الكتاب: موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب المؤلف: خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاويّ الأزهري، زين الدين المصري، وكان يعرف بالوقاد (المتوفى: 905هـ) المحقق: عبد الكريم مجاهد الناشر: الرسالة - بيروت الطبعة: الأولى، 1415هـ 1996م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب خالد الأَزْهَري الكتاب: موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب المؤلف: خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاويّ الأزهري، زين الدين المصري، وكان يعرف بالوقاد (المتوفى: 905هـ) المحقق: عبد الكريم مجاهد الناشر: الرسالة - بيروت الطبعة: الأولى، 1415هـ 1996م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه الْحَمد لله الملهم لحمده وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله وَعَبده وعَلى آله وَصَحبه وجنده وَبعد فَيَقُول العَبْد الْفَقِير إِلَى مَوْلَاهُ الْغَنِيّ خَالِد بن عبد الله الْأَزْهَرِي هَذَا شرح لطيف على قَوَاعِد الْإِعْرَاب سألنيه بعض الْأَصْحَاب يحل المباني وَيبين الْمعَانِي سميته موصل الطلاب إِلَى قَوَاعِد الْإِعْرَاب نَافِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْبَاء مُتَعَلقَة بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره افْتتح يقدر مُؤَخرا لإِفَادَة الْحصْر عِنْد البيانيين والإهتمام عِنْد النَّحْوِيين أما بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم حرف فِيهِ معنى الشَّرْط بِدَلِيل دُخُول الْفَاء فِي جوابها بعد بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة الزمانية وَاخْتلفَا فِي ناصبه فَقيل فعل مَحْذُوف وَهُوَ الَّذِي نابت عَنهُ أما وَقيل لنيابتها عَن الْمَحْذُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وَهُوَ مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَالْأَصْل عِنْده مهما يكن من شَيْء بعد حمد الله بَدَأَ بِالْحَمْد تأدية لحق شَيْء مِمَّا وَجب عَلَيْهِ وَالْجَلالَة اسْم للذات المستجمع لسَائِر الصِّفَات حق حَمده أَي وَاجِب حَمده الَّذِي يتَعَيَّن لَهُ ويستحقه كَمَال ذَاته وَقدم صِفَاته وتقدس اسمائه وَعُمُوم آلائه وانتصابه على المفعولية الْمُطلقَة وَالصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْجَرِّ عطفا على حمد الله على سيدنَا مُتَعَلق بِالسَّلَامِ على اخْتِيَار الْبَصرِيين ومعلق الصَّلَاة مَحْذُوف تَقْدِيره عَلَيْهِ وَلَا يجوز أَن يتَعَلَّق الْمَذْكُور بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ كَانَ يجب ذكر الْمُتَعَلّق بِالسَّلَامِ على الْأَصَح وَفِي نُسْخَة وَعَبده وَهُوَ مَعْطُوف على سيدنَا وَفِيه من أَنْوَاع البديع الْمُطَابقَة وَمُحَمّد بَدَلا من سيدنَا لِأَن نعت الْمعرفَة إِذا تقدم عَلَيْهَا أعرب بِحَسب العوامل وأعربت الْمعرفَة بَدَلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 فَصَارَ الْمَتْبُوع تَابعا كَقَوْلِه تَعَالَى {إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد الله} فِي قِرَاءَة الْجَرّ نَص على ذَلِك ابْن مَالك وعَلى آله هم كَمَا قَالَ الشَّافِعِي أَقَاربه الْمُؤمنِينَ من بني هَاشم وَبني الْمطلب ابْني عبد منَاف من بعده أَي من بعد مُحَمَّد وَأَشَارَ بذلك إِلَى أَن الصَّلَاة على الْآل مرتبَة وتابعة للصَّلَاة على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذِهِ فَوَائِد جملَة مقرونة بِالْفَاءِ على أَنَّهَا جَوَاب الشَّرْط وَأَشَارَ بِهَذِهِ إِلَى أَشْيَاء مستحضرة فِي ذهنه والفوائد جمع فَائِدَة وَهُوَ مَا يكون الشَّيْء بِهِ أحسن حَالا مِنْهُ بِغَيْرِهِ جليلة أَي عَظِيمَة فِي قَوَاعِد جمع قَاعِدَة وَهِي قَضِيَّة كُلية يتعرف مِنْهَا أَحْكَام جزئياتها الْإِعْرَاب الاصطلاحي تقتفي من القفو وَهُوَ الِاتِّبَاع تَقول قَفَوْت فلَانا إِذا تبِعت أَثَره وَضَمنَهُ معنى تسلك بمتأملها أَي بالناظر فِيهَا جادة بِالْجِيم أَي مُعظم طَرِيق الصَّوَاب وَهُوَ ضد الْخَطَأ وتطلعه أَي توقفه فِي الأمد أَي فِي الزَّمن الْقصير خلاف الطَّوِيل وَلَو قَالَ الْقَلِيل بدل الْقصير كَانَ أنسب لكثير فِي قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 على نكت كثير بِالْإِضَافَة والنكت بِالْمُثَنَّاةِ جمع نُكْتَة وَهِي الدقيقة من الْأَبْوَاب جمع بَاب وَتجمع أَيْضا على أبوبة للإزدواج كَقَوْل ابْن مقبل (هتاك أخبية ولاج أبوبة ... يخالط الْبر مِنْهُ الْجد واللينا) عملتها بِكَسْر الْمِيم عمل بِفَتْحِهَا من طب لمن حب لُغَة فِي أحب وَالْأَصْل كعمل من طب لمن أحب وَالْمرَاد أَنِّي بالغت فِي النصح فَجعلت هَذِه الْفَوَائِد لطلبة الْعلم كَمَا يَجْعَل الطَّبِيب الحاذق الْأَدْوِيَة النافعة لمحبوبه وَالْغَرَض من هَذَا التَّشْبِيه بَيَان كَمَال الِاجْتِهَاد فِي تَحْصِيل الْموَاد وَإِلَّا فقد قَالَ الْأَطِبَّاء الْأَب لَا يطب وَلَده والمحب لَا يطب حبيبته والعاشق لَا يطب معشوقه وسميتها أَي الْفَوَائِد الجليلة بالإعراب لُغَة هُوَ الْبَيَان عَن قَوَاعِد الْإِعْرَاب اصْطِلَاحا وَهُوَ علم النَّحْو وَفِي هَذِه التَّسْمِيَة من البديع التَّجْنِيس التَّام اللَّفْظِيّ والخطي وَمن الله استمد أَي أطلب المدد قدم معموله عَلَيْهِ لإِفَادَة الْحصْر التَّوْفِيق خلق قدرَة الطَّاعَة فِي العَبْد وضده الخذلان وَالْهِدَايَة الْإِرْشَاد وَالدّلَالَة وضدها الغواية والضلالة إِلَى اقوم طَرِيق قدم الصّفة على الْمَوْصُوف وإضافتها إِلَيْهِ رِعَايَة للسجع وَالْأَصْل إِلَى طَرِيق أقوم أَي مُسْتَقِيم وَهُوَ كِنَايَة عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 سرعَة الْوُصُول إِلَى المأمول لِأَن الْخط الْمُسْتَقيم أقل من المنحني بمنه أَي إنعامه وَيُطلق الْمَنّ على تعديد النعم الصادرة من الشَّخْص إِلَى غَيره كَقَوْلِه فعلت مَعَ فلَان كَذَا وَكَذَا وتعداد النعم من الله تَعَالَى مدح وَمن الْإِنْسَان ذمّ وَمن بلاغات الزَّمَخْشَرِيّ طعم الآلاء أحلى من الْمَنّ وَهُوَ أَمر من الآلاء عِنْد الْمَنّ أَرَادَ بالآلاء الأولى النعم وبالثانية الشّجر المر وَأَرَادَ بالمن الأول الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {الْمَنّ والسلوى} وَبِالثَّانِي تعديد النعم وَكَرمه أَي جوده يُقَال على الله تَعَالَى كريم وَلَا يُقَال سخي إِمَّا لعدم الْوُرُود وَإِمَّا للإشعار بِجَوَاز الشُّح وينحصر تقْرَأ بالتحتانية على إِرَادَة المُصَنّف اَوْ الْكتاب وبالفوقانية على إِرَادَة الْفَوَائِد الجليلة أَو الْمُقدمَة فِي أَرْبَعَة أَبْوَاب من حصر الْكل فِي أَجْزَائِهِ وَهِي الْجُمْلَة وأحكامها وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَتَفْسِير كَلِمَات وَالْإِشَارَة إِلَى عِبَارَات محررة وستمر بك هَذِه الْأَبْوَاب بَابا بَابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الْبَاب الأول شرح الْجُمْلَة وَذكر أسمائها وأحكامها وَفِيه أَربع مسَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الْمَسْأَلَة الأولى فِي شرح الْجُمْلَة إعلم أَيهَا الْوَاقِف على هَذَا المُصَنّف أَن اللَّفْظ الْمركب الاسنادي يكون مُفِيدا كقام زيد وَغير مُفِيد نَحْو إِن قَامَ زيد وَأَن غير الْمُفِيد يُسمى جملَة فَقَط وَأَن الْمُفِيد يُسمى كلَاما لوُجُود الْفَائِدَة وَيُسمى جملَة لوُجُود التَّرْكِيب الاسنادي ونعني معشر النُّحَاة بالمفيد حَيْثُ أطلقناه فِي بحث الْكَلَام مَا يحسن من الْمُتَكَلّم السُّكُوت عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يصير السَّامع منتظرا لشَيْء آخر وَبَين الْجُمْلَة وَالْكَلَام عُمُوم وخصوص مُطلق وَذَلِكَ أَن الْجُمْلَة أَعم من الْكَلَام لصدقها بِدُونِهِ وَعدم صدقه بِدُونِهَا فَكل كَلَام جملَة لوُجُود التَّرْكِيب الاسنادي وَلَا ينعكس عكسا لغويا أَي لَيْسَ كل جملَة كلَاما لِأَنَّهُ يعْتَبر فِيهِ الإفادة بِخِلَافِهَا أَلا ترى أَن جملَة الشَّرْط نَحْو قَامَ زيد من قَوْلك إِن قَامَ زيد قَامَ عَمْرو تسمى جملَة لاشتمالها على الْمسند والمسند إِلَيْهِ وَلَا تسمى كلَاما لِأَنَّهُ لَا يُفِيد معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ لِأَن إِن الشّرطِيَّة أخرجته عَن صلاحيته لذَلِك لِأَن السَّامع ينْتَظر الْجَواب وَكَذَلِكَ أَي وكالقول فِي جملَة الشَّرْط القَوْل فِي جملَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الْجَواب أَي جَوَاب الشَّرْط وَهِي جملَة قَامَ عَمْرو من الْمِثَال الْمَذْكُور تسمى جملَة وَلَا تسمى كلَاما لما قُلْنَاهُ وَالْحَاصِل أَنه جعل فِي كل من جملتي الشَّرْط وَجَوَابه أَمريْن أَحدهمَا ثبوتي وَهُوَ التَّسْمِيَة بِالْجُمْلَةِ وَالْآخر سَلبِي وَهُوَ عدم التَّسْمِيَة بالْكلَام فَفِي ذَلِك دَلِيل على مَا ادَّعَاهُ من عدم ترادف الْجُمْلَة وَالْكَلَام ورد على من قَالَ بتراد فهما كالزمخشري وعَلى من قَالَ جملَة جَوَاب الشَّرْط كَلَام بِخِلَاف جملَة الشَّرْط كالرضى ثمَّ الْجُمْلَة تَنْقَسِم أَولا بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّسْمِيَة إِلَى اسمية وفعلية وَذَلِكَ أَنَّهَا تسمى اسمية إِن بدأت باسم صَرِيح كزيد قَائِم أَو مؤول نَحْو {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} أَي صومكم خير لكم أَو بِوَصْف رَافع لمكتف بِهِ نَحْو أقائم الزيدان أَو اسْم فعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 نَحْو هَيْهَات العقيق وَإِذا دخل عَلَيْهَا حرف فَلَا يُغير التَّسْمِيَة سَوَاء غير الْإِعْرَاب دون الْمَعْنى أم الْمَعْنى دون الْإِعْرَاب أم غَيرهمَا مَعًا أم لم يُغير وَاحِدًا مِنْهُمَا فَالْأول نَحْو إِن زيدا قَائِم وَالثَّانِي نَحْو هَل زيد قَائِم وَالثَّالِث مَا زيد قَائِما وَالرَّابِع نَحْو لزيد قَائِم وَالْجُمْلَة تسمى فعلية إِن بدأت بِفعل سَوَاء كَانَ مَاضِيا أم مضارعا أم أمرا وَسَوَاء كَانَ الْفِعْل متصرفا أم جَامِدا وَسَوَاء كَانَ تَاما أم نَاقِصا وَسَوَاء كَانَ مَبْنِيا للْفَاعِل أم مَبْنِيا للْمَفْعُول كقام زيد وَيضْرب عَمْرو وَاضْرِبْ زيدا وَنعم العَبْد وَكَانَ زيد قَائِما و {قتل الخراصون} وَلَا فرق فِي الْفِعْل أَن يكون مَذْكُورا أَو محذوفا تقدم معموله عَلَيْهِ أَولا تقدم عَلَيْهِ حرف أَولا نَحْو هَل قَامَ زيد وَنَحْو زيدا ضَربته وَيَا عبد الله فزيدا وَعبد الله منصوبان بِفعل مَحْذُوف لِأَن التَّقْدِير فِي الأول ضربت زيدا ضَربته فَحذف ضربت لوُجُود مفسره وَهُوَ ضَربته وَفِي الثَّانِي أَدْعُو عبد الله فَحذف أَدْعُو لِأَن حرف النداء نَائِب عَنهُ وَنَحْو {ففريقا كَذبْتُمْ} ففريقا مقدم من تَأْخِير وَالْأَصْل كَذبْتُمْ فريقا ثمَّ الْجُمْلَة تَنْقَسِم ثَانِيًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الوصفية الى صغرى وكبرى فالصغرى هِيَ الْمخبر بهَا عَن مُبْتَدأ فِي الأَصْل أَو فِي الْحَال إسمية كَانَت أَو فعلية والكبرى هِيَ الَّتِي خَبَرهَا جملَة كزيد قَامَ أَبوهُ فجملة قَامَ أَبوهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 صغرى لِأَنَّهَا خبر عَن زيد وَجُمْلَة زيد قَامَ أَبوهُ كبرى لِأَن خبر الْمُبْتَدَأ فِيهَا جملَة وَقد تكون الْجُمْلَة صغرى وكبرى باعتبارين كَمَا إِذا قيل زيد أَبوهُ غُلَامه منطلق فزيد مُبْتَدأ أول وَأَبوهُ مُبْتَدأ ثَان وَغُلَامه مُبْتَدأ ثَالِث ومنطلق خبر الْمُبْتَدَأ الثَّالِث وَهُوَ غُلَامه والمبتدأ الثَّالِث وَخَبره وهما غُلَامه منطلق خبر الْمُبْتَدَأ الثَّانِي وَهُوَ أَبوهُ والرابط بَينهمَا الْهَاء من غُلَامه والمبتدأ الثَّانِي وَخَبره وهما أَبوهُ غُلَامه منطلق خبر الْمُبْتَدَأ الأول وَهُوَ زيد والرابط بَينهمَا الْهَاء من أَبوهُ وَيُسمى الْمَجْمُوع وَهُوَ زيد ومنطلق وَمَا بَينهمَا جملَة كبرى لَا غير لِأَن خبر مبتدأيها جملَة وَتسَمى جملَة غُلَامه منطلق جملَة صغرى لَا غير لِأَنَّهَا وَقعت خَبرا عَن مُبْتَدأ وَهُوَ أَبوهُ وَتسَمى جملَة أَبوهُ غُلَامه منطلق جملَة كبرى بِالنِّسْبَةِ إِلَى جملَة غُلَامه منطلق وَتسَمى جملَة أَبوهُ غُلَامه منطلق أَيْضا جملَة صغرى بِالنِّسْبَةِ إِلَى زيد لكَونهَا وَقعت خَبرا عَنهُ وَالْمعْنَى غُلَام أَي زيد منطلق وَلَك فِي الرابط طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن تضيف كلا من المبتدآت غير الأول إِلَى ضمير متلوه كَمَا مثل المُصَنّف وَالثَّانِي أَن تَأتي بالرابط بعد خبر المبتدإ الْأَخير نَحْو زيد هِنْد الأخوان الزيدون ضاربوهما عِنْدهَا باذنه فضمير التَّثْنِيَة للأخوين وَضمير الْمُؤَنَّث لهِنْد وَضمير الْمُذكر لزيد وَيتَفَرَّع من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ طَريقَة ثَالِثَة مركبة مِنْهُمَا وَهِي أَن نجْعَل بعض الروابط مَعَ الْمُبْتَدَأ وَبَعضهَا مَعَ الْخَبَر نَحْو زيد عبداه الزيدون ضاربوهما وَمثله فِي كَون الْجُمْلَة فِيهِ صغرى وكبرى باعتبارين قَوْله تَعَالَى {لَكِن هُوَ الله رَبِّي} إِذْ اصله أَي أصل {لَكِن هُوَ الله رَبِّي} لَكِن أَنا فحذفت الْهمزَة بِنَقْل الْحَرَكَة أَو بِدُونِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وتلاقت النونان فأدغم فِي قِرَاءَة ابْن عَامر بِإِثْبَات ألف نَا وصلا ووقفا وَالَّذِي حسن ذَلِك وُقُوع الْألف عوضا عَن همزَة أَنا وَقَرَأَ أبي بن كَعْب لَكِن أَنا على الأَصْل وَإِلَّا أَي وَإِن لم يكن أَصله لَكِن أَنا بِالتَّخْفِيفِ بل كَانَ أَصله لَكِن هُوَ بِالتَّشْدِيدِ وَإِسْقَاط الْألف لقيل لكنه لِأَن لَكِن الْمُشَدّدَة عاملة عمل إِن فَإِذا كَانَ اسْمهَا ضميرا وَجب اتِّصَاله بهَا وَقد تسَامح المصنفون بِدُخُول اللَّام فِي جَوَاب إِن الشّرطِيَّة المقرونة بِلَا النافية فِي قَوْلهم وَإِلَّا لَكَانَ كَذَا حملا على دُخُولهَا فِي جَوَاب لَو الشّرطِيَّة لِأَنَّهَا أُخْتهَا وَمنع الْجُمْهُور دُخُول اللَّام فِي جَوَاب إِن وَأَجَازَهُ ابْن الْأَنْبَارِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وَلَكِن حرف اسْتِدْرَاك من أكفرت كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت كَافِر بِاللَّه لَكِن أَنا هُوَ الله رَبِّي فَأَنا مُبْتَدأ أول وَهُوَ ضمير الشَّأْن مُبْتَدأ ثَان وَالله مُبْتَدأ ثَالِث وربي خبر الثَّالِث وَالثَّالِث وَخَبره خبر الثَّانِي وَلَا يحْتَاج إِلَى رابط لِأَنَّهَا خبر عَن ضمير الشَّأْن وَالثَّانِي وَخَبره خبر الأول والرابط بَينهمَا يَاء الْمُتَكَلّم وَيُسمى الْمَجْمُوع جملَة كبرى وَالله رَبِّي جملَة صغرى وَهُوَ الله رَبِّي جملَة كبرى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله رَبِّي وصغرى بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَنا وَقد تكون الْجُمْلَة لَا صغرى وَلَا كبرى لفقد الشَّرْطَيْنِ كقام زيد وَهَذَا زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي بَيَان الْجمل الَّتِي لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب الَّذِي هُوَ الرّفْع وَالنّصب والخفض والجزم وَهِي سبع على الْمَشْهُور إِحْدَاهَا الْوَاقِعَة خَبرا لمبتدأ فِي الأَصْل أَو فِي الْحَال فَالْأول نَحْو زيد قَامَ أَبوهُ فجملة قَامَ أَبوهُ فِي مَوضِع رفع خبر زيد وَالثَّانِي نَحْو إِن زيدا أَبوهُ قَائِم فجملة أَبوهُ قَائِم فِي مَوضِع رفع خبر إِن وَالْفرق بَين الْبَابَيْنِ من وُجُوه أَحدهَا إِن الْعَامِل فِي الْخَبَر على الأول الْمُبْتَدَأ وعَلى الثَّانِي إِن ثَانِيهَا إِن الْخَبَر فِي الأول مُحكم وَفِي الثَّانِي مَنْسُوخ ثَالِثهَا إِن الْخَبَر فِي الأول يلقى إِلَى خَالِي الذِّهْن من الحكم والتردد فِيهِ وَالثَّانِي يلقى إِلَى الشاك أَو الْمُنكر فِي أول درجاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وموضعها نصب فِي بَابي كَانَ وَكَاد فَالْأول نَحْو {كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} فجملة يظْلمُونَ من الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَوضِع نصب خبر لَكَانَ وَالثَّانِي نَحْو {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} فجملة يَفْعَلُونَ فِي مَوضِع نصب خبر لكاد وَالْفرق بَين الْبَابَيْنِ من وُجُوه الأول أَن جملَة خبر كَانَ تكون جملَة اسمية أَو فعلية وَجُمْلَة خبر كَاد لَا تكون إِلَّا فعلية فعلهَا مضارع الثَّانِي إِن خبر كَانَ لَا يجوز إقترانه بِأَن المصدرية وَيجوز فِي خبر كَاد الثَّالِث أَن خبر كَانَ مُخْتَلف فِي نَصبه على ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه خبر مشبه بالمفعول عِنْد الْبَصرِيين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَالثَّانِي أَنه مشبه بِالْحَال عِنْد الْفراء وَالثَّالِث أَنه حَال عِنْد بَقِيَّة الْكُوفِيّين بِخِلَاف خبر كَاد فَإِنَّهُ مَنْصُوب بهَا بِلَا خلاف الْجُمْلَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة من الَّتِي لَهَا مَحل الْوَاقِعَة حَالا والواقعة مَفْعُولا بِهِ ومحلهما النصب فالحالية نَحْو قَوْله تَعَالَى {وجاؤوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ} فجملة يَبْكُونَ من الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَحل نصب على حَال من الْوَاو وعشاء مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد فجملة وَهُوَ ساجد من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل نصب على الْحَال من العَبْد وَالْجُمْلَة المفعولية تقع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع الأول أَن تقع محكية بالْقَوْل نَحْو قَالَ إِنِّي عبد الله فجملة إِنِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 عبد الله فِي مَوضِع نصب على المفعولية محكية بقال وَالدَّلِيل على أَنَّهَا محكية بقال كسر إِن بعد دُخُول قَالَ وَالثَّانِي أَن تقع تالية للْمَفْعُول الأول فِي بَاب ظن نَحْو ظَنَنْت زيدا يقْرَأ فجملة يقْرَأ من الْفِعْل وفاعله الْمُسْتَتر فِيهِ فِي مَوضِع نصب على أَنَّهَا الْمَفْعُول الثَّانِي لظن وَالثَّالِث أَن تقع تالية للْمَفْعُول الثَّانِي فِي بَاب أعلم نَحْو أعلمت زيدا عمرا أَبوهُ قَائِم فجملة أَبوهُ قَائِم فِي مَوضِع نصب على أَنَّهَا الْمَفْعُول الثَّالِث لأعْلم وَإِنَّمَا لم تقع تالية للْمَفْعُول فِي بَاب اعْلَم لِأَن مَفْعُوله الثَّانِي مُبْتَدأ فِي الأَصْل والمبتدأ لَا يكون جملَة وَالرَّابِع أَن تقع مُعَلّقا عَنْهَا الْعَامِل وَالتَّعْلِيق إبِْطَال الْعَمَل لفظا وإبقاؤه محلا لمجىء مَا لَهُ صدر الْكَلَام سَوَاء كَانَ الْعَامِل من بَاب علم أم من غَيره فَالْأول نَحْو {لنعلم أَي الحزبين أحصى} فَأَي الحزبين مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وأحصى خَبره وَهُوَ فعل مَاض لَا اسْم تَفْضِيل من الإحصاء على الْأَصَح وَجُمْلَة الْمُبْتَدَأ وَخَبره فِي مَوضِع نصب سادة مسد مفعولي نعلم وَالثَّانِي {فَلْينْظر أَيهَا أزكى طَعَاما} فأيها مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وأزكى خَبره وَطَعَامًا تَمْيِيز وَجُمْلَة الْمُبْتَدَأ وَخَبره فِي مَوضِع نصب سادة مسد مفعول ينظر الْمُقَيد بالجار قَالَ المُصَنّف فِي الْمُغنِي لِأَنَّهُ يُقَال نظرت فِيهِ وَلكنه هُنَا علق بالاستفهام عَن الْوُصُول فِي اللَّفْظ إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الْمَفْعُول وَهُوَ من حَيْثُ الْمَعْنى طَالب لَهُ على معنى ذَلِك الْحَرْف وَزعم ابْن عُصْفُور أَنه لَا يعلق فعل غير علم وَظن حَتَّى يتَضَمَّن مَعْنَاهُمَا وعَلى هَذَا تكون هَذِه الْجُمْلَة سادة مسد مفعولين انْتهى وَالنَّظَر والفكر فِي حَال المنظور فِيهِ وَالرَّابِعَة من الْجمل الَّتِي لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا ومحلها الْجَرّ فعلية كَانَت أَو اسمية فَالْأولى نَحْو قَوْله تَعَالَى {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} فجملة ينفع الصَّادِقين صدقهم فِي مَحل جر بِإِضَافَة يَوْم إِلَيْهَا وَالثَّانيَِة نَحْو قَوْله تَعَالَى {يَوْم هم بارزون} فجملة هم بارزون من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي مَحل جر بِإِضَافَة يَوْم إِلَيْهَا وَالدَّلِيل على أَن يَوْم فيهمَا مُضَاف عدم تنوينه وكذك كل جملَة بعد إِذْ الدَّالَّة على الْمَاضِي أَو إِذا الدَّالَّة على الْمُسْتَقْبل أَو حَيْثُ الدَّالَّة على الْمَكَان أَو لما الوجودية الدَّالَّة على وجود شَيْء لوُجُود غَيره عِنْد من قَالَ باسميتها وَهُوَ ابو بكر بن السراج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَتَبعهُ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي وتبعهما أَبُو الْفَتْح بن جني وتبعهم جمَاعَة زَعَمُوا أَنَّهَا ظرف بِمَعْنى حِين وَقَالَ ابْن مَالك ظرف بِمَعْنى إِذْ وَاسْتَحْسنهُ المُصَنّف فِي الْمُغنِي أَو بَيْنَمَا أَو بَينا بِزِيَادَة الْمِيم فِي الأولي وحذفها فِي الثَّانِيَة فَهِيَ أَي الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد هَذِه الْمَذْكُورَات كلهَا فِي مَوضِع خفض بإضافتهن أَي إِضَافَة هَذِه الْمَذْكُورَات إِلَيْهَا مِثَال إِذْ قَوْله تَعَالَى {واذْكُرُوا إِذْ أَنْتُم قَلِيل} و {إِذْ كُنْتُم قَلِيلا} فتضاف إِلَى الجملتين كَمَا مثلنَا وَمِثَال إِذا وتختص بالفعلية على الْأَصَح