الكتاب: علل التثنية المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ) المحقق: الدكتور صبيح التميمي الناشر: مكتبة الثقافة الدينية - مصر سنة النشر: عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- علل التثنية ابن جني الكتاب: علل التثنية المؤلف: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ) المحقق: الدكتور صبيح التميمي الناشر: مكتبة الثقافة الدينية - مصر سنة النشر: عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الشَّيْخ الْعَالم الأوحد أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن جني رَحْمَة الله عَلَيْهِ ألف التَّثْنِيَة أعلم أَن الْألف زيدت فِي الِاسْم الْمثنى علما للتثنية وَذَلِكَ قَوْلك رجلَانِ وفرسان وزيدان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 آراء النُّحَاة فِي ألف التَّثْنِيَة وَاخْتلف النَّاس من الْفَرِيقَيْنِ فِي هَذِه الْألف مَا هِيَ من الْكَلِمَة فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ هِيَ حرف الْإِعْرَاب وَلَيْسَ فِيهَا نِيَّة الْإِعْرَاب وَأَن الْيَاء فِي النصب والجر فِي قَوْلك مَرَرْت بالزيدين وَرَأَيْت الزيدين حرف إِعْرَاب أَيْضا وَلَا تَقْدِير إِعْرَاب فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق وَابْن كيسَان وَأبي بكر وَأبي عَليّ وَقَالَ أَبُو الْحسن إِن حرف التَّثْنِيَة لَيْسَ بِحرف إِعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَلَا هُوَ بإعراب وَلكنه دَلِيل الْإِعْرَاب فَإِذا رَأَيْت الْألف علمت أَن الِاسْم مَرْفُوع وَإِذا رَأَيْت الْيَاء علمت أَن الِاسْم مجرور أَو مَنْصُوب وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو الْعَبَّاس وَقَالَ أَبُو عمر الْجرْمِي الْألف حرف الْإِعْرَاب كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِلَّا أَنه كَانَ يزْعم أَن انقلابها هُوَ إِعْرَاب وَقَالَ الْفراء وَأَبُو إِسْحَاق الزيَادي وقطرب الْألف هِيَ إِعْرَاب وَكَذَلِكَ الْيَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الرَّأْي الرَّاجِح وَدَلِيله وَأقوى هَذِه الْأَقْوَال قَول سِيبَوَيْهٍ وَالدَّلِيل على صِحَة قَول سِيبَوَيْهٍ أَن الْألف حرف إِعْرَاب دون أَن يكون الْأَمر فِيهَا على مَا ذهب إِلَيْهِ غَيره أَن الَّذِي أوجب للْوَاحِد المتمكن حرف الْإِعْرَاب فِي نَحْو رجل وَفرس هُوَ مَوْجُود فِي التَّثْنِيَة فِي نَحْو قَوْلك رجلَانِ وفرسان وَهُوَ التَّمَكُّن فَكَمَا أَن الْوَاحِد المتمكن المعرب يحْتَاج إِلَى حرف إِعْرَاب فَكَذَلِك الِاسْم الْمثنى إِذا كَانَ معربا مُتَمَكنًا احْتَاجَ إِلَى حرف إِعْرَاب وَقَوْلنَا رجلَانِ وَنَحْوه مُعرب مُتَمَكن مُحْتَاج إِلَى مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ الْوَاحِد المتمكن من حرف الْإِعْرَاب إِذن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وَلَا يَخْلُو حرف الْإِعْرَاب فِي قَوْلنَا الزيدان وَالرجلَانِ من أَن يكون مَا قبل الْألف أَو الْألف أَو مَا بعد الْألف وَهُوَ النُّون فَالَّذِي يفْسد أَن تكون الدَّال من الزيدان هِيَ حرف الْإِعْرَاب أَنَّهَا قد كَانَت فِي الْوَاحِد حرف الْإِعْرَاب فِي نَحْو هَذَا زيد وَرَأَيْت زيدا ومررت بزيد وَقد انْتَقَلت عَن الْوَاحِد الَّذِي هُوَ الأَصْل إِلَى التَّثْنِيَة الَّتِي هِيَ الْفَرْع كَمَا انْتَقَلت عَن الْمُذكر الَّذِي هُوَ الأَصْل فِي قَوْلنَا هُوَ قَائِم إِلَى الْمُؤَنَّث الَّذِي هُوَ الْفَرْع فِي قَوْلك هِيَ قَائِمَة فَكَمَا أَن الْمِيم فِي قَائِمَة لَيست حرف الْإِعْرَاب وأنما علم التَّأْنِيث فِي قَائِمَة هُوَ حرف الْإِعْرَاب فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون علم التَّثْنِيَة فِي نَحْو قَوْلك الزيدان والعمران هُوَ حرف الْإِعْرَاب وَعلم التَّثْنِيَة هُوَ الْألف فَيَنْبَغِي أَن تكون هِيَ حرف الْإِعْرَاب كَمَا كَانَت الْهَاء فِي قَائِمَة حرف الْإِعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 على أَن أحدا لم يقل إِن مَا قبل ألف التَّثْنِيَة حرف الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا احْتِيَاطًا لِئَلَّا تَدْعُو الضَّرُورَة إنْسَانا إِلَى الْتِزَام ذَلِك فَيكون جَوَابه بِمَا يفْسد بِهِ مذْهبه حَاضرا وَأَيْضًا فَلَو كَانَ حرف الْإِعْرَاب فِي الزيدان هُوَ الدَّال كَمَا كَانَ فِي الْوَاحِد لوَجَبَ أَن يكون إعرابه فِي التَّثْنِيَة كإعرابه فِي الْوَاحِد كَمَا أَن حرف الْإِعْرَاب فِي نَحْو فرس لما كَانَ هُوَ السِّين وَكَانَ فِي أَفْرَاس أَيْضا هُوَ السِّين كَانَ إِعْرَاب أَفْرَاس كإعراب فرس وَهَذَا غير خَفِي وَلَا يجوز أَن تكون النُّون حرف الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا حرف صَحِيح يحْتَمل الْحَرَكَة فَلَو كَانَت حرف إِعْرَاب لوَجَبَ أَن تَقول قَامَ الزيدان وَرَأَيْت الزيدان ومررت بالزيدان فتعرب النُّون وتقر الْألف على حَالهَا كَمَا تَقول هَؤُلَاءِ غلْمَان وَرَأَيْت غلمانا ومررت بغلمان وَأَيْضًا فَإِن النُّون قد تحذف فِي الْإِضَافَة وَلَو كَانَت حرف إِعْرَاب لثبتت فِي الْإِضَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 كَمَا تَقول هَؤُلَاءِ غلمانك وَرَأَيْت غلمانك ومررت بغلمانك فقد صَحَّ أَن الْألف حرف الْإِعْرَاب الاعتراضات الَّتِي ترد على القَوْل بِأَن الْألف حرف إِعْرَاب 1 - فَإِن قَالَ قَائِل فَإِذا كَانَت الْألف حرف الْإِعْرَاب فَمَا بالهم قلبوها فِي الْجَرّ وَالنّصب وهلا دلك قَلبهَا على أَنَّهَا لَيست ك دَال زيد إِذْ الدَّال ثَابِتَة على كل حَال فَالْجَوَاب عَن ذَلِك من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن انقلاب الْألف فِي الْجَرّ وَالنّصب لَا يمْنَع من كَونهَا حرف إِعْرَاب لأَنا قد وجدنَا فِيمَا هُوَ حرف إِعْرَاب بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا هَذَا الانقلاب وَذَلِكَ ألف كلا وكلتا من قَوْلهم الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 قَامَ الرّجلَانِ كِلَاهُمَا والبنتان كلتاهما ومررت بهما كليهمَا وكلتيهما وضربتهما كليهمَا وكلتيهما فَكَمَا أَن الْألف فِي كلا وكلتا حرف إِعْرَاب وَقد قلبت كَمَا رَأَيْت فَكَذَلِك أَيْضا ألف التَّثْنِيَة هِيَ حرف إِعْرَاب وَإِن قلبت فِي الْجَرّ وَالنّصب وَمثل ذَلِك من حُرُوف الْإِعْرَاب الَّتِي قلبت قَوْلهم أَبوك وأخوك وحموك وفوك وهنوك وَذُو مَال فَكَمَا أَن هَذِه كلهَا حُرُوف إِعْرَاب وَقد ترَاهَا منقلبة فَكَذَلِك لَا يستنكر فِي حرف التَّثْنِيَة أَن يقلب وَإِن كَانَ حرف إِعْرَاب قَالَ أَبُو عَليّ وَلَو لم تكن الْوَاو فِي ذُو وفو حرف إِعْرَاب لبقي الِاسْم الْوَاحِد على حرف وَاحِد وَهُوَ الذَّال أما الْوَجْه الآخر فَإِن فِي ذَلِك ضربا من الْحِكْمَة وَالْبَيَان وَذَلِكَ أَنهم أَرَادوا بِالْقَلْبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 أَن يعلمُوا أَن الِاسْم بَاقٍ على إعرابه وَأَنه مُتَمَكن غير مَبْنِيّ فَجعلُوا الْقلب دَلِيلا على تمكن الِاسْم وَأَنه لَيْسَ بمبني بِمَنْزِلَة مَتى وَإِذا وَأَنا مِمَّا هُوَ مَبْنِيّ فِي آخِره ألف 2 - فَإِن قيل فَإِذا كَانَت الْألف فِي التَّثْنِيَة حرف إِعْرَاب فَهَلا بقيت فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث ألفا على صُورَة وَاحِدَة كَمَا كَانَ ألف حُبْلَى وسكرى حرف إِعْرَاب وَهِي فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث بَاقِيَة على صُورَة وَاحِدَة فِي قَوْلك هَذِه حُبْلَى وَرَأَيْت حُبْلَى ومررت بحبلى فَالْجَوَاب أَن بَينهمَا فرقا وَذَلِكَ أَن الْأَسْمَاء الْمَقْصُورَة الَّتِي حُرُوف إعرابها ألفات وَإِن كَانَت فِي حَالَة الرّفْع وَالنّصب والجر على صُورَة وَاحِدَة فَإِنَّهَا قد يلْحقهَا من التوابع بعْدهَا مَا يُنَبه على موَاضعهَا من الْإِعْرَاب وَأَنت لَو ذهبت تصف الِاثْنَيْنِ لوَجَبَ أَن تكون الصّفة بِلَفْظ التَّثْنِيَة الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 أَلا تراك لَو تركت التَّثْنِيَة بِالْألف على كل حَال لوَجَبَ أَن تَقول فِي الصّفة رَأَيْت الرّجلَانِ الظريفان ومررت بالرجلان الظريفان فَتكون لفظ الصّفة كَلَفْظِ الْمَوْصُوف بِالْألف على كل حَال فَلَا تَجِد هُنَاكَ من الْبَيَان مَا تَجدهُ إِذا قلت رَأَيْت عَصا معوجة أَو طَوِيلَة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يبين فِيهِ الْإِعْرَاب فَمَا كَانَ كَذَلِك عدلوا إِلَى أَن قلبوا لفظ الْجَرّ وَالنّصب إِلَى الْيَاء ليَكُون ذَلِك أدل على تمكن الِاسْم واستحقاقه الْإِعْرَاب ثبات الْألف فِي الْمثنى على أَن من الْعَرَب من لَا يخَاف اللّبْس وَيجْرِي الْبَاب على قِيَاسه فيدع الْألف ثَابِتَة فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث فَيَقُول قَامَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الزيدان وَضربت الزيدان ومررت بالزيدان وهم بَنو الْحَارِث بن كَعْب وبطن من ربيعَة لَا تَقْدِير إِعْرَاب فِي ألف التَّثْنِيَة فَاعْلَم أَن سِيبَوَيْهٍ يرى أَن الْألف فِي التَّثْنِيَة كَمَا أَنه لَيْسَ فِي لَفظهَا إِعْرَاب فَكَذَلِك لَا تَقْدِير إِعْرَاب فِيهَا كَمَا يقدر فِي الْأَسْمَاء الْمَقْصُورَة المعربة نِيَّة الْإِعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَيدل على أَن ذَلِك مذْهبه قَوْله وَدخلت النُّون كَأَنَّهَا عوض عَمَّا منع الِاسْم من