الكتاب: الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة المؤلف: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ) المحقق: د. حاتم صالح الضامن الناشر: دارالرائد العربي - بيروت الطبعة: الأولى، 1410هـ - 1990م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة ابن عابدين الكتاب: الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة المؤلف: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ) المحقق: د. حاتم صالح الضامن الناشر: دارالرائد العربي - بيروت الطبعة: الأولى، 1410هـ - 1990م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسْمِ اللهِ الرَّحمن الرَّحِيم الحمدُ لله وحده، وصلّى الله على من لا نبي بعده، وآله الطاهرين، وصحابته أجمعين. وبعدُ فيقول فقيرُ رحمةِ ربِّهِ، وأسيرُ وَصْمَةِ ذَهْبِهِ، محمد أمين بن عابدين: قد عَنَّ لي الكلامُ على بعضِ ألفاظٍ شاعَ استعمالُها بينَ العلماء، وهي مما في (1) إعرابه أو معناه إشكالٌ، أو خَفَاءٌ، تحلُّ العقال وتوضّح المقال، وسمَّيْتُها: الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة والله تعالى المُستعان وعليه التكلان. منها قولهم: هَلُمَّ جَرّا فهَلُمَّ بمعنى تعالَ، وهو مركَّب من هاء التنبيه ومن (لُمَّ) ، أي: ضُمَّ نَفسَكَ إلينا، واستُعملَ استعمال البسيط، يستوي فيه الواحد والجمع، والتذكير والتأنيث عند الحجازيين، كذا في القاموس (2) ، وسبقه إلى ذكره (3) صاحب   (1) من سائر النسخ، وفي الأصل: فيه. (2) (القاموس 151 (هلمّ) ، وفيه واستُعملت استعمال البسيط. أي الكلمة المفردة. (3) (وسبقه بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الصحاح (4) ، وتبعه الصغاني (5) فقالا: تقولُ: كانَ ذلكَ عامَ كذا وهَلُمَّ جرّا، أي: إلى اليومِ. انتهى. ولا يخفى عدم جريان ما قاله في القاموس في مثل هذا. وتوقّف الجمال بن هشام (6) في كون هذا التركيب عربياً مَحْضاً، وساق وجوه (7) توقفه في رسالةٍ له (8) ، وأجاب عن ذكره في الصحاح ونحوه، وذكر ما للعلماء في إعرابه ومعناه وما يردّ عليه، ثم قال: (فلنذكر ما ظهرَ لنا في توجيه هذا (9) الكلام (10) بتقدير كونه عربياً فنقول: (هَلُمَّ) هذه هي القاصرة التي بمعنى: اِئتِ وتعالَ، إلا أنَّ فيها تجوَّزَين: أحدهما: أنّه ليس المراد (2) بالإتيان هنا المجيء الحسي بل الاستمرار على المشي والمُداومة عليه، كما تقول: امشِ [على هذا الأمر، وسِرْ] (11) على هذا المنوال، ومنه قوله تعالى: (وانطلقَ الملأُ منهم أنِ امشُوا واصبروا على آلهتِكُم) (12) . فإنّ (13) المرادَ بالانطلاق ليس الذهاب الحسي بل انطلاق الألسنة بالكلام، ولهذا أعربوا (أنْ) تفسيرية (14) ، وهي إنّما تأتي   (4) الصحاح (جرر) . والجوهري صاحب الصحاح إسماعيل بن حماد، ت 393 هـ (نزهة الألباء 344، مرآة الجنان 2 / 446) . (5) الحسن بن محمد بن الحسن، ت 650 هـ. (معجم الأدباء 9 / 189، النجوم الزاهرة 7 / 26) . (6) جمال الدين عبد الله بن يوسف، ت 761 هـ. (طبقات الشافعية 6 / 33، الدرر الكامنة 2 / 415) . (7) (: وجوده. (8) هي المسائل السفرية والقول في (هلم جرّا) في ص 32 - 40. (9) ساقطة من ج. (10) م: اللفظ. (11) من م والمسائل السفرية، وأخلت بها النسخ الثلاث. (12) ص 6. (13) ساقطة من م. (14) ينظر في (أن) التفسيرية: رصف المباني 116، الجني الداني 239، مغني اللبيب 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 بعد جملة فيها معنى القول، كقوله تعالى: (فأوْحَينا إليه أَنِ اصنعَ الفُلْكَ) (15) . والمراد بالمشي ليس المشي على الأقدام (16) بل الاستمرار والدوام، أي: دوموا على عبادةِ أصنامِكم واحبسوا أنفسكم على ذلك. الثاني: أنّه ليس المرادُ الطلبَ حقيقةً، وإنما المُرادُ الخبرُ (17) ، وعبَّرَ عنه بصيغة الطلب، كما في قوله تعالى: (ولنَحْمِلْ خَطَاياكم) (18) ، (فليمدُدْ له الرحمنُ مدّاً) (19) . وجرّاً: مصدر جَرَّهُ يجُرُّهُ، إذا سحبه، ولكن ليسَ المرادُ الجَرّ الحسّي بل المرادُ التعميم كما استُملَ السَّحْب بهذا المعنى، أَلا ترى أنّه (20) يُقال: هذا الحكمُ مُنسحبٌ على كذا، أي: شامِلٌ لهُ. فإذا قِيلَ: (كانَ ذلكَ عام كذا وهَلُمَّ جَرّا) ، فكأَنَّه قيلَ: واستمرَّ ذلك في بقيةِ الأعوام استمراراً، [فهو مصدرٌ] (21) . أو: استمرَّ مستمِرّاً، على الحال المؤكدة (22) . وذلك ماشٍ في جميع الصورِ، وهذا هو الذي يفهمه الناسُ من هذا الكلام. وبهذا التأويل ارتفع إشكالُ العطف فإنّ (هَلُمَّ) حينئذٍ خبرٌ، وإشكالُ التزامِ إفرادِ الضمير إذْ فاعل (هَلُمَّ) هذه مفردٌ أبداً، كما تقولُ: واستمرَّ ذلك، أو (23) : استمرّ ما ذكرته) (24) .   (15) المؤمنون 27. (16) في المسائل السفرية: بالأقدام. (17) ساقطة من ب. (18) العنكبوت 12. وينظر: مشكل إعراب القرآن 550. (19) مريم 75. (20) المسائل السفرية: إلاّ أنّه يقال. (21) من المسائل السفرية. (22) في المسائل السفرية: فهو حال مؤكدة. (23) في المسائل السفرية: أي واستمر. وفي ج: ما ذكرت. (24) انتهى ما نقله المؤلف من المسائل السفرية. وينظر في (هَلُمَّ جرّا) : الفاخر 32، الزاهر 1 / 176، تهذيب اللغة 1 / 487، جمهرة الأمثل 2 / 355، المزهر 2 / 136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ومنها قولهم: ومِنْ ثَمَّ وهي في الأصل موضوعة للمكان البعيد، وإذا وقعت في كلامهم (25) يقولون أي (26) : ومِن هناك، أو مِن هنا، أي: ومِنْ أَجْلِ ذلكَ كانَ كذا. فإذا فَسَّروها ب (هناك) ففيه تجوّزٌ من جهة واحدة وهي استعمالها في المكان المجازي، وإذا فسَّروها ب (هنا) ففيه تجوّزان: الأول: ما ذُكر. والثاني (27) : كونها في القريب. ولكنّ الجمعَ بينَ تفسيرها ب (هنا) التي للقريب (28) ، وبين قولهم: أي من أجل ذلك، كما وقع للعلاّمة الجلال المحليّ (29) في شرح جمع الجوامع (30) ، فيه منافاةٌ، لأنّ ذلك من إشارات البعيد، اللهُمَّ إلاّ أنْ يُقال: استُعمِلَ (هنا) في البعيد مجازاً، و (ذلك) في القريب (3) كذلك. أو يُقالُ كما قالَ بعضُهم أشارَ أولاً ب (هنا) إلى قُرْبِ المشارِ إليه لُقرْبِ محلِّه وما فُهِمَ منه، وثانياً ب (ذلك) إلى بُعْدِهِ باعتبارِ أنّ المعنى غير مُدْرَك حِسّاً فكأنّه بعيدٌ. وفي شرح التسهيل للدماميني (31) ما نَصُّهُ: (وانظر في قول العلماء: (ومن ثَمَّ كانَ كذا) هل معناه [معنى] (32) : (هنالك) ، أي التي للبُعْد، أو معنى (هنا) التي للقُرب، والظاهر هو الثاني) . انتهى.   (25) م: عباراتهم. (26) ساقطة من م. (27) (ما ذكره والثاني) : ساقط من م. (28) م: بهنا القريب. (29) محمد بن أحمد بن محمد، ت 864 هـ. (الضوء اللامع 7 / 39) ، حسن المحاضرة 1 / 115) . (30) جمع الجوامع. في أصول الفقه، مطبوع، وهو للسبكي، ت 771 هـ. (31) محمد بن أبي بكر، ت 827 هـ. وشرح التسهيل اسمه: تعليق الفوائد على تسهيل الفوائد. (الضوء اللامع 7 / 184، بغية الوعاة 1 / 66) . (32) من م الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ثمّ ينبغي التأمل في علاقة هذا المجاز وفي قرينته، ويمكن أنْ نجعل العلاقة المشابهة، فإنّ المعنى محلٌّ للفكر [وحده] (33) ، وتردده (34) إليه بملاحظته المرَّة بعدَ الأخرى، كما أنّ المكانَ محلُّ الجسم (25) ، والقرينة استحالة كون المعنى والألفاظ مكاناً حقيقياً. وقال بعضهم في قول ابن الحاجب (36) : (ومن ثَمَّ اختلف في رحمن) : قوله: (ومن ثَمَّ) إشارةٌ إلى المكان الاعتباري، كأنّه شَبَّه الاختلافَ المذكور في شرط تأثير الألف والنون أنّه انتفاء (فعلانة) ، أو وجود (فَعْلى) بالمكان في أنّ كلاًّ منهما منشأ أَمر، إذِ المكان منشأ النباتات (37) والاختلاف المذكور يُنشئ اختلافاً آخر، وهو الاختلاف في صرف رحمن، فجعل الاختلاف المذكور من إفراد المكان إدعاءً ثم شبَّهَ المكان الاعتباري بالمكان الحقيقي لاشتراكهما في المكانية فذكر اللفظ الموضوع للمكان. انتهى. ومنها قولهم: أَيْضاً هو مصدرُ آضَ يئيضُ، واصل آضَ: أَيَضَ، ك (بَيَعَ) ، تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها، قُلبتْ ألفاً. وأصل يئيضُ: يَئْيِضُ، بزنة يَفْعِل، نُقلت حركة الياء إلى الهمزة.   (33) من م. (34) ساقطة من م. (35) م: للجسم. (36) عثمان بن عمر الكردي، ت 464 هـ. (الطالع السعيد 328، الديباج المذهب 2 / 86) . وقول ابن الحاجب في شرح الرضي على الكفاية 1 / 157. (37) من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وأمّا إعرابُهُ فذكر ابن هشام في رسالة تعرض فيها للمسألة (38) : أنّ جماعةً توهموا أَنَّهُ منصوبٌ على الحال من ضمير (قال) ، وأنّ التقدير: وقال أيضاً، أي: راجعاً إلى القول، وهذا لا يحسنُ تقديره إلاّ إذا كان هذا القولُ صدر من القائل بعد صدور القول السابق (39) وليس [ذلك] (40) بشرط، بل تقول: قلتُ اليومَ كذا، وقلت (44) أمسِ أيضاً، وكتبتُ اليومَ، وكتبتُ أمسِ أيضاً. قال (42) : والذي يظهر لي أَنَّهُ مفعول مطلق حُذِف عامِلُه، أو حال حُذِفَ عاملها وصاحبها، أي: ارجعُ إلى الأخبار رجوعاً ولا اقتصرُ على ما قدَّمت، أو أخبر راجعاً، فهذا هو الذي يستمرُّ في جميع المواضع. ومما يؤنسك [بأنّ العامل محذوف] (42) أنّكَ تقولُ: (عِنْدَهُ (4) مالٌ وأيضاً علمٌ) . فلا يكون قبلها ما يصلحُ للعمل فيها، فلا بُدّ حينئذٍ من التقدير. واعلم أنّها إنّما تُستعمل في شيئين بينهما توافق، ويغني كلٌّ منهما عن الآخر، فلا يجوز: (جاءَ زيدٌ أيضاً) ولا (جاء زيدٌ ومضى عمرٌ وأيضاً) ولا (اختصم زيدٌ وعمرٌ وأيضاً) . انتهى ملخصاً.   (38) المسائل السفرية 29 - 31. (39) بعدها في م: له. (40) من م والمسائل السفرية. (41) م: وقلته. (42) أي ابن هشام في المسائل 30. (43) من م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ومنها قولهم: اللهُمَّ إلاّ أَنْ يكونَ كذا، ونحوه أقول: أصله: يا الله، حُذِفَ حرف النداء وعُوِّضَ عنه الميم للتعظيم والتفخيم، ولا تدخل عليها (يا) ، فلا يُقالُ: (يا اللهُمَّ) إلاّ شذوذاً في الشعر، كما قالَ ابن مالك (44) : والأكثرُ اللهُمَّ بالتعويضِ وشَذَّ يا اللهُمَّ في قريضِ ثُمّ الشائعُ استعمالها (45) في الدعاء، ولذا قال السلف (46) : اللهُمَّ مجمعُ الدعاء. وقال بعضهم: الميم في قول (اللهم) فيه تسعة وتسعون اسماً من أسماءِ الله تعالى. وأوضحه بعضهم بأنّ الميم تكون علامة للجمع، لأنّك تقول: (عليه) للواحد، و (عليهم) للجمع، فصارت الميم في هذا الموضع بمنزلة الواو الدالة على الجمع في قولك: (ضربوا) و (قاموا) فلمّا كانت كذلك زيدت في آخر اسم الله تعالى لتشعر (47) وتؤذن بأنّ هذا الاسم قد جُمعت (48) فيه أسماء الله تعالى كلّها. فإذا قالَ الداعي: اللهُمّ، فكأَنّه (49) قال: يا الله الذي له الأسماءُ الحُسنى. قال: ولاستغراقه أيضاً لجميع أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته لا يجوز أنْ يوصف لأنها قد اجتمعت فيه، وهو حجّةٌ لما قالَ سيبويه (50) في منعِهِ وَصْفَهُ. انتهى.   (44) شرح ابن عقيل على الألفية 3 / 12. وابن مالك جمال الدين محمد، ت 672 هـ. (تذكرة الحفاظ 1491، فوات الوفيات 3 / 407) . (45) (: استعمالها. وينظر في (اللهم) : معاني القرآن 1 / 203، الزاهر 1 / 146، الإنصاف 341. (46) م: بعض السلف. وبعدها في: رحمهم الله. (47) من (، م. وفي الأصل: تشعر. (48) (، م: اجتمعت. (49) من (، م. وفي الأصل: فكأّن. (50) الكتاب 1 / 310. وسيبويه أبو بشر عمرو بن قنبر، ت 180 هـ. (طبقات النحويين واللغويين 66، نور القبس 95) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ثمّ أنّهم قد يأتون بها قبل الاستثناء إذا كانَ الاستثناءُ نادراً غريباً، كأنّهم لندوره استظهروا بالله تعالى في إثبات وجوده. قال بعض الفضلاء: وهو كثيرٌ في كلام الفصحاء كما قالَ المطرّزيّ (51) نَبَّهَ على ذلك الطِّيبي (52) في سورة المُدّثر في الكشف (53) بعد كلام: وأمّا نحو قولهم: (اللهُمّ إلاّ أنْ يكونَ كذا) فالفرض أنّ المستثنى مستعان بالله تعالى في تحقيقه تنبيهاً على ندرته وأنّه (54) لم يأت بالاستثناء إلاّ بعد التفويض لله تعالى. انتهى. وذكر العلاّمةُ المحقِّقُ صَدْرُ الشريعة (55) في أوائل كتابه: (التوضيح شرح التنقيح) : أنّ الاستثناءَ المذكورَ مُفَرَّغٌ من أعمّ الظروف لأنّ (5) المصادر قد تقع ظروفاً، نحو: آتيك طلوعَ الفجرِ، أي: وقتَ طلوعِهِ. انتهى. وأوضح ذلك العلامة بدر الدين الدمامينيّ في شرحه على المغني عند الكلام على (عسى) ، عند قول المصنّف: (ولكنْ يكونُ الإضمارُ في (يقوم) لا في (عسى) ، اللهُمّ إلاّ أنْ تقدّر العاملين تنازعا زيداً) (56) ، فقال (57) : الاستثناء في كلام المصنّف مُفَرَّغٌ من الظرف، والتقدير: ولكن يكون الإضمارُ في (يقوم) لا في (عسى) كلّ وقت إلاّ وقت أنْ تُقَدِّرَ   (51) الإِيضاح في شرح مقامات الحريري ق 14. والمطرزي ناصر الدين بن عبد السيد بن علي، ت 610 هـ. (معجم الأدباء 19 / 212، وفيات الأعيان 5 / 369) . (52) شرف الدين الحسين بن محمد، ت 743 هـ. (الدرر الكا منية 2 / 156، طبقات المفسرين 1 / 143) . (53) من ب. وفي الأصل و (وم: وفي الكشف. والكشف تفسير لكشاف الزمخشري، واسمه: فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب. (54) من سائر النسخ. وفي الأصل: وإن. (55) التوضيح في حل غوامض التنقيح 13. وصدر الشريعة هو عبيد الله بن مسعود الحنفي، ت 747 هـ. (مصباح السعادة 2 / 191، الفوائد البهية 109) . (56) مغني اللبيب 165. (57) شر ح الدماميني (تحفة الغريب) 304. (589 من (، م. وفي الأصل: ووقوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 العاملين تنازعا، ووقع (58) التفريغ في الإيجاب لاستقامة المعنى، نحو: (قرأتُ إلاّ يومَ كذا) ، ثم حذف الظرف بعد إلاّ وأُنيبَ المصدر عنه كما في: (أَجِيئُكَ يومَ قدومِ الحاج) . واللهُمّ معترضٌ، وانظر موقعها (59) هنا، فقد وقع في النهاية (60) أنّها تستعمل على ثلاثة أنحاء: أحدها: أنْ يراد بها النداء المحضن كقولهم (61) : (اللهُمَّ ارْحَمْنا) . الثاني: أنْ يذكره المُجيبُ تمكيناً للجواب في نفس السامع، يقول [لك] (62) القائل: (أقامَ زيدٌ؟) فتقولُ أنتَ: (اللُهمّ لا) . والثالث: أنْ يُستعملَ دليلاً على النّدْرة وقِلّة وقوع المذكور، كقولك: (أنا لا أزورك اللهُمَّ إذا لم تدعُني) . ألا ترى أنّ وقوع الزيارة مقرونة بعدم الدعاء. وظاهر أنّ معنى الأول والثاني لا يتأتيان (63) هنا، وفي تأتي الثالث في (649 هذا المحلّ نظر. انتهى كلام الدماميني. ولعلّ وجه النظر أنّ قول ابن الأثير (65) في النهاية: (ألا ترى ... الخ) يفيد أنّه لا بُدَّ أنْ يكون ما بعدها نادراً في نفسه، وقد يُقالُ: لا يلزم ذلك بقرينة قوله: (يستعمل دليلاً على الندرة ... الخ) (66) ، فأفادَ أنّها تدلّ   (59) من (، ب، م. وفي الأصل: موقعهما. (60) لم أقف على هذه الأنحاء في النهاية. وهي في شرح الأشموني 450 عن النهاية. (61) من شرح الدماميني. وفي الأصل: يقول. وفي م: كقولك. (62) من م وشرح الدماميني. (63) م: يأتيان. (64) من (، م، شرح الدمامين. وفي الأصل: وفي. (65) مجد الدين المبارك بن محمد الجزري، ت 606 هـ. (معجم الأدباء 17 / 71، إنباه الرواة 3 / 257) . (66) في الأصل و (: على التذكرة. ما أثبتناه من ب وم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 على أنّ ما بعدها نادِرٌ بالنظر إلى ما قبلها وإنْ كان في نفسه غير نادر فليُتَأمَّل. ثم اعلم أنّ قوله: (ووقع (67) التفريغ في الإِيجاب) فيه نظرٌ، لأنّ قول المغني: يكون الإِضمار في (يقوم) (68) لا في (عسى) ، معناه: لا يكون الإِضمار في (عسى) في وقت من الأوقات إلاّ في كذا. فالوقت المقدّر نكرة في سياق النفي، فالاستثناء بعدها استثناء من النفي، كما في قولك: (لا يأتينا زيدٌ إلاّ يومَ كذا) ، نَعَمْ قد يعبرون بنحو قولك: (هذا ضعيفٌ إلاّ إذا حُمِلَ على كذا) فهو استثناء (69) مفرّغ في الإِثبات صورة، ولكنّه في المعنى نفيٌ، لأنّ معنى ضعيف (6) أنّه لا يُعتدُّ (70) أو لا يصحُّ. وقال في المغني (71) في أول الباب الثامن ما نَصُّهُ: (السادسة: وقوع الاستثناء المفرّغ في الإِيجاب نحو: (وإنَّها لكبيرةً إلاّ على الخاشعين) (72) و (يأبى اللهُ إلاّ أنْ يُتِمَّ نورَهُ) (73) [لمّا كانَ المعنى: وإنّها لا تسهل إلاّ على الخاشعين، ولا يريدُ اللهُ إلاّ أنْ يُتمَّ نورَه] (74) . انتهى.   (67) ب: ووقوع. (68) من المغني: وفي الأصل وسائر النسخ: (يكون) . (69) ساقطة من ب. (70) م: لا يعتمد عليه مثلاً. (71) مغني اللبيب 753. (72) البقرة 45. (73) التوبة 32. (74) من م والمغني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ومنها قولهم: لا بُدَّ من كذا أي: لا مُفارقة، وقد يُفَسَّرُ ب (وَجَبَ) ، وذلك لأنَّ أصله في الإِثبات: بَدُّ الأمرَ: فرَّقَ، وتبدَّدَ: تفرَّقَ، وجاءتَ الخيلُ بَدداً (75) ، أي: متفرّقةً. فإذا نُفي التفرّقُ والمُفارقة بينَ شيئينِ حصلَ تلازمٌ بينهما دائماً فصارَ أحدهما واجباً للآخر، من ثمَّ فسّروه ب (وَجَبَ) . وبُدَّ: اسم مبني على الفتح مع (لا) النافية، لأنّه اسمها والخبر محذوف، أي: (لنا) أو نحوه، وقد يُصرَّحُ به (76) . وذكر الفَنَرِيّ (77) في حواشي المطوّل (78) : أنّ الجار والمجرور متعلّق بالمنفي، أعني بُدَّ، على قول البغداديين حيث أجازوا (79) : (لا طالعَ جبلاً) [بترك] (80) تنوين الاسم المطول إجراءً له مجرى المضاف، والبصريون أوجبوا في مثله تنوين الاسم، وجعلوا متعلّق الظرف فيما بني الاسم فيه على الفتح كما فيما نحن فيه محذوفاً هو خبر المبتدأ، أي: لا بُدَّ ثابت لنا (81) . وقوله: (من كذا) خبر مبتدأ محذوف، أي: البدُّ المنفي من كذا. وهذه الجملة الاسمية المنفية لا محلَّ لها من الإِعراب، لأنّها جملة مستأنفة لفظاً. ويجوز أنْ يكون (من كذا) متعلّقاً بما دلّ عليه (لا بُدّ) ، أي: لا بُدَّ من كذا.   (75) في الأصل: بداداً. ينظر: اللسان والقاموس والتاج (بدد) . (76) ينظر: الزاهر 1 / 621، منثور الفوائد 72، شفاء العليل في إيضاح التسهيل 369. (77) حسن جلبي بن محمد بن حمزة الرومي الحنفي الفناري أو الفَنَري، ت 886 هـ. (الضوء اللامع 3 / 127، نظم العقيان 105) . (78) تنظر: حاشية الفناري ق 27. (79) في الأصل: أجازوا في. وما أثبتناه من (، ب، م. (80) من سائر النسخ. (81) (، م: لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وقد أشار الشريفُ (82) في أواخر (بيان المفتاح) إلى أنّ الظرف في مثله خبر ل (لا) حيث قال: (في قوله: (لا تَلَقّيَ لإِشارته) أنّ (لإِشارته) ليس معمولاً للتلقي (83) وإلاّ لوجب نصبه على التشبيه بالمضاف بل هو خبر (لا) فتأمّل وقسْ على ما ذُكِرَ نظائر هذا التركيب) (84) . انتهى. وأقولُ: هذا ظاهرٌ فيما إذا قِيلَ: (لا بُدَّ من كذا) . أمّا إذا قيل: (لا بُدَّ لكذا من كذا) فالخبر هو الظرف الأول، إلاّ أنْ يُقال من تعدد الأخبار تأمّل. ثُم في قوله: (ويجوز أنْ يكونَ متعلِّقاً بما دلَّ عليه (لا بُدَّ) ، أي: لا بُدَّ من كذا) فيه نظرٌ إذْ لا فرقَ بينَ هذا المُقَدَّر والمذكور، فلا حاجة إلى تقديره تأمّل هذا (85) . ووقع في بعض العبارات: (لا بُدَّ وأَنْ يكونَ) واستعمله السَّعْدُ (86) في كتبه أيضاً. وقال الفَنَريّ (7) : إنّ الواوَ مَزيدةٌ في الخبر. وقالَ بعضُ المُحَشِّين: هذه الواو للّصوق، أي: لزيادة لصوق (لا) بالخبر. انتهى. وفيه بحثٌ، فإنّ الكون المنسبك من (أَنْ) والفعل لا يصلحُ أنْ يكونَ خبراً معنى (87) . فإنْ قِيلَ: حَذْفُ الجارِّ بَعْدَ (أَنَّ) و (أنْ) مطّردٌ.   (82) علي بن محمد الجرجاني، ت 816 هـ. (الضوء اللامع 5 / 328، بغية الوعاة 2 / 196) . (83) ب: لتلقي. (84) حاشية الفناري على المطول ق 27. (85) م: إلى تقدير هذا. (86) مسعود بن عمر التفتازاني، ت 791 هـ. (الدرر الكامنة 5 / 119، بغية الوعاة 2 / 285) . (87) م: هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 قُلنا: إذا قُدِّرَ الجار يكون لغواً متعلقاً بقوله (بُدَّ) ، والخبر محذوف كما مرَّ. على أنّ صاحب المغني (88) لا يثبت واواً (89) للّصوق، كما ذكره بعضُ الفضلاء، ورجّح أنّ الواو هنا زائدة، وهي التي دخولها في الكلام كخروجها. ورأيت في بعض الهوامش أَنَّه رُوِيَ عن أبي سعيد السِّيرافيّ (90) في كتاب س (91) أنّه قالَ: تجيء الواو بمعنى (مِنْ) ، فإنْ ثبتَ ذلك يكونُ حَمل الواو هنا عليه أَوْلى من دعوى زيادتها فليُراجع. ومنها قولهم: كذا لغةً واصطلاحاً قال ابنُ الحاجبِ: إنَّهُ منصوب على المفعولية المُطلقة، وإنّه من المصدر المؤكّد لغيره. صرّح به في أماليه (92) . وفيه نَظَرٌ من وجهين: الأول: أنّ اللغةَ ليستْ اسماً للحدثِ. الثاني: أنّها لو كانت مصدراً مؤكّداً لغيره لكانتْ إنّما تأتي بعدَ الجملةِ، فإنّه لا يجوزُ أنْ يتقدَّمَ ولا يتوسط، فلا يُقال: (حقًّا زيدٌ ابني) ولا (زيدٌ حقًّا ابني) ، وإنْ كانَ الزَّجّاجُ (93) يجيزُ ذلك.   (88) مغني اللبيب 400. (89) من سائر النسخ، وفي الأصل: واو. (90) الحسن بن عبد الله، ت 368 هـ. (تاريخ العلماء النحويين 28، الأنساب 7 / 339) . (91) اختصار لسيبويه. (92) الأمالي النحوية 4 / 61. (93) أبو إسحاق إبراهيم بن السري، ت 311 هـ. (تاريخ بغداد 6 / 89، طبقات المفسرين 1 / 17) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 فإنْ قلتَ: هل يجوزُ أنْ يكونَ مفعولاً لأجله، أو منصوباً على نزع الخافض، أو تمييزاً؟ قلتُ: لا يجوز الأوّلُ لأنّ المنصوب على التعليل لا يكون إلاّ مصدراً، ولا الثاني لوجهين: الأول: أنّ إسقاط الخافض سماعي، واستعمال مثل هذا التركيب مستمرٌّ شائعٌ في كلام العلماء. الثاني: أنّهم التزموا في مثل هذه الألفاظ التنكير ولو كانت على إسقاط الخافض لبقيت على تعريفها الذي كان (94) مع وجود الخافض، كما بقي التعريف في قوله (95) : تَمُرُّونَ الديارَ ولم تَعُوجُوا كلامُكُمُ عليَّ إذاً حَرامُ وأصله: تمرّون على الديار، أو بالديار. ولا الثالث لأنّ التمييز إمّا تفسيرٌ للمفرد ك (رطل زيتاً) أو تفسير للنسبة ك (طابَ زيدٌ نفساً) ، وهذا ليس شيئاً منهما. أمّا أنّه ليس تفسيراً للمفرد فلأنّه لم يتقدّمْ مبهمٌ وضعاً (96) فيميّز. وأمّا أنّه ليس تفسيراً (8) للنسبة فلأنّه لم تتقدّم (97) نسبةٌ. فإنْ قلتَ: يمكن أنّه من تمييز النسبة بأنْ يُقدَّرَ مضاف، أي: تفسيرها لغةً، فيكون من باب (أعجبني [طيبُهُ] (98) أباً) .   (94) من م. وفي الأصل: كانت. (95) جرير، ديوانه 278 وروايته: أتمضون الرسوم ولا تحبي. وعجز البيت ساقط من م. (96) من (، م، المسائل السفرية. وفي الأصل: وصفاً. وفي م: منهم وضعاً. وهو تصحيف. (97) من (، ب. وفي الأصل: يتقدم. (98) من (، م، المسائل السفرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قلتُ: تمييز النسبة الواقع (99) بين المتضايفين (100) لا يكون إلاّ فاعلاً في المعنى. ثمّ قد يكون مع ذلك فاعلاً في الصناعة (101) باعتبار الأصل فيكون محوّلاً عن المضاف، نحو: (أعجبني طِيبُ زيدٍ أباً) ، إذا كان المراد الثناء على أبي زيد، وقد لا يكون كذلك فيكون صالحاً لدخول (من) نحو: (للهِ درُّهُ فارساً) و (وَيْحَهُ رَجُلاً) ، فإنّ الدرّ بمعنى الخير، وويح بمعنى الهلاك، ونسبتهما إلى الرجل كنسبة الفعل إلى فاعله، وتعلّق التفسير بالكلمة إنّما هو تعلّق الفعل بالمفعول لا بالفاعل. فإنْ قلتَ: ما وجهُ نصبِهِ؟ قلتُ: الظاهر أنْ يكونَ حالاً على تقدير مضاف من المجرور (102) ومضافين من المنصوب. والأصل تفسيرها: موضوع أهل اللغة، ثم حُذِفَ المتضايفان (103) على حدَّ حذفهما في قوله تعالى: (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً من أَثَرِ الرسولِ) (104) أي: أثر حافر فرس الرسول. ولمّا أُنيبَ الثالث عماّ هو الحالُ بالحقيقة التزم تنكيره لنيابته عن لازم التنكير. ولكَ أن تقول: الأصل موضوع اللغة، بتقدير مضاف واحد، ونسبة الوضع إلى اللغة مجازٌ. وهذا أحسنُ الوجوه، كذا حرَّرَه بعض المحققين 0105) ، وهو خلاصة ما ذكره ابن هشام في رسالته الموضوعة في هذه المسألة، ومَنْ أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فعليه بها (106) .   (99) من المسائل السفرية. وفي الأصل: الواقعة. (100) من سائر النسخ. وفي الأصل: المضافين. (101) من المسائل السفرية. وفي الأصل: بالصناعة. (102) م: المحدود. (103) من (، م. وفي الأصل: المضافان. (1049 طه 96. وينظر في الآية: التبيان 902، مغني اللبيب 691. (105) ب: الفضلاء. (106) المسائل السفرية 21 - 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ومنها قولهم: هو أكثرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى ونحو قولهم: زيدٌ أَعْقَلُ مِن أنْ يكذبَ وهو من مشكل التراكيب، فإنّ ظاهِرَهُ تفضيلُ الشيء في الأكثرية على الإِحصاء، وتفضيلُ زيدٍ في العقل على الكذب، وهذا لا معنى له، ونظائِرُهُ كثيرةٌ مشهورةٌ، وقَلَّ مَنْ تَنبَّهَ (107) لإِشكالها. وقد حَمَلَهُ بعضُهم (108) على أنّ (أنْ) المصدرية بمعنى (الذي) ، وردّه في المغني (109) في الجهة الثالثة من الباب الخامس من الكتاب من أنّه (110) لا يُعرَفُ قائل به، ووجّهه بتوجيهين نظر في كلٍّ منهما الدماميني في شرحه عليه (111) ، ونقل عن الرضي (112) (9) وجهاً استحسنه فقال: قال الرَّضِيُّ: (وأَمّا نحو قولهم: (أنا أكبرُ مِنْ أَنْ أشعر) و (أَنْتَ أعظمُ مِنْ أنْ تقولَ كذا) ، فليس المقصود تفضيل المتكلّم على الشِّعْر، والمخاطب على القول، بل المُراد: بُعدُهما عن الشعر والقول، و (أَفْعَلُ) التفضيل يُفيد بُعْدَ الفاضل من المفضول وتجاوزَه عنه، ف (مِنْ) في مثله ليست تفضيلية بل هي مثلها (113) في قولك: (بِنتُ منه) (114) ، تعلّقت ب (أَفْعَل) التفضيل (115) بمعنى: متجاوز، وبائن، بلا تفضيل. فمعنى [قولك] (116) : (أنتَ أَعَزُّ عليَّ   (107) م والمغني: يتنبه. (108) هو محمد بن مسعود الزكي في كتابه: البديع، كما ذكر ابن هشام في المغني. (109) مغني اللبيب 602. (110) م: بأنّه. (111) شرح الدماميني (تحفة الغريب) ق 196 ب. (112) شرح الرضي على الكافية 3 / 455. والرضي الاستراباذي محمد بن الحسن، ت 686 هـ. (مفتاح السعادة 1 / 183، خزانة الأدب 1 / 28) . (113) شرح الرضي: مثل ما. (114) شرح الرضي: بنت من يزد، وانفصلت منه. (115) شرح الرضي: المستعمل. (116) من شرح الرضي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 مِن أنْ أضربَكَ) ، [أي: بائِنٌ مِن أنْ أضربَكَ] (117) من فرط عِزَّتِكَ عليَّ. وإنّما جازَ ذلكَ، لأنّ (مِنْ) التفضيلية متعلقة (118) ب (أَفْعَل) التفضيل بقريب من هذا المعنى، ألا ترى أنَّكَ إذا قلتَ: (زيدٌ أفضلُ من عَمْرو) ، فمعناه: زيدٌ (119) متجاوزٌ في الفضل عن مرتبة عمرو (120) ، ف (مِنْ) فيما نحنُ فيه كالتفضيلية، إلاّ (121) في معنى التفضيل) (122) . قال: ولا مزيد عليه في الحُسْنِ (123) . ومنها قولهم: سواءٌ كانَ كذا أَمْ كذا فسواءٌ اسم بمعنى الاستواء، يُوصف به كما يُوصف بالمصادر، ومنه قوله تعالى: (إلى كلمةٍ سَواءٍ بيننا وبينَكم) (124) ، هو هنا خبرٌ، والفعلُ بعدَه، أعني (كان كذا) في تأويل المصدر مبتدأ، كما صرّح بمثله الزمخشريّ (125) في قوله تعالى: (سواءٌ عليهم أَأَنذرتَهُم أمْ لم تُنْذِرْهم) (126) ، والتقدير: كونه كذا وكونه كذا سيّان.   (117) من م وشرح الرضيّ. (118) شرح الرضي: تتعلق. (119) ساقطة من م. (120) (، م: مرتبته. (121) من (، م، شرح الرضي. وفي الأصل: لا. (122) انتهى قول الرضي. (123) شرح الدماميني ق 196 ب. (124) آل عمران 64. (125) الكشاف 1 / 151. والزمخشير هو محمود بن عمر، ت 538 هـ. (إنباه الرواة 3 / 265، البلغة في تاريخ أئمة اللغة 256) . (126) البقرة 6. وينظر في الآية: مشكل إعراب القرآن 76 والدر المصون 1 / 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وسواءٌ لا يُثنّى ولا يُجمعُ على الصحيح. ثمّ الجملة إمّا استئناف أو حال بلا واو أو اعتراض، بقي هنا شبهة وهي أنّ (أمْ) لأحد المتعدِّد، والتسوية إنّما تكونُ بينَ المتعدِّد لا بينَ أحده، فالصواب الواو بدل (أَمْ) أو لفظ (أَمْ) بمعنى الواو، وكون (أَمْ) بمعنى الواو غير معهود. وقد أشارَ الرَّضِيّ (127) إلى تصحيح التركيب بما ملخصه: أنّ (سواء) في مثله خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمران سواءٌ. ثمّ الجملة الاسمية دالة على جواب الشرط المقدّر إنْ لم تذكر الهمزة بعدَ (سواء) صريحاً كما في مثالنا، أو الهمزة و (أَمْ) مجردتان عن معنى الاستفهام مستعملتان للشرط بمعنى إنْ وأو، بعلاقة أنّ (إنْ) والهمزة يُستعملان فيما لم يتعيّن حصوله عند المتكلّم. و (أَمْ) و (أو) لأحد الشيئين أو الأشياء، والتقدير: إنْ كانَ كذا أو كذا فالأمرُ (10) سواءٌ، والشبهة إنّما تُرَدّ إذا جُعل (سواء) خبراً مقدماً وما بعده مبتدأ، كذا في حواشي المطوّل (128) لحسن جلبي الفناري، وما عزاه إلى الرضيّ ذكره الدماميني (129) عن السيرافي أيضاً. وفي حواشي الكشاف (130) للسيد الشريف: (وحكى بعضُ المحقَّقين عن أبي عليّ (131 أنّ الفعلين مع الحرفين في تأويل اسمين بينهما واو العطف، لأنّ ما بعد كلمتي الاستفهام في مثل قولك: (أَقمتَ أم قَعَدْتَ) متساويان في عِلم المستفهِم، فإذا قِيلَ: (سواءٌ عليّ أَقمتَ أمْ قعدتَ) ، فقد أُقيمتا مع ما بعدهما مقام المستويين، وهما قيامُك وقعودُك، كما أُقيم   (127) شرح الرضي على الكافية 4 / 409. (128) حاشية الفناري على المطول ق 19. (129) شرح الدماميني 92. (130) حاشية السيد الشريف 1 / 153. (131) الحسن بن أحمد النحوي، ت 377 هـ. (تاريخ بغداد 7 / 257، نزهة الألباء 315) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 لفظ النداء مقام الاختصاص) (132) في: أنا أفعلُ كذا أيُّها الرجلُ، بجامع الاختصاص، ثمّ ذكر ما حقّقه الرضيّ وما استدلّ به عليه، ومنه قوله (133) : (ويرشدك إلى أنّ (سواء) سادٌّ مسدَّ جواب الشرط لا خبر مقدّم أنّ معنى: (سواء عليّ أقمتَ أم قعدتَ) و (لا أبالي أقمتَ أمْ قعدتَ) واحد في الحقيقة. و (لا أبالي) ليس خبراً للمبتدأ بلِ المعنى: إنْ قمتَ أَوْ قعدتَ فلا أبالي بهما) . انتهى. وقد يأتون ب (أو) بدل (أمْ) . وفي (شرح القَطْر) (134) للعلامة الفاكهي (135) من باب العطف: (لا يعطف بأو بعد همزة التسوية للتنافي بينهما، لأنّ (أو) تقتضي أحد الشيئين أو الأشياء، والتسوية تقتضي شيئين لا أحدهما، فإن لم توجد الهمزة جاز العطف بها، نصَّ عليه السيرافي في شرح الكتاب، نحو: (سواءٌ عليّ قمتَ أو قعدتَ) ، ومنه قول الفقهاء: (سواءٌ كان كذا أو كذا) ، وقراءة ابن محيصن (136) : " أوَ لم تُنذرْهم ". وأمّا تخطئة المنصف لهم في ذلك فقد ناقشه فيها الدماميني) . انتهى. وذلك حيث قال (137) في شرحه المغني: (اعلمْ أن السيرافي قال في شرح الكتاب ما هذا نصُّهُ: و (سواء) إذا دخلت بعدها ألف الاستفهام لزمت (أمْ) بعدها، كقولك: (سواءٌ عليّ أقمتَ أمْ قعدتَ) ، وإذا كان بعد (سواء) فِعلان بغير استفهام كانَ عطف أحدهما على الآخر ب (أو) ، كقولك: (سواءٌ عليّ قمتَ أو قعدتَ) . انتهى كلامه. وهو نصٌّ صريحٌ   (132) انتهى كلام السيد الشريف. (133) السيد الشريف في حاشية الكشاف 1 / 154. (134) شرح القطر 2 / 179. واسم الكتاب: (مجيب الندا إلى شرح قطر الندى) . (135) عبد الله بن أحمد المكي، ت 972 هـ. (النور السافر 277، شذرات الذهب 8 / 366) . (136) محمد بن عبد الرحمن السهمي المكي، ت 113 هـ. (معرفة القراء الكبار 98، غاية النهاية 2 / 167) . (137) شرح الدماميني 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 يقضي (138) بصحة قول الفقهاء وغيرهم: (سواء كان كذا أو كذا) (139) إلى أنْ قال: وحُكي (140) أنّ أبا عليّ الفارسيّ قال: لا يجوز (أو) بعد (سواء) ، فلا يُقال: (سواءٌ علي قمتَ أو قعدتَ) ، قال: لأنّه يكون المعنى: سواءٌ عليّ أحدهما، ولا يجوز (141) (11) . قلتُ: ولعلّ (142) هذا مستند (143) المصنّف في تخطئة الفقهاء وغيرهم في هذه التراكيب (144)) (145) . وقد ردّ الرضي كلام الفارسيّ بما هو مذكور في شرحه للحاجبية (146) فراجِعْهُ إنْ شئتَ. ومنها قولهم في معرض الجواب ونحوه: على أنّا نقولُ فيذكرون ذلك حيث يكو ما بعد (على) (147) قامعاً للشبهة وأقوى مما قبلها، ويسمّونه علاوة وتقرياً على ما تُشعر به (على) . ولكنْ يُقال: (على) من حروف الجر، فما معناها هاهنا (148) ؟ وما متعلقُها؟   (138) من ب وشرح الدماميني. وفي الأصل: يقتضي. (139) من (، ب، م. وفي الأصل: كذا وكذا. (140) في شرح الدماميني: وحكى الرضي أيضاً. وكلام أبي علي في شرح الكافية 4 / 413. (141) (ولا يجوز) ليست في شرح الدماميني. (142) من (، م، شرح الدماميني. وفي الأصل: لعل. (143) في شرح الدماميني: هذا هو مأخذ. (144) في شرح الدماميني: هذا التركيب. (145) انتهى كلام الدماميني. (146) شرح الرضي على الكافية 4 / 413. (147) م: ما بعدها. (148) م: هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ويظهر المُراد مما ذكره في المغني (149) حيث قال: (التاسع: أنْ تكون للاستدراك والإِضراب، كقولك: (فلانٌ لا يدخلُ الجنّة لسوءِ صنيعِهِ على أنّه لا ييأسُ من رحمة الله تعالى) ، وقوله (150) : فواللهِ لا أَنسى قتيلاً رُزِئتُهُ بجانبِ قَوْسَى ما بقيتُ على الأرضِ على أَنّها تعفو الكُلُومُ وإنّما نُوَكَّلُ بالأَدْنى وإنْ جلُّ ما يمضي أي: على أنّ العادة نسيان المصائب البعيدة العهد. وقوله (151) : بكلِّ تداوَيْنا فلم يُشْفَ ما بنا على أنّ قُرْبَ الدارِ خَيْرٌ من البُعْدِ ثمّ قال: على أنّ قُرْبَ الدار ليسَ بنافعٍ إذا كانَ مَنْ تهواهُ ليسَ بذي وُدِّ ثمّ قال (152) : أبطل ب (على) الأولى عمومَ قوله: (لم يشف ما بنا) فقالَ: على (153) أنّ فيه شفاءً ما، ثم أبطلَ بالثانية قوله: (على أنّ قربَ الدار خيرٌ من البعد) . وتعلّق (على) هذه بما قبلها كتعلّق (حاشا) بما قبلها عندَ مَنْ قالَ به، فإنّها (154) أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإِضراب والإِخراج، أو هي خبرٌ لمبتدأ محذوف، أي: والتحقيقُ على كذا. وهذا الوجه اختاره   (149) مغني اللبيب 155 في (معاني على) . (150) أبو خراش الهذلي، ديوان الهذليين 2 / 158 وفيه: (بلى إنّها تعفو) ، ولا شاهد فيه على هذه الرواية. وقوسى: موضع. (151) عبد الله بن الدمينة، ديوانه 82. (152) (ثم قال) : ساقط من م ومن المغني أيضاً. (153) المغني: بلى. (154) المغني: لأنّها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ابن الحاجب (155) ، قالَ: ودلَّ على ذلك أنّ الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق ثمّ جيء بما هو التحقيق فيها) . انتهى كلام المغني. ومنها قولهم: كلّ فَرْدٍ فَرْدٍ. كقول المطوّل (156) : (معرفة كلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ من جزئيات الأحوال) . قال المحقّقُ الفَنَريّ: الأقربُ أنّه من التوكيد اللفظي، وقد يُجعل من قبيل وصف الشيء بنفسه قصداً إلى الكمال، أو (157) المراد: كلّ فرد منفرد عن الآخر، وحاصله معرفة (12) كلّ فرد على سبيل التفصيل والانفراد دون الاقتران، وقد يُترك لفظ (كلّ) في مثله، مع أنّ العمومَ مرادٌ، كما يُقال: (معرفة فَرْدٍ فَرْدٍ) ، والظاهر أنّ العمومَ مستفادٌ من قريته المقام، فإنّ النكرة في الإِثبات قد تعمُّ، ويحتملُ أنْ يُحملَ على حذف المضاف، وهو (كلّ) بتلك القرينة. ومنها قولهم: ولا سِيَّما كذا قالَ المحقّق الفَنَري (158) : (لا) لنفي الجنس، و (سِيّ) ، مثل (مِثْل) وزناً ومعنى، اسمُها عند الجمهور. وأصله: (سِوْيٌ) أو (سِيْوٌ) ، والواقع   (155) الأمالي النحوية 2 / 154. (156) المطول 34. (157) من سائر النسخ. وفي الأصل: والمراد. (158) حاشية الفنري ق 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 بعدها إذا كانَ معرّفاً، إمّا مجرور (159) على أنّه مضاف (160) إليه (161) ، و (ما) زائدة، كما في قوله تعالى: (أيّما الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) (162) ، أو بدل من (ما) ، وهي نكرة غير موصوفة، أي: لا مِثلَ شيءٍ علم البيان. وإمّا مرفوع خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة إنْ جُعلت (ما) موصولة، أو صفة إنْ جُعلت موصوفة. والجرُّ (163) أَوْلى من هذا (164) الوجه لقِلّة حذف صدر الجملة الواقعة صلة أو صفة، صرّح به الرضيّ (165) ، على أنّه يقدح في اطّراده لزوم إطلاق (ما) على ذات مَنْ يعقلُ وهم يأبونه، وعلى الوجهين فحركة (سِيّ) إعراب لأنّه مضافٌ. وإمّا منصوبٌ على تقدير: (أعني) ، أو على أنّه تمييز إنْ كانَ نكرةً لأنّ (ما) بتقدير التنوين، وهي (166) كافة عن الإِضافة، والفتحة بنائية مثلها في: (رجلَ) ، وقيل على الاستثناء في الوجهين فعدم تجويز النصب، إذا كان معرفة، وَهْمٌ من الأندلسي (167) . وعلى التقادير خبر (لا) محذوف عند غير الأخفش (168) ، أي: لا مِثْلَ علم البيان موجود من العلوم فإنّ التحلّي بحقائقه أحقُّ بالتقدير من   (159) م: مجروراً. (160) (: مضافاً. (161) من م. وفي الأصل: إليها. (162) القصص 28. (163) ب: والخبر. (1649 بعدها في م زيادة مقحمة مكانها في قولهم: (كائناً ما كان) وهي: (وفي كان ضمير (ما) اسمها، وخبرها محذوف، أي كائناً الشخص الذي هو) . (165) شرح الرضي 2 / 134 - 137. (166) م: وهو. (167) علم الدين أبو محمد القاسم بن أحمد اللُّورَقي، ت 661 هـ. (معجم الأدباء 16 / 234، بغية الوعاة 2 / 250) . وينظر: شرح الرضي 2 / 135. (168) أبو الحسن سعيد بن مسعدة، ت 215 هـ. (أخبار النحويين البصريين 66، نور القبس 97) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 التحلّي بحقائق غيره. وعنده (ما) خبر لا، ويلزمه قطع (سيّ) عن الإِضافة من غير عوض. قيل: وكون خبر (لا) معرفة، وجوابه أنّه يقدّر (ما) نكرة موصوفة، وأمّا الجوابُ باحتمال أنْ يكون قد رجع إلى قول س (169) في: (لا رجلَ قائمٌ) مِن أنّ ارتفاع الخبر بما كان مرتفعاً به لا ب (لا) النافية، فلا يفيدُ فيما نحن فيه كما لا يخفى. وقد يحذفُ منه كلمة (لا) تخفيفاً مع أنّها مرادة، ولهذا لا يتفاوتُ المعنى، كما في قوله تعالى: (تَفْتَؤُ تذكرُ) (170) أي: لا تَفْتَؤُ، لكن ذكر البلياني (171) في شرح تلخيص (13) الجامع الكبير أنَّ استعمال (سِيّما) بلا [لا] (172) لا نظير له في كلام العرب. وقد تخفّف الياء مع وجود (لا) وحذفها. وقد يُقال: لا سواءَ [ما] (173) مقام (لا سِيّما) . والواو التي تدخل علياه في بعض المواضع كما في قوله (174) : ولا سِيَّما يوماً بدارةِ جلجلِ اعتراضية، ذكره الرضيّ (175) . [وقيل: حاليّة] (176) . وقيل: عاطفة. ثم عدّها   (169) ينظر: الكتاب 1 / 345. (170) يوسف 85. وينظر في الآية: الدر المصون 6 / 546. (171) محمد بن محمد النيسابوري، ت 810 هـ (الضوء اللامع 10 / 21، معجم المؤلفين 11 / 220) . (172) من سائر النسخ. (173) من شرح الرضي 2 / 137. (174) امرؤ القيس، ديوانه 10 وصدره: ألا رُب يومٍ لك منهن صالح. (175) شرح الرضي 2 / 135. (176) من م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 من كلمات الاستثناء لكونِ ما بعدها مُخْرَجاً عمّا قبلها من حيث أَوَّليته بالحكم المتقدّم وإلاّ (177) فليس فيها حقيقته. صرّح به الرضي (178) . وقد يُحذفُ ما بعد (لا سيّما) ، وقد تُنقل من معناها الأصلي إلى معنى (خصوصاً) فيكون منصوب المحلّ على أنّه مفعول مطلق. فإذا قلت: (زيدٌ شجاعٌ ولا سيّما راكباً) ، فراكباً حال من مفعول الفعل المقدّر، أي: وأخصُّهُ بزيادة الشجاعة خصوصاً راكباً. وكذا في: (زيدٌ شجاعٌ ولا سيّما وهو راكبٌ) ، والواو التي بعده للحال، وقيلَ: عاطفة على مقدّر، كأنّه قيل: ولا سيّما وهو لابسٌ السلاحَ وهو راكبٌ. وعدم مجيء الواو قبله حينئذٍ كثير، إلاّ أنّ المجيء أكثر. انتهى. ومنها قولهم: فَقَطْ كقول صاحب (التلخيص) (179) : (الفصاحةُ [يُوصَفُ بها المفردُ والكلامُ والمتكلّمُ. والبلاغةُ] (180) يُوصَفُ بها الأخيرانِ فَقَطْ) . قال المحقّق التفتازاني في المطوّل (181) : (وقوله: (فَقَط) من أسماء الأفعال بمعنى: اِنْتَهِ، وكثيراً ما يُصَدَّرُ بالفاء تزييناً للّفظ، وكأنّه جزاء شرط محذوف، أي: إذا وَصَفْتَ بها الأخيرين، أي: فانْتَهِ عن وصف الأوّل بها) .   (177) من (، م. وفي الأصل: ولا. (178) شرح الرضي 2 / 134. (179) التلخيص 24. وصاحب التلخيص هو جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب، ت 739 هـ. (الدرر الكامنة 4 / 120، البدر الطالع 2 / 183) . (180) من التلخيص لأنّ السياق يقتضيها. (181) المطول 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 قال بعضُ المُحشين: (وقال ابن هشام في حواشي التسهيل: لم يُسمع منهم إلاّ مقروناً بالفاء، وهي زائدة لازمة عندي) . وقال الدّمامينيّ (182) نقلا عن ابن السِّيد (183) في نحو: (أَخذتُ درهماً فقط) : أخذتُ درهماً فاكتفيتُ به، فجعلها عاطفة. قال: وهو خيرٌ من قول التفتازاني وابن هشام. بقي أنّه يُرَدُّ على كلام (المطوّل) أنّ الفاء في جواب الشرط ليس للتزيين بل من حروف المعاني، ففيه منافاة، ويُجابُ بأنّ الشرط المحذوف إنّما يُعتبرُ لإِصلاح الفاء المذكور للتزيين، وليس في المعنى داعٍ إلى (184) اعتبار الشرط المحذوف، فذكر الفاء لتزيين اللفظ فيه تقوية لجانب المعنى لرعاية جانب اللفظ. هذا (14) والأظهر أنّ قوله (185) : وكأنّه توجيه ثانٍ (186) ، ثمّ إنّه قدّر أداة الشرط المحذوفة (إذا) ، وكذا وقع لغيره. والحقُّ أنّه لا يُحذف من أدوات الشرط إلاّ (إنْ) . وأورد عليه ابنُ كمال باشا (187) بعد أنْ نقل عن المغني (188) أنّها تكون بمعنى (حَسْب) ك (قَدْ) ، واسم فعلٍ بمعنى (يكفي) : أنّ المناسب   (182) شرح الدماميني ق 63. (183) عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي، ت 521 هـ. (قلائد العقيان 221، إنباه الرواة 2 / 141) . (184) م: إلا. (185) (: قولهم. (186) من م. وفي الأصل: ثاني. (187) أحمد بن سليمان، من علماء الأتراك: ت 940 هـ. (الشقائق النعمانية 226، شذرات الذهب 8 / 238) . (188) مغني اللبيب 191. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 للمقام [جعلها بمعنى حَسْب وعلى تقدير] (189) جعلها اسم فعل فهي بمعنى (يكفي) . قالَ: فجعلها هنا اسم فعل وأنّها بمعنى (انْتَهِ) غلط مرتين. ومنها قولهم: كائناً ما كانَ قال بعضُ المحققين: (جعل الفارسي (ما) في: (لأضربنّه كائناً ما كان) مصدرية، و (كان) صلتها، وهما في محل رفع ب (كائن) ، وكلاهما على التمام، أي: كائناً كونُهُ. وقيل: (كائن) من الناقصة أيضاً، و (ما) موصولة استعملت لمَنْ يعقلُ ك (ما) في: (لا سيّما زيد) وفي (كائن) ضمير هو اسمها، و (ما) خبرها. وفي (كان) ضمير (ما) اسمها، وخبرها محذوف، أي: كائناً الشخص الذي هو إيّاه. ويجوز كون (ما) نكرة موصوفة ب (كان) وهي تامة، والتقدير: لأضربنّه كائناً شيئاً كانَ، أي: شيئاً (190) وُجِدَ، والمعنى: لأضربنّه كائناً بصفة الوجود، من غير نظر إلى حال دون حال، مفرداً كان أو مركباً، كُلاُّ أو جزءاً، ولعلّ هذا أولى من الذي قبله) . انتهى. أقول: ويخطر لي وجه آخر وهو: أنّ (ما) صلة للتوكيد، و (كائناً) (191) و (كان) تامتان، والمعنى: لأضربنّه موجوداً وُجِد، أي: أيّ شخصٍ وُجِدَ صغيراً أو كبيراً، جليلاً أو حقيراً.   (189) من (، م. وهي ساقطة من الأصل بسبب انتقال النظر، ويحدث في الجمل المتشابهة النهايات. (190) (كان، أي شيئاً) : ساقطة من م. (191) من (، ب، م. وفي الأصل: كائن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ووجهٌ آخرُ: وهو أنْ تكون (ما) نكرة صفة لكائن أو بدلاً منه، فإذا قلتَ: (لأضربنّ رجلاً كائنا ما كان) ، فالمعنى: لأضربنّ رجلاً موجوداً شخصاً وُجِدَ. والمعنى على التعميم كالأول (192) ، أي: أيّ شخصٍ. وقد خرَّجوا على هذين الوجهين قوله تعالى: (مثلاً ما بعوضةً) (193) . ووقع في عبارة (المطوّل) : كائناً مَنْ كانَ أنا أو غيري. فقال الفاضل الفَنَري: (كائناً: حال، و (مَنْ) موصوفة في محل نصب خبراً ل (كائناً) ، والعائد محذوف، أي: كانَه، واعترض بامتناع حذف خبر كان. نصّ عليه ابن هشام وصاحب اللباب (194) وغيرهما. وأُجيبَ بأنّه هاهنا سماعي ثَبَت على خلاف القياس، ولو قيل: (15) كان تامة، وفاعله راجع إلى (مَنْ) لم يحتج إلى ما ذكره. و (أنا) خبر مبتدأ محذوف، أي: هو أنا أو غيري، أو بدل مِن (مَنْ كان) ، على أنْ يكون من قبيل استعارة الضمير المرفوع للمنصوب، كما استعير للمجرور في: [ما] (195) أنا كانت] . انتهى. ومنها قولهم: بعد اللَّتَيّا والَّتي قال محقّقُ الروم حسن جلبي الفناري: (اللَّتيّا) تصغير (التي) على خلاف القياس، لأنّ قياس التصغير أنْ يُضمَّ أولُ المُصَغّر، وهذا بقي على   (192) م: كالأولى. (193) البقرة 26. وينظر في الآية: معاني القرآن للفراء 1 / 21 ومعاني القرآن للأخفش 53 ومعاني القرآن وإعرابه 1 / 70. (194) محمد بن محمد بن أحمد الأسفراييني، ت 684 هـ. (بغية الوعاة 1 / 219، مفتاح السعادة 1 / 219) . (195) من (، م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 فتحته الأصلية، لكنّهم عوضوا عن ضمّ أوّله بزيادة الألف في آخره كما فعلوا ذلك في نظائره من (اللذيّا) و (ذيّاك) و (ذيّا) . والمعنى: بعد اللحظة الصغيرة والكبيرة التي من فضاحة (196) شأنها كَيْتَ وكَيْتَ، حُذِفت الصلة إيهاماً لقصور العبارة عن الإِحاطة بوصف الأمر الذي كُني بهما عنه، وفي ذلك من تفخيم أمره ما لا يخفى. انتهى. وأصله أنّ العرب تقول ذلك في الأمر الصعب الذي لا يُراد فعله (197) ، والتزموا عدم ذكر صلة لهما لا لفظاً ولا تقديراً لِمَا مرَّ، فيُلغز ويُقال: أيّ موصول وليس له صلة ولا عائد (198) ؟ وقد نظم ذلك بعضُ مشايخ مشايخنا فقالَ: يا أيّها النحويّ ذا العرفان ومَنْ حوى لطائفَ البيان ما اسمانُ موصولان مبنيان ولم يكونا قطُّ يوصلان ومنها قولهم: أوَّلاً وبالذات قال الفَنَريّ في حواشي المطوّل (199) : (أوّلاً) : منصوب على الظرفية بمعنى (قبل) ، وهو ح (200) منصرفٌ لا وصفية (201) [له] (202) ولذا دخله التنوين مع أنّه (أفعل) التفضيل في الأصل بدليل الأولى والأوائل كالفُضلى   (196) م: فظاعة. (197) ينظر في (اللتيا والتي) : الأمثال 256، جمهرة الأمثال 1 / 223، الأشباه والنظائر 4 / 295. (198) م: وليس له عائد. (199) حاشية الفنري ق 75. (200) ح: أي حينئذ. (201) من م. وفي الأصل وسائر النسخ: للوصفية. (202) من (، م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 والأفاضل، وهذا معنى ما قاله في الصحاح (203) : (إذا جعلته صفة لم تصرفه، تقول: لقيته عاماً (204) أوّلَ، وإذا لم تجعله صفة صرفته، تقول: لقيته عاماً أَوّلاً (205) . أوّل (206) معناه في الأوّل: أوّل من هذا العام، وفي الثاني: قبل هذا العام. والباء في (بالذات) بمعنى (في) وهو معطوف على (أوّلاً) (207) ، أي: في ذات المعنى بلا واسطة) . انتهى. ومنها قولهم: وهذا الشيء لا محالةَ كذا وهي مصدر ميمي بمعنى التحوّل من حالٍ إلى كذا، بمعنى تحوّل إليه، وخبر (لا) محذوف، أي: لا محالةَ موجودٌ. والجملة معترضة بين اسم (إنّ) وخبرها مفيدة تأكيد الحكم. ومنها قولهم: لا أَفْعَلُهُ البَتَّةَ. وهي مصدر من (البَتّ) بمعنى القطع (208) . وفي القاموس (209) : (لا أفعلُهُ البَتَّةَ وبتَّةً: لكلِّ أمرٍ لا رَجْعَةَ فيه) . انتهى.   (203) الصحاح (وأل) . (204) من م والصحاح. وفي الأصل: عام. (205) من م والصحاح. وفي الأصل: عام أول. (206) ساقطة من (، ب. (207) من (، ب. وفي الأصل: أوّل. (208) ينظر: الزاهر 2 / 357، اللسان والتاج (بتت) . (209) القاموس المحيط 18 {البت) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 والمشهور على الألسنة أنّ همزتها همزة قطع. وبه صَرَّح الإِمام الكِرْماني (210) في شرح البخاري. وردّه الحافظ ابنُ حجر (211) في شرحه (فتح الباري) بما حاصله: أَنَّه لم يَرَ أحداً من أهل اللغة صرَّحَ بذلك. ونازعه البدر العَيْني (212) في شرحه (213) أيضاً بأنّ عدم رؤيته واطلاعه على التصريح بذلك لا يُنافي وجوده. قلتُ: القياس يقتضي ما قاله الحافظ فإنّه من المصادر الثلاثية، وهمزاتها [همزة] (214) وصل، وبمنازعة العيني لا يثبت المدَّعى. نَعَمْ قد يُقال من حُسْنِ الظنِّ بالإِمام الكِرْماني أنّه لا يقولُ ذلك من رأيه مع مخالفته لقياسه على نظائره، فلولا وقوفه (215) على ثَبَت (216) في ذلك لما قاله. وصرّح بعض الفضلاء بأنّ المشهور كونها همزة قطع وأنّه مما خالف القياس. وهو يؤيد ما قاله الكِرْماني. والله تعالى أعلمُ بحقيقة الحال. ثمّ رأيت في الشرح الكبير (217) للعلامة الدماميني على المغني عند قوله   (210) شرح الكرماني 20 / 194. والكرماني محمد بن يوسف بن علي، ت 786 هـ. (الدرر الكامنة 5 / 77، بغية الوعاة 1 / 289) . (211) فتح الباري 20 / 57. وابن حجر العسقلاني أحمد بن علي، ت 852 هـ. (الضوء اللامع 2 / 36، طبقات الحفاظ 547) . (212) محمود بن أحمد، ت 855 هـ. (الضوء اللامع 10 / 131، بغية الوعاة 2 / 275) . (213) عمدة القاري 20 / 253. (214) من م. (215) ب: وقوعه. (216) م: ما ثبت. (217) شرح الدماميني 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 في (218) باب الهمزة: (ولو كان على الاستفهام الحقيقي لم يكن مدحاً البَتَّةَ) (219) ما نصه: (هي بمعنى القول المقطوع به، قالَ الرضي (220) : وكأنَّ اللام فيها في الأصل للعهد، أي: القطعة المعلومة التي لا تردّد (221) فيها. فالتقدير هنا: أجزمُ بهذا الأمر، وهو أنّه لو كان على حقيقة الاستفهام لم يكن مدحاً قطعة واحدة. والمعنى: أنّه ليس فيه (222) تردّد بحيث أجزم به، ثُمّ يبدو لي، ثُمّ أجزمُ به مرة أخرى فيكون (223) قطعتين أو أكثر، بل هو قطعة واحدة لا يُثَنَّى (224) فيها النظر. فالبَتَّة بمعنى القطعة، ونصبها نصب المصادر) . انتهى. وفي هذا إشارة ظاهرة إلى أنّ الهمزة [همزة] (225) وصل، (17) بل كلام الرضيّ كالصريح في ذلك، اللهمّ إلاّ أنْ يكونَ ذلك بناءً على ما هو القياس فلا يُنافي ما قدّمناه من أنّ قطع (226) همزتها مما خالف القياس. ثُمَّ رأيتُ التصريح بذلك في تصريح الشيخ خالد الأزهري (227) في بحث المعرفة حيث قال: (البَتَّة: بقطع الهمزة سماعاً، قاله شارح اللباب (228) ، والقياس وصلها) . انتهى بحروف فليتأمَّل.   (218) من (، م. وفي الأصل: من. (219) مغني اللبيب 11. (220) شرح الرضي 1 / 325. (221) من شرح الرضي وشرح الدماميني. وفي الأصل والمطبوع: تعدد. (222) شرح الدماميني: فيها. (223) م: ليكون. (224) من شرح الرضي وشرح الدماميني. وفي الأصل والمطبوع: لا شيء فيها للنظر. (225) من م. (226) ب: همزتها قطع. (227) شرح التصحيح على التوضيح 1 / 94. وخالد بن عبد الله الأزهري، ت 905 هـ. (الكواكب السائرة 1 / 188، شذرات الذهب 8 / 26) . (228) هو قطب الدين محمد بن مسعود الفالي، ت بعد 733 هـ. وجاء في لباب الإعراب 280 أنّ الأكثر فيه التعريف وقطع الهمزة بمعزل عن القياس، لكنه مسموع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ومنها قولهم: فَضْلاً كقولك: (فلانٌ لا يملكُ درهماً فضلاً عن دينارٍ) : ومعناه: أنّه (229) لا يملك درهماً ولا ديناراً، وأنّ عدمَ ملكِهِ للدينار أولى من عدم ملكه للدرهم، وكأنَّهُ قالَ: لا يملكُ درهماً فكيف يملك ديناراً، وانتصابه على وجهين محكيين عن (230) الفارسي: أحدهما: أنْ يكونَ منصوباً (231) بفعل محذوف، وذلك الفعل نعت للنكرة. والثاني: أنْ يكونَ حالاً من معمول الفعل المذكور وهو (درهماً) ، وإنّما ساغ مجيء الحال منه مع كونه نكرة للمسوّغ وهو: وقوع النكرة في سياق النفي، والنفي يُخرج النكرة من حيِّز الإِبهام إلى حيِّز العموم، وضعف الوصف، فإنّه متى امتنع الوصف بالحال أو ضعف ساغ مجيئها من النكرة، فالأول كقوله تعالى: (أو كالذي مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ عل عُروشِها) (232) ، فإنّ الجملة المقرونة بالواو لا تكون صفةً خلافاً للزمخشري (233) . والثاني كقولهم: (مررتُ بماءٍ قِعْدَةَ رجلٍ) فإنّ الوصفَ بالمصدر خارجٌ عن القياس. وإنما لم يُجز الفارسي في (فضلاً) كونه صفة لدرهم لأنّه (234) رآه منصوباً أبداً سواء كانَ ما قبله منصوباً أم مرفوعاً أم مخفوضاً. وزعم أبو حيان أنّ ذلك لأنّه لا يوصف بالمصدر إلاّ إذا أُريدت المبالغة لكثرة وقوع ذلك الحدث من صاحبه وليس بمرادٍ هنا. وأمّا القولُ بأنّه يوصف بالمصدر على تأويله بالمشتقّ أو على تقدير   (229) من (، م. وفي الأصل: أن. (230) من م. وفي الأصل: عند. (231) م: مصدراً. (232) البقرة 259. (233) ينظر: الكشاف 1 / 389. (234) من م. وفي الأصل: فإنّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 المضاف فليس قول المحققين، فهذا منتهى القول في (235) توجيه إِعراب الفارسيّ. وأمّا تنزيله على المعنى المراد فَعَسِرٌ، وقد خُرِّجَ على أَنَّهُ من باب قوله (236) : على لاحِبٍ لا يُهتَدَى بمنارِهِ (18) ولم يذكر أبو حيان سوى ذلك، وقال: قد يُسلِّطونَ النفي على المحكوم عليه بانتفاءِ صفتِهِ فيقولونَ: (ما قامَ رجلٌ عاقِلٌ) [أي: لا رجلَ عاقلٌ] (237) فيقوم، فإنّه لا يريد إثبات منارٍ للطريق وينفي (238) الاهتداء عنه، وإنّما يريد نفي المنار فتنتفي الهداية [به، أي: لا منار لهذا الطريق فيُهتَدَى به] (239) . وعلى هذا خرّج: (فما تنفعهم شفاعةُ الشافعين) (240) ، أي: لا شافع لهم فتنفعهم شفاعته. وعلى هذا يتخرج المثال المذكور، أي: لا يملك درهماً فيفضل عن دينارٍ له، وإذا انتفى ملكه للدرهم كانَ انتفاء ملكه للدينار (241) أولى. وفيه (242) أنّ (فضلاً) مقيِّد للدرهم أو معمول للمقيّد على الإِعرابين   (235) من (، م، المسائل السفرية، وفي الأصل: من. (236) صدر بيت لامرئ القيس، ديوانه 66 وعجزه: إذا سافَه العود النباطيّ جرجرا (237) من المسائل السفرية، وهو ساقط بسبب انتقال النظر. (238) من م والمسائل السفرية، وفي الأصل: نفي. (239) من المسائل السفرية. (240) المدثر 48. (241) من (، م. وفي الأصل: الدينار. (242) أي في (المسائل السفرية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 