قَوْله تَعَالَى {إِذا جَاءَ نصر الله} وَمِثَال حَيْثُ جَلَست حَيْثُ جلس زيد وَحَيْثُ زيد جَالس فتضاف للجملتين كَمَا مثلنَا وإضافتها إِلَى الفعلية أَكثر وَمِثَال لما قَوْلك لما جَاءَ زيد جَاءَ عَمْرو وتختص بِالْفِعْلِ الْمَاضِي وَمِثَال بَيْنَمَا أَو بَينا قَوْلك بَيْنَمَا اَوْ بَينا زيد قَائِم أَو يقوم زيد وَالصَّحِيح أَن مَا كَافَّة لبين عَن الْإِضَافَة فَلَا مَحل للجملة بعْدهَا من الْإِعْرَاب وَاصل بَينا بَيْنَمَا فحذفت الْمِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وَالْجُمْلَة الْخَامِسَة الْوَاقِعَة جَوَابا لشرط جازم وَهُوَ إِن الشّرطِيَّة وَأَخَوَاتهَا ومحلها الْجَزْم إِذا كَانَت الْجُمْلَة الجوابية مقرونة بِالْفَاءِ سَوَاء كَانَت اسمية أم فعلية خبرية أم إنشائية أَو كَانَت مقرونة بإذا الفجائية وَلَا تكون إِلَّا اسمية والأداة إِن خَاصَّة فَالْأولى المقرونة بِالْفَاءِ نَحْو قَوْله تَعَالَى {من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ ويذرهم} فجملة لَا هادي لَهُ من لَا وَاسْمهَا وخبرها فِي مَحل جزم لوقوعها جَوَابا لشرط جزم وَهُوَ من وَلِهَذَا أَي وَلأَجل أَنَّهَا فِي مَحل جزم قريء بجزم يذرهم بِالْيَاءِ عطفا على مَحل الْجُمْلَة فيذرهم مجزوم فِي قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ مَعْطُوف على مَحل جملَة فَلَا هادي لَهُ وَالثَّانيَِة المقرونه بإذا الفجائية نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} فجملة هم يقنطون فِي مَحل جزم لوقوعها جَوَابا لشرط جازم وَهُوَ إِن والفجأة البغته وَتَقْيِيد الشَّرْط بالجازم احْتِرَازًا عَن الشَّرْط غير الْجَازِم كإذا وَلَو وَلَوْلَا فَأَما إِذا كَانَت جملَة الْجَواب فعلهَا مَاض خَال عَن الْفَاء نَحْو إِن قَامَ زيد قَامَ عَمْرو فَمحل الْجَزْم فِي الْجَواب مَحْكُوم بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 للْفِعْل وَحده وَهُوَ قَامَ لَا للجملة بأسرها وَهُوَ قَامَ وفاعله وَكَذَا أَي وكالقول فِي فعل الْجَواب القَوْل فِي فعل الشَّرْط إِن الْجَزْم مَحْكُوم بِهِ للْفِعْل وَحده لَا للجملة بأسرها لِأَن أَدَاة الشَّرْط إِنَّمَا تعْمل فِي شَيْئَيْنِ لفظا أَو محلا فَلَمَّا عملت فِي مَحل الْفِعْلَيْنِ لم يبْق لَهَا تسلط على مَحل الْجُمْلَة بأسرها وَلِهَذَا نقُول إِذا عطفت عَلَيْهِ أَي على فعل الشَّرْط الْمَاضِي فعلا مضارعا وَتَأَخر عَنْهَا مَعْمُول وأعملت الْفِعْل الأول وَهُوَ الْمَاضِي فِي الْمُتَنَازع فِيهِ نَحْو إِن قَامَ وَيقْعد أَخَوَاك قَامَ عَمْرو فتجزم الْمُضَارع الْمَعْطُوف على الْمَاضِي قبل أَن تكمل الْجُمْلَة بفاعلها وَهُوَ أَخَوَاك فلولا أَن الْجَزْم مَحْكُوم بِهِ للْفِعْل وَحده للَزِمَ الْعَطف على الْجُمْلَة قبل إِتْمَامهَا وَهُوَ مُمْتَنع تَنْبِيه وَهُوَ لُغَة الإيقاظ يُقَال نبهت تَنْبِيها أَي أيقظت إيقاظا وَاصْطِلَاحا عنوان الْبَحْث الْآتِي بِحَيْثُ يعلم من الْبَحْث السَّابِق إِجْمَالا إِذا قلت إِن قَامَ زيد أقوم بِالرَّفْع مَا مَحل أقوم فَالْجَوَاب عَن هَذَا السُّؤَال مُخْتَلف فِيهِ قيل إِن أقوم لَيْسَ هُوَ الْجَواب وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيل الْجَواب أَي لَا عينه وَهُوَ مُؤخر من تَقْدِيم وَالْجَوَاب مَحْذُوف وَالْأَصْل أقوم إِن قَامَ زيد أقِم وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وَقيل هُوَ أَي أقوم نفس الْجَواب على إِضْمَار الْفَاء والمبتدأ وَالتَّقْدِير فَأَنا أقوم وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين وَقيل أقوم هُوَ الْجَواب وَلَيْسَ على إِضْمَار الْفَاء وَلَا على نِيَّة التَّقْدِيم وَإِنَّمَا لم يجْزم لَفظه لِأَن الأداة لما لم تعْمل فِي لفظ الشَّرْط لكَونه مَاضِيا مَعَ قربه فَلَا تعْمل فِي الْجَواب مَعَ بعده فعلى القَوْل الأول وَهُوَ أَنه دَلِيل الْجَواب لَا مَحل لَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَأْنف وَلَفظه مَرْفُوع لتجرده عَن الناصب والجازم وعَلى القَوْل الثَّانِي وَهُوَ أَن يكون على إِضْمَار الْفَاء مَحَله مَعَ الْمُبْتَدَأ الْجَزْم وَيظْهر أثر ذَلِك الِاخْتِلَاف فِي التَّابِع فَتَقول إِن قَامَ زيد أقوم وَيقْعد أَخَوَاك بِالرَّفْع وعَلى الثَّانِي وَيقْعد أَخَوَاك بِالْجَزْمِ وَالْجُمْلَة السَّادِسَة التابعة لمفرد كالجملة المنعوت بهَا ومحلها بِحَسب منعوتها فَإِن كَانَ منعوتها مَرْفُوعا فَهِيَ فِي مَوضِع رفع كالواقعة فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا بيع فِيهِ} فجملة لَا بيع فِيهِ من اسْم لَا وخبرها فِي مَحل رفع على أَنَّهَا نعت ليَوْم وَإِن كَانَ منعوتها مَنْصُوبًا فَهِيَ فِي مَوضِع نصب كالواقعة فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} فجملة ترجعون فِي مَوضِع نصب على أَنَّهَا نعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ل يَوْمًا وَإِن كَانَ منعوتها مجرورا فَهِيَ فِي مَوضِع جر كالواقعة فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {ليَوْم لَا ريب فِيهِ} فجملة لَا ريب فِيهِ فِي مَوضِع جر لِأَنَّهَا نعت ليَوْم وَالْجُمْلَة السَّابِعَة الْجُمْلَة التابعة لجملة لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب وَذَلِكَ فِي بَابي النسق وَالْبدل فَالْأول نَحْو زيد قَامَ أَبوهُ وَقعد أَخُوهُ فجملة قَامَ أَبوهُ فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهَا خبر الْمُبْتَدَأ وَكَذَا جملَة قعد أَخُوهُ فِي مَوضِع رفع أَيْضا لِأَنَّهَا معطوفة على جملَة قَامَ ابوه الَّتِي هِيَ خبر عَن زيد وَلَو قدرت الْعَطف لجملة قعد أَخُوهُ على مَجْمُوع الْجُمْلَة الاسمية الَّتِي هِيَ زيد قَامَ أَبوهُ لم يكن للمعطوفة وَهِي قعد أَخُوهُ مَحل لِأَنَّهَا معطوفة على جملَة مستأنفة وَلَو قدرت الْوَاو فِي وَقعد وَاو الْحَال لَا وَاو الْعَطف وَلَا وَاو الِاسْتِئْنَاف كَانَت الْجُمْلَة الدَّاخِلَة عَلَيْهَا وَاو الْحَال فِي مَوضِع نصب على الْحَال من أَبوهُ وَكَانَت قد فِيهَا مضمرة تقرب الْمَاضِي من الْحَال وَيكون تَقْدِير الْكَلَام زيد قَامَ أَبوهُ وَالْحَال أَنه قعد أَخُوهُ وَإِذا قلت قَالَ زيد عبد الله منطلق وَعمر ومقيم فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب الَّذِي هُوَ من عطف جملَة على جملَة لَهَا مَحل حَتَّى تكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 جملَة عَمْرو مُقيم محلهَا نصب بالْعَطْف على جملَة عبد الله منطلق المحكية بالْقَوْل بل الَّذِي مَحَله النصب على المفعولية ب قَالَ مَجْمُوع الجملتين المعطوفة والمعطوف عَلَيْهَا لِأَن الْمَجْمُوع الْمركب من الجملتين المذكورتين هُوَ الْمَقُول لِلْقَوْلِ فَكل مِنْهُمَا أَي من الجملتين المتعاطفتين جُزْء الْمَقُول الْمركب من الجملتين لَا أَنه على انْفِرَاده الْمَقُول حَتَّى يكون أَحدهمَا مَعْطُوفًا على الآخر وَالثَّانِي الْبَدَل نَحْو قَوْله (أَقُول لَهُ ارحل لَا تقيمن عندنَا ... وَإِلَّا فَكُن فِي السِّرّ والجهر مُسلما) فجملة لَا تقيمن عندنَا فِي مَوضِع نصب على الْبَدَلِيَّة من ارحل وَشَرطه أَن تكون الْجُمْلَة الثَّانِيَة أوفى بتأدية الْمَعْنى المُرَاد من الأولى كَمَا هُنَا فَإِن دلَالَة الثَّانِيَة على مَا أَرَادَهُ من إِظْهَار الْكَرَاهَة لإقامته أولى لِأَنَّهَا تدل عَلَيْهِ بالمطابقة وَالْأولَى تدل عَلَيْهِ بالالتزام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي بَيَان الْجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا من الْأَعْرَاب وَهِي أَيْضا مصدر آض بِالْمدِّ إِذا عَاد سبع إِحْدَاهَا الْجُمْلَة الابتدائية أَي الْوَاقِعَة فِي ابْتِدَاء الْكَلَام اسمية كَانَت أَو فعلية وَتسَمى المستأنفة أَيْضا وَهِي نَوْعَانِ أَحدهمَا المفتتح بهَا الْكَلَام نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} وَالثَّانِي المنقطعة عَمَّا قبلهَا نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا} الْوَاقِعَة بعد {وَلَا يحزنك قَوْلهم} فجملة {إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا} مستأنفة لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب وَلَيْسَت محكية بالْقَوْل حَتَّى يكون لَهَا مَحل وَإِنَّمَا المحكي بالْقَوْل مَحْذُوف تَقْدِيره إِنَّه مَجْنُون أَو شَاعِر أَو نَحْو ذَلِك وَإِنَّمَا لم تجْعَل محكية بالْقَوْل لفساد الْمَعْنى إِذْ لَو قَالُوا إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا لم يحزنهُ فَيَنْبَغِي للقارىء أَن يقف على قَوْلهم ويبتدىء {إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فَإِن وصل وَقصد بذلك تَحْرِيف الْمَعْنى أَثم وَنَحْو {لَا يسمعُونَ إِلَى الملإ الْأَعْلَى} الْوَاقِعَة بعد {وحفظا من كل شَيْطَان مارد} أَي خَارج عَن الطَّاعَة فجملة لَا يسمعُونَ لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا مستأنفة استئنافا نحويا لَا استئنافا بيانيا وَهُوَ مَا كَانَ جَوَابا عَن سُؤال مُقَدّر لِأَنَّهُ لَو قيل لأي شَيْء تحفظ من الشَّيْطَان فَأُجِيب بِأَنَّهُم لَا يسمعُونَ لم يستقم فَيَنْبَغِي أَن يكون كلَاما مُنْقَطِعًا عَمَّا قبله وَلَيْسَت جملَة لَا يسمعُونَ صفة ثَانِيَة للنكرة وَهِي شَيْطَان وَلَا حَالا مِنْهَا أَي من النكرَة مقدرَة فِي الْمُسْتَقْبل لوصفها أَي النكرَة بمارد وَهُوَ عِلّة لتسويغ مَجِيء الْحَال من النكرَة وَسَيَأْتِي أَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد نكرَة مَوْصُوفَة تحْتَمل الوصفية والحالية وَإِنَّمَا امْتنع الْوَصْف وَالْحَال لفساد الْمَعْنى أما على تَقْدِير الصّفة فَلِأَنَّهُ لَا معنى للْحِفْظ من شَيْطَان لَا يسمع وَأما على تَقْدِير الْحَال الْمقدرَة فَلِأَن الَّذِي يقدر معنى الْحَال هُوَ صَاحبهَا وَالشَّيَاطِين لَا يقدرُونَ عدم السماع وَلَا يريدونه قَالَه المُصَنّف فِي المغنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَتقول فِي الِاسْتِئْنَاف بالاصطلاحين مَا لَقيته مذ يَوْمَانِ فَهَذَا التَّرْكِيب كَلَام تضمن جملتين مستأنفتين إِحْدَاهمَا جملَة فعلية مُقَدّمَة وَهِي مَا لَقيته وَهِي مستأنفة استئنافا نحويا وَالثَّانيَِة جملَة اسمية مؤخرة وَهِي مذ يَوْمَانِ وَهِي مستأنفة استئنافا نحويا لِأَنَّهَا فِي التَّقْدِير جَوَاب سُؤال مُقَدّر ناشىء من الْجُمْلَة الْمُتَقَدّمَة وكأنك لما قلت مَا لقيتة قيل لَك على رَأْي من جعل مذ مُبْتَدأ مَا امد ذَلِك فَقلت مجيبا لَهُ أمده يَوْمَانِ وعَلى رَأْي من يَجْعَلهَا خَبرا مقدما فتقدير السُّؤَال مَا بَيْنك وَبَين لِقَائِه فَجَوَابه بيني وَبَينه يَوْمَانِ وَالْأول قَول الْمبرد وَابْن السراج والفارسي وَالثَّانِي قَول الْأَخْفَش والزجاج وَنسب إِلَى سِيبَوَيْهٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وَأما على القَوْل بِأَن يَوْمَانِ فَاعل لفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير مَا لَقيته مذ مضى يَوْمَانِ أَو أَن يَوْمَانِ خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير مَا لَقيته من الزَّمَان الَّذِي هُوَ يَوْمَانِ فَلَا يتمشى وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لطائفتين من الْكُوفِيّين وَمثلهمَا أَي مثل جملتي مَا لَقيته مذ يَوْمَانِ فِي كَونهمَا كلَاما متضمنا جملتين مستأنفتين بالاصطلاحين قَامَ الْقَوْم خلا زيدا وَقَامَ الْقَوْم حاشا عمرا وَقَامَ الْقَوْم عدا بكرا فَكل من هَذِه الْأَمْثِلَة الثَّلَاثَة كَلَام تضمن جملتين مستأنفتين إِحْدَاهمَا الْمُشْتَملَة على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهِي مستأنفة استئنافا نحويا وَالثَّانيَِة الْمُشْتَملَة على الْمُسْتَثْنى وَهِي مستأنفة استئنافا بيانيا لِأَنَّهَا فِي التَّقْدِير جَوَاب سُؤال مُقَدّر فكأنك لما قلت قَامَ الْقَوْم هَل دخل زيد فيهم فَقلت خلا زيدا وَكَذَا الْبَاقِي إِلَّا أَنَّهُمَا أَي جملَة الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَجُمْلَة الْمُسْتَثْنى فِي الْأَمْثِلَة الثَّلَاثَة فعليتان وَهَذَا إِنَّمَا يتمشى مَعَ القَوْل بِأَن جملَة الْمُسْتَثْنى لَا مَحل لَهَا أما على القَوْل بِأَنَّهَا فِي مَوضِع نصب على الْحَال فَلَا وَمن مثلهَا بِضَم الْمُثَلَّثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 جمع مِثَال أَي وَمن أَمْثِلَة الْجُمْلَة المستأنفة الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد حَتَّى الابتدائية قَول جرير (فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... حَتَّى مَاء دجلة أشكل) أَي أَبيض يخالطه حمرَة فماء دجلة مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وأشكل خَبره وَجُمْلَة الْمُبْتَدَأ وَخَبره مستأنفة هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور وَنقل عَن أبي إِسْحَق الزّجاج وَأبي مُحَمَّد عبد الله بن جَعْفَر ابْن درسْتوَيْه أَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد حَتَّى الابتدائية وَهِي الَّتِي تبدأ بعْدهَا الْجُمْلَة أَي تسْتَأْنف فِي مَوضِع جر بحتى وَخَالَفَهُمَا الْجُمْهُور وَقَالُوا لَيست حَتَّى هَذِه حرف جر بدليلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 أَحدهمَا لَو كَانَت حرف جر لقيل حَتَّى مَاء بِالْجَرِّ وَالرِّوَايَة بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر والعدول إِلَى الْعَمَل فِي مَحل الْجُمْلَة نوع من التَّعْلِيق وَهُوَ غير مُنَاسِب لِأَن حُرُوف الْجَرّ لَا تعلق بِفَتْح اللَّام عَن الْعَمَل بِدُخُولِهَا على الْجمل وَإِنَّمَا تدخل على الْمُفْردَات أَو مَا فِي تَأْوِيلهَا وَالثَّانِي إِن حَتَّى هَذِه لَيست حرف جر لوُجُوب كسر همزَة إِن بعْدهَا فِي نَحْو قَوْلك مرض زيد حَتَّى إِنَّهُم لَا يرجونه بِكَسْر إِن وَلَو كَانَت حرف جر لفتحت الْهمزَة وَفَاء بالقاعدة وَهِي أَنه إِذا دخل الْحَرْف الْجَار على أَن فتحت همزتها نَحْو قَوْله تَعَالَى {ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق} فَلَمَّا لم تفتح الْهمزَة علمنَا أَنَّهَا لَيست جَارة وَفِي كل من هذَيْن الدَّلِيلَيْنِ نظر أما الأول فلأنهما لَا يسميان ذَلِك تَعْلِيقا وَإِنَّمَا يَقُولَانِ الْجُمْلَة بعد حَتَّى فِي مَحل جر على معنى أَن تِلْكَ الْجُمْلَة فِي تَأْوِيل مُفْرد مجرور بهَا لَا على معنى أَن تِلْكَ الْجُمْلَة بَاقِيَة على جمليتها غير مؤولة بالمفرد لَا يُقَال حَقِيقَة التَّعْلِيق أَن يمْنَع من الْعَمَل لفظا لمجيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 مَا لَهُ صدر الْكَلَام وَهُوَ مَفْقُود هُنَا لأَنا نقُول ذَاك فِي أَفعَال الْقُلُوب وَأما تعلق حُرُوف الْجَرّ فبأن تدخل على غير مُفْرد أَو مَا فِي تَأْوِيله أَو تدخل على مُفْرد وَلَا تعْمل فِيهِ شَيْئا وَأما الثَّانِي فَلِأَن مدعاهما فِي أَنَّهَا عاملة فِي الْمحل لَا فِي اللَّفْظ وَلذَلِك لم تفتح همزَة إِن بعْدهَا وَالْجُمْلَة الثَّانِيَة مِمَّا لَا مَحل لَهُ الْوَاقِعَة صلَة لاسم مَوْصُول نَحْو قَامَ أَبوهُ من قَوْلك جَاءَ الَّذِي قَامَ أَبوهُ فجملة قَامَ أَبوهُ لَا مَحل لَهَا لِأَنَّهَا صلَة الْمَوْصُول والموصول لَهُ مَحل بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ الْعَامِل بِدَلِيل ظُهُور الْإِعْرَاب فِي نفس الْمَوْصُول نَحْو {لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد} فِي قِرَاءَة النصب وَنَحْو {رَبنَا أرنا الَّذين أضلانا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وَذهب أَبُو الْبَقَاء إِلَى أَن الْمحل للموصول وصلته مَعًا كَمَا أَن الْمحل للموصول الْحرفِي مَعَ صلته وَفرق الأول بِأَن الِاسْم يسْتَقْبل بالعامل والحرف لَا يسْتَقْبل أَو الْوَاقِعَة صلَة لحرف يؤول مَعَ صلته بمصدر نَحْو عجبت مِمَّا قُمْت أَي من قيامك فَمَا مَوْصُول حرفي على الْأَصَح وَقمت صلته والموصول وصلته فِي مَوضِع جر بِمن وَأما الصِّلَة وَهِي قُمْت وَحدهَا فَلَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا صلَة مَوْصُول وَكَذَا الْمَوْصُول الْحرفِي وَحده لَا مَحل لَهُ لانْتِفَاء الْإِعْرَاب فِي الْحَرْف الْجُمْلَة الثَّالِثَة المعترضة بَين شَيْئَيْنِ متلازمين وَهِي إِمَّا للتسديد بِالسِّين الْمُهْملَة أَي التقوية أَو التَّبْيِين وَهُوَ الْإِيضَاح وَلَا يعْتَرض بهَا إِلَّا بَين الْأَجْزَاء الْمُنْفَصِل بَعْضهَا من بعض الْمُقْتَضِي كل مِنْهُمَا الآخر فَتَقَع بَين الْفِعْل وفاعله كَقَوْلِه (وَقد أدركتني والحوادث جمة ... أسنة قوم لَا ضِعَاف وَلَا عزل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 أَو مَفْعُوله كَقَوْلِه (وبدلت والدهر ذُو تبدل ... هيفا دبورا بالصبا والشمأل) وَبَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر كَقَوْلِه (وفيهن وَالْأَيَّام يعثرن بالفتى ... نوادب لَا يمللنه ونوائح) أَو مَا هما اصله كَقَوْلِه (إِن سليمى وَالله يكلؤها ... ضنت بِشَيْء مَا كَانَ يرزؤها) وَبَين الشَّرْط وَجَوَابه نَحْو قَوْله تَعَالَى {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار} وَبَين الْمَوْصُول وصلته كَقَوْلِه (ذَاك الَّذِي وَأَبِيك يعرف مَالِكًا ... وَالْحق يدْفع ترهات الْبَاطِل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَبَين أَجزَاء الصِّلَة نَحْو جَاءَ الَّذِي جوده وَالْكَرم زين مبذول وَبَين الْمَجْرُور وجاره اسْما كَانَ نَحْو هَذَا غُلَام وَالله زيد أَو حرفا نَحْو اشْتَرَيْته بوالله الف دِرْهَم وَبَين الْحَرْف وتوكيده نَحْو (لَيْت وَهل ينفع شَيْئا لَيْت ... لَيْت شبَابًا بوع فاشتريت) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَبَين قد وَالْفِعْل نَحْو (أخالد قد وَالله أوطأت عشوة ... ) وَبَين الْحَرْف ومنفيه نَحْو فَلَا وَأبي دهماء زَالَت عزيزة وَبَين الْقسم وَجَوَابه والموصوف وَصفته ويجمعهما {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} الْآيَة {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} وَفِي هَذِه الْآيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 اعْتِرَاض فِي ضمن اعْتِرَاض وَذَلِكَ لِأَن قَوْله تَعَالَى {إِنَّه لقرآن كريم} جَوَاب الْقسم وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} وَمَا بَينهمَا أَي بَين لَا أقسم وَجَوَابه وَالَّذِي بَينهمَا هُوَ {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} اعْتِرَاض لَا مَحل لَهُ من الْإِعْرَاب وَفِي أثْنَاء هَذَا الِاعْتِرَاض الَّذِي هُوَ {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} اعْتِرَاض آخر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لَو تعلمُونَ} فَإِنَّهُ معترض بَين الْمَوْصُوف وَصفته وهما قسم عَظِيم على طَرِيق اللف والنشر على التَّرْتِيب فالاعتراض فِي هَذِه الْآيَة بجملة وَاحِدَة فِي ضمنهَا جملَة وَيجوز الِاعْتِرَاض بِأَكْثَرَ من جملَة خلافًا لأبي عَليّ الْفَارِسِي فِي مَنعه من ذَلِك وَمن الِاعْتِرَاض بِأَكْثَرَ من جملَة قَوْله تَعَالَى {قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَالله أعلم بِمَا وضعت وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى وَإِنِّي سميتها مَرْيَم} فالجملة الاسمية هِيَ {وَالله أعلم بِمَا وضعت} بِإِسْكَان التَّاء والفعلية هِيَ {وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى} معترضتان بَين الجملتين المصدرتين بِأَنِّي وَلَيْسَ مِنْهُ أَي من الِاعْتِرَاض بِأَكْثَرَ من جملَة هَذِه الْآيَة وَهِي {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} إِلَى آخرهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 من سُورَة الْوَاقِعَة خلافًا للزمخشري ذكره فِي تَفْسِير آل عمرَان فِي قَوْله تَعَالَى {قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} إِلَى قَوْله {وَإِنِّي سميتها مَرْيَم} فَقَالَ فَإِن قلت علام عطف قَوْله {وَإِنِّي سميتها مَرْيَم} قلت هَذِه معطوفة على قَوْله {إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} وَمَا بَينهمَا جملتان معترضتان كَقَوْلِه {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} انْتهى وَوجه الرَّد عَلَيْهِ إِن الَّذِي فِي آيَة آل عمرَان اعتراضان لَا اعْتِرَاض وَاحِد بجملتين وَيدْفَع بِأَن الزَّمَخْشَرِيّ إِنَّمَا قصد تَشْبِيه الْآيَة بِالْآيَةِ فِي عدد الْجمل الْمُعْتَرض بهَا لَا فِي عدد الِاعْتِرَاض بِدَلِيل قَوْله فِي تَفْسِير سُورَة الْوَاقِعَة {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} اعْتِرَاض بَين الْقسم وَجَوَابه وَقَوله {لَو تعلمُونَ} اعْتِرَاض بَين الْمَوْصُوف وَالصّفة انْتهى الْجُمْلَة الرَّابِعَة التفسيرية وَتسَمى المفسرة والمفسرة الَّتِي لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب هِيَ الكاشفة لحقيقة مَا تليه من مُفْرد ومركب وَلَيْسَت عُمْدَة فَخرج بقوله بِحَقِيقَة مَا تليه صلَة الْمَوْصُول فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت كاشفة وموضحة للموصول لَكِنَّهَا لَا توضح حَقِيقَته بل تُشِير إِلَيْهَا بِحَال من أحوالها وَخرج بقوله وَلَيْسَت عُمْدَة الْجُمْلَة الْمخبر بهَا عَن