الْحَرَكَة والتنوين فَلَو كَانَت فِي الْألف عِنْده نِيَّة حَرَكَة لما عوض مِنْهَا النُّون كَمَا لَا تعوض فِي قَوْلك هَذِه حُبْلَى وَرَأَيْت حُبْلَى ومررت بحبلى النُّون قَالَ أَبُو عَليّ وَيدل على صِحَة مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ من أَنه لَيْسَ فِي حرف الْإِعْرَاب من التَّثْنِيَة تَقْدِير حَرَكَة فِي الْمَعْنى كَمَا أَن ذَلِك لَيْسَ مَوْجُودا فِيهَا فِي اللَّفْظ صِحَة الْيَاء فِي الْجَرّ وَالنّصب فِي نَحْو مَرَرْت برجلَيْن وَضربت رجلَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فَلَو كَانَ فِي الْيَاء مِنْهَا تَقْدِير حَرَكَة لوَجَبَ أَن تقلب ألفا كرحى وفتى أَلا ترى أَن الْيَاء إِذا انْفَتح مَا قبلهَا وَكَانَت فِي تَقْدِير حَرَكَة وَجب أَن تقلب ألفا وَهَذَا اسْتِدْلَال من أبي عَليّ أَتَى على قِيَاس وَهُوَ فِي نِهَايَة الْحسن وَصِحَّة الْمَذْهَب وسداد الطَّرِيقَة اعْتِرَاض على كَون النُّون عوضا فَإِن قلت النُّون عِنْد سِيبَوَيْهٍ عوض مِمَّا منع الِاسْم من الْحَرَكَة والتنوين فَمَا بالهم قَالُوا فِي الْجَرّ وَالنّصب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 مَرَرْت بالزيدين وَرَأَيْت الزيدين فقلبوا الْألف يَاء وَذَلِكَ علم الْجَرّ وَالنّصب ثمَّ عوضوا من الْحَرَكَة نونا وَكَيف يعوض من الْحَرَكَة نون وهم قد جعلُوا قلب الْألف يَاء قَائِما مقَام علم التَّثْنِيَة فِي الْجَرّ وَالنّصب وَهل يجوز أَن يعوض من شَيْء شَيْء وَقد أقيم مقَام المعوض مِنْهُ مَا يدل على ذَلِك ويغني عَنهُ وَهُوَ الْقلب فَالْجَوَاب إِن أَبَا عَليّ ذكر أَنه إِنَّمَا جَازَ ذَلِك من الانقلاب معنى لَا لفظ إِعْرَاب فَلَمَّا لم يُوجد فِي الْحَقِيقَة فِي اللَّفْظ إِعْرَاب جَازَ أَن يعوض مِنْهُ النُّون وَصَارَ الانقلاب دَلِيلا على التَّمَكُّن وَاسْتِحْقَاق الْإِعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 قَالَ أَبُو الْفَتْح وَهَذَا أَيْضا من لطيف مَا حصلته عَنهُ فافهمه ألف التَّأْنِيث فِي حُبْلَى وَنَظِير ألف التَّثْنِيَة فِي أَنَّهَا حرف إِعْرَاب وعلامة التَّثْنِيَة ألف التَّأْنِيث فِي نَحْو حُبْلَى وسكرى أَلا ترى أَنَّهَا حرف إِعْرَاب وَهِي علم التَّأْنِيث إِلَّا أَنَّهُمَا تختلفان فِي أَن حرف التَّثْنِيَة لَا نِيَّة حَرَكَة فِيهِ وَألف حُبْلَى فِيهِ نِيَّة حَرَكَة دَلِيل آخر على كَون الْألف فِي التَّثْنِيَة حرف إِعْرَاب قَالَ أَبُو عَليّ وَيدل على أَن الْألف حرف إِعْرَاب صِحَة الْوَاو فِي مذروان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 قَالَ أَلا ترى أَنه لَو كَانَت الْألف إعرابا وَدَلِيل إِعْرَاب وَلَيْسَت مصوغة فِي جملَة بِنَاء الْكَلِمَة مُتَّصِلَة بهَا اتِّصَال حرف الْإِعْرَاب بِمَا قبله لوَجَبَ أَن تقلب الْوَاو يَاء فَيُقَال مذريان لِأَنَّهَا كَانَت تكون على هَذَا القَوْل ك لَام مغزى ومدعى فصحة الْوَاو فِي مذروان دلَالَة على أَن الْألف من جملَة الْكَلِمَة وَأَنَّهَا لَيست فِي تَقْدِير الِانْفِصَال الَّذِي يكون فِي الْإِعْرَاب قَالَ فجرت الْألف فِي مذروان مجْرى الْألف فِي عنوان وَإِن اخْتلفت النونان وَهَذَا حسن فِي مَعْنَاهُ الرَّد على قَول أبي الْحسن الْأَخْفَش فَأَما قَول أبي الْحسن أَن الْألف لَيست حرف إِعْرَاب وَلَا هِيَ إِعْرَاب وَلكنهَا دَلِيل الْإِعْرَاب فَإِذا رَأَيْت الْألف علمت أَن الِاسْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 مَرْفُوع وَإِذا رَأَيْت الْيَاء علمت أَن الِاسْم مجرور أَو مَنْصُوب قَالَ وَلَو كَانَت حُرُوف إِعْرَاب لما علمت بهَا رفعا من نصب وَلَا جر كَمَا أَنَّك إِذا سَمِعت دَال زيد لم تدل على رفع وَلَا نصب وَلَا جر وَهَذَا الَّذِي ذكره غير لَازم وَذَلِكَ أَنا قد رَأينَا حُرُوف إِعْرَاب بِلَا خلاف تفيدنا الرّفْع وَالنّصب والجر وَهِي أَبوك وأخواته وَأما قَوْله لَيست بإعراب فَصَحِيح وَذَلِكَ بَين فِي فَسَاد قَول الْفراء والزيادي وَأما قَوْله لَو كَانَت الْألف حرف إِعْرَاب لوَجَبَ أَن يكون فِيهَا إِعْرَاب هُوَ غَيرهَا كَمَا كَانَ ذَلِك فِي دَال زيد فيفسده مَا ذَكرْنَاهُ من الْحجَّاج فِي هَذَا عِنْد شرح مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 قَالَ أَبُو عَليّ وَلَا تمْتَنع الْألف على قِيَاس قَول سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا حرف إِعْرَاب أَن تدل على الرّفْع كَمَا دلّت عَلَيْهِ عِنْد أبي الْحسن لوجودنا حُرُوف إِعْرَاب تقوم مقَام الْإِعْرَاب فِي نَحْو هَذَا أَبوك وَرَأَيْت أَبَاك ومررت بأبيك وأخواته وَكِلَاهُمَا وكليهما وَلَكِن وَجه الِاخْتِلَاف بَينهمَا أَن سِيبَوَيْهٍ قد زعم أَنَّهَا حرف إِعْرَاب