الكتاب: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب المؤلف: عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام (المتوفى: 761هـ) المحقق: د. مازن المبارك / محمد علي حمد الله الناشر: دار الفكر - دمشق الطبعة: السادسة، 1985 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب جمال الدين ابن هشام الكتاب: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب المؤلف: عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام (المتوفى: 761هـ) المحقق: د. مازن المبارك / محمد علي حمد الله الناشر: دار الفكر - دمشق الطبعة: السادسة، 1985 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ سيدنَا ومولانا الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة جمال الدّين رحْلَة الطالبين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف بن هِشَام الْأنْصَارِيّ قدس الله روحه وَنور ضريحه أما بعد حمد الله على إفضاله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله فَإِن أولى مَا تقترحه القرائح وَأَعْلَى مَا تجنح إِلَى تَحْصِيله الجوانح مَا يَتَيَسَّر بِهِ فهم كتاب الله الْمنزل ويتضح بِهِ معنى حَدِيث نبيه الْمُرْسل فَإِنَّهُمَا الْوَسِيلَة إِلَى السَّعَادَة الأبدية والذريعة إِلَى تَحْصِيل الْمصَالح الدِّينِيَّة والدنيوية وأصل ذَلِك علم الْإِعْرَاب الْهَادِي إِلَى صوب الصَّوَاب وَقد كنت فِي عَام تِسْعَة وَأَرْبَعين وسبعمئة أنشأت بِمَكَّة زَادهَا الله شرفا كتابا فِي ذَلِك منورا من أرجاء قَوَاعِده كل حالك ثمَّ إِنَّنِي أصبت بِهِ وَبِغَيْرِهِ فِي منصرفي إِلَى مصر وَلما من الله تَعَالَى عَليّ فِي عَام سِتَّة وَخمسين بمعاودة حرم الله والمجاورة فِي خير بِلَاد الله شمرت عَن ساعد الِاجْتِهَاد ثَانِيًا واستأنفت الْعَمَل لَا كسلا وَلَا متوانيا وَوضعت هَذَا التصنيف على أحسن إحكام وترصيف وتتبعت فِيهِ مقفلات مسَائِل الْإِعْرَاب فافتتحتها ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونقحتها وأغلاطا وَقعت لجَماعَة من المعربين وَغَيرهم فنبهت عَلَيْهَا وأصلحتها فدونك كتابا تشد الرّحال فِيمَا دونه وتقف عِنْده فحول الرِّجَال وَلَا يعدونه إِذْ كَانَ الْوَضع فِي هَذَا الْغَرَض لم تسمح قريحة بمثاله وَلم ينسج ناسج على منواله وَمِمَّا حثني على وَضعه أنني لما أنشأت فِي مَعْنَاهُ الْمُقدمَة الصُّغْرَى الْمُسَمَّاة ب الْإِعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 عَن قَوَاعِد الْإِعْرَاب حسن وقعها عِنْد أولي الْأَلْبَاب وَسَار نَفعهَا فِي جمَاعَة الطلاب مَعَ أَن الَّذِي أودعته فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ادخرته عَنْهَا كشذرة من عقد نحر بل كقطرة من قطرات بَحر وَهَا أَنا بائح بِمَا أسررته مُفِيد لما قَرّرته وحررته مقرب فَوَائده للأفهام وَاضع فرائده على طرف الثمام لينالها الطلاب بِأَدْنَى إِلْمَام سَائل من حسن خيمه وَسلم من دَاء الْحَسَد أديمه إِذا عثر على شَيْء طَغى بِهِ الْقَلَم أَو زلت بِهِ الْقدَم أَن يغفتر ذَلِك فِي جنب مَا قربت إِلَيْهِ من الْبعيد ورددت عَلَيْهِ من الشريد وأرحته من التَّعَب وصيرت القاصي يُنَادِيه من كثب وَأَن يحضر قلبه أَن الْجواد قد يكبو وَأَن الصارم قد ينبو وَأَن النَّار قد تخبو وَأَن الْإِنْسَان مَحل النسْيَان وَأَن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات (وَمن ذَا الَّذِي ترْضى سجاياه كلهَا ... كفى الْمَرْء نبْلًا أَن تعد معايبه) وينحصر فِي ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي تَفْسِير الْمُفْردَات وَذكر أَحْكَامهَا الْبَاب الثَّانِي فِي تَفْسِير الْجمل وَذكر أقسامها وأحكامها الْبَاب الثَّالِث فِي ذكر مَا يتَرَدَّد بَين الْمُفْردَات والجمل وَهُوَ الظّرْف وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَذكر أحكامهما الْبَاب الرَّابِع فِي ذكر أَحْكَام يكثر دورها ويقبح بالمعرب جهلها الْبَاب الْخَامِس فِي ذكر الْأَوْجه الَّتِي يدْخل على الْمُعَرّف الْخلَل من جِهَتهَا الْبَاب السَّادِس فِي التحذير من أُمُور اشتهرت بَين المعربين وَالصَّوَاب خلَافهَا الْبَاب السَّابِع فِي كَيْفيَّة الْإِعْرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الْبَاب الثَّامِن فِي ذكر أُمُور كُلية يتَخَرَّج عَلَيْهَا مَا لَا ينْحَصر من الصُّور الْجُزْئِيَّة وَاعْلَم أنني تَأَمَّلت كتب الْإِعْرَاب فَإِذا السَّبَب الَّذِي اقْتضى طولهَا ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا كَثْرَة التّكْرَار فَإِنَّهَا لم تُوضَع لإِفَادَة القوانين الْكُلية بل للْكَلَام على الصُّور الْجُزْئِيَّة فتراهم يَتَكَلَّمُونَ على التَّرْكِيب الْمعِين بِكَلَام ثمَّ حَيْثُ جَاءَت نَظَائِره أعادوا ذَلِك الْكَلَام أَلا ترى أَنهم حَيْثُ مر بهم مثل الْمَوْصُول فِي قَوْله تَعَالَى {هدى لِلْمُتقين الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} ذكرُوا أَن فِيهِ ثَلَاثَة أوجه وَحَيْثُ جَاءَهُم مثل الضَّمِير الْمُنْفَصِل فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} ذكرُوا فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَيْضا وَحَيْثُ جَاءَهُم مثل الضَّمِير الْمُنْفَصِل فِي قَوْله تَعَالَى {كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم} ذكرُوا فِيهِ وَجْهَيْن ويكررون ذكر الْخلاف فِيهِ إِذا أعرب فصلا أَله مَحل بِاعْتِبَار مَا قبله أم بِاعْتِبَار مَا بعده أم لَا مَحل لَهُ وَالْخلاف فِي كَون الْمَرْفُوع فَاعِلا أَو مُبْتَدأ إِذا وَقع بعد إِذا فِي نَحْو {إِذا السَّمَاء انشقت} أَو إِن فِي نَحْو {وَإِن امْرَأَة خَافت} أَو الظّرْف فِي نَحْو (أَفِي الله شكّ) أَو لَو فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 نَحْو {وَلَو أَنهم صَبَرُوا} وَفِي كَون أَن وَأَن وصلتهما بعد حذف الْجَار فِي نَحْو {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} وَنَحْو {حصرت صُدُورهمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ} فِي مَوضِع خفض بالجار الْمَحْذُوف على حد قَوْله أشارت كُلَيْب بالأكف الْأَصَابِع أَو نصب بِالْفِعْلِ الْمَذْكُور على حد قَوْله فِيهِ كَمَا عسل الطَّرِيق الثَّعْلَب وَكَذَلِكَ يكررون الْخلاف فِي جَوَاز الْعَطف الْمَجْرُور من غير إِعَادَة الْخَافِض وعَلى الضَّمِير الْمُتَّصِل الْمَرْفُوع من غير وجود الْفَاصِل وَغير ذَلِك مِمَّا إِذا استقصي أمل الْقَلَم وأعقب السأم فَجمعت هَذِه الْمسَائِل وَنَحْوهَا مقررة محررة فِي الْبَاب الرَّابِع من هَذَا الْكتاب فَعَلَيْك بمراجعته فانك تَجِد بِهِ كنزا وَاسِعًا تنْفق مِنْهُ ومنهلا سائغا ترده وتصدر عَنهُ وَالْأَمر الثَّانِي إِيرَاد مَالا يتَعَلَّق بالإعراب كَالْكَلَامِ فِي اشتقاق اسْم أهوَ من السمة كَمَا يَقُول الْكُوفِيُّونَ أَو من السمو كَمَا يَقُول البصريون والاحتجاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 لكل من الْفَرِيقَيْنِ وترجيح الرَّاجِح من الْقَوْلَيْنِ وكالكلام على أَلفه لم حذفت من الْبَسْمَلَة خطا وعَلى بَاء الْجَرّ ولامه لم كسرتا لفظا وكالكلام على ألف ذَا الإشارية أزائدة هِيَ كَمَا يَقُول الْكُوفِيُّونَ أم منقلبة عَن يَاء هِيَ عين وَاللَّام يَاء أُخْرَى محذوفة كَمَا يَقُول البصريون وَالْعجب من مكي بن أبي طَالب إِذْ أورد مثل هَذَا فِي كِتَابه الْمَوْضُوع لبَيَان مُشكل الْإِعْرَاب مَعَ أَن هَذَا لَيْسَ من الْإِعْرَاب فِي شَيْء وَبَعْضهمْ إِذا ذكر الْكَلِمَة ذكر تكسيرها وتصغيرها وتأنيثها وتذكيرها وَمَا ورد فِيهَا من اللُّغَات وَمَا رُوِيَ من الْقرَاءَات وان لم ينبن على ذَلِك شَيْء من الْإِعْرَاب وَالثَّالِث اعراب الواضحات كالمبتدأ وَخَبره وَالْفَاعِل ونائبه وَالْجَار وَالْمَجْرُور والعاطف والمعطوف وَأكْثر النَّاس استقصاء لذَلِك الحوفي وَقد تجنب هذَيْن الْأَمريْنِ وأتيت مكانهما بِمَا يتبصر بِهِ النَّاظر ويتمرن بِهِ الخاطر من إِيرَاد النَّظَائِر القرآنية والشواهد الشعرية وَبَعض مَا اتّفق فِي الْمجَالِس النحوية وَلما تمّ هَذَا التصنيف على الْوَجْه الَّذِي قصدته وتيسر فِيهِ من لطائف المعارف مَا أردته واعتمدته سميته ب مُغنِي اللبيب عَن كتب الأعاريب وخطابي بِهِ لمن ابْتَدَأَ فِي تعلم الْإِعْرَاب وَلمن استمسك مِنْهُ بأوثق الْأَسْبَاب وَمن الله تَعَالَى أَسْتَمدّ الصَّوَاب والتوفيق إِلَى مَا يحظيني لَدَيْهِ بجزيل الثَّوَاب وإياه أسأَل أَن يعْصم الْقَلَم من الْخَطَأ والخطل والفهم من الزيغ والزلل إِنَّه أكْرم مسؤول وَأعظم مأمول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1316 الْبَاب الأول فِي تَفْسِير الْمُفْردَات وَذكر آحكامها وأعني بالمفردات الْحُرُوف وَمَا تضمن مَعْنَاهَا من الْأَسْمَاء والظروف فَإِنَّهَا المحتاجة إِلَى ذَلِك وَقد رتبتها على حُرُوف المعجم ليسهل تنَاولهَا وَرُبمَا ذكرت أَسمَاء غير تِلْكَ وأفعالا لمسيس الْحَاجة إِلَى شرحها حرف الْألف الْألف المفردة تَأتي عَليّ وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تكون حرفا يُنَادى بِهِ الْقَرِيب كَقَوْلِه 3 - أفاطم مهلا بعض هَذَا التدلل وَنقل ابْن الخباز عَن شَيْخه أَنه للمتوسط وَأَن الَّذِي للقريب يَا وَهَذَا خرق لإجماعهم وَالثَّانِي أَن تكون للاستفهام وَحَقِيقَته طلب الْفَهم نَحْو أَزِيد قَائِم الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وَقد أُجِيز الْوَجْهَانِ فِي قِرَاءَة الحرميين {من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل} وَكَون الْهمزَة فِيهِ للنداء هُوَ قَول الْفراء ويبعده أَنه لَيْسَ فِي التَّنْزِيل نِدَاء بِغَيْر يَا ويقربه سَلَامَته من دَعْوَى الْمجَاز إِذْ لَا يكون الِاسْتِفْهَام مِنْهُ تَعَالَى على حَقِيقَته وَمن دَعْوَى كَثْرَة الْحَذف إِذْ التَّقْدِير عِنْد من جعلهَا للاستفهام أَمن هُوَ قَانِت خير أم هَذَا الْكفَّار أَي الْمُخَاطب بقوله تَعَالَى {قل تمتّع بكفرك قَلِيلا} فَحذف شَيْئَانِ معادل الْهمزَة وَالْخَبَر وَنَظِيره فِي حذف المعادل قَول أبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ 4 - (دَعَاني إِلَيْهَا الْقلب إِنِّي لأَمره ... سميع فَمَا أَدْرِي أرشد طلابها) تَقْدِيره أم غي وَنَظِيره فِي مَجِيء الْخَبَر كلمة خير وَاقعَة قبل أم {أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} وَلَك أَن تَقول لَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير معادل فِي الْبَيْت لصِحَّة قَوْلك مَا أَدْرِي هَل طلابها رشد وَامْتِنَاع أَن يُؤْتى ل هَل بمعادل وَكَذَلِكَ لَا حَاجَة فِي الْآيَة إِلَى تَقْدِير معادل لصِحَّة تَقْدِير الْخَبَر بِقَوْلِك كمن لَيْسَ كَذَلِك وَقد قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} إِن التَّقْدِير كمن لَيْسَ كَذَلِك أَو لم الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 يوحده وَيكون {وَجعلُوا لله شُرَكَاء} مَعْطُوفًا على الْخَبَر على التَّقْدِير الثَّانِي وَقَالُوا التَّقْدِير فِي قَوْله تَعَالَى {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة} أَي كمن ينعم فِي الْجنَّة وَفِي قَوْله تَعَالَى {أَفَمَن زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا} أَي كمن هداه الله بِدَلِيل {فَإِن الله يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء} أَو التَّقْدِير ذهبت نَفسك عَلَيْهِم حسرة بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسرات} وَجَاء فِي التَّنْزِيل مَوضِع صرح فِيهِ بِهَذَا الْخَبَر وَحذف الْمُبْتَدَأ على الْعَكْس مِمَّا نَحن فِيهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {كمن هُوَ خَالِد فِي النَّار وَسقوا مَاء حميما} أَي أَمن هُوَ خَالِد فِي الْجنَّة يسقى من هَذِه الْأَنْهَار كمن هُوَ خَالِد فِي النَّار وجاءا مُصَرحًا بهما على الأَصْل فِي قَوْله تَعَالَى {أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه وَجَعَلنَا لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس كمن مثله فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا} {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه كمن زين لَهُ سوء عمله} وَالْألف أصل أدوات الِاسْتِفْهَام وَلِهَذَا خصت بِأَحْكَام أَحدهَا جَوَاز حذفهَا سَوَاء تقدّمت على أم كَقَوْل عمر بن أبي ربيعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 5 - (بدا لي مِنْهَا معصم حِين جمرت ... وكف خضيب زينت ببنان) (فوَاللَّه مَا أَدْرِي وَإِن كنت داريا ... بِسبع رمين الْجَمْر أم بثمان) أَرَادَ أبسبع أم لم تتقدمها كَقَوْل الْكُمَيْت 6 - (طربت وَمَا شوقا إِلَى الْبيض أطرب ... وَلَا لعبا مني وَذُو الشيب يلْعَب) أَرَادَ أَو ذُو الشيب يلْعَب وَاخْتلف فِي قَول عمر بن أبي ربيعَة 7 - (ثمَّ قَالُوا تحبها قلت بهرا ... عدد الرمل والحصى وَالتُّرَاب) فَقيل أَرَادَ أتحبها وَقيل إِنَّه خبر أَي أَنْت تحبها وَمعنى قلت بهرا قلت أبحها حبا بهرني بهرا أَي غلبني غَلَبَة وَقيل مَعْنَاهُ عجبا وَقَالَ المتنبي 8 - (أَحْيَا وأيسر مَا قاسيت مَا قتلا ... والبين جَار على ضعْفي وَمَا عدلا) أَحْيَا فعل مضارع وَالْأَصْل أأحيا فحذفت همزَة الِاسْتِفْهَام وَالْوَاو للْحَال وَالْمعْنَى التَّعَجُّب من حَيَاته يَقُول كَيفَ أَحْيَا وَأَقل شَيْء قاسيته قد قتل غَيْرِي والأخفش يقيس ذَلِك فِي الِاخْتِيَار عِنْد أَمن اللّبْس وَحمل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَتلك نعْمَة تمنها عَليّ} وَقَوله تَعَالَى {هَذَا رَبِّي} فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 والمحققون على أَنه خبر وَأَن مثل ذَلِك يَقُوله من ينصف خَصمه مَعَ علمه بِأَنَّهُ مُبْطل فيحكي كَلَامه ثمَّ يكر عَلَيْهِ بالإبطال بِالْحجَّةِ وَقَرَأَ ابْن مُحَيْصِن {سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام وَإِن زنى وَإِن سرق فَقَالَ وَإِن زنى وَإِن سرق الثَّانِي أَنَّهَا ترد لطلب التَّصَوُّر نَحْو أَزِيد قَائِم أم عَمْرو ولطلب التَّصْدِيق نَحْو أَزِيد قَائِم وَهل مُخْتَصَّة بِطَلَب التَّصْدِيق نَحْو هَل قَامَ زيد وَبَقِيَّة الأدوات مُخْتَصَّة بِطَلَب التَّصَوُّر نَحْو من جَاءَك وَمَا صنعت وَكم مَالك وَأَيْنَ بَيْتك وَمَتى سفرك الثَّالِث أَنَّهَا تدخل على الْإِثْبَات كَمَا تقدم وعَلى النَّفْي نَحْو {ألم نشرح لَك صدرك} {أَو لما أَصَابَتْكُم مُصِيبَة} وَقَوله 9 - (أَلا اصطبار لسلمى أم لَهَا جلد ... إِذا أُلَاقِي الَّذِي لاقاه أمثالي) ذكره بَعضهم وَهُوَ منتقض بِأم فَإِنَّهَا تشاركها فِي ذَلِك تَقول أَقَامَ زيد أم لم يقم الرَّابِع تَمام التصدير بدليلين أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تذكر بعد أم الَّتِي للاضراب الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 كَمَا يذكر غَيرهَا لَا تَقول أَقَامَ زيد أم أقعد وَتقول أم هَل قعد وَالثَّانِي أَنَّهَا إِذا كَانَت فِي جملَة معطوفة بِالْوَاو أَو بِالْفَاءِ أَو بثم قدمت على العاطف تَنْبِيها على أصالتها فِي التصدير نَحْو {أولم ينْظرُوا} {أفلم يَسِيرُوا} {أَثم إِذا مَا وَقع آمنتم بِهِ} وَأَخَوَاتهَا تتأخر عَن حُرُوف الْعَطف كَمَا هُوَ قِيَاس جَمِيع أَجزَاء الْجُمْلَة المعطوفة نَحْو {وَكَيف تكفرون} {فَأَيْنَ تذهبون} {فَأنى تؤفكون} {فَهَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} {فَأَي الْفَرِيقَيْنِ} {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين} هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور وَخَالفهُم جمَاعَة أَوَّلهمْ الزَّمَخْشَرِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فزعموا أَن الْهمزَة فِي تِلْكَ الْمَوَاضِع فِي محلهَا الْأَصْلِيّ وَأَن الْعَطف على جملَة مقدرَة بَينهَا وَبَين العاطف فَيَقُولُونَ التَّقْدِير فِي {أفلم يَسِيرُوا} {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحا} {أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم} {أفما نَحن بميتين} أمكثوا فَلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض أنهملكم فَنَضْرِب عَنْكُم الذّكر صفحا أتؤمنون بِهِ فِي حَيَاته فَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم أَنَحْنُ مخلدون فَمَا نَحن بميتين ويضعف قَوْلهم مَا فِيهِ من التَّكَلُّف وَأَنه غير مطرد فِي جَمِيع الْمَوَاضِع أما الأول فلدعوى حذف الْجُمْلَة فَإِن قوبل بِتَقْدِيم بعض الْمَعْطُوف فقد يُقَال إِنَّه أسهل مِنْهُ لِأَن المتجوز فِيهِ على قَوْلهم أقل لفظا مَعَ أَن فِي هَذَا التَّجَوُّز تَنْبِيها على أَصَالَة شَيْء فِي شَيْء أَي أَصَالَة الْهمزَة فِي التصدير وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ غير مُمكن فِي نَحْو {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} وَقد جزم الزَّمَخْشَرِيّ فِي مَوَاضِع بِمَا يَقُوله الْجَمَاعَة مِنْهَا قَوْله فِي {أفأمن أهل الْقرى} إِنَّه عطف على {فأخذناهم بَغْتَة} وَقَوله فِي {أئنا لمبعوثون أَو آبَاؤُنَا} فِيمَن قَرَأَ بِفَتْح الْوَاو إِن {آبَاؤُنَا} عطف على الضَّمِير فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 {مبعوثون} وَإنَّهُ اكْتفى بِالْفَصْلِ بَينهمَا بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَجوز الْوَجْهَيْنِ فِي مَوضِع فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {أفغير دين الله يَبْغُونَ} دخلت همزَة الْإِنْكَار على الْفَاء العاطفة جملَة على جملَة ثمَّ توسطت الْهمزَة بَينهمَا وَيجوز أَن يعْطف على مَحْذُوف تَقْدِيره أيتولون فَغير دين الله يَبْغُونَ فصل قد تخرج الْهمزَة عَن الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ فَترد لثمانية معَان أَحدهَا التَّسْوِيَة وَرُبمَا توهم أَن المُرَاد بهَا الْهمزَة الْوَاقِعَة بعد كلمة سَوَاء بخصوصها وَلَيْسَ كَذَلِك بل كَمَا تقع بعْدهَا تقع بعد مَا أُبَالِي وَمَا أَدْرِي وليت شعري ونحوهن وَالضَّابِط أَنَّهَا الْهمزَة الدَّاخِلَة على جملَة يَصح حُلُول الْمصدر محلهَا نَحْو {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم} وَنَحْو مَا أُبَالِي أَقمت أم قعدت أَلا ترى أَنه يَصح سَوَاء عَلَيْهِم الاسْتِغْفَار وَعَدَمه وَمَا أُبَالِي بقيامك وَعَدَمه وَالثَّانِي الْإِنْكَار الإبطالي وَهَذِه تَقْتَضِي أَن مَا بعْدهَا غير وَاقع وان مدعيه كَاذِب نَحْو {أفأصفاكم ربكُم بالبنين وَاتخذ من الْمَلَائِكَة إِنَاثًا} فاستفتهم ألربك الْبَنَات وَلَهُم البنون) {أفسحر هَذَا} {أشهدوا خلقهمْ} {أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه مَيتا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 أفعيينا بالخلق الأول وَمن جِهَة إِفَادَة هَذِه الْهمزَة نفي مَا بعْدهَا لزم ثُبُوته إِن كَانَ منفيا لِأَن نفي النَّفْي إِثْبَات وَمِنْه أَلَيْسَ الله بكاف عَبده أَي الله كَاف عَبده وَلِهَذَا عطف ووضعنا {على} ألم نشرح لَك صدرك لما كَانَ مَعْنَاهُ شرحنا وَمثله ألم يجدك يَتِيما فآوى ووجدك ضَالًّا فهدى {ألم يَجْعَل كيدهم فِي تضليل وَأرْسل عَلَيْهِم طيرا أبابيل} وَلِهَذَا أَيْضا كَانَ قَول جرير فِي عبد الْملك 10 - (ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح) مدحا بل قيل إِنَّه أمدح بَيت قالته الْعَرَب وَلَو كَانَ على الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ لم يكن مدحا الْبَتَّةَ وَالثَّالِث الْإِنْكَار التوبيخي فَيَقْتَضِي أَن مَا بعْدهَا وَاقع وَأَن فَاعله ملوم نَحْو {أتعبدون مَا تنحتون} {أغير الله تدعون} {أئفكا آلِهَة دون الله تُرِيدُونَ} الحديث: 10 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 {أتأتون الذكران} {أتأخذونه بهتانا} وَقَول العجاج 1 - (أطربا وَأَنت قنسري ... والدهر بالإنسان دواري) أَي أتطرب وَأَنت شيخ كَبِير وَالرَّابِع التَّقْرِير وَمَعْنَاهُ حملك الْمُخَاطب على الْإِقْرَار وَالِاعْتِرَاف بِأَمْر قد اسْتَقر عِنْده ثُبُوته أَو نَفْيه وَيجب أَن يَليهَا الشَّيْء الَّذِي تقرره بِهِ تَقول فِي التَّقْرِير بِالْفِعْلِ أضربت زيدا وبالفاعل أَأَنْت ضربت زيدا وبالمفعول أزيدا ضربت كَمَا يجب ذَلِك فِي المستفهم عَنهُ وَقَوله تَعَالَى {أَأَنْت فعلت هَذَا} مُحْتَمل لإِرَادَة الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ بِأَن يَكُونُوا لم يعلمُوا أَنه الْفَاعِل ولإرادة التَّقْرِير بِأَن يَكُونُوا قد علمُوا وَلَا يكون استفهاما عَن الْفِعْل وَلَا تقريرا بِهِ لِأَن الْهمزَة لم تدخل عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أجابهم بالفاعل بقوله {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا} فَإِن قلت مَا وَجه حمل الزَّمَخْشَرِيّ الْهمزَة فِي قَوْله تَعَالَى {ألم تعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} على التَّقْرِير قلت قد اعتذر عَنهُ بِأَن مُرَاده التَّقْرِير بِمَا بعد النَّفْي لَا التَّقْرِير بِالنَّفْيِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وَالْأولَى أَن تحمل الْآيَة على الْإِنْكَار التوبيخي أَو الإبطالي أم أَي تعلم أَيهَا الْمُنكر للنسخ وَالْخَامِس التهكم نَحْو {أصلاتك تأمرك أَن نَتْرُك مَا يعبد آبَاؤُنَا} وَالسَّادِس الْأَمر نَحْو {أأسلمتم} أَي أَسْلمُوا وَالسَّابِع التَّعَجُّب نَحْو {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} وَالثَّامِن الاستبطاء نَحْو {ألم يَأن للَّذين آمنُوا} وَذكر بَعضهم مَعَاني أخر لَا صِحَة لَهَا تَنْبِيه [قد تقع الْهمزَة فعلا وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ وأى بِمَعْنى وعد ومضارعه يئي بِحَذْف الْوَاو لوقوعها بَين يَاء مَفْتُوحَة وكسرة كَمَا تَقول وَفِي يَفِي وونى يني وَالْأَمر مِنْهُ إه بِحَذْف اللَّام لِلْأَمْرِ وبالهاء للسكت فِي الْوَقْف] وعَلى ذَلِك يتَخَرَّج اللغز الْمَشْهُور وَهُوَ قَوْله 1 - (إِن هِنْد المليحة الْحَسْنَاء ... وَأي من أضمرت لخل وَفَاء) فَإِنَّهُ يُقَال كَيفَ رفع اسْم إِن وَصفته الأولى وَالْجَوَاب أَن الْهمزَة فعل أَمر وَالنُّون للتوكيد وَالْأَصْل إين بِهَمْزَة مَكْسُورَة وياء سَاكِنة للمخاطبة وَنون مُشَدّدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 للتوكيد ثمَّ حذفت الْيَاء لالتقائها سَاكِنة مَعَ النُّون المدغمة كَمَا فِي قَوْله 13 - (لتقرعن عَليّ السن من نَدم ... إِذا تذكرت يَوْمًا بعض أخلاقي) وَهِنْد منادى مثل {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} والمليحة نعت لَهَا على اللَّفْظ كَقَوْلِه 14 - (يَا حكم الْوَارِث عَن عبد الْملك ... ) والحسناء إِمَّا نعت لَهَا على الْموضع كَقَوْل مادح عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ 15 - (يعود الْفضل مِنْك على قُرَيْش ... وتفرج عَنْهُم الكرب الشدادا) (فَمَا كَعْب بن مامة وَابْن سعدى ... بأجود مِنْك يَا عمر الجوادا) وَإِمَّا بِتَقْدِير أمدح وَإِمَّا نعت لمفعول بِهِ مَحْذُوف أَي عدي يَا هِنْد الْخلَّة الْحَسْنَاء وعَلى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين فَيكون إِنَّمَا أمرهَا بإيقاع الْوَعْد الوفي من غير أَن يعين لَهَا الْمَوْعُود وَقَوله وَأي مصدر نَوْعي مَنْصُوب بِفعل الْأَمر وَالْأَصْل وأيا مثل وَأي من وَمثله {فأخذناهم أَخذ عَزِيز مقتدر} وَقَوله أضمرت بتاء التَّأْنِيث مَحْمُول على معنى من مثل من كَانَت أمك الحديث: 13 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 [آبالمد حرف لنداء الْبعيد] وَهُوَ مسموع لم يذكرهُ سِيبَوَيْهٍ وَذكره غَيره [أيا حرف كَذَلِك وَفِي الصِّحَاح أَنه حرف لنداء الْقَرِيب والبعيد] وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ الشَّاعِر 16 - (أيا جبلي نعْمَان بِاللَّه خليا ... نسيم الصِّبَا يخلص إِلَيّ نسيمها) وَقد تبدل همزتها هَاء كَقَوْلِه 17 - (فأصاخ يَرْجُو أَن يكون حَيا ... وَيَقُول من فَرح هيا رَبًّا) [أجل بِسُكُون اللَّام حرف جَوَاب مثل نعم فَيكون تَصْدِيقًا للمخبر وإعلاما للمستخبر] ووعدا للطَّالِب فَتَقَع بعد نَحْو قَامَ زيد وَنَحْو أَقَامَ زيد وَنَحْو أضْرب زيدا وَقيد المالقي الْخَبَر بالمثبت والطلب بِغَيْر النَّهْي وَقيل لَا تَجِيء بعد الِاسْتِفْهَام وَعَن الْأَخْفَش هِيَ بعد الْخَبَر أحسن من نعم وَنعم بعد