ضمير الشَّأْن كَمَا سَيَأْتِي وَلَو قَالَ وَهِي الفضلة كَمَا قَالَ فِي المغنى لَكَانَ أولى لِأَن الْفُصُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 العدمية مهجورة فِي الْحُدُود ثمَّ مثل بأَرْبعَة أَمْثِلَة الأول يحْتَمل التَّفْسِير وَالْبدل نَحْو {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} من قَوْله تَعَالَى {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} فجملة الِاسْتِفْهَام الصُّورِي وَهِي هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ مفسرة للنجوى فَلَا مَحل لَهَا والنجوى اسْم للتناجي الْخَفي وَهل هُنَا للنَّفْي بِمَعْنى مَا وَلذَلِك دخلت إِلَّا بعْدهَا وَقيل إِن جملَة الِاسْتِفْهَام الصُّورِي بدل مِنْهَا أَي من النَّجْوَى فَيكون الْمحل نصبا بِنَاء على أَن مَا فِيهِ معنى القَوْل يعْمل فِي الْجمل وَهُوَ رَأْي الْكُوفِيّين وَهُوَ إِبْدَال جملَة من مُفْرد نَحْو عرفت زيدا أَبُو من هُوَ وَالثَّانِي مَا يحْتَمل التَّفْسِير وَالْحَال نَحْو قَوْله تَعَالَى {مستهم البأساء وَالضَّرَّاء} فَإِنَّهُ تَفْسِير {مثل الَّذين خلوا من قبلكُمْ} فَلَا مَحل لَهُ وَقيل إِن {مستهم البأساء وَالضَّرَّاء} حَال من الَّذين خلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 على تَقْدِير قد قَالَه أَبُو الْبَقَاء قَالَ فِي المغنى وَالْحَال لَا تَأتي من الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي مثل هَذَا وَتعقبه بعض الْمُتَأَخِّرين بِأَن مثل صفة فَيصح عمله فِي الْحَال فَيجوز مَجِيء الْحَال مِمَّا أضيف هُوَ إِلَيْهِ وَفِيه نظر لِأَن المُرَاد بِالْعَمَلِ عمل الْأَفْعَال والمضاف إِلَيْهِ مثل لَيْسَ فَاعِلا وَلَا مَفْعُولا فَلَا يَصح أَن يعْمل فِي الْحَال وَالثَّالِث نَحْو قَوْله تَعَالَى {كَمثل آدم خلقه من تُرَاب} الْآيَة بعد قَوْله {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله} فجملة خلقه من تُرَاب تَفْسِير لمثل فَلَا مَحل لَهُ وَالرَّابِع مَا يحْتَمل التَّفْسِير والاستئناف نَحْو قَوْله تَعَالَى {تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله} بعد قَوْله تَعَالَى {هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} فجملة تؤمنون وَمَا عطف عَلَيْهَا مفسرة للتِّجَارَة فَلَا مَحل لَهَا وَقيل هِيَ مستأنفة استئنافا بيانيا كَأَنَّهُمْ قَالُوا كَيفَ نَفْعل فَقَالَ لَهُم تؤمنون وَهُوَ خبر وَمَعْنَاهُ الطّلب وَالْمعْنَى آمنُوا بِدَلِيل قِرَاءَة ابْن مَسْعُود آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ومجيء يغْفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 بِالْجَزْمِ فِي جَوَابه على حد قَوْلهم اتَّقى الله امْرُؤ فعل خيرا يثب عَلَيْهِ أَي ليتق وليفعل يثب وعَلى الأول وَهُوَ أَن يكون تؤمنون تَفْسِيرا للتِّجَارَة هُوَ أَي يغْفر بِالْجَزْمِ جَوَاب الِاسْتِفْهَام وَهُوَ هَل أدلكم وَاسْتَشْكَلَهُ الزّجاج فَقَالَ الْجَواب مسبب عَن الطّلب وغفران الذُّنُوب لَا يتسبب عَن نفس الدّلَالَة بل عَن الْإِيمَان وَالْجهَاد وَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى جَوَابه بقوله وَصَحَّ ذَلِك الْجَزْم فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام على إِقَامَة سَبَب السَّبَب وَهُوَ الدّلَالَة على التِّجَارَة مقَام السَّبَب وَهُوَ الِامْتِثَال قَالَ المُصَنّف وَخرج بِقَوْلِي فِي تَعْرِيف الْجُمْلَة التفسيرية الَّتِي لَا مَحل لَهَا وَلَيْسَت عُمْدَة الْجُمْلَة الْمخبر بهَا عَن ضمير الشَّأْن نَحْو هُوَ زيد قَائِم وَهِي هِنْد قَائِمَة فَإِنَّهَا أَي الْجُمْلَة الْمخبر بهَا عَن ضمير الشَّأْن مفسرة لَهُ وَلها مَحل من الْإِعْرَاب بالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا أَجمعُوا على أَن لَهَا محلا لِأَنَّهَا خبر وَالْخَبَر عُمْدَة فِي الْكَلَام كالمبتدأ والعمدة لَا يَصح الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا فَوَجَبَ أَن يكون لَهَا مَحل وَهِي من حَيْثُ كَونهَا خَبرا حَالَة مَحل الْمُفْرد لِأَن الأَصْل فِي الْخَبَر الْإِفْرَاد لَا من حَيْثُ كَونهَا خَبرا عَن ضمير الشَّأْن لِأَن ضمير الشَّأْن لَا يخبر عَنهُ بمفرد وَكَون الْجُمْلَة الفضلة المفسرة لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب هُوَ الْمَشْهُور سَوَاء كَانَ مَا تفسره لَهُ مَحل أم لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَقَالَ ابو عَليّ الشلوبين بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَاللَّام التَّحْقِيق إِن الْجُمْلَة المفسرة تكون بِحَسب مَا تفسره فَإِن كَانَ مَا تفسره لَهُ مَحل من الْإِعْرَاب فَهِيَ لَهَا مَحل كَذَلِك وَإِلَّا يكن لما تفسره مَحل فَلَا مَحل لَهَا وَالثَّانِي وَهُوَ الَّذِي لَا مَحل لما تفسره نَحْو ضَربته من نَحْو قَوْلك زيد ضَربته فَإِنَّهُ مُفَسّر لجملة مقدرَة وَالتَّقْدِير ضربت زيدا ضَربته وَلَا مَحل للجملة الْمقدرَة الَّتِي هِيَ ضربت لِأَنَّهَا مستأنفة والمستأنفة لَا مَحل لَهَا وَكَذَلِكَ تَفْسِيرهَا لَا مَحل لَهُ وَإِنَّمَا قدم الثَّانِي على الأول لكَونه من صور الْوِفَاق وَالْأول وَهُوَ الَّذِي لما تفسره مَحل نَحْو خلقناه من قَوْله تَعَالَى {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} بِنصب كل فجملة خلقناه مفسرة للجملة الْمقدرَة الْعَامِل فعلهَا فِي كل وَالتَّقْدِير إِنَّا خلقنَا كل شَيْء خلقناه فخلقناه الْمَذْكُورَة مفسرة لخلقناه الْمقدرَة وَتلك الْجُمْلَة الْمقدرَة فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهَا خبر ل إِن فَكَذَلِك جملَة خلقناه الْمَذْكُورَة تكون فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهَا بِحَسب مَا تفسره وَمن ذَلِك مَا مثل بِهِ الشلوبين من قَوْله زيد الْخبز يَأْكُلهُ فيأكله جملَة وَاقعَة فِي مَحل رفع لِأَنَّهَا مفسرة للجملة المحذوفة وَهِي يَأْكُل الْعَامِل فعلهَا فِي الْخبز النصب والمحذوفة فِي مَحل رفع على الخبرية لزيد وَالْأَصْل زيد يَأْكُل الْخبز يَأْكُلهُ فَكَذَلِك الْمَذْكُورَة لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 مَحل بِحَسب مَا تفسره وَاسْتدلَّ على ذَلِك التَّحْقِيق بَعضهم بقول الشَّاعِر (فَمن نَحن نؤمنه يبت وَهُوَ آمن ... وَمن لَا نجره يمس منا مروعا) وَوجه الدَّلِيل مِنْهُ أَن نؤمنه مُفَسّر ل نؤمن قبل نَحن محذوفا مَجْزُومًا بِمن فَظهر الْجَزْم فِي الْفِعْل الْمَذْكُور وَهُوَ نؤمنه الْمُفَسّر للْفِعْل الْمَحْذُوف وَالْأَصْل من نؤمن نؤمنه فَلَمَّا حذف نؤمن برز ضَمِيره وانفصل وَفِي كل من أَمْثِلَة التَّحْقِيق نظر لِأَنَّهَا ترجع عِنْد التَّحْقِيق إِلَى تَفْسِير الْمُفْرد بالمفرد وَهُوَ تَفْسِير الْفِعْل بِالْفِعْلِ لَا الْجُمْلَة بِالْجُمْلَةِ بِدَلِيل ظُهُور الْجَزْم فِي الْفِعْل الْمُفَسّر لِأَن جملَة الِاشْتِغَال لَيست من الْجمل الَّتِي تسمى فِي الِاصْطِلَاح جملَة تفسيرية وَإِن حصل بهَا التَّفْسِير كَمَا قَالَ المُصَنّف فِي المغنى الْجُمْلَة الْخَامِسَة مِمَّا لَا مَحل لَهُ الْوَاقِعَة جَوَابا للقسم سَوَاء ذكر فعل الْقسم وحرفه أم الْحَرْف فَقَط أم لم يذكرَا نَحْو أقسم بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَالثَّانِي نَحْو {إِنَّك لمن الْمُرْسلين} بعد قَوْله تَعَالَى {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} وَالثَّالِث نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِن لكم لما تحكمون} بعد قَوْله تَعَالَى {أم لكم أَيْمَان علينا بَالِغَة} والأيمان جمع يَمِين بِمَعْنى الْقسم وَنَحْو {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس} لِأَن أَخذ الْمِيثَاق بِمَعْنى الِاسْتِحْلَاف قيل وَمن هُنَا أَي من أجل أَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة جَوَاب الْقسم لَا مَحل لَهَا قَالَ أَحْمد بن يحيى ولقبه ثَعْلَب لَا يجوز أَن يُقَال زيد ليقومن على أَن ليقومن خبر عَن زيد لِأَن الْجُمْلَة الْمخبر بهَا لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب وَجَوَاب الْقسم لَا مَحل لَهُ فيتنافيان ورد قَول ثَعْلَب والراد لَهُ ابْن مَالك قَالَ فِي شرح التسهيل وَقد ورد السماع بِمَا مَنعه ثَعْلَب من وُقُوع جملَة جَوَاب الْقسم خَبرا وَاسْتشْهدَ بقوله تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنبوئنهم} فجملة لنبوئنهم جَوَاب الْقسم وَهِي خبر الَّذين وَالْجَوَاب عَمَّا قَالَ ابْن مَالك أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 التَّقْدِير وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أقسم بِاللَّه لنبوئنهم وَكَذَا التَّقْدِير فِيمَا أشبه ذَلِك من نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا} فَالْخَبَر فِي الْحَقِيقَة هُوَ مَجْمُوع جملَة الْقسم الْمقدرَة وَهِي أقسم بِاللَّه وَجُمْلَة الْجَواب الْمَذْكُورَة وَهِي لنبوئنهم ولنهدينهم لَا مُجَرّد جملَة الْجَواب فَقَط فَلَا يلْزم التَّنَافِي إِذْ لَا يلْزم من عدم محلية الْجُزْء عدم محلية الْكل هَذَا تَقْدِير كَلَامه هُنَا وَقَالَ فِي المغنى مَسْأَلَة قَالَ ثَعْلَب لَا تقع جملَة الْقسم خَبرا فَقيل فِي تَعْلِيله لِأَن نَحْو لَأَفْعَلَنَّ لَا مَحل لَهُ فَإِذا بنى على مُبْتَدأ فَقيل زيد ليفعلن صَار لَهُ مَوضِع وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ إِن مَا يَقع وُقُوع الْخَبَر جملَة قسمية لَا جملَة هِيَ جَوَاب الْقسم وَمرَاده أَن الْقسم وَجَوَابه لَا يكونَانِ خَبرا إِذْ لَا تنفك إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى وَجُمْلَة الْقسم وَالْجَوَاب يُمكن أَن يكون لَهما مَحل كَقَوْلِك قَالَ زيد أقسم بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ وَفِي بعض النّسخ تَنْبِيه يحْتَمل قَول همام بن غَالب الفرزدق يُخَاطب ذئبا عرض لَهُ فِي سَفَره (تعش فَإِن عاهدتني لَا تخونني ... نَكُنْ مثل من يَا ذِئْب يصطحبان) كَون جملَة لَا تخونني جَوَابا لعاهدتني فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة الْقسم كَقَوْلِه وَهُوَ الفرزدق أَيْضا (أرى محرزا عاهدته ليوافقن ... فَكَانَ كمن أغريته بخلافي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فجملة ليوافقن جَوَاب لعاهدته فَيكون لَا تخونني جَوَابا لعاهدتني فَلَا مَحل لَهُ من الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ جَوَاب الْقسم وَيحْتَمل كَونه أَي كَون لَا تخونني حَالا من الْفَاعِل وَهُوَ تَاء الْمُخَاطب من عاهدتني وَالتَّقْدِير حَال كونك غير خائن أَو حَالا من الْمَفْعُول وَهُوَ يَاء الْمُتَكَلّم من عاهدتني وَالتَّقْدِير حَال كوني غير خائن أَو حَالا مِنْهُمَا أَي من الْفَاعِل وَهُوَ التَّاء الفوقانية وَمن الْمَفْعُول وَهُوَ الْيَاء التَّحْتَانِيَّة وَالتَّقْدِير حَال كوننا غير خائنين وعَلى التقادير الثَّلَاثَة فَيكون فِي مَحل نصب وَالِاحْتِمَال الأول أرجح قَالَ فِي المغنى وَالْمعْنَى شَاهد لكَونهَا جَوَابا الْجُمْلَة السَّادِسَة من الْجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا الْوَاقِعَة جَوَابا لشرط غير جازم مُطلقًا كجواب إِذا الشّرطِيَّة نَحْو إِذا جَاءَ زيد أكرمتك وَجَوَاب لَو الشّرطِيَّة نَحْو لَو جَاءَ زيد لأكرمتك وَجَوَاب لَوْلَا الشّرطِيَّة نَحْو لَوْلَا زيد لأكرمتك فجملة أكرمتك فِي جَوَاب الثَّلَاثَة لَا مَحل لَهَا أَو الْوَاقِعَة جَوَابا لشرط جازم وَلم تقترن بِالْفَاءِ وَلَا بإذا الفجائية نَحْو إِن جَاءَنِي زيد أكرمته فجملة اكرمته وَقعت جَوَابا لشرط جازم وَلم تقترن بِالْفَاءِ وَلَا بإذا الفجائية فَلَا مَحل لَهَا فَإِن اقترنت بِأَحَدِهِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 كَانَت فِي مَحل جزم كَمَا تقدم الْجُمْلَة السَّابِعَة التابعة لما لَا مَوضِع لَهُ من الْإِعْرَاب نَحْو قَامَ زيد وَقعد عَمْرو فجملة قعد عَمْرو لَا مَحل لَهَا لِأَنَّهَا معطوفة على جملَة قَامَ زيد وَلَا مَحل لَهَا لِأَنَّهَا مستأنفة هَذَا إِذا لم تقدر الْوَاو الدَّاخِلَة على قعد للْحَال فَإِن قدرتها للْحَال كَانَت قد مقدرَة وَالْجُمْلَة بعْدهَا محلهَا نصب على الْحَال من زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة الْجمل الخبرية وَهِي المحتملة للتصديق والتكذيب مَعَ قطع النّظر عَن قَائِلهَا الَّتِي لم يطْلبهَا الْعَامِل لُزُوما وَيصِح الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا بِخِلَاف الْجُمْلَة الَّتِي يطْلبهَا الْعَامِل لُزُوما كجملة الْخَبَر والمحكية بالْقَوْل وَبِخِلَاف مَا لَا يَصح الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا كجملة الصِّلَة إِن وَقعت بعد النكرات الْمَحْضَة أَي الْخَالِصَة مِمَّا يقربهَا من الْمعرفَة فصفات أَي فَهِيَ صِفَات أَو وَقعت بعد المعارف الْمَحْضَة أَي الْخَالِصَة من شَائِبَة التنكير فأحوال أَي فَهِيَ أَحْوَال أَو وَقعت بعد غير الْمَحْض الَّتِي يكون فِيهَا شَائِبَة تَعْرِيف من وَجه وشائبة تنكير من وَجه مِنْهُمَا أَي من النكرات والمعارف مُحْتَملَة لَهما أَي فَهِيَ مُحْتَملَة للصفات وَالْأَحْوَال وَذَلِكَ مَعَ وجود الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاء الْمَانِع فالمقتضي للوصفية بمحض التنكير والمقتضي للحالية بمحض التَّعْرِيف والمقتضي لَهما عدم تمحض التنكير وَالْمَانِع للوصفية الاقتران بِالْوَاو وَنَحْوهَا وَالْمَانِع للحالية الاقتران بِحرف الِاسْتِقْبَال وَنَحْوه وَالْمَانِع للوصفية والحالية فَسَاد الْمَعْنى كَمَا تقدم فِي جملَة لَا يسمعُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مِثَال الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد النكرَة الْمَحْضَة حَال كَونهَا صفة قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} فجملة نقرؤه من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِي مَوضِع نصب صفة ل كتابا لِأَنَّهُ أَي كتابا نكرَة مَحْضَة وَقد مَضَت أَمْثِلَة ثَلَاثَة من ذَلِك أَي من وُقُوع الْجُمْلَة صفة للنكرة الْمَحْضَة فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عِنْد الْكَلَام على الْجُمْلَة التابعة لمفرد وَمِثَال الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد الْمعرفَة الْمَحْضَة حَال كَونهَا حَالا قَوْله تَعَالَى {وَلَا تمنن تستكثر} بِالرَّفْع فجملة تستكثر من الْفِعْل وَالْفَاعِل حَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي تمنن الْمُقدر ذَلِك الضَّمِير ب أَنْت وَهُوَ معرفَة مَحْضَة لِأَن الضمائر كلهَا معارف مَحْضَة بل هِيَ أعرف المعارف وَمِثَال الْجُمْلَة المحتملة للوجهين الصّفة وَالْحَال الْوَاقِعَة بعد النكرَة غير الْمَحْضَة نَحْو قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل صَالح يُصَلِّي فَإِن شِئْت قدرت يُصَلِّي من الْفِعْل وَالْفَاعِل صفة ثَانِيَة لرجل لِأَنَّهُ نكرَة وَقد وصف أَولا بِصَالح وَإِن شِئْت قدرته أَي يُصَلِّي وفاعله حَالا مِنْهُ أَي من رجل لِأَنَّهُ قد قرب من الْمعرفَة باختصاصه بِالصّفةِ الأولى وَهِي صَالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَمِثَال الْجُمْلَة المحتملة للوجهين الصّفة وَالْحَال الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعد الْمعرفَة غير الْمَحْضَة قَوْله تَعَالَى {كَمثل الْحمار يحمل أسفارا} فَإِن المُرَاد بالحمار هُنَا الْجِنْس من حَيْثُ هُوَ لَا حمَار بِعَيْنِه وَذُو التَّعْرِيف الجنسي يقرب من النكرَة فِي الْمَعْنى فتحتمل الْجُمْلَة من قَوْله يحمل أسفارا من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَجْهَيْن أَحدهمَا الحالية لِأَن الْحمار وَقع بِلَفْظ الْمعرفَة وَالْوَجْه الثَّانِي الصّفة لِأَنَّهُ أَي الْحمار كالنكرة فِي الْمَعْنى من حَيْثُ الشُّيُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الْبَاب الثَّانِي فِي الْجَار وَالْمَجْرُور فِيهِ أَيْضا أَربع مسَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الْمَسْأَلَة الأولى تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِفعل أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ إِحْدَاهَا أَنه لَا بُد من تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِفعل مَاض أَو مضارع أَو أَمر أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ من مصدر أَو صفة اَوْ نَحْوهمَا وَالْمرَاد بِالتَّعْلِيقِ الْعَمَل فِي مَحل الْجَار وَالْمَجْرُور نصبا أَو رفعا مِثَال تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِالْفِعْلِ نَحْو مَرَرْت بزيد فالجار وَالْمَجْرُور فِي مَحل نصب بمررت وَمِثَال تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِمَا فِي معنى الْفِعْل نَحْو زيد ممرور بِهِ فالجار وَالْمَجْرُور فِي مَحل رفع على النِّيَابَة عَن الْفَاعِل بممرور وَقد اجْتمعَا أَي التَّعَلُّق بِالْفِعْلِ والتعلق بِمَا فِي مَعْنَاهُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم} فَعَلَيْهِم الأول مُتَعَلق بِفعل وَهُوَ أَنْعَمت وَمحله نصب وَعَلَيْهِم الثَّانِي يتَعَلَّق بِمَا فِي معنى الْفِعْل وَهُوَ المغضوب وَمحله رفع على النِّيَابَة عَن الْفَاعِل وَقد اجْتمعَا أَيْضا فِي قَول أبي بكر بن دُرَيْد فِي مقصورته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 (واشتعل المبيض فِي مسوده ... مثل اشتعال النَّار فِي جزل الغضا) فَفِي مسودة مُتَعَلق بِفعل وَهُوَ اشتعل وَفِي جزل مُتَعَلق بِمَا فِي معنى الْفِعْل وَهُوَ اشتعال وَإِن علقت الْجَار وَالْمَجْرُور الأول وَهُوَ فِي مسوده بالمبيض أَو جعلته حَالا مِنْهُ مُتَعَلقا ب كَائِنا محذوفا فَلَا دَلِيل فِيهِ على اجْتِمَاعهمَا لِأَن الْمَجْرُور الأول وَالثَّانِي متعلقان بِمَا فِي معنى الْفِعْل وَهُوَ المبيض أَو كَائِنا واشتعل مَعْنَاهُ انْتَشَر والمبيض شَدِيد الْبيَاض وَالضَّمِير فِي مسوده عَائِد على الرَّأْس فِي الْبَيْت قبله وَمثل بِالنّصب مفعول مُطلق والجزل الغليظ من الْحَطب الْيَابِس والغضا شجر مَعْرُوف إِذا وَقع فِيهِ النَّار يشتعل سَرِيعا وَيبقى زَمَانا شبه بَيَاض الشيب وانتشاره فِي رَأسه باشتعال النَّار فِي الْحَطب الغليظ وانتشارها فِيهِ وَيسْتَثْنى من حُرُوف الْجَرّ أَرْبَعَة فَلَا تتَعَلَّق بِشَيْء أَحدهَا الْحَرْف الزَّائِد كالباء الزَّائِدَة فِي الْفَاعِل نَحْو {كفى بِاللَّه شَهِيدا} وَنَحْو أحسن بزيد عِنْد الْجُمْهُور وَالْأَصْل كفى الله شَهِيدا واحسن زيد بِالرَّفْع فزيدت الْبَاء فِي الْفَاعِل وَأحسن بِكَسْر السِّين فعل تعجب والزائدة فِي الْمَفْعُول نَحْو {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ} وَفِي الْمُبْتَدَأ نَحْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 بحسبك دِرْهَم وَفِي خبر النَّاسِخ الْمَنْفِيّ نَحْو {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} وَكَمن الزَّائِدَة فِي الْفَاعِل نَحْو {أَن تَقولُوا مَا جَاءَنَا من بشير} وَفِي الْمَفْعُول نَحْو {مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت} وَفِي الْمُبْتَدَأ نَحْو {مَا لكم من إِلَه غَيره} و {هَل من خَالق غير الله} واستفيد من الْأَمْثِلَة أَن الْبَاء تزاد فِي الْإِثْبَات وَالنَّفْي وَتدْخل على المعارف والنكرات وَأَن من لَا تزاد فِي الْأَثْبَات وَلَا تدخل على المعارف على الصَّحِيح وَإِنَّمَا لم يتَعَلَّق الزَّائِد بِشَيْء لِأَن التَّعَلُّق هُوَ الارتباط الْمَعْنَوِيّ وَالزَّائِد لَا معنى لَهُ يرتبط بِمَعْنى مدخوله وَإِنَّمَا يُؤْتى بِهِ فِي الْكَلَام تَقْوِيَة وتوكيدا والحرف الثَّانِي مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِشَيْء لَعَلَّ الجارة فِي لُغَة من يجر بهَا الْمُبْتَدَأ وهم عقيل بِالتَّصْغِيرِ وَلَهُم فِي لامها الأولى الْإِثْبَات والحذف فهاتان لُغَتَانِ وَلَهُم فِي لامها الْأَخِيرَة الْفَتْح وَالْكَسْر فهاتان لُغَتَانِ أَيْضا وَإِذا ضربت اثْنَيْنِ فِي مثلهمَا يحصل من ذَلِك أَربع لُغَات وَهِي لَعَلَّ وَلَعَلَّ وعل بِفَتْح الْأَخِيرَة وَكسرهَا فِيهِنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 واشتهر أَن عقيلا يجرونَ ب لَعَلَّ قَالَ شَاعِرهمْ وَهُوَ كَعْب بن سعد الغنوي (وداع دَعَا يَا من يُجيب إِلَى الندى ... فَلم يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب) (فَقلت ادْع أُخْرَى وارفع الصَّوْت جهرة ... لَعَلَّ أبي المغوار مِنْك قريب) فجر بهَا أبي المغوار تَنْبِيها على أَن الأَصْل فِي الْحُرُوف المختصة بِالِاسْمِ أَن تعْمل الْعَمَل الْخَاص بِهِ وَهُوَ الْجَرّ وَإِنَّمَا قيل بِعَدَمِ التَّعَلُّق فِيهَا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْحَرْف الزَّائِد الدَّاخِل على الْمُبْتَدَأ والحرف الثَّالِث مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِشَيْء لَوْلَا الامتناعية إِذا وَليهَا ضمير مُتَّصِل لمتكلم أَو مُخَاطب اَوْ غَائِب فِي قَول بَعضهم لولاي ولولاك ولولاه كَقَوْل زيد بن الْحَكِيم (وَكم موطن لولاي طحت ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وكقول الآخر (لولاك فِي ذَا الْعَام