الكتاب: كتاب العدد في اللغة المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (المتوفى: 458هـ) المحقق: عبد الله بن الحسين الناصر / عدنان بن محمد الظاهر الطبعة: الأولى، 1413هـ 1993م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- العدد في اللغة ابن سيده الكتاب: كتاب العدد في اللغة المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (المتوفى: 458هـ) المحقق: عبد الله بن الحسين الناصر / عدنان بن محمد الظاهر الطبعة: الأولى، 1413هـ 1993م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن سَيّده - رَحمَه الله - فِي بَاب الْعدَد: قَالَ صَاحب الْعين: الْعد: إحصاء الشَّيْء، عددته أعده عدا وتعدادا، وعددته. وَالْعدَد: مِقْدَار مَا يعد، وَالْجمع أعداد وَكَذَلِكَ الْعدة. وَقيل: الْعدة مصدر كالعد. وَالْعدة: الْجَمَاعَة قلت أَو كثرت. والعديد: الْكَثْرَة. وَهَذِه الدَّرَاهِم عديد هَذِه: إِذا كَانَت فِي الْعدة مثلهَا. وهم عديد الْحَصَى وَالثَّرَى. أَي بِعَدَد هذَيْن الكثيرين. وهم يتعادون ويتعددون على كَذَا: أَي يزِيدُونَ عَلَيْهِ. أَبُو عبيد: عددتك وعددت لَك. غَيره: عادهم الشَّيْء: إِذا تساهموه بَينهم. وهم يتعادون: إِذا اشْتَركُوا فِيمَا يُعَاد بَعضهم بَعْضًا من مَكَارِم، أَو غير ذَلِك من الْأَشْيَاء كلهَا وَقَالَ أَبُو عبيد فِي قَول لبيد: (تطير عدائد الأشراك ... ) العدائد: من يعاده فِي الْمِيرَاث. غَيره: عدادك فِي بني فلَان: أَي تعد مَعَهم فِي ديوانهم. وَمَا أَلْقَاهُ إِلَّا عدَّة الثريا الْقَمَر، وَإِلَّا عداد الثريا الْقَمَر، وعداد الثريا من الْقَمَر: أَي إِلَّا مرّة فِي السّنة وَقيل: هِيَ لَيْلَة من الشَّهْر تلتقي فِيهَا الثريا وَالْقَمَر. وَبِه مرض عداد مِنْهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وَقد قَدمته. وَقَالَ صَاحب الْعين الْحساب: عدك الْأَشْيَاء، حسبت الشَّيْء أَحْسبهُ حسابا وحسابة وحسبة وحسبانا. وحسبانك على الله: أَي حِسَابك. وَقَوله عز وَجل: {يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب} . اخْتلفت فِي تَفْسِيره، فَقَالَ بَعضهم: بِغَيْر تَقْدِير على أحد بِالنُّقْصَانِ. وَقَالَ بَعضهم: بِغَيْر محاسبة، مَا يخَاف أحدا أَن يحاسبه عَلَيْهِ. وَرجل حاسب من قوم حسب وحساب. غَيره: الْوَاحِد: أول الْعدَد، وَكَذَلِكَ الوحد والأحد. قَالَ أَبُو عَليّ: اعْلَم أَن قَوْلهم: وَاحِد جرى فِي كَلَامهم على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا أَن يكون اسْما. وَالْآخر أَن يكون وَصفا. فالاسم الَّذِي لَيْسَ بِصفة قَوْلهم: وَاحِد الْمُسْتَعْمل فِي الْعدَد، نَحْو وَاحِد، اثْنَان، ثَلَاثَة، فَهَذَا اسْم لَيْسَ بِوَصْف. كَمَا أَن سَائِر أَسمَاء الْعدَد كَذَلِك. فَلَا يجْرِي شَيْء مِنْهَا على مَوْصُوف، على حد جري الصّفة عَلَيْهِ. وَأما كَونه صفة، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوحى إِلَيّ أَنما إِلَهكُم إِلَه وَاحِد} ، وَلما جرى على الْمُؤَنَّث لحقته عَلامَة التَّأْنِيث، فَقَالَ تَعَالَى: {إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة} ، كقائم وقائمة. وَمن ذَلِك قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 (فقد رجعُوا كحي واحدينا ... ) فَأَما تكسيرهم لَهُ على فعلان فِي قَوْله: (أما النَّهَار فأحدان الرِّجَال لَهُ ... صيد ومجترئ بِاللَّيْلِ هماس) فَلِأَنَّهُ وَإِن كَانَ صفة، قد يسْتَعْمل اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء، فكسروه على فعلان، كَمَا قَالُوا: [رَاع ورعيان، فجعلوه كحاجر وحجران، كَمَا جعلُوا] الأباطح بِمَنْزِلَة [الأفاكل] والأرامل. وَقد استعملوا أحدا بِمَعْنى وَاحِد الَّذِي هُوَ اسْم، وَذَلِكَ قَوْلهم: أحد وَعِشْرُونَ. وَفِي التَّنْزِيل: {قل هُوَ الله أحد} . وَقد أنثوه على غير بنائِهِ، فَقَالُوا: إِحْدَى وَعِشْرُونَ، وَإِحْدَى عشرَة، فاستعملوه مضموما إِلَى غَيره. قَالَ أَبُو عمر: وَلَا يَقُولُونَ: رَأَيْت إِحْدَى، وَلَا جَاءَنِي إِحْدَى حَتَّى يضم إِلَى غَيره. وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: وَاحِد، وَأحد، ووحد بِمَعْنى. وَالْحَادِي فِي الْحَادِي عشر كَأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 مقلوب الْفَاء إِلَى مَوضِع اللَّام. وَإِذا أجري هَذَا الِاسْم على الْقَدِيم سُبْحَانَهُ جَازَ أَن يكون الَّذِي [هُوَ وصف كالعالم والقادر، وَجَاز أَن يكون الَّذِي] هُوَ اسْم كَقَوْلِنَا: شَيْء. وَيُقَوِّي الأول قَوْله تَعَالَى: {وإلهكم إِلَه وَاحِد} . وَقَوله: (يحمي الصريمة أحدان الرِّجَال لَهُ ... صيد ومستمع بِاللَّيْلِ هماس) قَالَ ابْن جني: همزَة أحدان بدل من وَاو لِأَنَّهُ جمع وَاحِد الَّذِي بِمَنْزِلَة من لَا نَظِير لَهُ، وَلَيْسَ أحدان جمع وَاحِد الَّذِي يُرَاد بِهِ الْعدَد لِأَن ذَلِك لَا يثنى وَلَا يجمع، أَلا ترى أَنهم قد استغنوا عَن تثنيته، وَعَن جماعته بِثَلَاثَة وَقد قَالَ الشَّاعِر: (وَقد رجعُوا كحي واحدينا) ) أَي منفردين. وَفَاء أحدان وَاو. فَأَما قَوْلنَا: مَا فِي الدَّار أحد فهمزته عندنَا أصل وَلَيْسَت بِبَدَل، أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ الْعُمُوم وَالْكَثْرَة، وَلَيْسَ فِي معنى الِانْفِرَاد بِشَيْء، بل هُوَ بضده. صَاحب الْعين: الْوحدَة: الِانْفِرَاد. وَرجل وحيد. ابْن السّكيت: وحد: فَرد، ووحد فَرد. أَبُو زيد: وَقد أوحدته. سِيبَوَيْهٍ: جاؤوا أحاد أحاد وموحد موحد معدول عَن قَوْلهم: وَاحِدًا وَاحِدًا، وَسَيَأْتِي ذكر هَذَا الضَّرْب من المعدول فِي هَذَا الْفَصْل الَّذِي نَحن بسبيله وَقَالَ: مَرَرْت بِهِ وَحده مصدر لَا يثنى وَلَا يجمع، وَلَا يُغير عَن الْمصدر، إِلَّا أَنهم قد قَالُوا: نَسِيج وَحده، وجحيش وَحده. وَزَاد صَاحب الْعين: قريع وَحده للمصيب الرَّأْي. أَبُو زيد: حِدة الشَّيْء، توحده يُقَال: هَذَا الْأَمر على حِدته، وعَلى وَحده. وَقُلْنَا هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الْأَمر وحدينا. وقالتاه وحديهما. صَاحب الْعين: الوحدانية لله عز وَجل. والتوحيد: الْإِقْرَار بهَا. والميحاد: جُزْء كالمعشار. ابْن السّكيت: لَا وَاحِد لَهُ: أَي لَا نَظِير، وَقد تقدم عَامَّة كل ذَلِك. وحد الشَّيْء صَار على حِدته. وَالرجل الوحيد: لَا أحد لَهُ يؤنسه وحد وحادة ووحدة ووحدا، ووحد وتوحد. قَالَ أَبُو عَليّ: وَقَوْلهمْ: اثْنَان، مَحْذُوف مَوضِع اللَّام، كَمَا أَن قَوْلهم: ابْنَانِ كَذَلِك. وللمؤنث اثْنَتَانِ، كَمَا تَقول: ابنتان، وَإِن شِئْت: [قلت: ثِنْتَانِ، كَمَا تَقول] : بنتان. غير وَاحِد: ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة وَسِتَّة وَسَبْعَة فَأَما الْأُسْبُوع والسبوع فسبعة أَيَّام لَا تقع على غير هَذَا النَّوْع، وَثَمَانِية وَتِسْعَة وَعشرَة. وسنبين تصاريف هَذِه الْأَسْمَاء بِالْفِعْلِ، وَأَسْمَاء الفاعلين. وَمَا بعد الِاثْنَيْنِ من أَسمَاء الْعدَد من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة تلْحقهُ هَاء التَّأْنِيث إِذا كَانَ للمذكر لِأَن أصل الْعدَد وأوله بِالْهَاءِ، والمذكر أول فَحَمَلُوهُ على مَا يُحَافِظُونَ عَلَيْهِ فِي كَلَامهم من المشاكلة. وتنزع مِنْهَا الْهَاء إِذا كَانَ للمؤنث فَيجْرِي الِاسْم مجْرى عنَاق وعقاب، وَنَحْوهمَا من الْمُؤَنَّث الَّذِي لَا عَلامَة فِيهِ للتأنيث، فَتَقول: ثَلَاثَة رجال، وَخَمْسَة حمير. وَخمْس نسَاء، وَسبع آتن، وثماني أعقب، تثبت الْيَاء فِي ثَمَانِي فِي اللَّفْظ وَالْكتاب لِأَن التَّنْوِين لَا يلْحق مَعَ الْإِضَافَة، وَتسقط الْيَاء لاجتماعها مَعَه، كَمَا تسْقط من: هَذَا قَاض فَاعْلَم. فَهَذَا عقد أبي عَليّ فِي كِتَابه الموسوم بالإيضاح. قَالَ أَبُو سعيد: اعْلَم أَن أدنى الْعدَد الَّذِي يُضَاف إِلَى أدنى الجموع مَا كَانَ من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، نَحْو ثَلَاثَة، وَأَرْبَعَة، وَخَمْسَة، وَعشرَة. وَأدنى الْجمع على أَرْبَعَة أَمْثِلَة وَهِي: أفعل، وأفعال، وأفعلة، وفعلة. فأفعل نَحْو ثَلَاثَة أكلب، وَأَرْبَعَة أفلس. وأفعال نَحْو خَمْسَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 أجمال وَسَبْعَة أجذاع. وأفعلة نَحْو ثَلَاثَة أحمرة، وَتِسْعَة أغربة. وفعلة نَحْو عشرَة غلمة، وَخمْس نسْوَة، فأدنى الْعدَد يُضَاف إِلَى أدنى الجموع. وَإِنَّمَا أضيف إِلَيْهِ من قبل أَن أدنى الْعدَد بعض الْجمع لِأَن الْجمع أَكثر مِنْهُ، وأضيف إِلَيْهِ كَمَا يُضَاف الْبَعْض إِلَى الْكل، كَقَوْلِك: خَاتم حَدِيد. وثوب خَز لِأَن الْحَدِيد، والخز جِنْسَانِ، وَالثَّوْب والخاتم بعضهما. فَإِن قَالَ قَائِل: فَكيف صَارَت إِضَافَة أدنى الْعدَد إِلَى أدنى الْجمع أولى من إِضَافَته إِلَى الْجمع الْكثير قيل لَهُ: من قبل أَن الْعدَد عددان، عدد قَلِيل، وَعدد كثير. فالقليل مَا ذَكرْنَاهُ من الْأَبْنِيَة الَّتِي قدمنَا. وَجمع كثير وَهُوَ سَائِر أبنية الْجمع، فَاخْتَارُوا إِضَافَة أدنى الْعدَد إِلَى أدنى الْجمع للمشاكلة والمطابقة. وَقد يُضَاف إِلَى الْجمع الْكثير، كَقَوْلِهِم: ثَلَاثَة كلاب، وَثَلَاثَة قُرُوء لِأَن الْقَلِيل وَالْكثير قد يُضَاف إِلَى جنسه، فعلى هَذَا إضافتهم الْعدَد الْقَلِيل إِلَى الْجمع الْكثير وَلذَلِك قَالَ الْخَلِيل: إِنَّهُم قَالُوا: ثَلَاثَة كلاب، فكأنهم قَالُوا: ثَلَاثَة من الْكلاب، فحذفوا وأضافوا اسْتِخْفَافًا. وينزعون الْهَاء من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فِي الْمُؤَنَّث ويثبتونها فِي الْمُذكر كَقَوْلِهِم: ثَلَاث نسْوَة، وَعشر نسْوَة، وَثَلَاثَة رجال وَعشرَة رجال. فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم أثبتوا الْهَاء فِي الْمُذكر ونزعوها من الْمُؤَنَّث فَفِي ذَلِك جوابان: أَحدهمَا أَن الثَّلَاث من الْمُؤَنَّث إِلَى الْعشْر مؤنثات الصِّيغَة فالثلاث مثل عنَاق. والأربع مثل عقرب، وَكَذَلِكَ إِلَى الْعشْر، قد صيغت ألفاظها للتأنيث، مثل عنَاق، وأتان، وعقرب، وَقدر، وفهر، وَيَد، وَرجل، وَأَشْبَاه لذَلِك كَثِيرَة، فصيغت هَذِه الْأَلْفَاظ للتأنيث، فَصَارَت بِمَنْزِلَة مَا فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث. وَغير جَائِز أَن تدخل هَاء التَّأْنِيث على مؤنث تأنيثها بعلامة أَو غَيرهَا. وَهَذَا القَوْل يُوجب أَنه مَتى سمي رجل بِثَلَاث، لم يضف إِلَى الْمعرفَة لِأَنَّهُ قد صَار محلهَا مَحل عنَاق، إِذا سمي بهَا رجل. فَأَما الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فِي الْمُذكر فَإِنَّمَا أدخلت الْهَاء فِيهَا لِأَنَّهَا وَاقعَة على جمَاعَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وَالْجَمَاعَة مُؤَنّثَة. وَالثَّلَاث من قَوْلنَا: ثَلَاثَة مُذَكّر، فأدخلت الْهَاء عَلَيْهِ لتأنيث الْجَمَاعَة وَلَو سمي رجل بِثَلَاث من قَوْلك ثَلَاثَة، لانصرف فِي الْمعرفَة والنكرة لِأَنَّهُ يصير محلهَا مَحل سَحَابَة وسحاب، وَإِذا سمي بسحاب رجل انْصَرف فِي الْمعرفَة والنكرة. وَالْقَوْل الثَّانِي: إِنَّه فصل بَين الْمُؤَنَّث والمذكر بِالْهَاءِ ونزعها لتدل على تَأْنِيث الْوَاحِد وتذكيره. فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَلا أدخلُوا الْهَاء فِي الْمُؤَنَّث ونزعوها من الْمُذكر فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْمُذكر أخف فِي واحده من الْمُؤَنَّث فثقل جمعه بِالْهَاءِ، وخفف جمع الْمُؤَنَّث ليعتدلا فِي الثّقل. وَاعْلَم أَن الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة من حكمهَا أَن تُضَاف، إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فينون وَينصب مَا بعده فَيَقُول: ثَلَاثَة أثوابا، وَنَحْو ذَلِك، وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ. وتعرف الثَّلَاثَة بِإِدْخَال الْألف وَاللَّام على مَا بعْدهَا فَتَقول: ثَلَاثَة الأثواب، وَخَمْسَة الأشبار. قَالَ الشَّاعِر - وَهُوَ ذُو الرمة -: (وَهل يرجع التَّسْلِيم أَو يكْشف الْعَمى ... ثَلَاث الأثافي والديار البلاقع) فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم قَالُوا: ثَلَاثَة أَثوَاب، وَعشر نسْوَة، وَلم يَقُولُوا: وَاحِد أَثوَاب، واثنتا نسْوَة فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْوَاحِد والاثنين يكون لَهما لفظ يدل على الْمِقْدَار وَالنَّوْع، فيستغني بذلك اللَّفْظ عَن ذكر الْمِقْدَار الَّذِي يُضَاف إِلَى النَّوْع، كَقَوْلِك: ثوب وَامْرَأَتَانِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 فَدلَّ ثوب على الْوَاحِد من هَذَا الْجِنْس، ودلت امْرَأَتَانِ على ثِنْتَيْنِ من هَذَا الْجِنْس، فاستغني بذلك عَن قَوْلك: وَاحِد أَثوَاب، وثنتا نسْوَة. وَقد جَاءَ فِي الشّعْر. قَالَ الراجز: (كَأَن خصييه من التدلدل ... ظرف عَجُوز فِيهِ ثنتا حنظل) أَرَادَ ثِنْتَانِ، فأضاف ثنتا إِلَى نوع الحنظل. وَأما ثَلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فَلَيْسَ فِيهِ لفظ يدل على النَّوْع والمقدار جَمِيعًا فأضيف الْمِقْدَار الَّذِي هُوَ الثَّلَاثَة إِلَى النَّوْع، وَهُوَ مَا بعْدهَا. وَاعْلَم أَنَّك إِذا جَاوَزت الْعشْرَة بنيت النيف وَالْعشرَة إِلَى تِسْعَة عشر فجعلتها اسْما وَاحِدًا، كَقَوْلِك: أحد عشر، وَتِسْعَة عشر: وَفتحت الِاسْم الأول. وَالَّذِي