الِاسْتِفْهَام أحسن مِنْهَا وَقيل تخْتَص بالْخبر وَهُوَ قَول الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن مَالك وَجَمَاعَة وَقَالَ ابْن خروف أَكثر مَا تكون بعده الحديث: 16 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 إِذن فِيهَا مسَائِل الأولى فِي نوعها قَالَ الْجُمْهُور هِيَ حرف وَقيل اسْم وَالْأَصْل فِي إِذن أكرمك إِذا جئتني أكرمك ثمَّ حذفت الْجُمْلَة وَعوض التَّنْوِين عَنْهَا وأضمرت أَن وعَلى القَوْل الأول فَالصَّحِيح أَنَّهَا بسيطة لَا مركبة من إِذْ وَأَن وعَلى البساطة فَالصَّحِيح أَنَّهَا الناصبة لَا أَن مضمرة بعْدهَا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي مَعْنَاهَا قَالَ سيبوية مَعْنَاهَا الْجَواب وَالْجَزَاء فَقَالَ الشلوبين فِي كل مَوضِع وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي الْأَكْثَر وَقد تتمحض للجواب بِدَلِيل أَنه يُقَال لَك أحبك فَتَقول إِذن أَظُنك صَادِقا إِذْ لَا مجازاة هُنَا ضَرُورَة اه وَالْأَكْثَر أَن تكون جَوَابا لإن أَو لَو ظاهرتين أَو مقدرتين فَالْأول كَقَوْلِه 18 - (لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز بِمِثْلِهَا ... وأمكنني مِنْهَا إِذن لَا أقيلها) وَقَول الحماسي 19 - (لَو كنت من مَازِن لم تستبح إبلي ... بَنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا) (إِذن لقام بنصري معشر خشن ... عِنْد الحفيظة إِن ذُو لوثة لانا) الحديث: 18 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 فَقَوله إِذن لقام بنصري بدل من لم تستبح وَبدل الْجَواب جَوَاب وَالثَّانِي نَحْو أَن يُقَال آتِيك فَتَقول إِذن أكرمك أَي إِن أتيتني إِذن أكرمك وَقَالَ الله تَعَالَى {مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض} قَالَ الْفراء حَيْثُ جَاءَت بعْدهَا اللَّام فقبلها لَو مقدرَة إِن لم تكن ظَاهِرَة الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي لَفظهَا عِنْد الْوَقْف عَلَيْهَا وَالصَّحِيح أَن نونها تبدل ألفا تَشْبِيها لَهَا بتنوين الْمَنْصُوب وَقيل يُوقف بالنُّون لِأَنَّهَا كنون لن وَإِن رُوِيَ عَن الْمَازِني والمبرد وَيَنْبَنِي على الْخلاف فِي الْوَقْف عَلَيْهَا خلاف فِي كتَابَتهَا فالجمهور يكتبونها بِالْألف وَكَذَا رسمت فِي الْمَصَاحِف والمازني والمبرد بالنُّون وَعَن الْفراء إِن عملت كتبت بِالْألف وَإِلَّا كتبت بالنُّون للْفرق بَينهَا وَبَين إِذا وَتَبعهُ ابْن خروف الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة فِي عَملهَا وَهُوَ نصب الْمُضَارع بِشَرْط تصديرها واستقباله واتصالهما أَو انفصالها بالقسم أَو بِلَا النافية يُقَال آتِيك فَتَقول إِذن أكرمك وَلَو قلت أَنا إِذن قلت أكرمك بِالرَّفْع لفَوَات التصدير فَأَما قَوْله 20 - (لَا تتركني فيهم شطيرا ... إِنِّي إِذن أهلك أَو أطيرا) فمؤول على حذف خبر إِن أَي إِنِّي لَا أقدر على ذَلِك ثمَّ اسْتَأْنف مَا بعده وَلَو قلت إِذن يَا عبد الله قلت أكرمك بِالرَّفْع للفصل بِغَيْر مَا ذكرنَا الحديث: 20 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وَأَجَازَ ابْن عُصْفُور الْفَصْل بالظرف وَابْن بابشاذ الْفَصْل بالنداء وبالدعاء وَالْكسَائِيّ وَهِشَام الْفَصْل بمعمول الْفِعْل والأرجح حِينَئِذٍ عِنْد الْكسَائي النصب وَعند هِشَام الرّفْع وَلَو قيل لَك أحبك فَقلت إِذن أَظُنك صَادِقا رفعت لِأَنَّهُ حَال تَنْبِيه قَالَ جمَاعَة من النَّحْوِيين إِذا وَقعت إِذن بعد الْوَاو أَو الْفَاء جَازَ فِيهَا الْوَجْهَانِ نَحْو {وَإِذا لَا يلبثُونَ خِلافك إِلَّا قَلِيلا} {فَإِذا لَا يُؤْتونَ النَّاس نقيرا} وَقُرِئَ شاذا بِالنّصب فيهمَا وَالتَّحْقِيق أَنه إِذا قيل إِن تزرني أزرك وَإِذن أحسن إِلَيْك فَإِن قدرت الْعَطف على الْجَواب جزمت وَبَطل عمل إِذن لوقوعها حَشْوًا أَو على الجملتين جَمِيعًا جَازَ الرّفْع وَالنّصب لتقدم العاطف وَقيل يتَعَيَّن النصب لِأَن مَا بعْدهَا مُسْتَأْنف أَو لِأَن الْمَعْطُوف على الأول أول وَمثل ذَلِك زيد يقوم وَإِذن أحسن إِلَيْهِ إِن عطفت على الفعلية رفعت أَو على الاسمية فالمذهبان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 إِن الْمَكْسُورَة الْخَفِيفَة ترد على أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَن تكون شَرْطِيَّة نَحْو {إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم} {وَإِن تعودوا نعد} وَقد تقترن بِلَا النافية فيظن من لَا معرفَة لَهُ أَنَّهَا إِلَّا الاستثنائية نَحْو {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله} {إِلَّا تنفرُوا يعذبكم} {وَإِلَّا تغْفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} {وَإِلَّا تصرف عني كيدهن أصب إلَيْهِنَّ} وَقد بَلغنِي أَن بعض من يَدعِي الْفضل سَأَلَ فِي {إِلَّا تفعلوه} فَقَالَ مَا هَذَا الِاسْتِثْنَاء أمتصل أم مُنْقَطع الثَّانِي أَن تكون نَافِيَة وَتدْخل على الْجُمْلَة الاسمية نَحْو {إِن الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غرور} {إِن أمهاتهم إِلَّا اللائي ولدنهم} وَمن ذَلِك {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} أَي وَمَا أحد من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 بِهِ فَحذف الْمُبْتَدَأ وَبقيت صفته وَمثله {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} وعَلى الْجُمْلَة الفعلية نَحْو {إِن أردنَا إِلَّا الْحسنى} {إِن يدعونَ من دونه إِلَّا إِنَاثًا} {وتظنون إِن لبثتم إِلَّا قَلِيلا} {إِن يَقُولُونَ إِلَّا كذبا} وَقَول بَعضهم لَا تَأتي إِن النافية إِلَّا وَبعدهَا إِلَّا كهذه الْآيَات أَو لما الْمُشَدّدَة الَّتِي بمعناها كَقِرَاءَة بعض السَّبْعَة {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} بتَشْديد الْمِيم أَي مَا كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ مَرْدُود بقوله تَعَالَى {إِن عنْدكُمْ من سُلْطَان بِهَذَا} {قل إِن أَدْرِي أَقَرِيب مَا توعدون} {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم} وَخرج جمَاعَة على إِن النافية قَوْله تَعَالَى {إِن كُنَّا فاعلين} {قل إِن كَانَ للرحمن ولد} وعَلى هَذَا فالوقف هُنَا وَقَوله تَعَالَى {وَلَقَد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 ) أَي فِي الَّذِي مَا مكناكم فِيهِ وَقيل زَائِدَة وَيُؤَيّد الأول {مكناهم فِي الأَرْض مَا لم نمكن} وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا عدل عَن مَا لِئَلَّا يتَكَرَّر فيثقل اللَّفْظ قيل وَلِهَذَا لم زادوا على مَا الشّرطِيَّة مَا قلبوا ألف مَا الأولى هَاء فَقَالُوا مهما وَقيل بل هِيَ فِي الْآيَة بِمَعْنى قد وَإِن من ذَلِك {فَذكر إِن نَفَعت الذكرى} وَقيل فِي هَذِه الْآيَة إِن التَّقْدِير وَإِن لم تَنْفَع مثل {سرابيل تقيكم الْحر} أَي وَالْبرد وَقيل إِنَّمَا قيل ذَلِك بعد أَن عمهم بالتذكير ولزمتهم الْحجَّة وَقيل ظَاهره الشَّرْط وَمَعْنَاهُ ذمهم واستبعاد لنفع التَّذْكِير فيهم كَقَوْلِك عظ الظَّالِمين إِن سمعُوا مِنْك تُرِيدُ بذلك الاستبعاد لَا الشَّرْط وَقد اجْتمعت الشّرطِيَّة والنافية فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَئِن زالتا إِن أمسكهما من أحد من بعده} الأولى شَرْطِيَّة وَالثَّانيَِة نَافِيَة جَوَاب للقسم الَّذِي أَذِنت بِهِ اللَّام الدَّاخِلَة على الأولى وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف وجوبا وَإِذا دخلت على الْجُمْلَة الاسمية لم تعْمل عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْفراء وَأَجَازَ الْكسَائي والمبرد إعمالها عمل لَيْسَ وَقَرَأَ سعيد بن جُبَير {إِن الَّذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ) بنُون مُخَفّفَة مَكْسُورَة لالتقاء الساكنين وَنصب {عبادا} و {أمثالكم} وَسمع من أهل الْعَالِيَة إِن أحد خيرا من أحد إِلَّا بالعافية وَإِن ذَلِك نافعك وَلَا ضارك وَمِمَّا يتَخَرَّج على الإهمال الَّذِي هُوَ لُغَة الْأَكْثَرين قَول بَعضهم إِن قَائِم وَأَصله إِن أَنا قَائِم فحذفت همزَة أَنا اعتباطا وأدغمت نون إِن فِي نونها وحذفت ألفها فِي الْوَصْل وَسمع إِن قَائِما على الإعمال وَقَول بَعضهم نقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى النُّون ثمَّ أسقطت على الْقيَاس فِي التَّخْفِيف بِالنَّقْلِ ثمَّ سكنت النُّون وأدغمت مَرْدُود لِأَن الْمَحْذُوف لعِلَّة كَالثَّابِتِ وَلِهَذَا تَقول هَذَا قَاض بِالْكَسْرِ لَا بِالرَّفْع لِأَن حذف الْيَاء لالتقاء الساكنين فَهِيَ مقدرَة الثُّبُوت وَحِينَئِذٍ فَيمْتَنع الْإِدْغَام لِأَن الْهمزَة فاصلة فِي التَّقْدِير وَمثل هَذَا الْبَحْث فِي قَوْله تَعَالَى {لَكِن هُوَ الله رَبِّي} الثَّالِث أَن تكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة فَتدخل على الجملتين فَإِن دخلت على الاسمية جَازَ إعمالها خلافًا للكوفيين لنا قِرَاءَة الحرميين وَأبي بكر {وَإِن كلا لما ليوفينهم} وحكاية سيبوية إِن عمرا لمنطلق وَيكثر إهمالها نَحْو {وَإِن كل ذَلِك لما مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} {وَإِن كل لما جَمِيع لدينا محضرون} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَقِرَاءَة حَفْص {إِن هَذَانِ لساحران} وَكَذَا قَرَأَ ابْن كثير إِلَّا أَنه شدد نون هَذَانِ وَمن ذَلِك {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} فِي قِرَاءَة من خفف لما وَإِن دخلت على الْفِعْل أهملت وجوبا والاكثر كَون الْفِعْل مَاضِيا نَاسِخا نَحْو {وَإِن كَانَت لكبيرة} {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} {وَإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين} ودونه أَن يكون مضارعا نَاسِخا نَحْو {وَإِن يكَاد الَّذين كفرُوا ليزلقونك} {وَإِن نظنك لمن الْكَاذِبين} وَيُقَاس على النَّوْعَيْنِ اتِّفَاقًا وَدون هَذَا أَن يكون مَاضِيا غير نَاسخ نَحْو قَوْله 2 - (شلت يَمِينك إِن قتلت لمسلما ... حلت عَلَيْك عُقُوبَة الْمُتَعَمد) لَا يُقَاس عَلَيْهِ خلافًا للأخفش أجَاز إِن قَامَ لأَنا وَإِن قعد لأَنْت وَدون هَذَا أَن يكون مضارعا غير نَاسخ كَقَوْل بَعضهم إِن يزينك لنَفسك وَإِن يشينك لهيه وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ إِجْمَاعًا [وَحَيْثُ وجدت إِن وَبعدهَا اللَّام المقترحة كَمَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فاحكم عَلَيْهَا بِأَن أَصْلهَا التَّشْدِيد وَفِي هَذِه اللَّام خلاف يَأْتِي فِي بَاب اللَّام] إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الرَّابِع أَن تكون زَائِدَة كَقَوْلِه 2 - (مَا إِن أتيت بِشَيْء أَنْت تكرههُ ... ) وَأكْثر مَا زيدت بعد مَا النافية إِذا دخلت على جملَة فعلية كَمَا فِي الْبَيْت أَو اسمية كَقَوْلِه 23 - (فَمَا إِن طبنا جبن وَلَكِن ... منايانا ودولة آخرينا) وَفِي هَذِه الْحَالة تكف عمل مَا الحجازية كَمَا فِي الْبَيْت وَأما قَوْله 24 - (بني غُدَانَة مَا إِن أَنْتُم ذَهَبا ... وَلَا صريفا وَلَكِن أَنْتُم الخزف) فِي رِوَايَة من نصب ذَهَبا وصريفا فَخرج على أَنَّهَا نَافِيَة مُؤَكدَة ل مَا وَقد تزاد بعد مَا الموصولة الاسمية كَقَوْلِه 25 - (يرجي الْمَرْء مَا إِن لَا يرَاهُ ... وَتعرض دون أدناه الخطوب) وَبعد مَا المصدرية كَقَوْلِه 26 - (ورج الْفَتى للخير مَا إِن رَأَيْته ... على السن خيرا لَا يزَال يزِيد) وَبعد أَلا الاستفتاحية كَقَوْلِه 27 - (أَلا إِن سرى ليلِي فَبت كئيبا ... أحاذر أَن تنأى النَّوَى بغضوبا) الحديث: 23 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَقبل مُدَّة الْإِنْكَار سمع سِيبَوَيْهٍ رجلا يُقَال لَهُ أتخرج إِن أخصبت الْبَادِيَة فَقَالَ أأنا إنية مُنْكرا أَن يكون رَأْيه على خلاف ذَلِك وَزعم ابْن الْحَاجِب أَنَّهَا تزاد بعد لما الإيجابية وَهُوَ سَهْو وَإِنَّمَا تِلْكَ أَن الْمَفْتُوحَة وَزيد على هَذِه الْمعَانِي الْأَرْبَعَة مَعْنيانِ آخرَانِ فَزعم قطرب أَنَّهَا قد تكون بِمَعْنى قد كَمَا مر فِي {إِن نَفَعت الذكرى} وَزعم الْكُوفِيُّونَ أَنَّهَا تكون بِمَعْنى إِذْ وَجعلُوا مِنْهُ {وَاتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين} {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين} وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون وَنَحْو ذَلِك مِمَّا الْفِعْل فِيهِ مُحَقّق الْوُقُوع وَقَوله 28 - (أتغضب إِن أذنا قُتَيْبَة حزتا ... جهارا وَلم تغْضب لقتل ابْن خازم) قَالُوا وَلَيْسَت شَرْطِيَّة لِأَن الشَّرْط مُسْتَقْبل وَهَذِه الْقِصَّة قد مَضَت وَأجَاب الْجُمْهُور عَن قَوْله تَعَالَى {إِن كُنْتُم مُؤمنين} بِأَنَّهُ شَرط جِيءَ بِهِ الحديث: 28 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 للتهييج والإلهاب كَمَا تَقول لابنك إِن كنت ابْني فَلَا تفعل كَذَا وَعَن آيَة الْمَشِيئَة بِأَنَّهُ تَعْلِيم للعباد كَيفَ يَتَكَلَّمُونَ إِذا أخبروا عَن الْمُسْتَقْبل أَو بِأَن أصل ذَلِك الشَّرْط ثمَّ صَار يذكر للتبرك أَو أَن الْمَعْنى لتدخلن جَمِيعًا إِن شَاءَ الله أَلا يَمُوت مِنْكُم أحد قبل الدُّخُول وَهَذَا الْجَواب لَا يدْفع السُّؤَال أَو أَن ذَلِك من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه حِين أخْبرهُم بالمنام فَحكى الله لنا ذَلِك أَو من كَلَام الْملك الَّذِي أخبرهُ فِي الْمَنَام وَأما الْبَيْت فَمَحْمُول على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون على إِقَامَة السَّبَب مقَام الْمُسَبّب وَالْأَصْل أتغضب إِن افتخر مفتخر بِسَبَب حز أُذُنِي قُتَيْبَة إِذْ الافتخار بذلك يكون سَببا للغضب ومسببا عَن الحز الثَّانِي أَن يكون على معنى التبين أَي أتغضب إِن تبين فِي الْمُسْتَقْبل أَن أُذُنِي قُتَيْبَة حزتا فِيمَا مضى كَمَا قَالَ الآخر 29 - (إِذا مَا انتسبنا لم تلدني لئيمة ... وَلم تجدي من أَن تقري بِهِ بدا) أَي يتَبَيَّن أَنِّي لم تلدني لئيمة وَقَالَ الْخَلِيل والمبرد الصَّوَاب أَن أذنا بِفَتْح الْهمزَة من أَن أَي لِأَن أذنا ثمَّ هِيَ عِنْد الْخَلِيل أَن الناصبة وَعند الْمبرد أَنَّهَا أَن المخففة من الثَّقِيلَة وَيرد قَول الْخَلِيل أَن الناصبة لَا يَليهَا الِاسْم على إِضْمَار الْفِعْل وَإِنَّمَا ذَلِك لإن الْمَكْسُورَة نَحْو {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} الحديث: 29 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وعَلى الْوَجْهَيْنِ يتَخَرَّج قَول الآخر 30 - (إِن يَقْتُلُوك فَإِن قَتلك لم يكن ... عارا عَلَيْك وَرب قتل عَار) أَي إِن يفتخروا بِسَبَب قَتلك أَو إِن يتَبَيَّن أَنهم قتلوك أَن الْمَفْتُوحَة الْهمزَة الساكنة النُّون على وَجْهَيْن اسْم وحرف وَالِاسْم على وَجْهَيْن ضمير الْمُتَكَلّم فِي قَول بَعضهم أَن فعلت بِسُكُون النُّون وَالْأَكْثَرُونَ على فتحهَا وصلا وعَلى الْإِتْيَان بِالْألف وَقفا وَضمير الْمُخَاطب فِي قَوْلك أَنْت وَأَنت وأنتما وَأَنْتُم وأنتن على قَول الْجُمْهُور إِن الضَّمِير هُوَ أَن وَالتَّاء حرف خطاب والحرف على أَرْبَعَة أوجه 1 - أَحدهَا أَن تكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع وَتَقَع فِي موضِعين أَحدهمَا فِي الِابْتِدَاء فَتكون فِي مَوضِع رفع نَحْو {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} {وَأَن تصبروا خير لكم} {وَأَن يستعففن خير لَهُنَّ} {وَأَن تعفوا أقرب للتقوى} وَزعم الزّجاج أَن مِنْهُ {أَن تبروا وتتقوا وتصلحوا بَين النَّاس} الحديث: 30 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 أَي خير لكم فَحذف الْخَبَر وَقيل التَّقْدِير مَخَافَة أَن تبروا وَقيل فِي {فَالله أَحَق أَن تخشوه} إِن {أَحَق} خبر عَمَّا بعده وَالْجُمْلَة خبر عَن اسْم الله سُبْحَانَهُ وَفِي {وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه} كَذَلِك وَالظَّاهِر فيهمَا أَن الأَصْل أَحَق بِكَذَا وَالثَّانِي بعد لفظ دَال على معنى غير الْيَقِين فَتكون فِي مَوضِع رفع نَحْو {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع} الْآيَة وَنَحْو يُعجبنِي أَن تفعل وَنصب نَحْو {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن أَن يفترى} {يَقُولُونَ نخشى أَن تصيبنا دَائِرَة} {فَأَرَدْت أَن أعيبها} وخفض نَحْو {أوذينا من قبل أَن تَأْتِينَا} {من قبل أَن يَأْتِي أحدكُم الْمَوْت} {وَأمرت لِأَن أكون} ومحتملة لَهما نَحْو {وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي} أَصله فِي أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 يغْفر لي وَمثله {أَن تبروا} إِذا قدر فِي أَن تبروا أَو لِئَلَّا تبروا وَهل الْمحل بعد حذف الْجَار جر أَو نصب فِيهِ خلاف وَسَيَأْتِي وَقيل التَّقْدِير مَخَافَة أَن تبروا وَاخْتلف فِي الْمحل من نَحْو عَسى زيد أَن يقوم فَالْمَشْهُور أَنه نصب على الخبرية وَقيل على المفعولية وَإِن معنى عَسَيْت أَن تفعل قاربت أَن تفعل وَنقل عَن الْمبرد وَقيل نصب بِإِسْقَاط الْجَار أَو بتضمين الْفِعْل معنى قَارب نَقله ابْن مَالك عَن سيبوية وَإِن الْمَعْنى دَنَوْت من أَن تفعل أَو قاربت أَن تفعل وَالتَّقْدِير الأول بعيد إِذْ لم يذكر هَذَا الْجَار فِي وَقت وَقيل رفع على الْبَدَل سد مسد الجزأين كَمَا سد فِي قِرَاءَة حَمْزَة {وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا أَنما نملي لَهُم خير لأَنْفُسِهِمْ} مسد المفعولين وَأَن هَذِه مَوْصُول حرفي وتوصل بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرف مضارعا كَانَ كَمَا مر أَو مَاضِيا نَحْو {لَوْلَا أَن من الله علينا} {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك} أَو أمرا كحكاية سِيبَوَيْهٍ كتبت إِلَيْهِ بِأَن قُم هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَقد اخْتلف من ذَلِك فِي أَمريْن أَحدهمَا كَون الموصولة بالماضي وَالْأَمر هِيَ الموصولة بالمضارع والمخالف فِي ذَلِك ابْن طَاهِر زعم أَنَّهَا غَيرهَا بدليلين أَحدهمَا أَن الدَّاخِلَة على الْمُضَارع تخلصه للاستقبال فَلَا تدخل على غَيره كالسين وسوف وَالثَّانِي أَنَّهَا لَو كَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الناصبة لحكم على موضعهَا بِالنّصب كَمَا حكم على مَوضِع الْمَاضِي بِالْجَزْمِ بعد إِن الشّرطِيَّة وَلَا قَائِل بِهِ وَالْجَوَاب عَن الأول أَنه منتقض بنُون التوكيد فَإِنَّهَا تخلص الْمُضَارع للاستقبال وَتدْخل على الْأَمر باطراد واتفاق وبأدوات الشَّرْط فَإِنَّهَا أَيْضا تخلصه مَعَ دُخُولهَا على الْمَاضِي بِاتِّفَاق وَعَن الثَّانِي أَنه إِنَّمَا حكم على مَوضِع الْمَاضِي بِالْجَزْمِ بعد إِن الشّرطِيَّة لِأَنَّهَا أثرت الْقلب إِلَى الِاسْتِقْبَال فِي مَعْنَاهُ فأثرت الْجَزْم فِي مَحَله كَمَا أَنَّهَا لما أثرت التخليص إِلَى الِاسْتِقْبَال فِي معنى الْمُضَارع أثرت النصب فِي لَفظه الْأَمر الثَّانِي كَونهَا توصل بِالْأَمر والمخالف فِي ذَلِك أَبُو حَيَّان زعم أَنَّهَا لَا توصل بِهِ وَأَن كل شَيْء سمع من ذَلِك ف أَن فِيهِ تفسيرية وَاسْتدلَّ بدليلين أَحدهمَا أَنَّهُمَا إِذا قدرا بِالْمَصْدَرِ فَاتَ معنى الْأَمر الثَّانِي أَنَّهُمَا لم يقعا فَاعِلا وَلَا مَفْعُولا لَا يَصح أعجبني أَن قُم وَلَا كرهت أَن قُم كَمَا يَصح ذَلِك مَعَ الْمَاضِي وَمَعَ الْمُضَارع وَالْجَوَاب عَن الأول أَن فَوَات معنى الأمرية فِي الموصولة بِالْأَمر عِنْد التَّقْدِير بِالْمَصْدَرِ كفوات معنى الْمُضِيّ والاستقبال فِي الموصولة بالماضي والموصولة بالمضارع عِنْد التَّقْدِير الْمَذْكُور ثمَّ إِنَّه يسلم مَصْدَرِيَّة أَن المخففة من الْمُشَدّدَة مَعَ لُزُوم مثل ذَلِك فِيهَا فِي نَحْو {وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا} إِذْ لَا يفهم الدُّعَاء من الْمصدر إِلَّا إِذا كَانَ مَفْعُولا مُطلقًا نَحْو سقيا ورعيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وَعَن الثَّانِي أَنه إِنَّمَا امْتنع مَا ذكره لِأَنَّهُ لَا معنى لتعليق الْإِعْجَاب والكراهية بالإنشاء لَا لما ذكر ثمَّ يَنْبَغِي لَهُ أَلا يسلم مَصْدَرِيَّة كي لِأَنَّهَا لَا تقع فَاعِلا وَلَا مَفْعُولا وَإِنَّمَا تقع مخفوضة بلام التَّعْلِيل ثمَّ مِمَّا يقطع بِهِ على قَوْله بِالْبُطْلَانِ حِكَايَة سيبوية كتبت إِلَيْهِ بِأَن قُم وَأجَاب عَنْهَا بِأَن الْبَاء مُحْتَملَة للزِّيَادَة مثلهَا فِي قَوْله 3 - ( ... لَا يقْرَأن بالسور) وَهَذَا وهم فَاحش لِأَن حُرُوف الْجَرّ زَائِدَة كَانَت أَو غير زَائِدَة لَا تدخل إِلَّا على الِاسْم أَو مَا فِي تَأْوِيله تَنْبِيه ذكر بعض الْكُوفِيّين وَأَبُو عُبَيْدَة أَن بَعضهم يجْزم بِأَن وَنَقله اللحياني عَن بعض بني صباح من ضبة وأنشدوا عَلَيْهِ قَوْله 3 - (إِذا مَا غدونا قَالَ ولدان أهلنا ... تَعَالَوْا إِلَى أَن يأتنا الصَّيْد نحطب) وَقَوله 33 (أحاذر أَن تعلم بهَا فتردها ... فتتركها ثقلا عَليّ كماهيا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وَفِي هَذَا نظر لِأَن عطف الْمَنْصُوب عَلَيْهِ يدل على أَنه مسكن للضَّرُورَة لَا مجزوم وَقد يرفع الْفِعْل بعْدهَا كَقِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن {لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} وَقَول الشَّاعِر 34 - (أَن تقْرَأ ان على أَسمَاء ويحكما ... مني السَّلَام وَأَن لَا تشعرا أحدا) وَزعم الْكُوفِيُّونَ أَن أَن هَذِه هِيَ المخففة من الثَّقِيلَة شَذَّ اتصالها بِالْفِعْلِ وَالصَّوَاب قَول الْبَصرِيين إِنَّهَا أَن الناصبة أهملت حملا على مَا أُخْتهَا المصدرية وَلَيْسَ من ذَلِك قَوْله 35 - (وَلَا تدفنني فِي الفلاة فإنني ... أَخَاف إِذا مَا مت أَن لَا أذوقها) كَمَا زعم بَعضهم لِأَن الْخَوْف هُنَا يَقِين فَأن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة 2 - الْوَجْه الثَّانِي أَن تكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة فَتَقَع بعد فعل الْيَقِين أَو مَا نزل مَنْزِلَته نَحْو {أَفلا يرَوْنَ أَلا يرجع إِلَيْهِم قولا} {علم أَن سَيكون} {وَحَسبُوا أَلا تكون} فِيمَن رفع تكون وَقَوله الحديث: 34 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 36 - (زعم الفرزدق أَن سيقتل مربعًا ... أبشر بطول سَلامَة يَا مربع) وَأَن هَذِه ثلاثية الْوَضع وَهِي مَصْدَرِيَّة أَيْضا وتنصب الِاسْم وترفع الْخَبَر خلافًا للكوفيين زَعَمُوا أَنَّهَا لَا تعْمل شَيْئا وَشرط اسْمهَا أَن يكون ضميرا محذوفا وَرُبمَا ثَبت كَقَوْلِه 37 - (فَلَو أَنَّك فِي يَوْم الرخَاء سَأَلتنِي ... طَلَاقك لم أبخل وَأَنت صديق) وَهُوَ مُخْتَصّ بِالضَّرُورَةِ على الْأَصَح وَشرط خَبَرهَا أَن يكون جملَة وَلَا يجوز إِفْرَاده إِلَّا إِذا ذكر الِاسْم فَيجوز الْأَمْرَانِ وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله 38 - (بأنك ربيع وغيث مريع ... وَأَنَّك هُنَاكَ تكون الثمالا) 3 - الثَّالِث أَن تكون مفسرة بِمَنْزِلَة أَي نَحْو {فأوحينا إِلَيْهِ أَن اصْنَع الْفلك} {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة} وتحتمل المصدرية بِأَن يقدر قبلهَا حرف الْجَرّ فَتكون فِي الأول أَن الثنائية لدخولها على الْأَمر وَفِي الثَّانِيَة المخففة من الثَّقِيلَة لدخولها على الاسمية وَعَن الْكُوفِيّين إِنْكَار أَن التفسيرية الْبَتَّةَ وَهُوَ عِنْدِي مُتَّجه لِأَنَّهُ إِذا قيل كتبت إِلَيْهِ أَن قُم لم يكن قُم نفس كتبت كَمَا كَانَ الذَّهَب نفس العسجد الحديث: 36 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وَفِي قَوْلك هَذَا عسجد أَي ذهب وَلِهَذَا لَو جِئْت ب أَي مَكَان أَن فِي الْمِثَال لم تَجدهُ مَقْبُولًا فِي الطَّبْع وَلها عِنْد مثبتها شُرُوط أَحدهَا أَن تسبق بجملة فَلذَلِك غلط من جعل مِنْهَا {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله} وَالثَّانِي أَن تتأخر عَنْهَا جملَة فَلَا يجوز ذكرت عسجدا أَن ذَهَبا بل يجب الْإِتْيَان بِأَيّ أَو ترك حرف التَّفْسِير وَلَا فرق بَين الْجُمْلَة الفعلية كَمَا مثلنَا والاسمية نَحْو كتبت إِلَيْهِ أَن مَا أَنْت وَهَذَا وَالثَّالِث أَن يكون فِي الْجُمْلَة السَّابِقَة معنى القَوْل كَمَا مر وَمِنْه {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن امشوا} إِذْ لَيْسَ المُرَاد بالانطلاق الْمَشْي بل انطلاق ألسنتهم بِهَذَا الْكَلَام كَمَا