط ليراغم ربه إِن أَدخل أَبَوَيْهِ النَّار فيجترهما بسرره حَتَّى يدخلهما الْجنَّة يرويهِ مُصعب بن الْمِقْدَام عَن منْدَل عَن الْحسن بن الحكم عَن أَسمَاء بنت عَبَّاس عَن أَبِيهَا عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله يراغم ربه من المراغمة وَهِي الْغَضَب يُقَال راغمت فلَانا إِذا أغضبته وترغمت أَي غضِبت وَأما التزغم بالزاي فَهُوَ الْغَضَب مَعَ كَلَام فَأَما الحَدِيث الآخر إِنَّه يظل محبنطيا على بَاب الْجنَّة فَإِن أَبَا عُبَيْدَة قد ذكر وَفَسرهُ المحبنطئ المتغضب المستبطئ للشَّيْء قَالَ فَإِذا همز فَهُوَ الْعَظِيم الْبَطن المنتفخ وذاكرت بِهَذَا الْحَرْف شَيخا من الْعلمَاء باللغة فَقَالَ لي المحبنطىء المتمدد وأنشدني فِي مقتل النُّعْمَان بن الْمُنْذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 [من السَّرِيع] ... بَين فيول الْهِنْد يحبطنه ... محبنطئا تدمى نواحيه ... والسرر للمولود مَا تقطعه الْقَابِلَة وَهِي السِّرّ وَمَا بَقِي بعد الْقطع فَهُوَ السُّرَّة يُقَال سر فلَان إِذا قطع سرره وَمِنْه حَدِيث ابْن عمر فِي شَجَرَة سر تحتهَا سَبْعُونَ نَبيا أَي قطع سررهم وَأَخْبرنِي الرياشي فِي بَيت أبي ذُؤَيْب [من المتقارب] ... بِآيَة مَا وقفت والركاب بَين الْحجُون وَبَين السرر ... قَالَ هُوَ هَذَا الْموضع الَّذِي سر فِيهِ الْأَنْبِيَاء وَهُوَ من مَكَّة إِلَى أَرْبَعَة أَمْيَال وَكَانَ عبد الصمد بن عَليّ بنى عَلَيْهِ مَسْجِدا وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن يحيى الْقطعِي عَن عبد الأعلى عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن مُسلم بن يسَار عَن أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على عبَادَة بن الصَّامِت يعودهُ فِي مَرضه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 فَذكر الشُّهَدَاء فَقَالَ وَالنُّفَسَاء شَهَادَة يجرها وَلَدهَا بسرره إِلَى الْجنَّة وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لرجل أَتَاهُ أرب إبل أَنْت أم رب غنم قَالَ من كل قد أَتَانِي الله فَأكْثر وَأطيب قَالَ فتنتجها وافية أعينها وآذانها فتجدع هَذِه فَتَقول صربى وَتقول بحيرة فساعد الله أَشد وموساه أحد وَلَو شَاءَ أَن يَأْتِيك بهَا صربى أَتَاك حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ أَحْمد بن سعيد صَاحب أبي عبيد عَن ابْن حَنْبَل عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ ثَنَا أَبُو الزعرا عَمْرو بن عَمْرو عَن عَمه أبي الْأَحْوَص عَن أَبِيه قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَعدَ فِي الْبَصَر وَصوب ثمَّ قَالَ لي ذَلِك قَوْله فتنتجها يُرِيد فتنتج عنْدك يُقَال نتجت نَاقَتي إِذا ولدت عنْدك ونتجت إِذا ولدت وَلَا يُقَال نتجت فَإِذا تبين حملهَا قيل أنتجت فَهِيَ نتوج وَلَا يُقَال منتج وَقَوله وافية أعينها وآذانها يُرِيد تَامَّة الْأَعْين والآذان يُقَال وفا شعره إِذا تمّ وَطَالَ وَهُوَ واف وأوفيته أَنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وأحسب الْوَفَاء بالعهد والميثاق من هَذَا وَمِنْه قَوْله أتيت لَيْلَة أسرِي بِي على قوم تقْرض شفاههم كلما قرضت وفت فَقَالَ جِبْرِيل هَؤُلَاءِ خطباء أمتك الَّذين يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَقَوله وَتقول بحيرة بَلغنِي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق أَنه قَالَ الْبحيرَة بنت السائبة وَكَانَت السائبة فيهم أَن النَّاقة إِذا تابعت بَين عشر إناث لَيْسَ فِيهِنَّ ذكر سيبت فَلم يركب ظهرهَا وَلم يجز وبرها وَلم يشرب لَبنهَا إِلَّا ضيف فَمَا نتجت بعد ذَلِك من أُنْثَى شقّ أذنها ثمَّ خلي سَبِيلهَا مَعَ أمهَا فَلم يركب ظهرهَا وَلم يجز وبرها وَلم يشرب لَبنهَا إِلَّا ضيف فَمَا نتجت بعد ذَلِك من أُنْثَى شقّ حَدثنِي أبي أَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ الْبحيرَة النَّاقة إِذا نتجت خَمْسَة أبطن فَكَانَ آخر سقبا ذكرا شَقوا أذن النَّاقة وخلوا عَنْهَا فَلَا تحلأ عَن مَاء وَلَا مرعى وَلَا ينْتَفع بهَا ويلقاها المعيي فَلَا يركبهَا تحرجا وحَدثني أبي حَدثنِي ابْن مَرْزُوق ثَنَا صَفْوَان بن هُبَيْرَة ثَنَا أَبُو بكر الْهُذلِيّ عَن عِكْرِمَة أَنه قَالَ الْبحيرَة النَّاقة إِذا ولدت خَمْسَة أبطن ينظر فِي الْبَطن الْخَامِس فَإِن كَانَ سقبا ذبحوه فأكلوه وَإِن كَانَ ربعَة تكوى أذنها وَقَالُوا هَذِه بحيرة فَلم يشرب لَبنهَا وَلم يفقر ظهرهَا وَهَذِه ثَلَاثَة أقاويل فِي الْبحيرَة وَإِنَّمَا سميت بحيرة لشقهم أذنها وَالْبَحْر الشق وَهِي فعيلة بِمَعْنى مفعولة وَأما السائبة فقد بَينا مَا قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وحَدثني أبي أَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ السائبة أَن يسيب الرجل بعيره فَلَا يركب وَلَا يحلأ عَن مَاء كالبحيرة وَكَانُوا ينذرون السائبة عِنْد الْمَرَض إِن عافى الله مِنْهُ أَو الضَّالة إِن ردهَا الله وَنَحْو ذَلِك وَقَالَ عِكْرِمَة فِيهِ نَحْو قَول أبي عُبَيْدَة بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم وَأما الوصيلة فَإِنَّهَا من الْغنم بإجماعهم جَمِيعًا قَالَ ابْن إِسْحَق هِيَ الشَّاة إِذا أنأمت عشر إناث مُتَتَابِعَات فِي خَمْسَة أبطن لَيْسَ فِيهِنَّ ذكر جعلت وصيلة فَقَالُوا قد وصلت فَكَانَ مَا ولدت بعد ذَلِك للذكور دون الْإِنَاث وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة كَانَت الْعَرَب إِذا ولدت الشَّاة ذكرا قَالُوا هَذَا لِآلِهَتِنَا فيتقربون بِهِ وَإِذا ولدت أُنْثَى قَالُوا هَذِه لنا وَإِذا ولدت ذكرا وَأُنْثَى قَالُوا وصلت أخاها فَلم يذبحوه لمكانها وَقَالَ عِكْرِمَة بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم الوصيلة الشَّاة إِذا ولدت سَبْعَة أبطن نظر فِي الْبَطن السَّابِع فَإِن كَانَ جديا ذبحوه فَأَكله الرِّجَال دون النِّسَاء وَقَالُوا هَذَا حَلَال لذكورنا ومحرم على أَزوَاجنَا وإناثنا وَإِن كَانَ عنَاقًا سرحت فِي غنم الْحَيّ وَإِن كَانَ جديا وعناقا قَالُوا وصلت أخاها فسميت وصيلة وَأما الحامي فَإِنَّهُ الْبَعِير ينْتج من صلبه عشرَة أبطن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 فَيُقَال حمي ظَهره ويخلى اتَّفقُوا جَمِيعًا على ذَلِك وَزَاد أَبُو عُبَيْدَة وَكَانَت الْعَرَب إِذا بلغت إبل الرجل ألفا فَقَأَ عين بعير مِنْهَا من خِيَارهَا وخلي وأنشدني ابْن حبَان النَّحْوِيّ عَن أَبِيه [من الطَّوِيل] ... إِذا عَار عين الْفَحْل لم ير أَهله ... بِأَهْل وَلم يقنع سُوَيْد بِأَرْبَع ... وخبرني عَن أَبِيه أَنهم كَانُوا يفقئون عين الْفَحْل مَخَافَة الْعين عَلَيْهَا يَقُول فَهَذَا الرجل إِذا كثر مَاله ازدرى أَهله وَلم يقنع بِأَرْبَع نسْوَة يخدمنه أَو قَالَ يخدمن إبِله وَقَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وافية أعينها يُرِيد هَذَا الْمَعْنى أَنَّهَا تولد صِحَاح الْعُيُون فيفقئون عينهَا وصربى هُوَ من قَوْلك صربت اللَّبن فِي الضَّرع إِذا أَنْت جمعته فِيهِ وَلم تحلبه وَيُقَال لما اجْتمع مِنْهُ وَمن غَيره الصريب قَالَ الْكُمَيْت يمدح رجلا [من الوافر] ... صنعت إِلَيّ مَا سيغب عِنْدِي ... وَذخر مَا لحاقته الصريب ... وَإِنَّمَا قيل للبحيرة صربى لأَنهم كَانُوا لَا يحلبونها إِلَّا لضيف فيجتمع اللَّبن فِي ضرْعهَا كَمَا قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق وَقَالَ ابْن شهَاب سَمِعت ابْن الْمسيب يَقُول الْبحيرَة الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 يمْنَع درها للطواغيت فَلَا يحلبها أحد من النَّاس وَنَحْوه شَاة شكرى إِذا كَانَت ممتلئة الضَّرع وشكرة والإشتكار الإحتفال كَأَنَّهَا اشتكرت وَكَأن الصربى من صربت اللَّبن فِي ضرْعهَا أَي جمعته والصرب من اللَّبن الحامض يُقَال قد صرب اللَّبن فِي الوطب يصربه صربا إِذا حلب بعضه على بعض وَتَركه يحمض قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... سيكفيك صرب الْقَوْم لحم مغرض ... وَمَاء قدور فِي القصاع مشوب ... والمغرض الَّذِي لم ينضج فَإِن أَنْت فتحت الرَّاء فَقلت الصرب فَهُوَ الصمغ الْأَحْمَر قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... أَرض عَن الْخَيْر وَالسُّلْطَان نائية ... فالأطيبان بهَا الطرثوث والصرب ... وَبَعْضهمْ يَجْعَل الصربى من الصرم وَهُوَ الْقطع والجدع وَيجْعَل الْبَاء فِيهِ مبدلة من مِيم كَمَا يُقَال لَازم فِي لازب وَمِنْه قيل للسيف صارم أَي قَاطع وصرمت الْحَبل صرما بِفَتْح الصَّاد إِذا كَانَ مصدرا والصرم الِاسْم بضَمهَا وَهَذَا عِنْدِي أصح التفسيرين لقَوْله فتجدع هَذِه فَتَقول صربى وَلِأَنَّهُ رُوِيَ من وَجه آخر أَنه قَالَ فَقطع آذان بَعْضهَا فَتَقول هَذِه بَحر وتشق آذان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 أُخْرَى فَتَقول هَذِه صرم وَمِنْه الحَدِيث الآخر فِي هَذِه الْأمة خمس فتن قد مَضَت أَربع وَبقيت وَاحِدَة وَهِي الصيرم وَهُوَ فيعل من صرمت مثل الفيصل من فصلت وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي غَزْوَة خَيْبَر من كَانَ مضعفا أَو مصعبا فَليرْجع حَدثنِي أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَق الْفَزارِيّ عَن يسر بن نمير عَن الْقسم عَن أبي أُمَامَة قَوْله من كَانَ مصعبا يُرِيد من كَانَ بعيره صعبا وَكَذَلِكَ قَوْله من كَانَ مضعفا أَي كَانَ بعيره ضَعِيفا يُقَال أصعب الرجل وأضعف وَأقوى إِذا كَانَ بعيره كَذَلِك وَفِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ فِي غَزْوَة تَبُوك لَا يخْرجن مَعنا إِلَّا رجل مقو يُقَال للحمال قوي مقو إِذا كَانَ قَوِيا فِي بدنه وَكَانَت إبِله قَوِيَّة وَيُقَال رجل خَبِيث مخبث إِذا كَانَ خبيثا وَأَصْحَابه خبثاء فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ المضعف أَمِير على أَصْحَابه يَعْنِي فِي السّفر يُرِيد أَنهم يَسِيرُونَ بسيره وَهُوَ مثل قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقطف الْقَوْم دَابَّة أَمِيرهمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من حفظ مَا بَين فقميه وَرجلَيْهِ دخل الْجنَّة يرويهِ مُعلى بن مَنْصُور عَن مُوسَى بن أعس عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن عقيل مولى ابْن عَبَّاس الفقمان هَاهُنَا اللحيان يُرِيد من حفظ لِسَانه وفرجه دخل الْجنَّة ويروى أَن أَكْثَم بن صَيْفِي قَالَ مقتل الرجل بَين فَكَّيْهِ والفكان اللحيان قَالَ أَبُو زيد يُقَال للرجل إِذا قَاتل رجلا فَأخذ بلحييه وذقنه أَخذ بفقميه والفقم فِي الْفَم أَن يتَقَدَّم الثنايا السُّفْلى فَلَا يَقع عَلَيْهَا الْعليا إِذا ضم الرجل فَاه وحَدثني أبي ثَنَا السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي الْأَشْهب العطاردي قَالَ كَانَ يُقَال من وقِي شَرّ لقلقه وَشر قبقبه وَشر ذبذبه فقد وقِي وَقَالَ الْأَصْمَعِي اللقلق اللِّسَان والقبقب الْبَطن والذبذب الْفرج وَقَالَ غَيره إِنَّمَا قيل للسان لقلق من اللَّقْلَقَة وَهِي الجلبة وَكَأن اللَّقْلَقَة حِكَايَة الْأَصْوَات إِذا كثرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وَمِنْه حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ مَا على نسَاء بني الْمُغيرَة أَن يسفكن من دُمُوعهنَّ على أبي سُلَيْمَان مالم يكن نقع وَلَا لقلقَة وَقَالَ إِنَّمَا قيل للبطن قبقب من القبقبة وَهُوَ صَوت يسمع من الْبَطن وَكَأن القبقبة حِكَايَة ذَلِك الصَّوْت وَمثل هَذَا الحَدِيث فِي قوم يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز جراجرهم قَالَ الْأَصْمَعِي أَرَادَ حُلُوقهمْ وسماهاه جراجر لجرجرة المَاء إِذا شرب وَإِنَّمَا تكون الجرجرة فِي الْحلق وَكَأَنَّهَا حِكَايَة الجرع قَالَ وَلَا وَاحِد لَهَا وَأنْشد للنابغة [من الطَّوِيل] ... لهاميم يسيلهونها فِي الجراجر ... وَنَحْو من هَذَا قَول الْهُذلِيّ [76 / ب] من الْبَسِيط ... بالطعن شغشغة وَالضَّرْب هيقعة ... ضرب المعولأ تَحت الديمة العضدا ... فالشغشغة حِكَايَة صَوت الطعْن والهيقعة حِكَايَة صَوت الضَّرْب ثمَّ شبهه بِصَوْت ضرب الرجل عضدا وَهُوَ مَا قطع من الشّجر ليبنى بِهِ عَالَة وَهِي شبه الطلة يسْتَتر بهَا من الْمَطَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وَمثله قَول رُؤْيَة من الرجز ... وَلم يزل عز تَمِيم مدعما ... للنانس يَدْعُو هيقما وهيقما ... قَالَ شبهه بفحل وضربه مثلا وهيقم حِكَايَة صَوته وَبَعْضهمْ يرويهِ كالبحر يَدْعُو فَمن رَوَاهُ كَذَلِك أَرَادَ حِكَايَة أصوات موجه وَمثله فِي شعر رُؤْيَة ... تسمع للجن بهَا زيزيما ... وَهُوَ حِكَايَة أصوات الْجِنّ قَالَ وَإِنَّمَا قيل لِلْفَرجِ ذبذب لِأَنَّهُ يتذبذب إِذا مَشى الرجلأ أَي يذهب وَيَجِيء وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز فِي الْمُنَافِقين {مذبذبين بَين ذَلِك لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} يُرِيد أَنهم متحيرون بَين الْفَرِيقَيْنِ لَا يقتلهُمْ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ وَقد ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم الشَّاة بَين الربضين مثلا وَقد تقدم تَفْسِير ذَلِك وَأنْشد أَبُو زيد من الرجز ... وَلَو رأتني وَالنُّعَاس غالبي ... على الْبَعِير نائسا ذباذبي ... يَعْنِي مذاكيره ونوسها حركتها يُرِيد أَنه ينَام فَتحَرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 مذكيره بحركة الْبَعِير وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَرَوْحَة فِي سَبِيل الله أَو غدْوَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَقَاب قَوس أحدكُم من الْجنَّة أَو مَوضِع قده خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا حَدَّثَنِيهِ ابي رَحمَه الله حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَق عَن حميد الويل عَن أنس بن مَالك قَوْله قاب قَوس أحدكُم أَي مِقْدَار قوسه إِذا أَلْقَاهَا قَالَ الله جلّ وَعز {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} وَقَوله أَو مَوضِع قده بِكَسْر الْقَاف يَعْنِي مَوضِع سَوْطه وَيُقَال للسوط الْقد المقدود وَهُوَ مثل الْقسم وَالْقسم فالقسم مصدر قسمت وَالْقسم النَّصِيب وَمثل السَّقْي والسقي فالسقي مصدر سقيت والسقي حظك من المَاء وأنشدني عبد الرحمن عَن عَمه ليزِيد بن الصَّعق بقوله لبني أَسد [من الطَّوِيل] ... فَرَغْتُمْ لتمرين السِّيَاط وكنتم ... يسن عَلَيْكُم بالقنا كل مربع ... قَالَ فَأَجَابَهُ الْأَسدي فَقَالَ [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 .. أعبتم علينا أَن تمرن قدنا ... وَمن لَا يمرن قده يتقطع يجنبها الْجَار الْكَرِيم ويمتري ... بهَا الْحَبل فِي أَطْرَاف شرب ممنع ... هَكَذَا رَوَاهُ يسن عَلَيْكُم بِالسِّين غير مُعْجمَة وَغَيره يرويهِ يَشن وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي شن وَسن وَاحِد وَكَانَ ابْن السّكيت يفرق بَينهمَا فَيَقُول شن المَاء على وَجهه خطأ إِنَّمَا هُوَ سنّ بِالسِّين غير مُعْجمَة أَي صبه صبا سهلا وَسن عَلَيْهِ درعه أَي صبها قَالَ وَإِنَّمَا يُقَال شن الْغَارة عَلَيْهِم أَي فرقها وَقَالَ أَبُو زيد وَالْقد بِفَتْح الْقَاف الْأَدِيم وَيُقَال فِي مثل مَا يَجْعَل قدك إِلَى أديمك يَقُول مَا يَجْعَل مسك السخلة إِلَى الْأَدِيم الْعَظِيم يضْرب مثلا للرجل إِذا تعدى طوره قَالَ وَيُقَال قد وَثَلَاثَة أقد وَهِي القداد وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن جَابر بن عبد الله قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمر الظهْرَان نجني الكباث فَقَالَ عَلَيْكُم بالأسود مِنْهُ فَإِنَّهُ أطيبه حَدَّثَنِيهِ عبد الله بن إِسْحَق إجَازَة عَن عُثْمَان بن عمر الْجَوْهَرِي عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 يُونُس الإبلي عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن جَابر قَالَ الْأَصْمَعِي البرير ثَمَر الْأَرَاك والغض مِنْهُ المرد والنضيج الكباث وأسوده أشده نضجا قَالَ الْجَعْدِي وَذكر مَاء [من المتقارب] ... كَأَن البرير بحافاته ... جواليق بِالسوقِ من يثرب ... شبه مَا سقط فِيهِ بجوانب المَاء لشدَّة سوَاده وتراكبه بجواليق فِيهَا مَتَاع تجار بسوق يثرب وَإِنَّمَا قيل لعناقيد البرير غربان البرير لسوادها وَقَالَ بشر وَذكر امْرَأَة [من الطَّوِيل] ... رأى درة بَيْضَاء يحفل لَوْنهَا ... سخام كغربان البرير مقصب ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَزوَاجه كن يدلحن بِالْقربِ على ظهورهن يسقين أَصْحَابه بادية خدامهن يَعْنِي فِي غَزْوَة أحد حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن دَاوُد عَن عبد الواحد بن غياث عَن حَمَّاد عَن ثَابت عَن أنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 قَوْله يدلحن أَي يحملن وكل من حمل حملا ثقيلا فَمر بِهِ فقد دلح بِهِ يدلح قَالَ الْكُمَيْت وَذكر الْغَيْث [من مجزوء الْكَامِل] ... خضل النطاف مَعَ القطاف يمج من دلح مواقر ... النطاف هَاهُنَا الْقطر وَيُقَال نطف السقاء إِذا قطر وَمِنْه حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن رجلا قَالَ لَهُ رَأَيْت فِي النّوم ظلة تنطف سمنا وَعَسَلًا والقطاف السّير البطيء والدلح السحائب المثقلة وَكَذَلِكَ المواقر هِيَ الموقرة وَقَوله بادية خدامهن يَعْنِي خلاخيلهن الْوَاحِدَة خدمَة وَهِي أَيْضا الحجول وَاحِدهَا حجل وَهِي البرين والبري أَيْضا واحدتها برة. وانما قيل برذون محجل ومخدع (172) من الحجل والخدمة لِأَنَّهُ ابيض موضعهما مِنْهُ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه دخل يَوْمًا حائش نخلأ فَرَأى بَعِيرًا فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِير خن أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 حن وذرفت عَيناهُ فَمسح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سراته وذفراه فسكن فَقَالَ لصَاحبه أحسن إِلَيْهِ فَإِنَّهُ شكا إِلَيّ إِنَّك تدئبه وتجيعه يرويهِ أسود بن عَامر عَن مهْدي بن مَيْمُون عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن أبي يَعْقُوب عَن الْحسن بن سعد عَن عبد الله بن جَعْفَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حائش النّخل جمَاعه وَمثله الصُّور وَمِنْه قَوْله يطلع من تَحت هَذَا الصُّور رجل من أهل الْجنَّة فطلع أَبُو بكر وَلَا وَاحِد بِشَيْء مِنْهَا من لَفظه وَهُوَ بِمَنْزِلَة الربرب من الْبَقر والضوار وَأَشْبَاه ذَلِك مِمَّا لَا وَاحِد لَهُ قَالَ الأخطل [من الْكَامِل] ... وَكَأن ظعن الْحَيّ حائش قَرْيَة ... داني الجناة وَطيب الأثمار ... والسراة الظّهْر والذفريان أصُول الْأُذُنَيْنِ وَكَذَلِكَ المقذان بتَشْديد الذَّال وهما أول مَا يعرق من الْبَعِير وَإِنَّمَا سميا بذلك لذفر الْعرق قَالَ الْأَصْمَعِي قلت لأبي عَمْرو والذفرى من الذفر فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 نعم والمعزى من الْمعز فَقَالَ نعم والذفر شدَّة الرَّائِحَة من الشَّيْء الطّيب أَو الشَّيْء الْخَبيث الرّيح فَأَما الذفر بتسكين الْفَاء فَإِنَّهُ النتن خَاصَّة وَمِنْه قيل للدنيا أم ذفر وَمن النَّاس من يرى أَن شكوى الْبَعِير لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبين أثر الضّر والإتعاب فَقضى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ متكلما لاشتكى مَا ذكر يذهب إِلَى قَول عنترة فِي فرسه [من الْكَامِل] ... فازور من وَقع القنا بليانه ... وشكا إِلَيّ بعبرة وتحمحم ... وَهَذَا تعسف فِي القَوْل وبخس لعلم النُّبُوَّة فَلَو كَانَ الْأَمر على مَا ذكر لم يكن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضل على غَيره فِي هَذَا الْخَبَر لِأَن النَّاس قد يفهمون عَن الْبَهَائِم من هَذَا الْوَجْه وَالْقَوْل فِي هَذَا إِن الله جلّ وَعز أفهمهُ عَن الْبَعِير من الْوَجْه الَّذِي أفهم بِهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام كَلَام النَّمْل والنمل مِمَّا لَا يصوت وَمن الْوَجْه الَّذِي يتفاهم مِنْهُ الْبَهَائِم وَلَيْسَ شكوى الْبَعِير بِأَعْجَب من قَصده إِلَيْهِ بالحنين وذروف الْعين وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ سلم قَالَ قَالَ لي جِبْرِيل لم يَمْنعنِي من الدُّخُول عَلَيْك البارحة إِلَّا أَنه كَانَ على بَاب بَيْتك ستر فِيهِ تصاوير وَكَانَ فِي بَيْتك كلب فَمر بِهِ فَليخْرجْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وَكَانَ الْكَلْب جروا لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن عَلَيْهِمَا السَّلَام تَحت نضد لَهُم حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن خَالِد بن خِدَاش حَدثنِي سلم بن قُتَيْبَة عَن يُونُس بن أبي إِسْحَق عَن مُجَاهِد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ سلم النضد هَاهُنَا السرير وأصل النضد مَا نضد من الثِّيَاب بعضه على بعض قَالَ النَّابِغَة [من الْبَسِيط] ... خلت سَبِيل أُتِي كَانَ يحْبسهُ ... ورفعته إِلَى السجفين فالنضد ... يُقَال سجف وسجف وَإِنَّمَا سمي السرير نضدا لِأَن النضد يكون عَلَيْهِ وَقد يُسمى الشَّيْء باسم غَيره إِذا كَانَ مَعَه أَو بِسَبَبِهِ من ذَلِك تسميتهم النبت ندى لِأَنَّهُ عَن الندى يكون وتسميتهم السحم ندى لِأَنَّهُ عَن النبت يكون وَهُوَ من أغرب مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب قَالَ ابْن أَحْمَر [من الطَّوِيل] ... كثور العداب الْفَرد يضْربهُ الندى ... تعلى الندى فِي مَتنه وتحدرا ... يَعْنِي بالندى الثَّانِي الشَّحْم وَمن ذَلِك قَوْلهم للمطر سَمَاء لِأَنَّهُ من السَّمَاء ينزل يُقَال مَا زلنا نَطَأ السَّمَاء حَتَّى أَتَيْنَاكُم قَالَ الشَّاعِر [من الوافر] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 .. إِذا سقط السَّمَاء بِأَرْض قوم ... رعيناه وَإِن كَانُوا غضابا ... قَوْله رعيناه أَي رعينا مَا نبت عَنهُ وَمثل هَذَا كثير وَلم أزل أسأَل عَن السَّبَب الَّذِي أَمر لَهُ بقتل الْكلاب وإخراجها حَتَّى بَلغنِي أَن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور سَأَلَ عَمْرو بن عبيد عَن الحَدِيث فِيمَن اقتنى كَلْبا لغير زرع وَلَا حراسة أَنه ينقص كل يَوْم من أجره قِيرَاط فَقَالَ عَمْرو بن عبيد هَكَذَا جَاءَ الحَدِيث وَلَا أَدْرِي لم ذَلِك فَقَالَ الْمَنْصُور خُذْهَا بِحَقِّهَا إِنَّمَا قيل ذَلِك لِأَنَّهُ ينبح الضَّيْف ويروع السَّائِل وَأنْشد [من الْكَامِل] ... أَعدَدْت للضيفان كَلْبا ضاريا ... عِنْدِي وَفضل هراوة من أرزن ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 .. ومعاذرا كذبا ووجها باسرا ... وتشكيا عض الزَّمَان الألزن ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن لونين من التَّمْر الجعرور ولون الحبيق يرويهِ سُلَيْمَان ابْن كثير عَن ابْن شهَاب عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف عَن أَبِيه قَالَ الْأَصْمَعِي الجعرور ضرب من الدقل يحمل شَيْئا صغَارًا لَا خير فِيهِ وَأما لون الحبيق فَإِن الْأَصْمَعِي قَالَ عذق حبيق ضرب من الدقل رَدِيء والعذق النَّخْلَة بِفَتْح الْعين والعذق الكباسة كَأَن التَّمْر سمي باسم النَّخْلَة إِذْ كَانَ مِنْهَا وَقَالَ الْأَصْمَعِي عذق ابْن حبيق ولون الحبيق نَحْو ذَلِك أَيْضا لِأَن الدقل يُقَال لَهُ الألوان وَاحِدهَا لون وَالْمعْنَى أَنه نهى أَن يُؤْخَذ هَذَانِ الضربان من التَّمْر فِي الصَّدَقَة لرداءتها وَكَانَ النَّاس يخرجُون شرار تمرانهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الصَّدَقَة فَنهى عَن ذَلِك وَأنزل الله جلّ عز {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي عبد الرحمن عَن عَمه عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ لَا يَأْخُذ الْمُصدق الجعرور وَلَا مصران الْفَأْرَة وَلَا عذق حبيق قَالَ وَقَالَ مَالك بن أنس رَحمَه الله من عِنْده وَلَا يَأْخُذ البردي قَالَ الْأَصْمَعِي ومصران الْفَأْرَة ضرب من التَّمْر رَدِيء والبردي من أَجود التَّمْر فَأَرَادَ أَنه لَا يَأْخُذ الردي جدا وَلَا الْجيد جدا وَلَكِن يَأْخُذ الْوسط وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ الْعشَاء فَإِن اسْمهَا فِي كتاب الله جلّ وَعز الْعشَاء فَإِنَّمَا يعتم بحلاب الْإِبِل يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن أبي لبيد عَن أبي سَلمَة بن عبد الرحمن عَن ابْن عمر قَوْله يعتم بحلاب الْإِبِل وَهُوَ من عتمة اللَّيْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وعتمته ظلامه يُقَال قد عتم اللَّيْل يعتم وَقد أعتم النَّاس إِذا دخلُوا فِي ظلمَة اللَّيْل مثل أشملوا وأجنبوا إِذا دخلُوا فِي الشمَال والجنوب وَكَانُوا يحتلبون الْإِبِل عِنْد نتاجها بلَيْل ويسقى اللَّبن الْحَيّ وَكَانُوا يسمون تِلْكَ الحلبة الْعَتَمَة وَإِنَّمَا سميت عتمة باسم عتمة اللَّيْل وَهِي ظلامه بقول فَإِنَّمَا يَقع هَذَا الِاسْم على حلاب الْإِبِل على الصَّلَاة وَيُقَال قرى عاتم أَي بطيء وَقد عتم قراه أَي أَبْطَأَ وأعتم الرجل قراه إِذا أَخّرهُ قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... فَلَمَّا رَأينَا أَنه عاتم الْقرى ... بخيل ذكرنَا لَيْلَة الهضب كردما ... وَمِنْه يُقَال ضربه فَمَا عتم أَي مَا احْتبسَ فِي ضربه وَقعد قدر عتمة الْإِبِل أَي احْتبسَ بِقدر احتباسها فِي عشائها وحَدثني أبي قَالَ أَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ قَالَ سَمِعت الْعَرَب تَقول للهلال إِذا كَانَ ابْن لَيْلَة عتمة سخيلة حل أَهلهَا برميلة وَلابْن لَيْلَتَيْنِ حَدِيث أمتين بكذب مين وَلابْن ثَلَاث حَدِيث فتيات جد غير مؤتلفات وَلابْن أَربع عتمة ربع غير جَائِع وَلَا مرضع وَلابْن خمس عشَاء خلفات من الْإِبِل الْحَوَامِل واحدتها خلفة وَهِي الْمَخَاض أَيْضا وَلَا وَاحِد للمخاض من لَفظهَا إِنَّمَا واحدتها خلفة وَمثله النِّسَاء لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا إِنَّمَا وَاحِدهَا امْرَأَة وَمن هَذَا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ سلم ثَلَاث آيَات يقرؤهن أحدكُم فِي صلَاته خير لَهُ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 ثَلَاث خلفات سمان عِظَام والقعساء الَّتِي قد مَال رَأسهَا نَحْو ظهرهَا وعنقها نَحْو نحرها وَجَمعهَا قعس وَإِنَّمَا يعنون بقَوْلهمْ عتمة سخيلة إِن مكث الْهلَال اللَّيْلَة يحلو من الشَّهْر حَتَّى يغيب قدر احتباس سخلة فِي الرَّضَاع وَكَذَلِكَ سَائِر الْحُرُوف هَذَا أَصْلهَا وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا زِمَام وَلَا خزام وَلَا رَهْبَانِيَّة وَلَا تبتل وَلَا سياحة فِي الْإِسْلَام حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَق عَن سُفْيَان عَن ابْن جريج عَن الْحسن بن مُسلم عَن طَاوُوس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك قَوْله لَا زِمَام وَلَا خزام الزِّمَام فِي الْأنف وَلَا يكون فِي غَيره يُقَال زممت الْبَعِير أزمه زما والخزام والخزامة وَاحِد وَقد يكون الخزام جمعا لخزامة وَهِي حَلقَة من شعر تجْعَل فِي أحد جَانِبي المنخرين فَإِن كَانَت تِلْكَ الْحلقَة من صفر فَهِيَ برة والخشاش من خش يُقَال خششت الْبَعِير وخزمته وأبريته هَذِه وَحدهَا بِالْألف وَأَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا كَانَ عباد بني إِسْرَائِيل يَفْعَلُونَهُ من حرق التراقي وزم الأنوف حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنِي عبد الرحمن بن الْحُسَيْن عَن مُحَمَّد بن يحيى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 عَن الْمَنْصُور عَن الْحَارِث بن اللَّيْث عَن أَبِيه عَن ابْن لَهِيعَة عَن أبي قبيل عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ دخل يحيى بن زَكَرِيَّا بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ ابْن ثَمَانِي حجج فَنظر إِلَى عباد بَيت الْمُقَدّس وَقد لبسوا مدارع الشّعْر وبرانس الصُّوف وَنظر إِلَى متهدديهم أَو قَالَ مجتهديهم قد خرقوا التراقي وسلكوا فِيهَا السلَاسِل وشدوها إِلَى حنايا بَيت الْمُقَدّس فهاله ذَلِك وَرجع إِلَى أَبَوَيْهِ فَمر بصبيان يَلْعَبُونَ فَقَالُوا يَا يحيى هَلُمَّ فلنلعب فَقَالَ إِنِّي لم أخلق للعب فَأتى أَبَوَيْهِ فَسَأَلَهُمَا أَن يدرعاه الشّعْر ففعلا ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ يَخْدمه نَهَارا وَيُصْبِح فِيهِ لَيْلًا حَتَّى أَتَت عَلَيْهِ خمس عشرَة حجَّة فَأَتَاهُ الْخَوْف فساحا وَلزِمَ أَطْرَاف الأَرْض وغيران الشعاب فِي حَدِيث فِيهِ طول قَوْله نظر إِلَى متهجديهم يَعْنِي الْمُصَلِّين بِاللَّيْلِ يُقَال تهجدت إِذا سهرت وهجدت إِذا نمت قَالَ الله جلّ وَعز {وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} وَقَوله يصبح فِيهِ لَيْلًا أَي يسرج والمصباح السراج قَوْله وَلَا رَهْبَانِيَّة يُرِيد فعل الرهبان من مُوَاصلَة الصَّوْم وَلبس المسوح وَترك أكل اللَّحْم وَأَشْبَاه ذَلِك وأصل الرهبانية من الرهبة ثمَّ صَارَت اسْما لما فضل عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 الْمِقْدَار وأفرط فِيهِ (219) . وَقَوله وَلَا تبتل يُرِيد ترك النِّكَاح وَاصل البتل الْقطع (220) . يُقَال بتلت الشَّيْء وبلته وَمِنْه قيل صَدَقَة بتة بتلة كَأَنَّهُ قطعهَا من مَاله وَمِنْه قيل لِمَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام الْعَذْرَاء البتول يُرِيد المنقطعة عَن النِّكَاح حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان الغنوي حَدثنِي مُحَمَّد بن عمر الرُّومِي ثَنَا أَبُو صَالح الْعمي وَالْعَبَّاس بن الْفضل الْأنْصَارِيّ وَأَبُو فَاطِمَة مسكن الطَّاحِي عَن برد عَن مَكْحُول عَن عَطِيَّة بن بسر عَن عَكَّاف بن ودَاعَة الْهِلَالِي إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ يَا عَكَّاف أَلَك امْرَأَة قَالَ لَا قَالَ فَأَنت إِذن من إخْوَان الشَّيَاطِين إِن كنت من رُهْبَان النَّصَارَى فَالْحق بهم وَإِن كنت منا فَمن سنتنا النِّكَاح من حَدِيث فِيهِ طول [102 / أ] . وَفِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ لَهُ أَو لرجل آخر أَلَك شاعة وَهِي الْمَرْأَة وَكَذَلِكَ الطلة والحنة والعرس والحليلة وَقَوله وَلَا سياحة يُرِيد مُفَارقَة الْأَمْصَار والذهاب فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 سالأرض كَفعل يحيى بن زَكَرِيَّا حِين صَاح وَلزِمَ أَطْرَاف الأَرْض وَفعل غَيره من عباد بني إِسْرَائِيل وَمن هَذَا قيل ماسح وسائح إِذا جرى فَذهب وَأَرَادَ أَن الله جلّ وَعز قد وضع هَذَا عَن الْمُسلمين وَبَعثه بالحنيفية السمحة وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا يحل لأحد مِنْكُم من مَال أَخِيه شَيْء إِلَّا بِطيب نَفسه فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن يثربي يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن لقِيت غنم ابْن عمي أجتزز مِنْهَا شَاة فَقَالَ إِن لقيتها نعجة تحمل شفرة وزنادا بخبت الجميش فَلَا تهجها يرويهِ عبد العزيز بن عمرَان عَن عبد الملك بن حسن الْحَارِثِيّ عَن عبد الرحمن بن سعد بن يثربي عَن عَمْرو بن يثربي قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ذَلِك قَالَ أَبُو مُحَمَّد سَأَلت الْحِجَازِيِّينَ عَن خبت الجميش فَأَخْبرُونِي أَن بَين مَكَّة والحجاز صحراء تعرف بالخبت والخبت الأَرْض الواسعة المستوية وَإِنَّمَا خص الخبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 لسعته وَبعده وَقلة من يسكنهُ وحاجة الْإِنْسَان فِيهِ إِذا هُوَ سلكه فأقوى فِيهِ إِلَى مَال أَخِيه فقد وسع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غير هَذَا الحَدِيث لِابْنِ السَّبِيل فِي اللَّبن وَفِي التَّمْر عِنْد الضَّرُورَة فَأَما أصُول المَال فَلَا يعلم بِرُخْصَة أَتَت فِيهِ عَنهُ وَقَالَ تحمل شفرة أَي سكينا وزنادا أَي مقدحة يُرِيد إِن أَتَت النَّاقة فِي هَذَا الْموضع القواء بِمَا تحْتَاج إِلَيْهِ لذبحها واتخاذها فَلَا تعرضن لَهَا وَنَحْو هَذَا قَول الْعَرَب حتفها تحمله ضَأْن بأظلافها وَأَصله أَن النُّعْمَان بن الْمُنْذر عمد إِلَى كَبْش فَجعل فِي عُنُقه مدية وزندا ثمَّ خلاه وَقَالَ من ذبحه قتلته بِهِ فَمَكثَ بذلك زَمَانا يجول وَلَا يعرض لَهُ أحد ثمَّ أَنه مر على أَرقم ابْن علْبَاء الْيَشْكُرِي فَقَالَ كَبْش يحمل حتفه بأظلافه ثمَّ وثب عَلَيْهِ فذبحه واشتواه وَقَالَ شعرًا طَويلا فِيهِ [من الطَّوِيل] ... أخوف بالنعمان حَتَّى كأنني ... قتلت لَهُ خالا كَرِيمًا وَابْن عَم أَمن أجل كَبْش لم أَجِدهُ بمنزل ... وَلَا بَين أذواد رتاع وَلَا غنم ... وَإِنَّمَا جعلهَا تحمله بأظلافها وَهِي فِي عُنُقهَا لِأَن الأظلاف هِيَ الْحَوَامِل للجسم وَمَا عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 وَقيل للخبت خبت الجميش لِأَنَّهُ لَا نَبَات بِهِ كَأَنَّهُ جمش نَبَاته أَي حلق يُقَال جمش الحالق رَأسه إِذا حلقه وَهَذِه نورة جموش وَركب جميش أَي حليق وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن مَرْيَم بنت عمرَان سَأَلت رَبهَا أَن يطْعمهَا لَحْمًا لَا دم فِيهِ فأطعمها الْجَرَاد فَقَالَت اللَّهُمَّ أعشه بِغَيْر رضَاع وتابع بَينه بِغَيْر شياع حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن بَقِيَّة ابْن الْوَلِيد عَن نمير بن يزِيد قَالَ حَدثنِي أبي أَنه سمع أَبَا أُمَامَة يذكر ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشياع دُعَاء الرَّاعِي يَقُول شايعت بِالْإِبِلِ شياعا إِذا دَعَوْت بهَا لتجتمع وتنتسق وَأَنا مشايع قَالَ جرير لراعي الْإِبِل [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 .. فألق استك الهلباء فَوق قعودها ... وشايع بهَا واضمم إِلَيْك التواليا ... يُرِيد صَوت بهَا لتلحق أخراها بأولاها وَقَوْلها تَابع بَينه تَعْنِي فِي الطيران لِأَنَّهُ يطير وَيتبع بعضه بَعْضًا ويأتلف من غير أَن يشايع بِهِ كَمَا يشايع بِالنعَم حَتَّى تَجْتَمِع وَلَا تتفرق وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ مَا أُبَالِي مَا أتيت إِن أَنا شربت ترياقا أَو تعلّقت تَمِيمَة أَو قلت الشّعْر من قبل نَفسِي يرويهِ أَبُو عبد الرحمن الْمقري عَن سعيد بن أبي أَيُّوب عَن شُرَحْبِيل الْمعَافِرِي عَن عبد الرحمن بن رَافع التنوخي عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التميمة خرزة كَانَت الْجَاهِلِيَّة تعلقهَا فِي الْعُنُق وَفِي الْعَضُد تتوقى بهَا وتظن أَنَّهَا تدفع عَن الْمَرْء العاهات وَكَانَ بَعضهم يظنّ أَنَّهَا تدفع الْمنية حينا ويدلك على ذَلِك قَول الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... إِذا مَاتَ لم تفلح مزينة بعده ... فنوطي عَلَيْهِ يَا مزين التمائما ... قَالَ أَبُو زيد التميمة خرزة رقطاء روى عقبَة بن عَامر أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تعلق تَمِيمَة فقد أشرك وَبَعض النَّاس يتَوَهَّم أَن المعاذات هِيَ التمائم وَيَقُول فِي قَول عبد الله إِن التمائم والرقى والتولة من الشّرك والرقى الْمَكْرُوهَة مَا كَانَ بِغَيْر لِسَان الْعَرَبيَّة وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا التميمة الخرز وَلَا بَأْس بالمعاذات إِذا كتب فِيهَا الْقُرْآن وَأَسْمَاء الله عز وَجل وَأما شرب الترياق فَلَا أَحْسبهُ كرهه إِلَّا لما يَجْعَل فِيهِ من لُحُوم الْحَيَّات فَإِذا لم يكن فِيهِ ذَلِك فَلَا بَأْس بِهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أَمر بالتداوي وَكَانَ ابْن سِيرِين يكره الترياق إِذا كَانَت فِيهِ الْحمة يُرِيد لحم الْحَيَّات إِلَّا أَن يكون للجاهلية فِي الترياق مَذْهَب كمذهبهم فِي التميمة فكرهه لذَلِك وَأما قَول الشّعْر فَإِنَّهُ خَاص لَهُ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وَأما مَا رُوِيَ عَنهُ من قَوْله ... أَنا النَّبِي لَا كذب ... أَنا ابْن عبد الْمطلب ... وَقَوله ... هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع دميت ... وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت ... فَلَيْسَ هَذَا شعرًا وَإِن وَافق فِي الْوَزْن الشّعْر لِأَنَّهُ لم يُنَوّه وَلَا قارنه بأمثاله وَإِنَّمَا هُوَ وفَاق وَقع بَينه وَبَين الشّعْر حَدثنِي أبي ثَنَا أَبُو عبد الرحمن صَاحب الْأَخْفَش وَأبي عُبَيْدَة أَن رجلا سَأَلَ أَبَا عُبَيْدَة عَن هَذَا من قَول النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ مالم يعن بِهِ الشّعْر فَلَيْسَ بِشعر والقليل من الْكَلَام يتَغَيَّر عَن حَاله بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّة وَقد بيّنت هَذَا فِي كتاب تَبْيِين الْغَلَط وشرحته هُنَاكَ بِأَكْثَرَ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 هَذَا الشَّرْح وَالشعر من غير كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَالْكَلَامِ حسنه حسن وقبيحه قَبِيح وَلَا بَأْس فِيهِ إِذا لم يكن فِيهِ رفث وَلَا كذب مؤثم وَإِنَّمَا أقحم الله جلّ وَعز عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليخلص قلبه وَلسَانه لِلْقُرْآنِ ويصون الْوَحْي عَن صَنْعَة الشّعْر وَلِأَن الْمُشْركين كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْقُرْآن أَنه شعر وهم يعلمُونَ أَنه لَيْسَ بِشعر وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يصنع الشّعْر فَلَو كَانَ يصنعه لوجدوا شَاهدا على مَا يدعونَ ولقالوا فِي الْقُرْآن أَنه ضرب من شعره الَّذِي يَقُوله وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَكثر منافقي هَذِه الْأمة قراؤها حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو عَن عبد الله بن يزِيد عَن ابْن لَهِيعَة عَن مشرح بن هاعان عَن عقبَة بن عَامر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جعل النِّفَاق فِي أَكثر الْقُرَّاء لِأَن الرِّيَاء فيهم أَكثر مِنْهُ فِي غَيرهم والرياء نفاق أَلا أَن الْمُنَافِق يظْهر غير مَا يسر وَذُو الرِّيَاء يُبْدِي للنَّاس خلاف مَا يضمر وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك هم الزَّنَادِقَة والنفاق على عهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الزندقة بعده وَأما قَوْله فِي حَدِيث آخر ذكر فِيهِ الْمُنَافِقين فَقَالَ مستكبرون لَا يألفون وَلَا يؤلفون خشب بِاللَّيْلِ صخب بِالنَّهَارِ فَإِنَّهُ أَرَادَ بقوله خشب بِاللَّيْلِ أَنهم نيام بِاللَّيْلِ صرعى كَأَن جثثهم مطرحة وَالْعرب تَقول للقتيل خر كَأَنَّهُ خَشَبَة وَكَأَنَّهُ جذع وَكَذَلِكَ النَّائِم وَقَالَ جميل بن معمر وَذكر [من الطَّوِيل] ... قعدت لَهُ وَالْقَوْم صرعى كَأَنَّهُمْ ... لَدَى العيس والأكوار خشب مطرح ... يُرِيد أَنهم قد تمددوا كَأَنَّهُمْ الْخشب المطرحة وَقَالَ الآخر فِي قَتْلَى [من المتقارب] ... لَدَى معرك لعوافي السبَاع تخالهم خشبا بائدا ... يُرِيد أَن الْمُنَافِقين فِي ليلهم نيام لَا يصلونَ وَلَا يذكرُونَ الله فِي نهارهم تاركون لذَلِك مقبلون على الْخُصُومَات وَأما قَول الله جلّ وَعز {كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة} لم يرد فِي هَذَا الْموضع فِيمَا يرى وَالله أعلم أَنهم نيام وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن أَجْسَادهم عطاف تعجبك إِذا رَأَيْتهمْ كَأَنَّهُمْ خشب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 مُسندَة وهم مَعَ ذَلِك جبناء يحسبون كل صَيْحَة عَلَيْهِم من جبنهم وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يستظل بِظِل جَفْنَة عِنْد عبد الله بن جدعَان فِي الْإِسْلَام فِي صَكَّة عمي بَلغنِي عَن الْعمريّ حَفْص بن عمر عَن ابي سُفْيَان مولى أبي جَعْفَر عَن هِشَام بن عُرْوَة هَذِه جَفْنَة كَانَت لعبد الله بن جدعَان فِي الْجَاهِلِيَّة يطعم فِيهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة كَانَ يَأْكُل مِنْهَا الْقَائِم والراكب لعظمها وَذكر بعض الروَاة أَنه وَقع فِيهَا صبي فغرق وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة رُبمَا حضر طَعَام عبد الله بن جدعَان وَكَانَ لَهُ مُنَاد يُنَادي هَلُمَّ إِلَى الفالوذ وَقَوله صَكَّة عمي يُرِيد الهاجرة يُقَال لقِيت فلَانا صَكَّة عمي إِذا لَقيته نصف النَّهَار عِنْد احتدام الْحر وَأَخْبرنِي أَبُو حَاتِم أَن عميا فِي هَذَا الْموضع مصغر مرخم كَأَنَّهُ تَصْغِير أعمى كَمَا قَالُوا سُوَيْد وَإِنَّمَا هُوَ أسود مصغر مرخم وكما قَالُوا يجْرِي بليق ويذم وَإِنَّمَا هُوَ تَصْغِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 أبلق وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لجَابِر فِي الْجمل الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ أَتَرَى إِنَّمَا كستك لآخذ جملك جد جملك وَمَالك فهما لَك يرويهِ ابْن أبي زَائِدَة عَن زَكَرِيَّا عَن الشّعبِيّ قَوْله كستك هُوَ من الْكيس يُقَال كايسني الرجل فكسته أَي كنت أَكيس مِنْهُ وبايضني فبضته أَي كنت أَشد بَيَاضًا مِنْهُ وطاولني فطلته من الطول والطول جَمِيعًا أَي كنت أطول مِنْهُ وتضمه لِأَنَّهُ من الْوَاو وَالْأول من الْيَاء وَكَذَلِكَ ساودني فسدته من سَواد اللَّوْن والسؤدد جَمِيعًا وَبَعْضهمْ يرويهِ ماكستك وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه بلغه أَن سعد بن عبَادَة يَقُول لَو وجدت مَعهَا رجلا لضربته بِالسَّيْفِ غير مصفح يرويهِ حُسَيْن بن عَليّ عَن زَائِدَة عَن عبد الملك بن عُمَيْر عَن وراد عَن الْمُغيرَة قَوْله غير مصفح هُوَ من صفحة السَّيْف وَهِي عرضه يُقَال أصفحت بِالسَّيْفِ فَأَنا مصفح وَالسيف مصفح بِهِ إِذا أَنْت ضربت بعرضه وَأَرَادَ سعد أَنه لَو وجد رجلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 مَعَ امْرَأَته لضربه بِحَدّ سَيْفه لَا بعرضه وَلم يصبر إِلَى أَن يَأْتِي بأَرْبعَة شُهَدَاء وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَبَا أَيُّوب قَالَ لَهُ يَا رَسُول الله دلَّنِي على عمل يدخلني الْجنَّة فَقَالَ لَهُ أرب مَاله تعبد الله لَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وَتصل الرَّحِم يرويهِ أَبُو الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان بن عبد الله بن موهب عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن أبي أَيُّوب قَوْله أرب مَاله هُوَ من الْآرَاب مَأْخُوذ والآراب الْأَعْضَاء وَاحِدهَا إرب وَمِنْه قيل قطعته إربا إربا أَي عضوا عضوا وَالْمعْنَى فِي قَوْله أرب أَي سَقَطت أعضاؤه وَأُصِيبَتْ وَهِي كلمة مقولة لَا يُرَاد بهَا إِذا قيلت وُقُوع الْأَمر كَمَا يُقَال عقرى حلقى أَي عقرهَا الله وأصابها فِي حلقها بوجع وكقولهم قَاتله الله وكقولهم تربت يداك أَي افْتَقَرت وَأَشْبَاه هَذَا كثير وَمِنْه حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لليحارث بن أَوْس أربت عَن ذِي يَديك يُرِيد سَقَطت آرابك من الْيَدَيْنِ خَاصَّة وَقد ذكر هَذَا أَبُو عبيد فِي حَدِيث عمر وَقد بَلغنِي أَنه يرْوى أرب مَاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 بِالرَّفْع فَإِن كَانَ الْمَحْفُوظ هَذَا فَإِن الأرب من الرِّجَال ذُو الْعلم والخبرة وَقَالَ أَبُو الْعِيَال الْهُذلِيّ يصف رجلا يرثي ابْن عَم لَهُ من مجزوء الوافر ... يلف طوائف الفرسان وَهُوَ يلفهم أرب ... أَي ذُو علم بذلك وخبرة وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عمر بن الْخطاب قَالَ دخلت عَلَيْهِ وَعِنْده غليم أسود يغمز ظَهره فَقلت يَا رَسُول الله مَا هَذَا الغليم فَقَالَ إِنَّه تقحمت بِي النَّاقة اللَّيْلَة يرويهِ هِشَام بن سعد عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن عمر بن الْخطاب قَوْله تقحمت يُرِيد أَنَّهَا ندت فَلم تضبط وَهُوَ عَلَيْهَا وَمِنْه يُقَال فلَان يتقحم فِي الْأُمُور إِذا كَانَ يدْخل فِيهَا بِغَيْر تثبت وَلَا روية وَمِنْه قحمة الْأَعْرَاب وَهُوَ أَن يجدبوا فِي البدو فيدخلوا الرِّيف وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي [من الرجز] ... أَقُول والناقة بِي تقحم ... وَأَنا مِنْهَا مكلئز معصم وَيحك مَا اسْم أمهَا يَا علكم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 قَوْله مكلئز أَي منقبض يُقَال اكلأز الرجل إِذا انقبض والمعصم المستمسك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي كَانُوا يَقُولُونَ أَن النَّاقة إِذا ندت فَلم تضبط فسميت أمهَا وقفت وَإِن الْبَعِير إِذا ند فَسُمي أَب من آبَائِهِ وقف وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أُتِي بكبش أقرن يطَأ فِي سَواد وَينظر فِي سَواد ويبرك فِي سَواد ليضحى بِهِ يرويهِ عبد الله بن وهب عَن حَيَاة عَن أبي صَخْر عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَوْله ينظر فِي سَواد يُرِيد أَن حدقته سودءا لِأَن إِنْسَان الْعين فِيهَا وَبِه ينظر فَإِذا هِيَ اسودت نظر فِي سَواد قَالَ كثير وَذكر الْمَرْأَة [من الوافر] ... وَعَن نجلاء تَدْمَع فِي بَيَاض ... إِذا دَمَعَتْ وَتنظر فِي سَواد ... قَوْله تَدْمَع فِي بَيَاض يُرِيد أَن دموعها تسيل على خد أَبيض وَأَن نظرها من حدقة سَوْدَاء وَأَنا أَحْسبهُ لم يرد فِي الْكَبْش الحدقة وَحدهَا وَلكنه أَرَادَ الْعين وَالْوَجْه يَقُول نظره من وَجه أسود وَقَوله يطَأ فِي سَواد يُرِيد أَنه أسود القوائم وَقَوله ويبرك فِي سَواد يُرِيد أَن مَا يَلِي الأَرْض مِنْهُ إِذا برك أسود وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 مَا ذئبان عاديان أصابا فريقة غنم أضاعها رَبهَا بأفسد فِيهَا من حب الْمَرْء المَال والشرف لدينِهِ يرويهِ عِيسَى بن يُونُس عَن سعيد بن عُثْمَان البلوي عَن عَاصِم عَن أَبِيه عَن جده عَاصِم بن عدي الفريقة الْقطعَة من الْغنم وَيُقَال هِيَ الْغنم الضَّالة يُقَال أفرق فلَان غنمه إِذا أضلها وَقَالَ كثير يذكر نَاقَة [من المتقارب] ... وذفرى ككاهل ذيخ الخليف أصَاب فريقة ليل فعاثا ... والخليف مَا بَين الجبلين يَعْنِي غنما ضلت فِي اللَّيْل والذيخ ذكر الضباع وَالْفرق من الْغنم بِكَسْر الْفَاء القطيع وَمِنْه حَدِيث أبي ذَر أَنه قيل لَهُ مَا المَال فَقَالَ فرق لنا وذود وَتَفْسِيره فِي الحَدِيث إِنَّه الْغنم الْيَسِيرَة وَقَالَ يَعْقُوب هُوَ القطيع الْعَظِيم وَلَا أرى الصَّحِيح إِلَّا مَا جَاءَ فِي الحَدِيث لِأَن الْمَشْهُور عَن أبي ذَر أَنه كَانَ خَفِيف المَال والذود أَيْضا يشْهد على ك لِأَنَّهُ مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة قَالَ أَبُو زيد الفزر من الضَّأْن مَا بَين الْعشْر إِلَى الْأَرْبَعين والصبة من الْمعز مثل ذَلِك وَمِنْه قَول عمر رَضِي الله عَنهُ لرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 بَعثه على الْحمى ادخل صَاحب الصبة والصرمة وإياي وَنعم ابْن عَوْف وَنعم ابْن عَفَّان والقوط الْمِائَة فَمَا زَادَت والقطيع عِنْدهم نَحْو الفزر والصبة وَقَالَ غَيره والرف من الضَّأْن الْجَمَاعَة وَيُقَال للضأن الْكثير ثلة وَلَا يُقَال للمعزى ثلة وَلَكِن حِيلَة فَإِذا اجْتمعت الضَّأْن والمعزى قيل لَهَا ثلة والثلة الصُّوف يُقَال كسَاء جيد الثلَّة وَلَا يُقَال للشعر وَلَا للوبر ثلة فَإِذا اجْتمع الصُّوف والوبر وَالشعر قلت عِنْد فلَان ثلة كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 تَفْسِير أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطوَال والوفادات حَدِيث أم معبد وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه حِين خرج من مَكَّة خرج مِنْهَا مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة وَأَبُو بكر وَمولى أبي بكر عَامر بن فهَيْرَة وَدَلِيلهمَا اللَّيْثِيّ عبد الله بن أريقط فَمروا على خَيْمَتي أم معبد وَكَانَت بَرزَة جلدَة تختبئ بِفنَاء الْخَيْمَة ثمَّ تَسْقِي وَتطعم فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا يشترونه مِنْهَا فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا شَيْئا من ذَلِك وَكَانَ الْقَوْم مُرْمِلِينَ مشتين فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة فَقَالَ مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد قَالَت شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم فَقَالَ هَل بهَا من لبن قَالَت هِيَ أجهد من ذَلِك قَالَ أَتَأْذَنِينَ لي أَن أَحْلَبَهَا قَالَت بِأبي أَنْت وَأمي إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فاحلبها فَدَعَا بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح بِيَدِهِ ضرْعهَا وسمى الله جلّ وَعز ودعا لَهَا فِي شَأْنهَا فتفاجت عَلَيْهِ وَدرت واجترت ودعا بِإِنَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 يربض الرَّهْط فَحلبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى علاهُ الْبَهَاء ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رويت وَسَقَى أَصْحَابه حَتَّى رووا فَشرب آخِرهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أراضوا ثمَّ حلب فِيهِ ثَانِيًا بعد بَدْء حَتَّى مَلأ الْإِنَاء ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا ثمَّ بَايَعَهَا ثمَّ ارتحلوا عَنْهَا فَقيل مَا لَبِثت حَتَّى جَاءَ زَوجهَا أَبُو معبد يَسُوق أَعْنُزًا عِجَافًا تشاركن هزلا ضَبْحًا مُخّهنَّ قَلِيل فَلَمَّا رأى أَبُو معبد اللَّبن عجب وَقَالَ من أَيْن لَك هَذَا يَا أم معبد وَالشَّاء عَازِب حِيَال وَلَا حَلُوب فِي الْبَيْت قَالَت لَا وَالله إِلَّا أَنه مر بِنَا رجل مبارك من حَاله كَذَا وَكَذَا قَالَ صَفيه يَا أم معبد قَالَت رَأَيْت رجلا ظَاهر الْوَضَاءَة أَبْلَج الْوَجْه حسن الْخلق لم تَعبه ثجلة وَلم تزر بِهِ صقلة وسيما قسيما فِي عَيْنَيْهِ دعجٌ وَفِي أَشْفَاره عطف أَو غطف الشَّك مني وَفِي صَوته صَحِلَ وَفِي عُنُقه سَطَعَ وَفِي لحيته كَثَافَة أَزجّ أقرن إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سما أَو سَمَّاهُ وعلاه الْبَهَاء أجمل النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيد وَأحسنه وأجمله من قريب حُلْو الْمنطق فصل لَا نزر وَلَا هذر كَأَنَّمَا مَنْطِقه خَرَزَات نظم يتحدرن ربعَة لَا يائس من طول وَلَا تَقْتَحِمُهُ عين من قصر غُصْن بَين غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَة منْظرًا وَأَحْسَنهمْ قدرا لَهُ رُفَقَاء يحفونَ بِهِ إِن قَالَ أَنْصتُوا لقَوْله أَو أَمر تبَادرُوا إِلَى أمره مَحْفُودٌ محشود لَا عَابس وَلَا مُعْتَد قَالَ أَبُو معبد هُوَ وَالله صَاحب قُرَيْش الَّذِي ذكر لنا من أمره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 مَا ذكر بِمَكَّة لقد هَمَمْت أَن أَصْحَبهُ وَلَأَفْعَلَن إِن وجدت إِلَى ذَلِك سَبِيلا فَأصْبح صَوت بِمَكَّة عَالِيا يسمعُونَ الصَّوْت وَلَا يَدْرُونَ من صَاحبه [من الطَّوِيل] 1 - ... جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حلا خَيْمَتي أم معبد ... 2 - ... هما نَزَّلَاهَا بِالْهدى واهتدت بِهِ ... فقد فَازَ من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد ... 3 - ... فيا لقصي مَا زوى الله عَنْكُم ... بِهِ من فعال لَا يجارى وسؤدد ... 4 - ... لِيهن بني كَعْب مقَام فَتَاتهمْ ... ومقعدها للْمُؤْمِنين بِمَرْصَد ... 5 - ... دَعَاهَا بِشَاة حَائِل فتحلبت ... لَهُ بِصَرِيح ضرَّة الشَّاة مُزْبِد ... 6 - ... فغادرها رهنا لَدَيْهَا لحالب ... يُرَدِّدهَا فِي مصدر ثمَّ مورد ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ سُلَيْمَان بن الحكم بِقديد حَدثنِي أخي أَيُّوب بن الحكم عَن حزَام بن هِشَام عَن ابيه هِشَام بن حُبَيْش عَن أَبِيه حُبَيْش بن خَالِد صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله كَانَت بَرزَة يُرِيد أَنه خلا لَهَا سنّ فَهِيَ تبرز لَيست بِمَنْزِلَة الصَّغِيرَة المحجوبة وَقَوله مُرْمِلِينَ يُرِيد أَنه قد نفد زادهم قَالَ أَبُو زيد يُقَال أرمل الرجل وَأنْفق وَأقوى إِذا ذهب طَعَامه فِي سفر أَو حضر وَقَوله مشتين يُرِيد داخلين فِي الشتَاء يُقَال شتا الْقَوْم بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامُوا بِهِ وصافوا كَذَلِك وَيُقَال أشتوا وأصافوا إِذا دخلُوا فِي الشتَاء والصيف وَيُقَال أشمل الْقَوْم وأجنبوا إِذا دخلُوا فِي ريح الشمَال والجنوب فَإِن أردْت أَنَّهَا أَصَابَتْهُم قلت شملوا وَمن النَّاس من يرويهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 مُسنَّتَيْنِ أَي داخلين فِي السّنة وَهِي الجدب والمجاعة يُقَال أَسِنَت الْقَوْم فهم مسنتون وَلَيْسَت الرِّوَايَة إِلَّا مشتين والشتاء هُوَ وَقت ألصق عِنْدهم قَالَ الحطيئة [من الوافر] ... إِذا نزل الشتَاء بجار قوم ... تجنب جَار بَيتهمْ الشتَاء ... يُرِيد أَنه لَا يبين على جارهم أثر ضيق الشتَاء لتوسعهم عَلَيْهِ وَكسر الْخَيْمَة جَانب مِنْهَا وَالْأَصْل فِي الْكسر أَنه أَسْفَل الشقة الَّذِي يَلِي الأَرْض وَفِيه لُغَتَانِ كسر وَكسر مثل بزر وبزر ونفط ونفط وجسر وجسر وَقَوله فتفاجت يُرِيد فتحت مَا بَين رِجْلَيْهَا للحلب يُقَال تفاج الرجل إِذا فتح مَا بَين رجلَيْهِ للبول وَحكى ابْن الْأَعرَابِي عَن ابْنة الخس أَنَّهَا قَالَت فِي وصف نَاقَة بِشدَّة الضبعة عينهَا هاج وصلاها راج وتمشي وتفاج وَكَأن لَهَا بِكُل طَرِيق هوى قَوْلهَا عينهَا هاج أَي غائرة يُقَال هججت عينه إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 غارت وهجمت فَهِيَ مهجمة وهاجمة وَكَأن هاج من هجت عينه وَذكرت الْعين وَهِي مُؤَنّثَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا علم من أَعْلَام التَّأْنِيث وكل اسْم مؤنث لَا علم فِيهِ للتأنيث فقد يجوز لَك أَن تذكره مثل السَّمَاء وَالْأَرْض والقوس وَالْحَرب وَالْقدر وَالنَّار وَالشَّمْس وَأَشْبَاه ذَلِك فَأَما الموسى فَإِن الْكسَائي قَالَ هِيَ فعلى مُؤَنّثَة وَقَالَ الْأمَوِي هُوَ مفعل مُذَكّر من أوسيت رَأسه أَي حلقته وَقَوله وصلاها راج والصلوان مَا عَن يَمِين الذَّنب وشماله يرتجان أَي يتحركان ويضطربان من شدَّة الضبعة وَقَوله دَعَا بِإِنَاء يُرِيد الرَّهْط أَي يرويهم حَتَّى يثقلوا فيريضوا قَالَ لنا الرياشي يُقَال أريضت الشَّمْس إِذا اشْتَدَّ حرهَا حَتَّى تريض الشَّاة والظبي والرهط مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَكَذَلِكَ النَّفر والعصبة مَا فَوق ذَلِك إِلَى أَرْبَعِينَ وَفِي حَدِيث رَوَاهُ عبد الرحمن بن عقبَة عَن أَبِيه عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِابْنِ أم معبد يَا غُلَام هَات قروا فَأَتَاهُ بِهِ فَضرب ظهر الشَّاة فاجترت وَدرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وحَدثني أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد أَنه قَالَ القرو إِنَاء صَغِير وَجمعه أقرّ وَمِنْه قَول الْأَعْشَى من السَّرِيع ... وَأَنت بَين القرو والعاصر ... قَالَ وَقد يكون أصل النَّخْلَة ينقر ثمَّ يَجْعَل فِيهِ الشَّرَاب وَأَحْسبهُ أَرَادَ بِهِ النقير الَّذِي نهي عَن الإنتباذ فِيهِ قَالَ الْكسَائي التِّبْن أعظم الأقداح يكَاد يروي الْعشْرين ثمَّ الصحن مقارب لَهُ ثمَّ الْعس يروي الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة ثمَّ الْقدح يروي الرجلَيْن وَلَيْسَ لذَلِك وَقت ثمَّ الْقَعْب يروي الرجل وَقَوله حلب مِنْهَا ثَجًّا والثج السيلان قَالَ الله جلّ وَعز {وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجا} أَي سيالا وَقَوله حَتَّى علاهُ الْبَهَاء يُرِيد علا الْإِنَاء بهاء اللَّبن وَهُوَ وميض رغوته يُرِيد أَنه ملأَهُ والبهاء فِي غير هَذَا النَّاقة الَّتِي تستأنس إِلَى الحالب يُقَال نَاقَة بهاء مَمْدُود وَرُوِيَ من وَجه آخر حَتَّى علاهُ الثمال وَهُوَ جمع ثمالة وَهِي الرغوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 وَالْعرب تَقول قَالَت الينمة أَنا الينمة أكب الثمال فَوق الأكمة وأغبق الصَّبِي بعد الْعَتَمَة وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الْإِبِل تسمن على الينمة وَلَا تغزر فَأَرَادَ أَن لَبنهَا تكْثر رغوته وَإِذا كثرت رغوته فَلَا خير فِيهِ فتهراق الرغوة وَإِذا لم يرغ أَيْضا فَلَا خير فِيهِ والجيد مَا قلت رغوته وَقَوْلهمْ أغبق الصَّبِي بعد الْعَتَمَة يُرَاد أَن لَبنهَا مِقْدَار غبوق صبي وَقَوله ثمَّ أراضوا وَرُوِيَ من وَجه آخر فَسَقَاهَا فَشَرِبت حَتَّى رويت ثمَّ سقى أَصْحَابه فَشَرِبُوا حَتَّى أراضوا عللا بعد نهل وَشرب آخِرهم يُرِيد شربوا حَتَّى رووا فنقعوا بِالريِّ وَيُقَال أراض الْوَادي واستراض إِذا استنقع فِيهِ المَاء وَكَذَلِكَ أَرض الْحَوْض وَيُقَال لذَلِك المَاء رَوْضَة قَالَ الراجز [من الرجز] ... وروضة سقيت مِنْهَا نضوتي ... وَقَوله تشاركن هزلا أَي عمهن الهزال فَلَيْسَ فِيهِنَّ مثغية وَلَا ذَات طرق وَهُوَ من الِاشْتِرَاك فكأنهن اشتركن فِيهِ فَصَارَ لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ حَظّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 وَرُوِيَ من الْوَجْه الآخر مَا تساوق هزلى لَا نقي بِهن أَي لَا تنساق من الضعْف والهزال والنقي المخ وَمن وَجه آخر يَسُوق أَعْنُزًا عِجَافًا تساوك هزلى أَي تتمايل من الضعْف قَالَ كَعْب من الْكَامِل ... حرف توارثها السفار فجسمها ... عَار تساوك والفؤاد خطيف ... فَقَوله وَالشَّاء عَازِب أَي بعيد فِي المرعى يُقَال عزب فلَان إِذا بعد وَقَوْلها أَبْلَج الْوَجْه تُرِيدُ مشرق الْوَجْه مضيئه وَمِنْه يُقَال تبلج الصُّبْح إِذا أَسْفر وانبلج الْفجْر وَلم ترد بلج الْحَاجِب أَلا ترى أَنَّهَا تصفه بالقرن والحيال الَّتِي لم تحمل يُقَال حَالَتْ الشَّاة حيالا وحالت الْقوس تحول حولا وَكَذَلِكَ حَال الرجل عَن الْعَهْد وَقَوْلها لم يعبه نحلة والنحل الرقة والضمر يُقَال نحل جِسْمه بِفَتْح الْحَاء نحولا والنحل اسْم مَأْخُوذ من ذَلِك وَلم أسمع بالنحل فِي غير هَذَا الْموضع إِلَّا فِي الْعَطِيَّة يُقَال نحلته نحلا ونحلة ونحلته القَوْل نحلا وَلم يزر بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 صقلة والصقل مُنْقَطع الأضلاع تُرِيدُ أَنه ضرب لَيْسَ بمنتفخ وَلَا ناحل والصقلة الخاصرة يُقَال فرس صقل إِذا كَانَ طويلها وَذَلِكَ عيب يُقَال مَا طَالَتْ صقلة فرس قطّ إِلَّا قصر جنباه وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى لم تَعبه ثجلة وَلم تزر بِهِ صعلة أَو صقلة والثجلة عظم الْبَطن واسترخاء أَسْفَله يُقَال رجل أثجل إِذا كَانَ عَظِيم الْبَطن وَكَذَلِكَ العثجل والصعلة صغر الرَّأْس يُقَال رجل صعل إِذا كَانَ صَغِير وَذَلِكَ قيل للظليم صعل لِأَنَّهُ صَغِير الرَّأْس والصقلة هُوَ من الصقل إِن كَانَ الْمَحْفُوظ والوسيم الْحسن الوضيء يُقَال وسيم من الوسامة وَعَلِيهِ ميسم الْحسن والقسيم أَيْضا الْحسن والقسام الْحسن والقسيمة الْوَجْه والدعج السوَاد فِي الْعين وَفِي غَيرهَا وَقَوْلها وَفِي أشفاه عطف أَو غطف سَأَلت الرياشي عَنْهُمَا فَقَالَ لَا أعرف الْعَطف وَأَحْسبهُ غطفا بالغين مُعْجمَة وَمِنْه سمي الرجل غطيفا وغَطَفَان وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 أَن تطول الأشفار ثمَّ تنعطف والغضف فِي الآذان نَحوه وَهُوَ أَن تدبر إِلَى الرَّأْس وينكسر طرفها وَلذَلِك قيل لكلاب الصَّيْد غضف لانكسار آذانها والعطف أَيْضا إِن كَانَ هُوَ الْمَحْفُوظ شَبيه بذلك وَكَأَنَّهُ اسْم مَبْنِيّ من عطفت مثل الغضف من غضفت فالغضف انكسار الْأذن والغضف مصدر غضفت أُذُنه وَكَذَلِكَ الْعَطف انعطاف الأشفار والعطف مصدر عطفت وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَفِي أَشْفَاره وَطف وَهُوَ الطول يُقَال رجل أَوْطَفُ وَامْرَأَة وطفاء وَفِي وصف عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام لَهُ أَنه أهدب الأشفار أَي طويلها وَقَوْلها وَفِي صَوته صَحِلَ تُرِيدُ فِيهِ كالبحة وَهُوَ أَن لَا يكون حادا والصحل البحة وَفِي الحَدِيث إِن ابْن عمر كَانَ يرفع صَوته بِالتَّلْبِيَةِ حَتَّى يصحل صَوته وَقَالَ الشَّاعِر [من الوافر] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 .. فقد صحلت من النوح الحلوق ... وَقَوْلها وَفِي عُنُقه سَطَعَ أَي طول يُقَال عنق سطعاء وَقَالَ أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة فِي وصف خلق الْفرس أَنه قَالَ الْعُنُق السطعاء الَّتِي طَالب وانتصبت علابيها وَقَوْلها إِن تكلم سما تُرِيدُ علا بِرَأْسِهِ أَو بِيَدِهِ وَهُوَ مثل قَول ابْن زمل فِي صفة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِذا هُوَ تكلم يسمو وَقَوْلها فِي وصف مَنْطِقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصل لَا نزر وَلَا هذر تُرِيدُ أَنه وسط لَيْسَ بِقَلِيل وَلَا كثير قَالَ ذُو الرمة من الطَّوِيل ... لَهَا بشر مثل الْحَرِير ومنطق ... رَقِيق الْحَوَاشِي لَا هراء وَلَا نزر ... والهراء الْكثير وَقَوْلها لَا يائس من طول هَكَذَا رَوَاهُ وَأَحْسبهُ لَا بَائِن من طول وَبِذَلِك وَصفه أنس فَقَالَ لَيْسَ بالقصير وَلَا بالطويل الْبَائِن على أَنِّي قد اعْتبرت قَوْلهَا لَا يائس من طول بَيْتا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 لأبي وجزة وَهُوَ قَوْله [من الْكَامِل] ... يئس الْقصار فلسن من نسوانها ... وحماشهن لَهَا من الحساد ... يَقُول يئس الْقصار من مباراتها فِي القوام فَكَأَنَّهُ يجوز على هَذَا أَن يكون مَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ بالطويل الَّذِي يؤيس مباريه من مطاولته وَقَوْلها وَلَا تَقْتَحِمُهُ عين من قصر أَي لَا تحتقره وَلَا تزدريه يُقَال اقتحمت فلَانا عَيْني إِذا عَيْني إِذا احتقرته واستصغرته وَقَوْلها مَحْفُودٌ أَي مخدوم والحفدة الخدم قَالَ الله جلّ وَعز {وَجعل لكم من أزواجكم بَنِينَ وحفدة} يَقُول هم بنُون وهم خدم وَأَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ الحفدة هم الأعوان وَمَا أقرب هَذَا من ذَلِك وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ الحفد أَصله من مداركة الخطوة وَأنْشد لحميد بن ثَوْر فِي وصف بعير [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 .. فدته المطايا الحافدات وَقطعت ... نعالا لَهُ دون الإكام جلودها ... يَدْعُو لجمله بِأَن يَجْعَل جُلُود المطايا نعالا لَهُ قَالَ وَمِنْه يُقَال فِي دُعَاء الْوتر وَإِلَيْك نسعى ونحفد يُرِيد بنحفد نبادر وَقَالَ الرَّاعِي وَذكر فلاة [من الْبَسِيط] ... تغتال مجهولها نُوق يَمَانِية ... إِذا الحداة على أكسائها حفدوا ... وأكساؤها أعجازها حفدوا عدوا وَقَوْلها محشود هُوَ من قَوْلك أحشدت لفُلَان فِي كَذَا إِذا أردْت أَنَّك أَعدَدْت لَهُ وجمعت لَهُ وَيُقَال عِنْد فلَان حشد من النَّاس أَي جمَاعَة كَأَنَّهُمْ احتشدوا فِي اجْتِمَاعهم وَقَوْلها لَا عَابس تُرِيدُ لَا عَابس الْوَجْه وَلَا مُعْتَد من العداء وَهُوَ الظُّلم وَقَوله فَأصْبح صَوت ببكة عَالِيا خبرني أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ بكة اسْم لبطن مَكَّة وَذَلِكَ أَنهم يتباكون فِيهِ ويزدحمون وَكَانَ بَعضهم يزْعم أَن بكة هُوَ مَوضِع الْمَسْجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 وَمَا حوله مَكَّة كَمَا قرق بَين الأيكة وليكة فَقيل الأيكة الغيضة وليكة الْبَلَد حولهَا وَكَانَ بَعضهم يَجْعَل مَكَّة وبكة شَيْئا وَاحِدًا يُقيم الْبَاء مقَام الْمِيم كَمَا يُقَال سمد رَأسه وسبده إِذا استأصله وكما يُقَال لَازم ولازب وخبرني السجسْتانِي وَغَيره باشتقاق أَسمَاء من أَسمَاء الْبِلَاد ذكرت مِنْهَا بَعْضًا فِي هَذَا الْموضع قَالُوا الرقة الْموضع الَّذِي نضب عَنهُ المَاء وَالْبَصْرَة الْحِجَارَة الرخوة تضرب إِلَى الْبيَاض وَقَالَ ذُو الرمة وَذكر حوضا [من الطَّوِيل] ... جوانبه من بصرة وَسَلام ... فَإِذا حذفوا الْهَاء قَالُوا بصر فكسروا الْبَاء وَلذَلِك يُقَال فِي النّسَب إِلَى الْبَصْرَة بَصرِي وبصري والكوفة رَملَة مستديرة وَمِنْه يُقَال كَأَنَّهُمْ يدورون فِي كوفان أَي فِي شَيْء مستدير بِنصب الْكَاف وَضمّهَا والأبلة الفدرة من التَّمْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 والأردن النعاس وَهَذَانِ الحرفان عَن يَعْقُوب ابْن السّكيت وَأنْشد [من الرجز] ... وَقد علتني نعسة أردن ... ومصر الْحَد وَأهل هجر يَكْتُبُونَ فِي شروطهم اشْترى فلَان الدَّار بمصورها كلهَا أَي بحدودها وَقَالَ عدي بن زيد [من الْبَسِيط] ... وَاجعَل الشَّمْس مصرا لَا خَفَاء بِهِ ... بَين النَّهَار وَبَين اللَّيْل قد فصلا ... أَي حدا والربذة صوفة من العهن تعلق على الْإِبِل وهيت هوة من الأَرْض وَسميت هيت لِأَنَّهَا فِي هوة قَالُوا أَو من قَالَ مِنْهُم ونرى هَذِه أصُول أَسمَاء هَذِه الْأَمْصَار وَقَول الْهَاتِف فتحلبت لَهُ بِصَرِيح والصريح الْخَالِص وَمِنْه قيل عَرَبِيّ صَرِيح وَمِنْه قيل صرح بِالْأَمر إِذا جَاءَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 خَالِصا لم يكن عَنهُ والضرة لحم الضَّرع وَقَوله فغادرها رهنا لَدَيْهَا لحالب يُرِيد أَنه خلف الشَّاة عِنْدهَا مرتهنة بِأَن تدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 حَدِيث ابْن زمل الْجُهَنِيّ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث ابْن زمل الْجُهَنِيّ أَنه قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الصُّبْح قَالَ وَهُوَ ثَان رجله سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ أسْتَغْفر الله إِن الله كَانَ تَوَّابًا سبعين مرّة ثمَّ يَقُول سبعين بِسبع مائَة لَا خير وَلَا طعم لمن كَانَت ذنُوبه فِي يَوْم وَاحِد أَكثر من سبع مائَة ثمَّ يسْتَقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ فَيَقُول هَل رأى أحد مِنْكُم شَيْئا قَالَ ابْن زمل أَنا يَا رَسُول الله قَالَ خير تَلقاهُ وَشر توقاه وَخير لنا وَشر على أَعْدَائِنَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين اقصص قلت رَأَيْت جَمِيع النَّاس على طَرِيق رحب لاحب سهل فَالنَّاس على الجادة منطلقون فَبينا هم كَذَلِك أشفا ذَلِك الطَّرِيق بهم على مرج لم تَرَ عَيْني مثله قطّ يرف رَفِيقًا يقطر نداه فِيهِ من أَنْوَاع الْكلأ فَكَأَنِّي بالرعلة الأولى وَحين أشفوا على المرج كبروا ثمَّ أَكَبُّوا رواحلهم فِي الطَّرِيق فَلم يظلموه يَمِينا وَلَا شمالا ثمَّ جَاءَت الرَّعْلَة الثَّانِيَة من بعدهمْ وهم أَكثر مِنْهُم أضعافا فَلَمَّا أشفوا على المرج كبروا ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 أَكَبُّوا رواحلهم فِي الطَّرِيق فَمنهمْ المرتع وَمِنْهُم الْآخِذ الضغث ومضوا على ذَلِك ثمَّ جَاءَت الرَّعْلَة الثَّالِثَة من بعدهمْ وهم أَكثر مِنْهُم أضعافا فَلَمَّا أشفوا على المرج كبروا ثمَّ أَكَبُّوا رواحلهم فِي الطَّرِيق وَقَالُوا هَذَا خير الْمنزل فمالوا فِي المرج يَمِينا وَشمَالًا فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك لَزِمت الطَّرِيق حَتَّى أتيت أقْصَى المرج فاذا أَنا بك يَا رَسُول الله على مِنْبَر فِيهِ سبع دَرَجَات وَأَنت فِي أَعْلَاهَا دَرَجَة واذا عَن يَمِينك رجل طوال آدم أقنى اذا هُوَ تكلم يسمو يكَاد يفرع الرِّجَال طولا واذا عَن يسارك رجل ربعَة تار أَحْمَر كثير خيلان الْوَجْه اذا هُوَ تكلم أصغيتم اليه اكرما لَهُ واذ أَمَام ذَلِك شيخ كأنكم تقتدون بِهِ واذا أَمَام ذَلِك نَاقَة عجفاء شَارف واذا أَنْت كَأَنَّك تبعثها يَا رَسُول الله قَالَ فانتقع لون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سري عَنهُ فَقَالَ أما مَا رَأَيْت من الطَّرِيق الرحب اللاحب السهل فَذَلِك مَا حملتكم عَلَيْهِ من الْهدى فَأنْتم عَلَيْهِ وَأما المرج الَّذِي رَأَيْت فالدنيا وغضارة عيشها لم نتعلق بهَا وَلم نردها. وَأما الرَّعْلَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وقص كَلَامه فانا لله وانا اليه رَاجِعُون وَأما أَنْت فعلى طَريقَة صَالِحَة فَلَنْ تزَال عَلَيْهَا حَتَّى تَلقانِي وَأما الْمِنْبَر فالدنيا سَبْعَة آلَاف سنة أَنا فِي آخرهَا ألفا وَأما الرجل الطوَال الآدم فَذَلِك مُوسَى نكرمه بِفضل كَلَام الله اياه وَأما الرجل الربعة التار الْأَحْمَر فَذَلِك عِيسَى نكرمه بِفضل مَنْزِلَته من الله جلّ وَعز وَأما الشَّيْخ الَّذِي رَأَيْت كأننا نقتدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 بِهِ فَذَلِك ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام وَأما النَّاقة الْعَجْفَاء الشارف الَّتِي رَأَيْتنِي أبعثها فَهِيَ السَّاعَة علينا تقوم نَبِي بعدِي وَلَا أمة بعد أمتِي قَالَ فَمَا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هَذَا أحدا عَن رُؤْيا الا أَن يجِئ الرجل مُتَبَرعا فيحدثه بهَا. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ عبد الله بن هرون ثَنَا حَازِم بن مُحَمَّد التمار عَن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مسرح الْحَرَّانِي عَن سُلَيْمَان بن عَطاء عَن مسلمة بن عبد الله الْجُهَنِيّ عَن عَمه أبي مشجعَة بن ربعي الْجُهَنِيّ عَن ابْن زمل الْجُهَنِيّ. أما قَوْله على طَرِيق رحب فالرحب الْوَاسِع وَمِنْه يُقَال رَحبَتْ بِلَاده أَي اتسعت وَمِنْه يُقَال مرْحَبًا. قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول النَّاس مرْحَبًا أتيت رحبا أَي سَعَة وَقَوْلهمْ أَهلا أَي أتيت أَهلا لَا غرباء فاستأنس وَلَا تستوحش وسهلا أَي أتيت سهلا حزنا وَهُوَ فِي مَذْهَب الدُّعَاء كَمَا تَقول لقِيت خيرا وَأما اللاحب فالطريق المنقاد الَّذِي لَا يَنْقَطِع قَالَ امْرُؤ الْقَيْس [من الطَّوِيل] ... على لاحب لَا يهتدى بمناره ... اذا سافه الْعود الديافي جرجرا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 قَوْله لَا يهتدى بمناره أَي لَيْسَ ثمَّ منار يهتدى بِهِ وسافه شمه وَالْعود الْجمل المسن جرجر رغا وَإِنَّمَا يرغو لمعرفته بِطُولِهِ وَهَذَا مثل قَول لبيد [من الرمل] ... ترزم الشارف من عرفانه ... كلما لَاحَ بِنَجْد واحتفل ... وَقَوله يرف رفيفا يُقَال ذَلِك للشَّيْء إِذا كثر مَاؤُهُ من النِّعْمَة والغضاضة حَتَّى يكَاد يَهْتَز قَالَ بعض الرجاز [من الرجز] ... يالك من غيث يرف بقله ... وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنِي أَبُو بكر الْعمريّ عَن الْأَعْين الْعَنزي وَكَانَ من أهل الْبَصْرَة أَن نَوْفَل بن أبي عقرب الْكِنَانِي أحد بني عويج هَكَذَا قَالَ وَأَحْسبهُ أَبَا نَوْفَل بن أبي عقرب من عريج سقط فوه حَتَّى لم تبْق لَهُ حاكة فَقَالَ فسد لساني وطعامي وحسبت أَن يطول الْعُمر قَالَ فدعوت الله فَخرج يرف قَالَ فَلَقَد عَاد من أحسن أهل الْبَصْرَة ثغرا وَفِيه لُغَة أُخْرَى ورف يرف وريفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 قَالَ ذُو الرمة يصف رماما [من الطَّوِيل] ... وأحوى كأيم الضال أطرق بَعْدَمَا ... حبا تَحت فينان من الظل وارف ... والأيم الْحَيَّة شبه الزِّمَام بِهِ وَقَوله فَكَأَنِّي بالرعلة يُقَال للقطعة من الفرسان رعلة وَيُقَال لجَماعَة الْخَيل رعيل وَقَوله أشفوا على المرج يُرِيد أشرفوا وَلَا يكَاد يُقَال أشفى إِلَّا على الشَّرّ وَكَذَلِكَ هُوَ على شفا كَذَا أَكثر مَا يسْتَعْمل فِي الشَّرّ وَقَوله أَكَبُّوا رواحلهم هَكَذَا تحدث بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ كبوا رواحلهم يُقَال كببت الْإِنَاء إِذا قلبته وكبه الله لوجهه بِغَيْر ألف قَالَ الله تَعَالَى {فكبت وُجُوههم فِي النَّار} وَيُقَال أكب الرجل على وَجهه قَالَ الله تَعَالَى {أَفَمَن يمشي مكبا على وَجهه} وَمعنى قَوْله كبوا رواحلهم أَي ألزموها الطَّرِيق كَمَا تكب رجلا على الْعَمَل فيكب هُوَ وَيُقَال كببت الْجَزُور إِذا عقرته وَقَالَ الشَّاعِر [من الوافر] ... يكبون العشار لمن أَتَاهُم ... إِذا لم تسكت المئة الوليدا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 يُرِيد أَنهم يعقرون الابل لمن أَتَاهُم فِي جَدب الزَّمَان اذا لم يكن فِي مائَة من الابل مَا يُعلل بِهِ صبي. وَقَوله فَمنهمْ المرتع يُقَال رتعت الابل اذا رعت وارتع الرجل اذا خلى الركاب ترعى وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {يرتع ويلعب} والمدنيون يقرؤنه: {يرتع} بِكَسْر الْعين كَأَنَّهُ نفتعل من رعيت أَي يحفظ بَعْضنَا بَعْضًا. وَقَوله وَمِنْهُم الْآخِذ الضغث الحزمة تجمعها من الخلى وَمن العيدان قَالَ الله جلّ وَعز: {وَخذ بِيَدِك ضغثا فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} وَأَرَادَ أَن الْفرْقَة الثَّانِيَة نَالَتْ من الدُّنْيَا وَأَن الأولى لم تنَلْ شَيْئا لزموا الطَّرِيق فَلم يظلموه أَي لم يعدلُوا عَنهُ. وأصل الظُّلم وضع الشَّيْء غير مَوْضِعه وَمِنْه يُقَال من أشبه أَبَاهُ فَمَا ظلم أَي مَا وضع الشّبَه غير مَوْضِعه وَمِنْه ظلم السقاء وَهُوَ أَن تشربه قبل أَن يدْرك قَالَ الشَّاعِر [من الوافر] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 .. وقائلة ظلمت لكم سقائي ... وَهل يخفى على العكد الظليم ... والعكد جمع عكدة وَهِي أصل اللِّسَان والظليم الْمَظْلُوم فعيل فِي معنى مفعول يَقُول لَا يخفى مذاقه مَا شرب من اللَّبن قبل الادراك. وَقَوله فِي الْفرْقَة الثَّالِثَة وَقَالُوا هَذَا حِين الْمنزل يُرِيد أَنهم ركنوا الى مَا فِي المرج من الرَّعْي وأوطنوه وتخلفوا عَن الْفرْقَتَيْنِ المتقدمتين. وَقَوله اذا هُوَ تكلم يسمو يُرِيد أَنه يَعْلُو بِرَأْسِهِ وبدنه اذا تكلم وَيُقَال فلَان سَام بِنَفسِهِ وَهُوَ يسمو لي الْمَعَالِي أَي يَتَطَاوَل اليها. وَقَوله يكَاد يفرع الرِّجَال أَي يطولهم وَيُقَال فرعت الْقَوْم أفرعهم فرعا وَمِنْه سميت الْمَرْأَة فارعة وَقَوله ربعَة تار قَالَ أَبُو زيد التار الممتلئ الْعَظِيم يُقَال تَرَ يتر ترارة وَأنْشد [من الوافر] ... ونصبح بِالْغَدَاةِ أتر شَيْء ... ونمسي بالْعَشي طلنفحينا ... الطلنفح الْخَالِي الْجوف وَيُقَال أَنه الكال المعيي والناقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 الشارف هِيَ المسنة من النوق وَلَا يُقَال للذّكر شَارف وَكَذَلِكَ التار من النوق هِيَ المسنة وَلَا يُقَال للذّكر تار. وَقَوله فانتقع لون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي تغير يُقَال امتقع لَونه وانتقع واهتقع وابتقع كل هَذَا اذا تغير من حزن أَو فزع. واللغة الْعَالِيَة امتقع وَقَوله ثمَّ سري عَنهُ أَي كشف ذَلِك عَنهُ وَأَحْسبهُ مأخوذا من قَوْلك سروت الثَّوْب عَنهُ أَي نَزَعته فَأَنا أسروه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 حَدِيث ابْن أبي هَالة التَّمِيمِي وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث ابْن أبي هَالة التَّمِيمِي وَفِي وَصفه قَالَ كَانَ فخما مفخما يتلألأ وَجهه تلألؤ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عَظِيم الهامة رجل الشّعْر ان انفرقت عقيقته فرق والا فَلَا يُجَاوز شعره شحمة أُذُنه اذا هُوَ وقره أَزْهَر اللَّوْن وَاسع الجبين أَزجّ الحواجب سوابغ فِي غير قرن بَينهمَا عرق يدره الْغَضَب أقنى الْعرنِين لَهُ نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أَشمّ كث اللِّحْيَة سهل الْخَدين ضليع الْفَم أشنب مفلج الْأَسْنَان دَقِيق المسربة كَأَن عُنُقه جيد دمية فِي صفاء الْفضة معتدل الْخلق بادن متماسك سَوَاء الْبَطن والصدر عريض الصَّدْر بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ ضخم الكراديس أنور المتجرد طَوِيل الزندين رحب الرَّاحَة شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين سَائل الْأَطْرَاف خمصان الأخمصين مسيح الْقَدَمَيْنِ ينبو عَنْهُمَا المَاء اذا زَالَ زَالَ قلعا يخطو تكيفا وَيَمْشي هونا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 ذريع المشية اذا مَشى كانما ينحط من صبب اذا الْتفت الْتفت جَمِيعًا خافض الطّرف نظره الى الأَرْض أطول من نظره الى السَّمَاء جلّ نظره الملاحظة يَسُوق أَصْحَابه وَيبدأ من لَقِي بِالسَّلَامِ. وَقَالَ فِي وصف مَنْطِقه يفْتَتح الْكَلَام ويختتمه بأشداقه يتَكَلَّم بجوامع الْكَلم فصلا لَا فضول وَلَا تَقْصِير دمثا لَيْسَ بالجافي وَلَا المهين يعظم النِّعْمَة وان دقَّتْ وَلَا يذم مِنْهَا شَيْئا لم يكن يذم ذواقا وَلَا يمدحه واذا غضب أعرض وأشاح جلّ ضحكه التبسم ويفتر عَن مثل حب الْغَمَام. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد ثَنَا مَالك بن اسماعيل ثَنَا جَمِيع ابْن عمر الْعجلِيّ ثَنَا رجل من بني تَمِيم منى ولد أبي هَالة زوج خَدِيجَة عَن ابْن أبي هَالة التَّمِيمِي عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ سَأَلت خَالِي هِنْد ابْن أبي هَالة وَكَانَ وصافا عَن حلية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك قَالَ الْحسن فكتمتها الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام زَمَانا ثمَّ حَدَّثَنِيهِ فَوَجَدته قد سبقني اليه فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلته عَنهُ وَوَجَدته قد سَأَلَ أَبَاهُ عَن مدخله ومخرجه وشكله فَلم يدع مِنْهُ شَيْئا قَالَ الْحُسَيْن سَأَلت أبي عَن دُخُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كَانَ دُخُوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 لنَفسِهِ مَأْذُون لَهُ فِي ذَلِك وَكَانَ اذا أَوَى الى منزله جزأ دُخُوله ثَلَاثَة أَجزَاء جُزْءا لله عز وَجل وجزءا لأَهله وجزءا لنَفسِهِ ثمَّ جزأ جزءه بَينه وَبَين النَّاس فَيرد ذَلِك بالخاصة على الْعَامَّة وَلَا يدّخر عَنْهُم شَيْئا وَذكر دُخُول النَّاس عَلَيْهِ فَقَالَ يدْخلُونَ رَوَّادًا وَلَا يتفرقون الا عَن ذواق وَيخرجُونَ أَدِلَّة وَذكر مَجْلِسه فَقَالَ مجْلِس حَيَاء وحلم وصبر وَأَمَانَة لَا ترفع فِيهِ الْأَصْوَات وَلَا تؤبن فِيهِ الْحرم وَلَا تنثى فلتاته اذا تكلم أطرق جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا على رؤوسهم الطير فاذا سكت تكلمُوا وَلَا يقبل الثَّنَاء الا عَن مكافئ. قَوْله كَانَ فخما مفخما أَي عَظِيما مُعظما يُقَال فخم بَين الفخامة وأتينا فلَانا ففخمناه أَي عظمناه ورفعنا من شَأْنه وَقَالَ رؤبة [من الرجز] ... نحمد مَوْلَانَا الْأَجَل الأفخما ... وَقَوله أقصر من المشذب والمشذب الطَّوِيل الْبَائِن وأصل التشذيب التَّفْرِيق يُقَال شذبت المَال اذا فرقته فَكَأَن المفرط الطول فرق خلقه وَلم يجمع قَالَ الشَّاعِر يصف فرسا [من مجزوء الْكَامِل] ... بمشذب كالجذع صاك على حواجبه خضابه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 صاك لزق خضابة وَكَانُوا يخضبون الْفرس بِدَم صَيْده يُرِيد انه لَيْسَ بمفرط الطول وَلكنه بَين الربعة وَبَين المشذب وَيُقَال للشَّيْء يتفرق شذب. وَقَوله ان انفرقت عقيقته فرق وأصل الْعَقِيقَة شعر الصَّبِي قبل أَن يحلق فَإِذا حلق وَنبت ثَانِيَة فقد زَالَ عَنهُ اسْم الْعَقِيقَة وَإِنَّمَا سمي الذّبْح عَن الصَّبِي يَوْم السَّابِع من مولده عقيقة باسم الشّعْر لِأَنَّهُ يحلق فِي ذَلِك الْيَوْم وَرُبمَا سمي الشّعْر عقيقة بعد الْحلق على الِاسْتِعَارَة وَبِذَلِك جَاءَ هَذَا الحَدِيث يُرِيد أَنه كَانَ لَا يفرق شعره إِلَّا أَن يفْتَرق هُوَ وَكَانَ هَذَا فِي صدر الْإِسْلَام ثمَّ فرق روى سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ أَمر لم يُؤمر فِيهِ بِشَيْء يَفْعَله الْمُشْركُونَ وَأهل الْكتاب أَخذ بِفعل أهل الْكتاب فسدل ناصيته مَا شَاءَ الله ثمَّ فرق بعد ذَلِك وَقَوله أَزْهَر اللَّوْن يُرِيد أَبيض اللَّوْن مشرقه وأحسب قَوْلهم سراج يزهر مِنْهُ أَي يضيء وَمِنْه سميت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 الزهرة لشدَّة ضوئها فَأَما الْأَبْيَض الْمشرق فَهُوَ الأمهق وَقَوله أَزجّ الحواجب والزجج طول الحاجبين ودقتها وسبوغهما إِلَى مُؤخر الْعَينَيْنِ ثمَّ وصف الحواجب فَقَالَ سوابغ فِي غير قرن والقرن أَن يطول الحاجبان حَتَّى يلتقي طرفاهما وَهَذَا خلاف مَا وَصفته بِهِ أم معبد لِأَنَّهَا قَالَت فِي وَصفه أَزجّ أقرن وَلَا أرَاهُ إِلَّا كَمَا ذكر ابْن أبي هَالة وَقَالَ الْأَصْمَعِي كَانَت الْعَرَب تكره الْقرن وتستحب البلج والبلج أَن يَنْقَطِع الحاجبان فَيكون مَا بَينهمَا نقيا وَقَوله أقنى الْعرنِين والعرنين المعطس وَهُوَ المرسن والقنا فِيهِ طوله ودقة أرنبته وحدب فِي وَسطه وَقَوله يحسبه من لم يتأمله أَشمّ والشمم ارْتِفَاع القصبة وحسنها واستواء أَعْلَاهَا وإسراف الأرنبة قَلِيلا تَقول لحسن قِنَا أَنفه واعتدال ذَلِك يحْسب قبل التَّأَمُّل أَشمّ وَقَوله ضليع الْفَم أَي عظيمه يُقَال ضليع بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 الضلاعة وَمِنْه قَول الجني لعمر: اني مِنْهُم لضليع وَكَانَت الْعَرَب تحمد ذَلِك وتذم صغر الْفَم وَقَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... لحا الله أَفْوَاه الدبى من قَبيلَة ... هجاهم بِضيق أَفْوَاههم وَشبههَا بأفواه صغَار الْجَرَاد وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّبِّيّ أنشدنا أَبُو سعيد وَفَسرهُ [من الْبَسِيط] ... أَكَانَ كري واقدامي لفي جرذ ... بَين العواسج أحنى حوله المصع ... قَالَ هَذَا رجل لقبه بفي جرذ لضيق فَمه كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس [من الطَّوِيل] ... لعمري لسعد حَيْثُ حلت دياره ... أحب الينا مِنْك فافرس حمر ... لقبه بفي فرس لنتن فَم الْفرس الْجَمْر وَلم يرد فِي هَذَا الْبَيْت صغر الْفَم. والمصع ثَمَر العوسج وَكَانُوا يمدحون برحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 الشدقين وَمِنْه قَوْله فِي وصف مَنْطِقه انه كَانَ يفْتَتح الْكَلَام ويختمه بأشداقه وَذَلِكَ لرحب شدقيه يُقَال للرجل اذا كَانَ كَذَلِك أشدق بَين الشدق. وحَدثني السجسْتانِي وَعبد الرَّحْمَن ابْن أخي الْأَصْمَعِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنِي جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن عَليّ وَالْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عَليّ الهاشميان انهما قَالَا أَو أَنه قيل لأبي المخش أَكَانَ لَك ولد فَقَالَ أَي وَالله المخش وَمَا المخش كَانَ وَالله خر طمانيا أشدق اذا تكلم سَالَ لعابه ينظر بِمثل الفلسين كَأَن مشاشة مَنْكِبَيْه كركرة بعير وَكَأن ترقوته بوان أَو خالفة فَقَأَ الله عَيْني ان كنت رَأَيْت قبله وَلَا بعده مثله. سَأَلت أَبَا حَاتِم عَن المخش فَقَالَ هُوَ الَّذِي ينخش فِي الْقَوْم وَيدخل مَعَهم وهم يَأْكُلُون وَعَن قَوْله ينظر بِمثل الفلسين فَقَالَ أَرَادَ خضرَة عَيْنَيْهِ وَقَالَ لي غَيره أَرَادَ غؤور عَيْنَيْهِ وَأَحْسبهُ كَذَلِك لأَنهم يجعلونه من الْجمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 قَالَ الْأَصْمَعِي قلت لأعرابي مَا الْجمال فَقَالَ غؤور الْعَينَيْنِ واشراف الحاجبين ورحب الشدقين. وَأما قَوْله كَانَ خر طمانيا اذا تكلم سَالَ لعابه فان السَّامع لهَذَا يحسبه عَيْبا وذما وَلَيْسَ كَذَلِك وانما أَرَادَ بقوله كَانَ خرطمانيا طول أَنفه وَكَانُوا يمدحون بذلك. حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن الْوَلِيد بن يسَار ان امْرَأَة عقيل بن أبي طَالب وَهِي بنت عتبَة قَالَت لَا يحبكم قلبِي يَا بني هَاشم أبدا أَيْن أخي أَيْن عمي أَيْن فلَان أَيْن فلَان كَأَن أَعْنَاقهم أَبَارِيق الْفضة ترد أنوفهم قبل شفاههم فَقَالَ لَهَا عقيل اذا دخلت النَّار فَخذي عَن يسارك وَأنْشد الْأَصْمَعِي فِي مثل ذَلِك [من الطَّوِيل] ... كرام ينَال المَاء قبل شفاههم ... لَهُم واردات الْغَرَض شم الأرانب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 قَالَ أَرَادَ الغر ضوف فَقطع وَأَرَادَ بقوله اذا تكلم سَالَ لعابه انه عِنْد الْكَلَام رابط الجأش ثَابت الْجنان لَا يتهيب ففوه رطب والجبان الْحصْر اذا تكلم جف رِيقه فِي فِيهِ وهم يمدحون بِكَثْرَة الرِّيق عِنْد المقامات والخطب وَفِي الْحَرْب وَيَوْم اللِّقَاء لِأَنَّهُ دَلِيل على ثبات الْقلب وَقُوَّة النَّفس. أَنْشدني شيخ من أَصْحَاب الْمعَانِي لبَعض الشُّعَرَاء يصف قوما يَتَكَلَّمُونَ ويشيرون بِأَيْدِيهِم [من الطَّوِيل] ... تلقح أَيْديهم كَأَن زبيبهم ... زبيب الفحول الصَّيْد وَهِي تلمح ... قَوْله تلقح أَيْديهم وَيَعْنِي انهم يشيرون بهَا اذا تكلمُوا وأصل التلقح للناقة اذا شالت بذنبها تريك أَنَّهَا لاقح وَلَيْسَ بهَا لقح. وَالزَّبِيب الَّذِي يجْتَمع فِي الأشداق من الزّبد اذا تكلم الرجل فَأكْثر يُقَال قد زبب شدقاه وَذَلِكَ لِكَثْرَة رِيقه. والتلمح الْأكل الْيَسِير والفحول اذا هَاجَتْ لَا تَأْكُل الا لماجا أَي قَلِيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 وَأما فِي الْحَرْب فان ابْن هُبَيْرَة سَأَلَ عَن مقتل عبد الله ابْن حَازِم فَقَالَ رجل مِمَّن حضر مَجْلِسه سَأَلت وَكِيع بن الدورقية كَيفَ قتلته فَقَالَ غلبته بِفضل فتاء كَانَ لي عَلَيْهِ فصرعته وَجَلَست على صَدره وَقلت يَا لثأرات دويلة يَعْنِي أَخَاهُ من أمه فَقَالَ من تحتي قَتلك الله تقتل كَبْش مُضر بأخيك وَهُوَ لَا يُسَاوِي كف نوى ثمَّ تنخم فَمَلَأ وَجْهي فَقَالَ ابْن هُبَيْرَة هَذِه وَالله البسالة اسْتدلَّ عَلَيْهَا بِكَثْرَة الرِّيق فِي ذَلِك الْوَقْت. والبوان عَمُود من عمد الخباء يكون فِي مقدمه وَجمعه بون مثل خوان وخون وَيُقَال خوان وَهُوَ أَجود والخالفة عَمُود يكون فِي مؤخره وَجَمعهَا خوالف. ومشاشة الْمنْكب الْجيد الْمشرق مِنْهَا أَرَادَ بِهِ عَظِيم الْخلق غليظ الْعِظَام فَأَما مَا جَاءَ عَنهُ فِي المتشادقين فانه أَرَادَ بِهِ الَّذين يتشادقون اذا تكلمُوا فيميلون بأشداقهم يَمِينا وَشمَالًا ويتنطعون فِي القَوْل كَمَا قَول الْقَائِل فِي عَمْرو بن سعيد [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 .. تشادق حَتَّى مَال بالشدق قَوْله ... وكل خطيب لَا أبالك أشدق ... أَي بالْقَوْل شدقه. وَقَوله أشنب من الشنب فِي الْأَسْنَان وَهُوَ تحدد فِي أطرافها وَيُقَال الشنب برد وعذوبة. روى الرياشي عَن ابْن عَائِشَة أَنه قَالَ سُئِلَ رُؤْيَة عَن الشنب فِي قَول ذِي الرمة [من الْبَسِيط] ... لمياء فِي شفتيها حوة لعس ... وَفِي اللثاث وَفِي أنيابها شنب ... فَأخذ حَبَّة رمان فَقَالَ هَذَا هُوَ الشنب لم يزدهم. وَقَوله دَقِيق المسربة والمسربة الشّعْر المستدق مَا بَين اللبة الى السُّرَّة قَالَ الشَّاعِر [من المنسرح] ... ألآن لما ابيض مسر بتي ... وعضضت من نابي على جذم ... والجذم الأَصْل وَكَذَلِكَ جذم الْحَائِط أَصله وَمِنْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 الحَدِيث فِي الْأَذَان ان عبد الله بن زيد رأى فِي الْمَنَام كَأَن رجلا نزل من السَّمَاء عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران فعلا جذم حَائِط فَأذن. يَقُول لما أسننت وعضضت من الأنياب على الْأُصُول يُرِيد أَنَّهَا قد ذهبت الا أُصُولهَا. وَقَوله كَأَن عُنُقه جيد دمية فِي صفاء الْفضة والجيد الْعُنُق والدمية الصُّورَة وَجَمعهَا دمى وَشبههَا فِي بياضها بِالْفِضَّةِ وَمثل ذَلِك قَول الْمَرْأَة كَأَن أَعْنَاقهم أَبَارِيق الْفضة وَكَذَلِكَ تصف الشُّعَرَاء النِّسَاء فَتَقول ... السوالف وَلَيْسَ يُرَاد بِهَذَا الْعُنُق خَاصَّة دون سَائِر الْجَسَد وَلَكِن السالفة اذا ابْيَضَّتْ ابيض سَائِر الْجَسَد وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأم سليم حِين بعث بهَا تنظر الى امْرَأَة: انظري الى عقبيها. قَالَ الْأَصْمَعِي لِأَن الْعقب اذا اسودت اسود سَائِر جَسدهَا. وَقَوله بادن متماسك البادن الضخم يُقَال بدن الرجل يبدن بدنا وبدانة وَهُوَ بادن اذا ضخم وبدن الرجل بِالتَّشْدِيدِ اذا أسن قَالَ حميد الأرقط [من الرجز] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 .. وَكنت خلت الشيب والتبدينا ... والهم مِمَّا يذهل القرينا ... وَيُقَال مِنْهُ هَذَا رجل بدن اذا كَانَ مسنا قَالَ الْأسود ابْن يعفر [من السَّرِيع] ... هَل لشباب فَاتَ من مطلب ... أم مَا بكاء الْبدن الأشيب ... وَقَوله متماسك يُرِيد انه مَعَ بدانته متماسك اللَّحْم لَيْسَ بمسترخيه وَلَا منفضجه. وَقَوله سَوَاء الْبَطن والصدر يُرِيد ان بَطْنه غير مستفيض فَهُوَ مسَاوٍ لصدره وان صَدره عريض مسَاوٍ لبطنه. وَقَوله ضخم الكراديس يُرِيد الْأَعْضَاء وَفِي صفة عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: انه كَانَ جليل المشاش أَي عَظِيم رُؤْس الْعِظَام مثل الرُّكْبَتَيْنِ والمنكبين هِيَ مثل الكراديس وَفِيمَا روى النَّاس من الْأَخْبَار الْقَدِيمَة ان لُقْمَان بن عَاد ولقيما ابْنه أغارا فأصابا ابلا ثمَّ انصرفا نَحْو أهلهما فنحرا نَاقَة فِي منزل نزلاه فَقَالَ لُقْمَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 أتعشي أم أعشي لَك قا لقيم أَي ذَلِك شِئْت قَالَ لُقْمَان اذْهَبْ فَادع إبلك حَتَّى ترى النَّجْم قُم رَأس وَحَتَّى ترى الجوزاء كَأَنَّهَا قطا نوافر وَحَتَّى ترى الشعرى كَأَنَّهَا نَار فَإِن لَا تكن عشيت فقد آنيت فَقَالَ لَهُ لقيم واطبخ أَنْت لحم جزورك حَتَّى ترى الكراديس كَأَنَّهَا رُؤْس شُيُوخ صلع وَحَتَّى ترى الضلوع كَأَنَّهَا نسَاء حواسر والوذر كَأَنَّهَا قطا نوافر وَحَتَّى ترى اللَّحْم يَدْعُو عطيفا أَو غطيا أَو غطفان فَإِن لم تكن أَصبَحت فقد آنيت وَقَوله أنور المتجرد والمتجرد مَا جرد عَنهُ الثَّوْب من بدنه وَهُوَ الْمُجَرّد أَيْضا وأنور من النُّور يُرِيد شدَّة بياضه وَأكْثر مَا يسْتَعْمل هَذَا فِي نير ومنير فجَاء بِهِ على أفعل كَأَنَّهُ قَالَ أَبيض المتجرد وَقَوله طَوِيل الزندين والزند من الذِّرَاع مَا انحسر عَنهُ اللَّحْم وللزند رأسان الْكُوع والكرسوع فالكرسوع رَأس الزند الَّذِي يَلِي الْخِنْصر وَهُوَ الوحشي والكوع رَأس الزند الَّذِي يَلِي الْإِبْهَام وَهُوَ الْإِنْسِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 وحَدثني أبي أَخْبرنِي عبد الرحمن بن عبد الله عَن الْأَصْمَعِي قَالَ أَخْبرنِي أبي أَنه لم ير أحدا أعرض زندا من الْحسن يَعْنِي الْبَصْرِيّ كَانَ عرضه شبْرًا وَقَوله رحب الرَّاحَة يُرِيد أَنه وَاسع الرَّاحَة وَكَانَت الْعَرَب تحمد ذَلِك وتمدح بِهِ وتذم صغر الْكَفّ وضيق الرَّاحَة قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... مناتين أبرام كَأَن أكفهم ... أكف ضباب انشقت فِي الحبائل ... شبه أكفهم فِي صغرها بأكف الضباب وَيُقَال فِي الْمثل أقصر من إِبْهَام الضَّب وأقصر من إِبْهَام الْحُبَارَى وأقصر من إِبْهَام القطاة وَقَالَ الأخطل وَذكر قتل الْمُخْتَار بن أبي عبيد [من الطَّوِيل] ... وناطوا من الْكذَّاب كفا صَغِيرَة ... وَلَيْسَ عَلَيْهِم قَتله بكبير ... ناطوا عَلقُوا كفا صَغِيرَة قَالَ ابْن الْأَعرَابِي رَمَاه بالبخل وَكَانُوا يَقُولُونَ إِن ضيق الْكَفّ يدل على الْبُخْل وَقَوله شثن الْكَفَّيْنِ والقدمين يُرِيد أَنَّهُمَا إِلَى الغلظ وَالْقصر وَفِيه لُغَة أُخْرَى شثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 وَقَوله سَائل الْأَطْرَاف يُرِيد الْأَصَابِع أَنَّهَا طوال لَيست بمنعقدة وَلَا متغضنة وَقَوله خمصان الأخمضين والأخمص فِي الْقدَم من تحتهَا وَهُوَ مَا ارْتَفع عَن الأَرْض فِي وَسطهَا وَأَرَادَ بقوله خمصان الأخمصين أَن ذَاك مِنْهُمَا مُرْتَفع وَأَنه لَيْسَ بأرج والأرج هُوَ الَّذِي يَسْتَوِي بَاطِن قدمه حَتَّى يمس جَمِيعه الأَرْض وَيُقَال للْمَرْأَة الضامر الْبَطن خمصانة وَقَوله مسيح الْقَدَمَيْنِ يُرِيد أَنه مَمْسُوح ظَاهر الْقَدَمَيْنِ فالماء إِذا صب عَلَيْهِمَا مر عَلَيْهِمَا سَرِيعا لِاسْتِوَائِهِمَا وإملاسهما وَقَوله إِذا زَالَ زَالَ قلعا هُوَ بِمَنْزِلَة قَول عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فِي وَصفه إِذا مَشى تقلع وَقَوله يخطو تكفيا وَيَمْشي هونا يُرِيد أَنه يميد إِذا خطا وَيَمْشي فِي رفق غير مخال لَا يضْرب عطفا والهون بِفَتْح الْهَاء الرِّفْق قَالَ الله جلّ وَعز {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} فَإِذا ضممت الْهَاء فَهُوَ الهوان قَالَ الله تَعَالَى {عَذَاب الْهون} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وَقَوله ذريع المشية يُرِيد أَنه مَعَ هَذَا الرِّفْق سريع المشية يُقَال فرس ذريع بَين الذراعة إِذا كَانَ سَرِيعا وَامْرَأَة ذِرَاع إِذا كَانَت سريعة الْغَزل وَقَوله إِذا مَشى فَكَأَنَّمَا ينحط من صبب والصبب الانحدار وَجمعه أصباب فقد وَصفه عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام بذلك وَفَسرهُ أَبُو عبيد وَقَوله يَسُوق أَصْحَابه يُرِيد أَنه إِذا مَشى مَعَ أَصْحَابه يقدمهم بَين يَدَيْهِ وَمَشى وَرَاءَهُمْ وَفِي حَدِيث آخر كَانَ ينس أَصْحَابه والنس السُّوق وَكَانَت مَكَّة تسمى الناسة لِأَن الْبَاغِي فِيهَا والمحدث يخرج مِنْهَا وَقَوله كَانَ دمثا الدمث من الرِّجَال السهل اللين وَهُوَ من الدمث مَأْخُوذ وَهُوَ الأَرْض اللينة وَقَوله لَيْسَ بالجافي وَلَا المهين فَإِن كَانَت الرِّوَايَة كَذَلِك فَإِنَّهُ أَرَادَ لَيْسَ بِالْفَظِّ الغليظ وَلَا الجافي وَلَا الحقير الضَّعِيف وَقَوله يعظم النِّعْمَة وَإِن دقَّتْ يَقُول إِنَّه لَا يستصغر شَيْئا أوتيه وَإِن كَانَ صَغِيرا وَلَا يحتقره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وَقَوله وَلَا يذم ذواقا وَلَا يمدحه يُرِيد أَنه كَانَ لَا يصف الطَّعَام بِطيب وَلَا بِفساد إِن كَانَ فِيهِ وَيُقَال مَا ذقت ذواقا وَقَوله إِذا غضب أعرض وأشاح والإشاحة تكون بمعنيين أَحدهمَا الْجد فِي الْأَمر يُقَال أشاح إِذا جد وَالْآخر الْإِعْرَاض بِالْوَجْهِ يُقَال أشاح إِذا عدل بِوَجْهِهِ وَهَذَا معنى هَذَا الْحَرْف فِي هَذَا الْموضع وَمِنْه حَدِيثه الآخر أَنه قَالَ اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة ثمَّ أعرض وأشاح أَي عدل بِوَجْهِهِ وَذَلِكَ فعل الحذر من الشَّيْء أَو الكاره لِلْأَمْرِ وَقَوله يفتر أَي يتبسم وَمِنْه يُقَال فَرَرْت الدَّابَّة إِذا نظرت إِلَى سنّهَا وَحب الْغَمَام الْبرد شبه ثغره بِهِ والغمام السَّحَاب وَقَوله سَأَلَهُ أَبَاهُ عَن شكله فَإِنَّهُ أَرَادَ سَأَلَهُ عَن نَحوه وَمن ذَلِك قَول أبي ذُؤَيْب [من الطَّوِيل] ... فَمَا أَدْرِي أشكلهم شكلي ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 وَمِنْه يَقُول النَّاس هَذَا شكل هَذَا وَهَذَا لَا يشاكل هَذَا وَقَوله فِي دُخُوله جزأ جزءه بَينه وَبَين النَّاس فَيرد ذَلِك بالخاصة على الْعَامَّة يُرِيد أَن الْعَامَّة كَانَت لَا تصل إِلَيْهِ فِي منزله فِي ذَلِك الْوَقْت وَلكنه كَانَ يُوصل إِلَيْهَا حظها من ذَلِك الْجُزْء بالخاصة الَّتِي تصل إِلَيْهِ فتوصله إِلَى الْعَامَّة وَقَوله يدْخلُونَ رَوَّادًا وَهُوَ جمع رائد والرائد الَّذِي يبْعَث بِهِ الْقَوْم يطْلب لَهُم الْكلأ ومساقط الْغَيْث وَلم يرد الْكلأ فِي هَذَا الْموضع وَلكنه ضربه مثلا لما يَلْتَمِسُونَ عِنْده من النَّفْع فِي دينهم ودنياهم وَالْعلم وَقَوله وَلَا يتفرقون إِلَّا عَن ذواق والذواق أَصله الطّعْم وَلم يرد الطّعْم هَاهُنَا وَلكنه ضربه مثلا لما ينالون عِنْده من الْخَيْر وَقَوله وَيخرجُونَ أَدِلَّة يُرِيد أَنهم يخرجُون من عِنْده بِمَا قد علموه مدلون عَلَيْهِ النَّاس وينبؤنهم بِهِ وَهُوَ جمع دَلِيل وَهُوَ مثل شحيح وأشحة وسرير وأسرة وجليل وأجلة وَقَوله فِي ذكر مَجْلِسه لَا تؤبن فِيهِ الْحرم أَي لَا تقرف فِيهِ يُقَال أبنته بِكَذَا من السِّرّ إِذا رميته بِهِ وَمِنْه قَوْله فِي حَدِيث الْإِفْك أَشِيرُوا عَليّ فِي أنَاس أبنوا أَهلِي وأبنوهم بِمن وَالله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 مَا علمت عَلَيْهِ من سوء قطّ وَمِنْه قَول أبي الدَّرْدَاء إِن نؤبن بِمَا لَيْسَ فِينَا فَرُبمَا زكينا بِمَا لَيْسَ عندنَا فَلَعَلَّ هَذَا أَن يكون بِهَذَا وَمِنْه قيل رجل مأبون أَي مقروف بخلة من السوء وَيُقَال أبنته آبنه جَمِيعًا وَقَوله لَا تنثى فلتاته أَي لَا يتحدث بهفوة أَو زلَّة إِن كَانَت فِي مَجْلِسه من بعض الْقَوْم يُقَال نثوت الحَدِيث فَأَنا أنثوه إِذا أذعته والفلتات جمع فلتة وَهِي هَاهُنَا الزلة والسقطة وكل شَيْء فعل أَو قيل على غير روية وَتثبت فقد افتلت وَقَوله إِذا تكلم أطرق جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا على رؤوسهم الطير يُرِيد أَنهم يسكتون فَلَا يتحركون ويغضون أَبْصَارهم وَالطير لَا تسْقط إِلَّا على سَاكن وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ حَلِيمًا وقورا أَنه لساكن الطَّائِر كَأَنَّهُ لما سكن سكن طَائِره وَلَيْسَ أَن طائرا عَلَيْهِ وأحسب قَول الْهُذلِيّ من هَذَا الْمَعْنى بِعَيْنِه [من الوافر] ... إِذا حلت بَنو لَيْث عكاظا ... رَأَيْت على رُؤْسهمْ الغرابا ... يُرِيد أَنهم يذلون ويسكتون فَكَأَن على رؤوسهم غرابا لسكونهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 وَخص الْغُرَاب لِأَنَّهُ أحذر الطُّيُور وأبصرها يُقَال أحذر من غراب وَأبْصر من غراب وَمِنْه يُقَال طارت عصافير رَأسه إِذا ذعر أَي كَأَنَّمَا كَانَت على رَأسه عصافير عِنْد سكونه فَلَمَّا ذعر طارت قَالَ الْعَبْدي [من السَّرِيع] ... فنخب الْقلب ومارت بِهِ ... مور عصافير حَشا الْموعد ... وَيُقَال أصل هَذَا الْمثل أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول للريح أقلينا وللطير أضلينا فتقله وَأَصْحَابه الرّيح وتظلهم الطير فَكَأَن أَصْحَابه يَغُضُّونَ أَبْصَارهم هَيْبَة وَلَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا إِن سَأَلَهُمْ فيجيبوه فَقيل للْقَوْم إِذا سكنوا كَأَنَّمَا على رؤوسهم الطير وَقَوله لَا يقبل الثَّنَاء إِلَّا عَن مكافئ يُرِيد أَنه كَانَ إِذا ابتدئ بمدح كره ذَلِك وَإِذا اصْطنع مَعْرُوفا فَأثْنى عَلَيْهِ بِهِ مثن وشكره لَهُ قبل ثناءه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 حَدِيث أبي عَمْرو النَّخعِيّ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَبَا عَمْرو النَّخعِيّ قدم عَلَيْهِ فِي وَفد من النخع فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي رَأَيْت فِي طريقي هَذَا رُؤْيا رَأَيْت أَتَانَا تركتهَا فِي الْحَيّ ولدت جديا أسفع أحوى فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل لَك من أمة تركتهَا مَسَرَّة حملا قَالَ نعم تركت أمة لي أظنها قد حملت قَالَ فقد ولدت غُلَاما وَهُوَ ابْنك قَالَ فَمَا لَهُ أسفع أحوى قَالَ أدن مني فَدَنَا مِنْهُ قَالَ هَل بك برص تكتمه قَالَ نعم وَلَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا رَآهُ مَخْلُوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 وَلَا علم بِهِ قَالَ فَهُوَ ذَلِك قَالَ وَرَأَيْت النُّعْمَان بن الْمُنْذر عَلَيْهِ قرطان ودملجان ومسكتان قَالَ ذَلِك ملك الْعَرَب عَاد إِلَى أفضل زيه وبهجته قَالَ وَرَأَيْت عجوزا شَمْطَاء تخرج من الأَرْض قَالَ تِلْكَ بَقِيَّة الدُّنْيَا قَالَ وَرَأَيْت نَارا خرجت من الأَرْض فحالت بيني وَبَين ابْن لي يُقَال لَهُ عَمْرو ورأيتها تَقول لظى لظى بَصِير وأعمى أَطْعمُونِي أكلكم كلكُمْ أهلكم ومالكم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ فتْنَة تكون فِي آخر الزَّمَان قَالَ وَمَا الْفِتْنَة يَا رَسُول الله قَالَ يقتل النَّاس إمَامهمْ ثمَّ يشتجرون اشتجار أطباق الرَّأْس وَخَالف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَصَابِعه يحْسب الْمُسِيء أَنه محسن وَدم الْمُؤمن عِنْد الْمُؤمن أحل من شرب المَاء حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ أبي عَن شيخ لَهُ كَانَ يرويهِ عَن ابْن دأب اللَّيْثِيّ الأسفع الَّذِي أصَاب خَدّه لون خَالف سَائِر لَونه من سَواد أَو حمرَة أَو غير ذَلِك وَلذَلِك قيل للثور الوحشي أسفع وللبقر الوحشية سفع لِأَن فِي خدودها سوادا يُخَالف سَائِر لَوْنهَا قَالَ الْعَبْدي وَذكر نَاقَة [من السَّرِيع] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 .. كَأَنَّهَا أسفع ذُو جدة ... يمسده القفر وليل سدي كَأَنَّمَا ينظر من برقع ... من تَحت روق سلب مذود ... يمسده يطويه ليل سد أَي ند وَلَا يزَال البقل فِي تَمام مَا سقط الندى عَلَيْهِ أَرَادَ أَنه يَأْكُل البقل فيجنبه عَن المَاء فيطويه ذَلِك وَشبه السفعة فِي وَجهه ببرقع وشبيه بِهَذَا قَول الآخر [من المتقارب] ... وبرقع خديه ديباجتان ... وَمِنْه حَدِيث رَوَاهُ مُسَدّد هُوَ ابْن مسرهد عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن النهاس عَن شَدَّاد أبي عمار عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَنا وَامْرَأَة سفعاء الْخَدين يَوْم الْقِيَامَة كهاتين يُرِيد السبابَة وَالْوُسْطَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 امْرَأَة آمت من زَوجهَا ذَات منصب وجمال حبست نَفسهَا على يتاماها أَرَادَ الْمَرْأَة الَّتِي مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا فقصرت نَفسهَا على وَلَدهَا وَتركت التصنع فشحب لَوْنهَا وَتغَير بِالْعُمُومِ وابتذال النَّفس فِي خدمَة الْوَلَد وحَدثني أبي حَدثنِي يزِيد بن عَمْرو الغنوي ثَنَا قَحْطَبَةَ بن غُدَانَة الجشعي حَدَّثَنِيهِ مرّة بنت منْجَاب الجشمية عَن السفعاء بنت سعد أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة عَن سفع بوجهها فَقَالَت إِن كَانَ حَدثا فاقشريه وَإِن لم يكن حَدثا فَلَا تقشريه والأحوى الْأسود لَيْسَ بالشديد السوَاد فَأَرَادَ أَن الجدي كَانَ أسود لطيما فِي الْخَدين بَيَاض والمسرة للْحَمْل هِيَ المجنة لَهُ وكل شَيْء أخفيته فقد أسررته وَمِنْه سر الحَدِيث يُقَال أجنت الْحَامِل وأسرت وأضمرت والمسكتان السواران وَمِنْه الحَدِيث فِي مرأة أَتَت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وحليها مسكتان من ذهب وشبيه بِهِ الحَدِيث الآخر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى على أَسمَاء بنت يزِيد سِوَارَيْنِ من ذهب وخواتم من ذهب فَقَالَ أتعجز إحداكن أَن تتَّخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 حلقتين أَو تومتين من فضَّة ثمَّ تلطخهما بعبير أَو ورس أَو زعفران والتومة مثل الدرة من فضَّة وَجَمعهَا توم وَقَالَ ذُو الرمة وَذكر نبتا [من الْبَسِيط] ... وحنف كَأَن الندى وَالشَّمْس ماتعة ... إِذا توقد فِي أفنانه التوم ... يُرِيد كَأَن الندى إِذا تتوقد الشَّمْس التوم فِي نواحيه وَقَالَ عدي بن زيد [من الْبَسِيط] ... شكل العهن فِي التوم ... وَقَالَ بَعضهم التوم القرط وَمَا علق فِي شحمة الْأذن والشنف مَا علق فِي أَعلَى الْأذن وَذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَوْثَر فَقَالَ حَاله الْمسك ورضراضه التوم وَالْحَال الحمأة والرمل والتوم هَاهُنَا الدّرّ فَأَما التؤامية فَهِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 الدرة بِعَينهَا منسوبة إِلَى تؤام وَهِي قَصَبَة عمان والعبير أخلاط من الطّيب يجمع بالزعفران قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يزْعم أَن العبير الزَّعْفَرَان بِعَيْنِه وَقَالَ فِي قَول الْأَعْشَى من المتقارب ... وتبرد برد رِدَاء الْعَرُوس بالصيف رقرقت فِيهِ العبيرا ... أَرَادَ الزَّعْفَرَان وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا دلّ على أَن القَوْل مَا قَالَ الْأَصْمَعِي وَقَوله يشتجرون اشتجار أطباق الرَّأْس يُرِيد أَنهم يشتبكون فِي الْحَرْب اشتباك أطباق الرَّأْس وَهِي عِظَامه الَّتِي يدْخل بَعْضهَا فِي بعض كَمَا يدْخل بعض الْأَصَابِع فِي بعض وَمِنْه يُقَال شجر بَيْننَا كَلَام لِأَن المتجادلين يدْخل بعض كَلَامهم فِي بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 حَدِيث لُقْمَان بن عَاد وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن لُقْمَان بن عَاد خطب امْرَأَة قد خطبهَا أخوته قبله فَقَالُوا بئس مَا صنعت خطبت امْرَأَة قد خطبناها قبلك وَكَانُوا سَبْعَة هُوَ ثامنهم فَصَالحهُمْ على أَن ينعَت لَهَا نَفسه وَإِخْوَته بِصدق وتختار هِيَ أَيهمْ شَاءَت فَقَالَ خذي مني أخي ذَا البجل إِذا رعى الْقَوْم غفل وَإِذا سعى الْقَوْم نسل وَإِذا كَانَ الشَّأْن اتكل قريب من نضيج بعيد من نيىء فلحيا لصاحبنا لحيا ثمَّ قَالَ خذي مني أخي ذَا البجلة يحمل ثقلي وَثقله ويخصف نَعْلي وَنَعله وَإِذا حل يَوْمه قدمت قبله ثمَّ قَالَ خذي مني أخي ذَا العفاق صفاق أَفَاق يعْمل النَّاقة والساق ثمَّ قَالَ خذي مني أخي إِذا النمر حييّ خفر شُجَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 ظفر أعجبني وَهُوَ خير من ذَلِك إِذا سكر ثمَّ قَالَ خذي مني أخي ذَا الْأسد جَوَاب ليل سرمد وبحرا إِذا زبد ثمَّ قَالَ خذي مني أخي ذَا الحممة يهب البكرة السنمة والمئة الْبَقَرَة العممة والمئة الضائنة الزنمة أَو الزلمة وَإِذا أَتَت لَيْلَة على عَاد مظْلمَة رتب رتوب الكعب وولآهم شزنة فَقَالَ أكفوني الميمنة سأكفيكم المشأمة وَلَيْسَت فِيهِ لعثمة إِلَّا أَنه ابْن أمة قَالَت أم حَبِيبَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث حَدِيثهمْ أخذت هَذَا يَا رَسُول الله قَالَ رويدك فَإِنِّي لم أفرغ من حَدِيثهمْ ثمَّ قَالَ خذي مني حَزينًا أولنا إِذا غدونا وآخرنا إِذا استنجينا وعصمة أَبْنَائِنَا إِذا شتونا وفاصل خطة أعيت علينا وَلَا يعد فَضله لدينا أَو علينا قَالَت أم حَبِيبَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث حَدِيثهمْ أخذت هَذَا يَا رَسُول الله قَالَ رويدك فَإِنِّي لم أفرغ من حَدِيثهمْ بعد ثمَّ قَالَ أَنا لُقْمَان بن عَاد لعادية لعاد إِذا انضجعت لَا أجلنظئ وَلَا تملأ رئتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 جَنْبي إِن أر مطعي فحدأ تلمع وَإِلَّا أر مطمعي فوقاع بصلع حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو بن الْبَراء الغنوي ثناه مُوسَى بن إِسْمَاعِيل ثَنَا سعيد بن سَلمَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن ابيه قَالَ عُرْوَة فَبَلغنَا أَنَّهَا تزوجت حَزينًا حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان قَالَ قَالَ الْأَصْمَعِي عَن قَوْله خذي مني أخي ذَا البجل فَقَالَ يُقَال رجل بجال وبجيل إِذا كَانَ ضخما قَالَ وأنشدني [من الرجز] ... شَيخا بجالا وَغُلَامًا حزورا ... وَمثله عقام وعقيم وشحاح وشحيح وَأَنا أَحسب قَوْلهم بجلت فلَانا إِذا عَظمته من ذَلِك وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى الْقُبُور فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أصبْتُم خيرا بجيلا وسبقتم شرا طَويلا وَقَوله إِذا رعى الْقَوْم غفل لم يرد رعيه الْغنم وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه إِذا يحافظ الْقَوْم لشَيْء يخافونه غفل وَلم يرعهم وَمِنْه يُقَال رعاك الله وَمِنْه قيل راعي الْغنم لِأَنَّهُ يحفظها وَقَوله إِذا سعى الْقَوْم نسل يُرِيد إِذا عدا الْقَوْم لغارة أَو لمخافة نسل هُوَ قَالَ أَبُو زيد يُقَال أبز الرجل يأبز أبزا وأفر يأفر أفرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 والتبط التباطا وسعى سعيا كل ذَلِك إِذا عدا وَمن الالتباط قَول الْحجَّاج السّلمِيّ حِين دخل مَكَّة للْمُشْرِكين عِنْدِي من الْخَبَر مَا يسركم قَالَ فالتبطوا بجنبي نَاقَته يَقُولُونَ إيه يَا حجاج قَوْله نسل من النسلان وَهُوَ مقاربة الخطو مَعَ الْإِسْرَاع نَحْو الهدج قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي وخبرني أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ هُوَ مشي الذِّئْب إِذا بَادر إِلَى شَيْء وَمثله العسلان قَالَ الشَّاعِر من الرمل ... عسلان الذِّئْب أَمْسَى قاربا ... برد اللَّيْل عَلَيْهِ فنسل ... يُرِيد قاربا من المَاء وَمن النسلان قَول الله تَعَالَى {وهم من كل حدب يَنْسلونَ} وحَدثني أبي حَدثنِي مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَق عَن ابْن عَيْنِيَّة عَن رجل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِأَصْحَابِهِ وهم يَمْشُونَ فشكوا الإعياء فَأَمرهمْ أَن ينسلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 وَقَوله إِذا كَانَ الشَّأْن اتكل يُرِيد انه مواكل لَا ينْهض بِالْأَمر إِذا وَقع وَلكنه يتكل فِيهِ على غَيره وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَتَاهُ الْفضل بن الْعَبَّاس وَابْن ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد المطلب يسألانه عَن أبويهما السّعَايَة فتواكلا الْكَلَام فَقَالَ أخرجَا مَا تصرران قَالَ فكلمناه فَسكت ورأينا زَيْنَب من وَرَاء الْحجاب تلمع أَلا تعجل قَوْله فتواكلا الْكَلَام أَي اتكل كل وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر فِيهِ وَقَوله أخرجَا مَا تصرران أَي مَا تجمعان من الْكَلَام فِي صدوركما وكل شَيْء جمعته فقد صررته وَمِنْه قيل للأسير مصرور لِأَن يَدَيْهِ جمعتا بالغل إِلَى عُنُقه وَرجلَيْهِ جمعتا بالقيد قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ بعث عبد الله بن عَامر إِلَى ابْن عمر وَهُوَ بِفَارِس بأسير موثق ليَقْتُلهُ فَقَالَ أما وَهُوَ مصرور فَلَا وَقَوله تلمع أَي تُشِير بِيَدِهَا وَيُقَال للمواكل من الرِّجَال رجل تكلة حَدثنِي أبي حَدثنِي السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنِي أَبُو الْجراح قَالَ استشارت امْرَأَة امْرَأَة فِي رجل تزَوجه فَقَالَت لَا تفعلي فَإِنَّهُ وكلة تكلة يَأْكُل خلله قَالَ وَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 بَين وكلة وتكلة فرق فِي الْمَعْنى وَإِنَّمَا قلبت الْوَاو فِي تكلة تَاء كَمَا قَالُوا تخمة وَهِي من الوخامة وَقَالُوا تراث وَهُوَ من ورث وَكَذَلِكَ التكلان أَيْضا قَالَ وَأما قَوْلهَا يَأْكُل خلله فَإِنَّهَا أَرَادَت أَنه يَأْكُل مَا يخرج من أَسْنَانه إِذا تخَلّل وَهُوَ الخلالة أَيْضا وَلم أسمع فِي اللؤم والحرص والشوه شرا من هَذَا القَوْل وَمن قَوْلهم فلَان يثير الْكلاب عَن مرابضها يُرِيدُونَ أَنه لشرهه يثيرها عَن موَاضعهَا يطْلب تحتهَا شَيْئا قد فضل من طعمها يَأْكُلهُ وَقَوله قريب من نضيج بعيد من نيء حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان قَالَ سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن ذَلِك فَقَالَ أَرَادَ أَنه يَأْكُل النضيج وَلَا يَأْكُل النيء لم يزدْ على ذَلِك وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه يَأْكُل مَا طبخ وَمَا اتخذ لإلفه الْمنزل وَطول مكثه فِي الْحَيّ وَلَا يَأْكُل النيء كَمَا يَأْكُلهُ من غزا واصطاد وَمن أعجله الزماع عَن إنضاج مَا اتخذ وهم يمدحون بذلك قَالَ الشماخ [من الطَّوِيل] ... وَأَشْعَث قد قد السفار قَمِيصه ... وجر الشواء بالعصا غير منضج ... يُرِيد أَنه لَا ينضجه لعجلته وَقَالَ الْكُمَيْت [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 .. ومرضوفة لم تون فِي الطَّبْخ طاهيا ... عجلت إِلَى محورها حِين غرغرا مرضوفة قدر أنضجت بالرضف وَهِي حِجَارَة تحمى وتطرح فِيهَا والطاهي الطباخ يُقَال طهوت اللَّحْم وطهيته لم تون لم تحبس من الونا والمحور مَا ابيض مِنْهَا قبل النضج حِين غرغرا حِين غلا أول غلية يُرِيد أَنه على عجلة وَقَوله فلحيا لصاحبنا لحيا هُوَ من لحوت الرجل ولحيته إِذا عذلته ولمته وَفِيه اللغتان جَمِيعًا الْوَاو وَالْيَاء وَكَذَلِكَ لحوت الشَّجَرَة ولحيتها إِذا أخذت لحاءها وَهُوَ القشر وَإِنَّمَا نصب على مَذْهَب الدُّعَاء كَمَا يُقَال بعدا لَهُ أَي أبعده الله وَكَذَلِكَ لحيا أَي لحاه الله وَقَوله فِي الآخر يحمل ثقلي وَثقله ويخصف نَعْلي وَنَعله يُرِيد أَنه يضينه على أمره وَيحمل عَلَيْهِ وَقَوله خذي مني أخي ذَا العفاق حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان قَالَ سَأَلت الْأَصْمَعِي عَنهُ فَقَالَ هُوَ من عفق يعفق إِذا ذهب ذَهَابًا سَرِيعا هَكَذَا قَالَ والعفق هُوَ الْعَطف أَيْضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 وَعَن قَوْله صفاق فَقَالَ هُوَ الَّذِي يصفق على الْأَمر الْعَظِيم وَعَن الأفاق فَقَالَ هُوَ الَّذِي يتَصَرَّف وَيَأْتِي الْآفَاق وَقَول يعْمل النَّاقة والساق أَي يركب تَارَة وَيَمْشي تَارَة يُرِيد أَنه كَامِل للأمرين وَقَوله جَوَاب ليل يَقُول يَدُور اللَّيْل كُله لَا ينَام يُرِيد أَنه جري على اللَّيْل وأصل جبت خرقت وَمِنْه سمي الرجل جَوَابا وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {جابوا الصخر بالواد} قَالَ أَبُو عُبَيْدَة سمي رجل من بني كلاب جَوَابا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يحْفر بِئْرا وَلَا صَخْرَة إِلَّا أماهها حَدثنِي أبي قَالَ خبرني بذلك أَبُو حَاتِم عَنهُ قَالَ فالسرمد الدَّائِم وكل شَيْء لَا يَنْقَطِع من غم أَو بلَاء فَهُوَ سرمد وَإِنَّمَا جعل اللَّيْل سرمدا لطوله شبه بالشَّيْء لَا يَنْقَضِي كَمَا قَالَ النَّابِغَة وَذكر لَيْلًا [من الطَّوِيل] ... تطاول حَتَّى قلت لَيْسَ بمنقض ... وَلَيْسَ الَّذِي يهدي النُّجُوم بآيب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 وَالَّذِي يهدي النُّجُوم هُوَ الَّذِي يتقدمها بآيب أَي بساقط يَقُول لَا أرى الْمُتَقَدّم للنجم يغيب وَيُقَال آبت الشَّمْس إِذا غَابَتْ وَقَالَت أم تأبط شرا تبْكي ابْنهَا وَا ابناه وَا ابْن اللَّيْل لَيْسَ بزميل شروب للقيل يضْرب بالذيل كمقرب الْخَيل وَا ابناه لَيْسَ بعلفوف تلفه هوف حشي من صوف والزميل الضَّعِيف والقيل شربه نصف النَّهَار تَقول لَيْسَ هُوَ بمهياف يحْتَاج إِلَيْهَا يضْرب بالذيل تَقول إِذا عدا صفق برجليه من شدَّة عدوه كَمَا يفعل المقرب من الْخَيل وَهِي الَّتِي حَان أَن تضع فَهِيَ تصرع من دنا مِنْهَا والهوف الرّيح الحارة يُقَال هوف وهيف وَقَوْلها حشي من صوف تَقول لَيْسَ هُوَ بخوار أجوف والعلفوف الجافي المسن تَقول لَيْسَ هُوَ بالجافي المسن فتصمه الرِّيَاح فَلَا يَغْزُو وَلَا يركب وَقَوله حييّ خفر قَالَ أَبُو زيد خفرت الْمَرْأَة تخفر خفرا إِذا استحيت والخفر الْحيَاء نَفسه وَكَانَ يُقَال خير النِّسَاء المبتذلة لزَوجهَا الخفرة فِي قَومهَا وَقَالَ الفرزدق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 [من الْكَامِل] ... يأنسن عِنْد بعولهن إِذا خلوا ... وَإِذا هم خَرجُوا فهن خفار ... وحَدثني أبي قَالَ حَدثنِي يزِيد بن عَمْرو ثَنَا يزِيد بن هرون عَن وهب بن وهب عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ خير نِسَائِكُم العفيفة فِي فرجهَا العلمة لزَوجهَا وَقَوله ذَا الحممة والحممة الفحمة وَجَمعهَا حمم وَمِنْه الحَدِيث إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِيَهُودِيٍّ محمم مجلود فَدَعَا الْيَهُود فَقَالَ هَكَذَا تَجِدُونَ حد الزَّانِي فِي كتابكُمْ محمم أَي مسود الْوَجْه وَهُوَ مفعل من الحمم وَيُقَال فلَان أسود كَأَنَّهُ الحمم قَالَ الْأَصْمَعِي وَمِنْه يُقَال رجل أحم وَامْرَأَة حماء إِذا كَانَا أسودين وَقَوله البكرة السنمة يُرِيد الْعَظِيمَة السنام حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان عَن الْأَصْمَعِي قَالَ قيل لأعرابي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 أَي الطَّعَام أطيب قَالَ جزور سنمة فِي غَدَاة شبمة ومواس خذمة الشبمة الْبَارِدَة والشبم الْبرد والخذمة القطاعة قَالَ وَسَأَلته عَن الضائنة الزنمة أَو الزلمة فَقَالَ الزنمة هِيَ الَّتِي قطع من أذنها شَيْء للوسم وَترك مِنْهُ شَيْء فالمتروك يُقَال لَهُ الزنمة والوسم الزنم والزنمة من العنوق الَّتِي لَهَا زنمتان فِي حلقها والزنمة والزلمة وَاحِد وَكَذَلِكَ المزنم من الْإِبِل والمزلم وَهُوَ الْكَرِيم مِنْهَا قَالَ وَسَأَلته عَن قَوْله رتب رتوب الكعب فَقَالَ انتصب كَمَا ينْتَصب الكعب إِذا أَلقيته وَمِنْه قيل فلَان راتب فِي الْبَلَد أَي ثَابت فِيهِ قَالَ أَبُو كَبِير يصف رجلا [من الْكَامِل] ... وَإِذا يهب من الْمَنَام رَأَيْته ... كرتوب كَعْب السَّاق لَيْسَ بزمل ... يَقُول إِذا اسْتَيْقَظَ من نَومه رَأَيْته منتصبا كانتصاب الكعب وَرُوِيَ أَن عبد الله بن الزبير كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وأحجار المنجنيق تمر على أُذُنَيْهِ وَمَا يلْتَفت كَأَنَّهُ كَعْب راتب وَمن هَذَا حَدِيث حَدَّثَنِيهِ ابي حَدَّثَنِيهِ عبد الله بن يزِيد عَن الْمُقْرِئ عَن حَيْوَة بن شُرَيْح عَن أبي هاني أَن أَبَا عَليّ الْجَنبي حَدثهُ أَنه سمع فضَالة بن عبيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من مَاتَ على مرتبَة من هَذِه الْمَرَاتِب بعث عَلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة يَعْنِي الْغَزْو وَالْحج قَالَ وَسَأَلته عَن قَوْله وولاهم شزنه فَقَالَ الشزن عرضه أَي جَانِبه وَفِيه لُغَة أُخْرَى شزن قَالَ ابْن أَحْمَر [من الوافر] ... أَلا لَيْت الْمنَازل قد بلينا ... فَلَا يرمين عَن شزن حَزينًا ... يُرِيد أَنه حِين دهمهم الْأَمر أقبل عَلَيْهِ وولاهم جَانِبه وَقَالَ أكفوني الميمنة سأكفيكم المشأمة أَي الميسرة قَالَ الله جلّ وَعز {وَأَصْحَاب المشأمة مَا أَصْحَاب المشأمة} وَيُقَال لليد الْيُسْرَى الشومى قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَمن ذَلِك سميت الشَّام وَمن الْيَمين سميت الْيمن وَعَن قَوْله وَلست فِيهِ لعثمة إِلَّا أَنه ابْن أمة قَالَ التلعثم التَّوَقُّف عَن الشَّيْء حَتَّى تفكر فِيهِ وَمِنْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أبي بكر مَا أحد عرضت عَلَيْهِ الْإِسْلَام إِلَّا كَانَت فِيهِ كبوة غير أبي بكر فَإِنَّهُ لم يتلعثم يَقُول لم يتَوَقَّف وسارع وَفِي حَدِيث آخر فَإِنَّهُ مَا عكم عَنهُ حِين ذكرته لَهُ وَمَا تردد فِيهِ قَوْله مَا عكم أَي مَا تحبس فِيهِ وَلَا انْتظر فَأَرَادَ أَنه لَيْسَ فِي خلاله كلهَا شَيْء يتَوَقَّف عَنهُ وَعَن مدحه لَهُ إِلَّا أَنه ابْن أمة وَسَائِر ذَلِك حميد وَقَوله أولنا إِذا غدونا يُرِيد أَنه يُبَادر إِذا نَحن خرجنَا لمهم من الْأُمُور فَيكون أولنا وآخرنا إِذا استنجينا وَيَقُول يكون حاميتنا إِذا نَحن ولينا وَقَوله استنجينا هُوَ من النَّجَاء والنجاء الْإِسْرَاع يُقَال نجوت واستنجيت بِمَعْنى وَمِنْه الحَدِيث إِذا سافرتم فِي الجدوبة فاستنجوا وَقَوله وعصمة أَبْنَائِنَا إِذا شتمونا يَقُول يعصمهم الله جلّ وَعز فِي جَدب الزَّمَان وَشدَّة الْبرد من الْجُوع والبؤس وَأَرَادَ الْأَطْفَال وَإِذا تعذر عَلَيْهِم قوت الطِّفْل فَذَلِك غَايَة الْجهد وكلب الزَّمَان قَالَ الْكُمَيْت [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 .. وَأَنْتُم غيوث النَّاس فِي كل شتوة ... إِذا بلغ الْمحل الفطيم المعفرا ... والمعفر هُوَ الصَّبِي الَّذِي تُرِيدُ أمه فطامه فتقطع عَنهُ الرَّضَاع يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ ترده إِلَيْهِ ثمَّ تقطعه عَنهُ أَيَّامًا ثمَّ ترده وَهِي فِي ذَلِك تعلله بالشَّيْء ليستغني بِهِ عَن اللَّبن قَالَ الْكُمَيْت أَيْضا يذكر سنة جَدب [من الوافر] ... وَكَانَ السوف للفتيان قوتا ... تعيش بِهِ وهييت الرقوب ... والسوف التسويف يَقُول عشن بالأماني والرقوب الَّتِي لَا يبْقى لَهَا ولد تَقول لَهَا آلَات الْأَوْلَاد هَنِيئًا لَك لَيْسَ لَك ولد فَيحْتَاج إِلَى غذَاء وَقَوله وفاصل خطة أعيت علينا يَقُول إِذا وَقعت معضلة قَامَ بهَا أَو مشكلة عرفهَا وَبَينهَا وَقَوله وَلَا يعد فَضله لدينا أَو علينا أَي لَا يمن علينا بِمَا يَأْتِيهِ إِلَيْنَا وَقَوله أَنا لُقْمَان بن عَاد لعادية لعاد قَالَ سَأَلت عَنهُ الْأَصْمَعِي فَقَالَ تَقول أَنا لوَاحِد وَلِجَمِيعِ والعادية خيل تعدو وَتَكون أَيْضا رجَالًا يعدون وَقَوله إِذا انضجعت لَا أجلنظي والمجلنظئ هُوَ الَّذِي يستلقي على ظَهره وَيرْفَع رجلَيْهِ يُقَال اجلنظأت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 بِالْهَمْز واجلنظيت بِلَا همز وَمثله فِي التَّقْدِير احبنطأت واحبنطيت يَقُول لست أفعل هَذَا إِذا انضجعت ولكنني أَنَام