لم أحجج ... ) وكقول جحدر (ولولاه مَا قلت لدي الدَّرَاهِم ... ) فَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَن لَوْلَا فِي ذَلِك كُله جَارة للضمير وَأَنَّهَا لَا تتَعَلَّق بِشَيْء وَأَنَّهَا بِمَنْزِلَة لَعَلَّ الجارة فِي أَن مَا بعْدهَا مَرْفُوع الْمحل بِالِابْتِدَاءِ وَذهب الْأَخْفَش إِلَى أَن لَوْلَا فِي ذَلِك غير جَارة وَأَن الضَّمِير بعْدهَا مَرْفُوع الْمحل على الِابْتِدَاء وَلَكنهُمْ استعاروا ضمير الْجَرّ مَكَان ضمير الرّفْع وَالْأَكْثَر أَن يُقَال لَوْلَا أَنا وَلَوْلَا أَنْت وَلَوْلَا هُوَ بانفصال الضَّمِير فِيهِنَّ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {لَوْلَا أَنْتُم لَكنا مُؤمنين} والحرف الرَّابِع كَاف التَّشْبِيه نَحْو قَوْلك زيد كعمرو فَزعم الْأَخْفَش الْأَوْسَط وَهُوَ سعيد بن مسْعدَة وَأَبُو الْحسن بن عُصْفُور أَنَّهَا أَي كَاف التَّشْبِيه لَا تتَعَلَّق بِشَيْء محتجين بِأَن الْمُتَعَلّق بِهِ إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 كَانَ اسْتَقر فالكاف لَا تدل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فعلا مناسبا للكاف وَهُوَ أشبه فَهُوَ مُتَعَدٍّ لَا بالحرف وَفِي ذَلِك بحث وَفِي بعض النّسخ نظر وَبَينه المُصَنّف فِي المغنى بِمَنْع انْتِفَاء دلَالَة الْكَاف على اسْتَقر فَقَالَ وَالْحق إِن جَمِيع الْحُرُوف الجارة الْوَاقِعَة فِي مَوضِع الْخَبَر وَنَحْوه تدل على الِاسْتِقْرَار وَهُوَ فِي ذَلِك تَابع لأبي حَيَّان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي بَيَان حكم الْجَار وَالْمَجْرُور بعد الْمعرفَة والنكرة أَخّرهَا عَن الأولى لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْجُزْء من الْكل حكم الْجَار وَالْمَجْرُور إِذا وَقع بعد المعرفه وَبعد النكرَة مَعَ التمحض وَغَيره حكم الْجُمْلَة الخبرية الْمَشْرُوطَة بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة فَهُوَ أَي الْجَار وَالْمَجْرُور صفة فِي نَحْو قَوْلك رَأَيْت طائرا على غُصْن لِأَنَّهُ أَي على غُصْن وَقع بعد نكرَة مَحْضَة وَهُوَ طَائِر وَهُوَ حَال فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن قَارون {فَخرج على قومه فِي زينته} فَفِي زينته فِي مَوضِع الْحَال أَي متزينا على تَفْسِير الْمَعْنى وَكَائِنًا فِي زينته على تَفْسِير الْأَعْرَاب لِأَنَّهُ أَي فِي زينته وَقع بعد معرفَة مَحْضَة وَهِي الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي فَخرج وَهُوَ مُحْتَمل لَهما أَي الوصفية والحالية بعد غير الْمَحْض مِنْهُمَا وَذَلِكَ فِي نَحْو يُعجبنِي الزهر فِي أكمامه وَفِي نَحْو هَذَا ثَمَر يَانِع على أغصانه وَذَلِكَ لِأَن الزهر فِي الْمِثَال الأول معرف بأل الجنسية فَهُوَ قريب من النكرَة وقولك ثَمَر فِي الْمِثَال الثَّانِي مَوْصُوف ب يَانِع فَهُوَ قريب من الْمعرفَة فَيجوز فِي كل من الْجَار وَالْمَجْرُور فِي المثالين أَن يكون صفة وَأَن يكون حَالا والأكمام جمع كم بِكَسْر الْكَاف وَهُوَ وعَاء الطّلع والأغصان جمع غُصْن بِضَم الْغَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي بَيَان مُتَعَلق الْجَار وَالْمَجْرُور والمحذوف فِي هَذِه الْمَوَاضِع إعلم أَنه مَتى وَقع الْجَار وَالْمَجْرُور صفة لموصوف أَو صلَة لموصول أَو خَبرا لمخبر عَنهُ أَو حَالا لذِي حَال تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِمَحْذُوف وجوبا تَقْدِيره كَائِن لِأَن الأَصْل فِي الصّفة وَالْحَال وَالْخَبَر الْإِفْرَاد أَو تَقْدِيره اسْتَقر لِأَن الأَصْل فِي الْعَمَل للأفعال ويعضده الإتفاق عَلَيْهِ فِي الصِّلَة الْمشَار إِلَيْهِ بقوله إِلَّا الْوَاقِع صلَة فَيتَعَيَّن فِيهِ تَقْدِير اسْتَقر اتِّفَاقًا لِأَن الصِّلَة لَا تكون إِلَّا جملَة وَالْوَصْف مَعَ مرفوعه الْمُسْتَتر فِيهِ مُفْرد حكما وَقد تقدم مِثَال الصّفة وَالْحَال فِي قَوْله رَأَيْت طائرا على غُصْن وَخرج على قومه فِي زينته وَمِثَال الْخَبَر الْحَمد لله وَمِثَال الصِّلَة وَله من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيُسمى الْجَار وَالْمَجْرُور فِي هَذِه الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة بالظرف المستقر بِفَتْح الْقَاف لاستقرار الضَّمِير فِيهِ بعد حذف عَامله وَفِي غَيرهَا بالظرف اللَّغْو لألغاء الضَّمِير فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة حكم الْمَرْفُوع بعد الْجَار وَالْمَجْرُور فِي الْمَوَاضِع السَّابِقَة يجوز فِي الْجَار وَالْمَجْرُور حَيْثُ وَقع فِي هَذِه الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة صفة أَو صلَة أَو خَبرا أَو حَالا وَحَيْثُ وَقع بعد نفي أَو اسْتِفْهَام أَن يرفع الْفَاعِل لاعتماده على ذَلِك تَقول مَرَرْت بِرَجُل فِي الدَّار أَبوهُ فلك فِي أَبوهُ وَجْهَان أَحدهمَا أَن تقدره فَاعِلا بالجار وَالْمَجْرُور وَهُوَ فِي الدَّار لنيابته عَن اسْتَقر أَو مُسْتَقر محذوفا وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الرَّاجِح عِنْد الحذاق من النَّحْوِيين كَابْن مَالك وحجته أَن الأَصْل عدم التَّقْدِير وَالتَّأْخِير وَالْوَجْه الثَّانِي أَن تقدره أَي أَبوهُ مُبْتَدأ مُؤَخرا وتقدر الْجَار وَالْمَجْرُور وَهُوَ فِي الدَّار خَبرا مقدما وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر صفة لرجل الرابط بَينهمَا الْهَاء من أَبوهُ وَكَذَا تَقول فِي الصِّلَة وَالْخَبَر وَالْحَال وَتقول فِي الْوَاقِع بعد النَّفْي والاستفهام مَا فِي الدَّار أحد وَهل فِي الدَّار أحد فلك فِي أحد الْوَجْهَانِ قَالَ الله تَعَالَى {أَفِي الله شكّ} فلك فِي شكّ الْوَجْهَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وَحكى ابْن هِشَام الخضراوي عَن الْأَكْثَرين إِن الْمَرْفُوع بعد الْجَار وَالْمَجْرُور يجب أَن يكون فَاعِلا وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ والأخفش رفعهما أَي الْجَار وَالْمَجْرُور الْفَاعِل فِي غير هَذِه الْمَوَاضِع السِّتَّة أَيْضا نَحْو فِي الدَّار زيد فزيد عِنْدهم يجوز أَن يكون فَاعِلا وَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ مُؤَخرا وَالْجَار وَالْمَجْرُور خَبره وَأوجب البصريون غير الْأَخْفَش ابتدائيتة تَنْبِيه جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْجَار وَالْمَجْرُور من أَنه لَا بُد من تعلقه بِالْفِعْلِ أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ وَمن كَونه صفة للنكرة الْمَحْضَة وَحَالا من الْمعرفَة الْمَحْضَة ومحتملا للوصفية والحالية بعد غير الْمَحْض مِنْهُمَا وَغير ذَلِك ثَابت للظرف فَلَا بُد من تعلقه بِفعل زمانيا كَانَ الظّرْف أَو مكانيا فَالْأول نَحْو {وجاؤوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ} فعشاء ظرف زمَان مُتَعَلق ب جَاءُوا وَالثَّانِي نَحْو {أَو اطرحوه أَرضًا} فأرضا ظرف مَكَان مُتَعَلق ب اطرحوه وَإِنَّمَا نصبت على الظَّرْفِيَّة لأبهامها من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 حَيْثُ كَونهَا منكورة مَجْهُولَة أَو بِمَعْنى فعل فالزماني نَحْو زيد مبكر يَوْم الْجُمُعَة والمكاني نَحْو زيد جَالس أَمَام الْخَطِيب فالظرفان متعلقان باسم الْفَاعِل لما فِيهِ من معنى الْفِعْل وَمِثَال وُقُوعه أَي الظّرْف المكاني صفة بعد النكرَة الْمَحْضَة مَرَرْت بطائر فَوق غُصْن ففوق غُصْن صفة لطائر وَمِثَال وُقُوعه حَالا بعد الْمعرفَة الْمَحْضَة رَأَيْت الْهلَال بَين السَّحَاب فَبين السَّحَاب حَال من الْهلَال وَمِثَال وُقُوعه مُحْتملا لَهما أَي للوصفية والحالية بعد غير الْمَحْض يُعجبنِي الثَّمر بِالْمُثَلثَةِ فَوق الأغصان وَرَأَيْت ثَمَرَة بِالْمُثَلثَةِ يانعة فَوق غُصْن ففوق فِي المثالين يحْتَمل الوصفية والحالية أما الأول فَلِأَنَّهُ وَقع بعد الْمُعَرّف بأل الجنسية وَهُوَ قريب من النكرَة فَإِن راعيت مَعْنَاهُ جعلت الظّرْف صفة لَهُ وَإِن راعيت لَفظه جعلته حَالا مِنْهُ أما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ وَقع بعد النكرَة الموصوفة ب يانعة وَالْمُنكر الْمَوْصُوف قريب من الْمعرفَة فَإِن لم تكتف بِالصّفةِ جعلت الظّرْف صفة ثَانِيَة وَإِن اكتفيت بهَا جعلته حَالا من النكرَة الموصوفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وَمِثَال وُقُوعه خَبرا نَحْو {والركب أَسْفَل مِنْكُم} فِي قِرَاءَة السَّبْعَة نَافِع ابْن كثير وَابْن عَامر وَأبي عَمْرو وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِنصب أَسْفَل فأسفل ظرف مَكَان خبر عَن الركب وَمِثَال وُقُوعه صلَة {وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ} عَن عِبَادَته فَمن بِفَتْح الْمِيم اسْم مَوْصُول وَعِنْده صلتها وَمِثَال رَفعه الْفَاعِل الظَّاهِر زيد عِنْده مَال فَمَال فَاعل عِنْده لِأَنَّهُ اعْتمد على مخبر عَنهُ هَذَا هُوَ الرَّاجِح وَيجوز تقديرهما أَي الظّرْف وَالْمَرْفُوع بعده مُبْتَدأ مُؤَخرا وخبرا مقدما وَالْجُمْلَة خبر زيد والرابط بَينهمَا الْهَاء من عِنْده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَكَذَا الحكم إِذا وَقع بعد نفي اَوْ اسْتِفْهَام نَحْو أعندك زيد وَمَا عنْدك زيد فَيَأْتِي فِي زيد وَجْهَان وَيَأْتِي فِي نَحْو عنْدك زيد المذهبان المتقدمان فِيمَا إِذا لم يعْتَمد الظّرْف على شَيْء وَوَقع بعده مَرْفُوع فمذهب الْبَصرِيين إِلَّا الْأَخْفَش وجوب رَفعه على الِابْتِدَاء والظرف خبر مقدم وَمذهب الْكُوفِيّين والأخفش جَوَاز رَفعه على الفاعلية لأَنهم لَا يشترطون الِاعْتِمَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الْبَاب الثَّالِث فِي تَفْسِير كَلِمَات كَثِيرَة يحْتَاج إِلَيْهَا المعرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 النَّوْع الأول مَا جَاءَ على وَجه وَاحِد لَا غير وَهُوَ أَرْبَعَة أَحدهَا قطّ بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الطَّاء وَضمّهَا فِي اللُّغَة الفصحى فِيهِنَّ وَهِي اللُّغَة الأولى وَالثَّانيَِة فتح الْقَاف وَتَشْديد الطَّاء مَكْسُورَة على أصل التقاء الساكنين وَالثَّالِثَة إتباع الْقَاف للطاء فِي الضَّم وَالرَّابِعَة تَخْفيف الطَّاء مَعَ الضَّم وَالْخَامِسَة تَخْفيف الطَّاء مَعَ السّكُون وَهِي فِي اللُّغَات الْخمس ظرف لاستغراق مَا مضى من الزَّمَان ملازم للنَّفْي تَقول هَذَا الشَّيْء مَا فعلته قطّ أَي لم يصدر مني فعله فِي جَمِيع أزمنة الْمَاضِي واشتقاقها من القط وَهُوَ الْقطع فَمَعْنَى مَا فعلته قطّ مَا فعلته فِيمَا انْقَطع من عمري لانْقِطَاع الْمَاضِي عَن الْحَال والاستقبال فَلَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الْمَاضِي وَقَول الْعَامَّة لَا أَفعلهُ قطّ لحن أَي خطأ لأَنهم استعملوها فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الْمُسْتَقْبل وَذَلِكَ مُخَالف للوضع والاشتقاق وَسَماهُ لحنا لما فِيهِ من تَغْيِير الْمَعْنى يُقَال للمخطيء لاحن لِأَنَّهُ يعدل بالْكلَام عَن الصَّوَاب الثَّانِي عوض بِفَتْح أَوله وإهماله وَسُكُون ثَانِيه وتثليث آخِره واعجامه وَهُوَ ظرف لاستغراق مَا يسْتَقْبل من الزَّمَان غَالِبا وَيُسمى الزَّمَان عوضا لِأَنَّهُ كلما ذهبت مُدَّة عوضتها مُدَّة أُخْرَى أَو لِأَنَّهُ أَي الزَّمَان يعوض مَا سلب فِي زعمهم الْفَاسِد واعتقادهم الْبَاطِل وَهُوَ ملازم للنَّفْي تَقول أَنْت هَذَا الشَّيْء لَا أَفعلهُ عوض أَي لَا يصدر مني فعله فِي جَمِيع أزمنة الْمُسْتَقْبل وَهُوَ مَبْنِيّ فَإِن أضفته أعربته ونصبته على الظَّرْفِيَّة فَقلت لَا أَفعلهُ عوض العائضين كَمَا تَقول دهر الداهرين وَمن غير الْغَالِب مَا ذكره ابْن مَالك فِي التسهيل من أَن عوض قد يرد للماضي فَيكون بِمَعْنى قطّ وَأنْشد عَلَيْهِ قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 (فَلم أر عَاما عوض أَكثر هَالكا ... ) وَكَذَلِكَ أَي وَمثل عوض فِي استغراق الْمُسْتَقْبل أبدا تَقول فِيهَا ظرف لاستغراق مَا يسْتَقْبل من الزَّمَان إِلَّا أَنَّهَا لَا تخْتَص بِالنَّفْيِ وَلَا تبنى كَقَوْلِه تَعَالَى {خَالِدين فِيهَا أبدا} الثَّالِث مِمَّا جَاءَ على وَجه وَاحِد أجل بِسُكُون اللَّام وَفتح الْهمزَة وَالْجِيم وَيُقَال فِيهَا بجل بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ حرف مَوْضُوع لتصديق الْخَبَر مثبتا كَانَ الْخَبَر أَو منفيا يُقَال فِي الْإِثْبَات جَاءَ زيد وَفِي النَّفْي مَا جَاءَ زيد فَتَقول فِي جَوَاب كل مِنْهُمَا تَصْدِيقًا للمخبر اجل أَي صدقت هَذَا قَول الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن مَالك وَجَمَاعَة وَقَالَ المُصَنّف فِي المغنى أَنَّهَا ك نعم فَتكون حرف تَصْدِيق بعد الْخَبَر ووعد بعد الطّلب وإعلام بعد الِاسْتِفْهَام فَتَقَع بعد نَحْو قَامَ زيد وَمَا قَامَ زيد وَاضْرِبْ زيدا وأقائم زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَقيد المالقي الْخَبَر بالمثبت والطلب بِغَيْر النَّهْي وَقيل لَا تقع بعد الِاسْتِفْهَام وَعَن الْأَخْفَش هِيَ بعد الْخَبَر أحسن من نعم وَنعم بعد الِاسْتِفْهَام أحسن انْتهى الرَّابِع مِمَّا جَاءَ على وَجه وَاحِد بلَى وَهُوَ حرف مَوْضُوع لإِيجَاب الْكَلَام الْمَنْفِيّ أَي لإثباته فتختص بِالنَّفْيِ وتفيد ابطاله مُجَردا كَانَ النَّفْي عَن الِاسْتِفْهَام نَحْو {زعم الَّذين كفرُوا أَن لن يبعثوا قل بلَى وربي لتبعثن} فبلى هُنَا أَثْبَتَت الْبَعْث الْمَنْفِيّ وأبطلت النَّفْي أَو كَانَ النَّفْي مَقْرُونا بالاستفهام الْحَقِيقِيّ نَحْو أَلَيْسَ زيد بقائم فَيُقَال بلَى أَي بلَى هُوَ قَائِم أَو التوبيخي نَحْو {أم يحسبون أَنا لَا نسْمع سرهم ونجواهم بلَى} أَي بلَى نسْمع أَو التقريري نَحْو {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} أَي بلَى أَنْت رَبنَا أجروا النَّفْي مَعَ التقريري مجْرى النَّفْي الْمُجَرّد فَلذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس لَو قَالُوا نعم لكفروا وَوَجهه أَن نعم لتصديق الْخَبَر بِنَفْي أَو إِثْبَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 النَّوْع الثَّانِي مَا جَاءَ من هَذِه الْكَلِمَات على وَجْهَيْن وَهُوَ إِذا بِغَيْر تَنْوِين فَتَارَة يُقَال فِيهَا ظرف مُسْتَقْبل خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه غَالِبا فِيهِنَّ وَذَلِكَ فِي نَحْو إِذا جَاءَ زيد أكرمتك فَإِذا ظرف للمستقبل مُضَاف وَجَاء زيد شَرطه مُضَاف إِلَيْهِ إِذا والمضاف خافض للمضاف إِلَيْهِ وأكرمتك جَوَاب إِذا وَفعل الْجَواب وَمَا أشبهه هُوَ الناصب لمحل إِذا فَإِذا مُتَقَدّمَة من تَأْخِير وَالْأَصْل أكرمتك إِذا جَاءَ زيد وَمن غير الْغَالِب أَن تكون إِذا للماضي كَمَا سَيَأْتِي وَأَن تكون لغير الشَّرْط نَحْو {وَإِذا مَا غضبوا هم يغفرون} فَلَا يكون لَهَا شَرط وَلَا جَوَاب وتنتصب بِمَا لَا يكون جَوَابا تقدم عَلَيْهَا أَو تَأَخّر عَنْهَا وَهَذَا التَّعْرِيف الَّذِي ذكره المُصَنّف أَنْفَع معنى وأرشق عبارَة وأوجز لفظا من قَول المعربين إِنَّهَا ظرف لما يسْتَقْبل من الزَّمَان وَفِيه معنى حرف الشَّرْط غَالِبا أما أَنه أَنْفَع فَلَمَّا فِيهِ من بَيَان عمل إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَالْعَامِل فِيهَا وَتَسْمِيَة مَا يَليهَا شرطا وتاليه جَوَابا وعبارتهم لَا تفِيد ذَلِك وَأما أَنه أرشق وأوجز فَظَاهر وتختص إِذا الشّرطِيَّة هَذِه بِالدُّخُولِ على الْجمل الفعلية عكس الفجائية على الْأَصَح فيهمَا نَحْو {فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة كالدهان} وَأما نَحْو {إِذا السَّمَاء انشقت} مِمَّا دخلت فِيهِ على الِاسْم فَمَحْمُول عِنْد جُمْهُور الْبَصرِيين على إِضْمَار الْفِعْل وَيكون الِاسْم الدَّاخِلَة هِيَ عَلَيْهِ فَاعِلا بِفعل مَحْذُوف يُفَسر الْفِعْل الْمَذْكُور وَالتَّقْدِير إِذا انشقت السَّمَاء انشقت مثل {وَإِن امْرَأَة خَافت} فامرأة فَاعل بِفعل مَحْذُوف على شريطة التَّفْسِير وَالتَّقْدِير وَإِن خَافت امْرَأَة خَافت فقاس الشَّرْط غير الْجَازِم على الشَّرْط الْجَازِم فِي دُخُوله على الِاسْم الْمَرْفُوع بِفعل مَحْذُوف وَهَذَا الْقيَاس إِن كَانَ لمُجَرّد التنظير فَظَاهر وَإِن كَانَ للاستدلال فَفِيهِ نظر لِأَن شَرط الْمَقِيس عَلَيْهِ أَن يكون مِمَّا اتّفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 عَلَيْهِ الخصمان وَالْخلاف ثَابت فِي إِن أَيْضا والمخالف فِي ذَلِك الْأَخْفَش والكوفيون فَإِنَّهُم يجيزون دُخُول إِن وَإِذا الشرطيتين على الاسماء فامرأة عِنْدهم مُبْتَدأ وخافت خَبره أَو فَاعل بالمذكور عِنْد الْكُوفِيّين أَو بِمَحْذُوف عِنْد الْأَخْفَش وَقد تخرج إِذا عَن الْمُسْتَقْبل وتستعمل ظرفا للماضي مُطلقًا وللحال بعد الْقسم فَالْأول نَحْو {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} وَالثَّانِي نَحْو {والنجم إِذا هوى} وَتارَة يُقَال فِيهَا حرف مفاجأة فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب وتختص بِالدُّخُولِ على الْجمل الاسمية على الْأَصَح نَحْو {وَنزع يَده فَإِذا هِيَ بَيْضَاء للناظرين} فَهِيَ مُبْتَدأ وبيضاء خَبره وَقد تَلِيهَا الْجُمْلَة الفعلية إِذا كَانَت مصحوبة بقد نَحْو خرجت فَإِذا قد قَامَ زيد حَكَاهُ الْأَخْفَش عَن الْعَرَب وَاخْتلف فِي الْفَاء الدَّاخِلَة عَلَيْهَا فَقَالَ الْمَازِني زَائِدَة وَقَالَ الزّجاج دخلت للربط كَمَا فِي جَوَاب الشَّرْط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وَاخْتلف فِي حَقِيقَة إِذا الفجائية هَل هِيَ حرف أَو اسْم وعَلى الاسمية هَل هِيَ ظرف مَكَان أَو ظرف زمَان أَقْوَال ثَلَاثَة ذهب إِلَى الأول الْأَخْفَش والكوفيون وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَإِلَى الثَّانِي الْمبرد والفارسي وَأَبُو الْفَتْح بن جنى وعزي إِلَى سِيبَوَيْهٍ وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور وَإِلَى الثَّالِث الزّجاج والرياشي وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَالصَّحِيح الأول وَيشْهد لَهُ قَوْلهم خرجت فَإِذا إِن زيدا بِالْبَابِ بِكَسْر إِن فَلَو كَانَت إِذا ظرف مَكَان أَو زمَان لاحتاجت إِلَى عَامل يعْمل فِي محلهَا النصب وَأَن لَا يعْمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا وَإِذا بَطل أَن تكون ظرفا تعين أَن تكون حرفا وَلكُل من إِذا الشّرطِيَّة والفجائية مَوَاضِع تخصها وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} فَإِذا الأولى شَرْطِيَّة وليتها جملَة فعلية وَالثَّانيَِة فجائية وليتها جملَة اسمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 النَّوْع الثَّالِث مَا جَاءَ من الْكَلِمَات على ثَلَاثَة أوجه وَهُوَ سبع إِحْدَاهَا إِذْ فَيُقَال فِيهَا ظرف لما مضى من الزَّمَان غَالِبا وَتدْخل على الجملتين الاسمية والفعلية فَالْأولى نَحْو {واذْكُرُوا إِذْ أَنْتُم} وَالثَّانيَِة نَحْو {واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُم قَلِيلا} وَمن غير الْغَالِب أَنَّهَا قد تسْتَعْمل للمستقبل نَحْو {فَسَوف يعلمُونَ إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم} فَإذْ هُنَا بِمَعْنى إِذا لِأَن الْعَامِل فِيهَا فعل مُسْتَقْبل وَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف مفاجأة إِذا وَقعت بعد بَينا أَو بَيْنَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 فَالْأول كَقَوْلِك بَينا أَنا فِي ضيق إِذْ جَاءَ الْفرج وَالثَّانِي كَقَوْلِه (استقدر الله خيرا وارضين بِهِ ... فَبَيْنَمَا الْعسر إِذْ دارت مياسير) وَهل هِيَ ظرف زمَان أَو مَكَان أَو حرف بِمَعْنى المفاجأة أَو حرف زَائِد للتوكيد أَقْوَال وَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف تَعْلِيل بِالْعينِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلنْ ينفعكم الْيَوْم إِذْ ظلمتم أَنكُمْ فِي الْعَذَاب مشتركون} أَي وَلنْ ينفعكم الْيَوْم اشتراككم فِي الْعَذَاب لأجل ظلمكم فِي الدُّنْيَا وَهل هِيَ حرف بِمَنْزِلَة لَام التَّعْلِيل أَو ظرف وَالتَّعْلِيل مُسْتَفَاد من قُوَّة الْكَلَام قَولَانِ الثَّانِيَة من الْكَلِمَات الَّتِي جَاءَت على ثَلَاثَة أوجه لما بِفَتْح اللَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَتَشْديد الْمِيم فَيُقَال فِيهَا فِي نَحْو لما جَاءَ زيد جَاءَ عَمْرو لما حرف وجود لوُجُود فوجود مَجِيء عَمْرو لوُجُود مَجِيء زيد وتختص بِالدُّخُولِ على الْفِعْل الْمَاضِي على الْأَصَح وَكَونهَا حرفا هُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَزعم الْفَارِسِي ومتابعوه كَابْن جنى أَنَّهَا ظرف للزمان بِمَعْنى حِين وَالْمعْنَى فِي الْمِثَال حِين جَاءَ زيد جَاءَ عَمْرو فَيَقْتَضِي مجيئهما فِي زمن وَاحِد وَهُوَ غير لَازم وَتارَة يُقَال فِيهَا إِذا دخلت على الْمُضَارع فِي نَحْو {بل لما يَذُوقُوا عَذَاب} حرف جزم لنفي حدث لمضارع وَقَلبه أَي قلب زَمَنه مَاضِيا نَفْيه بِالْحَال متوقعا ثُبُوته فِي الِاسْتِقْبَال أَلا ترى أَن الْمَعْنى فِي الْمِثَال أَنهم لم يذوقوه أَي الْعَذَاب إِلَى الْآن وَأَن ذوقهم لَهُ متوقع فِي الْمُسْتَقْبل وَتارَة يُقَال فِيهَا حرف اسْتثِْنَاء