وَلَا تدل على الْإِعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الرَّد على قَول أبي عمر الْجرْمِي وَأما قَول الْجرْمِي أَنَّهَا فِي الرّفْع حرف إِعْرَاب كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ ثمَّ كَانَ يزْعم أَن انقلابها هُوَ الْإِعْرَاب فضعيف مَدْفُوع أَيْضا وَإِن كَانَ أدنى الْأَقْوَال إِلَى الصَّوَاب الَّذِي هُوَ رَأْي سِيبَوَيْهٍ رَحمَه الله وَوجه فَسَاده أَنه جعل الْإِعْرَاب فِي الْجَرّ وَالنّصب معنى لَا لفظا وَفِي الرّفْع لفظا لَا معنى فَخَالف بَين جِهَات الْإِعْرَاب فِي اسْم وَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 أَلا ترى أَن الْقلب معنى لَا لفظ وَإِنَّمَا اللَّفْظ نفس المقلوب والمقلوب إِلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِك قَول سِيبَوَيْهٍ إِنَّه قَالَ إِن النُّون عوض لما منع الِاسْم من الْحَرَكَة والتنوين لِأَن النُّون على كل حَال لفظ لَا معنى وَأَن قلب الْألف يَاء فِي النصب والجر هُوَ الْإِعْرَاب عِنْد الْجرْمِي فَمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَن يعْتَقد فِي النُّون حَال النصب والجر وَهل عِنْده عوض من الْحَرَكَة والتنوين جَمِيعًا أَو عوض من التَّنْوِين وَحده إِذا كَانَ الْقلب قد نَاب على مذْهبه عَن اعْتِقَاد النُّون عوضا عَن الْحَرَكَة فَالْجَوَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 إِن أَبَا عَليّ سوغ أَن تكون النُّون عوضا عَن الْحَرَكَة والتنوين جَمِيعًا وَإِن كَانَ يَقُول إِن الانقلاب هُوَ الْإِعْرَاب وَذَلِكَ أَنه لم يظْهر إِلَى اللَّفْظ حَرَكَة وَإِنَّمَا هُنَاكَ قلب فَحسن الْعِوَض من الْحَرَكَة وَإِن قَامَ الْقلب مقَامهَا فِي الْإِعْرَاب وَهَذَا الَّذِي رَآهُ أَبُو عَليّ حسن جدا فَلَو أَن قَائِلا يَقُول قِيَاس قَول أبي عمر أَن تكون النُّون فِي تَثْنِيَة الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور عِنْده عوضا من التَّنْوِين وَحده لِأَن الانقلاب قد قَامَ مقَام الْحَرَكَة لم أر بِهِ بَأْسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الرَّد على قَول الْفراء وَأبي إِسْحَاق الزيَادي وَأما قَول الْفراء وَأبي إِسْحَاق الزيَادي أَن الْألف هِيَ إِعْرَاب فَهُوَ أبعد الْأَقْوَال من الصَّوَاب قَالَ أَبُو عَليّ يلْزم من قَالَ إِن الْألف هِيَ الْإِعْرَاب أَن يكون الِاسْم مَتى حذفت مِنْهُ الْألف من معنى التَّثْنِيَة دَالا على مَا كَانَ يدل عَلَيْهِ وَالْألف فِيهِ لِأَنَّك لم تعرض لصيغته وَإِنَّمَا حذفت إعرابه وَيدل على أَن معنى الِاسْم قبل حذف إعرابه وَبعده وَاحِد أَن زيدا وَنَحْوه مَتى حذفت إعرابه فَمَعْنَاه الَّذِي كَانَ يدل عَلَيْهِ معربا بَاقٍ فِيهِ بعد سلب إعرابه ويفسده أَيْضا شَيْء آخر وَهُوَ أَن الْألف لَو كَانَت إعرابا لوَجَبَ أَن تقلب الْوَاو فِي مذروان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 يَاء لِأَنَّهَا رَابِعَة قد وَقعت طرفا وَالْألف بعْدهَا إِعْرَاب كالضمة من زيد وَبكر وَاو الْجمع الَّذِي على حد التَّثْنِيَة وَجَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ من الْخلاف فِي الْألف وَاقع فِي وَاو الْجمع نَحْو الزيدون والعمرون لم يثنى بِالْألف وَيجمع بِالْوَاو فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا بالهم ثنوا بِالْألف وجمعوا بِالْوَاو وهلا عكسوا الْأَمر فَالْجَوَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 إِن التَّثْنِيَة أَكثر من الْجمع بِالْوَاو أَلا ترى أَن جَمِيع مَا يجوز فِيهِ التَّثْنِيَة من الْأَسْمَاء فتثنيته صَحِيحَة لِأَن لفظ وَاحِدهَا مَوْجُود وَإِنَّمَا زيد عَلَيْهِ حرف التَّثْنِيَة وَلَيْسَ كل مَا يجوز جمعه يجمع بِالْوَاو أَلا ترى أَن عَامَّة الْمُؤَنَّث وَمَا لَا يعقل لَا يجمع بِالْوَاو وَإِنَّمَا يجمع بِغَيْر وَاو إِمَّا بِالْألف وَالتَّاء وَإِمَّا مكسرا على أَن مَا يجمع بِالْوَاو قد يجوز تكسيره نَحْو زيود فِي زيد وَفِي قيس أقياس وقيوس فالتثنية إِذن أصح من الْجمع لِأَنَّهَا لَا تخطىء لفظ الْوَاحِد أبدا فَلَمَّا شاعت فِيمَن عقل وَفِيمَا لَا يعقل وَفِي الْمُذكر والمؤنث وَكَانَ الْجمع الصَّحِيح إِنَّمَا هُوَ لضرب وَاحِد من الْأَسْمَاء كَانَت التَّثْنِيَة أوسع من الْجمع فَجعلُوا الْألف الْخَفِيفَة فِي التَّثْنِيَة الْكَثِيرَة وَجعلُوا الْوَاو الثَّقِيلَة فِي الْجمع الْقَلِيل ليقل فِي كَلَامهم مَا يستثقلون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَيكثر مَا يستخفون فاعرف ذَلِك قَالَ أَبُو عَليّ وَلما كَانَ الْجمع أقوى من التَّثْنِيَة لِأَنَّهُ يَقع على أعداد مُخْتَلفَة وَكَانَ ذَلِك أَعم تَصرفا من