مستوفزا على جنب كَمَا قَالَ أَبُو كَبِير يصف رجلا فِي نَومه [من الْكَامِل] ... مَا أَن يمس الأَرْض إِلَّا منْكب ... مِنْهُ وحرف السَّاق طي الْمحمل فَإِذا قذفت لَهُ الْحَصَاة رَأَيْته ... ينزو لوقعتها طمور الأخيل ... وَقَوله وَلَا تملأ رئتي جَنْبي يَقُول لست جَبَانًا ينتفخ سحره يُقَال انتفخ سحر فلَان وسحره إِذا جن والحدأ جمع حدأة وَهِي الطَّائِر فَأَما الفأس فَهِيَ حدأة بِفَتْح الْحَاء وَجَمعهَا حدأ يَقُول إِن رَأَيْت شَيْئا أطمع فِيهِ انْقَضتْ عَلَيْهِ مَا ينْقض الحدأ وَيُقَال لمع الطَّائِر بجناحيه إِذا خَفق بهما ولمع الرجل بِيَدِهِ إِذا أَشَارَ وَيُقَال للجناح ملمع قَالَ حميد بن ثَوْر وَذكر قطاة [من المتقارب] ... لَهَا ملمعان إِذا أوغفا ... يحثان جؤجؤها بالوحا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 أوغفا أَسْرعَا والوحا الصَّوْت أَرَادَ بِهِ الحفيف وَقَوله وقاع بصلع حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو سُفْيَان قَالَ قَالَ لي أَبُو سَلمَة سَأَلت ابْن مناذر عَن الصلع فَقَالَ الْحجر وحَدثني أَبُو سُفْيَان قَالَ وَسَأَلت الْأَصْمَعِي عَنهُ فَقَالَ هُوَ الْموضع الَّذِي لَا نبت فِيهِ وَأَصله من صلع الرَّأْس يُقَال للْأَرْض الَّتِي لَا نبت فِيهَا صلعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 حَدِيث لَقِيط بن عَامر وَافد بني المنتفق وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر الصَّيْحَة قَالَ فلعمر إلهك مَا يدع على ظهرهَا من شَيْء إِلَّا مَاتَ وَالْمَلَائِكَة الَّذين مَعَ رَبك فَأصْبح يطوف فِي الأَرْض وخلت عَلَيْهِ الْبِلَاد فَأرْسل السَّمَاء بهضب من عِنْد الْعَرْش فلعمر إلهك مَا يدع على ظهرهَا من مصرع قَتِيل وَلَا مدفن ميت إِلَّا شقَّتْ الأَرْض عَنهُ حَتَّى يخلقه من قبل رَأسه وَسَأَلَهُ لَقِيط فَقَالَ كَيفَ يجمعنا الله بعد مَا مزقتنا الرِّيَاح والبلى وَالسِّبَاع قَالَ أنبئك بِمثل ذَلِك فِي إل الله الأَرْض أشرفت عَلَيْهَا مَدَرَة بالية فَقلت لَا تحيا أَبَد ثمَّ أرسل رَبك عَلَيْهَا السَّمَاء فَلم تلبث عَلَيْك إِلَّا أَيَّامًا ثمَّ أشرفت عَلَيْهَا وَهِي شربة وَاحِدَة ولعمر إلهك لَهو أقدر على أَن يجمعكم من المَاء على أَن يجمع نَبَات الأَرْض فتخرجون من الأصواء فتنظرون إِلَيْهِ سَاعَة وَينظر إِلَيْكُم قَالَ يَا رَسُول الله فَمَا يفعل رَبنَا إِذا لقيناه قَالَ تعرضون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 عَلَيْهِ باديا لَهُ صفحاتكم لَا تخفى مِنْكُم عَلَيْهِ خافية فَيَأْخُذ ربكُم بِيَدِهِ غرفَة من المَاء فينضح عَلَيْكُم فَأَما الْمُسلم فيدع وَجهه مثل الريطة الْبَيْضَاء وَأما الْكَافِر فتخطمه بِمثل الحمم الْأسود أَلا ثمَّ ينْصَرف من بَيْنكُم ويفترق على أَثَره الصالحون أَلا فتسلكون جِسْرًا فِي النَّار يطَأ أحدكُم الْجَمْرَة ثمَّ يَقُول حس يَقُول رَبك وَإنَّهُ أَلا فتطلعون على حَوْض الرَّسُول لَا يظمأ وَالله ناهله فلعمر إلهك مَا يبسط أحد مِنْكُم يَده إِلَّا وَقع عَلَيْهَا قدح مطهرة من الطوف والأذى قَالَ يَا رَسُول الله فعلى مَا نطلع من الْجنَّة قَالَ على أَنهَار من عسل مصفى وأنهار من كأس مَا بهَا صداع وَلَا ندامة ثمَّ بَايعه على أَن يحل حَيْثُ شَاءَ وَلَا يجر عَلَيْهِ إِلَّا نَفسه يرويهِ إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن عبد الرحمن بن الْمُغيرَة حَدثنِي عبد الرحمن بن عَيَّاش السمعي الْأنْصَارِيّ عَن دلهم بن الْأسود عَن عَاصِم ابْن لَقِيط أَن لَقِيط بن عَامر خرج وافدا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر ذَلِك عَنهُ فِي حَدِيث فِيهِ طول اختصرته واقتصرت مِنْهُ على مَا يُفَسر قَوْله فَأرْسل السَّمَاء بهضب أَي بمطر يُقَال هضبت السَّمَاء تهضب هضبا قَالَ الْكُمَيْت من الطَّوِيل ... سحابته مَا شمتها فَهِيَ تهضب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 أَي تمطر وَقَالَ العجاج [من الرجز] ... سَحا أهاضيب وبرقا مرعجا ... فالأهاضيب دفعات من الْمَطَر وَهُوَ جمع الْجمع كَأَنَّهُ جمع أهضاب وأهضاب جمع هضب مثل قَول وأقوال وأقاويل والمرعج من الْبَرْق هُوَ المتتابع يُقَال أرعج الْبَرْق وارتعج إِذا كثر وتتابع وَقَوله أنبئك بِمثل ذَلِك فِي إل الله الإل هَاهُنَا بِمَعْنى الربوية وَمِنْه قَول أبي بكر حِين سمع كَلَام مُسَيْلمَة إِنَّه لكَلَام لم يخرج من إل كَأَنَّهُ أَرَادَ أخْبرك بِمثل ذَلِك فِي قدرته وَفِي إلاهيته فإل فِي غير هَذَا الْعَهْد وَهُوَ أَيْضا الْقَرَابَة وَقَوله فتخرجون من الأصواء يَعْنِي الْقُبُور وأصل الأصواء الْأَعْلَام تنصب فِي الأَرْض للهدى شبه الْقُبُور بهَا وَهِي أَيْضا الصوى وَاحِدهَا صوة وَمِنْه الحَدِيث إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 لِلْإِسْلَامِ صوى ومنارا كمنار الطَّرِيق قَالَ رؤبة وَذكر السراب [من الرجز] ... إِذا جرى بَين الفلا رهاؤه ... وخشعت من بعده أصواؤه ... يَقُول تنظر إِلَى أَعْلَامه صغَارًا من بعده كَأَنَّهَا خاشعة وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ الصوة الْمَكَان الْمُرْتَفع فِيهِ غلظ والجميع صوى وَأنْشد لحميد بن ثَوْر الْهِلَالِي فِي وصف طَرِيق [من الطَّوِيل] ... يجر إِلَى أصوائه عَن طَرِيقه ... عِظَام مطي كالمحاجن تبرق ... وَقَوله أشرفت عَلَيْهَا وَهِي شربة وَاحِدَة هَكَذَا رَوَاهُ وَأَنا من ذَلِك على ارتياب فَإِن كَانَ ذَلِك هُوَ الْمَحْفُوظ فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن المَاء قد كثر فَمن حَيْثُ أردْت أَن تشرب شربت وَإِن كَانَ الْمَحْفُوظ شربة وَاحِدَة بِفَتْح الرَّاء فَإِن الشربة حَوْض يكون فِي اصل النَّخْلَة يمْلَأ بِمَاء لشربها يُرِيد أَن المَاء قد وقف فِي مَوَاضِع مِنْهَا فَشبه تِلْكَ الْمَوَاضِع بالشربات قَالَ زُهَيْر يذكر الضفادع [من الْبَسِيط] ... يخْرجن من شربات مَاؤُهَا طحل ... على الْجُذُوع يخفن الْغم والغرقا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 وَقَالَ بعض الْعلمَاء غلط زُهَيْر فِي توهمه أَن خُرُوج الضفادع من المَاء مَخَافَة الْغم وَالْغَرق وَلَيْسَ خروجهن لذَلِك قَالَ وَأما قَول أبي ذُؤَيْب [من الطَّوِيل] ... ضفادعه غرقى رواء كَأَنَّهَا ... فَإِنَّهُ مثل قَوْلهم فلَان غرق فِي النَّعيم وَكَذَلِكَ قَول طفيل [من الطَّوِيل] ... فصادفن جونا للعلاجيم فَوْقه ... مجَالِس غرقى لَا يحلأ ناهله ... وَبَعض الْمُحدثين يرويهِ شرية وَاحِدَة والشرية الحنظلة وَجَمعهَا شري فَإِن كَانَ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن الأَرْض قد اخضرت بالنبات فَكَأَنَّهَا شرية وَاحِدَة وَوصف الأَرْض بالنبات فِي هَذَا أشبه بِالْمَعْنَى من اللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلين لِأَنَّهُ شبه من أَحْيَاهُ الله من الْمَوْتَى بالنبات الَّذِي أخرجه الله من الأَرْض الهامدة بالمطر وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله وَهُوَ أقدر على أَن يجمعكم من المَاء على أَن يجمع نَبَات الأَرْض وَمثله فِي حَدِيث لَهُ آخر قَالَ كَيفَ يبْعَث الله الْمَوْتَى فَقَالَ اضْرِب لَك مثلا هَل مَرَرْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 بواد أهلك محلا قَالَ نعم قَالَ ثمَّ مَرَرْت بِهِ يَهْتَز خضرًا قَالَ نعم قَالَ فَكَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى والحنظل أَخْضَر ناعم قَالَ ذُو الرمة وَذكره [من الطَّوِيل] ... إِذا مَا المطايا سفنها لم يذقنها ... وَإِن كَانَ أَعلَى نبتها نَاعِمًا نضرا ... وَيضْرب بهَا الْمثل فِي البريق وَالَّذِي قَالَ أَبُو النَّجْم يصف إبِلا [من الرجز] ... شربت والحشو من حفانها كالحنظل ... قَالَ الْأَصْمَعِي شبهها بهَا فِي البريق والري وَذَلِكَ أَن الحنظلة إِذا شققتها قطرت مَاء والريطة الملاءة إِذا لم تكن لفقين وَجَمعهَا رياط وريط فَإِذا كَانَت لفقين فَلَيْسَتْ بريطة وَقَوله فتخطمه بِمثل الحمم الْأسود أَي تصيب خطمه يُقَال رأست الرجل وبطنته وكبدته وخطمته فَأَنا أرأسه وأبطنه وأكبده وأخطمه كل هَذَا إِذا أردْت أَنَّك أصبت شَيْئا من ذَلِك وَمِنْه الحَدِيث فِي دَابَّة الأَرْض إِن مَعهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 عَصا مُوسَى وَخَاتم سُلَيْمَان فتجلو وَجه الْمُؤمن بالعصا وتخطم أنف الْكَافِر بالخاتم وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ فِي بَيت أَوْس بن حجر [من الطَّوِيل] ... يجود وَيُعْطِي المَال من غير ضنة ... ويخطم أنف الأبلخ المتغشم ... هَذَا مثل أَي يضْرب أَنفه فَيجْعَل لَهُ أثرا مثل أثر الخطام فَيردهُ بصغر والحمم الفحم واحدته حممة وَقَوله يطَأ أحدكُم الْجَمْرَة فَيَقُول حس هَذِه كلمة يَقُولهَا الْإِنْسَان إِذا أَصَابَهُ الشَّيْء غَفلَة فأمضه وَأحرقهُ كالجمرة تسْقط على يَده أَو الْجراحَة تقع بِهِ وَقَالَ طَلْحَة ذَلِك حِين أُصِيبَت يَده يَوْم أحد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ ذكر الله لدخلت يَده الْجنَّة أَو لدخل الْجنَّة وَالنَّاس ينظرُونَ وَحكى أَبُو زيد ضَربته فَمَا قَالَ حس وَلَا بس مَفْتُوحَة الأول مَكْسُورَة الآخر وَمِنْه حَدِيث أبي رهم الْغِفَارِيّ قَالَ خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك فَبَيْنَمَا أَنا أَسِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 فِي مضيق وَإِلَى جَنْبي رجل ضغطه بعض المرار فَقَالَ حس فَنَظَرت فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا عرفني سَأَلَني عَن قوم تخلفوا عَنهُ والمرار الْحَبل وَقَوله وَيَقُول رَبك وَإنَّهُ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن تجْعَل إِنَّه بِمَعْنى نعم وَالْآخر أَن تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مُقْتَصرا مِمَّا بعده عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ وَإنَّهُ كَذَلِك أَو أَنه على مَا تَقول وَمثله قَول الشَّاعِر من مجزوء الْكَامِل ... بكرت عَليّ عواذلي ... يلحينني وألومهنه وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه ... وَقَالَ بَعضهم إِنَّه بِمَعْنى نعم وَقَالَ أَعْرَابِي وَهُوَ ابْن الزبير الْأَسدي لِابْنِ الزبير لَا حملت نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 فَقَالَ إِن وصاحبها وَقَالَ بعض أَرَادَ إِنَّه كَمَا تقلن فَحذف اختصارا وَمثل هَذَا من الِاخْتِصَار فِي الْقُرْآن والأشعار كثير قَالَ النمر بن تولب [من المتقارب] ... فَإِن الْمنية من يخشها ... فَسَوف تصادفه أَيْنَمَا وَإِن تتخطاك أَسبَابهَا ... فَإِن قصاراك أَن تهرما ... أَرَادَ أَيْن مَا ذهب أَو أَيْن مَا كَانَ وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب [من الطَّوِيل] ... عصيت إِلَيْهَا الْقلب إِنِّي لأَمره ... سميع فَمَا أَدْرِي أرشد طلابها ... أَرَادَ أرشد هُوَ أُمَم غي فَحذف وَقَوله لَا يظمأ ناهله يَقُول من روى مِنْهُ لم يعطش بعد ذَلِك والناهل الَّذِي قد شرب حَتَّى رُوِيَ وَقد يكون فِي غير هَذَا الْموضع العطشان وَهُوَ حرف من الأضداد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 قَالَ النَّابِغَة [من السَّرِيع] ... والطاعن الطعنة يَوْم الوغى ... ينهل مِنْهَا الأسل الناهل ... أَتَى بالمعنيين جَمِيعًا فِي الْبَيْت أَي يرْوى مِنْهَا الرمْح والعطشان وَيُقَال أصل الْحَرْف وَهُوَ الرّيّ وَإِنَّمَا قيل للعطشان ناهل على وَجه التفاؤل لَهُ بِالريِّ والتطير من الْعَطش كَمَا قيل للديغ سليم وللفلاة مفازة وَقَوله قدح مطهرة من الطوف فأنث الْقدح لِأَنَّهُ ذهب إِلَى الشربة وَكَذَلِكَ أنثوا الكأس لأَنهم ذَهَبُوا إِلَى الْخمر ثمَّ صَار الكأس اسْما للخمر إِذْ كَانَت تكون فِيهِ أَلا ترَاهُ يَقُول وأنهار من كأس أَي من خمر وَقَالَ الْأَعْشَى [من المتقارب] ... وكأس شربت على لَذَّة ... وَأُخْرَى تداويت مِنْهَا بهَا ... وَمثل هَذَا قَوْلهم للعنب خمر لِأَنَّهَا مِنْهُ تعصر وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَول الله تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 قَالَ أَي أعصر عنبا وحَدثني أبي قَالَ أَخْبرنِي سهل بن مُحَمَّد عَن الْأَصْمَعِي عَن مُعْتَمر قَالَ لقِيت حميريا مَعَه عِنَب فَقلت مَا مَعَك فَقَالَ خمر وَلَقِيت آخر عمانيا أَو حميريا فَقلت مَا مَعَك قَالَ سخام والسخام الفحم وَمِنْه قيل سخم الله وَجهه أَي سوده والطوف الْحَدث من الطَّعَام وَهُوَ من الصَّبِي قبل أَن يطعم العقي يُقَال إطاف الرجل يُطَاف أطيافا إِذا قضى حَاجته وَيُقَال عقى الصَّبِي يعقى عقيا وَالِاسْم العقي بِكَسْر الْعين وَمثله مِمَّا يُخَالف مصدره الِاسْم الْقسم مصدر قسمت وَالْقسم النَّصِيب والسقي مصدر سقيت والسقي الْحَظ من المَاء يُقَال كم سقِِي أَرْضك أَي كم حظها من المَاء وَمن الطوف الحَدِيث لَا يُصَلِّي أحدكُم وَهُوَ يدافع الطوف وَالْبَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وَفِي حَدِيث آخر وَهُوَ يدافعه الأخبثان يعنيهما والأذى هَاهُنَا الْحيض قَالَ الله جلّ وَعز {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى} يُرِيد أَنه من شرب تِلْكَ الشربة طهر من الْحَدث وَالْحيض قَالَ الله تَعَالَى {وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} يَعْنِي من الْحيض وَالْحَدَث وَالْبَوْل وَجَمِيع النَّجَاسَات وَقَوله وَلَا يجر عَلَيْهِ إِلَّا نَفسه يُرِيد أَنه لَا يُؤْخَذ بجريرة غَيره لَا وَالِد وَلَا ولد وَلَا عشيرة وَهَكَذَا كَقَوْلِه فِي حَدِيث آخر لرجل رأى مَعَه ابْنه فَقَالَ لَا يجنى عَلَيْك وَلَا يجنى عَلَيْهِ وكقول الله تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} وَهُوَ خلاف مَا رُوِيَ عَن زِيَاد وَالْحجاج من قَول كل وَاحِد مِنْهُمَا على الْمِنْبَر لآخذن البريء بالسقيم والمطيع بالعاصي والمقبل بالمدبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 حَدِيث جرير بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سَأَلَ جرير ابْن عبد الله عَن منزله ببيشة فوصفها جرير فَقَالَ سهل ودكداك وَسلم وحمص وعلاك بَين نَخْلَة ونخلة ماؤنا ينبوع وجنابنا مريع وشتاؤنا ربيع فَقَالَ لَهُ يَا جرير إياك وسجع الْكُهَّان هَكَذَا قَالَ ابْن دأب فَأَما غَيره فيخالفه فِي بعض هَذِه الْأَلْفَاظ حَدثنِي أبي حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن مُسلم عَن إِسْمَاعِيل بن مهْرَان عَن الديَّان بن عباد الْمذْحِجِي عَن عَمْرو بن مُوسَى الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله ابْن عتبَة عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ شتاؤنا ربيع وماؤنا يميع أَو يريع لَا يُقَام ماتحها وَلَا يحسر صابحها وَلَا يعزب سارحها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن خير المَاء الشبم وَخير المَال الْغنم وَخير المرعى الْأَرَاك وَالسّلم إِذا أخلف كَانَ لجينا وَإِذا سقط كَانَ درينا وَإِذا أكل كَانَ لبينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 فِي أَلْفَاظ اختصرتها واقتصرت مِنْهَا على مَا يُفَسر وَفِي الحَدِيث أَنه قَالَ خلق الله الأَرْض السُّفْلى من الزّبد الْجفَاء وَالْمَاء الكباء الدكداك من الرمل مَا التبد مِنْهُ بِالْأَرْضِ وَلم يرْتَفع ذَلِك الِارْتفَاع وَأَرَادَ أَن أَرضهم غير ذَات حزونة وَالسّلم شجر من العضاه واحدته سَلمَة وَبهَا سمي الرجل سَلمَة والحمض من النبت مَا كَانَت فِيهِ ملوحة مثل الرمث والهرم والنجيل والقلام وَيُقَال هُوَ القاقلى وَالْعرب تَقول الْخلَّة خبز الْإِبِل والحمض لَحمهَا أَو فاكهتها والخلة مَا لم تكن فِيهِ ملوحة من صغَار الشّجر الَّذِي ترعاه الْإِبِل فَإِذا ملت الْخلَّة حولت إِلَى الحمض والعلاك شجر ينْبت بالحجاز وَهُوَ العلك قَالَ لبيد وَذكر إبِلا [من الْكَامِل] ... لتقيظت علك الْحجاز مُقِيمَة ... فجنوب ناصفة لقاح الحوأب ... والجناب مَا حول الْقَوْم والمريع الخصيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 وَقد ذكرته فِي حَدِيث اسستقاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله ماؤنا يميع أَي يسيل من علو وكل سايل فَهُوَ مايع وَمن رَوَاهُ تريع أَرَادَ يعود ويثوب وكل شَيْء عَاد فقد رَاع وَقَوله لَا يُقَام ماتحها الماتح المستقي الَّذِي ينْزع بالدلو والمائح الَّذِي ينزل فِي الْبِئْر إِذا قل المَاء فَيمْلَأ الدَّلْو أَرَادَ أَن ماءها جَار على وَجه الأَرْض فَلَيْسَ يُقَام بهَا ماتح لِأَن الماتح يحْتَاج إِلَى إِقَامَته على الْآبَار وَقَوله وَلَا يحسر صابحها يُرِيد أَنه لَا يعي وَلَا يكل يُقَال حسرت من كَذَا أحسر فَأَنا حسيرا إِذا كللت وانقطعت وَيُقَال للبعير إِذا قَامَ إعياء وكلالا قد حسره السّير وَهَذِه إبل حسرى قَالَ الله جلّ وَعز {يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خاسئا وَهُوَ حسير} والصابح الَّذِي يصبح الْإِبِل أَي يسقيها صباحا يَقُول لَيْسَ يتعب فِي سقيها حَتَّى يحسر لِأَنَّهُ يوردها مَاء ظَاهرا على وَجه الأَرْض فَهِيَ تشرب من غير أَن يَسْتَقِي لَهَا أَو يمتح وَلَو كَانَت ترد آبارا لاحتاج إِلَى أَن يَسْتَقِي لَهَا مخسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 وَقَوله وَلَا يعزب سارحها والسارح مَا سرح من الْأَنْعَام يُقَال سرحت الْإِبِل وَالْغنم إِذا غَدَتْ للمرعى لَا تعزب يُرِيد أَنه لَا يبعد إِذا خرج يرْعَى لِأَنَّهُ يجد بِالْقربِ من مَنَازِلهمْ مرعى يَكْفِيهِ فَهُوَ لَا يعزب وَلكنه يرْعَى فِي جنابهم وناحيتهم وَقَوله خير المَاء الشبم هَكَذَا رُوِيَ والشبم الْبَارِد والشبم الْبرد وَأَنا أَحْسبهُ السنم والسنم المَاء على وَجه الأَرْض وكل شَيْء علا شَيْئا فقد تسنمه وَيُقَال للشريف سنيم وَهَذَا مَأْخُوذ من السنام وَهَذَا أشبه بِمَا ذكره عَن مَائِهِمْ لِأَنَّهُ قَالَ وماؤنا يميع أَي يجْرِي من علو فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير المَاء السنم أَي مَا كَانَ ظَاهرا على الأَرْض وَلم يذكر جرير أَن مَاءَهُمْ بَارِد فَيَقُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير المَاء الشبم قَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَول الله جلّ وَعز {ومزاجه من تسنيم} أَنه يمزج بِمَا ينزل من علو وَقَوله إِذا أخلف يُرِيد إِذا أخرج الخلفة وَهِي ورق يخرج بعد الْوَرق الأول فِي الصَّيف وَيكون إِذا أخلف فَلم يحمل واللجين هُوَ الْخبط بِعَيْنِه وَذَلِكَ إِن ورق الْأَرَاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 وَالسّلم يخبط حَتَّى يسْقط ويجف ثمَّ يدق حَتَّى يتلجن أَي يلتزج وَيصير كالخطمي ثمَّ تؤجره الْإِبِل وكل شَيْء تلزج فقد تلجن قَالَ الشماخ [من الوافر] ... وَمَاء قد وَردت لوصل أروى ... عَلَيْهِ الطير كالورق اللجين ... قَالُوا وَمِنْه قيل للناقة البطيئة الثَّقِيلَة لجون وَقَوله إِذا سقط كَانَ درينا يُرِيد أَنه إِذا سقط ثمَّ أَخذ جافا كَانَ درينا والدرين حطام المرعى إِذا قدم قَالَ الشماخ وَذكر نَاقَة [من الوافر] ... تعللها مسود الدرين وَقَوله إِذْ أكل لبينا أَي مدرا للبن مكثرا لَهُ يُرِيد أَنه يلبن النعم إِذا رعته يَعْنِي البرير وَحمل السّلم وَهُوَ فعيل بِمَعْنى فَاعل كَمَا يُقَال قدير بِمَعْنى قَادر وحفيظ بِمَعْنى حَافظ وَكَذَلِكَ لبين بِمَعْنى لِابْنِ للنعم وَكَأَنَّهَا يُعْطِيهَا اللَّبن كَمَا يَقُول لبِنْت الْقَوْم وسمنتهم إِذا أدمتهم اللَّبن وَالسمن والزبد الْجفَاء هُوَ مَا جفاه الْوَادي فَرمى بِهِ هَذَا أَصله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 يُقَال أجفأت الْقدر بزبدها إِذا ألقته قَالَ الله تَعَالَى {فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء} فَأَرَادَ أَنه خلق الأَرْض من زبد اجْتمع للْمَاء وتكاثف فِي جنبات المَاء وَالْمَاء الكباء هُوَ الْعَظِيم العالي وَمِنْه يُقَال فلَان كابي الرماد أَي عَظِيم الرماد منتفخه وَقد كبا الْفرس يبكو إِذا رَبًّا وانتفخ وَكَأَنَّهُ يُرِيد أَيْضا مَا انتفخ على المَاء وَربا من الزّبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 حَدِيث ذِي المشعار مَالك بن نمط الْهَمدَانِي قَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن وَفد هَمدَان قدمُوا عَلَيْهِ فَلَقوهُ مُقبلا من تَبُوك فَقَالَ مَالك بن نمط يَا رَسُول الله نصية من هَمدَان من كل حَاضر وباد أتوك على قلص نواج مُتَّصِلَة بحبائل الْإِسْلَام لَا تأخذهم فِي الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام عَهدهم لَا ينْقض عَن سنة ماحل وَلَا سَوْدَاء عنقفيز مَا قَامَت لعلع وَمَا جرى اليعفور بصلع فَكتب لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله لمخلاف خارف وَأهل جناب الهضب وحقاف الرمل مَعَ وافدها ذِي المشعار مَالك بن نمط وَمن أسلم من قومه على أَن لَهُم فراعها ووهاطها وعزازها مَا أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة يَأْكُلُون علافها ويرعون عفاءها لنا من دفئهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 وصرامهم مَا سلمُوا بالميثاق وَالْأَمَانَة وَلَهُم من الصَّدَقَة الثلب والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحوري وَعَلَيْهِم بِهِ الصالغ والقارح هُوَ من حَدِيث أبي روق قَوْله نصية من هَمدَان أَي رُؤَسَاء مختارون مِنْهُم يُقَال هَؤُلَاءِ نصية قَومهمْ أَي خيارهم وَهَذِه نصية الْإِبِل أَي خِيَارهَا وانتصيت من الْقَوْم رجلا أَي اخترته وأحسب أصل الْحَرْف من الناصية كني عَن الْخِيَار بهَا كَمَا كنى عَنْهُم بِالرَّأْسِ يُقَال هَذَا رَأس قومه وَهَؤُلَاء رُؤُوس الْقَوْم وكما كني عَن الأرذال بالأذناب لِأَن رَأس كل شَيْء خَيره وَأَعلاهُ وذنب كل شَيْء شَره وَأَدْنَاهُ وَرُبمَا كني عَن الْأَشْرَاف بالناصية فَيُقَال هَؤُلَاءِ نواصي الْقَوْم وَأُولَئِكَ أذنابهم قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... قوم هم الرَّأْس والأذناب غَيرهم ... وَمن يُسَوِّي بأنف النَّاقة الذنبا ... وَبِهَذَا الْبَيْت قيل هُوَ أنف النَّاقة والقلص شواب النوق وَاحِدهَا قلُوص والنواجي السراع واحدتها نَاجِية وَبهَا سمي الرجل وَيُقَال نجت تنجو والنجاء الِاسْم وَهُوَ الْإِسْرَاع فِي السّير وخارف ويام قبيلتان ينْسب إِلَيْهِمَا فَيُقَال فلَان الخارفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 واليامي من يام والمخلاف لأهل الْيمن كالرستاق لغَيرهم وَجمعه مخاليف وَقَوله وعدهم لَا ينْقض عَن سنة مَا حل والماحل السَّاعِي بالنمائم والإفساد بَين النَّاس يَقُول لَيْسَ ينْقض عَهدهم بسعي مَا حل فِي النَّقْص وَهُوَ سنته أَي طَرِيقَته وَهَذَا كَمَا نقُول أَنا لَا أفسد مَا بيني وَبَيْنك بمذاهب الأشرار يُرِيد بإفسادهم وسعايتهم وَقَوله وَلَا سَوْدَاء عنقفير وَهِي الداهية أَي لَا ينْقض عَهدهم من داهية عَظِيمَة تنزل بهم وتضطرهم إِلَى النَّقْض وَلَكنهُمْ يُقِيمُونَ على الْعَهْد وَمِمَّا كَانُوا يكتبونه فِي عهودهم مِمَّا يشبه هَذَا لكم الْوَفَاء منا بِمَا أعطيناكم فِي الْعسر واليسر وعَلى المنشط وَالْمكْره ولعلع جبل أَي لكم الْوَفَاء مَا قَامَ هَذَا الْجَبَل يُرِيدُونَ أبدا وَمَا جرى اليعفور وَهُوَ ولد الْبَقَرَة بصلع وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 الصَّحرَاء البارزة المستوية الَّتِي لَا نبت فِيهَا وَمثله فِي حَدِيث لُقْمَان بن عَاد إِلَّا أر مطمعي بوقاع بصلع وجناب الهضب مَوضِع وحقاف الرمل جمع حقف وَيجمع أَيْضا أحقاف وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {إِذْ أنذر قومه بالأحقاف} يُقَال كَانَت مَنَازِلهمْ بالرمل والحقف من الرمل مَا اعوج واستطال وَمِنْه يُقَال لما اعوج قد احقوقف والفراع أعالي الْجبَال وَمَا أشرف من الأَرْض وَاحِدهَا فرعة والفرعة فِي غير هَذَا القملة وَمِنْه حسان بن الفريعة إِنَّمَا هُوَ تَصْغِير فرعة وَيُقَال جبل فارع إِذا كَانَ عَالِيا وَامْرَأَة فارعة إِذا كَانَت طَوِيلَة والوهاط الْمَوَاضِع المطمئنة وَاحِدهَا وهط وَبِه سمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 الوهط وَهُوَ مَال كَانَ لعَمْرو بن الْعَاصِ بِالطَّائِف والعزاز مَا صلب من الأَرْض وَهُوَ الْجلد وَأخذ من قَوْلك تعزز لحم النَّاقة إِذا اشْتَدَّ وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {فعززنا بثالث} أَي قوينا الِاثْنَيْنِ بثالث قَالَ الزُّهْرِيّ كنت أختلف إِلَى عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة أكتب عَنهُ فَكنت أقوم لَهُ إِذا خرج وأسوي ثِيَابه إِذا ركب ثمَّ ظَنَنْت إِنِّي قد استفرغت مَا عِنْده فَخرج يَوْمًا فَلم أقِم لَهُ فَقَالَ لي إِنَّك فِي العزاز فَقُمْ والعزاز يكون فِي أَطْرَاف الأَرْض وجوانبها فَإِذا توسطتها صرت فِي السهولة واللين فَأَرَادَ عبيد الله إِنَّك بعد فِي الْأَوَائِل من الْعلم والأطراف وَلم تبلغ الأوساط فعد إِلَى التَّعْظِيم الَّذِي كنت عَلَيْهِ إِذْ كنت لم تستغن وَلم تكمل وَقَوله يَأْكُلُون علافها جمع علف يُقَال علف وعلاف كَمَا يُقَال جمل وجمال وَيُقَال أَيْضا أعلاف كَمَا يُقَال أحمال والعفاء من الأَرْض مَا لَيْسَ لأحد فِيهِ شَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 وَقَوله لنا من دفئهم يَعْنِي من إبلهم وشائهم وَسميت دفأ لما يتَّخذ من أوبارها وأصوافها من الأكسية والبيوت وَغير ذَلِك مِمَّا يستدفأ بِهِ قَالَ الله تَعَالَى {والأنعام خلقهَا لكم فِيهَا دفء وَمَنَافع} والصرام النّخل لِأَنَّهُ يصرم أَي يجتنى ثمره وأصل الصرم الْقطع وَيكون الصرام التَّمْر بِعَيْنِه وَقَوله لنا من ذَلِك مَا سلمُوا بالميثاق وَالْأَمَانَة يُرِيد أَنهم مأمونون على صدقَات أَمْوَالهم بِمَا أَخذ عَلَيْهِم من الْمِيثَاق وَلَا يبْعَث فِيهِ إِلَيْهِم مُصدق وَلَا عَاشر وَقَوله لَهُم من الصَّدَقَة الثلب وَهُوَ من الْإِبِل الذُّكُور الَّذِي قد تَكَسَّرَتْ أَسْنَانه وَكتب عَمْرو بن الْعَاصِ مُعَاوِيَة إِنَّك قد جربتني فوجدتني لست بالغمر الضَّرع وَلَا الثلب الفاني والضرع الصَّغِير والناب الهرمة من النوق سميت بذلك لِأَن نابها يطول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 إِذا هرمت وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل من بني نهد كَيفَ أَنْت عِنْد الْقرى قَالَ ألصق وَالله بالناب الفانية وَالْبكْر والضرع قَوْله ألصق بالناب يُرِيد أَنه يعرقها إِذا عرقها ألصق بهَا السَّيْف فاختصر قَالَ الرَّاعِي وَذكر أضيافا طرقوه [من الطَّوِيل] ... فأومأت إِيمَاء خَفِيفا لحبتر ... وَللَّه ثوبا حبتر أَيّمَا فَتى وَقلت لَهُ ألحق بأيبس سَاقهَا ... فَإِن يجْبر العرقوب لَا يرقأ النسا ... والفارض المسنة وَمِنْه قَول الله تَعَالَى {لَا فارض وَلَا بكر} أَي لَا كَبِيرَة وَلَا صَغِيرَة والداجن الَّتِي يعلفها النَّاس فِي مَنَازِلهمْ وَلَا يبْعَث بهَا إِلَى المرعى والصالغ من الْغنم وَالْبَقر الَّذِي كمل وانتهت سنه وَذَلِكَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 السّنة السَّادِسَة مِنْهُ والقارح من الْخَيل مثله والكبش الحوري أرَاهُ مَنْسُوبا إِلَى الْحور وَهِي جُلُود حمر تتَّخذ من جُلُود الْمعز وَمن جُلُود بعض الضَّأْن قَالَ أَبُو النَّجْم يذكر قَتِيلا [من الرجز] ... كَأَنَّمَا برقع خديه الْحور ... يَقُول صَار الدَّم على خديه فَكَأَنَّهُ حور لحمرته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 آخر الْجُزْء الثَّانِي وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على رَسُوله سيدنَا الْمُصْطَفى مُحَمَّد النَّبِي وَآله وَسلم تَسْلِيمًا وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل فرغ من نسخه لنَفسِهِ عبد الغني بن عبد الواحد بن عَليّ الْمَقْدِسِي بفسطاط مصر حرسه الله فِي محرم سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة وَهُوَ يسْتَغْفر الله من ذنُوبه ويسأله الْعَفو عَن زللة وَسُوء عمله وَأَن يمن عَلَيْهِ ببلوغ أمله قبل انْقِضَاء أَجله إِنَّه على كل شَيْء قدير وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أخبرنَا القَاضِي الْأَجَل أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلام قَالَ أدبنا أَبُو يَعْقُوب ابْن خرزاذ قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحسن المهلبي قَالَ أخبرنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة قَالَ أخبرنَا أبي حَدِيث أبي بكر الصّديق عبد الله بن عُثْمَان وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي بكر أَنه ركب فرسا يشوره فَقَامَ إِلَيْهِ فَتى من الْأَنْصَار فَقَالَ لَهُ احملني عَلَيْهِ يَا خَليفَة رَسُول الله فَقَالَ أَبُو بكر لِأَن أحمل عَلَيْهِ غُلَاما ركب الْخَيل على غرلته أحب إِلَيّ من أَن أحملك عَلَيْهِ فَقَالَ أَنا وَالله أَفرس عَلَيْهِ مِنْك وَمن أَبِيك قَالَ الْمُغيرَة فَمَا تمالكت حِين سمعته أَن آخذه بأذنيه وَركبت أَنفه بركبتي فَكَأَن أَنفه مزادة انبعثت وَمن وَجه آخر عزلاء مزادة فتواثبت إِلَيّ رجال من الْأَنْصَار وَمضى أَبُو بكر فَلَمَّا رأى مَا يصنعون بِي قَالَ أَن الْمُغيرَة رجل وازع فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك أرسلوني حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ حَدَّثَنِيهِ أَبُو أُسَامَة عَن إِسْمَاعِيل بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أبي بكر قَوْله يشوره أَي يعرضه يُقَال شار الدَّابَّة يشورها شورا إِذا عرضهَا وَالْمَكَان الَّذِي تعرض فِيهِ الدَّوَابّ يُسمى المشوار حَدثنِي السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي أَن أبجر الْعجلِيّ قَالَ لحجار ابْنه إياك والخطب فَإِنَّهَا مشوار كثير العثار وَقَوله ركب الْخَيل على غرلته يُرِيد ركبهَا فِي صغره وَهُوَ أغرل أَي أقلف والغرلة القلفة وفيهَا لُغَة أُخْرَى القلفة وَمثلهَا من الْكَلَام قِطْعَة وَقطعَة لقطع الْيَد وخدمة وخدمة وصلعة وصلعة وَيُقَال رجل أغرل وأرغل وَهُوَ من المقلوب وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة غرلًا وَمن لم يركب الْخَيل على صغره فَهُوَ نَاقص الفروسية قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... لم يركبُوا الْخَيل إِلَّا بَعْدَمَا كبروا ... فهم ثقال على أكتافها ميل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن رجل عَالم بِالْخَيْلِ لم يسمه قَالَ كَانَ يُقَال إِن طفيلا ركب الْخَيل بغرلته وَرَآهَا أَهله وَأَن أَبَا دؤاد ملكهَا لنَفسِهِ ووهبها لغيره وللملوك وَأَن النَّابِغَة الْجَعْدِي أسلم النَّاس وآمنوا ثمَّ اجْتَمعُوا فتحدثوا فَسمع مَا قَالُوا إِلَى مَا كَانَ سمع قبل ذَلِك فَهَؤُلَاءِ نعات الْخَيل وَكَانُوا يَقُولُونَ من عَلَامَات السؤدد طول الغرلة حَدثنِي عبد الرحمن عَن عَمه قَالَ أخبرنَا جَمِيع بن أبي غاضرة وَكَانَ شَيخا مسنا من أهل الْبَادِيَة وَكَانَ من ولد الزبْرِقَان بن بدر من قبل النِّسَاء قَالَ كَانَ الزبْرِقَان يَقُول أبْغض صبياننا إِلَيّ الأقيعس الذّكر الَّذِي كَأَنَّمَا يطلع فِي جحرة وَإِن سَأَلَهُ الْقَوْم أَيْن أَبوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 هر فِي وُجُوههم وَقَالَ مَا تُرِيدُونَ من أبي وَأحب صبياننا إِلَيّ الطَّوِيل الغرلة السبط الْغرَّة العريض الورك الأبله الْعُقُول الَّذِي يُطِيع عَمه ويعصي أمه وَإِن سَأَلَهُ الْقَوْم أَيْن أَبوك قَالَ مَعكُمْ والأقيعس الذّكر هُوَ تَصْغِير أقعس والقعس فِي الظّهْر دُخُوله وَخُرُوج الصَّدْر والحدب دُخُول الصَّدْر وَخُرُوج الظّهْر قَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي من الطَّوِيل ... فَإِن حدبوا فاقعس وَإِن هم تقاعسوا ... لينتزعوا مَا خلف ظهرك فاحدب ... كَأَنَّهُمْ كَانُوا يتفرسون بقعس الذّكر ويستدلون بِهِ على معنى من السوء كَمَا استدلوا بطول الغرلة على السِّيَادَة وَقَوله الأبله الْعُقُول يُرِيد إِنَّه كالأبله لشدَّة حيائه وتعاقله وَهُوَ عقول وَهَذَا شَبيه بقول الشَّاعِر [من الْبَسِيط] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 .. لَا خير فِي خب من ترجى فواضله ... فاستمطروا من قُرَيْش كل منخدع كَأَن فِيهِ إِذا حاولته بلها ... عَن مَاله وَهُوَ وافي الْعقل والورع ... وَيُقَال فِي مثل لَيْسَ أَمِير الْقَوْم بالخب الخدع وَقَوله أَن الْمُغيرَة رجل وازع هُوَ من وزعت الرجل إِذا كففته عَن الشَّيْء يَفْعَله والوازع فِي الْجَيْش هُوَ أكبرهم يدبر أَمرهم ويضعهم مواضعهم وَيرد من شَذَّ مِنْهُم وَمن كَانَ كَذَلِك لم يقْتَصّ مِنْهُ إِذا أدب والعزلاء فَم المزادة الْأَسْفَل وَجَمعهَا عزالي والمزادة الراوية وركبته أصبت أَنفه بركبتي وَهُوَ أَن يَأْخُذ بأذنيه فَيضْرب أَنفه بركبته يُقَال مِنْهُ ركبته أركبه ركبا وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه مر بِالنَّاسِ فِي معسكرهم بالحرف فَجعل يكْتب الْقَبَائِل حَتَّى مر ببني فَزَارَة فَقَامَ إِلَيْهِ رجل مِنْهُم فَقَالَ لَهُ أيؤمر جبانكم قَالُوا نَحن يَا خَليفَة رَسُول الله أحلاس الْخَيل وَقد قدناها مَعنا فَقَالَ أَبُو بكر بَارك الله فِيكُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 حَدَّثَنِيهِ إِبْرَاهِيم بن مُسلم عَن دَاوُد بن شَيبَان الْعَبْسِي عَن الْوَاقِدِيّ عَن عبد الرحمن بن إِبْرَاهِيم المري عَن يزِيد بن عبيد السَّعْدِيّ أبي وجزة قَوْلهم نَحن أحلاس الْخَيل يُقَال هَؤُلَاءِ أحلاس الْخَيل إِذا كَانُوا يقتنونها ويضمرونها ويفتلونها ويلزمون ظُهُورهَا وَلِهَذَا يَقُول النَّاس لس من أحلاسها وَأرى أَصله من الحلس وَهُوَ كسَاء يكون تَحت البرذعة أَي نلزم ظُهُورهَا كَمَا يلْزم الحلس ظهر الْبَعِير والحلس أَيْضا بِسَاط يبسط فِي الْبَيْت وَمِنْه قيل فِي الحَدِيث كن حلْس بَيْتك أَي إلزمه فِي الْفِتْنَة والهرج لُزُوم الْبسَاط لَهُ وَيُقَال للَّذين يرَوْنَ هَذَا فِي الْفِتْنَة الحلسية الرياشي قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن إِسْحَق بن تَوْبَة عَن حَمَّاد بن زيد قَالَ دخل الضَّحَّاك بن قيس على مُعَاوِيَة فَقَالَ مُعَاوِيَة [من الطَّوِيل] ... تطاولت للضحاك حَتَّى رَددته ... إِلَى حسب فِي قومه متقاصر ... فَقَالَ قد علم قَومنَا أننا أحلاس الْخَيل فَقَالَ لَهُ صدقُوا أَنْتُم أحلاسها وَنحن فرسانها يُرِيد أَنْتُم راضة وساسة وَنحن الفرسان وَنَحْو هَذَا قَول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 جرير [من الْكَامِل] ... تصف السيوف وغيركم يعْصى بهَا ... يَابْنَ القيون وَذَاكَ فعل الصيقل ... وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ كَانَ يخرج إِلَيْنَا وَكَأن لحيته ضرام عرفج يرويهِ خَالِد عَن حُصَيْن عَن الْمُغيرَة بن شبْل عَن قيس بن أبي حَازِم الضرام لَهب النَّار وَمِنْه يُقَال اضطرمت النَّار إِذا التهبت والضرمة النَّار يُقَال مَا فِي الديار نافخ ضرمة أَي مَا بهَا أحد والعرفج نبت ضَعِيف تسرع النَّار فِيهِ ثمَّ لَا تلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى تطفأ وَقيل لامْرَأَة من الْأَعْرَاب مالكن يَا معشر نسَاء آل فلَان رسحا فَقَالَت أرسحتنا نَار الزحفتين تَعْنِي نَار العرفج وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تسرع الالتهاب فِيهِ وتقوى حَتَّى تؤذي بحرها من يدنو فيزحفون للتاخر عَنْهَا وَاحِدَة ثمَّ يسْرع خمودها فيزحفون أُخْرَى للتقدم إِلَيْهَا وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... يَا موقد النَّار أوقدها بعرفجة ... لمن تبينها من مُدْلِج ساري ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 أمره أَن يوقدها بعرفج لِأَن سنا ناره أَشد من سنا غَيرهَا لضَعْفه وَقلة دخانه هَذَا إِذا كَانَ يَابسا فَإِذا كَانَ رطبا فالمثل يضْرب بِهِ فِي كَثْرَة الدُّخان قَالَ الرَّاعِي [من الْكَامِل] ... كدخان مرتجل بِأَعْلَى تلعة ... غرثان ضرم عرفجا مبلولا ... وَإِنَّمَا شبه الْمُشبه لحية أبي بكر بسنا نَار العرفج الْيَابِس لِأَنَّهُ كَانَ يخضبها بِالْحِنَّاءِ ويشبعها خضابا فتشتد حمرتها وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه قَالَ لأسامة حِين أنفذ جَيْشه إِلَى الشَّام أغر عَلَيْهَا غَارة سحاء لَا تتلاقى عَلَيْك جموع الرّوم حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ حدّثنَاهُ أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه وحدثنيه أَيْضا عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَق بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنه قَالَ مسحاء أَو سنحاء قَوْله سحاء هُوَ فعلاء من السح والسح الصب يُقَال يَدَاهُ تسحان أَي تصبان المَال صبا وَالسَّمَاء تسح أَي تصب وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِين الله سحاء لَا يغيضها شَيْء اللَّيْل وَالنَّهَار أَي لَا ينقصها شَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 يُقَال غاض المَاء يغيض غيضا إِذا نقص وغضته أَنا وَمِنْه يُقَال للسمان من الشَّاء وَغَيرهَا سحاح وَقَالَ خَالِد بن مَالك حِين نافره الْقَعْقَاع بن معبد أَنا أنحر للسحاح وأطعن بِالرِّمَاحِ وَأنزل بالتبراح والتبراح المتسع من الأَرْض وخبرني عبد الرحمن عَن عَمه أَنه قَالَ فِي قَوْلهم لحم ساح هُوَ بِالتَّشْدِيدِ وَمَعْنَاهُ أَنه من سمنه يصب الودك صبا قَالَ الشَّاعِر [من الوافر] ... وربت غَارة أَوضعت فِيهَا ... كسح الخزرجي جريم تمر ... يُرِيد أَنه صبها عَلَيْهِم كَمَا صب الخزرجي التَّمْر فَتفرق والجريم التَّمْر المصروم والجرام الصرام ومسحاء فعلاء من مسحهم يمسحهم إِذا مر بهم مرا خَفِيفا لم يقم فِيهِ عِنْدهم وَهُوَ يشبه الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَهُ أَبُو بكر رَحمَه الله لِأَنَّهُ اراد أَن تكون غارته عَلَيْهِم غَارة سريعة لِئَلَّا تحشد لَهُ الرّوم وتجتمع عَلَيْهِ وَمَا أَكثر مَا تَأتي فعلاء وَلم يَأْتِ للمذكر أفعل كَقَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 امْرِئ الْقَيْس [من الرمل] ... دِيمَة هطلاء فِيهَا وَطف ... طبق الأَرْض تحرى وتدر ... وَلم يقل فِي الْمُذكر أهطل إِنَّمَا يُقَال سَحَاب هطل وكقول العجاج [من الرجز] ... حدواء جَاءَت من جبال الطّور ... يُرِيد الشمَال وَجعلهَا حدواء لِأَنَّهَا تحدو السَّحَاب أَي تسوقه وَلَيْسَ يُقَال للمذكر أحدى إِنَّمَا يُقَال حاد وَكَذَلِكَ مسحاء وَلم يقل فِي الْمُذكر أَمسَح وَفِي مثل هَذِه الْغَارة أَو نَحْوهَا قَول ضَمرَة [من السَّرِيع] ... ماوي بل ربت مَا غَارة ... شعواء كاللذعة بالميسم ... يُرِيد كَأَنَّهَا فِي سرعتها لذعة بميسم فِي وبر والشعواء المتفرقة وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه قَالَ فِي خطْبَة لَهُ أَلا إِن أَشْقَى النَّاس فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْمُلُوك الْملك إِذا ملك زهده الله فِيمَا عِنْده ورغبه فِيمَا فِي يَدي غَيره وانتقصه شطر أَجله وأشرب قلبه الإشفاق فَإِذا وَجب ونضب عمره وضحا ظله حَاسبه الله فأشد حسابه وَأَقل عَفوه وَقَالَ بعد ذَلِك فِي كَلَام لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 وسترون بعدِي ملكا عَضُوضًا وَأمة شعاعا ودما مفاحا فَإِن كَانَت للباطل نزوة وَلأَهل الْحق جَوْلَة يعْفُو لَهَا الْأَثر وَتَمُوت السّنَن فالزموا الْمَسَاجِد واستشيروا الْقُرْآن وَليكن الإبرام بعد التشاور والصفقة بعد طول التناظر قَوْله فَإِذا وَجب يُرِيد مَاتَ وأصل الْوُجُوب السُّقُوط يُقَال قد وَجَبت الشَّمْس تجب وجوبا إِذا غربت وَيُقَال دفعت الرجل فَوَجَبَ أَي سقط قَالَ الله جلّ وَعز {فَإِذا وَجَبت جنوبها} وَيُقَال وَجب الْقلب إِذا خَفق وَيجب وجيبا وَقَوله نضب عمره أَي نفد يُقَال نضب المَاء إِذا ذهب ينضب نضوبا قَالَ الْأَصْمَعِي وَالْأَصْل فِي نضب بعد وَقَوله وضحا ظله أَي صَار شمسا وَإِذا صَار الظل شمسا فقد بَطل صَاحبه وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه مَاتَ يُقَال ضحا الرجل يُضحي إِذا صَار فِي الشَّمْس وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز {وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى} خبرني أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ هُوَ من الضحاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 وَهُوَ الْحر وَأنْشد بَيت عمر بن أبي ربيعَة [من الطَّوِيل] ... رَأَتْ رجلا أما اذا الشَّمْس عارضت ... فيضحى وَأما بالْعَشي فيخصر ... وَمثل هَذَا الْمَعْنى قَول كثير [من الوافر] ... فَلَمَّا أَن رَأَيْت العيس صبَّتْ ... بِذِي المأثول مجمعة التوالي وقحم سيرنا من قور حسمى ... مروت الرَّعْي ضاحية الظلال ... وَقَوله مروت الرَّعْي يُرِيد جمع مرت وَهِي الأَرْض الملساء الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا يَقُول رعيها مرت أَي رعى بهَا وظلها ضاح أَي لَا ظلّ فِيهَا وَقَوله وَأمة شعاعا أَي مُتَفَرّقين مُخْتَلفين يُقَال ذهبت نَفسِي شعاعا اذا انتشرت وَقَالَ قيس بن الخطيم يصف طعنة [من الطَّوِيل] ... طعنت ابْن عبد الْقَيْس طعنة ثَائِر ... لَهَا نفذ لَوْلَا الشعاع أضاءها ... النفذ مخرج الدَّم والشعاع مَا تفرق من الدَّم وانتشر يَقُول لَوْلَا ذَلِك لَأَضَاءَتْ لَك حَتَّى يَسْتَنِير وَقَالَ الآخر [من الطَّوِيل] ... فَلَا تتركي نَفسِي شعاعا فانها ... من الوجد قد كَادَت عَلَيْك تذوب ... وَأما قَوْله ودما مفاحا فانه من قَوْلهم فاحت الشَّجَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 تفيح فيحا اذا نفحت بِالدَّمِ وأفحتها أَنا وَقَالَ الْأَصْمَعِي كَانَ يُقَال للغارة فِي الْجَاهِلِيَّة فيحي فياح مَكْسُورَة مثل قطام وحذام وَكَذَلِكَ اذا دفعت أَي اتسعي وَقَوله فاح الدَّم نَفسه اذا سَالَ وَيُقَال دَار فيحاء وَمَكَان أفيح أَي وَاسع. فَأَرَادَ انكم ترَوْنَ قتلا ذريعا فاشيا بِكُل مَكَان. وَقَوله وَلأَهل الْحق جَوْلَة هُوَ من قَوْلك جال يجول فِي الْبِلَاد يُرِيد أَنهم لايستقرون على أَمر يعرفونه ويطمئنون اليه فهم متحيرون. وَقَوله يعْفُو لَهَا الْأَثر أَي يدرس والعفاء موت الْأَثر. حَدثنِي السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنِي شيخ مسن من بني نهشل قَالَ كَانَ فِي أقطاع النَّاس اني أقطعتك من عفاء الأَرْض وَحقّ السُّلْطَان وَابْن السَّبِيل أول شَارِب. قَالَ السجسْتانِي عَنهُ العفاء موت الْأَثر وَقَالَ الزيَادي عَنهُ عَفا الأَرْض مَا كَانَ عافيا لَيْسَ فِيهِ لمُسلم وَلَا لمعاهد شَيْء وَالْقَوْلَان جَمِيعًا متقاربان. والصفقة وَمَا يجمعُونَ عَلَيْهِ يُقَال صفق الْقَوْم لَهُ بالبيعة وَأَصله من صفق يَده على يَده وَعنهُ يُقَال ربحت صفقتك اذا اشْتريت شَيْئا وَيُقَال أَتَت الحلفة صفقتهم أَي بيعتهم كَأَنَّهُمْ كَانُوا يتصافقون بِأَيْدِيهِم عِنْد كل أَمر يبرمونه فَيكون ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 كالحلف وَالدَّلِيل على انْقِطَاع الْأَمر وَيُقَال أصفق النَّاس لفُلَان أَي اجْتَمعُوا لَهُ. وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر حَدِيث الشَّفَاعَة انه قَالَ انما نَحن حفْنَة من حفنات الله تَعَالَى. يرويهِ أَبُو مُعَاوِيَة عَن اسحاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة عَن سعيد ابْن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن أَبَا بكر قَالَ ذَلِك. الحفنة والحثوة شَيْء وَاحِد يُقَال حفن الْقَوْم من المَال وحاث لَهُم اذا أعْطى كل رجل مِنْهُم حثوة وانما أَرَادَ أَبُو بكر انا على كثرتنا يَوْم الْقِيَامَة قَلِيل عِنْد الله كالحفنة. ويروى أَن عمر قَالَ: ان الله ان شَاءَ أَدخل خلقه الْجنَّة بكف وَاحِدَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق عمر. وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه ذكر الْمُسلمين فَقَالَ: فَمن ظلم مِنْهُم أحدا فقد أَخْفَر ذمَّة الله وَمن ولي من أَمر النَّاس شَيْئا فَلم يعطهم كتاب الله فَعَلَيهِ بهلة الله وَمن صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي خفرة الله. يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن نصر بن عمرَان أَو نصر بن عَاصِم عَن رَافع الطَّائِي عَن أبي بكر. قَوْله أَخْفَر ذمَّة الله أَي نقض ذمَّة الله وَعَهده يُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 أخفرت فلَانا اذا كَانَ بَيْنك وَبَينه عهدا أَو حلف فنقضه وَقَالَ زيد الْخَيل [من الطَّوِيل] ... اذا أخفروكم مرّة كَانَ ذَلِكُم ... جيادا على فرسانهن العمائم ... يَقُول اذا نقضوا مَا بَيْنكُم وَبينهمْ من الصُّلْح كَانَ ذَلِك النَّقْض فُرْسَانًا يغيرون عَلَيْكُم. وَيُقَال خفرت الرجل بِغَيْر ألف اذا حفظته فَأَنا خفير. قَالَ عدي بن زيد [من الْخَفِيف] ... من رَأَيْت الْمنون خلدن أم من ... ذَا عَلَيْهِ من أَن يضام خفير ... وَأَرَادَ أَبُو بكر أَن الْمُسلم قد أَخذ من الله باسلامه عهدا أَو ذمَّة فَمن ظلمه فقد أَخْفَر تِلْكَ الذِّمَّة أَلا ترَاهُ يَقُول وَمن صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي خفرة الله. وفيهَا لُغَتَانِ أخريان خفارة وخفارة وَمثله بِشَارَة ودراية اللَّبن ودوايته للَّذي يَعْلُو شبه الْجلْدَة الرقيقة. وروى الْكسَائي الزِّيَارَة والزوارة وَقَالَ غَيره والفتاحة والفتاحة وَهِي المحاكمة والفتاح الْحَاكِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 وَقَوله عَلَيْهِ بهلة الله أَي لعنته وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {ثمَّ نبتهل فَنَجْعَل لعنة الله على الْكَاذِبين} . وفيهَا لُغَة أُخْرَى بهلة وَمثله سدفة اللَّيْل وسدفة وجهمة وجهمة وبرهة من الدَّهْر وبرهة وَمَالِي عَلَيْهِ عرجة وَلَا عرجة وبقعة من الأَرْض وبقعة وَجَلَست نبذة ونبذة أَي نَاحيَة. وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه أشرف من كنيف وَأَسْمَاء بنت عُمَيْس ممسكته وَهِي موشومة الْيَدَيْنِ حِين اسْتخْلف عمر فَكَلَّمَهُمْ. يرويهِ وَكِيع عَن يُونُس بن أبي اسحاق عَن أبي السّفر. وَقَوله أشرف من كنيف يَعْنِي من ستْرَة وكل شَيْء سترك فَهُوَ كنيف وَلذَلِك قيل للترس كنيف وَقَالَ لبيد من الوافر ... حريما يَوْم لم يمنح حريما ... سيوفهم وَلَا الحجف الكنيف ... أَي السَّاتِر وَمِنْه يُقَال كنفت الرجل اذا حطته وَمِنْه يُقَال أَنْت فِي كنف الله أَي فِي ستر الله وَيُقَال أَيْضا كنف فلَان عَن الشَّيْء وصدف ونكب أَي عدل وَمِنْه قَول الْقطَامِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 [من الطَّوِيل [ ... ليعلم مَا فِينَا عَن البيع كانف ... أَي عَادل. وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر انه تزوج بنت خَارِجَة بن أبي زُهَيْر وهم بالسنح فِي بني الْحَارِث بني الْخَزْرَج فَكَانَ اذا أَتَاهُم تَأتيه النِّسَاء بأغنامهم فيحلب لَهُنَّ فَيَقُول أأنفج أم ألبد فان قَالَت أنفج باعد الاناء من الضَّرع حَتَّى تشتد الرغوة فان قَالَت ألبد أدنى الاناء من الضَّرع حَتَّى لَا يكون لَهُ رغوة. يرويهِ يحيى بن آدم عَن ابْن ادريس عَن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان عَن عبد الله بن حَنْظَلَة بن الراهب. قَوْله أأنفج هُوَ من نفجت الشَّيْء فانتفج أَي عَظمته وَمِنْه قيل انتفج الدَّابَّة اذا شرب المَاء فَعظم جنباه. وَأَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي زيد أَنه قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ لمن ولدت لَهُ بنت هَنِيئًا لَك النافجة يُرِيدُونَ أَنه يَأْخُذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 مهرهَا ابلا يضمها الى ابله فينفجها. وَقَوله أم ألبد هُوَ من لبد الشَّيْء يلبد لبودا وَتَلَبَّدَ أَيْضا اذا انْضَمَّ بعضه الى بعض يُقَال ألبد فلَان بِالْمَكَانِ فَهُوَ ملبد بِهِ اذا لزمَه وَأقَام بِهِ وَمِنْه قَول ابْن أبي بَرزَة وَذكر قوما يعتزلون الْفِتْنَة عِصَابَة ملبدة خماص الْبُطُون من أَمْوَال النَّاس خفاف الظُّهُور من دِمَائِهِمْ. وخبرني السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ وَمن أمثالهم تلبدي تصيدي يُرَاد انما تلبدتك لتثب وَمثله مخر نبق لينباع والمخر نبق اللاطيء لينباع أَي لينبسط فيثب وَأنْشد [من السَّرِيع] ... ثمَّة ينباع انبياع الشجاع ... وَقَول الله جلّ وَعز: {كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا} هُوَ من هَذَا أَي كَادُوا يركبونه ويلبدون بِهِ رَغْبَة فِيمَا سمعُوا من الْقُرْآن وشهوة لَهُ. وَقَالَ ابْن مَسْعُود ان الْجِنّ أَتَوا فَجعلُوا يركبون رَسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 الله وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة لبدا جماعات متظاهرين وَالْأَصْل من هَذَا. وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر ان حسان لما هجا قُريْشًا قَالَت قُرَيْش ان هَذَا الشتم مَا غَابَ عَنهُ ابْن أبي قُحَافَة. حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله عَن عَمه عَن ابْن أبي الزِّنَاد قَوْلهم مَا غَابَ عَنهُ ابْن أبي قُحَافَة لم يُرِيدُوا أَن أَبَا بكر واطأ حسان على الهجاء وَلَا حَضَره حِين هجاهم وانما أَرَادوا ان أَبَا بكر عَالم بالأنساب وَالْأَخْبَار وان ذَاك لم يخف عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كَانَ رَحمَه الله هَذَا قَول الْأَصْمَعِي. وَذكر ابْن اسحق ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحسان: نافح عَن قَوْمك واسأله عَن معايب الْقَوْم يَعْنِي أَبَا بكر. وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر ان الْأَنْصَار قَالَت لقريش منا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 أَمِير ومنكم أَمِير فجَاء أَبُو بكر فَقَالَ انا معشر هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش أكْرم النَّاس أحسابا وأثقبه أنساباء ثمَّ نَحن بعد عترة رَسُول الله الَّتِي خرج مِنْهَا وبيضته الَّتِي تفقأت عَنهُ وانما جيبت الْعَرَب عَنَّا كَمَا جيبت الرَّحَى عَن قطبها. يرويهِ زيد بن هرون عَن أبي مَالك النصري عَن عَليّ بن زيد قَوْله أثقبه أنسابا يُرِيد أبينهم وأوضحهم والثاقب المضيء يُقَال حسب ثاقب وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَأتبعهُ شهَاب ثاقب} أَي نجم مضيء. يُقَال أثقب نارك والثقوب مَا تذكى بِهِ النَّار وَهُوَ مثل الْوقُود وَقَالَ أَبُو الْأسود [من الطَّوِيل] ... أذاع بِهِ فِي النَّاس حَتَّى كَأَنَّهُ ... بعلياء نَار أوقدت بثقوب ... وَيُقَال أثقبت النَّار فثقبت وَمِنْه قَول سَاعِدَة [من الْكَامِل] غَابَ تشيمه ضرام مثقب تشيمه دخل فِيهِ. وَقَوله وَنحن عترة رَسُول الله يُرِيد رهطه وَقد بيّنت هَذَا فِي صدر هَذَا الْكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 وَقَوله وانما جيبت الْعَرَب عَنَّا يُرِيد خرقت الْعَرَب عَنَّا فَكُنَّا وسطا وَكَانَت الْعَرَب حوالينا كَمَا خرقت الرَّحَى فِي وَسطهَا للقطب وَهُوَ الَّذِي تَدور عَلَيْهِ فقريش كالقطب وَفِيه ثَلَاث لُغَات قطب وقطب وقطب وَيُقَال جبت الْقَمِيص اذا قورت جيبه وجبيته اذا جعلت لَهُ جيبا. وَأَرَادَ أَن قُريْشًا وَاسِطَة الْعَرَب ولبابها وَلذَلِك قيل فِي النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ أوسطهم حسبا أَي خَيرهمْ ووسط كل شَيْء خَيره وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} . قَالَ الشَّاعِر [من الْكَامِل] ... كَانَت قُرَيْش بَيْضَة فتفلقت ... فالمخ خالصه لعبد منَاف ... وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر ان رجلا وقف عَلَيْهِ فلاث لوثا من كَلَام فِي دهش فَقَالَ أَبُو بكر قُم يَا عمر الى الرجل فَانْظُر مَا شَأْنه فَسَأَلَهُ عمر فَذكر أَنه ضافه ضيف فزنى بابنته. يرويهِ يزِيد عَن مُحَمَّد بن اسحق عَن نَافِع عَن ابْن عمر أصل اللوث الطي يُقَال لثت الْعِمَامَة ألوثها لوثا وَمِنْه قَول الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... وَلم ينفض الادلاج لوث العمائم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 وَأَرَادَ أَنه تكلم بِكَلَام مطوي لم يشرحه وَلم يُبينهُ للاستحياء حَتَّى خلا بِهِ عمر فَصرحَ بِهِ. وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر ان عبد الرَّحْمَن ابْنه قَالَ لَهُ لقد أهدفت لي يَوْم بدر فضفت عَنْك فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر لكنك لَو أهدفت لي لم أضف عَنْك. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين قَوْله لقد أهدفت لي أَي أشرفت لي يُقَال أهدف فلَان واستهدف للشَّيْء إِذا أربأ لَهُ وَمِنْه قيل للْبِنَاء الْمُرْتَفع هدف وَأرى هدف الرَّمْي مِنْهُ لِأَنَّهُ شَيْء إرتفع للرامي فَرَآهُ وَيُقَال فِي غير هَذَا الْموضع أهدفت الى فلَان أَي لجأت اليه. وَقَالَ كَعْب الغنوي [من الطَّوِيل] ... عَظِيم رماد الْبَيْت يحتل بَيته ... الى هدف لم يحتجبه غيوب ... ويحتل وَيحل وَاحِد والهدف الْموضع الْمُرْتَفع لم يحتجبه غيوب أَي لم يصر فِيهَا فيحجبه والغيوب مَا اطْمَأَن من الأَرْض وَاحِدهَا غيب يُرِيد انه ينزل الْمَوَاضِع المرتفعة لِئَلَّا يخفى مَكَانَهُ على ضيف أَو طَالب حَاجَة وَمثل هَذَا قَول الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 [من الطَّوِيل] ... عِظَام الْبيُوت ينزلون الروابيا ... وَقَوله فضفت عَنْك أَي عدلت عَنْك وملت يُقَال ضاف فلَان عَن الشَّيْء وَمثله ضَاقَ قَالَ أَبُو زبيد [من الْخَفِيف] ... علل الْمَرْء بالرجاء ويضحى ... غَرضا للمنون نصب الْعود كل يَوْم ترميه مِنْهَا برشق ... فمصيب أَو ضاف غير بعيد ... وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر انه أكل مَعَ رجل بِهِ ضروة من جذام. . هُوَ من ضرّ بِي الْعرق يضرو اذا سَالَ كَأَنَّهُ من الضراوة يُرَاد أَن داءه قد ضري بِهِ قَالَ العجاج [من الرجز] ... مِمَّا ضرى الْعرق بِهِ الضري ... وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر انه قَالَ فِي كَلَام لَهُ سلوا الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 الْعَفو والعافية والمعافاة وَاعْلَمُوا أَن الصَّبْر نصف الايمان وَالْيَقِين الايمان كُله. أما الْعَفو فالعفو عَن الذُّنُوب يكون بَين الله وَبَين العَبْد وَأما الْعَافِيَة فالعافية من آفَات الدُّنْيَا وأهوال الْآخِرَة وَأما المعاناة فان تَعْفُو عَن النَّاس وَيَعْفُو عَنْك فَلَا يكون يَوْم الْقِيَامَة قصاص. والمفاعلة تكون من اثْنَيْنِ نَحْو الْمُضَاربَة والمشاتمة وَهُوَ أَن تضرب وتضرب وتشتم وتشتم وَكَذَلِكَ المعافاة هِيَ أَن تَعْفُو ويعفى عَنْك وَقد تكون المعافاة من الله جلّ وَعز تَقول رب عَافنِي كَمَا تكون المعاقبة والمشارفة من وَاحِد إِلَّا أَن المعافاة فَفِي حَدِيث أبي بكر على مَا أعلمتك وَأما الصَّبْر فَثَلَاث دَرَجَات أَولهَا الصَّبْر على الْمُصِيبَة وَثَانِيها الصَّبْر على الطَّاعَة وأعلاها الصَّبْر على الْمعْصِيَة وَأما الْيَقِين فدرجتان إِحْدَاهمَا يَقِين السّمع وَالْأُخْرَى يَقِين النّظر وَهَذَا أَعلَى الْيَقِين قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى قَالَ أَو لم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} أَي يَقِين النّظر وَلذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ الْمخبر كالمعاين حِين ذكر مُوسَى إِذْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 أعلمهُ الله جلّ وَعز أَن قومه عبدُوا الْعجل فَلم يلق الألواح فَلَمَّا عاينهم عاكفين عَلَيْهِ غضب وَألقى الألواح حَتَّى انْكَسَرت وَقَالَ فِي حَدِيث أبي بكر أَنه رأى رجلا يتَوَضَّأ فَقَالَ عَلَيْك بالمغفلة والمنشلة يرويهِ ابْن لَهِيعَة عَن عَمْرو بن الْحَارِث قَالَ عَن عقبَة بن مُسلم عَن أبي عبد الرحمن الحبلي عَن الصنَابحِي قَالُوا المغفلة العنفقة سميت بذلك لِأَن كثيرا من النَّاس يغْفل عَنْهَا وَعَما تحتهَا والمنشلة مَوضِع الْخَاتم من الْخِنْصر وَلَا أَحْسبهُ سمي مَوضِع الْخَاتم منشلة إِلَّا لِأَنَّهُ إِذا أَرَادَ غسله نشل الْخَاتم من ذَلِك الْموضع أَي اقتلعه مِنْهُ ثمَّ غسله ورد الْخَاتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 حَدِيث عمر بن الْخطاب وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه خطب النَّاس فَقَالَ إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم أَن يُؤْخَذ الرجل الْمُسلم البريء عِنْد الله فيدسر كَمَا يدسر الْجَزُور ويشاط لَحْمه كَمَا يشاط لحم الْجَزُور يُقَال عَاص وَلَيْسَ بعاص فَقَالَ عَليّ وَكَيف ذَاك وَلما تشتد البلية وَتظهر الحمية وتسب الذُّرِّيَّة وتدقهم الْفِتَن دق الرَّحَى بثفالها يرويهِ سعيد بن مُحَمَّد الْجرْمِي عَن أبي ثميلة وَهُوَ يحيى بن وَاضح عَن رُمَيْح بن هِلَال عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن عمر قَوْله يدسر أَي يدْفع حَتَّى يسْقط يُقَال دسرته دسرا وَمِنْه حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن عبيد قَالَ حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن ابْن أذينة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَيْسَ فِي العنبر زَكَاة إِنَّمَا هُوَ شَيْء دسره الْبَحْر أَي دَفعه وألقاه وَقَوله يشاط لَحْمه كَمَا يشاط لحم الْجَزُور أَي يبضع وَيقطع وَالْأَصْل فِي الإشاطة الإحراق فاستعير وَمِنْه قَول عمر الْقسَامَة توجب الْعقل وَلَا تشيط الدَّم يَقُول إِذا حَلَفت فَإِنَّمَا تجب الدِّيَة لَا الْقود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 ويروى عَن عمر بن عبد العزيز وَابْن الزبير إنَّهُمَا أقادا بالقسامة وَمن الإشاطة الحَدِيث فِي يَوْم مُؤْتَة أَن زيد بن حَارِثَة قَاتل براية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى شاط فِي رماح الْقَوْم وَقَول عَليّ دق الرَّحَى بثفالها والثفال جلدَة تبسط تَحت الرَّحَى ليَقَع عَلَيْهَا الدَّقِيق قَالَ زُهَيْر وَذكر الْحَرْب [من الطَّوِيل] ... فتعرككم عَرك الرَّحَى بثفالها ... وتلقح كشافا ثمَّ تحمل فتتئم ... العرك الدَّلْك وَقَوله عَرك الرَّحَى بثفالها يُرِيد دقتها للحب إِذا كَانَت مثقلة وَلَيْسَت تكون مثقلة إِلَّا وَهِي تطحن فَأَرَادَ دق الرَّحَى وَهِي طاحنة وَأَرَادَ عَليّ رَحمَه الله الرَّحَى الَّتِي تديرها الْيَد لِأَن الثفال يوضع تحتهَا فَهِيَ تدقه وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ لَا تفطروا حَتَّى تروا اللَّيْل يغسق على الظراب حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 أرسل الْحجَّاج إِلَى عبد الله بن عكيم فَذكر ذَلِك عَن عمر فِي حَدِيث فِيهِ طول يغسق يظلم يُقَال غسق فَهُوَ غَاسِق والظراب جمع ظرب وَهُوَ دون الْجَبَل قَالَ الشَّاعِر [من الْخَفِيف] ... إِن جَنْبي على الْفراش لناب ... كتجافي الْأسر فَوق الظراب ... وَقد يجمع الظراب فَيُقَال ظرب مثل كتاب وَكتب يُقَال فِي بعض الحكم إياك والرعب فَإِنَّهُ يزِيل الْحلم كالظراب وَإِنَّمَا اخْتصَّ الظراب لقصرها فَأَرَادَ أَن ظلمَة اللَّيْل تقرب من الأَرْض قَالَ الْهُذلِيّ [من مجزوء الْكَامِل] ... دلجي إِذا مَا اللَّيْل جن على المقرنة الحباحب ... المقرنة الْجبَال الَّتِي يدنو بَعْضهَا من بعض كَأَنَّهَا قرنت والحباحب الصغار مِنْهَا فَإِذا اشْتَدَّ سَواد اللَّيْل اسْتَوَت الْأَعْلَام والأكام فِي الْعين وَقَالَ الآخر [من الطَّوِيل] ... إِذا لم يُنَازع جَاهِل الْقَوْم ذَا النهى ... وبلدت الْأَعْلَام بِاللَّيْلِ كالأكم ... يَقُول استسلم الْقَوْم للأولاد وَسكت من سواهُم لأَنهم فِي تيه وَفِي ليل وبلدت كَأَنَّهَا لزقت بِالْأَرْضِ بِاللَّيْلِ والأعلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 الْجبَال الطوَال صَارَت كَأَنَّهَا آكام فِي الْعين وَمثله [من مخلع الْبَسِيط] ... حَتَّى إِذا مَا دجا وَسوى ... بَين القرارات والآكام ... القرارات جمع قرارة وَهُوَ مَوضِع مطمئن يسْتَقرّ فِيهِ مَاء الْمَطَر وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن عمرَان بن سوَادَة أَخا بني لَيْث قَالَ لَهُ أَربع خِصَال عاتبتك عَلَيْهَا رعيتك فَوضع عود الدرة ثمَّ ذقن عَلَيْهَا وَقَالَ هَات قَالَ ذكرُوا أَنَّك حرمت الْعمرَة فِي أشهر الْحَج فَقَالَ عمر أجل إِنَّكُم إِن اعتمرتم فِي أشهر حَجكُمْ رأيتموها مجزئة لكم من حَجكُمْ فقرع حَجكُمْ فَكَانَت قائبة قوب عامها وَالْحج بهاء من بهاء الله قَالَ وَشَكوا مِنْك عنف السِّيَاق وقهر الرّعية قَالَ فَنزع الدرة ثمَّ مسحها حَتَّى أَتَى على سيورها وَقَالَ أَنا زميل مُحَمَّد فِي غَزْوَة قرقرة الكدر ثمَّ إِنِّي وَالله لأرتع فأشبع وأسقي فأروى وأضرب الْعرُوض وأزجر العجول وأذب قدري وأسوق خطوي وأرد اللفوت وأضم العنود وَأكْثر الزّجر وَأَقل الضَّرْب وَأشهر بالعصا وأدفع بِالْيَدِ وَلَوْلَا ذَلِك لأغدرت يرويهِ يُوسُف بن أبي سَلمَة الْمَاجشون عَن عبد الرحمن بن نباتة عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 عمرَان بن سوَادَة أخي بني لَيْث قَوْله ذقن عَلَيْهَا أَي وضع عَلَيْهَا ذقنه يستمع وَقَوله فقرع حَجكُمْ أَي خلت أَيَّام الْحَج من النَّاس وَكَانُوا يتعوذون بِاللَّه من قرع الْغناء وَذَلِكَ أَلا يكون عَلَيْهِ غاشية وزوار وَمن قرع المراح وَذَلِكَ أَلا تكون إبل والقائبة قشر الْبَيْضَة إِذا خرج مِنْهَا الفرخ والقوب الفرخ وأنشدني مُحَمَّد بن عمر عَن ابْن كناسَة للكميت وَذكر النِّسَاء [من الوافر] ... لَهُنَّ وللمشيب وَمن علاهُ ... من الْأَمْثَال قائبة وقوب ... وَفَسرهُ فَقَالَ أَرَادَ أَن النِّسَاء ينفرن من ذِي المشيب ويفارقنه كَمَا يُفَارق القوب وَهُوَ الفرخ القائبة وَهِي الْبَيْضَة فَلَا يعود إِلَيْهَا بعد خُرُوجه مِنْهَا أبدا وَأَرَادَ عمر أَنكُمْ إِذا رَأَيْتُمْ الْعمرَة فِي أشهر الْحَج كَافِيَة من الْحَج خلت مَكَّة من الْحَاج فَكَانَت كبيضة فَارقهَا الفرخ فخلت عامها وَقَوله إِنِّي وَالله أرتع فأشبع وأسقي فأروي يُرِيد أَنه حسن الرّعية لِلْإِبِلِ إِذا أرتع الْإِبِل أَي أرسلها ترعى تَركهَا حَتَّى تشبع وَإِذا سَقَاهَا تَركهَا حَتَّى تروى وَلم يرد الْإِبِل هَاهُنَا وأنما هُوَ مثل ضربه لسياسته النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 وَقَوله أضْرب الْعرُوض وَالْعرُوض هُوَ الَّذِي يَأْخُذ يَمِينا وَشمَالًا وَلَا يلْزم المحجة يَقُول أضربه حَتَّى يعود إِلَى الطَّرِيق وَمثله قَوْله وأضم العنود أَي الَّتِي تعند عَن الطَّرِيق وأذب قدري وأسوق خطوي أَي أذب قدر طاقتي وأسوق قدر خطوي وأرد اللفوت وَهُوَ الَّذِي يتلفت يَمِينا وَشمَالًا ويروغ وَقَوله وَأكْثر الزّجر وَأَقل الضَّرْب يُرِيد أَنه يقْتَصر أبدا على الزّجر وَمَا اكْتفى بِهِ حَتَّى يضْطَر إِلَى الضَّرْب وَقَوله وَأشهر بالعصا وأدفع بِالْيَدِ يُرِيد أَنه يرفع الْعَصَا يرهب بهَا وَلَا يستعملها وَلكنه يدْفع بِيَدِهِ وَقَوله وَلَوْلَا ذَلِك لأغدرت يُرِيد لَوْلَا هَذَا التَّدْبِير وَهَذِه السياسة لخلفت بعض مَا أسوق وَهَذِه أَمْثَال ضربهَا أَصْلهَا فِي رعيه الْإِبِل وسوقها وَإِنَّمَا يُرِيد بهَا حسن سياسته النَّاس فِي هَذَا الْغُزَاة الَّتِي ذكرهَا يَقُول فَإِذا كنت أفعل هَذَا فِي أَيَّام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ طَاعَة النَّاس لَهُ وتعظيمهم إِيَّاه فَكيف لَا أَفعلهُ بعده وَإِن كَانَ راعي الْإِبِل رَفِيقًا بهَا عَالما بمصالحها قيل لَهُ ترعية وَإِذا كَانَ عنيفا بهَا يخرق فِي إيرادها وإصدارها قيل حطمة لِأَنَّهُ يحطمها ويلقي بَعْضهَا على بعض وروى جرير بن حَازِم عَن الْحسن عَن عَائِذ بن عَمْرو أَنه دخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 على عبيد الله بن زِيَاد فَقَالَ لَهُ أَي بني سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول شَرّ الرعاء الحطمة وَكَانَ بعض الروَاة يعيب قَول أبي النَّجْم فِي صفة راعي الْإِبِل [من الرجز] ... صلب الْعَصَا جَاف عَن التغزل ... وَيَقُول الرَّاعِي لَا يُوصف بصلابة الْعَصَا وَإِنَّمَا الْجيد قَول الرَّاعِي [من الطَّوِيل] ... ضَعِيف الْعَصَا بَادِي الْعُرُوق ترى لَهُ ... عَلَيْهَا إِذا مَا أمحل النَّاس إصبعا ... أَي أثرا حسنا وَقَالَ بَعضهم لم يرد أَبُو النَّجْم الْعَصَا الَّتِي تكون مَعَه إِنَّمَا أَرَادَ أَنه صلب الْقَنَاة يَعْنِي الْبدن وَيُقَال أَيْضا حطم بِلَا هَاء وَأنْشد الْأَصْمَعِي [من الرجز] ... قد حشها اللَّيْل بسواق حطم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 وَتَفْسِير هَذَا يَقع فِي تَفْسِير حَدِيث الْحجَّاج بن يُوسُف وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ للسائب ورع عني بالدرهم وَالدِّرْهَمَيْنِ حدّثنَاهُ إِسْحَق بن رَاهَوَيْه قَالَ حدّثنَاهُ الْمُقْرِئ عبد الله بن يزِيد عَن سعيد بن أبي أَيُّوب عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن ابْن شهَاب وَقَوله ورع عني أَي كف عني الْخُصُوم فِي قدر الدِّرْهَم وَالدِّرْهَمَيْنِ بِأَن تنظر فِي ذَلِك وتقضي فِيهِ بَينهم وتنوب عني وكل من كففته فقد ورعته وَقَالَ الرَّاعِي وَذكر الْإِبِل [من الطَّوِيل] ... إِذا ورعت أَن تركب الْحَوْض كسرت ... بأركان هضب كل رطب وذابل ... يَقُول إِذا كفت عَن أَن تزدحم على الْحَوْض قحمت بأجسام كأركان الْجبَال فَكسرت كل رطب وذابل عَن عصي الرعاء وَمِنْه الْوَرع فِي الدّين إِنَّمَا هُوَ الْكَفّ عَن الْمعاصِي وَمِنْه قَول عمر بن الْخطاب لَا تنظروا إِلَى صِيَام أحدكُم وَلَا صلَاته وَلَكِن انْظُرُوا من إِذا حدث صدق وَإِذا اؤتمن أدّى وَإِذا أشفى ورع يُرِيد إِذا أشرف على مَال يَأْخُذهُ أَو على مَعْصِيّة تركب ورع أَي كف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه خطب النَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس لينكح الرجل مِنْكُم لمته من النِّسَاء ولتنكح الْمَرْأَة لمتها من الرِّجَال حَدَّثَنِيهِ هرون بن مُوسَى عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَق الطَّالقَانِي عَن عِيسَى بن يُونُس عَن أبي بكر الغساني عَن أبي المجاشع الْأَزْدِيّ لمة الرجل من النِّسَاء مثله فِي السن وَمِنْه قيل فِي الحَدِيث الْمَوْضُوع على فَاطِمَة رَحمهَا الله إِنَّهَا خرجت فِي لمة من نسائها تتوطأ ذيولهاه حَتَّى دخلت على أبي بكر فكلمته بذلك الْكَلَام وَقد كنت كتبته وَأَنا أرى أَن لَهُ أصلا ثمَّ سَأَلت عَنهُ رجال الحَدِيث فَقَالَ لي بعض نقلة الْأَخْبَار أَنا أسن من هَذَا الحَدِيث وَأعرف من عمله وَحدثنَا أَحْمد بن نصر النَّيْسَابُورِي بِإِسْنَاد ذكره إِن فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام قَالَت بعد موت أَبِيهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [من الْبَسِيط] ... قد كَانَ بعْدك أنباء وهنبثة ... لَو كنت حاضرها لم تكْثر الْخطب إِنَّا فقدناك فقد الأَرْض وابلها ... فاختل قَوْمك فاشهدهم وَلَا تغب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 وَهَذَانِ البيتان هما سَبَب وضع ذَلِك الْكَلَام أَرَادَ عمر لَا تنْكح الشَّابَّة الشَّيْخ الْكَبِير وَلَا ينْكح الشَّاب الْعَجُوز وَأَن ينْكح كل وَاحِد قرنه وشكله وَكَانَ سَبَب هَذِه الْخطْبَة أَن شَابة زوجت شَيخا فَقتلته وَقَالَ فِي حَدِيث عمر إِن رجلا أَتَاهُ يشكو إِلَيْهِ النقرس فَقَالَ كذبتك الظهائر يرويهِ أَبُو نعيم عَن سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن ابي حَازِم الظهائر جمع ظهيرة وَهِي الهاجرة وَقت الزَّوَال وَقَوله كذبتك أَي عَلَيْك بهَا وَهَذِه كلمة تَقُولهَا الْعَرَب فِي معنى الإغراء كَذبك كَذَا أَي عَلَيْك بِهِ وَكذب عَلَيْك كَذَا وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحجامَة روى أَبُو عبد الرحمن الْمقري عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن الْمثنى بن عَمْرو عَن أبي سِنَان عَن أبي قلَابَة عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحجامَة على الرِّيق فِيهَا شِفَاء وبركة وتزيد فِي الْعقل وَفِي الْحِفْظ فَمن احْتجم فَيوم الْخَمِيس والأحد كذباك أَو يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء فَإِنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 الْيَوْم الَّذِي كشف الله فِيهِ عَن أَيُّوب الْبلَاء وأصابه يَوْم الْأَرْبَعَاء ثمَّ قَالَ وَلَا يَبْدُو بِأحد من جذام أَو برص إِلَّا فِي يَوْم أربعاء أَو لَيْلَة أربعاء قَوْله كذباك أَي عَلَيْك بهما وَقَالَ خِدَاش بن زُهَيْر [من الطَّوِيل] ... كذبت عَلَيْكُم أوعدوني وعللوا ... بِي الأَرْض والأقوام قردان موظبا ... قَوْله عللوا بِي الأَرْض أَي تغنوا بهجائي فِي أسفاركم وعللوا بِهِ السّفر يَا قردان موظب وَإِنَّمَا أَمر عمر صَاحب النقرس أَن يبرز للْحرّ فِي الهاجرة وَيَمْشي فِيهَا حافيا ويبتذل نَفسه فَإِن ذَلِك يذهب النقرس وَقَالَ فِي حَدِيث عمر إِن رجلا كسر مِنْهُ عظم فَأتى عمر بن الْخطاب يطْلب الْقود فَأبى أَن يُقَيِّدهُ فَقَالَ الرجل هُوَ إِذا كالأرقم إِن يقتل ينقم وَإِن يتْرك يلقم قَالَ فَهُوَ كالأرقم يرويهِ يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن الْحجَّاج عَن عَطاء الأرقم الْحَيَّة وَجمعه أراقم وَمِنْه قيل لبني جشم الأراقم وَذَلِكَ أَن قَائِلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 قَالَ ورآهم صغَارًا كَأَن عيونهم عُيُون الأراقم وَقَوله إِن يقتل ينقم يُرِيد إِن قتلته كَانَ لَهُ من ينْتَقم مِنْك وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَزْعمُونَ أَن الْجِنّ تطلب بثأر الجان فَرُبمَا مَاتَ قَاتله وَرُبمَا أَصَابَهُ خبل وَرُوِيَ ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله أَمر بقتل الْحَيَّات وَقَالَ من خَافَ ثأرهن فَلَيْسَ منا وَقَالَ ابْن عَبَّاس الجان مسيخ الْجِنّ كَمَا مسخت القردة من بني إِسْرَائِيل وَقَوله إِن يتْرك يلقم يَقُول إِن تركته أكلك وَهَذَا مثل يضْرب للرجل يجْتَمع عَلَيْهِ أَمْرَانِ من الشَّرّ لَا يدْرِي كَيفَ يصنع فيهمَا وَمثله قَوْلهم أشقر إِن يتَقَدَّم ينْحَر وَإِن يتَأَخَّر يعقر وَيُقَال إِن أول من قَالَه لَقِيط بن زُرَارَة فِي يَوْم جبلة وَأنْشد أَبُو زيد فِي نَحْو هَذَا [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 .. وَهل أَنا إِلَّا مثل سيقة العدى ... إِن استقدمت نحر وَإِن جبأت عقر ... سيقة العدى أَي سَاقه الْأَعْدَاء يُقَال أَيْضا شيقة العدى أَي طَلِيعَة الْأَعْدَاء جبأت تَأَخَّرت فَأَرَادَ الرجل أَنه قد وَقع بَين أَمريْن كسر عظم من عِظَامه وَعدم الْقود من الْجَانِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْعظم إِذا كسر قَود لِأَنَّهُ يخَاف على الْمُقْتَص مِنْهُ الْمَوْت وَلَكِن فِيهِ الدِّيَة روى يحيى بن زَكَرِيَّا عَن أَشْعَث عَن الْحسن أَنه قَالَ لَا قصاص فِي عظم قَالَ فَذكرت ذَلِك لعامر فَقَالَ مَا أنْكرت من ذَلِك أَرَأَيْت لَو كسر فَخذه أَكنت تكسر فَخذه أَو كسر سَاقه أَكنت تكسر سَاقه وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه أَتَى قبَاء فَرَأى فِيهِ شَيْئا من غُبَار وعنكبوت فَقَالَ لرجل ائْتِنِي بجريدة وَاتَّقِ العواهن قَالَ فَجِئْته بهَا فَربط كميه بوذمة ثمَّ أَخذ الجريدة فَجعل يتتبع بهَا الْغُبَار يرويهِ ضرار بن صرر عَن عبد العزيز بن مُحَمَّد عَن إِسْحَق بن الْمُسْتَوْرد عَن عبد الرحمن بن يزِيد بن حَارِثَة عَن أبي حَارِثَة عَن أبي ليلى قَالَ أَتَانَا عمر فِي مَسْجِدنَا فِي قبَاء ثمَّ ذكر الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 الجريدة السعفة وَجَمعهَا جريد وَهِي أَيْضا الْخرص وَجَمعهَا خرصان والعواهن هِيَ السعفات اللواتي بَين القلبة والقلبة جمع قلب وَأهل نجد يسمون العواهن الخوافي وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْهَا إشفاقا على الْقلب أَن يضر بِهِ قطعهَا والعواهن فِي غير هَذَا عروق فِي رحم النَّاقة والوذمة سير من سيور الدَّلْو وَيكون لغَيْرهَا وَجَمعهَا وذم وَهِي الَّتِي تكون بَين أَذَان الدَّلْو والعراقي يُقَال أوذمت الدَّلْو إِذا شددتها بالوذم والعرقوتان الخشبتان اللَّتَان تعرضان على الدَّلْو مثل الصَّلِيب وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه خطب فَقَالَ فِي خطبَته أَلا لَا تضربوا الْمُسلمين فتذلوهم وَلَا تمنعوهم حُقُوقهم فتكفروهم وَلَا تجمروهم فتفتنوهم حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَق عَن سعيد الْجريرِي عَن أبي نَضرة عَن أبي فراس قَالَ خَطَبنَا عمر فَقَالَ ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 قَوْله لَا تجمروهم هُوَ من التجمير وَذَلِكَ أَن يتْرك الْجَيْش فِي مغازيهم لَا يقفلون قَالَ الشَّاعِر [من الرجز] ... فاليوم لَا ظلم وَلَا تسيير ... وَلَا لغاز إِن غزا تجمير ... وَيُقَال ايضا أجمرتهم فَأَنا أجمرهم إجمارا قَالَ الآخر [من الطَّوِيل] ... معاوي إِمَّا أَن تجهز أهلنا ... إِلَيْنَا وَإِمَّا أَن نؤوب معاويا أأجمرتنا إجمار كسْرَى جُنُوده ... ومنيتنا حَتَّى مللنا الأمانيا ... وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه أَتَى بمروط فَقَسمهَا بَين نسَاء الْمُسلمين وَدفع مِرْطًا بَقِي إِلَى أم سليط الْأَنْصَارِيَّة وَكَانَت تزفر الْقرب يَوْم أحد تَسْقِي الْمُسلمين حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ المروط أكسية من صوف كَانُوا يَأْتَزِرُونَ بهَا وَرُبمَا كَانَت من خَز أَو غَيره وَقَوله تزفر الْقرب أَي تحملهَا على ظهرهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 والزفر الْحمل على الظّهْر وَيُقَال للإماء اللواتي يحملن الْقرب على ظهورهن زوافر قَالَ الْكُمَيْت وَذكر الْمنَازل [من مجزوء الْكَامِل] ... تمشي بهَا ربد النعا ... م تماشي الآم الزوافر ... الآم جمع أمة وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان قَالَ بَينا أَنا جَالس فِي أَهلِي حِين متع النَّهَار إِذا رَسُوله فَانْطَلَقت حَتَّى أَدخل عَلَيْهِ وَإِذا هُوَ جَالس على رمال سَرِير ثمَّ ذكر حَدِيثا طَويلا فِي الْفَيْء وسبله يرويهِ عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن مَالك بن أَوْس متع النَّهَار أَي تَعَالَى وَهُوَ من الماتع والماتع الطَّوِيل وَإِنَّمَا أَرَادَ تطاول مَا مضى من النَّهَار وَمِنْه يُقَال فِي الدُّعَاء أمتع الله بك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 ويروى عَن كَعْب أَنه ذكر الدَّجَّال فَقَالَ يسخر مَعَه جبل ماتع خلاطه ثريد قَالَ الْمسيب بن علس [من الْكَامِل] ... وَكَأن غزلان الصرائم إِذْ ... متع النَّهَار وأرشق الحدق ... وَمثله تلع النَّهَار أَيْضا إِذا ارْتَفع وَقَوله رمال سَرِير يُرِيد نسجا فِي وَجه السرير من السعف يُقَال رملته وللمرأة الَّتِي تعْمل ذَلِك راملة وَفِيه لُغَة أُخْرَى أرملت قَالَ كَعْب بن زُهَيْر يصف طَرِيقا [من الْبَسِيط] ... ولاحب كحصير الراملات ترى ... من الْمطِي على حَافَّاته حبقا ... وَقَالَ الراجز [من الرجز] ... كَأَن نسج العنكبوت المرمل ... جر المرمل بالجوار وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ اعطوا من الصَّدَقَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 أبقت لَهُ السّنة غنما وَلَا تعطوا من ابقت لَهُ السّنة غنمين يرويهِ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن أبي نجيح عَن رجل عَن عمر السّنة هَاهُنَا الأزمة يُقَال أَصَابَتْهُم السّنة إِذا أجدبوا وَأَرْض بني فلَان سنة إِذا كَانَت مُجْدِبَة وَمِنْه قَول الله تبَارك وَتَعَالَى {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ وَنقص من الثمرات} وَكَانَ عمر لَا يُجِيز نِكَاحا فِي عَام سنة وَيَقُول لَعَلَّ الضيقة تحملهم على أَن ينكحوا غير الْأَكفاء وَقَالَ الشَّاعِر من الطَّوِيل ... أَرَادَ ابْن كوز والسفاهة كاسمها ... ليستاد منا إِن شتونا لياليا ... وَكَانَ عمر أَيْضا لَا يقطع سَارِقا فِي عَام سنة وَقَوله غنما أَي قِطْعَة من الْغنم يُقَال لفُلَان غنمان أَي قطعتان من الْغنم قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... هما سيدانا يزعمان وَإِنَّمَا ... يسوداننا إِن يسرت غنماهما فَأَرَادَ عمر أَن يُعْطي من الصَّدَقَة من لم تبْق لَهُ السّنة من غنمه إِلَّا قِطْعَة وَاحِدَة لَا يقطع مثلهَا فَتكون الصَّدَقَة قطعتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 لقلتهَا وَألا يُعْطي مِنْهَا من أبقت لَهُ غنما يقطعهَا ويجعلها فِي مكانين لكثرتها أَلا ترى أَن الْغنم قد تكون خمْسا وَعشرا وَأكْثر من ذَلِك وَأَقل وَأَن الْغَنَمَيْنِ لَا يكون أَحدهمَا إِلَّا قطيعا وَنَحْوه لِأَنَّهَا لَا تفرق فَتكون فِي مكانين إِلَّا للكثرة وَقَالَ ابْن أبي نجيح الْغنم مائَة شَاة كَأَن القطيع الَّذِي يفرد عِنْده مائَة وَلست أحفظ عَن عُلَمَائِنَا فِي الْغنم حدا محدودا وَقَالَ الرياشي عَن الْأَصْمَعِي إِذا كَانَت الْإِبِل مائَة قيل لَهَا إبل يُقَال لَهُ إبلان أَي مِائَتَان من الْإِبِل وَلم يذكر فِي الْغنم شَيْئا فَإِن كَانَ الَّذِي ذكره ابْن أبي نجيح مَحْفُوظًا مَعْرُوفا فَأرى عمر رَحمَه الله عِنْده قد أَمر بِأَن تدفع الصَّدَقَة إِلَى من لَهُ مائَة من الْغنم وَالصَّدَََقَة لَا تحل لَغَنِيّ وَالَّذِي تقدم من تفسيرنا مُوَافق للسّنة واللغة وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه انكفأ لَونه فِي عَام الرَّمَادَة حِين قَالَ لَا آكل سمنا وَأَنه اتخذ أَيَّام كَانَ يطعم النَّاس قدحا فِيهِ فرض فَكَانَ يطوف على القصاع فيغمز الْقدح فَإِن لم تبلغ الثريدة الْفَرْض فتعال فَانْظُر مَاذَا يفعل بِالَّذِي ولي الطَّعَام حَدَّثَنِيهِ عبد الرحمن السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ قَوْله انكفأ لَونه يُرِيد تغير عَن حَاله وَحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 وَالْأَصْل فِي الانكفاء الانقلاب وَمِنْه يُقَال كفأت الْإِنَاء إِذا قلبته وَقَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال أرمد النَّاس إِذا جهدوا وَلذَلِك قيل عَام الرَّمَادَة والرمد الْهَلَاك وَمِنْه قَول الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... صببت عَلَيْكُم حاصبي فتركتكم ... كأصرام عَاد حِين جللها الرمد ... والقدح السهْم وَجمعه قداح وَالْفَرْض الحز يُقَال فرضت المسواك والزند إِذا حززت فيهمَا وَمِنْه قَول عَمْرو بن الْعَاصِ للنجاشي إِنَّهُم يَعْنِي الْمُهَاجِرين يخالفونك فِي عِيسَى وَأمه قَالُوا بقول كَمَا قَالَ الله هُوَ كلمة الله وروحه أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاء البتول الَّتِي لم يمسسها بشر وَلم يفترضها ولد يُرِيد قبل الْمَسِيح وَكَأن عمر جعل هَذَا الْفَرْض عَلامَة لمنتهى الثَّرِيد فِي الصحاف وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه كَانَ أروح كَأَنَّهُ رَاكب وَالنَّاس يَمْشُونَ كَأَنَّهُ من رجال بني سدوس حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن شُعْبَة عَن سماك بن حَرْب الأروح الَّذِي يتدانى عقباه وتتباعد صُدُور قَدَمَيْهِ يُقَال أروح بَين الرّوح والأفحج الَّذِي تتدانى صُدُور قَدَمَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 ويتباعد عقباه وتنفحج ساقاه والوكع ميل إِبْهَام الرجل على الْأَصَابِع حَتَّى تَزُول فَيرى شخص أَصْلهَا خَارِجا وَمِنْه يُقَال أمة وكعاء وَبَنُو سدوس من شَيبَان والطول أغلب عَلَيْهِم وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن ابْن عَبَّاس قَالَ دَعَاني عمر فَإِذا حَصِير بَين يَدَيْهِ عَلَيْهِ الذَّهَب منثورا نثر الحثا فَأمرنِي بقسمه يرويهِ أَبُو النَّضر عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال عَن زُهَيْر بن حَيَّان قَالَ سَمِعت ابْن عَبَّاس يذكر ذَلِك الحثا التِّبْن وَيُقَال هُوَ دقاق التِّبْن قَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] ... وأغبر مسحول التُّرَاب ترى بِهِ ... حثى طردته الرّيح من كل مطرد ... ويروى ترى بِهِ جثى جمع جثوَة وَهِي جُمُعَة من التُّرَاب تجمعها الرّيح وَقَالَ أحد الرجاز يهجو رجلا [من الرجز] ... وَيَأْكُل التَّمْر وَلَا يلقِي النَّوَى ... كَأَنَّهُ غرارة ملأى جثا ... وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ النِّسَاء ثَلَاث فهينة لينَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 عفيفة مسلمة تعين أَهلهَا على الْعَيْش وَلَا تعين الْعَيْش على أَهلهَا وَأُخْرَى وعَاء للْوَلَد وَأُخْرَى غل قمل يَضَعهُ الله فِي عنق من يَشَاء ويفكه عَمَّن يَشَاء وَالرِّجَال ثَلَاثَة رجل ذُو رَأْي وعقل وَرجل إِذا حزبه أَمر أَتَى ذَا رَأْي فَاسْتَشَارَهُ وَرجل حائر بائر لَا يأتمر رشدا وَلَا يُطِيع مرشدا كَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يروي هَذَا الحَدِيث عَن عبد الملك بن عُمَيْر وحدثنيه عبد الرحمن عَن عَمه عَن شيخ من بني العنبر أَنه قَالَ كَانَ يُقَال وَذكر الْكَلَام كُله وَلم يروه عَن عمر وَقَالَ وَرجل يَنْتَهِي إِلَى رَأْي ذِي اللب والمقدرة وَقَالَ الْمقدرَة من التَّقْدِير والمقدرة من الْيَسَار والحائر المتحير فِي أمره يُقَال رجل حيران وحائر وَامْرَأَة حيرى والبائر الْهَالِك يُقَال بار يبور بورا وأباره الله وَمِنْه قَول الله تبَارك وَتَعَالَى {قوما بورا} يُقَال رجل بور إِذا كَانَ فَاسِدا هَالكا لَا خير فِيهِ وَقوم بور وَقَوله غل قمل وَالْأَصْل فِيهِ أَنهم كَانُوا يغلون بالقد وَعَلِيهِ الشّعْر فيقمل على الرجل وَقَوله لَا يأتمر رشدا أَي لَا يَأْتِي برشد من ذَات نَفسه يُقَال لمن فعل الشَّيْء عَن غير مُشَاورَة قد ائتمر وَيُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 بئس مَا أتمرت لنَفسك قَالَ النمر بن تولب [من المديد] ... اعلمي أَن كل مؤتمر ... مُخطئ فِي الرَّأْي أَحْيَانًا فَإِذا مالم يصب رشدا ... كَانَ بعض اللوم ثنيانا ... يَقُول إِذا ركب رَأسه وَفعل الشَّيْء عَن غير مُشَاورَة فَلَا بُد من أَن يُخطئ فَإِذا لم يصب رشدا لامه النَّاس لوما بعد اللوم الأول على ركُوبه هَوَاهُ بِغَيْر مُشَاورَة وَالثَّانِي على خطأه وَقَالَ ربيعَة بن جشم [من المتقارب] ... أحاربن عَمْرو كَأَنِّي خمر ... يعدو على الْمَرْء مَا يأتمر ... خمر أَي كَأَنِّي خامرني دَاء أَو وجع وَيُقَال أَرَادَ كَأَنِّي فِي عقب خمار وَقَوله ويعدو على الْمَرْء مَا يأتمر يَقُول إِذا ائتمر أمرا على غير رشد عدا عَلَيْهِ فَأَهْلَكَهُ وَهُوَ شَبيه بقَوْلهمْ من حفر حُفْرَة وَقع فِيهَا وَأَنا أَحسب أصل هَذَا الْحَرْف يفتعل من الْأَمر كَأَن نَفسه أَمرته بِشَيْء فائتمر أَي فأطاعها أَو أَن هَوَاهُ دَعَاهُ إِلَى شَيْء فتابعه وَمثله فِي الْكَلَام عذلته فاعتذل أَي فأعتب ورددته فَارْتَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 فَأَرَادَ عمر أَنه لَا يَأْتِي برشد من ذَات نَفسه وَلَا يقبل مِمَّن يرشده وَأَخْبرنِي السجسْتانِي عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز {إِن الْمَلأ يأتمرون بك} أَرَادَ يتشاورون فِيك وَاسْتشْهدَ أَبُو عُبَيْدَة على يتشاورون فِيك قَوْله ويعدو على الْمَرْء مَا يأتمر وَلَيْسَ يجوز أَن يكون فِي هَذَا الْموضع يأتمر يشاور لِأَن الْمُشَاورَة رشد وَخير فَكيف يعدو عَلَيْهِ مَا شاور فِيهِ وَالْمعْنَى مَا ذَكرْنَاهُ وَأما قَول النمر بن تولب [من المتقارب] ... أرى النَّاس قد أَحْدَثُوا شِيمَة ... وَفِي كل حَادِثَة يؤتمر ... فَإِنَّهُ أَرَادَ فِي كل أَمر يحدث تفكر وَنظر وارتياء رَأْي وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه خرج لَيْلَة فِي شهر رَمَضَان وَالنَّاس أوزاع فَقَالَ إِنِّي لأَظُن أَن لَو جمعناهم على قَارِئ كَانَ أفضل فَأمر أبي بن كَعْب فَأمهمْ ثمَّ خرج لَيْلَة وهم يصلونَ بِصَلَاتِهِ فَقَالَ نعم الْبِدْعَة هَذِه وَالَّتِي ينامون عَنْهَا أفضل من الَّتِي يقومُونَ فِيهَا يرويهِ إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن هِشَام عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة ابْن الزبير عَن عبد الرحمن بن عبد الْقَارِي الأوزاع الْفرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 يُرِيد أَنهم كَانُوا يتنقلون فِي شهر رَمَضَان بعد صَلَاة الْعشَاء فرقا وَمِنْه يُقَال وزعت المَال بَينهم إِذا فرقته وَقَالَ الْمسيب بن علس يمدح رجلا [من الْكَامِل] ... أحللت بَيْتك بِالْجَمِيعِ وَبَعْضهمْ ... متفرق ليحل بالأوزاع ... أَي حللت وسط الْقَوْم وَلم تنتح فِرَارًا من الْقرى حَيْثُ لَا يعرف مَكَانك فَتكون من الأوزاع وَهَذَا مثل قَول الآخر [من الْبَسِيط] ... وَلَا يحل إِذا مَا حل معتنزا ... يخْشَى الرزية بَين المَاء والبادي ... والمعتنز الْمُنْفَرد يَقُول لَا ينزل وَحده مَخَافَة أَن ينزل بِهِ ضيف على المَاء أَو فِي البدو وَقَوله الَّتِي تنامون عَنْهَا يُرِيد صَلَاة آخر اللَّيْل خير من الَّتِي تقومون فِيهَا يَعْنِي صَلَاة أَوله وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن أَصْحَاب مُحَمَّد تَذَاكَرُوا الْوتر فَقَالَ أَبُو بكر أما أَنا فأبدأ بالوتر وَقَالَ عمر لكني أوتر حِين تنام الضغطى يرويهِ يعلى عَن الْأَجْلَح عَن ابْن أبي الْهُذيْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 الضغطى جمع ضغيط وَهُوَ الرجل الضَّعِيف الرَّأْي الْجَاهِل يُقَال رجل ضغيط بَين الضغاطة وَمِنْه قَول عمر فِي حَدِيث آخر اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الضغاطة وَمِنْه قَول ابْن عَبَّاس لَو لم يطْلب النَّاس بِدَم عُثْمَان لرموا بِالْحِجَارَةِ من السَّمَاء فَقيل لَهُ أَتَقول هَذَا وَأَنت عَامل لفُلَان فَقَالَ إِن فِي ضغطات وَهَذِه إِحْدَى ضغطاتي وَمثله ضَعِيف وضعفى ومريض ومرضى وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه لما قدم إِلَى الشَّام تفحل لَهُ أُمَرَاء الشَّام رَوَاهُ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي قَوْله تفحل لَهُ أُمَرَاء الشَّام يُرِيد أَنهم اخْشَوْشِنُوا فِي الزي واللباس والمطعم وَأَصله من الْفَحْل لِأَن التصنع فِي الزي وَالْقِيَام على النَّفس عِنْدهم إِنَّمَا هُوَ للإناث أَو من تأنث وَقد قَالَ عمر اخْشَوْشِنُوا أَو اخشوشبوا وَتَمَعْدَدُوا يَقُول دعوا عَنْكُم التنعم وزي الْعَجم وَعَلَيْكُم بمعد وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زيهم ومعاشهم وَكَانُوا أَصْحَاب غلظ وخشونة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 وَقَوله اخشوشبوا أَي تيبسوا وَأَصله من الْخشب يبس الْخشب وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه كَانَ فِي وَصيته إِن توفيت وَفِي يَدي صرمة ابْن الْأَكْوَع فسنتها سنة ثمغ رَوَاهُ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي الصرمة هَاهُنَا قِطْعَة من نخيل وَيُقَال أَيْضا للقطعة من الْإِبِل صرمة إِذا كَانَت خَفِيفَة قَالَ الْأَصْمَعِي وَيُقَال للَّذي لَهُ صرمة مصرم وَلَا أَحْسبهُ قيل للمقل مصرم إِلَّا من هَذَا وثمغ مَال لعمر كَانَ وَقفه وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه مر على رَاع فَقَالَ يَا راعي عَلَيْك الظلْف لَا ترمض فَإنَّك رَاع وكل رَاع مسؤول من حَدِيث ابْن أبي حليمة عَن مَالك بن مغول عَن طَلْحَة بن مصرف قَوْله عَلَيْك الظلْف يُرِيد عَلَيْك الْمَوَاضِع الصلبة الَّتِي لَا يكون فِيهَا رمل وَلَا تُرَاب فارع الْغنم فِيهَا يُقَال ظلفت أثري إِذا مشيت فِي مَكَان صلب لَا يتَبَيَّن فِيهِ أثر الْقدَم وَمن هَذَا يُقَال كَذَا أظلف من كَذَا وظلفت نَفسِي من كَذَا وَقَوله لَا ترمض أَي لَا تصب الْغنم بالرمضاء وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 حر الشَّمْس والرمضاء تشتد فِي الدهاس والرمل قَالَ حَدثنِي الْأَعْرَاب أَنهم إِذا أَرَادوا صيد الظباء فِي الرمل أَثَارُوهَا نصف النَّهَار من تَحت الشّجر فَإِذا رمضت أظلافها فِي الرمل نصلت فَأَخَذُوهَا بِأَيْدِيهِم يُقَال فلَان يترمض الظباء إِذا فعل ذَلِك وروى سُفْيَان عَن أبي إِسْحَق عَن سعيد بن وهب عَن خباب أَنه قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله الرمضاء فَلم يشكنا يُرِيد أَنهم شكوا إِلَيْهِ حر الشَّمْس وَمَا يُصِيب أَقْدَامهم مِنْهَا فِي صَلَاة الظّهْر وسألوه تَأْخِيرهَا إِلَى الْإِبْرَاد قَلِيلا وَقَوله فَلم يشكنا أَي لم ينْزع عَن ذَلِك وَلم يجبهم وَهَذَا الْحَرْف لَهُ مَعْنيانِ أَحدهمَا ضد الآخر تَقول أشكيت الرجل فَأَنا أشكيه إِذا أحوجته إِلَى الشكاية وأشكيته نزعت عَن الْأَمر الَّذِي شكاني لَهُ وَقَالَ بعض الرجاز من الرجز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 .. تمد بالأعناق أَو تثنيها ... وتشتكي لَو أننا نشكيها ... وَمثل هَذَا الْحَرْف أطلبت الرجل أخرجته إِلَى الطّلب وَلذَلِك قَالُوا مَاء مطلب إِذا بعد فأحوج إِلَى طلبه وأطلبته أسعفته بِمَا طلب وأفزعت الْقَوْم أحللت بهم الْفَزع وأفزعتهم إِذا فزعوا غليك فأغثتهم وأودعت فلَانا مَالا دَفعته وَدِيعَة إِلَيْهِ وأودعته قبلت وديعته هَذَا الْحَرْف عَن الْكسَائي وَفِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَنه كَانَ يُصَلِّي الظّهْر وَالْجَنَادِب تنقز من الرمضاء وَالْجَنَادِب الْجَرَاد وَاحِدهَا جُنْدُب وَبِه سمي الرجل تنقز تقفز وَقَالَ ذُو الرمة وَذكر الجندب [من الْبَسِيط] ... معروريا رمض الرضراض يركضه ... وَالشَّمْس حيرى لَهَا بالجو تدويم ... يُرِيد أَنه قد ركب حرارة الْحَصَى وَهُوَ ينزو من شدَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 الْحر وَقَالَ آخر [من الرجز] ... ونقز الظهائر الجنادبا ... وَمن الرمضاء قيل أمضني الْأَمر وأرمضني وَمِنْه [من الْبَسِيط] ... كالمستجير من الرمضاء بالنَّار ... وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قدم مَكَّة فَسَأَلَ من يعلم مَوضِع الْمقَام وَكَانَ السَّيْل احتمله من مَكَانَهُ فَقَالَ الْمطلب بن أبي ودَاعَة السهي أَنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد كنت قدرته وذرعته بمقاط عِنْدِي رَوَاهُ سُفْيَان عَن حبيب بن أبي الأشرس المقاط الْحَبل وَجمعه مقط قَالَ الرَّاعِي وَذكر حميرا [من الْبَسِيط] ... كَأَنَّهَا مقط ظلت على قيم ... من ثكد واغتمست فِي مَائه الكدر ... شبهها بالحبال فِي ضمرها واندماجها والقيم جمع قامة وَهِي الْبكر وثكد مَاء لبني نمير وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ للَّذي قتل الظبي وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 محرم خُذ شَاة من الْغنم فَتصدق بلحمها واسق إهابها يرويهِ سُفْيَان عَن عبد الملك بن عُمَيْر عَن قبيصَة بن جَابر الْأَسدي قَوْله اسْقِ إهابها أَي اجْعَلْهُ لغيرك سقاء قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال اسْقِنِي إهابك أَي اجْعَلْهُ لي سقاء واسقني عسلا أَي اجْعَلْهُ لي شِفَاء وَقَالَ غَيره أقدني خيلا أَي أَعْطِنِي خيلا أقودها واسقني إبِلا أَي أَعْطِنِي إبِلا أسوقها وأقبرني فلَانا أَي أعطينيه لأقبره وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة قَالَت بَنو تَمِيم للحجاج أَو غَيره من عُمَّال الْعرَاق أقبرنا صَالحا يعنون صَالح بن عبد الرحمن وَكَانَ قَتله وصلبه وَقَالَ أَبُو زيد أسقيت فلَانا إهابا أَي وهبته لَهُ ليتَّخذ مِنْهُ سقاء وأسقيته سقاء أَي وهبته لَهُ مَعْمُولا أَيْضا وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه ذكر عِنْده التَّمْر وَالزَّبِيب أَيهمَا أطيب وَفِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ لرجل من أهل الطَّائِف الحبلة أفضل أم النَّخْلَة فَأرْسل إِلَى أبي خَيْثَمَة الْأنْصَارِيّ فَقَالَ إِن هَؤُلَاءِ قد اخْتلفُوا فِي التَّمْر وَالزَّبِيب وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَجَاء أَبُو عمْرَة عبد الرحمن بن مُحصن الْأنْصَارِيّ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَة لَيْسَ الصعر فِي رُؤُوس الرقل الراسخات فِي الوحل المطعمات فِي الْمحل تعلة الصَّبِي وقرى الضَّيْف وَبِه يحترش الضَّب فِي الأَرْض الصلعاء كزبيب إِن أَكلته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 ضرست وَإِن تركته غرثت وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَقَالَ أَبُو عمْرَة الزَّبِيب إِن آكله أضرس وَإِن أتركه أغرث لَيْسَ كالصقر فِي رُؤُوس الرقل الراسخات فِي الوحل المطعمات فِي الْمحل خرفة الصَّائِم وتحفة الْكَبِير وصمتة الصَّغِير وخرسة مَرْيَم وتحترش بِهِ الضباب من الصلعاء يروي الأول الْحميدِي عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الرّبيع بن لوط من أهل الْكُوفَة من ولد الْبَراء بن عَازِب الحبلة الأَصْل من الْكَرم وَكَذَلِكَ الحفنة وَمِنْه الحَدِيث إِن نوحًا لما خرج من السَّفِينَة غرس الحبلة هَذَا أَو نَحوه من الْكَلَام وَرُوِيَ أَنه كَانَ لأنس بن مَالك حبلة تحمل كرا وَكَانَ يسميها أم الْعِيَال فَأَما الحبلة بِضَم الْحَاء فَهُوَ ثَمَر العضاه وَمِنْه قَول سعد بن أبي وَقاص كُنَّا نغزو مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لنا طَعَام إِلَّا الحبلة وورق السمر والحبلة أَيْضا ضرب من الْحلِيّ يَجْعَل فِي القلائد قَالَ النمر بن تولب من المتقارب ... وكل خَلِيل عَلَيْهِ الرعاث والحبلات كذوب ملق ... إِنَّمَا قيل لَهُ حبلة لِأَنَّهُ يصاغ على مِثَال ثَمَر بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 العضاه وَقَوله إِن أتركه أغرث أَي أجوع والغرث الْجُوع يُقَال رجل غرثان وَامْرَأَة غرثى وَمن أمثالهم غرثان فاربكوا لَهُ وَذَلِكَ أَن رجلا أَتَى أَهله فبشتر بِغُلَام ولد لَهُ فَقَالَ مَا أصنع بِهِ أآكله أم أشربه فَقَالَت امْرَأَته غرثان فاربكوا لَهُ فَلَمَّا شبع قَالَ كَيفَ الطلا وَأمه وَقَوْلها فاربكوا لَهُ من الربيكة وَهُوَ الأقط وَالتَّمْر وَالسمن يعْمل رخوا لَيْسَ كالحيس فيؤكل وَرُبمَا صب عَلَيْهِ مَاء فَشرب قَالَ الْأَحْمَر الربيكة شَيْء يطْبخ من بر وتمر يُقَال مِنْهُ ربكته أربكه ربكا والطلا الصَّبِي وأصل الطلا ولد الظبية فاستعاره وَقَالَ ابْن كثوة فِي بعض كَلَامه تركته يلْعَب مَعَ طلوان الْحَيّ أَو مَعَ صبيانهم يُرِيد أَنه إِذا أكل الزَّبِيب ثمَّ تَركه تَركه وَهُوَ جَائِع لِأَنَّهُ لَا يعْصم كَمَا يعْصم التَّمْر وَقَوله لَيْسَ كالصقر والصقر عسل الرطب قَالَ الْمسيب بن علس يصف ظَبْيًا [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 لسسن بقول الصَّيف حَتَّى كَأَنَّمَا ... بأفواهها من لس حلبها الصَّقْر ... حلبها يَعْنِي النبت الَّذِي يُسمى الحلبلاب وتسميه الْعَامَّة اللبلاب والصقر فِي مَوضِع آخر اللَّبن الحامض الشَّديد الحموضة والرقل جمع رقلة وَهِي النَّخْلَة الطَّوِيلَة وَأهل نجد يدعونها العيدانة إِذا طَالَتْ وَهِي دون السجوف وَفَوق الجبارة الَّتِي فاقت الْيَد يُقَال نَخْلَة جبارَة وناقة جَبَّار بِلَا هَاء إِذا عظمت وسمنت والجميع جبابير قَالَ الشَّاعِر وَذكر ظعنا [من الْخَفِيف] ... كاليهودي من نطاة الرقال ... أَرَادَ كنخل الْيَهُودِيّ الرقال ونطاة من خَيْبَر وَقَوله وخرفة الصَّائِم والخرفة اسْم مَا اخترفت أَي اجتنيت ونسبها إِلَى الصَّائِم لأَنهم كَانُوا يستحبون أَن يفطروا على التَّمْر وروى أنس بن مَالك أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يبْدَأ إِذا أفطر بِالتَّمْرِ وحَدثني أَبُو وَائِل قَالَ حَدثنَا السَّهْمِي قَالَ حَدثنَا هِشَام عَن حَفْصَة عَن الربَاب عَن سلمَان بن عَامر أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا أفطر أحدكُم فليفطر على تمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 فَإِن لم يجد تَمرا فماء فَإِن المَاء طهُور قَوْله وصمتة الصَّغِير يُرِيد أَنه إِذا بَكَى أصمت بِهِ والصمتة والسكتة وَاحِد وَهُوَ مَا أسكت بِهِ الصَّبِي والمصمت الَّذِي يسكته قَالَ الراجز لجمله [من الرجز] ... إِنَّك لَا تَشْكُو إِلَى مصمت ... فاصبر على الدَّاء الدوي أَو مت ... وَقَالَ أَوْس بن حجر [من المنسرح] ... وَذَات هدم عَار نواشرها ... تصمت بِالْمَاءِ تولبا جدعا ... الْهدم الثَّوْب الْخلق وَجمعه أهدام والنواشر عصب الذِّرَاع واحدتها نَاشِرَة وَبهَا سمي الرجل وَإِنَّمَا نعرى من الهزال وَقَوله تصمت بِالْمَاءِ أَي تسكت صبيها بِالْمَاءِ إِذا بَكَى وتعلله لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا لين وتعلة الصَّبِي مثل الصمتة لَهُ وَهُوَ من التَّعْلِيل والتولب ولد الْحمار الصَّغِير فاستعاره والجدع السيء الْغذَاء الْمَقْطُوع الرّيّ وَمِنْه يُقَال جدعت أَنفه أَي قطعته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 وَقَول ابْن مقبل [من الطَّوِيل] ... وغيث مريع لم يجدع نَبَاته ... ولته أهاليل السماكين معشب ... وَهَذَا الْبَيْت هُوَ الَّذِي وَقع فِيهِ التشاجر بَين الْمفضل الضَّبِّيّ والأصمعي عِنْد جَعْفَر بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنِي الباهليون إِن الْمفضل أنْشدهُ تولبا جذعا فَقَالَ لَهُ الْأَصْمَعِي صحفت إِنَّمَا هُوَ تولبا جدعا فصاح الْمفضل وَأكْثر فَقَالَ لَهُ الْأَصْمَعِي لَو نفخت فِي الشبور مَا نفعك تكلم بِكَلَام النَّمْل وأصب وَقَوله وخرسة مَرْيَم والخرسة مَا تطعمه النُّفَسَاء عِنْد ولادها يُقَال خرستها إِذا أَنْت أطعمتها الخرسة وَيُقَال فِي مثل تخرسي لَا مخرسة لَك فَأَما الخرسى بِلَا هَاء فَهُوَ طَعَام الْولادَة كَمَا يُقَال لطعام الْخِتَان إعذار ولطعام القادم من سفر نقيعة ولطعام الْبناء إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 فرغ مِنْهُ وكيرة يُرِيد إِن الله أطْعم مَرْيَم الرطب حِين ولدت وَقَوله وتحترش بِهِ الضباب أَي تصطاد وَيُقَال إِن الضَّب يعجب بِالتَّمْرِ والحارش صائد الضباب وحرشها هُوَ أَن يُحَرك يَده عِنْد جُحر الضَّب فَيرى أَنه حَيَّة فَيخرج قَالَ الْأَصْمَعِي وَمن أمثالهم هَذَا أجل من الحرش قَالَ وَأَصله فِيمَا يتحدثون بِهِ عَن الْبَهَائِم والأحناش إِن الضَّب قَالَ لِابْنِهِ إِذا سَمِعت صَوت الحرش فَلَا تخرج قَالَ فَسمع الحسل صَوت الْحفر فَقَالَ للضب يَا أَبَت هَذَا الحرش فَقَالَ يَا بني هَذَا أجل من الحرش فَهَذَا أصل حرش الضباب ثمَّ قيل لصائدها بِأَيّ وَجه صادها حارش وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي [من الطَّوِيل] ... سوى أَنكُمْ دربتم فجريتم ... على عَادَة والضب يخْتل بِالتَّمْرِ ... وَقَوله من الصلعاء يُرِيد الصَّحرَاء الَّتِي لَا نبت فِيهَا مثل الرَّأْس الأصلع وَهِي الْحَصَا أَيْضا مثل الرَّأْس الأحص وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ من يدلني على نَسِيج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 وَحده فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى مَا نعلمهُ غَيْرك فَقَالَ مَا هِيَ إِلَّا إبل موقع ظُهُورهَا قَوْله نَسِيج وَحده يُرِيد رجلا لَا عيب فِيهِ وأصل هَذَا أَن الثَّوْب إِذا كَانَ نفيسا لم ينسج على منواله غَيره فَإِذا لم يكن نفيسا عمل على منواله سدى بعدة أَثوَاب فَقيل ذَلِك لكل من أَرَادوا الْمُبَالغَة فِي مدحه وَالْبَعِير الْموقع الَّذِي تكْثر آثَار الدبر بظهره لِكَثْرَة مَا ركب وَالْعرب تَقول أَصْبِر من عود بجنبيه الجلب وَهُوَ مثل الْموقع وَأَرَادَ عمر أَنا مثل تِلْكَ الْإِبِل فِي الصَّبْر وروى مُحَمَّد ابْن عمر عَن أُسَامَة بن زيد عَن شيخ من بني سعد بن بكر إِن حليمة قدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشكت إِلَيْهِ جَدب الْبِلَاد فَكلم لَهَا خَدِيجَة فأعطتها أَرْبَعِينَ شَاة وبعيرا موقعا للظعينة فَانْصَرَفت بِخَير والظعينة الهودج وَسميت الْمَرْأَة ظَعِينَة لِأَنَّهَا تكون فِيهِ وَقَالَ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي حَدثنِي بعض الْأَعْرَاب فَقَالَ فِي حَدِيثه خرج فلَان مجروحا فعثر فِي ظَعِينَة فُلَانَة أَي فِي مركبها وَلَا أَحسب الْمركب سمي ظَعِينَة إِلَّا من الظعن وَهُوَ الْخُرُوج يُرَاد أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 الْمَرْأَة تظعن فِيهِ وحَدثني السجسْتانِي عَن أبي زيد أَنه قَالَ الظعن والأظعان الهوادج كَانَ فِيهَا نسَاء أَو لم يكن وَلَا يُقَال حمول وَلَا ظعن إِلَّا لِلْإِبِلِ الَّتِي عَلَيْهَا الهوادج وَإِن لم يكن فِيهَا نسَاء وَقَالَ فِي حَدِيث عمر إِن رجلا قَرَأَ عَلَيْهِ حرفا فَأنكرهُ فَقَالَ من أَقْرَأَك هَذَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَقَالَ إِن أَبَا مُوسَى لم يكن من أهل البهش البهش الْمقل مَا كَانَ رطبا فَإِذا يبس فَهُوَ الخشل وَفِيه لُغَتَانِ الخشل والخشل وَهُوَ كالحشف من التَّمْر قَالَ الشَّاعِر [من الوافر] ... ترى قطعا من الأحناش فِيهِ ... جماجمهن كالخشل الفريع ... وَيُقَال للْقَوْم إِذا كَانُوا قباحا سُودًا وُجُوه البهش وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن أَبَا مُوسَى لَيْسَ من أهل الْحجاز والمقل ينْبت بالحجاز يُرِيد أَن الْقُرْآن نزل بلغَة قُرَيْش وَنَحْو مِنْهُ قَوْله لعبد الله بن مَسْعُود حِين بلغه أَنه يقرئ النَّاس عتى عين يُرِيد {حَتَّى حِين} إِن الْقُرْآن لم ينزل بلغَة هُذَيْل فاقرئ النَّاس بلغَة قُرَيْش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه لما قَالَ ابْن أبي معيط أقتل من بَين قُرَيْش قَالَ عمر حن قدح لَيْسَ مِنْهَا حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي وَقَالَ الْأَصْمَعِي هَذَا مثل يضْرب للرجل يدْخل نَفسه فِي الْقَوْم وَلَيْسَ مِنْهُم قَالَ الْأَصْمَعِي وَلَا أَدْرِي أقاله عمر مبتدئا أَو قيل قبله والقدح هَاهُنَا أحد قداح الميسر وهم يصفونه بالحنين قَالَ الشَّاعِر [من الرمل] ... وحنين من عنود بدأة ... أَقرع النقبة حنان لحم ... وَكَانُوا يستعيرون الْقدح يدخلونه فِي قداحهم كَأَنَّهُمْ يتمنون بِهِ ويثقون بفوزه قَالَ ابْن مقبل وَذكر قدحا من الطَّوِيل ... إِذا امتنحته من معد عِصَابَة ... غَدا ربه قبل المفيضين يقْدَح ... امتنحته استعارته وهما منيحان أَحدهمَا أحد الثَّلَاثَة الَّتِي لَا حظوظ لَهَا وَإِنَّمَا تُوصَف بالكر والمعاودة فَيُقَال كركر المنيح لِأَنَّهُ يُعَاد فِي كل ربابة يضْرب بهَا لتكثر بِهِ ولصاحبيه وَالْآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 الممتح لثقتهم بفوزه وَهُوَ الْمَحْمُود قَالَ ابْن قميئة [من الطَّوِيل] ... بِأَيْدِيهِم مقرومة ومغالق ... تعود بأرزاق الْعِيَال منيحها ... وَقَالَ الآخر [من السَّرِيع] ... وجامل خوع من نيبه ... زجر الْمُعَلَّى أصلا والمنيح ... خوع نقص وَنَحْوه خوف وخون ونيبه جمع نَاب فَمَتَى رَأَيْت المنيح مَذْكُورا بفوز فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ الْمُسْتَعَار وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه ركب نَاقَة فارهة فمشت بِهِ مشيا جيدا فَقَالَ [من الْبَسِيط] ... كَأَن راكبها غُصْن بمروحة ... إِذا تدلت بِهِ أَو شَارِب ثمل ... حَدَّثَنِيهِ عبد الرحمن عَن عَمه عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء المروحة الْموضع الَّذِي تخترق فِيهِ الرّيح بِفَتْح الْمِيم فَإِن كسرت الْمِيم فَهِيَ الَّتِي يتروح بهَا لِأَنَّهَا مِمَّا يعتمل مثل مرْآة ومطهرة ومرفقة وَمِلْحَفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 وَشبه راكبها لوطأتها ولينها بِغُصْن تميله الرّيح أَو بسكران يميد وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن الطَّبِيب من الْأَنْصَار سقَاهُ لَبَنًا حِين طعن فَخرج من الطعنة أَبيض يصلد من حَدِيث أنس بن عِيَاض عَن أبي الحكم عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد الله عَن ابْن عمر قَوْله يصلد أَي يَبْرق يُقَال صلد اللَّبن يصلد وصلد رَأس الرجل يصلد إِذا برق للصلع قَالَ رُؤْيَة [من الرجز] ... براق أصلاد الجبين الأجله ... وَمِنْه حَدِيث رُوِيَ عَن عَطاء بن يسَار أَنه كَانَ فِي سفينة فِي الْبَحْر فَنَامَ ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ رَأَيْت أَنِّي أدخلت الْجنَّة فسقيت فِيهَا لَبَنًا فَقَالَ لي بعض الْقَوْم أَقْسَمت عَلَيْك لما تقيأت فقاء لَبَنًا يصلد وَمَا فِي السَّفِينَة لبن وَلَا شَاة وَقَالَ فِي حَدِيث عمر إِن أهل الْكُوفَة لما أوفدوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 العلباء بن الْهَيْثَم السدُوسِي إِلَيْهِ فَرَأى عمر هَيْئَة رثَّة وَمَا يصنع فِي الْحَوَائِج فَقَالَ لكل أنَاس فِي جميلهم خبر حدّثنَاهُ الرياشي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ حَدَّثَنِيهِ شيخ رَأَيْته عِنْد أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَوْله لكل أنَاس فِي جميلهم خبر هَذَا مثل يضْرب وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنهم سودوه ورأسوه على معرفَة مِنْهُم بِمَا فِيهِ من الْخلال المحمودة وَكَانُوا أعلم بِهِ من غَيرهم وَالْمعْنَى أَن خَبره فَوق منظره وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن الْأسود قَالَ أفضنا مَعَه على جمل أَحْمَر وَنحن نوضع حوله يرويهِ أَبُو الْأَحْوَص عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود وَرَوَاهُ وَكِيع بِهَذَا الْإِسْنَاد وَنحن نوجف حوله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 قَوْله: نوضع حوله من الايضاع. يُقَال: أَوضعت بعيرى مَوضِع وَاسم السّير: الْوَضع وَهُوَ سير حثيث دون الْجهد. والا يجاف مثله. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب} . وَبَلغنِي عَن الأصمعى انه قَالَ: قيل لرجل أسْرع فِي مسيره كَيفَ كَانَ مسيرك فَقَالَ: كنت آكل الوجبة وأعرس اذا أفجرت وارتحل اذا أسفرت وأسير الْوَضع وأحتت الملع فجئتكم لمسير سبع. والملع: سير شَدِيد وَمِنْه قيل للناقة ميلع وانما احتث الملع لِأَنَّهُ يحسر وَيقطع. وَلذَلِك قيل شَرّ السّير. وَقَوله: كنت آكل الوجبة يُرِيد: انه كَانَ يَأْكُل فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة أَكلَة وَاحِدَة. يُقَال: فلَان يَأْكُل الوجبة والوزمة. وَالَّذِي يُرَاد من الحَدِيث انه أوضع فِي الْإِفَاضَة وروى عَنهُ أَيْضا انه كَانَ يَقُول: وجدنَا الافاضة هِيَ الايضاع وَكَانَ غَيره يسير على هَيئته. وروى أُسَامَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفَاضَ وَعَلِيهِ السكينَة وَأمرهمْ بِالسَّكِينَةِ وأوضع فِي وَادي محسر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه كَانَ يَقُول للخارص: إِذا وجدت قوما خرفوا فِي حائطهم فَانْظُر قدر مَا ترى أَنهم يَأْكُلُون فَلَا تخرصه عَلَيْهِم. يرويهِ معمر عَن يحيى بن سعيد. قَوْله: خرفوا فِي حائطهم أَي: نزلُوا فِيهِ أَيَّام اختراف الثَّمَرَة. يُقَال: صَاف الْقَوْم بِالْمَكَانِ وشتوا وارتبعوا وخرفوا إِذا أَقَامُوا فِيهِ هَذِه الْأَزْمِنَة. فَإِن أردْت أَنهم صَارُوا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة قلت: أصافوا وأشتموا وأربعوا وأخرفوا. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه قَالَ: إِذا أجريت المَاء على المَاء جزى عَنْك. يرويهِ حَمَّاد عَن أَبى حَمْزَة عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة. قَوْله: إِذا أجريت المَاء على المَاء يُرِيد: إِذا صببت المَاء على الْبَوْل فِي الأَرْض جزى المَاء عَنْك فقد طهر الْمَكَان. وَلَا حَاجَة بك إِلَى غسل ذَلِك الْموضع ونشف المَاء بِخرقَة أَو غَيرهَا كَمَا يفعل كثير من النَّاس. وَالْأَصْل فِي هَذَا حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَمر بصب المَاء على بَوْل الأعرابى فِي الْمَسْجِد وَلم يَأْمر يغسل الْمَكَان ونشف المَاء. قَوْله: جزى عَنْك أَي: قضى عَنْك وأغنى من قَول الله جلّ وَعز: {لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 فَإِن أدخلت الْألف قلت: أجزأك وهمزت وَمَعْنَاهُ: كَفاك. تَقول: أجزأني الشَّيْء يجزئني أَي: كفاني. وحَدثني أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: قيل لأبى هِلَال: مَا كَانَ الْحسن يَقُول فِي كَذَا. فَقَالَ: كَانَ يَقُول: أَنى فعلت ذَلِك جزى عَنْك. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه قَالَ: لَا يعْطى من الْمَغَانِم شَيْء حَتَّى تقسم الا لراع أَو دَلِيل غير موليه. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عمر بن أَبى إِسْحَق عَن ابْن جريج عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده. الرَّاعِي هَاهُنَا عين الْقَوْم على الْعَدو وانما قيل لَهُ لِأَنَّهُ يرْعَى الْقَوْم أَي: يحفظهم ويرقبهم. وَمِنْه قيل: راعيت فلَانا اذا تأملته وَقَالَ النَّابِغَة: من الطَّوِيل ... رَأَيْتُك ترعاني بِعَين بَصِيرَة ... وتبعث أحراسا عَليّ وناظرا ... أَي: ترقبني. وَقَوله: غير موليه أَي: غير معطية شَيْئا لَا يسْتَحقّهُ وكل من أَعْطيته ابْتِدَاء غير مُكَافَأَة فقد أوليته. وَمِنْه قيل: الله يبلي ويولي. فَإِذا أَنْت كافأته على شء كَانَ مِنْهُ فقد أثْبته وأجرته. وَالثَّوَاب من الله وَالْأَجْر. إِنَّمَا هما الْجَزَاء على الْعَمَل. وَفِي هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 الحَدِيث قلت: يَا موليه فَقَالَ: محابية. والتفسيران شَيْء وَاحِد. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَن نادبته قَالَت: واعمراء. أَقَامَ الأود وشفى الْعمد. فَقَالَ عَليّ: أما وَالله مَا قالته وَلكنهَا قولته. حَدَّثَنِيهِ أَبى عَن شيخ لَهُ عَن ابْن دأب اللَّيْثِيّ. وَرَوَاهُ أَبُو غزيَّة مُحَمَّد بن مُوسَى بن مِسْكين باسناد يتَّصل بالمغيرة بن شُعْبَة. الْعمد ورم يكون فِي الظّهْر ودبر. يُقَال: عمد الْبَعِير يعمد عمدا. وَأما قَول عَليّ: مَا قالته وَلكنهَا قولته. فَإِنَّهُ أَرَادَ: مَا هِيَ قالته وَلكنهَا ألقِي على لسانها كَأَن الله جلّ وَعز أَلْقَاهُ عَلَيْهِ. يُقَال: أقولت فلَانا كَذَا وَكَذَا وقولته اذا لقنته الشَّيْء فقاله. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه قَالَ: من النَّاس من يُقَاتل رِيَاء وَسُمْعَة. وَمِنْهُم من يُقَاتل وَهُوَ يَنْوِي الدُّنْيَا وَمِنْهُم من ألحمه الْقِتَال فَلم يجد بدا وَمِنْهُم من يُقَاتل صَابِرًا محتسبا أُولَئِكَ هم الشُّهَدَاء. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن رجل عَن الزُّهْرِيّ عَن ملك بن أَوْس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 قَوْله: ألحمه الْقِتَال أَي: رهقه وغشيه فَلم يجد مخلصا. يُقَال ألحم الرجل واستلحم وَمِنْه حَدِيث جَعْفَر يَوْم مُؤْتَة: انه أَخذ الرَّايَة بعد زيد فقاتل بهَا حَتَّى ألحمه الْقِتَال فَنزل وعقر فرسه. وَكَانَ أول من عقر فِي الْإِسْلَام. وَيُقَال: ألحم الرجل إِذا نشب فَلم يبرح وَلحم اذا قتل. وَمِنْه قَول الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل. ... وَلَا ريب أَن قد كَانَ ثمَّ لحيم ... وَقَالَ فِي حَدِيث عمر ان الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب سَأَلَهُ عَن الشُّعَرَاء فَقَالَ: امْرُؤ الْقَيْس سابقهم خسف لَهُم عين الشّعْر فافتقر عَن معَان عور أصح بصرا. رَوَاهُ الْهَيْثَم عَن ابْن عَبَّاس عَن الشّعبِيّ عَن دَغْفَل النسابة. قَوْله: خسف لَهُم عَن الْخَسْف وَهُوَ الْبِئْر الَّتِي حفرت فِي حِجَارَة فَخرج مِنْهَا مَاء كثير. وَجَمعهَا: خسف. وَمِنْه قَول الْحجَّاج لعضيدة السّلمِيّ حِين بَعثه يحتفر لَهُ بِئْرا بالشجى فَقَالَ: أخسفت أم أوشكت يُرِيد: أنبطت مَاء غزيرا أم قَلِيلا واشلا وَقَوله: افْتقر أَي: فتح وَهُوَ من الْفَقِير. وَالْفَقِير فَم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 الْقَنَاة. وَقَوله: عَن معَان عور يُرِيد: ان امْرأ الْقَيْس من الْيمن وان الْيمن لَيست لَهُم فصاحة نزار فجعلهم مَعَاني عورا. يَقُول: فتح امْرُؤ الْقَيْس من معَان عور أصبح بصرا. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر أَنه أرسل إِلَى أبي عُبَيْدَة رَسُولا فَقَالَ لَهُ حِين رَجَعَ كَيفَ رَأَيْت أَبَا عُبَيْدَة قَالَ: رَأَيْت بللا من عَيْش. فقصر من رزقه ثمَّ أرسل إِلَيْهِ وَقَالَ للرسول حِين قدم كَيفَ رَأَيْته ففال: رَأَيْت حفوفا. فَقَالَ: رحم الله أَبَا عُبَيْدَة بسطنا لَهُ فَبسط وقبضنا فَقبض. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي. والخفوف والحفف وَاحِد. وَهُوَ: شدَّة الْعَيْش وضيقه. وَأَصله: اليبس. . قَالَ أَبُو زيد: يُقَال حفت أَرْضنَا وقفت إِذْ يبس بقلها. وَحدثت عَن الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: قَالَ رجل أتونا بعصيدة قد حفت فَكَأَنَّهَا عقب فِيهَا شقَاق هَكَذَا حَدثنِي الْمُحدث. وَإِنَّمَا هِيَ: الشقوق فِي الرجل. والشقاق فِي قَوَائِم الدَّابَّة. وَيُقَال: مَا رُوِيَ عَلَيْهِم خفف وَلَا ضفف. أَي: لم ير عَلَيْهِم أنر عود. وَيُقَال: قوم محفوفون إِذا كَانُوا محاويج والشظف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 مثل الخفف. قَالَ ابْن الرّقاع العاملي: من الْكَامِل ... وَلَقَد أصبت من الْمَعيشَة لَذَّة ... وَلَقِيت من شظف الخطوب شدادها ... وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه كَانَ يَقُول: اغزوا والغزو حُلْو خضر قبل أَن يكون تَمامًا ثمَّ يكون رماما ثمَّ يكون حطاما. وَكَانَ يَقُول إِذا انتاطت الْمَغَازِي واشتدت العزائم ومنعت الْغَنَائِم فَخير غزوكم الرِّبَاط. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الحجي عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد عَن أَبِيه عَن عمر. الثمام نبت ضَعِيف ن وَله خوص أَو شَيْء يشبه الخوص. وَرُبمَا حشي بِهِ. يقا ل: قد أمصخ الثمام إِذا خرجت أما صيخة. واحدتها أمصوخة وَهُوَ خوصَة. وَوَاحِد الثمام ثُمَامَة وَبِه سمي الرجل قَالَ عبيد بن الأبرص: من مجزوء الْكَامِل ... عيوا بأمرهم كَمَا عيت ببيضتها الحمامه جعلت لَهَا عودين من بشم وَآخر من ثمامه والبشم شجر يتَّخذ مِنْهُ القسي. يَقُول: قرنت البشم بالثمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 والثمام ضَعِيف فَسقط فَسقط الْبيض فانكسر. وَلِهَذَا قيل فِي الْمثل: أخرق من حمامة. لِأَنَّهَا لَا تجيد عمل العش فَرُبمَا وَقع الْبيض فانكسر. وقرأت فِي الأنجيل: كونُوا حلماء كالحيات وبلهاء كالحمام. وَيُقَال: أَيْضا: أخرق من عقعق. لِأَنَّهُ من الطير الَّذِي يضيع بيضه وفراخه وأموق من نعَامَة. وَذَلِكَ أَنَّهَا تخرج للطعم فَرُبمَا رَأَتْ بيض نعَامَة أُخْرَى قد خرجت لمثل مَا خرجت هِيَ لَهُ فتحضن بيضها وَتَدَع بيض نَفسهَا. وَإِيَّاهَا أَرَادَ ابْن هرمة. بقوله: من المتقارب ... كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أُخْرَى جنَاحا ... والرمام والرميم وَاحِد. وهومثل قَوْلك: طوال وطويل وعراض وعريض وعجاب وَعَجِيب يُقَال: رم الْعظم إِذا بلي وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {قَالَ من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} وأرم إِذا صَار فِيهِ رم وَهُوَ المخ. والحطام: يبس النبت إِذا تكسر. قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {ثمَّ يهيج فتراه مصفرا ثمَّ يكون حطاما} وَلَا أرى عمر أَخذ الْمثل إِلَّا من هَذِه الْآيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 من كتاب الله. أَرَادَ اغزوا والغزو وحلو خضر يُرِيد أَنكُمْ تبصرون فِيهِ وتوفون غنائمكم قبل أَن يهن ويضعف فَيكون كالثمام الضَّعِيف ثمَّ كالرميم ثمَّ يصير حطاما فَيذْهب وَيُقَال فِي مثل: هُوَ على طرف الثمام. يُرَاد أَنه مُمكن قريب. وَذَلِكَ ان الثمام لَا يطول. فَمَا كَانَ على طرفه فاخذه سهل. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَخذ بِيَدِك ضغثا فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} . أَخذ ضغثا من ثمام وَهُوَ مائَة عود فَضرب. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: من الأثل. وَقَوله: انتاطت بَعدت. والنطي: الْبعيد. وَقَوله: اشتدت العزائم يَعْنِي: عزائم الْأُمَرَاء فِي الْمَغَازِي وَأَخذهم بهَا. وَفِي الحَدِيث: إِن رجلا قَالَ لِابْنِ مَسْعُود: يعزم علينا أمراؤنا فِي أَشْيَاء لَا نحصيها. أَي: لَا نطيقها. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه روئي فِي الْمَنَام فَسئلَ عَن حَاله فَقَالَ: ثل عَرْشِي لَوْلَا أَنِّي صادفت رَبًّا رحِيما أَو كَاد عَرْشِي ينثل. يرويهِ أَبُو مُعَاوِيَة عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 قَوْله: ثل عَرْشِي. هَذَا مثل يضْرب للرجل إِذا ذل وَهلك. يُقَال ثللت الشَّيْء إِذا هدمته وكسرته. وأثللته إِذا أمرت بإصلاحه. وللعرش هَا هُنَا معينيان: أَحدهمَا: السرير وَالْأَصْل فِيهِ: ان الأسرة كَانَت للملوك. فَإِذا ثل عرش الْملك فقد ذهب عزه أَو هلك. وَالْمعْنَى الآخر: الْبَيْت ينصب من العيدان ويظلل وَجَمعهَا: عروش. وَإِذا كسر عرش الرجل فقد هلك أَو ذل. وَهُوَ نَحْو قَوْلهم خرب بَيت فلَان. قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: انشدنيه أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن هانىء قَالَ أنشدنيه الْأَخْفَش وَقَالَ: النَّضر بن شُمَيْل: من الْكَامِل. ... كن كَيفَ شِئْت فقصرك الْمَوْت ... لَا مزحل عَنهُ وَلَا فَوت بَينا غنى بَيت وبهجته ... زَالَ الْغنى وتقوض الْبَيْت ... كَانَ الْأَصْمَعِي ينشده مخفوضا. وَكَذَلِكَ بَيت أَبى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 دؤيب: من الْكَامِل ... بَينا تعلقه الكماة وروغه ... يَوْمًا أتيح لَهُ جرىء سلفع ... قَالَ: وَسَأَلت الرياشي عَن الْعلَّة فِي الْخَفْض فَقَالَ: بَينا ترفع الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ أَعْلَام مثل: ذيد وَعَمْرو فَتَقول: بَينا زيد وَعَمْرو يذهبان جَاءَ أَخُوك. فَإِذا وليت اسْما مأخوذا من فعل جرت قَالَ تَقول: بَينا قيام عبد الله وقعوده أَتَانَا زيد. قَالَ: وَهِي كَذَلِك بِمَعْنى بَين. وَالْعرش: السّقف وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: فَهِيَ خاوية على عروشها وَذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النفخ فِي الصُّور قَالَ: فترنج: الأَرْض بِأَهْلِهَا فَتكون كالسفينة المرنقة فِي الْبَحْر تضربها الأمواج أَو كالقنديل الْمُعَلق بالعرش ترجحه الْأَرْوَاح. وَالْأَصْل فِي هَذَا كُله وَاحِد. وَمِنْه قيل: كرم معروش. وَمِنْه قيل: عرشت الْبِئْر اعرشها إِذا أَنْت طويت أَسْفَلهَا بِالْحِجَارَةِ قَلِيلا ثمَّ طويت سائرها بالخشب وَذَلِكَ الْخشب هُوَ الْعَرْش. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 قَالَ زُهَيْر: من الطَّوِيل ... تداركتما الأحلاف قد ثل عرشهم ... وذبيان إِذْ زلت بأقدامها النَّعْل ... وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه قَالَ لأبي مَرْيَم الْحَنَفِيّ: لأَنا أَشد بغضا لَك من الأَرْض للدم. قَالَ ابْن سِيرِين: كَانَ عمر عَلَيْهِ غليظا وَكَانُوا يرَوْنَ أَنه قَاتل زيد بن الْخطاب وبغض الأَرْض للدم بِأَنَّهُ لَا يغوص فِيهَا. وانها لَا تنشفه وَمَتى جف فقشرته انقشر كُله وَظهر مَا وليه من الأَرْض ابيض. وَبَلغنِي ذَلِك فِي كل دم إِلَّا دم الْبَعِير فَإِن الأَرْض تنشفه وحدثنى عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن عبد الْمُنعم عَن أَبِيه عَن وهب ان الأَرْض نشفت دم ابْن آدم الْمَقْتُول فلعن آدم الأَرْض فَمن أجل ذَلِك لَا تنشف الأَرْض دَمًا بعد دم هابيل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه قا ل: ان اللَّبن يشبه عَلَيْهِ. يرويهِ سُفْيَان عَن ابْن جريح عَن عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان عَن شُعَيْب بن خَالِد الْخَثْعَمِي عَن ابْن عمر عَن عمر. قوه: يشبه يُرِيد: أَن الطِّفْل الرَّضِيع رُبمَا نزع بِهِ الشّبَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 إِلَى الظِّئْر من أجل اللَّبن يَقُول: فَلَا تسترضعوا إِلَّا من ترتضون أخلاقه وعفافه. وَقد روى مثل هَذَا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر: من الْبَسِيط ... لم يرضعوا الدَّهْر إِلَّا ثدي وَاحِدَة ... لواضح الْوَجْه يحمي باحة الدَّار ... يُرِيد: لم تنازغهم الظؤور فتميل إِلَى أخلاقهن وَلكنه اقْتصر لَهُم على ألبان الْأُمَّهَات. حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن ابْن أبي طرفَة الْهُذلِيّ عَن جُنْدُب ابْن شُعَيْب قَالَ: إِذا رَأَيْت الْمَوْلُود قبل أَن يغتذى من لبن غير أمه فعلى وَجه مِصْبَاح من الْبَيَان ألبان النِّسَاء تغيره. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر انه أجبر بني عَم على منفوس. يرويهِ قبيصَة عَن سُفْيَان عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن سعيد ابْن الْمسيب. المنفوس: الطِّفْل. وَهُوَ من قَوْلك: نفست الْمَرْأَة ونفست الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 إِذا ولدت. وَهُوَ صبي منفوس أَي: مَوْلُود. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من نفس منفوسة إِلَّا وَقد كتب أجلهَا. وَقَالَ ابْن الْمسيب لَا يَرث المنفوس وَلَا يُورث حَتَّى يستهل صَارِخًا. وَقَالَ الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل ... فيا لهفتى على ابْن أُخْتِي لهفة ... كَمَا سقط المنفوس بَين القوابل ... وَإِنَّمَا أَرَادَ انه أجبرهم على رضاعه. وروى عَنهُ أَيْضا أَنه أجبر رجلا على رضَاع أَخِيه. وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء: يجْبر على كل ذِي رحم محرم. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر ان الْجِنّ ناحت عَلَيْهِ فَقَالَت: من الطَّوِيل ... عَلَيْك سَلام من أَمِير وباركت ... يَد الله فِي ذَاك الْأَدِيم الممزق ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 .. قضيت أمورا ثمَّ غادرت بعْدهَا ... بوائق فِي أكمامها لم تفتق فَمن يسع أَو يركب جناحي نعَامَة ... ليدرك مَا قدمت بالْأَمْس يسْبق أبعد قَتِيل بِالْمَدِينَةِ أظلمت ... لَهُ الأَرْض تهتز العضاه بأسوق وَمَا كنت أخْشَى أَن يكون وَفَاته ... يَكْفِي سبنتى أَزْرَق الْعين مطرق ... حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن حَمَّاد بن يزِيد عَن يزِيد بن حَازِم عَن سُلَيْمَان بن يسَار. وحدثنيه ايضا أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن حَمَّاد عَن زيد عَن يزِيد عَن سُلَيْمَان إِلَّا أَنه قَالَ: بوائج وَلم يذكر: فَبعد قَتِيل بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ: جُزْء الله خيرا من أَمِير. قَوْله: قضيت أمورا. أَي: عملت أعمالا أحكمتها. وَهُوَ من قَول الله جلّ وَعز: {فقضاهن سبع سماوات فِي يَوْمَيْنِ} . أَي: صنعهن وأحكمهن. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وَذكر الدرْع من الْكَامِل ... وَعَلَيْهِمَا مسرودتان قضاهما دَاوُد أَو صنع السوابغ تَبْغِ ... وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَادَ صنعهما دَاوُد. غادرت: خلفت. وَمِنْه سمي الغدير. لِأَنَّهُ مَاء تخلفه السُّيُول وتمضي. والبائقة: الداهية وَهِي البائجة أَيْضا. وَجَمعهَا: بوائق وبوائج يُقَال: باقتهم تبوقهم بوقا. فِي اكمامها أَي: فِي أغطيتها وَاحِدهَا: كم. وغلاف الشَّيْء كمه. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَمَا تخرج من ثَمَرَات من أكمامها} . أَي من الْموضع الذى كَانَت فِيهِ مستورة لم تفتق عَنْهَا الأكمام. وَإِنَّمَا أَرَادَ: انك حِين وليت تركت بعْدك فتنا وأمورا عظاما مستورة لم تنكشف حِين مت. وستنكشف بعد. وَقَوله: أَو يركب جناحي نعَامَة. يَقُول: من أَرَادَ بعْدك من الْخُلَفَاء أَن يلحقك ويبلغ مبالغك فِي سيرتك وتدبيرك لم يلحقك وَلَو سعي أَو عدا أَو ركب جناحي نعَامَة فعدت بِهِ. والنعامة يضْرب بهَا الْمثل فِي السرعة. وَلذَلِك وتشبه الشُّعَرَاء النَّاقة بهَا وتشبه المنهزمين. قَالَ بشر بن أبي خازم: من المتقارب ... وَأما بَنو عَامر بالنسار ... فَكَانُوا غَدَاة لقونا نعاما ... يُرِيد: أَنهم مروا مُسْرِعين منهزمين لَا يلوون على شَيْء. والظليم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 إِذا عدا لم ينْه فِي عدوه شَيْء لِأَنَّهُ يُقَال: انه لَا يستمع. قَالَ الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل. وأمهلت فِي إخوانه فَكَأَنَّمَا ... يسمع بِالنَّهْي النعام الشوارد ... يَقُول: لم يقبل فَكَأَنِّي أسمعت بِقَوْلِي: نعاما شاردا وَلَا يسمع وَلَا يعرج. وَنَحْو مِنْهُ قَول الآخر: من الطَّوِيل. ... وَينْهى ذوى الأحلام عني حلومهم ... وَأَرْفَع صوتي للنعام المخزم ... أَرَادَ: الْجُهَّال. شبههم فِي قلَّة أفهامهم بالنعام. يُرِيد: من كَانَ حَلِيمًا نَهَاهُ حلمه عني وَمن كَانَ جَاهِلا زجرتة أَشد الزّجر. وَأما قَول عَلْقَمَة بن عَبدة يصف الظلأيم: من الْبَسِيط ... فوه كشق الْعَصَا لأيا تبينه ... أسك مَا يسمع الْأَصْوَات مصلوم ... فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَنه أَرَادَ لَا يسمع الْأَصْوَات. اما كَمَا قَالُوا لِأَنَّهُ أَصمّ وَلِأَنَّهُ لَا يعرج عَلَيْهَا وَإِن سَمعهَا كَمَا يُقَال: فلَان لَا يسمع قولي. أَي: لَا يعْمل بِهِ. وَهَذَا أشبه عِنْدِي لِأَنَّهُ يَقُول فِي هَذَا الشّعْر: من الْبَسِيط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 .. يوحي إِلَيْهَا بأنقاض ونقنقة ... كَمَا تراطن فِي أقنانها الرّوم ... فَلَو لم يسمع لم يُوح إِلَيْهَا. وَمثله قَول الآخر: من المنسرح ... أَو خاضب يرتعي بهقلته ... مَتى ترعه الْأَصْوَات يهتجس ... فلولا أَنه يسمع الْأَصْوَات مَا راعته. وَالْقَوْل الآخر أَنه أَرَادَ أَنه أسك الَّذِي يسمع الْأَصْوَات وَالَّذِي يسمع الْأَصْوَات هُوَ الْأذن فَكَأَنَّهُ قَالَ: أسك الْأذن. وَهَذَا الْبَيْت شَبيه بقول خفاف بن ندبة. حَدثنِي أَبُو حَاتِم وَعبد الرَّحْمَن عَن الْأَصْمَعِي ان قوم خفاف بن ندبة السّلمِيّ ارْتَدُّوا وأبى أَن يرْتَد وَحسن ثباته على الْإِسْلَام. فَقَالَ فِي أَبى بكر شعرًا قوافيه ممدودة مُقَيّدَة: من السَّرِيع ... لَيْسَ لشَيْء غير تقوى جداء ... وكل خلق عمره للفناء ... إِن أَبَا بكر هُوَ العشب إِذْ لم تزرع الأمطار بقلا بِمَاء الْمُعْطِي الجرد بارسانها ... والناعجات المسرعات النَّجَاء ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وَالله لَا يدْرك أَيَّامه ... ذُو طرة ناش وَلَا ذُو رِدَاء من يسع كي يدْرك أَيَّامه ... يجْتَهد الشد بِأَرْض فضاء ... الشد: الْعَدو. قَوْله: تهتز العضاه وَهُوَ شجر أَي: أبعد أَن قتل عمر تورق العضاه وتهتز من النِّعْمَة على سوقها. وَهُوَ جمع سَاق. وَهَذَا كَمَا قَالَ الآخر: من الطَّوِيل ... أيا شجر الخابور مَالك مورقا ... كَأَنَّك لم تجزع على ابْن طريف ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم رب يسر. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه قدم رجل من بعض الْفروج عَلَيْهِ فنثر كِنَانَته فَسَقَطت صحيفَة فَإِذا فِيهَا: من الوافر ... أَلا أبلغ أَبَا حَفْص رَسُولا ... فدى لَك من أخي ثِقَة إزَارِي قلائصنا هداك الله إِنَّا ... شغلنا عَنْكُم زمن الْحصار فَمَا قلص وجدن معقلات ... قفا سلع بمختلف النجار يعقلهن جعدة من سليم ... معيدا يَبْتَغِي سقط العذاري ... حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو عَن أشهل بن حاتيم عَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 الْفروج الثغور وَاحِدهَا فرج. قَالَ لبيد: من الرمل ... رابط الجأش على فرجهم ... أعطف الجون بمربوع متل ... وَقَوله: رَسُولا أَي رِسَالَة وَمِنْه قَول الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... لقد كذب الواشون مَا بحت عِنْدهم ... بسر وَلَا أرسلتهم برَسُول ... أَي: برسالة. وَقَوله: فدى لَك من أخي ثِقَة إزَارِي أَي: أَهلِي وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} قَالَ الْجَعْدِي وَذكر الْمَرْأَة: من المتقارب. ... إِذا مَا الضجيع ثنى جيدها ... تداعت عَلَيْهِ فَكَانَت لِبَاسه ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وَيُقَال ايضا أَرَادَ بالإزار نَفسه لِأَن الازار يشْتَمل على جِسْمه فَسُمي الْجِسْم إزارا. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب وَذكر امْرَأَة: من الطَّوِيل ... تَبرأ من دم الْقَتِيل وبزه ... وَقد علقت دم الْقَتِيل إزَارهَا ... أَي: هِيَ نَفسهَا والإزار يذكر وَيُؤَنث. وَقَوله: قلائصنا نصب يُرِيد: تدارك قلائصنا وَهِي: النوق الشواب كنى بهَا عَن النِّسَاء. وَقَوله: فَمَا قلص وجدن معقلات يَعْنِي نسَاء مغيبات يعقلهن جعدة رجل من سليم وَأَرَادَ أَنَّهُنَّ معقلات للأزواج وَهُوَ يعقلهن أَيْضا. معيدا أَي: فعل ذَلِك عودا كَأَن البدء للأزواج والاعادة لَهُ. أَو كَأَنَّهُ يَفْعَله مرّة بعد مرّة. حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن الْأَصْمَعِي عَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين قَالَ: فَقَالَ عمر أَدْعُو إِلَى جعدة فَأتي بِهِ فجلد معقولا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وحَدثني أبي حَدثنِي أَيْضا عَن الْأَصْمَعِي عَن طَلْحَة بن مُحَمَّد ابْن سعيد بن الْمسيب ان سعيدا قَالَ: إِنِّي لفي الأغيلمة الَّذين يجرونَ جعدة إِلَى عمر. قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: كَانَ فِي الشّعْر: من الوافر يعقلهن جعدة شيظمي ... وَبئسَ معقل الذود الظؤار ... والشيظمي: الطَّوِيل. والظؤار جمع ظئر وَيُقَال: ان أصل هَذَا اللَّفْظ أَن النَّاقة تعقل للضراب فكنى عَنهُ بِهِ. وَسقط العذارى عثراتها وزلاتها. يُقَال: فلَان قَلِيل السقاط إِذا كَانَ قَلِيل العثار. وَقفا سلع: وَرَاءه وَهُوَ جبل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه لما قدم الشَّام لقِيه المقلسون بِالسُّيُوفِ وَالريحَان. يرويهِ هِشَام بن عمار عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن تَمِيم بن عَطِيَّة عَن عبد الله بن قيس. المقلسون الَّذين يَلْعَبُونَ بَين يَدي الْأَمِير إِذا دخل الْبَلَد وَالْوَاحد مقلس وَمِنْه قَول الْكُمَيْت: من الْبَسِيط. ... قد استمرت تغنيه الذُّبَاب كَمَا ... غنى المقلس بطريقا بأسوار ... أَرَادَ: مَعَ أسوار وَاحِد الأساورة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: بليت من الفواقر: جَار مقَامه إِن رَأْي حَسَنَة دَفنهَا وَإِن رأى سَيِّئَة أذاعها وَامْرَأَة إِن دخلت لسنتك وَإِن غبت عَنْهَا لم تأمنها وَإِمَام أَن أَحْسَنت لم يرض عَنْك وَإِن أَسَأْت قَتلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 يرويهِ أَبُو قدامَة عَن عَليّ بن زيد. الفواقر الدَّوَاهِي وَقد ذكرنَا اشتقاق هَذَا الْحَرْف فِي غير هَذَا الْموضع. وَقَوله: لسنتك أَي: أخذتك بلسانها واللسن الْمصدر واللسن طول اللِّسَان قَالَ ابْن أم صَاحب: من الْبَسِيط ... إِن العواذل مِنْهَا الْجَهْل واللسن ... واللسن واللغة يُقَال: لكل قوم لسن. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: فِي خطْبَة لَهُ: من أَتَى هَذَا الْبَيْت لَا ينهزه إِلَيْهِ غَيره رَجَعَ وَقد غقر لَهُ. يرويهِ عباد بن عباد عَن وَاصل مولى أَبى عُيَيْنَة عَن حما د عَن أَبى الضُّحَى عَن مَسْرُوق. قَوْله: ينهزه أَي: يَدْفَعهُ يُقَال: نهزت الرجل ولهزته وهمزته وَلَا أَحسب الْهَمْز فِي الْحُرُوف إِلَّا من هَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 كَأَنَّك تدفعها ولمزته وَمِنْه قَوْله جلّ وَعز: {ويل لكل همزَة لُمزَة} كَأَنَّهُ يغمز وَيدْفَع إِذا عَابَ ووهزته أَيْضا وَفِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان مجمع ابْن جَارِيَة قَالَ: شَهِدنَا الْحُدَيْبِيَة مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انصرفنا عَنْهَا إِذا النَّاس ينهزون الأباعر فَقَالَ بَعضهم لبَعض: مَالهم قَالُوا: أُوحِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخرجنا مَعَ النَّاس نوجف يُرِيد أَن النَّاس كَانُوا يحثون ابلهم ويدفعونها وَإِنَّمَا أَرَادَ عمر أَن من حج لَا يَنْوِي فِي حجه غير الْحَج لَا تِجَارَة وَلَا يُرِيد هُنَاكَ حَاجَة رَجَعَ مغفورا لَهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ ان سُفْيَان ابْن عبد الله الثَّقَفِيّ كتب إِلَيْهِ وَكَانَ عَاملا لَهُ على الطَّائِف إِن قبلنَا حيطانا فِيهَا من الفرسك وَالرُّمَّان مَا هُوَ أَكثر من الْكَرم أصعافا ويستأمره فِي الْعشْر فَكتب إِلَيْهِ عمر: انه لَيْسَ عَلَيْهَا عشر هِيَ من العضاه. يرويهِ عبد الرَّحْمَن بن حميد الرواسِي عَن جَعْفَر بن نجيع السَّعْدِيّ عَن بشر بن عَاصِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 الفرسك: الخوخ. وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَا يرى فِي الْخضر زَكَاة وَلَا فِيمَا لَا يحول عَلَيْهِ الْحول فِي أَيدي النَّاس. وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ لَا يرى أَيْضا فِي زرع الصَّيف صَدَقَة. وَكَانَ طَاوُوس وَعِكْرِمَة يَقُولَانِ: لَيْسَ فِي العطب زَكَاة. والعطب: الْقطن وَهُوَ من الغلات الصيفية وَمِنْه حَدِيث الْحسن رَحمَه الله إِنَّه كَانَ لَا يرى بغزل من عطب بِثَوْب من كرابيس نَسِيئَة بَأْسا. فَأَما ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ كَانَ يرى الصَّدَقَة فِي جَمِيع مَا أخرجت الأَرْض. قَالَ أَبُو رَجَاء: كَانَ يَأْخُذ صَدَقَاتنَا بِالْبَصْرَةِ حَتَّى رساتيج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 الكرات. وَإِلَى هَذَا يذهب عَطاء وَإِبْرَاهِيم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه وضع يَده فِي كشية ضَب. وَقَالَ: إِن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحرمه وَلَكِن قذره. يرويهِ ابْن أبي زَائِدَة عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد. كشية الضَّب: شَحم بَطْنه وَجَمعهَا كشى. وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: من الرجز ... وَأَنت لَو ذقت الكشى بالأكباد ... لما تركت الضَّب يعدو بالواد ... يَقُول: لَو عرفت طعمها مَعَ الأكباد لصدت الضَّب وَلم تتركه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 فَأَما المكن فبيضها. يُقَال: ضبة مكون اذا جمعت الْبيض فِي بَطنهَا قَالَ أَبُو الْهِنْدِيّ: من المتقارب وَمكن الضباب طَعَام العريب وَلَا تشتهيه نفوس الْعَجم وَقَوله: وضع يَده أَي: أكل. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: لَا أُوتِيَ بِأحد انْتقصَ من سبل الْمُسلمين إِلَى مثاباتهم شَيْئا إِلَّا فعلت بِهِ كَذَا. يرويهِ أَبُو أُسَامَة عَن مسعر عَن جَامع بن شَدَّاد عَن زِيَاد بن حدير. المثابات هَاهُنَا الْمنَازل وَاحِدهَا مثابة وَإِنَّمَا قيل للمنزل مثابة لِأَن أَهله يتصرفون فِي أُمُورهم ثمَّ يثوبون إِلَيْهِ أَي: يعودون إِلَيْهِ. يُقَال: ثاب فلَان إِلَى كَذَا أَي: رَجَعَ وثاب جسم فلَان إِذا عَاد بعد الْعلَّة. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 أَي: يرجعُونَ اليه وَمِنْه التثويب فِي الْأَذَان الْأَذَان. وَأَرَادَ من اقتطع شَيْئا من طرق الْمُسلمين وَأدْخلهُ فِي دَاره. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه كره النير. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة عَن ابْن عمر وَقَالَ ابْن عمر: لَوْلَا انه كره ذَلِك لم أر بِهِ بَأْسا. النير: الْعلم وَلَا أرَاهُ كره إِلَّا علم الْحَرِير وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن ابْن عمر انه كَانَ يقطع الْعلم الْحَرِير من عمَامَته. يُقَال: نرت الثَّوْب نيرا وَجمع النير أنيار. قَالَ ذُو الرمة وَذكر النِّسَاء: من الطَّوِيل ... لحفن الْحَصَا انياره ثمَّ خضنه ... نهوض الهجان الموعثات الجواثم ... يَقُول: جعلنه لحافا للحصى ثمَّ خضن فضول أذيالهن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 كَمَا يخاض المَاء. والموعثات اللواتي وقعن فِي وعث أَي: شدَّة. والجواشم اللواتي يتجشمنه على مشقة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه انْكَسَرت قلُوص من إبل الصَّدَقَة فجفنها. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ. قَوْله: فجفنها أَي: اتخذ مِنْهَا طَعَاما وَجمع عَلَيْهِ. وَهُوَ من الْجَفْنَة مَأْخُوذ. وَكَانُوا يطْعمُون إِذا جمعُوا فِي الجفان. وَلذَلِك قَالُوا للرجل إِذا رثوه فوصفوه بإطعام الطَّعَام: جَفْنَة وَقد تقدم تَفْسِير هَذَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: عجبت لتاجر هجس وراكب الْبَحْر. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن رجل عَن الْحسن. قَوْله: عجبت لتاجر هجر يُرِيد: كَيفَ يخْتَلف إِلَيْهَا مَعَ شدَّة وبائها ولراكب الْبَحْر كَيفَ يركبه للتِّجَارَة مَعَ مَا فِيهِ من الخطار بالأنفس لَا أعلم للْحَدِيث وَجها غير هَذَا. وكل مَوضِع كثر نخله اشْتَدَّ وباؤه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وَرُوِيَ فِي الحَدِيث: إِن الْحمى فِي اصول النّخل. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ ذَات لَيْلَة فِي مسير لَهُ لِابْنِ عَبَّاس: أنشدنا لشاعر الشُّعَرَاء قَالَ: وَمن هُوَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: الَّذِي لم يعاظل بَين القَوْل وَلم يتبع حوشي الْكَلَام. قَالَ: وَمن هُوَ قَالَ: زُهَيْر. فَجعل ينشده إِلَى أَن برق الصُّبْح. هَذَا حَدِيث كَانَ يرويهِ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن شيخ يكنى أَبَا مُحَمَّد ذكر أَنه لَا بَأْس بِهِ عَن أبي مخنف وَعَن أَبى مَسْعُود. قَوْله: لم يعاظل بَين القَوْل أَي لم يكرره وَيحمل بعضه على بعض. وَيُقَال: تعاظل الْجَرَاد اذا ركب بعضه بَعْضًا وَذَلِكَ حِين يُرِيد أَن يبيض. وَيُقَال للضبع اذا دخل عَلَيْهَا الصَّائِد: خامري أم عَامر ابشري بجراد عظال وكمر رجال. فتقر ونسكن حَتَّى يدْخل عَلَيْهَا فيربط يَديهَا ورجليها ويكمعها. وَقَالَ جرير: من الطَّوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 .. تراغيتم يَوْم الزبير كأنكم ... ضباع بِذِي قار تمنى الأمانيا ... فَقَوله: تمنى الأمانيا هُوَ هَذَا الَّذِي يَقُوله الصَّائِد لَهَا. وروى تقلة الْأَخْبَار ان الْحسن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام حِين كَانَ من أَمر طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة مَا كَانَ: أَشرت عَلَيْك ثَلَاث مَرَّات فعصيتني. فَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّك تخن خنين الْجَارِيَة هَات مَا الَّذِي أَشرت بِهِ عَليّ وَمَا الَّذِي عصيتك فِيهِ. فَذكر أَشْيَاء فَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: أَنا وَالله إِذا مثل الَّتِي أحيط بهَا فَقيل لَهَا زباب حَتَّى دخلت حجرها ثمَّ احتفر عَلَيْهَا فاجتر برجلها حَتَّى ذبحت. وَلَا أرَاهُ أَرَادَ إِلَّا الضبع كَأَنَّهُمْ كَانُوا إِذا أَرَادوا صيدها أحاطوا بهَا ثمَّ قيل: زباب زباب تؤنس بذلك أَو تبشر بِهِ. الزباب جنس من الفأر لَا يسمع. والخلد مِنْهُ لَا يبصر ولعلها ان تكون تَأْكُله كَمَا تَأْكُل الْجَرَاد. والخنين: ضرب من الْبكاء. قَالُوا: وَإِنَّمَا قيل: يَوْم العظالى وَهُوَ يَوْم للْعَرَب مَشْهُور لِأَن النَّاس ركب فِيهِ بَعضهم بَعْضًا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ركب الِاثْنَان وَالثَّلَاثَة الدَّابَّة الْوَاحِدَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 والذئاب وَالْكلاب تتعاظل إِذا تسافدت. وَقَول الصَّائِد: ابشري بكمر رجال لِأَن الضبع إِذا وجدت قَتِيلا قد انتفخ جردانه ألقته على قَفاهُ ثمَّ ركبته واستعملته. قَالَ الْعَبَّاس بن مرداس: من الطَّوِيل. ... فَلَو مَاتَ مِنْهُم من جرحنا لأصبحت ... ضباع بِأَكْنَافِ الْأَرَاك عرائسا ... فَقَوله: خامري أَي خالطي. قَالَ الْكُمَيْت: من مجزوء الْكَامِل أما أَخُوك ابو الْوَلِيد فلابس ثوبي مخامر فعل المقرة للمقالة خامري يَا أم عَامر ... وَأم عَامر هِيَ الضبع. وحوشي. الْكَلَام ووحشية وَاحِد. وَيُقَال: الابل الحوشية منسوبة إِلَى الحوش. وَأَنَّهَا فحول نعم الْجِنّ ضربت فِي بعض الابل فنسبت اليها. قَالَ رؤبة: من الرجز ... جرت رحانا من بِلَاد الحوش ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِن نائلا قَالَ: سَافَرت مَعَ مولَايَ عُثْمَان بن عَفَّان وَعمر فِي حج أَو عمْرَة فَكَانَ عمر وَعُثْمَان وَابْن عمر لفا وَكنت أَنا وَابْن البير فِي شببة مَعنا لفا فَكُنَّا نتمازح ونترامى بالحنظل. فَمَا يزيدنا عمر على أَن يَقُول: كَذَاك لَا تذعروا علينا. فَقُلْنَا لرباح ابْن المغترف: لَو نصبت نصب الْعَرَب فَقَالَ مَعَ عمر قُلْنَا افْعَل فَإِن نهاك عَنهُ فانته. فَفعل فَمَا قَالَ لَهُ عمر شَيْئا حَتَّى إِذا كَانَ فِي وَجه السحر فاداه يَا رَبَاح أكفف فَإِنَّهَا فَإنَّا سَاعَة ذكر. يرويهِ عبيد الله بن مُحَمَّد عَن عمر بن عُثْمَان التَّيْمِيّ عَن عُثْمَان بن نائل عَن أَبِيه. قَوْله: كَانَ عمر وَعُثْمَان وَابْن عمر لفا أَي حزبا وَفرْقَة وَهُوَ من الالتفاف مَأْخُوذ. كَأَنَّهُمْ حِين اجْتَمعُوا وانفردوا قِطْعَة وَاحِدَة التفوا فِي ذَلِك الِاجْتِمَاع. وَذكر أَبُو عُبَيْدَة ان ألفافا فِي كتاب الله تَعَالَى جمع لف وَقَالَ غَيره هُوَ جمع لف. ولف جمع ألف كَأَنَّهُ جمع الْجمع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وَقَول عمر كَذَلِك لَا تذعروا علينا يُرِيد: لَا تنفرُوا إبلنا فَحذف الابل اسْتِخْفَافًا. وَقَوله: كَذَاك أَي: حسبكم وَمِنْه قَول أبي بكر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَهُوَ يَدْعُو: يَا نَبِي الله كَذَاك فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك. وشبيه بِهِ قَوْلهم: إِلَيْك أَي: تَنَح قَالَ الْقطَامِي وَذكر امْرَأَة استضافها: من الطَّوِيل تَقول وَقد قربت كوري وناقتي ... إِلَيْك فَلَا تذْعَر عَليّ ركائبي ... وتشببة جمع شَاب مثل كَاتب وكتبة وكاذب وكذبة وَقَوْلهمْ: لَو نصبت لنا نصب الْعَرَب أَي غنيتنا غناء الْعَرَب وَهُوَ غناء لَهُم يشبه الحداء غير أَنه أرق مِنْهُ. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَفِي الحَدِيث: كلهم كَانَ ينصب. أَي: يُغني النصب. يُقَال: نصب فلَان ينصب نصبا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه سَأَلَ الْمَفْقُود الَّذِي استهوته الْجِنّ مَا كَانَ شرابهم فَقَالَ: الجدف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 ذكره أَبُو عُبَيْدَة وَقَالَ تَفْسِيره فِي الحَدِيث: انه مَا لَا يغطى. قَالَ: وَيُقَال هُوَ نَبَات يكون بِالْيمن لَا يحْتَاج آكله إِلَى شرب المَاء عَلَيْهِ وَلم أزل لهَذَا التَّفْسِير مُنْكرا لِأَنَّهُ سَأَلَهُ عَن شرابهم فَأَجَابَهُ بِذكر النَّبَات والنبات لَا يجوز أَن يكون شرابًا وان كَانَ صَاحبه يَسْتَغْنِي مَعَ أكله عَن شرب المَاء إِلَّا على وَجه من الْمجَاز ضَعِيف وَهُوَ أَن يكون صَاحبه لَا يشرب المَاء فَيُقَال ان ذَلِك شرابه لِأَنَّهُ يقوم مقَام شرابه فَيجوز أَن يكون قَالَ هَذَا ان كَانَت الحن لَا تشرب شرابًا أصلا. وَأما التَّفْسِير الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث فَإِنَّهُ لَا يُوَافقهُ اللَّفْظ. وَبَلغنِي عَن بعض أَصْحَاب اللُّغَة انه كَانَ يَقُول: الجدف زبد الشَّرَاب ورغوة اللَّبن وَغَيره. سمي جدفا من موضِعين: أَحدهمَا لِأَنَّهُ يجدف عَن الشَّرَاب أَي: يقطع ويلقى إِلَّا الأَرْض والجدف والجذف وَاحِد. وَمِنْه يُقَال: قَمِيص مجدوف الكمين أَي مقطوعهما وقصيرهما يَقُول: جذفت الشَّيْء جذفا اذا قطعته. وَاسم مَا انْقَطع: جذف كَمَا تَقول: نفضت الشَّجَرَة نفضا وَاسم مَا سقط إِلَى الأَرْض مِنْهَا نفض وخبطتها خبطا وَاسم مَا سقط من وَرقهَا إِلَى الأَرْض: خبط. والموضع الآخر ان الشَّرَاب يجدف أَي: يُحَرك فرتفع الرغوة فَمَا ارْتَفع مِنْهَا جدف. لِأَنَّهُ على الجدف كَانَ كَمَا مثلت لَك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه كتب فِي الصَّدَقَة إِلَى بعض عماله كتابا فِيهِ: وَلَا تحبس النَّاس أَوَّلهمْ على آخِرهم فَإِن الرجن للماشية عَلَيْهَا شَدِيد وَلها مهلك. وَإِذا وقف الرجل عَلَيْك غنمه فَلَا تعتم من غنمه وَلَا تَأْخُذ من أدناها وَخذ الصَّدَقَة من أوسطها وَإِذا وَجب على الرجل سنّ فَلم تَجدهُ فِي إبِله فَلَا تَأْخُذ إِلَّا تِلْكَ السن من شروى إبِله. أَو قيمَة عدل. وَانْظُر ذَوَات الدّرّ والماخض فتنكب عَنْهَا فانها ثمال حاضرتهم. وَفِي حَدِيث آخر إِنَّه قَالَ فِي صَدَقَة الْغنم: يعتامها صَاحبهَا شَاة شَاة حَتَّى يعْزل ثلثهَا ثمَّ يصدع الْغنم صدعين فيختار الْمُصدق من أَحدهمَا. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن عبد الرَّحْمَن ابْن الْقَاسِم عَن أَبِيه. قَوْله: الرجن عَلَيْهَا شَدِيد. يَعْنِي الْحَبْس. يُقَال: رجن فلَان بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ وَمثله: دجن بِالْمَكَانِ دجونا ورجونا. وَمِنْه قيل لما يعلفه النَّاس فِي مَنَازِلهمْ من الشَّاء: دواجن. وَكَذَلِكَ الدَّجَاج وَالطير. وَمِنْه الحَدِيث: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مثل بدواجنه وَهُوَ أَن يجدعها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 أَو يخصيها أَو ينصبها غَرضا فيرميها. وحَدثني ابي حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي ان عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لقط نويات من الطَّرِيق فَأَمْسكهَا بِيَدِهِ حَتَّى مر بدار قوم فألقاها فِيهَا وَقَالَ: تأكلها داجنتهم. يَعْنِي مَا يعلفونه فِي مَنَازِلهمْ من الشَّاء. وَقَالَ غَيره: كَانَ يَأْخُذ النَّوَى ويلقط النكث من الطَّرِيق فَإِذا مر بدار قوم رمى بهما فِيهَا وَقَالَ: انتفعوا بِهَذَا. والنكث: الْخَيط الْخلق من صوف أَو شعر أَو وبر وَجمعه أنكاث وَإِنَّمَا سمي نَكثا لِأَنَّهُ ينْكث أَي: ينْقض وَذَلِكَ أَن الْحَبل إِذا أخلق ورث نقض ليؤخذ شعره اَوْ وبره فيعاد مَعَ الْجَدِيد وَكَذَلِكَ الْخَزّ إِذا أخلق نكث أَي نقض وَمن هَذَا قيل لمن يُبَايِعك على شَيْء ثمَّ نقض مَا أَعْطَاك من نَفسه: ناكث قَالَ الله جلّ وَعز: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة أنكاثا} . وَقَالَ قعنب بن ام صَاحب من الْبَسِيط ... رَأس الخنامنهم وَالْكفْر خامسهم ... وحشوة مِنْهُم فِي اللؤم قد دجنوا ... يُرِيد: أَقَامُوا. قَالَ أَبُو زيد: والدجون من الشَّاء الَّتِي لَا تمنع ضرْعهَا سخال غَيرهَا. وَقَوله: فَلَا تعتم من غنمه أَي: لَا تختر وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 الحَدِيث الآخر: يعتامها صَاحبهَا شَاة شَاة أَي: يختارها. يُقَال: اعتام فلَان يعتام واعتمى يعتمي مقلوب. وعيمة المَال: خِيَاره. قَالَ طرفَة بن العَبْد: من الطَّوِيل ... أرى الْمَوْت يعتام الْكِرَام ويصطفي ... عقيلة مَال الْفَاحِش المتشدد ... وَقَوله: شروى إبِله أَي: مثلهَا. وَمِنْه الحَدِيث: ان شريحا ومسروقا كَانَا يضمنَانِ الْقصار شرواه يَوْم اخذه أَي: مثل الثَّوْب. وَقَوله: ثمال حاضرتهم يُرِيد: عصمتهم وغياثهم يُقَال: فلَان ثمال قومه إِذا كَانَ يقوم بأمرهم. وَقَالَ أَبُو طَالب فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من الطَّوِيل ... وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه جعل على كل جريب عَامر أَو غامر درهما وقفيزا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 يرويهِ ابو مُعَاوِيَة عَن الشَّيْبَانِيّ عَن أبي عون الثَّقَفِيّ. الغامر من الأَرْض مَا لم يزرع مِمَّا يحْتَمل الزِّرَاعَة وَقَالَ لي بعض أَصْحَاب اللُّغَة: إِنَّمَا قيل لَهُ غامر لِأَن المَاء يبلغهُ فيغمره. وَهُوَ فَاعل بِمَعْنى مفعول. كَمَا يُقَال: مَاء دافق بِمَعْنى مدفوق وسر كاتم أَي: بِمَعْنى مَكْتُوم وليل نَائِم أَي: منوم فِيهِ. فَإِن كَانَ كَمَا ذكرنَا فَإِنِّي أَحْسبهُ بني على فَاعل ليقابل بِهِ العامر وَقد خبرتك انهم يوازنون الشَّيْء بالشَّيْء إِذا كَانَ مَعَه كَقَوْلِهِم: إِنِّي لآتيه بالغدايا والعشايا فَجمعُوا الْغَدَاة غدايا لما قابلوه بالعشايا. كَمَا جمعُوا العشية وكقول الشَّاعِر: من الْبَسِيط ... هتاك أخبية ولاج أبوية ... فَجمع الْبَاب أَبَوَيْهِ إِذْ كَانَ موازيا لأخبية. وَهَذَا الأَصْل فِي الغامر ثمَّ قيل لكل أَرض معطلة من زرع أَو بِنَاء أَو غرس: غامرة وَنَحْوهَا البراح. وَالدَّلِيل على مَا قُلْنَا فِي الغامر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 قَول الشّعبِيّ: إِن عمر بعث عُثْمَان بن حنيف فقسم على كل جريب يبلغهُ المَاء عمله صَاحبه أَو لم يعمله درهما ومختوما: وَأما مَا لَا يبلغهُ المَاء من موَات الأَرْض فَلَا يُقَال لَهُ غامر. وَإِنَّمَا جعل عمر رَضِي الله عَنهُ على مَا لم يزرع الْخراج فِيمَا أرى لِئَلَّا يقصر النَّاس فِي الزِّرَاعَة وَأَرَادَ عمَارَة الأَرْض. فَأَما مَا ترك عمله بِعُذْر بَين أَو مَا زرع فَلم ينْبت فَإِن صَاحبه كَانَ لَا يلْزم شَيْئا. وَكَانَ أَبُو حنيفَة يَقُول: إِذا كَانَ للرجل أَرض خراج فعطلها فَعَلَيهِ خراجها وَإِن زَرعهَا فَأصَاب زَرعهَا آفَة اصطلمته فَلَا خراج عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ: اللَّبن لَا يَمُوت. يرويهِ يحيى بن الْيَمَان عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن أَبى إِسْحَق عَن فرظة. وَبَلغنِي عَن بعض الْفُقَهَاء انه كَانَ يذهب فِي تَأْوِيله إِلَى إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 الصَّبِي إِذا رضع امْرَأَة ميتَة حرم عَلَيْهِ من وَلَدهَا وقرابتها من يحرم عَلَيْهِ من ولد الْحَيَّة وقرابتها إِذا رضعها. وَهَذَا إِن كَانَ من امْرَأَة فعلته. يُرِيد بِهِ يحرم وَلَدهَا على ولد الْميتَة أَو من صبي خلا بميتة فرضعها. وَسُئِلَ عَن ذَلِك عمر. فَإِن هَذَا التَّفْسِير لَهُ وَجه وَإِلَّا فَإنَّا لَا نعلم أحدا يرضع وَلَده بِلَبن ميتَة. وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ أَن الله جلّ وَعز حرَام النِّكَاح بِالرّضَاعِ فَقَالَ: {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} . وَالرّضَاع أَن يمتص الصَّبِي من الثدي فَإِذا فصل اللَّبن من الثدي فأوجره الصَّبِي أَو أَدَم لَهُ بِهِ أَو ديف لَهُ فِي الدَّوَاء أَو سقيه أَو سعط بِهِ لم يكن رضَاعًا وَلكنه يحرم بِهِ مَا يحرم بِالرّضَاعِ لَان اللَّبن لَا يَمُوت أَي: لَا يبطل عمله بمفارقته الثدي. وَمَعْنَاهُ: قَول الْفُقَهَاء السعوط والوجور يحرمان مَا يحرمه الرَّضَاع. وشبيه بِهِ وان لم يكن لَهُ كل مَعْنَاهُ قَوْلهم: الشّعْر لَا يَمُوت. وَالصُّوف لَا يَمُوت. وَذَلِكَ يكون فِي موضِعين: أَحدهمَا مجمع عَلَيْهِ. وَالْآخر مُخْتَلف فِيهِ. فاما الْمجمع عَلَيْهِ فالصوف وَالشعر إِن أخذا من الْحَيّ فَإِنَّهُمَا لَا يموتان بمفارقة الْحَيّ كَمَا يَمُوت اللَّحْم وَالْجَلد ان قطعا مِنْهُ وَلكنه يحل اغتزالهما ولبسهما وَالصَّلَاة فيهمَا وَعَلَيْهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 وَأما الْمُخْتَلف فِيهِ فالشعر وَالصُّوف يؤخذان من الْميتَة يَقُول بعض الْفُقَهَاء: انهما ميتان. وَيَقُول بَعضهم: ليسَا بميتين. وَسمعت بعض أَصْحَاب الْقيَاس يَقُول: ان اللَّبن إِن أَخذ من ميتَة لم يحرم وَقَالَ: كل شَيْء أَخذ من الْحَيّ فَلم يحرم. فَإِنَّهُ إِن أَخذ من الْمَيِّت لم يحرم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ: من حَظّ الْمَرْء نفاق أيمه وَمَوْضِع حَقه. يرويهِ وَكِيع عَن مبارك بن فضَالة عَن الْحسن. الأيم: الْمَرْأَة لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا. وَكَذَلِكَ الرجل إِذا لم تكن لَهُ امْرَأَة فَهُوَ أيم. وَيُقَال فِي مثل: الْحَرْب مايمة أَي: يقتل فِيهَا الرِّجَال فَتبقى النِّسَاء بِلَا أَزوَاج. وَأَرَادَ عمر رَضِي الله عَنهُ أَن من جد الرجل أَن يخْطب إِلَيْهِ ويتزوج نساؤه من بَنَاته وأخواته وأشباههن فَلَا يبرن وَلَا يكسدن. وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يتَعَوَّذ بِاللَّه من بوار الأيم. وَقَالَ بعض العباسيين للمنصور: إِذا نَحن اتسعنا فِي الْبَنَات وضقنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 فِي الْبَنِينَ وخفنا بوار الايامي فالى من نخرجهن فَقَالَ الْمَنْصُور: من الرمل عبد شمس كَانَ يَتْلُو هاشما ... وهما بعد لأم ولأب ... يُرِيد: ان بني امية أكفاء بني هَاشم. وَقَوله: وَمَوْضِع حَقه يُرِيد: من حَظّ الرجل أَيْضا أَن يكون حَقه عِنْد من لَا يَدْفَعهُ وَلَا يجحده وَلَا يَدْفَعهُ عَنهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر انه اسْتعْمل رجلا على عمل بِالْيمن فوفد عَلَيْهِ وَعَلِيهِ حلَّة مشهرة وَهُوَ مرجل دَهِين فَقَالَ: هَكَذَا بعثناك فَأمر بالحلة فنزعت وألبس جُبَّة صوف ثمَّ سَالَ عَن ولَايَته فَلم يذكر إِلَّا خير فَرده على عمله ثمَّ وَفد عَلَيْهِ بعد ذَلِك فَإِذا أَشْعَث مغبر عَلَيْهِ أطلاس فَقَالَ: لَا وَلَا كل هَذَا إِن عاملنا لَيْسَ بالشعث وَلَا بالعافي كلوا وَاشْرَبُوا وادهنوا انكم ستعلمون الَّذِي أكره من أَمركُم. يرويهِ الْفضل بن مُوسَى عَن عَمْرو بن مَيْمُون بن مهْرَان عَن أَبِيه الأطلاس: الوسخة من الثِّيَاب يُقَال رجل أطلس الثَّوْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 8 - بَين الطلسة قَالَ ذُو الرمة وَذكر الصَّائِد: من الْبَسِيط ... مقزع أطلس الأطمار لَيْسَ لَهُ ... إِلَّا الضراء وَإِلَّا صيدها نشب ... وَمِنْه قيل للذئب فِي لَونه أطلس. والعافي: الطَّوِيل الشّعْر يُقَال: عَفا وبر الْبَعِير إِذا طَال وعفت الأَرْض إِذا غطاها النَّبَات وَمِنْه الحَدِيث إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن تعفى اللحى وتحفى الشَّوَارِب. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ لِابْنِ أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ: أما تراني لَو شِئْت أمرت بفتيه سَمِينَة أَو قنية فألقي عَنْهَا شعرهَا ثمَّ أمرت بدقيق فنخل فِي خرقَة فَجعل مِنْهُ خبز مرقق وَأمرت بِصَاع من زبيب فَجعل فِي سعن حَتَّى يكون كَدم الغزال. يرويهِ سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال. السعن: قربَة أَو إداوة ينْبذ فِيهَا وَتعلق بوتد أَو جذع نَخْلَة. وَبَلغنِي إِنَّهَا لَا تسمى سعنا حَتَّى يقطع أَسْفَلهَا ويشد رَأسهَا وَذَلِكَ إِذا أخلقت فَيكون مَا يلقى فِيهَا من مَوضِع الْقطع لسعته. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه رأى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 رجلا يأنح ببطنه فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالَ: بركَة من الله فَقَالَ بل هُوَ عَذَاب يعذبك الله بِهِ. يرويهِ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن الْحسن. قَوْله: يانح ببطنه هُوَ من الأنوح صَوت يسمع من الْجوف وَمَعَهُ نفس وبهر يعتري السمين من الرِّجَال إِذا مَشى وَالْفرس الخوار الثقيل يُقَال: انج يأنح أنوحا وَهُوَ رجل أنوح وَفرس أنوح قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... جرى ابْن ليلى جرية السبوح ... جرية لَا كاب وَلَا أنوح ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه لما دنا من الشَّام ولقيه النَّاس جعلُوا يتواطنون فأشكعه ذَلِك وَقَالَ لأسلم: انهم لن يرَوا على صَاحبك بز قوم غضب الله عَلَيْهِم. أشكعه: فِيهِ قَولَانِ يُقَال اغضبه ذَلِك تَقول أشكعني الامر وأحفظني أَي: أَغْضَبَنِي وَيُقَال أشكعه: أمله وأضجره. يُقَال: شكعت من كَذَا إِذا مللته وَهَذَا أعجب إِلَيّ الأول لقَوْل أبي وجزة: من الْبَسِيط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 .. سل الْهوى ولبانات الْفُؤَاد بهَا ... وَالْقلب شاكي الْهوى من حبها شكع ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ ان عَاملا لَهُ على الطَّائِف كتب اليه ان رجَالًا من فهم كلموني فِي خلايا لَهُم أَسْلمُوا عَلَيْهَا وسألوني أَن أحميها لَهُم. فَكتب إِلَيْهِ عمر: إِنَّمَا هُوَ ذُبَاب غيث فَإِن أَدّوا زَكَاته فاحمه لَهُم. الخلايا مَوَاضِع النَّحْل الَّتِي تعسل فِيهَا الْوَاحِدَة خلية. وَقَوله: إِنَّمَا هُوَ ذُبَاب غيث أَي: يكون مَعَ الْغَيْث يُرِيد أَنَّهَا تعيش بالمطر لِأَنَّهَا تَأْكُل مَا ينْبت عَنهُ. فَإِذا لم يكن غيتا لم يكن لَهَا مَا تَأْكُل فشبهها بالراعي والسائم من النعم إِذا لم يكن على صَاحبهَا مِنْهَا مؤونة وَأوجب فِيهَا الزَّكَاة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِن سعد بن الأخرم قَالَ: كَانَ بَين الْحَيّ وَبَين عدي بن حَاتِم تشاجر فأرسلوني إِلَى عمر بن الْخطاب فَأَتَيْته وَهُوَ يطعم النَّاس من كسور إبل وَهُوَ قَائِم متوكيء على عصى متزر إِلَى أَنْصَاف سَاقيه خذب من الرِّجَال كَأَنَّهُ راعي غنم وَعلي حلَّة ابتعتها بِخمْس مائَة دِرْهَم فَسلمت عَلَيْهِ فَنظر إِلَيّ بذنب عَيْنَيْهِ وَقَالَ لي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 رجل: أمالك معوز قلت: بلَى قَالَ: فَأَلْقِهَا قَالَ فالقيتها وَأخذت معوزا ثمَّ لَقيته فَسلمت فَرد عَليّ السَّلَام. يرويهِ سُفْيَان عَن شيخ من طي عَن سعد بن الأخرم. كسور الْإِبِل أعضاؤها والخدب الْعَظِيم الجافي وَلذَلِك قيل للظليم: خذب. وَقَوله: كَأَنَّهُ راعي غنم يُرِيد فِي الْجفَاء والبذاذة. وَالْعرب تضرب بِهِ الْمثل براعي الْغنم فِي الْجفَاء وَكَذَلِكَ راعي الابل تضرب بِهِ الْمثل قَالَ أَبُو النَّجْم يصف رَاعيا: [من الرجز] صلب الْعَصَا جَاف عَن التغزل يُرِيد أَنه يجفو عَن المغازية والمزاح وَأَشْبَاه هَذَا. وَالْعرب أَيْضا تضرب الْمثل [10 / ب] براعي الْغنم فِي الْجَهْل وَيَقُولُونَ: {اجهل من راعي ضَأْن} وَقَالَ حميد بن ثَوْر يصف بَعِيرًا: من الطَّوِيل. ... محلى بأطواق عتاق يبينها ... على الضّر راعي الضان لَا يتقوف ... يُرِيد انه اذا تبينها راعي الضَّأْن على جَهله فَغَيره لَهَا أَشد نَبينَا وَلِهَذَا قَالَ الأخطل لجرير: من الْكَامِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 .. فانعق بضأنك يَا جرير فَإِنَّمَا ... منتك نَفسك فِي الْخَلَاء ضلالا ... وَلم يكن جرير براعي ضَأْن وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن بني كُلَيْب يعيرون برعي الضَّأْن وَجَرِير مِنْهُم فَهُوَ من جفاتهم وَمن ذهب فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَمثل الَّذين كفرُوا كَمثل الَّذِي ينعق بِمَا لَا يسمع} . إِلَى انه شبههم براعي الضَّأْن فِي الْجَهْل كَانَ على مَذْهَب الْعَرَب وَجها غير أَنه لم يذهب إِلَيْهِ أحد من الْعلمَاء فِيمَا نعلم. وَفِي حَدِيث حنين أَن دُرَيْد بن الصمَّة قَالَ: بِأَيّ وَاد أَنْتُم قَالُوا بأوطاس فَقَالَ: نعم مجَال الْخَيل لَا حزن ضرس وَلَا سهل دهس ثمَّ قَالَ لمَالِك بن عَوْف: مَالِي أسمع بكاء الصَّغِير ورغاء الْبَعِير ونهاق الْحمير ويعار الشَّاء. قَالَ مَالك. يَا أَبَا قُرَّة اني سقت مَعَ النَّاس أَمْوَالهم وذراريهم وَأَرَدْت أَن أجعَل كل رجل مِنْهُم أَهله وَمَاله يُقَاتل عَنهُ فأنقض بِهِ دُرَيْد ثمَّ قَالَ: لبس المعوز رد عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا من الْأَئِمَّة تَأْدِيب وَلَا يجوز ذَلِك لغَيرهم لِأَن رد السَّلَام فرض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 .. يَا لَيْتَني فِيهَا جذع ... أخب فِيهَا وأضع أَقُود وطفاء الزمع ... كَأَنَّهَا شَاة صدع ... قَوْله: انقض بِهِ دُرَيْد يُرِيد انه نقر بِلِسَانِهِ فِي فِيهِ كَمَا تزجر الشَّاة أَو الْحمار. وَقَوله: رويعي ضَأْن يستجهله وَبَلغنِي أَن قوما من منتصبي صحابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذهبون فِي قَول الْقَائِل فِي عمر رَضِي الله عَنهُ كَأَنَّهُ راعي غنم إِلَى هَذَا المغنى ومعاذ الله وَكَيف يظنّ هَذَا بِمن جعل الله ظَنّه كيقين غَيره. وَجعل السكينَة على لِسَانه وَالْحق مَعَه حَيْثُ زَالَ وَحَيْثُ كَانَ وَلكنه شبههه براغي الْغنم فِي جفائه عَن الْعَبَث والمزح وخشونته وبذاذة هَيئته وَنَحْو هَذَا قَول ابْن عمر فِيهِ: انه كَانَ يَصِيح الصَّيْحَة فيكاد من سَمعهَا يصعق كَالْجمَلِ المحجوم. والمحجوم هُوَ الْبَعِير يَجْعَل فوه فِي حجام لِئَلَّا يعَض. والحجام والكعام وَاحِد. وَذَلِكَ إِذا هاج والمعوز: الثَّوْب الْخلق وَجمعه: معاوز كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الوز أَي يلْبسهُ الْفَقِير المعوز وَخرج مخرج الْآلَة والأداة بِكَسْر الْمِيم كَمَا يُقَال: مقطع ومحمل وَإِنَّمَا ترك عمر رَضِي الله عَنهُ فَرد السَّلَام عَلَيْهِ وَنظر إِلَيْهِ بمؤخر عَيْنَيْهِ لِأَنَّهُ اشْتهر الْحلَّة فَلَمَّا الْحلَّة فَلَمَّا لبس المعوز رد عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا من الْأَئِمَّة تَأْدِيب وَلَا يجوز ذَلِك لغَيرهم لِأَن رد السَّلَام فرض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه مر بِرَجُل قد قصر الشّعْر فِي السُّوق فعاقبه. قصّ الشّعْر أَي: جزه وانما عاقبه على ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يُؤمن اذا جز فِي السُّوق أَن تحمله الرّيح فتلقيه فِيمَا يَأْكُلهُ النَّاس ويأتدمونه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ انه ذكر فتيَان قُرَيْش وسر فهم فِي الانفاق فَقَالَ: لحرفة أحدهم أَشد عَليّ من عيلته. الحرفة هَا هُنَا ان يكون الرجل لَا يتجر وَلَا يلْتَمس الرزق أَو يكون محدودا لَا يرْزق إِذا طلب وَمِنْه قيل: فلَان محارف والعيلة: الْفقر. وَأَرَادَ عمر أَن إغناء الْفَقِير مِنْهُم أيسر عَليّ من إصْلَاح الْفَاسِد. والحرفة فِي مَوضِع آخر الِاكْتِسَاب بالصناعة وَالتِّجَارَة. وَفِي حَدِيث آخر لعمر أَنه قَالَ: إِنِّي لارى الرجل فَيُعْجِبنِي فَأَقُول هَل لَهُ حِرْفَة فَإِن قَالُوا لَا سقط من عَيْني. وَمِنْه يُقَال: فلَان حريف فلَان إِذا عَامله فعيل فِي معنى فَاعل مثل جليس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وأكيل وشريب. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لرجل: مَا مَالك فَقَالَ: أقرن لي وآدمة فِي المنيئة فَقَالَ: فقومها وزكها. الأقرن جمع قرن وَهِي جعبة من جُلُود تكون للصيادين يشق جَانب مِنْهَا لتدخلها الرّيح وَلَا يفْسد الريش وآدمة جمع أَدِيم مثل جريب وأجربة. والمنيئة: الدّباغ وَإِنَّمَا امْرَهْ بتزكيتها لِأَنَّهَا كَانَت للتِّجَارَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِن أَبَا أبي وجزة السَّعْدِيّ قَالَ: شهدته يَسْتَسْقِي فَجعل يسْتَغْفر فَأَقُول: أَلا يَأْخُذ فِيمَا خرج لَهُ وَلَا أشعر أَن الاسْتِسْقَاء هُوَ الاسْتِغْفَار. فقلدتنا السَّمَاء قلدا كل خمس عشرَة لَيْلَة حَتَّى رَأَتْ الأرنبة يأكلها صغَار الابل من وَرَاء حقاق العرفط. رَوَاهُ الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن عبد الله بن عمر عَن أَبى وجزة عَن أَبِيه. قَوْله: قلدتنا السَّمَاء يُرِيد مطرتنا لوقت. والقلد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 أَن يَأْتِيك لمطر. وَكَذَلِكَ قلد الْحمى هُوَ أَن تَأْتِيك لوقت. وقلد الزَّرْع: أَن تسقيه يَوْم حَاجته يُقَال: أَقمت قلدي إِذا أَنْت سقيت زرعك فِي الْأَوْقَات الَّتِي تحْتَاج إِلَى السَّقْي فِيهَا وَمِنْه حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: أَن قيمه فِي الوهط استأذنه فِي بيع فضل المَاء فَكتب إِلَيْهِ: لَا تبعه وَلَكِن أقِم قلدك ثمَّ اسْقِ الْأَدْنَى فالأدنى فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع فضل المَاء. وَفِيه قَول آخر يُقَال: القلد فِي الْمَطَر من المقاليد وَهِي المفاتيح. قَالَ الله جلّ وَعز {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر} . أَي لَهُ مَفَاتِيح خزائنها وواحدها اقليد وَيُقَال أَصله فَارسي: إكليذ فَكَأَن عمر رَضِي الله عَنهُ استفتح بالاستغفار بَاب الرَّحْمَة والمطر فقلدت السَّمَاء أَي فتحت. وَقَوله: حَتَّى رَأَيْت الأرنبة تأكلها صغَار الْإِبِل يُرِيد: ان الأرانب حملهَا السَّيْل حَتَّى تعلّقت بالعرفط وَهُوَ شجر أَو شوك والسيل يحمل السباغ والظباء والأرانب قَالَ امْرُؤ الْقَيْس وَذكر سيلا: من الطَّوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 .. كَأَن سياعا فِيهِ غرفى عَشِيَّة ... بأرجائه القصوى أنابيش عنصل ... وَقَالَ الْهُذلِيّ وَذكر سيلا: من المتقارب كَأَن الظباء كشوح النِّسَاء يطفون فَوق ذراه جنوحا وَزَاد فِي الأرنب هَاء. كَمَا قَالُوا: عقرب وعقربة لِأَن الأرنب وَالْعَقْرَب مؤنثتان وَذكر الأرانب خزز. وَذكر الْعَقْرَب عقربان وأرنب وعقرب يَقع على الْمُذكر والمؤنث حَتَّى تَقول: خزز أَو عقربان فَيكون ذَلِك للذّكر خَاصَّة فَمن زَاد فيهمَا هَاء فَإِنَّهُ أظهر علم التَّأْنِيث كَمَا قَالُوا متن وَهِي مُؤَنّثَة ثمَّ قَالُوا: متنة فأظهروا علم التَّأْنِيث وَقَالُوا طَرِيق ثمَّ قَالُوا طَريقَة. وحقاق العرفط: صغارها وشوابها شبهت بحقاق الْإِبِل وَهِي الَّتِي لَهَا أَربع سِنِين. وانما خص صغَار الشّجر دون كباره لِأَنَّهُ يقر من الأَرْض ويتشعب مِنْهُ شوك فَإِذا حمل السَّيْل الأرانب وَمَا أشبههَا تعلق بشعب العرفط فَيبقى متشبثا بِهِ ويمضي السَّيْل. وَدلّ أَيْضا على انها تنْبت بذلك الْمَطَر. وَتخرج الْإِبِل الى المرعى فتأكل مَا تعلق بذلك من عِظَام الأرانب وَغَيرهَا وَالْإِبِل تَأْكُل عِظَام الْميتَة قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: من الطَّوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وَكنت كعظم العاجمات اكتنفنه ... بأطرافها حَتَّى استدق نحولها ... يَقُول: بليت حَتَّى صرت كعظم اكتنفته الْإِبِل ترتمه بأطرافها أَي: بأفواها حَتَّى استدق نَحْوهَا الابل إِذا لم تَجِد غَيره من المرعى وَكَانَ بعض الروَاة يذهب فِي تَفْسِير هَذَا الْبَيْت إِلَى غير مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ وَهَذَا أحسن مَا سمعناه فِيهِ. وأبعده من الاستكراه قَالَ لبيد: من الْبَسِيط والنيب ان تعر مني رمة خلقا ... بعد الْمَمَات فَإِنِّي كنت أثئر ... يَقُول: الابل ان تعتر مني عظما بَالِيًا بعد مماتي تَأْكُله فقد اثأرت افتعلت من الثأر أَي: قد كنت أنحرها وأعرقها وَأَنا حَيّ فقد ادركت ثَأْرِي. وَقَالَ عِكْرِمَة: ان الَّذين يغرقون فِي الْبَحْر تقتسم لحومهم الْحيتَان فَلَا يبْقى مِنْهُم شىء إِلَّا الْعِظَام فتلقيها الأمواج على السَّاحِل فتمكث حينا ثمَّ تصير حائلة نخرة ثمَّ تمر بهَا الْإِبِل فتأكلها ثمَّ تجتر ثمَّ تسير الابل فتبعر ثمَّ يجىء قوم فينزلون فَيَأْخُذُونَ ذَلِك البعر فيوقدون بِهِ ثمَّ تخمد تِلْكَ النَّار فتجىء ريح فتلقي ذَلِك الرماد على الأَرْض. فَإِذا جَاءَت النفخة إِذا هم قيام ينظرُونَ يخرج اولئك وَأهل الْقُبُور سَوَاء وَفِي قَول آخر يُقَال ان الأرنبة ضرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 من النبت لَا يكَاد يطول وَأَرَادَ أَنه طَال بِهَذَا الْمَطَر حَتَّى أَكلته صغَار الْإِبِل وتناولته من وَرَاء شجر العرفط. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ: مَا ولي أحد إِلَّا حام على قرَابَته وقرى فِي عيبته وَلنْ يَلِي النَّاس كقرشي عض على ناجذه. رَوَاهُ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي. وَقَوله: حام على قرَابَته يُرِيد: عطف عَلَيْهِم وَقصد بالنفع لَهُم وحاطهم وَأَصله من قَوْله: الابل تحوم على المَاء إِذا دارت حوله لتشرب. وَقَوله: وقرى فِي عيبته أَي: اختان وأصل قرى جمع يُقَال: قريت المَاء فِي الْحَوْض إِذا جمعته فِيهِ وقرى الدَّابَّة الْعلف فِي شدقه. والعيبه: عَيْبَة الثِّيَاب وَكَانُوا يجْعَلُونَ فِيهَا حر مَتَاعهمْ وَأفضل مَا يحرزون ويخفون. فَقيل فلَان يقري فِي عيبته إِذا اختان وَقد بَين ذَلِك ابْن أَحْمَر حِين ذكر عُمَّال الصَّدَقَة وحياناتهم فقا ل: من الْبَسِيط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 .. ان االعياب الَّتِي يخفون مشرجة ... فِيهَا الْبَيَان ويخفي عنْدك الْخَبَر فَابْعَثْ إِلَيْهِم فحاسبهم محاسبة ... لَا تخف عين على عين وَلَا أثر هَل فِي الثماني من التسعين مظْلمَة ... وربها بِكِتَاب الله مصبطر ... يَقُول: هَل فِي ثَمَانِي فَرَائض أخذت من تسعين شَاة مظْلمَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ: لن تخور قوى مَا كَانَ صَاحبهَا ينْزع وينزو. بَلغنِي عَن ابْن عَائِشَة. قَوْله: لن تخور أَي: لن تضعف وَمِنْه قيل للضعيف خوار وخار فلَان فِي الْعَمَل إِذا ضعف. والقوى جمع قُوَّة. وَقَوله: مَا كَانَ صَاحبهَا ينْزع أَي: ينْزع فِي الْقوس وينزو يُرِيد: النزو على الْخَيل وَترك الِاسْتِعَانَة على الرّكُوب بالركب. قَالَ الْعمريّ: كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَأْخُذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 بِيَدِهِ الْيُمْنَى أذنة الْيُسْرَى تمّ يبجمع جزاميزه ويثب فَكَأَنَّمَا خلق على ظهر فرسه. جراميزه: رِجْلَاهُ ويداه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: تعلمُوا السّنة والفرائض واللحن كَمَا تعلمُونَ الْقُرْآن. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن عبد الله بن عبد الوهاب الحجي عَن عبد الواحد بن زِيَاد عَن عَاصِم الْأَحول عَن مؤرق الْعجلِيّ. اللّحن هَاهُنَا: اللُّغَة يَقُول: تعلمُوا اللُّغَة يَعْنِي الْغَرِيب والنحو كَمَا تتعلمون الْقُرْآن لِأَن فِي اللُّغَة علم غَرِيب الْقُرْآن ومعانيه ومعاني الحَدِيث وَالسّنة وَمن لم يعرف اللُّغَة لم يعرف أَكثر كتاب الله وَلم يقمه وَلم يعرف اكثر السّنَن. وروى شريك عَن أَبى اسحق قَالَ قَالَ أَبُو ميسرَة فِي قَول الله جلّ وَعز: {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم سيل العرم} . ان العرم المسناة بلحن الْيمن يُرِيد بلغَة الْيمن وَمِنْه قَول ذِي الرمة: من الْبَسِيط ... فِي لحنه عَن لُغَات الْعَرَب تعجيم ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 أَي: فِي لغته تعجيم عَن لُغَات الْعَرَب. وقاال ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ان عَطاء بن يسَار قَالَ: قلت للوليد بن عبد الْملك قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: وددت أَنِّي سلمت من الْخلَافَة كفافا لَا عَليّ وَلَا لي. فَقَالَ أَو كذبت الْخَلِيفَة يَقُول هَذَا فَقلت: كذبت قَالَ: فَأَفلَت مِنْهُ بجريعة الذقن. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي عَن إِسْحَق بن يحيى ابْن طَلْحَة عَن عَطاء بن يسَار. وخبرني ابو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ هَذَا مثل يُقَال: أفلت فلَان بجريعة الذقن. يُرَاد أَن نَفسه صَارَت فِي فِيهِ قَالَ أَبُو حَاتِم وَقَالَ أَبُو زيد يُقَال: أفلتني فلَان جريعة الذقن إِذا كَانَ قَرِيبا مِنْهُ كجرعة الذقن وَقَالَ الْهُذلِيّ مثل قَول الْأَصْمَعِي: من الطَّوِيل ... نجا سَالم وَالنَّفس مِنْهُ بشدقة ... وَلم ينج الا جفن سيف ومئزرا ... تمّ حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 - حَدِيث عُثْمَان ابْن عَفَّان وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: وددت أَن مَا بَيْننَا وَبَين الْعَدو هوتة لَا يدْرك قعرها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن ابى اسحاق عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن الْحسن ان عُثْمَان قَالَ ذَلِك. الهوتة بِمَنْزِلَة الهوة والهوة تقديرها فعلة من: هوى يهوى قَالَ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي انما سميت هيت لِأَنَّهَا فِي هوة من الأَرْض وَكَأن الْيَاء فِي هيت منقلبة عَن وَاو للكسرة قبلهَا لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة من الهوتة. وَمثل ذَلِك: الْبَصَر وَالْبَصْرَة إِذا كسرت أَولهَا أسقطت الْهَاء وَإِذا فتحت اولها أثبت الْهَاء وَهِي حِجَارَة رخوة وَبهَا سميت الْبَصْرَة. وَمعنى الحَدِيث أَنه اراد سَلامَة الْمُسلمين فأثرها على الْجِهَاد مَعَ قَتلهمْ وَهُوَ مثل قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: وددت أَن وَرَاء الدَّرْب جَمْرَة وَاحِدَة وَنَارًا توقد يَأْكُلُون مَا وَرَاءه وَنَأْكُل مَا دونه لَا يأتوننا وَلَا نأيتهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ان سَعْدا وَعمَّارًا ارسلا اليه أَن ائتنا فانا نُرِيد ان نذاكر أَشْيَاء أحدثتها فَأرْسل إِلَيْهِمَا: ميعادكم يَوْم كَذَا وَكَذَا حَتَّى أتشزن ثمَّ اجْتَمعُوا لِلْمِيعَادِ فَقَالُوا: ننقم عَلَيْك ضربك عمارا فَقَالَ عُثْمَان: تنَاوله رَسُولي من غير أَمْرِي فَهَذِهِ يَدي لعمَّار فليصطبر. وَذكروا بعد ذَلِك أَشْيَاء نقموها عَلَيْهِ فأجابهم وَانْصَرفُوا راضين فَأَصَابُوا كتابا مِنْهُ إِلَى عَامله أَن خُذ فلَانا وَفُلَانًا فَضرب أَعْنَاقهم فَرَجَعُوا فبدءوا بعلي عَلَيْهِ السَّلَام فَجَاءُوا بِهِ مَعَهم فَقَالُوا: هَذَا كتابك. فَقَالَ عُثْمَان: وَالله ماكتبت وَلَا أمرت قَالُوا: فَمن تظن. قَالَ: اظن كاتبي وأظنك بِهِ يَا فلَان. فِي حَدِيث طَوِيل اختصرناه. حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عَفَّان عَن أَبى مُحصن عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن جهيم رجل من فهر. قَوْله: أتشزن يُرِيد: استعد للاحتجاج وَهُوَ مَأْخُوذ من الشزن وَهُوَ عرض الشىء وجانبه كَأَن المتشزن يدع الظمأنينة فِي جُلُوسه وَيجْلس مستوفزا على جَانب. وَقَالَ عبيد الله بن زِيَاد: نعم الشَّيْء الامارة لَوْلَا قعقعة الْبرد والتشزن للخطب. وَقَوله: هَذِه يدى لعمَّار أَي: أَنا مستسلم لَهُ وَفِي الْيَد أَمْثَال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 مِنْهَا قَوْلهم: هَذِه يَدي لَك يُرِيد بِهِ الانقياد وَفُلَان يقلب كفيه على كَذَا إِذا نَدم. وَمثله: سقط فِي يَده إِذا نَدم ورددت يَدَيْهِ فِي فِيهِ إِذا غظته. وَأَصله: انه بعض على أَصَابِعه غيظا وتلهفا قَالَ الشَّاعِر: من المتقارب. ... يردون فِي فِيهِ عشر الحسود ... يُرِيد انه يعَض عَلَيْهِم أَصَابِعه غيظا وَنَحْوه قَول الْهُذلِيّ: من المتقارب ... قد افنى أنامله أزمه ... فأضحى يعَض عَليّ الوظيفا ... الأزم: العض. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} وَخرج فلَان انازع يَد أَي عَاصِيا وهم عَلَيْهِ يَد أَي: مجتمعون وَأَعْطَاهُ عَن ظهر يَد أَي: ابْتِدَاء لَا عَن بيع وَلَا عَن مُكَافَأَة. وَقَوله: فليصطبر أَي: فليقتص وأصل الاصطبار الْحَبْس على الْقود وَالْقصاص. يُقَال: صبرته واصطبرته فسميا اصطبارا. وَقَوْلهمْ: من تظن بِذَاكَ أَي: من تتهم وَأَصله: تظتن من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 الظنة فأدغمت الظَّاء فِي الثَّاء ثمَّ أبدلت مِنْهُمَا طاء مُشَدّدَة كَمَا تَقول: مظلم من الظُّلم وَالْأَصْل: مظتلم ومدكر من الذّكر وَالْأَصْل: مذتكر وأنشدوا: من الْبَسِيط ... هُوَ الْجواد الَّذِي يعطيك نائله ... عفوا وَيظْلم أَحْيَانًا فيظلم ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه جَاءَ ابْن أَبى بكر إِلَيْهِ فَأخذ بلحيته وَأَقْبل رجل مسقف بِالسِّهَامِ فَأَهوى بهَا إِلَيْهِ. حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ سهل بن مُحَمَّد ثناه الْأَصْمَعِي عَن أبي الْأَشْهب. المسقف الطَّوِيل وَفِيه مَعَ طوله انحناء وَكَذَلِكَ الأسقف يُقَال: هُوَ أَسْقُف بَين السّقف قَالَ الْمسيب بن علس وَذكر غائصا: من الْكَامِل ... فانصب أَسْقُف رَأسه لبد ... نزعت رباعيتاه للصبر ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وحَدثني ابى حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن أَبى عوَانَة أَو عوَانَة قَالَ: كَانَ القواد الَّذين ولوا قبله سِتَّة: عَلْقَمَة بن عبس وكنانة بن بشر وَحَكِيم بن جبلة وَالْأَشْتَر وعبد الله بن بديل كنَانَة بن بشر وَقتل مَكَانَهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: لَا يَغُرنكُمْ جشركم من صَلَاتكُمْ. الجشر أَن يخرج لقوم دوابهم من الْمنَازل يرعونها يُقَال: بَنو فلَان جشر إِذا كَانُوا يُقِيمُونَ فِي الرَّعْي لَا يرجعُونَ إِلَى الْبيُوت كل لَيْلَة قَالَ الأخطل: من الْبَسِيط ... يعرمونك رَأس ابْن الْحباب وَقد ... أَمْسَى وللسيف فِي خيشومه أثر تسأله الصَّبْر من غَسَّان إِذْ حَضَرُوا ... والحزن كَيفَ قراك الغلمة الجشر ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وَالصَّبْر والحزن: قبيلتان من الْيمن وَكَانَ عُمَيْر بن الْحباب يَقُول: إِنَّمَا هم جشر لنا. قَالَ: فهم يَقُولُونَ لرأسه كَيفَ رَأَيْت قرى هَؤُلَاءِ الَّذين كنت تزْعم انهم جشر لَك. وَلِهَذَا قيل لراعي الدَّوَابّ: جاشر وجشار وَمِنْه حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عبد الله بن عمر قَالَ: كُنَّا فِي سفر مَعَه فنزلنا منزلا فمنا من ينتضل وَمنا من هُوَ فِي جشره فَنَادَى مناديه: الصَّلَاة جَامِعَة يُرِيد بالجشر: إِنَّهُم أخرجُوا دوابهم من الْمنزل الَّذِي نزلوه يرعونها قرب الْبيُوت وَالَّذِي أَرَادَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ بقوله لَا يَغُرنكُمْ جشركم من صَلَاتكُمْ انهم كَانُوا يتأولون فِي خُرُوجهمْ إِلَى الرعى السّفر فيقصرون الصَّلَاة. فَقَالَ: لَا تَفعلُوا ذَلِك لِأَن الْمقَام فِي المرعى وان طَال لَيْسَ بسفر. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه أَمر مناديا فَنَادَى: ان الزَّكَاة فِي الْحلق واللبة لمن قدر وأقروا الْأَنْفس حَتَّى تزهق. حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 ابى إِسْحَاق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الْمَعْرُور الْكَلْبِيّ عَن رجل. قَوْله: لمن قدر يَعْنِي ان هَذَا زَكَاة مَا فِي يَديك فَإِنَّمَا مَا ند فزكاته فِي الْموضع الَّذِي وَقع فِيهِ سهمك أَو سَيْفك بِمَنْزِلَة الصَّيْد. وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لهَذِهِ الْبَهَائِم أوابد كأوابد الْوَحْش فَمَا غَلَبَكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا. هَذَا أَو نَحوه فِي الْكَلَام. وَمِنْه الحَدِيث: إِن ناضحا تردى فِي بِئْر فذكي من قبل شاكلته فَأخذ ابْن عمر مِنْهُ عشيرا بِدِرْهَمَيْنِ. والشاكلة: الخاصرة. وَفِي حَدِيث آخر: أَن قرمليا تردى فِي بِئْر. والقرملي الصَّغِير من الْإِبِل فِي جِسْمه. وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه لما قتل قيل انها فتْنَة باقرة كوجع الْبَطن. يرويهِ سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَاصِم عَن ابى وَائِل. الباقرة: الْفَاتِحَة الموسعة من قَوْلك: بقرت بَطْنه أَي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 شققته وَأَرَادَ أَن الألفة والاجتماع كَانَا قبل قَتله فَلَمَّا قتل انصدع ذَلِك وانما سمي الاتب بقيرا للشق وَهُوَ برد يشق ثمَّ تلقيه الْمَرْأَة فِي عُنُقهَا من غير كمين وَلَا جيب وَشبههَا بوجع الْبَطن لِأَن وجع الْبَطن لَا يدرى مَا هاجه وَلَا كَيفَ يَتَأَتَّى لَهُ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: الْفِتْنَة باقرة كوجع الْبَطن لَا يدرى أَنى يُؤْتى لَهُ. قَالَ ابْن أَحْمَر: من الوافر ... أرانا لَا يزَال لنا حميم ... كداء الْبَطن سلا اَوْ صفارا ... وَقَالَ آخر: من الطَّوِيل ... وَمولى كداء الْبَطن لَا خير عِنْده ... وَلَا شَرّ الا أَن يغيب الأدانيا ... وَأَرَادَ أَنَّهَا فتْنَة لَا يدرى كَيفَ يَتَأَتَّى لسكونها. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ إِن خبيب بن شَوْذَب قَالَ: كَانَ الْحمى حمى ضرية على عهد عُثْمَان سرح الْغنم سِتَّة الأميال ثمَّ زَاد النَّاس فِيهِ فَصَارَ خيال بامره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وخيال بأسود الْعين. وَقَالَ: وَحمى الربذَة نَحْو من حمى ضرية. حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن حبيب بن شَوْذَب. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي تَفْسِير الخيال انهم كَانُوا ينصبون خشبا عَلَيْهَا ثِيَاب سود ليعلم إِنَّه حمى وأنشدني الرياشي: من الطَّوِيل ... أخي لَا اخا لي غَيره غير أنني ... كراعي الخيال يستطيف لَا فكره ... وَقَالَ: راعي الخيال: هُوَ الرأل ينصب لَهُ الصَّائِد خيالا فيالفه فَيَجِيء فَيَأْخُذ الخيال فيتبعه الرأل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم وخبرني ابْن سَلام الجُمَحِي عَن يُونُس النَّحْوِيّ انه قَالَ: يُقَال لَيْسَ لي فِي هَذَا الْأَمر فكر بِمَعْنى: تفكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وإمرة وأسود الْعين: جبلان قَالَ الشَّاعِر يهجو قوما: من الطَّوِيل ... إِذا غَابَ عَنْكُم أسود الْعين كُنْتُم ... كراما وَأَنْتُم مَا أَقَامَ لئام ... يُرِيد: ان لؤمكم لَا يَزُول حَتَّى يَزُول هَذَا الْجَبَل. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: قد اخْتَبَأْت عِنْد الله خِصَالًا إِنَّنِي لرابع الْإِسْلَام وزوجني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنَته ثمَّ ابْنَته وبايعته بيَدي هَذِه الْيُمْنَى فَمَا مسست بهَا ذكري وَلَا تغييت وَلَا تمنيت وَلَا شربت خمرًا فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام. يرويهِ زيد بن الْحباب عَن ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بِهِ عَمْرو الْمعَافِرِي عَن أَبى ثَوْر الفهمي. قَوْله: وَلَا تمنيت أَي: مَا افتعلت الْأَحَادِيث وتخرصت الْكَذِب وَذكر الْفراء: ان رجلا من بعض الْعَرَب سمع ابْن دأب وَهُوَ يحدث فَقَالَ: هَذَا شَيْء رويته أَو شَيْء تمنيته يُرِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 اختلقته. وَيُقَال لتِلْك الْأَحَادِيث المفتعلة: أماني واحدتها: أُمْنِية. وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب إِلَّا أماني} فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن تجْعَل الأمنية التِّلَاوَة كَقَوْلِه تَعَالَى فِي مَوضِع آخر: {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} . يَقُول: إِذا تَلا الْقُرْآن الشَّيْطَان فِي تِلَاوَته. وَالْقَوْل الآخر أَن تجْعَل الأمنية: الإختلاق والافتعال يُرِيد: لَا يعلمُونَ الْكتاب الا أَحَادِيث يسمعونها من كبرائهم مفتعلة لَيست من كتاب الله تَعَالَى وَهَذَا أبين الْوَجْهَيْنِ عِنْدِي عَن الْفراء. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ان أبان بن سعيد قَالَ لَهُ حِين بعث بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أُسَارَى الْمُسلمين: يَابْنَ عَم: مَا أَرَاك متحشفا أسبل فَقَالَ عُثْمَان: هَذَا إزرة صاحبنا. يرويهِ عبيد الله بن مُوسَى عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 قَوْله: مَالِي أَرَاك متحشفا أَي: متيبسا متقلص الثَّوْب وَمِنْه يُقَال ليابس التَّمْر ورديئه حشف. وَيُقَال فِي مثل أحشفا وَسُوء كيلة أَي: أتجمع عَليّ أَن تُعْطِينِي رَدِيء التَّمْر وتسي الْكَيْل وَيُقَال: المتحشف اللابس للحشيف وَهُوَ الثَّوْب الْخلق كَمَا يُقَال متقمس للابس الْقَمِيص قَالَ الْهُذلِيّ وَذكر صائدا: من الْبَسِيط ... يدني الحشيف عَلَيْهَا كي يواريها ... وَنَفسه وَهُوَ للأطمار لِبَاس ... عَلَيْهَا أَي على الْقوس وَقَوله: أسبل يُرِيد اسبل إزارك وَكَانَ قد شمره فَقَالَ عُثْمَان: هَكَذَا يأتزر صاحبنا يَعْنِي النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. والإزرة مثل: الرّكْبَة والجلسة والقتلة وَالْميتَة وَيُقَال: مَاتَ فلَان ميتَة سوء وَهَذَا كُله يُرَاد بِهِ ذَلِك الْجِنْس أَو الضَّرْب من الْفِعْل فَإِن اردت الْمرة الْوَاحِدَة فَهُوَ بِالْفَتْح يُقَال: جلس جلْسَة وَاحِدَة وَقعد قعدة وَاحِدَة ولقيته لقية وأتيته أتية. وَقد تَجْتَمِع فعلة وفعلة فِي حرف وَاحِد وهما سَوَاء مثل الْهَيْئَة والهيئة والمهنة والمنهة أَي: الْخدمَة واللقمة واللقمة واللقوة واللقوة وَهِي الْعقَاب. فَأَما الَّتِي تسرع الْحمل: فَهِيَ لقُوَّة بِالْفَتْح لَا غير. وَفُلَان بعيد الهمة والهمة وَمن المعتل: الضعة والضعة والقحة والقحة والطاة والطيئة من الْوَطْأَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ: كل شَيْء يحب وَلَده حَتَّى الحباري. وَإِنَّمَا خص الْحُبَارَى من جَمِيع الْحَيَوَان لِأَنَّهُ يضْرب بهَا الْمثل فِي الموق. يَقُول فَهِيَ على موقها تحب وَلَدهَا وتعلمه الطيران إِذا هُوَ قوي وَذَلِكَ بِأَن تطير مرّة يمنة ويسرة عَنهُ وَهُوَ ينظر ليتعلم قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... وكل شَيْء قد يحب وَلَده ... حَتَّى الْحُبَارَى فتطير عِنْده ... قَوْله: عِنْده أَي: عراضه وَمثل آخر يضْرب بهَا يُقَال: مَاتَ فلَان كمد الْحُبَارَى. وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا تحسرت وَأَلْقَتْ ريشها مَعَ إِلْقَاء الطير ريشه أَبْطَأَ نَبَات ريشها فَإِذا طَار الطير ورامت هِيَ الطيران فَلم تقدر عَلَيْهِ مَاتَت كمدا وَقَالَ أَبُو الْأسود: من الوافر وَزيد ميت كمد الْحُبَارَى ... إِذا ظعنت هنيدة أَو ملم ... ملم أَي: مقارب للْمَوْت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه خرج يومامن دَاره وَقد جىء بعامر بن عبد قيس وأقعد فِي دهليزه فَرَأى شَيخا دميما أشغى ثطا فِي عباءة فَأنْكر مَكَانَهُ فَقَالَ: يَا أَعْرَابِي: ايْنَ رَبك قَالَ: بالمرصاد. قَالَ الْأَصْمَعِي: الشغا فِي الْأَسْنَان وَهُوَ أَن يخْتَلف ثنيتها وَلَا تنسق يُقَال: رجل أشغى وَامْرَأَة شغواء وَقَالَ غَيره: الشغا: خُرُوج الثنيتين من الشّفة وارتفاعهما وَإِنَّمَا قيل للعقاب: شغواء لتعقف منقارها. والشط من الرِّجَال والأثط: هُوَ الذ ي عري وَجهه من الشّعْر الا طاقات فِي اسفل حنكه والسنوط والسناط هُوَ الكوسج. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه أهديت اليه يعاقيب وَهُوَ محرم بالعرج فَقَامَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 لم قُمْت فَقَالَ: لِأَن جلّ وَعز يَقُول: {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما} . يرويهِ سُفْيَان عَن يزِيد بن ابى زِيَاد عَن عبد الله بن الْحَرْث بن نَوْفَل. اليعاقيب: ذُكُور القبج وَاحِدهَا يَعْقُوب. وَقَالَ رجل لعطاء: أهديت لي يعاقيب وَأَنا بِمَكَّة وذبحتها فَقَالَ لي: تصدق بِثمنِهَا. قَالَ سَلامَة بن جندل وَذكر الشَّبَاب: من الْبَسِيط ولى حثيثا وَهَذَا الشيب يتبعهُ ... لَو كَانَ يُدْرِكهُ ركض اليعاقيب ... والر كض: الطيران وَيُقَال للْأُنْثَى حجلة وقبجة وَكَذَلِكَ الذّكر بِالْهَاءِ حَتَّى تَقول: يَعْقُوب وَمثله النعامة الذّكر وَالْأُنْثَى حَتَّى يَقُول ظليم وَكَذَلِكَ الدراجة للذّكر وَالْأُنْثَى حيقطان والنحلة للذّكر والانثى حَتَّى تَقول: يعسوب والبومة الذّكر وَالْأُنْثَى حَتَّى تَقول: صدى أَو فياد. والحبارى للذّكر وَالْأُنْثَى حَتَّى تَقول: خرب وَمثل هَذَا كثير. وَقد اخْتلف النَّاس فِي لحم الصَّيْد فِي الاحرام فكرهه قوم لقَوْل الله جلّ وَعز: {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما} ذَهَبُوا إِلَى لفظ الْآيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 لِأَنَّهُ يَتَّسِع للمعنيين جَمِيعًا صَيْده وَأكله مِنْهُم: ابْن عَبَّاس وَكَانَ يَقُول فِي هَذِه الْآيَة: هِيَ مُبْهمَة. وَمِنْهُم ابْن عمر وَمِنْهُم عَائِشَة وروت ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهديت إِلَيْهِ وشيقة - تُرِيدُ ظَبْي - فَردهَا وَمن ترخص وَأفْتى بِأَكْلِهِ: أَكثر مِنْهُم عمر وَأَبُو هُرَيْرَة وَالزُّبَيْر. وروى أَبُو قَتَادَة الانصاري انه أصَاب حمَار وَحش وَهُوَ حَلَال فَأتى بِهِ أَصْحَابه وهم محرمون فشكوا فِي أكله فَلَحقُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أمامم فَقَالَ: كلوه فَذهب هَؤُلَاءِ إِلَى أَن الله تَعَالَى إِنَّمَا حرم على الْمحرم أَن يصطاده أَو يعقره وَلم يحرم عَلَيْهِ أكل لَحْمه إِذا صَاده حَلَال لغير حرَام أَو شَيْء من سَببه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ حِين تنكر لَهُ النَّاس إِن هَؤُلَاءِ النَّفر رعاع غثرة تطأطأت لَهُم إخْوَانًا وأراهموني الْبَاطِل شَيْطَانا أجررت المرسون رسنه وأبلغت الراتغ مسقانه فَتَفَرَّقُوا عَليّ فرقا ثَلَاثًا فصامت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 صمته أنفذ من صول غَيره وساع أَعْطَانِي شَاهده ومنعنى غابه ومرخص لَهُ فِي مُدَّة زينت فِي قلبه فَأَنا مِنْهُم بَين ألسن لداد وَقُلُوب شَدَّاد وسيوف حداد عذيري الله مِنْهُم أَلا ينْهَى عَالم جَاهِلا وَلَا يردع أَو ينذر حَلِيم سَفِيها وَالله حسبي وحسبهم يَوْم لَا ينطقون وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون. وَفِي الحَدِيث أَن أم سَلمَة أرْسلت إِلَيْهِ يَا بني مَالِي أرى رعيتك عَنْك مزورين وَعَن جنابك نافرين لَا تعف سَبِيلا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحبها وَلَا تقدح بزند كَانَ أكباه توخ حَيْثُ توخى صاحباك فَإِنَّهُمَا ثكما الْأَمر ثكما وَلم يظلماه. قَوْله: رعاع غثرة. كَذَا سمعته يرْوى عَثْرَة كَأَنَّهُ جمع عاثر مثل كَافِر وكفرة وَفَاجِر وفجرة وَلم أسمع لغائر جمعا إِنَّمَا يُقَال: رجل أغثر إِذا كَانَ جَاهِلا وَامْرَأَة غثراء والغثراء عَامَّة النَّاس ورعاعهم. الغثرة والغبرة وَاحِد. يُقَال شَيْء أغثر وأغبر والبغثاء والبرشاء الْجَمَاعَة من النَّاس وَإِنَّمَا قيل لَهَا بغثاء وبرشاء لِأَن فِيهَا الْأَحْمَر وَالْأسود. وَكَانَ يَنْبَغِي على هَذَا أَن يكون رعاع غثر مثل أغبر وغبر وَلَعَلَّه أَن يكون يجْتَمع فِي الْحَرْف أفعل وفاعل كَمَا يُقَال وَاحِد وأوحد ومائل وأميل أَو يكون أفعل قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 يجمع على فعلة فَإِنِّي سَمِعت فِي حَدِيث آخر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أَخَاف على قُرَيْش إِلَّا أَنْفسهَا. ثمَّ وَصفهم فَقَالَ: أشحة بجرة يفتنون النَّاس حَتَّى تراهم بَينهم كالغنم بَين الحوضين إِلَى هَذَا مرّة وَإِلَى هَذَا مرّة. والبجرة الْعِظَام الْبُطُون يُقَال رجل أبجر إِذا كَانَ عَظِيم الْبَطن ناتىء السُّرَّة وَمِنْه سمي الرجل بجيرا وَهُوَ مصغر مرخم يُرِيد أَنهم أَكلَة عِظَام الْبُطُون. وَقَوله: تطأطأت يُرِيد: خفضت لَهُم نَفسِي وذللت وَيُقَال فِي الْمثل: تطأطأ لَهَا تخطك. يُرَاد انخفض لَهَا وَلَا تتعزز فَإِنَّهَا تمْضِي وَتذهب وَإِن كنت أشرفت لَهَا وتلقيتها بِمثلِهِ لم تأمن أَن تجر عَلَيْك: مَا هُوَ أَشد مِنْهَا. ثمَّ ضرب تطأطؤ الدلاة لتطأطئه لَهما مثلا. والدلاه: جمع دَال وَهُوَ النازع بالدلو وَإِذا جذبها تطأطأ يُقَال مِنْهُ: دلا يدلوه إِذا نزع. فَإِن أَلْقَاهَا فِي المَاء ليستقي قيل: أدلى فَهُوَ مدل وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فأدلى دلوه} أَي أرسلها. وَأما قَول العجاج: من الرجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 .. تكشف عَن جماته دلو الدَّال ... فَإِن المدلي كَانَ فِي هَذَا الْموضع أشبه بِمَا أَرَادَ وَلكنه أَرَادَ القافية وَعلم أَن الدَّال والمدلي جَمِيعًا صفتان للمستقي فَكَأَنَّهُ قَالَ: تكشف عَن جماته دلو المستقي. وجمة المَاء معظمه. وَأما قَوْله: تلددت تلدد الْمُضْطَر فَإِن التلدد: التلفت يَمِينا وَشمَالًا وَهُوَ من اللديدين وهما صفحتا الْعُنُق ولديد الْوَادي جانباه وَمِنْه اللدود وَهُوَ الوجور فِي أحد جَانِبي الْفَم لِأَنَّهُ يجْرِي فِي أحد اللديدين. يُقَال: تركت فلَانا متحيرا يتلدد وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ انه داراهم وراقبهم كَمَا يفعل الْمُضْطَر وَلَيْسَ بمضطر. والمرسون هُوَ الَّذِي جعل عَلَيْهِ الرسن يُقَال: رسنت الدَّابَّة وَالْبَعِير أرسنه رسنا وأرسنته وَهَذَا الْحَرْف وَحده جَاءَ من بَين أَمْثَاله على فعلت وأفعلت وسائرها على أفعلت يُقَال: أنفرت الدَّابَّة وألبدته وألببته وأعذرته وأحكمته من: الثفر واللبد واللبب والعذار وَالْحكمَة فَأَما فِي عقل الْبَعِير وشده فَقَالَ جَاءَ فعلت مثل هجرته بالهجار وعقلته بالعقال وأبضته بالأباض فِي حُرُوف كَثِيرَة. وَقَوله: أحررته رسنه يُرِيد أَنه خلاه وَأَهْمَلَهُ يرْعَى كَيفَ شَاءَ كَأَنَّهُ ير رسنه اذا خلي وَنَحْو مِنْهُ قَوْلهم: حبلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 على غاربك. وَالْغَارِب: مقدم السنام وَالْأَصْل فِيهِ أَن يلقى حَبل النَّاقة على غاربها وتترك تسرح وَتذهب وتجىء حَيْثُ شَاءَت فكني بذلك عَن الطَّلَاق. والراتع الَّذِي يرتعي والمسقاة مَوضِع الشّرْب وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم والعوام تقوم مسقاة بِكَسْرِهَا وَكَذَلِكَ مرقاة الدرجَة بِفَتْح الْمِيم وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه رفق برعيته ولان لَهَا فِي السياسة كمن خلا الركاب ترعى كَيفَ شَاءَت. وَهُوَ مَعَ ذَلِك يبلغهَا المورد فِي رفق وَمثل هَذَا فِي الرِّفْق بالابل قَول الرَّاعِي: من الطَّوِيل ... لَهَا أمرهَا حَتَّى إِذا مَا تبوأت ... بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا ... قَوْله: لَهَا أمرهَا يُرِيد انه جعل أمرهَا إِلَيْهَا تذْهب كَيفَ شَاءَت حَتَّى إِذا أَقَامَت فِي مَوضِع اختارته لأنفسها اضْطجع وَتركهَا ترعى. وَقَوله: ومرخص لَهُ فِي مُدَّة زينت فِي قلبه والمدة: أَيَّام الْعُمر وَهِي الْعدة أَيْضا وَجَمعهَا: مدد وَعدد وَمِنْه قَول نادبة الْأَحْنَف: أما وَالَّذِي كنت من أَجله فِي عدَّة وَمن الْحَيَاة إِلَى مُدَّة وَمن الْمِضْمَار إِلَى غَايَة وَمن الْآثَار إِلَى نِهَايَة. وَقَوله: زينت فِي قلبه يُرِيد أَن هَذِه الْأَيَّام فِي الدُّنْيَا حببت إِلَيْهِ فَبَاعَ بهَا حَظه من الْآخِرَة فَهُوَ يسْتَحل مني مَا يحرم عَلَيْهِ. أَو نَحوه من الْمَعْنى. وَقَوله: فصامت صمته أنفذ من صول غَيره يَقُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 امساكه أَشد من تطاول غَيره ووعيده. يُقَال: صال عَلَيْهِ إِذا علاهُ. وَمِنْه الحَدِيث: إِن هذَيْن الْحَيَّيْنِ من الْأَوْس والخزرج كَانَا يتصاولان مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصاول الفحلين لاتصنع أَحدهمَا شَيْئا فِيهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غناء إِلَّا قَالَ الآخر: لَا يذهبون بهَا فضلا علينا فَلَا ينتهون حَتَّى يوقعوا مثلهَا. وَكَانَ فِي دُعَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ إنى بك أحاول وَبِك أصاول. وَأما قَول أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: لَا تعف سَبِيلا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحبها تُرِيدُ: لَا تَأْخُذ فِي غير الطَّرِيق الَّتِي أَخذ فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتعفو سَبيله أَي: تدرس تبركك الْأَخْذ فِيهَا يُقَال: عَفا الْمنزل وعفته الرّيح إِذا درس. والعفاء: موت الْأَثر. وَقد ذكرنَا ذَلِك. وَقَوْلها: لحبها أَي: نهجها وَالطَّرِيق اللاحب هُوَ الْمُسْتَقيم الْوَاضِح الَّذِي لَا يَنْقَطِع. وَقَوْلها: وَلَا تقدح زندا كَانَ أكباها يُقَال: كبا الزند يكبو كبوا إِذا لم يور أَي: لم يخرج نَار. وأكبيته أَنا عطلته فَلم أور بِهِ وأرادت لَا تستعن على أَمرك بِمن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عطله فَلم يستعن بِهِ. يُرِيد فِي الْعَمَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 أَو فِي الرأى. وأحسبها ذهبت فِي ذَلِك إِلَى بعض أَقَاربه. وَقَوْلها: توخ حَيْثُ مَا توخى صاحباك تُرِيدُ: تحر مَا تحرياه فَإِنَّهُمَا ثكما الْأَمر ثكما أَي: لزماه يَعْنِي أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يفارقاه يُقَال: ثكمت الْمَكَان أثكمه وثكمت الطَّرِيق إِذا لَزِمته وَكَذَلِكَ رمكت ورجبت ومكدت بِالْمَكَانِ كل هَذَا إِذا أَقمت بِهِ وَلم تَبْرَح. وَقَوْلها: لم يظلماه أَي: لم يعد لَا عَنهُ وأصل الظُّلم: وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَمثله فِي حَدِيث ابْن زمل: كبورا راوحلهم فِي الطَّرِيق فَلم يظلموه يَمِينا وَلَا شمالا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ إِن خيفان ابْن عرابة قدم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: كَيفَ تركت أفاريق الْعَرَب فِي ذِي الْيمن فَقَالَ: أما هَذَا الْحَيّ من بلحارث بن كَعْب فحسك أمراس ومسك أحماس تتلظى الْمنية فِي رماحهم وَأما هَذَا الْحَيّ من أَنْمَار بن بجيلة وخثعم فجوب أَب وَأَوْلَاد عِلّة لَيست بهم قبْلَة وَلَا ذلة صعابيب وهم أهل الأنابيب وَأما هَذَا الْحَيّ من هَمدَان فأنجاد بسل مساعير غير عزل وَأما هَذَا الْحَيّ من مذْحج فمطاعيم فِي الجدب مساريع فِي الْحَرْب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 يرويهِ مُحَمَّد بِهِ عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن عبد الله بن ثُمَامَة عَن أنس. أفاريق الْعَرَب جمع: أفراق وأفراق جمع فرق وَفرْقَة وفريق بِمَنْزِلَة وَاحِدَة. وَأما قَوْله: فحسك فَهِيَ جَمِيع حسكة وَهُوَ شوك حَدِيد صلب. ذكر ابْن الأعرابى عَن هِشَام بن سَالم قَالَ وَكَانَ شَيخا مسنا من رَهْط ذِي الرمة قَالَ: أكلت حَيَّة بيض مكاء فَجعل المكاء يرفرف على رَأسهَا وَيَدْنُو مِنْهَا حَتَّى اذا فتحت فاها تريده وهمت بِهِ ألْقى فِي فِيهَا حسكة فَأخذت بحلقها حَتَّى مَاتَت فشبههم فِي امتناعهم على من أَرَادَهُم وصعوبة مرامهم بالحسك والأمراس: الَّذين مارسوا الْأُمُور وجربوها يُقَال: رجل مرس إِذا كَانَ كَذَلِك والأمراس أَيْضا: الحبال وَاحِدهَا مرس والمسك جمع مسكة يُقَال رجل مسكة إِذا كَانَ لَا يعلق بِشَيْء فيتخلص مِنْهُ وَلَا ينازله منَازِل فيفلت مِنْهُ وَلِهَذَا قيل للبخيل: مسكة بِضَم الْمِيم لِأَنَّهُ يمسك مَا فِي يَده فَلَا يُخرجهُ إِلَى اُحْدُ وَقد وَصفهم بِمثل هَذَا عَمْرو بن معدي كرب لعمر حِين أوفده إِلَيْهِ سعد بن أبي وَقاص بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 فتح الْقَادِسِيَّة فَقَالَ لَهُ عمر: مَا قَوْلك فِي عِلّة بن جلد فَقَالَ: أُولَئِكَ فوارس أعراضنا وشفاء أمراضنا أحثنا طلبا وأقلنا هربا قَالَ: فسعد الْعَشِيرَة قَالَ: أعظمنا خميسا وأكثرنا رَئِيسا وأشدنا شريسا قَالَ: فبنو بلحارث بن كَعْب قَالَ: حسكة مسكة قَالَ: فمراد قَالَ: أُولَئِكَ الأتقياء البررة والمساعير الفخرة اكرمنا قرارا وأبعدنا آثارا. أما قَوْله: فوارس أعراضنا فان الْأَعْرَاض: النواحي والجوانب يُرِيد أَنهم يحْمُونَ نواحينا وَاحِدهَا عرض وَعرض كل شىء جَانِبه والأعراض أَيْضا الجيوش وَاحِدهَا عرض قَالَ رؤبة: من الرجز ... إِنَّا إِذا قدنا لقوم عرضنَا ... أَي: جَيْشًا عَظِيما. وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ فوارس جيوشنا. وَقَوله: شِفَاء أمراضنا يُرِيد: انهم يدركون لنا ثَأْرنَا وَيَأْخُذُونَ لنا بدمائنا فيشفون أَنْفُسنَا. وَقَوله: أعظمنا خميسا وَالْخَمِيس: الْجَيْش وأنشدنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 شريسا أَي: شراسة. يُقَال: قوم فيهم شريس وشراسة اذا كَانَت فيهم زعارة. وَقد يكون الشريس الرجل الشرس كَمَا يُقَال: حزن وحزين وطرف فِي النّسَب وطريف ولسان ذلق وذليق والأحماس: الْأَشِدَّاء. يُقَال للشجاع: حمس وحميس وحمس الوغى إِذا اشْتَدَّ وَيَوْم أحمس إِذا صعبت الْحَرْب فِيهِ واشتدت. والمساعير الَّذين يسعرون الْحَرْب أَي: يشبونها. واحدهم مسعر. بذلك سمي الرجل وَأَصله فِي النَّار. يُقَال: سعرت النَّار اذا ألهبتها وَكَذَلِكَ: سعرت الْحَرْب اذا هجتها وَأوقدت لَهَا نارها يُقَال: رجل مسعر حَرْب. وبسل: جمع باسل وَهُوَ الشجاع وعزل جمع أعزل وَهُوَ الَّذِي لَا سلَاح مَعَه. آخر حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 - حَدِيث امير الْمُؤمنِينَ على بن ابى طَالب وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه اشْترى قَمِيصًا بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي هَذَا من رياشه. حَدَّثَنِيهِ ابى حَدَّثَنِيهِ أَبُو الْخطاب ثناه أَبُو عتاب عَن الْمُخْتَار بن نَافِع عَن أبي مطر قَالَ: رايت عليا فعل ذَلِك. وحَدثني ابى أَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَن أَبى عُبَيْدَة انه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز: {يَا بني آدم قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التَّقْوَى} . الريش والرياش وَاحِد وهما مَا ظهر من اللبَاس قَالَ: وَيُقَال: أَعْطَانِي فلَان رجلا بريشه ن أَي: بكسوته يَعْنِي كسْوَة الرجل. قَالَ: والرياش أَيْضا: الخصب والمعاش. ويروى عَن مطرف بن عبد الله انه قَالَ: لَا تنظروا إِلَى خفض عيشهم ولين رياشهم وَلَكِن انْظُرُوا إِلَى سرعَة ظعنهم وَسُوء منقلبهم وَمن هَذَا قيل: ريش الطَّائِر لِأَنَّهُ لِبَاسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 حَدثنِي أَبى أَخْبرنِي عبد الرحمن بن عبد الله قَالَ: أَخْبرنِي عمي الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر انه قَالَ: الريش والرياش وَاحِد مثل: الدبغ والدباغ واللبس واللباس وَنَحْوه: الْحرم وَالْحرَام والحل والحلال. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: لَا قَود إِلَّا بالأسل. حَدَّثَنِيهِ ابى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن أَبى غَسَّان النَّهْدِيّ عَن ابْن أَبى غنية عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن عَليّ. الأسل هَا هُنَا كل مَا أرق من الْحَدِيد وأرهف كالسنان وَالسيف والسكين وَمِنْه قيل: أسله الذِّرَاع لما استدق مِنْهُ ورق. وَقيل: أسيل الخد. وَأَرَادَ انه لَا يُقَاد من أحد الا بحديدة وان قتل بِحجر عَظِيم أَو عَصا كَبِيرَة يقتل مثلهمَا أَو خنق. وَجَاء هَذَا فِي حَدِيث آخر مُفَسرًا لَا قَود الا بحديدة. واكثر النَّاس عل هَذَا وَمِنْهُم من يذهب إِلَى انه يقْتله بِمثل مَا قتل بِهِ ان حجرا فحجرا وان عَصا فعصا وَإِن حديدا فحديدا. يذهب كثير من اصحاب اللُّغَة إِلَى ان الأسل الرماح خَاصَّة وَلَيْسَ كَذَلِك. وَهَذَا الحَدِيث يبين مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ الحَدِيث الآخر: ليذك لكم الأسل. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: من أَرَادَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 الْبَقَاء وَلَا بَقَاء فليباكر الْغَدَاء وليقلل غشيان النِّسَاء وليخفف الرِّدَاء قيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَا خفَّة الرِّدَاء فِي الْبَقَاء قَالَ: الدّين. حدثت بِهِ عَن زيد بن الْحباب عَن عِيسَى بن الأشعب عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن النزال بن سُبْرَة عَن عَليّ. وحَدثني أَبى قَالَ ثناه أَبُو عبد الرحمن عَن أبي عُبَيْدَة انه قَالَ: يَقُول فَقِيه الْعَرَب من سره النِّسَاء وَلَا نسَاء فليكر الْعشَاء وليباكر الْغَدَاء وليخفف الرِّدَاء وليقلل غشيان النِّسَاء. والنسأ التَّأْخِير يُقَال: أنسأه الله أَجله ونسأ الله أَجله وَمِنْه النسئ فِي كتاب الله تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ تَأْخِير تَحْرِيم الْمحرم. وَمِنْه: النَّسِيئَة فِي البيع وَقَوله: فليكر الْعشَاء أَي: فليؤخره. قَالَ الحطيئة: من الوافر ... وأكريت الْعشَاء إِلَى سُهَيْل ... أَو الشعرى فطال بِي الأناء ... وَيكون أكريت فِي غير هَذَا الْموضع: نقصت قَالَ ابْن أَحْمَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 وَذكر الابل: من الْكَامِل ... وتواهقت أخفافها طبقًا ... والظل لم يفضل وَلم يكر ... يُرِيد: ان الابل قد انتعلته فَلَيْسَ يزِيد وَلَا ينقص وَهُوَ مثل قَول الآخر: من الْخَفِيف. ... إِذا الظل أحرزته السَّاق ... وَأما قَوْله: ان الرِّدَاء هُوَ الدّين فمذهب فِي اللُّغَة حسن وَوجه صَحِيح لِأَن الدّين أَمَانَة وَأَنت تَقول: هُوَ لَك عَليّ وَفِي عنقِي حَتَّى أوديه إِلَيْك فَكَأَن الدّين لَازم للعنق والرداء موقعه صفحة الْعُنُق فَسُمي الدّين رِدَاء وكنى عَنهُ بِهِ وَقَالَ الشَّاعِر: من الْخَفِيف ... ان لي حَاجَة اليك فَقَالَ: ... بَين أُذُنِي وعاتقي مَا تُرِيدُ ... يَقُول هُوَ بَين أُذُنِي وعاتقي فِي عنقِي والمعني: اني ضمنته لَك فَهُوَ عَليّ. وانما قيل للسيف رِدَاء لِأَن حمالته تقع موقع الرِّدَاء وَقَالَ الشَّاعِر: من المتقارب ... وداهية جرها جارم ... جعلت رداك لَهَا خمارا ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 أَي: ضربت بسيفك رُؤْسهمْ وَيُقَال: بل أَرَادَ تعصبت بردائك كَمَا يفعل المتأهب المستعد نَحْو قَول الْوَلِيد بن عقبَة: من الطَّوِيل ... إِذا مَا شددت الرَّأْس مني بمشوذ ... فغيك مني تغلب ابْنة وَائِل ... والرداء فِي غير هَذَا الْموضع الْعَطاء. يُقَال: فلَان غمر الرِّدَاء إِذا كَانَ وَاسع الْعَطاء. قَالَ كثير: من الْكَامِل ... غمر الرِّدَاء إِذا تَبَسم ضَاحِكا ... غلقت لضحكته رِقَاب المَال ... والرداء أَيْضا الْحسن والنضارة. قَالَ آخر وَذكر الْكبر: من الطَّوِيل ... وَهَذَا رِدَائي عِنْده يستعيره ... ليسلبني نَفسِي أمال ابْن حنظل ... يَقُول: الْكبر يستلب بهجتي وَقَالَ رؤبة فِي مثله: من الرجز ... حَتَّى اذا الدَّهْر استجد سِيمَا ... من البلى يستوهب الوسيما رِدَاءَهُ والبشر النعيما ... أَرَادَ الْبشر الناعم وَقد يجوز أَن يكون كنى بالرداء عَن الظّهْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 لِأَنَّهُ يَقع عَلَيْهِ يَقُول: فليخفف ظَهره وَلَا يثقله بِالدّينِ كَمَا قَالَ الآخر: ... خماص الأزر ... يُرِيد: خماص الْبُطُون. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه رأى رجلا فِي الشَّمْس فَقَالَ: قُم عَنْهَا فَإِنَّهَا مبخرة مجفرة تَتْفُل الرّيح وتبلي الثَّوْب وَتظهر الدَّاء الدفين. قَوْله: مجفرة أَي: تذْهب شَهْوَة النِّسَاء وتقطع عَن النِّكَاح يُقَال: جفر الْفَحْل عَن الابل يجفر جفورا فَهُوَ جافر إِذا أَكثر الضراب حَتَّى يَتْرُكهَا ويعدل عَنْهَا وَمثله: فدر يقدر ويفدر فدورا وَمثله: أقطع الْفَحْل فَهُوَ مقطع. وحَدثني أَبى حَدثنِي الْقطعِي ثَنَا الْحجَّاج عَن عبد الملك بن قدامَة عَن أَبى عُثْمَان الجُمَحِي عَن أمه عَن أَبِيهَا ان عُثْمَان بن مَظْعُون قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اني رجل تشق عَليّ هَذِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 الْعزبَة فِي الْمَغَازِي أفتأذن لي فِي الخصاء فَقَالَ: لَا وَلَكِن عَلَيْك بِالصَّوْمِ فانه مجفر. حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن عَمه قَالَ: تكلم أَعْرَابِي فطمح بِهِ لِسَانه فَقَالَ: لَا تنكحن وَاحِدَة فتحيض إِذا حَاضَت وتمرض إِذا مَرضت وَلَا تنكحن اثْنَتَيْنِ فَتكون بَين شرتين وَلَا تنكحن ثَلَاثًا فَتكون بَين اثافي وَلَا تنكحن أَرْبعا فيفلسنك ويهرمنك وينجلنك ويجفرنك فَقيل لَهُ: حرمت مَا أحل الله فَقَالَ: سُبْحَانَ الله كوزان وقرصان وطمران وَعبادَة الرَّحْمَن. وروى النَّاس عَن خَالِد بن صَفْوَان انه قَالَ: مَلَأت الْبَحْر الْأَخْضَر بِالذَّهَب الْأَحْمَر فاذا الَّذِي يَكْفِينِي من ذَلِك رغيفان وكوزان وطمران وَلست أَدْرِي أَيهمَا أَخذ من صَاحبه هَذَا الْكَلَام. قَوْله: تَتْفُل الرّيح أَي: تنتنها وَالِاسْم: التفل يُقَال: امْرَأَة تفلة وَمِنْه الحَدِيث: لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله وليخرجن تفلات أَي: غير متطيبات وَقَالَ الراجز: من الرجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 يَابْنَ الَّتِي تصيد الوبارا ... وتتفل العنبر والصوارا ... والصوار: الشَّيْء الْقَلِيل من الْمسك. والداء الدفين: هُوَ الْمُسْتَتر الَّذِي قد قهرته الطبيعة. يَقُول: فالشمس تعينه على الطبيعة وتظهره. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان أَبَا جناب قَالَ: جَاءَ عمي من الْبَصْرَة يذهب بِي فَقَالَت أُمِّي: وَالله لَا أتركك تذْهب بِهِ ثمَّ ذكرت ذَلِك لعَلي رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ عمي: نعم وَالله لأذهبن بِهِ وان على رغم أَنْفك قَالَ: يَقُول عَليّ: كذبت وَالله وولقت ثمَّ ضرب بَين أدنيه بِالدرةِ. حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ شَبابَة ثناه الْقَاسِم بن الحكم العزني ثناه أَبُو جناب. قَوْله: وولقت أَي: كذبت وَكَذَلِكَ ولعت والولق والولع: الْكَذِب. يُقَال: ولق يلق ولقا. وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 عَنْهَا تقْرَأ: ... {إِذْ تلقونه بألسنتكم} قَالَ الشَّارِع فِي ولع وَذكر النِّسَاء: من الطَّوِيل ... وَهن من الأخلاف والولعان ... يَعْنِي: انهن من أهل الْخلف فِي المواعيد وَالْكذب. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه أَتَى بِالْمَالِ فكوم كومة من ذهب وكومة من فضَّة. وَقَالَ: يَا حَمْرَاء وَيَا بَيْضَاء احمري وابيضي وغري غَيْرِي. من الرجز ... هَذَا جناي وخياره فِيهِ ... كل جَان يَده إِلَى فِيهِ ... حَدثنِي أَبى ثناه سهل بن مُحَمَّد عَن الْأَصْمَعِي الا أَنه قَالَ: وهجانه فِيهِ أَي: خالصه وَكَذَلِكَ الهجان من كل شَيْء هُوَ الْخَالِص وَقَالَ الشَّاعِر: من الْخَفِيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 .. وَإِذا قيل من هجان قُرَيْش ... كنت أَنْت الْفَتى وَأَنت الهجان ... وَقَوله: هَذَا جناي وخياره فِيهِ مثل ضربه أَصله لعَمْرو ابْن عدي ابْن أُخْت جذيمة الأبرش وَكَانَ يجني الكمأة بَين يَدي جذيمة مَعَ أتراب لَهُ فَكَانَ أترابه إِذا وجدوا خيارا الكمأة أكلوها وَإِذا وجدهَا عَمْرو جعلهَا فِي كمة أَو فِي حجره وأتى بهَا خَاله وَهُوَ يَقُول هَذَا القَوْل. وَأَرَادَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه لم يتلطخ من ذَلِك المَال بِشَيْء وَلم يصبهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ ان رجلا استخرج معدنا فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ رجل بِمِائَة شَاة مُتبع فَأتى أمه فَأَخْبرهَا فَقَالَت: يابني إِن الْمِائَة ثَلَاث مائَة أمهاتها مائَة وَأَوْلَادهَا مائَة وكفأتها مائَة. فاستقاله فَأبى قَالَ: فاخذه فأذابه فاستخرج مِنْهُ ثمن ألف شَاة فَقَالَ لَهُ البَائِع: لَآتِيَن عليا فلأشين بك فَأتى عليا فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ عَليّ: مَا ارى الْخمس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 الا عَلَيْك يَعْنِي: خمس الْمِائَة. يرويهِ الْحجَّاج عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن سماك بن حَرْب عَن الْحَارِث ابْن أَبى الْحَارِث الْأَزْدِيّ ان أَبَاهُ كَانَ أعلم النَّاس بمعدن وانه أَتَى عَليّ رجل قد استخرج معدنا فَاشْتَرَاهُ بِمِائَة شَاة مُتبع وَذكر الحَدِيث. الكفأة بِالضَّمِّ وفيهَا لُغَة أُخْرَى: الكفاة بِفَتْح الْكَاف وَالْأولَى أَجود وَهِي تكون فِي موضِعين أَحدهمَا أَن تدفع إِلَى رجل ابلك وَتجْعَل لَهُ أوبارها وَأَلْبَانهَا تَقول: أكفأته ابلي وأعطيته كفاة ابلي إِذا فعلت ذَلِك بِهِ والموضع الآخر ان تجْعَل ابلك قطعتين فتنتج كل عَام نصفا وَتَدَع نصفا كَمَا تصنع بِالْأَرْضِ فِي الزِّرَاعَة. وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا حَالَتْ سنة كَانَ أقوى لَهَا وَأَحْرَى أَن لَا تخلف. قَالَ التَّمْر بن تولب وَذكر رَوْضَة: من الْبَسِيط ميثاء جاد عَلَيْهَا وابل هطل ... فأمرعت لاحتيال قرط أَعْوَام ... لاحتيال يُرِيد: انها حَالَتْ أعواما فَلم تنبث ثمَّ أنبت فَكَانَ أَكثر لنبتها وَأقوى. يَقُول اكفأت ابلي أَي: جَعلتهَا كفأتين بِضَم الْكَاف وَفتحهَا وَقَول الْمَرْأَة وكفأتها مائَة تريك: ان الْغنم لَا تقطع قطعتين كَمَا يفعل بالابل وَلكنهَا ينزى عَلَيْهِ جَمِيعًا وَتحمل جَمِيعًا فَتكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 كفأة مائَة من الشَّاء مائَة من الْأَوْلَاد كَمَا تكون كفأة مائَة من الأبل خمسين وَقَالَ ذُو الرمة يذكر ابلا: من الطَّوِيل كلا كفأتيها تنفضان وَلم يجد ... لَهُ ثيل سقب فِي النتاجين لامس ... قَوْله: كلا كفأتيها تنفضان يُرِيد أَن كل تِلْكَ الابل تحمل وانها لَا تقطع قطعتين فَتحمل على وَاحِدَة وتترك وَاحِدَة. وَلكنهَا يحمل عَلَيْهَا كلهَا فتنفض أَي: تضع. ثمَّ ذكر أَن اللامس وَهُوَ المذمر لم يجد فِي لمسه الأناث وَإِذا أنثت الابل كَانَ أَحْمد لَهَا من أَن تذكر. وَقَوله: لأثين بك يُرِيك لأشين بك يُقَال: اثيت بِالرجلِ إِذا سعيت بِهِ الى السُّلْطَان فَأَنا أثي بِهِ. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: أشوت بِالْوَاو وَمثله مِمَّا يُقَال بِالْوَاو وَالْيَاء حنوت الْعود وحنيته وأتيت الرجل وأتوته. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: ان من وَرَائِكُمْ أمورا متماحلة ردحا مكلحا مبلحا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 يرويهِ مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن أَبى حَيَّان التَّيْمِيّ عَن أَبِيه عَن كدير الضَّبِّيّ. المتماحلة: الطوَال يَعْنِي فتنا يطول أمرهَا ويعظم يُقَال: رجل متماحل إِذا كَانَ طَويلا وسبسب متماحل. قَالَ الشَّاعِر وَذكر بَعِيرًا: من الطَّوِيل ... بعيد من الْحَادِي إِذا مَا ترقصت ... بَنَات الصوى فِي السبسب المتماحل ... والردح: جمع رادح وَهِي الْعَظِيمَة وَيُقَال للكتيبة اذا عظمت رداح. وللمرأة الْعَظِيمَة العجيزة رداح. وَمِنْه حَدِيث أَبى مُوسَى وَقيل لَهُ: زمن عَليّ وَمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُمَا أَهِي هِيَ فَقَالَ: انما هَذِه الْفِتْنَة حَيْصَة من حيصات الْفِتَن وَبقيت الرداح الْمظْلمَة الَّتِي من أشرف لَهَا اشرفت لَهُ. قَوْله: حَيْصَة هُوَ من قَوْلك: حَاص يحيص اذا عدل وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {مَا لَهُم من محيص} يُرِيد: أَنَّهَا عطفة من عطفات الْفِتَن وَلَيْسَت الْعَظِيمَة مِنْهَا. وَقَوله: مكلحا أَي يكلح النَّاس بشدته يُقَال: كلح الرجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وأكلحه الْهم. والمبلح من قَوْلك: بلح الرجل اذا انْقَطع من الاعياء فَلم يقدر على أَن يَتَحَرَّك. وَيُقَال: أبلحه السّير. وَقَالَ الْأَعْشَى: من الرمل ... واشتكى الأوصال مِنْهُ وبلح ... يُرِيد: ان ذَلِك الْبلَاء يقطعهم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ يَوْم خَيْبَر: من الرجز ... أَنا الَّذِي سمتن أُمِّي حيدره ... ضرغام آجام وَكنت قسوره كليث غابات كريه المنظره ... أَو فيهم بالصاع كيل السندره ... يرويهِ هَاشم بن الْقَاسِم عَن عِكْرِمَة بن عمار عَن اياس بن سَلمَة عَن أَبِيه سَالَتْ بعض آل أَبى طَالب عَن قَوْله: أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدره. فَذكر ان أم عَليّ بن أَبى طَالب فَاطِمَة بنت أَسد ولدت عليا وَأَبُو طَالب غَائِب فَسَمتْهُ أسدا باسم أَبِيهَا فَلَمَّا قدم أَبُو طَالب كره هَذَا الِاسْم الذس سمته بِهِ أمه وَسَماهُ عليا. فَلَمَّا رجز عَليّ فِي يَوْم خَيْبَر ذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 الِاسْم الَّذِي سمته بِهِ أمه. قَالَ: وحيدرة: اسْم من أَسمَاء الْأسد كَأَنَّهُ قَالَ: أَنا الْأسد. والسندرة شَجَرَة تعْمل مِنْهُ القسي والنبل. قَالَ الْهُذلِيّ أَبُو جند ب: من الطَّوِيل ... إِذا أدْركْت أولاهم أخرياتهم ... حنوت لَهُم بالسندري الموتر ... يَعْنِي: القسي نَسَبهَا إِلَى الشَّجَرَة الَّتِي تعْمل مِنْهَا. قَالَ رؤبة: من الرجز ... وارتاز عيري سندري مختلق ... ارتاز أَي: رازه فغمز مَتنه وَالْعير: الْمُرْتَفع فِي وسط نصل السهْم والمختلق: التَّام والسندري فِي هَذَا الْبَيْت: يقا ل: نبل منسوبة وَنسب النصال اليها كَأَنَّهُ يَقُول: ارتاز نصال بل تَامَّة وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: السندري فِي بَيت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 رؤبة الْأَزْرَق. وَحكى عَن أَعْرَابِي انه قَالَ: تَعَالَوْا نصد هَاهُنَا زريقا سندريا يُرِيد: طائرا خَالص الزرق. فالسندرة فِي الحَدِيث تحْتَمل أَن تكون مكيالا يتَّخذ من هَذِه الشَّجَرَة سمي باسمها كَمَا يُسمى الْقوس نبعة باسم الشَّجَرَة الَّتِي اتَّخذت مِنْهَا. فَإِن كَانَت السندرة كَذَلِك فَانِي أَحسب الْكَيْل بهَا كَيْلا جزفا فِيهَا افراط لِأَن من شَأْنهمْ ان يصفوا المجازاة للضرب والطعن بِالْوَفَاءِ وَالزِّيَادَة. كَمَا قَالَ أَبُو جُنْدُب: من الطَّوِيل ... فلهف ابْنة الْمَجْنُون أَلا تصيبه ... فتوفيه بالصاع كَيْلا غذارما ... والغذرمة كيل فِيهِ زِيَادَة على الْوَفَاء يُقَال: غذرم لَهُ يغذرم وَفِي لُغَة أُخْرَى غمذر يغمذر وَهُوَ مقلوب وَهَذَا كَمَا يُقَال: كال لَهُ بالقنقل وَقَالَ أَعْرَابِي لبائع كمأة: من الرجز ... مَالك لَا تجرفها بالقنقل ... لَا خير فِي الكمأة ان لم تفعل ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 وتحتمل السندرة أَيْضا أَن تكون امْرَأَة تكيل كَيْلا وافيا أَو رجلا. وَهَذَا الَّذِي خبرتك بِهِ شَيْء يحْتَملهُ الْمَعْنى وَلم أسمع فِيهِ شَيْئا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: {من يطلّ أير أَبِيه ينتطق بِهِ} . هَذَا مثل ضربه وانما أَرَادَ من كثر اخوته اشْتَدَّ ظَهره وَعز. وَضرب المنطقة اذ كَانَت تشد الظّهْر مثلا لذَلِك وَقَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... فَلَو شَاءَ رَبِّي كَانَ اير أبيكم ... طَويلا كأير الْحَارِث بن سدوس ... قَالَ الاصمعي كَانَ لِلْحَارِثِ بن سدوس وَاحِد وَعِشْرُونَ ذكرا وَكَانَ ضرار بن عَمْرو الضَّبِّيّ يَقُول: أَلا ان شَرّ حَائِل أم فزوجوا الْأُمَّهَات وَذَلِكَ أَنه صرع وأخذته الر ماح فأشبل عَلَيْهِ أخوته من أمه حَتَّى أنقذوه. وأشبلوا: عطفوا. وَأما الْمثل الآخر فِي قَوْلهم: من يطلّ ذيله ينتطق بِهِ فان أَبَا حَاتِم خبرني عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: يُرَاد بِهِ: من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وجد سَعَة وَضعهَا فِي غير موضعهَا. وَلَيْسَ من الْمثل الأول فِي شىء. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه ذكر مَسْجِد الْكُوفَة فَقَالَ: فِي زاويته فار التَّنور وَفِيه هلك يَغُوث ويعوق وَهُوَ الغاروق وَمِنْه سير جبل الأهواز ووسطه على رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَفِيه ثَلَاث أعين انبتت بالضغث تذْهب الرجس وتطهر الْمُؤمنِينَ عين من لبن وَعين من دهن وَعين من مَاء جَانِبه الْأَيْمن ذكر وجانبه الْأَيْسَر مكسر وَلَو يعلم النَّاس مَا فِيهِ من الْفضل لأتوه وَلَو حبوا. حَدَّثَنِيهِ ابى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الدينَوَرِي ثَنَا خَالِد بن يزِيد الْكَاهِلِي ثَنَا أَبُو قيس البَجلِيّ عَن الْوَلِيد الْهَمدَانِي عَن حَبَّة العرني. قَوْله: أنبتت بالضغث أَحْسبهُ اراد الضغث الَّذِي ضرب بِهِ أَيُّوب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَهله وَالْعين الَّتِي ظَهرت لما ركض بِالْأَرْضِ رجله. وَزَاد الْبَاء فِي الضغث كَمَا قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {تنْبت بالدهن} أَي: تنْبت الدّهن: {عينا يشرب بهَا عباد الله} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 أَي: يشْربهَا. وَقَوله: جَانِبه الْأَيْمن ذكر أَي: صَلَاة وَذكر الله عز جلّ وجانبه الْأَيْسَر مكر أرَاهُ الْمَكْر باللوذ بِهِ حِين قتل فِي الْمَسْجِد. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد عَليّ رَضِي الله عَنهُ ان رجلا ذكره فَقَالَ: عِنْده شجاعة مَا تنكش. قَوْله: مَا تنكش أَي: لَا تستخرج وَاصل هَذَا فِي الْبِئْر يُقَال: هَذِه بِئْر مَا تنكش أَي مَا تنزح. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا رَافع يتلَقَّى جَعْفَر بن أَبى طَالب فَأعْطَاهُ عَليّ حتيا وعكة سمن وَقَالَ لَهُ: اني أعلم بِجَعْفَر انه ان علم ترَاهُ مرّة وَاحِدَة ثمَّ أطْعمهُ فادفع هَذَا السّمن إِلَى أَسمَاء بنت عُمَيْس تدهن بِهِ بني أخي من صمر الْبَحْر وتطعمهم من الحتي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مولى آل جَعْفَر بن أَبى طَالب عَن اسماعيل بن عبد الله ابْن جَعْفَر. الحتي سويق يتَّخذ من الْمقل. قَالَ الْهُذلِيّ لأضيافه: من الْبَسِيط ... لَا در دري ان أطعمت نازلكم ... قرف الحتي وَعِنْدِي الْبر مكنوز ... وقرفه قشور تبقى فِيهِ من قشور الْمقل وَقَوله: ترَاهُ مرّة أَي: بله كُله دفْعَة وَاحِدَة وأطعمه النَّاس. وَالثَّرَى: الندى. وصمر الْبَحْر: نَتن رِيحه وغمقه وَمِنْه قيل للدبر الصمارى وَلَا أرى الصيمرة الا من هَذَا أَي: انها مُنْتِنَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا على المنامة فَقَامَ الى شَاة بكي فحلبها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن عَفَّان عَن معَاذ عَن قيس ابْن الرّبيع عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأَزْرَق عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. المنامة الدّكان هَا هُنَا وَهِي القطيفة فِي مَوضِع آخر. والبكيء القليلة اللَّبن يُقَال: بكأت وبكؤت وَمِنْه قَول طَاوُوس: من منح منيحة لبن فَلهُ بِكُل حلبة عشر حَسَنَات غزرت أَو بكؤت. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لكميل بن زِيَاد: النَّاس ثَلَاثَة: عَالم رباني ومتعلم على سَبِيل نجاة وهمج رعاع أَتبَاع كل ناعق. الهمج أَصله البعوض وَاحِدهَا همجة فَشبه بِهِ رذال النَّاس قَالَ أَبُو زيد نَحْو ذَلِك قَالَ: والهمجة من الرِّجَال والهجاجة الَّذِي لَا عقل لَهُ قَالَ الْحَارِث بن حلزة: من السَّرِيع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 .. بَينا الْفَتى يسْعَى وَيسْعَى لَهُ ... تاح لَهُ من أمره خالج يتْرك مَا رقح من عيشه ... يعيث فِيهِ همج هامج ... والترقيح: اصلاح المَال. يُقَال للتاجر: مرقح. وَمن ذَلِك قَول بعض قبائل الْعَرَب فِي تَلْبِيَة الْحَج فِي الْجَاهِلِيَّة: لم نأت للرقاحة جئْنَاك للنصاحة. أَي: لم نجىء للكسب وَالتِّجَارَة وَشبه الْوَارِث فِي ضعفه وصغره بالبعوض. وَفِي هَذَا الحَدِيث انه قَالَ: هَا ان هَاهُنَا - وأو مأ بِيَدِهِ الى صَدره - علما لَو أصبت لَهُ حَملَة بلَى أصبت لقنا غير مَأْمُون. قَالَ أَبُو زيد: اللقن الْفَهم يُقَال: لقنت الحَدِيث القنه لقنا وثقفته أثقفه ثقفا وثقافة وفهمته أفهمهُ فهما وفهما كُله وَاحِد. وَنَحْو هَذَا قَوْله فِي حَدِيث آخر: ويلمه كَيْلا بِغَيْر ثمن لَو أَن لَهُ وعَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه كَانَ ينْزع الدَّلْو بتمرة وَيشْتَرط أَنَّهَا جلدَة. يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن سُفْيَان عَن أبي اسحاق. الْجلْدَة: التمرة الصلبة والجلدة من الْأَرْضين: الصلبة وَمِنْه حَدِيث أَبى بكر فِي مهاجره مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ: ألم يَأن الرحيل فَقلت: بلَى فارتحلنا حَتَّى اذا كُنَّا بِأَرْض جلدَة كَأَنَّهَا مجصصة. وَالْجَلد أَيْضا كَذَلِك من الْأَرْضين وَقَالَ الشَّاعِر يهجو رجلا: من الطَّوِيل ... وَكنت اذا مَا قرب الزَّاد مُولَعا ... بِكُل كميت جلدَة لم توسف ... كميت: تَمْرَة حَمْرَاء الى السوَاد. جلدَة: صلبة لم توسف: لم تقشر واذا لم تتقشر فَهُوَ عِنْدهم أَجود قَالَ النَّابِغَة: من الطَّوِيل ... صغَار النَّوَى مكنوزة لَيْسَ قشرها ... إِذا طَار قشر التَّمْر عَنْهَا بطائر ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 فَأَما الانصاري الَّذِي استقى ليهودي كل دلو بتمرة لَيْسَ لَهُ تارزة. فَإِن التارزة: الْيَابِسَة الْحَشَفَة يُقَال: ترز الرجل اذا مَاتَ. وَمِنْه قَول الشماخ وَذكر الصَّائِد: من الطَّوِيل ... كَأَن الَّذِي يَرْمِي من الْوَحْش تارز ... يعي مَيتا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان ابْن الكسواء وَقيس بن عبَادَة جاءاه فَقَالَا: اتيناك مضافين مثقلين. حَدَّثَنِيهِ ابى حَدَّثَنِيهِ بعض أَصْحَابنَا عَن الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي عَن أَبى هِلَال عَن الْحسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 قَوْله: مضافين أَي: خَائِفين يُقَال: أضَاف فلَان من الْأَمر إِذا حاذره قَالَ الْهُذلِيّ أَبُو ذُؤَيْب: من الوافر ... وَمَا ان وجد معولة ثكول ... بواجدها اذا يَغْزُو وتضيف ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان الأشتر قَالَ لَهُ: ان هَذَا الْأَمر قد تفشغ. قَالَ الْأَصْمَعِي: تفشغ فَشَا وَكثر وَأنْشد لطفيل الغنوي: من الطَّوِيل ... وَقد سمنت حَتَّى كَأَن مخاضها ... تفشغها ظلع وَلَيْسَت بظلع ... وحَدثني أَبى حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن رجل من قُرَيْش ان النَّجَاشِيّ قَالَ لقريش حِين أَتَوْهُ هَل تفشغ فِيكُم الْوَلَد فان ذَلِك من عَلَامَات الْخَيْر. قَالُوا: نعم أَي: هَل فَشَا وَكثر فَسَأَلَ عَن النَّجَاشِيّ هَل كَانَ يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ: ذكرُوا أَنه اقام بِبِلَاد الْعَرَب زَمَانا. وَيُقَال: تفشغ فِي رَأسه الشيب اذا كثر وانتشر قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 .. ابْن الرّقاع: من الْكَامِل ... اما ترى شيبا تفشغ لمتي ... حَتَّى علا وضح يلوح سوادها ... أَي: تشفق. وَفِيه لُغَة اخرى: ضاف والضائف: المحاذر. والمضوفة: الْأَمر يخَاف مِنْهُ قَالَ الْهُذلِيّ. من الطَّوِيل ... وَكنت اذا جارى دَعَا لمضوفة ... اشمر حَتَّى ينصف السَّاق مئزري ... وَيُقَال: ضاف فلَان عَن الْأَمر اذا عدل وَمِنْه قيل: ضيف وَكَذَا مُضَاف الى كَذَا أَي: ممال اليه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: خير بِئْر فِي الأَرْض زَمْزَم وَشر بِئْر فِي الأَرْض برهوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 يرويهِ قبيصَة عَن سُفْيَان عَن فرات عَن عَامر بن وَاثِلَة عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. برهوت: بِئْر بحضرموت يرْوى أَن بهَا أَرْوَاح الْكفَّار. ذكر الْأَصْمَعِي عَن رجل من أهل برهوت يَعْنِي الْبَلَد الَّذِي فِيهِ هَذِه الْبِئْر قَالَ: نجد الرَّائِحَة المنتنة الفظيعة جدا ثمَّ نمكث حينا فَيَأْتِينَا الْخَبَر بَان عَظِيما من عُظَمَاء الْكفَّار قد مَاتَ فنرى ان تِلْكَ الرَّائِحَة مِنْهُ. وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة أَخْبرنِي رجل انه أَمْسَى ببرهوت فَكَأَن فِيهِ أصوات الْحَاج وَسَأَلت أهل حَضرمَوْت فَقَالُوا: لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يُمْسِي بِهِ. الْأَصْمَعِي: ووبار بَين حَضرمَوْت وَبَين ريسوت وبرهوت. وَكَانَت وبار أمة فَكثر الرمل دونهم ودخلها دعيميص الرمل من بني سعد بن زيد مَنَاة وَرجع ثمَّ ذهب يعود فَضرب وَجهه برمل حَار وَقَالَ مرّة أُخْرَى: بِملَّة جَارة فَلم يقدر. وَبهَا نحل الْآن من أَولهَا الى آخرهَا وَبهَا نوى مثل الْكحل وَنوى محرق. قَالَ: وانما دَخلهَا دعيميص لِأَن فحلا من الابل جَاءَ فَضرب فِي ابله فَرَأى فِي وبره أقماع التَّمْر ثمَّ أَتَاهُم من قَابل يهدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 فِي بَنَاته فحصروه فتهيأ ثمَّ رَكبه فَأتى وبار وَقد ذكر الشَّاعِر فَقَالَ: من الْكَامِل ... وَلَقَد ضللت أَبَاك تطلب دارما ... كضلال ملتمس طَرِيق وبار ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ: أَيّمَا رجل تزوج امْرَأَة مَجْنُونَة أَو جذماء أَو برصاء أَو بهَا قرن فَهِيَ امْرَأَته فان شَاءَ أمسك وان شَاءَ طلق. يرويهِ وَكِيع عَن ابْن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الاصمعي: الْقرن: العفلة الصَّغِيرَة وَقَالَ غَيره الْقرن كالعفلة وَمن العفلة يُقَال امْرَأَة عفلاء اذا كَانَ ذَلِك بهَا. وَمِنْه حَدِيث شُرَيْح انه اخْتصم اليه فِي قرن جَارِيَة فَقَالَ: أقعدوها فان اصاب الأَرْض فَهُوَ عيب وان لم يصب الأَرْض فَلَيْسَ بِعَيْب والقرن فِي غير هَذَا الْحَبل الصَّغِير والقرن: الدفعة من الْعرق يُقَال: عصرنا الْفرس قرنا أَو قرنين. والقرن: الْخصْلَة من الشّعْر وَيُقَال: فلَان قرن فلَان فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 السن وَهُوَ قرنه بِكَسْر الْقَاف فِي الشدَّة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العفل أَيْضا شَحم خصيتي الْكَبْش وَمَا حوله وَمِنْه قَول بشر: من الطَّوِيل ... حَدِيث الخصاء وارم العفل معبر ... وَقَالَ غَيره: العفل مجس الشَّاة اذا أَرَادوا أَن يعرفوا سمنها من هزالها يُقَال: غبطت الشَّاة اذا جست ذَلِك الْموضع. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَاس عينا بَيْضَة جعل عَلَيْهَا خُطُوطًا. يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن حُسَيْن عَن عَليّ عَن أَبى جَعْفَر. قَوْله: قَاس عينا هِيَ الْعين تلطم أَو تنخض أَو يُصِيبهَا مُصِيب بِغَيْر ذَلِك مِمَّا يضعف مَعَه الْبَصَر فيتعرف مِقْدَار مَا نقص مِنْهَا بَيْضَة يخط عَلَيْهَا خطوط وتنصب على مَسَافَة تلحقها الصَّحِيحَة ثمَّ تنصب على مَسَافَة دونهَا تلحقها العليلة ويتعرف مَا بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 المسافتين فَيكون مَا يلْزم الجانبي بِحَسب ذَلِك. وَهُوَ نَحْو قياسهم مَا نقص من اللِّسَان بالحروف الْمُقطعَة. قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا تقاس الْعين فِي يَوْم غيم وانما نهى عَن ذَلِك: لِأَن الضَّوْء يخْتَلف يَوْم الْغَيْم فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة فَلَا يَصح الْقيَاس. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه ذكر الْمهْدي من ولد الْحسن فَقَالَ: رجل أجلى الجبين أقنى الأسف ضخم الْبَطن أزيل الفخذين أفلج الثنايا بفخذه الْيُمْنَى شامة. الأزيل الفخذين: المتباعد مَا بَينهمَا وَهُوَ كالأفحج. يُقَال: تزيل الشَّيْء اذا انفرج قَالَ أَبُو النَّجْم يذكر بَعِيرًا يَسْتَقِي أَو رجلا: من الرجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 .. فِي لَحْمه بالغرب كالتزيل يَقُول: تنفرج أعضاؤه من ثقل الدَّلْو. وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ: عَلَيْكُم من النِّسَاء الحارقة. بَلغنِي ذَلِك عَن ابْن عُيَيْنَة وانه قَالَ: هِيَ الضيقة وَلَا أرى هَذَا الا من قَوْلهم: هُوَ يحرق عَلَيْهِ الأرم فِي شدَّة الْعَدَاوَة والغيظ وَالْبَعِير يحرق نِيَابَة اذا صرف. وَذَلِكَ أَنه يشد نابا على نَاب وَقَالَ الْأَصْمَعِي: (هُوَ يعَض عَلَيْهِ الأرم) وَقَالَ الأرم الْأَصَابِع. وَقَالَ غَيره: يحرق. وَقَالَ: الأرم الأضراس. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي كتاب: الْأَمْثَال لَو كَانَت الأضراس لكَانَتْ الأزم بالزاي ذهب الى الأزم وَهُوَ العض وأغفل الأرم وانما سميت الأضراس أرما لِأَن الأرم الْأكل يُقَال: أرم الْبَعِير يأرم أرما فَهُوَ أرم والجميع الأرم وَيجوز أَن تسمى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 الْأَصَابِع أرما لِأَنَّهُ يُؤْكَل بهَا غير ان التَّفْسِير الأول هُوَ الصَّحِيح أَلا ترى أَن الْمُعَطل الْهُذلِيّ يَقُول: من الطَّوِيل ... وَفهم بن عَمْرو يعلكون ضريسهم ... كَمَا صرفت فَوق الْجذاذ المساحن ... ويعلكون ضريسهم هُوَ مثل قَوْلهم: يحرقون الارم عَلَيْهِ لانه أَيْضا يُقَال: هُوَ يعلك على الأزم وَقَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... حبسنا وَكَانَ الْحَبْس منا سجية ... عصائب أبقتها السنون الأوارم ... وَهِي السنون الَّتِي أكلت المَال واستأصلته وعصائب المَال: بقاياه. وَكَانَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام يقْرَأ: {لنحرقنه ثمَّ لننسفنه فِي اليم نسفا} وَقيل فِي تَفْسِيره: لنبردنه بالمبارد بردا. وَهُوَ من هَذَا. والحارقة: الَّتِي تضم كَمَا يشد العاض أَو المغتاظ المتوعد أَسْنَانه. وَيُقَال لَهَا: العضوض والمصوص قريب من ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ: ذِمَّتِي رهينة وَأَنا بِهِ زعيم لمن صرحت لَهُ العبر أَن لَا يهيج على التَّقْوَى زرع قوم وَلَا يظمأ على التَّقْوَى سنخ أصل الا وان أبْغض خلق الله إِلَى الله رجل قمش علما غارا باغباش الْفِتْنَة عميسا بِمَا فِي غيب الْهُدْنَة سَمَّاهُ أشباهه من النَّاس عَالما لم يغن فِي الْعلم يَوْمًا سالما بكر فَاسْتَكْثر مِمَّا قل مِنْهُ فَهُوَ خير مِمَّا كثر حَتَّى اذا مَا ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل قعد بَين النَّاس قَاضِيا لتلخيص ماالتبس على غَيره ان نزلت بِهِ احدى المبهمات هيأ لَهَا حَشْوًا رثا رَأيا من رايه فَهُوَ من قطع الشُّبُهَات فِي مثل غزل العنكبوت لِأَنَّهُ لَا يعلم اذا أَخطَأ اخطأ أم أصَاب خباط عشوات رعاب جهالات لَا يعْتَذر مِمَّا لَا يعلم فَيسلم وَلَا يعَض فِي الْعلم بضرس قَاطع فيغنم يذرو الرِّوَايَة ذرو الرّيح الهشيم تبْكي مِنْهُ الدِّمَاء وتصرخ مِنْهُ الْمَوَارِيث ويستحل بِقَضَائِهِ الْفرج الْحَرَام لَا ملىء وَالله باصدار مَا ورد عَلَيْهِ وَلَا أهل لما فرظ بِهِ. حَدَّثَنِيهِ ابى قَالَ حَدَّثَنِيهِ عَليّ بن مُحَمَّد عَن اسماعيل بن اسحق الْأنْصَارِيّ عَن عبد الله بن لَهِيعَة عَن عبد الله بن هُبَيْرَة. الذِّمَّة الْعَهْد وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 {لَا يرقبون فِي مُؤمن إِلَّا وَلَا ذمَّة} وَهُوَ الذَّم أَيْضا قَالَ أُسَامَة الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل ... كَمَا نَاشد الذَّم الْكَفِيل الْمعَاهد ... والزعيم: الْكَفِيل. وَقَوله: أَلا يهيج على التَّقْوَى زرع قوم. يُرِيد: لَا يجِف يُقَال: هاج النبت إِذا يبس. وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {ثمَّ يهيج فتراه مصفرا} . والسنخ وَالْأَصْل وَاحِد وأضاف أَحدهمَا الى الآخر لما اخْتلف اللفظان وان كَانَ الْمَعْنى وَاحِدًا وَأَرَادَ انه من عمل لله عملا لم يفْسد ذَلِك الْعَمَل وَلم يبطل كَمَا يفْسد النبت بهيج أَعْلَاهُ وعطش أَسْفَله وَلكنه لَا يزَال ناضرا. وأغباش الْفِتْنَة ظلمها وَاحِدهَا غبش وأغباش اللَّيْل بقايا ظلمه وَمِنْه الحَدِيث فِي صَلَاة الصُّبْح: وَالنِّسَاء متلفعات بمروطهن مَا يعرفن من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 الغبش. والهدنة هِيَ السّكُون يُقَال: هدن اذا سكن والمهادنة الاصلاح. وسمى بذلك لِأَن السّكُون يكون بِهِ وَأَرَادَ أَنه لَا يعرف مَا فِي الْفِتْنَة من الشَّرّ وَلَا مَا فِي السّكُون من الْخَيْر. وَقَوله: وَلم يغن فِي الْعلم يَوْمًا سالما يُرِيد: أَن الْجُهَّال يسمونه عَالما وَلم يلبث فِي الْعلم يَوْمًا تَاما. وَهُوَ من قَوْلك: غنيت بِالْمَكَانِ اذا لَبِثت بِهِ. وَمِنْه قيل للمنزل مغنى وللنازل مغان لِأَنَّهُ يُقَام بهَا. وَقَوله: حَتَّى إِذا مَا ارتوى من آجن والآجن: المَاء الْمُتَغَيّر. والآسن نَحوه. شبه علمه بِهِ. وَقَوله: قعد لتلخيص مَا الْتبس على غَيره. يُرِيد: لتبيينه وَهُوَ التخليص متقاربان وَلَعَلَّهُمَا شىء وَاحِد من المقلوب خلصت ولخصت. وَقَوله: ان نزلت بِهِ احدى المبهمات يُرِيد مَسْأَلَة معضلة مشكلة وانما قيل لَهَا: مُبْهمَة لِأَنَّهَا أبهمت عَن الْبَيَان كَأَنَّهَا أصمتت فَلم يَجْعَل عَلَيْهَا دَلِيل وَلَا اليها سَبِيل وَمن هَذَا قيل لما لَا ينْطق من الْحَيَوَان: الْبَهَائِم وَمِنْه قيل للمصمت اللَّوْن الَّذِي لَا شية لَهُ: بهيم وَمِنْه قيل للشجاع من الرِّجَال: بهمة لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 استبهم على مَنَازِله الْوَجْه الَّذِي يَأْتِيهِ فِي الْقِتَال مِنْهُ. وَقَوله: خباط عشوات أَي: خبط ظلمات وخابط العشوة نَحْو واطىء العشوة. وَهُوَ الَّذِي يمشي فِي اللَّيْل بِلَا مِصْبَاح فيتحير ويضل وَرُبمَا تردى فِي بِئْر أَو سقط على سبع وَيُقَال فِي مثل: سقط الْعشَاء على سرحان وَذَلِكَ ان خَارِجا خرج يطْلب الْعشَاء فَسقط على ذِئْب فَأَكله. وَبَعض اصحاب اللُّغَة يزْعم أَن السرحان فِي هَذَا الْمثل الْأسد قَالَ: وَهُوَ مثل قَوْلهم للأسد فِي مَوضِع آخر: حَيَّة الْوَادي. وهذيل تسمي الْأسد سرحانا. وَقَوله: وَلَا يعَض فِي الْعلم بضرس قَاطع يُرِيد: انه لم يتقن وَلم يحكم فَيكون بِمَنْزِلَة من يعَض بناجذ. والناجذ: آخر الأضراس وانما يطلع اذا استحكم شباب الرجل واستدت مرته وَلذَلِك تَدعُوهُ الْعَوام ضرس الْحلم كَأَن الْحلم يأتى مَعَ طلوعه وَتذهب نزقة الصَّبِي وَمن هَذَا الْمَعْنى قَول الشَّاعِر: من الوافر ... أَخُو خمسين مُجْتَمع أشدي ... ونجذني مداورة الشؤون ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وَيُقَال: رجل منجذ اذا كَانَ مجربا محكما وَأَصله من طُلُوع الناجذ. وَيُقَال: قد عض فلَان على ناجذه وَكَذَلِكَ الْبَعِير اذا عض على بازله فقد بلغ. وَالْفرس اذا عض على قارحه. وَقَوله: يذرو الرِّوَايَة ذرو الرّيح الهشيم أَي: يسْرد الرِّوَايَة كَمَا تنسف الرّيح هشيم النبت. وَهُوَ مَا يبس مِنْهُ وتفتت. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَأصْبح هشيما تَذْرُوهُ الرِّيَاح} . وَقَوله: لَا ملىء وَالله باصدار مَا قدر عَلَيْهِ يَقُول: لَيْسَ هُوَ كَامِل لرد مَا سُئِلَ عَنهُ وَمَا أصَاب فِيهِ وَلَا هُوَ أهل لما قرظ بِهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ: أسلم وَالله أَبُو بكر وَأَنا جذعمة أَقُول فَلَا يسمع قولي فيكف أكون أَحَق بمقام أَبى بكر. يرويهِ الرّبيع بن نَافِع الْحلَبِي عَن ابراهيم بن يحيى الْمَدِينِيّ عَن صَالح مولى التؤمة. الجذعمة: الصَّغِير وَالْمِيم زَائِدَة. وَأَصله الْجَذعَة وَالْمِيم تزاد آخرا رَابِعَة فَيكون الْحَرْف على فَعلم نَحْو: زرقم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 وَهُوَ الْأَزْرَق وستهم وَهُوَ الأستة وفسحم وَهُوَ الْوَاسِع الصَّدْر. وَأَصله الفسح وَيكون الْحَرْف على فَعلم نَحْو: شدقم وَهُوَ الْأَشْدَق وشجعم وَهُوَ الشجاع. وَيكون الْحَرْف على فَعلم نَحْو: دقعم وَهُوَ التُّرَاب. وَأَصله الدقعاء. يُقَال: فلام مدقع إِذا افْتقر فلصق بِالتُّرَابِ ودلقم وَهِي النَّاقة المنكسرة الاسنان. والاصل: اندلقت اسنانها أَي: خرجت وَسَقَطت. وَقَالَ سيبوية: وَلَا تجْعَل هَذِه الْمِيم زَائِدَة الا فِي الْموضع الَّذِي يعرف فِيهِ أصل الْحَرْف فَلَا تجدها هُنَاكَ. وَأما مَا لَا يعرف فِيهِ أصل الْحَرْف فنحو: عظلم وَهُوَ الوسمة وسلجم وَهُوَ الرَّأْس الطَّوِيل. وَأَرَادَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: أسلم أَبُو بكر وَأَنا كالجذعة فِي الصغر يُرِيد: انه لم يبلغ الْحلم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان ابْن عَبَّاس رَحمَه الله قَالَ: مَا رَأَيْت رَئِيسا محربا يزن بِهن لرأيته يَوْم صفّين وعَلى رَأسه عِمَامَة بَيْضَاء وَكَأن عَيْنَيْهِ سِرَاجًا سليط وَهُوَ يحمش أَصْحَابه الى أَن انْتهى الي وَأَنا فِي كثف فَقَالَ: معشر الْمُسلمين استشعروا الخشية وعنوا الاصوات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وتجلببوا السكينَة وأكملوا اللؤم وأخفوا الجنن وأقلقوا السيوف فِي الغمد قبل السلَّة وألحظوا الشزر واطعنوا الشزر أَو النتر أَو الْيُسْر كلا قد سَمِعت ونافحوا بالظبا وصلوا السيوف بالخطا والرماح بِالنَّبلِ وامشوا الى الْمَوْت مشْيَة سجحا أَو سجحاء وَعَلَيْكُم الرواق المطنب فاضربوا ثبجه فان الشَّيْطَان راكد فِي كَسره نافج حضنيه مفترش ذِرَاعَيْهِ قد قدم للوثبة يدا وَأخر للنكوص رجلا. والسليط: الزَّيْت وَهُوَ عِنْد قوم دهن السمسم قَالَ الْجَعْدِي وَذكر امْرَأَة: من المتقارب تضيىء كضوء سراج السليط لم يَجْعَل الله فِيهِ تحاسا. أَي: دخانا. وَمِنْه قَوْله الله تَعَالَى: {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار ونحاس} . وَقَوله: يحمشهم أَي: يذمرهم ويغضبهم وَيُقَال: أحمشت الرجل وأوابته وأحفظته أَي أغضبته وَيُقَال: أحمشت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 النَّار اذا ألهبتها. والكثف: الْجَمَاعَة وَمِنْه: التكاشف والحشد نَحوه. وَقَوله: وعنوا الْأَصْوَات إِن كَانَ الْمَحْفُوظ هَكَذَا بِفَتْح الْعين وَتَشْديد النُّون فَإِنَّهُ أَرَادَ أحبسوها وأخفوها وَهُوَ معنى صَحِيح نَهَاهُم عَن اللَّغط. والتعنية: الْحَبْس وَمِنْه قيل للأسير عان وَقد ذَكرْنَاهُ فِي غير هَذَا الْموضع بِأَكْثَرَ من هَذَا التَّفْسِير. واللؤم: جمع لأمة على غير قِيَاس وَكَذَلِكَ يجمع كَأَنَّهُ جمع لؤمة. وللأمة الدرْع. والجنن: الترسة. يَقُول: اجْعَلُوهَا خفافا وأقلقوا السيوف فِي الغمد. يُرِيد: سهلوا سلها قبل أَن تحتاجوا إِلَى ذَلِك لِئَلَّا تعسر عَلَيْكُم عِنْد الْحَاجة. والظبأ: جمع ظبة السَّيْف أَي حَده وَهِي من المنقوص مثل: قلَّة وثبة فتجمعها على الاصل. وَقَوله: وصلوا السيوف بالخطى يَقُول: اذا قصرت عَن الضرائب تقدمتم وأسرعتم حَتَّى تلحقوا مثل قَول قيس بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 الخطيم: من الطَّوِيل ... اذا قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... خطانا الى أَعْدَائِنَا فنضارب ... وَقَوله: والرماح بِالنَّبلِ يُرِيد: اذا قصرت الرماح بعد من تُرِيدُ أَن تطعنه مِنْك رميته بِالنَّبلِ. وَقَوله: امشوا إِلَى الْمَوْت ميشية سجحا أَو سجحاء أَي: سهلة لَا تتكلوا. وَمِنْه قَول عَائِشَة لعَلي يَوْم الْجمل: ملكت فأسجع أَي: سهل. وَيُقَال: خُذ أسجح أَي: سهل. وَقَوله: عَلَيْكُم الرواق المطنب يَعْنِي: رواق الْبَيْت المشدود بالأطناب وَهِي حبال تشد بِهِ وَهَذَا مثل قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: صرف الشَّيْطَان روقة وَمد طنبه. وَقد ذكرته فِي حَدِيثهَا وفسرته. وَقَوله: قد قدم للوثبة يدا وَأخر للنكوص رجلا هُوَ مثل قَول الله جلّ وَعز: {وَإِذ زين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {نكص على عَقِبَيْهِ} أَي: رَجَعَ على عقيبة. وَأَرَادَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قد قدم يدا ليثب ان رأى فرْصَة وان رأى الْأَمر على من هُوَ مَعَه نكص رجلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 وَقَوله: والحظوا الشزر وَهُوَ النّظر بمؤخر الْعين نظر الْعَدو الْمُبْغض. يَقُول: ألحظوهم شزرا وَلَا تنظروا اليهم نظرا يبين لَهُم فان ذَلِك أهيب لكم فِي صُدُورهمْ. والطعن الْيُسْر مَا كَانَ حذاء وَجهك. والشزر عَن يَمِينك وشمالك. والنبر من الطعْن: الخلس وَهَذَا اشبه الْوَجْهَيْنِ عِنْدِي بِمَا أُرِيد بِالْحَدِيثِ لِأَن اختلاس الطعْن من حذق الطاعن تَقول الْعَرَب: طعن نبر وَضرب هبر أَي: يقطع من اللَّحْم قطعا يلقيها. وَرمي سعر: أَي: كَأَنَّهُ نَار. يُقَال: سعرت النَّار اذا ألهبتها. وَقَالَ الْأَصْمَعِي أَيْضا: طعن نتر قَالَ: وطعنه الْفَارِس نترة وَكَانَ ينشد: من المتقارب ... فتبعته طعنة نترة ... يسيل على الصَّدْر مِنْهَا صبيب ... وَغَيره يرويهِ: ثرة. وَقَالَ الشَّاعِر فِي اختلاس الطعْن: من الطَّوِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 0 - ... يخالس الْخَيل طَعنا وَهِي محضرة ... كَأَنَّمَا ساعداه ساعدا ذيب ... قَالَ الْهُذلِيّ من الطَّوِيل ... وطعنة خلس قد طعنت مرشة ... يمج بهَا عرق من الْجوف قالس ... والحضنان: الجنبان. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان مكَاتبا لبَعض بني أَسد قَالَ: جِئْت بِنَقْد أجلبه الى الْكُوفَة فانتهيت بِهِ الى الجسر فَانِي لأسربه عَلَيْهِ أقبل مولى لبكر بن وَائِل يَتَخَلَّل الْغنم ليقطعه فنفرت نقدة فقطرت الرجل فِي الْفُرَات فغرق فَأخذت فارتفعنا الى عَليّ. فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ: انْطَلقُوا فان عَرَفْتُمْ النقدة بِعَينهَا فادفعوها اليهم وان اخْتلطت عَلَيْكُم فادفعوا شرواها من الْغنم. يرويهِ ابْن أَبى غنية عَن أَبى حبَان عَن أَبِيه. النَّقْد: صغَار الْغنم وَاحِدهَا نقدة. وَمِنْه يُقَال: فلَان أذلّ من النَّقْد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 1 - وَقَوله: اسربه: أَي: أرْسلهُ قِطْعَة قِطْعَة. يُقَال: سرب عَليّ الابل أَي أرسلها قِطْعَة قِطْعَة. وَقَوله: فقطرت الرجل أَي: أَلقيته فِي الْفُرَات وَأَصله من الْقطر وَهُوَ نَاحيَة الشىء يُقَال: طعنه فقطره أَي: أَلْقَاهُ على أحد قطريه وطعنه فجد لَهُ أَي: أَلْقَاهُ بالجدالة وَهِي الأَرْض. وَأَشد أَبُو زيد: من الرجز ... قد أركب الْآلَة بعد الْآلَة ... وأترك الْعَاجِز بالجدالة ... أَي: الأَرْض وشرواها مثلهَا. وَقد تقدم تَفْسِير ذَلِك. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ: وَالله لود مُعَاوِيَة أَنه مَا بَقِي من بني هَاشم نافخ ضرمة الا طعن فِي نيطه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 الضرمة: النَّار. يُقَال: مَا بِالدَّار نافخ نَار وَلَا نافخ ضرمة سَوَاء أَي: مَا بهَا أحد. وَقَوله: الا طعن فِي نيطه. يُرِيد: الا مَاتَ. وحَدثني أَبى قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد قَالَ: طعن فلَان فِي نيطه. أَي: طعن فِي جنَازَته. وَمن ابْتَدَأَ فِي شَيْء أَو دخل فِي شَيْء فقد طعن فِيهِ. والنيط: الْمَوْت. يُقَال: رَمَاه الله بالنيط. وحَدثني أَبى قَالَ ثَنَا أَبُو سعيد انه طعن فِي نيطه. وَقَالَ: نِيَاط الْقلب وَهِي علاقته الَّتِي يتَعَلَّق بهَا فَإِذا طعن فِي ذَلِك الْمَكَان مَاتَ. وَكَانَ الْقيَاس ان يُقَال: نوط لِأَنَّهُ من ناط ينوط غير أَن الْيَاء تعاقب الْوَاو فِي حُرُوف كَثِيرَة قد ذكرتها فِي غير هَذَا الْموضع مثل: لَاطَ بقلبي يلوط ويليط لوطا وليطا. وحَدثني أَبى قَالَ: أَخْبرنِي ابْن حبَان النَّحْوِيّ قَالَ أَخْبرنِي بكر الْمَازِني انه سَأَلَ يَا عُبَيْدَة والأصمعي عَن قَول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 الْأَعْشَى: من الطَّوِيل ... لعمري لَئِن أَمْسَى من الْحَيّ شاخصا ... لقد نَالَ خيصا من عفيرة خائصا ... فَقلت: خيصا أَو حيصا فَقَالَا: مَا نَدْرِي. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال فلَان يخوص فِي بني فلَان العطا اذا كَانَ يعطيهم شَيْئا يَسِيرا وَقَالَ بكر: فَقلت لَهُ فَيَنْبَغِي أَن يكون الْمصدر خوصا فَقَالَ: رُبمَا اشتق الْمصدر من غير لفظ الْفِعْل يُقَال: أَتَيْته آتيه وآتوه وَلَا نعلم أحدا يوثق بعربتيه يَقُول: أتوته الا أَن النَّحْوِيين لما سمعُوا أتوة قاسوه فَقَالُوا أتوته آتوه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ: ان الله تَعَالَى أوحى إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَن ابْن لي بَيْتا فِي الأَرْض فَضَاقَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بذلك ذرعا فارسل الله جلّ وَعز اليه السكينَة. وَهِي ريح خجوج فتطوت مَوضِع الْبَيْت كالحجفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن بشر بن آدم عَن أبي الْأَحْوَص عَن سماك بن حَرْب عَن خَالِد بن عرْعرة. الخجوج من الرِّيَاح: السريعة المر وَيُقَال أَيْضا خجوجاة قَالَ ابْن أَحْمَر يصف الرّيح: من الْكَامِل هوجاء رعبلة الرواح خجوجاة الغدو رواحها شهر والخجوجي: الطَّوِيل الرجلَيْن أَيْضا وَمثل هَذَا حَدِيثه الآخر انه قَالَ: السكينَة لَهَا وَجه كوجه الانسان وَهِي بعد ريح هفافة والهفافة: الْخَفِيفَة السريعة. قَالَ ابْن أَحْمَر وَذكر الظليم وبيضه: من الوافر ... ويلحفهن هفافا ثخينا ... والهفاف: جنَاحه لِأَنَّهُ خَفِيف سريع فِي طيرانه وَهُوَ ثخين لتراكب الريش بعضه على بعض وَأما قَول ذِي الرمة: من الطَّوِيل ... وأبيض هفاف الْقَمِيص أَخَذته ... فَجئْت بِهِ للْقَوْم مغتصبا ضمرا ... فَإِنَّهُ أَرَادَ: الْقلب وقميصه: غشاؤه. وَجعله هفافا لرقته وَقَوله: فَجئْت بِهِ للْقَوْم مغتصبا أَرَادَ أَن الْبَعِير الَّذِي أَتَاهُم بِقَلْبِه نحر عَن غير عِلّة. يُقَال: جزور مَغْصُوبَة ومعبوطة اذا نحرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 لغير عِلّة والضمر: اللَّطِيف. والحجفة: الترس. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه كتب الى ابْن عَبَّاس حِين أَخذ من مَال الْبَصْرَة مَا أَخذ: اني أَشْرَكتك فِي أمانتي وَلم يكن رجل من أَهلِي أوثق مِنْك فِي نَفسِي فَلَمَّا رَأَيْت الزَّمَان على ابْن عمك قد كلب والعدو قد حَرْب قلبت لِابْنِ عمك ظهر الْمِجَن بِفِرَاقِهِ مَعَ المفارقين وخذلانه مَعَ الخاذلين واختطفت مَا قدرت عَلَيْهِ من أَمْوَال الْأمة اختطاف الذِّئْب الْأَزَل دامية المعزى. وَفِي الْكتاب: ضح رويدا فَكَأَن قد بلغت المدى وَعرضت عَلَيْك أعمالك بِالْمحل الَّذِي فِيهِ يُنَادي المغتر بالحسرة ويتمنى المضيع التَّوْبَة والظالم الرّجْعَة. قَوْله: قد حَرْب أَي: غضب يُقَال: حَرْب الرجل يحرب حَربًا وحربته أَنا أَي: أغضبته وَأسد محرب أَي: مغضب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وَقَوله: قلبت لِابْنِ عمك ظهر الْمِجَن هَذَا مثل يضْرب لمن كَانَ لصَاحبه على مَوَدَّة أَو رِعَايَة ثمَّ حَال عَن ذَلِك. والمجن: الترس وَقَوله: اختطاف الذِّئْب الْأَزَل دامية المعزى إِنَّمَا خص الدامية دون غَيرهَا لِأَن فِي طبع الذِّئْب محبَّة الدَّم فَهُوَ يُؤثر الدامية على غَيرهَا ويبلغ بِهِ طبعه فِي ذَلِك انه يرى الذِّئْب مثله وَقد دمي فيثب عَلَيْهِ ليأكله قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... فَكنت كذئب السوء لما رأى دَمًا ... بِصَاحِبِهِ يَوْمًا أحَال على الدَّم ... وَقَالَ آخر: من الْبَسِيط اني رَأَيْتُك كالورقاء يوحشها ... قرب الأليف وتغشاه اذا عقروا ... والورقاء: ذئبة يَقُول: لَا تقرب الذِّئْب وتستوحش مِنْهُ فاذا عقر وَثَبت عَلَيْهِ. وَقَوله: ضح رويدا هَذَا مثل وَهُوَ كَمَا تَقول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 اصبر قَلِيلا وَيُقَال أَصله من تضحية الابل وَهُوَ تغديتها يُقَال: ضحيتها اذا غديتها وَقَالَ زيد الْخَيل: من الطَّوِيل ... فَلَو أَن نصرا أصلحت ذَات بَينهَا ... لضحت رويدا عَن مظالمها عَمْرو ... أَي: لكفت عَمْرو انفسها عَن ظلمها. وَنصر وَعَمْرو: حَيَّان من أَسد. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ: ان بني أُميَّة لَا يزالون يطعنون فِي مسحل ضَلَالَة وَلَهُم فِي الأَرْض أجل ومهابة حَتَّى يهريقوا الدَّم الْحَرَام فِي الشَّهْر الْحَرَام وَالله لكَأَنِّي أنظر الى غرنوق من قُرَيْش يَتَشَحَّط فِي دَمه فاذا فعلوا ذَلِك لم يبْق لَهُم فِي الأَرْض عاذر وَلم يبْق لَهُم ملك على وَجه الأَرْض بعد خمس عشرَة لَيْلَة. يرويهِ هرون بن الْمُغيرَة عَن عمر بن سعيد عَن سَلمَة بن كهيل عَن أَبى صَادِق عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله فِي مسحل ضَلَالَة هُوَ من قَوْلهم: ركب فلَان مسحلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 اذا جد فِي أَمر هُوَ فِيهِ كَلَام أَو غَيره وَمضى وَمِنْه: السحل وَهُوَ الصب يُقَال: سحلت السَّمَاء اذا صبَّتْ. والغرنوق: الشَّاب وَيُقَال: غرنوق وَالْجمع غرانيق وغرانقة وَأما الغرانيق من طير المَاء فواحدها: غرنيق. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف لما تكلم يَوْم الشورى بالْكلَام الَّذِي ذكرته فِي حَدِيثه تكلم عَليّ فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي اتخذ مُحَمَّدًا منا نَبيا وابتعثه الينا فَنحْن بَيت النُّبُوَّة ومعدن الْحِكْمَة أَمَان لأهل الارض وَنَجَاة لمن طلب وَلنَا حق أَن نعطه نَأْخُذهُ وان نمنعه نركب أعجاز الابل وان طَال السرى لَو عهد الينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهدا لجالدنا عَلَيْهِ حَتَّى نموت أَو قَالَ لنا قولا لأنفذناه على رغمنا لن يسْرع أحد قبلي إِلَى صلَة رحم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 أَو دَعْوَة حق وَالْأَمر اليك يَابْنَ عَوْف على صدق الْيَقِين وَجهد النصح اسْتغْفر الله لي وَلكم. يرويهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد عَن أَبى عمر الزُّهْرِيّ عَن مُسلم عَن نشيط عَن عَطاء بن أَبى رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: لنا حق ان نعطه نَأْخُذهُ وان نمنعه نركب أعجاز الابل وان طَال السرى يُرِيد: أَنه ان مَنعه ركب مركب الصيم والذل على مشقة وان تطاول ذَلِك بِهِ. وأصل هَذَا: ان رَاكب الْبَعِير اذا ركب بِغَيْر رَحل وَلَا وطاء ركب عَجزه وَلم يركب ظَهره من أجل السنام وَذَلِكَ مركب صَعب يشق على رَاكِبه وَلَا سِيمَا اذا تطاول بِهِ الرّكُوب على تِلْكَ الْحَال وَهُوَ يسري أَي: يسير لَيْلًا واذا رَكبه بالوطاء والرحل ركب الظّهْر وَذَلِكَ مركب يطمئن بِهِ وَلَا يشق عَلَيْهِ وَقد يجوز أَن يكون أَرَادَ بركوب اعجاز الابل انه يكون ردفا تَابعا وَلَا يصبر على ذَلِك وان تطاول بِهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان أهل الطَّائِف سَأَلُوهُ أَن يكْتب لَهُم الْأمان على تَحْلِيل الرِّبَا وَالْخمر فَامْتنعَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَامُوا وَلَهُم تغذمر وبربرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 التغذمر: الْغَضَب والبربرة: كَلَام فِي غضب والدمدمة نَحوه. قَالَ الطرماح وَذكر ثورا: من المتقارب ... وبربر بربرة الهبرقي بِأُخْرَى خواذ لَهَا الآنحة ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه كَانَ من مزحه أَن يَقُول: من الرجز ... أَفْلح من كَانَت لَهُ مزخه ... يزخها ثمَّ ينَام الفخة ... المزخة هَاهُنَا: الْمَرْأَة وأصل الزخ الدّفع يُقَال: زخ فِي قفا فلَان حَتَّى اخْرُج من الْبَاب ومزخة مفعلة من ذَلِك أَي: مَوضِع الزخ وَهُوَ النِّكَاح. وَمِنْه حَدِيث أَبى بكرَة حِين حدث مَعَه مُعَاوِيَة بقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلَافَة نبوة ثمَّ يؤني الله الْملك من يَشَاء قَالَ: فزخ فِي أقفائنا. والفخة: الغطيط فِي النّوم يُقَال: فخ يفخ فخيخا اذا غط فِي نَومه وَنَحْو من هَذَا حَدِيثه الآخر ذكره الرياشي قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 ثَنَا أَبُو عَاصِم قَالَ: ثَنَا معَاذ بن الْعَلَاء بن عمار قَالَ: حَدثنِي أَبى عَن جدي قَالَ: سَمِعت عليا على الْمِنْبَر يَقُول: مَا أصبت مُنْذُ وليت عَمَلي الا هَذِه القويريرة أهداها الي الدهْقَان بِضَم الدَّال ثمَّ نزل الى بَيت المَال فَقَالَ: خُذ ثمَّ قَالَ: من الرجز ... أَفْلح من كَانَت لَهُ قوصره ... يَأْكُل مِنْهَا كل يَوْم مره ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لما قتل ابْن آدم أَخَاهُ غمص الله الْخلق وَنقص الْأَشْيَاء. قَوْله: غمص الله الْخلق من قَوْلك: غمصت فلَانا أغمصه غمصا واغتمصته اذا استصغرته واحتقرته. وَيُقَال: غمصت عَلَيْهِ قَوْله اذا عبته. وَمِنْه قَول عمر رَضِي الله عَنهُ للمستقي لَهُ فِي جَزَاء الصَّيْد الَّذِي اصابه وَهُوَ حرَام: أتغمص الْفتيا. وَيُقَال فلَان مغموص عَلَيْهِ فِي حَسبه ومغموز عَلَيْهِ. وَكَأن أصل الصَّاد فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 الزَّاي ومخرجاهما متقاربان. وَأرى معنى الحَدِيث انه نقص الْخلق من الطول والعظم وَالْقُوَّة والبطش وَأَشْبَاه ذَلِك. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه ليدي قوما قَتلهمْ خَالِد بن الْوَلِيد فَأَعْطَاهُمْ ميلغة الْكَلْب وعلبة الحالب ثمَّ قَالَ: هَل بَقِي لكم شَيْء فَأَعْطَاهُمْ بروعة الْخَيل ثمَّ بقيت مَعَه بَقِيَّة فَدَفعهَا اليهم. من حَدِيث مُحَمَّد بن اسحق فِي الْمَغَازِي. ميلغة الْكَلْب: الظّرْف الَّذِي يلغ فِيهِ الْكَلْب اذا شرب وَأَرَادَ انه أَعْطَاهُم قيمَة كل مَا ذهب لَهُم حَتَّى ميلغة الْكَلْب الَّتِي لَا قدر لَهَا وَلَا ثمن لِأَن الْكَلْب انما يولغ فِي قِطْعَة من صَحْفَة أَو جَفْنَة قد انْكَسَرت وَكَذَلِكَ علبة الحالب وَهِي: الْقدح الَّذِي يحلب فِيهِ من خشب ثمَّ أَعْطَاهُم بروعة الْخَيل يُرِيد: أَن الْخَيل لما وَردت عَلَيْهِم راعت نِسَاءَهُمْ وصبيانهم فَأَعْطَاهُمْ أَيْضا شَيْئا لما أَصَابَهُم من هه الروعة. وَفِي حَدِيث آخر انه بقيت مَعَه بَقِيَّة فَأَعْطَاهُمْ اياها وَقَالَ: هَذَا لكم بروعة صِبْيَانكُمْ ونسائكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ ان سَلامَة الْكِنْدِيّ قَالَ: كَانَ عَليّ يعلمنَا الصَّلَاة على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ داحي المدحوات وبارىء المسموكات وجبار الْقُلُوب على فطراتها شقيها وسعيدها اجْعَل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك ورأفة تحننك على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق والمعلن الْحق بِالْحَقِّ والدامغ جيشات الأباطيل كَمَا حمل فاضطلع بِأَمْرك لطاعتك مستوفزا فِي مرضاتك بِغَيْر نكل فِي قدم وَلَا وَهِي فِي عزم واعيا لوحيك حَافِظًا لعهدك مَاضِيا على نَفاذ أَمرك حَتَّى أورى قبسا لقابس وأنار علما لحابس آلَاء الله تصل باهله أَسبَابه بِهِ هديت الْقُلُوب بعد خوضات الْفِتَن والاثم موضحات الْأَعْلَام ونائرات الْأَحْكَام ومنيرات الاسلام فَهُوَ أمينك الْمَأْمُون وخازن علمك المخزون وشهيدك يَوْم الدّين وبعيثك نعْمَة وَرَسُولك بِالْحَقِّ رَحْمَة الل هم افسح لَهُ مفتسحا فِي عدلك أوعدنك وأجزه مضاعفات الْخَيْر من فضلك لَهُ مهنآت غير مكدرات من فوز ثوابك المحلول وجزل عطائك الْمَعْلُول اللَّهُمَّ أعل على بِنَاء الْبَابَيْنِ بناءه وَأكْرم مثواه لديك ونزله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 وأتمم لَهُ نوره وأجزه من ابتعاثك لَهُ مَقْبُول الشَّهَادَة مرضِي الْمقَالة ذَا منطق عدل وخطة فصل وَحجَّة برهَان عَظِيم. يرويهِ يزِيد بن هرون عَن نوح بن قيس عَن سَلامَة الْكِنْدِيّ. قَوْله: داحي المدحوات يَعْنِي: باسط الْأَرْضين وَكَانَ عز وَجل خلقهَا ربوة ثمَّ بسطها. قَالَ جلّ ذكره: {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} وكل شىء بسطته ووسعته فقد دحوته وَمن هَذَا قيل لموْضِع بيض النعامة: أدحي لِأَنَّهَا تدحوه للبيض أَي: نبسطه وتوسعه وَهُوَ: أفعول. وَقَوله: بارىء المسموكات أَي خَالق السَّمَاوَات وكل شىء رفعته وأعليته فقد سمكته. وسمك الْحَائِط وَالْبَيْت: ارتفاعه. قَالَ الفرزدق: من الْكَامِل ... ان الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا ... بَيْتا دعائمه أعز أطول ... وَقَوله: جَبَّار الْقُلُوب على فطراتها شقيها وسعيدها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 من قَوْلك: جبرت الْعظم فجبر اذا كَانَ مكسورا فلأمته وأقمته كَأَنَّهُ أَقَامَ الْقُلُوب وأثبتها على مَا فطرها عَلَيْهِ من مَعْرفَته والاقرار بِهِ شقيها وسعيدها وَلم أجعَل جبارا هَاهُنَا من: أجبرت فلَانا على الأمراذا أدخلته فِيهِ كرها وقسرته لَا يُقَال: من: أفعل فعال لَا أعلم ذَلِك الا أَن بعض الْقُرَّاء قَرَأَ: أهدكم سَبِيل الرشاد: بتَشْديد الشين وَقَالَ: الرشاد الله تبَارك وَتَعَالَى فَهَذَا فعال من أفعل وَهِي قِرَاءَة شَاذَّة غير مستعملة. وَأما قَول الله تَعَالَى: {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بجبار} . فانه أَرَادَ مَا أَنْت عَلَيْهِم بِملك والجبابرة: الْمُلُوك وَاعْتِبَار ذَلِك قَوْله عز وَجل: {لست عَلَيْهِم بمصيطر} أَي: بمسلط تسلط الْمُلُوك. فَإِن كَانَ يجوز أَن يُقَال من: أجبرت فلَانا على الْأَمر وَأَنا جَبَّار وَكَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فقد يجوز أَن يَجْعَل قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ: جَبَّار الْقُلُوب من ذَلِك وَهُوَ أحسن فِي الْمَعْنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 وَقَوله: دامغ جيشات الأباطيل يُرِيد المهلك لما نجم وارتفع من الأباطيل وأصل الدمغ من الدِّمَاغ كَأَنَّهُ الَّذِي يضْرب وسط الرَّأْس فيدمغ. أَي: يُصِيب الدِّمَاغ. وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه} أى: يُبطلهُ والدماغ مقتل فاذا أُصِيب هلك صَاحبه. وجيشات: مَأْخُوذ من جاش الشئ اذا ارْتَفع وجاش المَاء اذا طما وجاشت النَّفس. وَقَوله: كَمَا حمل فاضطلع هُوَ افتعل من الضلاعة وَهِي الْقُوَّة وَيُقَال فلَان مضطلع بِحمْلِهِ اذا كَانَ قَوِيا عَلَيْهِ والضلاعة: الْعظم. وَمن الأضلاع أَخذ ذَلِك لِأَن الجنبين اذا عظما قوى الْبَعِير على الْحمل. وَقَوله: بِغَيْر نكل فِي قدم. النكل: النّكُول. يُقَال: نكل ينكل عَن الْأَمر نكولا هَذَا الْمَشْهُور. وَنكل ينكل نكلا قَلِيله والقدم: التَّقَدُّم قاب أَبُو زيد: يُقَال رجل قدم اذا كَانَ شجاعا وَكَأن الْقدَم يجوز أَن تكون بِمَعْنى التَّقَدُّم وَبِمَعْنى الْمُتَقَدّم. وَقَوله: وَلَا وَهِي فِي عزم أَي: وَلَا ضعف فِي رَأْي. وَقَوله: حَتَّى أورى قبسا لقابس أَي: أظهر نورا من الْحق. يُقَال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 أوريت النَّار اذا قدحت فاظهرتها. وَقَالَ الله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُم النَّار الَّتِي تورون} . وَقَوله: آلَاء الله تصل بأَهْله أَسبَابه يُرِيد: نعم الله وَهِي آلاؤه وَاحِدهَا ألأ تصل بِأَهْل ذَلِك القبس وَهُوَ الاسلام وَالْحق: أَسبَابه وَأَهله الْمُؤْمِنُونَ بِهِ. هديت الْقُلُوب بعد الْكفْر والفتن موضحات الْأَعْلَام أَي: هديت لموضحات الْأَعْلَام. يُقَال: هديته الطَّرِيق وللطريق والى الطَّرِيق. وَقَوله: تائرات الْأَحْكَام ومنيرات الاسلام يُرِيد: الواضحات الْبَينَات. يُقَال: نَار الشىء وأنار اذا وضح فَأتى باللغتين جَمِيعًا. وَقَوله: شهيدك يَوْم الدّين. يُرِيد الشَّاهِد على أمته يَوْم الْقِيَامَة وبعيثك نعْمَة أَي: مبعوثك فعيل فِي معنى مفعول. وَقَوله: افسح لَهُ مفتسحا أَي: أوسع لَهُ سَعَة فِي عدلك أَي: فِي ذِي عدلك يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة فَإِن كَانَ الْمَحْفُوظ عدنك فَإِنَّهُ أَرَادَ فِي جنتك جنَّة عدن. وَقَول: من جزل عطائك الْمَعْلُول من الْعِلَل وَهُوَ الشّرْب بعد الشّرْب فالشرب الأول: نهل وَالثَّانِي علل. يُرِيد: أَن عطاءه جلّ وَعز مضاعف كَأَنَّهُ يعل بِهِ عَاده أَي: يعطيهم عَطاء بعد عَطاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وَقَوله: أعل على بِنَاء البانين بناءه يُرِيد: ارْفَعْ فَوق أَعمال العاملين عمله وَأكْرم مثواه أَي: منزله من قَوْلك: ثويت بِالْمَكَانِ اذا نزلته وأقمت بِهِ ونزله: رزقه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قيل لَهُ: أَنْت أمرت بقتل عُثْمَان أَو أعنت على قَتله فعبد وضمد. العَبْد: الْغَضَب وَيُقَال مِنْهُ قَول الله جلّ وَعز: {قل إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنا أول العابدين} أَي: الغضاب والضمد: شدَّة الغيظ. قَالَ النَّابِغَة: من الْبَسِيط ... وَمن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنْهى الظلوم وَلَا تقعد على ضمد ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: خُذ الْحِكْمَة أَنى أتتك فَإِن الْكَلِمَة من الْحِكْمَة تكون فِي صدر الْمُنَافِق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 فنلجلج حَتَّى تسكن الى صَاحبهَا. يُرِيد: ان الْكَلِمَة قد يعلمهَا الْمُنَافِق فَلَا تزَال تتحرك فِي صَدره فَلَا تسكن حَتَّى يسْمعهَا الْمُؤمن مِنْهُ أَو الْعَالم فيثقفها فتسكن فِي صَدره إِلَى أخواتها من كلم الْحِكْمَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه لما تزوج فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام ذهب إِلَى يَهُودِيّ يَشْتَرِي ثيابًا فَقَالَ لَهُ: بِمن تزوجت فَقَالَ: بابنة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ: أنبيكم هَذَا قَالَ: نعم. قَالَ: لقد تزوجت امْرَأَة. قَالَ أَبُو حَاتِم قَالَ ثَنَا الْأَصْمَعِي عَن نَافِع القارىء قَالَ أَبُو حَاتِم: كَأَنَّهُ يعظم أمرهَا كَمَا يُقَال: فلَان رجل وكما قَالَ الْهُذلِيّ أَبُو خرَاش: من الطَّوِيل. ... لعمر أبي الطير المرية بالضحى ... على خَالِد لقد وَقعت على لحم ... يعظم شَأْنه أَي: وَقعت على لحم أَي لحم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: الْبَيْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 الْمَعْمُور نتاق الْكَعْبَة من فَوْقهَا. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن دَاوُد عَن رجل عَن ابْن أَبى زَائِدَة عَن اسرائيل عَن سماك بن حَرْب عَن خَالِد بن عرْعرة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: نتاق الْكَعْبَة أَي: مطل عَلَيْهَا من فَوْقهَا من قَول الله جلّ وَعز: {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة} أَي: زعزع فأظل عَلَيْهِم وكل شىء نقضته فقد نتقته. وَقَالَ فِي قَول عَليّ: أَنا قسيم النَّار. يرويهِ عبد الله بن دَاوُد عَن الْأَعْمَش عَن مُوسَى بن طريف. أَرَادَ: ان النَّاس فريقان رَفِيق معي فهم على هدى وفريق عَليّ فهم على ضلال كالجوارح. فَأَنا قسيم النَّار نصف فِي الْجنَّة معي وَنصف فِيهَا وقسيم فِي معنى مقاسم مثل جليس وأكيل وشريب. وَقَالَ فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أعطَاهُ الرَّايَة وَبعث بِهِ الى خَيْبَر خرج بهَا يؤج حَتَّى ركزها فِي رضم من حِجَارَة تَحت الْحصن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 يرويهِ اسحق عَن يزِيد بن سُفْيَان بن مروه الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه سُفْيَان عَن سَلمَة بن عَمْرو بن الْأَكْوَع. قَوْله: يؤج أَي: يسْرع يُقَال: أج يؤج أجا وَيُقَال: الأج الهرولة قَالَ الشَّاعِر هُوَ الركاض الزبيرِي: من الطَّوِيل ... سدا بيدَيْهِ ثمَّ أج بسيره ... كأج الظليم من قنيص وكالب ... وَقَالَ آخر: من الطَّوِيل ... وأج كَمَا أج الظليم المنفر ... والرضم: جمع وَقد تقدم تَفْسِير ذَلِك. . آخر حَدِيث عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 - حَدِيث الزبير بن الْعَوام وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لِابْنِهِ: لَا تخاصم الْخَوَارِج بِالْقُرْآنِ خاصمهم بِالسنةِ قَالَ ابْن الزبير: فخاصمتهم بهَا فكأنهم صبيان يمرثون سخبهم. حَدَّثَنِيهِ سهل بن مُحَمَّد قَالَ ثناه الْأَصْمَعِي عَن ابْن ابي الزياد عَن ابْن الزبير. السخب: جمع سخاب وَهُوَ الخرز ويروى ان أعرابية دخلت الْعرَاق فاتهمها قوم بِعقد من ذهب لَهُم وَأخذت بِهِ فَبينا هِيَ كَذَلِك مر طَائِر فَأَلْقَاهُ فَقَالَت من الطَّوِيل ... وَيَوْم السخاب من تعاجيب رَبنَا ... على أَنه من بَلْدَة السوء أنجاني ... وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انه حض على الصَّدَقَة فَجعلت الْمَرْأَة تلقي خرصها وسخابها. والخرص: الْحلقَة من الذَّهَب أَو الْفضة. وَقَوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 يمرثون: أَي: يعضون يُقَال: مرت الصَّبِي اذا عض يدردره وَهُوَ أصُول أَسْنَانه وَمِنْه قَول العجاج: من الرجز ... كَمَا تمنى مارث فِي مفطم ... والمارث: الصَّبِي وَقَالَ آخر: من الْبَسِيط ... السن من جلفزيز عوزم خلق ... والحلم حلم صبي يمرث الودعه ... يُقَال: ودعه وودعة جَمِيعًا. والجلفريز: المسنة وَكَذَلِكَ بالعوزم وَيُقَال أَيْضا: مرث فلَان الْخبز فِي المَاء ومرده اذا هُوَ فركه فِيهِ. وَمَات الدَّوَاء يموثه ودافه اذا خلطه بِالْمَاءِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير انه كَانَ أعفث. حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ: ثناه أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي زَاد غَيره عَن ابْن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه. قَالَ: كَانَ الزبير طَويلا أَزْرَق أخضع أشعر رُبمَا أخذت وَأَنا غُلَام بِشعر كَتفيهِ حَتَّى أقوم تخط رِجْلَاهُ اذا ركب الدَّابَّة نفج الحقيبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وَفِي حَدِيث آخر انه كَانَ حسن الباد على السرج اذا ركب. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن الأعفث فَقَالَ: هُوَ الْكثير التكشف اذا جلس والفرج: الذى لَا يزَال ينْكَشف فرجه وَكَذَلِكَ الأجلع يُقَال للْمَرْأَة اذا كَانَت لَا تستتر: جالعة وَمِنْه قيل للرجل اذا لم تنضم شفتاه على أَسْنَانه: أجلع. خبرني أَبُو حَاتِم ان الْأَخْفَش النَّحْوِيّ كَانَ أجلع والأخضع الَّذِي فِيهِ جنأ وَمِنْه قيل للْقَوْم اذا نكسوا رُؤْسهمْ خضع قَالَ الشَّاعِر: من الْكَامِل ... واذا الرِّجَال رَأَوْا يزِيد رَأَيْتهمْ ... خضع الرّقاب نواكس الْأَبْصَار ... وَقَوله: نفج الحقيبة أَي: عَظِيم الْعَجز وَمِنْه قيل للدابة اذا شرب المَاء فَعظم جنباه قد انتفج وَهَذَا مِمَّا تصف الشُّعَرَاء بِهِ النِّسَاء والباد: أصل الْفَخْذ. والبادان ايضا من ظهر الْفرس مَا وَقع عَلَيْهِ فخذا الْفَارِس سميا باسم الْفَخْذ أَو سمي أصل الْفَخْذ بهما. قَالَ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قيل لامْرَأَة: علام تمنعين زَوجك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 القضة فانه يعتل بك. فَقَالَت: كذب وَالله اني لأطأطىء الوساد وأرخي الباد. تُرِيدُ: انها لَا تضمهما. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير رَضِي الله عَنهُ انه وصف الْجِنّ الَّذين رَآهُمْ لَيْلَة استتبعه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَإِذا نَحن بِرِجَال طوال كَأَنَّهُمْ الرماح مستثفرين ثِيَابهمْ. يرويهِ بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن نمير بن يزِيد عَن قُحَافَة بن بنت ربيعَة عَن الزبير. والاستثفار بِالثَّوْبِ: أَن يدْخل مُؤخر ذيله بَين رجلَيْهِ وَمن هَذَا: ثفر الدَّابَّة قَالَ الْكُمَيْت: من الْبَسِيط ... واستثفر الْكَلْب انكارا لمولغه ... فِي حوله قصرت عَن نعتها الْحول ... قَوْله: استثفر الْكَلْب يُرِيد: أَدخل ذيله بَين رجلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يعرف صَاحبه للبسة الْحَدِيد. وَكَذَلِكَ يفعل الْكَلْب اذا هُوَ خَافَ. والحولة: الداهية وَقَالَ زيد الْخَيل: من الْكَامِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 .. يتبعن نَضْلَة أير كلب منعظ ... عض الْكلاب بعجبه فاستثفرا ... وَفِي انكار الْكَلْب صَاحبه يَقُول الآخر: من الطَّوِيل ... لَا ترفعي صَوتا وكوني فصية ... اذا ثوب الدَّاعِي وأنكرني كَلْبِي ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير انه سَأَلَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا بِالْخرُوجِ الى الْبَصْرَة فَأَبت عَلَيْهِ فَمَا زَالَ يفتل فِي الذرْوَة وَالْغَارِب حَتَّى أَجَابَتْهُ. الذرْوَة: أَعلَى السنام وَالْغَارِب: مقدمه. قَالَ الْأَصْمَعِي هَذَا مثل يُقَال: مَا زَالَ يفتل فِي ذروته أَي: يخادعه حَتَّى يُزِيلهُ عَن رَأْي هُوَ عَلَيْهِ. وَذكر مُحَمَّد بن اسحق ان حيى بن أَخطب النضري أَتَى كَعْب بن أَسد الْقرظِيّ وَكَانَ كَعْب موادعا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: جئْتُك بعز الدَّهْر جئْتُك بِقُرَيْش مَعهَا قادتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وسادتها حَتَّى أنزلتهم مَوضِع كَذَا وَكَذَا بغطفان مَعَ قادتها وسادتها حَتَّى أنزلتهم بِموضع كَذَا وَقد عاهدوني وعاقدوني ان لَا يبرحوا حَتَّى نستأصل مُحَمَّدًا وَمن مَعَه فَقَالَ لَهُ كَعْب: جئتني وَالله بدل الدَّهْر وبجهام قد هراق مَاءَهُ يرعد ويبرق فَلم يزل بِهِ حيى يفتل فِي الذرْوَة وَالْغَارِب حَتَّى نقض كَعْب عَهده. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير رَضِي الله عَنهُ ان صَفِيَّة بنت عبد المطلب أمة ضَربته فَقيل لَهَا: لم تضربينه فَقَالَت: من الرجز ... أضربه لكَي يلب ... وكي يَقُود ذَا الجلب ... بَلغنِي عَن الْأَصْمَعِي. قَوْلهَا: يلب من للب وَهُوَ الْعقل يُقَال: لبب ألب لبا والجلب: جمع جلبة وَهِي أصوات وَيُقَال: قد جلب على فرسه يجلب جلبا اذا صَاح بِهِ من خَلفه ليسبق وَيُقَال مِنْهُ قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا جلب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ فِي كَلَامه يَوْم الشوري حِين تكلم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِمَا ذكرته فِي حَدِيثه لَوْلَا حُدُود الله جلّ وَعز فرضت وفرائض لَهُ حدث تراح إِلَى أَهلهَا وتحيا لَا تَمُوت لَكَانَ الْفِرَار من الْولَايَة عصمَة وَلَكِن لله علينا إِجَابَة الدعْوَة وَإِظْهَار السّنة لِئَلَّا تَمُوت ميتَة عمية وَلَا نعمى عمياء جَاهِلِيَّة وَالْأَمر اليك بِابْن عَوْف. يرويهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد عَن أبي عمر الزُّهْرِيّ عَن مُسلم بن نشيط عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: لَوْلَا حُدُود لله جلّ وَعز فرضت وفرائض حدت تراح إِلَى أَهلهَا. أَي ترد اليهم. وَأَهْلهَا هم الأيمة. وَيجوز أَن يكون الْأَئِمَّة يردونها على أَهلهَا من الرّعية يُقَال: أرح اليه حَقه أَي: رده اليه. وَقَوله: لِئَلَّا نموت ميتَة عمية أَي: ميتَة فتْنَة وَجَهل وَمِنْه قَول طَاوُوس: من قتل فِي عمية فِي رميها تكون بَينهم بِالْحِجَارَةِ أَو جلد بالسياط أَو ضرب بعصا فَهُوَ خطأ عقله عقل الْخَطَأ. وَمن فعله عمدا فَهُوَ يُقَاد فَمن حَال دونه فَعَلَيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 لعنة الله وَهَذَا خلاف قَوْلهم: لَيْسَ فِي الهيشات قَود. يُرِيدُونَ الْفِتْنَة. والرميا: الرَّمْي. يُقَال: كَانَت بَينهم رميا ثمَّ حجرت بَينهم حجيري. وَمثل فِي التَّقْدِير: الخصيصى والهجيري والخليفى الْخلَافَة والمنيني من الْمَنّ والبزيزي وَمِنْه حَدِيث أَبى عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: سَتَكُون نبوة وَرَحْمَة ثمَّ خلَافَة وَرَحْمَة ثمَّ ملك يَجعله الله جلّ وَعز لمن يَشَاء ثمَّ يكون بزيزى وَأخذ أَمْوَال بِغَيْر حق. والبزيزي: السَّلب والتغلب من قَوْلك: بززته كَذَا أَي: سلبته اياه. وَمِنْه الْمثل: من عز بز. أَي: من علب سلب. آخر حَدِيث الزبير رَحمَه الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 - حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ انه أنْشد قصيدة فَمَا زَالَ شانقا نَاقَته حَتَّى كتبت لَهُ. حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ ثناه الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن أَبى عَمْرو بن الْعَلَاء. قَوْله: شانقا نَاقَته: هُوَ من شنقت النَّاقة اذا كففتها بزمامها وَفِيه: لُغَة أُخْرَى: أشنقتها اذا أَنْت فعلت بهَا ذَلِك وَهُوَ من الشنق والشنق: الْحَبل. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لعمر حِين استشارهم فِي جموع الْأَعَاجِم قد حنكتك الْأُمُور وجرستك الدهور وعجمتك البلايا فَأَنت ولي مَا وليت لَا ننبو فِي يَديك وَلَا نخول عَلَيْك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 يرويهِ أَبُو معشر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قصَّة نهاوند. قَوْله: جرستك الدهور يُرِيد: جربتك وأحكمتك. يُقَال رجل مجرس محنك ومحكك. وَقَوله: وعجمتك البلايا أَي خبرتك يُقَال: عجمت الرجل اذا خبرته وعجمت الشَّيْء اذا ذقته. وَمِنْه قَول الْحجَّاج: ان أَمِير الْمُؤمنِينَ نكب كِنَانَته فعجم عيدانها. وَقد ذكرته فِي حَدِيث الْحجَّاج وفسرته. وَقَوله: وَلَا نخول عَلَيْك أَي: نتكبر. يُقَال: خَال الرجل يخول واختال يختال وَيُقَال: رجل خَال أَي مختال. وَذُو حَال أَي: ذُو مخيلة. قَالَ العجاج: من السَّرِيع ... وَالْخَال توب من ثِيَاب الْجُهَّال ... وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كل مَا شِئْت والبس مَا شِئْت اذا أَخْطَأتك خلَّتَانِ سرف أَو مخيلة. وَالْخُيَلَاء مِنْهُ. وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: الخولاء. لِأَن الْحَرْف من الْوَاو وَكَذَلِكَ يرْوى هَذَا: من المتقارب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 .. فان كنت سيدنَا سدتنا ... وان كنت للخال فَاذْهَبْ فَخَل ... بِضَم الْخَاء. فاما أَن يكون الْخُيَلَاء شاذا جَاءَ على غير أَصله أَو يكون الْفِعْل مِنْهُ بِالْوَاو وَالْيَاء. آخر حَدِيث طَلْحَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 حَدِيث سعيد بن أَبُو وَقاص وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ اذا دخل مَكَّة مراهقا خرج الى عَرَفَة قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة ثمَّ يطوف بعد أَن يرجع. حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ ثناه مُحَمَّد عَن القعنبى عَن مَالك. قَوْله: مراهقا أَي: مقاربا لآخر الْوَقْت كَأَنَّهُ يقدم يَوْم التَّرويَة أَو يَوْم عَرَفَة وَهُوَ من قَوْلك: رهقت الشَّيْء اذا غَشيته أَو قاربته وَمِنْه قيل: غُلَام مراهق اذا كَانَ قد قَارب الْحلم وَأَرَادَ أَن سَعْدا كَانَ اذا وافى مَكَّة وَقد ضَاقَ الْوَقْت عَلَيْهِ خرج الى عَرَفَة فَشهد الْموقف والمشعر ثمَّ صَار بعد ذَلِك الى مَكَّة فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة طَوَافه الأول وَطواف الزِّيَارَة وهما الطوافان الواجبان. وَكتب الي الرّبيع بن سُلَيْمَان يُخْبِرنِي عَن الشَّافِعِي انه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 قَالَ: طواف الزِّيَارَة يجزىء من الطّواف الأول وَلَا يجزىء الطّواف الأول من طواف الزِّيَارَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ انه لما ذهب النَّاس يَوْم أحد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل سعد يَرْمِي بَين يَدَيْهِ وفتى ينبله كلما نفدت نبله وَيَقُول: ارْمِ ابا اسحق ثمَّ طلبُوا الْفَتى بعد فَلم يقدروا عَلَيْهِ. حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن ابي اسحق عَن ابْن عون عَن عُمَيْر بن اسحق انه ذكر ذَلِك. وَقَوله: ينبله كلما نفدت نبله نبله هَذَا غلط من بعض نقلة الحَدِيث وانما هُوَ ينبله كلما نفدت نبله أنبله أَي: يُعْطِيهِ النبل. يُقَال أنبلت فلَانا سَهْما أَي أَعْطيته اياه أَو ينبله يُقَال: نبلت الرجل ناولته النبل ونبلته أحجارا أَعْطيته اياها وَهَذَا مِمَّا جَاءَ فِيهِ افعلت وَفعلت تَقول: أنبلت ونبلت مثل: بكرت وأبكرت وَسميت وأسميت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 فَأَما نبلته أنبله فبمعنى رميته وَهُوَ لم يرمه وانما كَانَ يُعْطِيهِ النبل ليرمي بهَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ ان امْرَأَة راته متجردا وَهُوَ أَمِير على الْكُوفَة فَقَالَت: ان أميركم هَذَا لأهضم الكشحين فوعك سعد فَقيل لَهُ ان امْرَأَة قَالَت كَذَا فَقَالَ: مَالهَا ويحها أما رَأَتْ هَذَا وَأَشَارَ الى فقر فِي أَنفه. ثمَّ أمرهَا فتوضات وصب عَلَيْهِ. يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن مسعر. الكشح: الخصر وَهُوَ الْقرب أَيْضا والهضم فِيهِ انضمامه يُرِيد: انه لَيْسَ بمستفيض الخصر وَهَذَا مِمَّا يمدح بِهِ. قَالَ ذُو الرمة وَذكر الْمَرْأَة: من الطَّوِيل. ... وَبَين ملاث المرط والطوق نفنف ... هضيم الحشا رأو الوشاحين أصفر ... والهضم فِي الْخَيل عيب والاجفار يحمدها فِيهَا. قَالَ: الْجَعْدِي يصف فرسا: من المنسرح ... خيط على زفرَة فتم وَلم ... يرجع الى رقة وَلَا هضم ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 قَوْله: خيط على زفرَة تَشْبِيه يَقُول: هُوَ مجفرة الجنبين كَأَنَّهُ زفر فانتفخ جنباه عِنْد الزفرة فخيط على ذَلِك وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {ونخل طلعها هضيم} ... وَقَوله: فوعك سعد أَي حم يُقَال: وعكته الْحمى فَهُوَ موعوك ونفضته فَهُوَ منفوض من النافض ووردته فَهُوَ مورود من الْورْد وَهُوَ ان تَأْخُذهُ كل يَوْم وغبت عَلَيْهِ اذا أَخَذته يَوْمًا وَتركته يَوْمًا وأربعت عَلَيْهِ اذا أَخَذته الرّبع وصلبت عَلَيْهِ من الصالب فَهُوَ مصلوب عَلَيْهِ فان لم تُفَارِقهُ قيل: اردمت عَلَيْهِ وأغبطت. والفقر: شقّ كَانَ فِي أَنفه يُقَال: فقرت أنف الْبَعِير اذا حززته بحديدة ثمَّ وضعت على مَوضِع الحز الْجَرِير وَعَلِيهِ وتر ملوي نتذله وتروضه وَمِنْه قيل عمل بِهِ الفاخرة وَهِي الداهية وَقيل انما قيل للداهية فاقرة من فقار الظّهْر كَأَنَّهَا تكسره يُقَال: فقرتهم الفاقرة وَرجل فقر وفقير أَي: مكسور الفقار. وَفِي حَدِيث لسعد رَضِي الله عَنهُ آخر: ان رجلا من الْأَنْصَار أَخذ لحى جزور فَضرب بِهِ أنف سعد ففزره فَكَأَن أَنفه مفزورا أَي: شقَّه يُقَال: فزرت الثَّوْب اذا فسخته وَمِنْه قَول طَارق بن شهَاب: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 خرجنَا حجاجا فأوطأ رجل منا رَاحِلَته ظَبْيًا ففزر ظَهره فَرَأى فِيهِ عمر جديا قد جمع المَاء وَالشَّجر. يُرِيد جديا قد جمع المَاء وَالشَّجر. وَقَوله: فَأمرهَا فَتَوَضَّأت وصب عَلَيْهِ قد بَين ابْن شهَاب كَيفَ يتَوَضَّأ العائن ويصبه الْمعِين على نَفسه وَذكر ذَلِك أَبُو عبيد رَحمَه الله. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ ان عمر رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ عَنهُ عَمْرو بن معدي كرب فَقَالَ: خير أَمِير نبطي فِي حبوته أَو جبوته عَرَبِيّ فِي نمرته أَسد فِي تأمورته ويروي فِي ناموسه يعدل فِي الْقَضِيَّة وَيقسم بِالسَّوِيَّةِ وينقل الينا حَقنا كَمَا ينفل الذّرة. قَوْله: نبطي فِي حبوته. لم يرد انه يحتبي احتباء النبطي لِأَن الاحتباء للْعَرَب كَانَ يُقَال: حبى الْعَرَب حيطانها وعمائمها تيجانها. وَلكنه أَرَادَ فِي حبوة الْعَرَب كالنبطي فِي علمه بِأَمْر الْخراج وَعمارَة الْأَرْضين وان كَانَ الْمَحْفُوظ: حبوته فانه يُرَاد جباية الْخراج يُقَال: جبيت المَال وجبوته وَهُوَ حسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 الجبية والجبوة للخراج. والنمرة: بردة من صوف تلبسها الْأَعْرَاب وتلبسها الاماء وَجَمعهَا: نمار. قَالَ جران الْعود: من الطَّوِيل ... عَلَيْكُم بربات النمار فانني ... رَأَيْت صميم الْمَوْت فِي النقب الصفر ... يَقُول: عَلَيْكُم بالاماء وَلَا تعصوا الْحَرَائِر وَقَالَ الْحسن فِي بعض كَلَامه: أَيْن الَّذين طرحوا الخزور والحبرات ولبسو البتوت والنمرات والبتوت: جمع بت وَهُوَ كسَاء كَالطَّيْلَسَانِ وَكَانَ الْحسن يقيل فِي بت يحلق الشّعْر من خشونته. والتامورة هَاهُنَا عريسة الْأسد وَهُوَ عرينه الَّذِي يكون فِيهِ وأصل التامروة: الصومعة فاستعاره. وَيُقَال أَيْضا: تامور لَا هَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وَأنْشد ابو سعيد لِرَبِيعَة بن مقروم الضَّبِّيّ وَذكر امْرَأَة: من الْكَامِل ... لَو أَنَّهَا عرضت لأشمط رَاهِب ... عبد الاله صرورة متبتل لرنا لبهجتها وَحسن حَدِيثهَا ... وَلَهُم من تاموره بتنزل ... والتامورة أَيْضا: علقَة الْقلب فَيجوز أَن يكون على هَذَا التَّأْوِيل: اسد فِي شدَّة قلبه وشجاعته. والتامور أَيْضا: الدَّم. وَرُبمَا جعل خمرًا وَأَصله بالسُّرْيَانيَّة قَالَ أَوْس بن حجر: من الْكَامِل ... نبئت أَن بني سليم أدخلُوا ... أبياتهم تامور نفس الْمُنْذر ... أَرَادَ: الدَّم. أَي قَتَلُوهُ. وَمن رَوَاهُ: ناموسته فان الناموسة مكمن الصَّائِد شبه بِهِ مَوضِع الْأسد. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ ان أمه قَالَت: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 أَلَيْسَ قد أَمر الله ببر الوالدة فوَاللَّه لَا أطْعم طَعَاما وَلَا أشْرب شرابًا حَتَّى تكفر أَو أَمُوت فَكَانُوا اذا أَرَادوا أَن يطعموها أَو يسقوها شجروا فاها ثمَّ أَو جروها. قَوْله: شجروا فاها يُرِيد: أدخلُوا لَهُ عودا وَهُوَ من الشجار والشجار: الْخَشَبَة الَّتِي تُوضَع خلف الْبَاب وَيُقَال لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: المترس وَمِنْه قَول الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: اني لمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين آخذ بحكمة بغلته الْبَيْضَاء وَقد شجرتها بهَا. وَمن وَجه آخر قد شنقتها بهَا أَي: كففتها. والشجار أَيْضا مركب للنِّسَاء دون الهودج مَكْشُوف الرَّأْس وَفِي حَدِيث حنين ان دُرَيْد بن الصمَّة كَانَ يَوْمئِذٍ فِي شجار لَهُ يُقَاد بِهِ. وَيُقَال لَهُ أَيْضا: مشتجر والجميع مشاجر. وَمِنْه قَول الشَّاعِر هُوَ لبيد: من الوافر ... وأربد فَارس الهيجا اذا مَا ... تقعرت المشاجر بالفئام ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 تقعرت: سَقَطت والفئام: وطاء يكون فِي المشاجر وَيُقَال: بَات فلَان مشتجرا اذا وضع يَده على خَدّه وَلم ينم قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: من الْبَسِيط نَام الخلي وَبت اللَّيْل مشتجرا ... كَأَن عَيْني فِيهَا الصاب مَذْبُوح ... والصاب شجر يخرج مِنْهُ شَبيه بِاللَّبنِ اذا قطع يحرق ومذبوح: مشقوق. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رضى الله عَنهُ ان عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف لما تكلم يَوْم الشورى بالْكلَام الَّذِي قد ذكرته فِي حَدِيثه قَالَ سعد: الْحَمد لله بديا كَانَ وأخرا يعود أَحْمَده كَمَا أنجاني من الضَّلَالَة وبصرني من الْجَهَالَة فبمحمد بن عبد الله استقامت الطّرق واستنارت السبل وَظهر كل حق وَمَات كل بَاطِل اني نكبت قَرْني فَأخذت السهْم الفالج فِي القداح وَأخذت لطلْحَة بن عبيد الله مَا أخذت لنَفْسي فِي حضوري فَأَنا بِهِ زعيم وَبِمَا أَعْطَيْت عَنهُ بِهِ كَفِيل وَالْأَمر اليك بِابْن عَوْف ثمَّ تكلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 يعد بِكَلِمَة أسْتَغْفر الله مِنْهَا ... يرويهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد عَن أَبى عمر الزري عَن مُسلم بن نشيط عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: نكبت قَرْني يُرِيد: كببت كِنَانَتِي والقرن: الجعبة من جُلُود يُقَال: نكب كِنَانَته اذا كبها فنثر مَا فِيهَا من السِّهَام وَمِنْه قَول الْحجَّاج: ان أَمِير الْمُؤمنِينَ نكب كِنَانَته فعجم عيدانها. وَقَوله: فآخذت سهمي الفالج فِي القداح وَهُوَ الْقدح الَّذِي قمر بِهِ الرجل فِي الميسر وَقد يجوز أَن يكون السهْم الفالج الَّذِي سبق بِهِ فِي النضال وَهَذَا أعجب الْوَجْهَيْنِ الي لانه ذكر انه نكب كِنَانَته فَأخذ سَهْمه وانما يكون فِي الكنائن سِهَام الرَّمْي وَأَرَادَ اني أخذت خير الْأُمُور لي مغبة وأبلغها بِي الى الصَّوَاب والفوز وَأخذت لطلْحَة فِي غيبته مثل ذَلِك. أَي: أجزت عَلَيْهِ مثل الَّذِي أجزته على نَفسِي من الحكم وَأَنا بِهِ زعيم أَي: ضَامِن. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ أَنه خطب امْرَأَة بِمَكَّة فَقَالَ: لَيْت عِنْدِي من رَآهَا وَمن يُخْبِرنِي عَنْهَا فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 رجل مخنث: أَنا أنعتها لَك: اذا أَقبلت قلت: تمشي على سِتّ واذا أَدْبَرت قلت: تمشي على أَربع. بَلغنِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن بكر بن عبد الرَّحْمَن عَن عِيسَى عَن ابْن أبي ليلِي عَن عبد الْكَرِيم عَن مُجَاهِد عَن عَامر بن سعد. وَفِي حَدِيث آخر انه قَالَ: انها تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان وَقد ذكر ذَلِك أَبُو عبيد وَفَسرهُ وَهَذِه الْمَرْأَة بنت غيلَان الثقفية ذكر أَبُو الْيَقظَان انها سَبَب اتِّخَاذ النعش الاعلى قَالَ: وَكَانَت تَحت عبد الرحمن بن عَوْف فَهَلَكت فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ فصلى عَلَيْهَا فَرَأى خلقهَا من تَحت الثَّوْب ثمَّ هَلَكت بعْدهَا زَيْنَب بنت جحش وَكَانَت أَيْضا خَلِيقَة فَقَالَ عمر: اني لأخاف أَن يرى مِنْهَا مثل مَا روئي من بنت غيلَان فَهَل عنْدكُمْ حِيلَة فَقَالَت اسماء بنت عُمَيْس: قد رَأَيْت بِالْحَبَشَةِ نعوشا لموتاهم فَعمِلت نعشا لِزَيْنَب فَلَمَّا رَآهُ عمر قَالَ: نعم خباء الظعينة. وَأما قَوْله: اذا اقبلت تمشي على سِتّ واذا أَدْبَرت قلت تمشي على أَربع فانه يُرِيد انها عَظِيمَة الْخلق فاذا أدبربت رَأَيْتهَا كالمكبة لعظم أردافها. فَقلت تمشي على أَربع واذا أَقبلت رَأَيْتهَا كالمستلقية وتحرك مِنْهَا ثدياها لعظمهما وارتفاعهما ومنكباها ورجلاها فَكَأَنَّهَا بحركة هَذِه السِّت تمشي على سِتّ وَنَحْو هَذَا قَوْلهم: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 فلَان أصدر اذا استقبلته أكب اذا استدبرته وَهَذَا مِمَّا يحمد فِي الْخَيل وَلذَلِك قَالَ الْقَائِل فِي صفة فرس: اذا استقبلته أَفْعَى واذا استدبرته جبى. آخر حَدِيث سعد رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على مُحَمَّد النبى وَآله وَسلم تَسْلِيمًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 - حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزمري وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عون انه كَانَ فِي كَلَامه فِي أَصْحَاب الشورى يَا هَؤُلَاءِ ان عِنْدِي رَأيا وان لكم نظرا وان حابيا خير من زاهق وان جرعة شروب أنقع من عذب موب وان الْحِيلَة بالْمَنْطق أبلغ من السُّيُوب فِي الْكَلم فَلَا تطيعوا الْأَعْدَاء وان قربوا وَلَا تفلوا المدى بالاختلاف بَيْنكُم وَلَا تغمدوا السيوف عَن أعدائكم وتوتروا ثأركم وتولتوا أَعمالكُم لكل أجل كتاب وَلكُل بَيت امام بأَمْره يقومُونَ وبنهيه يرعون وقلدوا أُمُوركُم رحب الذِّرَاع فِيمَا نزل مَأْمُون الْغَيْب على مَا استكن يقترع مِنْكُم وكلكم مُنْتَهى يرتضي مِنْكُم وكلكم رضى. يرويهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد عَن أبي عمر الزُّهْرِيّ عَن مُسلم بن نشيط عَن عَطاء بن أَبى رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: ان حابيا خير من زاهق. الحابي من السِّهَام: هُوَ الَّذِي يزحف الى الهدف يُقَال: حبا يحبو فان أَصْحَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 الرقعة فَهُوَ حاسق وخازق ومقرطس فَأن جَاوز الهدف وَوَقع خَلفه فَهُوَ زاهق يُقَال: زهق السهْم اذا تقدم وزهقت الْفرس وانزهقت بَين يَدي الْخَيل وأزهقتها: قدمتها والزهق: التَّقَدُّم قَالَ رؤبة: من الرجز ... تكَاد أَيْدِيهنَّ تهوى فِي الزهق ... وَأَرَادَ عبد الرَّحْمَن ان الحابي من السِّهَام وان كَانَ ضَعِيفا فقد أصَاب الهدف هُوَ خير من الزاهق الَّذِي قد جازه بِشدَّة مرّة وقوته. وَلم يصبهُ وَضرب السهمين مثلا لواليين أَحدهمَا ينَال الْحق أَو بعضه وَهُوَ ضَعِيف وَالْآخر يجوز الْحق وَيبعد مِنْهُ وَهُوَ قوى. وَقَوله: وان جرعة شروب أَنْفَع من عذب موب. والشروب من المَاء هُوَ الْملح الَّذِي لَا يشربه النَّاس الا عِنْد الضَّرُورَة. والموبىء: الضار الْمدْخل فِي الوباء وَهُوَ الْمَرَض والحرف مَهْمُوز فَترك همزَة ليقابل بِهِ الْحَرْف الَّذِي قبله وَهَذَا أَيْضا مثل ضربه لِرجلَيْنِ أَحدهمَا أرفغ وأضر وَالْآخر أدون وأنفع. وَقَوله: وان الْحِيلَة بالْمَنْطق أبلغ من السُّيُوب فِي الْكَلم يُرِيد: أَن الْقَلِيل من القَوْل مَعَ التلطف مِنْهُ أبلغ من الهذر وَكَثْرَة الْكَلَام بِغَيْر رفق وَلَا تلطف. والسيوب: مَا سيب وخلي فساب اي: ذهب وَمِنْه سمي الرجل السَّائِب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 وَقَوله: وَلَا تفلوا المدى بالاختلاف بَيْنكُم أَي: لَا تفلوا أحدكُم بالاختلاف وَضرب المدى مثلا وَهِي جمع مدية والفلول: تكسر يُصِيب حَدهَا. وَقَوله: وَلَا تغمدوا السيوف عَن أعدائكم فتوتروا ثأركم أَي: توجدوه الْوتر فِي أَنفسكُم يُقَال: وترت فلَانا اذا اصبته بِوتْر واوترته: أوجدته ذَلِك. والثأر: الْعَدو لِأَنَّهُ مَوضِع الثأر. وَقَوله: وتؤلتوا أَعمالكُم أَي: تنقصوها يُرِيد: انه كَانَت لَهُم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعمال فِي الْجِهَاد فَإِذا هم تركوها وَاخْتلفُوا فِيهَا نقصوها. وَفِيه لُغَتَانِ: لانه يليته ليتا اذا نَقصه. وبهذه اللُّغَة قَول الله جلّ وَعز: {لَا يلتكم من أَعمالكُم شَيْئا} . وَكَانَ من دُعَاء أم هَاشم السلولية: الْحَمد لله الَّذِي لَا يلات وَلَا يفات وَلَا تشتبه عَلَيْهِ الْأَصْوَات. واللغة الاخرى: ألت يألت وبهذه اللُّغَة قَول الله جلّ وَعز: {وَمَا ألتناهم من عَمَلهم من} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 شىء والحرف فِي الحَدِيث: تؤلتوا كَأَنَّهُ من أولت يولت أَو آلت يؤلت ان كَانَ مهموزا وَلم أسمع بِهَذِهِ اللُّغَة الا فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَوله: بنهيه يرعون أَي: يكفون. يُقَال: ورعت فلَانا عَن كَذَا فتورع وورع اذا أَنْت كففته فَكف. وَمِنْه الْوَرع فِي الدّين. وَقَوله: قلدوا أَمركُم رحب الذِّرَاع فِيمَا نزل. أَي: وَاسع الذرع عِنْد الشدائد يجود وَيُعْطِي ويبسط يَده بالعطاء وَيفتح بِهِ بَاعه. مَأْمُون الْغَيْب على مَا استكن يُرِيد: قلدوا رجلا تمنون غيبَة فِي مَا خَفِي عَلَيْكُم فَلَا يخونكم وَلَا يبغيكم الغوائل ويقترع مِنْكُم أَي: يخْتَار يُقَال: فلَان قريع قومه أَي: الْمُخْتَار مِنْهُم للرياسة وَقد اقترعت من الابل فحلا أَي: اخترته. وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ انه لما بدا لَهُ أَن يُهَاجر أودع مطعم بن عدي جبجبة فِيهَا نوى من ذهب. الجبجبة: زنبيل لطيف من جُلُود وَجمعه جباجب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 قَالَ الاصمعي: وَيُقَال أَيْضا لموْضِع منى جباجب وَلَا أحسببه سمي بذلك الا لِأَن الكروش تلقى فِيهِ أَيَّام الْحَج. والكروش يُقَال لَهَا الجباجب وَاحِدهَا: جبجبة بِفَتْح الجيمين فَسُمي الْمَكَان بهَا لكثرتها فِيهِ. والنوى: قطع من ذهب يُقَال وزن الْقطعَة خَمْسَة دَرَاهِم وَيُقَال: قيمتهَا خَمْسَة دَرَاهِم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ ان الْحَارِث بن الصمَّة قَالَ: رَأَيْته يَوْم أحد عِنْد حر الْجَبَل فعطفت اليه. حر الْجَبَل: أَسْفَله وَأَصله وَجمعه: حرار. قَالَ خفاف ابْن ندبة من المتقارب ... يعز العوادي سهل الطَّرِيق ... اذا طابقت وعشين الحرارا ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ ان بِلَالًا رأى مَعَه يَوْم بدر أُميَّة بن خلف وَابْنه فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوته: يَا أنصار الله أُميَّة راس الْكفْر قَالَ: فأحاطوا بِنَا حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 جعلونا فِي مثل المسكة وَأَنا أذب عَنهُ فأخلف رجل بِالسَّيْفِ فَضرب رجل ابْنه فَوَقع وَصَاح أُميَّة فَقلت: انج بِنَفْسِك وَلَا نجاء بِهِ فهبتوا حَتَّى فرغوا مِنْهُمَا. من حَدِيث مُحَمَّد بن اسحق فِي: الْمَغَازِي. قَوْله: جعلونا فِي مثل المسكة يَعْنِي فِي مثل السوار يُرِيد: أَنهم استداروا حولنا وصرنا وسطا فَكَأَنَّمَا فِي مثل سوار مِنْهُم. قَالَ أَبُو وجزة وَذكر أتنا وَردت المَاء: من الْبَسِيط ... حَتَّى سلكن الشوى مِنْهُنَّ فِي مسك ... من نسل جوابة الْآفَاق مهداج ... يُرِيد: أَنَّهُنَّ أدخلن قوائمهن فِي المَاء فَصَارَ لَهَا بِمَنْزِلَة الْمسك وَهُوَ السوار من الذبل وَجعل المَاء من نسل ريح تجوب الْآفَاق لِأَنَّهَا استدرته. ومهداج: من الهدجة وَهُوَ حنين النَّاقة على وَلَدهَا. وَقَوله: فأخلف رجل بِالسَّيْفِ. قَالَ الْأَصْمَعِي: الاخلاف: أَن يضْرب الرجل بِيَدِهِ الى السَّيْف فَيُقَال: أخلف الرجل الى مُؤخر رَاحِلَته أَو فرسه ليَأْخُذ من هُنَاكَ شَيْئا أَو من حقيبته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 وَقَوله: هبتوهما: أَي ضربوهما بِأَسْيَافِهِمْ حَيْثُ أدركوا وَكَذَلِكَ الهبج وَيُقَال لما علق من وَرَاء الرَّاكِب خلفة. أنشدنا الرياشي عَن أَبى زيد: من المتقارب ... كَمَا علقت خلفة الْمحمل ... نجز حَدِيث عبد الرحمن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 2 - حَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ ان عمر رَضِي الله عَنهُ خرج يَسْتَسْقِي بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ انا نتقرب اليك بعم نبيك وقفية آبَائِهِ وَكبر رِجَاله فانك تَقول وقولك الْحق: {وَأما الْجِدَار فَكَانَ لغلامين يتيمين فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} فحفظتهما لصلاح أَبِيهِمَا فاحفظ اللَّهُمَّ نبيك فِي عَمه فقد دلونا بِهِ إِلَيْك مستشفعين ومستغفرين ثمَّ اقبل على النَّاس فَقَالَ: {اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا ويمددكم} الى قَوْله: {أَنهَارًا} . قَالَ: وَرَأَيْت الْعَبَّاس وَقد طَال عمر وَعَيناهُ تَنْضَحَانِ وسبائبه تجول على صَدره وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْت الرَّاعِي لَا تمهل الضَّالة وَلَا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصَّغِير ورق الْكَبِير وَارْتَفَعت الشكوى وَأَنت تعلم السِّرّ وأخفى اللَّهُمَّ فأغشهم بغيائك من قبل أَن يقنطوا فيهلكوا فانه لَا ييأس من روحك الا الْقَوْم الْكَافِرُونَ. فَنَشَأَتْ طريرة من سَحَاب وَقَالَ النَّاس: ترَوْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 ترَوْنَ ثمَّ تلاءمت واستتمت ومشت فِيهَا ريح ثمَّ هدرت وَدرت فوَاللَّه مَا برحوا حَتَّى اعتلقوا الْحذاء وقلصوا المآزر وطفق النَّاس بِالْعَبَّاسِ يمسحون أَرْكَانه وَيَقُولُونَ: هَنِيئًا لَك ساقي الْحَرَمَيْنِ. يرْوى حَدِيث استسقاء عمر بِالْعَبَّاسِ رَضِي الله عَنْهُمَا من وُجُوه بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَهَذَا أتمهَا. وَهُوَ رِوَايَة أَبى يَعْقُوب الْخطابِيّ عَن ابيه عَن جده. قَوْله: قفبية آبَائِهِ يُرِيد: تلوهم وتابعهم وَهُوَ من قَوْلك: قَفَوْت الرجل اذا تَبعته وَكنت فِي أَثَره يُقَال: هَذَا قفي الْأَشْيَاخ وقفيتهم اذا كَانَ الْخلف مِنْهُ وَكبر رِجَاله أَي: أقعدهم فِي النّسَب. وَقد تقدم تَفْسِير ذَلِك. وَقَوله: فقد دلونا بِهِ اليك أَي: متتنا واستشفعنا. وَأَصله من الدَّلْو لِأَن الدَّلْو بِهِ يستقى المَاء وَبِه يُوصل اليه فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد جَعَلْنَاهُ الدَّلْو إِلَى مَا عنْدك من الرَّحْمَة والغيث. وَقَوله: وسبائبه تجول على صَدره وَهِي جمع سبيبة مثل: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 كتبية وكتائب والسبائب خصل الشّعْر وَقد تجمع أَيْضا: سبيب قَالَ الشَّاعِر أَبُو النَّجْم الْعجلِيّ: من الرجز ... ينفضن أفنان السبيب والعذر ... وَأَرَادَ: وذوائبه تجول على صَدره وَهَذَا يدل على أَن الْعَبَّاس كَانَ ذَا جمة فينانة. وَقَوله: لَا تهمل الضَّالة هَذَا مثل ضرّ بِهِ كَالرَّاعِي الْحسن الرّعية اذا ضلت ضَالَّة من غنمه لم يَدعهَا تذْهب وَلكنه يطْلبهَا حَتَّى يردهَا واذا اصاب شَاة مِنْهَا كسر لم يخلفها للسبع وَلكنه يعرج عَلَيْهَا ويرفق بهَا حَتَّى تصلح. والطرة من السَّحَاب: قِطْعَة تبدو فِي الْأُفق مستطيلة وطرة الرَّأْس من ذَلِك. وَأما قَوْلهم: هَنِيئًا لَك ساقي الْحَرَمَيْنِ فانهم أَرَادوا سقيا الله بِهِ حرم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْيَوْم وانه مَعَ هَذَا ساقي الحجيج بِمَكَّة وصاحبة السِّقَايَة. نجز حَدِيث الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ. بِحَمْد الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 - حَدِيث أبي ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة الْغِفَارِيّ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ حَدِيث إِسْلَامه انه قَالَ قَالَ لي أخي انيس ان لي حَاجَة بِمَكَّة فَانْطَلق فَرَاثَ فَقلت: مَا حَبسك فَقَالَ: لقِيت رجلا على دينك يزْعم أَن الله جلّ وَعز أرْسلهُ. قلت فَمَا يَقُول النَّاس. قَالَ: يَقُولُونَ سَاحر شَاعِر كَاهِن. قَالَ أَبُو ذَر وَكَانَ أنيس أحد الشُّعَرَاء فَقَالَ وَالله لقد وضعت قَوْله على أَقراء الشّعْر فَلَا يلتئم على لِسَان أحد. وَلَقَد سَمِعت قَول الكهنة فَمَا هُوَ بقَوْلهمْ وَالله انه لصَادِق وانهم لَكَاذِبُونَ. قَالَ أَبُو ذَر: فَقلت أكفني حَتَّى أنظر. قَالَ: نعم. وَكن من أهل مَكَّة على حذر فانهم قد شنفوا لَهُ وتجهموا فَانْطَلَقت فَتَضَعَّفْت رجلا من أهل مَكَّة فَقلت: ايْنَ هَذَا الرجل الَّذِي تَدعُونَهُ الصابىء قَالَ: فَمَال عَليّ أهل الْوَادي بِكُل مدره وَعظم وَحجر فَخَرَرْت مغشيا عَليّ فارتفعت حِين ارْتَفَعت كَأَنِّي نصب أَحْمَر فَأتيت زَمْزَم فغسلت عني الدَّم وشربت من مَائِهَا ثمَّ دخلت بَين الْكَعْبَة وَأَسْتَارهَا فَلَبثت بهَا ثَلَاثِينَ من بَين يَوْم وَلَيْلَة وَمَالِي بهَا طَعَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 الا مَاء زَمْزَم فَسَمنت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْني وَمَا وجدت على كبدى سخْفَة جوع. قَالَ: فَبينا أهل مَكَّة فِي لَيْلَة قَمْرَاء اضحيان قد ضرب الله على أصمختهم فَمَا يطوف بِالْبَيْتِ غير امْرَأتَيْنِ فاتتا عَليّ وهما تدعوان اسافا ونائلا فَقلت: أنكحوا احداهما الاخرى. قَالَ: فَمَا تناهما ذَلِك قَالَ: فَقلت وَذكر كلَاما فَاحِشا لم يكن عَنهُ فانطلقتا وهما تُوَلْوِلَانِ وَتَقُولَانِ: لَو كَانَ هَاهُنَا أحد من أَنْفَارنَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر بِاللَّيْلِ وهما هَابِطَانِ من الْجَبَل فَقَالَ لَهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا لَكمَا قَالَتَا الصابىء بَين الْكَعْبَة وَأَسْتَارهَا. قَالَ: فَمَا قَالَ لَكمَا قَالَتَا: كلمة تملأ الْفَم. ثمَّ ذكر خُرُوجه الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتسليمه عَلَيْهِ وَأَنه أول من حَيَّاهُ بِتَحِيَّة الاسلام وَقَالَ ذهبت لأقبل بَين عَيْنَيْهِ فقدعني عَنهُ صَاحبه. حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ عَليّ بن مُحَمَّد عَن ابى ظفر الْبَصْرِيّ عبد السَّلَام ابْن مطهر عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال الْعَدوي عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أَبى ذَر. قَوْله: انْطلق فَرَاثَ يَعْنِي: أَبْطَأَ يُقَال: راث علينا خبركم ريثا. وَمن الْأَمْثَال: رب عجلة تهب ريثا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 يُرَاد أَن المستعجل غير المتأني وَلَا المتثبت رُبمَا أَلْقَاهُ استعجاله فِي بطء. وَقَوله: وضعت قَوْله على أَقراء الشّعْر يُرِيد: أَنْوَاعه وطرقه وَاحِدهَا: قري يُقَال: هَذَا الشّعْر على قري هَذَا. وَقَوله: شنفوا لَهُ أَي: أبغضوه والشنف: الشانى الْمُبْغض يُقَال: شنفت لفُلَان شنفا. وَقَوله: فَتَضَعَّفْت رجلا أَي: استضعفته. وَقد تدخل استفعلت على بعض حُرُوف تفعلت وَنَحْو: تعظم واستعظم وتكبر واستكبر وتيقن واستيقن وَتثبت فِي الْأَمر واستثبت. وَقَوله: كَأَنِّي نصب أَحْمَر. وَالنّصب: صنم أَو حجر كَانَت الْجَاهِلِيَّة تنصبه وتذبح عِنْده فيحمر للدم. يُرِيد: أَنهم أدموه. قَالَ: وحَدثني أَبُو حَاتِم عَن أَبى عُبَيْدَة انه قَالَ فِي قَول الله عزوجل: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون} بِفَتْح النُّون الى علم وَمن قَالَ: الى نصب فَهُوَ جمَاعَة مثل: رهن وَرهن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَمَا ذبح على النصب} وَاحِد الأنصاب. قَالَ: وَهِي قِرَاءَة أَبى عَمْرو. مَفْتُوحَة الأولى سَاكِنة الثَّانِي. وَقَالَ لي أَبُو حَاتِم: غلط أَبُو عُبَيْدَة وَلكنه يُقَال للشىء تنصبه: نصب وَنصب وَنصب. وَلَيْسَ نصب جمعا لنصب. كَمَا قَالَ ابو عُبَيْدَة وانما جعله جمعا لنصب فِيمَا نرى لِأَنَّهُ لَيْسَ يُوجد فِي الْكَلَام مَا جَاءَ على فعل وَفعل الا قَلِيلا وَلَا أحفظ من ذَلِك الا هَذَا الْحَرْف. وَقَوْلهمْ: الْعَصْر وَالْعصر والعمر والعمر. يُقَال: أَطَالَ الله عمر فلَان وعمره ونرى قَوْلهم: لعمرك مِنْهُ ولعمر الله. كَأَنَّهُ قسم بِبَقَاء الله جلّ وَعز. وَيجوز فِي هَذِه الْحُرُوف اسقاط الضمة الثَّانِيَة فَيَقُول: عمر وعصر وَنصب. كَمَا يُقَال: السُّحت والسحت وَا لرعب والرعب. وَكَانَ زيد بن ثَابت يقْرَأ: / كَأَنَّهُمْ الى نصب يوفصون / قَالَ الطرماح وَذكر ثورا يطوف حول شَجَرَة: من المنسرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 طوف متلي نذر على نصب ... نصب دوار محمرة جدده ... وَقَالَ الْأَعْشَى: من الطَّوِيل ... واذا النصب الْمَنْصُوب لَا تنسكنه ... لعاقبة وَالله رَبك فاعبدا ... وَقَوله: وَمَا وجدت على كَبِدِي سخْفَة جوع. قَالَ الْأَصْمَعِي: السخفة: الخفة وَلَا أَحسب قَوْلهم: هُوَ سخيف الا من هَذَا. وَقَوله: فِي لَيْلَة قَمْرَاء أَي: بَيْضَاء. وَمِنْه يُقَال: حمَار أقمر. وَلَا أَحسب الْقَمَر الا من هَذَا. وَقَالَ بَعضهم: قعدنا فِي القمراء يُرِيد الْقَمَر أَو اللَّيْلَة المقمرة. قَالَ الراجز: من الرجز ... يَا حبذا القمراء وَاللَّيْل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج ... والأضحيان: المضيئة. يُقَال: لَيْلَة اضحيان واصحيانة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وضحيانة وَيَوْم ضحيان. قَالَ الراجز: من الرجز ... والظلمات والسراج الضحيان ... يُرِيد: المضيىء. وَيُقَال: لَيْلَة ضحياء أَيْضا ووسم أضحى والأضحى يذكر وَيُؤَنث. فَمن أنثه جعله جمع أضحاه وَهِي الذَّبِيحَة. وَمن ذكره ذهب الى الْيَوْم. وَقَوله: قد ضرب الله على اسمختهم هَكَذَا رُوِيَ بِالسِّين وانما هُوَ بالصَّاد. جمع: صماخ الْأذن وَهُوَ الْخرق الَّذِي يُفْضِي الى الرَّأْس وَهُوَ المسمع. وانما أَرَادَ أَنهم نَامُوا وَمثله قَول الله جلّ وَعز: {فضربنا على آذانهم فِي الْكَهْف سِنِين عددا} . وَفِي الْأذن أَمْثَال هَذَا أَحدهَا. وَقَوْلهمْ: لبست عَلَيْهِ أُذُنِي أَي: سكت عَنهُ وَلم أَتكَلّم. وَقَوْلهمْ: جعلته دبر أُذُنِي أَي: نَبَذته وَلم ألتفت اليه. وقولهما: كلمة تملأ الْفَم يُقَال ذَلِك لكل كلمة عَظِيمَة. وَحَتَّى الْأَصْمَعِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 عَن بَعضهم انه قَالَ: وَالله الَّذِي لَا اله الا هُوَ فانها تملأ الْفَم وتقطع الدَّم. يُرِيد: تحقن الدَّم. لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا اله الا الله. فاذا قالوها عصموا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ الا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله. وَيُقَال: أكْرمُوا الا بل فانها رقؤ الدَّم. يُرَاد: أَنَّهَا تدفع فِي الدِّيات فَيبْطل الْقود. قَالَ الْكُمَيْت: من المتقارب ... فَكنت هُنَاكَ رقؤ الدِّمَاء ... للمتبعات الأنين الزفيرا ... وَقَوله: فقد عَنى عَنهُ. أَي: كفني. يُقَال: قدعت الرجل وأقدعته اذا كففته. وقولهما: من أَنْفَارنَا يُريدَان: من قَومنَا وَكَأَنَّهُ جمع نفر. يُقَال: هَؤُلَاءِ نفر فلَان أَي: رهطه. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس يذكر راميا مصيبا: من المديد ... مَا لَهُ لَا عد من نفره ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 يَقُول: اذا عد يَوْمه لم يعد مَعَهم. يُرِيد: أماتة الله وَلم يرد وُقُوع الْأَمر وَلكنه كَمَا يُقَال: قَاتله الله وأخزاه اذا استجيد عمله أَو قَوْله. وَأنْشد الْأَصْمَعِي للشماخ فِي وصف حمير: من الطَّوِيل ... مسببة قب الْبُطُون كَأَنَّهَا ... رماح نحاها وَجهه الرّيح راكز ... وَقَالَ: مسببة يُقَال: قاتلها الله وَنَحْوه. واما اساف ونائل وَيُقَال: نائلة فهما صنمان. وروى انهما كَانَا انسانين من بني عبد الدَّار طافا بِالْكَعْبَةِ فصادفا مِنْهَا خلْوَة فَأَرَادَ أَحدهمَا صَاحبه فنكسهما الله نُحَاسا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابى ذَر رَضِي الله عَنهُ أَن الْأسود قَالَ خرجنَا عمارا فَلَمَّا انصرفنا مَرَرْنَا بِأبي ذَر فَقَالَ:: أحلقتم الشعت وقضيتم التفث أما ان الْعمرَة من مدركم. يرويهِ أَبُو النَّصْر عَن المَسْعُودِيّ عَن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وحدثنى أَبى حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن أَبى عُبَيْدَة انه قَالَ: قَضَاء التفث الْأَخْذ من الشَّارِب والأظفار ونتف الابطين. والاستحداد وَهُوَ حلق الْعَانَة. وَقَوله: أما ان الْعمرَة من مدركم يُرِيد: ان الْعمرَة من بلدكم الَّذِي تسكنونه ومدرة الرجل بَلَده وأنشدني الباهليون عَن الْأَصْمَعِي لبَعض الرجاز يصف حمارا: من الرجز ... شدّ على أَمر الْوُرُود مِئْزَره ... لَيْلًا وَمَا ندى أذين المدره ... يُرِيد: مُؤذن بِالْمَدِينَةِ يَقُول: من أَرَادَ الْعمرَة ابْتَدَأَ لَهَا سفرا غير سفر الْحَج وَهَذَا مَذْهَب قد ذهب اليه قوم يَقُولُونَ شهور الْحَج لَا يعْتَمر فِيهَا ويحتجون بقول الله تَعَالَى: {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} وَلم يذكر الْعمرَة. قَالُوا: فَمن أَرَادَ الْعمرَة أنشأ لَهَا سفرا من منزله فِي غير أشهر الْحَج. وَقد يجوز أَن يكون أَبُو ذَر أَرَادَ أَن فَضِيلَة الْعمرَة فِي افرادها بِالنِّيَّةِ وَالسّفر وَلم يقل ذَلِك على الْوُجُوب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 روى اسرائيل عَن أَبى اسحق عَن الْبَراء عَن عَازِب ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَمر فِي ذِي الْقعدَة. وروى سُفْيَان عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه ان أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يرَوْنَ الْعمرَة فِي أشهر الْحَج من أفجر الْفُجُور ويسمون الْمحرم صفرا فَكَانُوا يَقُولُونَ اذا انْسَلَخَ صفر. وَفِي حَدِيث آخر: اذا دخل صفر وَعَفا الْوَبر وبرأ الدبر فقد حلت الْعمرَة لمن اعْتَمر فَقَالَ ابْن عَبَّاس قَالَ عمر: مَا اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التَّنْعِيم الا ليقطع أَمر الشّرك. وَقَوْلهمْ: عَفا الْوَبر أَي طر وَكثر. وَمِنْه قَول حميد بن تور يذكر دَارا: من الطَّوِيل ... عفت مثل مَا يعْفُو الطليح فَأَصْبَحت ... بهَا كبرياء الصعب وَهِي ركُوب ... يَقُول: غطاها النَّبَات والعشب كَمَا طر وبر الْبَعِير وبرأ دبره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 ثمَّ رَجَعَ الى وصف النَّاقة وَترك الدَّار فَقَالَ: بهَا استكبار الصعب مِمَّا حمت وَهِي ذَلُول. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى ذَر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: بشر الكنازين برضفة فِي الناغض. الرضفة: حجر يحمى بالنَّار وَحَجمه رضف. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: كَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَأَنَّهُ على الرضف حَتَّى يقوم. والناغض من الكيف هُوَ فرع الْكَتف. وانما قيل لَهُ ناغض لِأَنَّهُ يَتَحَرَّك اذا عدا الرجل أَو حرك يَده. والنغض: الْحَرَكَة. يُقَال: نغض ينغض وينغض وانغض رَأسه اذا حركه وَقَالَ الله جلّ وَعز: {فسينغضون إِلَيْك رؤوسهم} وَمِنْه قيل للظليم نغض لِأَنَّهُ يُحَرك رَأسه اذا عدا وَمِنْه قَول سلمَان فِي حَدِيث اسلامه: درت من خَلفه فاذا الْخَاتم فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 ناغض كتفه الْأَيْسَر. يَعْنِي خَاتم النُّبُوَّة. وَفِيه لُغَة أُخْرَى يُقَال: طعنه على نغض كتفه. وَقَالَ عبد الله بن سرجس: نظرت الى الْخَاتم على نغض كتفه. يُرِيد: مثل جمع الْكَفّ. يُقَال: ضربه بِجمع كَفه اذا جمعهَا وَضم اصابعه وَفِيه لُغَة أُخْرَى: جمع الْكَفّ بِكَسْر الْجِيم جعل أَبُو ذَر مَا يكنز من الذَّهَب وَالْفِضَّة رضفا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابى ذَر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ للْقَوْم الَّذين حَضَرُوا وَفَاته: أنْشدكُمْ الله والاسلام ان يكفنني رجل مِنْكُم كَانَ أَمِيرا أَو عريفا أَو بريدا أَو نَقِيبًا. يرويهِ: يحيى بن سليم عَن ابْن خثيم عَن مُجَاهِد عَن إِبْرَاهِيم بن الاشتر عَن أَبِيه. الْبَرِيد: هُوَ الرَّسُول وَمِنْه الحَدِيث: اذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 أبردتم الي بريدا فَاجْعَلُوهُ حسن الْوَجْه حسن الِاسْم. والنقيب قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ الْأمين وَالْكَفِيل على الْقَوْم من قَول الله جلّ وَعز: {وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا} فَأَما النكابة فَيُقَال هِيَ العرافة وَالِاسْم الْمنْكب وَقَالَ بَعضهم: الْمنْكب عون العريف. قَالَ أَبُو زيد يُقَال: نقب فلَان على قومه ينقب نقابة ونكب ينكب نكابة وَعرف يعرف عرافة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال نكب فلَان على قومه ينكب اذا كامنكبا لَهُم يعتمدون عَلَيْهِ. وَيُقَال أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى ذَر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لنا مَوْلَاهُ تَصَدَّقت علينا بخدمتها وَلنَا عباءتان نكافىء بمها عَنَّا عين الشَّمْس واني لأخشى فصل الْحساب. حَدثنِي ابى ثناه الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن حَمَّاد بن سَلمَة. قَوْله: نكافىء بهما أَي: ندافع بهما. وأصل الْمُكَافَأَة المقاومة والموازنة. وَمِنْه يُقَال: فلَان كفىء فلَان وكفؤه وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} والكفاءة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 الْمصدر. يُقَال: كفؤ كفاءة. وَمِنْه قَول الْأَحْنَف: لَا أُجِيب من لَا كفاءة لَهُ. وَيُقَال: مَالِي بِهِ قبل وَلَا كفاء أَي: مَالِي طَاقَة بِهِ. وَهُوَ مصدر كافأته. وَمِنْه الحَدِيث: ان أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: انك مِمَّا اذا صليت همست فَقَالَ ذكرت نَبيا أعطي جُنُودا من قومه فَنظر اليهم فَقَالَ: من يكافىء هَؤُلَاءِ. وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى ذَر رَضِي الله عَنهُ ان ابا اسماء الرَّحبِي دخل عَلَيْهِ بالربذة وَعِنْده امْرَأَة سَوْدَاء مشنعة وَلَيْسَ عَلَيْهَا أثر المجاسد. يرويهِ عَفَّان عَن همام عَن قَتَادَة عَن ابي قلَابَة عَن أَبى اسماء. المجاسد: جمع مجسد وَهُوَ الْمَصْبُوغ المشبع بالزغفران والجساد الزَّعْفَرَان فَأَما المجسد بِكَسْر الْمِيم فانه الَّذِي يَلِي الْجَسَد من الثِّيَاب. وَقَالَ الْفراء: المجسد والمجسد وَاحِد. وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 من: أجسد أَي: ألصق بالجسد فَكسر أَوله بَعضهم. وَكَذَلِكَ قَالُوا: مصحف وَهُوَ مَأْخُوذ من: أصحف أَي: جمعت فِيهِ الصُّحُف فَكسر أَوله. وَأَصله الضَّم ومطرف وَهُوَ من أطرف أَي: جعل فِي طَرفَيْهِ العلمان. وَيُقَال: مطرف ومصحف على الْقيَاس. والْحَدِيث يدل على أَن المجسد على مَا فسرنا أَولا لَيْسَ على مَا قَالَ الْفراء. والمشنعة: القبيحة يُقَال: منظر أشنع وشنيع وشنع ومشنع. آخر حَدِيث أَبى ذَر رَحْمَة الله عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 - حَدِيث اسامة بن زيد وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث اسامة رَضِي الله عَنهُ انه ذكر سَرِيَّة خرج فِيهَا قَالَ: فصبحنا حَيا من جُهَيْنَة فَلَمَّا رأونا جبوءا من أخيبتهم وَانْفَرَدَ لي وَلِصَاحِب السّريَّة رجل فاشرع عَلَيْهِ الْأنْصَارِيّ رمحه فَالْتَفت وَقَالَ: لَا اله الا الله فَرفع عَنهُ الْأنْصَارِيّ وأدركته فَقتلته. ثمَّ ذكر قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ: أقتلت رجلا يَقُول لَا اله الا الله فَقَالَ أُسَامَة: فَلَا أقَاتل رجلا يَقُول لَا اله الا الله حَتَّى أَلْقَاهُ. قَالَ سعد: وَأَنا لَا أقاتلهم حَتَّى يقاتلهم ذُو البطين وَكَانَ لأسامة بطن مندح. يرويهِ هرون بن الْمُغيرَة عَن عَمْرو بن أَبى قيس عَن مَنْصُور عَن سعد ابْن عبيد عَن أَبى ظبْيَان. قَوْله: جبوءا من أخيبتهم أَي: خَرجُوا مِنْهَا. يُقَال: جبأ عَلَيْهِ الْأسود من حجره أَي: خرج. وَمِنْه قيل للجراد جابىء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 لطلوعه. قَالَ الْهُذلِيّ: من الْبَسِيط ... صابوا بِسِتَّة أَبْيَات وَأَرْبَعَة ... حَتَّى كَأَن عَلَيْهِم جابئا لبدا ... والبطن المندح: المستفيض. وكل شىء اتَّسع فقد اندح. وَأَخْبرنِي الرياشي عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: يُقَال بنى فلَان بَيْتا فدحاه. أَي وَسعه. وحَدثني الرياشي ايضا أَنه سَأَلَ أَعْرَابِيًا عَن قَول الرَّاعِي: من الوافر ... تلقى نوؤهن سرار شهر ... وَخير النوء مَا لَقِي السرارا ... فَقَالَ مُطِرْنَا الْعَام الأول لَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا من الشَّهْر فاندحت الارض كلأ. وَقَول الْأَصْمَعِي: دحاه اصله: دحجة فأبدل كَمَا قَالَ: دَعَاهُ قلباه. وَأَصله لببه وكقول الله تَعَالَى: {وَقد خَابَ من دساها} . آخر حَدِيث أُسَامَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 - حَدِيث حباب بن الأرث وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث خباب رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: هاجرنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبِيل الله نبغي وَجه الله فَوَجَبَ أجرنا على الله فمنا من مضى لم يَأْكُل من أجره شَيْئا وَمنا من أينعت لَهُ ثَمَرَة فَهُوَ يهدبها. يرويهِ أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن خباب. أينعت: أدْركْت. يُقَال: اينعت الثَّمَرَة وينعت. قَالَ الشَّاعِر: من المديد ... فِي قباب عِنْد دسكرة ... حولهَا الزَّيْتُون قد ينعا ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَهُوَ الينع والينع. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {انْظُرُوا إِلَى ثمره إِذا أثمر وينعه} . وَقَوله: يهدبها أَي: يجنيها من ثَمَرهَا يقا ل: هدبها يهدبها هدبا اذا اجتناها. وهدب النَّاقة هدبا اذا احتلبها. فَأَما الهدب بِفَتْح الدَّال فانه من ورق الشّجر مَا لم يكن لَهُ عرض نَحْو: السرو والطرفاء. آخر حَدِيث خباب رَضِي الله عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 - حَدِيث عمار بن يَاسر وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمار رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: الْجنَّة تَحت البارقة. يرويهِ يحيى بن عبد الرَّحْمَن عَن ابْن أبجر عَن أَبِيه عَن سَلمَة بن كهيل عَن أَبى صَادِق عَن ربيعَة عَن عمار. البارقة: السيوف تَقول: رَأَيْت بارقة الْقُوَّة اذا رَأَيْت بريق سيوفهم. وَيُقَال: أبرق فلَان بِسَيْفِهِ يَبْرق اذا لمع بِسَيْفِهِ. قَالَ الْأَعْشَى لامْرَأَته: من الطَّوِيل ... وبيني فان الْبَين خير من العصى ... والا تزالي فَوق رَأسك بارقة ... يُرِيد: سَيْفا يَبْرق وَهَذَا كَقَوْلِهِم: الْجنَّة تَحت ظلال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 السيوف. يُرَاد فِي الْجِهَاد. والبارقة فِي غير هَذَا السحابة يكون فِيهَا برق. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله فِي حَدِيث عمار رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: لَا يَلِي الامر بعد فلَان الا كل أصعر أَبتر. الأصعر المعرض بِوَجْهِهِ. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} والأبتر: النَّاقِص وَهُوَ من قَوْلك: بترت الشىء اذا قطعته وَمِنْه قيل لما لَا ذَنْب لَهُ: أَبتر كَأَنَّهُ بتر أَي: قطع. وَأَرَادَ عمار: أَنه لَا يَلِيهِ ال كل معرض عَن الْحق نَاقص. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمار رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا وشى بِهِ الى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ عمار: اللَّهُمَّ ان كَانَ كذب عَليّ فاجعله موطأ الْعقب. وَقَوله: موطأ الْعقب أَي: كثير الأتباع كَأَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ بِأَن يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 سُلْطَانا يطَأ النَّاس عقبه أَي: يتبعونه ويمشون وَرَاءه أَو بِأَن يكون ذَا مَال فيتبعه النَّاس لمَاله وَمن هَذَا الْمَعْنى قَول الشَّاعِر: من الرجز. ... عهدي بقيس وَهِي من خير الْأُمَم ... لايطأون قدما على قدم ... يُرِيد: عهدي بهم وهم قادة يتبعهُم النَّاس وَلَيْسوا أتباعا يطأون بأقدامهم على أَقْدَام قوم تقدموهم. وَيُقَال فِي هَذَا الْمَعْنى: هم يخصفون أَقْدَامهم بأقدامهم أَي: يطبقونها عَلَيْهَا وَذكر أَعْرَابِي قوما أَغَارُوا عَلَيْهِم فَقَالَ: احتثوا كل جمالية عيرانة فَمَا زَالُوا يخصفون أَخْفَاف المطىء بحوافر الْخَيل حَتَّى أَدْركُوهُم بعد ثَالِثَة فَجعلُوا المران أرشية الْمَوْت فاستقوا بهَا أَرْوَاحهم. قَوْلهم: يخصفون أَخْفَاف الْمطِي بحوافر الْخَيل يُرِيد: انهم قد ركبُوا الابل وجنبوا الْخَيل وارءهم. فالخيل تخصف أَخْفَاف الابل بحوافرها أَي تطبقها عَلَيْهَا. وَمِنْه يُقَال: خصفت نَعْلي اذا أطبقت عَلَيْهَا رقْعَة. والمران: الرماح وتقديرها: فعال من المرانة وَهِي اللين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمار رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لقوم: جروا الخطير مَا انجز لكم. الخطير زِمَام النَّاقة وَالْمعْنَى: امضوا على أَمركُم مَا أمكنكم وَمَا تابعكم. آخر حَدِيث عمار رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 - حَدِيث زيد بن ثَابت وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: فِي الوترة ثلث الدِّيَة. وَفِي حَدِيث آخر فاذا استوعب جدع مارنه فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة. يرْوى الأول يزِيد عَن حجاج عَن مَكْحُول عَن زيد. الوترة الحاجز بَين المنخرين وَهُوَ ايضا الوتيرة ووتيرة الْيَد مَا بَين الْأَصَابِع والمارن هُوَ مَا لَان مِمَّا انحدر عَن قَصَبَة الْأنف. والقصبة: عظم الْأنف. وَقَوله: استوعب جدعه أَي: استقصي. يُقَال: أوعب فلَان أنف فلَان اذا قطعه أجمع وقطعه قطعا موعبا اذا قطعه أجمع. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث زيد انه كَانَ لَا يرى بِبيع القطوط اذا خرجت بَأْسا. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 القطوط: الأرزاق وَاحِدهَا قطّ. قَالَ الْأَعْشَى: من الطَّوِيل ... وَلَا الْملك النُّعْمَان يَوْم لَقيته ... بامته يُعْطي القطوط وبأفق ... بأفق: يفضل وأصل القط الْكتاب وانما سمي الرزق قطا كَانَ لِأَنَّهُ يكْتب بِهِ الى النَّاحِيَة الَّتِي يكون فِيهَا حق السُّلْطَان من الطَّعَام فَسُمي باسم الْكتاب وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَول الله جلّ وَعز: {عجل لنا قطنا} . القط: الْحساب. وَلَا أرَاهُ سمي قطا الا لِأَنَّهُ يكون بالكتب الَّتِي أحصيت فِيهَا أَعمال بني آدم. وَقَالَ المتلمس حِين نظر فِي الصَّحِيفَة وَعرف مَا فِيهَا وَأَلْقَاهَا فِي المَاء: من الطَّوِيل ... ألقيتها بالثني من جنب كَافِر ... كَذَلِك أقنو كل قطّ مضلل ... أقنو: أجزى وَقَالَ أَبُو وجزة وَكتب لَهُ رجل سِتِّينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وسْقا من طَعَام فَحمل الْكتاب فِي حقيبته: من الْبَسِيط ... راحت بستين وسْقا فِي حقيبتها ... مَا كلفت مثله الْأَدْنَى وَلَا البعدا وَلَا رَأَيْت قلوصا قبلهَا حملت ... سِتِّينَ وسْقا وَلَا جابت بِهِ بَلَدا ... وَفِي الحَدِيث من الْفِقْه أَنه رخص فِي بيع مَا لم يقبض وَلم يَأْتِ هَذَا الا فِي الرزق خَاصَّة. فَأَما غَيره مِمَّا يُكَال أَو يُوزن فَلَا يُبَاع حَتَّى يقبض. وحَدثني أَبى قَالَ حَدثنِي أَبُو وَائِل عَن المومل عَن الثورى انه قَالَ: لَا تبع شَيْئا من الْبيُوع وَلَا توله وَلَا تشارك فِيهَا كَائِنا مَا كَانَ حَتَّى تقبضه وَقَالَ لنا اسحق: لَا بَأْس بِبيع مِمَّا لَا يُكَال وَلَا يُوزن قبل الْقَبْض وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَة فان التَّوْلِيَة بيع. آخر حَدِيث زيد رَحْمَة الله عَلَيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 - حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث خَالِد رَضِي الله عَنهُ انه لما انْتهى الى الْعُزَّى ليقطعها قَالَ لَهُ السادن: يَا خَالِد انها قاتلتك انها مكنعتك. يرويهِ الحكم بن عبد الْملك عَن قَتَادَة. قَوْله: مكنعتك أَي: مقبضة جسمك ويديك والتكنع فِي الْيَدَيْنِ: تقفع الْأَصَابِع ويبسها يُقَال: قد اكتنغ الشَّيْخ اذا أَصَابَهُ ذَلِك من الْهَرم وتكنعت أَصَابِع الشَّيْخ اذا تقبضت. ذكر أَبُو الْيَقظَان سحيم بن حَفْص بن قادم العجيفي أَن أَبَا فوران الهُجَيْمِي شهد يَوْم الْجمل فكنعت يَدَاهُ فَمر بِهِ الْأَحْنَف فَقَالَ لَهُ أَبُو فوران يَا منخذل فَقَالَ لَهُ الْأَحْنَف: أما وَالله وَالله لَو أطعتنى لأكلت بيمينك وامتسحت بشمالك وَمَا كنعت يداك. وَمِنْه حَدِيث رَوَاهُ ابْن ابى الزِّنَاد عَن ابيه عَن عبيد الله بن عبد الله بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 عتبَة فِي غَزْوَة أحد: ان الْمُشْركين لما قربوا من الْمَدِينَة كنعوا عَنْهَا أَي: قصروا وانقبضوا عَن الاقتراب مِنْهَا. وَيُقَال: قد اكتنع الْمَوْت اذا قرب واذا حضر واكتنع اللَّيْل حضر وَقرب. قَالَ يزِيد بن مُعَاوِيَة: من المديد ... آب هَذَا اللَّيْل فاكتنعا ... وَأمر النّوم فامتنعا ... قَالَ الْأَصْمَعِي: وَكَذَلِكَ الكانع وَهُوَ الْحَاضِر أَيْضا. وَقَالَ النَّابِغَة: من الطَّوِيل ... وتسقي اذا مَا شِئْت غير مصرد ... بزوراء فِي أكنافها الْمسك كانع ... يجوز أَن يكون كانع بِمَعْنى حَاضر وَيجوز ان يكون قد انْضَمَّ وَتَلَبَّدَ بعضه على بعض. وَيُقَال: زوراء دَار بِالْحيرَةِ للنعمان. وَيُقَال: بل هُوَ اناء من فضَّة يشرب فِيهِ. غير مصرد غير مَقْطُوع الرّيّ. وَأما قَوْلهم فِي الدُّعَاء: اللَّهُمَّ انى أعوذ بك من الكنوع والخضوع فان الكنوع المذلة. وانما قيل لَهَا ذَلِك لِأَن الذَّلِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 ينصاغر وينضم بعضه الى بعض. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث خَالِد رَضِي الله عَنهُ ان عَمْرو بن الْعَاصِ انْصَرف من بِلَاد الْحَبَشَة يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسلم فَلَقِيَهُ خَالِد وَهُوَ مقبل من مَكَّة فَقَالَ: أَيْن يَا أَبَا سُلَيْمَان فَقَالَ: وَالله لقد استقام المنسم وان الرجل لنَبِيّ اذْهَبْ فَأسلم. يرويهِ ابْن اسحق عَن يزِيد بن أَبى حبيب عَن رَاشد مولى ابْن أَبى أَوْس الثَّقَفِيّ عَن حبيب بن أَوْس قَالَ: حَدثنِي عَمْرو بن الْعَاصِ بذلك فِي حَدِيث فِيهِ طول. قَالَ الْأَصْمَعِي: رَأَيْت منسما من الْأَمر أعرفهُ أَي عَلامَة وَقَالَ أَوْس بن حجر: من الطَّوِيل ... لعمري لقد بيّنت يَوْم سويقة ... لمن كَانَ ذَا لب بوجهة منسم ... أَي: استبان مِنْك الصرم بِأَمْر بَيَان. ويروي: وَجه مقسم. أَي: حسن من قَوْلك: رجل قسم وسم. أَي: جميل. وَأَرَادَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 خَالِد ان الْأَمر قد وضح وَتبين. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث خَالِد رَضِي الله عَنهُ انه لما أَخذ الرَّايَة يَوْم مُؤْتَة دَافع بِالنَّاسِ وخاشى بهم. يرويهِ مُحَمَّد بن اسحق عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير عَن عُرْوَة ابْن الزبير. خاشى بهم من خشيت أَي: اتَّقى عَلَيْهِم وحذر فانحاز تَقول: خاشيت فلَانا اذا تاركته. آخر حَدِيث خَالِد رَحمَه الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 - حَدِيث عبد الله ابْن انيس وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن أنيس رَضِي الله عَنهُ أَنه ذكر قَتله ابْن أبي الْحقيق قَالَ: فقدمنا خَيْبَر فدخلناها لَيْلًا فَجعلنَا نغلق أَبْوَابهَا من خَارج على أَهلهَا ثمَّ جَمعنَا المفاتح فطرحناها فِي فَقير من النّخل وَذكر دُخُول ابْن أَبى عتِيك عَلَيْهِ قَالَ: فَذَهَبت لأَضْرِبهُ بِالسَّيْفِ وَلَا أَسْتَطِيع مَعَ صغر الْمشْربَة فوجرته بِالسَّيْفِ وجرا ثمَّ دخلت انا فذففت عَلَيْهِ. يرويهِ على بن مُجَاهِد عَن اسماعيل بن ابراهيم بن اسماعيل بن مجمع عَن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن كَعْب عَن أَبِيه عَن أم أَبِيه وَهِي بنت عبد الله بن أنيس عَن أَبِيهَا. الْفَقِير: بِئْر تحفر فِي أصل الفسيلة اذا حولت ويلقى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 فِيهَا البعر والسرجين. يُقَال: فقرنا للودية تفقيرا. وَقَوله: وجرته بِالسَّيْفِ يُرِيد: طعنته بِهِ طَعنا. وَيُقَال: أوجرته الرمْح بِالْألف وَلم أسمع بوجرته الا فِي هَذَا الحَدِيث. فَأَما من وجود الدَّوَاء فانه يُقَال: أوجرته الدَّوَاء ووجرته جَمِيعًا. والمشربة: الغرفة. وَمِنْه حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ لما اعتزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ دخلت الْمَسْجِد واذا النَّاس ينكتون بالحصى وَيَقُولُونَ: طلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ. فَقلت: لأعلمن ذَلِك الْيَوْم. قَالَ: فَدخلت فاذا أَنا برباح غُلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعِدا على بَاب الْمشْربَة مدليا رجلَيْهِ على نقير من خشب. فَأَما المسربة بِالسِّين غير مُعْجمَة فَهِيَ كالصفة تكون بَين يَدي الغرفة وفيهَا لُغَة أُخْرَى: مسربة كَمَا يُقَال: مأدبة ومأدبة. وَقَوله: ينكتون بالحصى أَي: ينكتون بِهِ الأَرْض. وَذَلِكَ يكون من المفكر فِي الشَّيْء. وَفِي حَدِيث للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخر: انه بَينا هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 ينكت اذ انتبه فَقَالَ: مَا من نفس الا قد كتب لَهَا ماهي فِيهِ. أَرَادَ: يفكر وَيحدث نَفسه وينكت فِي الأَرْض. وَنَحْو من هَذَا وَصفهم المهموم بلقط الْحَصَى والتخطيط فِي الأَرْض. قَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل {عَشِيَّة مَالِي حِيلَة غير أنني ... بلقط الْحَصَى والخط فِي الدَّار مولع ... وَقَالَ النَّابِغَة وَذكر نسَاء سبين: من الطَّوِيل ... يخططن بالعيدان فِي كل مقْعد ... ويخبأن رمان الثدي النواهد ... والنقير: جذع ينقر وَيجْعَل فِيهِ كالمراقي ويصعد عَلَيْهِ الى الغرف. وَفِي حَدِيث آخر فِي قتل ابْن أبي الْحقيق رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن كَعْب بن مَالك: انهم خَرجُوا حَتَّى جاؤوا خَيْبَر فَدَخَلُوا الْحصن ثمَّ اسندوا اليه فِي مشربَة لَهُ فِي عجلة من نخل قَالَ: فوَاللَّه مَا دلنا عَلَيْهِ الا بياضه على الْفراش فِي سَواد اللَّيْل كَأَنَّهُ قبطية. وتحامل ابْن أنيس بِسَيْفِهِ فِي بَطْنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 حَنى أنفذه. فَجعل يَقُول: قطنى قطني ثمَّ نزلُوا فزلق ابْن عتِيك فاحتملوه فَأتوا منهرا فاختبؤوا فِيهِ. ثمَّ خرج رجل مِنْهُم يمشي حَتَّى خش فيهم فسمعهم يَقُولُونَ: فاظ واله بني اسرائيل. أسندوا اليه: صعدوا اليه. يُقَال: أسْند فلَان فِي الْجَبَل اذا صعده. والعجلة: دوحة من النّخل نَحْو النقير. والقبطية: ثوب أَبيض وَجمعه قَبَاطِي. والمنهر: خرق فِي الْحصن نَافِذ يدْخل فِيهِ المَاء. وَقَوله: خشن فِي النَّاس أَي: دخل فيهم. وَمِنْه قيل لما يدْخل فِي أنف الْبَعِير: خشَاش لِأَنَّهُ يخْش أَي: يدْخل. وفاظ: مَاتَ. يُقَال: فاظ يفوظ فوظا اذا مَاتَ. قَالَ الْأَصْمَعِي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 لَا يكادون يَقُولُونَ فاظت نَفسه انما يُقَال: فاظ. وَأنْشد: من الرجز ... لَا يدفنون من مِنْهُم فاظا ... آخر حَدِيث عبد الله بن أنيس رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 - حَدِيث أبي ايوب الْأنْصَارِيّ - خَالِد بن زيد وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ ان ابْن عَبَّاس والمسور بن مخرمَة اخْتلفَا بالأبواء. فَقَالَ: ابْن عَبَّاس: يغسل الْمحرم رَأسه. وَقَالَ الْمسور: لَا يغسل. فأرسلا الى أبي أَيُّوب فَوَجَدَهُ الرَّسُول يغْتَسل بَين القرنين وَهُوَ يستر بِثَوْب. حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن القعْنبِي عَن مَالك بن زيد بن أسلم عَن ابراهيم بن عبد الله بن حنين عَن أَبِيه. القرنان: قرنا الْبِئْر وهما منارتان تبنيان من حِجَارَة أَو مدر على رَأس الْبِئْر من جَانبهَا ويلقى عَلَيْهِ الْخشب قيل: فان كَانَتَا من خشب فهما زرنوقان وَيُقَال للزرنوق ايضا الْقَامَة والنعامة. وَقَالَ بعض الرجاز لبعيره: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 .. تبين القرنين وَانْظُر ماهما ... أحجرا أم مدرا تراهما انك لن تدل أَو تغشاهما ... وَترك اللَّيْل الى ذراهما ... وَالْبَعِير ينفر من قُرُون الْبِئْر حِين يَرَاهَا ثمَّ يذل حَتَّى يبرك عِنْدهَا ويأنس بهَا. آخر حَدِيث خَالِد بن زيد رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 - حَدِيث ابي قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ فِي عرس وَجَارِيَة تضرب بالدف وَهُوَ يَقُول لَهَا: أرعفي. يرويهِ وَكِيع عَن أُسَامَة بن زيد عَن شيخ من بني سَلمَة. قَوْله: ارعفي أَي: تقدمي. وَمِنْه قيل للْفرس الراعف: راعف. اذا تقدم الْخَيل. قَالَ الشَّاعِر: من الْخَفِيف يرعف الْألف بالمدجج ذِي القونس حَتَّى يؤوب كالتمثال أَي: يسبقها. وحَدثني أَبى قَالَ أَخْبرنِي ابو حَاتِم انه سمع أَبَا عُبَيْدَة يَقُول لَهُ أَو لغيره الشَّك مني بَينا نَحن نذْكر رعف بك الْبَاب أَي: دخلت علينا. آخر الْجُزْء الْخَامِس من غَرِيب الحَدِيث من أصل النجيرمي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 - حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ انه اشْترى من دهقان أَرضًا على أَن يَكْفِيهِ جزيتهَا. يرويهِ يزِيد عَن حجاج عَن الْقَاسِم بن عبد الرحمن عَن أَبِيه. الْجِزْيَة هَاهُنَا الْخراج. وَقَالَ غير وَاحِد اشْترى هَاهُنَا بِمَعْنى اكترى مِنْهُ الأَرْض لِأَنَّهُ لَا يجوز ان يكون مُشْتَريا لَهَا وخراجها على البَائِع وَلم أسمع فِي غير هَذَا بِأَنَّهُ يجوز أَن تَقول: اشْتريت وَأَنت تُرِيدُ: اكتريت. فان كَانَ هَذَا مَعْرُوفا فَهُوَ على مَا فسر. والا فَانِي أرى عبد الله اشْترى الأَرْض من الدهْقَان قبل ان يُؤدى الدهْقَان خراجها للسّنة الَّتِي وَقع فِيهَا البيع فتضمن عبد الله أَن يَكْفِيهِ مَا يجب عَلَيْهِ من خراج تِلْكَ السّنة بِأَن يُؤَدِّيه. يُرَاد مِنْهُ أَنه يُؤَدِّي الْخراج غير من صَارَت اليه الْغلَّة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله ان رجلا قَالَ لَهُ: اني أردْت السّفر فأوصني. فَقَالَ لَهُ: اذا كنت فِي الوصيلة فأعط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 راحلتك حظها واذا كنت فِي الجدب فأسرع السّير وَلَا تهود واياك والمناخ على ظهر الطَّرِيق فانه منزل للوالجة. يرويهِ سُفْيَان عَن مسعر عَن معن بن عبد الرحمن. الوصيلة: الْعِمَارَة وَالْخصب وانما قيل لَهَا وصيلة لاتصالها واتصال النَّاس فِيهَا. يَقُول اذا كنت فِي الأَرْض العامرة فارفق براحلتك فاعطها حظها من الْكلأ. وَقَوله: وَلَا تهود أَي: لَا تفتر فِي السّير وترفق. والتهويد: السّكُون. وَمِنْه يُقَال: مَا بيني وَبَينه هوادة وَقَالَ عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ: اذا مت فخرجتم بِي فَأَسْرعُوا الْمَشْي وَلَا تهودوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَي: لَا تَمْشُوا مشيا رويدا. والوالجة: السبَاع والحيات وانما سميت والجة لولوجها بِالنَّهَارِ واستتارها فِي الأولاج. يُقَال: ولجت فِي الشَّيْء فَأَنا ألج اذا دخلت فِيهِ وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 أَي: تدخل فِي ثقب الابرة والولج: مَا ولجت فِيهِ من كَهْف أَو شعب. قَالَ طريح: من المنسرح ... أَنْت ابْن مسلنطح البطاح وَلم تعطف عَلَيْك الحني والولج ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: أصل كل دَاء الْبردَة. يرويهِ الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة عَن عبد الله. وَقَالَ الْأَعْمَش: سَأَلت اعرابيا من كلب عَن الْبردَة فَقَالَ: هِيَ التُّخمَة وَلست أحفظ هَذَا من عُلَمَائِنَا فان كَانَ الْحَرْف صَحِيحا لم يَقع فَهِيَ تَغْيِير فَالْمَعْنى جيد حسن. وَأرى أصل الْحَرْف من الْبرد. وَسميت التُّخمَة بردة لِأَنَّهَا تبرد حرارة الْجُوع والشهوة وَتذهب بهَا. وَمَا أَكثر مَا تَأتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 فعلة فِي الأدواء والعاهات. مثل: الشترة والخرمة والقطعة والفطسة والفدعة والصلعة والنزعة. وَقد روى من وَجه آخر: أصل كل دَاء الْبرد. وَمَا أبعد أَن يكون أَيْضا الْبردَة من هَذَا الْوَجْه فغلط فِيهِ بعض الروَاة على انه قد يجوز على هَذَا التَّأْوِيل ان يُسمى الاكثار بردا لِأَنَّهُ يبرد حرارة الْجُوع كَمَا سمي النّوم بردا لِأَنَّهُ يبرد حرارة فالعطش. قَالَ ذَلِك الْفراء. وَهَذَا الْمَعْنى ان صَحَّ فَهُوَ أعجب الي مِمَّا يذهب اليه النَّاس من أَن أصل كل دَاء الْبرد الَّذِي هُوَ ضد الْحر لأَنا قد نرى من الأدواء مَا يضْطَر الى أَن يعلم انه لَيْسَ عَن برد الزَّمَان وَلَا برد الطباع. وَلَا نرى دَاء يضطرنا انه لَيْسَ عَن الطّعْم. وكما قَالُوا: الدَّوَاء هُوَ الأزم. يعنون التَّخْفِيف وَالْحمية كَذَلِك الدَّاء هُوَ الشِّبَع المفرط والتخمة. وَكَانَ يُقَال: الشِّبَع دَاعِيَة البشم والبشم دَاعِيَة السقم والسقم دَاعِيَة الْمَوْت. وَقَالَ بَعضهم: لَو سُئِلَ أهل الْقُبُور مَا سَبَب آجالهم لقالوا: التخم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 الملطاط طَرِيق بَقِيَّة الْمُؤمنِينَ هرابا من الدَّجَّال. يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن المَسْعُودِيّ عَن حَمْزَة الْعَبْدي عَن أَشْيَاخ لَهُ عَن عبد الله. قَالَ الْأَصْمَعِي: الملطاط سَاحل الْبَحْر وَأنْشد لرؤبة: من الرجز ... نَحن جَمعنَا النَّاس بالملطاط ... فَأَصْبحُوا فِي ورطة الأوراط ... وَقَالَ غَيره: هُوَ شاطىء الْفُرَات. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: بَين كل سماأين مسيرَة خمس مائَة عَام وبصر كل سَمَاء مسيرَة خمس مائَة عَام. يرويهِ أَبُو النَّضر عَن المَسْعُودِيّ عَن عَاصِم بن أَبى النجُود عَن زر عَن عبد الله. الْبَصَر: الْجَانِب والحرف. يُرِيد غلظ السَّمَاء. وَفِيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 لُغَة أُخْرَى صَبر. واكثر مَا يجىء فِي الْكَلَام صَبر. قَالَ النمر بن تولب وَذكر رَوْضَة: من الْكَامِل ... عزبت وباكرها الشتى بديمة ... وطفاء تملؤها الى أصبارها ... يُرِيد: الى حروفها وجوانبها. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اذا اختلفتم فِي الْيَاء وَالتَّاء فاجعلوها يَاء. حَدَّثَنِيهِ الزيَادي قَالَ ثَنَا عبد الوارث بن سعيد عَن دَاوُد عَن الشّعبِيّ عَن عبد الله. هَذَا مثل قَوْله فِي حَدِيث آخر: الْقُرْآن ذكر فذكروه. وَوَجهه عِنْدِي انه اذا جَاءَ فِي الْقُرْآن حرف يحْتَمل التأنيت والتذكير فذكروه. وَكَذَلِكَ كَانَ مذْهبه فِي قرائته. كَانَ يذكر الْمَلَائِكَة فِي كل الْقُرْآن فَيقْرَأ: فناداه الْمَلَائِكَة وانما قَرَأَهَا كَذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 لِأَنَّهَا يَاء مُتَّصِلَة بهَا فِي كتاب الْمُصحف على صُورَة فناديه. وَكَذَلِكَ كل حرف يحْتَمل الْمَعْنيين فَلَا يُفَارق فِيهِ الْكتاب اذا ذكر. وحَدثني أَبى قَالَ ثَنَا الرياشي عَن أبي يَعْقُوب الْخطابِيّ عَن عَمه قَالَ قَالَ الزُّهْرِيّ: الحَدِيث ذكر يُحِبهُ ذُكُور الرِّجَال ويكرهه مؤنثوهم. وَأَرَادَ الزُّهْرِيّ: ان الحَدِيث أرفع الْعلم وأجله خطرا كَمَا أَن الذُّكُور أفضل من الاناث فألباء الرِّجَال وَأهل التَّمْيِيز مِنْهُم يحبونه وَلَيْسَ كالرأي السخيف الَّذِي يُحِبهُ سخفاء الرِّجَال فَضرب التَّذْكِير والتأنيث لذَلِك مثلا. وَكَذَلِكَ شبه ابْن مَسْعُود الْقُرْآن فَقَالَ: هُوَ ذكر فذكروه أَي: جليل خطير فأجلوه بالتذكير وَنَحْوه: الْقُرْآن فخم ففخموه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله انه قَالَ: مَا من شَيْء من كتاب الله جلّ وَعز الا وَقد جَاءَ على أذلاله. قَوْله: على أذلاله يُرِيد: على وَجهه وَمِنْه قَول زِيَاد فِي خطبَته البتراء: واذا رَأَيْتُمُونِي أنفذ فِيكُم الْأَمر فأنفذوه على أذلاه أَي: على وَجهه. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: دَعه على أذلاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 أَي: على حَاله وَلم يعرف لَهَا وَاحِدًا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: مَا اجْتمع حرَام وحلال الا غلب الْحَرَام الْحَلَال. يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن جَابر عَن عَامر عَن عبد الله. قَوْله: غلب الْحَرَام الْحَلَال يُرِيد: الرجل يفجر بِأم امْرَأَته أَو بابنتها لتحرم عَلَيْهِ امْرَأَته فَهَذَا غَلَبَة الْحَرَام الْحَلَال وَهُوَ رَأْي الْكُوفِيّين. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: لَا يحرم حرَام حَلَالا. يُرِيد: ان الزِّنَى بِأم الْمَرْأَة وابنتها لَا يحرم الْمَرْأَة وَهُوَ رَأْي الْحِجَازِيِّينَ وَمن سلك سبيلهم. وَمثل هَذَا من غَلَبَة الْحَرَام الْحَلَال: الْخمر تمزج بِالْمَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 فَيحرم المَاء والبغل يحرم أكل لَحْمه لِأَنَّهُ ممتزج من حرَام وحلال. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: اذا صلى أحدكُم فَلَا يصلين وَبَينه وَبَين الْقبْلَة فجوة. الفجوة: المتسع. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز {فِي فجوة مِنْهُ} أَي: متسع. وَجَمعهَا: فجوات وفجاء. وَأَرَادَ عبد الله: أَن لَا يبعد من قبلته وسترته. وَهُوَ مثل النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اذا صلى أحدكُم الى الشىء فليرهقه. يُرِيد: فليغشه وَلَا يبعد مِنْهُ. يُقَال: رهقت الشَّيْء غَشيته وأرهقته شرا أغشيته اياه. قَالَ الله جلّ وَعز: {وَلَا ترهقني من أَمْرِي عسرا} . وَيُقَال: عدا الرهقي وَهُوَ ضرب من الْعَدو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 يكَاد يرهق بِهِ الْمَطْلُوب. وأرهق فلَان الصَّلَاة اذا أَخّرهَا حَتَّى تَدْنُو من الْأُخْرَى. وَيُقَال: أرهقت فلَانا أعجلته. وَمثل هَذَا الحَدِيث قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث آخر: اذا صلى أحدكُم الى ستْرَة فليدن مِنْهَا فان الشَّيْطَان يمر بَينه وَبَينهَا. وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لَا يخْرجن أحدكُم الى ضبحة بلَيْل. يرويهِ: وَكِيع عَن ابْن أبي خَالِد عَن أَبى عَمْرو الشَّيْبَانِيّ. وَبَعْضهمْ يَقُول: الى صَيْحَة بلَيْل. وهما جَمِيعًا متقاربان. يُقَال: ضبح فلَان ضبحة الثَّعْلَب وَالْخَيْل تضبح من حلوقها أَي: تنحم. وَأَرَادَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَن لَا يخرج أحد عِنْد صَيْحَة يسْمعهَا باليل فَلَعَلَّهُ يُصِيبهُ مَكْرُوه. حَدثنِي أَبى قَالَ حَدثنِي اسحق بن ابراهيم بن جيب بن الشَّهِيد ثَنَا قُرَيْش بن أنس عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد الطَّوِيل عَن بكر بن عبد الله قَالَ: اسْتَغَاثَ قوم بلَيْل وَقد قتل صَاحبهمْ فَخرج المغيثون فأدركوا رجلا فَقَالَ: لم أَقتلهُ وانما خرجت مغيثا فَأمر بقتْله فجَاء رجل فَقَالَ: أَنا قتلت الرجل لَا أكون قتلت رجلا وَيقتل آخر بِي فَأمر عبد الله باطلاقهما. وَقَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أَحْيَا نفسا بِنَفسِهِ فَلَا قَود عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: من أحب الْقُرْآن فليبشر. يرويهِ يعلى عَن الْأَعْمَش عَن ابراهيم. قَوْله: فليبشر أَي: فليسر وليفرح. وَكَانَ أَصْحَاب عبد الله يقرؤون: أَن الله يبشرك. وَقَالَ الْفراء: اذا ثقل فَهُوَ من الْبُشْرَى واذا خفف فَهُوَ من الافراح وَالسُّرُور. وَأنْشد: من الطَّوِيل ... بشرت عيالي اذ رَأَيْت صحيفَة ... أتتك من الْحجَّاج يُتْلَى كتابها ... وَكَأَنَّهُ يُقَال على هَذَا: بَشرته فبشر فَهُوَ يبشر. مثل جبرت الْعظم فجبر وقرأت فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ على الْبَصرِيين: بَشرته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 فأبشر مثل: فطرته فَأفْطر. وَأَرَادَ عبد الله أَن محبَّة كتاب الله جلّ وَعز دَلِيل على مَحْض الايمان. فَكَانَ يُقَال من أحب كتاب الله فقد أحب الله جلّ وَعز وَمن أحب السّنة فقد أحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لي شيخ من أَصْحَاب اللُّغَة فِي هَذَا الحَدِيث قولا قد ذكرته زعم أَنه من بشرت الْأَدِيم فَأَنا أُبَشِّرهُ بشرا اذا أخذت بَاطِنه بشفرة. وَقَالَ: أَرَادَ فليضمر نَفسه لِلْقُرْآنِ فان كَثْرَة الطّعْم وَكَثْرَة الشَّحْم ينسيه اياه. وَاسْتشْهدَ على ذَلِك حَدِيثا آخر لعبد الله قَالَ: اني لأكْره أَن أرى الرجل سمينا نسيا لِلْقُرْآنِ قَالَ: وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي نَحْو هَذَا يصف بَعِيرًا: من الرجز ... وَهُوَ من الأين حف نحيت ... يَقُول: ضمر فَكَأَنَّهُ نحت بفأس. الأين: الاعياء. وَهُوَ مثل قَول الآخر وَهُوَ العجاج: من الرجز ... ينحت من أقطاره بفاس ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز: {لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} رَأْي رفرفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 أَخْضَر سد الْأُفق. يرويهِ أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن ابراهيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله. الرفرف: يُقَال هُوَ بِسَاط. وَيُقَال هُوَ فرَاش. وَبَعْضهمْ يَجعله جمعا واحده رفرفة. ويحتج بقول الله جلّ وَعز: {متكئين على رَفْرَف خضر} وَيُقَال الرفرف: ضرب من النَّبَات. قَالَ عبد الله رَأْي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي حلتي رَفْرَف قد مَلأ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض. وَأما قَول أَبى طَالب: من الطَّوِيل ... تتَابع فِيهَا كل صقر كَأَنَّهُ ... اذا مَا مَشى فِي رَفْرَف الدرْع أجرد ... فان الرفرف هَاهُنَا مَا فضل من طول الدرْع فانعطف. يَعْنِي: ان الدرْع تطوله فينفضها كَمَا ينفض الْبَعِير الأجرد رجله. ورفرف الثَّوْب مَا ثني مِنْهُ. وَقَالَ الْمُعَطل الْهُذلِيّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 يصف الْأسد: من الطَّوِيل ... لَهُ أيكة لَا يَأْمَن النَّاس غيبها ... حمى رفرفا مِنْهَا سباطا وخروعا ... قَالَ الْأَصْمَعِي: لَا أَدْرِي مَا الرفرف هَاهُنَا. وَقَالَ غَيره: الرفرف مَا انعطف واسترخى كَأَنَّهُ أَرَادَ مَا تهدل من غصون الشّجر. وشبيه بالرفرف الرفيف. قَالَ عقبَة بن صهْبَان: رَأَيْت عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ عَنهُ نازلا بِالْأَبْطح واذا فسطاط مَضْرُوب وَسيف مُعَلّق فِي رفيف الْفسْطَاط وَلَيْسَ عِنْده سياف وَلَا جلواز. فالرفيف: مَا تدلى مِنْهُ إِلَى الأَرْض. ورفيف السَّحَاب هيدبه وَمَا تدلى مِنْهُ. قَالَ ابْن مطير يصف مَطَرا: من الْكَامِل ... وَله ربَاب هيدب لرفيفه ... قبل التبعق دِيمَة وطفاء ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله ان أَبَا جهل قَالَ لَهُ يَابْنَ مَسْعُود لأَقْتُلَنك فَقَالَ ابْن مَسْعُود: من يتأل على الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 يكذبهُ وَالله لقد رَأَيْت فِي النّوم أَنِّي اخذت حدجة حنظل فَوَضَعتهَا بَين كتفيك ورأيتني أضْرب كتفيك بنعل وَلَئِن صدقت الرُّؤْيَا لَأَطَأَن على رقبتك ولاذبحنك ذبح الشَّاة. هَذَا حَدِيث كَانَ الْقَاسِم بن معن يرويهِ عَن من سمع الْقَاسِم بن عبد الرحمن يحدثه عَن ابْن مَسْعُود. الحدجة: الحنظلة اذا صلبت واشتدت وَجَمعهَا: حدج. يُقَال: قد أحدجت الشَّجَرَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ انه ذكر بني اسرائيل وتحريفهم وتعييرهم وَذكر عَالما كَانَ فيهم عرضوا عَلَيْهِ كتابا اختلقوه على الله جلّ وَعز فَأخذ ورقة فِيهَا كتاب الله جلّ وَعز ثمَّ جعلهَا فِي قرن ثمَّ علقه فِي عُنُقه ثمَّ لبس عَلَيْهِ الثِّيَاب فَقَالُوا: أتؤمن بِهَذَا فَأَوْمأ الى صَدره وَقَالَ: آمَنت بِهَذَا الْكتاب. يَعْنِي الْكتاب الَّذِي فِي الْقرن. فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت بثبثوه فوجدوا الْقرن وَالْكتاب فَقَالُوا: انما عني هَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 يرويهِ الْأَعْمَش عَن عمَارَة بن عُمَيْر عَن الرّبيع بن عميلة عَن عبد الله. قَوْله: بثبثوه أَي: كشفوه وَهُوَ من: بثبثت الْأَمر اذا أظهرته وَالْأَصْل: بثثوه فأبدلوها من الثَّاء الْوُسْطَى بَاء استثقالا لِاجْتِمَاع ثَلَاث ثاءات. كَمَا يُقَال: حثحثت وَالْأَصْل: حثثت. آخر حَدِيث عبد الله رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 - حَدِيث أَبى بن كَعْب وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي رَضِي الله عَنهُ انه سُئِلَ عَن النَّبِيذ فَقَالَ: عَلَيْك بِالْمَاءِ عَلَيْك بالسويق عَلَيْك بِاللَّبنِ الَّذِي نجعت بِهِ فعاودته: كَأَنَّك تُرِيدُ الْخمر. حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد ثناه أَبُو أُسَامَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سَلمَة بن كهيل عَن ذَر بن عبد الله عَن عبد الرحمن بن أَبْزي. قَوْله: نجعت بِهِ أَي: سقيته يَعْنِي فِي الصغر. يُقَال: نجعت الْبَعِير اذا سقيته المديد وَهُوَ أَن تسقيه المَاء بالبزر أَو السمسم اَوْ الدَّقِيق وَمِنْه حَدِيث يرويهِ مَالك عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه: ان الْمِقْدَاد بن الْأسود دخل على عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ بالسقيا وَعلي ينجع بكرات لَهُ دَقِيقًا وخبطا. وَاسم المديد: النجوع بِفَتْح النُّون. وَأرَاهُ سمي نجوعا لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 ينجع فِي الْجِسْم فَأَما النشوع فَهُوَ الوجور. قَالَ ذُو الرمة: من الوافر ... اذا مرئية ولدت غُلَاما ... فألأم مرضع نشع المحارا ... المحار: الصدف واحدتها محارة. والنشوع أَيْضا السعوط. قَالَ الشَّاعِر هُوَ المرار: من الوافر ... اليكم يَا لئام النَّاس اني ... نشعت الْعِزّ فِي أنفي نشوعا ... النشوع بِضَم النُّون مصدر نشعت. والنشوع بِفَتْحِهَا اسْم مَا يستعط بِهِ. وَلَو كَانَت الرِّوَايَة نشعت بِهِ أَي: اوجرته لَكَانَ وَجها غير أَن الْمُحدثين جَمِيعًا يَرْوُونَهُ بِالْجِيم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك يُقَال: نجعته لَبَنًا ونجعته بِلَبن وَكَذَلِكَ نشعته اللَّبن ونشعته بِاللَّبنِ. كَمَا يُقَال أوجرته اللَّبن وأوجرته بِاللَّبنِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي رَضِي الله عَنهُ ان الْعَبَّاس وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا احْتَكَمَا اليه فَاسْتَأْذَنا عَلَيْهِ فحبسهما قَلِيلا ثمَّ أذن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 لَهما فَقَالَ: ان فُلَانَة كَانَت ترجلني وَلم يكن عَلَيْهَا الا لفاع فحبستكما. حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن أبي أُسَامَة عَن عبد الحميد بن جَعْفَر عَن عبد الله بن خَالِد المَخْزُومِي عَن عبد الله بن أَبى بكر. اللفاع: ثوب يُجَلل بِهِ الْجَسَد كُله والتلفع مِنْهُ. وَهُوَ أَن يشْتَمل بِهِ حَتَّى يُجَلل جسده وَهُوَ عِنْد الْعَرَب: الصماء لِأَنَّهُ لَيست فِيهِ فُرْجَة. يُقَال اشْتَمَل الصماء. وَقَالَ الْقطَامِي يصف نَاقَة: من الوافر ... فَلَمَّا ردهَا فِي الشول شالت ... بذيال يكون لَهَا لفاعا ... أَي: شالت بذنبها فجللها من طوله. واذا شالت دلّت على حملهَا. وَقَوله: ترجلني وَهُوَ من ترجيل الشّعْر وَهُوَ تسريحه ودهنه وَمِنْه الحَدِيث: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التَّرَجُّل الا غبا كرهه كل يَوْم وَأذن فِيهِ فِي الْيَوْمَيْنِ وَأكْثر من ذَلِك. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي رَضِي الله عَنهُ انه أعض انسانا اتَّصل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 اتَّصل: دَعَا دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ أَن يَقُول: يَا آل فلَان. وَفِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ: من اتَّصل فأعضوه. وَقَالَ الْأَعْشَى وَذكر امْرَأَة سبيت: من الطَّوِيل ... اذا اتَّصَلت قَالَت: أبكر بن وَائِل ... وَبكر سبتها والأنوف رواغم ... وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {إِلَّا الَّذين يصلونَ إِلَى قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق} . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي رَضِي الله عَنهُ قَالَ لرجل كَانَ لَا تخطئه الصَّلَاة مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيته فِي أقْصَى الْمَدِينَة: لَو اشْتريت دَابَّة تقيك الوقع يَعْنِي: حمارا. فَقَالَ لَهُ: مَا أحب أَن بَيْتِي مطنب بِبَيْت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 يرويهِ مَالك أَبُو غَسَّان عَن اسرائيل عَن عَاصِم عَن أَبى عُثْمَان عَن أبي. الوقع: أَن تصيب الْحِجَارَة الْقدَم فتوهنها أَو حافر الدَّابَّة فتغمز. يُقَال: وَقعت فَأَنا أوقع وَقعا. قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... يَا لَيْت لي نَعْلَيْنِ من جلد الضبع ... كل الْحذاء يحتذي الحافي الوقع ... والمطنب: المشدود بالأطناب. يَقُول: مَا أحب أَن يكون بَيْتِي الى جَانب بَيت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شدّ بأطنابه. وتوخى فِي بعد بَيته من الْمَسْجِد أَن تكْتب لَهُ خطاه اليه. آخر حَدِيث أبي رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 - حَدِيث معَاذ بن جبل وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث معَاذ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ للنخع: اذا رَأَيْتُمُونِي صنعت شَيْئا فِي الصَّلَاة فَاصْنَعُوا مثله فَلَمَّا صلى بهم أضرّ بِعَيْنِه غُصْن شَجَرَة فَكَسرهُ فَتَنَاول كل رجل مِنْهُم غصنا فَكَسرهُ فَلَمَّا صلى قَالَ: اني انما كَسرته لِأَنَّهُ أضرّ بعيني وَقد أَحْسَنْتُم حِين أطعتم. يرويهِ وَكِيع عَن مُحَمَّد بن قيس الْأَسدي عَن عَليّ بن مدرك النَّخعِيّ. قَوْله: أضرّ بعيني يَعْنِي دنا مِنْهَا. وكل شَيْء دنا من شَيْء فقد أضرّ بِهِ. وَأنْشد الرياشي: من الطَّوِيل ... سحيرا وأعناق الْمطِي كَأَنَّهَا ... مدافع ثغبان أضرّ بهَا الوبل ... ثغبان: جمع ثغب وَهُوَ الغدير. وَفِيه لُغَة أُخْرَى ثغب سَاكِنة الْغَيْن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وَقَوله: أضرّ بهَا يَعْنِي: ركبهَا. وَقَالَ النَّابِغَة الذبياني وَذكر مَاء: من الوافر ... مُضر بالقصور يذود عَنْهَا ... قراقير النبيط الى التلال ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث معَاذ رَضِي الله عَنهُ ان عمر رَضِي الله عَنهُ بعث ساعيا على بني كلاب أَو بني سعد بن ذبيان فقسم فيهم وَلم يدع شَيْئا حَتَّى جَاءَ بحلسه الَّذِي خرج بِهِ على رقبته فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: أَيْن مَا جِئْت بِهِ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْعمَّال من عراضة أهلهم فَقَالَ: كَانَ معي ضاغط. يرويهِ الْحجَّاج عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي الْأَبْيَض عَن أَبى حَازِم وَزيد بن أسلم عَن سعيد بن الْمسيب. قَوْله: عراضة أهلهم يُرِيد: الْهَدِيَّة. وَيُقَال لَهَا العراضة. تَقول: عرضت الرجل اذا أهديت لَهُ وَمِنْه حَدِيث رَوَاهُ ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير ان النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مهاجره لَقِي الزبير بن الْعَوام فِي ركب من الْمُسلمين كَانُوا تجارًا بِالشَّام قافلين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 الى مَكَّة فعرضوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر ثيابًا بيضًا وَقَالَ الشَّاعِر: من الْكَامِل ... كَانَت عراضتك الَّتِي عرضتنا ... يَوْم الْمَدِينَة زكمة وسعالا ... وَقَالَ آخر وَذكر نَاقَة عَلَيْهَا تمر: من السَّرِيع ... حَمْرَاء من معرضات الْغرْبَان ... يُرِيد: أَنَّهَا تتقدم الابل وَعَلَيْهَا التَّمْر فَتَقَع الْغرْبَان عَلَيْهَا فتأكل التَّمْر. فَكَأَنَّهَا هِيَ أهدته الى الْغرْبَان. وَقَوله: كَانَ معي ضاغط. يُرِيد: الْأمين. وَلَا أرَاهُ سمي ضاغطا الا لتضييقه على الْعَامِل وَقَبضه يَده عَن الْأَخْذ والفائدة. وَلم يكن معَاذ رَضِي الله عَنهُ أَمِين وَلَا شريك. وَلَو كَانَ مَعَه مَا مد يَده. وانما أَرَادَ بِهَذَا القَوْل ارضاء أَهله. وَقد قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا كذب الا فِي ثَلَاثَة وَذكر الْحَرْب والاصلاح بَين النَّاس وارضاء الرجل أَهله. وَيُقَال انه أَرَادَ بالضاغط الله عز وَجل. وَكفى بِهِ أَمينا ورقيبا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث معَاذ رَضِي الله عَنهُ انه أجَاز بَين أهل الْيمن الشّرك. يرويهِ عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه. الشّرك: مصدر شركته فِي الْأَمر أشركه شركا. وَأَرَادَ الِاشْتِرَاك فِي الأَرْض والمزارعة. وَذَلِكَ أَن يَدْفَعهَا صَاحبهَا بِالنِّصْفِ وَالثلث وَمَا أشبه ذَلِك. وَمثله حَدِيث عمر بن عبد العزيز: ان شرك الأَرْض جَائِز وَيكون الْبذر من السَّيِّد. يَعْنِي: رب الأَرْض. نجز حَدِيث معَاذ رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 - حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبَادَة انه قَالَ: يُوشك أَن يكون خير مَال الْمُسلم شَاءَ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة ترعى فَوق رُؤُوس الظراب وتأكل من ورق القتاد والبشام. يرويهِ حَمَّاد عَن أَبى التياح عَن عبَادَة. الظراب: دون الْجبَال وَاحِدهَا ظرب والبشام: شجر طيب الرّيح يستاك بِهِ واحدته بشامة وَبهَا سمي الرجل. قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ جرير: من الوافر ... أَتَذكر اذ تودعنا سليمى ... بفرع بشامة سقِِي البشام ... يُرِيد: تُشِير الينا بمسواكها تودعنا. ويروى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 .. أَتَذكر يَوْم تصقل عارضيها ... بفرع بشامة ... وانما خص القتاد والبشام لِأَنَّهُ كَانَ فِيمَا أرى أَكثر النبت فِيمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة. تمّ حَدِيث عبَادَة رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 - حَدِيث حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ انه ذكر خُرُوج عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ: تقَاتل مَعهَا مُضر مضرها الله فِي النَّار وأزد عمان سلت الله أَقْدَامهَا وان قيسا لن تنفك تبغي دين الله شرا حَتَّى يركبهَا الله بِالْمَلَائِكَةِ وَلَا يمنعوا ذَنْب تلعة. يرويهِ معمر عَن وهب عَن أَبى الطُّفَيْل عَن حُذَيْفَة. قَالَ ابو زيد: الماضر من اللَّبن الَّذِي يحذي اللِّسَان. يُقَال: قد مُضر اللَّبن يمضر مضورا وَكَذَلِكَ النَّبِيذ. قَالَ وَقَالَ أَبُو الْبَيْدَاء: اسْم مُضر مُشْتَقّ مِنْهُ. وَقَالَ بَعضهم: مُضر سمي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 لبياضه. وَمِنْه مضيرة الطبيخ وَلَا أرى المضيرة أَيْضا الا من اللَّبن الماضر لِأَنَّهَا تطبخ بِهِ فَهِيَ فعيلة بِمَعْنى مفعولة. وَقَوله: مضرها الله فِي النَّار أَي: جمعهَا فِي النَّار واشتق لذَلِك لفظا من اسْمهَا. وَتقول: مضرنا فلَانا فتمضر وقيسناه فتقيس أَي: صيرناه كَذَلِك بِأَن نسبناه إِلَيْهَا فَصَارَ. قَالَ الْكسَائي: يُقَال ذهب دَمه خضرًا مضرا وَذهب بطرا اذا بَطل فان لم يكن مُضر فِي هَذَا الْموضع اتبَاعا فقد يجوز أَن تجْعَل مضرها الله فِي النَّار مِنْهُ. وَالتَّفْسِير الأول أعجب الي. وَقَوله: سلت الله أَقْدَامهَا أَي: قطعهَا وَيُقَال: سلتت الْمَرْأَة الخضاب اذا مسحته وألقته وسلت الحلاق رَأس الرجل. وَمِنْه قيل للْمَرْأَة الَّتِي لَا تختضب: سلتاء. والتلعة: مسيل مَا ارْتَفع من الأَرْض الى بطن الْوَادي: فاذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 صغر عَن التلعة فَهِيَ الشعبة فاذا عظم حَتَّى يكون مثل نصف الْوَادي فَهِيَ ميناء. والتلعة أَيْضا مَا انخفض من الْوَادي وَهُوَ من الأضداد. وَأَرَادَ ان الله جلّ وَعز يذلها فَلَا تقدر على أَن تمنع أَسْفَل تلعة. وَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حجُّوا قبل أَن لَا يحجوا قَالُوا: وَمَا شَأْن الْحَج قَالَ: تقعد أعرابها على أَذْنَاب أَوديتهَا فَلَا يصل الى الْحَج أحد. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لجندب بن عبد الله البَجلِيّ: كَيفَ تصنع اذا أَتَاك مثل الوتد أَو مثل الذؤنون قد أُتِي الْقُرْآن من قبل أَن يُؤْتِي الايمان يَنْثُرهُ نثر الدفل فَيَقُول: اتبعني وَلَا أتبعك. يرويهِ حَمَّاد عَن أَبى عمرَان الْجونِي عِنْد جُنْدُب. الذؤنون: نبت ضَعِيف طَوِيل لَهُ رَأس مدور وَرُبمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 أكله الْأَعْرَاب وَجمعه ذآنين. يُقَال. خرج النَّاس يتذأننون اذا خَرجُوا يأخذونه. وَكَذَلِكَ خَرجُوا يتطرثثون من الطراثيث ويتمغفرون من المغافير وَلَا أرَاهُ شبهه بالذؤنون الا لصغره وحداثة سنه يُرِيد: انه غُلَام حدث وَهُوَ يَدْعُو الْمَشَايِخ الى اتِّبَاعه أَو نحول جِسْمه من الِاجْتِهَاد وَالْعِبَادَة وَهُوَ على هوى وضلال قَالَ الفرزدق: من الطَّوِيل ... عَشِيَّة وليتم كَأَن سُيُوفكُمْ ... ذآنين فِي أَعْنَاقكُم لم يسلل ... شبه سيوفهم بالذآنين فِي ضعفها. وقله: قد أُوتِيَ الْقُرْآن قبل أَن يُؤْتى الايمان يُرِيد: انه قد حفظ الْقُرْآن وَأحكم حُرُوفه وضيع حُدُوده وَهُوَ مثل قَول ابْن مَسْعُود للهمذاني: انك ان اخرت الى قريب بقيت فِي قوم كثير خطباؤهم قَلِيل علماؤهم كثير سائلوهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 قَلِيل معطوهم يُحَافِظُونَ على الْحُرُوف ويضيعون الْحُدُود أَعْمَالهم تبع لأهوائهم. وَذكر ابْن عَبَّاس الْخَوَارِج الَّذين أَتَاهُم بِأَمْر عَليّ فَقَالَ: دخلت على قوم لم أر قطّ أَشد اجْتِهَادًا مِنْهُم جباههم قرحَة من السُّجُود وأيديهم كَأَنَّهَا ثفن الابل وَعَلَيْهِم قمص مرحضة مسهدين مسهمة وُجُوههم. والمرحضة: المغسولة يُقَال: رحضت الثَّوْب اذا غسلته. ومسهمة: من السهوم وَهُوَ الضمر. وَقَوله: ينثر الدقل والدقل من التَّمْر أَو أَكْثَره لَا يلصق بعضه بِبَعْض فاذا نثر خرج سَرِيعا وتفرق وانفردت كل تَمْرَة عَن صاحبتها. شبه قِرَاءَته لِلْقُرْآنِ بذلك لهَذِهِ اياه. وَهُوَ كَقَوْل عبد الله: لَا تهذو االقرآن هَذَا كهذ الشّعْر وَلَا تنثروه نثر الدقل. يُرِيد: لَا تعجلوا فِي التِّلَاوَة. قَالَ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 تَعَالَى: {ورتل الْقُرْآن ترتيلا} . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: انما تهلكون اذا لم يعرف لذِي الشيب شيبَة واذا صرتم تمشون الركبات كأنكم يعاقيب حجل لَا تعرفُون مَعْرُوفا وَلَا تنكرون مُنْكرا. حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن ابْن عَائِشَة عَن عبد العزيز عَن لَيْث عَن بشر عَن أَبى شُرَيْح. قَوْله: تمشون الركبات أَي: تمضون على وُجُوهكُم بِغَيْر تثبت وَلَا روية وَلَا اسْتِئْذَان من هُوَ أسن مِنْكُم يركب بَعْضكُم بَعْضًا كَمَا يركب اليعاقيب - وَهِي القبج - بَعْضهَا بَعْضًا. واليعاقيب ذكورها والحجل اناثها. وَنَحْوه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تتايعون فِي الشَّرّ تتايع الْفراش فِي النَّار. والركبات: جمع ركبة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 للدابة ثَلَاث خرجات خرجَة فِي بعض الْبَوَادِي ثمَّ تنكمي. يرويهِ عبد الرزاق عَن معمر عَن هِشَام بن حسان عَن قيس بن سعد عَن أبي الطُّفَيْل. قَوْله: تنكمي أَي: تستتر يُقَال: كمى فلَان شَهَادَته اذا سترهَا وَمِنْه قيل للشجاعى كمي كَأَن الله عز وَجل كماه أَي: ستره. فعيل بِمَعْنى مفعول. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: الشجاع موقى. وَلذَلِك قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لخَالِد بن الْوَلِيد حِين أغزاه: احرص على الْمَوْت توهب لَك الْحَيَاة وَمِنْه قَول الخنساء: من المتقارب نهين النُّفُوس وهون النُّفُوس يَوْم الكريهة أوقى لَهَا. ويروى: أبقى لَهَا وَيجوز أَن يكون سمي كميا لِأَنَّهُ كمي بالدرع وَغَيرهَا أَي: سترهَا. وَمِنْه حَدِيث يرويهِ ابْن شهَاب عَن جَابر بن عبد الله عَن أَبى الْيُسْر قَالَ كَانَ لي على الْحَارِث بن يزِيد الْجُهَنِيّ مَال فَأطَال حَبسه فَجِئْته فانكمى مني ثمَّ ظهر فَقَالَ: انك طَالب حق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 وَكنت مُعسرا فَأَرَدْت أَن أنكمي مِنْك حَتَّى يَأْتِي الله بيساره. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ ان سبيع بن خَالِد قَالَ: قدمت الْكُوفَة فَدخلت الْمَسْجِد فاذا صدع من الرِّجَال فَقلت: من هَذَا فَقَالُوا: أما تعرفه هَذَا حُذَيْفَة صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. يرويهِ قَتَادَة عَن نصر بن عَاصِم اللَّيْثِيّ عَن سبيع. الصدع من الرِّجَال: الْمُتَوَسّط فِي خلقه وَهُوَ أَلا يكون صَغِيرا وَلَا كَبِيرا وَكَذَلِكَ الصدع من الْوَحْش. قَالَ دُرَيْد يَوْم حنين: من مجزوء الرجز ... أَقُود وطفاء الزمع ... كَأَنَّهَا شَاة صدع ... صدع: يَعْنِي فرسا. والوطف فِي الزمع أَن تطول ثنتها وَهُوَ الشّعْر النَّابِت فِي مُؤخر الرسخ وطولها يحمد والزمع: يكون فِي مَوضِع الثنة للْفرس كَأَنَّهُ قرن صَغِير واحده: زَمعَة. وَيُقَال: كل عظم ينجبر الا زماع الشَّاء وسَاق النعامة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 لِأَنَّهُ لَا مخ فِي ذَلِك. وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر فِي أَخِيه: من الطَّوِيل ... واني واياه كرجلي نعَامَة ... على مَا بِنَا من ذِي غنى وفقير ... يُرِيد: اني وَأخي كرجلي نعَامَة لَا غنى بِوَاحِدَة مِنْهُمَا عَن الاخرى: فَمَتَى انْكَسَرت وَاحِدَة بطلت أُخْتهَا أبدا لِأَن المنكسرة لَا تنجبر. وَالشَّاة: الوعل وَيكون الثور من الْوَحْش. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: قومة بعد الْجِمَاع أوعب للْمَاء. يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن مُغيرَة عَن ابراهيم. قَوْله: أوعب للْمَاء يُرِيد: ان المجامع اذا اغْتسل بعد نَومه كَانَ ذَلِك بعد انْقِطَاع الْمَنِيّ واذا اغْتسل بعد الْجِمَاع اغْتسل وَقد بقيت مِنْهُ بَقِيَّة لم تنزل. وَمِنْه يُقَال: استوعبت كَذَا اذا استقصيته كُله. وَمثل هَذَا قَول حَمَّاد: لَا يقطع الْجَنَابَة الا نوم أَو بَوْل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ ان الْمُسلمين أخطأوا باليمان فَجعلُوا يضربونه بِأَسْيَافِهِمْ وَحُذَيْفَة يَقُول: أبي أبي فَلم يفهموه حَتَّى انْتهى اليهم وَقد تواشقة الْقَوْم. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ. قَوْله: تواشقه الْقَوْم أَي: قطعوه. والوشيقة مِنْهُ. وَهُوَ أَن تقطع الشَّاة أَعْضَاء وتغلى شَيْئا ثمَّ ترفع فِي الأوعية ويتزودها الْمُسَافِر. وَيُقَال: بل الوشيقة أَن يقطع اللَّحْم ويجفف ثمَّ يتزوده الْمُسَافِر وَمِنْه قيل للكلب: واشق لِأَنَّهُ يخدش وَيقطع. هَذَا قَول ابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حُذَيْفَة انه اشْترى نَاقَة من رجلَيْنِ من النخع وَشرط لَهما من النَّقْد رضاهما فجَاء بهما الى منزله فَأخْرج لَهما كيسا فَأَقْبَلَا عَلَيْهِ ثمَّ أخرج آخر فأفسلا عَلَيْهِ فَقَالَ حُذَيْفَة: اني أعوذ بِاللَّه مِنْكُمَا. يرويهِ أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن حجاج عَن عبد الرحمن بن عَابس عَن أَبِيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 0 - وَقَوله: افسلا عَلَيْهِ بِمَعْنى أرذلا عَلَيْهِ من الدَّرَاهِم وَأَصله من الفسل وَهُوَ الرَّدِيء. يُقَال: فسل يفسل فسالة وفسولة وَرجل فسل: رذل والفسل من كل شَيْء نَحْو الرذل وَكَذَلِكَ: رذل يرذل رذالة ورذولة. وَقَالَ الفرزدق: من الطَّوِيل ... فَلَا تقبلُوا مِنْهُم أباعر تشترى ... بوكس وَلَا سُودًا يَصح فسولها ... والسود: دَرَاهِم وفسولها: رديئها. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ انه ذكر قوم لوط وَخسف الله بهم فَقَالَ: وتتبعت أسفارهم بِالْحِجَارَةِ. حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن عَن أَبى النَّصْر عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال عَن جُنْدُب عَن حُذَيْفَة. الْأَسْفَار: هَاهُنَا المسافرون يَقُول: رموا بِالْحِجَارَةِ حَيْثُ كَانُوا فألحقوا بِأَهْل الْمَدِينَة وَهُوَ جمع سفر وسفر جمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 مُسَافر وان جعلته جمعا لسافر جَازَ. وَهُوَ قَلِيل نَحْو: صَاحب وَأَصْحَاب وَشَاهد وأشهاد وَيُقَال أشهاد جمع شَهِيد مثل: شريك وأشراك. وَرُوِيَ فِي حَدِيث آخر: انها لما قلبت عَلَيْهِم رمي بقاياهم بِكُل مَكَان. آخر حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 - حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه ذكر يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ: تَدْنُو الشَّمْس من رُؤُوس النَّاس وَلَيْسَ على أحد مِنْهُم يَوْمئِذٍ طحربة. يرويهِ عبد الرازق عَن معمر عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أَبى عمر النَّهْدِيّ. الطحربة: اللبَاس. يُقَال: مَا على فلَان طحربة وَلَا فراض أَي: لَيْسَ على شَيْء من اللبَاس. وَفِيه لُغَتَانِ أخريان: طحربة وطحربة وَهَذَانِ الحرفان انما يأتيان فِي النَّفْي يُقَال لَا على فلَان طحربة وَلَا عَلَيْهِ فراض. وَمثله فِي النَّفْي: مَا على الْمَرْأَة خربصيصة وَلَا هلبسيسة. يُرَاد مَا عَلَيْهِ شَيْء من الْحلِيّ. وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي: أَتَانَا وَمَا عَلَيْهِ هلبسيسة أَي: خرقَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه قيل لَهُ: مَا يحل لنا من ذمتنا قَالَ: من عماك الى هداك وَمن فقرك الى غناك. يرويهِ ابو مُعَاوِيَة عَن وقاء بن اياس عَن أَبى ظبْيَان عَن سلمَان. قَوْله: من عماك الى هداك يُرِيد: اذا ضللت طَرِيقا أخذت الرجل مِنْهُم بالمجىء مَعَك حَتَّى يقفك على الطَّرِيق. وَقَوله: من فقرك الى غناك يُرِيد: اذا مَرَرْت بحائطه أَو مَاله وَأَنت مُحْتَاج الى مَا يقيمك لَا غنى بك عَنهُ. أخذت قدر كفايتك. وَيُقَال: انما خص سلمَان فِي هَذَا لِأَن اهل الذِّمَّة صولحوا على ذَلِك وَشرط عَلَيْهِم فَأَما من لم يشرط عَلَيْهِ فَلَيْسَ يجب عَلَيْهِ فِي مَاله وَنَفسه شَيْء غير الْجِزْيَة ثمَّ يحرم مَا سواهَا الا بِالثّمن أَو الْأُجْرَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: يُوشك أَن يكثر اهلها يَعْنِي: الْكُوفَة فيملؤا مَا بَين النهرين حَتَّى يَغْدُو الرجل على البغلة السهوة وَلَا يدْرك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 يرويهِ سُفْيَان بن عبد الله بن شريك عَن جُنْدُب. السهوة: اللينة السّير الَّتِي لَا تتعب راكبها وَلم أسمع من ذَلِك فعلا. قَالَ زُهَيْر وَذكر نَاقَة: من الطَّوِيل ... كناز البضيع سهوة الْمَشْي بازل ... وَقَالَ الاصمعي: يُقَال أفعل ذَلِك سَهوا رهوا أَي: سَاكِنا بِغَيْر تشدد. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ أكره أَن أجمع على ماهني مهنتين. يرويهِ أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن أَبى غفار عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ. الماهن: الْخَادِم والمهنة: الْخدمَة بِفَتْح الْمِيم. قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي. قَالَ: وَيُقَال: مهنة بِالْكَسْرِ وَكَانَ الْقيَاس لَو قيل مثل: خدمَة وجلسة وركبة. الا أَنه جَاءَ على لفظ المفعلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 الْوَاحِدَة وأجازها بعض البغداديين بِالْكَسْرِ وَأَحْسبهُ الْكسَائي. وَفِي بعض الحَدِيث ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خطب يَوْم جُمُعَة فَقَالَ: مَا على أحدكُم لَو اشْترى ثَوْبَيْنِ ليَوْم جمعته سوى ثوب مهنته. يَعْنِي: ثوبي بذلته. وَمِنْه يُقَال: امتهنني الْقَوْم أَي: ابتذلوني. وَالْأَصْل الْخدمَة. يُقَال: مهنت أمهنهم وأمهنهم. وَالَّذِي كره سلمَان أَن جمع على خادمه أمهنهم وأمهنهم. وَالَّذِي كره سمان أَن جمع على خادمه خدمتين فِي وَقت مثل أَن يطْبخ ويخبز فِي وَقت. هَذَا وَنَحْوه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ فِي سَرِيَّة وَهُوَ أميرها على حمَار وَعَلِيهِ سَرَاوِيل وخدمتاه تذبذبان. يرويهِ وَكِيع عَن جَعْفَر بن برْقَان عَن حبيب بن أَبى مَرْزُوق عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن رجل من عبد الْقَيْس. أصل الْخدمَة: الْحلقَة وَلذَلِك قيل للخلخال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 خدمَة. وَيُقَال لكل مَا شدّ مَكَان الخلخال خدمَة أَيْضا. قَالَ زُهَيْر يذكر الْخَيل: من الْبَسِيط ... ترمى وتعقد فِي أرساغها الخدم ... يَعْنِي: سيور المعاذات تعقد فِي أرساغها. وَيُقَال للبقر الوحشية مخدمة لِأَن فِي سوقها خُطُوطًا من سَواد مستديرة كالخدام وَيُقَال لموْضِع الخلخال من السَّاق المخدم للْمَرْأَة وَالرجل. وَلست أَدْرِي مَا خدمتا سلمَان فان لم تكن هُنَاكَ حلقتان لجام أَو غَيره فَانِي أرَاهُ أَن سَاقيه تتحركان فسماهما خدمتين اذ كَانَتَا موضعا للخدمتين من النِّسَاء كَمَا يُقَال لَهُ: المخدم من الرجل وَهُوَ لَا يلبس الخلخال. وَالْعرب تسمي باسم الشَّيْء اذا كَانَ مَعَه أَو بِسَبَبِهِ كَقَوْلِهِم للوشاح: كشح لِأَنَّهُ يَقع على كشح الْمَرْأَة. قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: من المتقارب ... كَأَن الظباء كشوح النِّسَاء ... يطفون فَوق ذراه جنوحا ... والكشوح: أوشحة من ودع. وكما قَالُوا: قوم لطاف الأزر أَي: خماص الْبُطُون وَمِمَّا يشْهد لهَذَا الْمَذْهَب الَّذِي ذَهَبْنَا اليه فِي الخدمتين انه روى من وَجه آخر: ان سلمَان روئي فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 هَذِه السّريَّة على حمَار عَلَيْهِ قَمِيص ضيق الْأَسْفَل وَكَانَ رجلا طَوِيل السَّاقَيْن كثير الشّعْر فارتفع الْقَمِيص حَتَّى بلغ قَرِيبا من رُكْبَتَيْهِ. فَلَمَّا انكشفت ساقاه وهما مخدماه سماهما خدمتين وَلَو كَانَتَا مستورتين لَكَانَ الْمَعْنى أبعد وَلَعَلَّه أَن يكون كَانَ على الْحمار مدليا رجلَيْهِ من جَانب وهما تتحركان. فقد رُوِيَ عَن حُذَيْفَة انه ركب هَذِه الرّكْبَة وَعَن غَيره. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه اشْترى هُوَ وَأَبُو الدَّرْدَاء لَحْمًا فتدالحاه بَينهمَا على عود. يرويهِ حَمَّاد عَن أَبى غَالب عَن أم الدَّرْدَاء. قَوْله: تدالحاه أَي حملاه بَينهمَا كَأَنَّهُمَا جعلاه على عود ثمَّ أَخذ كل وَاحِد بِطرف الْعود. وَهُوَ من قَوْلك: دلح بِحمْلِهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ ان أَبَا عُثْمَان ذكره فَقَالَ: كَانَ لَا يكَاد يفقه كَلَامه من شدَّة عجمته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 وَكَانَ يُسَمِّي الْخشب خشبانا. رَوَاهُ يَعْقُوب بن ابراهيم عَن مُعْتَمر عَن ابيه عَن أبي عُثْمَان. قَالَ أَبُو مُحَمَّد: أَنا أنكر هَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ وصف شدَّة عجمة سلمَان وانه لم يكن يفقه كَلَامه وَقد قدمنَا من كَلَامه مَا يضارع كَلَام فصحاء الْعَرَب فان كَانَ انما اسْتدلَّ على عجمته بقوله للخشب خشبان فَهَذَا فِي اللُّغَة صَحِيح جيد وَله مخرجان أَحدهمَا أَن تَجْعَلهُ جمعا للخشب فَيكون جمع الحيمع مثل: حمل وحملان وسلق وسلقان وَنَحْوه مِمَّا جَاءَ على فعل سَاكن الْعين سمن وسمنان وبطن وبطنان. والمخرج الآخر أَن تجمع خَشَبَة فَتَقول: خشب سَاكِنة الشين ثمَّ تزيد الْألف وَالنُّون فَتَقول: خشبان كَمَا تَقول: سود ثمَّ تَقول: سودان وحمر ثمَّ تَقول: حمْرَان وَلَا أَدْرِي مِمَّن سَمِعت فِي صفة قَتْلَى: من الْبَسِيط ... كَأَنَّهُمْ بجنوب القاع خشبان ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 كنت رجلا على دين الْمَجُوسِيَّة فاجتهدت فِيهَا حَتَّى كنت قطن النَّار الَّذِي يوقدها. من حَدِيث مُحَمَّد بن اسحق عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن مَحْمُود ابْن أَسد عَن ابْن عَبَّاس. قطن النَّار: الْمُقِيم عِنْدهَا لَا يفارقها وَهُوَ من قَوْلك: قطن فلَان بِالْمَكَانِ اذا أوطنه وَأقَام بِهِ يقطن قطنا فَهُوَ قاطن وقطن. كَمَا يُقَال: هَذَا فارطكم الى المَاء وفرطكم. وَيجوز أَن يكون قطن جمع قاطن مثل حارس وحرس وغائب وغيب. وَكَذَلِكَ فرط. آخر حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 - حَدِيث ابي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر بن مَالك وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: من يتفقد يفقد وَمن لَا يغد الصَّبْر لفواجع الْأُمُور يعجز. وَقَالَ: ان قارضت النَّاس قارضوك وان تَركتهم لم يتركوك وان هربت مِنْهُم أدركوك. قَالَ الرجل كَيفَ أصنع قَالَ: أقْرض من عرضك ليَوْم فقرك. يرويهِ أَبُو أُسَامَة عَن مسعر عَن عون. قَوْله: من يتفقد يفقد: يَقُول: من يتَأَمَّل أَحْوَال النَّاس وأخلاقهم ويتعرفها يفقد أَي: يعْدم أَن يجد فيهم أحدا يرتضيه. وان كَانَت الرِّوَايَة: من يتفقد يفقد فانه يُرِيد: من يتفقد أُمُور النَّاس يفقد أَي: يَنْقَطِع عَنْهُم وَعَن ملابستهم فَلَا يُوجد مَعَهم. وَقَوله: وان قارضت النَّاس قارضوك يُرِيد: ان طعنت عَلَيْهِم ونلت مِنْهُم بلسانك فعلوا مثل ذَلِك بك. وان تَركتهم لم يتركوك. وَقد ذكر هَذَا الْحَرْف أَبُو عبيد. وَأما قَوْله للرجل أقْرض من عرضك ليَوْم فقرك فانه أَرَادَ: من شتمك مِنْهُم فَلَا تشتمه وَمن ذكرك بِسوء فَلَا تذكره ودع ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 قرضا لَك عَلَيْهِ الْيَوْم الْجَزَاء وَالْقصاص. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وضع الله الْحَرج الا من اقْترض من عرض أَخِيه شَيْئا فَذَلِك الَّذِي حرج وَهلك. أَرَادَ: ان الله عز وَجل قد وضع عَنْكُم الضّيق فِي الدّين وفسح لكم فَلَا حرج الا فِي مَا تنالون من أَعْرَاض الْمُسلمين. وَقد تقدم ذكر الْعرض فِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبينت مَا هُوَ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء انه قَالَ: اذا رَأَيْت نعرة النَّاس وَلَا تَسْتَطِيع أَن تغيرها فدعها حَتَّى يكون الله جلّ وَعز يغيرها. يرويهِ حَرْمَلَة بن يحيى الْمصْرِيّ عَن عبد الله بن وهب عَن ابى شُرَيْح انه بلغه ذَلِك عَن أبي الدَّرْدَاء. الأَصْل فِي النعرة ذُبَاب أَزْرَق لَهُ ابرة يلسع بهَا. وَرُبمَا دخل فِي أنف الْبَعِير فيركب رَأسه فَلَا يردهُ شَيْء. وَالْعرب تسمي ذَا الْكبر من الرِّجَال اذا صعر خَدّه بذلك الْبَعِير وتشبه الرجل يركب رَأسه ويمضي على الْجَهْل فَلَا يردهُ شَيْء بذلك. وَمِنْه قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: لَا أقلع عَنهُ حَتَّى أطير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 نعرته. يَقُول: أخرج جَهله من رَأسه وَضرب النعرة لَهُ مثلا. وَقَالَ صَدَقَة بن يسَار: مَا دلهم على قَاتل عُثْمَان الا حمَار أَخَذته النعرة فجَاء حَتَّى وقف على بَاب الْغَار فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فوجدوه فَقَتَلُوهُ. وَيُقَال للحمار اذا دخلت النعرة فِي انفه فَاسْتَدَارَ: حمَار نعر. وَقد نعر ينعر نعرا. وَقَالَ أمرؤ الْقَيْس وَذكر كَلْبا طعنه ثَوْر: من المتقارب ... فظل يردنح فِي غيطل ... كَمَا يستدير الْحمار النعر ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: لأَنا أعلم بشراركم من البيطار بِالْخَيْلِ هم الَّذين لَا يأْتونَ الصَّلَاة الا دبرا وَلَا يسمعُونَ القَوْل الا هجرا وَلَا يعثق محررهم. يرويهِ مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن حُصَيْن عَن سَالم بن أَبى الْجَعْد عَن أَبى الدَّرْدَاء. دبر الصَّلَاة: آخرهَا ودبر الْبَيْت وكل شَيْء: مؤخرة. يُرِيد: انهم يتثاقلون عَن الصَّلَاة فاذا كَاد الْأَمَام يفرغ أتوها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 والهجر: الْخَنَا فِي القَوْل وَالْفُحْش. يُقَال: أَهجر فِي مَنْطِقه اذا جَاءَ بالخنا والقبيح من القَوْل. يَقُول: لَا يَسْتَمِعُون من القَوْل الا الهجر. وَقَوله: وَلَا يعْتق محررهم. وَالْمُحَرر: الَّذِي جعل حرا أَي: اعْتِقْ. قَالَ الله جلّ وَعز حِكَايَة عَن أم مَرْيَم: {إِنِّي نذرت لَك مَا فِي بَطْني محررا} أَي: عتيقا لَك من الْخدمَة والتعبيد للدنيا وَجَعَلته لَك يعبدك وَهَذِه حجَّة من زعم ان الْوَلَد كالملك لِأَن النّذر لَا يكون الا فِيمَا يملك. وَأَرَادَ أَبُو الدَّرْدَاء: انهم اذا اعتقوا عبدا لم يطلقوه وَلَكنهُمْ يستخدمونه كَمَا يستخدم العَبْد فَمَتَى أَرَادَ فراقهم ادعوا رقّه. يُقَال: اعتقت الْغُلَام فَعتق يعْتق عتقا وعتاقة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: خير نِسَائِكُم الَّتِي تدخل قيسا وَتخرج ميسا وتملأ بَيتهَا أقطا وحيسا وَشر نِسَائِكُم السلقعة الَّتِي تسمع لأضراسها قعقعة وَلَا تزَال جارتها مفزعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 يرويهِ اسماعيل بن عَيَّاش عَن رجل قد سَمَّاهُ عَن أَبى الدَّرْدَاء. قَوْله: تدخل قيسا هُوَ من قست الشَّيْء فَأَنا أقيسه قيسا. كَمَا تَقول: كلته فَأَنا أكيله كَيْلا يُرِيد أَنَّهَا اذا مشت قاست بعض الخطى بِبَعْض فَلم تعجل فعل الخرقاء وَلم تبطىء. وَلكنهَا تمشي مشيا وسطا مستويا كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: من الْبَسِيط ... كَأَن مشيتهَا من بَيت جارتها ... مور السحابة لَا ريث وَلَا عجل ... ويروي: مر السحابة أَيْضا. وهم يصفونَ الخرقاء بِسُرْعَة الْمَشْي قَالَ الشَّاعِر يصف نَاقَة: من الطَّوِيل ... مشت مشْيَة الخرقاء مَال خمارها ... وشمر عَنْهَا ذيل درع ومنطق ... وحَدثني أَبى قَالَ حَدثنِي عبد الرَّحْمَن عَن عَمه قَالَ ثَنَا جَمِيع ابْن أَبى غاضرة وَكَانَ شَيخا مسنا من أهل الْبَادِيَة وَكَانَ من ولد الزبْرِقَان بن بدر من قبل النِّسَاء قَالَ: كَانَ الزبْرِقَان يَقُول: أحب كنائني الي الذليلة فِي نَفسهَا العزيزة فِي رهطها البرزة الحيية الَّتِي فِي بَطنهَا غُلَام ويتبعها غُلَام وَأبْغض كنائني الي الطلعة الخبأة الَّتِي تمشي الدفقي وتجلس الهبنقعة الذليلة فِي رهطها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 العزيزة فِي نَفسهَا الَّتِي فِي بَطنهَا جَارِيَة وتتبعها جَارِيَة. الطلعة الخبأة: الَّتِي تتطلع وتختبىء. وَقَوله: تمشي الدفقي أَي: تسرع فِي مشيها وَهُوَ من الاندفاق. حَدثنِي أَبى حَدثنِي أَبُو حَاتِم ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة ان التدفق والدفقي أقصر الْعُنُق فاذا جاوزه الْفرس صَار الى الهرولة. وَقَوله: تجْلِس الهبنقعة وَهُوَ: أَن تقعي وتضم فخذيها وتفتح رِجْلَيْهَا يُقَال: هبنقع اذا جلس الهبنقعة. قَالَ جرير: من الْكَامِل ... ومهور نسوتهم اذا مَا أنكحوا ... غدوي كل هبنقع سآل ... ويروي: تنبال وَهُوَ الْقصير. حكى أَبُو زيد عَن الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي غذوي بِالذَّالِ. وَقَالَ: الغذوية بِالذَّالِ شَاءَ صغارها يكره بيعهَا وشراؤها. وَقَوله: تخرج ميسا هُوَ من: ماست تميس. والميس: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 التَّبَخْتُر. وَمثله: الريس. وَيُقَال فِي مثل: الْغَنِيّ طَوِيل الذيل مياس. يُرَاد: أَن الْمَار يظْهر فَلَا يخفى. والميح أَيْضا ملثه. وَمِنْه قَول ابْن مقبل يصف نسَاء: من الطَّوِيل ... يمحن بأطراف الذيول عَشِيَّة ... والسلفعة: الجريئة واكثر مَا يُقَال: السلفع بِلَا لِأَنَّهُ اكثر مَا يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث. وَقد قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: من الْكَامِل ... بَينا تعنقه الكماة وروغه ... يَوْمًا أتيح لَهُ جرىء سلفع ... فوصف بِهِ الْمُذكر. والبلقعة: الَّتِي قد خلت من كل خير بِمَنْزِلَة الأَرْض البلقع. وَأكْثر مَا يُقَال: بِلَا هَاء. وَقَوله: تسمع لأضراسها قعقعة يُرِيد: شدَّة وقعها فِي الْأكل وَيكون أَيْضا صريفها بأسنانها. يُقَال: فلَان يحرق بنانه اذا توعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 77 - وتهدد. وَفُلَان يحرق عَليّ الأرم. وَقد فسرنا ذَلِك. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: أَيّمَا رجل أشاد على امرىء مُسلم كلمة هُوَ مهنا برىء وَيرى أَن شينة بهَا كَانَ حَقًا على الله جلّ وَعز أَن يعذبه بهَا فِي نَار جَهَنَّم حَتَّى يَأْتِي بنفذ مَا قَالَ. يرويهِ عبد الله بن الْمُبَارك عَن وهيب بن خَالِد عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سُلَيْمَان بن عمر بن ثَابت عَن جُبَير بن نفير الْحَضْرَمِيّ عَن أَبى الدَّرْدَاء. أشاد: أَي: رفع ذَلِك وأظهره. يُقَال: أشاد فلَان بذكرى وَمِنْه يُقَال بِنَاء مشيد أَي: مطول مَرْفُوع. فَأَما المشيد فالمنبي باليشد وَهُوَ الجص. وَقَوله: ينفذ مَا قَالَ أَي: بالمخرج من ذَلِك. حَدثنِي ابى حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الاصمعي عَن ابْن أَبى الزِّنَاد انه قَالَ: من شتم رجلا مُسلما حبس حَتَّى يأتى بنفذ مَا قَالَ. وَقَالَ قيس بن الخطيم: من الطَّوِيل ... طعنت ابْن عبد القيس طعنة ثَائِر ... لَهَا نفذ لَوْلَا الشعاع اضاءها ... الحديث: 77 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وَقَالَ جرير فَذكر طعنة: من الطَّوِيل ... أنفاذها تقطر الدما ... وَهُوَ جمع نفذ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: ان الْقلب يدثر كَمَا يدثر السَّيْف فجلاؤه ذكر الله جلّ وَعز. يرويهِ أَبُو كُدَيْنَة عَن خَالِد بن دِينَار عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة. قَوْله: يدثر أَي: يصدأ وأصل الدُّثُور الدُّرُوس. يقا ل: دثر الرّبع اذا عَفا. قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: دثر مَكَان الْبَيْت فَلم يحجه هود وَلَا صَالح حَتَّى كَانَ إِبْرَاهِيم فبوأه الله إِيَّاه. والدنور فِي الشّعْر كثير. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ انه ذكر الأبدال فَقَالَ: لَيْسُوا بنزاكين وَلَا معجبين وَلَا متماوتين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 النزاكون: العيابون للنَّاس وَأَصله من: النيزك وَهُوَ دون الرمْح لَهُ سِنَان وزج. يُقَال: نزكت الرجل اذا عبته. كَمَا يُقَال: طعنت عَلَيْهِ. وحَدثني أَبى قَالَ ثَنَا اسحق بن رَاهَوَيْه أَو غَيره عَن النَّضر بن شُمَيْل انه قَالَ: ذكر شهر بن حَوْشَب عِنْد ابْن عون فَقَالَ: ان شهرا نزكوه ان شهرا تَرَكُوهُ. يَعْنِي طعنوا فِيهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: يَا رب قَائِم مشكور لَهُ وَيَا رب نَائِم مغْفُور لَهُ. حَدَّثَنِيهِ أيى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن المضاء عَن فرج بن فضَالة عَن لُقْمَان بن عَامر عَن أبي الدَّرْدَاء. الْقَائِم المشكور لَهُ هُوَ المتهجد بِاللَّيْلِ يسْتَغْفر لِأَخِيهِ وَهُوَ نَائِم فيشكر لَهُ وَيغْفر للنائم. آخر حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 - حَدِيث ابى سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي سعيد أَنه قَالَ: رَأَيْت فِي عَام كثر فِيهِ الرُّسُل الْبيَاض أَكثر من السوَاد ثمَّ رَأَيْت فِي عَام بعد ذَلِك كثر فِيهِ التَّمْر السوَاد أَكثر من الْبيَاض. يرويهِ اسماعيل بن أبي أويس عَن كثير بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن ربيح ابْن عبد الرحمن عَن أَبِيه عَن جده أبي سعيد. الرُّسُل: اللَّبن وَأَرَادَ أَن اللَّبن وَهُوَ الْبيَاض اذا كثر قل التَّمْر وان التَّمْر وَهُوَ السوَاد اذا كثر قل اللَّبن وانهما لَا يكادان يَجْتَمِعَانِ على الْكَثْرَة فِي عَام وَاحِد. قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال بالبدو اذا ظهر الْبيَاض قل السوَاد واذا ظهر السوَاد قل الْبيَاض. وَقَالَ: يعنون بِالسَّوَادِ التَّمْر وبالبياض اللَّبن والأقط. وَزَاد غَيره: واذا كثرت المؤنفكات زكتْ الأَرْض. والمؤتفكات: الرِّيَاح اذا اخْتلفت واذا زخرت الأودية بِالْمَاءِ كثر الثَّمر. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: انما قيل للرياح مؤنفكات لِأَنَّهَا كَأَنَّهَا تنْقَلب أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 تقلب الأَرْض وَقيل لمدائن قوم لوط: الْمُؤْتَفِكَات لانقلابها وَيُقَال: أفكت الرجل أفكه أفكا اذا صرفته عَن شَيْء وقلبته. قَالَ ابْن أذينة: من المنسرح ان تَكُ عَن أحسن الصنيعة مأفوكا فَفِي آخَرين قد أفكوا. أَي: مصروفا عَن ذَلِك. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابي سعيد رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: خرجنَا فِي سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة الَّتِي اصاب فِيهَا بني فزازة فأتينا الْقَوْم خلوفا فقاتل النحام الْعَدوي يَوْمئِذٍ وَقد أَقَامَ عَن صلبه نصيلا. فَقَالَ لَهُ زيد بن حَارِثَة: مَا هَذَا النصيل قَالَ: اني أفويت مُنْذُ ثَلَاث فَخفت أَن يحطمني الْجُوع. يرويهِ فليح بن سُلَيْمَان عَن عمَارَة بن غزيَّة وَربح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن عبد الرحمن عَن أَبِيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 النصيل: الْحجر الطَّوِيل المدملك والبرطيل مثله يشبه رَأس النَّاقة. وَقَوله: قد أقويت أَي: قد نفذ زادي. كمل بِحَمْد الله وعونه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 - حَدِيث جُبَير بن مظعم وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث جبر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: نظرت النَّاس يقتتلون يَوْم حنين الى مثل البجاد الاسود يهوى من السَّمَاء حَتَّى وَقع فاذا نمل مبثوث قد مَلأ الْوَادي فَلم تكن الا هزيمَة الْقَوْم فَلم يشك انها الْمَلَائِكَة. يرويهِ مُحَمَّد بن اسحق عَن أَبِيه. البجاد: كسَاء وَجمعه بجد. وَمِنْه قيل: ذُو البجادين. يُقَال: بجد النِّسَاء اذا لبسن البجد على الْمَيِّت. قَالَ الشَّاعِر: من الرمل ... لَو وصل الْغَيْث أبنينا امرا ... كَانَت لَهُ قبَّة سحق بجاد ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 أبنينا: أَي: جعلنَا لَهُ بِنَاء مَكَان قبَّة سحق بجاد. والسحق: الْخلق. يَقُول: لَو جَاءَ الْغَيْث وحملت الأَرْض غزونا فَصَارَ من كَانَ فِي قبَّة فِي كسَاء خلق. يَقُول: أغرنا عَلَيْهِ وأخذنا مَاله وقبته. نجز بِحَمْد الله وعونه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 - حَدِيث أبي لبَابَة رِفَاعَة بن عبد الْمُنْذر وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي لبَابَة انه كَانَ ارْتبط بسلسلة ربوض الى أَن تَابَ الله عَلَيْهِ. الربوض. الضخمة الثَّقِيلَة والشجرة الربوض هِيَ الْعَظِيمَة الغليظة. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... وَقَالُوا: ربوض ضخمة فِي جرانه ... وأسمر من جلد الذراعين مقفل ... يَعْنِي بالربوض: سلسلة عَظِيمَة. وَيَعْنِي بالأسمر من جلد الذراعين غلا من قد قد من جلد الذراعين. والمقفل: الْيَابِس. وَكَذَلِكَ القافل. كمل بِحَمْد الله وعونه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 - حَدِيث بِلَال موَالِي ابى بكر وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث بِلَال رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ يُؤذن على أَطَم فِي دَار حَفْصَة يرقى على ظلفات أقتاب مغرزة فِي الْجِدَار. الأطم: بِنَاء مُرْتَفع والأطم والأجم الْحصن وَجمعه: آطام وآجام. والظلفات من الرحل الخشبات الْأَرْبَع اللواتي يكن على جَنْبي الْبَعِير واحدتها ظلفة. نجز بِحَمْد الله وعونه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 - حَدِيث ابى هُرَيْرَة عَمْرو بن عبد غنم وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ فِي قَضَاء رَمَضَان: يواتره. الرياشي قَالَ ثَنَا أَبُو معمر عَن عبد الوارث عَن عَليّ بن الحكم عَن ابْن أبي مليكَة عَن عقبَة بن الْحَرْث عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ عبد الْوَارِث: سَأَلت أَبَا عَمْرو بكر بن حبيب وَأَبا الدقيش وَأَبا خيرة عَن المواترة فَقَالُوا: تَصُوم يَوْمًا وتفطر يَوْمًا اَوْ تَصُوم يَوْمًا وتفطر يَوْمَيْنِ. وَقَالَ الرياشي قَالَ الْأَصْمَعِي: لَا تكون المواترة مُوَاصلَة حَتَّى يكون بَينهمَا شَيْء. وواتر كتبك اذا أَرَادَ معنى: وأصلهما فَهُوَ خطأ. وَهَذَا كَمَا ذكر الوقوم لَان أصل المواترة أَن تَأتي بالاشياء وترا وترا أَي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وَاحِدًا وَاحِدًا فاذا أَنْت قضيت شهر رَمَضَان تباعا يَوْمًا فِي أثر يَوْم فقد شفعت الْيَوْم بِالْيَوْمِ وَالشَّفْع: الزَّوْج. واذا أَنْت صمت يَوْمًا وَأَفْطَرت يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ فقد واترت. لِأَنَّك أتيت بِيَوْم وَاحِد وتر صمته ثمَّ أفطرت ثمَّ أتيت بآخر صمته ثمَّ أفطرت. وَلم يرد أَبُو هُرَيْرَة انه لَا يجوز فِي قَضَاء رَمَضَان الا المواترة. وَمن صَامَ ذَلِك تباعا فَهُوَ أفضل وانما أَرَادَ: يواتره ان أحب ذَلِك. فَأَما الْمُتَابَعَة فَهُوَ الاجماع وَمِمَّا يشْهد لهَذَا التَّأْوِيل إِن يزِيد بَين زُرَيْع روى عَن عَليّ بن الحكم بباقي الاسناد ان أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: لَا بَأْس أَن يواتر قَضَاء رَمَضَان ان شَاءَ. فَقَوله: لَا بَأْس يدل على التَّفْرِيق لِأَن الْمُتَابَعَة هُوَ مَا لايختلف فِيهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ ان مَرْوَان كَسَاه مطرف خَز فَكَانَ يثنيه عَلَيْهِ أثْنَاء من سعته وَانْشَقَّ فبشكه بشكا وَلم يرفه. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ بن عبد العريز عَن ابْن عَائِشَة عَن حَمَّاد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 سَلمَة عَن عمار بن أبي عمار. بشكة أَي: خاطه يُقَال: بشكت الثَّوْب وشصرته ونصحته اذا خطته فان كَانَت خياطَة متباعدة قيل: شمجته وشمرجته. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: يُوشك أَن يَجِيء من قبل الْمشرق قوم عراض الْوُجُوه فطس الْأنف صغَار الْأَعْين حَتَّى يلْحقُوا الزَّرْع بالزرع والضرع بالضرع وَالرِّوَايَة يَوْمئِذٍ يستقى عَلَيْهَا أحب الي من لاء وَشاء. يرويهِ أَبُو سَلمَة عَن حَمَّاد عَن ابي التياح عَن مجَالد أبي عبد العزيز عَن أبي هُرَيْرَة. هَكَذَا يرويهِ الْمُحدث: لاء مثل مَاء. وَهُوَ غلط من بعض نقلة الحَدِيث وانما هُوَ من: ألاء تَقْدِير: ألعاء. وَهِي الثيران وَاحِدهَا لأ تَقْدِيره: لعا مَقْصُور مثل قفا وأقفاء. وَقَالَ الطرماح وَذكر فلاة: من الطَّوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 .. كَظهر اللأي لَو تبتغي رية بهَا ... نَهَارا لعيت فِي بطُون الشواجن ... شبه الفلاة بِظهْر الثور فِي انملاسها يَقُول: لَو طابت بهَا مَا توري بِهِ النَّار مثل بَعرَة أَو عود لشق ذَلِك عَلَيْك وَلم اجْمَعْ لأ على وَهُوَ أقرب من لفظ الْمُحدث لِأَنَّهُ لم يَأْتِ لذَلِك مثل مِمَّا كَانَ آخِره الْألف من المعتل نَحْو: قفا وعصا وانما جَاءَ فِي السَّالِم نَحْو: جمل وجمال وأفعال لأدنى الْعدَد وَرُبمَا جَاءَ فِي الْحَرْف جَامعا للمعنيين نَحْو: رسن وأرسان للقليل وَالْكثير. قَالَ ذَلِك سِيبَوَيْهٍ. وَالرِّوَايَة: الْبَعِير يستقى عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ من اقناء الْبَقر وَالْغنم كَأَنَّهُ يُرِيد الزِّرَاعَة لِأَن اكثر من يقتني الثيران وَالْغنم الزراعون. وَقَوله: حَتَّى يلْحقُوا الزَّرْع بالزرع يُرِيد: اذا أهلكوا زرعا ألْحقُوا الَّذِي يَلِيهِ بِهِ فِي الاهلاك. وَكَذَلِكَ الضَّرع بالضرع. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ ان رجلَيْنِ خرجا يُريدَان الصَّلَاة قَالَا: فَأَدْرَكنَا أَبَا هُرَيْرَة وَهُوَ أمامنا فَقَالَ: مَا لَكمَا تفدان فديد الْجمل قُلْنَا: أردنَا الصَّلَاة. قَالَ: الْعَامِد لَهَا كالقائم فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 يرويهِ دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن صَيْفِي عَن عَمه يحيى بن صَيْفِي عَن مَرْوَان بن خثيم وَرجل من آل سعيد بن الْعَاصِ. قَوْله: تفدان أَي: تعلو أصواتكما. يُقَال: فد الرجل يفد فديدا. وَالْمعْنَى: انهما كَانَا يمشيان مشيا سَرِيعا أَو يعدوان فَيسمع لَهما صَوت فَأَمرهمَا أَن يمشيا مشيا رويدا وأعلمهما انهما فِي الصَّلَاة اذا أراداها. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه دخل الْمَسْجِد وَهُوَ يندس الأَرْض بِرجلِهِ. اراد: كَأَنَّهُ يضْرب الأَرْض بِرجلِهِ. يُقَال: ندس فلَان فلَانا اذا طعنه وخزقه. وَمِنْه قَول الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... ندسنا أَبَا مندوسة الْقَيْن بالقنا ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 ان فرس الْمُجَاهِد ليستن فِي طوله فَيكْتب لَهُ حَسَنَات. يرويهِ عَفَّان عَن همام عَن مُحَمَّد بن حجادة عَن أبي حُصَيْن عَن ذكْوَان عَن أبي هُرَيْرَة. وحَدثني أبي قَالَ: حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: الاستنان أَن يحضر وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْفَارِس. يُقَال: فرس سِنِين وَذَلِكَ من النشاط. وأرد هَاهُنَا انه يمرح فِي الطول والطول: الْحَبل وَهُوَ الطيل ايضا قَالَ طرفَة: من الطَّوِيل ... لعمرك ان الْمَوْت مَا أَخطَأ الْفَتى ... لكالطول المرخى وثنياه بِالْيَدِ ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: أَصْحَاب الدَّجَّال عَلَيْهِم السيجان شواربهم كالصياصي وخفافهم مخرطمة. يرويهِ أَبُو سَلمَة عَن حَمَّاد قَالَ: زعم أَبُو المهزم انه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول ذَلِك. السيجان: الطيالسة الْخضر وَاحِدهَا: سَاج مثل: تَاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وتيجان وقاع وقيعان وَمِنْه حَدِيث ابْن عَبَّاس: انه زر ساجا لَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ محرم فَافْتدى: وَقَالَ الشماخ: من الطَّوِيل ... بلَيْل كلون الساج أسود مظلم ... قَلِيل الوعى داج كلون الأرندج ... والوعى الصَّوْت وَهُوَ مَقْصُور. والأرندج جُلُود سود. وفيهَا لُغَة أُخْرَى: يرندج. وانما شبه اللَّيْل بالساج وَهُوَ أَخْضَر لِأَن الخضرة عِنْدهم سَواد. وَلذَلِك قَالُوا لِليْل: أَخْضَر. وَقَالُوا لسواد النَّاس ومعظمهم: خضراؤهم. وَقَالَ أَبُو سُفْيَان لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة. يَا رَسُول الله: قد أبيدت خضراء قُرَيْش لَا قُرَيْش بعد الْيَوْم. وَالشَّيْء اذا اشتدت خضرته روئي أسود. قَالَ ذُو الرمة وَذكر مَطَرا: من الطَّوِيل ... كسا الأكم بهمى غضة حبشية ... تؤاما ونقعان الظُّهُور الأقارع ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 جعلهَا حبشية من شدَّة الخضرة. وَقَالَ حميد بن ثَوْر: من الطَّوِيل ... الى شجر ألمى الظلال كَأَنَّهُ ... رواهب أخر من الشَّرَاب عذوب ... الألمى الْأسود. يَقُول: هُوَ كثيف فظله أسود ثمَّ شُبْهَة فِي سوَاده بالرواهب لِأَنَّهُنَّ يلبسن الأكيسة السود. أحر من من الشَّرَاب أَي: هن صائمات. عذوب: قيام لَا يأكلن وَلَا يشربن. وحَدثني أبي قَالَ: أَخْبرنِي السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: يُقَال: أباد الله غضراءهم أَي خَيرهمْ وغضارتهم. وَلَا يقا ل: خضراءهم. قَالَ: والغضراء والخضراء طِينَة علكة خضراء. يُقَال: أنيط بئره فِي غضراء. هَذَا أصل الْحَرْف. وَيُقَال: قوم مغضورن اذا كَانُوا فِي خير ونعمة. والخضراء فِي مَوضِع آخر اسْم من أَسمَاء الكتيبة. والصياصي: قُرُون الْبَقر. يَقُول: قد أطالوا شواربهم وفتلوها فَصَارَت كَأَنَّهَا قُرُون بقر ملتوية وَاحِدهَا: صيصة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 وخفافهم مخرطمة أَي: ذَات خراطيم وأنوف. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه سُئِلَ عَن صيد الْكَلْب فَقَالَ: اذا وذمته وأرسلته فَذكرت اسْم الله فَكل مَا أمسك عَلَيْك مَا لم يَأْكُل. يرويهِ وَكِيع عَن أبي الْمنْهَال الطَّائِي عَن عَمه عبد الله بن يزِيد. قَوْله: وذمته أَي: شددته ومسكته. وَالْأَصْل فِيهِ: الوذام وَهِي سيور تقد طولا. واحدتها: وَذمَّة. وانما أَرَادَ بتوذيمه أَن لَا يطْلب الصَّيْد بِغَيْر ارسال وَلَا تَسْمِيَة. واذا كَانَ مُطلقًا فعل ذَلِك. وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذَا فَكَانَ بَعضهم يَقُول: اذا أخرجت كلبك الى الصَّيْد فَكل مِمَّا أمسك عَلَيْك وان لم ترسله. وَقَالَ بعض الْحِجَازِيِّينَ: اذا انفلت الْكَلْب بِغَيْر ارسال أَو أعَان غير مُرْسل مُرْسلا فَلَا تَأْكُل. وَهَذَا مَذْهَب أبي هُرَيْرَة. وَكَانُوا يجْعَلُونَ العذب فِي أَعْنَاق الْكلاب. قَالَ ذُو الرمة وَذكر كلابا من الْبَسِيط ... مثل السراحين فِي أعناقها العذب ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه ذكر قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَينا أَنا نَائِم أَتَانِي آتٍ بخزائن الأَرْض فَوضعت فِي يَدي. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: لقد ذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنْتُم ترغثونها. يرويهِ ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة. قَوْله: ترغثونها أَي ترضعونها. يَعْنِي الدُّنْيَا. يُقَال: رغث الجدي أمه اذا رضعها. وشَاة رغوث اذا رضعها وَلَدهَا. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... وذموا لنا الدُّنْيَا وهم يرضعونها ... أفاويق حَتَّى مَا يدر لَهَا ثعل ... وَأنْشد بَعضهم: يرغثونها. وحَدثني أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم ثَنَا الْأَصْمَعِي قَالَ: ثَنَا شيخ لنا أَن رؤبة بن العجاج دخل على سُلَيْمَان بِي عَليّ بالشبكة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان: مَا عنْدك للنِّسَاء يَا أَبَا الجحاف فقا ل: أَجِدهُ يَمْتَد وَلَا يشْتَد وأرده فيرتد وأستعين عَلَيْهِ أَحْيَانًا بِالْيَدِ ثمَّ أورد فأقصب. فَشَكا سُلَيْمَان نَحوا من ذَلِك فَقَالَ رؤبة: بِأبي أَنْت لَيْسَ ذَاك السن انما ذَلِك لطول الرغاث. يُرِيد: لِكَثْرَة مَا تمصك النِّسَاء. وَقَوله: أورد فأقصب هُوَ من الأقصاب. يُقَال: قصبت الابل فَهِيَ قاصبة اذا وَردت فَلم تشرب. وأقصب الرجل اذا لم تشرب ابله فَضرب ذَلِك لنَفسِهِ مثلا. يُرِيد: انه اذا بَاشر لم يقدر على النِّكَاح. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: تعس عبد الدِّينَار وَعبد الدِّرْهَم الَّذِي ان أعطي مدح وضبح وان منع قبح وكلح تعس فَلَا انْتَعش وشيك فَلَا انتقش. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن لَيْث عَن رجل عَنهُ. وَقَالَ: ضبح أَي: صَاح. وَهَذَا كَمَا يُقَال: فلَان ينبح دُونك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 يَقُول: اذا أعطي خَاصم وجادل دُونك. وَقَوله: وشيك أَي: أُصِيب بالشوك فَلَا انتقش أَي: فَلَا أخرجه من الْموضع الَّذِي دخل فِيهِ. يُقَال: نقشت الشَّوْكَة اذا استخرجتها. وَمِنْه سمي المنقاش. وَقد تقدم تَفْسِير هَذَا. وَقَوله: تعس أَي: عثر. وَمِنْه يُقَال: تعسا لَهُ وَقَوله: فَلَا قَامَ من مصرعه. وَمِنْه قيل: انْتَعش العليل اذا أَفَاق من علته ونهض. وَقَالَ ذُو الرمة فِي وصف ولد الظبية: من الْبَسِيط ... لَا ينعش الطّرف الا مَا تخونه ... دَاع يُنَادِيه باسم المَاء مبغوم ... يَقُول: لَا يرفع عينه الا أَن يتعهده دَاع من أمه وَهُوَ صَوتهَا وَالْمَاء: حِكَايَة صَوت الظبية. مبغوم من البغام. وَيُقَال: نعش فلَان فلَانا اذا رفع من ذكره وَأمره وَمِنْه سمي النعش نعشا لِأَنَّهُ يرفع. وَسمعت من يرويهِ: تعس فَلَا انْتَعش. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 يتَوَضَّأ الى نصف السَّاق وَيَقُول: ان الْحِلْية تبلغ الى مَوَاضِع الْوضُوء. يرويهِ يزِيد بن هرون عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة. الْحِلْية هَاهُنَا التحجيل يَوْم الْقِيَامَة من أثر الْوضُوء. وَأَرَادَ قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان أمتِي يَوْم الْقِيَامَة غر من السُّجُود محجلون من الْوضُوء. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه رأى قوما يتعادون فَقَالَ: مَا لَهُم قَالُوا خرج الدَّجَّال فَقَالَ: كذبة كذبهَا الصباغون أَو الصواغون. يرويهِ أَبُو عباد عَن همام عَن فرقد. يذهب النَّاس أَو اكثرهم الى أَنه أَرَادَ صاغة الْحلِيّ. وَرَأَيْت بعض الْفُقَهَاء قد جعل هَذَا الحَدِيث فِي بَاب من لَا تقبل شَهَادَته من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 أهل الصناعات. وَهَذَا تَحْرِيف على أبي هُرَيْرَة وظلم للصاغة وانما أَرَادَ بالصواغين الْكَذَّابين الَّذين يصوغون الْكَذِب. يُقَال: فلَان يصوغ الْأَحَادِيث اذا كَانَ يَضَعهَا. نجز وَالله الْمعِين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 - حَدِيث عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه دفع من جمع وَهُوَ يَقُول: من الرجز ... اليك تعدو قلقا وضينها ... مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا ان تغْفر آللهم تغْفر جما ... وَأي عبد لَك لَا ألما ... حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ: حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد ثناه عَليّ بن عَاصِم عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خشيم عَن عبد الرحمن بن سابط قَالَ: سَمِعت ابْن عمر يَقُول ذَلِك. وحَدثني ابي قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنِي سهل عَن الْأَصْمَعِي وعبد الرحمن أَيْضا عَنهُ بِبَعْض الحَدِيث قَالَ: حَدثنِي شيخ من نَجْرَان قَالَ: كَانَت كتب الْأَنْبِيَاء وصورها عِنْد النَّصَارَى بِنَجْرَان فَكَانَت الأساقفة اذا مَاتَ مِنْهُم ميت ختم قبل مَوته عَلَيْهَا فَكَانَت الْكتب عَلَيْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 خَوَاتِيم عدَّة فَخرج الأسقف الْأَكْبَر يمشي وَمَعَهُ ابْنه فعثر فَقَالَ: تعس شانىء مُحَمَّد. قَالَ سهل: لم يقل كَذَا وَلَكِن الْأَصْمَعِي كنى عَنهُ بشىء فَقَالَ أَبوهُ: مَه يَا بني إِنَّه بني وان اسْمه وَصورته فِي الوضائع. قَالَ الْأَصْمَعِي: والوضائع: كتب تكْتب فِيهَا الْحِكْمَة فَلَمَّا مَاتَ الشَّيْخ دق الابْن الخواثيم ودق خَاتم أَبِيه وَأخرج صفة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصورته فَآمن بِهِ وَحج وَأَقْبل وَهُوَ يَقُول: من الرجز ... اليك تعدو قلقا وضينها ... وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فَحَدثني ابْن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة انه قَالَ: حدثت بِهَذَا الحَدِيث فشرق سنة أَو أَكثر ثمَّ رَجَعَ الينا وَقد زَاد فِيهِ أهل الْعرَاق بَيْتا: من الرجز ... مُعْتَرضًا فِي بَطنهَا جَنِينهَا ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 وحَدثني أبي قَالَ: خبرني عَن أبي عُبَيْدَة انه قَالَ: الْوَضِين: بطان منسوج وَهُوَ فعيل فِي معنى مفعول أَي: موضون. يُرِيد: ان نسجه بعضه على بعض. وَقَوْلهمْ: للدرع موضونة من ذَلِك. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {على سرر موضونة} يُرِيد: أَنَّهَا مضاعفة بَعْضهَا فِي بعض مداخلة كَمَا توضن حلق الدرْع بَعْضهَا فِي بعض وتضاعف. وَقَوله: قلقا يُرِيد أَن النَّاقة قد ضمرت وَلحق بَطنهَا فاتسع الْوَضِين واضطرب. وَقَالَ غَيره: الْوَضِين: الهودج والبطان للقتب والسفيف والتصدير للرحل. والحزام للسرج. وَقَوله: مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا. لَيْسَ لَهَا هِيَ دين انما أَرَادَ نَفسه. وَقَوله: ان تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما. حَدثنِي أبي حَدثنِي عبد الرحمن عَن عَمه عَن يَعْقُوب بن مُسلم بن أبي طرفَة الْهُذلِيّ انه قَالَ: مر أَبُو خرَاش الْهُذلِيّ يسْعَى بَين الصَّفَا والمروة وَهُوَ يَقُول: من الرجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 .. لَا هم هَذَا خَامِس ان تما ... أتمه الله وَقد أتما ان تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما ... وَأي عبدلك لَا ألما ... والجم الْكثير. وَقَوله: لَا ألما أَي لم يلم بِالذنُوبِ ويقارفها. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَلَا صدق وَلَا صلى} أَي: فَلم يصدق وَلم يصل. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: من اصبح على غير وتر أصبح على رَأسه جرير سَبْعُونَ ذرعا حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ شَبابَة بن الْحسن قَالَ: ثناه الْقَاسِم بن الحكم العرني القَاضِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن آدم بن عَليّ عَن ابْن عمر. الْجَرِير: الْحَبل يكون فِي عنق النَّاقة من أَدَم وَلَا أَحْسبهُ سمي الرجل جَرِيرًا الا بِهِ. والجديل ايضا يكون فِي الْعُنُق. فاذا كَانَ فِي الْأنف فَهُوَ زِمَام وَمِنْه قَول رَسُول الله صلى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 عَلَيْهِ وَسلم لبني عبد الْمطلب وهم ينزعون على زَمْزَم: انزعوا على سِقَايَتكُمْ فلولا أَن يغلبكم النَّاس عَلَيْهَا لنزعت مَعكُمْ حَتَّى يُؤثر الْجَرِير بظهري. الا أَن جرير السِّقَايَة لَا يكون من أَدَم وَسمي جَرِيرًا لِأَنَّهُ يجر فعيل فِي معنى مفعول أَرَادَ ابْن عمر معنى حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من ذكر وَلَا أتنى الا وعَلى رَأسه جرير مَعْقُود. فاذا اسْتَيْقَظَ فَتَوَضَّأ حلت مِنْهُ عقده. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول: يتقى من الضَّحَايَا وَالْبدن الَّتِي لم تسنن وَالَّتِي نقص من خلفهَا. حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ: حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن القعْنبِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر. قَوْله: لم تسنن أَي: لم تنْبت أسنانها كَأَنَّهَا لم تعط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 أسنانا. وَهَذَا كَمَا تَقول: فلَان لم يلبن أَي: لم يُعْط لَبَنًا. وَلم يسمن أَي: لم يُعْط سمنا. وَلم يعسل لم يُعْط عسلا. وَكَأَنَّهُ يُقَال: سنت الدَّابَّة اذا نَبتَت أسنانها وسنها الله. وَقد مثل النَّهْي فِي الْأَضَاحِي عَن الهتماء وَيكون فِي مَوضِع آخر سنت الشَّاة اذا أُصِيبَت فِي سنّهَا كَمَا تَقول: ثغر الْغُلَام اذا أُصِيب فِي ثغره وكبد اذا أُصِيب فِي كبده ورؤس اذا أُصِيب فِي على رَأسه. فاذا أردْت أَن ثغره نبت قلت: اثغر وأتغر وَلم أسمع: أسن الا فِي الْكبر وَهُوَ الْقيَاس جَائِز وَلَا أَحسب قَول الْأَعْشَى الا مِنْهُ: من المتقارب ... بحقتها قد ربطت فِي اللجي ... ن حَتَّى السديس لَهَا قد أسن ... يَقُول: ربطت فِي اللجين مُنْذُ كَانَت حقة الى أَن أسن سديسها أَي: نبت وَصَارَ سنا. وَمن النَّاس من يذهب ألى أَن: أسن فِي هَذَا الْبَيْت بِمَعْنى: كبر كَمَا تَقول: اسن الرجل اذا كبر. وَلم نسْمع بِأَنَّهُ يُقَال: أسن رَأس الرجل اذا كبر وَلَا اسنت يَده وَكَذَلِكَ اسن فِي النبت نبت فِيمَا أثرى لَا أعرف وَجها غَيره. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 يقعي ويثري فِي الصَّلَاة. بَلغنِي عَن ابْن عَائِشَة عَن هَاشم عَن عبد الملك بن أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء. قَوْله: يثري من الثرى يُرِيد: انه كَانَ يضع يَده بالثرى بَين السَّجْدَتَيْنِ كَأَنَّهَا لَا تفارق الأَرْض حَتَّى يُعِيد السُّجُود. وَمن اقعى فعل ذَلِك. قَالَ جرير: رَأَيْت عَطاء يقعي بَين السَّجْدَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن أَبَاهُ بعث بِهِ الى خَيْبَر فقاسمهم التَّمْر فسحروه فتكوعت اصابعه فَغَضب عمر فنزعها مِنْهُم يَعْنِي: خَيْبَر. وَفِي حَدِيث آخرو: انهم دفعوه من فَوق بَيت ففدعت قدمه من حَدِيث مُحَمَّد بن اسحق. قَوْله: تكوعت يَده من الْكُوع وَهُوَ أَن تعوج الْيَد من قبل الْكُوع والكوع رَأس الزند الَّذِي يَلِي الابهام وَالْكر سوع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 رَأس الزند الَّذِي يَلِي الْخِنْصر. يُقَال: تكوعت وكوعت اذا اعوجت. قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للكلب اذا رمض: مر يكوع أَي: يطَأ على كوعه. وَقَوله: فدعَتْ قدمه من الفدع وَهُوَ: زيغ بَينهَا وَبَين عظم السَّاق. يُقَال: رجل أفدع وأكوع. وَمِنْه قَول عبد الله بن عمر فِي ذِي السويقتين الَّذِي يهدم الْكَعْبَة من الْحَبَشَة كَأَنِّي بِهِ أضيلع أفيدع قَائِما عَلَيْهَا يَهْدِمهَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ ان قوما اشْتَركُوا فِي قتل صيد فَقَالُوا: على كل رجل منا جَزَاء أم هُوَ جَزَاء وَاحِد. فَقَالَ: انه لمعزز بكم بل عَلَيْكُم جَزَاء وَاحِد. يرويهِ سُفْيَان عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 قَوْله: انه لمعزز بكم أَي: مشدد عَلَيْكُم اذن. حَدثنِي أبي خبرني عبد الرحمن عَن عَمه قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء عَن قَول الله عز جلّ: {فعززنا بثالث} فأنشدنا: من الْكَامِل ... أجد اذا ضمرت تعزز لَحمهَا ... واذا تشد بنسعها لَا تنبس ... أَي: لَا ترغو وَيُقَال: عزز مِنْهُ أَي: شدد مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: مَا أعطي رجل أفضل من الطّرق يطْرق الرجل الْفَحْل فيلقح مئة فتذهب حيرى دهر. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن سُفْيَان عَن ربيع بن قزيع. قَوْله: تذْهب حيري دهر يُرِيد: آخر الدَّهْر. وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: أبدا. يَعْنِي: ان آخر ذَلِك يجْرِي لَهُ مَا بَقِي الدَّهْر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 وَنَحْو من هَذَا قَوْلهم: لَا أفعل ذَلِك أَبَد الأبيد وأبد الأبدين وَمَا اخْتلف الملوان وهما اللَّيْل وَالنَّهَار. وَالْوَاحد: ملا مَقْصُور. وَكَذَلِكَ: الجديران والفتيان وَلَا أَفعلهُ مَا سمر ابْنا سمير وَلَا آتِيك سمير اللَّيَالِي. هَذَا كُله معنى قَوْلك: لَا أفعل ذَلِك أبدا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ يخابر بأرضه وَيشْتَرط أَن لَا يعرها. يرويهِ سُفْيَان عَن أَيُّوب بن مُوسَى عَن نَافِع عَن ابْن عمر. المخابرة الْمُزَارعَة. وَقَوله: يشْتَرط أَن لَا يعرها من: العرة وَهِي الْعذرَة. وَمِنْه قَول النَّاس: انما أَنْت عرة. وَقد يستعار فيسمى بِهِ الْقَبِيح من الْأُمُور. قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اياكم ومشارة النَّاس فانها تدفن الْغرَّة وَتظهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 الْغرَّة. فالغرة هَاهُنَا: الْحسن والعرة: الْقبْح. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه دخل الْمَسْجِد الْحَرَام وَعَلِيهِ بردَان معافريان فنهد النَّاس اليه يسألونه الْبرد الْمعَافِرِي مَنْسُوب الى: معافر من الْيمن بِفَتْح الْمِيم. والعامة تضمها. وَمِنْه الحَدِيث: ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر معَاذًا حِين بَعثه الى الْيمن أَن يَأْخُذ من كل حالم دِينَارا أَو عدله من الْمعَافِرِي. وَقَوله: فنهد النَّاس اليه يسألونه يُرِيد: قَامُوا اليه يسألونه. وَمِنْه قيل نهد ثدي الْمَرْأَة اذا ارْتَفع. ونهدت لِلْعَدو اذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 صمدت لَهُم. وَقَالَ أَبُو دؤاد: من مجزوء الْكَامِل ... كمقاعد الرقباء للضرباء أَيْديهم نواهد ... والضرباء: الَّذين يضْربُونَ بِالْقداحِ فأيديهم مُرْتَفعَة. واحدهم: ضريب. والرقباء: الْأُمَنَاء عَلَيْهِم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ فِي العَبْد يكون تَحْتَهُ الْحرَّة أَو الْحر يكون تَحْتَهُ الْأمة أَيهمَا رق نقض الطَّلَاق برقه وَالْعدة للنِّسَاء. يرويهِ معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر. يَقُول: ان كَانَ الزَّوْج عبدا وَالْمَرْأَة حرَّة أَو كَانَ الزَّوْج حرا وَالْمَرْأَة أمة فانها تبين مِنْهُ بتطليقتين. وَهَذَا مَذْهَب النَّاس على غَيره أَو أَكْثَرهم. كَانَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وعبد الله يَقُولَانِ: الطَّلَاق بِالنسَاء يعنيان أَن الْحرَّة لَا تبين تَحت الْمَمْلُوك بِأَقَلّ من ثَلَاث وَتبين الْأمة تَحت الْحر بِاثْنَتَيْنِ وَهَذَا مَذْهَب الثَّوْريّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 وَقَالَ زيد بن ثَابت: الطَّلَاق بِالرِّجَالِ. يَعْنِي: ان الْحرَّة تَحت الْمَمْلُوك تبين بِاثْنَتَيْنِ وَلَا تبين الْمَمْلُوكَة تَحت الْحر بِأَقَلّ من ثَلَاث وَهُوَ مَذْهَب الْحِجَازِيِّينَ. وَأما قَوْله: وَالْعدة للنِّسَاء فان الْكُوفِيّين والحجازيين مجمعون على ذَلِك. وَالْمعْنَى: ان الْمَرْأَة ان كَانَت حرَّة اعْتدت بالوفاة أَرْبَعَة أشهر وَعشرا اَوْ بِالطَّلَاق ثَلَاث حيض تَحت حر كَانَت أَو عبد. وان كَانَت أمة اعْتدت بالوفاة شَهْرَيْن وَخَمْسَة أَيَّام وبالطلاق حيضتين تَحت عبد كَانَت أَو حر. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَامَ الى مقرى بُسْتَان فَقعدَ يتوطأ فَقيل لَهُ: أتتوضأ وَفِيه هَذَا الْجلد فَقَالَ: اذا كَانَ قُلَّتَيْنِ لم يحمل نجسا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 يرويهِ عَفَّان عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم بن الْمُنْذر. المقرى الْحَوْض واكثر مَا يُقَال: مقراة بِالْهَاءِ للحوض فَسُمي بذلك لِأَنَّهُ يقرى فِيهِ المَاء أَي: يجمع. يُقَال: قريت المَاء فِي الْحَوْض أَي: جمعته. والقاري من الدَّوَابّ الَّذِي يجمع الْعلف فِي شدقه. يقا ل: قرى يقرى. والمقرى ايضا انآء يقرى فِيهِ الضَّيْف. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: لَو مَرَرْت على نهي نصفه مَاء وَنصفه دم لشربت مِنْهُ وتوضأت. وَالنَّهْي: الغدير. وانما سمي نهيا لِأَن المَاء يَنْتَهِي اليه وَكَذَلِكَ التنهية هُوَ الْموضع يقف فِيهِ المَاء. سمي بذلك لِأَن المَاء يُنْهِي اليه وَجَمعهَا: تناه. وَيُقَال: انما قيل للغدير نهي لِأَن لَهُ حاجزا ينْهَى المَاء ان يفِيض مِنْهُ. وَكَذَلِكَ الْحَبْس هوالماء المستنقع سمي بذلك لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ حبس. وَيُقَال: الْحَبْس حِجَارَة تحبس تبنى فِي مجْرى المَاء لتحبسه للشاربة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر ان عُيَيْنَة بن حصن أَخذ عجوزا من هوَازن فَلَمَّا رد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السبايا بست قَلَائِص أَبى أَن يردهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو صرد: خُذْهَا اليك فوَاللَّه مَا فوها ببارد وَلَا ثديها بناهد وَلَا بَطنهَا بوالد وَلَا زَوجهَا بواجد وَلَا درها بماكد أَو ناكد. فَردهَا وشكا الى الْأَقْرَع فَقَالَ: انك مَا أَخَذتهَا بَيْضَاء غريرة وَلَا نصفاء وثيرة. يرويهِ مُحَمَّد بن اسحق عَن نَافِع عَن ابْن عمر. وَقَوله: وَلَا زَوجهَا بواجد أَي: محب والوجد الْمحبَّة. يُقَال: فلَان يجد بفلانة وجدا شَدِيدا. وَقَوله: وَلَا درها بماكد أَي: دَائِم. يُقَال: مكد بِالْمَكَانِ يمكد بِهِ اذا أَقَامَ. والمكود: الَّتِي يَدُوم لَبنهَا وَلَا يَنْقَطِع قَالَ حميد ابْن ثَوْر: من الطَّوِيل ... فصاف صنيعا يمتري أرحبية ... مكودا اذا مَا الخور حارد جودها ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 وان كَانَ الْمَحْفُوظ: ناكدا فانه أَرَادَ الغزيز والنكد من الابل: الغزيرات اللَّبن. قَالَ الْكُمَيْت يذكر جديا: من الطَّوِيل ... وَلم يَك فِي النكد المقاليت مشخب ... وَكَأن الْحَرْف من الأضداد. والغريرة والغرة والغر: الحدثة الَّتِي لم تجرب الْأُمُور. والوثيرة: الوطيئة. حَدَّثَنى أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم الْأَصْمَعِي عَن المنتجع بن نَبهَان عَن النوار قَالَ: النِّسَاء فرش فَخَيرهَا أوثرها. . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: من حلف على يَمِين فِيهَا اصر فَلَا كَفَّارَة لَهَا. يرويهِ اسحق بن ابراهيم عَن أبي مُعَاوِيَة عَن حميل بن زيد عَن ابْن عمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 وَفِي الحَدِيث ان الاصر أَن يحلف بِطَلَاق أَو عتاق أَو مشي أَو نذر. والاصر الثّقل والشدة. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَلَا تحمل علينا إصرا كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا} وَيُقَال: أصرت الرجل أصرا اذا أَنْت حَبسته وضيقت عَلَيْهِ. فَأَرَادَ ابْن عمر ان الرجل اذا حلف بِالطَّلَاق أَو الْعتاق على شَيْء ثمَّ حنث لم تكن فِيهِ كَفَّارَة وَلم يكن فِيهِ الا أَن يُطلق أَو يعْتق. وَذَلِكَ أَن يَقُول: ان كلمت فلَانا فامرأته طَالِق أَو غلامي حر ثمَّ يكلمهُ. وَسمي الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالنّذر: اصرا لِأَنَّهَا أثقل الايمان وأضيقها مخرجا. وَقد أجمع الْفُقَهَاء على مَذْهَب ابْن عمر فِي الطَّلَاق أَنه لَا كَفَّارَة لَهُ. وَأما الْعتْق فقد ذكر عَن عَائِشَة انها رَأَتْ فِيهِ الْكَفَّارَة ووافقها على ذَلِك عَطاء وَالنَّاس جَمِيعًا بعد على أَنه بِمَنْزِلَة الطَّلَاق وَلَا كَفَّارَة لَهُ والاصر فِي مَوضِع آخر: الْعَهْد. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وأخذتم على ذَلِكُم إصري} . 318 - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ يفرق بِالشَّكِّ وَيجمع بِالْيَقِينِ. يرويهِ ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب. قَوْله: يفرق بِالشَّكِّ يَعْنِي فِي الطَّلَاق وَذَلِكَ أَن يحلف الرجل على امْر قد اخْتلف النَّاس فِيهِ وَلَا يعلم من الْمُصِيب مِنْهُم. كَرجل قَالَ: كل امْرَأَة لي بِالْبَصْرَةِ طَالِق وَامْرَأَته بسفوان. وَأهل الشَّام وَأهل الْحجاز يَزْعمُونَ انها من الْبَصْرَة وَأهل الْبَصْرَة يَزْعمُونَ انها لَيست من الْبَصْرَة. فَكَانَ ابْن عمر يفرق عِنْد مثل هَذَا من الشَّك احْتِيَاطًا. وَقد رُوِيَ عَن جَابر بن زيد فِي هَذِه الْقِصَّة بِعَينهَا أَنه لم ير فِيهَا طَلَاقا وَأَحْسبهُ كَانَ لَا يرى أَن يفرق فِي مثل هَذَا الا بِالْيَقِينِ أَو كَرجل كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ فَبت طَلَاق احديهما بِعَينهَا ثمَّ أشكل عَلَيْهِ أَيَّتهمَا هِيَ فَكَانَ ابْن عمر يفرق عِنْد مثل هَذَا من الشَّك بَينه وَبَين امرأتيه جَمِيعًا. فان تبين لَهُ بعد الشَّك ايتهما طلق واستيقن ذَلِك جمع بَينه وَبَين الْأُخْرَى الَّتِي لم تطلق وَهُوَ معنى قَوْله: وَيجمع بِالْيَقِينِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ يتَوَضَّأ ويغتسل بالحميم. يرويهِ اسماعيل بن ابراهيم عَن أَيُّوب عَن نَافِع. ويروى مثله عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ. الْحَمِيم: المَاء الْحَار. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {يصب من فَوق رؤوسهم الْحَمِيم} وَهُوَ أَيْضا: الْعرق وبالحميم سمي الْحمام. قَالَ المرقش وَذكر امْرَأَة: من المنسرح. ... فِي كل يَوْم لَهَا مقطرة ... ذَات كباء معد وحميم ... مقطرة: مجمرة. وَهِي مفعلة من الْقطر وَهُوَ الْعود الَّذِي يتبخر بِهِ. وَالَّذِي يُرَاد من الحَدِيث: انه كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ وَقد عملت فِيهِ النَّار. وَالنَّاس على هَذَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه لَا فرق بَينه وَبَين الْبَارِد الا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 مَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد فانه رُوِيَ: انه كَانَ لَا يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ السخن الا فِي حَال ضَرُورَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ يَغْدُو فَلَا يمر بسقاط وَلَا صَاحب بيعَة الا سلم عَلَيْهِ. يرويهِ مَالك عَن اسحق بن عبد الله عَن الطُّفَيْل بن أبي بن كَعْب. السقاط: بَائِع سقط الْمَتَاع وَهُوَ رذاله. والعوام تسميه: السَّقطِي. وبيعة من البيع مثل ركبة وشربة وسيمة من ساومت بِالْبيعِ سوما. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن الْفِتْنَة ذكرت عِنْده فَقَالَ: لأكونن فِيهَا مثل الْجمل الرداح الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْحمل الثقيل فيهرج فيبرك وَلَا ينبعث حَتَّى ينْحَر. يريويه عَليّ بن مُحَمَّد عَن الْحسن بن دِينَار عَن الْحسن. الرداح: الْجمل الْعَظِيم من الابل وَقَوله: يهرج أَي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 يسدر. يُقَال: هرج الْبَعِير يهرج هرجا. قَالَ أَبُو النَّجْم: من الرجز ... فِي يَوْم قيظ ركدت جوزاؤه ... وظل مِنْهُ هرجا حرباؤه ... قَوْله: ركدت حوزاؤه: أَي: ركد بارحها. نجز وَللَّه الْمِنَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 - حَدِيث ابي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ انه صلى فَلَمَّا جلس فِي آخر الصَّلَاة سمع قَائِلا يَقُول: قرنت الصَّلَاة بِالْبرِّ وَالزَّكَاة. فَقَالَ: أَيّكُم الْقَائِل كَذَا فأرم الْقَوْم فَقَالَ: لَعَلَّك يَا حطَّان قلتهَا قلت: مَا قلتهَا وَلَقَد خشيت أَن تبكعني بهَا. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ أَبُو وَائِل ثناه أَبُو دَاوُد عَن هِشَام عَن قَتَادَة عَن يُونُس بن جُبَير عَن حطَّان بن عبد الله الرقاشِي. قَوْله: أرم الْقَوْم أَي: سكنوا فَلم يتكلموا. قَالَ الراجز: من الرجز ... يردن وَاللَّيْل مرم طَائِره ... مرخى رواقاه هجود سامره ... وَيُقَال: أرم الْعظم اذا صَار فِيهِ رم أَي: مخ. ورم اذا يَلِي وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {قَالَ من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 وَقَوله: تكبعني بهَا أَي تستقبلني بهَا. قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال بكعت الرجل بكعا اذا استقبلته بِمَا يكره وَهُوَ نَحْو: التبكيت. يُقَال بكته بِذَنبِهِ تبكيتا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ: أَنه قَالَ: دلوني على مَكَان أقطع بِهِ هَذِه الفلاة فَقَالُوا: هويجة تنْبت الأرطى بَين فلج وفليج فحفر بِالْحفرِ وَلم يكن بالمنجشانية وماوية قَطْرَة الا ثماد ايام الْمَطَر ثمَّ اسْتعْمل سَمُرَة الْعَنْبَري على الطَّرِيق فَأذن لمن شَاءَ أَن يحْفر فابتدؤوا فِي يَوْم سبعين فَمَا من أَفْوَاه البئار. حَدَّثَنِيهِ أبي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: سَمِعت القسومي يذكرهُ من ولد زبيب بن ثَعْلَبَة الْعَنْبَري يذكرهُ. الهويجة: الْموضع المطمئن من الأَرْض والثماد: جمع ثَمد وَهُوَ المَاء الْقَلِيل. يُقَال: مَاء مثمود اذا كثر عَلَيْهِ النَّاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 حَتَّى يفنى وَقد ثمدته النِّسَاء اذا نزفت مَاءَهُ لِكَثْرَة الْجِمَاع. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ انه كتب إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: انا وجدنَا بالعراق خيلا عراضا دكا فَمَا يرى أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي اسهامها فَكتب اليه عمر: تِلْكَ البراذين فَمَا قارف الْعتاق مِنْهَا فَاجْعَلْ لَهُ سَهْما وَاحِدًا وألغ مَا سوى ذَلِك. يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن مُحَمَّد بن رَاشد عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى. الدك: جمع أدك وَهُوَ العريض الظّهْر. وَيُقَال: الْقصير العريض. وَمن ذَلِك قيل للرابية: دكاء وَقيل للجبل الذَّلِيل: دك. وَجمع دكاء: دكاوات. وَجمع الدك: دككة. وَأرى أَصله من: دككت الشَّيْء اذا أَلْصَقته بِالْأَرْضِ. قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِذا جَاءَ وعد رَبِّي جعله دكاء} أَي: مدكوكا مُلْصقًا بِالْأَرْضِ. وَيُقَال للناقة الَّتِي لَا سَنَام لَهَا: دكاء. وَقَوله: فَمَا قارف الْعتاق مِنْهَا أَي: دنا وشاكلها. وَقد اخْتلف النَّاس فِي اسهام البراذين وَالْخَيْل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 فَكَانَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ يرَوْنَ الْخَيل والهجن سَوَاء اذا لحقت لُحُوق الْفرس. وَقَالَ الشَّافِعِي: الهجن والبراذين بِمَنْزِلَة الْخَيل اذا أجازها الْوَالِي. وَهُوَ أَيْضا مَذْهَب الثَّوْريّ غير أَن الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ يسهمان للْفرس أَو البرذون سَهْمَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُسهم لَهُ سهم وَلَا تفضل بَهِيمَة على انسان. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يفضل الْفرس على الهجين. وَأرى عمر فِي هَذَا الحَدِيث قد أسْهم لما أشبه الْعتاق من البراذين وألغى غَيرهَا مِمَّا لم يشبه الْعتاق فَلم يُسهم لَهُ. حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة ان الشّعبِيّ قَالَ: أول من عرب العراب رجل من وَادعَة هَمدَان اغارت الْخَيل فصبحت الْعَدو وأبطأت الكوادن فَجَاءَت ضحى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 فاسهم للعراب وَترك الكوادن. ثمَّ كتب الى عمر بن الْخطاب بذلك فَقَالَ: هبلت الوادعي أمه. لقد أذكرني أمرا كنت أنسيته. وَقَالَ غير أبي عُبَيْدَة: لقد أدكرت بِهِ أمرا. وَكتب اليه: أَن نعم مَا صنعت. ومقارفة البراذين الْعتاق أَن تقاربها فِي اللحوق والسرعة. وَأما المقاربة فِي الْخلقَة فانما تقع بَين الْعَتِيق والهجين وَبَين المقرف والهجين. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الهجنة من قبل الْأُم والاقراف من قبل الاب. وَأنْشد لهِنْد بنت النُّعْمَان بن بشير فِي روح بن زنباع: من الطَّوِيل ... وَهل هِنْد الا مهرَة عَرَبِيَّة ... سليلة أَفْرَاس تجللها بغل ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 .. فان نتجت مهْرا كَرِيمًا فبالحرى ... وان يَك اقراف فَمن قبل الْفَحْل ... هَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوب عَن من سَمعه من أبي عُبَيْدَة. وَالَّذِي حَكَاهُ لي أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة فِي كتاب: الْخَيل انه قَالَ: الاقراف أَن يضْرب فهيا عرق البراذين وَلم يذكر من أَي جِهَة ذَلِك. وروى الْأَصْمَعِي أَن سُلَيْمَان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ ميز بَين الْعتاق والهجن لما تشابهت على عمر فَدَعَا بترس أَو بطست مَاء فَوضع بِالْأَرْضِ ثمَّ أُوتيت الْخَيل فَشَرِبت مِنْهُ فَمَا ثنى سنبكه ثمَّ شرب جعله هجينا لِأَن عُنُقه قصرت فَاحْتَاجَ الى أَن يثني سنبكه حَتَّى يبلغ المَاء وَمَا لم يثن سنبكه جعله عتيقا لِأَن عُنُقه طَالَتْ فاستغنى عَن ثني سنبكه. نجز وَللَّه الْمِنَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 - حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ انه أقسم لِأَن أكون عبدا حَبَشِيًّا فِي أعنز حضنيات أرعاهن حَتَّى يدركني أَجلي احب الي من أَن أرمي فِي أحد الصفين بِسَهْم أصبت أَو أَخْطَأت. حضنيات منسوبة الى حضن وَهُوَ جبل عَظِيم بِنَجْد تَقول الْعَرَب فِي مثل: انجد من رأى حضنا. يَقُول: فَلِأَن أكون عبدا رَاعيا فِي هَذَا الْجَبَل بِنَجْد احب الي من أَن أشهد حَربًا فِي فتْنَة. نجز وَللَّه الْمِنَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 - حَدِيث سهل بن حنيف وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سهل رَضِي الله عَنهُ ان عَامر بن ربيعَة قَالَ: انْطَلَقت أَنا وَسَهل نلتمس الْخمر فَوَجَدنَا خمرًا وغدير مَاء. وَدخل المَاء فَنَظَرت فَأَعْجَبَنِي خلقه فَأَصَبْته بِعَين فَأَخَذته قفقفة. الْخمر: مَا واراك من الشّجر. يقا ل: ذِئْب خمر اذا كَانَ يلْزم الْخمر وَلَا يظْهر. كَمَا يُقَال: ذِئْب الغضا وسرحان الغضا. والقفقفة: الرعدة. قَالَ جرير: من الطَّوِيل ... هم رجعوها مسحرين كَأَنَّمَا ... بجعثن من حى الْمَدِينَة قفقف ... نجز وَللَّه الْمِنَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 - حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس انه ذكر عِنْده قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ حرمتهن آيَة وأحلتهن آيَة. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: تحرمهن عَليّ قَرَابَتي مِنْهُنَّ وَلَا تحرمهن عَليّ قرَابَة بَعضهنَّ من بعض. حَدَّثَنِيهِ أبي حدثنهي مُحَمَّد بن عبيد قَالَ: ثناه سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عِكْرِمَة. أما قَول عَليّ: حرمتهن آيَة وأحلتهن آيَة فانه اراد للأخوات من الاماء دون الْحَرَائِر. فالآية الَّتِي حرمت الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ من الا مَاء قَول الله جلّ وَعز فِي آيَة التَّحْرِيم: {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ} . فَلم يشْتَرط حرَّة دون أمة. وَالْآيَة الَّتِي أحلته قَوْله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} . فَلم يسْتَثْن من ملك الْيَمين شَيْئا فَهُوَ على الْعُمُوم. واراد ابْن عَبَّاس أَن يخبر بِالْعِلَّةِ الَّتِي وَقع من أجلهَا تَحْرِيم الْجمع بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 الْأُخْتَيْنِ الحرتين ليدل بهَا على الْحَال فِي الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ الأمتين فَقَالَ: لم يَقع ذَلِك بِقرَابَة احدى الْأُخْتَيْنِ الحرتين من الْأُخْرَى لِأَن التَّحْرِيم لَو كَانَ من أجل ذَلِك لم يحل بعد وَطْء وَاحِدَة مِنْهُمَا وَطْء الْأُخْرَى أبدا كَمَا لَا يجوز وَطْء الْأُم مَعَ الْبِنْت وَلَا بعْدهَا أبدا وَلكنه وَقع من أجل قرَابَة الرجل مِنْهُمَا لِأَن ذَوي محارم الْمَرْأَة مثل: أَبِيهَا وعمها وخالها وَابْن أَخِيهَا وَابْن أُخْتهَا وَمن النِّسَاء مثل: أمهَا وعمتها وخالتها وَبنت اختها هم قَرَابَات الرجل بالختونة والصهر وَهُوَ قرابتهم مَا كَانَت الْمَرْأَة تَحْتَهُ فَحرم عَلَيْهِ أَن يتَزَوَّج الْأُخْت على الْأُخْت لِأَنَّهَا من أصهاره. وَكَذَلِكَ حرم عَلَيْهِ أَن يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَالْمَرْأَة وخالتها لِأَن عمَّة الْمَرْأَة اذا جَعلتهَا رجلا كَانَت عَمَّا وَهُوَ محرم الْمَرْأَة. وَهَذَا معنى قَول سُفْيَان الثَّوْريّ: يكره للرجل أَن يجمع بَين امْرَأتَيْنِ. وَلَو كَانَت أحداهما رجلا لم تحل لَهُ الْأُخْرَى اذا كَانَ ذَلِك من نسب وَلَيْسَت بنت الْعم وَلَا بنت الْخَال كَذَلِك لِأَنَّك اذا جعلت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ذكرا لم يكن للْمَرْأَة محرما فَجَاز للرجل أَن يجمع بَين ابْنَتي عميه وابنتي خاليه. وَالدَّلِيل على أَن الصهر قرَابَة من تَأْوِيل الْكتاب قَول بعض الْمُفَسّرين فِي قَول الله عز وَجل: {وَجعل لكم من أزواجكم بَنِينَ وحفدة} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 أَرَادَ بالحفدة الْأخْتَان أفما نرَاهُ على هَذَا التَّأْوِيل قد قرنهم بالبنين وجعلهم هبة من الْأزْوَاج. وَقَوله جلّ وَعز: {وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا} أَرَادَ بِالنّسَبِ قرَابَة النّسَب والصهر قرَابَة النِّكَاح. وَالدَّلِيل على ذَلِك من النّظر ان الله جلّ وَعز ورث كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ صَاحبه كَمَا ورث قَرَابَات النّسَب وَلم يحجبهما عَن الْمِيرَاث بِأحد وَعلة التوريث هِيَ الْقَرَابَة الَّتِي وَقعت بَينهمَا بِالنِّكَاحِ لَا النِّكَاح لِأَن الْمَرْأَة قد أخذت ثمن الْبضْع وَهُوَ الْمهْر. فلولا الْقَرَابَة مَا ورثته وَلَا ورثهَا وَالدَّلِيل من اللُّغَة ان الصهر عِنْدهم قرَابَة النّسَب ايضا. يَقُولُونَ: فلَان مصهر بِنَا اذا كَانَ نسبه نسبهم وَمن ذَلِك قَول زُهَيْر: من الْبَسِيط ... فَضله فَوق أَقوام ومجده ... مَا لم ينالوا وان عزوا وان كرموا ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 قَود الْجِيَاد وأصهار الْمُلُوك وصبر فِي مواط ن لَو كَانُوا بهَا سئموا قَالُوا: لم يرد هَاهُنَا ختونة الْمُلُوك وانما أَرَادَ الْقَرَابَة مِنْهُم فان احْتج مُحْتَج بِأَن الرجل يُوصي لأقربائه بشىء يكون ذَلِك لِقَرَابَتِهِ بِالنّسَبِ من أَبِيه وَأمه. وَلَا يكون لأهل بَيت لقرابة مِنْهُ شَيْء قيل لَهُ: ان الصهر وان كَانَ بِمَعْنى الْقَرَابَة فانه شهر وَاسْتعْمل فِي قرَابَة النِّكَاح دون النّسَب وانما تقع الْأَحْكَام على مَا يتعارف النَّاس ويستعملون وَهَذَا بِمَنْزِلَة قَول الرجل: ثُلثي لموَالِي فَيكون ذَلِك لمواليه بالعتاقة دون بني عَمه وقرابته وهم أَيْضا موَالِيه وَأرى ابْن عَبَّاس قد أخرج لَا مَاء بِهَذَا القَوْل مِمَّن حكم الْحَرَائِر لِأَنَّهُ لَا قرَابَة بَين الرجل وَبَين ملك يَمِينه وَالنَّاس على غير هَذَا لَا يرَوْنَ بَين الحرتين والأمتين فرقا فِي تَحْرِيم الْجمع بَينهمَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: ان حل لتوطىء وتؤذي وتشغل عَن ذكر الله جلّ وَعز. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد ثناه ابْن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: حل هُوَ زجر النَّاقة يُقَال لَهَا: حل وَحل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 اذا حثثتها على السّير. وَالْمعْنَى أَن زجرك نَاقَتك واعجالك اياها فِي الافاضة من عَرَفَات توطىء النَّاس وتؤذيهم ويشغلك عَن ذكر الله يوقل: فسر على هينتك فَأَما زجر الذُّكُور من الأبل فحوب وحوب وحوب. وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدَّثَنِيهِ أبي حَدثنِي القومسي عَن الْحمانِي عَن أبي الْأَحْوَص عَن سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه كَانَ اذا قدم من سفر قَالَ: آيبون تائبون لربنا حامدون حوبا حوبا. كَأَنَّهُ كَانَ اذا فرغ من هَذَا الْكَلَام زجر بعيره وَقَالَ دُكَيْن: من الزجز ... اليك وجهنا الْمطِي نزجره ... حوب وعاج وَحل نذكرهُ ... وَيُقَال: وعاج أَيْضا. وَفِي حَدِيث آخر انه كَانَ اذا دخل أَهله قَالَ: توبا توبا لَا يُغَادر علينا حوبا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 وَالْحوب هَاهُنَا الاثم وَلَيْسَ هُوَ من الأول فِي شَيْء وَفِيه ثَلَاث لُغَات: حوب وحوب وحاب. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ ان أَبَا خيرة قَالَ: سَأَلته فَقلت: أأقصر الصَّلَاة الى الأبلة قَالَ: تذْهب وَترجع من يَوْمك قلت: نعم. قَالَ: لَا الا يَوْمًا متاحا. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ عَبده الصفار عَن عبد الصَّمد عَن شُعْبَة عَن شبيل الضبعِي عَن أبي خيرة. يُرِيد: لَا تقصر الصَّلَاة الا فِي مسيرَة يَوْم تَامّ الى اللَّيْل. وَمثل قَول ابْن عمر: لَا تقصر الصَّلَاة الا فِي يَوْم تَامّ. وَكَذَلِكَ يَوْم آخر ذُو جريد وبريد أَي: تَامّ. وَقد اخْتلف النَّاس فِي مِقْدَار السّفر الَّذِي تقصر فِيهِ الصَّلَاة. فَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: تقصر فِي مسيرَة ثَلَاثَة ايام سير الابل ومشي الْأَقْدَام. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: من خرج من الْكُوفَة الى الْمَدَائِن قصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وَأفْطر وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ فرسخا. وَكَانَ الثَّوْريّ يَقُول: قصر الصَّلَاة فِي السّفر يكون ثَلَاثَة أَيَّام من غير تَوْقِيت فِي الفراسخ. قَالَ: وَكَانَ بعض الْفُقَهَاء يقصر فِي مسيرَة يَوْم وَبَعْضهمْ فِي مسيرَة يَوْمَيْنِ. وَالثَّلَاثَة الْأَيَّام أحب الينا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يقصر الْمُسَافِر الا أَن يكون سَفَره الَّذِي يُرِيد ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين ميلًا بالهاشمي. وَرَأَيْت اسحق بن رَاهَوَيْه يَقُول فِي هَذَا قولا يجمع الْأَقَاوِيل قَالَ: اذا كَانَ سفرك أَرْبَعَة برد بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين ميلًا قصرت الصَّلَاة. وَذَلِكَ يَوْم تَامّ للمسرع وَثَلَاثَة للمبطىء الَّذِي يسير بعض الْيَوْم ويحط فِي بعضه. قَالَ: وَأَخْطَأ هَؤُلَاءِ حَيْثُ وقتوا ثَلَاثِينَ فرسخا من غير سنة وَهُوَ يَقُولُونَ فِي الظَّاهِر ثَلَاثَة أَيَّام للمبطىء على الدَّوَابّ وللمشاة على الْأَقْدَام. وَمن يشك فِي ان الْمَاشِي على قَدَمَيْهِ لَا يقدر أَن يديم مشي عشرَة فراسخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 فِي كل يَوْم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: الْحجر الْأسود يَمِين الله فِي الأَرْض يُصَافح بهَا عباده أَو قَالَ: خلقه كَمَا يُصَافح النَّاس بَعضهم بَعْضًا. حَدَّثَنِيهِ أبي ثناه أَبُو سُفْيَان الغنوي ثناه عبد الله بن يزِيد عَن عباد بن أبي خَليفَة أَو عباد بن أبي حليمة عَن ابراهيم بن يزِيد عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. هَذَا تَمْثِيل وتشبيه وَأَصله: أَن الْملك كَانَ اذا صَافح رجلا قبل الرجل يَده. وَكَأن الْحجر للله جلّ وَعز بِمَنْزِلَة الْيَمين للْملك يسْتَلم ويلثم. وَقَالَ ابْن عَائِشَة: ان الله جلّ وَعز حِين أَخذ الْمِيثَاق من بني آدم {وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} . قَوَّال: أما سَمِعْتُمْ اذا لمسوه يَقُولُونَ: ايمانا بك ووفاء بعهدك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ لَا يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر وَيَقُول: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أَمر أَن يقْرَأ فِيهِ وَسكت فِيمَا أَمر أَن يسكت فِيهِ لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة وَمَا كَانَ رَبك نسيا. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب عَن حَمَّاد عَن زيد عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة يذهب قوم فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث الى ان صَلَاة الظّهْر وَالْعصر لَا قِرَاءَة فيهمَا. واجماع الْمُسلمين على أَنه لَا صَلَاة الا ظَاهِرَة أَو مخفأة الا من غلط فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث. وانما أَرَادَ عِكْرِمَة أَن ابْن عَبَّاس كَانَ لَا يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر جَهرا وَيسمع أُذُنَيْهِ وَرَأى قوما يقرؤون فيسمعون أنفسهم وَمن قرب مِنْهُم فَنهى عَن ذَلِك وَأمرهمْ أَن ياتسوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالدَّلِيل على مَا قُلْنَا قَوْله جلّ وَعز: {وَمَا كَانَ رَبك نسيا} يُرِيد: أَن الْقِرَاءَة الَّتِي تجْهر بهَا أَو تحرّك بهَا لسَانك وتسمعها نَفسك يَكْتُبهَا الْمَكَان فاذا أَنْت قَرَأت فِي نَفسك لم يكتباها لَك الا ان الله جلّ وَعز لَيْسَ نسيا مَا لم يكتباه وَلَا يغفله. وَنَحْو هَذَا قَول أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 هُرَيْرَة: اقْرَأ بهَا يَا فَارسي فِي نَفسك. يَعْنِي فَاتِحَة الْكتاب خلف الامام وان جهر. يَقُول: لَا تحرّك بهَا لسَانك فَتكون قَارِئًا والامام يقْرَأ. وَلَكِن اجْعَل ذَلِك فِي نَفسك. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: اذا بعتم السرق فَلَا تشتروه. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد ثناه احْمَد بن عبد الله بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن حَيَّان بن عُمَيْر عَن ابْن عَبَّاس. السرق: الْحَرِير وَأَصله فَارسي سره أَي: جيد. فغرب. وَمثله من المعرب بِالْقَافِ الطابق وَالْخَنْدَق والفراتق انما هُوَ: بروانه والبرق: الْحمل انما هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 بره واليلمق: القباء وَأَصله: يلمه والرزدق السطر وَأَصله: رسته والمهرق: الصَّحِيفَة وَأَصله: مهره. والموق: الْخُف وَأَصله: موزه ويعرب أَيْضا فَيُقَال: موزج. وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان امْرَأَة رَأَتْ كَلْبا فِي يَوْم حَار يطِيف ببئر قد أدلع لِسَانه من الْعَطش فنزعت لَهُ بموقها فغفر لَهَا. وَمِمَّا أعرب من الْفَارِسِي أَيْضا حَدثنِي أبي خبرني السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الزرجون الْخمر. وَأَصله بِالْفَارِسِيَّةِ: زركون أَي: لون الذَّهَب قَالَ: والقفشليل: المغرفة وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ: الكفجلاز والكرد: الْعُنُق وَأَصله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 بالفارسة: كردن. وخبرني عَن أبي عُبَيْدَة انه رُبمَا وَافق الأعجمي الْعَرَبِيّ. قَالُوا: غزل سخت أَي: صلب. والزور: الْقُوَّة. والدست: الصَّحرَاء وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ: دشت وَلم يكن ذهب الى أَن فِي الْقُرْآن شَيْئا من غير لُغَة الْعَرَب. وَكَانَ يَقُول: هُوَ اتِّفَاق بَين اللسانين. وخبرنا بِمثل ذَلِك عَن أبي عُبَيْدَة عبد الله بن مُحَمَّد بن هانىء. وَكَانَ غَيره يزْعم ان القسطاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 الْمِيزَان بلغَة قوم من الرّوم. والمشكاة: الكوة بِلِسَان الْحَبَشَة والسجيل بِالْفَارِسِيَّةِ: سنك وكل. وَالطور: الْجَبَل بالسُّرْيَانيَّة. واليم: الْبَحْر بالسُّرْيَانيَّة. وَأَرَادَ ابْن عَبَّاس بقوله اذا بعتم السرق فَلَا تشتروه: اذا بعتموه نَسِيئَة فَلَا تشتروه مِمَّن ابتاعه مِنْكُم بِنَقْد. وَلَيْسَ يكره هَذَا فِي الْحَرِير خَاصَّة دون غَيره وَلكنه فِي جَمِيع الْأَشْيَاء. وَلَا أرَاهُ خص الْحَرِير فِي هَذَا الحَدِيث الا أَنه بلغه عَن تجار انهم يبيعونه نَسِيئَة ثمَّ يشترونه نَقْدا مِمَّن باعوه مِنْهُ بِدُونِ الثّمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه لما بَايع النَّاس عبد الله بن الزبير قلت: أَيْن الْمَذْهَب عَن ابْن الزبير أَبوهُ حوارِي الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وجدته عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة بنت عبد المطلب وَعَمَّته خَدِيجَة بنت خويلد زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخالته أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة وجده صديق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَأمه أَسمَاء ذَات النطاقين فشددت على عضده ثمَّ أثر عَليّ الحميدات والتويتات والأسامات. فبأوت بِنَفس وَلم أَرض بالهوان ان ابْن أبي الْعَاصِ مَشى اليقدمية وَيُقَال: القدمية وان ابْن الزبير مَشى الْقَهْقَرَى. وَفِي حَدِيث آخر ان ابْن الزبير لوى ذَنبه ثمَّ قَالَ لعَلي ابْن عبد الله بن عَبَّاس: الْحق بِابْن عمك فغثك خير من سمين غَيْرك ومنك أَنْفك وان كَانَ أجدع فلحق عَليّ بِعَبْد الْملك بن مَرْوَان فَكَانَ آثر النَّاس عِنْده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 يرويهِ سُلَيْمَان بن أبي شيخ عَن مُحَمَّد بن الحكم عَن عوَانَة. ويروى أَيْضا بعض هَذِه الْأَلْفَاظ يحيى بن سعيد الْأمَوِي عَن الاعمش. قَوْله: مَشى اليقدمية أَي: تقدم بهمته وأفعاله. يُقَال: مَشى فلَان القدمية والقدمية. وان ابْن الزبير الْقَهْقَرَى: أَي: نكص على عقيبة وَتَأَخر عَن مَا تقدم لَهُ الآخر. وَقَوله: فبأوت بنفسي أَي: رفعتها وعظمتها. وأصل البأو التَّعْظِيم والتكبر. وَمِنْه قَول عمر فِي طَلْحَة بن عبد الله: لَوْلَا بِأَو فِيهِ وَأما قَوْله: أثر عَليّ الحميدات والتويتات والأسامات. فانه أَرَادَ آثر قوما من بني أَسد بن عبد العزى من قرَابَته وَكَأَنَّهُ صغرهم وحقرهم. قَالَ الْأَصْمَعِي: هم الحميديون من بني اسد من قُرَيْش. وَابْن أبي الْعَاصِ عبد الملك بن مَرْوَان نسبه الى أبي جده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 قَالَ عبد الله بن الزبير الْأَسدي فِي هَذَا الْمَعْنى: من الطَّوِيل ... مَشى ابْن الزبير الْقَهْقَرَى وَتَقَدَّمت ... أُميَّة حَتَّى أحرزوا القصبات ... يُرِيد: قصبات السَّبق. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه ذكر ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين جَاءَ باسماعيل وَهَاجَر فوضعهما بِمَكَّة فِي مَوضِع زَمْزَم ثمَّ تَركهمَا فَلَمَّا ظمىء اسماعيل جعل يدحض الأَرْض بعقبيه وَذَهَبت هَاجر حَتَّى علت الصَّفَا الى الْوَادي والوادي يَوْمئِذٍ لَاحَ. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن ابْن عَائِشَة عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس. اللاح: الضّيق. يُرِيد أَن ذَلِك كَانَ بِكَثْرَة الشّجر وَالْحِجَارَة ثمَّ وسع بعد وَمن هَذَا يُقَال: لححت عينه اذا التصقت. وَيُقَال: مَكَان لحح أَي: ضيق ولاح. وَقَالَ الشماخ يذكر الْعَينَيْنِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 .. بخوصاوين فِي لحح كنين ... يُرِيد: عينين فِي مَوضِع لحح أَي: ضيق يَعْنِي مستقرهما. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن الْمَدّ والجزر فَقَالَ: ملك مُوكل بقاموس الْبحار فاذا وضع قدمه فاضت واذا رَفعهَا غاضت. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ ابْن مَرْزُوق عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن صباح عَن أَشْرَس عَن ابْن عَبَّاس. الْقَامُوس من الْبَحْر: وَسطه ومعظم مائَة. وَهُوَ فاعول من القمس والقمس: الغوص. وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انه رجم رجلا ثمَّ صلى عَلَيْهِ وَقَالَ: انه الْآن لينقمس فِي رياض الْجنَّة. وَفِي حَدِيث آخر: فِي أَنهَار الْجنَّة. والقلمس: الْبَحْر نَفسه وَهُوَ الرجاف أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وأنشدني عبد الرحمن عَن عَمه: من الْكَامِل ... المطعمون الشَّحْم كل عَشِيَّة ... حَتَّى تغيب الشَّمْس فِي الرجاف ... قَالَ: وَكَانَ يَقُول فِي قَول لبيد: من الرجز ... حَتَّى اذا القت يدا فِي كَافِر أَنه الْبَحْر وَغَيره يَقُول: اللَّيْل. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ كَانَ أهل الْكتاب لَا يأْتونَ النِّسَاء الا على حرف. وَكَانَ الْأَنْصَار قد أخذُوا بذلك من صنيعهم وَكَانَ هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش يشرحون النِّسَاء شرحا مُنْكرا. بَلغنِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عبد الله بن نمير عَن مُحَمَّد بن اسحق عَن أبان بن صَالح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 قَوْله: يشرحون النِّسَاء يَعْنِي: يفتحونهن. وَمِنْه يُقَال: شرحت لَك الْأَمر اذا بَينته. انما هُوَ فتحك مَا انغلق مِنْهُ واحسب قَوْلهم: شرحت اللَّحْم من ذَلِك انما هُوَ فَتحته. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ} أَي يَفْتَحهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ ان رجلا قَالَ لَهُ: ان فِي حجري يَتِيما وان لَهُ ابلا فِي ابلي وَأَنا أمنح ابلي وأفقر فَمَا يحل لي من ابله فَقَالَ: ان كنت ترد نادتها وَتَهْنَأ جَرْبَاهَا وَتَلوط حَوْضهَا فَاشْرَبْ غير مُضر بِنَسْل وَلَا نَاهِك حَلبًا أَو قَالَ: فِي حلب. يرويهِ سُفْيَان عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن أبن عَبَّاس. بَلغنِي ان شَرط الرَّاعِي فِيمَا بَينه وَبَين من استرعاه مَاشِيَته أَن يَقُول المسترعي لِلرَّاعِي: ان عَلَيْك أَن ترد ضَالَّتهَا وَتَهْنَأ جربتها وَتَلوط حَوْضهَا ويدك مبسوطة فِي الرُّسُل مَا لم تنهك حَلبًا أَو تضر بِنَسْل فَيَقُول عِنْد ذَلِك الرَّاعِي لرب الْمَاشِيَة: لَيْسَ لَك أَن تذكر امي بِخَير وَلَا شَرّ وَلَك حذفة بالعصا عِنْد غضبك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 أَخْطَأت أم اصبت ولي مقعدي من النَّار وَمَوْضِع يَدي من الْحَار هَذَا مَا يرْوى عَنْهُم. وَلست أَدْرِي أَهَذا مَأْخُوذ من كَلَام ابْن عَبَّاس ام أَخذ ابْن عَبَّاس مَا قَالَ من هَذَا الشَّرْط. أما قَوْله: امنح وأفقر فقد فسرناه فِيمَا تقدم. وَقَوله: تلوط حَوْضهَا أَي تطينه وأصل اللوط اللصوق أَي: تلصق الطين بِهِ وَمِنْه قيل: فلَان ألوط بقلبي مِنْك وَفِيه لُغَة أُخْرَى: لَاطَ يليط وَهُوَ أليط بقلبي. وأنشدني ابْن حبَان عَن أَبِيه عَن أبي زيد: من الوافر ... الا قَالَت بهان فَلم تابق ... نعمت وَلَا يليط بك النَّعيم ... وَمِنْه حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ: أَنه كَانَ يليط أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة بِمن أدعاهم فِي الاسلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 وَيُقَال: هُوَ يمدر حَوْضه اذا أَخذ الْمدر فسد بِهِ حصاص مَا بَين حجارته. قَالَ بعض الْأَعْرَاب: من الْكَامِل ... خلق السَّمَاء وَأَهْلهَا فِي جُمُعَة ... وَأَبُوك يمدر حَوْضه فِي عَام ... وَقَوله: مَا لم تنهك حَلبًا أَي: مَا لم تستوعب مَا فِي الضَّرع وتستقصيه فتضر بِالْوَلَدِ. وانما رخص لَهُ فِي شرب فضل اللَّبن. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمعذرة وَهِي الخافضة: أشمية وَلَا تنهكيه فانه أحظى لَهَا عِنْد البعل يُقَال: عذرت الْغُلَام وأعذرته اذا ختنته. ونهكت النَّاقة فِي الْحَلب: جهدتها وَمِنْه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَمر ضرار ابْن الْأَزْوَر أَن يحلب نَاقَة وَقَالَ لَهُ: دع دَاعِي اللَّبن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 لَا تجهدن. يُرِيد: دع فِي الضَّرع مِنْهُ شَيْئا يسْتَنْزل اللَّبن وَلَا تنهكه حَلبًا فَيَنْقَطِع أَو يقل. وَلَيْسَ هَذَا من الْمَعْنى المذموم فِي شَيْء انما الْمَعْنى المذموم عِنْدهم: الكسع والتغزير. والكسع أَن تنصح الضرة بِمَاء بَارِد ثمَّ تضرب بالكف صعدا لتَصْعَد الدرة فِي الظّهْر فَيكون طرقا لَهَا فِي الْعَام الْمقبل وَقُوَّة فِي وَقتهَا ذَلِك. قَالَ الْحَارِث بن حلزة: من السَّرِيع ... لَا تكسع الثول بأغبارها ... انك لَا تَدْرِي من الناتج ... واصبب لأضيافك من رسلها ... فان شَرّ اللَّبن الوالج ... والأغبار جمع غبر وَهُوَ بَقِيَّة اللَّبن فِي الضَّرع. يَقُول: لَا تفعل هَذَا فانك لَا تَدْرِي لَعَلَّك تَمُوت أَو يغار على ابلك فَيذْهب بهَا: فَيصير مهنؤها لغيرك. وَقَالَ بعض الرجاز يذم رجلا: من الرجز ... أكبر مَا نعلمهُ من كفره ... أَن كلهَا يكسعه بغبره ولايبالى وَطئهَا فِي قَبره ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 سمع بقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان الابل وَالْغنم اذا لم يؤد صَاحبهَا الْحق عَلَيْهِ فِيهَا بطح لَهَا بقاع قرقر فوطئته. يَقُول: فَهَذَا لَا يُبَالِي أَن تطَأ بعد مَوته. وَيُقَال: جهدت الرجل أَيْضا فِي السُّؤَال اذا ألححت عَلَيْهِ وَلبن مجهود أَي: منتهك. قَالَ الشماخ وَذكر ابلا بالغزارة: من الْبَسِيط ... تضحى وَقد ضمنت ضراتها غرقا ... من ناصع اللَّوْن حُلْو غير مجهود ... ويروى: حُلْو الطّعْم مجهود. والمجهود فِي هَذِه الرِّوَايَة: المشتهى. يُقَال: جهد الطَّعَام اذا اشتهي. قَالَ أَبُو جَعْفَر عَن أَبِيه: غرقا جمع غرقة وَهُوَ دفْعَة من اللَّبن. وَكَذَلِكَ الكثبة. ناصع: أَبيض: غير مجهود: أَي ينهك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 وَلَا يجْهد فِي الْحَلب وَطلب الدرة أَي هُوَ يتحلب عفوا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا كَانَ أخلق للْملك من مُعَاوِيَة. كَانَ النَّاس يردون مِنْهُ أرجاء وَاد رحب لَيْسَ مثل الْحَصِير العقص يَعْنِي: ابْن الزبير ويروى: الْحصْر العصعص. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن همام بن مُنَبّه عَن ابْن عبا س. قَوْله: يردون مِنْهُ أرجاء وَاد وَاسع لَا يضيق على من ورده ليشْرب. والرجا: حرفه وشفيره. والحصر: الممسك الْبَخِيل. قَالَ الشَّاعِر: من الْكَامِل ... وَلَقَد تسقطني الوشاة فصادفوا ... حصرا بسرك يَا أميم ضنينا ... أَرَادَ: بَخِيلًا بسرك والحصور: الضّيق من الرِّجَال والعقص: السيء الْخلق المتلوي الْعسر. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 عكص. والشكس مثله. وَقَالَ ذُو الرمة: من الوافر ... وَلَا عقصا بحاجته وَلَكِن ... عَطاء لم يكن عدَّة مطالا ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس ان الْحسن ذكره فَقَالَ: كَانَ أول من عرف بِالْبَصْرَةِ صعد الْمِنْبَر فَقَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وفسرهما حرفا حرفا. وَكَانَ مثجا يسيل غربا. يرويهِ سُفْيَان عَن أبي بكر الْهُذلِيّ عَن الْحسن. قَوْله: وَكَانَ مثجا هُوَ من الثج والثج: السيلان. وَمِنْه قَول رَضِي الله جلّ وَعز عَنهُ: {وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجا} يُرِيد: انه يصب الْكَلَام صبا. وَقَوله: يسيل غربا أَي: يسيل فَلَا يَنْقَطِع: يُقَال: بِعَيْنِه غرب اذا كَانَت تسيل فَلَا تَنْقَطِع دموعها. قَالَ الشَّاعِر: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 من الرجز ... مَا لَك لَا تذكر أم عَمْرو ... الا لعينيك غرُوب تجْرِي ... قَالَ أَبُو زيد: الْغُرُوب: الدُّمُوع حِين تخرج من الْعين. والغربان من كل عين مقدمها ومؤخرها. قَالَ الْأَصْمَعِي: وأصل هَذَا كُله: الدَّلْو. والغرب فِي غير هَذَا حد الشَّيْء. وَيُقَال فِي الرجل غرب أَي: حِدة. وَمِنْه حَدِيث لِابْنِ عَبَّاس آخر سُئِلَ عَن السّلف فَقَالَ: أعن أبي بكر كَانَ وَالله برا تقيا من رجل كَانَ يصادى مِنْهُ غرب. وَسُئِلَ الْحسن عَن الْقبْلَة للصَّائِم فَقَالَ: اني أَخَاف عَلَيْكُم غرب الشَّبَاب. وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: لم أر امرأاة خيرا وَلَا أَكثر صَدَقَة وأوصل لرحم وأبذل لنَفسهَا فِي كل شَيْء يتَقرَّب بِهِ الى الله جلّ وَعز من زَيْنَب مَا عدا سُورَة من غرب كَانَ فِيهَا توشك مِنْهَا الْفَيْئَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 تُرِيدُ: كل خلالها محمودة مَا خلا سُورَة من حِدة وَالسورَة والثورة وَاحِد. يُقَال: سَار يسور وَمِنْه قيل: ساوره الْأسد. وَقيل للمعربد: سوار. قَالَ الأخطل: من الْبَسِيط ... وشارب مربح بالكأس نادمني ... لَا بالحصور وَلَا فِيهَا بِسوار ... وَمِنْه يُقَال: بِهَذَا الشَّرَاب سور. وَقَوْلها: توشك مِنْهَا الْفَيْئَة أَي: يتسرع مِنْهَا الرُّجُوع. وَقَوله: يصادي أَي يدارى. والمصاداة والمدالاة والمداجاة والمراداة والمداملة كل هَذَا فِي معنى المداراة ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن أَبَا بشامة قَالَ قلت لَهُ: اني قلت حَيَّة وَأَنا محرم فَقَالَ: هَل بهشت اليك. قَالَ قلت: لَا. قَالَ: لَا بَأْس بقتل الأفعو وَلَا برمي الحدوه. قَالَ: فَمَا نسيت خلاف كَلَامه لكلامنا. يرويهِ روح بن عبَادَة عَن عمرَان بن حدير عَن منقر أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 بشامة. قَوْله: هَل بهشت اليك. يُرِيد: هَل أَقبلت اليك تريدك يُقَال: قد بهش فلَان الى كَذَا اذا خف اليه يُريدهُ. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... سبقت الرِّجَال الباهشين الى العلى ... وَمِنْه الحَدِيث ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أرسل أَبَا لبَابَة الى الْيَهُود فبهش اليه النِّسَاء وَالصبيان يَبْكُونَ فِي وَجهه. وَأما قَوْله: الأفعو فان الْوَاو قد يبدلها بعض الْعَرَب من الْألف آخرا فَيَقُولُونَ: أفعو وحبلو. ذكر ذَلِك سِيبَوَيْهٍ وَغَيره. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 ان الله جلّ وَعز أوحى إِلَى الْبَحْر أَن مُوسَى يَضْرِبك فأطعمه فَبَاتَ وَله أفكل. يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن ابراهيم بن ميسرَة عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس. الأفكل: الرعدة. قَالَ النمر: من الطَّوِيل ... أرى أمنا أضحت علينا كَأَنَّمَا ... تجللها من نافض الْورْد أفكل ... يُرِيد: انها غضِبت حِين رَأَتْهُ يوثر بألبان ابله فأرعدت كَأَن بهَا حمى. وَالْأَرْض أَيْضا: الرعدة. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: أزلزلت الأَرْض أم بِي أَرض. أَي: بِي رعدة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس انه قَالَ: لَا تَأْكُلُوا من تعاقر الْأَعْرَاب فَانِي لَا آمن أَن يكون مِمَّا أهل بِهِ لغير الله. يرويهِ معَاذ عَن عَوْف عَن أبي رَيْحَانَة. تعاقر الْأَعْرَاب: عفرهم الابل وَذَلِكَ أَن يتبارى الرّجلَانِ ويتجاوروا فيعقر هَذَا ويعقر هَذَا حَتَّى يعجز أَحدهمَا أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 يبخل وَيكون ذَلِك للنَّاس فَنهى ابْن عَبَّاس عَن أكله اذ كَانَ رِيَاء وَسُمْعَة لم يرد الله بِشَيْء مِنْهُ. وَشبهه بِمَا أهل بِهِ لغير الله أَي: أُرِيد بِهِ غَيره. وَقد كَانَ غَالب أَبُو الفرزدق عَاقِر سحيم بن وثيل الريَاحي ففخر الفرزدق بذلك على جرير فَقَالَ جرير لتميم: من الطَّوِيل ... دعوا الْمجد الا أَن تسوقوا كزومكم ... وقينا عراقيا وقينا يَمَانِيا ... الكزوم: النَّاقة المسنة. يُرِيد: أَن تفخروا بِنَاقَة مُسِنَّة عقرهَا غَالب حِين عاقره سحيم. وقينا عراقيا يَعْنِي: البعيث وقينا يَمَانِيا يَعْنِي: الفرزدق. وانما جعل هَذَا عراقيا وَذَا يَمَانِيا لمواضع منازلهما. وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن طَعَام المتباريين أَن يُؤْكَل. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 كَانَ دحْيَة اذا قدم لم تبْق معصر الا خرجت تنظر اليه المعصر: الْجَارِيَة اذا دنت من الْحيض وَيُقَال: هِيَ الَّتِي أدْركْت. قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... قد أعصرت أَو قد دنا اعصارها ... وانما كن يخْرجن اليه لجماله. وَكَانَ جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشبه بِهِ واذا خرج المعاصير وَهن يحجبن ويمنعن من الْخُرُوج كَأَن النِّسَاء أَحْرَى بِالْخرُوجِ. وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وَعز: {وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجا} وَهِي السَّحَاب. وَالْأَصْل: معاصير الْجَوَارِي كَأَنَّهَا شبهت بهَا. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المعصرات: الكثيرات الْمَطَر. وَيُقَال: هِيَ ذَوَات الأعاصير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى الله عَنهُ انه قَالَ: الْجَرَاد نثرة حوت. يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أبي خَالِد الوَاسِطِيّ عَن رجل عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: نثرة حوت أَي: عطسته وَيُقَال: نشرت الشَّاة تنثر نثرا اذا عطست. والنثرة: الْأنف وانما قيل لأوّل نجم من الْأسد نثره الْأسد لأَنهم: أَرَادوا أَنفه. وَهُوَ من منَازِل الْقَمَر ونوءه عِنْدهم مَحْمُود وَمِنْه قيل للاستشاق: الاسنثار. وَالَّذِي يُرَاد من الحَدِيث: انه جعل الْجَرَاد من صيد الْبَحْر بِمَنْزِلَة السّمك يحل للْمحرمِ أَن يصيده ويأكله. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى الله عَنهُ أَنه سُئِلَ: مَا فِي أَمْوَال أهل الذِّمَّة فَقَالَ: الْعَفو. قَوْله: الْعَفو يُرِيد: أَنه قد عُفيَ لَهُم عَمَّا فِيهَا من الصَّدَقَة وَعَن الْعشْر فِي أَرضهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذَا فَكَانَ مَالك يَقُول: لَيْسَ عَلَيْهِم فِي أرضيهم وَلَا مَوَاشِيهمْ وَلَا فِي أَمْوَالهم شَيْء الا مَا أمروا بِهِ فِي تِجَارَتهمْ. والجزية على رؤوسهم انما الصَّدقَات على الْمُسلمين طهرة لَهُم. وَزَكَاة لأموالهم وَكَانَ الثَّوْريّ يري عَلَيْهِم الْعشْر. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: أَربع لَا يجنبن: الثَّوْب والانسان وَالْأَرْض وَالْمَاء. ذكره لنا اسحق ابْن رَاهَوَيْه وَفَسرهُ بِنَحْوِ هَذَا التَّفْسِير. قَالَ: الثَّوْب ان أَصَابَهُ عرق الْجنب لم ينجس وَكَذَلِكَ ان أَصَابَهُ عر ق الْحَائِض. والانسان ان صافحه جنب لم ينجس وَكَذَلِكَ ان صافحه مُشْرك أَو يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ. وَالْمَاء ان اغْتسل فِيهِ جنب أَو أَدخل يَده فِيهِ ينجس. وَالْأَرْض ان اغْتسل عَلَيْهَا جنب لم تنجس. والجنابة: النَّجَاسَة يُقَال: أجنبته فأجنب فَهُوَ مجنب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 وَقَالَ بَعضهم: وأصل الْجَنَابَة الْبعد وَكَأَنَّهُ من قَوْلك: جانبت الرجل اذا أَنْت قطعته وباعدته. ولج فلَان فِي جناب أَهله اذا لج فِي مباعدتهم. وَلذَلِك قَالُوا للغريب: جنب وللغربة: الْجَنَابَة. يقا ل: رجل غرُوب جنب اذا كَانَ غَرِيبا. وَنعم الْقَوْم هم لِجَار الْجَنَابَة أَي: لِجَار الغربة. فَسُمي الناكح مَا لم يغْتَسل جنبا لمجانبته النَّاس وَبعده مِنْهُم وَمن الطَّعَام حَتَّى يغْتَسل. كَمَا سمي الْغَرِيب جنبا لبعده من عشيرته ووطنه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: فِي الرجل يَسْتَفِيد المَال يُزَكِّيه يَوْم يستفيده. يرويهِ يزِيد عَن هِشَام بن حسان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. لَا أعلم أحدا قَالَ بِهَذَا الا أَن يكون للرجل مَال قد حَال عَلَيْهِ الْحول وَوَجَبَت فِيهِ الزَّكَاة ويستفيد فِي وَقت وجوب الزَّكَاة عَلَيْهِ مَالا آخر فيضمه اليه ويزكيه. وَهَذَا شَيْء يذهب اليه بعض الْفُقَهَاء وَبَعْضهمْ يَقُول: لَا زَكَاة على الْمُسْتَفَاد حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول من يَوْم يستفيده وَلَا يرى أَن عَلَيْهِ ان يضمه الى مَا قد وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة أَو يكون أَرَادَ بِالْمَالِ هَاهُنَا مَا تخرجه الأَرْض من الْحبّ. فالزكاة فِيهِ وَاجِبَة يُسْتَفَاد اَوْ فِي ثمنه يَوْم يقبض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه ذكر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَيَوْم فتنته فَقَالَ: دخل المحرب وأقعد منصفا على الْبَاب. الْمنصف: الْخَادِم والجميع مناصف. تَقول: نصفت الرجل فَأَنا أنصفه نصافة اذا خدمته. قَالَ عمر بن أبي ربيعَة: من الْبَسِيط ... قَالَت لَهَا ولأخرى من مناصفها ... لقد وجدت بِهِ فَوق الَّذِي وجدا ... أَي: لأخرى من خدمها. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: فِي قَول الله تَعَالَى: {وَجِئْنَا ببضاعة مزجاة} . الغرارة وَالْحَبل والخرص وَالشَّيْء. الْخرص: الْحلقَة حَلقَة القرط وحلقة الشنف وَالْجمع: أخراص. والخرص أَيْضا السنان وَجمعه: خرصان. وَرُبمَا جعلُوا الرمْح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 خرصا والرماح خرصانا. قَالَ أَعْرَابِي فِي حَدِيثه وذكرقوما أَسرُّوا: استزلوهم عَن متون الْجِيَاد بلببة الخرصان نزع الدلاء بالأشطان. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: كَانَ الْوَحْي اذا نزل سَمِعت الْمَلَائِكَة صَوت مرار السلسلة على الصَّفَا. يرويهِ حَمَّاد عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس. المرار: أَصله الفتل وَمِنْه قيل للحبل مرار لِأَنَّهُ يمر أَي: يفتل. وَيُقَال: ماررت فلَانا اذا تلونت عَلَيْهِ وخالفته وَهُوَ من الفتل. قَالَ أَبُو الْأسود وَسَأَلَ عَن رجل: مَا فعلت امْرَأَته الَّتِي كَانَت تشاره وتهاره وتزاره وتماره. قَوْله: تزاره من الزر وَهُوَ العض. ومرار السلسلة أَن يجر على الصَّفَا فتتلوى حلقها على الصَّفَا فَيسمع صَوت ذَلِك. وان كَانَت الرِّوَايَة صَوت امرار السلسة بِالْألف وَهُوَ مصدر: أمررت الشَّيْء اذا أجررته ومررت بِهِ. وَأَحْسبهُ كَذَلِك لِأَنِّي وجدت فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 6 - حَدِيث حنين انهم سمعُوا صلصلة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض كامرار الْحَدِيد على الطست الْجَدِيد. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ يَقُول: اذا أَفَاضَ من عِنْده فِي الحَدِيث بعد الْقُرْآن وَالتَّفْسِير احمضوا. قَوْله: أحمضوا هُوَ من الحمض والحمض مَا ملح من النبت. وَالْعرب تلقي الابل فِي الْخلَّة وَهُوَ ماحلا من النبت. فاذا مِلَّته ألقتها فِي الحمض. واراد ابْن عَبَّاس اذا مللتم من الحَدِيث وَالْفِقْه فَخُذُوا فِي الْأَشْعَار وأخبار الْعَرَب لتروحوا بذلك قُلُوبكُمْ. وَنَحْوه قَول الزُّهْرِيّ: هاتوا من أَشْعَاركُم فان الْأذن مجاجة وَالنَّفس حمضة. يُرِيد: أَنَّهَا تشْتَهي الشَّيْء بعد الشىء كَمَا تشْتَهي الابل الحمض بعد الْخلَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن أنس ابْن سِيرِين قَالَ: استحيضت امْرَأَة من آل أنس بن مَالك فأمروني فَسَأَلت ابْن عَبَّاس عَن ذَلِك فَقَالَ: اذا رَأَتْ الدَّم البحراني فَليدع الصَّلَاة فاذا رَأَتْ الطُّهْر وَلَو سَاعَة من النَّهَار فلتغتسل ولتصل. يرويهِ خَالِد الْحذاء عَن أنس بن سِيرِين. الدَّم: دم الْحيض بِعَيْنِه لَا دم الِاسْتِحَاضَة وانما سَمَّاهُ بحرانيا لغلظه وَشدَّة حمرته حَتَّى يكَاد يسود وَنسبه الى الْبَحْر وَالْبَحْر عمق الرَّحِم وكل عمق وكل شقّ بَحر. وَمِنْه قيل: تبحر فلَان فِي الْعلم أَي: تعمق فِيهِ وَتوسع. قَالَ العجاج وَذكر دَمًا: من الرجز ... ورد من الْجوف وبحراني ... أَي: عبيط خَالص من الْجوف وَزَاد الْألف وَالنُّون فِي النّسَب لِأَنَّهُ أَرَادَ دم الْحيض الغليظ الطبيعي لَا الْعَارِض الرَّقِيق فِي الِاسْتِحَاضَة من عرق يسيل أَو ركضة من الشَّيْطَان كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث. وَكَذَلِكَ ينسبون الى الْخلق والأعضاء فَيَقُولُونَ: رجل رقباني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 اذا كَانَ غليظ الرَّقَبَة وجماني اذا كَانَ ذَا جمة وشعراني اذا كَانَ ذَا شعر. وَلَو نسبوه الى غير خلقه فِيهِ لأسقطوا الْألف وَالنُّون كَرجل أردْت أَن تنسبه الى شعر عِنْده أَو شعر يَطْلُبهُ فَتَقول: شعري وَلَا تقل شعراني. وحَدثني أبي قَالَ: حَدثنِي أحنمد بن سعيد عَن أبي عُبَيْدَة انه قَالَ هَذِه امْرَأَة استحيضت وَلم تكن تعرف عدد ايام حَيْضهَا لاختلافها عَلَيْهَا فَأمرهَا أَن تتعرف ذَلِك من الدَّم فتقعد عَن الصَّلَاة مَا كَانَ الدَّم دم الْحيض الطبيعي الَّذِي ترَاهُ الْحيض من النِّسَاء ويعرفنه فاذا تغير ذَلِك ورق فَهُوَ حِينَئِذٍ عَارض فتستثفر وتتوضأ لكل صَلَاة وَتصلي فان رَأَتْ الطُّهْر سَاعَة من النَّهَار اغْتَسَلت فانء عاودها دم الِاسْتِحَاضَة تَوَضَّأت وصلت كَذَلِك أبدا حَتَّى ترى الدَّم البحراني ثَانِيَة فَتكون حَائِضًا فتقعد عَن الصَّلَاة وَلَو كَانَت هَذِه الْمَرْأَة تعرف أَيَّام حَيْضهَا لأمرها ان تقعد تِلْكَ الْأَيَّام عَن الصَّلَاة ثمَّ تستثفر وَتصلي وَلم يأمرها بِالنّظرِ الى الدَّم. كمل حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 - حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ انه كتب الى عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ان الْبَحْر خلق عَظِيم يركبه خلق ضَعِيف دود على عود بَين غرق وبرق. فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: لَا يسألني الله عَن أحد حَملته فِيهِ. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن عَمْرو بن شُعَيْب. الْبَرْق: الدهش والحيرة. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَإِذا برق الْبَصَر} اذا حَار عِنْد الْمَوْت. وَمن قَرَأَ: برق أَرَادَ: بريقه اذا شخص وَأَرَادَ: ان رَاكب الْبَحْر اما أَن يغرق واما أَن يكون فِيهِ مدهوشا حيران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: ان ابْن حنتمة بعجت لَهُ الدُّنْيَا معاها وَأَلْقَتْ اليه افلاذ كَبِدهَا ونقت لَهُ مختها وَأَطْعَمته شحمتها وأمطرت لَهُ جودا سَالَ مِنْهُ شعابها ودفقت فِي محافلها فمص مِنْهَا مصا وقمص مِنْهَا قمصا وجانب غمرتها وَمَشى ضحضاحها وَمَا ابتلت قدماه أَلا كَذَلِك أَيهَا النَّاس قَالُوا: نعم. رَحمَه الله. يرويهِ حكم بن هِشَام عَن حكم بن عوَانَة عَن أَبِيه عَن عَمْرو بن الْعَاصِ. ابْن حنتمة: عمر بن الْخطاب وَأمه حنتمة بنت هِشَام بن الْمُغيرَة. وَقَوله: بعجت لَهُ الدُّنْيَا معاها مثل ضربه. أَرَادَ: أَنَّهَا كشفت لَهُ عَمَّا كَانَ فِيهَا مخبؤا عَن غَيره. والبعج: الشق وَالْفَتْح. وَأَلْقَتْ اليه أفلاذ كَبِدهَا يَعْنِي: كنوزها. وهم يكنون عَن المَال بأفلاذ الكبد وَهِي قطعهَا وَلذَلِك يَقُول: عَابِر الرُّؤْيَا فِي الكبد انه مَال مدفون. والشعاب: الأودية. والمحافل: الْمَوَاضِع الَّتِي يحتفل فِيهَا المَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 أَي: يجْتَمع وَيكثر. وَقَوله: فمص مِنْهَا مصا أَي: نَالَ الْيَسِير. وقمص قمصا أَي: نفر يُقَال دَابَّة بِهِ قماص بِكَسْر الْقَاف. وجانب غمرتها أَي: كثرتها. وَمَشى ضحضاحها وَهُوَ مَا رق من المَاء على وَجه الأَرْض. وَمِنْه: ان أَبَا طَالب فِي ضحضاح من نَار. وَمَا ابتلت قدماه. يَقُول: لم يتَعَلَّق مِنْهَا بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ على الْمِنْبَر يَا عُثْمَان: انك قد ركبت بِهَذِهِ الْأمة نهابير من الْأَمر فتب. يرويهِ خَالِد بن الْحَارِث عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أَبِيه عَن أبي عَلْقَمَة. النهابير: أَصله مَا أشرف على الرمل وشق على الرَّاكِب ان يقطعهُ. وَاحِدهَا نهبور وَيجمع نهابر أَيْضا. قَالَ نَافِع بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 لَقِيط: من الْكَامِل ... أُعْطِيك ذمَّة وَالِدي كليهمَا ... لأذرفنك الْمَوْت ان لم تهرب ولأحملنك على نهابر ان تثب ... فِيهَا وان كنت المنهت تعطب ... لأذرفنك الْمَوْت أَي: لأشرفن بك على الْمَوْت. وَمِنْه يُقَال: ذرف فلَان على السِّتين أَي: أشرف عَلَيْهَا. وروى بَعضهم عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ: هَا أَنا الْآن قد ذرفت على السِّتين وَلَكِن لَا رَأْي لمن لَا يطاع. وَهُوَ على هَذَا التَّفْسِير وَيحْتَمل ان يكون لم يبلغهَا وَلكنه قاربها وَيحْتَمل أَن يكون جازها فأرمى عَلَيْهَا. يرويهِ سُفْيَان عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: قتل عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 وَقَالَ أَبُو زيد: ذرفت على السِّتين وزرقت ووذمت وأرميت: زِدْت. يَقُول: لأحملنك على مشقات كالنهابير لَا تسلم مِنْهَا وَلَو كنت المنهت وَهُوَ الْأسد. يُقَال: نهت ينهت نهيتا. وَمِنْه قيل للمهالك: نهابر. وَمِنْه الحَدِيث: من أصَاب مَالا من مهاوش أذهبه الله فِي نهابر. والمهاوش: الْفِتَن والاختلاط. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ فِي سفر فَرفع عقيرته بِالْغنَاءِ فَاجْتمع النَّاس فَقَرَأَ فتقرقوا فَفعل ذَلِك وفعلوه غير مرّة. فَقَالَ: يَا بني المتكاء اذا أخذت فِي مَزَامِير الشَّيْطَان اجْتَمَعْتُمْ واذا اخذت فِي كتاب الله تفرقتم. يرويهِ ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 عقيرته: صَوته. قَالَ الْأَصْمَعِي: وأصل ذَلِك أَن رجلا قطعت احدى رجلَيْهِ فَرَفعهَا ووضعها على الْأُخْرَى وصرخ بِأَعْلَى صَوته فَقيل لكل من رفع صَوته رفع عقيرته. وَقد كَانَ يذكر مَعَ ذَلِك حروفا قد ذكرتها فِي مَوَاضِع. قَالَ وَمثله قَوْلهم: بَيْننَا وَبينهمْ مَسَافَة وَأَصله من السوف. وَهُوَ الشم. فَكَانَ الدَّلِيل بالفلاة رُبمَا أَخذ التُّرَاب فشمه ليعلم أَعلَى قصد هُوَ أم على جور ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى سموا الْبعد مَسَافَة. قَالَ رؤبة: ... اذا الدَّلِيل استاف أَخْلَاق الطّرق ... قَالَ وَمثله: الْعقل فِي الدِّيَة. وَالْأَصْل: ان الابل كَانَت تجمع بِفنَاء ولي الْمَقْتُول وتعقل فسميت الدِّيَة عقلا وان كَانَت وَرقا أَو عينا. قَالَ وَمثله قَوْلهم: بنى فلَان على أَهله. وَالْأَصْل: ان الابل كَانَت تجمع بِفنَاء ولي الْمَقْتُول وتعقل فسميت الدِّيَة عقلا وان كَانَت وَرقا اَوْ عينا. قَالَ وَمثله قَوْلهم: بنى فلَان على أَهله. وَالْأَصْل: ان كل من أَرَادَ مِنْهُم الدُّخُول على أَهله ضرب عَلَيْهِ قبَّة. فَقيل لكل دَاخل بأَهْله بَان. وَمِنْه قَوْلهم: ادفعه اليه برمتِهِ وَأَصله: ان رجلا دفع الى رجل بَعِيرًا بِحَبل فِي عُنُقه. والرمة: الْحَبل الْخلق فَقيل ذَلِك لكل من دفع شَيْئا بجملته. وَهَذَا الْمَعْنى أَرَادَ الْأَعْشَى فِي قَوْله للخمار: ... فَقُلْنَا لَهُ: هَذِه هَاتِهَا ... بأدماء فِي حَبل مقتادها ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 أَي: بِعني هَذِه الْخمْرَة بِنَاقَة برمتها. وَقَوْلهمْ فلَان نَسِيج وَحده وَذَلِكَ أَن الثَّوْب اذا كَانَ نفيسا لم ينسج على منواله غَيره. فاذا لم يكن نفيسا عمل على منواله سدى لعدة أَثوَاب فَقيل ذَلِك لكل من أَرَادوا الْمُبَالغَة فِي مدحه. والمتكاء فِيهِ قَولَانِ. يُقَال: هِيَ الَّتِي لَا تحبس بولها فان كَانَت كَذَلِك فَانِي أَحسب الْحَرْف من المتك وَهُوَ الْخرق. وأبدلت الْمِيم من الْبَاء كَمَا يُقَال:: سمد رَأسه وسبده اذا استأصله كَأَنَّهَا لما لم تمسك بولها خرقاء. وَيُقَال: المتكاء: الَّتِي لم تخْفض. وروى عَن ابراهيم انه سُئِلَ عَن رجل قَالَ لرجل: يَا بن المتكاء فَقَالَ: لَا حد عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه لَهُ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ. كَيفَ تجدك قَالَ: اجدني أذوب وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 أثوب. وَأَجد نجوى أَكثر من رزئي. قَوْله: أذوب وَلَا أثوب يُرِيد: ان بدنه يذوب وَلَا يرجع شَيْء مِمَّا ذاب. يُقَال: ثاب جسم فلَان بعد النهكة. أَي: صلح وَعَاد. والنجو: الْحَدث. يَقُول: هُوَ أَكثر من طعمي فَكيف الْبَقَاء على هَذَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو رَضِي الله عَنهُ ان مُعَاوِيَة دخل عَلَيْهِ وَهُوَ عَاتب فَقَالَ: ان العصوب يرفق بهَا حالبها فتحلب العلبة. فَقَالَ: أجل وَرُبمَا زبنته فدقت فَاه وكفأت انآءه. أما وَالله لقد تلافيت أَمرك وَهُوَ أَشد انفضاجا من حق الكهدل فَمَا زلت أرمه بواذئله وَأَصله بوصائله حَتَّى تركته على مثل فلكة الْمدر. يرويهِ بعض نقلة الْأَخْبَار. العصوب من النوق الَّتِي لَا تدر حَتَّى تعصب فخذاها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 377 - قَالَ الْكُمَيْت: من المتقارب ... وَلم تعط بالعصب مِنْهَا العصوب الا النهيت والا الطحيرا ... والطحير والطحر أَن تضرب برجليها. والزبن أَن تدفع الحالب. والانفضاج: الاسترخاء. وَمِنْه يُقَال: انفضج بَطْنه والوذائل جمع وذيلة وَهِي السبيكة من الْفضة قَالَ الشَّاعِر: من المنسرح ... وتريك وَجها كالوذيلة لَا ضمآن مختلج وَلَا جهم ... والوصائل: ثِيَاب يَمَانِية. يُرِيد: انه رمه بِقطع الْفضة وَوَصله بِهَذِهِ الثِّيَاب. وَهَذَا مثل ضربه لاحكامه اياه وتحسينه لَهُ. وَيجوز أَن يكون أَرَادَ بالوصائل الصلات جمع وصيلة. والمدر: الْجَارِيَة اذا فلك ثدياها ودر فيهمَا المَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 وَالْحَامِل اذا در لَبنهَا مدر أَيْضا. يُقَال: أدرت هِيَ ودر اللَّبن. يَقُول: كَانَ أَمرك سَاقِطا مسترخيا فأقمته حَتَّى صال كَأَنَّهُ حلمة فِي ثدي قد أدر. وَأما حق الكهدل فَلم أسمع فِيهِ شَيْئا مِمَّن يوثق بِعِلْمِهِ. وَبَلغنِي انه بَيت العنكبوت. وَبِه يضْرب الْمثل فِي الوهن والضعف. قَالَ الله جلّ وَعز: {وَإِن أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت} وَيُقَال: هُوَ ثدي الْعَجُوز. نجز وَللَّه الْمِنَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 - حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: ان أهل النَّار ليدعون يَا مَالك فيدعهم أَرْبَعِينَ عَاما ثمَّ يرد عَلَيْهِم انكم مَاكِثُونَ فَيدعونَ رَبهم مثل الدُّنْيَا فَيرد: اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون فَمَا ينبسون عِنْد ذَلِك مَا هُوَ الا الزَّفِير والاالشهيق. يرويهِ معَاذ عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن أبي أَيُّوب الْأَزْدِيّ عَن عبد الله ابْن عَمْرو. قَوْله: مَا ينبسون أَي: مَا ينطقون. وَقَالَ ابْن أبي حَفْصَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 أنشدت السّري بن عبد الله فَلم ينبس رؤبة. وَمِنْه قَول الشَّاعِر فِي نَاقَة: من الْكَامِل ... واذا تشد بنسعها لَا تنبس ... أَي: لَا ترغو. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ وَهُوَ بِمَكَّة: لَو شِئْت لأخذت سبتي فمشيت فيهمَا ثمَّ لم أمذح حَتَّى أَطَأ على الْمَكَان الَّذِي تخرج مِنْهُ الدَّابَّة. يرويهِ الْعَبَّاس بن الْوَلِيد عَن يزِيد عَن سعيد عَن قَتَادَة. السبت: النَّعْل المدبوغة بالقرظ. وَقَوله: لم أمذح هُوَ من المذح والمذح: أَن يصطك الفخذان من الْمَاشِي لِكَثْرَة لحهما. يُقَال: مذح يمذح مذحا. وَهَذَا يُصِيب السمين من الرِّجَال وَالنِّسَاء. وَكَانَ عبد الله بن عَمْرو كَذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الشَّاعِر: من الوافر ... كَأَن مَوَاضِع الربلات مِنْهَا ... فِئَام ينهضون الى فِئَام ... وَالْمرَاد: اذا عظمت وسمنت مذحت. وَذَلِكَ اذا اصطك لحم فخذيها فَكَأَنَّهُ جيشان اصطكا. والربلة: اللحمة الغليظة فِي بَاطِن الْفَخْذ. فان كَانَ الاصطكاك فِي الاليتين فَهُوَ الْمشق يُقَال: مشق الرجل مشقا. فان كَانَ فِي الرُّكْبَتَيْنِ فَهُوَ الصكك. يُقَال: صك يصك صككا وَلذَلِك قيل للنعامة صكاء. وانما أَرَادَ عبد الله انه مَعَ سمنه لَا تصطك فخذاه حَتَّى يبلغ الْموضع لقُرْبه وَهَذَا مثل حَدِيثه الآخر: ان نَعْلَيْه كَانَتَا فِي يَدَيْهِ فَقَالَ: لَو شِئْت أَلا أنتعل حَتَّى أَضَع قدمي على الْمَكَان الَّذِي تخرج مِنْهُ الدَّابَّة لفَعَلت من أجياد مِمَّا يَلِي الصَّفَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو أَنه قَالَ: الْحبَّة فِي الْجنَّة مثل كرش الْبَعِير يبيت نافشا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 يرويهِ ابْن لَهِيعَة عَن جرير عَن أبي عبد الرحمن الحبلي عَن عبد الله ابْن عَمْرو. قَوْله: نافشا يَعْنِي: رَاعيا بِاللَّيْلِ. يُقَال: سرحت الابل والماشية بِالْغَدَاةِ وراحت بالْعَشي ونفشت بِاللَّيْلِ. قَالَ الله جلّ وَعز: {إِذْ نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم} وأنفشت الْغنم والابل انفاشا اذا أرسلتها بِاللَّيْلِ ترعى وَهِي ابل نفاش ونفش. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: صَلَاة الاوابين مَا بَين أَن ينكفت أهل الْمغرب الى أَن يثوب أهل الْعشَاء. يرويهِ وَكِيع عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن أَخِيه عبد الله بن عُبَيْدَة عَن عبد الله بن عَمْرو. الأوابون: التوابون وأصل الْحَرْف من آب يؤوب الى كَذَا أَي: رَجَعَ اليه فَقيل للتائب: أواب. لِأَنَّهُ يرجع عَن الْمعاصِي. وَقَوله: ينكفت أهل الْمغرب أَي: يَنْصَرِفُونَ الى مَنَازِلهمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَاصل الانكفات: الانضمام. وَيُقَال: كفت الشَّيْء اذا ضممته اليك فانكفت. أَي: انْضَمَّ. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا أَحيَاء وأمواتا} لِأَنَّهَا تضم الْحَيّ وَالْمَيِّت. وحَدثني أبي ثَنَا السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: يُسمى بَقِيع الفرقد كفتا لِأَنَّهُ مَقْبرَة تضم الْمَوْتَى. قَالَ: وَيُقَال: وَقع فِي النَّاس فِي كفت أَي: موت. يُرِيد: انهم يكفتون. أَي: يضمون فِي الْقُبُور. وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله جلّ وَعز للكرام الْكَاتِبين: اذا مرض عَبدِي فَاكْتُبُوا لَهُ مثل مَا كَانَ يعْمل فِي صِحَّته حَتَّى أعافيه أَو أكفته. والراجع إِلَى منزله يَنْضَم إِلَيْهِ فَلذَلِك قيل لَهُ: منكفت. وَقَوله: يثوب أهل الْعشَاء أَي يرجع من يُرِيد الْعشَاء الْآخِرَة الى الْمَسْجِد. وَأَرَادَ أَن صَلَاة الْأَوَّابِينَ مَا بَين صَلَاة الْمغرب وَصَلَاة الْعشَاء. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 ذكر الْبَصْرَة فَقَالَ: أما انه لَا يخرج أَهلهَا مِنْهَا الا الألبة. يرويهِ عبد الرحمن بن مهْدي عَن الحكم بن عَطِيَّة عَن عبد الله بن مطر عَن قيس بن عباد. قَالَ أَبُو زيد وَغَيره: الألبة والجلبة جَمِيعًا المجاعة. قَالَ الْهُذلِيّ يذكر ضيفا: من الْبَسِيط ... وكأنما بَين لحييْهِ ولبته ... من جلبة الْجُوع جيار وأرزيز ... والجلبة هَاهُنَا: الأزمة. والجيار: حر يخرج من الْجوف. قَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَادَ بجيار جائرا وَلكنه جَاءَ بِهِ فعال يُقَال: ان للسم جائرا أَي: حرارة فِي الْجوف. وَمِنْه قَول الآخر: من الطَّوِيل ... تطالعني من ثغرة النَّحْر جَائِر ... وانما قيل للمجاعة ألبة من التألب وَهُوَ التجمع كَأَن النَّاس فِي المجاعة يتجمعون وَيخرجُونَ أَرْسَالًا كَمَا تسمى المجاعة: قحمة وَذَلِكَ انها اذا وَقعت بِالْبرِّ أقحمتهم الى الرِّيف. وَكَذَلِكَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 الجلبة يجوز أَن تكون اسْما مأخوذا من: أجلبوا وأحلبوا وتألبوا كُله. اذا اجْتَمعُوا وألبوا غَيرهم جمعوهم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو ان قيم أرضه بالوهط استاذنه فِي بيع فضل المَاء وَذكر انه يطْلب بِثَلَاثِينَ ألفا فَكتب اليه: ان لَا تبعه وَلَكِن أقمء قلدك ثمَّ اسْقِ الْأَدْنَى فالأدني فَانِي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن بيع فضل المَاء. القلد يَوْم السَّقْي وَيَوْم الْورْد وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْورْد يَوْم الْحمى والقلد يَوْم تَأتيه الرّبع. وَهَذَا هُوَ الأَصْل والوهط: مَال لَهُم وأصل الوهط: المطمئن من الأَرْض. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو أَنه قَالَ: احرث لديناك كَأَنَّك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كَأَنَّك تَمُوت غَدا. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبيد الله بن الغيزار عَن عبد الله بن عَمْرو. قَوْله أحرث لدنياك يُرِيد: اجْمَعْ. يُقَال: حرثت واحترثت وَيُقَال فِي الاحتراث اصلاح المَال وتثميره. قَالَ كثير: من المتقارب ... بأية اني مَا ذكرت عرفت خلائق مني ثَلَاثًا ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 عفافا ومجدا اذا مَا الرِّجَال تبالوا خلائقهم واحتراثا. أَي: جمعا لِلْمَالِ واصلاحا لَهُ. والمعنييان متقاربان وَلَا أَحسب الرجل سمي حارثا الا من هَذَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه ذكر الارضين السَّبع فوصفها فَقَالَ فِي صفة الْخَامِسَة: فِيهَا حيات كسلاسل الرمل وكالخطائط بَين الشقايق. السلَاسِل: رمل مُنْعَقد ملتو مستطيل. والشقايق من الرمل قطع غِلَاظ تكون بَين جبلي الرمل وَاحِدهَا شَقِيقَة. فعيلة فِي معنى مفعولة. والخطيطة أَيْضا: الأَرْض الَّتِي لم تمطر بَين أَرضين قد مطرتا كَأَنَّهَا خطت بَينهمَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: يُؤْتى بِرَجُل يَوْم الْقِيَامَة وَيخرج لَهُ تِسْعَة وَتسْعُونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 سجلا فِيهَا خطاياه وَيخرج لَهُ بطاقة فِيهَا شَهَادَة أَن لَا اله الا الله فترجح بهَا. البطاقة رقْعَة صَغِيرَة. وَهَذِه كلمة مبتذلة بِمصْر وَمَا والاها يدعونَ الرقعة الَّتِي تكون فِي الثَّوْب وفيهَا رقم ثمنه بطاقة. وَلَا أدرى من أَي شىء أَخذ ذَلِك. وَالَّذِي دَعَا الى تَفْسِير هَذَا الْحَرْف وَهُوَ مبتذل بِتِلْكَ النَّاحِيَة كَثْرَة من سَأَلَني عَنهُ وَبَلغنِي انها سميت بطاقة لِأَنَّهَا تشد بطاقة من هدب الثَّوْب وَلست من هَذَا على يَقِين. نجز وَالْحَمْد لله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 - حَدِيث عبد الله بن سَلام أَو عبد الله بن عمر وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن سَلام انه قَالَ: فِي التَّوْرَاة انما بَعثك لتمحو الْخمر وَالْميسر والمزامير والكنارات وَالْخمر وَمن طعمها وَأقسم رَبنَا بيمنة وَعزة حيله لَا يشْربهَا أحد بَعْدَمَا حرمتهَا عَلَيْهِ الا سقيته اياها من الْحَمِيم. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن يزِيد بن هرون عَن عبد العزيز ابْن أبي سَلمَة الْمَاجشون عَن هِلَال بن ابي هِلَال عَن عَطاء بن يسَار عَن عبد الله بن سَلام أَو عبد الله بن عَمْرو. الكنارات: يُقَال هِيَ العيدان الَّتِي يضْرب بهَا وَيُقَال: الدفوف. وَقد ذكرهَا أَبُو عبيد. وَأما قَوْله: وَعزة حيله فانه أَرَادَ حوله وهما الْحِيلَة. يُقَال: مَاله حول وَلَا حيل. وَهَذَا أَحول من هَذَا وأحيل أَي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 أَكثر حِيلَة وَمثله مِمَّا يُقَال بِالْيَاءِ وَالْوَاو: اني لَا أجد لَهُ لوطا بقلبي وليطا وَهُوَ ألوط بقلبي وأليط. وفوح الطّيب وفيحه وموث الدَّوَاء وميثه وَهُوَ أَن يدوفه وَبَينهمَا بون فِي الْفضل وَبَين فَأَما الْبعد فَهُوَ الْبَين بِالْيَاءِ لَا غير. وَأما قَول مُعَاوِيَة عِنْد مَوته: انكم لتقلبون حولا قلبا ان وقِي هول المطلع فان الْحول: الْكثير الاحتيال. وَالْقلب الْكثير التقلب وَالتَّصَرُّف. أَو التقليب والتصريف للأمور يدلك على ذَلِك قَول الشَّاعِر: من الْخَفِيف ... الْحول الْقلب الأريب وَلنْ يدْفع وَقت الْمنية الْحِيَل ... نجز بِحَمْد الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 - حَدِيث انس بن مَالك وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ ان مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: اصبحنا ذَات يَوْم بِالْبَصْرَةِ وَلَا نَدْرِي على مَا نَحن عَلَيْهِ من صومنا فَخرجت حَتَّى أتيت أنس بن مَالك فَوَجَدته قد أَخذ جذيذة كَانَ يَأْخُذهَا قبل أَن يَغْدُو فِي حَاجته ثمَّ غَدا. حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ: ثناه اسحق بن رَاهَوَيْه ثناه وَكِيع عَن مهْدي ابْن مَيْمُون عَن ابْن سِيرِين. الجذيذة: شربة سويق وَسميت جذيذة لانها تجذ أَي: تكسر وتجش اذا طحنت وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فجعلهم جذاذا إِلَّا كَبِيرا لَهُم} أَي: قتاتا وَنَحْوه: الحطام والرفات وانما قيل لحجارة الذَّهَب: جذاذ لِأَنَّهَا تكسر وتسحن قَالَ الهذالي: من الطَّوِيل ... كَمَا صرفت فَوق الْجذاذ المساحن ... والمساحن حِجَارَة تدق بهَا حِجَارَة الذَّهَب وَاحِدهَا: مسحنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 وَيُقَال أَيْضا للسويق: جشيش وللشربة مِنْهُ جشيشة لِأَنَّهَا تجش أَي تكسر وترض. وَقَول الْعَامَّة: دشيشة غلط انما هِيَ: جشيشة لِأَنَّهَا تجش. وَفِي حَدِيث الساحرة الَّذِي يرويهِ ابْن جريج عَن ابْن ابي مليكَة عَن عَائِشَة: انها قطعت جداول وَقَالَت: أحقل فاذا زرع يَهْتَز فَقَالَت: أفرك فاذا هُوَ قد يبس فَقَالَت: جشي هَذَا واجعليه سويقا واسقيه زَوجك. وَالَّذِي يُرَاد من الحَدِيث أَن أنسا لما لم ير الْهلَال أصبح مُفطرا وَلم يتلوم على خبر يبلغهُ أَو على الظَّن انه قد رُؤِيَ فَيتم صَوْمه وَهَذَا على مَذْهَب من رأى: ان الصَّوْم لَا يجزىء الاذ بنية قبل الْفجْر وَلَا يجزىء من أصبح على الشَّك يَقُول: ان صَامَ النَّاس صمت وان أفطروا أفطرت. قَالَ اسحق: روينَا عَن عمر بن عبد العزيز انه أصبح يَوْمئِذٍ فلعق لعقة من عسل ثمَّ شهدُوا عِنْده بِالرُّؤْيَةِ فَقَالَ: من كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 أفطر فلييدله فرأي السّنة ترك التَّلَوُّم. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: أنفجنا أرنبا بمر الظهْرَان فسعى عَلَيْهَا الغلمان حَتَّى لغبوا فأدركتها فَأتيت بهَا أَبَا طَلْحَة فذبحها ثمَّ بِعْت بوركها معي الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقبلها. يرويهِ وَكِيع عَن شُعْبَة عَن هِشَام بن زيد. قَوْله: أنفجنا أرنبا أَي: ذعرناه فعدت وَهَذَا كَمَا يَقُول: أعرق الْفرس تُرِيدُ: أعده لِأَنَّهُ اذا عدا عرق. فتكتفي بِذكر الْعرق من ذكر الْعَدو. وَكَذَلِكَ الأرنب اذا أثيرت انتفجت فَاكْتفى بِذكر الانتفاج من ذكر الْعَدو. وَقَالَ عبيد الله بن زِيَادَة حَيْثُ بعث رَسُوله ليَأْتِيه بِالْكتاب الَّذِي فِيهِ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذكر الْحَوْض: أعرق الْفرس حَتَّى تَأتِينِي بِالْكتاب وَقَالَ المرقش الْأَصْغَر وَذكر فرسا: من الطَّوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 .. شهِدت بِهِ فِي غَارة مسبطرة ... يطاعن أولاها فِئَام مصبح كَمَا انتفجت من الظباء جداية ... أَشمّ اذا ذكرته الشد أفيح ... مسبطرة: منقادة. وَالْمصْبح: المغار عَلَيْهِ فِي الصُّبْح كَمَا انتفجت جداية يَقُول: نشاط هَذَا الْفرس وحدته كحدة جداية من الظباء اذا ذعر فَعدا. اذا ذكرته الشد أَي: اردته مِنْهُ وَحَمَلته عَلَيْهِ. والشد: الْعَدو. أفيح وَاسع فِي الجري. والجداية: الرشاء. وَقد ذَكرْنَاهُ فِيمَا تقدم. وَأما الحَدِيث الآخر فِي فتنتين: تكون الأولى مِنْهُمَا فِي الْأُخْرَى كنفجة أرنب فانه يُرَاد ان الأولى مِنْهُمَا وان طَالَتْ اَوْ عظمت قَصِيرَة أَو خَفِيفَة عِنْد الثَّانِيَة كنفجة الأرنب اذا ذعرت. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: كَانَ الرجل اذا قَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان جد فِينَا. يرويهِ يزِيد عَن حميد عَن أنس. قَوْله: جد فِينَا أَي عظم فِي صدورنا وَمِنْه يُقَال: تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 جد رَبنَا أَي: عَظمته. وَالْجد فِي غير هَذَا الْحَظ. يُقَال: لهَذَا الرجل جد فِي كَذَا أَي: حَظّ. وَرجل مجدود. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: رَأَيْت النَّاس فِي امارة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ جمعُوا فِي صردح ينفذهم الْبَصَر وَيسْمعهُمْ الصَّوْت وَرَأَيْت عمر رَضِي الله عَنهُ مشرفا على النَّاس. يرويهِ عبد الملك بن عُمَيْر بن أنس. الصردح: الأَرْض الملساء وَجَمعهَا: صرادح وَكَذَلِكَ: الصحصح والصحصحان. وَقَوله: ينفذهم الْبَصَر قَالَ الاصمعي: يجوزهم الْبَصَر وان كَانَت الرِّوَايَة: ينفذهم بِضَم الْبَاء فانه يُرِيد: يخرقهم حَتَّى يبلغ آخِرهم ويراهم كلهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: ان الضَّب ليَمُوت هزلا فِي حجره بذنب ابْن آدم. يرويهِ عمر بن يُونُس عَن هِلَال بن جهم عَن اسحق بن أبي طَلْحَة عَن أنس. يُرِيد: ان الله عز جلّ يمسك السَّمَاء فَلَا تمطر بذنب ابْن آدم حَتَّى ينَال ذَلِك أحناش الأَرْض والهوام وانما خص الضَّب من بَين جَمِيع دَوَاب الأَرْض لِأَنَّهُ أبقى شَيْء ذماء وأصبر شَيْء على الْجُوع. ويزعمون انه يبلغ بالنسيم وانه مَعَ هَذَا طَوِيل الْعُمر. وَيُقَال: انه يَأْكُل حسوله وَلذَلِك قيل فِي الْمثل: أعق من ضَب قَالَ الشَّاعِر: من الوافر ... أكلت بنيك أكل الضَّب حَتَّى ... تركت بنيك لَيْسَ لَهُم عديد ... وَأما خِدَاش بن زُهَيْر: من الْبَسِيط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 .. فان سَمِعْتُمْ بِجَيْش سالك سَرفًا ... أَو بطن مر فأخفوا الجرس واكتتموا ثمَّ ارْجعُوا فأكبوا فِي بُيُوتكُمْ ... كَمَا أكب على ذِي بَطْنه الْهَرم ... فان الْهَرم هَاهُنَا الضَّب جعله هرما لطول عمره وَذُو بَطْنه فِيهِ ثَلَاثَة أقاويل: يُقَال: انه وَلَده كَأَنَّهُ قَالَ: ارْجعُوا عَن الْحَرْب الَّتِي لَا تستطيعونها الى ذَرَارِيكُمْ. وَيُقَال: ذُو بَطْنه بعره وانه اذا شتا وَلم يجد شَيْئا أكل بعره. وَيُقَال: ذُو بَطْنه قيئه وانه يقيء ثمَّ يرجع فيأكله كَمَا يفعل الْكَلْب والسنور. وروى فِي حَدِيث آخر: ان الْحُبَارَى لتَمُوت هزلا بذنب ابْن آدم. وانما خصت الْحُبَارَى من بَين الطير لِأَنَّهَا أبعدها نجعة بَلغنِي أَنَّهَا تذبح بِالْبَصْرَةِ فتوجد فِي حواصلها الْحبَّة الخضراء صحاحا وَبَين الْبَصْرَة وَبَين منابت البطم مسيرَة أَيَّام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 وَأَيَّام. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يُقيم بِمَكَّة فاذا حمم رَأسه خرج فَاعْتَمَرَ. يرويهِ سُفْيَان عَن ابْن أبي حُسَيْن عَن بعض ولد أنس. قَوْله: حمم راسه اي: نبت بعد الْحلق. وَذَلِكَ حِين يسود يُقَال: قد حمم الفرخ اذا اسود جلده من الريش. وَكَذَلِكَ تحميم الرَّأْس وَهُوَ أَن يسود من قبل أَن يطول الشّعْر وَيُقَال: حمم وَجه الْغُلَام قَالَ كثير: من الطَّوِيل ... وهم بَنَاتِي ان يبن وحممت ... وُجُوه رجال من بني الأصاغر ... وَمعنى الحَدِيث انه كَانَ لَا يُؤَخر الْعمرَة الى الْمحرم وَلكنه يخرج الى التَّنْعِيم أَو الى الْجِعِرَّانَة أَو الى مِيقَاته. وَلَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 على من أهل بِعُمْرَة الى الْحَج أَن يخرج من مَكَّة اذا أَرَادَ أَن يهل بِالْحَجِّ وَلكنه يهل فِيهَا من حَيْثُ شاءه. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ شفرة أَصْحَابه فِي غزَاة. يرويهِ يحيى بن آدم عَن الْحسن بن صَالح عَن خَالِد بن الفزر عَن أنس. شفرة أَصْحَابه يَعْنِي: خادمهم. وَيُقَال: شفرة الْقَوْم أَصْغَرهم يُرَاد اولاهم بخدمتهم أَصْغَرهم. نجز وَالْحَمْد لله وَحده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 - حَدِيث الْبَراء بن مَالك وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الْبَراء بن مَالك رَضِي الله عَنهُ انه قَامَ يَوْم الْيَمَامَة لخَالِد بن الْوَلِيد أَو غَيره: طدني اليك. وَكَانَت تصيبه عرواء مثل النفضة حَتَّى يقطر. قَوْله: طدني اليك أَي: ضمني اليك من قَوْلك: وطد يطد والمثبت والموطد وَاحِد. وَكَانَ حَمَّاد بن سَلمَة يرْوى: اللَّهُمَّ أشدد وطدتك على مُضر. وَغَيره يَقُول: وطأتك. وَقَالَ الْقطَامِي: من الْبَسِيط ... وَمَا تقضت بوافي دينهَا الطادي ... قَالَ الْأَصْمَعِي: الطادي صفة الدّين. وَالْأَصْل: واطد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 وَلَكِن هَذَا من المقلوب وَهُوَ شَاذ. والعرواء: الرعدة هَاهُنَا وَأَصله فِي الْحمى حِين تَأْخُذهُ بقرة. يُقَال: عري الرجل فَهُوَ معرو فاذا عرق فَهِيَ الرحضاء. نجز وَالْحَمْد لله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 - حَدِيث الْبَراء بن عَازِب وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ انه سُئِلَ عَن يَوْم حنين فَقَالَ: انْطلق جفَاء من النَّاس وحسر الى هَذَا الْحَيّ من هوَازن وَهُوَ قوم رُمَاة فَرَمَوْهُمْ برشق من نبل كَأَنَّهَا رجل جَراد فانكشفوا. يرويهِ أَبُو أُسَامَة عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن أبي اسحق عَن الْبَراء. الْجفَاء هَاهُنَا سرعَان النَّاس شبههم بجفاء السَّيْل من قَول الله جلّ وَعز: {فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء} وَهُوَ مَا جفأه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 السَّيْل فَرمى بِهِ. وَأَصله الْهَمْز تَقول: جفأته جفأ أَي دَفعته. وروى أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي عَمْرو انه قَالَ: يُقَال أجفأت الْقدر بزبدها اذا غلت فعلاها الزّبد. والحسر: جمع حاسر وَهُوَ الَّذِي لَا جنَّة عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ يُرِيد: الرحالة وَقد تقدم ذكر هَذَا فِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 - حَدِيث مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لرجل: كم عطاؤك قَالَ: أَلفَانِ وَخمْس مائَة فَقَالَ: مَا بَال العلاة بَين الفودين فَقَالَ: أَمُوت الْآن فَيكون لَك العلاة والفودان فرق لَهُ وَترك لَهُ عطاءه على حَاله. الفودان: العدلان كل وَاحِد مِنْهُمَا فود وَيُقَال لجانبي الرَّأْس: فودان كل شقّ فود. والعلاوة: مَا زيد على الْحمل وَوضع فَوْقه. أَرَادَ: مَا بَال خمس مائَة زَائِدَة على أَلفَيْنِ. وَأَرَادَ أَن يحطه اياها. وَبَلغنِي ان هَذَا الرجل هُوَ لبيد بن ربيعَة الشَّاعِر. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ انه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 قَالَ: أَي النَّاس أفْصح فَقَامَ رجل فَقَالَ: قوم ارتفعوا عَن فراتية الْعرَاق ويروى: لخلخانية الْعرَاق وتياسروا عَن كسكسة بكر وتيامنوا عَن كشكشة تَمِيم لَيست فيهم غمغمة قضاعة وَلَا طمطمانية حمير. قَالَ: من هم قَالَ: قَوْمك قُرَيْش. قَالَ: مِمَّن أَنْت قَالَ: من جرم. حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ سهل بن مُحَمَّد عَن الْأَصْمَعِي عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة. اللخلخانية: العجمة. يُقَال: رجل لخلخاني وَامْرَأَة لخلخانية. وَأَرَادَ النبطية هَاهُنَا والخوزية. والكشكشة فِي تَمِيم وَهُوَ ابدالها الشين من الْكَاف كَقَوْل أَعْرَابِي مِنْهُم: من الرجز ... تضحك مني ان رأتني أحترش ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 .. وَلَو حرشت لكشفت عَن حرش ... أَرَادَ: حرك. يُقَال: فلَان يكشكش الْكَلَام وَفِي تَمِيم أَيْضا: العنعنة وَهِي ابدالهم الْعين من الْهمزَة فِي: أَن يَقُولُونَ: ظَنَنْت عَنْك ذَاهِب يُرِيدُونَ: ظَنَنْت أَنَّك. وَفِي حَدِيث قيلة: تحسب عني نَائِمَة. أَي: تحسب أَنِّي. وينشد بَعضهم: من الْبَسِيط ... أعن ترسمت من خرقاء منزلَة ... مَاء الصبابة فِي عَيْنَيْك مسجوم ... يُرِيد: أأن والكسكسة: ابدال السِّين من الْكَاف. وَبَلغنِي عَن الْكسَائي فِي ذَلِك حِكَايَة لست أحفظها. وَقَالَ الْفراء: يَقُولُونَ: أبوس وأمس يُرِيدُونَ: ابوك وأمك فِي مُخَاطبَة الْمُؤَنَّث. والغمغمة كَلَام غير بَين وَهُوَ التغمغم أَيْضا وَكَأن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 فِي الغمغمة حِكَايَة اللَّفْظ قَالَ العجاج: من الرجز ... كَأَنَّهُمْ من فائظ مجرجم ... أراح بعد الْغم والتغمغم ... أراح: أَي: مَاتَ. وَقَالَ الْمسيب بن علس: من الْكَامِل ... كغماغم الثيران بَينهم ... ضرب تغمص دونه الحدق ... وغماغمها أصوات لَا تفهم والطمطمانية والطمطمانة للعجم يُقَال: طمطم بِالْفَارِسِيَّةِ شبه بِهِ كَلَام حمير لِكَثْرَة مَا فِيهِ من الْأَلْفَاظ الْمُنكرَة عِنْد الْعَرَب مثل ابدالهم الْمِيم من لَام الْمعرفَة كَقَوْل أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: طَابَ أم ضرب يُرِيد الضَّرْب. وَيُقَال: للعجم طماطم كَمَا قَالَ كثير يصف خيلا: من الطَّوِيل ... ومقربة دهم وكمت كَأَنَّهَا ... طماطم يُوفونَ الوفور هنادك ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 أَرَادَ: هندا فَزَاد كافا. وَقَالُوا: سيوف هندكية. يُرِيدُونَ: هندية. وَأما العجرفية: فانها تكون فِي أَعْرَاب قيس واليمن وَهِي جفَاء فِي الْقِرَاءَة وَالْكَلَام. وَقَالَ الهمذاني: جَلَست الى فتية من قُرَيْش أتعلم الْقُرْآن وَفِي عجرفية أهل الْيمن فَجعلُوا يَضْحَكُونَ. والعجرفية فِي السّير أَيْضا جفَاء وخرق. وَقَالَ أُميَّة بن أبي عَائِذ الْهُذلِيّ: من المتقارب ... وَمن سَيرهَا الْعُنُق المسبطر ... والعجرفية بعد الكلال ... قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي حِين حدث بِهَذَا الحَدِيث وجرم من فصحاء النَّاس فَقلت لَهُ: فَكيف وهم من أهل الْيمن فَقَالَ: بجوارهم مُضر. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لقوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 قدمُوا عَلَيْهِ: كلوا من فحى أَرْضنَا فقلما أكل قوم من فحاء أَرض فضره مَاؤُهَا. يرويهِ يُونُس بن اسحق عَن أبي السّفر عَن عبد الرحمن بن أبي ثَوْر. الفحا مَقْصُور وَجَمعهَا: أفحاء وَهِي التوابل الَّتِي تلقى فِي الْقدر نَحْو: الثوم والبصل وَأَشْبَاه ذَلِك. يُقَال: فحيت الْقدر اذا بزرتها. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان ابْن الزبير قَالَ لَهُ: انا لَا نَدع مَرْوَان يَرْمِي جَمَاهِير قُرَيْش بمشقصة ويضر صفاتها بمعوله وَلَوْلَا مَكَانك لَكَانَ أخف على رقابنا من فراشة واذل فِي أَنْفُسنَا من خشاشة وأيم الله لَئِن ملك أَعِنَّة خيل تنقاد لَهُ ليركبن مِنْك طبقًا تخافه. وَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا معشر قُرَيْش مَا أَرَاكُم منتهين حَتَّى يبْعَث الله عَلَيْكُم من لَا تعطفه قرَابَة وَلَا يذكر رحما يسومكم خسفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 ويوردكم تلفاص فَقَالَ ابْن الزبير: اذن وَالله نطلق عقال الْحَرْب بكتائب تموركرجل الْجَرَاد حافتيها الأسل لَهَا دوِي كَدَوِيِّ الرّيح تتبع غطريفا من قُرَيْش لم تكن أمه براعية ثلة. فَقَالَ مُعَاوِيَة: أَنا ابْن هِنْد أطلقت عقال الْحَرْب المكرم ذرْوَة السنام وشربت عنفوان المكرم اذ لَيْسَ للآكل الا الفلذة وَلَا للشارب الا الرنق أَو الطّرق. جَمَاهِير قُرَيْش جماعاتها ومعاظمها يُقَال: جمهرت الشَّيْء أَي: جمعته. والمشاقص السِّهَام وَاحِدهَا مشقص. وَفِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان رجلا اطلع عَلَيْهِ فسدد اليه مشقصا فَرجع. والمشقص أَيْضا: نصل من نصال السِّهَام فِيهِ طول فان كَانَ عريضا فَهُوَ معبلة وَمِنْه الحَدِيث: ان الطُّفَيْل ابْن عَمْرو الدوسي هَاجر الى الْمَدِينَة وَهَاجَر مَعَه رجل من قومه فاجتووا الْمَدِينَة فَمَرض فجزع فَأخذ مشاقص لَهُ فَقطع بِهِ براجمه فشخبت يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 قَالَ أَبُو زيد: يُقَال اجتويت الأَرْض اذا كرهت الْمقَام بهَا وان كنت فِي عَافِيَة وان لم توافقك فِي بدنك قلت: استوبلتها. والبراجم رُؤُوس السلاميات من ظهر الْكَفّ اذا قبض الْقَابِض كَفه نشزت وَارْتَفَعت والرواجب: بطُون السلاميات والصفاة: الصَّخْرَة. وَجَمعهَا: صفا وصفي جمع الْجمع. والفراشة: وَاحِدَة الْفراش الَّذِي يتهافت فِي النَّار وَبِه يضْرب الْمثل فِي الخفة والطيش فَيُقَال: مَا هم الا فرَاش نَار وذبان طمع. والخشاشة: وَاحِدَة الخشاش وَهِي الْهَوَام وَمِنْه الحَدِيث: فِي امْرَأَة دخلت النَّار فِي هرة ربطتها فمل تطعمها وَلم تدعها تَأْكُل من خشَاش الأَرْض. وَقَوله: ليركبن مِنْك طبقًا. والطبق فقار الظّهْر وكل فقرة طبقَة وَهَذَا نَحْو قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي عُثْمَان: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 المركوبة مِنْهُ الْفقر الْأَرْبَع وَالْمعْنَى: ليركبن مِنْك أمرا أَو حَالا. وَقَوله: يسومكم خسفا وأصل الْخَسْف ان تحبس الدَّابَّة على غير علف ثمَّ يستعار فَيُوضَع فِي مَوضِع التذليل والهوان وَأَشْبَاه ذَلِك. وَقَالَ الْأَصْمَعِي رَحمَه الله: الْخَسْف النُّقْصَان. وَفِي خطْبَة عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام حِين قتل عَامله على الأنبار: من ترك الْجِهَاد ألبسهُ الله الذلة وسيم الْخَسْف وديث بالصغار. والتدييث: كالتذليل وَقَوله: تمور أَي تجىء وَتذهب. وَقَالَ عِكْرِمَة لما نفخ فِي آدم عَلَيْهِ السَّلَام: الرّوح مار فِي رَأسه فعطس أَي: دَار. وَرجل الْجَرَاد: الْقطعَة. وَمِنْه يُقَال: مر بِنَا رجل من جَراد. وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه. وَقَوله: لم تكن أمه براعية ثلة والثلة: الضَّأْن الْكثير وَلَا تكون من الْمعز وَقد تقدم ذكر ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 فاذا ضممت الثَّاء فَقلت: الثلَّة فَهِيَ الْجَمَاعَة من النَّاس. قَالَ الله جلّ وَعز: {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} . وَكَانَ رعي الْغنم عِنْدهم فِي النِّسَاء عَيْبا يعير بعضم بَعْضًا بِهِ. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... اذا الْمَرْء صدت أمه وتقبلت ... فَلَيْسَ حَقِيقا أَن يَقُول الهواجرا ... يَقُول: من كَانَت امهِ راعية تصر وتحلب فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يشْتم النَّاس ويعيرهم. وَقَالَ الآخر: من الطَّوِيل ... كَذبْتُمْ وَبَيت الله لَا تنكحونها ... بني شَاب قرناها تصر وتحلب ... أَرَادَ: بنى الَّتِي شَاب قرناها وَهِي تصر وتحلب. وذروة السنام والجبل كل شَيْء أَعْلَاهُ. وَفِي الحَدِيث: على ذرْوَة كل بعير شَيْطَان. وَكَانَ جرير بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ يتفل فِي ذرْوَة الْبَعِير لطوله. وعنفوان المكرع: أول المَاء وَأَرَادَ: انه عز فَشرب أول المَاء وَشرب غَيره الرنق وَهُوَ الكدر يَعْنِي: آخر المَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 وَأكل أَعلَى السنام وَأكل غَيره الفلذة وَهِي الكبد وَهَذَا مثل. والطرق من المَاء الَّذِي خاضته الابل فكدرته وبالت فِيهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ أَن الشّعبِيّ وَصفه فَقَالَ: كَانَ كَالْجمَلِ الطِّبّ يَأْمر بِالْأَمر فان سكت عَنهُ أقدم وان رد عَنهُ تَأَخّر. يرويهِ أَبُو بكر ابْن عَيَّاش عَن أبي حَمْزَة الثمالِي عَن الشّعبِيّ. الطِّبّ: الحاذق يُقَال: فلَان طب بِكَذَا وَطيب بِهِ اذا كَانَ حاذقا. والطب من الابل: الحاذق مَشْيه وحذقه: أَلا يضع خفه الا حَيْثُ يبصر. وَقد رُوِيَ عَن مُعَاوِيَة نَحْو هَذَا. قَالَ لَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ: قد أعياني أَن أعلم: أجبان أَنْت أم شُجَاع فَقَالَ: من الطَّوِيل ... شُجَاع اذا مَا أمكنني فرْصَة ... والا تكن لي فرْصَة فجبان ... وَقَالَ أَيْضا: لَا أَضَع سَيفي حَيْثُ يَكْفِينِي سَوْطِي وَلَا أَضَع سَوْطِي حَيْثُ يَكْفِينِي لساني ولوأن بيني وَبَين النَّاس شَعْرَة مَا انْقَطَعت. قيل: وَكَيف ذَلِك قَالَ: كنت اذا مدوها خليتها واذا خلوها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 مددتها. وَهَذَا شَبيه بِالْحَدِيثِ الأول. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان مازح الْأَحْنَف بن قيس مرّة فَمَا رئي مازحان أوقر مِنْهُمَا. قَالَ لَهُ يَا أحنف: ماالشيء الملفف فِي البجاد فَقَالَ: هُوَ السخينة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي. قَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَادَ مُعَاوِيَة قَول الشَّاعِر: من الوافر ... اذا مامات ميت من تَمِيم ... فسرك أَن يعِيش فجىء بزاد بِخبْز اَوْ بِتَمْر أَو بِسمن ... أَو الشىء الملقف فِي البجاد ... قَالَ: والشي الملفف فِي البجاد وَهُوَ: وطب اللَّبن والبجاد: كسَاء يلف فِيهِ الوطب ليدرك اللَّبن. وَأَرَادَ بقوله: هُوَ السخينة ان قُريْشًا كَانُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 يعيرون بِأَكْل السخينة. وَهِي شَيْء يعْمل من دَقِيق وَسمن أغْلظ من الحساء وأرق من العصيدة. وانما تُؤْكَل فِي شدَّة الدَّهْر وَغَلَاء السّعر وعجف المَال. وَفِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انه دخل على عَمه حَمْزَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ فصنعت لَهُ سخينة فَأَكَلُوا مِنْهَا. وَسموا قُريْشًا سخينة تعييرا لَهُم بهَا. قَالَ خِدَاش بن زُهَيْر: من الْبَسِيط ... يَا شدَّة مَا شددنا غير كَاذِبَة ... على سخينة لَوْلَا اللَّيْل وَالْحرم ... يَعْنِي: على قُرَيْش. وَقَالَ كَعْب: من الْكَامِل ... زعمت سخينة أَن ستغلب رَبهَا ... وليغلبن مغالب الغلاب ... وَأما حَدِيثه الآخر ان عتْبَان بن مَالك حَبسه على خزيرة تصنع لَهُ. فان الخزيرة لحم يقطع صغَارًا وَيصب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 عَلَيْهِ مَاء كثير فاذا نضج ذَر عَلَيْهِ الدَّقِيق فاذا لم يكن فِيهَا لحم فَهِيَ عصيدة. واللفيتة: العصيدة الْمُغَلَّظَة. وَفِي حَدِيث آخر يرويهِ مُحَمَّد عَن أنس انه كَانَ عِنْد أم سليم شعير فجشته فَجعلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطيفة وأرسلتني أَدْعُوهُ. والخطيفة لبن يوضع على النَّار ثمَّ يذر عَلَيْهِ دَقِيق ثمَّ يطْبخ فيلعقه النَّاس. وَأَحْسبهُ سمي خطيفة لاختطاف النَّاس اياه بالملاعق والاختطاف كالاستلاب. وَمِنْه قيل لما تخرج بِهِ الدَّلْو من الْبِئْر: خطَّاف لِأَنَّهُ يخطف مَا علق بِهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان رجلا قَالَ: خَاصَمت اليه فِي ابْن أخي فَجعلت أحج خصمي فَقَالَ: لست كَمَا قَالَ الشَّاعِر: من الْبَسِيط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 .. أَنِّي أتيح لَهُ حرباء تنضبة ... لَا يُرْسل السَّاق الا ممسكا ساقا ... رَوَاهُ الرياشي عَن عَبَّاس الْأَزْرَق عَن السّري بن يحيى عَن قَتَادَة. قَالَ الرياشي: وَذَلِكَ ان الحرباء يسْتَقلّ على نصف الشَّجَرَة ثمَّ يرتقي على أَغْصَانهَا اذا حميت الهاجرة فَيقبض على الْغُصْن بكفه ثمَّ يرتقى الى غُصْن أَعلَى مِنْهُ فَلَا يُرْسل الأول حَتَّى يقبض على الآخر وَهَذَا مثل يضْرب للرجل لَا يفرغ من حَاجَة حَتَّى يسْأَل أُخْرَى. واراد مُعَاوِيَة ان هَذَا لَا تَنْقَضِي لَهُ حجَّة حَتَّى يتَعَلَّق بِأُخْرَى. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ كَيفَ ابْن زِيَاد قَالُوا: ظريف على أَنه يلحن فَقَالَ: أَو لَيْسَ ذَلِك أظرف لَهُ. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 قَوْلهم: يلحن. أَرَادوا: اللّحن الَّذِي هُوَ الْخَطَأ. وَذهب مُعَاوِيَة الى اللّحن الَّذِي هُوَ الفطنة. وَالْأول بِسُكُون الْحَاء وَالثَّانِي بِفَتْحِهَا. يُقَال: رجل لحن اذاكان فطنا وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَعَلَّ أحدكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض الآخر. وَقَول الله تَعَالَى: {ولتعرفنهم فِي لحن القَوْل} أَي: فِي قَصده وَنَحْوه. وَقَالَ ابْن أَحْمَر: من الطَّوِيل ... وتعرف فِي عنوانها بعض لحنها ... وَفِي جوفها صمعاء تبلى النواصيا ... وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي وَأبي زيد: انهما قَالَا: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 واللحن اللُّغَة من قَول ذِي الرمة: من الْبَسِيط ... فِي لحنه عَن لُغَات الْعَرَب تعجيم ... وَقد تقدم ذكر ذَلِك. وَأما قَول الآخر فِي جَارِيَة لَهُ: من الْخَفِيف ... منطق عَاقل وتلحن أَحْيَانًا ... وَأحلى الحَدِيث مَا كَانَ لحنا ... فانه أَرَادَ اللّحن الَّذِي هُوَ الْخَطَأ كَأَنَّهُ استملحه من الْمَرْأَة واستثقل مِنْهَا الاعراب وَكَانَ بَعضهم يذهب فِي قَول مُعَاوِيَة فِي عبد الله بن زِيَادَة هَذَا الْمَذْهَب وَلَا أرَاهُ كَذَلِك. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان سهم ابْن غَالب كَانَ من رُؤُوس الْخَوَارِج فَخرج أَيَّام عبد الله بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 عَامر بِالْبَصْرَةِ عِنْد الجسر فآمنه عبد الله بن عَامر فَكتب اليه مُعَاوِيَة: لَو كنت قتلته كَانَت ذمَّة خاشفت فِيهَا. فَلَمَّا قدم زِيَاد صلبه على بَاب دَاره. بَلغنِي عَن أبي الْيَقظَان سحيم بن قادم. قَوْله: ذمَّة خاشفت فِيهَا أَي: أسرعت الى نقضهَا. يُرِيد: انه لم يكن فِي قَتلك لَهُ الا أَن يُقَال: أَخْفَر ذمَّته حسب وَيُقَال: خاشف فلَان الى كَذَا اذا أسْرع وَرجل مخشف ومخاشف قَالَ الفرزدق يذكر كلابا: من الطَّوِيل ... وضارية مَا مر الا اقتسمته ... عَلَيْهِنَّ خَواص الى الظنىء مخشف ... والضارية: الْكلاب. والطنىء: الرِّيبَة. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ انه قدم مَكَّة فَذكر ابْنه يزِيد وعقله وسخاءه وفضله. فَقَالَ ابْن الزبير: أما انك قد تركت من هُوَ خير مِنْهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَة: كَأَنَّك أردْت نَفسك يَا أَبَا بكر. قَالَ: وان أردتها فَمه. قَالَ مُعَاوِيَة: ان بَيته بِمَكَّة فَوق بَيْتك. قَالَ ابْن الزبير ان الله جلّ وَعز اخْتَار أبي وَاخْتَارَ النَّاس أَبَاهُ. فَالله الْفَصْل بيني وَبَينه. قَالَ مُعَاوِيَة: هَيْهَات منتك نَفسك مَا لَيْسَ لَك وتطاولت الى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 مَا لَا تناله ان الله اخْتَار عمي لدينِهِ وَاخْتَارَ النَّاس أبي لدنياهم. فَدَعَا عمي أَبَاك فَأَجَابَهُ ودعا أبي عمك فَاتبعهُ فَأَيْنَ تجدك الا معي. قَالَ ابْن الزبير: ذَلِك لَو كنت من بني هَاشم. قَالَ مُعَاوِيَة: دع هاشما فانها تَفْخَر عَليّ بأنفسها وأفخر عَلَيْك بهَا وَأَنا أحب اليها مِنْك وَأحب اليك مِنْهَا وَهِي أحب الي مِنْك. قَالَ ابْن الزبير: ان الله جلّ وَعز رفع بالاسلام بَيْتا وخفض بِهِ بَيْتا فَكَانَ بَيْتِي مِمَّا رفع الله بالاسلام. قَالَ مُعَاوِيَة: أجل وَبَيت حَاطِب بن أبي بلتعة مِمَّا رفع الله. يرويهِ نقلة الْأَخْبَار. احتجنا لتفسير هَذَا الحَدِيث أَن نذْكر نسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنسب مُعَاوِيَة وَنسب عبد الله بن الزبير ليَصِح مَا أَرَادَ مُعَاوِيَة. أما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ: مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب. وَأما مُعَاوِيَة فَهُوَ: ابْن صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب. وَأما عبد الله فَهُوَ: ابْن الزبير بن العوم بن خويلد بن أَسد ابْن عبد الْعُزَّى بن قصي بن كلاب. فَقَوْل ابْن الزبير: ان الله اخْتَار أبي. يُرِيد: ان أَبَاهُ من الْعشْرَة الَّذين شهد لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ وَأَنه حوارِي النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأحد السِّتَّة الَّذين جعلت الشورى فيهم. وَقَوله: اخْتَار النَّاس أَبَاهُ يَعْنِي: ان النَّاس اخْتَارُوا مُعَاوِيَة فولوه ففضل الزبير على مُعَاوِيَة بِأَن الزبير خَيره الله وان مُعَاوِيَة خَيره النَّاس. وَأما قَول مُعَاوِيَة: ان الله جلّ وَعز اخْتَار عمي لدينِهِ. فانه يُرِيد: ان النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ولد هَاشم بن عبد منَاف وَابْنه من ولد عبد شمس بن عبد منَاف فهاشم عَمه. وَاخْتِيَار الله هاشما لدينِهِ هُوَ بِأَن جعل النُّبُوَّة فِي وَلَده. وَقَوله: وَاخْتَارَ النَّاس أبي لدنياهم. يُرِيد: ان الْخلَافَة صَارَت لبني أُميَّة وامية جده. وَقَوله: فَدَعَا عمي اباك فَأَجَابَهُ. يُرِيد: ان النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ولد هَاشم بن عبد منَاف عَم مُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَخُو عبد شمس بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 عبد منَاف وَعبد شمس أَبُو مُعَاوِيَة دَعَا يَعْنِي: هاشما عبد الْعُزَّى بن قصي بن كلاب. وَهُوَ أَبُو عبد الله بن الزبير فَأَجَابَهُ. وَقَوله: دَعَا أبي عمك فَاتبعهُ. يُرِيد: ان النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ولد عبد منَاف وَعبد منَاف يجمع النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمُعَاوِيَة فِي الْأُبُوَّة دَعَا عبد الدار بن قصي وَهُوَ أَخُو عبد الْعُزَّى بن قصي وعبد العزى أَبُو عبد الله بن الزبير. وانما يُرِيد: أَوْلَاد هَؤُلَاءِ الَّذين ذكر وَبَين أَنه أقرب الى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأمس بِهِ من ابْن الزبير وَلذَلِك قَالَ: اني أَفْخَر عَلَيْك بهاشم. وَقَوله: وَأَنا أحب اليها مِنْك. يُرِيد: انه أقرب اليها فَهُوَ أحب اليها وَهِي أحب الي مِنْك اذ كَانَت أَيْضا اقْربْ اليه. وَأما قَوْله: وَبَيت حَاطِب بن أبي بلتعة مِمَّا رفع الله فان حَاطِبًا كَانَ من الأزد من حَيّ يُقَال لَهُم: النمر مكَاتبا لعبيد الله بن حميد بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن الْأسود بن الْمطلب بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي فَأدى الْمُكَاتبَة وَقتل عبيد الله كَافِرًا فِي بعض الْمَغَازِي فَأَرَادَ مُعَاوِيَة: انك ان كنت تفتخر بِرَفْع الاسلام اياك فان الاسلام قد رفع أَيْضا حَاطِبًا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان أَبَا بردة قَالَ: دخلت عَلَيْهِ حِين أَصَابَته قُرْحَته فَقَالَ: هَلُمَّ يَا بن أخي فَانْظُر فتحولت فاذا هِيَ قد ثبرت فَقلت: لَيْسَ عَلَيْك بَأْس يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن سُفْيَان عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال عَن أبي بردة. قَوْله: ثبرت أَي: انفتحت. والثبرة: النقرة فِي الشَّيْء والهزمة. وَمِنْه قيل للنقرة فِي الْجَبَل يكون فِيهَا مَاء الْمَطَر: ثبرة. قَالَ أَبُو ذُؤَيْب وَذكر خمرًا: من المتقارب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 فشج بِهِ ثبرات الرصاف ... حَتَّى تزيل رنق الْمدر ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان رجلا قَالَ لَهُ: أَتَذكر الْفِيل قَالَ: أذكر خذقه. يَعْنِي: روثه. يُقَال: خذق وذرق وزرق بِمَعْنى. وَقَالَ أَبُو الْحُوَيْرِث: سَمِعت عبد الملك بن مَرْوَان يَقُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 لقباث بن أَشْيَم الْكِنَانِي: يَا قباث: أَأَنْت أكبر أم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكبر مني وَأَنا أسن مِنْهُ. ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفِيل ووقفت بِي أمتِي على رَوْث الْفِيل محيلا أعقله. محيلا: أَتَى عَلَيْهِ حول. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ انه قيل لَهُ: أخبرنَا عَن نَفسك فِي قُرَيْش فَقَالَ: أَنا ابْن بعثطها وَالله مَا سوبقت الا سبقت وَلَا خضت بِرَجُل غمرة قطّ الا قطعتها عرضا. ذكره أَبُو الْيَقظَان. قَالَ الْأَصْمَعِي: البعثط: سرة الْوَادي. يُرِيد: أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 وَاسِطَة قُرَيْش وَمن سرة البطاح. وَقَوله: وَلَا خضت بِرَجُل غمرة الا قطعتها عرضا مثل ضربه لقُوَّة رَأْيه. وَمن خَاضَ الغمار فقطعها عرضا لَيْسَ كمن ضعف عَن ذَلِك فَاتبع الجرية حَتَّى يخرج بالبعد من الْموضع الَّذِي دخل فِيهِ. وَيُقَال: ان الْأسد يَخُوض الغمار عرضا لقُوته. آخر الْجُزْء السَّادِس وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على رَسُوله سيدنَا الْمُصْطَفى مُحَمَّد النبى وَآله وَسلم تَسْلِيمًا وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 فرغ من نسخه لنَفسِهِ عبد الْغَنِيّ بن عبد الْوَاحِد بن عَليّ الْمَقْدِسِي عَفا الله عَنهُ وَأصْلح حَاله وَختم بِالْحُسْنَى أَعماله وَهُوَ يصلى على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَيسْأل الله سُبْحَانَهُ الْعَفو عَن ذنُوبه والتجاوز عَن سيئاته وان يَنْفَعهُ بِمَا علمه وَلَا يَجعله وبالا عَلَيْهِ انه سميع الدُّعَاء مُجيب النداء. وَذَلِكَ بفسطاط مصر حرسه الله فِي الْعشْر الاول من شهر ربيع الأول من سنة احدى وَسبعين وخمسماية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 - حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الْمُغيرَة انه خرج مَعَ سَبْعَة نفر من بني مَالك الى مصر فَعدا علهم فَقَتلهُمْ جَمِيعًا وهم نيام وَاسْتَاقَ العير وَلحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاجتمعت الأحلاف الى عُرْوَة بن مَسْعُود فَقَالُوا: مَا ظَنك بِأبي عُمَيْر سيد بني مَالك قَالَ: ظَنِّي وَالله انكم لَا تتفرقون حَتَّى ترو يخلج أَو يحلج قومه كَأَنَّهُ أمة مخربة وَلَا يَنْتَهِي حَتَّى يبلغ مَا يُرِيد أَو ويرضي من رِجَاله فَمَا تفَرقُوا حَتَّى نظرُوا اليه قد تكْتب يزف فِي قومه. يرويهِ مُحَمَّد بن اسحق عَن عَامر بن وهب وعبد الله بن مطرق. قَوْله: يخلج فِي قومه أصل الخلج الجذب. يُقَال: خلجه خلجا اذا جذبه. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليردن عَليّ الْحَوْض أَقوام ثمَّ ليختلجن دوني أَي: ليجتذبون ويقطعون عني. وَمِنْه قيل للحبل خليج لِأَنَّهُ يجذب مَا شدّ بِهِ أَو لِأَنَّهُ يجذب اذا فتل وَأَرَادَ انه يمشي فِي قومه يجمعهُمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 ويذمرهم فَهُوَ لاسراعه يُحَرك يَدَيْهِ وأعضاءه. وَمِنْه قَول الْحسن لرجل رَآهُ يمشي مشْيَة أنكرها فَقَالَ: تخلج فِي مشيته خلجان الْمَجْنُون لله فِي كل غضو مِنْهُ نقمة وللشيطان لعبة. يُقَال: خلج بِعَيْنِه اذا غمز بهَا وخلجت عينه اذا تحركت والخلج أَن تَشْتَكِي مفاصل الرجل وأعضاؤه من عمل عمله أَو من كَثْرَة مشي وتعب. وان كَانَ الْمَحْفُوظ يحلج فانه أَيْضا من الاسراع. قَالَ العجاج: من الرجز ... تواضخ التَّقْرِيب قلوا محلجا ... والمخربة: المثقوبة الْأذن. والخربة الثقبة وَالْجمع خرب. قَالَ ذُو الرمة وَذكر ظليما: من الْبَسِيط ... كَأَنَّهُ حبشِي يَبْتَغِي أثرا ... أَو من معاشر فِي آذانها الخرب ... يَقُول: قد تطأطأ يرْعَى فَكَأَنَّهُ حبشِي يطْلب أثرا فِي الأَرْض أَو سندي فِي أُذُنه خربة. يَقُول: رجل أخرب اذا كَانَ فِي أُذُنه ثقب فاذا انخرم فَهُوَ أخرم وانما شبهه بِأمة سندية لِأَنَّهُ كَانَ شَدِيد الأدمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 وَقَوله: تكْتب أَي: تحزم وَجمع عَلَيْهِ ثِيَابه. وَمِنْه قيل: كتبت الْكتاب أَي: جمعت حُرُوفه. وَقَوْلهمْ: كَتِيبَة لاجتماعها. وَقَوله: يزف أَي: يسْرع كَمَا يزف الظليم. قَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 - حَدِيث النُّعْمَان بن مقرن وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النُّعْمَان بن مقرن انه قَامَ خَطِيبًا فِي غَزْوَة نهاوند فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس ان هَذِه الْأَعَاجِم قد أخطروا وأخطرتم لَهُم اخطارا أخطروا رثَّة وأخطرتم لَهُم الاسلام أَلا وأنكم بَاب بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين ان كسر ذَلِك الْبَاب دخل عَلَيْهِم مِنْهُ أَلا واني هاز لكم الرَّايَة فاذا هززتها فليثب الرِّجَال الى أكمة خيولها فيقرطوها أعنتها أَلا واني هاز لكم الرَّايَة الثَّانِيَة فليثب الرِّجَال فتشدهما بنهما على أحقائها. ثمَّ ذكر أَن النُّعْمَان طعن برايته رجلا ثمَّ رفع رايته مختضبة دَمًا كَأَنَّهَا جنَاح عِقَاب كاسر. قَالَ: وجمعت الرَّايَات كَأَنَّهَا الاكام - بعد قتل النُّعْمَان - الى السَّائِب. يرويهِ سُفْيَان عَن أبي بكر الْهُذلِيّ. قَوْله أخطروا وأخطرتم هُوَ من الْخطر وَذَلِكَ أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 يراهن الرّجلَانِ فَيكون مَا وضعاه على يَدي الْعدْل خطرا فَأَيّهمَا فَازَ أَخذه ز يُقَال: أخطرلي فلَان وأخطرت لَهُ. وَالنَّدْب ايضا الْخطر. قَالَ عُرْوَة بن الْورْد: من الطَّوِيل ... أيهلك معتم وَزيد وَلم أقِم ... على ندب يَوْمًا ولي نفس مخطر ... يُرِيد أَن خطركم الأسلام وخطرهم الرثاث وَاحِدهَا رثَّة وَهِي الْأَمْتِعَة الردئية من الْغَنَائِم. وَكَذَلِكَ الرثة من النا س هم خشارتهم وضعفاؤهم. وَأرَاهُ من الرثاثة مأخوذا. وَمِنْه قَول سِيرِين: كاتبني أنس بن مَالك على عشْرين ألفا وَكنت فِي مفتح تستر فاشتريت رثَّة فربحت فِيهَا. وَقَوله فيقرطوها أعنتها أَي: يجْعَلُوا الأعنة وَرَاء آدانها وَذَلِكَ أَن يلجموها وَهُوَ من القرط مَأْخُوذ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 أَخْبرنِي عبد الرحمن عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ يُقَال قرط الْفرس لجامها أَي: أحملها على أَن تجْرِي جَريا شَدِيدا حَتَّى يَمْتَد على أنوفها فَيصير كَأَنَّهُ قرط. وَأنْشد قَوْله: من الْبَسِيط ... وقرطوا الْخَيل من فلج أعنتها ... مستمسك بهواديها ومصروع ... وانهما هَاهُنَا المناطق. وَقَالَ الْحَارِث بن حلزة يمدح رجلا: من مجزوء الْكَامِل ... يحبوك بالزغف الفيوض على ... هميانها والأدم كالغرس ... شبهها بِالنَّخْلِ لطولها والزغف: الدرْع اللينة الْمس والفيوض: السابغة والهميان: المنطقة ويكنو التكة فِي مَوضِع آخر. وَمِنْه الحَدِيث: ان يُوسُف حل الْهِمْيَان وَقعد مِنْهَا مقْعد الخاتن. والأحقاء: جمع حقو وَهُوَ الْوسط وَالْعِقَاب الكاسر الَّتِي تكسر جناحها اذا انحطت الى الأَرْض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 والأكمة: المخالي وَاحِدهَا كمام. سميت بذلك لِأَنَّهَا تكم الْفَم. والكمام والحجام مَا يَجْعَل على فَم الْبَعِير ويشد بِهِ لِئَلَّا يعَض. يُقَال: كممت الْبَعِير وحجمته أَرَادَ فليثب الرِّجَال فليأخذوا عَن الْخَيل فيلجموها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 - حَدِيث حسان بن ثَابت وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حسان انه أخرج لِسَانه فَضرب بِهِ رَوْثَة انفه ثمَّ أدلعه فَضرب بِهِ نَحره. وَقَالَ: يَا رَسُول الله ادْع لي بالنصر. رَوْثَة الْأنف: أرنبته وَمَا يَليهَا من مقدمته. قَالَ الْهُذلِيّ: من الْكَامِل ... حَتَّى انْتَهَيْت الى فرَاش عزيزة ... شغواء رَوْثَة أنفها كالمخصف ... يَعْنِي: عقَابا وفراشها عشها والمخصف الاشفى شبه بِهِ طرف أنفها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 - حَدِيث عبد الله بن الزبير وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير ان أهل الشَّام نادوه يَابْنَ ذَات النطاقين فقاال: ايه والاله أَو ايها واله. وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها ظَاهر عَنْك عارها من قَوْلك: لَا تجْعَل حَاجَتي ظهريا. حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو عَن الْحجَّاج بن نصير عَن قُرَّة بن خَالِد عَن هِشَام بن عُرْوَة. قَوْله ايها والأنه تَقول للرجل اذا استزدته ايه فان وصلته قلت: ايه حَدِيثا. قَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل ... وقفنا فَقُلْنَا: ايه عَن أم سَالم ... وَمَا بَال تكليم الديار البلاقع ... يُرِيد حدثينا عَنْهَا. وَترك التَّنْوِين وَقد وصل لِأَنَّهُ نوى الْوُقُوف على الْحَرْف وان كَانَ الْمَحْفُوظ ايها فَهُوَ بِمَعْنى الارتضاء للشَّيْء والتصديق لِلْقَوْلِ. وَلها مَوضِع آخر وَذَلِكَ اذا أسكت رجلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 قلت: ايها عَنَّا. فاذا أغريته بِشَيْء قلت ويها واذ تعجبت من طيب شَيْء قلت واها. وَمِنْه قَول أبي النَّجْم: من الرجز ... واها لريا ثمَّ واها واها ... وَقَوله: ظَاهر عَنْك عارها أَي: لَا يعلق بك وَلكنه ينبو عَنْك وَهُوَ من قَوْلك: ظهر فلَان على السَّطْح اي: علا عَلَيْهِ. قَالَ الرياشي قَالَ الله جلّ وَعز: فَمَا اسطاعوا أَن يظهروا. أَي: يعلوا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: من الطَّوِيل ... وعيرها الواشون أيي أحبها ... وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها ... وَلست أَدْرِي أَخذ بن الزبير هَذَا من أبي ذُؤَيْب أم ابتدأها هُوَ أَو هِيَ كلمة مقولة. وحَدثني الرياشي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: كَانَ أَبُو ذُؤَيْب صَاحب عبد الله بن الزبير فِي مغزى الى افريقية وَمَات أَبُو ذُؤَيْب فدلاه ابْن الزبير فِي حفرته. وَفِيه يَقُول أَبُو ذُؤَيْب فِي هَذِه الْغُزَاة: من المتقارب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 .. وَصَاحب صدق كسيد الضرا ... ينْهض فِي الْغَزْو نهضا نجيحا وشيك الفضول بعيد القفو ... ل الا مشاحا بِهِ أَو مشيحا ... والشكاة: الْعَيْب والذم. قَالَ الْأَصْمَعِي فِي رجزه: من الرجز ... يشكي بعي وَهُوَ البلغ الْحَدث ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه حض على الزّهْد وَذكر أَن مَا يَكْفِي الانسان قَلِيل فنزغه انسان من أهل الْمَسْجِد بنزيغة ثمَّ خبأ رَأسه فَقَالَ: ايْنَ هَذَا فَلم يتَكَلَّم. فَقَالَ: قَائِله الله ضبح ضبحة الثَّعْلَب وقبع قبعة الْقُنْفُذ. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي. قَوْله: قبع أَي: أَدخل رَأسه. وَكَانَ غير الْأَصْمَعِي يروي عَن الزبْرِقَان بن بدر قَالَ: أبْغض الي كنائني الطلعة القبعة. والأصمعي يرويهِ: الخبأة. وانما ضرب لَهُ الثَّعْلَب مثلا لجبته ورواغه والقنفذ. لاستخفائه فِي خُرُوجه فانه يخرج لَيْلًا وَقيل انه لَا ينَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 وانما شبه النمام بالقنفذ لاستخفائه بِمَا يَأْتِي بِهِ قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... قنفذ ليل دَائِم التبحاث ... وَقَالَ عَبدة: من الْكَامِل ... قوم اذا دمس الظلام عَلَيْهِم ... حدجوا قنافذ بالنميمة تمزع ... حدجوا: رموا بِأَبْصَارِهِمْ اليها. ويروي: هدجوا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه قَالَ لما قتل عُثْمَان قلت لَا أستقيلها أبدا فَلَمَّا مَاتَ أبي أنقطع بِي ثمَّ استمرت مريرتي. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن ابْن أبي الزِّنَاد. أصل المريرة: الفتل. يُقَال: استمرت مريرة فلَان على كَذَا. وَأَصله من الفتل: أَن يَسْتَقِيم للفاتل فَيضْرب مثلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 قَالَ لَقِيط: من الْبَسِيط ... ثمَّ استمرت على شزر مريرته ... مستحكم السن لَا قحما وَلَا ضرعا ... والشزر: الفتل الى فَوق. واليسر الى أَسْفَل. وَمِنْه أخذت مرّة الرجل وَهِي قوته ومنته لِأَن الْقوي من الرِّجَال كَأَنَّهُ فتل. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي. قَالَ أَبُو زيد فلَانا لذُو مرّة اذا كَانَ قَوِيا محتالا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه نَازع مَرْوَان عِنْد مُعَاوِيَة فَرَأى ضلع مُعَاوِيَة مَعَ مَرْوَان فَقَالَ فِي كَلَام لَهُ: أطع الله نطعك فانه لَا طَاعَة لَك علينا الا فِي حق الله وَلَا تطرق اطراق الأفعوان فِي أصُول السخبر. من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك عَن هِشَام بن عُرْوَة. الأفعوان: ذكر الأفاعي. والسخبر: شجر واحده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 سَخْبَرَة. قَالَ حسان بن ثَابت: من الْكَامِل ... ان تغدروا فالغدر مِنْكُم شِيمَة ... واللؤم ينْبت فِي أصُول السخبر ... وَهَؤُلَاء قوم تنْبت أَرضهم السخبر. وَأَرَادَ ابْن الزبير لَا تتغافل عَمَّا نَحن فِيهِ وتطرق اطراق الأفعوان فِي أصُول السخبر وَمن شَأْنه أَن يأوى فِي أصُول السخبر. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه قَالَ: من حمل السِّلَاح ثمَّ وَضعه فدمه هدر. يرِيه زَمعَة عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه. قَوْله ثمَّ وَضعه يُرِيد: ضرب بِهِ فِي الْفِتْنَة وَهُوَ مثل الحَدِيث الَّذِي يرْوى: لَيْسَ فِي الهيشات قَود. يُرَاد الْفِتْنَة والاختلاط. وَهَكَذَا رُوِيَ فِي هَذَا الْموضع بِالْيَاءِ وروى فِي غَيره بِالْوَاو. قَالَ ابْن مَسْعُود: اياكم وهوشات اللَّيْل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 وَمِنْه قيل لبَعض الشُّعَرَاء أَبُو المهوش. وَمِنْه الحَدِيث: من أصَاب مَالا من مهاوش. وكل شىء خلطته فقد هوشته. فَأَما قَول الْعَامَّة: شوشته وَشَيْء مشوش فان لم يكن بِالْفَارِسِيَّةِ فان غيرته. وَالصَّوَاب: هوسته. وَقَالَ ذُو الرمة وَذكر الدَّار: من الطَّوِيل ... تعفت لتهتان الشتَاء وهوشت ... بهَا نائحات الصَّيف شرقية كدرا ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه قَالَ لرجل مَا على أحدكُم اذا أَتَى الْمَسْجِد أَن يخرج قرفة أَنفه. يرويهِ مُحَمَّد بن أبي ربيعَة عَن مُسْتَقِيم بن عبد الملك. أصل القرفة: القشرة. وَمِنْه يُقَال: صبغ فلَان ثَوْبه بفرف السدر أَي: بقشره. وَمِنْه يُقَال: تَركتهم على مثل مقرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 الصمغة أَي: مقشرها. وأحسب قرفة الطّيب مِنْهُ. وَأَرَادَ ابْن الزبير انه يَنْبَغِي لمن أَرَادَ الْمَسْجِد أَن ينظف أَنفه ويقرف مَا فِيهِ مِمَّا قد يبس وَصَارَ كَأَنَّهُ قشر. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير أَنه خرج فَبَاتَ القفر فَلَمَّا قَامَ ليرحل وجد رجلا طوله شبران عَظِيم اللِّحْيَة على الولية فنفضها فَوَقع ثمَّ وَضعهَا على الرَّاحِلَة وَجَاء وَهُوَ الْقطع فنفضه فَوَقع فَوَضعه على الرَّاحِلَة وَجَاء وَهُوَ بَين الشرخين فنفض الرحل ثمَّ شده وَأخذ السَّوْط ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: من أَنْت قَالَ: أَنا أزب. قَالَ: وَمَا أزب قَالَ رجل من الْجِنّ. قَالَ: افْتَحْ فَاك أنظر. فَفتح فَاه فَقَالَ أهكذا حلوقكم لقد شوه الله حلوقكم ثمَّ قلب السَّوْط فَوَضعه فِي رَأس أزب حَتَّى باص. حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن وَسَهل عَن الْأَصْمَعِي عَن يعلي بن عقبَة شيخ من أهل الْمَدِينَة مولى لآل الزبير الا أَنَّهُمَا قَالَا حَتَّى سبقه وَقَالَ غَيرهمَا حَتَّى باص. وَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أهكذا خلوقكم بِالْخَاءِ مُعْجمَة. وَقَالَ سهل: حلوقكم. الولية البردعة. وَالْقطع: الطنفسة تكون تَحت الرجل على كَتِفي الْبَعِير والجميع قطوع. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 .. أتتك العيس تنفح فِي براها ... تكشف عَن مناكبها القطوع ... والشرخان جانبا الرحل. وَقَالَ عبد الله بن رَوَاحَة وغزا مَعَه ابْن أَخِيه على زاملة فَأَحْرَقتهُ الحقيبة: لَعَلَّك ترجع بَين شرخي الرحل. يَقُول: أستشهد وَترجع على رَاحِلَتي. وَقَالَ ذُو الرمة: من الْبَسِيط. ... كَأَنَّهُ بَين شرخي رَحل ساهمة ... حرف اذا مَا اسْترق اللَّيْل مَأْمُوم ... الْمَأْمُوم: المشجوج. اسْترق اللَّيْل أَي: حِين كَاد يذهب. أَرَادَ كَأَنَّهُ من النعاس مشجوج. وخلوقكم جمع خلق. وَقَوله: حَتَّى باص أَي: حِين سبقه وَفَاته. وَفِي حَدِيث عمر أَنه أَرَادَ أَن يسْتَعْمل سعيد بن عَامر فباص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 مِنْهُ كَأَنَّهُ هرب واستر. والبوص فِي غير هَذَا اللَّوْن فَأَما البوص بِضَم الْبَاء فَهُوَ لعجز. وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن الزبير أَنه خطب حِين بلغه قتل مُصعب فَقَالَ فِي خطبَته: انا وَالله مانموت حبجا وَلَا نموت الا فَتلا قعصا بِالرِّمَاحِ تَحت ظلال السيوف وَلَيْسَ كَمَا يَمُوت بَنو مَرْوَان. يرويهِ الْهَيْثَم عَن أَي جناب الْكَلْبِيّ عَن شيخ من أهل مَكَّة. الجبج من أدواء الابل وَهُوَ أَن تَأْكُل العرفج ليجتمع فِي بطونها عجر حَتَّى تَشْتَكِي مِنْهُ. يُقَال: جبجت تحبج حبجا فان لم تخرج مَا فِي بطونها وانتفتخت قيل: حبطت تحبط حَبطًا. قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان مِمَّا ينْبت الرّبيع مَا يقتل حَبطًا أَو يلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 والقعص: أَن يَمُوت الْمَضْرُوب أَو المطعون أَو المرمي يُقَال مِنْهُ: اقعصته اقعاصا وَنَحْوه: أصميته. وَأَرَادَ ابْن الزبير: انا لَا نموت على التخم والاكثار من الْمطعم كَمَا يَمُوت آل مَرْوَان وَلَكنَّا نموت قتلا. وَيُقَال: الحبط أَن تنتفخ بطُون الابل عَن أكل الذرق هُوَ الحندقوق. وَمن القعص حَدِيث الزبير أَنه كَانَ يقعص الْخَيل قعصا بِالرُّمْحِ - يَعْنِي يَوْم الْجمل - حَتَّى نوه بِهِ عَليّ فَقَالَ لَهُ مَا قَالَ فَانْصَرف. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه لما أَرَادَ هدم الْكَعْبَة وبناءها أرسل أَرْبَعَة آلَاف بعير تحمل الورس من الْيمن. يُرِيد أَن يَجعله مدرها فَقيل لَهُ: ان الورس يرفت فَقَسمهُ فِي عجز قُرَيْش وبناها بالقصة وَكَانَت فِي الْمَسْجِد جراثيم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس ابطحوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 وَفِي الحَدِيث أَنه لما أبرز عَن ربضه دَعَا بكبره فنظروا اليه وَأخذ ابْن مُطِيع العتلة فعتل نَاحيَة من الربض وأقضه. حَدَّثَنِيهِ شيخ لنا عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن ابْن جريج. قَوْله: يرفت أَي: يتفتت والرفات نَحْو الفتات وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {أئذا كُنَّا عظاما ورفاتا} . والقصة: الجص يُقَال: قصَص فلَان دَاره اذا جصصها. والجراثيم جمع جرثومة وَهِي من تُرَاب أَو طين تعلو على الأَرْض. وَيُقَال للشَّيْء اذا اجْتمع: قد تجرثم واجرنثم. وانما أَرَادَهُ الْمَسْجِد كَانَ متعليا غير مستوي الأَرْض فَفِيهِ مَوَاضِع قد علت ومواضع قد تحفرت فَأَمرهمْ أَن يبطحوا أَي: يسووا الأَرْض بالبطحاء. وَهُوَ حمى وَرمل ينْقل من مسيل المَاء ويلقى فِي أَرض الْمَسْجِد حَتَّى يَسْتَوِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 وَالْكبر: الْمَشَايِخ جمع أكبر والعتلة: البيرم وَقَوله: أقضه من القضة وَهُوَ الْحَصَى الصغار وَمِنْه قَول أبي ذُؤَيْب: من الْكَامِل ... أما لجنبك لَا يلائم مضجعا ... الا أقض عَلَيْك ذَاك المضجع ... يَقُول: ثِيَابك. فَكَانَ فِيهِ قضة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 حَدِيث النِّسَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 - حَدِيث ام الْمُؤمنِينَ عَائِشَة وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَائِشَة انها قَالَت: كَانَ الْمُسلمُونَ يوعبون فِي النفير مَعَ رَسُول الله فَيدعونَ مفاتحهم على ضمناهم وَيَقُولُونَ: ان احتجتم فَكُلُوا. فَقَالُوا: انما أحلُّوا لنا عَن غير طيب نفس. فَنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} الى قَوْله: أَو مَا ملكتم مفاتحة. حَدَّثَنِيهِ زيد بن أخزم الطَّائِي عَن بشر بن عمر عَن ابراهيم بن سعد عَن صلح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة. قَوْلهَا: يوعبون أَي: يخرجُون بأجمعهم فِي الْمَغَازِي. يُقَال: أوعب بَنو فلَان لبني فلَان اذا جَاءُوا بأجمعهم. وَيُقَال: بَيت وعيب. اذا كَانَ وَاسِعًا يستوعب كلما جعل فِيهِ. وركض وعيب. وَهُوَ أقْصَى مَا عِنْد الْفرس. قَالَ بعض العبديين: من المتقارب ... أخال بهَا كَفه مُدبرا ... وَهل ينجينك ركض وعيب ... والضمنى هم الزمنى. واحدهم ضمن. مثل: زمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 وزمنى وجرب وجربى. وَيُقَال: ضمن بَين الضمن وَالضَّمان. وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة ان دقره قَالَ: كنت أَطُوف مَعهَا بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهَا ثوب قد كَاد يشف فناولتها عطافا كَانَ عَليّ فرأت فِيهِ تصليبا فَقَالَت: نحيه عني. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد بن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن لَيْث عَن بديل عَن دقرة. قَوْلهَا: قد كَاد يشف أَي: يرق حَتَّى يَبْدُو مِنْهُ خلقهَا. وَمِنْه قيل للستر الرَّقِيق: شف وشف. والعطاف: الرِّدَاء. يُقَال لَهُ أَيْضا: معطف. وَمثله مِمَّا جَاءَ على هَذَا التَّقْدِير: ملحف ولحاف ومنطق ونطاق ومسن وَسنَان ومسرد وسراد وَهُوَ الأشفى. والسرد الخرء. وَهُوَ الْمُتَابَعَة وَمِنْه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 قيل: فلَان يسْرد الصَّوْم أَي: يُتَابِعه. وَقَالَ الشماخ: من الطَّوِيل ... كَمَا تابعت سرد الْعَنَان الخوارز ... أَي: خرزه. ومقرم وقرام وَهُوَ السّتْر. وَمِنْه الحَدِيث: كَانَ على بَاب عَائِشَة قرام فِيهِ تمائيل. وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة انها قَالَت لما نزلت هَذِه الْآيَة: {وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ} انْقَلب رجال الْأَنْصَار الى نِسَائِهِم فتلوها عَلَيْهِنَّ فَقَامَتْ كل امْرَأَة الى مرْطهَا المرحل فصدعت مِنْهُ صدعة فَاخْتَمَرْنَ بهَا. فَأَصْبَحْنَ فِي الصُّبْح على رؤوسهن الْغرْبَان. حَدَّثَنِيهِ سعد بن مَنْصُور عَن دَاوُد الْعَطَّار قَالَ: حَدثنِي ابْن خَيْثَم عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن عَائِشَة. المروط: أكسية من صوف وَرُبمَا كَانَت من شعر وَرُبمَا كَانَت من خَز. والمرحل: الْمُوشى. وَيُقَال لذَلِك الْعَمَل: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 الترحيل. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس وَذكر امْرَأَة: من الطَّوِيل ... ذيل مرط مرحل ... وَأما قَوْلهَا: فَأَصْبَحْنَ على رؤوسهن الْغرْبَان. تُرِيدُ: أَن المروط كَانَت من شعر أسود فَصَارَ على الرؤوس مِنْهَا مثل الْغرْبَان وَمِمَّا يُوضح هَذَا حَدِيث حَدَّثَنِيهِ عَبدة الصفار قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد ابْن بشر الْعَبْدي عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن مُصعب بن شيبَة عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن عَائِشَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج ذَات غَدَاة وَعَلِيهِ مرط مرحل من شعر أسود. وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة انها قَالَت: اذا حَاضَت الْمَرْأَة حرم الجحران. ذكره اسحق بن رَاهَوَيْه فَسمِعت رجلا من أهل الْحجاز من قُرَيْش يحْتَج بِهِ عَلَيْهِ فِي تَحْلِيل الأدبار وَقَالَ: لَوْلَا انهما كَانَا حَلَالا قبل الْحيض لم تقل: حرما بعد الْحيض. فَقَالَ فِي ذَلِك بعض أَصْحَاب اللُّغَة قولا ارْتَضَاهُ اسحق وعرفه وَقَالَ: انما هُوَ حرم الجحران بِضَم النُّون على لفظ الْوَاحِد. والجحران: الْفرج. وانشد فِيهِ بَيْتا أنسيته وَهَذَا مَذْهَب فِي اللُّغَة صَحِيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 لِأَن هَذِه الْألف وَالنُّون تزادان آخرا. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: جِئْت فِي عقب الشَّهْر وعقبانه اذا جِئْت بعد مَا مضى وَجئْت فِي عقبه وَعقبَة اذا جِئْت فِي آخِره. وَقَالُوا فِي الْجَمِيع سود وسودان وحمر وحمران. وَقَالُوا فرس عري أَي: لَا جلّ عَلَيْهِ وَرجل عُرْيَان وَلَا رجل عري. وأصلهما وَاحِد. فَكَذَلِك قَالُوا: جُحر الضَّب وجحر الأرقم وَقَالُوا لِلْفَرجِ خَاصَّة جحران فزادوا الْألف وَالنُّون ليَكُون اسْما مُمَيّزا لَهُ من سَائِر الجحرة. وَقد يَفْعَلُونَ مثل هَذَا كثيرا قَالُوا: فحال النّخل وَفِي سَائِر الْأَشْيَاء: فَحل. وَقَالُوا أَخُوهُ بلبان أمه وَقَالُوا فِي سَائِر الْأَشْيَاء: لبن وَقَالُوا: عجيزة الْمَرْأَة. وَقَالُوا: عجز الرجل وَالْمَرْأَة جَمِيعًا. وَعجز كل شىء آخِره. وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة. انها خطبت بعد مقتل عُثْمَان بِالْبَصْرَةِ فَقَالَت: ان لي حُرْمَة الأمومة وَحقّ الصُّحْبَة لَا يتهمني مِنْكُم الا من عصى ربه قبض رَسُول الله بَين شجري وَنَحْرِي وَأَنا احدى نِسَائِهِ فِي الْجنَّة وَله خصني رَبِّي من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 كل بضع وَبِي ميز مؤمنكم من منافقكم. وَفِي رِوَايَة أخري: وَفِي رخص لكم فِي صَعِيد الأقواء وَأبي ثَانِي اثْنَيْنِ. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: وَأبي رَابِع أَرْبَعَة من الْمُسلمين وَأول من سمي صديقا قبض رَسُول الله وَهُوَ عَنهُ رَاض قد طوقه وهف الْأَمَانَة. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وهف الْأَمَانَة واضطرب حَبل الَّذين فَأخذ بطرفيه وربق لكم أثناءه ووقذ النِّفَاق. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: وغاض نبغ الرِّدَّة وأطفأ مَا حشت يهود وَأَنْتُم يَوْمئِذٍ جحظ تنتظرون الدعْوَة. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تنتظرون العدوة وتستمعون الصَّيْحَة فرأب الثأي وأوذم السقاء وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: وأوذم العطلة وامتاح من المهواة واجتهر دفن الرواء حَتَّى قَبضه الله اليه واطئا على هام النِّفَاق مذكيا لِحَرْب الْمُشْركين يقظان اللَّيْل فِي نصْرَة الاسلام صفوحا عَن الْجَاهِلين. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: بعيد مَا بَين اللابتين عركة للأذاة بجنبيه خشَاش الْمرْآة والمخبر. واني أَقبلت أطلب بِدَم الامام المركوبة مِنْهُ الْفقر الْأَرْبَع فَمن ردناعنه بِحَق قبلناه وَمن 457 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 ردنا عَنهُ بباطل قَاتَلْنَاهُ. فَرُبمَا ظهر الظَّالِم على الْمَظْلُوم وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين. يروي أحدى الرِّوَايَتَيْنِ زَكَرِيَّا بن يحيى الْكُوفِي قَالَ: حَدثنِي عَم أبي زحر بن حُصَيْن عَن جده حميد بن منْهب. قَوْلهَا: قبض رَسُول الله بَين شجري وَنَحْرِي. قد ذكره أَبُو عبيد من هَذَا الحَدِيث وَفَسرهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلهَا فِي رِوَايَة آخرى: بَين حاقنتي وذاقنتي. وَبَلغنِي عَن عمَارَة بن عقيل بن بِلَال بن جرير انه قَالَ: انما هُوَ بَين شجري وبجري فَسئلَ عَن ذَلِك فشبك بَين أَصَابِعه وقدمها من صَدره كَأَنَّهُ يضم شَيْئا. وَيُقَال: اشتجر النَّاس اذا اخْتلفُوا. وَالْأَصْل أَن يشتبكوا فِي خُصُومَة أَو قتال وشبيه بِهِ التضام فِي الرُّؤْيَة فِي قَول النبى: لَا تضَامون فِي رُؤْيَته أَي: لَا تختلفون فِيهِ فتشتجرون وينضم بَعْضكُم الى بعض. أَرَادَ عمَارَة انه قبض وَقد ضمته بِيَدِهَا الى نحرها وصدرها. وخالفت بَين أصابعها كَمَا يفعل من يضم الشَّيْء الَّذِي بِمَا يَدَيْهِ الى صَدره. وَالْمَحْفُوظ هُوَ الأول. وَقَوْلها: قد طوقه وهف الْأَمَانَة أَو الامامة. تَعْنِي: الصَّلَاة. وَلست أعرف اشتقاق الْحَرْف. وَأَحْسبهُ وهق الْأَمَانَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 وَقَوْلها: وَله خصني رَبِّي من كل بضع. أَي: من كل نِكَاح. وَكَانَ تزَوجهَا بكرا من بَين جَمِيع نِسَائِهِ. ذكر الرياشي عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: يُقَال: كرم الْعَيْش أكل وَشرب وبضاع ثمَّ نم. وَمِنْه قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تستأمر النِّسَاء فِي بضاعهن أَو أبضاعهن. يُقَال: أبضعت الْمَرْأَة ابضاعا اذا زوجتها كَمَا تَقول أنكحتها انكاحا. وَالْبكْر اذنها سكانها. والصعيد: التُّرَاب. قَالَ الله جلّ وَعز: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} . أَي تعمدوا ذَلِك. والأقواء جمع قواء. وَهُوَ القفر من الأَرْض. والقي مِنْهُ وَهُوَ فعل. تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَت سَبَب الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم. قَالَ عمار بن يَاسر: كُنَّا مَعَ رَسُول الله فِي سفر ففقد عقد لعَائِشَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 فطلبوه حَتَّى أَصْبحُوا وَلَيْسَ من الْقَوْم مَاء فَنزلت الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم. وَقَوْلها: واضطراب حَبل الدّين فَأخذ بطرفيه وربق لكم أثناءه. تُرِيدُ: أَنه لَهما اضْطربَ الْأَمر أحَاط بِهِ من أَطْرَافه وضمه فَلم يشذ مِنْهُ أحد وَلم يخرج عَمَّا جمعهم عَلَيْهِ. وأصل ربق من تربيق البهم. يُقَال: ربقت البهم وربقتها اذا جعلت أعناقها فِي عرى حَبل. وَيُقَال: لكل عُرْوَة مِنْهَا ربقة. وَمِنْه الحَدِيث: من فَارق الْجَمَاعَة متبرئا فقد خلع ربقة الاسلام من عُنُقه وَيُقَال اللحبل: ربق. قَالَ الْأَصْمَعِي: وانما تربق الصغار لِأَنَّهَا لَا تقوى على أَن تتباعد فِي المرعى مَعَ الْأُمَّهَات فتربق حَتَّى تجىء الْأُمَّهَات فترضعها. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْعَرَب تَقول: رمدت المعزى فرنق رنق. ورمدت الضَّأْن فربق ربق والترميد من الْمعز والضأن أَن يستبين حملهَا وتعظم ضروعها. وَقَالَ ابْن الأعربي فِي تَأْوِيل هَذَا: ان المعزى تدفع فِي أول من حملهَا. يَعْنِي: تنزل اللَّبن. فَيَقُول: انْتظر الْولادَة وان أبطأوا. والترنيق: الِانْتِظَار. يُقَال: رنق الطَّائِر اذا رَفْرَف. ورنق فلَان فِي نظره الى الشَّيْء اذا أدامه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 قَالَ: والضأن لَا تدفع الا عِنْد الْولادَة فاذا رمدت فَهِيَ الأرباق لأولادها. وأثناء الْحَبل مَا انثنى مِنْهُ واحده ثنى يُرِيد: أَنه جعل وسط الْحَبل ربقا لكم وأوثقكم بِهِ. وَقبض على طَرفَيْهِ. وَهُوَ مثل ضربه. قَالَ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: قَالَ أَبُو مهْدي: تَعْنِي شُجَاع فَمر خَلْفي كَأَنَّهُ سهم زالج فَحدث عَنهُ فَرجع فاستكف كَأَنَّهُ كَفه حابل فرميته فانتظمت ثَلَاثَة أَثْنَائِهِ أَحدهَا رَأسه. استكف اسْتَدَارَ والكفة: حبال الصَّائِد. والزالج من السِّهَام الَّذِي يمر على الأَرْض. يُقَال: زلج يزلج. قَوْلهَا: وقذ النِّفَاق تُرِيدُ: انه أوهنه وأضعفه وَمِنْه يُقَال: فلَان وقيذ: اذا كَانَ شَدِيد الْعلَّة. وَقد وقذته الْعلَّة وَالْعِبَادَة اذا نهكته. وَمِنْه الموقوذ وَهِي الَّتِي تضرب حَتَّى تشرف على الْمَوْت ثمَّ تتْرك تَمُوت بِغَيْر ذَكَاة. وَقَوْلها: غاض نبغ الرِّدَّة أَي: نَقصه وأذهبه. يُقَال: غاض المَاء اذا نقص. وغضته أَنا. ونبغ الرِّدَّة مَا نبغ مِنْهَا. أَي: ظهر. وانما سمي النَّابِغَة بقوله: من الوافر ... فقد نبغت لنا مِنْهُم شؤون ... وَقَوْلها: وأطفأ مَا حشت يهود. تَعْنِي: مَا أوقدت من نيران الْحَرْب أَو الْفِتْنَة. يُقَال: حششت النَّار وأحمشتها اذا ألهبتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 وَلم تصرف يهود لِأَنَّهُ يَجْعَل كالقبيلة. وَكَذَلِكَ مجوس. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر ... كنار مجوس تستعر استعارا وَقَوْلها: وَأَنْتُم يَوْمئِذٍ جحظ شاخصو الْأَبْصَار تترقبون أَن ينعق ناعق أَو يَدْعُو الى وَهن الاسلام دَاع وَالْعين تجحظ عِنْد الترقب وَعند الانكار للشَّيْء. حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن مُوسَى بن سعيد الجُمَحِي عَن ابْن مُصعب الزبيرِي قَالَ قَالَ لي عُثْمَان بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن حَاطِب الجُمَحِي وَكَانَ جزلا موجها ذَا عارضة أَتَانِي فَتى من قُرَيْش يستشيرني فِي امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَقلت: يَا بن أخي أقصيرة النّسَب أم طويلته قَالَ: فَكَأَنَّهُ لم يفهم. فَقلت: يَا بن أخي: إِنِّي أعرف فِي الْعين اذا أنْكرت وَأعرف فِيهَا اذا عرفت. وَأعرف فِيهَا اذا هِيَ لم تعرف وَلم تنكر. أما هِيَ اذا عرفت فتخواص وَأما اذ انكرت فتجحظ وَأما هِيَ اذا لم تعرف وَلم تنكر فتسحو. القصيرة النّسَب يَا بن أخي الَّتِي اذا ذكرت أَبَاهَا اكتفيت والطويلة النّسَب الَّتِي لَا تعرف حَتَّى تطيل واياك يَا ابْن أخي وان تقع فِي قوم قد أَصَابُوا غثرة من الدُّنْيَا مَعَ دناءة فتضع نَفسك بهم. قَوْله: تسحو أَي: تسكن والغثرة وَالْكَثْرَة هَاهُنَا بِمَعْنى. وَيُقَال لعوام النَّاس: الغثراء وَهَذَا شَبيه رؤبة عَن النسابة. حدثنيى عبد الرَّحْمَن وَسَهل عَن الْأَصْمَعِي عَن الْعَلَاء بن أسلم الْعَدْوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 عَن رؤبة بن العجاج قَالَ أتيت النسابة الْبكْرِيّ فَقَالَ: من أَنْت قلت: ابْن العجاج قَالَ: قصرت وَعرفت لَعَلَّك كقوم عِنْدِي فان سكت عَنْهُم لم يَسْأَلُونِي وان حدثتهم لَو يعوا عني. قلت: أَرْجُو أَلا أكون كَذَلِك. قَالَ: فَمَا أَعدَاء الْمُرُوءَة قلت: تُخبرنِي قَالَ: بَنو عمر السوء ان رَأَوْا حسنا كتموه وان رَأَوْا سَيِّئًا أذاعوه ثمَّ تقال: ان للْعلم آفَة ونكدا وهجنة فآفته: نسيانه ونكده: الْكَذِب فَهِيَ وهجنته نشره عِنْد غير أَهله فَأخذ هَذَا الْمَعْنى رؤبة فَقَالَ: من الرجز ... قد رفع العجاج ذكرى فادعني ... باسم اذا الْأَنْسَاب طَالَتْ يكفني ... وَقَوْلها: ورأب الثأي أَي: شده. يُقَال: رَأَيْت الشي. فَأَنا أرأبه اذا شددته. والثأي: الْفساد وَهُوَ فِي الخرز أَن تغلظ الاشفى ويدق السّير فيسيل المَاء. يُقَال: أثأت الخارزة اذا فعلت ذَلِك. وَقَوْلها: وأوذم السقاء أَي: شده بالوذمة وَهُوَ سير يشد بِهِ. يُقَال: أوذمته وأوذمت الدَّلْو اذا شددت فِيهَا الوذم بَين آذانها والعرافي. وَقَوْلها فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وأوذم العطلة فِيهِ قَولَانِ: يُقَال: هِيَ النَّاقة الْحَسَنَة. والعطلات الْجَمِيع. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 فَلَا تتجاوز العطلات مِنْهَا ... الى الْبكر المقارب والكزوم وَلَكنَّا نعض السَّيْف صَلتا ... بأسوق عافيات اللَّحْم كوم ... وَالْأَصْل فِي أوذم مَا أعلمتك. وَأَرَادَ أَنه شدّ النَّاقة لتسنو أَي: لتستقي. وَالْقَوْل الآخر: أَن تجْعَل العطلة الدَّلْو الَّتِي ترك الْعَمَل بهَا حينا وَهُوَ من التعطل مَأْخُوذ. يُقَال: عطلت تعطل عطلا. يُرِيد: أَن أواذمها كَانَت قد رثت وتقطعت لبعد الْعَهْد بالمستقين فأوذمها واستقى بهَا. وَقَوْلها: أمتاح من المهواة أَي: استقي. وَمِنْه يُقَال: فلَان يستميحني ويمتاحني اذا استعطاك. ومحته أميحه اذا أَعْطيته. والمائح الَّذِي يدْخل الْبِئْر فَيمْلَأ الدَّلْو. والماتح الَّذِي ينْزع الدَّلْو. والمهواة: الْبِئْر. وكل نفنف فَهُوَ مهواة. قَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل ... بَيت بمهواة هتكت سَمَاء ... الى كَوْكَب يزوي لَهُ الْوَجْه شَاربه ... فالمهواة مَا بَين أَسْفَل الْبِئْر وأعلاها. وَمِنْه قيل: هوى يهوى. وَقيل للنار: الهاوية. وكوكب المَاء معظمه. وَالْبَيْت هَاهُنَا بَيت العنكبوت. يُرِيد: انه هتكه بِدَلْو حِين استقى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 وَقَوْلها: واجتهر دفن الرواء تُرِيدُ: انه كبحه يُقَال: جهرت الْبِئْر اذا كَانَت مندفنة المَاء فأخرجت مَا فيا من الحمأة والطين وَالْمَاء الآجن حَتَّى يظْهر طيب المَاء ويثوب. يُقَال: آبار مجهورة. قَالَ الراجز: ... اذا وردنا آجنا جهرناه ... أَو خَالِيا من أَهله عمرناه ... وَقَالَ الفرزدق وَذكر جَيْشًا: من الطَّوِيل ... تظل بِهِ الأَرْض الفضاء معضلا ... وتجهر أسدام الْمِيَاه قابله ... والأسدام الْمِيَاه المندفنة. يُقَال ركية دَفِين وركايا دفن. والرواء المَاء الْكثير وَهُوَ مَمْدُود. فاذا كسرت أَوله قصرت فَقلت: روى. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَاء رواء ومياه رواء سَوَاء بِفَتْح الرَّاء. وَهَذِه أَمْثَال ضربتها لضياع الْأَمر وانتشاره وَأَحْكَامه اياه. فشبهته بِرَجُل أَتَى على بِئْر قد اندفن مَاؤُهَا وتعطلت دلوها فنزحها وَأخرج مَا فِيهَا من الحمأة حَتَّى نبع المَاء. وأوذم الدَّلْو ورمها وَشد سانية من خِيَار الابل ثمَّ استقى. وَقَوْلها: بعيد مَا بَين اللابتين والملابة الجرة. وَجَمعهَا: لاب ولوب. وَالْأَصْل فِي هَذَا ان مَدِينَة الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 وَالسَّلَام بَين لابتين وَحرم رَسُول الله مَا بَين لابتيها وَيُقَال: مَا بَين لابتيها أَجْهَل من فلَان. يُرَاد: مَا بَين طرفى الْمَدِينَة أَو الْقرْيَة أَجْهَل بِهِ. وأرادت عَائِشَة انه وَاسع الصَّدْر وَاسع العطن. وَقَوله: صفوح عَن الْجَاهِلين تُرِيدُ: انه يعرض عَنْهُم. يُقَال: صفحت عَن الشَّيْء اذا أَعرَضت عَنهُ كَأَنَّك توليه صفحة وَجهك أَو صفحة عُنُقك. قَالَ كثير وَذكر الْمَرْأَة: من الطَّوِيل ... صفوحا فَمَا تلقاك الا بخيلة ... فَمن مل مِنْهَا ذَلِك الْوَصْل ملت ... أَي: معرضة بوجهها لَا ترى مِنْهُ الا جَانِبه. وَهُوَ احدى صفحتيه. وَقَوْلها خشَاش الْمرْآة والمخبرة تُرِيدُ: انه لطيف الْجِسْم فِي رَأْي الْعين وَعند الاختبار أَيْضا اذا تجرد غير سمين وَيُقَال: رجل حشاش وخشاش اذا كَانَ ضربا لطيب الرَّأْس وَمِنْه قَول طرفَة: من الطَّوِيل ... أَنا الرجل الضَّرْب الَّذِي تعرفونه ... خشَاش كرأس الْحَيَّة المتوقد ... وَقَوْلها: المركوبة مِنْهُ الْفقر الْأَرْبَع. والفقر: خَرَزَات الظّهْر ودأيه الْوَاحِدَة: فقرة ودأية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 قَالَ الْأَصْمَعِي: وانما قيل للغراب ابْن دأية لِأَنَّهُ يَقع على دابر الْبَعِير الدبر فينقره. وَضربت فقر الظّهْر مثلا لما ارْتكب مِنْهُ لِأَنَّهَا مَوضِع الرّكُوب وَهَذَا كَمَا يُقَال: ركبت مني أمرا عَظِيما. وَقَالَ الأخطل: من الطَّوِيل ... لقد حملت قيس بن عيلان حربنا ... على يَابِس السيساء محدودب الظّهْر ... والسيساء: عظم الظّهْر. وَهَذَا مثل أَي: حملتهم على مشقة وحملتها أَرْبعا لِأَنَّهَا أَرَادَت: انه ركب مِنْهُ أَربع عِظَام تجب لَهُ بهَا الْحُقُوق فَلم يرعوها وانتهكوها وَهِي حرمته بِصُحْبَة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصهره. وَحُرْمَة الْبَلَد وَحُرْمَة الْخلَافَة وَحُرْمَة الشَّهْر الْحَرَام. وَكَانُوا قَتَلُوهُ فِي شهر حرَام. قَالَ الشَّاعِر: من الْكَامِل ... قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما ... ودعا فَلم أر مثله مخذولا ... أَي: دَاخِلا فِي حُرْمَة الشَّهْر. وَقَالَ الفرزدق: من الْكَامِل ... عُثْمَان اذ قَتَلُوهُ وانتهكوا ... دَمه صَبِيحَة لَيْلَة النَّحْر ... ذكر انهم قَتَلُوهُ فِي يَوْم الْأَضْحَى وَمثله قَول الآخر فِيهِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 من الْبَسِيط ... ضحوا بأشمط عنوان السُّجُود بِهِ ... يقطع اللَّيْل تسبيحا وقرآنا ... وَمثل هَذَا فِي حَدِيث لَهَا آخر قَالَ مُوسَى بن طَلْحَة: أتيناها نسألها عَن عُثْمَان فَقَالَت: اجلسوا حَتَّى أحدثكُم بِمَا جئْتُمْ لَهُ وانا عبنا عَلَيْهِ كَذَا وَمَوْضِع الغمامة المحماة وضربه السَّوْط والعصا فعمدوا اليه حَتَّى اذا ماصوه كَمَا يماص الثَّوْب واقتحموا الْفقر الثَّلَاث حُرْمَة الشَّهْر وَحُرْمَة الْبَلَد وَحُرْمَة الْخلَافَة. قَوْلهَا: مَوضِع الغمامة المحماة. تُرِيدُ: الْحمى الَّذِي حماه عُثْمَان. وَكَانُوا يَقُولُونَ فِيمَا يعتدون بِهِ عَلَيْهِ: انه حمى الْحمى. وَقَالَ رَسُول الله: لَا حمى الا لله وَرَسُوله. يُقَال: أحميت الْمَكَان فَهُوَ محمى اذا جعلته حمى وحميت الْمَكَان حميا منعت مِنْهُ وحميت الْقَوْم حماية نصرتهم وذببت عَنْهُم. وانما جعلته موضعا للغمامة لِأَنَّهَا تسقيه بالمطر. والغمامة: السحابة. وَالنَّاس شُرَكَاء فِي الْكلأ اذا سقته السَّمَاء وَلم يسقه أحد وَلذَلِك أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَن يحمي كلأ تسقيه السَّمَاء وَالنَّاس فِيهِ شُرَكَاء. وَقَوْلها: وضربه السَّوْط والعصا تُرِيدُ انه ضرب بهما فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 الْعُقُوبَات كَانَ من قبله يضْرب بِالدرةِ والنعل وَلَا يضْرب بهما. وَقَالَ بعض المفسيرين فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين} قَالَ: بِالسَّوْطِ. وَفِي بعض الحَدِيث انه بلغَهَا ان الْأَحْنَف قَالَ شعرًا يلومها فِيهَا فَقَالَت: لقد استفرغ حلم الْأَحْنَف هجاؤه اياي أَلِي كَانَ يستجم مثابة سفهه الى الله أَشْكُو عقوق أبنائي. المثابة: الْموضع الَّذِي يثوب مِنْهُ المَاء وَجَمعهَا: مثاب. يُقَال: هَذِه بِئْر لَهَا ثآئب أَي: مَا يعود بعد النزح. وَقَالَ الرَّاعِي يذكر مَاء: من الْكَامِل ... سدما اذا التمس الدلاء نطافه ... صادفن مشرفة المثاب دحولا ... والمثابة فِي غير هَذَا: مقَام الساقي. وأرادت ان الْأَحْنَف كَانَ حَلِيمًا عَن النَّاس فَلَمَّا صارد اليها سفه فَكَأَنَّهُ كَانَ يجم سفهه لَهَا. وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: قدم النبى من سفر وَقد سترت على بَابي درنوكا فِيهِ الْخَيل أولات الأجنحة فهتكه. يرويهِ وَكِيع عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه. الدرنوك: الْبسَاط. وَجمعه: درانك. قَالَ عَطاء: صلينَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 مَعَ ابْن عَبَّاس على درنوك قد طبق الْبَيْت كُله. وَيُقَال أَيْضا ان الدرانك: الطنافس. قَالَ ذُو الرمة يصف بَعِيرًا: من الطَّوِيل ... عبنى القرا ضخم العثانين أنبتت ... مناكبه أَمْثَال هدب الدرانك ... شبه الْوَبر على مناكبه بهدب الطنافس. وَقَالَ الْفراء: الزرابي: الطنافس. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ الْبسط. وأراهم قد سَموهَا جَمِيعًا زرابي كَمَا سَموهَا جَمِيعًا درانك. وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تَصُوم فِي السّفر حَتَّى أذلقها السمُوم. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد بن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن ابْن عون عَن الْقَاسِم. السمُوم: حر النَّهَار والحرور حر اللَّيْل. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يكون ذَلِك بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار قَالَ العجاج: من الرجز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 ونسجت لوامع الحرور ... برقرقان آلها الْمَسْجُور سبائبا كسرق الْحَرِير ... فَجعل الحرور فِي النَّهَار. وَقَوله: أذلقها السمُوم أَي: جهدها. وَمِنْه الحَدِيث فِي رجل رجمه رَسُول الله بالمصلى فَلَمَّا أذلقته الْحِجَارَة فر. وَفِي السِّيرَة ان أَيُّوب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي مناجاته: أذلقني الْبلَاء فتكلمت وَمِنْه قيل: عَدو ذليق اذا كَانَ شَدِيدا قد بلغ فِيهِ الْجهد. قَالَ الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل ... أَوَائِل بالشد الذليق وحثني ... لَدَى الْمَتْن مشبوح الذراعين خلجم ... والمشبوح الذراعين العريضهما والخلجم: الطَّوِيل. وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا ذكر لَهَا الْمُتْعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 فَقَالَت: مَا نجد فِي كتاب الله الا النِّكَاح والاستسراء ثمَّ تلت: {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} . يرويهِ يحيى بن أَيُّوب عَن يحيى بن سعيد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة. الاستسرار: التَّسَرِّي. وَكَانَ الْقيَاس أَن تَقول: الاستسراء من تسريت الا أَنَّهَا ردَّتْ الْحَرْف ألى أَصله. قَالَ الْأَصْمَعِي: واصله تسررت من السِّرّ وَهُوَ النِّكَاح. قَالَ الله جلّ وَعز: {وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا} . أَي: نِكَاحا. فأبدل من الرَّاء يَاء كَمَا يُقَال: تظنيت من الظَّن. وَالْأَصْل: تظننت وتمطيت وَأَصله: تمططت. لِأَنَّهُ من: مط يَده أَي: مدها. وكما قَالَ العجاج: من الرجز ... تقضي الْبَازِي اذا الْبَازِي كسر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 أَرَادَ: تقضض. وَمثله كثير. وَقَالَ الْفراء: سَرِيَّة. فعلية منسوبة الى السِّرّ وَهُوَ النِّكَاح. الا أَنهم ضمُّوا أول الْحَرْف كَمَا يغيرون فِي النّسَب. قَالُوا: قروي فِيمَن نسب الى: الْقرى. وأموي فِيمَن نسب الى أُميَّة. وَقَالُوا: أموي أَيْضا على الْقيَاس. وَرجل دهري أُتِي عَلَيْهِ الدَّهْر. وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة انه ذكر لَهَا قَول ابْن عمر عَن رَسُول الله فِي قَتْلَى بدر فَقَالَت: وَهل ابْن عمر. بَلغنِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه. قَوْلهَا: وَهل ابْن عمر تُرِيدُ: غلط. والوهل أَن يذهب وهمك الى الشَّيْء وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك. يُقَال: وهلت أهل وهلا. وَمثله وهمت الى الشَّيْء أهم وهما. اذا ذهب وهمك اليه. وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن رجل مَاتَ وَأوصى ببدنة أتجزىء عَنهُ بقرة فَقَالَ: نعم وَمِمَّنْ صَاحبكُم قيل لَهُ: من بني رياض فَقَالَ: وَمَتى اقتنت بَنو ريَاح الْبَقر الى الابل وهم صَاحبكُم. أَي: ذهب وهمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 فَأَما وهمت أوهم وهما فبمعنى غَلطت. وأوهمت بِالْألف أسقطت تَقول: أوهمت فِي كَلَامي وَفِي حسابي. وأوهمت فِي صَلَاتي رَكْعَة. وَأما الوهل بِفَتْح الْهَاء: فَهُوَ الفزغ. يُقَال: وهلت أوهل وهلا فَأَنا واهل ووهلته توهيلا. وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت اذا سُئِلت عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع قَرَأت: {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم} الْآيَة. وَتقول ان البرمة لترى فِي مَائِهَا صفرَة. يرويهِ سُفْيَان عَن يحيى بن سعيد عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة. أَرَادَت أَن الله حرم الدَّم فِي كِتَابه وَقد يترخص النَّاس فِي مَاء اللَّحْم فِي الْقدر وَهُوَ دم وَلَا يجعلونه حَرَامًا فَكيف يقْضِي على مَا لم يحرمه الله بِالتَّحْرِيمِ وَلَيْسَت تَخْلُو أَن تكون علمت بنهي النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكل لُحُوم السبَاع فَقَالَت: لَا تلحقوه بالمحرم واجعلوه مِمَّا كره أَو لَا تكون علمت بذلك أَو لم يَصح عِنْدهَا فَقَالَت: نَحن قد نترخص فِي مَاء البرمة وَفِي دم وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 نحرمه فَكيف تَسْأَلُونِي عَمَّا قد أطلق الله فِي كِتَابه وَلم يحرمه. وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا أَرَادَت بيع رباعها فَقَالَ ابْن الزبير: لتنتهين أَو لاحجرن عَلَيْهَا. فَقَالَت: لله عَليّ أَن ُأكَلِّمهُ أبدا فاستعان عَلَيْهَا فبلأ ي مَا كَلمته. يرويهِ مُحَمَّد بن كثير عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزهير عَن الطُّفَيْل بن الْحَارِث وَفِي الحَدِيث انها بعثت الى الْيمن فاشتريت لَهَا أَرْبَعُونَ رَقَبَة فأعتقتهم. الرباع: الْمنَازل. وَاحِدهَا ربع. وَقَوْلها: لله عَليّ أَن ُأكَلِّمهُ. أَرَادَت: أَلا ُأكَلِّمهُ فحذفت لَا وَالْمعْنَى اثباتها كَقَوْل الله تبَارك وَتَعَالَى: يبين الله لكم أَن تضلوا. وَتقول فِي الْكَلَام وَالله أفعل ذَلِك أبدا تُرِيدُ: لَا أَفعلهُ. وَقَوله: فبلأي أَي: بعد مشقة وَجهد. قَالَ الشَّاعِر وَذكر فرسا: من الطَّوِيل ... فلأيا بلأي مَا حملنَا غلامنا ... على ظهر محبوك ظماء مفاصله ... أَي: جهدا بعد جهد مَا قَدرنَا على حمله على الْفرس. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَائِشَة انه بلغَهَا أَن أُنَاسًا يتناولون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 من أَبِيهَا فَأرْسلت الى أزفلة مِنْهُم فَلَمَّا حَضَرُوا قَالَت: أبي وَالله لَا تعطوه الْأَيْدِي ذَلِك طود منيف وظل مديد نجح اذ أكديتم وَسبق اذ ونيتم سبق الْجواد اذا استولى على الأمد فَتى قُرَيْش ناشئا وكهفها كهلا يفك عانيها ويرش مملقها ويرأب شعبها حَتَّى حليته قلوبها ثمَّ استشرى فِي دينه فَمَا بَرحت شَكِيمَته فِي ذَات الله حَتَّى اتخذ بفنائه مَسْجِدا يحيى فِيهِ مَا أمات المبطلون. وَكَانَ وقيذ الجوانح غزير الدمعة شجي النشيج فانصفقت اليه نسوان مَكَّة. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى - فأصفقت اليه - ولدانها يسخرون مِنْهُ ويستهزئون بِهِ. وَالله يستهزىء بهم ويمدهم فِي طغيانهم يعمهون. وأكبرت ذَلِك رجالات قُرَيْش فحنت لَهَا قسيها وامتثلوه غَرضا فَلَمَّا فلوا لَهُ صفاة وَلَا قصموا لَهُ قناة. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَلَا قصفوا لَهُ قناة حَتَّى ضرب الْحق بجرانه وَألقى بركه ورست أوتاده فَلَمَّا قبض الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب الشَّيْطَان روقه وَمد طنبه وَنصب جبائله واجلب بخيله وَرجله وظنت رجال أَن قد أكثبت أطماعهم ولات حِين الَّذِي يرجون وأنى وَالصديق بَين أظهرهم وفقام حاسرا مشمرا قد جمع حَاشِيَته وَضم قطريه فَرد نشر الاسلام على غره واقام أوده بثقافه فابذعر النِّفَاق بوطأته وانتاش الدّين بنعشه حى أراح الْحق على أَهله وَقرر الرؤوس على كواهلها وحقن الدِّمَاء فِي المعدلة ذَاك ابْن الْخطاب لله أم حفلت لَهُ وَدرت عَلَيْهِ لقد أوحدت بِهِ ففنخ الْكَفَرَة وديخها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وشرد الشّرك شذر مذر وبعج الأَرْض وبخعها فقاءت أكلهَا ولفظت خبيئها ترأمه ويأباها وتريده ويصدف عَنْهَا ثمَّ وزع فِيهَا فَيْئهَا ثمَّ تَركهَا كَمَا صحبها فأروني مَاذَا ترتأون وَأي يومى أبي تَنْقِمُونَ أيوم اقامته اذ عدل فِيكُم ام يَوْم طعنه فقد نظر لكم اقول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبد العزيز عَن عَليّ بن عبد الرحمن الْجَزرِي عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن يحيى بن سُوَيْد السدُوسِي. وَرُوِيَ لي عَن الْعُتْبِي وَعَن غَيره فَجمعت بَين الرِّوَايَات فَوَجَدتهَا مُتَقَارِبَة وأصلحت بَعْضهَا من بعض. الأزفلة: الْجَمَاعَة من النَّاس وَكَذَلِكَ الثبة والزرافة. وَلَيْسَ لذَلِك عدد بِعَيْنِه. لَا تعطوه الْأَيْدِي: لَا تتناوله وَلَا تبلغه. يُقَال: عطوت اذا تناولت. وَقَالَ الشَّاعِر وَذكر ظَبْيَة: من الطَّوِيل ... وتعطو بظلفيها اذا الْغُصْن طالها ... والطود: الْجَبَل الْعَظِيم والمنيف: المشرف. يُقَال: أناف على كَذَا أَي: أشرف. وَمِنْه يقا لَك مائَة ونيف انما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 هُوَ شَيْء زَائِد بعد الْمِائَة كَأَنَّهُ أظل. وَقَوْلها: نجح من النجاح وَهُوَ الظفر بِالْحَاجةِ. يُقَال: أنجح الله حَاجته فنجحت وانجحه الله فنجح. وَقَوْلها: أذا أكديتم تُرِيدُ: اذ خبتم وَلم تظفروا وَهُوَ من الكدية مَأْخُوذ. وَذَلِكَ أَن يحْفر الْحَافِر ليستنبط المَاء فاذا بلغ الكدية وَهِي الصلابة قطع لِأَنَّهُ ييأس من المَاء فَيُقَال: أكدى فلَان فَضرب ذَلِك مثلا لمن طلب شَيْئا فَلم يظفر بِهِ. وَقَوْلها: سبق اذ ونيتم وَهُوَ من الونى. والونى مَقْصُور الفتور. يُقَال: ونى يني ووني يونا. وَقَوْلها: استولى على الأمد أَي: على الْغَايَة. يُقَال: لَيْسَ لعذاب الْكَافِر أمد. وَقَوْلها: يفك عانيها يَعْنِي: أَسِيرهَا أَي: يفتديه. وَمِنْه الحَدِيث: النِّسَاء عنْدكُمْ عوان: أَي: أسَارِي. وأصل التعنية: طول الْحَبْس. وَقَوْلها: ويريش مملقها. والمملق: الْفَقِير. اي: يُغْنِيه. وَأَصله من الريش. كَأَن المعدم لَا نهوض بِهِ مثل المقصوص من الطير والمنتوف الريش. فأذا كسي نَهَضَ وطار. فَجعل الريش لِلْمَالِ مثلا وللباس. وَقَوْلها: ويرأب شعبها أَي: يشده. والشعب: الصدع. تَقول: اذا اخْتلفت وافترقت لأم بَينهَا. وَمِنْه يُقَال لمصلح البرام المتكسرة: شعاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 وَقَوْلها: ثمَّ استشرى فِي دينه. أَي: تَمَادى ولج. يُقَال: شري الْبَرْق واستشرى اذا تتَابع لمعانه. واستشرى الْفرس اذا جد فِي سيره بِلَا فتور وَلَا انكسار. وَقَوْلها: فَمَا بَرحت شَكِيمَته فِي ذَات الله أَي: شدَّة نَفسه وأنفته. يُقَال: فلَان شَدِيد الشكيمة اذا كَانَ عَزِيز النَّفس أنفًا. وَقَوْلها: وقيذ الجوانح. والجوانح: الضلوع الْقصار الَّتِي تلِي الْفُؤَاد واحدتها جانحة. والوقيذ: العليل الشَّديد الْعلَّة. يُقَال قد وقذته الْعلَّة وانما أَرَادَت أَنه عليل الْقلب محزونه. فَقَالَت: وقيذ الجوانح لِأَن الْقلب يَليهَا. وَقَوْلها شجى النشيج: والنشيج: الصَّوْت مَعَه توجع. وَيُقَال: النشيج فِي الْبكاء مثل بكاء الصَّبِي اذا ردده فِي صَدره ثمَّ يُخرجهُ. وَمِنْه قيل لصوت الْحمار: نشيج. يُرِيد: انه يخزن ببكائه أَو بِصَوْتِهِ من سَمعه. والشجو: الْحزن. وَمِنْه قَالَت الشُّعَرَاء: أشجاك الرّبع وَقيل: بَكَى شجوه. وَيُقَال: شجوت الرجل أشجوه شجوا اذا أحزنته وأشجيته: أغصصته. وَيُقَال مِنْهُمَا: شجى يشجى شجا. وَقَوْلها: فأصفقت لَهُ نسوان مَكَّة أَي: اجْتَمعْنَ. يُقَال: أصفق النَّاس على تأمير فلَان اذا اجْتَمعُوا وصفقوا لَهُ بالبيعة ضربوا بِأَيْدِيهِم على يَده. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي البيع. وَقَوْلها: وَلَا قصموا لَهُ قناة أَي: لم يكسروها. وَمِنْه يُقَال: قَصم الله ظَهره. وَكَذَلِكَ قصفوا. وَمِنْه قيل: ريح قاصف اي: يقصف الشّجر والبنيان. وَلَا فلوا لَهُ صفاة. والصفاة: الصَّخْرَة. وفلوا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 الفلول وَهُوَ الْكسر. يُقَال: فِي السَّيْف فلول اذا كَانَ فِي حَده تثلم. قَالَ النَّابِغَة: من الطَّوِيل ... وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم ... بِهن فلول من قراع الْكَتَائِب ... وَلَا أَحْسبهُ قيل للمهزوم مفلول الا من هَذَا. كَأَنَّهُ كسر. وَقَوْلها: ضرب الْحق بجرانه أَي: ثَبت وَأقَام. والجران: الصَّدْر وَكَذَلِكَ البرك وَالْأَصْل فِيهِ أَن يبرك الْبَعِير فَيضْرب بصدره الأَرْض. فَقيل ذَلِك للشَّيْء اذا ثَبت وَأقَام وَاسْتقر. وَقَوْلها: ورست أوتاده أَي: ثبتَتْ. وكل شَيْء نبت فقد رسا يرسو. وَقَوْلها: ضرب الشَّيْطَان روقه. والروق الرواق. وَهُوَ مَا بَين يَدي الْبَيْت. قَالَ الْأَصْمَعِي: رواق الْبَيْت سماوته وَهِي الشقة الَّتِي دون الْعليا. قَالَ الشَّاعِر وَذكر الْعَينَيْنِ: من الطَّوِيل ... لكلتيهما روق الى جنب مخدع ... قَالَ أَبُو مُحَمَّد: قد لغز الشَّاعِر فِي هَذَا الْبَيْت وَقد وصف عَيْني النَّاقة وَقَالَ: لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا رواق ومخدع. فَجعل حاجبها شبه الرواق وداخل الْعين شبه مخدع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 وكل شَيْء دخل فِي شَيْء فقد خدع يُقَال: خدع الرمش والأطناب: الحبال الَّتِي يشد بهَا الْفسْطَاط. وَهِي الأواخي أَيْضا وَاحِدهَا طُنب. والحبائل: جمع حبالة الصَّائِد وأرادت أَن الشَّيْطَان بعد وَفَاة رَسُول الله أَقَامَ بَينهم يستغويهم وَينصب لَهُم المصايد. وَقَوْلها: أكثبت أطماعهم أَي: قربت. والكثيب: الْقَرِيب قَالَ العجاج: من الرجز ... من الضُّحَى والمكثب المرئي ... يَقُول: من قرب رُوِيَ. وَقَالَ النبى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم بدر: ان اكثبكم الْقَوْم فأنبلوهم. وَقَوْلها: قد جمع حَاشِيَته وَضم قطريه أَي: جانبيه. وأقطار الأَرْض: جوانبها. وانما أَرَادَت أَنه تحزم وشمر لتلافي الاسلام. وَقَوْلها: فَرد نشر الاسلام على غره. والغر: الطي والغرور: مكاسر الْجَسَد وَاحِدهَا: غر. رُوِيَ ان رؤبة بن العجاج اشْترى ثوبا من بزاز فَلَمَّا استوجبه قَالَ للبزاز: اطوه على غره أَي: على كَسره الأول. وَيُقَال للَّذي يطوي الثِّيَاب أَولهَا طيها حَتَّى تتكسر على طيه: القسامي. قَالَ رؤبة: من الرجز ... طي القسامي برود العصاب ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 والعصاب: الغزال. تُرِيدُ: انه ورد مَا انْتَشَر من الاسلام الى حَاله الَّتِي كَانَت فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوْلها: وَأقَام أوده بثقافه أَي: عوجه بثقافه. والثقاف: مَا تقوم بِهِ الرماح ضَربته مثلا كَأَن الاسلام رمح اعوج فقومه بالثقاف. قَالَ عبيد: من مجزوء الْكَامِل ... انا اذا عض الثقاف بِرَأْس صعدتنا لوينا ... وَيُقَال فِي مثل: دردب لما عضه الثقاف. أَي: خضع وذل. وَمثله بصبصن بالأذناب اذ حدينا. وَقَوْلها: فابذعر النِّفَاق بوطأته أَي: وَطئه وطأ ثقيلا فابذعر أَي: تفرق وَمثله: اشفتر. وَقَوْلها: انتعاش الدّين بنعشه تُرِيدُ: انه استدركه واستنقذه بنعشه أَي: باقامته اياه من مصرعه. وَمِنْه يُقَال: انْتَعش العليل اذا أَفَاق وَقَامَ. وَيُقَال: نَعشك الله من هَذِه النكبة. وَقَوْلها: حَتَّى أراح الْحق على أَهله أَي: رده قَالَ الْأَصْمَعِي: أرحت على الرجل حَقه رَددته عَلَيْهِ. وَأَصله: اراحة الرَّاعِي سائمته الى أَهلهَا. تَقول: لم يَدعه يشذ وَيذْهب وَلكنه أراحه كَمَا يرِيح الرَّاعِي غنمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 وَقَوْلها: وَقرر الرؤوس على كواهلها تَقول: قد كَانَت الرؤوس على شفا ذهَاب بِوُقُوع الِاخْتِلَاف فأقرها على الكواهل أَو على مغارزها. والكاهل مَا بَين الْكَتِفَيْنِ وحقن الدِّمَاء فِي أهبها أَي: فِي الأجساد ضربت الأهب لَهَا مثلا لِأَنَّهَا أوعية للدم وَهُوَ مثل قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو جعل الْقُرْآن فِي اهاب ثمَّ ألقِي فِي النَّار مَا احْتَرَقَ أَي: فِي جَسَد. وَقد تقدم ذكر ذَلِك. وَقَوْلها: ام حفلت عَلَيْهِ أَي: جمعت اللَّبن فِي ثديها. والمحفلة من الشَّاء هِيَ الَّتِي يجمع اللَّبن فِي ضرْعهَا ثمَّ يُبَاع. وَهِي الْمُصراة. وَقَوْلها: لقد أوجدت بِهِ أَي: أَتَت بِهِ فَردا لَا نَظِير لَهُ. وَقَوْلها: ففنخ الْكَفَرَة أَي: أذلها وقهرها. وَقَالَ العجاج: من الرجز ... تالله لَوْلَا أَن تحش الطَّبْخ ... بِي الْجَحِيم حِين لَا مستصرخ لعلم الْجُهَّال أَنِّي مفنخ ... وَقَوْلها: وديخها هُوَ بِمَنْزِلَة دوخها. وَفِي اللغتان جَمِيعًا الْوَاو وَالْيَاء. وَمثله قد وشوطه وشيطه وتوهه وتيهه وتصوح البقل وتصيح وتبيغ الدَّم وتبوغ وطوحه الله وطيحه. وَقَوْلها: وسرد الشّرك شذر مذر أَي: فرقه وبدده فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 كل وَجه وذهبوا أيادي سبأ أَو شعاليل أَي: تفَرقُوا. وبعج الأض أَي: شقها. تُرِيدُ فِي الزِّرَاعَة وَمِنْه يُقَال: بعجت بَطْنه أَي: شققته وبخعها أَي: نهكها بالحرث وَالزَّرْع وجهدها. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال: بخعت لَهُ نَفسِي ونصحي أَي: جهدت لَهُ. والباخع نَفسه المهلك نَفسه قَالَ الله جلّ وَعز: {لَعَلَّك باخع نَفسك أَلا يَكُونُوا مُؤمنين} . وَقَوْلها: فقاءت أكلهَا. وَالْأكل اسْم مَا أكلت. وَالْأكل الْمصدر. وَمثله: الْغسْل وَالْغسْل فالغسل مصدر غسلت وَالْغسْل المَاء الَّذِي يغْتَسل بِهِ. وَكَذَلِكَ الظُّلم وَالظُّلم والدهن والدهن. وَأكل الأَرْض: الْبذر. تَقول: أَكلته وشربت مَاء الْمَطَر فقاءت ذَلِك حِين أنبتت. وَنَحْوه: لفظت خبيئها وَهُوَ فعيل فِي معنى مفعول من خبأت أَي: أَلْقَت مَا كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 مخبوءا فِيهَا. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {يخرج الخبء فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فخبء السَّمَوَات الْمَطَر وخبء الأَرْض: النَّبَات. وَقَوْلها: ترأمه أَي: تعطف عَلَيْهِ كَمَا ترأم الْأُم وَلَدهَا والناقة حوارها فتشمه تترشفه. ويصدف عَنْهَا أَي: يعرض عَنْهَا. يُقَال: صدف عني بِمَعْنى صد عني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 - حَدِيث ام الْمُؤمنِينَ ام سَلمَة وَقَالَ فِي حَدِيث أم سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: مَا صدقت بِمَوْت رَسُول الله حَتَّى سَمِعت وَقع الكرازين. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن القعْنبِي عَن مَالك. الكرازين: الفؤوس وَاحِدهَا: كرزين وكرزن. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... فقد جعلت أكبادنا تحتويكم ... كَمَا تحتوي سوق العضاه الكرازنا ... وأرادت: أَنَّهَا لم تصدق بِمَوْتِهِ حَتَّى سَمِعت وَقع الفؤوس فِي حفر قَبره. وَكَانَ بَعضهم يذكر أَن الكرزين من الفؤوس مَا قطع بِهِ الشّجر ويحتج بِالْبَيْتِ الَّذِي ذَكرْنَاهُ. وَفِي الحَدِيث مَا دلّ على أَنه أَيْضا مَا حفر بِهِ. وَقَالَ بَعضهم: الفأس هِيَ الَّتِي لَهَا رَأس. والحدأة الَّتِي لَهَا رأسان. والصاقور والمعول هُوَ الفأس الْكَبِيرَة الَّتِي يكسر بهَا الْحِجَارَة. وَقَالَ فِي حَدِيث أم سَلمَة انها قَالَت: ابْن صياد وَلدته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 أمه وَهُوَ أَعور مَعْذُور مسرور. يرويهِ سُفْيَان بن عبد الملك بن عُمَيْر عَن أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة. الْمَعْذُور: المختون. يُقَال: عذرت الْغُلَام وأعذرته اذا ختنته وَالطَّعَام الَّذِي يصنع فِي الْخِتَان يُسمى: الاعذار. وَبَعْضهمْ يرويهِ: مختون مسرور. والمسرور: الْمَقْطُوع السرر والسرر والسر: مَا تقطعه الْقَابِلَة. يُقَال: سررت الْغُلَام سرا والسرة مَا يبْقى. وَقَالَ فِي حَدِيث أم سَلمَة أَنَّهَا أَتَت عَائِشَة لما أَرَادَت الْخُرُوج الى الْبَصْرَة فَقَالَت لَهَا: انك سدة بَين رَسُول الله وَأمته وحجابك مَضْرُوب على حرمته. وَقد جمع الْقُرْآن ذيلك فَلَا تندحيه وَبَعْضهمْ يرويهِ: فَلَا تبدحيه وَسكن عقيراك فَلَا تصحريها الله من وَرَاء هَذِه الْأمة. لَو أَرَادَ رَسُول الله أَن يعْهَد اليك عهدا علت علت بل قد نهاك رَسُول الله عَن الفرطة فِي الْبِلَاد ان عَمُود الاسلام لَا يُثَاب بِالنسَاء ان مَال وَلَا يرأب بِهن ان صدع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 حماديات النِّسَاء غض الْأَطْرَاف وخفر الْأَعْرَاض وَقصر الوهازة مَا كَانَت قائلة لَو أَن رَسُول الله عارضك بِبَعْض الفلوات ناصة قلوصا من منهل الى آخر ان بِعَين الله مهواك وعَلى رَسُول الله تردين قد وجهت سدافته يروي: سجافته وَتركت عهيداه وَلَو سرت مسيرك هَذَا ثمَّ قيل ادخلي الفردوس لاستحييت أَن القي مُحَمَّدًا هاتكه حِجَابا قد ضربه عَليّ. اجعلي حصنك بَيْتك ووقاعة السّتْر قبرك حَتَّى تلقيه وَأَنت على تِلْكَ أطوع مَا تكونين لله مَا لَزِمته وأنصر مَا تكونين للدّين مَا جَلَست عَنهُ. لَو ذكرتك قولا تعرفينه نهشته نهش الرقشاء المطرق. فَقَالَت عَائِشَة رَحمهَا الله: مَا أقبلني لوعظك وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا تظنين ولنعم الْمسير مسير فزعت الي فِيهِ فئتان متناحرتان اَوْ متناجزتان ان أقعد فَفِي غير حرج وان أخرج فالى مَا لَا بُد من الازدياد مِنْهُ. حَدَّثَنِيهِ شيخ بِالريِّ من أهل الْأَدَب. ورأيته عِنْد بعض الْمُحدثين غير أَنه كَانَ لَا يُقيم أَلْفَاظه. السدة: الْبَاب وَمِنْه حَدِيث رَسُول الله انه ذكر أول من يرد الْحَوْض فَقَالَ: الشعث رؤوسا الدنس ثيابًا الَّذين لَا تفتح لَهُم السدر وَلَا ينْكحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ. وأرادت انك بَاب بَين النبى وَبَين النَّاس فَمَتَى أُصِيب ذَلِك الْبَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 بِشَيْء فقد دخل على رَسُول الله فِي حريمه وحوزته واستبيح مَا حماه. تَقول: فَلَا تَكُونِي أَنْت سَبَب ذَلِك بِالْخرُوجِ الَّذِي لَا يجب عَلَيْك فتحوجي النَّاس الى أَن يَفْعَلُوا ذَلِك. وَهَذَا مثل قَول النُّعْمَان بن مقرن للْمُسلمين فِي غَزْوَة نهاوند: أَلا وانكم بَاب بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين إِن كسر ذَلِك الْبَاب دخل عَلَيْهِم مِنْهُ. وَقَوْلها: وَقد جمع الْقُرْآن ذيلك فَلَا تندحيه أَي: لَا تفتحيه وتوسعيه بالحركة وَالْخُرُوج. يُقَال: ندحت الشَّيْء اذا وسعته. وَمِنْه يُقَال: أَنا فِي مندوحة عَن كَذَا أَي: فِي سَعَة. تُرِيدُ قَول الله جلّ وَعز: {وَقرن فِي بيوتكن} وان كَانَ الْمَحْفُوظ: تبدحيه فانه من البداح وَهُوَ المتسع من الأَرْض. وَهُوَ بِمَعْنى الأول. وَقَوْلها: وَسكن عقيراك من عقر الدَّار وَهُوَ أَصْلهَا. وَأهل الْحجاز يضمون الْعين وَأهل نجد يفتحونها. يُقَال: أخرج فلَان من عقر دَاره أَي: من أَصْلهَا. فَكَأَن عقيري اسْم مَبْنِيّ من ذَاك على التصغير. وَمثله مِمَّا جَاءَ مُصَغرًا: الثريا والحميا وَهِي سُورَة الشَّرَاب. والبقيري وَهِي لعبة للصبيان. وَلَو أسمع بعقيري الا فِي هَذَا الحَدِيث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 وَقَوْلها: فَلَا تصحريها أَي: لَا تبرزيها وتباعديها وتجعليها بالصحراء. يُقَال: أصحرنا اذا أَتَيْنَا الصَّحرَاء. كَمَا يُقَال: أنجدنا وأحزنا وأسهلنا اذا أَتَيْنَا نجدا والسهل والحزن. وَقَوْلها: علت علت. من الْعَوْل. والعول: الْميل والجوز. يُقَال: عَال فلَان يعول عولا اذا جَار. قَالَ الله جلّ وَعز: {ذَلِك أدنى أَلا تعولُوا} وَسمعت من يرويهِ: علت بكشر الْعين. فان كَانَ ذَلِك هُوَ الْمَحْفُوظ فان علت بِمَعْنى: غرت علت. يُقَال: عَال فِي الْبِلَاد اذا ذهب فَهُوَ يعيل. وَمِنْه قيل للذئب: عِيَال. والفرطة فِي الْبِلَاد من الفرط. والفرط: السَّبق والتقدم. يُقَال: فرطتم الى المَاء اذا سبقتهم. والفارط الى المَاء هُوَ الْمُتَقَدّم لتهيئة الدلاء واصلاح الأرشية. وَيُقَال فرط مني كَلَام لم أحببه. أَي: سبق مني. فَكَأَن الفرطة الفعلة الْوَاحِدَة من فرطت. والفرطة اسْم لِلْخُرُوجِ والتقدم. مثل غرفَة وغرفة وحسوة وحسوة. وَيُقَال فِي فلَان فرطة وفروطية اي: تقدم وَسبق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 قَالَ الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل ... وَكنت امْرَءًا فِي الوعث مني فروطة ... فَكل ريود حالق أَنا واثب ... وَقَوْلها: ان عَمُود الاسلام لَا يُثَاب بِالنسَاء ان مَال. أَي: لَا يرد بِهن الى استوائه. من قَوْلك: ثَبت الى كَذَا أَي: عدت اليه وناب اليه جِسْمه اذا رَجَعَ وَلَا يرأب بِهن ان صدع أَي: لَا يشد بِهن. يُقَال: رأبت الصدع ولأمته اذا شددته فانضم. وَهَكَذَا رَوَاهُ لي: صدع. فان كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فانه يُقَال: صدعت الزجاجة فصدعت الزجاجة فصدعت كَمَا يُقَال: جبرت الْعظم فجبر والا فانه: وَلَا يراب بِهن ان صدع أَو: أنصدع. وَقَوْلها: حماديات النِّسَاء هُوَ جمع حمادي. يُقَال: قصاراك ان تفعل ذَاك وحماداك كَأَنَّهُ تَقول: جهدك وغايتك. غض الْأَطْرَاف يَعْنِي: جمع طرف الْعين. وخفر الاعراض والخفر: الْحيَاء. والاعراض هُوَ أَن يعرضن عَن كل مَا كره لَهُنَّ أَن ينظرن اليه. أَي: لَا يلتفتن نَحوه. من قَوْلك: أَعرَضت عَن فلَان فَأَنا عَنهُ معرض. اذا لم ألتفت اليه. وان كَانَت الرِّوَايَة: الْأَعْرَاض بِفَتْح الْهمزَة فانه جمع عرض وَهُوَ الْجَسَد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 أَرَادَت انهن للخفر ينشرن. يُقَال: فلَان طيب الْعرض. أَي: طيب ريح الْبدن. وَقَوْلها: وَقصر الوهازة. فَقَالَ لي الْمُحدث بِالْحَدِيثِ: سَأَلت أَعْرَابِيًا عَالما فصيحا عَن الوهازة فَقَالَ: هِيَ الخطو. يُقَال للرجل هُوَ متوهز ومتوهس اذا وطىء وطأ ثقيلا. قَالَ ابْن مقبل يصف النِّسَاء: من الطَّوِيل ... يمحن بأطراف الذيول عَشِيَّة ... كَمَا وهز الوعث الهجان المزنما ... شبه مشيهن بمشي ابل فِي وعث قد شقّ عَلَيْهِنَّ فثقل وطؤهن. والوعث: مَا ساحت فِيهِ الرجل من الرمل وَالتُّرَاب. وَقَوْلها: ناصة قلوصا من مهل. أَي: رَافِعَة لَهَا فِي السّير وَالنَّص: سير مَرْفُوع. وَمِنْه يُقَال: نصصت الحَدِيث الى فلَان اذا رفعته اليه. قَالَ عَمْرو بن دِينَار: مَا رَأَيْت أحدا أنص للْحَدِيث من الزُّهْرِيّ. والسدافة أَو السدافة: الْحجاب والستر. وَهُوَ اسْم مَبْنِيّ من: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 أسدف اللَّيْل اذا ستر بظلمته. كَأَنَّهُ أرْخى سدولا من الظلام وَهِي الستور. وَكَذَلِكَ السدف انما هِيَ شَيْء يُرْسل من الظلام فِي الضَّوْء أَو شَيْء يُرْسل من الضَّوْء فِي الظلام. وَلذَلِك جعلُوا السدفة الظلمَة وجعلوها الضَّوْء. قَالَ عَلْقَمَة الثَّقَفِيّ: كنت فِي الْوَفْد الَّذين قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضرب قبتين فَكَانَ بِلَال يأتينا بفطورنا وَنحن مسفرون جدا حَتَّى وَالله مَا نحسب الا أَن ذَاك شَيْء يبتار بِهِ اسلامنا. وَكَانَ يأتينا بِطَعَامِنَا للسحور وَنحن مسدفون. فَيكْشف الْقبَّة فيسدف لنا طعامنا. قَوْله: وَنحن مسدفون أَي: داخلون فِي السدفة وَهُوَ الضَّوْء هَاهُنَا. وَكَذَلِكَ قَوْله: فيسدف لنا أَي: يضيىء. وَأَرَادَ: أَنه كَانَ يعجل الفطور وَيُؤَخر السّحُور. والسجافة نَحْو السدافة. والسجف: السّتْر وَلَو اردت أَن تبني من سدل اللَّيْل اذا اظلم اسْما مثل سدافة لَقلت: سدالة. غير اني لم أسمع بِهِ وانما نتكلم فِيمَا جَاءَ وننتهي الى حَيْثُ انْتَهوا فَيجوز أَن يكون ذَلِك الْحجاب السّتْر وَيجوز ان يكون بَاب الْبَيْت فقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 سمي سدفة قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... وَلَا يرى بسدفة الْأَمِير ... وبسدة أَيْضا يُرِيد الْبَاب. وَيجوز أَن يكون دَاخل الْبَيْت لِأَنَّهُ حجاب وَستر. وَقَوْلها: وجهت سدافته تُرِيدُ: أخذت وَجههَا. أَي: هتكت السّتْر يدلك على ذَلِك قَوْلهَا: لَو قيل لي ادخلي الفردوس لاستحيت أَن ألْقى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هاتكة حِجَابا قد ضربه عَليّ قَالَ العجاج يصف جَيْشًا كثيرا: من الرجز ... يُوَجه الأَرْض ويستاق الشّجر ... أَرَادَ: يَأْخُذ وَجه الأَرْض. وَيجوز أَن يكون أَرَادَت بقولِهَا: وجهتها أزلتها من مَكَانهَا الَّذِي أمرت أَن تلْزمهُ وجعلتها أمامك. ووقاعة السّتْر موقعه على الأَرْض اذا أَرْسلتهُ. وَهِي موقعته أَيْضا. وَكَذَلِكَ موقعة الطَّائِر. والرقشاء: الأفعى سميت بذلك للترقيش فِي ظهرهَا وَهُوَ النقط. والجرادة أَيْضا رقشاء. قَالَ النَّابِغَة: من الطَّوِيل ... فَبت كَأَنِّي ساورتني ضئيلة ... من الرقش فِي أنيابها السم ناقع ... وَهِي تُوصَف بالاطراق وَكَذَلِكَ الْأسد والنمر. قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 الشَّاعِر وَذكر أَفْعَى: من السَّرِيع ... أَصمّ أعمى مَا يُجيب الرقى ... من طول اطراق واسبات ... جعله أعمى من طول الاطراق وأصم لِأَنَّهُ لَا يُجيب الراقي فَكَأَنَّهُ لَا يسمع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 - حَدِيث أم أَيمن وَقَالَ فِي حَدِيث أم أَيمن أَنَّهَا هَاجَرت الى الْمَدِينَة فِي لهبان الْحر فاستعطشت فدلي إِلَيْهَا دلو من السَّمَاء فَشَرِبت حَتَّى أراحت. يرويهِ الْوَلِيد بن مُسلم عَن سعيد بن عبد العزيز. يُقَال: أراح الرجل اذا رجعت اليه نَفسه بعد جهد من عَطش أَصَابَهُ أَو اعياء. قَالَ الراجز: من الرجز ... يرِيح بعد النَّفس الحفوز ... اراحة الجداية النفوز ... وَلَا أرى قَوْلهم للانسان اذا مَاتَ: أراح الا من هَذَا كَأَنَّهُ يكون فِي جهد من السِّيَاق وعلز الْمَوْت فاذا مَاتَ أراح أَي: استراح من ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 - حَدِيث زَيْنَب بنت ام سَلمَة وَقَالَ فِي حَدِيث زَيْنَب أَنَّهَا قَالَت: كَانَت الْمَرْأَة اذا توفّي عَنْهَا زَوجهَا دخلت حفشا ولبست شَرّ ثِيَابهَا وَلم تمس طيبا وَلَا شَيْئا حَتَّى تمر سنة ثمَّ تُؤْتى بِدَابَّة: حمَار أَو شَاة أَو طير فتفتض بِهِ فقلما تفتض بِشَيْء الا مَاتَ. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن القعبني عَن مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عَن حميد بن نَافِع عَن زَيْنَب. أما الحفش فقد تقدم ذكره فِي أول الْكتاب وفسرته. وَقَوْلها: تفتض هُوَ من فضضت الشَّيْء اذا كَسرته أَو فرقته. وَمِنْه: فض خَاتم الْكتاب. وَقَول الله جلّ وَعز: {لانفضوا من حولك} وأرادت أَنَّهَا كَانَت تكون فِي عدَّة من زَوجهَا فتكسر مَا كَانَت فِيهِ وَتخرج مِنْهُ بالدابة. وَبَعض الْمُحدثين يرويهِ: فتقبض بِهِ. وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 مَالك. رَأَيْت الْحِجَازِيِّينَ جَمِيعًا يَرْوُونَهُ. وسألتهم عَن ذَلِك الافتضاض كَيفَ هُوَ فَذكر لي رجل مِنْهُم يكنى أَبَا يُونُس أَن الْمُعْتَدَّة كَانَت لَا تَغْتَسِل وَلَا تمس مَاء وَلَا تقلم ظفرا وَلَا تستاك وَلَا تنتف من وَجههَا شعرًا ثمَّ تخرج بعد الْحول بأقبح منظر ثمَّ تفتض بطائر تمسح بِهِ قبلهَا وتنبذه فَلَا يكَاد يعِيش. تمّ حَدِيث الصَّحَابَة وَالْحَمْد لله وَحده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 - أَحَادِيث التَّابِعين وَمن بعدهمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 - حَدِيث كَعْب الْأَحْبَار وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب أَنه قَالَ: تمسك النَّار يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى تبص كَأَنَّهَا متن اهالة فاذا اسْتَوَت عَلَيْهَا أَقْدَام الْخَلَائق نَادَى مُنَاد: أمسكي أَصْحَابك ودعي أَصْحَابِي فتخنس بهم فَيخرج مِنْهَا الْمُؤْمِنُونَ ندية ثِيَابهمْ. حَدَّثَنِيهِ الزيَادي قَالَ: حدّثنَاهُ عبد الْوَارِث بن سعيد قَالَ: حدّثنَاهُ الْجريرِي عَن أبي السَّلِيل عَن رجل عَن كَعْب. قَوْله: تبص أَي تبرق. يُقَال: بص الشَّيْء ووبص وبصا وبصيصا اذا برق. والاهالة: الدسم. قَالَ أَبُو زيد: الاهالة الشَّحْم أَو الزَّيْت. وروى مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يدعى الى خبز الشّعير والاهالة السنخة فيجيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 قَالَ ابْن الاعرابي: انما قيل صحراء الاهالة لسرعة المَاء بهَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال مِنْهُ أَنا كحاقن الاهالة يُرَاد اني عَالم بِهِ. وحاقن الاهالة لَا يخفيها حَتَّى يروزها وَيدخل اصبعه فِيهَا ينظر أمكنت أم لم تمكن ثمَّ يخفيها لِئَلَّا يخترق السقاء. والسنخة: المتغيرة الرّيح لطول الْمكْث. يُقَال: سنخ الدّهن يسنخ ونمس ينمس فاستعار ذَلِك فِي الدسم. وَقَوله: فتخنس بهم أَي: تجتذبهم وتتأخر بهم: كَمَا تخنس النُّجُوم الخنس وكما يخنس الشَّيْطَان اذا ذكر الله. وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب أَنه ذكر دَارا فِي الْجنَّة ووصفها فَقَالَ: لَا ينزلها الا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد أَو مُحكم فِي نَفسه أَو امام عَادل. حدّثنَاهُ اسحق بن رَاهَوَيْه: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد عَن سَلمَة ابْن نبيط عَن عبيد بن أبي الْجَعْد عَن كَعْب. قَالَ اسحق وَغَيره: الْمُحكم فِي نَفسه هُوَ الَّذِي يُخَيّر بَين الشّرك بِاللَّه أَو الْقَتْل فيختار الْقَتْل فَيقْتل وَلَا يُشْرك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب انه قَالَ: أَن الله بَارك للمجاهدين فِي صلييان أَرض الرّوم كَمَا بَارك لَهُم فِي شعير سورية. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن صَفْوَان ابْن عَمْرو عَن كَعْب. قَالَ مُعَاوِيَة: سورية: الشَّام. وَأَنا أَحسب الِاسْم بالرومية. والصليان شجر تَأْكُله الْخَيل. واحده: صليانة. وأنشدني بعض البغداديين لبَعض الرجاز يذكر ابلا: من الرجز ... ظلت تلوذ أمس بالصريم ... وصليان كسبال الرّوم ترشح الا مَوضِع الوسوم ... والصريم: قِطْعَة من الشّجر. قَالَ: وانما شبه الصليان بسبال الرّوم لِأَن فِيهِ صهوبة. وَقَوله: ترشح الا مَوضِع الوسوم يُرِيد: أَنَّهَا تعرق كلهَا الا مَوضِع الوسم مِنْهَا. وَيُقَال: ان مَوضِع الوسم بالنَّار لَا يعرق. وَأما قَول قُتَيْبَة بن مُسلم الْبَاهِلِيّ فِي خطبَته: الْعَصَا من العصية وحول الصليان الزمزمة فان الزمرمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 الصَّوْت. وَكَذَلِكَ الزهرمة قَالَ الآخر: ... لَهُ زهزم كالمغن ... وانما جعل الزمزمة حول الصليان لِأَن الصليان يقطع للخيل الَّتِي لَا تفارق الْحَيّ مَخَافَة الْغَارة فالأصوات حوله. وَمن قَالَ الزمزمة فان الزمزمة الْجَمَاعَة من النَّاس. قَالَ أَبُو زيد: الْخَمْسُونَ وَنَحْوهَا. وَقَوله: الْعَصَا من العصية أَرَادَ أَن الْأَمر الْكَبِير يكون أَوله صَغِيرا كَمَا تكون الْعَصَا الْعَظِيمَة من الْغُصْن الدَّقِيق وَلَا أَرَاهُم قَالُوا: زَمْزَم الا لصوت المَاء حِين ظهر. وروى سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: انما سميت زَمْزَم لِأَنَّهَا مُشْتَقَّة من الهزمة يَعْنِي: هزمة جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ بعقبه وَلَيْسَت زَمْزَم على طَرِيق اللُّغَة من الهزمة فِي شَيْء. والهزمة الكسرة فِي الأَرْض حَتَّى تصير فِيهَا كالنقرة. والتهزم: التكسر. وَأَرَادَ كَعْب أَن الله بَارك للمجاهدين فِي هَذَا الشّجر فَهُوَ يقوم لدوابهم مقَام الشّعير ويقويها كَمَا يقويها الشّعير. وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب أَن عمر قَالَ لَهُ: لأي ابْني آدم كَانَ النَّسْل فَقَالَ: لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا نسل أما الْمَقْتُول فدرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 وَأما الْقَاتِل فَهَلَك نَسْله فِي الطوفان. وَالنَّاس من بني نوح ونوح من بني شبث بن آدم. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي وَهُوَ سهل بن مُحَمَّد عَن الْأَصْمَعِي عَن سَلمَة بن عَلْقَمَة الْمَازِني. قَوْله: درج أَي: مَاتَ وَذهب. وَمِنْه يَقُول النَّاس: فلَان أكذب من دب ودرج. أَي: أكذب الْأَحْيَاء والأموات. قَالَ الشَّاعِر: من الْبَسِيط ... قَبيلَة كشراك النَّعْل دارجة ... ان يهبطوا الْعَفو لَا يُوجد لَهُم أثر ... دارجة أَي: منقرضة. وَالْعَفو: الْموضع الَّذِي لم يُوطأ وجعلهم كشراك النَّعْل فِي الذلة. وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب أَنه ذكر ملحمة للروم فَقَالَ: لله مأدبة من لُحُوم الرّوم بمروج عكا. يرويهِ أَبُو الْعَوام عَن بَقِيَّة عَن ابْن ثَوْبَان عَن تبيع عَن كَعْب. المأدبة: الطَّعَام الَّذِي يجْتَمع اليه النَّاس أَي طَعَام كَانَ يُقَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 آدب فلَان الْقَوْم يأدبهم اذا جمعهم. وَهُوَ من المأدبة. وَقَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... وَكَيف قتالي معشرا يأدبونكم ... على الْحق الا تأشبوه بباطل ... وَأَرَادَ كَعْب أَن الله يقتل الرّوم بمروج عكا فتنتاب لحومهم السبَاع وَالطير تَأْكُل مِنْهَا فَكَأَن ذَلِك مأدبة لله. وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب انه قَالَ: قَالَ الله لرومية اني أقسم بعزتي لأسلبن تاجك وحليتك ولأهبن سبيك لبني قاذر ولأدعنك جلحاء. يرْوى بالاسناد الأول. بَنو قاذر بنواسماعيل بن ابراهيم صلى الله عَلَيْهِمَا. يُرِيد: الْعَرَب. وَقَوله: لأدعنك جلحاء أَي: لاحصن عَلَيْك. وَيُقَال للبقر الَّتِي لَا قُرُون لَهَا: جلح قَالَ الْهُذلِيّ قيس بن خويلد: من الطَّوِيل ... فسكتهم بالْقَوْل حَتَّى كانهم ... بواقر جلح أسكتتها المراتع ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 والحصون تشبه بالقرون لِأَنَّهَا تمنع من تحصن بهَا كَمَا تمنع الْبَقر قُرُونهَا وَلذَلِك قيل لَهَا: صياصي. فاذا ذهبت الْحُصُون جلحت الْقرى فَصَارَت بِمَنْزِلَة الْبَقر الَّتِي لَا قُرُون لَهَا. وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب انه قَالَ لابي عُثْمَان النَّهْدِيّ: الى جانبكم جبل مشرف على الْبَصْرَة يُقَال لَهُ: سَنَام فَقَالَ: نعم. فَقَالَ: فَهَل الى جَانِبه مَاء كثير السافي قَالَ: نعم. قَالَ: فانه أول مَاء يردهُ الدَّجَّال من مياه الْعَرَب. يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَليّ بن زيد عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ. السافي: الرّيح تسفي التُّرَاب. والسافي: التُّرَاب أَيْضا اذا حَملته الرّيح. وَهُوَ السافياء مَمْدُود. وَالْمَاء الَّذِي يقرب من سَنَام يُقَال لَهُ: سفوان وَقد ذكرته الشُّعَرَاء. وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا ذل على أَنه انما سمي سفوان لِأَن الرّيح تسفي عَلَيْهِ فِيهِ. والسفا مَقْصُور: التُّرَاب. قَالَ الشَّاعِر يذكر رجلا: من الطَّوِيل ... وَحَال السفا بيني وَبَيْنك والعدى ... وَرهن السفا غمر الطبيعة ماجد ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 والعدى هَاهُنَا: الْبعد. وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب أَنه ذكر الْجنَّة فَقَالَ فِيهَا: هُنَا بير مسك يبْعَث الله عَلَيْهَا ريحًا تسمى: المثيرة فتثير ذَلِك الْمسك على وجوهم. من حَدِيث جرير بن حَازِم عَن حميد بن هِلَال عَن بشير بن كَعْب عَن كَعْب. الهنابير: رمال مشرفة واحدتها: هنبورة وَهِي مِمَّا قلب. وَالْأَصْل: نهابير وَاحِدهَا: نهبور. وَقد ذكرتها فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ. وَيجوز أَن يكون هنابير أنابير جمع أنبار ثمَّ تقلب الْهمزَة هَاء كَمَا يُقَال: هرقت وأرقت. وهبرية وابرية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 - حَدِيث شُرَيْح بن الْحَارِث القَاضِي وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَن امْرَأتَيْنِ اختصمتا اليه فِي ولد هرة فَقَالَ: القوها مَعَ هَذِه فان هِيَ قرت وَدرت واسبطرت فَهِيَ لنا وان هِيَ هرت وفرت واقشعرت فَلَيْسَ لَهَا. وَمن وَجه آخر: وان هِيَ هرت وازبأرت. حَدَّثَنِيهِ ابْن الْخَلِيل عَن ابْن الْمَدِينِيّ عَن ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد. قَوْله: اسبطرت. يُرِيد: امتدت للارضاع. يُقَال: اسبطر الشَّيْء اذا امْتَدَّ. وَمِنْه قيل للعنق من السّير مسبطر. قَالَ الْهُذلِيّ وَذكر نَاقَة: من المتقارب ... وَمن سَيرهَا الْعُنُق المسبطر ... والعجرفية بعد الكلال ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 أَي: الممتد. وازبأرت: اقشعرت وتنفشت. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس يصف فرسا: من المتقارب ... لَهَا تنن كخوافي العقا ... ب سود يفئن اذا تزبئر ... والثنة الشّعْر الْمُتَعَلّق فِي مآخير قَوَائِمهَا. ويفئن: يكثرن. اذا تزبئر: أَي تتنفش. وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَنه أبطل النفح الا أَن تضرب فتعاقب. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ: حدّثنَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ. وَأَرَادَ الدَّابَّة تنفح برجليها وانه كَانَ يُبطلهُ وَلَا يلْزم صَاحبهَا شَيْئا الا أَن تضرب فتعاقب. أَي: تتبع ذَلِك رمحا. يقا ل: عَاقَبت كَذَا بِكَذَا اذا اتبعته اياه. وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا اليه. فَقَالَ أَحدهمَا: ان هَذَا اشْترى مني أَرضًا من أَرض الْحيرَة وَقبض مني وصرها فَلَا هُوَ يرد الوصر وَلَا يعطيني الثّمن فَلم يجبهما بشىء حَتَّى قاما من عِنْده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 يرويهِ حَفْص عَن أَشْعَث عَن ابْن سِيرِين. الوصر: فِيمَا أَحسب كتاب الشِّرَاء. يُرِيد: انه اشْترى الأَرْض مني وَأخذ كتاب شراءها وَالْأَصْل: اصر. ثمَّ قلبت الْهمزَة واوا كَمَا قَالُوا: ارث وَورث. وَهُوَ من: ورث. وَقَالُوا اكاف ووكاف. ووسادة. واسادة. وَقَالُوا للستر: اجاج ووجاج. وَرَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد. أَن أَحدهمَا قَالَ: اشْتريت من هَذَا أَرضًا. فَقلت: ادْفَعْ الي الاصر وانه يَأْبَى. فَقَالَ الآخر: انها أَرض جِزْيَة فَسكت شُرَيْح. وانما سمي الْكتاب اصرا لِأَن الاصر: الْعَهْد. قَالَ الله جلّ وَعز: {وأخذتم على ذَلِكُم إصري} أَي: عهدي. وَفِي الْكتاب مَا يَأْخُذهُ الْمُتَبَايعَانِ من الْعَهْد ويشترطانه. وَيجوز أَن يكون سمي اصرا لِأَنَّهُ يأصر الى الْحق أَي: يعْطف اليه. مثل يأظر وَمِنْه يُقَال: مَا بيني وَبَينه آصرة أَي: عاطفة رحم ولامودة. وانما ترك شُرَيْح اجابتهما لِأَنَّهَا أَرض خراج. وَقد اخْتلف النَّاس فِيهَا فَكَانَ بَعضهم يترخص فِي بيعهَا وشرائها. وَبَعْضهمْ ينْهَى عَنهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 فتوقف عَنهُ شُرَيْح. وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَن رجلا قَالَ لَهُ: ابتعت من هَذَا شَاة فَلم أجد لَهَا لَبَنًا فَقَالَ شُرَيْح: لَعَلَّهَا لجبت ان الشَّاة تحلب فِي ربابها. يرويهِ ابْن أبي زَائِدَة عَن اسماعيل بن أبي خَالِد. قَوْله: لجبت أَي: خف لَبنهَا وَقل. يُقَال: شَاة لجبة ولجبات ولجاب. قَالَ أَبُو زيد: اللجبة من الْمعز خَاصَّة. وَمثلهَا من الضَّأْن: الجدود. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اذا أَتَى على الشَّاة بعد نتاجها أَرْبَعَة أشهر فخف لَبنهَا وَقل فَهِيَ حِينَئِذٍ: لجبة. قَالَ الوَاقِفِي: من الْبَسِيط ... كَأَن أطباءها فِي الصَّيف اذا غزرت ... أَو لجبت أَو دنا مِنْهُنَّ تلجيب ... وَقَوله: ان الشَّاة تحلب فِي ربابها يُرِيد: فِي قبل الْولادَة. يُقَال: شَاة رَبِّي بَيِّنَة الربَاب اذا ولدت. قَالَ أَبُو زيد: الربي من الْمعز وَمثلهَا من الضَّأْن: الرغوث وَيُقَال: ان ربَاب الشَّاة مَا بَين أَن تضع الى أَن يَأْتِي عَلَيْهَا شَهْرَان. فَأَرَادَ شُرَيْح: لَعَلَّك اشْتَرَيْتهَا بعد خُرُوجهَا من الربَاب. وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي تغرز فِيهِ وَحين صَارَت لجبة وَهِي الَّتِي خف لَبنهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح ان رجلا جَاءَهُ فَقَالَ: اني طلقت امْرَأَتي تلافا وَهِي حَائِض. فَقَالَ: أما أَنا فَلَا أخلط حَلَالا بِحرَام. انْتظر حَتَّى تطهر من حَيْضَتهَا ثمَّ تسأنف ثَلَاث حيض. ثمَّ لَا تحل لَك حَتَّى تنْكح زوجا غَيْرك. يرويهِ هِشَام عَن لَيْث بن أبي سليم عَن الشّعبِيّ. قَوْله: أما أَنا فَلَا أخلط حَلَالا بِحرَام. يُرِيد: لَا أحتسب بالحيضة الَّتِي وَقع فِيهَا الطَّلَاق من الْعدة. وَمن احتسب بهَا فقد خلط حَلَالا بِحرَام. أَلا ترى أَن الْمَرْأَة كَانَت حَلَالا للرجل فِي وَقت من أَيَّام تِلْكَ الْحَيْضَة فَلَمَّا طلق حرمت عَلَيْهِ فِي بَاقِي أَيَّام تِلْكَ الْحَيْضَة. فانقضت الْحَيْضَة وَالْمَرْأَة حَلَال فِي بَعْضهَا للرجل حرَام عَلَيْهِ فِي بَعْضهَا. ثمَّ أمره أَن تسْتَأْنف ثَلَاث حيض لِأَن الله جلّ وَعز أمرهَا أَن تَتَرَبَّص ثَلَاث قُرُوء فعلَيْهَا أَن تَأتي بهَا كوامل وَهِي مُحرمَة على الرجل فِي جَمِيع أَيَّامهَا. وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَنه كَانَ يَقُول: انما الْقَضَاء جمر فادفع الْجَمْر عَنْك بعودين. يرويهِ وَكِيع عَن مسعر عَن أبي حُصَيْن. العودان هَاهُنَا: الشَّاهِدَانِ. يُرِيد: توق النَّار بهما واجعلهما جنتك. وَهُوَ نَحْو قَوْله للشاهدين اذا حضرا. اني لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 أَدعكُمَا وَلَا أمنعكما ان قمتما واني متحرز بكما يَوْم الْقِيَامَة فتحرزا لأنفسكما. وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح انه قَالَ: المعك طرف من الظُّلم. يرويهِ أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي اسحق. المعك: المطل. يُرِيد: مطل الرجل غَرِيمه وَهُوَ واجده. قَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل ... أحبك حبا خالطته نصاحة ... وان كنت احدى اللاويات المواعك ... قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: دالكني حَقي مدالكة ومطلني مطلا ومعكني معكا ولواني ليانا وليا كُله وَاحِد. وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَنه كَانَ يرد الحمارة من الْخَيل. يرويهِ قبيصَة عَن سُفْيَان عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين. وَفِي الحَدِيث: انها الَّتِي تتبع الْحمر من الْخَيل وَلَا أعلمني سَمِعت هَذَا الا فِي هَذَا الحَدِيث وَلم أحفظ عَن أَصْحَاب اللُّغَة الا المحامر من الْخَيل وَاحِدهَا محمر. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ الَّتِي تشبه الْحمير. والحامرة: جمَاعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 الْحمير. وَمِنْه قيل لمَسْجِد بِالْبَصْرَةِ: مَسْجِد الحامرة. وَلَا أَحْسبهُ سَمَّاهَا: حمارة الا لدخولها فِي الْحمير واتباعها اياها فَكَأَنَّهَا حمارة مِنْهَا. وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَن رجلا اشْترى جَارِيَة وشرطوا: أَنَّهَا مولدة فَوَجَدَهَا تليدة فَردهَا شُرَيْح. يرويهِ قبيصَة عَن سُفْيَان عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين. التليدة هِيَ الَّتِي ولدت بِبِلَاد الْعَجم وحملت فَنَشَأَتْ فِي بِلَاد الْعَرَب. والمولدة: الَّتِي ولدت فِي بِلَاد الاسلام. وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ التليد مَا ولد عِنْد غَيْرك ثمَّ اشْتَرَيْته صَغِيرا فنبت عنْدك. والتلاد: مَا ولدت أَنْت وَهَذَا هُوَ مَا فسرناه. وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَنه كَانَ لَا يُجِيز الاضطهاد وَلَا الضغطة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين. الاضطهاد: الظُّلم. والضغطة والعصرة من الْغَرِيم هُوَ أَن يمطل بِمَا عَلَيْهِ ويلوي بِهِ ثمَّ يَقُول لصَاحب المَال: تدع لي كَذَا وَتَأْخُذ الْبَاقِي معجلا فيرضى بذلك ويصالحه على شَيْء يَدعه لَهُ. فَكَانَ شُرَيْح لَا يُجِيز ذَلِك وَيلْزمهُ جَمِيع الشىء اذا رَجَعَ بِهِ صَاحب الْحق عَلَيْهِ. وَيَقُول: بينتك أَنه تَركه لَك وَهُوَ يقدر على أَخذه. وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَن مُحَمَّدًا خَاصم غُلَاما لزياد اليه فِي برذونة بَاعهَا وكفل الْغُلَام فَقَالَ مُحَمَّد: حيل بيني وَبَين غريمي واقتضي مَالِي مُسَمّى واقتسم مَال غريمي دوني فَقَالَ شُرَيْح: ان كَانَ مجيزا وكفل لَك غرم وان كَانَ اقتضي مَالك مُسَمّى فَأَنت أَحَق بِهِ وان كَانَ الْغُرَمَاء أخذُوا مَاله دُونك فَهُوَ بَيْنكُم بِالْحِصَصِ. والمجيز: الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة هَاهُنَا. وَيكون الْوَلِيّ فِي مَوضِع آخر. وَيكون الْوَصِيّ. وَمِنْه قَول شُرَيْح: اذا بَاعَ المجيزان فَالْبيع للْأولِ واذا أنكح المجيزان فَالنِّكَاح للْأولِ. وانما قيل لكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ: مجيز لِأَنَّهُ يُجِيز الشَّيْء أَي: يمضيه فَيجوز. وَقَوله: ان كَانَ اقتضي مَالك مُسَمّى فَأَنت أَحَق. يَقُول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 ان كَانَ قبض مَالك على أَنه لَك فَأَنت أَحَق بِهِ. وان كَانَ الْغُرَمَاء أخذُوا المَال دُونك فَأَنت غَرِيم كبعضهم وَلَك فِيهِ حِصَّة على قدر مَالك. وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح ان ابْن سِيرِين ذكره فَقَالَ: كَانَ عائفا وَكَانَ قائفا. يرويهِ عَفَّان عَن سليم عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين. العائف: الَّذِي يعيف الطير أَي: يزجرها وَذَلِكَ أَن يعْتَبر بأسمائها ومساقطها وَأَصْوَاتهَا ومجاريها. يُقَال: عفت الطير أعيفها عيافة. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر تغنى الطائران ببين سلمى ... على غُصْنَيْنِ من غرب وَبَان فَكَانَ البان أَن بَانَتْ سليمى ... وَفِي الغرب اغتراب غير دَان ... فزجر فِي الغرب الغربة. وَفِي البان الْبَين. وَقَالَ جران الْعود. من الطَّوِيل ... جرى يَوْم جِئْنَا بالركاب نزفها ... عِقَاب وشحاج من الطير متيح ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 .. فَأَما الْعقَاب فَهِيَ مِنْهَا عُقُوبَة ... وَأما الْغُرَاب فالغريب المطوح ... والشحاج: الْغُرَاب. والمتيح: الَّذِي يعرض فِي كل وَجه. وَأنْشد الْأَصْمَعِي: من الطَّوِيل ... وهون وجدي أنني لم أكن لَهُم ... غراب شمال ينتف الريش حاتما ... قَالَ: وَيُقَال: من لَهُ طير شمال أَي: طير شُؤْم وَسموا الْغُرَاب حاتما لِأَنَّهُ عِنْدهم يحتم بالفراق. وَقَالُوا: غراب الْبَين لِأَنَّهُ يسْقط فِي الديار اثر الظاعنين يتقمم. هَذَا قَول بَعضهم. وَقَالَ آخَرُونَ: سمي غراب الْبَين لبينه عَن نوح صلى الله عَلَيْهِ حِين أرْسلهُ ليَأْتِيه بِخَبَر مَاء الطوفان وَقد تقدم ذكر ذَلِك. وَقَالَ الْكُمَيْت لجذام فِي انتقالهم الى الْيمن: من الطَّوِيل ... وَكَانَ اسمكم لَو يزْجر الطير عائف ... لبينكم طيرا مبينَة الفأل ... يُرِيد: ان اسمكم جذام والزجر فِيهِ الانجذام وَهُوَ الِانْقِطَاع. وحَدثني سهل بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا الْأَصْمَعِي قَالَ: أَخْبرنِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 سعد بن نصر: ان نَفرا من الْجِنّ تَذَاكَرُوا عيافة بني أَسد فأتوهم فَقَالُوا انه ضلت لنا نَاقَة فَلَو أرسلتم مَعنا من يعيف فَقَالُوا لغليم مِنْهُم: انْطلق مَعَهم فاستردفه أحدهم ثما سَارُوا فلقيتهم عِقَاب كاسرة احدى جناحيها فاقشعر الغليم وَبكى فَقَالُوا: مَالك فَقَالَ: كسرت جنَاحا وَرفعت جنَاحا وَحلفت بِاللَّه صراحا مَا أَنْت بأنسي وَلَا تبغي لقاحا. فَالْأَصْل فِي العيافة للطير وَمِنْه قيل: فلَان يتطير وَهُوَ شَدِيد الطَّيرَة ثمَّ قد تجدهم يعيفون بالبروج والسنوح وعضب الْقرن. قَالَ زُهَيْر وَذكر ظباء: من الوافر ... جرت سنحا فَقلت لَهَا أجيزي ... نوى مشمولة فَمَتَى اللِّقَاء ... وَأَخْبرنِي الرياشي أَن الشُّعَرَاء الْمُتَقَدِّمين يتشاءمون بالسنوح وأنشدني لِابْنِ قميئة وَهُوَ جاهلي: من الطَّوِيل ... وأشأم طير الزاجرين سنيحها ... وَقد كَانَ كثير مِنْهُم لَا يتطير وَلَا يرى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرهم من هَذَا أَشْيَاء. قَالَ المرقش وَهُوَ جاهلي: من مجزوء الْكَامِل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 .. وَلَقَد غَدَوْت وَكنت لَا أغدو على واق وحاتيم فاذا الأشائم كالايامن والأيامن كالأشائم ... والواق: الصرد. يَقُول: مَا جَاءَك يَمِينا فَهُوَ كَمَا جَاءَك شمالا لَيْسَ الْأَمر بِشَيْء. وَقَالَ آخر: من الطَّوِيل ... وَلَيْسَ بهياب اذا شدّ رَحْله ... يَقُول: عداني الْيَوْم واق وحاتم وَلكنه يمْضِي على ذَاك مقدما ... اذا صد عَن تِلْكَ الهنات الخثارم ... والخثارم: المتطير. وَلم يرد ابْن سِيرِين أَن شريحا يعيف هَذِه العيافة وَكَيف يُرِيد هَذَا وَقد رُوِيَ: ان العيافة من الجبت. وَلكنه أَرَادَ أَنه مُصِيب الظَّن صَادِق الحدس. فَكَأَنَّهُ عائف. وَهَذَا كَمَا يُقَال: مَا أَنْت الا سَاحر اذا كَانَ رَفِيقًا لطيفا. وَمَا أَنْت الا كَاهِن اذا أصَاب بظنه. وَأما الفأل فَهُوَ فِي الْخَيْر. وَهُوَ يسْتَحبّ. وَفِي الحَدِيث: أصدق الطَّيرَة الفأل. حَدثنَا الرياشي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: قلت لِابْنِ عون: مَا الفأل قَالَ: أَن تكون مَرِيضا فَتسمع يَا سَالم أَو بَاغِيا فَتسمع يَا وَاحِد. وَكَانَ ابْن سِيرِين يكره الطَّيرَة وَيسْتَحب الفأل. وَهَذَا يدلك على أَنه لم يرد أَن شريحا كَانَ يتطير ويعيف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 وَأما الْقَائِف فَهُوَ الَّذِي يعرف الْآثَار ويتبعها وَيعرف شبه الرجل فِي وَلَده وأخيه. حَدثنِي سهل بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا الْأَصْمَعِي عَن رجل من آل أبي مسروح عَن عَوْسَجَة بن مغيث الْقَائِف قَالَ: كُنَّا نَسْرِق نخلنا فَعرفنَا آثَارهم فَرَكبُوا الْحمر فَعرفنَا نمس أَيْديهم فِي العذوق. وحَدثني ايضا عَن الْأَصْمَعِي عَن ابْن أبي طرفَة الْهُذلِيّ قَالَ: رَآنِي قائفان وهما منصرفان من عَرَفَة بعد النَّاس بِيَوْم أَو اثْنَيْنِ أثر بعير فَقَالَ أَحدهمَا: نَاقَة وَقَالَ الآخر جمل فاتبعناه فَمرَّة يجْتَمع لَهما الْخُف وَمرَّة يريان الخطوة مِنْهُ حَتَّى دخلا شعبًا من شعاب منى فاذاهما بالبعير فأطافا بِهِ فاذا هُوَ خُنْثَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 - حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَقَالَ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة أَنه ذكر رجلا يلى الْأَمر بعد السفياني فَقَالَ: حمش الذراعين والساقين مصفح الرَّأْس غائر الْعَينَيْنِ يكون بَين شث وطباق. يرويهِ الْوَلِيد بن مُسلم عَن أبي عبد الله عَن عبد الكريم ان أُميَّة عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة. قَوْله: حمش الذراعين والساقين يُرِيد دقيقهما. والمصفح الرَّأْس: العريض الرَّأْس. والشت. نبت ينْبت بتهامة وَهُوَ من شجر الْجبَال. والطباق: شجر ينْبت بالحجاز الى الطَّائِف. وانما أَرَادَ أَن مقَامه أَو مخرجه يكون من هَذِه الْمَوَاضِع الَّتِي ينْبت بهَا هَذَانِ الضربان من الشّجر. قَالَ عُرْوَة بن الْورْد: من الطَّوِيل ... فيوما على نجد وغارات أَهله ... وَيَوْما بِأَرْض ذَات شث وعرعر ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 521 - يُرِيد: تغير مرّة على نجد وَمرَّة على تهَامَة. وَقَالَ تأبط شرا: من الْبَسِيط ... كَأَنَّمَا حثحثوا حصا قوادمه ... أَو أم خشف بِذِي شت وطباق ... يَقُول: كَأَنَّمَا حركوا بِي صقرا من سرعتي أَو ظَبْيَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 حَدِيث مَسْرُوق الأجدع وَقَالَ فِي حَدِيث مَسْرُوق أَنه قَالَ: فِي الرجل تكون تَحْتَهُ الْأمة فيطلقها تَطْلِيقَتَيْنِ ثمَّ يَشْتَرِيهَا لَا تحل لَهُ الا من حَيْثُ حرمت عَلَيْهِ. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن خَالِد بن خِدَاش عَن سهل بن بكار عَن أبي عوَانَة عَن جابرعن عَامر عَن مَسْرُوق. تَفْسِير هَذَا أَن الْأمة تبين بتطليقتين فَلَا تحل للمطلق حَتَّى تنْكح زوجا غَيره. يَقُول: فَلَمَّا حرمت عَلَيْهِ بالتطليقتين واشتراها لم تحل لَهُ ان نحكها حَتَّى يُزَوّجهَا ثمَّ تطلق بتطليقتين فَيحل لَهُ بهما كَمَا حرمت عَلَيْهِ بهما. وَهَذَا مَذْهَب سُفْيَان. وَمن يرى أَن الطَّلَاق بِالْمَرْأَةِ. وَكَانَ مَالك يرى: ان الْمَمْلُوكَة تَحت الْحر لَا تبين الا بِثَلَاث. قَالَ: فان بَانَتْ ثمَّ اشْتَرَاهَا لم يَطَأهَا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره. وَقَالَ فِي حَدِيث مَسْرُوق انه قَالَ: أَنهَار الْجنَّة تجْرِي فِي غير أخدُود وشجرها نضيد من أَصْلهَا الى فرعها. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن زَائِدَة عَن الْأَعْمَش عَن عمروبن مرّة عَن مَسْرُوق. الأخذود: الشق. وَيُقَال: خد فِي الأَرْض خدا اذا شقّ فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 وَاسم الشق الْأُخْدُود. قَالَ الله جلّ وَعز: {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} . وَقَوله: شَجَرهَا نضيد يُرِيد: لَيْسَ لَهُ سوق بارزة. وَلكنه منضود بالورق أَو بالثمر من أَصله الى أَعْلَاهُ وَهُوَ من قَوْلك: نضدت الْمَتَاع اذا وضعت بعضه على بعض. وَلَا أرى قَول الله جلّ وَعز: {وطلح منضود} الا من هَذَا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الطلح: الموز هَاهُنَا. وَهُوَ عِنْد الْعَرَب شجر عِظَام كثير الشوك. وَقَالَ فِي حَدِيث مَسْرُوق انه كَانَ يكره الجعائل. يرويهِ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر عَن الشّعبِيّ. الجعائل: جمع جعَالَة بِفَتْح الْجِيم وجعيلة وَهُوَ الْجعل من الْعَطِيَّة. تَقول: أجعلت لفُلَان جعالا. وأجعلت الْقدر أنزلتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 بالجعال وَهِي الْخِرْقَة الَّتِي تتنزل بهَا. وَجعلت لكذا جعلا أَي: صيرته لَهُ. وَالِاسْم: الْجعل بِضَم الْجِيم وَمعنى الْجعَالَة أَن يضْرب الْبَعْث على الرجل فَيجْعَل لمن يغزوعنه شَيْئا وَيُقِيم أَو يدْفع الْمُقِيم الى الْغَازِي شَيْئا فيقيم وَيخرج هُوَ. وَذَلِكَ مُبين فِي حَدِيث لِلْحسنِ. وَسُئِلَ عَن الجعائل فَقَالَ: كَانَ الْمُقِيم يكره أَن يفتدى من غَزوه والغازي يكره أَن يَأْخُذ لغزوه ثمنا. وَقَالَ مَنْصُور: كَانُوا يُعْطون فِي ذَلِك أحب اليهم من أَن يَأْخُذُوا. قَالَ الْهُذلِيّ عبد منَاف بن ربع: من الطَّوِيل ... وَقد بَات فِيكُم لَا ينَام مهجدا ... يثبت فِي خالاته بالجعائل ... وَهَذَا رجل أَبوهُ من سليم وَأمه من هُذَيْل فَدلَّ على هُذَيْل بِجعْل جَعَلُوهُ لَهُ فَأَرَادَ أَنه جعل يثبت الْجعَالَة لنَفسِهِ ويوكدها عَلَيْهِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 - حَدِيث عُبَيْدَة السَّلمَانِي وَهُوَ عُبَيْدَة بن قيس وَقَالَ فِي حَدِيث عُبَيْدَة ان مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ لَهُ: مَا يُوجب الْجَنَابَة فَقَالَ: الرف والاستملاق. يرويهِ اسحق الْأَزْرَق عَن عَوْف عَن مُحَمَّد بن سِيرِين. أصل الرف: المص. يُقَال: رففت فَم الْمَرْأَة أرفه رفا اذا مصصته وترشفته. وَمِنْه قَول أبي هُرَيْرَة حِين سُئِلَ عَن الْقبْلَة للصَّائِم: اني لارفها رفا. والاستملاق وَهُوَ من قَوْلك: ملق الجدي أمه يملقها ملقا. اذا رضعها. وَكَذَلِكَ: ملجها أَيْضا. واراد ان الَّذِي يُوجب الْغسْل امتصاص الْمَرْأَة الرجل وقبولها مَاءَهُ:: مَا يقبل الرَّضِيع اللَّبن اذا ارتضع. وَأرَاهُ على هَذَا التَّأْوِيل يذهب مَذْهَب الْأَنْصَار فِي أَن المَاء من المَاء وَقد تقدم ذكر هَذَا وبينت أَن مَنْسُوخ. وَأما قَوْله فِي حَدِيث آخر وَسُئِلَ عَن مثل هَذَا فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 الخفق والخلاط. فان الخفق: الْجِمَاع. وَأَصله الضَّرْب. وَمِنْه قيل للدرة: مخفقة. والخلاط مصدر خالطت الْمَرْأَة فِي الْجِمَاع خلاطا ومخالطة. وَهَذَا رَاجع الى معنى الحَدِيث الأول وان لم يكن فِيهِ ذكر للْمَاء لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ أَن الَّذِي يُوجب الْغسْل: مجاورة الْخِتَان الْخِتَان كَفاهُ من الْوَصْف مَا دون الخفق والخلاط. وَمن الخلاط قَول الْحجَّاج فِي خطبَته: لَيْسَ أَوَان يكثر الخلاط يَعْنِي: الْفساد. وَقد سَمِعت من يرويهِ: الدفق والخلاط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 - حَدِيث ابي مُسلم الْخَولَانِيّ وَقَالَ فِي حَدِيث أبي مُسلم أَنه أَتَى مُعَاوِيَة فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْأَجِير انه لَيْسَ من أجِير استرعي رعية الا ومستأجره سائله عَنْهَا. فان كَانَ داوى مرضاها وجبر كسراها وهنأ جَرْبَاهَا ورد أولاها على أخراها ووضعها فِي أنف من الْكلأ وصفو من المَاء وفاه أجره. يرويهِ اسماعيل بن عَيَّاش عَن أبي بكر بن عبد الله عَن عَطِيَّة بن قيس. قَوْله: رد أولاها على أخراها يُرِيد: لم يَدعهَا تتفرق وتشذ وَلكنه ضمهَا وَجَمعهَا. وَذَلِكَ من حسن الرّعية هَذَا اذا كَانَت قطيعا وَاحِدًا فاذا كثرت الأقطاع والرعاء فالأحمد عِنْدهم أَن تفرق ويفرقوا. وَلذَلِك كَانُوا يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ حبب بَين نسائنا وبغض بَين رعائنا وَاجعَل المَال فِي سمحائنا. قَالَ الْأَصْمَعِي: اذا تباغض الرعاء لم يجتمعوا للْحَدِيث فيضيق المرعى. وَنَحْو مِنْهُ وَلَيْسَ بِعَيْنِه اختيارهم للسقي عجيما وعربيا لَا يفهم أَحدهمَا الآخر ليَكُون أحث للْعَمَل. قَالَ الراجز: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 .. هَل يروين ذودك نزع معد ... وساقيان سبط وجعد ... يُرِيد بالسبط: العجمي وبالجعد: الْأسود. وَمثله قَول الآخر: من الرجز. ... ان سرك الرّيّ أَخا تَمِيم ... فاعجل بعبدين ذ وي وزيم بفارسي وَأَخ للروم ... وزيم: لحم وعضل وأنف الكلا أَوله. يُرِيد: انه يتتبع بهَا الْمَوَاضِع الَّتِي لم ترع. وَمِنْه يُقَال: استأنفت كَذَا اذا ابتدأته. وَيُقَال: رَوْضَة أنف. لم ترع. وكأس أنف لم يشرب بهَا قبل ذَلِك. كَأَنَّهُ استونف شربهَا. وَقد أنفت اذا وطِئت كلأ أنفًا. وَيُقَال: أَرض أنيفية اذا استرعت النَّبَات. وَتلك أانف بِلَاد الله. وَيُقَال: أنف الأَرْض مَا اسْتقْبل الشَّمْس من الْجلد والضواحي من الْجبَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 - حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون وَقَالَ فِي حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون أَنه قَالَ: اياكم وَهَذِه الزعانيف الَّذين رَغِبُوا عَن النَّاس وفارقوا الْجَمَاعَة. يرويهِ زُهَيْر عَن أبي اسحق عَن عَمْرو بن مَيْمُون. الزعانيف: فرق النَّاس وَمن خرج عَن جَمَاعَتهمْ وَهِي الزعانف مثل: طواوس وطواويس. والواحدة زغنفة. وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: أصل الزعانف أَطْرَاف الْأَدِيم والأكارع. شبه من شَذَّ عَن النَّاس وفارقهم بأطراف الْجلد من الْأَدِيم. وَقَالَ مَالك بن نُوَيْرَة: من الطَّوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 .. فَقرب رِبَاط الجون مني فانه ... دنا الْحل واحتل الْجَمِيع الزعانف ... يَقُول: صَار متفرقو النَّاس والنازلون بالأطراف الى جَمَاعَتهمْ الْخَوْف الْغَارة. وَقَالَ أَوْس بن حجر يصف حمارا: من الطَّوِيل ... وَمَا زَالَ يغري الشد حَتَّى كَأَنَّمَا ... قوائمه فِي جانبيه زعانف ... يَقُول: كَأَن قوائمه لَا تقع بِالْأَرْضِ فَهِيَ زِيَادَة فِي جانبيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 - حَدِيث الْأَحْنَف بن قيس وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف انه كَانَ اذا وَفد مَعَ أَمِير الْعرَاق على مُعَاوِيَة لبس ثيابًا غلاظا فِي السقر وسَاق مَعَه نَاقَة مريا. حَدَّثَنِيهِ سهل بن مُحَمَّد قَالَ: حدّثنَاهُ الْأَصْمَعِي عَن شيخ من بني حَنْظَلَة. النَّاقة المري هِيَ الَّتِي تدر على الْمسْح وَهُوَ مَأْخُوذ من: مريت أَمْرِي مريا اذا مسحت الضَّرع. وَكَانَ يَسُوقهَا مَعَه ليشْرب ويسقي من لَبنهَا صحابته فِي السّفر. وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف أَنه قَالَ: تبادلوا تحَابوا وتهادوا تذْهب الاحن والسخائم واياكم وحمية الأوغاب. الأوغاب: هم أرذال النَّاس نَحْو الأوغاد. وَالْعرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 تَقول: تعوذوا بِاللَّه من حمية اللئام. وَتقول أَيْضا: تعوذوا بِاللَّه من حمية الأوقاب. والأوقاب: الحمقى واحدهم وَقب. وانما قيل للأحمق وَقب يُرَاد انه أجوف لَا عقل لَهُ. كَمَا الله جلّ وَعز: {وأفئدتهم هَوَاء} أَي: خَالِيَة لَا تعي خَبرا. وأصل الوقبة: النقرة فِي الْحجر أَو الْجَبَل وكل شَيْء نقبته فقد وقبته. قَالَ الشَّاعِر: من الْكَامِل ... أبني لبينا ان أمكُم ... أمة وان أَبَاكُم وَقب أكلت خَبِيث الزَّاد فاتخمت ... مِنْهُ وشم خمارها الْكَلْب ... يَقُول: تقتات فِيهِ فزهم فالكلب يشمه. وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف انه قَالَ لعمر ان اخواننا من أهل الْكُوفَة نزلُوا فِي مثل حولاء النَّاقة من ثمار متهدلة وأنهار متفجرة. حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن عَمه. وَقد ذكر أَبُو عبيد هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 الحَدِيث بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تَقول الْعَرَب اذا وصفت الأَرْض وخصبها: تركت أَرض بني فلَان فِي مثل حولاء النَّاقة وَهِي جلدَة رقيقَة تخرج مَعَ الْوَلَد فِيهَا مَاء أصفر وفيهَا خطوط حمر وخضر. قَالَ الْكُمَيْت: من المتقارب ... وكالحولاء مرَاعِي المسيم عنْدك والرثة المنهل ... وروى ان المعقر الْبَارِقي وَكَانَ قد كف بَصَره سمع صَوت رعد فَقَالَ لابنته: أَي شَيْء تَرين. قَالَت: أرى سحاء عقاقة كَأَنَّهَا حولاء نَاقَة ذَات هيدب دَان وسير وان. فَقَالَ: يَا بنية وائلي الى جنب قفلة فانها لَا تنْبت الا بمنجاة من السَّيْل. عقاقة تنعق بالبرق أَي: تَنْشَق. والهيدب مثل الْحمل فِي السحابة ترَاهُ متدليا وسيروان أَي: ثقيل. والقفل ضرب من الشّجر واحدته قفلة وَهُوَ أَيْضا يَابِس الشّجر والمنجاة: مَا ارْتَفع عَن المسيل. وَقد تشبه الأَرْض أَيْضا اذا كَانَت مخصبة ذَات مرعى بالسابيا. وَهُوَ المَاء الَّذِي يخرج على رَأس الْوَلَد. قَالَ سحيم عبد بني الحسحاس ينعَت الْغَيْم: من الطَّوِيل ... لَهُ فرق مِنْهُ ينتجن حوله ... يفققئين بالميث الدماث السوابيا ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 والمتهدلة: المسترخية المتعطفة. وَفِي الحَدِيث انه حبس الْأَحْنَف عَبده سنة وَقَالَ: اني قد خشيت أَن تكون مفوها لَيْسَ لَك جول. والجول: الْعقل. وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف انه نعي اليه شَقِيق بن ثَوْر فَاسْتَرْجع وشق عَلَيْهِ ونعي لَهُ حسكة الْحَنْظَلِي فَمَا ألْقى لذَلِك بَالا. فَغَضب من حَضَره من بني تَمِيم. فَقَالَ: ان شقيقا كَانَ رجلا حَلِيمًا فَكنت أَقُول: ان وَقعت فتْنَة عصم الله بِهِ قومه. وان حسكة كَانَ رجلا مشيعا فَكنت أخْشَى أَن تقع فتْنَة فيجر بني تَمِيم الى هلكة. حدّثنَاهُ الرياشي عَن الْأَصْمَعِي. يُقَال: مَا ألْقى لِقَوْلِك. بَالا أَي: مَا اسْتمع لَهُ وَلَا اكثرت. وأصل البال: الْحَال. والمشيع هَاهُنَا العجول. وَأَصله من قَوْلك شيعت النَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 تشيعا اذا القيت عَلَيْهَا مَا تذكيها بِهِ. والمشيع فِي غير هَذَا: الشجاع. وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف ان الْحُسَيْن كتب اليه فَقَالَ للرسول قد بلونا فلَانا وَآل بني فلَان فَلم نجد عِنْدهم ايالة للْملك وَلَا مكيدة فِي الْحَرْب. يرويهِ عَليّ بن مُحَمَّد عَن مسلمة بن محَارب عَن السكن بن قَتَادَة العريني. الايالة: السياسة. يُقَال: فلَان حسن الايالة اذا كَانَ حسن الْقيام على مَاله. وَكَذَلِكَ الابالة. وَأَحْسبهُ مأخوذا من الابل. يُقَال لِلرَّاعِي الْحسن الرّعية وَهُوَ ترعية آبل. وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف انه قَالَ لعَلي عَلَيْهِ السَّلَام يَا أَبَا الْحسن اني قد عجمت الرجل وحلبت أشطره فَوَجَدته قريب القعر كليل المدية. يَعْنِي: أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن أبي حَمْزَة المثالي. عجمت الرجل: أَي خبرته. وَقَوله: حلبت أشطره مثل يُقَال: حلب فلَان الدَّهْر أشطره أَي اختبر ضروبه من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 خَيره وشره. وَأَصله: فِي حلب النَّاقة وَلها شطران قادمان وآخران فَكل خلفين شطر. يُقَال: أجمع بناقته اذا صر أخلاقها وَثلث بهَا اذا صر ثَلَاثَة أخلاف. وَشطر بهَا اذا صر خلفين وَخلف بهَا اذا صر خلفا. وَفِي الحَدِيث انه قَالَ لَهُ: وانك قد رميت بِحجر الأَرْض يَعْنِي: عَمْرو بن الْعَاصِ. يُرِيد: انك رميت بِوَاحِد الأَرْض دهاء. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَيُقَال أَيْضا رمى فلَان بحجره اذا قرن بِمثلِهِ. وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف ان الحتات قَالَ لَهُ: وَالله انك لضئيل وان أمك لورهاء. الضئيل: النحيف الْجِسْم. يُقَال: هُوَ بَين الضؤولة. وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَحْنَف. وَقَالَ يُونُس فِي قَوْله: من الوافر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 .. أَنا ابْن الزامرية أرضعتني ... بثدي لَا أجد وَلَا وخيم أتمتني فَلم تنقص عِظَامِي ... وَلَا صوتي اذا اصطك الْخُصُوم ... أَرَادَ بعظامه: اسنانه. وَهِي اذا تمت تمت الْحُرُوف. وَلم يرد عِظَام جسده لِأَنَّهُ كَانَ أحنف ضئيلا. وَقَالَ عبد الملك بن عُمَيْر: قدم علينا الْكُوفَة مَعَ المصعب فَمَا رَأَيْت خصْلَة تذم الا وَقد رَأَيْتهَا فِيهِ. كَانَ صعل الرَّأْس متراكب الْأَسْنَان مائل الذقن ناتىء الْوَجْه باخق الْعَينَيْنِ خَفِيف العارضين أحنف الرجل. وَلكنه كَانَ اذا تكلم جلى عَن نَفسه. والصعل: الصَّغِير الرَّأْس. وَكَانُوا يذمون بذلك ويسمون الصَّغِير الرَّأْس رَأس الْعَصَا. قَالَ أحد الشُّعَرَاء فِي عمر بن هُبَيْرَة: من الطَّوِيل ... من مبلغ رَأس الْعَصَا أَن بَيْننَا ... ضغائن لَا تنسى وان هِيَ سلت ... لقبه بذلك لِأَنَّهُ كَانَ صَغِير الرَّأْس. وَقَالَ طرفَة: من الطَّوِيل ... أَنا الرجل الضَّرْب الَّذِي تعرفونه ... خشَاش كرأس الْحَيَّة المتوقد ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 البصريون يَرْوُونَهُ عَن الْأَصْمَعِي خشَاش بِكَسْر الْخَاء وَغَيرهم يرويهِ: خشَاش بِفَتْحِهَا وَهُوَ اللَّطِيف الْجِسْم الصَّغِير الرَّأْس. فمدح نَفسه كَمَا ترى بِمَا يذم بِهِ. الباخق الْعين المنخسف الْعين. وَذكر الْهَيْثَم بن عدي: أَن الْأَحْنَف بن قيس: اصيبت عينه بسمرقند وَذكره فِي: العور الْأَشْرَاف. وَقَالَ غَيره: ذهبت عَيْني بالجدري. يُقَال: بخقت عينه اذا خسفتها. والحنف فِي الرجل أَن تقبل كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بابهامها على صاحبتها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْأَحْنَف الَّذِي يمشي على ظهر قَدَمَيْهِ. والأقفد: الَّذِي يمشي على صدرها. والورهاء من النِّسَاء: المتساقطة حمقا أَو هوجا وَالرجل: أوره ووره. قَالَ حميد بن ثَوْر يذكر امْرَأَة: من الطَّوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 .. جلبانة ورهاء تخصي حمارها ... بفي من بغى خيرا لَدَيْهَا الجلامد ... والجلبانة: الغليظة الْخلق الجافيته. قَالَ الْأَصْمَعِي: واذا خصت الْمَرْأَة الْحمار لم تَسْتَحي بعد ذَلِك من شَيْء. وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف أَنه قَالَ فِي الْخطْبَة الَّتِي خطبهَا فِي الاصلاح بني الأزد وَتَمِيم كَانَ يُقَال: كل أَمر ذِي بَال لم يحمد الله فِيهِ فَهُوَ أكنع. يرويهِ سُفْيَان عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ. البال: الْحَال. قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ الْعمريّ اذا سُئِلَ عَن حَاله قَالَ: بِخَير اصلح الله بالكم. قَالَ الله جلّ وَعز: {وَيصْلح بالهم} أَي: حَالهم. وَقَوله: فَهُوَ أكنع أَي: نَاقص. يُقَال: قد اكتنع الشَّيْخ اذا دنا بعضه من بعض. وَقد تقدم ذكر هَذَا. وَأَرَادَ أَن كل مقَام ذِي جلالة وَعظم لم يذكر الله فِيهِ بِحَمْد فَهُوَ نَاقص. وَمثله فِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 كل أَمر ذِي بَال: لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد فَهُوَ أقطع. وَفِي حَدِيث آخر: كل خطْبَة لَيْسَ فِيهَا شَهَادَة فَهِيَ كَالْيَدِ الجذماء أَي: القطعاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 - حَدِيث عَلْقَمَة بن قيس وَقَالَ فِي حَدِيث عَلْقَمَة بن قيس أَن امْرَأَة مَاتَت وأوصت بثلثها. وَكَانَ نسْوَة يأتينها متشارجات لَهَا. فَقَالَ عَلْقَمَة: خُذُوا مَا أوصت بِهِ لكم واسألوا عَن النسْوَة اللَّاتِي كن يختلفن اليها: هَل بَينهُنَّ وَبَينهَا قرَابَة فَسْأَلُوهُنَّ عَن ذَلِك فوجدوا احداهن بنت أُخْتهَا أَو بنت أَخِيهَا لأمها فَأَعْطَاهَا عَلْقَمَة مِيرَاثهَا. يرويهِ أَبُو الْأَحْوَص عَن الْأَعْمَش عَن ابراهيم. قَوْله: متشارجات لَهَا أَي: أتراب لَهَا واقران وأشكال. وَهُوَ من قَوْلك: هَذَا شرج هَذَا وشريجه اي: مثله فِي السن. وَتقول: هَذِه مشارجة هَذِه وَهن مشارجاتها. كَمَا تَقول: هَذِه مشاكلة هَذِه وَهن مشاكلاتها. وَتقول: شارجت هَذِه هَذِه. كَمَا تَقول: شاكلت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 - حَدِيث الْأسود بن يزِيد وَقَالَ فِي حَدِيث الْأسود أَنه كَانَ يصهر رجلَيْهِ بالشحم وَهُوَ محرم. يرويهِ وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة. قَوْله: يصهر رجلَيْهِ أَي: يدهنها بالشحم. وَالْأَصْل فِي صهرت: أذبت. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم} قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يذاب بِهِ. وَأنْشد للعجاج: ... شكّ السَّفَافِيد الشواء المصطهر ... قَالَ: واذا أذبت الألية فَتلك الصهارة. يُقَال: صهرتني الشَّمْس. وَقَالَ ابْن أَحْمَر وَذكر القطاة: من السَّرِيع ... تروي لقى ألقِي فِي صفصف ... تصهره الشَّمْس فَمَا ينصهر ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 543 - تروي: أَي تصير رِوَايَة لفراخها كَمَا يرْوى الْبَعِير أَو الْحمار اذا نقل المَاء. وَظَاهر لفظ الحَدِيث: يذيب رجلَيْهِ. وَلَيْسَ كَذَلِك. انما اشتق لِمَعْنى يدهن رجلَيْهِ فعلا من المصهور. وَهُوَ مَا أذيب من الشَّحْم كَمَا تَقول من الشَّحْم: شحمت رجْلي وخفي. اذا دهنته بالشحم. وزت يَدَيْهِ اذا دهنتها بالزيت. كَذَلِك تَقول: صهرت رجله اذا دهنتها بالصهير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 - حَدِيث عُرْوَة بن الزبير وَقَالَ فِي حَدِيث عُرْوَة بن الزبير أَن الْحجَّاج رَآهُ قَاعِدا مَعَ عبد الملك بن مَرْوَان فَقَالَ لَهُ: أتقعد ابْن العمشاء مَعَك على سريرك لَا أم لَهُ فَقَالَ لَهُ عُرْوَة: أَنا لَا أم لي وَأَنا ابْن عَجَائِز الْجنَّة. وَلَكِن ان شِئْت أَخْبَرتك بِمن لَا أم لَهُ يَا بن المتمنية. فَقَالَ عبد الملك: أَقْسَمت عَلَيْك أَن تفعل فَكف عُرْوَة. قَوْله: يَا بن المتمنية أَرَادَ أمه وَهِي الفريعة بنت همام ام الْحجَّاج بن يُوسُف. وَكَانَت تَحت الْمُغيرَة بن شُعْبَة. وَهِي القائلة: من الْبَسِيط ... أَلا سَبِيل الى خمر فأشربها ... أم لَا سَبِيل الى نصر بن حجاج ... وَكَانَ نصر بن حجاج من بني سليم. وَكَانَ جميلا رائعا فَمر عمر بن الْخطاب ذَات لَيْلَة وَهَذِه الْمَرْأَة تَقول: أَلا سَبِيل الى خمر فأشربها. فَدَعَا بنصر بن حجاج فسيره الى الْبَصْرَة فَأتى مجاشع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 ابْن مَسْعُود السّلمِيّ وَعِنْده امْرَأَته شميلة وَكَانَ مجاشع أُمِّيا. فَكتب نصر على الأَرْض: أحبك حبا لَو كَانَ فَوْقك لأظلك وَلَو كَانَ تَحْتك لأقلك. فَكتبت الْمَرْأَة. وَأَنا وَالله. فكب مجاشع على الْكتاب انآء ثمَّ أَدخل كَاتبا فقرأه فَأخْرج نصرا وَطَلقهَا. وَكَانَ عمر بن الْخطاب سمع أَيْضا قَائِلا بِالْمَدِينَةِ يَقُول: من الطَّوِيل ... أعوذ بِرَبّ النَّاس من شَرّ معقل ... اذا معقل رَاح البقيع مرجلا ... يَعْنِي: معقل بن سِنَان الْأَشْجَعِيّ. وَكَانَ قدم الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ عمر بن الْخطاب: ألحق بباديتك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 546 - حَدِيث مُحَمَّد الباقر بن عَليّ ابي جَعْفَر وَقَالَ فِي حَدِيث أبي جَعْفَر انه قَالَ: ذَكَاة الأَرْض يبسها. حَدَّثَنِيهِ خَالِد بن مُحَمَّد عَن هِشَام بن عبد الملك عَن الْمطلب بن زِيَاد الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن هَاجر. قَوْله: ذَكَاة الأَرْض يبسها. يُرِيد: طَهَارَتهَا من النَّجَاسَة مثل: الْبَوْل وأشباهه بِأَن تَجف وَيذْهب أثر تِلْكَ النَّجَاسَة. فَأَما اذا كَانَ الْمَكَان رطبا أَو كَانَ الْأَثر بَاقِيا فانه لَا يطهرها الا المَاء الْجَارِي على الْمَكَان. كَمَا أَمر النبى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يصب المَاء على بَوْل الْأَعرَابِي. وحَدثني عَنهُ أَيْضا ان معمر بن خثيم قَالَ لَهُ: اني أتوضأ فَأخْرج الى الصَّلَاة فَأمر بِالْمَكَانِ الرطب لأ أحبسته الا بولا فَقَالَ لَهُ: امْضِ لصلوتك. فان الأَرْض يطهر بَعْضهَا بَعْضًا. يَعْنِي: ان الْيَابِس مِنْهَا يطهر من نَجَاسَة الرطب وَالطّيب مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 - حَدِيث ابي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة وَقَالَ فِي حَدِيث أبي وَائِل أَنه ذكر رجلا أَصَابَهُ الصفر قنعت لَهُ السكر فقا ل: ان الله لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم. هُوَ من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة. الصفر والجبن وَاحِد. وهما: اجْتِمَاع المَاء فِي الْبَطن. يُقَال: صفر الرجل فَهُوَ مصفور. قَالَ العجاج: من الرجز ... قضب الطَّبِيب نائط المصفور ... والنائط: عرق يقطع للمصفور فتخف عَن قطعه علته. وَقد يُقَال لَهُ: الصفار كَمَا يُقَال: الكباد. وَيُقَال: الصفر كَمَا يُقَال: الطحل لوجع الطحال. يُقَال: صفر يصفر صفرا. كَمَا يُقَال: طحل يطحل طحلا. قَالَ ابْن أَحْمَر: من الوافر ... أرانا لَا يزَال لنا حميم ... كداء الْبَطن سلا أَو صفارا ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 - حَدِيث صلَة بن اشيم وَقَالَ فِي حَدِيث صلَة أَنه قَالَ: خرجت الى حشر لنا وَالنَّخْل سلب وَكَانَ سريع الاستجاعة فَسمِعت وجبة فاذا سبّ فِيهِ دوخلة رطب فَأكلت مِنْهَا فَلَو أكلت خبْزًا وَلَحْمًا مَا كَانَ أشْبع لي مِنْهُ. حَدَّثَنِيهِ سهل عَن الْأَصْمَعِي عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال عَن صلَة. الْحَشْر: قد تقدم تَفْسِيره فِي حَدِيث عمر. وَقَوله: النّخل سلب أَي: لَا حمل عَلَيْهِ وَهُوَ جمع سلب. / يُقَال: نَخْلَة سليب فعيل فِي معنى مفعول ونخل سلب وَشَجر سلب اذا سقط ورقه. قَالَ ذُو الرمة وَذكر الرئال: من الْبَسِيط ... كَأَن أعناقها كسراث سائفة ... طارت لفائفه أَو هيشر سلب ... والهيشر: شجر. والكراث نبت ولفائفه: قشوره. وسائفه: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 مسترق الرمل. والاستجاعة: الْجُوع. والسب: الثَّوْب الرَّقِيق. وَجمعه: سبوب. وَهُوَ الْخمار. والدوخلة مُشَدّدَة اللَّام. وَكَذَلِكَ القوصرة مُشَدّدَة الرَّاء والعوام تَقُولهَا بِالتَّخْفِيفِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 - حَدِيث صَفْوَان بن مُحرز وَقَالَ فِي حَدِيث صَفْوَان أَنه كَانَ اذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة بَكَى حَتَّى يرى لقد اندق قضيض زوره: {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} . بَلغنِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن أبي مُعَاوِيَة عَن عَاصِم عَن عبد الله بن رَبَاح. قَوْله: قضيض زوره: هُوَ عِنْدِي غلط من بعض نقلة الحَدِيث. وَأرَاهُ: قصَص زوره. وَهُوَ وسط الصَّدْر. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: قصّ وَهُوَ الْمُسْتَعْمل فِي الْكَلَام فَأَما قصَص فانه لأهل الْحجاز. وَالْعرب تَقول فِي مثل: هُوَ ألزم لَك من شَعرَات قصصك وقصك. لِأَنَّهُ كلما حلق نبت. والعامة تَقول: قس الشَّاة. وَهُوَ خطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 - حَدِيث ابي الْعَالِيَة الريَاحي وَقَالَ فِي حَدِيث أبي الْعَالِيَة الريَاحي أَنه قَالَ فِي قَول الله: {يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللمم} مَا بَين الحدين حد الدُّنْيَا وحد الْآخِرَة. يرويهِ وَكِيع عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن الرّبيع بن أنس عَن أبي الْعَالِيَة. وروى شُعْبَة عَن الحكم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي ذَلِك: مَا دون الحدين حد الدُّنْيَا وحد الْآخِرَة. أما حد الدُّنْيَا فِيمَا يجب فِيهِ الْحَد من الذُّنُوب فِي الدُّنْيَا مثل السرق وَالزِّنَا وَقذف المحصنة وَشرب الْخمر. وَأما حد الْآخِرَة فَمَا أوعد الله عَلَيْهِ الْعَذَاب فِي الْآخِرَة مثل: أكل مَال الْيَتِيم وَقتل النَّفس. وَأَرَادَ: ان اللمم من الذُّنُوب مَا كَانَ بَين هذَيْن من صغَار الذُّنُوب الَّتِي لم يُوجب الله بهَا حدا فِي الدُّنْيَا وَلَا أوجب عَلَيْهَا تعذيبا فِي الْآخِرَة. وَهَذَا معنى قَول الله جلّ وَعز: {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 فالسيئات الَّتِي يكفر الله على تَأْوِيل حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي الْعَالِيَة هِيَ اللمم. وَغَيرهمَا يذهب الى أَن اللمم: الذَّنب يلم بِهِ الرجل ثمَّ لَا يعود اليه. وَاللَّفْظ يحمل الْمَعْنيين جَمِيعًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 - حَدِيث عَطاء بن يسَار وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء بن يسَار أَنه قَالَ: قلت للوليد بن عبد الْملك قَالَ عمر بن الْخطاب: وددت أَنِّي سلمت من الْخلَافَة كفافا عَليّ وَلَا لي فَقَالَ: كذبت أالخليفة يَقُول هَذَا فَقلت: أَو كذبت قَالَ: فَأَفلَت مِنْهُ بجريعة الذقن. حَدَّثَنِيهِ سهل عَن الْأَصْمَعِي عَن اسحق بن يحيى بن طَلْحَة عَن عَطاء بن يسَار. وخبرني عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: هَذَا مثل يُقَال: أفلت فلَان بجريعة الذقن يُرَاد: ان نَفسه صَارَت فِي فِيهِ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أفلتني فلَان جريعة الذقن اذا كَانَ مِنْهُ قَرِيبا كجرعة الذقن. وَقَالَ الهذالي فِي مثل قَول الْأَصْمَعِي: من الطَّوِيل ... نجا سَالم وَالنَّفس مِنْهُ بشدقه ... وَلم ينج الا جفن سيف ومئزرا ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 - حَدِيث سعيد بن الْمسيب وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ ذَات يَوْم: اكتبق يَا برد أَنِّي رَأَيْت مُوسَى النبى يمشي على الْبَحْر حَتَّى صعد الى قصر ثمَّ أَخذ برجلي شَيْطَان فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْر واني لَا أعلم نَبيا هلك على رجله من الْجَبَابِرَة مَا هلك على رجل مُوسَى. وأظن هَذَا قد هلك. يَعْنِي عبد الملك بن مَرْوَان فجَاء نعيه بعد أَربع. حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن الْأَصْمَعِي عَن ابْن أخي الْمَاجشون قَالَ: اخبرني زوج بنت سعيد بن الْمسيب بذلك عَن سعيد. قَوْله: هلك على رجله أَي: فِي زَمَانه وأيامه. يُقَال: هلك الْقَوْم على رجل فلَان أَي بعهده. وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن الْمسيب ان عَليّ بن زيد قَالَ: سمعته وَهُوَ ابْن أَربع وَثَمَانِينَ وَقد ذهبت احدى عَيْنَيْهِ ويعشو بِالْأُخْرَى يَقُول: مَا أَخَاف على نَفسِي فتْنَة هِيَ أَشد عَليّ من النِّسَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَليّ بن زيد. قَوْله: يعشو بِالْأُخْرَى أَي: يبصر بهَا بصرا ضَعِيفا. يُقَال: عشوت الى النَّار أعشو عشوا. اذا استدللت إِلَيْهَا ببصر ضَعِيف. وَمِنْه قَول الحطيئة: من الطَّوِيل مَتى تأته تعشو الى ضوء ناره ... تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد ... وانما يعشو اليه لظلمة اللَّيْل لِأَنَّهُ لَا يبصر فِي اللَّيْل إِلَّا بصرا ضَعِيفا. وَقَالَ الْأَعْشَى وَذكر امْرَأَة: من المتقارب ... عشوت اليها اذا مَا الظلام ... ألبسنا حَبَشِيًّا مجوبا ... وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن الْمسيب أَن أَبَا حَازِم قَالَ: ان نَاسا انْطَلقُوا اليه يسألونه عَن بعير لَهُم فجئه الْمَوْت فَلم يَجدوا مَا يذكونه بِهِ الا عَصا فشقوها فنحروه بهَا فَسَأَلُوهُ وَأَنا مَعَهم. فَقَالَ: ان كَانَت مارت فِيهِ مورا فَكُلُوا وان كُنْتُم ثردتموه فَلَا تاكلوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن أبي حَازِم. قَوْله: مارت فِيهِ أَي: ذهبت وَجَاءَت. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {يَوْم تمور السَّمَاء مورا} أَي تَجِيء وَتذهب. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: تكفأ وَهُوَ نَحوه. وَأنْشد للأعشى: من الْبَسِيط ... كَأَن مشيتهَا من بَيت جارتها ... مور السحابة لَا ريث وَلَا عجل ... وَقَوله: ثردتموه من التثريد فِي الذّبْح وَهُوَ أَن تذبح الذَّبِيحَة بِشَيْء لَيْسَ لَهُ حد فيعذبها الذَّابِح وَلَا يسيل الدَّم الا قَلِيلا. وَلَيْسَ هَذَا بِذبح انما هُوَ قتل. وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن الْمسيب أَنه كَانَ لَا يرى بالتذنوب أَن يفتضخ بَأْسا. يرويهِ هِشَام عَن أبي عبد الله الدستوَائي عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب وَعَن الْحسن أَيْضا. التذنوب: الْبُسْر الَّذِي قد بَدَأَ فِيهِ الارطاب من قبل الذَّنب. يُقَال: ذنبت البسرة فَهِيَ مذنبة. وروى عَن أنس بن مَالك أَنه كَانَ لَا يقطع التذنوب من الْبُسْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 اذا أَرَادَ أَن يفتضخه. وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا دلّ على أَنه يُقَال أَيْضا للموضع الَّذِي بَدَأَ فِي الارطاب من الْبُسْر: تذنوب. وروى عَن أبي هُرَيْرَة انه كَانَ يقطع ذَلِك ويفتضخ مَا خلص من الْبُسْر. وَلَا أرَاهُ كرهه الا لِأَنَّهُ كالخليطين. وَقَوله: يفتضخ أَي: يشدخ ويتخذ من الفضيخ. وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن الْمسيب أَن رجلا قَالَ لامْرَأَته: ان مشطتك فُلَانَة فَأَنت طَالِق أَلْبَتَّة. فَدخل عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا تعقص رَأسهَا وومعها امْرَأَة أُخْرَى فَقَالَت امْرَأَته: وَالله مَا مشطتني هَذِه الْجَالِسَةُ وَلَكِن لم تحسن أَن تعقصه فعقصته هَذِه. فَسئلَ سعيد عَن ذَلِك فَقَالَ: مَا مشطت وَلَا تركت وَلَا سيبلع عَلَيْهِ فِي امْرَأَته. يرويهِ عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث عَن يُونُس بن يزِيد عَن زُرَيْق بن حَكِيم. قَوْله: مَا مشطت وَلَا تركت. هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: عملت وَمَا عملت. يُرِيد: أَنَّهَا عملت شَيْئا شَيْئا يَسِيرا من عمل كثير. وان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 559 - الْحلف انما يَقع على مُعظم الْعَمَل. وَقَوله: وَلَا سَبِيل عَلَيْهِ فِي امْرَأَته يَعْنِي: أَنَّهَا لم تطلق لِأَن الَّذِي ولي أَكثر الْعَمَل غَيرهَا وانما كَانَت هِيَ مُعينَة فِي شَيْء يسير. وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد أَنه قَالَ: لَا رَبًّا الا فِي ذهب أَو فضَّة اَوْ مَا يُكَال أَو يُوزن مِمَّا يُؤْكَل أَو يشرب. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن القعْنبِي عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن سعيد. أَرَادَ: ان كل شَيْء يجوز أَن يُبَاع مِنْهُ الْوَاحِد بالاثنين وَالثَّلَاثَة وَأكْثر خلا هَذِه الْأَشْيَاء فان الرِّبَا يدخلهَا فَلَا يجوز أَن يُبَاع الْوَاحِد مِنْهَا الا بِمثلِهِ من صنفه نَقْدا نَحْو: دِرْهَم بدرهم وَصَاع حِنْطَة بِصَاع حِنْطَة ورطل زبيب برطل زبيب فان يخلتف النوعان مِنْهُمَا جَازَ أَن يُبَاع الْوَاحِد بِأَكْثَرَ مِنْهُ نَقْدا. نَحْو الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر بالزبيب وَالذَّهَب بِالْفِضَّةِ. هَذَا قَول سُفْيَان. وَأما مَالك فانه قَالَ: ان كَانَ اخْتِلَافهمَا بَائِنا جَازَ أَن يُبَاع الْوَاحِد بِأَكْثَرَ مِنْهُ مثل التَّمْر بِالْحِنْطَةِ. وَالزَّبِيب وَالشعِير. وان كَانَ اخْتِلَافهمَا متقاربا مثل الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ. وَالسَّلب بِالْحِنْطَةِ لم يجز الا وَاحِد بِوَاحِد. وَأما غير هَذِه من سَائِر الْأَشْيَاء الَّتِي تكال أَو توزن مِمَّا لَا يُؤْكَل الحديث: 559 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 أَو يشرب مثل الْقطن والعصفر والقت وَالْحَدِيد والشبه والرصاص وَجَمِيع الْعرُوض من الثِّيَاب وَغَيرهَا فَجَائِز أَن يُبَاع الْوَاحِد بالاثنين وَالثَّلَاثَة وَأكْثر من جنسه نَقْدا لِأَن الرِّبَا لَا يَقع فِيهَا. فان اخْتلف النوعان من هَذِه فان مَالِكًا قَالَ: ان كَانَ اخْتِلَافهمَا متقاربا مثل: الشّبَه والصفر والرصاص والأسرف كرهت أَن يُبَاع الْوَاحِد مِنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ الى أجل وان كَانَ اخْتِلَافا بَائِنا كالحديد بالرصاص والقطن بالزعفران فَلَا بَأْس أَن يُبَاع الْوَاحِد بِأَكْثَرَ مِنْهُ نَقْدا أَو الى أجل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 - حَدِيث وهب بن مُنَبّه وَقَالَ فِي حَدِيث وهب أَنه قَالَ: قَرَأت فِي الْحِكْمَة ان الله يَقُول: أَنِّي قد أويت على نَفسِي أَن أذكر من ذَكرنِي. يرويهِ عمر بن وهب عَن صَالح المري عَن أبان عَن وهب. قَوْله: وأيت على نَفسِي غلط من بعض النقلَة الا أَن يكون مِمَّا قلب. وَالصَّحِيح: وأويت من الوأي وَهُوَ الْوَعْد. يَقُول جعلته وَعدا على نَفسِي. يُقَال: وأويت أَي وأيا اذا وعدت. وَقَالَ أَبُو الْأسود: من الْكَامِل ... واذا وأييت الوأي كنت كضامن ... دينا أقرّ وأحضر كَاتبا ... فاما أويت فَمَعْنَاه: رحمت. تَقول: أويت لفُلَان فَأَنا آوي لَهُ أَيَّة أَي: رَحمته. وَمِنْه قَول الشَّاعِر: من الطَّوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 .. رَآنِي وَلَا كفران لله أَيَّة ... لنَفْسي لقد طالبت غير منيل ... أَي: رَحْمَة لنَفْسي. وَقَالَ الْحسن: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا سجد جافى حَتَّى يؤوي لَهُ. وَتقول: أويت الى بني فلَان بِالْقصرِ وآويت فلَانا بِالْمدِّ وتأييت: تلبثث. يُقَال: لَيست الدُّنْيَا منزل تئية أَي: منزل تلبث. قَالَ الشَّاعِر: من الْكَامِل ... ومناخ غير تئية عرسته ... قمن من الْحدثَان نابي المضجع ... وتأييت مِثَال: تعاييت أَي: تَعَمّدت. وَقَالَ فِي حَدِيث وهب أَنه قَالَ فِي قصَّة ابراهيم انه واسماعيل كَانَا يبنيان الْبَيْت فيرفعان كل يَوْم مد ماكا. حديثيه عبد الرَّحْمَن عَن عبد الْمُنعم عَن أَبِيه عَن وهب. قَالَ الْأَصْمَعِي: المدماك: الصَّفّ من اللَّبن أَو الْحِجَارَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 بلغَة أهل الْحجاز وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه الْعِرَاقِيُّونَ: الساف. وَقَالَ فِي حَدِيث وهب أَنه قَالَ: كَانَ الرجل لَا يُنكر عمل السوء على أَهله جَاءَ طَائِر يُقَال لَهُ: القرقفنة فَيَقَع على مشريق بَابه فيمكث هُنَاكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فان أنكر طَار فَذهب وان لم يُنكر مسح بجناحيه على عَيْنَيْهِ فَلَو رَأْي الرجل مَعَ امْرَأَته تنْكح لم ير ذَلِك قبيحا. فَذَلِك: القنذع الديوث لَا ينظر الله اليه. يرويهِ أَبُو النَّضر عَن قرط بن حُرَيْث عَن أبي سعيد الْمَدَائِنِي. مشريق الْبَاب: مدْخل الشَّمْس. وَأما القنذع: فَهُوَ والديوث سَوَاء وَهُوَ: فنعل من القذع. والقذع: الْقَبِيح. والديوث من التدييث وَهُوَ التذليل. كَأَن الَّذِي لَا يغار قد جمع الى الْقبْح الذل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 - حَدِيث أبي مجلز لَاحق بن حميد وَقَالَ فِي حَدِيث أبي مجلز أَنه قَالَ: قلت لرجل وَهُوَ على مقلتة: أتق رعته وصرع غرمته وَلَو صرع عَلَيْك رجل وَأَنت تَقول: اليك عني فأيكما مَاتَ غرمه الْحَيّ مِنْكُمَا. يرويهِ عبد الملك بن الصَّباح عَن عمرَان بن حدير عَن أبي مجلز. المقلتة: الْمهْلكَة. وَهُوَ من القلت. والقلت: الْهَلَاك. يُقَال: قلت فلَان يقلت قلتا اذا هلك. وَحكى الْأَصْمَعِي عَن رجل من الْأَعْرَاب أَنه قَالَ: ان الْمُسَافِر ومتاعه على قلت الا مَا وقى الله. وَمِنْه قيل: امْرَأَة مقلات اذا كَانَت لَا يبْقى لَهَا ولد. بِمَعْنى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 مهلاك. قَالَ بشر بن أبي خازم يذكر قَتِيلا: من الطَّوِيل ... تظل مقاليت النِّسَاء يطانه ... يقلن: أَلا يلقى على الْمَرْء مئزر ... وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: ان المقلات اذا وطِئت سيدا مقتولا أحيت. قَالَ الْكُمَيْت يذكر الْحُسَيْن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام حِين قتل: من الْخَفِيف. وتطيل المرزءآت المقاليت اليه الْقعُود بعد الْقيام. وَقَوله: غرمته أَي: وديته. وَكَانَ يذهب فِي هَذَا الى أَنه لَا يضيع دم رجل مُسلم. وَكَانَ ابْن الزبير يَقُول: من قضى هَذَا الْقَضَاء فَعَلَيهِ لعنة الله. يَعْنِي: عبد الملك بن مَرْوَان. وَلَو أَن رجلا سقط على آخر فَمَاتَ كَانَ عَلَيْهِ دِيَته. وَكَانَ ابْن الزبير يَقُول: لَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَان. وَقَالَ فِي حَدِيث أبي مجلز أَنه قَالَ: اذا كَانَ الرجل مختلجا فسرك أَلا تكذب فانسبه الى امهِ. يرويهِ معَاذ عَن عمرَان عَن أبي مجلز. المختلج: هُوَ الَّذِي نقل عَن قومه وَنسبه مِنْهُم إِلَى قوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 آخَرين ونسبهم. وَهُوَ من: الخلج والخلج: الجذب كَأَنَّهُ جذب مِنْهُم وانتزع كالحميل وَهُوَ الَّذِي يحمل من بِلَاده صَغِيرا فيعزى الى من صَار اليه. وَقَوله: فانسبه الى أمه يُرِيد: الى رهطها وَلم يرد النِّسْبَة اليها بِعَينهَا. حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَ الْمُعْتَمِر فَقَالَ لي: مَكَانك حَتَّى أشهك. ثمَّ قَالَ: قَالَ لي: أَنِّي اذا كتبت صكا فا تكْتب: مُعْتَمر بن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ وَلَا تكْتب المري فان أبي كَانَ مكَاتبا لبجير بن حمْرَان وان أُمِّي كَانَت مولاة لبني سليم. فان كَانَ أدّى الْمُكَاتبَة قَالُوا: لَا لبني مرّة وَهُوَ: مرّة ابْن عباد بن صبيعة بن قيس فَاكْتُبْ: الْقَيْسِي. وان لم يكن أدّى الْمُكَاتبَة قَالُوا: لَا لبني سليم وَهُوَ: من بني قيس عيلان فَاكْتُبْ: الْقَيْسِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 - حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن ابي بكر وَقَالَ فِي حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد انه قَالَ: لَو أَن رجلَيْنِ شَهدا لرجل على حق أَحدهمَا شطير فانه يحمل شَهَادَة الآخر. يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة عَن اياس بن مُعَاوِيَة عَن الْقَاسِم. الشطير: الْغَرِيب وَجمعه: شطر. وَالْأَصْل فِي الشطير والغريب: الْبعد. وَمِنْه قيل: شاطر وشطار لأَنهم يغيبون كثيرا ويبعدون عَن مَنَازِلهمْ. وَأنْشد الْفراء: من الرجز ... لَا تتركني فيهم شطيرا ... اني اذن أهلك أَو أطير ... أَي: لَا تتركني غَرِيبا. وَأَرَادَ الْقَاسِم أَن الشَّاهِدين اذا كَانَ أَحدهمَا قرَابَة للْمَشْهُود لَهُ حملت شَهَادَة الْغَرِيب شَهَادَته. ويوضح هَذَا قَول قَتَادَة: شَهَادَة الابْن للْأَب وَالْأَب للِابْن أَو الْأَخ لِأَخِيهِ أَو الزَّوْج لامْرَأَته كل مَا كَانَ من هَذَا مَعَه شطير جَازَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 وَقَالَ فِي حَدِيث الْقَاسِم انه قَالَ فِي رجل نذر أَن يمشي فأعيا بمشي مَا ركب ويركب مَا مَشى. حَدَّثَنِيهِ أَبُو وَائِل قَالَ: حَدَّثَنِيهِ عبد الرحمن بن مهْدي عَن سُفْيَان عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن الْقَاسِم. يُرِيد: انه ينفذ لوجهه ثمَّ يعود فيركب الى الْموضع الَّذِي عجز فِيهِ عَن الْمَشْي ثمَّ يمشي من ذَلِك الْموضع كلما ركب فِيهِ من طَرِيقه ويركب كلما مَشى فِيهِ. والى هَذَا يذهب مَالك: اذا عجز ركب ثمَّ عَاد فَمشى من حَيْثُ عجز فان كَانَ لَا يَسْتَطِيع الْمَشْي فليمش مَا قدر عَلَيْهِ ثلم ليركب وَعَلِيهِ هدي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 - حَدِيث سَالم بن عبد الله بن عمر وَقَالَ فِي حَدِيث سَالم أَنه كَانَ يَلِي صَدَقَة عمر فاذا دفت دافة الْأَعْرَاب وَجههَا أَو عاقتها فيهم وَهِي مسبلة. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن نَافِع بن أبي نعيم. دافة الْأَعْرَاب: من يرد مِنْهُم. واصله من: الدفيف وَهُوَ سير لين. يُقَال: دف يدف دفيفا ودب يدب ويدج وَنَحْوه. وحَدثني أَبُو حَاتِم أَيْضا عَن الْأَصْمَعِي عَن الْعَلَاء بن أسلم قَالَ: مَاتَ فِي الجارف أَرْبَعَة أَيَّام فِي كل يَوْم سَبْعُونَ ألفا فَالنَّاس الْيَوْم بَنو دواف الْأَعْرَاب وحوالي الْقرى وعواقب الجيوش. وَمعنى حَدِيث سَالم انه كَانَ يُؤثر الْأَعْرَاب هَذِه الصَّدَقَة السبلة أَو بأكثرها اذا قدمُوا عَلَيْهِ لجذب بِلَادهمْ وضيق عيشهم وَلَا يمضيها فِي الْوُجُوه الَّتِي جعلهَا فِيهَا الْمُتَصَدّق. وَيرى أَن ذَلِك أفضل وَأوجب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 حَدِيث عَمْرو بن معد يكرب وَقَالَ فِي حَدِيث عَمْرو بن معد يكرب أَنه قَالَ يَوْم الْقَادِسِيَّة: يَا معشر الْمُسلمين كونُوا أسدا عناشا فانما الْفَارِسِي تَيْس اذا القى نيزكه. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن ابْن عُيَيْنَة عَن اسماعيل بن أبي خَالِد عَن قيس. قَالَ رَأَيْت عمرا يَوْمئِذٍ يَقُول ذَلِك. قَوْله: عناشا هُوَ من: عانشت الرجل أَي: عانقته وعانشت وعانقت بِمَعْنى وَاحِد. والعناش: مصدر عانشت. يُقَال: رجل عناش عَدو اذ كَانَ يعانق قرنه فِي النزال. كَذَلِك جَاءَ هَذَا الْحَرْف على الْمصدر وَقد يُوصف الرجل بمصدرالفعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 وَفِي هَذَا الحَدِيث: ان عمرا حمل على الاسوار فأعتنقه ثمَّ ذبحه وَأخذ سلبه. وَمثله مِمَّا يُوصف بِالْمَصْدَرِ: رجل كرم وَقوم كرم وَنسَاء كرم. لَا يجمع وَلَا يؤنث. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر ... وَأَن يعرين ان كسي الْجَوَارِي ... فتنبو الْعين عَن كرم عجاف ... وَمِنْه قَول عبيد الله بن جَعْفَر للحسين وَرَأى نَاقَته قَائِمَة على زمامها بالعرج وَكَانَ مَرِيضا: أَيهَا النّوم أَيهَا النّوم وَظن أَنه نَائِم واذا الرجل مُثبت وجعا. وَيُقَال: هَذَا رجل صَوْم وَفطر وَرِجَال صَوْم وَفطر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 - حَدِيث زِيَاد بن أبي سُفْيَان وَقَالَ فِي حَدِيث زِيَاد أَنه قَالَ فِي خطْبَة لَهُ: قد طرفت أعينكُم الدُّنْيَا وسدت مسامعكم الشَّهَوَات ألم تكن مِنْكُم نهاة تمنع الغواة عَن دلج اللَّيْل وغارة النَّهَار. وَهَذِه البرازق فَلم يزل بهم مَا ترَوْنَ من قيامكم بأمرهم حَتَّى انتهكوا الْحَرِيم ثمَّ أطرقوا وراءكم فِي مكانس الريب. بَلغنِي عَن أبي الْحسن الْمَدَائِنِي. قَوْله: طرفت أعينكُم الدُّنْيَا أَي: طمحت بأبصاركم اليها وشغلتكم عَن الْآخِرَة. يُقَال: امْرَأَة مطروفة بِالرِّجَالِ اذا كَانَت تطمح اليهم. وَهَذَا رجل مطروف اذا كَانَ لَا يرى شَيْئا الا علقه ولهي عَمَّا فِي يَدَيْهِ. يُقَال: لَيْت شعري مَا طرفك عني اذا استبطأته. قَالَ الشَّاعِر: من الطول ... ومطروفة الْعَينَيْنِ خفاقة الشحا ... منعمة كالريم طابت وطلت ... طلت أَي: مطرَت. دَعَا لَهَا بذلك. البرازق: المواكب وَالْجَمَاعَات. وَمِنْه الحَدِيث: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يكون النَّاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 برازيق أَي: جماعات. يُقَال: برازق وبرازيق. كَمَا يُقَال طواوس وطواويس. وَيُقَال أصل الْحَرْف فَارسي: برزه قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... أَرضًا بهَا الثيران كالبرازق ... وَقَوله: أطرقوا وراءكم فِي مكانس الريب. يُرِيد: استتروا بكم. والمكانس: جمع مكنس. وَأَصله مَوضِع الظبي من أصل الشَّجَرَة الَّذِي يقيل فِيهِ. يُقَال: كنس الظبي فَهُوَ كانس اذا دخله وَيُقَال لَهُ: كناس أَيْضا. وَقَالَ فِي حَدِيث زِيَاد أَنه قَالَ على الْمِنْبَر: ان الرجل ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ لَا يقطع بهَا ذَنْب عنز مُصَور لَو بلغت امامه لسفك دَمه. بَلغنِي عَن أبي الْحسن الْمَدَائِنِي. قَالَ أَبُو زيد: المصور هِيَ من الْمعز خَاصَّة وَجَمعهَا: مصائر وَهِي الَّتِي انْقَطع لَبنهَا الا قَلِيلا. وَمثلهَا من الضان: الجدود. قَالَ الْأَصْمَعِي: انما قيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 لَهَا مُصَور لِأَنَّهُ يتمصر لَبنهَا قَلِيلا قَلِيلا. والمصر وَالْفطر: الْحَلب باصبعين أَو بِثَلَاث. فان حلبتها الْكَفّ فقد صفقتها وَهُوَ الصَّفّ. وَأما الضَّب فَهُوَ الْحَلب بأطراف الْأَصَابِع. وَأَرَادَ زِيَاد أَن الرجل يتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ لَا تَنْفَعهُ وَلَا تجدي عَلَيْهِ وفيهَا ضرب عُنُقه لَو بلغت سُلْطَانه. ولمثل هَذَا قيل: مقتل الرجل بَين فَكَّيْهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 - حَدِيث أبي الْأسود الدؤَلِي وَقَالَ فِي حَدِيث أبي الْأسود أَنه قَالَ: عَلَيْكُم فلَانا فانه اهيس أَلَيْسَ الد ملحس ان سُئِلَ أرز وان دعِي انتهز. قَالَ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر. قَالَ الْأَصْمَعِي: الأهيس الَّذِي يَدُور ويهوس. والأليس: الَّذِي لَا يبرح. يُقَال: ابل لَيْسَ على الْحَوْض. وَأَرَادَ أَنه يَدُور فِي مَكَان وَاحِد ويدور فِي طلب شَيْء يَأْكُلهُ وَيقْعد عَمَّا سوى ذَلِك. وأصل اهيس الْوَاو الا أَنه وازى بِهِ أَلَيْسَ. والملس: الَّذِي لَا يظْهر لَهُ شَيْء الا أَخذه وَهُوَ من لحست الشَّيْء. وَقَوله: ان سُئِلَ أرز اي: انقبض. يُقَال: فلَان يأرز أروزا وَمِنْه قَول النبى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ان الاسلام ليأرز الى الْمَدِينَة كَمَا تأرز الْحَيَّة الى جحرها أَي: يَنْضَم وتنقبض. وَقَوله: ان دعِي انتهز اي افْترض ذَلِك. وَهِي الفرصة والنهزة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 وروى من وَجه آخر: ان سُئِلَ آرتز وان دعِي آهتز. ارتز: أَي: ثَبت مَكَانَهُ وَلم يهش وَلم ينبسط. حَدثنَا الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن شيخ من قُرَيْش انه قَالَ: قَامَ رجل الى الْمُخْتَار فَقَالَ: تهزني فأهتز أم ترزني فأرتز فَقَالَ أهزك. فَقَالَ: اني قَرَأت عِنْد بِلعان فَوجدت رجلا من القصران يخرج فِي العبدان يغلب على الكوفان. أَرَادَ: تقبضني فأنقبض وَأثبت مَكَاني أَو تبسطني فأنبسط. وَمِنْه يُقَال: ارتز السهْم اذا ثَبت السهْم اذا ثَبت فِي الأَرْض. حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: كَانَ السليك يحضر فَتَقَع السِّهَام من كِنَانَته فترتز. والهزة: حَرَكَة وَمِنْه يُقَال: فلَان تَأْخُذهُ للمعروف هزة. وَمِنْه: اهتزاز الموكب. والقصران: جمع قصير نَحْو قضيب وقضبان وكثيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 وكثبان. وَمثله فِي الصّفة: صَغِير وصغران. قَالَ بعض الرجاز: من الرجز ... الرَّحِم بلها بِخَير البلان ... فان فِيهَا للديار الْعمرَان وَأمر المَال وَنبت الصغران ... فانما اشْتقت من اسْم الرَّحْمَن ... وَيكون القصران جمع قصر والعبدان جمعا لعبد. مثل: بطن وبطنان وَسمن وسمنان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 حَدِيث ابي رَجَاء العطاردي وَقَالَ فِي حَدِيث أبي رَجَاء أَنه قَالَ: ياتونني فيحملونني كأنني قفة حَتَّى يضعوني فِي مقَام الإِمَام فأقرأ بهم الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ فِي رَكْعَة. يرويهِ سعيد بن عَامر عَن أَسمَاء بن عبيد. قَوْله: كَأَنِّي قفة. ذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَن القفة من الرِّجَال الْقصير الجرم. يَقُول: قد انْضَمَّ بَعْضِي الى بعض من الْهَرم فَكَأَنِّي صَغِير الجرم وَلست كَذَلِك. وَقَالَ يَعْقُوب فِي قَول النَّاس: كبر فلَان حَتَّى صَار كَأَنَّهُ قفة والقفة: الشَّجَرَة الْيَابِسَة البالية وَكَأَنَّهُ من قفت الأَرْض اذا يبس بقلها وقفت الشَّجَرَة اذا يَبِسَتْ. وَقَالَ فِي حَدِيث أبي رَجَاء أَنه قَالَ: لما بلغنَا أَن النبى عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أَخذ فِي الْقَتْل هربنا فاستثر ناشلوا أرنب دَفِينا وألقينا عَلَيْهَا من بقول الأَرْض وفصدنا عَلَيْهَا فَلَا أنس تِلْكَ الْأكلَة. يرْوى عَن عُثْمَان الشحام عَن أبي رَجَاء. قَوْله: فصدنا عَلَيْهَا يَعْنِي الْإِبِل وَكَانُوا يفصدونها ويعالجون ذَلِك الدَّم ويأكلونه ويشربونه عِنْد الضَّرُورَة. وَيُقَال فِي مثل: لم يحرم من فصد لَهُ: وَبَعْضهمْ يَقُول: فزدله أَي: لم يحرم من نَالَ بعض حَاجته. ان لم ينلها كلهَا كَمَا لم يحرم من فصد لَهُ عِنْد الضَّرُورَة. والشعوبية تعيب الْعَرَب بالفصد. والمجدوح وَالْعِلْهِز والفظ وَالْقد والحيات. فَأَما الفصد فَهُوَ مَا ذكرته والمجدوح من الدَّم. وَكَانُوا اذا جهدهمْ الْعَطش فِي مَسِيرهمْ نحرُوا بَعِيرًا وتلقوا لبته بانآء حتي يسيل الدَّم ثمَّ تَرَكُوهُ حَتَّى يبرد فاذا برد ضربوه بِالْأَيْدِي وجدحوه من المفازه. وَالْعِلْهِز: قد تقدم تَفْسِيره فِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. والفظ: أَن ينحروا بَعِيرًا فيعتصروا فرثه ويتصافنوا مَاء. وَهَذِه أَشْيَاء كَانُوا يفعلونها عِنْد الضرورات وَفِي الْأَسْفَار والمجاعات وَكَذَلِكَ الْحَيَّات انما كَانَ يأكلها نازلة القفار والفلوات من الْفقر أَو من لَا يجد حِيلَة. وانما كَانَ يكون هَذَا عَيْبا لَو كَانَت الْعَرَب مختارة لَهُ فِي حَال الْغنى واليسر. وَكَانَت تمدحه وتحمد آكليه. وَقد ذكرت هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 وأشباهه فِي كتاب فضل الْعَرَب والتنيبه على علومها واحتججت عَنْهَا فِيهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَة ان شَاءَ الله. وَكَانَ أَبُو رَجَاء مِمَّن أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالنَّبِيّ وَلكنه أسلم بعده. حَدثنَا الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ: قلت لأبي رَجَاء مَا تذكر قَالَ: أذكر قتل بسطَام بن قيس على الْحسن قَالَ الْأَصْمَعِي: وَالْحسن حَبل رمل. قَالَ ثمَّ أنْشد أَبُو حَاتِم: من الوافر ... وخر على الألاءة لم يوسد ... كَأَن حبينه سيف صقيل ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 - حَدِيث يحيى بن يعمر العدواني وَقَالَ فِي حَدِيث يحيى بن يعمر أَن امراة خَاصَمت زَوجهَا اليه فَقَالَ ابْن يعمر ألأن سَأَلتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها. حَدَّثَنِيهِ السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر. الشبر: النِّكَاح وَمِنْه قَول النبى فِي دُعَائِهِ لعَلي وَفَاطِمَة: جمع الله شملكما وَبَارك فِي شبركما. وَمِنْه حَدِيثه: أَنه نهى عَن شبر الْجمل يُرِيد أَخذ الْكِرَاء على ضرابه فَسمى الْكِرَاء شبْرًا باسم الضراب. وَمثله: نَهْيه عَن عسب الْفَحْل وأنشدني عبد الرحمن عَن عَمه لأم الْخِيَار صَاحِبَة أبي النَّجْم تَقوله لأبي النَّجْم: من الرجز ... لقد فخرت بقصير شبره ... يَجِيء بعد فعلتين قطره ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 يُرِيد: أَنه لَا يطاول فِي النِّكَاح والشبر بِفَتْح الْبَاء: الْعَطاء قَالَ العجاج: من الرجز ... الْحَمد لله الَّذِي أعْطى الشبر ... ويروي: الحبر أَيْضا وَهُوَ السرُور. وَمِنْه قَول عبد الله: آل عمرَان غنى النِّسَاء محبرة. أَي: سرُور. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {فهم فِي رَوْضَة يحبرون} . فاذا أردْت الْمصدر فَهُوَ الحبر بِسُكُون الْبَاء قَالَ الْأَصْمَعِي: وَقَالَ فِي مثل: شبر فتشبر أَي: كرم فتفتح. قَالَ: وَلَا أعرف أصل الْمثل. وَالشُّكْر: الْبضْع. وَيُقَال الْفرج. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 أَو ابْنه أَبُو شهَاب فِي امْرَأَة: من الطَّوِيل ... صناع باشفاها حصان بشكرها ... جواد بقوت الْبَطن والعرق زاخر ... أَي: عرقها يسمو بهَا. وَقَوله: تطلها هُوَ من قَوْلك: طل دَمه اذا بَطل وهدر. يُقَال: طل الدَّم وأطله الله وطله. اذا هدر. وَرَوَاهُ غير أبي حَاتِم: تلطها فان كَانَ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ فَهُوَ من: لططت فِي الْخُصُومَة. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: ألططت. وَمِنْه يُقَال: فلَان ملط اذا دفع عَن الْحق وَلزِمَ الْبَاطِل. واللغة الأولي هِيَ الْمَعْرُوفَة الجيدة. قَالَ الْأَصْمَعِي: وكل شَيْء سترته فقد لططته. وَمِنْه قَول الشَّاعِر: من السَّرِيع ... نلط دون الْحق بِالْبَاطِلِ ... وَقَوله: وتضهلها أَي: تردها الى أَهلهَا وتخرجها. من قَوْلك: ضهلت الى فلَان اذا رجعت اليه. وَمن قَوْلك: هَل ضهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 اليك من مَالِي شَيْء أَي: هَل عَاد اليك. وَقَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل ... أفياء بطيئا ضهولها ... والضهل أَيْضا: الْقَلِيل. وَيجوز أَن تَجْعَلهُ مِنْهُ. فَأَرَادَ ابْن يعمر: لما سَأَلتك الْمهْر تبطل حَقّهَا وترجعها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 - حَدِيث عمر بن عبد العزيز وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد العزيز أَن عدي بن أَرْطَأَة كتب اليه أَن عندنَا قوما أكلُوا من مَال الله وانا لَا نقدر أَن نستخرج مَا عِنْدهم حَتَّى يمسهم شَيْء من الْعَذَاب. فَكتب اليه عمر: انما أَنْت ربذة. من الربذ فوَاللَّه لِأَن يلْقوا الله بخيانتهم أحب الي من أَن ألْقى الله بدمائهم فافعل بهم مَا يفعل بغريم السوء. حَدَّثَنِيهِ القومسي عَن أبي سَلمَة الْمقري عَن أبي هِلَال الرَّاسِبِي عَن قَتَادَة. انه سَأَلَ ابْن الْأَعرَابِي عَن الربذَة فَقَالَ: هِيَ خرقَة أَو وصوفة يهنأ بهَا الْبَعِير. وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الربذَة أَيْضا صوفة تعلق على الهودج. وَقَالَ: وَهِي أَيْضا خرقَة الْحيض. وفيهَا لُغَة أُخْرَى: ربذة. وخبرني أَبُو حَاتِم قَالَ: أخبرنَا أَبُو زيد: ان الربذَة الصوفة أَو الْخِرْقَة الَّتِي يهنأ بهَا الْبَعِير ويدهن بهَا السقاء. وَيُقَال لَهَا: ثملة وثملة. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي مثل ذَلِك أَو نَحوه. وَأنْشد: من الرجز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 .. ممغوثة أعراضهم ممرطله ... كَمَا يلاث فِي الهناء الثملة ... يُقَال: مرطل الرجل ثَوْبه بالطين اذا لطخه. وَأَرَادَ: أَنهم مدنسوا الأعراق. وَالَّذِي أَرَادَ عمر ان كَانَ يذهب مَذْهَب الذَّم لعدي انك انما نصبت لتداوي وتشفي كَمَا تشفى الربذَة النَّاقة الدبرة أَو لِأَن يصلح بك كَمَا يصلح بالربذة السقاء المدهون بهَا وان كَانَ أَرَادَ الذَّم فَذَلِك مَا لَا نحتاج لَهُ الى تَفْسِير لوضوح مَعْنَاهُ. وَقد كتب اليه أَيْضا: غرتني مِنْك صَلَاتك ومجالستك الْقُرَّاء وعمامتك السَّوْدَاء ثمَّ وجدناك على خلاف مَا أملناك قاتلكم الله أما تمشون بَين الْقُبُور. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد العزيز أَنه قَالَ لهِلَال بن سراج بن مجاعَة يَا هِلَال: هَل بَقِي من كهول بني مجاعَة أحد قَالَ: نعم وشكير كثير فَضَحِك عمر وَقَالَ: كلمة عَرَبِيَّة. حَدَّثَنِيهِ القومسي باسناد لَا أحفظه فِيهِ طول. قَوْله: وشكير كثير يُرِيد: ان فيهمَا أحداثا وأصل الشكير الْوَرق الصغار ينْبت فِي أصُول الْكِبَار. وَهُوَ أَيْضا النبت أول مَا يطلع. يُقَال: قد بدا شكير النبت. أَي: شَيْء قَلِيل رَقِيق وَكَذَلِكَ هُوَ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 الشّعْر والوبر وَالصُّوف. قَالَ حميد الأرقط: من الرجز ... وَالرَّأْس قد صَار لَهُ شكيير ... واذا شاخ الرجل دق شعره ولان ورق وَصَارَ كالزغب. وَلذَلِك قَالَ أَبُو النَّجْم: من الرجز ... وأنبتت هامته المرعزي ... والشكير فِي الشّجر ورق يخرج فِي أصل الشَّجَرَة تَقول الْعَرَب: وَمن عضة مَا ينبتن شكيرها. وَقد يستعار الشكير فيسمى بِهِ صغَار الْأَشْيَاء. قَالَ الرَّاعِي وَذكر ابلا: من الْكَامِل ... حَتَّى اذا احتسبت تبقى طرقها ... وثنى الرُّعَاة شكيرها المجولا ... يَقُول: أَخذ الْعمَّال السمان ورد الرعاء الصغار الَّتِي قد تنجل مَا فِيهَا. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَن يكون الرجل قَاضِيا حَتَّى تكون فِيهِ خمس خِصَال: يكون عَالما قبل أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 يسْتَعْمل مستشيرا لأهل الْعلم ملقيا للرثع منصفا للخصم مُحْتملا للأئمة. حدّثنَاهُ اسحق بن رَاهَوَيْه قَالَ: أخبرنَا بشر بن الْمفضل بن لَاحق قَالَ: حدّثنَاهُ الْمُغيرَة بن مُحَمَّد عَن عمر بن عبد العزيز. الرثع الدناءة والتطفف من الدون من الْعَطِيَّة. قَالَ الْكسَائي: الرجل الرائع الَّذِي يرضى بِالْقَلِيلِ من الْعَطاء ويخاذن أخدان السوء. يُقَال: قد رثع فلَان رثعا. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ ان رجلا سَأَلَ ربه سنة أَن يرِيه موقع الشَّيْطَان من قلب ابْن آدم فَرَأى فِيمَا يرى النَّائِم جَسَد رجل ممهى يرى دَاخله من خَارجه وَرَأى الشَّيْطَان فِي صُورَة ضفدع لَهُ خرطوم كخرطوم الْبَعُوضَة قد أدخلهُ من مَنْكِبه الْأَيْسَر الى قلبه يوسوس اليه فاذا ذكر الله خنسه. حَدَّثَنِيهِ عبد الرحمن عَن الْأَزْدِيّ عَن حَفْص بن عمر عَن الْفُرَات بن السَّائِب عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن عمر. قَوْله: جَسَد ممهى اي مَصْنُوع من المها أَو ملبس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 المها. والمها: البلور. يُقَال للْمَرْأَة اذا كَانَت بَيْضَاء ناصعة الْبيَاض كَأَنَّهَا المها. وَكَذَلِكَ الشّعْر اذا ابيض وَكثر مَاؤُهُ يُقَال: كَأَنَّهُ المها. وَكَذَلِكَ سمي أُميَّة بن أبي الصَّلْت الْكَوَاكِب: المها تَشْبِيها لَهَا بالبلور. قَالَ وَذكر السَّمَاء: من الْكَامِل ... رسخ المها فِيهَا فَأصْبح لَوْنهَا ... فِي الوارسات كأنهن الاثمد ... والمها فِي غير هَذَا: بقر الْوَحْش الْوَاحِدَة: مهاة. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ ليزِيد بن الْمُهلب حِين ولاه سُلَيْمَان الْعرَاق: اتَّقِ الله يَا يزِيد فانا لما دفنا الْوَلِيد ركض فِي لحده. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن خَالِد بن خِدَاش عَن أَبِيه عَن حَمَّاد بن زيد عَن خَالِد بن نَافِع عَن أبي عُيَيْنَة بن الْمُهلب عَن يزِيد بن الْمُهلب عَن عمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 قَوْله: ركض فِي لحده أَي ضرب بِرجلِهِ الأَرْض. قَالَ الله جلّ وَعز: {اركض برجلك} وَمِنْه يُقَال: ركضت الدَّابَّة. انما هوتحريكك اياها برجلك. وَقَول الْعَامَّة: ركضت الدَّابَّة خطا. انما يُقَال: ركضتها فعدت. وَيُقَال: الدَّابَّة تركض. وَلَا يُقَال: تركض. وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه كتب فِي صَدَقَة التَّمْر أَن يُؤْخَذ فِي البرني من البرني وَفِي اللَّوْن من اللَّوْن. رَوَاهُ عبد الرزاق وَقَالَ: قَالَ ابْن جريج ذَلِك. اللَّوْن: الدقل. وَيُقَال لَهُ: الألوان. وَأَرَادَ أَن يُؤْخَذ صَدَقَة كل صنف مِنْهُ وَلَا يُؤْخَذ من غَيره. وكل لون لَا يعرف اسْمه من النّخل فَهُوَ جمع. يقا لقد كبر الْجمع فِي أَرض فلَان. فاذا قلت: الألوان فانما تُرِيدُ الدقل خَاصَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه دخل على سُلَيْمَان ابْن عبد الْملك فمازحه بِكَلِمَة فَقَالَ: اياي وَكَلَام المجعة. المجعة واحدهم: مجع وَهُوَ الرجل الْجَاهِل. وَيُقَال: الماجن والمجون بعد يرجع الى الْجَهْل. يُقَال: رجل مجع وَامْرَأَة مجعة وَيجمع المجع: مجعة. كَمَا يُقَال: قرد وقردة وفيل وفيلة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 حَدِيث مُجَاهِد بن جُبَير وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز: {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم الطوفان وَالْجَرَاد} قَالَ الطوفان: الْمَوْت. الْجَرَاد: يَأْكُل مسامير رتجهم. يرويهِ وَرْقَاء عَن ابْن ابي نجيح عَن مُجَاهِد الرتج: الْأَبْوَاب. وَاحِدهَا ر تَاج وتقديرها: كتاب وَكتب. وَمِنْه يُقَال: ارتجت الْبَاب أَي: أغلقته وأرتج على فلَان اذا حصر فَلم يقدر على أَن يتَكَلَّم. كَأَنَّهُ أغلق عَلَيْهِ. ورتاج الْكَعْبَة: بَابهَا. والطوفان: السَّيْل وَهُوَ الْمَوْت وَهُوَ اللَّيْل أَيْضا. قَالَ أَبُو النَّجْم: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 من الرجز ... وغم طوفان الظلام الأثأبا ... والأثأب: شجر وغمه غطاه. وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه كره أَن تصور شَجَرَة مثمرة. يرويهِ يحيى بن آدم عَن عبد السلام بن حَرْب عَن لَيْث عَن مُجَاهِد. قَوْله: تصور شَجَرَة. فِيهِ قَولَانِ: احدهما: تميل. يُقَال: صرت عنق أصورها صورا. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: صرتها أصيرها صيرا. مِنْهُ قَول عمر بن الْخطاب. وَذكر الْعلمَاء فَقَالَ: تنعطف عَلَيْهِم بِالْعلمِ قُلُوب لَا تصورها الْأَرْحَام. وقرئت: {فصرهن إِلَيْك} بِضَم الصَّاد وَكسرهَا. أَي: ضمهن اليك ثمَّ اقطعهن وَاجعَل على كل جبل مِنْهُنَّ جُزْءا وَقَالَ العجاج وَذكر الْمَرْأَة: من الرجز ... وكفل ينصار لانصيارها ... على الْيَمين وعَلى يسارها ... أَي: يمِيل كفلها كَيفَ مَالَتْ لعظمه. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 الله جلّ وَعز: / فصبرهن اليك / يجوز أَن يكون: قطعهن وَاحْتج بقول خنساء: من الْبَسِيط ... لظت الشم مِنْهَا وَهِي تنصار ... قَالَ: تصدع وتفلق وَيَقُول رؤبة: من الرجز ... صرنا بِهِ الحكم وأعيا الحكما ... قَالَ: يُرِيد فصلنا بِهِ الحكم. وعَلى هَذَا التَّأْوِيل يجوز أَن يكون مُجَاهِد نهى أَن تقطع شَجَرَة مثمرة. وَالْمذهب الأول اشهر فِي اللُّغَة واعلا. وانما كره أَن تميل الشَّجَرَة المثمرة لِأَنَّهَا تصفر وتضعف ويقل ثَمَرهَا. وَرُبمَا جَفتْ. وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} ذكر الْبر ثمَّ ذكر التَّمْر فَقَالَ: اذا حَضَرُوهُ عِنْد جداده ألقِي لَهُم من التفاريق وَالتَّمْر. التفاريق: جمع تفروق وَسمعت فَقِيها بِالْمَدِينَةِ كنت أجالسه يَقُول: كَانَ أَبُو عبيد يُفَسر من غَرِيب الحَدِيث مَا تعرفه اماؤنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 فَقلت لَهُ: تذكر لي من ذَلِك شَيْئا فَقَالَ: التفروق قلت: وَمَا هُوَ عدكم قَالَ: القمع الَّذِي يلزق بالبسرة. قلت هَكَذَا يزْعم بعض غلماننا. وَالْأَحَادِيث تدل على أَن التفروق غير القمع. وَذكرت لَهُ حَدِيث مُجَاهِد هَذَا: يلقى للْمَسَاكِين من التفاريق وَلَا يجوز أَن يكون أَرَادَ الأقماع. وَكَأن التفروق على معنى هَذَا الحَدِيث شُعْبَة من الشمراخ والشمراخ: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْبُسْر. واصله فِي العذق فاذا ألقِي للْمَسَاكِين شُعْبَة من الشمراخ كَانَ فِيهَا تمرات أَو بسرات. وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد انه قَالَ فِي قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود} لَيْسَ بالندب وَلكنه صفرَة الْوَجْه والخشوع. يرويهِ سُفْيَان عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد. النّدب: أثر الْجراح اذا لم يرْتَفع عَن الْجلد والجميع: أنداب وندوب. قَالَ ذُو الرمة وَذكر الْمَرْأَة: من الْبَسِيط ... تريك سنة وَجه غير مقرفة ... ملساء لَيْسَ بهَا خَال وَلَا ندب ... وَالنَّدْب فِي غير هَذَا: الْخطر. وَيُقَال: رجل ندب فِي الْأَمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 اذاكان شهما خَفِيفا فِيهِ. وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه قَالَ: وجدت النَّاس أخبر تقله. يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن سعيد بن حسان. قَوْله: أخبر تقله يُرِيد: انك اذا أَخْبَرتهم وتعرفت أَمرهم قليتهم أَي: أبغضتهم. يُقَال: يُقَال: قليت الرجل فَأَنا أقليه قلى وقلاء ان كسرت أَوله قصرته وان فَتحته مددته. وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه قَالَ: فِي الْوَبر شَاة وَفِي كل ذِي كرش شَاة. يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن ابْن ابي نجيح عَن مُجَاهِد. يُرِيد فِي الْوَبر يُصِيبهُ الْمحرم شَاة وَلَا أرَاهُ جعل فديته شَاة وَلَيْسَ هُوَ لَهَا بند الا لِأَنَّهُ ذُو كرش. وَبَلغنِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ: الْوَبر تجتر واليربوع تجتر وَحكم عبد الله بن مَسْعُود فِي اليربوع بِشَاة. وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه ذكر مَدَائِن قوم لوط فَقَالَ: حملهَا جِبْرِيل على خوافي جنَاحه. يُقَال: الْجنَاح عشرُون ريشة أَربع قوادم وَهِي مقدم الْجنَاح وَأَرْبع مناكب وَأَرْبع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 أباهر وَأَرْبع خوافي وَأَرْبع كلى. وَالْعرب تَقول: لَيْسَ عقر اللَّيْل كالدادي وَلَا توالي الْخَيل كالهوادي وَلَا قدامى النسْر كالخوافي. وعقر اللَّيَالِي هِيَ بيض الشَّهْر والأعقر: الْأَبْيَض. والدادي: ثلث من آخر الشَّهْر قبل ثلث المحاق. وتوالي الْخَيل أواخرها وهواديها: أوائلها. وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَأَنْتُم سامدون} قَالَ: البرطمة. يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن ابْن ابي نجيح عَن مُجَاهِد. البرطمة: الانتفاخ من الْغَضَب. يُقَال رجل مبرطم. وَقد اخْتلف فِي السمود فَقَالَ بَعضهم السمود: اللَّهْو والغناء. يُقَال لِلْجَارِيَةِ: اسمدي لنا اي: غَنِي لنا. وَيُقَال: السمود أَن يبهت الرجل وَيَنْقَطِع. وَمن الدَّلِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 على ذَلِك قَول الشَّاعِر: من الوافر ... رمى الْحدثَان نسْوَة آل حَرْب ... بِمِقْدَار سمدن لَهُ سمودا فَرد شعورهن السود بيضًا ... ورد وجوههن الْبيض سُودًا ... يُرِيد: أَنَّهُنَّ لعظم مصيبتهن بهتن وانقطعن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 - حَدِيث عِكْرِمَة مولي ابْن عَبَّاس وَقَالَ فِي حَدِيث عِكْرِمَة أَنه فِي شَرِيكَيْنِ أَرَادَ أَن يفترقا: يقتسمان مَا نض بَينهمَا من الْعين وَلَا يقتسمان الدّين فان أَخذ أَحدهمَا وَلم يَأْخُذ الآخر فَهُوَ رَبًّا. يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن ابْن أبي لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن عِكْرِمَة قَوْله: مَا نض أَي مَا صَار وَرقا اَوْ عينا بعد أَن كَانَ مَتَاعا. وَيُقَال لِلْمَالِ من الْعين وَالْوَرق اذا كَانَ كَذَلِك نآض. وَمِنْه حَدِيث عمر: انه كَانَ يَأْخُذ الزَّكَاة من ناض المَال عَن المَال كُله غائبه وَشَاهده. والنضيضة: الْمَطَر الْقَلِيل. والجميع: نضائض. قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... فِي كل عَام قطره نضائض ... وَيُقَال: فلَان نضاضة ولد أَبِيه اي: آخِرهم. ونضاضة المَال أَو غَيره آخِره وبقيته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 وَكره عِكْرِمَة أَن يقتسما الدّين على النَّاس فَيَقُول أَحدهمَا: مَا على فلَان فلي وَمَا على فلَان فلك لِأَن غر وَلَا يدرى مَا يَصح مِنْهُ فاذا قبض اقْتَسمَا مَا قبضا. وَقَالَ فِي حَدِيث عِكْرِمَة أَنه قَالَ: حَملَة الْعَرْش كلهم صور. يرويهِ ابراهيم بن الحكم عَن أَبِيه عَن عِكْرِمَة. قَوْله: صور يُرِيد: جمع أصور وَهُوَ المائل الْعُنُق. من قَوْلك: صرت الشَّيْء فانصار اذا أملته فَمَال. قَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل ... على أنني فِي كل سير أسيره ... وَفِي نَظَرِي من نَحْو دَارك أصور ... أَي: مائل الْعُنُق نحوي. وَقَالَ فِي مثل قَول عِكْرِمَة أُميَّة بن أبي الصَّلْت يذكر الْعَرْش: من الْخَفِيف ... شرجعا مَا يَنَالهُ بصر الْعين ترى دونه الملائك صورا ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 - حَدِيث قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي. وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ: أَن تسْجد بِالآخِرَة مِنْهُمَا أَحْرَى أَلا يكون فِي نَفسك حوجاء. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الوهاب الحَجبي عَن أبي عوَانَة عَن قَتَادَة. الحوجاء: الْحَاجة. يُرِيد: أَحْرَى أَلا يكون فِي نَفسك شكّ اَوْ رِيبَة. يُقَال: فِي نَفسِي من كَذَا حَاجَة وحوجاء اذا كَانَ فِي نَفسك مِنْهُ شىء. وَأَرَادَ قَتَادَة: أَن مَوضِع السُّجُود مُخْتَلف فِيهِ من سروة {حم} السَّجْدَة فبعضهم يرَاهُ فِي الْآيَة الأولى عِنْد قَوْله: {واسجدوا لله الَّذِي خَلقهنَّ إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ} مِنْهُم: الْحسن. وَكَانَ بَعضهم يرَاهُ فِي الْآيَة الْأُخْرَى عِنْد قَوْله: {وهم لَا يسأمون} . فَاخْتَارَ قَتَادَة أَن يكون السُّجُود عِنْد انْقِضَاء الْآيَة الْأُخْرَى لانه ان كَانَ السُّجُود عِنْد الأولى لم يضررك أَن تسْجد عِنْد الْأُخْرَى وان كَانَ السُّجُود عِنْد الْأُخْرَى فسجدت فِي الأولى كنت قد قدمت السُّجُود قبل الْآيَة وَلَا يجزىء ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ: يتَوَضَّأ الرجل بِالْمَاءِ الرمد وَالْمَاء الطَّرْد. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عل بن عبد الله عَن مُعْتَمر عَن يزِيد بن ابراهيم التسترِي عَن قَتَادَة. الرمد من الْمِيَاه الْمُتَغَيّر اللَّوْن الآجن. وأصل الْحَرْف من الرماد وَلذَلِك قيل للثوب الْوَسخ بالرمد والأرمد. وَالْمَاء الطَّرْد الَّذِي تخوضه الدَّوَابّ سمي بذلك لِأَنَّهَا تطرد فِيهِ أَي: تتَابع أَو تطرده أَي: تَدْفَعهُ اذا خاضته. وَأَرَادَ أَن التَّوَضُّؤ بِهَذَا جَائِز. وَمن وجده لم يتَيَمَّم فان كَانَ تغير رِيحه ولونه بِنَجَاسَة وَقعت فِيهِ لم يجز الْوضُوء بِهِ. وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ: النَّضْح من النَّضْح. حَدَّثَنِيهِ خَالِد بن مُحَمَّد عَن عبد الوهاب عَن سعيد عَن قَتَادَة. قَوْله: النَّضْح من النَّضْح يُرِيد: من أَصَابَهُ نضح من الْبَوْل فَعَلَيهِ أَن ينضحه بِالْمَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يغسلهُ. وَمثله حَدِيث الْحسن انه مر فِي ثَقِيف وأصابه نضح من كنيف فرش عَلَيْهِ المَاء. والنضح دون النَّضْح. فان أَصَابَهُ نضح وَجب عَلَيْهِ غسله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 وَكَانَ أَبُو حنيفَة لَا يرى فِي الْبَوْل ينتضح على الثَّوْب مِنْهُ مثل رُؤُوس الابر نضحا بِالْمَاءِ وَلَا غسلا. وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَن قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز: {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} قَالَ: الْخُشُوع فِي الْقلب والباد الْبَصَر فِي الصلوة. يرويهِ عبد الْوَهَّاب عَن سعيد عَن قَتَادَة. قَوْله: الباد الْبَصَر يَعْنِي: الزامه الأَرْض وَمَوْضِع السُّجُود. قَالَ: ألبد فلَان بِالْمَكَانِ اذا أَقَامَ بِهِ. وَهُوَ من لبد الشَّيْء يلبد وَتَلَبَّدَ اذا انْضَمَّ بعضه الى بعض. وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ: الدَّجَّال قصد من الرِّجَال اجلى الجبين براق الثنايا محبل الشّعْر. حَدَّثَنِيهِ سهل قَالَ: حدّثنَاهُ الْأَصْمَعِي عَن أبي هِلَال عَن قَتَادَة. محبل الشّعْر: جعده. وَأَصله من الحبال كَأَن كل قرن من قُرُون شعره حَبل لالتفافه. وَفِي حَدِيث آخر: رَأسه حبك. والحبك: المتكسر من الجعودة مثل المَاء الْقَائِم تضربه الرّيح فَيكون لَهُ حبك. والرملة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 تصيبها الرّيح وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يجوز أَن يكون محبك الشّعْر. وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ: تخرج نَار من مَشَارِق الارض تَسوق النَّاس الى مغاربها سوق الْبَرْق الْكسر. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة. والبرق: الْحمل وَهُوَ مُعرب. وَأَصله بِالْفَارِسِيَّةِ: بره وَفِي بعض الحَدِيث: صَاحب راية الدَّجَّال رجل يُقَال لَهُ: فلَان بن الريب فِي عجب ذَنبه مثل ألية الْبَرْق وَفِيه هلبات كهلبات الْفرس وَعجب الذَّنب هُوَ العصعص وَهُوَ أول مَا يخلق وَآخر مَا يبْلى فِيمَا يُقَال. وَهُوَ من كل ذِي ذَنْب أصل الْعظم مِنْهُ. والهلبات: شَعرَات فِيهِ أَو خصلات من شعره. والهلب: الشّعْر يُقَال هلبت الْفرس اذا أَنْت أخذت شعر ذَنبه. وَيُقَال: رجل أهلب وَامْرَأَة هلباء. وَقَالَ عبد الله بن عَمْرو: الدَّابَّة الهلباء الَّتِي كلمت تميما الدَّارِيّ هِيَ دَابَّة الأَرْض الَّتِي تكلم النَّاس. وَأَرَادَ قَتَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 أَن النَّار تسوقهم سوقا رَفِيقًا كَمَا يساق الْحمل الظالع. وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ الله جلّ وَعز: {وَلَو نشَاء لمسخناهم} على مكانتهم قَالَ: لَو نشَاء لجعلناهم كسحا. يرويهِ عبد الرزاق عَن معمر عَن قَتَادَة. كسح: جمع أكسح وَهُوَ المقعد. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى فِي وصف سكارى: من الطَّوِيل ... وخذول الرجل من غير كسح ... وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز: {يَأْخُذُونَ عرض هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سيغفر لنا} ... نبذوا الاسلام وَرَاء ظُهُورهمْ وتمنوا على الله الْأَمَانِي كلما وهف لَهُم فِي الدُّنْيَا شَيْء أكلوه لَا يبالون حَلَالا كَانَ أَو حَرَامًا. قَوْله: وهف لَهُم أَي: بدا لَهُم وَعرض. يُقَال: قد وهف لَك الشَّيْء يهف وهفا وهففا يهفو اذا طَار. قَالَ الشَّاعِر فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 وصف امْرَأَة: من الرجز شَائِلَة الأصداع يهفو طاقها ... أَي: يطير كساؤها. وَمِنْه قيل للزلة: هفوة. وللضوال من الابل: هوافي. وَذكر أَبُو الْيَقظَان: أَن عُثْمَان بن عَفَّان ولى أَبَا غاضرة الهوافي: قَالَ وَهِي الابل الَّتِي تُوجد فِي الطرقات. وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه ذكر مَدَائِن قوم لوط فَقَالَ: ذكر لنا أَن جِبْرِيل أَخذ بعروتها الْوُسْطَى ثمَّ ألوى بهَا فِي جو السَّمَاء حَتَّى سَمِعت الْمَلَائِكَة ضواغي كلابها ثمَّ جرجم بَعْضهَا على بعض ثمَّ اتبع شذان الْقَوْم صخرا منضودا. قَوْله: ألوى بهَا أَي ذهب بهَا. يُقَال: ألوت بك العنقاء الْمغرب أَي: ذهبت بك. وَيُقَال: هِيَ الداهية. وَيُقَال: الْعقَاب. وَقَوله: جرجم بَعْضهَا على بعض أَي: أسقط بَعْضهَا على بعض والمجرجم: المصروع. وَقَالَ العجاج: من الرجز ... كَأَنَّهُمْ من فائظ مجرجم ... والفائظ: الْمَيِّت. وشذان الْقَوْم من شَذَّ مِنْهُم وَخرج عَن جَمَاعَتهمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 قَالَ امْرُؤ الْقَيْس وَذكر النَّاقة: من الطَّوِيل ... تطاير شذان الْحَصَى بمناسم ... صلاب العجى ملثومها غير أمعرا ... أَي: مَا تفرق مِنْهُ. وَهَذَا مثل الحَدِيث الآخر: انها لما قلبت عَلَيْهِم رمى بقاياهم بِكُل مَكَان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 - حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الْحسن أَنه قَالَ:: وَالله ماكانوا بالهتاتين وَلَكنهُمْ كَانُوا يجمعُونَ الْكَلَام ليعقل عَنْهُم. حَدَّثَنِيهِ القومسي عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد بن زيد عَن ابْن عون. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال رجل مهت وهتات اذا كَانَ كثير الْكَلَام. وَمثله: الهذر والمسهب بِفَتْح الْهَاء من: أسهب الرجل. وَكَانَ الْقيَاس: مسهب بِكَسْرِهَا. وَلَكِن هَكَذَا جَاءَ. وَلَا يعرف لَهُ مثل. قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ عَمْرو بن شُعَيْب وَفُلَان يهتان الحَدِيث. وَقَالَ: الهت: الصب بعضه فِي أثر بعض. يقا ل: ظلت الْمَرْأَة تهت الْغَزل يَوْمهَا أجمع أَي: تغزل بَعْضًا فِي أثر بعض. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه استؤذن فِي قتال أهل الشَّام حِين خرج ابْن الاشعث فَقَالَ فِي كَلَام لَهُ: وَالله انها لعقوبة فَمَا أَدْرِي أمستأصله أم مجحجحة فَلَا تستقبلوا عُقُوبَة الله بِالسَّيْفِ وَلَكِن بالاستكانة والتضرع. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم سهل بن مُحَمَّد عَن الْأَصْمَعِي عَن أَبِيه قَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 سَمِعت شَيخا فِي الْمَسْجِد الْجَامِع بِالْبَصْرَةِ يحدث بذلك. قَوْله: مجحجحة: أَي. يُقَال جحجحت عَن الْأَمر أَي: كَفَفْت. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: حجحجت بِتَقْدِيم الْحَاء على الْجِيم وَهُوَ من المقلوب. وَيُقَال فِي غير هَذَا: جحجحت بفلان أَي: أتيت بِهِ جحجاجا. خبرني عَن عبد الرحمن عَن عبد الله عَن عَمه الْأَصْمَعِي قَالَ: كَانَ يُقَال: من الرجز ... ان سرك الْعِزّ فجحجح بجشم ... أَي: جىء بجحجاح مِنْهُم وَهُوَ السَّيِّد أَو الْكَرِيم. وَقَالَ: جشم من الْخَزْرَج والشرف فيهم وَفِي عَوْف بن الْخَزْرَج. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَن وليدا التياس قَالَ: قلت لَهُ: اني رجل تياس فَقَالَ: لَا تبسر وَلَا تحلب. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم سهل قَالَ: حدّثنَاهُ الْأَصْمَعِي عَن وليد. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْبُسْر أَن يحمل على الشَّاة وَلَيْسَت بصارف. وعَلى النَّاقة وَلَيْسَت بهَا ضبعة. يُقَال: بسرتها أبسرها بسرا وَهِي مبسورة. قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 الْكُمَيْت وَذكر الْحَرْب وَشبههَا بناقته: من المنسرح ... مبسورة شارفا مصرمة ... محلوبها الصاب حِين تحتلب ... والمصرمة الَّتِي صروا أخلافها فَانْقَطع لَبنهَا. وَمِنْه يُقَال: بسرت النَّبَات اذا رَعيته غضا وَكنت أول من أَتَاهُ. قَالَ لبيد: من الطَّوِيل ... بسرت نداه لم تسرب وحوشه ... بغرب كجذع الهاجري المشذب ... والغرب الْحَدِيد. يَعْنِي: فرسا. والمشذب: الطَّوِيل. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه قَالَ: كَانَ ملك من مُلُوك هَذِه الْقرْيَة يرى الْغُلَام من غلمانه يَأْتِي الْحبّ فيكتاز ثمَّ يجرجر قَائِما فَيَقُول: يَا لَيْتَني مثلك. ثمَّ يَقُول: يَا لَهَا نعْمَة تَأْكُل لَذَّة وَتخرج سرحا. حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن سعيد بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 عَامر عَن أَسمَاء بن عبيد عَن الْحسن. قَوْله: يكتاز: أَي: يغترف وَهُوَ يفتعل من الْكوز ثمَّ يجرجر أَي يشرب. وَالْأَصْل فِيهِ جرجرة المَاء فِي الْحلق. وَهُوَ صَوت الجرع. وَهَذَا رجل كَانَ بِهِ أسر فَكَانَ لَا يرْوى من المَاء لشدَّة الْبَوْل عَلَيْهِ والأسر: احتباس الْبَوْل والحصر: احتباس الْحَدث. وَقَوله: وَتخرج سرحا أَي: سهلا. وَمِنْه يُقَال: نَاقَة سرح الْيَدَيْنِ وسرح الملاطين أَي: الجنبين. والملاط: الْجنب. أَي: هما منسرحان للذهاب والمجيء. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه قَالَ: لَا تلقى الْمُؤمن الا شاحبا وَلَا تلقى الْمُنَافِق الاوباصا. يرويهِ ضَمرَة عَن ابْن شَوْذَب عَن الْحسن. وباصا أَي: براقا. يُقَال: قد وبص الشَّيْء يبص وبيصا اذا برق. قَالَ الْأَعْشَى: من المتقارب ... رجعت لما رمت مستحسنا ... ترى للكواكب كهرا وبيصا ... كهرا: ارْتِفَاع النَّهَار. يَقُول: رجعت وَقد أظلم عَلَيْك نهارك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 حَتَّى ترى الْكَوَاكِب فِيهِ. وَهُوَ كَمَا تَقول: أَرَانِي فلَان الْكَوَاكِب بِالنَّهَارِ اذا شقّ عَلَيْك وبرح بك. وَمِنْه قَول طرفَة: من الطومل ... ان تنوله فقد تَمنعهُ ... وتريه النَّجْم يجْرِي بِالظّهْرِ ... وَيُقَال: قد أوبصت الأَرْض فِي أول مَا يظْهر نبتها وأوبصت النَّار فِي أول مَا يظْهر لهبها. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: يُقَال: بص الشَّيْء يبص بصيصا اذا برق. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَن رجلا سَأَلَهُ فَقَالَ: اني اتوضأ فينتضح المَاء فِي انآئي. فَقَالَ: وَيلك أفيملك نشر المَاء. يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة عَن يحيى بن عَتيق. نشر المَاء مَا انْتَشَر مِنْهُ وتفرق. يُقَال: جَاءَ الْجَيْش نشرا. أَي مُتَفَرّقين. وَيُقَال: اللَّهُمَّ اضمم لي نشري. أَي: مَا انْتَشَر من أَمْرِي. قَالَ الزيَادي: والنشر: بِضَم النُّون والشيين خُرُوج الْمَذْي من الانتشار. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَن رجلا قَالَ لَهُ: رَأَيْتُك فِي النّوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 تحدث وتنشد فِي أَضْعَاف ذَلِك الْبَيْت من الشّعْر. فَقَالَ لَهُ الْحسن: ان ابْن آدم لَو أصَاب فِي كل شَيْء جن. حدّثنَاهُ الرياشي قَالَ: حدّثنَاهُ الْأَصْمَعِي: قَوْله: جن يُرِيد: أَنه يعجب بِنَفسِهِ حَتَّى يكون كَالْمَجْنُونِ من شدَّة اعجابه بهَا. وأحسب قَول الشنفرى فِي الْمَرْأَة من هَذَا بِعَيْنِه: من الطَّوِيل ... فدقت وجلت واسبطرت وأكملت ... فَلَو وجن انسان من الْحسن جنت ... يُرِيد: لَو أعجب انسان بحسنه حَتَّى يكون كَالْمَجْنُونِ لكَانَتْ كَذَلِك. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَن جرير بن حَازِم قَالَ: رَأَيْت عَلَيْهِ ثوبا مصلبا. يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن جرير بن حَازِم. قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال خمار مصلب. وَقد صلبت الْمَرْأَة خمارها وَهِي لبسة مَعْرُوفَة عِنْد النِّسَاء. وَأما حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّوْب المصلب: انه كَانَ اذا رَآهُ قضبه. فانه الثَّوْب الَّذِي يصور فِيهِ كَهَيئَةِ الصَّلِيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 وروى فِي حَدِيث لأم سَلمَة مُفَسرًا أَنَّهَا كَانَت تكره الثِّيَاب المصلبة يَعْنِي الَّتِي تصور فِيهَا الصلب. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه قَالَ: كَانَ قتال على عهد رَسُول الله ثمَّ قتال على هَذِه الطعمة مَا بعدهمَا بِدعَة وضلالة. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم سهل عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي هِلَال عَن الْحسن. قَوْله: قتال على عهد رَسُول الله يَعْنِي قتال الْمُشْركين. وَقَوله: ثمَّ قتال على عهد رَسُول الله يَعْنِي قتال الْمُشْركين. وَقَوله: ثمَّ قتال على هَذِه الطعمة يَعْنِي: الْخراج حَتَّى يُؤَدِّي والجزية والزكوات. يَقُول: وَلَا قتال بعد هَذَا على شَيْء. قَالَ زُهَيْر وَذكر الْخَيل: من الْبَسِيط ... ينزعن امة أَقوام لذِي كرم ... مِمَّا تيَسّر أَحْيَانًا لَهُ الطّعْم ... الامة: النِّعْمَة. يَقُول: يسلبن فِي الْغَزْو أَقْوَامًا نعمهم لرئيس ذِي كرم تهَيَّأ لَهُ الْغَنَائِم فِي غَزوه. وَهِي الطّعْم. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه لما خرج يُرِيد ابْن الْمُهلب وَنصب رايات سُودًا وَقَالَ أدعوكم الى سنة عمر بن عبد العزيز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 قَالَ الْحسن فِي كَلَام لَهُ طَوِيل: نصب قصبا علق عَلَيْهَا خرقا ثمَّ اتبعهُ رجرجة من النَّاس رعاع هباء. يرويهِ أبان بن نميلَة عَن أبي بكر الْهُذلِيّ. الرجرجة: بَقِيَّة تبقى فِي الْحَوْض من المَاء كدرة خائرة لَا يقدر أحد أَن يشْربهَا. هَذَا الأَصْل فَشبه شراب النَّاس وَسَقَطهمْ بهَا وَكَذَلِكَ شبهوا بالهباء وَهُوَ الْغُبَار. أخبرنَا يَعْقُوب بن السّكيت ان الهباء المنبث مَا سَطَعَ من تَحت سنابك الْخَيل. والهباء المنثور مَا ترَاهُ فِي الشَّمْس الدَّاخِلَة فِي كوَّة السّقف. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن انه قَالَ لرجل سَأَلَهُ عَن شَيْء لبكت عَليّ. قلوه: لبكت عَليّ أَي: خلطت. يُقَال: أَمر لبك أَي: مختلط وَمِنْه قَول زُهَيْر: من الْبَسِيط. ... رد القيان جمال الْحَيّ احتملوا ... الى الظهيرة أَمر بَينهم لبك ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 وَيُقَال: بكلت أَيْضا أَي: خلطت وَهُوَ من المقلوب. قَالَ المرار: من الطَّوِيل ... أَنَاة كَأَن الْمسك دون شعارها ... يبكله بالعنبر الْورْد مقطب ... يبكله: أَي: يخلطه. والمقطب: المازج. يُقَال: قطبت الشَّرَاب وأقطبته. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه كَانَ يَقُول فِي الْمُسْتَحَاضَة تَغْتَسِل من الأولى الى الأولى وتدسم مَا تحتهَا وَتَوَضَّأ اذا أحدثت. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن عبد الله بن عبد الوهاب عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن عَوْف عَن الْحسن. تدسم تسد فرجهَا وتحتشي. وَيُقَال لما سددت بِهِ القارورة: الدسام والعفاص. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن ان عَطاء السّلمِيّ سَأَلَهُ فَقَالَ: يَا ابا سعيد أَكَانَ الْأَنْبِيَاء يشرحون الى الدُّنْيَا وَالنِّسَاء مَعَ علمهمْ بِاللَّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 فَقَالَ: نعم ان لله ترائك فِي خلقه. يرْوى عَن مَيْمُون بن مُوسَى. قَوْله: يشرحون أَي: ينبسطون. وَمِنْه يُقَال: شرحت لَك الْأَمر اذا فَتحته وأظهرته. وَقَول الله جلّ وَعز: {ألم نشرح لَك صدرك} . وَأما قَوْله: ان لله ترائك فِي خلقه. فانه جمع تريكة يُرِيد: ان لله أمورا أبقاها فِي الْعباد من الأمل والغفلة بهَا يكون انبساطهم الى الدُّنْيَا. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن ان رجلا حلف ايمانا فَجعلُوا يعاتونه فَقَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَة. رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن الْحسن وَسُئِلَ الْأَصْمَعِي عَن هَذَا فَقَالَ: يعاتونه يرادونه فِي القَوْل فَيحلف ويعاسرونه وَلَا يقبلُونَ مِنْهُ فِي أول مرّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 - حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين وَقَالَ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه كَانَ يخْتَار الصلوة على الْجد ان قدر عَلَيْهِ فان لم يقدر عَلَيْهِ فقائما فان لم يقدر فقاعدا. حَدَّثَنِيهِ ابو وَائِل عَن عبد الله بن حمْرَان عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد. الْجد شاطيء النَّهر وَهُوَ الْجدّة أَيْضا وَأكْثر مَا يُقَال: جدة بِالْهَاءِ وَبِه سميت جده لِأَنَّهَا سَاحل الْبَحْر. قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي وَقَالَ كل طَريقَة من سَواد أَو بَيَاض فَهِيَ جدة. الْجد فِي غير هَذَا الْبِئْر يكون فِي أَجود الْمَوَاضِع من الْكلأ. ومعني الحَدِيث انه كَانَ يخْتَار لراكب السَّفِينَة أَن يصلى عَليّ شاطىء النَّهر ان قدر على ذَلِك فان لم يقدرصلى فِي السَّفِينَة قَائِما فان لم يقدر صلى قَاعِدا. وَهَذَا مَذْهَب النَّاس جَمِيعًا اذا كَانَ لَهُ عذر فان كَانَ يقدر على الْقيام بِغَيْر مشقة وَلم يفعل فان ابْن الْمُبَارك كَانَ يرى عَلَيْهِ الاعادة والى ذَلِك يذهب أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد. وَأما أَبُو حنيفَة فَكَانَ يَقُول: ان صلى فِي السَّفِينَة جَالِسا من غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 عِلّة وَلَا عذر أَجزَأَهُ. وَقَالَ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين انه كَانَ يكره شِرَاء سبي زابل. وَقَالَ: ان عُثْمَان بن عَفَّان ولث لَهُم ولثا. يرويهِ وَكِيع عَن حَمَّاد بن زيد عَن يحيى بن عَتيق عَن ابْن سِيرِين. قَوْله: ولث لَهُم ولثا أَي: اعطاهم عهدا. قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال ولث لي ولثا من عهد اذا أعطَاهُ عهدا غير مُحكم. وَقَالَ فِي قَول رؤبة: من الرجز ... أرجوك اذ أغبط دين والث ... فَمَا ثنى يرغث مِنْك الراغث ... لم يحسن فِي الْبَيْتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن يُؤَكد أَمر الدّين والرغت: المص. وَلم يكن يَنْبَغِي أَن يَجْعَل مَا ينَال مِنْهُ مثل المص وَهُوَ يمدحه. وَقَوله: أغبط دين من قَوْلهم: أغبطت عَلَيْهِ الْحمى أَي اذا لَزِمته. وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي رجز لَهُ وَذكر بَعِيرًا عَلَيْهِ رجل حَاج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 من الرجز ... يحمل بر المؤتلي مَتى يلث ... ولثايؤرب محصا لَا ينتكث ... يَقُول: مَتى يُعْط طرفا من عهد لَا يحكمه وَلَا يُبَالغ فِيهِ يَجعله بِمَنْزِلَة الْمُحكم المستوثق مِنْهُ. وَقَوله: يؤرب اي: يشدد. الأربة: الْعقْدَة. والمحص: الأملس الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ زئبر. وَاللَّفْظ للحبل وَالْمعْنَى للْعهد. وَوَلَّتْ السَّحَاب: الندى الْيَسِير. وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن سِيرِين أَنه نهى عَن الرقى الا فِي ثَلَاث. رقية النملة والحمة وَالنَّفس. يرويهِ عبد الرزاق عَن معمر بن أَيُّوب. النملة قُرُوح فِي تخرج الْجنب وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: للشفاء: علمي حَفْصَة رقية النملة. وَقَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... وَلَا عيب فِينَا غير عرق لمعشر ... كرام وانا لَا نخط على النَّمْل ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 يُرِيد: انا لسنا بمجوس ننكح الْأَخَوَات وَكَانُوا يَقُولُونَ: ان ولد الرجل من أُخْته اذا خطّ على هَذِه القروح برأَ صَاحبهَا. والحمة: السم للعقرب وأشباها. وَلم يرد بالحمة: الابرة. انما الْحمة السم. وَقد ذكرت هَذَا فِيمَا تقدم. وحَدثني شَبابَة بن الْفَزارِيّ قَالَ: حَدثنَا الْقَاسِم بن الحكم قَالَ: حَدثنَا الثَّوْريّ عَن خَالِد عَن ابْن سِيرِين انه كره الترياق اذا كَانَ فِيهِ الْحمة. يَعْنِي لُحُوم الْحَيَّات لِأَنَّهَا سم فَهَذَا يدلك. وَالنَّفس: الْعين. يُقَال: أَصَابَت فلَانا نفس أَي. وَمِنْه قَول ابْن عَبَّاس: الْكلاب من الْجِنّ وَهِي ضعفة الْجِنّ فاذا غشيتكم عِنْد طَعَامكُمْ فأ القولهن فان لَهُنَّ أنفسا. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرافع حِين مسح بَطْنه: فَألْقى شحمة خضراء: أَنه كَانَ فِيهَا أنفس سَبْعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 أنَاس. يُرِيد: عيونهم. وَيُقَال للعائن: نافس. وَسمعت أعرابية بالحجاز فصيحة ترقي رجلا من الْعين فَقَالَت: أُعِيذك بكلم الله التَّامَّة الَّتِي لَا تجوز عَلَيْهَا هَامة من شَرّ الْجِنّ وَشر الْأنس عَامَّة وَشر النظرة اللامة أُعِيذك بمطلع الشَّمْس من شَرّ ذِي مشي هَمس وَشر ذِي نظر خلس وَشر ذِي قَول دس وَمن شَرّ الحاسدين والحاسدات والنافسين والنافسات والكائدين والكائدات نشرت عَنْك بنثره نشار عَن رَأسك ذِي الْأَشْعَار وَعَن عَيْنَيْك ذواتي الأشفار وَعَن فِيك ذِي الْمحَال وظهرك ذِي الفقار وبطنك ذِي الْأَسْرَار وفرجك ذِي الأستار ويديك ذواتي الْأَظْفَار ورجليك ذواتي الْآثَار وذيلك ذِي الْغُبَار وعنك فضلا وَذَا ازار وَعَن بَيْتك فرجا وَذَا أَسْتَار ورششت بِمَاء بَارِد نَارا وعينين وأشفارا وَكَانَ الله لَك جارا الْمَشْي الهمس الوط الْخَفي وَهُوَ أَيْضا الصَّوْت الْخَفي. وَالنَّظَر الخلس الَّذِي يختلس سَاعَة بعد سَاعَة وَالْقَوْل الدس هُوَ الَّذِي يدس ويحتال فِيهِ حَتَّى يدْفع بالقبيح. وَهَذِه الْأَفْعَال تكون من عَدوك وَمِمَّنْ يُرِيد اغتيالك. والنافسون والنافسات هم العائنون. والمحار جمع محارة الحنك الْأَعْلَى. والفقار خرز الظّهْر واحدتها فقارة وَهِي الْفقر أَيْضا والواحدة فقرة. قَالَ أَبُو زيد: الْفقر هِيَ المفاصل أَيْضا فِي الصلب كل مفصل فقارة ومحالة والفقار والسناسن رُؤُوس الْفقر والواحدة: سنسنة وفقارة. وَالْفضل الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 عَلَيْهِ ثوب وَاحِد. يُقَال: امْرَأَة فضل اذا لم يكن عَلَيْهَا الا ثوب وَاحِد وَامْرَأَة حَسَنَة الفضلة. والأسرار فِي الْبَطن التكسر وأسرار الْجَبْهَة: الخطوط فِيهَا. وَكَذَلِكَ أسرار الرَّاحَة وَجَمعهَا أسرة. قَالَ عَليّ فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ: كَأَن مَاء الذَّهَب يجْرِي فِي صفحة خَدّه ورونق الْجلَال يطرد فِي اسرة جَبينه. وَالْبَيْت الْفرج المفتوح الَّذِي لَا ستر عَلَيْهِ وَلَا بَاب مغلق. يُقَال: بَاب فتح فرج. وَمِنْه قيل: رجل فرج اذا كَانَ لَا يكتم سره. كَأَن منفرج عَن السِّرّ غير منضم عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن سِيرِين أَنه بلغه أَن عمر بن الْعَزِيز أَقرع بَين الفطم فَأنكرهُ وَقَالَ: مَا رأى هَذَا الا من الأستقسام بالأزلام. يرويهِ أَزْهَر عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين. الفطم جمع فطيم من اللَّبن وَأَرَادَ ذَرَارِي الْمُسلمين والأقراع: سهم فِي الْعَطاء. وانما أنكرهُ ابْن سِيرِين لِأَن الاقراع انما يكون ليفضل بعض على بعض فِي الْفَرْض. وَشبهه بالاستقسام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 بالأزلام. والأزلام: القداح. وَاحِدهَا: زلم وزلم. وَكَانَت الْعَرَب تستقسم بالأزلام فِي الْجَاهِلِيَّة عِنْد الْأَصْنَام اذا أَرَادَ ارجل سفرا أَو مغارا أَو غير ذَلِك. أَتَى صنما فأجال القداح على الْأَمر الَّذِي عزم عَلَيْهِ فان خرج لَهُ الْأَمر نفذ لعزمه وان خرج لَهُ وان خرج لَهُ الناهي عدى عَنهُ. واذا اخْتلفُوا فِي الشَّيْء لم يكون تعرفوا ذَلِك بهَا. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم} . أَي: أسهموا عَلَيْهَا أَيهمْ يكفلها. واذا أَرَادوا أَن يعرفوا حَظّ كل امرىء من الشَّيْء يكون بَين جمَاعَة تعرفوا ذَلِك مِنْهَا وَهُوَ معنى الاستقسام. انما هُوَ طلب معرفَة الْقسم بهَا وَهُوَ النَّصِيب. وَكَانَ مَذْهَب مُحَمَّد فِي انكاره عَلَيْهِ الاقراع ان يزِيد من رأى زِيَادَته بِلَا اقراع. وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن سِيرِين انه كَانَ يَقُول: اني اعْتبر الحَدِيث. يرويهِ عَفَّان عَن سليم عَن ابْن عون. قَوْله: أعتبر الحَدِيث يُرِيد: أَنه يعبر الرُّؤْيَا على الحَدِيث. ويجعله لَهَا اعبتارا كَمَا يعْتَبر الْقُرْآن فِي تَأْوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 الرُّؤْيَا فتعبر عَلَيْهِ. وَمِنْه الْعبْرَة فِي الْأَمر. والعابر: النَّاظر فِي الشىء. ذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: سَمِعت عجوزا لنا تَقول أعتبر الْكتاب قبل أَن تَقْرَأهُ وَأنْشد لرؤبة وَذكر رسم دَار: من الرجز ... يُبْدِي لعَيْنِي عَابِر تفهمه ... مَا فِيهِ الا أَنه يترجمه ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن سِيرِين أَنه قَالَ: لنا رِقَاب الارض لَيْسَ للتناء فِيهَا شَيْء. يرويهِ أَزْهَر عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد. وَقَوله: لنا رِقَاب الارض يَعْنِي أَنه مَا كَانَ من أَرض الْخراج فَهُوَ للْمُسلمين لَيْسَ لأَصْحَابه الَّذين كَانُوا قبل الاسلام فِيهِ شىء وَذَلِكَ لِأَنَّهَا افتتحت عنْوَة. وَلذَلِك نهى بَعضهم عَن شِرَاء أَرض الْخراج وَبَيْعهَا. وَقد رخص فِيهِ قوم. وَيُقَال: تنأث الْبَلَد فَأَنا تانىء بِهِ مَهْمُوز. قَالَ أَبُو زيد: تَقول ثنأت بِالْبَلَدِ تنؤا اذا أوطنته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 - حَدِيث ابْن ابراهيم النَّخعِيّ وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: ان كَانُوا ليكرهون أَخْذَة كأخذة الأسف. يرويهِ عبد الل هـ بن الْمُبَارك عَن مَالك بن معول عَن طَلْحَة. قَوْله: أَخْذَة الأسف. يُرِيد: موت الْفُجَاءَة. والأسف الْغَضَب. قَالَ الله جلّ وَعز: {فَلَمَّا آسفونا انتقمنا مِنْهُم} أَي: أغضبونا. وَسُئِلَ رَسُول الله عَن موت الْفُجَاءَة فَقَالَ: رَاحَة لِلْمُؤمنِ وَأَخْذَة أَسف للْكَافِرِ. وَفِي حَدِيث آخر قيل لَهُ مَاتَ فلَان فَقَالَ: أَلَيْسَ كَانَ عندنَا آنِفا فَقَالُوا بلَى. قَالَ: سُبْحَانَ الله كَأَنَّهَا أَخْذَة على غضب والمحروم من حرم وَصيته. وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ فِي الرجل يسْتَحْلف ان كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 مَظْلُوما فورك الى شىء يجزى عَنهُ وان كَانَ ظَالِما لم يجز عَنهُ التوريك. حَدَّثَنِيهِ خَالِد بن مُحَمَّد قَالَ: حدّثنَاهُ اسماعيل بن سِنَان عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن حَمَّاد عَن ابراهيم. قَوْله: فورك الى الشَّيْء يُرِيد: ذهب فِي يَمِينه الى معنى غير معنى المستحلف جزى عَنهُ اذا كَانَ مَظْلُوما وَهُوَ من قَوْلك: ورك فلَان ذَنبه على فلَان أَي: حمله عَلَيْهِ. وَقَالَ سَاعِدَة بن جؤية الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل ... فورك لينًا لَا يثمثم نصله ... اذا صاب أوساط الْعِظَام صميم ... قَالَ الْأَصْمَعِي: حمل عَلَيْهِم سَيْفا لينًا. والثمثمة: التمتمة والتردد. والصميم: الْخَالِص. وَيُقَال: وركت الْجَبَل توريكا اذا جاوزته. وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: اذا آلتقى الماءآن فقد تمّ الطّهُور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 يرويهِ هِشَام عَن مُغيرَة عَن ابراهيم. قَوْله: اذا التقى الماءآن يُرِيد: اذا أَنْت طهرت العضوين من أعضائك فآجتمع الماءآن فِي الظُّهُور فقد تمّ طهورك للصَّلَاة. وَلَا تبال أَيهمَا قدمت وَأيهمَا أخرت. ان قدمت الْأَيْمن مِنْهُمَا فَجَائِز وان قدمت الْأَيْسَر فَجَائِز. وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب انه قَالَ: مَا أُبَالِي بِأَيّ أعضائي بدأت اذا أتممت الْوضُوء. وانه بلغه عَن أبي هُرَيْرَة انه كَانَ يبْدَأ بميامنه فِي الْوضُوء فَبَدَأَ بمياسره. وَهَذَا فِي العضوين الْمَذْكُورين فِي كتاب الله مَعًا مثل الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ لِأَنَّهُ قَالَ: فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ الى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم الى الْكَعْبَيْنِ. فَلم يقدم يَمِينا على يسَار وَلَا يسارا على يَمِين. فَأَما غير ذَلِك فان مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ يريان أَن من بَدَأَ بيدَيْهِ قبل وَجهه أَو برجليه قبل رَأسه فَعَلَيهِ الاعادة. وَأَنه لَا يتم لَهُ الْوضُوء لَا بِتَقْدِيم مَا قدم على مَا أخر. وَأَصْحَاب الرَّأْي يرَوْنَ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَاحِدًا ويحتجون بقول ابراهيم فِي حَدِيث آخر: مَا أصابة المَاء من مَوَاضِع الْوضُوء فقد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 طهر. وَيَقُول الْحسن: لَا بَأْس على من قدم من وضوئِهِ شَيْئا قبل شىء ويحتجون بِالنّظرِ بموافقة من خالفهم على أَن الغاط فِي المَاء اذا نوى الْوضُوء أَجزَأَهُ وَقد بَدَأَ برجليه قبل راسه وَيَديه. وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم انه قَالَ: اذ دخلت عدَّة فِي عدَّة أَجْزَأت احداهما. يرويهِ هِشَام عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن أبي معشر عَن ابراهيم. قَوْله: اذا دخلت عدَّة أَجْزَأت احداهما. يُرِيد: اذا لَزِمت الْمَرْأَة عدتان من مَاء وَاحِد فِي حَال أحزأت وَاحِدَة عَن الْأُخْرَى. كَرجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي عدتهَا وفانها تَعْتَد أقْصَى العدتين ان كَانَ ثَلَاث حيض أَكثر اعْتد ت ثَلَاث حيض. هَذَا قَول الثَّوْريّ. فَأَما مَالك فانه كَانَ يرى عَلَيْهَا أَن تتمّ ثَلَاث حيض عدَّة الْمُطلقَة. وَلَا يرى عَلَيْهَا من الْأَشْهر شَيْئا. وكرجل طلق عِنْد كل حَيْضَة تَطْلِيقَة فانها تَعْتَد من الطَّلَاق الأول وَلَيْسَ عَلَيْهَا عِنْد التطليقة الثَّالِثَة أَن تسأنف الْعدة. فان وَجب على الْمَرْأَة عدتان من مائين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 لم يجزها وَاحِدَة من الْأُخْرَى كَرجل غَابَ عَن امْرَأَته فبلغها انه قد مَاتَ فَتزوّجت وَدخل بهَا الزَّوْج ثمَّ قدم زَوجهَا الأول فَلَمَّا بلغه أَنَّهَا قد نكحت طَلقهَا فعلَيْهَا مِنْهُمَا عدتان لَا تجزى وَاحِدَة عَن الْأُخْرَى. وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه لم يكن يري بالتتمير بَأْسا يرويهِ شريك عَن أبي حَمْزَة عَن ابراهيم. التتمير: صفيف الْوَحْش أرادر أَنه لَا بَأْس أَن يتزوده الْمحرم أَو يَأْكُلهُ. يُقَال: تمرت اللَّحْم فَأَنا أتمره تتميرا. قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ أَبُو كَاهِل الْيَشْكُرِي: من الْبَسِيط ... لَهَا اشارير من لحم تتمره ... من الثعالي ووخز من أرانيها ... أَرَادَ من الثعالب وَمن أرانبها فأبدل يَاء من الْبَاء انما يجوز هَذَا من ابدال الْبَاء فِي مَوضِع الْخَفْض واذا كَانَ مَا قبل الْمُبدل مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 مسكورا. وَمِنْه قَول الآخر: من الرجز ... ولضفادي جمه نقانق ... أَرَادَ الضفادع. وَكَانَ الزبير يتزود صفيف الْوَحْش وَهُوَ محرم أَي: قديده. وَقَالَ فِي حَدِيث ابرهيم انه قَالَ فِي الْأَعْضَاء اذا انجبرت إِلَى غير عثم صلح واذا انجبرت على عثم فَالدِّيَة. يرويهِ وَكِيع عَن أَبِيه عَن رجل عَن ابراهيم. . العثمهو أَن ينجبر على غير اسْتِوَاء. يُقَال: عثمت يَد الرجل تعثم وعثمتها انا وأجرت يَده تأجر أجرا وأجورا. وآجرتها أَنا ائتجارا. وَذَلِكَ أذا جبرتها وَلم تحكم فَبَقيت فِي الْعظم عقدَة. قَالَ الرَّاعِي للأخطل: من الطَّوِيل ... أَبَا مَالك لَا تنطق الشّعْر بعْدهَا ... واعط القياد اذ عثمت على كسر ... وَهَذَا مَذْهَب قوم من الْعِرَاقِيّين فِي الْعمد وَالْخَطَأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 وَأما مَالك فَالْأَمْر عِنْده ان من كسر عظما من الْجَسَد يدا أَو رجلا اَوْ غير ذَلِك عمدا أقيد مِنْهُ وَلم يعقل وان كَانَ خطأ فبرأ وَصَحَّ وَعَاد لهيئته فانه لَا عقل فِيهِ وان نقص أَو صَار فِيهِ عثم فَفِيهِ من عقله بِحِسَاب مَا نقص. وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: التَّكْبِير جزو وَالْقِرَاءَة جزم وَالتَّسْلِيم جزم. يرويهِ أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن ابراهيم. أصل الْجَزْم الْقطع. وَمِنْه يُقَال: جذمت على فلَان بِكَذَا أَي قطعت عَلَيْهِ. وأجزم عَلَيْهِ أَي أقطع. وَكَذَلِكَ: جزمت وخذمت وجذذت وحذفت وجدفت. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: كَأَنِّي بِالتّرْكِ قد أتتكم على براذين مخذمة الآذان وانما قيل للْفِعْل مجزوم اذا لم يلْزمه الاعراب لذَلِك. كَأَنَّهُ مَقْطُوع عَن الاعراب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 وَأَرَادَ ابراهيم بقوله: الْقِرَاءَة جزم أَي لَا تمد الْمَدّ المفرط وَلَا تهمز الْهَمْز الْفَاحِش كنحو قِرَاءَة قوم. وَبَلغنِي أَن الْكسَائي حج مَعَ الْمهْدي فقدمه بِالْمَدِينَةِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فهمز فَأنْكر ذَلِك أهل الْمَدِينَة وَقَالُوا: ينبر فِي مَسْجِد النبى بِالْقُرْآنِ كَأَنَّهُ ينشد الشّعْر. وَذكر جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه انه كره الْهَمْز فِي الْقُرْآن. وَأَرَادُوا أَن تكون الْقِرَاءَة سهلة رسلة. وَكَذَلِكَ التكيبر وَالتَّسْلِيم لَا يمد فِيهَا وَلَا يتَعَمَّد الاعراب المشبع. وَمثل ذَلِك قَوْلهم: الأذآن جزم. وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: كَانَ الْعمَّال يهمطون ثمَّ يدعونَ فيجابون. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن مَنْصُور عَن ابراهيم. قَوْله: يهمطون من الهمط وَهُوَ الظُّلم والخبط. يُقَال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 همطت أهمط همطا. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: اهتمط فلَان غَرَض فلَان اذا شَتمه وتنقصه. وَأَرَادَ ابراهيم أَن الْعمَّال كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك ثمَّ يدعونَ الى طعامهم فيجابون. وَقد رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود: انه رخص فِي اجابة طلب الرِّبَا اذا هُوَ دَعَا وَأكل طَعَامه. وَقَالَ: لَك المهنأ وَعَلِيهِ الوز رأو نَحوه من الْكَلَام. وَأكْثر النَّاس على التَّنَزُّه عَمَّا فِيهِ شُبْهَة. وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: الْخلْع تَطْلِيقَة بَائِنَة وَهُوَ مَا دون عقَاص الراس. يرويهِ عبد الرزاق عَن معمر عَن مُعَاوِيَة عَن ابراهيم. قَوْله: مَا دون عقَاص الرَّأْس يُرِيد: أَن المختلعة ان افتدت نَفسهَا من زَوجهَا بِجَمِيعِ ماتملكه كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ مَا دون شعرهَا من جَمِيع ملكهَا. وَهَذَا مَذْهَب يذهب اليه بعض الْفُقَهَاء ويؤثر نَحوه عَن عمر وَعَن عُثْمَان. وَبَعْضهمْ يَقُول: لَيْسَ للزَّوْج أَن يَأْخُذ مِنْهَا أَكثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 مِمَّا أَعْطَاهَا وروى ذَلِك عَن: عَليّ وَالْحسن وطاووس وَالزهْرِيّ وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: لم يطلع سُهَيْل الا فِي الاسلام. قَالَ أَبُو حَاتِم: ذكرت ذَلِك للأصمعي فَقَالَ: كَيفَ ذَا وَقد قَالَ المتلمس وَهُوَ جاهلي لم يدْرك الاسلام: من الْبَسِيط ... وَقد ألاح سُهَيْل بَعْدَمَا هجعوا ... كَأَنَّهُ ضرم بالكف مقبوس ... وَقَالَ: الاح تلألأ كَأَنَّهُ يَتَحَرَّك ولاح: ظهر وبدا. وَقد قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لعن الله سهيلا كَانَ عشارا بِالْيمن فمسخه الله شهابا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 - حَدِيث سعيد بن جُبَير وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن جُبَير انه قَالَ: الشُّهَدَاء ثنية الله. يرويهِ شَبابَة عَن شُعْبَة عَن عمَارَة بن أبي حَفْصَة عَن حجر المدري عَن سعيد بن جُبَير. قَوْله: ثنية الله يَعْنِي: من اسثناه الله فِي الصعقة حِين قَالَ: {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} . وَتقول: هَذَا ثنيتي من كَذَا أَو كَذَا أَي: مَا استثنيته. حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: سَأَلت ابْن عمرَان القَاضِي عَن رجل وقف وَقفا واسثنى مِنْهُ فَقَالَ: لَا يجوز الْوَقْف اذا كَانَت فِيهِ ثنية. وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن جُبَير انه قَالَ: خلق الله آدم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 دحناء. وَفِي حَدِيث آخر: وَمسح ظَهره بنعمان السَّحَاب. حدّثنَاهُ بشر بن آدم قَالَ: حدّثنَاهُ أَبُو أَحْمد عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير. دحناء أَرض يُقَال ان الله خلق آدم مِنْهَا. وَقَوله: وَمسح ظَهره بنعمان السَّحَاب. ونعمان: جبل فِي الغرب من غرفَة. وَبَلغنِي انه يتَّصل بوادي الْقرى ونواحيه وهما جبلان يُقَال لَهما جبلا نعْمَان. وَنسبه الى السَّحَاب لِأَنَّهُ مشرف فالسحاب يركد عَلَيْهِ ويعلوهما. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... أيا جبلى نعْمَان بِاللَّه خليا ... ريَاح الصِّبَا يخلص الي نسيمها وَفِي حَدِيث آخر لِلْحسنِ: أَنه: خلق جؤجؤه من نقا ضرية أَي: خلق صَدره عَلَيْهِ السَّلَام من رمل ضرية. وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن جُبَير أَنه أَتَى بِهِ الْحجَّاج وَفِي عُنُقه زمارة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 الزمارة: الساجور. قَالَ الشَّاعِر وَكَانَ مَحْبُوسًا: من المتقارب ... ولي مسمعان وزمارة ... وظل مديد وحصن أمق ... والأمق: الْمُرْتَفع. وَالرجل الأمق وَالْفرس الأمق: الطَّوِيل. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت عقبَة بن رؤبة يصف فرسا فَقَالَ: ... أمق أشق خبق ... وَقَالَ الْمُنْذر لِضِرَار بن عَمْرو: مَا الَّذِي نجاك يَوْم كَذَا فَقَالَ: تَأْخِير الْأَجَل واكراهي نفسى على المق الطوَال. وَكَانَ بنوه استشالوه حَتَّى ركب فرسه. مسمعان قيدان لصوتهما. والزمارة فِي الْبَيْت الغل سَمَّاهُ زمارة تَشْبِيها بالساجور لِأَنَّهُمَا فِي الْعُنُق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 الأشق الطَّوِيل والخبق أَيْضا الطَّوِيل. وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ فِي الصلب الدِّيَة. يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن يعلي بن عَطاء عَن عبد الله بن مُسلم عَن سعيد بن جُبَير. فِي هَذَا قَولَانِ أَحدهمَا: انه اراد ان كسر الصلب فحدب الرجل فَفِيهِ الدِّيَة. وَالْآخر انه أَرَادَ ان أُصِيب الرجل بِشَيْء ذهب بِهِ الْجِمَاع فَلم يقدر عَلَيْهِ كَانَ على الْجَانِي الدِّيَة. فَسمى الْجِمَاع صلبا لِأَن الْمَنِيّ يخرج مِنْهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 - حَدِيث الشّعبِيّ عَامر بن شرَاحِيل وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ: مَا طلع السماك قطّ الا غارزا فِي برد. يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن رجل عَن الشّعبِيّ. السماك: نجم. وهما سماكان احدهما: السماك الأعزل. وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الشّعبِيّ. وَالْآخر: السماك الرامح. وانما قيل لَهُ: رامح لكوكب بَين يَدَيْهِ صَغِير يُقَال لَهُ: راية السماك. وَقيل للْآخر: أعزل لِأَنَّهُ لَا شىء بَين يَدَيْهِ. والأعزل الَّذِي لَا سلَاح مَعَه. قَالَ ذَلِك أَبُو زيد. وَقَالَ الأميل الَّذِي لَا سيف مَعَه. والأجم لَا رمح مَعَه والأكشف الَّذِي لَا ترس مَعَه. وطلوع السماك الأعزل لخمس لَيَال تَخْلُو من تشرين الأول. وَفِي ذَلِك الْوَقْت يذهب الْحر كُله وَيبدأ شىء من الْبرد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: سَمِعت أَيُّوب بن مُوسَى يَقُول: اذا طلع السماك ذهبت العكاك وَبرد مَاء الحمقاء. والعكاك جمع العكة وَهِي الْحر من غير ريح. يُقَال: يَوْم عك بَين العكيك. قَالَ طرفَة: من الرمل ... تطرد القر بَحر سَاكن ... وعكيك القيظ ان جَاءَ بقر ... وانما خص الحمقاء فِي هَذَا الْوَقْت لِأَنَّهَا لَا تبرد المَاء. يَقُول: فالبرد يَنَالهُ وان لم تبرد. وَقَوله: الا غارزا ذَنبه وَهُوَ لَا ذَنْب لَهُ. وانما هَذَا تَمْثِيل وتشبيه. وَأَصله: من غرز الْجَرَاد ذَنبه اذا أَرَادَ أَن يبيض. وَالْعرب أَيْضا تَقول: لَا يطلع السماك الا وَهُوَ ماد عُنُقه فِي حرَّة. وَأكْثر من قَوْلهم: غارز ذَنبه وماد عُنُقه فِي التَّشْبِيه والتمثيل قَول الآخر: من الرجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 .. اذا رَأَيْت أنجما من الْأسد ... جَبهته أَو الخراة والكتد بَال سُهَيْل فِي الفضيخ ففسد ... وطاب ألبان اللقَاح فبرد ... لما كَانَ الفضيخ يفْسد عِنْد طُلُوع هَذِه الأنجم أَي يبطل. وَكَأن الشَّرَاب يفْسد بِأَن يبال فِيهِ. جعل سهيلا كَأَنَّهُ بَال فِيهِ. وَذَهَاب الفضيخ يكون فِي هَذَا الْوَقْت لِأَنَّهُ يتَّخذ من الْبُسْر. والبسر يصير فِي هَذَا الْوَقْت رطبا. وَسُهيْل يطلع من طُلُوع الْجَبْهَة وَذَلِكَ لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة تَخْلُو من آب. والنؤ للسماك الأعزل وَهُوَ أحد الثَّمَانِية وَالْعِشْرين الَّتِي ينزل الْقَمَر كل لَيْلَة وَاحِدًا مِنْهَا. فَأَما السماك الرامح فَلَا نوء لَهُ وَلَا هُوَ من الْمنَازل. وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ أَنه ذكر الرافضة فَقَالَ: لَو كَانُوا من الطير لكانوا رخما وَلَو كَانُوا من الدَّوَابّ كَانُوا حمرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن خَالِد بن خِدَاش قَالَ: حَدثنَا مُسلم بن قُتَيْبَة عَن مَالك بن مغول عَن الشّعبِيّ. انما خص الرخم من بَين الطير لِأَنَّهَا ألأم الطير وأظهرها موقا وأقذرها طعما. وَالْعرب تضرب بهَا الْمثل فِي الموق. قَالَ الْكُمَيْت يهجو رجلا: من مجزوء الْكَامِل أنشأت تنطق فِي الْأُمُور كوافد الرخم الدَّوَائِر. ... اذ قيل: يَا رخم انْطِقِي ... فِي الطير انك شَرّ طَائِر فَأَتَت بِمَا هِيَ أَهله ... والعي من شلل المحاور ... الدَّوَائِر الَّتِي تَدور اذا حلقت. وَقَوله: اذا قيل يَا رخم انْطِقِي أَرَادَ قَول النَّاس: انك من طير الله فانطقي. وَجعل العي كالشلل. وَأما قذر طعمها فانها تَأْكُل الْعذرَة. وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر: من الرجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 .. يَا رخما قاظ على ينكوب ... يعجل كف الخارىء المطيب ... وَقَالَ الْكُمَيْت: من الوافر ... وَذَات اسْمَيْنِ والألوان شَتَّى ... تحمق وَهِي كيسة الحويل ... يَعْنِي: الرخمة وَهِي تسمى أنوقا ورخمة. والحويل: الْحِيلَة. بَلغنِي عَن الْمفضل الضَّبِّيّ انه قَالَ: قلت لمُحَمد بن سهل راوية الْكُمَيْت الشَّاعِر أَي كيس عِنْدهَا. وَنحن لَا نَعْرِف طائرا أموق مِنْهَا فَقَالَ: وَمَا موقها وَهِي تحضن بيضها وتحمي فرخها وتحب وَلَدهَا وَلَا تمكن الا زَوجهَا وتقطع فِي أول القواطع وَترجع فِي أول الرواجع وَلَا تطير فِي التحسير وَلَا تغتر بالشكير وَلَا ترب بالوكور وَلَا تسْقط على الجفير. أما قَوْله: لَا تقطع فِي أول القواطع وَترجع فِي أول الرواجع فان الصيادين انما يطْلبُونَ الطير بعد أَن يعلمُوا أَن القواطع قد قطعت فتقطع فتقطع الرخمة أَولا فتنجو. يُقَال: قطعت الطير قطاعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 اذا قطعت من بلد الى بلد وَقطع الْبَلَد قطوعا وَقطع الْأَدِيم قطعا. وَقَوله: وَلَا تطير فِي التحسير يُرِيد أَنَّهَا تدع الطيران أَيَّام التحسير كلهَا. فاذا نبت الشكير وَهُوَ صغَار الريش لم يتحامل بِهِ كَمَا يفعل بعض الطير وَلكنهَا تنْتَظر حَتَّى يصير للريش قصب ثمَّ تطير. وَقَوله: وَلَا ترب بالوكور. يُقَال: أرب فلَان بِالْمَكَانِ وألب بِهِ اذا أَقَامَ فِيهِ. ووكور الطير يكون فِي عرض الْجَبَل. يَقُول: فَهِيَ لَا ترْضى بمواضع الوكور فتبيض فِيهَا. وَلكنهَا تبيض فِي أعالي الْجبَال حَيْثُ لَا يبلغهُ انسان وَلَا سبع وَلَا طَائِر. وَلذَلِك يُقَال فِي الْمثل: دونه بيض الأنوق أذا كَانَ لَا يُوصل اليه. وَكَذَلِكَ يُقَال: دونه النَّجْم ودونه العيوق. وَقَالَ الْكُمَيْت: من الطَّوِيل ... وَلَا تجعلوني فِي رجائي ودكم ... كراج على بيض الأنوق احتبالها ... يَقُول: لَا تجعلوني كمن رجا مَا لَا يكون. واحتبالها: صيدها بالحبالة. يُرِيد: انه من رجا أَن يصيدها على بيضها فقد قدر مَا لَا يكون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 وَقَوله: وَلَا تسْقط على الجفير وَهِي الجعبة. يَقُول: لَا تسْقط فِي مَوضِع ترَاهَا فِيهِ لِأَنَّهَا تعلم ان فِيهَا سهاما. وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه أُتِي بِهِ الْحجَّاج فَقَالَ: اخرجت عَليّ يَا شعبي فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير اجذب بِنَا الجناب وأحزن بِنَا الْمنزل واستحلسنا الْخَوْف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم يكن فِيهَا بررة أتقياء وَلَا فجرة أقوياء. قَالَ: لله أَبوك ثمَّ أرْسلهُ. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم سهل قَالَ: حَدثنَا الْأَصْمَعِي عَن عُثْمَان الشحام انه قَالَ: الجناب مَا حول الْقَوْم. يقا ل: اخصب جناب الْقَوْم واجدب جنابهم. وَمِنْه قَول مُجَاهِد: ان لأهل النَّار جنابا يستريحون اليه فاذا أَتَوْهُ لسعتهم عقارب كأمثال البغال الدلم. وأحزن بِنَا الْمنزل وَهُوَ من الحزونة وَهُوَ غلظ الْمَكَان وخشونته. وَقَوله: استحلسنا الْخَوْف من الحلس الَّذِي يبسط فِي الْبَيْت وَيقْعد عَلَيْهِ وَمِنْه قيل فِي الحَدِيث: كن جلس بَيْتك يَعْنِي فِي الْفِتْنَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 وَقَالَ جَابر بن عبد الله: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَرَرْت على جِبْرِيل لَيْلَة أسرِي بِي كالحلس الْبَالِي من خشيَة الله. والحلس كسَاء يكون تَحت برذعة الْبَعِير أَي: صَار الْخَوْف لنا حلسا والسهر لنا كحلا. أصابتنا خزية أَي: خصْلَة خزينا مِنْهَا أَي: استحيينا. يُقَال: خزي فلَان يخزي خزاية. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... فَانِي - بِحَمْد الله - لَا ثوب عَاجز لبست وَلَا من خزية أتقنع ... وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ أَنه قَالَ: الرجل جَبَّار. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ: حدّثنَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن أبي فَرْوَة عَن الشّعبِيّ. قَوْله: الرجل جَبَّار. يُرِيد الدَّابَّة اذا كَانَ عَلَيْهَا رَاكب فرمحت أَو نفجت برجلها فَذَلِك هدر لَا شَيْء على الرَّاكِب فِيهِ. يَقُول: لِأَنَّهُ من وَرَائه فَلَيْسَ يرَاهُ وَلَا يملك دَفعه. فَأَما مَا جنته بمقاديمها من وَطْء أَو وعض أَو غير ذَلِك فَهُوَ لَهُ ضَامِن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 فَهَذَا راي الْكُوفِيّين. وَأما مَالك وَالشَّافِعِيّ فانهما قَالَا يضمن قائديها وسائقيها وراكبيها مَا أَصَابَت بيد أَو فَم أَو رجل أَو ذَنْب. قَالَ الشَّافِعِي: وان جمحت بِهِ أَو غلبته فَهُوَ ضَامِن. وَقَالَ مَالك: لَا يضمن اذا غلبته. قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِي: وَأما قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: العجماء جَبَّار فانها كل بَهِيمَة أفسدت شَيْئا أَو أتلفته وَلَيْسَ مَعهَا قَائِد وَلَا سائق وَلَا رَاكب. قَالَ: وَهَذَا مطرد الا فِي مَوضِع وَاحِد خصّه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذ قَالَ: وَمَا افسدت الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فضمان ذَلِك على أَهلهَا وَمَا خلا هَذِه فَهُوَ جَبَّار. كتب الي الرّبيع بن سُلَيْمَان يُخْبِرنِي بِهِ عَن الشَّافِعِي. وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه كَانَ اذا سُئِلَ عَن معضلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 قَالَ زباء ذَات وبر أعيت قائدها وسائقها لَو ألقيت على أَصْحَاب مُحَمَّد لأعضلت بهم. يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن شبْرمَة عَن الشّعبِيّ. قَوْله: زباء ذَات وبر يُرِيد: انها مَسْأَلَة شاقة صعبة. وَضرب الزباء من الابل لَهَا مثلا. وَيُقَال فِي الْمثل: كل أزب نفور: وَقَالَ زيد الْخَيل: من الوافر ... فحاد عَن الطعان أَبُو أَثَال ... كَمَا حاد الأزب عَن الظلال ... وَفِي بَيت آخر: من الوافر كَمَا حاد الأزب عَن الظعان ... والظعان: وَهُوَ حَبل يشد بِهِ الهودج. والأزب من الابل يكثر شعر حاجبيه فَهُوَ يرَاهُ فينفر. وَقَوله: لأعضلت بهم أَي: اشتدت عَلَيْهِم. وَمِنْه يُقَال: دَاء عضال أَي: شَدِيد. وَأما قَول عمر: اعوذ بِاللَّه من كل معضلة لَيْسَ لَهَا أَبُو حسن يَعْنِي عليا. فانها من عضلت الْمَرْأَة اذا نشب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 الْوَلَد وَلم يخرج مِنْهُ الا قَلِيل وَبَقِي سائره مُعْتَرضًا. وَمِنْه قَول الشَّاعِر: من الْكَامِل ... واذا الْأُمُور أهم غب نتاجها ... يسرت كل معضل ومطرق ... فالمعضل مَا ذَكرْنَاهُ. والمطرق من قَوْلهم: طرقت القطاة اذا حَان خُرُوج بيضها فعسر عَلَيْهَا. يضْرب مثلا لكل أَمر يضيق. يُقَال: أَمر مطرق معضل. وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ لأبي الزِّنَاد: تَأْتِينَا: بِهَذِهِ الْأَحَادِيث قسبة وتأخذها منا طازجة. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن خَالِد عَن سلم بن قُتَيْبَة وَعَن وهب بن حبيب عَن الشّعبِيّ. قَوْله: قسية: أَي: ردئية. يُقَال: دِرْهَم قسي اذا كَانَ ردئيا. وَيُقَال أَصله: فَارسي. فعرب. وَيُقَال:: بل هُوَ: فعيل من الْقَسْوَة أَي: فضته صلبة رَدِيئَة لَيست بلينة. وَقَوله: تأخذها طازجة أَي: خَالِصَة صحاحا نقاء وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 بِالْفَارِسِيَّةِ: اعراب تازه. وَهُوَ الشَّيْء الْخَالِص وَهُوَ الشَّيْء الطري. وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ: لِأَن أتعنى بعنية أحب الي من أَن أَقُول فِي مسئلة برأيي. يرويهِ وَكِيع عَن عِيسَى عَن الشّعبِيّ. العنية: أخلاط تنقع فِي أَبْوَال الأبل وتترك حينا ثمَّ تطلى بهاالابل من الجرب. وَيُقَال للرجل اذا كَانَ جيد الرَّأْي: عنية تشفي الجرب. وانما سميت عنية لطول الْحَبْس وكل شَيْء حَبسته طَويلا فقد عنيته. وَمِنْه قَول الْهُذلِيّ فِي وصف خمر: من الطَّوِيل ... وعنتها الزقاق وقارها ... أَي: حبستها فِيهَا وَمِنْه قيل للأسير: عان. وَكَانَ الشّعبِيّ يَقُول: مَا شَيْء أبْغض الي من أَرَأَيْت. وَحدثنَا الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن عمر بن أبي زَائِدَة قَالَ: قيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 لِلشَّعْبِيِّ: ان هَذَا لَا يجىء فِي الْقيَاس فَقَالَ: أير فِي الْقيَاس. وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ: الشُّفْعَة على رُؤُوس الرِّجَال. يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أَشْعَث عَن الشّعبِيّ. معنى هَذَا أَن تكون الدَّار بَين جمَاعَة مختلفي السِّهَام فيبيع وَاحِد مِنْهُم فَيكون مَا بَاعَ لشركائه بَينهم سَوَاء على رؤوسهم لَا على سِهَامهمْ. وَكَانَ عَطاء يَقُول: الشُّفْعَة بِالْحِصَصِ. يُرِيد: أَن مَا بَاعَ شريكهم بيهم لكل وَاحِد مِنْهُم على قدر سهامه. وَقَالَ الشّعبِيّ: الْعقل على رُؤُوس الرِّجَال ي يُرِيد: انه لَا ينظر الى الأعطية فَيلْزم الرجل على قدر عطائه وَلَكِن يلزمون الْعقل على الرؤوس. وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ: فِي السقط اذا انكس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 فِي الْخلق الرَّابِع وَكَانَ مخلقا عتقت بِهِ الْأمة وَانْقَضَت بِهِ عدَّة الْحرَّة. يرويهِ هِشَام عَن دَاوُد عَن الشّعبِيّ نكس أَي: قلب فِي الْخلق الرَّابِع. وَهُوَ المضغة. وَذَلِكَ لِأَن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول: {فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب} فَهَذِهِ حَال {ثمَّ من نُطْفَة} فَهَذِهِ حَال ثَانِيَة. ثمَّ من علقَة فَهَذِهِ حَال ثَالِثَة. ثمَّ من مُضْغَة مخلفة وَغير مخلقة فَهَذِهِ حَال رَابِعَة. والمخلقة: التَّامَّة الَّتِي قد تبين خلقهَا. وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ: أُغمي على رجل من جُهَيْنَة فِي بَدْء الاسلام فظنوا أَنه قد مَاتَ وَهُوَ جُلُوس حوله وَقد حفروا لَهُ اد أَفَاق فَقَالَ: مَا فعل القصل قَالُوا مر بِنَا السَّاعَة فَقَالَ: أما انه لَيْسَ عَليّ بَأْس اني أتيت حَيْثُ رَأَيْتُمُونِي أُغمي عَليّ. فَقيل لي: لأمك هُبل الا ترى حفرتك تنثل أرأريت ان حولناها عَنْك بمحول ودفنا فِيهَا قصل الَّذِي مَشى فخزل أتشكر لِرَبِّك وتصلى وَتَدَع سَبِيل من أشرك وضل قلت: نعم فبرأ وَمَات القصل فَجعل فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 حدثت بِهِ عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن اسماعيل بن أبي خَالِد عَن فراس عَن الشّعبِيّ. الهبل: الثكل. وَمِنْه قَول الْقطَامِي: من الْبَسِيط ... وَالنَّاس من يلق خيرا قَائِلُونَ لَهُ ... مَا يَشْتَهِي ولأم المخطىء الهبل ... وَقَوله: تنثل أَي: يسْتَخْرج ترابها. يُقَال: نثلت الرَّكية والنثيلة مَا أخرج من تُرَاب الْبِئْر. وَقَوله: حولناها عَنْك بمحول يُرِيد: حولنا عَنْك هَذِه الحفرة الى غَيْرك. والمحول: مفعل من التَّحَوُّل كَأَنَّهُ آلَة وأداة لَهُ. وَمن رَوَاهُ بمحول فانه أَرَادَ مَوضِع التَّحَوُّل. وَقَوله: الَّذِي مَشى فخزل أَي تفكك فِي مشيته. وَيُقَال لَهَا: المشية الخيزلي والخوزلى والخوزرى والخيزرى. وَأنْشد الْفراء: من الرجز ... والناشئات الماشيات الخوزرى ... وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ أَنه قَالَ: اذا ورثت الْمَرْأَة اعْتدت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 وَقَالَ: بَاب من الطَّلَاق. يرويهِ يحيى بن زَكَرِيَّاء بن أبي زَائِدَة عَن أَبِيه عَن الشّعبِيّ. وَتَفْسِيره: ان الرجل اذا طلق امْرَأَته وَهُوَ مَرِيض قبل أَن يدْخل بهَا ثمَّ مَاتَ فِي مَرضه فانها تَعْتَد مِنْهُ لِأَنَّهَا تَرثه. وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذَا فَذهب قوم الى مَا قَالَه الشّعبِيّ مِنْهُم: مَالك. وَقَالَ الثَّوْريّ: لَيْسَ بَينهمَا مِيرَاث لِأَنَّهَا لَا عدَّة عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ الرجل يُطلق امْرَأَة قد دخل بهَا فِي مَرضه ثمَّ يَمُوت بعد انْقِضَاء عدَّة الطَّلَاق بذلك الْمَرَض فان الشّعبِيّ: ان يُورثهَا مَا لم تتَزَوَّج: فاذا ورثت أوجب عَلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة. وَهُوَ قَول مَالك. وَأما الثَّوْريّ وَأَصْحَاب الرَّأْي فَكَانُوا يورثونها مَا كَانَت فِي الْعدة فاذا انْقَضتْ الْعدة لم يورثوها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قضى بِشَهَادَة القائس مَعَ يَمِين المشجوج. يرويهِ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن حَفْص بن مَيْمُون. القائس هُوَ الَّذِي يقيس الشَّجَّة بالملمول أَو غَيره ويتعرف مقدارها ليحكم فِيهَا بعقلها. وَكَانَ بعض الْفُقَهَاء يَجْعَل هَذَا الحَدِيث حجَّة فِي الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وباليمين. وانما كَأَن تكون حجَّة لَو كَانَت شَهَادَة القائس وَيَمِين المشجوج على أَمر وَاحِد وهما على أَمريْن مُخْتَلفين. لِأَن القائس يخبر بِقدر غور الشَّجَّة وَمَا حدث فِي الْقطع وَهُوَ مَقْبُول القَوْل كَمَا يقبل قَول الطَّبِيب. والمشجوج يحلف على من ادّعى عَلَيْهِ الْجِنَايَة وَأرى الشّعبِيّ قد قبل دَعْوَى المشجوج مَعَ يَمِينه على الجناني وَقبل قَول القائس فِي مِقْدَار الشَّجَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 حَدِيث عوذ بن عبد الله بن عتبَة وَقَالَ فِي حَدِيث عون بن عدالله أَنه قَالَ فِي وَصيته لِابْنِهِ وَذكر رجلا بذم فَقَالَ: إِن أفيض فِي الْخَيْر كزم وَضعف واستسلم. وَقَالَ: الصمت حكم. وَهَذَا مَا لَيْسَ لي بِهِ علم. وَإِن أفيض فِي الشَّرّ. قَالَ: يحْسب بى عى فَتكلم فَجمع بَين الأراوي والنعام ولأم مَالا يتلاءم. حدّثنَاهُ اسحق بن رَاهَوَيْه قَالَ: حَدثنَا أَصْحَابنَا عَن الْحجَّاج ابْن مُحَمَّد عَن المسعودى عَن عون فِي وَصِيَّة لِابْنِهِ طَوِيلَة. قَوْله: إِن أفيض فِي الْخَيْر كزم. يُرِيد: إِن تكلم النَّاس فِي الْخَيْر سكت وَسلم لَهُم الْكَلَام. وأصل الكزم ضم الْفَم. وَيُقَال: كزم الشىء إِذا كَسره بِفِيهِ. والكزم بِفَتْح الزاى قصر فِي الفدم. يُقَال: فلَان أكزم الْقدَم. وَقَوله: جمع بَين الأراوي والنعام. يُرِيد: أَكثر الْقَوْم وَلم يتثبت وأحال فَجمع بَين كَلِمَتَيْنِ مختلفتين. حَدَّثَنى أَبُو حَاتِم عَن الأصمعى أَنه قَالَ: فِي الْمثل: مَا يجمع الأروى والنعام يُرَاد كَيفَ يجْتَمع هَذَانِ وَذَلِكَ لِأَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 657 النعام فِي الفيافي والحضيض. والأروى بشعف الْجبَال لَا تسهل. والأروى شَاءَ الْوَحْش. قَالَ طَاوُوس: أهْدى لرَسُول الله أروى وَهُوَ محرم فَردهَا. وَقَوله: لأم مَا لَا يتلأم. أَي: جمع بَين مَا لَا يجْتَمع. يُقَال: لأمت بَينهمَا. أَي: جمعت. وَمِنْه يُقَال: هَذَا بلد لَا يلائمنى وَأمر لَا يلائمني. اي: لَا يوافقنى. فَأَما: يلاومنى فَإِنَّهُ من اللوم أَن تلوم رجلا ويلومك. وَقَالَ فِي حَدِيث عون بن عبد الله أَنه قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا يفرفر الدُّنْيَا فرفرة هَذَا الْأَعْرَج. يعْنى: أَبَا حَازِم. يرويهِ سعيد بن مَنْصُور عَن يَعْقُوب بن عبد الرحمن عَن أَبِيه عَن عون. يفرفر الدُّنْيَا أَي: يخرقها ويشققها. يعْنى: بالذم لَهَا والوقيعة فِيهَا. وَهُوَ كَمَا تَقول: فلَان يقطعنى. تُرِيدُ: بالوقيعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 658 والذم. وَيُقَال: الذِّئْب يفرفر الشَّاة. قَالَ الشَّاعِر: من المنسرح ... ككلب طسم وَقد ترببه ... يعله بالحليب فِي الْغَلَس ظلّ عَلَيْهِ يَوْمًا يفرفره ... إِلَّا يلغ فِي الدِّمَاء ينتهس. ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 659 حَدِيث مطرف بن عبد الله بن الشخير وَقَالَ فِي حَدِيث مطرف بن عبد الله انه قَالَ: من نَام تَحت صدف مائل وَهُوَ ينوى التَّوَكُّل فليرم بِنَفسِهِ من طمار وَهُوَ ينوى التَّوَكُّل. الصدف: الْبناء الْعَظِيم الْمُرْتَفع. وَيُقَال لجنبتي الْجَبَل: الصدفان. قَالَ: وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {حَتَّى إِذا سَاوَى بَين الصدفين} . وطما ر: مكسور بِغَيْر تَنْوِين مثل: قطام ورقاش. وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع. وَأَرَادَ هَاهُنَا: جبلا أَو صومعة عالية. وَنَحْو ذَلِك قَول الشَّاعِر [125 / ب] : من الطَّوِيل ... وَآخر يهوي من طمار قَتِيل ... وَيُقَال: طمر الرجل إِذا وثب من مَوضِع عَال إِلَى أَسْفَل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 660 وَأَرَادَ مطرف: أَنه لَا ينبغى لأحد أَن يعرض نَفسه للمهالك وَيَقُول: قد توكلت على الله لِأَنَّهُ قد أَمر بالحذر. وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعقلها وتوكل. وَقَالَ لرجل سَمعه يَقُول: حسبى الله: ابل عذرا فَإِذا أعجزك أَمر فَقل حسبى الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 661 حَدِيث عَطاء بن أَبى رَبَاح وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء أَنه قَالَ فِي الجدجد يَمُوت فِي الْوضُوء: لَا بَأْس بِهِ. يرويهِ ابْن أَبى زَائِدَة عَن عبد الملك عَن عَطاء. الجدجد: هُوَ هَذَا الذى يصر بِاللَّيْلِ فِي الصَّيف فِيهِ شبه من الْجَرَاد. قَالَ ذُو الرمة (3) : من الطَّوِيل. ... كأنا يغنى بَيْننَا كل لَيْلَة ... جداجد صيف من صرير الْأَوَاخِر ... الْأَوَاخِر: الرّحال. شبه صرير أَوَاخِر الرّحال بصرير الجداجد. وانما رخص عَطاء فِي الْوضُوء بِمَا قد مَاتَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا دم لَهُ. وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ من خشَاش الأَرْض لَا دم لَهُ فَإِنَّهُ لَا ينجس المَاء إِذا مَاتَ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 662 وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء أَنه قَالَ: لَا بَأْس بالشبرق والضغابيس مَا لم تنزعه من أَصله. يرويهِ وَكِيع عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد عَن عَطاء. الشبرق نبت يكون بالحجاز. وأخبرنى أَبُو حَاتِم عَن أَبى ض عُبَيْدَة أَنه قَالَ فِي قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: {لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع} الضريع عِنْد الْعَرَب يَابِس الشبرق. وَهُوَ يُؤْكَل غير أَنه كَمَا ذكر الله تبَارك وَتَعَالَى: {لَا يسمن وَلَا يُغني من جوع} . وَقَالَ الهذلى يصف إبِلا بِسوء الْحَال: من الطَّوِيل. ... وحبسن فِي هزم الضريع فَكلهَا ... حد بَاء دامية الْيَدَيْنِ حرود ... وهزمه: مَا تكسر مِنْهُ. والحرود: الَّتِي لَا تدر. وَقَالَ الهذلى أَيْضا: من الطَّوِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 663 .. ترى الْقَوْم صرعى جثوَة أضجعوا مَعًا ... كَأَن بِأَيْدِيهِم حَوَاشِي شبرق ... وَفِي الشبرق حمرَة فَشبه الدَّم بِهِ. وَأما الضغابيس: فقد ذَكرْنَاهُ فِيمَا تقدم من الْكتاب. وَأَرَادَ عَطاء أَنه لَا بَأْس بِقطع هذَيْن من الْحرم لِأَنَّهُمَا يؤكلان بعد أَن تتْرك أصولهما فِي الأَرْض. وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء أَنه قَالَ: لَا بَأْس بِأَن يتداوى الْمحرم بالسنى والعتر. حَدَّثَنِيهِ شَبابَة بن الْحسن قَالَ: حدّثنَاهُ الْقَاسِم بن الحكم القَاضِي عَن الثَّوْريّ عَن ابْن جريج عَن عَطاء. أما السنى فنبت مَعْرُوف يتداوى بِهِ. وَأما العتر فَإِنِّي سَأَلت عَنهُ الرياشي فَقَالَ لي: سَأَلت عَنهُ الأصمعى فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 664 هُوَ نبت ينْبت مثل المرزنجوش مُتَفَرقًا. وَقَالَ الْهُذلِيّ وَذكر قومه وعليتهم عَنهُ بِمصْر من الطَّوِيل ... وَمَا كنت أخْشَى أَن أكون خلافهم ... بِسِتَّة ابيات كَمَا نبت العتر ... وَقَالَ: يُرِيد أَن هَذِه الأبيات مُتَفَرِّقَة مَعَ قلتهَا كتفرق العتر فِي منبته. وَمعنى الحَدِيث: أَن عَطاء لم ير بَأْسا أَن يُؤْخَذ هَذَانِ من الْحرم ليتداوى بهما كَمَا لم ير بَأْسا بِأخذ الشبرق والضغابيس. وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء أَن ابْن جريج قَالَ: سَأَلته عَن صَدَقَة الْحبّ فَقَالَ: فِيهِ كُله الصدفة وَذكر الذّرة والدخن والجلجلان والبلسن والإحريض وَذكر التقدة. رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 665 أما الدخن والجلجلان فقد فسرتها فِي حَدِيث عمر. والبلسن: العدس. والبلسن: التِّين بلغَة أهل الْيمن وسمعته مِنْهُم. خبرنى بذلك الحجازيون. وَمِنْه حَدِيث يرويهِ عمر بن قيس عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أحب أَن يرق قلبه فليد من أكل البلس. والا حريض: العصفر. قَالَ الاصمعى: الا حريضة والا خريطة والاسليحة ضروب من النَّبَات. والتقدة: الكزبرة. خبرني بذلك أهل الْيمن. وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء أَنه ذكر مهبط آدام فَقَالَ: هَبَط مَعَه بالعلاة. يرويهِ ابْن جريج عَنهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 666 العلاة: السندان وهم يشبهون راس النَّاقة بهَا. قَالَ طرفَة: من الطَّوِيل ... لَهَا هَامة مثل العلاة كَأَنَّمَا ... وعى الْمُلْتَقى مِنْهَا إِلَى حرف مبرد ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 667 حَدِيث الزهرى مُحَمَّد بن سلم بن عبد الله وَقَالَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ انه قَالَ: قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن فِي العسب والقضم والكرانيف. يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ. العسب: جريد النّخل وَاحِدهَا: عسيب. وَكَانَ الْمُسلمُونَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَكْتُبُونَ الْقُرْآن فِي سعف النّخل وَلذَلِك كَانَ اهل الْكتاب يَكْتُبُونَ الزبُور فِي السعف. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: من الطَّوِيل ... لمن طلل أبصرته فشجانى ... كوحى الزبُور فِي عسيب يماني ... وَكَانَت حمير أَيْضا تكْتب فِي السعف. قَالَ ابْن مقبل: من الْكَامِل ... أورد حمير بَينهَا أَخْبَارهَا ... بالحميرية فِي عسيب ذابل ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 668 وَقَالَ زيد بن ثَابت حِين أمره أَبُو بكر بِجمع الْقُرْآن قَالَ: فَجعلت أتتبعه من الرّقاع والعسب واللخاف. واللخاف: جمع لخفة وَهِي حِجَارَة رقاق. قَالَ الأصمعى: تُوضَع الفسيلة بِالْمَدِينَةِ مَعهَا لخفة وَهُوَ حجز رَقِيق وبالعراق قِطْعَة راقود. والقضم: جمع قضيم وَهِي الْجُلُود الْبيض. وَقد يجمع قضم مثل أَدِيم وأدم. قَالَ النَّابِغَة الذبيانى: من الطَّوِيل. ... كَأَن مجر الرامسات ذيولها ... عَلَيْهِ قضم نمقته الصوانع ... والكرانيف: اصول السعف الْغِلَاظ. وَاحِدهَا كرنافة. وَفِي حَدِيث الواقفى الَّذِي ضافه رَسُول الله وَأَبُو بكر وَعمر أَنه أَتَى بقربته نَخْلَة فعلقها بكرنافة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 669 وَقَالَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: لَا تصلح مقارضة من طعمته الْحَرَام. يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أَبى حبيب. لم يرد بالمقارضة أَن تقرضه ويقرضك. هَذَا مَا لَا أعلم بِهِ بَأْسا قد اقْترض رَسُول الله من اهل الذِّمَّة. وَلَكِن المقارضة هَاهُنَا الْمُضَاربَة. وَأهل الْحجاز يسمون الْمُضَاربَة: الْقَرَاض. والمقارضة: هُوَ أَن يدْفع رجل إِلَى رجل مَالا يتجر بِهِ يكون الرِّبْح بَينهمَا على مَا يتفقان عَلَيْهِ وَتَكون الوضيعة على راس المَال فَهَذِهِ شركَة الْقَرَاض. واراد ابْن شهَاب مُشَاركَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَصَاحب الرِّبَا. قَالَ الضَّحَّاك: لَا تشارك الْمُشْركين فِي تِجَارَتهمْ إِلَّا أَن يكون بيعا تشهده فَأَما مَا خلوا بِهِ فَلَا لِأَن فِي دينهم أكل الرباء وَقَالَ عَطاء: إِن كَانَ الْمُسلم يَلِي البيع وَالشِّرَاء فَلَا بَأْس. وَقَالَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: كَانَ بَنو إِسْرَائِيل من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 670 أهل تهَامَة أَعْتَى النَّاس على الله وَقَالُوا قولا لَا يَقُوله أحد فعاقبهم الله فعقوبتهم ترونها الْآن بأعينكم فَجعل رِجَالهمْ القردة وبرهم الذّرة وكلابهم الْأسد ورمانهم المظ وعنبهم الْأَرَاك وجوزهم الضبر ودجاجهم الغرغر. حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم قَالَ: حدّثنَاهُ الْأَصْمَعِي قَالَ: حَدَّثَنى نصر مولى السهميين قَالَ: سَمِعت ابْن شهَاب يحدث بِهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام. المظ رمان بري لَا يحمل. وَإِن حمل فَمَا لَا يننتفع بِهِ. قَالَ الْهُذلِيّ وَذكر نحلا: من الطَّوِيل ... يَمَانِية احيا لَهَا مظ مأبد ... وَآل قراس صوب أسقيه كحل ... قَالَ ابو مُحَمَّد: الأسقية جمع سقِِي وَهِي سحائب. وقوه: وَجعل عنبهم الْأَرَاك. والأراك: عناقيد كعناقيد الْعِنَب وَحمله يُؤْكَل. وَهُوَ الكباث. قَالَ جَابر بن عبد الله: كُنَّا نجنى الكباث مَعَ سَوَّلَ الله قَالَ: عَلَيْكُم بالأسود مِنْهُ فَإِنَّهُ أطيبه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 671 والضبر: جوز الْبر. والغرغر: دَجَاج الحش وَأَحْسبهُ لَا ينْتَفع بِلَحْمِهِ. وَقَالَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: بلغنى أَنه من قَالَ حِين يمسى أَو يصبح: أعوذ بك من شَرّ السامة والحامة وَمن شَرّ مَا خلقت لم تضره دَابَّة. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ. السامة: الْخَاصَّة. يُقَال: كَيفَ السامة والعامة أَي: كَيفَ من تخص وتعم. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس: من المنسرح: ... مسمة الدخل ... أَي: مخصته. وَفِي حَدِيث النبى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه كَانَ يتَعَوَّذ من شَرّ السامة والعامة. وَفِي حَدِيث الزُّهْرِيّ: والحامة. والحامة: الْقَرَابَة. وَمِنْه يُقَال: كَيفَ أهلك وحامتك. وَقيل لِلْقَرَابَةِ: الْحَمِيم. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر ... تسمنها بأغزر حلبتيها ... ومولاك الأحم لَهُ سعار ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 672 الأحم: الْأَقْرَب. يَقُول: سعار من الْجُوع. وَقَالَ العجاج وَذكر الله جلّ وَعز: من الرجز ... هُوَ الَّذِي أنعم نعمى عَمت ... على الَّذين أَسْلمُوا وسمت ... أَي: خصت أَي: عَمت هَذِه النِّعْمَة وسمت. وَأما قَوْلهم فِي العوذ: من كل عين لَامة. فانه من: ألم يلم اذا اعتاده. وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُولُوا: ملمة الا أَنهم أَرَادوا: ذَات لمَم كَمَا قَالُوا: هم ناصب اذا نصب. وَقَوْلهمْ: من شَرّ كل عرق نعار. يُقَال: نعر الْعرق بِالدَّمِ ينعر وَهُوَ عرق نعا ر. إِذا ارْتَفع دَمه. وَقَالَ الراجز: من الرجز ... ضرب دراك وطعان ينعر ... وَيُقَال من الصَّوْت: قد نعر ينعر نعيرا وانه لنعار فِي الْفِتَن إِذا كَانَ ينْهض فِيهَا. وَقَالَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ فِي رجل أنعل دَابَّة رجل فعتبت أَو عنتت إِن كَانَ ينعل فَلَا شىء عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 673 وَإِن كَانَ ذَلِك تكلفا وَلَيْسَ من عمله ضمن. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة عَن أَبى اسحاق عَن إِسْمَاعِيل عَن معمر عَن الزهرى. قَوْله: عتبت أَي: غمزت فَرفعت رجلا أَو يدأ ومشت على ثَلَاث. يُقَال: عتب الْفرس يعتب وَيَعْتِبُ. وَيُقَال ايضا من الموجدة: عتبت على فلَان أَعتب وأعتب. وأعنت مثله. وعنتت فَإِنَّهُ من الْعَنَت وَهُوَ الضّر وَالْفساد. وَإِن كَانَ الْمَحْفُوظ: عنتت فَإِنَّهُ من: الْعَنَت وَهُوَ الضَّرَر وَالْفساد. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {ذَلِك لمن خشِي الْعَنَت مِنْكُم} وَأَرَادَ أَيْضا: غمز الدَّابَّة سَمَّاهُ عنتا لِأَنَّهُ ضَرَر وَهَذَا أحب الْوَجْهَيْنِ إِلَيّ لقَوْل النبى صلى الله عَلَيْهِ: أَيّمَا طَبِيب تطبب على قوم وَلم يعرف بالطب قبل ذَلِك فأعنت فَهُوَ ضَامِن. أَحْسبهُ يَعْنِي فِي قطع الْعُرُوق والبط والكي وَأَشْبَاه ذَلِك وَأرى الزُّهْرِيّ نقل لفظ الحَدِيث كَمَا نقل مَعْنَاهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 674 حَدِيث الضَّحَّاك بن مُزَاحم وَقَالَ فِي حَدِيث الضَّحَّاك انه قَالَ فِي رجل آلى من امْرَأَته ثمَّ طَلقهَا أَو طَلقهَا ثمَّ آلى مِنْهَا هما كفرسى رهان ايهما سبق أَخذ وَإِن وَقعا جَمِيعًا أَخذ بهما. يريوه ابْن الْمُبَارك عَن الْحسن بن يحيى عَن الضَّحَّاك. تَفْسِيره: ان الْعدة وَهِي ثَلَاث حيض إِن انْقَضتْ قبل انْقِضَاء وَقت لَا يلاء وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر فقد بَانَتْ مِنْهُ الْمَرْأَة بِتِلْكَ التطليقة وَلَا شىء عَلَيْهِ من لَا يلاء لِأَن أَرْبَعَة الاشهر تنقضى وَلَيْسَت لَهُ بِزَوْج وَإِن مَضَت الْأَرْبَعَة الْأَشْهر وَهِي فِي الْعدة بَانَتْ مَعَ تِلْكَ التطليقة فَكَانَت اثْنَتَيْنِ. وَهَذَا مَذْهَب سُفْيَان وَقوم الْكُوفِيّين. وَيذْهب آخَرُونَ: إِلَى ان الطَّلَاق يهدم الا يلاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 675 حَدِيث أَبى قيس الأودي عبد الرَّحْمَن بن ثروان وَقَالَ فِي حَدِيث أَبى قيس أَنه قَالَ: سُئِلَ ملك الْمَوْت عَن قبض الْأَرْوَاح فَقَالَ: أؤيه بهَا كَمَا يؤيه بِالْخَيْلِ فتجيبني. يروه ابْن فُضَيْل عَن الْحسن بن عبد الله عَن أَبى قيس. التأييه: الدُّعَاء. يُقَال: أيهت بالفرس فَأَنا أويه بِهِ تأييها. وَيُقَال: ايه بفلان أَي: ادْعُه. وَفِي كتاب سِيبَوَيْهٍ بَيت لَا يحسن كثير من النَّحْوِيين قِرَاءَته. ... أيك أيه بِي أَو مصدر ... من حمر الجلة جأب حشور ... أيك: أبعدك. وَأنْشد أَبُو زيد: من الطَّوِيل ... فأيك هلا والليالي بغرة ... وَفِي أعين الْأَيَّام عَنْك عنود ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 676 أَي: أبعدك الله. وأية دُعَاء على مَا فسرنا فِي الحَدِيث. وَاحْتج سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا الْبَيْت فِي عطف الظَّاهِر على المكني بِلَا إِعَادَة الْبَاء لِأَنَّهُ لم يقل: بمصدر. جأب: غليظ وحشور: منتفخ الجنبين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 677 حَدِيث شميط ابْن عجلَان وَقَالَ فِي حَدِيث شميط انه قَالَ: أوحى الله الى دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل للملأ من بنى اسرائيل لَا يدعوني والخطايا بَين أضباثهم ليلقوها ثمَّ ليدعوني بَين اضباثهم فِي قبضاتهم. وَيُقَال: ضبثت بِهِ اي: قبضت عَلَيْهِ. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... كَأَن فُؤَادِي فِي يَد ضبثت بِهِ ... محاذرة أَن يقضب الْحَبل قاضبه ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 678 حَدِيث ثَابت الْبنانِيّ وَقَالَ فِي حَدِيث ثَابت أَنه قَالَ: كَانَ دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكر عِقَاب الله تخلعت أوصاله فَلَا يشدها إِلَّا الْأسر. الْأسر: أَن يعصب. يُقَال: مَا أحسن مَا أسر قتبه. أَي: مَا أحسن مَا شدّ قتبه. وَإِنَّمَا قيل للأخيذ أَسِير من هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أخذا أسر أَي: شدّ بالقد. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وشددنا أسرهم} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 679 حَدِيث مَالك بن دِينَار وَقَالَ فِي حَدِيث مَالك بن دِينَار أَنه قَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يُقيم دَاوُد يَوْم الْقِيَامَة عِنْد سَاق الْعَرْش فَيَقُول: ياداود مجدني الْيَوْم بِذَاكَ الصَّوْت الرخيم الْحسن. الرخيم من الصَّوْت: الرَّقِيق الشجى وَمِنْه يُقَال: ألقيت عَلَيْهِ رخمة أمة اى: رقتها ومحبتها. قَالَ ذُو الرمة يذكر الْمَرْأَة ويشبهها بالظبية: من الْبَسِيط ... كَأَنَّهَا أم ساجى الطّرف أخدرها ... مستودع خمر الوعساء مرخوم ... والمرخوم: خشفها لِأَن رخمتها ألقيت عَلَيْهِ. وَيُقَال: رخمت الدجابة إِذا ألزمتها الْبيض لِأَنَّهَا لاتلزمه إِلَّا بالرخمة. اي: الشّفة. وَقَالَ ابو زيد الْأنْصَارِيّ. اما أهل الْيمن فَيَقُولُونَ: رخمته رخمة فِي معنى: رَحمته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 680 حَدِيث نوف الْبكالِي وَقَالَ فِي حَدِيث نوف أَنه ذكر عوجا وَقتل مُوسَى لَهُ قَالَ: فَوَقع على نيل مصر فجسرهم سنة. قَوْله: جسرهم أَي: صَار لَهُم جِسْرًا يعبرون عَلَيْهِ من جَانب إِلَى جَانب وَنَحْوه قَوْلهم: قطع الثَّوْب فلَانا إِذا كَفاهُ. تَقول: لَا يقطعني قَمِيصًا هَذَا الثَّوْب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 681 حَدِيث عبد الْملك بن مَرْوَان وَقَالَ فِي حَدِيث عبد الْملك ان ابراهيم بن متمم بن نُوَيْرَة دخل عَلَيْهِ فَسلم بجهورية فَقَالَ عبد الملك: انك لشنخف. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي من قوم شنخفين قَالَ: وأراك أَحْمَر قرفا قَالَ: الْحسن أَحْمَر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. بلغنى عَن ابى الْيَقظَان سحيم بن حَفْص. الشنخف: الطَّوِيل الْعَظِيم والشنخاف كَذَلِك والقرف: الشَّديد الْحمرَة. وَإِنَّمَا قيل لَهُ قرف لِأَنَّهُ من شدَّة حمرته كَأَنَّهُ قرف أَي: قشر والقرف: القشر. يُقَال: صبغ فلَان ثَوْبه بقرف السدر أَي: بقشره وَلذَلِك قيل: قرف فلَان فلَانا إِذا وَقع فِيهِ لِأَنَّهُ: كَأَنَّهُ سلخه أَو قشره بالوقيعة فِيهِ. وَأما قَوْله: الْحسن أَحْمَر. فَإِن سهلا حَدثنِي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الْعَرَب تَقول الْحسن أَحْمَر يُرَاد بِهِ من أَرَادَ الْحسن صَبر على اشياء يكرهها. فَذهب الْأَصْمَعِي فِي أَحْمَر إِلَى معنى الصعوبة وَالْمَشَقَّة كَمَا قيل: موت أَحْمَر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 682 وَقد تدبرت هَذَا فَرَأَيْت معنى الحَدِيث يدل على أَنه يُرِيد: أَن الْحسن فِي الْحمرَة لَا مَا ذهب إِلَيْهِ الْأَصْمَعِي وَمِمَّا يدل على ذَلِك قَول الشَّاعِر: من مجزوء الْكَامِل. ... فَإِذا ظَهرت تقنعي ... بالحمر إِن الْحسن احمر ... يُرِيد: أَن الْحسن فِي الْحمرَة. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ أَو من قَالَ مِنْهُم فِي قَول: الله جلّ وَعز: {فَخرج على قومه فِي زينته} : أَنه خرج فِي ثِيَاب حمر. وَلَا أَحْسبهُ كره المعصفر للرِّجَال إِلَّا لحسنه. قَالَ إِبْرَاهِيم: إنى لألبس المعصفر وَأَنا أعلم أَنه زِينَة الشَّيْطَان وأتختم الْحَدِيد وَأعلم أَنه حلية أهل النَّار. أَرَادَ: أَن المعصفر: الزِّينَة الَّتِي يخْتل بهَا الشَّيْطَان. وحدثنى زِيَاد بن يحيى قَالَ: حَدثنَا بشر بن الْمفضل عَن يُونُس عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحمرَة من زِينَة الشَّيْطَان والشيطان يحب الْحمرَة. وَلَا أرى إِبْرَاهِيم لبس المعصفر وتختم بالحديد إِلَّا لما كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 683 يُرِيد من إخفاء نَفسه وَستر عمله وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يَنْفِي عَن نَفسه الشَّهْوَة بالزهد وَالْعِبَادَة. لَا أعلم وَجها غير هَذَا. وَقد يفع مَا ذهب إِلَيْهِ الاصمعي من إِقَامَة الْأَحْمَر مقَام الصعب الشَّديد. من ذَلِك قَوْلهم: موت أَحْمَر. وَأَصله: الْقَتْل سمي موتا أَحْمَر لحمرة الدَّم. وَذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ مَا يكون بَين يَدي السَّاعَة فَقَالَ: لَو تعلمُونَ مَا يكون فِي هَذَا الْأمة من الْمَوْت الْأَحْمَر والجوع الأغبر. يَعْنِي بِالْمَوْتِ الْأَحْمَر الْقَتْل. وَذكر أَبُو الْيَقظَان: أَن زِيَاد بن أَبى سُفْيَان كَانَ عَاملا لعَلي ابْن أَبى طَالب عَلَيْهِ السَّلَام على فَارس فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة يتهدده فَكتب إِلَيْهِ زِيَاد: اتوعدني وبيني وَبَيْنك عَليّ بن أَبى طَالب أما وَالله لَئِن وصلت إِلَيّ لتجدننى أَحْمَر ضرابا بِالسَّيْفِ. وَقد يجوز أَن يكون أَرَادَ بالأحمر النِّسْبَة إِلَى الْعَجم وَكَانَت أمه عجمية فالعجم يُقَال لَهُم: الْحَمْرَاء. وَقَالَ فِي حَدِيث عبد الْملك انه كتب إِلَى الْحجَّاج: أَنِّي قد اسْتَعْمَلْتُك على العراقين صدمة فَاخْرُج إِلَيْهِمَا كميش الْإِزَار شَدِيد العذار منطوي الخصيلة قَلِيل الثميلة غرار النّوم طَوِيل الْيَوْم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 684 بلغنى عَن أَبى الْحسن الْمَدَائِنِي قَوْله: على العراقين صدمة هُوَ كَمَا قَالَ فِي الْكَلَام اعطاه رزق شَهْرَيْن ضربه وَاحِدَة وَأَعْطَاهُ كل شىء اجْتمع عِنْده دفْعَة وَاحِدَة. وَقَوله: كميش الْإِزَار اي: مشمر الْإِزَار. وَمِنْه يُقَال: تكمشت الْجلْدَة إِذا انقبضت. وأحسب قَوْلهم: انكمش فِي الْحَاجة من هَذَا. وَقَالَ دُرَيْد بن الصمَّة يرثي أَخَاهُ: من الطَّوِيل ... كميش الْإِزَار خَارج نصف سَاقه ... صبور على الْجلاء طلاع أنجد ... وَقَوله: شَدِيد العذار. يُقَال للرجل إِذا عزم على الشَّيْء هُوَ مشمر العذار. وشديد الغدار وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب: من الطَّوِيل ... فإنى إِذا مَا خلة رث وَصلهَا ... وجدت بِصرْم وَاسْتمرّ عذارها ... وَيُقَال: لوى عَنهُ عذارة أَي: عَصَاهُ. وَقَوله: منطوي الخصيلة وَجَمعهَا: خصائل وَهِي لحم الفخذين وَلحم العضدين وَلحم السَّاقَيْن. وكل لحم فِي عصبَة: خصيلة. يُقَال: جَاءَنَا فلَان ترْعد خصائله. وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 685 زُهَيْر وَذكر فرسا: من الطَّوِيل ... فتضربه حَتَّى اطْمَأَن قذاله ... وَلم يطمئن قلبه وخصائله ... وَقَوله: قَلِيل الثميلة والثميلة الْبَقِيَّة تبقى من الطَّعَام. وَالشرَاب فِي بطن الْإِنْسَان. وثميلة الْبَعِير: مَا يبْقى فِي بَطْنه من الْعلف. وَقيل لأعرابي: اشر ب فَقَالَ: إنى لَا أشْرب إِلَّا على ثميلة. وَقَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل. ... إِذا لم تكن قبل النَّبِيذ ثريدة ... ملبقة صفراء شَحم جَمِيعهَا فَإِن النَّبِيذ الصر د إِن شرب وَحده ... على غير شَيْء اوجع الكبد جوعها ... والصرد: الصّرْف وَهُوَ من كل شَيْء: الْخَالِص. يُقَال: أحبك حبا صردا أَي: خَالِصا. والثميلة أَيْضا: الْبَقِيَّة من المَاء فِي الصَّخْرَة أَو فِي الْوَادي. وَإِنَّمَا تقل ثميلة الرجل لقلَّة الطّعْم فَأَرَادَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 686 لَا تكْثر من الطّعْم وتشتغل بصنوفه وَلَكِن اقْتصر على مَا لَا بُد لَك مِنْهُ فعل الجاد المشمر المتأهب. وَنَحْو من هَذَا كتاب عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى مُعَاوِيَة: انه لَيْسَ أَخُو الْحَرْب من يضع خور الحشايا عَن يَمِينه وشماله ويعاظم الأكلاء اللقم وَلكنه من حسر عَن ذِرَاعَيْهِ وشمر عَن سَاقيه وَأعد للأمور آلاتها وللفرسان أقرانها. وخور الحشايا: هِيَ الوطاء مِنْهَا وَذَلِكَ بِأَن تحشى حَشْوًا لَا تصلب مَعَه فَإِذا ارتفق بهَا دخل فِيهَا الْمرْفق وَهِي كَذَلِك أوطأ مَا تكون. وَمِنْه قيل للرجل الضَّعِيف: خوار. وَمِنْه قيل للنوق الغزاز إِذا كَانَ فِي لَبنهَا رقة: خور. أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ للَّتِي لَا تغرز غرزها الجلاد. قَالَ الراجز: ... قد علمت جلادها وخورها ... إنى بِشرب السوء لَا أهورها ... وَقَوله: غرارالنوم أَي: قَلِيل النّوم. يُقَال: مَا أهجع إِلَّا غرارا أَي: قَلِيلا. وَقَوله: طَوِيل الْيَوْم يُقَال ذَلِك لكل من جد وَعمل فِي يَوْمه وَلم يشْتَغل بلهو وَلَا لعب. وَلذَلِك يُقَال للمتهجد: هُوَ طَوِيل اللَّيْل. وَقَالَت الشُّعَرَاء: طَال ليلِي يُرِيدُونَ: أَنهم سهروا فِيهِ وَلم يَنَامُوا. وَيُقَال لمن لَهَا فِي يَوْمه وَلعب اَوْ شرب فلَان قصير الْيَوْم. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 687 .. وَيَوْم كظل الرمْح قصر طوله ... دم الزق عَنَّا واصطفاق المزاهر ... يُرِيد: أَنه طَوِيل كظل الرمْح. وَقَالَ آخر: من السَّرِيع ... كَأَنَّمَا يومي حو ل إِذا ... لم أشهد اللَّهْو وَلم أطرب ... وَقَالَ فِي حَدِيث عبد الْملك أَن رجلا قَالَ لَهُ: خرجت بِي فرحة فَقَالَ عبد الملك: فِي اي مَوضِع من جسدك فَقَالَ بَين الرانفة والصفن. فأعجبه حسن مَا كنى. حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن الْأَصْمَعِي عَن رجل. قَالَ الْأَصْمَعِي الزانفة أَسْفَل الألية وطرفها الَّذِي يَلِي الارض من الْإِنْسَان إِذا كَانَ قَائِما. والصفن: جلد الخصية. فَأَرَادَ أَن القرحة كَانَت فِي الدبر أَو فِي العجان والعجان: مَا بَين الذّكر إِلَى الدبر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 688 حَدِيث عبد الْملك بن مَرْوَان وَقَالَ فِي حَدِيث عبد الْملك أَنه أُتِي بأسير مصدر أزبر فَقَالَ لَهُ: أدبر فَأَدْبَرَ وَقَالَ لَهُ: أقبل فَأقبل. فَقَالَ: قَاتله الله أدبر بعجز ذِئْب وَأَقْبل بز بسرة أَسد. الْمصدر: الْعَظِيم الصد ر والأزبر: الْعَظِيم الزبرة وَلذَلِك قَالَ: أقبل بزبرة أَسد. والزبرة: مَا بَين كَتِفي الْأسد. أَرَادَ أَنه مصدر عَظِيم الْكَاهِل. والكاهل والكتد: وَاحِد. وهما موصل الظّهْر فِي الْعُنُق. يُقَال: رجل أزبر إِذا كَانَ عَظِيم الزبرة مثل: أرأس إِذا كَانَ عَظِيم الراس وارجل إِذْ كَانَ عَظِيم الرجل وأركب إِذا كَانَ عَظِيم الرّكْبَة. وَقَول: أدبر بعجز ذِئْب. يُرِيد: أَنه أرسخ. وَالذِّئْب يُوصف بالرسح. وَلذَلِك قيل لَهُ: أزل. أَي: ارسح. وَالْمَرْأَة الزلاء: هِيَ الرسحاء. وَقد غلب هَذَا الْوَصْف على الذِّئْب حَتَّى صَار كالإسم لَهُ. قَالَ الشَّاعِر يصف فرسا: من الرجز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 689 .. أزل إِن قيد وَإِن قَامَ نصب ... أَي: هُوَ ذِئْب إِن قيد وَلم يرد أَن الرجل أرسح لِأَن الرسح عيب فِيهِ وَمثل قَوْلهم للنعامة صكاء لاصطكاك عرق بيها فَصَارَ ذَلِك لَهَا كالاسم. قَالَ الْمسيب بن علس يصف نَاقَة: من الْكَامِل ... صكاء ذعلبة إِذا استد برتها ... حرج إِذا استقبلتها هلواع ... أَي: هِيَ نعَامَة إِذا استدبرتها وَلم يرد أَنه يصطك عرقوباها لِأَن ذَلِك عيب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 690 حَدِيث هِشَام بن عبد الْملك وَقَالَ فِي حَدِيث هِشَام بن عبد الْملك أَنه كتب إِلَى عَامل أضاخ أَو الْعَامِل فَوْقه أَن أصب لى نَاقَة مواترة وَكَانَ بِهِشَام فتق فَمَا وجدوا أحدا يعرف النَّاقة المواترة إِلَّا رجلا من بني أود من بني عليم. حَدَّثَنِيهِ سهل حدّثنَاهُ عَن الْأَصْمَعِي عَن شيخ من أهل أضاخ. قَالَ الْأَصْمَعِي: والناقة المواترة هِيَ الَّتِي اذا بَركت وضعت إِحْدَى يَديهَا فَإِذا أطمأنت وضعت الْأُخْرَى فَإِذا اطمأنت وَضَعتهَا جيمعا ثمَّ تضع وركيها قَلِيلا قَلِيلا وَالَّتِي لَا تَوَاتر تزج بِنَفسِهَا فتشق على راكبها عِنْد البروك النُّزُول. وأصل المواترة من الْوتر وهوالواحد يُرِيد أَنَّهَا تضع قَوَائِمهَا بِالْأَرْضِ وترا وترا أَي وَاحِدًا وَاحِدًا. وَهَذَا أَيْضا شَاهد على المواترة فِي قَضَاء رَمَضَان انه قَضَاؤُهُ يَوْمًا بعد يَوْم يفْطر ويما بعد أَيَّام يفطرها وَقد ذكرت ذَلِك فِي حَدِيث أَبى هُرَيْرَة. وَقَالَ فِي حَدِيث هِشَام أَن رجلا قَالَ لَهُ فِي وصف نَاقَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 691 أَنَّهَا المسياع مرباع هلواع. حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن بن أخى الْأَصْمَعِي عَمه قَالَ وَيُقَال: رجل مسياع إِذا كَانَ مضيعا لمَاله يُقَال: أساع مَاله إِذا أضاعه وَلم أسمعهُ فِي وصف النَّاقة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. وَهِي الَّتِي تحْتَمل الضَّيْعَة وَسُوء الْقيام. قَالَ: والمرياع الَّتِي يُسَافر عَلَيْهَا ويعاد. وَأَصله من رَاع إِذا عَاد تريع السّمن إِذا جَاءَ وَذهب. والهلواع الَّتِي فِيهَا نزق وخفة. وَمِنْه يُقَال: هلع الرجل إِذا جزع وخف. والمرباع: الَّتِي تبكر بِالْحملِ. هَذَا كُله قَول الأصمعى. والمرباع فِي غير هَذَا ربع الْغَنِيمَة وَلم يَأْتِ على هَذَا اللَّفْظ فِي تجزئة الشَّيْء إِلَّا المعشار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 692 حَدِيث الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ وَقَالَ فِي حَدِيث الْحجَّاج بن يُوسُف انه خطب حِين دخل الْعرَاق فَقَالَ فِي خطبَته: إِنِّي أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها كَأَنِّي أنظر إِلَى الدِّمَاء بَين اللحى والعمائم لَيْسَ أَو ان عشك فادرجي لَيْسَ اوان يكثر الخلاط. من الرجز ... قد لعها لِليْل بعصلبى ... أروع خراج من الدوي مهَاجر لَيْسَ بأعرابي ... قد لفها اللَّيْل بسواق حطم ... لَيْسَ براعي إبل وَلَا غنم ... وَلَا بجزار على ظهر وَضم ... أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... مَتى أَضَع الْعِمَامَة تعرفونى ... إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ نكب كِنَانَته بَين يَدَيْهِ فعجم عيدانها فوجدني أمرهَا عودا واصلبها مكسرا فوجهني إِلَيْكُم أَلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 693 فوَاللَّه لأعصبنكم عصب السلمة ولألحونكم لحو الْعود لأضربنكم ضرب غرائب الأبل ولأخذن الْوَلِيّ بالولي حَتَّى تستقيم لي قناتكم وَحَتَّى يلقى أحدكُم أَخَاهُ فَيَقُول: أَنْج سعد فقد قتل سعيد أَلا وإياي وَهَذَا السقفاء والزرافات فَإِنِّي لآخذ أحدأ من الجالسين فِي زرافة إِلَّا ضربت عُنُقه. يروي من وُجُوه بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة تزيد وتنقص. أَحدهَا يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن عون. قَوْله: أرى رؤوسا قد أينعت. أصل هَذَا فِي الثَّمَرَة وإيناعها: أَن تدْرك وتبلغ واذا هِيَ أدْركْت حَان أَن تقطف. فَشبه رؤوسهم لاستحقاقهم الْقِتَال بثمار قد حَان أَن يجتنى. وَقَوله: لَيْسَ أَوَان عشك فادرجي. هَذَا مثل يضْرب للرجل المطمئن الْمُقِيم وَقد أظلهُ أَمر عَظِيم يحْتَاج إِلَى مُبَاشَرَته والخفوف فِيهِ. وَإِنَّمَا خصهم يَوْمئِذٍ على اللحوق بالمهلب وَكَانَ يُقَاتل الْأزَارِقَة فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا وَقت الْمقَام والخفض وَلكنه وَقت الْغَزْو فليلحق من كَانَ فِي بعث الْمُهلب بِهِ. . وأصل الْمثل فِي الطير. وَقَوله: لَيْسَ اوان يكثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 694 الخلاط. والخلاط هَاهُنَا السفاد وَهُوَ شَبيه بِالْمثلِ الأول أَي: لَيْسَ هَذَا أَوَان السفاد والتعشيش. وَقَوله: قد لفها اللَّيْل بعصلبي. هَذَا مثل ضربه لنَفسِهِ ورعيته فجعلهم بِمَنْزِلَة نَاقَة أَو إبل لرجل قوي شَدِيد يسري ويتعبها وَلَا يركن إِلَى دعة وَلَا سُكُون. وَجعل نَفسه بِمَنْزِلَة ذَلِك الرجل. ولفها أَي: جمعهَا. هَذَا أصل هَذَا الْحَرْف. قَالَ الفرزدق وَذكر ركبا: من الطَّوِيل ... سمروا يركبون الرّيح وَهِي تلفهم ... إِلَى شعب الأكوار ذَات الحقائب ... ويروي: قد حشها اللَّيْل من قَوْلك: حششت النَّار بالحطب إِذا القيته عَلَيْك فالتهبت. وَاللَّيْل لَا يفعل شَيْئا من هَذَا إِنَّمَا الْفَاعِل هَذَا الرجل فِي اللَّيْل. والعصلبي: الشَّديد من الرِّجَال وَهُوَ مثل: الصمل. وَقَوله: اروع خراج من الدوي. الاروع: الْجَمِيل وحراج من الدوي يُرِيد: انه صَاحب اسفار ورحل فَهُوَ لَا يزَال يخرج من الفلوات وَقد يكون أَرَادَ بِهِ: دَلِيل فِي الفلوات لَا يتحير فِيهَا وَلَا تشتبه عَلَيْهِ. ودوي: جمع داوية وَهِي الفلاة. قَالَ بَعضهم إِنَّمَا قيل للفلاة دوية لِأَنَّهُ يسمع فِيهَا دوِي. أنْشد بَيت ذِي الرمة: من الطَّوِيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 695 .. إِذا قَالَ حاد ينا لتشبيه نبأة ... صه لم يكن إِلَّا دوِي المسامع ... فَكَأَن قَوْلهم دويا بِالتَّشْدِيدِ حِكَايَة ذَلِك الصَّوْت الَّذِي يسمع ثمَّ نسبت الفلاة اليه. وَقَوله: قد لفها اللَّيْل بسواق حطم هُوَ شَبيه بِالْأولِ. ويروي ايضا: حشها. والحطم: العنيف بهَا فِي سوقه. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وَمَا أَدْرَاك مَا الحطمة} . كَأَنَّهُ الَّتِي تحطم مَا ألقِي فِيهَا. وَيُقَال: حششت الْحر ب إِذا هاجها كَمَا تحش النَّار. وَمِنْه قَول النبى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ابي بَصِير ويل أمه محش حَرْب لَو كَانَ مَعَه رجال. وَقَوله: لَيْسَ براعي إبل وَلَا غنم يُرِيد: انه عَظِيم الْقدر لَيْسَ مِمَّن يرْعَى. وَلَا بجزار على ظهر وَضم. يُرِيد: أَنه لَيْسَ مِمَّن يُبَاشر للحم بِيَدِهِ ويبتذل نَفسه. وَلكنه يكفى ذَاك مَا أَكثر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 696 مَا يتمدحون بِهَذَا وَمَا اشبهه. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... وكف فَتى لم تعرف السلخ قبلهَا ... تجوز يَدَاهُ فِي الْأَدِيم وَتخرج ... وَقَالَ ألآخر: من المتقارب وصلع الرؤوس عِظَام الْبُطُون جُفَاة المحز غِلَاظ الْقصر جفاه المحز يُرِيد: انهم لَا يصيبون فِي الْقطع الْمفصل كَمَا يُصِيبهُ الجازر. وَقَالَ ألآخر: من المتقارب. ... من آل الْمُغيرَة لَا يشْهدُونَ ... عِنْد المجازر لحم الْوَضم ... والوضم كل شىء وقيت بِهِ اللَّحْم من الأَرْض من خوان أَو غَيره. يقا ل: وضمت اللَّحْم أَي: عملت لَهُ وضما وأوضمته جعلته على الْوَضم. وَقَوله: أَنا ابْن جلا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: جلا فعل مَاض كَأَنَّهُ بِمَعْنى: أَنا ابْن الَّذِي جلا أَي: أوضح وكشف وَهَكَذَا جَاءَ هَذَا الْحَرْف. قَالَ القلاخ: من الرجز ... أَنا القلاخ بن جناب بن جلا ... أَبُو خناثير أَقُود الجملا ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 697 خنائير: دواه وخناشير أَيْضا. وَقَوله: أَقُود الجملا أَي: أَنا مَكْشُوف الْأَمر ظَاهره لَا أخْفى. وَيُقَال: مَا أستسر من قاد الْجمل. وَقَوله: وطلاع الثنايا الثنايا: جمع ثنية. والثنية: الأَرْض نرتفع وتغلظ. وَمِنْه حَدِيث النبى عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّه كَانَ إِذا قفل فاوفى على فدفد أَو ثنية كبر ثَلَاثًا والفدفد نَحْو الثَّنية. وَمثله قَوْلهم: فلَان طلاع انجد وَهُوَ جمع نجد. والنجد: مَا ارْتَفع من الأَرْض. خبرني ابو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: يُقَال ذَلِك للرجل لَا يزَال قد فعل فعلة شريفة وَقَالَ دُرَيْد بن الصمَّة: من الطَّوِيل ... كمش الْإِزَار خَارج نصف سَاقه ... صبور على الْجلاء طلاع أنجد ... والجلاء: الْأَمر الْعَظِيم وَهُوَ الجلى أَيْضا إِذا قصر ضم أَوله وَإِذا مد فتح أَوله. وَجمعه: جلل مثل: كبرى وَكبر وطولى وَطول. وَقَوله: كميش الْإِزَار يُرِيد: انه مشمر لَيْسَ بِصَاحِب خفض ودعة. وأصل الْمثل أَن يكون الرجل صَاحب أسفار وَهُوَ لَا يزَال يطلع الثنايا والنجاد أَي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 698 يشرف عَلَيْهَا. وَيكون أَيْضا: أَن يربأ عَلَيْهَا والربئية: عين الْقَوْم وكالئهم وَمَكَان الربيئة: الثنايا والهضاب. قَالَ عُرْوَة بن مرّة من الْبَسِيط. ... لست لمرة إِن أوف مرقبة ... يَبْدُو لي الْحَرْث مِنْهَا والمقاضيب ... والمقاضيب: مَوَاضِع القضب وَهُوَ القتواحدها مقضبة. وَقَوله: مَتى أَضَع الْعِمَامَة تعرفوني يُرِيد أَنِّي مَشْهُور لَا أنكر. وَيحْتَمل ايضا أَن يُرِيد: مَتى أكاشفكم وأدع الأناءة فِيكُم تعرفوني حِينَئِذٍ حق معرفتي من قَوْلك: ألقيت القناع إِذا كاشفته. وَقَوله: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ نكب كِنَانَته بَين يَدَيْهِ أَي: كبها. يُقَال: نكب فلَان الكنانة ينكبها نكبا ونكوبا إِذا كبها. وَقَوله: يعجم عيدانها يُرِيد: اختبر سهامها. وَهَذَا مثل ضربه لنَفسِهِ ولأمثاله من رجال السُّلْطَان. يُرِيد: أَنه اختبر أَصْحَابه فوجدني أَمرهم وأصلبهم فرماكم بِي. يُقَال: عجمت الْعود أعجمه عجما إِذا عضضته بأسنانك لتنظر أهوَ صلب أم خوار. وعجمت إِذا رزته وعجمت الشىء إِذا ذقته. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 699 .. أَبى عودك المعجوم إِلَّا حلاوة ... وَكَفاك إِلَّا نائلا حِين تسْأَل ... وَقَوله: لأعصبنكم عصب السلمة. والسلمة: شَجَرَة وَجَمعهَا: سلم وَبهَا سمي الرجل سَلمَة. أَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: السلمة يَأْتِيهَا الرجل فيشدها بنسعة إِذا أَرَادَ أَن يخبطها كي لَا يشد شَوْكهَا فَيُصِيبهُ فَيضْرب مثلا لمن عصبته بشر أَو أَمر شَدِيد. وَحدثنَا ابْن عرم عَن ابْن كناسَة انه قَالَ: عصب السّلم فِي الجدب أَن يشدوا فِي أَعلَى الشَّجَرَة مِنْهُ حبلا ثمَّ يمد الْغُصْن حَتَّى يدنو من الْإِبِل فتصيب من ورقة. قَالَ الْكُمَيْت. من الطَّوِيل ... وَلَا سمراتي يبتغيهن عاضد ... وَلَا سلماتي فِي بجيلة تعصب ... وَأَرَادَ أَن بجيلة لَا تقدر على قهره وإذلاله. وَقَوله: لألحونكم لحو الْعَصَا. واللحاء: مَمْدُود القشر. وَمثله مِمَّا يُقَال بِالْوَاو وَالْيَاء كنوت الرجل وكنيته ومحوت الْكتاب ومحيته وحثوت الثراب وحثيته وَأَشْبَاه ذَلِك كثير. قَالَ أَوْس بن حجر: من الطَّوِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 700 .. لحيتهم لحو الْعَصَا فطردتهم ... إِلَى سنة جر ذانها لم تحلم ... لم تحلم أَي: لم تسمن. تَقول: هِيَ سنة جَدب فجرذانها هزلى. وَقَالَ النبى عَلَيْهِ السَّلَام. لَا يزَال الْأَمر فِيكُم مَا لم تحدثُوا فَإِذا فَعلْتُمْ ذَلِك سلط الله عَلَيْكُم شرار خلقه فيلتحونكم كَمَا يلتحى الْقَضِيب. أَي: يسلبونكم إِيَّاه كَمَا يُؤْخَذ لحاء الْقَضِيب. وَقَوله: لأضربنكم ضرب غرائب الْإِبِل. وَهَذَا مثل. يُقَال: ضربه ضرب غَرِيبَة الْإِبِل. وَذَلِكَ: أَن الأبل إِذا وَردت المَاء فَدخلت فِيهَا غَرِيبَة من غَيرهَا ذيدت عَن المَاء وَضربت حَتَّى تخرج عَنْهَا. وَذكر عبد الْملك بن عُمَيْر عَن مُوسَى بن طَلْحَة انه كَانَ يشفع بِرَكْعَة وَيَقُول: مَا أشبههَا إِلَّا بالغريبة من الْإِبِل. وَقَوله: أَنْج سعد فقد قتل سعيد هَذَا مثل وَقَالَهُ زِيَاد فِي خطبَته البتراء الَّتِي خطب بهَا عِنْد دُخُوله الْبَصْرَة. وَإِنَّمَا قيل لَهَا بتراء لِأَنَّهُ لم يحمد الله فِيهَا وَلم يصل على النبى صلى الله عَلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 701 وَذكر الْمفضل الضَّبِّيّ أَنه كَانَ لضبة ابْنَانِ سعد وَسَعِيد فَخَرَجَا يطلبان إبِلا فَرجع سعد وَلم يرجع سعيد فَكَانَ ضبة إِذا رأى سوادا تَحت اللَّيْل قَالَ: أسعد أم سعيد هَذَا أصل الْمثل. فَأخذ ذَلِك اللَّفْظ مِنْهُ وَهُوَ يضْرب فِي الْعِنَايَة بِذِي الرَّحِم وَقد يضْرب فِي الاستخبار عَن الْأَمريْنِ الْخَيْر وَالشَّر أَيهمَا وَقع. وَأما الزرافات فَهِيَ الْجَمَاعَات نَهَاهُم أَن يجتمعوا. وَقد ذكر أَبُو عبيد هَذَا الْحَرْف من الحَدِيث وَفَسرهُ وَذكر السقفاء أَيْضا وَقَالَ: لَا أعرفهُ. وَقد أكثرت أَيْضا السُّؤَال عَنهُ فَلم يعرف وَقَالَ لي بعض اصحاب اللُّغَة إِنَّمَا هُوَ الشفعاء وَأَرَادَ أَنهم كانو يَجْتَمعُونَ إِلَى السطان يشفعون إِلَيْهِ فِي الْمُرِيب فنهاهم عَن ذَلِك. وَقد ذهب مذهبا حسنا وَقد نها زِيَاد عَن مثل ذَلِك حِين نهى عَن البرازق وَقَالَ: فَلم يزل بهم مَا يرَوْنَ من قيامكم بأمرهم حَتَّى انتهكوا الْحَرِيم وأطرقوا وراءكم فِي مكانس الريب: أَنهم كَانُوا يشفعون لَهُم فيخلصونهم من يَد السُّلْطَان ثمَّ يركبون العظائم ويستترون بهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 702 وَقَالَ فِي حَدِيث الْحجَّاج ان رفْقَة مَاتَت من الْعَطش بالشجى فَقَالَ: إِنِّي أظنهم قد دعوا الله حِين بَلغهُمْ الْجهد فأحفروا فِي مكانهم الَّذِي مَاتُوا فِيهِ لَعَلَّ الله يسقى النَّاس. فَقَالَ رجل من جُلَسَائِهِ قد قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... تراءت لَهُ بَين اللوي وعنيزة ... وَبَين الشجى مِمَّا أحَال على الْوَادي ... مَا تراءت لَهُ إِلَّا وَهِي على مَاء فَأمر الْحجَّاج رجلا يُقَال لَهُ: عضيدة ان يحْفر بالشجى بِئْرا فحفرها فَلَمَّا أنبط حمل مَعَه قربتين من مَائِهَا إِلَى الْحجَّاج بواسط فَلَمَّا طلع قَالَ لَهُ: يَا عضيدة لقد تخطيت بهَا مياها عذَابا أأخسفت أم أوشلت فَقَالَ: لَا وَاحِد مِنْهَا. وَلَكِن نيطا بَين الماءين. قَالَ: وَمَا يبلغ مَاؤُهَا. قَالَ وَردت عَليّ رفْقَة فِيهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ بَعِيرًا فرويت الْإِبِل وَمن عَلَيْهَا فَقَالَ الْحجَّاج أللابل حفرتها إِن الْإِبِل ضمز خنس مَا جشمت جشمت. حدثنية عبد الرَّحْمَن عَن عَمه الْأَصْمَعِي عَن شيخ من بني سليم وَكَانَ عضيدة سلميا. قَوْله: مِمَّا أحَال على الْوَادي أَي: أقبل عَلَيْهِ وَهُوَ من قَوْلك أحَال عَلَيْهِ بِالسَّوْطِ يضْربهُ وَيكون أحَال أَيْضا بِمَعْنى صب وَيكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 703 على بِمَعْنى: فِي: يُرِيد مِمَّا صب فِي الْوَادي من الْجَانِب الَّذِي صب فِي الْوَادي مَاء الْمَطَر قَالَ الشَّاعِر: من الوافر ... يحيلون السجال على السجال ... أَي: يصبون. وَقَوله: أخسفت هُوَ من الْخَسْف والخسيف: الْبِئْر الَّتِي تحفر فِي الْحِجَارَة فَلَا يَنْقَطِع مَاؤُهَا وَجَمعهَا: خسف. وَقَوله: أوشلت من: الوشل وَهُوَ المَاء الْقَلِيل الَّذِي يقطر وَأَرَادَ أنبطت مَاء غزيرا أَو قَلِيلا واشلا. ويقا ل: وشل المَاء يشك يُقَال لَهُ: لَا ذَاك الغزير وَلَا هَذَا الْقَلِيل وَلَكِن نيطا. هَكَذَا رَوَاهُ بِالْيَاءِ مُشَدّدَة. فَإِن كَانَ الْحَرْف على مَا رَوَاهُ فَإِنَّهُ من: ناطه ينوطه نوطا إِذا علقه وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ: لَو كَانَ الْإِيمَان مَنُوطًا بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رجال من فَارس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 704 وَرُوِيَ أَن عمر أُتِي بِمَال كثير فَقَالَ: إنى لأحسبكم قد أهلكتم النَّاس فَقَالُوا: وَالله مَا أخذناه إِلَّا عفوا بِلَا سَوط وَلَا نوط اي: بِلَا ضرب وَلَا تَعْلِيق فَأَرَادَ: أَنه وسط بَين الغزير والقليل كَأَنَّهُ مُعَلّق وَإِن كَانَ وَقع فِي الْحَرْف تَغْيِير فَإِنَّهُ: نبط بَين المائين. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال للركية إِذا أستخرجت هِيَ: نبط مثل جمل. وَمِنْه قيل استنبطت كَذَا. وَمِنْه سمي النبط نبطا لاستخراجهم الْمِيَاه. وَقَوله: أَن الْإِبِل ضمز وَهُوَ جمع ضامز. والضامز الممسك عَن الجرة وَعَن الْعلف وَعَن الرُّغَاء. قَالَ بشر بن أَبى خازم: من الوافر ... وَقد ضمزت بجرتها سليم ... مخافتنا كَمَا ضمز الْحمار ... يُرِيد: أَنهم قد أذغنوا وأمسكوا من مخافتنا. والخنس: جمع خَامِس. وَهُوَ الممسك. وَفِي كتاب الله تَعَالَى. {الوسواس الخناس} وَهُوَ الَّذِي يوسوس فَإِذا ذكر الله خنس أَي: انقبض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 705 وكف. يُرِيد: أَن الْإِبِل صَبر على الْعَطش. ووقف رجل على قبر عَامر بن الطُّفَيْل فَقَالَ: كَانَ وَالله لَا يضل حَتَّى يضل النَّجْم وَلَا يعطش حَتَّى يعطش الْبَعِير وَلَا يهاب حَتَّى يهاب السَّيْل وَكَانَ وَالله خير مَا يكون حِين لَا تظن نفس بِنَفس خيرا. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحجَّاج أَن أَبَا الْمليح كَانَ على الأبلة فَأتي بجراب لؤلوء بهرج فَكتب فِيهِ إِلَى الْحجَّاج فَكتب فِيهِ أَن يُخَمّس. يرويهِ أَزْهَر عَن ابْن عون إِلَّا أَن أَزْهَر قَالَ: نبهرج البهرج الْبَاطِل يُقَال: بهرج السُّلْطَان دم فلَان أَي: أبْطلهُ وأهدره. وَأنْشد أبن الْأَعرَابِي فِي وصف إبل تسري: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 706 من الرجز ... محارم اللَّيْل لَهُنَّ بهرج ... قَالَ: ومحارمه مخاوفه الَّتِي يحرم الجبان على نَفسه أَن يسلكها بهرج. يُرِيد: انها تبطله وتقطعه وَأَصله بِالْفَارِسِيَّةِ: نبهره. يُقَال ذَلِك للدرهم الرَّدِيء وَلَيْسَ لوصف اللُّؤْلُؤ ببهرج وَجه. وَأَحْسبهُ أُتِي بجراب بهرج أَي: عدل بِهِ عَن الطَّرِيق المسلوك خوفًا من الْعَاشِر وَأخذ فِي الطَّرِيق النبهرج. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحجَّاج إِن النُّعْمَان بن زرْعَة ذخل عَلَيْهِ حِين عرض النَّاس على الْكفْر فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج: أَمن أهل الرس والرهمسة أَو من أهل النَّجْوَى والشكوى أَو من أهل المحاشد والمخاطب والمراتب فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير بل شَرّ من ذَلِك كُله أجمع فَقَالَ: وَالله لَو وجدت إِلَى دمك فاكرش الجزء: 3 ¦ الصفحة: 707 لشربت الْبَطْحَاء مِنْك. بَلغنِي عَن أَبى الْيَقظَان. الرس هَاهُنَا: التَّعْرِيض بالشتم وَإِنَّمَا قيل لذَلِك: رس لِأَن الشاتم يرس القَوْل أَي: يأتى مِنْهُ بالأطراف وَالْبَعْض وَلَا يفصح بِهِ كُله يُقَال: بَلغنِي رس من خبر وذرو من خبر أذا بلغك طرف مِنْهُ. وحدثنى أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: حَدَّثَنى أَبُو حَاتِم الْأَصْمَعِي قَالَ: حَدَّثَنى أَبُو عمر الْيَرْبُوعي عَن سياربن سَلامَة أَنه لما قتل الْوَلِيد قَالَ: إِنَّكُم لترسون خَبرا إِن كَانَ حَقًا لَا يبْقى أهل من وبر وَلَا مدر إِلَّا دخل عَلَيْهِم مِنْهُ مَكْرُوه. والرهمسة نَحْو ذَلِك. يُقَال حَدِيث مرهمس ومرهسم وَمَا رهمسوا حَدِيثهمْ لخَبر ورهسموا. وَأَرَادَ الْحجَّاج: أَنْت مِمَّن يَشْتمنِي وَرَاء رسا ورهمسة أَو من أهل النَّجْوَى والشكوى أَي: مِمَّن يشكو وَمَا هُوَ فِيهِ ويقدح فِي السُّلْطَان ويناجي أَي: يسَار بِالتَّدْبِيرِ عَلَيْهِ وَطلب الْفِتْنَة. وَهَذَا نَحْو قَول حُذَيْفَة: إِن الْفِتْنَة تنْتج بالنجوى وتلقح بالشكوى. قَالَ: وحَدثني ابوسفيان عَن عُمَيْر بن عمرَان عَن الْحَارِث بن عتبَة عَن الْعَلَاء بن كثير عَن ابْن الْأَسْقَع انه كَانَ يحفظ من دُعَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ: يَا مَوضِع كل شكوى وَيَا شَاهد كل نجوى بِكُل سَبِيل أَنْت مُقيم ترى وَلَا ترى وَأَنت بالمنظر الْأَعْلَى. وَقَوله: أَو من أهل المحاشد أَي: مِمَّن يحشد فِي ذَلِك أَي: يجمع ويعد. والمخاطب والمراتب أَي: يخْطب فِي ذَلِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 708 الْخطب وَيظْهر مَا عِنْده يطْلب بِهِ الْمرتبَة وَالْقدر. وَأما قَوْله: لَو وجدت إِلَى دمك فاكرش فَإِن أَبَا حَاتِم حَدثنِي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: أَرَادَ لَو وجدت إِلَى ذَلِك سَبِيلا. قَالَ: وَهُوَ مثل نرى أَصله إِن قوما طبخوا شَاة فِي كرشها فَضَاقَ فَم الكرش عَن بعض الْعِظَام فَقَالُوا للطباخ: ادخله فَقَالَ: إِن وجدت إِلَى ذَلِك فاكرش. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحجَّاج أَنه قَالَ لأنس بن مَالك: وَالله لأقلعنك قلع الصمغة ولأجزرنك جزر الضَّرْب ولأعصبنك عصب السلمة فقا ل أنس: من يَعْنِي الْأَمِير قَالَ: إياك أَعنِي أَصمّ الله صداك فَكتب أنس بذلك إِلَى عبد المك فَكتب عبد المك إِلَى الْحجَّاج: يَابْنَ المستفرمة بحب الزَّبِيب لقد هَمَمْت أَن أركلك ركلة تهوي مِنْهَا إِلَى نَار جَهَنَّم قَاتلك الله أخيفش الْعَينَيْنِ أصك الرجلَيْن أسود الْجَاعِرَتَيْنِ. قَوْله: لأقلعنك قلع الصمغة يُرِيد: لأستأصلنك. والصمغ: إِذا قلع انقلع كُله فال يبْقى لَهُ أثر وَلذَلِك يُقَال: تَركتهم على مثل مقلغ الصمغة ومقرف الصمغة إِذا لم يبْق لَهُم شىء إِلَّا ذهب وَمثله: تركته على مثل لَيْلَة الصَّدْر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 709 يُرَاد: نفر النَّاس من حجهم وَتركته انقى من الرَّاحَة هَذَا كُله وَاحِد. وَقَوله: لأجزرنك جزر الضَّرْب. وَالضَّرْب الْعَسَل الغليظ. يُقَال: قد استضرب الْعَسَل إِذا غلظ. وروى الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: حَدثنِي رجل من قُرَيْش بِالطَّائِف إِن الْعَسَل يستضرب إِذا جرست نحله الْبر. وَإِذا غلظ الْعَسَل سهل على العاسل أَخذه واستقصاء شوره وَإِذا رق سَالَ. قَوْله: أَصمّ الله صداك والصدى هُوَ مَا تسمعه من الْجَبَل إِذا أَنْت صَوت فأجابك. يُرِيد: بذلك أهْلكك الله لِأَن الصدى يُجيب الْحَيّ فَإِذا هلك الرجل صم صداه كَأَنَّهُ لَا يسمع شَيْئا فيجيب عَنهُ. حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: يُقَال: صمي أبنة الْجَبَل عِنْد الْأَمر يستفظع. ويزعمون أَنهم يُرِيدُونَ بنت الْجَبَل: الصدى. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس: من المنسرح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 710 .. بدلت من وَائِل وَكِنْدَة عد ... وان وفهما صمي آبنة الْجَبَل ... وَيُقَال: ان ابْنة الْجَبَل الْحَيَّة. وَيُقَال لَهَا. صمي صمام أَي: لَا تجيبي الرقى. وَلذَلِك يُقَال للداهية: صمام تَشْبِيها بالحية الصماء. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: بنت الْجَبَل هِيَ الْحَصَاة. يُقَال: صمت حصاه بِدَم. وَذَلِكَ إِذا اشتدت الْحَرْب وتفاقم الْأَمر كَأَنَّهُ كثر الدَّم فَإِذا وَقعت فِي حَصَاة لَا تسمع لَهَا صَوتا. قَالَ الْكُمَيْت: من الطَّوِيل ... وَإِيَّاكُم إيَّاكُمْ وملمة ... يَقُول لَهَا الكانون صمي ابْنة الْجَبَل ... والكانون: الَّذين يكنون عَنْهَا. وَقَالَ ابْن أَحْمَر: من الوافر ... وردوا مَا لديكم من ركابي ... وَلم تأتكم صمي صمام ... يَعْنِي: الداهية. وَقَول عبد الْملك: يَابْنَ المستفرمة بحب الزَّبِيب يُرِيد أَنَّهَا تعالج بِهِ فرجهَا ليضيق ويستحصف. وَلست أعلم من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 711 أَي شَيْء أَخذ هَذَا الْحَرْف إِلَّا أَنه يُقَال: استفرمت الْبَغي إِذا فعلت ذَلِك. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: من الطَّوِيل ... وآثر بالملحاة آل مجاشع ... رِقَاب إِمَاء يعتبين المفار مَا ... يعتبين أَي: يتخذن ويهيئن والفارم: مَا يتضيقن بِهِ. والخفش فِي الْعين صغرها وَضعف الْبَصَر. والصكك: أَن يصطك الركبتان. وَمِنْه قيل للنعامة: صكاء. قَالَ أَبُو عَمْرو: الصكك فِي الرجلَيْن هُوَ أَن يصطكا. والجاعرتان: مَوضِع الرقمتين من است الْحمار. وَقَالَ فِي حَدِيث الْحجَّاج انه قَالَ لامْرَأَة: انك كتون لفوت لقوف صيود. قَالَ ابو حَاتِم: ذاكرت بِهِ الأصمعى فَقَالَ: هُوَ حَدِيث مَوْضُوع. وَقَالَ: لَا أعرف الكتون. وَقَالَ اللفوت: الَّتِي تتلفت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 712 يمنة ويسرة. وَبَلغنِي عَن الْكسَائي قَالَ: اللفوت الَّتِي لَهَا زوج وَلها ولد من غَيره فَهِيَ تتلفت إِلَى وَلَدهَا وَهِي: البروك أَيْضا. وَحدثت عَن الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي حَدثنَا الْحَارِث بن مضرب فِي زمن أبي جَعْفَر قَالَ: لما كَانَ يَوْم سلى وساجر طرد شَقِيق بن جُزْء بن ريَاح الْبَاهِلِيّ حَكِيم بن قبيصَة بن ضرار الضَّبِّيّ فَقَالَ لَهُ شَقِيق: إربع عَليّ ابْن البروك. فَقَالَ يَا شَقِيق: مَا بَيْننَا أجل من السباب فَقَالَ: معذرة إِلَى الله لَو علمت لَهَا اسْما غَيره مَا دعوتها إِلَّا بِهِ. ذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: وحَدثني غَيره من أَصْحَابنَا أَن شقيقا أدْرك يَوْم اليرموك فاستشهد وَزَاد آخَرُونَ: وَأدْركَ حكم الاسلام حَتَّى وَفد إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: اي يَوْم من الزَّمن مر بك أَشد قَالَ: يَوْم طردني شَقِيق قَالَ: فَأَي يَوْم مر بك أحب إِلَيْك قَالَ: يَوْم هَدَانِي الله لِلْإِسْلَامِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 713 قَالَ الْأَصْمَعِي: واللقوف الَّتِي إِذا مَسهَا الرجل لقفت يَده سَرِيعا والصيود قريب مِنْهُ كَأَنَّهَا تصيد شَيْئا إِذا هِيَ لقفت يَده. وَقَالَ غَيره: الكتون اللزوق. وَمِنْه يُقَال: قد كتن الْوَسخ عَلَيْهِ وكلع وَعَبس إِذا لزق بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 714 - حَدِيث جبر بن حبيب وَقَالَ فِي حَدِيث جبر إِن عِيسَى بن عمر قَالَ: أنشدته قَول أَبى كَبِير: من الْكَامِل حملت بِهِ فِي لَيْلَة مزؤودة ... كرها وَعقد نطاقها لم يحلل ... فَقَالَ: قَاتله الله تغشمرها. رَوَاهُ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر. التغشمر: أَخذ بجفاء وعنف. وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِن الرجل إِذا غشى الْمَرْأَة وَهِي مَذْعُورَة فأكرهها ثمَّ حملت فأذكرت جَاءَت بِهِ لَا يُطَاق. وَكَانُوا يَقُولُونَ أَيْضا: إِنَّهَا إِذا غشيت فِي قبل الطُّهْر وَأول الشَّهْر عِنْد طُلُوع الْفجْر فَحملت أنجبت. وَقد جمع الشَّاعِر هَذِه الْمعَانِي فِي قَوْله: من الْخَفِيف لقحت فِي الْهلَال عَن قبل الطُّهْر وَقد لَاحَ للضياء بشير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 715 - حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سابط وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن سابط أَنه قَالَ: إِذا تَوَضَّأت فَلَا تنس الفنيكين. الفنيك: طرف اللحيين عِنْد العنفقة. هَذَا قَول الْكسَائي. وروى الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الفنيكان قويق الذقن قَلِيلا من عَن يَمِين وشمال. وَقَالَ أَيْضا: والفنيكان من الْحَمَامَة العظمان اللَّذَان فِي الْعَجز ينفتحان عَن الْبَيْضَة. وَإِنَّمَا اراد: إِذا تَوَضَّأت فخلل ذَلِك الْموضع. يُرِيد أصُول الشّعْر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 716 حَدِيث يحيى بن أَبى كثير وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن ابى كثير انه قَالَ: لَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة الخرغ. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر الخرع: الصَّغِير الَّذِي يرضع. وَإِنَّمَا قيل لَهُ خرع لضَعْفه. وكل ضَعِيف فَهُوَ خرع. وَمِنْه قيل لبَعض النبت: خروع لِأَنَّهُ لين. وَمِنْه قيل للْمَرْأَة الناعمة اللينة: خريع. قَالَ الرَّاعِي وَذكر مَاء: من الْبسط ... وباكرته فضول الرّيح تنسجه ... معانقا سَاق ريا سَاقهَا خرع ... يُرِيد: باكرت هَذَا المَاء بَقِيَّة الرّيح معانقا يَعْنِي المَاء قد ظغى حَتَّى بلغ حلوق البردى. يُرِيد: سَاق برديه ريا وخرع: ضَعِيف. وَالصغَار تعد على ارباب الْمَاشِيَة وَلَا تُؤْخَذ مِنْهُم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 717 حَدِيث الْعَوام ابْن حَوْشَب وَقَالَ فِي حَدِيث الْعَوام أَنه قَالَ: كَانَ يُقَال الإبتهار بالذنب أعظم من ركُوبه. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن الْفضل بن دُكَيْن عَن هِشَام عَن الْعَوام. الابتهار بالذنب هُوَ أَن يَقُول الرجل زَنَيْت وَلم يزن وَقتلت وَلم يقتل. يبجح بذلك ويفخر. يَقُول: فَذَاك أَشد على الرجل من ركُوبه لِأَنَّهُ لم يَدعه على نَفسه أَلا وَهُوَ لَو قدر لفعل فَهُوَ كفاعله بِالنِّيَّةِ وَزَاد على ذَلِك بهتكه ستر نَفسه وقحته وَقلة مبالاته. يُقَال: ابتهر الشَّاعِر الْجَارِيَة اذا ذكر فِي شعره أَنه قد فجر بهَا وَلم يفعل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 718 حَدِيث سماك بن حَرْب وَقَالَ فِي حَدِيث سماك أَن شُعْبَة قَالَ: سمعته يَقُول: مَا حسبوا ضيفهم. قَالَ الاصمعي: سَمِعت شُعْبَة يذكر ذَلِك. وَقَالَ: يُرِيد مَا أكرموه وَأنْشد: من الْكَامِل ... باشرت بالوجعاء طعنة مرهف ... حران أَو لثويت غير محسب ... أَي: غير مكرم. وَيُقَال: اصل هَذَا من الحسبانة وَهِي الوسادة الصَّغِيرَة. وَيُقَال: حسبت الرجل إِذا أجلسته عَلَيْهَا. وَيُقَال: أحسبت فلَانا إِذا أكثرت لَهُ من الْعَطِيَّة حتي يَقُول: حسب. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... ونقفي وليد الْحَيّ إِن كَانَ جائعا ... ونحسبه إِن كَانَ لَيْسَ بجائع ... أَي: نُعْطِيه ونكثر لَهُ. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {عَطاء حسابا} أَي: كثيرا. وَقَالَ سَاعِدَة: من الطَّوِيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 719 .. فَلم ينبته حَتَّى أحَاط بظهره ... حِسَاب وسرب كالجراد يسوم ... يسوم: يمر مرا سهلا وَمِنْه يُقَال: خلله وسومة يُقَال: أقفيت لرجل على صَاحبه إِذا فضلته عَلَيْهِ. وَيُقَال لَك عِنْدِي قفية ومزية فِي الْكَرَامَة والعطية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 720 حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة وَقل فِي حَدِيث هِشَام أَنه قَالَ لرجل: أَنْت أثقل عَليّ من الزاووق. يرويهِ أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام. قَالَ الْأَصْمَعِي: أهل الْمَدِينَة يسمون الزئبق: الزاووق وَمِنْه يُقَال: زوق الْبَيْت إِذا حسنه بالنقش. وَقَالَ أَبُو زيد: زوق الْكتاب وزوره إِذا حسنه وَقَومه. وَمِنْه قَول الْحجَّاج على الْمِنْبَر: وامرؤ زور نَفسه أَي: قَومهَا. وحَدثني الرياشي عَن مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي عَن يُونُس قَالَ: قَالَ لي رؤبة حَتَّى مَتى تَسْأَلنِي عَن هَذِه الأباطيل وأزوقها لَك أما ترى الشيب قد بلغ فِي رَأسك ولحيتك. قَالَ الرياشي: يُقَال: قد بلغ فِيهِ الشيب إِذا ظهر بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 721 حَدِيث ابْن جريح عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن جريج انه ذكر معمر بن رَاشد فَقَالَ: انه لشراب بأنقع. ذكره يحيى بن سعيد. قَوْله: شراب بأنقع. حَدَّثَنى أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: يُقَال: فلَان شراب بأنقع أَي: معاود للأمور الَّتِي تكره. وَمِنْه قَول الْحجَّاج فِي خطبَته: انكم يَا أهل الْعرَاق شرابون عَليّ بأنقع وَقَالَ ابو زيد: يُقَال: إِنَّه شراب بأنقع أَي: معاود للخير وَالشَّر. وَتَفْسِير الْأَصْمَعِي اشبه بِمَعْنى الْحجَّاج. والأنقع جمع نقع وَهُوَ هَاهُنَا مَا يستنقع. يُقَال أصل هَذَا فِي الطَّائِر إِذا كَانَ حذرا: ورد المناقع فِي الفلوات حَيْثُ لَا تبلغ القناص وَلَا تنصب لَهُ الأشراك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 722 حَدِيث ابْن ابى الزِّنَاد عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن ذكْوَان وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن أَبى الزِّنَاد أَنه قَالَ: قَالَ رجل من أَوْلَاد أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا عزب المَال قلت فواضله. قَالَ ابْن ابي الزِّنَاد: لَا بلحة وَلَا رطبَة وَلَا كرنافة وَلَا سعفة. حَدَّثَنى أَبُو حَاتِم السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي عَن ابْن أَبى الزِّنَاد يَقُول: إِذا بَعدت الضَّيْعَة قل الْمرْفق مِنْهَا فَلم تأتك بلحة وَلَا كَذَا وَلَا كَذَا وَقَالَ الشَّاعِر فِي مثله: من الطَّوِيل ... سأبغيك مَالا بِالْمَدِينَةِ إِنَّنِي ... أرى عَازِب الْأَمْوَال قلت فواضله ... وَقد تقدم تَفْسِير الكرنافة. وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن أبي الزِّنَاد انه قَالَ: إِذا اجْتمعت حرمتان طرحت الصُّغْرَى للكبرى. حدثنية أَبُو حَاتِم السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي عَنهُ يَقُول: إِذا كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 723 أَمر فِيهِ مَنْفَعَة لعامة النَّاس ومضرة على خَاص مِنْهُم قدمت مَنْفَعَة الْعَامَّة. وَمثل ذَلِك: نهر يجْرِي لشرب النَّاس وَفِي مجْرَاه حَائِط لرجل أَو حمام يضر بِهِ هَذَا النَّهر فَلَا يتْرك إجراؤه من أجل هَذِه الْمضرَّة هَذَا وَمَا أشبهه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 724 حَدِيث نَافِع بن أَبى نعيم القارىء وَقَالَ فِي حَدِيث نَافِع أَنه قَالَ: كنت أَقُول لِابْنِ دأب إِذا حدث اقم المطمر. حَدَّثَنِيهِ السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي عَنهُ. المطمر: هُوَ الزيق الَّذِي يقوم عَلَيْهِ الْبناء. وَيُقَال لَهُ: الإِمَام أَيْضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 725 قَالَ الرَّاعِي: من الطَّوِيل ... وخلقته حَتَّى إِذا تمّ واستوى ... كمخة سَاق أَو كمتن إِمَام ... خلقته أَي: نحته وملسته يَعْنِي: سَهْما. والأخلق: الأملس وَأَرَادَ انه كَانَ يقوم الحَدِيث ويصنعه وينقح أَلْفَاظه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 726 حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ أَن أَبَا اسحق قَالَ: سَأَلته عَن الْمُسلم يؤسر فيريدون قَتله فَيُقَال لَهُ: مد عُنُقك أيمد عُنُقه وَهُوَ يخَاف إِن لم يفعل أَن يمثل بِهِ قَالَ: مَا أرى بَأْسا إِذا خَافَ إِن لم يفعل أَن يمثل بِهِ أَو يدنق فِي الْمَوْت. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أَبى إِسْحَق. قَوْله: يدنق فِي الْمَوْت أَي: يدنو مِنْهُ وَمِنْه يُقَال: دنقت الشَّمْس إِذا دنت للغروب. ودنقت عينه إِذا غارت. وَفِي حَدِيث آخر بِهَذَا الْإِسْنَاد أَنه قَالَ: لَا يُسهم للْعَبد وَلَا للْأَجِير وَلَا القديدين. والقديدون: تبَاع الْعَسْكَر من الصناع نَحْو الشعاب والبيطار والحداد. وَلَا أَحْسبهُ قيل لَهُم ذَلِك إِلَّا لتقدد ثِيَابهمْ. قَالَ ابْن الطثرية: من الطَّوِيل ... وأبيض مثل السَّيْف خَادِم رفْقَة ... أَشمّ ترى سرباله قد تقددا ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 727 حَدِيث وهيب بن الوزد وَقَالَ فِي حَدِيث وهيب انه قَالَ: إِذا وَقع العَبْد فِي الهانية الرب ومهيمنية الصيديقين ورهبانية الْأَبْرَار لم يجد أحدا يَأْخُذ بِقَلْبِه وَلَا تلْحقهُ عينه. الهانية الرب مَأْخُوذَة من إِلَه وتقديرها: فعلانية كَأَنَّهُ يُقَال: إلة بَين الْآلهَة والألهانية. وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ: / يذرك وآلهتك / أَي: وربوبيتك. وَيُقَال: إِن الْهَاء مَأْخُوذ من أَله يأله إِذا تحير كَأَن الْقُلُوب تأله عِنْد التفكر فِي عَظمَة الله وَقَالَ الأخطل: من الطَّوِيل وَنحن قسمنا الأَرْض نِصْفَيْنِ: نصفهَا ... لنا ونرامي أَن تكون لنا مَعًا بتسعين ألفا تأله الْعين وَسطهَا ... مَتى تَرَهَا عين الطرامة تدمعا ... أَي: تتحير فتدمع. يَقُول: إِذا وَقع العَبْد فِي عَظمَة الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 728 وجلاله وَغير ذَلِك من صِفَات الربوبية والمهيمنية: الامانة. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {ومهيمنا عَلَيْهِ} أَي: أَمينا عَلَيْهِ. وَيُقَال: شَاهدا عَلَيْهِ وهما متقاربان. يَقُول: إِذا وَقع العَبْد فِي هَذِه الدرجَة لم يُعجبهُ أحد وَلم يحب إِلَّا عز جلّ وَعز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 729 حَدِيث مَالك ابْن انس وَقَالَ فِي حَدِيث مَالك انه قَالَ: السّنة فِي الْمُسَاقَاة الَّتِي تجوز لصَاحب الأَرْض أَن يشترطها على المساقى شدّ الحظار وخم الْعين وسرو الشّرْب وإبار النّخل وَقطع الجريد وجد التَّمْر. وَلَا يشْتَرط عَلَيْهِ عملا جَدِيدا يحدثه من بِئْر يحفرها أَو عين يرفعها أَو غرس يغرسها يأتى بِهِ من عِنْده أَو ضفيرة يبنيها تعظم نَفَقَته فِيهَا. حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن العنبي عَن مَالك. الحظار: حَائِط الْبُسْتَان. وَمِنْه قَول النبى عَلَيْهِ السَّلَام: لقد احتظر من النَّار بحظار. وخم الْعين كنسها يُقَال: خممت الْبَيْت والبئر إِذا كنسته وَمِنْه قيل: مُؤمن مخموم الْقلب كَأَن قلبه خم ونقي. وسرو الشّرْب يُرِيد: تنقية أَنهَار الشّرْب. وَهُوَ جمع سري وَالسري: النَّهر وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {قد جعل رَبك تَحْتك سريا} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 730 جمعه على: فعل ثمَّ أسكن مَوضِع الْعين استثقالا للضمة قبل الْوَاو كَمَا يُقَال: قضب وقضب وكثب وكثب. وَبَعْضهمْ يرويهِ: سرو بِالْفَتْح وَرفع الْحَرْف وَهَكَذَا رَأَيْت الْحِجَازِيِّينَ يَقُولُونَ. وَسَأَلت الْحِجَازِيِّينَ عَنهُ فَقَالُوا: هُوَ تنقية الشربات وَأَحْسبهُ من قَوْلك: سروت الشىء إِذا نَزَعته. وجد التَّمْر صرامه وكل شىء قطعته فقد جددته وَمِنْه قيل للثوب جَدِيد يُرَاد: أَنه حِين جده الحائك أَي: قطعه من المنسج فعيل بِمَعْنى مفعول وَقَالَ الشَّاعِر: من الوافر ... أَبى حبي سليمى أَن يبيدا ... وَأمسى حبلها خلقا جَدِيدا ... أَي: مجدودا مَقْطُوعًا. والضفيرة هَاهُنَا المسناة وَسَأَلت الْحِجَازِيِّينَ عَن الضفيرة فَأَخْبرُونِي: أَنَّهَا جِدَار يبْنى فِي وَجه السَّيْل من حِجَارَة لِئَلَّا يدْخل مَاء السَّيْل الْعين فيفسدها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 731 حَدِيث مُعْتَمر بن سلميان وَقَالَ فِي حَدِيث مُعْتَمر أَن مَالِكًا سُئِلَ عَن عجين يعجن بدردي فَقَالَ: إِن يسكر فَلَا قَالَ الْأَصْمَعِي: فَحدثت بِهِ مُعْتَمِرًا فَقَالَ أَو كَانَ. كَمَا قَالَ: من الوافر ... رأى فِي كف صَحبه خلاة ... فتعجبه ويفزعه الْجَرِير ... روى ذَلِك الرياشي عَن الْأَصْمَعِي. تَأْوِيل الحَدِيث عِنْدِي أَن مُعْتَمِرًا أَعْجَبته فَتْوَى مَالك مثلا وأفزعه أَن يقدم على التَّحْرِيم لاخْتِلَاف النَّاس فِي الْمُسكر فَضرب الْبَيْت الَّذِي ذكره مِثَال وَمَعْنَاهُ: ان الْبَعِير إِذا ند أَخذ لَهُ صَاحبه الخلا وَهُوَ رطب الْحَشِيش بيد والجرير وَهُوَ الْحَبل بيد فَإِذا نظر الْبَعِير إِلَى الخلا أعجبه وَإِذا نظر إِلَى الْحَبل أفزعه. فَكَذَلِك كَانَ مُعْتَمر يُعجبهُ فَتْوَى مَالك بِالتَّحْرِيمِ ويفزعه إِذا هُوَ ذكر من يذهب إِلَى التَّحْلِيل أَن يقدم على التَّحْرِيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 732 أَحَادِيث سَمِعت أَصْحَاب اللُّغَة يذكرونها وَلَا أعرف أَصْحَابهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 733 جَاءَ فِي الحَدِيث: إِذا أكلْتُم فرازموا. والمرازمة فِي الْأكل هِيَ المعاقبة. وَذَلِكَ أَن ترعى الْإِبِل الحمض مرّة والخلة مرّة. وَقَالَ الرَّاعِي لناقته: من الطَّوِيل ... كلي الحمض عَام المقحمين ورازمي ... إِلَى قَابل ثمَّ اعذري بعد قَابل ... وَأَرَادَ: لَا تدمنوا أكل طَعَام وَاحِد. وَلَكِن عاقبوا فَكُلُوا يَوْمًا لَحْمًا وَيَوْما عسلا وَيَوْما لَبَنًا وَأَشْبَاه ذَلِك. وَهُوَ معنى مَا روى عَن عمر قَالَ الاحنف: كنت أحضر طَعَام عمر فيوما لَحْمًا غريضا وَيَوْما بِزَيْت وَيَوْما بِقديد. والغريض: الطري. وَيُقَال: أَرَادَ بالمرازمة فِي الحَدِيث المعاقبة بِالْحَمْد. أَي احمدوا الله بَين اللُّقْمَة واللقمة. وَجَاء فِي الحَدِيث: أكل وَحمد خير من أكل وَصمت. جَاءَ فِي الحَدِيث ردوا نجأة السَّائِل باللقمة. يُرِيد: شدَّة نظره وأصابته بِعَيْنِه. قَالَ الْفراء: يُقَال: رجل نجيىء الْعين على وزن فعيل ونجوء الْعين على وزن فعول ونجىء الْعين على وزن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 734 فعل. ونجوء الْعين على وزن فعل إِذا كَانَ شَدِيد الْعين. وَقد نجأته بعيني. جَاءَ فِي الحَدِيث: لَا تعجلوا بتغطية وَجه الْمَيِّت حَتَّى ينشغ أَو يتنشغ. قَالَ الْأَصْمَعِي: النشغات عِنْد الْمَوْت فوقات خفيات جدا. واحدتها نشغة. قَالَ: وَقَالَ أَيُّوب: مَا غسلت ابْن سِيرِين أَظُنهُ قَالَ: حَتَّى فاق الفوقات الخفيات. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: النشغ: الشهق حَتَّى يكَاد يبلغ بِصَاحِبِهِ الغشي أَو الْمَوْت. يُقَال: نشغ الرجل ينشغ نشغا. قَالَ العجاج: ... وحالت اللاواء دون نشغتي ... جَاءَ فِي الحَدِيث: لَا تجدفوا بنعم الله. التجديف: الْكفْر بِالنعَم. وَهُوَ تنقصها واستصغارها والجدف نَحْو الْحَذف. يُقَال: حدفت الشىء إِذا نقصت مِنْهُ. وَمِنْه يُقَال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 735 قَمِيص مَحْذُوف الكمين إِذا كَانَ قصيرهما. قَالَ حميد بن ثَوْر وَذكر امْرَأَة من الطَّوِيل ... خَلِيلَة مَحْذُوف الْيَدَيْنِ كَأَنَّهُ ... من اللؤم كلب ينبح النَّاس سافد ... ويروى: مجدوف البنان أَي: قصيرهما. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى: من الْخَفِيف. قَاعِدا حوله الندامى فَمَا يَنْفَكّ يُؤْتى بموكر مجدوف. والموكر: زق قد أوكر أَي: مَلِيء وَجعله مجدوفا لِأَنَّهُ مَقْطُوع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ. جَاءَ فِي الحَدِيث: يدْخل الْبَيْت الْمَعْمُور كل يَوْم سَبْعُونَ ألف دحْيَة مَعَ كل دحْيَة سَبْعُونَ ألف ملك. قَالَ أَبُو حَاتِم: الدحية الرئيس من النَّاس وَلست أدرى أَمن هَذَا سمي الرجل دحْيَة أم لَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 736 جَاءَ فِي الحَدِيث: اغتربوا لَا تضووا هُوَ من الضاوي وَهُوَ النحيف الْقَلِيل الْجِسْم. يُقَال. ضوي يضوى. وأضوت الْمَرْأَة إِذا أَتَت بِولد ضاو. كَمَا يُقَال: أحمقت إِذا أَتَت بِولد أَحمَق وأذكرت إِذا أَتَت بِذكر وأنثت إِذا أَتَت بأنثى. وَأَرَادَ: أنكحوا فِي الغرباء وَلَا تنْكِحُوا فِي الْقرَابَات وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِن الغرائب أَنْجَب. وَقد أكثرت الشُّعَرَاء فِي هَذَا الْمَعْنى. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... فَتى لم تلده بنت عَم قريبَة ... فيضوى وَقد يضوى رديد القرائب ... وَقَالَ آخر: من الرجز ... إِن بِلَالًا لم تشنه أمة ... لم يتناسب خَاله وَعَمه ... وَقَالَ آخر: من الطَّوِيل ... تنجتها للنسل وَهِي غَرِيبَة ... فَجَاءَت بِهِ كالبدر خرقا معمما فَلَو شاتم الفتيان فِي الْحَيّ ظَالِما ... لما وجدوا غير التكذب مشتما ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 737 حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: شويس وَهُوَ من بني عدي: أَنا ابْن التَّارِيخ وَمَا قرقمني إِلَّا الْكَرم وَمَا أتقاضى الْعشْرَة وَلَا أحسن الرطانة فإنى لأرسى من رصاصة وَأَنا العربى الباك. القرقمة: صغر الْجِسْم للتزوج فِي الْقرَابَات أَي: صغر جسمي ترددي فِي الكرائم من الْقرَابَات. وَقَوله: أرسى من رصاصة يُرِيد: انه أثبت فِي المَاء وأرسخ من الرصاصة. يَقُول: لَا أحسن السباحة كَمَا يحسنها النبط فَإِذا وَقعت فِي المَاء رسخت. والرطانة: تراطن الْعَجم بِكَلَام لَا يفهم. والباك بِالْفَارِسِيَّةِ النقى. سمع ذَلِك فَاسْتَعْملهُ. وَقَوله أَنا ابْن التَّارِيخ يُرِيد انه ولد عَام الْهِجْرَة إِنَّمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 738 أرخ النَّاس بِالْهِجْرَةِ. جَاءَ فِي الحَدِيث: من اعتقل الشَّاة وَأكل مَعَ أَهله وَركب الْحمار فقد برىء من الْكبر. اعتقل الشَّاة هُوَ أَن يضع رجلهَا بَين سَاقه وفخذيه ثمَّ يحلبها. وَيُقَال: اعتقل الرجل رمحه إِذا فعل ذَلِك بِهِ. وَيُقَال: حكله وعقله إِذا أَقَامَهُ على إِحْدَى رجلَيْهِ. وَهَذَا هُوَ الأَصْل فِيهِ. قَالَ ذُو الرمة وَذكر فلاة: من الطَّوِيل ... أطلت اعتقال الرجل فِي مدلهمها ... إِذا شرك الموماة أودى نظامها ... اعتقال الرجل: أَي: رَفعهَا. وَيُقَال صارع فلَان فلَانا فاعتقله الشغزبية وَهُوَ ضرب من الصراع. أَحْسبهُ يرفع فِيهِ إِحْدَى رجلَيْهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 739 جَاءَ فِي الحَدِيث: كَانَ يُقَال ل {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله أحد} المقشقشتان. حَدثنِي الرياشي عَن الأصمعى عَن أَبى عَمْرو بن الْعَلَاء انه قَالَ: إِنَّمَا قيل لَهما ذَلِك لِأَنَّهُمَا تبرئان من الشّرك. وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ: اقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} عِنْد مَنَامك فَإِنَّهَا بَرَاءَة من الشّرك. وَهَذَا شَاهد لتفسير أَبى عَمْرو وَقَالَ: يُقَال للبعير إِذا برأَ من الجرب قد تقشقش. جَاءَ فِي الحَدِيث: لَا تبردوا عَن الظَّالِم. الْمَعْنى: فَلَا تشتموه فتخففوا عَنهُ من عُقُوبَة ذَنبه. وَهُوَ نَحْو قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة وسمعها تَدْعُو على سَارِق: لَا تسبخي عَنهُ أَي: لَا تخففي عَنهُ بدعائك. جَاءَ فِي الحَدِيث: قَالَ فلَان وَالله لَو ضربك بأمصوخ من عيشومة لقتلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 740 العيشومة: نبتة من النبت ضَعِيفَة. والأمصوخ: خوص الثمام. فَأَرَادَ: أَنه لَو ضربك بعيشومة بخوصة وَذَلِكَ أَضْعَف مَا يكون لقتلك يُقَال: ظَهرت أماصيخ الثمام إِذا ظهر خوصه. جَاءَ فِي الحَدِيث: يُوشك أَن يخرج جَيش من قبل الْمشرق آدى شىء وأعده أَمِيرهمْ رجل طوال أدلم ابرج. آدى شَيْء اي: أقوى شىء واعده. يُقَال. فلَان مؤد كَمَا ترى يُرَاد: أَنه ذُو قُوَّة على الْأَمر. وَفُلَان يُؤَدِّيه على مَا يفعل مَال كثير أَي: يقويه. وآدني على فلَان وأعدني عَلَيْهِ أَي قونى عَلَيْهِ. وَفِي بعض الْمَصَاحِف الْقَدِيمَة: / وَإِنَّمَا لجَمِيع حاذرون مؤدون /. والأدلم: الْأسود. والأبرج: الْوَاسِع الْعَينَيْنِ الْكثير بياضها فَإِن عظمت المقلة مَعَ السعَة فَهُوَ أنجل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 741 وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد: جَاءَ فِي الحَدِيث: لم يرخص فِي شىء من ثمن الْحرم إِلَّا قضيب الرَّاعِي ومسد المحالة. المسد: حَبل من لِيف وَيكون من خوص وَمن جُلُود الْإِبِل. قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... ومسد أَمر من أيانق ... والمحالة: البكرة الْعَظِيمَة الَّتِي تستقي بهَا الْإِبِل. جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن مسافعا قَالَ: حَدَّثتنِي امْرَأَة من بني سليم ولدت عَامَّة أهل دَارنَا. ولدت أَي: قبلت المولودين والمولدة: الْقَابِلَة. جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن رجلا من الْمُسلمين قَالَ لرجل من الْمُشْركين: كَانَ يشْتم رَسُول الله لَئِن عدت لأرحلنك بسيفي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 742 يُرِيد لأعلونك بِهِ. يُقَال: رحلت الرجل وارتحلته إِذا عَلَوْت ظَهره. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رَكبه الْحُسَيْن فَأَبْطَأَ فِي سُجُوده وَقَالَ: إِن ابْني ارتحلني فَكرِهت أَن أعجله. وَجَاء فِي الحَدِيث: إِن الْجَارُود لما أسلم وثب عَلَيْهِ الحطم فَأَخذه فشده وثاقا وَجعله فِي الزأرة. الزأرة: الأجمة وَهِي الغابة وَمِنْه قيل: أَسد غَابَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 743 وَهِي أَيْضا الأباءة. جَاءَ فِي الحَدِيث: غُبَار ذيل الْمَرْأَة الْفَاجِرَة: يُورث السل. قَالَ الْأَصْمَعِي: يُرَاد من اتبع الفواجر وفجر بِهن ذهب مَاله وافتقر. شبه خفَّة المَال وذهابه بخفة الْجِسْم وذهابه إِذا سل. جَاءَ فِي الحَدِيث: تنكبوا الْغُبَار فَإِنَّهُ مِنْهُ تكون النَّسمَة. النَّسمَة: النَّفس والربو سمي بذلك لِأَنَّهُ ريح يخرج من الْجوف وَنَسَم الشَّيْء رِيحه. وَمِنْه يُقَال: ناسمت فلَانا إِنَّمَا هُوَ أَن تَدْنُو مِنْهُ حَتَّى ينالك نسمه ويناله نسمك. وَالْأَصْل فِي هَذَا من النَّسمَة وَهِي النَّفس. وَيُقَال: عَلَيْهِ عتق نسمَة أَي: عتق نفس. وَالنَّفس من النَّفس يخرج فَهُوَ نسم. وَلَا أرى قَوْلهم لمن تسر إِلَيْهِ أَمرك وتفضي إِلَيْهِ بِذَات نَفسك: ناموس إِلَّا من هَذَا. ثمَّ قلب. يُقَال: نامست الجزء: 3 ¦ الصفحة: 744 الرجل إِذا ساورته. كَأَن أَصله ناسمت ثمَّ قلب وناسوم ثمَّ قلب. جَاءَ فِي الحَدِيث: سموا ودنوا وسممتوا هَذَا فِي الطَّعَام. يَقُول سموا الله عَلَيْهِ إِذا بدأتم فِي الْأكل ودنوا: كلوا مِمَّا بَين أَيْدِيكُم وَمِمَّا قرب مِنْكُم. وَهُوَ فعلوا من دنا يدنو وَمِنْه قيل للرجل السَّاقِط الَّذِي لَا يسمو إِلَى معالي الْأُمُور وَلَا يركب الأخطار لَهَا مدن. قَوْله وسمتوا. يَقُول: إِذا فَرَغْتُمْ من الطَّعَام فادعو بِالْبركَةِ لمن طَعِمْتُمْ عِنْده ولأنفسكم فِيمَا أكلْتُم. وَمِنْه تسميت الْعَاطِس إِنَّمَا هُوَ الدُّعَاء لَهُ وَفِيه لُغَة أُخْرَى: التشميت بالشين مُعْجمَة وَهِي المستعملة. جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن النِّسَاء كن يفتين بِالْمَاءِ. يَعْنِي: نسَاء الْأَنْصَار كن يفتين بِالْمَاءِ من المَاء. جَاءَ فِي الحَدِيث: ضرس الْكَافِر مثل ورقان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 745 يُرَاد فِي النَّار وورقان: جبل مَعْرُوف. وَفِي الحَدِيث انه ذكر غافلي هَذِه الْأمة فَقَالَ: رجلَانِ من مزينة ينزلان جبلا من جبال الْعَرَب يُقَال لَهُ: ورقان فيحشر النَّاس وَلَا يعلمَانِ. فِي قصَّة طَوِيلَة. جَاءَ فِي الحَدِيث: حمل فلَان على الكتيبة فَجعل يثفنها. يُرِيد: يطردها. قَالَ العجاج أَو رؤبة: من الرجز ... أَلَيْسَ ملوي الملاوي مثفن ... وَيجوز أَن يكون: يفنها أَي: يطردها. والفن الطَّرْد. جَاءَ فِي الحَدِيث: الَّذين تُدْرِكهُمْ السَّاعَة تسلط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 746 عَلَيْهِم الْحُرْمَة ويسلبون الْحيَاء. الْحُرْمَة: الغلمة يُقَال: استحرمت الشَّاة فَهِيَ حرمى اذا أَرَادَت الْفَحْل وحنت واستقرعت. وَمِنْه الحَدِيث: إِن عَلْقَمَة كَانَ يقرع غنمه ويحلب ويعلف. جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن رجلا كَانَ يرائي فَلَا يمر بِقوم إِلَّا عذموه. يُرِيد: إِلَّا أَخَذُوهُ بألسنتهم. وأصل العذم العض فاستعير. قَالَ المرار: من الْكَامِل ... ويزينهن مَعَ الْجمال ملاحة ... والدل والتشريق والعذم ... والتشريق: إشراق الْوُجُوه. والعذم: الْكَلَام. وَيُقَال ضرسوا فلَانا إِذا ذموه ولاموه. وَهُوَ مثل عذموه. قَالَ العجاج: ... قَالَت سليمى لى مَعَ الضوارس ... يعنيى: العواذل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 747 8 - جَاءَ فِي الحَدِيث: كَانَ كسْرَى يسْجد للطالع. والطالع هَاهُنَا من السِّهَام الَّتِي يرْمى بهَا. وَهُوَ مَا وَقع فَوق الْعَلامَة. وَكَانُوا يعدونه كالمقرطس. قَالَ المرار يصف امْرَأَة: من الطَّوِيل. ... لَهَا أسْهم لَا قاصرات عَن الحشا ... وَلَا شاخصات عَن فُؤَادِي طوالع ... وَسُجُوده أَن يتطامن لَهُ إِذا رمى أَو يسلم لراميه ويستسلم. وَالسُّجُود: الاستسلام أَيْضا. قَالَ لبيد يذكر نخلا: من الْبَسِيط ... غلب سواجد لم يدْخل بهَا الْحصْر ... والسواجد: الموائل والحصر: الضّيق وَهُوَ أَن يكون النّخل فِي مَوضِع صلب لَا تتشعب فِيهِ عروقه. وَهَذَا تَفْسِير لبَعض البغداديين. جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن منقذا صقع فِي الْجَاهِلِيَّة آمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 748 أَي: شج. وَمن ضَربته على رَأسه فقد صقعته. وَمِنْه قيل للْفرس إِذا ابيض أعلا رَأسه أصقع. وَقيل للبرقع صقاع. وَقيل للعقاب صقعاء لبياض فِي رَأسهَا. والآمة: الشَّجَّة تبلغ أم الدِّمَاغ. جَاءَ فِي الحَدِيث: لَا رَأْي لحاقن وَلَا لحاقب وَلَا لحازق. الحاقن: حاقن الْبَوْل. والحاقب من الْعذرَة. شبه بحامل الحقيبة. والحازق: الَّذِي ضَاقَ عَلَيْهِ الْخُف فحزق قدمه وضغطها. وَهُوَ فَاعل بِمَعْنى مفعول. مثل مَاء دافق. أتبع الْحُرُوف الَّتِي قبله. جَاءَ فِي الحَدِيث: السُّلْطَان ذُو عدوان وَذُو بدوان وَذُو تدرأ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 749 قَوْله: ذُو عدوان من قَوْلك: مَا عداك عَن كَذَا أَي: مَا صرفك عَنهُ. يُرَاد: أَنه سريع الِانْصِرَاف والملال. وَذُو بدوان: من قَوْلك: بدا لي كَذَا. يُقَال: فلَان ذُو بدوات إِذا كَانَ لَا يزَال لَهُ رَأْي جَدِيد. وَمِنْه يُقَال: مَا عدا مِمَّا بدا. أَي: مَا صرفك عَمَّا كنت عَلَيْهِ. وَذُو تدرأ: من قَوْلك: درأت الشَّيْء دَفعته واندرأ علينا فلَان إِذا انْدفع. يُرَاد: أَنه هجوم لَا يتوقى وَلَا يهاب. وزيدت التَّاء فِي أَوله كَمَا قَالُوا: شَره ترَتّب أَي: راتب دَائِم. وَأنْشد: من المتقارب ... وَقد كنت فِي الْحَرْب ذَا تدرأ ... جَاءَ فِي الحَدِيث: التَّخَتُّم بالياقوت يَنْفِي الْفقر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 750 يُرَاد: انه إِذا ذهب مَاله وأفضى إِلَيْهِ فَبَاعَهُ وجد فِيهِ غنى. جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن امْرَأَة جَاءَت تشتري من رجل شَيْئا فَقَالَ لَهَا: ادخلي الْبَيْت فَدخلت فَضرب بِيَدِهِ على عجزها فارتعصت. أَي: تَلَوت وارتعدت. قَالَ الراجز: من الرجز ... إِلَّا ارتعاصا كارتعاص الحيه ... على كراسيعي ومرفقيه ... جَاءَ فِي الحَدِيث: صفرَة فِي سَبِيل الله خير من حمر النعم. الصُّفْرَة: الجوعة. يُقَال: صفر بَطْنه إِذا جَاع. وصفر الإنآء إِذا خلا. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: من الوافر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 751 .. وأفلتهن علْبَاء جريضا ... وَلَو أدركنه صفر الوطاب ... والوطاب: زقاق اللَّبن يَقُول: لَو أَدْرَكته لقتلته فصفرت وطابه أَي: خلت من اللَّبن. وَيُقَال. فلَان صفر من كل خير. وَيُقَال: فِي مثل: لَيْسَ لشبعة خير من صفرَة تخفرها. جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن رجلا أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى تَبُوك فَقَالَت لَهُ أمه أَو امْرَأَته: يكف بالودي فَقَالَ: الْغَزْو أنمى للودي. فَمَا بقيت مِنْهُ ودية إِلَّا نفذت مَا مَاتَت وَلَا حشت. وَقَوله: الْغَزْو أنمى للودي أَي ينميه الله للغازي وَيحسن خِلَافَته عَلَيْهِ. وَقَوله: وَلَا حشت أَي: مَا يَبِسَتْ. وَمِنْه حَدِيث عمر: إِن النِّسَاء قُلْنَ لَهُ: هَذِه إمرأة حش وَلَدهَا فِي بَطنهَا أَي: يبس. جَاءَ فِي الحَدِيث: فِي الأداف الدِّيَة. والأداف: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 752 الذّكر سمي أدافا بالقطر. يُقَال: ودفت الشحمة إِذا قطرت دسمها وَإِنَّمَا همز أول الْحَرْف للضمة. كَمَا يُقَال فِي الْوُجُوه: أجوه. قَالَ الراجز: ... أولجت فِي كعثبها الأدافا ... مثل الذِّرَاع يمتري النطافا ... جَاءَ فِي الحَدِيث: الْجَانِب المستغزر يُثَاب من هِبته. الْجَانِب: الْغَرِيب. وَهُوَ الْجنب أَيْضا. والجنابة الغربة. والمستغزر: المستمد الَّذِي أهْدى إِلَيْك لتكافيه وتزيده. جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن رجلا شكا التغزب فَقيل لَهُ: عف شعرك فَفعل فارفأن أَي: سكن مَا كَانَ بِهِ والمرفئن: السَّاكِن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 753 جَاءَ فِي الحَدِيث: خير المَال عين ساهرة لعين نَائِمَة. يُرَاد بِالْعينِ الساهرة عين مَاء تجْرِي لَا تَنْقَطِع نَهَارا وَلَا لَيْلًا. وَقَوله: لعين نَائِمَة يُرَاد أَن صاحبنا ينَام وَهِي تجْرِي وَلَا تَنْقَطِع فَجعل السهر لجريها مثلا. جَاءَ فِي السِّيرَة فِي حَدِيث أَيُّوب إِن الله جلّ وَعز قَالَ لَهُ: إِنَّه لَا يَنْبَغِي ان يخاصمني إِلَّا من يَجْعَل الزيار فِي فَم الْأسد والسحال فِي فَم العنقاء. السحال: حَدِيدَة تجْعَل فِي الْفَم. وَمِنْه يُقَال لحديدة اللجام: المسحل. يُقَال: مسحل وسحال كَمَا يُقَال: منطق ونطاق ومقرم وقرام. جَاءَ فِي الحَدِيث: النَّاس قواري الله فِي الأَرْض. يُرَاد أَنهم شُهُوده إِذا قَالُوا خيرا وَجب وَإِذا قَالُوا شرا وَجب. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: القواري هم الَّذين يتتبعون أَعمال النَّاس ويتفقدونهم وَهُوَ يرجع إِلَى التَّفْسِير الأول وَأَحْسبهُ مأخوذا من: قريت الشَّيْء إِذا جمعته كَأَنَّهُمْ يجمعُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 754 أَخْبَار النَّاس عِنْدهم وكتبنا إِلَى أبي محلم نَسْأَلهُ عَن هَذَا الْحَرْف فَأجَاب ينجو هَذَا وأنشدنا فِي جَوَابه: من الْكَامِل ... والمسلمون بِمَا أَقُول قواري أَي: شُهُود. جَاءَ فِي الحَدِيث: قسطنطينية الزَّانِيَة. يُرَاد: الزَّانِي أَهلهَا وَكَذَلِكَ مثل هَذَا: من أَوْصَاف الْقرى فَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ أَهلهَا. قَالَ الله جلّ وَعز: {وَكم قصمنا من قَرْيَة كَانَت ظالمة} أَي: ظالمة الْأَهْل. جَاءَ فِي الحَدِيث: لَو وزن رَجَاء الْمُؤمن وخوفه بميزان تريص مازاد أَحدهمَا على الآخر. التريض: الْمُحكم. يُقَال: أترصت الشَّيْء إِذا أحكمته وأجدت عمله. قَالَ ذُو الإصبع يذكر سهاما: من المنسرح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 755 .. ترص أفواقها وقومها ... أنبل عدوان كلهَا صنعا ... أنبل: أحذق. جَاءَ فِي السِّيرَة فِي قصَّة نوح: وانسدت ينابيع الغوط الْأَكْبَر وأبواب السَّمَاء. الغوط: عمق الأَرْض الْأَبْعَد الَّذِي يقْضِي إِلَى مُعظم مَائِهَا. وَمِنْه يُقَال: غاط يغوط إِذا دخل فِي شىء وَأرَاهُ. قَالَ الطرماح يذكر الثور: من الْخَفِيف غاط حَتَّى استباث من شيم الأَرْض سفاة من دونهَا تأده. وَمِنْه قبل قيل للمطمئن من الأَرْض: غَائِط كَأَنَّهُ دَاخل. وينابيعه مَا نبع المَاء مِنْهُ وَاحِدهَا ينبوع. جَاءَ فِي الحَدِيث: لَا تزَال الْفِتْنَة مؤاما بهَا مَا لم تبدأ من نَاحيَة الشَّام. مؤآم مَأْخُوذ من: الْأُمَم وَهُوَ الْقرب. وَتَقْدِيره: معام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 756 يُرَاد: أَنَّهَا لَا تزَال خفافا حَتَّى تبدأ من الشَّام فَإِذا بدأت من هُنَاكَ اشتدت. جَاءَ فِي الحَدِيث إِن صَفْوَان بن أُميَّة قنطر فِي الْجَاهِلِيَّة وقنطر أَبوهُ. قنطر: صَار لَهُ قِنْطَار من ذهب أَو فضَّة. وَهُوَ: مائَة رَطْل. جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن السّبْعين الَّذين اخْتَارَهُمْ مُوسَى كَانُوا يلبسُونَ ثِيَاب الطهرة ثمَّ يبرزون صَبِيحَة سَارِيَة فَيدعونَ الله فَلَا يسألونه شَيْئا إِلَّا أَعْطوهُ. صَبِيحَة سَارِيَة أَي: صَبِيحَة لَيْلَة كَانَ فِيهَا مطر والسارية: السحابة تمطر لَيْلًا. قَالَ النَّابِغَة: من الْبَسِيط ... سرت عَلَيْهِ من الجوزاء سَارِيَة جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن الْمُسلمين كَانُوا يتحسبون الصَّلَاة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 757 فيجيئون بِلَا دَاع. يُرَاد: قبل الْأَذَان: يتحسبون أَي: يتوخون وَقت الصَّلَاة فَيَأْتُونَ الْمَسْجِد بِلَا أَذَان وَهُوَ من قَوْلك: حسبت كَذَا أَي: ظننته. وَيُقَال: يتحسبون بِمَعْنى يتحسسون. جَاءَ فِي الحَدِيث: كَانَ جبل تهَامَة جماع قد غصبوا الْمَارَّة من كنَانَة ومز ينة وَحكم والقارة. وَالْجِمَاع: جماعات من قبائل شَتَّى مُتَفَرِّقَة فَإِذا كَانُوا مُجْتَمعين كلهم قيل: جمع. قَالَ أَبُو قيس بن الأسلت. من السَّرِيع ... من بَين جمع غير جماع جَاءَ فِي الحَدِيث: كُنَّا مَعَ رَسُول الله غلمانا حزاورة فتعلمنا الْإِيمَان قبل أَن نتعلم الْقُرْآن. حزاورة: جمع حزور. وَيُقَال أَيْضا: حزور إِذا قَارب أَن يبلغ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 758 جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن الشَّيْطَان لما دخل سفينة نوح قَالَ لَهُ نوح: اخْرُج يَا عَدو الله من جوفها فَصَعدَ على خيزران السَّفِينَة. خيزرانها: السكان وَهُوَ كوثلها أَيْضا وَيُقَال: خيزرانة. قَالَ النَّابِغَة وَذكر مَاء: من الْبَسِيط. ... يظل من خَوفه الملاح معتصما ... بالخيزرانة بعد الْجهد والرعد ... جَاءَ فِي الحَدِيث: إِن رجلا قَالَ لآخر: انك لتفتي بلغن ضاك مضل اللغن: مَا تعلق من لحم اللحيين. يُقَال: لغن ولغانين ولغد ولغاديد وهما وَاحِد. جَاءَ فِي الحَدِيث: كل هوى شاطن فِي النَّار. الشاطن: الْبعيد من الْحق. وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق: إِنَّمَا سمي شَيْطَانا لِأَنَّهُ شطن عَن أَمر ربه. والشطون: الْبعيد النازح. وَمِنْه قيل: نوى شطون وبئر شطون. وَمن ذَلِك سمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 759 الْحَبل شطنا. جَاءَ فِي الحَدِيث: من قَرَأَ الْقُرْآن فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَة فقد عزب. أَي: بعد عَهده بِمَا ابتدأء مِنْهُ وَأَبْطَأ فِي تِلَاوَته. وكل شَيْء بعد فهوعزب وعازب. جَاءَ فِي الحَدِيث: من قَالَ كَذَا غفر لَهُ وَإِن كَانَ عَلَيْهِ طفاح الأَرْض ذنوبا. طفاحها: ملؤُهَا وَهُوَ أَن يمتلىء حَيْثُ يطفح. وَمثله: طلاع الأَرْض. جَاءَ فِي الحَدِيث: مَا بعث الله نَبيا بعد لوط إِلَّا فِي ثروة من قومه. الثروة: الْعدَد والعز بالعشيرة. وَذَلِكَ يَقُول لوط {لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 760 جَاءَ فِي الحَدِيث: لَا تمثلوا بنامية الله. وَهِي الْبَهَائِم من الْأَنْعَام والوحش وكل ذَات روح فَهِيَ نامية. وَفِي حَدِيث آخر: إِنَّه لعن من مثل داوجنه. وَفِي حَدِيث آخر: إِنَّه لعن من مثل بدواجنه. جَاءَ فِي الحَدِيث: كَيفَ بكم وبزمان يغربل النَّاس فِيهِ غربلة. أَي: يقتل خيارهم. قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... ترى الْمُلُوك حوله مغربله ... يقتل ذَا الذَّنب وَمن لَا ذَنْب لَهُ ... جَاءَ فِي الحَدِيث: من عض على شبدعه سلم من الآثام. يُرِيد: من عض على لِسَانه وَسكت وَلم يخض مَعَ الخائضين. وأصل الشبدع الْعَقْرَب شبه اللِّسَان بهَا لِأَنَّهُ يلسع بِهِ النَّاس. قَالَ الْجَعْدِي فِي وصف واش: من المتقارب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 761 .. يُخْبِركُمْ أَنه نَاصح ... وَفِي نصحه ذَنْب الْعَقْرَب ... وَيُقَال: سرت إِلَيْنَا شبادعهم أَي: غيبتهم وطعنهم. وَكَذَلِكَ يُقَال: دبت إِلَيْنَا عقاربهم. قَالَ أَبُو النشناش أحد اللُّصُوص: من الطَّوِيل ... فللموت خير للفتى من حَيَاته ... فَقِيرا وَمن مولى تدب عقاربه ... والأثام: الْعَذَاب. قَالَ الله جلّ وَعز: {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما} أَي عذَابا. جَاءَ فِي الحَدِيث: من بَاعَ الْخمر فليشقص الْخَنَازِير. المشقص: القصاب لِأَنَّهُ يجزىء الشَّاة. وكل من جزأ شَيْئا فقد شقصه. أَي: جعله أشقاصا. أَرَادَ: ان بَائِع الْخمر كبائع الْخَنَازِير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 762 جَاءَ فِي الحَدِيث: أَن بعض الْخُلَفَاء كتب إِلَى عَامله بِالطَّائِف: ارسل إِلَيّ بِعَسَل فِي السقاء ابيض فِي الْإِنَاء من عسل الندغ والسحاء من حداب بني شَبابَة وَبَنُو شَبابَة قوم بِالطَّائِف. قَالَ أَبُو الْيَقظَان: هم من كنَانَة من بني مَالك بن كنَانَة ينزلون الْيمن ينْسب إِلَيْهِم الْعَسَل. فَيُقَال: عسل شَبَابِي. والندغ: السعترالبري. وَيَزْعُم الْأَطِبَّاء ان عسل السعتر امتن الْعَسَل وأشده حرارة. والسحاء: نَبَات تَأْكُله النَّحْل وتعتاده الضباب أَيْضا. فَيُقَال: ضَب السحاء ارنب خلة وتيس الرئل. وَنَحْو هَذَا حَدِيث حدثناء الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن كردين المسمعي قَالَ: كتب الْحجَّاج إِلَى عَامله بِفَارِس: ابْعَثْ إِلَيّ من عسل خلار من النَّحْل الْأَبْكَار من الدستفشار الَّذِي لم تمسه النَّار. قَالَ: وخلار مَوضِع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 763 وَجَاء فِي الحَدِيث من مَشى على الكلاء قذفناه فِي المَاء. الكلاء شاطىء النَّهر ومرفأ السفن وَمن كلاء الْبَصْرَة. وَهَذَا مثل ضربه لمن عرض بِالْقَذْفِ فَشبه فِي مقاربته التَّصْرِيح بالماشي على شاطىء النَّهر فِي مقاربته المَاء والقاؤه إِيَّاه فِي المَاء وَجب عَلَيْهِ الْقَذْف والزامه الْحَد. جَاءَ فِي الحَدِيث أَن سُلَيْمَان النبى صلوَات الله عَلَيْهِ قَالَ من هدم بُنيان ربه فَهُوَ مَلْعُون بَين يَدَيْهِ. يَعْنِي من قتل النَّفس لِأَن الْجِسْم بُنيان الله وتركيبه فَإِذا أبْطلهُ فقد هدم بُنيان ربه. جَاءَ فِي الحَدِيث يَأْتِي على النَّاس زمَان يغبط الرجل بالوحدة كَمَا يغبط الْيَوْم أَبُو الْعشْرَة. مَعْنَاهُ ان الْأَئِمَّة كَانَت فِي صدر الاسلام يرْزقُونَ عيالات الْمُسلمين وذراريهم من بَيت المَال. فكا ابو الْعشْرَة مغبوطا بِكَثْرَة مَا يصير إِلَيْهِ من أَرْزَاقهم ثمَّ يقطع السُّلْطَان ذَلِك فِيمَا بعد فيغبط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 764 الرجل بالوحدة لخفة المؤونة ويرثى لذِي الْعِيَال. جَاءَ فِي الحَدِيث ان رجلا حلف بِاللَّه كَاذِبًا فَدخل الْجنَّة. تَأَوَّلَه حَدِيث رَوَاهُ ابْن عَبَّاس ان رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستحلف أَحدهمَا فَقَالَ الله الَّذِي لَا إلة إِلَّا هُوَ مَاله عِنْدِي شىء. فَقَالَ لَهُ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُم فأد إِلَى أَخِيك حَقه وَقد كفر الله عَنْك بِقَوْلِك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. وَكَانَ يُقَال لِأَن تحلف بِاللَّه كَاذِبًا خير من أَن تحلف بِغَيْر الله صَادِقا. جَاءَ فِي الحَدِيث أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: الْحَال المرتحل قيل: مَا الْحَال المرتحل. قَالَ: الْخَاتم المفتتح الْحَال الْخَاتم لِلْقُرْآنِ. شبه بِرَجُل هُوَ سَافر فَسَار حَتَّى إِذا بلغ آخِره وقف عِنْده. والمرتحل المفتتح لِلْقُرْآنِ. شبه بِرَجُل أَرَادَ سفرا فافتتحه بِالْمَسِيرِ حَتَّى إِذا بلغ الْمنزل حل بِهِ كَذَلِك تالي الْقُرْآن يتلوه. وَمِمَّا دلّ على هَذَا التَّأْوِيل ان حُسَيْن بن الْحسن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 765 الْمروزِي كَانَ حَدثنَا هَذَا الحَدِيث بعقب حَدِيث فِي الْقُرْآن عَن عبد الله إِبْنِ الْمُبَارك باسناد ذكر: أَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: من قَرَأَ الْقُرْآن فقد أدرجت النُّبُوَّة بَين جَنْبَيْهِ إِلَّا أَنه لَا يُوحى إِلَيْهِ من أَحَادِيث فِي فضل الْقُرْآن وَقد يكون الْخَاتم أَيْضا المفسح فِي الْجِهَاد وَهُوَ أَن يَغْزُو ويعقب. وَكَذَلِكَ الْحَال المرتحل يُرِيد أَنه يصل ذَات بِهَذَا. وَجَاء فِي الحَدِيث ان الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين لما الْتَقَوْا فِي وقعه نهاوند غشيتهم ريح قسطلانية وَهِي المنسوبة إِلَى القسطل وَهُوَ الْغُبَار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 766 ضي الله عَنهُ ضي الله عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام تمّ الْكتاب وَالْحَمْد لله كثيرا وَصلى الله على مُحَمَّد النبى وَآله وَسلم كثيرا. وَكتب بَغْدَاد فِي الْمحرم سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 767