أَنه لَيْسَ المُرَاد بِالْمَشْيِ الْمَشْي الْمُتَعَارف بل الِاسْتِمْرَار على الشَّيْء وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ أَن الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {أَن اتخذي من الْجبَال بُيُوتًا} مفسرة ورده أَبُو عبد الله الرَّازِيّ بِأَن قبله {وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل} وَالْوَحي هُنَا إلهام بِاتِّفَاق وَلَيْسَ فِي الإلهام معنى القَوْل قَالَ وَإِنَّمَا هِيَ مَصْدَرِيَّة أَي باتخاذ الْجبَال بُيُوتًا وَالرَّابِع أَلا يكون فِي الْجُمْلَة السَّابِقَة أحرف القَوْل فَلَا يُقَال قلت لَهُ أَن افْعَل وَفِي شرح الْجمل الصَّغِير لِابْنِ عُصْفُور أَنَّهَا قد تكون مفسرة بعد صَرِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 القَوْل وَذكر الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله} أَنه يجوز أَن تكون مفسرة لِلْقَوْلِ على تَأْوِيله بِالْأَمر أَي مَا أَمرتهم إِلَّا بِمَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله وَهُوَ حسن وعَلى هَذَا فَيُقَال فِي هَذَا الضَّابِط أَلا يكون فِيهَا حُرُوف القَوْل إِلَّا وَالْقَوْل مؤول بِغَيْرِهِ وَلَا يجوز فِي الْآيَة أَن تكون مفسرة لأمرتني لِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يكون {اعبدوا الله رَبِّي وربكم} مقولا لله تَعَالَى فَلَا يَصح أَن يكون تَفْسِيرا لأَمره لِأَن الْمُفَسّر عين تَفْسِيره وَلَا أَن تكون مَصْدَرِيَّة وَهِي وصلتها عطف بَيَان على الْهَاء فِي بِهِ وَلَا بَدَلا من مَا أما الأول فَلِأَن عطف الْبَيَان فِي الجوامد بِمَنْزِلَة النَّعْت فِي المشتقات فَكَمَا أَن الضَّمِير لَا ينعَت كَذَلِك لَا يعْطف عَلَيْهِ عطف بَيَان وَوهم الزَّمَخْشَرِيّ فَأجَاز ذَلِك ذهولا عَن هَذِه النُّكْتَة وَمِمَّنْ نَص عَلَيْهَا من الْمُتَأَخِّرين أَبُو مُحَمَّد ابْن السَّيِّد وَابْن مَالك وَالْقِيَاس مَعَهُمَا فِي ذَلِك وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْعِبَادَة لَا يعْمل فِيهَا فعل القَوْل نعم إِن أول القَوْل بِالْأَمر كَمَا فعل الزَّمَخْشَرِيّ فِي وَجه التفسيرية جَازَ وَلكنه قد فَاتَهُ هَذَا الْوَجْه هُنَا فَأطلق الْمَنْع فَإِن قيل لَعَلَّ امْتِنَاعه من إِجَازَته لِأَن أَمر لَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ إِلَى الشَّيْء الْمَأْمُور بِهِ إِلَّا قَلِيلا فَكَذَا مَا أول بِهِ قُلْنَا هَذَا لَازم لَهُ على تَوْجِيهه التفسيرية وَيصِح أَن يقدر بَدَلا من الْهَاء فِي بِهِ وَوهم الزَّمَخْشَرِيّ فَمنع ذَلِك ظنا مِنْهُ أَن الْمُبدل مِنْهُ فِي قُوَّة السَّاقِط فَتبقى الصِّلَة بِلَا عَائِد والعائد مَوْجُود حسا فَلَا مَانع وَالْخَامِس أَلا يدْخل عَلَيْهَا جَار فَلَو قلت كتبت إِلَيْهِ بِأَن افْعَل كَانَت مَصْدَرِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 مَسْأَلَة إِذا ولي أَن الصَّالِحَة للتفسير مضارع مَعَه لَا نَحْو أَشرت إِلَيْهِ أَن لَا تفعل جَازَ رَفعه على تَقْدِير لَا نَافِيَة وجزمه على تقديرها ناهية وَعَلَيْهِمَا ف أَن مفسرة ونصبه على تَقْدِير لَا نَافِيَة وَأَن مَصْدَرِيَّة فَإِن فقدت لَا امْتنع الْجَزْم وَجَاز الرّفْع وَالنّصب 4 - وَالْوَجْه الرَّابِع أَن تكون زَائِدَة وَلها أَرْبَعَة مَوَاضِع أَحدهَا وَهُوَ الْأَكْثَر أَن تقع بعد لما التوقيتية نَحْو {وَلما أَن جَاءَت رسلنَا لوطا سيء بهم} وَالثَّانِي أَن تقع بَين لَو وَفعل الْقسم مَذْكُورا كَقَوْلِه 39 - (فأقسم أَن لَو الْتَقَيْنَا وَأَنْتُم ... لَكَانَ لكم يَوْم من الشَّرّ مظلم) أَو متروكا كَقَوْلِه 40 - (أما وَالله أَن لَو كنت حرا ... وَمَا بِالْحرِّ أَنْت وَلَا الْعَتِيق) هَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ وَغَيره وَفِي مقرب ابْن عُصْفُور أَنَّهَا فِي ذَلِك حرف جِيءَ الحديث: 39 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 بِهِ لربط الْجَواب بالقسم ويبعده أَن الْأَكْثَر تَركهَا والحروف الرابطة لَيست كَذَلِك وَالثَّالِث وَهُوَ نَادِر أَن تقع بَين الْكَاف ومخفوضها كَقَوْلِه 4 - (وَيَوْما توافينا بِوَجْه مقسم ... كَأَن ظَبْيَة تعطو إِلَى وارق السّلم) وَفِي رِوَايَة من جر الظبية وَالرَّابِع بعد إِذا كَقَوْلِه 4 - (فأمهله حَتَّى إِذا أَن كَأَنَّهُ ... معاطي يَد فِي لجة المَاء غامر) وَزعم الْأَخْفَش أَنَّهَا تزاد فِي غير ذَلِك وَأَنَّهَا تنصب الْمُضَارع كَمَا تجر من وَالْبَاء الزائدتان الِاسْم وَجعل مِنْهُ {وَمَا لنا أَلا نتوكل على الله} {وَمَا لنا أَلا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله} وَقَالَ غَيره هِيَ فِي ذَلِك مَصْدَرِيَّة ثمَّ قيل ضمن مَا لنا معنى مَا منعنَا وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لم يثبت إِعْمَال الْجَار وَالْمَجْرُور فِي الْمَفْعُول بِهِ وَلِأَن الأَصْل أَلا تكون لَا زَائِدَة وَالصَّوَاب قَول بَعضهم إِن الأَصْل وَمَا لنا فِي أَن لَا نَفْعل كَذَا وَإِنَّمَا لم يجز للزائدة أَن تعْمل لعدم اختصاصها بالأفعال بِدَلِيل دُخُولهَا على الْحَرْف وَهُوَ لَو وَكَأن فِي الْبَيْتَيْنِ وعَلى الِاسْم وَهُوَ ظبيه فِي الْبَيْت السَّابِق بِخِلَاف حرف الْجَرّ الزَّائِد فَإِنَّهُ كالحرف المعدى فِي الِاخْتِصَاص بِالِاسْمِ فَلذَلِك عمل فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 مَسْأَلَة وَلَا معنى ل أَن الزَّائِدَة غير التوكيد كَسَائِر الزَّوَائِد قَالَ أَبُو حَيَّان وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ أَنه ينجر مَعَ التوكيد معنى آخر فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلما أَن جَاءَت رسلنَا لوطا سيء بهم} دخلت أَن فِي هَذِه الْقِصَّة وَلم تدخل فِي قصَّة إِبْرَاهِيم فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد جَاءَت رسلنَا إِبْرَاهِيم بالبشرى قَالُوا سَلاما} تَنْبِيها وتأكيدا على أَن الْإِسَاءَة كَانَت تعقب الْمَجِيء فَهِيَ مُؤَكدَة فِي قصَّة لوط للاتصال واللزوم وَلَا كَذَلِك فِي قصَّة إِبْرَاهِيم إِذْ لَيْسَ الْجَواب فِيهَا كَالْأولِ وَقَالَ الشلوبين لما كَانَت أَن للسبب فِي جِئْت أَن أعطي أَي للاعطاء أفادت هُنَا أَن الْإِسَاءَة كَانَت لأجل الْمَجِيء وَتعقبه وَكَذَلِكَ فِي قَوْلهم أما وَالله أَن لَو فعلت لفَعَلت أكدت أَن مَا بعد لَو وَهُوَ السَّبَب فِي الْجَواب وَهَذَا الَّذِي ذكرَاهُ لَا يعرفهُ كبراء النَّحْوِيين انْتهى وَالَّذِي رَأَيْته فِي كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِير سُورَة العنكبوت مَا نَصه أَن صلَة أكدت وجود الْفِعْلَيْنِ مُرَتبا أَحدهمَا على الآخر فِي وَقْتَيْنِ متجاورين لَا فاصل بَينهمَا كَأَنَّهُمَا وجدا فِي جُزْء وَاحِد من الزَّمَان كَأَنَّهُ قيل لما أحس بمجيئهم فاجأته المساءة من غير ريث انْتهى والريث البطء وَلَيْسَ فِي كَلَامه تعرض للْفرق بَين الْقصَّتَيْنِ كَمَا نقل عَنهُ وَلَا كَلَامه مُخَالف لكَلَام النَّحْوِيين لإطباقهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 على أَن الزَّائِد يُؤَكد معنى مَا جِيءَ بِهِ لتوكيده وَلما تفِيد وُقُوع الْفِعْل الثَّانِي عقب الأول وترتبه عَلَيْهِ فالحرف الزَّائِد يُؤَكد ذَلِك ثمَّ إِن قصَّة الْخَلِيل الَّتِي فِيهَا {قَالُوا سَلاما} لَيست فِي السُّورَة الَّتِي فِيهَا {سيء بهم} بل فِي سُورَة هود وَلَيْسَ فِيهَا لما ثمَّ كَيفَ يتخيل أَن التَّحِيَّة تقع بعد الْمَجِيء ببطء وَإِنَّمَا يحسن اعتقادنا تَأَخّر الْجَواب فِي سُورَة العنكبوت إِذْ الْجَواب فِيهَا {قَالُوا إِنَّا مهلكو أهل هَذِه الْقرْيَة} ثمَّ إِن التَّعْبِير ب الْإِسَاءَة لحن لِأَن الْفِعْل ثلاثي كَمَا نطق بِهِ التَّنْزِيل وَالصَّوَاب المساءة وَهِي عبارَة الزَّمَخْشَرِيّ وَأما مَا نَقله عَن الشلوبين فمعترض من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْمُفِيد للتَّعْلِيل فِي مِثَاله إِنَّمَا هُوَ لَام الْعلَّة الْمقدرَة لَا أَن وَالثَّانِي أَن أَن فِي الْمِثَال مَصْدَرِيَّة والبحث فِي الزَّائِدَة تنبية وَقد ذكر ل أَن معَان أَرْبَعَة آخر أَحدهَا الشّرطِيَّة كَإِن الْمَكْسُورَة وَإِلَيْهِ ذهب الْكُوفِيُّونَ ويرجحه عِنْدِي أُمُور أَحدهَا توارد الْمَفْتُوحَة والمكسورة على الْمحل الْوَاحِد وَالْأَصْل التوافق فقرىء بِالْوَجْهَيْنِ قَوْله تَعَالَى {أَن تضل إِحْدَاهمَا} {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم أَن صدوكم} {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحا أَن كُنْتُم قوما مسرفين} وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 مضى أَنه رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ قَوْله 43 - (أتغضب أَن أذنا قُتَيْبَة حزتا ... ) الثَّانِي مَجِيء الْفَاء بعْدهَا كثيرا كَقَوْلِه 44 - (أَبَا خراشة أما أَنْت ذَا نفر ... فَإِن قومِي لم تأكلهم الضبع) الثَّالِث عطفها على إِن الْمَكْسُورَة فِي قَوْله 45 - (إِمَّا أَقمت وَأما أَنْت مرتحلا ... فَالله يكلأ مَا تَأتي وَمَا تذر) الرِّوَايَة بِكَسْر إِن الأولى وَفتح الثَّانِيَة فَلَو كَانَت الْمَفْتُوحَة مَصْدَرِيَّة لزم عطف الْمُفْرد على الْجُمْلَة وتعسف ابْن الْحَاجِب فِي تَوْجِيه ذَلِك فَقَالَ لما كَانَ معنى قَوْلك إِن جئتني أكرمتك وقولك أكرمك لإتيانك إيَّايَ وَاحِدًا صَحَّ عطف التَّعْلِيل على الشَّرْط فِي الْبَيْت وَلذَلِك تَقول إِن جئتني وأحسنت إِلَيّ أكرمتك ثمَّ تَقول إِن جئتني ولإحسانك إِلَيّ أكرمتك فتجعل الْجَواب لَهما انْتهى وَمَا أَظن أَن الْعَرَب فاهت بذلك يَوْمًا مَا الْمَعْنى الثَّانِي النَّفْي كَإِن الْمَكْسُورَة أَيْضا قَالَه بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {أَن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ} وَقيل إِن الْمَعْنى وَلَا تؤمنوا بِأَن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ من الْكتاب إِلَّا لمن تبع دينكُمْ وَجُمْلَة القَوْل اعْتِرَاض الثَّالِث معنى إِذْ كَمَا تقدم عَن بَعضهم فِي إِن الْمَكْسُورَة وَهَذَا قَالَه بَعضهم الحديث: 43 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فِي {بل عجبوا أَن جَاءَهُم مُنْذر مِنْهُم} {يخرجُون الرَّسُول وَإِيَّاكُم أَن تؤمنوا} وَقَوله 46 - (أتغضب أَن أذنا قُتَيْبَة حزتا ... ) وَالصَّوَاب أَنَّهَا فِي ذَلِك كُله مَصْدَرِيَّة وَقبلهَا لَام الْعلَّة مقدرَة وَالرَّابِع أَن تكون بِمَعْنى لِئَلَّا قيل بِهِ فِي {يبين الله لكم أَن تضلوا} وَقَوله 47 - (نزلتم منزل الأضياف منا ... فعجلنا الْقرى أَن تشتمونا) وَالصَّوَاب أَنَّهَا مَصْدَرِيَّة وَالْأَصْل كَرَاهِيَة أَن تضلوا ومخافة أَن تشتمونا وَهُوَ قَول الْبَصرِيين وَقيل هُوَ على إِضْمَار لَام قبل أَن وَلَا بعْدهَا وَفِيه تعسف إِن الْمَكْسُورَة الْمُشَدّدَة على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تكون حرف توكيد تنصب الِاسْم وترفع الْخَبَر قيل وَقد تنصبهما فِي لُغَة كَقَوْلِه (إِذا اسود جنح اللَّيْل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا إِن حرا سنا أسدا) وَفِي الحَدِيث إِن قَعْر جَهَنَّم سبعين خَرِيفًا وَقد خرج الْبَيْت على الحالية الحديث: 46 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وَأَن الْخَبَر مَحْذُوف أَي تلقاهم أسدا والْحَدِيث على أَن القعر مصدر قعرت الْبِئْر إِذا بلغت قعرها وَسبعين ظرف أَي إِن بُلُوغ قعرها يكون فِي سبعين عَاما وَقد يرْتَفع بعْدهَا الْمُبْتَدَأ فَيكون اسْمهَا ضمير شَأْن محذوفا كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون الأَصْل إِنَّه أَي الشَّأْن كَمَا قَالَ 40 - (إِن من يدْخل الْكَنِيسَة يَوْمًا ... يلق فِيهَا جآذرا وظباء) وَإِنَّمَا لم تجْعَل من اسْمهَا لِأَنَّهَا شَرْطِيَّة بِدَلِيل جزمها الْفِعْلَيْنِ وَالشّرط لَهُ الصَّدْر فَلَا يعْمل فِيهِ مَا قبله وَتَخْرِيج الْكسَائي الحَدِيث على زِيَادَة من فِي اسْم إِن يأباه غير الْأَخْفَش من الْبَصرِيين لِأَن الْكَلَام إِيجَاب وَالْمَجْرُور معرفَة على الْأَصَح وَالْمعْنَى أَيْضا يأباه لأَنهم لَيْسُوا أَشد عذَابا من سَائِر النَّاس وتخفف فتعمل قَلِيلا وتهمل كثيرا وَعَن الْكُوفِيّين أَنَّهَا لَا تخفف وَأَنه إِذا قيل إِن ريد لمنطلق ف إِن نَافِيَة وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا وَيَردهُ أَن مِنْهُم من يعملها مَعَ التَّخْفِيف حكى سِيبَوَيْهٍ إِن عمرا لمنطلق وَقَرَأَ الحرميان وَأَبُو بكر {وَإِن كلا لما ليوفينهم} الثَّانِي أَن تكون حرف جَوَاب بِمَعْنى نعم خلافًا لأبي عُبَيْدَة اسْتدلَّ المثبتون بقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 50 - (وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه) ورد بِأَنا لَا نسلم أَن الْهَاء للسكت بل هِيَ ضمير مَنْصُوب بهَا وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي إِنَّه كَذَلِك والجيد الِاسْتِدْلَال بقول ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ لمن قَالَ لَهُ لعن الله نَاقَة حَملتنِي اليك إِن وراكبها أَي نعم وَلعن راكبها إِذْ لَا يجوز حذف الِاسْم وَالْخَبَر جَمِيعًا وَعَن الْمبرد أَنه حمل على ذَلِك قِرَاءَة من قَرَأَ {إِن هَذَانِ لساحران} وَاعْترض بأمرين أَحدهمَا أَن مَجِيء إِن بِمَعْنى نعم شَاذ حَتَّى قيل إِنَّه لم يثبت وَالثَّانِي أَن اللَّام لَا تدخل فِي خبر الْمُبْتَدَأ وَأجِيب عَن هَذَا بِأَنَّهَا لَام زَائِدَة وَلَيْسَت للابتداء أَو بِأَنَّهَا دَاخِلَة على مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي لَهما ساحران أَو بِأَنَّهَا دخلت بعد إِن هَذِه لشبهها بإن الْمُؤَكّدَة لفظا كَمَا قَالَ 5 - (ورج الْفَتى للخير مَا إِن رَأَيْته ... على السن خيرا لَا يزَال يزِيد) فَزَاد إِن بعد مَا المصدرية لشبهها فِي اللَّفْظ بِمَا النافية ويضعف الأول أَن زِيَادَة اللَّام فِي الْخَبَر خَاصَّة بالشعر وَالثَّانِي أَن الْجمع بَين لَام التوكيد وَحذف الْمُبْتَدَأ كالجمع بَين متنافيين وَقيل اسْم إِن ضمير الشَّأْن وَهَذَا أَيْضا ضَعِيف لِأَن الْمَوْضُوع لتقوية الْكَلَام لَا يُنَاسِبه الْحَذف والمسموع من حذفه شَاذ إِلَّا فِي بَاب أَن الْمَفْتُوحَة إِذا خففت فاستسهلوه لوروده فِي كَلَام بني على التَّخْفِيف فَحذف تبعا لحذف النُّون وَلِأَنَّهُ لَو ذكر لوَجَبَ التَّشْدِيد إِذْ الضمائر ترد الْأَشْيَاء الحديث: 50 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 إِلَى أُصُولهَا أَلا ترى أَن من يَقُول لد وَلم يَك وَوَاللَّه يَقُول لَدُنْك وَلم يكنه وَبِك لَأَفْعَلَنَّ ثمَّ يرد إِشْكَال دُخُول اللَّام وَقيل هَذَانِ اسْمهَا ثمَّ اخْتلف فَقيل جَاءَت على لُغَة بلحارث بن كَعْب فِي أجراء الْمثنى بِالْألف دَائِما كَقَوْلِه 5 - ( ... قد بلغا فِي الْمجد غايتاها) وَاخْتَارَ هَذَا الْوَجْه ابْن مَالك وَقيل هَذَانِ مَبْنِيّ لدلالته على معنى الْإِشَارَة وَإِن قَول الْأَكْثَرين هذَيْن جرا ونصبا لَيْسَ إعرابا أَيْضا وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب قلت وعَلى هَذَا فقراءة هَذَانِ أَقيس إِذْ الأَصْل فِي الْمَبْنِيّ أَلا تخْتَلف صِيغَة مَعَ أَن فِيهَا مُنَاسبَة لِأَلف ساحران وَعَكسه الْيَاء فِي {إِحْدَى ابْنَتي هَاتين} فَهِيَ هُنَا أرجح لمناسبة يَاء ابْنَتي وَقيل لما اجْتمعت ألف هَذَا وَألف التَّثْنِيَة فِي التَّقْدِير قدر بَعضهم سُقُوط ألف التَّثْنِيَة فَلم تقبل ألف هَذَا التَّغْيِير تَنْبِيه تَأتي إِن فعلا مَاضِيا مُسْندًا لجَماعَة الْمُؤَنَّث من الأين وَهُوَ التَّعَب تَقول النِّسَاء إِن أَي تعبن أَو من آن بِمَعْنى قرب أَو مُسْندًا لغيرهن على أَنه من الأنين وعَلى أَنه مَبْنِيّ للْمَفْعُول على لُغَة من قَالَ فِي رد وَحب رد وَحب بِالْكَسْرِ تَشْبِيها لَهُ بقيل وَبيع وَالْأَصْل مثلا أَن زيد يَوْم الْخَمِيس ثمَّ قيل إِن يَوْم الْخَمِيس أَو فعل أَمر للْوَاحِد من الأنين أَو لجَماعَة الْإِنَاث من الأين أَو من آن بِمَعْنى قرب أَو للواحدة مؤكدا بالنُّون من وأى بِمَعْنى وعد كَقَوْلِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 53 - (إِن هِنْد المليحة الْحَسْنَاء ... ) وَقد مر ومركبة من إِن النافية وَأَنا كَقَوْل بَعضهم إِن قَائِم وَالْأَصْل إِن أَنا قَائِم فَفعل فِيهِ مَا مضى شَرحه فالأقسام إِذن عشرَة هَذِه الثَّمَانِية والمؤكدة والجوابية تَنْبِيه فِي الصِّحَاح الأين الإعياء وَقَالَ أَبُو زيد لَا يبْنى مِنْهُ فعل وَقد خُولِفَ فِيهِ انْتهى فعلى قَول أبي زيد يسْقط بعض الْأَقْسَام أَن الْمَفْتُوحَة الْمُشَدّدَة النُّون على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تكون حرف توكيد تنصب الِاسْم وترفع الْخَبَر وَالأَصَح أَنَّهَا فرع عَن إِن الْمَكْسُورَة وَمن هُنَا صَحَّ للزمخشري أَن يَدعِي أَن أَنما بِالْفَتْح تفِيد الْحصْر كإنما وَقد اجتمعتا فِي قَوْله تَعَالَى {قل إِنَّمَا يُوحى إِلَيّ أَنما إِلَهكُم إِلَه وَاحِد} فَالْأولى لقصر الصّفة على الْمَوْصُوف وَالثَّانيَِة بِالْعَكْسِ وَقَول أبي حَيَّان هَذَا شَيْء انْفَرد بِهِ وَلَا يعرف القَوْل بذلك إِلَّا فِي إِنَّمَا بِالْكَسْرِ مَرْدُود بِمَا ذكرت وَقَوله إِن دَعْوَى الْحصْر هُنَا بَاطِلَة لاقتضائها أَنه لم يُوح إِلَيْهِ غير التَّوْحِيد مَرْدُود أَيْضا بِأَنَّهُ حصر مُقَيّد إِذْ الْخطاب مَعَ الْمُشْركين فَالْمَعْنى مَا أُوحِي إِلَى فِي أَمر الربوبية إِلَّا التَّوْحِيد لَا الْإِشْرَاك وَيُسمى ذَلِك قصر قلب لقلب اعْتِقَاد الْمُخَاطب وَإِلَّا الحديث: 53 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فَمَا الَّذِي يَقُول هُوَ فِي نَحْو {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} فَإِن مَا للنَّفْي وَإِلَّا للحصر قطعا وَلَيْسَت صفته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام منحصرة فِي الرسَالَة وَلَكِن لما استعظموا مَوته اَوْ جعلُوا كَأَنَّهُمْ اثبتوا لَهُ الْبَقَاء الدَّائِم فجَاء الْحصْر بِاعْتِبَار ذَلِك وَيُسمى قصر إِفْرَاد وَالأَصَح أَيْضا أَنَّهَا مَوْصُول حرفي مؤول مَعَ معموليه بِالْمَصْدَرِ فَإِن كَانَ الحبر مشتقا فالمصدر المؤول بِهِ من لَفظه فتقدير بَلغنِي أَنَّك تَنْطَلِق أَو أَنَّك منطلق بَلغنِي الانطلاق وَمِنْه بَلغنِي أَنَّك فِي الدَّار التَّقْدِير استقرارك فِي الدَّار لِأَن الْخَبَر فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْمَحْذُوف من اسْتَقر أَو مُسْتَقر وَإِن كَانَ جَامِدا قدر بالكون نَحْو بَلغنِي أَن هَذَا زيد تَقْدِيره بَلغنِي كَونه زيدا لِأَن كل خبر جامد يَصح نسبته إِلَى الْمخبر عَنهُ بِلَفْظ الْكَوْن تَقول هَذَا زيد وَإِن شِئْت هَذَا كَائِن زيدا إِذْ مَعْنَاهُمَا وَاحِد وَزعم السُّهيْلي أَن الَّذِي يؤول بِالْمَصْدَرِ إِنَّمَا هُوَ أَن الناصبة للْفِعْل لِأَنَّهَا أبدا مَعَ الْفِعْل الْمُتَصَرف وَأَن الْمُشَدّدَة إِنَّمَا تؤول بِالْحَدِيثِ قَالَ وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَيُؤَيِّدهُ أَن خَبَرهَا قد يكون اسْما مَحْضا نَحْو علمت أَن اللَّيْث الْأسد وَهَذَا لَا يشْعر بِالْمَصْدَرِ انْتهى وَقد مضى أَن هَذَا يقدر بالكون وتخفف أَن بالِاتِّفَاقِ فَيبقى عَملهَا على الْوَجْه الَّذِي تقدم شَرحه فِي أَن الْخَفِيفَة الثَّانِي أَن تكون لُغَة فِي لَعَلَّ كَقَوْل بَعضهم أئت السُّوق أَنَّك تشتري لنا شَيْئا وَقِرَاءَة من قَرَأَ {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} وفيهَا بحث سَيَأْتِي فِي بَاب اللَّام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 أم على أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَن تكون مُتَّصِلَة وَهِي منحصرة فِي نَوْعَيْنِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إِمَّا أَن تتقدم عَلَيْهَا همزَة التَّسْوِيَة نَحْو {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم} (سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا) وَلَيْسَ مِنْهُ قَول زُهَيْر 54 - (وَمَا أدرى وسوف إخال أدرى ... أقوم آل حصن أم نسَاء) لما سَيَأْتِي أَو تتقدم عَلَيْهَا همزَة يطْلب بهَا وب أم التَّعْيِين نَحْو أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو وَإِنَّمَا سميت فِي النَّوْعَيْنِ مُتَّصِلَة لِأَن مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا لَا يسْتَغْنى بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر وَتسَمى أَيْضا معادلة لمعادلتها للهمزة فِي إِفَادَة التَّسْوِيَة فِي النَّوْع الأول والاستفهام فِي النَّوْع الثَّانِي ويفترق النوعان من أَرْبَعَة أوجه أَولهَا وَثَانِيها أَن الْوَاقِعَة بعد همزَة التَّسْوِيَة لَا تسْتَحقّ جَوَابا لِأَن الْمَعْنى مَعهَا لَيْسَ على الِاسْتِفْهَام وَأَن الْكَلَام مَعهَا قَابل للتصديق والتكذيب لِأَنَّهُ خبر وَلَيْسَت تِلْكَ كَذَلِك لِأَن الِاسْتِفْهَام مَعهَا على حَقِيقَته وَالثَّالِث وَالرَّابِع أَن الْوَاقِعَة بعد همزَة التَّسْوِيَة لَا تقع إِلَّا بَين جملتين وَلَا تكون الجملتان مَعهَا إِلَّا فِي تَأْوِيل المفردين وتكونان فعليتين كَمَا تقدم واسميتين كَقَوْلِه 55 - (وَلست أُبَالِي بعد فقدي مَالِكًا ... أموتي ناء أم هُوَ الْآن وَاقع) الحديث: 54 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ومختلفتين نَحْو {سَوَاء عَلَيْكُم أدعوتموهم أم أَنْتُم صامتون} وام الْأُخْرَى تقع بَين المفردين وَذَلِكَ هُوَ الْغَالِب فِيهَا نَحْو (أأنتم أَشد خلقا أم السَّمَاء) وَبَين جملتين ليستا فِي تَأْوِيل المفردين وتكونان أَيْضا فعليتين كَقَوْلِه 56 - (فَقُمْت للطيف مرتاعا فأرقني ... فَقلت أَهِي سرت أم عادني حلم) وَذَلِكَ على الْأَرْجَح فِي هِيَ من أَنَّهَا فَاعل بِمَحْذُوف يفسره سرت واسميتين كَقَوْلِه 57 - (لعمرك مَا أَدْرِي وَإِن كنت داريا ... شعيث ابْن سهم أم شعيث ابْن منقر) الأَصْل أشعيث بِالْهَمْز فِي أَوله والتنوين فِي آخِره فحذفهما للضَّرُورَة وَالْمعْنَى مَا أَدْرِي أَي النسبين هُوَ الصَّحِيح وَمثله بَيت زُهَيْر السَّابِق وَالَّذِي غلط ابْن الشجري حَتَّى جعله من النَّوْع الأول توهمه أَن معنى الِاسْتِفْهَام فِيهِ غير مَقْصُود الْبَتَّةَ لمنافاته لفعل الدِّرَايَة وَجَوَابه أَن معنى قَوْلك علمت أَزِيد قَائِم علمت جَوَاب أَزِيد قَائِم وَكَذَلِكَ مَا علمت وَبَين المختلفتين نَحْو {أأنتم تخلقونه أم نَحن الْخَالِقُونَ} وَذَلِكَ أَيْضا على الْأَرْجَح من كَون أَنْتُم فَاعِلا الحديث: 56 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 مَسْأَلَة أم الْمُتَّصِلَة الَّتِي تسْتَحقّ الْجَواب إِنَّمَا تجاب بِالتَّعْيِينِ لِأَنَّهَا سُؤال عَنهُ فَإِذا قيل أَزِيد عنْدك أم عَمْرو قيل فِي الْجَواب زيد أَو قيل عَمْرو وَلَا يُقَال لَا وَلَا نعم فَإِن قلت فقد قَالَ ذُو الرمة 58 - (تَقول عَجُوز مدرجي متروحا ... على بَابهَا من عِنْد أَهلِي وغاديا) (أذو زوجه بِالْمِصْرِ أم ذُو خُصُومَة ... أَرَاك لَهَا بِالْبَصْرَةِ الْعَام ثاويا) (فَقلت لَهَا لَا إِن أَهلِي جيرة ... لاكثبه الدهنا جَمِيعًا وماليا) (وَمَا كنت مذ أبصرتني فِي خُصُومَة ... أراجع فِيهَا يابنة الْقَوْم قَاضِيا) قلت لَيْسَ قَوْله لَا جَوَابا لسؤالها بل رد لما توهمته من وُقُوع أحد الْأَمريْنِ كَونه ذَا زَوْجَة وَكَونه ذَا خُصُومَة وَلِهَذَا لم يكتف بقوله لَا إِذْ كَانَ رد مَا لم تلفظ بِهِ إِنَّمَا يكون بالْكلَام التَّام فَلهَذَا قَالَ إِن أَهلِي جيرة الْبَيْت ووما كنت مذ أبصرتني الْبَيْت مَسْأَلَة إِذا عطفت بعد الْهمزَة بِأَو فَإِن كَانَت همزَة التَّسْوِيَة لم يجز قِيَاسا وَقد أولع الْفُقَهَاء وَغَيرهم بِأَن يَقُولُوا سَوَاء كَانَ كَذَا أَو كَذَا وَهُوَ نَظِير قَوْلهم يجب أقل الْأَمريْنِ من كَذَا أَو كَذَا وَالصَّوَاب الْعَطف فِي الأول بِأم وَفِي الثَّانِي بِالْوَاو وَفِي الصِّحَاح تَقول سَوَاء عَليّ قُمْت أَو قعدت انْتهى وَلم يذكر غير ذَلِك وَهُوَ سَهْو وَفِي كَامِل الْهُذلِيّ أَن ابْن مُحَيْصِن قَرَأَ من طَرِيق الزَّعْفَرَانِي الحديث: 58 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 أأنذرتهم أم لم تنذرهم) وَهَذَا من الشذوذ بمَكَان وَإِن كَانَت همزَة الِاسْتِفْهَام جَازَ قِيَاسا وَكَانَ الْجَواب بنعم أَو بِلَا وَذَلِكَ أَنه إِذا قيل أَزِيد عنْدك أَو عَمْرو فَالْمَعْنى أأحدهما عنْدك أم لَا فَإِن أجبْت بِالتَّعْيِينِ صَحَّ لِأَنَّهُ جَوَاب وَزِيَادَة وَيُقَال آلحسن أَو الْحُسَيْن أفضل أم ابْن الْحَنَفِيَّة فتعطف الأول بِأَو وَالثَّانِي بِأم وَيُجَاب عندنَا بِقَوْلِك أَحدهمَا وَعند الكيسانية بِابْن الْحَنَفِيَّة وَلَا يجوز أَن تجيب بِقَوْلِك الْحسن أَو بِقَوْلِك الْحُسَيْن لِأَنَّهُ لم يسْأَل عَن الْأَفْضَل من الْحسن وَابْن الْحَنَفِيَّة وَلَا من الْحُسَيْن وَابْن الْحَنَفِيَّة وَإِنَّمَا جعل وَاحِدًا مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِه قرينا لِابْنِ الْحَنَفِيَّة فَكَأَنَّهُ قَالَ أأحدهما أفضل أم ابْن الْحَنَفِيَّة مَسْأَلَة سمع حذف أم الْمُتَّصِلَة ومعطوفها كَقَوْل الْهُذلِيّ 59 - (دَعَاني إِلَيْهَا الْقلب إِنِّي لأَمره ... سميع فَمَا أَدْرِي أرشد طلابها) تَقْدِيره أم غي كَذَا قَالُوا وَفِيه بحث كَمَا مر وَأَجَازَ بَعضهم حذف معطوفها بِدُونِهَا فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَفلا تبصرون أم} إِن الْوَقْف هُنَا وَإِن التَّقْدِير أم تبصرون ثمَّ يبتدأ {أَنا خير} وَهَذَا بَاطِل إِذْ لم يسمع حذف مَعْطُوف بِدُونِ الحديث: 59 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 عاطفه وَإِنَّمَا الْمَعْطُوف جملَة {أَنا خير} وَوجه المعادلة بَينهَا وَبَين الْجُمْلَة قبلهَا أَن الأَصْل أم تبصرون ثمَّ أُقِيمَت الاسمية مقَام الفعلية وَالسَّبَب مقَام الْمُسَبّب لأَنهم إِذا قَالُوا لَهُ أَنْت خير كَانُوا عِنْده بصراء وَهَذَا معنى كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَإِن قلت فَإِنَّهُم يَقُولُونَ أتفعل هَذَا أم لَا وَالْأَصْل أم لَا تفعل قلت إِنَّمَا وَقع الْحَذف بعد لَا وَلم يَقع العاطف وأحرف الْجَواب تحذف الْجمل بعْدهَا كثيرا وَتقوم هِيَ فِي اللَّفْظ مقَام تِلْكَ الْجمل فَكَأَن الْجُمْلَة هُنَا مَذْكُورَة لوُجُود مَا يُغني عَنْهَا وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيّ وَحده حذف مَا عطفت عَلَيْهِ أم فَقَالَ فِي {أم كُنْتُم شُهَدَاء} يجوز كَون أم مُتَّصِلَة على أَن الْخطاب للْيَهُود وَحذف معادلها أَي أَتَدعُونَ على الْأَنْبِيَاء الْيَهُودِيَّة أم كُنْتُم شُهَدَاء وَجوز ذَلِك الواحدي أَيْضا وَقدر أبلغكم مَا تنسبون إِلَى يَعْقُوب من إيصائه بنيه باليهودية أم كُنْتُم شُهَدَاء انْتهى 2 - الْوَجْه الثَّانِي أَن تكون مُنْقَطِعَة وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع مسبوقة بالْخبر الْمَحْض نَحْو {تَنْزِيل الْكتاب لَا ريب فِيهِ من رب الْعَالمين أم يَقُولُونَ افتراه} ومسبوقة بِهَمْزَة لغير اسْتِفْهَام نَحْو {ألهم أرجل يَمْشُونَ بهَا أم لَهُم أيد يبطشون بهَا} إِذْ الْهمزَة فِي ذَلِك للانكار فَهِيَ بِمَنْزِلَة النَّفْي والمتصلة لَا تقع بعده ومسبوقة باستفهام بِغَيْر الْهمزَة نَحْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 والنور) وَمعنى أم المنقطعة الَّذِي لَا يفارقها الإضراب ثمَّ تَارَة تكون لَهُ مُجَردا وَتارَة تَتَضَمَّن مَعَ ذَلِك استفهاما إنكاريا أَو استفهاما طلبيا فَمن الأول {هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير أم هَل تستوي الظُّلُمَات والنور أم جعلُوا لله شُرَكَاء} أما الأولى فَلِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يدْخل على الِاسْتِفْهَام وَأما الثَّانِيَة فَلِأَن الْمَعْنى على الْإِخْبَار عَنْهُم باعتقاد الشُّرَكَاء قَالَ الْفراء يَقُولُونَ هَل لَك قبلنَا حق أم أَنْت رجل ظَالِم يُرِيدُونَ بل أَنْت وَمن الثَّانِي {أم لَهُ الْبَنَات وَلكم البنون} تَقْدِيره بل أَله الْبَنَات وَلكم البنون إِذْ لَو قدرت للاضراب الْمَحْض لزم الْمحَال وَمن الثَّالِث قَوْلهم إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ التَّقْدِير بل أَهِي شَاءَ وَزعم أَبُو عُبَيْدَة أَنَّهَا قد تَأتي بِمَعْنى الِاسْتِفْهَام الْمُجَرّد فَقَالَ فِي قَول الأخطل 60 - (كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسط ... غلس الظلام من الربَاب خيالا) إِن الْمَعْنى هَل رَأَيْت وَنقل ابْن الشجري عَن جَمِيع الْبَصرِيين أَنَّهَا أبدا بِمَعْنى بل والهمزة جَمِيعًا وَأَن الْكُوفِيّين خالفوهم فِي ذَلِك وَالَّذِي يظْهر لي قَوْلهم إِذْ الْمَعْنى فِي نَحْو {أم جعلُوا لله شُرَكَاء} لَيْسَ على الِاسْتِفْهَام وَلِأَنَّهُ يلْزم الْبَصرِيين دَعْوَى التوكيد فِي نَحْو {أم هَل تستوي الظُّلُمَات} وَنَحْو {أم مَاذَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} أم من الحديث: 60 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 هَذَا الَّذِي هُوَ جند لكم) وَقَوله 6 - (أَنى جزوا عَامِرًا سوءى بفعلهم ... أم كَيفَ يجزونني السوءى من الْحسن) (أم كَيفَ ينفع مَا تُعْطِي الْعلُوق بِهِ ... رئمان أنف إِذا مَا ضن بِاللَّبنِ) الْعلُوق بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة النَّاقة الَّتِي علق قَلبهَا بِوَلَدِهَا وَذَلِكَ أَنه ينْحَر ثمَّ يحشى جلده تبنا وَيجْعَل بَين يَديهَا لتشمه فتدر عَلَيْهِ فَهِيَ تسكن إِلَيْهِ مرّة وتنفر عَنهُ أُخْرَى وَهَذَا الْبَيْت ينشد لمن يعد بالجميل وَلَا يَفْعَله لانطواء قلبه على ضِدّه وَقد أنْشدهُ الْكسَائي فِي مجْلِس الرشيد بِحَضْرَة الْأَصْمَعِي فَرفع رئمان فَرده عَلَيْهِ الْأَصْمَعِي وَقَالَ إِنَّه بِالنّصب فَقَالَ لَهُ الْكسَائي اسْكُتْ مَا أَنْت وَهَذَا يجوز الرّفْع وَالنّصب والجر فَسكت وَوَجهه أَن الرّفْع على الْإِبْدَال من مَا وَالنّصب بتعطي والخفض بدل من الْهَاء وَصوب ابْن الشجري إِنْكَار الْأَصْمَعِي فَقَالَ لِأَن رئمانها للبو بأنفها هُوَ عطيتها إِيَّاه لَا عَطِيَّة لَهَا غَيره فَإِذا رفع لم يبْق لَهَا عَطِيَّة فِي الْبَيْت لِأَن فِي رَفعه إخلاء تُعْطِي من مَفْعُوله لفظا وتقديرا والجر أقرب إِلَى الصَّوَاب قَلِيلا وَإِنَّمَا حق الْإِعْرَاب وَالْمعْنَى النصب وعَلى الرّفْع فَيحْتَاج إِلَى تَقْدِير ضمير رَاجع إِلَى الْمُبدل مِنْهُ أَي رئمان أنف لَهُ وَالضَّمِير فِي بفعلهم لعامر لِأَن المُرَاد بِهِ الْقَبِيلَة وَمن بِمَعْنى الْبَدَل مثلهَا فِي أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة وَأنكر ذَلِك بَعضهم وَزعم أَن من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 مُتَعَلقَة بِكَلِمَة الْبَدَل محذوفة وَنَظِير هَذِه الْحِكَايَة أَن ثعلبا كَانَ يَأْتِي الرياشي ليسمع مِنْهُ الشّعْر فَقَالَ لَهُ الرياشي يَوْمًا كَيفَ تروي بازل من قَوْله 6 - (مَا تنقم الْحَرْب الْعوَان مني ... بازل عَاميْنِ حَدِيث سني) (لمثل هَذَا ولدتني أُمِّي ... ) فَقَالَ ثَعْلَب ألمثلي تَقول هَذَا إِنَّمَا أصير إِلَيْك لهَذَا المقطعات والخرافات يرْوى الْبَيْت بِالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف وبالخفض على الإتباع وَبِالنَّصبِ على الْحَال وَلَا تدخل أم المنقطعة على مُفْرد وَلِهَذَا قدرُوا الْمُبْتَدَأ فِي إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ وخرق ابْن مَالك فِي بعض كتبه إِجْمَاع النَّحْوِيين فَقَالَ لَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير مُبْتَدأ وَزعم أَنَّهَا تعطف الْمُفْردَات ك بل وقدرها هُنَا ببل دون الْهمزَة وَاسْتدلَّ بقول بَعضهم إِن هُنَاكَ لإبلا أم شَاءَ بِالنّصب فَإِن صحت رِوَايَته فَالْأولى أَن يقدر لشاء ناصب أَي أم أرى شَاءَ تَنْبِيه قد ترد أم مُحْتَملَة للاتصال والانقطاع فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى قل أتخذتم عِنْد الله عهدا فَلَنْ يخلف الله عَهده أم تَقولُونَ على الله مَا لَا تعلمُونَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ يجوز فِي أم أَن تكون معادلة بِمَعْنى أَي الْأَمريْنِ كَائِن على سَبِيل التَّقْرِير لحُصُول الْعلم بِكَوْن أَحدهمَا وَيجوز أَن تكون مُنْقَطِعَة انْتهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وَمن ذَلِك قَول المتنبي 63 - (أحاد أم سداس فِي أحاد ... لييلتنا المنوطة بالتنادي) فَإِن قدرتها فِيهِ مُتَّصِلَة فَالْمَعْنى أَنه استطال اللَّيْلَة فَشك أواحدة هِيَ أم سِتّ اجْتمعت فِي وَاحِدَة فَطلب التَّعْيِين وَهَذَا من تجاهل الْعَارِف كَقَوْلِه 64 - (أيا شجر الخابور مَالك مورقا ... كَأَنَّك لم تجزع على ابْن طريف) وعَلى هَذَا فَيكون قد حذف الْهمزَة قبل أحاد وَيكون تَقْدِيم الْخَبَر وَهُوَ أحاد على الْمُبْتَدَأ وَهُوَ لييلتنا تَقْدِيمًا وَاجِبا لكَونه الْمَقْصُود بالاستفهام مَعَ سداس إِذْ شَرط الْهمزَة المعادلة لأم أَن يَليهَا أحد الْأَمريْنِ الْمَطْلُوب تعْيين أَحدهمَا ويلي أم المعادل الآخر ليفهم السَّامع من أول الْأَمر الشَّيْء الْمَطْلُوب تَعْيِينه تَقول إِذا استفهمت عَن تعْيين الْمُبْتَدَأ أَزِيد قَائِم أم عَمْرو وَإِن شِئْت أَزِيد أم عَمْرو قَائِم وَإِذا استفهمت عَن تعْيين الْخَبَر أقائم زيد أم قَاعد وَإِن شِئْت أقائم أم قَاعد زيد وَإِن قدرتها مُنْقَطِعَة فَالْمَعْنى أَنه أخبر عَن ليلته بِأَنَّهَا لَيْلَة وَاحِدَة ثمَّ نظر إِلَى طولهَا فَشك فَجزم بِأَنَّهَا سِتّ فِي لَيْلَة فَأَضْرب أَو شكّ هَل هِيَ سِتّ فِي لَيْلَة أم لَا فَأَضْرب واستفهم وعَلى هَذَا فَلَا همزَة مقدرَة وَيكون تَقْدِيم أحاد لَيْسَ على الْوُجُوب إِذْ الْكَلَام خبر وَأظْهر الْوَجْهَيْنِ الِاتِّصَال لسلامته من الِاحْتِيَاج إِلَى تَقْدِير مُبْتَدأ يكون سداس خَبرا عَنهُ فِي وَجه الِانْقِطَاع كَمَا لزم عِنْد الْجُمْهُور فِي إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ وَمن الِاعْتِرَاض بجملة أم هِيَ سداس بَين الْخَبَر وَهُوَ أحاد والمبتدأ وَهُوَ ليلتنا وَمن الْإِخْبَار عَن اللَّيْلَة الْوَاحِدَة بِأَنَّهَا لَيْلَة فَإِن ذَلِك مَعْلُوم لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَك أَن تعَارض الأول بِأَنَّهُ يلْزم فِي الِاتِّصَال حذف همزَة الِاسْتِفْهَام الحديث: 63 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَهُوَ قَلِيل بِخِلَاف حذف الْمُبْتَدَأ وَاعْلَم أَن هَذَا الْبَيْت اشْتَمَل على لحنات اسْتِعْمَال أحاد وسداس بِمَعْنى وَاحِدَة وست وَإِنَّمَا هما بِمَعْنى وَاحِدَة وَاحِدَة وست سِتّ وَاسْتِعْمَال سداس وَأَكْثَرهم يأباه ويخص الْعدَد المعدول بِمَا دون الْخَمْسَة وتصغير لَيْلَة على لييلة وَإِنَّمَا صغرتها الْعَرَب على لييلية بِزِيَادَة الْيَاء على غير قِيَاس حَتَّى قيل إِنَّهَا مَبْنِيَّة على ليلاة فِي نَحْو قَول الشَّاعِر 65 - (فِي كل مَا يَوْم وكل ليلاه ... ) وَمِمَّا قد يسْتَشْكل فِيهِ أَنه جمع بَين متنافيين استطالة اللَّيْلَة وتصغيرها وَبَعْضهمْ يثبت مَجِيء التصغير للتعظيم كَقَوْلِه 66 - (دويهية تصفر مِنْهَا الأنامل ... ) 3 - الثَّالِث أَن تقع زَائِدَة ذكره أَبُو زيد وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَفلا تبصرون أم أَنا خير} إِن التَّقْدِير أَفلا تبصرون أَنا خير وَالزِّيَادَة ظَاهِرَة فِي قَول سَاعِدَة بن جؤية 67 - (يَا لَيْت شعري وَلَا منجى من الْهَرم ... أم هَل على الْعَيْش بعد الشيب من نَدم) 4 - الرَّابِع أَن تكون للتعريف نقلت عَن طييء وَعَن حمير وأنشدوا الحديث: 65 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 68 - (ذَاك خليلي وَذُو يواصلني ... يَرْمِي ورائي بامسهم وامسلمه) وَفِي الحَدِيث لَيْسَ من امبر امصيام فِي امسفر كَذَا رَوَاهُ النمر بن تولب رَضِي الله عَنهُ وَقيل إِن هَذِه اللُّغَة مُخْتَصَّة بالأسماء الَّتِي لَا تُدْغَم لَام التَّعْرِيف فِي أَولهَا نَحْو غُلَام وَكتاب بِخِلَاف رجل وناس ولباس وَحكى لنا بعض طلبة الْيمن أَنه سمع فِي بِلَادهمْ من يَقُول خُذ الرمْح واركب امفرس وَلَعَلَّ ذَلِك لُغَة لبَعْضهِم لَا لجميعهم أَلا ترى إِلَى الْبَيْت السَّابِق وَأَنَّهَا فِي الحَدِيث دخلت على النَّوْعَيْنِ أل على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن تكون اسْما مَوْصُولا بِمَعْنى الَّذِي وفروعه وَهِي الدَّاخِلَة على أَسمَاء الفاعلين والمفعولين قيل وَالصِّفَات المشبهة وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن الصّفة المشبهة للثبوت فَلَا تؤول بِالْفِعْلِ وَلِهَذَا كَانَت الدَّاخِلَة على اسْم التَّفْضِيل لَيست مَوْصُولَة بِاتِّفَاق وَقيل هِيَ فِي الْجَمِيع حرف تَعْرِيف وَلَو صَحَّ ذَلِك لمنعت من إِعْمَال اسْمِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول كَمَا منع مِنْهُ التصغير وَالْوَصْف وَقيل مَوْصُول حرفي وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهَا لَا تؤول بِالْمَصْدَرِ وَرُبمَا وصلت بظرف أَو بجملة اسمية أَو فعلية فعلهَا مضارع وَذَلِكَ دَلِيل على أَنَّهَا لَيست حرف تَعْرِيف فَالْأول كَقَوْلِه الحديث: 68 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 69 - (من لَا يزَال شاكرا على المعه ... فَهُوَ حر بعيشة ذَات سعه) وَالثَّانِي كَقَوْلِه 70 - (من الْقَوْم الرَّسُول الله مِنْهُم ... لَهُم دَانَتْ رِقَاب بني معد) وَالثَّالِث كَقَوْلِه 7 - ( ... صَوت الْحمار اليجدع) والجميع خَاص بالشعر خلافًا للأخفش وَابْن مَالك فِي الْأَخير وَالثَّانِي أَن تكون حرف تَعْرِيف وَهِي نَوْعَانِ عهدية وجنسية وكل مِنْهُمَا ثَلَاثَة أَقسَام فالعهدية إِمَّا أَن يكون مصحوبها معهودا ذكريا نَحْو (كَمَا أرسلنَا إِلَى فِرْعَوْن رَسُولا فعصى فِرْعَوْن الرَّسُول) وَنَحْو فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح فِي زجاجة الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَب دري وَنَحْو اشْتريت فرسا ثمَّ بِعْت الْفرس وعبرة هَذِه أَن يسد الضَّمِير مسدها مَعَ مصحوبها أَو معهودا ذهنيا نَحْو إِذْ هما فِي الْغَار وَنَحْو أَو معهودا حضوريا الحديث: 69 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 قَالَ ابْن عُصْفُور وَلَا تقع هَذِه إِلَّا بعد أَسمَاء الْإِشَارَة نَحْو جَاءَنِي هَذَا الرجل أَو أَي فِي النداء نَحْو يَا أَيهَا الرجل أَو إِذا الفجائية نَحْو خرجت فَإِذا الْأسد أَو فِي اسْم الزَّمَان الْحَاضِر نَحْو الْآن انْتهى وَفِيه نظر تَقول لشاتم رجل بحضرتك لَا تَشْتُم الرجل فَهَذِهِ للحضور فِي غير مَا ذكر وَلِأَن الَّتِي بعد إِذا لَيست لتعريف شَيْء حَاضر حَالَة التَّكَلُّم فَلَا تشبه مَا الْكَلَام فِيهِ وَلِأَن الصَّحِيح فِي الدَّاخِلَة على الْآن أَنَّهَا زَائِدَة لِأَنَّهَا لَازِمَة وَلَا يعرف أَن الَّتِي للتعريف وَردت لَازِمَة بِخِلَاف الزَّائِدَة والمثال الْجيد للمسألة قَوْله تَعَالَى {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} والجنسية إِمَّا لاستغراق الْأَفْرَاد وَهِي الَّتِي تخلفها كل حَقِيقَة نَحْو {وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} وَنَحْو {إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا} أَو لاستغراق خَصَائِص الْأَفْرَاد وَهِي الَّتِي تخلفها كل مجَازًا نَحْو زيد الرجل علما أَي الْكَامِل فِي هَذِه الصّفة وَمِنْه {ذَلِك الْكتاب} أَو لتعريف الْمَاهِيّة وَهِي الَّتِي لَا تخلفها كل لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا نَحْو {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ} وقولك وَالله لَا أَتزوّج النِّسَاء أَو لَا ألبس الثِّيَاب وَلِهَذَا يَقع الْحِنْث بِالْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَبَعْضهمْ يَقُول فِي هَذِه إِنَّهَا لتعريف الْعَهْد فَإِن الْأَجْنَاس أُمُور معهودة فِي الأذهان متميز بَعْضهَا عَن بعض وَيقسم الْمَعْهُود إِلَى شخص وجنس وَالْفرق بَين الْمُعَرّف بأل هَذِه وَبَين اسْم الْجِنْس النكرَة هُوَ الْفرق بَين الْمُقَيد وَالْمُطلق وَذَلِكَ لِأَن ذَا الْألف وَاللَّام يدل على الْحَقِيقَة بِقَيْد حُضُورهَا فِي الذِّهْن وَاسم الْجِنْس النكرَة يدل على مُطلق الْحَقِيقَة لَا بِاعْتِبَار قيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 تَنْبِيه قَالَ ابْن عُصْفُور أَجَازُوا فِي نَحْو مَرَرْت بِهَذَا الرجل كَون الرجل نعتا وَكَونه بَيَانا مَعَ اشتراطهم فِي الْبَيَان أَن يكون أعرف من الْمُبين وَفِي النَّعْت أَلا يكون أعرف من المنعوت فَكيف يكون الشَّيْء أعرف وَغير أعرف وَأجَاب بِأَنَّهُ إِذا قدر بَيَانا قدرت أل فِيهِ لتعريف الْحُضُور فقد يُفِيد الْجِنْس بِذَاتِهِ والحضور بِدُخُول أل وَالْإِشَارَة إِنَّمَا تدل على الْحُضُور دون الْجِنْس وَإِذا قدر نعتا قدرت أل فِيهِ للْعهد وَالْمعْنَى مَرَرْت بِهَذَا وهوالرجل الْمَعْهُود بَيْننَا فَلَا دلَالَة فِيهِ على الْحُضُور وَالْإِشَارَة تدل عَلَيْهِ فَكَانَت أعرف قَالَ وَهَذَا معنى كَلَام سِيبَوَيْهٍ الْوَجْه الثَّالِث أَن تكون زَائِدَة وَهِي نَوْعَانِ لَازِمَة وَغير لَازِمَة فَالْأولى كَالَّتِي فِي الْأَسْمَاء الموصولة على القَوْل بِأَن تَعْرِيفهَا بالصلة وكالواقعة فِي الْأَعْلَام بِشَرْط مقارنتها لنقلها كالنضر والنعمان وَاللات والعزى أَو لارتجالها كالسموأل أَو لغلبتها على بعض من هِيَ لَهُ فِي الأَصْل كالبيت للكعبة وَالْمَدينَة لطيبة والنجم للثريا وَهَذِه فِي الأَصْل لتعريف الْعَهْد وَالثَّانيَِة نَوْعَانِ كَثِيرَة وَاقعَة فِي الفصيح وَغَيرهَا فَالْأولى الدَّاخِلَة على علم مَنْقُول من مُجَرّد صَالح لَهَا ملموح أَصله كحارث وعباس وضحاك فَتَقول فِيهَا الْحَارِث وَالْعَبَّاس وَالضَّحَّاك ويتوقف هَذَا النَّوْع على السماع أَلا ترى أَنه لَا يُقَال مثل ذَلِك فِي نَحْو مُحَمَّد ومعروف وَأحمد وَالثَّانيَِة نَوْعَانِ وَاقعَة فِي الشّعْر وواقعة فِي شذوذ من النثر فَالْأولى كالداخلة على يزِيد وَعَمْرو فِي قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 7 - (باعد أم الْعُمر من أَسِيرهَا ... حراس أَبْوَاب على قُصُورهَا) وَفِي قَوْله 73 - (رَأَيْت الْوَلِيد بن اليزيد مُبَارَكًا ... شَدِيدا بأعباء الْخلَافَة كَاهِله) فَأَما الدَّاخِلَة على وليد فِي الْبَيْت فللمح الأَصْل وَقيل أل فِي اليزيد والعمر للتعريف وإنهما نكرا ثمَّ أدخلت عَلَيْهِمَا أل كَمَا يُنكر الْعلم إِذا أضيف كَقَوْلِه 74 - (علا زيدنا يَوْم النقا رَأس زيدكم ... ) وَاخْتلف فِي الدَّاخِلَة على بَنَات أوبر فِي قَوْله 75 - (وَلَقَد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... وَلَقَد نهيتك عَن بَنَات الأوبر) فَقيل زَائِدَة للضَّرُورَة لِأَن ابْن أوبر علم على نوع من الكمأة ثمَّ جمع على بَنَات أوبر كَمَا يُقَال فِي جمع ابْن عرس بَنَات عرس وَلَا يُقَال بَنو عرس لِأَنَّهُ لما لَا يعقل ورده السخاوي بِأَنَّهَا لَو كَانَت زَائِدَة لَكَانَ وجودهَا كَالْعدمِ فَكَانَ يخفضه بالفتحة لِأَن فِيهِ العلمية وَالْوَزْن وَهَذَا سَهْو مِنْهُ لِأَن أل تَقْتَضِي أَن ينجر الِاسْم بالكسرة وَلَو كَانَت زَائِدَة فِيهِ لِأَنَّهُ قد أَمن فِيهِ التَّنْوِين وَقيل أل فِيهِ للمح الأَصْل لِأَن أوبر صفة كحسن وحسين وأحمر وَقيل للتعريف وَإِن ابْن أوبر نكرَة كَابْن لبون فأل فِيهِ مثلهَا فِي قَوْله 76 - (وَابْن اللَّبُون إِذا مَا لز فِي قرن ... لم يسْتَطع صولة البزل القناعيس) الحديث: 73 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 قَالَ الْمبرد وَيَردهُ أَنه لم يسمع ابْن أوبر إِلَّا مَمْنُوع الصّرْف وَالثَّانيَِة كالواقعة فِي قَوْلهم ادخُلُوا الأول فَالْأول وجاؤوا الْجَمَّاء الْغَفِير وَقِرَاءَة بَعضهم {ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} بِفَتْح الْيَاء لِأَن الْحَال وَاجِبَة التنكير فَإِن قدرت الْأَذَل مَفْعُولا مُطلقًا على حذف مُضَاف أَي خُرُوج الْأَذَل كَمَا قدره الزَّمَخْشَرِيّ لم يحْتَج إِلَى دَعْوَى زِيَادَة أل تَنْبِيه كتب الرشيد لَيْلَة إِلَى القَاضِي أبي يُوسُف يسْأَله عَن قَول الْقَائِل 77 - (فَإِن ترفقي يَا هِنْد فالرفق أَيمن ... وَإِن تخرقي يَا هِنْد فالخرق أشأم) (فإنت طَلَاق وَالطَّلَاق عَزِيمَة ... ثَلَاث وَمن يخرق أعق وأظلم) فَقَالَ مَاذَا يلْزمه إِذا رفع الثَّلَاث وَإِذا نصبها قَالَ أَبُو يُوسُف فَقلت هَذِه مَسْأَلَة نحوية فقهية وَلَا آمن الْخَطَأ إِن قلت فِيهَا برأيي فَأتيت الْكسَائي وَهُوَ فِي فرَاشه فَسَأَلته فَقَالَ إِن رفع ثَلَاثًا طلقت وَاحِدَة لِأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَلَاق ثمَّ أخبر أَن الطَّلَاق التَّام ثَلَاث وَإِن نصبها طلقت ثَلَاثًا لِأَن مَعْنَاهُ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وَمَا بَينهمَا جملَة مُعْتَرضَة فَكتبت بذلك إِلَى الرشيد فَأرْسل إِلَيّ بجوائز فوجهت بهَا إِلَى الْكسَائي انْتهى مُلَخصا وَأَقُول إِن الصَّوَاب أَن كلا من الرّفْع وَالنّصب مُحْتَمل لوُقُوع الثَّلَاث ولوقوع الحديث: 77 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الْوَاحِدَة أما الرّفْع فَلِأَن أل فِي الطَّلَاق إِمَّا لمجاز الْجِنْس كَمَا تَقول زيد الرجل أَي هُوَ الرجل المعتد بِهِ وَإِمَّا للْعهد الذكري مثلهَا فِي {فعصى فِرْعَوْن الرَّسُول} أَي وَهَذَا الطَّلَاق الْمَذْكُور عَزِيمَة ثَلَاث وَلَا تكون للْجِنْس الْحَقِيقِيّ لِئَلَّا يلْزم الْإِخْبَار عَن الْعَام بالخاص كَمَا يُقَال الْحَيَوَان إِنْسَان وَذَلِكَ بَاطِل إِذْ لَيْسَ كل حَيَوَان إنْسَانا وَلَا كل طَلَاق عَزِيمَة وَلَا ثَلَاثًا فعلى العهدية يَقع الثَّلَاث وعَلى الجنسية يَقع وَاحِدَة كَمَا قَالَ الْكسَائي وَأما النصب فَلِأَنَّهُ مُحْتَمل لِأَن يكون على الْمَفْعُول الْمُطلق وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي وُقُوع الطَّلَاق الثَّلَاث إِذْ الْمَعْنى فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا ثمَّ اعْترض بَينهمَا بقوله وَالطَّلَاق عَزِيمَة وَلِأَن يكون حَالا من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي عَزِيمَة وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم وُقُوع الثَّلَاث لِأَن الْمَعْنى وَالطَّلَاق عَزِيمَة إِذا كَانَ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقع مَا نَوَاه هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ معنى هَذَا اللَّفْظ مَعَ قطع النّظر عَن شَيْء آخر وَأما الَّذِي أَرَادَهُ هَذَا الشَّاعِر الْمعِين فَهُوَ الثَّلَاث لقَوْله بعد (فبيني بهَا أَن كنت غير رَفِيقَة ... وَمَا لامرىء بعد الثَّلَاث مقدم) مَسْأَلَة أجَاز الْكُوفِيُّونَ وَبَعض الْبَصرِيين وَكثير من الْمُتَأَخِّرين نِيَابَة أل عَن الضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ وَخَرجُوا على ذَلِك {فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى} ومررت بِرَجُل حسن الْوَجْه وَضرب زيد الظّهْر والبطن إِذا رفع الْوَجْه وَالظّهْر والبطن والمانعون يقدرُونَ هِيَ المأوى لَهُ وَالْوَجْه مِنْهُ وَالظّهْر والبطن مِنْهُ فِي الْأَمْثِلَة وَقيد ابْن مَالك الْجَوَاز بِغَيْر الصِّلَة وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} إِن الأَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 أَسمَاء المسميات وَقَالَ أَبُو شامة فِي قَوْله 78 - (بدأت ب باسم الله فِي النّظم أَولا ... ) إِن الأَصْل فِي نظمي فجوزا نيابتها عَن الظَّاهِر وَعَن ضمير الْحَاضِر وَالْمَعْرُوف من كَلَامهم إِنَّمَا هُوَ التَّمْثِيل بضمير الْغَائِب مَسْأَلَة من الْغَرِيب أَن أل تَأتي للاستفهام وَذَلِكَ فِي حِكَايَة قطرب أل فعلت بِمَعْنى هَل فعلت وَهُوَ من إِبْدَال الْخَفِيف ثقيلا كَمَا فِي الْآل عِنْد سِيبَوَيْهٍ لَكِن ذَلِك سهل لِأَنَّهُ جعل وَسِيلَة إِلَى الْألف الَّتِي هِيَ أخف الْحُرُوف أما بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف على وَجْهَيْن 1 - أَحدهمَا أَن تكون حرف استفتاح بِمَنْزِلَة أَلا وتكثر قبل الْقسم كَقَوْلِه 79 - (أما وَالَّذِي أبكى وأضحك وَالَّذِي ... أمات وَأَحْيَا وَالَّذِي أمره الْأَمر) وَقد تبدل همزتها هَاء أَو عينا قبل الْقسم وَكِلَاهُمَا مَعَ ثُبُوت الْألف وحذفها أَو تحذف الْألف مَعَ ترك الْإِبْدَال وَإِذا وَقعت أَن بعد أما هَذِه كسرت كَمَا تكسر بعد أَلا الاستفتاحية 2 - وَالثَّانِي أَن تكون بِمَعْنى حَقًا أَو أحقا على خلاف فِي ذَلِك سَيَأْتِي الحديث: 78 