التَّثْنِيَة الَّتِي تقع لضرب وَاحِد من الْعدَد لَا تجاوزه وَهُوَ اثْنَان جعلُوا الْوَاو الَّتِي هِيَ أقوى من الْألف فِي الْجمع الَّذِي هُوَ أقوى من التَّثْنِيَة تَثْنِيَة الْمُبْهم وَأما تَثْنِيَة الْمُبْهم فَإِن الْمُؤَنَّث مِنْهُ يثنى على لُغَة أَقوام من الْعَرَب فَيُقَال تان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَنهم لَو قَالُوا ذان ألبس الْمُؤَنَّث بالمذكر فِي لُغَة الَّذين يَقُولُونَ ذِي فاستعملوا لُغَة الَّذين يَقُولُونَ بِزَوَال اللّبْس وَأما الْمُذكر نَحْو ذَا وَالَّذِي فتثنيتهما ذان واللذان فَإِن قَالَ قَائِل أخبرنَا عَن الْألف فِي ذان وَنَحْوه أَهِي الْألف الَّتِي فِي ذَا أم ألف التَّثْنِيَة فَالْجَوَاب أَنَّهَا ألف التَّثْنِيَة وَقد سَقَطت الْألف الأولى وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهَا تنْقَلب يَاء فِي الْجَرّ وَالنّصب ك ألف التَّثْنِيَة فَعلمنَا أَنَّهَا ألف التَّثْنِيَة وَأَن ألف ذَا هِيَ الساقطة وَمن الْكُوفِيّين من يزْعم أَن الْألف فِي ذان هِيَ الْألف الَّتِي كَانَت فِي الْوَاحِد ويفسده مَا ذَكرْنَاهُ من انقلابها يَاء فِي الْجَرّ وَالنّصب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 قَالَ أَبُو الْفَتْح اعْلَم أَن أَسمَاء الْإِشَارَة نَحْو هَذَا وَهَذِه والأسماء الموصولة نَحْو الَّذِي وَالَّتِي لَا تصح تَثْنِيَة شَيْء مِنْهَا من قبل أَن التَّثْنِيَة لَا تلْحق إِلَّا النكرَة وَذَلِكَ أَن الْمعرفَة لَا تصح تثنيتها من قبل أَن حد الْمعرفَة هُوَ مَا خص الْوَاحِد من جنسه وَلم يشع فِي أمته فَإِذا شُورِكَ فِي اسْمه فقد خرج من أَن يكون علما مَعْرُوفا وَصَارَ مُشْتَركا شَائِعا فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَلَا تصح التَّثْنِيَة إِذن إِلَّا فِي النكرات دون المعارف وَإِذا صَحَّ مَا ذَكرْنَاهُ فمعلوم أَنَّك لم تثن زيدا وَنَحْوه حَتَّى سلبته تَعْرِيفه وأشعته فِي أمته فَجَعَلته من جمَاعَة كل وَاحِد مِنْهُم زيد ف جرى لذَلِك مجْرى فرس وَرجل فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا شَائِع لَا يخص شَيْئا بِعَيْنِه ويدلك على أَن الِاسْم لَا يثنى إِلَّا بعد أَن يخلع عَنهُ مَا كَانَ فِيهِ من التَّعْرِيف جَوَاز دُخُول اللَّام عَلَيْهِ بعد التَّثْنِيَة الَّتِي لَا تلْحق إِلَّا النكرَة وَذَلِكَ أَن الْمعرفَة فِي قَوْلك الزيدان والعمران فَلَو كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 التَّعْرِيف الَّذِي كَانَا يدلان عَلَيْهِ ويفيد أَنه مفردين بَاقِيا فيهمَا لما جَازَ دُخُول اللَّام عَلَيْهِمَا بعد التَّثْنِيَة كَمَا لَا يجوز دُخُولهَا عَلَيْهِمَا قبل التَّثْنِيَة فِي وُجُوه الِاسْتِعْمَال وغالب الْأَمر فَإِذا صَحَّ ذَلِك أَنه لَا يثنى إِلَّا مَا يجوز تنكيره فَمَا لَا يجوز تنكيره هُوَ أَن لَا تصح تثنيته أَجْدَر وَأَسْمَاء الْإِشَارَة والأسماء الموصولة لَا يجوز أَن تنكر وَلَا يجوز أَن يثنى شَيْء مِنْهَا أَلا ترى أَنَّهَا بعد التَّثْنِيَة على حد مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل التَّثْنِيَة وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك هَذَانِ الزيدان قَائِمين فَنصبت قَائِمين بِمَعْنى الْفِعْل الَّذِي دلّت عَلَيْهِ الْإِشَارَة والتثنية كَمَا كنت تَقول فِي الْوَاحِد هَذَا زيد قَائِما فتجد الْحَال وَاحِدَة قبل التَّثْنِيَة وَبعدهَا وَكَذَلِكَ قَوْلك ضربت اللَّذين قاما إِنَّمَا يتعرفان بالصلة كَمَا يتعرف بهَا الْوَاحِد فِي قَوْلك ضربت الَّذِي قَامَ وَالْأَمر فِي هَذِه الْأَشْيَاء بعد التَّثْنِيَة هُوَ الْأَمر فِيهَا قبل التَّثْنِيَة وَكَذَلِكَ ياهنان وياهنون وَهَذِه الْأَسْمَاء لَا تنكر أبدا لِأَنَّهَا للكنايات وَجَارِيَة مجْرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 المضمرة فَإِنَّمَا هِيَ أَسمَاء مضمرة مَوْضُوعَة للتثنية وَالْجمع بِمَنْزِلَة اللَّذين وَالَّذين وَلَيْسَ كَذَلِك سَائِر الْأَسْمَاء الْمُثَنَّاة نَحْو زيد وَعمر أَلا ترى أَن تَعْرِيف زيد وَعمر إِنَّمَا هُوَ بِالْوَضْعِ والعلمية فَإِذا ثنيتهما تنكرا فَقلت رَأَيْت زيدين كريمين فَإِذا أردْت تعريفهما فبالإضافة أَو بِاللَّامِ فقد تعرفا بعد التَّثْنِيَة من غير وَجه تعريفهما قبلهَا ولحقا بالأجناس وفارقا مَا كَانَا عَلَيْهِ من العلمية والوضع فَإِذا صَحَّ ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن تعلم أَن هَذَانِ وَهَاتَانِ واللذان واللتان إِنَّمَا هِيَ أَسمَاء مَوْضُوعَة للتثنية مخترعة لَهَا وَلَيْسَت بتثنية الْوَاحِد على حد زيد وزيدان إِلَّا أَنَّهَا صيغت على صُورَة مَا هُوَ مثنى على الْحَقِيقَة لِئَلَّا تخْتَلف