الكتاب: اللباب في علل البناء والإعراب المؤلف: أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي محب الدين (المتوفى: 616هـ) المحقق: د. عبد الإله النبهان الناشر: دار الفكر - دمشق الطبعة: الأولى، 1416هـ 1995م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- اللباب في علل البناء والإعراب العكبري، أبو البقاء الكتاب: اللباب في علل البناء والإعراب المؤلف: أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي محب الدين (المتوفى: 616هـ) المحقق: د. عبد الإله النبهان الناشر: دار الفكر - دمشق الطبعة: الأولى، 1416هـ 1995م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم عونك اللَّهُمَّ الْحَمد لله أهل الْحَمد ومستحقه وَأشْهد أَن لَا إِلَه لَا الله وَحده لَا شريك لَهُ فِي إبداع خلقه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى اله أَصْحَابه والشاهدين بصدقه مَا سح سَحَاب بوابله وودقه أما بعد فَإِن علم الْعَرَبيَّة من أجل الْعُلُوم وَفَائِدَة وأفضلها عَائِدَة وَحِكْمَة وافرة جمة ومعرفته تُفْضِي إِلَى معرفَة الْعُلُوم المهمة والكتب الْمُؤَلّفَة فِيهِ تفوت الإحصاء عدا وَتخرج عَن الضَّبْط جدا وأنفعها أوسطها حجما وأكثرها علما وَهَذَا مُخْتَصر أذكر فِيهِ من أصُول النَّحْو مَا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ وَمن علل كل بَاب مَا يعرفك أَكثر فروعه الْمرتبَة عَلَيْهِ وَقد بذلت الوسع فِي إيجاز أَلْفَاظه وإيضاح مَعَانِيه وَصِحَّة أقسامه وإحكام مبانيه وَمن الله سُبْحَانَهُ أَسْتَمدّ الْإِعَانَة على تَحْقِيق مَا ضمنت وإياه أسأَل الْإِصَابَة فِيمَا أبنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 بَاب بَيَان النَّحْو وأصل وَضعه اعْلَم أَن النَّحْو فِي الأَصْل مصدر (نحا ينحو) إِذا قصد وَيُقَال نحا لَهُ وأنحى لَهُ وَإِنَّمَا سمي الْعلم بكيفية كَلَام الْعَرَب فِي أعرابه وبنائه (نَحوا) لِأَن الْغَرَض بِهِ أَن يتحَرَّى الْإِنْسَان فِي كَلَامه إعرابا وَبِنَاء طَريقَة الْعَرَب فِي ذَلِك فصل وَحده عِنْدهم أَنه علم مستنبط بِالْقِيَاسِ والاستقراء من كَلَام الْعَرَب وَالْقِيَاس أَلا يثنى وَلَا يجمع لِأَنَّهُ مصدر وَلكنه ثني وَجمع لما تقل وَسمي بِهِ وَيجمع على (أنحاء وَنَحْو) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 بَاب القَوْل فِي الْكَلَام الْكَلَام عبارَة عَن الْجُمْلَة المفيدة فَائِدَة يسوغ السُّكُوت عَلَيْهَا عِنْد الْمُحَقِّقين لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه مُشْتَقّ من (الْكَلم) وَهُوَ الْجرْح وَالْجرْح مُؤثر فِي نفس الْمَجْرُوح فليزم أَن يكون الْكَلَام مؤثرا فِي نفس السَّامع وَالثَّانِي أَن الْكَلَام يُؤَكد بِهِ (تَكَلَّمت) كَقَوْلِك تَكَلَّمت كلَاما والمصدر الْمُؤَكّد نَائِب عَن الْفِعْل وَالْفَاعِل وكما أَن الْفِعْل وَالْفَاعِل جملَة مفيدة كَذَلِك مَا يَنُوب عَنهُ الْكَلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الثَّالِث أَن الْكَلَام يَنُوب عَن التكليم والتكلم وَكِلَاهُمَا مشدد الْعين وَالتَّشْدِيد للتكثير وَأدنى درجاته أَن يدل على جملَة تَامَّة فصل وَإِنَّمَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ إِن الْكَلَام اسْم للمصدر وَلَيْسَ بمصدر حَقِيقَة لِأَن المصادر تبنى على الْأَفْعَال الْمَأْخُوذَة مِنْهَا وَالْأَفْعَال الْمَأْخُوذَة من هَذَا الأَصْل (كلمت) ومصدره التكليم و (تَكَلَّمت) ومصدره (التَّكَلُّم) و (كالمت) ومصدره (المكالمة) و (الْكَلَام) وَالْكَلَام لَيْسَ بِوَاحِد مِنْهَا إِلَّا أَنه يعْمل عمل الْمصدر كَمَا عمل (الْعَطاء) عمل (الْإِعْطَاء) فصل وَأما القَوْل فَيَقَع على الْمُفِيد لِأَن مَعْنَاهُ التحرك والتقلقل فَكل مَا يمذل بِهِ اللِّسَان ويتحرك يُسمى (قولا) وَهَذَا مَا يتركب من (ق ول) فِي جَمِيع تصاريفها وتقلب حروفها نَحْو القَوْل والقلو والتوقل وَغير ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 بَاب أَقسَام الْكَلم إِنَّمَا علم كَون الْكَلم ثَلَاثًا فَقَط من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْكَلَام وضع للتعبير عَن الْمعَانِي والمعاني ثَلَاثَة معنى يخبر بِهِ وَمعنى يخبر عَنهُ وَمعنى يرْبط أَحدهمَا بِالْآخرِ فَكَانَت الْعبارَات عَنْهَا كَذَلِك الثَّانِي أَنهم وجدوا هَذِه الْأَقْسَام تعبر عَن كل معنى يخْطر فِي النَّفس وَلَو كَانَ هُنَاكَ قسم آخر لم يُوقف عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ معنى لَا يُمكن التَّعْبِير عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 فصل وَإِنَّمَا فرق بَين هَذِه الْعبارَات فِي التَّسْمِيَة لاخْتِلَاف الْمعبر عَنهُ فصل وَإِنَّمَا خص كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالِاسْمِ الَّذِي وضعوعه لَهُ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا ان المُرَاد الْفرق بَين الاسماء ليحصل الْعلم بالمسميات وَأي لفظ حصل بِهَذَا الْمَعْنى جَازَ وَالثَّانِي أَنهم خصوا الْمخبر عَنهُ وَبِه بِالِاسْمِ لِأَنَّهُ أَي علا الْقسمَيْنِ الآخرين إِذْ كَانَ أَحدهمَا يخبر بِهِ فَقَط وَالْآخر لَا يخبر بِهِ وَلَا عَنهُ وَسموا مَا يخبر بِهِ فعلا لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من الْمصدر الَّذِي هُوَ فعل حَقِيقَة وَلم يسموه زَمَانا وَإِن دلّ على الزَّمَان لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن دلَالَته على الْمصدر أقوى إِذْ دلَالَته على الزَّمَان تخْتَلف وَيصِح أَن تبطل دلَالَته عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأما دللاته على الْمصدر فَلَا يَصح ذَلِك فِيهَا وَالثَّانِي أَنه لَو سمي زَمَانا لم يدل على الْحَدث بِحَال وَإِنَّمَا سمي فعلا لِأَنَّهُ دلّ على الْحَدث لفظا وعَلى الزَّمَان من طَرِيق الْمُلَازمَة إِذْ يَسْتَحِيل فعل الْمَخْلُوق إِلَّا فِي زمَان وَلم يسم عملا لِأَن الْفِعْل من الْعَمَل وَكَانَ يَقع على كل حَرَكَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وعزم وَلِهَذَا يَقُول من بنى حَائِطا قد عملت وَقد فعلت وَإِذا تكلم قَالَ قد فعلت وَلَا يُقَال عملت وَسمي الْقسم الثَّالِث (حرفا) لِأَن حرف كل شَيْء طرفه والأدوات بِهَذِهِ الْمنزلَة لِأَن مَعَانِيهَا فِي غَيرهَا فَهِيَ طرف لما مَعْنَاهَا فِيهِ فصل وللاسم حد عِنْد الْمُحَقِّقين لِأَنَّهُ لفظ يَقع فِيهِ اشْتِرَاك وَالْقَصْد من الْحَد تَمْيِيز الْمَحْدُود عَمَّا يُشَارِكهُ فصل وَمن أقرب حد حد بِهِ أَنه كل لفظ دلّ على معنى مُفْرد فِي نَفسه وَقَالَ قوم هُوَ كل لفظ دلّ على معنى فِي نَفسه غير مقترن بِزَمَان مُحَصل دلَالَة الْوَضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 فصل واشتقاقه عِنْد الْبَصرِيين من (سما يسمو) إِذا علا فالمحذوف مِنْهُ (لامه) لِأَن الْمَحْذُوف يرجع إِلَى مَوضِع اللَّام فِي جَمِيع تصاريفه نَحْو سميت وأسميت وسمى وَسمي وَأَسْمَاء وأسام وَلِأَن الْهمزَة فِيهِ عوض من الْمَحْذُوف وَقد ألف من عاداتهم أَن يعوضوا فِي غير مَوضِع الْحَذف وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ من السمة فالمحذوف (فاؤه) وَهُوَ خطأ فِي الِاشْتِقَاق وَفِيه الْخلاف وَهُوَ صَحِيح فِي الْمَعْنى فصل وَإِنَّمَا سمي هَذَا اللَّفْظ (اسْما) من معنى الْعُلُوّ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه سما على صَاحِبيهِ فِي الْإِخْبَار كَمَا تقدم وَالثَّانِي أَنه يُنَوّه بِالْمُسَمّى لِأَن الشَّيْء قبل التَّسْمِيَة خَفِي عَن الذِّهْن فَهُوَ كالشيء المنخفض فَإِذا سمي ارْتَفع للأذهان كارتفاع المبصر للعين فصل وَالْألف وَاللَّام من خَصَائِص الْأَسْمَاء لِأَنَّهُمَا وضعا للتعريف والتخصيص بعد الشياع وَلَا يَصح هَذَا الْمَعْنى فِي الْفِعْل والحرف أَلا ترى أَن قَوْلك (ضرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 يضْرب) يقعان على كل نوع من أَنْوَاع الضَّرْب وَلَا يَصح تخصيصهما بضربة وَاحِدَة كَمَا يكون ذَلِك قَوْلك (الرجل) فَإِنَّهُ يصير بهما وَاحِدًا بِعَيْنِه فصل وحروف الْجَرّ تخْتَص بالأسماء لَان الْغَرَض مِنْهَا إِيصَال الْفِعْل الْقَاصِر عَن الْوُصُول إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ وَالْفِعْل لَا يقتضى إِلَّا الِاسْم فَصَارَ الْحَرْف وصلَة بَين الْفِعْل وَمَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ فصل وتنوين الصّرْف والتنوين الْفَارِق بَين الْمعرفَة والنكرة نَحْو (صه) من خَصَائِص الْأَسْمَاء لِأَن مَا دخلا لَهُ يخْتَص بالأسماء وَهُوَ الصّرْف وتمييز الْمعرفَة من النكرَة فصل وَمن خَصَائِص الِاسْم كَونه فَاعِلا أَو مَفْعُولا أَو مُضَافا أَو مثنى أَو مجموعا أَو مُصَغرًا أومنادى وَسَنذكر عِلّة تَخْصِيص الِاسْم بِكُل وَاحِد من ذَلِك فِي بَابه إِن شَاءَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 فصل وحد الْفِعْل مَا اسند إِلَى غَيره وَلم يسند غَيره إِلَيْهِ وَذكر الْإِسْنَاد هَهُنَا أولى من الْإِخْبَار لَان الْإِسْنَاد أَعم إِذْ كَانَ يَقع على الِاسْتِفْهَام وَالْأَمر غَيرهمَا وَلَيْسَ الْإِخْبَار كَذَلِك بل هُوَ مَخْصُوص بِمَا صَحَّ أَن يُقَابل بالتصديق والتكذيب فَكل إِخْبَار إِسْنَاد وَلَيْسَ كل إِسْنَاد إِخْبَارًا وَلَا ينْتَقض هَذَا الْحَد بقَوْلهمْ (تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ) لِأَن (خيرا) هُنَا لَيْسَ بِخَبَر عَن (تسمع) بل عَن الْمصدر الَّذِي هُوَ (سماعك) وَتَقْدِيره (أَن تسمع) وَحذف (أَن) وَهِي مُرَاد جَائِز كَمَا قَالَ 1 - (أَلا ايهذا الزاجرى أحضر الوغى ... ) أَي عَن أَن أحضر وَدلّ على حذفه قَوْله وَأَن أشهد اللَّذَّات وَقيل حَده مَا دلّ على معنى فِي نَفسه مقترن بِزَمَان مُحَصل دلَالَة الْوَضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فصل وَإِنَّمَا اخْتصّت (قد) بِالْفِعْلِ لِأَنَّهَا وضعت لِمَعْنى لَا يَصح إِلَّا فِيهِ وَهُوَ تقريب الْمَاضِي من الْحَال وتقليل الْمُسْتَقْبل كَقَوْلِك قد قَامَ زيد أَي عَن قريب وَزيد قد يُعْطي أَي يقل ذَلِك مِنْهُ فَأَما قَوْله تَعَالَى {قد نعلم إِنَّه ليحزنك الَّذِي يَقُولُونَ} فَمَعْنَاه قد علمنَا فصل وَإِنَّمَا اخْتصّت (السِّين) بِالْفِعْلِ لِأَن مَعْنَاهَا جَوَاب (لن يفعل) وَكَذَلِكَ (سَوف) إِلَّا أَن (سَوف) تدل على بعد الْمُسْتَقْبل من الْحَال و (السِّين) أقرب إِلَى ذَلِك مِنْهَا وَلما كَانَت (لن) لَا معنى إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبل كَانَ جوابها كَذَلِك فصل إِنَّمَا دلّت تَاء التَّأْنِيث الساكنة على الْفِعْل لِأَن الْغَرَض مِنْهَا الدّلَالَة على تَأْنِيث الْفَاعِل فَقَط لَا الدّلَالَة على تَأْنِيث الْفِعْل إِذْ الْفِعْل لَا يؤنث وَلَا تَجِد تَاء تَأْنِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 متحركة مُتَّصِلَة بآخر الْفِعْل وَإِنَّمَا ذَلِك فِي الْأَسْمَاء مثل (قَائِمَة) والحروف مثل (ربت) و (ثمت) فصل وَإِنَّمَا دلّ اتِّصَال الضَّمِير الْمَرْفُوع الْموضع بِالْكَلِمَةِ على أَنَّهَا فعل لِأَن الضَّمِير الْمُتَّصِل الْمَرْفُوع لَا يكون إِلَّا فَاعِلا وَالْفَاعِل لَا يتَّصل بِغَيْر الْفِعْل فصل وحدٌ الْحَرْف مَا دلّ على معنى فِي غَيره فَقَط وَلَفظ (دلّ) أوْلى من قَوْلك (جَاءَ) لِأَن الْحُدُود الْحَقِيقِيَّة دَالَّة على ذَات الْمَحْدُود بهَا وَقَوْلنَا (مَا جَاءَ لِمَعْنى) بَيَان الْعلَّة الَّتِى لأَجلهَا جَاءَ وَعلة الشَّيْء غيرُه وَلَا ينْتَقض ب (أَيْن) و (كَيفَ) لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهُمَا - مَعَ دلالتهما على معنى فِي غَيرهمَا - دالان على معنى فِي أَنفسهمَا وَهُوَ الْمَكَان وَالْحَال وَقد حصل الِاحْتِرَاز عَن ذَلِك بقولنَا فَقَط وَالثَّانِي أَن دلالتهما على معنى فِي غَيرهمَا من جِهَة تضمنها معنى الْحَرْف وَذَلِكَ عَارض فيهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 فصل وَمن عَلَامَات الْحَرْف امتناعُه من دُخُول عَلَامَات صَاحِبيهِ لِأَن مَعَانِيهَا لَا تصُح فِيهِ فصل وَمن علاماته أَنه لاينعقد مِنْهُ وَمن الِاسْم وَحده وَلَا من الْفِعْل وَحده فَائِدَة وَهُوَ معنى قَوْلهم الْحَرْف مَا لم يكن أحد جزئي الْجُمْلَة فَأَما حُصُول الْفَائِدَة بِهِ وبالاسم فِي النداء فلنيابته عَن الْفِعْل وَلذَلِك دَلَائِل تذكر فِي بَاب النداء إِن شَاءَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 بَاب الْإِعْرَاب وَالْبناء الْإِعْرَاب عِنْد النَّحْوِيين هُوَ اخْتِلَاف آخر الْكَلِمَة لاخْتِلَاف الْعَامِل فِيهَا لفظا أَو تَقْديرا وَيدخل فِي هَذَا إِعْرَاب الِاسْم الصَّحِيح والمعتل فالمقصور يقدر على أَلفه الْإِعْرَاب كاللفظ وَلَيْسَ كَذَلِك آخر الْمَبْنِيّ فَإِن آخِره إِذا كَانَ ألفا لَا تقدر عَلَيْهِ حَرَكَة إِلَّا أَن يكون مِمَّا يسْتَحق الْبناء على الْحَرَكَة فصل وَفِي أَصله الَّذِي نقل مِنْهُ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه من قَوْلهم أعرب الرجل إِذا أبان عَمَّا قي نَفسه والحركات فِي الْكَلَام كَذَلِك لِأَنَّهَا تبين الْفَاعِل من الْمَفْعُول وتفرق بَين الْمعَانِي كَمَا فِي قَوْلهم ماأحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 زيدا فَإِنَّهُ إِذا عري عَن الحركات احْتمل النَّفْي والاستفهام والتعجُب وَكَذَلِكَ قَوْلك ضرب زيدٌ عمرا لَو عرَيته من الْإِعْرَاب لم تعرف الْفَاعِل من الْمَفْعُول وَالثَّانِي أَنه من قَوْلك أعرب الرجل إِذا تكلم بالعربيَة كَقَوْلِهِم أعرب الرجل إِذا كَانَ لَهُ خيل عراب فالمتكلَم بِالرَّفْع وَالنّصب والجرَ متكلّم كَلَام الْعَرَب وَلَيْسَ الْبناء كَذَلِك لأنَّه لَا يخصَّ الْعَرَب دون غَيرهم وَالثَّالِث أنَّه من قَوْلهم أعْرَبْتُ مَعِدةَ الفصيل إِذا عربت أيْ فَسدتْ من شرب اللَّبن فأصْلحتها وازلت فَسَادهَا فالهمزةُ فِيهِ همزَة السَّلب كَقَوْلِك عتب عليَّ فأعتبته وشكا فأشكيته وَالرَّابِع أنُّه مَأْخُوذ من قَوْلهم امْرَأَة عروب أَي متحبّبة إِلَى زَوجهَا بتحسُّنها فالإعراب يجبّب الْكَلَام إِلَى المستمع فصل وَالْإِعْرَاب معنى لَا لفظ لأربعة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 أحدُها أنَّ الْإِعْرَاب هُوَ الِاخْتِلَاف على مَا سبق فِي حدّه وَالِاخْتِلَاف معنى لالفظ والثانى أنَّه فاصل بَين الْمعَانِي وال فصل والتمييز معنى لالفظ وَالثَّالِث أنَّ الحركات تُضَاف إِلَى الْإِعْرَاب فَيُقَال حركات الْإِعْرَاب وضمَّه إِعْرَاب وَالشَّيْء لَا يُضَاف إِلَى نَفسه وَالرَّابِع أنَّ الْحَرَكَة والحرف يكونَانِ فِي المبنيّ وَقد تَزُول حَرَكَة المعرب بِالْوَقْفِ مَعَ الحكم بإعرابه وَقد يكون السّكُون إعراباً وَهَذَا كلّه دَلِيل على أنَّ الْإِعْرَاب معنى فصل وَالْأَصْل فِي عَلَامَات الْإِعْرَاب الحركات دون الْحُرُوف لثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّ الْإِعْرَاب دالٌّ على معنى عَارض فِي الْكَلِمَة فَكَانَت علامته حَرَكَة عارضة فِي الْكَلِمَة لما بَينهمَا من التناسب والثانى أنَّ الْحَرَكَة أيسر من الْحَرْف وَهِي كَافِيَة فِي الدّلَالَة على الْإِعْرَاب وَإِذا حصل الْغَرَض بالأخصر لم يصر إِلَى غَيره وَالثَّالِث أنَّ الْحَرْف من جملَة الصِّيغَة الداَّلة على معنى الْكَلِمَة اللَّازِم لَهَا فَلَو جعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الْحَرْف دَلِيلا على الْإِعْرَاب لادَّى ذَلِك إِلَى أَن يدلَّ الشَّيْء الْوَاحِد على معنيَيْن وَفِي ذَلِك اشْتِرَاك وَالْأَصْل أنْ يُخصَّ كلُّ معنى بِدَلِيل فصل فأمَّا الْإِعْرَاب بالحروف فلتعذُّر الْإِعْرَاب بالحركة وسترى ذَلِك فِي موَاضعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فصل وإنَّما كَانَت ألقاب الْإِعْرَاب أَرْبَعَة ضَرُورَة إِذْ لَا خَامِس لَهَا وَذَلِكَ أنَّ الْأَعْرَاض إمَّا حَرَكَة وإمَّا سُكُون والسكون نوع وَاحِد والحركات ثَلَاث فَمن هُنَا انقسمت إِلَى هَذِه العدَّة فصل وَالْإِعْرَاب دخل الْأَسْمَاء لمسيس الْحَاجة إِلَى الْفَصْل بَين الْمعَانِي على مَا سبق وَقَالَ قُطْرُب دخل الْكَلَام اسْتِحْسَانًا لأنَّ المتكلَّم يصل بعض كَلَامه بِبَعْض وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 تسكين أَوَاخِر الْكَلم فِي الْوَصْل كُلْفة فحرَّك تسهيلا على الْمُتَكَلّم وَلَو المكتلّم لَو كَانَ الْإِعْرَاب لحَاجَة الْفَصْل وللفرق لَا ستغني عَنهُ بِتَقْدِيم الْفَاعِل على الْمَفْعُول ولكان الاَّتفاق فِي الْإِعْرَاب يُوجب الأتفاق فِي الْمعَانِي وَلَيْسَ كَذَلِك أَلا ترى أنَّ قَوْلك زيد قَائِم مثل قَوْلك هَل زيدٌ قَائِم وقولك إنَّ زيدا قَائِم مثل قَوْلك زيد قَائِم فِي الْمَعْنى وَالْجَوَاب عَّما قَالَه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن السّكُون أسهل على المتكلَّم من الْحَرَكَة والثانى أنَّ الْغَرَض لَو كَانَ مَا ذكر لَكَانَ المتكلَّم بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ حرَّك بِأَيّ حَرَكَة شَاءَ وأنَّ شَاءَ سكَّن وَأما التَّقْدِيم فَجَوَابه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّه لَا يُمكن فِي كلَّ مَكَان أَلا ترى أنَّ التَّقْدِيم فِي قَوْلك ماأحسن زيدا غيرُ مُمكن والثانى أنَّ فِي لُزُوم التَّقْدِيم تضييقاً على المتكلَّم مَعَ حَاجته إِلَى التسجيع وَإِقَامَة القافية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وأمَّا اخْتِلَاف الْإِعْرَاب مَعَ اتَّفاق الْمَعْنى وَعَكسه فشيء عَارض جَازَ لضرب من التَّشْبِيه بالأصول فَلَا يُنَاقض بِهِ فصل وَاخْتلفُوا هَل الْإِعْرَاب سَابق على الْبناء أم الْعَكْس فالمحقَّقون على أنَّ الْإِعْرَاب سَابق لأنَّ وَاضع اللُّغَة حَكِيم يعلم أنَّ الْكَلَام عِنْد التَّرْكِيب لَا بدّ أَن يعرض فِيهِ لَبْس فحكمته تَقْتَضِي أَن يضع الْإِعْرَاب مُقَارنًا للْكَلَام وَقَالَ الْآخرُونَ تكلَّمت الْعَرَب بالْكلَام عَارِيا من الْإِعْرَاب فلمَّا عرض لَهُم اللبْس أزالوه بالإعراب وَهَذَا لَا يَلِيق بحكمتهم فصل وَاخْتلفُوا فِي حركات الْإِعْرَاب هَل هِيَ أصلٌ لحركات الْبناء أم بِالْعَكْسِ أم كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَوْضِعه أصل فَذهب قوم إِلَى الأوَّل وعلته أَن حركات الْإِعْرَاب دوالٌّ على معَان حَادِثَة بعلَّة بِخِلَاف حركات الْبناء وَمَا ثَبت بعلَّة أصل لغيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَذهب قوم إِلَى الثَّانِي وعلَّته أَن حَرَكَة الْبناء لَازِمَة وحركة الْإِعْرَاب منتقلة وَاللَّازِم أصلٌ للمتزلزل إذْ كَانَ أقوى مِنْهُ وَهَذَا ضَعِيف لِأَن نقل حركات الْإِعْرَاب كَانَ لِمَعْنى وَلُزُوم حَرَكَة الْبناء لغيره معنى وَذهب قوم إِلَى الثَّالِث لأنَّ الْعَرَب تكلًّمت بالإعراب وَالْبناء فِي أول وضع الْكَلَام وكلّ وَاحِد مِنْهُمَا لَهُ علَّة غير علَّة الآخر فَلَا معنى لبِنَاء أَحدهمَا على الآخر فصل وإنَّما كَانَ مَوضِع حَرَكَة الْإِعْرَاب آخر الْكَلِمَة لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ الْإِعْرَاب جِيءَ بِهِ لِمَعْنى طَارِئ على الْكَلِمَة بعد تَمام مَعْنَاهَا وَهُوَ الفاعلية والمفعوليَّة فَكَانَ مَوضِع الدالّ عَلَيْهِ بعد اسْتِيفَاء الصِّيغَة الداَّلة على الْمَعْنى اللَّازِم لَهَا وَلَيْسَ كَذَلِك لَام التَّعْرِيف وَألف التكسير وياء التصغير لأنَّ التَّعْرِيف والتكسير والتصغير كالأوصاف اللَّازِمَة للكلمة بِخِلَاف مَدْلُول الْإِعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 والثانى أنَّ حَرَكَة الْإِعْرَاب تثبت وصلا وتحذف وَقفا وإنَّما يُمكن هَذَا فِي آخر الْكَلِمَة إِذْ هُوَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَالثَّالِث أنَّ أوَّل الْكَلِمَة لَا يُمكن إعرابُه لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن َّمن الْإِعْرَاب السّكُون والابتداُء بالساكن مُمْتَنع والثانى أنَّ أوَّل الْكَلِمَة متحرَّك ضَرُورَة وحركة الْإِعْرَاب تحدث بعامل والحرف الْوَاحِد لَا يحْتَمل حركتين وَالثَّالِث أنَّ تحرُّك الأوَّل بحركة الْإِعْرَاب فأمَّا يُفْضِي إِلَى اخْتِلَاط الْأَبْنِيَة وَلَا يُمكن أَن يجُعل الْإِعْرَاب فِي وسط الْكَلِمَة لأربعة أوجه أَحدهَا مَا تقدَّم من الْوَجْه الْأَخير فِي منع تَحْرِيك الأول وَالثَّانِي أنَّه يُفْضِي إِلَى الْجمع بَين ساكنين فِي بعض الْمَوَاضِع وَالثَّالِث أَنه يُفْضِي إِلَى توالي أَربع متحركات فِي كلمة وَاحِدَة ك (مدحرج) إِذا تحرَّكت الْحَاء إِذْ لَيْسَ مَعَك مَا يُمكن تحريكُهُ من الحشو غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وَالرَّابِع أنَّ حَشْو الْكَلِمَة قد يكون حروفاً كَثِيرَة وَتَعْيِين وَاحِد مِنْهَا بحركة الْإِعْرَاب لَا دَلِيل عَلَيْهِ فصل وألقاب الْإِعْرَاب أَرْبَعَة رفع وَنصب وجرٌّ وَجزم وألقاب الْبناء ضمٌّ وفتحّ وَكسر ووقف وَتَسْمِيَة كلّ وَاحِد مِنْهَا باسم الآخر تجوز وإنَّما فرَّقوا بَينهَا فِي التَّسْمِيَة لافتراقها قي الْمَعْنى وَذَلِكَ أنَّ حَرَكَة الْإِعْرَاب تحدث عَن عَامل وحركة الْبناء لَا تحدث عَن عَامل وَإِذا اخْتلفت الْمعَانِي اخْتلفت الْأَسْمَاء الداَّلة عَلَيْهَا ليَكُون كلّ اسْم دالاًّ على معنى من غير اشْتِرَاك وَهُوَ أقرب إِلَى الأفهام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فصل وإنَّما خصّوا الْإِعْرَاب بِالرَّفْع لأنَّ الرّفْع ضمَّة مخصومة وَالنّصب فَتْحة مخصومة وَكَذَلِكَ الجرَّ والجزم وحركة الْبناء حَرَكَة مُطلقَة وَالْوَاحد الْمَخْصُوص من الْجِنْس لَا يُسمى باسم الْجِنْس كالواحد من الْآدَمِيّين إِذا أردْت تَعْرِيفه علَّقت عَلَيْهِ علما كزيد وَعَمْرو وَلَا تسمَّيه رجلا لَا اشْتِرَاك الْجِنْس فِي ذَلِك فضَّمة الْإِعْرَاب كالشخص الْمَخْصُوص وضمة الْبناء كالواحد الْمُطلق فصل وَالْحَرَكَة مَعَ الْحَرْف لَا بعده وَلَا قبله وَقَالَ قومٌ مِنْهُم ابْن جني هِيَ بعده وَالدَّلِيل على الأوَّل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْحَرْف يُوصف بالحركة فَكَانَت مَعَه كالمدَّ والجهر والشدَّة وَنَحْو ذَلِك وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لأنَّ صفة الشَّيْء كالعرض وَالصّفة العرضية لَا تتقدَّم الْمَوْصُوف وَلَا تتأخر عَنهُ إِذْ فِي ذَلِك قيامُها بِنَفسِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَالثَّانِي أنَّ الْحَرَكَة لَو لم تكن مَعَ الْحَرْف لم تقلب الْألف إِذا حرَّكتها همزَة وَلم تخرج النُّون من طرف اللِّسَان إِذا حركتها بل كنت تخرجها من الخيشوم وَفِي الْعُدُول عَن ذَلِك دَلِيل على أَن الْحَرَكَة مَعهَا واحتجَّ من قَالَ هِيَ بعد الْحَرْف بِوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّك لَمَّ لمْ تُدْغَم الْحَرْف المتحرك فِيمَا بعده نَحْو (طلل) دلّ على أَن بَينهمَا حاجزاً وَلَيْسَ إلاَّ الْحَرَكَة وَالثَّانِي أنَّك إِذا أشبعت الْحَرَكَة نَشأ مِنْهَا حرف والحرف لَا ينشأ مِنْهُ حرف آخر فَكَذَلِك مَا قاربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَالْجَوَاب عَن الأوَّل أنَّ الْإِدْغَام امْتنع لتحصنُّ الأوَّل بتحرُّكه لَا لحاجز بينهماكما يتحصَّن بحركته عَن الْقلب نَحْو (عوض) وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ حُدُوث الْحَرْف عَن الْحَرَكَة كَانَ لأنَّها تجانس الْحَرْف الْحَادِث فهى شَرط لحدوثه وَلَيْسَت بَعْضًا لَهُ وَلِهَذَا إِذا حُذف الْحَرْف بقيت الْحَرَكَة بِحَالِهَا وَلَو كَانَ الْحَادِث تَمامًا للحركة لم تبْق الْحَرَكَة وَمن سمَّى الْحَرَكَة بعض الْحَرْف أَو حرفا صَغِيرا فقد تجوّز وَلِهَذَا لَا يصحُّ النُّطْق بالحركة وَحدهَا والثانى لَو قدَّرنا أنَّ الْحَرَكَة بعض الْحَرْف الْحَادِث لم يمْتَنع أَن يقارن الْحَرْف الأوَّل كَمَا أنَّه ينْطق بالحرف المشدَّد حرفا وَاحِدًا وَإِن كَانَا حرفين فِي التَّحْقِيق إلاَّ أنَّ الأوَّل لَمَّا ضعف عَن الثَّانِي أمكن أَن يصاحبه وَالْحَرَكَة أَضْعَف من الْحَرْف السَّاكِن فَلم يمْتَنع أَن يصاحب الْحَرْف فصل ويتعلَّق بِهَذَا الِاخْتِلَاف مَسْأَلَة أُخْرَى وَهِي أنَّ الْحَرْف غير مُجْتَمع من الحركات عِنْد الْمُحَقِّقين لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ الْحَرْف أَصله السّكُون ومحالٌ اجْتِمَاع سَاكن من حركات وَالثَّانِي أنَّ الْحَرْف لَهُ مخرج مَخْصُوص وَالْحَرَكَة لَا تختصُّ بمخرج وَلَا معنى لقَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 من قَالَ إِنَّه يجْتَمع من حركتين لأنَّ الْحَرَكَة إِذا أشبعت نَشأ الْحَرْف المجانس لَهَا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا مَا سبق من أنَّ الْحَرَكَة لَيست بعض الْحَرْف وَالثَّانِي أنَّك إِذا أشبعت الْحَرَكَة نَشأ مِنْهَا حرف تامّ وَتبقى الْحَرَكَة قبله بكمالها فَلَو كَانَ الْحَرْف حركتين لم تبْق الْحَرَكَة قبل الْحَرْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 فصل وَقد سبق أنَّ المعرب بحقَّ الأَصْل الإسمُ المتمكَّن فأمَّا الْفِعْل الْمُضَارع فَفِيهِ اخْتِلَاف يُذكر فِي بَاب الْأَفْعَال فصل فِيمَا يستحقّه الإسم وَهُوَ الرّفْع وَالنّصب والجرّ لأنَّه يَقع على ثلاثةِ مَعان الفاعليَّة والمفعوليَّة وَالْإِضَافَة فَخُصَّ كل معنى مِنْهَا بإعراب يدلُّ عَلَيْهِ فأمَّا مَا يخصّص كلّ وَاحِد مِنْهَا بِمَا خُصَّ بِهِ فيذكر فِي بَابه فصل وَلم يدْخل الْجَزْم الْأَسْمَاء لستَّة أوجه أَحدهَا أنَّ الْإِعْرَاب دخل الْأَسْمَاء لِمَعْنى على مَا سبق وَقد وفت الحركات بذلك الْمَعْنى وَهُوَ الْفرق بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول والمضاف إِلَيْهِ وَلَيْسَ ثَمَّ معنى رَابِع يدلُّ عَلَيْهِ الْجَزْم والثانى أنَّ الْجَزْم لَيْسَ بِأَصْل فِي الْإِعْرَاب لأنَّه سُكُون فِي الأَصْل والسكون عَلامَة المبنيّ اصلّ فِي الْبناء بِشَهَادَة الحسّ والوجدان إلاَّ أنَّه جُعل إعرابا فرعا فَخُصَّ بِمَا إعرابه فرع وَهُوَ الْفِعْل وَالثَّالِث أنَّ الْجَزْم دخل عوضا من الجرَّ فِي الْأَسْمَاء فَلَو دخل الْأَسْمَاء لجمع لَهَا بَين الْعِوَض والمعَّوض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 بَاب الْبناء حدُّ الْبناء لُزُوم آخر الْكَلِمَة سكوناً أَو حَرَكَة وَهُوَ ضدُّ الْإِعْرَاب وَالْبناء بأوَّل الْكَلِمَة وحشوها أشْبَه للزومه إلاَّ أنَّ آخر الْكَلِمَة إِذا لزم طَريقَة وَاحِدَة صَار كحشوها فصل وَالْبناء فِي الأَصْل وضع الشَّيْء على الشَّيْء على وصف يثبت كبناء الْحَائِط وَمِنْه سُمّي كلّ مُرْتَفع ثَابت بِنَاء كالسَّماء وَبِهَذَا الْمَعْنى اسْتَعْملهُ النحويُّون على مَا سبق فصل وَالْأَصْل فِي الْبناء السّكُون لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه ضدُّ الْإِعْرَاب وَالْإِعْرَاب يكون بالحركات فضدَّه يكون بِالسُّكُونِ وَالثَّانِي أنَّ الْحَرَكَة زيدت على المعرب للْحَاجة إِلَيْهَا وَلَا حَاجَة إِلَى الْحَرَكَة فِي المبنيّ إِذْ لَا تدل على معنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 بَاب المعرب والمبنيّ إنَّما أُخَّرا عَن الْإِعْرَاب وَالْبناء لأنَّهما مشتقان مِنْهُ إِذْ كَانَ الْإِعْرَاب وَالْبناء مصدرين والمشتق مِنْهُ أصلُ للمشتق فصل وَلَيْسَ فِي الْكَلَام كلمة معربة لَا مُعْربه وَلَا مَبْنِيَّة هـ عِنْد المحَّققين لأنَّ حدَّ المعرب ضدّ حدّ الْمَبْنِيّ على مَا سبق وَلَيْسَ بَين الضّدَّين هُنَا وَاسِطَة وَذهب قوم إِلَى أنَّ الْمُضَاف إِلَى يَاء المتكلَّم غير مبنيّ إِذْ لَا علَّة فِيهِ توجب الْبناء وَغير مُعرب إِذْ لَا يُمكن ظُهُور الْإِعْرَاب فِيهِ مَعَ صحَّة حرف إعرابه وسمَّوْه (خصيّاً) وَالَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ فَاسد لأنَّه مُعرب عِنْد قوم مبنيٌّ عِنْد آخَرين وسنبين ذَلِك على أنًّ تسميتهم إيَّاه (خصيّاً) خطأ لِأَن الخصيَّ ذكر حَقِيقَة وَأَحْكَام الذُّكُور ثَابِتَة لَهُ وَكَانَ الْأَشْبَه بِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ أَن يسمُّوه (خُنْثَى مُشكلا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وَالرَّابِع أنَّ الْجَزْم حذف وَذَلِكَ تَخْفيف فيليق بِالْفِعْلِ لثقله أما الِاسْم فخفيف فجزمه يحذف مِنْهُ التَّنْوِين وَالْحَرَكَة وَذَلِكَ إجحاف بِهِ وَالْخَامِس أنَّ الْجَزْم فِي الْأَسْمَاء يسْقط التَّنْوِين وَهُوَ دَلِيل الصّرْف وَالْحَرَكَة الَّتِى هِيَ دَلِيل الْمَعْنى وَلَيْسَ كَذَلِك جزم الْأَفْعَال وَالسَّادِس أنَّ الْجَزْم يحدث بعوامل لَا يصحٌّ مَعْنَاهَا فِي الْأَسْمَاء فصل وَلم تُجرَّ الأفعالُ لستَّة أوجه أَحدهَا أنَّ الجرَّ فِي الْأَسْمَاء لَيْسَ بِأَصْل إِذْ كَانَ الأصلُ الرّفْع للْفَاعِل وَمَا حُمل عَلَيْهِ وَالنّصب للْمَفْعُول وَمَا حمل عَلَيْهِ وأمَّا الجرُّ فبالحرف وَمَا قَامَ مقَامه وَمَوْضِع الجارّ وَالْمَجْرُور رفع وَنصب فَحمل الْفِعْل على الِاسْم فِيمَا هُوَ أصلٌ فِيهِ وَالثَّانِي أنَّ الْفِعْل مَحْمُول على الِاسْم فِي الْإِعْرَاب فَيَنْبَغِي أَن يحمل عَلَيْهِ فِي أَضْعَف أَحْوَاله وعامل الرّفْع فِي الْأَسْمَاء قويّ وَهُوَ اللفظيّ وَضَعِيف وَهُوَ الْمَعْنَوِيّ فَحمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الْفِعْل فِي الرّفْع على الْعَامِل الضَّعِيف فارتفع الْفِعْل لوُقُوعه موقع الِاسْم وَكَذَلِكَ عَامل النصب فِي الْأَسْمَاء قويّ وَهُوَ الْفِعْل وَضَعِيف وَهُوَ الْحَرْف فَحمل الْفِعْل عَلَيْهِ فِي الْعَامِل الضَّعِيف فَلم يفعل فِي الْفِعْل إلاّ الْحَرْف وأمَّا الجُّر فَلَيْسَ لَهُ إلاَّ عَامل وَاحِد وَهُوَ الْحَرْف وأمَّا الْإِضَافَة فمقدَّرة بِحرف الجرِّ فَلَيْسَ للجرِّ إلاَّ عَامل وَاحِد فَلم يكن حمل الْفِعْل عَلَيْهِ إِذْ يلْزم مساواته لَهُ وَالْوَجْه الثَّالِث أنَّ إِعْرَاب الْفِعْل فرع على إِعْرَاب الِاسْم وَلَو أعرب بالجرِّ وَقد أعرب بِالرَّفْع وَالنّصب لَكَانَ الْفَرْع مُسَاوِيا للْأَصْل وَالرَّابِع أنَّ الْجَزْم دخل الْأَفْعَال وتعذَّر دُخُوله على الْأَسْمَاء لما تقدَّم فَلَو جُرَّت الْأَفْعَال لزادت على الْأَسْمَاء فِي الْأَعْرَاب الْخَامِس أنَّ الجرّ يكون بِالْإِضَافَة وَالْإِضَافَة توجب أَن يكون الْمُضَاف إِلَيْهِ دَاخِلا فِي الْمُضَاف معاقباً للتنوين وَلَيْسَ من قوَّةِ التَّنْوِين أَن يَقع موقعه الْفِعْل وَالْفَاعِل وَفِي امْتنَاع الْإِضَافَة إِلَى الْأَفْعَال أوجهٌ يطول ذكرهَا وسنذكرها فِي بَاب الْإِضَافَة إِن شَاءَ الله وَالسَّادِس أنَّ الجرَّ يكون بعامل لَا يصحُّ مَعْنَاهُ فِي الْفِعْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 فصل وألقاب الْبناء أَرْبَعَة على عدَّة ألقابِ الْإِعْرَاب فالضمُّ فِي الْبناء كالرفع فِي المعرب والفتحُ كالنَّصب والكسرُ كالجرّ وَالْوَقْف كالجزم فأمَّا مَا يبْنى على هَذِه الْأَشْيَاء من الْكَلَام فسنذكره بعد الْفَرَاغ من المعرب إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 بَاب الِاسْم الصَّحِيح فصل الصَّحِيح والمعتلُّ فِي الْأَسْمَاء من صِفَات الْأَسْمَاء المعربة المفردة وَمَا كَانَ فِي حكمهَا من جمع التكسير وَلَا يُقَال فِي (حيثُ وَأَيْنَ وأمس) هِيَ أَسمَاء صَحِيحَة وَلَا فِي (إِذا وَمَتى) معتلّ لِأَن حد الِاسْم الصَّحِيح هُوَ الَّذِي يتعاقب على الْحَرْف الْأَخير مِنْهُ حركات الْإِعْرَاب الثَّلَاث وَهُوَ أَوْلى من قَوْلك الصَّحِيح مَا لم يكن حرف إعرابه ألفا وَلَا يَاء قبلهَا كسرة لأنَّ المثنَّى قد يكون بِهَذِهِ الصّفة وَلَا يسمَّى صَحِيحا ولأنَّ الحدَّ الأوَّل إِثْبَات مَحْض وَالثَّانِي نفي والحدُّ الْحَقِيقِيّ لَا يكون نفيا لأنَّ الحدَّ الحقيقيَّ مَا أبان عَن حَقِيقَة الْمَحْدُود وَالنَّفْي لَا يبين عَن حَقِيقَة الْمَحْدُود فصل وَفِي اشتقاق الصّرْف هُنَا وَجْهَان أَحدهمَا هُوَ من صريف الناب والبكرة والقلم وهوالصوت الَّذِي يكون من هَذِه الْأَشْيَاء وعَلى هَذَا يكون الصّرْف هُوَ التَّنْوِين وَحده لأنَّه صَوت يلْحق آخر الِاسْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَالثَّانِي هُوَ من صرفت الشَّيْء وصرَّفته إِذا ردَّدته وقلَّبته فِي الْجِهَات وعَلى هَذَا يكون الجرُّ من الصّرْف إِذْ بِهِ يزِيد تقليب الْكَلِمَة والأوَّل هُوَ الْوَجْه فصل وَاخْتلف النحويُّون فِي الصّرْف فمذهب المحقَّقين أنَّه التَّنْوِين وَحده وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الجرُّ مَعَ التَّنْوِين وَالدَّلِيل على الأوًّل من أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أنَّه مُطَابق لاشتقاق اسْم الصّرْف على مَا تقدَّم وَالثَّانِي أنَّ الِاسْم الَّذِي لَا ينْصَرف يدْخلهُ الجرَّ مَعَ الْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة مَعَ وجود العلَّة الْمَانِعَة من الصّرْف الثَّالِث أنَّ الشَّاعِر إِذا اضْطر إِلَى تَنْوِين الْمَرْفُوع والمنصوب قيل قد صرف للضَّرُورَة وَلَا جرَّ هُنَاكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وَالرَّابِع أنَّه إِذا اضْطر إِلَى التَّنْوِين فِي الجرَّ جرَّ ونوَّن وَلَو كَانَ الجرَّ من الصّرْف لفتح ونوَّن لِأَن ضَرُورَته لَا تَدْعُو إِلَى الْكسر واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ الصّرْف من التصريف وَهُوَ التقليب والجرُّ زِيَادَة تَغْيِير فِي الِاسْم فَكَانَ من الصّرْف وَالثَّانِي أنَّ التَّنْوِين مُنع مِنْهُ هَذَا الِاسْم لشبهه بِالْفِعْلِ لكَونه من خَصَائِص الْأَسْمَاء والجرّ بِهَذِهِ الصّفة فَيكون من جملَة الصّرْف وَالْجَوَاب عَن الأوَّل من وَجْهَيْن أحُدهما أنَّ مَا ذَكرُوهُ لوصحَّ لم يكن التَّنْوِين من الصّرْف لِأَنَّهُ لَيْسَ من وُجُوه تقليب الْكَلِمَة بل هُوَ تَابع لما هُوَ تقليب وَالثَّانِي أنَّ الرّفْع وَالنّصب تقليب وَلَيْسَ من الصّرْف وَأما الثَّانِي فَلَا يصحُّ أَيْضا لأنَّ الْألف اللَّام وَغَيرهَا من خَصَائِص الِاسْم لَا تُمَّسى صرفا وَكَذَلِكَ الْجَرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فصل إنَّما زادوا التَّنْوِين فِي المنصرف دون غَيره من الْحُرُوف لأنَّ حُرُوف المدَّ تعدَّدت زيادتها لما فِيهَا من الثّقل وَمَا يلْحقهَا من التَّغْيِير بِحَسب مَا قبلهَا من الحركات وَالنُّون أشبه بحروف المدَّ لما فِيهَا من الغنَّة ويؤمن فِيهَا مَا خيف من حُرُوف المدَّ فصل والتنوين مصدر (نوَّنت) وَحَقِيقَته نون سَاكِنة تزاد فِي آخر الِاسْم المعرب وَيثبت فِي الْوَصْل دون الْوَقْف وإنَّما سميَّ تنوينا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه حَادث بِفعل النَّاطِق بِهِ وَلَيْسَ من سنخ الْكَلِمَة وَالثَّانِي أنَّهم فرَّقوا بَين النُّون الثَّابِتَة وصلا ووقفاً وَبَين هَذِه النُّون فصل وَاخْتلفُوا فِي علَّة زِيَادَة التَّنْوِين على أَرْبَعَة أَقْوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 أحدُها أنَّه زيد عَلامَة على خفَّة الِاسْم وتمكّنُه فِي بَاب الاسمَّية وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَذَلِكَ أنَّ مَا يشبه الْفِعْل من الْأَسْمَاء يثقل وَلَا يحْتَمل الزِّيَادَة وَمَا يشبه الْحَرْف يبْنى وَمَا عري من شبههما يَأْتِي على خفَّته فَالزِّيَادَة عَلَيْهِ تشعر بذلك إِذْ الثقيل لَا يثقّل وَالْقَوْل الثَّانِي أنَّه فرَّق بَين المنصرف وَغير المنصرف وَهُوَ قَول الفرَّاء وَهَذَا يرجع إِلَى قَول سِيبَوَيْهٍ إلاَّ انَّ الْعبارَة مضطربة لأنَّ مَعْنَاهَا أنَّ النُّون فُرَّق بهَا بَين مَا ينوَّن وَبَين مَا لَا ينون وَذَا تَعْلِيل الشَّيْء بِنَفسِهِ وَالْقَوْل الثَّالِث أنَّ التَّنْوِين فُرَّق بِهِ بَين الِاسْم وَالْفِعْل وَهَذَا فَاسد لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ مَا لَا ينْصَرف اسْم وَمَعَ هَذَا لَا ينوَّن وَالثَّانِي أنَّ الفوراق بَين الِاسْم وَالْفِعْل كَثِيرَة كالألف وَاللَّام وحروف الجرَّ وَالْإِضَافَة فَلم يُحْتَجْ إِلَى التَّنْوِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وَالْقَوْل الرَّابِع أنَّه فرَّق بَين الْمُفْرد والمضاف وَهَذَا أَيْضا فَاسد من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن غير المنصرف يكون مُفردا وَلَا ينوَّن وَالثَّانِي أَن الْمُفْرد مفارق للمضاف لِأَنَّهُ يَصح السُّكُوت عَلَيْهِ والمضاف إِلَيْهِ كجزء من الْمُضَاف وَالثَّالِث أَن مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام مُفْرد وَلَا ينون فصل والمستحق للتنوين الِاسْم النكرَة المذكَّر لِأَن الْغَرَض من زِيَادَة التَّنْوِين التَّنْبِيه على خفَّة الإسم وأخفَّ الأسم النكرَة الْمُذكر فَأَما الِاسْم الْعلم مثل (زيد) والنكرة المؤنثة مثل (شَجَرَة) فَدَخلَهَا التَّنْوِين لثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 أَحدهَا أنَّهما أشبها الْفِعْل من وَجه وَاحِد وَالِاسْم أصلٌ للْفِعْل ومشابهة الْفَرْع للْأَصْل من وَجه وَاحِد ضَعِيفَة فَلَا تجذبه إِلَى حكمه بل غَايَة مَا فِيهِ أَن يصير الْوَجْه الْوَاحِد من الشّبَه مُعَارضا بِأَصْل الِاسْم إلاَّ أنَّه لَا يرجَّح الْفِعْل عَلَيْهِ حتَّى يلْحق الِاسْم بِهِ وَالثَّانِي أنَّ تَعْرِيف الْعلم بِالْوَضْعِ فامَّا اللَّفْظ فَمثل لفظ النكرَة وَلِهَذَا يتنكر الْعلم كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد وَزيد آخر وَلَيْسَ كَذَلِك الْألف وَاللَّام وَالثَّالِث أنَّ الْعلم متوسَّط بَين مَا أشبه الْفِعْل من وَجْهَيْن وَبَين مَا لم يشبْه البتَّة وإلحاقه بِمَا لم يشبه الْفِعْل أولى لِأَنَّهُ أصلٌ للأفعال وإلحاق الْفُرُوع بالأصول أوْلى فصل وإنَّما لم يجْتَمع التَّنْوِين وَالْألف وَاللَّام لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ الِاسْم ثقل بِالْألف وَاللَّام فَلم يحْتَمل زِيَادَة أُخْرَى وَالثَّانِي أنَّ الْألف وَاللَّام يعرَّف الِاسْم فَيصير متناولاً لشيْ بِعَيْنِه فيثقل بذلك بِخِلَاف النكرَة فَإِنَّهَا أخف الْأَسْمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 فصل ويتعلَّق بِهَذَا الْكَلَام بَيَان خفَّة النكرَة وَثقل الْفِعْل أمَّا النكرَة فَإِنَّهَا أخف إِذا كَانَ مدلولها معنى وَاحِدًا كَقَوْلِك (رجلٌ) وَالسَّامِع يدْرك معنى هَذَا اللَّفْظ بِغَيْر فكرة وأمَّا (زيد) وَنَحْوه من الْأَعْلَام فَيتَنَاوَل وَاحِدًا معينَّاً يَقع فِيهِ الأشتراك فَيحْتَاج إِلَى فواصل تميزَّه فصل وأمَّا ثقل الْفِعْل فَظَاهر وَذَلِكَ أنَّ لَفظه يلْزمه الْفَاعِل والمفاعيل من الظرفين وَغَيرهمَا والمصدر وَالْحَال ويدلُّ على حدث وزمان ويتصرَّف تصرَّفاً تخْتَلف بِهِ الْمعَانِي بِخِلَاف الِاسْم فإنَّه لَا يدُّل إلأَّ على معنى وَاحِد فصل وإنَّما لم يجْتَمع التَّنْوِين وَالْإِضَافَة لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ التَّنْوِين فِي الأَصْل دَلِيل التنكير وَالْإِضَافَة تعرَّف أَو تخصَّص فَلم يجمع بَينهمَا لتنافي معنييهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَالثَّانِي أنَّ التَّنْوِين جعل دَلِيلا على أنتهاء الِاسْم والمضاف إِلَيْهِ من تَمام الْمُضَاف فَلَو نوَّن الأوَّل لَكَانَ كإلحاق التَّنْوِين قبل مُنْتَهى الِاسْم وَهَذَا معنى قَوْلهم التَّنْوِين يُؤذن بالانفصال وَالْإِضَافَة تؤذن بالأتِّصال فَلم يجتمعا فصل وَالْكَلَام فِي غير المنصرف يسْتَوْفى بِجَمِيعِ أَحْكَامه فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف إِن شَاءَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 بَاب الِاسْم المعتلّ الِاسْم المعتلّ مَا آخِره ألف أَو يَاء قبلهَا كسرة وسُمَّي (مُعْتَلًّا) لأنَّ حرف إعرابه حرف علَّة وحروف العلَّة الْألف وَالْوَاو وَالْيَاء غير أنَّ الْوَاو المضموم مَا قبلهَا لم تقع فِي آخر الِاسْم بِحَال وانَّما سميت (حُرُوف علَّة) لأنَّ العلَّة هِيَ الْمَعْنى المغيّر للشَّيْء وَهَذِه الْحُرُوف يكثر تغييرها وَوصف الاسمُ بِكَمَالِهِ بالاعتلال وإنْ كَانَ حرف العلَّة جُزْء اً مِنْهُ كَمَا وصف بالإعراب وَهُوَ فِي حرف مِنْهُ وَمذهب التصريفيين أَن يُقَال معتلّ اللَّام كَمَا يقالُ معتلّ الْفَاء ومعتلّ الْعين وَلم يحْتَج النحويّ إِلَى ذَلِك لأنَّ عنايته بالإعراب وَالْبناء الواقِعَيْن آخرا فصل والمنقوص مَا كَانَ آخِره يَاء قبلهَا كسرة وَلَا حَاجَة إِلَى قَوْلك يَاء خَفِيفَة لأنَّ الْيَاء المشدَّدة ياءان الاولى مِنْهُمَا سَاكِنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فصل وسُمَّي (منقوصاً) لأنَّه نُقِص فِي إعرابه الضمّ وَالْكَسْر وَبَقِي لَهُ النصب فصل وإنَّما لم تضم الْيَاء اليا هَهُنَا وَلم تكسر لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ الْيَاء مقدَّرة بكسرتين فَإِذا كَانَت قبلهَا كسرة ضَمَمتْها أَو كسرتها جمعت بَين أَربع حركات مستثقلة وَالثَّانِي أنَّ الْيَاء خفيّة وتحريكها تكلُّف لإبانتها بِمَا هُوَ أَضْعَف مِنْهَا وَذَلِكَ شاق وَلِهَذَا قَالَ الْأَخْفَش ضمُّها أَو كسرهَا كالكتابة فِي السوَاد فصل إنَّما احتملت الفتحة لخفتُّها لأنَّها بعض الْألف وَالْألف أخفُّ حُرُوف المدِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَبَعض الأخفِّ فِي غَايَة الخفَّة فإنْ قيل لَو كَانَ كَذَلِك لصحَّت الْوَاو وَالْيَاء فِي (دَار) و (بَاعَ) لانفتاحهما قيل الفتحة هُنَاكَ لَازِمَة بِخِلَاف فَتْحة الْمَنْصُوب هُنَا فصل وَإِذا كَانَت لَام الْكَلِمَة واواً مثل (غَازِي) فإنَّها سكنت وانكسر مَا قبلهَا فَانْقَلَبت يَاء فَإِذا نصبت فَقلت رَأَيْت غازياً لم تعد الْوَاو لئلاّ يخْتَلف حكمهَا فِي اسْم وَاحِد لأمر عَارض وَهَذَا أقرب من حملهمْ (أعد ونعد وتعد) فِي الْحَذف على (يعد) فصل إِذا كَانَ المنقوص منصرفاً حذفت ياؤه الساكنة وَبَقِي التَّنْوِين لأنَّهما ساكنان والجميع بَينهمَا متعذّر وتحريك الْيَاء لَا يجوز لوجهَيْن أَحدهمَا الثّقل المهروب مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وَالثَّانِي أنَّه تَحْرِيك أوَّل الساكنين فِي كلمة وَاحِدَة وَذَلِكَ لَا يجوز لما نبيّنه فِي بَاب المبنيَّات وتحريك التَّنْوِين يثقله فَيتَعَيَّن الْحَذف وَحذف الْيَاء أوْلى لثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أنَّ حذف أوَّل الساكنين فِي كلمة وَاحِدَة هُوَ الْقيَاس نَحْو لم يكن وَلم يبع لَا سِيمَا وَالْيَاء من حُرُوف العلّة وَالنُّون حرف صَحِيح وَالثَّانِي أنَّ الْيَاء على حذفهَا دَلِيل وَالثَّالِث أنَّ التَّنْوِين دخل لِمَعْنى فَحَذفهُ يخلُّ لَهُ بِخِلَاف الْيَاء فصل وَقد جَاءَ فِي ضَرُورَة الشّعْر ضمَّ الْيَاء وكسرُها فِي الرّفْع والجرِّ على الأَصْل وَقد سكنت الْيَاء أَيْضا فِي الشّعْر من الْمَنْصُوب قَالَ أَبُو العبَّاس وَهُوَ من أحسن الضَّرُورَة وَإِذ كَانَ تحريكها ثقيلاً بكلَّ حَال فصل وأمَّا الْمَقْصُور فكلّ اسْم آخِره ألف وَهَذَا يدْخل فِيهِ المذكَّر والمؤنث نَحْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 (الْقَفَا) و (الْعَصَا) و (ذكرى) و (حُبْلَى) وإنْ شِئْت قلت كلّ اسْم حرفُ إعرابه ألفٌ وَلَا تحْتَاج أَن تَقول ألف مُفْردَة إِذْ قَوْلك آخِره ألف يُغني عَن ذَلِك فصل والمقصور من قَوْلك قصرته أَي حَبسته وَمِنْه {حوٌر مقصوراتٌ فِي الْخيام} وَامْرَأَة قَصِيرَة ومقصورة أَي محبوسة فِي خدرها وَمِنْه قَول كثيَّر 2 - (وأنْتِ الَّتِي حبَّبْتِ كلَّ قصيرةٍ ... إليَّ وَمَا يَدْري بِذَاكَ القصايُر) - (عَنَيْتُ قصيراتِ الحجالِ وَلم أُرِدْ ... قِصَارَ الْخطَا شرُّ النساءِ البحاتُر) فصل وَفِي معنى تَسْمِيَته (مَقْصُورا) أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أنَّ الْإِعْرَاب قُصر فِيهِ فَيكون تَقْدِيره الْمَقْصُور فِيهِ الْإِعْرَاب ثمَّ حذف وَجعل اسْما للاسم الَّذِي هَذِه صفته وَالثَّانِي أنَّه قُصر عَن الْإِعْرَاب أَي حبس عَن ظُهُور الْإِعْرَاب فِي لَفظه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَالثَّالِث أنَّ صَوت الْألف المفردة أقصر من صَوتهَا إِذا وَقعت بعْدهَا همزَة فَكَانَ صَوتهَا مَحْبُوسًا عَن صَوت الْألف الَّتِي بعْدهَا همزَة وَالرَّابِع أنَّه نقيض الْمَمْدُود فصل وإنَّما لم تظهر فِي الْألف الْحَرَكَة لِأَنَّهَا هوائية تجْرِي مَعَ النَّفس لَا اعْتِمَاد لَهَا فِي الْفَم وَالْحَرَكَة تمنع الْحَرْف من الجري وتقطعه عَن استطاعته فَلم تجتمعا وَلِهَذَا إِذا حرّكت الْألف انقلبت همزَة فصل وَإِذا نوَّن الْمَقْصُور حذفت أَلفه لسكونها وَسُكُون التَّنْوِين بعْدهَا والعله فِي ذَلِك كالعلّة فِي حذف الْيَاء من المنقوص وَقد تقدَّم ذكره فصل وَألف التَّأْنِيث فِي نَحْو (حُبْلَى وبشرى) لَا أصل لَهَا فِي الْحَرَكَة ولايمكن تَقْدِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الْحَرَكَة عَلَيْهَا تَقْديرا يُمكن تحقيقة لأنَّها غير منقلبة عَن حرف يتحرَّك وَلَكِن لَمَّا وَقعت خَبرا جعلت إِعْرَاب إِذْ كَانَت فِي مَوضِع ألف (عَصا ورحى) وَفِي مَوضِع الْهمزَة فِي (حَمْرَاء) وَالتَّاء فِي (شَجَرَة) فصل والممدود متصرَّف بِوُجُوه الْإِعْرَاب لأنَّ حرف إعرابه همزَة وَهِي حرف صَحِيح يثبت فِي الْجَزْم فصل وَإِذا سكن مَا قبل الْيَاء جَرَتْ بِوُجُوه الْإِعْرَاب لثلاثةِ أوجهِ أَحدهَا أنَّ المنقوص منع من ضم الْيَاء وَكسرهَا للثقل الْحَاصِل بحركتها وحركة مَا قبلهَا وَقد زَالَ ذَلِك وَالثَّانِي أنَّك لَو سكنت الْيَاء لجمعت بَين ساكنين وَالثَّالِث أنَّ مَا قبل الْيَاء إِذا سكِّن أشبه الْحَرْف الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِي سكونه فَتكون الْيَاء كالحرف المبدوء بِهِ والابتداء بالساكن مُمْتَنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 فصل وَالْيَاء المشدَّدة يَاء ان الأولى مِنْهَا سَاكِنة فَيصير كظَبْيٍ ولَحْي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 بَاب الْأَسْمَاء السِّتَّة فصل (أبٌ وأخٌ وحَمٌ وهَنٌ) محذوفات اللامات ولامُها وَاو فِي الأَصْل وسنرى ذَلِك فِي التصريف إِن شَاءَ الله تَعَالَى وفيهَا لُغَة أُخْرَى وَهِي أَبَا وأخاً وحما وَهنا مثل عَصا فأمَّا فِي الْإِضَافَة فاللغة الجيَّدة ردّ اللَّام نَحْو أَبوك وَأَبُو زيد وَفِيه لُغَة أُخْرَى حذف اللَّام مَعَ الْإِضَافَة نَحْو أبُك وأبُ زيد فصل وأمَّا فوك فأصله (فَوْهٌ) فحذفت الْهَاء اعتباطاً وأبدل من الْوَاو ميمٌ لأنَّهم لَو أبقوها لتحرَّكت فِي الْإِعْرَاب فَانْقَلَبت ألفا وحذفت بِالتَّنْوِينِ وَبَقِي الِاسْم المعرب على حرف وَاحِد وَالْمِيم تشبه الْوَاو وتحتمل الْحَرَكَة فَإِذا أضفته رددت الْوَاو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 فصل وأمَّا (ذُو) فمحذوفة اللَّام وَهل هِيَ وَاو أَو يَاء فِيهِ خلاف يذكر فِي التصريف وَمَعْنَاهَا (صَاحب) وَلَا تسْتَعْمل إلاَّ مُضَافَة إِلَى جنس لأنَّ الْغَرَض مِنْهَا التوصُّل إِلَى الْوَصْف بالأجناس إِذْ كَانَ يتعذَّر الْوَصْف بهَا بِدُونِ (ذُو) أَلا ترى أنَّك لَا تَقول زيدٌ مَال وَلَا طول حَتَّى تَقول ذُو مَال وَذُو طول وَهَهُنَا لم يجز إضافتها إِلَى الْمُضمر لأنَّه لَيْسَ بِجِنْس وَمَا جَاءَ من ذَلِك فشاذٌ أَو من كَلَام الْمُحدثين وإنَّما عدلوا عَن (صَاحب) إِلَى (ذُو) وَإِن كَانَت بمعناها لأنَّ صاحباً تُضَاف إِلَى الْجِنْس وَالْعلم وَغير ذَلِك فخصَّصوا (ذُو) بِالْإِضَافَة إِلَى الْجِنْس لما ذَكرْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فصل وَهَذِه الْأَسْمَاء معربة فِي حَال الْإِضَافَة وَلها حُرُوف إِعْرَاب وَاخْتلف النَّاس فِي ذَلِك فَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أنَّ حُرُوف العلَّة فِيهَا حُرُوف إِعْرَاب وَالْإِعْرَاب مقدَّر فِيهَا وَاخْتلف أَصْحَابه فِي الحركات الَّتِي قبلهَا فَقَالَ الربعيّ الأَصْل فِي الرّفْع وَاو مَضْمُومَة لَكِن نقلت الضمَّة إِلَى الْحَرْف الَّذِي قبلهَا فَفِي هَذَا نقل فَقَط وَفِي النصب تحرَّكت الْوَاو وَانْفَتح مَا قبلهَا فَانْقَلَبت ألفا فَفِيهَا قلبٌ فَقَط وَفِي الجرَّ تنقل كسرة الْوَاو إِلَى مَا قبلهَا فقلبت لسكونها وكَسْر مَا قبلهَا يَاء فَفِيهَا هُنَا نقل وقلب وَهَذَا ضَعِيف لأنَّه يؤدَّي إِلَى أَن تكون الْحَرَكَة المنقولة حَرَكَة إِعْرَاب فَيكون الْإِعْرَاب فِي وسط الْكَلِمَة وَلَا يصحُّ تَقْدِير الْإِعْرَاب فِي حُرُوف العلّة على قَوْله لأنَّ الْمَنْقُول ملفوظٌ بِهِ فَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير إِعْرَاب آخر وَقَالَ بعض أَصْحَاب سِيبَوَيْهٍ لم ينْقل شَيْء بل حركات مَا قبلهَا حُرُوف العلَّة تَابِعَة لَهَا تَنْبِيها على أنَّ هَذِه الْأَسْمَاء قبل الْإِضَافَة إعرابُها فِي عيناتها وَأَن ردَّ اللَّام عَارض فِي الْإِضَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَالدَّلِيل على أنَّ حُرُوف العلَّة هُنَا حروفٌ الْإِعْرَاب لَا إعرابٌ أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أنَّ الأَصْل فِي كلّ مُعرب أَن يكون لَهُ حرف إِعْرَاب وَأَن يعرب بالحركة لَا بالحرف وَقد أمكن ذَلِك هُنَا إلاَّ أنَّ الْحَرَكَة امْتنع ظُهُورهَا لثقلها على حُرُوف العلّة كَمَا كَانَ ذَلِك فِي المنقوص والمقصور وَالثَّانِي أنَّ هَذِه الْأَسْمَاء معربة فِي الْإِفْرَاد على مَا ذكرنَا فَكَانَت فِي الْإِضَافَة كَذَلِك كَغَيْرِهَا من الْأَسْمَاء وَالثَّالِث أنَّ هَذِه الْحُرُوف لَو كَانَت إعراباً لما اختلَّت الْكَلِمَة بحذفها كَمَا لَا تختلُّ الْكَلِمَة الصَّحِيحَة بِحَذْف الْإِعْرَاب وَالرَّابِع أنَّ هَذِه الْأَسْمَاء لَو خرجت على أَصْلهَا من قَلبهَا ألفات لكَانَتْ حُرُوف إِعْرَاب وَالْحَرَكَة مقدَّرة فِيهَا فَكَذَلِك لَمَّا رُدَّتْ فِي الْإِضَافَة فصل وَقَالَ الْأَخْفَش هِيَ زَوَائِد دوالُّ على الْإِعْرَاب كالحركات وَهَذَا لَا يصحَّ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ الْإِعْرَاب الَّذِي يدلُّ عَلَيْهِ لَا يصحُّ أَن يكون فِيهَا إِذْ كَانَت زَوَائِد على المعرب كزيادة الْحَرَكَة وَلَا يصحُّ أَن يكون فِي غَيرهَا لتراخيها عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّها لَو كَانَت زَوَائِد لَكَانَ (فوك وَذُو مَال) اسْما معرباً على حرف وَاحِد وَذَا لَا نَظِير لَهُ فصل وَقَالَ الْجرْمِي انقلابها هُوَ الْإِعْرَاب وَهُوَ فَاسد لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الرّفْع لَا انقلاب فِيهِ مَعَ أَنه مُعرب وَالثَّانِي أنَّ الانقلاب لَو كَانَ إعراباً لاكتفى بانقلاب وَاحِد كَمَا قَالَ فِي التَّثْنِيَة وَالثَّالِث أنَّ الأنقلاب فِي الْمَقْصُور لَيْسَ بإعراب فَكَذَلِك هَهُنَا فصل قَالَ الْمَازِني هَذِه الْحُرُوف ناشئة عَن إشباع الحركات والإعرابُ قبلهَا كَمَا كَانَت فِي الْأَفْرَاد وَهَذَا فَاسد لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن الأشباع على هَذَا من أَحْكَام ضَرُورَة الشّعْر دون الِاخْتِيَار وَالثَّانِي أَن مَا حدث للإشباع يسوغ حذفه وَحذف هَذِه الْحُرُوف غير جَائِز فِي اللُّغَة الْعَالِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وَالثَّالِث أنَّ يُفْضِي إِلَى أَن يكون (فوك وَذُو مَال) اسْما معرباً على حرف وَاحِد فصل وَقَالَ الْفراء هِيَ معربة من مكانين فالضمَّة وَالْوَاو إِعْرَاب فَكَذَلِك الْآخرَانِ وَهَذَا فَاسد لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ الْإِعْرَاب دخل الْكَلَام ليفصل بَين الْمعَانِي وَذَلِكَ يحصل بإعراب وَاحِد فَلَا حَاجَة إِلَى آخر وَالثَّانِي مَا ذهب إِلَيْهِ لَا نَظِير لَهُ وَلَا يصحُّ قِيَاسه على (امْرِئ) و (ابنم) لأنَّ الحركات هُنَا تَابِعَة لحروف العلّة وَهَذَا يثبت الْحَرَكَة فِي الْوَقْف مَعَ أنَّ الْإِعْرَاب يحذف فِي الْوَقْف وَالثَّالِث أنَّ (فوك) و (ذُو مَال) حرفان وَيُؤَدِّي قولُه إِلَى أَن يكون الْإِعْرَاب فِي جَمِيع الْكَلِمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَقَالَ قطرب وَأَبُو إِسْحَق الزياديّ هَذِه الْحُرُوف إِعْرَاب كالحركة وَقد أفْسَدْنا ذَلِك بِمَا تقدَّم وَقَالَ أَبُو عليّ وَجَمَاعَة من أَصْحَابه هَذِه حُرُوف إِعْرَاب دوال على الْإِعْرَاب فَجمعُوا بَين قَول الْأَخْفَش وَقَول سِيبَوَيْهٍ إلاَّ أنَّهم لم يقدِّروا فِيهَا إعراباً وَهَذَا مَذْهَب مُسْتَقِيم كَمَا فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أقوى لِخُرُوجِهِ على الْقيَاس وموافقته لِلْأُصُولِ فصل وَإِذا أضفت (أَبَا وأخاً وحماً وَهنا) إِلَى يَاء المتكلَّم كَانَت بياء سَاكِنة مخفًّفة وَفِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا أَنهم لم يُعِيدُوا الْمَحْذُوف هُنَا لئلاَّ يُفْضِي إِلَى يَاء مشدَّدة قبلهَا كسرة مَعَ كَثْرَة اسْتِعْمَال هَذِه الْأَسْمَاء فحذفوها تَخْفِيفًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وَالثَّانِي أنَّ الْمُضَاف هُنَا مبنيٌ وَهَذِه الْحُرُوف دوالُّ على الْإِعْرَاب وقائمة مُقامه فَلم يجتمعا وأمَّا (فِي) فرُدَّ فِيهِ الْمَحْذُوف لئلاَّ يبْقى على حرف وَاحِد وَكَانَ يشبه حرف الجرَّ فصل وإنَّما أعربت هَذِه الْأَسْمَاء بالحروف لِأَنَّهَا مُفْردَة تحْتَاج فِي قِيَاس التَّثْنِيَة وَالْجمع إِلَيْهَا إِذْ كَانَت التَّثْنِيَة وَالْجمع معربة بالحروف ضَرُورَة وَهِي فروع والأسماء المفردة أصُول فَجعلُوا ضربا من الْمُفْردَات معرباً بالحروف ليؤنس ذَلِك بالتثنية وَالْجمع وإنَّما اخْتَارُوا من الْمُفْردَات هَذِه الْأَسْمَاء لِأَنَّهَا تلزمها الْإِضَافَة فِي الْمَعْنى إذْ لَا أَب الا وَله ابْن وَكَذَلِكَ بَاقِيهَا وَلُزُوم الْإِضَافَة لَهَا يشبهها بالتثنية إِذْ كَانَ كلّ وَاحِد مِنْهُمَا أَكثر من اسْم وَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 بَاب التَّثْنِيَة وَالْجمع أصل التَّثْنِيَة الْعَطف [مِنْ] قَوْلك ثنيت الْعود إِذا عطفته وَكَانَ الأَصْل أَن يعْطف اسْم على اسْم وَقد جَاءَ [مِنْ] ذَلِك فِي الشّعْر كثير لكِنهمْ اكتفوْا باسم وَاحِد وحرف وجعلوه عوضا من الْأَسْمَاء المعطوفة اختصاراً فصل وإنَّما زادوا الْحَرْف دون الْحَرَكَة لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ الْحَرَكَة كَانَت فِي آخر الْوَاحِد إعرابا فَلَو أبقوها لم يكن على التَّثْنِيَة دَلِيل وَالثَّانِي أنَّ الِاسْم الْمَعْطُوف مساوٍ للمعطوف عَلَيْهِ فَكَمَا كَانَ الأوَّل حروفاً كَانَ الدَّلِيل عَلَيْهِ حرفا فصل وإنَّما لم تُثَنَّ الْأَفْعَال لخمسة أوجه أَحدهَا أَن لفظ الْفِعْل جنس يَقع بِلَفْظِهِ على كل أَنْوَاعه وَالْغَرَض من التَّثْنِيَة تعدُّد المسمَّيات وَالْجِنْس لَا تعدد فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَالثَّانِي أنَّ الْفِعْل وضع دَلِيلا على الْحَدث وَالزَّمَان فَلَو ثُنِّي لدلَّ على حدثين وزمانين وَهَذَا محَال وَالثَّالِث أنَّ الْفِعْل لَا بدَّ لَهُ من فَاعل فَيكون جملَة وتثنية الْجمل محَال وَلِهَذَا لَا يثنَّى لفظ (تأبَّط شرا) و (ذرَّى حبّاً) وَالرَّابِع أَن الْفِعْل لَو ثنَيَّ لَكُنْت تَقول فِي رجل وَاحِد قَامَ مرَّتَيْنِ أَو مرَارًا (قاما زيد) أَو (قَامُوا زيد) وَهَذَا محَال وَالْخَامِس أنَّ التَّثْنِيَة عطف فِي الأَصْل استغني فِيهَا بالحروف عَن الْمَعْطُوف فيفضي ذَلِك إِلَى أنَّ يقوم حرف التَّثْنِيَة مَقام الْفِعْل وَالْفَاعِل وَذَلِكَ الْفِعْل دالُّ على حدث وزمان وَلَيْسَ فِي لفظ حرف التَّثْنِيَة دلَالَة على أَكثر من الكِّميِّة فصل وإنَّما لم تُثَنُ الْحُرُوف لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّها نائبة عَن الْأَفْعَال وَإِذا تعذًّر ذَلِك فِي الأَصْل فَفِي النَّائِب أَوْلى وَالثَّانِي أنَّ الْحَرْف جنس وَاحِد كالفعل وَالثَّالِث أنَّ معنى الْحَرْف فِي غَيره فَلَو ثنَّيت الْحَرْف لأثبت لَهُ مَعْنيين فِيمَا مَعْنَاهُ فِيهِ وَذَلِكَ مُمْتَنع لأنَّ معنى الْحَرْف غير متعدَّد فصل وكلُّ مَا تنكَّرت مَعْرفَته أَو تعرَّفت نكرته صحَّت تثنيته لأنَّ أصل المثنىَّ الْعَطف وَإِذا اسْتَوَى لفظ الاسمين وَقع الِاشْتِرَاك بَينهمَا فصارا نكرتين وَلِهَذَا يدْخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الْألف وَاللَّام على الْمثنى وَإِن كَانَ معرفَة قبل ذَلِك نَحْو (الزيدان) فأمَّا (اللَّذَان) فَلَيْسَ بتثنية صناعيّة لأنَّه لَا يتمَّ إلاَّ بالصلة والتثنية الصناعيَّة لَا تكون إلاَّ بعد تَمام الِاسْم وَإِنَّمَا هِيَ صِيغَة للدلالة على التَّثْنِيَة وَكَذَلِكَ (هَذَانِ) لأنَّ (هَذَا) يقرب من الْمُضمر والمضمر لَا يثَّنى بل يصاغ مِنْهُ لفظ يدلُّ على الِاثْنَيْنِ وَلَيْسَ (أَنْتُمَا) تَثْنِيَة (أَنْت) فِي اللَّفْظ وَمن هُنَا بَقِي على تَعْرِيفه بعد التَّثْنِيَة فصل وَإِذا اردت تَثْنِيَة الْجُمَل قلت (هَذَانِ ذَوا تأبَّط شرا) أَو اللَّذَان يُقَال لكلِّ واحدٍ مِنْهُمَا تأبَّط شرا لما تقدَّم من اسْتِحَالَة تَثْنِيَة الْجُمْلَة وَكَذَلِكَ الْأَصْوَات وَالْعلم الْمُضَاف إِلَى اللقب نَحْو (قيس قفّه) و (ثَابت قطنة) فصل فِي مجَاز التَّثْنِيَة من ذَلِك قَوْلهم (مَاتَ حتف أنفيه) أَي مَنْخرَيْهِ و (هُوَ يؤامر نفسيه) أَي نَفسه تَأمره بأَشْيَاء متضادَّة كالبخل والجود وَنَحْوهمَا فكأنَّ لَهُ نفسين وَمِنْه (القمران) للشمس وَالْقَمَر فسُمِّي الشَّمْس قمراً عِنْد التَّثْنِيَة لأنَّ الْقَمَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 مذكَّر وَمِنْه (العُمران) فِي أبي بكر وَعمر فغُلَّب عمر لأنَّه اسْم مَشْهُور وَأَبُو بكر كنية وَالِاسْم أخفّ و (الأذانان) للأذان وَالْإِقَامَة وَمِنْه ذكر الْمثنى بِلَفْظ الْجمع كَقَوْلِك (ضُربت رؤوسهما) لِأَن التَّثْنِيَة فِي الْحَقِيقَة جمع وَقد أُمن اللَّبْسُ هَهُنَا إِذْ لَيْسَ للْوَاحِد إلاَّ رَأس وَاحِد وَيجوز (رأساهما) على الْقيَاس فصل وإنَّما زادوا حُرُوف المدَّ إِذْ كَانَت كالحركات لخفَّتها بسكونها وامتداد صَوتهَا وأنَّ الْكَلَام لَا يخلوا مِنْهَا أَو من أبعاضها وَهِي الحركات وأنَّهم لَو زادوا غَيرهَا لتُوِهَّم أنَّ الْحَرْف الزَّائِد من أصل الْكَلِمَة فصل وَإِنَّمَا جعلت الْوَاو للْجمع لقوَّتها وخروجها من عضوين وأنَّها دلَّت على الْجمع فِي الْإِضْمَار نَحْو (قَامُوا) وأنَّ مَعْنَاهَا فِي الْعَطف الْجمع وخُصَّ بهَا الرّفْع لأنَّها من جنس الضَّمة وأمَّا (الْيَاء) فخُصَّ بهَا الجرَّ ولأنهَّا من جنس الكسرة وأمَّا (الْألف) فَجعلت فِي التَّثْنِيَة لأربعة أوجه أَحدهَا أنَّ الْجمع خُصَّ بِالْوَاو وَالْيَاء لِمَعْنى يَقْتَضِيهِ فَلم يبْق للألف غير التَّثْنِيَة وَالثَّانِي أنَّ الْألف أخف من أختيها والتثنية أَكثر من الْجمع لدخولها فِي كلِّ اسْم وجَعْلُ الأخفِّ للْأَكْثَر هُوَ الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وَالثَّالِث أنَّ الْألف أسبق من أختيها فِي الْمخْرج والتثنية أسبق من الْجمع فَجُعِلَ الأسبق للأسبق وَالرَّابِع أَن الْألف جعلت ضميراً لأثنين فِي نَحْو (قاما) فَكَذَلِك تكون فِي الْأَسْمَاء فإنْ قيل لِمَ لَمْ تجْعَل الْوَاو فِي البنائين وَيفتح مَا قبلهَا فِي أَحدهمَا ويضمُّ فِي الآخر قيل لَا يصحُّ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ فِي الْأَسْمَاء الْمَجْمُوعَة مَا قبله وَاو مَفْتُوح وَهُوَ (مصطَفْون) وبابُه فَكَانَ يُؤَدِّي إِلَى اللّبْس وَالثَّانِي أنَّ الْوَاو تناسب الضمَّة والفتحة تناسب الْألف فَجعل مَعَ كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا مَا يُنَاسِبه فصل وإنَّما جعلت الْألف فِي الرّفْع لأربعة أوجه أحدهُا أنَّها لَمَّا كَانَت أتمّ حُرُوف المدَّ مدّاً كَانَت أصلا لأختيها وَلِهَذَا لم تقبل الْحَرَكَة والرفعُ هُوَ الأَصْل فَجعل الأصْل للْأَصْل وَالثَّانِي أنَّ الرّفْع أسبق من أَخَوَيْهِ وَالْألف أسبق من أختيها فًجُعِلَ الأسبق للأسبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَالثَّالِث أَن الْألف فِي الْإِضْمَار ضمير مَرْفُوع وَذَلِكَ يُنَاسب جعلهَا عَلامَة رفع وَالرَّابِع انَّه إنَّما وَجَبت الْوَاو لرفع الْجمع وَالْيَاء لجرِّ التَّثْنِيَة وَالْجمع وبقيتْ الْألف فَلم يجز أَن تكون للنصب لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنهَّا لَو كَانَت كَذَلِك لَحُمِلَ الْمَرْفُوع على غَيره إِذْ لم تبْق لَهُ عَلامَة تخصُّه وَالثَّانِي أنَّ الْمَنْصُوب قد قَامَ الدَّلِيل على أنَّه مَحْمُول على غَيره فَلم يَجْعَل أصلا فصل وإنَّما حُمل الْمَنْصُوب على الْمَجْرُور هُنَا لثمانية أوجه أَحدهَا أنَّ الجرَّ أصلٌ ينْفَرد بِهِ الِاسْم وَالرَّفْع يشْتَرك فِيهِ القبيلان فَكَانَ حمل النصب على المختصَّ أولى وَالثَّانِي أنَّ الجرَّ أقلُّ فِي الْكَلَام من الرّفْع وَالْحمل على الْأَقَل أخفُّ وَالثَّالِث أنَّ الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور فضلتان فِي الْكَلَام وَحمل الفضلة على الفضلة أشبه وَالرَّابِع أنَّهم سوَّوْا بَين ضمير الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور نَحْو (إنَّك) و (بك) وإنَّه) و (لَهُ) فَكَانَ فِي الظَّاهِر كَذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الْخَامِس أنَّ الْمَجْرُور بِحرف الجرِّ حقُّه النصب فِي الأَصْل فكأنَّه الْمَنْصُوب السَّادِس أَن الْمَجْرُور لَمَّا حمل على الْمَنْصُوب فِيمَا لَا ينْصَرف عكس ذَلِك هَهُنَا السَّابِع أنَّ الجرَّ بِالْيَاءِ وَهِي أخفُّ من الْوَاو وَالْحمل على الأخفِّ أولى وَالثَّامِن أنَّ النصب من الحلْق وَهُوَ أقربُ إِلَى الْيَاء إِذْ كَانَت من وسط الْفَم فصل وأنَّما فتح مَا قبل يَاء التَّثْنِيَة وَكسر فِي الْجمع لأربعة أوجه أحدُها أنَّ الفتحة أخف والتثنية أَكثر فَجعل الأخف للْأَكْثَر تعديلاً الثَّانِي أنَّ الْألف لّما اخْتصّت بالتثنية وَلم يكن مَا قبلهَا إلاَّ مَفْتُوحًا حمل النصب والجرَّ عَلَيْهِ طرداً للباب وَلم يُمكن ذَلِك فِي الْجمع وَالثَّالِث أنَّ نون التَّثْنِيَة مَكْسُورَة لما نبينَّه فَكَانَ فتح مَا قبل الْيَاء تعديلاً الرَّابِع أَن حرف التَّثْنِيَة يدلُّ على معنى فِي الْكَلِمَة فَفتح مَا قبله كحرف التَّأْنِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فصل والأسماء المثنَّاه والمجموعة معربة وَحكي عَن الزجَّاح أنَّها مبنيَّة وكلامة فِي الْمعَانِي يُخَالف هَذَا وَالدَّلِيل على أنَّها معربة وجود حدّ المعرب / وَهُوَ اخْتِلَاف آخرهَا لاخْتِلَاف الْعَامِل وأنَّها لم تشبه الْحُرُوف وَلَا يُقال إنَّها تضمنَّت معنى وَاو الْعَطف لأنَّ تضمُّن الإسم معنى الْحَرْف لَا يغيِّر لَفظه ك (أَيْن) و (خَمْسَة عشر) وَلَفظ التَّثْنِيَة غيَّر لفظ الْوَاحِد بِحَيْثُ لَا يصحُّ إِظْهَار الْوَاو فِيهِ فصل وحروف المدَّ هَهُنَا حُرُوف إِعْرَاب عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَاخْتلف أَصْحَابه فَقَالَ بَعضهم فِيهَا إِعْرَاب مقدَّر وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسَ فِيهَا تَقْدِير إِعْرَاب وَقَالَ الْأَخْفَش والمازنيّ والمبردِّ لَيست حُرُوف إِعْرَاب بل دالَّة عَلَيْهِ وَقَالَ الجرميّ انقلابها هُوَ الْأَعْرَاب وَقَالَ قطرب والفرّاء هِيَ نفس الْإِعْرَاب وَالدَّلِيل على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ من خَمْسَة أوجه أَحدهَا أنَّ حرف الْإِعْرَاب مَا إِذا سقط يختلُّ بِهِ معنى الْكَلِمَة وَهَذِه الْحُرُوف كَذَلِك وَلَو كَانَت إعراباً لم يختلّ مَعْنَاهَا بسقوطه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وَالثَّانِي أنَّ هَذِه الْحُرُوف مزيدة فِي آخر الِاسْم فَكَانَت حُرُوف إِعْرَاب كتاء التَّأْنِيث وألفه وحرف النّسَب وَالثَّالِث أنَّك لَو سمّيت رجلا ب (مسلمان) ثمَّ رخمتَّه حذفت مِنْهُ الْألف وَالنُّون وَالنُّون لَيست حرف إِعْرَاب عِنْد الْجَمِيع فَكَانَت الْألف كالثاء فِي (حَارِث) وَالرَّابِع أنَّ الْعَرَب قَالُوا (مذروان) و (عقلته بثنايين) فصحّحوا الْوَاو وَالْيَاء كَمَا صححَّوهما قبل التَّأْنِيث نَحْو (شقاوة) و (عَبَايَة) وَلَوْلَا أنَّها حُرُوف إِعْرَاب لم تكن كَذَلِك وَالْخَامِس أنَّ هَذِه الْأَسْمَاء معربة وَالْأَصْل فِي كلَّ مُعرب أَن يكون لَهُ حرف إِعْرَاب لِأَن الْإِعْرَاب كالعرض الْمُحْتَاج إِلَى محلّ والحرف محلُّه وأمَّا الْأَمْثِلَة الْخَمْسَة فَتعذر أَن يكون لَهَا حرف إِعْرَاب لما نبنيَّه فِي بَاب الْأَفْعَال إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد بيَّنّا فِي الْأَسْمَاء الستَّة بُطْلان مَذْهَب الْأَخْفَش والجرميّ والفرَّاء وَهُوَ فِي معنى التَّثْنِيَة وَالْجمع ونزيده هَهُنَا أنَّ الْيَاء هَهُنَا لَا تسْتَحقّ الْحَرَكَة إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لَا نقلبت ألفا كَمَا فِي الْمَقْصُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ويُبْطِل مذهبَ الفرَّاء أَيْضا أنَّ هَذِه الْحُرُوف تدلُّ على معَان لَا تدُّل عَلَيْهَا الحركات من التَّثْنِيَة وَالْجمع وإنَّما دلَّت على الْإِعْرَاب تبعا لَا أصلا فَإِن قيل لَو كَانَت حُرُوف إِعْرَاب لم تقع تَاء التَّأْنِيث قبلهَا فِي نَحْو (شجرتان) قيل لَمَّا كَانَت هَذِه الْحُرُوف داَّلة على الْإِعْرَاب من وَجه وحرف إِعْرَاب من وَجه جَازَ وُقُوع تَاء التَّأْنِيث قبلهَا من حَيْثُ هِيَ دالَّة على الْإِعْرَاب لَا من حَيْثُ هِيَ حُرُوف إِعْرَاب وإنَّما روعي ذَلِك لأنَّ التَّأْنِيث معنى نحافظ عَلَيْهِ كَمَا أنَّ التَّثْنِيَة كَذَلِك فصل وَاخْتلف النحويَّون فِي زِيَادَة النُّون فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع لماذا زيدت فمذهب سبيويه وَجُمْهُور البصريَّين أنَّها عوض من الْحَرَكَة والتنوين وَمن البصريَّين من قَالَ تكون عوضا مِنْهُمَا فِي نَحْو (رجلَانِ) وَمن الْحَرَكَة فِي نَحْو (الرّجلَانِ) وَمن التَّنْوِين فِي نَحْو (غُلَاما زيد) وَمِنْهُم من قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 هِيَ بدل من الْحَرَكَة فِي كل مَوضِع وَمِنْهُم من قَالَ من التَّنْوِين فِي كلّ مَوضِع وَقَالَ الفرَّاء فرَّق بهَا بَين التَّثْنِيَة وَبَين الْمَنْصُوب المنوَّن فِي الْوَقْف وَالدّلَالَة على الأوَّل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ الِاسْم مستحقٌّ الْحَرَكَة والتنوين وَقد تعذَّرا فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع والتعويض مِنْهُمَا مُمكن وَالنُّون صَالِحَة لذَلِك ورأينا الْعَرَب أثبتَتْها فيهمَا فَفُهِم أنَّهم قصدُوا التعويض رِعَايَة للْأَصْل وَمثل ذَلِك ثُبُوت النُّون فِي الْأَمْثِلَة الْخَمْسَة عوضا من الضمَّ وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ النُّون تثبت فِي النكرَة المنصرفة وَتسقط فِي الْإِضَافَة كَمَا يسْقط التَّنْوِين فأمَّا ثُبُوتهَا مَعَ الْألف وَاللَّام فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أنَّ الِاسْم تثبت فِيهِ النُّون قبل الْألف وَاللَّام فلَمَّا دخلا لم يحذفاه لقوَّته بحركته بِخِلَاف الْإِضَافَة وَالثَّانِي أنَّهما هُنَاكَ بدٌل من الْحَرَكَة وَحدهَا وتعذَّر أَن يكون بَدَلا من التَّنْوِين وكلّ حرف دلَّ على شَيْئَيْنِ وَتعذر دلَالَته على أَحدهمَا وَجب أَن يبْقى دالاًّ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الآخر وَهَذَا كالفعل فإنَّه يدَّل على حدث وزمان ثمَّ إنَّ (كَانَ وَأَخَوَاتهَا) أَفعَال خلعت دلالتها على الْحَدث وَبقيت دلالتها على الزَّمَان وَكَذَلِكَ الْعِوَض عَن شئيين إِذا تعذر قِيَامه عَن أَحدهمَا بَقِي عوضا عَن الآخر أما سُقُوطهَا مَعَ الْإِضَافَة فَمن حَيْثُ هِيَ بدلٌ من التَّنْوِين وَمن الْحَرَكَة وَلم يعكس فتحذف مَعَ الْألف وَاللَّام وَتثبت فِي الْإِضَافَة لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ الْمُضَاف إِلَيْهِ عوض من التَّنْوِين فِي مَوْضِعه وَلِهَذَا كَانَ من تَمام الْمُضَاف وَثُبُوت التَّنْوِين يُؤَدِّي إِلَى الْجمع بَين الْعِوَض والمعوض وَإِلَى قطع الأوَّل عَن الثَّانِي وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ النُّون لَمَّا ثبتَتْ مَعَ الْألف وَاللَّام بَدَلا من الْحَرَكَة وَحدهَا أردوا أَن يبيِّنوا أنَّها بدلٌ من التَّنْوِين أَيْضا فحذفوها مَعَ الْإِضَافَة عوضا من حذفهَا مَعَ الْألف وَاللَّام وأمَّا ثُبُوتهَا فِي (أحمدان) و (أَحْمَرَانِ) فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا مَا تقدَّم فِي الْألف وَاللَّام وَالثَّانِي أنَّ الِاسْم مستحقٌّ للتنوين فِي الأَصْل وإنَّما سقط لشبهه بِالْفِعْلِ وبالتثنية بَّعد من الْفِعْل فَعَاد إِلَى حقَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وأمَّا ثُبُوتهَا فِي (عصوان) و (فتيَان) فلأنَّ الْحَرَكَة ظَهرت لَّمَّا عَاد الْحَرْف إِلَى أَصله وأمَّا ثُبُوتهَا فِي (هَذَانِ) فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أنَّها صِيغَة وضعت للتثنية لَا أنَّها تَثْنِيَة (هَذَا) على التَّحْقِيق وَقد بيَّنا علَّته فِي أوَّل الْبَاب وَكَذَلِكَ (اللَّذَان) وَالثَّانِي أنَّ (هَذَانِ) و (اللَّذَان) بُنيا فِي الْإِفْرَاد لشبههما بالحرف وبالتثنية زَالَ ذَلِك إِذْ الْحَرْف لَا يثنى وَإِذا استحقّا أعربا استقّا الْحَرَكَة والتنوين وَذهب قوم إِلَى أنَّ النُّون فيهمَا عوض من الْحَرْف الْمَحْذُوف وهما الْألف فِي (هَذَا) وَالْيَاء فِي (الَّذِي) فإنْ قيل حرف المدِّ عنْدكُمْ عوض من الْحَرَكَة فَكيف يعوَّض مِنْهَا النُّون أَيْضا فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 أَحدهَا أنَّ حُرُوف المدَّ لَيست عوضا من الْحَرَكَة بل دالَّة على الرّفْع الَّذِي تدَّل عَلَيْهِ الْحَرَكَة وَالنُّون عوض من لفظ الْحَرَكَة المستحقّة وَبَين لفظ الْحَرَكَة واستحقاقها فرق بيِّن أَلا ترى أنكَّ لَو سميت امْرَأَة ب (قَدَم) لم تصرفها لتحرُّك أوسطها وَلَو سمَّيْتها ب (دَار) و (فيل) لصرفت بِلَا خلاف وإنْ كَانَت الْحَرَكَة مستحقَّة لكنَّها مَعْدُومَة لفظا وَالثَّانِي أنَّ حُرُوف المدَّ ضعفت نيابتها عَن الْحَرَكَة إِذْ كَانَت حُرُوف إِعْرَاب وأدلَّة على التَّثْنِيَة وَالْجمع فجبروا ضعف نيابتها عَنْهَا بِأَن جعلوها عوضا من الْحَرَكَة من وَجه وعوضاً من التَّنْوِين من وَجه وَأما مَذْهَب الفرَّاء فَيبْطل من أوجه أَحدهمَا أنَّ الْألف تثبت فِي الرّفْع خاصَّة وَالْعَامِل يميّز وَالثَّانِي أنَّه لَو كَانَ كَمَا قَالَ لم تثبت النُّون بعد الْيَاء وَالثَّالِث أنَّها تثبت فِي الْجمع وَلَا لَبْس هُنَاكَ وَالرَّابِع أنَّ الْألف وَاللَّام تمنع من الْألف فِي نصب الْوَاحِد وَتثبت فِي التَّثْنِيَة فصل وإنَّما كسرت النُّون فِي التَّثْنِيَة وَفتحت فِي الْجمع لأربعة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 أَحدهَا أنَّ تحريكها مُضْطَر إِلَيْهِ لئلاَّ يلتقي ساكنان وَالْأَصْل فِيهَا السّكُون والتثنية قبل الْجمع وَالْأَصْل فِي حَرَكَة التقاء الساكنين الْكسر فَكَانَت التَّثْنِيَة بهَا أولى وَفتحت فِي الْجمع لتخالف التَّثْنِيَة وَالثَّانِي أنَّ مَا قبل حرف المدّ فِي التَّثْنِيَة مَفْتُوح فَجعلُوا مَا بعده مكسوراً تعديلاً وعكسوه فِي الْجمع وَالثَّالِث أنَّ التَّثْنِيَة تكون بِالْألف فِي الرّفْع وَهِي أخفّ من الْوَاو وَالْيَاء فَجعلُوا الْكسر مَعَ الأخفّ وَالْفَتْح مَعَ الأثقل وَالرَّابِع أنَّهم لَو فتحُوا فِي الْمَوْضِعَيْنِ لوقع اللّبْس فِي بعض الْمَوَاضِع أَلا ترى أنَّك تَقول مررتُ بالْمُصْطَفَيْنَ فِي الْجمع بِفَتْح مَا قبل الْيَاء وَمَا بعْدهَا فَلَو فعلت ذَلِك فِي التَّثْنِيَة لالتبسا فصل وَقد شذَّ فِي التَّثْنِيَة شَيْئَانِ أَحدهمَا جعل المثنَّى بِالْألف فِي كلَّ حَال وَهِي لُغَة قَليلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وَالثَّانِي فتح النُّون فِيهَا وَكسر النُّون فِي الْجمع وَهُوَ قَلِيل أَيْضا وبابه الشّعْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 بَاب الْجمع الْجمع الَّذِي هُوَ نَظِير التَّثْنِيَة يسمَّى (جمع السَّلامَة) و (جمع التَّصْحِيح) لأنَّه صحَّ فِيهِ لفظ الْوَاحِد بِعَيْنِه و (جمعا على حدَّ التَّثْنِيَة) و (جمعا على هجائين) وحدَّه مَا سلم فِيهِ نظمُ الْوَاحِد وبناؤه فأمَّا (بنُون) فَقَالَ عبد القاهر رَحمَه الله لَيْسَ بسالم لسُقُوط الهمزه مِنْهُ وَقَالَ غَيره هُوَ سَالم وإنَّما سَقَطت الْهمزَة إِذْ كَانَت زَائِدَة توصُّلاً إِلَى النُّطْق بالساكن وَقد استغني عَنْهَا وأمّا (أرَضون) فحرِّكت راؤها لما نبيَّه من بعد فَإِن قلت ف (صِنْوان) جمع (صِنْو) وَقد سلم فِيهِ لفظ الْوَاحِد وَلَيْسَ بِجمع صَحِيح قيل سَلَامَته أمرُ اتَّفاقي وأنَّما هُوَ مكسّر على (فِعْلان) وَالتَّحْقِيق أنَّ الكسرة فِي أوَّله وَسُكُون ثَانِيَة فِي الْجمع غيرُهما فِي الْوَاحِد لأنَّ هَذَا الْجمع قد يكون واحده على غير زنة (فِعْل) نَحْو غراب وغربان وقضيب وقضبان فصل وإنَّما أختضَّ هَذَا الْجمع بالأعلام لكثرتها فِيمَن يعقل واختضَّ بالمذكرَّ مِنْهَا لأنَّ مُسَمَّاهُ أفضل المسميَّات وَجمع السَّلامَة لَمَّا صين عَن التَّغْيِير كَانَ ذَلِك فَضِيلَة لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ومطابقه اللَّفْظ للمعنى مستحسنة فأمَّا صِفَات من يعقل فَجمعت جمع السَّلامَة لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّها جَارِيَة على أفعالها فَكَمَا تَقول (يسلمُونَ) تَقول (مُسلمُونَ) وَالثَّانِي أنَّ هَذِه الصِّفَات لَمَّا اختصَّت بالعقلاء خصَّت بِأَفْضَل الجموع وأمَّا قَوْله تَعَالَى {رأيتُهم لي ساجدِينَ} فإنَّه لَمَّا وصفهَا بِالسُّجُود الَّذِي هُوَ من صِفَات من يعقل أجراها مُجرى من يعقل وَكَذَلِكَ قَوْله {قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين} وإنَّما ثُنّيَّ (قَالَتَا) وجُمِعَ (طائعين) لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض جمع فِي الْمَعْنى فجَاء بِالْحَال على ذَلِك وَالثَّانِي أنَّ المُرَاد {قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين} وغُلَّب المذكَّر وَالثَّالِث أنَّ المُرَاد أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وأمَّا (الْعشْرُونَ) وَإِلَى (التسعين) فَجُمَع جَمْعَ السَّلامَة لوُقُوعه على من يعقل وَمَا لَا يعقل وغُلِّب فِيهِ من يعقل وَلَيْسَ بِجمع (عِشْر) على التَّحْقِيق لأنَّ الْعشْر من أظماء الْإِبِل وَهَذَا الْعدَد لَا يخصُّ الأظماء وإنَّما هُوَ لفظ مرتجل للعدد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وأمَّا (قُلَة) و (بُرَة) فَجمعت جمع السَّلامَة جبرا لَهَا من الوهن الدَّاخِل عَلَيْهَا بِحَذْف لاماتها وَهَذِه علّة مجوّزة لَا مُوجبَة أَلا ترى أنَّهم لم يَقُولُوا فِي (دم) (دمون) وغيَّروا بَعْضهَا نَحْو كسر السِّين من (سِنِين) تَنْبِيها على أنَّ ذَلِك لَيْسَ بِأَصْل فِيهَا وأمَّا (أرضون) فجمعوها جمع السَّلامَة جبرا لما دَخلهَا من حذف تَاء التأتيث الراجعة فِي التصغير وفتحوا الرَّاء لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا التَّنْبِيه على مُخَالفَة الأَصْل وَالثَّانِي أنَّها الفتحة الَّتِى تستحقّها فِي جمعهَا الْأَصْلِيّ وَهُوَ (أرَضات) وَهَذِه العلَّة استحسانَّية لَا مُوجبَة فَعِنْدَ ذَلِك لَا تنْتَقض (بشمس) و (قدر) وَنَحْوهمَا وأمَّا (عليوّن) فَقيل إنَّه جمع (عِلَّي) وَهُوَ الْملك وَقيل اسْم مَكَان مرتجل كعشرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وأمَّا (قنّسرين) و (يبرين) فَمن الْعَرَب من يُجْريه مُجْرَى عشْرين وَمِنْهُم من يَجعله بِالْيَاءِ فِي كلّ حَال وَيجْعَل النُّون حرف الْإِعْرَاب وأمَّا (الَّذين) فصيغة مُرْتجًلة للْجمع فِي كلّ حَال وَمن الْعَرَب من يَجْعَلهَا بِالْوَاو فِي الرّفْع وبالياء فِي الجرِّ وَالنّصب وَهِي مرتجلة أَيْضا مبنيَّة وَقد جَاءَ فى الشّعْر كسرُ نون الْجمع لالتقاء الساكنين كَمَا جَاءَ فتح نون التَّثْنِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 بَاب جمع التَّأْنِيث إنَّما زيد فِي الْوَاحِد هُنَا الْحَرْف دون الْحَرَكَة لما ذَكرْنَاهُ فِي التَّثْنِيَة وَزيد حرفان لأنَّ فِيهِ مَعْنيين التَّأْنِيث والجمعَ وهما فرعان فاحتاجا إِلَى زيادتين وَلَيْسَ كَذَلِك التَّثْنِيَة وَالْجمع لأنَّه معنى وَاحِد فصل وإنَّما اختيرت الْألف دون الْوَاو وَالْيَاء لخفَّتها وَثقل التَّأْنِيث وَالْجمع وَوُقُوع ذَلِك فِيمَن يعقل وَمَا لَا يعقل وأختيرت التَّاء مَعهَا لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّها تشبه الْوَاو الَّتِى هِيَ أُخْت الالف وَالثَّانِي أنَّها تدلُّ على التَّأْنِيث وكلا الحرفين دالُّ على كلا الْمَعْنيين من غير تَفْرِيع وَقَالَ قوم الْألف تدلُّ على الْجمع وَالتَّاء على التَّأْنِيث وَعكس هَذَا قوم وَالْجُمْهُور على الأوَّل وَهُوَ أصح لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّك لَو حذفت الْألف لم تدلّ التَّاء على الْجمع وَلَا على التَّأْنِيث مقترناً بِالْجمعِ وَكَذَلِكَ لَو حذفت التَّاء وَالثَّانِي أنَّ التَّأْنِيث وَالْجمع زيادتان ملتبستان متصلتان فَكَانَ الدالُّ عَلَيْهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 حرفين ملتبسين من غير تَفْرِيع أَلا ترى أنَّ عَلامَة النّسَب حرفان وَهُوَ معنى وَاحِد فكون الْعَلامَة هُنَا حرفين أوْلى فصل وإنَّما حمل الْمَنْصُوب هُنَا على الْمَجْرُور لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّه جمع تَصْحِيح فَحُمِلَ النصب فِيهِ على الجرَّ كجمع المذكَّر لأنَّ المؤنَّث فرع على المذكَّر وَالْفُرُوع تُحْمَلُ على الْأُصُول فَلَو جعل النصب أصلا لَكَانَ الْفَرْع أوسع من أَصله وَهَذَا اسْتِحْسَان من الْعَرَب لَا أنَّ النصب متعذَّر وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ المؤنَّث بِالتَّاءِ فِي الْوَاحِد تقُلب تاؤه هَاء فِي الْوَقْف وَلَا يُمكن ذَلِك فِي الْجمع فَكَمَا غُيَّر فِي الْوَاحِد غُيّر فِي الْجمع فَحمل النصب على غَيره إِذْ كَانَ تغييراً والتغيير يؤُنِسُ بالتغيير فصل وكسْرَتُه فِي النصب إِعْرَاب وَقَالَ الأخفشُ بِنَاء وَهَذَا ضَعِيف إِذْ لَا علَّة توجب الْبناء وَلَو صحَّ مَا قَالَ لَكَانَ فتح الْمَجْرُور فِيمَا لَا ينْصَرف والتثنية وَالْجمع فِي النصب بِنَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فصل والتنوين الدَّاخِل هَذَا الجمعَ لَيْسَ تَنْوِين الصّرْف وَقَالَ الربعيُّ هُوَ تَنْوِين الصّرْف وَمَا قَالَه ضَعِيف بِدَلِيل ثُبُوته فِيمَا لَا ينْصَرف كَقَوْلِه تَعَالَى {أفضتُم من عرفاتٍ} وَقَوْلهمْ (هَذِه عرفاتٌ مُبَارَكًا فِيهَا) فنَصْبُ الحالُ عَنْهَا يدُلُّ على أنَّها معرفَة وَهِي مؤنَّثة وإنَّما هَذَا التَّنْوِين نَظِير النُّون فِي (مُسلمُونَ) إِذْ كَانَ هَذَا الْجمع فرعا على ذَلِك الْجمع وَقيل التنوينُ هُنَا عوضٌ ممَّا مُنِعَ هَذَا الِاسْم من الفتحة فِي النصب كَمَا عُوِّضَتْ النُّون من الْحَرَكَة فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع ولَمَّا كَانَ المعوَّض مِنْهُ حَرَكَة وَاحِدَة جعلت هَذِه النُّون كتنوين الصّرْف فِي أنَّها لَا تثبت وَقفا وخطّاً وَلَا مَعَ الْألف وَاللَّام فصل وإنَّما حذفت التَّاء الأولى فِي نَحْو (مسلمات) لوَجْهَيْنِ أحدُهما أَن الْغَرَض مِنْهَا التَّأْنِيث وَقد حصل بتاء الْجمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَالثَّانِي أنَّ تَاء التَّأْنِيث لم تقع حَشْوًا وَلِهَذَا لم تثبت فِي النّسَب فَلَا يُقال (بصرتيّ) وَقيل امتناعها فِي النّسَب لئلاّ يُقَال (بصرتية) فتجمتع علامتان وَإِنَّمَا كَانَ حذف الأُولى أوْلى لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ التَّثْنِيَة تدلُّ على التَّأْنِيث وَالْجمع مَعَ الْألف فَلَو حذفت لبطلت دلَالَة الْجمع وَالثَّانِي أنَّ الأولى حَشْو فصل وإنمَّا لم تحذف ألف التَّأْنِيث فِي الْجمع كَمَا حذفت التَّاء لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّها لَو حُذِفَتْ لالتبس ذَلِك الْجمع بِجمع لَيْسَ فِي واحده عَلامَة أَو بِمَا علامته تَاء وَالثَّانِي أنَّ الْألف لَّما أُبدِلتْ حرفا آخر لم تكن جمعا بَين علامتين فصل وإنَّما قلبت (يَاء) لَا واواً لثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّها فِي الْوَاحِد تمال إِلَى الْيَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَالثَّانِي أنَّ الْيَاء أشبه بِالْألف مِنْهَا بِالْوَاو لقربها مِنْهَا وخفَّتها وخفائها وَالثَّالِث أنَّهم قد أثَّنوا بِالْيَاءِ نَحْو أَنْت تقومين وبالكسرة الَّتِي هِيَ أُخْت الْيَاء نَحْو ضربتِ وأنتِ فصل وإنَّما قلبت همزَة التَّأْنِيث (واواً) لأنَّها تشبه الْألف إِذْ هِيَ من مخرجها وتخفّف إِلَيْهَا وتصوّر فِي الخطّ ألفا فَلَو بقيت لتوالى فِي التَّقْدِير ثَلَاث ألفات وَلَو حذفت لحذفت ألف أُخْرَى لالتقائهما فصل وإنَّما قلبت (واواً) لَا يَاء لثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أنَّ الْهمزَة تشبه الْوَاو فِي النَّقْل ومُقابِلَتُها فِي مخرجها وَلِهَذَا أبدلت مِنْهَا فِي (وُقّتت) و (وُجُوه) فأبدلت الْوَاو مِنْهَا تعويضاً وَالثَّانِي أنَّها لَو ابدلت يَاء - وَالْيَاء أشبه بِالْألف - لم يحصل الْغَرَض من إبدالها لأنَّ الْيَاء كالألف وَالثَّالِث أنَّهم فرَّقوا بذلك بَين جمع الْمَقْصُور والممدود فصل وَلم تجمع الصِّفَات بِالْألف وَالتَّاء نَحْو (حَمْرَاء) و (صفراء) لأنَّ هَذَا الْجمع فرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 على جمع المذكَّر ولمّا لم يَقُولُوا (أحمرون) (اصفرون) فِي المذكَّر لم يَقُولُوا (حمراوات) والعّلةَّ فِي ذَلِك أنَّ الصّفة مُشْتَقَّة من الْفِعْل فَفِيهَا ضرب من الثّقل وَلِهَذَا كَانَت إِحْدَى علل منع الصّرْف وَالْجمع والتأنيث ثقيلان فتزداد ثقلاً فأمَّا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ((لَيْسَ فِي الخضراوات زَكَاة)) فإنَّه جعُل كالاسم إِذْ كَانَ صفة غالبة لَا يذكر مَعهَا الْمَوْصُوف (كالأبطح) و (الأبرق) فصل إِذا سمِّيت مذكَّراً بمؤنَّث بِالتَّاءِ نَحْو (طَلْحَة) جمعته بألالف وَالتَّاء وَلَا يجوز بِالْوَاو وَالنُّون وَقَالَ الكوفيَّون تسكن عينه وتحذف تاؤه وَيجمع بِالْوَاو وَالنُّون فَيُقَال فِي (طَلْحة) (طَلْحون) وَقَالَ ابْن كيسَان كَذَلِك إلاَّ أنَّه فتح الْعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَالدَّلِيل على فَسَاد مَذْهَبهم أنَّ الْعَرَب جمعته بِالْألف وَالتَّاء فَقَالُوا 3 - طَلْحة الطَّلحاتِ لأنَّ هَذَا الِاسْم مؤنث بِالتَّاءِ وَهِي من خَصَائِص التَّأْنِيث وَالْوَاو من خَصَائِص المذكَّر فَلم يجمع بَينهمَا فأمَّا المؤنَّث بِالْألف والهمزة فَيجمع بِالْوَاو وَالنُّون إِذا سُمَّي بِهِ فَيُقَال (سكراوون) و (حمراوون) لأنَّ الْألف صيغت مَعَ الْكَلِمَة من أوَّل أمرهَا وَثبتت فِي التكسير نَحْو (سكارى) وقلبت فِي الْجمع نَحْو (سعديات) فَصَارَت كالحرف الأصليّ وأمَّا التَّاء فَفِي حكم الْمُنْفَصِل وَلِهَذَا قَالُوا تحذف فِي هَذَا الْجمع فإنْ قيل المسمَّى مذكَّر وعلامة التَّأْنِيث تحذف هَهُنَا فَلم يبْق مَانع من هَذَا الْجمع قيل الْعبْرَة فِي هَذَا الْجمع بِاللَّفْظِ وَهُوَ مؤنث وَالتَّاء وَإِن حذفت فَهِيَ مقدَّرة أَلا ترى أنَّك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 لَو سميت مؤنثاً بمذكر لجَاز وَلم يسْتَحل الْمَعْنى وَكَذَا لَو سمَّيت مذكَّرا بمؤنَّث جَازَ وَلم تقل هَذَا جمع بَين الضدَّين فَعلم أنَّ تذكير الْمَعْنى لَا يمْنَع من تَأْنِيث اللَّفْظ وأمَّا تَحْرِيك الْعين فضعيف جدّا لأنَّ ذَلِك من خَصَائِص الْجمع بِالْألف وَالتَّاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 بَاب ذكر الْأَسْمَاء المرفوعة إنَّما بُدِئَ بالأسماء لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّها أصُول الْأَفْعَال وَالثَّانِي أنَّ إعرابها أصلٌ لإعراب الْأَفْعَال وإنَّما بُدِئَ بالمرفوع لأنَّ الْجُمْلَة المفيدة تتمُّ بالمرفوع وَلَا مَنْصُوب مَعَه وَلَا مجرور وَلَا تَجِد مَنْصُوبًا وَلَا مجروراً الا وَمَعَهُ مَرْفُوع لفظا أَو تَقْديرا فصل وإنَّما بَدَأَ من بَدَأَ بالمبتدأ قبل الْفَاعِل لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّه اسْم تُصَدَّرُ الجملةُ بِهِ وَالْفَاعِل يتَأَخَّر عَن الصَّدْر وَالثَّانِي أنَّ الْمُبْتَدَأ لَا يبطل كَونه مُبْتَدأ بِتَأْخِيرِهِ وَالْفَاعِل إِذا تقدَّم على الْفِعْل صَار مُبْتَدأ لَا غير فصل والمبتدأ هُوَ الِاسْم المجرَّد من العوامل اللفظية لفظا وتقديراً المُسْنَدُ إِلَيْهِ خبرٌ أَو مَا يسدُّ مسدَّه وَفِيه احْتِرَاز من قَوْلك أنَّ زيدٌ خرج حرجت فإنَّ (زيدا) مجرَّد من العوامل لفظا لَا تَقْديرا إِذْ التَّقْدِير إنْ خرج زيد فَهُوَ فَاعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وإنَّما وَجب أَن يكون اسْما لأنّه مخبر عَنهُ وَلَا يصحُّ الْإِخْبَار عَن غير الِاسْم وأمَّا قَوْلهم (تسمع بالمعيديّ خير من أَن ترَاهُ) فتقديره أَن تسمع فَلم يخبر عَن الْفِعْل إِذن وإنَّما شَرط فِيهِ التجَّرد من الْعَامِل اللفظيّ لأنَّ الْعَامِل اللفظيّ إِذا تقدَّم عَلَيْهِ عمل فِيهِ ينْسب إِلَيْهِ أَكَانَ فَاعِلا أَو مَا أشبهه وَأما قَوْلهم بحسبك قولُ السوء فالباء زَائِدَة وَقد علمت فِي لفظ الِاسْم والموضع مَرْفُوع وَشرط فِيهِ الْإِسْنَاد لتحصل الْفَائِدَة وَقد قَالَ النحويُّون الْمُبْتَدَأ معَتمدُ الْبَيَان وَالْخَبَر مُعْتَمد الْفَائِدَة وَمن هَهُنَا شَرط فِي الْمُبْتَدَأ أَن يكون معرفَة أَو قَرِيبا مِنْهَا ليُفِيد الْإِخْبَار عَنهُ إِذْ الْخَبَر عَّما لَا يعرف غير مُفِيد وَقد جَاءَت نكرات أَفَادَ الإخبارُ عَنْهَا وسنراها إِن شَاءَ الله تَعَالَى فصل وَاخْتلفُوا فِي الْعَامِل فِي الْمُبْتَدَأ على خَمْسَة أَقْوَال أحدُها أنَّه الِابْتِدَاء وَهُوَ كَون الِاسْم أوَّلاً مقتضياً ثَانِيًا وَهَذَا هُوَ القَوْل المحقَّق وَإِلَيْهِ ذهب جُمْهُور الْبَصرِيين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَالْقَوْل الثَّانِي أنَّ الْعَامِل فِيهِ تجردّه عَن العوامل اللفظيَّة وَإسْنَاد الْخَبَر إِلَيْهِ رُوِيَ عَن المبرِّد وَغَيره وَالثَّالِث أنَّ الْعَامِل فِيهِ مَا فِي النَّفس من معنى الْإِخْبَار رُوِيَ عَن الزجَّاج وَالرَّابِع أنَّ الْعَامِل فِيهِ الْخَبَر وَالْخَامِس أنَّ الْعَامِل فِيهِ العائدُ من الْخَبَر وَالْقَوْلَان الأخيران مَذْهَب الْكُوفِيّين وَالدَّلِيل على أَن الْعَامِل فِيهِ أوَّليتَّه واقتضاؤه ثَانِيًا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ هَذِه الصّفة مختَّصة بِالِاسْمِ والمختصُّ من الْأَلْفَاظ عَامل فَكَذَلِك من الْمعَانِي وَالثَّانِي أنَّ الْمُبْتَدَأ مَعْمُول ولابدَّ لَهُ من عَامل وَلَا يجوز أَن يعْمل فِي نَفسه لِامْتِنَاع كَون الْمَعْمُول عَاملا فِي نَفسه كَمَا يمْتَنع أَن يكون الشَّيْء علَّة لنَفسِهِ وَلَا يجوز أَن يكون تعرِّية من العوامل اللفظيَّة عَاملا لِأَن ذَلِك عدم الْعَامِل وَعدم الْعَامِل لَا يكون عَاملا فإنْ قيل الْعَدَم يكون أَمارَة لَا علّة قيل الأمارة يستدلُّ بهَا على أنَّ ثَمَّ عَاملا غَيرهَا وَقد اتَّفقوا على أنَّه لَا عَامل يستدُّل عَلَيْهِ بِالْعدمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 فَإِن قيل التعرَّي من العوامل لَيْسَ هُوَ الْعَامِل بل صَلَاحِية الِاسْم للعوامل اللفظيَّة هوالعامل قيل هَذَا يرجع إِلَى الْمَذْهَب الأوَّل وَلَا يجوز أَن يكون إِسْنَاد الْخَبَر عَاملا لِأَن الْإِسْنَاد يكون بعد الْمُبْتَدَأ وَمن شَرط الْعَامِل أَن يتقدَّم على الْمَعْمُول لفظا أَو تَقْديرا وَلَا يجوز أَن يكون الْعَامِل مَا فِي النَّفس من معنى الْخَبَر لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ تصوُّر معنى الأبتداء سَابق على تصوُّر معنى الْخَبَر وَالسَّابِق أوْلى أَن يكون عَاملا وَالثَّانِي أنَّ رتبه الْخَبَر بعد الْمُبْتَدَأ ورتبةُ الْعَامِل قبل الْمَعْمُول فيتنافيان وَالثَّالِث أنَّ الْخَبَر قد يكون فعلا فَلَو عمل فِي الْمُبْتَدَأ لَكَانَ فَاعِلا وَالرَّابِع أنَّ الْخَبَر يكون من الْمَوْصُول والصلة فَلَو عمل لعملت الصِّلَة فِيمَا قبلهَا وَالْخَامِس أنَّ الْخَبَر كالصفة وكما لَا تعْمل الصّفة فِي الْمَوْصُوف كَذَلِك الْخَبَر وَالسَّادِس أنَّ (إنَّ) و (كَانَ) إِذا دخلا على الْمُبْتَدَأ أزالا الرّفْع وَالْخَبَر لفظيُّ وَالْعَامِل اللفظيُّ لَا يبطل الْعَامِل اللفظيَّ وَلَا يجوز أنَّ يكون الضَّمِير الْعَائِد عَاملا لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ الْمُضمر فرع الْمظهر فَإِذا لم يعْمل الأَصْل فالفرع أوْلى وَالثَّانِي أنَّ الضَّمِير قد يكون فِي الصِّلَة فَلَو عمل لعمل فِيمَا قبل الْمَوْصُول وَإِذا بطلت هَذِه الْأَقْوَال تعيَّن القولُ الأوَّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فصل وأمَّا عَامل الْخَبَر فَفِيهِ خَمْسَة أَقْوَال أحدُهما الِابْتِدَاء وَهُوَ قَول ابْن السراج لأنَّه عمل فِي الْمُبْتَدَأ فَعمل فِي الْخَبَر ك (كَانَ) و (ظَنَنْت) و (إنَّ) وَالْقَوْل الثَّانِي أنَّ الْمُبْتَدَأ هُوَ الْعَامِل فِي الْخَبَر وَهُوَ قَول أبي عليّ وَهَذَا ضَعِيف لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ الْمُبْتَدَأ كالخبر فِي الجمود والجامد لَا يعْمل وَالثَّانِي أنَّ الْمُبْتَدَأ لَو عمل فِي الْخَبَر لم يبطل بِدُخُول الْعَامِل اللفظيّ لِأَنَّهُ لَفْظِي أَيْضا وَمن مذْهبه أنَّ الْعَامِل اللفظيّ لَا يعْمل فِي الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَالْقَوْل الثَّالِث أنَّ الِابْتِدَاء والمبتدأ جَمِيعًا يعملان فِي الْخَبَر وَقد بيَّنا أنَّ الْمُبْتَدَأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 لَا يصلح للْعَمَل فَلَا يصلح لَهُ مَعَ غَيره وأمّا الْعَامِل فِي الشَّرْط وَالْجَزَاء فسنبينَّه فِي مَوْضِعه وَالْقَوْل الرَّابِع أنَّ الْعَامِل فِي الْخَبَر التعرَّي من العوامل وَقد أفسدناه وَالْقَوْل الْخَامِس أنَّ الْعَامِل هُوَ الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قولَّ الفرَّاء وسمَّوْهما المترافعين وشبَّهوهما بأسماء الشَّرْط وإنَّما تعْمل فِي الْفِعْل وَيعْمل الْفِعْل فِيهَا وَهَذَا قَول ضَعِيف لما بيَّنا أَن الْمُبْتَدَأ لَا يصلح للْعَمَل وتشبيهه بأسماء الشَّرْط لَا يصحُّ لخمسة أوجه أَحدهَا أنَّهم بنوه على أنَّ الْخَبَر عَامل فِي الْمُبْتَدَأ وَقد أفسدناه وَالثَّانِي أنَّ اسْم الشَّرْط لَا يعْمل بل الْعَامِل حرف الشَّرْط مضمراً وَلَا يجوز إِظْهَاره كَمَا لَا يجوز إِظْهَار (أنْ) مَعَ (حَتَّى) وَالثَّالِث أنَّ عمل اسْم الشَّرْط بالنيابة عَن الْحَرْف وَعَمله فِي الْفِعْل ضَعِيف هُوَ الْجَزْم بِخِلَاف الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَالرَّابِع أَن عمل اسْم الشَّرْط فِي الْفِعْل من حَيْثُ نَاب عَن الْحَرْف وَعمل الْفِعْل فِيهِ من حَيْثُ هُوَ اسْم والأسماء معمولة الْأَفْعَال فجهة الْعَمَل مُخْتَلفَة بِخِلَاف الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَالْخَامِس أنَّ عمل أَحدهمَا فِي الآخر مُخَالف لعمل الآخر فِيهِ وَالْعَمَل فِي مَسْأَلَتنَا وَاحِد فَهُوَ كالآخذ مَا يُعْطي وَذَلِكَ كالعبث هَذَا تَعْلِيل جمَاعَة من النحويِّين وَفِيه نظر وَالصَّحِيح أَن يُقَال الْعَمَل تَأْثِير والمؤثر أقوى من المؤثَّر فِيهِ فيفضي مَذْهَبهم إِلَى أَن يكون الشَّيْء قويّاً ضَعِيفا من وَجه وَاحِد إِذْ كَانَ مؤثراً فِيمَا أثَّر فِيهِ فصل وإنَّما عمل الِابْتِدَاء الرّفْع لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه قوي بأوَّليته وَالرَّفْع أقوى الحركات فَكَانَ ملائما لَهُ وَالثَّانِي أنَّ الْمُبْتَدَأ يشبه الْفَاعِل فِي أنَّه لَا يكون إلاَّ اسْما مخبرا عَنهُ سَابِقًا فِي الْوُجُود على الْخَبَر فصل وإنَّما كَانَ الْمُبْتَدَأ معرفَة فِي الْأَمر العامّ لِأَن الْفَائِدَة لَا تحصل بالإخبار عَّما لَا يعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فأمَّا إِذا وُصِفتْ النكرَة فالإخبار عَنْهَا مُفِيد لتخصُّصها وأمّا قَوْلهم {سَلام عَلَيْكُم} فالاسم وَاقع موقع الْفِعْل أيْ (سلَّم الله عَلَيْكُم وأمَّا إِذا تقدَّم الخبرَ وَكَانَ ظرفا فلتخصَّص الْمُبْتَدَأ بالظرف الْمَخْصُوص وأمّا قَوْلهم مَا أحدٌ فِي الدَّار فَجَاز لما فِي أحد من معنى الِاسْتِغْرَاق وأمَّا قَوْلهم شرٌّ أهرَ ذَا نَاب ومأربٌ دعَاك إِلَيْنَا لَا حفاوة فَفِي معنى النَّفْي أَي مَا أهرَّ ذَا نَاب إلاَّ شرّ وأمَّا قَوْلهم أقائم زيد فَجَائِز لاعتماد النكرَة على الِاسْتِفْهَام ونيابتها عَن الْفِعْل وَأما (مَا) فِي التعجُّب فَلَمَّا فِيهَا من الْإِبْهَام والعموم فصل الِاسْم الْوَاقِع بعد (لَوْلَا) الَّتِي يمْتَنع بهَا الشَّيْء لوُجُود غَيره مُبْتَدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وَقَالَ الكوفيٌّون هُوَ فَاعل فعل مَحْذُوف وَمِنْهُم من يرفعهُ بِنَفس (لَوْلَا) وَقَالُوا (لَا) فِيهِ بِمَعْنى (لم) وَالدَّلِيل على أنَّه مُبْتَدأ من وَجْهَيْن أحدهمَّا أنَّ (لَوْلَا) هَذِه تَقْتَضِي اسْمَيْنِ الثَّانِي مِنْهُمَا خبر بِدَلِيل جَوَاز ظُهُوره فِي اللَّفْظ وَإِن لم يسْتَعْمل وَلَو كَانَت (لَوْلَا) عاملة أَو الْعَامِل مقدَّراً بعْدهَا لم يصحّ ذَلِك وَالثَّانِي أنَّ (لَوْلَا) لَا تختصُّ بالأسماء بل تدخل عَلَيْهَا وعَلى الْأَفْعَال بِدَلِيل قَول الْهُذلِيّ // الطَّوِيل // 4 - (أَلا زعمت أسماءُ أنْ لَا أحبهُّا ... فقلتُ بلَى لَوْلَا يُنَازعنِي شغلي) وَقَالَ جرير // الْبَسِيط // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 5 - (أَنْت الْمُبَارك والميمون سيرتُه ... لَوْلَا تقوِّمُ دَرْءَ النَّاس لاختلفوا) وَقَالَ آخر // الْبَسِيط // ((6 - (قَالَت أميمةُ لَمَّا جِئْت زائرَها ... هلاّ رميْتَ بِبَعْض الأسهم السودِ) (لادرَّ درُّكِ إنَّي قد رَمَيْتُهُم ... لَوْلَا حُدِدْتُ وَلَا عذرى لمحدود) // الْبَسِيط // فإنْ قيل لَو كَانَ مَا بعْدهَا مُبْتَدأ لم تقع موقعه (أنَّ) الْمَفْتُوحَة وَقد وَقعت كَقَوْلِه تَعَالَى {فلولا أنَّه كانَ من المسبّحين} وَوُقُوع الْمُفْرد بعْدهَا دَلِيل على ارتفاعه بِفعل مَحْذُوف أَو بهَا قيل جَوَابه من ثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّ (أنَّ) الْمَفْتُوحَة تكون فِي مَوضِع الْمُبْتَدَأ فِي كلّ مَوضِع لَا يصحُّ فِيهِ دُخُول (إنَّ) الْمَكْسُورَة عَلَيْهَا لئلاَّ يتوالى حرفان بِمَعْنى وَاحِد وَقد أَمن هَذَا فِي (لَوْلَا) الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَالثَّانِي أنَّ خبر الْمُبْتَدَأ هَهُنَا لَمَّا لم يظْهر بِحَال صَار الْكَلَام كالمفرد وَالثَّالِث أنَّ الْكَلَام لَا يصحُّ إلاَّ بشيئين أَحدهمَا جعل (لَا) بِمَعْنى (لم) وَالثَّانِي تَقْدِير فعل رَافع والأوَّل بَاطِل لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ وضع (لَا) مَوضِع (لم) لَا يصحّ لأنَّ (لم) تختصُّ بالأفعال الْمُسْتَقْبلَة لفظا و (لَا) تختصُّ وَالثَّانِي أنَّ (لَوْلَا) هُنَا تختصُّ بالاسماء أَو تكْثر فِيهَا و (لم) لَا يَقع بعْدهَا الْأَسْمَاء وأمَّا تَقْدِير الْفِعْل فَلَا يصحّ لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ الْفِعْل لايحذف عَن الْفَاعِل إلاَّ إِذا كَانَ هُنَاكَ فعل يفسرَّ الْمَحْذُوف وَلَيْسَ ذَلِك هَهُنَا وَالثَّانِي أنَّه لَو كَانَ الْأَمر على مَا قَالُوا لصحَّ الْعَطف عَلَيْهِ بِإِعَادَة (لَا) كَقَوْلِك لَوْلَا زيدٌ وَلَا عَمْرو كَقَوْلِك لَو يقم زيدٌ وَلَا عَمْرو فصل وَإِذا اعْتمد اسْم الْفَاعِل على الِاسْتِفْهَام أَو حرف النَّفْي أَو كَانَ صفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أَو صلَة أَو حَالا أوخبراً أَو مُبْتَدأ بعد مُبْتَدأ جَازَ رَفعه بِالِابْتِدَاءِ وَكَانَ مَا بعده فَاعِلا لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تقوّي شبهه بِالْفِعْلِ وارتفع بِالِابْتِدَاءِ لِأَن شُرُوط الِابْتِدَاء مَوْجُودَة فِيهِ وَلَا يحْتَاج إِلَى خبر لأنَّه نَاب الْفِعْل الَّذِي هُوَ خبر فَإِن لم يعْتَمد على شَيْء كَانَ خَبرا مقدَّماً فِيهِ ضمير ويثنَّى وَيجمع عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَقَالَ الْأَخْفَش يكون مُبْتَدأ كَمَا لَو اعْتمد وَيعْمل فِيمَا بعده وَهَذَا ضَعِيف لأنَّ اسْم الْفَاعِل فرعٌ فِي الْعَمَل على الْفِعْل فَلم يعْمل إلاَّ بِمَا يقوِّيه فصل وَحَقِيقَة الْخَبَر مَا صحَّ أنْ يُقَال فِي جَوَابه صدق أَو كذب فأمَّا الْأَمر وَالنَّهْي فضعيف جَعلهمَا خَبرا للمبتدأ لأنَّهما ضدُّ الْخَبَر فِي الْمَعْنى وَمَا جَاءَ مِنْهُ فَهُوَ متأوَّل تَقْدِيره زيدٌ أَقُول أضْربْهُ وَحذف القَوْل كثير أَو يكون التَّقْدِير زيد وَاجِب عَلَيْك ضربه ثمَّ قَامَ الْأَمر مقَام هَذَا القَوْل كَقَوْلِه تَعَالَى {قل من كَانَ فِي الضَّلالة فليمدُدْ لهُ الرحمنُ مدّاً} أَي فليمدّنّ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فصل وَالْخَبَر الْمُفْرد هُوَ الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى إِذْ لَوْلَا ذَلِك لم يكن بَينهمَا علقَة ترْبط أحدَهما بِالْآخرِ وَلِهَذَا جَازَ أَن يخلوا من ضمير يعود على الْمُبْتَدَأ كَقَوْلِك زيد غلامك وإنَّما وَجب أَن يكون فِي الْخَبَر الْمُفْرد المشتقّ ضميرّ لِأَنَّهُ يعْمل عمل الْفِعْل كَقَوْلِك زيدٌ ضَارب أَبوهُ عمرا وَإِذا لم يكن ظَاهرا كَانَ مضمراً وَلِهَذَا قَالُوا مَرَرْت بقاع عرفج كلّه خشن أَي كلّه ومررت بِقوم عرب أَجْمَعُونَ أَي تعرَّبوا كلّهم أَجْمَعُونَ فصل فَإِن لم يكن الْخَبَر الْمُفْرد مشتقّاً لم يكن فِيهِ ضمير وَقَالَ الرُّماني والكوفيُّن فِيهِ ضمير وَمَا قَالُوا فاسدٌ لثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 أَحدهَا أنَّ قَوْلك هَذَا زيدٌ مُبْتَدأ وَخبر فزيدٌ لَا يصحُّ تحمُّله الضَّمِير كَمَا لَا يعْمل فِي الظَّاهِر وَالثَّانِي أنَّه لَا يَقع صفة فَلم يكن فِيهِ ضمير وَالثَّالِث أنَّه قد يُخَالف الْمُبْتَدَأ فِي الْعدَد كَقَوْلِك زيد الْعمرَان أَخَوَاهُ وَالضَّمِير أبدا يكون على وفْق الْمظهر وَلَيْسَ كَذَلِك اسْم الْفَاعِل لما تقدَّم وَلَا يُقَال قَوْلك زيد أَخُوك فِي معنى مناسبك لأنَّه لَو كَانَ كَذَلِك لعمل فِي الِاسْم الظَّاهِر ولوقع وَصفا وإنَّما هَذَا فِي الْمَعْنى صَحِيح وَالضَّمِير يعْتَمد الْفِعْل أَو مَا كَانَ مشتقاً مِنْهُ أَلا ترى أنَّ قَوْلك مروري بزيد حسن وَهُوَ بِعَمْرو قَبِيح وضربي زيدا حسن وَهُوَ عمرا قَبِيح جَائِز أَن تعُمل الْمصدر وَلَا تعْمل ضَمِيره لأنَّ ضمير الْمصدر لَيْسَ فِيهِ ضمير لفظ الْفِعْل وَإِن كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا فصل اسْم الْفَاعِل إِذا جرى على غير من هُوَ لزم إبراز ضمير فَاعله كَقَوْلِك زيد عمروٌ ضاربه هُوَ وَقَالَ الكوفُّيون لَا يلْزم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَالدَّلِيل على لُزُومه من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ إبرازه يزِيل اللّبْس فِي كثير من الْمَوَاضِع كهذه الْمَسْأَلَة فَيجب أَن يلْزم فِي الْجَمِيع ليطّرد الْبَاب كَمَا فِي بَاب (يعد) بل هَذَا ألزم وَالثَّانِي أَن اسْم الْفَاعِل فرع على الْفِعْل فِي تحمُّل الضَّمِير وَلِهَذَا لَا يَجْعَل اسْم الْفَاعِل مَعَ ضَمِيره جملَة بِخِلَاف الْفِعْل وَلَا يبرز ضمير التَّثْنِيَة وَالْجمع فِي اسْم الْفَاعِل كَمَا يبرز فِي الْفِعْل وَهَذَا مقتصر على الْفِعْل فَإِذا انضمَّ إِلَى ذَلِك جَرَيَانه على غير من هُوَ لَهُ وَجب إبراز الضَّمِير ليظْهر أثر قصوره وفرعيتَّه وَلَيْسَ كَذَلِك الْفِعْل فإنَّ الضَّمِير المتَّصل لفظا قد ي فصل ويزيل اللّبْس كَقَوْلِك زيد أَنا ضربت وَلَا يظْهر ذَلِك فِي اسْم الْفَاعِل كَقَوْلِك زيد أَنا ضَارب وَإِن جَاءَ شَيْء من هَذَا لم يبرز فِيهِ الضَّمِير فِي الشّعْر فضرورة أَو يكون هُنَاكَ حذفُ جارّ ومجرور فصل وَالْجُمْلَة هِيَ الْكَلَام الَّذِي تحصل مِنْهُ فَائِدَة تامَّة واشتقاقها من أجملت الشَّيْء إِذا جمعته وكلَّ مُحْتَمل للتفصيل جملَة والمبتدأ وَالْخَبَر وَالْفِعْل وَالْفَاعِل بِهَذِهِ الصّفة إلاَّ أنَّه قد يعرض فِي الْجُمْلَة يُحْوجُها إِلَى مَا قبلهَا وأنَّما أُخْبِرنا بِالْجُمْلَةِ مَكَان الْمُفْرد لثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا الْحَاجة إِلَى توسيع الْعبارَة فِي النّظم والنثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وَالثَّانِي أنَّ ذَلِك قد يزِيل اللّبْس فِي بعض الْمَوَاضِع كَقَوْلِك زيد قَامَ أَبوهُ لَو قلت قَامَ أَبُو زيد لجَاز أَن يُظن أنَّ هَذِه كنية لَهُ لَا أنَّ لَهُ ولدا فَإِذا قدمت بَطل كَونه كنية وَالثَّالِث أنَّ فِي ذكر الشَّيْء مظْهرا ومضمراً تفخيماً وإنَّما وَجب أَن يكون فِي الْجُمْلَة ضمير الْمُبْتَدَأ لِأَن الْخَبَر فيهمَا على التَّحْقِيق هُوَ المتبدأ الْأَخير وَالْأول أجنبيٌّ مِنْهُ وَالضَّمِير يرْبط الْجُمْلَة بالأوَّل حتَّى يصير لَهُ بهَا تعلُّق وإنَّما يسوغ حذف هَذَا الضَّمِير فِي مَوضِع يعلم أنَّه مُرَاد من غير لبس كَقَوْلِهِم السمنُ منوان بدرهم وَكَقَوْلِه تَعَالَى {وَلمن صَبر وَغفر إنَّ ذَلِك لمن عزم الْأُمُور} أَي إنَّ ذَلِك مِنْهُ ولهذه العلَّة جَازَ حذف الْخَبَر تَارَة والمبتدأ أُخْرَى وَحذف الْجُمْلَة بأسرها فصل والظرف الْوَاقِع خَبرا مقدَّر بِالْجُمْلَةِ عِنْد جُمْهُور الْبَصرِيين وَقَالَ بعضهُم هُوَ مقدرَّ بالمفرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَالدَّلِيل على أَنه مقدرَّ بِالْجُمْلَةِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّه كالجملة فِي الصِّلَة كَقَوْلِك الَّذِي خَلفك زيد فَكَذَلِك فِي الْخَبَر وَالثَّانِي أنَّ الظّرْف مَعْمُول لغيره وَالْأَصْل فِي الْعَمَل للأفعال والأسماء نائبة عَنْهَا وَجعل الْعَمَل هُنَا للْفِعْل أوْلى وَإِذا أنيب الظّرْف مُناب الْفِعْل دلَّ عَلَيْهِ واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ الأَصْل فِي الْخَبَر أَن يكون مُفردا وَحمل الْفُرُوع على الْأُصُول أولى وَالثَّانِي أَن الظّرْف إِذا تقدم على الْمُبْتَدَأ لم يبطل الِابْتِدَاء وَلَو كَانَ مقدَّراً بِالْفِعْلِ لأبطله وَالْجَوَاب أنَّ الأَصْل فِي الْخَبَر لَا يُمكن تَقْدِيره هَهُنَا لما بيَّنا من أنَّ الْمُفْرد هُوَ الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى والظرف لَيْسَ هوالمبتدأ فَعِنْدَ ذَلِك نجْعَل الْعَامِل فِي الظّرْف مَا هُوَ الأَصْل فِي الْعَمَل لئلاَّ تقع الْمُخَالفَة من وَجْهَيْن وأمَّا إِذا تقدم الظّرْف وَلم يعْتَمد فَلَا يبطل الِابْتِدَاء بِهِ لأنَّه لَيْسَ بِفعل على التَّحْقِيق بل هُوَ نَائِب عَنهُ ويصحُّ ان يقدَّر بعده الْمُبْتَدَأ بِخِلَاف الْفِعْل فصل وإنَّما لم يجز الْإِخْبَار بِالزَّمَانِ عَن الجثَّة لعدم الْفَائِدَة إِذْ كَانَت الجثَّة غير مختصَّة بِزَمَان دون زمَان أَلا ترى أنَّ قَوْلك زيدٌ غَدا إِذا أردْت مستقرُّ غَدا لَا يُفِيد إِذْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 هُوَ مستقرَّ فِي كلَّ زمَان وَعلم السَّامع بذلك ثَابت فَلَو قلت يُقدَّرُ الْخَبَر بِمَا هُوَ يختصُّ بِهِ نَحْو قَوْلك حيٌ أَو غنيٌ أَو قادم قيل إنَّما يُضمر مَا عَلَيْهِ دَلِيل وَلَا دَلِيل على وَاحِد من هَذِه بِخِلَاف قَوْلك زيد خَلفك والرحيل غَدا فإنَّ الْمَحْذُوف مِنْهُ الِاسْتِقْرَار والكونُ والحصول الْمُطلق والظرف يدلُّ عَلَيْهِ قطعا فأمَّا قَوْلهم اللَّيْلَة الهلالُ فيروى بِالرَّفْع على تَقْدِير الليلةُ ليلةُ الْهلَال وَبِالنَّصبِ على تَقْدِير اللَّيْلَة طلوعُ الْهلَال أَو على أَن تجْعَل الْهلَال بِمَعْنى الاستهلال وَهُوَ من إِقَامَة الجثة مُقام الْمصدر وإنَّما يكون فِيمَا ينْتَظر وَيجوز أَن يكون وَيجوز ألاَّ يكون فَلَو قلت فِي انْتِهَاء الشَّهْر اللَّيْلَة الْقَمَر لم يجز وَقد يجوز أَن تَقول زيدٌ غَدا إِذا كَانَ غَائِبا وخاطبت من ينْتَظر قدومه فصل وَلَا يجوز إِظْهَار الْعَامِل فِي الظّرْف إِذا كَانَ خَبرا لأنَّ ذكر الظّرْف نَائِب عَنهُ فَلم يجمع بَينهمَا للْعلم بِهِ فأمَّا قَوْله تَعَالَى {فلَمَّا رَآهُ مستقرّاً عِنْده} فمستقرٌّ فِيهِ بِمَعْنى السَّاكِن بعد الْحَرَكَة لَا الِاسْتِقْرَار الَّذِي هُوَ مُطلق الْكَوْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 فصل يجوز تَقْدِيم الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ مُفردا كَانَ أَو جملَة وَمنعه الكوفَّيوُّن وَالدَّلِيل على جَوَازه السماع وَالْقِيَاس أمَّا السماعُ فَقَوْل الشَّاعِر // الوافر // (فَتى مَا ابْن الأغرّ إِذا شتونا ... وجُبَّ الزادُ فى شَهْري قُماح) وَقَوْلهمْ تميميّ أَنا ومشنوء من يشنؤك وأمَّا الْقيَاس فَمن وَجْهَيْن أحدُهما أَن الْخَبَر يشبه الْفِعْل وَالْفِعْل يتَقَدَّم ويتأخر وَالثَّانِي أنَّ الْخَبَر يشبه الْمَفْعُول لأنَّه قد يصيُر مَفْعُولا فِي قَوْلك ظَنَنْت زيدا قَائِما وَالْمَفْعُول يجوز تَقْدِيمه وَكَذَلِكَ خبر (كَانَ) يتقدَّم على اسْمهَا وَخبر (إنَّ) يتقدَّم على اسْمهَا إِذا كَانَ ظرفا فَكَذَلِك هَهُنَا واحتجَّ الْآخرُونَ بأنَّ تَقْدِيم الْخَبَر إِضْمَار قبل الذّكر وَهَذَا غير مَانع من التَّقْدِيم لأنَّه مُؤخر تَقْديرا فَهُوَ كَقَوْلِهِم (فِي بَيته يُؤْتى الحكم) وكقولك ضرب غلامَه زيدٌ إِذا جعلته مَفْعُولا لأنَّ النيَّة بِهِ التَّأْخِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فصل إِذا تقدم الظّرْف على الِاسْم وَاعْتمد على أحد سَبْعَة أَشْيَاء مُبْتَدأ على أَن يكون هُوَ خَبرا أَو صفةٍ أَو صلَة أَو حالٍ أَو كَانَ مَعَه اسْتِفْهَام أَو حرف نفي أَو كَانَ عَاملا فِي (أنَّ) وَالْفِعْل كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمن آيَاته أَن تقوم السماءُ وَالْأَرْض بأَمْره} جَازَ أَن يعْمل فِيمَا بعده عمل الْفِعْل فِي الْفَاعِل لقوَّته بِمَا اعْتمد عَلَيْهِ وَجَاز أَن يكون خَبرا مقدَّماً فإنَّ لم يعْتَمد على شَيْء لم يعْمل عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَعمل عِنْد الْأَخْفَش والكوفيين والمبرَّد وَالدَّلِيل على أَنه لَا يعْمل من أَرْبَعَة أوجه أحدُهما أنَّ الْعَامِل يتخّطَّى الظّرْف فَيعْمل فِيمَا كَانَ مُبْتَدأ كَقَوْلِك إنَّ خَلفك زيدا وَلَو كَانَ عَاملا لم يُبطلهُ عَامل خر وَالثَّانِي أنَّك تضمر الْمُبْتَدَأ فِي الظّرْف وَهُوَ مقَّدم كَقَوْلِك فِي دراه زيد وَلَو كَانَ عَاملا لَكَانَ وَاقعا فِي رتبته وَلزِمَ فِيهِ الإضمارَ قبل الذّكر لفظا وتقديراً وَالثَّالِث أنَّ مَعْمُول الْخَبَر يجوز أَن يتقدَّم على الْمُبْتَدَأ كَقَوْل الشمَّاخ // الوافر // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 8 - (كلا يوميْ طُوالةَ وَصلُ أروى ... ظَنونٌ آنَ مُطرح الظُنونِ) و (كلا) مَنْصُوب الْخَبَر وَهُوَ ظنون والمعمول تَابع الْعَامِل وَالتَّابِع لَا يَقع موقعاً لَا يَقع فِيهِ الْمَتْبُوع وَالرَّابِع أنَّ الظّرْف وحرف الجرَّ غير مشتقَّين وَلَا معتمدين فَلم يعملا كَقَوْلِك هَذَا زيدٌ فَإِن قَالُوا الظريف نَائِب عَن الْفِعْل فَيعْمل عمله فقد أجبنا عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة فصل فَإِن كَانَ الْخَبَر استفهاماً لزم تَقْدِيمه لأنَّ الِاسْتِفْهَام لَهُ صدر الْكَلَام إِذْ كَانَ مَعْنَاهُ فِيمَا بعده وَلَو قدمت المستفهم عَنهُ على الِاسْتِفْهَام لعكست الْمَعْنى فأمَّا قَوْلهم صنعت مَاذَا ف (مَا) غير معمولة ل (صنعت) هَذِه وَالتَّقْدِير أصنعت ثمَّ حذفت همزَة الِاسْتِفْهَام ثمَّ أتيت ب (مَا) دالَّة عَلَيْهَا و (مَا) مَنْصُوبَة بِفعل آخر استُغني عَنهُ بالمذكور الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فصل وإنَّما لزم تَقْدِيم الْخَبَر إِذا كَانَ ظرفا أَو حرف جرَّ على النكرَة كَقَوْلِك لَهُ مَال لأنَّه لوَ أُخرَّ لجَاز أَن يُعتقد صفة وأنَّ الْخَبَر منتظر وبالتقديم ثَمَّ يَزُول هَذَا الظنّ فصل فِيمَا يسدُّ مسدَّ الْخَبَر فَمن ذَلِك (جَوَاب لَوْلَا) فِي قَوْلك لَوْلَا زيدٌ لأتيتك وَالتَّقْدِير لَوْلَا زيدٌ حَاضر وموجود فَصَارَ طول الْكَلَام بِالْجَوَابِ دَالا على الْمَحْذُوف ومغنياً عَنهُ وَمن ذَلِك (لعمرك) فِي الْقسم وَالتَّقْدِير قسمي وَالْجَوَاب دالٌّ على الْمَحْذُوف وَمن ذَلِك قولُهم ضربي زيدا قَائِما ف (قَائِما) حَال من ضمير مَحْذُوف تَقْدِير ضربي زيدا إِذا كَانَ قَائِما فحذفت (إِذا) لأنَّها زمَان وَاسم الْفَاعِل يدلُّ على الزَّمَان و (كَانَ) هَذِه التامَّة ضميرها فَاعل وَالْحَال مِنْهُ فإنْ قلت لم لَا تكون النَّاقِصَة و (قَائِما خَبَرهَا قيل لَا يصحُّ لوَجْهَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 أَحدهمَا أنَّ (قَائِما) لم تقع فِي مثل هَذِه إلاَّ نكرَة وَخبر (كَانَ) يجوز أَن يكون معرفَة وَالثَّانِي أنَّ الْغَرَض من (كَانَ) تعْيين زمَان الْخَبَر فَإِذا حذفت لم يبْق على زَمَانه دَلِيل وَمثل هَذِه الْمَسْأَلَة أَكثر شربي السويق ملتوتاً وأخطبُ مَا يكون الْأَمِير قَائِما فأمَّا قولُهم أخطبُ مَا يكون الْأَمِير يوُم الْجُمُعَة فيروى بِالنّصب على تَقْدِير أَخطب أكوان الْأَمِير يومَ الْجُمُعَة ف (يَوْمًا) هَهُنَا خبر وَفِي الْكَلَام مجَاز وَهُوَ جعل الْكَوْن خاطباً ويُروى بِالرَّفْع على تَقْدِير أَخطب أيامِ كونِ الْأَمِير فَفِيهِ على هَذَا حذف ومجاز وَمن ذَلِك كلّ رجل وضيعته فَالْخَبَر فِيهِ مَحْذُوف أَي مقرونان أغْنى عَن الْخَبَر كونُ الْوَاو بِمَعْنى (مَعَ) والضيعة هَهُنَا الحرفة وأمَّا قَوْلهم أَنْت أعلم وربُّك فتقديره ربُّك مكافئك أَو مجازيك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 فصل وأمَّا قَوْلهم أمَّا زيد فمنطلق ف (زيد) مُبْتَدأ و (منطلق) خَبره وإنَّما دخلت الْفَاء لما فِي (أمَّا) من معنى الشَّرْط فَكَانَ موضعهَا الْمُبْتَدَأ لكَونهَا تكون فِي أوَّل لجملة الْمجازى بهَا لكنَّهم أخرَّوها إِلَى الْخَبَر لِئَلَّا تلِي الْفَاء مَا فِي تَقْدِير حرف الشَّرْط وَجعلُوا الْمُبْتَدَأ كالعوض من فعل الشَّرْط وَلَا تدخل الْفَاء على الْخَبَر فِي غير ذَلِك إلاَّ فِي خبر (الَّذِي) إِذا وصل بِفعل أَو ظرف فِيهِ مَا يُؤذِنُ بأنَّ مَا فِي الْخَبَر مستحقّ الصِّلَة وَكَذَلِكَ صفة النكرَة كَقَوْلِهِم كلُّ رجل يأتيني فَلهُ دِرْهَم فإنْ أدخلت على (الَّذِي) (إنَّ) جَازَ أَن تدخل الْفَاء فِي الْخَبَر وَقَالَ الْأَخْفَش لَا يجوز وَوجه جَوَازه أنَّ (إنَّ) لَا تغيَّر معنى الْكَلَام بل تؤكَّد الْخَبَر بِخِلَاف أخواتها فإنَّها تغيَّر معنى الْكَلَام والأخفش يحكم بِزِيَادَة الْفَاء إِذا وجدهَا فِي شَيْء من ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 بَاب الْفَاعِل الْفَاعِل عِنْد النحويَّين الِاسْم الْمسند إِلَيْهِ الْفِعْل أَو مَا قَامَ مقَامه مقدَّما عَلَيْهِ سَوَاء وجد مِنْهُ حَقِيقَة أَو لم يُوجد وَقَالَ بعض النحويَّين الْفَاعِل من وجد مِنْهُ الْفِعْل وَغَيره مَحْمُول عَلَيْهِ وَهَذَا ضَعِيف لأربعة أوجه أَحدهَا أنَّ قَوْلهم رخص السّعر وَمَات زيد فَاعل عِنْدهم وَلم يصدر مِنْهُ فعل حَقِيقَة وَالثَّانِي أنَّه إِذا كَانَ فَاعِلا لصدور الْفِعْل لم يجز بَقَاء هَذَا الِاسْم عَلَيْهِ مَعَ نَفْيه لأنَّ الْمَعْلُول لَا يثبت بِدُونِ علَّة وَالثَّالِث أنَّ قَوْلك مَا قَامَ زيد يصحُّ أَن تَقول فِيهِ مَا فعل الْقيام فتنفي الْفِعْل عَنهُ فَكيف يشتق لَهُ مِنْهُ اسْم مُثبت وَالرَّابِع أنَّ الِاسْم إِذا تقدَّم على الْفِعْل بَطل أَن يكون فَاعِلا مَعَ صُدُور الْفِعْل مِنْهُ فصل وإنَّما شَرط فِيهِ أَن يتقدَّم الْفِعْل عَلَيْهِ لأربعة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 أحدُها أنَّ الْفَاعِل كجزء من الْفِعْل لما نذكرهُ من بعدُ ومحالٌ تقدُّم جُزْء الشَّيْء عَلَيْهِ وَالثَّانِي أنَّ كَونه فَاعِلا لَا يتصوَّر حَقِيقَة إلاَّ بعد صُدُور الْفِعْل مِنْهُ كَكَوْنِهِ كَاتبا وبانياً فَجعل فِي اللَّفْظ كَذَلِك وَالثَّالِث أَن الِاسْم إِذا تقدَّم على الْفِعْل جَازَ أَن يسند إِلَى غَيره كَقَوْلِك زيدٌ قَامَ أَبوهُ وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا تقدَّم عَلَيْهِ وَالرَّابِع أنَّ الْفَاعِل لَو جَازَ أَن يتقدَّم على الْفِعْل لم يحْتَج إِلَى ضمير تَثْنِيَة وَلَا جمع والضميرُ لَازم لَهُ كَقَوْلِك الزيدان قاما والزيدون قَامُوا وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا تقدَّم فصل والدُليل على أَن الْفَاعِل كجزء من أَجزَاء الْفِعْل اثْنَا عشر وَجها أحدُها أنَّ آخر الْفِعْل يسكَّن لضمير الْفَاعِل لئلاَّ يتوالى أَرْبَعَة متحرّكات ك (ضربت) و (ضربنا) وَلم نسكَّنه مَعَ ضمير الْمَفْعُول نَحْو (ضَرَبَنا) لأنَّه فِي حكم الْمُنْفَصِل وَالثَّانِي أنَّهم جعلُوا النُّون فِي الْأَمْثِلَة الْخَمْسَة عَلامَة رفع الْفِعْل مَعَ حيلولة الْفَاعِل بَينهمَا وَلَوْلَا أنَّه كجزء من الْفِعْل لم يكن كَذَلِك وَالثَّالِث أنَّهم لم يعطفوا على الضَّمِير المتَّصل الْمَرْفُوع من غير توكيد لجريانه مجْرى الْحَرْف من الْفِعْل واختلاطه بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَالرَّابِع أنَّهم وصلوا تَاء التَّأْنِيث بِالْفِعْلِ دلَالَة على تَأْنِيث الْفَاعِل فَكَانَ كالجزء مِنْهُ الْخَامِس أنَّهم قَالُوا (ألقيا) و (قفا) مَكَان (ألقِ ألقِ) وَلَوْلَا أنَّ ضمير الْفَاعِل كجزء من الْفِعْل لما أنيب مَنَابه السَّادِس أنَّهم نسبوا إِلَى (كنت) (كنتي) وَلَوْلَا جعلهم التَّاء كجزء من الْفِعْل لم يبْق مَعَ النّسَب السَّابِع أنَّهم ألغوا (ظَنَنْت) إِذا توسَّطت أَو تأخَّرت وَلَا وَجه لذَلِك إِلَّا جعل الْفَاعِل كجزء من الْفِعْل الَّذِي لَا فَاعل لَهُ وَمثل ذَلِك لَا يعْمل الثَّامِن أمتناعهم من تَقْدِيم الْفَاعِل على الْفِعْل كامتناعهم من تَقْدِيم بعض حُرُوفه وَالتَّاسِع أنَّهم جعلُوا (حبَّذا) بِمَنْزِلَة جُزْء وَاحِد لَا يُفِيد مَعَ أنَّه فعل وفاعل والعاشر أنَّ من النحويَّين من حعل (حبَّذا) فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ وَأخْبر عَنهُ وَالْجُمْلَة لَا يصحُّ فِيهَا ذَلِك إلاَّ إِذا سُمِّي بهَا وَالْحَادِي عشر أنَّهم جعلُوا (ذَا) فِي (حبذَّا) بِلَفْظ وَاحِد فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع والتأنيث كَمَا يفعل ذَلِك فِي الْحَرْف الْوَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وَالثَّانِي عشر أنَّهم قَالُوا فِي تَصْغِير (حبَّذا) (مَا أحيبذه) فصغروا الْفِعْل وحذفوا مِنْهُ إِحْدَى البائين وَمن الِاسْم الْألف والعربُ تَقول لَا تحبَّذه عَلَيْهِ فاشتقَّ مِنْهُمَا فصل وَالْعَامِل فى الْفَاعِل الفعلُ الْمسند إِلَيْهِ وَهَذَا أسدُّ من قَوْلهم الْعَامِل إِسْنَاد الْفِعْل إِلَيْهِ لأنَّ الْإِسْنَاد معنى وَالْعَامِل هُنَا لفظيّ وَالَّذِي ذكرته هُوَ الَّذِي أرادوه لأنَّ الْفِعْل لَا يعْمل إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ نِسْبَة إِلَى الِاسْم فلَمّا كَانَ من شُرُوط عمل الْفِعْل الإسنادُ وَالنِّسْبَة تجوَّزوا بِمَا قَالُوا والحقيقة مَا قلت وَقَالَ خلف الكوفيّ الْعَامِل فِي الْفَاعِل الفاعليَّة وَالدَّلِيل على فَسَاد قَوْله من أَرْبَعَة أوجه أحدُها أنَّ (إنَّ) عاملة بِنَفسِهَا وَهِي نائبة عَن الْفِعْل فَعمل الْفِعْل بِنَفسِهِ أوْلى وَالثَّانِي أنَّ الْفِعْل لفظ مختضٌّ بِالِاسْمِ والاختصاصُ مؤثَّر فِي الْمَعْنى فَوَجَبَ أَن يؤثِّر فِي اللَّفْظ كعوامل الْفِعْل وَالثَّالِث أَن الْمُوجب لِمَعْنى الفاعلية هوالفعل فَكَانَ هُوَ الْمُوجب للْعَمَل فِي اللَّفْظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وَالرَّابِع أنَّ الِاسْم قد يكون فِي اللَّفْظ فَاعِلا وَفِي الْمَعْنى مَفْعُولا بِهِ كَقَوْلِك مَاتَ زيدٌ ومفعولا فِي اللَّفْظ وَهُوَ فِي الْمَعْنى فَاعل كَقَوْلِك تصبَّب زيدٌ عرقاً وَلَو كَانَ الْعَامِل هُوَ الْمَعْنى لانعكست هَذِه