أوجب بناءهما أَن مَعْنَاهُ: أحد وَعشرَة، وَتِسْعَة وَعشرَة، فنزعت الْوَاو وَهِي مقدرَة، وَالْعدَد مُتَضَمّن لمعناها فبنيا لتضمنهما معنى الْوَاو، وَجعلا كاسم وَاحِد، فاختير الْفَتْح لَهما، لِأَن الثَّانِي حِين ضم إِلَى الأول صَار بِمَنْزِلَة تَاء التَّأْنِيث يفتح مَا قبلهَا. وَفتح الثَّانِي لِأَن الْفَتْح أخف الحركات وَلِأَن يكون مثل الأول لِأَنَّهُمَا اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا، فَلم يكن لأَحَدهمَا على الآخر مزية، فجريا مجْرى وَاحِدًا فِي الْفَتْح. وَقد قُلْنَا: إِن الَّذِي أوجب فتح الأول هُوَ ضم الثَّانِي إِلَيْهِ وإجراء الثَّانِي مجْرَاه لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحدهمَا أولى بِشَيْء من الحركات من الآخر وانتصب مَا بعدهمَا من قبل أَن فيهمَا تَقْدِير التَّنْوِين، وَلَا يَصح إِلَّا كَذَلِك، إِذْ تَقْدِيره خَمْسَة وَعشرَة، فالخمسة لَيْسَ بعْدهَا شَيْء أضيفت إِلَيْهِ فَوَجَبَ أَن تكون منونة، وَالْعشرَة محلهَا مَحل الْخَمْسَة فَكَانَت منونة مثلهَا. وَأَيْضًا فَإنَّا لم نر شَيْئَيْنِ جعلا اسْما، وهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 مضافان، أَو أَحدهمَا مُضَاف، فَوَجَبَ نصب مَا بعدهمَا للتنوين الْمُقدر فيهمَا وَجعل مَا بعدهمَا وَاحِدًا منكورا. أما جعلنَا لَهُ وَاحِدًا فلأنهما قد دلا على مِقْدَار الْعدَد، وَبَقِي الدّلَالَة على النَّوْع، فَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُ كَافِيا، إِذْ كَانَ مَا قبله دلّ على الْمِقْدَار وَالْعدَد. وَأما جعلنَا إِيَّاه منكورا فَلِأَن النكرَة شائعة فِي جِنْسهَا، وَلَيْسَت بِبَعْض الْجِنْس أولى مِنْهُ بِبَعْض، فَكَانَت أشكل بِالْمَعْنَى الَّذِي أريدت لَهُ من الدّلَالَة على الْجِنْس، وَأدْخل فِيهِ من غَيرهَا، فَبين بهَا النَّوْع الَّذِي احْتِيجَ إِلَى تبيينه، وَذَلِكَ قَوْلك: أحد عشر رجلا، وَخمْس عشرَة امْرَأَة. فَأَما الْمُذكر فَإنَّك تَقول أحد عشر رجلا، وَاثنا عشر رجلا وَثَلَاثَة عشر رجلا، إِلَى تِسْعَة عشر رجلا. فَأَما أحد، فالهمزة فِيهِ منقلبة من وَاو، وَقد أبنت ذَلِك وأوضحته بشرح الْفَارِسِي، وَكَذَلِكَ إِحْدَى عشرَة، وَقد أبنتها هُنَالك. أما اثْنَا شعر [فَإِن قَالَ قَائِل هلا بنيتم اثْنَي عشر على حد وَاحِد، فَلَا تَتَغَيَّر فِي نصب وَلَا رفع وَلَا جر، كَمَا فَعلْتُمْ ذَلِك فِي أخواته قيل لَهُ: من قبل أَن الِاثْنَيْنِ قد كَانَ إعرابهما بِالْألف وَالْيَاء، وَكَانَت النُّون على حَالَة وَاحِدَة فيهمَا جمعيا، كَقَوْلِك: هَذَانِ الِاثْنَان، وَرَأَيْت الِاثْنَيْنِ، ومررت بالاثنين. فَإِذا أضفت سَقَطت النُّون، وَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه، وَدخل حرف التَّثْنِيَة من التَّغْيِير فِي حَال الرّفْع وَالنّصب والجر مَعَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مَا كَانَ يدْخلهُ مَعَ النُّون، فَلَمَّا كَانَ عشر فِي قَوْلك: اثْنَا عشر حل مَحل النُّون، صَار بِمَنْزِلَة الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَلم يمْنَع تَغْيِير الْألف إِلَى الْيَاء فِي النصب والجر.] . وَأما ثنتا عشرَة فَفِيهَا لُغَتَانِ: ثنتا عشرَة، واثنتا عشرَة. فَالَّذِي قَالَ: اثْنَتَا عشرَة بناه على الْمُذكر، فَقَالَ للمذكر: اثْنَان، وللمؤنث: اثْنَتَانِ، كَمَا تَقول: ابْنَانِ، وابنتان. وَالَّذِي يَقُول: ثنتا عشرَة بنى ثنتا على مِثَال جذع، كَمَا قَالَ بنت، فأحلقها بجذع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وَتقول: ثِنْتَانِ، كَمَا تَقول: بنتان، وَلم تدل هَذِه التَّاء على تَقْدِير أَن يكون مَا قبلهمَا مذكرا لِأَنَّهَا لَو دخلت على سَبِيل ذَلِك لأوجبت فتح مَا قبلهَا. وَالْكَلَام فِي تغير الْألف فِي ثِنْتَانِ، وَاثْنَتَانِ، إِذا قلت: ثنتا عشرَة، وثنتي عشرَة. وَأما ثَمَانِي عشرَة فَإِن أَكثر الْعَرَب يَقُولُونَ: ثَمَانِي عشرَة، كَمَا يَقُولُونَ: ثَلَاث عشرَة، وَأَرْبع عشرَة. وَمِنْهُم من يسكن الْيَاء، فَيَقُول: ثَمَانِي عشرَة. قَالَ الشَّاعِر: (صَادف من بلائه وشقوته ... بنت ثَمَانِي عشرَة من حجَّته) وَإِنَّمَا أسكن الْيَاء، كَمَا أسكن فِي معد يكرب، وقالي قلا، وأيادي سبا لِأَن الْيَاء أثقل من غَيرهَا، وَغَيرهَا من الصَّحِيح إِنَّمَا يفتح إِذا جعل مَعَ غَيره اسْما وَاحِدًا، فسكنت الْيَاء، إِذْ لم يبْق بعد الْفَتْح إِلَّا التسكين [وَقد قيل: ثَمَان عشرَة] . وَفِي عشرَة لُغَتَانِ، إِذا قلت: ثَلَاث عشرَة. فَأَما بَنو تَمِيم فيفتحون الْعين، ويكسرون الشين، ويجعلونها بِمَنْزِلَة ن كلمة. وَأهل الْحجاز يفتحون الْعين ويسكنون الشين، فيجعلونها مثل ضَرْبَة وَهَذَا عكس مَا عَلَيْهِ لُغَة أهل الْحجاز وَبني تَمِيم لِأَن أهل الْحجاز فِي غير هَذَا يشبعون عَامَّة الْكَلَام، وَبَنُو تَمِيم يخففون. فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم قَالُوا: عشرَة فكسروا الشين. قيل لَهُ: من قبل أَن عشر، فِي قَوْلك: عشر نسْوَة مُؤَنّثَة الصِّيغَة، فَلم يَصح دُخُول الْهَاء عَلَيْهَا، فَاخْتَارُوا لَفْظَة أُخْرَى يَصح دُخُول الْهَاء عَلَيْهَا. وخفف أهل الْحجاز ذَلِك: كَمَا يُقَال: فَخذ وفخذ، وَعلم وَعلم، وَنَحْو ذَلِك. وعَلى هَذَا الحكم يجْرِي من الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة فَإِذا ضاعفت أدنى الْعدَد كَانَ لَهُ اسْم من لَفظه. وَلَا يثنى العقد، وَيجْرِي ذَلِك الِاسْم مجْرى الْوَاحِد الَّذِي لحقته الزِّيَادَة للْجمع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وَيكون حرف الْإِعْرَاب الْوَاو وَالْيَاء، وبعدهما النُّون. وَيكون لفظ الْمُذكر والمؤنث فِي ذَلِك سَوَاء، ويفسر بِوَاحِد منكور، وَذَلِكَ قَوْلهم: عشرُون درهما. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا هَذِه الكسرة الَّتِي لحقت أول الْعشْرين وهلا جرت على عشرَة فَيُقَال: عشْرين، أَو على عشر، فَيُقَال: عشْرين. وَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن عشْرين لما كَانَت وَاقعَة عل الذّكر وَالْأُنْثَى كسر أَولهَا للدلالة على التَّأْنِيث وَجمع بِالْوَاو وَالنُّون للدلالة على التَّذْكِير، فَيكون آخِذا من كل وَاحِد مِنْهُمَا بشبهين. فَإِن قَالَ قَائِل: فقد كَانَ يَنْبَغِي على هَذَا الْقيَاس أَن يجْعَلُوا هَاتين العلامتين فِي الثَّلَاثِينَ إِلَى التسعين. قيل: قد يجوز أَن تكون الثَّلَاث من الثَّلَاثِينَ هِيَ الثَّلَاث الَّتِي للمؤنث. وَيكون الْوَاو وَالنُّون لوُقُوعه على التَّذْكِير، فَيكون قد جمع للثلاثين لفظ التَّذْكِير والتأنيث، فَيكون على قِيَاس الْعلَّة الأولى مطردا، وَيجوز أَن يكون اكتفوا بِالدّلَالَةِ فِي الْعشْرين على الدّلَالَة فِي غَيره من الثَّلَاثِينَ إِلَى التسعين، فَجرى على مثل مَا جرى عَلَيْهِ الْعشْرُونَ. فَإِذا وَقع الْعشْرُونَ على الْمُذكر والمؤنث كَانَ الثَّلَاثُونَ مثله، وَاكْتفى بعلامة التَّأْنِيث فِي الْعشْرين عَن عَلامَة فِي الثَّلَاثِينَ. وَدَلِيل آخر فِي كسر الْعين من عشْرين وَهُوَ أَنا رأيناهم قَالُوا فِي ثَلَاث عشرات: ثَلَاثُونَ وَفِي أَربع عشرات: أَرْبَعُونَ، فكأنهم ثَلَاثِينَ عشر مرار ثَلَاثَة، وَأَرْبَعين عشر مرار أَرْبَعَة، إِلَى تسعين. فاشتقوا من لفظ الْآحَاد مَا يكون لعشر مَرَّات ذَلِك الْعدَد فَكَانَ قِيَاس الْعشْرين من الثَّلَاثِينَ أَن يُقَال: اثْنَيْنِ واثنون لعشر مرار اثْنَيْنِ. إِلَّا أَنهم تجنبوا ذَلِك لِأَن اثْنَيْنِ لَا يكون إِلَّا مثنى، فَلَو قُلْنَا: اثْنَيْنِ كُنَّا قد نَزَعْنَا اثْنَا من الِاثْنَيْنِ، وأدخلنا عَلَيْهِ الْوَاو وَالنُّون، واثن لَا يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ حُرُوف التَّثْنِيَة فَبَطل اسْتِعْمَاله فِي مَوضِع الْعشْرين، فَلَمَّا اضطروا لهَذِهِ الْعلَّة إِلَى اسْتِعْمَال الْعشْرين كسروا أَوله لِأَن اثْنَيْنِ مكسور الأول فكسروا أول الْعشْرين كَذَلِك، وأدخلوا الْوَاو وَالنُّون لِأَنَّهُ يَقع على الْمُذكر. وَإِذا اخْتَلَط الْمُذكر والمؤنث فِي لفظ غلب التَّذْكِير، وَانْفَرَدَ اللَّفْظ بِهِ. وَدَلِيل آخر، وَهُوَ أَنهم يَقُولُونَ فِي الْمُؤَنَّث: إِحْدَى عشرَة، وتسع عشرَة، فَلَمَّا جاوزها إِلَى الْعشْرين، نقلوا كسرة الشين الَّتِي كَانَت للمؤنث إِلَى الْعين كَمَا يَقُولُونَ فِي كذب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 كذب، وَفِي كبد، كبد وجمعوه بِالْوَاو وَالنُّون، كَمَا يَفْعَلُونَ فِي الْأَشْيَاء المؤنثة الْمَحْذُوف مِنْهَا الهاآت عوضا من الْمَحْذُوف، كَقَوْلِهِم فِي سنة: سِنِين وسنون، وَفِي أَرض: أرضون وأرضون. وَفِي ثبة: ثبون وثبون، وَهَذَا كثير جدا. وَالْجمع بِالْوَاو وَالنُّون لَهُ مزية على غَيره من الجموع، فَجعل عوضا من الْمَحْذُوف. وَاعْلَم أَن عشْرين وَنَحْوهَا رُبمَا جعل إعرابها فِي النُّون، وَأكْثر مَا يجيىء ذَلِك فِي الشّعْر، فَإِذا جعل كَذَلِك ألزمت الْيَاء لِأَنَّهَا أخف من الْوَاو، كَمَا فعلوا ذَلِك فِي سِنِين إِذا جعلُوا إعرابها فِي النُّون قَالُوا أَتَت عَلَيْهِ سِنِين. قَالَ الشَّاعِر: (وَإِن لنا أَبَا حسن عليا ... أَب بر وَنحن لَهُ بَنِينَ) وَأنْشد لغيره: (أرى مر السنين أخذن مني ... كَمَا أَخذ السرَار من الْهلَال) وَقَالَ سحيم: (وماذا تَدْرِي الشُّعَرَاء مني ... وَقد جَاوَزت رَأس الْأَرْبَعين) (أَخُو خمسين مُجْتَمع أشدي ... ونجذني مداورة الشؤون) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 هَذَا عَامَّة قَول الْبَصرِيين إِنَّه مَتى لزم النُّون الْإِعْرَاب لزم الْيَاء، وَصَارَ بِمَنْزِلَة قنسرين وغسلين، وَأكْثر مَا يجيىء هَذَا فِي الشّعْر. وَقد زعم بَعضهم أَنه قد يجوز أَن يلْزم الْوَاو، وَإِن كَانَ الْإِعْرَاب فِي النُّون. وَزعم أَن زيتونا يجوز أَن يكون فيعولا، وَيجوز أَن يكون فعلونا، وَهُوَ إِلَى فعلون أقرب لِأَنَّهُ من الزَّيْت، وَقد لزم الْوَاو. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَو سمي رجل بمسلمين كَانَ فِيهِ وَجْهَان: إِن جعلت الْإِعْرَاب فِي الْوَاو فتحت النُّون على كل حَال، وَجعلت فِي حَال الرّفْع واوا، وَفِي حَال النصب والجر يَاء، كَقَوْلِك: جَاءَنِي مُسلمُونَ، وَرَأَيْت مُسلمين، ومررت بمسلمين. فَهَذَا مَا ذكره وَلم يزدْ عَلَيْهِ شَيْئا. وَقد رَأينَا فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا بالرواية الصَّحِيحَة وَجها آخر، وَهُوَ أَنهم إِذا سموا بِجمع فِيهِ وَاو وَنون، فقد يلزمون الْوَاو على كل حَال، ويفتحون النُّون وَلَا يحذفونها فِي الْإِضَافَة، فكأنهم حكوا لفظ الْجمع الْمَرْفُوع فِي حَال التَّسْمِيَة، وألزموه طَريقَة وَاحِدَة. قَالَ الشَّاعِر: (وَلها بالماطرون إِذا ... أكل النَّمْل الَّذِي جمعا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 فَفتح نون الماطرون وأثبث الْوَاو، وَهُوَ فِي مَوضِع جر. وَالْعرب تَقول: الياسمون فِي حَال الرّفْع وَالنّصب والجر، وَيَقُولُونَ: ياسمون الْبر فيثبتون النُّون مَعَ الْإِضَافَة ويفتحونها. وَمِنْهُم من يرويهِ: بالماطرون، ويعرب الياسمون، وَكَذَلِكَ الزَّيْتُون، وَهُوَ الأجود. فَإِذا زِدْت على الْعشْرين نيفا أعربته، وعطفت الْعشْرين عَلَيْهِ، كَقَوْلِك: أخذت خَمْسَة وَعشْرين، وَهَذِه ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يبْنى اسْم مَعَ اسْم، وَأَحَدهمَا مُعرب وَلم يَقع الآخر فِي شَيْء مِنْهُ كوقوع عشر فِي مَوضِع النُّون من اثْنَي عشر وتنصب مَا بعد الْعشْرين إِلَى تسعين وتوحد وتنكر. وَالَّذِي أوجب نَصبه أَن عشْرين جمع فِيهِ نون بِمَنْزِلَة ضاربين، وَيجوز إِسْقَاط نونه إِذا أضيف إِلَى مَالك، كَقَوْلِك هَذِه عشرو زيد. وَعِشْرُونَ تطلب مَا بعْدهَا وتقتضيه، كَمَا أَن ضاربين يطْلب مَا بعده وتقتضيه فتنصب مَا بعد الْعشْرين، كَمَا نصبت مَا بعد الضاربين من الْمَفْعُول الَّذِي ذَكرْنَاهُ. إِلَّا أَن عشْرين لَا يعْمل إِلَّا فِي منكور، وَلَا يعْمل فِيمَا قبله لِأَنَّهُ لم يقو قُوَّة ضارين فِي كل شَيْء لِأَنَّهُ اسْم غير مُشْتَقّ من فعل، فَلم يتَقَدَّم عَلَيْهِ مَا عمل فِيهِ لِأَنَّهُ غير متصرف فِي نَفسه، وَلم يعْمل إِلَّا فِي نكرَة من قبل أَن الْمَعْنى فِي عشْرين درهما عشرُون من الدَّرَاهِم، فاستخفوا وَأَرَادُوا الِاخْتِصَار فحذفوا من، وجاؤوا بِوَاحِد منكور شَائِع فِي الْجِنْس فدلوا بِهِ على النَّوْع، وَلَا يجوز أَن يكون التَّفْسِير إِلَّا بِوَاحِد إِذْ كَانَ الْوَاحِد دَالا على نَوعه مُسْتَغْنى بِهِ، فَإِذا أردْت أَن تجمع جماعات مُخْتَلفَة جَازَ أَن تفسر الْعشْرين، وَنَحْوهَا بِجَمَاعَة فَتكون عشرُون كل وَاحِد مِنْهُمَا جمَاعَة. وَمثل ذَلِك قَوْلك: قد التقى الخيلان، فَكل وَاحِد مِنْهُمَا جمَاعَة خيل، فعلى هَذَا تَقول: التقى عشرُون خيلا على أَن كل وَاحِد من الْعشْرين خيل. قَالَ الشَّاعِر: (تبقلت من أول التبقل ... بَين رماحي مَالك ونهشل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 لِأَن مَالِكًا ونهشلا قبيلتان. وكل وَاحِدَة مِنْهُمَا لَهَا رماح، فَلَو جمعت على هَذَا لَقلت: عشرُون رماحا قد الْتَقت، تُرِيدُ عشْرين قَبيلَة لكل مِنْهَا رماح. وَلَو قلت: عشرُون رمحا كَانَ لكل وَاحِد مِنْهَا رمح. قَالَ الشَّاعِر: (سعى عقَالًا فَلم يتْرك لنا سبدا ... فَكيف لَو قد سعى عَمْرو عِقَالَيْنِ) (لأصبح الْقَوْم قد بادوا وَلم يَجدوا ... عِنْد التَّفَرُّق فِي الهيجا جمالين) أَرَادَ جمالا لهَذِهِ الْفرْقَة، وجمالا لهَذِهِ الْفرْقَة، فَإِذا بلغت الْمِائَة جِئْت بِلَفْظ يكون للذّكر وَالْأُنْثَى، وَهُوَ مائَة، كَمَا كَانَ عشرُون وَمَا بعْدهَا من الْعُقُود، وبينت الْمِائَة بإضافتها إِلَى وَاحِد منكور. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا الْعلَّة الَّتِي أضيفت إِلَى وَاحِد منكور. فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنَّهَا شابهت الْعشْرَة الَّتِي حكمهَا أَن تُضَاف إِلَى جمَاعَة، وَالْعِشْرين الَّتِي حكمهَا أَن تميز بِوَاحِد منكور، فَأخذ من كل وَاحِد مِنْهُمَا شبه فأضيف بشبه الْعشْرَة، وَجعل مَا يُضَاف إِلَيْهِ وَاحِدًا بشبهه الْعشْرين لِأَنَّهَا يُضَاف إِلَيْهَا نوع يبينها، كَمَا يبين النَّوْع الْمُمَيز الْعشْرين. فَإِن قَالَ قَائِل: وَمَا شبهها من الْعشْرَة وَالْعِشْرين. قيل لَهُ: أما شبهها من الْعشْرَة فَلِأَنَّهَا عقد، كَمَا أَن الْعشْرَة عقد، وَأما شبهها من الْعشْرين فَلِأَنَّهَا تلِي التسعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وَحكم عشرَة الشَّيْء كَحكم تسعته أَلا ترى أَنَّك تَقول: تِسْعَة أَثوَاب وَعشرَة أَثوَاب، فَتكون الْعشْرَة كالتسعة وَالْمِائَة من التسعين كالعشرة من التِّسْعَة، وَذَلِكَ قَوْلك: مِائَتَا دِرْهَم، وَمِائَتَا ثوب، وَنَحْو ذَلِك. وَيجوز فِي الشّعْر إِدْخَال النُّون على الْمِائَتَيْنِ وَنصب مَا بعْدهَا. قَالَ الشَّاعِر: (إِذا عَاشَ الْفَتى مِائَتَيْنِ عَاما ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء) وَقَالَ آخر أَيْضا: (أَنعَت عيرًا من حمير خنزره ... فِي كل عير مِائَتَان كمره) فَإِذا أردْت تَعْرِيف الْمِائَة والمائتين أدخلت الْألف وَاللَّام فِي النَّوْع، وأضفتها إِلَيْهِ كَقَوْلِك: مائَة الدِّرْهَم، وَمِائَتَا الثَّوْب. فَإِذا جمعت الْمِائَة أضفت الثَّلَاث فَقلت: ثَلَاثمِائَة إِلَى تِسْعمائَة. فَإِن قَالَ قَائِل: هلا قُلْتُمْ: ثَلَاث مئين: أَو مئات، كَمَا قُلْتُمْ: ثَلَاث مسلمات، وتسع تمرات. فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَنا رَأينَا الثَّلَاث المضافة إِلَى الْمِائَة قد أشبهت الْعشْرين من وَجه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وأشبهت الثَّلَاث الَّتِي فِي الْآحَاد من وَجه. فَأَما شبهها بالعشرين فَلِأَن عقدهَا على قِيَاس الثَّلَاث إِلَى التسع لِأَنَّك تَقول: ثَلَاثمِائَة وَتِسْعمِائَة، ثمَّ تَقول: ألف، وَلَا تَقول: عشر مائَة، فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: عشرُون وَتسْعُونَ. ثمَّ تَقول: مائَة على غير قِيَاس التسعين. وَتقول فِي الْآحَاد: ثَلَاث نسْوَة، وَعشر نسْوَة، فَتكون الْعشْر بِمَنْزِلَة التَّأْنِيث، فَأَشْبَهت ثَلَاثمِائَة الْعشْرين فبينت بِوَاحِد، وأشبهت الثَّلَاث فِي الْآحَاد فَجعل بَيَانهَا بِالْإِضَافَة. وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا أَنهم قَالُوا: ثَلَاثَة آلَاف، فَإِنَّمَا أضافوا الثَّلَاثَة إِلَى جمَاعَة لأَنهم يَقُولُونَ: عشرَة آلَاف. فَلَمَّا كَانَ عشرته على غير قِيَاس ثلاثته أجروه مجْرى ثَلَاثَة أَثوَاب لأَنهم قَالُوا: عشرَة أَثوَاب. فَإِذا قلت: ثَلَاثمِائَة، فَحكم الْمِائَة بعد إِضَافَة الثَّلَاث إِلَيْهَا، أَن تُضَاف إِلَى وَاحِد منكور كحكمها حِين كَانَت مُنْفَرِدَة، وَيجوز أَن تنون وتميز بِوَاحِد، كَمَا قيل: مِائَتَان عَاما. فَأَما قَول الله عز وَجل: {ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادوا تسعا} . فَإِن أَبَا إِسْحَاق الزّجاج زعم أَن سِنِين منتصبة على الْبَدَل من ثَلَاثمِائَة وَلَا يَصح أَن تنصب على التَّمْيِيز لِأَنَّهَا لَو انتصبت بذلك فِيمَا قَالَ لوَجَبَ أَن يَكُونُوا قد لَبِثُوا تِسْعمائَة، وَلَيْسَ ذَلِك بِمَعْنى الْآيَة، وقبيح أَن يَجْعَل سِنِين نعتا لَهَا لِأَنَّهَا جامدة لَيْسَ فِيهَا معنى فعل. وَقَالَ الْفراء: يجوز أَن تكون سِنِين على التَّمْيِيز، كَمَا قَالَ عنترة فِي بَيت لَهُ: (فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حلوبة ... سُودًا كخافية الْغُرَاب الأسحم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ويروى: سود. فقد جَاءَ فِي التَّمْيِيز. سُودًا، وَهِي جمَاعَة. قَالَ أَبُو سعيد: وَلأبي إِسْحَاق أَن يفصل بَين هَذَا وَبَين سِنِين، بِأَن سُودًا إِنَّمَا جَاءَت بعد الْمُمَيز، فَيجوز أَن يحمل على اللَّفْظ مرّة، وعَلى الْمَعْنى مرّة، كَمَا تَقول: كل رجل ظريف عِنْدِي. وَإِن شِئْت قلت: ظريف، فتحمله مرّة على اللَّفْظ، وَمرَّة على الْمَعْنى. وَلَيْسَ قبل سِنِين شَيْء وَقع بِهِ التَّمْيِيز فَيكون سِنِين مثل سُودًا. وَاعْلَم أَن مائَة نَاقِصَة بِمَنْزِلَة رئة، وإرة، فلك أَن تجمعها مئون فِي حَال الرّفْع ومئين فِي حَال النصب والجر، وَإِن شِئْت قلت: مئين، فَجعلت الْإِعْرَاب فِي النُّون وألزمته الْيَاء، وَإِن شِئْت قلت: مئات، كَمَا تَقول: رئات. وَأما قَول الشَّاعِر: (وحاتم الطَّائِي وهاب المئي ... ) فقد اخْتلف النحويون فِي ذَلِك. فَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ جمع الْمِائَة على الْجمع الَّذِي بَينه وَبَين واحده الْهَاء، كَقَوْلِك: تَمْرَة وتمر فَكَأَنَّهُ قَالَ: مائَة ومئ، ثمَّ أطلق القافية للجر. وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ المي، وَكَانَ أَصله المئي على مِثَال فعيل لِأَن الذَّاهِب من الْمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 إِمَّا وَاو، وَإِمَّا يَاء. فَإِن كَانَت يَاء فَهِيَ مئي، وَإِن كَانَت واوا انقلبت أَيْضا يَاء، وَصَارَ لَفظهَا وَاحِدًا، ثمَّ تكسر الْمِيم، وَذَلِكَ أَن بني تَمِيم يكسرون الْفَاء من فعيل إِذا كَانَت الْعين أحد الْحُرُوف السِّتَّة وَهِي حُرُوف الْحلق، كَقَوْلِهِم: شعير، وَرَحِيم. فَيَقُولُونَ فِي ذَلِك: مي وَأَصله مئي. وَمِمَّا جَاءَ على هَذَا الْمِثَال من الْجمع معيز جمع معز، وكليب، وَعبيد، وَغير ذَلِك مِمَّا جَاءَ على فعيل، فعلى هَذَا القَوْل مي مشدد. وَيجوز تخفيفها فِي القافية الْمقيدَة، كَمَا ينشد بَعضهم قَول طرفَة فِي بَيت لَهُ: (أصحوت الْيَوْم أم شاقتك هر ... وَمن الْحبّ جُنُون مستعر) وَقَالَ بعض النَّحْوِيين: إِنَّمَا هُوَ مئين، فاضطر إِلَى حذف النُّون، كَمَا قَالَ: (قواطنا مَكَّة من ورق الحمي ... ) فَإِذا بلغت الْألف أضفته إِلَى وَاحِد فَقلت: ألف دِرْهَم، كَمَا أضفت الْمِائَة إِلَى وَاحِد حِين قلت: مائَة دِرْهَم. وَالْعلَّة فِيهِ كالعلة فِيهَا من قبل أَن الْألف على غير قِيَاس مَا قبله لِأَنَّك لم تقل عشر مائَة، كَمَا قلت: تِسْعمائَة، وضعت لفظا يدل على العقد الَّذِي بعد تِسْعمائَة غير جَار على شَيْء قبله، كَمَا فعلت ذَلِك بِالْمِائَةِ حِين لم تجرها على قِيَاس التسعين، فَإِذا جمعت الْألف جمعته على آلَاف، وَعشرَة آلَاف، كَمَا قلت: ثَلَاثَة أَثوَاب، وَعشرَة أَثوَاب. وَإِنَّمَا خَالف جمع الْألف فِي الْإِضَافَة جمع الْمِائَة لِأَن الْألف عشرته كثلاثته، فَصَارَ بِمَنْزِلَة الْآحَاد الَّتِي عشرتها كثلاثتها. وَلَيْسَ عشرَة الْمِائَة كثلاثتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وَقد بَينا هَذَا فِيمَا تقدم. وَلَيْسَ بعد الْألف شَيْء من الْعدَد على لفظ الْآحَاد، فَإِذا تضَاعف أُعِيد فِيهِ اللَّفْظ بالتكرير، كَقَوْلِك: عشرَة آلَاف ألف وَنَحْو ذَلِك. وَإِنَّمَا قلت: عشرَة آلَاف، لِأَن الْألف قد لزم إِضَافَته إِلَى وَاحِد فِي تبيينه وَكَذَلِكَ جماعته كواحده فِي تبيينه بِالْوَاحِدِ من النَّوْع. وَاعْلَم أَن الْألف مُذَكّر تَقول: أخذت مِنْهُ ألفا وَاحِدًا. قَالَ الله تَعَالَى: {بِثَلَاثَة آلَاف} . فَأدْخل الْهَاء على الثَّلَاثَة، فَدلَّ على تذكير الْألف، وَرُبمَا قيل: ألف دِرْهَم، يُرِيدُونَ الدَّرَاهِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 بَاب ذكرك الِاسْم الَّذِي تبين بِهِ الْعدة كم هِيَ مَعَ تَمامهَا الَّذِي هُوَ من ذَلِك اللَّفْظ فبناء الِاثْنَيْنِ وَمَا بعده إِلَى الْعشْرَة فَاعل، وَهُوَ مُضَاف إِلَى الِاسْم الَّذِي يبين بِهِ الْعدَد. ذكر سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الْبَاب من كِتَابه: ثَانِي اثْنَيْنِ، وثالث ثَلَاثَة إِلَى عَاشر عشرَة. فَإِذا قلت: هَذَا ثَانِي اثْنَيْنِ، أَو ثَالِث ثَلَاثَة، أَو رَابِع أَرْبَعَة فَمَعْنَاه أحد ثَلَاثَة، أَو بعض ثَلَاثَة، أَو تَمام ثَلَاثَة. وَقَوْلنَا فِي تَرْجَمَة الْبَاب: الِاسْم الَّذِي تبين بِهِ الْعدة كم هِيَ نعني ثَلَاثَة. وَقَوْلنَا: مَعَ تَمامهَا الَّذِي هُوَ من ذَلِك اللَّفْظ. نعني: ثَالِثا لِأَنَّهُ تَمام ثَلَاثَة، وَهَذَا التَّمام يبْنى على فَاعل، كَمَا قُلْنَا. فَيُقَال: ثَانِي اثْنَيْنِ، وثالث ثَلَاثَة، وتجري الأول مِنْهَا بِوُجُوه الْإِعْرَاب إِلَى عَاشر عشرَة. قَالَ الله تَعَالَى: {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة} . وَقَالَ {ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار} . وَقد كنت ذكرت فِي المبنيات من أحد عشر إِلَى تِسْعَة عشر مَا فِيهِ كِفَايَة، وَلَكِنِّي اذكر هَهُنَا مِنْهُ جملَة فِيهَا مَا لم أذكرهُ هُنَاكَ، إِذْ كَانَ هَذَا بَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. هَذَا الْبَاب يشْتَمل على ضَرْبَيْنِ: أَحدهَا، وَهُوَ الْأَكْثَر فِي كَلَام الْعَرَب على مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ: أَن يكون الأول من لفظ الثَّانِي على معنى أَنه تَمَامه وَبَعضه، وَهُوَ قَوْلك: ثَانِي اثْنَيْنِ، وثالث ثَلَاثَة، وعاشر عشرَة، وَلَا ينون هَذَا فينصب مَا بعده فَيُقَال: ثَالِث ثَلَاثَة لِأَن ثَالِثا فِي هَذَا لَيْسَ يجْرِي مجْرى الْفِعْل فَيصير بِمَنْزِلَة [قَوْلك] : ضَارب زيدا. وَإِنَّمَا هُوَ بعض ثَلَاثَة، وَأَنت لَا تَقول: بعض ثَلَاثَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وَقد اجْتمع النحويون على ذَلِك إِلَّا مَا ذكره أَبُو الْحسن بن كيسَان عَن أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب أَنه أجَاز ذَلِك. قَالَ أَبُو الْحسن: قلت لَهُ إِذا أجزت ذَلِك فقد أجريته مجْرى الْفِعْل فَهَل يجوز أَن تَقول: ثلثت ثَلَاثَة قَالَ: نعم، على معنى أتممت ثَلَاثَة. وَالْمَعْرُوف قَول الْجُمْهُور. وَقَالَ بَعضهم: سبعت الْقَوْم، وأسبعتهم: صيرتهم سَبْعَة. وسبعت الْحَبل أسبعه: فتلته على سبع قوى. وَكَانُوا سِتَّة فأسبعوا: صَارُوا سَبْعَة. وأسبعت الشَّيْء وسبعته: صيرته سَبْعَة. ودراهم وزن سَبْعَة، لأَنهم جعلُوا عشرَة دَارهم وزن سَبْعَة مَثَاقِيل. وَسبع الْمَوْلُود: حلق رَأسه وَذبح عَنهُ لسبعة. وَسبع الله لَك: رزقك سَبْعَة أَوْلَاد. وَسبع الله لَك: ضعف لَك مَا صنعت سبع مَرَّات. وسبعت الْإِنَاء غسلته سبعا ولهذه الْكَلِمَة تصاريف قد أبنتها فِي موَاضعهَا. فَإِذا زِدْت على الْعشْرَة، فَالَّذِي ذكره سِيبَوَيْهٍ بِنَاء الأول وَالثَّانِي، وَذَلِكَ حادي عشر، وَثَانِي عشر، وثالث عشر. فَفتح الأول وَالثَّانِي وجعلهما اسْما وَاحِدًا، وَجعل فتحهما كفتح ثَلَاثَة عشر، وَذكر أَن الأَصْل أَن يُقَال: حادي عشر أحد عشر، وثالث عشر ثَلَاثَة عشر. فَيكون حادي بِمَنْزِلَة ثَالِث لِأَن الثَّالِث قد استغرق حُرُوف ثَلَاثَة وَبني مِنْهَا، فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يسْتَغْرق حادي عشر حُرُوف أحد عشر. وَقد حَكَاهُ أَيْضا فَقَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: ثَالِث عشر ثَلَاثَة عشر، وَهُوَ الْقيَاس، وَقد أنكر أَبُو الْعَبَّاس هَذَا وَذكر أَنه غير مُحْتَاج إِلَى أَن يَقُول: ثَالِث عشر ثَلَاثَة عشر، وَأَن الَّذِي قَالَه سِيبَوَيْهٍ خلاف مَذْهَب الْكُوفِيّين. وَكَأن حجَّة الْكُوفِيّين فِيمَا يتَوَجَّه فِيهِ أَن ثَلَاثَة عشر لَا يُمكن أَن يبْنى من لَفْظهمَا فَاعل، وَإِنَّمَا يبْنى من لفظ أَحدهمَا وَهُوَ الثَّلَاثَة، فَذكر عشر مَعَ ثَالِث لَا وَجه لَهُ. وَقد قدمنَا احْتَاجَ سِيبَوَيْهٍ لذَلِك مَعَ حكايته إِيَّاه عَن بَعضهم. وَيجوز أَن يُقَال: إِنَّه لما لم يُمكن أَن يبْنى مِنْهُمَا فَاعل. وَبني من أَحدهمَا احْتِيجَ إِلَى ذكر الآخر لينفصل مَا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أحد ثَلَاثَة مِمَّا هُوَ أحد ثَلَاثَة عشر فَأتى بِاللَّفْظِ كُله. وَالضَّرْب الثَّانِي من الضربين أَن يكون التَّمام يجْرِي مجْرى اسْم الْفَاعِل الَّذِي يعْمل فِيمَا بعده، وَيكون لفظ التَّمام من عدد هُوَ أَكثر من المتمم بِوَاحِد كَقَوْلِك: ثَالِث اثْنَيْنِ، ورابع ثَلَاثَة، وعاشر تِسْعَة. وَيجوز أَن ينون الأول فَيُقَال: رَابِع ثَلَاثَة، وعاشر تِسْعَة لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من الْفِعْل. تَقول: كَانُوا ثَلَاثَة فربعتهم، وَتِسْعَة فعشرتهم. فَأَما عاشرهم، كَقَوْلِك: ضربت زيدا فَأَنا ضَارب زيدا، وضارب زيد. قَالَ الله تَعَالَى: {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سادسهم} . وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: فِيمَا زَاد على الْعشْرَة فِي هَذَا الْبَاب: رَابِع ثَلَاثَة عشر، كَمَا قلت: خَامِس