التَّثْنِيَة وَذَلِكَ أَنهم يُحَافِظُونَ على التَّثْنِيَة وَلَا يُحَافِظُونَ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الْجمع أَلا ترى أَنَّك تَجِد فِي الْأَسْمَاء المتمكنة أَلْفَاظ الجموع من غير أَلْفَاظ الْآحَاد نَحْو رجل وَنَفر وَامْرَأَة ونسوة وبعير وإبل وَوَاحِد وَجَمَاعَة وَلَا تَجِد فِي التَّثْنِيَة شَيْئا من هَذَا وَإِنَّمَا هِيَ من لفظ الْوَاحِد لَا يخْتَلف ذَلِك فَهَذَا يدلك على محافظتهم على التَّثْنِيَة وعنايتهم بهَا أَن تخرج على صُورَة وَاحِدَة فَلذَلِك لما صيغت للتثنية أَسمَاء مخترعة غير مثناة على الْحَقِيقَة كَانَت على أَلْفَاظ الْمُثَنَّاة تَثْنِيَة حَقِيقَة وَذَلِكَ ذان وتان واللذان واللتان ويدلك على أَن مَا كَانَ من الْأَسْمَاء لَا يُمكن تنكيره فَإِن تثنيته غير جَائِزَة وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يصوغون لَهُ فِي التَّثْنِيَة أَسمَاء مخترعة لَيْسَ على حد زيد وزيدان قَوْلهم أَنْت وأنتما وَهِي وهما وضربتك وضربتكما فَكَمَا لَا شكّ فِي أَن أَنْتُمَا لَيْسَ تَثْنِيَة أَنْت إِذْ لَو كَانَ تَثْنِيَة لوَجَبَ أَن تَقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 فِي أَنْت أنتان وَفِي هُوَ هوان وَفِي هِيَ هيان فَكَذَلِك لَا يَنْبَغِي أَن يشك فِي أَن هَذَانِ لَيْسَ تَثْنِيَة هَذَا وَإِنَّمَا هُوَ اسْم صِيغ ليدل على التَّثْنِيَة كَمَا صِيغ أَنْتُمَا وهما يدل كل وَاحِد مِنْهُمَا على التَّثْنِيَة وَهُوَ غير مثنى على حد زيد وزيدان أَلا ترى أَن أَسمَاء الْإِشَارَة والأسماء الموصولة جَارِيَة مجْرى الْأَسْمَاء المضمرة فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يجوز تنكيره وَلَا خلع تَعْرِيفه عَنهُ فَإِن قلت فَإِذا كَانَ ذَا وَالَّذِي وَنَحْوهمَا كالأسماء المضمرة من حَيْثُ رَأَيْت فَمَا بالهم صاغوا لتثنية ذَا وَالَّذِي اسْمَيْنِ على صُورَة التَّثْنِيَة فَقَالُوا ذان واللذان وَلم يَقُولُوا فِي أَنْت أنتان وَنَحْوه فَالْجَوَاب أَنهم صاغوا ل ذَا وَالَّذِي اسْمَيْنِ على صُورَة الْأَسْمَاء الْمُثَنَّاة فَقَالُوا ذان واللذان من قبل أَن أَسمَاء الْإِشَارَة والأسماء الموصولة أشبه بالأسماء المتمكنة من الْأَسْمَاء المضمرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 قَالَ أَبُو عَليّ أَلا تراهم يصفونَ أَسمَاء الْإِشَارَة ويصفون بهَا فَيَقُولُونَ مَرَرْت بِهَذَا الرجل ومررت بزيد ذَا وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ مَرَرْت بِالَّذِي قَامَ أَخُوهُ فَلَمَّا قربت الْأَسْمَاء الْمشَار بهَا والأسماء الموصولة من الْأَسْمَاء المتمكنة صيغت لَهَا أَسمَاء التَّثْنِيَة على نَحْو تَثْنِيَة الْأَسْمَاء المتمكنة وَلما كَانَت الْأَسْمَاء المضمرة لَا تُوصَف وَلَا يُوصف بهَا بَعدت عَن الْأَسْمَاء المتمكنة فخالفوا بَينهَا وَبَين مَا قَارب المتمكنة فصاغوا لَهَا أَسمَاء التَّثْنِيَة على غير صُورَة الْأَسْمَاء الْمُثَنَّاة المتمكنة فَأَما قَوْلهم مَرَرْت بك أَنْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ومررت بِهِ هُوَ فَأَنت وَهُوَ ليسَا وَصفا ليستفاد بهما الْبَيَان والإيضاح وَإِنَّمَا الْغَرَض فِيهَا التوكيد وَالتَّحْقِيق فَإِذا صَحَّ الَّذِي ذَكرْنَاهُ علمت أَن النُّون فِي هَذَانِ واللذان واللتان لَيست عوضا من حَرَكَة وَلَا من تَنْوِين وَلَا من حرف مَحْذُوف كَمَا يظنّ قوم وَلَا حكم هَذَانِ واللذان فِي أَنَّهُمَا اسمان مثنيان حكم الزيدان والعمران لما ذَكرْنَاهُ قبل أَحْوَال نون التَّثْنِيَة قَالَ وَاعْلَم أَن للنون فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع ثَلَاثَة أَحْوَال حَالا تكون فِيهَا عوضا من الْحَرَكَة والتنوين جَمِيعًا وَحَالا تكون فِيهَا عوضا من الْحَرَكَة وَحدهَا وَحَالا تكون فِيهَا عوضا من التَّنْوِين وَحده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الْحَالة الأولى أما كَونهَا عوضا من الْحَرَكَة والتنوين فَفِي كل مَوضِع لَا يكون الِاسْم المتمكن فِيهِ مُضَافا وَلَا مُعَرفا بِالْألف وَاللَّام وَذَلِكَ نَحْو رجلَانِ وفرسان وغلامان وجاريتان أَلا ترى أَنَّك إِذا أفردت الْوَاحِد على هَذَا الْحَد وجدت فِيهِ الْحَرَكَة والتنوين جَمِيعًا وَذَلِكَ قَوْلك رجل وَغُلَام وَجَارِيَة وَفرس فالنون فِي رجلَانِ إِنَّمَا هِيَ عوض هَا هُنَا مِمَّا يجب فِي ألف رجلَانِ الَّتِي هِيَ حرف الْإِعْرَاب بِمَنْزِلَة لَام رجل فَكَمَا أَن لَام رجل وَنَحْوه مِمَّا لَيْسَ مُضَافا وَلَا مُعَرفا بِاللَّامِ يلْزم أَن تتبعه الْحَرَكَة والتنوين فَكَذَلِك كَانَ يجب فِي حرف التَّثْنِيَة الْحَالة الثَّانِيَة وَأما الْموضع الَّذِي تكون نون