الْمسَائِل فصل وإنَّما أعرب الْفَاعِل بِالرَّفْع لأربعة أوجه أَحدهَا أنَّ الْغَرَض الْفرق بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فبأيِّ شيْ حصل جَازَ وَالثَّانِي أنَّ الْفَاعِل أقلُّ من الْمَفْعُول والضمُّ أثقل من الْفَتْح فَجعل الأثقل للأقلِّ والأخف للْأَكْثَر تعديلاً وَالثَّالِث أنَّ الْفَاعِل أقوى من الْمَفْعُول إِذا كَانَ لَازِما لَا يسوغ حذفه والضَّمة أقوى الحركات فَجعل لَهُ مَا يُنَاسِبه وَالرَّابِع أنَّ الْفَاعِل قبل الْمَفْعُول لفظا وَمعنى لأنَّ الْفِعْل يصدر مِنْهُ قبل وُصُوله إِلَى الْمَفْعُول فَجعل لَهُ أوَّل الحركات وَهُوَ الضَّمّة فصل وإنَّما لم يجز أَن تكون الْجُمْلَة فاعلاُ لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ الْفَاعِل كجزء من الْفِعْل وَلَا يُمكن جعل الْجُمْلَة كالجزء لاستقلالها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَالثَّانِي أنَّ الْفَاعِل قد يكون مضمراً وَمَعْرِفَة بِالْألف وَاللَّام وإضمار الْجُمْلَة لَا يصحُّ وَالْألف وَاللَّام لَا تدخل عَلَيْهَا وَالثَّالِث أنَّ الْجُمْلَة قد عمل بعضُها فِي بعض فَلَا يصحُّ أنْ يعْمل فِيهَا الْفِعْل لَا فِي جُمْلَتهَا وَلَا فِي أبعاضها إِذْ لَا يُمكن تقديرها بالمفرد هُنَا فصل وَالْأَصْل تَقْدِيم الْفَاعِل على الْمَفْعُول لأنَّه لَازم فِي الْجُمْلَة جَار مجْرى جُزْء من الْفِعْل وَالْمَفْعُول قد يسْتَغْنى عَنهُ وَالْفَاعِل يصدر مِنْهُ الْفِعْل ثَّم يُفْضِي إِلَى الْمَفْعُول بِهِ بعد ذَلِك إلاَّ أنّ تَقْدِيم الْمَفْعُول جَائِز لقوَّة الْفِعْل بتصرفَّه وَالْحَاجة إِلَى اتساع الْأَلْفَاظ فإنْ خيفّ اللّبْس لم يجز التَّقْدِيم مثل أَن يكون الْفَاعِل وَالْمَفْعُول لَا يتبيَّن فيهمَا إِعْرَاب فإنْ وصف أحدُهما أَو عطف عَلَيْهِ مَا يفصل بَينهمَا جَازَ التَّقْدِيم فصل وأوْلى الْفِعْلَيْنِ بِالْعَمَلِ الْأَخير مِنْهُمَا وَقَالَ الكوفيَّون الأوَّل أوْلى واتَّفقوا على أنَّ كلا الْأَمريْنِ جَائِز إِذا صحَّ الْمَعْنى وأنَّه لَا يُخيَّر فِي إِعْمَال أيّهما شَاءَ إِذا لم يصحَّ الْمَعْنى وَإِذا تقدَّم الْفِعْل الَّذِي يحْتَاج إِلَى فَاعل أضمر فِيهِ كَقَوْلِك ضربوني وَضربت الزيدين وَقَالَ الكسائيُّ لَا يُضمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَالدَّلِيل على أنَّ إِعْمَال الثَّانِي أوْلى السماعُ والقياسُ فَمن السماع قولُه تَعَالَى {يستفتونك قلِ الله يفتيكم فِي الكلالةِ} وَلَو أعْمَلَ الأول لقَالَ (فِيهَا) وَقَوله تَعَالَى {قَالَ آتوني أفرغ عليهِ قطِراً} وَلم يقل (أفرغه) وَقَوله تَعَالَى {هاؤمُ اقرؤوا كتابَيْه} وَلم يقل (اقرؤوه) وَمِمَّا جَاءَ فِي الشّعْر قولُ الفرزدق // الطَّوِيل // 9 - (ولكنَّ نصفا لَو سببْتُ وسبَّني ... بَنو عبد شمس مِنْ مُناف وهاشمِ) وَلم يقل سبُّوني وَهُوَ كثير فِي الشّعْر وأمَّا القياسُ فَهُوَ أنَّ الثَّانِي أقرب إِلَى الِاسْم وإعماُله فِيهِ لَا يُغير معنى فَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أوْلى كَقَوْلِهِم خشَّنت بصدره وَصدر زيد بحرِّ الْمَعْطُوف وَكَذَا قَوْلهم مَرَرْت ومرَّ بِي زيد أَكثر من قَوْلهم مر بِي ومررت بزيد والعلَّة فِيهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ الْعَامِل فِي الشَّيْء كالعلَّة الْعَقْلِيَّة وَتلك لَا يفصل بَينهَا وَبَين معمولها وَالثَّانِي أنَّ الْفَصْل بَين الْعَامِل والمعمول بالأجنبيّ لَا يجوز كَقَوْلِهِم كَانَت زيدا الحَّمى تَأْخُذ والمعطوف هُنَا كَالْأَجْنَبِيِّ فاحسن أَحْوَاله أَن يضعف عمل الأوَّل ويدلُّ على ذَلِك أنَّ الْفِعْل إِذا تَأَخّر عَن الْمَفْعُول جَازَ دُخُول اللَّام عَلَيْهِ كَقَوْلِك لزيدٍ ضربُت وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {لرِّبهم يرهبون} وَلَا يجوز ذَلِك مَعَ تَقْدِيم الْفِعْل / وَكَذَلِكَ أَيْضا إِذا جَاوز الْفِعْل الْفَاعِل المؤسنث الْحَقِيقِيّ لَزِمت فِيهِ التَّاء وَإِن فصل بَينهمَا لم يلْزم كلُّ ذَلِك اهتمامٌ بالأقرب وَكَانَ أَبُو عليّ يتمثَّل عِنْد ذَلِك بقول الْهُذلِيّ 10 - (وإنَّما ... نوكّل بالأدنى وَإِن جلَّ مَا يمْضِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 واحتجَّ الْآخرُونَ بِأَبْيَات عمل فِيهَا الأوَّل وَلَيْسَ فِيهَا حجَّة على الأوْلى بل الْجَوَاز فأمَّا قَول أمرئ الْقَيْس 11 (فَلَو أنَّ مَا أسعى لأدنى معيشةٍ ... كفاني _ ولَمْ أطلبْ - قليلٌ من المَال) فإنَّما أعمل الأوَّل فِيهِ لأنَّ الْمَعْنى عَلَيْهِ أَي لَو كنت أسعى لأمر حقير كفاني الْقَلِيل وَلَو نصب على هَذَا لتناقض الْمَعْنى فإنْ قَالُوا الأوَّل أهُّم للبدء بِهِ قُلْنَا لَو اشتدَّ الاهتمام بِهِ لّجُعل معمولُه إِلَى جَانِبه على الاهتمام بالأقرب أشدّ على مَا بيَّنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 بَاب مَا لم يُسمَّ فَاعله إنَّما حذف الْفَاعِل لخمسة أوجه أَحدهَا ألاَّ يكون للمتكلمِّ فِي ذكره غَرَض وَالثَّانِي أنْ يُترك ذكره تَعْظِيمًا لَهُ واحتقاراً وَالثَّالِث أَن يكون الْمُخَاطب قد عرفه وَالرَّابِع أَن يخَاف عَلَيْهِ من ذكره وَالْخَامِس ألاَّ يكون المتكلَّم يعرفهُ فصل وإنَّما غُيِّرَ لفظ الْفِعْل ليدلَّ تَغْيِيره على حذف الْفَاعِل وإنَّما ضُمَّ أوَّله وكُّسِر مَا قبل آخِره فِي الْمَاضِي وَفتح الْمُسْتَقْبل لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّه خُصَّ بِصِيغَة لَا يكون مثلهَا فِي الْأَسْمَاء وَلَا فِي الْأَفْعَال الَّتِي سمُيِّي فاعلها لئلاَّ يلتبس فإنْ قلت كَانَ يجب أَن يُكسر أوَّلُه ويضَّم مَا قبل آخِره إِذْ لَا نَظِير لَهُ قيل الْخُرُوج من كسر إِلَى ضمّ مستثقل جدّاً بِخِلَاف الْخُرُوج من ضمّ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 كسر فأمَّا (دُئِل) فَلَا يُعتدُّ بِهِ لقلَّته وشذوذه وإنَّما فتح قبل الْأَخير فِي الْمُسْتَقْبل لئلاَّ يلتبس بِمَا سُمَّي فَاعله وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّهم ضمُّوه عوضا من ضمَّ الْفَاعِل الْمَحْذُوف وَهَذَا ضَعِيف لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّهم غيَّروا مِنْهُ موضعا آخر بِغَيْر الضمِّ وَالثَّانِي أنَّ الْمَحْذُوف قد أقيم الْمَفْعُول مُقامه فصل وإنَّما أقيم الْمَفْعُول مُقام الْفَاعِل ليَكُون الْفِعْل حَدِيثا عَنهُ إِذْ الْفِعْل خبر وَلَا بدَّ لَهُ من مخبر عَنهُ ولّمَّا أقيم مقَامه فِي الأسناد إِلَيْهِ رفُع كَمَا رفع الرافع لَهُ الْفِعْل الْمسند إِلَيْهِ فصل وإنَّما لم يجز بِنَاء الْفِعْل اللَّازِم لما يسمَّ فَاعله لأنَّه يبْقى خَبرا بِغَيْر مخبر عَنهُ كَقَوْلِك جُلس وَقد ذهب قوم إِلَى جَوَازه على أَن يكون الْمصدر الْمَحْذُوف مضمراً فِيهِ وساغ حذفه بِدلَالَة الْفِعْل عَلَيْهِ وَهَذَا ضَعِيف جدّاً لأنَّ الْمصدر الْمَحْذُوف لَا يُفِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 إِسْنَاد الْفِعْل إِلَيْهِ إِذا كَانَ الْفِعْل يُغني عَنهُ وَلَا يصحّ تَقْدِير مصدر مَوْصُوف وَلَا دالّ على عدد إِذْ لَيْسَ فِي الْفِعْل دلَالَة على الصّفة وَالْعدَد فصل وَإِذا كَانَ فِي الْكَلَام مفعول بِهِ صَحِيح جُعل القائَم مَقامَ الْفَاعِل دون الظّرْف وحرف الجرّ لأربعة أوجه أحدُها أنَّ الْفِعْل يصل إِلَيْهِ بِنَفسِهِ كَمَا يصل إِلَى الْفَاعِل بِخِلَاف الظّرْف وَالثَّانِي أنَّ الْمَفْعُول بِهِ شريك الْفَاعِل لأنَّ الْفَاعِل يوجِد الْفِعْل وَالْمَفْعُول بِهِ يحفظه وَالثَّالِث أنَّ الْمَفْعُول فِي الْمَعْنى قد جعل فَاعِلا فِي اللَّفْظ كَقَوْلِك مَاتَ زيد وطلعت الشَّمْس وهما فِي الْمَعْنى مفعول بهما بِخِلَاف الظّرْف وَالرَّابِع أنَّ من الْأَفْعَال مَا لم يُسمَّ فَاعله بِحَال نَحْو عُنيت بحاجتك وبابه وَلم يسند إلاَّ إِلَى مفعول بِهِ صَحِيح فدلَّ على أنّه أشبه بالفاعل وَقَالَ الكوفيَّون يجوز إِقَامَة الظّرْف مقَام الْفَاعِل وَإِن كَانَ مَعَه مفعول صَحِيح لِأَنَّهُ يصير مَفْعُولا بِهِ على السعَة وَهَذَا ضَعِيف لما ذكرنَا فصل وأمَّا إِقَامَة الْمصدر مقَام الْفَاعِل مَعَ الْمَفْعُول بِهِ فللبصريَّين فِيهِ مذهبان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 أَحدهمَا لَا يجوز لأنَّ الْمصدر يصل إِلَيْهِ فِي الْمَعْنى فَهُوَ غير لَازم بِخِلَاف الْمَفْعُول بِهِ وَالْآخر يجوز لِأَن الْفِعْل يصل إِلَيْهِ بِنَفسِهِ واحتجُّوا على ذَلِك بقرأءة أبي جَعْفَر المدنيّ {ليُجْزَى قوما} أَي ليُجْزَى الجزاءُ قوما وبقراءة عَاصِم {وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} أَي نجي النَّجَاء وَبقول جرير (فَلَو وَلَدت فُقَيْرَةُ جَرْوَ كَلْبٍ ... لَسُبَّ بذلك الكلْبِ الكلابا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَهَذَا ضَعِيف لما ذكرنَا والقراءتان ضعيفتان على أنَّ قِرَاءَة عَاصِم فِيهَا وَجه آخر يُخرجهَا من هَذَا الْبَاب وَهُوَ يكون أَن الأَصْل (ننجي) ثَّم أبدل النُّون الثَّانِيَة جيماً وأدغمها وأمَّا قِرَاءَة أبي جَعْفَر فعلى تَقْدِير (لنجزي الْخَيْر قوما) فالخير مفعول بِهِ وَهَذَا الْفِعْل يتعّدىَّ إِلَى مفعولين وأضمر الأوَّل لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ وأمَّا الْبَيْت فقد حُمل على مَا قَالُوا وَحمل على وَجه آخر وَهُوَ أَن يكون التَّقْدِير فَلَو ولدت قفيرة الْكلاب ياجرو كلب لسبّ أَي جنس الْكلاب فصل وإنَّما جَازَ إِقَامَة حرف الجرَّ والظرف والمصدر - أيَّها شِئْت _ مُقام الْفَاعِل لتساويها فِي ضعفها عَن الْمَفْعُول بِهِ وإنَّما يُقَام الظّرْف مقَام الْفَاعِل إِذا جعل مَفْعُولا على السعَة لأنَّه إذْ كَانَ ظرفا كَانَ حرف الجرِّ مقدَّراُ مَعَه وَهُوَ (فِي) و (فِي) يَقع فِيهَا الْفِعْل لَا بهَا ولأنَّ الْفِعْل يصل إِلَى الْفَاعِل بِغَيْر وَاسِطَة فَلم يُشبههُ الظّرْف ولأنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الْمَفْعُول بِهِ يصحّ أسناد الْفِعْل إِلَيْهِ وَإِذا قدَّر مَعَ الظّرْف (فِي) لم يصحّ إِسْنَاد الْفِعْل إِلَيْهِ قإنْ قلت فَكيف يصحّ إِقَامَة (الْبَاء) مقَام الْفَاعِل قيل إِن (الْبَاء) لم يُؤْت بهَا إلاّ لتقوّي الْفِعْل و (فِي) هِيَ الدالَّة على الظرفيَّة وإقامتها مقَام الْفَاعِل تسلبها هَذَا الْمَعْنى وَلَا يُقَام الْمصدر مقَام الْفَاعِل إلاَّ إِذا وصف أَو دلَّ على الْمرة أَو المرَّات لِأَنَّهُ حينئذٍ يُفِيد مَالا يدلُّ الْفِعْل عَلَيْهِ فصل وَلَا يجوز إِقَامَة الْحَال مقَام الْفَاعِل لأربعة أوجه أَحدهَا أنَّ الْفَاعِل يكون مظْهرا ومضمراً وَمَعْرِفَة ونكرة وَالْحَال لَا تكون إلاَّ نكرَة وَالثَّانِي أنَّ الْحَال تقدّر ب (فِي) وَلَا يصحّ تَقْدِير إِسْقَاطهَا وَالثَّالِث أنَّ الْحَال كالخبر على مَا نبيَّنه فِي بَابه وَخبر الْمُبْتَدَأ لَا يصحّ قيامُه مقَام الْفَاعِل لِأَنَّهُ مُسْند إِلَى غَيره وَالرَّابِع أنَّ الْحَال كالصفة فِي الْمَعْنى لِأَنَّهَا هِيَ صَاحب الْحَال وإنَّما يُقَام مقَام الْفَاعِل غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 فصل وإنَّما لم يقم الميزَّ مقَام الْفَاعِل لثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّه لَا يكون ألاَّ نكرَة وَالثَّانِي أنَّ حرف الجرّ مَعَه مُرَاد وَالثَّالِث أنَّه لَو اسقط المميّز لمك يبْق عَلَيْهِ دَلِيل وَلِهَذَا الْوَجْه لن يَجْعَل الْمُسْتَثْنى مقَام الْفَاعِل فصل وأمَّا الْمَفْعُول لَهُ فَلَا يُقَام مقَام الْفَاعِل لوَجْهَيْنِ د أَحدهمَا أنَّ اللَّام مُرَادة وَالثَّانِي أنَّه غَرَض الْفَاعِل فَلَو أقيم مقَامه لبطل هَذَا الْمَعْنى فصل وأنَّما لم يقم خبر كَانَ مقَام أسمها لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّه هُوَ الِاسْم فِي الْمَعْنى وَالثَّانِي أنَّ الْخَبَر مسندٌ إِلَى غَيره فَلَا يسند إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 بَاب كَانَ وَأَخَوَاتهَا ذهب الْجُمْهُور إِلَى أنَّها أَفعَال لتصُّرفها وأتِّصال الضمائر وتاء التَّأْنِيث بهَا ودلالتها على معنى فِي نَفسهَا وَهُوَ الزَّمَان فصل وإنَّما لم تدلّ على حدث وَلَا أكّدت بِالْمَصْدَرِ لأنَّهم اشتقوها من المصادر ثّم خلعوا عَنْهَا دلالتها على الْحَدث لتدلَّ على زمن خبر الْمُبْتَدَأ حتَّى صَارَت مَعَ الْخَبَر بِمَنْزِلَة الْفِعْل الدالّ على الْحَدث وَالزَّمَان وَمن عبَّر من البصريَّين عَنْهَا بالحروف فقد تجوَّز لأنَّه وجدهَا تشبه الْحُرُوف فِي أنَّها لَا تدلّ على الْحَدث وإنَّما هِيَ أَفعَال لفظيَّة أَو يكون عنَىَ بالحروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الطَّرِيقَة إِذْ كَانَ لهَذِهِ الْأَفْعَال فِي النَّحْو طَريقَة تخَالف فِيهَا بقيَّة الْأَفْعَال ولهذه العلَّة خصّوها من بَين الْأَفْعَال بِالدُّخُولِ على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وأمَّا (لَيْسَ) فَمن البصريَّين من قَالَ هِيَ حرف وإنَّ الضَّمِير اتَّصل بهَا لشبهها بالأفعال كَمَا اتَّصل الضَّمِير ب (هَا) على لُغَة من قَالَ فِي التَّثْنِيَة (هاءا) وَفِي الْجمع (هاؤوا) وَأَبُو عليّ يُشِير إِلَيْهِ فِي كتبه كثيرا ويقوِّي ذَلِك أنَّها لَا تدلُّ على زمَان وأنَّها تَنْفِي كَمَا تَنْفِي (مَا) وأنَّهم شبَّهوها ب (مَا) فِي إبِْطَال عَملهَا بِدُخُول (إلاَّ) على الْخَبَر فِي قَوْلهم لَيْسَ إلاَّ الطّيب الْمسك بِالرَّفْع فيهمَا وَمن قَالَ هِيَ فعلٌ لفظيٌّ فقد احتجَّ بِمَا ذكرنَا وسلبت التصرُّف لشبهها بهَا ويدلُّ على أنَّها فعلٌ جَوَاز تَقْدِيم خَبَرهَا على اسْمهَا عِنْد الْجَمِيع وتقديمه عَلَيْهَا عِنْد كثير مِنْهُم بِخِلَاف (مَا) فصل وإنَّما كَانَت (كَانَ) أمّ هَذِه الْأَفْعَال لخمسة أوجه أَحدهَا سَعَة أقسامها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَالثَّانِي أنَّ (كَانَ) التامَّة دَالَّة على الْكَوْن وكلُّ شَيْء دَاخل تَحت الْكَوْن وَالثَّالِث أنَّ (كَانَ) دالَّة على مُطلق الزَّمَان الْمَاضِي و (يكون) دالَّة على مُطلق الزَّمَان الْمُسْتَقْبل بِخِلَاف غَيرهَا فإنَّها تدل على زمَان مَخْصُوص كالصباح والمساء وَالرَّابِع أنَّها أَكثر فِي كَلَامهم وَلِهَذَا حذفوا مِنْهَا النُّون إِذا كَانَت نَاقِصَة فِي قَوْلهم لم يَك وَالْخَامِس أنَّ بقيَّة أخواتها تصلح أَن تقع أَخْبَارًا لَهَا كَقَوْلِك كَانَ زيد أصبح مُنْطَلقًا وَلَا يحسنُ أصبح زيد كَانَ مُنْطَلقًا فصل وإنَّما اقْتَضَت النَّاقِصَة اسْمَيْنِ لأنّها دخلت على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر للدلالة على زمن الْخَبَر وإنمَّا عملت لأنَّها أَفعَال متصرِّفة مُؤثرَة فِي معنى الْجُمْلَة فَأَشْبَهت (ظَنَنْت) وإنَّما رفعت ونصبت لأنَّها تفْتَقر إِلَى اسْم تسند إِلَيْهِ كَسَائِر الْأَفْعَال فَمَا تسند إِلَيْهِ مشبَّه بالفاعل الْحَقِيقِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وأمَّا الْخَبَر فمنصوب ب (كَانَ) عِنْد البصريَّين وَقَالَ الكوفيُّون ينْتَصب على الْقطع يعنون الْحَال وَالدَّلِيل على انتصابه ب (كَانَ) أنَّه اسْم بعد الْفِعْل وَالْفَاعِل وَلَيْسَ بتابع لَهُ فَأشبه الْمَفْعُول بِهِ وَلَا يصحّ جعله حَالا لأنَّ الْحَال لَا يكون معرفَة وَلَا مضمراً وليصحُّ حذفه وَلَيْسَ كَذَلِك خبر كَانَ لأنَّه مَقْصُود الْجُمْلَة أَلا ترى أنَّه لَو قَالَ كَانَ زيٌد قَائِما فَقَالَ قَائِل لَا كَانَ النَّفْي عَائِدًا إِلَى الْقيام لَا إِلَى كَانَ فصل وإنَّما لم يكن منصوبها مَفْعُولا بِهِ على التَّحْقِيق لأنَّ الْمَفْعُول بِهِ يسوغ حذفه وَلَا يلْزم أَن تكون عدَّته على عدَّة الْفَاعِل وَلَا أَن يكون الْمَفْعُول بِهِ هُوَ الْفَاعِل وَخبر كَانَ يلْزم فِيهِ ذَلِك فصل وإنَّما جَازَ تَقْدِيم أَخْبَارهَا على أسمائها لتصرُّفها فأمَّا تَقْدِيم خبر (مَا زَالَ وَأَخَوَاتهَا) عَلَيْهَا فَمَنعه البصريُّون والفرَّاء لِأَن (مَا) أمّ حُرُوف النَّفْي وَمَا فِي صلَة النَّفْي لَا يتقدَّم عَلَيْهِ لأنَّ النَّفْي لَهُ صدر الْكَلَام إِذْ كَانَ يحدث فِيمَا بعده معنى لَا يفهم بالتقديم فَيُشبه حُرُوف الْجَزَاء والاستفهام والنداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 فأمَّا (لَا يزَال) و (لن يزَال) و (لم يزل) فَيجوز تَقْدِيم الْخَبَر عَلَيْهَا لأنهَّا فروع على (مَا) إِذْ كَانَت تردّ إِلَيْهَا وتستعمل فِي مَوَاضِع لَا يصحّ فِيهَا (مَا) وَلِهَذَا عملت فِي الْأَفْعَال للزومها إِيَّاهَا فمفعول فعلهَا يتقدَّم عَلَيْهَا كَمَا يتقدَّم على نفس الْفِعْل العرّي عَن حرف النَّفْي بِخِلَاف (مَا) وَقَالَ ابْن كيسَان وبقيَّة الكوفيَّين يجوز تَقْدِيم الْخَبَر عَلَيْهَا لأنَّ (مَا وَالْفِعْل) صَارا فِي معنى الْإِثْبَات وَهَذَا ضَعِيف لأنَّ لفظ النَّفْي بَاقٍ وَالِاعْتِبَار بِهِ لَا بِالْمَعْنَى أَلا ترى أنَّ قَوْلك (لَا تفعل) يسمَّى (نهيا) وَلَو جعلت مَكَانَهُ (اترك الْفِعْل) كَانَ الْمَعْنى وَاحِدًا وَيُسمى الثَّانِي (أمرا) وأمَّا خبر (مَا دَامَ) فَلَا يتقدَّم عَلَيْهَا عِنْد الْجَمِيع لأنّها مصدريَّة ومعمول الْمصدر لَا يتقدَّم عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ (مَا كَانَ) لأنَّ الْكَلَام نفيٌ لفظا وَمعنى فأمَّا (لَيْسَ) فاتفقوا على جَوَاز تَقْدِيم خَبَرهَا على اسْمهَا وأمَّا تَقْدِيمه عَلَيْهَا فَيجوز عِنْد الكوفيَّين وَبَعض البصريَّين وحجَّة مَنْ منع أنَّ (لَيْسَ) فعل لَفْظِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 جامدٌ قويٌّ الشّبَه بالحرف فَلم يقْوَ قوَّة أخواته وَجَاز تَقْدِيم الْخَبَر فِيهِ على الِاسْم إِذْ كَانَ فعلا فِي الْجُمْلَة فحاله متوسَّطة بَين (كَانَ) وَبَين (مَا) واحتجَّ من أجَاز تَقْدِيم خبر (لَيْسَ) بقوله {أَلا يَوْم يَأْتِيهم لَيْسَ مصروفاً عَنْهُم} فنصب (يَوْم) بالْخبر وَلَا يَقع الْمَعْمُول إلاَّ حَيْثُ يَقع الْعَامِل ولأنَّ (لَيْسَ) فعلٌ يتقدَّم خَبره على اسْمه فَكَذَلِك يتقدَّم عَلَيْهِ ك (كَانَ) وَقد أُجِيب عَن الْآيَة من وَجْهَيْن أحدُهما أنّه مَنْصُوب بِفعل آخر يفسّره الْخَبَر وَالثَّانِي أنّ الظروف تعْمل فِيهَا رَوَائِح الْفِعْل فصل وإنَّما لم يجز الفصلُ بَين (كَانَ) وَغَيرهَا من العوامل بِمَا لم تعْمل فِيهِ لأنَّه أجنبيّ غير مُسْند للْكَلَام وَالْعَامِل يطْلب معموله فالفصل بَينهمَا يقطعهُ عَنهُ فَإِن جعلت فِي (كَانَ) ضمير الشَّأْن جَازَ تَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر لاتّصال (كَانَ) بِأحد معموليها وَكَون الْفَاصِل كالجزء من جنسهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 فصل وإنَّما كَانَ الْأَحْسَن فِي خبر (كَانَ) إِذا وَقع ضميراً أَن يكون مُنْفَصِلا لأنّه فِي الأَصْل خبر الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر لَا يكون متّصّلاً وإنّما سَاغَ فِي (كَانَ) أنْ يكون متّصّلاً لأنّه مشبّه بالمفعول فعلى هَذَا (كنت إيّاه) أَحْسَنُ من (كنته) فصل وإنَّما لم يجز دُخُول (إلاّ) فِي خبر (مَا زَالَ) وَأَخَوَاتهَا لِأَن مَعْنَاهَا الْإِثْبَات فَيصير ك (كَانَ) فأمَّا قَول ذِي الرّمة // الطَّوِيل // 13 - (حراجيجُ مَا تنفكُّ إلاّ مُناخةً ... على الْخَسْفِ أَو نرمي بهَا بَلَدا قَفْرا) فيروى بِالرَّفْع على أنّه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَمَوْضِع الْجُمْلَة حَال وَبِالنَّصبِ على الْحَال وَتَكون (تنفك) تَامَّة و (على الْخَسْف) حَال أُخْرَى وَيجوز أَن تكون النَّاقِصَة وَتَكون (على الْخَسْف) الْخَبَر أَي مَا تنفكُّ على الْخَسْف إلاَّ إِذا أنيخت وَعَلِيهِ الْمَعْنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فصل لَا يجوز أَن تبنى (كَانَ) لما لم يُسمَّ فَاعله لما ذكر فِي الْبَاب الَّذِي قبله وَقَالَ الفرَّاء يجوز وَهُوَ فاسدٌ لما تقدَّم فصل وَلَا تؤكّد (كَانَ) بِالْمَصْدَرِ لأنَّ الْمصدر دالٌّ على الْحَدث والناقصة لَا تدلُّ عَلَيْهِ وَأَجَازَهُ قوم على أَن يكون الْمصدر لفظيّاً كالفعل المؤكّد وَقَوْلهمْ يُعجبنِي كونُ زيد قَائِما فَهُوَ مصدر التامَّة و (قَائِما) مَنْصُوب على الْحَال فصل وحرف الجرّ الدَّاخِل على الْخَبَر لَا يعلَّق بِهَذِهِ الْأَفْعَال لأنَّه زَائِد وإنمّا يتعلَّق الْحَرْف بِالْفِعْلِ الَّذِي يعدّيه فصل وَلَا تدخل (لَام كي) على خبر كَانَ لأنَّها تدلُّ على الْمَفْعُول لَهُ وَهَذَا يجوز وَالْخَبَر لَا يجوز حذفه ولأنَّ خبر كَانَ يعَّلل بِغَيْرِهِ لَا بِنَفسِهِ وأمَّا قَوْله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 {مَا كَانَ الله ليذرَ الْمُؤمنِينَ} فَالْخَبَر فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره مَا كَانَ الله مرِيدا وَنَحْوه وَقَالَ الكوفيّون هُوَ الْخَبَر وسنشبع القَوْل فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْأَفْعَال فصل وإنَّما سَاغَ أَن تزاد (كَانَ) لأنَّها أشبهت الْحُرُوف فِي أنَّ مَعْنَاهَا فِي غَيرهَا ول (كَانَ) الزَّائِدَة فَاعل مُضَمرٌ فِيهَا تَقْدِيره كَانَ الْكَوْن على قَول أبي سعيد السيرافي وَلَا فَاعل لَهَا عِنْد أبي عليّ وَمعنى زيادتها عِنْد السيرافي فِي إِلْغَاء عَملهَا لَا أنَّها تَخْلُو من فَاعل وإنَّما لم يظْهر ضمير فاعلها لِأَن الضَّمِير يرجع إِلَى مَذْكُور فَيلْزم أَن يكون لَهَا اسْم وَإِذا كَانَ لَهَا اسْم كَانَ لَهَا خبر وَلِهَذَا تبيَّن فسادُ قولِ من قَالَ فِي قَول الفرزدق // الوافر // 14 - ( ... وجيرانٍ لنا كَانُوا كرامِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 إنَّ (كَانَ) زَائِدَة وَالصَّحِيح أنَّ خَبَرهَا (لنا) و (كرام) صفة لجيران وإنَّما لم تقع الزَّائِدَة فِي أوَّل الْكَلَام لأنَّ الزَّائِدَة فرع ومؤكّد وتقدَّمه يخلٌّ بِهَذَا الْمَعْنى فصل وإنَّما أكّد خبر (لَيْسَ) بِالْبَاء لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ الْكَلَام إِذا زيد فِيهِ قوي وَلِهَذَا زيدت (من) فِي قَوْلك مَا جَاءَنِي من أحد وَالثَّانِي أنَّها بِإِزَاءِ (اللَّام) فِي خبر (إنّ) وَالثَّالِث أنَّ دُخُول حرف الجّر يُؤذن بتعُّلُّق الْكَلِمَة بِمَا قبلهَا من فعل أَو مَا قَامَ مقَامه وَلَو حذفه لَكَانَ مَرْفُوعا أَو مَنْصُوبًا وَكِلَاهُمَا قد يحذف عَامله وَيبقى هُوَ بِخِلَاف حرف الجرّ فصل وإنَّما اختيرت (الْبَاء) دون غَيرهَا لثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 أحدُها أنَّ أَصْلهَا الإلصاق والإلصاق يُوجب شدَّة اتِّصَال أحد الشَّيْئَيْنِ بِالْآخرِ وَالثَّانِي أنَّها من حُرُوف الشفتين فَهِيَ أقوى من اللَّام وَغَيرهَا من حُرُوف الجرّ وَالثَّالِث أنَّ حُرُوف الجرّ كلَّها توجب مَعَ تعديتها الْفِعْل معنى كالتبعيض وَالْملك والتشبيه وَغير ذَلِك وَالْبَاء لَا توجب أَكثر من تَعديَة الْفِعْل وَلذَلِك اسْتعْملت فِي القَسَم وَهُوَ بَاب التوكيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 بَاب مَا الْقيَاس ألاَّ تعْمل (مَا) لأنَّها غير مختَّصة فَهِيَ كحرف الِاسْتِفْهَام والعطف وَغَيرهمَا وَلِهَذَا لم يعملها بَنو تَمِيم وإنَّما أعملها أهل الْحجاز لشبهها ب (لَيْسَ) وَهِي تشبهها فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء النَّفْي وَنفي مَا فِي الْحَال ودخولها على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَدخُول الْبَاء فِي خَبَرهَا وَقد تقرَّر أنَّ الشَّيْء إِذا أشبه غَيره من وَجْهَيْن فَصَاعِدا حُمل عَلَيْهِ مَا لم يفْسد الْمَعْنى وَمِنْه بَاب مَا لَا ينْصَرف ولَمّا أشبهتها عملت فِي الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر ك (لَيْسَ) وَقَالَ الكوفيٌّون خَبَرهَا مَنْصُوب بِحَذْف حرف الجرّ وَهَذَا فاسدٌ لثَلَاثَة أوجه أحُدها أنَّ هَذَا يَقْتَضِي أنَّ حرف الجرَّ فِيهِ أصل وَلَيْسَ كَذَلِك وَالثَّانِي أنَّ هَذَا هَذَا إِيجَاب الْعَمَل بِالْعدمِ والثالثُ أنَّ حرف الجرَّ تحذف فِي مَوَاضِع وَلَا يجب النصب كَقَوْلِك بحسبك قولُ السوء وَكفى بِاللَّه شَهِيدا وَمَا جَاءَنِي من أحد فصل وإنَّما بَطل عَملهَا بِدُخُول (إلاَّ) لزوَال شبهها ب (لَيْسَ) إِذا كَانَ الْكَلَام يعود إِلَى الْإِثْبَات وَلم يبطل عمل (لَيْسَ) بإلاَّ لأنَّها أصل فأمَّا قَول الشَّاعِر [من الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 15 - (وَمَا الدَّهْر إلاَّ منجنوناً بأَهْله ... وَمَا صَاحب الْحَاجَات إلاَّ معذَّبا) // الطَّوِيل // فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أنَّ الْمَنْصُوب مفعول بِهِ وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره إِلَّا يشبه منجنوناً وَهُوَ الدولاب فِي دورانه وإلاَّ يشبه معذّباً وَالثَّانِي أنَّ (منجنونا) و (معذّبا) منصوبان نصب المصادر ونائبان عَن فعل تَقْدِيره إلاَّ يَدُور دوراناً وإلاَّ يعذب تعذيباً فصل وإنَّما بَطل عَملهَا بِتَقْدِيم الْخَبَر لِأَن التَّقْدِيم تصرُّف وَلَا تصرُّف لِ (مَا) ولأنَّ التَّقْدِيم فرع عمل و (مَا) فرع فَلَا يجمع بَين فرعين فأمَّا قَول الفرزدق 16 - (فَأَصْبحُوا قَدْ أعادَ اللهُ نِعْمَتَهُمْ ... إذْ قريشٌ وإذْ هم مَا مثْلَهم بشَرُ) // الْبَسِيط // (بِنصب مثلَ فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه الحديث: 15 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 أَحدهَا أنَّه غلط من الفررزدق لأنَّ لغته تميميَّة وهم لَا ينصوبه بِحَال لكّنه ظنَّ أنَّ أهل الْحجاز ينصبون خَبَرهَا مؤخرَّاً ومقدَّماً وَالثَّانِي أنَّها لُغَة ضَعِيفَة وَالثَّالِث أنَّه حَال تَقْدِيره (إِذْ مَا فِي الدُّنْيَا بشرٌ مثلُهم) فلَمَّا قدَّم صفة النكرَة نصبها وَهَذَا ضَعِيف لأنَّ الْعَامِل فِي الْحَال إِذا كَانَ معنى لَا يحذف وَيبقى عمله إلاَّ أنَّهُ سوّغه شبه (مثل) بالظرف وَالرَّابِع أنَّه ظرف تَقْدِيره (وَإِذ مَا مكانهم بشر) أَي فِي مثل حَالهم إلاّ أنّه سوَّغه شبه مثل بالظرف فصل وَيبْطل عَملهَا بِتَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر كَقَوْلِك مَا طعامَكَ زيدٌ آكل لأنَّ مَعْمُول الْخَبَر لَا يَقع إلاَّ حَيْثُ يَقع الْعَامِل فتقديمه كتقديم الْعَامِل وَلَو تقدَّم الْعَامِل لَكَانَ مَرْفُوعا فَكَذَلِك إِذا تقدَّم معمولُه وكلُّ مَوضِع لَا ينْتَصب فِيهِ خبر (مَا) لَا تدخل عَلَيْهِ الْبَاء كَمَا لَا يدْخل على خبر الْمُبْتَدَأ فإنْ قلت طعامَكَ مَا زيدٌ آكلاً لم يجز نصبت الْخَبَر أَو رفعته لأنَّ (مَا) لَهَا صدر الْكَلَام وَأَجَازَ ذَلِك الكوفيُّون وقاسوه على (لَا) و (لم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 و (لن) وَقد بيَّنا فِيمَا تقدَّم أنَّ (مَا) أصل حُرُوف النَّفْي فَلَا يسوَّى بَينهمَا فصل فإنْ قلت مَا إنْ زيد قَائِم بَطل عَملهَا لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ (مَا) كفَّت (إنَّ) عَن الْعَمَل فتكفّها عَن عَملهَا اقتصاصاً وَالثَّانِي أنَّ (مَا) للنَّفْي و (إنْ) تكون للنَّفْي وَالنَّفْي إِذا دخل على النَّفْي صَار إِثْبَاتًا فَكَذَلِك لفظ النَّفْي وَإِن لم تُرٍدْ بِهِ النَّفْي فصل وَمن الْعَرَب من يعْمل (لَا) عمل (مَا) لاشْتِرَاكهمَا فِي الْمَعْنى وَمِنْه قَول الشَّاعِر 17 - (مَنْ صدَّ عَن نيرانها ... فَأَنا ابنُ قيسٍ لَا براحُ) // مجزوء الْكَامِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 أَي لَا لي براح كَقَوْلِك مَالِي وَقَالَ العجَّاج [من الرجز] 18 - (تاللهِ لَوْلَا أنْ تحشَّ الطُّبَّخُ ... بِي الجحيمَ حِين لَا مُسْتَضْرَخُ) // الرجز // وَمِنْهُم مَنْ يُعملها مَعَ الْحِين خاصّة كَقَوْلِه تَعَالَى {ولاتَ حينَ مناص} تَقْدِيره وَلَيْسَ الْحِين حِين مستضرح وَقَالَ الأخفشُ هُوَ مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف أَي ولات أرى حِين مناص وَقَالَ قوم هُوَ مبنيَّ مَعَ (لَا) وَمن الْعَرَب من يرفع الْحِين هُنَا ويحذف الْخَبَر فأمَّا (التَّاء) فَقَالَ قومٌ هِيَ مُتَّصِلَة ب (لَا) دخلت لتأنيث الْكَلِمَة كَمَا دخلت فِي (ربّ) و (ثمّ) وعَلى هَذَا يُوقف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ لأنَّها أشبهت التَّاء اللاحقة بِالْفِعْلِ فِي دلالتها على التَّأْنِيث فِي غير لَفظهَا وَفتحت ليفرقّ بَين الْحَرْف وَالْفِعْل وَلَو قيل حرِّكت لالتقاء الساكنين كَانَ وَجها وَقَالَ الكسائيّ يُوقف عَلَيْهَا بِالْهَاءِ لتحُّركها وَمِنْهُم من قَالَ هِيَ متصَّلة بِحِين كَمَا قَالُوا (تلان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 بَاب نعم وَبئسَ وهما فعلان عِنْد البصرييَّن وَالْكسَائِيّ واسمان عِنْد البَاقِينَ وَالدَّلِيل على أنَّهما فعلان ثَلَاثَة أَشْيَاء أحدُهما اتَّصال تَاء التَّأْنِيث الساكنة الدّالة على تَأْنِيث الْفَاعِل بهَا وَلَيْسَ كَذَلِك تَاء (ربَّت) و (ثَّمت) لأنَّها متحَّركة غير داَّلة على تَأْنِيث الْفَاعِل وَقد وقف عَلَيْهَا قوم بِالْهَاءِ وَالثَّانِي أنَّه يسْتَتر فِيهَا الضَّمِير وَلَيْسَت اسْم فَاعل وَلَا مفعول وَلَا مَا أشبههما وَقد حكى الكسائيّ نعموا رجَالًا الزيدون وَالثَّالِث أنَّها لَيست حرفا بالِاتِّفَاقِ وَلَا سِيمَا وَهِي تفِيد مَعَ اسْم وَاحِد وَلَا يجوز أَن تكون اسْما إِذْ لَو كَانَت اسْما لكَانَتْ إمَّا أَن تكون مَرْفُوعَة وَلَا سَبِيل إِلَى ذَلِك إِذْ لَيست فَاعِلا وَلَا مُبْتَدأ وَلَا مَا شُبَّه بهما وإمَّا مَنْصُوبَة وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ أَيْضا إِذْ لَيست مَفْعُولا وَلَا مَا شبَّه بِهِ وإمَّا مجرورةً وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ فأمَّا دُخُول (الْبَاء) عَلَيْهَا فِي بعض الحكايات فَلَا يدلُّ على أنَّها اسْم كَمَا قَالَ الراجز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 19 - (وَالله مَا ليلِي بنام صاحُبهْ ... ) // مشطور الرجز // وَالتَّقْدِير فِي ذَلِك كلّه بمقول فِيهِ وحذْفُ القَوْل كثير وأمَّا مَا حُكي أنَّهم قَالُوا (نَعِيَم) فشادّ وَالْيَاء فِيهَا ناشئة عَن إشباع الكسرة وأمَّا دُخُول اللَّام عليْها فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {ولَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ} فَهُوَ جَوَاب قسم كَمَا قَالَ 20 - (إِذن لقام بنصري ... ) // الْبَسِيط // وكقول الآخر الحديث: 19 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 21 - ( ... لناموا فَمَا إنْ من حديثٍ وَلَا صال) // الطَّوِيل // وأمَّا دُخُول (يَا) عَلَيْهَا فِي نَحْو قَوْلهم يانعم الْمولى فالمنادى مَحْذُوف أَي يَا الله أَنْت نعم الْمولى كَمَا قَالُوا يالَعَنهُ الله وكقراءة من قَرَأَ / أَلا يَا اسجدوا / وَكَقَوْلِه {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} وأمَّا عدم تصرَّفها فَلم نذكرهُ بعد فصل وَالْأَصْل فِي (نَعْمَ) نَعِمَ الرجل إِذا أصَاب نِعْمَةً وبَئِس إِذا أصَاب بؤساً مكسور الْعين وفيهَا أَربع لُغَات هَذِه أحداها وَقد جَاءَت فِي شعر طرفَة 22 - ( ... نَعِمَ الساعون فِي الْأَمر المْبُرّ الحديث: 21 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وَثَانِيهمَا كسر النُّون وَإِسْكَان الْعين وَالْوَجْه فِيهِ أنَّهم نقلوا كسرة الْعين إِلَى الْفَاء وَثَالِثهَا كسرهَا على الإتباع وَرَابِعهَا فتح النُّون على الأَصْل وَإِسْكَان الْعين على التَّخْفِيف وَهَذَا مستمرّ فِي كلَّ فعل أَو اسْم مكسور الْعين إِذا كَانَت عينه حرفا حلقياً فصل وإنَّما كَانَ هَذَا الْفِعْل مَاضِيا غير متصرِّف لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه لَمَّا أخرج إِلَى معنى اشبه الْحَرْف فِي دلَالَته على الْمَعْنى فجمد كَمَا جمد الْحَرْف وَالثَّانِي أنَّه مَوْضُوع للْمُبَالَغَة فِي الْمَدْح والذمّ وإنَّما يصدر ذَلِك ممّن علم أَن ثمَّ صِفَات توجب ذَلِك فَهُوَ مَمْدَحة أَو مذَّمة بِمَا فِيهِ لَا بِمَا ينتظره فصل وإنَّما كَانَ فَاعل (نعم) و (بئس) جِنْسا معرَّفاً بِاللَّامِ لثلالثة أوجه أحدُها أنَّ (نعم) لَمَّا كَانَت للمدح العامَّ جُعل فاعلًها مطابقاً لمعناها وَالثَّانِي أنَّ الْجِنْس يذكر تَنْبِيها على أَن الْمَخْصُوص بالمدح أفضل جنسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَالثَّالِث أنَّ الْجِنْس ذكر للإعلام بأنَّ كلّ فَضِيلَة وكلَّ رذيلة افْتَرَقت فِي جَمِيع الْجِنْس مجتمعة فِي الْمَخْصُوص بالمدح والذمَّ فإنْ قيل لَو كَانَ جِنْسا لما ثنَّي وَلَا جمع قيل إنَّما ثنَّي وَجمع على معنى إنَّ زيدا يفضل هَذَا الْجِنْس إِذا مَيَّزوا رجلَيْنِ رجلَيْنِ أَو رجَالًا رجَالًا وَقيل إنَّما ثُنَّي وَجمع ليَكُون على وفَاق الْمَخْصُوص بالمدج والذمَّ فِي التَّثْنِيَة وإنَّما كَانَ الْمُضَاف إِلَى الْجِنْس كالجنس لأنَّ الْمُضَاف يكتسي تَعْرِيف الْمُضَاف إِلَيْهِ وإنَّما جَازَ إضماره لما فِيهِ من الِاخْتِصَار مَعَ فهم الْمَعْنى وَلم يظْهر فِيهِ ضمير التَّثْنِيَة وَالْجمع اسْتغْنَاء بِصِيغَة الِاسْم الممّيز للضمير إِذْ هُوَ فِي الْمَعْنى وَجَاز الْإِضْمَار قبل الذّكر لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه إِضْمَار على شريطة التَّفْسِير وَالثَّانِي أنَّ الْمظهر لَيْسَ يُرَاد بِهِ واحدٌ بِعَيْنِه فَفِيهِ نوع إِبْهَام والمضمر قبل الذّكر كَذَلِك وَهَذَا مثل قَوْلهم (ربّه رجلا) وَالِاخْتِيَار أَن يجمع بَين الْفَاعِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 والتمييزلأنَّ التَّمْيِيز هَهُنَا مفسّر للمضمر وَلَا مُضْمر وَإِن جَاءَ مِنْهُ شَيْء فِي الشّعْر فشاذّ يذكر على وَجه التوكيد وَجعله أَبُو العبَّاس قِيَاسا فصل وأمَّا الْمَخْصُوص بالمدح والذمَّ فَفِي رَفعه وَجْهَان أَحدهمَا هُوَ خبرٌ مبتدؤه مَحْذُوف وَالثَّانِي هُوَ مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة قبله خَبره وَلم يحْتَج لى ضمير لأنَّ الْجِنْس مُشْتَمل عَلَيْهِ فيجرى مجْرى الضَّمِير كَمَا قالو [من الطَّوِيل] 23 - (أمّا الْقِتَال لاقتال لديكم ... ) // الطَّوِيل // 24 - (وأمَّا الصدرور لاصدور لجَعْفَر ... ) // الطَّوِيل // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 فصل وَقد حذف فاعلُ (نعم) من اللَّفْظ تَارَة والمخصوصُ أُخْرَى وَقد حذفا جَمِيعًا فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {بئس للظالمين بَدَلا} وَالتَّقْدِير بئس الْبَدَل إِبْلِيس وذريَّته وَجَاز ذَلِك لتقدَّم ذكره وَمن حذفِ الْمَخْصُوص قَوْله تَعَالَى {بئس مثل الْقَوْم الَّذين كذبُوا} ف (الَّذين) صفة للْقَوْم وَالتَّقْدِير بئس مثل الْقَوْم هَذَا الْمثل وَيجوز أَن يكون الَّذين فى مَوضِع رفع أَي بئس مثل الْقَوْم أَي مثل الَّذين فَحذف المضافَ وَأقَام الْمُضاف إِلَيْهِ مُقامه وأمَّا قَوْله تَعَالَى {سَاءَ مثلا الْقَوْم} ف (سَاءَ) بِمَنْزِلَة (بئس) وَالتَّقْدِير سَاءَ الْمثل مثلا مثل الْقَوْم فَعمل فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ وساء بِمَنْزِلَة بئس فى جَمِيع الْأَحْكَام فصل إِذا كَانَ الْفَاعِل مؤنَّثا هُنَا كَانَ ثُبُوت التَّاء كَغَيْرِهِ من الْأَفْعَال وَيجوز حذفهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 لأنَّ الْفَاعِل جنس وَالْجِنْس مذكَّر فغلَّب الْمَعْنى كَمَا قَالُوا مَا قَامَ إِلَّا هِنْد أَي مَا قَامَ أحدٌ إلاّ هِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 بَاب حبَّذا (حبَّ) فعل مَاض وَأَصله (حَبُبَ) مثل ظرف لأنَّ اسْم الْفَاعِل مِنْهُ حبيب وَهُوَ لَازم فأمَّا (حَببْتُ الرجل) فَهُوَ فعلت مثل ضرب وَاخْتلفُوا فِيهَا على ثَلَاثَة أَقْوَال أحُدها أنّه غير مركَّب وفاعله (ذَا) وَالِاسْم الْمُرْتَفع بعده كالمرتفع بعد فَاعل (نعم) فى الْوَجْهَيْنِ إلاَّ أنَّه لَا يجوز تَقْدِيمه هُنَا على حبَّذا لِأَن حبَّذا صَارَت كالحرف الْمُثبت لِمَعْنى فى غَيره فَيكون لَهُ صدر الْكَلَام وَهَذَا هُوَ الأَصْل وَالْقَوْل الثَّانِي أنَّ (حبَّ) رُكَّبتْ مَعَ (ذَا) وصارا فى تَقْدِير اسْم مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ و (زيدٌ) خَبره وَتَقْدِير المقرَّب إِلَى الْقلب زيدٌ وَاحْتج على ذَلِك بِحُسْن ندائه كَقَوْلِهِم 25 - (يَا حبَّذا حبلُ الريَّانِ من جبلُ ... ) 26 - (يَا حبَّذا القمراء ... ) 189 - وكقولهم (مَا أحيبذه) فصغروه تَصْغِير الْمُفْرد وبأنَّه لم يُثَنَّ وَلم يجمع وَلم يؤنَّث وبأنَّه لَا يحذف ويضمر فى الْفِعْل كَمَا فُعل فى (نعم) وَهَذِه الْأَوْجه لَا يعْتَمد عَلَيْهَا لِأَن المنادى مَحْذُوف تَقْدِيره (يَا قوم) كَمَا قَالُوا 27 - (أَلا يَا اسلمي ... ) فأدخلوها على الْفِعْل وأمَّا الْمَنْع من تنثيته وَجمعه فلمِا يذكر من بعدُ وأمَّا قَوْلهم مَا أحبيذه فَمن الشذوذِ الَّذِي لَا يُستدلُّ بِهِ على أصل الثَّالِث أنَّ جعل التَّرْكِيب كالفعل وارتفع زيد بِهِ فصل وإنَّما لم يُثنَّ وَلم يجمع كَمَا فُعل فى فَاعل (نعم) لتركبيه عِنْد من يرى التَّرْكِيب وَمن لم يره فَفِيهِ وَجْهَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 أَحدهمَا أنَّ (ذَا) لَمَّا كَانَ عبارَة عَن الْمَذْكُور أَو المقرَّب من الْقلب كَانَ جِنْسا وَلَفظ الْجِنْس مُفْرد لم يغيرَّه عَن ذَلِك وَالثَّانِي أنَّ الْمُفْرد هُوَ الأَصْل وَيبقى هُنَا على لَفظه لأنَّه صَار كالمثل والأمثالُ لَا تغّير عَن أوَّليتها وَلم يضمر فَاعل (حبَّ) لِئَلَّا يبطل معنى الْإِشَارَة فصل والنكرة تنصب بعده على التَّمْيِيز وَجَاز الْجمع بَينهمَا لأنَّها لَيست من لفظ الْفَاعِل بِخِلَاف بَاب (نعم) وَالِاسْم الْمَخْصُوص بالتقريب مرفوعٌ وَفِيه أَرْبَعَة أوجه الأوَّل هُوَ خبر ابْتِدَاء بِمَحْذُوف وَالثَّانِي هُوَ مُبْتَدأ و (حبذا) خَبره ولَمّا كَانَت (ذَا) تشبه الضَّمِير كَانَت كالعائد على الْمُبْتَدَأ وَلَا يجوز على هَذَا الْوَجْه زيدٌ حبَّذا كَمَا جَازَ فِي (نعم) لجَرَيَان (حبَّذا) مجْرى الْمثل وحروف الْمعَانِي وَالثَّالِث أنَّه تَبْيِين للْفَاعِل وَالرَّابِع أنَّه بدلٌ لَازم وَمن جعل (حبّذا) مركَّباً كَانَ (زيد) خَبره أَو فَاعله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 بَاب عَسى وَهِي فعل بِدَلِيل اتَّصال الضمائر بهَا وتاء التَّأْنِيث الساكنة نَحْو عَسَيْت وعسوا وعسين وعستْ وَمَعْنَاهَا الإشفاق والطمع فِي قرب الشَّيْء كَقَوْلِك عَسى زيد أَن يقوم أَي أطمع فِي قرب قِيَامه وَهِي فعل مَاض لأنّك تخبر بهَا عَن طمع وَاقع فِي أَمر مُسْتَقْبل وَلَا يكون مِنْهَا مُسْتَقْبل وَلَا اسْم فَاعل بل هِيَ فعل جامد وإنَّما كَانَت كَذَلِك لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنّها أشبهت الْحُرُوف إِذْ كَانَ لَهَا معنى فى غَيرهَا وَهُوَ الدّلَالَة على قرب الْفِعْل الْوَاقِع بعْدهَا وَحكم الْفِعْل أَن يدل على معنى فى نَفسه وَشبههَا بالحرف يُوجب جمودها كَمَا أنَّ الْحَرْف جامد وَالثَّانِي أنَّها تشبه (لعلّ) فى الطمع والإشفاق فتلزم صِيغَة وَاحِدَة ك (لعلَّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 فصل إِذا وَقع الْفِعْل الَّذِي دلَّت عَلَيْهِ (عَسى) بعد الِاسْم كَانَ مَوْضِعه نصبا كَقَوْلِك عَسى زيدٌ أَن يقوم وَقَالَ الكوفُّيون مَوْضِعه رفع على أنَّه بدلٌ ممَّا قبله وَالدَّلِيل على القَوْل الأوَّل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن (زيدا) هُنَا فَاعل (عَسى) وَمَعْنَاهَا قَارب زيدٌ فَيَقْتَضِي مَفْعُولا وَهُوَ قَوْلك (أَن يقوم) وَالثَّانِي أَن (عَسى) دلّت على معنى فِي قَوْلك (أَن يقوم) كَمَا دلَّت (كَانَ) على معنى فِي الْخَبَر فَوَجَبَ أَن يكون مَنْصُوبًا كَخَبَر (كَانَ) يشْهد لَهُ قَول الشَّاعِر 28 - (أكثَرْتَ فِي اللومِ ملحّا دائمأ ... لَا تَلْحَني إنَّي عَسَيتُ صَائِما) // الرجز // وَمِنْه الْمَثَل (عَسى الغوير أبْؤُسا) وَلَا يصحُّ أَن يقدّر ب (أَن يكون أبوساً) لما فِيهِ من حذف الْمَوْصُول وإبقاء صلته وَلَا يصحَّ جعله بَدَلا لثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 أَحدهَا أنَّ الْبَدَل لَا يلْزم ذكره وَهَذَا يلْزم ذكره وَالثَّانِي أنَّه فِي معنى الْمَفْعُول وَالْخَبَر الَّذِي دلَّت عَلَيْهِ (عَسى) وَلَيْسَ هَذَا حكم الْبَدَل وَالثَّالِث أنَّه قد جَاءَ الْفِعْل الَّذِي دلَّت عَلَيْهِ (عَسى) وإبدال الْفِعْل من الِاسْم لَا يصحَّ فصل وإنَّما كَانَ خبر عَسى فعلا مُسْتَقْبلا لأنَّها تدل على المقاربة والمقاربة فِي الْمَاضِي محالٌ لِأَنَّهُ قد وجد وَلم يكن اسْما إِذْ لَا دلَالَة للاسم على الِاسْتِقْبَال وإنَّما لَزِمت فِيهِ (أنْ) لتمحّضه على الِاسْتِقْبَال وَلم يكن (السِّين) و (سَوف) لأنَّهما يدلاَّن على نفس زمَان الْفِعْل وَالْغَرَض هُنَا تقريبه فإنْ جَاءَ شَيْء من ذَلِك فَهُوَ شاذّ فصل وَإِذا وَقع (أَن وَالْفِعْل) قبل الِاسْم فموضعه رفع على أنَّه فَاعل (عَسى) وَيكون مَعْنَاهَا (قرب) وَلَا تَقْتَضِي مَفْعُولا أَو يكون هَذَا الْفَاعِل لم تضمنَّه من الْحَدث مغنياً عَن الْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فصل وأمَّا (كَاد) فَفعل متصرّف يدلُّ على شدَّة مقاربة الْفِعْل وَمن هَهُنَا لم يدْخل خَبَرها (أَن) ليَكُون لَفظه كَلَفْظِ فعل الْحَال فإنْ جَاءَت فِيهِ (أَن) فَهُوَ شاذّ مَحْمُول على (عَسى) كَمَا حملت عَسى على (كَاد) فإنْ تقدَّم الْفِعْل كَقَوْلِه تَعَالَى {من بعد مَا كَاد يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم} كَانَ فِيهَا أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَن يكون فِيهَا ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة بعْدهَا مفسّرة وَالثَّانِي أَن تكون (تزِيغ) حَالا مغنية عَن الْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وَالثَّالِث أَن تكون (تزِيغ) فى نيَّة التَّأْخِير وَالرَّابِع أَن يكون فَاعل (كَاد) ضميراً الْقَبِيل أَي كَاد الْقَبِيل وأضمر ليقوم مَا يدلّ عَلَيْهِ وَهَذَا قَول ابى الْحسن فصل إِذا كَانَت (كَاد) مثبتة فى اللَّفْظ فالفعل غير وَاقع فى الْحَقِيقَة كَقَوْلِك كَاد زيدٌ يقوم أَي قَارب ذَاك وَلم يقْم وَإِن كَانَت منفية فَهُوَ وَاقع فى الْحَقِيقَة كَقَوْلِك لم يكد يقوم لأنَّ الْمَعْنى قَارب ترك الْقيام فأمَّا قَوْله تَعَالَى {لم يكد يَرَاهَا} فقد اضْطَرَبَتْ فِيهِ الْأَقْوَال فَقَالَ بَعضهم التَّقْدِير لم يرهَا وَلم يكد وَهَذَا خطأ لأنَّ قَوْله (لم يكد) إِن كَانَت على بَابهَا نقض الثَّانِي الأوَّل لأنَّه نفى الرُّؤْيَة ثمَّ أثبتها وَإِن لم تكن على بَابهَا فَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير الْفِعْل الأوَّل وَقَالَ الْآخرُونَ إنَّه رَآهَا بعد الْيَأْس من ذَلِك وَهَذَا أشبه بِالْمَعْنَى وَاللَّفْظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 بَاب التَّعجُّب التَّعجُّب هُوَ الدهش من الشَّيْء الخارخ عَن نَظَائِره الْمَجْهُول سَببه وَقد قيل إِذا ظهر السَّبَب بَطل الْعجب وَاللَّفْظ الْمَوْضُوع لَهُ بحقًّ الأَصْل (مَا أَفعلهُ) فأمَّا (أفْعِلْ بِهِ) فمعدولٌ بِهِ عَن أَصله على مَا سنبيَّنه فصل و (مَا) فى التَّعجُّب تكرة غير مَوْصُولَة مُبْتَدأ و (أحْسَنَ) خَبَرهَا وَقَالَ أَبُو الْحسن هِيَ بِمَعْنى الذى و (أحسن) صلتها وَالْخَبَر محذزف وَالدَّلِيل على الأوَّل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ التعحُّب من مَوَاضِع الْإِبْهَام ف (الَّذِي) فِيهَا إِيضَاح بصلتها وَالثَّانِي أنَّ تَقْدِير الْخَبَر هُنَا لَا فَائِدَة فِيهِ إِذْ تَقْدِيره الَّذِي أحسن زيدا شَيْء وَهَذَا لَا يَسْتَفِيد مِنْهُ السَّامع فَائِدَة وإنَّما جَازَ الِابْتِدَاء بِهَذِهِ النكرَة لأنَّ الْغَرَض مِنْهُ التعجُّب لَا الْإِخْبَار الْمَحْض وإنَّما عُدل عَن) شَيْء) إِلَى (مَا) لأنَّ (مَا) أشدُّ إبهاماً إِذْ كَانَت لَا تثنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وَلَا تجمُع وَلَا تقع للتحقير ولأنَّها يؤكّد بهَا إِبْهَام (شَيْء) فَيُقَال مَا أخذت مِنْهُ شَيْئا مَا فأنَّها تثنَّى وَتجمع وُتْذَكُر للتحقير كَقَوْلِك عِنْدِي شُييءٌ أَي حقير وَلم يستعملوا فى التَّعَجُّب (مَنْ) بِمن يعقل وَلَا (أيَّا) لأنَّها كشيْ فِيمَا ذكرنَا فصل فأمَّا صِيغَة (أفعل) فِي التعجُّب فَفعل لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا إِلْحَاق نون الْوِقَايَة بهَا فِي قَوْلك مَا أحسنني فَهُوَ كَقَوْلِك أكرمنى وَلَيْسَ الْأَسْمَاء كَذَلِك وَلَا عِبْرَة بِمَا جَازَ فِي الشّعْر من ذَلِك قَوْله 29 - ( ... وَلَيْسَ حاملني إلاَّ ابْن حمَّال) لشذوذه والاضطرار إِلَيْهِ وَالثَّانِي أنَّ (أفعل) هَذِه تنصب المتعَّجب مِنْهُ على أنَّه مفعول بِهِ وَلَا تجوز إِضَافَته إِلَيْهِ على الْفَتْح أبدا وَلَو كَانَ اسْما لأعرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وَقَالَ بعض الكوفييًّن هُوَ اسْم لأنَّه يصغر وَلَا تلْحقهُ الضمائر وَلَا تَاء التَّأْنِيث وتصحُّ فِيهِ الْوَاو وَالْيَاء كَقَوْلِك مَا أخوفني وَمَا أسيرني وَلَيْسَ كَذَلِك الْفِعْل وَالْجَوَاب أنَّ التصغير جَازَ فِي هَذَا الْفِعْل لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّه نَائِب عَن تَصْغِير الْمصدر كَمَا أنَّ الْإِضَافَة إِلَى الْفِعْل فى اللَّفْظ وَهِي فِي التَّقْدِير إِلَى مصدره وَالثَّانِي أنَّ هَذَا الْفِعْل أشبه الِاسْم فِي جموده وَالثَّالِث أنَّ لَفْظَة (أفعل) هُنَا مثل لَفْظَة (هُوَ أفعل مِنْك) وللشبه اللَّفْظِيّ أثّر كَمَا فِي بَاب مَالا ينْصَرف وأمّا خلوُّة عَن الضَّمِير فإنَّما كَانَ كَذَلِك لأنَّ فِيهِ ضمير (مَا) وَهِي مُفْردَة بكلَّ حَال وَكَذَلِكَ امْتنَاع تَاء التَّأْنِيث لأنَّ (مَا) مذكّر وأمَّا الْوَاو وَالْيَاء فَلَا حجَّة فِيهَا فإنَّ من الْأَفْعَال مَا هُوَ كَذَلِك كَقَوْلِه تَعَالَى {استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ) ولأنَّ هَذَا الْفِعْل أشبه الأسم وأشبه لفظُه (أفعل مِنْك) فأجري عَلَيْهِ فِي الصحَّة حكمهَا فصل وَلَا يكون التعجُّب إلاَّ من وصف مَوْجُود فِي حَال التعجُّب مِنْهُ وَلذَلِك كَانَت الصِّيغَة الداَّلة عَلَيْهِ صِيغَة الْمَاضِي لأنَّ فعل الْحَال لَا يتكامل حتَّى يَنْتَهِي والمستقبل مَعْدُوم فأمَّا قَوْلهم مَا أطول مَا يخرج هَذَا الْغُلَام فَجَاز لأنَّ أَمَارَات طوله فِي الْمُسْتَقْبل موجودةٌ فِي الْحَال فصل الأَصْل فِي فعل التعجُّب أَن يكون من أَفعَال الغرائز لأنَّها هِيَ الَّتِي تخفى فَإِذا زَادَت تُعُّجب مِنْهَا لخفاء سَببهَا وأمَّا قولُهم مَا أضْرب زيدا لعَمْرو فأنَّما تُعجِّب مِنْهُ لتكّرُّره وخفاء سَبَب ذَلِك حتّى صَار كالغريزيّ فصل وَلَا يبْنى فعل التَّعَجُّب إلاّ من الثلاثيّ لِأَن الْغَرَض مِنْهُ أَن يصير مَا كَانَ فَاعِلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 مَفْعُولا كَقَوْلِك حسن زيدٌ وتبني مِنْهُ أحسن زيدا كَقَوْلِك فَرح زيد وأفرحت زيدا وَلِهَذَا ينْتَقل عَن اللُّزُوم إِلَى التعدِّي وَلَا يُعدَّى بِالْهَمْزَةِ إلاَّ الثلاثي فأمَّا الرباعيّ فَلَا يعدَّى بهَا فَلَا تَقول فِي (دحرج) (أَدَحْرَجْته) والعلّة فِي ذَلِك أنَّ الْهمزَة لَمّا أحدثت معنى التعدِّي صَارَت كحرف من الْفِعْل أصليّ وَلَيْسَ فى الْأَفْعَال مَا هُوَ على خَمْسَة أحرف أصُول لما فِي ذَلِك من الثّقل وَكَثْرَة أَمْثِلَة الْفِعْل وَلِهَذَا لم يكن فِي الرباعي حرف إِلْحَاق وَكَانَ فِي الثلاثيّ مثل (جَلْبَبَ) فأمَّا قَوْلهم مَا أعطَاهُ لِلْمَالِ وأولاه للخير وأفقره إِلَى كَذَا وَمَا أشبه فإنَّه على أَرْبَعَة أحرف غير همزَة التعديّ إِلَّا أنَّ حرفا مِنْهَا زَائِد كالهمزة فِي (أعْطى وَأولى) فحذفوها فَبَقيَ (عطى) و (ولى) وَلَهُمَا معنى فلَمّا أَرَادوا التعجُّبُّ حذفوا الْهمزَة الَّتِى كَانَت قبل ذَلِك وَجعلُوا همزَة التعجُّب عوضا عَنْهَا وأمَّا (أفقر) فَلَا يسْتَعْمل مِنْهُ (فقر) وَلَكِن (افْتقر) إلاَّ أنَّ الأَصْل يسْتَعْمل لأنَّه قد جَاءَ الْفَاعِل مِنْهُ (فَقير) فَهُوَ مثل (ظرف) وظريف) فلّمّا تعجبوا مِنْهُ أَخْرجُوهُ على الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وإنَّما لم يُتَعَجَّب من الألوان لأنَّ الأَصْل فِيهَا أَن تكون على أَكثر من ثَلَاثَة أحرف نَحْو (ابيضَّ) و (أحمرّ) وَمثل ذَلِك لَا يُعدَّى بِالْهَمْزَةِ وَقَالَ الكوفيَّون يجوز فى الْبيَاض والسواد لِأَنَّهُمَا أصلا الألوان وَقد جَاءَ فى الشّعْر (أبيضُهم) و (أبيضُ من كَذَا) و (أسودُ من كَذَا) وَهَذَا مَذْهَب ضَعِيف لما تقدَّم وجَعْلُ الْبيَاض والسواد أصلين دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا وَلَو صحتّ لم يستقم قَوْلهم فِيهَا وَمَا جَاءَ فِي الشّعْر فَهُوَ إمَّا شاذّ أَو يكون (مِنْهُ) الَّتِي بعده صفةٌ لَهُ أَو يكون (أفعل) لَا يُرَاد بِهِ الْمُبَالغَة فصل وَلَا يُبنى فعل التعجبَّ من الْعُيُوب الظَّاهِرَة كالْحول والعَوَر لوَجْهَيْنِ أحدُهما أَن فعل هَذِه الْعُيُوب فِي الأَصْل زَائِد على ثَلَاثَة أحرف نَحْو (احولَّ) و (اعورَّ) فَلَا يصحُّ زِيَادَة همزَة التعجُّبَّ عَلَيْهِ وَمَا جَاءَ مِنْهُ على ثَلَاثَة أحرف فمعدول بِهِ عَن أَصله وَلِهَذَا يصحُّ فِيهِ الْوَاو نَحْو (حول) تَنْبِيها على أنَّه فِي حكم (احولَّ) وَمَا جَاءَ مِنْهُ ثلاثياً لَا غير نَحْو (عمي) فَمَحْمُول على الْبَاقِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ الْعُيُوب الظَّاهِرَة كالَخلَق الثَّابِتَة كَالْيَدِ وَالرجل وكما لَا يبْنى من هَذِه الاعضاء فعل التعجُّب كَذَلِك الْعُيُوب الظَّاهِرَة أمَّا الْعُيُوب الْبَاطِنَة كعمى الْقلب والحماقة فيبنى مِنْهَا فعل التعجُّب نَحْو مَا أعمى قلبه وَمَا أحمره تُرِيدُ البلادة وَكَذَلِكَ مَا أسوده تُرِيدُ السِّيَادَة فصل وَلَا يجوز الْعَطف على فَاعل فعل التعجبَّ لِاسْتِحَالَة الْمَعْنى وَلَا الْبَدَل مِنْهُ لأنَّ ذَلِك يوضحَّه ومبناه على الْإِبْهَام وَلَا يجوز أَن يكون الْمَفْعُول هُنَا نكرَة غير مَوْصُوفَة كَقَوْلِك مَا أحسن زيدا لأنَّه غير مُفِيد وَلَا يجوز الْفَصْل بَين فعل التعجُّب ومفعوله إلاَّ بالطرف لأنَّه بجموده أشبه (إنَّ) فصل وأمَّا (أفْعِلْ بِهِ) فى التعجُّب فلفظه لفظ الْأَمر وَمَعْنَاهُ الْخَبَر كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلْيَمْدُدْ لهُ الرَّحمنُ مدّاً} مَعْنَاهُ فَلَيَمُدَّنَّ لَهُ الرَّحْمَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَحكي عَن الزَّجاج أنَّه أَمر حَقِيقَة وَالتَّقْدِير أحسنْ يَا حُسْنُ بزيد: أَي دُم أيذُمْ بِهِ وَهَذَا ضَعِيف لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ الْأَمر طلب إِيقَاع الْفِعْل والتعجُّب لَا يكون إلاَّ من أمرٍ قد وُجد وَالثَّانِي أنَّه يصحَّ أَن يُقَال فِي جَوَاب هَذَا الْكَلَام صدقت أَو كذبت وَلَيْسَ كَذَلِك حَقِيقَة الْأَمر وَالثَّالِث أنَّ لَفظه وَاحِد يكون فى التَّثْنِيَة وَالْجمع والمذكَّر والموَّنث كَقَوْلِك يَا زَيْدَانَ أحسن بِعَمْرو وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الْأَمْثِلَة وعَلى هَذَا الْخلاف تترتَّب مَسْأَلَة وَهِي أنَّ مَوضِع الْجَار وَالْمَجْرُور رفْعٌ بِأَنَّهُ فَاعل وَالتَّقْدِير أحْسَنَ زيدٌ أَي صَار ذَا حُسْنّ وَمثله {كفى بِاللَّه شَهِيدا} إلاَّ أَن الْبَاء لَا يجوز حذفهَا فى التعجُّب لئلاَّ يبطل معنى التعجُّب وَيجوز حذفهَا فِي {كفى بِاللَّه شَهِيدا} وعَلى قَول الزَّجاج (بزيد) فى مَوضِع نصب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 فصل وتزاد (كَانَ) فِي التعجُّب نَحْو مَا كَانَ أحسن زيدا وَلَا فَاعل لَهَا عِنْد أبي عليّ وإنَّما دخلت تدلُّ على المضيّ وَقَالَ السيرافي فاعلها مصدرها وَقَالَ الزجَّاجي فاعلها ضمير (مَا) وَهَذَا ضَعِيف لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهَا لَو كَانَت كَذَلِك لكَانَتْ هِيَ خبر (مَا) لَا يكون هُنَا إلاَّ (أفعل) وَالثَّانِي أنَّها إنَّها كَانَت التامَّة لم تستقم لفساد الْمَعْنى وإنْ كَانَت النَّاقِصَة لم تستقم أَيْضا لأنَّ خَبَرهَا إِذا كَانَ فعلا مَاضِيا قُدِّرتْ مَعَه (قَدْ) وَتَقْدِير (قَدْ) هُنَا فَاسد لأنَّه يصير مَحْض خبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 بَاب إنَّ وَأَخَوَاتهَا إنَّما دخلت (إنَّ) على الْكَلَام للتوكيد عوضا عَن تَكْرِير الْجُمْلَة وَفِي ذَلِك اخْتِصَار تامٌّ مَعَ حُصُول الْغَرَض من التوكيد فإنْ دخلت (اللَّام) فِي خَبَرهَا آكِد وَصَارَت (إنَّ وَاللَّام) عوضا من تَكْرِير الْجُمْلَة ثَلَاث مرَّات وَهَكَذَا (أنَّ) الْمَفْتُوحَة إِذْ لَوْلَا إِرَادَة التوكيد لَكُنْت تَقول مَكَان قَوْلك بَلغنِي أنَّ زيدا منطلق بَلغنِي انطلاق زيد فصل وَالْأَصْل فِي (كأنَّ زيدا الأسدُ) أنَّ زيدا كالأسد ثمَّ قدموَّا (الْكَاف) فأدخلوها على (أنَّ) ليبتدئوا بالمشبه وَهُوَ أوْلى من أَن يبتدئوا بِمَا لَفظه لفظ التَّحْقِيق ثمَّ يعود التَّشْبِيه إِلَيْهِ بعد ذَلِك ولَمّا كَانَت كَاف الجرَّ تفتح لَهَا (انَّ) كَمَا تفتح بعد غَيرهَا من حُرُوف الجرّ فُتحت هَهُنَا وَإِن كَانَت قد ركِّبت مَعهَا وجعلتا كحرف وَاحِد تَنْبِيها على الأَصْل الَّذِي ذكرتُ إلاَّ أنَّها تفارق الْكَاف الجارَّة فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أنَّها غير معلَّقة بِفعل فَلَا مَوضِع لَهَا وَلما بعْدهَا إِذن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَالثَّانِي أنَّ مَا بعد الْكَاف لَيْسَ بمجرور الْموضع كَمَا يكون بعد اللَّام فِي قَوْلك لأنَّ زيدا منطلق ولأنَّها لَمَّا ركَّبت وَصَارَ المهّم معنى التَّشْبِيه فِي الْخَبَر صَارَت قَائِمَة بِنَفسِهَا فصل و (لكنَّ) مُفْردَة وَقَالَ الكوفيَّون هِيَ مركَّبة من (لَا) و (إِن) و (الْكَاف) زَائِدَة و (الْهمزَة) محذوفة وَهَذَا ضَعِيف جدّاً لِأَن التَّرْكِيب خلاف الأَصْل ثمَّ هُوَ فِي الْحُرُوف أبعد ثمَّ إنَّ فِيهِ أَمريْن آخَرين يزيدانه بعدا وهما زِيَادَة الْكَاف فِي وسط الْكَلِمَة [وَحذف الْهمزَة] وَحذف الْهمزَة فِي مثل هَذَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل قطعيّ فإنْ قَالُوا معنى النَّفْي والتأكيد باقٍ لأنَّك إِذا قلت قَامَ زيدٌ لكنَّ جعفراً منطلق حصل معنى التَّأْكِيد وَالنَّفْي قيل هَذَا خطأ لأنَّ (لَا) النافية لَا يبطل نَفيهَا بِدُخُول (إنَّ) على مَا بعْدهَا كَقَوْلِك قَامَ زيد لَا إِن جعفراً قَائِم فَهُوَ كَقَوْلِك لَا جَعْفَر قَائِم فِي الْمَعْنى و (لكنَّ) تثبت مَا بعْدهَا لَا تنفيه فَلم يصحّ مَا قَالُوا فصل وَاللَّام الأولى فِي (لعلَّ) أصل فِي أقوى الْقَوْلَيْنِ لِأَن الزِّيَادَة تصرّف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 والحروف بعيدَة مِنْهُ ولأنَّ الْحَرْف وضع اختصاراً وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ تنَافِي ذَلِك وأمَّا مجيئها بِغَيْر لَام فلغة فِيهَا أَو حذف حرف أصليّ والحذف من جنس الِاخْتِصَار فَهُوَ أوْلى من الزِّيَادَة وَفِي (لعلّ) لُغَات وَهِي لعلَّ وعلَّ وعنَّ ولعَنَّ ورعنَّ ولغنَّ وَالْمَشْهُور الأوليان وَأكْثر الْعَرَب تنصب بهَا وَمِنْهُم مَنْ جرَّ بهِا وَهُوَ قَلِيل فصل وإنَّما عملت هَذِه الْحُرُوف لاختصاصها بِضَرْب من الْكَلَام واختصاص الشَّيْء بالشَّيْء دليلٌ على قوَّة تَأْثِيره فِيهِ فَإِذا أثرَّ فِي الْمَعْنى أثر فِي اللَّفْظ ليَكُون اللَّفْظ على حسب الْمَعْنى فَأَما (لَام التَّعْرِيف) فَلَا تعْمل مَعَ اختصاصها لِأَنَّهَا صَارَت كجزء من الِاسْم لأنَّها تعيَّن الْمُسَّمى كَمَا تعينُه الْأَوْصَاف وَلِهَذَا يجوز أَن يتوالى بيتان آخِرُ أحِدِهما معرفةٌ وَآخر الآخرَ اسْم مثل الأوَّل نكرَة وَلَا يُعدُّ إيطاءً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وأمَّا (السِّين) و (سَوف) فَلم يعملا لأنَّهما كجزء من الْفِعْل إِذْ كَانَ الْفِعْل دالاًّ على الزَّمَان وهما تخصَّصانه حتَّى يدلَّ على مَا وضع لَهُ وهما مَعَ الْفِعْل بِمَنْزِلَة فعل مَوْضُوع دَال على الزَّمَان الْمُسْتَقْبل من غير اشْتِرَاك وأمَّا (قد) فَتدخل على الْمَاضِي والمستقبل ثَّم إنَّها تقرَّب الْمَاضِي من الْحَال وَهَذَا تَأْثِير فِي زمَان الْفِعْل فَصَارَت كالسين وَالْأَفْعَال إنَّما عملت لاختصاصها وَهَذِه الْحُرُوف مشَّبةٌ بهَا فصل وإنَّما عملت الرّفْع وَالنّصب لأنَّها شابهت الْأَفْعَال فِي أختصاصها بالأسماء فِي دُخُولهَا على الضمائر نَحْو (إنَّك) و (إنَّه) وَفِي أنَّ معاينها مَعَاني الْأَفْعَال من التوكيد والتشبيه وَغير ذَلِك وَفِي أنَّها على ثَلَاثَة أحرف مَفْتُوحَة الآخر وَمن حَيْثُ رفع الْفِعْل وَنصب فِيمَا يَقْتَضِيهِ فَكَذَلِك هَذِه الْحُرُوف فصل وقدِّم منصوبها على مرفوعها لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ هَذِه الأحرف فروعٌ فِي الْعَمَل على الْفِعْل وَالْفُرُوع تضعف عَن الْأُصُول فَيجب أَن تشبه بالأصول فِي أَضْعَف أحوالها وأضعف أَحْوَال الْفِعْل أَن يتقدَّم منصوبه على مرفوعه تقدُّماً كَقَوْلِك صرف زيدا غُلامُه وَالثَّانِي أنَّ عمل الْفِعْل فِي منصوبه أَضْعَف من عمله فِي مرفوعه لأنَّه فى الرُّتْبَة متراخٍ عَنهُ فلَمَّا كَانَ الْمَنْصُوب أَضْعَف والمرفوعُ أقوى جُعل الأضعف يَلِي (إنَّ) ليقوى بتقدمَّه فَيعْمل فِيهِ الْعَامِل الضَّعِيف وأًخرِّ لأنَّه الْمَرْفُوع لأنَّ بقوتَّه يَسْتَغْنِي عَن قُوَّة ملاصقة الْعَامِل وَالثَّالِث أنَّ الْمَرْفُوع لوتقدَّم لجَاز إضماره والحرف لَا يتصًّل بِهِ ضمير الْمَرْفُوع كالتاء وَالْوَاو) فِي (قُمْت) و (قَامُوا) بِخِلَاف مَا إِذا تأخرَّ فصل وَلَا يجوز تَقْدِيم الْمَرْفُوع هُنَا لثَلَاثَة أوجه أحدُها مَا تقدَّم من تعذُّر الْإِضْمَار وَالثَّانِي أنَّ تَقْدِيم الْمَرْفُوع لَو جَازَ لَكَانَ أوْلى كَمَا فِي الْفِعْل وَقد بينَّا أنَّ تَقْدِيم الْمَنْصُوب هُوَ الْوَجْه وَالثَّالِث أنَّ التَّقْدِيم وألتأخير تصرُّف وَلَا تصرُّف لهَذِهِ الْحُرُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فصل وإنَّما جَازَ تَقْدِيم الظّرْف وحرف الجرّ إِذا كَانَ خَبرا لثَلَاثَة أوجه أحدُها أنّ (إنّ) غير عاملة فِيهِ إِذْ لَيْسَ هُوَ خَبرا لَهَا فى الْحَقِيقَة وإنَّما الْخَبَر مَا تعلّق بِهِ الظّرْف من معنى الِاسْتِقْرَار وإنَّما يمنتع تَقْدِيم خَبَرهَا الَّذِي يعْمل فِيهِ وَالثَّانِي أنّ الظّرْف لَا يصحُّ إضماره وَهُوَ أحد مَا يمْنَع التَّقْدِيم وَقد أُمِن وَالثَّالِث أنّ الظّرْف متعلّق بالْخبر لاشْتِمَاله عَلَيْهِ فَهُوَ كاللازم للجملة فساغ تَقْدِيمه لذَلِك وَلِهَذَا سَاغَ الْفَصْل بالظرف بَين (إنّ) وَاسْمهَا بِهِ أَيْضا فِي قَوْلك إنّ خَلفه زيدا قَائِم وَجَاز الْفَصْل بِهِ بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ فى الشّعْر فصل وَخبر (إنّ) وَأَخَوَاتهَا مَرْفُوع بهَا وَقَالَ الكوفّيون هُوَ مَرْفُوع بِمَا كَانَ يرْتَفع بِهِ قبل دُخُولهَا وَالدَّلِيل على أنَّه مَرْفُوع بهَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنّ هَذِه الْحُرُوف تعْمل فِي الِاسْم الأوّل لاقتضائها إيّاه فتعمل فى الْخَبَر كَذَلِك أَيْضا أَلا ترى أنّ الْفِعْل يعْمل فى الْفَاعِل وَالْمَفْعُول لاقْتِضَائه إيّاهما و (ظَنَنْت) وَأَخَوَاتهَا تعْمل فِي المفعولين وَقد كَانَا قبل ذَلِك مرفوعين لاقْتِضَائه إيَّاهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وَالثَّانِي أنّ خبر (إنّ) مَرْفُوع وَلَا بّد لهُ من رَافع وَلَا يجوز أَن يرْتَفع بِغَيْر (إنّ) إِذْ لَا عَامل سواهَا وَالَّذِي كَانَ قبل دُخُول (إنّ) هُوَ الْمُبْتَدَأ وَقد بَطل ابتداؤه وَلِهَذَا لَا يعْمل الْخَبَر هُنَا فِي الِاسْم لعمل (إنّ) فِيهِ فَلذَلِك لَا يعْمل الْمُبْتَدَأ هُنَا فِي الْخَبَر واحتجّ الْآخرُونَ بقول الشَّاعِر [الرجز] 30 - (لَا تتركني فيهمُ شطيرا ... إنّي إِذن أهلك أَو أطيرا) // الرجز // فنصب (أهلكَ) ب (إِذن) وَلم يَجعله خَبَر (إنّ) واحتجّوا أَيْضا بقول الْعَرَب إنّ بك تكفّل زيد فَجَعل الْفِعْل فِي أسمها وَلَو كَانَت هِيَ الفاعلة فِي الْخَبَر لم تكن كَذَلِك والعلّة فِيهِ أنّ هَذِه الْحُرُوف فروع فِي الْعَمَل فَلم تَقْوَ على الْعَمَل فِي الاسمين وَالْجَوَاب أمَّا الْبَيْت فَمن الشذوذ وتأويلُه أنَّه حذف الْخَبَر لدلَالَة الْبَاقِي عَلَيْهِ تَقْدِيره إِنِّي أذلّ فأمَّا الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة فَلَا حجَّة فِيهَا لأنَّ اسْم (إنَّ) مَحْذُوف وَهُوَ ضمير الشَّأْن فتقديره إنَّه بك تكفلَّ زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وأمَّا ضعفُ هَذِه الْحُرُوف فقد ظهر فِي عدم تصرُّفها وَذَلِكَ كَاف فصل وإنَّما بَطل ذَلِك لأنَّها هيَّأتها لدخولها على الْأَفْعَال كَقَوْلِك إنَّما قَامَ زيد فصل وَإِذا عطفت على اسْم (إنَّ) قبل الْخَبَر لم يجز فِيهِ إلاَّ النصب وَبِه قَالَ الفرَّاء فِيمَا يظْهر فِيهِ الْإِعْرَاب وَأَجَازَ الرّفْع فِيمَا لم يظْهر فِيهِ الْإِعْرَاب وَيجوز إنَّ زيدا وَأَنت قائمان وَاخْتَارَ الكسائيّ الرّفْع فيهمَا وَالرَّفْع فَاسد لأنَّ الْخَبَر إِذا ثنِّي كَانَ خَبرا عَن الاسمين وَكَانَ الْعَمَل فِيهِ عملا وَاحِدًا وَقد وتقدَّم عاملان أحدُهما (إنَّ) وَالْآخر الْمُبْتَدَأ الْمَعْطُوف وَالْعَمَل الْوَاحِد لَا يُوجِبهُ عاملان واحتجَّ الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى {والصابئون وَالنَّصَارَى} فَرفع قبل الْخَبَر وَيَقُول الْعَرَب إنَّ زيدا وعمروٌ ذاهبان حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ وبأنَّ الْمَعْطُوف على اسْم (لَا) يجوز فِيهِ الرّفْع فَكَذَلِك اسْم (إنَّ) وَالْجَوَاب عَن الْآيَة من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّه مَعْطُوف على الضَّمِير فِي (آمنُوا) وَقَامَ الْفَصْل بَينهمَا مقَام التوكيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَالثَّانِي أنَّ خبر الصابئين مَحْذُوف والنيَّة بِهِ التَّأْخِير تَقْدِيره إِن الَّذين آمنُوا إِلَى قَوْله {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} والصابئون كَذَلِك لَا وَيجوز أَن يكون {فَلَا خوف عَلَيْهِم} خبر الصابئين وَخبر إنَّ مَحْذُوف لدلَالَة هَذَا الْخَبَر عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر [من المنسرح] 31 - (نحنُ بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك راضٍ والرأيُ مُخْتلِفُ) // المنسرح // أَي نَحن بِمَا عندنَا راضون وَلذَلِك تُجيُز فِي الْكَلَام إنَّ زيداُ وعمروٌ قَائِم على الْوَجْهَيْنِ وأمَّا قَول البرجمي // الطَّوِيل // 32 - (فَمن يَك أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رحْلُهُ ... فإنَّي وقيَّارٌ بهَا لغريبُ) ف (غَرِيب) خبر (إنَّ) لَا غير لأنَّ اللَّام تكون فِي خبر (إنَّ) لَا فِي خبر الْمُبْتَدَأ وأمَّا (قيَّار) فَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ و (بهَا) خَبره وَالْجُمْلَة حَال وَيجوز أَن يكون خَبره محذوفاً دلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وأمَّا الْحِكَايَة عَن الْعَرَب فقد قَالَ سبيويه ذَلِك من قَائِله على جِهَة الْغَلَط كَمَا فعلوا فِي خبر (لَيْسَ) فجّروا لأَنهم توهَّموا الْبَاء فِي قَول الشَّاعِر 33 - (مشائيم لَيْسُوا مصلحينَ عشيرةً ... وَلَا ناعبٍ إلاَّ ببين غرابُها) وإنَّما غلطوا فِي ذَلِك لأنَّه مَوضِع تكْثر فِيهِ الْبَاء كَذَلِك فِي الْحِكَايَة وأمَّا الْعَطف على اسْم (لَا) فالرفع لَا يجوز وَمن أجَازه قَالَ (لَا) وإسُمها ركِّبا وَجعلا كاسم وَاحِد موضعُه رفعٌ وَمِنْهُم من قَالَ (لَا) لَا تعْمل فِي الْخَبَر لأنَّها فرع فَلم يلْزم فِيهَا مَا لزم فِي (إنَّ) فصل واتَّفقوا على جَوَاز نصب الْمَعْطُوف على اسْم إنَّ بعد الْخَبَر على اللَّفْظ وَرَفعه من ثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 أحُدها أَن يكون على معنى الِابْتِدَاء وَمعنى ذَلِك أنَّك لَو لم تأت ب (إنَّ) لَكَانَ الِاسْم مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ فجَاء الْمَعْطُوف على ذَلِك التَّقْدِير وَلم ينقص رَفعه معنى وَمن قَالَ هُوَ مَعْطُوف على مَوضِع (إنَّ) أَو على مَوضِع اسْم (إنَّ) فَهَذَا الْمَعْنى يُرِيد لَا (إنَّ) الثَّانِي أَن يكون مُبْتَدأ وَالْخَبَر على الْوَجْهَيْنِ مَحْذُوف دلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُور وَالثَّالِث أنْ يكون مَعْطُوفًا على الضَّمِير فِي الْخَبَر فَيكون على هَذَا فَاعِلا والأجود على هَذَا توكيدُه هَذَا كلّه فِي (إنّ) وأمَّا (لكنَّ) فَلَا يجوز الْعَطف فِيهَا على معنى الِابْتِدَاء عِنْد أَكثر المحقّقين وأمَّا (أنَّ) الْمَفْتُوحَة وَمَا عملت فِيهِ فَلَا تقع مُبْتَدأ بل معمولة لعامل لفظيّ قبلهَا وَيجوز الرّفْع على الْوَجْهَيْنِ الآخرين وَكَذَلِكَ (كأنَّ وليت ولعلَّ ولكنَّ) لأنَّ هَذِه الْحُرُوف غيَّرت معنى الِابْتِدَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فصل وإنَّما أُكِّد خبرُ (إنَّ) بِاللَّامِ لأنَّها موضوعةٌ لتأكيد الْمُبْتَدَأ فلمَّا أُريد زيادةُ التوكيد جمع بَينهَا وَبَين (إنَّ) فصل وموضعها الأصليُّ قبل (إنَّ) لثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّه وَجب لَهَا الصَّدْر قبل (إنّ) فَكَذَلِك بعد دُخُول (إنَّ) وَلِهَذَا السَّبَب سمَّيت (لَام الِابْتِدَاء) وَالثَّانِي أَن اللَّام تعلّق (علمت) عَن الْعَمَل فَلَو كَانَت (إنّ) قبلهَا لمنعتها عَن الْعَمَل وَالثَّالِث أنَّ (إنَ) عاملةٌ وَهِي عَامل ضَعِيف فَكَانَ وُقُوع معمولها يَليهَا أوْلى فصل وإنَّما أخَّرتْ (اللَّام) إِلَى الْخَبَر لئلاَّ يتوالى حرفا معنى كَمَا لَا يتوالى حرفا نفي أَو اسْتِفْهَام وَكَانَت (اللَّام) أولى بِالتَّأْخِيرِ من (إنَّ) لثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّ (اللَّام) غير عاملة و (إنَّ) عاملة وَتَأْخِير غير الْعَامِل أوْلى وَالثَّانِي أنَّ (اللَّام) تؤثِّر فِي الْمَعْنى فَقَط و (إنَّ) تؤثِّر فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى فَكَانَ إِقْرَارهَا ملاصقة اللَّفْظ ملاصقةً للفظ الَّذِي تعْمل فِيهِ أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَالثَّالِث أنَّ (إنَّ) لَو أخَّرت إِلَى الْخَبَر فنصبته وارتفع مَا قبلهَا تغيَّر حكمهَا وَإِن بَقِي مَا قبلهَا مَنْصُوبًا وَمَا بعْدهَا مَرْفُوعا لزم مِنْهُ تَقْدِيم معمولها عَلَيْهَا فصل وإنَّما لم تدخل اللَّام فِي خبر (كأنَّ وليت ولعلَّ) لزوَال معنى الِابْتِدَاء وَالتَّحْقِيق والتوكيد إنَّما يُرَاد بِهِ تَحْقِيق المحقَّق الثَّابِت فصل وَأَجَازَ الكوفيَّون دُخُول (اللَّام) فِي خبر (لكنّ) لأنَّها مركَّبة من (لَا) و (إنَّ) زيدت عَلَيْهِمَا الْكَاف وَقد جَاءَ ذَلِك فِي الشّعْر 34 - ( ... ولكننَّي من حبَّها لعميدُ) // الطَّوِيل // ولأنَّ (لكنّ) لَا تغيَّر معنى الِابْتِدَاء وَهَذَا عندنَا لَا يجوز لوَجْهَيْنِ أَحدهَا أنَّه لم يَأْتِ مِنْهُ شَيْء فِي الْقُرْآن وَفِي أختيار كَلَامهم وَإِن جَاءَ فِي شعر فَهُوَ شاذّ سوَّغته الضَّرُورَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وَالثَّانِي أنَّ (اللَّام) لَو جَازَت مَعَ (لكنَّ) لتقدَّمت عَلَيْهَا لأنّ موضعهَا صدر الْجُمْلَة وإنَّما أخَّرت فِي (إنَّ) لئلاَّ يتوالى حرفا تَأْكِيد و (لكنَّ) لَيست للتوكيد بل للاستدراك وَبِهَذَا تبيَّن أنَّ معنى الِابْتِدَاء لَا يبْقى مَعهَا بالكلِّيَّة لأنَّ الِابْتِدَاء لَا اسْتِدْرَاك فِيهِ فصل وَالْأَصْل فِي (إنِّي) (إنِّني) وَفِي (كأنِّي) (كأنَّني) فَيُؤتى بنُون الْوِقَايَة لئلاّ ينكسر آخر الْحَرْف وإنَّما جَازَ حذفهَا تَخْفِيفًا لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَكَثْرَة النونات والمحذوف النُّون الثَّانِيَة لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّها حذفت قبل دُخُولهَا على الضَّمِير فَقَالُوا (إنْ) وَهِي المخَّففة فَكَذَلِك بعد دُخُولهَا على الضَّمِير وَالثَّانِي أنَّ النُّون الأولى لَا يجوز حذفهَا لأنَّك تحْتَاج إِلَى تسكين الثَّانِيَة ليصحَّ إدغامها فَيصير مَعَك حذفٌ وتسكيٌن وإدغام ولأنَّ الثّقل لَا يَقع إِلَّا بالمكرر لَا بِالْأولِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَحذف الثَّالِثَة ضَعِيف لأنَّها دخلت لِمَعْنى يختلُّ بالحذف وَقد ذهب قومٌ إِلَى أنَّ المحذوفة هِيَ الأُولى وَذهب آخَرُونَ إِلَى أنَّ المحذوفة فِي الثَّالِثَة وَالصَّحِيح مَا ذكرنَا فأمَّا قَوْلك (إنَّا) فالمحذوفة هِيَ الثَّانِيَة عِنْد الْجَمِيع فصل وَأكْثر مَا جَاءَ (لعلّي) بِغَيْر لون لأنَّ اللَّام تشبه النُّون فلَمَّا ثقل اجْتِمَاع النونات ثقل دُخُول النُّون على اللَّام المشددَّة وَقد جَاءَ (لعلّني) فِي الشّعْر وأمَّا (ليتي) فضعيف فِي الْقيَاس قَلِيل فِي الِاسْتِعْمَال لأنَّ النُّون إِذا لم تثبت توالت أَشْيَاء مستثقلة وَهِي الْيَاء وكسرة التاءِ وَالْيَاء بعْدهَا فصل وَيكون ضمير الشَّأْن والقصّة اسْم (إنَّ) كَمَا كَانَ اسْم (كَانَ) إلاَّ أنَّ (كَانَ) يسْتَتر فِيهَا الضَّمِير إِذْ كَانَت فعلاًو (إنَّ) لَا يسْتَتر فِيهَا لأنَّها حرف وَإِن جَاءَت الْجُمْلَة بعْدهَا كَقَوْلِك إنَّ زيدٌ قَائِم كَانَ ضمير القصّة محذوفاً للْعلم بِهِ وَقَالَ الكسائيّ تكون ملغاة عَن الْعَمَل وَهَذَا ضَعِيف لقوَّة شبه (إنَّ) بِالْفِعْلِ فإنَّ جعلت بِمَعْنى (نعم) جَازَ ذَلِك فأمَّا قَول الشَّاعِر 35 - (فليت كفافاً كَانَ خيرُك كلّه ... وشرُّك عنَّي مَا ارتوى الماءَ مرتوي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فَفِيهِ آوجه أحدُها أنَّ ضمير الشَّأْن مَحْذُوف وَهُوَ اسْم (لَيْت) وخبرها الْجُمْلَة الَّتِى بعْدهَا و (كفافاً) خبر (كَانَ) (خيرك) اسْمهَا وَلم يثن الْخَبَر لأنَّه كالمصدر / وَالثَّانِي أنَّ (كفافاً) اسْم (لَيْت) وَكَانَ وَمَا عملت فِيهِ خَبَرهَا وَخبر (كَانَ) مَحْذُوف وَالثَّالِث أنَّ (كَانَ) زَائِدَة ويروى (شرَّك) بِالنّصب على أنَّه مَعْطُوف على اسْم (لَيْت) وأمَّا قَوْله (ماارتوى المَاء) فَالصَّحِيح فِي المَاء النصب و (مرتوي) فَاعل وتروى بِالرَّفْع على معنى مَا أروى المَاء مرتوياً وَسكن الْيَاء فِي مَوضِع النصب ثمّ حذف التَّنْوِين وَقيل جعل المَاء مرتوياً على الْمُبَالغَة وكلُّ ذَلِك ضَعِيف وَقيل (مرتوي) رفع خبر (شرّك) فصل وَيجوز أَن تعْمل (أنْ) المخففة من الثَّقِيلَة عَملهَا قبل التَّخْفِيف وَقد جَاءَ ذَلِك فِي الشّعْر كَمَا قَالَ الشَّاعِر [// الطَّوِيل //] 36 - (فَلَو أنْكِ فِي يومِ الرخاءِ سألتنِي ... فراقَكِ لم أبخلْ وأنتِ صديق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وَقَرَأَ بعض القرَّاء {وإنْ كلا لما ليوفيّنهم ربُّك أَعْمَالهم} بتَخْفِيف النُّون وَنصب (كلّ) وَلَا يجوز أَن يكون بِمَعْنى (مَا) وَأَن ينصب (كلا) بِفعل مقدَّر لأنَّك إنْ قدَّرته من جنس الْمَذْكُور بعْدهَا فسد الْمَعْنى لأنَّه يصير (مَا يوفيَّ كلاًّ أَعْمَالهم) وإنْ قدرته من غير جنسه لم يكن لتقدير الْقسم هُنَا مَوضِع لأنَّ أحسن مَا يقدَّر بِهِ (مَا نُهمل كلاًّ) على أنَّ (لَمّا) لَا تكون بِمَعْنى (إلاَّ) فِي غير الْقسم وَإِن كَانَت المخفَّفة من الثَّقِيلَة وأضمرت عَاملا غير (مَا) لم يصحّ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ (أنَّ) قد توهنت بالحذف فَلَا توهّن بِحَذْف الْفِعْل أَيْضا وَالثَّانِي أنَّ المخففَّة إِذا وَليهَا الْفِعْل وَحذف اسْمهَا لَا يَخْلُو من عوض والعوض هُوَ (قد وَالسِّين وسوف وَلم وَلَا وَلَيْسَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 ويدلُّ على جَوَازه ايضاً أنَّ المثقّلة مشتبهّه بِالْفِعْلِ وَقد عمل الْفِعْل بعد تخفيفه بالحذف كَقَوْلِك لم يَك وَلَا أدر وَلم أبَلْ وَقَالَ الكوفيَّون لَا يجوز أَن تعْمل بعد التَّخْفِيف لِضعْفِهَا وَقد دللنا على الْجَوَاز وَيَكْفِي فِي ضعفها جَوَاز إبطالِ عَملهَا لَا وُجُوبه فأمّا قَول الشَّاعِر [// الطَّوِيل //] 37 - (فيوماً توافينا بوجهٍ مقسَّمٍ ... كأنْ ظَبْيَة تعطوا إِلَى وارفِ السَّلَمْ فيروى بِالرَّفْع مَعَ الإلغاء وَالتَّقْدِير كأنهَّا ظَبْيَة وَبِالنَّصبِ على الإعمال وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي كَأَن ظَبْيَة هَذِه الْمَرْأَة وبالجِّر على زِيَادَة (أنْ) والجرّ بكاف التَّشْبِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 بَاب الْفرق بَين إِن الْمَفْتُوحَة والمكسورة وإنَّما فرَّقوا بَينهمَا لافتراقهما فِي الْمَعْنى وَالْتِبَاس الْمَعْنى فِي بعض الْمَوَاضِع ففرَّقوا بالحركات ليزول اللّبْس أَلا ترى أنَّك إِذا أنَّك إِذا قلت أوَّل مَا أَقُول إنَّي أَحْمد الله يحْتَمل مَعْنيين أَحدهمَا أَن تجْعَل الْحَمد هُوَ أول كلامك والثانى أَن تجْعَل الْحَمد هُوَ الَّذِي تحكيه بِقَوْلِك (أَقُول) وَلَيْسَ هُوَ نفس الأوَّل فَعِنْدَ ذَلِك يحْتَاج إِلَى الْفرق بَينهمَا ليتَّضح الْمَعْنى وَكَذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي التلبيه ((لبيْك إنَّ الْحَمد لَك)) إِذا فتحت كَانَ الْمَعْنى لبّيك لأنَّ الْحَمد لَك وَإِذا كسرت كَانَ مستأنفاً وَهُوَ أَجود فِي التَّلْبِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 فصل والمكسور هِيَ الأَصْل لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّها تفِيد فِي الْجُمْلَة معنى وَاحِدًا هُوَ التوكيد فَهِيَ ك (لَام الِابْتِدَاء) و (الْبَاء) الدَّاخِلَة فِي خبر (لَيْسَ) و (نون تَأْكِيد الْفِعْل) والمفتوحة تفِيد التوكيد وتعلّق مَا بعْدهَا بِمَا قبلهَا وَالثَّانِي أنَّ (إنَّ) الْمَكْسُورَة أشبه بِالْفِعْلِ لذا كَانَت عاملة غير مَعْمُول فِيهَا كَمَا هُوَ أصل الْفِعْل والمفتوحة عاملة ومعمول فِيهَا فَهِيَ كالمركَّب والمكسورةُ كالمفرد والمفرد أصل للمركَّب وَالثَّالِث أنَّ الْمَكْسُورَة لَيست كبعض الِاسْم هِيَ مستقلَّة بِنَفسِهَا والمفتوحة كبعض الِاسْم إِذْ كَانَت هِيَ وَمَا عملت فِيهِ تَقْدِير اسْم وَاحِد وَقد قَالَ قوم الْمَفْتُوحَة أصلٌ للمكسورة وَقَالَ آخَرُونَ كلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا أصلٌ بِنَفسِهَا وَالصَّحِيح مَا بدأنا بِهِ فصل وإنَّما خصَّت المصدريَّة بِالْفَتْح لأنَّهم لَمَّا آثروا الْفرق عدلوا إِلَى أخفَّ الحركات وَهِي الفتحة إنْ شِئْت قلت لَمَّا كَانَت المصدريَّة كبعض الِاسْم طَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الْكَلَام بهَا فخصَّت بأخف الحركات وأنْ شِئْت قلت لَمَّا كَانَت مصدرّية حملوها على (أَن) الناصبة للْفِعْل فِي الْفَتْح كَمَا حملُوا الناصبة للْفِعْل فِي الْعَمَل على الناصبة للاسم فصل وكلّ مَوضِع وَقعت فِيهِ (إنَّ) وَحسن أَن يَقع فِي موقعها فعل وفاعل أَو مُبْتَدأ وَخبر كَانَت مَكْسُورَة وكلُّ مَوضِع لم يحسن فِي موضعهَا إلاَّ الْفِعْل وَحده أَو الِاسْم وَحده فَهِيَ مَفْتُوحَة وعَلى هَذَا تبنى مسَائِل الْفرق بَين (إنَّ) و (أنَّ) فَمن ذَلِك كسرهَا بعد القَوْل لأنَّ القَوْل تحكى بعده الْجُمْلَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل والمبتدأ وَالْخَبَر وَمن ذَلِك كسرهَا إِذا وَقعت صلَة (للَّذي) وَإِذا وَقعت فِي جَوَاب الْقسم وَإِذا وَقعت اللَّام فِي خَبَرهَا وَقد تقع فِي مَوضِع يحْتَمل الأمَريْن كَقَوْلِك لقِيت زيدا فَإِذا إنَّه عبد بِالْكَسْرِ على معنى فَإِذا هُوَ عبد وبالفتح على معنى فَإِذا العبوديَّةُ أيْ فاجأتني ذلتَّه وَنَحْو ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 بَاب (لَا) وَلها اقسام ستّة أَحدهَا أَن تدخل على الِاسْتِفْهَام لتنفي عَنهُ الْخَبَر وَهَذَا البابُ مختصٌّ بهَا وبقيَّة أقسامها تُذْكَرُ فِي مواضهعا وَاعْلَم أنَّ (لَا) هَذِه عاملة فِي الِاسْم على الْجُمْلَة لأنَّها أشبهت (أنَّ) الثَّقِيلَة من أوجه أَحدهَا أنَّها تدخل على مُبْتَدأ وَخبر كَمَا أنَّ (إنَّ) كَذَلِك وَالثَّانِي أنَّ لَهَا صدر الْجُمْلَة كَمَا أَن (إنَّ) كَذَلِك وَالثَّالِث أنَّها لتوكيد النَّفْي كَمَا أنَّ (إنَّ) لتوكيد الْإِثْبَات وَالرَّابِع أنَّها نقيضة (أنَّ) وهم يحملون الشَّيْء على نقيضه كَمَا يحملونه على نَظِيره وسنرى ذَلِك مستقصى فِي مَوْضِعه وَقَالَ بَعضهم هِيَ مَحْمُولَة على (أنْ) الْخَفِيفَة لوَجْهَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أَحدهمَا أنَّها على حرفين مثلهَا وَالثَّانِي أنّ الْخَفِيفَة وتلغي كَمَا أَن (لَا) كَذَلِك فصل وتعمل النصب فِي الِاسْم عِنْد الْجَمِيع كَمَا عملت (إنَّ) وإنَّما تعمله بِثَلَاث شَرَائِط إِحْدَاهَا أَن تلِي الِاسْم من غير فصل وَالثَّانيَِة أَن تكون دَاخِلَة على نكرَة وَالثَّالِثَة أَن تكون تِلْكَ النكرَة جنساُ وإنَّما عملت بِهَذِهِ الشَّرَائِط لأنَّها اخْتصّت بِهَذِهِ الْأَشْيَاء وكلّ مختصّ يجب أَن يعْمل وعملت النصب لما ذكرنَا من مشابهتها (إنَّ) فصل وَاخْتلفُوا فِي الِاسْم النكرَة المتفيّة ب (لَا) نفيا عامّاً إِذا لم تكن مُضَافَة وَلَا مشابهة للمضاف هَل هِيَ مبنيّة أَو معربة فمذهب أَكثر البصريَّين أنَّها مبينَّة وَقَالَ الزّجاج والسيرافيّ وَأهل الْكُوفَة هِيَ معربة واحتجّ الأوَّلون على بنائها من أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 أَحدهَا أنَّ بَين (لَا) وَبَين النكرَة حرفا مقدَّرا وَهُوَ (مِنْ) وَالِاسْم إِذا تضمَّن معنى الْحَرْف بُني وَإِنَّمَا وَجب تقديرُ (مِنْ) هَهُنَا لِأَنَّهَا جوابُ مَنْ قالَ هَل من رجلٍ فِي الدَّار وإنَّما دخلت هَهُنَا لتدلّ على الْجِنْس وَذَلِكَ أنَّك إِذا قلت هَل رجلٌ فِي الدَّار أَو لَا رجلٌ فِي الدَّار بِالرَّفْع والتنوين تنَاول رجلا وَاحِدًا حتّى لوكان هُنَاكَ رجلَانِ أَو أَكثر لم يكن الِاسْتِفْهَام متناولاً لَهما فَإِذا أدخلت (مِنْ) تنَاول الْجِنْس كلّه وَكَذَلِكَ إِذا قلت مَا جَاءَنِي من رجل لم يجز أَن يكون جَاءَك وَاحِد أَو أَكثر وَإِن حذفت (من) جَازَ أَن يكن جَاءَك رجلَانِ أَو أَكثر وَإِذا أثبت ذَلِك صَار الِاسْم متضّمناً معنى (من) المفيدة معنى الْجِنْس وَالْوَجْه الثَّانِي أَن لَا لما لم تعْمل إِلَّا إِذا لاصقت الِاسْم وَكَانَت (من) بَينهمَا مُرَادة صارتا كالاسم الْمركب فِي بَاب الْعدَد كخمسة عشر والمركب يبْنى لتَضَمّنه معنى الْحَرْف وَالثَّالِث أنَّ (لَا) فِي هَذَا الْبَاب خَالَفت بقيَّة حُرُوف النَّفْي من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّها جوابٌ لما لَيْسَ بِإِيجَاب بل لما هُوَ اسْتِفْهَام وَبَقِيَّة حُرُوف النَّفْي يُجَاب بهَا عَن الْوَاجِب وَالثَّانِي أنَّها مختصَّة بالنكرة العامَّة الَّتِي هِيَ جنس وَلَيْسَ شيءٌ من حُرُوف النَّفْي مختصّاً بِضَرْب من الْأَسْمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 واحتجَّ من قَالَ الِاسْم هُنَا مُعرب بأَرْبعَة أوجه أحدُها أنَّ الِاسْم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ مُعرب كَقَوْلِك لَا رجل وغلاماَ عنْدك وَالْوَاو نَائِبه عَن (لَا) وَالثَّانِي أنَّ خَبَرهَا معربّ وعملها فِي الاسمين وَاحِد 0 وَالثَّالِث أنَّ (لَا) عَامله فَلَو حصل الْبناء هُنَا لحصل بعامل وَالْبناء لَا يحصل بعامل لانَّ الْعَامِل غير الْمَعْمُول وَالْبناء شبه التَّرْكِيب وجزءا المركَّب شَيْء وَاحِد وَالرَّابِع أنَّ الِاسْم لَو كَانَ مبنيّاً لبني على حركه غير الْفَتْح لأنَّ (لَا) تعْمل النصب فَإِذا عرض الْبناء وَجب أَن تكون حركته غير حَرَكَة الْإِعْرَاب كَمَا فِي (قبلُ وبعدُ) وَالْجَوَاب أنَّ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ بني لتضمُّنه معنى الْحَرْف وإنَّما يكون ذَلِك مَعَ (لَا) نَفسهَا وَالْوَاو لَا تنوب عَن (لَا) فِي هَذَا الْمَعْنى بل تنوب عَنْهَا فِي الْعَطف فَقَط وَلِهَذَا يسوغ إِظْهَار (لَا) مَعَ (الْوَاو) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وأمَّا عَملهَا فِي الْخَبَر فَفِيهِ اخْتِلَاف سَنذكرُهُ على أنَّ عَملهَا فِيهِ لَا يُوجب بناءه لأنَّ علَّة الْبناء وجدت فِي الِاسْم دون الْخَبَر ويدلُّ عَلَيْهِ أنَّ الْبناء لأجل التَّرْكِيب وَنحن نجْعَل الاسمين المركَّبين بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وَهُوَ مَعَ هَذَا مُخَالف للْقِيَاس فَكيف نجْعَل ثَلَاثَة أَشْيَاء بِمَنْزِلَة شَيْء وَاحِد وأمَّا الْبناء ففير حَادث ب (لَا) من حَيْثُ هِيَ عاملة بل حَادث بالتركيب وتضُّمنه معنى الْحَرْف كَمَا أنَّ (يَا) فِي النداء تعْمل النصب فِي المعرب فَإِذا دخلت على الْمُفْرد بُني لابهابل بِشَيْء آخر وأمَّا جعل حَرَكَة المبنيّ هُنَا الْفَتْح فَفِيهِ أوجه أحدُها أنَّ الْفَتْح اختير لطول الِاسْم بالتركيب كَمَا اختير فِي خمسةَ عشَر وَالثَّانِي أنَّ النَّفْي هُنَا لَمّا خرج عَن نَظَائِره خرج الْبناء عَن نَظَائِره وَالثَّالِث أنَّهم لَو بنوه على الْكسر لكَانَتْ مثل الْحَرَكَة الَّتِي يستحقُّها هَذَا الِاسْم فِي الأَصْل إِذْ اصلُه لَا من رجل وَلَو بني على الضمِّ لكَانَتْ حركته فِي حَال عُمُومه كالحركة فِي حَال خصوصه ففرَّقوا بَينهمَا وَعدلُوا إِلَى الْفَتْح ويدلَّ على فَسَاد مَذْهَب من قَالَ هُوَ مُعرب أنَّه لَو كَانَ كَذَلِك لنوَن كَمَا يُنَّون اسْم إنَّ فإنْ قيل إنَّما لم ينَّون لأنَّ (لَا) ضعفت إِذْ كَانَت فرعَ فرعِ فرعٍ وَذَلِكَ أنَّ (كَانَ) فرعٌ فِي الْعَمَل على الْأَفْعَال الحقيقّة و (إنَّ) فرع على (كَانَ) و (لَا) فرع على (إنَّ) فلمَّا ضعف خُولِفَ باسمها بَقِيَّة المعربات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 قيل أثر ضعفها قد ظهر فِي شَيْء غير التَّنْوِين فَمن ذَلِك أنَّه لَا ي فصل بَينهَا وَبَين اسْمهَا بالْخبر وَلَا بِغَيْرِهِ ولأنَّ التَّنْوِين لَا يحدث بالعامل حَتَّى يحذف إِذا ضعف الْعَامِل وإنَّما هُوَ تابعٌ لحركة الْإِعْرَاب فَإِن قيل إِنَّمَا حذف التَّنْوِين لِأَن هَذَا الْبَاب خَالف بَقِيَّة العوامل فِي اخْتِصَاصه بِبَعْض الْأَسْمَاء وعَلى وَجه مَخْصُوص فخولف بِهِ أَيْضا فِي التَّنْوِين قيل قد أجبنا عَن هَذَا فصل واتَّفقوا على أنَّ النكرَة المضافة كَقَوْلِك لَا غُلَام رجلٍ عندنَا وَفِي المشابه للمضاف كَقَوْلِك لَا خيرا من زيد عندنَا مُعرب وإنَّما خَالف هَذَا الِاسْم النكرَة المفردة لثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّ الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ كاشيء الْوَاحِد وهما فِي اللَّفْظ اسمان فَلَو بنيت الِاسْم الأوَّل مَعَ (لَا) لَكَانَ لعلّة التَّرْكِيب فَتَصِير ثَلَاثَة أَشْيَاء كالشيء وَاحِد وَالثَّانِي أنَّ الْمُضَاف إِلَيْهِ واقعٌ موقع التَّنْوِين وكما أنَّ التَّنْوِين لَا يكون بعد حَرَكَة الْبناء كَذَلِك الْمُضَاف إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وَالثَّالِث أنَّ الْمُضَاف عاملٌ فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ وَقد أُلفَ من كلّ مبنيّ إِذا أضيف إِلَى مُفْرد أعرب فأمَّأ (لدنْ) فبنيت مَعَ الْإِضَافَة لإيغاها فِي شبه الْحَرْف بِخِلَاف بَاب (لَا) فصل والمشابه للمضاف من أجل طوله مَا كَانَ عَاملا فِيمَا بعده وَكَانَ مَا بعده من تَمام مَعْنَاهُ كَقَوْلِك لَا ضَارِبًا زيدا وَلَا حَسَناً وَجهه قَائِم وَلَا خيرا من زيد لنا وَوجه مشابهته للمضاف من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّه عَامل فِيمَا بعده كَمَا يعْمل الْمُضَاف فِيهِ الْمُضَاف إِلَيْهِ وَالثَّانِي أنَّ مَا بعده مفتقر إِلَيْهِ كافتقار الْمُضَاف إِلَيْهِ إِلَى الْمُضَاف وعَلى هَذَا إِذا قلت لَا مروراً بزيدٍ وعلقَّت الْبَاء بِالْمَصْدَرِ نصبت ونوَّنت لأنَّه عاملٌ فِيمَا بعده وَالْخَبَر مَحْذُوف وإنْ جعلت (بزيد) الْخَبَر لم تْنوِّن الْمصدر لأنَّه غير عَامل هَهُنَا وَكَذَلِكَ لَا آمُر بِالْمَعْرُوفِ يَوْم الْجُمُعَة إِن أعملت آمراً نوَّنته وَإِن لم تعمله لم تنوِّنه وَلَا يكون (يَوْم الْجُمُعَة) خَبرا لأنَّ ظرف الزَّمَان لَا يُخبَر بِهِ عَن الجثث وَالنَّفْي على هَذَا التَّقْدِير خاصٌّ بِبَعْض الآمرين وَإِن جعلت الْبَاء الْخَبَر كَانَ النَّفْي عامّاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 فصل وَمَوْضِع (لَا) وَاسْمهَا رفع بِالِابْتِدَاءِ لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّهما فِي حكم المركَّب على مَا تقدم والمركَّب يجْرِي مجْرى الْمُفْرد فِي مَوضِع الْإِعْرَاب وَالثَّانِي أنَّ الْكَلَام قبل دُخُول (لَا) جملَة خبريَّة كَقَوْلِك عندنَا رجل فَإِذا أدخلت (لَا) بقيتْ الخبريه على مَا كَانَت إلاَّ أنَّ الْخَبَر منفيّ وَكَانَ مثبتاً وَهَذَا مثل (مَا) فِي قَوْلك مَا عندنَا رجلٌ إلاَّ أنَّك لَمَّا أدخلت (لَا) أوْلَيْتَها الِاسْم وَلِهَذَا إِذا قدَّمت الْخَبَر أَو فصلت بَينهمَا رَجَعَ إِلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر لفظا مثل قَوْله تَعَالَى {لَا فِيهَا غول} وَلَيْسَ ك (أنَّ وليت ولعلّ) لأنَّها تغير معنى الِابْتِدَاء فصل وَاخْتلفُوا فِي خبر (لَا) فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ هُوَ مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ كَمَا يرْتَفع قبل دُخُول (لَا) وحجَّتهُ شَيْئَانِ أحدُهما أنَّه لَمَّا كَانَ مَوضِع (لَا) وَاسْمهَا رفعا كَانَ الْخَبَر مَرْفُوعا على ذَلِك التَّقْدِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَالثَّانِي أنَّ (لَا) ضَعِيفَة جدا فَلم تعْمل فِي الاسمين بِخِلَاف (كَانَ) و (إنَّ) وَقَالَ الْأَخْفَش هُوَ مَرْفُوع ب (لَا) لأنَّها أقتضت اسْمَيْنِ وعملت فِي أَحدهمَا فتعمل فِي الآخر ك (إنَّ) وعَلى هَذَا تترتَّب مَسْأَلَة هِيَ قَول الشَّاعِر 38 - (فَلَا لغوٌ وَلَا تأثيم فِيهَا ... ) على قَول سِيبَوَيْهٍ (فِيهَا) خبرٌ عَن الاسمين وعَلى قَول أبي الْحسن هُوَ خبر عَن أَحدهمَا وَخبر الآخر مَحْذُوف فصل إِذا وصفت اسْم (لَا) قبل الْخَبَر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أحدُها النصب بِالتَّنْوِينِ حملا على مَوضِع اسْم (لَا) كَمَا حملت صفة المنادى المبنيّ على مَوْضِعه فَنصبت وَلم تبن الصّفة كَمَا لم تبن صفة المنادى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَالثَّانِي الرّفْع والتنوين حملا على مَوضِع (لَا) وَاسْمهَا إِذْ موضعهَا رفع على مَا تقدَّم وَالثَّالِث الْفَتْح بِغَيْر تَنْوِين وَفِي ذَلِك وَجْهَان أحدُهما أنَّها فَتْحة بِنَاء وأنَّما فعلوا ذَلِك لأنَّ الصّفة والموصوف كالشيء الْوَاحِد وَلِهَذَا قد لزمتْ فِي بعض الْمَوَاضِع كَمَا تلْزم الصِّلَة نَحْو قَوْلهم يَا أيُّها الرجل وكقولهم مَرَرْت بخلف الْأَحْمَر وَلَوْلَا ذكر (الْأَحْمَر) لم تعلم أنَّ المُرَاد (خلفٌ) المعروفُ بِالْعلمِ أَو غَيره ولَمَّا جَرَتا مجْرى الشَّيْء الْوَاحِد بَنْوهما قبل دُخُول (لَا) كَمَا بني (خَمْسَة عشر) وكما بنوا (ابْن أمّ) و (زيدَ بن عَمْرو) فِيمَن فتح الدَّال ثَّم أدخلُوا عَلَيْهِ حرف النداء دخلت (لَا) على اسْم مركَّب مبنيّ وَلَا يجوز أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 تكون (لَا) دخلت عَلَيْهِمَا وهما معربان فُبنيتا مَعهَا لأنَّ ذَلِك يُوجب جعل ثَلَاثَة اشياء كشيء وَاحِد وَلَا نَظِير لَهُ وَالْوَجْه الثَّانِي أَن تجْعَل فَتْحة الصّفة فَتْحة إِعْرَاب وحذفت التَّنْوِين ليشاكل لفظ الصّفة لفظ الْمَوْصُوف كَمَا أنَّهم جعلُوا (كلا) و (كلتا) بِلَفْظ التَّثْنِيَة إِذا أضيفت إِلَى الممضمرلأنَّها فِي ذَلِك الْموضع تتبع مَا قبلهَا من المثنَّى وَهَذَا على مَذْهَب من جعل اسْم (لَا) مُعْرباً أظهر فصل فإنْ جَاءَت الصّفة بعد الْخَبَر جَازَ فِيهَا الرّفْع وَالنّصب بِالتَّنْوِينِ على مَا تقدَّم وَلم يجز الْبناء للفصل بَينهمَا بالْخبر فصل إِذا عطفت على اسْم (لَا) وَلم تكرِّر كَانَ لَك فِي الْمَعْطُوف الرّفْع على مَوضِع (لَا) وَاسْمهَا كَمَا ذكرنَا فِي الصّفة وَالنّصب بِالتَّنْوِينِ قِيَاسا على الصّفة أَيْضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وَلَا يجوز بِنَاؤُه لِأَن لفظ (لَا) غير مَوْجُود مَعَه وَلَا يجوز بِنَاؤُه بِسَبَب (لَا) المتقدِّمة لأنَّ ذَلِك يُفْضِي إِلَى جعل أَرْبَعَة أَشْيَاء كشيءٍ وَاحِد فصل فإنْ عطفت عَلَيْهِ معرفَة لم يحز فِيهَا النصب لأنَّ (لَا) لَا تعْمل فِي المعارف بل ترفعه على الْموضع كَقَوْلِك لاغلام لَك والعبَّاسُ وَكَذَلِكَ إِن ذكرت (لَا) فَقلت (وَلَا العَّباسُ) وَرَفعه على الْموضع فصل فَإِذا كرَّرت (لَا) مَعَ الْمَعْطُوف جَازَ فِيهَا عدَّة أوجه أحدُها أَن تبني الاسمين على أَن تجْعَل (لَا) الثَّانِيَة غير مزيدة كالأولى وَالْوَاو عاطفة جملَة على جملَة 2 - وَالثَّانِي أَن تبني الأوَّل على أصل الْبَاب تنصب الثَّانِي وتنِّونه وَتجْعَل (لَا) زايدة كَمَا زيدت فِي قَوْلك مَالِي دِينَار وَلَا دِرْهَم فإنَّها مزيدة لتوكيد النَّفْي 3 - وَالثَّالِث أنْ تبنى الأوّل على الأَصْل وترفع الثَّانِي على ثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 أ - أَحدهَا أَن تجْعَل (لَا) زَائِدَة وَتحمل الْمَعْطُوف على الْموضع ب - وَالثَّانِي أَن تجْعَل (لَا) عاملة عمل (لَيْسَ) فَيكون أسمها مَرْفُوعا وخبرها مَنْصُوبًا وَقد أَجَازُوا ذَلِك إِذا كَانَ الِاسْم نكرَة كَمَا قَالَ [الْكَامِل] 39 - (من صدّ عَن نيرانها ... فَأَنا ابنُ قيسٍ لابراحُ) // الْكَامِل // أَي لَيْسَ لنا براح وَقَالَ العجَّاح 40 - (تالله لَوْلَا أَن تحش الطَّبْخ ... بِي الْجَحِيم حِين لَا مُسْتَصْرحُ) // الرجز // وحملْ (لَا) على (لَيْسَ) قويٌّ فِي الْقيَاس لأنَّها نَافِيَة مثلهَا وَإِذا جَازَ قياسها على (إنَّ) فِي الْعَمَل - مَعَ أنَّها نقيضتها - فحْملُها على نظيرتها أوْلى ج - وَالثَّالِث أَن تلْغي (لَا) وَيكون مَا بعْدهَا مُبْتَدأ وخبراً على مَا يُوجِبهُ الْقيَاس فِيهَا 4 - وَالْوَجْه الرَّابِع أَن ترفع الاسمين وَتجْعَل (لَا) الأولى على مَا ذَكرْنَاهُ فِي رفع الثَّانِيَة من حملهَا على (لَيْسَ) وإلغائها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 5 - وَالْخَامِس أَن تَرْفَعَ الأولى على مَا ذكرنَا وتبني على أصل الْبَاب فصل فإنْ كَانَ اسْم (لَا) مثنَّى أَو مجموعاً كَانَ بِالْيَاءِ وَالنُّون أمَّا (الْيَاء) فإنَّها تدلُّ على النصب فِي المعرب فَجعلت هَهُنَا دلَالَة على مَوضِع الْمَنْصُوب وعَلى لفظ الْفَتْح الَّذِي فِي اسْم (لَا) كَمَا قَالُوا فِي المنادى يَا زَيْدَانَ أَقبلَا وَاخْتلفُوا هَل هَذَا اسْم مُعرب أَو مبنٌّي على مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْرَاد فَقَالَ الْخَلِيل وسيبويه هُوَ على مَا كَانَ عَلَيْهِ لأنَّ العلَّة الْمُوجبَة للْبِنَاء قَائِمَة وَلَا مَانع مِنْهُ والمثَّنى يكون مَبْنِيا كَمَا فِي بَاب النداء و (النُّون) لَيست بَدَلا من الْحَرَكَة والتنوين فِي كلِّ مَوضِع على مَا يبيّن فِي بَاب التَّثْنِيَة وَقَالَ أَبُو العبَّاس هما معربان لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّه لَيْسَ شَيْء من المركَّبات ثنَّيَّ فِيهِ الِاسْم الثَّانِي وَجمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وَالثَّانِي أنَّ المثنّى فِي حكم الْمَعْطُوف والعطف يمْنَع من الْبناء وَالَّذِي ذكره غير لَازم فإنَّ المركَّب إِذا سُمِّي بِهِ صحَّت تَثْنِيَة الِاسْم الثَّانِي وَجمعه كَمَا لَو سمَّيت رجلا ب (حَضرمَوْت) فإنَّك تَقول فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع جَاءَنِي حضرموتان وحضرموتون وأمَّا جعل التَّثْنِيَة كالمعطوف فَذَاك فِي الْمَعْنى لَا فِي اللَّفْظ فصل وَإِذا دخلت (لَا) على الْمعرفَة لم تعْمل فِيهَا وَلزِمَ تكريرها كَقَوْلِك لَا زيدٌ فِي الدَّار وَلَا عمروٌ وإنَّما لم تعْمل هُنَا لبُطْلَان شبهها ب (إنّ) وإنَّما لزم التكرير لأنّه جَوَاب من قَالَ أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو فَلَو قلت لَا مُقْتَصرا عَلَيْهَا لم يُطَابق الْجَواب السُّؤَال وَكَذَا لَو قلت لَا زيدٌ لم يُسْتوف جَوَاب السُّؤَال فأمَّا قَوْلهم لَا نَوْلُك أَن تفعل فَجَاز من غير تَكْرِير حملا على الْمَعْنى وَالْمعْنَى لَا يَنْبَغِي لَك فصل فأمَّا قَوْلهم لَا أبالك فالعرب يستعملونها على ثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 1 - (لَا أَب لَك) بِحَذْف الْألف وَهُوَ الأصلُ لأنَّ (لَا) لَا تعْمل فِي الْمعرفَة و (اللَّام) تقطع الِاسْم عَن الْإِضَافَة فَيبقى نكرَة و (أَب) و (أَخ) وبابهما تحذف لاماتها فِي الْإِفْرَاد 2 - وَالْوَجْه الثَّانِي (لَا أَبَا لَك) بِإِثْبَات الْألف وَفِي ذَلِك ثَلَاثَة أوجه أ - أَحدهَا أنَّه جَاءَ على لُغَة من قَالَ (لَا أَبَا) فِي كلّ حَال كالمقصور ب - وَالثَّانِي أنَّ الْألف نشأت عَن إشباع فَتْحة الْبَاء ج - وَالثَّالِث أنَّ (اللَّام) فِي حكم الزَّائِدَة من وَجه فكأنَّ (الْأَب) مُضَاف إِلَى الْكَاف وَلَام هَذَا الِاسْم ترجع فِي الْإِضَافَة وَهِي أصلٌ من وَجه وَذَلِكَ أنَّ (لَا) لَا تعْمل فِي المعارف وَقد عملت هَهُنَا فَوَجَبَ أَن تكون اللَّام مبطلة للإضافة وَهَذَا كَمَا قَالُوا 41 - ( ... يَا بؤس للْجَهْل) // الْبَسِيط // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 (يابؤس للحرب ... ) // مجزوء الْكَامِل // ولايجوز ذَلِك فِي غير اللَّام لأنَّها القاطعة للإضافة فِي هَذَا الْمَعْنى 3 - واللغة الثَّالِثَة (لَا ابالك) بِحَذْف اللَّام وَهِي اشدُّها وأبعدُها عَن الْقيَاس وَالْوَجْه فِيهَا أنَّه حذف (اللَّام) وَهُوَ يريدها فَهِيَ فِي حكم الملفوظ بِهِ كَمَا فِي قَوْلهم 43 - ( ... وَلَا ناعبٍ إلاَّ ببينٍ غرائبها) // الطَّوِيل // وكما قيل لرؤبة كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ خيرٍ إِن شَاءَ الله أَرَادَ بِخَير وَمثل ذَلِك قَوْلهم (لَا يَدي لَك بفلان) و (هَذَا قميصٌ لَا كُمَّيْ لَهُ) فَحذف النُّون هَهُنَا وَإِثْبَات الْيَاء على الْوَجْه الْمُقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 فَإِن فصل ت بَين اللَّام وَبَين الِاسْم الأوَّل ثَبَتَتْ النُّون لأنَّ ذَلِك يمْنَع من الْإِضَافَة وأمَّا (لَك) فِي قَوْلك (لَا أبالك) فَفِيهَا ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنْ تجعلها الْخَبَر وَالثَّانِي أَن تجعلها صفة للاسم فِي مَوضِع نصب أَو رفع وتتعلق بِمَحْذُوف وَالثَّالِث أَن تجعلها للتبيين والتقديرأعني لَك وَالْقَوْل المحقَّق فِي (لأابالك) أنَّ اللَّام فِي حكم الزَّائِدَة من وَجه وَالِاسْم مُضَاف إِلَى (الْكَاف) وَلم يعرّف لأنّ الْمَعْنى لَا مثل أَبِيك كَمَا قَالُوا 44 - (لَا هَيْثَم اللَّيْلَة للمطيّ ... ) // الرجز // فصل فإنْ أدخلت همزَة الِاسْتِفْهَام على (لَا) لم تغيرِّ حكم (لَا) فِي جَمِيع مَا ذكرنَا إلاَّ أنّ سِيبَوَيْهٍ يخْتَار فِي الْخَبَر النَّصْبَ فَيَقُول أَلا رجل أفضلَ مِنْك وَإِن قلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 أَلا رجلا فعلى معنى التمنّي أَي لَا أجد وَإِن قلت أَلا رجل يكرمنا فَهُوَ على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْهمزَة فِي اللَّفْظ وَاخْتلفُوا فِي مَوضِع الِاسْم فسيبويه يرى أنَّه مَنْصُوب بِمَا فِي (أَلا) من معنى التمنّي وَلم يغيرّ اللَّفْظ كَمَا أَن قَوْلك رَحمَه الله لفظهُ على شَيْء وَمَعْنَاهُ على شَيْء آخر فعلى هَذَا القَوْل لَا يجوز رفع الصّفة كَقَوْلِك أَلا مَاء بَارِدًا أشربه وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس مَوْضِعه على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْهمزَة وَرفع صفته جَائِز فصل وَأما (أَلا) الَّتِي للتخضيض فَكَلمهُ وَاحِدَة وَمَا بعْدهَا مَنْصُوب بِفعل مُضْمر وَيَأْتِي ذكر ذَلِك فِي المنصوبات إِن شَاءَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 فصل فَإِن استثيت بعد (لَا) رفعت الْمُسْتَثْنى كَقَوْلِك لَا إِلَه إِلَّا الله لأنَّه بدل من الْموضع وَقد بَطل عمل (لَا) بالإثبات وَالتَّقْدِير لَا إِلَه فِي الْوُجُود إلاَّ الله أَي الله وَحده الْإِلَه فصل وأمَّا قَوْلهم جِئْت بِلَا شَيْء وغضبت من لَا شَيْء ف (لَا) فِيهِ حرف عِنْد البصريَّين وَلم تمنع تعدِّي الْعَامِل إِلَى مَا بعْدهَا لأنَّها زِيَادَة فِي اللَّفْظ دون الْمَعْنى وَقَالَ بَعضهم هِيَ اسْم بِمَعْنى (غير) وتجرّ بِالْإِضَافَة وأمَّا قَول الشَّاعِر 45 - (أَبى جودُه لَا البخلُ واستعجلتْ بِهِ ... نَعَمْ مِنْ فَتى لَا يمْنَع الْجُود قَاتله) // الطَّوِيل // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 فيروى (الْبُخْل) بالجرِّ على أنَّه جعل (لَا) اسْما وأضافها إِلَى كلمة الْبُخْل وَبِالنَّصبِ بدلاُ من (لَا) وبالرفع على إِضْمَار (هُوَ) فصل وأمَّا قولُهم (لَا خَيْرَ بخيرٍ بعده النَّار وَلَا شرَّ بشرٍّ بعده الجنَّةُ) فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أنَّ قَوْله (بِخَير) خبر (لَا) و (بعدُه) صفة الْخَبَر وَالْبَاء بِمَعْنى (فِي) وَالثَّانِي أنَّ (بعده) صفة اسْم (لَا) و (بِخَير) خَبره مقدّم وَالْبَاء زَائِدَة وَالتَّقْدِير لَا خير بعدَه النارُ خيرٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 بَاب ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا هَذِه الْأَفْعَال من عوامل الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَلذَلِك احْتَاجَت إِلَى مفعولين فالأوَّل مَا كَانَ مُبْتَدأ وَالثَّانِي مَا وَمَا صلح أَن يكون خَبرا وإنَّما نصبتهما لأنَّهما جَاءَا بعد الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالَّذِي تعلَّق بِهِ الظَّن مِنْهُمَا هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي وَذكر الْمَفْعُول الأوَّل لأنَّه محلُّ الشَّيْء المظنون لأ لأنَّه مظنون أَلا ترى أنَّ قَوْلك ظَنَنْت زيدا مُنْطَلقًا (زيدٌ) فِيهِ غير مظنون وإنَّما المظنون انطلاقه ولكنْ لَو قلت ظَنَنْت مُنْطَلقًا لم يعلم الانطلاق لمن كَانَ كَمَا لَو ذكرت الْخَبَر من غير مُبْتَدأ فَإِن قيل فلماذا دخلت هَذِه الْأَفْعَال على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر لتحدث فِي الْجُمْلَة معنى الظنّ وَالْعلم اللَّذين لم يتَحَقَّق مَعْنَاهَا فِي الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر أَلا ترى أنَّ قَوْلك زيد منطلقٌ يجوز أَن تكون قلت ذَلِك عَن ظن وَأَن تكون قلته عَن علم فَإِذا قلت ظَنَنْت أَو علمت صَّرحت بِالْحَقِيقَةِ وَزَالَ الِاحْتِمَال فصل وَإِذا ذكرت هَذِه الْأَفْعَال مَعَ فاعلها لم يلْزم ذكر المفعولين لأنّ الجملةَ قد تَّمت وَلَكِن تكون الْفَائِدَة قَاصِرَة لأنَّ الْغَرَض من ذكر الظَّن المظنون فَإِذا اردت تَمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الْفَائِدَة ذكرت المفعولين لتبيِّن الشي المظنون وَالَّذِي أسْند إِلَيْهِ المظنون وَلَا يجوز الاقتصارُعلى أَحدهمَا لِأَن الْمَفْعُول الأول إِن اقتصرت عَلَيْهِ لم يعرف الْمَقْصُود بِهَذِهِ الْأَفْعَال وَإِن اقتصرت على الثَّانِي لم يعلم إِلَى من أسْند فصل وَحكم المفععول الثَّانِي حكم الْخَبَر فِي كَونه مُفردا وَجُمْلَة وظرفا وَفِي لُزُوم الْعَائِد على الْمَفْعُول الأوَّل من الْمَفْعُول الثَّانِي على حسب ذَلِك فِي الْخَبَر لأنَّه خبر فِي الأَصْل فصل وَإِذا تقدَّمت هَذِه الْأَفْعَال نصبت المفعولين لفظا أَو تَقْديرا فاللفظ كَقَوْلِك ظَنَنْت زيدا قَائِما وَالتَّقْدِير فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع أحدُها أَن يكون الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر مفسّراً لضمير الشَّأْن كَقَوْلِك ظننته زيد منطلق ظَنَنْت أَي الشَّأْن وَالْأَمر فالجملة بعده فِي مَوضِع نصب لوقوعها موقع الْمَفْعُول الثَّانِي كَمَا كَانَ ذَلِك خبر فِي خبر (كَانَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَالثَّانِي أَن يكون الْمَفْعُول الأوَّل استفهاما كَقَوْلِه تَعَالَى {لنعلم أَي الحزبين أحْصَى} فالجملة فِي مَوضِع نصب وَلم يعْمل الظَّن فِي لفظ الاستقهام لأنَّ الِاسْتِفْهَام لَهُ صدر الْكَلَام وَالثَّالِث أَن م تدخل لَام الِابْتِدَاء على الْمَفْعُول الأوَّل كَقَوْلِه علمت لزيد منطلق وَلَا يجوز هُنَا غير الرّفْع لِأَن الْفِعْل وَإِن كَانَ مقدَّما عَاملا وَلكنه ضَعِيف إِذْ كَانَ من أَفعَال الْقلب وَالْغَرَض مِنْهُ ثُبُوت الشَّك أَو الْعلم فِي الْخَبَر وَمن هَهُنَا أشبهت هَذِه الْأَفْعَال الْحُرُوف لأنَّها أفادت معنى فِي غَيرهَا واللامُ وإنْ لم تكن عاملة وَلكنهَا قويت بشيئين أَحدهمَا لُزُوم تصدرها كَمَا لزم تصدُّر الِاسْتِفْهَام وَالنَّفْي وَالثَّانِي أنَّها مختصّة بالمبتدأ ومحقِّقة لَهُ وَإِذا كَانَت اللَّام أقوى من هَذَا الْفِعْل فِي بَاب الِابْتِدَاء وَكَانَت الْجُمْلَة الَّتِي دخلت عَلَيْهَا هَذِه الْأَفْعَال مُبْتَدأ وخبرا فِي الأَصْل لزم أَن يمْنَع من عمل مَا قبلهَا فِيمَا بعْدهَا لفظا وَلِهَذَا كسرت (إنّ) لوُقُوع اللَّام فِي الْخَبَر وَهَذَا مَعَ أنَّها لم تتصدَّر فصل وَإِذا توَّسطت بَين المفعولين جَازَ الإعمال والإلغاء وإنّما كَانَ كَذَلِك لأنَّها ضعيفه لما ذكرنَا من قبل وَقد ازدادت ضعفا بالتأخيرألاَّ ترى أنَّ الْفِعْل الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 لَا يلغى إِذا تَأَخّر حسن دُخُول اللَّام على مَفْعُوله كَقَوْلِك (لَزٌيد ضربتُ) وَلَا يحسن (ضربت لَزيدٌ) فقد ازراد ضعفها بالتاخير وبدئ باسم يصلح أَن يكون مُبْتَدأ إِذْ لَا عَامل لفظيٌّ قبله وَبعده وَمَا يصلح أَن يكون خَبرا عَنهُ غير (ظَنَنْت) وَالْغَرَض حَاصِل من الرّفْع كَمَا يحصل من النصب فَجَاز إِلْغَاء الظنّ كَمَا انَّ الْقسم يُلْغَى إِذا توسَّط أَو تَأَخّر وَهَذِه الْأَفْعَال تشبه الْقسم فِي جَوَاز تلقِّيها بِالْجُمْلَةِ وَذَلِكَ مَعَ (اللَّام) و (مَا) نَحْو علمت لزيدٌ منطلق وَكَقَوْلِه تَعَالَى {وظنوا مَا لَهُم مِن محيصٍ} وأمَّأ إعمالها فلأنَّها فعل متصرّف فَعمِلت مؤخرة كَمَا تعْمل مُقَدّمَة فصل وَاخْتلفُوا فِي الإعمال والإلغاء هُنَا هَل هما سَوَاء أم لَا قفال قوم هما سَوَاء لتعارض الدَّلِيلَيْنِ اللَّذين ذكرناهما وَقَالَ آخَرُونَ الإعمال أرجحُ لأنَّ الْفِعْل أقوى من الِابْتِدَاء وأمَّا إِذا تأخرَّت عَن المفعولين فالإلغاءُ أقوى عِنْد الْجَمِيع لأنَّ الْمُبْتَدَأ قد وليه الْخَبَر وازداد الْفِعْل ضعفا بالتاخير بِخِلَاف مَا إِذا توسَّط لأنَّ نسبته إِلَى الرُّتْبَة الأولى كنسبة إِلَى الرُّتْبَة الثَّالِثَة وأذا تأخَّر صَار بَينه وَبَين الرُّتْبَة اللرتبة الأولى مرتبَة وسطى فصل وتنفرد هَذِه الْأَفْعَال عَن بَقِيَّة الْأَفْعَال بِخَمْسَة أَشْيَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 أحدُها إِضْمَار الشِأن فِيهَا كَمَا أضمر فِي (كَانَ) وَالثَّانِي تعليقُها عَن الْعَمَل فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرت وَالثَّالِث جَوَاز إلغائها إِذا توسطت أَو تَأَخَّرت وَلَيْسَ كَذَلِك (أَعْطَيْت) وبابه فإنّك لَو قلت زيدٌ أَعْطَيْت دِرْهَم لم يجز وَالرَّابِع أنَّه لَا يجوز الِاقْتِصَار على أحد مفعوليها وَقد ذكرت علَّته وَالْخَامِس جَوَاز أتِّصال ضمير الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بهَا وهما لشيءٍ وَاحِد كَقَوْلِك ظننتني قَائِما وَيذكر فِي مَوْضِعه فصل وَقد تكون (ظَنَنْت) بِمَعْنى الْيَقِين كَقَوْلِه تَعَالَى {الَّذينَ يظنُّونَ أنَّهم مُلاقُو رَبّهم} وَقد تكون بِمَعْنى (اتَّهمت) فتتعدَّى إِلَى وَاحِد لأنَّ التُّهْمَة لنَفس زيد لَا لصفته وَقد تكون علمت بِمَعْنى (عرفت) فتتعدّى إِلَى وَاحِد كَقَوْلِه تَعَالَى {وآخَرِينَ من دُونِهِم لَا تَعلمونَهُم} لأنَّ الْمعرفَة والجهالة تتعلَّق بِعَين زيد لَا بِصفتِهِ وَتَكون (رَأَيْت) من رُؤْيَة الْبَصَر فتتعدى إِلَى وَاحِد فإنْ جَاءَ منصوبٌ مَعهَا فَهُوَ حَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وأمّا (حسبت) (خِلْتُ) فبمعنى التوهُّم لَا غير وأمَّا (زعمت) فَهُوَ عبارَة عَن القَوْل المقرون بالاعتقاد وَقد تكون حقّاً وَقد تكون بَاطِلا وأمَّا (وجدت) فَتكون بِمَعْنى (علمت) كَقَوْلِك وجدت الله عَالما وَتَكون بِمَعْنى (صادفت) فتتعدّى إِلَى وَاحِد وَتَكون لَازِمَة كَقَوْلِك وَجَدْتُ عَلَيْهِ أَي غضِبت وحزنت فصل وَقد شبّه ب (ظَنَنْت) (قلتُ) وللعرب فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب أحدُها أنْ يعْمل القَوْل عمل الظنّ مَعَ الِاسْتِفْهَام وَالْخطاب والاستقبال كَقَوْلِك أَتَقول زيدا قَائِما لانَّ الْغَالِب أنَّ المستفهم شاكٌّ وأنَّه يستفهم من بِحَضْرَتِهِ ليخبره وَمِنْهُم من يعملها فِي الْخطاب خَبرا كَانَ الْكَلَام أَو أستفهاماً وَمِنْهُم من يعملها عمل الظنّ بكلِّ حَال وَإِذا اتّصل ب (ظَنَنْت) ضميرٌ منصوبٌ فإنْ كَانَت مُقَدّمَة جَازَ أَن تكون الْهَاء ضمير الشَّأْن وَيكون مَا بعْدهَا جملَة وَأَن يكون ضمير الْمصدر أَو ضمير زمَان أَو مَكَان مَفْعُولا بِهِ على السعَة فينتصب المفعولان بعْدهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وَإِن كَانَت متوسِّطة جَازَ ذَلِك أَيْضا إلاَّ ضمير الشَّأْن لأنَّه لَا يفسّر إلاَّ بجملة بعده فإنْ قلت زيد ظننته قَائِما فَإِن رفعت الاسمين على أَن الْهَاء ضمير زيد لم يجز لأنَّك قد أعملت الْفِعْل فِي مفعول فَلَا بدَّ من آخر وَإِن جَعلتهَا ضمير الْمصدر كَانَ الْوَجْه نصبهما لأنَّك قد أكَّدت الظنّ فإنْ أتيت بِلَفْظ الْمصدر كَانَ التَّأْكِيد أشدّ والإلغائها بعيد مَعَ التوكيد فَإِن قلت ظَنَنْت ذَلِك جَازَ أَن يكون كِنَايَة عَن الْمصدر وَأَن يكون كِنَايَة عَن الْجُمْلَة فصل وَلَا يجوز الِاقْتِصَار على أحد المفعولين هُنَا لما تقدَّم وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا إِذا وَقعت (أنَّ) وَمَا عملت فِيهِ بعد هَذِه الْأَفْعَال فَعِنْدَ سِيبَوَيْهٍ قد سدّت الْجُمْلَة مسدَّ المفعولين وَلَيْسَ فِي الْكَلَام حذف لأنَّ الْجُمْلَة مُشْتَمِلَة على الجزاين لفظا وَمعنى وَقَالَ الاخفش الْمَفْعُول الثَّانِي مَحْذُوف لأنَّ (أنَّ) مصدَرَّية فَتكون هِيَ وَمَا عملت فِيهِ فِي تَقْدِير الْمصدر الْمُفْرد كَقَوْلِك علمت أنَّ زيدا قَائِم أَي علمت قيام زيد كَائِنا وَهَذَا مُسْتَغْنى عَن تَقْدِيره لثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 أحدُها أنَّه لَا فَائِدَة فِيهِ وَالثَّانِي أنَّ مَا تعلَّق بِهِ الْعلم والظنّ مصّرح بِهِ وَهُوَ الْقيام وَالثَّالِث أنَّ (أنَّ) للتوكيد مَعَ بَقَاء الْجُمْلَة على رمّتها فَهِيَ ك (لَام الِابْتِدَاء) وكما لَا يحُتاج هُنَاكَ إِلَى تَقْدِير مفعول كَذَلِك هَهُنَا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قَوْلك ظنّ زيدٌ قَائِما أَبوهُ ف (زيدٌ) فَاعل و (قَائِما) مفعول و (أَبوهُ) فَاعل الْقيام وَهَذَا لَا يجوز عندنَا إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَام سوى مفعول وَاحِد وَأَجَازَهُ الكوفيُّون واحتجُّوا بقول الشَّاعِر [// الطَّوِيل //] (أظنَّ ابنُ طرثوث عتيبةُ ذَاهِبًا ... بعاديّتي تكذابُه وجعائلُهْ) وَهَذَا شاذٌّ لَا يعرّج عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 بَاب مَا يتعدَّى إِلَى ثَلَاثَة مفعولين أقْصَى مَا يتعدَّى إِلَيْهِ الْفِعْل من الْفَاعِل ثَلَاثَة وَذَلِكَ أنَّ الأَصْل نِسْبَة الْفِعْل إِلَى المفاعيل ثّم إنَّ فعل الْفَاعِل قد يفْتَقر إِلَى محلٍّ مَخْصُوص يباشره مَقْصُورا عَلَيْهِ مثل ضرب زيدٌ عمرا وَقد يحدث الْفَاعِل الْفِعْل لغيره بِحَيْثُ يصير الْمُحدث لَهُ الْفِعْل فَاعِلا بِهِ كَقَوْلِك أضربت زيدا عمرا أَي مكَّنته من إِيقَاع الضَّرْب بِهِ فَأَنت فَاعل التَّمْكِين من الضَّرْب و (زيد) مفعول هَذَا التَّمْكِين و (الضَّرْب) الممكّن مِنْهُ حَاصِل من زيد فِي عَمْرو ف (زيد) فَاعله و (عَمْرو) مَفْعُوله وَقد يكون فعل الْفَاعِل متعلِّقاً بشيئين لَا يتَحَقَّق بدونهما كَقَوْلِك أَعْطَيْت زيدا درهما فالأعطاء من الْفَاعِل لَا يتمُّ إلاَّ بالآخذ والمأخوذ إلاَّ أنَّ أحد الشَّيْئَيْنِ مفعول الْإِعْطَاء وفاعل الْأَخْذ وَالْآخر مفعول لَا غير وَقد يكون الْفِعْل متعلَّقا بمفعول وَاحِد وَلَكِن يذكر مَعَه غَيره لتوقُّف فهمه عَلَيْهِ كَقَوْلِك ظَنَنْت زيدا قَائِما فالمفعول على التَّحْقِيق هُوَ المطنون وَهُوَ الْقيام وَلَكِن لَا يُفِيد ذكره مَا لم يذكر من نسب إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَقد توجب هَذَا الْفِعْل لغيرك فَتَصِير فَاعِلا فِي الْمَعْنى لما تحدثه لَهُ والمستعمل من ذَلِك بِلَا خلاف فعلان (أعلمت) و (أريت) المتعدِّيان إِلَى مفعولين بِغَيْر همزَة التعدِّي كَقَوْلِك أعلمت زيدا عمرا عَاقِلا وَهُوَ قبل النَّقْل علمت زيدا عَاقِلا ثمَّ عدَّيته بِالْهَمْزَةِ فأوجبت لزيد الْعلم بعقل عَمْرو وَلَيْسَ بعد هَذِه العدَّة غَايَة يقْصد بهَا التعدِّي إِلَيْهَا إِذا لَا يتصوَّر أنْ يُوجد الْإِسْنَاد لأكْثر من وَاحِد حتَّى يصير بذلك فَاعِلا فصل فأمَّا (نبّأت) و (أنبأت) ففعلان متعدّيان إِلَى شَيْء وَاحِد وَإِلَى ثانٍ بِحرف الجرِّ كَقَوْلِك نبَّأت زيدا عَن حَال عَمْرو أَو بِحَال عَمْرو وَقد يحذف حرف الجرّ كَقَوْلِه تَعَالَى {مَن أَنْبَأَك هَذَا} أَي عَن هَذَا وَقد ذهب قومٌ إِلَى أنَّه يتعدَّى بِنَفسِهِ واستدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل لأنَّه قد اسْتعْمل فِي مَوَاضِع أُخَرَ بِحرف الجرِّ أَكثر من اسْتِعْمَاله بِغَيْر حرف الجرَّ فَالْحكم بِزِيَادَة الْحُرُوف فِي تِلْكَ الْمَوَاضِع لَا يجوز فأمَّا حرف الجرّ فأسوغ من الحكم بِزِيَادَتِهِ وَلِهَذَا كَانَ أَكثر كَقَوْلِك 47 - (أَمرتك الْخَيْر ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 فَأَما قَوْله تَعَالَى {قَد نبَّأنا اللهُ مِنْ أخْباركَمْ} ف (من) عِنْد سِيبَوَيْهٍ غير زَائِدَة على مَا أصلَّنا وَقَالَ الاخفش هِيَ زَائِدَة وَالْمَفْعُول الثَّالِث مَحْذُوف تَقْدِيره قد نبّأنا الله أخباركم مشروحة وَهَذَا ضَعِيف لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الحكم بِزِيَادَة الْحَرْف من غير ضَرُورَة إِلَى ذَلِك وَالثَّانِي زِيَادَة (من) فِي الْوَاجِب وَهُوَ بعيد وَالثَّالِث حذف الْمَفْعُول الثَّالِث وَهُوَ كحذف الْمَفْعُول الثَّانِي فِي بَاب (ظَنَنْت) وَهُوَ غير جَائِز فصل وَالْفرق بَين (نبَّات وأنبأت) وَبَين (أعلمت) أنَّ (أعلمت) اسْتعْملت بِغَيْر همزَة التعدِّي ثَّم عُدِّيت و (نَّبأت وأنبأتُ) وضعتا على التعدِّي وَلم يسْتَعْمل مِنْهُمَا (نبأ الرجل) و (خبرت وأخبرت وحدَّثت) مثل (نبَّأت) وإنَّما سَاغَ التعدِّي إِلَى ثَلَاثَة لشبهها ب (أعلمت) لأنَّك إِذا أخْبرت إنْسَانا بِأَمْر فقد أعلمته بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 فصل وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز تَعديَة (ظَنَنْت) وَأَخَوَاتهَا غير (علمت وَرَأَيْت) فمذهب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور أنَّه لَا يجوز إلاَّ فِي (علمت وَرَأَيْت) لأنَّ تعدِّي الْفِعْل بِالْهَمْزَةِ من بَاب وضع اللُّغَة أَلا ترى أنَّ قَوْلك كَّلمت زيدا لَا تجوز تعديته بِالْهَمْزَةِ فَلَا تَقول أكلمت زيدا عمرا بِمَعْنى مكَّنته من تكليمه وَلم يرد السماع إلاَّ ب (أعلمت وأريت) وَأَجَازَ الْأَخْفَش ذَلِك فِي جَمِيع بَاب (ظَنَنْت) قِيَاسا على (أعلمت وَرَأَيْت) وَهُوَ بعيد لم قدَّمنا فصل لَا خلاف فِي جَوَاز الِاقْتِصَار على فَاعل هَذِه الْأَفْعَال وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز الِاقْتِصَار على الْمَفْعُول الأول فَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازه كَقَوْلِك أعلمت زيدا وَمنع مِنْهُ قوم وَالدَّلِيل على جَوَازه أَمْرَانِ أَحدهمَا أنَّه فَاعل فِي الْمَعْنى وَالْفَاعِل يجوز الِاقْتِصَار عَلَيْهِ فِي بَاب (ظَنَنْت) فَكَذَلِك هَهُنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَالثَّانِي أنَّ (زيدا) هُنَا مفعول الْإِعْلَام وَلَيْسَ بمبتدأ فِي الأَصْل بِخِلَاف الْمَفْعُول الأوَّل فِي (ظَنَنْت) فإنَّه مُبْتَدأ فِي الأَصْل غير مفعول بِهِ فصل وَالْمَفْعُول الثَّالِث فِي هَذَا الْبَاب هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي فِي بَاب (ظَنَنْت) فَلَا يجوز على هَذَا أَن تَقول أعلمت زيدا عمرا بِشْراً فكَلُّ مِنْهُم غير الآخر إلاَّ على تَأْوِيل وَهُوَ أَن يكون الْمَعْنى أعلمتُ زيدا عمرا مثل بشر أَو خيّلت لَهُ أنَّ أَحدهمَا هُوَ الآخر أَو يكون عمروٌ وبشرٌ اسْمَيْنِ لرجل وَاحِد فصل وَلَا يجوز إلفاء هَذِه الْأَفْعَال بتعليقها عَن الْعَمَل ولابتوسُّطها وتأخُّرها لأنَّ الْمَفْعُول الأوَّل فِيهَا فَاعل فِي الْمَعْنى وَلَيْسَ بمبتدأ فِي الأَصْل فعلى هَذَا لَا تَقول أعملت لزيدٌ عمروٌ ذَاهِب لأنَّك إِن جعلت (ذَاهِبًا) ل (عَمْرو) لم يعد على زيد ضمير وَكَذَلِكَ إِن جعلته لزيد ثَّم إنَّ المفعولين الآخرين غير الْمَفْعُول الأول فَلَا يصحُّ أنَّ يَجْعَل كباب (ظَنَنْت) لأنَّ الثَّانِي هُوَ الأوَّل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 بَاب الْمصدر الْمصدر مشتقٌّ مِنْ صَدَرت الْإِبِل عَن المَاء إِذا انصرفت ووَّلته صدروها وسمِّي بذلك لأنَّ الْفِعْل صدر عَنهُ هَذَا مَذْهَب البصرييّن وَقَالَ الكوفيُّون الْمصدر مُشْتَقّ من الْفِعْل وَالدَّلِيل على الأول أَمْرَانِ أَحدهمَا أنَّ الْمصدر يدلّ على الْحَدث فَقَط وَالْفِعْل يدلُ على الْحَدث وَالزَّمَان وَمَا يدلُّ على معنى وَاحِد كالمفرد وَمَا يدلُّ على معنيِيْن كالمركَّب والمفرد قبل المركَّب وَالثَّانِي أنَّ الْمصدر جنس يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير والماضي والمستقبل فَهُوَ كالعموم وَالْفِعْل يختصُّ بِزَمَان معيَّن وَالْعَام قبل الخاصّ وَقد شُبَّه الْمصدر بالنقرة من الفّضَّة فِي أنَّها فضَّة فَقَط وَمَا يتَّخذ مِنْهَا من مرْآة أَو قاروة وَنَحْو ذَلِك بِمَنْزِلَة الْفِعْل من حَيْثُ أنَّ فِيهِ مَا فِي الْمصدر وَزِيَادَة كَمَا أنَّ الْمرْآة فِيهَا الفضَّة وَالصُّورَة الْمَخْصُوصَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 واحتجّ الكوفيُّون بأنَّ الْفِعْل يعْمل فِي الْمصدر وَالْعَامِل قبل الْمَعْمُول وَهَذَا لَا يصلح دَلِيلا على مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَِّ الِاشْتِقَاق يُوجد من جِهَة الْمعَانِي والتصريف لَا من بَاب الْعَامِل والمعمول وَالثَّانِي أنَّ الْحَرْف يعْمل فِي الِاسْم وَلَيْسَ الْحَرْف مشتّقاً من الِاسْم وَكَذَلِكَ الْفِعْل يعْمل فِي الْأَعْلَام والأجناس الَّتِي لَيست مصَادر وَلَا يقالُ هِيَ مشتقِّة مِنْهُ فصل وإنَّما سمّي الْمصدر مَفْعُولا مُطلقًا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه الْمَفْعُول على التَّحْقِيق أَلا ترى أنَّ قَوْلك (ضربت) أَي أوجدت الضَّرْب بِخِلَاف قَوْلك ضربت زيدا فَإنَّك لم تُوجد زيدا وإنَّما أوجدت بِهِ فعلا وَالثَّانِي أنَّ لفظ الْمصدر مجرَّد عَن حرف جرّ فَلَا يُقَال (بِهِ) وَلَا (فِيهِ) وَلَا (لَهُ) وَلَا (مَعَه) وإنَّما كَانَ كَذَلِك لأنَّه لَو قيل لَك - وَقد ضربت مثلا - مَا فعلت قلت الضَّرْب وَإِذا قيل لَك بِمن أوقعت الضَّرْب قلت بزيد فقيَّدته بِالْبَاء وَلَو قيل فِي أَي زمَان أَو فِي أَي مَكَان لَقلت فِي يَوْم كَذَا وَفِي مَكَان كَذَا وَلَو قيل لأيِّ غَرَض لقيل لكذا وَكَذَا فقد رَأَيْت كَيفَ تقيدت هَذِه المفاعيل بالحروف مَا عدا الْمصدر فصل والمصدر يذكر لأحد أَرْبَعَة اشياء أَحدهَا توكيد الْفِعْل كَقَوْلِك ضربت ضربا ف (ضربا) نَائِب عَن قَوْلك (ضربت) مَّرةً أُخْرَى لأنَّ التوكيد يكون بتكرير اللَّفْظ وإنَّما عدلوا إِلَى الْمصدر كَرَاهِيَة إِعَادَة اللَّفْظ بِعَيْنِه ولأنَّ الْفِعْل الثَّانِي جملَة والمصدر لَيْسَ بجملة فَكَانَ أخصر وَأبْعد من التكرير وَالثَّانِي أَن يذكر لبَيَان النَّوْع كَقَوْلِك ضربت ضربا شَدِيدا ذكرت (ضربا) لتصفه بالشدَّة الَّتِي يدلُّ عَلَيْهَا الْفِعْل وَالثَّالِث أَن يذكر لتبيين الْعدَد وَيحْتَاج فقي ذَلِك إِلَى زِيَادَة على الْمصدر وَتلك الزِّيَادَة (تَاء) التَّأْنِيث) نَحْو قَوْلك ضربت ضَرْبَة فإنَّ التَّاء تدلُّ على الْمرة وَهنا يثنَّى وَيجمع نَحْو ضربتين وضربات لأنَّ لفظ الْفِعْل لَا يدل على الْعدَد فَذكر الْمصدر