بِمَنْزِلَة إِلَّا الاستثنائية فِي لُغَة هُذَيْل فَإِنَّهُم يجْعَلُونَ لما بِمَعْنى إِلَّا فِي نَحْو قَوْلهم أنْشدك الله لما فعلت كَذَا أَي مَا أَسأَلك إِلَّا فعلك كَذَا وَمِنْه أَي وَمن مَجِيء لما بِمَعْنى إِلَّا قَوْله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} فِي قِرَاءَة التَّشْدِيد وَهِي قِرَاءَة ابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة وَأبي جَعْفَر أَلا ترى أَن الْمَعْنى مَا كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ فَإِن نَافِيَة وَلما بِمَعْنى إِلَّا وَلَا الْتِفَات إِلَى إِنْكَار الْجَوْهَرِي ذَلِك حَيْثُ قَالَ إِن لما بِمَعْنى إِلَّا غير مَعْرُوف فِي اللُّغَة وَسَبقه إِلَى ذَلِك الْفراء وَأَبُو عُبَيْدَة وَمَا قَالَه المُصَنّف حَكَاهُ الْخَلِيل وسيبويه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَالْكسَائِيّ وَمن حفظه حجَّة على من لم يحفظ والمثبت مقدم على النَّافِي الثَّالِثَة من الْكَلِمَات الَّتِي جَاءَت على ثَلَاثَة أوجه نعم بِفتْحَتَيْنِ فَيُقَال فِيهَا حرف تَصْدِيق إِذا وَقعت بعد الْخَبَر الْمُثبت نَحْو قَامَ زيد أَو الْخَبَر الْمَنْفِيّ نَحْو مَا قَامَ زيد وَيُقَال فِيهَا حرف اعلام إِذا وَقعت بعد الِاسْتِفْهَام نَحْو هَل قَامَ زيد وَيُقَال فِيهَا حرف وعد إِذا كَانَت بعد الطّلب نَحْو أَن يُقَال لَك أحسن إِلَى فلَان فَتَقول نعم وَمن مجيئها أَيْضا للإعلام بعد الِاسْتِفْهَام قَوْله تَعَالَى {فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا نعم} وَهَذَا الْمَعْنى وَهُوَ مَجِيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 نعم للإعلام لم ينص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فَإِنَّهُ قَالَ نعم عدَّة وتصديق وَلم يزدْ على ذَلِك الْكَلِمَة الرَّابِعَة مِمَّا جَاءَ على ثَلَاثَة أوجه إِي بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء المخففة وَهِي حرف جَوَاب بِمَنْزِلَة نعم فَتكون لتصديق الْخَبَر ولإعلام المستخبر ولوعد الطَّالِب فَتَقَع بعد نَحْو قَامَ زيد وَمَا قَامَ زيد وَهل قَامَ زيد وَاضْرِبْ زيدا كَمَا تقع نعم بعده هَذَا مُقْتَضى التَّشْبِيه وَزعم ابْن الْحَاجِب أَنَّهَا إِنَّمَا تقع بعد الِاسْتِفْهَام خَاصَّة إِلَّا أَنَّهَا نعم من حَيْثُ كَونهَا تخْتَص بالقسم بعْدهَا نَحْو قَوْله تَعَالَى {ويستنبئونك أَحَق هُوَ قل إِي وربي إِنَّه لحق} الْكَلِمَة الْخَامِسَة مِمَّا جَاءَ على ثَلَاثَة أوجه حَتَّى فأحد أوجهها أَن تكون جَارة فَتدخل على الِاسْم الصَّرِيح الظَّاهِر فَتكون بِمَعْنى إِلَى فِي الدّلَالَة على الِانْتِهَاء من الْغَايَة نَحْو {حَتَّى مطلع الْفجْر} {حَتَّى حِين} وَهل مجرورها دَاخل فِيمَا قبلهَا أَو خَارج عَنهُ أَو دَاخل تَارَة وخارج أُخْرَى أَقْوَال ذهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 سِيبَوَيْهٍ والمبرد وَأَبُو بكر وَأَبُو عَليّ إِلَى الأول وَذهب أَبُو حَيَّان وَأَصْحَابه إِلَى الثَّانِي وَذهب ثَعْلَب وَصَاحب الذَّخَائِر إِلَى الثَّالِث وَتدْخل على الإسم المؤول من أَن حَال كَونهَا مضمرة وجوبا وَمن الْفِعْل الْمُضَارع وَهِي فِي ذَلِك على وَجْهَيْن فَتكون تَارَة بِمَعْنى إِلَى نَحْو قَوْله تَعَالَى {لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} التَّقْدِير حَتَّى أَن يرجع بِأَن وَالْفِعْل الْمُضَارع أَي إِلَى رُجُوعه بِتَأْوِيل الْمصدر من أَن وَالْفِعْل أَي زمَان رُجُوعه بِتَقْدِير زمَان وَذَلِكَ لِأَن الرُّجُوع لَا بُد لَهُ من زمَان يكون حُصُوله فِيهِ كالفعل إِلَّا أَن دلَالَة الْمصدر على الزَّمَان التزامية وَدلَالَة الْفِعْل المؤول مِنْهُ الْمصدر على الزَّمَان وضعية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وَتَكون حَتَّى تَارَة بِمَعْنى كي التعليلية نَحْو قَوْلك للْكَافِرِ أسلم حَتَّى تدخل الْجنَّة أَي كي تدخل الْجنَّة أَي لأجل دُخُولهَا وَقد تكون حَتَّى فِي الْموضع الْوَاحِد تحتملهما أَي الْمَعْنيين معنى إِلَى وَمعنى كي كَقَوْلِه تَعَالَى {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى على الْغَايَة أَو التَّعْلِيل أَي إِلَى أَن تفيء أَو كي أَن تفيء وَالْغَالِب أَنَّهَا لَا تكون لغير ذَلِك وَزعم ابْن هِشَام الخضراوي وَتَبعهُ ابْن مَالك أَنَّهَا أَي حَتَّى تكون بِمَعْنى إِلَّا الاستثنائية كَقَوْلِه (لَيْسَ الْعَطاء من الفضول سماحة ... حَتَّى تجود وَمَا لديك قَلِيل) أَي إِلَّا تجود ووهو أَي أَن تجود اسْتثِْنَاء مُنْقَطع لِأَن الْجُود فِي حَالَة قلَّة المَال لَيْسَ من جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهُوَ الْعَطاء فِي حَالَة الْكَثْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 قَالَ الدماميني وَتَبعهُ الشمني وتحتمل الْغَايَة احْتِمَالا مرجوحا بِأَن يكون الْمَعْنى أَن انْتِفَاء كَون عطائك معدودا من السماحة ممتدا إِلَى زمن عطائك فِي حَال قلَّة مَالك فَإِذا أَعْطَيْت فِي تِلْكَ الْحَالة تثبت سماحتك انْتهى الْوَجْه الثَّانِي من أوجه حَتَّى أَن تكون حرف عطف خلافًا للكوفيين تفِيد مُطلق الْجمع من غير تَرْتِيب وَلَا معية على الْأَصَح كالواو فِي ذَلِك إِلَّا أَن الْمَعْطُوف بهَا أَي بحتى مَشْرُوط بأمرين أَحدهمَا أَن يكون بَعْضًا من الْمَعْطُوف عَلَيْهِ إِمَّا حَقِيقَة أَو حكما كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَمر الثَّانِي أَن يكون الْمَعْطُوف بهَا غَايَة لَهُ أَي للمعطوف عَلَيْهِ كالشرف نَحْو قَوْلك مَاتَ النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء فَإِن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام هم الْمَعْطُوف بحتى وهم غَايَة النَّاس فِي شرف الْمِقْدَار بِالنِّسْبَةِ إِلَى كمالات النَّوْع الانساني وَعَكسه كالدناءة نَحْو قَوْلك زارني النَّاس حَتَّى الحجامون فَإِن الحجامون هم الْمَعْطُوف بحتى وهم غَايَة فِي دناءة الْمِقْدَار وكالقوة والضعف كَمَا قَالَ الشَّاعِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 (قهرناكم حَتَّى الكماة فَأنْتم ... تهابوننا حَتَّى بنينَا الأصاغرا) فالكماة جمع كمي وَهُوَ البطل من الْكمّ وَهُوَ السّير لِأَنَّهُ يستر نَفسه بالدرع والبيضة غَايَة فِي الْقُوَّة والبنون الأصاغر غَايَة فِي الضعْف وَتقول فِي الْبَعْض الْحَقِيقِيّ أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا وَفِي الْحكمِي أعجبتني الْجَارِيَة حَتَّى كَلَامهَا لِأَن الْكَلَام فِي عدم استقلاله بِنَفسِهِ واحتياجه إِلَيْهَا كجزئها لما بَينهمَا من التَّعَلُّق الاشتمالي وَيمْتَنع أَن تَقول أعجبتني الْجَارِيَة حَتَّى وَلَدهَا لِأَن الْوَلَد مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَغير قَائِم بهَا وَفِي تمثيله للثَّانِي لف وَنشر غير مُرَتّب وَالضَّابِط وَهُوَ أَمر كلي منطبق على جزئياته أَن يُقَال مَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِمَّا قبله على الِاتِّصَال صَحَّ دُخُول حَتَّى عَلَيْهِ وَمَا لَا يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ مِمَّا قبله فَلَا دُخُول حَتَّى عَلَيْهِ أَلا ترى أَنه يَصح إِن يُقَال أعجبتني الْجَارِيَة إِلَّا كَلَامهَا وَيمْتَنع إِلَّا وَلَدهَا لعدم دُخُوله فِيهَا الْوَجْه الثَّالِث من أوجه حَتَّى أَن تكون حرف ابْتِدَاء على الْأَصَح فَتدخل على ثَلَاثَة أَشْيَاء على الْجُمْلَة الفعلية المبدوءة بِالْفِعْلِ الْمَاضِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {حَتَّى عفوا وَقَالُوا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 والمبدوءة بِالْفِعْلِ الْمُضَارع الْمَرْفُوع نَحْو قَوْله تَعَالَى {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول} فِي قِرَاءَة من رفع وَهُوَ نَافِع وعَلى الْجُمْلَة الاسمية كَقَوْلِه وَهُوَ جرير (فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... بدجلة حَتَّى مَاء دجلة أشكل) وَقد تقدم وَقيل هِيَ مَعَ الْجُمْلَة الفعلية المصدرة بِالْفِعْلِ الْمَاضِي جَارة أَن بعْدهَا مضمرة وَالتَّقْدِير فِي حَتَّى عفوا حَتَّى أَن عفوا كَذَا يُقَال ابْن مَالك قَالَ المُصَنّف فِي المغنى وَلَا أعرف لَهُ فِي ذَلِك سلفا وَفِيه تكلّف من غير ضَرُورَة انْتهى وَقد مضى خلاف الزّجاج وَابْن درسْتوَيْه فِي الْكَلَام على الْجُمْلَة الابتدائية الْكَلِمَة السَّادِسَة مِمَّا جَاءَ على ثَلَاثَة أوجه كلا بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام فَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف ردع وزجر وَهُوَ قَول الْخَلِيل وسيبويه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَجُمْهُور الْبَصرِيين فِي نَحْو {فَيَقُول رَبِّي أهانن كلا} أَي انته وانزجر عَن هَذِه الْمقَالة الَّتِي هِيَ إِخْبَار بِأَن تَقْدِير الرزق أَي تضييقه إهانة فقد تكون كَرَامَة ليؤديه إِلَى سَعَادَة الْآخِرَة وَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف جَوَاب وتصديق بِمَنْزِلَة إِي بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء وَهُوَ قَول الْفراء وَالنضْر بن شُمَيْل فِي نَحْو {كلا وَالْقَمَر} وَالْمعْنَى إِي وَالْقَمَر وَيُقَال فِيهَا حرف بِمَعْنى حَقًا أَو بِمَعْنى أَلا بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام المخففة الاستفتاحية على خلاف فِي ذَلِك النَّحْو {كلا لَا تطعه} فَالْمَعْنى على الأول حَقًا لَا تطعه وَهُوَ قَول الْكسَائي وَابْن الْأَنْبَارِي وَمن وافقهما وعَلى الثَّانِي أَلا لَا تطعه وَهُوَ قَول أبي حَاتِم والزجاج وَالصَّوَاب الثَّانِي وَهِي أَنَّهَا للاستفتاح لكسر الْهمزَة من إِن بعْدهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فِي نَحْو {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى} كَمَا تكسر بعد الاستفتاحية فِي نَحْو {أَلا إِن أَوْلِيَاء} وَلَو كَانَت بِمَعْنى حَقًا لفتحت الْهمزَة بعْدهَا كَمَا تفتح بعد حَقًا كقولة (أحقا أَن جيرتنا استقلوا ... ) بِفَتْح الْهمزَة وَيدْفَع بِأَنَّهُ إِنَّمَا لم تفتح همزَة إِن بعد كلا إِذا كَانَت بِمَعْنى حَقًا لِأَنَّهَا حرف لَا يصلح للخبرية صَلَاحِية حَقًا لَهَا الْكَلِمَة السَّابِعَة مِمَّا جَاءَ على ثَلَاثَة اوجه لَا تكون تَارَة نَافِيَة وَتارَة ناهية وَتارَة زَائِدَة فالنافية تعْمل فِي النكرات عمل إِن كثيرا فتنصب الِاسْم وترفع الْخَبَر إِذا أُرِيد بهَا نفي الْجِنْس على سَبِيل التَّنْصِيص نَحْو لَا إِلَه إِلَّا الله فإله اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف تقديرة لنا وَنَحْوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وتعمل عمل لَيْسَ قَلِيلا فَترفع الِاسْم وتنصب الْخَبَر إِذا أُرِيد بهَا نفي الْجِنْس على سَبِيل الظُّهُور أَو أُرِيد بهَا نفي الْوَاحِد فَالْأول كَقَوْلِه (تعز فَلَا شَيْء على الأَرْض بَاقِيا ... وَلَا وزر مِمَّا قضى الله واقيا) وَالثَّانِي كَقَوْلِك لَا رجل قَائِما بل رجلَانِ والناهية تجزم الْفِعْل الْمُضَارع سَوَاء اسند إِلَى مُخَاطب أَو غَائِب فَالْأول نَحْو {وَلَا تمش} وَالثَّانِي نَحْو {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} ويقل إِسْنَاده للمتكلم مَبْنِيا للْمَفْعُول نَحْو لَا أخرج وَلَا تخرج ويندر جدا فِي الْمَبْنِيّ للْفَاعِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَالْفرق بَين النافية والناهية من حَيْثُ اللَّفْظ اخْتِصَاص الناهية بالمضارع وجزمه بِخِلَاف النافية وَمن حَيْثُ الْمَعْنى إِن الْكَلَام مَعَ الناهية طلبي وَمَعَ النافية خبري والزائدة الَّتِي دُخُولهَا فِي الْكَلَام كخروجها وفائدتها التقوية والتوكيد نَحْو {مَا مَنعك أَلا تسْجد} فِي سُورَة الْأَعْرَاف أَي أَن تسْجد كَمَا جَاءَ أَن تسْجد بِدُونِ لَا مُصَرحًا بِهِ فِي مَوضِع آخر فِي سُورَة ص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 النَّوْع الرَّابِع مَا جَاءَ من الْكَلِمَات على أَرْبَعَة أوجه وَهن أَربع إِحْدَاهَا لَوْلَا فَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف يَقْتَضِي امْتنَاع جَوَابه لوُجُود شَرطه وتختص بِالْجُمْلَةِ الاسمية المحذوفة الْخَبَر وجوبا غَالِبا وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْخَبَر كونا مُطلقًا نَحْو لَوْلَا زيد أَي مَوْجُود لأكرمتك امْتنع الاكرام الَّذِي هُوَ الْجَواب لوُجُود زيد الَّذِي هُوَ الشَّرْط وَمِنْه أَي وَمن دُخُولهَا على الْجُمْلَة الاسمية المحذوفة الْخَبَر لولاى لَكَانَ كَذَا أَي لَوْلَا أَنا مَوْجُود فَأَقَامَ الْموصل الْمُتَّصِل مقَام الْمُنْفَصِل وَحذف الْخَبَر لكَونه كونا مُطلقًا هَذَا مَذْهَب الاخفش وَذهب سيبوية إِلَى أَن لَوْلَا جَارة للضمير كَمَا تقدم وَمن غير الْغَالِب لَوْلَا زيد سالمنا مَا سلم وَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف تحضيض بِمُهْملَة فمعجمتين وَتارَة حرف عرض بِسُكُون الرَّاء أَي طلب بإزعاج فِي التحضيض أَو طلب بِرِفْق فِي الْعرض على التَّرْتِيب فتختص فيهمَا بِالْجُمْلَةِ الفعلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 المبدوءة بالمضارع أَو مَا فِي تَأْوِيله فالتحضيض نَحْو {لَوْلَا تستغفرون الله} أَي استغفروه وَلَا بُد وَنَحْو {لَوْلَا أنزل إِلَيْهِ ملك} فَأنْزل مؤول بالمضارع أَي ينزل وَالْعرض نَحْو لَوْلَا تنزل عندنَا فتصيب خيرا وَنَحْو {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب} فأخرتني مؤول بالمضارع أَي تؤخرني وَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف توبيخ مصدر وبخه أَي عيره بِفِعْلِهِ الْقَبِيح فتختص بِالْجُمْلَةِ الفعلية المبدوءة بالماضي نَحْو {فلولا نَصرهم الَّذين اتَّخذُوا من دون الله قربانا آلِهَة} أَي فَهَلا نَصرهم قيل وَتَكون لَوْلَا حرف اسْتِفْهَام مُخْتَصّ بالماضي نَحْو {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب} {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} قَالَه أَحْمد أَبُو عُبَيْدَة الْهَرَوِيّ وَالْمعْنَى هَل أخرتني وَهل أنزل وَالظَّاهِر أَنَّهَا أَي لَوْلَا فِي الْآيَة الأولى وَهِي لَوْلَا أخرتني للعرض كَمَا تقدم وَفِي الْآيَة الثَّانِيَة وَهِي {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} للتحضيض أَي هلا أنزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَزَاد الْهَرَوِيّ معنى آخر وَهُوَ أَن تكون لَوْلَا نَافِيَة بِمَنْزِلَة لم وَجعل مِنْهُ أَي من الْمَنْفِيّ {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت} أَي لم تكن قَرْيَة آمَنت وَهَذَا بعيد وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بلولا هُنَا التوبيخ وَالْمعْنَى فَهَلا وَهُوَ قَول الْأَخْفَش وَالْكسَائِيّ وَالْفراء وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي حرف أبي بن كَعْب وحرف عبد الله بن مَسْعُود أَي قراءتهما فَهَلا وَيلْزم من ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَهُوَ التوبيخ معنى النَّفْي الَّذِي ذكره الْهَرَوِيّ لِأَن اقتران التوبيخ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي يشْعر بِانْتِفَاء وُقُوعه الْكَلِمَة الثَّانِيَة مِمَّا جَاءَ على أَرْبَعَة أوجه إِن الْمَكْسُورَة الْهمزَة الْخَفِيفَة النُّون فَيُقَال فِيهَا شَرْطِيَّة وَمَعْنَاهَا تَعْلِيق حُصُول مَضْمُون جملَة بِحُصُول مَضْمُون جملَة أُخْرَى كَالَّتِي فِي نَحْو {إِن تخفوا مَا فِي صدوركم أَو تبدوه يُعلمهُ الله} فحصول مَضْمُون الْعلم مُعَلّق بِحُصُول مَضْمُون مَا يخفونه أَو يبدونه وَإِن الشّرطِيَّة حكمهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَمَل أَن تجزم فعلين مضارعين أَو ماضيين أَو مُخْتَلفين وَيُسمى الأول مِنْهُمَا شرطا وَالثَّانِي جَوَابا وَجَزَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَتارَة يُقَال فِيهَا نَافِيَة وَتدْخل على الْجُمْلَة الاسمية كَالَّتِي فِي نَحْو {إِن عنْدكُمْ من سُلْطَان بِهَذَا} وعَلى الفعلية الماضوية كَالَّتِي فِي نَحْو {إِن أردنَا إِلَّا إحسانا} والمضارعية كَالَّتِي فِي نَحْو {إِن يعد الظَّالِمُونَ بَعضهم بَعْضًا إِلَّا غرُورًا} وَحكمهَا الإهمال عِنْد جُمْهُور الْعَرَب وَأهل الْعَالِيَة يعملونها عمل لَيْسَ فيرفعون بهَا الِاسْم وينصبون الْخَبَر نثرا أَو شعرًا فالنثر نَحْو قَول بَعضهم إِن أحد خيرا من أحد إِلَّا بالعافية فأحذ اسْمهَا وَخيرا خَبَرهَا وَالشعر وكقول شَاعِرهمْ (إِن هُوَ مستوليا على أحد ... إِلَّا على أَضْعَف المجانين) فَهُوَ اسْمهَا ومستوليا خَبَرهَا وَقد اجْتمعَا إِن الشّرطِيَّة وَإِن النافية فِي قَوْله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 {وَلَئِن زالتا إِن أمسكهما من أحد من بعده} فَإِن الدَّاخِلَة على زالتا شَرْطِيَّة وَإِن الدَّاخِلَة على أمسكهما نَافِيَة وَيُقَال فِيهَا تَارَة مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة كَالَّتِي فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَإِن كلا لما ليوفينهم} فِي قِرَاءَة من خفف الثَّقِيلَة وَهُوَ الحرميان وَأَبُو بكر ويقل إعمالها عمل إِن الْمُشَدّدَة من نصب الِاسْم وَرفع الْخَبَر كهذه الْقِرَاءَة فكلا اسْمهَا وَمَا بعده خَبَرهَا وَمن وُرُود إهمالها قَوْله تَعَالَى {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} فِي قِرَاءَة من خفف لما وَهُوَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ وَخلف وَيَعْقُوب فَكل نفس مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وَجُمْلَة لما عَلَيْهَا حَافظ خَبره وَمَا صلَة وَالتَّقْدِير إِن كل نفس لعليها حَافظ وَأما من شدد لما وَهُوَ أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 جَعْفَر وَابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة فَهِيَ أَي إِن عِنْده نَافِيَة وَلما إيجابية على لُغَة هُذَيْل وَالتَّقْدِير مَا كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ وَيُقَال فِيهَا تَارَة زَائِدَة لتقوية الْكَلَام وتوكيده وَالْغَالِب أَن تقع بعد مَا النافية كَالَّتِي فِي نَحْو مَا إِن زيد قَائِم وتكف مَا الحجازية عَن الْعَمَل فِي الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر كَقَوْلِه (فَمَا إِن طبنا جبن وَلَكِن ... منايانا ودولة آخرينا) وَحَيْثُ اجْتمعت مَا وَإِن فَإِن تقدّمت مَا على إِن فَهِيَ أَي مَا نَافِيَة وَإِن زَائِدَة نَحْو مَا تقدم فِي الْمِثَال وَالْبَيْت وَإِن تقدّمت إِن على مَا فَهِيَ أَي إِن الشّرطِيَّة وَمَا زَائِدَة نَحْو {وَإِمَّا تخافن من قوم خِيَانَة} الْكَلِمَة الثَّالِثَة مِمَّا جَاءَ على أَرْبَعَة أوجه أَن الْمَفْتُوحَة الْهمزَة الْخَفِيفَة النُّون فَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف مصدري تؤول مَعَ صلتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 بِالْمَصْدَرِ وَينصب الْمُضَارع لفظا أَو محلا فَالْأول نَحْو {يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم} وَالثَّانِي يُرِيد النِّسَاء أَن يرضعن أَوْلَادهنَّ وَأَن هَذِه هِيَ الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمَاضِي فِي نَحْو أعجبني أَن صمت بِدَلِيل أَنَّهَا تؤول بِالْمَصْدَرِ أَي صيامك لَا أَن غَيرهَا خلافًا لِابْنِ طَاهِر فِي زَعمه أَنَّهَا غَيرهَا محتجا بِأَن الدَّاخِلَة على الْمُضَارع تخلصه للاستقبال فَلَا تدخل على غَيره كالسين وَنقض بإن الشّرطِيَّة فَإِنَّهَا تدخل على الْمُضَارع وتخلصه للاستقبال وَتدْخل على الْمَاضِي بِاتِّفَاق وَيُقَال فِيهَا تَارَة زَائِدَة لتقوية الْمَعْنى وتوكيده كَالَّتِي فِي نَحْو {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير} وَكَذَا يحكم لَهَا بِالزِّيَادَةِ حَيْثُ جَاءَت بعد لما التوقيتية كَهَذا الْمِثَال أَو وَقعت بَين فعل الْقسم وَلَو كَقَوْلِه (فأقسم أَن لَو الْتَقَيْنَا وَأَنْتُم ... لَكَانَ لكم يَوْم من الشَّرّ مظلم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أَو بَين الْكَاف ومجرورها كَقَوْلِه كَأَن ظَبْيَة تعطو إِلَى وارق السّلم فِي رِوَايَة الْجَرّ وَيُقَال فِيهَا تَارَة مفسرة لمضمون جملَة قبلهَا فَتكون بِمَنْزِلَة أَي التفسيرية كَالَّتِي فِي نَحْو {فأوحينا إِلَيْهِ أَن اصْنَع الْفلك} أَي اصْنَع فَالْأَمْر بصنع الْفلك تَفْسِير للوحي وَكَذَا يحكم لَهَا بِأَنَّهَا مفسرة حَيْثُ وَقعت بعد جملَة اسمية وفعلية فِيهَا معنى القَوْل دون حُرُوفه أَي حُرُوف القَوْل وَلم تقترن أَن بخافض ويتأخر عَنْهَا جملَة اسمية أَو فعلية فالفعلية كالمثال الْمُتَقَدّم والاسمية نَحْو {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها} فَلَيْسَ مِنْهَا أَي المفسرة نَحْو {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين} لِأَن الْمُتَقَدّم عَلَيْهَا غير جملَة وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 هِيَ المخففة من الثَّقِيلَة وَلَا نَحْو كتبت إِلَيْهِ بِأَن افْعَل لدُخُول الْخَافِض عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ أَن المصدرية وَلَا نَحْو ذكرت عسجدا أَن ذَهَبا لِأَن الْمُتَأَخر عَنْهَا مُفْرد لَا جملَة فَيجب أَن يُؤْتى بِأَيّ مَكَانهَا وَلَا نَحْو قلت لَهُ أَن افْعَل لِأَن الْجُمْلَة الْمُتَقَدّمَة فِيهَا حُرُوف القَوْل وَأما قَول بعض الْعلمَاء وَهُوَ سليم الرَّازِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله رَبِّي وربكم} إِنَّهَا أَي أَن الدَّاخِلَة على اعبدوا مفسرة فَفِيهِ إِشْكَال لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون مفسرة لأمرتنى أَو لَقلت قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَكِلَاهُمَا لَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ إِن حمل على أَنَّهَا مفسرة لأمرتني دون قلت منع مِنْهُ فَسَاد الْمَعْنى أَلا ترى أَنه لَا يَصح أَن يكون {اعبدوا الله رَبِّي وربكم} مقولا لله تَعَالَى وَذَلِكَ لِأَن أَمرتنِي مقول قلت وَهُوَ مُسْند إِلَى ضمير الله تَعَالَى فَلَو فسر بِالْعبَادَة الْوَاقِعَة على الله رَبِّي وربكم لم يستقم لِأَن الله لَا يَقُول اعبدوا الله رَبِّي وربكم أَو حمل على أَنَّهَا أَي أَن مفسرة لَقلت دون أمرت فحروف القَوْل تأباه أَي تأبى التَّفْسِير لما تقدم من أَن شَرط الْمُفَسّر بِفَتْح السِّين أَن لَا يكون فِيهِ حُرُوف القَوْل لِأَن القَوْل يحْكى بعده الْكَلَام من غير أَن يتوسط بَينهمَا حرف التَّفْسِير انْتهى كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن أول لفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 القَوْل بِغَيْرِهِ جَازَ التَّفْسِير وَلِهَذَا جوزه أَي التَّفْسِير الزَّمَخْشَرِيّ إِن أول قلت بأمرت وَالتَّقْدِير مَا أَمرتهم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله وَاسْتَحْسنهُ المُصَنّف فِي الْمُغنِي وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ أَيْضا مصدريتها أَي مَصْدَرِيَّة أَن هَذِه على أَن الْمصدر المؤول من أَن وصلتها وَهُوَ أَن اعبدوا بَيَان للهاء أَي عطف بَيَان على الْهَاء المجرورة بِالْبَاء فِي بِهِ لَا أَن الْمصدر بدل من الْهَاء لِأَن الْمُبدل مِنْهُ فِي حكم السَّاقِط وعَلى تَقْدِير إِسْقَاط الضَّمِير الْمُبدل مِنْهُ تخلى الصِّلَة من عَائِد على الْمَوْصُول الَّذِي هُوَ مَا وَذَلِكَ لَا يجوز وَاللَّازِم بَاطِل وَكَذَا الْمَلْزُوم وَالصَّوَاب الْعَكْس وَهُوَ كَون الْمصدر بَدَلا من الْهَاء فِي بِهِ لَا عطف بَيَان عَلَيْهَا لِأَن الْبَيَان فِي الجوامد كالصفة فِي المشتقات فَكَمَا أَن الضمائر لَا تنْعَت كَذَلِك لَا يعْطف عطف بَيَان نَص على ذَلِك ابْن السَّيِّد وَابْن مَالك وعَلى هَذَا فَلَا يتبع الضَّمِير بعطف الْبَيَان كَمَا أَن الضَّمِير لَا ينعَت وَإِذا امْتنع أَن يكون بَيَانا تعين أَن يكون بَدَلا فَإِن قَائِل يلْزم على القَوْل بالبدلية إخلاء الصِّلَة من عَائِد كَمَا تقدم بِنَاء على أَن الْمُبدل مِنْهُ فِي نِيَّة الطرح قُلْنَا ذَلِك غَالب لَا لَازم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وَلَئِن سلمنَا لُزُومه فلنا جَوَاب آخر وَهُوَ أَن نقُول الْعَائِد الْمُقدر الْحَذف مَوْجُود لَا مَعْدُوم فَلَا يلْزم الْمَحْذُور وَلَا يَصح أَن يُبدل الْمصدر الْمَذْكُور من مَا الموصولة المعمولة لَقلت لِأَن الْعِبَادَة مصدر مُفْرد لَا يعْمل فِيهَا فعل القَوْل لِأَن القَوْل وَمَا تصرف مِنْهُ لَا يعْمل إِلَّا فِي جملَة أَو مُفْرد يُؤَدِّي معنى الْجُمْلَة كقلت قصيدة وَالْعِبَادَة لَيست كَذَلِك نعم يجوز أَن تبدل الْعِبَادَة من مَا إِن أول قلت بأمرت لِأَن أمرت يعْمل فِي الْمُفْرد الْخَالِي من معنى الْجُمْلَة نَحْو أَمرتك الْخَيْر وَالْأَكْثَر تعديته إِلَى الْمَأْمُور بِهِ بِالْبَاء قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ مَا حَاصله وَلَا يمْتَنع فِي أَن من قَوْله تَعَالَى {وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل أَن اتخذي} أَن تكون مقسرة بِمَنْزِلَة أَي مثلهَا فِي {فأوحينا إِلَيْهِ أَن اصْنَع الْفلك} فَيكون التَّقْدِير أَي اتخذي فسر الْوَحْي إِلَى النَّحْل بِأَنَّهُ الْأَمر بِأَن تتَّخذ من الْجبَال بُيُوتًا انْتهى خلافًا لمن منع ذَلِك وَهُوَ الإِمَام الرَّازِيّ فَإِنَّهُ قَالَ متعقبا لكَلَام الزَّمَخْشَرِيّ إِن الْوَحْي هُنَا إلهام بِاتِّفَاق وَلَيْسَ فِي الإلهام معنى القَوْل وَإِنَّمَا هِيَ مَصْدَرِيَّة أَي باتخاذ الْجبَال بُيُوتًا وَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى دَفعه نصْرَة للزمخشري بقوله لِأَن الإلهام فِي معنى القَوْل لِأَن الْمَقْصُود من القَوْل الْإِعْلَام والإلهام فعل من الله يتَضَمَّن الْإِعْلَام بِحَيْثُ يكون الملهم عَالما بِمَا ألهم بِهِ والهام الله النَّحْل من هَذَا الْقَبِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَيُقَال فِيهَا تَارَة مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة كَالَّتِي فِي نَحْو {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} فِي قِرَاءَة الرّفْع فِي يكون وَهِي قِرَاءَة أبي عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَيَعْقُوب وَخلف فِي اخْتِيَاره وَكَذَا يحكم لَهَا بِالتَّخْفِيفِ من الثَّقِيلَة حَيْثُ وَقعت بعد علم وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ ع ل م بل كل مَا يدل على الْيَقِين أَو ظن ينزل ذَلِك الظَّن منزلَة الْعلم وَتقدم مثالهما الْكَلِمَة الرَّابِعَة مِمَّا جَاءَ على أَرْبَعَة أوجه من بِفَتْح الْمِيم فَتكون تَارَة شَرْطِيَّة كَالَّتِي فِي نَحْو {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} وَتارَة مَوْصُولَة كَالَّتِي فِي نَحْو {وَمن النَّاس من يَقُول} على أحد الِاحْتِمَالَيْنِ فتحتاج إِلَى صلَة وعائد وَتارَة استفهامية كَالَّتِي فِي نَحْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 {من بعثنَا من مرقدنا} فتحتاج إِلَى جَوَاب وَتارَة نكرَة مَوْصُوفَة كَالَّتِي فِي نَحْو مَرَرْت بِمن معجب لَك إِنْسَان معجب لَك وتحتاج إِلَى صفة وَأَجَازَ ابو عَليّ الْفَارِسِي أَن تقع نكرَة تَامَّة فَلَا تحْتَاج إِلَى صفة وَحمل عَلَيْهِ قَوْله (وَنعم من هُوَ فِي سر وإعلان ... ) ففاعل نعم مستتر فِيهَا وَمن تَمْيِيز بِمَعْنى شخصا وَالضَّمِير الْمُنْفَصِل هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح أَي وَنعم شخصا هُوَ أَي بشر بن مَرْوَان الْمَذْكُور فِي الْبَيْت قبله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 النَّوْع الْخَامِس مَا يَأْتِي من الْكَلِمَات على خَمْسَة أوجه وَهُوَ شَيْئَانِ أَحدهمَا أَي بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء فَتَقَع تَارَة شَرْطِيَّة فتحتاج إِلَى شَرط وَجَوَاب وَالْأَكْثَر أَن تتصل بهَا مَا الزَّائِدَة نَحْو {أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت فَلَا عدوان عَليّ} فَأَي اسْم شَرط مفعول مقدم لقضيت وقضيت فعل الشَّرْط وَجُمْلَة فَلَا عدوان عَليّ جَوَاب الشَّرْط وَتَقَع تَارَة استفهامية فتحتاج إِلَى جَوَاب نَحْو {أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا} فَأَي مُبْتَدأ وَخَبره مَا بعده وَتَقَع تَارَة مَوْصُولَة خلافًا لثعلب فِي زَعمه أَنَّهَا لَا تقع مَوْصُولَة أصلا وَيَردهُ نَحْو {لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد} فَأَي مَوْصُولَة حذف صدر صلتها أَي الَّذِي هُوَ اشد قَالَه سِيبَوَيْهٍ وَمن تَابعه وَهِي عِنْده مَبْنِيَّة على الضَّم إِذا أضيفت وَحذف صدر صلتها كهذه الْآيَة وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 من رأى أَن أيا الموصولة لَا تبنى وَإِنَّمَا هِيَ معربة دَائِما وَهِي هُنَا فِي هَذِه الْآيَة استفهامية فَأَي مُبْتَدأ وَأَشد خَبره وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ وَجَمَاعَة من الْبَصرِيين مِنْهُم الزّجاج وَقَالَ مَا تبين لي أَن سِيبَوَيْهٍ مَا غلط إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا هَذِه فَإِنَّهُ يسلم أَنَّهَا تعرب إِذا أفردت فَكيف يَقُول ببنائها إِذا أضيفت وَتَقَع تَارَة دَالَّة على معنى الْكَمَال للموصوف فِي الْمَعْنى فَتَقَع صفة للنكرة قبلهَا نَحْو قَوْلك هَذَا رجل أَي رجل فاي صفة لرجل دَالَّة على معنى الْكَمَال أَي هَذَا رجل كَامِل فِي صفة الرِّجَال وَتَقَع حَالا لمعْرِفَة قبلهَا كمررت بِعَبْد الله أَي رجل فَأَي مَنْصُوبَة على الْحَال من عبد الله أَي كَامِلا فِي صفة الرِّجَال وَتَقَع تَارَة وصلَة لنداء مَا فِيهِ أل نَحْو {يَا أَيهَا الْإِنْسَان} فَأَي منادى وَهَا للتّنْبِيه وَالْإِنْسَان نعت أَي وحركته اعرابية وحركة أَي بنائية والكلمة الثَّانِيَة مِمَّا جَاءَ على خَمْسَة أوجه لَو فأحد أوجهها وَهُوَ الْغَالِب أَن تكون حرف شَرط فِي الْمَاضِي نَحْو لَو جَاءَ زيد أكرمته وَإِذا دخلت على الْمُضَارع صرفته إِلَى الْمَاضِي نَحْو لَو يَفِي كفى فَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف يَقْتَضِي امْتنَاع مَا يَلِيهِ وَهُوَ فعل الشَّرْط مثبتا كَانَ أَو منفيا وَيَقْتَضِي استلزامه أَي فعل الشَّرْط لتاليه وَهُوَ جَوَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الشَّرْط مثبتا كَانَ أَو منفيا فالأقسام أَرْبَعَة لِأَنَّهُمَا إِمَّا مثبتان نَحْو لَو جَاءَ زيد أكرمته أَو منفيان نَحْو لَو لم يجىء مَا أكرمته أَو الأول مُثبت وَالثَّانِي منفي نَحْو لَو قصدني مَا خيبته أَو عَكسه نَحْو لَو لم يجئني مَا عتبت عَلَيْهِ والمنطقيون يسمون الشَّرْط مقدما لتقدمه فِي الذّكر ويسمون الْجَواب تاليا لِأَنَّهُ يتلوه ثمَّ يَنْتَفِي التَّالِي إِن لزم الْمُقدم وَلم يخلف الْمُقدم غَيره نَحْو {وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا} فَلَو هُنَا دَالَّة على أَمريْن أَحدهمَا أَن مَشِيئَة الله الَّتِي هِيَ الْمُقدم لرفع هَذَا المنسلخ الَّذِي هُوَ التَّالِي منفية بِدُخُول لَو عَلَيْهَا وَيلْزم من هَذَا النَّفْي الْمُقدم الَّذِي هُوَ مَشِيئَة الله أَن يكون رَفعه أَي رفع هَذَا المنسلخ الَّذِي هُوَ التَّالِي منفيا للزومه للمقدم ولكونه لم يخلف الْمُتَقَدّم غَيره إِذْ لَا سَبَب لَهُ أَي للتالي وَهُوَ الرّفْع إِلَّا الْمُقدم وَهُوَ الْمَشِيئَة وَقد انْتَفَت وَلَا يخلفها غَيرهَا فَيَنْتَفِي الرّفْع وَهَذَا الحكم بِخِلَاف مَا إِذا خلف الْمُقدم غَيره نَحْو قَول عمر فِي صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ فَإِنَّهُ لَا يلْزم من انْتِفَاء الْمُقدم الَّذِي هُوَ لم يخف انْتِفَاء التَّالِي الَّذِي هُوَ لم يعْص حَتَّى يكون الْمَعْنى أَنه قد خَافَ وَعصى بِنَاء على أَن لَو إِذا دخلت على يكون الْمَعْنى أَنه منفى أثبتته مقدما كَانَ أَو تاليا وَذَلِكَ متخلف هُنَا لِأَن انْتِفَاء الْعِصْيَان الَّذِي هُوَ التَّالِي لَهُ سببان أَحدهمَا الْخَوْف من الْعقَاب وَهِي طَريقَة الْعَوام وَالثَّانِي الإجلال لله والتعظيم لَهُ وَهِي طَريقَة الْخَواص العارفين بِاللَّه المُرَاد أَن صهيبا رَضِي الله عَنهُ من هَذَا الْقسم أَي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 قسم الْخَواص وَهُوَ أَن سَبَب خَوفه من الله تَعَالَى وتعظيمه وَأَنه لَو قدر أَي فرض خلوه عَن الْخَوْف لم تقع مِنْهُ مَعْصِيّة فَكيف وَالْخَوْف مَعَ ذَلِك حَاصِل لَهُ وَهَذِه الْمَسْأَلَة كالمستثناة من حكم لَو وَهُوَ أَنَّهَا إِذا دخلت على مُثبت صيرته منفيا وَإِذا دخلت على منفي صيرته مثبتا وَكَذَا حكم جوابها وَمن هُنَا أَي من أجل أَنه لَا يلْزم من امْتنَاع الْمُقدم امْتنَاع التَّالِي فِي نَحْو لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ تبين فَسَاد قَول المعربين أَن لَو حرف امْتنَاع للجواب لِامْتِنَاع الشَّرْط وَالصَّوَاب أَنَّهَا لَا تعرض لَهَا إِلَى امْتنَاع الْجَواب أصلا وَلَا إِلَى ثُبُوته وأنما لَهَا تعرض لِامْتِنَاع الشَّرْط فَقَط فَإِن لم يكن للجواب سَبَب سوى ذَلِك الشَّرْط لَا غير بِحَيْثُ لَا يخلفه غَيره لزم من انتفائه أَي الشَّرْط انتفاؤه أَي الْجَواب نَحْو لَو كَانَت الشَّمْس طالعة لَكَانَ النَّهَار مَوْجُودا فَيلْزم من انْتِفَاء الشَّرْط وَهُوَ طُلُوع الشَّمْس انْتِفَاء الْجَواب وَهُوَ وجود النَّهَار وَإِن خلف الشَّرْط غَيره بِأَن كَانَ لَهُ أَي للجواب سَبَب آخر غير الشَّرْط لم يلْزم من انتفائه أَي الشَّرْط انْتِفَاء الْجَواب وَلَا ثُبُوته لِأَنَّهَا لَا تعرض إِلَى امْتنَاع الْجَواب وَلَا إِلَى ثبوتة نَحْو لَو كَانَت الشَّمْس طالعة كَانَ الضَّوْء مَوْجُودا فَأَنَّهُ لَا يلْزم من انْتِفَاء طُلُوع الشَّمْس انْتِفَاء وجود الضَّوْء وَلَا ثُبُوته وَمِنْه قَول عمر رَضِي الله عَنهُ نعم العَبْد صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ وَتقدم تَوْجِيهه الْأَمر الثَّانِي مِمَّا دلّت عَلَيْهِ لَو فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وَهُوَ وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا إِن ثُبُوت الْمَشِيئَة من الله تَعَالَى مُسْتَلْزم لثُبُوت الرّفْع ضَرُورَة لِأَن الْمَشِيئَة سَبَب للرفع وَالرَّفْع سَبَب عَنْهَا وَثُبُوت السَّبَب مُسْتَلْزم لثُبُوت الْمُسَبّب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَهَذَانِ المعنيان الْمعبر عَنْهُمَا بالأمرين قد تضمنتهما أَي شملتهما الْعبارَة الْمَذْكُورَة وَهِي قَوْله حرف يَقْتَضِي امْتنَاع مَا يَلِيهِ واستلزامه لتاليه دون عبارَة المعربين وَهِي قَوْلهم حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع فَإِنَّهَا لَا تتضمنها الْوَجْه الثَّانِي من أوجه لَو أَن تكون حرف شَرط فِي الْمُسْتَقْبل مرادفا لِأَن الشّرطِيَّة إِلَّا أَنَّهَا أَي لَوْلَا تجزم على الْمَشْهُور كَقَوْلِه تَعَالَى {وليخش الَّذين لَو تركُوا من خَلفهم ذُرِّيَّة ضعافا خَافُوا عَلَيْهِم} فَلَو هُنَا شَرْطِيَّة بِمَنْزِلَة إِن أَي إِن تركُوا أَي شارفوا وقاربوا أَن يتْركُوا وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى التَّفْسِير الثَّانِي لِأَن الْخطاب للأوصياء أَو لمن يحضر الْمُوصي حَالَة الايصاء وَإِنَّمَا يتَوَجَّه الْخطاب إِلَيْهِم قبل التّرْك لأَنهم بعده أموات قَالَه المُصَنّف فِي الْمُغنِي وَنَحْو قَول الشَّاعِر وَهُوَ تَوْبَة صَاحب ليلى الأخيلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 مُسْتَلْزم لثُبُوت الْمُسَبّب (وَلَو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ... وَمن دون رمسينا من الأَرْض سبسب) أَي وَإِن تلتقي واثبات الْيَاء دَلِيل على أَن لَو غير جازمة وَزعم قوم أَن الْجَزْم بهَا مطردَة وَخَصه ابْن الشجري بالشعر الْوَجْه الثَّالِث من أوجه لَو أَن تكون حرفا مصدريا أَي مؤولا مَعَ صلته بمصدر مرادفا لِأَن المصدرية إِلَّا أَنَّهَا أَي لَوْلَا تنصب كَمَا تنصب أَن وَأكْثر وُقُوعهَا بعد ود {ودوا لَو تدهن فيدهنون} أَي ودوا الإدهان وَبعد يود نَحْو {يود أحدهم لَو يعمر} أَي التَّعْمِير وَمن الْقَلِيل قَول قتيلة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا كَانَ ضرك لَو مننت وَرُبمَا ... من الْفَتى وَهُوَ المغيظ المحنق) أَي مِنْك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وَوُقُوع لَو مَصْدَرِيَّة قَالَ بِهِ الْفراء والفارسي والتبريزي وَأَبُو الْبَقَاء وَابْن مَالك من النَّحْوِيين وَأَكْثَرهم لَا يثبت هَذَا الْقسم وَهُوَ وُقُوع لَو مَصْدَرِيَّة حذرا من الِاشْتِرَاك وَتخرج الْآيَة الثَّانِيَة وَنَحْوهَا على حذف مفعول الْفِعْل الَّذِي قبلهَا وَهُوَ يود وَحذف الْجَواب بعْدهَا أَي يود أحدهم التَّعْمِير لَو يعمر ألف سنة لسره ذَلِك وَلَا يخفي مَا فِي هَذَا التَّقْدِير من كَثْرَة الْحَذف الْوَجْه الرَّابِع من أوجه لَو أَن تكون حرفا لِلتَّمَنِّي بِمَنْزِلَة لَيْت إِلَّا أَنَّهَا لَا تنصب وَلَا ترفع نَحْو {فَلَو أَن لنا كرة فنكون} فَلَو لِلتَّمَنِّي أَي فليت لنا كرة قيل وَلِهَذَا أَي تكون لَو لِلتَّمَنِّي نصب فنكون فِي جوابها كَمَا انتصبت فأفوز فِي جَوَاب لَيْت بِأَن مضمرة بعد الْفَاء وجوبا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا لَيْتَني كنت مَعَهم فأفوز فوزا عَظِيما} هَكَذَا استدلوا وَلَا دَلِيل لَهُم فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال لجَوَاز أَن يكون النصب فِي فنكون بِأَن مضمرة جَوَازًا بعد الْفَاء وَأَن الْفِعْل فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على كرة مثله فِي قَوْله وَهُوَ الشَّخْص الْمُسَمّى مَيْسُونُ أم يزِيد بن مُعَاوِيَة وَكَانَت بدوية (وَلبس عباءة وتقر عَيْني ... أحب إِلَيّ من لبس الشفوف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 فتقر مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد الْوَاو جَوَازًا وَأَن وَالْفِعْل فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على لبس وَمثله فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا} فَيُرْسل مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد أَو جَوَازًا وان وَالْفِعْل فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على وَحيا وَمثله فِي قَول الشَّاعِر (إِنِّي وقتلى سليكا ثمَّ أعقله ... كالثور يضْرب لما عافت الْبَقر) فاعقل مَنْصُوب بِأَن مضمرة جَوَازًا بعد ثمَّ وَأَن وَالْفِعْل فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على قَتْلِي وَهُوَ من خَصَائِص الْفَاء وَالْوَاو وأو وَثمّ الْوَجْه الْخَامِس من أوجه لَو أَن تكون للعرض وَهُوَ الطّلب بلين ورفق نَحْو لَو تنزل عندنَا فتصيب خيرا ذكره ابْن مَالك فِي التسهيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَذكر لَهَا ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ وَغَيره معنى آخر سادسا وَهُوَ أَن تكون للتقليل بِالْقَافِ نَحْو قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتصدقوا وَلَو بظلف محرق وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ ردوا السَّائِل وَلَو بظلف محرق وَالْمعْنَى تصدقوا بِمَا تيَسّر وَلَو بلغ فِي الْقلَّة كالظلف وَهُوَ بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة للبقر وَالْغنم كالحافر للْفرس وَالْمرَاد بالمحرق المشوي وَفِي رِوَايَة الشَّيْخَيْنِ اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة وَقد يَدعِي أَن التقليل إِنَّمَا من مدخولها لَا مِنْهَا لِأَن الظلْف والشق يشعران بالتقليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 النَّوْع السَّادِس مَا يَأْتِي من الْكَلِمَات على سَبْعَة أوجه وَهُوَ قد لَا غير فأحد أوجهها أَن تكون اسْما بِمَعْنى حسب أَي كَافِي وفيهَا مذهبان أَحدهمَا أَنَّهَا معربة رفعا على الِابْتِدَاء وَمَا بعْدهَا خبر وَإِلَيْهِ ذهب الْكُوفِيُّونَ وعَلى هَذَا فَيُقَال فِيهَا إِذا أضيفت إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم قدي دِرْهَم بِغَيْر نون للوقاية كَمَا يُقَال حسبى دِرْهَم بِغَيْر نون وجوبا وَالثَّانِي أَنَّهَا مَبْنِيَّة على السّكُون لشبهها بالحرفية لفظا وَهُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وعَلى هَذَا يُقَال قدي بِغَيْر نون حملا على حسبى وقدني بالنُّون حفظا للسكون لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْبناء الْوَجْه الثَّانِي من أوجه قد أَن تكون اسْم فعل بِمَعْنى يَكْفِي وَهِي مَبْنِيَّة اتِّفَاقًا ويتصل بهَا يَاء الْمُتَكَلّم فَيُقَال قدني دِرْهَم بالنُّون وجوبا كَمَا يُقَال يَكْفِينِي دِرْهَم فياء الْمُتَكَلّم فِي مَحل نصب على المفعولية وَدِرْهَم فَاعل الْوَجْه الثَّالِث من أوجه قد أَن تكون حرف تَحْقِيق لكَونهَا تفِيد تَحْقِيق وُقُوع الْفِعْل بعْدهَا فَتدخل على الْفِعْل الْمَاضِي اتِّفَاقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 نَحْو {قد أَفْلح من زكاها} فحققت حُصُول الْفَلاح لمن اتّصف بذلك قيل وَتدْخل أَيْضا على الْفِعْل الْمُضَارع نَحْو {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} أَي قد علم فحصول الْعلم مُحَقّق لله تَعَالَى وَهَذَا مَأْخُوذ من قَول التسهيل وَعَلَيْهِمَا للتحقيق الْوَجْه الرَّابِع من أوجه قد أَن تكون حرف توقع لكَونهَا تفِيد توقع الْفِعْل وانتظاره فَتدخل عَلَيْهِمَا أَي على الْمَاضِي والمضارع على الْأَصَح فيهمَا وَفِي قَوْله أَيْضا تسمح لِأَن قد الَّتِي للتحقيق لَا تدخل على الْمُضَارع إِلَّا فِي قَول ضَعِيف عبر عَنهُ بقيل تَقول فِي الْمُضَارع قد يخرج زيد إِذا كَانَ خُرُوجه متوقعا منتظرا فَدلَّ على أَن الْخُرُوج منتظر متوقع وَتقول فِي الْمَاضِي قد خرج زيد لمن يتَوَقَّع خُرُوجه وَفِي التَّنْزِيل {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} لِأَنَّهَا كَانَت تتَوَقَّع سَماع شكواها هَذَا مَذْهَب الْأَكْثَر من النَّحْوِيين وَزعم بَعضهم أَنَّهَا أَي قد لَا تكون للتوقع مَعَ الْمَاضِي لِأَن التوقع انْتِظَار الْوُقُوع فِي الْمُسْتَقْبل والماضي قد وَقع فَكيف يتَوَقَّع وُقُوع مَا وَقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَقَالَ الَّذين أثبتوا معنى التوقع مَعَ الْمَاضِي أَنَّهَا تدل على أَنه أَي الْفِعْل الْمَاضِي كَانَ منتظرا تَقول قد ركب الْأَمِير لقوم ينتظرون هَذَا الْخَبَر وَهُوَ ركُوب الْأَمِير ويتوقعون الْفِعْل وَهُوَ الرّكُوب وَذهب المُصَنّف فِي المغنى أَن قد لَا تفِيد التوقع أصلا الْوَجْه الْخَامِس من أوجه قد تقريب الزَّمن الْمَاضِي من الزَّمن الْحَال نَحْو قد قَامَ فَإِنَّهَا قربت الْمَاضِي من الْحَال وَلِهَذَا التَّقْرِيب تلْزم قد مَعَ الْمَاضِي الْوَاقِع حَالا اصطلاحية إِمَّا ظَاهِرَة فِي اللَّفْظ نَحْو {وَقد فصل لكم مَا حرم عَلَيْكُم} {وَقد فصل لكم} حَالية أَو مقدرَة نَحْو {هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا} أَي قد ردَّتْ إِلَيْنَا وَالْجُمْلَة حَالية وَذهب الْكُوفِيُّونَ والأخفش إِلَى أَن اقتران الْمَاضِي الْوَاقِع حَالا ب قد لَيْسَ بِلَازِم لِكَثْرَة وُقُوعه حَالا بِدُونِ قد وَالْأَصْل عدم التَّقْدِير هَذَا هُوَ الظَّاهِر إِذْ لَيْسَ بَين الْحَال الاصطلاحية وَالْحَال الزمانية ارتباط معنوي بِدَلِيل أَنهم قسموا الْحَال الاصطلاحية إِلَى ماضوية ومقارنة ومستقبلة اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال الْكَلَام فِي الْحَال الْمُقَارنَة لِأَنَّهَا المتبادرة إِلَى الذِّهْن عِنْد الْإِطْلَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وَقَالَ ابْن عُصْفُور إِذا أُجِيب الْقسم بماض معنى مُثبت لَا منفي متصرف لَا جامد فَإِن كَانَ الْمَعْنى قَرِيبا من الْحَال جِئْت قبل الْفِعْل الْمَاضِي بِاللَّامِ وَقد جَمِيعًا منحو تالله لقد قَامَ زيد وَفِي التَّنْزِيل {تالله لقد آثرك الله علينا} وَإِن كَانَ الْمَعْنى بَعيدا من الْحَال جِئْت قبل الْفِعْل الْمَاضِي بِاللَّامِ فَقَط كَقَوْلِه وَهُوَ امْرُؤ الْقَيْس (حَلَفت لَهَا بِاللَّه حلفة فَاجر ... لناموا فَمَا إِن من حَدِيث وَلَا صال) قَالَ المُصَنّف فِي المغنى وَالظَّاهِر فِي الْآيَة وَالْبَيْت عكس مَا قَالَ إِذْ المُرَاد فِي الْآيَة لقد فضلك الله علينا بِالصبرِ وَذَلِكَ مَحْكُوم لَهُ بِهِ فِي الْأَزَل وَهُوَ متصف بِهِ مذ عقل وَالْمرَاد فِي الْبَيْت أَنهم نَامُوا قبل مَجِيئه انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَزعم جَار الله الزَّمَخْشَرِيّ فِي كشافه عِنْدَمَا تكلم على قَوْله {لقد أرسلنَا نوحًا} فِي تَفْسِير سُورَة الْأَعْرَاف أَن قد الْوَاقِعَة مَعَ لَام الْقسم تكون بِمَعْنى التوقع وَهُوَ الِانْتِظَار لِأَن السَّامع يتَوَقَّع الْخَبَر وينتظره عِنْد سَماع الْمقسم بِهِ هَذَا معنى كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ وَلَفظه فَإِن قلت فَمَا بالهم لَا يكادون ينطقون بِهَذِهِ اللَّام إِلَّا مَعَ قد وَقل عَنْهُم نَحْو قَوْله حَلَفت بِاللَّه الْبَيْت قلت الْجُمْلَة القسمية لَا تساق إِلَّا توكيدا للجملة الْمقسم عَلَيْهَا الَّتِي هِيَ جوابها فَكَانَت فطنة لِمَعْنى التوقع الَّذِي هُوَ معنى قد عِنْد اسْتِمَاع الْمُخَاطب كلمة الْقسم انْتهى وَلَا يُنَافِي ذَلِك كَونهَا للتقريب قَالَ فِي التسهيل وَتدْخل على فعل مَاض متوقع لَا يشبه الْحَرْف لتقريبه من الْحَال انْتهى وَاحْترز بقوله لَا يشبه الْحَرْف من الْفِعْل الجامد نَحْو نعم وَبئسَ وَافْعل التَّعَجُّب فَلَا تدخل عَلَيْهَا قد لِأَنَّهَا سلبت الدّلَالَة على الْمُضِيّ الْوَجْه السَّادِس من أوجه قد التقليل بِالْقَافِ وَهُوَ ضَرْبَان الأول تقليل وُقُوع الْفِعْل نَحْو قَوْلهم فِي الْمثل قد يصدق الكذوب وَقد يجود الْبَخِيل فوقوع الصدْق من الكذوب والجود من الْبَخِيل قَلِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَالثَّانِي تقليل مُتَعَلّقه أَي مُتَعَلق الْفِعْل نَحْو قَوْله تَعَالَى {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} فمتعلق الْفِعْل الْعلم بِمَا هم عَلَيْهِ أَي أَن مَا هم منطوون عَلَيْهِ من الْأَحْوَال والمتعلقات هُوَ أقل معلوماته وَزعم بَعضهم أَنَّهَا أَي قد فِي ذَلِك أَي فِي قَوْله تَعَالَى {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} للتحقيق لَا للتقليل كَمَا تقدم فِي قَوْله وَقد تدخل على الْمُضَارع نَحْو قَوْله تَعَالَى {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} وَزعم هَذَا الْبَعْض أَيْضا أَن التقليل فِي المثالين وهما قد يصدق الكذوب وَقد يجود الْبَخِيل لم يستفد من لفظ قد بل من نفس قَوْلك الْبَخِيل يجود وَمن قَوْلك الكذوب يصدق فَإِنَّهُ أَي الشَّأْن إِن لم يحمل على أَن صُدُور ذَلِك أَي الْجُود من الْبَخِيل والصدق من الكذوب قَلِيل على جِهَة الندور كَانَ متناقضا لِأَن الْبَخِيل والكذوب صِيغَة مُبَالغَة تَقْتَضِي كَثْرَة الْبُخْل وَالْكذب فَلَو كَانَ كل من يجود وَيصدق بِدُونِ قد يَقْتَضِي كَثْرَة الْجُود والصدق لزم تدافع الكثيرين لِأَن آخر الْكَلَام وَهُوَ الْبَخِيل والكذوب يدْفع أَوله وَهُوَ يجود وَيصدق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الْوَجْه السَّابِع من أوجه قد التكثير قَالَه سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله وَهُوَ الْهُذلِيّ (قد أترك الْقرن مصفرا أنامله ... كَأَن أثوابه مجت بفرصاد) والقرن بِكَسْر الْقَاف الْكُفْء فِي الشجَاعَة والأنامل جمع أنمله وَهِي رَأس الْأصْبع ومجت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي رميت يُقَال مج الرجل من فِيهِ إِذا رمى بِهِ والفرصاد بِكَسْر التَّاء التوت الْأَحْمَر وَقَالَهُ الزَّمَخْشَرِيّ أَي قَالَ إِنَّهَا ترد للتكثير فِي قَوْله تَعَالَى {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} وَالْكَثْرَة هُنَا فِي مُتَعَلق الْفِعْل لَا فِي نَفسه وَإِلَّا لزم تَكْثِير الرُّؤْيَة وَهِي قديمَة وتكثير الْقَدِيم بَاطِل عِنْد أهل السّنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 النَّوْع السَّابِع مَا يَأْتِي من الْكَلِمَات على ثَمَانِيَة أوجه وَهُوَ الْوَاو وَذَلِكَ أَي الانحصار فِي الثَّمَانِية أَن لنا واوين يرْتَفع مَا بعدهمَا من الِاسْم وَالْفِعْل الْمُضَارع وهما وَاو الِاسْتِئْنَاف وَهِي الْوَاقِعَة فِي ابْتِدَاء كَلَام آخر غير الْأَخير نَحْو قَوْله تَعَالَى {لنبين لكم ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء} بِرَفْع نقر فالواو الدَّاخِلَة عَلَيْهِ وَاو الِاسْتِئْنَاف فَإِنَّهَا لَو كَانَت للْعَطْف على نبين لَا تنصب الْفِعْل الدَّاخِلَة عَلَيْهِ وَهُوَ نقر كَمَا نصب فِي قِرَاءَة أبي زرْعَة وَعَاصِم فِي رِوَايَة الْمفضل وَالْوَاو الثَّانِيَة وَاو الْحَال وَهِي الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة الحالية اسمية كَانَت أَو فعلية وَتسَمى وَاو الِابْتِدَاء أَيْضا نَحْو قَوْلك جَاءَ زيد وَالشَّمْس طالعة وَنَحْو دخل زيد وَقد غربت الشَّمْس وسيبويه يقدرها بإذ لِأَنَّهَا تدخل على الجملتين بِخِلَاف إِذا لاختصاصها بِالْجُمْلَةِ الفعلية على الْأَصَح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَإِن لنا واوين ينْتَصب مَا بعدهمَا من الِاسْم وَالْفِعْل الْمُضَارع ويفيدان الْمَعِيَّة وهما وَاو الْمَفْعُول مَعَه نَحْو قَوْلك سرت والنيل بِنصب النّيل على أَنه مفعول مَعَه وَالثَّانيَِة وَاو الْجمع الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمُضَارع الْمَسْبُوق بِنَفْي اَوْ طلب محضين وَتسَمى عِنْد الْكُوفِيّين وَاو الصّرْف لصرفهم نصب مَا بعْدهَا عَن سنَن الْكَلَام مِثَال الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمَسْبُوق بِالنَّفْيِ نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} أَي وَأَن يعلم وَمِثَال الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمَسْبُوق بِالطَّلَبِ نَحْو قَول أبي الْأسود الدؤَلِي (لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم) أَي وَأَن تَأتي وَعبارَة المغنى والواوان اللَّذَان ينصب مَا بعدهمَا وَاو الْمَفْعُول مَعَه وَالْوَاو الدَّاخِلَة على الْمُضَارع الْمَنْصُوب بعطفه على اسْم صَرِيح أَو مؤول فالصريح كَقَوْلِه (وَلبس عباءة وتقر عَيْني ... ) والمؤول نَحْو الْوَاقِع قبل وَاو الصّرْف انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وَأَن لنا واوين ينجر مَا بعدهمَا من الْأَسْمَاء وهما وَاو الْقسم يجر مَا بعْدهَا بهَا نَحْو قَوْله تَعَالَى {والتين وَالزَّيْتُون} وَالثَّانيَِة وَاو رب ينجر مَا بعْدهَا بإضمار رب لَا بِالْوَاو على الْأَصَح كَقَوْلِه وَهُوَ عَامر بن الْحَرْث (وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس) أَي وَرب بَلْدَة واليعافير والظباء الْبيض والعيس الْإِبِل وَإِن لنا واوا يكون مَا بعْدهَا على حسب مَا قبلهَا وَهِي وَاو الْعَطف وَهَذِه هِيَ الأَصْل وَالْغَالِب وَهِي لمُطلق الْجمع على الْأَصَح فَلَا تدل على تَرْتِيب وَلَا معية إِلَّا بِقَرِينَة خارجية وَعند التجرد من الْقَرِينَة يحْتَمل معطوفها الْمعَانِي الثَّلَاثَة فَإِذا قلت قَامَ زيد وَعَمْرو كَانَ مُحْتملا للمعية والتأخر والتقدم وَإِن لنا واوا يكون دُخُولهَا فِي الْكَلَام كخروجها وَهِي الْوَاو الزَّائِدَة وَتسَمى فِي الْقُرْآن صلَة نَحْو قَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا} ففتحت جَوَاب إِذا وَالْوَاو صلَة جِيءَ بهَا لتوكيد الْمَعْنى بِدَلِيل الْآيَة الْأُخْرَى قبلهَا وَهِي {حَتَّى إِذا جاؤوها فتحت أَبْوَابهَا} بِغَيْر وَاو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَقيل لَيست زَائِدَة وَإِنَّهَا عاطفة وَالْجَوَاب مَحْذُوف وَالتَّقْدِير كَانَ كَيْت وَكَيْت قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ والبيضاوي وَقيل وَاو الْحَال أَي وَقد فتحت فَدخلت الْوَاو لبَيَان أَنَّهَا كَانَت مفتحة قبل مجيئهم وحذفت فِي الْآيَة الأولى لبَيَان أَنَّهَا كَانَت مغلقة قبل مجيئهم قَالَه الْبَغَوِيّ وَقَول جمَاعَة من الأدباء كالحريري وَمن النَّحْوِيين كَابْن خالويه وَمن الْمُفَسّرين كَالثَّعْلَبِيِّ أَنَّهَا أَي الْوَاو فِي وَفتحت وَاو الثَّمَانِية لِأَن أَبْوَاب الْجنَّة ثَمَانِيَة وَلذَلِك لم تدخل فِي الْآيَة قبلهَا لِأَن أَبْوَاب جَهَنَّم سَبْعَة وَقَوْلهمْ إِن مِنْهَا أَي من وَاو الثَّمَانِية قَوْله تَعَالَى {وثامنهم كلبهم} وَهَذَا القَوْل لَا يرضاه نحوي لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم إعرابي وَلَا سر معنوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَالْقَوْل بذلك أَي بِأَن الْوَاو وَاو الثَّمَانِية فِي قَوْله تَعَالَى {والناهون عَن الْمُنكر} لِأَنَّهُ الْوَصْف الثَّامِن ابعد من القَوْل بذلك فِي الْآيَتَيْنِ قبلهَا وَالْقَوْل بذلك فِي قَوْله تَعَالَى {ثيبات وأبكارا} لِأَن الْبكارَة وصف ثامن ظَاهر الْفساد لِأَن وَاو الثَّمَانِية صَالِحَة للسقوط عِنْد الْقَائِل بهَا وَهِي فِي هَذِه الْآيَة لَا يَصح إِسْقَاطهَا إِذْ لَا تَجْتَمِع الثيوبة والبكارة وَلَيْسَت أَبْكَارًا صفة ثامنة وَإِنَّمَا هِيَ تاسعة إِذْ أول الصِّفَات {خيرا مِنْكُن} وَقَول الثَّعْلَبِيّ إِن مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام} سَهْو ظَاهر لِأَنَّهَا عاطفة وَذكرهَا وَاجِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 النَّوْع الثَّامِن مَا يَأْتِي من الْكَلِمَات على اثْنَي عشر وَجها وَهُوَ مَا وَهِي على ضَرْبَيْنِ اسمية وحرفية فالضرب الأول الاسمية وَهِي الْأَشْرَف وأوجها سَبْعَة أَحدهَا معرفَة تَامَّة فَلَا تحْتَاج إِلَى شَيْء وَهِي ضَرْبَان عَامَّة وخاصة فالعامة هِيَ الَّتِي لم يتقدمها اسْم تكون هِيَ وعاملها صفة لَهُ فِي الْمَعْنى نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} فَمَا فَاعل نعم مَعْنَاهَا الشَّيْء وَهِي ضمير الصَّدقَات على تَقْدِير مُضَاف مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ تبدو أَو هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح أَي فَنعم الشَّيْء إبداؤها والخاصة هِيَ الَّتِي يتقدمها اسْم تكون هِيَ وعاملها صفة لَهُ فِي الْمَعْنى وَيقدر من لفظ ذَلِك الِاسْم الْمُتَقَدّم نَحْو غسلته غسلا نعما ودققته دقا نعما أَي نعم الغسيل وَنعم الدق وَالثَّانِي معرفَة نَاقِصَة وَهِي الموصولة وتحتاج إِلَى صلَة وعائد نَحْو قَوْله تَعَالَى {مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو وَمن التِّجَارَة} فَمَا مَوْصُول اسْمِي فِي مَحل رفع على الِابْتِدَاء وَعند صلته وَخير خَبره أَي الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 عِنْد الله خير وَالثَّالِث شَرْطِيَّة زمانية وَغير زمانية فَالْأولى نَحْو قَوْله تَعَالَى {فَمَا استقاموا لكم فاستقيموا لَهُم} أَي اسْتَقِيمُوا لَهُم مُدَّة استقامتهم لكم وَالثَّانيَِة نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَمَا تَفعلُوا من خير يُعلمهُ الله} وَالرَّابِع استفهامية نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى} وَيجب فِي الاستفهامية حذف ألفها إِذا كَانَت مجرورة نَحْو قَوْله تَعَالَى {عَم يتساءلون} {فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} الأَصْل عَن مَا وَبِمَا فحذفت الْألف فرقا بَين الاستفهامية والخبرية وَسمع إِثْبَاتهَا على الأَصْل نثرا وشعرا فالنثر كَقِرَاءَة عِيسَى وَعِكْرِمَة {عَمَّا تَعْمَلُونَ} بِإِثْبَات الْألف وَالشعر كَقَوْل حسان رَضِي الله عَنهُ (على مَا قَامَ يَشْتمنِي لئيم ... كخنزير تمرغ فِي دمان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فالدمان كالرماد وزنا وَمعنى إِلَّا أَن حذف الْألف هُوَ الأجود وإثباتها لَا يكَاد يُوجد وَلِهَذَا أَي وَلأَجل أَن مَا الاستفهامية تحذف ألفها إِذا جرت رد الْكسَائي على الْمُفَسّرين قَوْلهم فِي قَوْله تَعَالَى {بِمَا غفر لي رَبِّي} إِنَّهَا استفهامية وَجه الرَّد أَن نفي اللَّازِم يسْتَلْزم نفي الْمَلْزُوم وَكَون مَا الاستفهامية مَدْخُول حرف الْجَرّ ملزوم لحذف الْألف وَحذف الْألف لَازم فَإِذا ثبتَتْ الْألف فقد انْتَفَى اللَّازِم وَإِذا انْتَفَى اللَّازِم وَهُوَ حذف الْألف انْتَفَى الْمَلْزُوم وَهُوَ كَون مَا استفهامية وَإِذا انْتَفَى كَون مَا استفهامية ثَبت نقيضه وَهُوَ كَونهَا غير استفهامية وَجَوَابه يُؤْخَذ مِمَّا تقدم قَالَ فِي الْكَشَّاف وَيحْتَمل أَن تكون مَا استفهامية أَعنِي بِأَيّ شَيْء غفر لي رَبِّي فَطرح الْألف أَجود وَإِن كَانَ إِثْبَاتهَا جَائِزا يُقَال قد علمت بِمَا صنعت هَذَا وَبِمَ صنعت انْتهى وعَلى وجوب حذف الْألف إِنَّمَا جَازَ إِثْبَات الْألف فِي لماذا فعلت لِأَن ألفها صَارَت حَشْوًا بالتركيب مَعَ ذَا وصيرورتها كالكلمة الْوَاحِدَة فَأَشْبَهت مَا الاستفهامية فِي حَال تركيبها مَعَ ذَا الموصولة فِي وُقُوع ألفها حَشْوًا لصيرورة الْمَوْصُول مَعَ صلته كالشيء الْوَاحِد وَالْخَامِس نكرَة تَامَّة غير محتاجة إِلَى صفة وَذَلِكَ وَاقع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع فِي كل مِنْهَا خلاف يذكر أَحدهَا الْوَاقِعَة فِي بَاب نعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وَبئسَ إِذا وَقع بعْدهَا اسْم أَو فعل فَالْأول نَحْو قَوْله {فَنعما هِيَ} وَالثَّانِي كَقَوْلِك نعم مَا صنعت فَمَا فِي المثالين نكرَة تَامَّة مَنْصُوبَة الْمحل على التَّمْيِيز للضمير الْمُسْتَتر فِي نعم الْمَرْفُوع على الفاعلية والمخصوص بالمدح فِي الْمِثَال الأول مَذْكُور أَي نعم شَيْئا هِيَ وَفِي الْمِثَال الثَّانِي مَحْذُوف وَالْفِعْل وَالْفَاعِل صفته أَي نعم شَيْئا شَيْء صَنعته وَالْخلاف فِي الأول ثَلَاثَة أَقْوَال وَفِي الثَّانِي عشرَة أَقْوَال أتركها خوف الإطالة والموضع الثَّانِي من الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة قَوْلهم إِذا أَرَادوا الْمُبَالغَة فِي الْإِكْثَار من فعل إِنِّي مِمَّا أَن أفعل فخبر إِن مَحْذُوف وَمن مُتَعَلقَة بِهِ وَمَا نكرَة تَامَّة بِمَعْنى أَمر وَأَن وصلتها فِي مَوضِع جر بدل من مَا أَي إِنِّي مَخْلُوق من أَمر ذَلِك الْأَمر هُوَ فعلي كَذَا وَكَذَا وَزعم السيرافي وَابْن خروف وتبعهما ابْن مَالك وَنَقله عَن سِيبَوَيْهٍ أَن مَا معرفَة تَامَّة بِمَعْنى الْأَمر وَأَن وصلتها مُبْتَدأ والظرف خَبره وَالْجُمْلَة خبر إِن أَي إِنِّي من الْأَمر فعلى كَذَا وَكَذَا وَالْأول أظهر وَذَلِكَ لِأَنَّهُ على سَبِيل الْمُبَالغَة مثل {خلق الْإِنْسَان من عجل} جعل الْإِنْسَان لمبالغته فِي العجلة كَأَنَّهُ مَخْلُوق مِنْهَا وَيُؤَيِّدهُ أَن بعده فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 تَسْتَعْجِلُون وَقيل الْعجل الطين بلغَة حمير ورصده المُصَنّف فِي شرح بَانَتْ سعاد بِأَن ذَلِك لم يثبت عِنْد عُلَمَاء اللُّغَة والموضع الثَّالِث وَهُوَ آخرهَا التَّعَجُّب نَحْو مَا أحسن زيدا فَمَا نكرَة تَامَّة مُبْتَدأ وَمَا بعْدهَا خَبَرهَا أَي شَيْء حسن زيدا وَهَذَا القَوْل هُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَجوز الْأَخْفَش أَن تكون مَوْصُولَة وَأَن تكون نكرَة نَاقِصَة وَمَا بعْدهَا صلَة أَو صفة وَالْخَبَر مَحْذُوف وجوبا مُقَدّر بعظيم وَنَحْوه وَذهب الْفراء وَابْن درسْتوَيْه إِلَى أَنَّهَا استفهامية وَمَا بعْدهَا الْخَبَر وَالسَّادِس نكرَة مَوْصُوفَة بعْدهَا كَقَوْلِهِم أَي الْعَرَب مَرَرْت بِمَا معجب لَك أَي شَيْء معجب لَك وَمِنْه أَي وَمن وُقُوع مَا نكرَة مَوْصُوفَة فِي قَول قَالَ بِهِ الْأَخْفَش والزجاج والزمخشري نعم مَا صنعت فَمَا نكرَة نَاقِصَة فَاعل نعم وَمَا بعْدهَا صفتهَا أَي نعم شَيْء صَنعته وَمِنْه ايضا مَا أحسن زيدا عِنْد الْأَخْفَش فِي أحد احتماليه أَي شَيْء مَوْصُوف بِأَنَّهُ حسن زيدا عَظِيم فَحذف الْخَبَر كَمَا تقدم عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَالسَّابِع نكرَة مَوْصُوف بهَا نكرَة قبلهَا إِمَّا للتحقير أَو التَّعْظِيم أَو التنويع فَالْأول نَحْو {مثلا مَا بعوضة} وَالثَّانِي نَحْو قَوْلهم أَي الْعَرَب كالزباء بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَة وبالمد علم امْرَأَة لأمر مَا جدع قصير أَنفه فَمَا فيهمَا نكرَة مَوْصُوف بهَا مثلا فِي الأول وَأمر فِي الثَّانِي مؤولة بمشتق أَي مثلا بَالغا فِي الحقارة بعوضة ولأمر عَظِيم جدع قصير أَنفه وقصير اسْم رجل وَهُوَ قصير بن سعد اللَّخْمِيّ صَاحب جذيمة الأبرش وقصته مَشْهُورَة مَعَ الزباء لما احتال على قَتلهَا وَالثَّالِث ضَربته ضربا مَا أَي نوعا من الضَّرْب من أَي نوع كَانَ وَقيل إِن مَا فِي هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة حرف لَا مَوضِع لَهَا زَائِدَة منبئة عَن وصف لَائِق بِالْمحل وَهُوَ أولى لِأَن زيادتها عوضا عَن مَحْذُوف ثَابِتَة فِي كَلَامهم قَالَه ابْن مَالك فِي شرح التسهيل وَالضَّرْب الثَّانِي حرفية وأوجهها خَمْسَة الأول نَافِيَة فتعمل فِي دُخُولهَا على الْجمل الإسمية عمل لَيْسَ فَترفع الِاسْم وتنصب الْخَبَر فِي لُغَة الْحِجَازِيِّينَ نَحْو قَوْله تَعَالَى {مَا هَذَا بشرا} {مَا هن أمهاتهم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَالثَّانِي مَصْدَرِيَّة غير ظرفية نَحْو قَوْله تَعَالَى {بِمَا نسوا يَوْم الْحساب} فتسبك مَعَ صلتها بمصدر أَي بنسيانهم إِيَّاه أَي يَوْم الْحساب وَالثَّالِث مَصْدَرِيَّة ظرفية زمانية نَحْو قَوْله تَعَالَى {مَا دمت حَيا} فتنوب عَن الْمدَّة وتؤول بمصدر أَي مُدَّة دوامي حَيا وَلَا تقع ظرفية غير مَصْدَرِيَّة فَأَما قَوْله تَعَالَى {كلما أَضَاء لَهُم مَشوا فِيهِ} فالزمان الْمُقدر هُنَا مجرور أَي كل وَقت وَالْمَجْرُور لَا يُسمى ظرفا اصْطِلَاحا وَالرَّابِع كَافَّة عَن الْعَمَل وَهِي فِي ذَلِك ثَلَاثَة أَقسَام الأول كَافَّة عَن عمل الرّفْع فِي الْفَاعِل كَقَوْلِه وَهُوَ المرار يُخَاطب امْرَأَة (صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يَدُوم) فَقل فعل مَاض يقبل التائين وَمَا كَافَّة لَهُ عَن طلب الْفَاعِل وَأما وصال فَهُوَ فَاعل لفعل مَحْذُوف وجوبا يفسره الْفِعْل الْمَذْكُور وَهُوَ يَدُوم وَالتَّقْدِير قَلما يَدُوم وصال يَدُوم على حد إِن امْرُؤ هلك وَلَا يكون وصال مُبْتَدأ وَخَبره يَدُوم لِأَن الْفِعْل المكفوف عَن طلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الْفَاعِل لَا يدْخل إِلَّا على الْجمل الفعلية لِأَنَّهُ أجري مجْرى حرف النَّفْي فقولك قَلما تَقول بِمَعْنى مَا تَقول قَالَه ابْن مَالك فِي شرح التسهيل فَإِن قلت ايْنَ فَاعل قَلما قلت لَا فَاعل لَهُ فَإِن قلت الْفِعْل لَا بُد لَهُ من فَاعل قلت أَقُول بِمُوجبِه وَلَكِن فِي غير الْفِعْل المكفوف فَإِن قلت هَل لذَلِك نَظِير قلت نعم الْفِعْل الْمُؤَكّد كَقَوْلِه أَتَاك أَتَاك اللاحقون فاللاحقون فَاعل للْأولِ وَلَا فَاعل للثَّانِي قَالَه المُصَنّف فِي التَّوْضِيح وَلم تكف مَا من الْأَفْعَال عَن عمل الرّفْع إِلَّا ثَلَاثَة قل وَطَالَ وَكثر فَالْأول (قَلما يبرح اللبيب ... ) وَالثَّانِي (يَا ابْن الزبير طالما عصيكا ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَالثَّالِث كثر مَا فعلت كَذَا وَلَا تدخل هَذِه الْأَفْعَال المكفوفة ب مَا إِلَّا على فعلية صرح بِفِعْلِهَا وَأما قَلما وصال الْبَيْت مِمَّا الْجُمْلَة غير مُصَرح بِفِعْلِهَا فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ ضَرُورَة وَالْقسم الثَّانِي كَافَّة عَن عمل النصب