التَّثْنِيَة فِيهِ عوضا من الْحَرَكَة وَحدهَا فَمَعَ لَام الْمعرفَة فِي نَحْو قَوْلك الغلامان وَالرجلَانِ والزيدان والعمران فالنون ثبتَتْ مَعَ لَام الْمعرفَة كَمَا ثبتَتْ مَعهَا الْحَرَكَة فِي نَحْو الْغُلَام وَالرجل وَكَذَلِكَ النداء نَحْو يَا رجلَانِ وَيَا غلامان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 أَلا ترى أَن الْوَاحِد من نَحْو هَذَا لَا تَنْوِين فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ يَا غُلَام وَيَا رجل فالنون فيهمَا بدل من الْحَرَكَة وَحدهَا فَإِن قلت فَإِن وَاحِد الزيدان والعمران زيد وَعمر وهما كَمَا ترى منونان فَهَلا زعمت أَن النُّون فِي الزيدان والعمران بدل من الْحَرَكَة والتنوين جَمِيعًا لوجودك إيَّاهُمَا فِي واحدهما وَهُوَ زيد وَعمر وكما زعمت أَنَّهَا فِي رجلَانِ وفرسان بدل من الْحَرَكَة والتنوين لوجودك الْحَرَكَة والتنوين فِي واحدهما وَهُوَ رجل وَفرس فَالْجَوَاب إِن قَوْلك الزيدان كَقَوْلِك الرّجلَانِ لِأَن اللَّام عرفت زيدين كَمَا عرفت رجلَيْنِ وَالنُّون فِي زَيْدَانَ عوض من الْحَرَكَة والتنوين جَمِيعًا وَفِي الرّجلَانِ عوض من الْحَرَكَة وَحدهَا الْحَالة الثَّالِثَة وَأما الْموضع الَّذِي تكون فِيهِ نون التَّثْنِيَة عوضا من التَّنْوِين وَحده فَمَعَ الْإِضَافَة وَذَلِكَ قَوْلك قَامَ غُلَاما زيد ومررت بصاحبي زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 أَلا تراك حذفتها كَمَا تحذف التَّنْوِين للإضافة فَلَو كَانَت هُنَا عوضا من الْحَرَكَة وَحدهَا لثبتت فَقلت قَامَ غلامان زيد كَمَا تَقول هَذَا غُلَام زيد فتضم الْمِيم فِي غُلَام فَإِن قلت فَمَا أنْكرت أَن تكون النُّون مَعَ اللَّام ثَابِتَة غير محذوفة لِأَنَّهَا لم تخلص عوضا من التَّنْوِين وَحده فتحذف بل لما كَانَت عوضا من الْحَرَكَة والتنوين جَمِيعًا ثبتَتْ فَالْجَوَاب أَنه لَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لوَجَبَ أَن تثبت مَعَ الْإِضَافَة لِأَنَّهَا لم تخلص عوضا من التَّنْوِين وَحده وَهَذَا كَمَا ترَاهُ محَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 فقد صَحَّ مَا ذَكرْنَاهُ أَن النُّون فِي التَّثْنِيَة تكون فِي مَوضِع عوضا من الْحَرَكَة والتنوين جَمِيعًا وَفِي مَوضِع عوضا من الْحَرَكَة وَحدهَا وَفِي مَوضِع عوضا من التَّنْوِين وَحده إِلَّا أَن أصل وَضعهَا أَن تكون دَاخِلَة عوضا مِمَّا منع الِاسْم مِنْهُمَا وَلَو كَانَت عوضا من الْحَرَكَة وَحدهَا لثبتت مَعَ الْإِضَافَة وَلَام الْمعرفَة فَجعلت فِي مَوضِع عوضا من الْحَرَكَة فثبتت كَمَا ثبتَتْ الْحَرَكَة وَفِي مَوضِع عوضا من التَّنْوِين فحذفت كَمَا يحذف التَّنْوِين ليعتدل الْأَمْرَانِ فيهمَا تَشْدِيد نون الْمُبْهم وَأما قَوْلهم هَذَانِ وذانك واللذان إِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ثقلت فِي هَذِه الْمَوَاضِع لأَنهم عوضوا بثقلها من حرف مَحْذُوف أما فِي هَذَانِ فعوض من ألف ذَا وَكَذَلِكَ فِي اللَّذَان عوض من يَاء الَّذِي وَهُوَ فِي ذَانك عوض من لَام ذَلِك وَقد يحْتَمل أَن يكون عوضا من ألف ذَلِك وَقيل إِنَّمَا شددت فِي هَذِه الْمَوَاضِع للْفرق بَين الْمُبْهم وَغَيره ليدلوا بِالتَّشْدِيدِ على أَنه على غير منهاج الْمثنى الَّذِي لَيْسَ بمبهم وَلِأَنَّهُ لَا تصح فِيهِ الْإِضَافَة وَغَيره من التَّثْنِيَة تصح إِضَافَته فَتسقط نونه فَكَانَ مَا لَا يسْقط بِحَال أقوى مِمَّا يسْقط تَارَة وَيثبت أُخْرَى فشددت لذَلِك حَرَكَة نوني التَّثْنِيَة وَالْجمع وحركة نون التَّثْنِيَة كسرة وحركة نون الْجمع الَّذِي على حد التَّثْنِيَة فَتْحة وكلتاهما متحركة بالتقاء الساكنين وخالفوا الْحَرَكَة للْفرق بَين التَّثْنِيَة وَالْجمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وَكَانَت نون التَّثْنِيَة أولى بِالْكَسْرِ من نون الْجمع لِأَنَّهَا قبلهَا ألف وَهِي خَفِيفَة والكسرة ثَقيلَة فاعتدلا وَقبل نون الْجمع وَاو وَهِي ثَقيلَة ففتحوا النُّون ليعتدل الْأَمر فَإِن قلت فقد أَقُول مَرَرْت بالزيدين وَضربت العمرين فتكسر النُّون وَقبلهَا يَاء فَهَلا هربت إِلَى الفتحة لمَكَان الْيَاء كَمَا هربت الى الفتحة لمَكَان الْيَاء فِي نَحْو أَيْن وَكَيف فَالْجَوَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 إِن الْيَاء فِي نَحْو الزيدين والعمرين لَيست بلازمة كلزومها فِي أَيْن وَكَيف أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الرّفْع الَّذِي هُوَ الأَصْل رجلَانِ وَإِنَّمَا النصب والجر فرعان عَلَيْهِ فَلَا تلْزم الْيَاء النُّون فَلَمَّا كَانَت الْيَاء غير لَازِمَة فِي التَّثْنِيَة وَكَانَ الرّفْع وَهُوَ الأَصْل لَا تَجِد فِيهِ يَاء أجري