لتحيل هَذِه الزِّيَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 فقيدته بِالْبَاء لَو قيل فِي أيَّ زمَان أَو فِي أَي مَكَان لَقلت فِي يَوْم كَذَا وَفِي مَكَان طذا لَو قيل لأيَّ غَرَض لقيل لكذا وَكَذَا فقد رَأَيْت كَيفَ تقيدت هَذِه المفاعيل بالحروف مَا عدا الْمصدر فصل والمصدر يذكر لأحد أَرْبَعَة اشياء أَحدهَا توكيد الْفِعْل كَقَوْلِك ضربت ف (ضربا) نَائِب عَن قَوْلك (ضربت) مَّرةً أُخْرَى لأنَّ التوكيد يكون بتنكير اللَّفْظ وإنَّما عدلوا إِلَى الْمصدر كَرَاهِيَة إِعَادَة اللَّفْظ بِعَيْنِه لأنَّ الْفِعْل الثَّانِي جملَة والمصدر لَيْسَ بجملة فَكَانَ أَخْضَر وَأبْعد من التكير وَالثَّانِي أَن يذكر لبَيَان النَّوْع كَقَوْلِك ضربت ضربا شَدِيدا ذكرت (ضربا) لتصفه بالشدَّة الَّتِي يدلُّ عَلَيْهَا الْفِعْل وَالثَّالِث أَن يذكر لتبيين الْعدَد وَيحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى زِيَادَة على الْمصدر وَتلك الزِّيَادَة (تَاء التَّأْنِيث) نَحْو قَوْلك ضربت ضَرْبَة فإنَّ التَّاء تدلُّ على الْمرة وَهنا يثنَّى وَيجمع نَحْو ضربتين وضربات لِأَن لفظ الْفِعْل لَا يدل على الْعدَد فَذكر الْمصدر لتَحْصِيل هَذِه الزِّيَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 وَالرَّابِع أنْ يذكر الْمصدر لينوب عَن الْحَال كَقَوْلِك قتلته صبرا أَي مصبوراً أَو مَحْبُوسًا وَيذكر فِي بَاب الْحَال فصل وَتقوم الْآلَة مقَام الْمصدر كَقَوْلِك ضَربته سَوْطاً ف (سَوط) هُنَا اسْم للضربة بِالسَّوْطِ وإنَّما جَازَ ذَلِك لم بَين الْفِعْل والآلة من الملابسة وَحصل من هَذَا شَيْئَانِ الِاخْتِصَار والتنيبه على أنَّ الْفِعْل كَانَ بالآلة الْمَخْصُوصَة وَلَوْلَا ذَلِك لَقلت ضَربته ضَرْبَة بِسَوْط وَلَيْسَ السَّوْط هَهُنَا مَنْصُوبًا على تَقْدِير حذف حرف الجرّ لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ حذف الْحَرْف لَيْسَ بِقِيَاس وَالثَّانِي أَن فِي قَوْلك (سَوْطًا) دلَالَة على المرّة الْوَاحِدَة أَلا ترى أنَّك تَقول ضَربته أسواطاً وَلَو كَانَت الْبَاء مُرَادة لم تدلّ على ذَلِك وَالثَّالِث أنَّك تَقول ضَربته مائَة سَوط وَلَا تُرِيدُ مائَة ضَرْبَة بِسَوْط إِذْ لَو أردْت ذَلِك لَكَانَ الْمَعْنى أنَّ جَمِيع الضربات بِآلَة وَاحِدَة وَلَيْسَ الْمَعْنى عَلَيْهِ بل يَقُول ضَربته مائَة سَوط وَإِن كَانَت كلُّ ضَرْبَة بِآلَة غير الْآلَة الْأُخْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 فصل والعددُ الْمُضَاف إِلَى الْمصدر ينْتَصب نصب الْمصدر كَقَوْلِك ضَربته ثَلَاث ضَرَبات لما بَين الْعدَد والمعدود من الملابسه والاتِّصال وَكَذَلِكَ صفة الْمصدر إِذا أضيفت إِلَيْهِ كَقَوْلِك سرت أشدّ السّير لأْنَّ الصفه هِيَ الْمَوْصُوف فِي الْمَعْنى وأنما قدّمت لتدلَّ على المبالغه فصل وَلَا يثنَّى الْمصدر وَلَا يجمع مَا دَامَ جِنْسا لدلالته على جَمِيع أَنْوَاع الْحَدث وإنَّما يثنَّى ويُجمع مَا لَا يدُلَّ واحدُهُ إلاَّ على مِقْدَار وَاحِد فإنْ اخْتلفت أنواعُه ثُني وَجمع لأنَّ كلّ نوع مِنْهَا متّميِّز عَن الآخربصفه تخصُّه فَيصير بِمَنْزِلَة أَسمَاء الْأَعْلَام وَكَذَلِكَ إِن زيد فِيهِ (تَاء التَّأْنِيث) كالضربة فَإِنَّهُ يدلُّ على الْوَاحِد لَا غير فَإِذا وجدت فِيهِ أعداد احْتِيجَ إِلَى مَا يدلُّ عَلَيْهَا فصل وأمَّا قَوْلهم (قعد القرفصاء) و (اشْتَمَل الصماء) فَاخْتَلَفُوا فِي الِاسْم الْمَنْصُوب هُنَا على ثَلَاثَة أَقْوَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 أحدهُا أنَّه مَنْصُوب بِالْفِعْلِ الَّذِي قبله لأنَّ (القرفصاء) نوع من الْقعُود و (الصمَّاء) نوع من الاشتمال فَإِذا عمل (قعد) فِي الْقعُود الْجَامِع لأنواعه كَانَ عَاملا فِي نوع مِنْهُ لدُخُوله تَحت الْجِنْس هَذَا قَول سبيويه وَمن البصرييَّن من قَالَ هُوَ صفة لمصدر مَحْذُوف تَقْدِيره (الْقعدَة القرفصاء) فعلى هَذَا فِي الْكَلَام حذفٌ ولكنَّ العاملَ فِي الصّفة الْعَامِل فِي الْمَوْصُوف غير أنَّه بِوَاسِطَة وَمن النحويَّين من قَالَ ينْتَصب بِفعل مَحْذُوف دلَّ عَلَيْهِ (قعد) تَقْدِيره تقرفص القرفصاء وَفِي ذَلِك تعسُّف مُسْتَغْنى عَنهُ لأنَّ (تقرفص) لَو اسْتعْمل لَكَانَ بِمَعْنى (قعد) فَإِذا وجدت لَفْظَة (قعد) كَانَت أولى بِالْعَمَلِ إِذْ هِيَ أصل (تقرفص) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 فصل وَمن ذَلِك (أبغضه كَرَاهِيَة) و (أعجبني حبّاً شَدِيدا) فالاسم هُنَا يتنصب بِالْفِعْلِ الَّذِي قبله لأنَّه يقرب من مَعْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 بَاب الْمَفْعُول بِهِ قد ذكرنَا فِي بَاب الْفَاعِل علَّة انتصاب الْمَفْعُول وَالْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي أَقسَام الْفِعْل فِي اللُّزُوم والتعدِّي وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ لَازم ومتعدّ فاللازم مَالا يفْتَقر بعد فَاعله إِلَى محلٍّ مَخْصُوص يحفظه كَقَوْلِك قَامَ وَجلسَ وأحمرَّ وتدحرج فَإِن اتَّصل بِهِ جارّ ومجرور كَقَوْلِك (جَلَست إِلَيْهِ) كَانَ الجارّ وَالْمَجْرُور فِي مَوضِع نصب كأنَّك قلت أَتَيْته وعاشرته وَنَحْو ذَلِك وأمَّا المتعَّدي فَمَا افْتقر بعد فَاعله إِلَى محلٍّ مَخْصُوص يحفظه وَذَلِكَ على ثَلَاثَة أضْرب أَحدهَا لم تستعمله الْعَرَب إلاَّ بِحرف جرّ كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد ف (مَرَرْت) يفْتَقر إِلَى مَمْرورٍ بِهِ ولكنْ لم يسْتَعْمل إلاَّ بِالْبَاء وَكَذَلِكَ عجبت من زيد فإنْ جَاءَ فِي الشّعْر شَيْء بِغَيْر حرف فضرورة وَالضَّرْب الثَّانِي يسْتَعْمل بِحرف جرٍّ تَارَة وَبِغير حرف جرٍّ أُخْرَى وكلّ ذَلِك اخْتِيَار كَقَوْلِك نصحت لَك ونصحتك فَفِي الْموضع الَّذِي اسْتعْمل بِغَيْر حرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 لَا يُقَال حذف الْحَرْف مِنْهُ لأنَّ حذف حرف الجرّ لَيْسَ بِقِيَاس وَفِي الْموضع الَّذِي ذكر لَا يُقَال هُوَ زايد لأنَّ زِيَادَة الجارّ لَيست بِقِيَاس أَيْضا وَإِذا جَاءَ الْأَمْرَانِ فِي الِاخْتِيَار دلّ على أنَّهما لُغَتَانِ وَالضَّرْب الثَّالِث مَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وَهُوَ على ثَلَاثَة أضْرب أحدُها يتَعَدَّى إِلَى وَاحِد ك (ضربت زيدا) وَنَحْوه من أَفعَال العلاج وك (أَبْصرت زيدا) وَغَيره من أَفعَال الْحَواس فأمّا (سَمِعت) فَالْقِيَاس أَن يتعدّى إِلَى وَاحِد ممَّا يسمع كَقَوْلِك سَمِعت قَوْلك وصوتك فأمَّا قولُهم سمعنَا زيدا يَقُول ذَلِك ف (زيد) هُنَا لّما كَانَ هُوَ الْقَائِل واتَّصل بِهِ مَا يدلُ على المسموع جُعل مَفْعُولا أوَّل و (يَقُول) فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي لأنَّ القَوْل وَالْقَائِل متلازمان فأمَّا قَوْله تَعَالَى {هَل يَسمعونَكُم إذْ تَدعُونَ} فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أنَّ التَّقْدِير هَل يسمعُونَ دعاءكم كَمَا قَالَ فِي الْأُخْرَى {لَا يسمعوا دعاءكم} وَالْآخر أنَّ الْمَفْعُول الثَّانِي مَحْذُوف أَي يسمعونكم إِذْ تدعون وَالضَّرْب الثَّانِي متعدًّ إِلَى مفعولين فَمِنْهُ (ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا) وَقد ذُكرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وَمِنْه متعدٍّ إِلَى مفعولَيْن ثَانِيهمَا غير الأوَّل نَحْو أَعْطَيْت زيدا درهما لأنَّ الْإِعْطَاء يَقْتَضِي آخِذا ومأخوذاً وَيجوز تَقْدِيم أحدهماعلى الآخر إِلَّا أَن يؤدِّي إِلَى اللّبْس كَقَوْلِك أَعْطَيْت زيدا عمرا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا يصلح أَن يكون آخِذا وَأَن يكون مأخوذا فَإِذا لم يبن أَحدهمَا من الآخر إِلَّا بِتَقْدِيم الْآخِذ لزم تَقْدِيمه كَمَا يلْزم فِي الاسمين المقصورين أَن يتقدّم الْفَاعِل فصل وَقد يكون الْفِعْل متعدياِّ إِلَى مفعول وَاحِد بِنَفسِهِ وَإِلَى آخر بِحرف الجرِّ ثمَّ يحذف الْحَرْف فيتعدى إِلَيْهِ الْفِعْل بِنَفسِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى {واختارَ مُوسَى قومَه سبعينَ رجلا} وَالتَّقْدِير من قومه فَأن قيل لم لَا يكون الثَّانِي بَدَلا من الأوَّل قيل لأنَّ الِاخْتِيَار يَقْتَضِي أَن يكون الْمُخْتَار بَعْضًا من كلٍّ لأنَّ مَا هُوَ وَاحِد فِي نَفسه لَا يصحُّ اخْتِيَاره وَإِذا لم يكن بدٌّ من مُخْتَار مِنْهُ لم يصحّ الْبَدَل وَمن ذَلِك قَوْلهم 48 - (أَمرتك الْخَيْر ... ) // الْبَسِيط // أَي بِالْخَيرِ وأمَّا قَوْله تَعَالَى {فاصدَعْ بِما تُؤمَر} فَفِيهِ وَجْهَان أحدُهما أنَّ (مَا) مصدريَّة أَي بِالْأَمر وَهُوَ الْمَأْمُور بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَالثَّانِي هِيَ بِمَعْنى (الَّذِي) فتقديره بِالَّذِي تُؤمر بالصدع بِهِ (ثمَّ) حذفت (الْبَاء) وَوصل الضَّمِير فَصَارَ (بصدعه) ثَّم حذف (الصدع) فَصَارَ (تُؤمر بِهِ) ثمَّ حذفت الْبَاء وَالْهَاء دفْعَة وَاحِدَة فِي قَول سِيبَوَيْهٍ وعَلى قَول الْأَخْفَش حذف (الْبَاء) فَصَارَ (تؤمره) ثمَّ حذفت الْهَاء فصل فِيمَا يعدّي الْفِعْل وَهِي خَمْسَة الْهمزَة كَقَوْلِك فَرح زيد وأفرخته وَتَشْديد الْعين كَقَوْلِك فرَّحته وَمَعْنَاهَا وَاحِد وَالْبَاء كَقَوْلِك فرحت بِهِ وَمَعْنَاهُ غير معنى الأوليَّن والتمثيل المطابق للأوَّلين ذهبت بزيد أَي أذهبته كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَو شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} وسين استفعل وزائدها وهما الْهمزَة وَالتَّاء كَقَوْلِه خرج الشَّيْء واستخرجته وَألف المفاعلة نَحْو جلس زيدٌ وجالسته وَقربت من الْبَلَد وقاربته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 بَاب الْمَفْعُول فِيهِ وَهُوَ الظّرْف وَهُوَ أَسمَاء الزَّمَان وَالْمَكَان وسَّميت بذلك لأنَّ الْأَفْعَال تقع فِيهَا وتحلُّها ولاتؤثرّ فِيهَا فَهِيَ كالإناء والحالُّ فِيهِ غيرُه وَلذَلِك سمَّاها بَعضهم (أوعيهً) وَبَعْضهمْ (محالَّ) فصل وَالَّذِي يُطلق عَلَيْهِ (الظّرْف) عِنْد النحويِّيِن مَا حَسُنَ فِيهِ إظهارُ (فِي) وَلَيْسَت فِي لَفظه لأنَّ الْحَرْف الْمَوْضُوع لِمَعْنى الظرفيه (فِي) فَإِذا لم تكن ودلَّ الِاسْم عَلَيْهَا صَار مسمَّى بهَا فصل وَلم يبن الظّرْف لأنَّه لم يتضمَّن معنى (فِي) بِدَلِيل صحَّة ظُهُورهَا مَعَه وَلَو كَانَ متضمِّناً مَعْنَاهَا لم يصحّ إظهارها مَعَه كَمَا لَا يصحُّ ظُهُور الْهمزَة مَعَ (أَيْن) و (كَيفَ) وإنَّما حذفت (فِي) للْعلم بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 فصل وإنَّما عمل الْفِعْل فِي جمبع اسماء الزَّمَان لأنَّ صِيغَة الْفِعْل تدلُّ عَلَيْهِ كَمَا تدلُّ على الْمصدر إلاَّ أنَّ دلالتها على الزَّمَان من جِهَة حركاته وعَلى الْمصدر من جِهَة حُرُوفه وَكِلَاهُمَا لفظ أَحدهمَا أنَّها تخصُّ جُزْءا من الْجِهَة الَّتِي تدلُّ عَلَيْهَا ك (الْأَمَام) فإنَّه لَا يتَنَاوَل بعض مَا قابلك بل يَقع على تِلْكَ الْجِهَة إِلَى آخر الدُّنْيَا كَمَا أنَّ (قَامَ) يدلُّ على مَا مضى من الزَّمَان من أوَّله إِلَى وَقت إخبارك كَذَلِك (يقوم) يصلح للزمان الْمُسْتَقْبل من أوَّله إِلَى آخِره وَالثَّانِي أنَّ هَذِه الْجِهَات لَا لبث لَهَا إذْ هِيَ بِحَسب مَا تُضَاف إِلَيْهِ وتتبدل بِحَسب تنقُّل الْكَائِن فِيهَا فقولك (خلف زيد) يصير أماماً لَهُ عِنْد تحوّله أَو يَمِينا لَهُ أَو يساراً و (خلف زيد) هُوَ أمامٌ لعَمْرو ويمينٌ لخَالِد ويسارٌ لِبِشْرٍ كَمَا أنَّ الزَّمَان لَا لبث لَهُ بِخِلَاف الْمَكَان المختصّ فإنَّه بِمَنْزِلَة الْأَشْخَاص إِذْ كَانَ بجثّة محددة كَالدَّارِ وَالْبَصْرَة فَمن هُنَا لَا تَقول جَلَست الدَّار كَمَا تَقول جَلَست خَلفك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 فأمَّا قَوْلهم هُوَ منِّي مَنَاظَ الثريا ومزجر الْكَلْب إِذا أَرَادوا الْبعد ومقعد الْقَابِلَة ومقعد الْإِزَار فَفِيهِ وَجْهَان أحدُهما أنَّ الأَصْل فِيهَا تسْتَعْمل ب (فِي) لكنَّهم حذفوها تَخْفِيفًا كَمَا قَالُوا 49 - (أَمرتك الْخَيْر ... ) // الْبَسِيط // وَالثَّانِي أنَّ هَذِه الْأَمْكِنَة لّما أُريد بهَا الْمُبَالغَة وَلم يقْصد بهَا أمكنة معيَّنة محدودة صَارَت كالأمكنة الْمُبْهمة مَسْأَلَة تَقول دخلت الْبَيْت بِغَيْر فِي) وَاخْتلف النحويُّون فِيهِ فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ هُوَ لَازم وإنَّما حذفت (فِي) تَخْفِيفًا لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَقَالَ الجرميُّ هُوَ متعدٍّ مثل (بنيت) و (عمرت) وَنَحْو ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 أحدُها أنَّه لَو كَانَ متعدَّياً هُنَا لَكَانَ مُتَعَدِّيا فِي كلّ مَوضِع صحَّ مَعْنَاهُ فِيهِ وَلَيْسَ الْأَمر على ذَلِك أَلا ترى أنَّك تَقول دخلت فِي هَذَا الْأَمر وَلَو قلت دخلت الْأَمر لم يستقم مَعَ أنَّ مَعْنَاهُ لابستُ الْأَمر ووليته وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّك تَقول دَخَلنَا فِي شهر كَذَا و (فِي) هُنَا غير زَائِدَة لأنَّهم لم يستعملوه بِغَيْر (فِي) ولأنَّ الأَصْل ألاَّ يُزَاد حرف الجرّ وَالثَّالِث أنَّ مصدر دخلت (الدُّخُول) وكلّ مصدر كَانَ على (فعول) فَفعله لَازم كالجلوس وَالْقعُود وَالرَّابِع أنَّ نَظِيره (غُرْتُ وغُصْتُ وغِبْتُ) وكلّها لَازم ونقيضه (خرجت) وَهُوَ لَازم أَيْضا وَذَلِكَ يُؤنِسُ بِكَوْن (دخلت) لَازِما فصل يجوز أَن يَجْعَل ظرف الزَّمَان وَالْمَكَان مَفْعُولا بِهِ على السَّعة وَتظهر فَائِدَته فِي موضِعين أحدُهما أَن تضيف إِلَيْهِ كَقَوْلِهِم 50 - (يَا سَارِق الليلةِ أهل الدارْ ... ) // الرجز // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 كَمَا تَقول يَا سَارِق ثوبِ زيد وَلَا يجوز أَن يكون هُنَا ظرفا لأنَّ (فِي) مَعَ الظّرْف مقدَّرة وَتَقْدِير (فِي) يمْنَع الْإِضَافَة وَالثَّانِي أنَّك إِذا أخْبرت عَنهُ - وَهُوَ مفعول بِهِ - لم تأت بِحرف الجرّ مَعَ ضَمِيره كَقَوْلِك يَوْم الْجُمُعَة سرته فَإِن جعلته ظرفا قلت سرت فِيهِ وإنَّما جَازَ حذف (فِي) مَعَ الظّرْف دون ضَمِيره لأنَّ لفظ الظّرْف يدلُّ على الْحَرْف إِذْ كَانَ صَرِيحًا فِي الظّرْف وَالضَّمِير لَا يختصُّ بالظرف بل يصلح لَهُ وَلغيره وأمّا قَول الشَّاعِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 51 - (فلأبغينَّكُمُ قَناً وعُوارضا ... ولأقبلنَّ الْخَيل لابةَ ضَرْغَدِ) // الْكَامِل // ف (قِنَا) و (عوارض) و (لابة ضرغد) أمكنة معينَّة وعدَّى الْفِعْل إِلَيْهَا بِنَفسِهِ كَمَا عدَّى (دخلت) بِنَفسِهِ وَقيل جعلهَا مَفْعُولا بهَا على السعَة الحديث: 51 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 بَاب الْمَفْعُول لَهُ من شَرط الْمَفْعُول لَهُ أَن يكون مصدرا يصحّ تَقْدِيره بِاللَّامِ الَّتِي يعلّل بهَا الْفِعْل وَالْمَفْعُول لَهُ هُوَ الْغَرَض الْحَامِل على الْفِعْل ولّمَّا كَانَ كّل حَكِيم وعاقل لَا يفعل الْفِعْل إلاَّ لغَرَض جُعلُ ذَلِك الغرضُ (مَفْعُولا من أَجله) وَهُوَ مَنْصُوب بِالْفِعْلِ الَّذِي قبله لازماَ أَو متعديِّا لأنَّ الْفِعْل يحْتَاج إِلَيْهِ كاحتياجه إِلَى الظّرْف وكما حذف حرف الجرّ فِي الظّرْف جَازَ هُنَا وَيجوز أَن يكون الْمَفْعُول لَهُ نكرَة بِلَا خلاف كَقَوْلِك زرتك طَمَعا فأمَّا الْمعرفَة فَذهب الْجُمْهُور إِلَى جَوَاز جعلهَا مَفْعُولا لَهُ وَمنعه الجرميُّ وَالدَّلِيل على جَوَازه قَول العجَّاج 52 - (تركبُ كُلَّ عاقرِ جُمْهورِ ... مَخَافَة وزعل المحبورِ) (والهولَ من تهوَّل الهُبور ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 و (الهول) هُنَا مَعْطُوف على (مَخَافَة) ولأنّ الْغَرَض قد يكون مَعْرُوفا عِنْد الْمُخَاطب فَإِذا ذكر علم أنَّه الْمَعْهُود عِنْده وَلذَلِك تجوز الْمعرفَة مَعَ ظُهُور اللَّام كَقَوْلِك (أَتَيْتُك للطمع وَلَا فرق بَين ظُهُور اللَّام وحذفه فِي الْمَعْنى وَيجوز تَقْدِيم الْمَفْعُول على الْفِعْل لتصرّف الْعَامِل وأنّ الْمَفْعُول لَهُ كالظرف فِي تَقْدِير الْحَرْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 بَاب الْمَفْعُول مَعَه كلُّ اسْم وَقع بعد الْوَاو الَّتِي بِمَعْنى (مَعَ) وَقبلهَا فعل وفاعل فَذَلِك الِاسْم مَنْصُوب وَاخْتلفُوا فِي ناصبه فمذهب سِيبَوَيْهٍ والمحقِّقين انَّه الْفِعْل الْمَذْكُور كَقَوْلِك (قُمْت وزيداً) فالناصب (قُمْت) لأنَّ الِاسْم مَنْصُوب وَالنّصب عمل وَلَا بدَّ للْعَمَل من عَامل و (الْوَاو) غير عاملة للنصب ولاشيء هُنَا يصلح للْعَمَل إلاَّ الْفِعْل فإنْ قيل الْفِعْل هُنَا لَازم وَالْوَاو غير معدِّية لَهُ إِلَى الْمَنْصُوب قيل المتعدِّي إِلَى الِاسْم مَا تعلّق مَعْنَاهُ بِهِ وَالْوَاو علقّت الْفِعْل بِالِاسْمِ فَكَانَ الناصب هُوَ الْفِعْل بِوَاسِطَة الْوَاو كَمَا كَانَ الْفِعْل عَاملا فِي الْمُسْتَثْنى بِوَاسِطَة (إلاَّ) لأنَّها علَّقتْ الْفِعْل بِمَا بعْدهَا وَلم تصلح هِيَ للْعَمَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وَقَالَ الزّجاج الناصب لَهُ فعل مَحْذُوف تَقْدِيره (قُمْت) أَو (لابست) أَو (صاحبت) زيدا وَلَا يعْمل الْفِعْل الْمَذْكُور لحيلولة الْوَاو بَينهمَا وَهَذَا ضَعِيف لأنَّ الْفِعْل الْمَذْكُور إِذا صحَّ أَن يعْمل لم يُجْعَل الْعَمَل لمَحْذُوف وَقد صحَّ بِمَا تقدَّم وأمَّا الْوَاو فَغير مَانِعَة لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ بهَا ارْتبط الْفِعْل بِالِاسْمِ فأثَّر فِيهِ فِي الْمَعْنى فَلَا يمْنَع من تَأْثِيره فِيهِ لفظا وَالثَّانِي أنَّها فِي الْعَطف لَا تمنع كَقَوْلِك ضربت زيدا وعمراً فالناصب ل (عَمْرو) الْفِعْل الْمَذْكُور لَا الْوَاو وَلَا فعلٌ مَحْذُوف وَقَالَ الكوفْيُّون ينْتَصب على الْخلاف وَقد أفسدناه فِي بَاب (مَا) وَمعنى كَلَامهم أنَّ الِاسْم الثَّانِي غير مشارك للأوَّل فِي الْفِعْل الْمَذْكُور فَلم يرفع لذَلِك بل نصب كَمَا ينصب الْمَفْعُول للْخلاف وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش ينْتَصب الِاسْم انتصاب الظروف لأنَّه نَاب عَن (مَعَ) كَمَا أنَّ (غيراً) فِي الِاسْتِثْنَاء تعرب إِعْرَاب الِاسْم الْوَاقِع بعد (إلاّ) وَهَذَا ضعيفٌ لبعد مَا بَين هَذِه الْأَسْمَاء وَبَين الظروف و (مَعَ) ظرف و (الْوَاو) قَائِمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 مقَامهَا فِي الْمَعْنى فَإِذن لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يصلح أَن يكون ظرفا وَلَا فرق بَين تَقْوِيَة الْفِعْل بِحرف الجرِّ وَالْوَاو حتَّى يتَّصَل مَعْنَاهُ بِالِاسْمِ إلاَّ أنَّ حرف الجرِّ عمل وَالْوَاو لَا تعْمل فَكَانَ وُصُول الْفِعْل إِلَى الِاسْم بعد الْوَاو كعمل الْفِعْل فِي مَوضِع الجارّ وَالْمَجْرُور فصل وإنَّما حذفت (مَعَ) اختصاراً وتوسُّعاً وإنَّما أُقِيمَت مُقامها دون غَيرهَا لتقارب مَعْنَاهُمَا لأنَّ (مَعَ) للمصاحبة و (الْوَاو) للْجمع والاجتماع مصاحبة فصل وَالْفرق بَين الرّفْع وَالنّصب هُنَا انَّك إِذا رفعت كَانَ الِاسْم الثَّانِي كالاوَّل فِي نِسْبَة الْفِعْل إِلَيْهِ وَإِذا نصبت كَانَ الْفِعْل للأوَّل وَلَكِن تبعا للثَّانِي مِثَاله اذْهَبْ أَنْت وزيداً إِذا رفعت كنت آمراً لَهما بالذهاب وَإِن نصبت كنت آمراً للمخاطب دون زيد حتّى لَو لم يذهب زيدٌ لم يلْزم الْمُخَاطب الذّهاب وإنَّما يلْزمه مُتَابعَة زيد فِي الذّهاب وَتقول كنت أَنا وَزيد أَخَوَيْنِ إِذا رفعت ثنَّيت الْخَبَر وَإِذا نصبت لم تجز الْمَسْأَلَة لأنَّك لَو صرَّحت ب (مَعَ) لم تجز التَّثْنِيَة كَقَوْلِك كنت مَعَ زيد أَخَوَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فصل ولايجوز تَقْدِيم الْمَفْعُول مَعَه على الْعَامِل فِيهِ وَلَا على الْفَاعِل كَقَوْلِك والخشبة اسْتَوَى المَاء واستوى والخشبة المَاء وإنَّ الْوَاو ولإنَّ كَانَت بِمَعْنى (مَعَ) فَمَعْنَى الْعَطف لَا يفارقها فَلَو قُدِّمت لتقدَّم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَذَلِكَ غير جَائِز فِي الِاخْتِيَار فصل وَإِذا لم يكن فى الْكَلَام فعلٌ لم يجز النصب فِيمَا بعد الْوَاو بِمَعْنى (مَعَ) لأنَّ الْوَاو مقويَّةٌ للْفِعْل حتَّى يصل إِلَى الِاسْم فَيعْمل فِيهِ فَإِذا لم يكن فعل لم يكن عَامل يقوَّي وَقد أَجَازُوا النصب فِي موضِعين أَحدهمَا قَوْلهم مَا أَنْت وزيداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وَالثَّانِي كنت أَنْت وزيداً فالرفع وَالنّصب فيهمَا جائزان فالرفع على تَقْدِير وَمَا زيد فإنَّما تَقول ذَلِك فِي الْمَنْع من التعُّرض بِهِ وَالنّصب على تقديرما تكون أَنْت وزيداً وَكَيف تكون أَنْت وزيداً فأضمروا (كَانَ) لِكَثْرَة دورها فِي الْكَلَام وَلذَلِك أضمروها فِي مَوَاضِع مِنْهَا إنْ خيرا فَخير فصل وَأكْثر الْبَصرِيين يذهب إِلَى أنَّ هَذَا الْبَاب مقيس لصحَّة الْمَعْنى فِيهِ وتصوُّر عَامل النصب وَامْتنع قوم مِنْهُم من الْقيَاس على المسموع مِنْهُ لأنَّ إِقَامَة الْحَرْف مقَام الِاسْم مَعَ اخْتِلَاف مَعْنَاهُمَا وعملهما غيرُ مقيُس فَيقْتَصر فِيهِ على السماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 بَاب الْحَال الحالُ مُؤَنّثَة لِقَوْلِك فِي تصغيرها (حويلة) وحقيقتها أنَّها هَيْئَة الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول وَقت وُقُوع الْفِعْل الْمَنْسُوب إِلَيْهِمَا وَأَصلهَا أَن تكون اسماُ مُفردا لأنَّها تستحقُّ الْإِعْرَاب وكلُّ مُعرب مُفْرد وَالْأَفْعَال لَيست مُفْردَة وإنّما لزم أَن تكون نكرَة لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّها فِي الْمَعْنى خبر ثَان أَلا ترى أنَّ قَوْلك جَاءَ زيدٌ رَاكِبًا قد تضمَّن الْإِخْبَار بمجيء زيد وبركوبه حَال مَجِيئه وَالْأَصْل فِي الْخَبَر التنكير وَالثَّانِي أنَّ الْحَال جَوَاب من قَالَ كَيفَ جَاءَ و (كَيفَ) سُؤال عَن نكرَة وَالثَّالِث أنَّ الْحَال صفة للْفِعْل فِي الْمَعْنى لأنَّ قَوْلك جَاءَ زيد رَاكِبًا يُفِيد أنَّ مجئيه على هَيْئَة مَخْصُوصَة وَالْفِعْل نكرَة فصفته نكرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وإنَّما وَجب أنْ تكون مشتقَّة لأنَّها صفة وكلّ صفة مُشْتَقَّة فإنَّ وَقع الجامد حَالا فَهُوَ مَحْمُول على الْمَعْنى كَقَوْلِك هَذَا زيدٌ أسداً أَي شجاعاً جزئياً و {هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة} أَي دالَّة معَّرفة وَكَذَلِكَ نَظَائِره وإنَّما لزم أَن تكون منتقلة لأنَّها خبر فِي الْمَعْنى وَالْأَخْبَار تتجدَّد فيجهل المتجدِّد مِنْهَا فتمسّ الْحَاجة إِلَى الْأَعْلَام بِهِ وإنَّما قدرت ب (فِي) لأنَّها مصاحبة للْفِعْل على مَا ذكرنَا والمصاحبة مُقَارنَة الزَّمَان وعلامة الزَّمَان (فِي) وإنَّما لزم أَن يكون صَاحبهَا معرفَة أَو كالمعرفة بِالصّفةِ لأنَّها كالخبر وَالْخَبَر عَن النكرَة غير جَائِز لأنَّه إِذا كَانَ نكرَة أمكن أَن تجْرِي مجْرى الْحَال صفة فَلَا حَاجَة إِلَى مخالفتها إيَّاه فِي الْإِعْرَاب وَقد جَاءَت أَشْيَاء تخَالف مأصَّلنا رُدَّت بالتأوليل إِلَى هَذِه الْأُصُول فَمن ذَلِك وُقُوع الْحَال معرفَة كَقَوْلِهِم 53 - (أرسلها العراك ... ) // الوافر // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَالتَّحْقِيق أنَّ هَذَا نَائِب عَن الْحَال وَلَيْسَ بهَا بل التَّقْدِير أرسلها معتركةً ثمَّ جعل الْفِعْل مَوضِع اسْم الْفَاعِل لمشابهته إيْاه فَصَارَ (تعترك) ثمَّ جعل الْمصدر مَوضِع الْفِعْل لدلالته عَلَيْهِ ويدلُّ على ذَلِك أنَّ الْحَال وصفٌ وصيغ الْأَوْصَاف غيرُ صِيَغ المصادر وَمن ذَلِك رَجَعَ عودُه على بدئه فَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة الرّفْع وَالنّصب فَفِي الرّفْع وَجْهَان أحدُهما هُوَ فَاعل _ رَجَعَ) وَالثَّانِي هُوَ مُبْتَدأ و (على بدئه) الْخَبَر وأمَّا النصب فَفِيهِ قَولَانِ أحدُهما هُوَ مفعول بِهِ أَي ردّ عوده وَأَعَادَهُ كَقَوْلِه تَعَالَى {فإنْ رجَعَك اللهُ} وَالثَّانِي هُوَ حَال وَالتَّقْدِير رَجَعَ عَائِدًا ثمَّ يعود ثَّم عوده كَمَا تقدَّم وَمثل ذَلِك افعله جهدك أَي مُجْتَهدا ثَّم يجْتَهد قثَّم ثمَّ جهدك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وَمن ذَلِك كلَّمته فَاه إِلَى فيَّ تَقْدِيره مكافحاً أَو مشافهاً ثمَّ حذف هَذَا وَجعل (فَاه إِلَى فيَّ) نائباعنه وَيجوز (فوه إِلَى فيَّ) والجمله على هَذَا حَال وَمن ذَلِك مَجِيء صَاحب الْحَال نكره كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث ((فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فرس سَابِقًا) فِي قَول من جعله حَالا من الْفرس فإنْ كَانَت الرِّوَايَة هَكَذَا أمكن أَن يكون (سَابِقًا) حَالا من الْفَاعِل وإنْ كَانَت الرِّوَايَة لَا يُمكن فِيهَا ذَلِك حُمل على مَجِيء الْحَال من النكرَة وَالْفرق بَينهَا وَبَين الصّفة أنّك لَو قلت على فرس سَابق فجررت جَازَ أَن يكون مَعْرُوفا بِالسَّبقِ وَلَا يكون سَابِقًا فِي تِلْكَ الْحَال وإنْ نصبت لزم أَن يكون سبق فِي تِلْكَ الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وَمن ذَلِك وُقُوع الجامد حَالا كَقَوْلِك بيَّنت لَهُ حسابه بَابا بَابا وَالتَّقْدِير بيَّنته م فصل ا وَمن ذَلِك الحالُ الْمُؤَكّدَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَهُوَ الحقّ مُصدقا لما مَعَهم} وَقَول الشَّاعِر 54 - (أناابنُ دارةَ مَعْروفاً بهَا نَسَبي ... فَهَل بدارةَ ياللنَّاسِ مِنْ عارِ) // الْبَسِيط // وإنَّما كَانَت هَذِه الْحَال مؤكّدة لِأَن الْحق لَا يكون إلاَّ مصدِّقاَّ للحق وإنَّما جِيءَ بهَا لشدَّة توكيد الحقّ بالتصريح الْمُغنِي عَن الاستنباط وَالْعَامِل فِي هَذِه الْحَال مَا فِي الْجُمْلَة من معنى الْفِعْل تَقْدِيره وَهُوَ الثَّابِت مصدَقِّا وَصَاحب الْحَال الضَّمِير فِي ثَابت فصل وَالْعَامِل فِي الْحَال ضَرْبَان فعلٌ وَمعنى فعل فالفعل مثل أقبل وَجَاء وَنَحْوهمَا فَهَذَا يجوز فِيهِ تَقْدِيم الْحَال على صَاحبهَا وعَلى الْعَامِل فِيهِ لأنَّ الْعَامِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 قويّ متصرّف وَالْحَال كالمفعول وَقَالَ الفرَّاء لَا يجوز تَقْدِيمهَا لما يلْزم من تَقْدِيم الضَّمِير على مَا يرجع إِلَيْهِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لأنَّ النيَّة بِهِ التَّأْخِير فَيصير كَقَوْلِهِم فِي أَكْفَانه لُفَّ الْمَيِّت وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فَأوْجَسَ فِي نَفسه خيفة مُوسَى} وأمَّا الْعَامِل المعنويّ فكأسماء الْإِشَارَة كَقَوْلِك هَذَا زيد قَائِما وإنَّما عمل لأنَّ مَعْنَاهُ أُنَبِّهُ وأشير إِلَيْهِ فِي حَال قِيَامه وَلَا يتَقَدَّم الْحَال على هَذَا الْعَامِل لأنَّه غير متصرف والتقديم تصُّرف فَلَا يُسْتَفَاد بِغَيْر متصِّرف وَأما تَقْدِيمهَا على صَاحب الْحَال فَجَائِز كَقَوْلِك هَذَا قَائِما زيد لأنَّها بعد الْعَامِل فإنْ قيل هلاَّ عملت أَسمَاء الأشارة فِي الْمَفْعُول بِهِ قيل الْمَفْعُول بِهِ غير الْفَاعِل فَلَو عملت فِيهِ أَسمَاء الْإِشَارَة بمعناها لعملت فِيهِ جَمِيع الْحُرُوف نَحْو (مَا) و (همزَة الِاسْتِفْهَام) وَمَعْلُوم أنَّها لَا تعْمل فِيهِ والعلَّة فِي ذَلِك أنَّ معنى الْحَرْف فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الِاسْم فَلَو عمل فِيهِ بِمَعْنَاهُ لصار الْعَامِل فِي الِاسْم الْمَعْنى الْقَائِم بِهِ ولأنَّ الْحُرُوف نابت عَن الْجمل فَلَو عملت كَانَت كَالْجمَلِ فأمَّا عمل الْمَعْنى فِي الْحَال فلأنَّها تشبه الظّرْف إِذْ كَانَت تقدّر ب (فِي) إلاَّ أنَّ الظّرْف قد يتَقَدَّم على الْعَامِل المعنويّ بِخِلَاف الْحَال وَالْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ الْحَال تشبه الْمَفْعُول بِهِ إِذْ كَانَت ظرفا على الْحَقِيقَة وَالثَّانِي أنَّها تشبه الصّفة وَالْعَامِل فِي الصّفة هُوَ الْعَامِل فِي الْمَوْصُوف والموصوف إمَّا فَاعل وإمَّا مفعول بِهِ فصل فأمَّا تَقْدِيم الْحَال على الْعَامِل إِذا كَانَ ظرفا فقد أجَازه أَبُو الْحسن بِشَرْط تقدُّم الْمُبْتَدَأ عَلَيْهَا كَقَوْلِك زيد قَائِما فِي الدَّار وَتقدم الظّرْف عَلَيْهِمَا كَقَوْلِك فِي الدَّار قَائِما زيد وَلَا يجوز عِنْد الْجَمِيع قَائِما زيدٌ فِي الدَّار وَلَا قَائِما فِي الدَّار زيد واحتجّ بشيئين أحدُهما أنّ تَقْدِيم أحد الجزئين كتقديمهما لتوقّف الْمَعْنى عَلَيْهِمَا وَالثَّانِي أنّ الظّرْف متعلّق بِالْفِعْلِ فكأنّ الْفِعْل ملفوظ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وَالْجَوَاب أنّ الظّرْف على كلّ حَال غير عَامل بِلَفْظِهِ فَصَارَ كأسماء الْإِشَارَة وتقدّم أحد الجزئين لَا يُخرجهُ عَن أَن يكون معنويّاً وَأَن التَّقْدِيم تصرّف والظروف لَا تصرّف لَهَا ثمَّ هُوَ بَاطِل بِقَوْلِك زيد قَائِما هَذَا إِذا جعلت (زيدا) مُبْتَدأ و (هَذَا) خَبره وأمَّا تعلّقه بِالْفِعْلِ فَلَا يُوجب جَوَاز التَّقْدِيم لأنّ الْعَمَل للظرف لالذلك الْفِعْل وَرُبمَا قيل إنّ عمل الظّرْف أَضْعَف من عمل معنى الْإِشَارَة لأنّ الْفِعْل يصحّ إِظْهَاره مَعَ الظّرْف فتبيّن أنّ الْعَمَل للْفِعْل وأمَّا معنى الْإِشَارَة فَلَا يجْتَمع مَعَ اسْم الْإِشَارَة فَصَارَ اسْم الْإِشَارَة بِمَنْزِلَة نفس الْعَامِل فصل وَلَا يجوز تَقْدِيم حَال الْمَجْرُور عَلَيْهِ لأنَّ الْعَامِل فِي الْحَال هُوَ الْعَامِل فِي صَاحب الْحَال وَالْعَامِل فِي صَاحبهَا هُوَ الْحَرْف المعلّق بِالْفِعْلِ فَصَارَ كالشيء الْوَاحِد فتقديمها على الجارّ يفصل بَين الْفِعْل والحرف ولأنّ حرف الجرّ لَا تصرّف لَهُ وَهُوَ الْعَامِل فِي صَاحب الْحَال وَلَيْسَ لَهُ معنى يعْمل بِهِ فَامْتنعَ قَوْلك (مَرَرْت قَائِما بزيد) و (قَائِما مَرَرْت بزيد) وَالْقِيَام لزيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَقَالَ بعض النحويّين يجوز تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ واحتّج بقوله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إلاّ كافّةً للنَّاس} وَبقول الشَّاعِر 55 - (فإنْ تكُ أذْوادٌ أُصِبْنَ ونِسْوَةٌ ... فَلَنْ يذْهبوا فَرْعاً بقتلِ حبالِ) // الطَّوِيل // أَي بقتل حبال فَزْعاً أَي هدرا وَالْجَوَاب أمّا (كافّة) فحال من الْكَاف لَا من النَّاس وَالْهَاء فِيهَا للْمُبَالَغَة وَالتَّقْدِير مَا ارسلناك إلاّ كافّةً للنَّاس كفرهم وأمَّا (فرغا) فحالٌ من الْفَاعِل أَي فَلَنْ يذهبوا ذَوي فرغ فصل الْعَامِل الْوَاحِد يعْمل فِي أَكثر من حَال كَقَوْلِك جَاءَ زيدٌ رَاكِبًا ضَاحِكا لأنَّ الْحَال كالظرف وَالْعَامِل قد يعْمل فِي ظرفين من الْمَكَان وَالزَّمَان وَالْمعْنَى لَا يتناقض وَقَالَ البصرييَّن لَا يعْمل إِلَّا فِي وَاحِدَة لأنَّها مشبَّهه بالمفعول وَالْفِعْل لَا يعْمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 فِي مفعولين فَصَاعِدا على هَذَا الحدّ فَإِن وَقع ذَلِك جعلت الْحَال الثَّانِيَة بَدَلا من الأولى أَو حَالا من الْمُضمر فِيهَا فصل الْفِعْل الْمَاضِي لايكون حَالا إلاَّ ب (قد) مظهرة أَو مضمرة كَقَوْلِك جَاءَ زيد ركب لأنَّ الْحَال إمَّا مُقَارنَة أَو منتظرة والماضي مُنْقَطع عَن زمن الْعَامِل وَلَيْسَ بهيئة فِي ذَلِك الزَّمَان و (قد) تقربه من الْحَال وَقَالَ الكوفيُّون يجوز ذَلِك لأنَّ أَكثر مَا فِيهِ أنَّها غير مَوْجُودَة فِي زمَان الْفِعْل وَذَلِكَ لَا يمْنَع لَا تمنع الْحَال المقدَّرة وَالْجَوَاب أنَّ الْفرق بَينهمَا أنَّ الْحَال والاستقبال متقاربان لأنَّ المنتظر يصير إِلَى الْحَال وَلذَلِك احتملها الْفِعْل الْمُضَارع والماضي مُنْقَطع بالكلِّية فأمّا قَوْله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 {أَو جاؤوكم حصرت صُدُورهمْ} فَقيل التَّقْدِير قوما حصرت فالفعل صفة لَا حَال وَقيل هُوَ دُعَاء مُسْتَأْنف وَقيل لَفظه مَاض وَالْمعْنَى على المضارعة أَي جاؤوكم تحصر صُدُورهمْ لِأَن الْحصْر كَانَ مَوْجُودا وَقت مجيئهم فحقه أنّ يعبّر عَنهُ بِفعل الْحَال وَقيل التَّقْدِير قد حصرت فصل وَالْأَحْوَال أَرْبَعَة منتقلة مُقَارنَة كَقَوْلِك جَاءَ زيد رَاكِبًا لانّ الرّكُوب قَارن الْمَجِيء وَلَيْسَ بِلَازِم لمجيئه إذْ من الْجَائِز أَن يَجِيء مَاشِيا ومقارنة غير منتقلة وَهِي الْمُؤَكّدَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَهُوَ الحقّ مصدّقاً لما مَعَهم} فالتصديق للحق مقارنٌ للحقِّ وَغير منتقل عَنهُ وَالْعَامِل فِي هَذِه الْحَال معنى الْجُمْلَة كَأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ الثَّابِت مصدَّقاً وَحَال منتقلة غير مُقَارنَة بل منتظرة كَقَوْلِك مَرَرْت بِرَجُل مَعَه صقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 صائداً بِهِ غَدا فالصيد غير مُقَارن لمرورك بل مقدَّر لأنَّه كَانَ متهيئا لذَلِك فَعبر عَن المَال بِالْحَال وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وخرُّوا لَهُ سُجَّداً} وحالٌ موطّئة للْحَال الْحَقِيقِيَّة كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد رجلا صَالحا ف (رجلا) موّطئ للْحَال وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد صرَّفنا فِي هَذَا الْقُرْآن} ثَّم قَالَ {قُرآناً عربيّاً} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 بَاب التَّمْيِيز وَهُوَ تَخْلِيص الْأَجْنَاس بَعْضهَا من بعض وَيُسمى الْبَيَان والتبيين وَالتَّفْسِير والممَّيز هُوَ الِاسْم المحصل لهَذَا الْمَعْنى وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ جمع ومفرد فالجمع ضَرْبَان مجرور ومنصوب فالمجرور مَا يُضَاف إِلَيْهِ الْعدَد من ثَلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَيكون نكرَة وَمَعْرِفَة نَحْو ثَلَاثَة أَثوَاب وَثَلَاثَة الاثواب ونبين علَّة كَونه جمعا فِي بَاب الْعدَد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وأمَّا الْمَنْصُوب الْمَجْمُوع فالواقع بعد اسْم الْفَاعِل الْمَجْمُوع كَقَوْلِه {بالأخسرين أعمالاً} وأمَّا الْمُفْرد فعلى ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا مَنْصُوب وَهُوَ الْوَاقِع بعد (أحد عشر) إِلَى (تِسْعَة وَتِسْعين) والاصل فِي ذَلِك أَن يَأْتِي ب (مِنْ) وَالْجمع المعرّف بِاللَّامِ كَقَوْلِك عشرُون من الدَّرَاهِم ف (من) تجمع هُنَا التَّبْعِيض وَبَيَان الْجِنْس وَالْألف وَاللَّام مَعَ الْجمع للاستغراق وَكَذَلِكَ الْمَعْنى لأنَّ قَوْلك عِنْدِي عشرُون مُبْهَم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 كلّ مَعْدُود وَهِي بعض ذَلِك الْمَعْدُود فَإِذا اردت بَيَان جِنْسهَا قلت (من الدَّرَاهِم) و (من الغلمان) إِلَّا انهم حذفوا مِنْ وَالْألف وَاللَّام واقتصروا على وَاحِد منكور من الْجِنْس لحُصُول الْغَرَض بِهِ مَعَ الِاخْتِصَار فصل وَالْعَامِل فِي هَذَا الِاسْم (عشرُون) وَنَحْوهَا لأنَّه اشبه اسْم الْفَاعِل المتعدّي لأنَّه مَجْمُوع بِالْوَاو وَالنُّون ونونه تسْقط فِي الْإِضَافَة وَهُوَ مفتقر إِلَى الِاسْم الَّذِي بعده فَصَارَ (عشرُون درهما) مثل (ضاربون رجلا) فَهُوَ مشبه بالمفعول بِهِ فصل وأمَّا (أحد عشر) إِلَى (تِسْعَة عشر) فإنَّه يشبه (عشْرين) فِي أنَّه عدد مُبْهَم وأنَّ إِضَافَته ممتنعة لِأَن الِاسْم الثَّانِي صَار ك (النُّون) فِي (عشرُون) إِذْ كَانَ تَمامًا لَهُ ولانَّ الْمركب أَصله التَّنْوِين كَقَوْلِك خَمْسَة وَعشرَة وَبعد التَّرْكِيب لم يبطل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 معنى التَّنْوِين مَعَ وجود التَّنْوِين أَو النُّون يلْزم نصب الْمُمَيز فَكَذَلِك مَعَ مَا يقوم مقَامه فصل وَكَذَلِكَ كلّ منّون يفْتَقر إِلَى ممّيز كَقَوْلِك (هَذَا راقودٌ خلا) لأنَّ التَّنْوِين يمْنَع الْإِضَافَة فإنْ أضفت فَقلت (رَطْل ذهب) احْتمل أَن يكون بِمَعْنى (اللَّام) وَبِمَعْنى (مِنْ) وأذا نصبت لم تكن إلاَّ بِمَعْنى (مِنْ) لأنَّها الْمَوْضُوعَة للتبيين وَكَذَلِكَ النُّون فِي (منوان وقفيزان) فصل فأمَّا الْمُضَاف كَقَوْلِك لله درّه شجاعاً وعَلى التمرة مثلُها زبداً وَمَا فِي السَّمَاء قدر راحةٍ سحاباً فَكل هَذَا ينْتَصب فِيهِ المميّز بِمَا قبله لشبهه بالمنوَّن الْمُبْهم لأنَّ مثل التمرة قد يكون زبدا أَو غَيره والمضاف إِلَيْهِ يمْنَع إِضَافَة مثل إِلَى الزّبد وَهُوَ مِقْدَار كَمَا أنَّ (عشْرين) مِقْدَار وَقيل التَّقْدِير على التمرة زبْدٌ مثلهَا فَلَمَّا أَخَّرته انتصب لأنَّك جعلته فضلَة كَمَا فِي قَوْلك طبت بِهِ نفسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 فصل وَمن ذَلِك هُوَ أحسن النَّاس وَجها فأمَّا هُوَ أحسن مِنْك وَجها ف (مِنْك) جرى مجْرى الْمُضَاف إِلَيْهِ لأنَّه مُبين لَهُ وتتَّمة ومعمول لَهُ فصل وَإِذا قلت زيدٌ أفره عبدٍ فجررت كَانَ (زيد) عبدا لأنَّ أفعل لَا تُضَاف إلاَّ إِلَى مَا هِيَ بعضُه وَالْأَصْل زيدٌ أفره العبيد فاختصر وأنْ نصبت فَقلت أفره عبدا لم يكن زيٌد عبدا بل كَانَ العبيدُ لَهُ وَالْوَصْف فِي الْمَعْنى لعبيده أَي عبيده أفره العبيد كَمَا تَقول هوأكثر مَالا وَأَقل شرّاً فصل وَمن التَّمْيِيز طبت بِهِ نفسا ف (نفسا) مَنْصُوب بِالْفِعْلِ وَأَصله طابت نَفسِي بِهِ ثَّم أردْت الْمُبَالغَة فنسبت الطّيب إِلَيْك فَجعلت مَا كَانَ مُضَافا إِلَيْهِ فَاعِلا فَحدث من أجل ذَلِك إِبْهَام فَأمكن أَن يكون طبت بِهِ نسبا وعرضاً وثوباً وذكراً فَإِذا قلت (نفسا) بيَّنت الطيَب إِلَى أيّ شَيْء هومنسوب فِي الْحَقِيقَة وانتصاب (نفس) على تَشْبِيه اللَّازِم بالمتعدي لأنَّ (طبت) لَا تتعدَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 فصل وَلَا يحوز تَقْدِيم الْمَنْصُوب هُنَا على الْفِعْل وَقَالَ المازنيّ والمبرّد والكوفَّيون هُوَ جَائِز كَقَوْلِك نفسا طبت بِهِ وحجَّة الأوَّلين أنَّ الْمَنْصُوب هُنَا فَاعل فِي الْمَعْنى وَإِنَّمَا حول عَن ذَلِك وَنسب الْفِعْل إِلَى الْمُضَاف إِلَيْهِ مُبَالغَة ثَّم ميزَّ بِذكر مَا هُوَ فَاعل فِي الأَصْل فَلَو قدم لصار كتقديم الْفَاعِل على الْفِعْل وَذَلِكَ بَاطِل كَذَلِك هَهُنَا ويدلّ عَلَيْهِ أنَّه مُمَيّز فَلم يتَقَدَّم على الْعَامِل فِيهِ كالمميز فِي (نعم) وَفِي (الْأَعْدَاد) واحتجّ الْآخرُونَ بقول الشَّاعِر 56 - (أتهجرُ ليلى للفراق حبيبها ... وَمَا كَانَ نفسا بالفراق يطيب) // الطَّوِيل // وَقَالُوا لأنَّ الْعَامِل فِي هَذَا الْمَنْصُوب فعل متصرف فَجَاز تَقْدِيمه عَلَيْهِ كالحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وَالْجَوَاب عَن الْبَيْت من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ الرِّوَايَة (وَمَا كَانَ نَفسِي) فَهُوَ اسْم كَانَ وَالثَّانِي أنَّ نَصبه على أنَّه خبر كَانَ أَي مَا كَانَ حبيبها نفسا أَي إنْسَانا يطيب بالفراق وَالثَّالِث أنَّه من ضَرُورَة الشعرفلا يحْتَج بِهِ على الْإِعْرَاب فِي الِاخْتِيَار وأمَّا الْقيَاس على الْحَال ففاسدلأن الْحَال فضلَة مخصة والمميز هُنَا فِي حكم اللَّازِم وَهُوَ الْفَاعِل فَافْتَرقَا فأمَّا تَقْدِيم المميَّز على الْفَاعِل نَحْو مَا طَابَ نفسا زيدٌ فَجَائِز لتقدم الْفِعْل عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 بَاب الِاسْتِثْنَاء وَهُوَ استفعال من (ثنيت عَلَيْهِ) أَي عطفت والتفت لِأَن الْمخْرج لبَعض الْجُمْلَة مِنْهَا عاطف عَلَيْهَا باقتطاع بَعْضهَا عَن الحكم الْمَذْكُور وَحده أنَّه إِخْرَاج بعض من كل ب (إلاَّ) أَو مَا قَامَ مقَامهَا وَقيل هُوَ إِخْرَاج مَا لَوْلَا إِخْرَاجه لتنَاوله الحكم الْمَذْكُور فصل وأصل أدوات الِاسْتِثْنَاء (إلاَّ) لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّها حرف والموضوع لأفادة الْمعَانِي الْحُرُوف كالنفي والاستفهام والنداء وَالثَّانِي أنَّها تقع فِي جَمِيع ابواب الِاسْتِثْنَاء للاستثناء فَقَط وَغَيرهَا يَقع فِي أمكنة مَخْصُوصَة مِنْهَا وَيسْتَعْمل فِي أَبْوَاب أخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فصل والمستثنى من مُوجب ب (إلاَّ) مَنْصُوب بِالْفِعْلِ الْمُقدم وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِوَاسِطَة (إلاَّ) وَرُوِيَ عَن الزَّجاج أنَّ نَصبه ب (إلاَّ) لانّها فِي معنى أستثني وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ (إلاَّ) مركَّبة من (إنَّ) و (لَا) فَإِذا نصبت كَانَ ب (إنَّ) وأذا رفعت كَانَ ب (لَا) وَحجَّة الأوَّلين أنَّ الْفِعْل هُوَ الاصل فِي الْعَمَل إلاَّ انّ الْفِعْل هُنَا لَا يصل إِلَى الْمُسْتَثْنى بِنَفسِهِ وب (إلاَّ) وصل إِلَيْهِ فَصَارَ كواو (مَعَ) وكحروف الْجَرّ ويدلَّ عَلَيْهِ أنَّ (غيراً) فِي الِاسْتِثْنَاء مَنْصُوبَة بِالْفِعْلِ من غير وَاسِطَة لّمَّا كَانَت مُبْهمَة كالظرف واتَّصل الْفِعْل بهَا بِنَفسِهِ وَلَيْسَ ثَّم مَا يَصح عمله فِيهَا إلاَّ الْفِعْل وأمَّا الزّجاج فَيبْطل مذْهبه من أوجه أَحدهَا مَا ذَكرْنَاهُ من (غير) وَلَا يَصح مَعهَا تَقْدِير (أسنتني) لأنّه يصير (زيد) دَاخِلا فِي حكم الأول وَغَيره مخرجا مِنْهُ وَهَذَا معنى فَاسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَالثَّانِي أَن إِعْمَال الْحُرُوف بمعانيها غير مطرد أَلا ترى أَن (مَا) النافية وهمزة الِاسْتِفْهَام وَغَيرهمَا لَا تعْمل بمعانيها وَكَذَلِكَ إِلَّا وَالثَّالِث أَنه لَيْسَ تَقْدِير (إِلَّا) ب (أستثني) أولى من تقديرها ب (تخلَّف) أَو (امْتنع) وَنَحْوهمَا مِمَّا يرفع وَالرَّابِع أَن الْمُسْتَثْنى يرفع فِي مَوَاضِع مَعَ وجود (إِلَّا) فِي الْجَمِيع فَلَو قدرت ب (أستثني) لما جَازَ إِلَّا النصب وَالْخَامِس أَنا إِذا قَدرنَا (أستثني) صَار الْكَلَام جملتين وَتَقْدِيره بِالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَة أولى وَأما مَذْهَب الْفراء فَيبْطل من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ دَعْوَى التَّرْكِيب فِيهَا خلاف الأَصْل فَلَا يُصَار إِلَيْهِ إلاَّ بِدَلِيل ظَاهر وَلَا دَلِيل بِحَال وَالثَّانِي أنَّه لَو سلم ذَلِك لم يلْزم بَقَاء حكم وَاحِد من المفرديين كَمَا فِي (لَوْلَا) و (وَكَأن) لَا بِدَلِيل ظَاهر وَلَا دَلِيل بِحَال وَالثَّانِي أنَّه لَو سلم ذَلِك لم يلْزم بَقَاء حكم وَاحِد من المفردين كَمَا فِي (لَوْلَا) وكأنَّ وَغَيرهمَا لأنَّ التَّرْكِيب يحدث معنى لم يكن وبحدوثه يبطل الْعَمَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَالثَّالِث أنَّ النصب ب (إنَّ) فَاسد لأنَّها إِذا نصبت افْتَقَرت إِلَى خبر وَلَا خبر و (لَا) لَا تعْمل الرّفْع وَلَو عملت لافتقرت إِلَى خبر أَيْضا فصل وَالْبدل فِي النَّفْي بعد تَمام الْكَلَام أوْلى لأمرين أَحدهمَا أَن الْعَمَل فيهمَا وَاحِد وَهُوَ أولى من اخْتِلَاف الْعَمَل وَالثَّانِي أنَّك إِذا جعلته بَدَلا كَانَ لَازِما فِي الْجُمْلَة كَمَا أَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ كَذَلِك وَهُوَ أوْلى من جعله فضلَة إِذْ كَانَ الِاسْتِثْنَاء لَازِما فِي الْمَعْنى الْمَطْلُوب فَيكون اللَّفْظ كَذَلِك فصل وَإِنَّمَا لم يجز الْبَدَل فِي الْمُوجب لفساد مَعْنَاهُ وَذَلِكَ انَّ (إلاّ) يُخَالف مَا بعْدهَا مَا قبلهَا وَإِذا قلت قَامَ الْقَوْم إلاَّ زيد كَانَ كَقَوْلِك قَامَ إلاّ زيد ف (زيد) إنْ جعلته فِي الْمَعْنى قَائِما لم يكن ل (إلاَّ) معنى وإنْ نفيت عَنهُ الْقيام احتجت إِلَى تَقْدِير فَاعل وَلَا يَصح لأنَّه يصير قَامَ كلَّ وَاحِد وَهَذَا محَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 فصل وَلَا يجوز عِنْد جُمْهُور النَّحْوِيين أَن يكون الْمُسْتَثْنى أَكثر الْجُمْلَة مثلله عليّ عشرَة إلاَّ سِتَّة أوجه أَحدهَا أنَّ الِاسْتِثْنَاء فِي الاصل دخل الْكَلَام للاختصار أَو للْجَهْل بِالْعدَدِ كَقَوْلِك قَامَ الْقَوْم إلاَّ فاستثناء (زيد) كَانَ للْجَهْل بِعَدَد من قَامَ مِنْهُم أَو للاطالة بتعديدهم وَلَا شبه أنَّ قَوْله عليَّ أَرْبَعَة أحضر من قَوْله عشرَة إِلَّا سِتَّة فَإِن قلت فعشرة إلاَّ أَرْبَعَة جَائِز معنى مَعَ أنَّ (ستّة) أَخْضَر قيل جَازَ للمعنى الآخر وَهُوَ الْجَهْل فأنَّه قد يعرف الْعدَد الْقَلِيل وَلَا يعرف الْكثير وَإِذا الْكثير عرف الْقَلِيل هَذَا هُوَ الأَصْل وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ التَّعْبِير عَن الْأَكْثَر جَائِز فَدخل الِاسْتِثْنَاء ليرْفَع الاحتم الوتعيينه للاكثر وَهُوَ عكس التوكيد لِأَنَّهُ يُعينهُ للْكُلّ وَيمْنَع من حمله على الْأَكْثَر كَقَوْلِهِم قَامَ الْقَوْم كلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 فصل وَإِنَّمَا يخْتَار النصب دون الْبَدَل فِي غير الْجِنْس لِأَن الْبَدَل فِي حكم الْمُبدل مِنْهُ فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ وَفِي أَنه يسْقط الأول وَيقوم الثَّانِي مقَامه فَعِنْدَ ذَلِك يصير أصلا فِي الْجُمْلَة وَكَونه من غير الْجِنْس لَا يلْزم ذكره لِأَن اللَّفْظ الأول لَا يشْتَمل عَلَيْهِ حَتَّى يخرج بِالِاسْتِثْنَاءِ فيتمحض فضلَة فِي الْمَعْنى فَيجْعَل صفة فِي اللَّفْظ وَهُوَ كَقَوْلِك مَا بِالدَّار أحد إِلَّا وتداً وَمن اخْتَار الْبَدَل رَاعى اللَّفْظ وَفَائِدَة اسْتثِْنَاء غير الْجِنْس ثَلَاثَة أَشْيَاء الْإِعْلَام بِعُمُوم الأول وَأَن الثَّانِي من آثَار الأول وَإِثْبَات مَا كَانَ يحْتَمل نَفْيه فصل وَمِمَّا قَامَ مقَام إِلَّا من الْأَفْعَال (لَيْسَ) و (لَا يكون) و (عدا) وَمَا بعدهن مَنْصُوب وَإِنَّمَا دخلت هَذِه الْأَفْعَال فِي الإستثناء لما فِيهَا من معنى النَّفْي وَمَا بعد (لَيْسَ) و (لَا يكون) خبر لَهما كَقَوْلِك قَامَ الْقَوْم لَيْسَ زيدا أَي لَيْسَ بَعضهم زيدا وَالضَّمِير هَهُنَا يُوجد على كل حَال لِأَنَّهُ ضمير (بعض) و (لَا يكون) إسمها مظْهرا هُنَا للإختصار و (لَا يكون) ك (إلاَّ) فِي أَنه لَيْسَ بعْدهَا سوى الْمَنْصُوب وَلذَلِك لَا يجوز الْعَطف على الْمَنْصُوب بهَا فَلَا تَقول جَاءَ الْقَوْم لَيْسَ زيدا وَلَا عمرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وأمَّا (مَا عدا) و (مَا خلا) فأفعال كلهَا لِأَنَّهَا صلات ل (مَا) وَلَا تكون الْحُرُوف صلَة وَالْفَاعِل فِيهَا مُضْمر وَمَوْضِع مَا وصلتها حَال كَقَوْلِك قَامَ الْقَوْم مَا عدا زيدا أَي عدوَّ زيد والمصدر هُنَا حَال أَي متجاوزين زيدا فصل وإنّما تعين النصب فِي الْمُسْتَثْنى إِذا تقدَّم وَلم يجز البدلُ لانَّ الْبَدَل تَابع للمبدل مِنْهُ كالصفة والتوكيد وكما لَا يجوز تقديمهما لئلاّ يصيرا فِي مَوضِع الْمَتْبُوع كَذَلِك هُنَا فَيجب أَن يخرج مخرج الفضلات ليَكُون فِي لَفظه دلَالَة على أنَّه لَيْسَ بِأَصْل فصل وإنَّما أعربت (غير) إِعْرَاب الِاسْم الْوَاقِع بعد (إلاَّ) لأنَّها اسْم تلْزمهُ الْإِضَافَة فَمن حَيْثُ كَانَت اسْما يجب ان تُعْرب وَمن حَيْثُ أضيفت يحب أَن يكون [مَا بعْدهَا مجرورا وَيجب أَن يكون] إعرابها إِعْرَاب الِاسْم الْمُسْتَثْنى لأنَّها اسمٌ فِي حيَّز الْمُسْتَثْنى وَلم يحتّج إِلَى حرف مقّو لإبهامها وَشبههَا بالظرف فيصل الْفِعْل إِلَيْهَا بِنَفسِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 فصل وأمّا (سوى) فَهِيَ ظرف فِي الأَصْل وَلَا تسْتَعْمل فِي الِاسْتِثْنَاء إلاَّ مَنْصُوبَة إِذا وَقعت بعد تَمام الْكَلَام ليتوفرَّ عَلَيْهَا حكم الظروف وَقد جَاءَت غير ظرف قَلِيلا فصل وأمَّا (حاشا) فمذهب أَكثر الْبَصرِيين أنَّها حرف جرّ وَقد جَاءَ ذَلِك فِي الشّعْر وَقَالَ المبِّرد والكوفيَّون هِيَ فعل لِأَشْيَاء أَحدهَا تصرَّفها نَحْو (أحاشي ومحاشى) وَأَصلهَا من حَاشِيَة الشَّيْء أَي طرفه فقولك قَامَ الْقَوْم حاشا زيدا أَي صَار فِي حَاشِيَة وناحية عَنْهُم والحروف لَا تتّصرف وَالثَّانِي أنَّ الْحَذف يدخلهَا قَالُوا حاش لله وَحش لله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وَالثَّالِث أنَّ حرف الجرّ يتعلّق بهَا كَقَوْلِك (حاشا لله) وَذَلِكَ من خَصَائِص الْأَفْعَال وَالْجَوَاب أمَّا التصَّرف فَلَيْسَ على مَا ذكر فأمَّا (حاشا) فمشتق من لفظ الْحَرْف كَمَا قَالُوا سَأَلته حَاجَة فلولا أَي قَالَ لَوْلَا كَذَا لفَعَلت كَذَا وَقَالُوا هلّل أَي قَالَ لَا اله الا الله وبسمل أَي قَالَ بِسم الله وَهُوَ كثير فامَّا الْحَذف فقد دخل الْحُرُوف قَالُوا فِي ربَّ (رُبّ) وَفِي سَوف (سَوْ) وَفِي لعلَّ (علَّ) فِي أحد المذهبين وأمَّا اللَّام فِي (لله) فزائدة وَلَا تعلق بِشَيْء ويدلك عَلَيْهِ قَوْلك جَاءَ الْقَوْم حاشا زيد بِغَيْر لَام وَلم يُقَلْ إِن اللَّام محذوفة فصل وأمَّا (خلا) فقد جرَّ بهَا قوم وَنصب بهَا آخَرُونَ وجعلوها فعلا من (خلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 يَخْلُو) وأمَّا (عدا) فَمثل خلا وأمَّا (ماخلا) و (مَا عدا) ففعلان لما تقدَّم فِي مَوْضِعه وَأَجَازَ أَبُو عليّ فِي كتاب الشّعْر أَن تكون (مَا) فِي (مَا عدا) زَائِدَة فتجرّ مَا بعْدهَا وَتَابعه الربعِي على ذَلِك فصل وَلَا يجوز تَقْدِيم الْمُسْتَثْنى على جَمِيع الْجُمْلَة كَقَوْلِك إلاَّ زيدا ضُرب الْقَوْم لأنَّ إلاَّ بِمَنْزِلَة (وَاو مَعَ) لما ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ وَهِي تشبه (لَا) العاطفة كَقَوْلِك قَامَ الْقَوْم لَا زيدٌ وَهَذَانِ لايتقدَّمان على الْعَامِل فَكَذَا قَوْلك (إلاَّ) فإنْ وَقعت بَين أَجزَاء الْجُمْلَة جَازَ كَقَوْلِك 57 - (أَلا كُلُّ شيءٍ مَا خلا الله باطلُ ... ) وكقولك أَيْن إلاَّ زيدا قَوْمك وعَلى هَذَا تَقول مَا ضرب إلاَّ زيدا قَوْمك قَالَ أَصْحَابنَا إِن استثنيته من (قَوْمك) جَازَ ومنْ اصحابنا منْ لم يجزه وَالْفرق أنَّ الْفَاعِل أصل فِي الْجُمْلَة فصل وَلَا يعْمل مَا بعد (إلاَّ) فِيمَا قبلهَا كَقَوْلِك قَوْمك زيدا إلاَّ ضاربون لأنَّ تَقْدِيم الِاسْم الْوَاقِع بعد (إلاَّ) عَلَيْهَا غير جَائِز فَكَذَلِك معموله لما تقرَّر أنَّ الْمَعْمُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 لَا يَقع إلاَّ حَيْثُ يَقع الْعَامِل إِذْ كَانَ تَابعا لَهُ وفرعاً عَلَيْهِ فَإِن جَاءَ فِي الشّعْر أُضْمِر لَهُ فعل من جنس الْمَذْكُور فصل وَيجوز أَن تقع (إلاَّ) صفة بِمَعْنى (غير) فَيجْرِي مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا كَقَوْلِك لَهُ عِنْدِي مائَة إلاَّ دِرْهَم فَترفع كَمَا ترفع (غيراً) هُنَا إِذا جَعلتهَا وصفاًَ فليزمك الْمِائَة بكمالها وَإِن نصبت (درهما) لزمك تِسْعَة وَتسْعُونَ على أصل الْبَاب وَكَذَا إِذا قلت غير دِرْهَم فَنصبت (غيراً) فصل إِذا وَقع اسْتثِْنَاء بعد اسْتثِْنَاء كَانَ الاخير مُسْتَثْنى من الَّذِي قبله فَمَا يبْقى مِنْهُ هُوَ الْمُسْتَثْنى من الَّذِي قبل قبله فعلى هَذَا إِذا قَالَ لَهُ عليَّ عشرَة الأ تِسْعَة ثَّم على ذَلِك نقص وَاحِدًا إِلَى أنَّ قَالَ (إلاَّ وَاحِدًا) لزمَه خَمْسَة دَرَاهِم وَلَك فِي تَحْقِيق ذَلِك طَرِيقَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 احدهما أَن تَأتي إِلَى آخر الْعدَد فتسقطه من الَّذِي قبله على مَا بيَّنا فَيسْقط هَهُنَا من اثْنَيْنِ فَيبقى وَاحِد فتسقطه من ثلَاثه فَيبقى اثْنَان فتُسقطهما من الْأَرْبَعَة فَيبقى اثْنَان فتسقطهما من الْخَمْسَة فَيبقى ثمَّ على ذَلِك إِلَى العشره قيبقى خَمْسَة وَالطَّرِيق الثَّانِي أَن تجمع الْعشْرَة وَالثَّمَانِيَة والستة وَالْأَرْبَعَة والاثنين وَتسقط مَا بَين كلّ استثنائين ثمَّ تجمع ذَلِك فَيكون ثَلَاثِينَ وَتجمع مَا أسقطت فَيكون خَمْسَة وَعشْرين فتسقطها من الثَّلَاثِينَ فَيبقى خَمْسَة وَهَذَا يخرج على قَول من أجَاز اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَمن لم يجزه فَفِيهِ وَجْهَان أحدُهما أنَّ جمع الِاسْتِثْنَاء بَاطِل لِأَن الأوَّل بَطل لِأَنَّهُ أَكثر فَيبْطل مَا يتَفَرَّع عَلَيْهِ وَالثَّانِي أنَّه يبطل الْأَكْثَر إِلَى أَن يصل إِلَى النّصْف فيصّح ثَّم ينظر فِي الْبَاقِي على هَذَا السِّيَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 بَاب كم وَهِي اسْم لوُجُود حدّ الِاسْم وعلاماته فِيهَا وإنَّما بنيت فِي الِاسْتِفْهَام لتضمنَّها معنى همزَة الِاسْتِفْهَام وبنيت فِي الْخَبَر لمشابهتها (ربّ) من أوجه أَحدهَا أنَّها تختصُّ بالنكرة كَمَا تخْتَص (ربّ) بهَا وَالثَّانِي أنَّها لغاية التكثير كَمَا أَن (ربّ) لغاية التقليل وَالْجَامِع بَينهمَا الْغَايَة فِي طرفِي الْعدَد وَالثَّالِث أنَّ (كم) لَهَا صدر الْكَلَام كَمَا أنَّ (ربُ) كَذَلِك وَالْمرَاد بذلك أنَّه لَا يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا فإنْ قلت قد يدْخل على مَا هَذَا سَبيله حرف الجرّ فَيعْمل فِيهِ قيل حرف الجرّ الدَّاخِل عَلَيْهَا مِمَّا يتعلًّق بِمَا بعْدهَا كَقَوْلِك بكم رجل مَرَرْت فيؤخّر الْعَامِل الْأَصْلِيّ وإنَّما قدَّمت الْبَاء لأنَّها وصلَة بَين الْعَامِل والمعمول فَلَو أخرتهما جَمِيعًا لم تتحقَّق الوصلة ومعظم النحويّين يَقُول حُملت على نقيضتها وَهِي (ربّ) والحقُّ مَا خبرتك بِهِ وَهُوَ معنى كَلَامهم لأنَّهم لَا يعنون أنَّ حكم الشَّيْئَيْنِ وَاحِد لعلَّة تضادّهما بل بَين الضدَّين معنى يَشْتَرِكَانِ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 فصل وبُنيتْ على السّكُون لأنَّه الأَصْل وَلم يُوجد مَانع من خُرُوجه على ذَلِك فصل وإنَّما افْتَقَرت (كم) إِلَى (مبيّن) لأنَّها اسْم لعدد مُبْهَم فيذكر بعْدهَا مَا يدلُّ على الْجِنْس المُرَاد بهَا فصل وإنَّما ميّزت الاستفهامية بالمنصوب لأنَّها جعلت بِمَنْزِلَة عدد متوسّط وَهُوَ من أحد عشر إِلَى تِسْعَة وَتِسْعين لأنَّ المستفهم جَاهِل بالمقدار فَجعلت للوسط بَين الْقَلِيل وَالْكثير فصل وَالْحكمَة فِي وَضعهَا الِاخْتِصَار والعموم الَّذِي لَا يُسْتَفَاد بِصَرِيح الْعدَد ألاَّ ترى أنَّك إِذا قلت أعشرون رجلا جَاءَك لم يلْزمه أنْ يُجيبك بكميَّة بل يَقُول (لَا) أَو (نعم) وَإِذا قَالَ (لَا) لم يحصل لَك مِنْهُ غَرَض السُّؤَال مَعَ الإطالة وَإِذا قلت كم رجلا جَاءَك اسْتَغْنَيْت عَن لفظ الْهمزَة وَالْعدَد وألزمت الْجَواب بالكميّة فإنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 قيل لَو كَانَت (كم) هُنَا للوسط من الْعدَد لم جَازَ أَن يُبدل مِنْهَا الْقَلِيل وَلَا الْكثير وَقد جَازَ أَن تَقول كم رجلا جَاءَك أخمسة أم أَكثر أَو مائَة أَو أَكثر قيل الجيّد فِي مثل هَذَا أنْ يُبدلَ مِنْهَا الْعدَد الْوسط لما ذكرنَا وإنَّما جَازَ خِلَافه لأنَّ (كْم) مُبْهمَة فِي نَفسهَا تحْتَمل الْقَلِيل وَالْكثير وَالْوسط وَلِهَذَا يصحُّ الْجَواب بكَّل مِنْهَا وإنَّما جعلت بِمَنْزِلَة الْوسط فِي نصب المميّز فَقَط فصل وأمَّا (كْم) الخبريَّة فتجرُّ مَا بعْدهَا لأنَّها اسْم بُيّن بِعَدَد مجرور فَكَانَ هُوَ الْجَار ك (مائَة رجل) وَنَحْوه وَذهب بَعضهم إِلَى أنَّه مجرور ب (من) محذوفة لأنَّك تظهرها كَقَوْلِك كم من جبل وَنَحْوه وَكم من عبد ولَمَّا عُرف موضعهَا بَقِي عملُها بعد حذفهَا كَمَا فِي ربّ مَعَ الْوَاو والمذهبُ الأوَّل أقوى لأنَّ حرف الجرّ ضَعِيف فَلَا يبْقى عمله بعد حذفه وَلِهَذَا كُّل مَوضِع حذفت فِيهِ حرف الجرّ نصبته إلاَّ فِي مَوَاضِع دعت الضَّرُورَة إِلَى تَقْدِير عمل الْحَرْف الْمَحْذُوف وَلَا ضَرُورَة هَهُنَا لأنَّ (كْم) اسْم وَالْإِضَافَة من أَحْكَام الْأَسْمَاء فإنْ قلت لَو كَانَ مُضَافا لأعرب ك (قبل) و (بعد) قيل هَذَا غير لَازم فإنَّ (لدنْ) مَبْنِيَّة مَعَ الْإِضَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فصل وَلَا تميز الاستفهاميَّة إلاَّ بالمفرد لأنَّها كالعدد الَّذِي نابت عَنهُ وأمَّا الخبريَّة فالجيَّد فِيهَا كَذَلِك لأنَّها ك (مائَة وَألف) وَيجوز أَن تبيّن بِالْجمعِ حملا على الْعشْرَة وَمَا دونهَا فصل وَمن الْعَرَب مَنْ ينصب مَا بعد الخبرية كَمَا ينصب بعد مائَة إِذا نوّن كَقَوْل الشَّاعِر 58 - (إِذا عَاشَ الْفَتى مِائَتَيْنِ عَاما ... فقد ذهب اللذاذةُ والفتاء) // الوافر // وَمِنْهُم من يجر بالاستفهامية حملا على الخبرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 فصل فإنْ فصلت بَين الخبريَّة ومميّزها نصبت لئلاّ يَقع الْفَصْل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَمِنْهُم مّنْ يجرُّه وَلَا يعتدُّ بِالْفَصْلِ فصل وَقد ترفع النكرَة بعد (كم) فِي الِاسْتِفْهَام وَيكون الْمُمَيز محذوفاً ويقدّر مَا يحْتَملهُ الْكَلَام كَقَوْلِك كم رجلٌ جَاءَك أَي كم مرَّةً أَو يَوْمًا وَرجل مُبْتَدأ وَمَا بعده الْخَبَر وَإِذا رفعت لم يتعدَّد الرجل بل تتعدَّد فعلاته فصل وَيجوز أَن يرجع الضَّمِير إِلَى لفظ (كم) فَيكون مُفردا وَإِلَى مَعْنَاهَا فَيكون جمعا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَكم من ملك فِي السَّمَاوَات لَا تغني شفاعتهم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 فصل وممَّا ألحق بِكَمْ (كأيَّن) فِي الْكثير وفيهَا لُغَات وَكَلَام لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر إلاَّ أنَّها لَا تُضَاف وَلَا بُدَّ من (مِنْ) بعْدهَا وممَّا أْلحق بكم (كَذَا) كَقَوْلِك لَهُ عِنْدِي كَذَا درهما وَكَذَا كَذَا درهما وَكَذَا وَكَذَا درهما وَقد فرَّع الْفُقَهَاء على هَذَا مسَائِل فِي الْإِقْرَار تحْتَاج إِلَى نظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 بَاب الْعدَد أنَّما لم يُضَف (وَاحِد وَاثْنَانِ) إِلَى مميّز لما فِيهِ من إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه كَقَوْلِك (أثنا رجلَيْنِ) ولأنَّ قَوْلك (رجل ورجلان) يدلُّ على الكّميَّة وَالْجِنْس وَلَيْسَ كَذَلِك (رجال) لأنَّه يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير فيضاف الْعدَد إِلَيْهِ فتعلم الكّميَّة بالمضاف وَالْجِنْس بالمضاف إِلَيْهِ فصل وإنَّما ثبتَتْ (الْهَاء) فِي الْعدَد من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فِي المذكّر دون الْمُؤَنَّث للْفرق بَين المذكّر والمؤنَّث المميَّزين وَكَانَ المذكَّر بِالتَّاءِ أوْلى لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ الْعدَد جمَاعَة وَالْجَمَاعَة مُؤَنّثَة والمذكَّر هُوَ الأَصْل فأقَّرت الْعَلامَة على التَّأْنِيث فِي المذكَّر الَّذِي هُوَ الأَصْل وحُذِفَتْ فِي المؤنَّث لأنَّه فرع وَالثَّانِي أنَّ الْفرق لَا يحصل إلاَّ بِزِيَادَة وَالزِّيَادَة يحتملها المذكَّر لخفَّته وَلذَلِك منع التَّأْنِيث من الصّرْف لثقله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وَقيل الْمَعْدُود ملتبسٌ بِالْعدَدِ وإضافته كاللازم فأغنى تَأْنِيث الْمُضَاف إِلَيْهِ عَن تَأْنِيث الْعدَد وَخرج فِي المذكَّر على ألاصل فصل وإنَّما أضيف هَذَا الْعدَد إِلَى جموع القلَّة لاشْتِرَاكهمَا فِي العلَّة وجموعُ القلَّة جمعُ التَّصْحِيح وَأَرْبَعَة من التكسير وَهِي (أفْعُل وأفعال وأفْعِلَة وفِعْلة) وَمَا جَاءَ فِيهِ من جموع الْكَثْرَة فعلى خلاف الأَصْل فصل وإنَّما سكَّنت الشين من (عشْر) إِذا أضيفت إِلَى المؤنَّث وَهِي مَفْتُوحَة فِي المذكَّر لثقل التَّأْنِيث إِذْ كَانَت الْحَرَكَة كالحرف فِي بعض الْمَوَاضِع فصل وإنَّما بني من (أحدَ عشرَ) إِلَى (تِسْعَة عشَر) غير (أثني عشر) لتضمُّنه معنى وَاو الْعَطف والاصل ثَلَاثَة وَعشرَة فركَّب اختصاراً وَمعنى الْعَطف باقٍ فِي الِاسْم يبْنى لتضُّمنه معنى الْحَرْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وأنَّما حرّك الاسمان لِأَن لَهما أصلا فِي الْإِعْرَاب وَالْبناء حَادث وَكَانَت الفتحة أوْلى لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ الِاسْم طَال وَالثَّانِي أنَّ الِاسْم الثَّانِي بِمَنْزِلَة (تَاء التَّأْنِيث) إِذْ كَانَ مزيداً على الأوَّل لِمَعْنى ويفارقه فِي بعض الْمَوَاضِع وتاء التَّأْنِيث تفتح مَا قبلهَا فَكَذَلِك هَذَا فصل فأمَّا (اثْنَا عشر) فالاسم الأوَّل مُعرب لأوجه أَحدهَا أَنهم أَرَادوا الدّلَالَة على أَن الأَصْل فِي هَذِه الْأَعْدَاد الْإِعْرَاب كَمَا صححَّوا الْوَاو فِي (قَوَد) و (استحوَذ) وَالثَّانِي انَّ عَلامَة الْإِعْرَاب هِيَ حرف التَّثْنِيَة فَلَو أبطلت لبطل دَلِيل التثنيه وَالثَّالِث أنَّ مَا عداهُ من المركَّب جرى مجْرى الِاسْم الْوَاحِد وإعراب الِاسْم الْوَاحِد لَا يكون فِي وَسطه وامَّا (اثْنَان) فبغير تَاء فِي المذكَّروبتاء فِي المؤنَّث كَمَا كَانَ قبل التَّرْكِيب وَيجوز فِي المؤنَّث حذف الهمزه وإثباتها فصل وَأما (عشَرَ) هَهُنَا فبنيت لوقوعها موقع النُّون المحذوفه من (اثْنَي) لَا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 جِهَة الإضافه فبنيت كَمَا أنَّ النُّون مبنيَّه ويدلُّ على أنَّه غير مُضَاف أنَّ الحكم الْمَنْسُوب إِلَى الْمُضَاف غير مَنْسُوب إِلَى الْمُضَاف إِلَيْهِ كَقَوْلِك قبضت دِرْهَم زيد وَالْحكم هُنَا مَنْسُوب إِلَى الِاثْنَيْنِ وَالْعشرَة كَقَوْلِك قبضت اثْنَي عشر درهما فصل وإنَّما ثبتَتْ (التَّاء) من (ثَلَاثَة عشر) إِلَى (تِسْعَة عشر) لأنَّها كَذَلِك فِي مرتبَة الْآحَاد وحذفت من (عشر) لئلاّ تَجْتَمِع علامتا تَأْنِيث وَعكس ذَلِك فِي المؤنَّث حملا على (ثَلَاث نسْوَة) وَثبتت التَّاء فِي (عشرَة) لئلاّ يَخْلُو الِاسْم من عَلامَة التَّأْنِيث وَقيل ثبتَتْ فِيهِ التَّاء ليُوَافق الِاسْم المميّز بعده إِذْ كَانَ للمجاورة أثر فِي الْمُوَافقَة فصل أمَّا (أحدَ عَشَر) فِي المذكَّر فَلَا عَلامَة للتأنيث فِيهِ لأنَّ (أحدا) قبل التَّرْكِيب لَا عَلامَة فِيهِ فَبَقيَ على ذَلِك وأمَّا (عشر) فبغير تَاء كَمَا ذكرنَا فِي (ثَلَاثَة عشر) وأمَّا فِي المؤنَّث فثبتت العلامتان لأنَّ (إِحْدَى) قبل التَّرْكِيب تلحقها عَلامَة التَّأْنِيث كَقَوْلِك (وَاحِدَة) و (إِحْدَاهمَا) فَبَقيت عَلَيْهَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 التَّرْكِيب وأمَّا (عشرَة) فالتاء لما ذكرنَا فِي (ثَلَاث عشرَة) ولهذه العلَّة قُلْتَ فِي المؤنَّث (اثْنَتَا عشرَة) بالعلامتين فصل وأمَّا (عشرُون) فاسم مَوْضُوع لعشرتين وَلَيْسَ بِجمع تَصْحِيح على التَّحْقِيق لأنَّ أقلَّ هَذَا الْجمع ثَلَاثَة فَلَو كَانَ (عشرُون) جمع تَصْحِيح لَكَانَ أقلَّ مَا يَقع عَلَيْهِ ثَلَاث عشرات وَحكي عَن الْخَلِيل أنَّه جَمْعُ (عِشْر) من أظماء الْإِبِل وَذَلِكَ أَن الْعشْر مِنْهَا ثَمَانِيَة لأنَّها ترد المَاء يَوْمًا وتتركه ثَمَانِيَة وترده الْيَوْم الْعَاشِر فَلَا يحْتَسب بيومي الْوُرُود فَتكون الْعشْرُونَ عِشْرَيْنِ وَنصفا فَجمع على التَّكْمِيل وَفِي هَذَا القَوْل بُعْدٌ وأمَّا كَسْرُ العَيْنِ مِنْ (عِشْرين) فَقيل كَانَ الأَصْل أَن يُقَال (عشرتان) وهم أثنتان من هَذِه الْمرتبَة فكُسِرَ كَمَا كًسِرَ أوَّل اثْنَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وَقيل الْعشْرَة تؤنَّث وَجَمعهَا لَا يؤنَّث فَكسر أوَّله فِي الْجمع عوضا من التَّأْنِيث إِذْ كَانَ يؤنّث بِالْيَاءِ نَحْو تضربين والكسرة من جنس الْيَاء وأمَّا على قَول الْخَلِيل فالكسرة فِيهِ كسرة الْوَاحِد فصل وأمَّا (ثَلَاثُونَ) إِلَى (تسعين) فأسماء مشتقَّةٌ من أَلْفَاظ مرتبَة الْآحَاد وَلَيْسَ (ثَلَاثُونَ) جمع (ثَلَاث) إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ أقلُّ مَا يَقع عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ (تِسْعَة) لأنَّها ثَلَاث ثلاثات فصل وأمَّا (الْمِائَة) وَمَا تكرَّر مِنْهَا فتضاف لأنَّها عدد مُفْرد فأضيف إِلَى مميّزه كالعشرة وَمَا دونهَا وإنَّما كَانَ المميّز مُفردا لِأَن الْمِائَة أقرب إِلَى مَا تُمّمَ بالمفرد وَهُوَ تسعون فقد جمعت شبه الْآحَاد والعشرات فصل وَكَانَ القياسُ أنْ يُقَال (ثَلَاث مئات أَو مئين) وَكَذَا إِلَى تِسْعمائَة كَمَا تَقول (ثَلَاث نسْوَة) إلاَّ أنَّهم أضافوها إِلَى الْوَاحِد حَيْثُ طَال الْكَلَام بإلاضافة إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 (الْمِائَة) وَإِضَافَة الْمِائَة للدرهم وَنَحْوه ولأنَّ المميّز مُفْرد فَلَو جمعُوا (مائَة) وَهِي عدد - لأضافوا جمع الْعدَد إِلَى المميّز الْمُفْرد وَلَيْسَ لَهُ أصل لأنَّ مرتبَة الْآحَاد تُضَاف إِلَى الْجمع فصل فأمَّا (الْألف) فكالمائة لأنَّها تَلِيهَا وإنَّما قَالُوا ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فأضافوا إِلَى الْجمع لأنَّ مرتبَة الآلاف كمرتبة الْآحَاد إِذْ لم تكن مرتبَة رَابِعَة وَلذَلِك يبْقى لفظ الْعشْرَة وَالْمِائَة فِيهَا بِخِلَاف الْمَرَاتِب الأُوَل فإنَّ كلا مِنْهَا إِذا جَاوز التِّسْعَة تجدّد لَهُ اسمٌ لم يكن فصل إِذا أردْت تَعْرِيف الْعدَد الْمُضَاف أدخلت أَدَاة التَّعْرِيف على الِاسْم الثَّانِي فتعرَّف بِهِ الأوَّل نَحْو ثَلَاثَة الرِّجَال وَمِائَة الدِّرْهَم كَقَوْلِك غُلَام الرجل وَلَا يجوز (الْخَمْسَة دَرَاهِم) لأنَّ الْإِضَافَة للتخصيص وَتَخْصِيص الأوَّل بِاللَّامِ يغيه عَن ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 فأمَّا مَا لم يضف مِنْهُ فأداة التَّعْرِيف فِي الأوَّل نَحْو الْخَمْسَة عشر درهما إِذْ لَا تَخْصِيص هُنَا بِغَيْر اللَّام وَقد جَاءَ شيءٌ على خلاف مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ شاذّ عَن الْقيَاس والاستعمال فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 بَاب النداء يجوز كسر نون النداء وضمُّها مثل (الهِتاف) و (الُهتاف) وَلَام النداء (واوٌ) لقَوْلهم نَدَوْتُ الْقَوْم إِذْ جَلَست مَعَهم فِي النادي وَهُوَ مَجْلِسُهم الَّذِي يُنادي فِيهِ بَعضهم بَعْضًا ومصدُره الندوة فصل وحروفه (يَاء) و (أيْ) و (أيا) و (هيا) و (الْهمزَة) وَفِي الندبة حرف آخر وَهُوَ (وَا) وَالْغَرَض مِنْهَا تَنْبِيه المدعوّ ليسمع حَدِيثك فأمَّا نِدَاء الديار وَغَيرهَا فعلى طَريقَة التذكّر والتذكير فصل والنداء تصويت لَا يحتملُ التصديقَ والتكذيبَ وَقيل أنْ كَانَ يصفه نَحْو يَاء فُسَقُ وَيَا فاضلُ كَانَ خَبرا لاحْتِمَاله ذَلِك وَهَذَا يُوجب أنْ يكون خَبرا فِي الْأَعْلَام لأنِّك إِذا أَقبلت على إِنْسَان فَقلت يَا زيد أمكن أَن يَقُول كذبت لست زيدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 فصل والمنادى مَنْصُوب اللَّفْظ والموضع وَاخْتلف فِي ناصبه فَقَالَ بَعضهم الناصبُ لَهُ فعل مَحْذُوف لم يسْتَعْمل إضهاره وَهُوَ (أنادي وأدعو وأنَّبهُ) وَنَحْو ذَلِك وَذَلِكَ لأنَّ (يَا) حرف وَالْأَصْل فِي الْحُرُوف ألاَّ تعْمل ولأنَّها لَو عملت لَكَانَ لشبهها بِالْفِعْلِ وشبهُها بِالْفِعْلِ ضعيفٌ لقلّة حروفها لَا سيَّما الْهمزَة الَّتِي هِيَ على حرف وَاحِد فتعيَّن أَن يكون الْعَامِل فعلا لكنَّه استغني عَن إِظْهَاره لدلَالَة (يَا) عَلَيْهِ وَقَالَ آخَرُونَ الْعَامِل فِيهِ حرف النداء لأنَّه أشبه الْفِعْل من ثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّ مَعْنَاهُ معنى الْفِعْل بل أقوى من حَيْثُ أنَّ لفظ الْفِعْل عبارَة عَن الْفِعْل الحقيقيّ كَقَوْلِك (ضرب) و (يَا) هِيَ الْعَمَل نَفسه وتعبّر عَنهُ ب (نَادَى) وَالثَّانِي أنَّها أميلت وَلَيْسَ ذَاك إلاَّ لشبهها بِالْفِعْلِ وَالثَّالِث أنَّه يعلَّق بهَا حرف الجرّ فِي قَوْلك يالزيد وحرف الجرّ لَا يتعلَّق إلاَّ بِالْفِعْلِ أَو مَا عمل عمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 فصل وإنَّما بني الْمُفْرد الْعلم فِي النداء والنكرة الْمَقْصُودَة لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه صَار مَعَ حرف النداء كالأصوات نَحْو (حوبَ) و (هِيدَ) و (هلا) زجر الْإِبِل و (عَدَسْ) فِي زجر البغال لِأَن الْغَرَض من الْجَمِيع التَّنْبِيه وَلَيْسَ بمخبر عَنهُ وَلَا مُتَّصِل بمخبر عَنهُ وَلذَلِك بنيت حُرُوف التهجّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَالثَّانِي أنَّه أشبه الْمُضمر فِي أنَّه مُخَاطب غير مُضَاف وَالْأَصْل فِي كلَّ مُخَاطب أنّ يذكر بضمير الْخطاب كَقَوْلِك أَنْت يَا أَنْت وَقد جَاءَ ذَلِك فِي النداء قَالَ 59 - (يَا أبْحَرُ بنَ أبْحَرٍ يَا أنْتا ... أَنْت الَّذي طُلَّقْتَ عَام جُعْتا) // الرجز // وَالْوَاقِع موقع المبنيَّ يُبْنى فصل وإنَّما بني على حَرَكَة لأنَّ بناءه عَارض فحرَّك لينفصل عمَّا بِنَاؤُه لَازم وحرَّك بالضمَّ لثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّه قوي بذلك زِيَادَة فِي التَّنْبِيه على تمكَّنه وَالثَّانِي أنَّ المنادى يكسر إِذا أضيف إِلَى الْيَاء وَيفتح إِذا أضيف إِلَى غَيرهَا فضُمَّ فِي الْإِفْرَاد لتكمل لَهُ الحركات كَمَا فعلوا ذَلِك فِي قبلُ وبعدُ وَالثَّالِث أنَّهم لَو فتحوه أَو كسروه لالتبس بالمضاف فصاروا إِلَى مَا لَا لَبْس فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 فصل وإنَّما أعرب الْمُضَاف والمشابه لَهُ والنكرة غير الْمَقْصُودَة على الأَصْل وَلم يُوجد الْمَانِع من ذَلِك فإنَّ الْمَانِع فِي الْمُفْرد شبهُهُ بالمضمر والمضاف لَا يشبه الْمُضمر لأمرين أحدُهما أنَّ الْمُضمر لَا يُضَاف وَالثَّانِي أنَّ تَعْرِيف الْمُضَاف بِالْإِضَافَة وتعريفُ الْمُضمر هُنَا بِالْخِطَابِ وَكَذَلِكَ المشابه للمضاف طَال طولا فَارق بِهِ الْمُضمر أَو عمل فِيمَا بعده والمضمر لَا يعْمل وَكَذَا النكرَة الشائعة لَا تقع موقع الْمُضمر فَهَذَا لبَيَان عدم الْمُوجب للْبِنَاء وَيُمكن أَن يُقَال علَّة الْبناء مَوْجُودَة وَهِي مَا تقدَّم وَلَكِن تعذَّر الْبناء فِي الْمُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم بِتِلْكَ العلَّة لأنَّه بني لعلَّة أُخْرَى والمضاف إِلَى غَيره صَار كالمنوَّن لأنَّه الْمُضَاف إِلَيْهِ يحلّ محلَّ التَّنْوِين والتنوين لَا يكون بعد حَرَكَة الْبناء ولأنَّه لَو بُني الأوَّل لم يكن عَاملا فِي الثَّانِي وَلَو بنيا لفسد الْأَمريْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 أحدُهما أنَّ النداء دخل على الأوَّل دون الثَّانِي وَالثَّانِي أنَّهما كَانَا يكونَانِ كالمركَّب فصل وإنَّما جَازَ فِي صفة الْمَبْنِيّ الْمُفْرد هُنَا النصُب على الْموضع لأنَّ مَوضِع الْمَوْصُوف نصب وَيجوز رَفعهَا حملا على لفظ الْمَوْصُوف وَجَاز ذَلِك فِي المنادى دون غَيره من المبنيَّات لأنَّ حَرَكَة الْبناء فِيهِ تشبه حَرَكَة المعرب لِأَنَّهُ مطرد مَعَ (يَا) لَا يكون مَعَ غَيرهَا كَمَا لَا تحذف حَرَكَة الْإِعْرَاب إلاَّ بعامل وَلذَلِك جَازَ حمل وصف (لَا) على الْموضع تَارَة وعَلى اللَّفْظ أخُرى بِخِلَاف (أمْسِ) و (هَؤُلَاءِ) فإنَّهما مبنيَّان على كلَّ حَال لَا عِنْد شَيْء يشبه الْعَامِل فصل فأمَّا الصّفة المضافة فَلَيْسَ فِيهَا غير النصب لأنَّ الصّفة لَا تزيد على الْمَوْصُوف والموصوف الْمُضَاف ينصب البتَّة فالصفة أوْلى فصل والمعطوف الَّذِي فِيهِ الْألف وَاللَّام وَهُوَ جنس كالصفة فِي الْوَجْهَيْنِ كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا جبال أوّبي مَعَه وَالطير} لأنَّ (يَا) لَا تليه فَصَارَ كالصفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 فأمَّا الْألف وَاللَّام فِي الْقيَاس وَنَحْوه فَكَذَلِك وَقَالَ المبرَّد الرّفْع فِيهِ أحسن لأنَّه علم وَالْألف وَاللَّام فِيهِ زَائِد أَو فِي حكم الزَّائِد فصل فإنْ كَانَ الْمَعْطُوف لَيْسَ فِيهِ لَام التَّعْرِيف فَلهُ حكم نَفسه فتقدَّر مَعَه (يَا) كَقَوْلِك يَا زيد وَعَمْرو وَيَا زيدُ وعبد الله لأنَّك تقدر أَن تَقول وَيَا عَمْرو وَأَجَازَ قوم النصب فِيهِ بكلّ حَال حملا على الْموضع فصل والتوكيد كالوصف فَيجوز فِي الْمُفْرد الرّفْع وَالنّصب كَقَوْلِك يَا تَمِيم أَجْمَعُونَ وأجمعين فَإِن كَانَ مُضَافا نصبت الْبَتَّةَ كالصفه كَقَوْلِك يَا تَمِيم كلّكم فتنصب وَيجوز ب (الْكَاف) لأنَّه مُخَاطب وب (الْهَاء) لأنَّ الِاسْم الظَّاهِر غَائِب فَيَعُود الضَّمِير إِلَيْهِ بِلَفْظ الْغَيْبَة فصل وَلَا تدخل (يَاء) على الْألف وَاللَّام لأمرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 أَحدهمَا أنَّ (الْألف وَاللَّام) للتعريف و (يَا) مَعَ الْقَصْد إِلَى المنادى تخصّصه وتعنيّه وَلَا يجْتَمع أداتا تَعْرِيف وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ (اللَّام) لتعريف الْمَعْهُود والمنادى مُخَاطب فهما مُخْتَلِفَانِ فِي الْمَعْنى / وَقد جَاءَ ذَلِك فِي ضَرُورَة الشّعْر قَالَ 60 - (فيا الغلامانِ اللذانِ فرّا ... أيَّاكما أَن تُكْسباني شرّاً) // الرجز // وأمَّا قَول الآخر 61 - (أحبُّكِ يَا التَّي تيَّمتِ قَلْبي ... وأنتِ بخيلةٌ بالودّ عَنَّي) قفيل هُوَ من هَذَا الْبَاب وَقيل الْألف وَاللَّام فِيهِ زائدتان وتعريف الْمَوْصُول بالصلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وأمَّا اسْم الله تَعَالَى فَتدخل عَلَيْهِ لثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّ الْألف وَاللَّام فِيهِ لغير التَّعْرِيف لأنّه سُبْحَانَهُ واحدٌ لَا يتعدَّد فَيحْتَاج إِلَى التَّعْيِين وَدخُول (يَا) عَلَيْهِ للخطاب وَالثَّانِي أَن الْألف وَاللَّام عوض من همزَة (إِلَه) وَذَلِكَ أنَّ الأَصْل فِيهِ (الْإِلَه) فحذفت الْهمزَة حذفا عِنْد قوم وَعند آخَرين القيت حركتها على (اللَّام) ثَّم أدغمت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى فنابت اللَّام عَن الْهمزَة فأجتمعت مَعَ (يَا) من هَذَا الْوَجْه وَالثَّالِث أنَّه كثر أستعمالهم هَذِه الْكَلِمَة فخفَّ عَلَيْهِم إِدْخَال (يَا) عَلَيْهَا وَقد اخْتصَّ هَذَا الِاسْم بأَشْيَاء لَا تجوز فِي غَيره مِنْهَا (يَا) وَمِنْهَا تفخيم (لامه) إلاَّ إِذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا وَمِنْهَا قطع همزته فِي النداء وَفِي الْقسم إِذا قلت (أفألله) وَمِنْهَا اخْتِصَاصه ب (تَاء الْقسم) وَمِنْهَا لُحُوق (الْمِيم) فِي آخِره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 فصل وأمَّا قولُهم يَا أيَّها الرجل ف (أيّ) مُفْرد منادى مبنيّ وَفِي (هَا) وَجْهَان أحدُهما أنّهم أتَوْا بهَا عوضا من الْمُضَاف إِلَيْهِ لأنَّ حقّ (أَي) أَن تُضَاف وَالثَّانِي أَنَّهَا دخلت للتّنْبِيه لتَكون ملاصقة للرجل حَيْثُ امْتنَاع دُخُول (يَا) عَلَيْهِ وأمَّا الرجل فصفة لأيّ على اللَّفْظ لأنَّه المنادى فِي الْمَعْنى وَلذَلِك لَا يسوغ الِاقْتِصَار على (أيَّها) وإنَّما أُتِي ب (أيّ) هُنَا توصُّلاً إِلَى نِدَاء مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام وَمن هُنَا لم يجز نَصبه عِنْد الْجُمْهُور وَأَجَازَهُ المازنيّ كَسَائِر الصِّفَات وإنَّما اخْتَارُوا (أّياً) هُنَا لأنَّها أسم مُعرب فِيهِ إِبْهَام يصلح لكل شَيْء فصل فإنْ وصفت الرجل هُنَا رفعت الصّفة وإنْ كَانَت مُضَافَة لأنَّ الْمَوْصُوف مُعرب وَإِذا حملت تِلْكَ الصّفة على مَوضِع (أيّ) جَازَ النصب وَالرَّفْع فِي الْمُفْرد وَلم يكن فِي الْمُضَاف إِلَى النصب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 فصل وَالْمِيم الزَّائِدَة فِي قَوْلك (اللَّهُمَّ) عوض من (يَا) وَقَالَ الكوفيَّون أَصله (يَا الله أمّنا بِخَير) وَهُوَ غلط لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّه لَو كَانَ كَذَلِك لكثر الْجمع بَينهمَا ولّمَّا لم يأتِ ذَلِك إلاَّ فِي الضَّرُورَة عُلم أنَّه عوض فَلم يجمع بَينه وَبَين المعوض وَالثَّانِي أنَّه يصحُّ أنْ يَقع بعد هَذَا الِاسْم (أمّنا بِخَير) وَمَا أشبهه كَقَوْلِك اللَّهُمَّ أَغفر لي وَأَن يَقع بعده ضدُّ هَذَا الْمَعْنى كَقَوْلِك اللَّهُمَّ العنْ فلَانا وَمَا أشبهه فصل العَلَم إِذا نُودي بَقِي على تَعْرِيفه وَمِنْهُم من قَالَ ينكَّر ثّم يتعرَّف بِالْقَصْدِ وَالْإِشَارَة وحجَّةُ الأوَّل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّك تنادي من لَا يُشَارِكهُ غَيره فِي اسْمه كَقَوْلِك (يَا الله) و (يَا فرزدق) وَلَو تنكَّر لصار لَهُ نَظَائِر فيتعَّين بِالْقَصْدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وَالثَّانِي أنَّ (يَا) تدخل على النكرَة غير الْمَقْصُودَة نَحْو (يَا رجلا) وَلَو كَانَت (يَا) تحدث التَّعْرِيف لحَدث بهَا هُنَا وَكَذَلِكَ الْمُضَاف نَحْو يَا عبد الله وتعريفه بِالْإِضَافَة لَا بِالْقَصْدِ واحتجَّ الْآخرُونَ بأنَّ (يَا) تُحْدِثُ التَّعْرِيف فِي النكرَة الْمَقْصُودَة فَكَذَلِك فِي الْعلم تحدثه بِالْخِطَابِ وَلنْ يصحّ ذَلِك إلاَّ بِنَزْع التَّعْرِيف الأوَّل وَلذَلِك لم تدخل على الْألف وَاللَّام فصل إِذا كَانَ المنادى علما أَو كنية وَوصف ب (ابْن) مضافٍ إِلَى علم أَو نكرَة جَازَ فِيهِ الضمّ على الأَصْل وَالْفَتْح إتباعاً لفتحة نون ابْن وَلَا يكون ذَلِك فِي غير هَذَا الْموضع لأنَّ الْعلم والكنية يكثر استعمالهما مَعَ الْوَصْف ب (ابْن) للْحَاجة إِلَى التَّعْرِيف بِالنّسَبِ فَيصير الْمَوْصُوف وَالصّفة كشيء وَاحِد فيفتحان كالمركَّب فصل وَتدْخل (لَام الاستغاثة) على المنادى إعلاماً بالاستغاثة إِذْ لَيْسَ كلّ منادى مستغاثاً بِهِ وتتعلَّق بِحرف النداء وتفتح كَمَا تفتح مَعَ ضمير الْمُخَاطب فأمَّا (لَام المستغاث لَهُ) فتكسر لأنَّه غير وَاقع موقع الضَّمِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وَأما الْمَعْطُوف على المستغاث بِهِ فتكسر لامه لأنَّ وَاو الْعَطف تغني عَن الْفرق بِفَتْح اللَّام فتكسر كَمَا تكسر مَعَ كلَّ ظَاهر فصل ويحذف حرف النداء من كلّ منادى إلاَّ النكرَة والمبهم أمَّا النكرَة فإنَّها لَا تتعرَّفُ هُنَا إلاَّ ب (يَا) الدالَّة على الْقَصْد وَالْإِشَارَة فَإِذا لم تكنْ بَقِي على تنكيره وَلذَلِك إِذا ارادوا تَعْرِيفه بِاللَّامِ جاؤوا ب (يَا أيُّها) فَلَو حذفوا للحق الإجحاف وأمَّا الْمُبْهم فلشدَّةِ إبهامه يحْتَاج إِلَى مُخَصص [فَلَو حذف المخصّص لبقي على إبهامه] وَلذَلِك جَازَ أَن يكون الْمُبْهم وَصفا ل (أيّ) فِي النداء كَمَا كَانَ اسْم الْجِنْس فصل إِذا ناديت الْمُضَاف إِلَى نَفسك وَكَانَ الأوَّل صَحِيحا فلك فِيهِ أوجه أحدُها حذف الْيَاء نَحْو يَا غلامِ لأنَّ الكسرة تدلُّ عَلَيْهَا فِي الْإِثْبَات وَالثَّانِي إِثْبَاتهَا سَاكِنة على الأَصْل وَالثَّالِث فتحهَا لأنَّ حقَّ يَاء الضَّمِير الْفَتْح كالكاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وَالرَّابِع إِبْدَال الفتحة كسرةً وَالْيَاء الْفَا ليمتدّ الصَّوْت زِيَادَة مدّ وَالْخَامِس حذفُها وضمُّ الْمِيم وتريد فِي هَذَا الْوَجْه مَا أردْت فِي الْإِضَافَة فإنْ كَانَ بَين الْيَاء وَالِاسْم المنادى اسْم آخر لم تحذف نَحْو يَا غُلَام أخي وَيَا ابْن صَاحِبي لأنَّ الْوسط لَيْسَ بمنادى وَقد جَاءَ الْحَذف فِي يَا ابْن عِمي وَيَا ابْن أمّي وَيَا ابْن صَاحِبي وَفِيه أَيْضا الْوُجُوه الَّتِي ذكرت فِي غُلَام إلاَّ أنَّ مِنْهُم من يحذف الْيَاء وَيفتح الْمِيم فَيَقُول يَا ابْن أمَّ وَفِيه وَجْهَان أحدُهما أنَّه ركَّب الاسمين كخمسة عشر وَالثَّانِي أنَّه اراد (ابْن أمّا) فَحذف الْألف لطول الْكَلَام اجتزاء بالفتحة وإنَّما أختصَّ هَذَانِ الاسمان بِهَذَا الحكم فِي النداء لِكَثْرَة استعمالهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 بَاب الندبة هِيَ (فُعْلة) من (ندبته) أَي حثثته فكأنَّ النادب يحثُّه حزنه على الندبة أَو يحثُّ السَّامع على الْحزن على الْمَنْدُوب وحروفها (وَا) و (يَا) وَقيل (آ) أَيْضا وَأكْثر من يتكلّم بهَا النِّسَاء لضعف قلوبهنَّ فصل وتُزاد فِي آخر الْمَنْدُوب إِذا وُقِفَ عَلَيْهِ (الْألف) لِيَزْدَادَ مدُّ الصَّوْت ليشيع حَال الْمَنْدُوب وَيدل على تفجع النادب وتزاد عَلَيْهَا (هاءٌ) لتبيين الْألف فَإِن حذفت الْهَاء لم تأت بِالْألف لئلاّ يظنّ أنَّها بدل من يَاء المتكلَّم فصل وَلَا ينْدب إلاَّ الْعلم أَو الْمُضَاف إِذا كَانَ الْمَنْدُوب مَشْهُورا بِهِ ليَكُون عذرا للنادب كَقَوْلِك وازيداه واعبد الملكاه وامن حفر بِئْر زمزماه وَانْقِطَاع ظهرياه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 فصل وَإِذا خفت من إِثْبَات الْألف لّبْساً قلبتها من جنس الْحَرَكَة الَّتِي قبلهَا كَقَوْلِك فِي غُلَامه (واغلامهه) وَلَا تَقول (اغلامهاه) لئلاّ يلتبس بغلامها للمؤنَّث وَتقول إِذا ندبت غلامك (واغلامكيه) وَلَا تَقول (واغلامكاه) لئلاّ يلتبس بالمذكر وعَلى هَذَا فَقِسْ فَسَأَلَهُ لَا يجوز أَن تلْحق عَلامَة الندبة الصّفة نَحْو (وازيد الظريفاه) وَأَجَازَهُ الكوفيَّون وَيُونُس وَوجه الْمَذْهَب الأوَّل من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ الصّفة غير مَنْدُوبَة وَلَا لَازِمَة للمندوب فَلم تلحقها عَلامَة الندبة بِخِلَاف الْمُضَاف إِلَيْهِ لأنَّه من تتمَّة الْمُضَاف وَالثَّانِي أنَّ الصّفة اسْم مُعرب مُفْرد فَلَا تلحقها عَلامَة الندبة كالنكرة وعلَّة ذَلِك ألاَّ يصير مبنيّاً واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 أحدُهما مَا سمع من عربيّ فصيح ضَاعَ مِنْهُ قدحان من خشب فندبهما واجمجمتيّ الشاميّتيناه وَالثَّانِي أنَّ الصّفة فِي بعض الْمَوَاضِع تلْزم كصفة (أيّ) فِي بَاب النداء وَصفَة (من) و (مَا) النكرتين فَجرى مجْرى الْمُضَاف إِلَيْهِ ولأنَّها توضحّ كَمَا يوضحّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 بَاب التَّرْخِيم وَهُوَ فِي اللُّغَة لينُ الصَّوْت وانقطاعُه قَالَ ذُو الرَّمة 62 - (لَهَا بَشَرٌ مثلُ الحريرِ ومنطقٌ ... رخيمُ الْحَوَاشِي لاهراء وَلَا نزْرُ) // الطَّوِيل // وَبِهَذَا الْمَعْنى سمَّي التَّرْخِيم والنداء لأنَّك تحذف من آخر الِاسْم فينقص الصَّوْت ويضعف فصل والترخيمُ حذفُ آخرِ الِاسْم المنادى المبنيّ الزَّائِد على ثلاثةِ أحرف غير المؤنَّث أمَّا اخْتِصَاصه بالآخرِ فلأنَّ مَا بَقِي من الِاسْم يدلُّ على مَا يحذف من آخِره إِذا كَانَ مَشْهُورا وَلَا يدلُّ آخِره على أوَّله وأمَّا اخْتِصَاصه [بالمنادى فلأنَّ النداء قد كثر فِيهِ التَّغْيِير لأنَّه مَوضِع تَخْفيف وتنبيه بالأسماء الْمَشْهُورَة] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وأمَّا أختصاصه بالمبنيِّ فلأمرين أحدُهما أنَّه مَعْرُوف بِنَفسِهِ لَا بِالْإِضَافَة وَذَلِكَ بُني كَمَا بني ضمير الْخطاب وَالثَّانِي أنَّه لَو حذف من المعرب لسقط مِنْهُ الْإِعْرَاب وحرفه وَذَلِكَ إجحاف والمبنيُّ لَا يسْقط مِنْهُ إلاَّ حرفُ لَا إِعْرَاب فِيهِ مَسْأَلَة لَا يجوز ترخيم الْمُضَاف إِلَيْهِ وَقَالَ الكوفُّيون يجوز وحجَّة الأوَّلين أنَّ الْمُضَاف لإليع مُعرب غير منادى فَلم يرخمَّ فِي الِاخْتِيَار كَمَا لولم يكن قبله منادى واحتجَّ الْآخرُونَ بِمَا جَاءَ فِي الشّعْر من ذَلِك نَحْو 63 - (يَا آل عكرم ... ) وَمن [الطَّوِيل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 64 - (أَبَا عرو ... ) // الطَّوِيل // يُرِيد يَا عكرمةُ وَيَا عُرْوَة ولأنَّ الْمُضَاف إِلَيْهِ تتمّة للمنادى فَصَارَ كأنَّه آخِره وَالْجَوَاب أمَّا الشّعْر فَلَا حجَّة فِيهِ لأنَّه ممَّار رخَّم فِي غير النداء للضَّرُورَة وأمَّا الْمُضَاف إِلَيْهِ فَهُوَ معربٌ غير منادى كَمَا سبق فصل وَلَا يجوز ترخيم الثلاثي غير المؤنثَّ وَقَالَ الكوفَّيون يجوز إِذا كَانَ الْأَوْسَط متحرَّكاً نَحْو (عُمَر) حجَّة الأوَّلين أنَّ الثلاثيّ أقلُّ الْأُصُول فَحَذفهُ إجحاف وَلم يرد بِهِ سَماع يسوغَّ الْأَخْذ بِهِ واحتجَّ الْآخرُونَ بأنَّ فِي الاسماء المعربة مَا هُوَ على حرفين نَحْو (يَد) و (دم) و (غَد) الحديث: 64 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَالْجَوَاب أنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاء محذوفة اللامات اعتباطاً فَلَا يُقَاس عَلَيْهَا وَلذَلِك قلّت جدا فإنْ قيل رخَّموا (ثُبة) قيل إنَّ تَاء التَّأْنِيث كاسم ركَّب مَعَ اسْم بِدَلِيل أنَّ مَا قبلهَا لَا يكون إلاَّ مَفْتُوحًا فتحذف كَمَا يحذف الثَّانِي من المركَّب فكأنَّ التَّرْخِيم لم يحذف من الِاسْم شَيْئا مَسْأَلَة إِذا رخّمت الرباعيّ لم تحذف مِنْهُ سوى حرف وَاحِد وَقَالَ الفرَّاء إِن كَانَ الثَّالِث سَاكِنا حذفته مَعَ الْأَخير نَحْو (سِبَطْر) تَقول (يَا سِبَ) واحتجَّ لذَلِك بأنَّه إِذا بَقِي السَّاكِن اشبه الأدوات وَهَذَا فَاسد لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ بِنَاء المتحرَّك يلْحقهُ بالأدوات وَلم يمْتَنع وَالثَّانِي أنَّ الِاسْم بعد ترخيمه قد بَقِي على زنة لَا نَظِير لَهَا فِي الْأَسْمَاء كحذف الثَّاء من (حَارِث) فإنَّه جَاءَ على (فاعِ) وَلَا نَظِير لَهُ فَعلم أنَّ الْحَذف هُنَا وَالْبناء عارضان لَا يعتدُّ بِمَا يخرج عَن النَّظَائِر لأجلهما ويؤكَّد ذَلِك أنَّ ماقبل آخِره مكسور يحذف وَتبقى الكسرة وَهِي تشبه مَا يكسر لالتقاء الساكنين وَهُوَ مَعَ ذَلِك جَائِز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 فصل وَلَا ترخمَّ النكرَة لأنَّها فِي الأَصْل وصفُ ل (أيّ) فَلم يجْتَمع عَلَيْهَا حذف الْمَوْصُوف وَحذف آخرهَا وَمَا جَاءَ فِي الشّعْر نَحْو 65 - (يَا صَاح ... ) // الْبَسِيط // شاذّلا يُقَاس عَلَيْهِ فصل وَلَا يرخَّم الْمُبْهم وَإِن زَاد على ثَلَاثَة أحرف لأوجه أحدُها أنَّه ضعف بالإبهام فَلَا يضعف بالحذف وَالثَّانِي أنَّ إبهامه يقرَّبه من النكرَة والنكرة لَا ترخَّم وَالثَّالِث أنَّه فِي الأَصْل وصفٌ ل (أيّ) فَلم يجمع بَين حذفين وَالرَّابِع أنَّه وصف ل (أيّ) والأوصاف لَا ترَّخم مَعَ الموصوفات فَكَذَلِك مَا هُوَ فِي تقديرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 فصل وَلَا يحذف من الِاسْم الَّذِي فِيهِ تَاء التَّأْنِيث شَيْء غَيرهَا وإنَّ كَانَ مَا قبلهَا زَائِدا لأنَّها بِمَنْزِلَة اسْم ضمّ إِلَى اسْم على مَا ذكرنَا من قبل فصل إِذا ناديت الصّفة الَّتِي فِيهَا تَاء التَّأْنِيث لم تحذفها نَحْو (يَا فاسقة) لئلاّ يلتبس بالمذكَّر فإنْ كَانَت علما جَازَ فصل إِذا رخَّمت (طيلسانا) حذفت الْألف وَالنُّون لأنَّهما زائدتان وضَمْمت السِّين وإنْ شِئْت فتحتها هَذَا إِذا فتحت اللَّام فَإِن كسرتها لم يجز ترخيمه عِنْد المبرَّد قَالَ لأنَّه على وزن لَا نَظِير لَهُ وَهُوَ (فَيْعِل) وَأَجَازَهُ السيرافي وَغَيره وَقَالُوا لأنَّه قد يبْقى بعد التَّرْخِيم بِنَاء لَا نَظِير لَهُ فِي غَيره نَحْو يَا حَار وَقد بيَّنا ذَلِك قبلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 فصل فإنْ سمَّيت ب (حُبْلَوِي) أَو (حبليان) لم يجز أنْ ترخِّمه على قَول من قَالَ يَا حارُ بالضمّ لأنَّ الْوَاو وَالْيَاء هُنَا ينقلبان أَلفَيْنِ فَيصير (فُعلى) وَألف فُعلى لَا تكون منقلبة أبدا لكنَّها للتأنيث وَأَجَازَهُ السيرافيّ وعلَّل بِنَحْوِ مَا تقدَّم فصل وللعرب فِي الْبَاقِي بعد التَّرْخِيم مذهبان أحدُهما تَركه على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ الأجود لأنَّ بَقَاءَهُ على ذَلِك ينبَّه على الأَصْل وَالثَّانِي أنْ يضم على كلَّ حَال وَيجْعَل كأنَّه اسْم قَائِم بِرَأْسِهِ / وَفَائِدَة اخْتِلَاف المذهبين أنَّك إِذا رخمت على الْمَذْهَب الأول تركت الْحَرْف الْبَاقِي على حَاله وَلم تغيَّره على مَا يُوجب قِيَاس التصريف وَإِذا رخَّمته على الْمَذْهَب الثَّانِي غيَّرته على مَا يُوجِبهُ قِيَاس التصريف وإذُّ عرفت هَذَا الأَصْل اسْتَغْنَيْت عَن الإطالة بالمسائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 بَاب حُرُوف الجرّ إنَّما سمِّيت كسرة الْإِعْرَاب جرّاً لتسفُّلها فِي الْفَم وانسحاب الْيَاء الَّتِي من جِنْسهَا على ظهر اللِّسَان كجرّ الشَّيْء على الأَرْض وَمِنْه قيل لأصل الْجَبَل جرُّ لتسفَّله والكوفَّيون يسمُّونه (خفضاً) وَهُوَ صَحِيح الْمَعْنى لأنَّ الانخفاض الأنهباط وَهُوَ تسفُّل فصل وإنَّما عملت هَذِه الْحُرُوف لاختصاصها بِأحد القبيلين وَقد ذكرنَا علَّة ذَلِك فِي بَاب (أنَّ) وإنَّما عملت الجرّ دون غَيره لأمرين احدُهما أنَّ الْفِعْل عمل الرّفْع وَالنّصب فَلم يبْقى للحرف مَا ينْفَرد بِهِ إلاَّ الجرّ وَالثَّانِي أنَّ الْحَرْف وَاسِطَة بَين الْفِعْل وَبَين مَا وَمَا يَقْتَضِيهِ فَجعل عمله وسطا والجرُّ من (الْيَاء) وَهِي من حُرُوف وسط الْفَم بِخِلَاف الرّفْع فإنَّه من الضمَّ والضمُ من الْوَاو وَالْوَاو من الشفتين وَبِخِلَاف النصب فإنّه من الْألف والألفُ من أقْصَى الْحلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 فصل وَالْأَصْل فِي الجرّ للحروف لأمرين أحدُهما أَن أصل الْعَمَل للأفعال والحروف دخلت مَوْصُولَة لَهَا إِلَى الْأَسْمَاء فلَمَّا اختصَّت عملت فَكَانَت تلو الْأَفْعَال فِي الْعَمَل أما الْأَسْمَاء فمعمول فِيهَا فَلم تكن عاملة وَالثَّانِي أَن الإضافه تقدَّر بالحرف فدلَّ ذَلِك على أنَّه الأَصْل وإنمَّا عملت فِي الْأَسْمَاء لما يذكر فِي موَاضعه فصل و (مِنْ) على أوجه أحدهُا ابْتِدَاء غايه الْمَكَان كَقَوْلِك سرت من الْبَصْرَة فالبصرة مُبْتَدأ السّير وَقَالَ ابْن السرَّاج تكون (من) لابتداء غايه الْفِعْل من الْفَاعِل كَمَا ذَكرْنَاهُ ولابتداء غَايَة الْفِعْل من الْمَفْعُول كَقَوْلِك نظرت من الدَّار إِلَى الْهلَال من خلل السَّحَاب ف (من الدَّار) مَكَان الْفَاعِل و (من خلل السَّحَاب) مَكَان الْمَفْعُول وَقَالَ غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 (من خلل السَّحَاب) حَال من الْهلَال وَيُمكن أنَّ يكون (من الدَّار) حَالا من النَّاظر وَالثَّانِي التَّبْعِيض وعلامتُه أنْ يصلح مكانَها (بعضٌ) كَقَوْلِك أخذت من المَال وَقَالَ المبرَّد هِيَ لابتداء الْمَكَان أَيْضا والتبعيض مُسْتَفَاد بِقَرِينَة فإنَّ قلت أخذت من زيد مَالا جَازَ أنَّ تعلّق (من) بأخذت وأنَّ تجعلها حَالا من المَال أَي مَالا من زيد فَلَمَّا قدَّمت صفة النكرَة صَارَت حَالا وَالثَّالِث أنَّ تكون بِمَعْنى الْبَدَل كَقَوْلِه تَعَالَى {أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة} أَي بَدَلا من الْآخِرَة وموضعها حَال وَمِنْه قَوْله {وَلَو نشَاء لجعلنا مِنْكُم مَلَائِكَة} أَي بَدَلا مِنْكُم وَالرَّابِع أَن تكون لبَيَان الْجِنْس كَقَوْلِه {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} [أَي الرجس الْحَاصِل من جِهَة الْأَوْثَان] وَهَذِه أشبه بِالَّتِي هِيَ للابتداء فأمَّا قَوْلك زيد أفضلُ من عَمْرو ف (من) فِيهِ لابتداء الْغَايَة وَالْمعْنَى ابْتِدَاء معرفَة فضل زيد من معرفَة فضل عَمْرو أَي لَمَّا قيس فَضله بِفضل عَمْرو بَانَتْ زيادتُه عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وَالْخَامِس أَن تكون زَائِدَة وَذَلِكَ فِي غير الْوَاجِب نَحْو مَا جَاءَنِي من أحد و {هَل تحسُّ مِنْهُم من أحد} وإنَّما زيدت هُنَا للتوكيد فَقَط لأنَّ أحدا من اسماء الْعُمُوم فأمَّا قَوْلك مَا جَاءَنِي من رجل ف (من) زَائِدَة من وَجه لأنّك لَو حذفتها لاستقام الْكَلَام وَغير زَائِدَة من وَجه لأنَّها تفِيد استغراق الْجِنْس أَلا ترى أنَّك لَو حذفتها لنفيت رجلا وَاحِدًا كَقَوْلِك مَا جَاءَنِي رجلٌ بل رجلَانِ وَإِذا أثبتَّها دللت بذلك على أنَّه لم يأتك رجلٌ وَلَا أَكثر مَسْأَلَة لَا تجوز زِيَادَة (مِنْ) فِي الْوَاجِب وأجازها الْأَخْفَش وَدَلِيلنَا أنَّ (مِنْ) حرف وَالْأَصْل فِي الْحُرُوف أنَّها وُضعت للمعاني اختصاراً من التَّصْرِيح بِالِاسْمِ أَو الْفِعْل الدالّ على ذَلِك الْمَعْنى كالهمزة فإنَّها تدلُّ على اسْتِفْهَام فَإِذا قلت أزيدٌ عنْدك أغنت الْهمزَة عَن (أستفهم) وَأخذت من المَال أَي بعضه وَمَا قصد بِهِ الِاخْتِصَار لَا يَنْبَغِي أَن يَجِيء زَائِدا لأنَّ ذَلِك عكس الْغَرَض وإنَّما جَازَ فِي مَوَاضِع لِمَعْنى من تَأْكِيد وَنَحْوه ولايصحُّ ذَلِك الْمَعْنى هُنَا أَلا ترى أنَّك لَو قلت ضربت من رجل لم تكن مُفِيدا ب (من) شَيْئا بِخِلَاف قَوْلك مَا ضربت من رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 واحتجَّ الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى (ويكفِّر عَنْكُم من سَيِّئَاتكُمْ) و {يغْفر لكم من ذنوبكم} وَالْمرَاد الْجَمِيع وَالْجَوَاب أنَّ (مِنْ) هُنَا للتَّبْعِيض أَي بعض سَيِّئَاتكُمْ لأنَّ أخفاء الصدقّة لَا يمحِّص كل السَّيِّئَات وأمَّا {من ذنوبكم} فالتبعيض أَيْضا لِأَن الْكَافِر إِذا اسْلَمْ قد يبْقى عَلَيْهِ ذَنْب وَهُوَ مظالم الْعباد الدنيويَّة أَو تكون (من) هُنَا لبَيَان الْجِنْس فصل و (إِلَى) لانْتِهَاء الْغَايَة وَهِي مُقَابلَة ل (مِنْ) وَقَالَ قوم تكون (إِلَى) بِمَعْنى (مَعَ) كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} و {من أَنْصَارِي إِلَى الله} {ويزدكم قوَّة إِلَى قوَّتكم} {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} وَهَذَا كلُّه لَا حجَّة فِيهِ بل هِيَ للانتهاء وَالْمعْنَى لَا تضيفوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم وكنَّى عَنهُ بِالْأَكْلِ كَمَا قَالَ {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} أَي لَا تَأْخُذُوا و {من أَنْصَارِي} أَي من ينصرني إِلَى أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 أُتَّم أمرَ الله أَو موضعهَا حَال أَي من أَنْصَارِي مُضَافا إِلَى الله وَمثله {إِلَى قوَّتكم} وأمَّا قَوْله {إِلَى الْمرَافِق} فَفِيهِ وَجْهَان أحدُهما أنَّها على بَابهَا وَذَاكَ أنَّ الْمرْفق هُوَ الْموضع الَّذِي يتَّكئ الْإِنْسَان عَلَيْهِ من رَأس الْعَضُد وَذَلِكَ هُوَ الْم فصل وفويقه فَيدْخل فِيهِ مِفْصَلُ الذِّرَاع وَلَا يجب فِي الْغسْل أَكثر مِنْهُ وَالثَّانِي أنَّ (إِلَى) تدلُّ على وجوب الْغسْل إِلَى الْمرْفق وَلَا تَنْفِي وجوب غسل الْمرْفق لأنَّ الحدّ لَا يدْخل فِي الْمَحْدُود وَلَا يَنْفِيه التَّحْدِيد كَقَوْلِك سرت إِلَى الْكُوفَة فَهَذَا لَا يُوجب دُخُول الْكُوفَة وَلَا يَنْفِيه وَكَذَلِكَ الْمرْفق إلاَّ أنَّ وجوب غسله ثَبت بالسَّنة فصل وَمعنى (عَن) الْمُجَاوزَة والتعدِّي وقولك أخذت الْعلم عَن فلَان مجَاز لأنَّ علمه لم ينْتَقل عَنهُ وَوجه الْمجَاز أَنَّك لّمَّا تلقَّيته مِنْهُ صَار كالمنتقل إِلَيْك عَن مَحَله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 فصل وَقد يكون (عَن) اسْما يدْخل عَلَيْهِ حرف الجرّ فَيكون بِمَعْنى جَانب وناحية قَالَ الشَّاعِر 66 (وَلَقَد أَرَانِي للرماح دريئةً ... مِنْ عَنْ يَمِيني مرَّة وأمامي) // الْكَامِل // وَهِي إِذا كَانَت اسْما مبنيَّة لشبهها بالحرف فِي نقصانها لأنَّك لَا تَقول جَلَست عَن كَمَا تَقول جَلَست نَاحيَة وجانباً فصل وَأما (فِي) فحقيقتها الظرفيَّة كَقَوْلِك المالُ فِي الْكيس وَقد يتجوَّز بهَا فِي غَيرهَا كَقَوْلِك فلَان ينظر فِي الْعلم لأنَّ الْعلم لَيْسَ بظرف على الحقيقه وَلَكِن لَمَّا قيَّد نظره بِهِ وقصره عَلَيْهِ صَار الْعلم كالوعاء الْجَامِع لما فِيهِ وَقد تكون بِمَعْنى السَّبَب كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وسلَّم ((فِي النَّفس المؤمنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 مائَة من الْإِبِل)) أَي تجب بقتلها الْإِبِل وَوجه الْمجَاز أنَّ السَّبَب يتضمَّن الحكم وَالْحكم يلازمه فَصَارَ للْحكم كالظرف الْحَافِظ لما فِيهِ فصل وأمَّا (على) وَتَكون حرف جرّ وحقيقتها للدلالة على الاستعلاء كَقَوْلِك زيد على الْفرس فَتكون مجَازًا فِيمَا مَا يغلب الأنسانَ كَقَوْلِك عَلَيْهِ كآبة أَي تغلبه وَتظهر عَلَيْهِ وَعَلِيهِ دَيْنٌ أَي لزمَه الانقياد بِسَبَبِهِ كانقياد المركوب لراكبه وَهُوَ معنى قَول الْفُقَهَاء (على) للْإِيجَاب فصل وَقد تكون اسْما بِمَعْنى فوْق مبنيّاً وتقلب ألفها يَاء مَعَ الضَّمِير كَقَوْل الشَّاعِر 67 - (غَدَتْ من عَلَيْهِ بَعْدَمَا تمَّ ظِمْؤها ... تصلُّ وَعَن قيْضِ بزيزاءَ مَجْهَلِ) // الطَّوِيل // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 يَعْنِي قطاة فَارَقت بيضها بَعْدَمَا تَّم عطشها وإنَّما بيّنت لنقصانها كَمَا ذكرنَا فِي (عَن) وقلبت ألفها يَاء حملا على حَالهَا وَهِي حرف وألفها من وَاو لأنَّها من علا يَعْلُو فصل وأمَّا (لَام الجرَّ) فَمَعْنَاه الِاخْتِصَاص وَهَذَا يدْخل فِيهِ الْملك وَغَيره لأنَّ كلّ ملك اخْتِصَاص وَمَا كلّ اخْتِصَاص ملكا وقولك السرج للدَّابة للاختصاص وَلَام التَّعْلِيل كَقَوْلِك جئتُ لإكرامِك للاختصاص أيْضاً لَا للْملك فصل وتكسر هَذِه اللَّام مَعَ الْمظهر غير المنادى وتفتح مَعَ الْمُضمر غير الْيَاء وإنَّما حرَّكت وَأَصلهَا السّكُون لأنَّها مُبْتَدأ بهَا وَفِي كسرهَا وَجْهَان أحدُهما الْفرق بيننها وَبَين لَام الِابْتِدَاء فإنَّها فِي بعض الْمَوَاضِع تَلْتَبِس بهَا فَجعل فِي نَفسهَا مَا يمْنَع من وُقُوع اللّبْس وأُمِنَ اللبسُ فِي الْمُضمر فردَّت إِلَى الأَصْل وَكسرت مَعَ الْيَاء إتباعاً وإنَّما أُمنَ اللبسُ مَعَ الْمضمر لأنَّ الضَّمِير الْوَاقِع بعد لَام الِابْتِدَاء منفصلٌ وَبعد لَام الجرِّ متصَّل واللفظان مُخْتَلِفَانِ وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ اللَّام تعْمل الجرّ فَجعلت حركتها من نفس عَملهَا وَمَعَ الْمُضمر لَا عمل لَهَا فِي اللَّفْظ فَخرجت على الأَصْل ولأنَّ الضمائر تردَّ الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فصل وأمّأ (الْبَاء) فللإصاق فِي الأَصْل وتستعمل فِي غَيره على التَّشْبِيه بالإلصاق كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد أَي حاذيته والتصقت بِهِ وَتقول أُخذ بِذَنبِهِ أَي ذَنبه سَبَب لذَلِك وَالسَّبَب يلازمه حكمه غَالِبا والملازمة تقرب من الإلصاق وَتَكون للبدل كَقَوْلِك بِعته بِكَذَا فَهِيَ للمقابلة كَمَا أنَّ السَّبَبِيَّة للمقابلة وَتَكون زَائِدَة وَسَنذكر أقسامها فِي الْحُرُوف فصل و (الْكَاف) للتشبيه تكون فِي موضعٍ حرفا لَا غير يجوز أَن تقع صلَة كَقَوْلِك الَّذِي كزيد عَمْرو وَلَو كَانَت هُنَا أسماً لما تَّمت الصِّلَة بهَا وَتَكون فِي مَوضِع اسْما لَا غير مثل أنْ تكون فاعلة كَقَوْل الشَّاعِر 68 - (أتنتهون ولَنْ ينْهَى ذَوي شطَطٍ ... كالطعن يهلكُ الزيتُ والفتلُ) وَالْفَاعِل لَا يكون إلاَّ اسْما مُفردا وَإِذا دخل عَلَيْهَا حرف الجرّ كَانَت اسْما كَقَوْلِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 69 - (يَضْحكن عَن كالبَرَدِ الْمُنْهَمَّ ... ) // الرجز // وَتَكون فِي موضعٍ مُحْتَملَة لَهما كَقَوْلِك زيدٌ كعمرو ومررت بِرَجُل كالأسد وَجَاء زيد كالأسد وَتَكون زَائِدَة وَيذكر فِي مَوْضِعه فصل فإنْ قيل لم فتحت (الْكَاف) وَكسرت (اللَّام وَالْبَاء) قيل الأَصْل فِي الْحُرُوف الأحاديَّة الْفَتْح لأنَّها يبتدأ بهَا والابتداء بالساكن الَّذِي هُوَ الأَصْل الأوَّل مُحال فحرِّكت والضرورة تنْدَفع بأخفَّ الحركات إلاَّ أنَّ (الْبَاء وَاللَّام) كسرتا لما ذكرنَا قبلُ فأمَّا (الكافُ) فَتكون حرفا وَتَكون اسْما فبعدت من اللَّام وَالْبَاء فردَّت إِلَى ألاصل وَقيل إنَّ الْكَاف من أَعلَى الْحلق فَفِيهَا نوع من استعلاء فَكَسرهَا مستثقل وَقيل هِيَ قريبَة من مخرج الْيَاء فيثقل كسرهَا كَمَا يثقل كسر الْيَاء فصل وأمَّا (وَاو الْقسم وتاؤه) ففرعان على الْبَاء فُردَّا إِلَى الْفَتْح الَّذِي هُوَ الأَصْل الحديث: 69 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 فصل وإنَّما لم تدخل (الْكَاف) فِي الِاخْتِيَار على مُضْمر لتردُّدها بَين الِاسْم والحرف وَذَلِكَ اشْتِرَاك فِيهَا والاشتراك فرع والضمائر تردُّ الْأَشْيَاء إِلَّا أُصُولهَا وَلَا أصل لَهَا ولهذه العلَّة لم تدخل حتَّى على الْمُضمر وَقيل لّمَّا لم تكسر (الْكَاف) لم تدخل على الْمُضمر لأنَّ من الْمُضْمرَات مَا يُوجب كسر مَا قبله وَهُوَ يَاء المتكلِّم فَألْحق بَاقِيهَا بِهِ بِخِلَاف اللَّام وَالْبَاء فأمَّا الْوَاو وَالتَّاء فيذكران فِي الْقسم فصل وأمّا (رُبَّ) فحرفٌ عِنْد البصريَّين واسمٌ عِنْد الكوفيِّين وحجَّة الأوَّلين من أوجه أحدُها أنَّ مَعْنَاهَا فِي غَيرهَا فَكَانَت حرفا كَسَائِر أخواتها وَالثَّانِي أنَّ مَا بعْدهَا مجرور أبدا وَلَا معنى للإضافة فِيهَا فتعيَّن أنَّ تكون حرف جر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَالثَّالِث أنَّها تتعلَّق أبدا بِفعل وَهَذَا حكم حرف الجرّ وحجّة الآخرين من أوجهٍ أحدُها أنَّه أخبر عَنْهَا فَقَالُوا 70 ( ... وربَّ قتل عَار) // الْكَامِل // فَرفع (عَار) يدلُّ أنَّه خبر عَنْهَا وَالثَّانِي أنَّها لوكانت حرف جرّ لظهر الْفِعْل الَّذِي تعدّيه وَلَا يظْهر أبدا وَالثَّالِث أنَّها نقيضّة (كَمْ) وَكم اسْم فَمَا يُقَابله اسْم يدلُّ عَلَيْهِ أنَّها جَاءَت للتكثير ك (كم) وَالْجَوَاب أمَّا الْإِخْبَار عَن (ربّ) فَغير مُسْتَقِيم لأنَّ (ربّ) لَيْسَ لَهَا معنى فِي نَفسهَا حتَّى يصحَّ نِسْبَة الْخَبَر إِلَيْهَا وَلذَلِك تكون الصّفة تَابِعَة للمجرور ب (ربّ) فِي التَّذْكِير والتأنيث والإفراد وَالْجمع و (ربّ) متَّحدة الْمَعْنى فَعلم أنَّ الْخَبَر لَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 عَن (ربّ) فأمّا قَوْله ربّ قتل عارٌ فشاذّ وَالْوَجْه فِيهِ أنَّه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي (هُوَ عَار) وَالْجُمْلَة صفة لقتل وأمّا الْفِعْل الَّذِي تتعلَّق بِهِ (ربّ) فَيجوز إضهاره غير أنَّهم اكتفوا بِالصّفةِ عَنهُ فِي كثير من الْمَوَاضِع لظُهُور مَعْنَاهُ وأمَّا حملهَا على (كْم) فَلَا يصحّ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَ الأسميَّة لَا تثبت فِي معنى بالإلحاق فِي الْمَعْنى أَلا ترى أنَّ معنى (مِنْ) التبغيض وَلَا يُقَال هِيَ اسْم لأنَّها التَّبْعِيض وَكَذَلِكَ معنى (مَا) النَّفْي وَهِي حرف وَهُوَ اسْم فَعلم أنَّ الأسمَّية تعرف من أَمر آخر وَالثَّانِي أنَّ (كم) اسْم لعدد وَلذَلِك يخبر عَنْهَا وَتدْخل عَلَيْهَا حُرُوف الجرّ وَلَو جعل مَكَانهَا عهدد كثير أغْنى عنهاكقولك مائَة رجل أَو ألف رجل وربّ للتقليل والتقليل كالنفي وَلذَلِك استعملوا (أقلّ) بِمَعْنى النَّفْي كَقَوْلِهِم أقلّ رجل يَقُول ذَاك إلاَّ زيد أَي مَا رجل فصل وتُضمر (رُبّ) بعد الْوَاو والجرُّ بهَا وَقَالَ المبرِّد والكوفيُّون الجرّ بِالْوَاو وحجَّة الأوَّلين أنَّ الْوَاو فِي الأَصْل للْعَطْف والعطف يكون للأسماء وَالْأَفْعَال والحروف فَهِيَ غير مُخْتَصَّة وَمَا لَا يختصُّ لَا يعْمل إلاَّ أَن يَنُوب عَن مختّص لَا يظْهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 مَعَه الْبَتَّةَ ك (وَاو الْقسم) فإنَّها تدخل على (الْبَاء) وهما للقسم وَمن هُنَا لم تعْمل حُرُوف الْعَطف لِأَن الْعَامِل يظْهر مَعهَا فَكَذَلِك (وَاو ربّ) هِيَ للْعَطْف وَتدْخل على (ربّ) كَمَا تدخل عَلَيْهَا (الْفَاء) و (بل) وَقد أضمرت بعد (الْفَاء) و (بل) وَلم يقلْ أحدّ إنَّهما تجرَّان فَكَذَلِك الواوفمن (الْفَاء) قَول الشَّاعِر 71 - (فإمَّا تعرضنَّ أميمَ عنِّي ... وينزغْك الوشاةُ أولو النياطِ) (فحور قد لهوتُ بهنَّ عينٍ ... نواعَم فِي البرود وَفِي الرياط) // الوافر // وَمن بلْ قَول الراجز 72 - (بل بلدٍ ملءُِ الفِجاج قَتَمُهْ ... لَا يشترى كتَانُه وجَهْرَمُهْ) // الرجز // فَإِن قيل الْوَاو قد تَأتي فِي أوَّل الْكَلَام وَلَيْسَ هُنَاكَ مَعْطُوف عَلَيْهِ قيل إِن لم يكن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي اللَّفْظ فَهُوَ مقدَّر وَهَذِه وَهَذِه طَريقَة للْعَرَب فِي أشعارهم وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ جَوَاب عمَّا يتعلقون بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 فصل وإنَّما وَجب ل (ربّ) صدرُ الْكَلَام لأنَّها تشبه حُرُوف النَّفْي إِذْ كَانَت للتقليل والقليل فِي حكم المنفيّ وإنَّما أختصَّت بالنكرة لِأَن الْقَلِيل يتصوَّر فِيهَا دون الْمعرفَة وإنَّما لم تدخل على مُضْمر لِأَن الضمائر معارف وأمَّا قولُهم ربّه رجلا فشاذّ مَعَ أنَّ هَذَا الضَّمِير نكره لأنَّه لم يتَقَدَّم قبله ظَاهر يرجع إِلَيْهِ بل وَجب تَفْسِيره بالنكرة بعده وَلم يسْتَعْمل إلاَّ مذكراً مُفردا فصل وتُكَفُّ (رُبَّ) ب (مَا) فَتدخل على الْفِعْل الْمَاضِي خاصَّة لأنَّه تحقَّق فأمَّا قَوْله تَعَالَى {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا} فَفِيهِ وَجْهَان أحدُهما أنَّ (مَا) نكرَة مَوْصُوفَة أَي ربّ شَيْء يودّه وَالثَّانِي هِيَ كافَّة وَوَقع الْمُسْتَقْبل هُنَا لأنَّه مَقْطُوع بِوُقُوعِهِ إِذا خَبرا من الله تَعَالَى فَجرى مجْرى الْمَاضِي فِي تحقٌّقه وَقيل هُوَ على حِكَايَة الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فصل وَقد حُكيَ تَخْفيف الْبَاء من (رب) وتحريكها بِالْفَتْح وَحكي فتح رائها وَحكي زِيَادَة تَاء التَّأْنِيث عَلَيْهَا فَقيل (ربت) فَمنهمْ من يقف عَلَيْهَا (تَاء) ليفرّق بَين الْحَرْف وَالِاسْم وَمِنْهُم من يقلبها (هَاء) لتحرُّكها كالتاء فِي الِاسْم وَدخُول التَّاء لَا يدلُّ على أنَّها اسْم لِأَنَّهَا قد دخلت على (ثُمَّ) وَهِي حرف بِلَا خلاف وَكَذَا حذف إِحْدَى اللامين لَا يدلُ على انها اسمٌ من حَيْثُ أنَّ الْحَذف تصرّف والحروف تبعد عَن التَّصرُّف لأنَّ الْحَذف قد جَاءَ فِي الْحُرُوف كَقَوْلِهِم (سَوْ أفعل) فِي سَوف وَفِي ربّ أحسن من اجل التَّضْعِيف فصل فأمَّا (حاشا) و (خلا) فيذكران فِي الِاسْتِثْنَاء وأمَّا (حتَّى) فلهَا بَاب وَكَذَلِكَ (مُذْ) و (مُنْذُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 بَاب مذ ومنذ وهما حرفان فِي مَوضِع واسمان فِي مَوضِع فَإِذا كَانَ مَعْنَاهُمَا (فِي) فهما حرفان وَإِذا كَانَ مَعْنَاهُمَا تَقْدِير المدَّة وابتداءها فهما اسمان إلاَّ انَّ الْأَكْثَر فِي (مذْ) أَن تسْتَعْمل اسْما وَالْأَكْثَر فِي (منذُ) أَن تسْتَعْمل حرفا وعلّة وَذَلِكَ أنَّ أصل (مذُ) (منْذُ) فحذفت نونها والحذف تصرُّف وَذَلِكَ بعيد فِي الْحُرُوف ويدلُّ على الْحَذف أنَّك لَو سمَّيْت ب (مذ) ثَّم صغَّرته أَو كسّرته أعدتها فَقلت (مُنيذ) و (أمناذ) فصل و (مُنْذُ) مُفْرد عِنْد البصريِّين ومركَّب عِنْد الكوفيِّين وَاخْتلفُوا فِي تركيبه فَقَالَ الفرَّاء (من ذُو) الَّتِي بِمَعْنى (الَّذِي) فِي اللُّغَة الطائَّية وَقَالَ غَيره أَصله (من إِذْ) ثَّم حُذف وركَّب وضُمَّ أوَّله دلَالَة على التَّرْكِيب وبنوا على هَذَا الْإِعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 فَقَالُوا تَقْدِير قَوْلك مَا رَأَيْته مُنْذُ يَوْمَانِ أَي من الَّذِي هُوَ يَوْمَانِ ف (يَوْمَانِ) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَقَالَ الْآخرُونَ هُوَ فَاعل فعل مَحْذُوف أَي من إِذْ مضى يَوْمَانِ وعَلى قَول البصريَّين (مُنْذُ) مُبْتَدأ و (يَوْمَانِ) خَبره وَالتَّقْدِير أمد ذَلِك يَوْمَانِ أَو أوَّل ذَلِك يومُ الْجُمُعَة وحجَّة البصريَّين أنَّ الأَصْل عدم المركَّب والانتقال عَن الأَصْل يفْتَقر إِلَى دَلِيل ظَاهر وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ وَأكْثر مَا ذكرُوا أنَّ الْمَعْنى يَصح على تَقْدِير التَّرْكِيب وَهَذَا القَدْرُ لَا يَكْفِي فِي الِانْتِقَال عَن الأَصْل وإنَّما يكون حجَّة إِذا انضمَّ إِلَيْهِ تعذُّر الْحمل على غَيره وَهنا يصحّ الْمَعْنى على تَقْدِير كَونهَا مُفْردَة فنفي دَعْوَى التَّرْكِيب تحكُّم لَا يعلم إلاَّ بالْخبر الصَّادِق ثَّم دَعْوَى التَّرْكِيب تفْسد من جِهَة أُخْرَى وَتلك الْجِهَة هِيَ مَا يلْزم من كَثْرَة التَّغْيِير والحذف والشذوذ فالتغيير ضمُّ الْمِيم والحذف إِسْقَاط النُّون وَالْوَاو من (ذُو) وَالْألف من إِذْ وَإِسْقَاط أحد جزئي الصِّلَة أَو حذف الْفِعْل الرافع على جِهَة اللُّزُوم وَذَلِكَ كلّه يُخَالف الْأُصُول فصل وَتدْخل (مُنْذُ) على الزَّمن الْحَاضِر فتجرُّه كَقَوْلِك أَنْت عندنَا منذُ الْيَوْم وتقدَّر ب (فِي) وَتَكون حرف جرّ فتتعلَّق بِالْفِعْلِ الَّذِي قبلهَا الْمظهر أَو المقدَّر وَيكون الْكَلَام جملَة وَاحِدَة فأمَّا دُخُولهَا على الْمَاضِي لأبتداء الْغَايَة أَو تَقْدِير المدَّة فقليل فِي الِاسْتِعْمَال ولكنْ هُوَ جَائِز فِي الْقيَاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وأمَّا (مُذْ) فَتدخل على الْمَاضِي لابتداء مدَّة الزَّمَان أَو بَيَان جملَة المدَّة فيرتفع مَا بعْدهَا وَتدْخل على الْحَاضِر فتجرّه لأنَّها اسْم فَكَانَ حكُمها أوسع من حكم الْحَرْف وجرَّها الْجَمِيع جَائِز مثل (منذُ) لأنَّها تكون حرفا أَيْضا فصل وَإِذا كَانَت للابتداء كَانَ معرفَة كَقَوْلِك مَا رَأَيْته مذ يَوْم الْجُمُعَة لأنَّه جَوَاب مَتى وَإِذا كَانَت لتقدير المدَّة كَانَ مَا بعْدهَا عددا نكرَة كَقَوْلِك مَا رَأَيْته مُنْذُ يَوْمَانِ فإنْ قيل فَمَا الفرقُ بَينهمَا فِي الْمَعْنى قيل لَهُ الَّتِي للإبتداء لَا يمْتَنع مَعهَا أَن تقع الرُّؤْيَة فِي بعض الْيَوْم الْمَذْكُور لأنَّ اللُّزُوم أنْ تكون الرُّؤْيَة قد انْقَطَعت فِيهِ واستمرَّ الإنقطاع إِلَى حِين الْإِخْبَار بِهِ وَالَّتِي تقدَّر بعْدهَا المدَّة لَا يجوز أَن تكون الرُّؤْيَة وجدت فِي بَعْضهَا لأنَّ الْعدَد جَوَاب (كم) فكأنَّك قلت كم زمن انْقِطَاع الرُّؤْيَة فَقَالَ يَوْمَانِ فَإِن قيل مَا الْفرق بَين رفع مَا بعده وجرّه قيل من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّك إِذا رفعت كَانَ الْكَلَام جملتين عِنْد الْأَكْثَرين وَإِذا جررت كَانَت وَاحِدَة كَمَا فِي حُرُوف الجرّ وَالثَّانِي أنَّك إِذا رفعت جَازَ أَن تقع الرُّؤْيَة فِي بعض ذَلِك الزَّمَان وَإِذا جررت لم يجز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 فصل وَاخْتلفُوا فِي طَرِيق الرّفْع فَقَالَ الكوفُّيون فِيهِ قَوْلَيْنِ أحدُهما هُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالثَّانِي هُوَ فَاعل فعل مَحْذُوف وَقد ذكرناهما فِي أوَّل الْبَاب وللبصريَّين مذهبان أحدُهما أنَّ (مذ) مُبْتَدأ وَمَا بعده الْخَبَر وَالتَّقْدِير أوَّل ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة وأمد ذَلِك يَوْمَانِ وَهُوَ قولُ الْأَكْثَرين وَالثَّانِي أنَّ (مذ) خبر مقدَّم وَالتَّقْدِير بيني وَبَين انْقِطَاع الرُّؤْيَة يَوْمَانِ وَهُوَ قَول أبي الْقَاسِم الزجَّاجي وَهُوَ بعيد لأنَّ (أنَّ) تقع بعد (مذ) كَقَوْلِك مَا رَأَيْته مذ أنَّ الله خلقني و (أنَّ) لَا تكون مُبْتَدأ فصل وَلَيْسَ ل (مُذ) وَمَا بعْدهَا مَوضِع عِنْد الْجُمْهُور بل هُوَ جَوَاب كَلَام مقدَّر لأنَّه إِذا قَالَ مَا رَأَيْته فكأنَّك قلت مَا أمدُ ذَلِك أَو مَا أوَّل ذَلِك فَقلت مذ كَذَا وَقَالَ أَبُو سعيد السيرافيُّ مَوْضِعه حَال أَي مَا رَأَيْته متقدِّماً أَو مقدِّراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 فصل وإنَّما بنيت (مذْ) وهما اسمان لوَجْهَيْنِ أحدُهما تضمَّنهما معنى الْحَرْف أَي مَا رَأَيْته من هَذَا الأمد إِلَى هَذَا الأمد وَالثَّانِي أنَّهما ناقصتان فأشبهتا (كم) فِي الْخَبَر بَاب الْقسم الْقسم لَيْسَ بمصدر (أقسمتُ) بل هُوَ عبارَة عَن جملَة الْيَمين فهوبمعنى الْمقسم بِهِ فَهُوَ كالقبْض والنقْض بِمَعْنى الْمَقْبُوض والمنقوض فصل وَالْغَرَض مِنْهُ توكيد الْكَلَام الَّذِي بعده من إِثْبَات أَو نفي فصل الْمقسم بِهِ كلّ مُعظم إِلَّا أَنه - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - نهى عَن الْحلف بِغَيْر الله تَعَالَى فصل وَالْأَصْل فِيهِ (أقْسِمُ) و (أحْلِفُ) لأنَّ ذَلِك يدلُّ بصريحه عَلَيْهِ إلاَّ أنَّ الْفِعْل حُذِفَ لدلَالَة حرف الْجَرّ وَالْجَوَاب عَلَيْهِ فصل وأصل حُرُوف الْقسم (الْبَاء) لأنَّ فعل الْقسم يتعدَّى بهَا دون غَيرهَا وَلذَلِك جَازَ الْجمع بَين الْفِعْل وَالْبَاء وَلم يجز إِظْهَار الْفِعْل مَعَ الولو وَالتَّاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 فصل وَتدْخل (الْبَاء) على الْمُضمر والمظهر لِأَنَّهَا أصل فتجري فِي كلِّ مقسم بِهِ فصل و (وَاو) الْقسم بدل من الْبَاء لأنَّهم أَرَادوا التَّوسعَة فِي أدوات الْقسم لكثرته فِي كَلَامهم و (الولو) تشبه الْيَاء من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ الْبَاء للإلصاق وَالْوَاو للْجمع والمعنيان متقاربان وَالثَّانِي أنَّهما جَمِيعًا من الشفتين فأمَّا الْفَاء وَإِن كَانَت من الشفتين فَفِيهَا معنى غير الْجمع وَهُوَ التَّرْتِيب فِي الْعَطف وَالْجَوَاب وَلكَون الْوَاو بَدَلاً لَا تدخل على الْمُضمر لأنَّه بدل من الْمظهر فَلم يجْتَمع بدلان فصل و (التَّاء) بدل من (الْوَاو) هُنَا كَمَا أبدلت فِي (تراث وتجاه وتهمة وتخمة) ولَمَّا كَانَت بَدَلا عَن بدل اختصَّت لِضعْفِهَا باسم الله تَعَالَى خاصَّة لأنَّه أَكثر فِي بَاب الْقسم وَلَا يجوز (تَرَبِّي) وَقد حُكي شاذّاً فصل وَقد استعملوا (اللَّام) فِي الْقسم إِذا أَرَادوا التعجُّب كَقَوْلِهِم لله أَبوك لقد فعلت وَإِنَّمَا جاؤوا بهَا دون الْحُرُوف الأُوَل ليعلم أنَّ الْقسم قد انضمَّ إِلَيْهِ أمرٌ آخر وَكَانَت اللَّام أوْلى بذلك لما فِيهَا من الِاخْتِصَاص والمقسم بِهِ مَعَ التَّعَجُّب مختصّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 فصل وَقد قَالَ بَعضهم إنَّ (من) الجارّة تسْتَعْمل فِي الْقسم مَعَ (رَبِّي) وَمَعَ (الله) وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ محذوفة من (ايمن) وَسَيَأْتِي القَوْل فِيهَا فصل وَقد عوَّض من حرف الْقسم ثَلَاثَة أَشْيَاء همزَة الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِك الله وَالْهَاء كَقَوْلِك إيها الله ولاها الله ف (إِي) بِمَعْنى (نَعْمَ) وَقطع الْهمزَة كَقَوْلِك أفألله وَهَذَا كلُّه يخْتَص باسم الله والجرُّ بَاقٍ وَقد أختص اسْم الله بأَشْيَاء مِنْهَا هَذَا وَمِنْهَا (تَاء) الْقسم وَمِنْهَا زِيَادَة الْمِيم فِي النداء وَمِنْهَا قطع همزته فِيهِ أَيْضا وَمِنْهَا تفخيم لامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 فصل فإنَّ حذفت حُرُوف الْقسم وعوَّضته نصبت بِالْفِعْلِ المقدَّر وَهُوَ كَقَوْلِهِم 73 - (أَمرتك الْخَيْر ... ) // الْبَسِيط // والجرُّ جَائِز فِي اسْم الله تَعَالَى خاصَّة لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله فِي الْقسم وَقَالَ الكوفيُّون يجوز ذَلِك فِي كلِّ مقسم بِهِ واحتجُّوا لذَلِك بأَشْيَاء كلُّها شاذّ قليلٌ فِي الِاسْتِعْمَال لَا يقاسُ عَلَيْهِ لأنَّ حرف الجرّ كجزء من الْمَجْرُور وكجزء من الْفِعْل من وَجه آخر فَحَذفهُ كحذف جُزْء مِنْهُمَا إِذا بَقِي عمله فأمَّا إِذا لم يبْق فَالْعَمَل للْفِعْل وَلِهَذَا لم يكن الضَّمِير الْمَجْرُور إلاَّ مُتَّصِلا ولأنّ عمل حرف الجرّ قَلِيل ضَعِيف على حسب ضعفه وإبقاء الْعَمَل مَعَ حذف الْعَامِل أثرُ قوَّته وتصرُّفه فصل وَقد حذف الْقسم وأقيمت الْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَالْفِعْل وَالْفَاعِل مقَامه فَالْأولى كَقَوْلِك لعمرك لأقومنَّ ف (عمرك) مُبْتَدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي لعمرك قسمي وَحذف لطول الْكَلَام وأنَّه مَعْلُوم وَعين (عَمْرك) مفتوحةٌ فِي الْقسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 لَا غير وَيجوز ضمُّها فِي غَيره واختاروا الفتحة لكثرته ولطول الْكَلَام فإنْ حذفت اللَّام نصبت (عَمْرَك) على فعل مَحْذُوف ونصبت إسم الله وَفِيه وَجْهَان أحدُهما أنَّ التَّقْدِير أَسأَلك بتعميرك اللهَ أَي باعتقادك بقاءَ الله ف (تعميرك) مفعول ثَان و (الله) مَنْصُوب بِالْمَصْدَرِ وَالثَّانِي أَن يَكُونَا مفعولين أَي أسأَل الله تعميرك وأمَّا الْجُمْلَة الفعلية فكقولك يَمِين الله فَإِن نصبت كَانَ التَّقْدِير ألزمك وَالْتزم يَمِين الله وَإِن رفعت كَانَ التَّقْدِير يَمِين الله لَازِمَة لي أَو لَك فصل وَجَوَاب الْقسم إِن كَانَ إِيجَابا لَزِمته اللَّام وَالنُّون فِي الْمُسْتَقْبل كَقَوْلِك وَالله لأذهبنَّ وإنّما لَزِمَهَا لدلالتها على التوكيد وحاجة الْقسم إِلَيْهِ وربَّما جَاءَ فِي الشّعْر حذف اللَّام وَقد يكون الْجَواب مُبْتَدأ وخبراً كَقَوْلِك وَالله لزيدٌ منطلق وو الله إنَّ زيدا لمنطلق وإنْ كَانَ الْجَواب مَاضِيا قلت وَالله لقد قَامَ زيدٌ فتؤكد بِاللَّامِ وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 كَانَ الْجَواب نفيا قلت وَالله مَا قَامَ وَوَاللَّه لَا يقوم وَيجوز حذف (لَا) فِي الْمُسْتَقْبل لأمن اللّبْس بالإثبات لأنَّه فِي الْإِثْبَات تلْزمهُ وَالنُّون فَإِن قيل لم أكّد الْإِثْبَات دون النَّفْي قيل لأنَّ فِي الْإِثْبَات الْتِزَام إِحْدَاث الْفِعْل أَو مَا يقوم مقَامه وَفِي ذَلِك كلفة فاحتيج فِيهِ إِلَى زِيَادَة توكيد تحمل على الِانْتِقَال عَن الأَصْل وَتحمل المشقَّة بِخِلَاف النَّفْي فإنَّه بَقَاء على الْعَدَم فصل وَإِذا قلت لزيد منطلق من غير