وَالرَّفْع وَذَلِكَ مَعَ إِن وَأَخَوَاتهَا نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الله إِلَه وَاحِد} وَالْقسم الثَّالِث كَافَّة عَن عمل الْجَرّ ومهيئة للدخول على الْجمل الفعلية فالمهيئة نَحْو قَوْله تَعَالَى {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} والكافة عَن عمل الْجَرّ نَحْو قَوْله وَهُوَ السموأل (أَخ ماجد لم يخزني يَوْم مشْهد ... كَمَا سيف عَمْرو لم تخنه مضاربه) بِرَفْع سيف على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وَاخْتلف فِي مَا التالية للفظ بعد فِي قَوْله وَهُوَ المرار يُخَاطب نَفسه (أعلاقة أم الْوَلِيد بعيد مَا ... أفنان رَأسك كالثغام المخلس) على قَوْلَيْنِ فَقيل كَافَّة لبعد عَن الْإِضَافَة إِلَى أفنان وَقيل مَصْدَرِيَّة عِنْد من يجوز وَصلهَا بِالْجُمْلَةِ الاسمية والعلاقة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة علاقَة الْحبّ والوليد تَصْغِير الْوَلَد وَهُوَ الصَّبِي والأفنان جمع فنن وَهُوَ الْغُصْن مُبْتَدأ وكالثغام بِفَتْح الْمُثَلَّثَة والغين الْمُعْجَمَة جمع ثغامة خَبره وَهُوَ نبت فِي الْجَبَل يبيض إِذا يبس شبه بِهِ الشيب والمخلس بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة اسْم فَاعل من اخلس النَّبَات إِذا اخْتَلَط رطبه ويابسه واختلس رَأسه إِذا خالط سوَاده الْبيَاض وَالْوَجْه الْخَامِس زَائِدَة وَتسَمى هِيَ وَغَيرهَا من الْحُرُوف الزَّوَائِد صلَة وتأكيدا فِي اصْطِلَاح المعربين فِرَارًا من أَن يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن أَن الزَّائِد لَا معنى لَهُ وَالْحَامِل على هَذِه التَّسْمِيَة خُصُوص الْمقَام القرآني والتعميم لطرد الْبَاب وَقطع الْمَادَّة نَحْو {فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم} {عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين} أَي فبرحمة وَعَن قَلِيل ليصبحن نادمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الْبَاب الرَّابِع فِي الإشارات إِلَى عِبَارَات محررة مستوفاة موجزة وَهِي ثَمَانِيَة أَنْوَاع عدد أَبْوَاب الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الْبَاب الرَّابِع فِي الإشارات إِلَى عِبَارَات محررة مهذبة منقحة مستوفاة للمقصود موجزة من الإيجاز وَهُوَ تَجْرِيد الْمَعْنى من غير رِعَايَة للفظ الأَصْل بِلَفْظ يسير وَلم يقل مختصرة لِأَن الِاخْتِصَار تَجْرِيد اللَّفْظ الْيَسِير من اللَّفْظ الْكثير مَعَ بَقَاء الْمَعْنى وَلَيْسَ مرَادا هُنَا يَنْبَغِي لَك أَيهَا المعرب أَن تَقول فِي نَحْو ضرب بِضَم أَوله وَكسر مَا قبل آخِره من قَوْلك ضرب زيد ضرب فعل مَاض لتبين نوع الْفِعْل لم يسم فَاعله لتبين أَنه لم يبْق على صيغته الْأَصْلِيَّة أَو تَقول فعل مَاض مَبْنِيّ للْمَفْعُول لَو جازة هَاتين العبارتين وَلَا تقل مَعَ قَوْلك فعل مَاض مَبْنِيّ لما أَي لشَيْء لم يسم فَاعله لما فِيهِ أَي لما فِي هَذَا التَّعْبِير بِمَعْنى الْعبارَة من التَّطْوِيل والخفاء أما التَّطْوِيل فَلِأَن هَذِه الْعبارَة سبع كَلِمَات والعبارتان السابقتان دون ذَلِك وَأما الخفاء فلإبهام مَا وَقعت عَلَيْهِ مَا المجرورة بِاللَّامِ وَفِي كلتا العبارتين السابقتين نظر أما الأولى فَلِأَنَّهَا تصدق على الْفِعْل الَّذِي لَا فَاعل لَهُ نَحْو قَلما إِنَّه فعل مَاض لم يسم فَاعله مَعَ أَنه لَيْسَ مرَادا وَأما الثَّانِيَة فَلِأَن الْمَفْعُول حَيْثُ أطلق انْصَرف إِلَى الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ أَكثر المفاعيل دورا فِي الْكَلَام كَمَا قَالَه المُصَنّف فِي المغنى فَلَا يَشْمَل الْمسند إِلَى الْمَجْرُور والظرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 والمصدر يَنْبَغِي لَك أَن تَقول فِي نَحْو زيد الْمسند إِلَيْهِ الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول نَائِب عَن الْفَاعِل لجلائه ووجازته وَلَا تقل مفعول لما لم يسم فَاعله لخفائه وَطوله كَمَا يُؤْخَذ مِمَّا تقدم وَصدقه بِالْجَرِّ أَي ولصدق هَذَا القَوْل على الْمَفْعُول الثَّانِي مثل درهما من نَحْو أعطي زيد درهما فَيصدق على درهما فِي هَذَا الْمِثَال أَنه مفعول لما لم يسم فَاعله مَعَ أَنه لَيْسَ مرَادا وَمن ثمَّ سَمَّاهُ المتقدمون خبر مَا لم يسم فَاعله وَيَنْبَغِي لَك أَن تَقول فِي قد حرف لتقليل زمن الْمَاضِي وتقريبه من الْحَال وتقليل حدث الْمُضَارع وَتَحْقِيق حدثيهما وَتَقَدَّمت أَمْثِلَة ذَلِك فِي بحث قد وَأَن تَقول فِي لن من نَحْو لن أقوم حرف نفي واستقبال وَلَا يَقْتَضِي تَأْكِيد النَّفْي على الْأَصَح خلافًا للزمخشري فِي كشافه وَلَا تأييده خلافًا لَهُ فِي أنموذجه فَلَنْ أقوم يحْتَمل أَنَّك تُرِيدُ لَا تقوم أبدا وَأَنَّك لَا تقوم فِي بعض أزمنة الْمُسْتَقْبل وَأَن تَقول فِي لم من نَحْو لم يقم حرف جزم لنفي الْمُضَارع وَقَلبه مَاضِيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَأَن تَقول فِي أما الْمَفْتُوحَة الْهمزَة الْمُشَدّدَة الْمِيم من نَحْو {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} الْآيَة حرف شَرط وتفصيل وتوكيد وَمن نَحْو أما زيد فمنطلق حرف شَرط وتوكيد بِدُونِ تَفْصِيل وَأَن تَقول فِي أَن الْمَفْتُوحَة الْهمزَة الساكنة النُّون من نَحْو أَن تقوم حرف مصدري ينصب الْمُضَارع وَيُخَلِّصهُ للاستقبال وَأَن تَقول فِي الْفَاء الَّتِي بعد الشَّرْط من نَحْو {وَإِن يمسسك بِخَير فَهُوَ على كل شَيْء قدير} الْفَاء رابطة لجواب الشَّرْط بِالشّرطِ وَلَا تقل جَوَاب الشَّرْط كَمَا يَقُولُونَ كالحوفي وَغَيره لِأَن الْجَواب فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ الْجُمْلَة بأسرها يَعْنِي الْفَاء ومدخولها لَا الْفَاء وَحدهَا وَفِيه تجوز لِأَن الْفَاء لَا مدْخل لَهَا فِي الْجَواب وَإِنَّمَا جِيءَ بهَا لربط الْجَواب بِالشّرطِ كَمَا قَالَ قبل التَّعْلِيل وَالْجَوَاب عَن الْقَائِلين بِأَن الْفَاء جَوَاب الشَّرْط أَنه على حذف مُضَاف وَالتَّقْدِير حرف جَوَاب الشَّرْط أَولا حذف فَيكون مجَازًا علاقته الْمُجَاورَة من إِطْلَاق أحد المتجاورين وَهُوَ الْجَواب على مجاوره وَهُوَ الْفَاء وَأَن تَقول فِي نَحْو زيد بِالْجَرِّ من جَلَست أَمَام زيد زيد مخفوض بِالْإِضَافَة أَي بِإِضَافَة أَمَام إِلَيْهِ أَو بالمضاف وَلَا تقل مخفوض بالظرف وَهُوَ أَمَام لِأَن الْمُقْتَضِي للخفض إِنَّمَا هِيَ الْإِضَافَة لاكون الْمُضَاف ظرفا بِخُصُوصِهِ بِدَلِيل أَن الْمُضَاف قد يَأْتِي غير ظرف كَأَن يكون اسْم ذَات أَو اسْم معنى نَحْو غُلَام زيد وإكرام عَمْرو وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 بعض النّسخ إِنَّمَا هُوَ الْمُضَاف من حَيْثُ أَنه مُضَاف وَهُوَ مُتَعَيّن لِأَن الْأَصَح أَن الْعَامِل فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْمُضَاف لَا الْإِضَافَة وَأَن تَقول فِي الْفَاء من نَحْو {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر فصل لِرَبِّك وانحر} الْفَاء فَاء السَّبَبِيَّة وَلَا تقل فَاء الْعَطف لِأَنَّهُ لَا يجوز على رَأْي أَو لَا يحسن على آخر عطف الطّلب وَهُوَ قسم من الْإِنْشَاء على الْخَبَر الْمُقَابل للإنشاء فَلَو جعلنَا الْفَاء عاطفة صل على {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} لزم عطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر وَلَا الْعَكْس أَي عطف الْخَبَر على الْإِنْشَاء وَهُوَ مَسْأَلَة خلاف منع من ذَلِك البيانيون لما بَينهمَا من التَّنَافِي وَعدم التناسب وَأَجَازَهُ الصفار وَقَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل أجَاز سِيبَوَيْهٍ التخالف فِي تعاطف الجملتين بالْخبر والاستفهام فَأجَاز هَذَا زيد وَمن عَمْرو انْتهى وَأَن تَقول فِي الْوَاو العاطفة من نَحْو جَاءَ زيد وَعَمْرو الْوَاو حرف لمُجَرّد الْجمع بَين المتعاطفين قَالَ المُصَنّف فِي الْمُغنِي لَا تقل للْجمع الْمُطلق انْتهى لِأَنَّهَا قد تكون للْجمع الْمُقَيد نَحْو جَاءَ زيد وَعَمْرو قبله اَوْ بعده أَو مَعَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَأَن تَقول فِي حَتَّى من نَحْو قدم الْحجَّاج حَتَّى المشاة حَتَّى حرف عطف للْجمع والغاية والتدريج وَأَن تَقول فِي ثمَّ من نَحْو قَامَ زيد ثمَّ عَمْرو ثمَّ حرف عطف للتَّرْتِيب بَين المتعاطفين والمهلة فِي الزَّمَان وَأَن تَقول فِي الْفَاء من نَحْو قَامَ زيد فعمرو وَالْفَاء حرف عطف للتَّرْتِيب والتعقيب وتعقيب كل شَيْء بِحَسبِهِ تَقول تزوج فلَان فولد لَهُ إِذا لم يكن بَينهمَا إِلَّا مُدَّة الْحمل وَإِذا اختصرت فِيهِنَّ أَي فِي أحرف الْعَطف الْأَرْبَعَة وَمَا عطفت فَقل عاطف ومعطوف على طَرِيق اللف والنشر على التَّرْتِيب الأول للْأولِ وَالثَّانِي للثَّانِي كَمَا تَقول فِي بِسم جَار ومجرور وَكَذَلِكَ تَقول فِي لن نَبْرَح وَلنْ نَفْعل ناصب ومنصوب وَفِي لم يقم جازم ومجزوم وَأَن تَقول فِي إِن الْمَكْسُورَة الْهمزَة الْمُشَدّدَة النُّون حرف تَأْكِيد تنصب الِاسْم اتِّفَاقًا وترفع الْخَبَر على الْأَصَح وتزيد على ذَلِك فِي أَن الْمَفْتُوحَة الْهمزَة الْمُشَدّدَة النُّون مصدري فَتَقول حرف توكيد مصدري ينصب الِاسْم اتِّفَاقًا وَيرْفَع الْخَبَر على الْأَصَح وَتقول فِي كَأَن حرف تَشْبِيه ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر وَفِي لَكِن حرف اسْتِدْرَاك ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر وَفِي لَعَلَّ حرف ترج ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر وَفِي لَيْت حرف تمن ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَاعْلَم أَنه يعاب على الناشىء فِي صناعَة بِكَسْر الصَّاد وَهِي الْعلم الْحَاصِل من التمرن فِي الْعَمَل الْإِعْرَاب بِكَسْر الْهمزَة وَتقدم بَيَانه أَن يذكر فعلا من الْأَفْعَال الثَّلَاثَة وَلَا يبْحَث عَن فَاعله إِن كَانَ لَهُ فَاعل وَلَو قَالَ أَن يذكر عَاملا وَلَا يبْحَث عَن معموله لَكَانَ اشمل ليدْخل فِي الْعَامِل جَمِيع الْأَفْعَال وأسمائها والمصادر وأسمائها وَالصِّفَات وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَيدخل فِي الْمَعْمُول الْفَاعِل ونائبه وَاسم كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَخبر إِن وَأَخَوَاتهَا وَمَا أشبه ذَلِك أَو يذكر مُبْتَدأ فِي الأَصْل أَو فِي الْحَال وَلَا يفحص عَن خَبره اهو مَذْكُور أم مَحْذُوف وجوبا أم جَوَازًا أَو يذكر ظرفا أَو مجرورا لَهما مُتَعَلق وَلَا يُنَبه على مُتَعَلّقه أَو هُوَ فعل أم شبهه وَتقدم أَن الْمَجْرُور بِحرف زَائِد لَا يتَعَلَّق بِشَيْء فَلَا مُتَعَلق لَهُ أَو يذكر جملَة فعلية أَو اسمية وَلَا يذكر لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب أم لَا وَهل الْمحل رفع أَو نصب خفض أَو جزم أَو يذكر مَوْصُولا اسميا وَلَا يبين صلته وعائده وَمَا يعاب على الناشىء فِي صناعَة الْإِعْرَاب أَن يقْتَصر فِي إِعْرَاب الِاسْم الْمُبْهم من قَوْلك قَامَ ذَا أَو قَامَ الَّذِي على أَن يَقُول فِي الأول ذَا اسْم إِشَارَة أَو يَقُول فِي الثَّانِي الَّذِي اسْم مَوْصُول فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ذَلِك لَا يبْنى عَلَيْهِ إِعْرَاب من رفع أَو غَيره فَالصَّوَاب أَن يُقَال فِي ذَا أَو الَّذِي فِي المثالين فَاعل مَحَله رفع وَهُوَ اسْم إِشَارَة أَو فَاعل وَهُوَ اسْم مَوْصُول وَهل الْمحل للموصول دون صلته أَولهمَا صحّح فِي الْمُغنِي الأول وَقد أورد المُصَنّف سؤالا على مَا قَرَّرَهُ وَأجَاب عَنهُ فَقَالَ فَإِن قلت لَا فَائِدَة فِي قَوْله فِي ذَا أَنه اسْم إِشَارَة بعد قَوْله فَاعل لِأَن الْغَرَض بَيَان الْإِعْرَاب وَكَونه اسْم إِشَارَة لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ إِعْرَاب بِخِلَاف قَوْلك فِي الَّذِي مَعَ بَيَان مَحَله من الْإِعْرَاب إِنَّه اسْم مَوْصُول فَإِن فِيهِ فَائِدَة وتنبيها على مَا يفْتَقر الْمَوْصُول إِلَيْهِ من الصِّلَة والعائد ليطلبهما المعرب وليعلم أَن جملَة الصِّلَة لَا مَحل لَهَا قلت بلَى فِيهِ أَي فِي قَوْله اسْم إِشَارَة فَائِدَة وَهِي التَّنْبِيه على أَن مَا يلْحقهُ من الْكَاف حرف خطاب وَإِن كَانَت متصرفة تصرف الْأَسْمَاء لَا أَنَّهَا اسْم مُضَاف إِلَيْهِ وليهتد إِلَى أَن الِاسْم المقرون بأل الَّذِي يَقع بعده أَي بعد اسْم الْإِشَارَة من نَحْو قَوْلك جَاءَنِي هَذَا الرجل نعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 عِنْد ابْن الْحَاجِب اَوْ عطف بَيَان عِنْد ابْن مَالك على الْخلاف الْمَذْكُور فِي الْمُعَرّف بأل الْوَاقِع بعد الْإِشَارَة وَالْوَاقِع بعد أَيهَا فِي نَحْو يَا أَيهَا الرجل فَذهب بَعضهم إِلَى أَنه نعت أَيهَا وَبَعْضهمْ إِلَى أَنه بَيَان عَلَيْهَا وَقيل بدل مِنْهَا وَمِمَّا لَا يَبْنِي عَلَيْهِ إِعْرَاب أَن يَقُول فِي غُلَام من نَحْو غُلَام زيد مُضَاف مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَإِن الْمُضَاف لَيْسَ لَهُ إِعْرَاب مُسْتَقر كالفاعل فَإِن لَهُ إعرابا مُسْتَقرًّا وَهُوَ الرّفْع أَو محلا وَنَحْوه أَي الْفَاعِل مِمَّا لَهُ اعراب مُسْتَقر كالمفعول لَهُ إعرابا وَهُوَ النصب بِخِلَاف الْمُضَاف فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِعْرَاب مُسْتَقر وَإِنَّمَا إعرابه بِحَسب مَا يدْخل عَلَيْهِ مِمَّا يَقْتَضِي رَفعه أَو نَصبه أَو خفضه فَالصَّوَاب أَن يبين موقع إعرابه فَيَقُول فَاعل أَو مفعول أَو نَحْو ذَلِك من الْعمد والفضلات بِخِلَاف الْمُضَاف إِلَيْهِ فَإِن لَهُ إعرابا مُسْتَقرًّا وَهُوَ الْجَرّ بالمضاف فَإِذا قيل مُضَاف إِلَيْهِ علم أَنه مجرور لفظا أَو محلا وَيَنْبَغِي للمعرب أَن لَا يعبر عَن مَا هُوَ مَوْضُوع على حرف وَاحِد بِلَفْظِهِ فَيَقُول فِي الضَّمِير الْمُتَّصِل بِالْفِعْلِ من نَحْو ضربت ت فَاعل إِذْ لَا يكون اسْم هَكَذَا فَالصَّوَاب أَن يعبر باسمه الْخَاص الْمُشْتَرك فَيَقُول التَّاء أَو الضَّمِير فَاعل وَأما مَا صَار بالحذف على حرف وَاحِد فَلَا بَأْس بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 فَتَقول فِي م مُبْتَدأ حذف خَبره لِأَنَّهُ بعض أَيمن وَفِي ق من نَحْو قَوْلك ق نَفسك فعل أَمر لِأَنَّهُ من الْوِقَايَة فَإِن كَانَ مَوْضُوعا على حرفين نطق بِهِ فَتَقول من اسْم اسْتِفْهَام وَمَا أشبه بذلك وَلَا يحسن أَن ينْطق عَن الْكَلِمَة بحروف هجائها وَلَا يُقَال الْمِيم وَالنُّون اسْم اسْتِفْهَام وَلذَلِك كَانَ قَوْلهم أل فِي أَدَاة التَّعْرِيف أَقيس من قَوْلهم الْألف وَاللَّام وَيَنْبَغِي أَن يجْتَنب المعرب أَن يَقُول فِي حرف من كتاب الله تَعَالَى إِنَّه زَائِد تَعْظِيمًا لَهُ واحتراما لِأَنَّهُ يسْبق إِلَى الأذهان ان الزَّائِد هُوَ الَّذِي لَا معنى لَهُ أصلا وَكَلَامه سُبْحَانَهُ منزه عَن ذَلِك لِأَن مَا من حرف فِيهِ إِلَّا وَله معنى صَحِيح وَمن فهم خلاف ذَلِك فقد وهم وَقد وَقع هَذَا الْوَهم بِفَتْح الْهَاء مصدر وهم بِكَسْرِهَا إِذا غلط الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ خطيب الرّيّ قَالَ الكافيجي فَإِن قلت من ايْنَ علم المُصَنّف أَن هَذَا الْوَهم وَقع للْإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ قلت من أَمريْن الأول أَنه نقل إِجْمَاع الأشاعرة على عدم وُقُوع المهمل فِي كَلَام الله تَعَالَى وَهُوَ عين الْإِجْمَاع على عدم وُقُوع الزَّائِد فِيهِ إِذْ الزَّائِد بِهَذَا الْمَعْنى هُوَ عين المهمل فَلَو لم يَقع لَهُ هَذَا الْوَهم لما احْتَاجَ إِلَى التَّعَرُّض لهَذَا الْإِجْمَاع وَالثَّانِي أَنه حمل مَا فِي قَوْله تَعَالَى {فبمَا رَحْمَة} على أَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 استفهامية بِمَعْنى التَّعَجُّب كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا لي لَا أرى الهدهد} فَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى الأول بقوله فَقَالَ الْفَخر الرَّازِيّ الْمُحَقِّقُونَ من الْمُتَكَلِّمين وهم الأشاعرة على أَن المهمل لَا يَقع فِي كَلَام الله تَعَالَى لترفعه عَن ذَلِك واشار إِلَى الثَّانِي بقوله فَأَما مَا فِي قَوْله تَعَالَى {فبمَا رَحْمَة} فَيمكن أَن تكون استفهامية للتعجب وَالتَّقْدِير فَبِأَي رَحْمَة يَعْنِي زَائِدَة انْتهى كَلَام الْفَخر الرَّازِيّ وَالظَّاهِر أَن هَذَا الْوَهم لَا يَقع لوَاحِد من الْعلمَاء فضلا عَن أَن يَقع لمثل الإِمَام الرَّازِيّ وَإِنَّمَا أنكر إِطْلَاق القَوْل بِالزَّائِدِ إجلالا لكَلَام الله تَعَالَى وللملازمة لباب الْأَدَب كَمَا هُوَ اللَّائِق بِحَالهِ وَأما حمل مَا فِي قَوْله {فبمَا رَحْمَة} يُمكن أَن تكون استفهامية بِمَعْنى التَّعَجُّب على سَبِيل الْجَوَاز والإمكان الَّذِي قَالَه المعربون وَعبارَة بَعضهم قيل مَا زَائِدَة للتوكيد وَقيل نكرَة وَقيل مَوْصُوفَة برحمة وَقيل غير مَوْصُوفَة وَرَحْمَة بدل مِنْهَا فَهُوَ بمعزل عَن الدّلَالَة على وُقُوع الْوَهم مِنْهُ بمراحل انْتهى كَلَام الكافيجي وَلما فرغ المُصَنّف من نقل كَلَام الإِمَام الرَّازِيّ وتوجيهه وَأَرَادَ إِبْطَاله وَبَيَان تَعْرِيف الزَّائِد قَالَ وَالزَّائِد عِنْد النَّحْوِيين هُوَ الَّذِي لم يُؤْت بِهِ إِلَّا لمُجَرّد التقوية والتوكيد لَا إِن الزَّائِد عِنْدهم هُوَ المهمل كَمَا توهمه الإِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الرَّازِيّ وَأَنت قد علمت أَن الإِمَام الرَّازِيّ بَرِيء من ذَلِك والتوجيه الْمَذْكُور للْإِمَام الرَّازِيّ فِي الْآيَة بَاطِل لأمرين أَحدهمَا أَن مَا الاستفهامية إِذا خفضت وَجب حذف ألفها فرقا بَين الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر نَحْو {عَم يتساءلون} وَمَا فِي الْآيَة ثَابِتَة الْألف وَلَو كَانَت استفهامية لحذفت ألفها لدُخُول حرف الْخَفْض عَلَيْهَا وَأجِيب بِأَن حذف ألف مَا الاستفهامية إِذا دخل الْخَافِض اكثري لَا دائمي فَيجوز إِثْبَاتهَا للتّنْبِيه على إبْقَاء الشَّيْء على أَصله وعورض بِأَن إِثْبَات الْألف لُغَة شَاذَّة لَا يحسن تَخْرِيج التَّنْزِيل عَلَيْهَا وَالْأَمر الثَّانِي أَن خفض رَحْمَة حِينَئِذٍ أَي حِين إِذْ قَالَ إِن مَا الاستفهامية يشكل على الْقَوَاعِد لِأَنَّهُ أَي خفض رَحْمَة لَا يكون بِالْإِضَافَة إِذْ لَيْسَ فِي أَسمَاء الِاسْتِفْهَام مَا يُضَاف إِلَّا أَي عِنْد النُّحَاة الْجَمِيع وَكم عِنْد أبي إِسْحَق الزّجاج وَلَا يكون خفضها بالإبدال من مَا وَذَلِكَ لَا يجوز لِأَن الْمُبدل من اسْم الِاسْتِفْهَام لَا بُد أَن يقْتَرن بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام إشعارا بتعلق معنى الِاسْتِفْهَام بِالْبَدَلِ قصدا واختصت الْهمزَة بذلك لِأَنَّهَا أصل الْبَاب ووضعها على حرف وَاحِد نَحْو كَيفَ أَنْت اصحيح أم سقيم وَرَحْمَة لم تقترن بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام فَلَا تكون بَدَلا من مَا وَلَا يكون خفضها على أَن تكون رَحْمَة صفة ل مَا لِأَن مَا لَا تُوصَف إِذا كَانَت شَرْطِيَّة أَو استفهامية وكل مَا لَا يُوصف لَا يكون لَهُ صفة فَوَجَبَ أَلا يكون صفة لما وَلَا يكون خفضها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 على أَن تكون رَحْمَة بَيَانا أَي عطف بَيَان على مَا لِأَن مَا لَا تُوصَف وكل مَا لَا يُوصف لَا يعْطف عَلَيْهِ عطف بَيَان كالمضمرات عِنْد الْأَكْثَرين وَللْإِمَام الرَّازِيّ أَن يَقُول لما كَانَت مَا على صُورَة الْحَرْف نقل الْإِعْرَاب مِنْهَا إِلَى مَا بعْدهَا فجرت بالحرف على حد مَرَرْت بالضارب على القَوْل باسمية ال وَهُوَ الْأَصَح وَكثير من النُّحَاة الْمُتَقَدِّمين يسمون الزَّائِد صلَة لكَونه يتَوَصَّل بِهِ إِلَى نيل غَرَض صَحِيح كتحسين الْكَلَام وتزيينه وَبَعْضهمْ يُسَمِّيه مؤكدا لِأَنَّهُ يُعْطي الْكَلَام معنى التَّأْكِيد والتقوية وَبَعْضهمْ يُسَمِّيه لَغوا لَا لغاية أَي عدم اعْتِبَاره فِي حُصُول الْفَائِدَة بِهِ لَكِن اجْتِنَاب هَذِه الْعبارَة الْأَخِيرَة فِي التَّنْزِيل وَاجِب لِأَنَّهُ يتَبَادَر إِلَى الأذهان من اللَّغْو الْبَاطِل وَكَلَام الله تَعَالَى منزه عَن ذَلِك وَفِي هَذَا الْقدر الَّذِي ذكره المُصَنّف كِفَايَة لمن تَأمله فَإِن التَّأَمُّل أصل فِي إِدْرَاك الْأُمُور كلهَا فَلذَلِك نَص على التَّأَمُّل فِي ختم الْكتاب كَمَا فعل فِي افتتاحه حَيْثُ قَالَ تَقْتَضِي بمتأملها جادة الصَّوَاب وَالله الْمُوفق وَالْهَادِي إِلَى سَبِيل الْخيرَات بمنه وَكَرمه سَأَلَ الله التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة إِلَى طَرِيق الْخَيْر بمنه وَكَرمه كَمَا فعل فِي أول الْكتاب حَيْثُ قَالَ وَمن الله استمد التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة إِلَى اقوم طَرِيق بمنه وَكَرمه فختم كِتَابه بِمَا ابْتَدَأَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ قَالَ مُؤَلفه خَالِد بن عبد الله الْأَزْهَرِي فرغت من تسويد هَذِه النُّسْخَة ثَالِث شَوَّال سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة 3 شَوَّال سنة 898 هـ جعله الله خَالِصا مُوجبا للفوز لَدَيْهِ ونفع بِهِ كَمَا نفع بِأَصْلِهِ إِنَّه على ذَلِك قدير وبالإجابة جدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173