الْبَاب على حكم الْألف الَّتِي هِيَ الأَصْل وَإِنَّمَا الْيَاء بدل مِنْهَا وَلَو أَنهم فتحُوا النُّون فِي الْجَرّ وَالنّصب وكسروها فِي الرّفْع لاختلف حَال نون التَّثْنِيَة على أَن من الْعَرَب من فتحهَا فِي حَال الْجَرّ وَالنّصب تَشْبِيها بأين وَكَيف وتجري الْيَاء وَإِن كَانَت غير لَازِمَة مجْرى الْيَاء اللَّازِمَة فَتَقول مَرَرْت بالزيدين وَضربت الزيدين وأنشدوا فِي ذَلِك لبَعْضهِم (على أحوذيين اسْتَقَلت عَلَيْهِمَا ... فَمَا هِيَ إِلَّا لمحة فتغيب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَفتحهَا بَعضهم مَعَ الْألف فَقَالَ (أعرف مِنْهَا الْأنف والعينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا) وَقد حُكيَ أَن مِنْهُم من ضم النُّون فِي الزيدان فَقَالَ الزيدان والعمران وَهَذَا من الشذوذ بِحَيْثُ لَا يُقَاس عَلَيْهِ نون الْأَفْعَال الْخَمْسَة وَأما النُّون فِي يقومان وتقومان ويقومون وتقومون فَإِنَّهَا تقوم مقَام الضمة فِي يقوم وَيقْعد وَلَيْسَت من أصُول الْإِعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 أَلا ترى أَن جنس الْإِعْرَاب هُوَ الْحَرَكَة وَكَذَا جعل جنس الْيَاء سكونا إِذْ كَانَا ضدين وَكَانَت الْحَرَكَة ضد السّكُون ويدلك على رفع الْمُضَارع الَّذِي رَفعه النُّون أَنه لَيْسَ على طَرِيق قِيَاس أصُول الْإِعْرَاب حذفك النُّون فِي مَوضِع النصب فِي قَوْلك لن يقوما أَلا ترى أَن النصب مدْخل على الْجَزْم كَمَا أَدخل النصب فِي الْأَسْمَاء الْمُثَنَّاة والمجموعة على سَبِيل التَّثْنِيَة على الْجَرّ فِي قَوْلك ضربت الزيدين والعمرين وَلست تَجِد فِي الْأَسْمَاء الْآحَاد المتمكنة الْإِعْرَاب مَا تحمل فِيهِ أحد الإعرابين على صَاحبه فَأَما مَرَرْت بِأَحْمَد فَإِن مَا لَا ينْصَرف غير مُتَمَكن من الْإِعْرَاب وَيزِيد عنْدك فِي بَيَان ضعف إِعْرَاب الْفِعْل الْمُضَارع أَنَّك إِذا ثنيت الضَّمِير فِيهِ أَو جمعته أَو أنثته أَنَّك تَجدهُ بِغَيْر حرف إِعْرَاب أَلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ترى أَنه لَو كَانَ ليقومان حرف إِعْرَاب لم يخل حرف إعرابه من أَن يكون الْمِيم أَو الْألف أَو النُّون فمحال أَن يكون الْمِيم حرف إِعْرَاب لِأَن الْألف بعْدهَا قد صيغت مَعهَا فحصلت الْمِيم لذَلِك حَشْوًا لَا طرفا ومحال أَن يكون حرف الْإِعْرَاب وسطا وَلَا يجوز إِلَّا أَن يكون آخرا طرفا وَلَا يجوز أَن يكون الْألف فِي يقومان حرف إِعْرَاب قَالَ سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّك لم ترد أَن تثني يفعل فتضم إِلَيْهِ يفعل آخر أَي لم ترد أَن تضم هَذَا الْمِثَال إِلَى مِثَال آخر وَإِنَّمَا أردْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 أَن تعلم أَن الْفَاعِل اثْنَان فَجئْت بِالْألف الَّتِي هِيَ علم الضَّمِير والتثنية وَلَو أردْت أَن تضم الْفِعْل إِلَى فعل آخر من لَفظه لكَانَتْ الْألف فِي يقومان حرف إِعْرَاب كَمَا كَانَت الْألف فِي الزيدان حرف الْإِعْرَاب لِأَنَّك أردْت أَن تضم إِلَى زيد زيدا آخر فقد بَطل إِذن أَن يكون الْألف حرف إِعْرَاب ومحال أَيْضا أَن تكون النُّون حرف إِعْرَاب فِي يقومان لأمرين أَحدهمَا أَنَّهَا متحركة محذوفة فِي الْجَزْم وَلَيْسَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الدُّنْيَا حرف متحرك يحذف فِي الْجَزْم وَالْآخر أَنه لَو كَانَت النُّون حرف إِعْرَاب لوَجَبَ أَن تجْرِي عَلَيْهَا حركات الْإِعْرَاب فَتَقول هما يقومان وَأُرِيد أَن يقومان فتضمها فِي الرّفْع وتفتحها فِي النصب فَإِن صرت إِلَى الْجَزْم وَجب تسكينها وَإِذا سكنت وَالْألف قبلهَا سَاكِنة كسرت لالتقاء الساكنين فَقلت لم يقومان فَلَمَّا كَانَ الْقَضَاء بِكَوْن نون يقومان حرف الْإِعْرَاب إعرابا تقود إِلَى هَذَا الَّذِي ذكرته وَرَأَيْت الْعَرَب قد اجتنبته علمت أَن النُّون لَيست عِنْدهم بِحرف إِعْرَاب وَإِذا لم يجز أَن تكون الْمِيم حرف إِعْرَاب وَلَا الْألف وَلَا النُّون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 علمت أَنه لَا حرف إِعْرَاب فِي الْكَلِمَة وَإِذا لم يكن لَهَا حرف إِعْرَاب دلك ذَلِك على أَن الْإِعْرَاب فِيهَا لَيْسَ لَهُ تمكن الْإِعْرَاب الْأَصْلِيّ الَّذِي هُوَ الْحَرَكَة فَإِذا كَانَ ذَلِك علمت أَن النُّون فِي يقومان تقوم مقَام الضمة فِي يقوم وَأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا تمكن الْحَرَكَة وَإِنَّمَا هِيَ دَالَّة عَلَيْهَا ونائبة عَنْهَا تمت علل التَّثْنِيَة لأبي الْفَتْح عُثْمَان بن جني رَحمَه الله يَوْم السبت تَاسِع وَعشْرين من شهر شعْبَان سنة سِتّمائَة وَالله أعلم وَأحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93