يَمِين فِي اللَّفْظ فَلَيْسَتْ لَام الْقسم بل لَام الِابْتِدَاء وَقَالَ الكوفيُّون هِيَ لَام الْقسم قَالُوا وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أنَّها تدخل على الفضلات كَقَوْلِك لطعامَكَ زيدٌ آكل وَلَيْسَ الطَّعَام بمبتدأ وَحجَّة البصريِّين أنَّ اللَّام إِذا دخلت على مفعول (ظَنَنْت) ارْتَفع بِالِابْتِدَاءِ وَلم يُمكن تَقْدِير الْقسم فِيهِ لأنَّ (ظَنَنْت) لَا تلغى بالقسم فَعلم أَن تَعْلِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 (ظَنَنْت) لتحقّق الِابْتِدَاء كَمَا تعلّق بالاستفهام كَقَوْلِهِم علمت أيُّهم أَخُوك وأمَّا قَوْلهم طعامَك زيد آكل فإنَّما جَازَ لأنَّها فِي حيِّز الْخَبَر إِذْ كَانَت معمولة لَهُ مقدّمة عَلَيْهِ فكأنَّها دَاخِلَة على الْمُبْتَدَأ فصل وممَّا يسْتَعْمل فِي الْقسم (ايمن الله) وَهِي مُفْردَة عِنْد البصريِّين واشتقاقها من الْيمن أَي الْبركَة أَو القوّة وَقَالَ الكوفيُّون هِيَ جمع يَمِين واحتجَّ الأوَّلون بشيئين أحدُهما كسر همزتها فإنَّها لُغَة مسموعة وهمزة الْجمع لَا تكسر وَالثَّانِي أنَّها همزَة وصل بِدَلِيل قَول الشَّاعِر [من الطَّوِيل] 74 - (فَقَالَ فريق الْقَوْم لَمَّا نشدتهم ... نَعَمْ وفريقٌ لَا يْمُنُ الله مَا نَدْرِي) // الطَّوِيل // وهمزة الْجمع لَيست همزَة وصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّه جمع يَمِين كَقَوْل الشَّاعِر 75 ( ... يبري لَهَا من أيْمُنٍ وأشمل) // الرجز // فقابلها بالأشمل وَفِي جمعهَا فِي الْقسم زِيَادَة توكيد وَالثَّانِي أنَّ همزتها مَفْتُوحَة وهمزة الْوَصْل لَا تفتح مَعَ غير لَام التَّعْرِيف وَالْجَوَاب أمَّا الأوَّل فَلَا حجَّة فِيهِ لأنَّنا لَا ننكر أنَّ الْيَمين يجمع على (أَيمن) فِي غير الْقسم وأمَّا مَا ذَكرُوهُ فَلَا تعرّض لَهُ بالقسم وأمَّا فتح همزتها فلغة فِيهَا وللعرب فِيهَا لُغَات فتح الْهمزَة وَكسرهَا مَعَ النُّون وَفتحهَا وَكسرهَا مَعَ حذف النُّون كَقَوْلِك (ايم الله) وَالْخَامِسَة (آم الله) بِكَسْرِهَا وَفتحهَا مَعَ حذف الْيَاء وَالنُّون و (مِنُ الله) بضمَّ الْمِيم وَكسرهَا و (مُ الله) بِالضَّمِّ وَالْكَسْر وَقَالَ سبيويه إنَّ (من) هُنَا حرف جرّ وَلَيْسَت الْبَاقِيَة من (ايمن) ولوجعلت هَذِه الْحُرُوف والتصرَّفات فِي هَذِه الْكَلِمَة دَلِيلا على أنَّها لَيست جمعاُ كَانَ متمسّكاً صَحِيحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 بَاب حتَّى وَهِي حرف بِلَا خلاف وَتدْخل على الْمُفْرد وَالْجُمْلَة الأسمَّية وَالْفِعْل فدخولُها على الْفِعْل يذكر حكمه فِي نواصب الْأَفْعَال وأمَّا دُخُولهَا على الْجُمْلَة فَلَا يؤثَّر فِيهَا لفظا وَلَا تَقْديرا وَذَلِكَ كَقَوْل الشَّاعِر 76 = - (فواعجبا حتَّى كليبٌ تسبّني ... كَأَن أَبَاهَا نَهْشلُ أوْ مُجاشعُ) // الطَّوِيل // وأمَّا دخولُها على الْمُفْرد فعلى ضَرْبَيْنِ أحدُهما أنَّ تجر ك (إِلَى) وَالثَّانِي أَن تكون عاطفة ك (الْوَاو) فصل وَمعنى (حتَّى) اللَّازِم لَهَا الْغَايَة فِي التَّعْظِيم والتحقير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 فَأَما عَملهَا فَلَيْسَ بِأَصْل بل مَحْمُول على غَيرهَا لأنهَّا لمَّا دخلت على الْجُمْلَة تَارَة وَبِمَعْنى (إِلَى) أُخْرَى وَبِمَعْنى (الْوَاو) ثَالِثَة وَبِمَعْنى (كي) رَابِعَة لم يكن لَهَا اخْتِصَاص تعْمل بِسَبَبِهِ لأنَّ هَذِه الْمعَانِي تكون فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال فصل وإنّما عملت عمل (إِلَى) لأنَّ إِلَى لانْتِهَاء الْغَايَة و (حتَّى) تشاركها فِي ذَلِك فَعمِلت عَملهَا فِي الْموضع الَّذِي يصحُّ دُخُول (إِلَى) فِيهِ فصل وتفارق (حتَّى) إِلَى فِي أَشْيَاء أحدُها أنَّ مَا بعد حتَّى يدْخل فِي حكم مَا قبلهَا كَقَوْلِك قَامَ الْقَوْم حتَّى زيد ف (زيد) هُنَا دخل فِي الْقيام وَلَا يلْزم ذَلِك فِي قَوْلك قَامَ الْقَوْم إِلَى زيد وَالثَّانِي أنَّ مَا قبل (حتَّى) يجب أَن يكون جمعا كَقَوْلِك قَامَ الْقَوْم حتَّى زيد وَلَو قلت قَامَ عَمْرو حتَّى زيد لم يجز وعلَّة ذَلِك أنَّ (حتَّى) تدلُّ على بُلُوغ الْعَمَل غَايَته وَلَفظ الْوَاحِد لَا يتَنَاوَل أَكثر مِنْهُ بِحَيْثُ يجوز تَخْصِيصه بِبَعْضِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 بِخِلَاف لفظ الْجمع فإنَّهُ جَازَ أَن يُضَاف الْفِعْل إِلَى الْقَوْم وَلَا يُرَاد دُخُول (زيد) فيهم لِعِظَمِهِ أَو حقارته فَإِذا جِئْت ب (حتَّى) أزلَّت هَذَا الْجَوَاز وتنزَّلتْ (حتَّى) منزلَة التوكيد الْمَانِع من التَّخْصِيص وَالثَّالِث أنَّ (إِلَى) تدخل على الْمُضمر و (حتَّى) لَا تدخل عَلَيْهِ وعلَّة ذَلِك أنَّه لمَّا لزم أنَّ يكون قبلهَا جمع وَمَا بعْدهَا واحدٌ مِنْهُ لم يتقدَّم على (حتَّى) اللَّفْظ الظَّاهِر ليعود الضَّمِير إِلَيْهِ فَلَمَّا أضمر لم يكن لَهُ ظَاهر يعود عَلَيْهِ ضمير كَقَوْلِك قَامَ الْقَوْم حَتَّى زيد ف (زيد) لم يتقدَّم لَهُ ذكر يعود عَلَيْهِ ضمير فصل وَإِنَّمَا جَازَ أَن تقع (حتَّى) بِمَعْنى (الْوَاو) لأنَّ الْوَاو للْجمع و (حتَّى) للغاية والشمول والمعنيَّان متقاربان فصل وتفترقان فِي أَشْيَاء أحدُها أَن مَا قبلهَا يجب أَن يكون جمعا لما تقدَّم وَالثَّانِي أنْ يكون مَا بعْدهَا من جنس مَا قبلهَا فَلَو قلت جَاءَ النَّاس حتَّى الْحمير لم يجز لمَّا ذكرنَا من إِفَادَة معنى الْغَايَة والتوكيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَالثَّالِث أنَّ الْوَاو تضمر بعْدهَا (ربّ) وَلَا تُضمر بعد (حتَّى) مَسْأَلَة تَقول مَرَرْت بهم حتَّى زيدٍ إنْ جَعلتهَا بِمَعْنى (إِلَى) لم تحْتجْ إِلَى إِعَادَة الْبَاء وإنْ جَعلتهَا كالواو أعدت الْبَاء كَمَا تعيدها مَعَ الْوَاو مَسْأَلَة تَقول أكلت السَّمَكَة حتَّى رأسِها أَكلته فلك فِيهِ الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بعده خبر وَالنّصب على وَجْهَيْن أحدُهما أَن تنصبه بِمَعْنى الْوَاو فَيكون (أَكلته) توكيداً وَالثَّانِي أَن تنصبه بِفعل مَحْذُوف دلَّ عَلَيْهِ مَا بعده أَي حتَّى أكلت رَأسهَا ف (حتَّى) على هَذَا دَاخِلَة على الْجُمْلَة تَقْديرا والجر بِمَعْنى (إِلَى) وأكلته توكيد لَا غير وَمثل ذَلِك قَول الشَّاعِر 77 - (ألْقى الصَّحِيفَة كي يخفِّف رَحْله ... والزاد حَتَّى نعلِّة أَلْقَاهَا) يرْوى (نعلَه) بالأوجه الثَّلَاثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 فإنْ لم تقلْ (أَكلته) جَازَ الجرّ بِمَعْنى (إِلَى) وَالنّصب بِمَعْنى (الْوَاو) وَالرَّفْع على الإبتداء وَالْخَبَر مَحْذُوف وَمنع الزجاجيُّ الرّفْع فِي كتاب الْجمل وَهُوَ إمَّا سهوٌ وإمَّا إنْ يُرِيد أَن الرّفْع بِمَعْنى الْوَاو الْوَاو لَا يجوز فأمَّا على تَقْدِير الإبتداء وَحذف الْخَبَر لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ فَلَا مَانع مِنْهُ مَسْأَلَة تَقول اجْلِسْ حتَّى إِذا جَاءَ زيد أَعطيتك ف (حتَّى) هُنَا غير عاملة لأنَّ (إِذا) يعْمل فِيهَا جوابُها النصب على الظّرْف فتغلوا (حتَّى) لدخولها على الْجُمْلَة تَقْديرا وَتصير كالفاء فِي ربط مَا بعْدهَا بِمَا قبلهَا فِي الْمَعْنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 بَاب الْإِضَافَة الْإِضَافَة فِي اللُّغَة الْإِسْنَاد قَالَ امْرُؤ الْقَيْس 78 (فلَمَّا دخلناه أضفنا ظُهُورنَا ... إِلَى كل حاريّ جَدِيد مُشطَّبِ) // الطَّوِيل // أَي أسندناها وَبِهَذَا الْمَعْنى فِي هَذَا الْبَاب لأنَّ الِاسْم الأوَّل ملتصق بِالثَّانِي ومعتمد عَلَيْهِ كاعتماد الْمُسْتَند بِمَا يسْتَند إِلَيْهِ فصل وَإِنَّمَا حذف التَّنْوِين من الأوَّل لوَجْهَيْنِ أحَدُهما أنَّ التَّنْوِين تدلُّ على إنتهاء الإسم وَالْإِضَافَة يدلُّ على احْتِيَاج الأوّل إِلَى الثَّانِي فَلم يجتمعا وَالثَّانِي أنَّ التَّنْوِين فِي الأَصْل يدل على التنكير وَالْإِضَافَة تخصّص فَلم يجتمعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فصل وأمَّا جرُّ الثَّانِي بالأوَّل فلأنَّ الْإِضَافَة تقدَّر بِحرف الجرّ ولكنَّه حذف ليحصل التَّخْصِيص أَو التَّعْرِيف فناب الإسم عَن الْحَرْف فَعمل عمله كَمَا يعْمل الِاسْم عمل الْفِعْل فِي مَوَاضِع وَلَيْسَ فِي الْإِضَافَة تَقْدِير حرف على جهةِ التضُّمن إذْ لَو كَانَ كَذَلِك لأوجب الْبناء فصل وَالْإِضَافَة تكون بِمَعْنى (اللَّام) وَبِمَعْنى (مِنْ) نَحْو غُلَام زيد وأثواب خزّ ويتبيَّن الْفرق بَينهمَا بأَشْيَاء مِنْهَا أنَّ الَّتِي بِمَعْنى (اللَّام) يكون الثَّانِي فِيهَا غير الأوَّل فِي الْمَعْنى وَالَّتِي بِمَعْنى (مِنْ) يكون الأوَّل فِيهَا بعض الثَّانِي وَمِنْهَا أنَّ الَّتِي بِمَعْنى (اللَّام) لَا يصحّ فِيهَا أنْ يُوصف الأوَّل بِالثَّانِي وَالَّتِي بِمَعْنى (مِنْ) يصحُّ فِيهَا ذَلِك وَمِنْهَا أَن الَّتِي بِمَعْنى (اللَّام) لَا يَصح فِيهَا أنْ ينْتَصب الثَّانِي على التَّمْيِيز للأوَّل وَالَّتِي بِمَعْنى (من) يصحُّ فِيهَا ذَلِك كَقَوْلِك هَذَا بَاب حديدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 فَإِن قيل (يَد زيد) من أيّ الإضافتين قيل مِنَ الَّتِي بِمَعْنى اللَّام لأنَّ العلامات الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي اللَّام تُوجد فِيهَا دون الْأُخْرَى فإنْ قيل ف (كلُّ الْقَوْم) من أيّهما قيل من اللَّام لمَّا تقدَّم أَلا ترى أنَّ (كلاًّ) عبارَة عَن مَجْمُوع أَجزَاء الشَّيْء الْمُضَاف إِلَيْهِ والمجزَّأُ غيرُ الْأَجْزَاء وَلذَلِك لَا تَقول الْقَوْم كلٌّ وَلَا الكلُّ قومٌ فصل وَالْإِضَافَة الْمَحْضَة تعرّف إِذا كَانَ الثَّانِي معرفَة كَقَوْلِك غُلَام زيد وَصَاحب الرجل فيتعدّى التَّعْرِيف من الثَّانِي إِلَى الأوَّل لتخصُّصه بِهِ وأمَّا غير الْمَحْضَة فَهِيَ على ضَرْبَيْنِ أحدُهما لَا يحصل مِنْهَا تَعْرِيف وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع أحدُها إِضَافَة (مثل) ونظائره كَقَوْلِك زيد مثل عَمْرو لأنَّ (مثلا) يقدِّر فِيهَا التَّنْوِين إِذْ كَانَت الْمُمَاثلَة بَين الشَّيْئَيْنِ لَا تقع من وَجه مَخْصُوص وَكَذَلِكَ (غير) لأنَّ المثلَيْنِ من وَجه غيران من وجهٍ آخر وَكَذَلِكَ الغَيْران مثلان من وَجه آخر فإنْ وَقعا بَين متماثلين من كلِّ وَجه أَو متغايرين من كلِّ وَجه تعرَّفا كَقَوْلِك الْحَرَكَة غير السّكُون / الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 وَالثَّانِي أَسمَاء الفاعلين والمفعولين العاملة عمل الْفِعْل لأنَّ التَّنْوِين فِيهَا مقدَّر مُرَاد وَحذف تَخْفِيفًا وانجرَّ الثَّانِي لوُجُود لفظ الْإِضَافَة كَقَوْلِك زيد ضَارب عمروٍ غَدا وَالثَّالِث الصّفة المشبهة باسم الْفَاعِل نَحْو حسن الْوَجْه لأنَّ التَّنْوِين فِيهَا مُرَاد أَيْضا وَالتَّقْدِير مَرَرْت بِرَجُل حسنٍ وَجهه وَالضَّرْب الثَّانِي يحصل فِيهِ التَّعْرِيف وذلكْ فِي موضِعين أحدُهما إِضَافَة (أفعل) كَقَوْلِك زيدٌ أفضل الْقَوْم ف (أفضل) معرفَة عِنْد الْأَكْثَرين وأفعل هَذِه تسْتَعْمل على ثَلَاثَة أوجه أحدُها ب (مِنْ) كَقَوْلِك زيدٌ أفضل من عَمْرو وَهَذِه نكرَة وَالثَّانِي الْألف وَاللَّام كَقَوْلِك زيد الْأَفْضَل وَالثَّالِث الْإِضَافَة فصل و (أفعل) هَذِه تُضَاف إِلَى مَا هِيَ بعضٌ لَهُ وَلذَلِك لَا تَقول زيدٌ أشدُّ الْحِجَارَة وَلَا أفضل الْحمير لأنَّه لَيْسَ مِنْهُمَا وَمن هَهُنَا إِذا قلت زيدٌ أفره عبدٍ فجررت كَانَ زيدا عبدا وَالتَّقْدِير زيدا أفره العبيد وإنَّ قلت زيدٌ أفره عبدا فَنصبت لم يكن زيدٌ عبدا وَالْمعْنَى عبيدُه أفرهُ من عبيدِ غَيره وَمن الْمَسْأَلَة الْمَشْهُورَة أفضل إخْوَته لَا يجوز لأنَّ إِضَافَة أفضل إِلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 توجب أنَّ يكون وَاحِدًا مِنْهُم وإضافتهم إِلَيْهِ تدلُّ على أنَّه غَيرهم لأنَّ الشَّيْء لَا يُضَاف إِلَى نَفسه فيتنافيان وَلذَلِك لَو قيل مَنْ إخْوَته لم تعدّه مِنْهُم وَلَو قيل زيدُ أفضل الْإِخْوَة جَازَ لأنَّه وَاحِد مِنْهُم وَلذَلِك تعدَّه مِنْهُم فصل وأمَّا الضَّرْب الثَّانِي فَهُوَ إِضَافَة الشَّيْء إِلَى مايصحُّ أنْ يكون صفة لَهُ ك (صَلَاة الأوَّلى وَمَسْجِد الْجَامِع وجانب الغربيّ) فيجعلونه على غير مَحْض لأنَّ الأَصْل أَن تَقول الصَّلَاة الأولى وَالْمَسْجِد الْجَامِع وَلَكِن لّمَّا أضيف تؤول على حذف مَوْصُوف تَقْدِيره صَلَاة السَّاعَة الأوَّلى وَمَسْجِد المكانِ الْجَامِع وَمن هَذَا الْوَجْه لم يكن مَحْضا إلاَّ أَن التَّعْرِيف يحصل بِهِ مَسْأَلَة لَا تجوز إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه وإنّ أختلف اللفظان وَأَجَازَ الكوفيُّون ذَلِك إِذا أختلف اللفظان وحجَّة الأوَّلين أَن الْغَرَض بِالْإِضَافَة التَّخْصِيص وَالشَّيْء لَا يخصص نَفسه وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ كلّ شَيْء مخصّصاً واحتجَّ الْآخرُونَ بِإِضَافَة الشَّيْء إِلَى صفته كنحو مَا ذكرنَا وَمِنْه {الدَّار الْآخِرَة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 ) و {حَبل الوريد} و {وَحب الحصيد} وَالثَّانِي هُوَ الأوَّل وَالْجَوَاب أنَّ جَمِيع مَا ذَكرُوهُ متأوَّل على غير ظَاهره وَذَلِكَ أنَّ التَّقْدِير دَار السَّاعَة الْآخِرَة وَقد سَمَّاهَا الله تَعَالَى (سَاعَة) فِي نَحْو قَوْله {وَيَوْم تقوم السَّاعَة} وأمَّا حَبل الوريد فعلى ذَلِك أَيْضا وَالتَّقْدِير حَبل الشَّرَاب الوريد وَالدَّم الوريد أَي الْوَارِد فِيهِ وفعيل بِمَعْنى فَاعل كثير وأمَّا حَبُّ الحصيد قتقديره حبّ الزَّرْع الحصيد لأنَّ الَّذِي يحصد هُوَ الزَّرْع لَا الحبّ مَسْأَلَة تجوز إِضَافَة الزَّمَان إِلَى الْفِعْل كَقَوْلِه تَعَالَى {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} وَلَا تجوز إِضَافَة غير الزَّمَان إِلَيْهِ لأنَّ بَين الزَّمَان وَالْفِعْل مُنَاسبَة إِذْ كَانَ الْفِعْل يدلُّ على الزَّمَان [فكأنَّك أضفت زَمَانا عامّاً إِلَى خَاص فتخصص لِأَن الْفِعْل يدل على زمَان] مَاض أَو مُسْتَقْبل وَالَّذِي يُضَاف إِلَيْهِ لم يكن مَاضِيا بِلَفْظِهِ وَلَا مُسْتَقْبلا كَالْيَوْمِ والساعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 فأمَّا (أمس) و (غَد) فَلَا يُضَاف إِلَى الْفِعْل لأنَّه مَخْصُوص كتخصيص زمن الْفِعْل وإنْ شِئْت قلت الْفِعْل هُنَا فِي تَقْدِير الْمصدر فَلذَلِك أضيف إِلَيْهِ إلاَّ أنَّ الْمصدر لَا يدلُّ على الْحَدث وَالْفِعْل يدلَّ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 بَاب التوكيد التوكيدُ تمكينُ الْمَعْنى فِي النَّفس وَيُقَال توكيد وتأكيد ووكَّد وأكَّد وبالواو جَاءَ الْقُرْآن {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} وَلَفظه على ضَرْبَيْنِ أحدُهما إِعَادَة الأوَّل بِعَيْنِه وَيكون ذَلِك فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال والحروف والجمل وَالثَّانِي غير لفظ الأوَّل وَلَكِن فِي مَعْنَاهُ فصل وَالْغَرَض من ذكره إِزَالَة الاتساع وَذَلِكَ أنَّ الِاسْم قد ينْسب إِلَيْهِ الْخَبَر وَيُرَاد بِهِ غَيره مجَازًا كَقَوْلِك جَاءَنِي زيد فَإِنَّهُ قد يُرَاد جَاءَنِي غُلَامه أوكتابه وَمِنْه عمر السُّلْطَان دَارا أوحفر نَهرا أَي أَصْحَابه بأَمْره فَإِذا قلت جَاءَ زيدُ نَفسه كَانَ هُوَ الجائي حَقِيقَة وَقد يذكر العامّ وَيُرَاد بِهِ الْخَاص كَقَوْلِه تَعَالَى {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إنَّ النَّاس قد جمعُوا لكم} وَالْمرَاد بَعضهم فَإِذا قلت قَالَ الناسُ كلهم لم يحْتَمل بَعضهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 فصل ويوكد الْوَاحِد بلفظين (نَفسه) و / (عينه) وهما عبارتان عَن حَقِيقَة ويوكد الِاثْنَان ب (كلا) و (كلتا) وَالْجمع ب (كلّهم) و (أجمع) و (أَجْمَعِينَ) و (جَمْعَاء) و (جمع) لِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ مَوْضُوعَة لحصر أَجزَاء الشَّيْء والإحاطة بهَا فَمَا لَا يتَجَزَّأ لَا تدخل عَلَيْهِ لعدم مَعْنَاهَا فِيهِ أَلا ترى أنَّك لَو قلت كتب زيد كلُّه أَو أجمع لم يكن لَهُ معنى كَمَا يكون فِي قَوْلهم كتب الْقَوْم كلُّهم فصل وَلَا توكّد النكرات وَأَجَازَهُ الكوفيَّون وحجَّة الأوَّلين من وحهين أَحدهمَا أنَّ التوكيد كالوصف وَأَلْفَاظه معارف والنكرة لَا تُوصَف بالمعرفة وَالثَّانِي أنَّ النكرَة لَا تثبت لَهَا فِي النَّفس عين تحْتَمل الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فَيُفَرق بالتوكيد بَينهمَا بِخِلَاف الْمعرفَة أَلا ترى أنَّك لَو قلت جَاءَنِي رجل لم يحْتَمل أَن تفسَّره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 بِكِتَاب رجل لأنَّ الْمجَاز فِي هَذَا الِاسْتِعْمَال لَا يغلب حتَّى يدْفع بالتوكيد بِخِلَاف لَفْظَة (الْقَوْم) فإنَّه يغلب اسْتِعْمَالهَا فِي الْأَكْثَر فَإِذا أردْت الْجَمِيع أكَّدت لرفع الْمجَاز الْغَالِب وَمثل ذَلِك الِاسْتِثْنَاء فإنَّه دخل الْكَلَام ليرْفَع حمل لفظ الْعُمُوم على الأستغراق لأنَّه يسْتَعْمل فِيهِ غَالِبا احتّج الْآخرُونَ بإنَّ ذَلِك قد جَاءَ فِي الشّعْر فَمن ذَلِك قَول 79 - (أرمي عَلْيها وَهِي فرعُ أجمعُ ... وَهِي ثَلَاث أَذْرع واصبع) // الرجز // وَقَالَ الآخر 80 - (إِذا الْقعُود كرّ فِيهَا حفدا ... يَوْمًا جَدِيدا كلّه مطرّدا) // الرجز // وَقَالَ آخر 81 - ( ... قد صرتّ البكرة يَوْمًا أجمعا) // الرجز // وَالْجَوَاب عَن هَذِه الابيات من وَجْهَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 أحدُهما أنَّ التوكيد فِيهَا للمعرفة لَا للنكرة فقولُه أجمع توكيد ل (هِيَ) ولكَّنه اضْطر ف فصل بالْخبر بَين الموكّد والموكَّد كَمَا فِي الصّفة وَقيل فِي (فرع) ضميرّ والتوكيد لَهُ وَهَذَا بعيد وأمَّا قولُه (جَدِيدا كلّه) فَهُوَ مَرْفُوع على أنَّه تَأْكِيد للضمير فِي (جَدِيد وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ هَذِه الأبيات شاذةّ فِيهَا اضطرار فَلَا تُجعل أصلا فصل وَإِنَّمَا لم ينْصَرف (جُمَعُ) لأنَّ فِيهِ الْعدْل والتعريف فالعدلُ عَن (جُمَعٍ) لأنَّ واحده (أجمع) و (جَمْعَاء) فَيَنْبَغِي أَن يكون على (جُمَعُ) مثل (حُمْر) ولكَّنه فتحت ميمّه وصير ك (عُمَر) وَقَالَ أَبُو عليّ هُوَ معدول عَن (جَماعى) مثل صحراء وصحارى وَلَو كَانَ عَن جمع مثل حمر لما جَازَ فِيهِ أَجْمَعُونَ ولكان يُؤَكد بِهِ المذكَر والمؤنّث كَمَا يُوصف بِحْمَر الْمُذكر والمؤنث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وأمَّا التَّعْرِيف فبوضعه توكيداً للمعرفة صَار كالأعلام وَلَيْسَ فِيهِ أَدَاة للتعريف وأمَّا (جَمْعَاء) فَلأَلِفَيْ التَّأْنِيث فصل وأمَّا (أَكْتَع) و (أبصع) وَمَا تصرَّف مِنْهُمَا فَلَا تسْتَعْمل فِي التوكيد إلاَّ تبعا ل (أجمع) فإنَّ جَاءَ شَيْء على غير ذَلِك فِي الشّعْر فضرورة مَسْأَلَة وأمَّا (كلا وكلتا) فاسمان مفردان مقصوران وَقَالَ الكوفيَّون هما مثنيَّان لفظا وَمعنى وحجَّة الأوَّلين من وُجُوه أحدُها أنَّهما بِالْألف فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث إِذا إضيفا إِلَى الظَّاهِر وَلَيْسَ الْمثنى كَذَلِك وَالثَّانِي أنَّه لَا ينْطق بِالْوَاحِدِ مِنْهُمَا فَلَا يُقَال فِي الْوَاحِد (كِل) بِخِلَاف الْمثنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وَالثَّالِث أنَّهما يضافان إِلَى المثنَّى وَلَو كَانَا مثنَّيين للَزِمَ أنْ يُضَاف الشَّيْء إِلَى نَفسه وَهُوَ بَاطِل إِلَّا ترى أنَّك لَا تَقول مَرَرْت بهما أثنيهماكما لَا تَقول مَرَرْت بِهِ واحده فَإِن قيل فَكيف يُقَال مَرَرْت بهم خمستهم فيضاف الْجمع إِلَى الْجمع قيل إنَّما أَجَازُوا ذَلِك لأنَّ ضمير الْجمع يحْتَمل الْعدَد الْقَلِيل والكثيرفلا يلْزمه من إِضَافَة الْخَمْسَة وَنَحْوهَا إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه وَالرَّابِع أنَّ الضَّمِير يرجع إِلَيْهِ بِلَفْظ الْإِفْرَاد كَقَوْلِه تَعَالَى {كلتا الجنتين آتت أكلهَا} وَلَو كَانَ مثنّى فِي اللَّفْظ لم يجز ذَلِك كَمَا لايجوز الرّجلَانِ قَامَ واحتَّج الْآخرُونَ بِالسَّمَاعِ وَالْقِيَاس أمَّا السماع فَقَوْل الشَّاعِر 82 ي - (فِي كِلْتَ رجليْها سُلامى واحده ... كلْتاهما مقرونة بزائدهْ) // الرجز // وَأما الْقيَاس فَمن وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ الضَّمِير يعود إِلَيْهِ بِلَفْظ التَّثْنِيَة فِي بعض الْمَوَاضِع كَقَوْل الشَّاعِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 83 - (كِلَاهُمَا حِين جدّ الجريُ بَينهمَا ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي) // الْبَسِيط // وَالثَّانِي أنَّهما فِي الجرّ وَالنّصب بِالْيَاءِ وَفِي الرّفْع بِالْألف إِذا أضيفا إِلَى مُضْمر وَالْجَوَاب أنَّ الشّعْر لَا يعرفُ قائلة على أنَّه مَحْمُول على الضَّرُورَة وَقد جَازَ حذف شطر الْكَلِمَة فِي الضَّرُورَة كَقَوْل لبيد 84 - (درس المنا بِمُتَالعِ فأًبانِ ... ) // الْكَامِل // أَرَادَ (الْمنَازل) وَقَالَ العجَّاج الحديث: 83 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 85 - (قواطناً مكّة من ورق الحمي ... ) أَرَادَ (الْحمام) وَهَذَا لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَلَا يثبت بِهِ أصل وأمَّا عود الضَّمِير المثّنى إِلَيْهِ فعلى الْمَعْنى والإفراد على اللَّفْظ وَهَذَا مثل (كُلّ) و (مَن) فإنَّ الضَّمِير يعود إِلَى لَفْظهمَا تَارَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وكلّهم آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} و {بلَى من أسلم وَجهه لله} وَتارَة يجمع حملا على الْمَعْنى كَقَوْلِه تَعَالَى {وكلُّ أَتَوْهُ داخرين} و {وَمن الشَّيَاطِين من يغوصون لَهُ} {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون إِلَيْك} وأمَّا جعلهَا بِالْيَاءِ فِي الْجَرّ وَالنّصب فَلم يكن لما قَالُوا إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لاستمرَّ مَعَ المضمّر والمظهر كَمَا فِي كلَّ مثنَّى وأنَّما قلبت الْألف يَاء مَعَ الْمُضمر لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ (كلا وكلتا) يشبهان (على وَإِلَى ولدى) فِي أنَّها لَا تسْتَعْمل واحده بل لَا بُد من دُخُولهَا على الِاسْم وأنَّ آخِره ألف كآخرهما وكما تجْعَل الْألف فِي (على) يَاء مَعَ الْمُضمر كَذَلِك (كلا) واختص ذَلِك بِالنّصب والجر كَمَا أَن (على) يكون موضعهَا نصبا بحقّ الأَصْل الحديث: 85 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَالثَّانِي أنَّ (كلا) أذا أضيفت إِلَى الْمُضمر لم تكن إلاَّ تَابِعَة للمثنّى فَجُعل لَفظهَا كَلَفْظِ مَا تتبعه اسْتِحْسَانًا فصل وَألف ا (كلا وكلتا) من وَاو عِنْد قوم وياء عِنْد آخَرين وتاء (كلتا) بدلًّ من أحد الحرفين وألفها للتأنيث وَنَذْكُر ذَلِك فِي التصريف أَن شَاءَ الله فصل وَأقوى أَلْفَاظ التوكيد فِي الْجمع (كلّهم) لأنَّها قد تكون أصلا يَلِيهِ الْعَامِل كَقَوْلِك جَاءَنِي كل الْقَوْم وَتَكون مُبْتَدأ كَقَوْلِه تَعَالَى {كل نفس ذائقة الْمَوْت} وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {إنَّ الامرَ كلّه لله} فِيمَن رفع وَمن نصب جعله توكيداً وأمَّا (أجمع) وماتصرَّف مِنْهَا فَلَا تكون إلاَّ تَابِعَة فَإِذا اجْتمعت (كلٌّ) و (أجمع) فِي التوكيد قدَّمت (كلُّ) عَلَيْهَا لشبهها بالمتبوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 فصل وَلَا يعْطف بعض أَلْفَاظ التوكيد على بعض لأنَّ معنى الْجَمِيع وَاحِد بِخِلَاف الصّفة فإنَّ الصّفة تدلُّ على معنى زَائِد على الْمَوْصُوف فصل وَإِذا جمعت بَين لَفْظِي توكيد كَانَ الثَّانِي مُفِيدا زِيَادَة التوكيد فَقَط كَقَوْلِه تَعَالَى {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلَّهم أَجْمَعُونَ} وَقَالَ الزَّجاج الْفَائِدَة فِي (اجمعون) بعد (كل) الدّلَالَة على أَن سُجُود الْمَلَائِكَة وَقع فِي حَال وَاحِدَة وَفِي هَذَا نظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 بَاب النَّعْت النَّعْت وَالْوَصْف بمعّنى فأمَّا (الصّفة) فَهِيَ عِنْد النحويَّين بِمَنْزِلَة الْوَصْف وَأَصلهَا (وصْفة) فحذفت واوها كَمَا حذفت فِي (عدَّة وزنة) وأمَّا المتكلمون فيقرقون بَين الْوَصْف وَالصّفة فالوصف لفظ الواصف كَقَوْلِك ظريف وعالم وَالصّفة هِيَ الْمَعْنى العامّ الْمَوْصُوف فصل وَالْغَرَض من الْوَصْف الْفرق بَين مشتركين فِي الِاسْم أَو الْمَدْح أَو الذَّم أَو التَّعْظِيم فَقطع الِاشْتِرَاك كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد الظريف أَي انَّ ثَّم جمَاعَة كل مِنْهُم اسْمه زيد / والمختص بالظرف مِنْهُم وَاحِد وَلذَلِك لم يُوصف المضمرإذ لَا اشْتِرَاك فِيهِ لعوده إِلَى الظَّاهِر والمدح والتعظيم يقعان فِي صِفَات الله عز وَجل والذم كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد الْخَبيث الْفَاسِق فإنَّك لَا تقصد تَمْيِيزه عَن غَيره بل تقصد إِعْلَام السَّامع بِمَا فِيهِ من الْأَوْصَاف المذمومة فصل وإنَّما لزم أَن تكون الصّفة بالمشتق أَو الْجَارِي مجْرَاه لأنَّ الْفرق إنَّما يحصل بِأَمْر عَارض يُوجد فِي أحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء دون بَاقِيهَا وَهَذَا إنَّما يكون فِي المشتقات مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الْحِلْية نَحْو الْأسود والأزرق والغريزة مثل الْعقل وَالْحسن وَالْفِعْل نَحْو الْقيام وَالْإِكْرَام أَو الصِّنَاعَة نَحْو البزَّاز والعطَّار وَالنّسب نَحْو بصريَّ وهاشميَّ وأمَّا الْجَارِي مجْرى المشتقّ فَمثل مَرَرْت بِرَجُل ابي عشرَة وبحيّة ذِرَاع طولهَا كانّك قلت مَرَرْت بِرَجُل كثير الْأَوْلَاد وبحيّة مذروعة فصل ولابد فِي الصّفة من ضمير يعود على الْمَوْصُوف لأنَّ ذَلِك من ضَرُورَة كَونه مشتقا أَن يعْمل فِي فَاعل مُضْمر أَو مظهرً فالمضمر هُوَ الْمَوْصُوف فِي الْمَعْنى والمظهر لَا بُد ان يَصْحَبهُ ضمير الْمَوْصُوف ليصير من سَببه بِهِ كَقَوْلِك مَرَرْت بِرَجُل قَائِم زيدٌ عِنْده فلولا الْهَاء لَكَانَ الْكَلَام أَجْنَبِيّا من الاوَّل وَلم يكن صفة لَهُ فصل وإنَّما كَانَت الصّفة كالموصوف فِي التَّعْرِيف والتنكير والإفراد والتثنية وَالْجمع والتذكير والتأنيث وَالْإِعْرَاب لأنَّ الصّفة هِيَ الْمَوْصُوف فِي الْمَعْنى ومحالٌ أَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد معرفَة ونكرة ومفرداً وَأكْثر فِي حالٍ وَاحِدَة فصل فأمَّا قولُهم ثوب أسمال وبرمة أعشار فأنَّما جَازَ لَمَّا كَانَ الثَّوْب يجمع رِقَاعًا وَكَأن كل نَاحيَة مِنْهُ سمل والبرمة مجتمعة من أكسار فَصَارَ التَّقْدِير ذَات أكسار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 فصل وَالْعَامِل فِي الصّفة هُوَ الْعَامِل فِي الْمَوْصُوف لأنَّها هِيَ هُوَ فِي الْمَعْنى وَلذَلِك جَازَ أَن يحذف الْمَوْصُوف ويولى الْعَامِل الصّفة فَتَقول مَرَرْت بالظريف وَلَا تكَرر الْعَامِل مَعهَا فَلَا تَقول مَرَرْت بزيد بالظريف وَقَالَ الْأَخْفَش الْعَامِل فِيهَا معنويّ وَهُوَ كَونهَا تَابِعَة وَهَذَا إِن بِهِ أنَّها تَابِعَة للموصوف فِي الْحَقِيقَة فَذَلِك لَا يَقْتَضِي الْعَمَل وَإِن أَرَادَ أنَّها تَابِعَة لَهُ فِي الْإِعْرَاب فَلَيْسَ ذَلِك بَيَانا لِلْعَامِلِ وَهُوَ مَذْهَب الْجَمِيع وإنَّما الْخلاف فِي الْعَامِل فِي هَذَا التَّابِع مَا هُوَ لأنَّ التّبعِيَّة معنى وَاحِد وَالشَّيْء الْوَاحِد لَا يعْمل أعمالا مُخْتَلفَة فِي مَعْمُول وَاحِد فصل وَإِذا اخْتلف الْعَامِل فِي الْأَسْمَاء لم تنْعَت بنعت وَاحِد كَقَوْلِك جَاءَ زيد وَرَأَيْت عمرا الظريفين فَلَا يجوز نصب الصّفة وَلَا رَفعهَا لأنَّها لفظ وَاحِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 مثنى فَلَو رفعت أونصُبت لتبعت أحد الأسمين وَعمل فِيهَا عَامله فَيَنْقَطِع تبعا للْآخر والتثنية تأبى ذَلِك لأنَّها تدل على أنَّ الصّفة تَابِعَة لَهما فصل فَأن كَانَ الْإِعْرَاب وَاحِدًا وَالْعَامِل مُخْتَلف فَالْحكم كَذَلِك لأنَّ العاملين لَا يعملان عملا واحداُ فِي مَعْمُول وَاحِد كَانَ العاملان بِمَعْنى وَاحِد كَقَوْلِك ذهب زيد وَانْطَلق عَمْرو فَالْحكم كَذَلِك عِنْد بعض البصريَّين لأنَّ الْعَامِل لفظ وَقد خَالف لفظ الثَّانِي لفظ الأوَّل وَالْمعْنَى لَا يعْمل هُنَا حَتَّى يؤثَّر اتَّفاقهما فِي الْمَعْنى فصل إِذا تكَّررت النعوت جَازَ حمل الْجَمِيع على الْمَوْصُوف وَهُوَ الظَّاهِر وَجَاز نصبها بإضمار أَعنِي ورفعها على إِضْمَار (هُوَ) وَدلّ هَذَا الْإِضْمَار على زِيَادَة الْمَدْح والذّم لأنَّه يصير بذلك جملَة مُسْتَقلَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 فصل وَيجوز عطف بعض الصِّفَات على بعض تَنْبِيها على زِيَادَة الْمَدْح والذم كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد الْكَرِيم والعاقل ف (الْوَاو) تدلَّ على أنَّه الْمَعْرُوف بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 بَاب عطف الْبَيَان وَهُوَ أَن تجْرِي الْأَسْمَاء الجامدة مجْرى المشتقة فِي الْإِيضَاح إِذا كَانَ الثَّانِي أعرف من الاوَّل كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد أبي عبد الله إِذا كَانَ بالكنية أعرف وبأبي عبد الله زيد إِذا كَانَ الِاسْم أعرف وَلَيْسَ هُوَ هَهُنَا بِبَدَل لأنَّه كالموصوف فِي التَّعْرِيف والتنكير وَجَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ فِي الصّفة وَلَيْسَ الْبَدَل كَذَلِك وَفِي بعض الْمَوَاضِع يجوز أَن يكون عطف بَيَان وَأَن يكون بَدَلا وَفِي بَعْضهَا يتَعَيَّن أحدُهما كَقَوْلِك جَاءَنِي زيد أَبُو مُحَمَّد يحتملها وَفِي قَوْلك ياأيَّها الرجل زيد يتَعَيَّن أَن يكون عطف بَيَان وَفِي قَوْلك يَا أخانا زيدا إنْ نصبت كَانَ بَيَانا وَإِن أردْت الْبَدَل ضممت (زيدا) لأنَّ حرف النداء يقدر عوده مَعَ الْبَدَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 بَاب الْبَدَل الغرضُ من الْبَدَل هُوَ الْغَرَض من الصفه وَقد ذكر وَالْفرق بَين الْبَدَل والصفه أنَّ الصفه بالمشتقَّ وَالْبدل بِغَيْر المشتقّ وأنَّ الصّفة كالموصوف فِي التَّعْرِيف والتنكير وَغَيرهمَا وَالْبدل يجوز أَن يخالفُ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي التَّعْرِيف والتنكير والإظهار والإضمار وأنَّ الْبَدَل يكون بِبَعْض من كلّ وَبِمَعْنى يشْتَمل عَلَيْهِ الأوَّلُ وَالصّفة بخلافِه والفرقُ بْيَن الْبَدَل وعطفِ الْبَيَان قد تقدَّم فصل وبدلُ الشَّيْء فِي اللُّغَة مَا قَامَ مقامَهُ وَهُوَ على هَذَا الْمَعْنى فِي أصطلاح النحويَّين أَلا ترى أنَّك لَو حذفت الأوَّل وأقتصرت على الثَّانِي لأغناك عَنهُ وَلذَلِك قَالَ بَعضهم عِبْرَة الْبَدَل مَا صلح لحذف الأوَّل وَإِقَامَة الثَّانِي مقَامه وَقَالَ بعض النحوييَّن لَا يصحُّ هَذَا الحدَّ والدليلُ عَلَيْهِ قَول الشَّاعِر 86 - (فكأنَّهُ لَهِقُ السراة كأنَّه ... مَا حاجبيه معيَّن بسوادِ) // الْكَامِل // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 لَو حذفت الْهَاء هُنَا فَقلت كأنَّ حاجبيه معيَّن لم يستقم لأنَّ الْمُبْتَدَأ مثنّى وَالْخَبَر مُفْرد واستدلَّوا أيضاُ بِقَوْلِك زيد ضربت أَبَاهُ عمرا ف (عمروٌ) بدلٌ من (أَبَاهُ) فَلَو حذفته فَقلت زيدٌ ضربت عمرا لم يجز لخلوّ الْجُمْلَة من ضمير يعود على الْمُبْتَدَأ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيف جدّاً أمَّا الْبَيْت فَوجه جَوَازه أنَّه أفرد الْخَبَر عَن المثتَّى وهويريد التَّثْنِيَة كَمَا قَالَ الآخر 87 - (لمن زحلوقة زلُّ ... بِهِ العينانِ تنهلُّ) // الهزج // وكقول الْأُخَر 88 - (وكأنَّ فِي الْعَينَيْنِ حَبّ قَرَنْفُلِ ... أَو سُنْبلاً كُحِلَتْ بِهِ فانهلَّتِ) // الْكَامِل // وأمَّا الْمَسْأَلَة فالمانعُ ثَّم الإضمارُ وَهُوَ عَارض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 فصل وتبدل الْمعرفَة من الْمعرفَة وَمن النكرَة والنكرة من الْمعرفَة إلاَّ أنَّك إِذا ابدلت النكرَة من الْمعرفَة فَلَا بدَّ من صفة النكرَة كَقَوْلِه تَعَالَى {لنسفعا بالناصية ناصيةٍ كَاذِبَة} لأنَّ الْمعرفَة أبْيَنُ من النكرَة فَإِذا لم تصف النكرَة انْتقض غَرَض الْبَدَل وَإِذا وصفتها حصل بِالصّفةِ بَيَان لم يكن بالمعرفة فصل وكلَّ الْأَسْمَاء يصلح أنَّ يُبدل مِنْهَا إلاَّ ضمير الْمُتَكَلّم والمخاطب لأنَّهما فِي غَايَة الوضوح كَقَوْلِك مَرَرْت بِي بزيد وَبِك عَمْرو وَأَجَازَهُ قوم وَالَّذِي جَاءَ مِنْهُ فِي بدل الأشتمال وَالْبَعْض فالاشتمال كَقَوْل الشَّاعِر 89 - (ذَرِينِي إنَّ أَمرك لنْ يُطَاعا ... وَمَا ألفيتُني حِلْمي مُضَاعاً) // الوافر // ف (حلمي) بدل من (الْيَاء) وَمن الْبَعْض قَول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 90 - (أوْعَدني بالسجنِ والأداهم ... رجْلي ورجلي شَثنَةُ المناسم) // الرجز // ف (رجْلي) بدل من الْيَاء فصل وَلَا يحْتَاج فِي بدل الْكل إِلَى ضمير يعود على الأوَّل لأنَّ الثَّانِي هُوَ الأوَّل وَيحْتَاج إِلَيْهِ فِي بدل الْبَعْض والاشتمال لأنَّ الثَّانِي مُخَالف للاوَّل فيرتبط بِهِ بضميره كالجملة فِي خبر الْمُبْتَدَأ وَيجوز حذفه إِذا كَانَ مَعْلُوما كَقَوْلِه تَعَالَى {وللهِ على النَّاس حجًّ الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} أَي مِنْهُم فصل وَشرط بدل الاشتمال أَن يكون الأوَّل مُشْتَمِلًا على الثَّانِي وَالثَّانِي قَائِم بِهِ كَقَوْلِك يُعجبني زيدُ عقلهُ وَعرفت أَخَاك خَبره وحقُّه التَّقْدِيم أَي يُعجبنِي عقل زيد وَلَكِن لمَّا كَانَ يكْتَسب من عقله وصف الْحسن والإعجاب جَازَ أَن يُؤَخر ويُجعل بَدَلا مِنْهُ فَإِن لم يكن كَذَلِك لم يجزكقولك يُعجبنِي زيد ابوه لأنَّ (زيدا) لَا يشْتَمل على الاب بل كلّ وَاحِد مِنْهُمَا منفصلٌ عَن الاخر ويتضح بِقَوْلِك (مَاتَ زيد / اخوه) فانه لَيْسَ من الاشتمال بل من الْغَلَط الحديث: 90 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 فصل وحقَّ بدل الْغَلَط أَن يسْتَعْمل ب (بل) لأنَّها مَوْضُوعَة للإضراب عَن الاوَّل وَلَكِن جَازَ حذفهَا لوضوح مَعْنَاهَا فصل وَالْعَامِل فِي الْبَدَل غير الْعَامِل فِي الْمُبدل مِنْهُ وَذَلِكَ الْعَامِل هُوَ تَقْدِير الْإِعَادَة أَي إِعَادَة الْعَامِل الاوَّل فقولك مَرَرْت بزيد أَخِيك تَقْدِيره بزيد بأخيك وَقَالَ قوم العاملُ فِيهِ عَامل الأوَّل وحجّة الأوَّلين من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ الْعَامِل قد ظهر فِي كثير من الْكَلَام فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {قَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه للَّذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُم} فَأَعَادَ (اللَّام) مَعَ الْبَدَل وَقَالَ تعالة {كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك لتخرج النَّاس من الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذن رَبهم إِلَى صِرَاط الْعَزِيز} فأبدل الصِّرَاط من النُّور وَأعَاد (إِلَى) وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تَكُونُوا من الْمُشْركين من الَّذين فرَّقوا دينهم} فَأَعَادَ (من) وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن وَالشعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ الْبَدَل كالمبدل مِنْهُ فِي جَمِيع أَحْكَامه بِحَيْثُ لَو ابتدئ بِهِ لم يقدّر هُنَاكَ مَحْذُوف بِخِلَاف الصّفة وَمَا أجري مجْراهَا وفلمَّا لم يكن تبعا فِي الْحَقِيقَة لم يكن تبعا فِي الْعَمَل فَلذَلِك قدّر لَهُ عَامل أغْنى عَن تقدّم ذكره واحتّج الْآخرُونَ بأنَّه لَو كَانَ لَهُ عَامل يخصّه للَزِمَ إِظْهَاره إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْء يَنُوب عَنهُ وَالْجَوَاب أنَّ تقدم الْعَامِل وَكَون الثَّانِي هُوَ الأوَّل أغْنى عَن لُزُوم تكَّرر الْعَامِل وَلَيْسَ كَذَلِك الصّفة أَلا ترى أنَّ الْمَعْطُوف لَمَّا كَانَ غير الأوَّل احْتَاجَ إِلَى مَا يَنُوب عَن الْعَامِل فجيء بالحروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 بَاب عطف النسق العطفُ ليَّ الشَّيْء والالتفات إِلَيْهِ يُقَال عطفت الْعود إِذا ثنيته وعطفت على الْفَارِس الْتفت إِلَيْهِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنى فِي النحولأنَّ الثَّانِي ملويُّ على الأوَّل ومثني إِلَيْهِ وَلذَلِك قدَّرت التَّثْنِيَة بالْعَطْف والعطف بالتثنية فصل وَلَا بدَّ فِي عطف النسق من حرف يرْبط الثَّانِي بالأوَّل إذْ كَانَا غَيْرَيْنِ فصل وَقد وضعت لَهُ حُرُوف تشرك بَين الشَّيْئَيْنِ فِي الْعَامِل فَمِنْهَا مَا لَا يُفِيد سوى التَّشْرِيك وَمِنْهَا مَا يفِيدهُ مَعَ غَيره فصل و (الْوَاو) أصل حُرُوف الْعَطف لأنَّها لَا تدل إلاَّ على الِاشْتِرَاك عِنْد المحقَّقين فأمَّا (الْفَاء) وَغَيرهَا فتدل على الِاشْتِرَاك وَشَيْء آخر فَهِيَ كالمركَّب وَالْوَاو كالمفرد والمفرد أصل للمرَّكب وسابق عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 فصل (الْوَاو) لَا تدل على التَّرْتِيب عِنْد الْجُمْهُور وَقَالَت شرذمة تدلُّ عَلَيْهِ وحجَّة الأوَّلين السماعُ وَالْقِيَاس فَمن السماع قَوْله تَعَالَى {وادخلوا الْبَاب سُجَّداً وَقُولُوا حطَّة} وَقَالَ فِي آيَة آخرى {وَقُولُوا حطّة وادخلوا الْبَاب سًجَّداً} والقصة وَاحِدَة وَقَالَ لبيد 91 - (أُغْلي السباء بكُل أدْكن عاتق أَو جَوْنة قُدحَتْ وفض ختامها) // الْكَامِل // فالجونة الدنّ وَقد حت غرفت وفضّ الختام يكون قبل الغرف وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن وَالشعر وأمَّا الْقيَاس فَهُوَ أنَّ الْوَاو تقع فِي مَوضِع يمْتَنع فِيهِ التَّرْتِيب وتمتنع من مَوضِع يجب فِيهِ التَّرْتِيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 فَمن الأوَل قَوْلك المَال بَين زيد وَعَمْرو وَلَو قلت (فعمرو) لم بجز لأنَّ (بَينا) يَقْتَضِي أَكثر من وَاحِد وَمن ذَلِك سَوَاء زيدُ وَعَمْرو سيّان زيد وَعَمْرو و (الْفَاء) هُنَا لَا تجوزلأنَّ التَّسَاوِي لَا يكون فِي الْوَاحِد وَمن ذَلِك اخْتصم زيد زعمرو وَالْفَاء لَا تصلح هُنَا وَمن ذَلِك أنَّ الْعَطف بِالْوَاو نَظِير التَّثْنِيَة والتثنية لَا تفِيد سوى الِاجْتِمَاع وَمن الثَّانِي أنَّ (الْوَاو) لَا تسْتَعْمل فِي جَوَاب الشَّرْط لما كَانَ مرتّبا على الشَّرْط وَالْفَاء تسْتَعْمل فِيهِ وأمَّا الْآخرُونَ فتمسكَّوا بشبه لَا دلَالَة فِيهَا على التَّرْتِيب من جِهَة الْوَاو فأضربنا عَن ذكرهَا لوضوح الْجَواب عَنْهَا فصل (الْوَاو) تقع على وُجُوه أَحدهَا الْعَطف الْمُطلق وَالثَّانِي (وَاو الْحَال) كَقَوْلِه تَعَالَى {وَطَائِفَة قد أهّمتهم أنفسهم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 وَالثَّالِث أَن تكون بِمَعْنى (مَعَ) وَالرَّابِع ان تكون للقسم وَالْخَامِس أَن تضمر بعْدهَا (رب) وَالسَّادِس أَن تكون بِمَعْنى (الْبَاء) كَقَوْلِك بِعْت الشاءَ شاةٌ وَدِرْهَم أَي بدرهم فصل وَلَا تزاد (الْوَاو) عِنْد أَكثر البصريَّين لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ الْحُرُوف وضعت للاقتصار أَو عوضا عَن ذكر الْجمل (كالهمزة) فَإِنَّهَا بدل عَن (استفهم) أَو (أسأَل) و (مَا) بدل عَن (أنفي) فزيادتها تنقض هَذَا الْغَرَض وَالثَّانِي أنَّ الْحُرُوف وضعت للمعاني فَذكرهَا دون مَعْنَاهَا يُوجب اللبْس وخلوَّها عَن الْمَعْنى وَهُوَ خلافُ الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وَاحْتج الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا} ف (الْوَاو) زَائِدَة وَالْفِعْل جَوَاب (إِذا) وَلذَلِك لم تكن فِي الْموضع الأول وَقَالَ الشَّاعِر (حتّى إِذا قَملِتْ بطونُكُم ... ورأيتم ابناءكم شبَّوا) وقَلبْتُم ظِهْرِ المِجْنّ لنا ... إِن اللَّئِيم الْعَاجِز الخبَّ) // الْكَامِل // وَالْجَوَاب أنْ جَوَاب (إِذا) فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَحْذُوف فالتقدير فِي الْآيَة حتّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا عرفُوا صحّة وَمَا وُعدوا وعاينوه وقدّ دلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا الحمدُ لله الَّذِي صَدَقَنا وَعدْهَ} وَالتَّقْدِير فِي الْبَيْت حَتَّى إِذا فَعلْتُمْ هَذِه الْأَشْيَاء عرف غدركم وفجوركم ولؤمكم وَحذف الْجَواب كثير فِي الْقُرْآن وَالشعر فَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته وأنّ الله تَّوابُ حَكِيم} وَفِي هذاه السُّورَة {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته وأنّ الله رؤوفّ رَحِيم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 ) وَالتَّقْدِير لهلكتم وَقَوله تَعَالَى {وَلَو أنَّ قُرْآنًا سُيَّرتْ بِهِ الْجبَال أَو قًطُّعت بِهِ الأَرْض} أَي لَكَانَ هَذَا الْقُرْآن وَحذف الْجَواب أبلغ فِي هَذَا الْمَعْنى من ذكره ولأنَّ الموعودَّ أَو المتوعد إِذا لم يذكر لَهُ جَوَاب ذهب وهمه إِلَى أبلغ غايات الثَّوَاب وَالْعِقَاب فَيكون أبلغ فِي الطَّاعَة والأنزجار فصل وَمعنى الْفَاء ربط مَا بعْدهَا فِي بِمَا قبلهَا فالعاطفة ترْبط بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ فِيمَا نسب إِلَى الأوَّل إلاَّ أّنَّها تدل على أنَّ الثَّانِي بعد الأوَّل بِلَا مهلة وَإِذا وَقعت جَوَابا علَّقت مَا بعْدهَا بِمَا فِي قبلهَا وَمن هُنَا قَالَ الْفُقَهَاء تدلَّ (الْفَاء) على أنَّ مَا قبلهَا سببّ لما بعْدهَا ومعتبر فِيهِ فصل وَلَا تكون (الْفَاء) زَائِدَة لما ذكرنَا فِي (الْوَاو) وَقَالَ الْأَخْفَش قد زيدت فِي مَوَاضِع مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {قل إنَّ الْمَوْت الَّذِي تفرُّون مِنْهُ فإنَّه ملاقيكم} لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 الْفَاء تكون فِي خبر الَّذِي غير زَائِدَة وَالْخَبَر هُنَا للْمَوْت وَلَيْسَ فِيهِ معنى الشَّرْط وَمِنْه قَول الشَّاعِر 93 - (لَا تجزعي إنْ منفسا أهْلُكته ... فَإِذا هَلَكت فَعِنْدَ ذلكَ فاجزعي) فالفاء الأولى زاائدة وَقيل الثَّانِيَة فصل و (ثّم) كالفاء فِي التَّشْرِيك والتريب إلاَ أنَّها تَدُلُّ على الْمُهَلةِ إذْ كَانَت أَكثر حروفا من الْفَاء وَقد جَاءَت لترتيب الْأَخْبَار لَا لترتيب الْمخبر عَنهُ كَقَوْلِه تَعَالَى {فإلينا مرجُعهم ثُمَّ اللهُ شهيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ} وَقَالَ {وَأَن اسْتَغْفرُوا ربّكم ثمَّ توُبوا إِلَيْهِ} وَتقول زيد عَالم كريم ثَّم هُوَ شُجَاع فصل وأمّا (أَو) فتشرك فِي الْإِعْرَاب وَلها معَان أَحدهَا الشكَّ فِي الْخَبَر كَقَوْلِك قَامَ زيد أَو عَمْرو وَالْمعْنَى أحدُهما وَلذَلِك تَقول فَقَالَ كَذَا أَو كَذَا وَلَا تَقول فقالهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وَالثَّانِي أَن تكون لتفصيل مَا أبهم كَقَوْلِه تَعَالَى {وَقَالُوا لن يدْخل الجنَّة إلأّ مَنْ كَانَ هودا أَو نَصَارَى} أَي قَالَت الْيَهُود لن يدْخل الجنَّة من إِلَّا من كَانَ هوداً وَقَالَت النَّصَارَى لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ نَصَارَى وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {كونُوا هودا أَو نَصَارَى} وَمِنْه قَول الْقَائِل كنت بِالْبَصْرَةِ آكل السّمك أَو التَّمْر أَو اللَّحْم أَي فِي أزمنه مُتَفَرِّقَة وَلم يرد الشَّك وَالثَّالِث أَن تكون للتَّخْيِير كَقَوْلِه {فكّفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تُطْعِمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة} فلإن اتّصل بِالْأَمر لم يجمع بَينهمَا كَقَوْلِك خُذ درهما أَو دِينَارا فَإِن وجدت قرينَة تدل على الْإِبَاحَة جَازَ الْجمع بَينهمَا كَقَوْلِك جَالس الْفُقَهَاء أَو الزَّهاد لمن يجالسُ الأشرار فصل وَإِن اتَّصلت بِالنَّهْي وَجب اجْتِنَاب الْأَمريْنِ عِنْد محققَّي النَّحْوِيين كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تُطَعِ مِنْهُم آثِما أَو كفورا} أَي لَا تُطِع أَحدهمَا فَلَو جمع بَينهمَا لفعل المنهيّ عَنهُ مرَّتين لأنَّ كلّ وَاحِد مِنْهُمَا أَحدهمَا فصل وَقد تكون (أَو) للتقريب كَقَوْلِك مَا أَدْرِي أأذنّ أَو أَو أَقَامَ أَي لسرعته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وإنَّ كَانَ يعلم أنَّه أذَّن وَمن ذَلِك قَوْله تعلى {وَمَا أَمر السَّاعَة إلاّ كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب} فصل وَلَا تكون (أَو) بِمَعْنى (الْوَاو) وَلَا بِمَعْنى (بل) عِنْد البصرَّيين وَأَجَازَهُ الكوفَّيون وحجَّة الأوَّلين أنَّ الأَصْل اسْتِعْمَال كل حرف فِيمَا وضع لَهُ لئلاَّ يُفْضِي إِلَى اللّبْس وَإِسْقَاط فَائِدَة الْوَضع واحتَّج الْآخرُونَ بأنَّ ذَلِك قد جَاءَ فِي الْقُرْآن وَالشعر فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} أَي وَيزِيدُونَ وَقَالَ تَعَالَى {حرَّمنا عَلَيْهِم شحومهما إلاّ مَا حملت ظهورهما أَو الحوايا أَو مَا اخْتَلَط بِعظم} وَهِي بِمَعْنى الْوَاو و (الحوايا) عطفت على الشحوم أَو الظُّهُور وَقَالَ الشَّاعِر [من الطَّوِيل] 94 - (بَدتْ مثل قَرْنِ الشَّمْس فِي رونق الضُّحى ... وَصورتهَا أوْ أنْت فِي العْيًن أمْلَحُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 أَي بل أَنْت وَالْجَوَاب أنَّ (أَو) فِي الْآيَة الأولى لشكّ الرَّأْي أَي لَو رَأَيْتهمْ لَقلت هم مائَة ألف أَو يزِيدُونَ ة وَقيل هِيَ للتَّخْيِير وَقيل للتقريب وَقيل للتفصيل أَي بعض النَّاس يجزرهم كَذَا وَبَعْضهمْ كَذَا وأمَّا الْآيَة الثَّانِيَة ف (أَو) تنبّه على تَحْرِيم هَذِه الْأَشْيَاء وإنّ اخْتلفت موَاضعهَا أَو على حلَّ الْمُسْتَثْنى وَإِن اخْتلفت موَاضعه وَهَذَا كَمَا ذكرنَا فِي دلَالَة (أَو) على تَفْرِيق الْأَشْيَاء على الْأَزْمِنَة وأمَّا الْبَيْت فالمحفوُظ فِيهِ (أم أَنْت) وَلَو قدّر صحّة مَا رَوَوْا فَهِيَ على الشكّ أَي صورتهَا أَو أَنْت أملحُ من غيركما وَلِهَذَا كَقَوْلِهِم الْحسن وَالْحُسَيْن أفضل أم ابْن الْحَنَفِيَّة فصل و (إمَّأ) ك (أَو) فِي الشَّك والتخيير وَالْإِبَاحَة إلاَّ أنَّها أثبت مِنْهَا فِي الشكَّ لأنَّك تبتدىء بهَا شاكّاً و (أَو) ياتي الشكّ بهَا بعد لفظ الْيَقِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 فصل وَقد زعم قوم أنَّها مركَّبة من (إنْ) الشّرطِيَّة و (مَا) النافية لأنَّ الْمَعْنى فِي قَوْلك قَامَ إمَّا زيدٌ وَإِمَّا عَمْرو وإنْ لم يكن قَامَ زيد فقد قَامَ عَمْرو وَهَذَا تعسُّف لَا حَاجَة إِلَيْهِ لأنَّ وَضعهَا مُفْردَة أقرب من دَعْوَى التَّرْكِيب وَلَيْسَت (إمَّا) من حُرُوف الْعَطف أمَّا الأولى فَلَيْسَ قبلهَا مَا يعْطف عَلَيْهِ وأمَّا الثَّانِيَة فيلزمها الْوَاو وَهِي العاطفة فصل وأمَّا (لَا) فَتثبت الْفِعْل للأوَّل دون الثَّانِي وَلَا يحسن إِظْهَار الْعَامِل بعْدهَا لئلاَّ يلتبس بِالدُّعَاءِ إِلَّا ترى أنَّك لَو قلت قَامَ زيد لَا قَامَ عمروٌُ لأشبه الدُّعَاء عَلَيْهِ فصل وَإِذا عطفت بِالْوَاو وزدت مَعهَا (لَا) أفادت الْمَنْع من الْجَمِيع كَقَوْلِك وَالله لَا كلَّمت زيدا وَلَا عمرا وَلَو حذفتها جَازَ أَن تكَّلم أَحدهمَا لِأَن الْوَاو للْجمع وإعادة (لَا) كإعادة الْفِعْل فَيصير الْكَلَام بهَا جملتين فصل وأمَّا (بل) فتشرك بهَا فِي الْإِعْرَاب وتضرب بهَا عَن الأوَّل نفيا كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 أَو إِثْبَاتًا كَقَوْلِك مَا قَامَ زيدٌ بل عمروٌ وَقَامَ زيد بل عَمْرو وَمن هُنَا اسْتعْملت فِي الْغَلَط وَقد جَاءَت لِلْخُرُوجِ من قصّة إِلَى قصَّة كَقَوْلِه تَعَالَى {أتأتون الذُّكران من الْعَالمين} ثَّم قَالَ {بل أَنْتُم قوم عادون} ) وَقيل هَهُنَا لَا تدلَّ على أنَّ الأوَّل لم يكن بل دلَّت على الِانْتِقَال من حَدِيث إِلَى حَدِيث آخر وَهَذَا كَمَا يذكر الشَّاعِر مَعَاني ثُمَّ يَقُول فعد عَن ذَلِك أَو فدع ذَا فصل وأمّا (لكنْ) فللاستدراك مشدَّدة كَانَت أَو مُخَفّفَة وَلَيْسَت للغلط إلاَّ أنَّها فِي الْعَطف مخفَّفة البتَّة وَمَا بعْدهَا مُخَالف لما قبلهَا لأنَّ ذَلِك هُوَ معنى الِاسْتِدْرَاك وَلِهَذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع مُقَدرا ب (لكنْ) وَإِذا كَانَت مَعهَا (الْوَاو) فالعطف بهَا (لَا (بلكن) فالاستدراك لَازم والعطف عارضٌ فِيهَا فصل وَلَا يعْطف بهَا إلاَّ بعد النَّفْي وَذهب الكوفَّيون إِلَى الْعَطف بهَا بعد الْإِثْبَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وحجَّة الأوَّلين أنَّ الِاسْتِدْرَاك لَازم لَهَا والاستدراك لَا يكون إلاَّ الْمُخْتَلِفين فَإِذا كَانَ الأوَّل نفيا كَانَ الثَّانِي إِثْبَاتًا فَيصح أنْ يقدر الْعَامِل بعْدهَا كَقَوْلِك مَا قَامَ زيدُ لَكِن عَمْرو أَي لَكِن قَامَ عَمْرو وَلَا يَصح ذَلِك بعد الْإِثْبَات كَقَوْلِك قَامَ زيد لَكِن عَمْرو لِأَنَّك إِن قدرت لَكِن قَامَ عَمْرو وَلم يكن الثَّانِي مُخَالفا للأوَّل وأنْ قدرت لَكِن مَا قَامَ عَمْرو لم يَصح لأنَّك قدرت مَعَ الْعَامِل مَا لَيْسَ بعامل وحرف الْعَطف إنَّما يَنُوب عَن الْعَامِل فَقَط وَيدل على ذَلِك أنَّك لَو قلت قَامَ زيدٌ لكنْ عمروٌ لم يقم كَانَ جَائِزا فظهور النَّفْي وَالْفِعْل بعد الِاسْم دَلِيل على أَنه لم يكن مُقَدرا بعد لَكِن واحتَّج الْآخرُونَ بِأَن (لَكِن) ك (بل) فِي الْمَعْنى فَكَانَت مثلهَا فِي الْعَطف وَهَذَا بَاطِل لوَجْهَيْنِ أحدُهما مَا ذكرنَا من اخْتِلَافهمَا فِي الْمَعْنى وَالثَّانِي أنَّهما لواستويا فِي الْعَطف لأدَّى إِلَى الِاشْتِرَاك وَالْأَصْل أنْ ينْفَرد كل حرف بِحكم وَقد ذكرنَا مَا يبين بِهِ الْفرق بَين الحرفين فِي الْفَصْل قبله فصل وأمَّا (أمْ) فيعطف بهَا مُتَّصِلَة ومنقطعة فالمتَّصلة هِيَ المعادلة لحرف الِاسْتِفْهَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 ويقدّر الْكَلَام فِيهَا ب (أيَّهما) كَقَوْلِك أَزِيد عنْدك أم عَمْرو أَي أيَّهما عنْدك فَإِن كَانَ بعد (أم) جملَة تَامَّة مُخَالفَة للأولى كَانَت مُنْقَطِعَة كَقَوْلِك ازيد عنْدك أم عَمْرو فِي الدَّار لأنَّ (أيّا) لَا تقع هَهُنَا وَسَببه أنّ (أَيهمَا) اسْم مفردفالخبر عَنهُ وَاحِد فَإِذا اخْتلف الخبران لم يسْتَند إِلَى أيَّهما فصل فإنْ كَانَ مَكَان الْهمزَة (هَل) كَانَت (أم) مُنْقَطِعَة كَقَوْلِك هَل زيد عنْدك أم عَمْرو لِأَن (هَل) لَا تسْتَعْمل فِي الْإِثْبَات توبيخاً بِخِلَاف الْهمزَة أَلا ترى إِلَى قَول الراجز 95 (أطَرباً وأنْتَ قِنَّسْرِيُّ ... ) // الرجز // وَلَو قلت هَل تطرب وَأَنت شيخ على التوبيخ لم يجز وَكَذَلِكَ لَا تسْتَعْمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 (هَل) فِي التَّسْوِيَة والهمزة تسْتَعْمل فِيهَا فَلَمَّا كَانَت الْهمزَة أوسع تَصرفا خصّت (أم) بمعادلتها فصل وَقد تَأتي (أم) بِمَعْنى (بل والهمزة) وَذَلِكَ بعد الْخَبَر والاستفهام فَمن الْخَبَر إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ وَذَلِكَ أنَّه رأى شَيْئا من بعيد فَظَنهُ إبِلا ثمَّ بَان خلاف ذَلِك فاستفهم بعد فَرجع عَن الأوَّل ف (أم) جمعت الإضراب والاستفهام وَتقول فِي الِاسْتِفْهَام هَل زيد عنْدك أم عَمْرو فِي الدَّار فهما سؤالان والمتصّلة سُؤال وَاحِد فصل وَالْفرق بَين (ام) المتَّصلة و (أَو) أنَّ (أَو) لأحد الشَّيْئَيْنِ و (أم) سُؤال عَن الْمَشْكُوك فِي عينه فمثاله أَن تَقول أَزِيد عنْدك أَو عَمْرو فَأَنت شاكّ فِي أصل وجود أَحدهمَا عِنْده فَإِذا قَالَ نعم أثبتَّ وجود أَحدهمَا مُبْهما فَإِذا أردْت التَّعْيِين قلت أَزِيد عنْدك أم عَمْرو فَالْجَوَاب أَن تَقول زيد أَو عَمْرو وَلَا تَقول (نعْم) وَلَا (لَا) وَلَو قَالَ فِي جَوَاب (أَو) (لَا) أَو (نعمْ) جَازَ فصل وأمَّا (حتّى) فقد تكون بِمَعْنى (الْوَاو) بِشُرُوط قد ذكرت فِي بَابهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 فصل وحروف الْعَطف غير عاملة لأنَّها لَو عملت لعملت عملا وَاحِدًا وَالْوَاقِع بعْدهَا أَعمال مُخْتَلفَة ولأنَّها غير مختَّصة بالأسماء وَلَا بالأفعال فَعلم أنَّها نائبة عَن ذكر الْعَامِل لَا نائبة عَنهُ فِي الْعَمَل فصل وَلَا يعْطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل حتّى يُؤَكد وَقَالَ الكوفَّيون يجوز من غير توكيد حجَّة الأوَّلين أنَّ الضَّمِير إنْ كَانَ مستترا لم يعْطف عَلَيْهِ لأنَّ الْعَطف من أَحْكَام الْأَلْفَاظ لَا الْمعَانِي وإنْ كَانَ ملفوظا بِهِ فَهُوَ فِي حكم جُزْء من الْفِعْل بِدَلِيل أنَّ الْفِعْل يسكن لَهُ وأدلة أُخْرَى قد ذَكرنَاهَا فِي بَاب الْفَاعِل فالعطف عَلَيْهِ كالعطف على بعض الْكَلِمَة فَإِذا أكّد قوي وَاحْتج الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى {مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا} وَبقول الشَّاعِر 96 (قلت إِذْ أَقبلت وزهرُ تهادى ... كنعاج الملا تعسّفن رملا) // الْخَفِيف // وبأنَّ الْعَطف كالتوكيد وَالْبدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وَالْجَوَاب أمَّا الْآيَة فإنَّ (لَا) سد فِيهَا مسدّ التوكيد وأمَّا الْبَيْت فَقيل (الْوَاو) وَاو الْحَال و (زهر) مُبْتَدأ وَقيل هُوَ شاذّ لَا يُقَاس وأمَّا التوكيد وَالْبدل فهما الْمُضمر فِي الْمَعْنى بِخِلَاف الْمَعْطُوف فصل وَلَا يعْطف على الْمُضمر الْمَجْرُور إلاَّ بِإِعَادَة الجارّ وَأَجَازَهُ الكوفَّيون من غير إِعَادَة وحجَّة الأوَّلين من ثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّ الضَّمِير الْمَجْرُور مَعَ الجارّ كشيء وَاحِد وَلذَلِك لم يكن إلاَّ متصَّلا فالعطف عَلَيْهِ كالعطف على بعض الْكَلِمَة وَالثَّانِي أنَّ الْمَعْطُوف لَو كَانَ مضمراً لم يكن بدُّ من إِعَادَة الجرّ فَكَذَلِك إِذا كَانَ معطوفاُ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 وَالثَّالِث أنَّ الضَّمِير كالتنوين مَعَ الْإِضَافَة وأنَّه على حرف وَاحِد كَمَا لَا يعْطف على التَّنْوِين كَذَلِك الضَّمِير وأحتَّج الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى {وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام} على قِرَاءَة الجرّ وبأبيات أنشدوها أمَّا الْآيَة فقراءة الجرّ فِيهَا ضَعِيفَة والقارئ بهَا كوفيَّ تَنْبِيها على أصولهم وَقيل هِيَ وَاو الْقسم وَجَوَاب الْقسم مَا بعْدهَا وَقيل أَرَادَ إِعَادَة (الْبَاء) فحذفها وأمَّا الأبيات فَمِنْهَا مَا لَا يثبت فِي الرِّوَايَة وَمَا يثبت مِنْهَا فَهُوَ شاذّ وَبَعضهَا يُمكن إِعَادَة الجارّ مَعَه وَله نَظِير نذكرهُ من بعد مَسْأَلَة وَلَا يجوز الْعَطف على عاملين وإجازة الْأَخْفَش وَصورته مَا زيد بذاهب وَلَا قَائِم عَمْرو ف (قَائِم) مَعْطُوف على المجررو و (عَمْرو) مَعْطُوف على الْمَرْفُوع وَلَا يُجِيزهُ الاخفش إلاَّ إِذا ولي الْمَجْرُور الْمَجْرُور وَتَأَخر الْمَرْفُوع كَقَوْلِك زيد فِي الدَّار والسوق وعمروٌ وحجَّة الْأَوَّلين من وَجْهَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 أحدُهما أنَّ حرف الْعَطف نَائِب عَن الْعَامِل وَلَيْسَ من قوته أَن يَنُوب عَن اثْنَيْنِ فَلذَلِك لَا يصحّ إظهارهما بعده وَالثَّانِي أَنه لَو جَازَ الْعَطف على عاملين لجَاز على أَكثر ولجاز أَن يتَقَدَّم الْمَرْفُوع على الْمَجْرُور كَقَوْلِك زيد فِي الدَّار وَعَمْرو السُّوق أنَّه وَاحْتج الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى {وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} إِلَى قَوْله {آيَات لقوم يعْقلُونَ} ف (اخْتِلَاف) بالجرّ مَعْطُوف على (خَلقكُم) و (آيَات) الثَّالِثَة معطوفة على (آيَات) الأولى المنصوبة ب (إنَّ) وَبقول الشَّاعِر من 97 - (هَوَّنْ علْيك فَإنَّ الأمورَ ... بكفَّ الْإِلَه مقاديُرها) (فليسَ بآتيكَ مَنْهيُّها ... وَلَا قاصرٌٍ عَنْك مأمورُها) // المتقارب // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 ف (قَاصِر) مَعْطُوف على (آتِيك) و (مأمورها) على (منهيُّهَّا) وَقَالَ آخر 98 - (أكلَّ امرىء تحسبين امْرَءًا ... ونار توقَّد فِي الْحَرْب نَارا) // المتقارب وَالْجَوَاب أمَّا الْآيَة فَلَا حجَّة فِيهَا لأنَّ الْآيَات ذكرت توكيداً رفعت أَو نصبت لتقدّم ذكرهَا وأمَّا الْبَيْت فيروى بِالرَّفْع على أنَّه خبر مقدَّم وَبِالنَّصبِ عطفا على مَوضِع خبر لَيْسَ وبالجرّ على غير مَا احتّج بِهِ وَبَيَانه أنَّ (مأمورها) (مَرْفُوع ب (قَاصِر) لأنَّه من سَبَب اسْم (لَيْسَ) فَلَا يكون عطفا على عاملين فإنْ قيل من شُرُوط ذَلِك أَن يكون الضَّمِير هُوَ اسْم لَيْسَ ليَكُون من سَببه وَالضَّمِير فِي (مأمورها) للأمور لَا للمنهي قُلْنَا بل هِيَ للمنهي لأنّ الْمنْهِي أَمر من جملَة الْأُمُور وأَّنث الضَّمِير لأنَّ المنهيّ مضافٌُ إِلَى مؤنَّث فجوز تَأْنِيث ضَمِيره كَمَا قَالُوا ذهبتْ بعضُ أَصَابِعه وكما قَالَ تَعَالَى {فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} وَالتَّقْدِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وَلَا يقصر عَنْك مَأْمُور المنهيّات وَالْإِضَافَة للتمييز لِأَن فِي المنهيات مَأْمُورا على هَذَا الْمَعْنى حمله سِيبَوَيْهٍ وأمَّا الْبَيْت الآخر فالتقدير فِيهِ وكلّ نَار فَحَذفهُ لتقدَّم ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 بَاب 7 عمل اسْم الْفَاعِل إنَّما أُعملِ اسْم الْفَاعِل إِذا كَانَ للْحَال أَو الِاسْتِقْبَال لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّه جَار على الْفِعْل الْمُضَارع فِي حركاته وسكناته فِي الْأَغْلَب ف (ضَارب) على زنة (يَضرب) و (يُكرم) على زنة (مُكْرِم) فأمَّا (مُضْرَوب) فَكَانَ قِيَاسه (مضرب) لأنَّه على زنة (يُضرب) ولكنّهم زادوا (الْوَاو) لين فصل الثلاثي من الرباعيّ وفتحوا (الْمِيم) لثقل الضمَّة مَعَ الْوَاو وأمَّا (فعَلُ وفَعيِلٌ) فَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِمَا وَالثَّانِي أنَّ الأَصْل فِي الْأَسْمَاء ألاَّ تعْمل كَمَا أنَّ الأَصْل فِي الْأَفْعَال ألاَّ تعرب إِلَّا أنًّ الْمُضَارع أعرب لمشابهة اسْم الْفَاعِل فَيَنْبَغِي ألاَّ يعْمل اسْم الْفَاعِل إلاَّ مَا أشبه مِنْهُ الْمُضَارع فِي الْحَال والاستقبال فصل فأمَّا اسْم الْفَاعِل إِذا كَانَ للمضيء فَلَا يعْمل وَمن الكوفيَّين من يعمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وحجَّة الأوَّلين فِي ذَلِك أنَّ الْمَاضِي لَا يشبه اسْم الْفَاعِل وَلَا اسْم الْفَاعِل يشبهة فَلم تحمل علته فِي الْعَمَل كَمَا لم يحمل الْمَاضِي على الِاسْم فِي الْإِعْرَاب واحتجَّ الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى {وكلبُهم باسطٌ ذراعَيْهِ بالوصيد} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فالق الإصباح وَجعل اللَّيْل سكناُ وَالشَّمْس وَالْقَمَر} فنصب الْمَعْطُوف وبقولهم هَذَا معطي زيد درهما أمس وَلَا ناصب للدرهم إلاَّ الِاسْم والجوابُ أمَّا الْآيَة الأولى فحكاية حَال كَمَا يحْكى الْمَاضِي بِلَفْظ الْمُضَارع مثل قَوْلك مَرَرْت بزيد أمسِ يكْتب وأمَّا الْآيَة الثَّانِيَة فَفِيهَا جوابان أحدُهما أنَّه على الْحِكَايَة أَيْضا لأنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كلّ يَوْم يفلق الإصباح وَيجْعَل اللَّيْل سكناً وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسباناً وَالثَّانِي أنَّ الشَّمْس وَالْقَمَر ينتصبان بِفعل مَحْذُوف أَي وَجعل الشَّمْس وَهَكَذَا يقدّر فِي الْمَسْأَلَة المستشهد بهَا أَي اعطاه درهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 فصل اسْم الْفَاعِل الْمُعْمَلُ عمل الْفِعْل تجوز إِضَافَته فيجرُّ مَا بعده والتنوين فِيهِ مُرَاد وَحذف تَخْفِيفًا فإنَّ ثنَّي أَو جمع حذف مِنْهُ النُّون وأضيف لَا غير إنَّ لم يكن فِيهِ ألف وَلَام وَإِن نؤنت نصبت بِهِ لَا غير وَكَذَا إِذا أثبت النُّون فَإِن كَانَ فِيهِ ألف وَلَام وَهُوَ مُفْرد لم تضفه إلاَّ لّمَّا فِيهَا ألف وَاللَّام على مَا نبيّنه وَإِن كَانَ مثنَّى أَو مجموعاَ جَازَ أَن تحذف النُّون وتضيف كَقَوْلِك هَذَانِ الضاربا زيد وَيجوز أَن تنصب ويكو ن حذف النُّون تَخْفِيفًا لطوله بِالْألف وَاللَّام فانْ أثبتّ النُّون لم تكن فِيهِ الْإِضَافَة فصل وَقد حمل قَوْلهم هَذَا الضَّارِب الرجل على الْحسن الْوَجْه فِي الْجمع بَين الْألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 وَاللَّام وَالْإِضَافَة لأنَّ الْإِضَافَة لم تعرف فيهمَا والجيَّدَ النصب لأنَّ الْألف وَاللَّام تمنع الْإِضَافَة فإنْ قلت هَذَا الضَّارِب زيدا لم تجز الْإِضَافَة لِأَن الْقيَاس ترك الْإِضَافَة فِي الْجَمِيع إلاَّ أنَّها جَازَت إِذا كَانَ فِي الثَّانِي ألف وَلَام حملا على بَاب الْحسن الْوَجْه فَيجْرِي غَيره على الْقيَاس فصل وإنَّما يعْمل اسْم الْفَاعِل وَمَا حملِ عَلَيْهِ عمل الْفِعْل إِذا اعْتمد على شَيْء قبله مثل أَن يكون خَبرا أَو حَالا أَو صفة أَو صلَة أَو كَانَ مَعَه حرف النَّفْي أوالاستفهام لأنَّه ضَعِيف فِي الْعَمَل لكَونه فرعا فقوي بالإعتماد وَقَالَ الْأَخْفَش وَطَائِفَة مَعَه يعْمل وَإِن لم يعْتَمد لقوّة شبهه بِالْفِعْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 فصل وَيعْمل فعّال وفعول ومفعال عمل اسْم الْفَاعِل لِأَن مَا فِيهَا من الْمُبَالغَة وَزِيَادَة الْحَرْف جَبْرٌ لما دَخلهَا من النَّقْص عَن اسْم الْفَاعِل فِي جَرَيَانه على الْفِعْل وَمن الكوفيَّين من منع إِعْمَال ذَلِك وَهُوَ مَذْهَب مُخَالف لنصوص الْعَرَب فقد قَالَ الشَّاعِر 99 - (ضروبً بنَصْلِ السيفِ سُوق سمٍانِها ... إِذا عدموا زاداً فإنَّك عاقرُ) // الطَّوِيل // وَقَالَ آخر 100 - (فيالرزام رشحوا بِي مقدما ... إِلَى الْمَوْت خواضّاً إِلَيْهِ الكتائبا) // الطَّوِيل // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 فصل فأمَّا (فَعِلٌ وفعيل) فيعملان عِنْد سِيبَوَيْهٍ للمعنى الَّذِي ذكرنَا وَقَالَ الشَّاعِر 101 - (حَذِرٌ أموراً لَا تضيرُ وآمنٌ ... مَا لَيْسَ ينُجيه من الأقد ار) // الْكَامِل // فصل و (فُعُل وفواعلُ) جمعا يعملان عمل الْمُفْرد لما بَينهمَا من المشابهة قَالَ طرفَة 102 (ثُمَّ زادُوا أنَّهم فِي قومهمْ ... غٌفُرٌ ذَنْبَهمٌ غَيْرُ فُجُرْ) والعربُ تَقول هَؤُلَاءِ حواجُّ بيتَ الله بِالنّصب على الإعمال وبالجرّ على الْإِضَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 بَاب الصّفة المشبَّهة باسم الْفَاعِل وَهِي كل صفة لَا تجْرِي على الْفِعْل ممّا لَا مُبَالغَة فِيهِ نَحْو حسن وَبَطل وشديد ومشابهتها لَهُ فِي أنَّها تثّنى وَتجمع وتؤنث وَهِي مشتقّة كَمَا أنَّه مشتقٌّ ف (حسن وحسنان وحسنون وَحسنه وحسنتان وحسنات) مثل (ضَارب وضاربان وضاربون وضاربة وضاربتان وضاربات) وَينْقص عَن اسْم الْفَاعِل أنَّه على غير زنة الْفِعْل فَلهَذَا نقص عَن عمله فَلَا يتقدّم معموله عَلَيْهِ فصل وتجتمع الْإِضَافَة وَالْألف وَاللَّام فِي هَذَا الْبَاب وَمَا حملُ عَلَيْهِ لما ذكرنَا فِي بَاب الْإِضَافَة إلاَّ أنَّه يجوز هَهُنَا فِي الِاسْم الثَّانِي عدّة أوجه أحدُها مَرَرْت برجلٍ حَسَنٍ وجهُه على أنَّ ترفع بِالصّفةِ وَلَا ضمير فِيهَا لارْتِفَاع الظَّاهِر بهَا وَالْهَاء تعود على الْمَوْصُوف 2) وَالثَّانِي برجلٍ حَسًنٍ وَجْهَهُ فنصب على التَّشْبِيه بالمفعول وَأَجَازَ قوم نَصبه على التَّمْيِيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 3 - ) وَالثَّالِث بِرَجُل حسنِ وجههِ بِالْإِضَافَة فِي قَول سِيبَوَيْهٍ وَمنعه الْأَكْثَرُونَ واحتجّ بقول الشماّخ 103 (أمْن دِمنتينِ عّرسَ الركبُ فيهمَا ... بحقْلِ الرُّخامى قد عَفَا طَلَلاهُما) // الطَّوِيل // (أَقَامَت على رَبْعَيْهِما جارتا صفا ... كُمَيْتا الأعالي جَوْنَتا مُصْطلاهما) // الطَّوِيل // ف (جونتا) صفة ل (جارتا) وَالضَّمِير المثّنى لَهما وَمن حجَّة من خَالفه أنَّ ذَلِك يُفْضِي إِلَى أضافة الشَّيْء إِلَى نَفسه وتأوَّلوا الْبَيْت على أنَّ الضَّمِير للأعالي وَهُوَ خلاف الظَّاهِر فِإنَّ حَمْلَ التَّثْنِيَة على الْجمع لَيْسَ بِقِيَاس وَلَيْسَت الْإِضَافَة هُنَا من إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه لإنَّ (الْحَسَنَ) للْوَجْه و (الْهَاء) لَيست للْوَجْه وأنَّما حصَّلت التَّعْرِيف كَمَا تحصله الْألف وَاللَّام 4) وَالْوَجْه الرَّابِع مَرَرْت برجلٍ حسنِ الْوَجْه بِالْإِضَافَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 5 - ) والخامسُ الوجْهَ بِالنّصب على التَّشْبِيه بالمفعول أَو التَّمْيِيز 6) وَالسَّادِس الوجهُ بِالرَّفْع وَفِيه ثَلَاث مَذَاهِب أحدُها أنَّه فَاعل والعائد مَحْذُوف تقديرهُ مَرَرْت برجلٍ حسنٍ الْوَجْه مِنْهُ فَحذف للْعلم بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وأمَّا من خَافَ مقَام ربِّه وَنهى النفسَ عَنِ الْهوى فإنَّ الجنَّة هِيَ المأْوى} أَي هِيَ المأوى لَهُ وَمثله حذف الْعَائِد فِي الصِّلَة واشباهها وَالثَّانِي أنَّ فِي (حسن) ضمير فَاعل والوجهُ بدلٌ مِنْهُ وَجَاز ذَلِك لماكان الْوَجْه جُزْءا من الرجل وَالرجل مشتملٌ عَلَيْهِ وَلَا حذف على هَذَا الْوَجْه وَالثَّالِث أنَّ الْألف وَاللَّام بدل من الْهَاء وَهُوَ قَول الفرّاء وَهُوَ فِي غَايَة الضعْف لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ الْبَدَل مَا كَانَ فِي معنى الأَصْل وَالْهَاء تعرّف بِالْإِضَافَة وَالْألف وَاللَّام تعرّف بالعهد وهما مُخْتَلِفَانِ وَالثَّانِي أنَّهما لَو كَانَا بَدَلا من الْهَاء هُنَا لكانا كَذَلِك فِي غَيره وَلَيْسَ كَذَلِك أَلا ترى أنَّك لَو قلت زيدٌ الْغُلَام حسن وانت تُرِيدُ غُلَامه لم يجز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 7 - ) وَالْوَجْه السَّابِع أنَّ يكون فِي الصّفة الألفُ وَاللَّام كَقَوْلِك مررتُ بِالرجلِ الحسنِ فأنْ كَانَ (الوجهُ) بعْدهَا فِيهِ الْألف وَاللَّام فَفِيهِ الرّفْع وَالنّصب والجرّ على مَا تقدَّم وأنْ كَانَ (وَجهه) بِالْهَاءِ فَفِيهِ الرفعُ والنصبُ على ماتقدّم وأمَّا الجرُّ فممتنعٌ لأنَّ الْإِضَافَة مَعَ الْألف وَاللَّام فِي ألاوَّل لَا تكون إلاَّ إِذا كَانَ فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ الْألف وَاللَّام لما بَينهمَا من المشابهة وَهنا التعريفان مُخْتَلِفَانِ وَقد وَقع فِي هَذَا الْوَجْه خَمْسَة أوجه جائزه وَوَاحِد مُمْتَنع فأمَّا أَن يكون الْوَجْه نكرَة وَالصّفة نكرَة فَالْأَوْجه الثَّلَاثَة جَائِزَة لأنَّه قد علم أنّه لَا يُرِيد إلاَّ وَجه الْمَمْرورِ بِهِ وَأَن كَانَ فِي الصّفة الألفٌ وَاللَّام فالرفع وَالنّصب جائزان والجرّ مُمْتَنع لما تقدم فَإِذن جملَة الْوُجُوه الْجَائِزَة ستَة عشرَ وَاثْنَانِ ممتنعان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 [بَاب اسْم التَّفْضِيل] فصل وأمَّأ (أَفْعًلُ مِنْك) [فَالْوَجْه أَلا تعْمل فِي مظهر إلاَّ أَن يَقع الْمظهر أَن يَقع موقع الْمُضمر لأنَّ (أَفْعًلُ مِنْك) ] بعد اسْم الْفَاعِل فإنَّه لَا يثنَّى وَلَا يجمع وَلَا يؤنَّث فَعِنْدَ ذَلِك تَقول مَرَرْت برجلِ أفضل مِنْهُ أَبوهُ فَترفع على أنَّه خبر متقدّم وَمثله مَرَرْت بِرَجُل خيرٌ مِنْهُ أَبوهُ وشرُّ مِنْهُ غُلَامه لأنَّ أصل خير وشرّ (أخير وأشرر) وَمن الْعَرَب من يَعْمِلُ أفْعَل لأنَّه وصفٌ مشتقُّ فصل فأمَّا مَا عمله فِي الْمُضمر فَجَائِز لأنَّ مضمره لَيْسَ بِلَفْظ بل هُوَ النيّة فأمَّا يقعَ موقع المضضمر فَقَوْلهم مَا رَأَيْت رجلاَ أحسن فِي عَيْنَيْهِ الْكحل مِنْهُ فِي عين زيد فالكحل مرفوعٌ ب (أحسن) وَجَاز ذَلِك لما كَانَ الْمَعْنى أحسن هُوَ لأنَّ الَّذِي يحسن بالكحل الرجل لَا الْكحل وَمِنْه الحَدِيث الْمَرْفُوع ((مَا من أيّامٍ أحبَّ إِلَى الله فِيهَا الصومُ من عشر ذِي الجحَّة)) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 بَاب مَا يعْمل من المصادر عمل الْفِعْل فصل كلَّ مصدر صحَّ تَقْدِيره ب (أنْ وَالْفِعْل) عمل عمل فعله المشتقّ مِنْهُ وإنَّما كَانَ كَذَلِك لأنَّه يشبه الْفِعْل فِي أنَّ حُرُوفه فِيهِ وأنَّه يُشَارِكهُ فِي الدّلَالَة على الْحَدث وأنَّه يكون للأزمنة الثَّلَاثَة فأنْ لم يحس تَقْدِيره بأنْ وَالْفِعْل لم يعْمل لأنَّ الأَصْل فِي الْعَمَل للْفِعْل وَإِذا لم يصحّ تَقْدِير الِاسْم بِالْفِعْلِ بَطل شيههُ بِهِ وَالَّذِي لَا يقدر بِأَن وَالْفِعْل الْمصدر الْمُؤَكّد نَحْو ضربت ضربا فَأَما قَوْلك ضربا زيدا فَالْعَمَل للْفِعْل الْمُقدر الناصب للمصدر وربَّما وَقع فِي كَلَام بعض النحوييّن أنَّ (ضربا) هَذَا هُوَ الْعَامِل وَذَلِكَ تجوّز من قَائِله فصل وَيعْمل الْمصدر وإنّ لم يعْتَمد بِخِلَاف اسْم الْفَاعِل لأنَّه قوي بكونهِ أصلا للْفِعْل وأنَّه مَوْصُوف لَا وصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 فصل وَإِذا صُغّر المصدرُ لم يعْمل لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ التصغير كالوصف وَالثَّانِي أنَّه يبعد من شبه الْفِعْل إِذْ الْأَفْعَال لَا تصغَّرَ وَلَا عِبْرَة بتصغير فعل التَّعَجُّب لما نذكرهُ هُنَاكَ فصل فأنْ وصف الْمصدر قبل الْمَعْمُول لم يعْمل لأنَّ الْوَصْف يبعده من الْفِعْل لأنَّ الْفِعْل لَا يُوصف ولأنّ الْوَصْف يفصل بَين الْمَوْصُول وصلته والمصدر مَوْصُول ومعموله من صلته فصل وَأقوى المصادر عملا المنوَّنُ لأنَّه أشبه بِالْفِعْلِ إذْ كَانَ نكره وَإِن الْفِعْل لايضاف ثّم يَلِيهِ الْمُضَاف لأنَّ الْإِضَافَة فِي حكم الْأَسْمَاء وَقد لَا تعرف وَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 عرّفت كَانَ التَّعْرِيف ساريا من الثَّانِي إِلَى الأوَّل بعد أَن مضى لَفظه على لفظ النكرَة بِخِلَاف الْألف وَاللَّام ثمَّ مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام وَعَمله ضَعِيف لأنَّ الْألف وَاللَّام أداةٌ زَائِدَة فِي أوَّله تنقله من التنكير إِلَى التَّعْرِيف فِي أوَّل أَحْوَاله وَمَعَ ذَلِك فعمله جَائِز لأنَّ الشّبَه فِيهِ باقٍ وَهُوَ قَلِيل فِي الِاسْتِعْمَال وَلم يَأْتِ فِي الْقُرْآن مِنْهُ مُعْمًلٌ فِي غير الظّرْف فِيمَا علمنَا وأنّا جَاءَ معملاً فِي الظّرْف كَقَوْلِه تَعَالَى {لَا يُحِبَّ اللهُ الْجَهْر بالسوءِ من القَوْل} فأمَّا قَول الشَّاعِر 104 (ضعيفُ النكاية أعداءه ... يخال الْفِرَار يُراخي الْأَجَل) // المتقارب // فتقديره ضَعِيف النكاية فِي أعدائه فلمَّا حذف حرف الْجَرّ وصل الْمصدر وَقيل لَا يحْتَاج إِلَى حرف يعدّيه فأمَّا قَول الشَّاعِر 105 (لقد علمت أولى الْمُغيرَة أنَّني ... كررت فَلم أنكل عَن الضَّرْب مسْمعا) // الطَّوِيل // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 ف (مسمعا) مَنْصُوب ب (الضَّرْب) وَقيل مَنْصُوب ب (كررت) وحرف الجرّ مَحْذُوف والأوَّل أقوى لأنّ الْمصدر أقرب إِلَيْهِ وَهُوَ مُعْتَد بِنَفسِهِ ويروى (لحقتُ) وَهُوَ الناصب فِي أقوى الْوَجْهَيْنِ لأنَّ الْفِعْل وَإِن تقدّم فَهُوَ أقوى من الْمصدر وَلَا سِيمَا مَعَ الْألف وَاللَّام فصل وَلَا يتقدّم مَعْمُول الْمصدر عَلَيْهِ وَلَا يفصل بَينهمَا بِخَبَر وَلَا صفة وَلَا أَجْنَبِي بِحَال لأنَّه مَوْصُول فصل والمصدر لَا يتَحَمَّل الضميرلأنه اسْم جامد فَهُوَ ك (زيد والغلام) وإنَّما يحذف الْفَاعِل مَعَه حذفا كَقَوْلِه تَعَالَى (أَو إطعامُ فِي يَوْم ذِي مسَغْبَة يَتِيما) ف (إطْعَام) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالْفَاعِل مَحْذُوف أَي إطْعَام هُوَ وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي أحسن تَقْوِيم} وَأَجَازَ قوم أَن يتحمَّل الضَّمِير كَمَا تحمله الصّفة المشبَّهة وكالظرف لأنَّه يعْمل فِي الظَّاهِر فَيعْمل فِي المضْمُر وَهَذَا ضَعِيف لأنَّ تللك الاشياء يُوصف بهَا وَتَكون أحوالاً فجرت مجْرى الْفِعْل فصل والمصدر يُضَاف إِلَى الْفَاعِل لأنَّه غَيره بِخِلَاف اسْم الْفَاعِل لأنَّه هُوَ الْفَاعِل فِي الْمَعْنى ويضاف إِلَى الْمَفْعُول لأنَّه كالفاعل فِي تحقَّق الْفِعْل بِهِ وَيجوز أَن يقدّر الْمصدر بِفعل لم يَسَّم فَاعله كَقَوْلِك عجبت من ضرْبَ زيدٍ أَي من أَن يُضْرًب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 فصل وَإِذا عطفت على الْمُضَاف إِلَى الْمصدر جَازَ أَن تجرّ الْمَعْطُوف حملا على اللَّفْظ وأنَّ تنصبه أَو ترفعه حملا على الْموضع وَكَذَلِكَ الْوَصْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 بَاب أَسمَاء الْفِعْل وَذَلِكَ نَحْو (صهْ ومهْ ورويدَ ونزالِ) وكلّها أَسمَاء وَالدَّلِيل على ذَلِك أَشْيَاء أحدُها أنَّها تدلُّ على معنى فِي نَفسهَا وَلَا تدلُّ على زَمَانه من طَرِيق الْوَضع وَحَقِيقَة القَوْل فِيهِ انَّ (صَهْ) اسْم ل (اسكُتْ) وَلَيْسَ اللفظان عبارتين عَن شَيْء وَاحِد مثل اسْكُتْ واصمتْ ف (صَهْ) اسمٌ ومسمَّاه لفظ اخر وَهُوَ السَّكْتُ فالزمان مَعْلُوم من المسمىَّ لَا من الِاسْم وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّها تنوَّن فرقا بَين المعرفه والنكره والتعريف والتنكير من خَصَائِص الْأَسْمَاء وَالثَّالِث انَّها تقع موقع الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فَمن الْفَاعِل قَول زُهَيْر 106 (ولأنت أَشْجَع من أُسَامَة إِذْ ... دعيت نزال ولج فِي الذعر) // الْكَامِل // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وَمن الْمَفْعُول قَول الآخر 107 - (ودعوا نزال فَكنت أوَّل نَازل ... وعلام أركبه إِذا لم أنزل) وَمِنْهَا أنَّ الْألف وَاللَّام دخلتا على بَعْضهَا كَقَوْلِهِم النجاءك بِمَعْنى أنجُ فصل وَفَائِدَة وضع هَذِه الاشياء من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّه أبلغ فِي الْمَعْنى من الْأَلْفَاظ الَّتِي نابت عَنْهَا وَالثَّانِي الِاخْتِصَار فإنَّه لَا يظْهر فِيهَا علم التَّثْنِيَة وَالْجمع والتأنيث إِذْ كَانَت اسْما والامر يظْهر فِيهِ ذَلِك فصل ومعظم هَذِه الاسماء تنوب عَن الْأَمر للمخاطب وإنّما كَانَ ذَلِك لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ الْمُخَاطب يتنبّه للمراد مِنْهُ بالاشارة وَمَا هُوَ اخفى مِنْهَا فَإِذا لم يكن اللَّفْظ صَرِيحًا فِي الدّلَالَة على الْمَعْنى كهذه الْأَسْمَاء خص بهَا الْمُخَاطب ليقوى بالمواجهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وَالثَّانِي أنَّها لَو جعلت أمرا للْغَائِب أَو خَبرا لاحتاجت فِي الامر إِلَى تَقْدِير اللَّام وَاللَّام لَا تقدر مَعَ صَرِيح الْفِعْل فَكيف تقدّر مَعَ الِاسْم وأمّا الْخَبَر عَن الْغَائِب فيفتقر إِلَى ذكره مقدما أَو مُؤَخرا وَقد جَاءَ شَيْء مِنْهَا للْغَائِب كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوَّج وَمن لم يستطعْ فَعَلَيهِ بالصوْم) وإنَّما سَاغَ ذَلِك لتقدم الْخطاب وَقد حُكيَ عَن بعض الْعَرَب أنّه قَالَ عَلَيْهِ رجلا ليسي يُرِيد ليطلب رجلاَ غَيْرِي وَالْأَصْل لَيْسَ إيَّاي فَحصل فِي الْحِكَايَة شذوذ من وَجْهَيْن وَحكي عَن بَعضهم أنَّه قيل لَهُ إِلَيْك فَقَالَ إليَّ أَي قيل لَهُ تنحَّ فَقَالَ اتنحى وَهَذَا خبر فصل وَهَذِه الاسماء فِي لُزُومهَا وتعديها على حسب مَا نابت عَنهُ ف (صه) و (مَه) و (واهاً) لَازِمَة لأنَّ (صَهْ) نَاب عَن اسْكُتْ (ومه) عَن (اكفف) و (واهاٍ) عَن (اتعجب) وَمِنْهَا مَا يتَعَدَّى بِحرف الْجَرّ كَقَوْلِك عَلَيْك بالرفق كَأَنَّك قلت تخلّق بِهِ وَمِنْهَا مَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ كَقَوْلِك تراك زيدا ومناعه أَي اتركه وأمنعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 فصل وأمَّا مَا جَاءَ مِنْهَا خَبرا فَهُوَ (شتان) وهواسم ل (افترق) وَلَا يكون فَاعله أَلا اثْنَيْنِ كَقَوْلِك شتّان زيد وَعَمْرو أَي افْتَرقَا حملا على أَصله وَقد تزاد مَعَه (مَا) كَمَا قَالَ الشَّاعِر 108 (شتًان مَا يومي على كُورِها ... ويومُ حيّان أخي جَابر) فأمَّا قَول العامَّة شتان بَين فلَان وَفُلَان فخطأ لعدم الفاعلْيَن وَالْحكم بِزِيَادَة (بَين) هُنَا خطأ لأنَّها لم تزد فِي شَيْء من الْكَلَام أصلا وأنَّما تكرَّر فِي بعض الْمَوَاضِع توكيداً ولأنَّها لَو كَانَت زَائِدَة هُنَا لم يبْق لشتان فَاعل إِذْ كَانَ مَا بعْدهَا مجرورا لَا فِي مَوضِع الْمَرْفُوع إِذْ كَانَت (بَين) لم تُزَدْ) للتوكيد كَمَا فِي قَوْلك مَا جَاءَنِي من رجل فأمَّا شتّان مَا بَين زيد وَعَمْرو فَأَجَازَهُ الْأَصْمَعِي وَمنعه غَيره فصل وأمَّا (هَيْهات) فبمعنى (بَعُدَ) وَمِنْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 109 - (هيْهات منزلنا بنعف سُوَيْقَةٍ ... ) أَي بَعُد فأمَّا قَوْله تَعَالَى {هَيْهَات هَيْهَات لِمَا تُوعدون} فَقيل اللَّام زَائِدَة و (مَا) الْفَاعِل وَقيل لَيست زَائِدَة وَالْفَاعِل مُضْمر وَالتَّقْدِير بَعُدَ التَّصْدِيق لما توعدون فصل وأمَّا رويد فتُستعمل مصدرا كَقَوْلِك رويد زيد أَي إمهال زيد وَمِنْه قَوْله {فضربَ الرِّقاب} وَتَكون صفة كَقَوْلِك ضَعْهُ وضعا رويداً وَهِي معربة فيهمَا وَتَكون اسْما للْفِعْل كَقَوْلِك رويد زيدا أَي أمْهل زيدا وَهِي هَهُنَا مبنيَّة وَهِي تَصْغِير إرواد على حذف الزَّوَائِد لأنَّ الْفِعْل مِنْهُ أَرْوَدَ إرْوَاداً الحديث: 109 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 فصل وأمَّا بَلْهَ فَيكون مصدرا بِمَعْنى غير فيجرّ مَا بعده وَيكون اسْما ل دَعْ فينصب مَا بعده فصل وأمَّا أَلْفَاظ الإغراء فالمتَّفق عَلَيْهِ مِنْهَا عنْدك ودونك ووراءك وَمن حُرُوف الجرِّ عَلَيْك وَإِلَيْك فَعِنْدَ الْأَكْثَرين أنَّه يقْتَصر على المسموع مِنْهَا لأنَّ الْقيَاس فِي ذَلِك ابْتِدَاء وضع لُغَة وقاس عَلَيْهَا قوم فأمَّا عنْدك زيدا فَمَعْنَاه خُذْهُ فِي أيّ نواحيك كَانَ ودونك خُذْهُ من قرب وَعَلَيْك بِمَعْنى الزمه وَإِلَيْك تنحَّ فصل وَمعنى الإغراء الإلصاق والحثّ حذرا من الْفَوات وأمَّا التحذير فَيُشبه الإغراء وَلَيْسَ بِهِ لأنَّ قَوْلك الأسدَ الأسدَ يدلُّ على شدَّة طَلَبك فراره من الْأسد وقولك عَلَيْك زيدا يدلُّ على شدَّة طَلَبك أَخذ زيد فَفِي هَذَا التحذيرُ من فَوَاته وَفِي الأوَّل التحذير من قربانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 فصل وَالْكَاف المتَّصلة ب رويدك المبنيَّة حرفٌ للخطاب لَا اسْم وَالدَّلِيل على ذَلِك أنَّها لَو كَانَت اسْما لكَانَتْ إمَّا مَرْفُوعَة أَو مَنْصُوبَة أَو مجرورة فالرفع مُمْتَنع لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ الْكَاف لَيست من الضمائر المرفوعة وَالثَّانِي أنَّه لَا رَافع للكاف هُنَا لأنَّ الْمَرْفُوع هُنَا ضمير لَا يظْهر وَالنّصب باطلٌ لِأَن هَذَا الِاسْم يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد وَهُوَ زيد وَالْكَاف للمخاطب فَلَيْسَ زيدا بل غَيره والجر بَاطِل أَيْضا لأنَّ الجرِّ يكون بالحرف وَلَيْسَت رويد حرفا أَو بِالْإِضَافَة وَهَذِه الاسماء لَا تُضَاف ولأنَّها تثبت مَعَ الْألف وَاللَّام فِي النجاءك فأمَّا الْكَاف فِي عنْدك وَغَيرهَا من الظروف وَعَلَيْك وَغَيرهَا من الْحُرُوف فَذكر الْجَمَاعَة كالسيرافيّ وَعبد القاهر وَغَيرهمَا أنَّها اسْم فِي مَوضِع جرّ لأنَّ هَذِه أَسمَاء لَا تسْتَعْمل إلاَّ مُضَافَة وَكَذَلِكَ حرف الجرّ لَا يدْخل إلاَّ على اسْم فَلذَلِك قُضي بكَوْنِ الْكَاف اسْما وَقَالَ ابْن بابشاذ فِي شرح الْجمل هِيَ حرف للخطاب كالكاف فِي رويدك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 فصل وَأَسْمَاء فعل الْأَمر لَا يتقدَّم معمولُها عَلَيْهَا عِنْد البصريِّين لقصورها عَن الْفِعْل وأنَّها غير مشتقَّة مِنْهُ وَأَجَازَهُ الكوفيُّون واحتجُّوا بقوله تَعَالَى {كتابَ الله عَلَيْكُم} وَبقول 110 - (يَا أيُّها الماتحُ دلْوي دونكا ... إنِّي رأيْتُ الناسَ يَحْمَدُونكا) // الرجز // وَالْجَوَاب عَن الْآيَة من وَجْهَيْن أحد أحدُهما أنَّ كتابا مَنْصُوب على الْمصدر وَحرمت يدلُّ على تَقْدِير كتبتُ ذَلِك عَلَيْكُم كتابا وَعَلَيْكُم الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة تتعلَّق بِالْفِعْلِ المقدَّر الحديث: 110 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 والثَّاني أنَّه مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره الزموا كتاب الله وَعَلَيْكُم متعلِّق ب كتاب أَو حالٌ مِنْهُ وأمَّا الْبَيْت ف دلوي مرفوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بعده الْخَبَر نبَّهه بذلك على الاهتمام بِهِ وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على تَقْدِير خُذْ وفسَّره دُونك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 بَاب مَا ينْتَصب على التحذير وَذَلِكَ قَوْلك الأسدَ الأسدَ تُرِيدُ احذر الْأسد ودلَّ التكرير على الفعلِ الْمَحْذُوف والأشبهُ أنْ يكون اللَّفْظ الأوَّلُ هُوَ الدالَّ على الْفِعْل لأنَّ مَوضِع الْفِعْل هُوَ الأوَّل فصل وأمَّا إيَّاك والشرَّ فمنصوبٌ بِفعل مَحْذُوف أَيْضا وَلَا بدّ فِيهِ من مفعول آخر مَعْطُوف ب الْوَاو ومعدَّى إِلَيْهِ بِحرف جرّ كَقَوْلِك إيَّاك من الشرّ وإنَّما اخْتَارُوا إيَّاك لأنَّها ضمير الْمَنْصُوب الْمُنْفَصِل وَإِذا حذف الْفِعْل لزم أَن يكون الضَّمِير مُنْفَصِلا وجاؤوا بِالْوَاو وحرف الجرّ ليدلُّوا على ذَلِك الْفِعْل الْمَحْذُوف كأنَّه قَالَ اتَّق الشرَّ أَو ابعد من الشرِّ وَالْمُخْتَار عِنْدِي أَن يُقدَّر لَهُ فعلٌ يتعدَّى إِلَى مفعولين نَحْو جنِّب نَفسك الشرّ ف نَفسك فِي مَوضِع إيَّاك وَقد جَاءَ بِغَيْر وَاو على هَذَا الأَصْل قَول الشَّاعِر من 111 - (فإيَّاك إيَّاك المراءَ فإنَّه ... إِلَى الشرِّ دعَّاءٌ وللشرِّ جالبُ) // الطَّوِيل // الحديث: 111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 بَاب مَا ينْتَصب بِفعل مَحْذُوف فَمن ذَلِك مرْحَبًا وَأهلا وسهلاً وَفِي نصبها وَجْهَان أحدُهما هِيَ مفاعيل لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره لقيتَ رحباً وَأهلا وسهلاً فاستأنسْ وَالثَّانِي أَن يكون مرْحَبًا مصدرا أَي رَحبَتْ بلادك مرْحَبًا وسهلت سهلاً وتأهَّلت أَهلا أَي تأهُّلاً فإنْ دخلت لَا على هَذِه الْكَلِمَات بَقِي النصب على الْوَجْهَيْنِ ومِن الْعَرَب مَنْ يرفعهما على تَقْدِير خبر مَحْذُوف أَي لَك عِنْدِي مرحب فصل وأمَّا ويله وويحه ووَيْسَه فينتصب مَعَ الْإِضَافَة على تَقْدِير ألزمهُ الله ويله أَو على الْمصدر بِفعل من مَعْنَاهَا لَا من ألفاظها لأنَّها لم يسْتَعْمل مِنْهَا فعل فكأنَّه قَالَ أحزنه الله حزنه فإنْ لم تضفها كَانَ الرّفْع أَجود كَقَوْلِه تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 {ويلٌ للمطفِّفين} وَجَاز الِابْتِدَاء بالنكرة لما فِيهَا من معنى الْفِعْل وَالنّصب جَائِز كالمضاف فصل وأمَّا لبّيك وسعدَيْك وحنانْيك) فمصادر وَالتَّقْدِير أَقمت على طَاعَتك إِقَامَة بعد إِقَامَة وسعدت بهَا سَعْدا بعد سعد وتحنَّنْ علينا تحنُّناً بعد تحنُّن وشتقاقُ لبَّيْك من ألَبَّ بِالْمَكَانِ ولبَّ بِهِ إِذا أَقَامَ وَهَذِه التَّثْنِيَة فِي معنى الْجمع عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَأَصْحَابه وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ هُوَ مُفْرد قلبت أَلفه يَاء مَعَ الْمُضمر مثل كلا وَهَذَا غير صَحِيح لأنَّه قد جَاءَ بِالْيَاءِ مضافاَ إِلَى الظَّاهِر قَالَ الشَّاعِر 112 - (دَعَوْتُ لما نابني مِسْوَراً ... فلبَّي فلبَّي يَدَيْ مِسْوَرِ) // المتقارب // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 فصل ومَّما ينْتَصب بِفعل مَحْذُوف قولُك لمن رَأَيْته يَرْمِي بِسَهْم القرطاسَ أَي أصَاب القرطاسَ وَلمن يطْلب إنْسَانا هرب مِنْهُ زيدا أَي اطلب زيدا وإنَّما جَازَ حذفه لأنَّ مُشَاهدَة الْحَال أغنت عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 بَاب مَا يُشْغَلُ عَنهُ الفعلُ بضميره إِذا كَانَ فِي الْكَلَام فعل فالأوْلى أنْ تقدِّمه على مَا يصحّ أَن يكون فَاعِلا أَو مَفْعُولا كَقَوْلِك زيد قَامَ وزيداً ضربت أمَّا الأوَّل فلأنَّ الْفِعْل أوقى من الِابْتِدَاء وَتَقْدِيم الْخَبَر أوْلى من تَأْخِيره عِنْد السَّامع لأنَّ الْمَعْنى يثبت فِي نَفسه من الِابْتِدَاء وأمَّا الثَّانِي فلأنَّ رُتْبَة الْمَفْعُول بعد الْفَاعِل وَالتَّأْخِير جَائِز ثمَّ ينظر فِي الْفِعْل فإنْ عمل فِي ضمير الْمَفْعُول مثل زيدٌ ضَربته فالجيِّد رفع زيد لأنَّ الْفِعْل الْمَذْكُور لَا يصحُّ أنْ ينصبه لنصبه ضَمِيره فَيصير الْكَلَام مُبْتَدأ وخبراً إلاَّ أَن يعرض لَهُ مَا يكون أوْلى بِالْفِعْلِ على مَا نبيِّنه إنْ شَاءَ الله ونصبه جَائِز بِفعل مَحْذُوف يفسِّره الْمَذْكُور وَهَذَا على ثَلَاثَة أوجه أحدُها أنْ تقدّر مثل الْمَذْكُور فِي اللَّفْظ كَقَوْلِك ضربتُ زيدا ضَربته وَالثَّانِي أَن تقدِّر فعلا من مَعْنَاهُ كَقَوْلِك زيدا مَرَرْت بِهِ وَتَقْدِيره لقيتُ زيدا وَلَا تقدِّر مَرَرْت لأنَّه لَا يتعدَّى إلاَّ بِحرف الجرّ وَمن ذَلِك زيدا ضربت أَخَاهُ وَالتَّقْدِير أهنت زيدا ضربت أَخَاهُ لأنَّك لم تضرب زيدا لكنْ أهنته بِضَرْب مَنْ هُوَ من سَببه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وَالثَّالِث أَن تقدِّر فعلا من معنى الْكَلَام كَقَوْلِك زيدا لست مثله أَي خَالَفت وخالفت هُوَ معنى لست مثله وَالرَّفْع فِي هَذَا كلّه أَجود فصل فإنْ تقدَّم الاسمَ استفهامٌ كَقَوْلِك أزيداً ضَربته فالنصب أَجود لأنَّ الْهمزَة اسْتِفْهَام عَن فعل فتقدِّره إِذا كَانَ مَعَك مَا يفسِّره فَإِن قلت أَزِيد مَضْرُوب رفعت إِذْ لَيْسَ مَعَك مَا يفسِّر المقدَّر الناصب فصل وَكَذَلِكَ الْأَمر وَالنَّهْي كَقَوْلِك زيدا أضربه وعمراً لَا تشتمْه لأنَّهما غير خبر والمبتدأ يخبر عَنهُ بِمَا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب إلاَّ أنْ يعرض الِاسْتِفْهَام وَإِذا نصبت كَانَ التَّقْدِير اضْرِب زيدا وَعَلِيهِ الْمَعْنى فصل وأمَّا النَّفْي فإنْ كَانَ ب مَا قدَّمته كَقَوْلِك مَا ضربت زيدا أَو مَا زيدا ضربت أَو ضَربته وَلَا تَقول زيدا مَا ضَربته وَإِن كَانَت لَا أَو لم لم يلْزم التَّقْدِيم تَقول زيدا لَا اضربه وَلم أضربه وَالْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 أحدُهما أنَّ مَا أمّ بَاب النَّفْي فأُقِرَّتْ فِي موضعهَا وَالثَّانِي أنَّ مَا غير عاملة فِي الْفِعْل وَلم عاملة وَلَا قد تعْمل فِيهِ فِي النَّهْي فَكَانَ جعلهَا إِلَى جنب مَا تعْمل فِيهِ أوْلى تَقول لَا زيدا ضَربته فتقدّمها وتضمر الْفِعْل لاقْتِضَائه إيَّاه فصل وإنْ الشّرطِيَّة كَذَلِك تَقول إِن زيدا تُكْرِمْه أُكْرِمْه لأنَّ الشَّرْط لَا معنى لَهُ إلاَّ فِي الْفِعْل فصل وَكَذَلِكَ الْعرض كَقَوْلِك أَلا زيدا تكرمه لتقاضيه الْفِعْل فصل فأمَّا الْعَطف فَإِذا كَانَ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ اسْما قد عمل فِيهِ الْفِعْل فالجيِّد نصب الْمَعْطُوف بِفعل مَحْذُوف لتتشاكل الجملتان كَقَوْلِك قَامَ زيد وعَمْراً كلَّمته وَلَقِيت بشرا وخالداً مَرَرْت بِهِ والرفعُ فِيهِ جَائِز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 فصل وكلُّ جملَة جَعلتهَا مُفَسَّرة للمحذوف فَلَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب لأنَّ المفسَّر الْمَحْذُوف لَا مَوضِع لَهُ وَإِن استأنفت كَانَ لَهَا مَوضِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 بَاب الْمعرفَة والنكرة الْمعرفَة فِي الأَصْل مصدر ك الْعرْفَان وَلذَلِك تَقول رجل ذُو معرفَة ثمَّ نُقِلَ فَجُعِل وَصفا للاسم الدالّ على الشَّيْء الْمَخْصُوص لأنَّه يعرف بِهِ وَهُوَ يدلّ عَلَيْهِ وأمَّا النكرَة فمصدر نكرت الشَّيْء نكرَة ونكراً إِذا جهلته ثمّ وصف بِهِ الِاسْم الَّذِي لَا يخصّ شَيْئا بِعَيْنِه وَلذَلِك تَقول هَذَا الِاسْم النكرَة وَهَذَا اسمٌ نكرَة كَمَا تَقول هَذَا الِاسْم الْمعرفَة وَاسم معرفَة فصل والنكرة سَابِقَة على الْمعرفَة لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ النكرَة اسْم للمعنى العامّ والعامّ قبل الخاصّ والخاصُّ لَيْسَ فِيهِ العامّ أَلا ترى أنَّ حَيَوَانا فِيهِ الإنسانُ وغيرُه وَالْإِنْسَان لَيْسَ فِيهِ الْحَيَوَان العامّ فعُلم أنَّ الخاصّ واحدٌ من العامّ والكلّ أصلٌ لأجزائه وَالثَّانِي أنَّ النكرَة تقعُ على الْأَشْيَاء المجهولة وعَلى المعدومِ والموْجود وَالْقَدِيم والْمُحْدَث والجسم والعَرَضِ كَقَوْلِك شيءٌ ومعلومٌ ومذكورٌ وموجودٌ فَإِذا أردْت إفهام معنى معيَّن زِدْت على ذَلِك الِاسْم الألفَ وَاللَّام أَو الصّفة وَمَا لَا زيادةَ فِيهِ سابقٌ على مَا فِيهِ زِيَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 فصل وَبَعض النكرات أنكر من بعض فكلّ اسْم تنَاول مسمّيات تناولاً وَاحِدًا كَانَ أنكر من اسْم تنَاول دون تِلْكَ المسمّيات فعلى هَذَا أنكر الْأَشْيَاء مَعْدُوم ومنكور وأمَّا شيءٌ فَكَذَلِك عِنْد قوم لأنَّ الْمَعْدُوم عِنْدهم يسمَّى شَيْئا وَإِذا اقْتصر على التَّسْمِيَة فَقَط فالخطب فِيهِ يسير فأمَّا من جعل الْمَعْدُوم ذاتاً وموصوفاً وعَرَضاً فقولُه يؤدِّي إِلَى قِدَمِ الْعَالم وَهُوَ مَعَ ذَلِك متناقض وَلَيْسَ هَذَا موضعَ بَيَانه وأمَّا موجودٌ فأخصُّ من مَعْدُوم لخُرُوج الْمَعْدُوم مِنْهُ والمحدثُ أخصُّ من الْمَوْجُود لخُرُوج الْقَدِيم سبحانَه مِنْهُ وعَلى هَذَا المراتبُ إِلَى أَن يصلَ إِلَى الْمشَار إِلَيْهِ والعَلَم المختصّ فإنَّه أعرفُ المعارف فإنَّه لَا يتَنَاوَل إِلَّا وَاحِدًا فصل والمعرفةُ مَا خَصَّ الْوَاحِد بِعَيْنِه إمَّا شخصا من جنس ك زيد وَعَمْرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وإمَّا جِنْسا ك أُسَامَة للأسد وَابْن قترة لضرب من الحيّات وَابْن أَوَى فإنَّ هَذِه الْأَشْيَاء أَعْلَام ينتصبُ عَنْهَا الْحَال فصل والأداة الَّتِي تُعْرَفُ بهَا النكرةُ من الْمعرفَة رُبَّ وَالْألف وَاللَّام فَمَا حسن دُخُولهَا عَلَيْهِ فَهُوَ نكرَة أمَّا رُبَّ فسبب دلالتها على مَا ذَكرْنَاهُ فِيهَا فِي حُرُوف الجرّ فأمَّا قولُهم ربّه رجلا فَالضَّمِير هُنَا فِي حكم النكرَة إِذا لم يتقدَّمه ظَاهر يعود عَلَيْهِ وإنَّما يفسّر بِمَا بعده وَلَوْلَا السماع لما قبل وَلذَلِك لَا يثنَّى هَذَا الضَّمِير وَلَا يجمع وَلَا يؤنَّث وأمَّا اللَّام فَسَيَأْتِي ذكرهَا فصل والمعارف خمسٌ الضمائرُ والأعلامُ وأسماءُ الْإِشَارَة وَمَا فِيهِ اللَّام والمضاف إِلَى وَاحِد من هَذِه إِضَافَة مَحْضَة وأمَّا الضَّمِير فبمعنى الْمُضمر ك قَتِيل بِمَعْنى مقتول وأصل الْإِضْمَار السّتْر وَمِنْه قَول الْأَعْشَى من 113 - (أيا أبتي لَا ترِمْ عندنَا ... فإنَّا بخيرٍ إِذا لم ترِمْ) (تَرَانَا إِذا أضمرتْك البلادُ ... نُجْفَى وتُقْطَعُ منّا الرَّحِمْ) // المتقارب // الحديث: 113 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 فصل وحدّ الْمُضمر هُوَ الِاسْم الَّذِي يعودُ إِلَى ظاهرِ قبله لفظا أَو تَقْديرا والاشتقاق موجودٌ فِيهِ وَهُوَ الاستتارُ لأنَّ الضَّمِير لَا يدُلُّ على المسمَّى بِنَفسِهِ وَهُوَ فِي نَفسه مُحْتَمل فالراجع إِلَيْهِ الضَّمِير لَا يبين من نفس الضَّمِير بل هُوَ مَسْتُور فِيهِ فصل وإنَّما جِيءَ بالضمائر للاختصار وَإِزَالَة اللّبْس وَذَلِكَ أنَّك لَو أعدت لفظ الظَّاهِر لم يُعلم أنَّ الثَّانِي هُوَ الأوَّل وَفِيه أَيْضا إطالة كَقَوْلِك جَاءَنِي زيد فَقلت لَهُ وَلَو قلت فَقلت لزيد لم يعلم أنَّ زيدا الثَّانِي هُوَ الأوَّل فصل وإنَّما كَانَ فِي الضمائر المرفوعة والمنصوبة متَّصل ومنفصل لأنَّ الْمَرْفُوع والمنصوب الظاهرين يتقدَّمان على الْعَامِل فيهمَا ويتأخَّران فضميراهما كَذَلِك فَإِذا تقدَّما انفصلا لحاجتهما إِلَى الْقيام بأنفسهما وَإِذا تأخَّرا انفصلا لاعتمادهما على الْعَامِل وأمَّا الْمَجْرُور فَلَا يكون إلاَّ متَّصلاً لِامْتِنَاع تقدُّمه على الجارِّ فصل وَضمير المتكلِّم الْمُنْفَصِل الْمَرْفُوع أَنا وَالْألف بعد النُّون زَائِدَة فِي الْوَقْف لبَيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 الْحَرَكَة فِي النُّون وَلذَلِك تحذف فِي الْوَصْل وَقد جَاءَت فِي الشّعْر مَعَ الْوَصْل على إِجْرَاء الْوَصْل مُجرى الْوَقْف وَقَرَأَ بِهِ نافعٌ فِي بعض الْمَوَاضِع وَمِنْهُم مَنْ يُبدل من الْألف هاءُ فِي الْوَقْف فصل وأمَّا نَحن فللمخبر عَن نَفسه وَعَن غَيره ذكرا أَو أُنْثَى وَيكون فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع فَإِن قيل لِمَ لَمْ تفرّق فِي ضمير المتكلِّم بَين الذّكر وَالْأُنْثَى قيل لأنَّ سَماع النُّطْق مِنْهُ يميزه لمشاهدته وَأما جعل نَحن فِي الْجمع والتثنية بِلَفْظ وَاحِد فلأنَّ التَّثْنِيَة جمع فِي الْمَعْنى والمتكلِّم قد سوَّى فِيهِ بَين التَّذْكِير والتأنيث وهما صفتان للذات فَجَاز أَن يسوَّى فِيمَا يدلُّ على صفتين فِي الكمِّيَّة فإنَّ التَّثْنِيَة وَالْجمع صفتان فِي الكمِّيَّة إِحْدَاهمَا أَكثر من الْأُخْرَى فصل وإنَّما حُرِّكت النُّون لئلاَّ يلتقي ساكنان وضُمَّت النُّون لثَلَاثَة أوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 أَحدهَا أنَّ الصِّيغَة للْجمع وَالْوَاو تدلُّ على الْجمع نَحْو قَامُوا والزيدون والضمَّة من جِنْسهَا وَالثَّانِي أنَّ الْجمع أقوى من الْوَاحِد فحرِّك بأقوى الحركات وَهِي الضمَّة وَهَذَا الضَّمِير مَرْفُوع الْموضع فحرِّك بحركة الْمَرْفُوع فصل وَالِاسْم فِي أَنْت الْهمزَة وَالنُّون وَهُوَ أنَ الَّذِي للمتكلِّم وزيدت عَلَيْهِ التَّاء للخطاب وَهِي حرف معنى وَكَانَ حقُّه السّكُون ولكنَّ حركته من أجل السَّاكِن قبلهَا وَفتحت لأنَّ الفتحة أخفُّ كَمَا فتحت وَاو الْعَطف وَلَام الِابْتِدَاء وَنَحْوهمَا فإنْ خاطبت المؤنَّث كسرتها للْفرق وَكَانَت الكسرة أولى لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّها أخفّ من الضمَّة وَالثَّانِي هِيَ أشبه ب الْيَاء الَّتِي هِيَ عَلامَة التَّأْنِيث فِي تفعلين فصل فَإِذا جَاوَزت الْوَاحِد جِئْت ب الْمِيم بعد التَّاء لتدلّ على مُجَاوزَة الْوَاحِد وَكَانَت الْمِيم أوْلى بِالزِّيَادَةِ لشبهها ب الْوَاو الَّتِي هِيَ حرف مدّ فإنْ أردْت الِاثْنَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 زِدْت عَلَيْهَا ألفا لأنَّها تشبه الْألف فِي قاما وإنْ أردْت جمع الْمُذكر زِدْت عَلَيْهَا واواً هَذَا هُوَ الأَصْل لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّها عَلامَة الْجمع فِي الْفِعْل وَالثَّانِي أنَّ المؤنَّث يُزَاد عَلَيْهِ فِي الْجمع حرفان نَحْو أنتن والمذكَّر أوْلى وَالنُّون تشبه الْوَاو وَالْمِيم لما فِيهَا من الغنّة وَالثَّالِث أنَّك تظهر الْوَاو بعد الْمِيم مَعَ الضَّمِير نَحْو أعطيتكموه والضمائر تردّ الْأُصُول وأمَّا من حذف من الْعَرَب فللتَّخفيف وأمْنِ اللّبْس فصل واستوى المذكَّر والمؤنَّث فِي أَنْتُمَا كَمَا يستويان فِي الْمظهر نَحْو الزيدان والهندان لأنَّ العدَّة متَّحدة والكلمة لَا تحْتَمل علامتين لمعنيين فصل هُوَ بِكَمَالِهِ اسْم لأنَّه ضمير مُنْفَصِل فَلم يكن على حرف وَاحِد وَلَا يُقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الْوَاو زَائِدَة لأنَّ الضَّمِير مَوضِع تَخْفيف فَلَا تلِيق بِهِ زِيَادَة الْوَاو مَعَ ثقلهَا وحرِّكت تَقْوِيَة للكلمة وَلم تُضمّ إتباعاً لِئَلَّا تَجْتَمِع الضمَّتان وَالْوَاو وَفتحت إِذْ كَانَت أخفّ وربَّما جَاءَ فِي الشّعْر سكونُها وحذفُها اضطراراً فصل وَتقول فِي التَّثْنِيَة هما وَفِي الْجمع همو وهمْ على مَا تقدَّم وَالصَّحِيح أنَّهما صيغتان مرتجلتان للمعنيين وَقيل الأصلُ هُوَ حذفت الْوَاو لما زيدت عَلَيْهِ الْمِيم تَخْفِيفًا فصل وَالْيَاء فِي هِيَ أصلٌ ك الْوَاو فِي هُوَ والتثنية هما وَالْجمع هُنَّ على مَا تقدَّم وربَّما جَاءَ فِي الشّعْر هِيْ بِسُكُون الْيَاء فإنْ دخلت الْفَاء وَالْوَاو وَاللَّام على هِيَ جَازَ أَن تبقى الْهَاء على حركتها وَأَن تسكن لأنَّها أشبهت عضداً وفخداً فخذاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 فصل وَالضَّمِير الْمَنْصُوب إيَّاي وإنَّما يَقع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَهِي إِذا تأخَّر عَنْهَا الْفِعْل أَو إِذا عطفت أَو إِذا وَقعت بعد إلاَّ فصل وَاخْتلفُوا فِيهَا على أَرْبَعَة مَذَاهِب فمذهب سِيبَوَيْهٍ أنَّ إيّا اسْم مُضْمر وَالْيَاء وَالْكَاف وَغَيرهمَا حُرُوف معَان وَالدَّلِيل على ذَلِك أنَّ حدَّ الِاسْم الْمُضمر موجودٌ فِي إيّا وَلذَلِك لَا يتنكَّر بِحَال وَالْيَاء وَالْكَاف لَو كَانَا اسْمَيْنِ لكانا فِي مَوضِع رفع أَو نصب وَلَا عَامل لَهما هُنَا أَو فِي مَوضِع جرّ بِالْإِضَافَة وَالِاسْم الْمُضمر لَا يُضَاف فَصَارَت الْكَاف هُنَا كالكاف فِي ذَاك وَأُولَئِكَ وَقَالَ الْخَلِيل كِلَاهُمَا مُضْمر إلاَّ أنَّ الأوَّل أشبه الْمظهر لِكَثْرَة حُرُوفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وَحكي عَن بعض الْعَرَب أنَّه قَالَ إِذا بلغ الرجل السِّتين فإيّاه وإيّا الشوابّ وَهَذَا ضَعِيف لما تقدَّم والحكاية شاذَّة لَا تقوِّي الِاحْتِجَاج بهَا وَقَالَ الفرَّاء الْكَاف هُوَ الضَّمِير وإيّا أُتي بهَا ليعتمد الضَّمِير عَلَيْهَا إِذْ الْحَرْف الْوَاحِد لَا يقوم بِنَفسِهِ وَهَذَا ضَعِيف أَيْضا لأنَّ إيّا على أَرْبَعَة أحرف وَتلك عدَّة الْأَسْمَاء المتوسِّطة بَين الخماسيَّة والثلاثيَّة فَهِيَ أقوى من الأَصْل الثلاثيّ فيبعد أَن يُؤتى بهَا لتقويةِ مَا هُوَ حرفٌ واحدٌ وَلَا نَظِير لَهُ وَقَالَ آخَرُونَ الْجَمِيع اسْم وَاحِد وَهُوَ بعيد أَيْضا إِذْ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاء مَا يتغيَّر الْحَرْف مِنْهُ لتغيُّر الْمعَانِي أمَّا الْحُرُوف الزَّائِدَة على الِاسْم وَالْفِعْل فتختلف لاخْتِلَاف الْمعَانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 فصل وَالِاسْم فِي رَأَيْته الْهَاء وَالْوَاو عِنْد سِيبَوَيْهٍ ولكنَّ حُذِفتْ فِي الْوَقْف وَإِذا وصلت ب الْمِيم نَحْو رَأَيْتهمْ تَخْفِيفًا ودليلُه أنَّ هَذَا الضَّمِير هُوَ الضَّمِير الْمُنْفَصِل فِي قَوْلك هُوَ وَقَالَ الزجَّاج الِاسْم هُوَ الهاءُ وَحدهَا واتَّفقوا على أنَّ الْهَاء وَالْألف فِي رأيتهما الِاسْم فصل وَالتَّاء فِي قمتُ ضمير الْفَاعِل وحرِّكت لأمرين أحدُهما أنَّ ضمير الفالع من حَيْثُ هُوَ فَاعل يلْزم ذكره فحرِّك تَنْبِيها على قوَّته وَلذَلِك سكّن لَهُ آخر الْفِعْل وَالثَّانِي أنَّه لَو سكِّن لالتبس بتاء التَّأْنِيث وإنَّما حرِّك بالضمِّ للمتكلِّم لأنَّ المتكلِّم أقوى من الْمُخَاطب وَفتح فِي الْمُخَاطب للْفرق بَينهمَا وَجعلت الكسرة للمؤنَّث إِذْ كَانَت من جنس الْيَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 فصل وأمَّا الْكَاف فَلَا تكون مَعَ الْفِعْل ضمير فَاعل فَلذَلِك لم تضمّ وَفتحت فِي الْمُخَاطب وكُسرت فِي المخاطبة فصل والميمُ بعد الْكَاف مثلهَا بعد التَّاء فِي أَنْتُمَا وَأَنْتُم وَهِي مَضْمُومَة مَعَ الْمِيم بكلِّ حَال كالتاء سَوَاء وعلَّة ذَلِك من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ الْمِيم تشبه الْوَاو فتحرَّك بِمَا هُوَ مجانس للواو ويقوِّي ذَلِك أنَّ قبلهَا ضمَّة التَّاء الَّتِي هِيَ ضمير غير أنَّ هَذَا لَا يصلح للدلالة ابْتِدَاء أَلا ترى أنَّ الْكَاف قد ضمَّت بعد السَّاكِن نَحْو أراكُم وأعطيكم وضربتكم وَلَكِن يصلح للترجيح وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّها لَو فُتحت لالتبس فِي التَّثْنِيَة كَقَوْلِك رأيتكما وَكَذَلِكَ أَنْتُمَا لَو فتحت التَّاء لاشتبهت ب أنتماء ولأنَّ التَّاء هُنَا فِي مجاورة الْوَاحِد فضمَّت كنون نحنُ وَمن الْعَرَب من يكسر الْكَاف قبل مِيم الْجمع إِذا كَانَت قبلهَا كسرة كَقَوْلِك عجبت من حِلْمِكِمْ شبها بِالْهَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 فصل وياء المتكلِّم بعد الْفِعْل والحرف هِيَ الِاسْم وَالنُّون قبلهَا حرفٌ أُتيَ بِهِ ليقي مَا قبلهَا من الْكسر نَحْو كلِّمني ومنِّي وَذَلِكَ أنَّ الْيَاء مُعتدَّة بكسرتين فَيجْعَل مَا قبلهَا تبعا لَهَا للتجانس فالاسم يصحُّ كسرُ آخِرِه وَلَا يصحُّ ذَلِك فِي الْفِعْل لأنَّه لَمَّا نبا عَن قبُول الكسرة الإعرابيَّة الْوَاجِبَة بعامل فأنْ ينبوَ عَن التابعة أولى وأمَّا الْحَرْف فَلَا حظَّ لَهُ من الْحَرَكَة وتسمَّى نون الْوِقَايَة والكوفيُّون يسمُّونها عماداً فصل وإنَّما لَا يُؤْتى بالضمير الْمُنْفَصِل مَعَ الْقُدْرَة على المتَّصل لأنَّ علَّة الْإِتْيَان بالضمير الِاخْتِصَار والمتَّصل أخصر وَجَاء فِي الشّعْر للضَّرُورَة فصل وَالِاسْم الْعلم هُوَ الْمَوْضُوع على المسمَّى تمييزاً لَهُ لَا لدلالته عَلَيْهِ اشتقاقاً وَلذَلِك يجوز أنْ يسمَّى الْأَبْيَض حَقِيقَة أسود ويسمَّى الْإِنْسَان زيدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 لَا لزيادته وعبَّاساً لَا لعبوسه بل للتمييز كَمَا ذكرنَا وإنَّما يثبت أنَّه علم يعرف بِهِ بعد المسمَّي غيرَه بِالتَّسْمِيَةِ وَحكم الكنى والألقاب حكمُ الْأَعْلَام فِي الْمَقْصُود بهَا فصل وَالْفرق بَين الْعلم والكنية واللقب أنَّ الْعلم هُوَ الَّذِي يعرّف المسمّى وضعا مُبْتَدأ حتَّى يصير كعلم الثَّوْب والكنية من كنيت عَن الشَّيْء إِذا عبَّرت عَن اسْمه باسم آخر فالعلم سَابق على الكنية وَقد تُوضَع الكنية مَوضِع الْعلم وأمَّا اللقب فأنْ يحدَث للمسمَّى قصَّةٌ فيلقَّب بِمَا تضمَّنته القصَّة ك أنف النَّاقة وعائد الْكَلْب فَأَنف النَّاقة رجل تصدَّق بأنف نَاقَة فعيّب بِهِ وعائد الْكَلْب لَقَبٌ لُقِّب بِهِ شَاعِر قَالَ من 114 - (مَا لي مَرِضْتُ فلمْ يَعُدْني عائدٌ ... منكمْ ويمرضُ كَلْبُكمْ فأعودُ) // الْكَامِل // فصل وَاسم الْإِشَارَة للمذكَّر ذَا وَقَالَ الكوفيُّون الِاسْم الذَّال وَحدهَا وَالْألف زَائِدَة للتكثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وحجَّة الأوَّلين من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ اسْم الْإِشَارَة مُنْفَصِل فِي حكم الظَّاهِر وَلَيْسَ فِي الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة الْقَائِمَة بِنَفسِهَا مَا هُوَ على حرف وَاحِد وَلَا الْقيَاس يَقْتَضِيهِ لأنَّ الْقيَاس يَقْتَضِي أَن يُبْدَأ بِحرف وَيُوقف على آخر وَمن النَّاس من جعل ذَا اسْما ظَاهرا لأنَّه يُوصف ويوصف بِهِ وَالثَّانِي أنَّهم قَالُوا فِي تصغيره ذيّا فأعادوه إِلَى أَصله إذْ هَذَا شَأْن التصغير وسيتَّضح لَك فِي بَابه فإنْ قيل فقد يُزَاد فِي المصغَّر مَا لَيْسَ مِنْهُ كَمَا لَو سمَّيْتَ ب هَل وَقد ثمَّ صغرته فإنَّك تزيدُ عَلَيْهِ حَرْفاً آخر قيل دعت الْحَاجة بعد التَّسْمِيَة إِلَى تكميله فِي التصغير وَلم يقم الدَّلِيل هُنَا على زِيَادَة الْألف قبل التصغير ليقال الزِّيَادَة مختصَّة بِالتَّصْغِيرِ واحتجَّ الْآخرُونَ بأنَّ تَثْنِيَة ذَا ذان وَالْألف وَالنُّون للتثنية فَلم يبْق سوى الذَّال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وَالْجَوَاب عَنهُ من ثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّ ذان لَيْسَ بتثنية ذَا بل صِيغَة مَوْضُوعَة للتثنية بِدَلِيل أنَّه لَا يتنكَّر كَمَا يتنكَّر زيد إِذا ثنِّي فَعلم أنَّه بِمَنْزِلَة أَنْتُمَا فِي أنَّه غير مثنَّى وَالثَّانِي يقدَّر أنَّه مثنى ولكنَّ الْألف سَقَطت لالتقاء الساكنين وَلم تقلب لإيغالها فِي الْبناء وَالثَّالِث أنَّه قد عوَّض من الذَّاهِب بتَشْديد النُّون فكأنَّه لم يذهب فصل الأَصْل فِي ذَا ذيّ الْعين وَاللَّام ياءان إلأَّ أَن الثَّانِيَة قد حذفت ليصير الِاسْم مُبْهما وأبدلت الأولى ألفا لئلاّ تشبه كي وَقَالَ بعض البصرييِّن أصل الْألف وَاو متحرِّكة لأنَّ بَاب طويت وشويت أَكثر من بَاب حييت ثمَّ حذفت اللَّام وانقلبت الْوَاو ألفا فصل وَحكم تا فِي المؤنَّث حكم ذَا فِي المذكَّر إلأَّ أنَّ المؤنَّث يُقَال فِيهِ تا وتي وَذي وذه فتبدل الْهَاء من الْيَاء فأمَّا أولاء فَجمع المذكَّر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 والمؤنَّث من غير لَفظه وَفِيه المدُّ وَالْقصر وَالْكَاف حرف للخطاب بِلَا خلاف فصل وأمَّا اللَّام فِي ذَلِك فَفِي زيادتها وَجْهَان أَحدهمَا هِيَ لبعد الْمشَار إِلَيْهِ وَالثَّانِي هِيَ عوض من هَا الَّتِي للتّنْبِيه وَلذَلِك تَقول هذاك وَلَا تَقول هذلك لئلاّ تجمع بَين العِوض والمعوَّض وحرّكت لئلاّ يلتقي ساكنان وَكسرت لأمرين أحدُهما أنَّه الأَصْل فِي التقاء الساكنين وَالثَّانِي للْفرق بَينهَا وَبَين لَام الْملك فصل فأمَّا اللَّام فِي تِلْكَ فَبَقيت على سكونها لأنَّ الْيَاء قبلهَا حذفت لئلاّ تقع الْيَاء بَين كسرتين إِذْ الْجمع يَدْعُو إِلَى كَسْرِ اللَّام وكسرة التَّاء تدلُّ على الْيَاء المحذوفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 فصل إنَّما بني اسْم الْإِشَارَة لأنَّ الْإِشَارَة معنى والموضوع لإِفَادَة الْمعَانِي الْحُرُوف وَلم يضعوا للْإِشَارَة حرفا فَيَنْبَغِي أَن يُعتقد أنَّهم ضمَّنوه إيَّاه طرداً لأصولهم ودلَّ على ذَلِك بناؤهم إيّاه وَلَا بدَّ للْبِنَاء من سَبَب فصل هُوَ وَهِي الِاسْم بكمالها وَقَالَ الكوفيُّون الْهَاء هِيَ الِاسْم وَمَا بعْدهَا مزيدٌ للتكثير وحجَّة الأوَّلين أنَّه ضمير مُنْفَصِل قَائِم بِنَفسِهِ فَلم يكن على حرف وَاحِد ك أَنا وَنحن وَذَلِكَ أنَّ قِيَامه بِنَفسِهِ يدلُّ على قوَّته والحرف الْوَاحِد ضَعِيف واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ الْوَاو وَالْيَاء تحذفان فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع نَحْو هما وهنَّ وهم وَفِي الْوَاحِد المتَّصل نَحْو رَأَيْته وَلَو كَانَا مِنْهُ لما حذفا وَالثَّانِي أنَّهما قد حذفا فِي الشّعْر كَقَوْل الشَّاعِر 115 - (فبَيْناهُ يَشْري رَحْلَهُ قَالَ قَائِلٌ ... لمن جمل رخو الملاط نجيب) الحديث: 115 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 وَقَالَ آخر 116 - ( ... دارٌ لسُعْدَى إذْهِ مِنْ هَوَاكا) // الرجز // وضرورة الشّعْر تردُّ إِلَى الأَصْل وَالْجَوَاب أمَّا التَّثْنِيَة وَالْجمع فصيغ مرتجلة لما ذَكرْنَاهُ فِي هذَيْن وَالثَّانِي أنَّهم حذفوا الْوَاو وَالْيَاء فِرَارًا من الثّقل وَذَاكَ أنَّ الْهَاء مَضْمُومَة وَالْمِيم تشبه الْوَاو فَلَو أثبتوا الْوَاو متحرِّكة ثَقُل اللَّفْظ أَو ظُنَّ أنَّها كلمتان وَلَو سكَّنوها لجمعوا بَين ساكنين فَكَانَ الْوَجْه حذفهَا وأمَّا حذفُها فِي المتَّصل ففراراً من الثّقل وأمَّا حذفُها فِي الشّعْر فَلَا حجَّة فِيهِ للاضطرارِ إِلَيْهِ وَقد حذفوا مَا لَا يُشَكُّ أنَّه أصْل كَقَوْلِه من 117 - (درس المنا ... ) // الْكَامِل // أَي الْمنَازل وَمن الحديث: 116 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 118 - (ورق الحمي) // الرجز // أَي الْحمام فصل اللَّام وَحدهَا للتعريف وَقَالَ الْخَلِيل الْألف وَاللَّام للتعريف بِمَنْزِلَة هَل وبل وحجَّة الأوَّلين من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ التَّعْرِيف الْحَاصِل فِي الِاسْم يَجعله غير النكرَة وَلذَلِك إِذا جَاءَ آخِرُ بَيت نكرَة وَآخر بعده معرفَة لم يكن إيطاءً ك رجل وَالرجل كَمَا لَو كَانَ الثَّانِي على غير لفظ الأوَّل بالكلِّيَّة وَلَا يتحقَّق ذَلِك إلاَّ بامتزاج الأداة بِالِاسْمِ كبعض حُرُوفه وَهَذَا فِي الْحَرْف الْوَاحِد يتحقَّق والدليلُ على أنَّهم قصدُوا ذَلِك أنَّهم سكنوا اللَّام إِذْ كَانَ امتزاج الساكنين أشدّ وَالثَّانِي أنَّ الْألف قبل اللَّام همزَة وصل تسْقط بغَيْرهَا وَإِذا تحرّكت اللَّام سَقَطت فِي لُغَة جَيِّدَة كَقَوْلِهِم تجمرن لحمر وَلَو كَانَت من الأَصْل لم تسْقط كهَلْ وَقد والثالثُ أنَّ التَّعْرِيف ضدُّ التنكير وَدَلِيل التنكير حرف وَاحِد هُوَ التَّنْوِين فَيَنْبَغِي أَن يكون دَلِيل مُقَابِله وَاحِدًا الحديث: 118 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ الْهمزَة قبل اللَّام مَفْتُوحَة وَلَو كَانَ همزَة وصل لضمَّت أَو كسرت وَإِذا لم تكن وصلا كَانَت أصلا وَالثَّانِي أنَّ الشَّاعِر إِذا اضْطر إِلَى جعل اللَّام آخر بَيت جَاءَ فِي أوَّل الآخر بِالْألف وَاللَّام كَقَوْل الراجز 199 - (دَعْ ذَا وعَجِّل ذَا وألْحِقْنا بذلْ ... بالشحمِ إنّا قد مَلِلْناهُ بَجَلْ) // الرجز // وَقَالَ آخر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 120 - (مثل سَحْق البُرْدِ عفّى بعْدك الْقطر ... مغناه وتأويب الشمَال) // الرمل // فجعْلُه بِالْألف وَاللَّام نصفَ الْبَيْت أَو آخِره دليلٌ على أنَّهما جَمِيعًا كلمة وَالْجَوَاب أمَّا فتح الْهمزَة فلكثرة وُقُوعهَا فِي الْكَلَام وَقد فتحت همزَة ايمن وَهِي وصل وَلم يُخرجهَا ذَلِك عَن زيادتها وأمَّا قطعهَا فِي الشّعْر فَلَا يدلُّ على مَا ذكر لأنّا تَقول إنَّ الْهمزَة سَقَطت وَالْبَاقِي اللامُ وَحدهَا وإنَّما أعَاد الْألف مَعَ اللَّام ليصحَّ سُكُون اللَّام فصل وَاللَّام على وُجُوه أحدُها استغراقُ الْجِنْس كَقَوْلِك الرجلُ أفضلُ من الْمَرْأَة أَي جَمِيع هَذَا الْجِنْس خيرٌ من جَمِيع الْجِنْس الآخر وَلَيْسَ آحاده خيرا من آحاده وَالثَّانِي أَن تكون لتعريف الْوَاحِد من الْجِنْس من حيثُ هُوَ جنس كَقَوْلِك الدِّينَار خيرٌ من الدِّرْهَم أَي أيّ دِينَار كَانَ فَهُوَ خيرٌ من أيّ دِرْهَم كَانَ وَالثَّالِث أَن تكون للمعهود بَين المتكلِّم والمخاطب كَقَوْلِك لمن تخاطبه جَاءَ الرجل الَّذِي عهدناه الحديث: 120 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 وَالرَّابِع أَن تكون لتعريف الْحَاضِر كَقَوْلِك هَذَا الرجل فأمَّا قَوْله تَعَالَى {فعصى فرعونُ الرَّسُول} فَمن الْمَعْهُود السَّابِق لتقدُّم ذكر الرَّسُول نكرَة فَعَاد إِلَيْهِ وَالْخَامِس أَن تكون بِمَعْنى الَّذِي نَحْو الضَّارِب والقائم وَالسَّادِس أَن تكون زَائِدَة كالداخلة على الَّذِي وسنبيّن ذَلِك فِي الموصولات وَحكي عَن بعض الْعَرَب قبضت الْخَمْسَة الْعشْر الدِّرْهَم وَلَا يُقاس عَلَيْهِ وَقَالَ الكوفيُّون الْألف وَاللَّام تكون بَدَلا من هَاء الضَّمِير كَقَوْلِك مَرَرْت بِالرجلِ الحسنِ الوجهُ إِذا رفعت وَلَيْسَ بِشَيْء إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لجَاز أَن تَقول مَرَرْت بزيد فكلَّمني الْغُلَام أَي غلامُه وَلَيْسَ بجائز ولأنَّ الْهَاء اسمٌ مُضْمر يعرّف بِمَا قبله بِالْإِضَافَة وَالْألف وَاللَّام حرف يعرّف بِوَجْه آخر فهما مُخْتَلِفَانِ من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 مَسْأَلَة أعرف المعارف الْمُضْمَر عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَمن تَابعه وَقَالَ ابنُ السرّاج أسماءُ الْإِشَارَة أعرف مِنْهُ وَمن العَلَمِ وَقَالَ الكوفيُّون الْعلم أعرفُ مِنْهُمَا وحجَّة الأوَّلين أنَّ الْمُضمر لَا اشْتِرَاك فِيهِ لتعينه بِمَا يعود إِلَيْهِ وَلذَلِك لَا يُوصف ويوصف بِهِ بِخِلَاف الْعلم فَإِنَّهُ فِيهِ اشْتِرَاك ويميز بِالْوَصْفِ والمبهم يُوصف ويوصف بِهِ وَيَقَع اسْم الْإِشَارَة على كل حَاضر وَيَقَع فِيهِ اشْتِرَاك حَتَّى لَو كَانَ بحضرتك جمَاعَة فَقلت هَذَا من غير إقبال وَاحِد لم يعلم المُرَاد إِلَّا بانضمام الإقبال إِلَيْهِ وَاحْتج ابْن السراج بِأَن اسْم الْإِشَارَة يعرف بِالْعينِ وَالْقلب فَهُوَ أقوى وَهَذَا ضَعِيف لِأَن ذَلِك رَاجع إِلَى تعرفه عِنْد الْمُتَكَلّم فَأَما السَّامع فَلَا يعلم مَا فِي قلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 النَّاطِق ب هَذَا وَإِنَّمَا يعرف الْمشَار إِلَيْهِ بالإقبال عَلَيْهِ وَهُوَ شَيْء غير الِاسْم وَيدل عَلَيْهِ أَن اسْم الْإِشَارَة يصفر ويثنى وَيجمع وَلَا يفْتَقر إِلَى تقدم ذكر فَهُوَ فِي ذَلِك كالمظهر الْمَحْض وَاحْتج الْآخرُونَ بِأَن الْعلم لَا اشْتِرَاك فِيهِ وضعا وإنَّما تقع الشّركَة فِيهِ اتِّفاقاً وَالضَّمِير يصلح لكلِّ مَذْكُور وَقد يكون الْمَذْكُور قبله نكرَة فَيصير هُوَ نكرَة أَيْضا وَلذَلِك دخلت عَلَيْهِ رُبَّ فِي قَوْلهم ربّه رجلا وَالْجَوَاب أمَّا الْعلم فَيعرف بِالْوَضْعِ ويفتقر تَعْرِيفه إِلَى إِعْلَام المسمَّى بِهِ غيرَه بأنَي سُميت هَذَا الشَّيْء كَذَا ثمَّ تقع فِيهِ الشّركَة وَقد زيدت فِيهِ الْألف وَاللَّام نَحْو قَول الشَّاعِر من 121 - (باعد أمَّ العمْروِ مِنْ أسيرِها ... حُرَّاس أبوابٍ عَلَى قُصُورِها) // الرجز // يروي بِالْعينِ والغين وكلَّ ذَلِك لَا يُوجد فِي الْمُضمر ثمَّ إنَّ الْعلم يتنكَّر كَقَوْلِك الحديث: 121 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 مَرَرْت بزيد وَزيد آخر وَفِي التَّثْنِيَة وَالْجمع وَالْإِضَافَة وَالضَّمِير لَا يتنكَّر فأمَّا عوده إِلَى نكرَة فَلَا ينكِّره لأنَّه يقطع على من عُني بالضمير فَهُوَ متعيّن فأمَّا ربّه رجلا فشاذّ وَقد جُعلت النكرَة بعده مفسّره لَهُ بِمَنْزِلَة تقدُّمها عَلَيْهِ فصل فِي الْفَصْل ويسمِّيه الكوفيُّون الْعِمَاد وَهُوَ أَنا وَنحن وَهُوَ للْغَائِب وَهِي وَلَا يفصل إلاَّ بضمائر الْمَرْفُوع الْمُنْفَصِل على حَسَب مَا قبله من المتكلِّم والمخاطب وَالْغَائِب وإنَّما سمِّي فصلا لأنَّه يجمع أنواعاً من التَّبْيِين فيؤكد الْخَبَر للمخبر عَنهُ ويفصل الْخَبَر من الصّفة فيعيّن مَا بعده للإخبار لَا للوصف وَيعلم أَن الْخَبَر معرفَة أَو قريب من الْمعرفَة فصل وَلَا مَوضِع لَهُ من الْإِعْرَاب وَقَالَ الكوفيُّون لَهُ مَوضِع فَعِنْدَ بَعضهم هُوَ تابعٌ لما قبله وَعند بَعضهم حكمُه حكمُ مَا بعده والدليلُ على أنَّه لَا مَوضِع لَهُ دخولُ اللَّام عَلَيْهِ فِي خبر كَانَ كَقَوْلِك إنْ كُنَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 لنَحْنُ الذاهبين وَقد يَقع لفظ الْفَصْل فِي مَوضِع لَا يحْتَمل غَيره كَقَوْلِه تَعَالَى {تَجِدُوهُ عِنْد الله هُوَ خيرا} وَجَاز ذَلِك هُنَا لأنَّ أفعل مِنْك قد يخصّص فَقرب من الْمعرفَة وَفِي مَوضِع يصلح أَن يكون توكيداً فَيكون لَهُ مَوضِع وَيحْتَمل أَن يكون مُبْتَدأ وَمَا بعده الْخَبَر فصل وَتقول كنت أظنُّ أنَّ الْعَقْرَب أشدُّ لسعة من الزنبور فَإِذا هُوَ هِيَ وَقَالَ الكوفيُّون فَإِذا هُوَ إيّاها وحجَّة الأوَّلين أنَّ هُوَ مُبْتَدأ وَالْخَبَر لَا يَخْلُو إمَّا أَن يكون إِذا الَّتِي للمفاجأة لأنَّها مَكَان فَيلْزم أَن يكون الضَّمِير الثَّانِي حَالا وإمَّا أَن يكون الْخَبَر الضَّمِير الثَّانِي وإيّا من ضمائر الْمَنْصُوب لَا الْمَرْفُوع فَإِذا بَطل القسمان تعيّن أَن تكون هِيَ خبر الْمُبْتَدَأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ جمَاعَة من الْعَرَب شهدُوا عِنْد يحيى بن خَالِد حِين اجْتمع سِيبَوَيْهٍ وَالْكسَائِيّ وَأَصْحَابه بقول الكوفيّيون وَالثَّانِي أنَّ الَّتِي للمفاجأة يجوز أَن يرْتَفع مَا بعْدهَا بأنَّه مُبْتَدأ وَخبر وَأَن ينْتَصب على إِضْمَار أجد وعَلى ذَلِك جَاءَت الْحِكَايَة وَقَالَ ثَعْلَب هُوَ عماد أَي وجدته إيّاها وَالْجَوَاب عَن الْحِكَايَة من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ الَّذين اجْتَمعُوا بِبَاب يحيى بن خَالِد من الْعَرَب بذل لَهُم أَصْحَاب الكسائيّ والفرّاء مَالا على أَن يَقُولُوا بِمَا يُوَافق قَوْلهم وَلم يشْعر بذلك الكسائيّ والفرّاء وَالثَّانِي أنَّ ذَلِك من شذوذ اللُّغَة كَمَا شذَّ فتحُ لَام الجرِّ والجرُّ ب لعلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 والجزم ب لن وَغير ذَلِك وأمَّا النَّصْبُ بعد إِذا فَلَا يكون إلاَّ على الْحَال وإيّا لَا يكون حَالا وَلَا يصحُّ النصب ب يجد لأنَّها تفْتَقر إِلَى مفعولين وليسا فِي الْكَلَام على أَن تَقْدِير ذَلِك لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَلَا يصحُّ جعل هُوَ فصلا لأنَّ الْفَصْل يكون بَين اسْمَيْنِ وليسا هُنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 بَاب مَالا ينْصَرف قد سبق فِي صدر الْكتاب معنى الصّرْف وَيَنْبَغِي أَن يعلم أنَّ الأَصْل فِي الْأَسْمَاء المعربة الصّرْف لِأَن العلَّة فِي الْإِتْيَان بِالصرْفِ مَوْجُودَة فِي جَمِيعهَا إلاَّ أنَّ ضربا مِنْهَا شابه الْفِعْل من وَجْهَيْن فَمنع ذَلِك الضَّرْب من الجرِّ والتنوين اللَّذين لَا يدخلَانِ الْفِعْل فإنْ قيل هلاَّ منع الشّبَه من وَجه وَاحِد قيل لَا يمْنَع لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ اسْتِحْقَاق الِاسْم الصّرْف أصلٌ متأكّد فالشبه الْوَاحِد دون تأكُّده بِالْأَصَالَةِ وَالثَّانِي أنَّ الِانْتِقَال عَن الأَصْل إِلَى حكم الْفَرْع يفْتَقر إِلَى دَلِيل يرجّح عَلَيْهِ إِذْ لَو تَسَاويا لم يكن الِانْتِقَال أوْلى من الْبَقَاء والشبه الْوَاحِد لَا يرجّح الْأَصَالَة وَصَارَ كالحق فِي الذمَّة لَا يثبت إلاَّ بِشَاهِدين لأنَّ الْبَرَاءَة أصل فصل وَمعنى شبه الِاسْم للْفِعْل أنْ يصير فرعا وَبَيَانه أنَّ الْفِعْل فرْعٌ على الِاسْم من جِهَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 إِحْدَاهَا أنَّه مشقٌّ من الْمصدر وَهُوَ اسْم والمشتقُّ ثَان للمشتقِّ مِنْهُ وَالثَّانيَِة أنَّ الْفِعْل يخبر بِهِ لَا عَنهُ وَالِاسْم يخبر بِهِ وَعنهُ والأدنى فرع على الْأَعْلَى وَالثَّالِثَة أنَّ الْأَفْعَال تحدث من مسمَّيات الْأَسْمَاء والحادث متأخِّر عَن الْمُحدث وَإِذا ثَبت هَذَا فِي الْفِعْل فالاسم يصير فرعا بحدوث أَمر ثَان لغيره ومسبوق بِهِ وَتلك الْأُمُور تِسْعَة وزن الْفِعْل والتعريف وَالزِّيَادَة وَالْوَصْف وَالْعدْل والعجمة وَالْجمع والتركيب وكلٌّ مِنْهَا مسبوقٌ بضدِّه أَو خِلَافه فصل فوزن الْفِعْل مَسْبُوق بِوَزْن الِاسْم كسَبْق الِاسْم للْفِعْل فصل والتعريف مَسْبُوق بالتنكير إِذْ هُوَ الأَصْل يدلُّ على ذَلِك أَشْيَاء أحدُها أنَّ النكرَة أعمُّ والعامّ قبل الخاصّ لأنَّ الخاصّ يتميَّز عَن العامِّ بأوصاف زَائِدَة على الْحَقِيقَة الْمُشْتَركَة وَالزِّيَادَة فرع وَالثَّانِي أنَّ جَمِيع الْحَوَادِث يَقع عَلَيْهَا اسْم شَيْء فَإِذا أردْت اسْم بَعْضهَا خصصته بِالْوَصْفِ أَو مَا قَامَ مقَامه والموصوف سَابق على الْوَصْف وَالثَّالِث أنَّ التَّعْرِيف يفْتَقر إِلَى عَلامَة لفظيَّة أَو وضعيَّة والنكرة لَا تحْتَاج إِلَى عَلامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 فصل وأمَّا التَّأْنِيث فمسبوق بالتذكير وَفرع عَلَيْهِ لوَجْهَيْنِ أحدُهما أنَّ كلّ عين أَو معنى فَهُوَ شَيْء وَمَعْلُوم ومذكور وَهَذِه الْأَسْمَاء مذكَّرة فَإِذا علم أنَّ مسمَّياتها مؤنَّثة وضع لَهَا اسمٌ دالٌّ على التَّأْنِيث وَالثَّانِي أنَّ التَّذْكِير لَا عَلامَة لَهُ والتأنيث لَهُ عَلامَة وَذَلِكَ يدلُّ أنَّه فرع على التَّذْكِير فصل وَالْعدْل هُوَ أَن يُقام بِنَاء مقَام بِنَاء آخر من لَفظه فالمعدول عَنهُ أصلٌ للمعدول فصل وأمَّا الْألف وَالنُّون الزائدتان فتشبهان الْألف فِي حَمْرَاء من أوجه أَحدهَا أنَّهما زيدا مَعًا كَمَا أنَّ ألفي التَّأْنِيث كَذَلِك وَالثَّانِي أنَّ بِنَاء الْألف وَالنُّون فِي التَّذْكِير مُخَالف لبنائه فِي التَّأْنِيث كمخالفة بِنَاء مذكَّر حَمْرَاء لبِنَاء مؤنَّثها فالمؤنَّث من فعلان فعلى وَالثَّالِث أنَّ تَاء التَّأْنِيث لَا تدخل على فعلان فعلى كَمَا لَا تدخل على حَمْرَاء وَالرَّابِع أنَّهما جَاءَا بعد سَلامَة الْبناء كَمَا جَاءَ ألفا التَّأْنِيث بعد سَلَامَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وَالْخَامِس أنَّهما اشْتَركَا فِي ألف المدِّ قبل الطّرف الزَّائِد فصل فأمَّا عُثْمَان وعريان إِذا سمِّي فَيمْتَنع صرفُهما للزِّيَادَة والتعريف وينصرفان فِي النكرَة بِخِلَاف عطشان وسكران فإنَّه لَا ينْصَرف فِي النكرَة أَيْضا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ الْألف وَالنُّون كألفي التَّأْنِيث فِيمَا ذكرنَا وَالثَّانِي أنَّه وصف قد اجْتمع فِيهِ سببان فصل فأمَّا الجمعُ ففرعٌ مَسْبُوق بِالْوَاحِدِ فَإِذا صَار إِلَى أَمْثَال مفاعل ومفاعيل لم ينْصَرف معرفَة وَلَا نكرَة وإنَّما كَانَ كَذَلِك لأنَّ جمعه هَذَا الْجمع قَائِم مقَام جمعين أَحدهمَا مُطلق الْجمع وَالثَّانِي فِيهِ وَجْهَان أحدُهما أنَّه لَا يُمكن جمعه مرَّة أُخْرَى فكأنَّه جمع مرَّتين وَصَارَ مُطلق الْجمع بِمَنْزِلَة أسطار جمع سطر وأساطير جمع ثَان لَا يجمع مرّة أُخْرَى فَهُوَ نَظِير مَسَاجِد ودنانير فِي أنَّها لَا تجمع وَالثَّانِي أنَّه جمع لَا نَظِير لَهُ فِي الْآحَاد وَعدم النظير يؤكّد فِيهِ الْجمع حَتَّى يَجعله بِمَنْزِلَة مَا جمع مرَّتين وَلَيْسَ كَذَلِك رجال وَكتب لأنَّ لَهما نظيراً فِي الْآحَاد وَهُوَ كتاب وطنب وَقد نقض هَذَا ب أكلب وأجمال فإنَّهما لَا نَظِير لَهما فِي الْآحَاد وهما مصروفان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وَقد أجبْت عَنهُ بأنَّ الْفرق بَين أكلب وأجمال وَبَين الْآحَاد حَرَكَة فَقَط وَذَلِكَ أنَّ أكلباً مضموم اللَّام وَفِي الْآحَاد كثير على أَفْعَل نَحْو أَحْمَر وأفكل وَلَيْسَ بَينهمَا إلاَّ اخْتِلَاف حَرَكَة وَكَذَلِكَ أجْمال مثل إِجْمَال إلاَّ فِي الفتحة والكسرة وَذَلِكَ اخْتِلَاف يسير بِخِلَاف هَذَا الْجمع فإنَّه يُخَالف الْوَاحِد فِي الْحُرُوف والحركات فإنْ قيل فَمَا الحكم فِي سَرَاوِيل وشراحيل وحضاجر قيل أمَّا سَرَاوِيل فَقيل هُوَ أعجميٌّ مُفْرد فَيَنْصَرِف فِي النكرَة وَلَا ينْقض مَا أصَّلنا لأنَّ المُرَاد مَا لَا نَظِير لَهُ فِي الْآحَاد العربيَّة وَقيل هُوَ جمع سروالة فعلى هَذَا لَا ينْصَرف معرفَة وَلَا نكرَة وأمَّا شرَاحِيل فَجمع يُسمى بِهِ الْوَاحِد وَأما حضاجر فواحدتها حِضَجْر قَالَ الشَّاعِر 122 - (حضجر كأمّ التوأمينِ توكّأت ... على مرفقيها مستهلَّة عَاشر) وسُمِّي الْوَاحِد بِالْجمعِ الحديث: 122 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 فصل وأمَّا العجمة ففرع على الْعَرَبيَّة لأنَّها طارئة عِنْدهم بأوضاعهم فصل وأمَّا التَّرْكِيب ففرع على الْإِفْرَاد لأنَّه ضَمٌّ مُفْرد إِلَى مُفْرد على قصد جَعلهمَا اسْما لشَيْء وَاحِد وَإِذا تقررت الفرعيَّة للاسم من هَذِه الْوُجُوه ظَهرت مشابهته للْفِعْل من جِهَة الفرعيَّة ويترتَّب على هَذِه الْأُصُول مسَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 بَاب مسَائِل الْمَنْع من الصّرْف مَسْأَلَة وزن الْفِعْل الْمَانِع من الصّرْف هُوَ مَا يختصُّ بِالْفِعْلِ ويغلب عَلَيْهِ نَحْو أَحْمد وأعْصُر لأنَّ أَفْعَل وأَفْعُل فِي الْأَفْعَال أَكثر مِنْهُ فِي الأسٍماء فأمَّا فُعِل فَمن المختصّ بالأفعال والدُّئِل اسْم لدويّبة تشبه الهرَّة وَهُوَ فِي الأَصْل فعل نقل فسُمِّي بِهِ على أنَّ جمَاعَة لَا يثبتونه وَقيل هُوَ مغيّر وأمَّا مَا يُوجد من الأوزان فِي الِاسْم وَالْفِعْل كثيرا فمصروف لأنَّ الفرعيَّة لم تثبت فِيهِ إِذْ لَيْسَ تَغْلِيب حكم الْأَفْعَال فِيهِ أولى من الْعَكْس بِخِلَاف المختصّ وَالْغَالِب فَإِن كثرته فِي الْأَفْعَال وَعَدَمه وقلَّته فِي الأسٍماء توجب جعله كالمستعار فِي الْأَسْمَاء فَمن ذَلِك فَعَّل لم يأتِ مِنْهُ فِي الْأَسْمَاء إلاَّ خَضَّم وبذَّر وعثر مَوَاضِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 وشلَّم وَهُوَ بَيت الْمُقَدّس وبقّم وَهُوَ صبغ مَعْرُوف وَقيل لَيْسَ بعربيّ فإنْ سمِّيت بِهِ شَيْئا لم تصرفه لما ذكرنَا مَسْأَلَة فإنْ سمِّيت بِوَزْن الْفِعْل وَفِي أوَّله همزَة وصل قطعت الْهمزَة وأبقيتها على حركتها لأنَّ الْقطع حكم الْأَسْمَاء وَإِن كَانَت فِيهِ تَاء التَّأْنِيث نَحْو ضَرَبتْ أبدلت مِنْهَا فِي الْوَقْف هَاء لأنَّها تحرَّكت بعد التَّسْمِيَة فَصَارَت كتاء التَّأْنِيث الدَّاخِلَة على الِاسْم مَسْأَلَة فإنْ سمِّيت ب قيل وَبيع صرفت لِأَن هَذَا الْوَزْن يكثر فِي الْأَسْمَاء وَلم ينْقل إِلَى أَصله الَّذِي هُوَ فعل لأنَّه رفض وَصَارَ كأنَّه أصْلٌ مَسْأَلَة فإنْ سمِّيْت بِالْفِعْلِ وَفِيه ضمير الْفَاعِل حكيته وَلم تعربه لأنَّه جملَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 فَلَا يكون لَهَا حرف إِعْرَاب فَمن ذَلِك تأبَّط شرّاً وذرَّى حبّاً وشاب قرناها وبرق نَحره كلّ هَذِه أَسمَاء رجال مَسْأَلَة إِذا كَانَ الِاسْم على ثَلَاثَة أحرف سَاكن الْأَوْسَط معرفَة نَحْو هنْد ودعْد فالأجود ترك صرفه وَقَالَ الْأَخْفَش لَا ينْصَرف وحجَّة الأوَّلين السماعُ وَالْقِيَاس فالسماع قَول الشَّاعِر من 123 - (لم تتلفَّعْ بفضلٍ مِئْزرها ... دعْدٌ وَلم تُغْذَ دعْدُ فِي العلب) // المنسرح // الحديث: 123 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 فصرف الأوَّل وأمَّا الْقيَاس فَهُوَ أنَّه أخفُّ الْأَسْمَاء إذْ كَانَ أقلّ الْأُصُول عددا وحركةً فعادلت خفَّته أحد السببين واحتجَّ الْآخرُونَ بِوُجُود السببين وَلَا عِبْرَة بالخفَّة لأنَّ مَوَانِع الصّرْف أشباه معنويَّة فَلَا مُعَارضَة بَينهَا وَبَين اللَّفْظ مَسْأَلَة فإنْ سمِّيت مؤنَّثاً بمذكَّر ساكنِ الْأَوْسَط نَحْو عمْرو لم تصرفه لأنَّه نَقْلُ الأَصْل إِلَى الْفَرْع فازداد الثّقل بذلك فعادلت الخفَّة أحد الْفُرُوع فَبَقيَ فرعان مَسْأَلَة فإنْ تحرَّك الْأَوْسَط لم تصرفه معرفَة ك سقر لِأَن حَرَكَة الْأَوْسَط كالحرف الرَّابِع لأمرين أحدُهما أنَّ الْحَرَكَة زَائِدَة على أقلِّ الْأُصُول فَصَارَ الِاسْم بهَا كالرباعيّ وَالثَّانِي أنَّها فِي النّسَب كالحرف الْخَامِس أَلا ترى أنَّك لَو نسبت إِلَى جَمزَى لَقلت جمزيّ فحذفت الْألف كَمَا تحذفها فِي الخماسيّ نَحْو المرتمي وَلَو كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 الْأَوْسَط سَاكِنا لجَاز إِثْبَات الْألف وحذفها كالنسب إِلَى حُبْلَى يجوز حبليٌّ وحبلويّ مَسْأَلَة فإنْ سمِّيت المذكَّر بمؤنَّث ثلاثيّ نَحْو هِنْد وَقدم صرفته معرفَة ونكرة لأنَّك نقلت فرعا إِلَى أصْل أَزَال معنى الْفَرْع وَهُوَ التَّأْنِيث فخفَّ لذَلِك مَسْأَلَة فإنْ كَانَ المؤنَّث أَرْبَعَة أحرف فَصَاعِدا وسمِّيت بِهِ مذكَّراً أَو مؤنَّثاً لم تصرفه معرفَة لأنَّ الْحَرْف الرَّابِع كتاء التَّأْنِيث بِدَلِيل أنَّه يمْنَع من زِيَادَة التَّاء فِي التصغير كَقَوْلِك فِي عقرب عقيرب وَفِي زَيْنَب زيينب وَلَو كَانَ ثَلَاثَة أحرف مثل قدر وَأذن لأتيت بِالتَّاءِ فَقلت قديرة وأذينة فدلَّ أنَّ الْمَانِع الْحَرْف الرَّابِع فَأشبه تَاء التَّأْنِيث وإنَّما يعرف تَأْنِيث الْأَسْمَاء بِالسَّمَاعِ فَإِذا كَانَ الِاسْم لم يوضع إلاَّ للمؤنَّث جرى مجْرى عَلامَة التَّأْنِيث فِي لَفظه مَسْأَلَة عَلامَة التَّأْنِيث فِي الْأَسْمَاء التَّاء وَالْألف فَإِذا كَانَ أَحدهمَا فِيهِ قلت هُوَ مؤنَّث سَوَاء سُمِّي بِهِ المذكَّر أَو المؤنَّث ف التَّاء أحد وصفي العلّة الْمَانِعَة فَإِذا انضمَّ إِلَيْهَا التَّعْرِيف امْتنع الصّرْف وأمَّا الْألف فَإِذا لم يكن قبلهَا ألف سكنت نَحْو حُبْلَى وإنْ وَقعت بعد ألف المدّ نَحْو حَمْرَاء حرِّكت فَانْقَلَبت همزَة وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 511 - حرِّكت لئلاّ يجْتَمع ساكنان وحذفُ إِحْدَاهمَا لَا يجوز لأنَّك إِن حذفت الأولى بَطل المدُّ وَإِن حذفت الثَّانِيَة بطلت عَلامَة التَّأْنِيث وإنْ حرِّكت الأولى بَطل المدّ أَيْضا فتعيَّن تَحْرِيك الثَّانِيَة مسألأة ألفُ التَّأْنِيث علَّة مستقلَّة تمنع الصّرْف بِخِلَاف التَّاء وإنَّما كَانَ كَذَلِك لأنَّ مُطلق التَّأْنِيث فرع ولزومهُ كتأنيثٍ آخرَ وَالْألف بِهَذِهِ الْمنزلَة لأنَّها صيغت مَعَ الْكَلِمَة من أوَّل أمرهَا وَتبقى مَعهَا فِي الْجمع نَحْو حُبْلَى وحبالى وَلَيْسَت فارقة بَين مذكَّر ومؤنَّث بِخِلَاف التَّاء فإنَّها تدخل على لفظ المذكَّر فتنقله إِلَى المؤنَّث وَلَا تلْزم مَسْأَلَة فأمَّا عُريان فَيَنْصَرِف فِي النكرَة إذْ لَيْسَ فِيهِ سوى الْوَصْف وَالْألف وَالنُّون لَا يشبهان ألفي التَّأْنِيث لأنَّ التَّاء تدخل عَلَيْهِ فَتَقول عُرْيَانَة وأمَّا سرحان فَلَيْسَ بِوَصْف وَتقول فِي جمعه سراحين فتقلب الْألف يَاء بِخِلَاف مَا قبل ألف التَّأْنِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 512 - مَسْأَلَة إِذا سمِّيت ب أَحْمَر وبابه زَالَ معنى الصّفة وَلذَلِك يسمَّى من لَيْسَ أَحْمَر أَحْمَر وَقيل التَّسْمِيَة لَا تُوقعه إلاَّ على من لَهُ من الْحمرَة صفة لَهُ وَيمْتَنع صرفه بعد التَّسْمِيَة للتعريف وَوزن الْفِعْل إِجْمَاعًا فإنْ نكَّرته لم تصرفه عِنْد سِيبَوَيْهٍ وتصرفه عِنْد الْأَخْفَش حجَّة الأوَّلين أنَّه صفة فِي الأَصْل مستعار فِي التَّسْمِيَة فَإِذا نكّر أجري عَلَيْهِ حكم أَصله فِي الْوَصْف والتنكير أَلا ترى أنَّ أَرْبعا منصرف مَعَ اجْتِمَاع الْوَصْف وَالْوَزْن كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمِنْهُم من يمشي على أَربع} مَا كَانَ ذَلِك إلاَّ نظرا إِلَى الصّفة وَهُوَ الْعدَد وأنَّ التَّاء تدخل عَلَيْهِ نَحْو أَرْبَعَة وأنَّ نَقله لم يُخرجهُ عَن حكمه كَذَلِك أَحْمَر واحتجَّ الْآخرُونَ بأنَّ معنى الْوَصْف غيرُ بَاقٍ بعد التنكير فَلَيْسَ فِيهِ سوى الْوَزْن وَقد ذكرنَا مَا يصلح جَوَابا لَهُ مَسْأَلَة فإنْ سمِّيت مؤنَّثاً ب حَائِض وفاضل لم تصرفه للتعريف والتأنيث فإنْ نكَّرته صرفته اتِّفاقاً لأنَّه لم يبْق فِيهِ سوى التَّأْنِيث والوصفُ بفاعل غير مختصّ بالأوصاف فإنَّ فَاعِلا يُوجد فِي الْأَسْمَاء نَحْو كَاهِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 513 - مَسْأَلَة إِذا كَانَ الْوَصْف تَاء التَّأْنِيث نَحْو ضاربة انْصَرف فِي النكرَة مَعَ اجْتِمَاع الْوَصْف والتأنيث لأنَّ تَاء التَّأْنِيث هُنَا لَا يعتدُّ بهَا لأنَّها دخلت لمجرَّد الْفرق مَسْأَلَة المعدول عَن الْمعرفَة نَحْو عمر وَزفر لَا ينْصَرف معرفَة للعدل والتعريف فإنْ قيل مَا فَائِدَة عدله قيل شَيْئَانِ أحدُهما توكيد الْمَعْنى المشتقّ مِنْهُ فِي المسمَّى كالعمارة والزَّفر وَالثَّانِي الْإِعْلَام بأنَّ عَامِرًا لَا يُراد بِهِ الْوَصْف بل التَّسْمِيَة فإنْ قيل على كم وَجها فُعَلُ قيل على أَرْبَعَة أوجه أحدُهما الْمعرفَة وَهُوَ لَا تدخله الْألف وَاللَّام نَحْو جُشم وَقثم وَالثَّانِي الْجِنْس نَحْو جُرَذ ونُغَر هَذَا ينْصَرف بكلِّ حَال لأنَّه غير معدول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 514 - وَالثَّالِث الْجمع نَحْو غُرَف وَرطب وَالرَّابِع الْوَصْف نَحْو حطم فأمَّا فسق وخُبَثُ فيستعمل فِي النداء للمذكَّر خاصَّة وَهُوَ مبنيّ فإنْ سمَّيت صرفته لأنَّه لم يعدل إلاَّ فِي النداء مَسْأَلَة وأمَّا مَا عُدِلَ من الصِّفَات فَيَجِيء على فعال نَحْو ثُلاث ورُباعَ وعَلى مَفْغَل نَحْو مَثْنى ومَوْحَد وَهُوَ غيرُ مَصْروفٍ على كُلِّ حَال لاجتماعِ الْوَصْف وَالْعدْل وَقَالَ بعضهُم هُوَ معْدول فِي اللفظِ وَالْمعْنَى فاللفْظُ معدول عَن لفظ اثْنَيْنِ وَثَلَاثَة وأمَّا فِي الْمَعْنى فإنَّ مثنى يعبِّر بِهِ عَن جمَاعَة جاؤوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وثُلاث عَن ثَلَاثَة ثَلَاثَة بِخِلَاف اثْنَيْنِ فإنَّه لَا يدلُّ على أَكثر من أحدين وَثَلَاثَة لَا يدلُّ إلاَّ على ثَلَاثَة آحَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 مَسْأَلَة فأمَّا أُخَر جمع آخر وَأُخْرَى فَلَا ينْصَرف للعدل وَالْوَصْف وَفِي معنى عدله أوجه أحدُها أنَّ أخر هُنَا للمفاضلة فأصلُه أَن يُقَال آخر من كَذَا أَي أشدّ تأخّراً مِنْهُ ثُمَّ عُدِل عَن مِنْ وَاسْتعْمل اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء وَالصِّفَات الَّتِي لغير المفاضلة نَحْو أَبيض وأسود وَالثَّانِي أنَّ الْقيَاس اسْتِعْمَاله بِالْألف وَاللَّام ك الفضلى وَالْوُسْطَى والفُضَل والوُسَط فَعدل عَن الْألف وَاللَّام مَسْأَلَة لَا فرق فِي الْجمع الَّذِي لَا نَظِير لَهُ بَين أَن يكون بعد أَلفه حرف مشدَّد أَو حرفان منفصلان لأنَّ المشدَّد حرفان فِي الْحَقِيقَة فأمَّا مَا بعد أَلفه ثَلَاثَة أحرف فشرطه أنْ يكون الْأَوْسَط سَاكِنا نَحْو قناديل فإنْ كَانَ متحرِّكاً ك صياقلة انْصَرف لأنَّ لَهُ نظيراً فِي الْآحَاد نَحْو طواعية ورفاهية ورجلٌ عباقية وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ آخِره يَاء النِّسْبَة نَحْو مدائنيّ لأنَّها تشبه تَاء التَّأْنِيث لما نبيِّنه فِي النّسَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 مَسْأَلَة فإنْ كَانَ بعد الْألف حرفان الثَّانِي يَاء نَحْو جوَار فَهُوَ منوَّن فِي الرّفْع والجرِّ غير منوَّن فِي النصب وَاخْتلفُوا فِي هَذَا التَّنْوِين فَقَالَ بَعضهم هُوَ تَنْوِين الصّرْف لأنَّ الْيَاء حذفت تَخْفِيفًا فَبَقيت جوَار مثل دَجَاج فَانْصَرف وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ عوض من الْيَاء وَلَيْسَ بمنصرف وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ عوض من حَرَكَة الْيَاء المستحقّة فلَمَّا اجْتمع التَّنْوِين وَالْيَاء حذفت لالتقاء الساكنين فأمَّا فِي النصب فَلَا ينْصَرف لكَمَال الْبناء مَسْأَلَة فأمَّا الترامي والتعامي فَيَنْصَرِف بكلِّ حَال لأنَّ وَزنه تفَاعل كتقاتل وتضارب ولكنْ كُسرت عينه لتسلم الْيَاء مَسْأَلَة لَا تمنع العجمة من الصّرْف إِلَّا مَعَ التَّعْرِيف وَلَو اجْتمع فِي الِاسْم أَكثر من علَّتين وَذَلِكَ نَحْو أذربيجان فإنَّ فِيهَا خمسّ علل التَّعْرِيف والعجمة والتأنيث والتركيب وَالْألف وَالنُّون الزائدتان فإنْ نكَّرته صرفته وعلَّة ذَلِك أَن التَّعْرِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 علَّة قويَّة كَثِيرَة الدّور فِي الْكَلَام حَتَّى إنَّها فِي الشّعْر قد أُقِيمَت مقَام علَّتين وَلَيْسَ ذَلِك لغيره مَسْأَلَة وَقد يكون اللَّفْظ مُحْتملا للصرف وَتَركه لاخْتِلَاف أَصله وَذَلِكَ ك حسّان إِن أَخَذته من الحسِّ لم تصرفه للتعريف وَالزِّيَادَة وَإِن أَخَذته من الْحسن صرفته لأنَّ النُّون أصل وَكَذَلِكَ يَعْقُوب إِن كَانَ أعجميّاً لم تصرفه وَإِن أردْت اسْم ذكر القَبْجِ صرفته إِذْ لَيْسَ فِيهِ سوى التَّعْرِيف وَهَكَذَا إِسْحَاق إِن جعلته أعجميّاً لم تصرفه وَإِن جعلته مصدرا فِي الأَصْل صرفته فأمَّا إِبْلِيس فَلَا ينْصَرف للعجمة والتعريف وَقَالَ قوم هُوَ من الإبلاس وَلَيْسَ كَذَلِك لأنَّه لَو كَانَ مِنْهُ لانصرف إِذْ لَيْسَ فِيهِ سوى التَّعْرِيف مَسْأَلَة فأمَّا يَرْبُوع ونظائره فَيَنْصَرِف إِذْ لَيْسَ فِي الْأَفْعَال يفعول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 مَسْأَلَة فأمَّا مرَّان وَهِي الرماح فَإِذا سُمِّي بِهِ انْصَرف لأنَّه من المرانة للينها بالتدريب وأمَّا رمَّان إِذا سُمِّي بِهِ فَلَا ينْصَرف عِنْد سِيبَوَيْهٍ لأنَّه من الرمِّ وَهُوَ الْجمع والإصلاح وَقَالَ الْأَخْفَش النُّون أصلٌ لأنَّه كثير فِي أسٍماء النَّبَات فُعّال نَحْو قُلاَّم وثفَّاء فأمَّا أُباتر فَيَنْصَرِف بكلِّ حَال لأنَّه كثير الْأَسْمَاء مِثَاله نَحْو دلامص وعكامس وعلابط مَسْأَلَة يجوز فِي حَضرمَوْت ونحوِه ثَلَاثَة أوجه أحدُها بِنَاء الِاسْم الأوَّل وإعرابُ الثَّانِي إلاَّ أنَّه لَا ينْصَرف فِي الْمعرفَة للتعريف والتركيب وَبني الأوَّل لشبه الثَّانِي بتاء التَّأْنِيث إِذْ كَانَ مزيداً على الِاسْم وَفتح للطول كَمَا فتح مَا قبل تَاء التَّأْنِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وَالْوَجْه الثَّانِي أَن تضيف الأوَّل إِلَى الثَّانِي فتعربهما إِلَّا أَن كرب لَا ينْصَرف لأنَّه مؤنَّث معرفَة وَمِنْهُم من يصرفهُ فَيَجْعَلهُ مذكَّراً وأمَّا يَاء معدي فساكنة بكلِّ حَال لأنَّ الْكَلِمَتَيْنِ صارتا كالواحدة فَلَو حرِّكت لتوالت الحركات وثقلت خُصُوصا فِي الْيَاء بعد الكسرة وَالْوَجْه الثَّالِث أنْ تبنيهما لتضمُّنهما معنى حرْفِ الْعَطف ك خَمْسَة عشر مَسْأَلَة فأمَّا سِيبَوَيْهٍ ونفطويه وعمرويه فمبنيَّة وَلَكِن تنوَّن فِي النكرَة كَمَا تنوَّن الْأَصْوَات وَأَسْمَاء الْفِعْل وَيذكر ذَلِك فِي المبنيَّات إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَسْأَلَة أَسمَاء الْبلدَانِ مِنْهَا مَا ذكَّرته الْعَرَب فَصَرَفته نَحْو وَاسِط ودابق وَمِنْهَا مَا أنَّثته نَحْو مصر ودمشق وَمِنْهَا مَا جوَّزت فِيهِ الْأَمريْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 مَسْأَلَة فأمَّا أَسمَاء الْقَبَائِل فَمَا كَانَ مَوْضُوعا على الْقَبِيلَة كَانَ مؤنَّثاً نَحْو حمير وَمَا كَانَ اسْما للحيّ أَو أبي الْقَبِيلَة كَانَ مذكَّراً نَحْو تَمِيم وَقد جَاءَ الْوَجْهَانِ فِي ثَمُود مَسْأَلَة حكم مَا لَا ينْصَرف ألاَّ يجرّ وَلَا ينوَّن لما ذكرنَا فِي صدر الْكتاب من أنَّ الصّرْف هُوَ التَّنْوِين فأمَّا الجرُّ فَلَيْسَ من الصّرْف على الصَّحِيح وإنَّما سقط تبعا لسُقُوط التَّنْوِين إِذْ كَانَا جَمِيعًا لَا يدخلَانِ الْفِعْل فَمَا يُشبههُ كَذَلِك وَلذَلِك إِذا اضْطر الشَّاعِر إِلَى تَنْوِين الْمَجْرُور كَسَرَهُ لأنَّ سُقُوط الْكسر كَانَ تبعا لسُقُوط التَّنْوِين فَإِذا انْتَفَى الأَصْل انْتَفَى التبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 فإنْ قيل للأفعال أحكامٌ وخصائص فلِمَ لَمْ يثبت للاسم الْمُشبه للْفِعْل غير منع الجرِّ والتنوين وهلاَّ امْتنع الْألف وَاللَّام أَو كَونه فَاعِلا أَو نَحْو ذَلِك قيل هَذِه الخصائص لَهَا معنى فِي الْأَسْمَاء فَلَو مُنِعَها الِاسْم لبطل ذَلِك الْمَعْنى بِخِلَاف الجرِّ والتنوين فإنَّ منع الِاسْم مِنْهُمَا لَا يبطل معنى فِيهِ مَسْأَلَة إِذا أضيف مَالا ينْصَرف أَو دَخلته الألفُ وَاللَّام كُسِرَ فِي موضِع الجرِّ وَفِي ذَلِك وَجْهَان أحدُهما أنَّ كسرة الجرِّ سَقَطت تبعا لسُقُوط التَّنْوِين بِسَبَب المشابهة وسقوطه بِالْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة بِسَبَب آخر فَلَا يسْقط الجرُّ تبعا لَهُ وَلذَلِك قَالَ النحويُّون فأمن فِيهِ التَّنْوِين أَي أنَّ سُقُوط التَّنْوِين بِسَبَب المشابهة كَانَ اسْتِحْسَانًا لَا ضَرُورَة وَلذَلِك يجوز للشاعر اتِّباعهً فأمَّا سُقُوط الْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة فكالضرورة وَلذَلِك لَا يسوغ للشاعر الْجمع بَينهمَا وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّه بِالْألف وَاللَّام والإضافةِ يبعد من شبه الْفِعْل الْحَاصِل بالفرعية فَيَعُود إِلَى حقِّه من الجرِّ فإنْ قيل فحرفُ الجرِّ من خَصَائِص الِاسْم وَكَذَلِكَ الفاعليَّة والمفعوليَّة وَلَا تردّه هَذِه الْأَشْيَاء إِلَى الصّرْف قيل أمَّا حرف الجرِّ فَلَا يُحدث فِي الِاسْم معنى يُنَافِيهِ فِيهِ الْفِعْل فإنَّ الِاسْم يبْقى مَعْنَاهُ مَعَ حرف الجرِّ بِحَالهِ بِخِلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 الْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة فإنَّهما تحدثان فِيهِ التَّخْصِيص الَّذِي ينبو عَنهُ الْفِعْل وأمَّا كَونه فَاعِلا أَو مَفْعُولا فَهُوَ أمرٌ يرجع إِلَى مَا يحدثه الْعَامِل مَسْأَلَة الِاسْم بعد دُخُول الْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة غير منصرف لما تقدَّم أنَّ مَانع الصّرْف قَائِم وأنَّ الجرَّ سقط لزوَال مَا سقط تبعا لَهُ وَقَالَ قوم هُوَ منصرف وَبَنوهُ على أصلين أَحدهمَا أنَّ الجرِّ من الصّرْف وَالثَّانِي أنَّه بِدُخُول الْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة ضعف شبه الِاسْم بِالْفِعْلِ على مَا تقدَّم مسألأة يجوز للشاعر أَن يصرف مَالا ينْصَرف للضَّرُورَة على الْإِطْلَاق وَقَالَ الكوفيُّون لَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي أفعل مِنْك وحجَّة الأوَّلين أنَّه اسمٌ معربٌ نكرَة فَجَاز للشاعر صرفه كبقيَّة الْأَسْمَاء الَّتِي لَا تَنْصَرِف واحتجَّ الْآخرُونَ بأنَّ مِنْك تجْرِي مجْرى الْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة وَلذَلِك ينوبان عَن مِنْ فَكَمَا لَا تنوّن مَعَ الْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة لَا تنون مَعَ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 والجوابُ أنَّ ذَلِك لَا يصحُّ لأنَّ مِنْ وَإِن خصّصت ولكنْ بَعْضَ التَّخْصِيص وَالِاسْم بعد ذَلِك نكرَة بِخِلَاف الْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة مَسْأَلَة يجوز للشاعر ترك صرف مَا ينْصَرف للضَّرُورَة وَمنعه المبرِّد واحتجَّ الأوَّلون بقول العبَّاس بن مِرْداس من 124 - (وَمَا كَانَ حصْنٌ وَلَا حابسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْداسَ فِي مَجْمعِ) // المتقارب // وبأنَّ التَّنْوِين زائدٌ دالٌّ على خفَّة الِاسْم وبالتعريف يحدث لَهُ نوعُ ثِقَل فَلذَلِك جَازَ الحديث: 124 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 لَهُ إِجْرَاء السَّبَب مُجرى السببين ويدلُّ عَلَيْهِ أنَّ الشَّاعِر يُجري الْوَصْل مُجرى الْوَقْف حتَّى إنَّه يصل الِاسْم المؤنَّث بِالْهَاءِ كَمَا يقف عَلَيْهِ فَلأَنْ يجوز لَهُ حذفُ التَّنْوِين وإبقاء الْحَرَكَة أوْلى والمبرِّد يروي الْبَيْت 125 - ( ... يَفُوقَانِ شَيْخيَ فِي مَجْمعِ) وَمَا رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ ثابتٌ فِي الرِّوَايَة فَلَا طَرِيق إِلَى إِنْكَاره الحديث: 125 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 اللّبَاب فِي علل الْبناء وَالْإِعْرَاب ج 2 بَاب الْأَفْعَال قد ذكرنَا فِي أول الْكتاب حدَّ الفعلِ وعلاماتِه وَذكرنَا فِي بَاب الْمصدر أنَّه مشتقٌّ من الْمصدر وَبَقِي الكلامُ فِي أقسامه وأحكامِه فصل واقسامُ الْأَفْعَال ثلاثةٌ ماضٍ وحاضرٌ ومستقبلٌ وَأنكر قومٌ فعل الْحَال وحُجَّة الْأَوَّلين أنَّ الْفِعْل اشتُقَّ من الْمصدر ليدلَّ على الزَّمَان فَيَنْبَغِي أَن يَنْقَسِم بِحَسب انقسامِه وَلَا أحدَ ينكرُ زمنَ الحالِ وَهُوَ الْآن فَكَذَلِك الْفِعْل الدالّ عَلَيْهِ فَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 واسطةٌ بَين الْمَاضِي والمستقبل وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {لَهُ مَا بينَ أيْدِينا وَمَا خَلْفَنا وَمَا بينَ ذَلِك} قَالُوا أَرَادَ الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة وَمِنْه قولُ زُهَيْر من // الطَّوِيل // (وأعلمُ مَا فِي اليومِ والأمسِ قبلَه ... ولَكِنِّني عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ غمِ) واحتجَّ الْآخرُونَ بِأَن مَا وُجِدَ من أجزاءِ الْفِعْل صارَ مَاضِيا وَمَا لم يوجدْ فَهُوَ مستقبلٌ وَلَيْسَ بَينهمَا واسطةٌ وَالْجَوَاب أنَّ النَّحْويين يريدونَ بِفعل الْحَال فعلا ذَا أجزاءٍ يتَّصلُ بعضُها بِبَعْض كَالصَّلَاةِ وَالْأكل وَنَحْوهمَا وَهَذَا يُعقل فِيهِ الحالُ قسما ثَالِثا لأنَّه يُشارُ إِلَيْهِ وَهُوَ متشاغلٌ بِهِ وَلم يقْضِه ويفرّق بَين حالِه الْآن وحالِه قبلَ الشُّروع وَبعد الفراغِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 فصل وَاخْتلفُوا أيُّ أَقسَام الْفِعْل أصل لغيره فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ هُوَ فعلُ الْحَال لأنَّ الأصلَ فِي الْفِعْل أَن يكون خَبرا وَالْأَصْل فِي الْخَبَر أَن يكونَ صِدْقاً وفعلُ الحالِ يُمْكِنُ الإشارةُ إِلَيْهِ فتحقَّق وجودُه فَيصدق الْخَبَر عَنهُ وَقَالَ قومٌ الأصلُ هُوَ المستقبلُ لأنَّه يخبر عَنهُ عَن الْمَعْدُوم ثمَّ يخرج الْفِعْل إِلَى الْوُجُود فيخبر عَنهُ بعد وجوده وَقَالَ الْآخرُونَ هُوَ الْمَاضِي لأنَّه لَا زيادةَ فِيهِ ولأنَّه كَمُلَ وجودُه فاستحقَّ أَن يسمَّى أصلا فصل الأصلُ فِي الفعلِ البناءُ لأنَّ الإعرابَ دخلَ للْفِعْل بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وليسَ فِي الْفِعْل فاعلٌ وَلَا مفعولٌ فصارَ كالحرفِ فصل والأصلُ أَن يُبنى على السكونِ لأنَّ البناءَ ضدٌّ الإعرابِ على مَا ذُكِرَ فِي صدرِ الْكتاب إِلَّا أنَّ الفعلَ الْمَاضِي حُرِّكَ لشبهه بالمضارع إِذْ كَانَ يَقع موقعه فِي نَحْو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 قَوْله {ويومَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} أَي فَيفزع وَفِي الشَّرطِ وَالْجَزَاء إِذا ذهبتَ ذهبتُ وَفِي الحالِ كَقَوْلِك مررتُ بزيد قد كتبَ كَقَوْلِك يكْتب والشَّبه يَقْتَضِي إثباتَ حكمِ من أحكامِ المشابهِ للمشابهِ والحركةُ من أحكامِ المضارعِ إلاَّ أنَّ حَرَكَة المضارعِ إعرابٌ وحركةَ الْمَاضِي بناءٌ وعلَّةُ ذَلِك أنَّ إعرابَ المضارعَ فَرعٌ على الِاسْم والماضي فَرْعٌ على الْمُضَارع والفروعُ تنقصُ عَن الأصولِ فكيفَ بفرع الْفَرْع. فصل وإنَّما جُعلت حركتُه فَتْحة لأمرين: أَحدهمَا: أنَّ أمثلةَ الفعلِ الْمَاضِي كثيرةٌ فاختِير لَهُ أخفُّ الحركاتِ تعديلاً وَالثَّانِي أنَّ الغرضَ تمييزُ هَذَا المبنيَّ على المبنيِّ على السّكُون والتمييزُ يحصلُ بالفتحة وَهِي أخفُّ فَلَا يُصار إِلَى الثقيل وَقيل لَو كُسِر لَبُنِيَ على كسرةٍ لازمةٍ والفعلُ لم يدخُلْه الجرّ مَعَ أَنه عارضٌ وَلم يضمّ لأنَّ مِنَ العربِ مَنْ يحذِفُ واوَ الْجمع ويجعلُ الضمةَ دَلِيلا عَلَيْهَا نَحْو ضَرَبٌ فِي ضَربوا وَهَذَا وجهٌ ضَعِيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 مَسْأَلَة فعلُ الأمرِ الَّذِي ليسَ فِيهِ حرفُ مضارَعةٍ مبنيٌّ على السكونِ وَقَالَ الكوفيُّون هُوَ مُعْرَبٌ بِالْجَزْمِ واحتجَّ الأوَّلون من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ الأصلَ فِي الْفِعْل البناءُ وإنَّما أُعْرِبَ لمشابهتِه الإسمَ والمشابهةُ تتحقَّقُ بحرفِ المضارعةِ فَقَط فَإِذا فُقِدَ فُقِدَتْ فيخرجُ على الاصْل والثَّاني أَن نَزَال وبابَه مبنيٌّ لقيامِه مقامَ الأمرِ فَلَو كانَ مُعْرَباً لم يُبْنَ مَا قامَ مقامَه واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ الأصلَ فِي قُمْ لِتَقُمْ فحُذِفَ تَخْفِيفًا وَقد جَاءَ ذَلِك فِي الْمُضَارع الصَّرِيح قَالَ الشَّاعِر من // الطَّوِيل // (على مِثْلِ أصحابِ البعُوضَة فاخمِشي ... لكِ الويلُ حُرَّ الوجهِ أَو يبكِ مَنْ بَكَى) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وَقَالَ آخر من // الوافر // (محمّدُ تَفْدِ نفسَك كلُّ نفسٍ ... إِذا مَا خفتَ مِنْ شيءٍ تبالا) أَي لتفد وَقُرِئَ {فبذلك فليفرحوا} على الْخطاب أَي فافْرَحُوا وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ حروفَ العلَّة تسقطُ من هَذَا الْفِعْل نَحْو اغْزُ واسْعَ وارْمِ كَمَا تسقطُ بالجازم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَالْجَوَاب عَن الأول من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن قُمْ واذهبْ أصلٌ بِنَفسِهِ وَلَيْسَ الأصلُ فِيهِ مَا ذكرُوا لأنَّه لَو كانَ كَذَلِك لَلَزِمَ مِنْهُ حذفُ الْعَامِل وحرفِ المضارعة وتغييرُ الضيغة وكلٌّ ذَلِك مخالفٌ للْأَصْل وَلَا سماعَ يدلُّ عَلَيْهِ وَالثَّانِي يقدّر أنَّ الأَصْل مَا ذكرُوا ولكنْ بِهَذَا الحذفِ زالَ شَبَه الْفِعْل بِالِاسْمِ فَعَاد إِلَى الْبناء وَالثَّالِث أنَّ الجزمَ يحتاجُ إِلَى جازم وتقديرُ الْجَازِم ممتنعٌ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه لَا يصحُّ ظهورُه مَعَ هَذِه الصِّيغَة فَلَا تَقول لاذهبْ والمقدّرُ كالمنطوقِ بِهِ وَالثَّانِي الجازمُ أضعفُ من الجارِّ والجارُّ لَا يبْقى عملُه بعد حذفه فالجازم أولى فأمَّا الْبَيْت فَهُوَ خبرٌ وليسَ بأمرٍ وحذفُ الْيَاء ضرورةٌ وَلَو قدَّر أَنه حذفَ اللامَ فَلَا يَصح مثله فِي مَسْأَلَتنَا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ حرفَ المضارعةِ باقٍ هُنَاكَ وليسَ بموجودٍ هُنَا فَلَا يلزمُ من حذفِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 شيءٍ وَاحِد حذفُ شَيْئَيْنِ وَلَا يلْزم من حذفِ مَا عَلَيْهِ دليلٌ وَهُوَ حرف المضارعة حذفُ مَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَالثَّانِي أنَّ ذلكَ شاذٌّ سوَّغته الضَّرُورَة وأمَّا الْوَجْه الثَّانِي فليسَ بشيءٍ لأنَّ البناءَ يُذهبُ الحركةَ فيذهبُ الحرفَ القائمَ مقامَها وحروفُ العلّة قَامَت مقامَ الْحَرَكَة على مَا نبيِّنه مَسْأَلَة الفعلُ المضارعُ أُعربَ لِشَبَهِهِ بِالِاسْمِ من أوجه أَحدهَا أنَّه يكونُ شَائِعا فتخصصَ بالحرف كَقَوْلِك زيد يصلِّي فَيحْتَمل أنْ يكونَ فِي الصَّلَاة وأنْ يكونَ لم يشرعْ فِيهَا وَإِذا قلت سيصلي اخْتصَّ كَمَا أنَّ رجلا يحتملُ غيرَ واحدٍ ثمَّ يختصُّ بواحدٍ بِالْألف وَاللَّام وَالثَّانِي أنَّ اللامَ تدخلُ عَلَيْهِ فِي خبرِ إنَّ كَقَوْلِه تَعَالَى {وإنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ} وَلَا تدخلُ على الْأَمر والماضي وحقّها أنْ تدخُلَ على الاسمِ لأنَّها لامُ الِابْتِدَاء زُحلِقت إِلَى الْخَبَر فلولا قوةُ الشَّبَه لم تدخلْ على هَذَا الْفِعْل والثالثُ أَنه على زِنَةِ اسْم الْفَاعِل عدَّة وحركةً وسكوناً ف يضْرب مثلُ ضاربٍ فِي ذَلِك ويُكْرِم مثل مُكرم وَقد شذَّ عَنهُ ينصب فَهُوَ نَصِب وبابه وَلما أشْبَهه من هذهِ الأوجهِ الخاصّة أُعطي حُكماً من أَحْكَامه لأنَّ ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 قَضَاهُ الشَّبه كَمَا أنَّ الاسمَ لمّا شابه الفعلَ مُنع الصّرْف فَإِن قيل لِمَ لَمْ يُجعل من أَحْكَام الِاسْم غير الْإِعْرَاب قيل الْإِعْرَاب لَا يغيّر معنى الْفِعْل وَغَيره من أَحْكَام الِاسْم تغيّر معنى الْفِعْل فينبو عَن قبُوله مَسْأَلَة إِعْرَاب الْفِعْل الْمُضَارع استحسانٌ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ أُعْربَ كَمَا أُعْرِبَ الاسمُ واحتجَّ الْأَولونَ بأنَّ معنى الفعلِ واحدٌ فِي كلّ حالٍ وَهُوَ الدَّلالة على الْحَدث وزمانِه وَلَا يُضاف إِلَيْهِ بالعاملِ الدَّاخل عَلَيْهِ معنى آخر وإعرابُ الْأَسْمَاء يَفْرُق بَين الْمعَانِي الْمُخْتَلفَة الحادثةِ العارضةِ على المسمَّى وَإِنَّمَا أُعرب الْفِعْل للشبه على مَا تقدَّم واحتجَّ الْآخرُونَ بأنَّ الإعرابَ فِي الْفِعْل يَفْرُق بَين الْمعَانِي أَلا ترى أنَّ قَوْلك لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن إِذا جزمت الثَّاني كَانَ لَهُ معنى فَإِذا نصبتَه أَو رفعتَه كَانَ لَهُ معنى آخر وَكَذَلِكَ أريدُ أَن أزورَك فيمنعني البوابُ فالرفع يدلُّ على خلاف مَا يدل عَلَيْهِ النصب وَكَذَلِكَ لَا يَسَعُني شيءٌ ويعجزَ عَنْك وَكَذَلِكَ لِتضربُ زيدا إنْ جزمتَ كانَ أمرا وَإِن نصبت كَانَ عِلّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 وَالْجَوَاب إنَّ اختلافَ الْمَعْنى فِيمَا ذكرُوا حَاصِل بالإعراب لَا بِعَدَمِ الْإِعْرَاب فإنَّكَ لَو سكَّنت فِي هَذِه الْمَوَاضِع كلّها لعرفتَ الْمَعْنى بدليلٍ آخر فالواو فِي قَوْلك لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللبنَ للْعَطْف فَيحْتَمل أَن يُعطفَ على لفظِ الفعلِ الأوَّل فيكونَ نهيا عَنْهُمَا جَمِيعًا مُجْتَمعين ومُنْفَردين فعندَ ذَلِك يُجْزَم على تَقْدِير وَلَا تشرب اللَّبن ويُحتَمل أنْ تُريدَ بِهِ العطفَ على الْموضع وَمعنى الْجمع وَلَا يصحّ ذَلِك إِلَّا بِإِرَادَة أنْ ليصير الْمَعْنى لَا تجمعْ بينَ أكلِ السّمك وَشرب اللَّبن وَلَو ظَهرت أنْ لفُهم الْمَعْنى بِدُونِ الْإِعْرَاب وَكَذَلِكَ لَو ظهرتْ لَا فاللَّبْسُ جَاءَ من حذف الْعَامِل فأقمتَ الحركاتِ مقامَ ظُهوره لَا أنَّ معنى الْفِعْل تغيّر بالعامل كَمَا تغيَّر الِاسْم بِالْفِعْلِ فَيكون تَارَة فَاعِلا وَتارَة مَفْعُولا وَالْفِعْل مَعَ عَامله قد يكون لَهُ مَوضِع الِاسْم الْمُفْرد المفتقر الى عاملٍ وَمن هَا هُنَا كَانَ الرفعُ فِي قَوْلك فيمنعني البواب هُوَ الوجهُ لِأَنَّك لَو نصبت عطفته على أزورك وَذَلِكَ مُراد والمنعُ ليسَ بِمُرَاد فَيفْسد الْمَعْنى بِسَبَب الْعَطف الْمُوجب للتشريك وَلذَلِك لَو سكنتَ لم يفْسد الْمَعْنى فقد رَأَيْت الْإِعْرَاب بِالنّصب كَيفَ أفسدَ الْمَعْنى وَلَو نصبتْ العربُ الفاعلَ ورفعتِ المفعولَ لحصلَ الفرْقُ وَلَو نصبتْ هُنَا لفسدَ الْمَعْنى لِمَا ذكرنَا وَالرَّفْع فِيهِ لم يتعيَّن ليصحح الْمَعْنى بل النصب هُوَ الْمُتَعَيّن لِفساد الْمَعْنى وَكَذَلِكَ لَا يسعني شَيْء ويعجزَ عَنْك الرفعُ يُفْسِد الْمَعْنى لأنَّه يصير لَا يسعني شَيْء وَلَا يعجزُ عَنْك فبوجود الرّفْع يَفْسُدُ الْمَعْنى وَفِي الْأَسْمَاء بِعَدَمِ الْإِعْرَاب يَفْسُد الْمَعْنى وَأما قَوْلك ليضربْ زيد فَلَا يلتبس إِذا كَانَ هَذَا الْكَلَام وحدَه بل يكون أمرا لَا محَالة فَإِذا انضمّ إِلَيْهِ كلامٌ آخرٌ يَصْلُح أَن يكون عِلَّةً لَهُ فُهِمَ الْمَعْنى وَإِن سكَّنته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 فصل لَا يصيرُ الفعلُ مضارعاً إِلَّا بِزِيَادَة الْحُرُوف لأنَّ الحركاتِ موجودةٌ فِي الْمَاضِي من ضَمٍّ وفتحٍ وَكسر وإنَّما زيدت الحروفُ المذكورةُ لأنَّ أوْلى مَا زيد حروفُ المدِّ لِمَا ذكرنَا فِي أوَّل الْكتاب إلاَّ أنَّ الْألف لِسُكونها لَا يُمْكن الابتداءُ بهَا فَجُعِلت الهمزةُ بدلهَا إِذْ كَانَت أُخْتهَا فِي الْمخْرج وَالْوَاو لَا تزاد أَولا لوَجْهَيْنِ أحدُهما ثِقَلُها وَلذَلِك لم تُزَدْ أَولا فِي موضعٍ مَا والثَّاني أنَّه يُؤَدِّي فِي بعض المواضعِ إِلَى اجْتِمَاع ثَلَاث واوات فَاء الْكَلِمَة وحرف المضارعة وحرف الْعَطف وَذَلِكَ مُسْتَثْقَلٌ مستنكر فَجعلت التَّاء بدَلها لِما ذَكرْنَاهُ فِي القَسَم وَلم يعرِضْ للياء مَانع واحْتِيج إِلَى حرفٍ آخر لتَمام أدلَّة الْمعَانِي فزِيدت النُّون إِذْ كَانَت تشبه الْوَاو فصل وَالْفِعْل هُنَا إمّا أنْ يكونَ خَبرا عَن المتكلِّم وحدَه أَو عَنهُ وعمّن مَعَه أَو عَن المخاطَبِ أَو عَن الغائبِ وَلذَلِك كانتْ حروفُه أَرْبَعَة فصل وإنَّما خَصَّت الهمزةُ بالمتكلم لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّها أوَّلُ الحروفِ مَخْرجاً فَجُعِلت دَلِيلا على الْمُتَكَلّم إذْ كَانَ مَبْدءاً للْكَلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 والثَّاني أنَّ الواحدَ مقابلٌ للْجمع وعلامةُ الْجمع الْوَاو فَجعل عَلامَة الْوَاحِد الْمُتَكَلّم الهمزةَ الَّتِي مخرجها مقابلٌ لمخرج الْوَاو فمخرجحما أوَّل ومخرج الْوَاو آخر وَمَا بَينهمَا وسطٌ كَمَا أنَّ الْوَاحِد أوَّلُ والجمعَ آخِرٌ والتثنية وسط فصل وإنَّما جُعلت النونُ للْجمع لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّها تُشبه الواوَ والواوُ علامةُ الْجمع وَالثَّانِي أنَّها جُعلت ضميراً لجمع الْمُؤَنَّث نَحْو ضَرَبْنَ فَلذَلِك زيدت أَولا للْجمع فصل وَأما التَّاء فمختصّ بهَا المخاطَبُ المذكَّرُ كَمَا جُعلتْ ضميراً لَهُ فِي قَوْلك ضربت وَفِي الْمُؤَنَّث هِيَ عَلامَة تَأْنِيث الْفَاعِل نَحْو قامتْ فجُعلت أَولا فِي الْمُضَارع لهَذَا الْمَعْنى وأمَّا الْيَاء فَجعلت للغائبِ لما فِيهَا من الْخَفاء الْمُنَاسب لحالِ الْغَائِب وَلذَلِك لم يكن للغائبِ الْوَاحِد ضمير ملفوظ بِهِ فِي الْفِعْل نَحْو زيد قَامَ فصل وإنَّما جُعلت هَذِه الحروفُ أَولا لأمرين أَحدهمَا أَنَّهَا ناقلةٌ للْفِعْل من معنى إِلَى معنى آخر فكونها أَولا يدل على الْمَعْنى الْمَنْقُول إِلَيْهِ بأوَّل نظرٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَالثَّانِي أنَّ الآخِرَ موضعُ الْإِعْرَاب والحشوَ موضعُ اخْتِلَاف الْأَبْنِيَة فَلم يبْق سوى الأوَّل مَسْأَلَة إِذا تجرّد المضارعُ عَن عامِل الْجَزْم وَالنّصب ارتفعَ لوُقُوعه موقعَ الِاسْم وَقَالَ الفرّاء يرتفعُ لتعرِّيه من الجوازم والنواصب وَقَالَ الكسائيّ يرْتَفع بِحرف المضارعة واحتجَّ الأوَّلون بِأَن وقوعَه موقع الِاسْم يُكْسِبه قوَّةً يشبه بهَا الِاسْم وأوَّل أَحْوَال الِاسْم فِي الاعراب الرفعُ فَيصير كالمبتدأ فِي ارتفاعه لأوَّليته وأنَّ الرفعَ أوَّلُ وَلَا فرق بَين أَن يكون ذَلِك الِاسْم مَرْفُوعا أَو غَيره لأنَّه ارْتَفع لوقوعِه مَوْقِعَ الاسمِ من حيثُ هُوَ اسْم لَا من حَيْثُ هُوَ مرفوعٌ. واحتجَّ الفرّاء من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تعرّيه من العوامل اللفظية واستقلاله دونهَا يدلُّ على قوَّته فَأشبه بذلك الْمُبْتَدَأ وَالثَّانِي أنَّ ارتفاعَه لوُقُوعه موقع الِاسْم باطلٌ بِخَبَر كَاد فَإِنَّهُ مَرْفُوع وَلَا يَقع موقع الِاسْم وَمذهب الْكسَائي فاسدٌ فتعيَّن التَّعْلِيل بالتعرِّي واحتجَّ للكسائي بأنَّ الْفِعْل قبل حَرْف المضارعة مبنيّ وَبعد وجوده وحدَه مرفوعٌ والرفعُ عملٌ لَا بدَّ لَهُ من عاملٍ وَلم يحدث سوى الحرفِ فوجبَ أنْ يُضافَ العملُ إِلَيْهِ وإنَّما بَطل عمله بعامل آخر لِأَنَّهُ أقوى مِنْهُ كَمَا إنْ الشّرطِيَّة يبطل عَملهَا ب لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 والجوابُ عَن كلامِ الفرّاء من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه تَعْلِيل بِالْعدمِ الْمَحْض وَقد أفْسَدْناه فِي بَاب الْمُبْتَدَأ وَالثَّانِي مَا ذكرتموه يؤول إِلَى مَا قُلْنَاهُ لأنّه بيّن قُوَّة الْفِعْل باستقلاله وَبِذَلِك وقعَ مَوْقِعَ الِاسْم وَالثَّالِث أنَّ مَا قَالَه يُفْضي إِلَى أنّ أوَّل أحوالِ الفعلِ مَعَ النَّاصب والجازم والأمرَ بعكسه وأمَّا خبرُ كَاد فالأصلُ أَن يكونَ اسْما لِمَا ذكرنَا فِي بَابه وإنَّما أُقيم الفعلُ مقامَه ليدلَّ على قُرْبِ الزَّمان وأمَّا كلامُ الكسائيّ إنْ حُمل على ظَاهره ففاسدُ لثلاثةِ أوْجه أَحدهَا أنَّه عدَّد حرف المضارعة وغيرَه وَهُوَ وقوعُه مَوْقعَ الِاسْم فَلم يَلْزَم إضافةُ العَمل إِلَى الْحَرْف والثَّاني أنَّ حَرْفَ الْمُضارعة صارَ من سِنْخ الكلمةِ وبعضُ الْكَلِمَة لَا يعْمل فِيهَا والثَّالث أنَّ الناصبَ والجازم يُزيل الرفعَ وَلَو كانَ حرفُ المضارعة عَاملا لما بَطل بعاملٍ قبلَه بِخلافِ إنْ لأنَّ عملَها بَطل بعامل بعْدهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 مَسْأَلَة مثلةُ الخمسةُ وَهِي تَفْعلان ويَفْعَلان وتَفْعَلُون ويفعلون وتَفْعلين مُعْرَبةٌ وليسَ لَهَا حرفُ إعرابٍ والدليلُ على أنَّها مُعْرَبة من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ الْمَعْنى الَّذِي أُعرب بِهِ الْمُضَارع موجودٌ فِيهَا من غير مَانع والثَّاني أنَّ النونَ تثبت فِي رفعِها وَتسقط فِي غَيره وَهَذَا الِاخْتِلَاف إعرابٌ والدليلُ على أَنه لَا حرفَ إعْراب لَهَا أنَّه لَو كانَ لكانَ إمَّا الحرفَ الَّذِي قَبْل حرفِ الْعلَّة أَو حرف الْعلَّة أَو النُّون والأوّلَ بَاطِل لأنَّه لَو كانَ حرفَ إعرابٍ لكَانَتْ حركتُه حركةَ إعرابٍ وَلَيْسَت كَذَلِك بل هيَ تَابِعَة لحرفِ العلَّة مُنَاسبَة لطبيعته وَالثَّانِي بَاطِل أَيْضا لأنَّه اسمٌ فِي مَوْضعِ رفعٍ معمولٌ للْفِعْل فلي سَ مِنْهُ وَلَا علامةَ لشَيْء هُوَ فِيهِ والثَّالثُ باطلٌ أَيْضا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ النونَ حرفٌ صحيحٌ تَسْقُط فِي النَّصب والجزْم فَلم تَكُنْ حرفَ إِعْرَاب كَسَائِر الْحُرُوف والثَّاني أنَّها واقعةٌ بعد الفاعلِ الموصولِ بالفعلِ وَهَذَا الحائلُ يُحيل كونَها من الفعلِ لَفْظاً أَو حُكْماً فَثَبت مَا قُلْنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 مَسْأَلَة الفعلُ المعْرَبُ يَعْرِضُ لَهُ البناءُ لشيئين أَحدهمَا نونُ التّوكيد لأنَّ حركةَ آخرِه صارتْ دالَّةً على معنى وَهُوَ كونُ الفاعلِ وَاحِدًا أَو جمَاعَة أَو مؤنثاً فَلم يَبْقَ الحرفُ محلاًّ لحركةِ الْإِعْرَاب فيعودُ إِلَى أصلِه من الْبناء والثَّاني نونُ جماعةِ الْمُؤَنَّث نَحْو يَضْرِبْنَ لأنَّ هَذِه النُّون أوجبت تسكينَ الحرفِ الْأَخير فِي الْمَاضِي فوجبَ إسكانُه فِي الْمُضَارع وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لأمرين أَحدهمَا أنَّ الماضيَ سُكِّن لئلاّ تتوالى أربعُ حركاتٍ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي المضارعِ وسكونُ الثَّاني عارضٌ لَا يعتدُّ بِهِ وَإِن السّاكنَ غيرُ حَصِين وحَرْفُ المضارعة متحرِّكٌ وَهُوَ من نَفْسِ الفعلِ وإنَّ زِيَادَة الحرفِ نابَ مَنابَ الْحَرَكَة والثَّاني أنَّه أشْبَه الْمَاضِي فِي أنَّ حُروفَه باقيةٌ فِيهِ وأنَّ أحدَهما يقعُ موقعَ الآخرِ فحمْلُه عَلَيْهِ فِي الْبناء أقْرَبُ من حَمْل الفعلِ على الِاسْم فِي الْإِعْرَاب مَسْأَلَة الفعلُ المعتلُّ الآخر نَحْو يَغْزَو ويَرْمي لَا يُحرِّكُ آخِره بالضمة لِثِقَلها عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 كثقلها على الاسمِ المنْقُوص بل أَكثر فأماَّ تقديرُ الضمَّةِ فيحتملُ وَجْهَيْن كَمَا ذكَرْنا فِي يَاء قَاضِي وَأما الالفُ فتقدَّرُ الْحَرَكَة عَلَيْهَا البتةَ كالاسم الْمَقْصُور مَسْأَلَة تَقول الرِّجَال يَعْفُون والنِّساءُ يَعْفُون فاللفظُ واحدٌ والتقديرُ مُخْتَلف ففعلُ الرِّجَال حُذِفت مِنْهُ اللامُ لسكونها وَسُكُون وَاو الضَّمِير بعْدهَا كَمَا حذفت الياءُ من يرْمونَ وَالنُّون عَلامَة الرّفْع وفعلُ النِّساء لم يُحذفْ مِنْهُ شيءٌ لأنَّه مبنيّ وواوه لامُه وَالنُّون اسْم مُضْمر وَلذَلِك ثبتَتْ فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث على صُورَة وَاحِدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 بَاب نواصب الْفِعْل أَصْلهَا أنْ المصدريّة وإنَّما عَمِلت لاختصاصها بِالْفِعْلِ وإنَّما نَصبتْ لأنَّها أشبهتْ أنَّ العاملةَ فِي الْأَسْمَاء من أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أنَّ لفظَها قريبٌ من لَفظهَا وَإِذا خُفّفت صَارَت مثلَها فِي اللَّفْظ الثَّاني أنَّها وَمَا عَمِلت فِيهِ مصدرٌ مثل أنَّ الثَّقِيلَة وَالثَّالِث أنَّ لَهَا ولِمَا عملتْ فِيهِ موضعا من الْإِعْرَاب كالثقيلة وَالرَّابِع أنَّ كلَّ واحدةٍ مِنْهُمَا تدخلُ على جملةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 فصل وأنْ وَالْفِعْل فِي تَقْدِير الْمصدر وَلذَلِك يُقدَّر المصدرُ بأنْ وَالْفِعْل وَأَنه لَا يجوز تَقْدِيم معمولِ أنْ عَلَيْهَا وَلَا مَعْمُول معمولها عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِ كقولكَ أريدُ زيدا أنْ تضربَ وَلَا أريدُ أنْ زيدا تضرب لأنَّ الصِّلة لَا تتقدَّمُ على الموصولِ مَسْأَلَة إِذا حُذفت أنْ فالجيِّد أنْ لَا يبْقى عملُها إلاَّ أَن يكون ثَمَّ بدلٌ مثل الْفَاء وَنَحْوهَا وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ يبْقى عملُها وحُجَّةُ الأوَّلين قولُه تَعَالَى {تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ} وبأنَّ عوامل الْأَفْعَال ضعيفةٌ وَلَا تعْمل محذوفةً وَاحْتج الْآخرُونَ بأَشْيَاء جَاءَت فِي الشّعْر وَهِي شاذَّة أَو مُتَأوِّلة وَقد قاسوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 ذَلِك على عوامل الْأَسْمَاء وَهُوَ قياسٌ فَاسد لِأَنَّهَا أقوى من عواملِ الْأَفْعَال وَلَو جازَ مثل ذَلِك لجَاز يضربْ زيد وَأَنت تُرِيدُ ليضربْ فصل وَأما لَنْ فتعملُ لاختصاصها وتنصِبُ لشبهها بأنْ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّها تخلّص الفعلَ للاستقبال كَمَا تخلّصه أنْ وَالثَّانِي أَنَّهَا نقيضتها فَتلك تثبته وَهَذِه تَنْفِي مَا ثبتته تِلْكَ وَلنْ جَوَاب سيفعل أَو سَوف تفعل وَجَوَاب أُرِيد أَن تفعل فَإِنَّهُ يَقُول لن أفعل مَسْأَلَة لن مفردةٌ وَقَالَ الْخَلِيل هِيَ مركَّبة من لَا وَأَن إلاَّ أنَّ الْهمزَة حذفت تَخْفِيفًا ثمَّ حذفت الْألف لسكونها وَسُكُون النُّون بعْدهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وَاحْتج الْأَولونَ بأنَّ الأصلَ عدمُ التَّرْكِيب وإنَّما يُصارُ إِلَيْهِ لدليلِ ظَاهر وَلَا دليلَ على ذَلِك بل الدليلُ يدلُّ على فَسَاده وَبَيَانه من وَجْهَيْن أَحدهمَا جوازُ تقدُّم مَعْمُول معمولها عَلَيْهَا كَقَوْلِك زيدا لن أضْرب وأنْ لَا يتَقَدَّم عَلَيْهَا مَا فِي حيِّزها وَبِذَلِك احْتج سِيبَوَيْهٍ على الْخَلِيل وَقد اعتذر عَنهُ بأنَّ التَّرْكِيب غيَّر الحكمَ كَمَا غيَّر الْمَعْنى وَهَذِه دَعْوَى أَلا ترى أنَّ لَوْلَا لما تَغَيَّرت فِي الْمَعْنى للتركيب لم يتغيَّر الحكم فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالْوَجْه الثَّانِي أَن لَا أَن يتقدّمها مَا يتَعَلَّق بِالْمَعْنَى وَلنْ لَا يلْزم فِيهَا ذَلِك فصل وَأما كي فتكونُ ك أنْ فِي الْعَمَل بنفسِها فَلَا يُضْمَر بعْدهَا شَيْء وَذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 اذا ادخلت عَلَيْهَا اللَّام كَقَوْلِه تَعَالَى {لكَي لَا تَأْسَوْا} إلاَّ أَن فِيهَا معنى التَّعْلِيل فَلذَلِك لَا يحسنُ أَن تَقول أُرِيد كي تقوم وَالْوَجْه الثَّانِي أَن تكونَ حرفَ جرٍّ بدليلِ دُخُولهَا على الِاسْم كَقَوْلِك كَيْمَهْ بِمَعْنى لِمَهْ وَمَا اسْم للاستفهام وَالْهَاء لبَيَان الْحَرَكَة وَالْألف محذوفة وَلَو كانتْ كي بِمَعْنى أنْ لم تدخل على الِاسْم فَإِذا دخلتْ هَذِه على الْفِعْل كانتْ أنْ بعدَها مضمرةً لأنَّ حرفَ الجرِّ لَا يعملُ فِي الْفِعْل فتضمر مَعَه أنْ لتصيرَ دَاخِلَة على الِاسْم فِي التَّقْدِير وَهَذَا هُوَ حكم اللاَّم فإنْ دخلت اللامُ على كي وجبَ أنْ تصيّر بِمَعْنى أنْ لأنَّ حرف الجرّ لَا يدخلُ على مثله فصل وأمَّا إِذن فحرف مُفْرد وَقَالَ الْخَلِيل أصلُها إذْ أنْ فحذفت الْهمزَة وركِّبا كَمَا قَالَ فِي لن وَهَذِه دَعْوَى مجرَّدة وَإِذن تعْمل بِخمْس شَرَائِط أَحدهَا أَن تكونَ جَوَابا وَالثَّانيَِة أنْ لَا يكونَ مَعهَا حرف عطف والثالثُ أنْ يَعْتَمد الْفِعْل عَلَيْهَا وَالرَّابِعَة أنْ لَا يُفْصَل بَينهَا وَبَين الْفِعْل بِغَيْر الْيَمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وَالْخَامِسَة أَن يكونَ الْفِعْل مُسْتَقْبلا فَإِن قيل لِمَ عملت إِذن ثمَّ لِمَ عملتْ عندَ وُجود هَذِه الشَّرَائِط لَا غير ثمَّ لِمَ عملت النصبَ والجوابُ عَن الأول وَالثَّانِي أنَّها اختصّت بِالْفِعْلِ عِنْد اجْتِمَاع هَذِه الشَّرَائِط وكلُّ مختصٌّ يعملُ وَأما الجوابُ عَن الثَّالِث فلأنَّها أشبهتْ أنْ فِي إخلاصِ الْفِعْل للاستقبال واختصاصها بِالْجَوَابِ واختصاص الجوابِ فِي مثلِ هَذَا بِالْفِعْلِ فعلى مَا ذكرنَا تترتَّب المسائلُ مَسْأَلَة إِذن فِي عوامل الْأَفْعَال ك ظَنَنْت فِي عواملِ الْأَسْمَاء لأنَّ ظننتُ تعْمل إِذا وَقعت فِي رتبتها وتُلغى إِذا أُزيلت عَنْهَا وَكَذَلِكَ إِذن لأنَّها إِذا اعْتمد الْفِعْل عَلَيْهَا وابْتُدِئ بهَا فِي الْجَواب وَقعت فِي رتبتها كَقَوْل الْقَائِل أَنا أزورك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 فَتَقول مجيباً إذَنْ أُكرمَك فَإِذا قلت أَنا إذنْ أكرمُك فقد وقعتْ إِذن بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره فيبطلُ عَملهَا ويعتمد الفعلُ على أَنا وَكَذَلِكَ إِن قلت أَنا أكرمُك إِذن فَإِن قيل إِذن هُنَا يلزمُ إلغاؤها وظننت فِي مثل هَذَا لَا يلْزم قيلَ الفَرْقُ بَينهمَا أنَّ عواملَ الْأَسْمَاء أقْوى من عواملِ الأفعالِ خُصُوصا إِذا كَانَت أفعالاً وعاملُ الْفِعْل لَا يكونُ إلاَّ حرفا مَسْأَلَة فَإِن فصلت بَينهمَا ب لَا أَو بِالْيَمِينِ لم يبطُل عملُها لِأَن لَا لَا تُبطلُ عمل أنْ واليمينُ مؤكدَّة مَسْأَلَة فَإِن كانَ مَعهَا حرفُ عطفٍ كَقَوْلِك فإذنْ أكرمَك وَإِذن أُحسنَ إِلَيْك جازَ إعمالُها لأنَّ الْوَاو وَالْفَاء قد يُبتدأ بهما وجازَ إلغاؤها لأنَّ حرفَ الْعَطف يُدْخِلُ مَا بعْدهَا فِي حكم مَا قبلهَا فَيبْطل الِاعْتِمَاد عَلَيْهَا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فَإِذا لَا يُؤتُونَ النَّاسَ نَقيراً} وَفِي بعضِ الْمَصَاحِف {وَإِذا لَا يلبثُونَ خِلافك} والجيد الإلغاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 مَسْأَلَة إِذا حدَّثَكَ إنسانٌ حَدِيثا فقُلْتَ إذنْ أظنُّك صَادِقا رَفَعْتَ لأنَّ الظنَّ هُنَا ثابتٌ فِي الْحَال وَقد ذكرنَا أَنَّهَا لَا تعملُ إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبل مَسْأَلَة إِذن إِذا وَقعت خَبَراً ووُقِفَ عَلَيْهَا جازَ أنْ تبدلَ نونُها ألفا لِأَنَّهَا أشبهت التَّنْوِين إذْ كَانَت سَاكِنة بعد فتحةٍ فصل تُضْمَر أنْ بعد الْفَاء فِي جوابِ الْأَشْيَاء الثَّمَانِية الْأَمر والنَّهي والاستفهام والنَّفي والتمنِّي والدُّعاء وَالْعرض والتحضيض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وَقَالَ الْجَرْمي تعْمل الفاءُ بِنَفسِهَا وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ ينْتَصب الْفِعْل على الخِلاف وحجَّة الْأَوَّلين أنَّ الفاءَ لَا تنفكُّ من معنى الْعَطف والربط وَلَا تختصُّ بل تدخلُ على الكلماتِ الثَّلَاث وَمَا هَذَا سَبيله لَا يعْمل فَعِنْدَ ذَلِك يُحتاج الى إضْمارٍ لاستحالةِ الْعَطف هُنَا على اللَّفْظ أَلا ترى أنَّ قولَك زُرْني لَا يصحّ أنْ تَعْطِفَ عَلَيْهِ فأزورَك لأنَّ العطفَ يُشْرِكُ بَين الشَّيْئَيْنِ ومعلومٌ أنَّ الْأَمر لَا يُشَارك الْخَبَر وأنَّ الأولَ سببٌ للثَّانِي والسببُ والمسَبِّبُ مُخْتَلِفَانِ فَعِنْدَ ذَلِك يُعدَل إِلَى الْعَطف على الْمَعْنى وَلَا يتحققُ ذَلِك إِلَّا بإضمار أنْ وأنْ يقدِّرَ الأوَّلُ بمصدر فالتقدير لِتكنْ منكَ زيارةٌ فزيارةٌ مِنِّي وَبِذَلِك يتَبَيَّن ضعفُ قولِ الجَرْمي وأمَّا مذهَبُ الكوفيِّين فقد أبطلناه فِي غير مَوضِع فصل وتُضْمَرُ أنْ بعد اللاَّم وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هيَ العاملةُ بِنَفسِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 حجّة الأوَّلين أنَّ اللامَ حرفُ جرٍّ داخلةٌ للتَّعليل وَهِي الَّتي تدخلُ على المفعولِ لَهُ وحرفُ الجرِّ لَا يعملُ فِي الْفِعْل فتُضْمَر أنْ ليصيرَ الفعلُ مَعهَا فِي تَقْدِير الِاسْم فتدخلَ اللامُ عَلَيْهِ وَلذَلِك يجوزُ أَن تظهر أنْ مَعهَا كَقَوْلِك جِئْتُ لأنْ تُكْرِمَني واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّها بِمَعْنى كي وكي تعملُ بِنَفسِهَا فَكَذَلِك مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا وَالثَّانِي أنَّ جَعْلَها جارَّةً يفسُدُ من جِهَة دُخُولهَا على الْفِعْل وَتَقْدِير أنْ لَا يصحح ذَلِك أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن تَقول أمَرْتُكَ تُكْرمَ زَيْداً تريدُ بِأَن تكرمَ زيدا فيتعيَّن أنْ تكونَ هِيَ الناصبة وَالْجَوَاب عَن الأول من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن كي حرفُ جرٍّ أَيْضا وأنْ بعْدهَا مضمرةٌ فَلَا فَرْقَ بَينهمَا وَالثَّانِي يُسْلِم إِلَى أنَّ كي تنصِبُ بِنَفسِهَا وَلَكِن لمَ تكون اللامُ كَذَلِك واتفاقهما فِي الْمَعْنى يُوجب اتحادهما فِي الْعَمَل أَلا ترى أنَّ أنَّ الناصبة للاسم مثل أَن الناصبة للْفِعْل الْمُسْتَقْبل فِي الْمَعْنى إِذْ كلّ واحدةٍ مِنْهُمَا مصدريّة يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا وَلم يلزمْ من ذَلِك اتحادُهما فإنَّ تلكَ تختصُّ بالأسماء حَتَّى لَو وقعَ الْفِعْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 بعْدهَا مُخَفّفَة لم تعْمل بِخِلَاف أَن الْخَفِيفَة وَلذَلِك استُعْمِلت اللامُ معَ صَرِيح الْمصدر وَلم تُستعمل كي مَعَه وإنْ كَانَا سَوَاء فِي الْمَعْنى وأمَّا الْفرق بَينهَا وَبَين الْبَاء فلأنَّ اللاَّمَ تدلُّ على غَرَض الْفَاعِل وَمَا من فَاعل إلاَّ وَله غرضٌ فِي الْفِعْل وليسَ كلُّ فعلٍ يكونُ لَهُ سببٌ تسْتَعْمل الْبَاء مَعَه فلمَّا كَثُرَ استعمالُ اللَّام جازَ أنْ تُحذفَ أنْ لظهورِ مَعْنَاهَا كَمَا كَثُرَ حذفُ رُبَّ مَعَ الْوَاو وَالْبَاء فِي الْقسم وحذفٌ لَا فِي جَوَابه فصل وتُضمَرْ أنْ بعد الْوَاو فِي قَوْلك لَا تأكلِ السَّمَكَ وتَشْرَبَ اللبنَ إِذا نهيتَه عَن الْجمع ونَصْبُه عِنْد الْكُوفِيّين على الصَّرْف وَهُوَ معنى الْخلاف حُجَّةُ الأوَّلين أنَّ الْوَاو هُنَا ليستْ عاطفةً فِي اللَّفْظ لأنَّ ذَلِك يُوجبُ كونَ النَّهي عَن كلِّ واحدٍ مِنْهُمَا وَعَن الْجمع بَينهمَا وَذَلِكَ يُوجب جزم الثَّانِي فَإِذا لم تُرِدْ هَذَا الْمَعْنى عَدَلْتَ إِلَى تقديرٍ يصحُّ مَعَه هَذَا الْمَعْنى وَذَلِكَ بإضمارِ أنْ ليصير الْمَعْنى لَا تأكلِ السَّمَكَ مَعَ أنْ تَشْربَ اللَّبنَ لأنَّك تريدُ لَا يُجْمَع بَينهمَا وَالْوَاو ومعَ تفيدان الْجمع ولكنْ لَا يصحّ ذَلِك إلاَّ مَعَ أنْ لأنَّ الواوَ لَا تعْمل بِنَفسِهَا كَمَا أنَّ معَ لَا تُضاف إِلَى الْفِعْل ومذهبُ الْكُوفِيّين مبنيِّ على النصب على الْخلاف وَقد بَينا فَسَاده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 مَسْأَلَة لَو رفعتَ وتشربُ اللَّبن على أنْ تكونَ فِي موضعِ الْحَال استقامَ الْمَعْنى والإعرابُ فأمَّا قَول الشَّاعِر من // الْكَامِل // (لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلْتَ عَظيمٌ) فالنَّصبُ فِيهِ هُوَ الوجهُ والجزمُ خطأ لأنَّ الْمَعْنى يصير لَا تَنْهَ عَن قبيحٍ وَلَا تَفْعَلْ قبيحاً وَتَرْكُ النَّهيِ عَن القبيحِ قبيحٌ وإنَّما أرادَ الشاعرُ أنَّ مَنْ يَنْهي غيرَه عَن شيءٍ وَهُوَ يَرْتَكِبُه فقد غشَّ نفسَه ونصحَ غَيره والرفعُ فِي الْبَيْت جائزٌ فِي الْمَعْنى وَاللَّفْظ مَسْأَلَة تقولُ لَا يَسَعُني شيءٌ ويعجزَ عَنْك فتنصِبُ مَا بعدَ الْوَاو ب أَن مضمرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وَالْمعْنَى لَا يجْتَمع فِي شيءٍ واحدٍ أنْ يسعني وَأَن يضيق عَنْك أَي أَنا وَأَنت مشتركان فِيمَا يحسن ويقبح ويضيق ويتسع فَكيف نفترق فِي ذَلِك وَلَو رفعت لصار الْمَعْنى نفيا وَآل الْمَعْنى إِلَى أنَّه لَا يَسَعُني شيءٌ وَلَا يضيقُ عَنْك وَهَذَا عكس الْمَعْنى مَسْأَلَة إِذا عطفتَ الفعلَ على مصدرٍ أضمرتَ مَعَه أنْ ونصبتَه ليصيرَ عطفَ اسمٍ على اسْم وبقّيت النصبَ لِيَدُلَّ على العاملِ المُرَاد وَمِنْه من // الوافر // (وَلُبْسُ عَباءةٍ وتقرَّ عَيني ... أحبُّ إليَّ مِنْ لُبْسٍ الشَّفوفِ) مَسْأَلَة والواوُ الَّتي تُضمرُ بعدَها أنْ بِمَعْنى الْجمع يقالُ هِيَ بِمَعْنى الْجَواب لأنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 الْمَعْنى إِذا أكلتَ السَّمكَ فَلَا تشربِ اللَّبنَ وإنْ شربتَ اللَّبنَ فَلَا تأكلِ السمكَ وإنْ وسعني وسعَكَ فصل وتُضْمَرُ أنْ بعد أَو إِذا كانتْ بِمَعْنى حتَّى وإلاَّ كَقَوْلِك سَأزُورُكَ أوْ تَمْنَعَني لأنَّك أردتَ إلاَّ فَلَا بُدَّ من إِضْمَار أنْ ليصير التقديرُ على وفْق الْمَعْنى أَي سأزورك إلاَّ مَعَ مَنعك أَو إِلَّا عِنْد مَنعك وَلَو رفعتَ لَصَارَتْ لأحدِ الشَّيْئَيْنِ أَي سأزورُك أَو سَتَمْنَعُني مَسْأَلَة تَقول مَا تأْتينا فتحدّثُنا فيجوزُ الرفعُ على مَعْنَيين أحدُهما نَفْيُ الْأَمريْنِ جَمِيعًا أيْ مَا تَأْتِينَا وَمَا تُحَدِّثُنا والثَّاني أنْ تكونَ نفيتَ الإتيانَ وأثبتَّ الحديثَ أَي أنتَ تحدِّثُنا وَمَا تَأْتِينَا والنَّصْب جائزٌ على مَعْنيين أَيْضا أحدُهما أنْ تريدَ نفيَهما على سبيلِ الإنكارِ على مُدَّعي الْإِنْكَار أَي أَنْت مَا تَأْتِينَا فكيفَ تحدِّثنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 وَالثَّانِي أنَّ تنفيَ الحديثَ وثُثْبِتَ الإتيانَ أَي مَا تَأْتِينَا إِلَّا لم تحدّثنا وإنَّما أضمرت أنْ هَا هُنَا ليصيرَ المصدرُ مَعْطُوفًا على الْمَعْنى إذْ كَانَ معنى الثَّانِي مُخَالفا لِمَعْنى الأوَّل فصل وتُضْمَرُ أنْ بعد حتّى إِذا كَانَت غَايَة أَو كانَ مَا قبلهَا سَببا لِمَا بعدَها فالأوَّلُ كَقَوْلِك لأنْتَظِرَنَّه حتَّى يقدمَ فالانتظار يتَّصل بالقدوم لأنَّ الْمَعْنى إِلَى أنْ فحتَّى هَا هُنَا جارّة فَلذَلِك أضمرت بعْدهَا أنْ وأمَّا الثَّانِي فكقولك أطعِ الله حتَّى يُدْخِلَكَ الجنَّة أَي كي يُدْخِلَك فالطَّاعةُ سببٌ للدُّخول وَلَا يَلْزَم امتدادُ السببِ إِلَى وجود المسَبّب وكما أنَّ كي وَاللَّام تُضْمَرُ بعدَها أنْ كَذَلِك حتَّى وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ حتَّى هِيَ النَّاصبةُ لأنَّ أنْ لَا تظهر مَعهَا فِي غَالب الِاسْتِعْمَال فَصَارَت بَدَلا مِنْهَا وَقَالَ الكسائيّ النصب ب إِلَى وكي بعد حَتَّى لِأَن الْمَعْنى عَلَيْهِمَا وحتّى غَيرُ عاملة وَلذَلِك تدخل على الْجُمْلَة فَلَا تعْمل فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 والمذهبُ الأوّلُ فاسدٌ لأنَّ حتَّى حرفُ جرّ بِمَعْنى إِلَى وَبِمَعْنى اللَّام وليستْ بَدَلاً من أنْ أمَّا عندنَا فلأنَّها جارّة بِنَفسِهَا مَسْأَلَة ينتصبُ الفعلُ بعد حتَّى على الْمَعْنيين الْمَذْكُورين ويرتفعُ على مَعْنَيين أَحدهمَا أنْ يكونَ الفعلُ الَّذِي بعدَها وسببُه ماضيين كَقَوْلِك سرتُ حتَّى أدْخُلُها إِذا كُنتَ قد سِرتَ ودخلتَ فكأنَّك قلتَ سرتُ فدخلتها مَاضِيا والثَّاني أَن يكونَ السببُ مَاضِيا وَمَا بعْدهَا حَالا كقولكَ سرتُ حتَّى أدخلُها إِذا قلتَ ذلكَ وأنتَ فِي حَال الدُّخُول وإنَّما رفعتَ فيهمَا لأنَّ النصبَ يكونُ بإضمارٍ أَن وأنْ تخلّصُ الفعلَ للاستقبال فَلذَلِك إِذا كانَ مَاضِيا أَو حَالا لم ينتصبْ لأنَّ أنْ لَا تصلحُ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَا يرْتَفع بعدَ النفيِ والاستفهام لأنَّهما سَببين فِي الْحَال كَقَوْلِك مَا سرتُ حتَّى أدخلَها وأسرت حتَّى تدخلَها وكلّ مَا فِي معنى النَّفْي نفي فإنْ قلتَ مَنْ سارَ حتَّى يدخلَها جَازَ الرفعُ لأنَّ الاستفهامَ عَن السائر لَا عَن السّير فإنْ قلتَ كَانَ سيري حتَّى أدخلَها لم يجزِ الرفعُ لأنَّه خبر كَانَ وَالرَّفْع على معنى الْعَطف فيصيرُ دَاخِلا فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَلَا يبْقى لَكَانَ خبر فإنْ قلت كانَ سيري أمسِ حَتَّى أدخلها جَازَ الْأَمْرَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 مَسْأَلَة لَا يجوزُ إظهارُ أنْ بعد حتَّى لأنَّ ذَلِك لم يُنْقَلْ إِلَّا فِي شاذّ لَا يُعتدَّ بِهِ ووجهُهُ من الْقيَاس أنّ حتَّى لَمَّا كانتْ عاملةً فِي موضعٍ وغيرَ عاملةٍ فِي آخر كانَ مَعْنَاهَا الغايةَ فِي كُلِّ مَوضِع أشبهت بذلك وَاو القَسَم فلمْ يظهرِ الفعلُ مَعَه وَهُوَ العاملُ الَّذِي يتعلَّقُ بِهِ الْجَار وَكَذَلِكَ عاملُ الظَّرف وخبرُ الْمُبْتَدَأ فِي لَوْلَا وَفِي لعمرك مَسْأَلَة لَا يجوزُ إظهارُ أنْ مَعَ لَام كي فِي النَّفْي كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا كانَ اللهُ لِيَذَرَ المؤمنينَ} وأكثَرُهم يخصُّ التَّمْثِيل بكان وَأَجَازَ الكوفيُّون إظهارَها وحجّة الأوَّلين من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ النفيَ هُنَا جوابٌ إثْبات فعلٍ لَا يَظْهَرُ مَعَه والجوابُ على وَفْق المُجاب عَنهُ فكأنَّ قَائِلا قَالَ سَيَذَرُ الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا كَانَ لِيَذَرَ الْمُؤمنِينَ والثَّاني أنَّ الكلامَ طالَ بِالنَّفْيِ فَلم يُزِدْ عَلَيْهِ شيءٌ آخر مَعَ ظُهُور الْمُراد كَمَا فِي خبر لَوْلَا وَخبر لَعَمْرُك ومنَ العجبِ إجازةُ الْكُوفِيّين إظهارٌ أنْ بعْدهَا فِي قَوْلهم اللامُ هِيَ العاملة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 بَاب الجوازم الجزمُ فِي اللُّغَة القطعُ فَلذَلِك كانَ فِي الْكَلَام حذفَ الحركةِ أَو مَا قامَ مقَامهَا فصل إنَّما أُعملت لم لأنَّها اختصَّت وَإِنَّمَا جَزَمتْ لثَلَاثَة أوجهٍ أَحدهَا أنَّ الفعلَ فِي نَفسه ثقيلٌ وَلم تنقُله إِلَى زمنٍ غير زمن لَفظه فَيَزْدَاد ثِقَلاً فَناسبَ أنْ يكونَ عملُها الحذفَ وَالثَّانِي أنَّها تشبه إنْ الشّرطِيَّة من حيثُ أنَّها تنقلُ الْفِعْل من زمَان إِلَى زمَان فجزمتُ كَمَا تجزمُ إنْ وَالثَّالِث أنَّ لم تردُّ المضارعَ إِلَى معنى المضيِّ فالفعلُ باعتبارِ لَفظه يستحقُّ الحركةَ الإعرابية وَبِاعْتِبَار مَعْنَاهُ يستحقُّ البناءَ فَجُعل لَهُ حكمٌ متوسطٌ وَهُوَ السّكُون الَّذِي هُوَ فِي المبنيّ بناءٌ وَفِي المعرب حاصلٌ عَن عَامل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 فصل فإنْ دخلَ حرفُ الشَّرط على لم أقرَّ معنى الِاسْتِقْبَال فِيهِ لأنَّ الشرطَ لَا يكونُ إلاَّ بالمستقبل فَلذَلِك قدّم عَلَيْهَا وَبقيت لم للنَّفْي فَقَط فب إنْ بَطل أحد معنييها وَلَو بقيَ المضيُّ لم يبقَ ل إنْ معنى وكلُّ أَمر يُحافظ فِيهِ على معنى اللَّفْظَيْنِ وَلَو من وجهٍ أولى من أمرٍ يَلْزمُ مِنْهُ حذف أحد الْمَعْنيين بالكلِّيَّة فصل وأمَّا لَمَّا فَهِيَ لم زيدت عَلَيْهَا مَا وَصَارَ لَهَا معنى آخر فَإِذا وَقع المستقبلُ بعْدهَا جزمته وَجَاز أَن تقفَ عَلَيْهَا كَقَوْلِك تكلمتَ ثُمَّ قطعت ولَمَّا أَي وَلما تُنْهِ وَلَا يجوز ذَلِك فِي لم وإنْ وقعَ بعْدهَا الْمَاضِي صارتْ ظرفا واقتضت جَوَابا كَقَوْلِه تَعَالَى (وَلما تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) وَلَوْلَا مَا لم يجز ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 فصل وأمَّا لامُ الْأَمر فَعمِلت لاختصاصها وإنَّما جَزَمتْ لأمرين أَحدهمَا مَا تقدم من أنّها أحدثت فِي الْفِعْل معنى زَاد ثِقَلُه بِهِ وَالثَّانِي أنَّ الْأَمر طلبٌ وَهُوَ غَرَض للْآمِر فَأَشْبَهت لامُه لَام الْمَفْعُول لَهُ وَتلك جارّة فيجبُ أنْ تكون هَذِه جازمةً لأنَّ الْجَزْم فِي الْأَفْعَال نظيرُ الجرِّ فِي الْأَسْمَاء ولشبهها بهَا كُسرِت فصل فإنْ دخلتْ عَلَيْهَا الواوُ والفاءُ سُكِّنت فِي اللُّغَة الجيِّدة لِئَلَّا تتوالى الحركاتُ فإنْ دخلت عَلَيْهَا ثمّ فالجيّد كسرهَا لأنَّ ثمَّ مُنْفَصِلَة وَقد سكَّنها قومٌ لشبهها بِالْوَاو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 فصل وأمَّا لَا فِي النهيِ فَعمِلت لاختصاصها وجَزمت لِمَا جزمتْ لَهُ الّلامُ وَقيل النّهي كالأمرِ من طَرِيق الْمَعْنى فصح حمله عَلَيْهِ فِي الْجَزْم فصل وأماَّا (إنْ) الشّرطِيَّة فَهِيَ أُمُّ أدواتِ الشرطِ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهَا حرفٌ وَغَيرهَا من أدواته اسمٌ والأصلُ فِي إفادةِ الْمعَانِي الحروفُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تُستعمل فِي جَمِيع صُوَرِ الشَّرطِ وغَيْرُها يَخُصُّ بعضَ الْمَوَاضِع ف من لمن يعقل وَمَا لما لَا يعقل وَكَذَلِكَ بَاقِيهَا كلِّ مِنْهَا ينفردُ بِمَعْنى وإنْ مُفْردَة تصلحُ للْجَمِيع مَسْأَلَة فعلُ الشَّرطِ وَالْجَزَاء مُعْربان وحُكي عَن الْمَازِني أنَّهما مبنيّان وحجّة الأوّلين أنَّ الْمَعْنى الَّذِي أُعرب لَهُ الْفِعْل موجودٌ ودخولُ معنى التَّعْلِيق فِيهِ لَا يُبطِلُ ذَلِك كَمَا لَا تُبطله أَن وَلم وَلنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 واحتجَّ الْآخرُونَ بأنَّ الفعلَ هُنَا لَا يقعُ موقعَ الِاسْم فَكَانَ مبنيّاً كالأمر وَهَذَا لَا يصحُّ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه لم يُعربْ لوُقُوعه موقعَ الِاسْم حَتَّى يُبنى لزوَال ذَلِك وَإِنَّمَا رُفع لهَذَا الْموقع وَالثَّانِي هُوَ بَاطِل ب لن يفعل فَإِنَّهُ لَا يَقع موقع الِاسْم وَهُوَ مُعرب مَسْأَلَة وَاخْتلف الأولونَ فِي الْجَازِم لفعلِ الشَّرْط وَجَوَابه فقالَ محققو الْبَصرِيين إنْ هِيَ الجازِمة لَهما وَقَالَ بعضُهم إنْ تجزم الأوَّل ثمَّ تجزمان الْجَواب وقالَ بعضُهم إنْ تَجْزِمُ الأوَّلَ ثمَّ يُجْزِمُ الأوَّلُ الجوابَ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إنْ تجزم الأوَّل وينجزمُ الجوابُ على الجوارِ وَحجَّة الأوّلين أنَّ إنْ تَقْتَضِي الْفِعْلَيْنِ فَعمِلت فيهمَا كالابتداء وككان وإنَّ وظننتُ وَاحْتج الْقَائِل الثَّانِي بأنَّ إنْ ضعيفةٌ فَلَا تعْمل فِي شَيْئَيْنِ فتقوّى بِالثَّانِي كَمَا ذكرْنا فِي عاملِ الْخَبَر وَاحْتج الثَّالِث بأنّ الفعلَ الأولَ يَقْتَضِي الثَّانِي فعملَ فِيهِ واحتجَّ الرَّابِع بأنَّ الحرفَ ليسَ فِي قوّتهِ العملُ فِي الْفِعْلَيْنِ والفعلُ لَا يعملُ فِي الْفِعْل فتعيَّن أنْ يكونَ على الجوارِ لما فِيهِ من مشاكلة للأوَّل وَقد جَاءَ الْإِعْرَاب على الْجوَار كثيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وَالْجَوَاب إنَّ عملَ الفعلِ فِي الْفِعْل غيرُ سائغٍ لأنَّ الفعلَ لَا يَقْتَضِي الفعلَ وَلَا عملَ بِدُونِ اقْتِضَاء العاملِ للمعمول وَهَذَا يمنعُ أَن يعْمل وحدَه أوْ مَعَ غَيره وأمَّا الْإِعْرَاب على الجوارِ فَلَا يُصار إِلَيْهِ إلاّ عِنْد الضَّرُورَة وَلَا ضرورةَ مَسْأَلَة إِذا دخلت إنْ على لم كَانَ الجزمُ ب لم لَا بهَا وإنْ دخلت على لَا كانَ بهَا لَا ب لَا وَالْفرق بَينهمَا أنَّ لم عاملٌ يلْزمه معمولُه وَلَا يفرّق بَينهمَا بِشَيْء وإنْ يجوزُ أَن يفرّق بَينهَا وَبَين معمولها بمعمولِ معمولِها نَحْو إنْ زيدا تضربْ أضْرِبْه وَتدْخل أَيْضا على الْمَاضِي فَلَا تعْمل فِي لَفظه وَلم لَا تفارقُ الْعَمَل وأمَّ لَا فَلَيْسَتْ عاملةٌ فِي النَّفْي فأضيف الْعَمَل إِلَى أنْ فالأوَّل كَقَوْلِه {وإنْ لَمْ يَنْتَهُوا} وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {وإلاَّ تَغْفِرْ لِي} مَسْأَلَة لَا تكون إنْ بِمَعْنى إذْ وَأَجَازَهُ الكوفيّون حجّة الأوَّلين من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ إذْ اسمٌ وإنْ حرف وَوُقُوع الْحَرْف بِمَعْنى الِاسْم بعيدٌ فِي السماع وَالْقِيَاس وَالثَّانِي أنَّ معنى إنْ مخالفٌ معنى إذْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 واحتجَّ الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى {وإنْ كَنْتُمْ فِي رَيْبٍ} وَالْمعْنَى إذْ كُنْتُم لأنَّ إنْ للمتردِّد وَلم يكن فِي ريب الْيَهُود تردُّد وَالْجَوَاب أنَّ الْعَرَب تَذْكُرُ مثلَ ذَلِك على جِهَة الِاحْتِجَاج والإلزام للخصم حتَّى يعْتَرف وَكَذَلِكَ يقولُ الرجل لِابْنِهِ إنْ كنتَ ابْني فأطعني ويدلُّ على أنَّها للشّرط مَجِيء الْفَاء فِي جوابها وأنَّه لَا يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا فصل وَلما كَانَت مَنْ للْعُمُوم وَفِي الْعُمُوم إبهامٌ وَقعت شرطا لشبهها بإنْ فِي هَذَا الْمَعْنى وَكَذَلِكَ بقيَّةُ أدوات الشَّرْط إِلَّا أنَّ فِي مَنْ وَأَخَوَاتهَا مَا لَيْسَ فِي إنْ إذْ كَانَت اسْما يَقع مُبْتَدأ ومفعولاً ومجروراً فصل وأمَّا مَهْمَا فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا هِيَ اسْم مفردٌ للْعُمُوم لأنَّ الأَصْل عدم التَّرْكِيب وَالثَّانِي هِيَ مركبة وَفِي أَصْلهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَصْلهَا = ماما فَالْأولى شَرْطِيَّة وَالثَّانيَِة للتوكيد مثلهَا فِي إنْ مَا = إمَّا واينما إِلَّا أَن الْألف الأولى قلبت هَاء لِئَلَّا يستنكر تَكْرِير اللَّفْظ وَهُوَ قَول الْخَلِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وَالثَّانِي أَن اصلها مَه الَّتِي بِمَعْنى اكفف وَمَا شَرْطِيَّة وَالْمعْنَى اكفف عَن كل شَيْء مَا تفعل افْعَل ويدلُّ على أنَّ مهما اسمٌ أَو فِيهَا اسمٌ عودُ الضَّمِير إِلَيْهَا فِي مثل قَوْله تَعَالَى {مهما تأتنا بِهِ من آيَة} فصل وأمَّا حيثُ فَلَا تَجْزِمُ إلاَّ إِذا كانتْ مَعهَا مَا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ حَيْثُ تلْزم إضافتها إِلَى الْجمل والمضاف يعْمل الْجَرّ وَهُوَ من خَصَائِص الْأَسْمَاء فَلَا يعملُ الجزمَ المختصَّ بالأفعال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَالثَّانِي أنَّ حيثُ تقعُ بعْدهَا الأسماءُ والأفعالُ فَلم تختصّ فأدخلت عَلَيْهَا مَا لتقطعها عَن الْإِضَافَة فتهيء لَهَا الْعَمَل فِي الْفِعْل بِخِلَاف أَيْن وَمَتى فَإِنَّهُمَا يَجْزِمان من غير مَا لِأَنَّهُمَا لَا يضافان فصل أصلْ إذْما عِنْد سِيبَوَيْهٍ إذْ الزمانية رُكِّبت مَعهَا مَا فنقلِتها عَن الاسميّة فهما حرفٌ ولمّا نُقلت عَن ذَلِك جُعلتْ شرطيّة لأنَّها فِي الأصلِ ظَرْفُ زمانٍ ماضٍ فلمّا نُقلتْ استعملتْ فِيمَا مُقْتَضَاهُ الزَّمَان وَقَالَ غَيره لَيست مركبة فصل وَلَا يجازى ب إِذا فِي الِاخْتِيَار لأنَّها تُستعمل فِيمَا لَا بدَّ من وُقُوعه كَقَوْلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 إِذا احمرَّ البُسْرُ تَأْتِينَا فاحمرارُه كائنٌ لَا محالةَ ووقتها معِين فِيمَا تُضَاف إِلَيْهِ وبابُ الشَّرْط مختصٌّ بِمَا هُوَ محتملُ للكونِ وَقد جَاءَ الجزمُ بهَا فِي الشّعْر مَسْأَلَة لَا يجوزُ أَن يعملَ فِي أدوات الشَّرْط شيءٌ قبلهَا إلاَّ حرفُ الجرِّ لأنَّ أداةَ الشَّرْط تُثبت فِيمَا بعْدهَا معنى فَكَانَ لَهَا صدر الْكَلَام كأداة الِاسْتِفْهَام وَالنَّفْي فأمَّا قولُ الشَّاعِر من // الْخَفِيف // (إنَّ مَنْ لامَ فِي بني بنتِ حَسّانَ ... أَلُمه وأعْصِه فِي الْخُطُوبِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 فَفِي إنَّ ضميرُ الشَّأْن ومَنْ مُبْتَدأ كَقَوْلِه تَعَالَى {إنَّه مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} فصل وَإِذا وَقع بعد أداةِ الشَّرط اسمٌ كانَ العاملُ فِيهِ فعلا إمَّا الَّذِي يَلِيهِ كَقَوْلِك إنْ زيدا تضربْ أضرِبْه أَو فعل مَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور كَقَوْلِه تَعَالَى {وإنْ أحدٌ مِنَ المشركينَ استجارَكَ} ف أحدٌ فَاعل أَي إِن استجارَ أحدٌ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ يرْتَفع بالعائد وَقَالَ بَعضهم هُوَ مُبْتَدأ ولدليلُ الأوَّل أنَّه لَا معنى ل إنْ إلاَّ فِي الْأَفْعَال وَلذَلِك لَا تقعُ بعْدهَا جملةٌ من اسْمَيْنِ فَإِذا لم يكن مَذْكُورا قُدِّر لتصحيح الْمَعْنى وَلذَلِك يبْقى الجزمُ فِي الفعلِ بعدَ الِاسْم كقولِ الشَّاعِر من // الرمل // (صَعْدَةٌ نابِتَةٌ فِي حائرٍ ... أيْنَما الريحُ تميّلْها تَمِلْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وَقَالَ عديّ من // الْخَفِيف // (وَمَتى واغِلٌ يَنُبْهُمْ يحيّوهُ ... وتُعْطَفُ عَلَيْهِ كأسُ السَّاقي) فصل والجزاءُ يكونُ بالفعلِ المجوزمِ وَلَا يحتاجُ إِلَى الْفَاء لأنَّ حكمَ الْفِعْل المعلَّق بِفعل الشَّرْط أَن يعقبه فاستُغْنِىَ عَن حرفٍ يدلّ على التعقيب فَإِذا لم تجزمْ أَو جِئْت باسم جِئْت بِالْفَاءِ فِي الْجَواب لتدلَّ على التعقيب الَّذِي هُوَ حكمُ الْجَزَاء وربّما حُذِفَتْ وَهُوَ قَلِيل وَأكْثر مَا يَأْتِي حَذْفُها إِذا كَانَ فعلُ الشَّرْط مَاضِيا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإنْ أطعْتُموهم إنَّكم لَمُشْرِكون} وَقد جَاءَ مَعَ الْمُسْتَقْبل كَقَوْل الشَّاعِر من // الْبَسِيط // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 (مَنْ يَفْعلِ الحسناتِ الله يشكرها ... والشرُّ بالشرِّ عِنْدَ اللهِ مِثْلانِ) وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ فصل وتُقامُ إِذا الَّتِي للمفاجأة مقَام الْفَاء كَقَوْلِه تَعَالَى {وإنْ تُصِبْهُمْ سيئةٌ بِمَا قدَّمت أَيْديهم إِذا هُمْ يَقْنَطون} لأنَّ المفاجأة تعقيبٌ فصل فَأَما قَول الشَّاعِر من // الرجز // (يَا أقرعُ بنُ حابسٍ يَا أقرعُ ... إنَّك إنْ يُصرعْ أَخُوك تصرعُ) فمذهبُ سِيبَوَيْهٍ أنَّ تصرعُ خبر إنَّ وَالشّرط معترض بَينهمَا وَجَوَابه محذوفٌ أغْنى عَنهُ مَا قبلَه ومذهبُ المبرِّد هُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي فأنتَ تصرعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 فصل وَيجوز أنْ يُحذفَ جوابُ الشرطِ تَارَة وفعلُ الشَّرْط أُخْرَى فمثالُ الأوَّل من // الطَّوِيل // (أقِيمُوا بَنِي النُّعْمانِ عنّا صدورَكم ... وإلاَّ تُقِيموا صاغرينَ الرؤوسا) أيْ إنْ لَا تقيموها مختارين تُقِيمُوا الرؤوسَ صاغرين وَمن الثَّانِي قَول الآخر من الوافر 137 - (فطلِّقْها فلستَ لَهَا بكفءٍ ... وإلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسامُ) أَي إلاَّ تطلَّق ويجوزُ فِي الْبَيْت الأول مثل هَذَا فصل ومَنْ وَمَا وَمَا أشبههما إِذا وَقعت مُبْتَدأ فِي الشَّرْط فَالْخَبَر فعلُ الشَّرْط وحدّه وَقَالَ بَعضهم الخبرُ الشرطُ والجزاءُ الحديث: 137 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وحجَّة الأوَّلين أنْ مَنْ اسمٌ تَامّ وَفعل الشَّرْط فِيهِ ضميرٌ يعود عَلَيْهِ لَا محالةَ وَلَا يلْزم فِي الْجَواب أَن يكون فِيهِ ضَمِيره وَهَذَا حكم الْخَبَر كَقَوْلِك مَنْ يقم يقم زيدٌ وحُجَّةُ الآخرين أنَّ الكلامَ لَا يتمُّ إِلَّا بِالْجَوَابِ فَكَانَ دَاخِلا فِي الْخَبَر وَيصير كَقَوْلِك زيدٌ إنْ يَقُمْ أقمْ مَعَه فَالشَّرْط وَالْجَوَاب جَمِيعًا الْخَبَر وَقد أُجيبَ عَن هَذَا بأنَّ الجوابَ هُنَا أجنبيٌّ عَن الْمُبْتَدَأ ومَنْ يعملُ الفعلُ فِيهَا بعدَها النصبَ كَقَوْلِك مَنْ تضربْ أضربْ فيكونُ هُوَ الخبرَ عَنْهَا كَقَوْلِك زيدٌ ضَربته لأنَّه لَو تجرَّد عَن ضميرِ المفعولِ كانَ ناصباً لزيدٍ وأمَّا افتقارُ الكلامِ إِلَى الْجَواب فشيءٌ أوجبَهُ التعليقُ أَلا ترى أنَّ قَوْلك لَوْلَا زيدٌ لأكرمتك لَا يتم فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 الْكَلَام إلاَّ بِالْجَوَابِ وليسَ الجوابُ دَاخِلا فِي الْخَبَر وَلذَلِك جعلت الْخَبَر فِي الِاسْتِفْهَام هُوَ الْفِعْل كَقَوْلِك مَنْ قَامَ لَمَّا لم يُحْتَجْ إِلَى التَّمام بِالْجَوَابِ مَسْأَلَة لَا يُجازَى ب كَيفَ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ يُجازى بهَا حجَّة الْأَوَّلين أَن كَيفَ لَو جوزي بهَا إِمَّا أَن يعرف ذَلِك بِالسَّمَاعِ أَو بِالْقِيَاسِ على المسموع لَا وَجه إِلَى الأول فإنَّه لَا يَثْبتُ فِيهِ سماعٌ وَلَا وجهَ إِلَى الثَّانِي لثلاثةِ أوجه أَحدهَا أنَّ معنى أدوات الشَّرْط تعليقُ فعلٍ بِفعل وَكَيف لَو عَلَّقت لعلّقت حالَ الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول بحالٍ أُخْرَى وَالْفِعْل يُمكن الوقوفُ عَلَيْهِ لظهورِه والحالُ لَا يمكنُ ذَلِك فِيهَا لخفائها والثَّاني أنَّ من الأحوالِ مَا لَا يدخلُ تحتَ الِاخْتِيَار فَلَا يصحُّ أَن يعلَّقَ عَلَيْهَا حَال أَلا ترى أنَّه لَو قالَ كيفَ تذهبْ أذهبْ فذهبَ مكْرها أَو مغموماً لم يصحّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 تكلُّفُ ذَلِك فِي جَوَاب الشَّرْط ومثلُ ذَلِك لَو كانَ فعلا لم يصحّ المجازاة بِهِ كَقَوْلِك إنْ متَّ متُّ والثَّالث أنَّ تِلْكَ الأدواتِ الَّتِي هِيَ أسماءٌ يَرْجِعُ إِلَيْهَا ضميرٌ لَا محالةَ وكيفَ اسمٌ لَا يصحُّ أنْ يرجعَ إِلَيْهَا ضميرٌ فَلم يصحّ قياسها عَلَيْهَا وَلَا يصحّ قياسُها على الْحَرْف فِي عدم عود الضَّمِير كَمَا تقاس بَقِيَّة الْأَسْمَاء على أنْ فِي عدم الضَّمِير إِلَيْهَا وَاحْتج الْآخرُونَ بِأَنَّهُ يصحّ أَن يُقَال كَيفَ تصنعُ أصنعُ بِالرَّفْع فَكَذَلِك فِي الْجَزْم والجوابْ عَنهُ من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ استعمالَ مثلِ هَذَا بعيد وَلَو وردَ عَن ثقةٍ فوجهه أنَّه قصدَ حَالا مَعْلُومَة بقرينةٍ تُميّزها عندَه وَهَذَا يصحّ مَعَ الرّفْع لَا معَ الْجَزْم لأنَّ أسماءَ الْجَزْم حكمهَا الْعُمُوم إِذا جَزمتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 فصل فَإِذا حُذِفت الْفَاء جزمْتَ فِي جَمِيعهَا إلاَّ فِي النَّفْي لأنَّ النفيَ عدمٌ والعدمُ لَا يُجازَى بِهِ أَو لَا يصحّ التَّعْلِيق بِهِ وَلَا يكون سَببا لغيره وَالْفَاء تدلُّ على أنَّ الأول سببٌ للثَّانِي مَسْأَلَة تَقول لَا تدنُ من الأسدِ تَسْلَمْ مِنْهُ فتجزمُ وَالتَّقْدِير إنْ لَا تدنُ تسلمْ فالتباعد مِنْهُ سببُ السَّلامة فَإِن قلت لَا تدنُ من الأسدِ يأكلْك لم يجزْ لِأَن تَقْدِيره إلاَّ تدنُ مِنْهُ يأكُلْك والتباعدُ مِنْهُ ليسَ بسببٍ فِي أكله فإنْ قيلَ لِمَ لَمْ يُقدّر إنْ تدْنُ قيلَ يجبُ أنْ يكونَ المقدَّرُ من جنس الملفوظ بِهِ فَكَمَا لَا تقدِّر فِي الْأَمر النَّهْي كَذَلِك لَا تقدِّرُ فِي النَّهْي الإيجابَ أَلا تراك لَا تَقول ابعُدْ من الاسد يأكلْك تُرِيدُ إلاَّ تبعدْ يأكلْك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 مَسْأَلَة الأمرُ والنهيُ وَنَحْوهمَا لَا يُجزَمُ بأنفسِهما بل بِشَرْط مقدَّرٍ لأنَّ الكلامَ تمَّ عَلَيْهِمَا بدونِ الْجَواب كَقَوْلِك زرْني وَلَا تُهنّي جملَة تَامَّة بِخِلَاف إنْ ومَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 بَاب النُّونين مَسْأَلَة لَا تدْخلُ هاتانِ النونان على غيرِ الْأَفْعَال لأنَّ المُرادَ مِنْهُمَا توكيدُ مَا لم يقعْ ليكونَ حَامِلا على الْإِيقَاع ولذلكَ اختصَّا بالقَسم وَالْأَمر وَالنَّهْي والاستفهام وَهَذَا لَا يتحققُ فِي غيرِ الْفِعْل مَسْأَلَة الْفِعْل المضارعُ يُبنى مَعَ نونِ التوكيد لأنَّها تؤكِّد فعليته فَيَعُود إِلَى أَصله من الْبناء وَقد ذكرنَا ذَلِك قبل بأشبع من هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 مَسْأَلَة إنَّما فُتح مَا قبلَ هَذِه النُّون فِي الواحدِ لأمرين أَحدهمَا أنَّ الضمة تدلُّ على الْجمع والكسرةَ تدلٌّ على التَّأْنِيث والسكونَ على جمع الْمُؤَنَّث فَبَقيت الفتحةُ للْوَاحِد وَالثَّانِي أنَّ وُقُوع هَذِه النُّون فِي الْوَاحِد أَكثر فاختيرَ لَهُ الْفَتْح تَخْفِيفًا مَسْأَلَة الْحَرَكَة قبل النُّون بِنَاء وَقَالَ قوم هِيَ لالتقاء الساكنين وحجَّة الْأَوَّلين أنّها لَو كَانَت لالتقاءِ السَّاكنين لم يُرَدَّ الْمَحْذُوف قبلهَا نَحْو بيعَنّ وقُولنَّ لأنَّ حركةَ التقاء الساكنين غيرُ لازمةٍ فَيصير كَقَوْلِه {قمِ اللَّيلَ} وبعِ الْمَتَاع ولَمَّا قلت قومنَّ وبِيعنّ صحَّ مَا ذكرنَا مَسْأَلَة النُّون الْخَفِيفَة أصلٌ كَمَا أَن الثَّقِيلَة أصلٌ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هِيَ مخففةٌ من الثَّقِيلَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وحجّة القولِ الأوَّل أنَّ الثقيلةَ أشدُّ توكيداً من الْخَفِيفَة واصلُ التوكيدِ سابقٌ على زيادتِه والسابقُ أصلٌ للمسبوق وتخفيفُها من الْأُخْرَى يدلُّ على أنَّ الثقيلةَ أصلٌ فَهِيَ بأنْ تكونَ فرعا على الخفيفةِ أولى من الْعَكْس ولأنَّ التخفيفَ تصرّفٌ والحروف تبعد عَنهُ مَسْأَلَة لَا تدخلُ النونُ الخفيفةُ على فعلِ الِاثْنَيْنِ وجماعةِ النسْوَة وَقَالَ يُونُس والكوفيون يجوز وحجَّة الأوَّلين من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ السماعَ لَا يشهدُ بِهِ والقياسُ على الثَّقِيلَة متعذِّرٌ لأنَّ كلاًّ مِنْهُمَا أصلٌ يُفِيد مَا يفِيدهُ الآخر وَلَا بدَّ فِي الأصلِ الْمَقِيس عَلَيْهِ من اتِّحاد العلَّة وتماثلِ الْحكمَيْنِ وَالثَّانِي أَنه يلْزم من ذَلِك جمعُ بينَ ساكنين وَالثَّانِي غيرُ مدغم وَذَلِكَ لَا يجوز وَلَا يجوزُ تحريكُ الثَّاني لأنَّه يُخرج النُّون عَن حكمهَا وَهُوَ السّكُون فَلذَلِك لم تحرّك هَذِه النُّون لساكن بعْدهَا واحتجَّ الْآخرُونَ بِأَنَّهَا نون توكيد فلحقت مَا تلْحقهُ الثَّقِيلَة واعترضوا على مَا ذكرنَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْألف فِيهَا مدّ يشبه الْحَرَكَة فَيجوز وُقُوع السَّاكِن بعْدهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وَالثَّانِي أَن الْجمع بَين ساكنين قد ورد كَقَوْلِك التقتْ حلقتا البِطان وَغير ذَلِك وَالْجَوَاب أنَّا قد بيَّنا الْفرق بَين الْخَفِيفَة والثقيلة وأمَّا مُدَّة الْألف فَلَا تجْرِي مجْرى الْحَرَكَة لِاسْتِحَالَة تحرّك الْألف وَلِأَنَّهَا لَو كَانَت كالحركة لجَاز أَن يَليهَا كلّ ساكنْ وَلَيْسَ كَذَلِك وأمَّا وُقُوع المدغم بعْدهَا نَحْو دابّة وأصيّم وتُمودّ الثوبُ فسبب ذَلِك أَن المدغم حرف وَاحِد متحرك فِي اللَّفْظ وَإِن كَانَ فِي التَّقْدِير حرفين وَلذَلِك حسُن فِيهِ وَلم يحسن فِي غير المدغم وَقد دَعَا توهّم الْجمع بَين ساكنين هُنَا بعضَهم إِلَى قلب الْألف همزَة مَفْتُوحَة فَقَالَ دَأَبَّةٌ وشَأَبَّةٌ وأمَّا حَلْقَتا البِطان فشاذٌّ لَا يُقَاس عَلَيْهِ مَسْأَلَة النونُ الثقيلةُ تفتحُ إلاَّ أنْ تقعَ قبلهَا ألفٌ نَحْو تضربانِّ واضربنانِّ وإنَّما حُرِّكت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 لِئَلَّا يجتمعَ ساكنان وفُتحت طلبا للتَّخْفِيف خُصُوصا مَعَ المثلين وَإِنَّمَا كُسرت بعد الْألف تَشْبِيها بنُون تضربانِ وَهُوَ الأَصْل فِي التحريك لالتقاء الساكنين مَسْأَلَة إنَّما زيدت الألفُ قبلَ نونِ التوكيد فِي فعلِ جمَاعَة النسْوَة لئلاّ تتوالى ثلاثُ نُوناتٍ زَوَائِد على الْفِعْل ففُصل بِالْألف بَينهمَا فإنْ قيل فقد قَالُوا فِي الْمُضَارع تَحْنِنَّ من حنَّ يحِنُّ وَفِي الْمَاضِي حَنّنَّ وَهِي ثلاثُ نونات قيل ثِنْتان مِنْهَا من نفسِ الْفِعْل وواحدةٌ ضميرٌ بِخِلَاف التوكيد فإنْ قيل كيفَ تؤكّد جمعَ الْمُؤَنَّث من هَذَا الْفِعْل هَل تَقول احننّانّ فمعك الْآن خمسُ نونات ثِنتان من نفس الْفِعْل وَوَاحِدَة ضمير وثنتان للتوكيد فإنْ قيلَ فإنْ كَانَ هَذَا الْأَمر من أنَّ يئِنُّ كيفَ يُلفظُ بِهِ قيل يُقَال ايننان فتقلب الْهمزَة يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا فإنْ أردتَ ذَلِك من وَدَّ قلتَ ايدَدنان فتقلب الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا فإنْ أردتَ ذَلِك من سنَّ يسُنّ قلت اسنُنْنانّ وإنْ أردته من وَضُؤ يَوْضُؤ قلت اوْضؤنانِّ وَإِن أردته من أزّ يئزّ قلت أوْزُزْنانّ فَإِن أردتَ ذَلِك من وَقع قلت قَعْنَانّ وإنْ أردتَه من رأى قلت ريْنانّ ووزنه فينانّ فالمحذوف عين الْكَلِمَة ولامها فإنْ أردته من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 خَافَ وَقَامَ قلتَ خافنّ يَا زيدُ وخافُنّ وخافِنّ وخَفْنَانِّ وَإِذا تفطَّنتَ لهَذِهِ الْمسَائِل وقفتَ على حَقِيقَة الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَسْأَلَة إِذا وقفتَ على النُّون الْخَفِيفَة المفتوح مَا قبلهَا أبدلت مِنْهَا ألفا كَقَوْلِه تَعَالَى {لنسفعا} {وليكونن من الصاغرين} لأنَّ هَذِه النُّون أشبهتِ التنوينَ فِي نصب الْأَسْمَاء فإنْ وقفتَ على المضموم مَا قبلهَا والمكسور لم تبدل مِنْهَا شَيْئا بل تحذفها وتردُّ الكلمةَ إِلَى أَصْلهَا فَتَقول اضربوا واضربي وَهل تضربونَ لأنَّ التنوينَ لَا يُبْدَل مِنْهُ مَعَ غير الفتحة فالنونُ فِي الْأَفْعَال أولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 مَسْأَلَة إِذا وقفت على بَدَل النُّون ثمَّ أجريت الوصلَ مُجرى الْوَقْف حذفتَ الألفَ من اللَّفْظ لالتقاء الساكنين وَلَا تُثبتُ النونَ الَّتِي هِيَ أصل لأنَّك لَو أثبتَّها لحرَّكتها وَذَلِكَ لَا يجوز بِخِلَاف التَّنْوِين فإنَّه يحرِّك لالتقاء الساكنين والفرْقُ بَينهمَا أنَّ التَّنْوِين أَكثر تصرّفاً من النُّون وَهُوَ وَاقع فِي الْأَسْمَاء الَّتِي هِيَ الأَصْل وللأموال من التَّصَرُّف مَا لَيْسَ للفروع فصل إِذا وقعتْ نونُ التوكيد بعدَ الْوَاو حركتَها بالضمّ وبعدَ الْيَاء حركتها بِالْكَسْرِ نَحْو اخشوُنَّ وَلَا تَرْضَيِنّ فالواو هَا هُنَا ضمير الْجَمَاعَة ولامُ الْكَلِمَة محذوفةٌ والفتحةُ تدلُّ على الْألف المنقلبة عَن اللامِ وَلم يَجُزْ حذفُ الضَّمِير لأنَّك قد حذفتَ اللَّام فَلَو حذفتَ الضَّمِير لضممت مَا قبلَ النُّون أَو كَسرته فَلَا يبْقى على الْألف دليلُ وَلَيْسَ كَذَلِك قَوْلك اِرْمُنّ واَرْمِنّ لِأَن ضمة الْمِيم تدلُّ على الْوَاو والكسرة تدلُّ على الْيَاء المحذوفة مَسْأَلَة إِذا أمرْتَ جماعةَ النِّسَاء وأكَّدته من قَوْلك وَأي قلت اينانّ أمّا الْوَاو الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل فحذفت لوقوعها بَين ياءٍ وكسرةٍ فِي قولكءُئي وَبقيت الهمزةُ والياءُ والنونُ بعد الْيَاء ضمير والأخيرة للتوكيد فَإِن كانْ ذَلِك من أَوَى قلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 ايتونيانّ فَالْأولى همزَة وصل وَالْيَاء بدل من الْهمزَة الأصليّة فإنْ أكَّدت فعل الْوَاحِدَة قلت من وأى إنَّ يَا هندُ ففاء الْكَلِمَة مَحْذُوف فبقيَ اِيْ فحذفت الْيَاء لسكونها وسكونِ النُّون بعْدهَا وَتقول من أَوَى ايْوَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 بابُ الْإِعْرَاب وَالْبناء قد ذكرنَا فِي أوَّل الْكتاب معنى الْإِعْرَاب وحدَّه ونحنُ نذْكر فِي هَذَا الْبَاب معنى البناءِ وحدَّه وعِلَله والحركاتِ الَّتِي تُبنى الْكَلِمَة عَلَيْهَا وامتناعَ الْجمع بَين الساكنين ولِمَ كَانَ الأَصْل فِي التحريك الكسرَ أما معنى الْبناء فَهُوَ الثُّبُوت واللزوم كبناء الْحَائِط وحدُّه فِي النَّحْو لُزُوم آخر الْكَلِمَة سكوناً أَو حَرَكَة وَإِن شِئْت قلتَ هُوَ أنْ لَا يخْتَلف آخر الْكَلِمَة لاخْتِلَاف الْعَامِل فِيهَا فصل ُ والحروفُ كلُّها مبنيَّة وكذلكَ الأصلُ فِي الْأَفْعَال وَلَا يفتقِرُ ذَلِك إِلَى علَّةٍ لأنَّ الكلمةَ موضوعةٌ عَلَيْهِ وإنَّما يُعلَّلُ الْإِعْرَاب لأنَّه زائدٌ على الْكَلِمَة ولَمَّا كَانَ الأصلُ فِي الْأَسْمَاء أنْ تُعربِ لِمَا بيَّنا فِي أول الْكتاب احْتِيجَ إِلَى تَعْلِيل مَا بُني مِنْهَا ولَمّا كانَ الأصلُ فِي كلّ مبنيّ السكونَ احْتِيجَ إِلَى تَعْلِيل مَا حُرِّكَ مِنْهُ وَإِلَى تعليلِ تعيينِ حركةٍ دونَ غيرِها وسأبيّنُ ذَلِك إنْ شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 فصل وإنَّما كانَ الأصلُ فِي الْبناء السكونَ لأمرين أحدُهما أنَّهُ ضدُّ الْإِعْرَاب والإعرابُ يكون بالحركةِ فضدّه بضدّها وَالثَّانِي أنَّ الْحَرَكَة زائدةٌ والأصلُ أنْ لَا يُزاد شيءٌ إِلَّا للْحَاجة إِلَيْهِ فصل وإنَّما يُحرّكُ المبنيّ لأمرين أَحدهمَا التقاء الساكنين وَالْآخر شَبهَه بالمعرب وإنَّ وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى تَحْرِيك الثَّانِي لالتقاء الساكنين لأنَّك إِذا نطقت بالسَّاكن الأوَّل صَار كالموقوف عَلَيْهِ فَإِذا أردتَ النطقَ بِالثَّانِي كنتَ كالمبتدئ بِهِ والابتداءُ بالساكن ممتنعٌ فصل والأصلُ فِي التحريك لالتقاء الساكنين الكسرُ لأربعة أوجهٍ أَحدهَا أنَّ الكسرة علامةُ الْجَرّ والسكونَ علامةُ الْجَزْم والجرُّ والجزمُ نظيران إِذْ الجرُّ مختصٌّ بالأسماء والجزمُ بالأفعال فَعِنْدَ الْحَاجة إِلَى تَحْرِيك المجزوم حُرِّك بحركة نَظِيره ثمَّ حُمِل بقيّةُ السواكن عَلَيْهِ لاتِّفاقهما فِي السّكُون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وَالثَّانِي أنَّ الكسرةَ أقلُّ من الضمَّةِ والفتحة لأنَّهما يكونَانِ فِي الأٍسماءِ وَالْأَفْعَال إعراباً وَبِنَاء وَلَا كسر فِي الْأَفْعَال وَلَا فِيمَا لَا ينصرفُ من الأٍسماء والحملُ على الأقلّ عِنْد الْحَاجة أولى والثالثُ أنَّ الضمةَ ثقيلةٌ جدا والفتحة قريبَة من السّكُون جدا والكسرُ وسطٌ بَينهمَا وَالرَّابِع أنَّ الفعلَ يدْخلهُ الضمُّ والفتحُ مَعَ الِاخْتِيَار فكُسِر عِنْد الِاضْطِرَار لتكمّل لَهُ الحركات فصل وتحريكُ أحدِ السَّاكنين أوْلى من حذفِه لأنَّ الضرورةَ تندفعُ بِهِ مَعَ بقاءِ حروفِ الْكَلِمَة والحذف يُنقصها فَلَا يُصارُ إِلَيْهِ إِلَّا للضَّرُورَة فصل والأصلُ تحريكُ الساكنِ الأوَّل لأنَّه بِهِ يُتوصَّل إِلَى النطقِ بِالثَّانِي فَهُوَ كهمزة الْوَصْل وَقَالَ قوم الأصلُ تحريكُ مَا هُوَ طرفُ الْكَلِمَة أوَّلَ الساكنين كانَ أَو ثَانِيهمَا لأنَّ الأواخرَ مواضعُ التَّغْيِير وَلذَلِك كانَ الْإِعْرَاب آخرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 بَاب حيثُ وَهِي ظرف مَكَان وَقَالَ الأخفشُ تكون زَمَانا أَيْضا كَقَوْل طَرَفة من // المديد // (للفتى عقلٌ يعيشُ بِهِ ... حيثُ تهدي ساقَه قدمُه) أَي مدّةَ حياتِه وَهَذَا غيرُ لازمٍ إِذْ يُمكن أَن يكون الْمَعْنى فِي أيِّ مَكَان كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 فصل وَهِي مبهمةٌ يبيِّنُها مَا بعْدهَا وَلَا تكادُ الْعَرَب تُوقِعُ بعْدهَا المفردَ بل تبيِّنُها بِالْجُمْلَةِ وَذَلِكَ لشدَّة إبهامها وَإِرَادَة تعيّنها بإضافتها إِلَى المعيّن وَذَلِكَ لأنَّك لَو قلتَ جلستُ حيثُ الجلوسِ أَو حيثُ زيدٍ لم يكن فِي ذَلِك إيضاحٌ تامٌّ لاحتمالِه فَإِذا قلتَ حيثُ جلسَ زيدٌ لم يبقَ فِيهِ احتمالٌ وَقد جَاءَ المفردُ بعْدهَا فِي الشّعْر كَقَوْل الراجز ( ... أمَا ترى حيثُ سهيلٍ طَالِعَاً) ويروى سُهيلٌ بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف دلَّت عَلَيْهِ الْحَال وَهِي قَوْله طالعاً ويُروى بِالْجَرِّ فَمنهمْ من يَقُول بإضافتها إِلَى الْمُفْرد وَهِي مبنيّةٌ كَقَوْلِه تَعَالَى {مِنْ لَدُنْ حكيمٍ خبيرٍ} وَمِنْهُم من ينصب حَيْثُ ويُعربها ويجرّ مَا بعْدهَا بِالْإِضَافَة فصل وأمَّا حالُها فِي الشَّرط فتُكفّ عَن الْإِضَافَة على مَا بيَّناه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 فصل وَهِي مبنيةٌ على الضمِّ فِي اللُّغَة الجيدة وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أحدُها أَنَّهَا ناقصةٌ لَا تتمّ إلاَّ بجملةٍ توضحها فَهِيَ كَالَّذي وَالثَّانِي أنَّها خرجت عَن نظائرها من أَسمَاء الْأَمْكِنَة فإنَّ مُبْهَمها يتَّضح بِالْإِضَافَة إِلَى الْمُفْرد نَحْو خَلفك وقدامك وَالثَّالِث أنَّها تضمَّنت معنى حرفِ الْإِضَافَة إذْ من حكم كل مضافٍ أَن يَظْهَر بعده حرفُ الْإِضَافَة نَحْو غلامُك وثوبُ خزٍ وقدّام لَك فَلَمّا لم يظْهر كانَ متضمناً لَهَا وَالِاسْم إِذا تضمَّن معنى الْحَرْف بني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 فصل وإنَّما حُرِّك آخرهَا لِئَلَّا يلتقي ساكنان فأمَّا من ضمّها فَلهُ فِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا أنَّها أشبهت قبلُ وبعدُ فِي وُقُوعهَا على كلِّ الْجِهَات وأبعاضِها فأُلحقت بهما وَالثَّانِي أنَّ معظمَ أسماءِ الأمكنةِ مُعْرَبٌ يتَّضح بالمفرد فًلَمَّا خَالَفت أخواتها قوّيتْ بأنْ بُنيت على الضمِّ تَنْبِيها على أنَّ حقَّها الْإِعْرَاب وَمن العربِ العربِ مَنْ يَبْنيها على الْفَتْح طلبا للخفة وَمِنْهُم من يبنيها على الْكسر وَهُوَ الأصلُ فِي التقاء الساكنين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 بَاب قبلُ وبعدُ وهما ظرفانِ على حسبِ مَا يضافان إِلَيْهِ إنْ أُضيفا إِلَى الْمَكَان كَانَا مكانين وإنْ أُضيفا إِلَى الزَّمَان كَانَا زمانين وَقد يُحذفُ الزمانُ بَينهمَا وبينَ مَا يضافانِ إِلَيْهِ كَقَوْلِك جِئْت قبلَ زيدٍ أَي قبل مَجِيء زيدٍ فصل وهما مبهمانِ إِذا كَانَا ظرفين فَلَا يَبْينُ مَعْنَاهُمَا إِلَّا بذكرِ مَا هما ظرفانِ لَهُ ومِنْ هُنَا لزمَتْهُما الْإِضَافَة لفظا أَو تَقْديرا فصل ويضافانِ إِلَى الْمُفْرد لأنَّ الْإِبْهَام يزولُ بِهِ إِذا كَانَا بعضَه أَو مضافين لَهُ مِنْ جنسه فصل ويعربانِ فِي الإضافةِ إِذا لم تُوجد فيهمَا علّةُ الْبناء فَخَرَجَا على الأَصْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 ويبنتيانِ إِذا قُطعا عَن الإضافةِ كَقَوْلِه تَعَالَى {للهِ الأمرُ مِنْ قبلُ ومِنْ بَعْدُ} وَفِي ذَلِك ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّهما تنزّلا منزلةَ بعضِ الْكَلِمَة إذْ كَانَا مبهمين لَا يتَّضحان إِلَّا بالمضافِ إِلَيْهِ فَإِذا قُطعا عَنهُ لم يَزُلِ الإبهامُ إلاَّ بالنَّظر فِي معنى الْكَلَام وَإِذا أضيفا فُهِمَ مَعْنَاهُمَا بِاللَّفْظِ المتَّصل بهما وليسا كالحروفِ الَّتِي مَعْنَاهَا فِي غيرِها وَلَا كَالَّذي المفتقرة إِلَى الجملةِ والوجهُ الثَّانِي أنَّهما تضمّنا معنى لامِ الإضافةِ إذْ كَانَا مختصين مَعَ الْقطع كاختصاصهما مَعَ ذِكْرِ الْمُضَاف إِلَيْهِ والإضافةُ مقدَّرةٌ بالّلام وبتقديرها يتضمنانِ مَعْنَاهَا وَالِاسْم إِذا تضمَّن معنى الْحَرْف بُنيَ والثالثُ أنَّه لَا يُخبر بهما وَلَا عَنْهما بعد قطعِهما عَن الإضافةِ وَلَا يتمُّ بهما الصِّلَة فَجَريا مجْرى الْحَرْف فصل وحُرِّكا تَنْبِيها على أنَّ بِناءهما عارضٌ فَلَهُمَا تمكّنُ وَلم يحرّكَا لِاجْتِمَاع الساكنينِ أَلا ترى أنَّ قَوْلك يَا حكمٌ فِي النداء محرّكٌ وَلَا سَاكن قبل الطَّرف لَكِن لِمَا ذكَرْنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 فصل وحُرِّكا بالضمِّ لثَلَاثَة أوجهٍ أَحدهَا أنَّ الضمَّ أقوى مِنْ غَيره فاختير زِيَادَة فِي التَّنْبِيه على تمكّنهما وَالثَّانِي أنَّهما فِي حَال الْإِضَافَة يُحركانِ بِالْفَتْح والكسرِ دون الضمّ فضُمَّتا فِي الْبناء لتتكمّل لَهما الحركاتُ والثالثُ أنَّهما لمّا اقتضيا المضافَ إِلَيْهِ وحُذف عَنْهُمَا عُوِّضا مِنْهُ أقوى الحركات فصل ويُسمّى قبلُ وبعدُ وفوقُ وتحتُ وَبَقِيَّة الْجِهَات السِّت غاياتٍ وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أنَّها حدودٌ ونهاياتٌ لما تحيط بِهِ وغايةُ الشَّيْء آخِره فسمّيت بمعناها وَالثَّانِي أنَّ تَمام الْكَلَام يحصل بالمضاف إِلَيْهِ بعْدهَا فَإِذا قُطعا عَنهُ صارتْ هِيَ آخرا وغايةُ نائبةً عَن غَيرهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 بَاب قطّ أمَّا المخففةُ فبمعنى حَسْبُ وبُنيت لأنَّها وقعتْ موقعَ المبنيّ وَهُوَ فعلُ الْأَمر مثل صه ومه وسكِّنت على الأَصْل وَمثلهَا قدْ بِمَعْنى حسبُ وَلَا تنوّن فِي الْمعرفَة وتنوّن فِي النكرَة فَإِذا أدخلتهما على يَاء الْمُتَكَلّم قلت قَطِي وقَدِي فَلم تُلحق النُّون لأنَّهما اسمان وَمن الْعَرَب مَنْ يُلْحِقُ النونَ فَيَقُول قطْني وقدْني لتسلَم السكونُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 فصل فأمَّا قطُ المشدَّدة فمعناها مَا مضى من الزَّمَان دون الْمُسْتَقْبل وبنيت لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّها أشبهتِ الفعلَ الْمَاضِي إِذْ كانتْ لَا تكون إلاَّ لَهُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَضَمَّنت معنى فِي لأنَّ حكمَ الظّرْف أَن تحسن فِيهِ فِي ولمّا لم تحسن هَا هُنَا كانَ الظّرْف متضمناً لَهَا وَقيل تَضَمَّنت معنى منذُ الَّتِي تقدرُ بهَا الْمدَّة أَو ابْتِدَاء الْمدَّة لِأَن قَوْلك مَا رَأَيْته قطٌّ أَي مُنْذُ خلقتُ وَإِلَى الْآن فصل وحرِّكت لِئَلَّا يجْتَمع ساكنان وضُمَّت لأنَّها أشبهت منذُ وقيلَ قُوِّيت بالضمِّ إذْ كَانَت نائبة عَن مُنْذُ وَمَا بعْدهَا فصل وَإِذا حذفت الْمُضَاف إِلَيْهِ مَعَ فوقُ وتحتُ وعلُ بنيت الْبَاقِي على الضمِّ للعلَّة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي قبلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 فصل واين مبنيةٌ لتضمُّنِها معنى حرفِ الِاسْتِفْهَام والشَّرط وحُرِّك آخِرُها لِئَلَّا يلتقيَ ساكنانِ وفتحَ وَلم يكْسِرْ على الأصلِ فِراراً من اجْتِمَاع الياءِ والكسرةِ مَعَ كَثْرةٍ الِاسْتِعْمَال فصل وكيفَ مبنيةٌ مثل أينَ وَهِي اسمٌ وَالدَّلِيل على ذَلِك السّماعُ وَالْقِيَاس فالسماعُ قَول بعض الْعَرَب على كَيفَ تبيع الأحمرين وَقَالَ الآخر انْظُر إِلَى كَيفَ تصنع وَهَذَا شاذُّ الِاسْتِعْمَال والحكاية الثَّانِيَة شاذّةٌ الْقيَاس أَيْضا لأنَّ كَيفَ استفهامٌ والاستفهام لَا يعملُ فِيهِ مَا قبله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 إلاّ حرفُ الجرِّ إِذا تعلَّقَ بِمَا بعده وَهَا هُنَا قد تعلّق بِمَا قبله وأمَّا القياسُ فَمن ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ الاسمَ يُبدلُ مِنْهَا كَقَوْلِك كيفَ زيدٌ أصحيحٌ أم مريضٌ والاسمُ لَا يُبدل إلاّ من الِاسْم وَالثَّانِي أنَّ الِاسْم يُجاب بِهِ عَنْهَا كَقَوْلِك كيفَ زيد فَتَقول صحيحٌ وَلَو كَانَت حرفا لَما أُجِيب عَنْهَا إِلَّا بالحرف وَالثَّالِث التَّقْسِيم وَهُوَ أنْ يقالَ لَو كَانَت حرفا لَما تمَّ الْكَلَام بهَا مَعَ اسمٍ واحدٍ مَعَ أَنَّهَا لَيست حرفَ نِداء وَلَو كَانَت فعلا لَمَا وَليهَا الفعلُ من غير حاجزٍ بَينهمَا وَقد وَليهَا كَقَوْلِك كَيفَ صنعتَ فتعيّن أَن تكونَ اسْما لأنَّه الأَصْل فصل وأمَّا أيّان فَهِيَ بِمَعْنى مَتى وبُنيت لتضمُّنها معنى حرفِ الِاسْتِفْهَام وَفتح آخرهَا لأنَّه أخفّ بعد الْيَاء وَالْألف الَّتِي بَينهمَا حاجزٌ غير حُصَيْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 فصل وأمّا الْآن فاسمٌ لدُخُول الْجَار عَلَيْهَا كَقَوْلِك من الْآن وَإِلَى الْآن وَكَذَلِكَ الْألف وَاللَّام وَقَالَ الفرّاء هِيَ فعلٌ وَهَذَا بعيدٌ لأنَّها لَو كَانَت فعلا لم تدخل عَلَيْهَا اللامُ وَلَا عبرةَ باليجدّعُ واليتقصّعُ لشذوذهما وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ فعلا لَكَانَ فِيهِ ضمير الْفَاعِل وَلَا يَصح تَقْدِير ذَلِك فِيهِ وَهِي اسْم للْوَقْت الْحَاضِر وَقَالَ قوم الْآن حدّ مَا بَين الزمانين أَي طرف الْمَاضِي وطرف الْمُسْتَقْبل وَقد يتجوز بهَا عمّا قرب من الْمَاضِي وَيقرب من الْمُسْتَقْبل وألفها منقلبة عَن ياءٍ لأنَّها من آن يأْيَن إِذا قرب وَقيل أَصْلهَا أَوَان فقلبتِ الواوُ ألفا ثمَّ حُذفت لالتقاء الساكنين وَهَذَا بعيدٌ لأنَّ الْوَاو قبل الْألف لَا تُقلب كالجواد والسَّواد وَاتَّفَقُوا على بنائها فعلى قولِ الفرّاء هِيَ فعلٌ ماضٍ فَلَا ريبَ فِي بنائها واختلفَ الْبَاقُونَ فِي علّة الْبناء فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 المبرّد وبن السرّاج خَالَفت نظائرها لأنَّها نكرَة فِي الأَصْل استُعملت من أوَّل وَضعهَا بِالْألف وَاللَّام وَبَاب اللَّام أَن تدخل على النكرَة وَقَالَ الزجَّاج بُنيت لتضمُّنها معنى حرف الْإِشَارَة لِأَن الْمَعْنى فِي قَوْلك فلانٌ يصلّي الْآن أَي فِي هَذَا الْوَقْت وَقَالَ أَبُو عليّ بنيت لتضمُّنِها معنى لَام التَّعْرِيف لأنَّها استُعملت معرفَة وَلَيْسَت عَلَماً وَالْألف وَاللَّام فِيهَا زائدتان فصل فِي هلمّ قَولَانِ أَحدهمَا هِيَ اسْم للفعلِ فَلَا يظْهر فِيهِ علمُ التثنيةِ وَالْجمع والتأنيث وَبهَا جَاءَ القرآنُ قَالَ الله عزّ وجلّ {هلمَّ شُهداءَكم} وَفِي آيَة أُخْرَى (والقائلينَ لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا) وَالْقَوْل الثَّانِي هِيَ فعلٌ تظهر فِيهِ علامةُ التثنيةِ والجمعِ والتأنيث نَحْو هلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وهلُّموا وهلّمي وأمَّا جمَاعَة النسْوَة فالجيد فِيهَا هَلْمُمْنَ وَقد قيلَ غيرُ ذَلِك وَلَا يُعرّج عَلَيْهِ فَإِذا جُعلت اسْما للْفِعْل فمعناها احضُروا أَو أَقبلُوا وَهِي مركَّبة إِذا كَانَت فعلا من هَا ولمّ فأصلها هاالمم فحذفت ألفُها وهمزةُ الْوَصْل فلزِم الْإِدْغَام لمّا تحركت اللَّام وبُنيت إِذا كَانَت اسْما لوقوعها موقع المبنيّ وَفتحت لطول الْكَلِمَة وثَقُلَ الضمُّ للإدغام فصل وَمن أَسمَاء الْفِعْل هَا بِمَعْنى خُذْ وفيهَا لغاتٌ إِحْدَاهَا هاءَ بهمزةٍ مفتوحةٍ للمذكر وَفِي الْمُؤَنَّث هاءِ وَفِي التَّثْنِيَة هاءا وَفِي الْجمع هاؤوا وَمِنْه قَوْله {هَاؤُمُ اقرَؤوا} واللُّغةُ الثَّانيةُ هَا بِغَيْر همزٍ فِي كلّ حَال واللُّغةُ الثَّانِيَة هَا بِغَيْر همز فِي كل حَال والثَّالثة هاكَ فَيُجْعَلُ مكانَ الهمزةِ كافاً وبُنيت لوقوعِها موقعَ الْأَمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 فصل وَأما هيت فاسمٌ للفعلِ وَمَعْنَاهُ هَيْتَ لكَ فبُني لوقوعِه موقعَ الْفِعْل الْمَاضِي وقيلَ لوقوعِه موقعَ الْجُمْلَة وقيلَ هُوَ مقدَّر بمبتدأ وَخبر أَي أَنا متهيّئةٌ لَك وقيلَ هُوَ واقعٌ موقعَ الأمرِ أَي ايتني فصل وَأما هاتِ ففعلٌ صريحٌ يقالُ هاتَا يُهَاتي مهاتاةٌ مثل رامى وحامى فصل وأمَّا هُنا فاسمٌ للمكان الْحَاضِر وَقد تُستعمل فِي الزَّمَان مجَازًا كَقَوْلِه تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 {هنالِك دَعا زكريّا ربَّه} فَإِذا دخلت عَلَيْهَا الكافُ صارَ للمكان الْبعيد لِأَن الْحَاضِر يعرفهُ الْمُخَاطب وَإِذا لم يعرفهُ كَانَ بَعيدا وصارَ بِمَنْزِلَة هَذَا فَإِن زدتَ اللَّام فَقلت هُنَالك كَانَ أبعدَ كَمَا ذكر فِي ذَلِك وإنَّما بُنِيت هُنَا لتضمُّنها معنى حرفِ الْإِشَارَة فصل وأمَّا ثَمَّ فاسمٌ للمكانِ البعيدِ عَنْك وبُني لتضمّنه حرف الْإِشَارَة أَيْضا وَلَا يجوزُ ثَمّكَ كَمَا جازَ هُنَاكَ لِأَن ثَمَّ للبعيدِ فَلَا حاجةَ إِلَى إدخالِ الكافِ عَلَيْهِ لأنَّ من شأنِها أَن تنقل الْقَرِيب إِلَى الْبعيد فصل أسماءُ الْعدَد إِذا استُعملتْ فِي العدِّ مَبْنِيَّةً كَقَوْلِك وَاحِد اثْنَان ثَلَاثَة لِأَن الْغَرَض مِنْهَا العدُّ فَقَط فَهِيَ كالأصوات فإنْ وصلتَ بعضَها ببعضٍ أبقيتَ الهاءَ على لَفظهَا وَإِن اجْتمع ساكنان حركتَ الأوَّلَ كَقَوْلِك واحدٍ اثْنَان والجيِّدُ أَن تحرّك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 الدَّال بالكسرِ على الأَصْل وريَّما يجوز أَن تلقيَ حركةَ الهمزةِ على الْهَاء فِي ثَلَاثَة أَرْبَعَة فتفتح الْهَاء فإنْ أخبرتَ عَن الْعدَد أَو وَصفته أعربته فصل وحروف التهجي إِذا أردْت بهَا الهجاء فَقَط مبنيَّةً لِأَنَّهَا كالعدد فِيمَا ذكرنَا من حَيْثُ الْغَرَض مِنْهَا العدّ فَهِيَ كالأصوات فَإِن أخْبرت بهَا أَو عَنْهَا أَو وصفتها أعربتَها وَمَا كَانَ آخِره ألفا نَحْو با تا ثا تزيدُ عَلَيْهِ ألفا أُخرى ليُكمّلَ اسْما ثمَّ تحرِّكُ الثَّانِيَة فتقلب همزَة فصل والأصوات المحكيّة مبنيّة ك غاق فِي حِكَايَة صَوت الْغُرَاب وعَدَسْ فِي زجْر البغال لأنَّ الغرضَ مِنْهَا نفسُ الْحِكَايَة والإعرابُ يُراد للْفرق بَين الْمعَانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وَمَا التقى فِيهِ ساكنان حُرِّكَ الثَّانِي بِالْكَسْرِ على الأَصْل إلاَّ أَن يعرِض فِيهِ ثِقَلٌ فيحرّك بِالْفَتْح نَحْو هَيْدَ فِي زجر الْإِبِل فصل وأمَّا جَيْرِ فَبمعنى نَعَمْ فِي أكثرِ الِاسْتِعْمَال فَهِيَ حرف ك نَعَمْ وحُرِّكَ بالكسرِ لالتقاء الساكنين وَلم يكثر استعمالُها فَفتح كَمَا فتحت أَيْن فصل وَمن اسماء الفعلِ إيهِ بِمَعْنى حدّثنا وتنوّن فِي التنكير على مَا هُوَ أصلُ الْبَاب فإنْ أردتَ أَن تكفَّه عَن الحَدِيث قلت إيهاً وفتحتَ هَذِه للفرْقِ بَين طلبِ الحَدِيث وَطلب السُّكُوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 فصل والمضافُ إِلَى يَاء المتكلِّم مبنيّ عِنْد الْجُمْهُور لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنَّ الاسمَ المعرَبَ صَار تَابعا للياء إذْ لَا يكون مَا قبلَها إلاّ مكسوراً وَإِذا صارَ تَابعا فِي الْحَرَكَة صارَ تَابعا للمضمر فِي البناءِ وَالثَّانِي أَنه خرج عَن نظائرِه من المضافات إذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يتبَعُ غيرَه وَالثَّالِث أنَّ الإعرابَ اختلافُ آخر الْكَلِمَة وَهَذَا مُمْتَنع هَا هُنَا لفظا وتقديراً فكانَ مبنيّاً بخلافِ الْمَقْصُور فإنَّ المانعَ من ظُهُور الحركةِ الألفُ فَلوْ خرجَ المقصورُ على أصلِه لأمكنتْ فِيهِ الحركةُ وحرفُ الْإِعْرَاب فِي صَاحِبي وَمَا أشبهه قابلٌ للحركاتِ بنفسِه وَإِنَّمَا امْتنع لغيره فَافْتَرقَا ن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 بَاب مَا يجوز فِي ضَرُورَة الشّعْر اعْلَم أَن ضَرُورَة إِقَامَة الْوَزْن تَدْعُو إِلَى جوازِ مَا تمهّد فِي الْقَوَاعِد الْكُلية خلافُه وَلذَلِك جَازَ للشاعر زيادةُ كلماتٍ يُقوِّم بهَا الْوَزْن وَحذف شَيْء ليُصَحَّحَ كَمَا قَالَ لبيد من // الْكَامِل // ( ... درسَ الْمَنا بمتالعٍ فأبانِ) يُرِيد الْمنَازل وَقَالَ العجاج من // الرجز // ( ... قواطنا مَكَّة من ورق الحمي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 يُرِيد الْحَمام وسنذكرُ فِي هَذَا الْبَاب مَا يجوزُ للشاعر عِنْد الضَّرُورَة مفصَّلاً إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَاعْلَم أنَّ معظمَ مَا يجوزُ فِي ضرورةِ الشّعْر يَرْجعُ إِلَى أصلٍ قد رَجَحَ عَلَيْهِ أصلٌ آخر فالشَّاعر يحاولُ ذَلِك الأصلَ المتروكَ عِنْد الضرورةِ فصل فَمن ذَلِك صرفُ مَالا ينْصَرف وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَابه وَكَذَلِكَ تركُ صرفِ مَا ينْصَرف فصل وَيجوز للشاعر قصر الْمَمْدُود مُطلقًا وَقَالَ الفرّاء لَا يجوز إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ بعد الْقصر نظيرٌ فِي الْأَبْنِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وحجَّةُ الأوَّلين أنَّ القصرَ جازَ للضَّرورةِ وَهُوَ حَذْفُ الزائدِ وَالرُّجُوع إِلَى الأصلِ فسوّيَ فِيهِ بينَ مَا لَهُ نظيرٌ وَمَا لَا نظيرَ لَهُ واحتجَّ الفرَّاء بِأَن الضرورةَ تردُّ إِلَى أصل وجوابُه من وَجْهَيْن أحدُهما أَن هَذَا لَا يطّرد فِي كلَِّ موضعٍ وَلذَلِك جازَ تَأْنِيث الْمُذكر وَهُوَ رجوعُ من الأَصْل إِلَى الْفَرْع والثَّاني أَن قَصْرَ الْمَمْدُود ردٌّ إِلَى الأَصْل من وجهٍ وَهُوَ حذفُ الزَّائِد وَلَا يُعْتَبرُ أَن يكون ردّاً إِلَى كلّ الْأُصُول إذْ ذَلِك محَال فصل وَأما مدّ الْمَقْصُور فَغير جائزٍ عِنْد الْبَصرِيين لأنَّه زِيَادَة فِي الْكَلِمَة وَلذَلِك لم يُسغ للشاعر أَن يزِيد أيّ حرفٍ شَاءَ بِخِلَاف قصْر الْمَمْدُود فَإِنَّهُ حذف الزَّائِد وَالْأَصْل عدم الزِّيَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ جَائِز وَاحْتَجُّوا بقول الشَّاعِر من // الوافر // (سَيُغْنيني الَّذِي أغْناك عنِّي ... فَلا فَقْرٌ يَدُومُ وَلَا غِناءُ) فمدَّ الْغِنَا وَهُوَ مَقْصُور وَالْجَوَاب أنَّه يُروى بِفَتْح الْعين على أَنه مصدر أغنيت عَنهُ غناء وإغناءً ومَنْ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ جعلَه مصدَر غانيتُ وتَغَانيت مثل قَوْلك قاتلتُه قِتالاً وترامينا رِماءً أَي ترامياً فصل وَيجوز لَهُ إظهارُ المدْغَم لِأَنَّهُ الأصلُ كَمَا أنَّ الأصلَ التصحيحُ وَمِنْه قولُ الشَّاعر من // الرجز // ( ... الحمدُ لله العليِّ الأجْلَلِ) وَقَالَ الآخر من // الْبَسِيط // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 (مهلا أعَاذِلَ قد جَرَّبْتِ من خُلُقِي ... أنِّي أجُودُ لأقْوامٍ وإنْ ضَنِنُوا) أَي الأجلّ وَإِن منّوا وَهَذَا أحسنُ من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فصل ويحذف التَّنْوِين فِي الشّعْر لالتقاء الساكنين قَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي من // المتقارب // (فألفيُته غيرَ مُسْتَعْتَبٍ ... وَلَا ذاكرِ اللهَ إلاَّ قَلِيلا) بِنصب اسْم الله وَقَرَأَ بعض القرّاء {وَلَا الليلُ سابقُ النهارَ} بِالنّصب أَي سابقٌ النَّهَار فصل وَمن ذَلِك حذف الْيَاء بعد الكسرة وَالْوَاو بعد الضمَّة فَمن الأوَّل قَول الشَّاعِر من // الوافر // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 (فَطِرْتُ بِمُنْصُلي فِي يَعْمَلاتٍ ... دوامي الأيْدِ يَخْبَطْنَ السَّرِيحا) أَي الْأَيْدِي وَمن الثَّانِي قولُ الشَّاعِر من // الطَّوِيل // فبيناهُ يشْرِي رحْلَه قالَ قائلٌ ... لمن جمل رخو الملاط نجيب) وَقَالَ آخر فِي حذف الْيَاء من // الرجز // ( ... دارٌ لسُعْدى إذْهِ مِنْ هَوَاكا) وإنَّما سَاغَ ذَلِك لدلَالَة الكسرة والضمَّة على الْمَحْذُوف فصل وَيجوز حذفُ حَرَكَة الياءِ هيَ وهُوَ على إجْراءِ الوصلِ مجْرى الوقْفِ كَقَوْل الشَّاعِر من // الْبَسِيط // ( ... ثمَّ انصرفْتُ وهيْ منِّي على بَال) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 فصل وَمن ذَلِك تذكيرُ المؤنَّث لأنَّ الأصلَ هُوَ المذكَّر فروج فِيهِ الأَصْل وَلِأَن الْمُؤَنَّث والمذكّر يَشْتَرِكَانِ فِي اسمٍ آخر مُذَكّر كالمنزل وَالدَّار فإنَّ الدارَ منزلٌ فَمن ذَكَّرها حَمَله على معنى المنْزِل وَمِمَّا جَاءَ فِي ذَلِك من المؤنَّث الَّذِي ذكّر وَهُوَ لمن يعقِل قولُ الشَّاعِر من // السَّرِيع // (قامتْ تُبَكّيه على قَبره ... مَنْ ليَ من بعْدِك يَا عامرُ) (ترتكتني فِي الدَّار ذَا غُربةٍ ... قد ذلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ ناصرُ) أرادات ذَات غربةٍ وَجَاز لمّا كَانَت المرأةُ إنْسَانا وَقَالَ آخر من الهزج 152 - (وممّن ولدُوا عامرُ ... ذُو الطول وَذُو العرضِ) يُرِيد ذَات الطول لأنَّ عَامر قبيلةٌ وَلذَلِك لم يصرف وَقَالَ آخر من // المتقارب // (فَلَا مزنةٌ وَدَقَتْ ودْقَها ... وَلَا أرضَ أبقل إبقالها) الحديث: 152 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 فَإِن قيل كَانَ يُمكن أَن يَقُول أبقلتِ إبقالها فيلقي كسرة الْهمزَة على التَّاء قيل الْجَواب عَنهُ من أوجه أَحدهَا أنَّ إلقاءَ حركةِ الهمزةِ يلزَمُ مِنْهُ حذفُ أصلٍ أَو كالأصل وحذفُ التَّاء حذفُ زائدٍ وَالثَّانِي أَن الْإِلْقَاء أقلّ فِي الِاسْتِعْمَال من حذف التَّاء فِي مثل هَذَا وَالثَّالِث أَن هَذَا طريقٌ وَالْإِلْقَاء طَرِيق فَلَا يُتخيَّر على اللّغَوِيّ أَحدهمَا وَقَالَ من // المتقارب // (فإمَّا تَرَيْنِي وَلي لَمَّةٌ ... فإنَّ الحوادثَ أوْدَى بهَا) أَي أودتْ فَجَاز ذَلِك لَمّا كَانَ الْحَوَادِث والحدثان بِمَعْنى وَالْجمع هُنَا للْجِنْس والمفرد جنسٌ فإنْ قيل لَو قَالَ أودت لاستقام الْوَزْن قيل نعم وَلَكِن يلْزم مِنْهُ حذف الرَّدْف والقافية مُرْدَفَة فصل فأمَّا تأنيثُ الْمُذكر فأضعفُ من عَكسه إذْ كَانَ ترْكَ الأَصْل إِلَى الْفَرْع مَعَ أنَّه قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 جَاءَ حمْلاً على الْمَعْنى فَمن ذَلِك قِرَاءَة بعض الْقُرَّاء {يلتقطه بعضُ السيّارةِ} فأنَّث والفاعلَ بعضُ لما كَانَ بعض السيارة سيارةً وَقَالُوا ذهبتْ بعضُ أصابعهِ وَقَالَ جرير من // الوافر // 155 - (إِذا بعضُ السنينَ تعرّقتنا ... كفى الأيتامَ فقْدَ أبي اليتيمِ) وَقَالَ آخر من // الْكَامِل // (لَمّا أَتَى خبرُ الزبيرِ تواضعتْ ... سُوُرُ المدينةِ والجِبالُ الخُشَّعُ) وَفِي التَّأْنِيث هُنَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنه ذهب بالسُّور مَذْهَب الجدران والثَّاني أنَّه لَمَّا أَضَافَهُ إِلَى المؤنَّث جعل لَهُ حكمه كَمَا قَالَ تَعَالَى (مَنْ جاءَ بالحسنةِ فلهُ عشرُ أَمْثَالهَا) الحديث: 155 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 فأنَّث العشرَ والأمثالُ مذكّرة ولكنْ أضيفتْ إِلَى ضميرِ الحسنةِ وَرُوِيَ عَن بعض الفصحاء أنَّه قالَ ألم ترَ إِلَى مَا كَانَ من فلانٍ فَقيل لَهُ مَاذَا فَقَالَ جَاءَتْهُ كتابي فاحتقرها فأُنْكِرَ ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالَ أليسَ صحيفَة فصل وَقد يشدِّد المخفف فِي نَحْو قَول الشَّاعِر من // الرجز // ( ... ببازلٍ وجْناءَ أَو عَيْهَلِّ) وَقَول الآخر من // الرجز // (تعرَّضتْ لي بمكانٍ حِلَّ ... تعرّضَ المُهْرة فِي الطِّوَلِّ) وكقول الآخر من // الرجز // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 ( ... ضخم يحبُّ لخلق الأضخمّا) وَالْأَصْل تَخْفيف هَذِه الْأَوَاخِر وَالْوَجْه فِي تشديدها أَنه أَرَادَ الْوَقْف وَمذهب كثير من الْعَرَب الوقفُ على المشدَّد على أَن تجْعَل التَّشْدِيد بدل الْحَرَكَة أَو التَّنْوِين إلاَّ أَن الشَّاعِر أجْرى الوصلَ مُجرى الْوَقْف فصل وَيجوز لَهُ تَخْفيف المشدَّد وَذَلِكَ فِي القوافي كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس من // المتقارب // ( ... تحرَّقتِ الأرضُ واليومُ قَرْ) وَمِنْهَا ( ... وَيْحَكَ ألْحَقْتَ شَرّاً بِشرْ) وَهَذَا أسهل من الَّذِي قبله وَمِنْه قَول الفرزدق من الطَّوِيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 (تنظَّرتُ نَصْراً والسّماكينِ أيْهُما ... عليَّ معَ الغيثِ استهلَّتْ مواطرُه) يُرِيد أيّهما فصل وَمن ذَلِك حذف الْهمزَة تَخْفِيفًا كَقَوْلِه من // الْبَسِيط // (ويل أمِّها فِي هواءِ الجوِّ طالعةُ ... وَلَا كهذي الَّذِي فِي الأَرْض مطلوبُ) أَي ويلُ أمّها فصل وَمن ذَلِك قلب الْهمزَة ألفا إِذا انْفَتح مَا قبلهَا وياءً إِذا انْكَسَرَ وواواً إِذا انضمّ إِلَّا أَن هَذَا قريبٌ إِلَى الْقيَاس وَقُرِئَ بِهِ الْقُرْآن فصل وَمن ذَلِك قطع ألف الْوَصْل كَقَوْل الشَّاعِر من // الطَّوِيل // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 فَمَا تربُ أثْرى لَو جمعتَ تُرابَها ... بأكثرِ من إبني نزارٍ على العدّ) وكقول الآخر من // الطَّوِيل // (إِذا جَاوز الْإِثْنَيْنِ سرٌّ فإنَّه ... بِنَشْرٍ وإفشاءِ الحديثِ قمينُ) وَالْوَجْه فِيهِ أنَّه أجْرَى الوصلَ مَجْرَى الِابْتِدَاء كَمَا أُجْرِيَ مُجرى الْوَقْف وأمَّا وصلُ همزةِ القَطْع فيكونُ بالإلقاء ويُذكَر فِي مَوْضِعه فصل وأمَّا الترخيمُ فِي غيرِ النداءِ ونصبُ مَا بعد الفاءِ فِي غيرِ جوابِ الْأَشْيَاء السبعةِ وحذفُ الفاءِ فِي الجوابِ فقد ذُكِرَ فِي موضِعه فصل وأمَّا إبدالُ أحد الحرفين فِي التَّشْديد فيُذْكَرُ فِي التصريف إِن شَاءَ الله فصل وَيجوز إبْقَاء حُرُوف المدّ فِي الْفِعْل المجزوم كَقَوْل الشَّاعِر من // الْبَسِيط // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 (هجوتَ زبّانَ ثمَّ جئتَ معتذرً ... من هجوِ زبّانَ لم تهجو وَلم تدعِ) فَلم يحذف الْوَاو وَمن الْألف قَول الآخر من // الرجز // (إِذا العجوزُ غضبتْ فطلّقِ ... وَلَا تَرَضّاها وَلَا تملّقِ) وَقَالَ آخر من // الطَّوِيل // (وتَضْحَكُ مني شيخةٌ عَبْشَميَّةٌ ... كأنْ لم تَرَى قبْلي أَسِيرًا يَمَانِيا) وَمن الْيَاء من الوافر (ألمْ يأتيكَ والأنباءُ تَنْمي ... بِمَا لاقت لَبونُ بني زيادِ) ووجْهُ ذَلِك أنَّه أخرجَ الأفعالَ على الأَصْل وَجعل الْجَزْم فِي الحركات المستحقّة فِي الأَصْل وَقَالَ قوم لامات هَذِه الْأَفْعَال محذوفةٌ بِالْجَزْمِ والحروف الْمَوْجُودَة الْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 فَاشِية عَن إشباع الحركات فأمَّا فَاعل يَأْتِيك فِي الْبَيْت الْأَخير فَقيل هُوَ مُضْمر دلَّ عَلَيْهِ مَا قبله وَقيل فَاعله بِمَا لاقت وَالْبَاء زَائِدَة فصل وَقد حذف الْإِعْرَاب فِي الشّعْر ورُويت فِي ذَلِك أبياتٌ مِنْهَا من // الرجز // (لَما رأى أنْ لادَعَهْ وَلَا شِبَعْ ... مَال إِلَى أرطأةِ حِقْفٍ فأضطجعْ) وَقَول الآخر من // الرجز // ( ... إِذا اعوججنَ قلنَ صاحِبْ قوّمِ) فَأجرى الْوَصْل مجْرى الْوَقْف والمبرِّد