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَهَذِه تفتح أَن بعْدهَا كَمَا تفتح بعد حَقًا وَهِي حرف عِنْد ابْن خروف وَجعلهَا مَعَ أَن ومعموليها كلَاما تركب من حرف وَاسم كَمَا قَالَه الْفَارِسِي فِي يَا زيد وَقَالَ بَعضهم هِيَ اسْم بِمَعْنى حَقًا وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ كلمتان الْهمزَة للاستفهام وَمَا اسْم بمعني شَيْء وَذَلِكَ الشَّيْء حق فَالْمَعْنى أحقا وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وموصع مَا النصب على الظَّرْفِيَّة كَمَا انتصب حَقًا على ذَلِك فِي نَحْو قَوْله 80 - (أحقا أَن جيرتنا استقلوا ... ) وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ الصَّحِيح بِدَلِيل قَوْله 8 - (أَفِي الْحق أَنِّي مغرم بك هائم ... ) فَأدْخل عَلَيْهَا فِي وَأَن وصلتها مُبْتَدأ والظرف خَبره وَقَالَ الْمبرد حَقًا مصدر لحق محذوفا وَأَن وصلتها فَاعل وَزَاد المالقي ل أما معنى ثَالِثا وَهُوَ أَن تكون حرف عرض بِمَنْزِلَة أَلا فتختص بِالْفِعْلِ نَحْو أما تقوم وَأما تقعد وَقد يدعى فِي ذَلِك أَن الْهمزَة للاستفهام التقريري مثلهَا فِي ألم وَألا وَأَن مَا نَافِيَة وَقد تحذف هَذِه الْهمزَة كَقَوْلِه 8 - (مَا ترى الدَّهْر قد أباد معدا ... وأباد السراة من عدنان) أما بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد وَقد تبدل ميمها الأولى يَاء استثقالا للتضعيف كَقَوْل عمر بن أبي ربيعَة 83 - (رَأَتْ رجلا أَيّمَا إِذا الشَّمْس عارضت ... فيضحى وَأَيّمَا بالْعَشي فيخصر) الحديث: 80 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَهُوَ حرف شَرط وتفصيل وتوكيد أما أَنَّهَا شَرط فبدليل لُزُوم الْفَاء بعْدهَا نَحْو {فَأَما الَّذين آمنُوا فيعلمون أَنه الْحق من رَبهم وَأما الَّذين كفرُوا فَيَقُولُونَ} الْآيَة وَلَو كَانَت الْفَاء للْعَطْف لم تدخل على الْخَبَر إِذْ لَا يعْطف الْخَبَر على مبتدئه وَلَو كَانَت زَائِدَة لصَحَّ الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا وَلما لم يَصح ذَلِك وَقد امْتنع كَونهَا للْعَطْف تعين أَنَّهَا فَاء الْجَزَاء فَإِن قلت قد استغني عَنْهَا فِي قَوْله 84 - (فَأَما الْقِتَال لَا قتال لديكم ... ) قلت هُوَ ضَرُورَة كَقَوْل عبد الرَّحْمَن بن حسان 85 - (من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها ... ) فَإِن قلت فقد حذفت فِي التَّنْزِيل فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم بعد إيمَانكُمْ} قلت الأَصْل فَيُقَال لَهُم أكفرتم فَحذف القَوْل اسْتغْنَاء عَنهُ بالمقول فتبعته الْفَاء فِي الْحَذف وَرب شَيْء يَصح تبعا وَلَا يَصح اسْتِقْلَالا كالحاج عَن غَيره يُصَلِّي عَنهُ رَكْعَتي الطّواف وَلَو صلى أحد عَن غَيره ابْتِدَاء لم يَصح على الصَّحِيح هَذَا قَول الْجُمْهُور وَزعم بعض الْمُتَأَخِّرين أَن فَاء جَوَاب أما لَا تحذف فِي غير الضَّرُورَة أصلا وَأَن الْجَواب فِي الْآيَة {فَذُوقُوا الْعَذَاب} وَالْأَصْل فَيُقَال لَهُم ذوقوا فَحذف الحديث: 84 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 القَوْل وانتقلت الْفَاء إِلَى الْمَقُول وَأَن مَا بَينهمَا اعْتِرَاض وَكَذَا قَالَ فِي آيَة الجاثية {وَأما الَّذين كفرُوا أفلم تكن آياتي تتلى عَلَيْكُم} الْآيَة قَالَ أَصله فَيُقَال لَهُم ألم تكن آياتي ثمَّ حذف القَوْل وتأخرت الْفَاء عَن الْهمزَة وَأما التَّفْصِيل فَهُوَ غَالب أحوالها كَمَا تقدم فِي آيَة الْبَقَرَة وَمن ذَلِك {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين} {وَأما الْغُلَام} {وَأما الْجِدَار} الْآيَات وَقد يتْرك تكرارها اسْتغْنَاء بِذكر أحد الْقسمَيْنِ عَن الآخر أَو بِكَلَام يذكر بعْدهَا فِي مَوضِع ذَلِك الْقسم فَالْأول نَحْو {يَا أَيهَا النَّاس قد جَاءَكُم برهَان من ربكُم وأنزلنا إِلَيْكُم نورا مُبينًا فَأَما الَّذين آمنُوا بِاللَّه واعتصموا بِهِ فسيدخلهم فِي رَحْمَة مِنْهُ وَفضل} أَي وَأما الَّذين كفرُوا بِاللَّه فَلهم كذ وَكَذَا وَالثَّانِي نَحْو {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وابتغاء تَأْوِيله} أَي وَأما غَيرهم فيؤمنون بِهِ ويكلون مَعْنَاهُ إِلَى رَبهم وَيدل على ذَلِك {والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا} أَي كل من الْمُتَشَابه والمحكم من عِنْد الله وَالْإِيمَان بهما وَاجِب وَكَأَنَّهُ قيل وَأما الراسخون فِي الْعلم فَيَقُولُونَ وَهَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الْآيَة فِي أما الْمَفْتُوحَة نَظِير قَوْلك فِي إِمَّا الْمَكْسُورَة إماا أَن تنطق بِخَير وَإِلَّا فاسكت وَسَيَأْتِي ذَلِك كَذَا ظهر لي وعَلى هَذَا فالوقف على {إِلَّا الله} وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ فِي آيَة الْبَقَرَة السَّابِقَة فتأملها وَقد تَأتي لغير تَفْصِيل أصلا نَحْو أما زيد فمنطلق وَأما التوكيد فَقل من ذكره وَلم أر من أحكم شَرحه غير الزَّمَخْشَرِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فَائِدَة أما فِي الْكَلَام أَن تعطيه فضل توكيد تَقول زيد ذَاهِب فَإِذا قصدت توكيد ذَلِك وَأَنه لَا محَالة ذَاهِب وَأَنه بصدد الذّهاب وَأَنه مِنْهُ عَزِيمَة قلت أما زيد فذاهب وَلذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي تَفْسِيره مهما يكن من شَيْء فزيد ذَاهِب وَهَذَا التَّفْسِير مدل بفائدتين بَيَان كَونه توكيدا وَأَنه فِي معنى الشَّرْط انْتهى ويفصل بَين أما وَبَين الْفَاء بِوَاحِد من أُمُور سِتَّة أَحدهَا الْمُبْتَدَأ كالآيات السَّابِقَة وَالثَّانِي الْخَبَر نَحْو أما فِي الدَّار فزيد وَزعم الصفار أَن الْفَصْل بِهِ قَلِيل وَالثَّالِث جملَة الشَّرْط نَحْو {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح} الْآيَات وَالرَّابِع اسْم مَنْصُوب لفظا أَو محلا بِالْجَوَابِ نَحْو {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} الْآيَات وَالْخَامِس اسْم كَذَلِك مَعْمُول لمَحْذُوف يفسره مَا بعد الْفَاء نَحْو أما زيدا فَاضْرِبْهُ وَقِرَاءَة بَعضهم {وَأما ثَمُود فهديناهم} بِالنّصب وَيجب تَقْدِير الْعَامِل بعد الْفَاء وَقبل مَا دخلت عَلَيْهِ لِأَن أما نائبة عَن الْفِعْل فَكَأَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فعل وَالْفِعْل لَا يَلِي الْفِعْل وَأما نَحْو زيد كَانَ يفعل فَفِي كَانَ ضمير فاصل فِي التَّقْدِير وَأما لَيْسَ خلق الله مثله فَفِي لَيْسَ أَيْضا ضمير لكنه ضمير الشَّأْن والْحَدِيث وَإِذا قيل بِأَن لَيْسَ حرف فَلَا إِشْكَال وَكَذَا إِذا قيل فعل يشبه الْحَرْف وَلِهَذَا أهملها بَنو تَمِيم إِذْ قَالُوا لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك بِالرَّفْع وَالسَّادِس ظرف مَعْمُول ل أما لما فِيهَا من معنى الْفِعْل الَّذِي نابت عَنهُ أَو للْفِعْل الْمَحْذُوف نَحْو أما الْيَوْم فَإِنِّي ذَاهِب وَأما فِي الدَّار فَإِن زيدا جَالس وَلَا يكون الْعَامِل مَا بعد الْفَاء لِأَن خبر إِن لَا يتَقَدَّم عَلَيْهَا فَكَذَلِك معموله هَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ والمازني وَالْجُمْهُور وَخَالفهُم الْمبرد وَابْن درسْتوَيْه وَالْفراء فَجعلُوا الْعَامِل نفس الْخَبَر وَتوسع الْفراء فجوزه فِي بَقِيَّة أَخَوَات إِن فَإِن قلت أما الْيَوْم فَأَنا جَالس احْتمل كَون الْعَامِل أما وَكَونه الْخَبَر لعدم الْمَانِع وَإِن قلت أما زيدا فَإِنِّي ضَارب لم يجز أَن يكون الْعَامِل وَاحِدًا مِنْهُمَا وامتنعت الْمَسْأَلَة عِنْد الْجُمْهُور لِأَن أما لَا تنصب الْمَفْعُول ومعمول خبر إِن لَا يتَقَدَّم عَلَيْهَا وَأَجَازَ ذَلِك الْمبرد وَمن وَافقه على تَقْدِير إِعْمَال الْخَبَر تَنْبِيهَانِ الأول أَنه سمع أما العبيد فذو عبيد بِالنّصب وَأما قُريْشًا فَأَنا أفضلهَا وَفِيه عِنْدِي دَلِيل على أُمُور أَحدهَا أَنه لَا يلْزم أَن يقدر مهما يكن من شَيْء بل يجوز أَن يقدر غَيره مِمَّا يَلِيق بِالْمحل إِذْ التَّقْدِير هُنَا مهما ذكرت وعَلى ذَلِك يتَخَرَّج قَوْلهم أما الْعلم فعالم وَأما علما فعالم فَهُوَ أحسن مِمَّا قيل إِنَّه مفعول مُطلق مَعْمُول لما بعد الْفَاء أَو مفعول لأَجله إِن كَانَ مُعَرفا وَحَال إِن كَانَ مُنْكرا وَالثَّانِي أَن أما لَيست العاملة إِذْ لَا يعْمل الْحَرْف فِي الْمَفْعُول بِهِ وَالثَّالِث أَنه يجوز أما زيدا فَإِنِّي أكْرم على تَقْدِير الْعَمَل للمحذوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 التَّنْبِيه الثَّانِي أَنه لَيْسَ من أَقسَام أما الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {أم مَاذَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وَلَا الَّتِي فِي قَول الشَّاعِر 86 - (أَبَا خراشة أما أَنْت ذَا نفر ... فَإِن قومِي لم تأكلهم الضبع) بل هِيَ فيهمَا كلمتان فالتي فِي الْآيَة هِيَ أم المنقطعة وَمَا الاستفهامية وأدغمت الْمِيم فِي الْمِيم للتماثل وَالَّتِي فِي الْبَيْت هِيَ أَن المصدرية وَمَا المزيدة وَالْأَصْل لِأَن كنت فَحذف الْجَار وَكَانَ للاختصار فانفصل الضَّمِير لعدم مَا يتَّصل بِهِ وَجِيء ب مَا عوضا عَن كَانَ وأدغمت النُّون فِي الْمِيم للتقارب إِمَّا الْمَكْسُورَة الْمُشَدّدَة قد تفتح همزتها وَقد تبدل ميمها الأولى يَاء وَهِي مركبة عِنْد سِيبَوَيْهٍ من إِن وَمَا وَقد تحذف مَا كَقَوْلِه 87 - (سقته الرواعد من صيف ... وَإِن من خريف فَلَنْ يعدما) أَي إِمَّا من صيف وَإِمَّا من خريف وَقَالَ الْمبرد والأصمعي إِن فِي هَذَا الْبَيْت شَرْطِيَّة وَالْفَاء فَاء الْجَواب وَالْمعْنَى وَإِن سقته من خريف فَلَنْ يعْدم الرّيّ وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن المُرَاد وصف هَذَا الوعل بِالريِّ على كل حَال وَمَعَ الشَّرْط لَا يلْزم ذَلِك وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة إِن فِي الْبَيْت زَائِدَة وَإِمَّا عاطفة عِنْد أَكْثَرهم أَعنِي إِمَّا الثَّانِيَة فِي نَحْو قَوْلك جَاءَنِي إِمَّا زيد وَإِمَّا عَمْرو وَزعم يُونُس والفارسي وَابْن كيسَان أَنَّهَا غير عاطفة كالأولى الحديث: 86 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَوَافَقَهُمْ ابْن مَالك لملازمتها غَالِبا الْوَاو العاطفة وَمن غير الْغَالِب قَوْله 88 - (يَا ليتما أمنا شالت نعامتها ... أَيّمَا إِلَى جنَّة أَيّمَا إِلَى نَار) وَفِيه شَاهد ثَان وَهُوَ فتح الْهمزَة وثالث وَهُوَ الْإِبْدَال وَنقل ابْن عُصْفُور الْإِجْمَاع على أَن إِمَّا الثَّانِيَة غير عاطفة كالأولى قَالَ وَإِنَّمَا ذكروها فِي بَاب الْعَطف لمصاحبتها لحرفه وَزعم بَعضهم أَن إِمَّا عطفت الِاسْم على الِاسْم وَالْوَاو عطفت إِمَّا على إِمَّا وَعطف الْحَرْف على الْحَرْف غَرِيب وَلَا خلاف أَن إِمَّا الأولى غير عاطفة لاعتراضها بَين الْعَامِل والمعمول فِي نَحْو قَامَ إِمَّا زيد وَإِمَّا عَمْرو وَبَين أحد معمولي الْعَامِل ومعموله الآخر فِي نَحْو رَأَيْت إِمَّا زيدا وَإِذا عمرا وَبَين الْمُبدل مِنْهُ وبدله نَحْو قَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يوعدون إِمَّا الْعَذَاب وَإِمَّا السَّاعَة} فَإِن مَا بعد الأولى بدل مِمَّا قبلهَا ولإما خَمْسَة معَان أَحدهَا الشَّك نَحْو جَاءَنِي إِمَّا زيد وَإِمَّا عَمْرو إِذا لم تعلم الجائي مِنْهُمَا وَالثَّانِي الأبهام نَحْو {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله إِمَّا يعذبهم وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِم} وَالثَّالِث التَّخْيِير نَحْو {إِمَّا أَن تعذب وَإِمَّا أَن تتَّخذ فيهم حسنا} {إِمَّا أَن تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون أول من ألْقى} وَوهم ابْن الشجري فَجعل من الحديث: 88 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 ذَلِك {إِمَّا يعذبهم وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِم} وَالرَّابِع الْإِبَاحَة نَحْو تعلم إِمَّا فقها وَإِمَّا نَحوا وجالس إِمَّا الْحسن وَإِمَّا ابْن سِيرِين وَنَازع فِي ثُبُوت هَذَا الْمَعْنى ل إِمَّا جمَاعَة مَعَ إثباتهم إِيَّاه ل أَو وَالْخَامِس التَّفْصِيل نَحْو {إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} وانتصابهما على هَذَا على الْحَال الْمقدرَة وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ كَون إِمَّا هَذِه هِيَ إِن الشّرطِيَّة وَمَا الزَّائِدَة قَالَ مكي وَلَا يُجِيز البصريون أَن يَلِي الِاسْم أَدَاة الشَّرْط حَتَّى يكون بعده فعل يفسره نَحْو {وَإِن امْرَأَة خَافت} ورد عَلَيْهِ ابْن الشجري بِأَن الْمُضمر هُنَا كَانَ فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله 89 - (قد قيل ذَلِك إِن حَقًا وَإِن كذبا ... ) وَهَذِه الْمعَانِي ل أَو كَمَا سَيَأْتِي إِلَّا أَن إِمَّا يَبْنِي الْكَلَام مَعهَا من أول الْأَمر على مَا جِيءَ بهَا لأَجله من شكّ وَغَيره وَلذَلِك وَجب تكرارها فِي غير ندور وأو يفْتَتح الْكَلَام مَعهَا على الْجَزْم ثمَّ يطْرَأ الشَّك أَو غَيره وَلِهَذَا لم تَتَكَرَّر وَقد يَسْتَغْنِي عَن إِمَّا الثَّانِيَة بِذكر مَا يُغني عَنْهَا نَحْو إِمَّا أَن تَتَكَلَّم بِخَير وَإِلَّا فاسكت وَقَول المثقب الْعَبْدي 90 - (فإمَّا أَن تكون أخي بِصدق ... فأعرف مِنْك غثي من سميني) الحديث: 89 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 (وَإِلَّا فاطرحني واتخذني ... عدوا أتقيك وتتقيني) وَقد يسْتَغْنى عَن الأولى لفظا كَقَوْلِه 9 - (سقته الرواعد من صيف ... ) الْبَيْت وَقد تقدم وَقَوله 9 - (تلم بدار قد تقادم عهدها ... وَإِمَّا بأموات ألم خيالها) أَي إِمَّا بدار وَالْفراء يقيسه فيجيز زيد يقوم وَإِمَّا يقْعد كَمَا يجوز أَو يقْعد تَنْبِيه لَيْسَ من أَقسَام إِمَّا الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا} بل هَذِه إِن الشّرطِيَّة وَمَا الزَّائِدَة أَو حرف عطف ذكر لَهُ الْمُتَأَخّرُونَ مَعَاني انْتَهَت إِلَى اثْنَي عشر الأول الشَّك نَحْو {لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم} وَالثَّانِي الْإِبْهَام نَحْو {وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين} الشَّاهِد فِي الأولى وَقَول الشَّاعِر 93 - (نَحن أَو أَنْتُم الألى ألفوا الْحق ... فبعدا للمبطلين وَسُحْقًا) وَالثَّالِث التَّخْيِير وَهِي الْوَاقِعَة بعد الطّلب وَقبل مَا يمْتَنع فِيهِ الْجمع نَحْو الحديث: 93 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 تزوج هِنْد أَو أُخْتهَا وَخذ من مَالِي دِينَارا أَو درهما فَإِن قلت فقد مثل الْعلمَاء بآيتي الْكَفَّارَة والفدية للتَّخْيِير مَعَ إِمْكَان الْجمع قلت يمْتَنع الْجمع بَين الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة والتحرير اللَّاتِي كل مِنْهُنَّ كَفَّارَة وَبَين الصّيام وَالصَّدَََقَة والنسك اللَّاتِي كل مِنْهُنَّ فديَة بل تقع وَاحِدَة مِنْهُنَّ كَفَّارَة أَو فديَة وَالْبَاقِي قربَة مُسْتَقلَّة خَارِجَة عَن ذَلِك وَالرَّابِع الْإِبَاحَة وَهِي الْوَاقِعَة بعد الطّلب وَقبل مَا يجوز فِيهِ الْجمع نَحْو جَالس الْعلمَاء أَو الزهاد وَتعلم الْفِقْه أَو النَّحْو وَإِذا دخلت لَا الناهية امْتنع فعل الْجَمِيع نَحْو {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} إِذا الْمَعْنى لَا تُطِع أَحدهمَا فَأَيّهمَا فعله فَهُوَ أَحدهمَا وتلخيصه أَنَّهَا تدخل للنَّهْي عَمَّا كَانَ مُبَاحا وَكَذَا حكم النَّهْي الدَّاخِل على التَّخْيِير وفَاقا للسيرافي وَذكر ابْن مَالك أَن أَكثر وُرُود أَو للاباحة فِي التَّشْبِيه نَحْو {فَهِيَ كالحجارة أَو أَشد قسوة} وَالتَّقْدِير نَحْو {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} فَلم يَخُصهَا بالمسبوقة بِالطَّلَبِ وَالْخَامِس الْجمع الْمُطلق كالواو قَالَه الْكُوفِيُّونَ والأخفش والجرمي وَاحْتَجُّوا بقول تَوْبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 94 - (وَقد زعمت ليلى بِأَنِّي فَاجر ... لنَفْسي تقاها أَو عَلَيْهَا فجورها) وَقيل أَو فِيهِ للإبهام وَقَول جرير 95 - (جَاءَ الْخلَافَة أَو كَانَت لَهُ قدرا ... كَمَا أَتَى ربه مُوسَى على قدر) وَالَّذِي رَأَيْته فِي ديوَان جرير إِذْ كَانَت وَقَوله 96 - (وَكَانَ سيان أَن لَا يسرحوا نعما ... أَو يسرحوه بهَا واغبرت السوح) أَي وَكَانَ الشَّأْن أَلا يرعوا الْإِبِل وَأَن يرعوها سيان لوُجُود الْقَحْط وَإِنَّمَا قَدرنَا كَانَ شأنية لِئَلَّا يلْزم الْإِخْبَار عَن النكرَة بالمعرفة وَقَول الراجز 97 - (إِن بهَا أَكْتَل أَو رزاما ... خويربين ينقفان الهاما) إِذْ لم يقل خويربا كَمَا تَقول زيد أَو عَمْرو لص وَلَا تَقول لصان وَأجَاب الْخَلِيل عَن هَذَا بِأَن خويربين بِتَقْدِير أشتم لَا نعت تَابع وَقَول النَّابِغَة 98 - (قَالَت أَلا ليتما هَذَا الْحمام لنا ... إِلَى حمامتنا أَو نصفه فقد) الحديث: 94 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 (فحسبوه فألفوه كَمَا ذكرت ... تسعا وَتِسْعين لم تنقص وَلم تزد) ويقويه أَنه رُوِيَ وَنصفه وَقَوله 99 - (قوم إِذا سمعُوا الصَّرِيخ رَأَيْتهمْ ... مَا بَين ملجم مهرَة أَو سافع) وَمن الْغَرِيب أَن جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَالك ذكرُوا مَجِيء أَو بِمَعْنى الْوَاو ثمَّ ذكرُوا أَنَّهَا تَجِيء بِمَعْنى وَلَا نَحْو {وَلَا على أَنفسكُم أَن تَأْكُلُوا من بُيُوتكُمْ أَو بيُوت آبائكم} وَهَذِه هِيَ تِلْكَ بِعَينهَا وأنما جَاءَت لَا توكيدا للنَّفْي السَّابِق ومانعة من توهم تَعْلِيق النَّفْي بالمجموع لَا بِكُل وَاحِد وَذَلِكَ مُسْتَفَاد من دَلِيل خَارج عَن اللَّفْظ وَهُوَ الْإِجْمَاع وَنَظِيره قَوْلك لَا يحل لَك الزِّنَى وَالسَّرِقَة وَلَو تركت لَا فِي التَّقْدِير لم يضر ذَلِك وَزعم ابْن مَالك أَيْضا أَن أَو الَّتِي للاباحة حَالَة مَحل الْوَاو وَهَذَا أَيْضا مَرْدُود لِأَنَّهُ لَو قيل جَالس الْحسن وَابْن سِيرِين كَانَ الْمَأْمُور بِهِ مجالستهما مَعًا وَلم يخرج الْمَأْمُور عَن الْعهْدَة بمجالسة أَحدهمَا هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف من كَلَام النَّحْوِيين وَلَكِن ذكر الزَّمَخْشَرِيّ عِنْد الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} أَن الْوَاو تَأتي للْإِبَاحَة نَحْو جَالس الْحسن وَابْن سِيرِين وَأَنه إِنَّمَا جِيءَ بالفذلكة دفعا لتوهم إِرَادَة الْإِبَاحَة فِي {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم} وقلده الحديث: 99 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 فِي ذَلِك صَاحب الْإِيضَاح الْبَيَانِي وَلَا تعرف هَذِه الْمقَالة لنحوي وَالسَّادِس الإضراب ك بل فَعَن سِيبَوَيْهٍ إجَازَة ذَلِك بِشَرْطَيْنِ تقدم نفي أَو نهي وإعادة الْعَامِل نَحْو مَا قَامَ زيد أَو مَا قَامَ عَمْرو وَلَا يقم زيد أَو لَا يقم عَمْرو وَنَقله عَنهُ ابْن عُصْفُور وَيُؤَيِّدهُ أَنه قَالَ فِي {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} وَلَو قلت أَو لَا تُطِع كفورا انْقَلب الْمَعْنى يَعْنِي أَنه يصير إضرابا عَن النَّهْي الأول ونهيا عَن الثَّانِي فَقَط وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو عَليّ وَأَبُو الْفَتْح وَابْن برهَان تَأتي للإضراب مُطلقًا احتجاجا بقول جرير 100 - (مَاذَا ترى فِي عِيَال قد برمت بهم ... لم أحص عدتهمْ إِلَّا بعداد) (كَانُوا ثَمَانِينَ أَو زادوا ثَمَانِيَة ... لَوْلَا رجاؤك قد قتلت أَوْلَادِي) وَقِرَاءَة أبي السمال {أَو كلما عَاهَدُوا عهدا نبذه فريق مِنْهُم} بِسُكُون وَاو أَو وَاخْتلف فِي {وأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} فَقَالَ الْفراء بل يزِيدُونَ هَكَذَا جَاءَ فِي التَّفْسِير مَعَ صِحَّته فِي الْعَرَبيَّة وَقَالَ بعض الْكُوفِيّين بِمَعْنى الْوَاو وللبصريين فِيهَا أَقْوَال قيل للابهام وَقيل للتَّخْيِير أَي إِذا رَآهُمْ الرَّائِي تخير بَين أَن يَقُول هم مئة ألف أَو يَقُول هم أَكثر نَقله ابْن الشجري عَن سِيبَوَيْهٍ وَفِي ثُبُوته عَنهُ نظر وَلَا يَصح التَّخْيِير بَين شَيْئَيْنِ الْوَاقِع أَحدهمَا وَقيل الحديث: 100 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 هِيَ للشَّكّ مصروفا إِلَى الرَّائِي ذكره ابْن جني وَهَذِه الْأَقْوَال غير القَوْل بِأَنَّهَا بِمَعْنى الْوَاو مقولة فِي {وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب} {فَهِيَ كالحجارة أَو أَشد قسوة} وَالسَّابِع التَّقْسِيم نَحْو الْكَلِمَة اسْم أَو فعل أَو حرف ذكره ابْن مَالك فِي منظومته الصُّغْرَى وَفِي شرح الْكُبْرَى ثمَّ عدل عَنهُ فِي التسهيل وَشَرحه فَقَالَ تَأتي للتفريق الْمُجَرّد من الشَّك والإبهام والتخيير وَأما هَذِه الثَّلَاثَة فَإِن مَعَ كل مِنْهَا تفريقا مصحوبا بِغَيْرِهِ وَمثل بِنَحْوِ {إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا} {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى} قَالَ وَهَذَا أولى من التَّعْبِير بالتقسيم لِأَن اسْتِعْمَال الْوَاو فِي التَّقْسِيم أَجود نَحْو الْكَلِمَة اسْم وَفعل وحرف وَقَوله 10 - ( ... كَمَا النَّاس مجروم عَلَيْهِ وجارم) وَمن مَجِيئه بِأَو قَوْله 10 - (فَقَالُوا لنا ثِنْتَانِ لَا بُد مِنْهُمَا ... صُدُور رماح أشرعت أَو سلاسل) انْتهى ومجيء الْوَاو فِي التَّقْسِيم أَكثر لَا يَقْتَضِي أَن أَو لَا تَأتي لَهُ بل إثْبَاته الأكثرية للواو يَقْتَضِي ثُبُوته بقلة ل أَو وَقد صرح بِثُبُوتِهِ فِي الْبَيْت الثَّانِي وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل لاحْتِمَال أَن يكون الْمَعْنى لَا بُد من أَحدهمَا فَحذف الْمُضَاف كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 قيل فِي {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان} وَغَيره عدل عَن العبارتين فَعبر بالتفصيل وَمثله بقوله تَعَالَى {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى} {قَالُوا سَاحر أَو مَجْنُون} إِذا الْمَعْنى وَقَالَت الْيَهُود كونُوا هودا وَقَالَت النَّصَارَى كونُوا نَصَارَى وَقَالَ بَعضهم سَاحر وَقَالَ بَعضهم مَجْنُون فأو فيهمَا لتفصيل الْإِجْمَال فِي {قَالُوا} وتعسف ابْن الشجري فَقَالَ فِي الْآيَة الأولى إِنَّهَا حذف مِنْهَا مُضَاف وواو وجملتان فعليتان وَتَقْدِيره وَقَالَ بَعضهم يَعْنِي الْيَهُود كونُوا هودا وَقَالَ بَعضهم يَعْنِي النَّصَارَى كونُوا نَصَارَى قَالَ فَأَقَامَ {أَو نَصَارَى} مقَام ذَلِك كُله وَذَلِكَ دَلِيل على شرف هَذَا الْحَرْف انْتهى وَالثَّامِن أَن تكون بِمَعْنى إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء وَهَذِه ينْتَصب الْمُضَارع بعْدهَا بإضمار أَن كَقَوْلِك لأقتلنه أَو يسلم وَقَوله 103 - (وَكنت إِذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أَو تستقيما) وَحمل عَلَيْهِ بعض الْمُحَقِّقين قَوْله تَعَالَى {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة} فَقدر {تفرضوا} مَنْصُوبًا بِأَن مضمرة لَا مَجْزُومًا بالْعَطْف على {تمَسُّوهُنَّ} لِئَلَّا يصير الْمَعْنى لَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا يتَعَلَّق بمهور النِّسَاء إِن طلقتموهن فِي مُدَّة انْتِفَاء أحد هذَيْن الْأَمريْنِ مَعَ أَنه إِذا انْتَفَى الْفَرْض دون الْمَسِيس لزم مهر الْمثل وَإِذا انْتَفَى الْمَسِيس دون الْفَرْض لزم نصف الْمُسَمّى فَكيف يَصح نفي الْجنَاح عِنْد انْتِفَاء أحد الْأَمريْنِ وَلِأَن المطلقات الْمَفْرُوض الحديث: 103 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 لَهُنَّ قد ذكرن ثَانِيًا بقوله تَعَالَى {وَإِن طلقتموهن} الْآيَة وَترك ذكر الممسوسات لما تقدم من الْمَفْهُوم وَلَو كَانَ (تفرضوا) مَجْزُومًا لكَانَتْ الممسوسات والمفروض لَهُنَّ مستويين فِي الذّكر وَإِذا قدرت أَو بِمَعْنى إِلَّا خرجت الْمَفْرُوض لَهُنَّ عَن مُشَاركَة الممسوسات فِي الذّكر وَأجَاب ابْن الْحَاجِب عَن الأول بِمَنْع كَون الْمَعْنى مُدَّة انْتِفَاء أَحدهمَا بل مُدَّة لم يكن وَاحِد مِنْهُمَا وَذَلِكَ بنفيهما جَمِيعًا لِأَنَّهُ نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي الصَّرِيح بِخِلَاف الأول فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي إِلَّا أَحدهمَا وَأجَاب بَعضهم عَن الثَّانِي بِأَن ذكر الْمَفْرُوض لَهُنَّ إِنَّمَا كَانَ لتعيين النّصْف لَهُنَّ لَا لبَيَان أَن لَهُنَّ شَيْئا فِي الْجُمْلَة وَقيل أَو بِمَعْنى الْوَاو وَيُؤَيِّدهُ قَول الْمُفَسّرين إِنَّهَا نزلت فِي رجل أَنْصَارِي طلق امْرَأَته قبل الْمَسِيس وَقبل الْفَرْض وفيهَا قَول آخر سَيَأْتِي وَالتَّاسِع أَن تكون بِمَعْنى إِلَى وَهِي كَالَّتِي قبلهَا فِي انتصاب الْمُضَارع بعْدهَا بِأَن مضمرة نَحْو لألزمنك أَو تقضيني حَقي وَقَوله 104 - (لأستسلهن الصعب أَو أدْرك المنى ... فَمَا انقادت الآمال إِلَّا لصابر) وَمن قَالَ فِي {أَو تفرضوا} إِنَّه مَنْصُوب جوز هَذَا الْمَعْنى فِيهِ وَيكون غَايَة لنفي الْجنَاح لَا لنفي الْمَسِيس وَقيل أَو بِمَعْنى الْوَاو والعاشر التَّقْرِيب نَحْو مَا أَدْرِي أسلم أَو ودع قَالَه الحريري وَغَيره الْحَادِي عشر الشّرطِيَّة نَحْو لأضربنه عَاشَ أَو مَاتَ أَي إِن عَاشَ بعد الضَّرْب وَإِن مَاتَ وَمثله لآتينك أَعْطَيْتنِي أَو حرمتني قَالَه ابْن الشجري الحديث: 104 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الثَّانِي عشر التَّبْعِيض نَحْو {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى} نَقله ابْن الشجري عَن بعض الْكُوفِيّين وَالَّذِي يظْهر لي أَنه إِنَّمَا اراد معنى التَّفْصِيل السَّابِق فَإِن كل وَاحِد مِمَّا قبل أَو التفصيلية وَمَا بعْدهَا بعض لما تقدم عَلَيْهِمَا من الْمُجْمل وَلم يرد أَنَّهَا ذكرت لتفيد مُجَرّد معنى التَّبْعِيض تَنْبِيه التَّحْقِيق أَن أَو مَوْضُوعَة لأحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء وَهُوَ الَّذِي يَقُوله المتقدمون وَقد تخرج إِلَى معنى بل وَإِلَى معنى الْوَاو وَأما بَقِيَّة الْمعَانِي فمستفاده من غَيرهَا وَمن الْعجب أَنهم ذكرُوا أَن من مَعَاني صِيغَة افْعَل التَّخْيِير وَالْإِبَاحَة ومثلوه بِنَحْوِ خُذ من مَالِي درهما أَو دِينَارا أَو جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين ثمَّ ذكرُوا أَن أوتفيدهما ومثلوا بالمثالين الْمَذْكُورين لذَلِك وَمن الْبَين الْفساد هَذَا الْمَعْنى الْعَاشِر وأو فِيهِ إِنَّمَا هِيَ للشَّكّ على زعمهم وَإِنَّمَا اسْتُفِيدَ معنى التَّقْرِيب من إِثْبَات اشْتِبَاه السَّلَام بالتوديع إِذْ حُصُول ذَلِك مَعَ تبَاعد مَا بَين الْوَقْتَيْنِ مُمْتَنع أَو مستبعد وَيَنْبَغِي لمن قَالَ إِنَّهَا تَأتي للشرطية أَن يَقُول وللعطف لِأَنَّهُ قدر مَكَانهَا وَإِن وَالْحق أَن الْفِعْل الَّذِي قبلهَا دَال على معنى حرف الشَّرْط كَمَا قدره هَذَا الْقَائِل وَأَن أَو على بَابهَا وَلكنهَا لما عطفت على مَا فِيهِ معنى الشَّرْط دخل الْمَعْطُوف فِي معنى الشَّرْط أَلا بِفَتْح الْهمزَة وَالتَّخْفِيف على خَمْسَة أوجه أَحدهَا أَن تكون للتّنْبِيه فتدل على تحقق مَا بعْدهَا وَتدْخل على الجملتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 نَحْو {أَلا إِنَّهُم هم السُّفَهَاء} {أَلا يَوْم يَأْتِيهم لَيْسَ مصروفا عَنْهُم} وَيَقُول المعربون فِيهَا حرف استفتاح فيبينون مَكَانهَا ويهملون مَعْنَاهَا وإفادتها التَّحْقِيق من جِهَة تركيبها من الْهمزَة وَلَا وهمزة الِاسْتِفْهَام إِذا دخلت على النَّفْي أفادت التَّحْقِيق نَحْو {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ ولكونها بِهَذَا المنصب من التَّحْقِيق لَا تكَاد تقع الْجُمْلَة بعْدهَا إِلَّا مصدرة بِنَحْوِ مَا يتلَقَّى بِهِ الْقسم نَحْو {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله} وَأُخْتهَا أما من مُقَدمَات الْيَمين وطلائعه كَقَوْلِه 105 - (أما وَالَّذِي لَا يعلم الْغَيْب غَيره ... ويحيي الْعِظَام الْبيض وَهِي رَمِيم) وَقَوله 106 - (أما وَالَّذِي أبكى وأضحك وَالَّذِي ... أمات وَأَحْيَا وَالَّذِي أمره الْأَمر) وَالثَّانِي التوبيخ وَالْإِنْكَار كَقَوْلِه 107 - (أَلا طعان أَلا فرسَان عَادِية ... إِلَّا تجشؤكم حول التنانير) وَقَوله 108 - (أَلا ارعواء لمن ولت شبيبته ... وآذنت بمشيب بعده هرم) الحديث: 105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَالثَّالِث التَّمَنِّي كَقَوْلِه 109 - (أَلا عمر ولى مستطاع رُجُوعه ... فيرأب مَا أثأت يَد الغفلات) وَلِهَذَا نصب يرأب لِأَنَّهُ جَوَاب تمن مقرون بِالْفَاءِ وَالرَّابِع الِاسْتِفْهَام عَن النَّفْي كَقَوْلِه 110 - (أَلا اصطبار لسلمى أم لَهَا جلد ... إِذا أُلَاقِي الَّذِي لاقاه أمثالي) وَفِي هَذَا الْبَيْت رد على من أنكر وجود هَذَا الْقسم وَهُوَ الشلوبين وَهَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة مُخْتَصَّة بِالدُّخُولِ على الْجُمْلَة الاسمية وتعمل عمل لَا التبرئة وَلَكِن تخْتَص الَّتِي لِلتَّمَنِّي بِأَنَّهَا لَا خبر لَهَا لفظا وَلَا تَقْديرا وبأنها لَا يجوز مُرَاعَاة محلهَا مَعَ اسْمهَا وَأَنَّهَا لَا يجوز إلغاؤها وَلَو تَكَرَّرت أما الأول فَلِأَنَّهَا بِمَعْنى أَتَمَنَّى وأتمنى لَا خبر لَهُ وَأما الْآخرَانِ فَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة لَيْت وَهَذَا كُله قَول سِيبَوَيْهٍ وَمن وَافقه وعَلى هَذَا فَيكون قَوْله فِي الْبَيْت مستطاع رُجُوعه مُبْتَدأ وخبرا على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالْجُمْلَة صفة ثَانِيَة على اللَّفْظ وَلَا يكون مستطاع خَبرا أَو نعتا على الْمحل ورجوعه مَرْفُوع بِهِ عَلَيْهِمَا لما بَينا وَالْخَامِس الْعرض والتحضيض ومعناهما طلب الشَّيْء لَكِن الْعرض طلب بلين والتحضيض طلب بحث وتختص أَلا هَذِه بالفعلية نَحْو {أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم} {أَلا تقاتلون قوما نكثوا أَيْمَانهم} وَمِنْه عِنْد الْخَلِيل قَوْله 11 - (أَلا رجلا جزاه الله خيرا ... يدل على محصلة تبيت) وَالتَّقْدِير عِنْده أَلا تروني رجلا هَذِه صفته فَحذف الْفِعْل مدلولا عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الحديث: 109 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وَزعم بَعضهم أَنه مَحْذُوف على شريطة التَّفْسِير أَي أَلا جزى الله رجلا جزاه خيرا وَألا على هَذَا للتّنْبِيه وَقَالَ يُونُس أَلا لِلتَّمَنِّي وَنون اسْم لَا للضَّرُورَة وَقَول الْخَلِيل أولى لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة فِي إِضْمَار الْفِعْل بِخِلَاف التَّنْوِين وإضمار الْخَلِيل أولى من إِضْمَار غَيره لِأَنَّهُ لم يرد أَن يَدْعُو لرجل على هَذِه الصّفة وَإِنَّمَا قَصده طلبه وَأما قَول ابْن الْحَاجِب فِي تَضْعِيف هَذَا القَوْل إِن يدل صفة لرجل فَيلْزم الْفَصْل بَينهمَا بِالْجُمْلَةِ المفسرة وَهِي أَجْنَبِيَّة فمردود بقوله تَعَالَى {إِن امْرُؤ هلك لَيْسَ لَهُ ولد} ثمَّ الْفَصْل بِالْجُمْلَةِ لَازم وَإِن لم تقدر مفسرة إِذْ لَا تكون صفة لِأَنَّهَا إنشائية إِلَّا بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد على أَرْبَعَة أوجه 1 - أَحدهَا أَن تكون للاستثناء نَحْو {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا} وانتصاب مَا بعْدهَا فِي هَذِه الْآيَة وَنَحْوهَا بهَا على الصَّحِيح وَنَحْو {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} وارتفاع مَا بعْدهَا فِي هَذِه الْآيَة وَنَحْوهَا على أَنه بدل بعض من كل عِنْد الْبَصرِيين ويبعده أَنه لَا ضمير مَعَه فِي نَحْو مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا زيد كَمَا فِي نَحْو أكلت الرَّغِيف ثلثه وَأَنه مُخَالف للمبدل مِنْهُ فِي النَّفْي والايجاب وعَلى أَنه مَعْطُوف على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَإِلَّا حرف عطف عِنْد الْكُوفِيّين وَهِي بِمَنْزِلَة لَا العاطفة فِي أَن مَا بعْدهَا مُخَالف لما قبلهَا لَكِن ذَاك منفي بعد إِيجَاب وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 مُوجب بعد نفي ورد بقَوْلهمْ مَا قَامَ إِلَّا زيد وَلَيْسَ شَيْء من أحرف الْعَطف يَلِي الْعَامِل وَقد يُجَاب بِأَنَّهُ لَيْسَ تَالِيهَا فِي التَّقْدِير إِذْ الأَصْل مَا قَامَ أحد إِلَّا زيد 2 - الثَّانِي أَن تكون صفة بِمَنْزِلَة غير فيوصف بهَا وبتاليها جمع مُنكر أَو شبهه فمثال الْجمع الْمُنكر {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} فَلَا يجوز فِي إِلَّا هَذِه أَن تكون للاستثناء من جِهَة الْمَعْنى إِذْ التَّقْدِير حِينَئِذٍ لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة لَيْسَ فيهم الله لفسدتا وَذَلِكَ يَقْتَضِي بمفهومه أَنه لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة فيهم الله لم تفسدا وَلَيْسَ ذَلِك المُرَاد وَلَا من جِهَة اللَّفْظ لِأَن آلِهَة جمع مُنكر فِي الْإِثْبَات فَلَا عُمُوم لَهُ فَلَا يَصح الِاسْتِثْنَاء مِنْهُ فَلَو قلت قَامَ رجال إِلَّا زيدا لم يَصح اتِّفَاقًا وَزعم الْمبرد أَن إِلَّا فِي هَذِه الْآيَة للاستثناء وَأَن مَا بعْدهَا بدل محتجا بِأَن لَو تدل على الِامْتِنَاع وَامْتِنَاع الشَّيْء انتفاؤه وَزعم أَن التفريغ بعْدهَا جَائِز وَأَن نَحْو لَو كَانَ مَعنا إِلَّا زيد أَجود كَلَام وَيَردهُ أَنهم لَا يَقُولُونَ لَو جَاءَنِي ديار أكرمته وَلَا لَو جَاءَنِي من أحد أكرمته وَلَو كَانَت بِمَنْزِلَة النَّافِي لجَاز ذَلِك كَمَا يجوز مَا فِيهَا ديار وَمَا جَاءَنِي من أحد وَلما لم يجز ذَلِك دلّ على أَن الصَّوَاب قَول سِيبَوَيْهٍ إِن إِلَّا وَمَا بعْدهَا صفة قَالَ الشلوبين وَابْن الضائع وَلَا يَصح الْمَعْنى حَتَّى تكون إِلَّا بِمَعْنى غير الَّتِي يُرَاد بهَا الْبَدَل والعوض قَالَا وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى فِي الْمِثَال الَّذِي ذكره سِيبَوَيْهٍ تَوْطِئَة للمسألة وَهُوَ لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد لغلبنا أَي رجل مَكَان زيد أَو عوضا من زيد انْتهى قلت وَلَيْسَ كَمَا قَالَا بل الْوَصْف فِي الْمِثَال وَفِي الْآيَة مُخْتَلف فَهُوَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْمِثَال مُخَصص مثله فِي قَوْلك جَاءَ رجل مَوْصُوف بِأَنَّهُ غير زيد وَفِي الْآيَة مُؤَكد مثله فِي قَوْلك مُتَعَدد مَوْصُوف بِأَنَّهُ غير الْوَاحِد وَهَكَذَا الحكم أبدا إِن طابق مَا بعد إِلَّا موصوفها فالوصف مُخَصص لَهُ وَإِن خَالفه بإفراد أَو غَيره فالوصف مُؤَكد وَلم أر من أفْصح عَن هَذَا لَكِن النَّحْوِيين قَالُوا إِذا قيل لَهُ عِنْدِي عشرَة إِلَّا درهما فقد أقرّ لَهُ بِتِسْعَة فَإِن قَالَ إِلَّا دِرْهَم فقد أقرّ لَهُ بِعشْرَة وسره أَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ عشرَة مَوْصُوفَة بِأَنَّهَا غير دِرْهَم وكل عشرَة فَهِيَ مَوْصُوفَة بذلك فالصفة هُنَا مُؤَكدَة صَالِحَة للاسقاط مثلهَا فِي {نفخة وَاحِدَة} وتتخرج الْآيَة على ذَلِك إِذْ الْمَعْنى حِينَئِذٍ لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة لفسدتا أَي إِن الْفساد يَتَرَتَّب على تَقْدِير تعدد الالهة وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى المُرَاد وَمِثَال الْمُعَرّف الشبيه بالمنكر قَوْله 11 - (أنيخت فَأَلْقَت بَلْدَة فَوق بَلْدَة ... قَلِيل بهَا الْأَصْوَات إِلَّا بغامها) فَإِن تَعْرِيف الْأَصْوَات تَعْرِيف الْجِنْس وَمِثَال شبه الْجمع قَوْله 113 - (لَو كَانَ غَيْرِي سليمى الدَّهْر غَيره ... وَقع الْحَوَادِث إِلَّا الصارم الذّكر) فإلا الصارم صفة لغيري وَمُقْتَضى كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا يشْتَرط كَون الْمَوْصُوف جمعا أَو شبهه لتمثيله ب لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد لغلبنا وَهُوَ لَا يجْرِي لَو مجْرى النَّفْي كَمَا يَقُول الْمبرد وتفارق إِلَّا هَذِه غيرا من وَجْهَيْن الحديث: 113 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 أَحدهمَا أَنه لَا يجوز حذف موصوفها لَا يُقَال جَاءَنِي إِلَّا زيد وَيُقَال جَاءَنِي غير زيد ونظيرها فِي ذَلِك الْجمل والظروف فَإِنَّهَا تقع صِفَات وَلَا يجوز أَن تنوب عَن موصوفاتها وَالثَّانِي أَنه لَا يُوصف بهَا إِلَّا حَيْثُ يَصح الِاسْتِثْنَاء فَيجوز عِنْدِي دِرْهَم إِلَّا دانق لِأَنَّهُ يجوز إِلَّا دانقا وَيمْتَنع إِلَّا جيد لِأَنَّهُ يمْتَنع إِلَّا جيدا وَيجوز دِرْهَم غير جيد قَالَه جماعات وَقد يُقَال إِنَّه مُخَالف لقَولهم فِي {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله} لآيَة ولمثال سِيبَوَيْهٍ لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد لغلبنا وَشرط ابْن الْحَاجِب فِي وُقُوع إِلَّا صفة تعذر الِاسْتِثْنَاء وَجعل من الشاذ قَوْله 114 - (وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ ... لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان) وَالْوَصْف هُنَا مُخَصص لَا مُؤَكد لما بيّنت من الْقَاعِدَة 3 - وَالثَّالِث أَن تكون عاطفة بِمَنْزِلَة الْوَاو فِي التَّشْرِيك فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى ذكره الْأَخْفَش واالفراء وَأَبُو عُبَيْدَة وَجعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} {لَا يخَاف لدي المُرْسَلُونَ إِلَّا من ظلم ثمَّ بدل حسنا بعد سوء} أَي وَلَا الَّذين ظلمُوا وَلَا من ظلم وتأولهما الْجُمْهُور على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع 4 - وَالرَّابِع أَن تكون زَائِدَة قَالَه الْأَصْمَعِي وَابْن جني وحملا عَلَيْهِ قَوْله الحديث: 114 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 115 - (حراجيج مَا تنفك إِلَّا مناخة ... على الْخَسْف أَو نرمي بهابلدا قفرا) وَابْن مَالك وَحمل عَلَيْهِ قَوْله 116 - (أرى الدَّهْر إِلَّا منجنونا بأَهْله ... وَمَا صَاحب الْحَاجَات إِلَّا معذبا) وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظ وَمَا الدَّهْر ثمَّ إِن صحت رِوَايَته فَتخرج على أَن أرى جَوَاب لقسم مُقَدّر وحذفت لَا كحذفها فِي {تالله تفتأ} وَدلّ على ذَلِك الِاسْتِثْنَاء المفرغ وَأما بَيت ذِي الرمة فَقيل غلط مِنْهُ وَقيل من الروَاة وَإِن الرِّوَايَة آلا بِالتَّنْوِينِ أَي شخصا وَقيل تنفك تَامَّة بِمَعْنى مَا تنفصل عَن التَّعَب أَو مَا تخلص مِنْهُ فنفيها نفي ومناخة حَال وَقل جمَاعَة كَثِيرَة هِيَ نَاقِصَة وَالْخَبَر على الْخَسْف ومناخة حَال وَهَذَا فَاسد لبَقَاء الْإِشْكَال إِذْ لَا يُقَال جَاءَ زيد إِلَّا رَاكِبًا تَنْبِيه لَيْسَ من أَقسَام إِلَّا الَّتِي فِي نَحْو {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله} وَإِنَّمَا هَذِه كلمتان إِن الشّرطِيَّة وَلَا النافية وَمن الْعجب أَن ابْن مَالك على إِمَامَته ذكرهَا فِي شرح التسهيل من أَقسَام إِلَّا أَلا بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد حرف تحضيض مُخْتَصّ بالجمل الفعلية الخبرية كَسَائِر أدوات التحضيض فَأَما قَوْله الحديث: 115 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 117 - (ونبئت ليلى أرْسلت بشفاعة ... إِلَيّ فَهَلا نفس ليلى شفيعها) فالتقدير فَهَلا كَانَ هُوَ أَي الشَّأْن وَقيل التَّقْدِير فَهَلا شفعت نفس ليلى لِأَن الْإِضْمَار من جنس الْمَذْكُور أَقيس وشفيعها على هَذَا خبر لمَحْذُوف أَي هِيَ شفيعها تَنْبِيه لَيْسَ من أَقسَام أَلا الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَلا تعلوا عَليّ} بل هَذِه كلمتان أَن الناصبة وَلَا النافية أَو أَن المفسرة أَو المخففة من الثَّقِيلَة وَلَا الناهية وَلَا مَوضِع لَهَا على هَذَا وعَلى الأول فَهِيَ بدل من {كتاب} على أَنه بِمَعْنى مَكْتُوب وعَلى أَن الْخَبَر بِمَعْنى الطّلب بِقَرِينَة {وأتوني} وَمثلهَا {أَلا يسجدوا} فِي قِرَاءَة التَّشْدِيد لَكِن إِن فِيهَا الناصبة لَيْسَ غير وَلَا فِيهَا مُحْتَملَة للنَّفْي فَتكون أَلا بَدَلا من {أَعْمَالهم} أَو خَبرا لمَحْذُوف أَي أَعْمَالهم أَلا يسجدوا وللزيادة فَتكون {إِلَّا} مخفوضة بَدَلا من {السَّبِيل} أَو مُخْتَلفا فِيهَا أمخفوضة هِيَ أم مَنْصُوبَة وَذَلِكَ على أَن الأَصْل لِئَلَّا وَاللَّام مُتَعَلقَة ب {يَهْتَدُونَ} الحديث: 117 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 إِلَى حرف جر لَهُ ثَمَانِيَة معَان أَحدهَا انْتِهَاء الْغَايَة الزمانية نَحْو {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} والمكانية نَحْو {من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} وَإِذا دلّت قرينَة على دُخُول مَا بعْدهَا نَحْو قَرَأت الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره أَو خُرُوجه نَحْو {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} وَنَحْو {فنظرة إِلَى ميسرَة} عمل بهَا وَإِلَّا فَقيل يدْخل إِن كَانَ من الْجِنْس وَقيل يدْخل مُطلقًا وَقيل لَا يدْخل مُطلقًا وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن الْأَكْثَر مَعَ الْقَرِينَة عدم الدُّخُول فَيجب الْحمل عَلَيْهِ عِنْد التَّرَدُّد وَالثَّانِي الْمَعِيَّة وَذَلِكَ إِذا ضممت شَيْئا إِلَى آخر وَبِه قَالَ الْكُوفِيُّونَ وَجَمَاعَة من الْبَصرِيين فِي {من أَنْصَارِي إِلَى الله} وَقَوْلهمْ الذود إِلَى الذود إبل والذود من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة وَلَا يجوز إِلَى زيد مَال تُرِيدُ مَعَ زيد مَال وَالثَّالِث التَّبْيِين وَهِي المبينة لفاعلية مجرورها بعد مَا يُفِيد حبا أَو بغضا من فعل تعجب أَو اسْم تَفْضِيل نَحْو {رب السجْن أحب إِلَيّ} وَالرَّابِع مرادفة اللَّام نَحْو {وَالْأَمر إِلَيْك} وَقيل لانْتِهَاء الْغَايَة أَي منته إِلَيْك وَيَقُولُونَ أَحْمد إِلَيْك الله سُبْحَانَهُ أَي أنهِي حَمده إِلَيْك وَالْخَامِس مُوَافقَة فِي ذكره جمَاعَة فِي قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 118 - (فَلَا تتركني بالوعيد كأنني ... إِلَى النَّاس مَطْلِي بِهِ القار أجرب) قَالَ ابْن مَالك وَيُمكن أَن يكون مِنْهُ {ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} وَتَأَول بَعضهم الْبَيْت على تعلق إِلَى بِمَحْذُوف أَي مَطْلِي بالقار مُضَافا إِلَى النَّاس فَحذف وقلب الْكَلَام وَقَالَ ابْن عُصْفُور هُوَ على تضمين مَطْلِي معنى مبغض قَالَ وَلَو صَحَّ مَجِيء إِلَى بِمَعْنى فِي لجَاز زيد إِلَى الْكُوفَة وَالسَّادِس الِابْتِدَاء كَقَوْلِه 119 - (تَقول وَقد عاليت بالكور فَوْقهَا ... أيسقى فَلَا يرْوى إِلَيّ ابْن أحمرا) أَي مني وَالسَّابِع مُوَافقَة عِنْد كَقَوْلِه 120 - (أم لَا سَبِيل إِلَى الشَّبَاب وَذكره ... أشهي إِلَيّ من الرَّحِيق السلسل) وَالثَّامِن التوكيد وَهِي الزَّائِدَة أثبت ذَلِك الْفراء مستدلا بِقِرَاءَة بَعضهم {أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} بِفَتْح الْوَاو وَخرجت على تضمين تهوى معنى تميل أَو أَن الأَصْل تهوي بِالْكَسْرِ فقلبت الكسرة فَتْحة وَالْيَاء ألفا كَمَا يُقَال فِي رَضِي رضَا وَفِي نَاصِيَة ناصاة قَالَه ابْن مَالك وَفِيه نظر لِأَن شَرط هَذِه اللُّغَة تحرّك الْيَاء فِي الأَصْل إِي بِالْكَسْرِ والسكون حرف جَوَاب بِمَعْنى نعم فَيكون لتصديق المخب 6 ر ولإعلام المستخبر ولوعد الحديث: 118 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الطَّالِب فَتَقَع بعد قَامَ زيد وَهل قَامَ زيد وَاضْرِبْ زيدا ونحوهن كَمَا تقع نعم بعدهن وَزعم ابْن الْحَاجِب أَنَّهَا إِنَّمَا تقع بعد الِاسْتِفْهَام نَحْو {ويستنبئونك أَحَق هُوَ قل إِي وربي إِنَّه لحق} وَلَا تقع عِنْد الْجَمِيع إِلَّا قبل الْقسم وَإِذا قيل أَي وَالله ثمَّ اسقطت الْوَاو جَازَ سُكُون الْيَاء وَفتحهَا وحذفها وعَلى الأول فيلتقي ساكنان على غير حدهما أَي بِالْفَتْح والسكون على وَجْهَيْن حرف لنداء الْبعيد أَو الْقَرِيب أَو الْمُتَوَسّط على خلاف فِي ذَلِك قَالَ الشَّاعِر 12 - (ألم تسمعي أَي عبد فِي رونق الضحا ... بكاء حمامات لَهُنَّ هدير) وَفِي الحَدِيث أَي رب وَقد تمد ألفها وحرف تَفْسِير تَقول عِنْد عسجد أَي ذهب وغضنفر أَي أَسد وَمَا بعْدهَا عطف بَيَان على مَا قبلهَا أَو بدل لَا عطف نسق خلافًا للكوفيين وصاحبي الْمُسْتَوْفى والمفتاح لأَنا لم نر عاطفا يصلح للسقوط دَائِما وَلَا عاطفا ملازما لعطف الشَّيْء على مرادفه وَتَقَع تَفْسِيرا للجمل أَيْضا كَقَوْلِه 12 - (وترمينني بالطرف أَي أَنْت مذنب ... وتقلينني لَكِن إياك لَا أقلي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وَإِذا وَقعت بعد تَقول وَقبل فعل مُسْند للضمير حُكيَ الضَّمِير نَحْو تَقول استكتمته الحَدِيث أَي سَأَلته كِتْمَانه يُقَال ذَلِك بِضَم التَّاء وَلَو جِئْت ب إِذا مَكَان أَي فتحت التَّاء فَقلت إِذا سَأَلته لِأَن إِذا ظرف ل تَقول وَقد نظم ذَلِك بَعضهم فَقَالَ (إِذا كنيت بِأَيّ فعلا تفسره ... فضم تاءك فِيهِ ضم معترف) (وَإِن تكن بإذا يَوْمًا تفسره ... ففتحة التَّاء أَمر غير مُخْتَلف) أَي بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء اسْم يَأْتِي على خَمْسَة أوجه 1 - شرطا نَحْو {أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} {أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت فَلَا عدوان عَليّ} 2 - واستفهاما نَحْو {أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا} {فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ} وَقد تخفف كَقَوْلِه 123 - (تنظرت نصرا والسماكين أَيهمَا ... عَليّ من الْغَيْث استهلت مواطره) 3 - وموصولا نَحْو {لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد} التَّقْدِير لننزعن الَّذِي هُوَ أَشد قَالَه سِيبَوَيْهٍ وَخَالفهُ الْكُوفِيُّونَ وَجَمَاعَة من الْبَصرِيين لأَنهم يرَوْنَ أَن أيا الموصولة معربة دَائِما كالشرطية والاستفهامية قَالَ الزّجاج الحديث: 123 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 مَا تبين لي أَن سِيبَوَيْهٍ غلط إِلَّا فِي موضِعين هَذَا أَحدهمَا فَإِنَّهُ يسلم أَنَّهَا تعرب إِذا أفردت فَكيف يَقُول ببنائها إِذا أضيفت وَقَالَ الْجرْمِي خرجت من الْبَصْرَة فَلم أسمع مُنْذُ فَارَقت الخَنْدَق إِلَى مَكَّة أحدا يَقُول لَأَضرِبَن أَيهمْ قَائِم بِالضَّمِّ اه وَزعم هَؤُلَاءِ أَنَّهَا فِي الْآيَة استفهامية وَأَنَّهَا مُبْتَدأ وَأَشد خبر ثمَّ اخْتلفُوا فِي مفعول ننزع فَقَالَ الْخَلِيل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير لننزعن الْفَرِيق الَّذِي يُقَال فيهم أَيهمْ أَشد وَقَالَ يُونُس هُوَ الْجُمْلَة وعلقت ننزع عَن الْعَمَل كَمَا فِي {لنعلم أَي الحزبين أحصى} وَقَالَ الْكسَائي والأخفش كل شيعَة وَمن زَائِدَة وَجُمْلَة الِاسْتِفْهَام مستأنفة وَذَلِكَ على قَوْلهمَا فِي جَوَاز زِيَادَة من فِي الْإِيجَاب وَيرد أَقْوَالهم أَن التَّعْلِيق مُخْتَصّ بِأَفْعَال الْقُلُوب وَأَنه لَا يجوز لَأَضرِبَن الْفَاسِق بِالرَّفْع بِتَقْدِير الَّذِي يُقَال فِيهِ هُوَ الْفَاسِق وَأَنه لم يثبت زِيَادَة من فِي الْإِيجَاب وَقَول الشَّاعِر 124 - (إِذا مَا لقِيت بني مَالك ... فَسلم على أَيهمْ أفضل) يرْوى بِضَم أَي وحروف الْجَرّ لَا تعلق وَلَا يجوز حذف الْمَجْرُور وَدخُول الْجَار على مَعْمُول صلته وَلَا يسْتَأْنف مَا بعد الْجَار وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ وَجَمَاعَة كَونهَا مَوْصُولَة مَعَ أَن الضمة إِعْرَاب فقدروا مُتَعَلق النزع من كل شيعَة وَكَأَنَّهُ قيل لننزعن بعض كل شيعَة ثمَّ قدر أَنه سُئِلَ من هَذَا الْبَعْض فَقيل هُوَ الَّذِي أَشد ثمَّ حذف المبتدآن المكتنفان للموصول وَفِيه تعسف ظَاهر وَلَا أعلمهم استعملوا أيا الموصولة مُبْتَدأ وَسَيَأْتِي ذَلِك عَن ثَعْلَب الحديث: 124 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وَزعم ابْن الطراوه أَن أيا مَقْطُوعَة عَن الْإِضَافَة فَلذَلِك بنيت وَأَن {هم أَشد} مُبْتَدأ وَخبر وَهَذَا بَاطِل برسم الضَّمِير مُتَّصِلا بِأَيّ وبالإجماع على أَنَّهَا إِذا لم تضف كَانَت معربة وَزعم ثَعْلَب أَن أيا لَا تكون مَوْصُولَة أصلا وَقَالَ لم يسمع أَيهمْ هُوَ فَاضل جَاءَنِي بِتَقْدِير الَّذِي هُوَ فَاضل جَاءَنِي 4 - وَالرَّابِع أَن تكون دَالَّة على معنى الْكَمَال فَتَقَع صفة للنكرة نَحْو زيد رجل أَي رجل أَي كَامِل فِي صِفَات الرِّجَال وَحَالا للمعرفة ك مَرَرْت بِعَبْد الله أَي رجل 5 - وَالْخَامِس أَن تكون وصلَة إِلَى نِدَاء مَا فِيهِ أل نَحْو يَا أَيهَا الرجل وَزعم الْأَخْفَش أَن أَبَا لَا تكون وصلَة وَأَن أيا هَذِه هِيَ الموصولة حذف صدر صلتها وَهُوَ الْعَائِد وَالْمعْنَى يَا من هُوَ الرجل ورد بِأَنَّهُ لَيْسَ لنا عَائِد يجب حذفه