أَرْبَعَة، وَلم يحكه عَن الْعَرَب وَالْقِيَاس عِنْد النَّحْوِيين أَن لَا يجوز ذَلِك وَقد ذكره الْمبرد عَن نَفسه، وَعَن الْأَخْفَش أَنهم لم يجيزوه لِأَن هَذَا الْبَاب يجْرِي مجْرى الْفَاعِل الْمَأْخُوذ من الْفِعْل، وَنحن لَا نقُول: ربعت ثَلَاثَة عشر، وَلَا أعلم أحدا حَكَاهُ، فَإِن صَحَّ أَن الْعَرَب قالته فقياسه مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ. وَأما قَوْلهم: حادي عشر، وَلَيْسَ حادي من لفظ وَاحِد. وَالْبَاب أَن يكون اسْم الْفَاعِل الَّذِي هُوَ تَمام من لفظ مَا هُوَ تَمَامه فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن حادي مقلوب من وَاحِد استثقالا للواو فِي أول اللَّفْظ، فَلَمَّا قلب صَار حادو، فَوَقَعت الْوَاو طرفا وَقبلهَا كسرة فقلبوها يَاء، كَمَا قَالُوا: غَازِي وَهُوَ من غزوت، وَأَصله غازو. وَذكر الْكسَائي انه سمع من الْأسد، أَبُو بعض عبد الْقَيْس: وَاحِد عشريا هَذَا. وَقَالَ بعض النَّحْوِيين، وَهُوَ الْفراء: حادي عشر من قَوْلك: يَحْدُو: أَي يَسُوق كَأَن الْوَاحِد الرائد يَسُوق الْعشْرَة وَهُوَ مَعهَا. وَأنْشد: (أَنعَت عشرا والظليم حادي ... كأنهن بأعالي الْوَادي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 يرفلن فِي ملاحف جِيَاد [أَرَادَ الظليم حادي عشر.] . وَفِي ثَالِث عشر وبابها ثَلَاثَة أوجه: فَإِن جِئْت بهَا على التَّمام على مَا ذكر سِيبَوَيْهٍ فَقلت: ثَالِث عشر ثَلَاثَة عشر، فتحت الْأَوَّلين والآخرين لَا يجوز غير ذَلِك. وَإِن حذفت فَقلت: ثَالِث ثَلَاثَة عشر أعربت ثَالِثا بِوُجُوه الْإِعْرَاب، وَفتحت الآخرين فَقلت: هَذَا ثَالِث ثَلَاثَة عشر، وَرَأَيْت ثَالِث ثَلَاثَة عشر، ومررت بثالث ثَلَاثَة عشر لَا يجوز غير ذَلِك عِنْد النَّحْوِيين كلهم. وَإِن حذفت مَا بَين ثَالِث وَعشر الْأَخير، فَالَّذِي ذكره سِيبَوَيْهٍ فتحهما جمعيا. وَذكر الْكُوفِيُّونَ أَنه يجوز أَن يجرى ثَالِث بِوُجُوه الْإِعْرَاب، وَيجوز أَن يفتح فَمن أجراه بِوُجُوه الْإِعْرَاب أَرَادَ: هَذَا ثَالِث ثَلَاثَة عشر، ومررت بثالث ثَلَاثَة عشر، ثمَّ حذف ثَلَاثَة تَخْفِيفًا، وبقى ثَالِثا على حكمه. وَمن بنى ثَالِثا مَعَ عشر أَقَامَهُ مقَام ثَلَاثَة حِين حذفهَا، وَهَذَا قَول قريب، وَلم يُنكره أَصْحَابنَا. وَقَالَ الْكسَائي، سَمِعت الْعَرَب تَقول: هَذَا ثَالِث عشر، وثالث عشر، فَرفعُوا ونصبوا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: هَذَا حادي أحد عشر إِذا كن عشر نسْوَة مَعَهُنَّ رجل لِأَن الْمُذكر يغلب الْمُؤَنَّث. وَمثل ذَلِك قَوْلك: خَامِس خَمْسَة إِذا كن أَربع نسْوَة فِيهِنَّ رجل، كَأَنَّك قلت: هُوَ تَمام خَمْسَة. وَتقول: هُوَ خَامِس أَربع، إِذا أردْت أَنه صير أَربع نسْوَة خمْسا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما بضعَة عشر فبمنزلة تِسْعَة عشر فِي كل شَيْء. وبضع عشرَة، كتسع عشرَة فِي كل شَيْء، قَالَ الْفَارِسِي: بضعَة بِالْهَاءِ: عدد مُبْهَم من ثَلَاثَة إِلَى تِسْعَة من الْمُذكر. وبضع بِغَيْر الْهَاء عدد مُبْهَم من ثَلَاث إِلَى تسع من الْمُؤَنَّث، وَهِي تجرى مُفْردَة. وَمَعَ الْعشْرَة مجْرى الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة فِي الْإِعْرَاب وَالْبناء تَقول: هَؤُلَاءِ بضعَة رجال، وبضع نسْوَة، قَالَ الله تَعَالَى: {وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} . وَفِيمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 زَاد على الْعشْرَة: هَؤُلَاءِ بضعَة عشر رجلا، وبضع عشرَة امْرَأَة وَهِي مُشْتَقَّة - وَالله أعلم - من بضعت الشَّيْء: إِذا قطعته كَأَنَّهُ قِطْعَة من الْعدَد، وَقد كَانَ حَقه أَن يذكر فِي الْبَاب الأول لِأَن هَذَا الْبَاب إِنَّمَا ذكر فِيهِ الْعدَد المتمم نَحْو ثَالِث ثَلَاثَة، ورابع أَرْبَعَة. وَلكنه ذكرهَا هَهُنَا لترى أَنه لَيْسَ بِمَنْزِلَة ثَالِث عشر، أَو ثَالِثَة عشرَة، فاعلمه. وَمن قَول الْكسَائي: هَذَا الْجُزْء الْعَاشِر عشْرين. وَمن قَول سِيبَوَيْهٍ وَالْفراء: هَذَا الْجُزْء الْعشْرُونَ، وَهَذِه الورقة الْعشْرُونَ، على معنى تَمام الْعشْرين، فتحذف التَّمام وتقيم الْعشْرين مقَامه. وَكَذَلِكَ تَقول: هَذَا الْجُزْء الْوَاحِد وَالْعشْرُونَ، والأحد وَالْعشْرُونَ، وَهَذِه الورقة الإحدى وَالْعشْرُونَ والواحدة وَالْعشْرُونَ. وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَالْعشْرُونَ، وَالثَّانيَِة وَالْعشْرُونَ، وَمَا بعده إِلَى قَوْلك: التَّاسِع وَالْعشْرُونَ. وَتقول: هُوَ الأول، وَالثَّانِي، وَالثَّالِث، وَالرَّابِع، وَالْخَامِس وَقد قَالُوا. الخامي. قَالَ أَبُو عَليّ: وَهُوَ من شَاذ المحول، كَقَوْلِهِم: أمليت فِي أمللت، وَلَا أملاه يُرِيدُونَ: لَا أمله إِلَّا أَن هَذَا حول للتضعيف. وخامس لَيْسَ فِيهِ تَضْعِيف، فَإِذا هُوَ من بَاب حسيت وأحست فِي حسست وأحسست. وَقَالُوا: سادس وساد على حد خام، وَأنْشد ابْن السّكيت: (إِذا مَا عد أَرْبَعَة فَسَالَ ... فزوجك خَامِس وحموك سادي) وَفِي هَذَا ثَلَاث لُغَات: جَاءَ سادسا، وساديا، وساتا. فَمن قَالَ سادسا أخرجه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الأَصْل، وَمن قَالَ ساتا فعلى اللَّفْظ، وَمن قَالَ ساديا فعلى الْإِبْدَال والتحويل، الَّذِي قدمنَا، وَأنْشد ابْن السّكيت: (بويزل أَعْوَام أذاعت بِخَمْسَة ... وتجعلني إِن لم يق الله ساديا) وَأنْشد أَيْضا: (مضى ثَلَاث سِنِين مذ حل بهَا ... وعام حلت وَهَذَا التَّابِع الخامي) يُرِيد الْخَامِس. قَالَ أَبُو عَليّ: فِي الْعُقُود كلهَا هُوَ الموفي كَذَا، وَهِي الموفية كَذَا كَقَوْلِك: الموفي عشْرين، والموفية عشْرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 هَذَا بَاب الْمُؤَنَّث الَّذِي يَقع على الْمُؤَنَّث والمذكر وَأَصله التَّأْنِيث اعْلَم أَن الْمُذكر قد يعبر عَنهُ بِاللَّفْظِ الْمُؤَنَّث فجري حكم اللَّفْظ على التَّأْنِيث وَإِن كَانَ الْمعبر عَنهُ مذكرا فِي الْحَقِيقَة، وَيكون ذَلِك بعلامة التَّأْنِيث، وَبِغير عَلامَة. فَأَما مَا كَانَ بعلامة التَّأْنِيث فقولك: هَذِه شَاة، وَإِن أردْت تَيْسًا، وَهَذِه بقرة، وَإِن أردْت ثوارا، وَهَذِه حمامة، وَهَذِه بطة وَإِن أردْت الذّكر. وَأما مَا كَانَ بِغَيْر عَلامَة فقولك: عِنْدِي ثَلَاث من الْغنم، وَثَلَاث من الْإِبِل، وَقد جعلت الْعَرَب الْإِبِل وَالْغنم مؤنثين، وَجعلت الْوَاحِد مِنْهُمَا مؤنث اللَّفْظ، كَأَن فِيهَا هَاء، وَإِن كَانَ مذكرا فِي الْمَعْنى، كَمَا جعلت الْعين وَالْأُذن وَالرجل مؤنثات بِغَيْر عَلامَة. فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم لَا يُقَال: هَذِه طَلْحَة لرجل يُسمى طَلْحَة لتأنيث اللَّفْظ، كَمَا قَالُوا: هَذِه بقرة للثور. فَالْجَوَاب أَن طَلْحَة لقب وَلَيْسَ باسم مَوْضُوع لَهُ فِي الأَصْل، وَأَسْمَاء الْأَجْنَاس مَوْضُوعَة لَهَا لَازِمَة ... فرقت الْعَرَب بَينهمَا وَقد ذكر سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الْبَاب أَشْيَاء مَحْمُولَة على الأَصْل الَّذِي ذكرته، وَأَشْيَاء قريبَة مِنْهَا. وَأَنا أسوق ذَلِك وأفسر مَا أحتاج مِنْهُ إِلَى تَفْسِيره. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَإِذا جِئْت بالأسماء الَّتِي تبين بهَا الْعدة أجريت الْبَاب على التَّأْنِيث فِي التَّثْلِيث إِلَى تسع عشرَة وَذَلِكَ قَوْلك: لَهُ ثَلَاث شِيَاه ذُكُور، وَله ثَلَاث من الشَّاء، فاجريت ذَلِك على الأَصْل لِأَن الشَّاء أَصْلهَا التَّأْنِيث، وَإِن وَقعت على الْمُذكر، كَمَا أَنَّك تَقول: هَذِه غنم ذُكُور فالغنم مُؤَنّثَة، وَقد تقع على الْمُذكر. قَالَ أَبُو سعيد، يَعْنِي أَنَّهَا تقع على مَا فِيهَا من الْمُذكر من التيوس والكباش. وَيُقَال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 هَذِه غنم، وَإِن كَانَت كلهَا كباشا، أَو تيوسا. وَكَذَلِكَ عِنْدِي ثَلَاث من الْغنم، وَإِن كَانَت كباشا، أَو تيوسا لِأَنَّهُ جعل الْوَاحِد مِنْهَا كَأَن فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث، كَمَا جعلت الْعين وَالرجل كَأَن فيهمَا عَلامَة التَّأْنِيث. وَقَالَ الْخَلِيل: قَوْلك: هَذَا شَاة، بِمَنْزِلَة قَوْلك: {هَذَا رَحْمَة من رَبِّي} . قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد أَن تذكير هَذَا مَعَ تَأْنِيث شَاة كتذكير هَذَا مَعَ تَأْنِيث رَحْمَة. والتأويل فِي ذَلِك كانك قلت: هَذَا الشَّيْء شَاة، وَهَذَا الشَّيْء رَحْمَة من رَبِّي. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: لَهُ خمس من الْإِبِل ذُكُور، وَخمْس من الْغنم ذُكُور من قبل أَن الْإِبِل وَالْغنم اسمان مؤنثان، كَمَا أَن مَا فِيهِ الْهَاء مؤنث الأَصْل، وَإِن وَقع على الْمُذكر، فَلَمَّا كَانَ الْإِبِل وَالْغنم كَذَلِك جَاءَ تثليثهما على التَّأْنِيث لِأَنَّك إِنَّمَا أردْت التَّثْلِيث من اسْم مؤنث بِمَنْزِلَة قدم، وَلم يكسر عَلَيْهِ مُذَكّر للْجمع. فالتثليث مِنْهُ كتثليث مَا فِيهِ الْهَاء كَأَنَّك قلت: هَذِه ثَلَاث غنم، فَهَذَا يُوضح، وَإِن كَانَ لَا يتَكَلَّم بِهِ، كَمَا تَقول: ثَلَاثمِائَة، فتدع الْهَاء لِأَن الْمِائَة أُنْثَى. قَالَ أَبُو سعيد: قَول سِيبَوَيْهٍ الْغنم وَالْإِبِل وَالشَّاء مؤنثات. يُرِيد أَن كل وَاحِد مِنْهَا إِذا قرن بِمَنْزِلَة مؤنث فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث، أَو مؤنث لَا عَلامَة فِيهِ، كَقَوْلِك: هَذِه ثَلَاث من الْغنم: وَلم تقل: ثَلَاثَة، وَإِن أردْت بهَا كباشا وتيوسا. وَكَذَلِكَ ثَلَاث من الْإِبِل، وَإِن أردْت بهَا مذكرا أَو مؤنثا. وَقَوله: بِمَنْزِلَة قدم لَان الْقدَم أُنْثَى بِغَيْر عَلامَة. وَكَذَلِكَ الثَّلَاث. فقولك: ثَلَاث من الْإِبِل وَالْغنم، لَا يفرد لَهَا وَاحِد فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث. وَقَوله: لم يكسر عَلَيْهِ مُذَكّر للْجمع، يَعْنِي لم يقل ثَلَاثَة ذُكُور، فَيكون ذُكُور جمعا مكسرا لذكر فَتذكر ثَلَاثَة من أجل ذَلِك. وَقَوله: كَأَنَّك قلت هَذِه ثَلَاث غنم يُرِيد كَأَن غنما تكسير للْوَاحِد الْمُؤَنَّث، كَمَا تَقول: ثَلَاثمِائَة، فَتتْرك الْهَاء من ثَلَاث لِأَن الْمِائَة مُؤَنّثَة، وَمِائَة وَاحِد فِي معنى جمع لمؤنث. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: ثَلَاث من البط لِأَنَّك تصيره إِلَى بطة. قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد: كَأَنَّك قلت لَهُ: ثَلَاث بطات من البط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: لَهُ ثَلَاثَة ذُكُور من الْإِبِل لِأَنَّك لم تَجِيء بِشَيْء من التَّأْنِيث، وَإِنَّمَا ثلثت الْمُذكر، ثمَّ جِئْت بالتفسير. فَمن الْإِبِل لَا تذْهب الْهَاء، كَمَا أَن قَوْلك ذُكُور بعد قَوْلك من الْإِبِل لَا تثبت الْهَاء. قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد أَن الحكم فِي اللَّفْظ للسابق من لفظ الْمُؤَنَّث أَو الْمُذكر، فَإِذا قلت: ثَلَاث من الْإِبِل أَو الْغنم ذُكُور نزعت الْهَاء لِأَن قَوْلك من الْإِبِل أَو من الْغنم يُوجب التَّأْنِيث وَإِنَّمَا قلت ذُكُور بعد مَا يُوجب تَأْنِيث اللَّفْظ فَلم تغير. وَكَذَلِكَ إِذا قلت: ثَلَاثَة ذُكُور من الْإِبِل فقد لزم حكم التَّذْكِير بِقَوْلِك: ثَلَاثَة ذُكُور. فَإِذا قلت بعد ذَلِك من الْإِبِل لم يتَغَيَّر اللَّفْظ الأول. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: ثَلَاثَة أشخص، وَإِن عنيت نسَاء لِأَن الشَّخْص اسْم مُذَكّر. قَالَ أَبُو سعيد: هَذَا ضد الأول لِأَن الأول تؤنثه للفظ وَهُوَ مُذَكّر فِي الْمَعْنى، وَهَذَا تذكره للفظ وَهُوَ مؤنث فِي الْمَعْنى. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمثله قَوْلهم: ثَلَاث أعين، وَإِن كَانُوا رجَالًا لِأَن الْعين مُؤَنّثَة. قَالَ أَبُو سعيد: وَهَذَا يشبه الأول، وَإِنَّمَا أنثوا لأَنهم جعلُوا الرِّجَال كَأَنَّهُمْ أعين من ينظرُونَ لَهُم. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالُوا: ثَلَاثَة أنفس، لِأَن النَّفس عِنْدهم إِنْسَان، أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ: نفس وَاحِد فَلَا يدْخلُونَ الْهَاء. قَالَ أَبُو سعيد: النَّفس مؤنث، وَقد حمل على الْمَعْنى فِي قَوْلهم: ثَلَاثَة أنفس إِذا أُرِيد بِهِ الرِّجَال. قَالَ الشَّاعِر - وَهُوَ الحطيئة -: (ثَلَاثَة أنفس وَثَلَاث ذود ... لقد جَار الزَّمَان على عيالي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 يُرِيد ثَلَاثَة أناسي. قَالَ: وَتقول: ثَلَاثَة نسابات، وَهُوَ قَبِيح وَذَلِكَ أَن النسابة صفة فَكَأَنَّهُ لفظ بمذكر، ثمَّ وَصفه، وَلم يَجْعَل الصّفة تقوى قُوَّة الِاسْم، فَإِنَّمَا تَجِيء كَأَنَّك لفظت بالمذكر ثمَّ وَصفته كَأَنَّك قلت: ثَلَاثَة رجال نسابات. وَتقول ثَلَاثَة دَوَاب، إِذا أردْت الْمُذكر لِأَن أصل الدَّابَّة عِنْدهم صفة، وَإِنَّمَا هِيَ من دببت، فأجروها على الأَصْل وَإِن كَانَ لَا يتَكَلَّم بهَا إِلَّا كَمَا يتَكَلَّم بالأسماء كَمَا أَن أبطح صفة، وَاسْتعْمل اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء. قَالَ أَبُو سعيد: الأَصْل أَن أَسمَاء الْعدَد تفسر بالأنواع، فَيُقَال: ثَلَاثَة رجال وَأَرْبَعَة أَثوَاب، فَلذَلِك لم يعْمل على تَأْنِيث مَا أضيف إِلَيْهِ، إِذْ كَانَ صفة وَقدر قبله الْمَوْصُوف، وَجعل حكم تذكير الْعدَد على ذَلِك الْمَوْصُوف، فَيكون التَّقْدِير ثَلَاثَة رجال نسابات، وَثَلَاثَة ذُكُور دَوَاب، وَإِن كَانُوا قد حذفوا الْمَوْصُوف فِي دَابَّة لكثرته فِي كَلَامهم، كَمَا أَن أبطح صفة فِي الأَصْل لأَنهم يَقُولُونَ: أبطح وبطحاء، كَمَا يُقَال: أَحْمَر وحمراء وهم يَقُولُونَ: كُنَّا فِي الأبطح، ونزلنا فِي الْبَطْحَاء، فَلَا يذكرُونَ الْمَوْصُوف، كَأَنَّهُمَا اسمان. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: ثَلَاث أَفْرَاس، إِذا أردْت الْمُذكر لِأَن الْفرس قد ألزموه التَّأْنِيث، وَصَارَ فِي كَلَامهم للمؤنث أَكثر مِنْهُ للمذكر حَتَّى صَار بِمَنْزِلَة الْقدَم، كَمَا أَن النَّفس فِي الْمُذكر أَكثر. قَالَ أَبُو سعيد، أنث ثَلَاث أَفْرَاس فِي هَذَا الْموضع لِأَن لفظ الْفرس مؤنث، وَإِن وَقع على مُذَكّر، وَقد ذكره فِي الْبَاب الأول حَيْثُ قَالَ: خَمْسَة أَفْرَاس، إِذا كَانَ الْوَاحِد مذكرا وَهَذَا الْمَعْنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: سَار خمس عشرَة من بَين يَوْم وَلَيْلَة لِأَنَّك ألقيت الِاسْم على اللَّيَالِي، ثمَّ بيّنت فَقلت: من بَين يَوْم وَلَيْلَة، أَلا ترى أَنَّك تَقول: لخمس بَقينَ، أَو خلون. وَيعلم الْمُخَاطب أَن الْأَيَّام قد دخلت فِي اللَّيَالِي، فَإِذا ألْقى الِاسْم على اللَّيَالِي اكْتفى بذلك عَن ذكر الْأَيَّام كَمَا أَنه يَقُول: أَتَيْته ضحوة وبكرة، فَيعلم الْمُخَاطب أَنَّهَا ضحوة يَوْمك، وبكرة يَوْمك. وَأَشْبَاه هَذَا فِي الْكَلَام كثير، فَإِنَّمَا قَوْله: من بَين يَوْم وَلَيْلَة توكيد بَعْدَمَا وَقع على اللَّيَالِي لِأَنَّهُ قد علم أَن الْأَيَّام دَاخِلَة مَعَ اللَّيَالِي. وَقَالَ الشَّاعِر - وَهُوَ النَّابِغَة الْجَعْدِي -: (فطافت ثَلَاثًا بَين يَوْم وَلَيْلَة ... وَكَانَ النكير أَن تضيف وتجأرا) قَالَ أَبُو عَليّ: اعْلَم أَن الْأَيَّام والليالي إِذا اجْتمعت غلب التَّأْنِيث على التَّذْكِير وَهُوَ على خلاف الْمَعْرُوف من غَلَبَة التَّذْكِير على التَّأْنِيث فِي عَامَّة الْأَشْيَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن ابْتِدَاء الْأَيَّام اللَّيَالِي لِأَن دُخُول الشَّهْر الْجَدِيد من شهور الْعَرَب بِرُؤْيَة الْهلَال. والهلال يرى فِي أول اللَّيْل، فَتَصِير اللَّيْلَة مَعَ الْيَوْم الَّذِي بعْدهَا يَوْمًا فِي حِسَاب أَيَّام الشَّهْر، وَاللَّيْلَة هِيَ السَّابِقَة فَجرى الحكم لَهَا فِي اللَّفْظ، فَإِذا أبهمت وَلم تذكر الْأَيَّام، وَلَا اللَّيَالِي جرى اللَّفْظ على التَّأْنِيث فَقلت: أَقَامَ زيد عندنَا ثَلَاثًا، تُرِيدُ ثَلَاثَة أَيَّام وَثَلَاث لَيَال. قَالَ الله عز وَجل: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} . يُرِيد عشرَة أَيَّام مَعَ اللَّيَالِي فأجري اللَّفْظ على اللَّيَالِي وأنث وَلذَلِك جرت الْعَادة فِي التوريخ بالليالي، فَيُقَال: لخمس خلون، ولخمس بَقينَ، يُرِيد لخمس لَيَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَكَذَلِكَ لَا ثِنْتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت فَلذَلِك قَالَ: سَار خمس عشرَة، فجَاء بهَا على تَأْنِيث اللَّيَالِي، ثمَّ وكد بقوله: من بَين يَوْم وَلَيْلَة. وَمثله قَول النَّابِغَة: (فطافت ثَلَاثًا بَين يَوْم وَلَيْلَة ... ) وَمعنى الْبَيْت أَنه يصف بقرة وحشية فقدت وَلَدهَا فطافت ثَلَاث لَيَال وأيامها تطلبه، وَلم تقدر أَن تنكر من الْحَال الَّتِي دفعت إِلَيْهَا أَكثر من أَن تضيف، وَمَعْنَاهُ: تشفق وتحذر. وتجأر: مَعْنَاهُ تصيح فِي طلبَهَا لَهُ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: أعطَاهُ خَمْسَة عشر من بَين عبد وَجَارِيَة لَا يكون فِي هَذَا إِلَّا هَذَا لِأَن الْمُتَكَلّم لَا يجوز لَهُ أَن يَقُول: خَمْسَة عشر عبدا، فَيعلم أَن ثمَّ من الْجَوَارِي بِعدَّتِهِمْ، وَلَا خمس عشرَة جَارِيَة، فَيعلم أَن ثمَّ من العبيد بعدتهن، فَلَا يكون هَذَا إِلَّا مختلطا يَقع عَلَيْهِم الِاسْم الَّذِي بَين بِهِ الْعدَد. قَالَ أَبُو سعيد: بَين الْفرق بَين هَذَا وَبَين خمس عشرَة لَيْلَة لِأَن خمس عشرَة لَيْلَة يعلم أَن مَعهَا أَيَّامًا بعدتها، وَإِذا، فَإِذا قلت خمس عشرَة بَين يَوْم وَلَيْلَة، فَالْمُرَاد خمس عشرَة لَيْلَة، وَخَمْسَة عشر يَوْمًا. وَإِذا قلت: خَمْسَة عشر من بَين عبد وَجَارِيَة، فبعض الْخَمْسَة عشرَة عبيد، وَبَعضهَا جوَار فاختلط الْمُذكر والمؤنث، وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْأَيَّام، فَوَجَبَ التَّذْكِير. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد يجوز فِي الْقيَاس خَمْسَة عشر من بَين يَوْم وَلَيْلَة، وَلَيْسَ بِحَدّ كَلَام الْعَرَب. قَالَ أَبُو سعيد: إِنَّمَا جَازَ ذَلِك لأَنا قد نقُول: ثَلَاثَة أَيَّام وَنحن نريدها مَعَ لياليها، كَمَا نقُول: ثَلَاث لَيَال، وَنحن نريدها مَعَ أَيَّامهَا. قَالَ الله تَعَالَى لزكريا عَلَيْهِ السَّلَام: {آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رمزا} . وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال سويا} . وَهِي قصَّة وَاحِدَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول: ثَلَاث ذود لِأَن الذود أُنْثَى، وَلَيْسَت باسم كسر عَلَيْهِ مُذَكّر. قَالَ أَبُو سعيد: ثَلَاث ذود يجوز أَن تُرِيدُ بِهن ذُكُورا وتؤنث اللَّفْظ كَقَوْلِك: ثَلَاث من الْإِبِل. فالذود بِمَنْزِلَة الْإِبِل وَالْغنم. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما ثَلَاثَة أَشْيَاء، فقالوها لأَنهم جعلُوا أَشْيَاء بِمَنْزِلَة أَفعَال لَو كسروا عَلَيْهَا فعلا، وَصَارَ بَدَلا من أَفعَال. قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد أَن أَشْيَاء، وَإِن كَانَ مؤنثا لَا يشبه الذود، وَكَانَ حق هَذَا على مَوْضُوع سِيبَوَيْهٍ الظَّاهِر أَن يُقَال: ثَلَاث أَشْيَاء لِأَن أَشْيَاء اسْم مؤنث وَاحِد مَوْضُوع للْجمع على قَوْله، وَقَول الْخَلِيل لِأَن وَزنه عِنْده فعلاء، وَلَيْسَ بمكسر. كَمَا أَن غنما وإبلا وذودا أَسمَاء مُؤَنّثَة، وَلَيْسَت بجموع مكسرة فَجعل وَاحِد كل اسْم من هَذِه الْأَسْمَاء كَأَنَّهُ مؤنث فَقَالَ: جعلُوا أَشْيَاء هِيَ الَّتِي لَا تَنْصَرِف ووزنها فعلاء نائبة عَن جمع شَيْء لَو كسر على الْقيَاس وَشَيْء إِذا كسر على الْقيَاس فحقه أَن يُقَال: أَشْيَاء، كَمَا يُقَال: بَيت وأبيات، وَشَيخ وأشياخ. فَقَالُوا: ثَلَاثَة أَشْيَاء، كَمَا يُقَال: ثَلَاثَة لَو كسروا شَيْئا على الْقيَاس. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمثل ذَلِك ثَلَاثَة رجلة فِي جمع رجل لِأَن رجلة صَار بَدَلا من أرجال. قَالَ أَبُو سعيد: أَرَادَ أَنهم قَالُوا: ثَلَاثَة رجلة ورجلة مؤنث وَلَيْسَ بِجمع مكسر لِأَن فعلة لَيْسَ فِي الجموع المكسرة لأَنهم جعلُوا رجلة نَائِبا عَن أرجال ومكتفى بهَا من أرجال، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: ثَلَاثَة أرجال لِأَن رجلا وَزنه وزن عجز وعضد، وَيجمع على أعجاز وأعضاد. وَلَيْسَت الْإِبِل وَالْغنم والذود من ذَلِك لِأَنَّهُ لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَزعم يُونُس عَن رؤبة أَنه قَالَ: ثَلَاث أنفس على تَأْنِيث النَّفس، كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 يُقَال: ثَلَاث أعين للعين من النَّاس، وكما يُقَال: ثَلَاث أشخص فِي النِّسَاء. قَالَ الشَّاعِر: [وَهُوَ رجل من بني كلاب] : (وَإِن كلابا هَذِه عشر أبطن ... وَأَنت بَرِيء من قبائلها الْعشْر) يُرِيد عشر قبائل لِأَنَّهُ يُقَال للقبيلة: بطن من بطُون الْعَرَب. وَقَالَ الْكلابِي: (قبائلنا سبع وَأَنْتُم ثَلَاثَة ... وللسبع خير من ثَلَاث وَأكْثر) فَقَالَ: وَأَنْتُم ثَلَاثَة فَذكر على تَأْوِيل ثَلَاثَة أبطن، أَو ثَلَاثَة أَحيَاء، ثمَّ ردهَا إِلَى معنى الْقَبَائِل، فَقَالَ: وللسبع خير من ثَلَاث، على معنى ثَلَاث قبائل. وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة. (فَكَانَ نصيري دون من كنت أتقي ... ثَلَاث شخوص كاعبان ومعصر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 فأنث الشخوص لِأَن الْمَعْنى ثَلَاث نسْوَة. وَمِمَّا يُقَوي الْحمل على الْمَعْنى، وَإِن لم يكن من الْعدَد مَا حَكَاهُ أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد أَنه سمع من الْأَعْرَاب من يَقُول: إِذا قيل: أَيْن فُلَانَة وَهِي قريبَة: هَا هوذه. قَالَ: فأنكرت ذَلِك عَلَيْهِ، فَقَالَ: قد سمعته من أَكثر من مائَة الْأَعْرَاب وَقَالَ: قد سَمِعت من يفتح الذَّال فَيَقُول: هَا هوذا، فَهَذَا يكون مَحْمُولا مرّة على الشَّخْص، وَمرَّة على الْمَرْأَة، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف: هَا هِيَ ذه، والمذكر: هَا هُوَ ذَا. وَزعم أَبُو حَاتِم أَن أهل مَكَّة يَقُولُونَ: هُوَ ذَا، وَأهل مَكَّة أفْصح من أهل الْعرَاق. وَأهل الْمَدِينَة أفْصح من أهل مَكَّة فَهَذَا شَيْء عرض. ثمَّ نعود إِلَى بَاب الْعدَد، وَكَانَ الْفراء لَا يُجِيز أَن ينسق على الْمُؤَنَّث بالمذكر، وَلَا على الْمُذكر بالمؤنث، وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت: عِنْدِي سِتَّة رجال وَنسَاء، فقد عقدت أَن عِنْدِي سِتَّة رجال، فَلَيْسَ لي أَن أجعَل بَعضهم مذكرا وَبَعْضهمْ مؤنثا، وَقد عقدت أَنهم مذكرون. وَإِذا قلت عِنْدِي ثَلَاث بَنَات عرس، وَأَرْبع بَنَات آوى، وَكَانَ الِاخْتِيَار أَن تدخل الْهَاء فِي الْعدَد فَتَقول: عِنْدِي ثَلَاثَة بَنَات عرس، وَأَرْبَعَة بَنَات آوى، الِاخْتِيَار أَن تدخل الْهَاء فِي الْعدَد لِأَن الْوَاحِد ابْن عرس، وَابْن آوى. وَقَالَ الْفراء: كَانَ بعض من مضى من أهل النَّحْو يَقُول: ثَلَاث بَنَات عرس، وَثَلَاث بَنَات آوى، وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا يجمع بِالتَّاءِ من الذكران، وَيَقُولُونَ: لَا يجْتَمع ثَلَاثَة وَبَنَات، وَلَكنَّا نقُول: ثَلَاث بَنَات عرس ذُكُور، وَثَلَاث بَنَات آوى، وَمَا أشبه ذَلِك، وَلم يصنعوا شَيْئا لِأَن الْعَرَب تَقول: لي حمامات ثَلَاثَة. والطلحات الثَّلَاثَة عندنَا، يُرِيد رجَالًا أَسمَاؤُهُم الطلحات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 بَاب النّسَب إِلَى الْعدَد قَالَ الْفراء: إِذا نسبت إِلَى ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة فَإِن كَانَ يُرَاد من بني ثَلَاثَة، أَو أعطي ثَلَاثَة، قلت: ثلاثي، وَإِن كَانَ ثوبا، أَو شَيْئا طوله ثَلَاث أَذْرع، قلت: ثلاثي، إِلَى الْعشْر، الْمُذكر فِيهِ كالمؤنث، والمؤنث كالمذكر، أَرَادوا بذلك أَن يفرقُوا بَين الشَّيْئَيْنِ أَعنِي النسبتين لاختلافهما، كَمَا نسبوا إِلَى الرجل الْقَدِيم دهري وَإِن كَانَ من بني دهر من بني عَامر، قلت: دهري لَا غير. فَإِذا نسبت إِلَى عشْرين، فَأَنت تَقول: هَذَا عشري، وثلاثي إِلَى آخر الْعدَد، وَذَلِكَ أَنهم أَرَادوا أَن يفرقُوا بَين الْمَنْسُوب إِلَى ثَلَاثِينَ وَثَلَاثَة، فَجعلُوا الْوَاو يَاء، كَمَا جعلت فِي السيلحين وَأَخَوَاتهَا إِذا احتاجوا إِلَى ذَلِك. قَالَ أَبُو عَليّ: فعلوا ذَلِك لِئَلَّا يجمعوا بَين إعرابين. وَقَالَ الْفراء: إِذا نسبت إِلَى خَمْسَة عشر، وَإِلَى خَمْسَة وَعشْرين، فَالْقِيَاس أَن تنْسب إِلَيْهِ خمسي، أَو ستي، وَإِنَّمَا نسبت إِلَى الأول وَلم تنْسب إِلَى الآخر لِأَن ذَلِك ينْسب إِلَيْهِ خماسي، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَة نسبتك إِلَى ذِي الْعِمَامَة عمامي، وَلَا تقل: ذووي لِأَن ذُو ثَابت يُضَاف إِلَى كل شَيْء مُخْتَلف وَغير مُخْتَلف. وَإِذا نسبت ثوبا إِلَى أَن طوله وَعرضه اثْنَا عشر ذِرَاعا، قلت: هَذَا ثوب ثنوي، وَهَذَا ثوب اثْنَي. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَحْمَر: إِن كَانَ الثَّوْب طوله أحد عشر ذِرَاعا، لم أنسب إِلَيْهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 كَقَوْل من يَقُول: أحد عشري بِالْيَاءِ. وَلَكِن يُقَال: طوله أحد عشر ذِرَاعا، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ طوله عشْرين فَصَاعِدا مثله. وَقد غلط أَبُو عبيد هَهُنَا حِين ذكر الذارع فَقَالَ: أحد عشر ذِرَاعا، وَلَا يذكرهَا أحد. وَقَالَ السجسْتانِي: لَا يُقَال حَبل أحد عشري، وَلَا مَا جَاوز ذَلِك، وَلَا مَا ينْسب إِلَى اسْمَيْنِ جعلا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد. وَإِذا نسبت إِلَى أَحدهمَا لم يعلم أَنَّك تُرِيدُ الآخر وَإِن اضطررت إِلَى ذَلِك نسبته إِلَى أَحدهمَا ثمَّ نسبته إِلَى الآخر، كَمَا قَالَ الشَّاعِر لما أَرَادَ النّسَب إِلَى رام هُرْمُز: (تَزَوَّجتهَا رامية هرمزية ... بِفضل الَّذِي أعْطى الْأَمِير من الرزق) وَإِذا نسبت ثوبا إِلَى أَن طوله أحد عشر قلت: أحدي عشري، وَإِن كَانَ طوله إِحْدَى عشرَة، قلت: إحدوي عشري. وَإِن كنت مِمَّن يَقُول: عشرَة قلت: إحدوي عشري، فتفتح الْعين والشين، كَمَا تَقول فِي النِّسْبَة إِلَى النمر: نمري. وَقَالَ: لَا يقبح هَذَا التكرير مَخَافَة أَن لَا يفهم إِذا أفرد أَلا تراهم يَقُولُونَ: الله رَبِّي، وَرب زيد، فيكررون لخفاء المكني المخفوض إِذا وَقع موقع التَّنْوِين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 بَاب ذكر المعدول عَن جِهَته من عدد الْمُذكر والمؤنث اعْلَم أَن المعدول عَن جِهَته من الْعدَد يمْنَع الإجراء، وَيكون للمذكر والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد. تَقول: أدخلُوا أحاد أحاد، وَأَنت تَعْنِي: وَاحِدًا وَاحِدًا، أَو وَاحِدَة وَاحِدَة، وادخلوا ثَنَاء ثَنَاء، وَأَنت تَعْنِي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَو اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ أدخلُوا ثَلَاث ثَلَاث، وَربَاع رباع. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل عَن أحاد، وثناء، ومثنى، وَثَلَاث، وَربَاع، فَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَة أخر، وَإِنَّمَا حَده وَاحِدًا وَاحِدًا [واثنين اثْنَيْنِ] ، فجَاء محدودا عَن وَجهه، فَترك صرفه. قلت أفتصرفه فِي النكرَة. قَالَ: لَا لِأَنَّهُ نكرَة تُوصَف بِهِ نكرَة. قَالَ أَبُو سعيد: اعْلَم أَن أحاد، وثناء، قد عدل لَفظه وَمَعْنَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت: مَرَرْت بِوَاحِد، أَو اثْنَيْنِ، أَو ثَلَاثَة فَإِنَّمَا تُرِيدُ تِلْكَ الْعدة بِعَينهَا لَا أقل مِنْهَا وَلَا أَكثر. فَإِذا قلت: جَاءَنِي قوم أحاد، أَو ثَنَاء، أَو ثَلَاث، أَو رباع، فَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنهم جاؤوني وَاحِدًا وَاحِدًا، أَو اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَو ثَلَاثَة ثَلَاثَة، أَو أَرْبَعَة أَرْبَعَة، وَإِن كَانُوا ألوفا. وَالْمَانِع من الصّرْف فِيهِ أَرْبَعَة أقاويل: مِنْهُم من قَالَ: إِنَّه صفة ومعدول، فاجتمعت عِلَّتَانِ فمنعتاه الصّرْف. وَمِنْه من قَالَ: إِنَّه عدل فِي اللَّفْظ وَفِي الْمَعْنى، فَصَارَ كَأَن فِيهِ عَدْلَيْنِ، وهما عِلَّتَانِ: فَأَما عدل اللَّفْظ فَمن وَاحِد إِلَى أحاد، وَمن اثْنَيْنِ إِلَى ثَنَاء. وَأما عدل الْمَعْنى، فتغيير الْعدة المحصورة بِلَفْظ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة إِلَى أَكثر من ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى. وَقَول ثَالِث: أَنه عدل، وَأَن عدله وَقع من غير جِهَة الْعدْل لِأَن بَاب الْعدْل حَقه أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 يكون للمعارف، وَهَذَا للنكرات. وَقَول رَابِع: أَنه معدول، وَأَنه جمع لِأَنَّهُ بِالْعَدْلِ، قد صَار أَكثر من الْعدة الأولى، وَفِي ذَلِك كُله لُغَتَانِ: فعال، ومفعل كَقَوْلِك: أحاد وموحد، وثناء ومثنى، وَثَلَاث ومثلث، وَربَاع ومربع. وَقد ذكر الزّجاج أَن الْقيَاس لَا يمْنَع أَن يبْنى مِنْهُ إِلَى الْعشْرَة على هذَيْن البناءين، فَيُقَال: خماس ومخمس، وسداس ومسدس، وسباع ومسبع، وثمان ومثمن، وتساع ومتسع، وعشار ومعشر. وَقد صرح بِهِ كثير من اللغويين، مِنْهُم ابْن السّكيت، وَالْفراء، وَبَعض النَّحْوِيين يَقُولُونَ: إِنَّهَا معرفَة فاستدل أَصْحَابنَا على تنكيره بقوله تَعَالَى: {أولي أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث وَربَاع} ، فوصف أَجْنِحَة، وَهُوَ نكرَة بمثنى وَثَلَاث وَربَاع. قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: قَالَ أَبُو إِسْحَق فِي قَوْله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} : مثنى وَثَلَاث وَربَاع، بدل من طَابَ لكم، وَمَعْنَاهُ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وأربعا أَرْبعا، إِلَّا أَنه لم ينْصَرف لجهتين لَا أعلم أحدا من النَّحْوِيين ذكرهمَا، وَهِي أَنه اجْتمع فِيهِ عِلَّتَانِ: أَنه معدول عَن اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَثَلَاث ثَلَاث. وَأَنه عدل عَن تَأْنِيث، قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابنَا: إِنَّه اجْتمع فِيهِ عِلَّتَانِ: أَنه عدل عَن تَأْنِيث، وَأَنه نكرَة والنكرة أصل الْأَشْيَاء، فَهَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يخففه لِأَن النكرَة تخفف وَلَا تعد فرعا. وَقَالَ غَيرهم: هُوَ معرفَة، وَهَذَا محَال لِأَنَّهُ صفة للنكرة. قَالَ الله تَعَالَى: {أولي أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث وَربَاع} ، فَمَعْنَاه: اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 قَالَ الشَّاعِر (ولكنما أَهلِي بواد أنيسه ... سِبَاع تبغى النَّاس مثنى وموحد) وَقَالَ فِي سُورَة الْمَلَائِكَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أولي أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث وَربَاع} ، فتح ثَلَاث وَربَاع، لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف لعلتين: إِحْدَاهمَا أَنه معدول عَن ثَلَاثَة ثَلَاثَة، وَأَرْبَعَة أَرْبَعَة، واثنين اثْنَيْنِ. وَالثَّانيَِة: أَن عدله وَقع فِي حَال النكرَة فَأنْكر هَذَا القَوْل فِي النِّسَاء على من قَالَه، فَقَالَ: الْعدْل عَن النكرَة لَا يُوجب أَن يمْنَع من الصّرْف لَهُ. قَالَ أَبُو عَليّ رادا عَلَيْهِ: اعْلَم أَن الْعدْل ضرب من الِاشْتِقَاق، وَنَوع مِنْهُ فَكل معدول مُشْتَقّ، وَلَيْسَ كل مُشْتَقّ معدولا، وَإِنَّمَا صَار ثقلا. وَثَانِيا أَنَّك تلفظ بِالْكَلِمَةِ وتريد بهَا كلمة على لفظ آخر فَمن هَهُنَا صَار ثقلا. وَثَانِيا أَلا ترى أَنَّك تُرِيدُ بعمر وَزفر فِي الْمعرفَة عَامِرًا وزافرا معرفتين، فَأَنت تلفظ بِكَلِمَة، وتريد أُخْرَى، وَلَيْسَ كَذَلِك سَائِر المشتقات لِأَنَّك تُرِيدُ بِسَائِر مَا تشتقه نفس اللَّفْظ الْمشق المسموع، وَلست تحيل بِهِ على لفظ آخر يدل على ذَلِك أَن ضَارِبًا ومضروبا ومستضربا ومضطربا، وَنَحْو ذَلِك لَا تُرِيدُ بِلَفْظ شَيْء مِنْهُ لفظ غَيره، كَمَا تُرِيدُ بعمر عَامِرًا، وبزفر زافرا. وبمثنى اثْنَيْنِ، فَصَارَ المعدول لما ذكرنَا من مُخَالفَته لسَائِر المشتقات ثقلا، إِذْ لَيْسَ فِي هَذَا الْجِنْس شَيْء على حد كَونه فِي اللَّفْظ لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي الْمَعْنى على حد كَونه فِي اللَّفْظ لوَجَبَ أَن يكون الْمَعْنى فِي حَال الْعدْل غير الْمَعْنى الَّذِي كَانَ قبل الْعدْل، كَمَا أَن لفظ الْعدْل غير اللَّفْظ الَّذِي كَانَ قبل الْعدْل، وَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الْأَمر كَذَلِك. أَلا ترى أَن الْمَعْنى فِي عمر هُوَ الْمَعْنى الَّذِي كَانَ فِي عَامر، وَالْمعْنَى الَّذِي فِي مثنى هُوَ الْمَعْنى الَّذِي كَانَ فِي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، على أَن الْعدْل فِي الْمَعْنى لَو كَانَ ثقلا عِنْدهم وَثَانِيا فِي هَذَا الضَّرْب من الِاشْتِقَاق لوَجَبَ أَن يكون ثَانِيًا فِي سَائِر الِاشْتِقَاق الَّذِي لَيْسَ بِعدْل، كَمَا أَن التَّعْرِيف لما كَانَ ثَانِيًا مَعَ جَمِيع الْأَسْبَاب الْمَانِعَة من الصّرْف. ثَانِيًا: فَلَو كَانَ الْعدْل فِي الْمَعْنى ثقلا لَكَانَ فِي سَائِر الِاشْتِقَاق كَذَلِك، كَمَا أَن التَّعْرِيف لما كَانَ ثقلا كَانَ مَعَ سَائِر الْأَسْبَاب الْمَانِعَة للصرف كَذَلِك، وَلَو كَانَ كَذَلِك، لَكَانَ يجب من هَذَا مَتى انْضَمَّ - إِلَى بعض المشتقات من أَسمَاء الفاعلين، أَو المفعولين، أَو الْمَكَان، أَو الزَّمَان، أَو غير ذَلِك - التَّعْرِيف أَن لَا ينْصَرف، إِذا انْضَمَّ إِلَى عدل اللَّفْظ التَّعْرِيف، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، فَإِذا كَانَ الحكم بِالْعَدْلِ فِي الْمَعْنى يُؤَدِّي إِلَى هَذَا الَّذِي هُوَ خطأ بِلَا إِشْكَال علمت أَنه فَاسد. وَأَيْضًا فَإِن الْعدْل فِي الْمَعْنى فِي هَذِه الْأَشْيَاء لَا يَصح كَمَا صَحَّ الْعدْل فِي اللَّفْظ لِأَن الْمعَانِي الَّتِي كَانَت أَسمَاء المعدول عَنْهَا تدل عَلَيْهَا مُرَادة مَعَ الْأَلْفَاظ المعدولة، كَمَا كَانَت المرادة فِي الْأَلْفَاظ المعدول عَنْهَا هِيَ، فَكيف يجوز أَن يُقَال: إِنَّهَا معدول عَنْهَا كَمَا يُقَال فِي الْأَلْفَاظ وَهِي مُرَادة مَقْصُودَة أَلا ترى انك تُرِيدُ فِي قَوْلك: عمر الْمَعْنى الَّذِي كَانَ يدل عَلَيْهِ عَامر. فَإِذا كَانَ كَذَلِك، لم يكن قَول من قَالَ: إِن مثنى وَنَحْوه إِنَّه لم ينْصَرف لِأَنَّهُ عدل فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى بِمُسْتَقِيم. وَإِذا كَانَ الْعدْل مَا ذَكرْنَاهُ من أَنه لفظ يُرَاد بِهِ لفظ آخر لم يمْتَنع أَن يكون الْعدْل وَاقعا على النكرَة، كَمَا يَقع على الْمعرفَة، وَلم يجز أَن يتَكَرَّر الْعدْل فِي اسْم وَاحِد. وَإِذا كَانَ كَذَلِك، فَقَوْل أبي إِسْحَاق فِي مثنى وَثَلَاث وَربَاع: لم ينْصَرف لجهتين لَا أعلم أحدا من النَّحْوِيين ذكرهمَا وهما أَنه اجْتمع عِلَّتَانِ معدول عَن اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَأَنه عدل عَن تَأْنِيث خطأ. وَذَلِكَ أَنه لَا يَخْلُو أَن يكون لما عدل عَن اثْنَتَيْنِ اثنيتن، وَثَلَاث ثَلَاث، وَعدل عَن التَّأْنِيث تكَرر فِيهِ الْعدْل، كَمَا تكَرر الْجمع فِي أكالب، ومساجد، أَو يكون لما عدل عَن التَّأْنِيث كَانَ ذَلِك ثقلا آخر من حَيْثُ كَانَ المعدول عَنهُ مؤنثا، وَلم يكن الأول الْمُذكر، فَلَا يجوز أَن يكون الْعدْل متكررا فِي هَذَا، كَمَا تكَرر الْجمع فِي أكالب، ومساجد، والتأنيث فِي بشرى، وَنَحْوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 لما قدمْنَاهُ من أَن الْعدْل إِنَّمَا هُوَ أَن يُرِيد بِاللَّفْظِ لفظا آخر، وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجز أَن يتَكَرَّر هَذَا الْمَعْنى لَا فِي المعدول عَنهُ، وَلَا فِي المعدول. أَلا ترى أَنه لَا يَسْتَقِيم أَن يكون معدولا عَن اسْمَيْنِ، كَمَا لَا يجوز أَن يكون المعدول اسْمَيْنِ وَلَا يوهمنك قَول النَّحْوِيين: إِنَّه عدل عَن اثْنَيْنِ أثنين، أَنهم يُرِيدُونَ بمثنى الْعدْل عَنْهُمَا، إِنَّمَا ذَلِك تَمْثِيل مِنْهُم للفظة المعدول عَنْهَا، كَمَا يفسرون قَوْلهم: هُوَ خير رجل فِي النَّاس، وهما خير اثْنَيْنِ فِي النَّاس، أَن الْمَعْنى هما خير اثْنَيْنِ، وَإِذا كَانَ النَّاس اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ. وَخير النَّاس، إِذا كَانُوا رجلا رجلا. وَكَذَلِكَ يُرِيدُونَ بقَوْلهمْ: مثنى معدول عَن اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ يُرِيدُونَ بِهِ اثْنَيْنِ الَّذِي يُرَاد بِهِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، لَا عَن اللفظتين جَمِيعًا. فَأَما المعدول فَإِنَّهُ لَا يكون إِلَّا اسْما وَاحِدًا مُفردا، كَمَا كَانَ المعدول عَنهُ كَذَلِك. أَلا ترى أَن جَمِيع المعدولات أَسمَاء مُفْردَة، كَمَا أَن المعدول عَنْهَا كَذَلِك. وَالْمعْنَى فِي المعدول الَّذِي هُوَ مثنى وَثَلَاث هُوَ الْمَعْنى الَّذِي فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاث فِي أَنَّك تُرِيدُ بعد الْعدْل اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، كَمَا أردْت قبله فَلَا يَسْتَقِيم إِذا أَن يكون تكَرر اثْنَيْنِ هُنَا كتكرر الْجمع فِي أكالب وَنَحْوه لظُهُور هَذَا الْمَعْنى فِي هَذَا الضَّرْب من الْجمع وَخُرُوجه بِهِ عَن أبنية الْآحَاد الأول إِلَى مَا لَا يكسر للْجمع، وَلَا يجوز أَيْضا أَن يكون مثنى لما عدل عَن التَّأْنِيث كَانَ ثقلا آخر لما لم يكن المعدول عَنهُ هُوَ الأول الْمُذكر، فَصَارَ ذَلِك ثقلا انْضَمَّ إِلَى الْمَعْنى الأول فَلم ينْصَرف. وَإِلَى هَذَا الْوَجْه قصد أَبُو إِسْحَاق فِيمَا علمناه من فحوى كَلَامه لِأَن الْعدْل إِن سلمنَا فِي هَذَا الْموضع أَنه عَن تَأْنِيث لم يكن ثقلا مَانِعا من الصّرْف أَنَّهَا معدولة، وَأَنَّهَا عدلت عَن التَّأْنِيث إِنَّمَا امْتنعت من الصّرْف للعدل والتعريف. أَلا ترى أَن سِيبَوَيْهٍ يصرف جمع إِذا سمي بِهِ رجل فِي النكرَة. فَإِن كَانَ لَا يصرف أَحْمد، إِذا سمي بِهِ، فَكَذَلِك جمع لم ينْصَرف فِي التَّأْكِيد للعدل والتعريف، والمعدول غير مؤنث. ويدلك على أَن الْعدْل عَن التَّأْنِيث لَا يعْتد بِهِ ثقلا، وَإِنَّمَا المعتد بِهِ نفس الْعدْل، وَهُوَ أَن يُرِيد بِبِنَاء أَو لفظ بِنَاء ولفظا آخر، أَن التَّعْرِيف ثَان، كَمَا أَن التَّأْنِيث كَذَلِك، وَلم يكن الْعدْل عَن التَّعْرِيف ثقلا معتدا بِهِ فِي منع الصّرْف. أَلا ترى أَنه لَو كَانَ معتدا بِهِ لوَجَبَ أَن لَا ينْصَرف عمر فِي النكرَة لِأَنَّهُ لَو كَانَ يكون فِي حَال النكرَة معدولا، ومعدولا عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 التَّعْرِيف. وَفِي صرف عمر فِي النكرَة فِي قَول جَمِيع النَّاس دلَالَة على أَن الْعدْل عَن التَّعْرِيف غير مُعْتَد بِهِ ثقلا وَإِذا لم يعْتد بِهِ ثقلا لم يجز أَيْضا أَن يعْتد بِالْعَدْلِ عَن التَّأْنِيث ثقلا. وَإِنَّمَا لم ينْصَرف عمر فِي التَّعْرِيف للعدل والتعريف، كَمَا لم ينْصَرف جمع لَهما، فَإِذا زَالَ التَّعْرِيف انْصَرف عمر، وَلم يعْتد بِالْعَدْلِ فِيهِ عَن التَّعْرِيف ثقلا، فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون المعدول عَن التَّأْنِيث لِأَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ تَأْنِيث جمع، وَلَا يدل جريه على الْمُؤَنَّث إِذا كَانَ جمعا، على أَن واحده مؤنث. أَلا ترى أَنه قد جَاءَ فِي التَّنْزِيل: {أولي أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث وَربَاع} ، فَجرى فِي هَذَا الْموضع على جمع واحده مُذَكّر، فَلَو جَازَ لقَائِل أَن يَقُول: إِن مثنى وبابه معدول عَن مؤنث لما جرى على النِّسَاء وإحداهن مؤنث لجَاز لآخر أَن يَقُول: إِنَّه مُذَكّر لِأَنَّهُ جرى صفة على الأجنحة وَاحِدهَا مُذَكّر، وَهَذَا هُوَ القَوْل وَالْوَجْه. وَإِنَّمَا جرى على النِّسَاء من حَيْثُ كَانَ تأنيثها تَأْنِيث الْجمع، وَهَذَا الضَّرْب من التَّأْنِيث لَيْسَ بحقيقي. أَلا ترى أَنَّك تَقول: هِيَ الرِّجَال، كَمَا تَقول: هِيَ النِّسَاء، فَلَمَّا كَانَ تَأْنِيث النِّسَاء تَأْنِيث جمع، جرت عَلَيْهِ هَذِه الْأَسْمَاء، كَمَا جرت على غير النِّسَاء مِمَّا تأنيثه تَأْنِيث جمع لِأَن تَأْنِيث الْجمع لَيْسَ بحقيقي، وَإِنَّمَا هُوَ من أجل اللَّفْظ، فَهُوَ مثل الدَّار وَالنَّار، وَمَا أشبه ذَلِك. وَقد جرت هَذِه الْأَسْمَاء على الْمُذكر الْحَقِيقِيّ. قَالَ الشَّاعِر: (أحم الله ذَلِك من لِقَاء ... أحاد أحاد فِي شهر حَلَال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 فأحاد أحاد جَار على الفاعلين فِي الْمصدر حَالا. وَقَالَ الشَّاعِر أَيْضا: (وَلَقَد قتلتكم ثَنَاء وموحدا ... ) وَبَيت الْكتاب جرى فِيهِ مثنى وموحد على ذئاب، وَهُوَ جمع، وَإِنَّمَا نرى أَن النَّحْوِيين رَغِبُوا عَن هَذَا القَوْل الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاق، لهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ مِمَّا يدْخل عَلَيْهِ. فَأَما ذكره من قَوْله: قَالَ أَصْحَابنَا إِنَّه اجْتمع فِيهِ عِلَّتَانِ أَنه عدل عَن تَأْنِيث، وَأَنه نكرَة، والنكرة أصل الْأَشْيَاء. فَهَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يخففه لِأَن النكرَة تخفف وَلَا تعد فرعا. فَاعْلَم أَنه غلط بَين فِي الْحِكَايَة عَنْهُم، وَلم يقل - فِيمَا علمت - أحد مِنْهُم فِي ذَلِك مَا حَكَاهُ عَنْهُم وَإِنَّمَا يذهبون فِي امتناعهم من الِانْصِرَاف إِلَى أَنه معدول، وَأَنه صفة. قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْحسن، وَغَيره من أَصْحَابنَا: النكرَة، وَإِن كَانَت الأَصْل، فَإِذا عدل عَنْهَا الِاسْم كَانَ فِي حكم الْعدْل عَن الْمعرفَة فِي الْمَنْع من الصّرْف إِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ غَيره لمساواته - فِي الْمَعْنى الَّذِي ذَكرْنَاهُ - الْمعرفَة، يدلك على ذَلِك امْتِنَاعه من الصّرْف فِي النكرَة عِنْدهم، وَلَيْسَ يَصح أَن يمْنَع من صرفه إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ عَنْهُم من الْعدْل وَالصّفة. وَقَالَ الْفراء: الْعَرَب لَا تجَاوز رباع، غير أَن الْكُمَيْت قد قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 (فَلم يستر يثوك حَتَّى رميت ... فوف الرِّجَال خِصَالًا عشارا) فَجعل عشار على مخرج ثَلَاث، وَهَذَا مِمَّا لَا يُقَاس عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي مثلث ومثنى ومربع: إِن أردْت بِهِ مَذْهَب الْمصدر لَا مَذْهَب الصّرْف، جرى، كَقَوْلِك: ثنيتهم مثنى، وثلثتهم مثلثا، وربعتهم مربعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 بَاب تَعْرِيف الْعدَد قد اخْتلف النحويون فِي تَعْرِيف الْعدَد، فَقَالَ البصريون: مَا كَانَ من ذَلِك مُضَافا أدخلنا الْألف وَاللَّام فِي آخِره فَقَط، فَصَارَ آخِره معرفَة بِالْألف وَاللَّام، ويتعرف مَا قبل الْألف وَاللَّام بِالْإِضَافَة إِلَى الْألف وَاللَّام. فَإِن زَاد على وَاحِد وَأكْثر أضفت بَعْضًا إِلَى بعض، وَجعلت آخِره بِالْألف وَاللَّام. تَقول فِي تَعْرِيف ثَلَاثَة أَثوَاب: ثَلَاثَة الأثواب. وَفِي مائَة دِرْهَم: مائَة الدِّرْهَم. وَفِي مائَة ألف دِرْهَم: مائَة ألف الدِّرْهَم. وَلَيْسَ خلافًا فِي أَن هَذَا صَحِيح، وَأَنه من كَلَام الْعَرَب. قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ ذُو الرمة: (وَهل يرجع التَّسْلِيم أَو يكْشف الْعَمى ... ثَلَاث الأثافي والديار البلاقع) وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ إِدْخَال الْألف وَاللَّام على الأول وَالثَّانِي، وشبهوا ذَلِك بالْحسنِ الْوَجْه، فَقَالُوا: الثَّلَاثَة الأثواب، والخمسة الدَّرَاهِم، كَمَا تَقول: هَذَا الْحسن الْوَجْه وقاسوا هَذَا بِمَا طَال أَيْضا فَقَالُوا: الثَّلَاث الْمِائَة الْألف الدِّرْهَم. وَإِذا كَانَ الْعدَد مَنْصُوبًا، فالبصريون يدْخلُونَ الْألف وَاللَّام على الأول، فَتَقول فِي أحد عشر درهما الْأَحَد عشر درهما، وَالْعشْرُونَ درهما، وَالتِّسْعُونَ رجلا، وَمَا جرى مجْرَاه وَإِن طَال. وَيَقُولُونَ فِي عشْرين ألف دِرْهَم: الْعشْرُونَ ألف دِرْهَم، لَا يزِيدُونَ غير الْألف وَاللَّام فِي أَوله. والكوفيون يدْخلُونَ الْألف وَاللَّام فيهمَا جَمِيعًا، فَيَقُولُونَ: الْعشْرُونَ الدِّرْهَم، والأحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 عشر الدِّرْهَم. وَمِنْهُم من يدْخل الْألف وَاللَّام فِي ذَلِك كُله، فَيَقُولُونَ: الْأَحَد الْعشْر الدِّرْهَم. وَاخْتلفُوا أَيْضا فِيمَا كَانَ من أَجزَاء الدِّرْهَم، كَنِصْف، وَثلث، وَربع إِذا عرفوه. فَأهل الْبَصْرَة يَقُولُونَ: نصف الدِّرْهَم، وَثلث الدِّرْهَم، وَربع الدِّرْهَم، يدْخلُونَ الْألف وَاللَّام فِي الْأَخِيرَة. والكوفيون أجروه مجْرى الْعدَد، فَقَالُوا: النّصْف الدِّرْهَم، شبهوه بالْحسنِ الْوَجْه. وَقَالَ أهل الْبَصْرَة: إِذا جعلت الْجَمِيع نفسا للمقدار جَازَ، وأتبعت الْجَمِيع إِعْرَاب الْمِقْدَار كَقَوْلِك: الْخَمْسَة الدَّرَاهِم، وَرَأَيْت الْخَمْسَة الدَّرَاهِم، ومررت بالخمسة الدَّرَاهِم، وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا. فَأَما الْفَارِسِي فَقَالَ: روى أَبُو زيد فِيمَا حَكَاهُ أَبُو عمر عَنهُ أَن قوما من الْعَرَب غير فصحاء يَقُولُونَهُ، وَلم يَقُولُوا: النّصْف الدِّرْهَم، وَلَا الثُّلُث الدِّرْهَم، فامتناعه من الاطراد يدل على ضعفه، فَإِذا بلغ الْمِائَة أضيف إِلَى الْمُفْرد فَقيل: مائَة ردهم فَاجْتمع فِي الْمِائَة مَا افترق فِي عشرَة وَتِسْعين من حَيْثُ كَانَ عشر عشرات، وَكَانَ العقد الَّذِي بعد التسعين، وَكَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَم، وَمَا بعده إِلَى الْألف، فَإِذا عرف فَقيل: مائَة الدِّرْهَم، وَمِائَتَا الدِّرْهَم، وثلاثمائة الدِّرْهَم تعرف الْمُضَاف إِلَيْهِ كَمَا تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 بَاب ذكر الْعدَد الَّذِي ينعَت بِهِ الْمُذكر والمؤنث وَذَلِكَ قَوْلك: رَأَيْت الرِّجَال ثَلَاثَتهمْ، وَكَذَلِكَ إِلَى الْعشْر. وَرَأَيْت النِّسَاء ثلاثتهن، وَكَذَلِكَ إِلَى الْعشْرَة تنصبه على الْوَصْف، وَإِن شِئْت على الْمصدر وَلذَلِك جعله سِيبَوَيْهٍ من بَاب رَأَيْته وَحده، ومررت بِهِ وَحده. وَمثل الْجَمِيع بقوله: أفرادا ليريك كَيفَ وضع مَوضِع الْمصدر. وَإِن لم يكن لَهُ فعل بِمَا يجْرِي على الْهَاء. وَأَبُو حَاتِم يرى الْإِضَافَة فِيمَا جَاوز الْعشْرَة وَالْعشر، فَيَقُول: رَأَيْتهمْ أحد عشرهم، وَكَذَلِكَ إِلَى تِسْعَة عشرَة، ورأيتهن إِحْدَى عشرتهن، وَكَذَلِكَ إِلَى التسع عشرَة. وَقَالَ: رَأَيْتهمْ عشريهم، ورأيتهن عشريهن، ورأيتهم أحدهم وعشريهم، وإحداهن وعشريهن، وَكَذَلِكَ فِي الثَّلَاثِينَ وَمَا بعْدهَا، وَالْأَرْبَعِينَ وَمَا بعْدهَا إِلَى الْمِائَة. وَتَقَع الْإِضَافَة فِي الْمِائَة وَالْألف على ذَلِك الْحسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 هَذَا بَاب مَا لَا يحسن أَن تضيف إِلَيْهِ الْأَسْمَاء الَّتِي تبين بهَا الْعدَد إِذا جَاوَزت الِاثْنَيْنِ إِلَى الْعشْرَة وَذَلِكَ الْوَصْف تَقول: هَؤُلَاءِ ثَلَاثَة قرشيون، وَثَلَاثَة مُسلمُونَ، وَثَلَاثَة صَالِحُونَ، فَهَذَا وَجه الْكَلَام كَرَاهِيَة أَن تجْعَل الصّفة كالاسم إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر. وَهَذَا يدلك على أَن النسابات إِذا قلت: ثَلَاثَة نسابات إِنَّمَا يَجِيء كَأَنَّهُ وصف لمذكر لَان لَيْسَ موضعا يحسن فِيهِ الصّفة لَا يحسن الِاسْم، فَلَمَّا لم يَقع إِلَّا وَصفا صَار الْمُتَكَلّم كَأَنَّهُ قد لفظ بمذكرين ثمَّ وَصفهم بهَا. قَالَ الله عز وَجل: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} . قَالَ أَبُو عَليّ: قد تقدم من الْكَلَام أَن الْعدَد حَقه أَن يبين بالأنواع لَا بِالصِّفَاتِ فَلذَلِك لم يحسن أَن تَقول: ثَلَاثَة قرشيين لأَنهم لَيْسُوا بِنَوْع، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تَقول: ثَلَاثَة رجال قرشيين. وَلَيْسَ إِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف بالمستحسنة فِي كل مَوضِع. وَرُبمَا جرت الصّفة لكثرتها فِي كَلَامهم مجْرى الْمَوْصُوف فيستغنى بهَا لكثرتها عَن الْمَوْصُوف، كَقَوْلِك: مَرَرْت بمثلك، وَلذَلِك قَالَ عز وَجل: {فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} ، أَي عشر حَسَنَات أَمْثَالهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 بَاب التَّارِيخ معرفَة التَّارِيخ: فَإِنَّهُم يَكْتُبُونَ أول لَيْلَة من الشَّهْر: كتبت مهل شهر كَذَا وَكَذَا، ومستهل شهر كَذَا وَكَذَا، وغرة شهر كَذَا وَكَذَا. ويكتبون: فِي أول يَوْم كَذَا، ويكتبون: فِي أول يَوْم من الشَّهْر. وَكتب أول يَوْم من شهر كَذَا، أَو لليلة خلت وَمَضَت من شهر كَذَا. وَلَا يَكْتُبُونَ مهلا، وَلَا مستهلا إِلَّا فِي أول لَيْلَة. وَلَا يكتبونه بنهار لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من الْهلَال. والهلال مُشْتَقّ من قَوْلهم: أهل بِالْعُمْرَةِ وَالْحج، إِذا رفع صَوته فيهمَا بِالتَّلْبِيَةِ فَقيل لَهُ هِلَال لَان النَّاس يهلون إِذا رَأَوْهُ يُقَال: أهل الْهلَال واستهل وَلَا يُقَال أهل. وَيُقَال: أَهْلَلْنَا، إِذا دَخَلنَا فِي الْهلَال. وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: يُقَال لَهُ هِلَال لليلتين، ثمَّ يُقَال بعد قمر. وَقَالَ بَعضهم: يُقَال لَهُ هِلَال إِلَى أَن يكمل نوره وَذَلِكَ لسبع لَيَال وَالْأول أشبه وَأكْثر، وَقد أبنت ذَلِك فِي بَاب أَسمَاء الْقَمَر وَصِفَاته. ويكتبون: لثلاث خلون، ولأربع خلون. وَيَقُولُونَ: قد صمنا مذ ثَلَاث، فيغلبون اللَّيَالِي على الْأَيَّام لِأَن الْأَهِلّة فِيهَا إِذا جَاوَزت الْعشْر كَانَ الِاخْتِيَار أَن تَقول: لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت وَمَضَت. وَإِنَّمَا اخْتَارُوا فِيمَا بعد الْعشْرَة خلت وَمَضَت، وَفِيمَا قبل الْعشْرَة خلون ومضين، لِأَن مَا بعد الْعشْرَة يبين بِوَاحِد أَو وَاحِدَة. وَمَا قبل الْعشْرَة يُضَاف إِلَى جَمِيع. وَاخْتَارَ أهل اللُّغَة أَن يُقَال لِلنِّصْفِ من شهر كَذَا، فَإِذا كَانَ يَوْم سِتَّة عشر، قَالُوا: أَربع عشرَة لَيْلَة بقيت. وَخَالفهُم أهل النّظر فِي هَذَا وَقَالُوا: تَقول: لخمس عشرَة لَيْلَة خلت، وَلست عشرَة لَيْلَة مَضَت لِأَن الشَّهْر قد يكون تِسْعَة وَعشْرين، وَهَذَا هُوَ الْحق لِأَن أهل اللُّغَة قد قَالُوا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 لَو قَالَ: لست عشرَة لَيْلَة مَضَت لَكَانَ صَوَابا، فقد صَار هَذَا إِجْمَاعًا. ثمَّ اخْتَارُوا مَا لم يوافقهم عَلَيْهِ أهل النّظر. ويكتبون آخر لَيْلَة من الشَّهْر، وَكتب آخر لَيْلَة من شهر كَذَا وَكَذَا. وَكَذَلِكَ إِن كَانَ آخر يَوْم من الشَّهْر كتبُوا: وَكتب آخر يَوْم من شهر كَذَا، وسلخ شهر كَذَا. فَإِذا بقيت من الشَّهْر لَيْلَة، قَالُوا: كتبنَا سلخ شهر كَذَا، وَلم يكتبوا: لليلة بقيت، كَمَا لم يكتبوا: لليلة خلت وَلَا مَضَت، وهم فِي اللَّيْلَة جعلُوا الخاتمة فِي حكم الْفَاتِحَة حَيْثُ قَالُوا: غرَّة شهر كَذَا، وَلم يَقُولُوا: لليلة خلت وَلَا مَضَت لأَنهم فِيهَا بعد، وَلم تمض، فَقَالُوا: سلخ شهر كَذَا. قَالَ أَبُو زيد: سلخنا شهر كَذَا سلخا فسلخ فِيمَا يؤرخ مصدر أقيم مقَام اسْم الزَّمَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 بَاب الْأَفْعَال المشتقة من أَسمَاء الْعدَد أَبُو عبيد: كَانَ الْقَوْم وترا فشفعتهم شفعا، وَكَانُوا شفعا فوترتهم وترا. ابْن السّكيت: الْوتر وَالْوتر، وَقد أوترت ووترت من الْوتر. والخسا: الْفَرد. والزكا: الزَّوْج. قَالَ الْكُمَيْت: (بِأَدْنَى خسا أوزكا من سنيك ... إِلَى أَربع فبقوك انتظارا) بقوك: انتظروك يُقَال: بَقِيَّته أبقيه: إِذا راعيته ونظرته. وَيُقَال: ابق لي الْأَذَان: أَي ارقبه لي. وَقَالَ الشَّاعِر: (فَمَا زلت أُبْقِي الظعن حَتَّى كَأَنَّهَا ... أواقي سدى تغتالهن الحوائك) وَقَالَ آخر فِي خسا. وَذكر قدرا: (ثبتَتْ قَوَائِمهَا خسا وترنمت ... غَضبا كَمَا يترنم السَّكْرَان) عَنى بالقوائم هَهُنَا: الأثافي. ابْن دُرَيْد: تخاسى الرّجلَانِ: تلاعبا بِالزَّوْجِ والفرد وَيُقَال: ثلثت الْقَوْم أثلتهم ثلثا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 بِكَسْر اللَّام إِذا كنت لَهُم ثَالِثا. أَبُو عبيد: كَانُوا ثَلَاثَة فربعتهم: أَي صرت رابعهم، وَكَانُوا أَرْبَعَة فخمستهم، إِلَى الْعشْرَة، وَكَذَلِكَ إِذا أخذت الثُّلُث من أَمْوَالهم قلت: ثلثتهم، وَفِي الرّبع ربعتهم، إِلَى الْعشْر مثله. فَإِذا جِئْت إِلَى يفعل قلت فِي الْعدَد: يثلث ويخمس، إِلَى الْعشْرَة. وَفِي الْأَمْوَال يثلث ويخمس، إِلَى الْعشْر إِلَّا ثَلَاثَة أحرف، فَإِنَّهَا بِالْفَتْح فِي الحدين جَمِيعًا يربع، ويسبع، ويتسع. وَقَالَ: تَقول: كَانُوا ثَلَاثَة فأربعوا: أَي صَارُوا أَرْبَعَة. وَكَذَلِكَ أخمسوا، وأسدسوا، إِلَى الْعشْرَة على أفعل وَمَعْنَاهُ أَن يصيروا هم كَذَلِك، وَلم يَقُولُوا: أربعتهم أَو ربعهم فلَان. ابْن السّكيت: عِنْدِي عشرَة فأحدهن وآحدهن، أَي صيرهن أحد عشر. وَحكى بَعضهم: فاحدهن، فإمَّا أَن يكون على الْقلب، كَمَا قدمنَا فِي حادي عشر، وَإِمَّا أَن يكون على مَا قدمنَا من الْحِكَايَة عَن الْكسَائي من أَنه سمع الْأسد تَقول: حادي عشْرين. أَبُو عبيد: كَانُوا تِسْعَة وَعشْرين فثلثتهم: أَي صرت لَهُم تَمام ثَلَاثِينَ. وَكَانُوا تِسْعَة وَثَلَاثِينَ فربعتهم، مثل لفظ الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة، وَكَذَلِكَ جَمِيع الْعُقُود إِلَى الْمِائَة، فَإِذا بلغت الْمِائَة قلت: كَانُوا تِسْعَة وَتِسْعين فأمأيتهم مِثَال أفعلتهم. وَكَانُوا تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين فآلفتهم، ممدودة، وَكَذَلِكَ إِذا صَارُوا هم كَذَلِك قلت: قد أمأوا، وآلفوا مِثَال أفعلوا: أَي صَارُوا مائَة وألفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 بَاب الأبعاض والكسور ابْن السّكيت: عشر، وتسع، وَثمن، وَسبع، وَسدس، وَخمْس، وَربع، وَثلث. وَجمع كل ذَلِك أَفعَال، وَقد تقدم تصريف فعل جَمِيع هَذِه الْأَفْعَال. صَاحب الْعين: النّصْف: أحد جزءي الْكَمَال. الْأَصْمَعِي: نصف. فَأَما نصف فلغة الْعَامَّة. صَاحب الْعين: نصف لُغَة رَدِيئَة فِي نصف. ابْن السّكيت: نصف وَنصف لُغَتَانِ، وَالْكَسْر أَعلَى. صَاحب الْعين: وَالْجمع أَنْصَاف، وَقد نصفت الشَّيْء: جعلته نِصْفَيْنِ، وَقد تقدم تنصيف الْإِنَاء وَالشرَاب وَالشَّجر فِي مَوْضِعه. والشطر: النّصْف، والجميع شطور، وَقد تقدم التشطير فِي الْإِنَاء، والشطار فِي الطلي وَنَحْوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ذكر العشير وَمَا جَاءَ على وَزنه من أَسمَاء الكسور أَبُو عبيد: يُقَال ثليث وخميس، وسديس، وسبيع، وَالْجمع أَسْبَاع، وثمين، وتسيع، وعشير، يُرِيد الثُّلُث، وَالْخمس، وَالسُّدُس، والسبع، وَالثمن، وَالتسع، وَالْعشر. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: لم يعرفوا الْخَمِيس وَلَا الرّبيع وَلَا الثليث. غَيره: السبيع: السَّابِع وَأنْشد أَبُو عبيد: (وألقيت سهمي وَسطهمْ حِين أوخشوا ... فَمَا صَار لي فِي الْقسم إِلَّا ثمينها) وأوخشوا: خلطوا. وَقَالَ فِي النصيف: (لم يغذها مد وَلَا نصيف ... ) قَالَ ابْن دُرَيْد: فَقَالَ النصيف هَهُنَا مكيال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وَمن الْأَسْمَاء الْوَاقِعَة على الْأَعْدَاد الأستار: أَرْبَعَة من كل عدد. قَالَ جرير: (إِن الفرزدق والبعيث وَأمه ... وَأَبا البعيث لشر مَا استار) والنواة: خَمْسَة. وَالْأُوقِية: أَرْبَعُونَ. والنش: عشرُون. وَالْفرق: سِتَّة عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الْمَقَادِير والألفاظ الدَّالَّة على الْأَعْدَاد من غير مَا تقدم الشيع: مِقْدَار من الْعدَد، تَقول: أَقمت شهرا، أَو شيع شهر. وَمَعَهُ مائَة رجل، أَو شيع ذَلِك. وآتيك غَدا، أَو شيعه: أَي بعده لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْوَاحِد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 بَاب الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على الْعُمُوم وَالْخُصُوص وَهِي: كل، وأجمعون، أكتعون، أبصعون، وَبَعض، وَأي. وَمَا أبين هَذِه بقسطها من الْإِعْرَاب واللغة حَتَّى آتِي على جَمِيع ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فَأول ذَلِك كل: وَهِي لَفْظَة صيغت للدلالة على الْإِحَاطَة وَالْجمع، كَمَا أَن كلا لَفْظَة صيغت للدلالة على التَّثْنِيَة، وَلَيْسَ كلا من لفظ كل، وسأريك ذَلِك كُله إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَبَعض: لَفْظَة صيغت للدلالة على الطَّائِفَة لَا على الْكل، فهاتان اللفظتان دالتان على معنى الْعُمُوم وَالْخُصُوص. وكل نِهَايَة فِي الدّلَالَة على الْعُمُوم. وَبَعض لَيست نِهَايَة فِي الدّلَالَة على الْخُصُوص. أَلا ترى أَنَّهَا قد تقع على نصف الْكل، وعَلى ثَلَاثَة أَرْبَاعه، وعَلى معظمه وَأَكْثَره، وبالعموم فَإِنَّهَا تقع على الشَّيْء كُله مَا عدا أقل جُزْء مِنْهُ. وَقد بعضت الشَّيْء: فرقت أجزاءه، وتبعض هُوَ. وَيكون بعض بِمَعْنى كل، كَقَوْلِه: (أَو يعتلق بعض النُّفُوس حمامها ... ) فالموت لَا يَأْخُذ بَعْضًا ويدع بَعْضًا. وَمن الْعَرَب من يزِيد بَعْضًا، كَمَا يزِيد مَا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {يصبكم بعض الَّذِي يَعدكُم} ، حَكَاهُ صَاحب الْعين، وَهَذَا خطأ لِأَن بَعْضًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 اسْم، والأسماء لَا تزاد: فَأَما هُوَ وَأَخَوَاتهَا الَّتِي للفصل، فَإِنَّمَا زيدت لمضارعة الضَّمِير الْحَرْف، وَقد أَنْعَمت شرح هَذَا عِنْد الرَّد على أبي إِسْحَاق فِي قَوْله عز وَجل: {مثل الْجنَّة} . وَنحن آخذون فِي تَبْيِين كل ومقدمون لَهَا على بعض لفضل الْأَعَمّ على الْأَخَص فَأَقُول: إِن كلا لفظ وَاحِد، وَمَعْنَاهُ جَمِيع، وَلِهَذَا يحمل مرّة على اللَّفْظ، وَمرَّة على الْمَعْنى فَيُقَال: كلهم ذَاهِب، وَكلهمْ ذاهبون، وكل ذَلِك قد جَاءَ بِهِ الْقُرْآن وَالشعر، ويحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ فَيُقَال: كل ذَاهِب، وَهُوَ بَاقٍ على مَعْرفَته. وَبَعض يجْرِي هَذَا المجرى، وإليها أَوْمَأ سِيبَوَيْهٍ حِين قَالَ: هَذَا بَاب مَا ينْتَصب خَبره لِأَنَّهُ قَبِيح أَن يكون صفة، وَهِي معرفَة لَا تُوصَف، وَلَا تكون وَصفا، وَذَلِكَ قَوْلك: مَرَرْت بِكُل قَائِما، وببعض جَالِسا، وَإِنَّمَا خروجهما من أَن يكون وَصفا أَو موصوفين لِأَنَّهُ لَا يحسن لَك أَن تَقول: مَرَرْت بِكُل الصَّالِحين، وَلَا بِبَعْض الصَّالِحين، قبح الْوَصْف حِين حذفوا مَا أضافوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مُخَالف لما يُضَاف إِلَيْهِ شَاذ مِنْهُ فَلم يجر فِي الْوَصْف مجْرَاه. كَمَا أَنهم حِين قَالُوا: يَا ألله، فخالفوا مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام لم يصلوا أَلفه وأثبتوها، وَصَارَ معرفَة لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى معرفَة، كَأَنَّك قلت: مَرَرْت بكلهم، وببعضهم. وَلَكِنَّك حذفت ذَلِك الْمُضَاف إِلَيْهِ، فَجَاز ذَلِك، كَمَا جَازَ: لاه أَبوك [تُرِيدُ: لله أَبوك] ، فحذفوا الْألف واللامين. وَلَيْسَ هَذَا طَريقَة الْكَلَام، وَلَا سَبيله لِأَنَّهُ لَيْسَ من كَلَامهم أَن يضمروا الْجَار. وَجُمْلَة هَذَا وتحليله أَنَّك لَا تَقول: مَرَرْت بِكُل قَائِما، وَلَا بِبَعْض جَالِسا مبتدئا. وَإِنَّمَا يتَكَلَّم بِهِ إِذا جرى ذكر قوم فَتَقول: مَرَرْت بِكُل، أَي مَرَرْت بكلهم. ومررت بِبَعْض، أَي مَرَرْت ببعضهم، فيستغني بِمَا جرى من الْكَلَام وَمَعْرِفَة الْمُخَاطب بِمَا يعْنى عَن إِظْهَار الضَّمِير، وَصَارَ مَا يعرف الْمُخَاطب مِمَّا يعْنى بِهِ مغنيا عَن وَصفه، وَلم يُوصف بِهِ أَيْضا لأَنهم لما أقاموه مقَام الضَّمِير، وَالضَّمِير لَا يُوصف بِهِ إِذْ لم يكن تحلية، وَلَا فِيهِ معنى تحلية، وَلم يصفوا بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 لَا يُقَال: مَرَرْت بالزيدين كل، كَمَا لَا يُقَال: مَرَرْت بِكُل الصَّالِحين. فَإِن قَالَ قَائِل: لم لم يبن كل حِين حذفوا الْمُضَاف إِلَيْهِ قيل: لَيْسَ فِي كل من الْمعَانِي الَّتِي توجب الْبناء شَيْء. وأصل الْأَسْمَاء الْإِعْرَاب، وَإِنَّمَا يحدث الْبناء لعَارض معنى، فَكَانَ اتِّبَاع الأَصْل أولى. وَمن هَهُنَا قَالُوا: إِنَّهَا لَا يجوز بناؤها لِأَنَّهَا جُزْء، فأتبعنا الْجُزْء الْكل إِذْ كَانَ كل معربا لِأَنَّهُ أسبق لعمومه من اتِّبَاع الْكل الْبَعْض. فَلَمَّا أجري مجْرى خِلَافه لم يضمن مَعْنَاهُ لم يجب فِيهِ الْبناء، وَجرى على أصل الْإِعْرَاب، ككل، وَهَذَا من أقرب مَا سمعناه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَقد ذكر فِيهَا غير الَّذِي قُلْنَا فتركناه لِأَنَّهُ لم يَصح عندنَا. وَهَذَا كُله تَعْلِيل الْفَارِسِي. وَحكى سِيبَوَيْهٍ فِي كل التَّأْنِيث، فَقَالَ: كلتهن منطلقة، وَلم يحك ذَلِك فِي بعض. فَأَما كلا، فَلَيْسَ من لفظ كل. كل مضاعف، وكلا معتل كمعا، أَلفه منقلبه عَن وَاو بِدلَالَة قَوْلهم: كلتا، إِذْ بدل التَّاء من الْوَاو أَكثر من بدلهَا من الْيَاء، وَقد أبنت ذَلِك فِي بَاب بنت وَأُخْت بنهاية الْبَيَان. وَأجْمع معرفَة. تَقول: رَأَيْت المَال أجمع، وَرَأَيْت الْمَالَيْنِ أَجْمَعِينَ. وَقَالُوا: رَأَيْت الْقَوْم أَجْمَعِينَ. وَلَيْسَ أَجْمَعُونَ وَمَا جرى مجْرَاه بِصفة عِنْد سِيبَوَيْهٍ، وَكَذَلِكَ واحده ومذكره ومؤنثه. وَإِنَّمَا هُوَ اسْم يجْرِي على مَا قبله على إعرابه فَيعم بِهِ ويؤكد، فَلذَلِك قَالَ النحويون: إِنَّه صفة. وَلَو كَانَ صفة لما جرى على الْمُضمر لِأَن الْمُضمر لَا يُوصف، وَمِمَّا يدلك على أَنه لَيْسَ بِصفة أَنه لَيْسَ فِيهِ معنى إِشَارَة وَلَا نسب، وَلَا حلية، وَقد غلط قوم فتوهموه صفة، وَقد صرح سِيبَوَيْهٍ أَنه لَيْسَ بِصفة. وَقَالَ فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف: إِذا سميته بأجمع صرفته فِي النكرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَقد غلط الزّجاج فِي كِتَابه فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف، ورد عَلَيْهِ الْفَارِسِي بعد أَن حكى قَوْله فَقَالَ: وَقد أغفل أَبُو إِسْحَاق فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من جمع فِي كِتَابه فِيمَا لَا ينْصَرف وَهَذَا لَفظه: قَالَ: الأَصْل فِي جمع جَمْعَاء جمع، مثل حَمْرَاء وحمر، وَلَكِن حمر نكرَة فأرادوا أَن يعدل إِلَى لفظ الْمعرفَة فَعدل فعل إِلَى فعل. قَالَ أَبُو عَليّ: وَلَيْسَ جَمْعَاء مثل حَمْرَاء فَيلْزم أَن يجمع على حمر، كَمَا أَن أجمع لَيْسَ مثل أَحْمَر، وَإِنَّمَا جَمْعَاء، كطرفاء، وصحراء، كَمَا أَن أجمع كأحمد بِدلَالَة جمعهم لَهُ على حد التَّثْنِيَة، فقد ذهب فِي هَذَا القَوْل عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال وَعَن نَص سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الْجِنْس أَنه لَا يجمع هَذَا الضَّرْب من الْجمع، وَعَما نَص على هَذَا الْحَرْف بِعَيْنِه حَيْثُ قَالَ: وَلَيْسَ وَاحِد مِنْهُمَا، يَعْنِي من قَوْلك: أجمع وأكتع، إِنَّمَا وصف بهما معرفَة فَلم ينصرفا لِأَنَّهُمَا معرفَة، وَأجْمع هُنَا معرفَة بِمَنْزِلَة كلهم. انْقَضى كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَمَا يجْرِي هَذَا المجرى مِمَّا يتبع أَجْمَعُونَ كَقَوْلِك أكتعون وأبصعون وأبتعون، وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّث والاثنان والجميع فِي ذَلِك حكمه سَوَاء. وَالْقَوْل فِيهِ كالقول فِي أَجْمَعِينَ. وَكله تَابع لأجمعين لَا يتَكَلَّم بِوَاحِد مِنْهُنَّ مُفردا. وَكلهَا تَقْتَضِي معنى الْإِحَاطَة. وَمِمَّا يدل على معنى الْإِحَاطَة: قاطبة، وطرا، والجماء الْغَفِير، وَنحن آخذون فِي تبين ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى. اعْلَم أَن الْجَمَّاء هِيَ اسْم، والغفير نعت لَهَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك فِي الْمَعْنى: الجم الْكثير: لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ الْكَثْرَة. والغفير يُرَاد بِهِ أَنهم قد غطوا الأَرْض من كثرتهم يُقَال: غفرت الشَّيْء إِذا غطيته وَمِنْه المغفر الَّذِي يوضع على الرَّأْس لِأَنَّهُ يغظيه. ونصبه فِي قَوْلك: مَرَرْت بهم الْجَمَّاء الْغَفِير عل الْحَال. وَقد علمنَا أَن الْحَال إِذا كَانَ اسْما غير مصدر لم يكن بِالْألف وَاللَّام، فَأخْرج ذَلِك سِيبَوَيْهٍ والخليل أَن جعلا الْغَفِير فِي مَوضِع العراك، كَأَنَّك قلت: مَرَرْت بهم الجموم الغفر، على معنى مَرَرْت بهم جامين غافرين أَي مغطين لَهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَلم يذكر البصريون أَنَّهُمَا يستعملان فِي غير الْحَال. وَذكر غَيرهم شعرًا فِيهِ الْجَمَّاء الْغَفِير مَرْفُوع، وَهُوَ قَول الشَّاعِر: (صَغِيرهمْ وشيخهم سَوَاء ... هم الْجَمَّاء فِي اللؤم الْغَفِير) وَأما قَوْلهم: مَرَرْت بهم قاطبة، ومررت بهم طرا، فعلى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ والخليل هما فِي مَوضِع مصدرين، وَإِن كَانَا اسْمَيْنِ، وَذَلِكَ أَن قاطبة، وَإِن كَانَ لَفظهَا لفظ الصِّفَات، كَقَوْلِنَا: ذَاهِبَة وقائمة، وَمَا أشبه ذَلِك. وطرا وَإِن كَانَ لَفظهَا لفظ صفرا وشهبا، وَمَا أشبه ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يجوز حملهَا إِلَّا على الْمصدر. وَقَالَ: إِنَّا رَأينَا المصادر قد يخْرجن عَن التَّمَكُّن حَتَّى يستعملن فِي مَوضِع لَا تتجاوزه، كَقَوْلِنَا: سُبْحَانَ الله، وَلَا يكون إِلَّا مَنْصُوبًا مصدرا فِي التَّقْدِير، ولبيك وحنانيك، وَمَا جرى مجراهما مصَادر لَا يستعملن إِلَّا منصوبات، وَلم نر الصِّفَات يخْرجن عَن التَّمَكُّن، فَلذَلِك حمل سِيبَوَيْهٍ قاطبة وطرا على الْمصدر، وصارا بِمَنْزِلَة مصدر اسْتعْمل فِي مَوضِع الْحَال، وَلم يتجاوزوا ذَلِك الْموضع، كَمَا لم يتجاوزوا مَا ذَكرْنَاهُ من المصادر إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80