السابقين، فلو قُدِّر النفي مسلطاً على القيد اقتضى مفهومه خلاف المراد، وهو أنّه (243) يملك الدرهم ولكنّه لا يملك الدينار، ولما امتنع [هذا] (244) تعيَّنَ الحمل على الوجه المرجوح، وهو تسليط النفي على المقيّد، وهو الدرهم، فينتفي الدينار، لأنّ الذي لا يملكُ الأقلَّ لا يملكُ الأكثرَ، فإنّ المراد بالدرهم ما يساويه من النقود لا الدرهم العرفي. والذي ظهر لي في توجيه هذا الكلام أنْ يُقالَ: إنّه في الأصل جملتان مستقلتان ولكنّ الجملة الثانية دخلها حذف كثير وتغيير حصل الإِشكال بسببه. وتوجيه ذلك أنْ يكونَ هذا الكلام في اللفظ أو في التقدير جواباً لمستخبرٍ قالَ: (أيملكُ فلانٌ ديناراً؟) ، أو ردًّا على مُخْبِرٍ قالَ: (فلانٌ يملكُ ديناراً) ، فقِيل في الجواب: (فلانٌ لا يملك درهماً) ، ثم استُؤنِفَ كلامٌ آخرُ. ولك (245) في تقديره وجهان: أحدهما: أنْ يُقدّرَ: أخبرك (246) بهذا زيادةً عن الإِخبار عن دينارٍ (247) استفهمت عنه، وزيادةً عن دينارٍ أخبرت بملكه له، ثُمّ حذفت جملة (أخبرك بهذا) وبقي معمولها وهو (فضلاً) كما قالوا: (حينئذٍ الآن) بتقدير: كان ذلك حينئذ (248) واسمع الآنَ، فحذفوا الجملتين وأبقوا من كلٍّ منهما معمولها ثم حُذِف مجرور (عن) وجارّ (الدينار) ، وأدخلت (عن) الأولى على (الدينار) كما قالوا: (ما رأيتُ رجلاً أحسنَ في عينِهِ الكُحْلُ من   (243) من (، م. وفي الأصل: أن. (244) من (، م. (245) من (، ب، م، المسائل السفرية. وفي الأصل: وذلك. (246) في المسائل السفرية: (أخبرتك) ، في الموضعين. (247) من م والمسائل السفرية. وفي الأصل: عما استفهمت عنه. (248) رسمت حينئذ: (ح) في الموضعين وفضّلنا إثبات الكلمة لا الرمز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 زيدٍ) (249) ، والأصل: منه في عين زيد، ثُمّ حُذِف مجرور (مِن) وهو الضمير، وجارّ العين وهو (في) ، ودخلت (مِن) على (19) العين. والثاني: أنْ يُقدّرَ فضل (250) انتفاء الدرهم عن فلان فضلاً (251) عن انتفاء الدينار عنه (252) . ومعنى ذلك أنْ تكون (253) حالة هذا المذكور في الفقر (254) معروفة عند الناس. والفقير (255) إنّما ينفى عنه في العادة مِلك (256) الأشياء الحقيرة لا مِلك الأموال الكثيرة، فوقوع نفي ملك الدرهم عنه في الوجود عن وقوع نفي الدينار عنه، أي: أكثر منه. يُقال: فضل عنه وعليه بمعنى زاد. و (فضلاً) على التقدير الأول حال، وعلى الثاني مصدر، وهما الوجهان اللذان ذكرهما الفارسي، لكنّ توجيه الإِعرابين مخالفٌ لما ذكر، [وتوجيه المعنى مخالفٌ لما ذكروا، لأنّه إنما يتضح تطابق اللفظ والمعنى على ما وجَّهتن لا على ما وجَّهوا] (257) . ولعلّ مَنْ لم يَقْو (258) أُنْسُهُ بتجوّزات (259) العرب في كلامها يقدحُ فيما ذكرت بكثرة الحذف، وهو كما قيل (260) :   (249) ينظر في مسألة الكحل: الكتاب 1 / 232، المقتضب 3 / 248، شرح المقدمة المحسبة 400، منثور الفوائد 50، شرح عمدة الحافظ 773، شرح الكافية 3 / 466، شفاء العليل 619، رسالة على مسألة الكحل من الكافية. (250) (: فضلاً. (251) ساقطة من المسائل السفرية. (252) من م والمسائل السفرية. وفي الأصل: منه. (253) من ب. وفي الأصل: يكون. (254) في المسائل السفرية: النفي. (255) من (، م. وفي الأصل: الفقر. (256) من (، م. وفي الأصل: تلك. (257) من المسائل السفرية 20. (258) من م والمسائل السفرية. وفي الأصل: من فقد. (259) من ب والمسائل السفرية. وفي الأصل: بتجويزات. (260) للكميت بن زيد، شعره: 1 / 119 وفيه: وإن لم ... فلا رأي للمحمول ... . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 إذا لم يكنْ إلاّ الأسنةَ مركبٌ فلا رأيَ للمحتاجِ إلاّ رُكوبُها وقد بيَّنْتُ في التوجيه أنّ مثل هذا الحذف والتجوّز (261) واقِعٌ في كلامهم. هذا خلاصة ما ذكره ابن هشام الأنصاري في رسالته (262) . وقد قرَّر الإعراب والمعنى المراد السيد الشريف، قدّس سره، في حواشي الكشاف (263) على غير ما مرَّ فقال: (هو مصدر يتوسط بين أدنى وأعلى للتنبيه بنفي (264) الأدنى واستبعاده عن الوقوع على نفي الأعلى واستحالته، أي: عدّه محالاً (265) عُرفاً، فيقع بعد نفي: إمّا صريحٌ كقولك: (فلانٌ لا يُعطي الدرهَم فَضْلاً عن [أنْ يُعطي] الدينار، تريد: أنّ إعطاءَه الدرهمَ منفيٌّ ومستبعدٌ فكيف يُتصوَّرُ منه إعطاء الدينار، وإمّا ضمني كقوله (266) : (وتقاصر الهمم ... الخ) ، يريد أنّ هممهم تقاصرت عن بلوغ أدنى عدد هذا العلم وصار منفياً مستبعداً عنهم فكيف ترقى إلى ما ذكر. وهو مصدر قولك: فضل عن المال كذا، إذا ذهب أكثرُهُ وبقي أقلّه. ولمّا اشتمل على معنى الذهاب والبقاء ومعنى الكثرة والقلّة ظهر هناك توجيهان: - فمنهم مَنْ نظر إلى معنى الذهاب والبقاء فقال: تقدير الكلام: فضل عدم إعطاء الدرهم من إعطاء الدينار، أي: ذهب إعطاء الدينار بالمرة (267)   (261) من ب والمسائل السفرية. (262) المسائل السفرية 11 - 20. (263) حاشية الشريف 1 / 19 والزيادة منها. (264) م: ينفي. (265) من (، ب. وفي الأصل: حالاً. (266) أي الزمخشري في الكشاف 1 / 19. (267) في حاشية السيد الشريف: بالكلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وبقي عدم إعطاء الدرهم، فالباقي هو نفي الأدنى المذكور قبل (فضلاً) ، والذاهب (268) هو نفس الأعلى المذكور بعده. وعلى هذا التوجيه يفوت شيئان من أصل (20) الاستعمال: الأول: كون الباقي من جنس الذاهب، إذْ ليس انتفاء الأدنى من جنس الأعلى. الثاني: كون الباقي أقلّ [من الذاهب، إذْ لا معنى لكون انتفاء الأدنى أقلّ] (269) من جنس الأعلى. فإنْ قلتَ: يردّ عليه (270) أنّ المفهوم من (فضلاً) حينئذ أنّ ما بعده ذاهبٌ منتفٍ بتمامه، وأمّا أنّه أدخل في الانتفاء وأقوى فيه مما نفي قبله كما هو المقصود فلا. قلتُ: قد يفهم ذلك من كونه أعلى وأدنى، لأنّ الأعلى أولى بالانتفاء من الأدنى. - ومنهم من نظر إلى القِلّة والكثرة فقال: التقدير في المثال: فضل عدم إعطاء الدرهم عن عدم إعطاء الدينار، أي: العدم الأوّل قليل بالقياس إلى العدم الثاني، فإنّ الأوّلَ عَدَمٌ ممكن مستبعد وقوعه، والثاني عَدَمٌ مستحيل، فهو أكثر قوّة وأرسخ من الأول. وعلى هذا التوجيه يفوت من أصل الاستعمال معنى الذهاب والبقاء، ويلزم أنْ لا تكون كلمة عن صلة (271) له بحسب معناه المراد، بل بحسب أصله، ويحتاج إلى تقدير النفي فيما بعد (فضلاً) .   (268) من م وحاشية السيد الشريف. وفي الأصل و (وب: الذهاب. (269) من م وحاشية السيد الشريف. وهو ساقط من الأصول الثلاثة بسبب انتقال النظر. (270) (يرد عليه) ليس في حاشية السيد الشريف. (271) من (، ب، م. وفي الأصل: كلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وههنا توجيه ثالث مبني على اعتبار ورود النفي [على الأدنى بعد توسط (فضلاً) بينه وبين الأعلى، كأنّه قيل: يُعطي الدرهم فضلاً عن الدينار، على معنى: ذهب إعطاء الدينار وبقي من جنسه بقيّة هي إعطاء الدرهم ثُمّ أورد النفي] (272) على البقية، وإذا انتفت (273) بقية الشيء كان ما عداها أقدم منها في الانتفاء. ويرجع حاصل المعنى إلى أنّ إعطاء الدينار انتفى أوّلاً ثم تبعه في الانتفاء إعطاء الدرهم) (274) . انتهى ملخّصاً (275) . ثم ذكر بعد ما مرَّ ما نصّه، قال (276) ، رحمه الله تعالى: (لزم حذف ناصب (فضلاً لجريه مجرى تتمة الأول، بمنزلة (لا سيما) ولا محل لذلك المحذوف من الإِعراب البتة، وردّ به على مَنْ زعم أنّه حال (277) . ولا يلتبس عليك أنّ فاعل ذلك [الفعل] المحذوف هو الأدنى على الوجه الأخير، ونفيه على الوجهين الأولين) . انتهى. وعدم صحة كونه حالاً على المعنى الذي قرره ظاهر، وكذا عدم كون الجملة صفة، بخلاف ذلك كله على المعنى الذي قرّره ابن هشام كما لا يخفى على ذوي الأفهام. ومنها قولهم: وهذا بخلافِ كذا والظاهر أنّ الخبر (خلاف) والباء زائدة فيه (21) كقوله تعالى:   (272) من (، م، حاشية السيد الشريف. وهي ساقطة بسب انتقال النظر. (273) من حاشية السيد الشريف. وفي الأصل و (وب: انتفى. (274) حاشية السيد الشريف 1 / 19 - 20. (275) من (، ب، م. وفي الأصل: تلخيصاً. (276) حاشية السيد الشريف 1 / 20 والزيادة منه. (277) عبارة الحاشية: (ولا محل لذلك المحذوف من الإعراب وإنْ زعم بعضهم أنه حال) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 (جزاءُ سيِّئةٍ بمِثْلِها) (278) ، أو (الخلاف) اسم مصدر خالف، أي: وهذا ملتبسٌ بمخالفة كذا. وقد يقولون: (بخلاف ما لو كان كذا) ، وقد ذكر في المغني (279) في بحث (لو) أنّها تكون حرفاً مصدرياً، وأكثر (280) وقوعها بعد (ودَّ) أو (يودّ) ، نحو: " يَوَدُّ أَحَدُهم لو يُعَمّرُ " (281) ، وقد تقع بدونهما، ومنه قولُ قُتَيْلَةَ (282) : ما كانَ ضرَّكَ لو مَنَنْتَ ورُبَّما مَنَّ الفَتَى وهو المَغيظُ المُحْنَقُ قال الدَّمامينيّ (283) في شرحه: (قلتُ: وعلى كون (لو) مصدرية يتخرّج ما يقعُ في تصانيف العلماء كثيراً من قولهم: (بخلاف ما لو كان كذا) ، كقول ابن الحاجب في كتابه الفقهي (284) : [بخلاف ما لو وقع ميتاً، وقول صاحب التلخيص (285) ] : (بخلاف ما لو أُخِّرَ) ، فيكون التقدير: بخلاف وقوعه ميتاً (286) وبخلاف تأخيره. و (ما) زائدة بين المضاف والمضاف إليه، نحو: (جئتك غير ما مرَّة) . هذا أقرب ما يخرّج مثل هذا التركيب عليه، والله أعلمُ) . انتهى (287) .   (278) يونس 27. وفي الأصل والمطبوع: وجزاء. (279) مغني اللبيب 293. (280) من ب والمغني: وفي الأصل: والأكثر. (281) البقرة 2. (282) الحماسة لأبي تمام 1 / 478، شرح أبيات مغني اللبيب 5 / 54. (283) تحفة الغريب ق 92، والزيادة منها. (284) منتهى السول والأمل، وهو في أصول الفقه. وله كتاب (جامع الأمهات) ، وهو في الفقه المالكي. (285) التلخيص في علوم البلاغة 84. (286) ب: مؤخراً. (287) من قوله (وقد يقولون ... انتهى) ساقط من م. والشرح برمته ساقط من (. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ومنها قولهم: هو ك (لا شيء) ، ووجوده ك (لا وجود) صارت (لا) مع [ما] (288) بعدها كلمة واحدة، وأجري الإِعراب على آخرها، وعرّفت باللام في مثل: (اللاحجر) . وقيل: هو بمعنى (غير) ، إلاّ أنّ إعرابها أظهرُ فيما بعدها، لكونها على صورة الحرف، كما في (إلاّ) بمعنى (غير) . انتهى (289) . ومنها قولهم: وليس هذا كما زعمه فلان صوابا ً، ونظائره ومثله قول المطوّل: وليس كما توهم كثير من الناس مبنياً. قالَ محشيه الفاضل السيالكوتي (290) : الجار والمجرور في موضع (291) المصدر (292) . أي: ليس مبنياً بناءً مثل ما توهمه كثير من الناس، أو في موقع الحال من ضمير (293) (مبنياً) ، أي: ليس مبنياً حال كونه مماثلاً لما توهمه كثيرٌ، على ما قاله صاحب المغني (294) في قوله تعالى: (كما بَدَأنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعيدُهُ) (295) . والقولُ بأنّه خبر ليس، و (مبنياً) بدلٌ منه، أو خبرٌ بعدَ خبرٍ، تكلُّفٌ.   (288) من ب. (289) التركيب والشرح ساقط من (، م. (290) عبد الحكيم بن محمد الهندي، ت 1067 هـ. (خلاصة الأثر 2 / 318، الأعلام 4 / 55) . (291) ب: موقع. (292) (الجار والمجرور ... المصدر) ساقط من م. (293) ب: من الضمير في. (294) مغني اللبيب 194. (295) الأنبياء 104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 ومنها قولهم: قالوا عن آخرهم ومثله قول الكشاف (296) : (وقد عجزوا عن آخرهم) . قال (22) السيد الشريف (2979، قدّس سره: (عن آخرهم) صفة مصدر محذوف، أي: عجزاً صادراً عن آخرهم، وهو عبارة عن الشمول [والاستيعاب] ، فإنّ العجز إذا صدر عن الآخر فقد صدر أوّلاً عن الأوّل. وقيل: [معناه] : عجزاً متجاوزاً عن آخرهم فيدلّ على شموله إيّاهم وتجاوزه عنهم، فهو أبلغُ من أنْ يُقال: (عجزوا كلُّهُم) . ورُدَّ بأنّ التجاوز، بمعنى التعدي [والمجاوزة، يتعدى] بنفسه، والذي يتعدى ب (عن) معناه العفو. وقيل: عجزاً صادراً عن آخرهم إلى أولهم. ورُدّ بأنّ مقابل (إلى) هو (مِن) لا (عَنْ) . انتهى. ومنها قولهم: وناهِيكَ بكذا كقول الكشاف (298) : (وناهِيكَ بتسوية سيبويه دلالةً قاطعةً) . قال السيد الشريف (299) : أي: حسبُك وكافيك بتسويته، وهو اسم فاعل من النهي، كأنّه ينهاكَ عن تطلّب دليل سواه، يُقال: (زيدٌ ناهيكَ مِن رجلٍ) ، أي: [هو] ينهاك عن غيره بجده وغنائه. و (دلالة قاطعة) نصب على التمييز من ناهيك. انتهى.   (296) الكشاف 1 / 96. (297) حاشية السيد الشريف 1 / 96 والزيادة منها. (298) الكشاف 1 / 98. (299) حاشية السيد الشريف 1 / 98 والزيادة منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وعليه فالباء مزيدة في الخبر (300) . قال الشنواني (301) في حواشي الأزهرية: إنّ بعض النحاة أعرب (ناهيك) خبراً وزيداً مبتدأ، وزيدت فيه الباء، وهو ظاهر لأنّ المعنى أنّ: زيد ناهيك أنْ تطلب غيره لما فيه من الكفاية. ويحتمل عكسه، وهو أنء يكون (ناهيك) مبتدأ، و (زيد) خبره، والباء زائدة. ويحتمل أنّ الباء متعلق بمحذوف، وهي مع مدخولها خبر (ناهيك) ، بمعنى: كافيك حاصل بزيد. ومثل: (ناهيك بزيدٍ) (ناهيك بي) و (ناهيك به) . انتهى. ومنها قولهم: يجوز كذا خلافاً لفلان ووجَّهَهُ (302) الجمال بن هشام في بعض مصنفاته (303) فقال: قد يُقال: يجوز فيه وجهان: أحدهما: أنْ يكون مصدراً كما أنّ قولك: (يجوز كذا اتفاقاً أو إجماعاً) ، بتقدير: اتفقوا على ذلك اتفاقاً، وأجمعوا عليه إجماعاً. ويشكل على هذا أنّ فعله المقدّر إمّا (اختلفوا) أو (خالفوا) (23) أو (خالفت) . فإنْ كان (اختلفوا) أشكل عليه أمران: أحدهما: أنّ مصدر (اختلف) إنّما هو الاختلاف لا الخلاف. والثاني: أنّ ذلك يأبى أنْ يقول بعده: لفلان. وإنْ كان (خالفوا) أو (خالفت) أشكل عليه أنّ (خالف) لا يتعدى   (300) م: الفاعل. وما بعده إلى نهاية الكلام عن هذا التركيب ساقط منها. (301) أبو بكر بن إسماعيل التونسي، ت 1019 هـ. (خلاصة الأثر 1 / 79، الأعلام 2 / 36) . (302) من م. وفي الأصل: ووجه. (303) وهي المسائل السفرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 باللام بل بنفسه. وقد يُختار هذا القسم ويُجاب عن هذا الاعتراض بأنْ يُقالَ: قُدّر اللام مثلها في (سقياً له) (304) أي متعلقة بمحذوف تقديره: أعني له، أو: إرادتي له، ألا ترى أنّه لا يتعلّق ب (سقياً) لأنّ (سقى) يتعدى بنفسه. والوجه الثاني: أنْ يكون حالاً، والتقدير: أقول ذلك خلافاً لفلان، أي (305) : مخالفاً له. وحذفُ القول كثير جداًّ حتى قال أبو علي: هو من باب (حدّث عن البحر ولا حَرَج) (306) . ودلَّ على هذا العامل أنّ كلَّ حكم ذكره المصنّفون فهم قائلون به، فكأنّ (307) القولَ مقدّر قبلَ كلِّ مسألةٍ. وهذه العِلّة قريبة من العِلّة التي ذكروها لاختصاصهم الظروف بالتوسع فيها، وذلك أنّهم قالوا: إنّ الظروف منزّلة من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنّها لا تنفكّ عنها، [والله تعالى أعلم] (308) . ومنها قولهم في التاريخ: كان كذا عام كذا قال العلامة الدماميني في أول شرحه الكبير على المغني (309) عند قوله: (وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبع مئة) (310) ما نصّه: (كثيراً ما   (304) ينظر: شرح المفصل 1 / 114، حاشية الصبان 2 / 117. (305) من المسائل السفرية. وفي الأصل: أو. (306) في المسائل السفرية: هو من حديث البحرقلْ ولا حرج. (307) في م والمسائل السفرية: وكأنّ. (308) المسائل السفرية 28. والزيادة منها ومن م. وهنا ينتهي السقط الكبير في (والذي بدأ بعد (ومنها قولهم: وهذا بخلاف كذا) . (309) شرح الدماميني 1 / 6. (310) مغني اللبيب 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 يقع هذا التركيب، وهو مشكل، وذلك أنّ المراد من قولك: (وقع كذا في عام أربعين) (311) هو الواقع بعد تسعة وثلاثين، وتقرير (312) الإِضافة فيه باعتبار هذا المعنى غير ظاهر (313) إذ ليست فيه [الإِضافة] (314) بمعنى اللام ضرورة أنّ المضاف إليه ليس جنساً للمضاف، ولا ظرفاً له، فيكون معنى نسبة العام إلى الأربعين كونه جزءاً منها، كما في (يد زيدٍ) ، وهذا لا يؤدي المعنى المقصود، إذْ يصدقُ بعامٍ ما منها سواء كان الأخير أو غيره، وهو خلاف الفرض. ويمكن أنْ يقال: قرينة الحال معينة لأنّ المراد الأخير، وذلك لأنّ فائدة التاريخ ضبط الحادثة المؤرّخة (315) بتعيين زمانها، ولو كان المراد ما يعطيه ظاهر (24) اللفظ في كونِ العام المؤرّخ واحداً من أربعين بحيث يصدق على أيّ عام فرض لم يكن لتخصيص الأربعين مثلاً معنىً يحصل به كمال التمييز للمقصود، ولكنّ قرينة إرادة الضبط بتعيين الوقت تقتضي أنْ يكون هذا العام هو مكمّل عدّة (316) الأربعين، أو يُقال: حُذِف مضاف لهذه القرينة، والتقدير: في عام آخر أربعين، والإِضافة بيانية، أي: في عامٍ هو آخر أربعين فتأمَّلْه) . انتهى. أقول: يظهر لي أنّه لا حاجة إلى تقدير المضاف بعد جعل الإِضافة بيانية، فإنّ الأربعين كما تُطلق (317) على مجموعها تُطلق على الآخر منها، وهكذا غيرها من الأعداد بدليل أنّكَ تقول: هذا واحد، هذا اثنان، [هذا   (311) بعدها في شرح الدماميني: مثلاً الإِخبار بوقوع ذلك في العام الأخير من الأربعين و ... . (312) من م وشرح الدماميني. وفي الأصل: تقدير. (313) في الأصل و (: ظ. وهو اختصار لكلمة ظاهر. (314) من شرح الدماميني. وفي الأصل: إذ ليست فيه إلاّ بمعنى اللام. (315) من شرح الدماميني. وفي الأصل: المؤرخ. (316) م: مدة. (317) م: يطلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ثلاثة] (318) (هـ (319) ، فتطلق الاثنين على الثاني، والثلاثة (320) على الثالث [كما تُطلق] (321) على مجموع الاثنين ومجموع الثلاثة فتأمَّل. والله [تعالى] (322) أعلمُ [بالصواب] (323) . تمت بالخير على يد أفقر العباد إلى الله الكريم محمد بن عبد الله الإبراهيم الحديثي وذلك في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول سنة 1276.   (318) من م. (319) ب، م: الخ. (320) (: والثالث. (321) من م. (322) من ب. (323) من (. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68