والزجَّاج ينكران ذَلِك وَلَا يعتدان بالأبيات الْوَارِدَة فِيهِ لشذوذها وَضعف الرِّوَايَة فِيهَا وَقَالَ آخر من // السَّرِيع // (فاليومَ أشْرَبْ غير مستحْقِب] ... إِثْمًا من الله وَلَا واغل) فسكن وَقَالُوا الرِّوَايَة فاشربْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 فصل وَمِمَّا جَاءَ فِي ذَلِك من الشّعْر ضَرُورَة حَذْفُ الضَّمِير من الْفِعْل لدلَالَة الضمّةِ عَلَيْهِ كَقَوْل الشَّاعر من // الوافر // (فَلَو أنَّ الأطبّا كانُ حَوْلي ... وكانَ مَعَ الأطبّاء الأُساةُ) أَي كَانُوا وَقد جَاءَ أشدُّ من هَذَا كَقَوْل الآخر من // الرجز // (لَو أنَّ قومِي حِين أدعوهم حَمَلْ ... على الجِبالِ الصمِّ لَا رفضّ الجبلْ) أَي حَمَلوا هَذَا مَعَ الإسكان وَمِمَّا جَاءَ للضَّرُورَة حذف بعض الْكَلِمَة كَقَوْل لبيد من // الْكَامِل // (درس المنا بمتالع فأبان ... ) أَي الْمنَازل وَقَالَ العجاج من // الرجز // ( ... قواطناً مكَّة من وُرْقِ الْحَمِي) أَي الْحَمام فَحذف الْألف وَالْمِيم وَكسر الْمِيم الْأُخْرَى وَقيل حذف الْمِيم الْأَخِيرَة وَحدهَا وَكسر الأولى فَصَارَت الْألف يَاء وَقَالَ آخر من // الطَّوِيل // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 (فلستُ بآتِيه وَلَا أسْتطيعُه ... ولاكِ اسقِني إنْ كَانَ ماؤك ذَا فَضْلِ) أَي وَلَكِن وضرورةُ الشّعرِ أكثرُ من هَذَا وَقد نبَّهْنا على أَصْلهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 بَاب الْمَوْصُول والصِّلة الموصولُ أسماءٌ وحروفٌ فالأسماءُ الَّذي والَّتي وفروعُهما ومَنْ ومَا وَأي وأمَّا الْحُرُوف ف مَا وأنَّ الثَّقِيلَة والخفيفة فصل وإنَّما سُمِّيت هَذِه موصولات لأنَّها نواقص تتمُّ بِمَا تُوصل بِهِ وَلذَلِك بُنيت لأنَّها كبعضِ الْكَلِمَة أَو كالحرفِ الَّذِي يفْتَقر إِلَى جملَة فصل والغرضُ من الإتيانِ بِالَّذِي وَالَّتِي وصفُ المعارف بالْجُمل إذْ كَانَت الْجُملُ تفسّرُ بالنكرات وَيَنْبَغِي أَن يُتوصَّل إِلَى وصف الْمعرفَة بِالْجُمْلَةِ لئلاّ يكون للنكرةِ مَا لَيْسَ للمعرفة وَهَذَا كجعلهم ذُو وصلَة إِلَى الوصفِ بالأجناس وَأي وُصلةً إِلَى نِدَاء مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام فإنْ قيلَ ف مَن وَمَا وأيّ أَسمَاء مَوْصُولَة وَلَا يُوصف بِمَا قيل عَنهُ جوابان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 114 - أَحدهمَا أنَّ مَنْ وَمَا على حرفين وليسَ لَهما فِي الصِّفَات نظيرٌ بِخِلَاف الَّذِي وَلذَلِك ثُنّي الَّذِي وجُمع دونَ مَنْ وَمَا وأمَّا أيّ فلزمتها الْإِضَافَة وَحكم الصفةِ أَن تستقلّ وتعرّف بِالْألف وَاللَّام وَالْإِضَافَة تمنع من ذَلِك وَالثَّانِي أنَّ مَنْ وَمَا تختصان ف مَنْ لمن يعقلُ وَمَا لِما لَا يعقل وَالَّذِي تصلحُ لَهما والأصلُ فِي الصّفة أَن تكونَ مشتقَّةً من الْفِعْل والفعلُ لَا يختصُّ فالمشتقُّ مِنْهُ كَذَلِك ف مَنْ ومَا لاختصاصهما أشبها الأعلامَ فَلم يوصفُ بهما فصل والياءُ واللاَّم فِي الَّذِي أصْلان وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الاسمُ الذالُ وحدَه وَمَا عداهُ زائدٌ وحجَّةُ الأوَّلين أنَّ الَّذِي اسْم ظَاهر فَلم يكنْ على حرف واحدٍ كَسَائِر الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة يدلُّ عَلَيْهِ أنَّ الذالَ لم تسْتَعْمل فِي هَذَا الِاسْم وحدَها فَلَو كانتِ الياءُ واللامُ زائدتين لجَاز حذفُهما فِي هَذَا الْجِنْس واحتجَّ الْآخرُونَ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ الياءَ تسقطُ فِي التَّثْنِيَة فَلَو كَانَت أصلا لم تسْقط وأمَّا اللاّمُ فزيدت ليمكى النطقُ بِالذَّالِ سَاكِنة ولتدخل الْألف وَاللَّام على متحرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 والثَّاني مَا جاءَ فِي الشّعْر من حذف الْيَاء وتسكين الذَّال كَقَوْل الشَّاعِر من // الرجز // ( ... كاللّذْ تزبّى زُبْيةً فاصْطِيدا) وَلَا نظيرَ لَهُ فِيمَا هُوَ على أكثَر من حرف والجوابُ أمَّا حذفُ الْيَاء فِي التثنيةِ فقد أجبنا عَنهُ فِي بَاب التَّثْنِيَة وحَذْفُ الْيَاء فِي الشّعْر شاذٌّ لَا يدلّ على أنَّها زَائِدَة لأنَّه قد حُذف فِي الشّعْر كثيرٌ من الْأُصُول كَقَوْلِه ( ... دَرَسَ الْمَنَا) و ( ... من وُرْقِ الْحَمِي) وَقد تقدَّم ذكر ذَلِك فصل والألفُ والّلام فِي الَّذِي زائدتان لَا للتعريف لوَجْهَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 أَحدهمَا أنَّ تعريفَ الَّذِي بالصلة بِدَلِيل تعرّف مَنْ وَمَا بهَا إذْ لَا لَام فيهمَا وَمَا يُعرّفُ فِي موضعٍ بشيءٍ يُعرّف فِي مَوضِع آخر بذلك الشَّيْء والثَّاني أنَّ الألفَ واللامَ لَو حَصّلا التعريفَ لَكَانَ الاسمُ مُسْتَعْملا بدونهما نكرَة إِذْ جميعُ مَا تدخلُ عَلَيْهِ لامُ التَّعْرِيف كَذَلِك فإنْ قيلَ لَو كَانَا زائدتين لجازَ حذْفُهما قيلَ من الزَّوَائِد مَا يلزمُ كالفاء فِي قَوْلك خرجتُ فَإِذا زيد وَنَحْوهَا فصل وإنَّما تعرفتْ هَذِه الأسماءُ بالصِّلاتِ لأنَّ الصّلاتِ تخصِّصُها لأنَّ الصلةَ جملةٌ من فعل وفاعلٍ أَو مُبْتَدأ وَخبر وَكِلَاهُمَا خاصّ فَجَرَيا مجْرى الصفةِ المخصصة نِهايةَ التَّخْصِيص فإنْ قيلَ كيفَ تُعرِّفُ الجملةَ وَهِي نكرةٌ وَلذَلِك تفسّر بالنكرة فَفِيهِ جوابان أَحدهمَا أنَّ الجلمةَ الَّتِي هِيَ صلةٌ لَا تَخْلُو من ضمير هُوَ الْمَوْصُول فِي الْمَعْنى وَالضَّمِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 معرفةٌ فتخصصت الجلمةُ بِهِ وكانَ الفعلُ من الْجُمْلَة يلْزمه الفاعلُ وَهُوَ معرفةٌ وَكَذَلِكَ الْمُبْتَدَأ وَصَارَت الْجُمْلَة مَعَ الَّذِي بمنزلةِ وصْفٍ معرَّف بِالْألف واللاَّم وَالثَّانِي أنَّ الجلمة ليستْ نكرَة باعتبارِ نَفسهَا بل تقدَّر باسم نكرَة فَإِذا انضمَّ إِلَيْهَا الَّذِي صارَ فِي حكم المركَّب فالجلمة كالمفرد النكرَة وَالَّذِي نعتٌ لِما قبلهَا فحدثَ عِنْد التَّرْكِيب معنى لم يكن للمفرد على مَا هُوَ المألوف فِي المركَّبات فصل وإنَّما كَانَت الصلةُ جملَة خبريّةً لأربعةِ أوجه أَحدهَا أنَّ الغرضَ مِنْهَا إيضاحُ الموصولِ وغيرُ الخبريّة من الْأَمر والاستفهام مبهمٌ فَلَا يحصل الْإِيضَاح وَالثَّانِي أنَّ الَّذِي اسمٌ ظاهرٌ والأسماء الظاهرةُ للغيبةِ فَلَو وُصلت بِالْأَمر وَالنَّهْي لِلْمُواجه لتناقضا لأنَّ المواجهة خطابٌ وإنْ كَانَا للغائبِ لزمَ أنْ يكونَ فاعلُهما غير الَّذِي وَالضَّمِير الْعَائِد على الَّذِي هُوَ الَّذِي فِي الْمَعْنى فيتدافعان وَكَذَلِكَ الِاسْتِفْهَام وَالثَّالِث أنَّ الَّذِي وصلته مقدّران باسمٍ واحدٍ والاسمُ الواحدُ لَا يدلُّ على الأمرِ وَالنَّهْي والاستفهام مَعَ دلَالَته على مسمَّى آخر والرابعُ أنَّ الَّذِي وصلَته يُخْبَرُ عَنْهُمَا تَارَة وَبِهِمَا أُخْرَى والأمرُ والنهيُ والاستفهامُ لَا يصحُّ فِيهَا ذَلِك فَإِن قيلَ فَمَا تَقول فِي بَيت الفرزدق من // الطَّوِيل // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 (وإنِّي لَرامٍ نَظْرةً قِبَلَ الَّتي ... لَعلِّي وإنْ شَطَّتْ نَواها أزُورُها) فجعلَ الصِّلةَ لعلّ قيل هُوَ شادّ وتأويلُه أنَّه حذف القَوْل وَتَقْدِيره الَّتِي أَقُول لعلّي وَمَا جَاءَ من ذَلِك فَهَذَا سَبيله فصل وَفِي الَّذِي أربعُ لُغَات الجيدةُ الَّذِي بِسُكُون الْيَاء والثانيةُ حذفُها اجتزاءً بالكسرة عَنْهَا والثالثةُ تسكينُ الذَّال على إِجْرَاء الْوَصْل مجْرى الْوَقْف والرابعةُ تَشْدِيد الْيَاء على الْمُبَالغَة كَمَا زيدت فِي الصِّفَات كأحمريّ ودوّاريّ فصل واللغةُ الجيدةُ فِي تثنيتها حذفُ الْيَاء لأنَّ الْكَلِمَة طَالَتْ بالصِّلة وَزِيَادَة حُرُوف التثنيةَ فخُفِّتْ بالحذف وَقد حُذفت نونُها فِي الشّعْر تَخْفِيفًا وَأما الجمعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 فالجَّيد الَّذين فِي كلِّ حَال وياء الأَصْل محذوفة من أجل ياءِ الْجمع وَمن الْعَرَب مَنْ يَجْعَلهَا فِي الرّفْع بِالْوَاو وَفِي الجرِّ والنصبِ بالياءِ وَلَيْسَ ذَلِك إعراباً بل تشبيهٌ لَهُ بالمعْرَب فصل والأصلُ فِي اللَّاتِي أنَّه اسمٌ وضع للْجمع ووزنه فَاعل مثل الجامل والباقر ويُجمع على اللّواتي على فواعل وأمَّا اللائي فعلى فَاعل أَيْضا وَمن الْعَرَب من يحذف مِنْهُ الْيَاء وَهِي لَام الْكَلِمَة فصل والأُلى بِمَعْنى الَّذين كَقَوْلِك هم الأُلى قَالُوا كَذَا أَي الَّذين وَذُو فِي لُغَة طَيء تكون بِمَعْنى الَّذِي وَتَكون فِي الْمُؤَنَّث والمذكر وَالْوَاحد وَمَا زَاد عَلَيْهِ بِلَفْظ واحدٍ وبالواو فِي كل حَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 مَسْأَلَة اسْم الْإِشَارَة غيرُ مَوْصُول وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُوَ موصولٌ وحُجَّة الأوَّلين أنَّه اسمٌ تامّ بنفسِه يَحْسُن الْوَقْف عَلَيْهِ فَلم يكن مَوْصُولا كَسَائِر الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة وَلذَلِك يَحْسُنُ أنْ يجمعَ بَينه وَبَين الَّذِي فَيُقَال إنَّ هَذَا الَّذِي عندنَا كريمٌ واحتجَّ الْآخرُونَ بقوله تَعَالَى {ثمّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون أَنفسكُم} و {هَا أَنْتُم أُولاءِ تحبُّونهم} وَبقول الشَّاعِر من // الطَّوِيل // (عَدَسٌ مَا لعبّادٍ عَلَيْك إمارةٌ ... نَجَوْتِ وَهذا تَحْمِلينَ طليق) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 والجوابُ عَن الْآيَة أنْ {تقتلون} و (تحبُّونهم) حالٌ وليسَ بصلَة وَقد استوفيتُ القولَ على ذَلِك فِي إِعْرَاب الْقُرْآن وأمّا البيتُ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أحدُها أنَّ طليقاً خبر هَذَا وتحملين حَال من الضَّمِير فِي طليق والعائد مَحْذُوف أَي تحملينه والثَّاني هُوَ خبرٌ بعد خبرٍ والثالثُ أَن يكونَ حَالا والعاملُ فِيهِ معنى الإِشارة مَسْأَلَة الاسمُ الظاهرُ إِذا دخلت عَلَيْهِ الألفُ وَاللَّام لم يكن مَوْصُولا لما ذكرنَا من قبل وَقَالَ الكوفيونَ يكون مَوْصُولا واحتجّوا بقول الشَّاعِر من // الطَّوِيل // (لعَمْري لأنْتَ البيتُ أُكرِمُ أهلَه ... وأجْلِسُ فِي أفيائِه بالأصائلِ) أَي أَنْت الَّذِي أُكرم وَجَوَابه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنّ الْبَيْت مُبْتَدأ ثانٍ وَأكْرم أَهله الخبرُ والثّاني أَنه أرادَ الْبَيْت الَّذِي أُكرم فحذفَ الَّذِي للضَّرُورَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 مَسْأَلَة مَاذَا تكون على وَجْهَيْن أَحدهمَا هما اسمان ف مَا اسْتِفْهَام وَذَا بِمَعْنى الَّذِي فعلى هَذَا يكون الْجَواب مَرْفُوعا كَقَوْلِه تَعَالَى {ويسألونك مَاذا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ} فِي قراءةِ مَنْ رفع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون مَا وَذَا اسْما وَاحِدًا للاستفهام بِمَعْنى أيُّ شيءٍ فعلى هَذَا انتصب العفوَ فِي الْآيَة وَيكون موضعُ مَاذَا نصبا ب يُنْفقُونَ فَإِن قيلَ كيفَ جَاءَت ذَا بِمَعْنى الَّذِي هُنَا قيلَ لَمّا رُكِّبا حدثَ لَهما معنى وحكمٌ لم يكن فِي الْإِفْرَاد على مَا عُرف فِي تركيبِ الحروفِ وَغَيرهَا وإنَّما كَانَت مَعَ مَا بِهَذَا الْمَعْنى لأنَّ مَا فِي الِاسْتِفْهَام فِي غايةِ الْإِبْهَام فأخرجت ذَا من التَّخْصِيص إِلَى الْإِبْهَام وجذبتْها إِلَى مَعْنَاهَا وأصارتها إِلَى إِبْهَام الَّذِي فإنْ قيل أفيجوزُ مثلُ ذَلِك فِي مَنْ ذَا قيلَ لَا لأنَّ مَنْ تخصّ مَنْ يعقلُ فَلَيْسَ فِيهَا إبهامُ مَا مَسْأَلَة أيُّهم يكون بِمَعْنى الَّذِي فإنْ وُصِلت بجملةٍ كانتْ معربةً اتِّفَاقًا كَقَوْلِهِم لأضربنّ أيَّهم هُوَ أفضل فإنْ وصلتِها بمفردٍ كَانَت مبنيَّةً عِنْد سِيبَوَيْهٍ وذهبَ بعضُ الْبَصرِيين والكوفيون إِلَى أنّها معربةٌ وحُجَّة الأوّلين أنَّ الأصلَ فِي أيّ أنْ تكونَ مَبْنِيَّة فِي الشَّرْط والجزاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 والاستفهام لتضمُّنها معنى الْحَرْف وَإِذا كَانَت بِمَعْنى الَّذِي يجبُ أَن تُبنى لنقصانِها إلاَّ أنَّ ذَلِك خُولفَ لِما نذكرهُ فِي الِاسْتِفْهَام وَإِذا حُذِف من صِلتِها شيءٌ خالفتْ بقيّةَ أخواتها فازداد نقصانُها ومخالفتُها للْأَصْل فيجبُ أَن ترجعَ إِلَى حقّها من الْبناء واحتُجَّ بقوله تَعَالَى {ثُمَّ لَنَنْزِعنَّ من كلِّ شِيعةٍ أيُّهم أشدُّ على الرحمنِ عِتيّاً} واحتجَّ الآخرونَ بِمَا قَالَ الْجَرْميّ خَرجتُ من الْبَصْرَة فَلم أسمعْ منذُ فارقتُ الخَنْدَق إِلَى مكَّة أحدا يَقُول لأضربنّ أيُّهم أفضل بِالضَّمِّ بل بنصبها ولأنَّ أيُّهم معربةٌ فِي غير هَذَا الْموضع فَتكون معربةٌ هَا هُنَا قَالُوا والآيةُ محمولةٌ على غير مَا ذكرْتُمْ وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة أقوالٌ قد ذَكرنَاهَا فِي إِعْرَاب الْقُرْآن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 والجوابُ أمَّا حِكَايَة الجَرْمي فيجوزُ أَن يكونَ مَا سَمعه لُغَة لبَعض الْعَرَب فإنَّ سِيبَوَيْهٍ حكى خلافَها فَيُجمع بَين الحكايتين ويُحمل الأمْرُ فِيهَا على لُغتين إلاَّ أنَّ الأقيسَ البناءُ وأمَّا قياسُها عَلَيْهَا فِي الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء فَلَا يصحُّ لأنَّها هناكَ تامَّةٌ وَهِي هَا هُنَا ناقصةٌ مخالفةٌ لأخواتها من الموصولات مَسْأَلَة لَا بدَّ فِي الصِّلَة من عائدٍ على الْمَوْصُول لأنَّ الَّذِي يصلح وَصله لكلّ جملَة والجملةُ فِي نَفسهَا تامّة فَلَا تصير الجملةُ تَمامًا ل الَّذِي وكالجزء مِنْهُ إلاَّ بالضمير الرابِطِ لأَحَدهمَا بِالْآخرِ كَمَا فِي الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ خبر الْمُبْتَدَأ فصل ويجوزُ حذفُ العائِد الْمَنْصُوب كَقَوْلِه تَعَالَى {أَهَذا الَّذِي بعث الله} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 رَسُولا لأنَّ الاسمَ طالَ لاجتماعِه من أَرْبَعَة أَشْيَاء الَّذِي وَالْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَلَا يجوزُ حذفُ الْمَرْفُوع لأنَّه فاعلٌ والفاعلُ لَا يُحذف وَلَا المجرورُ لأنَّه كجزءٍ من الجارّ وَلذَلِك لم يكن إلاَّ متَّصلاً وَقد جَاءَ حذفُ الْمَجْرُور أَيْضا قَلِيلا إِذا كانَ الفعلُ مَوْجُودا وطريقُه أنَّه يعدِّي الفعلَ بِنَفسِهِ بعد حذفِ الحرفِ ثمَّ يَحْذِفُ الضميرَ وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {فاصْدَعْ بِما تُؤمَرُ} أَي بِهِ ثمّ حُذفتِ الْبَاء فَبَقيَ بِمَا تُؤْمَرُه ثمَّ حذفتِ الْهَاء هَذَا إنْ جعلتَ مَا بِمَعْنى الَّذِي أَو مَوْصُوفَة وإنْ جعلتَها مصدريَّةً لم تحتجْ إِلَى تَقْدِير ضمير وَمِنْهُم مَنْ يحذفُ الجارَّ والمجرورَ دفْعَة وَاحِدَة فصل وأمَّا أنَّ الثقيلةُ المفتوحةُ وأنْ الناصبةُ للْفِعْل فهما موصولتان وهما حرفانِ بِلَا خِلاف فأمَّا مَا المصدريّة فموصولةٌ أَيْضا وَهِي حرفٌ وَقَالَ الأخفشُ هِيَ اسمٌ وحجّةُ الأوَّلين أَنه لَا يعود إِلَيْهَا ضمير وَلَو كَانَت اسْما لاحتاجت إِلَيْهِ واحتجّ الْآخرُونَ بأنَّها مَوْصُولَة غيرُ عاملةٍ فَكَانَت اسْما كأمثالها من الموصولات والجوابُ أنَّ الاسميَّةَ لَا تثبتُ من حيثُ كَانَت مَوْصُولَة غيرَ عاملة فإنَّ ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 لَيْسَ من حدَّ الْأَسْمَاء وَلَا علاماتها لأنَّ كونَها مَوْصُولَة يخرِجُها عَن حكمِ الْأَسْمَاء إذْ من حكم الأسْماء التَّمام وَكَونهَا لَا تعم حكمُ أَكثر الْحُرُوف فعُلمَ أنَّ الاسمية تثبت بدليلٍ غير هَذَا وَقد ذكرنَا مَا يصلح أَن يكون دَلِيلا على حرفيتها مَسْأَلَة الألفُ واللاّمُ بِمَعْنى الَّذي اسمٌ وحُكِيَ عَن الْأَخْفَش أَنَّهَا حرفٌ وحجّةُ الْأَوَّلين احتياجُها إِلَى عَوْدِ الضَّمِير إِلَيْهَا على مَا سبق وَاحْتج الْآخرُونَ بأنَّها تفيدُ التعريفَ فَكَانَت حرفا كحالها إِذا دخلت على الأسماءِ المحضةِ وسببُ ذَلِك أنَّ الاسمَ الموصولَ تعرِّفه صلتُه والألفُ واللاّمُ يُعرِّفان مَا يدخلَانِ عَلَيْهِ والجوابُ أنَّ الألفَ والّلامَ ليستْ للتعريفِ هُنَا بل هِيَ ك الَّذي والفرقُ بَينهمَا وبينَ اللاّم المعرَّفة أنَّ حرفَ الجرِّ إِذا وقعَ قبل الْمَوْصُول لم يتعلَّق بالصِّلةِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وكَانُوا فيهِ من الزَّاهدينَ} وإنْ جعلتَ الألفَ واللامَ للتعريفِ جازَ أَن يتعلَّق الجارَ بِمَا دخلت عَلَيْهِ إِذا صلح للْعَمَل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 فصل وَلَا يتقدَّمُ شيءٌ من الصِّلةِ على الْمَوْصُول لأنَّ الصلةَ كَجُزْء من الِاسْم وتقديمُ بعض أَجزَاء الِاسْم على بعضٍ مُمْتَنع وَذَلِكَ قَوْلك سرّني مَا صنعتَ اليومَ إنْ نصبتَ اليومَ سرّني جازَ تقديمُه وتأخيره وإنْ جعلْتَه ظرفا ل صنعت لم يجزْ تقديمُه بِحَال وللعلّة الَّتِي ذكرنَا لم يجز إِيقَاع الأجنبيّ بَين الْمَوْصُول والصلة وَلَا إِيقَاع الصّفة وَالْبدل والعطف قبل تَمام الصِّلَة كَقَوْلِك عجبت من الضاربين إخْوَتك الظريفين وزيدٍ وَنَحْو ذَلِك فَلَو قدمتَ هَذِه الاشياءَ على إخوتِك لم يجزْ فَإِن قلتَ من الضاربين أَجْمَعُونَ إخْوَتك فَجعلت أَجْمَعِينَ تَأْكِيدًا للضميرِ فِي الضاربين جازَ لِأَنَّهُ لَا فصلَ فِيهِ إذْ كَانَ تَابعا لمعمول الْمَوْصُول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 بَاب الِاسْتِفْهَام الاستفهامُ طلبُ الإفهام والإفهام تحصيلُ الفَهْم والاستفهام والاستعلام والاستخبار بِمَعْنى واحدٍ وَقد يكونُ الاستفهامُ لفظا وَهُوَ فِي الْمَعْنى توبيخٌ أَو تقريرٌ فالتوبيخُ كَقَوْلِه تَعَالَى {كَيْفَ تَكْفُرونَ باللهِ} والتقريرُ كَقَوْلِه {وَمَا تِلْكَ بيمينكَ يَا مُوسَى} فقرَّره ليقول {هيَ عَصَايَ} فَإِذا رَآهَا صارَتْ حَيَّةً لم يَخَفْ لِعِلمه أنَّ الله تَعَالَى جعلَ ذَلِك آيَة لَهُ فصل وحروفُ الِاسْتِفْهَام ثلاثةٌ الهمزةُ وَأم وَقد ذُكِرا فِي الْعَطف وَهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 إلاَّ أنَّ هَل قد تكونُ بِمَعْنى قَدْ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {هَلْ أَتَى على الإنْسَانِ حِينٌ من الدَّهْرِ} فِي أحدِ الْقَوْلَيْنِ فصل وَقد شُبِّهتْ بِهَذِهِ الحروفِ أسماءٌ وظروف فالأسماءُ مَنْ ويُسْتَفْهَمُ بهَا عمّن يَعْقِل وتستعملُ فِي غيرِه مجَازًا وَمَا لِما لَا يعقل وَقد جاءتْ لمن يعقل وأيْ تصلح لَهما وأينَ فِي الْمَكَان ومَتَى فِي الزَّمَان وكَمْ فِي الْعدَد وكيفَ فِي الْحَال وأنَّى تكون بِمَعْنى مَتى وكيفَ ومِنْ أينَ فَمن الأوَّل قَوْله تَعَالَى {أنَّى يُحْيي هَذِه اللهُ بَعْدَ مَوْتِها} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وَمن الثَّانِي قولُه تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُم أنَّى شِئْتُم} وَمن الثَّالِث قولُه (أنَّى لكِ هَذَا) وَمِنْه قَول الراجز (مِنْ أينَ عِشْرونَ لَهَا مِنْ أنَّى) فصل والغرضُ من الاستفهامِ بِهَذِهِ الأسماءِ عمومُ السُّؤَال الْمُقْتَضِي للجواب بالمسؤول عَنهُ وَهَذَا لَا يحصلُ من الاستفهامِ بالحرف لأنَّ المُسْتَفْهَمَ عَنهُ يختصُّ ببعضِ الْجِنْس كَقَوْلِك أزيدُ فِي الدَّار فيمكنُ الْمُجيب أَن يَقُول لَا وَلَا يلْزمه شيءٌ آخر بِمُقْتَضى هَذَا السُّؤَال فَيحْتَاج أَن يحددَ سؤالاً آخر وربَّما تسلسل وفإذا قلتَ مَنْ فِي الدَّار ألزمت المسؤول الجوابَ بالمطلوب بأوَّل مرّة فصل وأسماءُ الِاسْتِفْهَام تامَّةٌ لأنَّ الْجُمْلَة تتمّ بهَا وبجزءٍ آخر بِخِلَاف الموصولة وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْجَزَاء تامّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 فصل وإعرابُ الجوابِ مثلُ إِعْرَاب السّؤال كَقَوْلِك مَنْ عندَك فَهَذَا مُبْتَدأ وَخبر فَإِذا قلتَ زيدٌ عِنْدِي كَانَ زيدٌ مُبْتَدأ كَمَا كَانَت مَنْ لأنَّها سؤالٌ عَنهُ وَهُوَ جوابٌ لَهَا وَإِذا قلتَ مَنْ رأيتَ قلتَ زيدا أَي رأيتُ زيدا فتقدّرَ العاملُ المذكورَ فِي السُّؤَال فَإِذا قلتَ بِمن مررتَ قالَ بزيدٍ فيلزمُ إعادةُ الجارّ لأنَّه لَا يعْمل مضمراً لضعفِه لاحتياجه إِلَى مَا يتعلّقُ بِهِ فَلَو حذفتَه حذفتَ شَيْئَيْنِ فصل فإنْ كانَ الجارُ اسْما بقيَ الاستفهامُ فِي اللَّفْظ على حَاله كَقَوْلِك لأضربنّ غلامَ أيّهم فِي الدَّار وَقَالَ كثيرٌ من النَّحْوِيين هُوَ ضعيفٌ لِأَن الْجَار لَا يعلّق عَن الْعَمَل بِخِلَاف الناصب والرافع فصل وَلَا يَعْملُ فِي الاستفهامِ مَا قبلَه لأنَّ أداةَ الاستفهامِ لَهَا صدرُ الْكَلَام إذْ كَانَت تفيدُ فِي الْجُمْلَة معنى لم يكُنْ فَلَو أعملتَ فِيهَا مَا قبلَها لَصَارَتْ وسطا وَذَلِكَ ممتنعٌ كَمَا يمتنعُ قَوْلك لأضربنّ أزيداً فِي الدَّار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 فإنْ قيلَ فقد جاءَ فِي الحَدِيث صنعتَ مَاذَا قيل هُوَ محمولٌ على أنَّه قدَّرَ حذفَ الْفِعْل وَتَركه ثمَّ ابْتَدَأَ وَقَالَ مَاذَا وَلم يذكر بعدَه فِعْلاً لدلَالَة الْمَذْكُور المقدَّر الحذفِ عَلَيْهِ وَقيل أَرَادَ مَاذَا صنعتَ فحذفَ مَاذَا ثمَّ جاءَ بِمَاذَا بعْدهَا دَلِيلا على الْمَحْذُوف وَقيل التَّقْدِير أصنعتَ ثمَّ اسْتَأْنف استفهاماً آخر وَقد حذفت أَدَاة الِاسْتِفْهَام لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهَا كَقَوْل الشَّاعِر من // الْكَامِل // (كَذَبتْكَ عَيْنُك أمْ رأيتَ بواسطٍ ... غَلَسَ الظَّلامِ من الرَّبابِ خَيالا) أَي أكذبتك عينُك وعَلى هَذَا حُملت قِرَاءَة مَن قَرَأَ {اتَّخذْناهُم سِخْرِيّاً} بِكَسْر الْهمزَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 فصل وجميعُ أَسمَاء الِاسْتِفْهَام مبنيَّةٌ لتضمُّنها معنى الْهمزَة إِلَّا (أيّا) فَإِنَّهَا معربةٌ قَالُوا لِأَنَّهَا حملت على نظيرها وَهُوَ بعضٌ ونقيضِها وَهُوَ كلّ لأنَّها لَا تنفكُّ عَن الإضافةِ كَمَا لَا ينفكَّان عَنْهَا والإضافةُ من أَحْكَام الْأَسْمَاء فَإِذا لَزِمت عارضتْ مَا فِيهِ من معنى الْحَرْف فَلم يُقوَ على بنائها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 بابُ الْحِكَايَة معنى الْحِكَايَة أَن يأتيَ الاسمُ أَو مَا قامَ مقامَه على الْوَصْف الَّذِي كَانَ قبلَ ذَلِك والحكايةُ تكون فِي المعارفِ والنكرات فالمعارف المحكيَّةُ مختصَّةٌ بالأعلام والكُنى عِنْد أَكثر الْعَرَب نَحْو زيد وَأبي محمَّد وعلَّةُ ذَلِك من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّها أكثرُ دوراً فِي الْكَلَام إِذا كَانَت التعريفاتُ على الاختصارِ لَا تحصلُ إلاَّ بهَا وَمَا كثر استعمالُه يخصًّ بأحكامٍ لَا توجدُ فِيمَا قل لِأَنَّهُ لَا يلتبس والثَّاني أَن الاعلامَ قد غيَّرت كثيرا نَحْو محْبب ومَكْوَزَة وموْهب وتَهْلل والحكايةُ تَغْيِير فَهُوَ من جنس مَا لحقها من التَّغْيِير فصل فَإِذا قالَ القائلُ جَاءَنِي زيدٌ قلتَ من زيدٌ رفعت فِي السُّؤَال الْبَتَّةَ وَفِي رفْعَة وَجْهَان أَحدهمَا هُوَ خبرٌ من وَالثَّانِي هُوَ فاعلُ فعلٍ محذوفٍ كأنَّك قلتَ أجاءَك زيدٌ من الَّذِي من صفته كَذَا ليكونَ محكياً لِأَن الأوَّل فاعلٌ فيكونُ فِي الْحِكَايَة فَاعِلا كَمَا فِي النصب وَإِذا قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 رأيتُ زيدا قلتَ من زيدا ف (من) مُبْتَدأ و (زيدا) مفعول سدَّ مسدَّ الْخَبَر وَكَذَلِكَ فِي الجرَّ فصل وإنِّما حكى الإعرابَ أهلُ الْحجاز لِأَن السامِعَ لهَذَا السُّؤَال قد لَا يكون سمِع الكلامَ الأوَّل فَأَرَادَ المتكلِّمُ أَن ينبِّهه أنَّ يُنَبه على أَن هُنَاكَ كلَاما متقدِّما هَذَا جوابُه وإعرابُه فأمَّا بَنو تميمٍ فَلَا يحكمون بل يرفعون بل يرفعون بكلِّ حَال فصل فإنْ عطفتَ أَو وصفتَ لم يُحْكَ كَقَوْلِك وَمن زيدٌ أَو من زيدٌ الظريف وعلَّته أنَّ الْوَاو تعلق مَا بعْدهَا بِمَا قبلهَا فَلَا يُحتاج فِي ذَلِك إِلَى حِكَايَة الْإِعْرَاب وَالْوَصْف يخصِّص فينبّه على كَلَام قبله فصل وَلَا تُحكى النكرةُ لأنَّ النكرةَ إِذا أعيدتْ أُعِيدَت بِالْألف وَاللَّام لِئَلَّا يُتوهم أنَّها غيرُ الأوَّل وَمِنْه قولُه تَعَالَى {كَمَا أرسلْنا إِلَى فِرْعونَ رسُولا فعَصى فِرعونُ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 الرَّسُول وَمن هُنَا قَالَ ابْن عبَّاس لن يغلبَ عسر يسرين وَالْمعْنَى أَن قَوْله تَعَالَى {فَإِن مَعَ العُسْرِ يُسْراً إنَّ مَعَ الْعسر يسْرا} فاليُسْر نكرَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالثَّانِي غيرُ الأوَّل والعسْر بِالْألف وَاللَّام فيهمَا فهما واحدٌ وَمن العربِ من يَحْكِي النكرَة وَمِنْه قولُ بَعضهم تكفيني تمرتان فَقَالَ لَهُ الآخرُ دَعْنا من تمرتان وَقَالَ آخرُ مَا أَنْت قرشيا فَقَالَ لست بفرشيا فصل وَإِذا أردتَ أَن تحكيَ النكرةَ حكيتَها ب (من) و (أَي) ف (من) تزيدُ عَلَيْهَا فِي الرّفْع واواً وَفِي النصب ألفا وَفِي الجرِّ يَاء وتثنَّى وتجمعُ جمعَ التَّصْحِيح مذكراً كَانَ أَو مؤنثاً وكلُّ ذَلِك فِي الوقفِ فَإِذا قَالَ جَاءَنِي رجلٌ قلت منو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 ورأيتُ رجلا قلت مَنا ومررتُ برجلٍ مَنِي وَجَاءَنِي رجلَانِ فَتَقول مَنَان وَفِي الجرِّ وَالنَّص منين وَجَاءَنِي رجالٌ فَتَقول منون وَفِي الجرِّ وَالنّصب مَنين وتزيدُ الهاءَ للمؤنث فَتَقول مِنْهُ ومنتان ومنْتين بِسُكُون النونين ومنات فصل و (مَنْ) فِي جَمِيع ذَلِك مبنيّة وحروفُ المدِّ علاماتٌ على الْإِعْرَاب وَلَيْسَت إعرابا وَلَا حروفَ إِعْرَاب والدَّليلُ على ذَلِك من ثَلَاثَة أوجهٍ أَحدهَا أَن (مَنْ) تضمَّنت معنى الحرفِ وَذَلِكَ مستمرٌّ فِيهَا فيستمرّ الْبناء وَالثَّانِي أَن هَذِه العلاماتِ لَا تثبتُ إلاَّ فِي الوقفِ وَالْإِعْرَاب يزولُ فِي الْوَقْف وَأما قَول الشَّاعِر من الوافر أتوْا نَارِي فَقلت منون أَنْتُم فَمن إجراءٍ الوصْلِ مجْرى الْوَقْف اضطراراً وَالثَّالِث أنَّ هَذِه الحروفَ لَو كانتْ إعراباً لَكَانَ الكلامُ تَاما لَيْسَ كَذَلِك فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 قيل فقد قالَ بعض الْعَرَب ضَربَ منٌ منا قيل هَذَا شاذٌّ لَا يعّول عَلَيْهِ فصل إِذا حكيتَ ب (أيّ) أعربْتَها فَتَقول إِذا قَالَ جَاءَنِي رجلٌ ايُّ وَكَذَلِكَ فِي النصب والجرِّ وتُثنّى وَتجمع فَتَقول أيّان وأيِّيْن وأيُّون وأيِّيْن وأيّهَ وأيَّتان وأيّتين وأيّات فصل فَإِذا وصلت (مَنْ) و (أيّا) بشيءٍ بعْدهَا بطلتِ الحكايةُ وَكَانَ الكلامُ مستأنفاً فصل وأمَّا الجملُ فتحْكَى بلفظها سمّيتَ بهَا أَو لم تُسمِّ فمما سمِّي بِهِ تأبَّطَ شرا وذرّى حبّا وَمَا لم يُسمَّ بِهِ كقولِكَ جاءَني زيدٌ وَنَحْوه وممّا يُحكى مَا يُرى مَكْتُوبًا على خاتمٍ وَنَحْوه فإنَّه يُنطقُ بِهِ بصورتِه فممَّا جَاءَ من ذَلِك من المتقارب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 (وأصفر من ضرب دَار الْمُلُوك ... يلوح على وَجهه جعفرا) قيل كَانَ على الدِّينَار مَكْتُوب (جعفرا) اي اقصدوا جعفرا وَقيل جعفرا مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ يلوح وَالتَّقْدِير يلوح المكتوبُ فيبيِّنُ جعفراً وَقيل هُوَ منصوبٌ بِالْمَصْدَرِ أَي من أَن ضرب صَاحب دَار الْمُلُوك جعفرا وَهَذَا بعيد لِأَن يلوح يفصل بَين الْمصدر ومعموله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 بَاب الْخطاب حرفُ الْخطاب الكافُ فِي ذَاك وَقد دَلَلْنا على أنَّها حرفٌ فِي بَاب الْمعرفَة فإنْ قيلَ فَكيف تثنَّى وتُجْمَع وَهِي حرفٌ قيل فِيهِ جوابان أحدُهما أنَّ ذَلِك لَيْسَ بتثنيةٍ وَلَا جمعٍ بل صيغةٌ وضعتْ لَهما كَمَا ذكرنَا فِي أَنْتُمَا وَأَنْتُم وَالثَّانِي أنَّ الكافَ فِي الأصلِ اسمٌ مضمرٌ ثُمَّ خُلِعَتْ دلالةُ الاسميةِ عَنْهَا وبقيتْ لمجرَّدِ الخِطاب فبقيَ عَلَيْهَا اللفظُ الَّذِي كانَ لَهَا وَهِي اسمٌ وَهَذَا يرجعُ إِلَى معنى الأوّل لأنَّ الِاسْم المضْمَر لَا يُثنّى وَلَا يُجمع على التَّحْقِيق فصل ومقصودُ هَذَا الْبَاب أنَّك إِذا سألتَ عَن شيءٍ جعلتَ أوَّلَ كلامِك للمسؤولِ عَنهُ اهتماماً بِهِ وجعلتَ آخرَه للمسؤول المخاطِب فتفرد وتثنّى وَتجمع وتؤنَّث على حسب ذَلِك كَقَوْلِك كيفَ ذَلِك الرجلُ يَا رجلُ ف ذَا للْغَائِب المسؤول عَنهُ وَالْكَاف للمسؤولِ الْمُخَاطب فتفتحُه فِي الْمُذكر وتكسرُه فِي الْمُؤَنَّث وجميعُ مَا يُتَصوَّرُ من الْمسَائِل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 ستٌّ وَثَلَاثُونَ مَسْأَلَة وَهَذَا المقدارُ أدَّت إليهِ القِسْمةُ الضروريّة لأنَّك إِذا سألتَ عَن رجلٍ كانَ فِي الْمُخَاطب سِتُّ مسائلَ وَهِي أنْ يكون المخاطبُ رجلا وَرجلَيْنِ ورجالاً وَامْرَأَة وَامْرَأَتَيْنِ وَنسَاء فَتَقول كَيفَ ذاكَ وذاكُما وذاكُمْ وذاكِ وذاكُما وذاكُنَّ وإنْ كانَ المسؤولُ عَنهُ رجلَيْنِ فَكَذَلِك تقولُ كيفَ ذانِكَ الرجلانِ يَا رجلُ وَكَيف ذانِكما وذانكم وذانكِ وذانكما وذانكنّ وإنْ كَانُوا رجَالًا قلت أُولَئِكَ وأولئكما وأولئكم وَأُولَئِكَ وأولئكما وأولئكن وَإِن كَانَ المسؤولُ عَنهُ امْرَأَة قلتَ كيفَ تِلك وتلكما وتلْكم وتلكِ بِكَسْر الْكَاف وتِلكُما وتِلْكُنّ وَكَذَلِكَ كيفَ تانِكَ وتانِكما وتانِكم وتانكِ وتانِكما وتانكنّ وَإِن كَانُوا نسَاء كَانَت الْإِشَارَة بأولاء كالرجال فَتَقول أولئكَ وأولائِكما وأولئكم وأولئكِ وأولئكما وأولئكنّ والرجلُ وصفٌ لذا أَو بَيَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 بابُ النَّسَب ويُسمَّى إِضَافَة وَمَعْنَاهَا أَن يضيف شَيْئا إِلَى بلدٍ أَو قبيلةٍ أَو صناعَة إِضَافَة معنويّةً كَقَوْلِك مكيّ وتميميّ وإنَّما سمِّي نَسَباً لأنَّك عرَّفته بذلك كَمَا تعرَّفُ الإنسانَ بآبائه فصل وإنَّما زيد على الِاسْم فِي النَّسَب حرفان لنقْلِه إِلَى الْمَعْنى الْحَادِث كتاءِ التَّأْنِيث وعلامةِ التثنيةِ وَالْجمع وإنَّما زيدت الْيَاء دون غيرِها من حُرُوف المدّ لأوجه أَحدهَا أنَّ الْوَاو والألفَ لَو زيد أحدُهما لم يبقلفظُه من أجل الْإِعْرَاب وَالْيَاء يبْقى لفظُها مَعَه وَالثَّانِي أنَّ علامةَ النَّسب تشبه علامةَ التأنيثِ لِمَا نبيِّنه من بعدُ والياءُ أشبهُ بتاء التَّأْنِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 والثالثُ أنَّ الياءَ أخفُّ من الْوَاو والألفُ لَو زيدت لصار كالمقصور فصل وإنَّما كَانَت مُشَدّدَة لأمرين أَحدهمَا أنَّها إِذا شُدِّدت احتملتِ الإعرابَ وَإِذا كَانَت وَاحِدَة لم تحتملْه إِذا تحرَّك مَا قبلَها والثَّاني أنَّ النسبَ إضافةُ شيءٍ إِلَى شَيْء فِي الْمَعْنى فاشبه التَّثْنِيَة والجمعَ وكما زيد عَلَيْهِمَا حرفانِ كذلكَ زيدَ هَا هُنا فصل وإنَّما كُسِرَ مَا قبلَ الْيَاء لأمرين أَحدهمَا أنَّ الكسرةَ من جنْسِ الْيَاء فَهِيَ مَعهَا أخفُّ من غَيرهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 وَالثَّانِي أَنه لَو ضُمَّ لوجبَ تحويلُها إِلَى الكسرِ لأنَّ الياءَ الساكنةَ لَا تثبتُ بعد الضمّة وَلَو فُتح لالتبسَ بالمثنى والمضاف فَلم يبقَ سوى الْكسر فصل ويشْبه النَّسَبُ التثنيةَ من ثلاثةِ أوجه أَحدهَا أنَّ فِي آخر كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا زائدين وَالثَّانِي أنَّ كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا منقولٌ فالتثنية نقلتِ المعرفةَ إِلَى النكرَة والنسبُ نقلْ من الجمود إِلَى الْوَصْف وَالثَّالِث أنّ حرف الْإِعْرَاب فِي كل واحدٍ مِنْهُمَا هُوَ الزَّائِد دون مَا كَانَ قبل ذَلِك حرف إِعْرَاب فصل وتشبه ياءُ النَّسبِ تاءَ التَّأْنِيث من ثَلَاثَة أوجهٍ أَحدهَا أنَّه ينقلُ الجنسَ إِلَى الْوَاحِد مثل زَنْج وزَنْجيّ ورُوم ورُوميّ كَمَا تَقول تَمْرٌ وتَمْرةٌ ونَخْل ونخلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 والثَّاني أنَّها تنقل الاسمَ من الأصلِ إِلَى الْفَرْع فالأصلُ الِاسْم والفرعُ الصّفةُ كَمَا تنقل التاءَ من التَّذْكِير إِلَى التَّأْنِيث والثالثُ أَنَّهَا تصير حرفَ الْإِعْرَاب كَمَا أنَّ التَّاء كَذَلِك فصل وَإِذا نسبتَ إِلَى اسمٍ أقررتَه على حَاله إلاَّ مَا أستثنيه والمُسْتثنى من ذَلِك ضَرْبَان مقيسٌ ومسموعٌ لَا يُقَاس عَلَيْهِ فَمن الْمَقِيسِ الثلاثيُّ المكسورُ الْعين مثل نَمِر وَشَقِرة فإنَّ عينَه تُفتحُ فِي النَّسب فِراراً من تَوالي الكسرتين والياءين فصل فَإِن كانَ المكسورُ الْعين أربعةَ أحْرُفٍ مثل المغْرِب وتغْلِب فأكثرهم يقرّ الكسرةَ فِي النَّسب لوَجْهَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 أَحدهمَا أنَّه لما سكّن مَا قبل الْعين صارَ المتحرك بِمَنْزِلَة أوَّل كلمةٍ وَالَّذِي قبله كآخر كلمة موقوفٍ عَلَيْهَا فيقرّ الكسرة كالنسبِ إِلَى عِدة عِدِيّ وَالثَّانِي أنَّ كَثْرَة الْحُرُوف وال فصل بالسَّاكن غلبا على الكسرة وَصَارَت كالمنسيّ مَعَهُمَا وَمن العربِ مَنْ يفتحُها قِياساً على الثّلاثيّ فصل إِذا نسيتَ إِلَى مقصورٍ ثلاثيّ قلبتَ ألفَه واواً لأنَّ يَاء النّسَب لَا يسكّن مَا قبلهَا والألفُ لَا تكونُ إلاَّ ساكِنةً وقُلبت واواً لَا غير سَوَاء كَانَ أصلُها الواوَ أَو غَيرهَا لأنَّها مَعَ ياءِ النَّسب أخفُّ من الْيَاء وَلم تُحذفِ الالفُ لالتقاء الساكنين لِأَن الِاسْم الثلاثيّ أقلَ الْأُصُول فالحذفُ مِنْهُ إجحافٌ بِهِ ومؤدٍّ إِلَى اللّبْس فصل فإنْ كانَ المقصورُ أربعةَ أحرفٍ فَفِيهِ القلبُ لأنَّ الاسمَ لم يبلغْ غايةَ الْأُصُول فخرجَ على الأَصْل وَجَاز الحذفُ لأنَّه يبْقى على زنة أقل الْأُصُول وَيصير بِالزِّيَادَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 على زِنة أكثرِها وَمِنْهُم مَنْ يزيدُ الواوَ فَيَقُول دُنياويّ وَهُوَ شاذّ ضَعِيف فِي الْقيَاس وَهُوَ يشبه مدّ الْمَقْصُور فصل فَإِن كانَ خَمْسَة أحرفٍ حذفت لَا غير نَحْو قَوْلك فِي مرتجى مُرْتجيٌّ لِأَن الِاسْم بلغ أَكثر الْأُصُول وبالزيادة يصير سَبْعَة أحرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 فصل فإنْ نسبتَ إِلَى منقوصٍ ثلاثيّ نَحْو عَمٍ وشَجٍ أبدلتَ من الكسرة فَتْحة كَمَا فعلتَ فِي نِمر فتقلبُ الياءَ ألفا فَيصير كالمقصور فصل فَإِن كانَ أربعةَ أحرفٍ نَحْو قاضٍ جازَ إبدالُ الكسرة فَتْحة فتقلب الْيَاء الْفَا ثمَّ واواً لأنَّه أوسطُ الْأُصُول وجازَ حذفُ الْيَاء وَتبقى الكسرةُ كَمَا ذكرنَا فِي المقصورِ الرُّباعيّ فإنْ كَانَ خمسةَ أحرفٍ فالحذف للطّول لَا غير فصل فإنْ كَانَ قبلَ الطَّرف ياءٌ مشدَّدة نَحْو أُسِيّد وحُميّر حذفت الثانيةَ المتحركةَ لئلاّ تتوالى الكسرتانِ والياءان وَالَّتِي تبقى الساكنة فإنْ كانَ بعدَ المشدَّدةِ ياءٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 سَاكِنة لم تحذِفْ شَيْئا كَقَوْلِك فِي تَصْغِير مُهوَّم مهيَّم مهيّميّ لأنَّ الطَّرَف لَا كسرةَ تليه فصل فإنْ كانَ فِي آخر الِاسْم ياءٌ مشدَّدةٌ قبلهَا حرفٌ واحدٌ نَحْو حيّ فككتَ الإدغامَ وقلبتَ الياءَ الثانيةَ ألف ثمَّ واواً فَتَقول حَيَوِيّ وإنَّما فعلت ذَلِك لئلاّ يتوالى أربعُ ياءات وَتقول فِي لَيَّ وطيّ لوويّ وطوويّ فأظهرتَ الْوَاو الَّتِي هِيَ عينٌ لزوالِ الموجبِ لِتَغَييرِها وقُلبتِ الياءُ على مَا ذكرنَا فصل فإنْ كانَ قبلَ الياءِ المشدَّدةِ حرفان مثل عَدِيّ وقُصَيّ فَمن الْعَرَب مَنْ يقره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 على حالِه ويجمعُ بَين أَربع ياءات وَهُوَ مستثقلٌ وَالْأَكْثَر الأقيسُ أنْ تحذِفَ الياءَ الساكنةَ وَهِي يَاء فعيل وتُبدل من الكسرة فَتْحة فتقلب الْيَاء المتحركة ألفا ثمَّ واواً فَتَصِير إِلَى عَدَويّ فِراراً من الثّقل فصل فإنْ سُكِّن مَا قبلَ الْيَاء نَحْو ظَبْيٌ أقررتَ الياءَ فقلتَ ظَبِيِيٌّ لَا خلاف فِي هَذَا فإنْ نسبتَ إِلَى ظَبْيَة فَكَذَلِك إِلَّا عِنْد يُونُس فَإِنَّهُ يَقُول ظَبَوِيّ وَوَجهه على ضعفه أنَّه قدَّره فَعِلة بِالْكَسْرِ فأبدل من الكسرةِ فَتْحة فَانْقَلَبت الياءُ ألفا ثمَّ واواً احتيالاً على الأخفّ وخصَّ ذَلِك بالمؤنث لأنَّه موضعُ التَّغْيِير وقالَ فِي عُرْوَة عُرَوِيّ بِفَتْح الرَّاء وَهُوَ بعيدٌ لأنَّه لَا يَسْتَفِيد بذلك خفَّةً فإنَّه إِذا كسر الرَّاءَ ثمَّ فَتَحها فالواو باقيةٌ بِحَالِهَا فالسكون أخفّ فصل فإنْ نسبتَ إِلَى ممدودٍ لم تحذِفْ مِنْهُ شَيْئا لأنَّ الهمزةَ حرفٌ صحيحٌ ولذلكَ تثبتُ فِي الْجَزْم وَتدْخلهَا الحركاتُ الثلاثُ مَعَ تحرّك مَا قبلهَا وهمزةُ الْمَمْدُود على أربعةِ أضْرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 أحدُها أصلٌ نَحْو قُرّاء فَهَذِهِ تُقرُّ فِي النَّسب وَقد أُبدِلت واواً شاذّاً شُبِّهت فِي ذلكَ بالزائدة والثَّاني أَن تكونَ بَدَلاً من أصلٍ نَحْو كِساء ورِداء فالوجْهُ إقرارُها لأنَّ بدلَ الأَصْل أصلٌ وَمِنْهُم مِنْ يقلبها واواً لِضعْفِهَا بالإبدال فقد أشبهت الزَّائِدَة وَالثَّالِث أَن تكونَ بَدَلا من مُلحق نَحْو عِلْباء وحِرْباء فَفِيهَا الإقرارُ لِأَن الملحق كالأصليّ فِي جَرَيَان أَحْكَامه عَلَيْهِ وَفِيه الْإِبْدَال لأنَّه بَدَلٌ من زائدٍ فَضَعُف والرابعُ أَن تكون زَائِدَة للتأنيث نَحْو حَمْراء وصَحْراء فالوجهُ القلبُ لِأَنَّهَا كالمقصورةِ فِي دلالتها على التَّأْنِيث وَذَلِكَ نَحْو حمراويّ وصحراويّ فصل فَإِن نسبتَ إِلَى اسمٍ على حرفين قد حُذفتْ فاؤه نَحْو عِدة لم يُردَّ المحذوفُ لأنَّه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 بعيدٌ من مَوضِع الْيَاء وَإِن كَانَ المحذوفُ لامه نَحْو شفة رددت الْمَحْذُوف فَقلت شفهيّ وَتقول فِي شاةٍ شاهيّ وَتقول فِي شِية على قَول سِيبَوَيْهٍ وشويّ فتردّ الواوَ وتقلبُ الياءَ ألفا ثمّ واواً لأنَّ مَا قبلَها لَزِمته الحركةُ بعدَ الْحَذف وردُّ الْمَحْذُوف عارضٍ فَلَا تُعيده إِلَى السكونِ الَّذِي هُوَ الأَصْل وَكَذَلِكَ مذهَبُه فِي يدٍ يَدَوِيّ وقالَ أَبُو الْحسن يُردّ الْمَحْذُوف والسكون فَتَقول وشْييّ ويَدْييّ لأنَّ الحركةَ عرضتْ بعد الْحَذف فردُّ الْمَحْذُوف يردُّ الأصلَ فصل إِذا نسيتَ إِلَى فَعيلة كَحنِيفة أَو فُعيلة كَجُهينة حذفتَ الياءَ والتاءَ وأبدلتَ من الكسرة فَتْحة فِراراً من توالي الكسراتِ والياءات ولَمَّا حُذفت الياءُ بَقِي مثل شَقِرة فأبدلتها فَتْحة واختصَّ ذَلِك بالمؤنَّث لأنَّ ياءه يلزمُ حذفُها فِي النّسَب 154 والتغييرُ يؤنسُ بالتغيير أوْ لأنَّ المؤنَّث يُخفّفُ لئلاّ يجتمعَ ثِقَلُ اللَّفْظ وَالْمعْنَى فإنْ كَانَت العينُ واواً نَحْو حَويزة لم يُحذَف لِئَلَّا تنْقَلب الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وإنْ كانَ مضاعفاً نَحْو مُديدة لم يُحذف كَيْلا يلزمَ الْإِدْغَام وَقد خرجَ مِنْهُ شيءٌ على الأَصْل فَقَالُوا فِي السَّلفية سَلِيقيّ فأمَّا فَعُولة نَحْو شَنُوءة فمذهب سِيبَوَيْهٍ الحذفُ والفتحُ فَتَقول شَنَئيّ فِراراً من ثِقَل الضمِّ وَالْوَاو وَالْكَسْر وَالْيَاء وَقَالَ المبرِّج لَا يُغيَّر لأنَّ الْوَاو لَا تَثْقُل فِي النّسَب فصل وأمَّا مَا لَا تاءَ فِيهِ نَحْو وقُريش فالجيِّد أنْ لَا يُغيّر لِمَا ذكرنَا من أَن التنقل مَعَ التَّأْنِيث أَكثر وَأَن التَّغْيِير يؤنس بالتغيير وَقد جَاءَ شَيْء مِنْهُ محذوفاً قَالُوا ثقفيّ وسُلّميّ تَشْبِيها لَهُ بفَعِيلة فصل فإنْ نسبتَ إِلَى جمع مثل رجال وفرائض رَددته إِلَى الْوَاحِد لوَجْهَيْنِ 155 أَحدهمَا أنَّ النسبَ يُنقل إِلَى الْوَصْف والوصفُ هُنَا يصير وَاحِدًا لأنَّ الموصوفَ واحدٌ فَيَنْبَغِي أَن يكونَ اللفظُ مُفردا ليطابقَ الْمَعْنى والثَّاني أنَّ الْجمع والنسبَ مَعْنيانِ زائدان فَلم يُجمعْ بَينهمَا فِراراً من الثِّقل وَلَا لَبْس لأنَّ الواحدَ المنسوبَ إِلَيْهِ يشتملُ على الْجمع وليسَ المرادُ فِي النسيِ الدَّلالةَ على الْجمع بل النّسَب إِلَى الْجِنْس فَيصير فِي ذَلِك كالتمييز فإنَّ الْوَاحِد فِيهِ يُغْنى عَن الْجمع فأمَّا مدائنيّ وأنباريّ فجازَ لَمَّا سُمِّي الواحدُ بِالْجمعِ فصل وَمَا شَذَّ فِي النَّسب يُحفَظُ وَلَا يُقاسُ عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قولُهم طَائيّ وأصلُه طَيْئِيّ لأنَّ المنسوبَ إِلَيْهِ طيّء فحذفت الْيَاء الثَّانِيَة وأُبدِلت الساكنةُ ألفا وكأنَّهم هربوا من الأصلِ لما فِيهِ من الثِّقل بكثرةِ الياءات وأنَّ فِي الْهمزَة ثقلاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 والتغييرُ يؤنسُ بالتغيير أوْ لأنَّ المؤنَّث يُخفّفُ لئلاّ يجتمعَ ثِقَلُ اللَّفْظ وَالْمعْنَى فإنْ كَانَت العينُ واواً نَحْو حَويزة لم يُحذَف لِئَلَّا تنْقَلب الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وإنْ كانَ مضاعفاً نَحْو مُديدة لم يُحذف كَيْلا يلزمَ الْإِدْغَام وَقد خرجَ مِنْهُ شيءٌ على الأَصْل فَقَالُوا فِي السَّليقة سَلِيقيّ فأمَّا فَعُولة نَحْو شَنُوءة فمذهب سِيبَوَيْهٍ الحذفُ والفتحُ فَتَقول شَنَئيّ فِراراً من ثِقَل الضمِّ وَالْوَاو وَالْكَسْر وَالْيَاء وَقَالَ المبرِّد لَا يُغيَّر لأنَّ الْوَاو لَا تَثْقُل فِي النّسَب فصل وأمَّا مَا لَا تاءَ فِيهِ نَحْو ثَقِيف وقُريش فالجيِّد أنْ لَا يُغيّر لِمَا ذكرنَا من أَن النَّقْل مَعَ التَّأْنِيث أَكثر وَأَن التَّغْيِير يؤنس بالتغيير وَقد جَاءَ شَيْء مِنْهُ محذوفاً قَالُوا ثقفيّ وسُلّميّ تَشْبِيها لَهُ بفَعِيلة فصل فَإِن نسبت إِلَى جمع مثل رجال وفرائضَ رَددته إِلَى الْوَاحِد لوَجْهَيْنِ 155 أَحدهمَا أنَّ النسبَ يُنقل إِلَى الْوَصْف والوصفُ هُنَا يصير وَاحِدًا لأنَّ الموصوفَ واحدٌ فَيَنْبَغِي أَن يكونَ اللفظُ مُفردا ليطابقَ الْمَعْنى والثَّاني أنَّ الْجمع والنسبَ مَعْنيانِ زائدان فَلم يُجمعْ بَينهمَا فِراراً من الثِّقل وَلَا لَبْس لأنَّ الواحدَ المنسوبَ إِلَيْهِ يشتملُ على الْجمع وليسَ المرادُ فِي النسيِ الدَّلالةَ على الْجمع بل النّسَب إِلَى الْجِنْس فَيصير فِي ذَلِك كالتمييز فإنَّ الْوَاحِد فِيهِ يُغْنى عَن الْجمع فأمَّا مدائنيّ وأنباريّ فجازَ لَمَّا سُمِّي الواحدُ بِالْجمعِ فصل وَمَا شَذَّ فِي النَّسب يُحفَظُ وَلَا يُقاسُ عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قولُهم طَائيّ وأصلُه طَيْئِيّ لأنَّ المنسوبَ إِلَيْهِ طيّء فحذفت الْيَاء الثَّانِيَة وأُبدِلت الساكنةُ ألفا وكأنَّهم هربوا من الأصلِ لما فِيهِ من الثِّقل بكثرةِ الياءات وأنَّ فِي الْهمزَة ثقلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 أَحدهمَا أنَّ النسبَ يُنقل إِلَى الْوَصْف والوصفُ هُنَا يصير وَاحِدًا لأنَّ الموصوفَ واحدٌ فَيَنْبَغِي أَن يكونَ اللفظُ مُفردا ليطابقَ الْمَعْنى والثَّاني أنَّ الْجمع والنسبَ مَعْنيانِ زائدان فَلم يُجمعْ بَينهمَا فِراراً من الثِّقل وَلَا لَبْس لأنَّ الواحدَ المنسوبَ إِلَيْهِ يشتملُ على الْجمع وليسَ المرادُ فِي النسبِ الدَّلالةَ على الْجمع بل النّسَب إِلَى الْجِنْس فَيصير فِي ذَلِك كالتمييز فإنَّ الْوَاحِد فِيهِ يُغْنى عَن الْجمع فأمَّا مدائنيّ وأنباريّ فجازَ لَمَّا سُمِّي الواحدُ بِالْجمعِ فصل وَمَا شَذَّ فِي النَّسب يُحفَظُ وَلَا يُقاسُ عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قولُهم طَائيّ وأصلُه طَيْئِيّ لأنَّ المنسوبَ إِلَيْهِ طيّء فحذفت الْيَاء الثَّانِيَة وأُبدِلت الساكنةُ ألفا وكأنَّهم هربوا من الأصلِ لما فِيهِ من الثِّقل بكثرةِ الياءات وأنَّ فِي الْهمزَة ثقلاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وَمن ذَلِك قولُهم فِي النِّسْبَة إِلَى الدَّهر دُهْرِيّ بضمّ الدّال وَفِي السهل سُهليّ بضمّ السِّين وَمِنْه إمْسِيّ بِكَسْر الْهمزَة وَالْأَصْل فَتْحُها وَلَكِن أتْبعوا وَمِنْه حِرْميّ بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الرَّاء والأصلُ فتحُهما لأنَّه منسوبٌ إِلَى حَرَمِ مكَّة وَمِنْه مَرْوَزيّ فزادوا الزَّاي والأصلُ مَرْوِيّ مَنْسُوب إِلَى مَرْو فصل فَإِذا نسبتَ إِلَى مُسمّىً بجملةٍ مثل تأبَّط شرّاً نسبتَ إِلَى صدرِها فَقلت تأبطيّ فتنقلُ الْفِعْل إِلَى الصّفة وَذَلِكَ يَكْفِي فِي تَعْرِيف الْمَنْسُوب فإنْ نسبتَ إِلَى مضافٍ ومضافٍ إِلَيْهِ مثل ابْن الزُّبير وَعبد الْقَيْس نسبت إِلَى مَا حصلَ بِهِ الشُّهْرَة فَتَقول زُبيريّ وقَيسيّ وَقَالُوا فِي عبدِ الدَّار عبْديّ وعبدريّ وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 عبد الشَّمْس عَبْشميّ وَقَالُوا أَيْضا فِي عبد الْقَيْس عبقسيّ فنحتوه من أصلين وَذَلِكَ يُسْمَعُ وَلَا يُقاس عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 بَاب التصغير التَّصغير التحقيرُ ويقعُ فِي الْكَلَام على ثلاثةِ أضْرُبٍ 1 - تحقيرُ مَا يُتوهَّم عَظيماً كَقَوْلِك رُجَيل 2 - وتقليلُ مَا يُتوهَّم كثيرا ك دريهمات 3 - وتقريبُ مَا يُتوهَّم بَعيدا كقولكَ قُبيل الْعَصْر وبُعيدَ الْفجْر وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ فِي كلامِهم تحقيرُ التَّعْظِيم كَقَوْل الشَّاعِر من // الطَّوِيل // (وكلُّ أُناسٍ سَوْفَ تدخلُ بَينهم ... دُوَيْهيَةٌ تصفرُّ مِنها الأنامِلُ) وَهُوَ عندنَا على التحقير أيْ أنَّ أَصْغَر الدَّواهي تُفْسِد الأحوالَ العِظام وَكَذَلِكَ قَول الآخر من // الطَّوِيل // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 فُويقَ جُبيلٍ سامقِ الرَّأْس لم تكنْ ... لِتَبْلُغَه حتَّى تَكِلَّ وتَعْمَلا) أَي إنَّه جبلٌ صَغِير العَرْض دقيقٌ طويلٌ فِي السَّمَاء شاقّ المصعدِ لطوله وأمَّا قَوْلهم فلانٌ أُخيّ وصُديقيّ فَهُوَ من لطف الْمنزلَة وصِغر الْأَمر الَّذِي أحكم الوصلةَ بَينهمَا فصل والتَّصغير كالوصفِ لأنَّ قَوْلك رُجيل فِي معنى رجلٌ حقير وَلذَلِك إِذا صغّرت الْمصدر واسمَ الْفَاعِل لم يعْمل كَمَا لَا يعْمل مَعَ ظُهُور الْوَصْف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 فصل وعلامةُ التَّصغير ياءٌ تقعُ ثَالِثَة وتضمّ أوَّلَ الِاسْم وتَفْتَح ثانيهِ وتكسِرُ مَا قبلَ آخرِه فِيمَا زَاد على الثَّلاثة وإنَّما حرّك بِهَذِهِ الحركات لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه قصد بذلك صيغةٌ تَخْلُص للتّصَغير من غيرِ مشاركةٍ وَلم يُوجد سوى هَذِه الصِّيغَة وَالثَّانِي أنَّ المصغَّر لَمَّا جمع الْوَصْف والموصوف فِي الْمَعْنى بلفظٍ واحدٍ جُمعت لَهُ الحركات وأمَّا زيادةُ الْيَاء دون غَيرهَا فلأنَّها أخفُّ من الْوَاو هُنَا لأنَّ الواوَ لَو كَانَت هُنَا لم يخلصِ المثالُ للتصغير لأنَّه كَانَ يصيرُ فُعولا وَنَحْوه وأمّا الْألف فَلَا يخلص بهَا المثالُ للتَّصغير بل كَانَ يصيرُ فُعالاً وَنَحْوه ولأنَّ الْألف خصَّ بهَا التكسير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 فصل وَإِذا كانَ المصغّرُ ثُلاثياً مؤنَّثاً بالألفِ الْمَقْصُورَة أَو الممدودة أَو بِالتَّاءِ أقررته كَقَوْلِك فِي حُبلى حُبيلى وَفِي حَمْرَاء حُميراء وَفِي طَلْحَة طُليحة وإنَّما كَانَ كَذَلِك لأنَّ عَلامَة التَّأْنِيث دخلت لِمَعْنى فَلَا يَنْبَغِي أَن تُحذفَ لِئَلَّا يبطل مَعْنَاهَا وَلم يُكسر مَا قبلَها لأنَّ الألفَ تنقلبُ يَاء بعد الكسرة فيبطلُ لفظُ العلامةِ لأنَّ علامةَ التَّأْنِيث مفتوحٌ مَا قبلهَا أبدا فَهِيَ كاسمٍ ضمّ إِلَى اسْم] فَيبقى الصدرُ بِحَالهِ فصل فَإِن كَانَ الاسمُ على فعلان عَلماً أَو نكرَة مؤنَّثة فَعلى أقرَّ مَا بعد ياءِ التَّصغير كَقَوْلِك فِي عُثمان عُثيمان وَلَا يجوز عُثيمين وَفِي سَكرَان سُكَيران لَا سُكَيرين لأنَّ الألفَ وَالنُّون هُنَا ضارعتا ألفي التَّأْنِيث لما ذكرنَا فِيمَا لَا ينْصَرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 فأمَّا سِرْحان فَتَقول فِيهِ سُرَيْحِين فتقلبُ الألفَ يَاء لانكسار مَا قبلهَا لِأَنَّهَا لم تشبه ألف التَّأْنِيث لتفتح مَا قبلهَا فأمَّا عُريان فَتَقول فِيهِ عُريّان لِأَنَّك لَا تَقول فِي تكسيره عرايين بل عُرَاة فصل فإنْ كانَ المؤنَّثُ بالألفُ رُباعياً مثل قَرْقَرا حَذَفْتَ ألفَ التأْنيثِ فقلتَ قُرَيْقِر لئلاّ يصيرَ بناءُ التصغير ستةَ أحرفٍ وَيكون عَجزُ الكلمةِ مُساوياً لصدرِها وَمن شأنِ الصدرِ أَن يكونَ أكثَر من العَجُز وجازَ حذفُ علامةِ التَّأْنِيث للثِّقل وأنَّ التصغير عارضٌ بعد مَعْرِفة المكبّر فَلَا لَبْسَ إِذن فصل فإنْ كانَ المؤنِّثُ خَمْسَة مثل حُبَارَى كنتَ مخيَّراً إنْ شئتَ حذفتَ الألفَ الأولى فَقلت حُبَيْرى لِأَن فِي ذَلِك تَخْفيف الْكَلِمَة والمحافظة على علامةِ التَّأْنِيث وإنْ شئتَ حذفت ألف التأنيثِ لِتَطرّفِها كَمَا حذفت ألفَ قرقرا وَفِي ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 محافظةٌ على ألفِ المدّ وأجازَ بعضُهم حذفَ الفِ التَّأْنِيث وقَلْبَ ألف المدّ يَاء وزيادةَ تَاء التَّأْنِيث فَيَقُول حُبَيْرَة لأنّه ألحقَه بعد حذفِ الْألف بِعِمامة فصل فإنْ صغِّرتَ لُغَّيْزَى حذفتَ ألفَ التأنيثِ وفككتَ الْإِدْغَام فَقلت لُغَيْغِيزٌ فصارَ كسُفَيْرِج وإنْ صغَّرتَ قَبَعْثَرى قلتَ قُبيعِث فحذفتَ الألفَ والراءَ لأنَّ خَمْسَة مِنْهَا أصُول والألفُ زَائِدَة والخماسيّ يُحذفُ مِنْهُ آخِره وَهُوَ أصل فَأولى أَن يُحذفَ مِنْهُ الزائدُ فصل والخماسيُّ الَّذِي كلّه أُصول نَحْو سَفَرْجَل يُحذف مِنْهُ الحرفُ الخامسُ لأنَّ الخمسةَ أكثرُ الْأُصُول وياءُ التَّصْغير صَارَت كالأصليّ لأنَّها دلَّتْ مَعَ الصيغةِ على معنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 غيرِ التَّكْبِير فَلَو أقرَّ بِحَالهِ لصارتْ ستةَ أحرفٍ فِي حكم الأصولِ وليسَ لنا أصلٌ على هَذِه العدّة ولأنَّ ياءَ التصغير تقعُ ثالثةَ فيصيرُ مَا قَبلها صَدْراً وَمَا بعدَها عَجزُاً فَلَو لم يُحذف من الْأَخير لزادَ العَجُز على الصَّدْر وَهُوَ إِلَى أنْ يَنْقُصَ عَنهُ أقْرَبُ فإنْ قيل فكيفَ جَازَ أَن يكون على ستةِ أحرف فِي مثل صُنَيْدِيق ودُنَيْنير قيل لَمَّا كَانَت الْيَاء الأخيرةُ حرفَ مدٍّ سَاكِنا بعد كسرةٍ خَفَّ النطقُ بِهِ فصل فإنْ صغَّرتَ مَا هُوَ على حَرْفين رددتَه إِلَى أَصله نَحْو يدٍ ودَمٍ تَقول فيهمَا يُديّه ودُميّ لأنَّ ياءَ التصغير تكونُ ثَالِثَة سَاكِنة فَلَا بُدَّ من رَدِّ المحذوفِ لِئَلَّا تقع ثَانِيَة أَو أخيرةً وَذَلِكَ يُوجب قلْبَها أَو حذْفَها وتقولُ فِي عِدة وُعَيْدة فتردّ الْوَاو لأنّك لَو أوقعتَ الياءَ بعد الدَّال لحرَّكتها لوُقُوع تَاء التَّأْنِيث بعْدهَا وَتقول فِي شَاة شُويْهة تقلب الألفَ واواً وَهُوَ أصلُها وتردُّ الهاءَ المحذوفة وتقولُ فِي فَم فُوَيْهٌ لأنَّه فِي الأَصْل فُوْهٌ وتقولُ فس شفة شُفَيهةٌ وعَلى هَذَا فَقِسْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 فصل فإنْ كانَ الاسمُ على ثلاثةِ أحرف أوسَطُه ألِفٌ وعرفتَ أصلَها رَددتهَا إِلَيْهِ فَتَقول فِي بَاب بُوَيْب وَفِي حَال حُويلة وحُويلٌ فِيمَن ذكّره وَفِي مالٍ مُوَيل وَفِي نَاب نُيَيْب لِقَوْلِك نِبتَ فِيهِ وَفِي الْجمع أَنْيَاب وَفِي عَابَ عُييب لأنَّ العَابَ والعيبَ بِمَعْنى فصل فإنْ كَانَت الألفُ مَجْهُولَة حملتَها على الواوِ لأنَّه الأكثرُ فِي هَذَا الأَصْل فَتَقول فِي آءة وَهِي شَجَرة أُوَيأة وَفِي صَابٍ وَهُوَ شجر مرّ صُوَيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 فصل فَإِن كَانَت الألفُ ثَالِثَة نَحْو حِمار قلبتَها يَاء لأنَّها صَارَت فِي موضعِ حرفٍ مكسور لوقوعِه بعد يَاء التصغير قبل الطَّرف وأدغمتَ فِيهَا ياءَ التَّصغير فصل فإنْ كَانَت الياءُ وسَطاً رَدَدْتَها إِلَى اصلِها تقولُ فِي رِيح رُوَيْحة كَمَا تَقول فِي الْجمع أرْوَاح فأمَّا عِيد فتقولُ فِيهِ عُيَيْد كَمَا تقولُ فِي جَمْعه أعْيَاد وَأَصلهَا واوٌ ولكنَّها أُبْدِلت بَدلاً لازِماً لِيُفْرَقَ بِهِ بَين جمعه وتصغيره فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَبَين جمع عُودٍ وتصغيره فَتَقول فِي عَوْد أَعْوَاد وعُويد وَفِي عِيد أعْياد وعُييد فصل فَإِن كَانَت الياءُ أصلا لم تُغيّرها نَحْو عَيْن وشَيْخ وَفِي تصغيرِه ثلاثَةُ مَذَاهِب أحدُها شُيَيْخ بضمّ الأوّل على الأَصْل مثل فُليس وَالثَّانِي كَسْرُ الأوّل إتباعاً للياء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 والثالثُ ضَمُّ الأوّل وإبدالُ الْيَاء واواً من أجل الضمّة قبلهَا وَهُوَ ضعيفٌ جدا فصل فَإِن كَانَت الواوُ ثالثةُ قُلبت يَاء وأُدغمتْ نَحْو قَسْوَر وأسْوَد تَقول قُسَيِّرٌ وأُسَيِّدٌ وَيجوز أنْ تُقرّ الواوَ فَتَقول قُسَيْوِرٌ حَمْلاً على قَسَاور فأمّا عُرْوة وغَزْوة فتصغيرهما عُريّة وغُزيَة بالإبدال والإدغام لَا غير لِأَن الْوَاو لم تصحّ فِي الْجمع فصل فإنْ كانَ فِي الخماسيّ حرفٌ زائدٌ لَيْسَ بِحرف مدّ حذفتَه أينَ كانَ لأنَّ الحرفَ الخامسَ الأصليَّ يُحذف البتةَ فَإِذا وُجد الزائدُ لم يُحذفُ سِواه سَوَاء كانَ لِمَعْنى أَو لغيرِ معنى فَالَّذِي لِمَعْنى كَمُدَحْرِج وَالَّذِي لغير معنى جَحَنْفَل تَقول دحيريج وجحيفيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 فصل فإنْ كانَ فِيهِ زائدان أحدُهما لِمَعْنى والآخرُ لغيرِ معنى حذفتَ الَّذِي ليسَ لِمَعْنى لأنَّ الَّذِي لِمَعْنى أشْبَهُ بِالْأَصْلِ فَكَانَ إقرارُه أولى وَذَلِكَ نَحْو مُقْتَطِع تقولُ فِي تصغيره مُقَيْطِع فتحذف التَّاء وتقولُ فِي مقدِّم ومؤخِّر ومسخِّر مقيدم ومؤيخر ومسيخر فتحذفُ أحدَ المشدّدين كَمَا تَقول فِي الْجمع مقادِم ومآخِر فأمَّا مُقْعَنْسِس فالميم وَالنُّون فِيهِ زائدتان وَالسِّين مكررة للإلحاق فَفِيهِ مذهبان أَحدهمَا مُقَيْعِس بِحَذْف النُّون والسِّين وَتبقى الميمُ لِأَنَّهَا لِمَعْنى وَالثَّانِي بحذفِ الميمِ وَالنُّون فَنَقُول قُعَيْسِس لأنَّ السينَ أشبهت الأصليّ إِذْ كَانَت للإلحاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 فصل فَإِن كَانَ الإسم على مستفعِل نَحْو مُسْتَخْرَج حذفت السِّين وَالتَّاء وأبقيت الْمِيم لِأَن الْمِيم لِمَعْنى وَالسِّين وَالتَّاء زيدا مَعًا فَحُذِفا مَعًا فصل فَإِن حقَّرتَ المصادرَ الَّتِي فِي أوائلها همزةُ وصل حذفتَ همزَة الوصلِ لِلُزومِ تحرُّكِ مَا بعْدهَا لأنَّ ثَانِي المصغَّر محرّك أبدا تَقول فِي انطلاق نُطيليق فتقلبُ الألفَ يَاء لأنَّها رابعةٌ فِي مفردٍ كَسِرْداح وَتقول فِي افتقار فُتَيْقِير وَفِي اضْطِرَاب ضُتَيْريب فتردّ التَّاء إِلَى أَصْلهَا وَهِي تاءُ افتعال لأنَّك قلبتَها لَمّا سكّنَ مَا قبلَها وَقد تحرَّك فِي التصغير وَمن شَأْن التصغيرِ ردُّ الأشياءِ إِلَى أصولِها وَكَذَلِكَ تقولُ فِي ميزَان مُويزين فتردُّ الواوَ لزوالِ علَّة الْقلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 فصل فإنْ كانَ الاسمُ مُشَدَّداً ثلاثيّاً نَحْو خلّ وسلّ فككتَ الإدغامَ لحجز الْيَاء بَينهمَا وإنْ كانَ رُباعياً والمشدّدُ أخيراً لم تفكّه كَقَوْلِك أُصَيّم ومُدَيْقّ لأنّ فِي الْيَاء مدّة تجْرِي مجْرى الفصلِ بَين الساكنين كَمَا جازَ فِي دَابّة والْحَاقّة فصل فإنْ كانَ المؤنَّثُ ثلاثياً بغيرِ علامةٍ رُدّت التاءُ فِي تصغيره نَحْو قُدَيْرة وشُمَيْسَة لأنَّه وضع على التأنيثِ وَلم يكنْ فِي المكبّر علامةٌ لَهُ فَلَو لم تُردَّ فِي التصغير لم يبقَ من أَحْكَام التَّأْنِيث فِي اللفظِ شيءٌ وَقد شذَّ من ذَلِك شيءٌ فَلم تلحقْ بِهِ التَّاءُ فِي التصغيرِ من ذَلِك فَرَس ذَهَبوا بِهِ إِلَى معنى المَرْكُوب وحُرَيْب تَصْغِير حَرْب الْقِتَال ذَهَبُوا بهَا إِلَى معنى الْقِتَال أَو إِلَى الْحَرْب وَهُوَ الغَضَب لأنَّه يلازمها وَقد قَالُوا قَوُيس حَمَلُوه على معنى العُود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 فصل فأنْ كانَ أَرْبَعَة أحرفٍ لم يردّوا إِلَيْهِ التَّاء نَحْو زُيَيْنَب وعُقَيْرِب وعُنيِّق لأنَّ الحرفَ الرابعَ طالتْ الكلمةُ بِهِ حَتَّى صارَ عِوضاً من تاءِ التَّأْنِيث وَقد خرجَ عَن هَذَا الأصلِ ثلاثةُ ألفاظٍ ظَرْفان وهما وَرَاء وقُدّام تقولُ فيهمَا وريّئةٌ وقُدَيْدِيمة وعِلّة ذَلِك أنَّ الظروفَ كلَّها مذكَّرةٌ إلاَّ هذينِ فإنَّهما مؤنثان فَلَو لم تُردَّ التاءُ عَلَيْهِمَا للتَّصغير لأُلْحِقا ببقيةِ الظُّروف واللَّفْظَةُ الثَّالِثَة السَّمَاء ذَا الْكَوَاكِب فإنَّ تصغيرَها سُمَيَّة وإنَّما قصدُوا بذلك الفرقَ بَينهَا وَبَين سماءِ الْمَطَر فإنَّه مذكَّر فصل فِي تَصْغِير الأسماءِ المُبْهَمة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 إِذا صغّرتَ الاسمَ المبهمَ تركتَ أوَّلَه على مَا كانَ عَلَيْهِ من فتحٍ أَو ضمٍّ بخلافِ المعربةِ لأنَّها لَمّا خالَفَتْها فِي الْإِعْرَاب وَالْبَيَان خالفتها فِي التصغيرِ لأنَّ التصغيرَ كالوصفِ لَهَا ووصفُها لَا يغيّرها فَمن ذَلِك ذَا تَقول فِي تصغيره ذَيّا بِالْفَتْح فالألف فِي آخرِه عِوَضٌ عَن الضمّة المستحقّة فِي أوَّل المصغّر فَهِيَ زَائِدَة ولَمَّا كانَ ذَا على حرفين لم يُمكن تصغيرُه مَعَ بقاءِ أَلفه لأنَّ الْألف لَا يكونُ قبلَها ساكنٌ وياءُ التصغير سَاكِنة وَلَا يمكنُ أَن تُقْلَبَ الألفُ يَاء وتدغمَ فِيهَا ياءُ التصغير لأنَّ ذَلِك مخالفٌ لِمَا عَلَيْهِ بابُ التصغير إذْ من حكم التصغير أَن تكون ياؤه ثَالِثَة وَبعدهَا حرف فَوَجَبَ أَن تُكمّل هَذِه الكلمةُ ثلاثةَ أحرف كَمَا تكمّل سَائِر الْكَلِمَات الَّتِي على حرفين بحرفٍ آخرَ فِي التصغير فزادوا يَاء تقع بعد يَاء التصغير وصارتِ الألفُ يَاء قبل يَاء التصغير فصارَ مَعَك ثلاثُ ياءاتٍ وذلكَ مرفوضٌ على مَا ذكرنَا فِي تَصْغِير عَطَاء وبابه فحذفوا إِحْدَاهَا والقياسُ يَقْتَضِي أَن تكونَ المحذوفةُ الأولى لأنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 الثالثةَ بعدَها الألفُ وَلَا تكونُ إِلَّا متحركةً وياءُ التصغير لَا تُحرّك وَلَا تُحذف لِئَلَّا يَبطُلَ مَعْنَاهَا وَلَا شيءَ يَخْلُفُها فَحُذِفت الأولى ووقعتْ ياءُ التصغير ثَانِيَة وَعِنْدِي أنَّ ياءَ التصغير لَو جُعِلت ثَانِيَة من الِابْتِدَاء أَو جُعِل بدلَ الْألف يَاء متحركةً لتقع الألفُ المعوّضةُ من الضمّة بعدَها وَكَانَ أقربَ إِلَى الْقيَاس من الزِّيَادَة والحذف والرجوعُ أخيراً إِلَى هَذَا الْمَذْهَب وَلَو أمكنَ فِي الاسمِ المعربِ أنْ تقع ياءُ التصغير ثَانِيَة لأُوقعت وإنَّما منع مِنْهُ انضمامُ مَا قبلهَا وَتقول فِي هَذَا هَاذَيّا فتأتي بِحرف التنبيهِ وتَدَعُ الاسمَ فِي التصغير على مَا كانَ عَلَيْهِ وَفِي ذَاك ذيّاك وَالْكَاف للخطاب فأمّا فِي المؤنَّثِ فَقَدْ قَالوا هذِه وهاذي وتَا وتِي إلاّ أنَّه فِي التَّصغير لَا يُقَال إلاّ تيّا لِئلا يلتبسَ المؤنَّثُ بالمذكَّر وتقولُ فِي ذَلِك ذيَّالِك فتأتي باللاَّمِ والكافِ وَفِي تِلكَ تَيّالك فأمّا أولاءِ الَّذِي هُوَ جَمع ذَا فَيُقْصَرُ ويُمدّ فإنْ صغّرتَ المقصورَ قلتَ أُوليّا فالضمّةُ باقِيةٌ وأُبدلتَ الألفَ يَاء وأدغمت وَالْألف الَّتِي بعْدهَا عوضٌ من ضمّةِ التَّصْغِير فأمّا الممدودُ فَهُوَ على مِثَال فُعَال فَإِذا صُغّر وَقعت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 ياءُ التصغيرِ بعد اللاّمِ وَبعدهَا ألفٌ فتقلب الْألف يَاء فأمّا الألفُ الَّتِي تُزاد عِوضاً من ضمّة التصغير فَاخْتَلَفُوا فِي موضعِ زيادتِها هُنَا فَقَالَ المبرّد الوجْهُ أَن يُزادَ قبل الْهمزَة ثمَّ يُعمل بِالْقِيَاسِ فِي ذَلِك وإنّما قالَ ذَلِك لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أنّه لَو زادَ الألفَ بعد الهمزةِ لَلَزِمَ حذفُها لأنّها تقلبُ ياءٌ مثلَ الهمزةِ فِي عَطاء إِذا صغّرت وَإِذا قُلبت يَاء وجبَ حذفُها لاجتماعِ ثلاثِ يَاءات كَمَا حُذفتْ فِي عُطيّ فتقعُ الألفُ بعد الْيَاء المشدّدَة فتصيرُ أوليّا كتصغير المقْصُور فَلَا يَبْقَى على المدِّ فِي المكبّر دليلٌ الْوَجْه الثَّانِي أنَّ الألفَ إِذا وقعتْ بعد الهمزةِ كَانَت خَامِسَة زَائِدَة وحكمُ مثل ذَلِك الحذفُ فِي التصغير كَحُبَارَى فإنّك تحذف الألفَ الأخيرةَ وَإِذا حُذفت قلبتْ الهمزةُ يَاء وحُذفت وَصَارَت إِلَى مثل أوليّ مثل عطّيّ فيزولُ عِوَصُ الضمّة وَيبقى لفظُ أقلُّ من لفظ المقصورِ والثالثُ أنَّ الألفَ المزيدةَ عِوَضاً من ضمّةِ التَّصغير تصيَّرُ الكلمةَ إِلَى مثلِ حُميراء فِي عدّة الْحُرُوف فَيَنْبَغِي أَن تكون الألفُ قبلَ الهمزةِ وتكونَ الألفُ الَّتِي كَانَت فِي المكبّرِ بمنزلةِ الرَّاء فِي حمراءَ فِي أنّها ثالثةٌ فَإِذا صُغّرت قلبت الألفُ الأولى يَاء فَيَنْبَغِي أنْ تبقى الألفُ والهمزةُ بعْدهَا كَمَا بقيت فِي حُمَيْراء وَقَالَ الزَّجّاجُ الألفُ المعوَّضَةُ من الضمّةِ زيدت أخيراً على مَا عَلَيْهِ البابُ والهمزةُ بدلٌ من ألفٍ وقَبلها الألفُ الزائدةُ فِي المكبّر فأُبدلت الأولى يَاء ورُدَّت الهمزةُ إِلَى أَصْلهَا فَاجْتمع أَلفَانِ فَهُمزت الثانيةُ كَمَا هُمزت ألفُ التَّأْنِيث فِي حَمْرَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وتقولُ فِي تَصْغِير الَّذي اللَّذيا وَفِي اللَّتيّا فَتُبقي الفتحةَ وتزيدُ الألفَ فإنْ ثنيتَ قلتَ اللَّذيَّان واللَّذيُّون فحذفتَ الألفَ الزائدةَ دونَ الفِ التثمية لالتقاء الساكنين وكانَ حذفُ الأولى أوْلى لأنَّ الثانيةَ تمحضّت للتَّثْنِية ودلَّتْ على الإعرابِ فَهِيَ أقْوى واختُلِفَ فِي تَقْدِير حذفِها فَقَالَ سيوبيه هِيَ محذوفةٌ غيرُ مُقَدَّرة وَيظْهر أثرُ الخلافِ فِي الْجمع فعندَ سِيبَوَيْهٍ اللَّذيُّون بضمّ الياءِ واللَّذِين بِكَسْرِهَا كأنْ لم يكن فِيهِ ألف وَلَو كَانَ مُقَدرا كَمَا أنّ التنوينَ فِي قَوْلك واغلام زيداه حُذِفَ كأنْ لم يكن وَلَو كَانَ مقدّراً لكَانَتْ الألفُ يَاء لكسرةِ الدَّال وعندَ الأخفشِ والمبرّد بِفَتْح الْيَاء فِي الْحَالين لتَكون الفتحةُ دالّةً على الألفِ المحذوفة كالمطَفَيْن والأعْلَيْن 176 - وأمَّا تصغيرُ اللاَّئي واللاَّتي فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ استغنوا عَنهُ بتصغير واحده الْمَتْرُوك فِي جمعه وَهُوَ قَوْلهم اللَّتيات وَهَذَا يَدُلُّ على أنَّ العربَ امْتنعت مِنْهُ وأمّا الأخفشس فيقيسُه فيقولُ فِي اللائي اللّويئا فيقلبُ الألفَ واواً لأنّها مثلُ ألف فَاعل ويُوقع ياءَ التصغير بعدَها ويقرّ الهمزةَ وَيزِيد ألفا أخيراً ويحذفُ الياءَ الَّتِي بعد الهمزةِ لِئَلَّا تصيرَ الكلمةُ على ستةِ أحرف وَكَأَنَّهُ حذفَ الْيَاء لالتقاء الساكنين وَكَانَت أولى بالحذفِ لأنَّ الألفَ لِمَعْنى ويقولُ فِي اللَّاتِي اللّويئا على قَاس ملا تقدّم وَقَالَ المازنيّ لَمّا لم يكن بدٌّ من حذفٍ حُذِفت الألفُ الَّتِي بعد اللاّم لأنّها زَائِدَة فَتَقَع ياءُ التصغير بعد الْهمزَة وَالتَّاء وتدغم فَتَصِير الليّا واللّتيا كَلَفْظِ الْوَاحِد وحُكي عَن بعضِهم من العربِ ضمُّ اللَّام فِي اللُّذيا واللُّتيّا وأمّا مَنْ وأيّ فقد تقدّمَ الكلامُ فِي تصغيرِهما الحديث: 176 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وأمَّا تصغيرُ اللاَّئي واللاَّتي فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ استَغْنوا عَنهُ بتصغير واحده الْمَتْرُوك فِي جمعه وَهُوَ قَوْلهم اللَّتيات وَهَذَا يَدُلُّ على أنَّ العربَ امْتنعت مِنْهُ وأمّا الأخفشس فيقيسُه فيقولُ فِي اللائي اللّويئا فيقلبُ الألفَ واواً لأنّها مثلُ ألف فَاعل ويُوقع ياءَ التصغير بعدَها ويقرّ الهمزةَ وَيزِيد ألفا أخيراً ويحذفُ الياءَ الَّتِي بعد الهمزةِ لِئَلَّا تصيرَ الكلمةُ على ستةِ أحرف وَكَأَنَّهُ حذفَ الْيَاء لالتقاء الساكنين وَكَانَت أولى بالحذفِ لأنَّ الألفَ لِمَعْنى ويقولُ فِي اللَّاتِي اللّويئا على قياسِ مَا تقدّم وَقَالَ المازنيّ لَمّا لم يكن بدٌّ من حذفٍ حُذِفت الألفُ الَّتِي بعد اللاّم لأنّها زَائِدَة فَتَقَع ياءُ التصغير بعد الْهمزَة وَالتَّاء وتدغم فَتَصِير الليّا واللّتيا كَلَفْظِ الْوَاحِد وحُكي عَن بعضِهم من العربِ ضمُّ اللَّام فِي اللُّذيا واللُّتيّا وأمّا مَنْ وأيّ فقد تقدّمَ الكلامُ فِي تصغيرهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 فصل فإنْ صَغَّرتَ جمعَ التكسير الكثرةِ رددتَه إِلَى جمع القلّة إنْ كانَ لَهُ جمعُ قِلّة نَحْو جمال تَقول فِي تصغيره أُجَيْمَال فتردّه إِلَى أجْمَال ثمَّ تصغّره وإنّما كانَ كَذَلِك لأنَّ التصغير تقليلُ فَلم يجتمعْ مَعَ مَا يَدُلُّ على الكثرةِ فإنْ لم يكنْ لَهُ جمعُ قلّةٍ جمعتَه بِالْألف وَالتَّاء نَحْو دُرَيْهِمات وَرْجَيْلات لأنّ هَذَا الجمعَ جمعُ قلّةٍ فإنْ لم يَجُزْ فِي مكبّره الألفُ وَالتَّاء وجازَ فِيهِ الْوَاو وَالنُّون رَدَدْتَه إِلَى الْوَاو وَالنُّون كَقَوْلِك فِي تَصْغِير حَمْقى إِن اردت بِهِ جمع أحْمَق أُحَيْمَقُون وإنْ كانَ جمع حَمْقاء قلت حُمَيْقاوات لأنَّ الواوَ والنونَ من جموع الْقلَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 بابُ جمعُ التكسير وحدُّه كلُّ اسمِ جمعٍ تغيَّرَ فِيهِ لفظُ واحدِه وَمن هُنَا يسمّى تكَسِيراً لتغيّرِ هيئةِ واحدِه كَمَا تتغيّرُ هيئةُ الْإِنَاء بالتكسير والتغييرُ تَارَة يكون باختلافِ الحركةِ وزيادةِ الْحَرْف نَحْو أفْلُس ورِجَال وَتارَة بتغيّر الحركةِ فَقَط نَحْو جَوالق فالمفردُ مضمومٌ الأوّل فإذَا جُمِعَ فَتَحْتَ وَتارَة يكونُ بالنُّقْصان نَحْو حِمار وحُمُر وَتارَة يكونُ على لفظِ الواحدِ وَهُوَ فِي التقديرِ مختلفٌ نَحْو فُلْك فإنَّ الفاءَ فِيهِ مضمومةٌ فِي الواحدِ وَالْجمع ولكنْ يجبُ أَن يُعتقدَ أنّ الضمّة فِي الجمعِ غَيْرُها فِي الواحدِ لأنّا وجدنَا الضمّة تكونُ لما الواحدُ فِيهِ مفتوحٌ أَو مكسورٌ نَحْو فَدّان وفُدُن وحِمار وحُمُر فَدُلّ على أنّ حُدوثَ الضمَّةِ فِي هَذَا الْجمع مُعَلَّلٌ بِالْجمعِ وَهَذَا مِثْلُ ضَمِّ الْعين فِي عُرَيْب فِي التصغير لأنّها غيرُ الضمّة فِي المكبّر لأنّ أوّل المصغّرِ يُضَمّ بكلِّ حالٍ وَكَذَلِكَ ضمّةُ الصّاد فِي قَوْلك يَا منصُ على قَوْلهم يَا حارُ غير الضمّة فِي مَنْصور وعَلى هَذَا تقولُ فِي هِجان ودِلاَص الكسرة والالف فِي الْجمع غَيْرُهما فِي الْوَاحِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 فصل وَالْجمع على ضَرْبَيْنِ قلّة وَكَثْرَة فجمعُ القِلّة جمعُ السَّلامةِ وأربعةٌ من التكسير أفْعُل وأفْعَال وأفْعِلة وفِعْلة نَحْو أفْلُس وأجْمَال وأحْمِرة وغِلْمَة وَمَا عدا ذَلِك جمعُ كَثْرةٍ وإنّما كانَ كَذَلِك لأنّك تميّز بهَا العددَ القليلَ وَهُوَ من الثَّلَاثَة إِلَى العَشَرة فصل وإنَّما اسْتُعْمِل كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا مَوْضِعَ الآخرِ فِي بعضِ المواضعِ لاشتراكِ الجميعِ فِي كَونه جَمْعاً وأنّ اللفظَ لَا يَدُلّ على الكميّة المخصوصةِ فصل والألفاظ المقيّدة للجمعِ أربعةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 جمعُ السَّلامَة نَحْو الزَّيْدُون والهَنْدَات وجمعُ التكسير نَحْو مَا ذكرنَا واسمُ الجنسِ وَهُوَ مَا كَانَ بَين واحدِه وجمعهِ الهاءُ نَحْو نخلةٌ ونَخْل وتَمْرةٌ وتَمْر وَهَذَا ليسَ بجمعٍ فِي اللَّفْظ لانّه مفردٌ يذكّر وَلَا يؤنّث فَتَقول هَذَا تمرٌ وَلَا تَقول هَذِه تمرٌ بِخِلَاف جمعِ التكسير فإنّك تؤنّثه تَقول هَذِه رجالٌ وَهَؤُلَاء رجالٌ وَالرَّابِع اسمٌ مفردٌ فِي اللّفظِ مَوْضُوع للجمعِ نَحْو الرّهط والنَّفر والجامِل والباقِر فصل وابنيةُ الثُّلاثيّ عَشَرةٌ أخفُّها وأكثرها دوراً فِي الْكَلَام فَعْلٌ بِفَتْح الْفَاء وسُكون الْعين نَحْو فَلْس وكَعْب وَجمعه الْقَلِيل على أَفْعُل نَحْو أفلُس دونَ أَفعَال وإنّما كانَ كَذَلِك لِأَن أفْعُلا أقلُّ حروفاً من أَفعَال فاختِير لما يكثر اسْتِعْمَاله تَخْفِيفًا وقَدْ شذَّ مِنْهُ شيءٌ فجَاء على أفْعَال وَذَلِكَ نَحْو فَرْخ وأفْرَاخ وساغَ فِيهِ ذَلِك لأمرين أَحدهمَا أنّ الرّاءَ تُشْبِه حُرُوف المدِّ لِمَا فِيهَا من التَّكْرِير وَالثَّانِي أَنه حُمِل على طَيْر لأنّه بِمَعْنَاهُ وَمن ذَلِك أنْفٌ وآناف لأنّ النُّونَ تُشْبِه الواوَ بغنَّتها وَكَذَلِكَ زنْدٌ وأزناد وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا مَا تقدم من شَبَهِ النُّون بِالْوَاو وَالثَّانِي أنَّ الزّند عُودٌ فَحُمِل على جمعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 فصل وأمّا المعتلُّ الْعين نَحْو ثَوْب فَيُجْمَع فِي القلّة على أَثوَاب لَا على أثْوُب لأنَّ الضمَّة على الْوَاو تُسْتَثْقَل وَكَذَلِكَ الْيَاء فِي بَيْتٍ وأبْيَات فأمّا فِي الكَثْرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 فتجيءُ الواوُ فِعال نَحْو ثِيَاب دونَ فُعُول لِئلاّ يثقل بضمّه الأوّل وَالثَّانِي واجتماع الواوين وجاءَ ذلكَ فِي الْيَاء نَحْو بُيُوت لأنّ الياءَ أخفُّ من الْوَاو فصل وإنَّما جُمِعَ فُعَل نَحْو صُرَد ونُغَر على فِعْلان بِالْكَسْرِ لأمرين أَحدهمَا أنَّ هَذَا البناءَ اختصَّ بضربٍ من الْمُسمّيات وَهُوَ الْحَيَوان وَلَا يكَادُ يُوجد فِي غيرِه فَخَصُّوه فِي الجمعِ ببناءٍ لَا يكون لغيره من الثلاثي والثَّاني أنَّ فُعَلاً قَدْ يَكونُ مَقْصُوراً من فَعال وفُعال يجمع على فِعلان نَحْو غُراب وغِربان فَلَمَّا قرب مِنْهُ جُمع جمعه فأمّا رُبَع فَشذّ جمعُه على أرْبَاع حَمْلاً على غَيره من الثلاثي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 فصل وَقد شَذَّ من أبنيةِ الثُّلاثي غيرِ السَّاكن الْعين زمَنٌ فَجَاء على أزْمن إذْ كانَ زَمنٌ بِمَعْنى دَهْر فَحُمل جمعُه على أدْهُر فصل فإنْ كانَ الاسمُ مذكَّراً على أربعةِ أحْرف ثالثُه حرفُ مدّ نَحْو حِمار وسَحَاب وغُراب وقَضِيب ورَسُول جُمِع فِي القلّة على أفْعِلَة وفِعْلَة دونَ أفعالٍ وأفْعُل لأنّه لَمَّا زادَت حروفُه على الثلاثةِ زِيدَ فِي حُروف جمعِه فأمَّا فِي الكَثْرة فقد جاءَ على فُعُل بضمِّ العينِ وإسْكَانِها نَحْو حُمُر وحُمْر فِي جمعِ حِمَار لِأَنَّهُ اكْتُفي بِمَعْنى الكثرةِ عَن تَكْثِير الحروفِ فأمّا أَحْمَر وحمراء فَلَا يجوزُ فِيهِ إِلَّا حُمْر بإسكانِ الميمِ فرقا بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 الِاسْم وَالصّفة وَقد جاءَ هَذَا البناءُ على فُعلان نَحْو جُرْبان وفِعلان نَحْو غِزْلان فأمَّا فِي الْمُؤَنَّث فالأكثرُ فِيهِ فِي القِلَّة أفعُل نَحْو عَنَاق وأعْنُق وعُقاب وأعقُب لئلاّ يجمعُوا بَين التَّأْنِيث وكثرةِ الْحُرُوف فصل وإنَّما قُلبت الفُ فَاعل فِي الجمعِ واواً لأنّ الفَ التكسير تَقَعُ بعْدهَا والجمعُ بَينهمَا مُتَعذِّر لسكونِهما وحَذْفُ أحدِهما يُخلّ بالدَّلالة على الْجمع فقلبوها واواً لَا يَاء لخمسةِ أوجه أَحدهَا الفرقُ بينَ ألفِ فَاعل وياء فَيْعل نَحْو صَيْرَف وبَيْئِس فَلَو قلت ضَارب لجازَ أنْ يُقالَ الواحدُ ضيرب والثَّاني أَن الألفَ لَمَّا قُلبت فِي التصغيرِ واواً نَحْو ضُويرب قلبتْ إِلَيْهَا فِي الْجمع لقوّةِ اشتباهِ الْبَابَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وَالثَّالِث أنَّ بعد الْألف كسرةً فَلَو قُلبت يَاء لوقعتْ الْألف بَين كسرة وبينَ مَا هُوَ فِي تقديرِ الْكسر وقوعاً لَازِما والرابعُ أنّ ألفَ فَاعل حرفُ معنى والواوُ كثرتْ زيادتُها للمعنى أكثرَ من زِيَادَة الْيَاء لَهُ وَالْخَامِس أنَّ الواوَ هُنَا لَمّا اختصَّت بالجمعِ أشبهتواوَ الضَّمِير فِي قامُوا والزَّيْدُون فصل وإنَّما جَاءَ فِي جمع فَاعل من المنقوصِ فُعَلَةٌ نَحْو قَاضٍ وقُضَاة فرقا بينَ الصحيحِ والمعتلّ واختارُوا لَهُ هَذِه الزِّنةَ لأنّها أخفُّ وأنّها لَا مثلَ لَهَا فِي الآحادِ المعتلّة فصل وجَميعُ الرُّباعي لَهُ جمْعٌ واحدٌ وَهُوَ فَعَالِل سواءٌ كَانَت حروفُه كلّها أصولاً أَو كَانَت بعضُها للإلحاق لأنَّ الأربعةَ لَا بدّ فِيهَا من زيادةِ ألفِ التكسير لِتَدُلَّ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 الْجمع فَلَوْ زَادوا حَرْفاً آخرَ لطالتْ الكلمةُ وهُم قد حَذَفوا من الخماسيَّ فِراراً من الطّول ولمْ يأتِ على شيءٍ من صِيغ الثلاثيّ لأنّه لَا بُدَّ فِيهِ من تكريرِ لامِه كَمَا كانتْ مكررةً فِي الْوَاحِد فَلَو جاءَ على شيءٍ من تِلْكَ الصّيغ لم تتكررْ اللامُ بلْ كانَ يعودُ إِلَى الثلاثي فصل إِذا كانَ الرابعُ وَاواً أَو ألفا زَائِدا فِي الرُّباعي نَحْو جُرْمُوق وحِمْلاق قُلبت يَاء لِسُكونها وانكسارِ مَا قبلهَا فصل وأمّا الخُمَاسيّ فتحذفُ مِنْهُ الحرفَ الأخيرَ لِمَا ذكَرْنا فِي التَّصغير وكذلكَ إِذا كانَ فِي الكلمةِ زَائدان أَحدهمَا لغيرِ مَعْنىً حُذِفَ دونَ الآخرَ وإنْ كانَ فِيهِ زائدٌ واحدٌ واحْتِيج إِلَى الْحَذف حُذِفَ لِمَا ذُكر فِي التَّصْغِير أيْضاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 فصل وإنْ كانَ فِيهِ زَائدان إذَا حذفتَ أحَدَهما لَزِمَكَ حذفُ الآخر وإنْ حَذَفْتَ الآخرَ لم يَلْزَمْكَ حذفُ صَاحبه حذفت الَّذِي تأمنُ مَعَه حذفَ الآخر نَحْو عيضموز تحذِفُ مِنْهُ الياءَ ليبقى يَعْقُوب فتنقلبُ واوه يَاء وَلَو حذفتَ الواوَ وأبقيت الْيَاء لَقلت عياضمز وَذَلِكَ لَا يجوزُ لِأَنَّهُ مثل سَفَارجل فتحذفُ الياءَ ليبقى اربعة أحرف مثل جَعْفَر وجَعَافِر فَإِذا حذفت الْيَاء بقيَ مثل يَعْقُوب كَمَا تقدّم فصل وإنَّما حُرِّكت العينُ من فَعْلة إِذا كَانَت اسْما فِي الْجمع نَحْو جَفْنة وجَفَنات وَلم تحرّك فِي الصِّفة نَحْو صَعْبات ليفرّق بَين الاسمِ والصّفة وكانَ إبقاءُ الصِّفَةِ على السُّكون أولى لأنّ الصِّفةَ أثقلُ من الاسمِ لاحتياجها إِلَى الْمَوْصُوف وَإِلَى الفاعلِ الْمُضمر والمظهر ولكونِها مشتقّةً من الْفِعْل الَّذِي هُوَ ثَقيلٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 فصل فإنْ كانتِ العينُ وَاواً أَو يَاء لم تُحَرِّكا لِئَلَّا تَنْقَلبا أَلفَيْنِ وَقد جاءَ التحريكُ فِي الشِّعر شاذاً كَمَا جاءَ التسكينُ فِي الاسمِ الصحيحِ الْعين شاذّاً أَيْضا وَهَكَذَا أَيْضا إنْ كانَ مضاعفاً نَحْو سَلّة وسَلاّت لانَّك لَو حرّكت اللاّمَ الأولى لالتقى مِثلان ومنْ شأْنِهم أَن يُدْغِموا الأوّل فِي الثَّاني فِيمَا هُوَ أصلٌ فكيفَ فِيمَا حَرَكَتُه عارضةٌ فصل فإنْ كانتِ الفاءُ مَضْمُومَة والعينُ سَاكِنة صَحِيحَة جازَ ضمُّها إتباعاً وفتحُها فِراراً من الضَّمتين وتسكينُها على الأصلِ نَحْو حُجُرات فَإِن كَانَت الْعين واواً نَحْو سُورة لم تحرّك لِئَلَّا تنْقَلب الواوُ بالضمّ أَو تقلبَ ألفا إِن فتحت وَقد جَاءَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 الشاذ سُورَات بِالْفَتْح فإنْ كانتِ اللاّمُ واواً نَحْو خُطْوَة فالجيِّد تسكين الْعين لِئَلَّا تجتمعَ الضمّتان والواُو وزيادةُ الجمعِ وَقد جاءَ تحريكُها على الأَصْل فَإِن كانتْ يَاء نَحْو كُلْيَة فالتَّسْكين هُوَ الوجهُ لِمَا تقدّمَ فِي الْوَاو وَلَو فُتحتِ العينُ لأدّى القياسُ إِلَى قلبِ اللاّم ألفا أَو حذفهَا لالتقاءِ الساكنين وَقد جَاءَ ذَلِك شاذّاً أَيْضا فصل فإنْ كَانَت فِعْلة مكسورةَ الْفَاء مثل سِدْرة فَفِيهَا الأوجهُ الثَّلَاثَة الَّتِي فِي المضمومة الكسرُ على الإتباعِ والفتحُ للتَّخْفِيف والإسْكَانُ على الأَصْل فصل فِي جمع أفْعَل إِذا كَانَ أفْعَل اسْما نَحْو أفْكَل جُمعَ على أفاعِل لأنّه بالحرفِ الزائدِ لحق بِجَعْفَر فَجُمع جمعَه وَهُوَ اسمٌ مثله فإنْ كانَ صفةٌ غالبةٌ وَهِي الَّتِي لَا يكَاد يذكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 الموصوفُ مَعهَا نَحْو الأبرق والأبْطح جمعتَه هَذَا الجمعَ لأنّه اشْبَهَ الاسمَ من حيثُ لم يذكر الموصوفُ مَعَه فَتَقول أبَارِق وأبَاطح وإنْ كَانَ صفة يذكرُ مَعهَا الْمَوْصُوف نَحْو أَحْمَر جمعتَه على فُعْل بِإِسْكَان الْعين وضمُّها شاذٌّ وَلم يُجمعْ على أفاعِل لأنَّ الصفةَ مشتقّةٌ من الْفِعْل واشتقاقُها وكونُها فرعا على الْمَوْصُوف يُلحِقها بالثلاثيّ الَّذِي هُوَ أصلُها فصل وتكسيرُ الصّفة ليسَ بقياسِ لما ذكرنَا فِي فَعْلة من مشابهةِ الصفةِ للْفِعْل فأمّا جمعهَا بِالْوَاو وَالنُّون فليسَ بقياسِ لأنَّ الفعلَ تتصل بِهِ هَذِه العلامةُ فضاربون مثل يضْربُونَ فصل وَقد شذَّتْ من الجموعِ ألفاظٌ فَجَاءَت على خِلاف نظائِر آحادِها فَمن ذَلِك لَيْلَة جُمعتْ على ليالٍ وَكَانَ قياسها لِيال مثل جِفان أَو لَيْلًا مثل تَمْرَة وتمر وقياسُ وَاحِدهَا ليلاة مثل سَعْلاَة وسعالٍ وَقد جَاءَ فِي الشّعْر ليلاهُ شاذاً وَمن ذَلِك حوائج جمع حاجَة وَقِيَاس وَاحِدهَا حائجة مثل ضاربة وضوارب وقياسُ حاجةٍ حاجٌ وحَاجَات وهما مستعملان وَمن ذَلِك ذَكَر ومذاكير وَكَأَنَّهُ جمع مِذْكَار وكأنّهم توهّموا فِي جمعِه مَا يدلّ على التكثير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 بَاب ألفات الْقطع وألفات الْوَصْل أَلِفُ الوصلِ مَزيدةٌ تَوصُّلاً بِها إِلَى النُّطْقِ بالسَّاكن بعْدهَا وَلذَلِك إِذا وَصَلْتَ بِالْكَلِمَةِ شَيْئا قبلهَا سَقَطت الهمزةُ لأنّ الساكنَ قد نُطِق بِهِ بواسطةِ مَا قبله فَلَا تثبتُ همزةُ الوصلِ إلاّ فِي الابتداءِ وأمّا همزةُ القطْعِ فتثبتُ وَصْلاً وَابْتِدَاء فصل وإنّما اختيِرت الهمزةُ لذَلِك لِوَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ القياسَ كانَ أنْ تُزادَ الألفُ لخفَّتها وَلَكِن تعذّر ذَلِك لاستحالةِ تحريكِها واستحالةِ الابتداءِ بالساكن فَعُدِل إِلَى الْهمزَة إذْ كَانَت أختَها فِي المخْرج وشبيهتَها فِي أحكامٍ كَثِيرَة وقيلَ حُرِّكت الألفُ فَانْقَلَبت همزَة وَالثَّانِي أنّ الهمزةَ أوّلُ حروفِ الحلْقِ فَخُصّت بالابتداءِ لتناسبِ الْمَعْنيين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 فصل وأصْلُ حركتها الكسرُ لأنّ الأصلَ الإسكان وَلَكِن دعتِ الضرورةُ إِلَى التحريكِ فصارَ التحريكُ لالتقاءِ الساكنين أَو كالتحريك لَهُ وإنَّما يُضَمّ إِذا انضمَّ الثالثُ لِثِقَل الْخُرُوج من كَسْرٍ إِلَى ضمٍّ لَازم وضُمّت اتبَاعا للثَّالِث فإنْ قيلَ فَكيف كسرت همزَة ابنو وَارْمُوا وضمّت همزةُ أَدعِي واغزي قيلَ لأنّ الضمّةَ فِي النونِ والميمِ عارضتان والأصلُ كَسْرُهما والاصلُ فِي العينِ والزَّاي ضمُّهما والكسرةُ عارضةٌ وَذهب قومٌ إِلَى أنّها حُرِّكت اتبَاعا للثَّالِث المضمومِ والمكسورِ فأمّا المفتوحُ فَلم نُتْبِعْه لِئَلَّا يلتبسَ بهمزةِ الْمُتَكَلّم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 فصل فأمّا الهمزةُ مَعَ لامِ التعريفِ فمفتوحةٌ وذلكَ لكثرةِ استعمالِ أداةِ التَّعريفِ فاختِيرَ لَهَا أخفُّ الحركاتِ فِراراً من الثِّقل فصل فأمّا همزةُ آيْمُنُ فقد ذُكرت فِي القَسَم وقيلَ هِيَ همزةُ الجمعِ حُذِفت واجتُلِبت همزةُ الوصلِ وفُتحت إِيذَانًا بالتغيير اللاّحقِ الكلمةَ وَقد دخلَ هَذِه الكلمةَ ضروبٌ من التَّغيير على مَا ذُكَرَ فِي القَسم فصل فأمّا مَا يدخُلُ عَلَيْهِ همزةُ الْوَصْل من الْأَسْمَاء فعشَرةٌ تُذْكَر أحكامَها فِي التَّصريف إنْ شَاءَ الله وَهِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 اسمٌ واسْتٌ وابنٌ وابنةٌ وابنم وَاثْنَانِ وَاثْنَتَانِ وامرؤ وَامْرَأَة وايمن وأمّا الأفْعَالُ فتدخلُ فِيهِ همزةُ الوصلِ إِذا كانَ الفعلُ أربعةَ أحْرفٍ فصاعِداً غيرَ الْهمزَة ويُسَكّن الحرفُ الَّذِي يَلِي الهمزةَ نَحْو انطلقَ واستخرجَ واقترفَ وَنَحْو ذَلِك ومصدرُه كَذَلِك نَحْو الانطلاقُ والاستخراجُ ولسكون الحرفِ الثَّانِي علّةٌ نذكرها فِي التصريف إِن شَاءَ الله تَعَالَى وأمّا دُخُولها فِي الْأَمر فَفِي كلّ فعلٍ سكّن فِيهَا مَا بعدَ حرف المضارعة فإنّ همزةَ الوصلَِ تدخلُ عَلَيْهِ ليبقى الحرفُ على سكونِه نَحْو اضْرِب واركَب واقرب فأمّا نَحْو قُمْ وعِدْ فَلم يُحتج إِلَى الْهمزَة لأنّه لَمّا تحرّك فِي الْمُضَارع نَحْو يقومُ ويَعِدُ بَقِي متحرِّكاً فِي الْأَمر فصل إذَا دخلت همزةُ الاستفهامِ على همزةِ الوصْل حُذفت همزةُ الوْصلِ لأنّ السَّاكنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 يُمكن النّطقُ بِهِ بعد الِاسْتِفْهَام فَلَا حَاجَة إِلَى الهمزةِ الأُخرى وَكَانَت همزةُ الِاسْتِفْهَام أوْلَى لأنّها دَخَلت لِمَعْنى فأمّا همزةُ لَام التَّعريف فَلَا تَحْذِفُها همزةُ الِاسْتِفْهَام لأنّها لَو حُذِفت لصارَ لَفظه لفظَ الْخَبَر وَلم يقرَّ الهمزةَ على لَفظهَا لأنَّها سَاكِنة ولامُ التَّعْرِيف سَاكِنة فَلم تجتَمِعا ولكنّها تُبْدَل ألفا لأنّ الألفَ فِيهَا مدٌّ يُصَحِّح وقوعَ السَّاكِن بعدَها وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {آللَّهُ خيرٌ أمّا يُشرِكونَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 بَاب الوَقْف الوقفُ ضِدُّ الِابْتِدَاء لأنّه يكون عِنْد انتهاءِ الْكَلِمَة ولَمّا استحالَ الابتداءُ بالساكن استحسنوا فِي ضدّه وَهُوَ الْوَقْف ضدّ الْحَرَكَة وَهُوَ السكونُ وَجُمْلَة مَذَاهِب الْعَرَب فِي الْوَقْف سَبْعَة الإسْكان والإشْمام والرَّوْمُ والنَّقْل والتَّشْدِيد والإبدال من التَّنْوِين وَمن حرف العلّة والحذف فصل وأجودُها الإسكانُ فِي الرّفْع والجرِّ والنصبِ فِي غيرِ المنوّن لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا مَا تقدّمَ من مضادّةِ الْوَقْف للابتداء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وَالثَّانِي أنَّ الوقفَ يكونُ للاستراحة فيناسب الإسكانُ لخفّتهِ فصل وَأما الإشْمامُ فَهُوَ أنْ يُشِير بشفتيهِ إِلَى الضمِّ دونَ الْكسر والفتحِ وَهَذَا يُدرَكُ بالبصر دون السّمع ويُسمَّى رَوْماً عِنْد قومٍ وإنّما فعلوا ذَلِك تَنْبيهاً على استخفافِ الْحَرَكَة وَلم يَجُزْ فِي الكسرِ لما يُفضي إليهِ منْ تَشْوِيه الْخلقَة وَلَا فِي الْفَتْح لتعذر ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 فصل وأمَّا الرَّوْمُ فَهُوَ أنْ يضمَّ شَفَتَيْه فِي الرفعِ بعضَ الضمِّ وَيكسر فِي الجرِّ بعضَ الْكسر فيضعفُ الصَّوتُ بهما وَهَذَا يدرِكه السّمع ويُسمَّى رَوْماً لِأَن الرّوم الْإِرَادَة فكأنَّه اراد الْحَرَكَة التامّة وَلم يأتِ بهَا وَبَقِي على إرادتها دَلِيل فصل وأمَّا النَّقْلُ فَهُوَ أنْ تنقلَ الضمَّةَ فِي الرّفْع والكسرةَ فِي الجرِّ إِلَى الساكنِ قبلهَا بِشَرْط أنْ لَا يَخْرُجَ بالنقلِ عَن النَّظَائِر وَأَن يكونَ المنقولُ إِلَيْهِ صَحِيحا مِثَاله هَذَا بكُرْ بضمِّ الْكَاف ومررتُ ببكِر بِكَسْرِهَا وَمِنْه من // الرّجز // ( ... أَنا ابنُ ماويّةَ إذْ جَدَّ النَّقْرْ) وَقَرَأَ بَعضهم {وتَوَاصَوْا بالصَّبْرِ} وإنَّما فعلوا ذلكَ اهتماماً بالإعراب فَجمعُوا بَين الوقفِ على السّكُون والإتيان بالحركة وَتقول مررتُ بِرَجِلٍ فتكسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 الْجِيم وَلَا تقولُ هَذِه رَجِلٌ لِئَلَّا تخرجَ من كسرٍ إِلَى ضَمٍّ فِي حشوٍ وَتقول هَذَا بُسُر فتضمّ وَلَا تقولُ أكلتْ من بُسِرْ فتكسر لِئَلَّا تخرجَ من ضمٍّ إِلَى كسر لازمٍ فِي حَشْو وَلَا تَقول هَذَا زَيُدْ فتنقل لِئَلَّا يَتَحَرَّك حرفُ العلّة فصل وأمَّا التشديدُ فَهُوَ أنْ يُشدّد حرفُ الإعرابِ إِذا كَانَ صَحِيحا قبلَه متحرِّكٌ فِي الرّفْع والجرّ وَفِي النَّصب إِذا لم يكُنْ مُنوّناً كَقَوْلِك هَذَا خالدٌ وَهُوَ محمدٌ ورأيتُ الرجلّ وإنَّما فعلوا ذَلِك اهتماماً بالإعرابِ أَيْضا وَجعلُوا الْحَرْف السَّاكنَ عِوضاً من الْحَرَكَة كَمَا جعلُوا حروفَ المدِّ فِي مَوضِع كالحركات فصل وأمَّا الإبدالُ من التنوينِ فأكْثَرُ الْعَرَب تُبْدِلُ مِنْهُ فِي النصبِ ألفا وَلَا تُبدلُ مِنْهُ فِي الرّفْع والجرِّ وَفِي ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا أنَّ القياسَ يَقْتَضِي تَرْكَ البدلِ فِي الْجَمِيع لأنَّ البدلَ كالأصلِ وكما لَا تُثبتُ الاصلَ فَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْبَدَل وَلَكِن أُبْدِل فِي النصب لخفّة الفتحة والألفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وَالثَّانِي أنَّ القياسَ هُوَ الإبدالُ فِي الْجَمِيع ليتبيَّن أنَّ التَّنْوِين هُوَ مستحقّ فخرجَ فِي النصب على الأَصْل وَامْتنع فِي الرّفْع والجرِّ لأمرين أَحدهمَا ثقلُ الضمَّةِ وَالْوَاو والكسرة وَالْيَاء وَالثَّانِي اللَّبْس فالواو تَلْتَبِسُ بواوِ الجمعِ أَو واوِ الاستذكار والياءُ فِي الجرِّ تلتبسُ بياءِ الجمعِ أَو ضمير المتكلِّم وَمن العربِ مَنْ لَا يُبدل فِي النصب كَمَا قَالَ الْأَعْشَى من // المتقارب // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 (وآخُذُ من كلِّ حيٍّ عُصُمْ ... ) أَي عصما وقاسوه على الرّفْع والجر وَمِنْهُم مَنْ يُبْدِل فِي الرّفْع واواً وَفِي الجرِّ يَاء كَمَا يُبْدل فِي النصب ألفا وهم أزْدُ السراة وَلَا يحتفلون بالثّقل واللّبْس فصل وأمَّا الإبدالُ فِي غير التنوينَ فَمن التّاء وَالْألف والهمزة وَالْيَاء أما التَّاء فَإِن كَانَت للتّأنيثِ أُبْدلت فِي الوقفِ هَاء فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث لأنَّهم أرادُوا أنْ يَفْصِلوها من غيرِ تَاء التَّأْنِيث وإنَّما اخْتَارُوا الْهَاء لما نذكرهُ فِي حُرُوف الْبَدَل إِن شَاءَ الله نَحْو ضَارِبه ولَمّا كَانَت التّاءُ تثْبُتُ فِي الكلمةِ إمَّا أصْلاً أَو كالأصليّ وصْلاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 ووقفاً نَحْو الرّفات والفرات أُبدل مِنْهَا إِذا كَانَت تاءُ تَأْنِيث للْفرق وَمن الْعَرَب مَنْ يثبتُها فِي الْوَقْف وَمِنْه قَول يَا أهلَ سُورَة الْبَقَرَة ت فَقَالَ مُجيبٌ مَا أحفظ مِنْهَا وَلَا آيتْ وَلَا يبدِلُ هُنَا من التَّنْوِين ألفا فصل وأمَّا الإبدالُ من الألفِ فقد جَاءَ ذَلِك فِي نَحْو حُبْلَى وأفْعَى فَمنهمْ مَنْ يقفُ على الألفِ وَهُوَ الأكثَرُ وَمِنْهُم مَنْ يبدِلُها واواً قبلَها الفتحةُ وَمِنْهُم من يبدلها يَاء قبلهَا الفتحة وَمِنْهُم مَنْ يُبدِلُ ألفَ فُعلى همزَة فَتَقول حبلاً فصل وأمَّا الهمزةُ فإنْ كَانَت قبلَها ألفُ مدٍّ نَحْو كِساء فَالْحكم فِيهَا كسائرِ الحروفِ الصِّحَاح فتُحَققُ الهمزةُ فِي الوقْفِ على مَا يُمكن فِيهَا من المذاهبِ الْمَذْكُورَة وإنْ لم تكن قبلَها ألفٌ بل كانَ متحركاً نَحْو الْخَطَأ والكلأ فالجيِّد همزُها وفيهَا من الْمذَاهب مَا ذكرنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَمِنْهُم مَنْ يُبدِلُها واواً فِي الرّفْع وألفاً فِي النصب وياءً فِي الجرّ ويُتْبِعها مَا قبلَها وإنْ كَانَ مَا قبلَها سَاكِنا صَحِيحا نَحْو الْخَبْء والوَثْء فالمشهورُ إقرارُها فِي الوقفِ سَاكِنة وفيهَا من الْمذَاهب مَا تقدَّمَ وَمِنْهُم مَنْ يُلْقي حركةَ الهمزةِ على مَا قبلهَا ويحْذِفُها فَيَقُول هَذَا الوثُ بغيرِ همزٍ فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث لَكِن يضمّ الثَّاء فِي الرّفْع وَبِفَتْحِهَا فِي النصبِ وبكسرِها فِي الجرِّ كَمَا كَانَت الْهمزَة كَذَلِك وَمِنْهُم مَنْ يُبْدِلها واواً فِي الرَّفعِ ويضمُّ مَا قبلهَا وياءً فِي الجرِّ ويكسِرُ مَا قبلهَا وألفاً فِي النصب فصل وَأما الياءُ إِذا سُكّن مَا قبلهَا نَحْو ظَبْي ورَمْي وعَدِيّ فالجيِّد إقْرارُ الْيَاء وَمِنْهُم مَنْ يبدلها جيماً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 فصل وأمَّا الحذفُ فَفِي المنقوصِ نَحْو قاضٍ وعَمٍ إِذا نوّن وَوُقِفَ عَلَيْهِ رفعا أَو جرّاً فَفِيهِ مذهبان أَحدهمَا حذفُ الياءِ وإسكانُ مَا قبلَها كَالصَّحِيحِ فإنَّه يُحذف مِنْهُ التَّنْوِين والكسرةُ الَّتِي قبله وَالثَّانِي إثباتُ الْيَاء لأنَّها حُذفت فِي الْوَصْل بسببِ التَّنْوِين وَلَا تنوينَ فِي الوقْفِ فَلَا علّة للحذف فَإِن قيلَ هَذَا يوجبُ أَن يكونَ إثباتُها أوْلى قيل لَا لأنَّ الوقفَ عارضٌ والعارضُ كَغَيْر المعتدّ بِهِ فأمَّا فِي النصبِ فيوقَفُ بِالْألف المبدَلةِ لأنَّ الْيَاء تَثْبُتُ فِيهِ وَصْلاً فصل فَإِذا لم يكنِ المنقوص منوَّناً للألفِ وَاللَّام فالجيّدُ الْوَقْف عَلَيْهِ فِي الرّفْع والجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 بِالْيَاءِ لأنَّها تثبتُ فِي الوصْلِ لعدم موجبِ الْحَذف فَلم تتغيّر فِي الْوَقْف وَيجوز حذفُها وَفِيه وَجْهَان أحدُهما الفَرْقُ بَين الْوَصْل والوقفِ وَلَا فارقَ إلاّ الْيَاء وَالثَّانِي أنَّهم قدَّروا الاسمَ نكرَة مَوْقُوفا عَلَيْهِ ثمَّ أدخلُوا عَلَيْهِ الألفَ واللاّم وَهُوَ كَذَلِك فبقيَ على حَاله فأمَّا فِي النصب فالياءُ لَا غير لأنَّها تتحرَّكُ فِي الْوَصْل وحذفت حركَتُها وَكفى بِهِ فَرْقاً فصل فَإِن ناديت الاسمَ المنقوص فمذهب سِيبَوَيْهٍ إِثْبَات الياءِ لأنَّه مَوضِع لَا ينوّن وَمذهب يُونُس حذفهَا للْفرق وَاتَّفَقُوا على إِثْبَاتهَا فِي قَوْلك يَا مُري وَهُوَ اسْم الْفَاعِل من أرى لأنَّهم لَو حذفوها لبقي الِاسْم على حرفين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 فصل وأمَّا الوقفُ على المقصورِ المنوّن فَفِيهِ ثلاثةُ مذاهِبَ أحدُها الوقفُ على الألفِ الَّتِي هِيَ من نفس الْكَلِمَة فِي الرّفْع والجرّ وعَلى بدلِ التَّنوينِ فِي النصبِ وَحذف حرفِ الْإِعْرَاب لالتقاء الساكنين وَهُوَ قولُ سِيبَوَيْهٍ والمذهبُ الثَّاني الوقفُ على حرفِ الإعرابِ فِي الأحوالِ الثَّلَاث والمذهبُ الثَّالِث الوقفُ على ألف التَّنْوِين فيهنّ وحجَّة الأوَّلين أنَّ المعتلّ مقيسٌ على الصحيحِ والمختارُ فِي الصَّحِيح أنْ لَا يبدلَ من تنوينهِ فِي الرّفْع والجرّ ويبدل مِنْهُ فِي النصب فإنْ قيل يلْزم عَلَيْهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أنَّ الصَّحِيح فُعِل بِهِ ذَلِك لأنَّ الفرقَ فِيهِ يظْهر وَهنا لَا يظْهر وَالثَّانِي مَا يُذكر فِي حجَّةِ المخالفِ قيل عَنهُ جوابان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 أحدُهما أنَّ الفرقَ ثابتٌ وَذَلِكَ أنَّك إِذا وقفتَ على الْألف المبدلة من ياءٍ فِي الرّفْع والجرّ كتبتها يَاء وأملْتها وجعلتها رَوْماً وَفِي النصب لَا يثبتُ شيءٌ من ذَلِك وَالثَّانِي أنَّ الحكمَ إِذا كَانَت لَهُ علّة ووجدتْ أثبتَ حكمهَا سَوَاء ظهر الفَرْقُ أَو لم يظْهر واحتجَّ للمذهبِ الثَّانِي بثلاثةِ أَشْيَاء أَحدهَا عدم الْفرق وَالثَّانِي الألفُ فِي النصب قد أُميلت وكتبت يَاء فِي قَوْله {أَوْ أَجِدُ عَلى النَّارِ هُدَى} والثالثُ أنَّها وقعتْ رويّاً كَقَوْل الشَّاعِر من // الرجز // ( ... إنَّكَ يَا بنَ جَعْفَرٍ خيرُ فَتى) إِلَى أَن قَالَ (وربّ ضَيْفٍ طَرَقَ الحيَّ سُرى ... صادفَ زاداً وحديثاً مَا اشْتَهى) (إنَّ الحديثَ طرفٌ من الْقرى ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 فالألفُ فِي سُرَى رَويّ كَمَا أنَّ الألفَ فِي بَاقِي الأبيات كَذَلِك إِذا كَانَ مَا قبل الألفِ مُخَالفا والرويّ لَا يخْتَلف وَلَو كَانَت بَدَلا من التَّنْوِين لم يكنْ رَويّاً كَمَا لَا يصحّ أَن تَجْمَعَ فِي قصيدةٍ بَين قولِك رايت زيدا وَبَين الْعَصَا والعلا واحتجَّ أربابُ المذهبِ الثالثِ بأنَّ الموجِبَ لإبدال التنوينِ ألفا فِي الِاسْم الصَّحِيح فتحةُ مَا قبلَه والتنوينُ فِي الْمَقْصُور كَذَلِك فِي الأحوالِ الثَّلَاث والجوابُ أمَّا الفرقُ فقد ذَكرْنَاهُ وأمَّا إمالتُها وكتْبُها بِالْيَاءِ فِي الْآيَة فجوابُه من وَجْهَيْن أحدُهما أنَّ ذَلِك جاءَ على لُغَة مَنْ لم يُبْدِلْ من التنوينِ ألفا فِي الصَّحِيح والثَّاني أنَّها أشْبَهت لامَ الكلمةِ فِي اللَّفْظ فَقَط فأُجري عَلَيْهَا شيءٌ من أحكامِها وَقد أُميلت فِي نَحْو كتبت كتابا وأمَّا وُقُوعهَا رويّاً فجوابُه هَذَانِ الْوَجْهَانِ وأمَّا شُبْهَةُ الْمَذْهَب الثَّالِث فضعيفةٌ لأنَّ التنوينَ فِي الِاسْم الصَّحِيح أُبْدِلَ بعد فتحةِ الْإِعْرَاب والفتحةُ قبلَ التَّنْوِين فِي الْمَقْصُور فتحةُ بناءٍ لأنَّها عينُ الْكَلِمَة أَو مَا يجْرِي مَجْراها فَلَا تكونُ تَابِعَة لَهَا فصل وَقد زيدت الهاءُ فِي مواضعَ قُصِدَ بهَا بيانُ الحركةِ فَمن ذَلِك قولُهم لِمَهْ وعَلامَهْ لأنَّ الألفَ هُنَا محذوفةٌ من مَا فَلَو سَكّنتَ لم يبقَ على المحذوفِ دَلِيل وَلَو وُقِفَ عَلَيْهَا متحركةً لخُفِّفت الحركةُ ولكان مناقضاً لحكمِ الوقفِ فزيدت الهاءُ لتبقى الحركةُ ويكونَ الوقفُ على الهاءِ سَاكِنة وَمن ذَلِك اغزه وارمه واخشه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَالْعلَّة مَا ذكرنَا وَمن ذَلِك كِتَابيَهْ وحِسَابيَهْ وَمن ذَلِك قراءةُ بَعضهم / لعلّكم تتفكّرونَهْ / والمتّقينَهْ وَكَأَنَّهُ كره اجْتِمَاع الساكنين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 = كتاب التصريف = ويَنبغي أنْ يقدّم الشُّروع فِيهِ أبنيةُ الأسماءِ والأفعالِ لتعلم الْحُرُوف الأصليةُ والزائدةُ فأمَّا الحروفُ فَلَا يُعرفُ لَهَا اشتقاق حتَّى تقضيَ على بعضِ حروفِها بالزِّيادةِ والانقلابِ أَلا تَرى أنَّ الألفَ فِي مَا لَو كَانَت منقلبةً لكانتْ عَن واوٍ أَو ياءٍ وَلَو كانَ كَذَلِك لخرجَتَا على الأصلِ لأنَّهما فِي مثلِ ذلكَ ساكِنان فَكَانَت تكونُ مَوْ أوْ مَي مثل لَو وكي فصل والأسماءُ الَّتي كلُّ حروفِها أصلٌ على ثلاثةِ أضْرُبٍ ثلاثية ورباعية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 وخماسيّة وليسَ فِيهَا سُداسِيَّة وإنَّما اجتُنِبَ ذلكَ لِطُوله وأقلُّ الأُصولِ ثلاثةُ أحرفٍ لأنَّ الحاجةَ تَدْعو إِلَى حَرْفٍ يُبدأ بِهِ وحرفٍ يُوقَفُ عَلَيْهِ وحرفٍ يُفْصَلُ بِهِ بينَهما لئلاّ يَلِي الابتداءَ الوقفُ لأنَّ المُتَجاوِرَين كالشَّيءِ الواحدِ والابتداءُ والوقفُ مُتَضادّان فَلذَلِك فُصِل بينَهما فصل وإنَّما لم يكنِ السُّداسيّ أصلا لأنَّه ضِعْفُ الأصلِ الأوَّلِ فَيصير كالمركَّب مثل حَضْرَمَوْت فَنَقَصُوه عَن ذَلِك فصل وَقد يَبلغُ الاسمُ الثلاثيُّ بالزيادةِ إِلَى سَبْعة أحرف كَقَوْلِك اشهَابّ الشيءُ اِشْهيْبَاباً واحْمَارّ اِحْمِيراراً وَلم يَزْد على ذَلِك فأمَّا قَرَعْبُلانة فالحرفُ الثامنُ تَاء التَّأْنِيث وهُوَ فِي حُكْم المنْفَصِل فصل وأمَّا أُصولِ الأفْعَال فأصلان ثُلاثِيةٌ ورُباعِية وَلم يأتِ مِنْهَا خُماسيّ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا كثرةُ تصرّفِها والزيادةُ عَلَيْهَا فَلَو كَانَت خَمْسَة لثقلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وَالثَّانِي أنَّ الفعلَ فَرْعٌ على الِاسْم فنقصَ عَنهُ لمَكَان الفَرْعِيّة فصل وأكثرُ مَا يصير الفعلُ بالزيادةِ سِتَّة أحْرف وَذَلِكَ أنَّهم زادوا على أَكثر أصولِ الأسْماء حرفين فَفَعلوا مثلَ ذَلِك فِي الْفِعْل فَلَو زادوا ثَلَاثَة لكانَ الفعلُ أوسعَ من الِاسْم وهم قد مَنَعوا الفعلَ من أنْ يُساويَ الاسمَ فِي الأصولِ فَكَذَا فِي الزِّيَادَة فصل وَقد يُزادُ على الفعلِ الثُّلاثيّ حرفٌ مثل أجرم وحرفان مثل انْطلق وَثَلَاثَة مثل استخرجَ وعَلى الرباعي حرفان مثل احرَنْجَم فصل فِي أبنيةِ الأسماءِ الأُصول أمَّا الثلاثيّةُ فجميعُ مَا يُتصوّر مِنْهَا اثْنَا عشر وسببُ ذَلِك أنَّ الأوَّلَ والأخيرَ متحركان لَا محالةَ فيبْقَى الوسطُ فيمكنُ أَن يكون سَاكِنا وَله أنْ يكون متحركاً بثلاثِ حركات فيصيرَ مَعَ السكونِ أَرْبَعَة فيضربُ ذَلِك فِي عدّة الحروفِ فيكونُ اثنى عشر إلاَّ أنَّ بناءين مِنْهَا سَقَطا للثِّقل أَحدهمَا فِعُلَ بِكَسْر الْفَاء وضمِّ الْعين لثقل الْخُرُوج من كسرٍ إِلَى ضمٍّ لَازم وَالثَّانِي عكسُه وَهُوَ ضمُّ الْفَاء وكسرُ الْعين وَقد حُكِيَ الدُّئِل اسْم دُوَيبة ورُئِم اسْم آخر وَمِنْهُم مَنْ قالَ هما فعلان فِي الأَصْل سمّيَ بهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 فأمَّا العشَرةُ المستعملةُ فَفَعْلٌ كفَلْس وفَعَل كَجَبَل وفَعُل مثلُ عَضُد وفَعِل مثلُ كَتِف وفِعْل كجِذْع وفِعَل مثل ضِلَع وفِعِل مثل إبِل وَالَّذِي جَاءَ مِنْهُ قليلٌ وَهُوَ إِبل وإِبد وامرأةٌ بِلِزٌ وإِطِل وفُعْل مثل قُفْل وفُعُل مثل طُنُب وفُعَل مثل جُرَذ فصل وأمَّا الرباعيةُ فجَاء مِنْهَا خمسةٌ بغيرِ خلافٍ فَعْلَل مثل جَعْفَر وفُعْلُل مثل بُرْثُن وفِعْلِل مثل زِبْرِج وفِعْلَل مثل دِرْهَم وفِعَلٌ مثل سِبَطْر والمختلف فِيهِ فُعْلَل مثل جُخْدَب فسيبويه لَا يُثبتهُ وأثبته الْأَخْفَش فصل وأمَّا الخماسيّةُ فجاءَ مِنْهَا أربعةٌ بِلَا خلافٍ وواحدٌ مختلَفٌ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 فالأربعةُ فَعَلّلٌ مثل سَفَرْجَل فَعْلَلِلٌ جَحْمَرِشٌ فِعْلَلٌ جِرْدَحْل فُعَلّل قُذَعْمِل والمختلف فِيهِ فُعْلَلِل هُنْدَلِع فَلم يُثبتهُ سِيبَوَيْهٍ وَحَكَاهُ ابنُ السراج فصل وأمَّا الفعلُ فأصلان ثلاثيّ ورباعيّ ونَقَصُوه عَن أكثرِ الأٍسماء لحاجتهم إِلَى كثرةِ تصريفِ الفعلِ وإلحاقِ الزوائدِ بِهِ للمعنى فصل وأبينةُ الثُّلاثيّ ثلاثةٌ مفتوحُ الْعين ومكسورُها ومضمومُها فأمَّا الفاءُ فَمَفْتوحةٌ أبدا إلاّّ أَن تُنْقَلَ إِلَيْهَا حركةُ العينِ أَو تتبع الْعين وَذَلِكَ نَحْو ضَرَبَ وعَلِمَ وظَرُفَ وَالْمَنْقُول نَحْو قِيلَ وبِيعَ وَقد حُسْنَ وَجْهُه والمُتْبَع نَحْو لِعِبَ وشِهِدَ ونِعِمَ تُرِيدُ لَعِبَ وشَهِدَ ونَعِمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 وَبِنَاء الرباعيّ واحدٌ وَهُوَ فَعْلَلَ نَحْو دَحْرَجَ وسَرْهَف وكلّ ذَلِك يُبْنى لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعلُه فيضمّ أوَّله إلاَّ أَن يَعْرِض لَهُ مَا يوجبُ الْكسر فصل وابنيةُ الأفعالِ أصليّها وزائدها تسعةَ عشرَ ثلاثةٌ فِي الثلاثي وواحدٌ فِي الرباعيّ هَذَا بِغَيْر زيادةٍ فأمَّا مَعَ الزيادةِ فالثُّلاثي يجيءُ بالزيادةِ على ثلاثةَ عشرَ بِنَاء أَحدهَا أفعلَ مثل أكْرَمَ وَالثَّانِي فعَّل مثل كرَّم وَالثَّالِث فاعَل نَحْو قاتَل وَالرَّابِع انفعل مثل انْطلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وَالْخَامِس استفعَل مثل استخرَجَ وَالسَّادِس افْتَعَل مثل اقتَطَعَ وَالسَّابِع افعنْلَى مثل احرنْبَى واسْلَنْقَى وَالثَّامِن تفعَّل مثل تكَسَّر وتقَطَّع وَالتَّاسِع تفاعَل مثل تحامل وتقادم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 والعاشرُ افعلَّ مثل احمَرَّ واصفَرَّ وَالْحَادِي عشر افعالّ مثل احَمارَّ واشهَابَّ وَالثَّانِي عشر افْعَوعَل مثل اخْشَوْشَن واحْلَوْلَى من الحلو وَالثَّالِث عشر افعوّلَ من اخروّطَ من الخَرْط وأمَّا زَوَائِد الرباعيّ فلهَا بناءان أَحدهمَا تَفَعْلَلَ نَحْو تَدَحْرَج وتقرطس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 وَالثَّانِي افعنلَلَ نَحْو احرنْجم واعلنكس فأمَّا اقشعرّ واطمأنّ فَهُوَ رُباعي لِقَوْلِك القُشَعْرِيرة والطُّمَأْنينة إلاّ أنّهم ألحقوه باحرنجم فزادوا فِي أوّله همزةَ الوصلِ وأدغموا الْأَخير فوزنُه الآنَ افعَلَلّ وَلَا يممتنعُ أَن تجعلَ هَذَا بِنَاء ثَالِثا فِي زَوَائِد الرباعيّ فتكمل بِهِ العدّة عشْرين وَفِي هَذِه الزوائدِ مَا هُوَ لإلحاقِ أصلٍ بأصلٍ آخر وسنبيّن معنى الملحَق وحكمَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 بابُ حدِّ التصريف وَفَائِدَته أمَّا حدُّه فَهُوَ تغييرُ حروفِ الْكَلِمَة الأصولِ بزيادةٍ أَو نُقٌصانٍ أَو إبدالٍ للمعاني الْمَطْلُوبَة مِنْهَا وَهَذَا يتعلَّقُ بحدِّ الِاشْتِقَاق وَقد قالَ الرّماني الاشتقاقُ اقتطاعُ فَرْعٍ من أصْلٍ يدورُ فِي تصاريفه الأصلُ وَهَذَا يحصلُ مِنْهُ معنى الِاشْتِقَاق وَلَيْسَ بحدّ حقيقيّ فصل وأمَّا فائدةُ التصريفِ فحصولُ الْمعَانِي الْمُخْتَلفَة المتشعبة عَن معنى وَاحِد والعلمُ بِهِ أهمّ من معرفةِ النَّحْو فِي تعرّف اللُّغَة لأنَّ التصريف نظرٌ فِي ذَات الْكَلِمَة والنحو نظر فِي عوارض الْكَلِمَة فصل واشتقاقُ التَّصريف من صرفت الشَّيْء إِذا قلبته فِي الجهاتِ فتصرف أَي قبل التصرّف وصرفته بِالتَّخْفِيفِ فَانْصَرف أَي قبل هَذَا الْأَثر فصل وحروفُ الكلمةِ الأُصول هِيَ الَّتِي تلزمُ الكلمةَ فِي جَمِيع تصاريفها إلاَّ لعارضٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 ويُقابل أوَّلها بِالْفَاءِ وَثَانِيها بِالْعينِ وَثَالِثهَا بِاللَّامِ فَإِن كَانَت ربَاعِية أَو خماسية كررت فِيهَا اللَّام إِلَّا أَن يكون الأصليّ مكرراً فإنَّكَ تكررُ مَا يُقَابله فِي المثالِ الْمَوْضُوع وأمَّا الزائدُ فُيؤتى بِعْ بعينِه فِي المثالِ المصُوغِ للاعتبار مِثَاله ضَرْبٌ فَهَذَا مصدرٌ هُوَ مادَّةٌ للأفعالِ المأخوذةِ مِنْهُ وأسماءِ الفاعلين والمفعولين وَأَسْمَاء الزَّمَان وَالْمَكَان فالفعلُ ضرب يضْرِب اِضرِبْ وَقد يُزاد عَلَيْهِ للمعاني السّين والتاءُ وهمزةُ الْوَصْل ونونُ الانفعال وَالتَّاء وَالْألف لوقوعِه من اثْنَيْنِ نَحْو استضربَ واضطرب وانضرب وتضاربا وَمَا يتشعب عَن ذَلِك وتزاد الْمِيم فِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَالزَّمَان وَالْمَكَان نَحْو مضَارب ومضروب ومضرب ومضرب وَمَا أشبه ذَلِك وَالضَّاد وَالرَّاء وَالْبَاء أصُول كلّها لوجودها فِي جَمِيع الْأَمْثِلَة وأمَّا الميمُ وَالنُّون والتاءُ والهمزةُ فزوائد لأنَّها تُوجد فِي بَعْضهَا دون بعضٍ فصل وإنَّما قابلوا الحروفَ الْأُصُول بِالْفَاءِ وَالْعين وَاللَّام دون غَيرهَا من الْحُرُوف لوَجْهَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 أَحدهمَا أنَّ التصريف فِي الأصْلِ مِن أَحْكَام الْأَفْعَال فلَمَّا أَرَادوا اعتبارَها جعلُوا المعيارَ لذَلِك حُروفَ الْفِعْل تَنْبِيها على هَذَا الأَصْل وَالثَّانِي أنَّهم بَنَوا هَذَا المِعْيارَ من مخارج الْحُرُوف الثَّلَاثَة وَهِي الشفتان ووسط الْفَم وَالْحلق فالفاءُ شفهية وَالْعين حلقية واللامُ من وسط الْفَم فصل وَإِذا كَانَ التصريفُ عبارَة عَن تَغْيِير الْكَلِمَة فالتغييرُ إمَّا أَن يكونَ بِزِيَادَة أَو نقصانٍ أَو إبدالٍ وَالزِّيَادَة إمَّا بحرفٍ أَو بحركة وَكَذَلِكَ النُّقْصَان وَالْبدل فأمَّا زيادةُ الحروفِ فعلى ضَرْبَيْنِ زيادةٌ من جِنْسِ الأصلِ وزيادةٌ من غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 جِنْسه فالَّتي من جِنْسِ الأَصْل تضعيفُ العينِ واللاّم فأمَّا الْفَاء فَلم تَتَكَرَّر وَحدهَا إلاَّ فِي كَوْكَب وأوَّل على رَأْي الْبَصرِيين وَلَيْسَ معنى تكريره أنَّ الْفَاء تكرّر فِي الْمِثَال فَيُقَال فوفل وَلَا أفّل لأنَّ مِثَال الأَصْل هُنَا ثَلَاثَة وَلم تَتَكَرَّر الْفَاء بعد اسْتِيفَاء الأَصْل وَقد كُرّرت الْفَاء وَالْعين فِي مَرْمَريس ومَرمَريت ووزنه فعفعيل وأمَّا تَكْرِير الْعين فكقولك علَّم وضّرَّب ووزنه فَعّل بتَشْديد الْعين وأمَّا تَكْرِير اللاّم وَحدهَا فَمثل جلبب وشملل ووزنه فَعْلل وَلم يُدغم لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 الزِّيَادَة للإلحاق وَقد تكَرر اللَّام مرَّتَيْنِ نَحْو سفرجل ووزنه فَعلّل وَهَذَا من غير جنس الأَصْل وَإِنَّمَا تكرّر فِي الْمِثَال وَقد تَكَرَّرت الْعين وَاللَّام مثل صمحمح مِثَاله فعلعل فأمَّا قلقل وزلزل فوزنه فعلل وَقَالَ قومٌ فعفل وَهُوَ ضَعِيف لِأَن تَكْرِير اللَّام هُوَ الْكثير وتكرير الْفَاء شَاذ وَكَون الْحَرْف الثَّالِث من جنس الأوَّل لَا يُوجب مُقَابلَته بِالْفَاءِ أَلا ترى أنَّ أَصله قلق ووزنه فَعل مثل سَلس وأمَّا الزِّيَادَة من غير الْجِنْس فعشرة أحرف وَهِي الْوَاو وَالْيَاء وَالْألف والهمزة وَالْمِيم والتّاء وَالنُّون وَالسِّين وَالْهَاء واللاّم وَقد جمعتُها فِي لم يأتنا سهوٌ وَقد جمعت فِي الْيَوْم تنساه وَفِي سألتمونيها وَفِي اسلتمونيها وَفِي يَا أوسُ هَلْ نمتَ وَفِي هويتُ السّمان وَمعنى كَونهَا زائدةٌ أنَّها تكون فِي بعضِ الْمَوَاضِع زائدةٌ لَا فِي كلِّ موضعٍ بل قد تكون كلّها أصولاً أَلا ترى أنَّ أَوَى وَيَوْم وسل كلّها أصُول فصل ويُعرّفُ الزائِدُ من الأصليّ بثلاثةِ أشياءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 الِاشْتِقَاق وَهُوَ أثبتُها وعدمُ النظير فِي الْأُصُول وكثرةُ زيادةِ ذَلِك الْحَرْف فمثالُ الْمَعْرُوف بالاشتقاق مَضْرُوب ومستضرب فالميم وَالْوَاو وَالسِّين وَالتَّاء زَوَائِد لأنَّها غيرُ مَوْجُودَة فِي ضَرْب وضَرَبَ وَمِثَال عدمِ النظيرِ كَنَهْبَل فالنونُ زَائِدَة لَا من طَرِيق الِاشْتِقَاق بل من جِهَة أنَّها لَو جُعلت أصْلاً لكانَ وزنُ الْكَلِمَة فعلّلٌ وَلَا نظيرَ لَهُ فِي الْأُصُول فيُقْضى عِنْد ذَلِك بِزِيَادَة النُّون ومثالُ الْكَثْرَة زيادةُ الْهمزَة أفْكَل فإنَّ الهمزةَ فِيهِ زَائِدَة لَا من طريقِ الِاشْتِقَاق إذّ لَا يُعرف من الفاءِ والكافِ واللاَّم بِناءٌ غيرُ هَذَا وَلَا مِنْ عدم النظير لأنَّ الهمزةَ لَو كَانَت أصلا لكانَ وزنُ الْكَلِمَة فَعْلَلاً ونظائِرُه كثيرةٌ وَقد يجْتَمع فِي الكلمةِ دليلان من هَذِه الثلاثةِ يقضيانِ زيادةَ الْحَرْف مثل أحْمر فإنَّ الاشتقاقَ والكثرةَ يدلاَّن على زيادةِ الْهمزَة وتنْضُب يدلُّ الِاشْتِقَاق وعدمُ النظير على أنَّ التَّاء زائدةٌ واجتماعُ الثَّلَاثَة قَلِيل وسنبيّن ذَلِك فِي كلِّ حرفٍ نمرُّ بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فصل وَإِذا اعتبرتَ الكلمةَ قابِلتَ الأُصولَ بِالْفَاءِ وَالْعين واللاّم وأتيت بِالزَّائِدِ بِعَيْنِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 فتقولُ فِي ضارِب فَاعل وَفِي مَضْرُوب مَفْعول وَفِي ضَريب فَعِيل وَفِي مُسْتَضْرب مستفعِل وكذلكَ مَا أشْبَهه فإنْ كانْ قد نُقِصَ من أصلِه شيءٌ نقصتَه فِي الْمِثَال نَحْو أقمتُ فوزنه أفَلْتُ وَإِن قُدّم أصلٌ من مَوْضعِه قدّمتَه فِي الْمِثَال نَحْو أيْنُق وَزنه أَعْفُل فصل وحروفُ الزِّيادة تُزادُ لسبعةِ أَشْيَاء وهيَ فِي الْمَعْنى مثلٌ ألفِ ضَارب وَمِيم مُكْرم والإلحاقُ مثل الْبَاء فِي جَلْبب والمدُّ فِي الْألف وَالْيَاء وَالْوَاو فِي كتاب وقَضيب وَرَسُول والتَّعويض وذلكَ فِي التكسير والتَّصْغير نَحْو سَفَارج وسُفَيْرِج والتكثير مثل ألف قَبَعْثَرَى والتوصُّل وَهِي همزةُ الْوَصْل لأنَّها تُوصِّل بهَا إِلَى النُّطْقِ بالسَّاكن وَالْبَيَان مثل هَاء السكت فِي كِتابِيَهْ وحِسَابِيَهْ فصل والأصْلُ فِي هَذِه الحروفِ فِي الزِّيَادَة حروفُ المدِّ لِسُكونِها واستطالتِها ولين الصَّوت بهَا وعُذوبةِ النُّطْق بهَا وَالْبَاقِي مشبَّهٌ بهَا أَو بِمَا يُشْبهه فالهمزةُ تُشْبِهُ الألفَ إِذْ هِيَ مِنْ مَخْرجها وتحوّلُ إِلَيْهَا وتُصوّرُ بصورتها والنونُ تشبهُ الْوَاو أَيْضا فِي مَخْرجها وغُنَّتها وَتغَير طبيعتها بالحركة وَالْمِيم تشبه الْوَاو فِي مخرجها وغنتها وَالتَّاء تشبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 الْوَاو لقربِ مخرجها مِنْهَا وهمسها وانتشارها والنفخ المصاحبِ لَهَا والسّينُ تشبه التَّاء فِي الهمس والهاءُ تشبه الْألف لخفائِها وقُرْبها مِنْهَا فِي المخرَج وتشبهُ الهمزةَ أَيْضا واللاّمُ تُشْبه النونَ فِي انبساطها وتقرب من مخْرَجِها لأنَّ اللاّمَ تخرجُ من أسَلَةٍ اللسانِ وحافته الْيُمْنَى والنونُ من أَسَلة اللِّسَان فصل وتكثرُ زيادةُ هَذِه الحروفِ وتقلُّ على قَدْر نِسْبتها من حروفِ المدِّ لأنَّ حروفَ المدِّ أكثُرها زِيَادَة فصل وأصلُ التَّصريفِ الزيادةُ لأنَّ الأغْراضَ الَّتِي ذَكَرْناها لَا تتعلَّقُ إلاَّ بهَا فأمَّا البدلُ فلأمرٍ لَفْظِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 بابُ زِيَادَة حُرُوف المدّ وَهِي الواوُ والياءُ والألفُ اعْلَم أنَّ الألفَ لَا تكونُ أصلا فِي الأفعالِ والأسماءِ المعْرَبة وإنَّما تكونُ إمَّا بَدَلاً وإمَّا زَائِدَة فَكونُها بَدَلا يُذكَر فِي بَابه وأمَّا كونُها زَائِدَة فَلَا تقعُ أوّلاً بحالٍ لأنَّها ساكنةٌ والابتداءُ بالسَّاكن مُحال بل تقَع ثَانِيَة كالألفِ فِي فَاعل مثل ضارِب وكابِر وثالثةٌ كألفِ التكسير نَحْو دَراهِم ودَنانير وكألفِ المدِّ المحْضِ مثل كتاب وحِسَاب ورابعةٌ نَحْو شِمْلال وحِمْلاق وخامسةً نَحْو حَبَرْكى وسادسةً للتكثير نَحْو قَبَعْثَرى وضَبَغْطرى وَلم يجيءْ على غيرِ هَذَا فأمَّا ألفاتُ الحروفِ مثل ألف مَا وَلَا وبَلى فأَصْلٌ لأنَّه لَا اشتقاق للحروف يُعْرَف بِهِ الأصلُ من الزّائد وَكَذَلِكَ الْأَسْمَاء الموغِلةُ فِي شبه الْحُرُوف نَحْو الفِ إِذا ومَتى وَمَا يُعْرَف بِهِ زيادةُ الْألف فِيمَا ذكرنَا قد تقدّم ذِكْرُه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 فصل وأمَّا الياءُ فقد زيدَت أوّلاً للمضارعة نَحْو يضْرِب وثانيةً فِي فَيْعل نَحْو صَيْرَف وخَيْفَق وثالثة فِي فَعِيل نَحْو قَضيب وظريف وَفِي فِعْيل بِكَسْر الْفَاء نَحْو عِثْير وحِذْيم فأمَّا فَعْيَل بِفَتْح الْفَاء فليسَ فِي الْكَلَام ورابعةً كالياء فِي قِنْديل وخامِسةً كياءِ قناديل والسلحفية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 وأمَّا الواوُ فَلَا تُزادُ أوّلاً لِوَجْهَيْن أَحدهمَا ثِقَلُها فِي نفْسِها ولزومِ تحرّكها بِالِابْتِدَاءِ وَإِذا زيدتْ حَشْواً أمكنَ أنْ تكونَ سَاكِنة وَالثَّانِي أنَّها لَو زيدتْ أوّلاً لجازَ أنْ يكونَ أوّلُ الكلمةِ واواً وتدخلُ عَلَيْهَا واوُ العطفِ فتشبه صَوْتاً مُنْكرا وَقيل لَو زيدت أوّلاً لجازَ أَن تكون مَضْمُومَة فكانَ يجوزُ قَلْبُها همزَة فكانَ يؤدّي إِلَى اللَّبْس وَقد زيدت ثَانِيَة كَجَوْهَر وشَوْذَر وثالثةً مثل جَدْوَل وقَسْوَر ورابعةً مثل زُنْبَور وعُصْفُور وخامسةً مثل قَلَنْسُوة وقمحدوة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 فصل والضَّابطُ فِي زِيَادَة الْوَاو وَالْيَاء مِنْ غيرِ جهةِ الِاشْتِقَاق أنَّك إِذا وجدتَ وَاحِدَة مِنْهُمَا مَعَ ثلاثةِ أحْرفٍ أصولٍ من غير تَكْرِير قضيتَ بزيادتِها لأنَّها فِي الِاشْتِقَاق كَذَلِك فَحُمِلَت على الْأَكْثَر فصل أمَّا المكررُ مثل وسْوَسه وصِصية فالواوُ والياءُ فيهمَا أصْلانِ لأنَّك لَو قَضَيْتَ بزيادتِها فِي كلا موضعيهما لبقي الأصلُ مَعَك حَرْفَيْن وَلَا تكونُ الأصولُ على ذَلِك وإنْ قضيتَ بزيادتِها فِي أحدِ الْمَوْضِعَيْنِ عَيْناً كنتَ متحكّماً وَإِن تخيّرت كانَ تحكّماً أَيْضا فَلم يبقَ إلاَّ القضاءُ بأصالتها فِي الْمَوْضِعَيْنِ فصل فِي زيادةِ الهمزةِ إِذا وَقعت الهمزةُ أوّلاً وبعدَها ثلاثةُ أحرفٍ أصولٍ حُكِمَ بزيادتها وأكثرُ مَا يُقْضَى بذلك بالاشتقاق مثل أحْمَر وأفْضَل وغيرِهما من الصِّفاتِ لأنَّ ذلكَ من الحُمْرة والفَضْل فأمَّا الأسماءُ الَّتِي فِي أوَّلها همزةٌ وَلَا يُعرفُ لَهَا اشتقاقٌ فيُحكُم بزيادةِ الْهمزَة فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 حملا على الأكثرِ وَذَلِكَ نَحْو أفْكَل وَهُوَ الرِّعْدة وَلَا اشتقاق لَهُ وجمعُه أَفاكل وَلَو سميتَ بِهِ رجلا لم تَصْرِفه للوزنِ والتعريف وأمّا أيْدَع فَقيل هُوَ طَائِر وَقيل هُوَ الزَّعْفَران وهمزته زَائِدَة حملا على الْأَكْثَر وَذَلِكَ أكثَرُ من زيادةِ الْيَاء هُنَا إِذا كَانَ أفعل أكثرَ من فيعل وَحكى بعضُهم عَن بعض الْعَرَب يدّعت الثوبَ إِذا صبغته بالزَّعْفَران فأسْقَط الْهمزَة فَهَذَا الدَّليلُ من جِهَة الِاشْتِقَاق وأمَّا الأَوْتَكى فَهِيَ أفْعَلى لأنَّ زِيَادَة الهمزةِ أوّلاً أكثرُ من زِيَادَة الْوَاو ثَانِيَة وَهُوَ ضَرْبٌ من التَّمْر وإمّا إصْليت فإفعيل للكثرةِ والاشتقاق لأنَّه من صَلَتَ وانْصَلَت أَي أسْرع وأمّا إدْرَوْن فإفْعَوْل لأنَّه مُشْتَقٌّ من الدّرْن لِأَنَّهُ دُرْديّ الزَّيْت وَذَلِكَ كالدَّرن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وإعْصار أفْعال من الْعَصْر وأمَّا أرَوْنان فَيحْتَمل ثلاثةَ أوجه أظهرُها أنّها أفْعَلان من الرَّون وَهُوَ الشِّدَّة يقالُ يومٌ أرَوْنان أَي شَدِيد قَالَ الشَّاعِر من // الوافر // (فَظَلّ لنسوةِ النّعْمان منّا ... على سَفَوان يومٌ أرْوَناني) والقوافي مجرورة وأرادَ أرَوْنانيّ فسكّنَ والوجهُ الثَّاني أَن يكون أفْوَعالاً فالرّاء فاؤه والنونان عينُه ولامُه وَالْبَاقِي زَوَائِد من الرنّة والثَّالث فوعلاناً من أرن يأرَنُ أرَناً وَهُوَ النشاط فعلى هَذَا الْهمزَة وَالرَّاء وَالنُّون أصُول فوزنه فَوْعلان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وأمّا إمّعة فالهمزةُ فِيهِ أصلٌ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه صفةٌ وليسَ فِي الصِّفَات إِفْعَلة وَلَا إفعل بِكَسْر الْهمزَة والثَّاني أنَّا لَو قَضَيْنا بزيادتِها لكَانَتْ الميمُ فاءها وعينَها وَهُوَ شاذٌّ لم يأتِ مِنْهُ إلاَّ دَدَن وكَوْكَب وَيجب أَن يُحملَ على الْأَكْثَر لَا على الشاذّ وأمَّا إمَّرٌ وإمّرةٌ فأصلٌ أيْضاً لِمَا ذكرنَا فَإِن قيلَ فإمَّعة من مَعَ لأنَّه الَّذِي يكونُ مَعَ كلَِّ أحدٍ قيل لَهُ إمَّعة ليسَ مُشْتَقّاً من مَعَ لأنَّ مَعَ اسمٌ جامِدٌ لَا يُشتقَّ مِنْهُ وإنَّما اللفظُ قريبٌ من الفظِ وَالْمعْنَى قريبٌ من الْمَعْنى وَهَذَا لَا يُوجب الاشتقاقَ أَلا تَرى أنَّ سَبِطاً وسِبَطْراً ودَمِثاً ودِمَثْراً بِمَعْنى وَاحِد وَلَا يُحكم بِزِيَادَة الرَّاء ويدلُّ على أَن إمّراً همزتُه أصلٌ أنَّه من الْأَمر لأنَّه المؤتمر لكلِّ أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وأمَّا أوْلَق فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أنَّه أفْعَل من الوَلَق وَهُوَ السُّرْعة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {إذْ تَلِقُونه بِأَلْسِنَتِكُمْ} على قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بكسرِ اللَّام وَتَخْفِيف الْقَاف وضمِّها وَمِنْه قيلَ للأحمقِ أوْلَق لسرعته فعلى هَذَا لَو سمَّيتَ بِهِ لم تَصْرِفْه والقولُ الثَّاني هُوَ فَوْعَل وَالْوَاو زَائِدَة والدليلُ عَلَيْهِ قَوْله للمجنون مَأْلوقٌ ومُؤوْلق على مَفْعُول ومُفَوْعَل ويجوزُ أنْ تكونَ من الوَلَق أَيْضا وتكونَ الهمزةُ مبدلةً من واوٍ كَمَا أُبدلت واوُ أوَاصل همزَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 وأمَّا أرنب وإصبع وأُبْلم وإثْمِد وإثْلَب فالهمزةُ فيهنّ زائدةٌ وَهِي أسماءٌ حُملتْ على الْأَكْثَر وَبَعضهَا مشتقٌّ وَهُوَ إثمد فَإِنَّهُ من الثَّمد وَهُوَ الماءُ الْقَلِيل مَسْأَلَة أوّل أفْعَل الهمزةُ فِيهِ زائدةٌ والكلمةُ من بَاب دَدَن فاؤها وعينها من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 مَوْضع وَاحِد والدَّليلُ على ذَلِك أنَّها أفْعَل الَّتِي للتَّفضيل لأنَّها تَصْحَبُها من نَحْو قَوْلك هَذَا أوَّل من هَذَا وَلَا يجوزُ أَن تكونَ فَوْعَلاً وَلَا فعّلاً لأنَّ هذَيْن البناءَين ليسَا للتفضيل وذهبَ قومٌ إِلَى أنَّ أصل أوَّل من آل يؤول واصله أَأْوَل فقلبت الهمزةُ الثانيةُ واواً ثمَّ أُدْغِمت وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ من وأَل يَئِل فاصله أَوْأل ثمَّ أُبْدِلت الهمزةُ الَّتِي بعد الواوِ واواً ثمَّ أُدْغِم وكلا الْقَوْلَيْنِ خَطأ لأنَّ حُكْمَ الهمزةِ السَّاكنةِ الواقعةِ بعد هَمْزَةٍ مفتوحةٍ أنْ تُقْلَبَ ألفا مثل آدم وحكَم الهمزةِ المفتوحةِ إِذا أريدَ تخفيفُها أنْ تُنقَل حركتُها إِلَى مَا قبلَها فأمَّا أنْ تُبْدَلَ واواً فَلَا فَإِن قيلَ الإبدالُ هُنَا شاذّ كَمَا أنَّ دَعْوى كونِ الْفَاء وَالْعين وَاوِين شاذٌّ قيلَ عَنهُ جوابان أَحدهمَا أنَّ كونَ الْفَاء وَالْعين هُنَا من مَوْضعٍ وَاحِد ليسَ من الشاذِّ لأنَّ الهمزةَ هُنَا قبلهمَا وبسببِ ذَلِك لزمَ الإدغامُ فَلم يلْزم الثّقل المحذورُ وَالثَّانِي أنَّ شذوذَ التكرير أقربُ من شذوذ الْإِبْدَال فِيمَا ادَّعوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 مَسْأَلَة الهمزةُ فِي إوزّة زائدةٌ وأصلُها إفْعَلة لأنَّ الهمزةَ بعدَها ثلاثةُ أحرف أصُول وَهُوَ اسمٌ غيرُ صفةٍ فَلَا يمْنَع مَجِيئه على هَذَا الْبناء كَمَا امتَنَع فِي إمَّعة وَلَا يجوز أَن تكونَ الهمزةُ وَالْوَاو أصلَيْن إِذْ لَيْسَ فِي الْأُصُول وزّ وَلَا أنْ تكونَ الْوَاو زَائِدَة لأنَّ ذَلِك يصيرُ إِلَى فَوْعَل وَلَا نظيرَ لَهُ مَسْأَلَة الهمزةُ فِي إشْفَى زائدةٌ وَهُوَ اسمٌ من شَفَى يَشْفي وَالْجمع أشافي وليسَ ذَلِك بشاذّ إنَّما الشذوذُ فِيهِ إِذا كَانَ صفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 مَسْأَلَة أرْوَى فَعْلى وَالْجمع أرَاويّ وَلم تَنْصرف لِأَلف التَّأْنِيث مَسْأَلَة إدْرَوْن إفْعول من الدَّرن لأنَّ مَعْنَاهُ دُرديّ الزَّيْت وَيُقَال أَيْضا فلَان على إدرونه أَي على أَصله مَسْأَلَة أُفْعُوان أُفْعُلان وأصلُ الْكَلِمَة من الفَعْو وَهُوَ السُّمّ وَقيل هُوَ مقلوب من فَوْعة الطيِّب أَي حِدّته فالفاء وَالْعين وَالْوَاو أصُول وَوزن أفْعَى أفعل مَسْأَلَة فِي وزن أرْطَى قَولَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 أَحدهمَا هُوَ فَعْلى وألفُه للإلحاق بِجَعفر والدليلُ على ذَلِك قَوْلهم أديمٌ مأروط أَي مدبوغٌ بالأرطى ومأْروط مَفْعُول الْبَتَّةَ وَالثَّانِي هُوَ أفْعَل فهمزتُه زَائِدَة وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْلهم أديمٌ مَرْطيّ فِي لغةٍ صَحِيحَة وَقد قَالُوا أديمٌ مُؤرْطِي فيحتملُ أَن يكونَ مُفَعْلِى فَتكون الهمزةُ أصلا وَهُوَ مثل مُسَلْفِى ومُجَعْبِى وَأَن يكونَ وزنُه مُفَعْلاً على القَوْل الثَّانِي والأوّل أقيسُ فإنْ سمَّيتَ بِهِ رجلا مَعَ الحكم بزيادةِ الهمزةِ لم تصْرِفه للوزنِ والتعريف مَسْأَلَة أثفيّة فُعليّة عِنْد قومٍ لأنَّهم أَخَذُوهُ من تَأثَّف القومُ حولَه إِذا أحاطوا بِهِ وأُفْعُولَة عِنْد آخَرين ودلَّ على ذَلِك قولُ الشَّاعِر ( ... وصَالِياتٍ ككما يؤثفين) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 ووزنه يُؤفْعَلن وَقيل يُفَعْلَين فيخرّجُ القولانِ على المذهبين فِي الْهمزَة مَسْأَلَة يُقَال عَجينٌ أنْبَجان وَشَيْء أَخْطَبَان ووزنهما أفْعلان فالهمزةُ زائدةٌ ويدلُّ على ذَلِك وجود الشَّرْط الَّذِي ذَكرْنَاهُ من وُقُوعهَا مَعَ ثلاثةِ أصُول ولأنَّ أنبجان من معنى النَّبْج وَهُوَ مَا يخرج بِالْيَدِ من نفخٍ فَكَذَلِك الْعَجِين وأخْطبان من الْخُطْبة وَهِي لونٌ مَسْأَلَة إصْلِيت إفْعِيل من صَلَت وَأَصله السرعة وإجْفِيل إفْعيل من جفَل وإخْرِيط من خَرط وشَرطُ زِياتها مذكورٌ موجودٌ على مَا ذكرنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 فصل وأمَّا زيادةُ الهمزةِ حَشْواً فقليلٌ لَا يُقدّم عَلَيْهِ إلاَّ بدليلٍ ظَاهر وَمهما أمكَنَ أَن يكونَ أصْلاً لم يُحكَم بزيادتها وعلّةُ ذَلِك انَّ الهمزةَ ثقيلةٌ والزيادةُ فِي الحشْوِ والطَّرفِ تكون لِمَعْنى نَحْو التَّصْغير والتكسير والمدِّ والتأنيث وَلَيْسَت الهمزةُ من حروفِ هَذِه الْمعَانِي بخلافِ زيادتها أوّلاً فإنَّها تَأتي لِمَعْنى وَهُوَ المبالغةُ والتعديةُ وَمَا أشْبَههما فإنْ وجدتَها حَشْواً أوْ طرفا فاحكم بأصالتِها إلاَّ أنْ يصحَّ دليلٌ على زيادتِها فَمن الْأُصُول زِئْبق وضِئْبِل فصل وَمِمَّا جَاءَت فِيهِ زائدةٌ وسطا حُطَائِط وإنَّما عُلم ذَلِك بالاشتقاق ولأنَّ الحُطائط الصغيرُ فكأنَّه مَحْطُوط وَمن ذَلِك جَمَلٌ جُرائِض همزتُه زائدةٌ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا قولُهم فِي مَعْنَاهُ جِرْواض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 والثَّاني أنَّه الجملُ الكثيرُ اللحمِ الْعَظِيم فَهُوَ من الجَرَض وَهُوَ الغَصَص فِي الصدْرِ لأنَّ ذَلِك تطابقٌ وازدحام وَمِنْهَا النِئِدِلان هَمْزَتُه زائدةٌ وَهُوَ الكابوس لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا قَوْلهم فِي مَعْنَاهُ النَيْدُلان بِالْيَاءِ فقد ذهبت الْهمزَة والثَّاني أنَّه من معنى النَدْل وَهُوَ أحْذُ الشَّيْء بعدَ الشَّيْء وَمِنْهَا شَمْأَل بزيادةِ الْهمزَة ثَانِيَة وثالثةً لأنَّها من شملت الرّيح وَالرِّيح شَمْلٌ وشمول وشَمال بستِّ لُغَات فصل وَمن زيادتِها أخيراً امرأةٌ ضَهْياء وضَهْيَاء بالمدِّ وَالْقصر وَهِي الَّتِي لَا تحيض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 وقيلَ الَّتِي لَا ثَدْيَ لَهَا وَقَالَ الزّجاجُ همزتُها فِي القصرِ أصلٌ وحجَّةُ الْأَوَّلين من ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أنَّ اشتقاقَها من المضاهاة وَهِي من الْيَاء والمرأةُ الَّتِي هَذِه صِفتُها تضاهي الرِّجَال والثَّاني أَنَّهَا لَو كَانَت أصلا لكَانَتْ الياءُ زائدةٌ فكانَ البناءُ لَا نظيرَ لَهُ إذْ ليسَ فِي الْكَلَام فَعْيَل بِفَتْح الْفَاء فَإِن قيل لِمَ لَا تكونُ الياءُ أصلا أَيْضا قيل لأنَّ الياءَ لَا تكونُ أصلا مَعَ ثلاثةِ أحرفٍ أصُول والثَّالثُ قَوْلهم فِي مَعْنَاهَا ضَهْيَاء بالمدّ وَهَذَا قاطعٌ بِزِيَادَة الْهمزَة لأنَّ الهمزةَ هُنَا للتأنيث فإنْ قيل لِمَ لَا تكونُ أصلا على وزنِ فَعْلال كناقة خَزْعال قيل لثلاثةِ أوجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 أَحدهَا أنَّ الياءَ لَا تكونُ أصلا مَعَ ثلاثةِ أحرفٍ أصولٍ كَمَا تقدَّم والثَّاني أنَّها غيرُ مصروفةٍ وَلَا سببَ إِلَّا همزةُ التَّأْنِيث وَالثَّالِث أنَّ فَعْلالاً لَيْسَ فِي كَلَامهم وخَزْعال لَا يثبتُه البصريون وَإِذا ثبتَ كانَ شاذاً مَسْأَلَة الهمزةُ فِي الغِرْقئ وَهُوَ قِشْر البيضةِ الْأَسْفَل أصلٌ وَقَالَ الزجّاجُ هِيَ زائدةٌ قالَ لأنَّه من معنى الغَرَق لأنَّ تِلْكَ القِشْرةَ تغتَرِقُ مَا تحوي عَلَيْهِ أَي تُخْفِيه أَو يغْتَرِقُها مَا فَوْقهَا وَقَالَ ابْن جنّي وغيرُه لَا يُحكم بزيادةِ الهمزةِ غيرَ أوَّلٍ إِلَّا بثَبَتٍ وَمَا ذُكر من الِاشْتِقَاق فليسَ بقاطع لبُعْدِه من الْمَعْنى وَلَو قرب لم يكن حجّةً أَيْضا إِذْ يجوزُ أَن يكونَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا والأصولُ مُخْتَلفَة مثل دَمِث ودِمثر وسَبِط وسِبَطْر وأشْبَهُ شيءٍ مِمَّا نَحن فِيهِ قولُهم كَرَفَ الحِمارُ إِذا تشمَّم البولَ ورفَع رَأسه والكِرْفئ السَّحابُ الْمُرْتَفع وهمزتُه أصلٌ وَلَا يقالُ هُوَ من كَرَف الْحمار وإنْ تقارَب مَعْنَاهُمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 مَسْأَلَة أُرْجُوان أُفْعُلان من معنى الرجا وَهُوَ صِبْغٌ أَحْمَر لأنَّه يُرْجَى أَي يُطلبُ لِحُسْنِه أَو يُرجى بَقَاؤُهُ لِشدَّتِه فالهمزةُ وَالنُّون زائدتان وَقيل وَزْنُه أُفْعُوال من رَجَن إِذا أَقَامَ فكأنَّ هَذَا الصِّبْغَ يدومُ وَقيل فُعْلُوان من الأرَج وَهُوَ الرِّيحُ لأنَّ لَهُ ريحًا مَسْأَلَة الهمزةُ فِي إصْطَبل وإرْدخل أصْلٌ لِوجهين أَحدهمَا أنَّ مَعهَا أربعةَ أحْرُفٍ أُصول ومثلُ هَذَا يحكمُ على حروفها كلّها بالأصالةِ لأنَّ الهمزةَ ثقيلةٌ والأرْبَعةَ مُسْتَثْقَلةٌ وَلَيْسَت زيادةُ الهمزةِ فِيهَا لِمَعْنى فَلَا وجْهَ إِذا للزِّيادة والثَّاني أنَّ الكلمةَ أعجميةٌ والأعجميُّ لَا يُعرف لَهُ أصولٌ حَتَّى يُحكم على بعض حُرُوفه بالزِّيادة إِلَّا فِي الْألف فإنَّها لخفتها وَكَثْرَتهَا يحكُم عَلَيْهَا بِالزِّيَادَةِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 الأعْجمية وعَلى هَذَا قَالُوا همزَة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وأبْريسم أصل مَسْأَلَة الألفُ على أربعةِ أضْرب أصْلٌ وَذَلِكَ فِي الحروفِ والأسماءِ المُوغلةِ فِي شَبَهها وبَدَلٌ من أصلٍ نَحْو الف مَاء وَقَالَ وَبَاعَ وبدلٌ من زَائِد كألف مِعْزى وحَبَنْطَى فإنَّها بَدَلٌ من الْيَاء الَّتِي للإلحاق وزائدة للتأنيث كألفِ حُبْلى وزائدةٌ للتكثير كألفِ قَبَعْثَرى وَلَيْسَت للإلحاق إذْ ليسَ فِي الْأَسْمَاء سداسيٌّ فتحلق بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 مَسْأَلَة الألفُ فِي مُوسى الْحَدِيد لامُ الْكَلِمَة فِي أحدِ الْقَوْلَيْنِ والميمُ زائدةٌ واشتقاقُه من أَوْسَيْتَ رأسَه إِذا حلقته فَمُوسى مُفْعَل مثل مُعْطى فالحديدةُ مُفْعَل بهَا والرأسُ مَفْعَل بِهِ والقولُ الثَّاني هِيَ للتأنيث واشتقاقُه من ماسَ يَمِيسُ فكأنَّ الحديدةَ لكثرةِ تحرّكها فِي الحِلاق تَميسُ أَي تضطرِبُ فوزنها فُعْلى وأمَّا مُوسى وعِيسى عَلَمين فالألف فيهمَا لغير التَّأْنِيث وَلذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِذا نكّرْتَهما صَرَفْتَهما لأنَّهما أعْجَميان فَلَا يُقْضى على ألفهما بالتأنيث مَسْأَلَة الألفُ فِي قَطُوْطَى بدلٌ من الْوَاو وأصلُ الكلمةِ من القَطَوان وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 كُرِّرت فِيهَا العينُ وَاللَّام فأصلها من قَطَوطو فقلبت الْوَاو الْأَخِيرَة الْفَا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وقيلَ هِيَ للتأنيثِ ووزنُها فَعَلاً فلامُها طاءٌ مكرَّرةٌ ولامُها الأولى واوٌ فَهِيَ مثل حَبَرْكى وقيلَ الواوُ زائدةٌ والألفُ مُبْدَلةٌ من واوٍ ووزنُها فَعَوْلَلَ مثل فَدَوْكَس وسَرَوْمَط وقيلَ وزنُها فَعَولا فألفُها للتأنيث وعَلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ تكونُ الْكَلِمَة من القطّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 مَسْأَلَة الْيَاء فِي يَرْبُوع ويَرْمَع ويَعْمَلة زائدةٌ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا الاشتقاقُ فإنَّه من رَبَع ورَمَع وعَمِل والثَّاني أنَّ بعدَها ثلاثةَ أحجرفٍ أصولٍ وَذَلِكَ قاطعٌ بزيادتِها وَمن هُنَا حُكمَ على ياءِ ضَيْغَم وخَفَيْدَد بالزِّيادة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 مَسْأَلَة الياءُ فِي يَسْتَعُور اصلٌ عُرف ذَلِك بالسبر وَذَلِكَ أنَّ الواوَ فِيهَا زائدةٌ بِلَا خلاف فبقيَ فِيهَا من حُروف الزِّيَادَة الياءُ والسينُ والتَّاء ويمتنعُ أَن تكونَ كلّها زَائِدَة لأنَّ الكلمةَ تبقى على حرفين والحَكم على أحدِ الثَّلاثةِ بالزِّيادة تحكّمٌ فإنْ قلتَ لِمَ لَا تكونُ السِّينُ أصْلاً والآخرانِ زائدان من معنى سعر قيلَ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ جَعْلَ السينِ أصلا دون الْيَاء وَالتَّاء مَعَ إِمْكَان كونِه من يَعَر تَحكّمٌ والثَّاني أنَّ مثالُ يَفْتَعُول معدومٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَة الْوَاو فِي تَرْقُوة زادئةٌ لأمرين أَحدهمَا أنَّها مَعَ ثلاثةِ أحرفٍ أصُول والثَّاني أنَّها لَو كَانَت أصلا لكَانَتْ على فَعْلُل وَلَا نظيرَ لَهُ فإنْ قيلَ لِمَ لَا تكونُ التَّاء زَائِدَة وَالْوَاو اصلاً قيلَ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ هَذَا تحكّم إذْ لَا مُرَجّحَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 251 - والثَّاني أنَّ الحكمَ بزيادةِ الْوَاو أوْلى لِكَثْرَة زيادَتِها ومثلُه عَرْقُوة وأمَّا قَلَنْسُوَة فواوها زائدةٌ أَيْضا لأنَّ النونَ فِيهَا زائدةٌ فَتبقى الواوُ مَعَ ثلاثةِ أحرفٍ أصولٍ مَسْأَلَة الياءُ فِي يَأْجَج أصلٌ والكلمةُ من المُلْحق وإنَّما كَانَ كَذَلِك لأنَّها لَو كَانَت زَائِدَة لأدغم الجيمُ فِي الْجِيم ولَمَّا لم تدغَم عُلِمَ أنَّه مُلْحَقٌ بِجَعْفَر ونظيرُه قَرْدَد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 بَاب زياة الْمِيم حكُم الميمِ إِذا وقعتْ أوّلاً حكُم الهمزةِ إِذا كانَ بعدَها ثلاثةُ أحْرُفٍ أصولٍ حكَم بزيادتها وإنْ كانَ مَعَ أربعةِ أصولٍ فَهِيَ أصلٌ فمنَ الأوَّل زيادتُها فِي اسمِ الفاعلِ والمفعولِ نَحْو مُكْرِم ومَضْرُوب ومِضْراب ومِنْحَار للْمُبَالَغَة وتُزَادُ فِي أوَّل المصدرِ نَحْو مَضْرَب ومَدْخَل وَفِي أوَّل المكانِ نَحْو مَجْلِس وَفِي أوَّل الزَّمَان نَحْو أتتِ الناقَةُ على مَنْتِجها أَي وَقت نِتاجها وَهَذَا كلّه ظاهرٌ فإنَّ الِاشْتِقَاق يدلُّ عَلَيْهِ وَمن الثَّاني ميمُ مَرْزَجُوش الميمُ فِيهِ أصلٌ لأنَّ أربعةَ أحرفٍ أصُول والكلمةُ أَعْجَمِيَّة أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 فصل فأمَّا زيادتُها وسَطاً وآخراً فَلَا يُحكمُ بِهِ إلاَّ بدليلٍ ظاهرٍ كَمَا ذكرنَا فِي الهمزةِ فَمِمَّا زيدت فِيهِ وسَطاً لبنٌ قُمارِص أَي قارص لأنَّه بِمَعْنَاهُ من غير فَرْقٍ والفعلُ المأخوذُ مِنْهُ قَرَص اللَّبن فذهابُ الميمِ من الْفِعْل واسمِ الْفَاعِل الَّذِي هُوَ الأصلُ دليلٌ زيادتِها هُنَالك وَمن ذَلِك أسدٌ هِرْماس لأنَّه من الهَرْس وَهُوَ الدقُّ وكأنَّ الكلمةَ قُوِّيت بالميمِ لتدلَّ على كثرةِ هَرْسِه وَمن ذَلِك دُلامِص لأنَّه مأخوذٌ من الدِّلاص وَهُوَ البرّاق ويُقال دَلْمَص بغيرِ الف ودَمْلص بِتَقْدِيم الْمِيم على الألفِ وحذفِها والتقديمُ والتأخيرُ دليلٌ على زيادَتِها لأنَّ الاصلَ لَا يُتلاعبُ بِهِ وَقَالَ المازنيّ الميمُ اصل كَدَمِث ودِمَثْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 فصل وممَّا زيدت الميمُ فِي آخرِه زُرْقُم وحُلْكُم بِمَعْنى الأزْرق والحالك وفُسْحُم أَي مُنْفَسح وناقة دِلْقَم من الاندلاق لأنَّها الَّتِي أسنّت حَتَّى اندلقت أسنانُها ورجلٌ سُتْهُم لأنَّه العظيمُ الاست مَسْأَلَة الميمُ فِي مَنْجَنِيق أصلٌ والنُّون الأولى زائدةٌ وَالدَّلِيل على ذَلِك أنَّهم جَمَعُوهُ على مَجانيق فحذفوا النونَ وَلَا يجوزُ أنْ تكونَ المحذوفة أصلا لأنَّ الأصليّ لَا يُحذف وَهُوَ ثانٍ وَلَا يجوزُ أنْ تكونَ الميمُ زَائِدَة مَعَ أصالةِ النُّون إذْ لَو كَانَ كَذَلِك لحذفت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 وبقيَ النُّون وَلَا يجوزُ أنْ يَكُونَا زائدين إِذْ ليسَ فِي الْأَسْمَاء مَا هُوَ كَذَلِك إِلَّا مَا انبنى على الْفِعْل نَحْو مُنْطَلق ومستخْرِج فأمَّا إنْقَحْل فَقيل حروفُه كلّها أصُول مثل جِرْدَحْل وَلَا يَمْنَعُ ذَلِك كونُه من معنى القُحُولة لِما ذكرنَا من نَحْو سَبِط وسِبَطْر والصحيحُ أنَّ الهمزةَ والنونَ زائدتان وَهُوَ شَاذ وَلم يأتِ مِنْهُ إلاّ هَذِه الصفةُ وقولُهم رَجُلٌ إنْزَهْوٌ وامرأةٌ إنْزهوَة وَقَوْلهمْ جَنَقُوهم شَاذ على انَّه مشتقُّ بحذفِ بعضِ الْأُصُول كَمَا تقولُ حَوْلَق إِذا قَالَ لَا حولَ وَلَا قوّةَ إلاّ بِاللَّه مَسْأَلَة الميمُ فِي مَنْجَنُون وَهُوَ الدُّولاب أصلٌ وَكَذَلِكَ النّون الأولى وَالنُّون الْأَخِيرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 مكررةٌ ووزنُه فَعْلَلُول مثل عَضْرفُوط ودليلُ ذَلِك قَوْلهم مَناجين فأثبتوا النونَ الأولى وحذفوا الْأَخِيرَة كَمَا حُذفت الطَّاء من عَضَافير مَسْأَلَة الميمُ فِي مِعْزى أصلٌ لقَولهم ماعِز ومعيز ومَعْز وأمْعُز وَالْألف للإلحاق مَسْأَلَة الميمُ فِي مَأْجَج ومَهْدَد أصلٌ لأنَّها لَو كَانَت زَائِدَة لأُدغم المِثْل فِي المِثْل كَمَا فِي مِكَرٌ ومِفَرٌ فلَمَّا أظهرُوا دلَّ على أنَّهم قصدُوا الإلحاقَ بِجَعْفَر فإنْ قلتَ مَحْبَب كَذَلِك وميمه زَائِدَة قُلْنَا الأصلُ محبّ إلاّ أنَّه غُيِّر كَمَا تُغيّرُ الأعلامُ وَلَا يلزمُ مثلُه فِي مأجَج ومَهْدَد لأمرين أَحدهمَا الأصلُ عدم التَّغْيِير وَالزِّيَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 والثَّاني أنَّ مَحْبباً ظاهرٌ فِي معنى الحُبّ وليسَ مأجَج ومَهْدَد ظَاهِرين فِي معنى أجّ وهدّ مَسْأَلَة الميمُ فِي مَعدّ أصلٌ لقَولهم تَمَعْدَدوا ووزنه تَفَعْلَلوا أَي كُونوا على أخلاقِ معدّ فإنْ قلتَ قد جاءَ تَمَفْعَل نَحْو تمدرَع وتمندَل وتَمَسْكَن قيل هَذَا شاذٌّ لَا يُقاسُ عَلَيْهِ على أنَّ الجيِّدَ فِيهِ تندلّ وتدرّع وتسكّن مَسْأَلَة الميمُ فِي مِرْعِزاء بكسرِ الْمِيم وَالْعين وإسكانِ الرّاء والمدّ وَالتَّخْفِيف زائدةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 ودليلُ ذَلِك قولُهم فِيهِ مَرْعِزّى بِفَتْح الميمِ وإسكانِ الرَّاء وَكسر الْعين وَالتَّشْدِيد والقَصْر لأنَّ الألفَ فِيهِ زائدةٌ والزَّايَ مكررةٌ فَيبقى مِرْعِز وَلَا نظيرَ لَهُ إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَام مثلُ جِعْفِر وَإِذا ثبتتْ زيادتُها فِي أحد البِناءين ثبتتْ فِي الآخر كَمَا قَالُوا فِي تُرْتَب وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ الميمُ أصلا إذْ لَهُ فِي الْكَلَام نَظِير وَهُوَ طِرْمِساء مَسْأَلَة الميمُ فِي بُلْعُوم وحُلْقُوم زائدةٌ لأنَّهما من البَلْع وَالْحلق ويخرجُ على قَول المازنيّ أَن يكون أصلا كَمَا قَالُوا فِي دُلامِص مَسْأَلَة اخْتلفُوا فِي مِيم مَلك فَذهب الجمهورُ إِلَى أنَّها زَائِدَة ثمّ اختلفَ هَؤُلَاءِ فِي الأصلِ فَقَالَ أكثُرهم أصلُها مَلأَكٌ وَهُوَ مَفْعَل واستَدلّوا على ذَلِك بقول الشّاعر من // الطَّوِيل // (فَلَسْتُ لإنسيٍّ ولكنْ لِمَلأَكٍ ... تنزَّلَ من جوِّ السماءِ يصوب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وبقولهم ألكني إِلَيْهَا وَهُوَ أفِلْني وأصلُه ألئكني إلاّ أنَّهم ألْقَوا حركةَ الهمزةِ على اللاّم وحَذَفوها ويدلُّ عَلَيْهِ قولُهم فِي الْجمع ملائك وملائِكة على وزن مَفَاعِلة وَلَو كَانَت غيرَ زائدةٍ لكَانَتْ فَعايلة الْوَاحِد فَعيلة وَلَيْسَ كَذَلِك وَمِنْهُم من قالَ هُوَ من الألوكة وهيَ الرسَالَة ووزنُها فَعُولة وأصل مَلك على هَذَا مألك ثمَّ حُذفت الْهمزَة وَقيل أَصله من لاك يلوك إِذا ردّد الشيءَ فِي فِيهِ والرسالة كَذَلِك إلاّ أنَّ عينَ الْكَلِمَة حُذفت تَخْفِيفًا وَقَالَ قومٌ الميمُ أصلٌ مأخوذٌ من الْمَلَكَة وَهِي القوّةُ وَهَذَا بعيدٌ لأنَّ الجمعَ يُبْطِلُه إذْ لَو إذْ كَانَ جمع فعل لَا يكون مَفَاعل فَإِن قيل فقد جاءَ فِيهِ أَمْلَاك قيل هُوَ شاذٌّ على أنَّه يحْتَمل أَن يكون جُمع على اللَّفْظ لَا على الأَصْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 بابُ زِيَادَة النُّون قد ذكرنَا أنَّ النونَ من حروفِ الزيادةِ لِشَبهها بِالْوَاو وَقد زيدت أَولا للمضارعةِ نَحْو نذهبُ وتدلُّ على المتكلِّمِ ومَنْ مَعَه اثْنَيْنِ كَانُوا أَو جمَاعَة وتكونُ للواحدِ الْعَظِيم لأنَّ الآمرَ إِذا كَانَ مُطَاعًا تُوبع على الْفِعْل وتُزاد ثَانِيَة نَحْو انْطلق وبابُها أَن تَجِيء للمطاوعة كقَطَعْتُه فَانْقَطع وأطلقته فانْطَلق وَمعنى المطاوعة قَبُول المحلّ لأثرِ فِعْلِ الْفَاعِل فِيهِ فالانفعالُ اسمٌ لذَلِك الْأَثر وممَّا زيدت فِيهِ ثَانِيَة عَنْسل للنَّاقة السريعة لأنَّه من العَسَلان وَهُوَ مشيُ الذِّئْب لأنَّه سريعٌ وَمن ذَلِك عَنْبَسٌ للأسد وَهُوَ من العُبوس والاسُد كَرِيهُ الْوَجْه وَمن ذَلِك خَنْفَقِيق لأنَّه من الخفق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وَهُوَ الِاضْطِرَاب والقافُ لَام الْكَلِمَة مكررةً فأمَّا سُنْبُك فَقيل النونُ فِيهِ زائدةٌ وَهُوَ من السَّبْك وَقيل لطرفِ الحافرِ ذَلِك لصلابته كَأَنَّهُ سُبك وأمَّا النونُ فِي سُنْبُل فقالَ ابْن دُرَيْد هِيَ زائدةٌ وَهُوَ من السَّبَل والإسْبال وَهُوَ من الاستطالةُ فكأنَّ السُّنْبُلَة لسبوغِها وانتشار أعْلاها مسبلةٌ كالإزار فصل وَقد زيدتْ ثَانِيَة فِي كَنَهْبَل لأنَّها لَو جُعِلتْ أصلا لم يكنْ لَهَا نظيرٌ فِي الْأُصُول إذْ ليسَ فِي الْأُصُول مثل سَفَرْجُل وَلذَلِك تحذفُها فِي الْجمع نَحْو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 كَهَابل وَكَذَلِكَ النونُ فِي قَرَنْفُل وَالنُّون فِي شَرَنْبث زائدةٌ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّها ثَالِثَة وَقبلهَا حرفان وبعدَها حرفان وَمَا كَانَ كَذَلِك حُكم بزيادتِها فِيهِ لأنَّه موضعٌ تكْثر فِيهِ الزِّيَادَات كألفِ التكسير وياء التحقير والياءِ فِي سَمَيْدَع وَالْوَاو فِي فَدَوْكَس وَالثَّانِي قولُهم فِي مَعْنَاهُ شَرَابِث وَمثل ذَلِك جحافِل ويؤكد زيادتَها فِيهِ أنَّه من معنى الجَحْفَلة والجحفل وأمَّا النّونُ إِذا كَانَت زَائِدَة سَاكِنة وَلم تخرج الكلمةُ بهَا عَن الأصولِ فَهِيَ اصلٌ إلاَّ أنْ يَدُلَّ الاشتقاقُ على زيادتِها وَذَلِكَ نَحْو حِنْزَقْر النُّون فِيهِ أصلٌ لِمَا ذكرنَا وعلّةُ ذَلِك أنَّ الثَّانِي لم تكْثر زيادتُه ككثرةِ زِيَادَة الثَّالِث وِممَّا دلَّ الاشتقاقُ على زِيَادَته من هَذَا عَنْسل وعَنْبَس وَقد ذُكرا وَمِنْه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 قِنْفَخْرٌ النونُ فِيهِ زائدةٌ لقَولهم فِي مَعْنَاهُ قُفَاخِريّة والنّونُ فِي عَرَنْتُن زائدةٌ لقَولهم فِي مَعْنَاهُ عَرَتُنٌ وَمثله دودم ودوادم فالألف فِيهِ كالنون فِي عَرَنْتُن لأنَّها سَقَطت كَمَا سَقَطت والنُّونُ فِي العَفَرْنى زائدةٌ لأنَّها من العِفْر والعِفْريت والنُّون فِي العِرْضِنَة زائدةٌ لأنَّه من معنى الِاعْتِرَاض والنونُ فِي بُلَهْنِية زائدةٌ لقَولهم عَيْشٌ أبله وَذَلِكَ أنَّ البَلَه قريبٌ من الغَفْلة والعيش الْوَاسِع يُغْفَل فِيهِ والياءُ فِيهِ أَيْضا زائدةٌ لأنَّها لَا تكونُ أصْلاً فِي بناتِ الْأَرْبَعَة والنُّونُ فِي نَرْجِس زائدةٌ إذْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 لَيْسَ فِي الْكَلَام فَعْلِل بِفَتْح الأول وَكسر الثَّالِث وَقد يُسُمِعَ فِيهِ كَسْرُ الأوَّل وَهَذَا لَهُ نظيرٌ وَهُوَ زِبْرِج إلاَّ أنَّ النونَ فِيهِ أَيْضا زائدةٌ قد ثَبَتت زيادتُها فِي اللُّغَة الأولى فَلَا يجوزُ أَن يُحكَم بأصالتها وزيادتها فإنْ قيلَ أَلا حكمتَ بأصالتِها لمجيئِها مَعَ الْكسر على مِثَال الأصولِ قيلَ لَا يصحُّ إذْ يلزمُ مِنْهُ على اللغةِ الأُخْرى مخالفةُ الْأُصُول وَلَيْسَ إِذا حكمنَا بزيادتِها مَعَ الكسرِ ممّا يُخَالف الأصولَ والنونُ فِي سَكرَان وعطشان وبابه زائدةٌ بِدَلِيل الِاشْتِقَاق وَالْأُصُول أمَّا الاشتقاقُ فظاهرٌ وأمَّ الأصولُ فإنَّه ليسَ فِي الْكَلَام فَعْلال بِالْفَتْح فأمَّا عُثْمان وعِمران فتعرف زيادتُها فيهمَا بالاشتقاق وَكَذَلِكَ كلُّ هَذَا الْبَاب وَكَذَلِكَ المصادر نَحْو الغَلَيان والشَّنآن وَالنُّون فِي جُنْدُب زائدةٌ على قَول سِيبَوَيْهٍ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا الِاشْتِقَاق لأنَّه من الجَدبِ لِصَوْلة الجُنْدب والثَّاني عَدَمُ النَّظير وعَلى قولِ الأخْفش هِيَ زائدةٌ للاشتقاق وَحده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وأمَّا قُنْبَر فَكَذَلِك لأنَّهم قَالُوا قُبّرة بِغَيْر نون وَلعدم النظير أَيْضا وأمَّا عُرُنْد بضمِّ الْعين والرّاء وسكونِ النُّون فنونه زَائِدَة لعدم النظير ولقولهم عُردٌّ جَاءَ ذَلِك فِي الرجز والنّونُ فِي كِنْثَأْو وسِنْدَأو وقِنْدَأْو زائدةٌ أَيْضا والأُصول الْكَاف والثاء والهمزة وَالسِّين وَالدَّال والهمزة وَالْقَاف وَالدَّال والهمزة والدليلُ على ذَلِك كثرةُ مَا جاءَ من النّون فِي نظائرِه زَائِدَة وَالْوَاو لَا تكونُ مَعَ ثَلَاثَة أصولٍ أصلا ويُحقّقُ ذَلِك عِنْدي أنّا لَو جَعَلنا النونَ أصلا لكَانَتْ الهمزةُ إمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 أصْلاً فَيكون الْوَزْن فِعْلَلَوْ وَلَا نَظِير لَهُ وإمَّا أَن تكونَ زَائِدَة وَهُوَ بعيدٌ لأنَّ زيادةَ النُّون أسهلُ من زيادةِ الهمزةِ حَشْواً وَلَا يصحُّ أَن يُجعلَ الجميعُ أصلا لعدم النظير والنونُ فِي عُنْصَر وعُنْصَل زائدةٌ لعدم النظيرِ ولأنَّه من العَصْر والعَصَل وَهُوَ الاعوجاج ومَنْ ضمّ الضادَ حكَم بِالزِّيَادَةِ أَيْضا لثبوتِ الزيادةِ فِي الْمِثَال الآخر والاشتقاق والنّونُ فِي رِعْشَن وضَيْفَن وخِلْبَن وخِلَفْنَة زائدةٌ للاشتقاق وَقد زيدت النونُ عَلامَة للرفعِ فِي الْأَمْثِلَة الخمسةِ لعلَّةٍ ذَكرنَاهَا فِي بَاب الْأَفْعَال من هَذَا الْكتاب فإنْ قيلَ فقد ذكرْتُمْ أشياءَ من الألفاظِ الأعجميةِ وحكمتم على بعض حروفِها بِالزِّيَادَةِ مثل نَرْجِس وَمن أَيْن يُعلم ذَلِك وَهِي كالحروفِ فِي جمودها قيلَ لَمّا تَكَلَّمت بهَا العربُ وصرّفوها فِي الجمعِ والتصغيرِ وغيرِهما أجْرَوْها مجْرى العربيّ وَمن هُنَا حكمنَا على ألفِ لِجام وواوِ نَيْروز وياءِ إِبْرَاهِيم بالزِّيادة لقَولهم لُجُم ونواريز وأبارِهة أَو بَراهمة وأمَّا النونُ فِي جُنَعْدل فزائدةٌ لعدمِ النظير فِي قولِ مَنْ ضمَّ الجيمَ وَفتح الدَّال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَالْأَكْثَرُونَ على فتحهما وَجعل النُّون أصلا وأمّا جَنَدِل بِفَتْح الْجِيم وَالنُّون وَكسر الدَّال فالنون فِيهِ زَائِدَة لعدم النظير وأمَّ النونُ فِي نَهشل فاصلٌ لِأَنَّهُ من نَهْشَلت المرأةُ إِذا أسنَّت وأمَّا نَهْصَر فقيلَ هِيَ أصل كَجَعْفَر وقيلَ هِيَ زائدةٌ لأنَّه من معنى الهصر وأمَّا النُّون فِي عَنْتَر فأصلٌ عِنْد الْبَصرِيين لأنَّ لَهُ نظيراً وَهُوَ جَعْفَر وَلم يقم دليلٌ على الزِّيادة من طريقِ الِاشْتِقَاق وَقَالَ غَيرهم هِيَ زائدةٌ لأنَّه مشتقٌّ من العَتْر وَهِي الشِّدة يُقَال عتر الرمحُ إِذا اشتدَّ وعَتَر أَيْضا اضطربَ ويجوزُ أَن يكونَ من عتر إِذا ذَبح وَمِنْه العَتِيرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 بابُ زِيَادَة التَّاء وَقد زيدت التاءُ أوّلاً فِي المضارِع للخِطاب نَحْو أنتَ تقومُ وأنتِ تقومينَ وأنْتُما تقومانِ فِي خِطاب مذكَّر ومؤنَّثٍ تَغْليباً وللتأنيث هِيَ تَقومُ وهما تقومان وأنتما تقومان للمؤنثين فأمَّا هنَّ يقمن فاستغْنيَ عَن علامةِ التَّأْنِيث فِي الأوَّل لدَلالةِ الضميرِ عَلَيْهِ وأمَّا هُما يقومانِ لمذكَّر ومؤنَّث فبالياء تَغُليباً فأمَّا أنتنَّ تَقُمْنَ فللخطابِ لَا غير وَقد زيدتِ التَّاءُ أوّلاً فِي الْأَسْمَاء نَحْو تُرْتب وَفِيه ثلاثُ لغاتٍ فتحُ التَّاءِ الأولى وضَمُّ الثَّانية وضَمُّ التاءِ الأولى وفتحُ الثَّانية وضمُّهما فيلزمُ مثلُ ذَلِك فِي الثَّالِثَة والثَّاني أنَّه الشيءُ الرَّاتِبُ فاشْتِقاقُه من رتَب أَي ثَبَتَ واطَّرد والتَّاء فِي تَنْضُب زَائِدَة لأمرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 أَحدهمَا عدم النَّظير إذْ ليسَ فِي الكلامِ فَعْلُلٌ بِفَتْح الْفَاء وضمِّ اللاَّم والثَّاني أنَّ تَنْضُباً شجرٌ طويلٌ دقيقُ الأغصانِ فَهُوَ من معنى نُضُوبِ الماءِ كأنَّ الماءَ بَعُدَ عَنهُ ومثلُه الشوط وَهُوَ شَجَرٌ يُشْبِهه كأنَّ الماءَ شُحِطَ عَنهُ وأمَّا تَتْفُل فَفِيهِ ثلاثُ لُغاتٍ ضمُّ التَّاءِ وَالْفَاء وفَتْحُ التّاء وضمُّ الْفَاء وعكسُ ذَلِك والتَّاء الأولى زائدةٌ لأمرين أَحدهمَا زيادَتُها واجبةٌ فِي اللُّغة الوُسْطَى لعدمِ النَّظير وَكَذَلِكَ على اللغةِ الْأَخِيرَة فِي قَول سِيبَوَيْهٍ وتلزمُ زيادَتُها على اللُّغَة الأولى وَهَكَذَا إنْ دخلت عَلَيْهِ تاءُ التَّأْنيث لوجوبِ زيادتِها قبلهَا والثَّاني أنَّه قريبٌ من معنى التَّفْل وَهُوَ البَصْقُ لأنَّ ولدَ الثَّعْلَب وَهُوَ التَّتْفُل يَجْري فِي مَشْيه بسهولةٍ كَرِقَّة البُصَاق أَو كأنَّه يَقْذِفُ جَرْيَه كقَذْفِه البُصاق وأمَّا التَّاءُ فِي تِنبال فَفِيهَا وَجْهَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 أَحدهمَا هِيَ أصلٌ والنونُ زائدةٌ لأنَّه القصيرُ وَهُوَ من التّبْل الَّذِي هُوَ القَطعُ إِذْ القصيرُ قِطْعَةٌ من الطَّويل والثَّاني عَكْسُ ذَلِك واشتقاقُه من النَّبْلِ لأنَّه قصيرٌ مثله وأمَّا التصدير فَتاؤه زائدةٌ لأنَّه من الصَّدر فأمَّا التَّاء الأولى من تَرَبُوت فأصلٌ لأمرين أَحدهمَا أنَّ الأخيرةَ زائدةٌ فَلَو زيدَت الأُخْرى لم يبقَ ثلاثةُ أحرفٍ أصُول والثَّاني أنَّه من معنى التُّرَاب فكأنَّ الناقةَ المُذَلَّلَةَ كالتراب فِي السُّهولة وَقد أُبدلتِ التَّاءُ وَإِلَّا فَقَالُوا نَاقَة دربوت أَي مُدَرَّبةٌ ويجوزُ أَن يكونَ ذَلِك أصلا آخر وأمَّا التّاء فِي تَوْلَج فبدلٌ من الْوَاو وأمَّا التَّاء فِي الرَّهَبُوت وبابِه فَزائدةٌ بِدَلِيل الِاشْتِقَاق وعدمِ النَّظير وَكَذَلِكَ التَّاء فِي عنكبوت لقَولهم عَناكِب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وأمَّا التَّاء فِي تَدْرَأ فزائدةٌ لعدم النظيرِ والاشتقاق لأنَّه من الدَّرْء وأمَّا التاءُ فِي سَنْبَتة وَهِي الْقطعَة من الدَّهر فزائدة لقَولهم فِي مَعْنَاهَا سَنْبَةً وَقد اطَّردت زيادةُ التَّاء فِي الفعلِ للمعاني نَحْو تَفَعَّل وتَفَاعَل وافتعل وَفِي مصادرها وَفِي مصدر فَعّل نَحْو قطّع تَقْطيعاً فزيادةُ التّاء وَالْيَاء عوضٌ من تَشْديد العينِ فِي الْفِعْل ليدلَّ على التكثير والتوكيد وأمَّا التَّاء فِي الطَّاغوت فَهِيَ زائدةٌ وأمَّا الكلامُ على ألفها ووزنها فَيَأْتِي فِي البَدَل إنْ شَاءَ الله تَعَالَى فصل فِي تَاء التَّأْنِيث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 قد زيدت تاءُ التأنيثِ آخرِاً فِي الْفِعْل نَحْو ذَهَبَتْ وَهِي ساكنةٌ أبدا والغرضُ مِنْهَا الدَّلالةُ على تأنيثِ الْفَاعِل على مَا نبيِّنه فِي بَابه وَفِي الِاسْم نَحْو قائمةٌ وشَجَرةٌ وَفِي بعض الحروفِ نَحْو رُبَّت وثُمَّت أَرَادوا تأنيثَ الْكَلِمَة ويوقفَ عَلَيْهَا هاءٌ وَمِنْهُم مَنْ يقفُ على التَّاء حَمْلاً على الفِعْل إِذْ لم يُدلّ على تأنيثٍ فِي الْمَعْنى وأمَّا لاتَ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلاَتَ حِينَ مَناصٍ} فَهِيَ لَا زيدتْ عَلَيْهَا التَّاءُ وعَمِلتْ عملَ ليسَ وَقد استوفيتُ ذَلِك فِي إعرابِ الْقُرْآن وَقد زيدت مَعَ الْألف فِي جمعِ المؤنَّثِ نَحْو مُسْلِمات وَقد ذُكرَ فِي صَدْر الْكتاب وأمَّا إبدالُ التَّاء هَاء فيذكرُ فِي حرفِ الْهَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 بَاب زِيَادَة الْهَاء قَدْ ذَكَرْنَا شَبَه الهاءِ بِالْألف فِي خَفَائها وقُرْبِها من مَخْرجها إلاّ أنّها فِي الْجُملة تقلُّ زيادتُها بِحَسب بُعْدِها من حُروفِ اللِّين وَقد زيدت أوّلاً وحَشْواً وآخِراً فَمن الأوَّل هِرْكَوْلَة على قَول الْخَلِيل لأنَّه أخَذَه من الرَكْل لأنَّه رأى أنَّ الهِرْكَوْلةَ المرأةُ العظيمةُ الأوْرَاك فَهِيَ تَرْكُل فِي مَشْيها أَي تَرفَعْ وتضعُ بشدةٍ وَقَالَ غيرُه هُوَ أصلٌ واحَتجَّ بأنَّ الأصلَ عدمُ زيادتها وَهَذَا البناءُ يمكنُ أَن تكونَ فِيهِ أصْلاً وإنْ كَانَ فِي معنى الثُّلاثي كَمَا أنّ سَبِطاً وسِبَطْراً بِمَعْنى وَمن ذَلِك هِبْلَع أُخِذَ من البَلْع لأنّه الرجلُ الكَثير البَلْعِ وهِجْرَع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 الكثيرُ الْجَرْع فَزِيادةُ الهاءِ تُنبّه على المبالغةِ فِي هذَيْن الْمَعْنَيين وَقَالَ قومٌ هُمَا أصْلان وَقد زيدت ثَانِيَة فِي أهْراقَ لأنَّ أصلَ الكلمةِ من رَاق يريق وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْلهم تريُّقُ الماءِ تَرَدُّدُه على وَجه الأَرْض وَهُوَ من الْيَاء إذْ لَو كانَ من الْوَاو لَقالوا تَروّقُ الماءِ تردّده وَقَالَ قومٌ هُوَ منَ الْوَاو من راقَ يَرُوق إِذا ضفا وَهُوَ لازِمٌ فَإِذا أردتَ تعديَته زِدْتَ عَلَيْهِ الْهمزَة فَقلت أرَقْتُه مثل باتَ وأَبَتُّه فَإِذا قَالُوا أهْرَقته فقد زَادُوا الهاءَ وَمِنْهُم مَنْ يَقُول هَرَقْتُ الماءَ فالهاءُ هُنَا بَدَلٌ من الهمزةِ فَإِذا بنيتَ مِنْهُ اسمَ فاعلٍ قلتَ على الأوّل فَهُوَ مُهَرِيق وَالْمَفْعُول مُهَراق فالهمزةُ محذوفةٌ والهاءُ تحرّكت كَمَا كَانَت فِي الْفِعْل ونظيرُه من الصَّحِيح أكرمَ إِذا زدتَ عَلَيْهِ الهاءَ قلت أُهَكْرِم فَهُوَ مُهَكْرِم والأصلُ مؤهكرم فأمّا مَنْ أبدلَ الْهمزَة هَاء فقالَ هراق فاسم الفاِعل مُهَرِيق واصله مثل مُؤرِيق ثمَّ نُقلتْ حَركةُ الْيَاء إِلَى الرّاء وسكّنت الْهَاء فَهُوَ مثل مُقيم فِي الأَصْل من أَقَامَ إِذْ لَو جعلتَ مكانَ الهَمزةِ هَاء فَقلت مهقيم فأثبتَ الهاءَ وَلم تَحْذِفْها كَمَا حذفت الْهمزَة لأنّ العلّةَ فِي حذفِ الهمزةِ مَا نَذْكُره فِي الحذفِ وَذَلِكَ مخصوصٌ بهَا دون بدلهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 وَقد زِيدت الهاءُ فِي أمّهات وَالْأَصْل أمّ على فُعْل وَلذَلِك قلتَ أمٍّ بَيّنةُ الأُمُومة وأمّ كلٍّ شيئ أصلُه وَمِنْه قيل لمكّة أمُّ الْقرى ورئيسُ الْقَوْم أمُّهم وَزِيَادَة الْهَاء فِي أمّهات النَّاس للفرْق بَينهَا وَبَين أمّات الْبَهَائِم وَقد جاءَ بِغَيْر هَاء فِي النَّاس فَقَالَ من // المتقارب // ( ... فَرَجْتَ الظَّلامَ بأمّاتكا) وَمِنْهُم مَنْ يقولُ أمَّهات البَهائم وَهُوَ قليلٌ كقلّةِ أمّات النَّاس وَقَالَ قومٌ الهاءُ فِي أُمَّهَات أصل وَهُوَ بعيد لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنّ الواحدَ لَا هاءَ فِيهِ وَهُوَ الأَصْل والثَّاني أنَّ الأصلَ الَّذِي يوجدُ مِنْهُ على القولِ بِأصالةِ الْهَاء هُوَ الأمَهُ وَهُوَ النِّسْيَان وَلَا معنى لَهُ هَهُنَا وَقد زيدت الْهَاء آخرا للسكت وَمعنى ذَلِك أَن يكون الْحَرْف الْأَخير خفيّاً فيبين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 بِالْوَقْفِ بِالْهَاءِ نَحْو كِتابيَهُ وحِسَابيَهُ أَو تكون حَرَكَة الحرفِ دالّةً على حرف محذوفٍ نَحْو لِمَ وبمَ فإنَّ فتحةَ الْمِيم تدلُّ على الألفِ المحذوفة فَلَو وقفت عَلَيْهَا وسكّنتَ لم يبقَ على المحذوفِ دليلٌ وإنْ حرّكتَ لتدلَّ وقفتَ على الحركةِ فزادوا الهاءَ لتبقى الحركةُ ويكونَ الوقفُ على السَّاكِن وإنَّما اخْتَارُوا الهاءَ لِضَعْفِها وخَفَائها وَبِذَلِك أشْبَهت حروفَ المدِّ وَمن ذَلِك اغْزُ وارْمَ واسْعَ واخْشَ إِذا وقفتَ عَلَيْهَا ألحقتَها الْهَاء ويجوزُ أنْ تقفَ بِغَيْر هاءٍ فِي ذَلِك وَهُوَ الأصْلُ فأمَّا مَا حُذِفتْ فاؤه ولامُه فِي الْأَمر من وقَى ووَفَى فأكثرهم يقفُ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ نَحْو قِهْ وفِهْ وعِهْ تَقْوِيَة للكلمةِ إذْ بقيتْ على حرفٍ واحدٍ ولاستحالة تَسْكِينها إذْ كانتْ مَبْدُوءاً بهَا مَوْقُوفا عَلَيْهَا وَمِنْهُم مَنْ يُجوّز تركَ الزِّيادةِ ويقفُ على الحركةِ فأمَّا إنْ كَانَت الحركةُ حركةَ إِعْرَاب لم يُوقفْ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ كَضربَ وَيَرْمِي وإنْ كانَ السكونُ إعراباً فَكَذَلِك نَحْو لَمْ يضربْ وَلم يرْمِ وَلم يغزُ وأجازَ قَوْمٌ فِي المجزومِ المعتلِّ الوقْفِ على الهاءِ نَحْو إنْ تَفِ أَفِهْ وإنْ ترمِ أرْمِهْ تَشْبِيها لَهُ بالمبنيّ ومِمَّا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ وَالنُّون بعد الواوِ وَالْيَاء نَحْو مُسْلِمُونَهْ ومُسْلِمينَهْ وتتفكَّرونَهْ لأنَّ حركتَها حركةُ بناءٍ بعد حَرْفٍ ساكنٍ فَكَرِهُوا أنْ يَقِفُوا على السَّاكن بعد السَّاكن وَلذَلِك أَجَازُوا كَيْفَهْ لأنَّ حركةَ هَذِه الحروفِ كلِّها حركةُ بناءٍ بعدَ حَرْفٍ سَاكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 بَاب زِيَادَة السِّين وَقد زيدت فِي الاسْتِفْعال وَمَا تصرّفَ مِنْهُ بِمَعْنى الطَّلب نَحْو اسْتَسقَى الماءَ أَي طلبَ أنْ يُسْقاه وَقد جاءَ استفعلَ بِمَعْنى فَعَلَ نَحْو استقرَّ بِمَعْنى قرَّ وَقد زيدت عِوَضاً فِي اسطاعَ وَفِي هَذِه الكلمةِ أربعُ لُغات أطاعَ وأسْطَاع بقطْع الهمزةِ واسْطَاعَ بوصلها واسْتَطَاعَ بالتَّاء ولغةٌ خَامِسَة اسْتَاعَ فَأَما (أَطَاعَ) فَمثل (أقَام) فالألفُ بدلٌ من الواوِ لِمَا نذكُرُه فِي البَدل وأمَّا اسْطَاع بوصلِ الهمزةِ فأصلُه استَطَاع فحذفت التَّاء لمجانستها الطَّاءَ كَمَا يُحذف أحدُ المِثْلَيْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وأمَّا أسْطاعَ بِقطع الهمْزَةِ وَفتحهَا فالسِّينُ فِيهِ بَدَلٌ من حركةِ لفظِ حركةِ الْوَاو وذلكَ أنَّ أصلَه أطْوَعَ فنقلت حركةُ الْوَاو إِلَى الطّاءِ على مَا يُوجِبهُ القياسُ ثمَّ أُبْدِلت السّينُ ممَّا ذكَرْنا والدليلُ على ذَلِك من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ همزةَ أسْطاع مفتوحةٌ مقطوعةٌ مثلُ همزةِ أطَاع والثَّاني أنَّ حرفَ المضارعةِ فِيهِ مضمومٌ مثلُ يُطيع وَلَو كَانَت سينُ استفعلَ لم يكن كَذَلِك وَقَالَ المبرّد هَذَا غلطٌ لأنَّ حَرَكَة الْوَاو قد نقلت إِلَى الطَّاء فَهِيَ موجودةٌ فكيفَ تصحُّ دَعْوَى البَدل مِنْهَا مِنْ موجودٍ فَالْجَوَاب عمَّا قَالَ من وجْهين أَحدهمَا أنَّ الواوَ لَمَّا سُكِّنت قُلبتْ ألِفاً وتعرَّضت للحذفِ فِي الجزْم وَلَو كَانَت الحركةُ بَاقِيَة فِي حكم الموجودِ لم يكنْ كَذَلِك وَالثَّانِي أنَّ السينَ بدلٌ من الحركةِ الكائنة فِي الواوِ ونقلُها إِلَى غَيرهَا لَا يُخْرِجُها عَن استحقاقِ الحركةِ وأنَّها لَيست مَوْجُودَة فِيهَا وَقد زيدت السِّينُ فِي بعض اللُّغاتِ بعد كافِ الْمُؤَنَّث نَحْو رأيتكس ومررت بِكَس وبعضُهم يزيدُ الشين وَهُوَ شاذّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 بابُ زِيَادَة اللاّم اعلمْ أنَّ زيادَتها بعيدةٌ فِي الْقيَاس لبُعْدِها من حروفِ المدِّ وإنَّما زيدت فِي حروفِ قليلةٍ قَالُوا فِي زيدٍ زَيْدَل وَفِي عَبْدٍ عَبْدل وَقَالُوا فِي الأفْحَج فَحْجَل وَقَالُوا فِي أُولَئِكَ أولالك وَهَذَا شَاذ فأمَّا اللاَّم فِي ذَلِك فزائدةٌ لبُعْدِ المُشار إِلَيْهِ وقيلَ هِيَ بَدَلٌ من هَا الَّتِي للتَّنْبيه وَكَذَلِكَ هِيَ زائدةٌ فِي تِلك وَقد زيدتْ للتَّعريف على مَا ذكرنَا فِي بَاب المعرفةِ والنَّكرةِ فصل كلُّ حرفٍ مُشدَّدٍ فِي أصلٍ ثلاثيّ فالثّاني مِنْهُمَا زائدٌ وَقد تكرَّر حرفانِ الفاءُ وَالْعين نَحْو مَرْمَريس ومَرْمَريت وَلَا نَظِير لَهما ووزنُه فَعْفَعيل فأمَّا دَرْدَبيس فَلَا تكريرَ فِيهِ لأنَّ الدَّال الثَّانِيَة لم تَتَكَرَّر مَعهَا الراُْءُ فوزنه فَعْلَلِيْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 وأمَّا دَدن ودَدَى وَدَدٌ فَلَا يُقالُ الفاءُ مكررةٌ بل فاؤه وعينُه من موضعٍ وَاحِد وَقد يُفْصَل بَين المثلين فِي مثلِ ذَلِك نَحْو كَوْكَب فأمَّا أوَّل ففاؤه وعينه واوان وَله موضعٌ يذكر فصل الأصلُ أنْ تكونَ الزيادةُ أخيراً لأنَّه موضعُ الْحَاجة إِلَيْهَا إذْ البَدْأَةُ بالاصول ممكنةٌ وإنَّما يقترض بعد إِنْفَاق الْحَاصِل إلاَّ أنَّه قد زيد أوَّلاً وحَشْواً على حسب الْمَعْنى فصل فِي الْإِلْحَاق اعْلَم أنَّ القصدَ من الإلحاقِ أنْ تزيد على بناءٍ حتَّى يصيرَ مُساوياً لبناءِ أصْلِ أكثَر مِنْهُ وَهَذَا يُوجِبُ أنْ يُزَادَ على الِاسْم الثُّلاثيّ حتَّى يصيرَ رُباعياً وخُماسياً فقد تَلْحَقُه زيادتان لأنَّ أكثرَ أصولِ الأسماءِ خمسةٌ فأمَّا الفِعْلُ فَيُزادُ على الثُّلاثي واحدٌ فَيَلْحَقُ بالرُّباعي لأنَّ الفعلَ لَا خماسيَّ فِيهِ واعلمْ أنَّ حرفَ الإلحاقِ لَا يكونُ أوَّلاً لأنَّ الزيادةَ أوَّلاً تكونُ لِمَعْنى إِذْ حقُّ الْمَعْنى أنْ يُدلّ عَلَيْهِ من أوَّلِ الْكَلِمَة ليستقرَّ الْمَعْنى فِي النَّفس من أوَّلها فقد يكونُ حرفُ الإلحاقِ حَشْواً وآخراً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 وَاعْلَم أنَّ الإلحاقَ إِذا كانَ آخِراً جازَ أَن يكونَ بالحروفِ كلّها إِذا كانَ الملحقُ من جنس اللاّم وأمَّا الإلحاقُ إِذا كانَ حَشْواً فَيكون بِالْيَاءِ وَالْوَاو والنّون فمثال الْوَاو ثَانِيَة جَوْهَر مُلْحق بِجَعْفَر فالواو بِإِزَاءِ الْعين والياءُ ثَانِيَة مثل خَيْفَق ومثالُهما ثَالِثَة جَدْوَل فالواوُ بمنزلةِ الْفَاء من جَعْفَر وعِثْيَر فالياءُ بِإِزَاءِ الْهَاء من دِرْهَم وأمَّا الألفُ فَلَا تكونُ للإلحاقِ حَشْواً لأنَّ مَا فِيهَا من المدِّ يُخْرِجُها عَن مُساواة حروفِ الأصلٍ من غَيره ويؤيِّدُ ذَلِك أنَّها لَا تكونُ أصْلاً فِي الأسْماء المتمكِّنةِ والأفعالِ فَلَا يُقابَل بهَا أصْلٌ وأمَّا زيادتُها أخيراً للإلحاق فَجَائِز فصل ويُسْتَدلُّ على الْألف إِذا كَانَت أخيراً أنَّها للإلحاقِ بثلاثةِ أَشْيَاء أَحدهَا أنْ لَا تكونَ منقلبةً عَن أصلٍ وأنْ تنوّنَ فالشرَّطُ الأوَّلُ يدلّ على أنَّها إنْ كَانَت منقلبةً عَن أصْل لم تكن زَائِدَة وَمن شَرْط حَرْفِ الْإِلْحَاق أَن يكونَ زَائِدا وأمَّا التنوينُ فَيدُلّ على أنَّها لَيست للتأنيث والثَّاني أنْ تكونَ على بناءٍ غيرِ مُخْتَصّ بالتأنيث فَحُبْلى وَنَحْوه من فعلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 لَا يكونُ إلاّ للتأنيث وَمن هُنا كَانَت ألفُ بُهْمى للتأنيث وَالْألف فِي بُهْماة زَائِدَة للتكثيرِ وعَلى قولِ الْأَخْفَش تكونُ للإلحاق بِجُخْدَب والثَّالث أَن تنقلبَ الألفُ فِي التصغير يَاء كَمَا تنقلبُ المنقلبةُ إِلَى الْيَاء نَحْو مِعْزى وتصغيرها مُعَيْز وأمَّا الهمزةُ فِي عِلْباء فَمُبْدَلةٌ من ألفٍ مُبْدَلةٍ من يَاء زائدةٍ للإلحاق بسِرْداح وَلذَلِك تقولُ فِي تصغيرها عُلَيْبيّ فتقلبُ ألفَ المدِّ يَاء لانكسارِ مَا قبلَها وتعيدُ اللاّم إِلَى أَصْلهَا وَقد جَاءَت ألفاظٌ تكونُ الألفُ فِي آخرهَا للإلحاقِ فِي لغةٍ وللتأنيثِ فِي أُخرى نَحْو ذِفْرى وتَتْرَى فمما جاءَ على الْإِلْحَاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 مَهْدَد ووزنه فَعْلَل مُلْحَق بِجَعْفَر إذْ لَو كَانَت الميمُ زَائِدَة لقَالَ مهدّ فأدغم وَكَذَلِكَ يأججّ ومأْججٌ وزْنُهما فَعْلَل إذْ لَو لم يكن كَذَلِك لأدغم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 بابُ البَدل معنى الْبَدَل إقامةُ حرفٍ مَقامَ حرفٍ آخر والغرضُ مِنْهُ التخفيفُ وموضعُ البَدَل موضعُ المبدَلِ مِنْهُ بِخِلافِ العِوض فإنَّه فِي غيرِ مَوضعِ المعوَّض مِنْهُ كتعويضهم تَاء التَّأْنِيث فِي عِدّةٍ وزِنَةٍ من فَاء الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ واوٌ وكالهمزة فِي اسمٍ فإنَّها عُوِّضت من لامِ الكلمةِ الَّتِي هِيَ واوٌ فإنْ قيلَ لِمَ فَرَّقوا بينَ العِوَضِ والبدلِ فِيمَا ذكرت البدلُ فِي اللغةِ من جِنْسِ المُبْدَلِ مِنْهُ يُقام مقامَه والعوضُ جزاءُ الشَّيء وَقد يكونُ من غَيْرِ جِنْسه أَلا تَرى أنَّ الثَّوابَ والعِقَابَ على الفِعل تُسمَّى عِوَضاً ويُقال عَوَّضَه اللهُ من وَلَدِه مَالا أوْ عِلْماً فصل والبَدَلُ على ضَرْبين مَقِيس وغيرُ مَقِيس فَغَيرُ المقِيس كإبدالهم الياءَ من الْبَاء فِي الأرانب فقد قَالُوا الأراني وإبدال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 الْيَاء من السِّين فِي سادس فَإِنَّهُم قَالُوا سادي وأمَّا المقيسُ فَضَرْبان أيضاًُ لازِمٌ مطَّرد ولازمٌ غير مطَّرد فالأوَّل مَا أُبْدِلَ لعلَّةِ فإنَّه لازمٌ حيثُ وُجدت العلّةُ مَا لمْ يمْنَع مِنْهُ مانعٌ كإبدالِ الْوَاو وَالْيَاء ألفا لتحركهما وانفتاح مَا قبلهمَا واللازمُ غيرُ المطَّرِد نَحْو إبْدَالِ الْيَاء من الْوَاو فِي أعْياد وأمَّا مَا ليسَ بلازمٍ وَلَا مطَّرِد فَهُوَ الجائزُ كإبدالهم الواوَ همزَة فِي وِشاح ووِعاء فإنَّه جائزٌ غيرُ مطّرد أَلا ترى أَنهم إِذا علَّلُوا الإبدالَ بِكَسْر الْوَاو بطلَ عَلَيْهِم ب وِرْد وِقْر وغيرِ ذَلِك ممّا لَا يجوزُ فِيهِ الْإِبْدَال مَعَ وجود العلَّة وعدمِ الْمَانِع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 فصل فِي حروفِ الْبَدَل وَهِي أحدَ عشرَ مِنْهَا ثَمَانيةً من حروفِ الزِّيادة تُسقط مِنْهَا السِّين وَاللَّام ويُزادُ عَلَيْهَا ثَلَاثَة من غَيرهَا وَهِي الدَّال والطاءُ والجيمُ وسيَأْتي ذَلِك حَرْفاً فحرفاً إِن شَاءَ الله تَعَالَى فصل فِي إِبْدَال الهمزةِ وَقد أُبْدِلت الهمزةُ من خَمْسةِ أحْرُفٍ من الألفِ والواوِ وَالْيَاء وَالْهَاء وَالْعين إبدالُها من الْألف مَسْأَلَة إِذا وقَعتْ ألفٌ التأنيثِ بعدَ ألفِ المدِّ قُلبتْ همزَة الْبَتَّةَ كَقَوْلِك صحراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وحمْراء لأنَّ الألِفين التقتا ومُحالٌ اجتماعُهما وحذفُ الأولى وتحريكُها يُخِلّ انقلبت المدّ وحذفُ ألفِ التَّأْنِيث يُخِلُّ بالتأنيث فَتعين تحريكُها وَإِذا حُرِّكت انقلبت همزَة لِقُرْبِ مَخْرج الهمزةِ مِنْهَا وَلَا يُقال إنَّ الهمزةَ علامةٌ للتأنيثِ فِي الأَصْل لأنَّها لَو كَانَت كَذَلِك لجاءت للتأنيثِ من غيرِ عِلّة توجِبُ التغييرَ كَمَا جَاءَت الألفُ وَالْيَاء مَسْأَلَة إِذا وقعتِ الألفُ قبلَ الْحَرْف المشدَّد نَحْو دابّة وابياضّ فَمن الْعَرَب من يبدلها همزَة وَقد قاسَ ذَلِك النحويون وَمِنْهُم من لم يقسه وَقَالَ المبرّد للمازنيّ أتقيسُه قَالَ لَا وَلَا أقبله وَمعنى ذَلِك أنَّه يستعِفُه لَا أنَّه يردُّ الرِّوَايَة بِهِ لأنَّها صحيحةٌ فَاشِية وعلّة القلبِ لأنَّ الألفَ ساكنةٌ وَبعدهَا حرفٌ ساكنٌ فَحُرِّكتِ الألفُ كَرَاهِيَة لِاجْتِمَاع الساكنين وانقلبت همزَة لِمَا تقدَّم وإنَّما ضَعُفَ هَذَا فِي الْقيَاس وقلَّ فِي السَّماع أنَّ الألفَ لامتداد صوتِها كأنَّها متحرِّكةٌ فَلَا جَمْعَ إِذن بَين ساكنين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 مَسْأَلَة حكى سِيبَوَيْهٍ عَن بعضِ العربِ أنَّه يَقْلبُ ألفَ التَّأْنِيث فِي الوقْف هَمْزةً فَيَقُول هَذِه حُبْلاً فكأنّه أرادَ أنْ يقفَ على السَّاكن المتحركٍ فِي الوَصْل فَعَدَل إِلَى مَا يُتصوّر فِيهِ ذَلِك وَهِي الهمزةُ لِقُربِها مِنْهَا وحَصَل بذلك الفَرْقُ بَين الوقفِ والوصل وَكَذَلِكَ أبدلَ من ألفِ التَّنْوِين همزَة كَقَوْلِك رأيتُ رَجُلاً وَكَذَلِكَ فِي قولِك هُوَ يَضرِبُها فَإِذا وصَل أعادَه إِلَى الأَصْل مَسْأَلَة فِي قَول // الراجز // (مِنْ أيِّ يَوْمَيكَ مِنَ الموتِ تَفِرْ ... أيومَ لم يقدرَ أمْ يومَ قُدِرْ) بِفَتْح الرَّاء فَفِيهِ لِلنَّحويين ثلاثةُ أوْجُهٍ أَحدهَا أنَّه حرَّكَ السَّاكنَ للضَّرورة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 والثَّاني أنَّه أرادَ النونَ الخفيفةَ فأبدلَ مِنْهَا ألفا ثمَّ حذَفَها للوصلِ وَهَذَا ضعيفٌ لأنَّ ذَلِك يكونُ لأجْلِ السَّاكِن بعدَها وَالثَّالِث وَقَالَ أَبُو الْفَتْح قدَّرَ الراءَ متحركةً بحركةِ الهمزةِ المجاورةِ لَهَا كَمَا هَمَزُا الواوَ السَّاكنة لانضِمام مَا قبلهَا نَحْو لمؤقدان ومؤسى ثمَّ همزَة الألفَ لسكونها وسكونِ الْمِيم بعْدهَا قلت وَلَو قيل إِنَّه ألقَى حركةَ الهمزةِ على الرَّاء وأبدلَها ألفا ثمَّ عمِل مَا ذكر كَانَ أوْجَهَ لأنَّه أقلُّ عملا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 والسُّؤق ثمَّ أبدلَ من الهمزةِ ألفا كَمَا قَالَ فِي الْمَرْأَة مَرَاة وَفِي الكَمْأة كَمَاة مَسْأَلَة الهمزةُ فِي قَول الشَّاعر من // الرجز // بالخيرِ خَيْراتٍ وإنْ شَرّاً فأا ... وَلَا أريدُ الشرَّ إلاَّ أَن تأا) وَأَصلهَا ألفٌ ويريدُ فشرّ فلمَّا ذكر الفاءَ وحدَها أشبعَها فنَشَأتِ الألفُ فأضافَ إِلَيْهَا ألفا أُخْرى وحرِّكَها كالأولى لالتقاء السَّاكنين وَمِنْهُم مَنْ يرويهِ فا بألفٍ واحدةٍ فصل فِي إبدالِ الهمزةِ من الْوَاو وَذَلِكَ على ضربَيْن جائزٌ ولازِمٌ فالجائزُ أنْ تنضمَّ الواوُ ضَمّاً لازِماً أوَّلاً كانتْ أوْ وسطا فإنَّه يجوزُ قلبُها همزَة كَقَوْلِك فِي وُعِد أُعِد وَفِي وُجوه أُجوه وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 أثْوُب أثؤب إنَّما كانَ كَذَلِك لأنَّ الواوَ مقدَّرةٌ بضمّتين فَإِذا انضمّت ضمّاً لازِماً فكأنَّه اجتمعَ ثلاثُ ضمّات وكلُّ واحدٍ مِنْهَا مُسْتَثْقَلٌ فَهُرِبَ مِنْهَا إِلَى مَالا يقدَّر بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الهمزةُ وَكَانَت أوْلى من الْيَاء لأنَّها مقدَّرةٌ بكسرتين فضمّها مستثقلٌ ولأنَّ الْهمزَة نظيرةُ الْوَاو فِي الْمخْرج لأنَّ الهمزةَ من أقْصى الحلقِ وَالْوَاو من آخر الْفَم فَهِيَ محاذَّتُها فَإِن قيلَ فهلاّ كانَ قَلبهَا لَازِما قيل لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ الضمّة فِي الْوَاو مجانسةٌ لطبيعتها وإنْ كَانَ مستثقلاً وَالثَّانِي أنَّ الأَصْل فِي الْإِبْدَال اللَّازِم أنْ يكونَ لعلَّةِ مُلَازمَة وَلم يُوجد فصل فَإِن كَانَت الواوُ مَكْسُورَة نَحْو وِعَاء وِسادَة فقد هَمَزَها قومٌ وَوَجْهُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 أنَّ طبيعةَ الْوَاو الضمّ فكَسْرُها مخالفٌ لطبيعتها فكأنَّ الواوَ خالَطَتْها الياءُ وذلكَ شاقّ على اللسانِ فعُدِل عَنْهَا إِلَى الهمزةِ لِمَا ذَكَرْنا فِي المضمومةِ فصل فإنْ كَانَت مَفْتُوحةً لم تُقْلَب هَمْزَةً إلاَّ أَن يُنْقَلَ ذَلِك لخفَّةِ الفتحةِ وأنَّ الواوَ المفتوحةَ أخفُّ من الهَمْزَةِ وَقد جاءَ قلبُها همزَة فِي ثَلَاثَة مواضعَ وَهِي أحَد فِي وَحَد كَقَوْلِه تَعَالَى {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} لأنَّه من الوَحْدة فأمَّا أحدٌ المستعملُ للْعُمُوم كَقَوْلِك مَا جَاءَنِي مِنْ أحدٍ فَهِيَ اصلٌ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهَا وَاحِدًا وَمن ذَلِك امرأةٌ أناةٌ وأصلُها وَنَاةٌ لأنَّها المتثنيَّة فِي مشْيَتِها فَهِيَ مُشتَقّة من الوُنْية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 والتَّواني وَمن ذَلِك قَوْلهم أسْماء اسمُ امْرَأَة واصلها وسْمَاء من الوَسَامة وَهُوَ الحُسْن وَهَذَا لَا يُقَاس عَلَيْهِ فصل إِذا وقَعت الواوُ عَيْناً فِي فاعِل نَحْو قَائِل وجائِر قُلِبَت همزَة وَفِيه أسْوِلَةً أحدُها لِمَ قُلبت والجَوابُ أنَّها لَمَّا اعتلّت فِي قَالَ وجَارَ اعتَلَّت فِي قَائِل لأنَّه من فروع فَعل والقلبُ هُنَا يُعرَفُ من عِلّة القَلْب فِي الفِعْل لأنَّ الواوَ هَنا متحرّكةً وَقبلهَا فتحةُ الْقَاف والحاجز بَينهمَا غَيرُ حُصَيْن ولأنَّ الألفَ لاستطالتِها كالحرفِ المفتوح وَكَانَ قياسُ ذَلِك أَن تُقْلَب ألفا إلاَّ أنَّ قبلهَا ألفا فَلم يُجمع بَين ساكنين وَالسُّؤَال الثَّانِي لِمَ قُلِبتْ همزَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن الْقيَاس أَن تقلب ألفا فلَمَّا تعذَّرَ ذَلِك قُلبت إِلَى أختِ الْألف والثَّاني أنَّها لَو قُلبت يَاء لكانَ حُكْمُها حكمَ الواوِ فِي وُجوبِ إعلالها فقلبوها حَرْفاً لَا يجبُ إعلالُه مَعَ مشابهتِه حروفَ الْعلَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 فصل إِذا وَقعت الواوُ طَرَفاً بعد ألفٍ زائدةٍ اصلاً كَانَت أَو زَائِدَة قلبت ألفا ثمَّ قُلبت الألفُ هَمْزَةً نَحْو كِسَاء فإنْ قيلَ لِمَ أُبْدِلت قيلَ لأنَّها تطرَّفت وتحرَّكت والواُوُ المتحرِّكةُ مُسْتَثْقَلة والطرفُ ضعيفٌ فَلذَلِك قُلِبت وقَبْلَها سَاكن أَلا ترى أنّها صّحت فِي (شقاوة) و (عَبَايَه) لَمَّا لم يتطرَّفاَ فإنْ قيل فقدْ أبدَلَها هَهُنَا بعضُ الْعَرَب هَمْزَةً فَقَالُوا عَبَاءة وصَلاءة قيلَ هِيَ لغةٌ ضعيفةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 والوجْهُ فِيهَا أنَّه أَدخل الْهَاء بعد الْقلب فَلم يُعِدها إِلَى أصْلها إذْ كانَ حرفُ التانيث زَائِدا والتأنيث فرعٌ فَلم يتغيَّرْ بهما الاصل فإنْ قيلَ فلِمَ أُبْدِلت ألفا ثمَّ همزَة قيل هُوَ اشْبَهُ بِالْقِيَاسِ لأنَّ حكْمَ الْوَاو إِذا تحرَّكت وانفتَح مَا قبلهَا قُلبت ألِفاً وَقد بَيَّنّا أنْ قبلَها فَتْحة أَو كالفتحة فَلَمَّا صَارَت ألفا حُرِّكت فَانْقَلَبت هَمْزَةً لِئَلَّا يُحذفَ أحدُ السَّاكنين وكلٌّ مِنْهُمَا يجبُ أنْ يُراعى فصل إِذا اجتمعَ واوان فِي أوَّلِ الكلمةِ أُبْدِلت الأولى مِنْهُمَا هَمْزَةً نَحْو الأولى وَجمع واصِل وتصغيرُه أواصل وأُوَيْصل وإنَّما كانَ كَذَلِك لأنَّ الواوَ مُسْتَثْقَلة لكونِها خارجةٌ من عُضوين وَهِي مقدَّرةٌ بضمَّتين فالواوان فِي تقديرِ أربعِ ضمّاتٍ ثمَّ هُما من جنسٍ واحدٍ والنّطْق بالحرفِ بعدَ حرفٍ مثله شاقٌّ على اللِّسَان حَتَّى أوجبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 ذَلِك الإدغامَ إِذا أمكن وهُنا لَا يُمْكنُ لأنَّ المدغمَ الأوَّل يجبُ أَن يكونَ سَاكِنا والأوَّل لَا يُمكن إسْكانُه فَعِنْدَ ذَلِك هُرِبَ إِلَى حرفٍ آخرَ وَهُوَ الهمزةُ لِمَا ذكرْنا من قبل فصل وأمَّا إبدالُها من الْيَاء فقد جاءَ شَاذّاً فِي أيْدٍ قَالُوا قَطَعَ اللهُ أدَه وأدَيه وأُبدلت من الياءِ إِذا وَقعت عين فاعِل نَحْو بَائِع وَسَائِر وَمن الياءِ لاماً نَحْو قَضَاء ورِدَاء والعِلَّةُ فِي ذَلِك كلِّه مَا تقدَّم قبلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وَقد أُبدلت من الْيَاء الزَّائِدَة للإلحاقِ فِي نَحْو عِلْباء وحِرْباء فإنْ قيل مِنْ أينَ أعْلَمُ أنَّ أَصْلهَا ياءٌ لَا وَاو قيل لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّهم لَمَّا ألْحقُوا الهاءَ هَذَا الحرفَ أظهرُوا الياءَ فَقَالُوا دِرْحَاية ودِعْكاية وَلم يَأْتِ فِيهِ الْوَاو والثَّاني أنَّهم لَمَّا ارادوا الْإِلْحَاق زادُوا أخفَّ الحرفينِ وَهُوَ الْيَاء فإنَّها أخفُّ من الْوَاو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 مَسْأَلَة فإنْ سمَّيتَ رجلا ب صحراء ونسبتَ إِلَيْهِ قلت صَحْراويّ فأبدلت الهمزةَ واواً فإنْ رخَّمته بعد النَّسب على مَنْ قَالَ يَا حارُ قلت يَا صحراءُ فأبدلت الْوَاو همزَة فَهَذِهِ الهمزةُ مُبْدَلةٌ من واوٍ مبْدَلةٍ من هَمْزَةٍ مُبْدَلةٍ من ألفٍ فصل وأمَّا إبدالُ الهمزةِ من الْهَاء فقد جاءَ ذَلِك فِي حروفٍ ليستْ بالكثيرة والوَجْهُ فِي إبْدالها أنَّ مَخْرَجَيْهما مُتقاربان إلاَّ أنَّ الهاءَ خفيّةٌ والهمزةَ أبْيَنُ مِنْهَا فأُبْدِلَ الخَفيُّ من البَيِّن فَمن ذَلِك مَاء والأصلُ فِيهِ مَوَهٌ لِقَوْلِك فِي جمعِه أمْوَاه ومِياه وماهتِ الركيّةُ تَمُوهُ فقد رأيتَ لامَ الكلمةِ كيفَ ظهرتْ هَاء فِي التَّصريف فأبْدَلوها همزَة وَالْوَاو ألفا وَقد جَاءَت فِي الْجمع أمْوَاء على الشّذوذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 وَمن ذَلِك آل والأصلُ أهْل فأُبدلت الهاءُ همزَة ثمَّ أبدلت الهمزةُ ألفا لِاجْتِمَاع الهمزتين وسكونِ الثَّانِيَة وانفِتاح الأولى مثل آدم وَآخر فإنْ قيلَ لِمَ قلتَ إنَّها أُبدلتْ همزَة ثمَّ ألفا دون أَن تقولَ أُبدلت ألفا من الِابْتِدَاء قيلَ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنّهَا لم نجدهم أبدلوا الهاءَ ألفا فِي غير هَذَا والثَّاني أنَّها لَو كَانَت بَدَلاً من الْهَاء كانَ استعمالُ الاصلِ والبدلِ بِمَعْنى وَاحِد كَمَا فِي وُجوه وأجوه وَلَيْسَ كَذَلِك وإنَّما خصُّوا البدلَ ببعضِ الْمَوَاضِع فَيُقَال آلُ الْملك يُرِيدُونَ أشرافَ قومه وَلم يَقُولُوا آل الْخياط وَآل الإسْكاف وَهَذَا حكُم فَرْع الفَرْع أَلا ترى أنَّ التَّاءَ فِي القَسَم لَمَّا كَانَت بَدَلاً عَن بَدَلٍ خَصُّوها بأفضلِ الْأَسْمَاء فَقَالُوا تالله وَلم يَقُولُوا تربِّك وَلَا غيرَ ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 فصل فِي إبدالِ الهمزةِ من الْعين قد جاءَ ذلكَ فِي بعضِ الِاسْتِعْمَال فالوجهُ فِيهِ أنَّ الهمزةَ والعينَ متجاورتان فِي المنخْرَج فَمن ذَلِك قَوْلهم فِي عُباب أُباب ويجوزُ أنْ تكونَ الهمزةُ أصلا من قَوْلهم أبَّ للشَّيْء إِذا تهيّأ لَهُ وعُبَاب الْبَحْر مُعْظَمه وَمعنى التهيؤ موجودٌ فِيهِ وَقَالُوا عُفُرَّة الْحَرِّ وأُفُرَّتُه والهمزةُ بدلٌ من الْعين ويجوزُ أنْ تكون أصلا من قَوْلهم أفِر يأفِر أفْراً إِذا إدا وأصلُ الْكَلِمَة من الشدِّة والمعنيان يَجْتَمِعَانِ فِيهَا ويُؤْنِّس بإبدال العينِ همزَة إبدالُ الهمزةِ عَيْناً فِي مثلِ قولِ الشَّاعر من // الطَّوِيل // (أَعَنْ ترسَّمْت مِنْ خَرْقاءَ مَنْزِلةً ... ماءُ الصِّبابَةِ من عَيْنَيْكَ مَسْجُومُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 والوجْهُ فِيهِ أنَّ العينَ تَقْرُب من مخرج الهمزةِ وَهِي أبْيَنُ من الْهمزَة ففرّوا إِلَيْهَا خُصوصاً عِنْد اجتماعِ الهمزتين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 ذِكْرُ إِبْدَال الْألف وَقد أُبْدِلت من حُروفٍ عِدّةٍ فَمن ذَلِك الوَاوُ واليَاءُ إِذا تحركتَا وانفتحَ مَا قبلَهما قُلِبا أَلفَيْنِ عينين كَانَتَا أوْ لامَيْن وَقد خرجَ عَن هَذَا الأَصْل أشياءُ لم تُقْلَب فِيهَا لعللٍ نذكرها إنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى وإنَّما كانَ الأصلُ القلبَ لأنَّ كلَّ واحدةٍ من الواوِ والياءِ مُقَدَّرَةٌ بحركَتين لِمَا ذُكِر فِي غير هَذَا الْموضع فَإِذا انضمَّ إِلَى ذَلِك حَرَكَتُها وحركةُ مَا قبلَها اجتمعَ فِي التقديرِ أربعُ حركاتٍ متوالياتٍ فِي كلمةٍ وذلكَ مُسْتَثْقَلٌ وَقد تجنَّبوا مَا هُوَ دونَه فِي الثِّقل كاجتماعِ المِثْلين نَحْو مَدَّ وشدَّ واصله مَدَد وشَدَد فأدْغَموا فِراراً من ثِقَل التَّضْعيف وقيلَ إنَّ الياءَ وَالْوَاو إِذا تحركتا صَارَت كلُّ واحدةٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَة حرفِ مدٍّ وَبَعض حرف مدٍّ آخر أَو بِمَنْزِلَة حرفي مدٍّ قَالُوا والمفتوحةُ كواوٍ وَألف والمكسورةُ كواوٍ وياء والمضمومةُ كواوين وَهَكَذَا حكم الْيَاء واجتماعُ حُرُوف المدِّ يُسْتَثْقَل النّطقَ بِهِ فَلذَلِك قلبوهما إِلَى الألفِ فإنْ قيل لِمَ شَرَطوا انفِتاحَ مَا قبلَهما ولِمَ قلبُوهما ألِفاً دونَ غيرِه قيل إنَّما كانَ كَذَلِك لأنَّ الغرضَ قلْبُهما إِلَى حرفٍ يمتنعُ تحريكُه وليسَ إِلَّا الْألف إذْ لَو كَانَ القلبُ إِلَى حرفٍ متحرِّك لكانَ القلبُ عَبَثا والألفُ لَا يكونُ مَا قبلهَا إلاَّ مَفْتُوحًا ويترتَّب على هَذَا مسَائِل مَسْأَلَة لَا فَرْقَ فِيمَا ذكرنَا بَين أَن يكونَ الحرفان عينين أَو لامين مثل بابٍ ودارٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 ونابٍ وعابٍ والعَصَا والرَّحى فإنْ قيلَ إِذا كانتِ الواوُ والياءُ لاماً كَانَت حركتُها عارضةً فلِمَ قلبتا قيل حركةُ الإعرابِ لازمةٌ وإنَّما تُحذَفُ فِي الوقْف وَهُوَ عارضٌ والأصلُ الوَصْلُ فأمَّا الحركةُ العارضةُ على التَّحْقِيق فَلَا يُقْلَب الْحَرْف لَهَا كَقَوْلِك {وَلَو انَّهم} فِي لَوْ أَنهم {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} و {لَتَرَوُنَّها} {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} مَسْأَلَة إِذا تحرَّكتِ الواوُ والياءُ وانكسرَ مَا قبلَهما أَو انضمّ نَحْو عِوَض وسُوَر لم تنقلبا لأنَّ شرطَ انقلابِها قد فُقِدَ وَهُوَ انفتاحُ مَا قبلَهما لينقلبا ألفا غذ لَا فائدةَ فِي انقِلابهما إِلَى الْيَاء والواوِ الْمُجَانِسَيْن لحركةِ مَا قبلهمَا ولأنَّ القلبَ يُفْضي بهما إِلَى مثلهمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 مَسْأَلَة إنَّما صحَّت الواوُ والياءُ فِي الغَلَيان والنَّزَوان لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ ذَلِك يُفْضي إِلَى حَذْف إِحْدَى الْأَلفَيْنِ لاجتماعهما فَيبقى اللفظُ النَزان والغَلان فيلتَبِسُ بِمَا نونُه أصلٌ كالأمان والضَّمان وَكَذَلِكَ الصَّمَيَان والثَّاني أنَّ هَذَا البناءَ لَا يُشْبِه أبنية الْفِعْل والتَّغييرُ بابُه الأفعالُ فَمَا لَا يُشْبِهُه يَخْرُج على الأَصْل وأمَّا الطَّوَفَان والْجَوَلان ممَّا عينُه معتلَّةٌ فصحَّت لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ هَذَا البناءَ قريبٌ من بابِ الغَلَيان والنَّزَوان فَحملت الصِّحَةُ عَلَيْهِ للوجْهَيْنِ الْمَذْكُورين والثَّاني أنَّ الواوَ لَو قُلِبت ألفا لاشتَبه فَعَلان بفاعال فاجْتُنب لذَلِك مسالة إنَّما صحَّت الواوُ والياءُ فِي غَزَوا ورَمْيَا لِئَلَّا تَنْقَلب ألفا فتُحذَف إِحْدَى الألِفَيْن فيصيرَ كَلَفْظِ فِعْل الواحدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 مَسْأَلَة إنَّما صحَّت الْوَاو فِي اجْتَوَرُوا وبابه لأنَّه فِي حْكم تجاوروا إِذْ لَا فَرْق بَينهمَا فِي الْمَعْنى وَلَا مُوجب للقلب فِي تجاوروا فَحُمل اجتوروا عَلَيْهِ وَهَكَذَا حَوِل وعَوِر لأنَّ الاصلَ احولّ واعورّ وَهَذَا لم توجَد فِيهِ علّةُ الْقلب فكانَ التصحيحُ دَلِيلا على هَذَا الأَصْل مَسْأَلَة إنَّما صحَّت الواوُ فِي خَوَنه وحَوَكة لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ تاءَ التَّأْنِيث بعدَّتْه من شبه الْفِعْل فخرجَ على الأَصْل والثَّاني أنَّ ذَلِك أُخْرِجَ على الأَصْل تَنْبِيها على أنَّ أصلَ البابِ كلّه التصحيحُ وعَلى ذَلِك جَاءَ استحوذَ وَوَجهه وَقد قَالُوا حاكَه وخانَه فأجروه على الْقيَاس مَسْأَلَة إنَّما صحَّتِ الواوُ فِي الهَوَى والنَّوَى لِئَلَّا تُحذَفَ أحدُ الْأَلفَيْنِ فأمَّا صِحَّتهَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 نَوَوِيّ فلئلاّ يتوالى إعلالان وَذَلِكَ أنَّ أصل الْوَاو الثَّانِيَة ياءٌ أُبْدِلت ألفا ثمَّ أُبْدِلت واواً لأجل النَّسب ولأنَّها لَو أُبْدِلت ألفا لصارَ لفظُها فاعيلا فيلتبس ولأنَّها لَو صحَّت قبل النَّسَبِ بقيت على صِحَّتها مَسْأَلَة إِذا سُكِّنت الواوُ والياءُ وانفتحَ مَا قبلَهما لم تُقْلَبا لزوالِ الْمُوجِب للقلبِ وَهُوَ الحركةُ وَقد جَاءَ ذَلِك شاذاً قَالُوا فِي طيّء طائيّ وَفِي الْحيرَة حارِيّ وَفِي زِبْنِيَة زَبَانيّ لأنَّ الألفَ على كل حالٍ أخفُّ مِنْهُمَا وَقد وقَعَ فِي زِبْنِية تغييران فتحُ الْبَاء وقلبُ الْيَاء فأمَّا دويَّة فقد قَالُوا فِيهَا داويّة فَقَالَ قومٌ هِيَ لغةٌ وَقيل أُبْدِلت الواوُ الأولى ألفا وَقيل الألفُ زائدةٌ ووزنُها فاعيلة وَفِيه بُعْدٌ لأنَّ ذَلِك من أبنيةِ الأعجمي وممَّا صحَّت فِيهِ الواوُ القَوَد والأوَد نُبّه بذلك على أصلِ الْبَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 إبدالُ الْألف من الْهمزَة إِذا اجْتمعت همزتان وسُكِّنت الثانيةُ وانفتحتِ الأولى أُبْدِلت الثانيةُ ألفا أَلْبَتَّة نَحْو آدم وَآخر وَفِي الْفِعْل نَحْو آمن وآزر وَإِنَّمَا كانَ كَذَلِك لأنَّ الهمزةَ إِذا انْفَرَدت ثَقُل النُّطْقُ بهَا فَإِذا انضمَّ إِلَيْهَا أُخْرَى تضاعَف الثِّقَلُ وَإِذا تَصَاقَبا وسُكِّنت الثانيةُ ازدادت الكُلْفة بالنّطق بهما لَا سيّما إِذا أَرَادَ النطقَ بواحدةٍ بعدَ أُخْرَى وَمن هُنَا وَجَب الإدغامُ فِي المثلين والإدغامُ هُنَا مستحيلٌ والحذفُ يُخلُّ بِالْكَلِمَةِ فتعيّن المصيرُ إِلَى إبدالِ الثَّانِيَة ألفا لانفتاحِ مَا قبلهَا وَلَا يصحّ تَلْيينها لأنَّ الهمزةَ المليَّنةَ فِي حكمِ الهمزةِ المحقَّقة وَلَا يصحّ إبدالُ الأولى وَلَا تَلْيينها لتعذُّرِ الابتداءِ بالألفِ وَمَا يقْرُب مِنْهَا وَإِذا صغّرتَ آدمَ أَو جمعته أبدلت الألفَ واواً فَقلت أُوَيْدم وأوادِم كَمَا تَقول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 فِي ضَارب ضُويرب وضَوارب وَلَا يجوزُ تحقيقُ الثَّانية فِي التصغير وَالْجمع لما ذكرنَا من الثّقل وأنَّ حركتها عارضةٌ مَسْأَلَة إِذا سُكِّنت الهمزةُ وانفتحَ مَا قبلَها وانفردت جازَ تحقيقُها نَحْو رَأس وكأس ومأتَم وَجَاز إبْدالها ألفا تَخْفِيفًا إلاَّ أنْ يقعَ ذلكَ فِي الشّعر مُقَابلا لرِدْفٍ فإنَّه يلزمُ إبدالُها ألفا لتستقيمَ الأرداف مثلُ أنْ يقعَ فِي آخر الْبَيْت نَاس وَفِي آخِرِ آخَرَ راس فالإبدال فِي رَأس لازمٌ لما ذكرنَا وإنْ وقعَ فِي آخرِ بَيت دِرْهَم فِي آخِر آخَر مأتم فالجيّدُ تَحْقِيق الهمزةِ وَقَالَ بعضُهم يجوزُ إبدالُها فيكونُ بَيت مؤسَّساً وبيتٌ غيرَ مؤسس فِي قصيدة وَاحِدَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 مَسْأَلَة الألفُ فِي قَوْلهم أإدني من فُلانٍ بِمَعْنى أنْصِفْني بدلٌ من الهمزةِ وَفِي الْهمزَة المبْدَلِ مِنْهَا وَجْهَان أَحدهمَا بدلٌ من عَيْنٍ والأصلُ أعدني لأنَّهم قَالُوا ذَلِك وَقَالُوا أَيْضا استَأْدَيْت أَي استَعْدَيت من العَدْوَى وَالثَّانِي هِيَ بَدَلٌ من الهمزةِ ثُمَّ فِيهَا وَجْهَان أَحدهمَا هِيَ أصلٌ من الأداة وَهُوَ مَا يُسْتَعان بِهِ على الْعَمَل وَالْآخر هِيَ بَدَلٌ من الْيَاء فِي يدٍ لأنَّهم يَقُولُونَ يَدَي وأدْيٌ وَهَذِه الْهمزَة بدلٌ من الْيَاء وَالْمعْنَى كن أيداً عَلَيْهِ وَقَالَ المبرِّد هِيَ من الأيد والأد وَهُوَ القوّة وَهَذَا لَا يصحُّ إلاَّ أنْ يُدَّعى فِيهِ الْقلب وَهُوَ تَحْويل الياءِ إِلَى مَا بعد الدَّال فأمَّا من غير قَلْبٍ فَلَا يجوزُ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه لَو ارادَ ذَلِك لقالَ أاْيدني كَمَا يَقُول أطْيبني فتصَحَّحُ الياءُ وَالثَّانِي أنَّ الدَّال مَكْسُورَة فدلَّ على أنَّ لامَها معتلَّةٌ ولامُ الأيْد صَحِيحَة إبدالُ الْألف من التَّنْوين والنُّون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 قد أُبْدلتِ الألفُ من التَّنْوِين فِي النَّصْبِ نَحْو رأيتُ زَيْداً والوجهُ فِي ذَلِك أنَّ التَّنْوين والنونَ غنّةٌ تُشْبه الواوَ فكأنَّ الواوَ وَقعت بعدَ فتحةٍ فأُبْدِلت ألفا وقًصِدَ بذلك الفَرْقُ بَين النَّصْب وبينَ أخَويه وخَفَّ ذلكَ على ألسِنَتِهِم ودَلُّوا بِهِ على الْعِنَايَة بالتَّنْوين والإعْراب وَقد أُبْدلت من النونِ الخفيفةِ فِي التوكيد نَحْو اضربَا فِي الْوَقْف لأنَّها أَشْبَهت التنوينَ فس سُكُونِها وزِيادتِها وانفِتاح مَا قبلَها واختصاصِها بالأفعال كَمَا أنَّ تِلْكَ مختصّةٌ بالأٍسماء وأُبْدِلت أَيْضا من نون إذَن الناصبةِ للْفِعْل تَشْبِيها بِالتَّنْوِينِ والنُّون الْخَفِيفَة وجوازِ الوقْفِ عَلَيْهَا وسواءٌ عَمِلت أَو ألغيت وَقَالَ الفرّاء إِذا أُعملت لم تُبْدَلُ لِئَلَّا نلتبسَ بإذا الزَّمانية وإنْ أُلغين جازَ إبدالُها لأنَّها فِي ذَلِك الموضعِ لَا تلتبسُ بالزَّمانية إِبْدَال الْيَاء قد أُبْدِلت من حروفٍ كَثِيرَة مِنْهَا مَقيسٌ وَمِنْهَا شاذٌّ وَنحن نذكرها مُرَتَّبةً فصل فِي إبدالها من الْهمزَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 إِذا سُكِّنتِ الهمزةُ وانكَسَرَ مَا قبلَها جازَ إبْدالُها يَاء وَلم يلزمْ نَحْو ذِيب ووَجْهُ ذَلِك أنَّ الهمزةَ مستثقَلَةٌ ويَزْدادُ ثِقَلُها بانكسارِ مَا قبلَها وَهِي من حروفِ البَدَل فأُبْدِل مِنْهَا مَا هُوَ مُجانِسٌ لِمَا قبلَها وَهُوَ الْيَاء وتَخْفيفُها كإبْدالها هَهُنَا وَهُوَ جعلُها يَاء خَالِصَة كَمَا كانّ ذَلِك فِي آدم وَمن ذَلِك جاءٍ الأصلُ فِيهِ جايئ فأبدلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 الهمزةُ لِما ذكرنَا وَاخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ذَلِك فَقَالَ الْخَلِيل تُقدَّمُ الهمزةُ الَّتِي هِيَ لامٌ على المُبْدَل من الْعين فتصيرُ على وزن فَالع ثمَّ تصير الأخيرةُ يَاء وإنَّما قالَ ذَلِك لأنَّها ياءٌ فِي الأَصْل وقعتْ بعدَ الْألف فَصُيِّرتْ همزَة فَإِذا وقعتْ طَرَفاً لم تُغَيَّر لعدمِ المُغيِّر وَلَو لم تُغيَّر لاجتمعَ همزتان وَإِذا أُخِّرَت لم تَجْتَمِعا ثمَّ يلزمُ من عدم النَّقْلِ توالي إعْلاَلَيْن وَهُوَ إبْدال العينِ هَمْزَةً وإبدالُ اللامِ يَاء وَإِذا نُقِلَ لم يَلْزَم ذَلِك وَقَالَ غيرُه تُبْدَلُ اللاَّمُ يَاء من غيرِ نَقْلٍ لأنَّه يلزمُ من النَّقْلِ تأخيرُ حَرْفٍ عَن موضعِه وردِّه إِلَى أَصله وَذَلِكَ إعلالان أَيْضا وإقرارُ الْكَلِمَة على نَظْمِها أوْلى وعَلى هَذَا الخلافِ يترتبُ جمع جائي وجائية وَقد أُبْدِلت الياءُ من الهمزةِ فِي إِيمَان وإيلاف لسكونها وانكِسار مَا قبلهَا إبدالُ الْيَاء من الْألف إِذا وقعتِ الألفُ فِي مَوْضعٍ ينكسرُ مَا قبلهَا قُلبتْ يَاء لِاسْتِحَالَة بقائِها بعدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 الكسرةِ فقلبتْ إِلَى مَا يُجانِسُ الكسرةَ نَحْو قِرْطاس وقَرَاطِيس فإنْ وَقعت قبلهَا الياءُ السَّاكنةُ قُلبتْ أَيْضا نَحْو تَصْغِير حِمار تَقول فِيهِ حُمَيِّر وَهَهُنَا قد أُبْدِلت الألفُ يَاء وحُرِّكت الياءُ لسُكُونِها وسكونِ ياءِ التصغير قبلهَا فصل وَقد أُبْدِلت الباءُ يَاء إِذا تَكَرَّرت نَحْو لبَّبَ تَقول لبيتُ فالياء بَدَلُ الْبَاء الثَّالثة وإنَّما فَعَلوا ذَلِك كَرَاهِيَة لاجتماعِ الأمثالِ فأمّا لبيْك فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا هوَ من هَذَا البابِ وأصلُه من ألبّ بالمكانِ إِذا أَقَامَ بِهِ وَالثَّانِي تثنيةُ لبّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 والأوّلُ أقْوى والدليلُ على ذَلِك قولُهم فِي الْفِعْل من لبّى تَلْبيةً وَقد تُبْدَلُ الباءُ وإنْ لم تتكَرَّر ثَلَاثًا نَحْو تَلْبِيةً وأصلُها تَلْبِيَةً وَكَذَلِكَ جميعُ حُروفِ المعجم إِذا تكرَّرت فِي نَحْو مَا ذكرنَا نَحْو شدّدت وشدّيت وتقضض الْبَازِي وتقضّيالبازِي وتظنّنت وتظنّيت فأمّا قَصّيت أظْفَاري فَفِيهِ وَجْهان أَحدهمَا الياءُ بَدَلٌ من الصَّاد على مَا ذكرنَا والثَّاني أصلُها وَاو وَالْمعْنَى تتَّبعتُ أقصاها وَهَذَا كَمَا تَقول تقصَّيت الكلامَ إِذا استقصيتَ أقسامَه وأمَّا قَوْلهم تسرّيتُ فِي النِّكاحِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَاب وَهُوَ مأخوذٌ من الشِّرِّ وَهُوَ النِّكاحَ يُقَال للذّكِر سرّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 والثَّاني هِيَ تفعَّلتُ من سراة الشَّيْء أَي خِيَاره وكلّ هَذِه الْأَشْيَاء لَا يلزمْ فِيهَا البدَلْ بل هُوَ جائزٌ فصل وَقد أُبْدِلت الباءُ يَاء وإنْ لم تَتَكَرَّر البتةَ فِي الشِّعْر شاذاًّ كَقَوْل الشَّاعر من // الْبَسِيط // (لَهَا أشاريرُ مِنْ لَحْمٍ تُتَمِّرُه ... مِنَ الثَّعالي وَوَخْزٌ من أرانيها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 يريدُ الثعالب والأرانب وَقَالُوا ديباجٌ والاصل دِبّاج فِي قَول مَنْ جَمْعَهُ على دَبابِيج وَقد قَالُوا دَيَابِيج أَيْضا فعلى هَذَا لَا إبْدالَ وَكَذَلِكَ أبدلُوا السينَ يَاء فِي خَامِس وسَادِس فَقَالُوا خَامي وسَادِي وَهُوَ شاذٌ وموضعه الشّعْر فصل فِي إبدالِ الياءِ من الرّاء قَالُوا قِيراط والأصلُ قِرّاط لقَولهم قَرارِيط وقُرَيْرِيط والوجْهُ فِيهِ مَا تقدَّمَ من تَجَافي التَّكْرير ويزيدُه هُنَا حُسْناً أنَّ فِي الرَّاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 فِي نفسِها ضَرْباً من التكرير فَإِذا كَانَت مُشَدَّدةٌ صارتْ فِي حكم أربعِ ياءات فازدَادَتْ ثِقَلاً ففرْ مِنْهُ إِلَى مَا هُوَ أخفُّ فصل فِي إبدالِ الياءِ من النُّون قَالُوا دِينَار وَالْأَصْل دِنَّار لقَولهم دَنَانِير ودُنَيْنِير وَشَيْء مُدَنّرٌ مَنْقُوشٌ على شَكْل الدّينار والوجهُ فِيهِ مَا تقدَّم ويؤكّدُه أنَّ النُّونَ تشبه الواوَ فِي غُنَّتها وتُثقّل بالتَّشْدِيد فيزدادُ ثِقَلُها فَإِذا انكسَر مَا قبلَها حُوِّلت إِلَى الْيَاء مَسْأَلَة قد أُبْدِلت الياءُ من الْوَاو إِذا سُكِّنت وانكَسَر مَا قبلهَا نَحْو مِيزان ومِيعاد والعلّةُ فِي ذَلِك أنَّ الواوَ من جنْسِ الضمَّةِ فَإِذا سُكِّنت ضَعُفَتْ قَلِيلا والكسرةُ قبلهَا من جِنْسِ الياءِ وتخليصُ الواوِ السَّاكنةِ بعد الكسرة ثقيلٌ جدا فجذبَتْها الكسرةُ إِلَى جِنْسها وكانَ ذَلِك أخفَّ على اللِّسان وَهَكَذَا إنْ وقعتْ عَيْناً نَحْو رِيح وَقِيل وَعِيد لأنَّ الأصلَ فِي الرِّيح الْوَاو لأنَّها من الرَّوْح وَهُوَ السِّعَة وَمِنْه رَاح يَرُوح رَوَاحاً إِذا ذَهَب وجَمْعُها أرْوَاح وَقد حُكي فِيهَا شاذاً أرْيَاح وَهُوَ كالغلط فأمَّا رِياح فعلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 الْقيَاس وَهُوَ من بابِ حَوْض وحِياض وَذَلِكَ مِمَّا أُبْدِلت الياءُ فِيهِ من الواوِ بِخمْس شَرَائِط أَحدهَا أَن تكونَ الواوَ سَاكِنة فِي الْوَاحِد والثَّاني أنْ تقعَ بعدَها الألفَ والثَّالثُ أَن تقعَ بعدَها الألفَ والرَّابعُ أنْ يكونَ لامُ الْكَلِمَة صَحِيحا والخامسُ أنْ يَنْكَسِرَ فاءُ الْكَلِمَة وإنّما شرطُوا ذَلِك لمعانٍ تَقْتَضيه أمَّا الكَسْرَةُ فَلِبُعْدِها من الْوَاو وقُرْبِها من الْيَاء وأمَّا سكونُ الواوِ فِي الأصلِ فَلِبَيان ضَعْفِها وأمَّا اشتراطُ الجَمْعِ فلئلا يجتمعَ ثِقَلُ الْوَاو مَعَ ثِقَلِ الجَمْع وأمَّا اشتراطُ تعقّبِ الْألف إيَّاها فَلأنَّ الألفَ أقربُ إِلَى الْيَاء مِنْهَا إِلَى الْوَاو وأمَّا صِحَّةُ اللاَّمِ فَلِئلاّ يكثرَ الإعلالُ وعَلى هَذَا صحّت فِي عَوَان لأنَّه واحدٌ وَلم تَنْكَسِر الفاءُ وَكَذَلِكَ صَوْغ وصحّت فِي الجمعِ المعتلِّ اللامِ نَحْو رِواء جمع راوٍ من المَاء مَسْأَلَة الأصلُ فِي عِيد الْوَاو لأنَّه من عَاد يعودُ عَوْداً فأُبدلت الواوُ يَاء لِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 ذكَرْنا من قبلُ فإنْ قيلَ فقدْ قَالُوا فِي الْجمع أعْيَاد لَا غير فأعلّوا على خلاف أرْواح قيل جَعَلوا الْبَدَل لازِماً نفيا للّبْس لأنَّهم لَو قَالُوا أعْوَاد لالتبسَ بِجمع عُود وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي التصغير عُيَيْد وَفِي تَصْغِير عُود عُويد للفَرْقِ وَلم يُوجد مثلُ ذَلِك فِي رِيح مَسْأَلَة إِذا اجتمعتِ الواوُ والياءُ وسُبِقت الأولى بالسّكون أُبْدِلت يَاء وأُدغم الأول فِي الثَّانِي نَحْو شَوَيتُ شَيّاً وطويتْ طيّاً والعلّة فِي ذَلِك أنَّ الياءَ أخفُّ من الْوَاو وتخليصُ الْوَاو سَاكِنة عَن الْيَاء مُسْتَثْقَلٌ فأُبدلت الواوُ يَاء طلبا للتَّخْفِيف ولَمَّا اجْتمعَا وتماثَلا أُدْغِم الأوَّلُ فِي الثَّاني فحصَّلَ بذلك ضربٌ من التَّخفيف أَيْضا مَسْأَلَة قد أُبْدِلتِ الواوُ يَاء فِي أفْعِل مِمَّا لامُه واوٌ نَحْو دَلْوٌ وأدْلٍ وحَرْ وأجْرٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 والعلّةُ فِيهِ أنْ خروجَه على الأَصْل مُسْتَثْقَل لاجتماعِ الضمّةِ وَالْوَاو وكونِها طرفا وطريقُ الْإِبْدَال أنْ أبدلوا من الضمّةِ كسرةً فَوَقَعت الواوُ بعدَ الكَسْرَة فجذبتَها إِلَى جِنْسِها وَهُوَ الْيَاء وَمِمَّا جاءَ من المصادرِ من ذَلِك عُتَيّ والاصل عُتوّ فأبدلوا من الضمَّةِ كسرةً فانقلبتِ الواوُ يَاء لسُكُونِها وانكسارِ مَا قبلَها ثمَّ وقعتِ الواوُ الثانيةُ بعدَ ياءٍ وكسرةٍ فأُبْدِلت يَاء وأدْغمت الأولى فِيهَا وَمن العربِ من يَكْسِر العينَ إتْباعاً وَأما بُكيّ فجمعُ باكٍ والأصلُ بكُوْي فأبدلَ من الضمّة كسرةً وَمن الْوَاو يَاء ثمَّ عمل فِي ذَلِك مَا تقدَّم مَسْأَلَة الأصلُ فِي ياءِ غَازٍ وغَازيَةٍ ومَحْنِيةٍ الواوُ وإنَّما أُبْدِلت وإنْ كَانَت متحركةً لثَلَاثَة أوجه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 321 - أَحدهَا أنَّ حركتَها حركةُ إعرابٍ فَهِيَ كالحركةِ العَارضةِ وَلذَلِك يُسَكّنُ أمثالُها فِي الوقْفِ والعارضُ غيرُ معتدّ بِهِ ولَمَّا تقررَ إبدالُها قبلَ دُخُول الهاءِ بقيت على حالِها لأنَّ تاءَ التَّأنيث فِي حكم المنفَصِل الْوَجْه الثَّانِي أنَّ لامَ الْكَلِمَة موضعُ التَّغْيِير وَفِي الْوَاو بعد الكسرة وإنْ تحرَّكت نوعُ ثِقَلٍ وَذَلِكَ كافٍ لقلَبِها والثَّالث أنَّ حركاتِ الإعْراب تَعْتَوِرُ على لامِ الْكَلِمَة فَلَو تُركت الواوُ لضُمَّت وكُسِرت وهما مُسْتَثْقلان بعدَ الكسرة وَلذَلِك سُكِّنت ياءُ المنْقُوص فيهمَا وثِقَل الْوَاو بذلك أَكثر ثمَّ حُمل الْفَتْح عَلَيْهِمَا مَسْأَلَة قد أُبْدِلت الواوُ يَاء فِي عِصيّ وَأَصله عُصُوّ فأُبدلت من ضمّة الصَّاد كسرةً لتنقلبَ الواوُ يَاء ثمَّ عُمِل فِي ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ فِي عُتوّ وَمِنْهُم مَنْ يكسر العينَ إتْبَاعاً مَسْأَلَة الأصلُ فِي قيل ضمّ الْقَاف وكسرُ الْوَاو مثل ضُرِب فاسْتُثْقِلت الكسرةُ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 الْوَاو بعد الضمَّة كَمَا تُسْتَثْقَل ضمّةُ الْيَاء بعد الكسرة فنقلت كسرةُ الْوَاو إِلَى القافِ فسكِّنت الواوُ وانكسرَ مَا قبلهَا فأُبْدِلت يَاء لما ذَكرْنَاهُ فِي ريح وَمِنْهُم مَنْ قَالَ كُسِرت القافُ مِنْ غير نقلٍ إِلَيْهَا وسكِّنت الْوَاو ومِنَ العربِ مَنْ يُشِمُّ القافَ شَيْئا منَ الضمّ مَعَ بقاءِ الْيَاء تَنْبِيها على الأَصْل وَمِنْهُم مَنْ يُبْقي الضمّةَ ويسكّن الواوَ فَيَقُول قُوْل وَهَذَا القائلُ يقلبُ الياءَ واواً فَيَقُول بُوعَ لسكونِها وانضمامِ مَا قبلهَا مَسْأَلَة الأصلُ فِي دِيمة الْوَاو يُقَال دوّمت السحابةُ إِذا دَامَ مطَرُها ثمَّ عُمِل فِيهَا مَا عُمل فِي ريح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 مَسْأَلَة إِذا كَانَت الواوُ مشدَّدةُ وانكسرَ مَا قبلَها فالأصلُ صحّتُها لتَحَصُّنِها بِالْإِدْغَامِ وَقد شذَّتْ أَشْيَاء فَجَاءَت على الْإِبْدَال قَالُوا ديوَان فأبْدَلُوا الواوَ الساكنةَ يَاء والأصلُ دِوَّان لقَولهم دُوَيْوِين ودَوَاوين ودُوّن الشّعْر مَسْأَلَة الياءُ فِي شيراز فِيهَا اختلافٌ فقالَ قومٌ هِيَ زائدةٌ عَن بدل وأصل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 الْكَلِمَة من شرز وَلِهَذَا قَالُوا فِي الجمعِ شَياريز وَفِي التصغير شييريز وَقَالَ آخَرُونَ أَصْلهَا شرّاز فابدل من الرَّاء الأولى يَاء كَمَا فُعل ذَلِك فِي قِيرَاط وَقَالَ آخَرُونَ أصلُها واوٌ ولأنَّهم قَالُوا شواريز وشُويريز وَمن هَؤُلَاءِ الْقَائِلين مَنْ قَالَ الواوُ بدلٌ من الرّاء وليسَ بِشَيْء إذْ لَو كَانَت كَذَلِك لرجعت فِي الجمعِ والتصغير وإنَّما الْوَاو فِيهِ زائدةٌ للإلحاق بِشِمْلال وَلَيْسَ لفظُ شيراز مُصَرحًا بهَا فِي كُتب اللُّغَة وَلَكِن يُمكن أَن يكونَ لَهَا أصلٌ وَذَلِكَ أَن الشَّرْزَ والشَّراسة غِلظُ الْخلق والشيرازُ لبنٌ فِيهِ غِلَظ مَسْأَلَة الْيَاء فِي ذُرِّيّة فِيهَا ثلاثةُ أوجه أَحدهَا هِيَ زائدةٌ من غيرِ بَدَل وَهِي فُعْليّة من الذرّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 والثَّاني هِيَ بدلٌ وَفِيمَا أُبدلت مِنْهُ ثلاثةُ أوجه أَحدهَا من الرّاء وَأَصلهَا ذرّوة فأبُدلت الرّاءُ واواً ثمَّ أُبدلت من الضمَّةِ كسرةً فَانْقَلَبت الْوَاو الأولى يَاء والثانيةُ كَذَلِك ثمَّ أدغمَ الأوَّل فِي الثَّانِي وَيجوز أَن يكون وَزنهَا فُعْليلة ثمَّ عِمل بِمُقْتَضى الْقيَاس والثَّاني أنْ تكونَ من ذَرَا يذرو فيكونُ وزنُها فعّولة أَو فعّيلة ثمَّ عمل فِيهِ بِمُقْتَضى الْقيَاس والثَّالث أَن يكونَ من ذَرَأ يَذْرَأ فيكونَ وزنُها فُعَّوْلة أَو فُعَيْلة على مَا تقدم ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 أبدلتِ الْهمزَة واواً أَو يَاء وَعمل فِيهَا بِمُقْتَضى الْقيَاس مَسْأَلَة الياءُ فِي أَيْنَق وأيانِق بَدَلْ من الْوَاو لأنَّ ألفَ نَاقَة مُبْدَلةً من وَاو لقَولهم اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ وَخرجت فِي نِياقٍ مُبْدَلَةً من مَوْضِعها فأمَّا أيْنُق فأصلها أوْنق مَقْلُوبَة عَن أنْوُق ووزنها أعْفُل وأُبْدِلت الواوُ السَّاكنةُ يَاء لاطِّرادِ البَدَل فِيهَا وايانق جمع أيْنُق فصل فِي إبْدالِ الْوَاو وَقد أُبْدِلت منَ الْيَاء والألفِ والهمزة أمَّا الْيَاء فَإِذا سُكِّنت وانضمَّ مَا قبلَها أُبْدِلت واواً نَحْو مُوقِن ومُوسِر والأصلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 فِيهِ الياءُ لأنَّه من اليَقين واليُسْر فإنْ تحرَّكت لم تُبْدل نَحْو مُيَيْقِن ومَيَاسر وإنَّما أُبْدِلت إِذا سُكِّنت لأنَّها ضعفت بالسّكونِ ووُقُوعِها بعدَ الضمّةِ فتخليصُها عَنْهَا يشقّ على اللِّسَان جدا فأُبْدِلت واواً لمجانستها الضمّة وَمن ذَلِك الطُّوبى والكُوسى لأنَّهما من الطَّيب والكَيَس وهُما نظيرُ الرِّيح والقِيل وأمَّا إبدالُ الواوِ من الألفِ فنحوُ قولِكَ فِي ضَارب ضُوَيْرِب وَفِي ضاربة ضَوَارب وإنَّما أُبْدِلت فِي التَّصغير لانْضِمام مَا قبلهَا وَالْألف لَا تقعُ بعدَ الضمَّةِ كَمَا لَا تقعُ بعد الكَسْرة وأُبْدِلت واواً لتُجانسَ الضمّةَ قبلهَا ثمَّ حُمِل حَالُها فِي الجمعِ على التَّصْغِير لأنَّ التكسيرِ والتصغير من وادٍ واحدٍ ولأنك لَو أبْدَلْتَها يَاء فَقلت ضَيارب لالتبسَ بجمعِ ضَيْرَب وبابه فإنْ قُلتَ فلِمَ ابدلْتَها قيلَ لَمَّا زيد فِي الْجمع ألفٌ لم يمكنْ إقرارُ ألفِ فاعلِ لسكونهما وحذفُ إِحْدَاهمَا يُخلُّ بِمَعْنَاهُ فأُبْدِلت لهَذَا الْمَعْنى وَمن ذَلِك ألفٌ فاعلَ إِذا بُني لَمَّا لَمْ يُسمَّ فاعِلُه نَحْو ضُوْرِب فِي ضَارَبَ وتُمودَّ الثوبُ فِي تَمَادّوا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {مَا وُورِيَ عَنْهُما} وأمَّا إبْدالُها من الهمزةِ فَإِذا سُكِّنت الهمزةُ وانضمَّ مَا قبلَها كقولِك فِي بُؤسٍ وَلُؤم بُوْسٌ ولُومٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 فصل فِي إِبْدَال الْمِيم قد أُبْدِلت من النّونِ الساكنةِ إِذا وَقَعَتْ قبل الْبَاء نَحْو عَنْبر وشَنْباء هِيَ فِي اللَّفْظ ميمٌ وَفِي الخطّ نُونٌ والعلّةُ فِي ذَلِك أنَّ الميمَ فِيهَا غُنّةٌ تَتَّصل بالْخَيْشُوم إِذا سُكِّنت كالنون إِذا سُكِّنت فَإِذا وَقَعَتِ النونُ قبلَ الباءِ اتَّصلتْ غُنَّتُها لمخرجِ الْبَاء فَيَشُقُّ إخراجُها سَاكِنة بلفظِها فَجُعلت الميمُ بَدَلا عَنْهَا لِشَبَهها بهَا ومُشاركَتِها الْبَاء فِي المخرجِ فَإِذا تحرّكت النُّون صحَّت نَحْو الشَّنَب لأنَّها بِحركتِها تَزُول غُنَّتُها وتصيرُ من حُرُوف اللّسان وَقد أُبْدِلت الميمُ مِنَ الواوِ فِي قَوْلهم فمّ واصله فَوْهٌ مثل فَوْز فَحُذِفت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 الهاءُ اعتباطاً فَبَقيَ فُو واستحقَّت الْحَرَكَة الإعرابية فَلَو قُلبت ألفا لَحُذِفت بِالتَّنْوِينِ وبَقِيَ الاسمُ المعْرَب على حرفٍ واحدٍ فأبْدَلوا مِنْهَا حرفا من جِنْسِها يشبه الواوَ ويتصوّر تحريكه والدليلُ على أنَّ أصلَه فَوْهٌ مَا نذكرهُ فِي بَاب الْحَذف وَالْمِيم والواُو من مَخْرجٍ واحدٍ فأمَّا قولُ الفرزدق من // الطَّوِيل // (هُمَا نَفَثَا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهما ... على النَّابحِ العَاوِي أشَدَّ رَجَام) فقد جمعَ بَين الميمِ والواوِ وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أنَّه جمعَ بَين البَدل والمبدلَ ومثلُ ذَلِك جائزٌ فِي البدَل دونَ العِوَض فوزنه الآنَ فَمَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 والقولُ الثَّاني أنَّ الميمَ بَدَلٌ من الْيَاء الَّتِي هِيَ لامُ الكلمةِ ثمَّ قدَّمتها على الْعين فوزنه الْآن فَلْع وَفِيه بُعْدٌ لأنّ الميمَ لَا تُشْبه الْهَاء إلاَّ أنَّها فِي الجُمْلةِ من حروفِ الزِّيَادَة وفيهَا خَفَاءٌ فساغَ لَهُ أَن يُبْدِل مِنْهَا حرفا أبينَ مِنْهَا يُشْبه مَا يشبهها وَهُوَ الْوَاو فإنَّ الميمَ تشبه الواوَ والواوُ تشبه الهاءَ وَلِهَذَا أُبْدِلت مِنْهَا فِي مَوَاضِع فأمَّا قَول العجَّاج من // الرجز // (خالَطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا ... ) فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أنَّه أقَرَّ ألفَ النَّصب مَعَ غيرِ الْإِضَافَة لأنَّ آخرِ الأبيات قد أُمِنَ فِيهِ التَّنوين الحاذف للألف والثَّاني أنَّه نَوَى الْإِضَافَة لِوُجُوبِ تَقْدِيرها فَأَرَادَ فِي الْحَذف مَا ثَبت مَعَ الْإِظْهَار وَقد أُبْدِلت الميمُ من لامِ الْمَعْرِفة قَالُوا فِي السَّفَر اِمْسَفَر وَهُوَ شاذّ وإنَّما جوَّزَه قربُ مخرج الميمِ منَ اللَّام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 فصل فِي إبْدال النُّونِ النُّون فِي صَنْعَاويّ بدل وَفِيمَا أبدلت عَنهُ وَجْهَان أَحدهمَا الْوَاو فِي صنعاويّ لِشَبَه النُّون بِالْوَاو فِي الغُنَّة وَلذَلِك أدغمت فِيهَا نَحْو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 من وَّاقِد ومَنْ وّعد ورَعْد وّبَرْق وَفِي أنّ كلِّ واحدةٍ منْهما ضميرُ الْجمع نَحْو قَاموا وَقُمْنَ وعلامةُ الْجمع نَحْو قَامُوا إخْوَتُك وقُمْنَ جَوَاريك وَهِي علامةُ الْإِعْرَاب كَنُونِ الْأَمْثِلَة الخمسةِ نَحْو يَضْرِبان وَأَخَوَاتهَا وَالْوَاو فِي أَبوهُ والزيدون فالنّون إِذن بدلٌ من الْوَاو والواُو بدلٌ من الهمزةِ والهمزةُ بدلٌ من ألفِ التَّأنيث والقولُ الثَّاني النُّونُ بدلٌ من الْهمزَة لأنَّها أشْبهت ألف التَّأنيثِ فِي حَمْرَاء لأنَّ ألفَ المدِّ وألفَ التَّأنيث فِي صَنْعاء كالألفِ والنُّون فِي غَضْبان وسَكْران لاشْتِراكهما فِي مَنْع الصَّرْف واختصاص أَحدهمَا بالتأنيث واختصاص الآخر بالتذكير وَفِيه بعدٌ وَهَذَا القياسُ بعيدٌ لأنَّ النونَ لَا تُشْبه الهمزةَ وَلم تُبْدَل مِنْهَا فِي موضعٍ آخر وَهَذَا الأصلُ يُشير إِلَى مسألةٍ مختلفٍ فِيهَا وَهِي نونُ سَكرَان وبابه فَعِنْدَ قومٍ لَيست بَدَلا من شيءٍ بل زيدت ابْتِدَاء كالألفِ الَّتِي قبلهَا وَهَذَا هُوَ الصحيحِ لِمَا تقدَّم وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ بَدَلٌ من همزَة التَّأْنِيث كحمراء وبابها لِمَا تقدّمَ من مشابهتِها لَهَا فِي بَاب مَالا ينْصَرف وَهَذَا بعيدٌ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ إبْدال الحرفِ مِن الْحَرْف إنَّما يكونُ مَعَ بقاءِ معنى الأَصْل والهمزة للتأنيثِ وَنون غَضْبان تختصّ بالمذكَّر وهما ضدَّان وَمنع الصّرْف حكّم يُعلَّل بالشَّبَه لَا بالإبدال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 والثَّاني أنَّ النُّونَ فِي حَمْدان وعِمْران تؤثِّر فِي مَنْع الصَّرْف وَلَيْسَت بَدَلاً بل زيدت ابْتِدَاء كَذَلِك هَهُنَا مَسْأَلَة قَدْ أُبْدلت النُّون من اللاّم فِي لعلَّ فِي لُغَة بني تَمِيم فَقَالُوا لعنّ وإنّما جَازَ ذَلِك لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا قربُ مَا بَين النونِ واللاّم والثَّاني كثرةُ اللاّمات فِي لَعلَّ ففرّوا مِنْهَا إِلَى النونِ وَكَانَت النونُ ألينَ مِنْهَا إذْ كَانَت تشبه حَرْفَ المدِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 مَسْأَلَة ذهبَ قومٌ فِي تُلُنَّة إِلَى أنَّ النُّونَ بدلٌ من اللاّم وَالْأَصْل تُلَلَّة من قَوْلهم تلّة إِذا دَفَعه وَهَذَا بعيدٌ لأنَّ التُّلُنَّة التمكّث والبقيةُ وَذَلِكَ بعيدٌ من معنى الدّفع والصحيحُ أَنَّهَا أصلُ وَذهب قومٌ إِلَى أَن النُّون فِي اللّغْنُون بدل من الدَّال فِي اللّغْدُود وَهُوَ بعيد والصحيحُ أنَّها لغةٌ فصل فِي إِبْدَال التَّاء قد أُبدلت منَ الواوِ إِذا كانتْ فَاء ووقعتْ بعدَها تاءُ افتعل نَحْو اتَّعد واتَّزن والعلّةُ فِي ذَلِك أنَّ الواوَ هُنا ساكنةٌ بَعدَ كسرةٍ وَبعدهَا تَاء وبينَ التَّاءِ والواوِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 مقاربةً لأنَّ التَّاء من طَرَفِ اللِّسان وأصولِ الثنايا وفيهَا نَفْخٌ يكَاد يخرج من بَين الثَّنايا إِلَى باطنِ الشِّفة وَالْوَاو تخرجُ من بينِ الشفتين بحيثُ تكادُ تقربُ من باطنِ الشِّفة وَإِذا كَانَ كَذَلِك شقَّ إخْراجُ الواوِ سَاكِنة قبْلَ التَّاء فحوّلت إِلَيْهَا وأُدْغمت وهما أُبدل الْوَاو مِنْهُ تَاء أسْنَتُوا والأصلُ أسْنوُوا لأنَّه من سَنَة الجدب وَالْأَصْل فِيهَا سنوة وَهَذَا البدلُ غيرُ مطَّرد أَلا ترى أنَّك لَا تَقول من أعْطُوا أعْطيوا وقالَ بعضُهم أبدلتِ الواوُ يَاء ثمَّ أُبدلت الياءُ تَاء على مَا نذكرهُ فأمَّا التَّاءُ فِي تُراث فَبَدَلٌ من الواوِ للعلّةِ التِّي ذكرنَا من مقاربةِ التَّاء للواو ويدلُّ على ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 أنَّه من ورثتُ والوراثة والموروث وَالْوَارِث وَكَذَلِكَ تُخْمَة وَهُوَ من الوَخَامة وتُكَأة من توكأت وتُكلة من توكّلت ووَكَله ووكيل وتُهمة من الوَهْم لأنَّ المتَّهِم يَبْنِي الأمرَ على مجرَّد الوَهْم وَقَالُوا تَوْلَج والأصلُ وَوْلَج فَوْعل من الولوج وَقَالُوا تَيْقُور وَهُوَ فَيْعول من الوَقار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 وَقَالُوا تالله التَّاء بدلٌ من الْوَاو وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي بَاب الْقسم وَقَالُوا هَنْتُ وَهِي من الْوَاو لقَولهم هَنَوات وَفِي التصغير هنيّة فالياء الثَّانِيَة بدلٌ من الْوَاو وَقَالُوا بنْت وَهِي من البنوّة وَالْأَصْل بِنْوَة فأبدلوا مِنْهَا التاءَ وجعلوها على مِثَال جِذْع وعِدْل وخصّوا الإبدالَ بالتأنيث وَلَيْسَت التاءُ للتأنيث لأنَّها تَثْبُتُ فِي الوَقْفِ وَقبلهَا سَاكن وَلَيْسَت كَذَلِك تاءُ التَّأْنِيث والتاءُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 أخْت بدلٌ من الواوِ لأنَّها من الأخوّة وتقولُ فِي الْجمع إخْوة وإخوان فَفَعَلُوا فِيهَا مَا فعلوا فِي بنت ووزنها فُعْل مثل قُفْل فإنْ جمعتَ بِنْتا قلت بَناتِ فحذفت لَام الْكَلِمَة الَّتِي أبدلت فِي الواحدِ تَاء فوزنُها الْآن فَعَات وإنْ جمعتَ أُخْتا قلتَ أخَوات فَلم تَحْذفِ اللاَّمَ والفرقَ بَينهمَا أنَّ كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا بُنِي على مُذَكّره فمذكَّر بَنَات فِي الْجمع بنُون فلامُه محذوفة كَذَلِك مؤنَّثِه وَالْجمع فِي أَخ إخْوَة من غير حذف كَذَلِك مؤنَّثه وتُبْدَل التاءُ من الْوَاو فِي كِلْتا وَأَصلهَا كِلْوَى ووزنها فِعْلَى وَقَالَ الْجَرْميّ التَّاء زَائِدَة ووزنها فِعْتَل وحجَّةُ الأوّلين أنَّ الكلمةَ مؤنثةٌ لاختصاصها بتوكيد المؤنَّثِ والأصلُ أَن يكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 للتأنيث علامةٌ والألفُ هُنَا تصلح لذَلِك وَالتَّاء قبلَها لَا تصلُح للتأنيث لِأَنَّهَا تكونَ حَشْوًا وزيادتُها فِي هَذَا الْمِثَال لَا نظيرَ لَهُ وَقد احتجَّ الجرْميّ بأنَّ الألفَ لَو كَانَت للتأنيثِ لم تقلبْ فِي الجرِّ وَالنّصب يَاء وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّ القلبَ هَهُنَا استحسانٌ وحَمْلٌ على ألفِ على وَإِلَى كَمَا أُبدلت فِي المذكّر وَهِي لَام الْكَلِمَة والمنقلبة فِي الجرَِّ وَالنّصب لَا تكون لاماً والثَّاني أنَّهم قد قَلبوا ألفَ التَّأْنِيث يَاء فَقَالُوا فِي سُعْدى سُعْدَيات لأجل الدَّليلِ الْمُقْتَضى للقلبِ فَكَذَلِك هُنَا وَقد ذهبَ قومٌ إِلَى أنَّ التَّاء فِيهَا بدلٌ من الْيَاء لأنَّ الإمالةِ فِي كلا جائزةٌ وَالْأَصْل فِي مثل ذَلِك للياء إِبْدَال التَّاء من الْيَاء وَهُوَ قليلٌ لبُعْدِ مَخْرجِ الْيَاء مِنْهَا إلاَّ أنَّ بَينهمَا مُشابهةً من وَجْهَيْن أَحدهمَا أنَّ فِي التَّاء هَمْساً وَفِي الْيَاء خَفَاءً والمعنيانِ متقاربان والثَّاني أنَّ التَّاءَ تُشْبِهُ الواوَ من الْوَجْه الَّذِي ذكرْنا قبلُ وَبَين الياءِ والواوِ مُشابهةٌ فِي المدِّ والاعتلال وقلبِ كلِّ واحدةٍ مِنْهُمَا إِلَى الأُخرى ومرادَفَتِها إيَّاها فِي أرْداف الأبيات نَحْو سرحوت وتكريت وَبَين أُخْتَيهما وهما الضمَّةُ والكَسْرة تقاربُ بِحَيْثُ جازَ وقوعُهما فِي الإقْواء فِي القصيدةِ الْوَاحِدَة فَمن ذَلِك ثِنْتان والأصلُ ثِنْيان لِأَنَّهُ من ثَنَيْتُ وَلَيْسَ لَهُ واحدٌ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 لَفظه وَتقول هَذَا ثِنْيُ هَذَا وَمن هَذَا ذَيت وكَيْت والأصلُ ذيّة وكيّة بتشديدِ الْيَاء وَالْهَاء المبدلة من التَّاء فِي الْوَقْف فأبدَلوا من الياءِ الثانيةِ تَاء ثَانِيَة وصلا ووقفاً والكلمتانِ مبنيّتانِ على الفتحِ لأنَّهما كنايتان عَن الحَدِيث المتَّصل بعضه بِبَعْض تَقول كانَ من الأمرِ كَيْتَ وكيتَ كَمَا تَقول كَانَ من الْأَمر كَذا وَكَذَا إِبْدَال التّاء من السِّين وَهُوَ ضعيفٌ وَقد جاءَ مِنْهُ شيءٌ قليلٌ وَوَجهه أنَّ التَّاءَ تشاركُ السينَ فِي الهمسِ وقُرْب الْمخْرج فَمن ذَلِك طست والاصل طَسّ لقَولهم فِي تصغيره طُسَيْس وَفِي الْجمع طِسَاس وَقَالُوا أطسة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 وَقد أُبْدِلت مِنْهَا فِي ستٍّ والاصلُ سِدْس لقَولهم سُدَيْسَةٌ وسُدَيْسٌ وأسْداس ثمَّ أُبدلت الدَّالُ تَاء لقربها مِنْهَا فِي المخرجِ وأنَّها هُنَا سَاكِنة يَعْسُر النُّطْقُ بهَا قَبْل التَّاء فَإِذا فصلت بَينهمَا عُدْتَ إِلَى الأَصْل وَقَالُوا ناتٌ فِي نَاس وأكياتٌ فِي أكْياس قَالَ الشَّاعِر من // الرجز // (يَا قَاتَلَ اللهُ بني السِّعْلاةِ ... عَمْرو بنَ يَرْبُوعٍ شِرَارَ النَّاتِ) (غيرَ أعِفّاءَ وَلَا أكْياتِ) يُرِيد النَّاس وَلَا أكياس وَحكى الأصمعيّ عَن بعض الْعَرَب أنَّه قَرَأَ / قل أعوذ بربِّ النَّات / فِي جَمِيعهَا بالتَّاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 وَقد أُبدلت التَّاء من الصَّاد قَالُوا فِي لصّ لصْتٌ وَالْأَصْل الصّاد لقَولهم تَلصّص عَلَيْهِم وَهُوَ من اللصوصية وَقد تجَاوز بعضُهم الحدِّ فَأتى بهَا فِي الجمعِ قَالَ الشَّاعرُ من // الْكَامِل // (فتركْنَ نَهْداً عُيّلاً أبْناؤها ... وبَني كِنانةَ كاللُّصُوتِ المرَّدِ) وَقد أبدلوها من الطَّاء فَقَالُوا فُسْتَاط وأقرّوها فِي الْجمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وأبدلوها بَين الدَّال فَقَالُوا نَاقَة تربوت وَالْأَصْل الدَّال لأنَّها من الدُّرْبة إبدالُ الهاءِ من الياءِ قَالُوا هَذِه والأصلُ هذي لأنَّ الألفَ فِي ذَا من الْيَاء فَمنهمْ مَنْ يُبْدِلُها فِي الوقْفِ وَمِنْهُم مَنْ يُبْدِلُها فِي الْحَالين وَمِنْهُم مَنْ يَصِلُها بياءٍ فِي الوصْل والوجهُ فِي إبْدالها مِنْهَا اجتِماعُهما فِي الخفاءِ وقربِ الهاءِ من الألفِ الَّتي هِيَ من حروفِ المدِّ وَهِي أختُ الْيَاء فِي ذَلِك وَقَالُوا فِي دُهْدِيّة الْجُعَل دُهْدُوهة وَالْأَصْل الياءُ لقَولهم دهديت الْحجر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 إِبْدَال الْهَاء من الْهمزَة قَالُوا فِي إيّاك هِيّاك وَفِي إنّك هِنّك وَفِي أردْت هَرَدْتُ وَفِي اراق هَرَاق وَالْوَجْه فِي ذَلِك أنَّ الهمزةَ ثقيلةٌ والهاءَ خفيفةٌ وَهِي مصاقِبُتها فِي الْمخْرج وَمِمَّا يترتبُ على هَذَا مسألةٌ وَهِي قولُ امْرِئ الْقَيْس من // المتقارب // (وقَدْ رَابَنِي قولُها يَا هَنَاهُ ... ويحَك ألحقت شرّاً بِشَرّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وَفِي هَذِه الْهَاء أَقْوَال أَحدهَا هِيَ بدلٌ من الْوَاو الَّتِي هِيَ لامُ الْكَلِمَة ووزنُها فَعال وَقَالُوا فِي الْجمع هَنَوات كأنّه قَالَ يَا هَناو فأُبْدِلتْ ألفا الْوَاو هَاء لما تقدَّم فِي الْيَاء ويُقوّي ذلكَ أَن الْوَاو حذفت قبلَ الْإِضَافَة وأبدِلت ألفا فِي النَّصبِ وياءٌ فِي الجرِّ وَذَلِكَ تصرّفٌ فِيهَا وجعلُها هَاء تصرّفٌ وَقَالَ آخَرُونَ أُبدلت الواوُ ألفا لوقوعِها طَرَفاً بعد الفٍ زَائِدَة ثمَّ أُبدلت الألفُ هَاء لمشابهتها إيّاها فِي الْخَفَاء وقُربها مِنْهَا فِي الْمَخْرج وَقَالَ آخَرُونَ أُبدلتِ الألفُ همزَة لما ذكرنَا فِي كسَاء ثمَّ الهمزةُ هَاء وَقَالَ أَبُو زيد الهاءُ لمدِّ الصَّوْت كَمَا ألحقت فِي النّدبة أَو للْوَقْف والألفُ قبلهَا لَام الْكَلِمَة وَهَذَا المذهبُ ضعيفٌ لأنَّ ألفها تثبتُ فِي النَّصْبِ مَعَ الْإِضَافَة وَلَا إِضَافَة هُنَا إلاّ أنْ يُدْعى أنَّها أُتمّت كَمَا جَاءَ فِي أبٍ وَهُوَ قِيَاس لَو ساعدَه سَماع وَعِنْدِي فِيهَا قولٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَن يكون هنّ أُضيفَ إِلَى ياءِ المتكلِّم فَصَارَت هني مثل أبي ثمَّ نَادَى فأبدلَ من الكسرةِ فَتْحة وأبدلَ الْيَاء ألفا إمَّا لالتقاء السَّاكنين وإمَّا لتحركها وانفتاحِ مَا قبلهَا كَمَا ذكرنَا فِي قَوْلك يَا غُلاماه وَهَذَا شيءٌ لم أجِدْه عَنْهُم وَهُوَ قياسُ قَوْلهم فِي نَظَائِره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 إِبْدَال الْهَاء من الْألف قَالُوا فِي أَنا أنهُ لقرب مَا بَين الْهَاء وَالْألف فِي الخفاء والمخرج حَتَّى قَالَ الأخفشُ إنَّهما من مَخْرَجٍ واحدٍ وَقَالُوا هُنَهْ وَالْأَصْل هُنا وَقَالُوا الأصلُ فِي مَهْما مَامَا فأبْدَلوا من الْألف الأولى هَاء فِي أحدِ القَوْلين وَقد ذُكر فِي حُرُوف الشَّرطِ وَقد جاءَ فِي الشرطِ بعد مَهْ نريدُ بعدَ مَا وَقد أبدلوا الهاءَ من تَاء التَّأْنِيث فِي الاسماءِ نَحْو شَجَرة وقائمة ليفرقوا بَين الوَصْل والوقْف فصل فِي إبدالِ الطّاء من التّاء إِذا كَانَت فاءُ افتعلَ حرفَ إطباقٍ وحروفُ الإطباق أربعةٌ الصَّادُ والضَّادُ والطَّاءُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 والظَّاء قُلبت التاءُ طاءً فَمِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ إلاَّ لغةٌ واحدةٌ وَهِي الطّاء نَحْو اطَّلع وَمِنْهَا مَا فِيهِ لُغَتَانِ وَهِي الصَّاد نَحْو اصطلَح واصَّلح وَمِنْهَا مَا فِيهِ ثلاثُ لُغات وَهِي الظَّاء نقُول اظطلم اظلم واطّلم وأمَّا الضَّادُ فَفِيهَا لُغَتَانِ تقولُ فِي افتعلَ من الضَّرْبِ اضْطَرَبَ واضَّربَ والعلّةُ فِي قلبِ التّاء طاءً أنَّ حروفَ الإطباقِ مستعليةٌ مَجْهورةٌ والتَّاء مُتَسفِّلةٌ مهموسةٌ وَالْجمع بَينهمَا شاقٌّ على اللسانِ فحوَّلوا التاءَ طاءٌ لأنَّها من مَخْرجها والطّاءُ مجانسةٌ لبقيّة حروفِ الإطباقِ فأمَّا مَنْ قالَ اصّلح فأبدلَ من الطَّاء صاداً وأدغم ليكونَ العملُ من وجهٍ واحدٍ وَلم يمكنْ قلبُ الصّادِ تَاء لِئَلَّا تبطُلَ قُوّةُ المستعليةِ وجهرُها وَلَا طاءً لأمرين أَحدهمَا أنَّ الطَّاء أختُ التَّاءِ فِي الْمَخْرَج وَقد تَجنَّبوا قلْبَها إِلَيْهَا فَكَذَلِك مَا يقربُ مِنْهَا وَالثَّانِي أنَّه كَانَ يلتبِسُ بِمَا فاؤه طاءٌ وأمَّا اضْطَرب فالوجْهُ فِي قَلبهَا طاءً أنَّها أقربُ إِلَى بقيّةِ حُرُوف الإطباق لأنَّ الضَّادَ تَلِيهَا والطاءَ بعيدةٌ مِنْهَا فكانَ تحويلُ الطَّاءِ لقربها مِنْهَا ومجانستِها لَهَا وَكَذَلِكَ مَنْ قَلَبَها طاءً وأدغم وأمَّا ببيتُ زُهَيْر من // الْبَسِيط // ( ... ويَظْلِمُ أحْيَاناً فَيظَّلِمُ) فَيَرُوىء الأوْجُه الثلاثةِ وبالنُّون أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 فصل فِي إِبْدَال الدّال قد أبدلت من تَاء افتَعَلَ إِذا كانتِ الفاءُ دَالا أَو زاياً وعلّةُ ذَلِك أنَّ هَذِه الْحُرُوف فِيهَا صَفِيرٌ وجَهْرٌ وشِدَّة والتاءُ مهموسةٌ رِخْوةٌ فَإِذا سُكِّن الحرفُ القويّ وبعدَه ضعيفٌ كانَ فِي إخراجِ القويّ بصفتِه وسكونِه وإتباعِ الضعيفِ إيّاه بِلَا فصلٍ كُلفةٌ شديدةٌ فأُبدل من التَّاء حرفٌ يَقْرُب مِنْهَا فِي الْمخْرج ويقربُ من الْحَرْف الآخر فِي الصِّفة وَذَلِكَ هُوَ الدَّالُ فإنَّها من مَخْرج التّاء فالدَّالُ فِي قَوْلك دَرَأ ادَّرأ وَأَصله ادْتَرأ فقلبتَ التاءَ دَالا وأدْغمتَ الأولى فِيهَا وأتيتَ بهمزةِ الوصْلِ لسكونِ الدَّال الأولى بسببِ الْإِدْغَام وَلَا يجوزُ قلبُ الدَّالِ هَنا تَاء وتركُ تَاء الافتعال لِئَلَّا تبطلَ القوّةُ الَّتِي فِي الدَّال وأمَّا الذالُ فكقولِك مِنْ ذَرَأَ اذَّرأ والأصلُ اذْتَرَأَ فقلبت التّاءُ دَالا والذَال دَالا لأنَّها قَرُبتْ مِنْهَا وفُعل فيهمَا مَا تقدَّم وإنْ شئتَ قلبتَ التَّاءَ ذالاً لتجانس الذالَ تَقول اذّرَأ وأمَّا افتعل من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 الذِّكرُ فأصله اذْتَكَر فَحَوَّلتَ التَّاءَ إِلَى الدَّالِ والذالَ إِلَى الدَّال وأتيتَ بهمزةِ الوَصْلِ لِمَا تقدَّم وإنْ شئتَ حوَّلتَ الثَّاني إِلَى الأَوْلِ فجعلْتَهما ذالاً مشدَّدةً والأوّلُ أقوى وأمَّا الزَّايُ فكقولِك من زَجَر وزَانَ ازْدَجَر وازْدَان وَالْأَصْل التَّاء فحوَّلت إِلَى الدَّالِ لِمَا تقدَّم وَلَو قلبتَ التاءَ زاياً وأدْغَمْتَ جازَ فَقلت ازّجر وَمثله ازّان والأوَّلُ أقوى وَلَا يجوزُ قلبُ الزَّاي تَاء لِئَلَّا يبطلَ مَا فِي الزَّاي من زيادةِ الصِّفَات على التَّاء مَسْأَلَة قَالُوا فِي تَوْلَح دَوْلَج فأبْدَلوا من التَّاء دَالا لَمَّا كَثُرَ إبْدَالُها مِنْهَا فِي المواضعِ الَّتِي ذكَرْنا ويضْعُف أَن يَكُونُوا أبْدَلوا الواوَ ابْتِدَاء دَالا لبعدها مِنْهَا مَسْأَلَة يُقَال وتِد بِكَسْر التَّاء ثمَّ تُسكّن على مِثَال كتِف وكتْف وَمِنْهُم مَنْ يُبْدِل التاءَ دَالا ويُدْغِمها لِمَا تقدَّم فصل فِي إبْدالِ الْجِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 قد أُبدلت من الْيَاء السَّاكنةِ فِي الشِّعر وَهُوَ كالضرورة وعلّةُ ذَلِك أنَّها من مَخْرجها والجيمُ أبْيَنُ مِنْهَا وَذَلِكَ كَقَوْل الشَّاعِر من // الرجز // (يَا ربِّ إنْ كنت قبلتَ حِجّتجْ ... فَلَا يزالُ شَاحجٌ يَأْتِيك بجْ ... أقْمَرُ نهّاتٌ يُنَزِّي وَفْرَتِج ... ) وأمَّا قولُ الآخر (خَالي عَوَيْفٌ وَأَبُو عَلجٍ ... المُطْعِمان اللحمَ بالعَشِجْ) 210 - (وبالغداةِ فِلَقَ البَرْنجْ ... يقْلع بالودّ وبالصيصج) فإنَّه قدَّرَ الوقْفَ على الياءِ فسُكّنت ثمَّ أبدلَها جيماً مشدَّدةً ثمَّ كسرَ بعد ذَلِك والقياسُ أنْ لَا تبدَل المتحركةُ لأنَّها قويت وبانتْ بحركتها وأمَّا الصِّيصيّ فأصلها التخفيفُ لأنَّ الْوَاحِد صيصة خَفِيفَة الْيَاء وإنَّما شدَّد على لُغَة من يشدّد فِي الْوَقْف نَحْو هَذَا خالدٌ ثمَّ كسَرها لما تقدَّم وأمَّا قَول العجاج (حتَّى إِذا مَا أمْسَجَتْ وأمْسَجا) الحديث: 210 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 فالأصلُ أمستْ وَأمسى فحذفت الألفُ من اللفظِ الأوَّلِ لسكونها وسكونِ التّاء بعْدهَا فَلمَّا اضطُرّ عادَ إِلَى الأصلِ وَهُوَ الياءُ وَلم يتركُها متحركةً لأنَّ حكمَها عندَ ذَلِك القلبُ فأبدلَها جيماً ليمْكِنه النطقُ بهَا فجمعَ بينَ أَمريْن أَحدهمَا ترك النطقِ بالياءِ المتحركةِ مَعَ مَا يَقْتَضِي قلبَها وَثَانِيهمَا الإتيانُ بحرفٍ من جنْسِ رويّ القصيدة وَلَا يلْزم تغييرُه فصل فِي إِبْدَال اللاّم قد أُبْدِلت فِي أُصيلال والأصلُ أصيلان وإنَّما جازَ ذَلِك لقربِ مَخْرجها والمكبّرُ مِنْهُ أصْلان والواحدُ أصيل ل مثل رَغِيف ورُغْفان وَفِيه أقوالٌ قد ذُكرت فِي بَاب التصغير فأمَّا إبدالُ لامِ التَّعْرِيف إِلَى جِنْسِ الْحَرْف بسببِ الْإِدْغَام فيُذْكَر فِي بَاب الْإِدْغَام فصل إِذا أردتَ أنْ تزِنَ الكلمةَ بعد الْإِبْدَال فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أنَّكَ تُعيدُها إِلَى الاصلِ ثمَّ تزنُها على ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 والثَّاني أَنَّهَا أَنَّك تَزِنُها على لفظِها بعد الإبْدال ومثالُ ذَلِك إِذا قيلَ مَا وزنُ ازْدَجَر فتقولُ على المذهبِ الأوّل افْتَعَلَ وعَلى الْمَذْهَب الثَّانِي افْعَلَ وتقولُ فِي ادّرأ افْتَعل وعَلى الثَّانِي افَّعَل وتقولُ فِي ازْدَان افْتَعَل وعَلى الثاَّاني افْعَل وتقولُ فِي وِدّ فِعل مثل كِتْف وعَلى الثَّانِي فِلّ بتَشْديد اللاّم لأنَّكَ قلبتَ الْعين إِلَى لفظ اللاّم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 بَاب الْحَذف وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ حَذْفٌ لعلّةٍ فيطّردُ أينَ وُجِدت وحذفُ لَا لعلّةٍ فَيُقْتَصر فِيهِ على المسموع فالأوّل يكون فِي أحرف أحدُها الواوُ إِذا وقعتْ بَين ياءٍ مفتوحةٍ وكسرةٍ حُذفت كَقَوْلِك فِي وَعد ووَزَن يَعِدُ ويَزِنُ وعلّة ذَلِك أنَّ الواوَ من جِنْسِ الضمّةِ وَهِي مقدَّرةٌ بضمَّتين والكسرة الَّتِي بعْدهَا من جِنْس الْيَاء الَّتِي قبلَها ووقوعُ الشَّيْء بَين شَيْئَيْنِ يخالفانِه مُسْتَثْقَلٌ يُفَرّ مِنْهُ لَا سيّما إِذا غلبَ الشيئانِ على الشَّيْء الواحدِ وَقد وُجِد ذَلِك هَهُنَا لأنَّ الياءَ متحرِّكةٌ فَهِيَ كثلاثةِ حَركاتٍ والكسرةُ رابعةٌ وَالْوَاو كحركتين والمُتَجانِسات أكثرُ فَغَلبتْ يدلُّ عَلَيْهِ أنَّهم استَثْقَلوا الخروجَ من كَسْرٍ إِلَى ضمٍّ لازمٍ وَهَذَا فِي حُكْمِهِ وَلَا بدَّ فِي الحكم الَّذِي ذَكرْنَاهُ من تَقْيِيد الْيَاء وبالفتحةِ لأنَّ الْيَاء إِذا ضُمّت تثبت الْوَاو ك يُوعِد ويُولدُ إِذا سمّيت الفاعلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وعلّةُ ذَلِك أنَّ الواوَ جانَسَها مَا قبلَها وَهُوَ ضمٌُّ الْيَاء فَقَوِيتْ لمجانستِها وَلم يبقَ إلاّ الكسرةُ وحدَها فإنْ قيلَ فقد قَالَ بعضُ الْعَرَب وَجَد يَجِدُ بِضَم الْجِيم وَقد حذف قيلَ الأصْلُ الكَسْرُ وإنَّما ضُمّت الْجِيم على الشُذوذِ بعدَ أَن استقرَّ الحذفُ فإنْ قيل فقد قَالُوا وهَبَ يَهَبْ ووسِعَ يَسَع فحذفوا مَعَ انفتاح مَا بعدَها قيلَ الفتحةُ عارضةٌ والأصلُ الكسرُ وإنَّما فَتَحوا من أجلِ حَرْفِ الحلْقِ والعارضُ يُعتدّ بِهِ فإنْ قيلَ فقدْ قَالُوا يُولَد فأثبَتُوها مَعَ اجتماعِ الضمّةِ والواوِ إِذا انفتحَ مَا بعدَها فهلاّ استثقلوا الضمّاتِ قيل لَا تَنَافُر بَين المُتَجانِسات بلْ بينَ المتضادّات ولذلكَ لم يحْذِفوا الياءَ إِذا وقعتْ بَين ياءٍ وكسرة نَحْو يَسَرَ يَيْسِرُ ويَمَن يَيْمِنُ ويَئِسَ يَيْئَسُ وَقد قَالَ بَعضهم يَئِسُ بياءٍ واحدةٍ بعْدهَا همزةٌ وَذَلِكَ شاذٌّ شَبَّهوا الياءَ فِيهِ بالواوِ بِسَبَب الْهمزَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 فأمَّا ورِث يَرِثُ فَلَا يَنْقُضُ مَا أصّلناه لأنَّ الواوَ قد وقعتْ بينَ ياءِ مفتوحةٍ وكسرةٍ وإنَّما الشُّذوذُ فِي مَجِيء فَعِل يَفْعِل بِكَسْر الْعين فيهمَا ليسَ مِمَّا نحنُ فِيهِ فَإِن قيلَ كَيفَ حذفت الْوَاو فِي أعد وتعد ونعد وَلَا عِلّة إِذْ لَيْسَ قبل الْوَاو يَاء قيل إِنَّمَا فَعلوا ذَلِك ليطَّرد حكم الْفِعْل المضارِع لاشتراكِ أَنْوَاعه وَله نَظَائِر فَمِنْهَا أَنهم حملُوا نُكْرِمُ وتكرم ويُكْرِمُ على أُكْرِم فإنْ قيلَ الْوَاو فِي يوعِد قد وقعتْ قبل الكسرةِ وَلم تُحذف قيلَ عَنهُ جوابان أحدُهما مَا تقدَّم من أنَّ قبلَها ضمةً وَالثَّانِي أَن الأصلَ يُؤوْعِدُ بهمزةٍ وَقد حُذفت فَلَو حذفت الواوُ لأجحف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 بِالْكَلِمَةِ فإنْ قيل فلمَ حذفت فِي يَذَرُ قيل كَانَ القياسُ كَسْرُ الذالِ إِلَّا أَنَّهَا فُتحت حملا على يَدَع وَقد ذكرتُ العلّةَ فِيهِ فصل فإنْ انفتحَ مَا بعدَ الْوَاو نَحْو وَجَل يَوْجَل لم تسقطْ لعدمِ العلّة وَمن العربِ مَنْ يقلبُ هَذِه الواوَ ألفا فَيَقُول ياجَلُ وَهُوَ شاذّ والوجهُ فِيهِ الفرارُ من ثِقَلِ الواوِ بعدَ الْيَاء فقلبتْ حرفا من جِنْسِ الفتحةِ قبلهَا وَمِنْهُم مَنْ يقلبُها يَاء سَاكِنة لتُجانسَ مَا قبلَها وَمِنْهُم من يكسر حرف المضارعة إتباعاً فصل كلُّ فعلٍ حُذفت واوه لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ حُذِفتْ فِي مَصْدره وعُوِّض مِنْهَا تاءُ التأنيثِ نَحْو عِدَة وزِنة وَالْأَصْل وِعْدَة فَحُذفت الواوُ هُنَا كَمَا حُذفت فِي الْفِعْل والوجْهُ فِي ذَلِك أَن الْوَاو هُنَا مَكْسُورَة وَقد أُعلّت فِي الْفِعْل فأعلّتْ فِي الْمصدر ليلازِمَها وَكَانَت الكسرةٌ فِيهَا كالياء قبلَها فِي الفعلِ إلاَّ أنَّه عُوّض مِنْهَا تاءُ التأنيثِ لِئَلَّا يدخلَ الوهنُ بالكلِّيَّةِ على الأسماءِ الَّتِي هِيَ الأصولُ وَلَيْسَت موضِعاً للتصريف فإنْ حذفتَ التاءَ أعدتَ الواوَ مَفْتُوحَة فَقلت وَعْدٌ ووَزْنٌ لزوَال عِلّة الْحَذف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 فإنْ قيل فقد قَالُوا وِجْهةٌ فَجمعُوا بَين العِوض والمعوّضِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَيست مصدرا بل هِيَ اسمٌ للجهة المتوجَّه إِلَيْهَا وَالثَّانِي يقدّر أنَّها مصدرٌ ولكنْ خرجت على الأَصْل تَنْبِيها على أنَّ القياسَ الْإِتْمَام فِي الْجَمِيع وَهَذَا كَمَا قَالُوا القَوَد والأوَد واسْتَحْوَذَ فَلم يعلّوا لِمَا ذكرنَا فصل فِي حَذْفِ الهمزةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 فَمن ذَلِك همزةُ أفْعَل إِذا وقعتْ بعد همزةِ المضارَعةِ فإنَّها تُحذَفُ لئلاّ يُجْمَع بَين همزتين خُصوصاً متحركتين فَإِذا كَانُوا لم يجمَعُوا بينَهما مَعَ سُكُون الثَّانية فالحذفُ مَعَ الحركةِ أوْلى وَذَلِكَ نَحْو أَكْرَمْتُ أُكْرِمُ والأصْلُ أؤكرِمُ مثل دَحْرَجْتُ أُدَحْرِجُ فحُذِفت الثَّانيةُ لِمَا ذَكَرْنا وَلم تُحْذَف الأولى لِدَلالتها على الِاسْتِقْبَال والمتكلّم فأمَّا اسمُ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول نَحْو مُكرِم ومُكْرَم فالهمزةُ فِيهِ محذوفةٌ لبنائِه على الْفِعْل واشتقاقِه مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِك مصدرُه فإنَّها لَا تُحذَف فِيهِ نَحْو الإكْرام فَأمَّا بقيةُ الافعال المضارعة فتحذَفُ فِيهَا الهمزةُ طَرْداً للباب وَكَذَلِكَ اسمُ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول نَحْو ونُكْرِمُ ويُكْرِمُ ومصدرها خارجٌ عَن الأَصْل وَهُوَ أحدُ مَا يدلُّ على أنَّ الفعلَ مشتقٌّ من الْمصدر إذْ لَو كانَ بالعكسِ لَحُذفت همزتُه كَمَا حُذفت فِي اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَقد خرجَ ذَلِك على الأَصْل فِي ضرورةِ الشّعْر نَحْو يُؤكْرِمُ ويقوّى ذَلِك أنَّ العلّةَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 الأصلِ لم تُوجَد هَهُنَا وَهِي اجتماعُ الهزتين وَلذَلِك لم يأتِ فِي الضَّرورة أؤكرم فصل فإنْ كانتِ الهمزةُ أصلا وضُوعِفتِ العينُ بعدَها أوْ أوْ لم تضعَّف نَحْو أسس وأخَذَ وأكَلَ أُبْدِلت مَعَ همزةِ المتكلِّم واواً إِذا انضمَّت وألفاً إِذا انفتحت نَحْو أؤسِسُ وأاْخُذُ وأاْكُل أمَّا إبدالها واواً فللضمَّةِ قبلَها وإبدالُها ألِفاً للفتحةِ قبلهَا وَلَا يجوزُ جَعْلُها بينَ بينَ لأنَّ ذَلِك تقريبُ لَهَا من الألفِ وَلَا يكونُ مَا قبلَ الألفِ إلاَّ مَفْتُوحًا وإنْ كَانَت بعدَ غيرَ الْهمزَة فَتَحْقِيقُها هُوَ الوجهُ نَحْو نَأْكُل وتَأْكُل ويَأْكُل ويُؤسِّسُ وتخفيفُها جائزٌ بإبدالِها واواً خَالِصَة فصل وأمَّا مَا يُحْذَف لِلْجَزْمِ فقد ذُكر فِي بابِ الْجَوازم مُسْتَوفى وَكَذَلِكَ ياءُ الْمنْقوص الساَّقطة لالتقاء السَّاكنين وألفِ الْمَقْصُور فصل واختَلَفوا فِي واوِ مَفْعول ممّا عينُه معتلّة نَحْو مَقُول ومَبِيع وَأَصله مَقْوُول ومَبْيُوع وَقد جاءَ مِنْهُ على الأصلِ قَالُوا مِسْكٌ مَدْوُوفٌ وثوبٌ مَصْوُونٌ وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 فِي الْيَاء أَكثر وَقد قَالُوا طَعَامٌ مَكْيُول ومَزْيُوت وتُفَّاحةٌ مَطْيُوبة فَقَالَ الْخَلِيل وسيبويه المَحْذُوفُ مِنْهُ الواوُ الزائدةُ وقا أَبُو الْحسن الْأَخْفَش المحذُوفُ عينُ الكلمةِ وحُجَّة الأوَّلين من وجْهين أَحدهمَا أنَّ حَذْفَ الزائدِ أوْلى إِذا لم يُخِلَّ حذفُه بِمَعْنى وَهنا لَا يُخلّ بِمَعْنى إذْ لَيْسَ فِي اللفظِ فَرْقٌ بينَ الحذفين وإنَّما ذَلِك أمرٌ تقديري حُكْميّ وَالْمعْنَى مَفْهُوم على التَّقْدِيرَيْنِ جَميعاً فإبْقاء الاصليّ على هَذَا أوْلى وَالْوَجْه الثَّاني أنَّ الأصْل فِي هَذَا الْمِثَال أنْ تَدلَّ الميمُ وحدَها مَعَ حَرَكَة العينِ على معنى الْمَفْعُول كَمَا فِي اسْم الفاعِل نَحْو مُقيم ومُكْرِم فَكَذَلِك يَجِبُ أَن يكونَ فِي مفعول وإنَّما قصدُوا بِالْوَاو الفرقَ بَين الثلاثي والرباعي نَحْو مُكْرَم ومضروب والفرقُ حاصلٌ بَينهمَا سَوَاء حذفت الأصليّ أَو الزَّائِد ويُقوّى ذَلِك أَن المحذوفَ لَو كانَ الأصليَّ لقُلْتَ مَبُوع إذْ لَا حاجَة إِلَى قلبِ الواوِ يَاء إذْ كانَ فِي قلب الْوَاو يَاء حَذْفُ أصْلٍ وقلبُ زَائِد وَفِي حَذْفِ الزائدِ إقرارُ الاصليّ فكانَ أولى وَإِذا تقررت هَذِه القاعدةُ فإنَّ الحذفَ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَن تحذِفَ الزائدَ وتنقلَ حركةَ الْوَاو إِلَى القافِ فوزنُه مَفْعَل بِضَم الْفَاء وإسكانِ الْعين وعَلى قَول الْأَخْفَش نُقِلت ضمةُ الواوِ الأولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 إِلَى القافِ فاجتمعَ ساكنان فَحُذِفت الأُولى وأمَّا فِي مَبِيع فإنَّ ضمّةَ الياءِ تَقْلِبُ العينَ فاجتمعتِ الواوُ والياءُ ساكنين فَحُذِفت الواوُ وكُسِرت العينُ لئلاّ تنقلبَ الياءُ واواً لسكونِها وانضمام مَا قبلهَا وحُجّةُ الْأَخْفَش أنَّ الزَّائدَ دخلَ لِمَعْنى فكانَ مَا قبلَه المحذوفَ كياء المنقوصِ وألفِ المقصورِ إِذا نوِّنا وَمَا ذَكَرْناه فِي حُجَّة الأوَّلين جوابٌ عَن هَذِه الشُّبْهَة فصل ومثلُ هَذِه الْمَسْأَلَة الاستعانةُ والإرادة لأنَّ الأصلَ فيهمَا اسْتِعْوَانة وإرْوَادَة لأنَّهما مصدرُ استفعل وأفِعَل ونظيرُه من الصَّحِيح استقبالة وإقْبالة إلاّ أنَّ الواوَ تحركت وانفتَح مَا قبلهَا فِي الأَصْل فَقُلبت ألفا فاجتمعت أَلفَانِ فَحُذِفت الثَّانيةِ عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْأولَى عِنْد أبي الحسَن وَعَلَيْهِمَا مَا تقدم وَجعلت الهاءُ عوضا من الْمَحْذُوف وَقد جَاءَت مَعَ الْإِضَافَة بِغَيْر هاءٍ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَأقَام الصَّلَاة} فكانَ المضافَ إِلَيْهِ عِوضاً من الْهَاء أَو من الْمَحْذُوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 بَاب مَا حُذِفَ على خلاف الْقيَاس اعلمْ أنَّ هَذَا البابَ يُقْتَصَر فِيهِ على المسموع وَلَا يُقاس إذْ لَا علّة تَقْتَضِي الحذفَ فيطّرد وَهَذَا الحذفُ يكونُ فِي الحروفِ والحركاتِ فالحروفِ عشرَة أوّلُها الهمزةُ وَقد حُذِفَتْ فَاء وعَيْناً ولاماً فالفاء قد حُذِفت فِي مواضعَ الأوَّلُ قولُهم من أكَلَ وأخَذَ وأمَرَ كلْ وخُذْ ومُرْ وَالْأَصْل اأْكلْ فالهمزةُ الأولى وصلٌ والثانيةُ فاءُ الْكَلِمَة إلاَّ أنَّهم حذفوا الثانيةَ تخفيفاَ لِثِقَل الجمعِ بينَ الهمزتين وكانَ القياسُ قلبُ الثانيةِ واواً لِسُكُونِها وانْضِمامِ مَا قَبْلَها وَقد جَاءَ أومر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 من غيرِ حَذْفِ على الأَصْل فأمَّا مَعَ واوِ العطْفِ فَلم يأتِ إِلَّا على الأَصْل كَقَوْلِه تَعَالَى {وأمُرْ أهلَك بالصَّلاةِ} وأمَّا أُخْتَاها فبالحذف على كلِّ حَال فأمَّا أجر يأجِرُ وأسسَ يؤسس فَلَا يُحْذَفُ فِيهِ وَفِي أمْثاله البتَة بل تَقول أؤجره وأُوْسس لأنَّ السَّماعَ لم يَرِدْ إلاَّ فِي الامثلةِ الثَّلاثةِ وَلَا علَّةً تجوّزُ ذَلِك الموضعُ الثَّاني نَاس والأصلُ عِنْد سِيبَوَيْهٍ أُناس فُعال من الإنْسِ فَحُذِفت الهمزةُ تَخْفيفاً فَوَزْنُ نَاس على هَذَا عَالْ وَلَا تكَاد تُسْتَعمل إلاّ بالألفِ واللاّم كأنَّهما عِوَضٌ من الْمَحْذُوف وقالَ آخَرُونَ لَا حَذْفَ فِي نَاس بل هُوَ فَعَلَ من نَاسَ يَنُوس نَوْساً إِذا تحرَّك فالنَّاسُ يتحركون فِي مُراداتِهم وَلَا يكَاد أُناس يُسْتعمل بِالْألف وَاللَّام وَقد جَاءَ ذَلِك قَلِيلا قَالَ الشَّاعِر // مجزوء الْكَامِل // (إنَّ المَنَايا يطَّلِعْنَ ... عَلى الأُناسِ الآمِنِيْنَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 الموضعُ الثَّالِث قَوْلهم فِي إيتِ من أَتَى إِذا جَاءَ تِ قَالَ الشَّاعِر من // الطَّوِيل // (تِ لي آلَ زيدٍ وانْدُهُمْ لي جَمَاعةٌ ... وَسَلْ آلَ زَيْدٍ أيُّ شَيءٍ يضيرُها) والوجهُ فِي ذَلِك أنَّه شبَّه الهمزةَ الَّتِي هِيَ فاءُ الْكَلِمَة بِالْوَاو فِي وَفَى إذْ كانتِ الهمزةُ تُقْلَب إِلَى الْوَاو نَحْو صَحْرَاوَات وَالْوَاو إِلَى الهمزةِ نَحْو أجوه فَكَمَا تُحذَف الفاءُ واللامُ هُنَاكَ فِي الأمرِ كَذَلِك تُحْذَفُ الهمزةُ وَالْيَاء هُنَا وَقيل شَبَّههُ ب كُلّ وَفِيه بُعْدٌ الموضعُ الرَّابعُ اسمُ الله تبَارك وَتَعَالَى وَفِي أَصله قَوْلان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 أحدُهما لاه ثمَّ أُدْخِلت عَلَيْهِ الألفُ واللاّمُ وفُخّمت اللاّمُ إلاَّ أنْ ينكسرَ مَا قبلهَا وَلَا حذفَ فِيهِ على هَذَا والقولُ الثَّاني أصلُه إلاه وَهُوَ فِعَال من أَله يَأْله إِذا عبد فإلاه فِعَال بِمَعْنى مَفعول أَي مَعْبُود ثمَّ أُلقيت حركةُ الهمزةِ على لَام التَّعْرِيف فالتقت اللاّمان فسُكّنتِ الأُولى وأُدْغِمت فِي الثّانية وفخمّت وَقَالَ أَبُو عليّ حُذِفت الهمزةُ من غيرِ نَقْلٍ وعَلى هَذَا يكونُ العملُ أقلَّ لأنَّ لامَ التَّعْرِيف تبقى على سُكونها ثمَّ تُدْغَم فوزنُه الْآن العال وَصَارَ لُزُوم الألفِ وَاللَّام عِوَضاً من الْمَحْذُوف وَلذَلِك جازَ قطعُ الهمزةِ فِي النداء والألفُ على القَوْل الأوَّلِ بَدَلٌ من أصلٍ وَهُوَ يَاء لأنَّهم قَالُوا فِي مَقْلُوبِه لهي أبُوك وعَلى القَوْل الثَّانِي هِيَ زَائِدَة فصل وأمّا حذفُ الهمزةِ عَيْناً فقولُهم فِي مضارع رأى وَأَخَوَاتهَا يَرَى والأصلُ يَرْأى فنُقِلت حركةُ الهمزةِ إِلَى الراءِ وحُذِفت فوزنُه الآنَ يَفَل وَكَذَلِكَ مَا تصرّف مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 نَحْو أرَى زيدٌ عَمْراً بكرا فَهُوَ مُرٍ وَالْمَفْعُول مُرَىً فأمَّا رائي اسمُ فاعلٍ من رأى يَرَى فَهُوَ خارجٌ على الأصْلِ مثل راعي وَقد جاءَ فِي الشِّعر تَاما للضَّرُورَة فَقَالَ الشَّاعر وَهُوَ سُراقة البارقيّ من // الوافر // د (أُرِي عَيْنَيّ مَا لم تَرْأياهُ ... كِلانا عَالِمٌ بالتُّرُهَاتِ) فصل وممَّا حُذِفتِ الهمزةُ مِنْهُ وَهِي لامٌ قولُهم سُؤته سوايةً وَالْأَصْل سوائية مثل كراهيةٍ ورفاهية فحذفت الهمزةُ وَهِي لامٌ لأنَّه من ساءَ مثل ساع وَالْيَاء زائدةٌ كَمَا زيدت فِي كَرَاهِيَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 مَسْأَلَة اخْتلف الناسُ فِي أَشْيَاء هَل هِيَ جمعُ شيءٍ أم لَا على قَوْلَيْنِ فَقَالَ بعضُهم هِيَ جمعُ شَيْء مثل بَيْتٍ وأبيات وتُركَ صرفه لكثرةِ الِاسْتِعْمَال وَهَذَا بعيدٌ جدّا لأنَّ كثرةَ الِاسْتِعْمَال لَا تُوجِيُ منعَ الصَّرفِ عِنْد الْجَمِيع وَقَالَ آخَرُونَ جُمع على أشْياء شاذاً كَمَا قَالُوا سَمْح وسُمَحاء فجاؤوا بِهِ على الشذوذ ثمَّ حُذِفت الهمزةُ الأولى لاجتماعِ همزتين بَينهمَا ألفٌ والألفُ تُشْبِه الْهمزَة كأنَّها ثلاثُ ألفات أَو ثلاثُ همزات فوزنُه الْآن أفعاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 وَقَالَ الفرّاء أَصله شيّئ مثل هيّن ثمَّ جُمع على أشْيِيَاء وعُمِل بِهِ بعد تَخْفيف الواحدِ على مَا ذكرنَا على مَذْهَب أبي الْحسن وَقَالَ الخليلُ وسيبويه أصلُها شَيْئَاء اسْم الجنْس مثل حَلْفاء وقَصْبَاء فقُدِّمت الهمزةُ الأُولى لِمَا تقدَّم فوزنُه الْآن لَفْعَاء فصل وَاعْلَم أنَّ شَيئاً على التَّحقيق مصدر شَاء يَشَاءُ شَيْئا ثمَّ جُعِلَ اسْما عامّاً لكلِّ موجودٍ ولكلِّ معدومٍ عِنْد مَنْ قَالَ المعدومُ شَيْء فأمَّا على قولِ الآخرِين فَلَيْسَتْ مصدرا وَهِي على ثلاثةِ أَقْوَال أَحدهَا أَصْلهَا شيئاء ثمَّ قُدّمت الهمزةُ الأولى على مَا ذُكر وَالثَّانِي أصلُها شيّئ مثلُ هيّن ثمّ جُمع على أشْيِئاء مثل أهْوِناء ثمَّ حُذفت الهمزةُ الأولى لما تقدَّم وَالثَّالِث شيّئ مثل صَديق واصْدِقاء ثمَّ حُذفت الْهمزَة أَيْضا وفيهَا قولٌ رابعٌ أنَّ الواحدَ شَيْء ثمَّ جمع على أشْيَاء شاذّاَ كَمَا قَالُوا سمْح وسُمَحاء فأجْرَوا فُعَلاء مجْرى فعيل فِي الْجمع ك عليم وعُلماء فإنْ قيلَ فقد قَالُوا فِي جمعِ أَشْيَاء أشَاوَى وَلَو كَانَ واحِدُه على شيئاء لَمَا جُمع على ذَلِك قيلَ لَمَّا قُدِّمت الهمزةُ أَو حُذِفت على القَوْل الآخَر صارَ لفظُها على لفظ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 صَحْراء فالهمزةُ بِإِزَاءِ الصَّاد والشِّينُ بِإِزَاءِ الحاءِ والياءُ بإزاءِ الرّاء والألفُ فيهمَا زائدةٌ للمدِّ والهمزةُ الأخيرةُ مُبْدَلَةٌ من ألفٍ التَّأْنِيث وكما جُمعت صحراء على صَحَارى جُمِعَتْ أشْياء على أَشَاوى فالألِف الثَّالِثَة حادثةٌ للْجمع والواوُ بدلٌ من الياءِ والالفُ الأخيرةُ بدل من يَاء وَكَانَ القياسُ أَشَاوِي كَمَا كانَ فِي صَحَارِي فالياءُ فيهمَا بدلٌ من ألفِ المدِّ والمبدَلةُ من ألف التأنيثِ محذوفةٌ وَهَذَا مثلُ شِمْلال فِي أنَّ الألفَ تُقْلَبُ يَاء ثمَّ أُبْدِلَ من كسرةِ الْوَاو فَتْحة فَصَارَت الياءُ ألفا فإنْ قيلَ لَو كَانَت جَمْعاً لَمَا صَحَّت إِضَافَة الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة إِلَيْهَا وَقد صحَّتْ فدلَّ أنَّها أفْعَال كَمَا يُقال ثلاثةُ أثْوَاب قيلَ لَمّا أصارَها التغيّرُ إِلَى مِثال أفْعَال جازَ ذَلِك فِيهَا فصل فِي حذف الْألف القياسُ أَن لَا تُحذفَ لأنَّها فِي غايةِ الخِفَّة وَهِي جاريةٌ مَجْرى النَّفَس لَا تَنْقَطِعُ على مَخْرج وَقد حُذِفت فِي الشِّعر لإقامةِ الوزنِ والوَجْهُ فِي ذَلِك قِلَّةُ الاحتفال بهَا لِفَرْطِ خفّتها وأنَّ الفتحةَ تُغْني عَنْهَا وكأنَّها ليستْ حَرْفاً فَمن ذَلِك قَوْلهم المعل فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 الشعرِ يريدُ المعلّى ولهفَ فِي لهفى وقالَ قومٌ أمَ وَالله يريدونَ أمَا وَالله لأنَّها يُفْتَتَحُ بهَا الْكَلَام مثل أَلا وقيلَ مَعْنَاهَا حَقّاً وَفِيه بُعْدٌ وَقَالُوا يَا أبتَ يريدونَ الألفَ المصرَّحَ بِهِ فِي قَول الراجز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 (يَا أبَتَا علّكَ أَو عَسَاكا ... ) وَقَالُوا يَا بنَ أمِّ وَالْأَصْل يَا بُنَ أمّا محوّلٌ عَن يَا بْنَ أمّي وَكَذَلِكَ يَا بن عمَّ وقيلَ لَا حذفَ هُنَا بل ابْن مركب مَعَ أمّ مثل خَمسةَ عَشَر وَقَالُوا لِمَ وبِمَ فحذفوا الألفَ من مَا الاستفهاميةِ معَ حرفِ الجرِّ فَرْقاً بَينهَا وَبَين الخبريّة فصل فِي حَذْفِ الْوَاو قد حُذفت فَاء نَحْو يعِدُ وعدْ وعدة وَقد ذُكر وحُذِفت عَيْناً فَقَالُوا لوسَط الحوضِ ثُبة وَأَصلهَا ثُوْبة من ثاب يَثُوب لأنَّ الماءَ يَثُوب إِلَى ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 الْموضع أَي يرجع وَمِنْه الثَّواب والإِثابة والمثابةُ فأمَّا الثُّبَة بِمَعْنى الْجَمَاعَة فالمحذوفُ مِنْهَا لامُها وَهِي واوٌ لقَولهم تَثَبَّيْنا أَي اجْتَمَعنَا وليسَ دَلِيلا على كونِها يَاء لأنَّها قد وَقعت رَابِعَة ويدلُّ على أنَّها واوٌ أنَّ الأكثرَ فِي هَذَا الْبَاب حذفُ الْوَاو وَقد حُذفت حذفا صَالحا قَالُوا أبٌ وَالْأَصْل أبوٌ لرجوعِ الْوَاو فِي التثنيةِ والجمعِ وَالْفِعْل قَالُوا مَاله أبٌ يأبُوه وَقَالُوا أبَوان وآباء وَالْأَصْل فِي ابْن بِنْوٌ لقَولهم البنوّة وَلم يُسْمع فِي شَيْء من اشتقاقه الياءُ وَلَيْسَ كَذَلِك الْفَتى لأنَّهم قد قَالُوا الفِتْيان فَلذَلِك لم تدلَّ الفُتُوَّة على الْوَاو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 وقيلَ أصلُه بنيّ لأنَّه من بَنى يبْني فكأنّ الابنَ من بِنَاء الْأَب لكَونه متولّداً عَنهُ وَقَالُوا أخٌ فحذفوا الواوَ لقَولهم أخَوان وَالإِخْوَة والإخوان وَالْأَصْل فِي هنٍ هَنَوٌ لقَولهم هَنَوات فأمَّا ذُو فأصلُها ذَوَيٌ لأنَّ بَاب طويتُ وشَويت أَكثر من بَاب قُوّة وحوّة فالمحذوفُ مِنْهَا الْيَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 فأمَّا حَمْءٌ فالأكثرُ أنَّه من الواوِ لقَولهم حَمَوان وَفِيه لُغة أُخْرَى حَمٌ مثل غدٌ والأصلُ غدوٌّ لقَولهم غَدا يَغْدُو وَقد جَاءَ تامّاً وَقَالُوا قُلَةٌ والأصلُ الواوُ لقَولهم قَلوتُ بالقُلَةِ وَهِي عُصَيّةٌ يَلْعَبُ بهَا الصّبيان وَقَالُوا ظُبَةٌ والأصلُ الواوُ فأمّا كُرةٌ فَفِيهَا قَولَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 أحدُهما المحذوفُ مِنْهَا اللامُ وَهِي واوٌ لقَولهم كَرَوتُ بالكُرَةِ وَفِي شعرِ المْسُيَّبِ بنِ عَلَس من // الْكَامِل // (كأنَّما تَكْرُو بِكَفِّيْ لاعِبٍ فِي صَاعِ والقولُ الثَّاني المحذوفُ مِنْهَا الْعين لأنَّها من كَارَ العِمَامةِ يكُورها كَوْرا إِذا دَوَّرها والكرةُ كَذَلِك فصل فِي حذفِ الْيَاء قد حُذِفت لاماً فِي يَدٍ ويدلُّ على أنَّ الأصلَ الياءُ قَوْلك يَدِيتُ إِلَيْهِ يَدَاً إِذا أسْدَيْتَ إِلَيْهِ نِعْمةً وسُمِّيت النعمةُ يدا لأنَّ الإنْعامَ بهَا يكون أوْ لأنَّها نِعْمةٌ إِذا كَانَت آلَة البطشِ وَقد جاءَ فِي الشِّعر من // الْكَامِل // الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 (يديان بيضاوان عِنْد محلم ... قد تَمْنَعانِكَ أنْ تذِلّ وتُضْهَدا) وَقد قَالُوا فِي الجمْعِ أيدٍ وَهُوَ أفعُل وَذَلِكَ يدلُّ على سكونِ عَيْن الكلمةِ فِي الأَصْل لأنَّه مثلُ فلْس وأَفْلُس فأمَّا أيادٍ فأكْثرُ مَا يَأتي فِي جَمْع يَدِ النعمةِ وَقد جاءَ فِي الجَارِحة وَإِذا رجَعَ المحذوفُ فَعِنْدَ سِيبَوَيْهٍ بفتحِ الدَّال لأنَّ الحذفَ فِيهَا كالأصل والتَّمامُ عارضٌ فأبقيت حركتها وَعند أبي الْحسن يردّ إِلَى السّكون الَّذِي هُوَ الأصلُ وَقد حُذِفت الياءُ من دمٍ واصله دَمْيٌ لقَولهم فِي التَّثْنِيَة دَمَيان وَقَالَ بَعضهم دَمَوان وَقَالُوا فِي الْفِعْل دَمِيت مَدْمي وَهُوَ محتملٌ الْأَمريْنِ والأكثرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 الْيَاء وَقد جاءَ فِي الشَّعر دَمًا مثلُ عَصَا مَقْصُورا متمماً وَهُوَ أحدُ الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله من // الرَّمَل // (فَإذا هِيْ بِعِظامٍ وَدَمَا ... ) وَفِي قَول الآخر من // الطَّوِيل // (ولكنْ على أقْدامِنا يَقْطُر الدَّما ... ) وَقَالُوا فِي مِئْيَة مِئةَ فَحَذَفوا الْيَاء وَهُوَ الأَصْل وَقَالُوا فِي الْفِعْل مِنْهُ أمْأيتُ الدراهمَ وَهُوَ أفْعَلتُ من هَذَا الأَصْل وَحكى الْأَخْفَش أخذت مِنْهُ مِيئْيَة على التَّمام وَحذف الْيَاء أقل من حذف الْوَاو لأنَّ الواوَ أثقلُ مِنْهَا وحذفُ الأثْقَلِ أقربُ إِلَى الْقيَاس وحذفُ الْيَاء أَكثر من حذف الْألف لِأَنَّهَا أثقل مِنْهَا وَإِذا أشكل أمرُ اللامِ المحذوفةِ فاحكم على كونِها واواً عِنْد أبي الْحسن أخذا بِالْأَكْثَرِ وعَلى كونِها يَاء عِنْد سِيبَوَيْهٍ لِخَفائها وَجعلهَا تبعا للحركة فِي هَاء الضميرِ ونحوِها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 فصل فِي حذف الْهَاء قد حُذفتْ لاما فِي مواضعَ وعلّةُ ذَلِك شَبَهُها بحروفِ العلّة وربّما كَانَت أضعفَ مِنْهَا لأنَّها تقعُ وصلا فِي الشّعْر متحركةً وَلَيْسَ كَذَلِك حُرُوف العلّة فَمن ذَلِك شَاة وَالْأَصْل شَوْهة بِسُكُون الواوِ وَهُوَ أقْيَس فحذفت الهاءُ وتحرَّكت الواوُ لتطرُّفها فَانْقَلَبت ألفا وقيلَ الواوُ متحركةٌ فِي الأصلِ فَانْقَلَبت لتِلْك الحركةِ ويدلُّ على أنَّ الأصلَ الهاءُ قَوْلهم تَشَوَّهْتُ شَاة أَي صِدْتُها وَقَالُوا فِي الْجمع شِيَاه وأمَّا قولُهم فِي الجمعِ شَاءَ فقيلَ قُلبت الواوُ ألفا والهاءُ همزَة مثل مَاء وَقيل هُوَ أصلُ آخر وَالْمعْنَى مُتَّحدٌ وَقد قَالُوا أشاويّ وَهُوَ أصلٌ ثالثٌ وَلَا واحدَ لَهُ من لَفظه وَمن ذَلِك شَفَةٌ حذفت مِنْهَا الهاءُ يدلُّ على أنَّ أصلَها ذَلِك قَوْلهم فِي التصغير شُفَيْهَة وَفِي الْجمع شِفَاه وَفِي الْفِعْل شافهته مشافهة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 وَمن ذَلِك فَمٌ وَالْأَصْل فُوْةٌ لِقَوْلِك فُوَيه وأفْوَاه ورجلٌ أفوهٌ ومفوّه وتفوهت فَحُذفت الْهَاء وأُبدِلَ من الْوَاو ميمٌ وَقد ذُكر فِي الْبَدَل وَمن ذَلِك سَنَة وَفِي المحذوفِ قَولَانِ أحدُهما الهاءُ لِقَوْلِك عامَلْتُه مُسَانَهة وَلَيْسَت بِسَهْناء والثَّاني الْوَاو لقَولهم سَنَوات ومُسَاناة وابدلوا مِنْهَا التَّاء فَقَالُوا أسْنَتُوا فعلى هَذَا تُصغَّر على سُنَيْهة وسُنَيَّة وَمن ذَلِك أستٌ وَالْأَصْل سَتَهةٌ لقَولهم سُتَيْهَة واسْتَاه وَرجل ستاهى عَظِيم الاست وَمِنْهُم مَنْ يحذف التَّاء فَيَقُول سَهْ وَمِنْه الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العينان وِكاءُ السَّهْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وَمن ذَلِك عِضّةٌ وَهِي وَاحِدَة العِضَاه من الشّجر والمحذوف مِنْهَا الهاءُ لقَولهم فِي الْجمع عِضَاه وعَضِهَتِ الإبلُ إِذا أكلتِ العِضَاه وبعيرٌ عِضَهيّ وعِضَاهي وَقيل المحذوفُ مِنْهَا الواوُ لقَولهم فِي الْجمع عَضَوات وَقد جَاءَ فِي الشّعْر وَمن هَذَا الأصلِ قولُه تَعَالَى {الذينَ جعلُوا القرآنَ عِضِين} أَي فرَّقوه كَمَا تُفَرَّقُ شُعَبُ الشَّجرة فصل فِي حذف الْبَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 قَالُوا فِي رُبَّ رُبَ بالتخفيفِ كراهيةَ التَّضْعِيف وَقد قرئَ بِهِ فصل فِي حَذفِ النُّون قَالُوا فِي إنّ الثقيلةِ المفتوحةِ والمكسورةِ إنْ وأنْ بِسُكُون النُّون وَقد ذَكَرْنا عملهما فِي بابهما وَقَالُوا فِي مُنْذُ مُذْ وَقد ذكرنَا فِي بَابهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 فصل فِي حذْفِ الْحَاء قَالُوا فِي الحرح حِرّ وَالْأَصْل حِرْحٌ لقَولهم حُرَيْحٌ وأحْراح وَقد جَاءَ فِي الشّعْر فصل وَقد حُذِفت الخَاءُ من بَخّ فَقَالُوا بَخْ بِسُكُون الْخَاء وَهِي كلمةٌ تقالُ عِنْد استعْظام الشَّيْء يُقال بخٍ بخ وبخ بخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 فصل وَقد حُذِفت الفاءُ من سوفَ فَقَالُوا سَوَاْفعلُ حَكَاهَا ثَعْلَب وحذفوها من أفٍّ فَقَالُوا أُفْ بالإسكان وَهِي كلمةٌ تقالُ عِنْد التضجُّر بالشَّيْء وفيهَا تسعُ لُغَات أُفٍّ بِضَم الْفَاء وتشديدِها وحُرِّكت بالضمِّ إتباعاً وتفتحُ مَيْلاً إِلَى الخفّة فِي الْحَرْف المضاعف وتُكْسَر على اصل التقاء الساكنين وَإِذا كَانَت معرفَة لم تنوّن وكانَ التقديرُ أتضجَّرُ التضجُّرَ وإنْ كَانَت نكِرةً نوِّنت على اللغاتِ المذكورةِ ويُقال أُفّي على الإمالة ويقالُ تفُّ بِالتَّاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 بابُ أبنيةِ الأفعَال الأفعالُ على ضَرْبين ثلاثية ورباعيّة فالثلاثيّةُ صحيحةٌ ومعتلّةٌ فالصحيحةُ على ثلاثةِ أمثلةٍ ضمُّ العينِ وفتحُها وكسرُها فأمَّا الْفَاء فَلَا تكونُ إِلَّا مَفْتُوحَة إلاَّ أنْ تُنْقلَ إِلَيْهَا حركةُ العينِ فتضمّ أَو تكسر فالضمُّ كَقَوْلِك فِي حَسُن حُسْنَ بضمِّ الْحَاء وَإِسْكَان السّين ويجوزُ فَتْحُ الحاءِ وإسكانُ السّين على التَّخْفِيف والكسرةُ لعب وَشهد يجوز كسرُ الْفَاء وإسكانُ الْعين وكسرهُما على الإِتباع وفتحُ الأوّل وَإِسْكَان الثَّانِي وَهَذَا يكثُرُ فِي حُرُوف الحَلْق وأمَّا فِعْل مَا لم يُسمّ فَاعله فقد ذكر فِي بَابه وأمَّا الرباعيّةُ فلهَا مثالٌ واحدٌ وَهُوَ فَعْلَل وَقد ذُكِرَ فِي أوّل التصريف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 فصل وأمّاَ الثلاثيُّ المعتلُّ فعلى ثلاثةِ أضْرُبٍ معتلّ الْفَاء ومعتلَّ الْعين ومعتلّ اللَّام الأوَّلُ نَحْو وَعَد ووَرَدَ ومستقبلُه يَعِد بِحَذْف الْوَاو وَقد ذَكَرْنا علّتَه وَمَا يَرِد عَلَيْهِ من الإشكالاتِ فِي بَاب الحَذْف وَمن المكسور الْعين وَجِلَ يَوْجَل وَفِيه أربعُ لغاتٍ أجودُها إثباتُ الواوِ لعدمِ علَّة التَّغْيِير والثانيةُ إبْدالها ألفا إيثاراً للتَّخْفِيف لأنَّها لم تُخَفف بالحَذْفِ فَخُففت بالإبدال وَالثَّالِثَة إبدالها يَاء فَقَالُوا يَيْجَلُ إيثاراً للتَّجانُس وَالرَّابِعَة كَسْرُ ياءِ المضارعة مَعَ الْيَاء الثَّانِيَة إتباعاً وأمَّا فَعَلَ يَفْعَلُ من هَذَا البابِ فَلَا يجيءُ مِنْ هَذَا أصْلاً وإنَّما تفتح عينه فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 الْمُسْتَقْبل لأجل حَرْفِ الحلقِ وَيبقى حُكْم كسرِها وَهُوَ حذفُ الْوَاو نَحْو وَقَع يَقَعُ فصل وأمَّا المعتلُّ الْعين بِالْوَاو نَحْو عادَ يعودُ وجابَ الأرضَ يجوبُها فأصلُه فَعَلَ بفَتْح الْعين يفعُل بضمِّها وَلم يأتِ إِلَّا كَذَلِك وكانَ الأصلُ يَعْوُدُ بِسُكُون العينِ وضمِّ الْوَاو مثل قَتَل يَقْتُل فاسْتُثْقِلت الضمّةُ على الواوِ فَنُقِلت إِلَى مَا قبلهَا وَبقيت ساكِنةً وَمن أجلِ ذَلِك تقولُ فِي الْأَمر عُدْ وقُل لأنَّ مَا بعدَ حَرْفِ المُضارعة فقد تَحرَّكَ فاسْتُغْني عَن همزَة الوَصْل وَهَذَا إسكانُ متحركٍ وتحريكُ ساكنٍ وَهُوَ المسمَّى تغييراً فإنْ اتصلَ بِهَذَا الْفِعْل تاءُ الضَّمِير نَحْو قُلْتُ وعُدْتُ نقلتَه من فَعَل بِفَتْح الْعين إِلَى فَعُل بضمِّها فصارَ التَّقْدِير قَوُلتُ مثل ظَرُفْتُ ثمَّ نقلتَ ضمةَ الواوِ إِلَى القافِ فَسُكّنتِ الْوَاو وبعدَها سَاكن فَحُذِفت الْوَاو لالتقاء الساكنين وَبقيت الضمّةُ تدلّ عَلَيْهَا وإنَّما فعلوا ذَلِك تَوصُّلاً إِلَى حَذْف الْوَاو فإنْ قيلَ فَهَلا أقرّوها ألفا وحذفُوها مَعَ التَّاء لالتقاء الساكنين وَتركُوا القافَ بِحَالِهَا مَفْتُوحَة قيلَ لَو فعلوا ذَلِك لم يُفَرَّقْ بَين ذَوَاتِ الْيَاء وَالْوَاو والفَرْقُ بَينهمَا مطلوبٌ فإنْ قيلَ فَهَلا زعمتَ أنَّ أصلَ هَذَا الْفِعْل فَعُل بضمِّ الْعين وكنتَ تَسْتَغْنِي عَن كلفة التَّغْيِير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 قيلَ لَا يصحُّ ذلكَ لأنَّ فَعُل لَا يجيءُ مُتَعَدِّيا وَهَذَا البابُ جنسُه يتعدَّى نَحْو عُدْتُ المريضَ وجُبْتُ الأرَض أَلا ترى أنَّ مَا كانَ مِنْهُ على فَعُل لَازِما نَحْو طالَ الشَّيءُ ضدّ قصُرَ حكمُه على مَا ذكرتُ مِنْ أنَّ ضمّةَ الْوَاو تُقْلَبُ إِلَى مَا قبلَها وحُذِفت وَلم يَقُل إنَّها غيَّرتْ من فَعَل إِلَى فَعُل وأمَّا طاله يَطُوله إِذا فَضُلَ عَلَيْهِ فِي الطُّول وَهُوَ الفَضْلُ فَمثل جابَ الأَرْض يجوبُها فصل وَقد جَاءَت من هَذَا البابِ لفظتان مخالفتانِ لَهُ وهما ماتَ ودامَ وَفِيهِمَا ثلاثٌ لُغَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 1 - الجيّدةُ ماتَ يَمُوتُ ودام يَدُوم كأخواتها فعلى هَذَا تَقول مُتُّ ودُمت - بِضَم الأول - 2 - واللغةُ الثَّانيةُ ماتَ يَمَاتُ ودَامَ يَدَام على فَعِل بكسرِ الْعين فِي الْمَاضِي وفتحِها فِي الْمُسْتَقْبل فعلى هَذَا تَقول مِتَّ تَمَاتُ ودِمتَ تَدَامُ مثل خِفْتَ تخافُ 3 - واللُّغة الثَّالثة مركَّبةٌ من اللُّغتين وَهِي مِتُّ ودِمْتُ بِكَسْر الْمِيم وَالدَّال أموتُ وأدومُ على اللُّغَة الأولى فصل وَقد جاءَ من الواوِ فعِل يفْعَل نَحْو خَاف يَخَاف فتحرَّكتِ الْوَاو فِي الْمَاضِي وَانْفَتح مَا قبلَها فَقُلبت ألفا فأمَّا المستقبلُ فَفِي عِلَّة الانقلاب وَجْهَان أحدُهما أنَّ الواوَ تحرَّكت فِي الأصْلِ وَسُكُون مَا قبلهَا عارضٌ بسببِ حرفِ المضارِعَة فأُعلّت نَظراً إِلَى الأَصْل والثَّاني أنَّ الواوَ نُقلت حركتُها إِلَى مَا قبلَها فسُكّنت وانفتَحَ مَا قبلَها فقلَبُوها ألفا حَمْلاً للمستقبلِ على الْمَاضِي فَإِذا رَدَدْتَه إِلَى نفسِك قلتَ خِفْتُ فَنَقَلْتَ كسرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 الْوَاو إِلَى الْحَاء كَمَا فعلت فِي قُلْت وَتقول فِي الْأَمر خَفْ من غير همزةِ الوصلِ للعلّةِ المتقدِّمة فصل فإنْ كَانَت العينُ يَاء جاءَ على ضَرْبَيْنِ فَعَل يفعِل مثل ضَرَب يَضْرِبُ ك باعَ يَبِيعُ فتحركتِ الياءُ وانفتحَ مَا قبلَها فِي الْمَاضِي فقُلبت ألفا فأمَّا فِي الْمُسْتَقْبل فَنُقِلتْ كسرةُ الْيَاء إِلَى الْبَاء لِثقَل الكسرةِ عَلَيْهَا وَبقيت سَاكِنة فإنْ رَدَدْته إِلَى نفسِك نَقَلْتَه من فَعَل إِلَى فعِل توصُّلاً إِلَى حذف الْيَاء وإبقاء الكسرة دَلِيلا عَلَيْهَا كَمَا فعلت فِي قُلْتُ فَإِن أمرتَ قلتَ بِعْ بِغَيْر همزةٍ لما تقدَّم والضَّرب الثَّانِي جَاءَ على فعِل يفْعَل مثل علم يعلم نَحْو هاب يهاب والألفُ أصلُها يَاء لِقَوْلِك تهيّبْتُ والهَيْبَة فَفُعِل فِيهَا مَا فُعل فِي خَافَ وَتقول هِبْتُ فتنقلُ كسرةَ الْيَاء إِلَى الهاءِ كَمَا ذكرنَا وتقولُ فِي الْأَمر هَبْ فتفْتَحُ الهاءَ كَمَا فُتحت الْخَاء فِي خَفْ لأنَّها مفتوحةٌ فِي يَخَافُ ويهاب وأمَّا كادَه يكيدُه من المكْر فَمثل باعَه يبيعُه وأمَّا كَاد يكَاد الَّتِي للمقاربة فَمثل هابَ يهابُ وَهِي من الْيَاء وَقد جَاءَ فيهمَا لغةٌ أُخْرَى كُدْتُ بضمِّ الكافِ أُكاد بضمِّ الْألف فالمستقبلُ على الأصلِ والماضي مغيَّرٌ من فعِل إِلَى فعُل كَمَا جَاءَ فضِل يفضُل على الشّذوذ وَهَذَا نقيض متّ أموتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 فصل فِي الْفِعْل المُضاعف وَهِي تَجِيء على ثَلَاثَة أضْرُبٍ فَعَل يَفْعُل نَحْو ردّ يرُدّ وفَعِلَ يَفْعَل نَحْو عَضَّ يَعَضُّ وفَعَل يَفْعِل نَحْو فرَّ يفِرُّ والأصلُ فِي ذَلِك كلِّه حركةُ الحرفِ الثَّاني إلاَّ أنَّهم استَثْقَلوا الجمعَ بَين المِثْلين وَسبب ذَلِك أنَّه إِذا نُطِقَ بالحرف ثمَّ نُطِق بِمثلِهِ عادَ إِلَى الموضعِ الَّذِي رَفَع لسانَه عَنهُ من غيرِ فصْلٍ وَفِي ذَلِك كُلْفَةً وَقد شَبَّهوا ذَلِك بِمَشْي المقيَّد كَالَّذي يتحركُ للمشي وَلَا يُفارقُ مَوْضِعه فَعِنْدَ ذَلِك سُكِّن الحرفُ الأوَّلُ وَلم تُنْقَل حركتُه إِلَى مَا قَبْلَه فِي الْمَاضِي لأنَّ أوَّلَ الْمَاضِي مُتَحركٌ فَلم يَحْتَمِلْ حركةَ غَيْرِه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 فأمَّا فِي الْمُسْتَقْبل فكلُّهم ينقلُ حركتَه إِلَى مَا قبلَه لأنَّ مَا بَعْدَ حرفِ المضارعة ساكنٌ يقبلُ الْحَرَكَة ثمَّ أدْغَموا الْعين فِي اللاّم فصارَ يردُّ ويعضُّ ويفِرُّ هَذَا إِذا كانَ الفعلُ معْرباً بالحركة فإنْ كانَ مَجْزُومًا أَو مبنيّاً على السّكُون نَحْو لم يَرُدَّ وردَّ فَفِيهِ مذهبان أَحدهمَا الإدغامُ استثقالاً للنّطق بالمِثْلَيْن إلاَّ أنَّ المثلين إِذا كانَ مضمومَ الأوَّل جازَ تحريكُ الطَّرَف بالضمِّ إتْباعاً وبالفتحِ إيثاراً للأخفِّ وبالكسرِ على أصْلِ التقاء السَّاكنين وَلَا بدَّ من التحريك لئلاّ يُجْمَعَ بَين ساكنين والأجودُ فِي المجْزومِ أنْ لَا يُحرَّكَ بالضمِّ لِئَلَّا يشبه الرّفْع وإنْ كانَ أوَّلُه مَفْتُوحًا أَو مكسوراً نَحْو عَضَّ وفَرَّ جازَ فِيهِ الكسرُ على الأصلِ والاتباعُ والفتحُ تَخْفيفاً أَو إتباعاً وإنَّما سُكِّنَ الأوَّلُ ليصحَّ إغامُه لأنَّ المتحركَ قويٌّ بحركته فَلَا يصحُّ رفعُ اللِّسانِ عَن الحَرْفين رفْعَة وَاحِدَة مَعَ تحرّكِ الأوّل لأنَّها تصيرُ كالحاجزِ بَينهمَا وَلَا يصحّ الْإِدْغَام فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 بُني الْمَاضِي لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعلُه فالوجهُ ضمٌّ أوَّله على الأصلِ وَيجوز كَسره بِأَن ينقُلَ حَرَكَة المدغم إِلَيْهِ وأمَّا قالَ وباعَ فالجيّدُ كَسْرُ الأوّل وقلبُ الْوَاو يَاء ويجوزُ أنْ يُشَمَّ الضمّ وَأَن يُضَمَّ ضمّاً خَالِصا فَتَصِير العينُ واواً بكلِّ حَال فَإِن جعلت هَذَا الفعلَ لِمَا لَمْ يُسمَّ فاعِلُه واتَّصلت تاءُ الفاعِل كانَ لفظُه كَلَفْظِ مَا سُمّي فَاعله كَقَوْلِك بعتَ يَا عَبْدُ وخِفْتَ يَا سُلْطَان بِمَعْنى باعِك غيرُك وخافَك سواك والإشمامُ جائزٌ ومِنْ مَسائلِ المعتلّ الْعين صِيدَ البَعيرُ وعَوِرَتْ عَيْنُه وَقد ذَكرنا أنَّه صحَّ لأنَّه فِي معنى مَا يَلْزمُ تَصحيحهُ وَمِنْهَا سٌوط الألفِ والواوِ وَالْيَاء فِي الأمرِ نَحْو خَفْ وقُمْ وبِعْ لالتقاء الساكنين فإنْ حرِّكت الطَّرَف حَرَكَة لازِمةً ردَدْتَ الْمَحْذُوف نَحْو بِيعَتْ وخِيفت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 وَإِن كَانَت الحركةُ عارضةً لم تَرْدُدْهُ لأنَّه غيرُ لازمٍ نَحْو خَفِ الله وقُمِ الليلَ وسِرِ اليومَ وَمِنْهَا انقلابُ الواوِ وَالْيَاء ألفا فِي المضارعِ نَحْو يَخاف ويَهاب والأصلُ يَخْوَف ويَهْيَبُ فنُقِلت حركةُ العينِ إِلَى الْفَاء وأُبْدِلت الواوُ وَالْيَاء ألفا فإنْ قيلَ ولِمَ كَانَ كَذَلِك وهُما ساكنان فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أنَّ سكونَ الفاءِ هُنا عارِضٌ لحرفِ المضارعة فَلم يُعتدَّ بِهِ وكأنَّها تحرَّكت وَانْفَتح مَا قبلَها وَهِي معنى قَوْلهم قُلبت لتحرِّكها الْآن وتحرّكِ مَا قبلهَا فِي الأصلِ والثَّاني أنَّ الواوَ والياءَ هُنَا يَثْقُلُ النطقُ بهما وإنْ سُكِّنا فأُبدلا ألفا لأنَّه أخفُّ مِنْهُمَا وَمثله أَقَامَ واستبانَ وَأما يُقيم فَنُقِلَتْ فِيهِ كسرةُ الواوِ إِلَى القافِ وابدلتْ يَاء لِسُكونها وانكسارِ مَا قبلهَا وَكَذَلِكَ مُقيم وَأما لَيْسَ فَلَا تكونُ فِي الأصْل مضمومةَ العَين لأنَّ ذواتِ الياءِ لَا يجيءُ فِيهَا ذلكَ وَلَا مَفْتُوحَة إذْ لَو كَانَت كَذَلِك لأُبْدِلت ألفا أَو لَمَا سُكِّنت فيلزمُ أنْ تكونَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 الأصلِ مكسورةُ سُكِّنت للتَّخْفِيف وَقد ذكرنَا علّة جمودِها فِي بَابهَا وَمن مسَائِل المعتلّ اللاّم أنَّ فَعَل من ذَواتِ الْوَاو لم يأتِ مستقبلُه إلاّ يَفْعُل بضمِّ الْعين نَحْو غَزَا يَغْزُو وعَلا يَعْلُو وأمّاَ فَعِل فعلى يَفْعَلُ نَحْو رَضِيَ يَرْضَى الأصلُ رضِوَ لأنَّه من الرِّضْوان فأُبدلت الواوُ يَاء لانكسار مَا قبلهَا وأمَّا فَعُلَ مثل ظَرُف فتصيرُ الياءُ فِيهِ واواً نَحْو قَضُوَ الرجلُ ورَضُو الثوبُ لِئَلَّا تقعَ الياءُ بعد ضمَّةٍ فَلَو سكّنت العينُ لم يُرْدَدِ الأصلُ بل تقولُ قَضْو الرجُلُ ورَضْيَ زَيدُ بِسُكُون الضَّاد لأنَّ السّكُون فِي الضَّاد عَارض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وفيهَا أنَّك إِذا بَنَيْتَ من ذواتِ الْوَاو أفْعَل نَحْو غزا قلبتَها فِي الْمُضَارع يَاء فَقلت يُغْزِي لوقوعِها بعد كسرةٍ وَكَذَلِكَ اسْتُغْزِي فأمَّا إبْدالُها فِي تَغَازَيْت مَعَ انفتاحِ مَا قبلهَا فمحمولٌ على أُغزي لِئَلَّا يخْتَلف الْبَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 بَاب يجمع مسَائِل تنعطف على الْأُصُول المتقدِّمة مَسْأَلَة قد يتَّفق لفظُ اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول ويختلفان فِي التَّقْدِير نَحْو مُخْتَار ومجتاز وَهُوَ مُحْتَمل لَهما وَسبب ذَلِك أَن عين الْكَلِمَة يَاء متحرك مَا قبلهَا فَإِن كَانَ للْفَاعِل فَهِيَ مَكْسُورَة فتقديره مخْتَيِر مثل مختَرِع وَإِن كَانَ للْمَفْعُول فتقديره مخْتَيَر مثل مُخْتَرع وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ تنْقَلب الْيَاء ألفا وَلَفْظهمَا واحدٌ وَلَكِن تقدّر على الْألف كسرةٌ للْفَاعِل وفتحةٌ للْمَفْعُول وَكَذَلِكَ مُحمّر إِن جعلته للْفَاعِل كَانَت الرَّاء الأولى مَكْسُورَة وَإِن جعلته للْمَفْعُول كَانَت مَفْتُوحَة فتسكّن الراءُ الأولى وتُدغَم فِي الثَّانِيَة وَيكون اللفظُ وَاحِدًا وَالتَّقْدِير مُخْتَلفا وَكَذَلِكَ مقشعرّ مَسْأَلَة الأَصْل فِي مَقَام ومَعَاش مقْوَم ومَعْيَش فتحرَّكت الواوُ وَانْفَتح مَا قبلَها فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 الأصلِ فقُلِبت ألفا وَقد ذكرنَا تتمَّةَ هَذَا التَّعْلِيل فِي يُقال ويُباع مَسْأَلَة الأصلُ فِي مَعيشَة مَعْيشَة بِكَسْر الْيَاء على قَول سِيبَوَيْهٍ وَقد أَجَازُوا أَن يكونَ أصلُها الضمّ فعلى تقديرِ الكَسْر قد نُقِلت كسرةُ الْيَاء إِلَى العينِ إيثاراً للتَّخفيفِ وأمَّا على تقديرِ الضمِّ فإنْ حركةَ الْيَاء نُقِلت إِلَى الْعين وأُبْدِلت مِنْ ضمةِ العينِ كسرةً فَانْقَلَبت الواوُ يَاء لمجاورتها الطَّرَفَ وأنَّ التَّاء غيرُ معتدٍّ بهَا فصارتْ مثل أدلٍ وأحْقٍ وَقَالَ الْأَخْفَش لَو كانَ الأصلُ الضمَّ لبقيت الواوُ مثل مَعُونة ومَصُوفَة وَإِن كانَ هَذَا الاسمُ جمعا مثل مَعَايش جمع مَعِيشة فَالْحكم كَذَلِك وَقَالَ الأخفشُ يجوزُ فِي الجمعِ أَن يكونَ الأصلُ الضمَّ فحوِّل إِلَى الْكسر وَالْيَاء لِثقل الْجمع ومثلُ ذَلِك مَحِيص فِي أنَّ الأَصْل مَحْيِص بِالْكَسْرِ مثل مَنْزِل وأمَّا بيض فأصلُها بُوض مثل سُود وحُمْر إلاَّ أنَّ الياءَ فِي الْقيَاس نُقِلت واواً لِسُكونها وانْضِمام مَا قبلهَا ولكنّهم خالفوا القياسَ فكسروا ليحصَل الفرقُ بَين بيضٍ جمع أبْيَض وبيضاء وبينَ قَوْلهم دَجَاجٌ بُيُضٌ جَمْعُ بَيُوض إِذا سكّنوا الْيَاء قلبوها واواً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 مَسْأَلَة إِذا وقعتِ الواوُ رَابِعَة قُلبتْ يَاء ثمَّ قُلبتْ الياءُ ألِفاً لتحرُّكها وانفتاحِ مَا قبلَها وأصلُ ذَلِك أنْ الفعلَ المعتلَّ اللَّام إِذا كَانَت لامُه واواً وانكسرَ مَا قبلَها قُلبت يَاء للكسرة قبلهَا ثمَّ يُحملُ البابُ كلُّه على ذَلِك نَحْو أغْزَى يُغْزِي وادَّعى تدَّعي والمصدر مَغْزَىً ومَدْعَىً فالألف منقلبةٌ عَن ياءٍ مُنْقلبةٍ عَن وَاو وتقولُ فِي تَراجى وتَغَازَى أصلُ الألفِ ياءٌ مُبْدَلَةٌ من واوٍ وإنْ لم يكَسِر مَا قبل الطَّرف لأنَّ الأَصْل رَجَّى يُرجّي ثمَّ دخلت الزيادةُ عَلَيْهِ بعد استمرارِ الْإِبْدَال وَكَذَلِكَ تغازى وتعاطى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 مَسْأَلَة قد ذكرنَا حكْمَ الفعلِ المشدّد نَحْو مَدَّ وشدَّ ورَدَّ وعَلى قياسِه يجبُ أَن يكونَ استردَّ واقشعرَّ لأنَّ الأصلَ اسْتردَد واقشعْرَر فَنُقِلت حركةُ الْمثل الأوّلِ إِلَى السّاكن وأدغم فِي الَّذِي بعده فَإِن وجبَ تسكينُ الثَّانِي انفكَّ الإدغامُ وعادت حركةُ الأوَّل إِلَيْهِ نَحْو استرْدَدْتُ واقْشَعْرَرْتُ فإنْ كانَ المثلان للإلحاق لم يُدْغَم لِئَلَّا يَبْطُل حكم الْإِلْحَاق وَذَلِكَ نَحْو قَرْدَد وَهُوَ مُلْحَق بِجَعْفَر فَلَو أدغمتَ لسكّنتَ الأوَّلَ وبطلتْ مماثلةً هَذَا الْبناء لجَعْفَر وَكَذَلِكَ اسْحَنْلَك واقَعْنسَسَ هُوَ مُلْحق باحْرَنْجَم مَسْأَلَة قد تنقل الحركةُ إِلَى مَا بعدَها لضرب من التَّخْفِيف أَو المجانسةِ فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {ويَخش الله ويتقه} تقْرَأ بِكَسْر الْقَاف وَإِسْكَان الْهَاء وَالْأَصْل كسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 الْهَاء لأنَّها هاءُ الضَّمِير إلاّ أنَّهم سكَّنوا القافَ والهاءَ أمَّا الهاءُ فوقَفُوا عَلَيْهَا فسكّنت وأمَّا القافُ فخفَّفوها كَمَا سكَّنوا التاءَ فِي كَتِف وشَبَّهوا المُنْفَصِلَ بالمتَّصل فالتَّاءُ والقافُ وَالْهَاء مثل كَتِف فلَمَّا اجتَمَعَ ساكنان حرَّكوا القافَ بِالْكَسْرِ وَقد جَاءَ فِي الشّعر والنثر فمنَ الشّعر قولُ الراجز (قَالَت سُلَيْمى اشْتَرْ لَنَا سَوِيقاً) بِسُكُون الرَّاء كأنّه كَانَ تَرِل مثل كَتِف ففُعل مَا ذكرنَا وَقيل نَوى الْوَقْف على اشتَرْ ثمَّ جَعَلَه فِي الوصلِ كَذَلِك وَقَالَ آخر من // الطَّوِيل // (أَلا رُبَّ مَوْلودٍ وَليسَ لَهُ أبٌ وذِي وَلَد لم يَلْدَاهُ أَبَوان) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 وإنْ كَانَ الاسمُ على أَكثر من أربعةِ أحرفٍ لزم الحذفُ نَحْو كَيْنُونة ودَيْمُومة من كانَ ودامَ وَذَلِكَ لطولِ الِاسْم وَقد جَاءَ تَاما فِي الشّعْر قَالَ الراجز (يَا لَيْت أنّا ضَمَّنا سَفِنهْ ... حَتَّى يَعُودَ الوَصْلُ كَيْنُونَة) . والأصلُ سكونُ الدّالِ للجزم إلاَّ أنَّه حَذَف حَرَكَة اللاّم فسكنت فانفتحت الدَّال لالتقاء الساكنين فَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وأرْنا مَنَاسِكَنا} على قِرَاءَة من سكَّن الرَّاء وَمن النثرِ قولُهم مُنْتَفْخٌ ومنْتَصْبٌ بِسُكُون الْفَاء وَالصَّاد مَسْأَلَة إِذا اجتمعتِ الواوُ وسكِّنتِ الأولى قُلبت الواوُ يَاء وأدغمت فِي الْيَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 الْأُخْرَى وَقد ذكرنَا عِلّة ذَلِك فِي الْبَدَل إلاّ أنَّ الاسمَ إِذا كانَ على أربعةِ أحرف نَحْو سَيِّد ومَيِّت جازَ فِيهِ التَّشديدُ وَهُوَ الأصلُ والتَّخفيفُ بحذفِ الْيَاء المنقلبةِ عَن الْوَاو لأنَّها قد غُيِّرت أَولا بالإبدال فَكَانَت أوْلى بالحذفِ لأنَّ التَّغْيِير يُؤنس بالتغيير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 وَهَذَا يكْثُر فِيما عَيْنُه واوٌ لِثِقَلها وَقد جاءَ مِنْهُ شيءٌ فِي الْيَاء فأمَّا رَيْحَان فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أصلُه رَوْحان فقُلبت الواوُ الساكنةُ يَاء تَخْفِيفًا لانفتاحِ مَا قبلهَا وشبهوها بالمتحركة فِي الْقلب كَمَا فَعَلوا ذَلِك فِي آيةٍ وطائيّ والثَّاني أصلُه رَيِّحان فَيْعَلان من الرَّوْح ففُعِل فِيهِ مَا ذكرنَا وأمَّا شَيْبَان فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَقد جَاءَت الواوُ وَالْيَاء غير مغيّرة قَالُوا ضَيْون فِي السَّنَّوْر فتركوا القياسَ فِيهِ تَنْبِيها على الأَصْل ولقلّة استعمالِهم إيَّاه وَقَالُوا فِي الْأَعْلَام حَيْوَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 والقياسُ حيّة والأعلامُ يكْثُر فِيهَا التغييرُ على مَا بُيّن فِي مَوْضِعه من النّداء والحكايةِ وَغَيرهمَا مَسْأَلَة إِذا وَقعت الواوُ ثَانِيَة بَين ألفٍ وكسرةٍ فِي جمع أَو مصدَرٍ قلبتْ يَاء فالجمعُ مثل حَوْض وحِيَاض وقدذكَرْنا علّتَه فِي البَدَل وأمَّا المصدرُ فأُبْدِلت مِنْهُ الواوُ مثل حِيال لأنَّه قد أعلَّ فِي الْفِعْل نَحْو حَالَ فَسَرى الإعْلالُ إِلَى المصدرِ فإنْ تحرّكتِ الواوُ فِي الْوَاحِد نَحْو طَوِيل لم تُقْلَب فِي الْجمع لقوّتِها بحركتها فِي الأَصْل وَقد جَاءَ إبدالُها فِي الشِّعر فَقَالُوا طِيال مَسْأَلَة إِذا وَقعت ألفُ التكسير بينَ وَاوين وجاورت الواوُ الطرفَ أُبْدِلت همزَة كَقَوْلِك فِي جمع أوّل أَوَائِل وَفِي ذَلِك وَجْهان أَحدهمَا أنَّه لَمَّا اجْتمعت ثلاثةُ أحْرُفٍ معتلّةٍ غيَّروا أحدَها فِراراً من الثِّقل واجتماعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 ذزاتِ العِلل فَكَانَت الأخيرةُ أوْلى بالتغيير لقربها من الطَّرف ووقوعِ الثِّقل بهَا لتكررها والثَّاني أنَّ الواوَ لوْ وَقَعَتْ طَرَفاً لغُّيّرت فَكَذَلِك إِذا جاورته لأنَّ الجارَ يُحكَم عَلَيْهِ بِحكم المجاور فإنْ اضطرّ شاعرٌ إِلَى زِيَادَة ياءٍ بعد هَذِه الهمزةِ أقرّها لأنَّ الزِّيادةَ عارِضةٌ فحكمُ المجاورةِ باقٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 وإنْ كَانَت الياءُ بعد الواوِ الثانيةِ غيرَ زائدةٍ لم تُهْمَز الواوُ لبُعْدها من الطَّرَف نَحْو طَوَاويس فإنْ حَذَفْتَ هَذِه الياءَ لضرورةِ الشِّعر لم تُهْمَزِ الواوَ لأنَّ الحذْفَ عارضٌ فَحُكْمُ البُعْدِ عَن الطَّرَفِ باقٍ وَاخْتلفُوا فِيمَا اذا وَقعت ألفُ التكسير بَين ياءين أَو ياءٍ وواوٍ نَحْو عيلة وعيائِل وسيّقة وسيائِق فمذهب سيوبية همزُ الْأَخير كَمَا ذكرنَا فِي الْوَاو وَقَالَ الْأَخْفَش لَا تهمز هُنَا لأنَّ الياءَ أخفُّ من الهمزةِ وَمَعَهَا من جِنْسِها والياءُ لم تُبْدَل همزَة بخلافِ الْوَاو فإنَّها قد أُبْدِلت فِي وُجوه وصَحْرَاوات وحُجَّةُ سِيبَوَيْهٍ السَّماعُ والقياسُ فالسَّماعُ مَا رَوَاهُ المازِني أنَّه سَأَلَ الْأَصْمَعِي عَن جمع عُيّل فجمعَ وهمزَ والظَّاهر أنَّه سَمِعَه وأمَّا القياسُ فإنَّ العلّةَ الَّتِي أوجبتِ الهمزَ فِي الواوين موجودةٌ هَهُنَا مَسْأَلَة إِذا جمعتَ صحيفَة ورسالةً وعَجُوزاً على صَحائف ورَسائِل وعَجَائِز همزتَ حرف المدَّ لأنَّه جاورَ الطَّرفَ وَقَبله ألفٌ والإعلال لازِمٌ فَكَأَن همزَها جعلَها حرفا صَحِيحا وَكَانَ ذَلِك تَغْييراً لحرفِ العلّةِ وأشْبَه فِي ذَلِك العينَ فِي قَائِل وبائع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 مَسْأَلَة نقولْ فِي جمع خَطيئة خَطَايا وَفِي كيفيّة التَّغْيِير أَقْوَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 أَحدهَا أنَّك ليَّنْتَ همزةَ خَطيئة فَبَقيَ مثل عَطِيَّة فلَمَّا جمعتَ زِدْتَ الفَ التكسير وهمزتَ الياءَ الأولى وَوَقعت الياءُ بعْدهَا فصارَ اللفظُ خطاْأي مثل عذراء وعذاري ثمَّ أبدلْتَ من الكسرةِ فَتْحة فانقلبتِ الياءُ ألِفاً ثمَّ أُبْدِلت الهمزةُ يَاء وإنَّما فعلوا ذَلِك فِراراً من وُقوعِ الْهمزَة بينَ أَلفَيْنِ لأنَّ ذَلِك يُصيِّرها فِي تَقْدِير ثَلَاث الفات أَو ثَلَاث هَمْزات وَذَلِكَ مَهْرُوبٌ مِنْهُ وَكَانَت الياءُ أوْلَى مِنَ الواوِ لأنَّها أخفُّ مِنْهَا أوْ لأنَّ أصلَها الكسرُ وَهُوَ أشْبَه بِالْيَاءِ وقالَ الخليلُ تُجْمَعُ خَطيئة على خَطَاأِئى أَي بهمزتين مثل سفائن فالهمزةُ الأولى مُبْدَلةٌ من الْيَاء الزَّائِدَة وَالثَّانيَِة لَام الْكَلِمَة ثمَّ قُدِّمت لامُ الكلمةِ على الهَمْزةِ الزَّائِدَة لتعودَ إِلَى اصلها وَهِي الْيَاء ثمَّ أُبْدِلَ من الفتحة كسرةً وَمن الْيَاء الْفَا لتحركها وانفتاحِ مَا قبلهَا وَمن الهمزةِ يَاء لِمَا تقدَّم ووزنه فَعَالى وَفِيه نَقْلٌ وإبْدالُ الْهمزَة المنقولَة يَاء وفتحُ المكسور وقلبُ الياءِ المتطرِّفةِ ألفا وقلبُ الهمزةِ يَاء وقالَ سِيبَوَيْهٍ كَذَلِك إِلَّا أنَّه لم يقدّم شَيْئا على شَيْء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 مَسْأَلَة نقُول فِي عطيّة ومَطِيّة عَطَايا ومطايا وَقد أَشَرنَا إِلَى كَيْفيَّة تَغْيِيره وعلّة ذَلِك مَسْأَلَة تقولُ فِي جمع شَاوية ورَاوية شَوَايا وروايا وكيفيّةُ ذَلِك أنَّك جمعتَه على مِثَال فَعَائِل مثل قَائِمة وقَوائم فابْدَلتَ من الألفِ واواً وزِدْتَ بعدَها ألفَ التَّكسير وقلبت الْوَاو الَّتِي هِيَ عينٌ همزَة كَمَا فعلتَ فِي عَين قَائِمَة فَوَقَعت اللامُ وَهِي ياءٌ هُنَا بعد الْهمزَة فَصَارَ شَوَاأِي ثمَّ أبْدلتَ الكسرةَ فَتْحة ثمَّ أتممتَ العملَ كَمَا ذكَرْنا فِي خَطِيئَة فَصَارَت شَوَايا على فَوَاعِل وهُنَا اتّفقَ الخليلُ وسِيبويه لأنّ اللامَ لَا زائدَ قَبْلَها مَسْأَلَة تَقول فِي معيشة معايش بِغَيْر همز ووزنه مفاعل وَإِنَّمَا لم يهمزوا لِأَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 الياءَ أصلٌ وإنّما يُهْمَزُ الزّائدُ للفَرْق وَقد هَمَزَها بعضُ القُرّاء شبَّهها بالزائدةِ وَقد خَطَّؤُوه مَسْأَلَة فأمّا مَدِينَة فإنْ أخذتَها من دَان يَدين إذَا أطاعَ فَكأنَّ أهلَ المدينةِ أطاعوا رئيسَها فههنا لَا تُهْمَزُ لأنّها مثلُ مَعِيشة وإنْ أخذتَها من مَدَن بالمكانِ إِذا أقامَ هَمَزْتَ لأنّ ياءها زائدةٌ وَمثلهَا مَعِين إنْ أخذتَه من عايَنْتُ الشيءَ لم تَهْمِزْ بل تَقول مَعَاين وإنْ أخذتَه من مَعَن إذَا أقامَ هَمَزْتَه لِمَا تَقدّم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 مَسْأَلَة الياءُ فِي مُصيبة عينٌ مُبْدَلةٌ من واوٍ لأنَّه من صاب يَصُوب فجمعُها يجبُ أَن يكونَ على مَصَاوِب بغيرِ هَمْزٍ مثل مَقَام ومقاوِم إلاَّ أنَّ العربَ همزَتها على خِلافِ القِياس وَهَذَا خلافُ تَرْكهم الهمزَ فِي بَرِيَّة وخَابية والنَّبيّ فإنَّ الأصلَ فِي ذَلِك كلَّه الهمزُ وَقد تَركوه فكذلكَ هَمَزَوا فِي مَصَائِب مَا لَيْسَ أصلُه الهمزُ مَسْأَلَة إِذا اعتلّت عينُ فِعْل نَحْو قَالَ وبَاعَ وخَافَ ثمَّ بَنَيْتَ مِنْهُ اسمَ فاعلٍ زِدْتَ عَلَيْهِ ألفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 لتفرّقَ بَين الاسمِ وَالْفِعْل فَتَقَع الْألف المبْدَلة بعدَها وهما ساكنتان وحذْفُ إِحْدَاهمَا يُخلّ بِمَعْنى وتحريكُ الاولى يخرجُها عَن المدِّ ولأنَّه لَا حظَّ لَهَا فِي الْحَرَكَة فحرّكتَ الثانيةَ لأنَّها تَسْتَحِقُّ الحَرَكةَ فِي الأَصْل وكُسِرتْ على اصلِ التقاء السَّاكنين وَإِذا حُرِّكتِ الألفِ انقلبت هَمْزَةً لِمَا ذكرنَا فِي غير مَوْضع فصارَ اللفظُ بِهِ بَائِعا وقَائلاً وخَائِفاً ويجوزُ تليينُ هَذِه الهمزةِ لتحرّكها وَلَا يجوزُ أَن تُجْعَل يَاء خَالِصَة وَلَا واواً لأنَّ ذَلِك من حُكْمِ الْحُرُوف الَّتِي لَمْ تُعَلّ نَحْو قَوْلك فِي صِيدَ البعيرُ وعَوِرَت عينُه لأنَّها صَحَّت فِي الْمَاضِي فتَصِحُّ فِي اسْم الْفَاعِل مَسْأَلَة إِذا أُدْغِمت الواوُ والياءُ فِيمَا بَعْدَهما وَلم تكُنْ مجاورةً للطَّرف تحصّنت من القلْبِ نَحْو اخروَّطَ اخرِوَّطاً واجلَوّذَ اجلوَّذاً وَكَذَلِكَ فلانٌ من صُيَّابَة قومِه أَي مِنْ خِيارهم وَلَو بَنَيْتَ من صَادَ يصيدُ فُعّالاً لَقلت صُيّادُ وَلم تغيّر لأنّها تحصّنت لدخولها فِي حِمى حرفٍ متحرِّكٍ ممتنعٍ عَن التَّغْيير وقَدْ أُبْدِل فِي بعضِ الْمَوَاضِع نَحْو دِيوان وَقد ذَكَرْناه فِي البَدَل فَإِن جاورَ الطَّرفَ فقد جاءَ فِيهِ الوَجْهانِ قَالُوا صُيِّم وقُيِّم وصُوِّم وقُوِّم والإبْدّال أقوى لمجاورةِ الطَّرف وَهُوَ محلّ التَّغْيِير والتصحيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 على الأصلِ فقد قَالُوا فِيمَا بَعُدَ عَن الطَّرف نُيَّام والجيّدُ نوّام وطريقُ القلْب أنّهم أبدلوا الْوَاو الثانيةَ يَاء لقُرْبها من الطَّرف ولأنَّها قد أُبْدِلت فِي الْفِعْل نَحْو صَام فاجتمعت الياءُ وَالْوَاو وسَبَقت الأولى بِالسُّكُونِ فأُبدلت يَاء لِمَا ذكرنَا فِي مَوْضِعه وَهَذَا البدلُ إنَّما يَجيءُ فِي الجمْعِ لِثِقَله وليسَ كَذَلِك الواحدُ نَحْو اخروّاط مَسْأَلَة إِذا كَانَت عَيْنُ الكلمةِ ولامُها وَاوين نَحْو جَوِيَ وَدَوِي وَالْأَصْل جَوِوَ ودَوِوَ لأنَّه من الجوِّ والدوِّ قُلبت الثانيةُ يَاء لِئَلَّا يجتمعَ المِثْلان وَلم تُدْغَم لِثِقَل الْوَاو والتَّضْعيف وَلم تُقلبِ الياءُ ألفا لأنَّ مَا قبلَها مكسورٌ فصارَ هَذَا الحكمِ مثلَ شَقِيَ ورَضِيَ وهما من الوَاو لقولِكَ فِي الْمصدر الشقوة والرِّضْوان وتقولُ فِي التَّثْنية جَوِيا وَفِي الْجمع جَوُوا فَتَحْذِفُ اللامَ هُنَا لأنَّ أصلَه جَوِيوا فاسْتُثْقِلت الضمّةُ على الْيَاء فسكّنت وَبعدهَا واوُ الجمعِ سَاكِنة فَحُذِفت الياءُ لالتقاءِ السكاكين وبقيتِ الواوُ لتدلّ على الجَمْع ثمَّ ضمّت الواوُ الَّتِي هِيَ عَيْنٌ تَبَعاً لواوِ الضَّمِير ولأنَّها حُرِّكت بحركةِ الْيَاء المحْذُوفةِ ونَطيرُها من الصَّحيح العينِ عَمُوا ونَسُوا ورَضُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 مَسْأَلَة فإنْ كانتِ العينُ واللاّم ياءين نَحْو حَيِيْ وعَيِيْ فَفِيهِ وَجْهَان التَّصحيحَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 الأصلُ والإدغام نَحْو حَيّ وعَيّ فِراراً من اجتماعِ الأمثالِ وطريقُه أنَّه سُكّن الأوَّلُ ليصحَّ إدْغامُه وحُمِلَ على الصَّحيح نَحْو ضَنَّ بالشَّيْء وأصلُه ضَنِنَ مثل بَخِل فعلى هَذَا إنْ لحقتَه ألفُ التَّثنيةِ أَو واوُ الْجمع قلتَ على الْوَجْه الأوّل حَيِيا فجمعتَ بَينهمَا لأنَّه موضعٌ يجبُ فِيهِ تحريكُ الحرْفين وَمَعَ الْوَاو حَيُّوا وعَيُّوا فتحذِفُ الثانيةَ لِثِقَل الضمَّةِ عَلَيْهَا كَمَا ذكرنَا فِي جووا وعَلى اللُّغَة الثانيةِ وَهُوَ الْإِدْغَام حَيَّا وعَيَّا وحيُّوا وعَيُّوا بالتَّشديد فيهمَا مثل شَدّا وشَدُّوا فإنْ بَنَيْتَ هَذَا الفعلَ لِمَا لَمْ يُسمَّ فاعلُه انبنى ذَلِك على اللُّغَات الثَّلَاث فِي قيل فَتَقول على اللُّغَة الْمَشْهُورَة حِيّ وعِيّ فتنقل كسرة الْيَاء الأولى إِلَى الْحَرْف الأوَّل وتُدغم وإنْ أَشرت هُنَاكَ أَشرت هَهُنَا وإنْ جعلَته مثل قُوْل قلتَ حُيَّ وعُيَّ فالأوَّل مضموم والياءُ الأولى سُكِّنت وأُدْغمت فِي الثَّانِيَة فإنْ عُدّي هَذَا الفعلُ بالهمزةِ وَهُوَ لِمَا لَمْ يُسمَّ فَاعلُه قلتَ على لُغَة التَّصْحِيح أُحْيِيَ وأُعْيِيَ وَفِي الْجمع أُحيّوا وأُعَيّوا فحذفت الياءُ الثانيةُ لِمَا تقدَّم وعَلى لغةِ مَن أدغم أحِيّ مثل أُقِرّ وَمَعَ وَاو الْجمع أُحِيّوا مثل أُقِرّوا فإنْ سمّيتَ الفاعلَ قلت أحيى فأبدلتِ الياءُ الثانيةُ ألفا لتحركها وانفتاحَِ الْيَاء الأولى وتقولُ مَعَ واوِ الْجمع أحْيَوا فتحذفُ الألفَ لسكونِها وسكونِ واوِ الجمعِ وتَبقى فتحةُ الْيَاء تدلُّ عَلَيْهَا ومثلُ ذَلِك استَحْيَى وتَحيّى وَتقول فِي مستقبله يَسْتَحيي بياءين من غَيْرِ حذفٍ وَلَا إدْغام أمَّا الْحَذف فَلَا حاجةَ إِلَيْهِ لأنَّ الياءَ الثَّانِيَة سَاكِنة مثل يَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 يَرْمِي وأمَّا الاولى فَقَبْلها ساكنٌ فَلم تَثْقُل وأمَّا الإدغامُ فممتنعٌ أَيْضا لأنَّه لَو أدغمتَ لضممت فكنتَ تَقول تَسْتَحِيّ مثل تَسْتَعِدّ وَهَذَا مُسْتَثْقَلٌ جدّاً فتحرّزوا مِنْهُ بفكِّ الْإِدْغَام وَقد قَالَ بعضُهم استحيت مِنْك بياءٍ واحدةٍ ساكنةٍ وَفتح الْحَاء وَهُوَ ضَعِيف وَوَجهه من طَرِيقين أَحدهمَا أنَّه نَقَلَ فتحةَ الياءِ الأولى إِلَى الْحَاء فانفتحت الحاءُ وسُكِّنت الْيَاء وقَلْبَها ألفا وَبعدهَا ياءٌ ساكنةٌ فَحُذفتِ الألفُ لالتقاءِ السَّاكنين وَمِنْهُم مَنْ قَالَ اجْتمعت الياءان ساكنتين فحذفت الأولى ونظيرُه قَوْلهم مِسْت وظِلتُ وحِسْتُ فِي مَسِسْتُ وظَلِلْتُ وحَسِسْتُ فسكّن السينَ الأولى واللامَ الأولى ثمَّ حذفَها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 لالتقاء الساكنين وبقيّ الأوّل مَفْتُوحًا وَمِنْهُم مَنْ ينقلُ هَذِه الكسرةِ إِلَى الأوّل فيكسِره فَيَقُول مِسْتُ والطريقُ الثَّاني أنْ تكونَ الياءُ الأولى قُلبت الْفَا لتحرِّكها الآنَ وانفتاح مَا قبلَها فِي الأَصْل كَمَا ذكرنَا فِي استقامَ فَإِذا سكّنتِ الياءُ الثانيةُ من أجل الضَّمير حُذِفت الألفُ لالتقاء السَّاكنين فَقَالَ اسْتَحْيتُ مثل اسْتَقَمْتُ وَهَذَا أَضْعَف الْوَجْهَيْنِ مَسْأَلَة قد جاءَ من الأفْعالِ مَا عينُه ولامُه ياءان نَحْو حَيِيّ وعَيِيّ لَا خلاف فِي ذَلِك وَهَذَا عُلَم بالسَّبْر والتقسيم فأمَّا السَّبْرُ فإنَّا سَبَرْنا جَمِيع أبنية الفعلِ فَلم نجدْ فِيهَا مَا عينُه ولامُه واوٌ بل وجدنَا عكسَ ذَلِك وَهُوَ مَا عينُه واوٌ ولامُه ياءٌ نَحْو طَوَيْت وشَويتُ وَلَو كَانَ حَيِيَ مِنْهُ لَقلت حَوَيت وَوجدنَا مَا عينُه ولامُه واوان وَلَو كَانَت حييتُ مِنْهُ لَقلت حَوِيت أَيْضا كَمَا قَالُوا قَوِيت من القُوَّة فثبتَ بِهَذَا أنَّ الياءَين أصلان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 فأمّا الحَيَوانُ فَقَالَ المازنيّ الْوَاو أصلٌ غذ لَا مُوجبَ لانقلابِها عَن شيءٍ وزَعَم أنَّ هَذَا الأصلَ لم يُشتقّ مِنْهُ فِعْلٌ بل هُوَ كَقَوْلِهِم فَاضَ الميتُ فَيْضاً وفوضاً فالياء توحّد فِي التصريف وَالْوَاو لم يَجِيء مِنْهَا فعِل وَقَالَ الْبَاقُونَ اصل الْوَاو ياءٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 قُلبت واواً لِئَلَّا تلتبسَ بالمثنّى وَهُوَ مثل جبيت الخراجَ وجَبَوته لُغَتَانِ وَالْيَاء هِيَ المتصرّفة وأمّا حَيْوَة فَفِيهِ شذوذٌ من وَجْهَيْن أَحدهمَا قلبُ الْيَاء واواً والثَّاني تركُ الْإِدْغَام وَقد ذكرنَا وَجه ذَلِك فِي مَوْضِعه مَسْأَلَة وممّا جاءَ عينُه ولامُه واوان الحُوَّة والقُوَّة فَلَوْ بنيتَ من هَذَا فِعْلاً ثُلاثياً قلتَ حوِيَ وقَوِيَ فأبدلت الواوَ الثانيةَ يَاء لانكسارِ مَا قبلَها فإنْ بنيتَ مِنْهُ افعلّ مثل احمرّ قُلْتَ حوّى بواوٍ مشدّدةٍ مثل قوّى وسوّى وأصلُه احوَوْوَ مثل أصل احمرّ فنقلتَ فتحةَ الواوِ الأولى إِلَى الْحَاء واسْتُغْني بذلك عَن همزةِ الْوَصْل وأدْغمتَ الواوَ المسكّنةَ فِي الثَّانِيَة وأبْدَلتَ الثالثةَ ألِفاً لتحركها وانفتاحِ مَا قبلهَا فَصَارَت حوَّى وَإِنَّمَا فَعَلوا ذَلِك لأنّهم لَو بَقَّوا الْكَلِمَة على أَصْلهَا لقالوا يَحوَوٌّ فِي الْمُضَارع فضمّوا الْوَاو وَهَذَا لَا يجوزُ فِي الأفعالِ فأصاروه بالتغييرِ إِلَى مَا يجوزُ فأمّا مصدر هَذَا الْفِعْل فقياسُهُ أنْ يُفَكَّ فِيهِ الإدغامُ وتُقلبَ الألفُ همزَة لأنَّ الواوَ وقعتْ طَرَفاً بعد ألفٍ زائدةٍ وَهِي الحادثةُ فِي الْمصدر فَصَارَ احْوِوَاء فنُقِلت كسرةُ الواوِ الأولى إِلَى الحاءِ واسْتُغْني عَن همزةِ الْوَصْل فَفِيهِ بعد هَذَا مذهبان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 أَحدهمَا حِيواء قُلبتِ الواوُ السَّاكنةُ يَاء لوقوعها بعد كسرةٍ وَلم تُدْغَمْ فِيمَا بعْدهَا لانَّ سكونَها عارضٌ والمذهبُ الثَّانِي حِوّاء لأنّ الواوَ لما سُكّنت أُدْغِمت فِي الْأُخْرَى فإنْ بنيتَ مِنْهُ أفعالَ مثل احْمَارٌ قلت احْواوى لأنَّكَ لَو أخرجتَه على الأَصْل لضممتَ الواوَ فِي الْمُسْتَقْبل وَذَلِكَ مرفوضٌ فقلبتَ الواوَ الأخيرةَ ألفا لتحرّكها وانفتاحِ مَا قبلَها وَلم يُحتَجْ إِلَى تغييرٍ آخر فالواو الأولى عينُ الكلمةِ والألفُ بعدَها الزائدةُ والواوُ الثانيةُ لامُ الْكَلِمَة والألفُ الأخيرةُ منقلبةٌ عَن الواوِ المكرَّرةِ فأمّا مصدرُ هَذَا الْفِعْل فَفِيهِ وَجْهان أَحدهمَا احْوِيْوَاء فالواوُ الأولى عينٌ والياءُ منقلبةٌ عَن الألفِ الزائدةِ وَلم تُدْغَم فِيمَا بعدَها لأنّها غيرُ لازمةٍ والواوُ الثانيةُ لامٌ والأالفُ الَّتِي بعدَها الزائدةُ فِي المصدرِ قبل الطَّرفِ والهمزةُ بدلٌ من الواوِ المتطرِّفةِ والوَجْهُ الثَّاني احْويّاء لأنَّ الواوَ والياءَ اجتَمعا وسبقت الأولى بالسّكونِ فَفُعِل فِيهَا مَا هُوَ القياسُ فِي نظائرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 مَسْأَلَة إِذا كانتِ العينُ واللاّمُ معتلّتين ودعتِ الحاجةُ إِلَى التَّغْييرِ فالقياسُ تصحيحُ الأوّل لِبُعْدِه عَن الطَّرف وإعلالُ الثَّاني لِتَطرّفه وَذَلِكَ مثل حَوَى يَحْوى وطَوَى يَطْوِي وَقد جَاءَ عكسُ ذَلِك قَالُوا غايةٌ وَالْأَصْل غيبَة فأعلّوا الْعين وصَحّحوا اللامَ وكذلكَ ثَايةٌ ورايةٌ وكأنَّهم راعوا الطَّرَفَ من أجلِ الْإِعْرَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 مَسْأَلَة فِي أصلِ آيَة أربعةُ أقوالٍ أَحدهَا قولُ سِيبَوَيْهٍ هِيَ فَعْلَةٌ بِسُكُون الْعين فَلَو خرجَ على الأصلِ لكانَ أيّة فَقُلبت ألفا لِثِقَل التَّضعيف وَلِئَلَّا تَلْتَبِس ب أيّة الَّتِي للاستفهام عَن الْمُؤَنَّث وَالْقَوْل الثَّاني أَصْلهَا فَعَلَةٌ بفتحِ العينِ فقُلبت ألفا لوجودِ علّة ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 والقولُ الثَّالِث أصلُها آييَة مثْلُ ضَارِبَة فكانَ القياسُ أنْ تقولَ آيَّة مثل دَابّة فَحُذِفت الياءُ الأخيرةُ تَخْفيفاً وَهُوَ قَول الكسائيّ ووزنُها على هَذَا فَاعَة والقولُ الرّابع أصلُها أيِيِة مثل كلمة فَقُلِبت ألفا لتحرّكها وانفتاحِ مَا قبلَها مَسْأَلَة إِذا كَانَت عينُ الثُّلاثي يَاء سَاكِنة وجعلْتَها صفة أقْرَرْتَها نَحْو طَيْبَى وكَيْسَى وإنْ جعلْتَها اسْما ضممتَ الأوّل فَصَارَت الياءُ واواً مثل طُوبى وكُوسى ليفرقَ بَين الِاسْم وَالصّفة وَكَانَ التغييرُ بِالِاسْمِ أولى لأنّه أخفُّ من الصّفة فإنْ كَانَت اللامُ يَاء وَكَانَ ذَلِك صفة على فَعْل بِفَتْح الأول أقررتَها نَحْو الخَزْيا والصَّدْيا وَإِن كَانَت اسْما مثل التَّقْوى والشَّرْوَى قلبت الياءَ واواً للفَرْقِ أَيْضا فَإِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 كَانَت الكلمةُ على فُعْلَى بضمِّ الأوّل واللامُ واوٌ أقررتَها فِي الِاسْم مثل حُزْوَى وأبدلتَها فِي الصِّفةِ نَحْو الدُّنيا والعُلْيَا للفَرْق أَيْضا فإنْ قيل قلم غيَّرتَ هُنَا فِي الصفةِ وهُناكَ فِي الاسمِ قيل فُعِلَ ذلكَ إيثاراً للتخفيفِ وبيانُه من وَجْهَيْن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 أَحدهمَا أنْ فُعْلى مَضْمُومَة الأوّل والثَّاني أنَّ الواوَ أثْقَلُ من الْيَاء فَجُعِل فِي الِاسْم لأنّه أخفُّ وأمّا الصّفةُ فثقيلةٌ حوّلت فِيهَا الواوُ إِلَى الْيَاء لأنّها أخفُّ بِخِلَاف فُعْلى فأمّا قُصوى فَهِيَ صفةٌ وَقد خَرَجَتْ على الأصلِ وَهُوَ شاذٌّ مُنبِهٌ على الأصلِ فِي الجميعِ وَمثله فِي المفتوح ريّا وَكَانَ الْقيَاس فِي الِاسْم روّى وَفِي الصّفة ريا وَلكنه جاءَ بالعكسِ على الشّذوذِ وكذلكَ العوّى وهيَ من عَوى يَدَه يعويها إِذا لَوَاها فالعوّى نُجُوم مجتمعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 فهيَ مِنْ هَذَا الأصلِ وكانَ القياسُ عَيَّاً فِي الصّفة فسوى بَينهمَا هَذَا على لُغَة من قصر وَمِنْهُم مَنْ يمدّها وَكَانَ قِيَاس ذَلِك أَن يَقُول عياء لأنَّ الاسمَ هُنا تُقْلبُ فِيهِ الواوُ يَاء وأجْوَدُ مَا قيلَ فِيهِ أنْ تكونَ الألفُ نائةً عَن إشباعِ فتحةِ الْوَاو فَوَقَعت ألفُ التَّأْنِيث بعْدهَا فقلبت همزَة مَسْأَلَة إِذا كَانَت لامُ فَعْلاء الممدودةِ واواً صحَّت فِي الصّفةِ نَحْو القَنْوَاء والعَشْوَاء وإنْ كَانَت اسْما قُلبتْ يَاء نَحْو العَلْياء اسْم مَوضِع وفعلوا ذلكَ لِلفَرْق أَيْضا فأخْرَجوا الصّفة على الأَصْل مثل خَزْيَا وغيَّروا فِي الِاسْم مثل تَقْوَى وَلَيْسَت العلياء تأنيثَ الْأَعْلَى لتكونَ صفة لأنَّ تأنيثَه عُلْيَا بالضمّ والقصْر الفُضلى والوُسْطَى وَلَو كَانَ صفة لَكَانَ عَلْوَاء مثل قَنْوَاء مَسْأَلَة ليسَ فِي الكلامِ مَا فاؤه ولامَه واوان إلاَّ قولُهم وَاوٌ وَهَذَا الحرفُ اخْتُلِفَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 الألفِ الَّتِي بينَهما فَقَالَ قومٌ أَصْلهَا وَوَو فَتكون الكلمةُ كلُّها من مكرّرِ الْوَاو كَمَا جَاءَ فِي بيّة وَفِي قَوْلهم هَذَا الشَّيْء بَبّانٌ فإنَّ الكلمةَ مركَّبةٌ من تكريرِ الْبَاء وحجَّةُ هَذَا القائلِ أنَّه وجدَ الألفَ فِي قولِكَ كَاف ودال وَنَحْوهمَا منقلبةٌ عَن وَاو لقَولهم كَوّفت كافاً ودوّلت دَالا وَهَذَا القياسُ فِي مِيم وجِيم إلاّ أنّ الواوَ قُلبت يَاء لسكونِها وانكسار مَا قبلهَا وَقَالَ آخَرُونَ أصلُ الْألف فِي الْوَاو ياءٌ فِرَارًا من تَجانس الثَّلاثة وَلَيْسَ كذلكَ فِي بَقِيَّة الْحُرُوف فإنّه لَا يَلْزَمُ مَنْ جَعل الْألف عَن واوٍ اتّحادُ الحَرْف وَقد جاءتِ الفاءُ واللامُ ياءين مثل يَدَيْتُ وَقد تقدّم ذِكْرُه وَقد جَاءَت الْعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 واللاّم ياءين على مَا ذَكَرْنا فِي حَيِيَ وَقد جاءتا واوين نَحْو قُوّة وحُوّة وَقد جَاءَت العينُ واواً واللامُ يَاء نَحْو طويت وشَوَيْتَ وَهُوَ الْأَكْثَر وَقد جَاءَت الفاءُ واواً واللامُ يَاء نَحْو وَقَيتُ وَوَفَيْتُ وَلم يأتِ مَا عينُه يَاء ولامُه واوٌ البتةَ إلاّ مَا قَالَه أَبُو عُثْمَان فِي الحَيَوان وَقد ذكرناهُ قبلُ مَسْأَلَة إِذا وَقعتِ الواوُ والياءُ طَرَفاً بعدَ ألفٍ زَائِدَة قُلبتا همزَة وَقد ذكرنَا علّة ذَلِك وكيفيَّتَه فِي بَاب الْإِبْدَال فإنْ وَقعت تاءُ التَّأنيثِ بعدَها فَمِنَ العربَ مَنْ يُبْقي الهمزةَ لِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أنَّه شبَّه ذَلِك بقائل وبائع لِمجاوَرَتِه الطّرَف والثَّاني أنّه أبْدَل قبلَ دُخول تَاء التَّأْنِيث ثُمَّ أدخلَ تَاء التَّأْنِيث بعد ذَلِك فَلم يُغيِّر وَمِنْهُم مَنْ يَجْعَلُها واواً أَو يَاء عَبَاية وشَقَاوَة لأنَّها لَيست الْآن طَرَفاً مَسْأَلَة الأصلُ فِي طاغوت طغيوت لأنّه من طَغى يطغى طُغْياناً ثمّ قُدِّمت الياءُ قبل الْعين وقُلبت ألفا لوجودِ شَرط الْقلب فوزنه الْآن فَلَعُوت مُحوّلٌ عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 فَعَلوت مثل ملكوت وقيلَ أصلُ الْألف واوٌ وهيَ لغةٌ فِي طغا وَلذَلِك تقولُ فِي الْجمع طَوَاغيت وعَلى القولِ الأوّل تكون الواوُ مبدلةً من الْألف لأنَّها فِي اللَّفْظ تشبه ألف فَاعل وأمّا طَالوت فوزنُه إِذا جُعِل عَرَبيا فَعَلوت من طَال يطول فَلَا قَلْبَ فِيهِ وأمّا جَالوت فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْن أَحدهمَا أنْ يكونَ من جالَ يَجُولُ فيكونُ وزنُه فَعَلُتاً فَعَلُوتا والثَّاني أنْ يكونَ من جَلا يَجْلُو فيكونُ مقلوباً ووزنُه فَلَعُوت مثل طاغُوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 بابُ مَا يُمْتَحَنُ فِيهِ من الْأَبْنِيَة اعْلَم أنّ التصريفيين ذَكَروا من هَذَا الفنِّ أَمْثِلَة كَثِيرَة قَصَدوا بهَا إثباتَ عِلمِ التَّصريف فِي الأذهان بالرِّياضة والعملِ وَذَلِكَ أدْعَى إِلَى ترسِّخ هَذَا الْعلم فِي الْقلب كَمَا أنّ الحاسبَ لَا يُحْكِمُ علمَ الْحساب إلاّ عَمِل وتَدَرَّب على الْعَمَل والأصلُ فِي ذَلِك أنَّك إِذا قلت ابْن مِنْ كَذَا مثلَ كَذَا مَعْنَاهُ أنْ تأخذَ الْحُرُوف الْأُصُول من الكلمةِ الْمَطْلُوب بِناؤها فتقابلَ بهَا الفاءَ والعينَ واللامَ ثمَّ تُغَيّرَ الكلمةَ الْمَذْكُورَة بالحركةِ أَو السّكون أَو الزيادةِ مَا تُماثِلُ بِهِ الكلمةَ المطلوبَ مماثَلَتُها وَمَا كَانَ فِيهَا من زِيادةٍ تَأتي بِهِ فِي المثالِ بِعَينهَا فصل وَلَا يُبْنى من الشّيء مِثْلُه من كلِّ وجْهٍ فَلَو قالَ ابنِ مِنْ غَزَا مثل ضَرَب لم يَجُزْ لأنَّ مثالَ غزا ضربَ فَهُوَ مبنيٌّ على مِثَاله قبل سُؤَاله ويجوزُ أَن يُبْنى من الثلاثيّ ثلاثياً يُخالِفُه فِي شيءٍ مَا ومِنَ الثُّلاثي رُباعياً وخُماسياً وتكرّر فِيهِ مَا تكرّر فِي الْمَطْلُوب مِثَاله وَلَا يُبْنى من رباعيّ وَلَا خماسيّ أقلُّ مِنْهُ لأنَّ ذَلِك نَقْضٌ لَا بِناء وَسَنذكر على ذَلِك أَمْثِلَة تكْشِفُ المقصودَ إنْ شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 مَسْأَلَة إِذا قيلَ ابنِ من ضَرَب مثل علِم أَو ظَرُف أَو كلَّم قلت ضَرِب وضَرُب وضَرّب فإنْ قَالَ ابنِ مِنْهُ مثل دَحْرَج قلت ضَرْبَبَ فكررت الباءَ لأنّها لامُ الْكَلِمَة كَمَا أنَّ دحرجَ مكرَّر اللاّم فإنْ بنيتَ مِنْهُ مثل دِرْهَم قلت ضِرْبَب فجعلتَ حركاتِ الْبناء وسَكَناته مثل حَركاتِ دِرْهَم وسكناته وإنْ بنيتَ مِنْهُ مثل سِبَطْر قلت ضِرَبّ وَمثل زبْرِج ضِرْبِ وَمثل جُخْدُب ضُرْبُب فأمّا جُخدَب بِفَتْح الدَّال فعلى الْخلاف يجوزُ عِنْد الْأَخْفَش أَن تَقول ضُرْبَبَ وَلَا وجودَ لهَذَا المثالِ عِنْد سِيبَوَيْهٍ وإنْ بنيتَ مِنْهُ مثل سَفَرْجَل قلت ضُرْبَبَ هَذَا تسوقُ بَقِيَّة الْأَمْثِلَة وَتقول فِي مِثَال جَوْهَر وصَيْرَف وحَاتم ضَرْوَب وضَيْرَب وضَارب وَهَكَذَا فِي جميعِ الزِّيادات تَأتي بهَا بعيِنها إلاّ أنْ يمنَع من ذَلِك مَانع مِثَاله إِذا قيل ابنِ من ضَرَبَ مثل عَنْسَل، لم تَقُلْ ضَنْرَب لأنَّ النُّونَ الساكنةَ تُدغم فِي الرَّاءِ لقربها مِنْهَا فِي الْمخْرج وَإِذا أدْغَمتَها لم يكن فصلٌ بَين مَا تُزاد فِيهِ النونُ وَبَين مَا تكررتْ فِيهِ الْعين وكذلكَ إنْ قَالَ ابنِ من عَلِم مثل عَنْسَل لأنّك لَو فعلتَ ذَلِك لَقلت عَلّم وإنْ أظهرتَ النُّونَ خالفتَ بَاب الْإِدْغَام وَكَذَلِكَ إنْ بنيت مِنْهُ مثل عمل لأنَّ النُّون الساكنة تُدْغَم فِي الْمِيم وَهَذَا يَتَّضِح كل الاتضاح فِي بَاب الْإِدْغَام وسنذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وإنِّما تقع الصّناعة فِيمَا بُنيَ من المعتلّ وَمَا يُشْبِهه وَعَلِيهِ أكثرُ الْمسَائِل مَسْأَلَة فِي الْهَمْز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 إِذا قيلَ ابنِ من قَرَأ مثل دَحْرَجَ أَو جَعْفَرَ قلت قَرْأا فقلبتَ الهمزةَ الثانيةَ ألفا لِثِقَل الْجمع بَين الهمزتين وَكَانَت الْألف أَوْلى لسكونِها وانفتاح مَا قبلهَا فَإِن بنيت مثل دِرْهَم أبدلت الْهمزَة أَيْضا إلاّ أَنَّك تكسر أَوله فإنْ بنيت مِنْهُ مثل زِبْرِج قلبتَ الثانيةَ ياءٌ لانكسار مَا قبلهَا فتصيرُ فِي الإعرابِ مثل قاضٍ وإنْ بنيتَ مثلَ بُرْثُن فقلبتَ الثانيةَ ياءٌ وَكسرت الْهمزَة الأولى لِتَصيرَ إِلَى مثل أدْلٍ وَلَو قيلَ تُبْدَلُ الثانيةُ واواً ثمّ تغيّرُ تَغْييرَ أدْلٍ لكانَ وَجها من أجلِ الضمّة الأولى فإنْ بنيتَ مِنْهُ مثلَ جِرْدَحْل صارَ معكَ ثلاثُ هَمْزات الأولى مفتوحةٌ والثانيةُ ساكنةٌ والثالثةُ طرفٌ فَتُدْغَمُ الساكِنةُ فِي الَّتِي بعدَها ثمَّ تغّيرُ ذلكَ لِاجْتِمَاع الهمزات بأنْ تقلِبَ الهمزةَ السَّاكنةَ ياءٌ لتحجُزَ بَين الهمزتين وتكسرَ الأولى تبعا للياءِ وَلَا تغيّر الأولى وَلَا الثَّانِيَة لأنّك أيُّهما غيَّرتَ بقيت همزتان لَا فاصلَ بَينهمَا وإنْ بنيتَ مثلَ سَفَرْجَل قلت قَرَأْيَأ فأبدلتَ الْوُسْطَى الْمَفْتُوحَة يَاء وَبقيت قبلَها همزةٌ سَاكِنة وَلم يغيّر غيرُها لِما تقدَّم فإنْ بنيتَ مِنْهُ مثل جَحْمَرِش قلت قَرْأَإء فأبدلتَ الثَّانيةَ يَاء ثمَّ قلبتَها ألفا لتحرّكها وانفتاحِ مَا قبلَها فإنْ بنيتَ مِنْهُ مثلَ جَحَنْفَل قلت قَرَأْيَأ فقلبتَ الثانيةَ يَاء ثمَّ ألِفاً لِمَا تقدَّمَ مَسْأَلَة إِذا بِنيتَ من قالَ وباعَ مثل كَتِف قلت قَالَ وبَاعَ فقلبتَهما ألفا لتحركهما وانفتاحِ مَا قبلَهما وإنْ جعلْتَهما على قولِ مَنْ سكّن التّاءَ من كَتْف قلبتَهما أَيْضا لأنَّ التَّغييرَ عارضٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 وإنْ بنيتَ مِنْهُمَا مثلَ جَعْفَر قلتَ قَوْلَل وبَيْعَع فَلم تغيّر وإنْ بنيتَ من غَزا ورَمَى مثلَ كتِف قلتَ غَزٍ ورَمٍ فقلبتَ الواوَ يَاء لانكسارِ مَا قبلَهما فصارَ مثل شَجٍ وعمٍ وَإِن بنيتَ مِنْهُمَا مثلَ دِرْهَم قلت غِزْوَا ورِمْيَا فقلبتَ الثَّانِيَة ألفا لتحركها وانفتاحِ مَا قبلَها وَلم تغيّر الأولى لسكونِ مَا قبلهمَا ومثلُه إنْ بنيت مِنْهُمَا مثلَ جَعْفَر فإنْ بنيتَ مِنْهُمَا مثلَ سَفَرْجَل قلبتَ الْأَخِيرَة ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَلم تغيّر الأولى وَلَا الثَّانية للتحصُّنِ بِالْإِدْغَامِ فَتَقول غزوّا فإنْ بنيتَ مثل جَحْمَرِش فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا: غَزْوَو فقلبتَ الثَّالِثَة يَاء لكونِها طَرَفاً بعد كسرةٍ وَالثَّانِي غَزْوَاوٌ فتقلبُ الوُسْطى ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَلم تغير الأولى لسكونِ مَا قبلَها وَمَا بعدَها وإلاّ تجمعُ بينَ إعلالين وكلٌّ من هَذِه علّةٌ مُسْتَقِلّة فَكيف إِذا اجْتمعت وَلم تُغيّر الاخيرةُ لِأَن قبلَها ألفا أَصْلِيَّة فَلَيْسَتْ مثلَ كِسَاء ورِدَاء مَسْأَلَة إِذا بنيتَ من غَزَا وعَفَا مثل صَمَحْمَح قلت غَزَوْزَى وعَفَوْفَى فكرّرت الْعين وَاللَّام وقلبتَ الواوَ الأخيرةَ الْفَا لتحرّكها وانفتاح مَا قبلهَا فإنْ بنيتَ من غزا مثل عَنْكَبُوت قلت غَزْوَوُوت على الأَصْل ثمَّ تقلبُ الواوَ الْوُسْطَى المضمومةَ يَاء وتحذفُها لِئَلَّا تَجْتَمِع ثلاثُ واوات ومثلُ ذلكَ لَو بنيتَ مثلَه من رميت لَقلت رَمَيُوت فحذفت الْيَاء الثَّانِيَة لِئَلَّا تجتمعَ ياءان بعدهمَا وَاو وَإِن شئتَ حذفتَ واوَ غزْوَوُوت من غير قلبٍ وَهُوَ أوْجَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 مَسْأَلَة فإنْ بنيتَ من أَوَى مثل عَنْكَبوت كَانَ فِي الأَصْل أَوْيَيُوت فتكرّر الياءُ وَقد اجتمعتِ الواوُ والياءُ وسبقتِ الاولى بالسّكون فتقْلبُها يَاء وتُدْغِمُها فِي الْيَاء الْأُخْرَى فَتَصِير أَيَّيُوت ثمَّ تحذفُ الياءَ الأخيرةَ لِئَلَّا تجتمعَ ثلاثُ ياءات فبقيَ أيّوت فإنْ بنيتَ مثلَه من وأى كَانَ الأَصْل وأْيَيُوت فتحذفُ الْيَاء الثانيةَ فَيبقى وأيُوتا فَإِن بنيتَ مثلَه من آءة وَهِي شجرةٌ فالأصلُ أَن تقولَ أوءؤوت بهمزتين بعدَ الواوِ الأولى فتقلِبُ الهمزةَ الآخرةَ يَاء ثمّ تحذفها فيبقَى أوْءَوْت مَسْأَلَة فإنْ بنيتَ من حَيِيَ مثلَ عُصْفُور قلت حُيويّ على لفظ النّسَب والاصل حُيَّوي بثلاثِ ياءات فأدْغَمْت الأولى فِي الثانيةِ لسُكونها واجتمعتِ الواوُ والياءُ الأخيرةُ وشرطُ القلْبٍ فِيهَا موجودٌ فصارَ اللَّفْظ بهَا حُيّيّا بياءين مشدّدتين فقلبتَ الثانيةَ واواً فَصَارَ حُيُوِيّاً مثل أمُوِيّ فإنْ بنيتَ مثلَها من وأى فالأصلُ أنْ تقولَ وُيْؤوي فلامُ الْكَلِمَة ياءٌ فتجتمع الْوَاو والياءُ وَالْأولَى ساكنةٌ فتصيرُ إِلَى الْيَاء الْمُشَدّدَة والياءُ الأولى خفيفةٌ مَضْمُومَة فَيصير وُيْؤيٌّ فَإِن بنيتَ مثلَها من أوَى قلتَ أُيَّيّ ثمَّ تصيرُ إِلَى لَفْظِ النسبِ فَتَقول أُيويٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 435 - بَاب مَا يُعرف بِهِ المَقْصور من الْمَمْدُود قد ذكرنَا فِي أوّلِ الْكتاب أنَّ المقصورَ لَا يكونُ إِلَّا فِي المعرب فإنْ سُمِّي شَيْء من المبنياتِ مَقْصُورا أَو ممدوداً فعلى التجوّز لوُجُود مدِّ الصَّوْت فِيهِ أَو قصره وَاعْلَم أنّ كثيرا من الْمَمْدُود والمقصور لَا يُعرف إلاّ سَمَاعاً والمرجعُ فِي ذَلِك إِلَى كُتب اللُّغَة وَإِنَّمَا يذكر فِي هَذَا الْبَاب مَا يعرف بِهِ الْمَقْصُور والممدود من المقاييس وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن تُحْمَلَ الْكَلِمَة الَّتِي تشكّ فِي قصرهَا أَو مدِّها على نظيرها من الصَّحِيح فَإِن كَانَ قبل الْحَرْف الصَّحِيح الْمُقَابل لِأَلف الْكَلِمَة الَّتِي يشكّ فِيهَا ألفٌ فَهِيَ ممدودة وَإِلَّا فَهِيَ مَقْصُورَة إلاّ أَن يردّ السّماع بذلك وَإِن لم يجز أَن تكون قبله ألف فَهُوَ مَقْصُور الْبَتَّةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 أمثلةُ مَا يعرف بِهِ الْمَقْصُور وَهِي أَرْبَعَة الأوّل الْمصدر وَشَرطه أَن يكون فِعْلُه على فَعِل يفْعَل فَهُوَ أفعل أَو فَعِل أَو فعلان فالأوّل الْعشي والعمى لأنَّ فعلَهما عَشِيَ وعَمِي يعشى ويعمى فَهُوَ أعشى وأعمى وَالثَّانِي الصَّدَى والطَّوى لأنَّ فعلهمَا صَدِي وطَوِي يصْدَى ويَطْوى فَهُوَ صديان وطيّان وَالثَّالِث الهَوَى والرَّدَى لأنَّ فعلَهما هَوِيَ ورَدِيَ يهوى ويَرْدَى فَهُوَ هَوٍ ورَدٍ ونظيرُ ذَلِك كلّه من الصَّحِيح قَرِع يَقْرَعُ قَرَعاً فَهُوَ أَقرع وعطش يعْطَش عطشاً فَهُوَ عطشان ونصِب ينصَب نصبا فَهُوَ نصب وَمن شُروط المصدرِ المقصورِ أَيْضا أنْ يكونَ على مَفْعَل بِفَتْح الْمِيم ثُلاثياً كَانَ أَو أَكثر نَحْو المَسْرى والمَدْعى لأنَّ نظيرَهُ من الصَّحيح المضرب والمقتل وَمن الزَّائِد أعْطى مُعطى واستدعى مُسْتَدْعَى وَنَظِيره من الصَّحِيح أخرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 مُخْرَجاً واستكرمَ مُستكْرَماً ولفظُ هَذَا الْمصدر على لَفْظِ اسمِ الْمَفْعُول وَمن شُرُوطه أنَّ كلَّ مصدرٍ كانَ على فِعّيْلى فَهُوَ مَقْصور نَحْو الخِلِّيفى والخِطِّيبى وَأما أَي الْخلَافَة والخَطابة وأمَّا الخِصّيصى فمقصورة وَحكى الْكسَائي فِيهَا المدّ وَهُوَ بعيدٌ وَالله أعلم فصل وَالْقسم الثَّانِي من أَقسَام المقصورِ اسمُ الْمَفْعُول وَهُوَ كلُّ معتلِّ اللَّام زَائِد على ثَلَاثَة أحرف فاسم الْمَفْعُول مِنْهُ مَقْصُور نَحْو أُعْطي فَهُوَ مُعطىً وحُلّي هُوَ مُحلّىً وعُوفي فَهُوَ معافىً واستُدعي فَهُوَ مُستدعىً واشتُري فَهُوَ مُشترىً لأنّ نَظَائِر هَذِه المصادر من الصَّحِيح لَيْسَ قبل آخِره ألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 فصل وأمّا القسمُ الثّالثُ فمما جاءَ من الجموع مَقْصُورا أمّا مَا كَانَ من الْمُفْردَات على فُعْلَة مثل عُرْوة أَو على فِعْلَة مثل لِحْيَة وكِسْوَة فجمعُه مقصورٌ نَحْو عُرَىً ولِحىً وكُسَىً وَمن الجموع المقصورةِ مَا كانَ واحدُه على فَعِيل أَو فَاعل أَو فَعِل أَو أفْعَل مَا كَانَ آفَة أَو علّة نَحْو جريح وجرحى ومريض ومرضى وأسير وَأسرى وهالِك وهَلْكى ومائق ومَوْقَى وزَمِنٌ وزَمْنى ووجِع ووَجْعَى وأحمق وحَمْقى وأنْوَك ونَوْكَى نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا فصل وأمّا الْقسم الرَّابِع فمما جَاءَ من نَحْو القَهْقَرى والْجَمزي والبَشَكى والْخَوْزَلى وَهَذَا أَكثر مَا يكون فِيمَا كَانَت حروفُه الصحيحةُ كلّها متحركةً لأنّه جاءَ فِي المصادرِ على نَحْو مَجِيء النَّزَوَان والغَلَيان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 فصل وأمّا الممدودُ المعروفُ من جِهَةِ الْقيَاس اعْلَم أنَّ الممدودَ كلُّ اسمٍ آخرُه همزةٌ قَبْلَها ألفٌ وَهَذِه الهمزةُ على أربعةِ أوْجه أَحدهَا أنْ تكونَ أصلا نَحْو قُرّاء ووُضّاء لأنّه من قَرَأ ووَضُؤ والثّاني أَن تكونَ مُبْدَلةً من أصل نَحْو كسَاء ورداء لأنّه من الكِسوة والرَّدية والثّالثُ أنْ تكونَ بَدَلاً من مُلْحَق نَحْو حِرْباء وعِلْباء هُوَ مُلْحق بِسِرْداح وسِرْبال والرّابع أنْ تكونَ للتأنيثِ نَحْو حَمْرَاء وصحراء والممدود من هَذَا الْبَاب على أَرْبَعَة أَقسَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 أَحدهَا فِي المصادرِ وَهُوَ كلُّ مصدرٍ ماضيه أربعةُ أحرفٍ على أفعل معتلّ اللَّام فَهُوَ ممدودٌ نَحْو أعْطى إِعْطَاء وأغنى إغناءً لأنَّ نَظِيره من الصَّحِيح أحسن إحساناً وَأكْرم إِكْرَاما فقبْل آخرِه ألفٌ زائدةٌ وَمن المصادر الممدودةِ مَا كَانَ فِعْلُه على أكثرَ من أربعةِ أحرفٍ وَفِي أوّله همزةُ وصْلٍ وَمن معتلِّ اللاّم نَحْو اعتلَى اعْتِلاءً وارعوى ارْعِواءً وانْشَوى اللحمُ انشواءً واستدعَى استدعاءً واحْرَنْبى الديكُ احرنباءً واقلولي اقْلِيلاءٌ وَكَذَلِكَ الْبَاقِي لأنَّ نظيرَها من الصَّحِيح قبل آخِره ألفٌ نَحْو الانطلاق والاحمرار وَمَا أشبههَا وَمن المصادر الممدودة مَا كانَ فِعْلُه المعتلُّ اللَّام على فَاعل نَحْو رامى رِماءً وَوالى وِلاءً لأنّ نظيرَهما من الصَّحِيح قاتَلِ قِتالاً ومِنَ المصادرِ الممدودةِ مَا كانَ صَوْتاً مُعْتَلًّا على فُعال نَحْو الدُّعاء والثُّغاء والعُواء لأنَّ نظيرَها من الصحيحِ الصُّراخ والنُّباح وعَلى فِعال النِّداء والنِّزَاء فأمَّا البُكَاءُ فَهُوَ صوتٌ وَقد جاءَ فِيهِ المدُّ والقَصْرُ ومِنَ المصادرِ الممدودةِ مَا كانَ على تَفْعَال نَحْو التَّقضاء والتَّشْراء لأنّه نظيرُ التّكْرَار والتِّسْيار فصل والقسمُ الثَّانِي من الْمَمْدُود مَا يستدلُّ عَلَيْهِ بِالْجمعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 كلّ جمع على أفعلة من المعتلّ اللَّام فواحده مَمْدُود نَحْو هَوَاء وأهوية وخِبَاء وأخْبِيَة لأنّ نظيرَهما من الصَّحِيح قبل آخِره ألف نَحْو حمَار وأحْمِرَة وقَذال وأقْذِلة فَأَما أندية فِي جمع ندىً فَالْوَجْه فِيهِ أَنه جمع ندىً على نِدَاء مثل جَبَل وجبال ثمَّ جُمع الْجمع على أفْعِلة وَمن الجموعِ الممدودةِ مَا كانَ على فِعال وأفْعَال نَحْو ظَبْي وظِبَاء واسمٍ وَأَسْمَاء وحيٍّ وأحْياء لأنّ نظيرَها من الصَّحِيح أجْمَال وأكْبَاد وأحْمَال وَمن الجموعِ الممدودةِ كلُّ مَا كانَ واحدُه على فَعِيل مضاعفاً أَو مُعْتَلًّا فَجَمعه على أفْعِلاء وهمزتُه للتأنيثِ نَحْو شَديد وأشدّاء وغنيّ وأغنياء وصفيّ واصْفياء ونبيّ وأنبياء وَمن الجموعِ الممدودةِ مَا كانَ على فُعَلاء نَحْو عُلَماء وظُرَفاء فَهَذَا مختصّ بِمَا كَانَ واحدُه مذكراً نَحْو فعيل غير مضاعف وَلَا معتلّ نَحْو عليم وظريف وَقد جَاءَ مِنْهُ فِي الْمُؤَنَّث حرفان قَالُوا امْرَأَة سَفِيهَة وسُفهاء وفقيرة وفُقراء فأمّا خَليفَة فقد يجمع على خُلفاء وَهُوَ للمذكر وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أنّه لما اختصّ بالمذكَّر كَانَ بِمَنْزِلَة مَا لَا تَاء فِيهِ والثّاني أنّه يجمع على خليف ثمَّ يُقَال خُلفاء فعلى هَذَا هُوَ من الْبَاب وأمّا خَلائف فَجمع خَليفَة أَيْضا وَهُوَ الْقيَاس نَحْو كَرِيمَة وكرائم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 فصل والقسمُ الثّالثُ من الصّفات كلّ مؤنث مذكّره أفعل لَا تلْزمهُ الألفُ واللامُ وَلَا تدخل عَلَيْهَا تَاء التَّأْنِيث وَلَا هُوَ بِمَعْنى أفعل من كَذَا فَهُوَ مَمْدُود نَحْو أَحْمَر وحمراء وأصفر وصفراء فصل والقسمُ الرّابعُ من الْأَسْمَاء الْخَارِجَة عمّا ذكرنَا نَحْو صحراء وخُنفساء وَمَا أشبه ذَلِك كلّها ممدودة وأمّا مَا يدْرك بالسّماع فَمَا عدا مَا ذكرنَا وَالله أعلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 بَاب الْهَمْز اعْلَم أنَّ الهمزةَ نبرةٌ تخرجُ من أقْصَى الحلقِ يشبه صوتُها التهوّعَ وَمن هُنَا شَقَّ النطقُ بهَا والنطقُ بحروف الحلْقِ أخفّ من النُّطْقِ بهَا واشقُّ من النُّطْق بحروف الْفَم والشفتين وَلِهَذَا السَّبَب جوّزت العربُ فِي الْهمزَة ضُروباً من التخفيفِ وَهُوَ التخفيفُ القياسيّ والإبدالُ على غير قِيَاس والحذفُ وَاعْلَم أنَّ الهمزةَ حرفٌ صحيحٌ يَثْبُتُ فِي الْجَزْم نَحْو لم يُخطئ وَلم يقْرَأ فصل وَلَا تَخْلُو الهمزةُ من أَن تكونَ مُفْردَة أَو تلقاها همزةٌ أُخْرَى فَإِن كَانَت مُفْردَة أَولا جازَ تخفيفُها وَقد أُبدلت فِي مَوَاضِع ذَكرنَاهَا فِي بَاب الْإِبْدَال فأمّا جعلُها وَهِي أوّل بينَ بينَ فَلَا يجوز لِأَن ذَلِك تقريبٌ لَهَا من الْألف وَالْألف لَا يُبْتَدأ بهَا فصل فإنْ وقعتْ حَشْواً سَاكِنة جازَ تخفيفُها على الأصلِ وتخفيفُها بِأَن تُبْدَل حرفا مجانساً لحركة مَا قبلهَا فتبدل بعد الفتحة ألفا نَحْو راسٍ وباس وَبعد الكسرة ياءٌ نَحْو الذِّيب والبير وَبعد الضمّة واواً نَحْو بُوس وموس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 فصل فِي الْهمزَة المتحركة وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن يسكّن مَا قبلَها والثَّاني أنْ يتحركَ وَالْأول على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن يكونَ الساكنُ قبلَها حرفَ مدٍّ وَمَا جرى مجْرَاه والثَّاني غير حرف مدّ فحرف المدّ الواوُ الزَّائِدَة المضموم مَا قبلهَا وَالْيَاء الزائدةُ المكسورُ مَا قبلهَا والهمزة بعدهمَا يجوزُ تخفيفها وتخفيفهما وبأنْ تبدلَ واواً بعد الواوِ لِأَنَّهَا تجانس مَا قبلهَا وَمَا قبل قبلهَا وَهُوَ الضمّة نَحْو مقروءةٍ وقُروء وتقولُ فيهمَا مقروّة وقروٍّ وَإِن وقعتِ بعد الْيَاء قلبْتَها ياءٌ للعلّة المتقدِّمة تَقول فِي نَحْو خَطِيئَة خطيّة وَفِي النسيء نسيّ وَمَا جرى مَجرى حرفِ المدِّ يَاء التصغير لأنّها زائدةٌ لَا تتحرك وَهِي نظيرُ ألف التكسير تَقول فِي تَصْغِير أفْؤس جمع فاس أُفَيِّسْ فصل فإنْ وقعتِ الهمزةُ المتحرّكةُ بعد الْألف جازَ تخفيفُهاوتخفيفها هُوَ أَن تجْعَل بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 بَين وَمعنى ذَلِك أنَّها تُليّن فَتُجْعَل بَين الهمزةِ والحرف الَّذِي مِنْهُ حركتُها فتُجعلُ المكسورةُ بَين الْيَاء والهمزة والمفتوحةُ بَين الْألف والهمزةِ والمضمومةِ بَين الواوِ والهمزة وَهِي فِي كلِّ ذَلِك متحرِّكة تؤذنِ بالمتحرك ومثالُ أَن تقولَ فِي مسَائِل مسايل وَفِي هَبَاءة هَبَايَة وَفِي جَزَاؤُهُ جزاوه وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ لَا تجْعَل الهمزةَ بينَ بينَ إِلَّا فِي مَوضِع يقعُ موقِعَها السَّاكِن لِئَلَّا يُفضى إِلَى الْجمع بَين الساكنين والألفُ يصحّ أَن يَقع السَّاكِن بعْدهَا نَحْو شابّة ودابّة فصل فإنْ كَانَ قبلَ الهمزةِ المتحركةِ حرفٌ سَاكن ليسَ من حُرُوف المدّ فتخفيفها أَن تُنقلَ حركتُها إِلَى السَّاكِن ويُحذف كَقَوْلِك فِي الْمُتَّصِل مَرَة فِي مرأة وسل فِي اسْأَل وَفِي الْمُنْفَصِل كم بِلُك وَمن مّك ومنَ بُوك فتحذف الْهمزَة فِي هَذَا كلّه وتحرّك السَّاكِن بحركتها وَكَذَلِكَ تفعلُ فِي لامِ الْمعرفَة نَحْو النُّثى والحَمر والايْمان وَمن العربِ مَنْ إِذا حذفَ الهمزةَ وحرِّك لامَ الْمعرفَة حذفَ همزةَ الوصلِ قبلهَا لاستغنائه عَنْهَا بحركتها فَيَقُول لَحْمَرٌ ولنثى ولْيمان يَجْعَل العارضَ كاللازم لأنَّه مَنْقُول عَن لَازم وَتقول فِي قَوْله تَعَالَى {يخرج الخبء فِي السَّماواتِ} يخرج الخَبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 فتحذف الْهمزَة وَمن الْعَرَب مَنْ قالَ فِي تَخْفيف امْرَأة وكمأة مراة وكماة مثل قَنَاة وَالْوَجْه فِيهِ أنّه خفَّف الهمزةَ بِنَقْلِ حركتها إِلَى مَا قبلهَا فَصَارَ مَا قبلهَا مَفْتُوحًا وَبعده همزَة سَاكِنة فقلبها ألفا كَمَا يفعل فِي راس وَهُوَ قَلِيل فِي اللُّغَة فصل وَمِمَّا خفَّفوه بالحذف وَالْإِلْقَاء مضارع رأى فَقَالُوا يرى وَالْأَصْل يرأى فَفَعَلُوا بِهِ مَا ذكرنَا فعلى هَذَا تَقول فِي الْأَمر رَ يَا زيدٌ فَلَا تُدخلُ همزةٌ الوصْل لتحرّك الأوّل وَفِي المؤنَّث ريْ وَفِي التَّثْنِيَة رَيَا وَفِي الْجمع رَوْا فصل فإنْ كانَ قبلَ الهمزةِ المتحركة حرفٌ متحركٌ فتخفيفُها يختلفُ بحسبِ اخْتِلَاف حركَتِها وحركة مَا قبلهَا فإنْ كَانَت مَفْتُوحَة قبلهَا فتحةٌ فتخفيفها أنْ تُجْعَل بينَ بينَ كَقَوْلِك فِي سألَ سالَ وَإِن كانَ قبلَ الْمَفْتُوحَة ضمةً أَو كسرةً لم تُجْعَل بينَ بينَ لأنَّ جَعْلَها كَذَلِك مُقَرِّبٍ لَهَا من الْألف والألفُ لَا تقعُ بعد ضمّةٍ وَلَا كسرةٍ ولكنْ تُبْدِلها واواً بعد الضمّ وياءً بعد الكسرة كَقَوْلِك فِي تَؤدَة تُوَدَة وَفِي مئر مير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 فصل فَإِن انضمَّتْ وقبلَها ضمّةً أَو فَتْحة جُعلت بَين الهمزةِ وَالْوَاو نَحْو قَامَ غلامُ أختك وَرَأَيْت غلامَ أختك وَإِن كَانَ قبل المضمومة كسرةٌ جُعلت بَين الْيَاء والهمزة كَقَوْلِك من عندِ أختك وَمِنْه يستهزئون ويسهزيون وَإِن وَقعت مَكْسُورَة بعد ضمّة نَحْو سُيل وَمن عِنْد إبلك جعلت بَين بَين أَيْضا وَهَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه وَقَالَ الْأَخْفَش لَا يجوزُ تخفيفُها فِي الْمَوْضِعَيْنِ لأنَّ وقوعَ الْوَاو الساكنة بعد كسرةٍ وَالْيَاء الساكنة بعد ضمّةٍ متعذِّر فَهُوَ كتخفيفِ المفتوحةِ بعد الضمّةِ والكسرةِ وَذَلِكَ مُحال وَوقوعُ الواوِ بعد الكسرة وَالْيَاء بعد الضمّة مُمكِنٌ ولكنّه شاقّ والحاصِلُ أنَّ الهمزةَ المتحركةَ المتحركُ مَا قبلَها إمّا أنْ تتَّفقَ حركتاهما فيقعَ مِنْهُمَا ثَلَاثَة أضْرب ضمتان وفتحتان وكَسْرتان وإمّا أنْ يختلفا فيقعَ مِنْهُمَا سِتّةُ أضْرب ضمّة بعد فَتْحة وكسرة وكسرة بعد فَتْحة وفَتْحة بعد ضمّة وكسرة وكسرة بعد ضَمة وفتحة والمختَلفُ فِيهَا ضمّةً بعد كَسْرة وكسرةٌ بعد ضمّة فالأخفش يُبْدِلُ الهمزةَ فيهمَا يَاء بعد الكسرة واواً بعد الضمّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 فصل فِي اجْتِمَاع الهمزتين فِي كلمةٍ وَاحِدَة قد ذكرنَا فِي بَاب البَدَل أنّ الهمزتين إِذا اجتمعتا وسُكّنت الثانيةُ أُبدلت من جِنْس مَا قبلهَا فتبدل بعد الفتحة ألفا نَحْو آدم وآمن وَبعد الكسرة يَاء نَحْو إِيمَان وإيلاف وإيذَن لي وإيتني وَبعد الضمّة واواً نَحْو اوتمن اومرني فأمّا الهمزةُ فِي جَائي فاعِل من جاءَ فهما هَمْزَتان الأولى مبدلةٌ من عين الكلمةِ وَهِي ياءٌ فِي الأصْلِ هُمزت لمّا وقعتْ فِي فاعِل والثانيةُ لامُها أُبْدِلت يَاء للكسرة قبلَها فَصَارَ من المنقوص وَلَو بَنَيْتَ من جَاءَ مثل جَعْفَر قلت جَيْأَاْ فأبدلت الثَّانِيَة ألفا وَقد ذكر فصل فَإِن التقتْ الهمزتانِ من كَلِمَتَيْنِ مُنْفَصِلتين فهما تجيئانِ مُتَّفقتين أَو مختلفتين فالمتفقتان ثلاثٌ مَضْمومتان كَقَوْلِه تَعَالَى {أَوْلِيَاء أُولَئِكَ} فبعض الْعَرَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 يحققها وَهُوَ قليلٌ وَمِنْهُم مَنْ يحذفُ الأولى ويُحقِّقُ الثَّانِيَة وَمِنْهُم مَنْ يعْكِسُ ذَلِك وَمِنْهُم مَنْ يحقِّقُ الأولى وَيجْعَل الثانيةَ واواً والمفتوحتان كَقَوْلِه تَعَالَى {جاءَ أشراطُها} وَفِيه الْمذَاهب المذكورةُ إِلَّا أنّ مَنْ خفّفَ الثَّانِيَة وحقّق الأولى جعل الثَّانِيَة الْفَا والمكسورتان كَقَوْلِه تَعَالَى {هَؤلاءِ إنْ كُنْتُم صَادِقين} وَفِيه المذاهبُ الْمَذْكُورَة إلاّ أنّ الثَّانيةَ تصيرُ يَاء من أجلِ الكسرةِ قبلَها وَمِنْهُم مَنْ يجعلُها يَاء سَاكِنة وأمّا المختلفتان فعلى سِتَّة أضْرب 1 - مَضْمُومَة بعد مفتوحةٍ كَقَوْلِه {جاءَ أُمّةً رسُولها} فَمنهمْ مَنْ يحقّقُ الأولى وَيجْعَل الثانيةَ واواً لانضمامها وَمِنْهُم من يَجْعَل الأولى بينَ بينَ والثانيةَ واواً وَمِنْهُم مَنْ يحقِّقُهما 2 - وَبعد مَكْسُورَة كَقَوْلِك من خباءٍ أُختك 3 - ومفتوحة بعد مَضْمُومَة كَقَوْلِه تَعَالَى {السفهاءُ أَلا} ففيهما التحقيقُ وقلبُ الثَّانِيَة واواً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 4 - ومفتوحة بعد مَكْسُورَة كَقَوْلِه {النِّسَاء أوْ أكْنَنْتُمْ} ففيهما التَّحْقِيق وقلب الثَّانِيَة يَاء. 5 - ومكسورة بعد مَضْمُومَة كَقَوْلِه {يشاءُ إِلَى} فيهمَا التَّحْقِيق وَجعل الثَّانِيَة واواً 6 - ومكسورة بعد مَفْتُوحَة كَقَوْلِه {شُهَدَاء إِذْ} ففيهما التحقيقُ، وَتجْعَل الثَّانِيَة يَاء. وَالله أعلم. مَسْأَلَة فِي قَوْله تَعَالَى {قَالُوا الْآن} فَفِيهَا أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا حذفُ الواوِ والوقفُ على اللاّم وَقْفَة يسيرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 والثّاني: كَذَلِك إلاّ أنّه من غَيْر وقْف والثّال كَذَلِك إلاّ أنّه من غير هَمْزٍ مَعَ فتحِ لَام الْمعرفَة وَالرَّابِع كَذَلِك إلاّ أنّه بإثباتِ الْوَاو فِي اللَّفْظ مَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى {عاداً الأولى} فِيهَا أوجه أَحدهَا إثباتُ التَّنْوِين وَكسرهَا وَسُكُون لَام الْمعرفَة وهمز مَا بعْدهَا من غير وقف وبِوَقْف بإلقاء حَرَكَة الْهمزَة على اللَّام وضمّ اللَّام وبإدغام التَّنْوِين مَعَ ضمِّ اللَّام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 بَاب الإمالة الإمالة إِلَى الشَّيْء التقريبُ مِنْهُ وَهِي فِي هَذَا الْبَاب تقريب الْألف من الْيَاء والفتحة قبلهَا من الكسرة وَالْغَرَض من ذَلِك تجانس الصوتين لسَبَب وللإمالة أَسبَاب وموانع فأسبابها سِتَّة الْيَاء والكسرة والانقلاب وَمَا فِي حكمه وَكَون الْحَرْف ينكسر فِي حَال والإمالة للإمالة السَّبب الأول الْيَاء الكائنة قبل الْألف بحرفٍ أَو حرفين نَحْو شَيبَان وغيلان وشيال فَأهل الْحجاز لَا يميلون وَتَمِيم تُميل الْألف فِي هَذَا كلّه ليقرب من صَوت الْيَاء السَّبب الثَّانِي الكسرةُ وَقد تكون بعد الْألف نَحْو عَائِد وَقد تكون قبلهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 وَبَينهمَا حاجز نَحْو جبال وحبال وَقد يكون بَينهمَا حرفان وَمن شَرطه أَن يكون مَا بعد الكسرة سَاكِنا نَحْو سِرْبال وجِلْباب فَإِن كَانَ ذَلِك مَفْتُوحًا أَو مضموماً فَلَا إمالة وَقد يشبّه الْمُنْفَصِل بالمتَّصل كَقَوْلِك للرجل من مالهِ السَّببُ الثَّالث كونُ الألفِ منقلبةٌ عَن ياءٍ وَذَلِكَ قولُك فِي رمي رَمِي وَفِي بَاعَ بِاع فإنْ كَانَت الْألف رَابِعَة فَصَاعِدا أُمِليت من أيّ أصلٍ كَانَت كَقَوْلِك فِي مَرْمَى مَرْمِى وَفِي مغزى مَغْزِى وَفِي تُدعى وتدعى وَهَذَا حُكْمٌ ألفِ التَّأنيث نَحْو حُبْلَى وبُشْرى السَّببُ الرّابع مَا شُبِّه بالمنْقَلب عَن الْيَاء وَذَلِكَ نَحْو غزا ودَعا فإنَّه يُمالُ لأنَّ الياءَ تقع هُنَا كثيرا ولأنَّ هَذِه الألفَ تصيرُ إِلَى الْيَاء إِذا جاوزتْ ثلاثةَ أحرف نَحْو يُدْعى ومُستدعى السَّببُ الخامسُ كَسْرُ مَا قبل الْألف فِي بعض الْأَحْوَال وَذَلِكَ فِي الْفِعْل خاصّةً نَحْو خافَ وطابَ وَجَاء لأنَّك تقولُ خِفْت وَمَا أشبههَا فأمَّا فِي الْأَسْمَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 فَلَا يجوزُ نَحْو بَاب وَدَار وَقد أمال بَعضهم فلانٌ مِاش فِي الوقفِ وَهُوَ قَلِيل السَّببُ السَّادس الإِمالةُ كَقَوْلِك رأيتُ عماداً وكتبتُ كِتاباً فتُميلُ ألفَ التَّنوين من أجلِ الإمالة الأولى فإنْ قلتَ زيدٌ يَضْرِبها لم تُمِل الألفَ لأنَّ بَينهَا وَبَين كسرة الرَّاء حاجزين قويين وهما الضمَّةُ والهاءُ فإنْ كَانَت الباءُ مَفْتُوحَة نَحْو يريدُ أنْ يضرِبها فأكثَرُهم لَا يُميلُ وَمِنْهُم مَنْ أمالَ لضعْفِ الحاجز لأنَّ الفتحةَ خفيفةٌ والياءَ خفيّة وَمِنْهُم مَنْ يَقُول على هَذَا رَأَيْت يدِها وَهُوَ بَيْننَا وَفينَا وعلينِا فيُميل من أجل الْيَاء فصل فِي موانعِ الإمالة وَهِي حروفُ الاستعلاء والرّاء فحروف الاستعلاء سبعةٌ وَهِي الخَاء والغَين والقَافُ والصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء وَهَذِه إِذا وَقعت قبل الْألف سَوَاء أَو بعدَها بحرفٍ أَو أَكثر منعت الإمالة والعلّةُ فِي ذَلِك أنَّ الحرفَ المستعلي يُنحَى بِهِ إِلَى أعْلى الْفَم والإمالةُ تَحْرِفُ الحرفَ إِلَى مَخْرَجِ الْيَاء وَهِي من اسفل الْفَم والصّعود بعد التسفُّل شاقّ فَلذَلِك مُنِع وَهَذَا نَحْو قَاعِد وغَالِب وَنَحْو نَافِخ ونَاشِط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 وَهَذَا مذهبُ كلّ الْعَرَب إلاّ مَا حُكي عَن بَعضهم إمالة مَنَاشيط وَذَلِكَ لِبُعْد الطَّاء من الْألف وَكَون الْيَاء مَعهَا فصل فَإِن كَانَ حرفُ الاستعلاء قبلَ الْحَرْف الَّذِي يَلِيهِ الألفُ مكسوراً جَازَت الإمالةُ نَحْو خِفاف وقِباب وضِراب وَنَحْو ذَلِك لأنَّ الصوتَ أخذَ فِي التسفُّل والتحدّرِ فاستمرَّ فس المُسْتَعْلي إِلَى أَن بلغ الْألف على التسفُّل وَذَلِكَ سَهْلٌ وَكَذَا إِن كَانَ بَينهمَا حرفان نَحْو مِصْبَاح ومِقْلات وَمِنْهُم مَنْ لَا يُميل هُنَا لأنَّ حرف الاستعلاء سَاكن والكسرةُ فِي غَيره فإنْ كانَ حرفُ الاستعلاء هُنَا مَفْتُوحًا أَو مضموماً لم تجِز الإمالةُ لأنَّ الصوتَ لم يكنْ متسفِّلاً حَتَّى يجانسَ مَا بعده فصل فإنْ كانَ حرفُ الاستعلاء مَعَ الْألف المبدَلة الَّتِي يجوزُ إمالتها مَعَ غير المستعلي جازَت مَعَ المُسْتعلي نَحْو سقَى وأعطَى ومعطَى وَخَافَ ويشفى وَمَا أشبه ذَلِك لأنَّ سَبَب الإمالة قويّ فغلب المستعلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 فصل وَإِذا كَانَ الحرفُ بعد الْألف مشدّداً لم يُمَلْ نَحْو مادّ وجادّ إِذْ لَا كسرةَ تليه والحرفُ الأوَّل من المشدَّدِ سكّن فِرَارًا من الْحَرَكَة مَعَ المثلين فأوْلَى أنْ يُهربَ من الإمالةِ مَعَه وَقد أماله قومٌ فِي الجرِّ وَهُوَ قَلِيل فصل فأمَّا الرَّاء فتمنع الإمالةَ إِذا كَانَت مَفْتُوحَة أَو مَضْمُومَة وانفردت نَحْو هَذَا سِراجٌ وفِرَاشٌ وَرَأَيْت حمارا فَإِن كَانَت مَكْسُورَة جَازَت الإمالة وَإِنَّمَا منعت الرَّاء الإمالة لأنَّها بمنزلةِ الراءينِ إذْ كَانَ فِيهَا تكريرٌ وَإِذا كُسرت قَرُبت من الْيَاء وَلذَلِك لم تمنع مَعَ الْحَرْف المستعلي نَحْو ضَارب وقَادِر وَمِنْهُم مَنْ يُجيز الإمالة إِذا كَانَت الكسرةُ والرّاء قبل الْألف نَحْو هَذَا فِرَاش فإنْ كَانَ بعد الرّاءِ راءٌ مَكْسُورَة جَازَت الإمالة وغلبت الْمَكْسُورَة الْمَفْتُوحَة نَحْو {الْقَرار} و {الْأَبْرَار} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 وأمَّا {الْكَافِر} فإمالته جَائِزَة فِي الْجَرّ فَأَما فِي الرّفْع وَالنّصب فأكثرهم لَا يميله من أجل الرّاء وَكَذَلِكَ {الْكَافرين} و {الْكَافِرُونَ} فصل والهاءُ المبدَلة من تَاء التَّأْنِيث فِي الْوَقْف تجوز إمالتُها لأنَّها تشبه ألفَ التَّأْنِيث فِي حُصُول التَّأْنِيث بهَا وخفائها وانقلابها وَذَلِكَ نَحْو {الْحِكْمَة} و {مبثوثة} ويمنعُها مَا يمنعُ الإمالةَ. فصل وَقد شذَّت أشياءُ فِي بابِ الإمالة وَلها وُجَيْه من القِياس فَمن ذَلِك ذَا وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 اسْم إِشَارَة والجيِّد تفخيمه والأوائل يسمُّون التفخيم نَصْباً لأنَّه فتحٌ وَقد أمالَه قومٌ لأنَّه يشبه الأسماءَ المعربَة فِي الْوَصْف بِهِ وَفِي وَصفه وَجمعه وتصغيره وَلِأَن ألفَه منقلبة عَن يَاء وَمن ذَلِك أنَّى وَوجه إمالتها أنَّها اسمٌ تامّ وألفُها تشبه ألفَ التَّأْنِيث والنونُ فِيهَا تشبه حروفَ العلّة وَمن ذَلِك أسماءُ حُرُوف التهجّي بِي تي ثي لأنَّها أسماءٌ يكثُرُ اسْتِعْمَالهَا وَمن ذَلِك الحجّاج والعجّاج والنَّاس والوجْهُ تفخيمُها لأنَّ الألفَ زائدةٌ أَو منقلبةٌ عَن وَاو ومَنْ أمالها حَمَلَها على تصرّف الأسماءِ وإمالَتُها فِي الجرِّ أقربُ لِمكان الكسرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 والأسماءُ المبنيّةُ الأصلُ أنْ لَا تُمال لعدمِ تصرّفها واشتقاقِها وإنَّما أُميلَ مِنْهَا مَا أشْبَه المتصرّف كَمَا ذكرنَا فِي ذَا وَهَكَذَا حُكْم الحروفِ بل أبعدُ إلاَّ أنَّهم أمالوا مِنْهَا لَا لأنَّها تقومُ بِنَفسِهَا فِي الْجَواب وبلى كَذَلِك وحرفُ النداء لأنَّه قامَ مقامَ الْفِعْل وَقد ذُكر فِي بَابه وَلم يُميلوا حتّى لأنَّها لَا تقوم بِنَفسِهَا وأمّا كَذَلِك فصل قد أمال بعضُ العربِ الفتحةَ نَحْو الكسرةِ نَحْو ضَرَر وبقر وَأقرب ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 مَا كَانَت فِيهِ رَاء وَإِذا قربت هَذِه الفتحة من الكسرة قرّبت مَا بعْدهَا من الْحُرُوف من الكسرة أَيْضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 بَاب مخارج الْحُرُوف وعددها وصفاتها اعْلَم أنَّ مخرجَ كلّ حرف مَا ينقطعُ الْحَرْف عِنْده من الْحلق والفم والشفتين وَإِذا أردتَ أَن تختبر ذَلِك فزدْ على الْحَرْف الَّذِي تريدُ معرفَة مخرجه همزَة الْوَصْل مَكْسُورَة ثمَّ انطقْ بِهِ سَاكِنا فعندَ ذَلِك تَجِد جَرْسَ الحرفِ مُنْقَطِعًا هُنَاكَ فَثَمَّ مخرجه نَحْو اِعْ اِقْ اِصْ اِمْ وَمن هَهُنَا لم يكنِ للألف مخرج لأنَّ صَوتهَا لَا ينقطعُ عِنْد جُزْءٍ مِمَّا ذكرنَا بل هِيَ نَفَسٌ مستطيلٌ بحيثُ يُمكِنُ مدّه من غيرِ حَصْر فصل والحروف الْأُصُول تِسْعَة وَعِشْرُونَ وَهِي الْهمزَة وَالْألف وَالْهَاء وَالْعين والحاء والغين وَالْخَاء وَالْقَاف وَالْكَاف وَالضَّاد وَالْجِيم والشين وَالْيَاء والرّاء وَاللَّام وَالنُّون وَالصَّاد وَالسِّين وَالزَّاي والطاء وَالتَّاء وَالدَّال والظاء والثاء والذال وَالْفَاء وَالْمِيم وَالْبَاء وَالْوَاو وَلَهُم ستةُ أحْرُفٍ فروعٌ مُسْتَحْسَنةٌ وَإِنَّمَا كَانَت فُروعاً لقربها من الأصولِ وامتزاجها بهَا وَهِي النونُ الساكنة والألفُ الممالة وهمزة بَين بَين وَألف التفخيم وَالصَّاد المشمّة صَوت الزَّاي والشين المشمّة صَوت الْجِيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 وَلَهُم سَبْعَة أحرف أُخر مستقبحة وَهِي 1 - الْكَاف الَّتِي تقرب من الْجِيم 2 - وَالْجِيم الَّتِي تقرب من الْكَاف وَالْجِيم الَّتِي تقرب من الشين 3 - وَالضَّاد الضعيفة الَّتِي تقرب من الذَّال 4 - وَالصَّاد الَّتِي تقرب من السِّين 5 - والطاء الَّتِي تقرب من التَّاء 6 - والظاء الَّتِي تقرب من الثَّاء 7 - وَالْبَاء الَّتِي تقرب من الْفَاء ومخرج كلّ حرفٍ مِنْهَا بَين مخرج أَصْلهَا الصَّحِيح وَبَين الْحَرْف الَّذِي يُقَارِبه وَلَا يقْرَأ بهَا البتةَ إِلَّا مضطرٌ فصل فِي عددالمخارج وَهِي ستةَ عشرَ ثلاثةٌ فِي الْحلق 1 - فأقصاها وأقربُها من الصَّدْر مَخْرَجُ الْهمزَة وَالْألف وَالْهَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 2 - وأوسطُها من الْحلق مخرج الْعين والحاء 3 - وَأَدْنَاهَا إِلَى الْفَم مخرج الْغَيْن وَالْخَاء وَالرَّابِع أقْصَى اللِّسَان وَمَا فوقَه من الحنك مخرج الْقَاف وَالْخَامِس دون مخرج الْقَاف وَمَا يَلِيهِ من الحنك مخرج الْكَاف وَالسَّادِس من وسط اللِّسَان بَينه وَبَين وسط الحنك مخرجُ الْجِيم والشين وَالْيَاء وَالسَّابِع مَا بَين أوّل حافّة اللِّسَان وَمَا يَليهَا من الأضراس الضَّاد فَإِن شِئْت أخرجتها من الْجَانِب الْأَيْسَر وَإِن شِئْت من الْأَيْمن وَالثَّامِن مَا بَين أوّل حافّة اللِّسَان وَمن أدناها إِلَى مُنْتَهى طَرفَ اللِّسَان مَا بَينهَا وَبَين مَا يَليهَا من الحنك الْأَعْلَى وَمِمَّا فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية مُخرج اللَّام والتَّاسع النونُ وَهِي من طرف اللِّسَان بَينه وَمَا بَين مَا فَوق الثنايا مخرج والعاشر وَمن مُخرج النونِ غيرَ أنَّه أدْخل فِي ظَهْر اللِّسَان قَلِيلا لانحرافه إِلَى اللامِ مخرج الرَّاء وَالْحَادِي عشر مِمَّا بَين طَرَفِ اللِّسان وأصول الثنايا مُخرج الطَّاء والدَّال والتَّاء والثَّاني عشر مِمَّا بَين طَرَفِ اللِّسان وفُويق الثَّنايا مَخْرج الزَّاي وَالسِّين وَالصَّاد والثالثَ عَشر مِمَّا بينَ طرفِ اللِّسان وأطراف الثَّنايا مخرجُ الظَّاء والثَّاء والذَّال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 الرابعَ عشرَ من باطِنِ الشِّفة السُّفلى وأطراف الثنايا الْعليا مخرج الْفَاء الخامسَ عشرَ مِمَّا بَين الشفتين الْبَاء وَالْمِيم وَالْوَاو والسادسَ عشرَ من الْخَياشِيم مخرج النُّون الْخَفِيفَة فصل فِي صفاتِ الْحُرُوف وأجناسِها وَهِي أحدُ عشرَ جِنْساً وَهِي المجهورة والمهموسة والشَّديدة والرَّخوة والمنحرفة والشَّديدة الَّتِي يخرج مَعهَا الصَّوْت والمكررة والليِّنة والهاوية والمطبَقَة والمنفتحة فالمجهورةُ تسعةَ عشرَ حرفا الهمزةُ وَالْألف وَالْعين والغين وَالْقَاف وَالْجِيم وَالْيَاء وَالضَّاد وَاللَّام وَالزَّاي وَالرَّاء والطاء والدَّال وَالنُّون والظاء والذال وَالْبَاء وَالْمِيم وَالْوَاو وسمّيت مجهورة لأنَّها أُشْبِع الِاعْتِمَاد فِي موضعهَا ومُنِع النَّفَسُ أنْ يجريَ مَعهَا حَتَّى يَنْقَضِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ ويجريَ الصوتُ إلاَّ أنَّ النونَ وَالْمِيم قد يعْتَرض لَهما فِي الْفَم والخياشيم فَيصير فيهمَا غنّةً ودليلُ ذَلِك أنَّك لَو أَمْسَكت طرفَ أَنْفك اختلَّ صوتهما حِين سددت الخيشوم الثَّاني المهموسة وَهِي بقيةُ الحروفِ التِّسْعَة وَالْعِشْرين وسُمِّيت بذلك لأنَّ الهمسَ صوتٌ خفيّ وَهَذِه كَذَلِك لأنَّ اعتمادها ضعف حتّى جرى مَعَه النَّفَس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 وَالثَّالِث الشَّدِيدَة سُمِّيت بذلك لقوَّتها وَامْتِنَاع مدِّ الصَّوْت مَعهَا وَهِي ثَمَانِيَة الْهمزَة وَالْقَاف وَالْكَاف وَالْجِيم والطّاء والتّاء وَالْبَاء والدّال ويجمعها أَجدت طَبَقَك الرابعُ الرَّخْوَة وَهِي تسعةٌ الْهَاء والحاء والغين وَالْخَاء والشِّين والظَّاء والثَّاء والذَّال وَالْفَاء وسُمِّيت بذلك لأنَّها خلافُ الشَّدِيدَة فأمَّا العينُ فَبين الرَّخوة والشديدة تصل إِلَى الترديد فِيهَا لشبهها بِالْحَاء والخامسُ المنحرفةُ وَهِي اللاّم وَحدهَا سمي بذلك لانحرافِ اللِّسَان مَعَ صَوته من ناحيتي مُستَدَقِّ اللِّسَان فُوَيْق ذَلِك وَبِهَذَا خالَف الشَّدِيدَة والرخوة وَالسَّادِس الشديدةُ الَّتِي يخرجُ مَعهَا الصوتُ وَهِي النُّون وَالْمِيم وسُمِّيت بذلك لغُنَّتها الْخَارِجَة من الْألف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 وَالسَّابِع المكرَّر وَهُوَ الرَّاء سُمِّيت بذلك لتكرير صَوتهَا وانحرافها إِلَى مخرج اللاّم الثَّامن اللينةُ وَهِي الْوَاو وَالْيَاء سُمِّيت بذلك لأنَّ مخرجهما يتَّسع لهواء الصَّوت أشدَّ من اتِّساع غَيرهمَا التَّاسع الهاوِي وَهُوَ الْألف سُمِّيت بذلك لزِيَادَة اتِّساع هَوَاء صَوته على الْوَاو وَالْيَاء الْعَاشِر المطْبَقة وَهِي أربعةٌ الصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء سُمِّيت بذلك لشدَّةِ التصاق ظَهْرِ اللِّسان بِمَا يُلاقيه من أَعلَى الحَنَك الْحَادِي عشر المنفتحة وَهِي مَا عدا المطبقة سُمِّيت بذلك لأنَّ موضعهَا لَا ينطبق مَعَ غَيره وَلَا ينْحَصر الصَّوْت مَعهَا كانحصاره مَعَ المطبقة فصل فِيمَا يجْتَمع لكل حرفٍ من الصِّفات الهمزةُ حرفٌ مَجْهورٌ شديدٌ مُسْتَعْل منفتح الْألف حرفٌ هوائي مجهور شَدِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 الْهَاء حرف مهموس رخو خفيّ ضَعِيف الْعين حرفٌ مجهور شَدِيد متسفل رخو منفتح الْحَاء حرف مهموس مستفل رخو منفتح الْغَيْن حرف مجهور مستعل رخو منفتح الْخَاء حرف مستعلٍ شَدِيد منفتح الْقَاف حرف مستعل شَدِيد منفتح الْكَاف حرفٌ مهموس شَدِيد متسفِّل منفتح الْجِيم حرف مجهور شَدِيد متسفِّل منفتح الشِّين حرف مهموس رخو متسفِّل متفشٍّ الْيَاء حرف مجهور شَدِيد متسفّل منفتح ثقيل خفيّ الضَّاد حرف مستطيل مجهور مستعلٍ منطبق رخو الصَّاد حرف مهموس رخو مستعلٍ مطبق السِّين حرف مهموس متسفّل رخوٌ منفتح الزَّاي حرف مجهور متسفّل رخو منفتح وَهَذِه الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة فِيهَا صفير الظَّاء حرفٌ رِخوٌ مجهور مستعل مطبق الذَّال حرف مجهور مستفل رخو منفتح الطّاء حرف مهموس متسفّل رخو منفتح الثَّاء: حرف مهموس متستفّل رخو مطبق الدّال حرف مجهور شَدِيد متسفّل منفتح التّاء حرفٌ مهموس شديدٌ متسفّل منفتح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 الرّاء حرف مُكَرر مجهور شَدِيد متسفّل منفتح اللَّام حرف مجهور منحرفٌ شَدِيد متسفّل منفتحٌ مرقق النُّون حرف مجهور شَدِيد متسفِّل منفتح ذُو غُنّة الْفَاء حرف مهموس رخو متسفّل متفشٍّ الْبَاء حرف مجهور شَدِيد متسفِّل الْمِيم حرف مجهور شَدِيد متسفِّل منطبق الْوَاو حرف مجهور شَدِيد ممتد منطبق ليّنٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 بَاب الْإِدْغَام الإدغامُ وصْلُك حرفا سَاكِنا بحرفٍ مثله من مَوْضِعه من غير فاصلٍ بَينهمَا بحركةٍ وَلَا وَقْفٍ فتصيِّرهما بالتداخل كحرفٍ واحدٍ تَرفعُ لسانَك بهما رفْعَة وَاحِدَة وتشددِّه وَهُوَ مقدَّرٌ بحرفين الأوَّل مِنْهُمَا سَاكن وأصلُ الْإِدْغَام فِي اللُّغَة الإخْفاءُ والإحكَام والعلّةُ فِي الإِدغام أنَّ الحرفين إِذا كَانَا مثلين كَانَ مخرجُهما وَاحِدًا فيثقل على اللِّسَان أَن يرفَعه ثمَّ يعيدَه فِي الْحَال إِلَى مَوْضِعه وَهَذَا شبّه بمشْي المقيَّد لأنَّه كانَ لَا يُزايِل موضِعَه وَيَقَع فِي الْكَلَام على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا إدغام حرفٍ فِي مثله قبل الْإِدْغَام والثَّاني أنْ يكونَ الأوَّلُ مقارباً للثَّانِي فَيُبْدلَ حرفا مثله ليمكن إدغامه فالضَّرب الأوَّل على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون فِي كلمة وَاحِدَة فَإِن كَانَت فعلا ثلاثياً لزم الْإِدْغَام نَحْو شدَّ ومدَّ وفرَّ وقصَّ وعضَّ وَقد سبق ذكره وَإِن كَانَت اسْما على وزن الْفِعْل فَكَذَلِك نَحْو رجل ضفّ الْحَال أَي ضفِف بِكَسْر الْفَاء الأولى وَلَا يُسْتَثْنى من ذَلِك إلاَّ الاسمُ المفتوحُ الْعين نَحْو طَلَل وشَرَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 فأمَّا المضمومُ نَحْو سُرُر جمع سَرير وسُرَر جمع سُرّة فَلَا يدغم إِذْ ليسَ فِي الْأَفْعَال لَهُ نَظِير وَقد يَجِيء فِي الشذوذ فكُّ الْإِدْغَام بِالْقِيَاسِ نَحْو لَحِحَتْ عينُه وَقوم ضَفِفُوا الْحَال وَالْقِيَاس إدغامه فأمَّا قصُّ الشَّاة وقَصَصُها فَلَيْسَ من فكِّ الْإِدْغَام بل هما لُغَتَانِ سكونُ الْعين وَفتحهَا وَقد يفكُّ الشَّاعِر الْإِدْغَام للضَّرُورَة وَقد ذُكر فِي مَوْضِعه مَسْأَلَة فَإِن بنيتَ من المضاعَف بِنَاء فِي آخِره ألفٌ وَنون فَقَالَ الْخَلِيل وسيبويه إنْ كَانَ مصدرا فككتَ الْإِدْغَام نَحْو الردَدَان وَإِن كانَ مكسورَ الْعين أَو مضمومَها لم يفكّ يُحْمَل كل واحدٍ مِنْهُمَا على بَابه فالمصدرُ هُنَا مثل الغَلَيان والنَّزَوَان وَقَالَ الْأَخْفَش يفكّ الإدْغام فِي الجميعِ فأمَّا الملْحَقُ فَلَا يُدْغم لأنَّ ذَلِك يُبْطِل معنى الْإِلْحَاق وَقد سبق ذكرُه فأمَّا اقْتَتَلُوا فالأكثرون لَا يُدغمون لِأَن التَّاء زيدت لِمَعْنى فَلَا تُذْهبُ بِالْإِدْغَامِ وليسَ هُنَا حرف علّة وَمِنْهُم مَنْ يدغم فَيَقُول قِتَّلوا بِكَسْر الْقَاف وَفتح التَّاء وَمِنْهُم مَنْ يكسرُ التّاء وَيَقُول فِي الْمُسْتَقْبل يُقِتِّلون وَفِي اسْم الْفَاعِل مُقِتّلين وَمِنْهُم مَنْ يضمّ فَيَقُول مُرُدُّفين فيُتْبع وَمِنْهُم مَنْ يكْسرُ الميمَ إتباعاً لكسرة الرَّاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 وَالضَّرْب الثّاني أَن يَكُونَا من كَلِمَتَيْنِ وَهُوَ على ضَرْبين أَيْضا جائزٍ ولازم فالجائزُ أَن يكونَ الأوّلُ متحرِّكاً والإظهارُ أجْود لِئَلَّا يلزمَ الإسكان والتغيير فِيمَا ليسَ بِلَازِم لأنَّ الْكَلِمَتَيْنِ قد تفترقان والإدغامُ جائزٌ للتَّخْفِيف وأحسنُ ذَلِك أنْ يتوالى فِيهِ اربعُ متحركات فَصَاعِدا نَحْو {جعلْ لكم} وضربْ بكر فصل فإنْ كانَ قبل الْحَرْف الأوَّل ساكنٌ لم يجز الإدغامُ لِئَلَّا يُجْمَعَ بَين ساكنين إلاَّ أنْ يكونَ ذَلِك الساكنَ حرف مدّ كَقَوْلِك اسْم مُوسَى وَبكر رَافع هَذَا لَا يُدغم وَمِثَال حرف الْحَد {الرَّحِيم مَالك} وَالْمَال لَك والغفور ربّنا وَمثله فِي المتَّصل تمودّ الثَّوْب فصل فَإِن كَانَ قبل الْيَاء وَالْوَاو فَتْحة نَحْو جيب بكر وَالْقَوْل لَك جَازَ الْإِدْغَام أَيْضا لأنَّ المدَّ الْجَارِي مجْرى الْحَرَكَة مَوْجُود فأمّا مثل {آمنُوا وَهَاجرُوا} فَلَا يُدغم لأنَّ الْوَاو الأولى تامّةُ المدِّ فَهُوَ فِيهَا كالفاصل بالحركة وَلَا يَصح زَوَال مدّها كَمَا لَا يصحّ تسكين المتحرك فأمّا مثل قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 فأصله تتيمموا فَيجوز إدغام التَّاء فِي التَّاء لأنَّ قبلهَا ألف لَا وَمِنْهُم من يحذف التَّاء فَأَما قَوْله تَعَالَى {فَلَا تتناجوا} فَيجوز الْإِدْغَام وَترك الْإِدْغَام فصل وأمّا الْإِدْغَام اللَّازِم فَأن يكون الأوّل سَاكِنا وَالثَّانِي مماثلٌ لَهُ كَقَوْلِك {وَقد دخلُوا} و {هَل لكم} فصل فإنْ أُدغم فِي حرف المدّ لم يجز إدغامه فِي مثله نَحْو وليّ يزِيد وعدوّ وليد لأنَّ المدَّ قد بَطل بِالْإِدْغَامِ فِيهِ وَصَارَ كالحروف الصَّحِيحَة الَّتِي قبلهَا ساكنٌ نَحْو خَبرْ رجل ولكنْ إنْ شِئْتَ أخفيت وَهُوَ فِي حكم الْمظهر فصل فِي إدغام الحروفِ المتقاربة وَنحن نذكرها حرفا فحرفاً أوّلها الهمزةُ وليسَ يدغم فِيهَا شيءٌ وَلَا تُدغم فِي شيءٍ إلاّ أَن تكون همزَة مثلَها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 نَحْو اقرأإنا أنزلنَا وَقد قيل ليسَ هَذَا إدغاماً بل هُوَ حذفٌ وإنَّما تُدْغَم حَقِيقَة فِي كلمة وَاحِدَة وَهُوَ فعّال نَحْو رأاس وسأال ولأّال وأمَّا الألفُ فَلَا يُدْغَم فِيهَا وأمَّا الهاءُ فتدغم فِي مثلهَا نَحْو وجّهْ هِبةً وتدغم فِي الْحَاء نَحْو اجْبَهْ حَمَلاً والإظهارُ أحسن وَلَا تُدْغَم الحاءُ فِي الْهَاء لِأَن الحاءَ أقوى وأظهرُ من الْهَاء فَلَا تحوّل إِلَيْهَا العينُ تُدْغَم فِي مثلهَا نَحْو اسمعْ عمرا وتدغَم فِي الْحَاء نَحْو اقْطَعْ حبلاً والإظهارُ أحسن وتدغَمُ فِي الْخَاء بِأَن تجعلا حاءين نَحْو اقْطَعْ خلالاً لِأَن الْخَاء أقرب إِلَى الْعين فِي مخرجها وصفتها فتحوّلان جَمِيعًا إِلَيْهَا وَقد قَالَ بَنو تَمِيم كنت محم يُرِيدُونَ مَعَهم وكلَّ مَا قرب من حُرُوف الْحلق إِلَى الْفَم لَا يدغم فِيمَا قبله فَإِن أردْت إدغام الْحَاء فِي الْعين جَازَ بِأَن تجْعَل الْحَاء عينا نَحْو امدعّ رفة تُرِيدُ عَرَفَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 الْغَيْن تُدْغَم فِي الْخَاء وَالْخَاء فِيهَا نَحْو ادمغ خلفا واسلخ غنمك تحوّل الأول إِلَى مثل الثَّانِي الْقَاف تُدْغَم فِي الْكَاف وَالْكَاف فِيهَا نَحْو الْحَقْ كَلَدة وانْهَكْ قَطَناً الْجِيم تُدْغَم فِي الشين والشين فِيهَا نَحْو اخرجْ شطرك واعطش جحدراً النُّون تُدْغَم فِي مثلهَا وَفِي الرّاء نَحْو مَنْ راشدٌ بغنّة وَلَا غنة فأمّا إدغام الرَّاء فنذكره فِيمَا بعد وتدغم النُّون فِي اللاّم نَحْو مَنْ لَك بغنّةٍ وَلَا غنّة وَلَا تُدْغَم اللَّام فِيهَا نَحْو هَل نَحن وتدغم النُّون فِي الْمِيم بغنّة نَحْو من مّعك وَلَا تُدْغَم الْمِيم فِيهَا نَحْو اسْلَمْ نَافِعًا فَإِن وَقعت الْبَاء بعْدهَا أُبدلت ميماً نَحْو عنبر و {فُسوقٌ بكُم} وَقد ذكر فِي الْبَدَل فَإِن وَقعت الْفَاء بعْدهَا كَانَت غنة لَا مظهرة وَلَا مدغمة نَحْو من فِيهَا وَإِن وقعتِ الواوُ بعْدهَا أُدغمت فِيهَا بغنّة وبغيرها نَحْو من وَعدك وتدغم فِي الْيَاء بغنّة وَغير غنّةٍ نَحْو مَنْ يَقُول وَلَا تُدْغَم الْيَاء فِيهَا نَحْو فِي نَفسِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 وَلَا تدغمُ فِي حُرُوف الحلْق لبُعدِ مَخْرجِها مِنْهَا وتبيّن بَيَانا تَاما وَبَعض الْعَرَب يُخْفيها عِنْد الْخَاء والغين كَمَا يفعل ذَلِك عِنْد الْقَاف وَالْكَاف نَحْو {من خلق} ومَنْ غَيْرك وَلَا تُدْغَم فيهمَا بِحَال مَسْأَلَة إِذا كَانَت النونُ سَاكِنة قبل الْمِيم وَالْيَاء وَالْوَاو فِي كلمة وَاحِدَة لَزِم تبيينها كَقَوْلِك شَاة زَنْماء وشِياه زُنم وَكَذَلِكَ قُنية وقَنواء وكُنية ومُنية لَا تدْغِم شَيْئا من ذَلِك وَلَا تُخفيه لِئَلَّا يلتبس بمضاعف الْمِيم وَالْيَاء وَالْوَاو لِأَن فِي الْكَلَام مثلَه أَلا ترى أنَّك لَو قلت زَنْماء فأدغمت لجازَ أَن تكون من الزمّ وَلَو قلت قِيّة وقوّة لجَاز أَن يكون من الأَرْض القيّ فأمّا قَوْلهم امْحى الشَّيْء فَجَاز إدغامه لأنّ اللّبْس مَأْمُون إِذا كَانَت الْمِيم هُنَا فَاء الْكَلِمَة وَالْفَاء لَا تكون مضاعفة وَلذَلِك لَو بنيت من وَجل وَرَأى انفعل جَازَ الْإِدْغَام اوَّجل وارَّأى مَسْأَلَة لَا تُعْرَفُ فِي اللُّغَة كلمةٌ فِيهَا نونٌ ساكنةٌ بعْدهَا راءٌ وَلَا لامٌ فَلم يَقُولُوا مثل قنر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وَلَا عِنْل وسببُ ذَلِك أنَّ النونَ الساكنة فِيهَا غُنّة وَهِي تقاربُ الحرفين جدا فلَمّا تقاربت فِي الْمخْرج وَاخْتلفت فِي الصّفة ثقل الْجمع بَينهمَا مَسْأَلَة يجوزُ إدغامُ اللاّم فِي النُّون نَحْو هَل نرى لتقاربهما وأنَّ النُّون أبينُ من اللاّم ويُقوَي ذَلِك إدغامُ النُّون فِيهَا إلاَّ أنَّ إظهارَ اللاَّمِ عِنْد النونِ أحسنُ وإدغام النُّون فِي اللَّام أحسن وَالْفرق بَينهمَا أنّك إِذا أدغمت اللاّم فِي النُّون أبطلت قّوة اللاّم وَإِذا أدغمت النّون فِي اللاّم راعيت قوّة اللاّم مَسْأَلَة لَا تُدغم الْمِيم فِي النُّون نَحْو لم نَكُنْ لأنَّها لمَّا لم تُدغم فِي الْبَاء وَهِي من مخرجها فإدغامها فِي النُّون مَعَ بعْدهَا مِنْهَا أبعد مَسْأَلَة وتدغم لَام الْمعرفَة فِي حُرُوف الْفَم وَهِي ثَلَاثَة عشر حرفا وَهِي التّاء والثّاء والدّال والذّال والرّاء والزّاي والسّين والشّين والصّاد والضّاد والطّاء والظّاء والنّون وعلّة ذَلِك كَونهَا مقاربة لهَذِهِ الْحُرُوف فإنَّ جَمِيعهَا من حُرُوف طرف اللِّسَان إِلَّا الضّاد والشّين فإنَّهما يبعدان عَن طرفه إلاّ أنّ الشين فِيهَا تفشٍّ وانتشارٌ يقربّها من اللاّم والصّاد من حافة اللِّسَان فِيهَا انبساط يكَاد يقرب من اللاّم واختصّ ذَلِك بلام الْمعرفَة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 فأمّا لَام هَل وبل فَيجوز إظهارها وَهُوَ الْأَقْوَى وَقد أدغموها فِي التّاء والثّاء والرّاء والزّاي والشّين والصّاد والضّاد والطّاء والظّاء والنّون إلاّ أنّ إدغامها فِي الرّاء حسنٌ وَفِيمَا عَداهَا ضَعِيف وَذَلِكَ نَحْو {هَل ترى} {هَل ثوِّب} وَهل رَأَيْت وَكَذَلِكَ الْبَاقِي مَسْأَلَة تُدْغَم الطّاء فِي الدّال ويَبْقى إطباقُ الطّاء نَحْو اضبط دُلامة وَبَعض الْعَرَب يُذْهِب الإطباق وَهُوَ ضَعِيف وتُدغم الدالُ فِيهَا قيّد طرفَة وَيبقى الإطباق أَيْضا وتدغم الطّاءُ فِي التّاء مَعَ بَقَاء الإطباق نَحْو انقُط توأماً والتّاء فِيهَا تُدْغَم نَحْو أفلت طرفَة مَسْأَلَة تُدْغَم التّاء فِي الدّال والدّال فِيهَا نَحْو انعت دُلامةَ وَقيد تِلْكَ والإظهار فِي هَذَا كلّه مستثقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 مَسْأَلَة الصّاد والسّين والزّاي يُدغم بعضُها فِي بعضٍ لتقاربها كَقَوْلِك لم تفحص سالما وَيبقى إطباقُ الصّاد وَتقول خلّص زيدا واحبسْ صَابِرًا واحفزْ صَابِرًا واحفز سالما والإدغام فِي هَذَا كلّه قويّ مَسْأَلَة الظّاء والذّال والثّاء يُدغَم بعضُها فِي بعض كَقَوْلِك احفظْ ذَلِك واحفظ ثَابتا وابعثْ ظَالِما وَابعث ذَلِك مَسْأَلَة إدغامُ مَخْرجٍ فِي مَخْرجٍ يُقَارِبه جائزٌ كإدغام الظّاء والثّاء والصّاد والسّين والزّاي وَكَذَلِكَ إدغامُ الطّاء والتّاء والدّال فيهنّ وَلَا تُدْغَم الصّاد والسّين والزّاي فِي الْحُرُوف السِّتَّة لِئَلَّا يذهب الصفيرُ الَّذِي فيهنّ وتدغم الطّاء والثّاء والذّال والظّاء والدّال والتّاء فِي الضّاد نَحْو احفظ ضابطاً وَكَذَلِكَ الْبَاقِي وتُدغَم الضّادُ فيهنّ وَلَا تُدْغَم الضّاد فِي الصّاد وأختيها لاستطالتها مَسْأَلَة من حكْمِ الحرفِ النّاقص أنْ يدغم فِي الزّائد وَلَا يُدغم الزّائد فِي النَّاقِص كالسّين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 لَا تُدْغَم فِي الْجِيم وتدغم الْجِيم فِيهَا كَقَوْلِك احْبِسْ جَامعا هَذَا لَا يدغم واخرج سالما هَذَا يُدغم مَسْأَلَة إِذا سُكّنت الصّادُ وَبعدهَا دالٌ فَمن الْعَرَب من يُخْرِجها على أَصْلهَا وَهُوَ أوْلى وَمِنْهُم مَنْ يقرّبها من الزّاي لأنّه لمّا لم يكن إدغامُ الصّادِ فِي الدّال قرَّبَها مِنْهَا ليحصلَ التشاكل وَمِنْهُم مَنْ يَجْعَلهَا زاياً خَالِصَة وَهُوَ قَلِيل وَذَلِكَ نَحْو يصدر والمصدر وَالْقَصْد فإنْ تحرّكت الصّاد لم يغيّرها لأنَّ الحركةَ كالحاجز وأمّا الصّراط فالأصلُ فِيهِ السّينُ لِأَنَّهُ من سَرَطْت الشَّيْء وإنّما أُبدلت صاداً لِتُجانِسَ الطَّاء وَمِنْهُم مَنْ يجعلُها زاياً وَمِنْهُم مَنْ يَجْعَلهَا بَينهمَا والسّين مَعَ الدّال كالصّاد مَعهَا نَحْو يُرْذل ثَوْبَهُ وأمّا الشّين قبل الدَّال فتضارع بهَا الزّاي نَحْو رجل أشْدق وَلَا تُجعل زاياً خَالِصَة وَقد قَالُوا اجدّمعوا واجدرؤوا فِي اجْتَمعُوا واجترؤوا مَسْأَلَة من العربِ من يقولُ فِي بني العنبر بِلْعَنْبر وَفِي بني الْحَارِث بلْحَارث فيحذف النونَ وَالْيَاء وَوجه ذَلِك أنَّ النُّون تُدْغَم فِي اللَّام وَلَكِن لمّا حَالَتْ الْيَاء بَينهمَا لم يُمكن الْإِدْغَام فخففوا بالحذف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 وَقد قَالُوا: (عَلْماءِ) يُرِيدُونَ: على المَاء، وَلَا يجوز ذَلِك فِي غير اللَّام فَلَا تَقول فِي (بني النجار) : بنجار لأنَّ النُّون مُشَدّدَة بِسَبَب إدغام لَام الْمعرفَة فِيهَا فَلم تحذف النُّون لِئَلَّا يجْتَمع إعلالان بِخِلَاف بلعنبر فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا إعلال وَاحِد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 بَاب الخطّ اعْلَم أنَّ الْحَاجة الى ذكر هَذَا الْبَاب أنّ الكتّاب اصْطَلحُوا على كِتَابَة حُرُوف لَيست فِي اللَّفْظ وَحذف مَا هُوَ فِي اللَّفْظ وعَلى قطع مَا يُمكن وَصله وَوصل مَا يُمكن قطعه فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقسَام ينشعب مِنْهَا أَكثر من ذَلِك وَقد ذهب جمَاعَة من أهل اللُّغَة الى كتاب الْكَلِمَة على لَفظهَا إلاّ فِي خطّ الْمُصحف فإنّهم اتّبعوا فِي ذَلِك مَا وجدوه فِي الإِمَام والعملُ على الأوّل فصل فِي الْقسم الأول وَهُوَ على ضَرْبَيْنِ إبدالٌ وَزِيَادَة فالإبدالُ كجعل الألفِ يَاء فِي الْخط وَهَذَا لَهُ شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن تكون الكلمةُ ثلاثيةً آخرُها ألف فَلَا تَخْلُو تِلْكَ الكلمةُ من أَن تكونَ مُبْهمَة أَو معربة فالمبهم مثل هَذَا وَإِذا والمعربة مثل العَصَا والرحى هَذَا فِي الأسٍماء فأمّا الْأَفْعَال الثلاثية نَحْو رمى وغزا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 وَالثَّانِي: أَن تكون الْألف مبدلةً والضّابطُ فِيهِ أنّ الْألف إِذا انقلبت عَن واوٍ كُتبت ألفا وإنْ كَانَت منقلبةً عَن ياءٍ كُتبت يَاء وَإِنَّمَا فرقوا بَينهمَا لينبّهوا على أصلِ الْحَرْف وجملةُ مَا يُستدلّ بِهِ هَهُنَا على أصلِ الْألف عشرَة أَشْيَاء أَحدهَا التثنيةُ فَإِن انقلبت الْألف فِيهَا واواً كتبت بِالْألف وَإِن انقلبت يَاء كتبت بِالْيَاءِ فَالْأول نَحْو الْعَصَا تكْتب بِالْألف لأنّها عَن وَاو لِقَوْلِك عَصَوان وَالثَّانِي نَحْو الْفَتى والهُدى تكْتب يَاء كَقَوْلِك فَتَيان وهُدَيَان وأمّا الرَّحَى فالاكثر فِي اللُّغَة رحَيَان بِالْيَاءِ فعلى هَذَا تكْتب الرَّحَى بِالْيَاءِ وَمِنْهُم من يَقُول رَحَوان فيكتبها بِالْألف وَالثَّانِي من الأدلّة الجمعُ بِالْألف وَالتَّاء نَحْو القنا والحصى فالقنا من الْوَاو لقَولهم قَنَوات فتكتب بِالْألف والحصى جَمْعُه حَصَيَات فتكتب بِالْيَاءِ والدليلُ الثَّالِث مَا كَانَت عينُه واواً وآخرُه ألفٌ نَحْو الطّوى والشّوى يكتبُ بِالْيَاءِ لِكَثْرَة مَا جاءَ من ذَلِك ولامُه ياءٌ وَمن هَهُنَا كتب الهَوى الْمَقْصُور بِالْيَاءِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْفِعْل نَحْو طوِي وشوِي وهوِي وَالدَّلِيل الرابعُ ظهورُ الْيَاء وَالْوَاو فِي الْمُسْتَقْبل نَحْو يَرْمِي ويغزو ف رمى تكْتب بِالْيَاءِ لكَون الْألف منقلبة عَنْهَا وغزا بِالْألف لأنَّها من الْوَاو والدَّليل الخامسُ الْمصدر كَقَوْلِك الغَزْوُ والرّميُ فَمن هَهُنَا تكْتب غزا بِالْألف وَرمى بِالْيَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 والدليلُ السَّادسُ أَن تكون فاءُ الْكَلِمَة واواً ولامُها معتلّة فَلَا تكون ألفها إلاّ عَن يَاء فعلى هَذَا تكْتب وفَى وَوعى بِالْيَاءِ والجليلُ السّابعُ الفَعْلَةُ نَحْو الغزوةُ والرَّميةُ والدَّليلُ الثَّامنُ أَن تعودَ اللاّمُ إِذا أضفتَ الفعلَ إِلَى نَفسك يَاء أَو واواً وَقبلهَا فَتْحة نَحْو غزوتُ ورميتُ فأمّا شقِيت ورضِيت فَلَا يدلّ ذَلِك على أنّ الأَصْل الياءُ لأجل الكسرة والدليلُ التَّاسعُ إمالةُ الْألف مَتى حَسُنَت فِيهَا كتبت يَاء نَحْو الْهدى والتقى ة من هَهُنَا كتبت مَتى وبلى بِالْيَاءِ وَالدَّلِيل الْعَاشِر أَن تنقلبَ مَعَ المضمرِ يَاء نَحْو إِلَى وعَلى وَلَدي كَقَوْلِك عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ ولديه فأمّا كلا إِذا أُضيفت إِلَى المُظْهَرِ كُتبت ألفا عِنْد الْأَكْثَرين لأنّه يَقُول هِيَ بدلٌ من الْوَاو وَمِنْهُم مَنْ يَكْتُبهَا يَاء وَيَقُول هِيَ من الياءِ فإنْ أضفتَ إِلَى مُضْمَر كَانَت فِي الرفعِ بِالْألف لأنَّها دليلُ الرّفْع وأمَّا كلتا فتكتب بِالْيَاءِ إِذا أضيفت إِلَى مظْهَر لكَون الْألف رَابِعَة فصل فإنْ كَانَت الكلمةُ أربعةَ أحرفٍ فَصَاعِدا وَآخِرهَا ألفٌ كتبتَ جَمِيع ذَلِك بِالْبَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 لأنّه إِذا رُدَّ فعلُه إِلَى نفسِك كَانَ بِالْيَاءِ نَحْو تغازى وتعاطى لِقَوْلِك تَغَازَيْتُ وتَعَاطَيْتُ وَكَذَلِكَ فِي التَّثْنِيَة نَحْو المَوْلى والأعْلى لِقَوْلِك مَوْلَيان وأعْلَيان وَقد استُثْنى من ذَلِك مَا قبل أَلفه ياءٌ نَحْو العُليا والدُّنيا فإنَّه كُتب بِالْألف لِئَلَّا تتوالى ياءان إِلَّا أنَّهم كتبُوا يحيى اسْم رجل وريّى اسْم امْرَأَة بياءين فأمّا يحيا ويَعْيَا فعلين فيكتبان بِالْألف على قِيَاس الْبَاب فصل فَإِن أُضيفَ الْمَقْصُور إِلَى مضمرٍ يكْتب بِالْألف ثلاثياً كَانَ أَو زَائِدا عَلَيْهِ نَحْو عَصَاهُ وهداك وإحداها وأُخراهنّ وَمِنْهُم مَنْ يَكْتُبهَا بِالْيَاءِ على مَا كَانَت عَلَيْهِ قبل الضَّمِير فصل فِي الْهمزَة إِذا كَانَت الْهمزَة أَولا كتبت على الْقيَاس إِلَّا أَنهم كتبُوا يَا أوخيّ بِالْوَاو لانضمامها وليفرِّقوا بَين المصغّر والمكبّر فِي قَوْلك يَا أَخِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 وإنْ كانتْ وسطا سَاكِنة كتبت ألفا نَحْو رَأس وبأس وَإِن كَانَت قبلهَا ضمّةٌ كُتبتْ واواً نَحْو الْبُؤْس واللؤم وإنْ كانَ قبلهَا كسرةٌ كتبت يَاء نَحْو الْبِئْر وَالذِّئْب وَإِن كَانَت طرفا سَاكِنة دبّرها مَا قبلهَا أَيْضا فتكتب بعد الكسرة يَاء نَحْو لم يُخطئ وَبعد الفتحة ألفا نَحْو اقْرَأ وَبعد الضمّة واواً نَحْو لم يَوْضُؤ فصل فَإِن كَانَت الهمزةُ متحركةٌ قبلهَا ساكنٌ نَحْو الخبء والجُزء فالأكثرون يحذفون الْهمزَة لأنَّ تخفيفَها أَن تُلْقى حركتها على مَا قبلهَا وتحذف والخط على التَّخْفِيف وَمِنْهُم مَنْ يَكْتُبهَا ألفا إِذا انفتحت وياءً إِذا انْكَسَرت وواواً إِذا انضمّت فإنْ أضيفت إِلَى المضْمَر فَفِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ نَحْو هَذَا خَبؤك وقرأت جُزْأَك فتكتب المضمومة واواً والمفتوحة ألفا والمكسورة يَاء وَمِنْهُم مَنْ يحذفُها فإنْ كَانَت وسطا مَضْمُومَة وَقبلهَا فَتْحة أَو ضمّة كتبت واواً نَحْو جُؤن وياء إِن كَانَت قبلهَا كسرة نَحْو مير وَفِيمَا عدا ذَلِك تدبّرها حركتها فتكتب المكسورةُ يَاء نَحْو سَئِم والمفتوحةُ ألفا نَحْو سَأل وَفِي هَذَا الْبَاب مَوَاضِع قد ذَكرنَاهَا فِي تَخْفيف الْهَمْز فتكتب على مَذْهَب التَّخْفِيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 فصل فِي الْمَمْدُود الْمَمْدُود إِذا لم يُضَفْ كُتب فِي الْخط بألفٍ وَاحِدَة نَحْو الكساء والدُّعاء وتُجعل للهمزة عَلامَة للخطّ وَمِنْهُم مَنْ يَكْتُبهُ أَلفَيْنِ فَإِن أضيف إِلَى مضمرٍ كتبت الْمَفْتُوحَة ألفا والمضمومة واواً والمكسورة يَاء نَحْو هَذَا كساؤه وَرَأَيْت كساءه ومررت بكسائه فصل إِذا كَانَ قبلَ الْهمزَة واوٌ زائدةٌ نَحْو مَقروءة كتبتَها بواوٍ وَاحِدَة لأنَّ تخفيفها كَذَلِك وإنْ كَانَ قبلهَا ياءٌ زَائِدَة كتبتها يَاء وَاحِدَة نَحْو خَطِيئَة فإنْ كَانَت الواوُ بعْدهَا نَحْو مَسْؤول فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تكتبه بواو وَاحِدَة وَالثَّانِي بواوين فصل فَإِن كَانَت الْوَاو ضميراً نَحْو يَسْتَهْزِئون أَو عَلامَة رفع نَحْو مستهزؤون كُتبت بواوٍ واحدةٍ وَمِنْهُم مَنْ يكْتب الْمَكْسُورَة يَاء وَتَقَع الْوَاو بعْدهَا وَهُوَ ضَعِيف فصل فَإِن كانَ المدودُ مَنْصُوبًا منوّناً نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِلَّا دُعَاء ونداء} فالاختيار أَن يكتبَ بِأَلفَيْنِ لأنَّ الثانيةَ بدلُ التَّنْوِين يُوقف عَلَيْهَا بِالْألف كَذَلِك الْخط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وَكَذَلِكَ تكْتب برآءات بِأَلفَيْنِ الأولى قبل الْهمزَة للمدّ وَالَّتِي بعد الْهمزَة للْجمع وَلَا تكْتَب الهمزةُ ألفا لِئَلَّا تجتمعَ ثلاثُ ألفات وتكتب وجدت ملحاء بِأَلف وَاحِدَة فصل فِي الضَّرب الثَّاني وَهُوَ الزِّيادة اعْلَم أنّهم يزيدونَ فِي الخطِّ حروفاً للفَرْق وَكَانَ ذَلِك يحْتَاج إِلَيْهِ قبل حدوثِ الشَّكل والنقط ثمَّ استمرّ أكثُرهم عَلَيْهِ وَمِنْهُم مَنْ يَقُول يُزاد للتوكيد فَمما زيد للفَرْق كتابتهم عمرا بِالْوَاو فِي الرّفْع والجرّ إِذا لم يُضفْ ليفرّق بَينه وَبَين عُمر وَمن ذَلِك كتابتهم كفرُوا وَرَدُوا بِالْألف لِئَلَّا تشتبه وَاو الْجمع بواو الْعَطف ثمَّ طَردوا ذَلِك فِي جَمِيع واوات الْجمع وَمِنْهُم مَنْ لَا يَكْتُبهَا الْبَتَّةَ وَمن ذَلِك زيادتُهم الْألف فِي مائَة لِئَلَّا تَلْتَبِس ب مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 وَمن ذَلِك الربوا تكْتب بِالْوَاو لِئَلَّا تشتبه ب الزِّنَا وَمن ذَلِك الصلوة والزكوة والحيوة تكْتب بِالْوَاو إِذا لم تُضف وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ اتبَاعا للمصحف فصل فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الحذْف وَهُوَ كثير من ذَلِك بِسم الله تكْتب بِغَيْر ألفٍ لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فَإِن قلت لاسم الله بركَة أَو باسم ربّك أثبتَ الْألف وَمن ذَلِك الرَّحْمَن تكتبُ بِلَا ألف تَخْفِيفًا مَعَ أَمن اللَّبس وَمن ذَلِك الحرثُ وَالْقسم علمين يُكتبان بِغَيْر ألف لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال فإنْ لم يكنْ فيهمَا ألفٌ ولامٌ أَو كَانَا صِفَتَيْن كُتبا بِالْألف وَكَذَا صالحٌ ومالكٌ وخالدٌ تكتبُ أعلاماً بغيرِ ألف وإنْ لم يكن فيهمَا ألف وَلَام وتكتب بِالْألف صِفَات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 وَمن ذَلِك ابرهيم وإسمعيل وهرون وسليمن ومُعوية وسُفْين ومرون فتكتب ذَلِك كلّه بِغَيْر الْألف لاشتهارها وربّما كتبُوا بعض ذَلِك بِالْألف فأمّا إسْرَافيل وَمِيكَائِيل والياس فتكتب بِالْألف لأنَّها لم تشتهر وَأما السَّمَوَات والصالحات فتكتب بِأَلف وَبِغير ألف فصل وأمّا ألف ابْن فَتثبت فِي الخطّ فِي كل مَوضِع إِلَّا إِذا كَانَ ابْن صفة مُفردا وَاقعا بَين علمين أَو كنيتين على مَا هُوَ شَرط فتح مَا قبله فِي النداء فإنَّه يُكتب بِغَيْر ألفٍ فعلى هَذَا تكتبه بِالْألف إِذا كَانَ مثنّى أَو كَانَ خَبرا لمبتدأ وتكتب ابْنة تَأْنِيث ابْن بِالْألف فِي كلِّ حَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 فصل وتكتب فيمَ جئْتَ وعلامَ فعلت وحتّام تَقول ذَاك ومِمَّ خُلِقَ كلُّ ذَلِك بِغَيْر ألفٍ على اللَّفْظ فصل فِي اللاّم إِذا دخلت لامُ التَّعْرِيف على لامٍ أُخْرَى نَحْو اللَّيل واللَّحم كتبت بلامين إِلَّا الَّتِي وَالَّذِي وَالَّذين فِي الْجمع فَإِنَّهَا تكْتب بلامٍ وَاحِدَة وَكَذَلِكَ اللَّتان واللاّتي وَمِنْهُم من يكْتب هَذِه التَّثْنِيَة وَالْجمع بلامين وَأما اللَّذَان فِي التَّثْنِيَة فبلامين وَإِذا أدخلت لَام الْخَبَر على لَام الأَصْل نَحْو للّوم ولَلّيلُ كتبت بلامين وَإِن دخلت اللَّام الْمَفْتُوحَة أَو الْمَكْسُورَة على لَام الْمعرفَة وَبعدهَا لَام نَحْو لله وللّحم كتبتْ بلامين لِئَلَّا تَجْتَمِع ثَلَاث لامات وَإِن أدخلت اللَّام الْمَفْتُوحَة أَو الْمَكْسُورَة على لَام الْمعرفَة لم تثبت ألفها فِي الْخط كَقَوْلِك لَلْرجل خيرٌ من الْمَرْأَة وللرجل أفضل وللهُ أفرح بتوبة عَبده بِغَيْر ألف بَين اللامين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 بَاب الْمَوْصُول والمقطوع وَفِيه فُصُول أَحدهَا فِي النُّون اعْلَم أنّ النونَ الساكنةَ إِذا لقيها ميمٌ من كلمةٍ أُخْرَى حُذفت النّون فِي الخطّ من أجل الْإِدْغَام فِي اللَّفْظ كَقَوْلِك سلْ عمّ شِئْت و {عمّ يَتَساءلون} و {عمّا قَلِيل لَيُصْبِحُنَّ نادمين} وَمن ذَلِك {مَمَّ خلق} {وَمِمَّنْ حولَكُم} سواءٌ أَكَانَت استفهاماً أَو خبَراً وَقد فعل بعض ذَلِك فِي الْمُصحف وَهُوَ شَيْء بليغ فصل فِي إنْ وأنْ إِذا لقيتها لَا كتبتها بِغَيْر نونٍ إِذا كَانَت عاملةً فِي الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا كَقَوْلِك أريدُ أَلا تذهبُ وَفِي الشَّرْط إلاّ تذهبْ أذهبْ وَإِن لم تكن عاملة كتبته بالنُّون كَقَوْلِه تَعَالَى {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب أَلا يقدرُونَ} لِأَن التَّقْدِير أنَّهم لَا يقدرُونَ لأنَّ بَينهمَا فاصلاً مقدّراً وَمثله علمت أنْ لَا خير فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 فأمّا لِئَلَّا فتكتب بِغَيْر نونٍ إِذا لم يكن هُنَاكَ اسْم مقدّر وبالنون إِذا كَانَ فصل فِي الْمِيم إِذا لقِيت ميمٌ أمْ ميماً من كلمةٍ أُخْرَى كتبت ذَلِك بميمٍ وَاحِدَة كَقَوْلِه تَعَالَى {أم من هُوَ قَانِت} {أهم أَشد خلقا أم من خَلَقنا} فصل إِذا كَانَت فِيمَن استفهاماً وصلتها وإنْ كَانَت خَبرا قطعَتها كَقَوْلِك فِيمَن رغبت ورغبتُ فِي مَنْ رغبت وَمثله مَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وتكتب كي لَا ولكي لَا مَقْطُوعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 وتكتب هلا بلام وَاحِدَة مَوْصُولا وتكتب بل لَا بلامين مَقْطُوعًا وتكتبْ أيْنَما إِذا كَانَت مَا فِيهِ كَافَّة أَو زَائِدَة مَوْصُولا كَقَوْلِه تَعَالَى {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمًّ وجهُ اللهِ} وَإِن كَانَت مَا بِمَعْنى الَّذِي كتبت مَقْطُوعَة كَقَوْلِه تَعَالَى {إنَّ مَا تُوعَدُون} وتكتب كلّما أتيتُك أكرمتني مَوْصُولا فَإِن كَانَت مَا بِمَعْنى الَّذِي فَصَلْتَ كَقَوْلِك كلّ مَا تَأتيه حسنٌ وَهَذَا حكم إنّما وأيّما وتكتب حَيْثُمَا مَوْصُولَة وَهُوَ الْمُخْتَار وَقد فصلها بَعضهم وَفِي نعمّا وبئسما الْوَجْهَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493