وَلَا مَوْصُول الْتزم كَون صلته جملَة اسمية وَله أَن يُجيب عَنْهُمَا بِأَن مَا فِي قَوْلهم لَا سِيمَا زيد بِالرَّفْع كَذَلِك وَزَاد قسما وَهُوَ أَن تكون نكرَة مَوْصُوفَة نَحْو مَرَرْت بِأَيّ معجب لَك كَمَا يُقَال بِمن معجب لَك وَهَذَا غير مسموع وَلَا تكون أَي غير مَذْكُور مَعهَا مُضَاف إِلَيْهَا الْبَتَّةَ إِلَّا فِي النداء والحكاية يُقَال جَاءَنِي رجل فَتَقول أَي يَا هَذَا وَجَاءَنِي رجلَانِ فَتَقول أَيَّانَ وَجَاءَنِي رجال فَتَقول أيون تَنْبِيه قَول أبي الطّيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 125 - (أَي يَوْم سررتني بوصال ... لم ترعني ثَلَاثَة بصدود) لَيست فِيهِ أَي مَوْصُولَة لِأَن الموصولة لَا تُضَاف إِلَّا إِلَى الْمعرفَة وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة فِي قَوْله 126 - (أَرَأَيْت أَي سوالف وخدود ... برزت لنا بَين اللوى فزرود) لَا تكون أَي فِيهِ مَوْصُولَة لإضافتها إِلَى نكرَة انْتهى وَلَا شَرْطِيَّة لِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ إِن سررتني يَوْمًا بوصالك آمنتني ثَلَاثَة أَيَّام من صدودك وَهَذَا عكس الْمَعْنى المُرَاد وَإِنَّمَا هِيَ للاستفهام الَّذِي يُرَاد بِهِ النَّفْي كَقَوْلِك لمن ادّعى أَنه أكرمك أَي يَوْم أكرمتني وَالْمعْنَى مَا سررتني يَوْمًا بوصالك إِلَّا روعتني ثَلَاثَة بصدودك وَالْجُمْلَة الأولى مستأنفة قدم ظرفها لِأَن لَهُ الصَّدْر وَالثَّانيَِة إِمَّا فِي مَوضِع جر صفة لوصال على حذف الْعَائِد أَي لم ترعني بعده كَمَا حذف فِي قَوْله تَعَالَى {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس} الْآيَة أَو نصب حَالا من فَاعل سررتني أَو مَفْعُوله وَالْمعْنَى أَي يَوْم سررتني غير رائع لي أَو غير مروع مِنْك وَهِي حَال مقدرَة مثلهَا فِي {طبتم فادخلوها خَالِدين} أَو لَا مَحل لَهَا على أَن تكون معطوفة على الأولى بفاء محذوفة كَمَا قيل فِي {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة قَالُوا أتتخذنا هزوا قَالَ أعوذ بِاللَّه} وَكَذَا فِي بَقِيَّة الحديث: 125 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الْآيَة وَفِيه بعد والمحققون فِي الْآيَة على أَن الْجمل مستأنفة بِتَقْدِير فَمَا قَالُوا لَهُ فَمَا قَالَ لَهُم وَمن روى ثَلَاثَة بِالرَّفْع لم يجز عِنْده كَون الْحَال من فَاعل سررتني لخلو ترعني من ضمير ذِي الْحَال إِذْ على أَرْبَعَة أوجه 1 - أَحدهَا أَن تكون اسْما للزمن الْمَاضِي وَلها أَرْبَعَة استعمالات أَحدهَا أَن تكون ظرفا وَهُوَ الْغَالِب نَحْو {فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا} وَالثَّانِي أَن تكون مَفْعُولا بِهِ نَحْو {واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُم قَلِيلا فكثركم} وَالْغَالِب على الْمَذْكُورَة فِي أَوَائِل الْقَصَص فِي التَّنْزِيل أَن تكون مَفْعُولا بِهِ بِتَقْدِير اذكر نَحْو {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة} {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة} {وَإِذ فرقنا بكم الْبَحْر} وَبَعض المعربين يَقُول فِي ذَلِك إِنَّه ظرف ل اذكر محذوفا وَهَذَا وهم فَاحش لاقْتِضَائه حِينَئِذٍ الْأَمر بِالذكر فِي ذَلِك الْوَقْت مَعَ أَن الْأَمر للاستقبال وَذَلِكَ الْوَقْت قد مضى قبل تعلق الْخطاب بالمكلفين منا وَإِنَّمَا المُرَاد ذكر الْوَقْت نَفسه لَا الذّكر فِيهِ وَالثَّالِث أَن تكون بَدَلا من الْمَفْعُول نَحْو {وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم إِذْ انتبذت} فَإذْ بدل اشْتِمَال من مَرْيَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 على حد الْبَدَل فِي {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} وَقَوله تَعَالَى {اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء} يحْتَمل كَون إِذْ فِيهِ ظرفا للنعمة وَكَونهَا بَدَلا مِنْهَا وَالرَّابِع أَن يكون مُضَافا إِلَيْهَا اسْم زمَان صَالح للاستغناء عَنهُ نَحْو يَوْمئِذٍ وَحِينَئِذٍ أَو غير صَالح لَهُ نَحْو قَوْله تَعَالَى {بعد إِذْ هديتنا} وَزعم الْجُمْهُور أَن إِذْ لَا تقع إِلَّا ظرفا أَو مُضَافا إِلَيْهَا وَأَنَّهَا فِي نَحْو {واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُم قَلِيلا} ظرف لمفعول مَحْذُوف أَي واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم قَلِيلا وَفِي نَحْو {إِذْ انتبذت} ظرف لمضاف إِلَى مفعول مَحْذُوف أَي وَاذْكُر قصَّة مَرْيَم وَيُؤَيّد هَذَا القَوْل التَّصْرِيح بالمفعول فِي {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء} وَمن الْغَرِيب أَن الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ فِي قِرَاءَة بَعضهم {لقد من الله على الْمُؤمنِينَ إِذْ بعث فيهم رَسُولا} إِنَّه يجوز أَن يكون التَّقْدِير مِنْهُ إِذْ بعث وَأَن تكون إِذْ فِي مَحل رفع ك إِذا فِي قَوْلك أَخطب مَا يكون الْأَمِير إِذا كَانَ قَائِما أَي لمن من الله على الْمُؤمنِينَ وَقت بَعثه انْتهى فَمُقْتَضى هَذَا الْوَجْه أَن إِذْ مُبْتَدأ وَلَا نعلم بذلك قَائِلا ثمَّ تنظيره بالمثال غير مُنَاسِب لِأَن الْكَلَام فِي إِذْ لَا فِي إِذا وَكَانَ حَقه أَن يَقُول إِذْ كَانَ لأَنهم يقدرُونَ فِي هَذَا الْمِثَال وَنَحْوه إِذْ تَارَة وَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 أُخْرَى بِحَسب الْمَعْنى المُرَاد ثمَّ ظَاهره أَن الْمِثَال يتَكَلَّم بِهِ هَكَذَا وَالْمَشْهُور أَن حذف الْخَبَر فِي ذَلِك وَاجِب وَكَذَلِكَ الْمَشْهُور أَن إِذا الْمقدرَة فِي الْمِثَال فِي مَوضِع نصب وَلَكِن جوز عبد القاهر كَونهَا فِي مَوضِع رفع تمسكا بقول بَعضهم أَخطب مَا يكون الْأَمِير يَوْم الْجُمُعَة بِالرَّفْع فقاس الزَّمَخْشَرِيّ إِذْ على إِذا والمبتدأ على الْخَبَر 2 - وَالْوَجْه الثَّانِي أَن تكون اسْما للزمن الْمُسْتَقْبل نَحْو {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} وَالْجُمْهُور لَا يثبتون هَذَا الْقسم ويجعلون الْآيَة من بَاب {وَنفخ فِي الصُّور} أَعنِي من تَنْزِيل الْمُسْتَقْبل الْوَاجِب الْوُقُوع منزلَة مَا قد وَقع وَقد يحْتَج لغَيرهم بقوله تَعَالَى {فَسَوف يعلمُونَ إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم} فَإِن {يعلمُونَ} مُسْتَقْبل لفظا وَمعنى لدُخُول حرف التَّنْفِيس عَلَيْهِ وَقد أعمل فِي إِذْ فَيلْزم أَن يكون بِمَنْزِلَة إِذا 3 - وَالثَّالِث أَن تكون للتَّعْلِيل نَحْو {وَلنْ ينفعكم الْيَوْم إِذْ ظلمتم أَنكُمْ فِي الْعَذَاب مشتركون} أَي وَلنْ ينفعكم الْيَوْم اشتراككم فِي الْعَذَاب لأجل ظلمكم فِي الدُّنْيَا وَهل هَذِه حُرُوف بِمَنْزِلَة لَام الْعلَّة أَو ظرف وَالتَّعْلِيل مُسْتَفَاد من قُوَّة الْكَلَام لَا من اللَّفْظ فَإِنَّهُ إِذا قيل ضَربته إِذْ أَسَاءَ وَأُرِيد ب إِذْ الْوَقْت اقْتضى ظَاهر الْحَال أَن الْإِسَاءَة سَبَب الضَّرْب قَولَانِ وَإِنَّمَا يرْتَفع السُّؤَال على القَوْل الأول فَإِنَّهُ لَو قيل لن ينفعكم الْيَوْم وَقت ظلمكم الِاشْتِرَاك فِي الْعَذَاب لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 يكن التَّعْلِيل مستفادا لاخْتِلَاف زمني الْفِعْلَيْنِ وَيبقى إِشْكَال فِي الْآيَة وَهُوَ أَن إِذْ لَا تبدل من الْيَوْم لاخْتِلَاف الزمانين وَلَا تكون ظرفا لينفع لِأَنَّهُ لَا يعْمل فِي ظرفين وَلَا ل {مشتركون} لِأَن مَعْمُول خبر الأحرف الْخَمْسَة لَا يتَقَدَّم عَلَيْهَا وَلِأَن مَعْمُول الصِّلَة لَا يتَقَدَّم على الْمَوْصُول وَلِأَن اشتراكهم فِي الْآخِرَة لَا فِي زمن ظلمهم وَمِمَّا حملوه على التَّعْلِيل {وَإِذ لم يهتدوا بِهِ فسيقولون هَذَا إفْك قديم} {وَإِذ اعتزلتموهم وَمَا يعْبدُونَ إِلَّا الله فأووا إِلَى الْكَهْف} وَقَوله 27 - (فَأَصْبحُوا قد أعَاد الله نعمتهم ... إِذْ هم قُرَيْش وَإِذ مَا مثلهم بشر) وَقَول الْأَعْشَى 128 - (إِن محلا وَإِن مرتحلا ... وَإِن فِي السّفر إِذْ مضوا مهلا) أَي إِن لنا حلولا فِي الدُّنْيَا وَإِن لنا ارتحالا عَنْهَا إِلَى الْآخِرَة وَإِن فِي الْجَمَاعَة الَّذين مَاتُوا قبلنَا إمهالا لنا لأَنهم مضوا قبلنَا وَبَقينَا بعدهمْ وَإِنَّمَا يَصح ذَلِك كُله على القَوْل بِأَن إِذْ التعليلية حرف كَمَا قدمنَا وَالْجُمْهُور لَا يثبتون هَذَا الْقسم وَقَالَ أَبُو الْفَتْح راجعت أَبَا عَليّ مرَارًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلنْ ينفعكم الْيَوْم إِذْ ظلمتم} الْآيَة مستشكلا 5 إِذْ من الْيَوْم فآخر مَا تحصل مِنْهُ أَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة متصلتان وأنهما فِي حكم الله تَعَالَى الحديث: 128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 سَوَاء فَكَأَن الْيَوْم مَاض أَو كَانَ إِذْ مستقبله انْتهى وَقيل الْمَعْنى إِذْ ثَبت ظلمكم وَقيل التَّقْدِير بعد إِذْ ظلمتم وَعَلَيْهِمَا أَيْضا ف إِذْ بدل من الْيَوْم وَلَيْسَ هَذَا التَّقْدِير مُخَالفا لما قُلْنَاهُ فِي {بعد إِذْ هديتنا} لِأَن الْمُدعى هُنَاكَ أَنَّهَا لَا يسْتَغْنى عَن مَعْنَاهَا كَمَا يجوز الِاسْتِغْنَاء عَن يَوْم فِي يَوْمئِذٍ لِأَنَّهَا لَا تحذف لدَلِيل وَإِذا لم تقدر إِذْ تعليلا فَيجوز أَن تكون أَن وصلتها تعليلا وَالْفَاعِل مستتر رَاجع إِلَى قَوْلهم {يَا لَيْت بيني وَبَيْنك بعد المشرقين} أَو إِلَى القرين وَيشْهد لَهما قِرَاءَة بَعضهم {إِنَّكُم} بِالْكَسْرِ على الِاسْتِئْنَاف 5 - وَالرَّابِع أَن تكون للمفاجأة نَص على ذَلِك سِيبَوَيْهٍ وَهِي الْوَاقِعَة بعد بَينا أَو بَيْنَمَا كَقَوْلِه 1129 - (استقدر الله خيرا وارضين بِهِ ... فَبَيْنَمَا الْعسر إِذْ دارت مياسير) وَهل هِيَ ظرف مَكَان أَو زمَان أَو حرف بِمَعْنى المفاجأة أَو حرف توكيد أَي زَائِد أَقْوَال وعَلى القَوْل بالظرفية فَقَالَ ابْن جني عاملها الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا لِأَنَّهَا غير مُضَافَة إِلَيْهِ وعامل بَينا وبينما مَحْذُوف يفسره الْفِعْل الْمَذْكُور وَقَالَ الشلوبين إِذْ مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة فَلَا يعْمل فِيهَا الْفِعْل وَلَا فِي بَينا وبينما لِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا يعْمل فِي الْمُضَاف وَلَا فِيمَا قبله وَإِنَّمَا عاملهما مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ الْكَلَام وَإِذ بدل مِنْهُمَا وَقيل الْعَامِل مَا يَلِي بَين بِنَاء على أَنَّهَا مَكْفُوفَة عَن الْإِضَافَة إِلَيْهِ كَمَا يعْمل تالي اسْم الشَّرْط فِيهِ وَقيل بَين خبر لمَحْذُوف وَتَقْدِير قَوْلك بَيْنَمَا أَنا قَائِم إِذْ جَاءَ زيد بَين أَوْقَات قيامي مَجِيء زيد ثمَّ حذف الْمُبْتَدَأ مدلولا عَلَيْهِ بجاء زيد وَقيل مُبْتَدأ وَإِذ خَبره وَالْمعْنَى حِين أَنا قَائِم حِين جَاءَ زيد وَذكر ل إِذْ مَعْنيانِ آخرَانِ أَحدهمَا التوكيد وَذَلِكَ بِأَن تحمل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الزِّيَادَة قَالَه أَبُو عُبَيْدَة وَتَبعهُ ابْن قُتَيْبَة وحملا عَلَيْهِ آيَات مِنْهَا {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة} وَالثَّانِي التَّحْقِيق ك قد وحملت عَلَيْهِ الْآيَة وَلَيْسَ الْقَوْلَانِ بِشَيْء وَاخْتَارَ ابْن الشجري أَنَّهَا تقع زَائِدَة بعد بَينا وبينما خَاصَّة قَالَ لِأَنَّك إِذا قلت بَيْنَمَا أَنا جَالس إِذْ جَاءَ زيد فقدرتها غير زَائِدَة أعملت فِيهَا الْخَبَر وَهِي مُضَافَة إِلَى جملَة جَاءَ زيد وَهَذَا الْفِعْل هُوَ الناصب ل بَين فَيعْمل الْمُضَاف إِلَيْهِ فِيمَا قبل الْمُضَاف اهـ وَقد مضى كَلَام النَّحْوِيين فِي تَوْجِيه ذَلِك وعَلى القَوْل بالتحقيق فِي الْآيَة فالجملة مُعْتَرضَة بَين الْفِعْل وَالْفَاعِل مَسْأَلَة تلْزم إِذْ الْإِضَافَة إِلَى جملَة إِمَّا اسمية نَحْو {واذْكُرُوا إِذْ أَنْتُم قَلِيل} أَو فعلية فعلهَا مَاض لفظا وَمعنى نَحْو {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة} (وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه) {وَإِذ غَدَوْت من أهلك} أَو فعلية فعلهَا مَاض معنى لَا لفظا نَحْو {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد} {وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا} {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ} وَقد اجْتمعت الثَّلَاثَة فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ) الأولى ظرف لنصره وَالثَّانيَِة بدل مِنْهَا وَالثَّالِثَة قيل بدل ثَان وَقيل ظرف لثاني اثْنَيْنِ وَفِيهِمَا وَفِي إِبْدَال الثَّانِيَة نظر لِأَن الزَّمن الثَّانِي وَالثَّالِث غير الأول فَكيف يبدلان مِنْهُ ثمَّ لَا يعرف أَن الْبَدَل يتَكَرَّر إِلَّا فِي بدل الإضراب وَهُوَ ضَعِيف لَا يحمل عَلَيْهِ التَّنْزِيل وَمعنى {ثَانِي اثْنَيْنِ} وَاحِد من اثْنَيْنِ فَكيف يعْمل فِي الظّرْف وَلَيْسَ فِيهِ معنى فعل وَقد يُجَاب بِأَن تقَارب الْأَزْمِنَة ينزلها منزلَة المتحدة أَشَارَ إِلَى ذَلِك أَبُو الْفَتْح فِي الْمُحْتَسب والظرف يتَعَلَّق بوهم الْفِعْل وأيسر روائحه وَقد يحذف أحد شطري الْجُمْلَة فيظن من لَا خبْرَة لَهُ أَنَّهَا أضيفت إِلَى الْمُفْرد كَقَوْلِه 130 - (هَل ترجعن لَيَال قد مضين لنا ... والعيش مُنْقَلب إِذْ ذَاك أفنانا) وَالتَّقْدِير إِذْ ذَاك كَذَلِك وَقَالَ الأخطل 13 - (كَانَت منَازِل الأف عهدتهم ... إِذْ نَحن إِذْ ذَاك دون النَّاس إخْوَانًا) أُلَّاف بِضَم الْهمزَة جمع آلف بِالْمدِّ مثل كَافِر وكفار وَنحن وَذَاكَ مبتدآن حذف خبراهما وَالتَّقْدِير عهدتهم إخْوَانًا إِذْ نَحن متآلفون إِذْ ذَاك كَائِن وَلَا تكون إِذْ الثَّانِيَة خَبرا عَن نَحن لِأَنَّهُ زمَان وَنحن اسْم عين بل هِيَ ظرف للْخَبَر الْمُقدر وَإِذ الأولى ظرف لعهدتهم وَدون إِمَّا ظرف لَهُ أَو للْخَبَر الْمُقدر أَو لحَال من إخْوَانًا محذوفة أَي متصافين دون النَّاس وَلَا يمْنَع ذَلِك الحديث: 130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 تنكير صَاحب الْحَال لتأخره فَهُوَ كَقَوْلِه 13 - (لمية موحشا طلل ... ) وَلَا كَونه اسْم عين لِأَن دون ظرف مَكَان لَا زمَان والمشار إِلَيْهِ ب ذَاك التجاور الْمَفْهُوم من الْكَلَام وَقَالَت الخنساء 133 - (كَأَن لم يَكُونُوا حمى يتقى ... إِذْ النَّاس إِذْ ذَاك من عزبزا) إِذْ الأولى ظرف ليتقى أَو لحمى أَو ل يَكُونُوا إِن قُلْنَا إِن ل كَانَ النَّاقِصَة مصدرا وَالثَّانيَِة ظرف ل بز وَمن مُبْتَدأ مَوْصُول لَا شَرط لِأَن بز عَامل فِي إِذْ الثَّانِيَة وَلَا يعْمل مَا فِي حيّز الشَّرْط فِيمَا قبله عِنْد الْبَصرِيين وبز خبر من وَالْجُمْلَة خبر النَّاس والعائد مَحْذُوف أَي من عز مِنْهُم كَقَوْلِهِم السّمن منوان بدرهم وَلَا تكون إِذْ الأولى ظرفا لبز لِأَنَّهُ جُزْء الْجُمْلَة الَّتِي أضيفت إِذْ الأولى إِلَيْهَا وَلَا يعْمل شَيْء من الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي الْمُضَاف وَلَا إِذْ الثَّانِيَة بدل من الأولى لِأَنَّهَا إِنَّمَا تكمل بِمَا أضيفت إِلَيْهِ وَلَا يتبع اسْم حَتَّى يكمل وَلَا تكون خَبرا عَن النَّاس لِأَنَّهَا زمَان وَالنَّاس اسْم عين وَذَاكَ مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَي كَائِن وعَلى ذَلِك فقس وَقد تحذف الْجُمْلَة كلهَا للْعلم بهَا ويعوض عَنْهَا التَّنْوِين وتكسر الذَّال الحديث: 133 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 لالتقاء الساكين نَحْو {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ} وَزعم الْأَخْفَش أَن إِذْ فِي ذَلِك معربة لزوَال افتقارها إِلَى الْجُمْلَة وَأَن الكسرة إِعْرَاب لِأَن الْيَوْم مُضَاف إِلَيْهَا ورد بِأَن بناءها لوضعها على حرفين وَبِأَن الافتقار بَاقٍ فِي الْمَعْنى كالموصول تحذف صلته لدَلِيل قَالَ 134 - (نَحن الألى فاجمع جموعه ... عك ثمَّ وجههم إِلَيْنَا) أَي نَحن الألى عرفُوا وَبِأَن الْعِوَض ينزل منزلَة المعوض عَنهُ فَكَأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ مَذْكُور وَبِقَوْلِهِ 135 - (نهيتك عَن طلابك أم عَمْرو ... بعافية وَأَنت إِذْ صَحِيح) فَأجَاب عَن هَذَا بِأَن الأَصْل حِينَئِذٍ ثمَّ حذف الْمُضَاف وَبَقِي الْجَرّ كَقِرَاءَة بَعضهم {وَالله يُرِيد الْآخِرَة} أَي ثَوَاب الْآخِرَة تَنْبِيه أضيفت إِذْ إِلَى الْجُمْلَة الاسمية فاحتملت الظَّرْفِيَّة والتعليلية فِي قَول المتنبي 136 - (أَمن ازديارك فِي الدجى الرقباء ... إِذْ حَيْثُ كنت من الظلام ضِيَاء) وَشَرحه أَن أَمن فعل مَاض فَهُوَ مَفْتُوح الآخر لَا مَكْسُورَة على أَنه حرف جر كَمَا توهم شخص ادّعى الْأَدَب فِي زَمَاننَا وأصر على ذَلِك والازديار أبلغ من الزِّيَارَة كَمَا أَن الِاكْتِسَاب أبلغ من الْكسْب لِأَن الافتعال للتَّصَرُّف وَالدَّال بدل عَن التَّاء وَفِي مُتَعَلقَة بِهِ لَا بأمن لِأَن الْمَعْنى أَنهم أمنُوا دَائِما أَن تزوري فِي الدجى وَإِذ إِمَّا تَعْلِيل أَو ظرف مبدل من مَحل فِي الدجى وضياء مُبْتَدأ الحديث: 134 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 خَبره حَيْثُ وابتدىء بالنكرة لتقدم خَبَرهَا عَلَيْهَا ظرفا وَلِأَنَّهَا مَوْصُوفَة فِي الْمَعْنى لِأَن من الظلام صفة لَهَا فِي الأَصْل فَلَمَّا قدمت عَلَيْهَا صَارَت حَالا مِنْهَا وَمن للبدل وَهِي مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف وَكَانَ تَامَّة وَهِي وفاعلها خفض بِإِضَافَة حَيْثُ وَالْمعْنَى إِذْ الضياء حَاصِل فِي كل مَوْضُوع حصلت فِيهِ بَدَلا من الظلام إِذْ مَا أَدَاة شَرط تجزم فعلين وَهِي حرف عِنْد سِيبَوَيْهٍ بِمَنْزِلَة إِن الشّرطِيَّة وظرف عِنْد الْمبرد وَابْن السراج والفارسي وعملها الْجَزْم قَلِيل لَا ضَرُورَة خلافًا لبَعْضهِم إِذا على وَجْهَيْن 1 - أَحدهمَا أَن تكون للمفاجأة فتختص بالجمل الاسمية وَلَا تحْتَاج لي جَوَاب وَلَا تقع فِي الِابْتِدَاء وَمَعْنَاهَا الْحَال لَا الِاسْتِقْبَال نَحْو خرجت فَإِذا الْأسد بِالْبَابِ وَمِنْه {فَإِذا هِيَ حَيَّة تسْعَى} {إِذا لَهُم مكر} وَهِي حرف عِنْد الْأَخْفَش ويرجحه قَوْلهم خرجت فَإِذا إِن زيدا بِالْبَابِ كسر إِن لِأَن إِن لَا يعْمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا وظرف مَكَان عِنْد الْمبرد وظرف زمَان عِنْد الزّجاج وَاخْتَارَ الأول ابْن مَالك وَالثَّانِي ابْن عُصْفُور وَالثَّالِث الزَّمَخْشَرِيّ وَزعم أَن عاملها فعل مُقَدّر مُشْتَقّ من لفظ المفاجأة قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة} الْآيَة إِن التَّقْدِير إِذا دعَاكُمْ فاجأتم الْخُرُوج فِي ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الْوَقْت وَلَا يعرف هَذَا لغيره وَإِنَّمَا ناصبها عِنْدهم الْخَبَر الْمَذْكُور فِي نَحْو خرجت فَإِذا زيد جَالس أَو الْمُقدر فِي نَحْو فَإِذا الْأسد أَي حَاضر وَإِذا قدرت أَنَّهَا الْخَبَر فعاملها مُسْتَقر أَو اسْتَقر وَلم يَقع الْخَبَر مَعهَا فِي التَّنْزِيل إِلَّا مُصَرحًا بِهِ نَحْو {فَإِذا هِيَ حَيَّة تسْعَى} {فَإِذا هِيَ شاخصة} {فَإِذا هم خامدون} {فَإِذا هِيَ بَيْضَاء} {فَإِذا هم بالساهرة} وَإِذا قيل خرجت فَإِذا الْأسد صَحَّ كَونهَا عِنْد الْمبرد خَبرا أَي فبالحضرة الْأسد وَلم يَصح عِنْد الزّجاج لِأَن الزَّمَان لَا يخبر بِهِ عَن الجثة وَلَا عِنْد الْأَخْفَش لِأَن الْحَرْف لَا يخبر بِهِ وَلَا عَنهُ فَإِن قلت فَإِذا الْقِتَال صحت خبريتها عِنْد غير الْأَخْفَش وَتقول خرجت فَإِذا زيد جَالس أَو جَالِسا فالرفع على الخبرية وَإِذا نصب بِهِ وَالنّصب على الحالية وَالْخَبَر إِذا إِن قيل بِأَنَّهَا مَكَان وَإِلَّا فَهُوَ مَحْذُوف نعم يجوز أَن تقدرها خَبرا عَن الجثة مَعَ قَوْلنَا إِنَّهَا زمَان إِذا قدرت حذف مُضَاف كَأَن تقدر فِي نَحْو خرجت فَإِذا الْأسد فاذا حُضُور الْأسد مَسْأَلَة قَالَت الْعَرَب قد كنت أَظن أَن الْعَقْرَب أَشد لسعة من الزنبور فَإِذا هُوَ هِيَ وَقَالُوا أَيْضا فَإِذا هُوَ إِيَّاهَا وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الَّذِي أنكرهُ سِيبَوَيْهٍ لما سَأَلَهُ الْكسَائي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَكَانَ من خبرهما أَن سِيبَوَيْهٍ قدم على البرامكة فعزم يحيى بن خَالِد على الْجمع بَينهمَا فَجعل لذَلِك يَوْمًا فَلَمَّا حضر سِيبَوَيْهٍ تقدم إِلَيْهِ الْفراء وَخلف فَسَأَلَهُ خلف عَن مَسْأَلَة فَأجَاب فِيهَا فَقَالَ لَهُ أَخْطَأت ثمَّ سَأَلَهُ ثَانِيَة وثالثة وَهُوَ يجِيبه وَيَقُول لَهُ أَخْطَأت فَقَالَ لَهُ سِيبَوَيْهٍ هَذ سوء أدب فَأقبل عَلَيْهِ الْفراء فَقَالَ لَهُ إِن فِي هَذَا الرجل حِدة وعجلة وَلَكِن مَا تَقول فِيمَن قَالَ هَؤُلَاءِ أبون ومررت بأبين كَيفَ تَقول على مِثَال ذَلِك من وأيت أَو أويت فَأَجَابَهُ فَقَالَ أعد النّظر فَقَالَ لست أكلمكما حَتَّى يحضر صاحبكما فَحَضَرَ الْكسَائي فَقَالَ لَهُ الْكسَائي تَسْأَلنِي أَو أَسأَلك فَقَالَ لَهُ سِيبَوَيْهٍ سل أَنْت فَسَأَلَهُ عَن هَذَا الْمِثَال فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ فا هُوَ هِيَ وَلَا يجوز النصب وَسَأَلَهُ عَن أَمْثَال ذَلِك نَحْو خرجت فَإِذا عبد الله الْقَائِم أَو الْقَائِم فَقَالَ لَهُ كل ذَلِك بِالرَّفْع فَقَالَ الْكسَائي الْعَرَب ترفع كل ذَلِك وتنصب فَقَالَ يحيى قد اختلفتما وأنتما رَئِيسا بلديكما فَمن يحكم بَيْنكُمَا فَقَالَ لَهُ الْكسَائي هَذِه الْعَرَب ببابك قد سمع مِنْهُم أهل البلدين فيحضرون ويسألون فَقَالَ يحيى وجعفر أنصفت فأحضروا فَوَافَقُوا الْكسَائي فاستكان سِيبَوَيْهٍ فَأمر لَهُ يحيى بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَخرج إِلَى فَارس فَأَقَامَ بهَا حَتَّى مَاتَ وَلم يعد إِلَى الْبَصْرَة فَيُقَال إِن الْعَرَب قد رشوا على ذَلِك أَو إِنَّهُم علمُوا منزلَة الْكسَائي عِنْد الرشيد وَيُقَال إِنَّهُم إِنَّمَا قَالُوا القَوْل قَول الْكسَائي وَلم ينطقوا بِالنّصب وَإِن سِيبَوَيْهٍ قَالَ ليحيى مرهم أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ينطقوا بذلك فَإِن ألسنتهم لَا تطوع بِهِ وَلَقَد أحسن الإِمَام الأديب أَبُو الْحسن حَازِم بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ القرطاجني إِذْ قَالَ فِي منظومته فِي النَّحْو حاكيا هَذِه الْوَاقِعَة وَالْمَسْأَلَة (وَالْعرب قد تحذف الْأَخْبَار بعد إِذا ... إِذا عنت فَجْأَة الْأَمر الَّذِي دهما) (وَرُبمَا نصبوا للْحَال بعد إِذا ... وَرُبمَا رفعوا من بعْدهَا رُبمَا) (فَإِن توالى ضميران اكتسى بهما ... وَجه الْحَقِيقَة من إشكاله غمما) (لذاك أعيت على الأفهام مَسْأَلَة ... أَهْدَت إِلَى سِيبَوَيْهٍ الحتف والغمما) (قد كَانَت الْعَقْرَب العوجاء أحسبها ... قدما أَشد من الزنبور وَقع حما) (وَفِي الْجَواب عَلَيْهَا هَل إِذا هُوَ هِيَ ... أَو هَل إِذا هُوَ إِيَّاهَا قد اخْتَصمَا) (وَخطأ ابْن زِيَاد وَابْن حَمْزَة فِي ... مَا قَالَ فِيهَا أَبَا بشر وَقد ظلما) (وغاظ عمرا عَليّ فِي حكومته ... يَا ليته لم يكن فِي أمره حكما) (كغيظ عَمْرو عليا فِي حكومته ... يَا ليته لم يكن فِي أمره حكما) (وفجع ابْن زِيَاد كل منتخب ... من أَهله إِذْ غَدا مِنْهُ يفِيض دَمًا) (كفجعة ابْن زِيَاد كل منتخب ... من أَهله إِذْ غَدا مِنْهُ يفِيض دَمًا) (وأصبحت بعده الأنقاس باكية ... فِي كل طرس كدمع سح وانسجما) (وَلَيْسَ يَخْلُو امْرُؤ من حَاسِد أضم ... لَوْلَا التنافس فِي الدُّنْيَا لما أضما) (والغبن فِي الْعلم أشجى محنة علمت ... وأبرح النَّاس شجوا عَالم هضما) وَقَوله وَرُبمَا نصبوا إِلَخ أَي وَرُبمَا نصبوا على الْحَال بعد أَن رفعوا مَا بعد إِذا على الِابْتِدَاء فَيَقُولُونَ فَإِذا زيد جَالِسا وَقَوله رُبمَا فِي آخر الْبَيْت بِالتَّخْفِيفِ توكيد لربما فِي أَوله بِالتَّشْدِيدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وغمما فِي آخر الْبَيْت الثَّالِث بِفَتْح الْغَيْن كِنَايَة عَن الْإِشْكَال والخفاء وغمما فِي آخر الْبَيْت الرَّابِع بضَمهَا جمع غمَّة وَابْن زِيَاد هُوَ الْفراء واسْمه يحيى وَابْن حَمْزَة هُوَ الْكسَائي واسْمه عَليّ وَأَبُو بشر سِيبَوَيْهٍ واسْمه عَمْرو وَألف ظلما للتثنية إِن بنيته للْفَاعِل وللاطلاق إِن بنيته للْمَفْعُول وَعَمْرو وَعلي الْأَوَّلَانِ سِيبَوَيْهٍ وَالْكسَائِيّ والآخران ابْن الْعَاصِ وَابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا وَحكما الأول اسْم وَالثَّانِي فعل أَو بِالْعَكْسِ دفعا للايطاء وَزِيَاد الأول وَالِد الْفراء وَالثَّانِي زِيَاد ابْن أَبِيه وَابْنه الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ ابْن مرْجَانَة الْمُرْسل فِي قتلة الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ وأضم كغضب وزنا وَمعنى وإعجام الضَّاد وَالْوَصْف مِنْهُ أضم كفرح وهضم مَبْنِيّ للْمَفْعُول أَي لم يوف حَقه وَأما سُؤال الْفراء فَجَوَابه أَن أبون جمع أَب وَأب فعل بِفتْحَتَيْنِ وَأَصله أَبُو فَإِذا بنينَا مثله من أَوَى أَو من وأى قُلْنَا أَوَى كهوى أَو قُلْنَا وَأي كهوى أَيْضا ثمَّ تجمعه بِالْوَاو وَالنُّون فتحذف الْألف كَمَا تحذف ألف مصطفى وَتبقى الفتحة دَلِيلا عَلَيْهَا فَتَقول أوون أَو وأون رفعا وأوين أَو وَأَيْنَ جرا ونصبا كَمَا تَقول فِي جمع عَصا وَقفا اسْم رجل عصون وقفون وعصين وقفين وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يخفى على سِيبَوَيْهٍ وَلَا على أصاغر الطّلبَة وَلكنه كَمَا قَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني دخلت بَغْدَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 فألقيت عَليّ مسَائِل فَكنت أُجِيب فِيهَا على مذهبي ويخطئونني على مذاهبهم اهـ وَهَكَذَا اتّفق لسيبويه رَحمَه الله تَعَالَى وَأما سُؤال الْكسَائي فَجَوَابه مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ فَإِذا هُوَ هِيَ هَذَا هُوَ وَجه الْكَلَام مثل {فَإِذا هِيَ بَيْضَاء} {فَإِذا هِيَ حَيَّة} وَأما فَإِذا هُوَ إِيَّاهَا إِن ثَبت فخارج عَن الْقيَاس وَاسْتِعْمَال الفصحاء كالجزم ب لن وَالنّصب ب لم والجر ب لَعَلَّ وسيبويه وَأَصْحَابه لَا يلتفتون لمثل ذَلِك وَإِن تكلم بعض الْعَرَب بِهِ وَقد ذكر فِي تَوْجِيهه أُمُور أَحدهمَا لأبي بكر بن الْخياط وَهُوَ أَن إِذا ظرف فِيهِ معنى وجدت وَرَأَيْت فَجَاز لَهُ أَن ينصب الْمَفْعُول وَهُوَ مَعَ ذَلِك مخبر بِهِ عَن الِاسْم بعده انْتهى وَهَذَا خطأ لِأَن الْمعَانِي لَا تنصب المفاعيل الصَّحِيحَة وَإِنَّمَا تعْمل فِي الظروف وَالْأَحْوَال وَلِأَنَّهَا تحْتَاج على زَعمه إِلَى فَاعل وَإِلَى مفعول آخر فَكَانَ حَقّهَا أَن تنصب مَا يَليهَا وَالثَّانِي أَن ضمير النصب استعير فِي مَكَان ضمير الرّفْع قَالَه ابْن مَالك وَيشْهد لَهُ قِرَاءَة الْحسن / إياك تعبد / بِبِنَاء الْفِعْل للْمَفْعُول وَلكنه لَا يَتَأَتَّى فِيمَا أجازوه من قَوْلك فَإِذا زيد الْقَائِم بِالنّصب فَيَنْبَغِي أَن يُوَجه هَذَا على أَنه نعت مَقْطُوع أَو حَال على زِيَادَة أل وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا ينقاس وَمن جوز تَعْرِيف الْحَال أَو زعم أَن إِذا تعْمل عمل وجدت وَأَنَّهَا رفعت عبد الله بِنَاء على أَن الظّرْف يعْمل وَإِن لم يعْتَمد فقد أَخطَأ لِأَن وجد ينصب الاسمين وَلِأَن مَجِيء الْحَال بِلَفْظ الْمعرفَة قَلِيل وَهُوَ قَابل للتأويل وَالثَّالِث أَنه مفعول بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وَالْأَصْل فَإِذا هُوَ يساويها أَو فَإِذا هُوَ يشابهها ثمَّ حذف الْفِعْل فانفصل الضَّمِير وَهَذَا هُوَ الْوَجْه لِابْنِ مَالك أَيْضا وَنَظِيره قِرَاءَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ {لَئِن أكله الذِّئْب وَنحن عصبَة} بِالنّصب أَي نوجدعصبة أَو نرى عصبَة وَأما قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء مَا نعبدهم} إِذا قيل إِن التَّقْدِير يَقُولُونَ مَا نعبدهم فَإِنَّمَا حسنه أَن إِضْمَار القَوْل مستسهسل عِنْدهم وَالرَّابِع أَنه مفعول مُطلق وَالْأَصْل فَإِذا هُوَ يلسع لسعتها ثمَّ حذف الْفِعْل كَمَا تَقول مَا زيد إِلَّا شرب الْإِبِل ثمَّ حذف الْمُضَاف نَقله الشلوبين فِي حَوَاشِي الْمفصل عَن الأعلم وَقَالَ هُوَ أشبه مَا وَجه بِهِ النصب وَالْخَامِس أَنه مَنْصُوب على الْحَال من الضَّمِير فِي الْخَبَر الْمَحْذُوف وَالْأَصْل فَإِذا هُوَ ثَابت مثلهَا ثمَّ حذف الْمُضَاف فانفصل الضَّمِير وانتصب فِي اللَّفْظ على الْحَال على سَبِيل النِّيَابَة كَمَا قَالُوا قَضِيَّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا على إِضْمَار مثل قَالَه ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ وَهُوَ وَجه غَرِيب أَعنِي انتصاب الضَّمِير على الْحَال وَهُوَ مَبْنِيّ على إجَازَة الْخَلِيل لَهُ صَوت صَوت الْحمار بِالرَّفْع صفة لصوت بِتَقْدِير مثل وَأما سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ هَذَا قَبِيح ضَعِيف وَمِمَّنْ قَالَ بِالْجَوَازِ ابْن مَالك إِذا كَانَ الْمُضَاف إِلَى معرفَة كلمة مثل جَازَ أَن تخلفها الْمعرفَة فِي التنكير فَتَقول مَرَرْت بِرَجُل زُهَيْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 بالخفض صفة للنكرة وَهَذَا زيد زهيرا بِالنّصب على الْحَال وَمِنْه قَوْلهم تفَرقُوا أيادي سبا وأيدي سبا وَإِنَّمَا سكنت الْيَاء مَعَ أَنَّهُمَا منصوبان لثقلهما بالتركيب والإعلال كَمَا فِي معد يكرب وقالي قلا 3 - وَالثَّانِي من وَجْهي إِذا أَن تكون لغير مفاجأة فالغالب أَن تكون ظرفا للمستقبل مضمنة معنى الشَّرْط وتختص بِالدُّخُولِ على الْجُمْلَة الفعلية عكس الفجائية وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} وَقَوله تَعَالَى {فَإِذا أصَاب بِهِ من يَشَاء من عباده إِذا هم يستبشرون} وَيكون الْفِعْل بعْدهَا مَاضِيا كثيرا ومضارعا دون ذَلِك وَقد اجْتمعَا فِي قَول أبي ذُؤَيْب 137 - (وَالنَّفس راغبة إِذا رغبتها ... وَإِذا ترد إِلَى قَلِيل تقنع) وَإِنَّمَا دخلت الشّرطِيَّة على الِاسْم فِي نَحْو (إِذا السَّمَاء انشقت) لِأَنَّهُ فَاعل بِفعل مَحْذُوف على شريطة التَّفْسِير لَا مُبْتَدأ، خلافًا للأخفش وَأما قَوْله 138 - (إِذا باهلي تَحْتَهُ حنظلية ... لَهُ ولد مِنْهَا فَذَاك المذرع) فالتقدير إِذا كَانَ باهلي وَقيل حنظلية فَاعل باستقر محذوفا وباهلي فَاعل بِمَحْذُوف يفسره الْعَامِل فِي حنظلية وَيَردهُ أَن فِيهِ حذف الْمُفَسّر ومفسره جَمِيعًا ويسهله أَن الظّرْف يدل على الْمُفَسّر فَكَأَنَّهُ لم يحذف وَلَا تعْمل إِذا الْجَزْم فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه الحديث: 137 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 139 - (استغن مَا أَغْنَاك رَبك بالغنى ... وَإِذا تصبك خصَاصَة فتجمل) قيل وَقد تخرج عَن كل من الظَّرْفِيَّة والاستقبال وَمعنى الشَّرْط وَفِي كل من هَذِه فصل الْفَصْل الأول فِي خُرُوجهَا عَن الظَّرْفِيَّة زعم أَبُو الْحسن فِي (حَتَّى إِذا جاؤوها) أَن إِذا جر بحتى وَزعم أَبُو الْفَتْح فِي {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} الْآيَات فِيمَن نصب {خافضة رَافِعَة} أَن إِذا الأولى مُبْتَدأ وَالثَّانيَِة خبر والمنصوبين حالان وَكَذَا جملَة {لَيْسَ} ومعملوليها وَالْمعْنَى وَقت وُقُوع الْوَاقِعَة خافضة لقوم رَافِعَة لآخرين هُوَ وَقت رج الأَرْض وَقَالَ قوم فِي أَخطب مَا يكون الْأَمِير قَائِما إِن الأَصْل أَخطب أَوْقَات أكوان الْأَمِير إِذا كَانَ قَائِما أَي وَقت قِيَامَة ثمَّ حذفت الْأَوْقَات ونابت مَا المصدرية عَنْهَا ثمَّ حذف الْخَبَر الْمَرْفُوع وَهُوَ إِذا وتبعها كَانَ التَّامَّة وفاعلها فِي الْحَذف ثمَّ نابت الْحَال عَن الْخَبَر وَلَو كَانَت إِذا على هَذَا التَّقْدِير فِي مَوضِع نصب لاستحال الْمَعْنى كَمَا يَسْتَحِيل إِذا قلت أَخطب أَوْقَات أكوان الْأَمِير يَوْم الْجُمُعَة إِذا نصبت الْيَوْم لِأَن الزَّمَان لَا يكون محلا للزمان وَقَالُوا فِي قَول الحماسي 140 - (وَبعد غَد يَا لهف نَفسِي من غَد ... إِذا رَاح أَصْحَابِي وَلست برائح) الحديث: 139 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 إِن إِذا فِي مَوضِع جر بَدَلا من غَد وَزعم ابْن مَالك أَنَّهَا وَقعت مَفْعُولا فِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِنِّي لأعْلم إِذا كنت عني راضية وَإِذا كنت عَليّ غَضبى وَالْجُمْهُور على أَن إِذا لَا تخرج عَن الظَّرْفِيَّة وَأَن حَتَّى فِي نَحْو {حَتَّى إِذا جاؤوها} حرف ابْتِدَاء دخل على الْجُمْلَة بأسرها وَلَا عمل لَهُ وَأما {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} فَإِذا الثَّانِيَة بدل من الأولى وَالْأولَى ظرف وجوابها مَحْذُوف لفهم الْمَعْنى وَحسنه طول الْكَلَام وَتَقْدِيره بعد إِذا الثَّانِيَة أَي انقسمتم أقساما وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة وَأما إِذا فِي الْبَيْت فظرف للهف وَأما الَّتِي فِي الْمِثَال فَفِي مَوضِع نصب لأَنا لَا نقدر زَمَانا مُضَافا إِلَى مَا يكون إِذْ لَا مُوجب لهَذَا التَّقْدِير وَأما الحَدِيث ف إِذا ظرف لمَحْذُوف وَهُوَ مفعول أعلم وَتَقْدِيره شَأْنك وَنَحْوه كَمَا تعلق إِذْ بِالْحَدِيثِ فِي {هَل أَتَاك حَدِيث ضيف إِبْرَاهِيم الْمُكرمين إِذْ دخلُوا عَلَيْهِ} الْفَصْل الثَّانِي فِي خُرُوجهَا عَن الِاسْتِقْبَال وَذَلِكَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تَجِيء للماضي كَمَا جَاءَت إِذْ للمستقبل فِي قَول بَعضهم وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم قلت لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ توَلّوا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 ) (وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا) وَقَوله 14 - (وندمان يزِيد الكأس طيبا ... سقيت إِذا تغورت النُّجُوم) وَالثَّانِي أَن تَجِيء للْحَال وَذَلِكَ بعد الْقسم نَحْو {وَاللَّيْل إِذا يغشى} {والنجم إِذا هوى} قيل لِأَنَّهَا لَو كَانَت للاستقبال لم تكن ظرفا لفعل الْقسم لِأَنَّهُ إنْشَاء لَا إِخْبَار عَن قسم يَأْتِي لِأَن قسم الله سُبْحَانَهُ قديم وَلَا لكَون مَحْذُوف هُوَ حَال من {وَاللَّيْل} {والنجم} لِأَن الْحَال والاستقبال متنافيان وَإِذا بَطل هَذَانِ الْوَجْهَانِ تعين أَنه ظرف لأَحَدهمَا على أَن المُرَاد بِهِ الْحَال اهـ وَالصَّحِيح أَنه لَا يَصح التَّعْلِيق ب أقسم الإنشائي لِأَن الْقَدِيم لَا زمَان لَهُ لَا حَال وَلَا غَيره بل هُوَ سَابق على الزَّمَان وَأَنه لَا يمْتَنع التَّعْلِيق ب كَائِنا مَعَ بَقَاء إِذا على الِاسْتِقْبَال بِدَلِيل صِحَة مَجِيء الْحَال الْمقدرَة بِاتِّفَاق ك مَرَرْت بِرَجُل مَعَه صقر صائدا بِهِ غَدا أَي مُقَدرا الصَّيْد بِهِ غَدا أَي مُقَدرا الصَّيْد بِهِ غَدا كَذَا يقدرُونَ وأوضح مِنْهُ أَن يُقَال مرِيدا بِهِ الصَّيْد غَدا كَمَا فسر قُمْتُم فِي {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} بأردتم مَسْأَلَة فِي ناصب إِذا مذهبان أَحدهمَا أَنه شَرطهَا وَهُوَ قَول الْمُحَقِّقين فَتكون بِمَنْزِلَة مَتى وحيثما وأيان وَقَول أبي الْبَقَاء إِنَّه مَرْدُود بِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا يعْمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فِي الْمُضَاف غير وَارِد لِأَن إِذا عِنْد هَؤُلَاءِ غير مُضَافَة كَمَا يَقُوله الْجَمِيع إِذا جزمت كَقَوْلِه 14 - ( ... وَإِذا تصبك خصَاصَة فَتحمل) وَالثَّانِي أَنه مَا فِي جوابها من فعل أَو شُبْهَة وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين وَيرد عَلَيْهِم أُمُور أَحدهَا أَن الشَّرْط وَالْجَزَاء عبارَة عَن جملتين ترْبط بَينهمَا الأداة وعَلى قَوْلهم تصير الجملتان وَاحِدَة لِأَن الظّرْف عِنْدهم من جملَة الْجَواب والمعمول دَاخل فِي جملَة عَامله وَالثَّانِي أَنه مُمْتَنع فِي قَول زُهَيْر 143 - (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سَابِقًا شَيْئا إِذا كَانَ جائيا) لِأَن الْجَواب مَحْذُوف وَتَقْدِيره إِذا كَانَ جائيا فَلَا أسبقه وَلَا يَصح أَن يُقَال لَا أسبق شَيْئا وَقت مَجِيئه لِأَن الشَّيْء إِنَّمَا يسْبق قبل مَجِيئه وَهَذَا لَازم لَهُم أَيْضا إِن أجابوا بِأَنَّهَا غير شَرْطِيَّة وَأَنَّهَا معمولة لما قبلهَا وَهُوَ سَابق وَأما على القَوْل الأول فَهِيَ شَرْطِيَّة محذوفة الْجَواب وعاملها إِمَّا خبر كَانَ أَو نفس كَانَ إِن قُلْنَا بدلالتها على الْحَدث وَالثَّالِث أَنه يلْزمهُم فِي نَحْو إِذا جئتني الْيَوْم أكرمتك غَدا أَن يعْمل أكرمتك فِي ظرفين متضادين وَذَلِكَ بَاطِل عقلا إِذْ الْحَدث الْوَاحِد الْمعِين لَا يَقع بِتَمَامِهِ فِي زمانين وقصدا إِذْ المُرَاد وُقُوع الْإِكْرَام فِي الْغَد لَا فِي الْيَوْم فَإِن قلت فَمَا ناصب الْيَوْم على القَوْل الأول وَكَيف يعْمل الْعَامِل الْوَاحِد فِي ظرفي زمَان قُلْنَا لم يتضادا كَمَا فِي الْوَجْه السَّابِق وَعمل الْعَامِل فِي ظرفي زمَان يجوز إِذا كَانَ أَحدهمَا أَعم من الآخر نَحْو أتيك يَوْم الْجُمُعَة سحر وَلَيْسَ بَدَلا الحديث: 143 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 لجَوَاز سير عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة سحر بِرَفْع الأول وَنصب الثَّانِي نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَأنْشد للفرزدق 144 - (مَتى تردن يَوْمًا سفار تَجِد بهَا ... أديهم يَرْمِي المستجيز المعورا) فيوما يمْتَنع أَن يكون بَدَلا من مَتى لعدم اقترانه بِحرف الشَّرْط وَلِهَذَا يمْتَنع فِي الْيَوْم فِي الْمِثَال أَن يكون بَدَلا من إِذا وَيمْتَنع أَن يكون ظرفا لتجد لِئَلَّا ينْفَصل ترد من معموله وَهُوَ سفار بالأجنبي فَتعين أَنه ظرف ثَان لِترد وَالرَّابِع أَن الْجَواب ورد مَقْرُونا ب إِذا الفجائية نَحْو {ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} وبالحرف النَّاسِخ نَحْو إِذا جئتني الْيَوْم فَإِنِّي أكرمك وكل مِنْهُمَا لَا يعْمل مَا بعده فِيمَا قبله وَورد أَيْضا والصالح فِيهِ للْعَمَل صفة كَقَوْلِه تَعَالَى {فَإِذا نقر فِي الناقور فَذَلِك يَوْمئِذٍ يَوْم عسير} وَلَا تعْمل الصّفة فِيمَا قبل الْمَوْصُوف وَتَخْرِيج بَعضهم هَذِه الْآيَة على أَن إِذا مُبْتَدأ وَمَا بعد الْفَاء خبر لَا يَصح إِلَّا على قَول أبي الْحسن وَمن تَابعه فِي جَوَاز تصرف إِذا وَجَوَاز زِيَادَة الْفَاء فِي خبر الْمُبْتَدَأ لِأَن عسر االيوم لَيْسَ مسببا عَن النقر والجيد أَن تخرج على حذف الْجَواب مدلولا عَلَيْهِ بعسير أَي عسر الْأَمر وَأما قَول أبي الْبَقَاء إِنَّه يكون مدلولا عَلَيْهِ ب ذَلِك فَإِنَّهُ إِشَارَة إِلَى النقر فمردود لأدائه إِلَى اتِّحَاد السَّبَب والمسبب وَذَلِكَ مُمْتَنع وَأما نَحْو فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله الحديث: 144 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فمؤول على إِقَامَة السَّبَب مقَام الْمُسَبّب لاشتهار الْمُسَبّب أَي فقد اسْتحق الثَّوَاب الْعَظِيم المستقر للمهاجرين قَالَ أَبُو حَيَّان ورد مَقْرُونا بِمَا النافية نَحْو {وَإِذا تتلى عَلَيْهِم آيَاتنَا بَيِّنَات مَا كَانَ حجتهم} الْآيَة وَمَا النافية لَهَا الصَّدْر انْتهى وَلَيْسَ هَذَا بِجَوَاب وَإِلَّا لاقترن بِالْفَاءِ مثل {وَإِن يستعتبوا فَمَا هم من المعتبين} وَإِنَّمَا الْجَواب مَحْذُوف أَي عَمدُوا إِلَى الْحجَج الْبَاطِلَة وَقَول بَعضهم إِنَّه جَوَاب على إِضْمَار الْفَاء مثل {إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة للْوَالِدين} مَرْدُود بِأَن الْفَاء لَا تحذف إِلَّا ضَرُورَة كَقَوْلِه 145 - (من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها ... ) وَالْوَصِيَّة فِي الْآيَة نَائِب عَن فَاعل كتب وللوالدين مُتَعَلق بهَا لَا خبر وَالْجَوَاب مَحْذُوف أَي فليوص وَقَول ابْن الْحَاجِب إِن إِذا هَذِه غير شَرْطِيَّة فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب وَإِن عاملها مَا بعد مَا النافية كَمَا عمل مَا بعد لَا فِي يَوْم من قَوْله تَعَالَى {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين} وَإِن ذَلِك من التَّوَسُّع فِي الظّرْف مَرْدُود بِثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن مثل هَذَا التَّوَسُّع خَاص بالشعر كَقَوْلِه 146 - ( ... وَنحن عَن فضلك مَا استغنينا) الحديث: 145 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَالثَّانِي أَن مَا لَا تقاس على لَا فَإِن مَا لَهَا الصَّدْر مُطلقًا بِإِجْمَاع الْبَصرِيين وَاخْتلفُوا فِي لَا فَقيل لَهَا الصَّدْر مُطلقًا وَقيل لَيْسَ لَهَا الصَّدْر مُطلقًا لتوسطها بَين الْعَامِل والمعمول فِي نَحْو إِن لَا تقم أقِم وَجَاء بِلَا زَاد وَقَوله 147 - (أَلا إِن قرطا على آلَة ... أَلا إِنَّنِي كَيده لَا أكيد) وَقيل إِن وَقعت فِي صدر جَوَاب الْقسم فلهَا الصَّدْر لحلولها مَحل أدوات الصَّدْر وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ اعْتمد سِيبَوَيْهٍ إِذْ جعل انتصاب حب الْعرَاق فِي قَوْله 148 - (آلَيْت حب الْعرَاق الدَّهْر أطْعمهُ ... ) على التَّوَسُّع وَإِسْقَاط الْخَافِض وَهُوَ على وَلم يَجعله من بَاب زيدا ضَربته لِأَن التَّقْدِير لَا أطْعمهُ وَلَا هَذِه لَهَا الصَّدْر فَلَا يعْمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا وَمَا لَا يعْمل لَا يُفَسر فِي هَذَا الْبَاب عَاملا وَالثَّالِث أَن لَا فِي الْآيَة حرف نَاسخ مثله فِي نَحْو لَا رجل والحرف النَّاسِخ لَا يتقدمه مَعْمُول مَا بعده وَلَو لم يكن نافيا لَا يجوز زيدا إِنِّي أضْرب فَكيف وَهُوَ حرف نفي بل أبلغ من هَذَا أَن الْعَامِل الَّذِي بعده مصدر وهم يطلقون القَوْل بِأَن الْمصدر لَا يعْمل فِيمَا قبله وَإِنَّمَا الْعَامِل مَحْذُوف أَي اذكر يَوْم أَو يُعَذبُونَ يَوْم وَنَظِير مَا أوردهُ أَبُو حَيَّان على الْأَكْثَرين أَن يُورد عَلَيْهِم قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الَّذين كفرُوا هَل ندلكم على رجل ينبئكم إِذا مزقتم كل ممزق إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد} الحديث: 147 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ) فَيُقَال لَا يَصح لجديد أَن يعْمل فِي إِذا لِأَن إِن وَلَام الِابْتِدَاء يمنعان من ذَلِك لِأَن لَهما الصَّدْر وَأَيْضًا فالصفة لَا تعْمل فِيمَا قبل الموضوف وَالْجَوَاب أَيْضا أَن الْجَواب مَحْذُوف مَدْلُول عَلَيْهِ بجديد أَي إِذا مزقتم تجددون لِأَن الْحَرْف النَّاسِخ لَا يكون فِي أول الْجَواب إِلَّا وَهُوَ مقرون بِالْفَاءِ نَحْو {وَمَا تَفعلُوا من خير فَإِن الله بِهِ عليم} وَأما {وَإِن أطعتموهم إِنَّكُم لمشركون} فالجملة جَوَاب لقسم مَحْذُوف مُقَدّر قبل الشَّرْط بِدَلِيل {وَإِن لم ينْتَهوا عَمَّا يَقُولُونَ ليمسن} الْآيَة وَلَا يسوغ أَن يُقَال قدرهَا خَالِيَة من معنى الشَّرْط فتستغني عَن جَوَاب وَتَكون معمولة لما قبلهَا وَهُوَ {قَالَ} أَو {ندلكم} أَو {ينبئكم} لِأَن هَذِه الْأَفْعَال لم تقع فِي ذَلِك الْوَقْت الْفَصْل الثَّالِث فِي خُرُوج إِذا عَن الشّرطِيَّة ومثاله قَوْله تَعَالَى {وَإِذا مَا غضبوا هم يغفرون} وَقَوله تَعَالَى {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون} ف إِذا فيهمَا ظرف لخَبر الْمُبْتَدَأ بعْدهَا وَلَو كَانَت شَرْطِيَّة وَالْجُمْلَة الاسمية جوابالاقترنت بِالْفَاءِ مثل {وَإِن يمسسك بِخَير فَهُوَ على كل شَيْء قدير} وَقَول بَعضهم إِنَّه على إِضْمَار الْفَاء تقدم رده وَقَول آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 إِن الضَّمِير توكيد لَا مُبْتَدأ وَإِن مَا بعده الْجَواب ظَاهر التعسف وَقَول آخر إِن جوابها مَحْذُوف مَدْلُول عَلَيْهِ بِالْجُمْلَةِ بعْدهَا تكلّف من غير ضَرُورَة وَمن ذَلِك إِذا الَّتِي بعْدهَا الْقسم نَحْو {وَاللَّيْل إِذا يغشى} {والنجم إِذا هوى} إِذْ لَو كَانَت شَرْطِيَّة كَانَ مَا قبلهَا جَوَابا فِي الْمَعْنى كَمَا فِي قَوْلك آتِيك إِذا أتيتني فَيكون التَّقْدِير إِذا يغشى اللَّيْل وَإِذا هوى النَّجْم أَقْسَمت وَهَذَا مُمْتَنع لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الْقسم الإنشائي لَا يقبل التَّعْلِيق لِأَن الْإِنْشَاء إِيقَاع وَالْمُعَلّق يحْتَمل الْوُقُوع وَعَدَمه فَأَما إِن جائني فوَاللَّه لأكرمنه فَالْجَوَاب فِي الْمَعْنى فعل الْإِكْرَام لِأَنَّهُ الْمُسَبّب عَن الشَّرْط وَإِنَّمَا دخل الْقسم بَينهمَا لمُجَرّد التوكيد وَلَا يُمكن ادِّعَاء مثل ذَلِك هُنَا لِأَن جَوَاب وَاللَّيْل ثَابت دَائِما وَجَوَاب والنجم مَاض مُسْتَمر الانتفاء فَلَا يُمكن تسببهما عَن أَمر مُسْتَقْبل وَهُوَ فعل الشَّرْط وَالثَّانِي أَن الْجَواب خبري فَلَا يدل عَلَيْهِ الْإِنْشَاء لتباين حقيقتهما ايمن الْمُخْتَص بالقسم اسْم لَا حرف خلافًا للزجاج والرماني مُفْرد مُشْتَقّ من الْيمن وَهُوَ الْبركَة وهمزته وصل لَا جمع يَمِين وهمزته قطع خلافًا للكوفيين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَيَردهُ جَوَاز كسر همزته وَفتح ميمه وَلَا يجوز مثل ذَلِك فِي الْجمع من نَحْو أفلس وأكلب وَقَول نصيب 149 - (فَقَالَ فريق الْقَوْم لمانشدتهم ... نعم وفريق لايمن الله مَا نَدْرِي) فَحذف ألفها فِي الدرج وَيلْزمهُ الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ وَحذف الْخَبَر وإضافته إِلَى اسْم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلافًا لِابْنِ درسْتوَيْه فِي إجَازَة جَرّه بِحرف الْقسم وَلابْن مَالك فِي جَوَاز إِضَافَته إِلَى الْكَعْبَة ولكاف الضَّمِير وَجوز ابْن عُصْفُور كَونه خَبرا والمحذوف مُبْتَدأ أَي قسمي ايمن الله حرف الْبَاء الْبَاء المفردة حرف جر لأربعة عشر معنى أَولهَا الإلصاق قيل وَهُوَ معنى لَا يفارقها فَلهَذَا اقْتصر عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ ثمَّ الإلصاق حَقِيقِيّ ك أَمْسَكت بزيد إِذا قبضت على شَيْء من جِسْمه أَو على مَا يحْبسهُ من يَد أَو ثوب وَنَحْوه وَلَو قلت أمسكته احْتمل ذَلِك وَأَن تكون منعته من التَّصَرُّف ومجازي نَحْو مَرَرْت بزيد أَي ألصقت مروري بمَكَان يقرب من زيد وَعَن الْأَخْفَش أَن الْمَعْنى مَرَرْت على زيد بِدَلِيل {وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم مصبحين} واقول إِن كلا من الإلصاق والاستعلاء إِنَّمَا يكون حَقِيقِيًّا إِذا كَانَ مفضيا إِلَى نفس الْمَجْرُور ك أَمْسَكت بزيد وصعدت على السَّطْح فَإِن أفْضى إِلَى مَا يقرب مِنْهُ فمجاز ك مَرَرْت بزيد فِي تَأْوِيل الْجَمَاعَة وَكَقَوْلِه 150 - ( ... وَبَات على النَّار الندى والمحلق) الحديث: 149 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 فَإِذا اسْتَوَى التقديران فِي المجازية فالأكثر اسْتِعْمَالا أولى بالتخريج عَلَيْهِ ك مَرَرْت بزيد ومررت عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قد جَاءَ كَمَا فِي {لتمرون عَلَيْهِم} {يَمرونَ عَلَيْهَا} 15 - (وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني ... ) إِلَّا أَن مَرَرْت بِهِ أَكثر فَكَانَ أولى بتقديره أصلا وَيتَخَرَّج على هَذَا الْخلاف خلاف فِي الْمُقدر فِي قَوْله 15 - (تمرون الديار وَلم تعوجوا ... ) أهوَ الْبَاء أم على الثَّانِي التَّعْدِيَة وَتسَمى بَاء النَّقْل أَيْضا وَهِي المعاقبة للهمزة فِي تصيير الْفَاعِل مَفْعُولا وَأكْثر مَا تعدِي الْفِعْل الْقَاصِر تَقول فِي ذهب زيد ذهبت بزيد وأذهبته وَمِنْه {ذهب الله بنورهم} وقرىء (أذهب الله نورهم) وَهِي بِمَعْنى الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة وَقَول الْمبرد واالسهيلي إِن بَين التعديتين فرقا وَإنَّك إِذا قلت ذهبت بزيد كنت مصاحبا لَهُ فِي الذّهاب مَرْدُود بِالْآيَةِ وَأما قَوْله تَعَالَى {وَلَو شَاءَ الله لذهب بسمعهم وأبصارهم} فَيحْتَمل أَن الْفَاعِل ضمير الْبَرْق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وَلِأَن الْهمزَة وَالْبَاء متعاقبتان لم يجز أَقمت بزيد وَأما {تنْبت بالدهن} فِيمَن ضم أَوله وَكسر ثالثه فَخرج على زِيَادَة الْبَاء أَو على أَنَّهَا للمصاحبة فالظرف حَال من الْفَاعِل أَي مصاحبة للدهن أَو الْمَفْعُول أَي تنْبت الثَّمر مصاحبا للدهن أَو أَن أنبت يَأْتِي بِمَعْنى نبت كَقَوْل زُهَيْر 153 - (رَأَيْت ذَوي الْحَاجَات حول بُيُوتهم ... قطينا لَهَا حَتَّى إِذا أنبت البقل) وَمن وُرُودهَا مَعَ الْمُتَعَدِّي قَوْله تَعَالَى {دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض} وصككت الْحجر بِالْحجرِ وَالْأَصْل دفع بعض النَّاس بَعْضًا وصك الْحجر الْحجر الثَّالِث الِاسْتِعَانَة وَهِي الدَّاخِلَة على آلَة الْفِعْل نَحْو كتبت بالقلم ونجرت بالقدوم قيل وَمِنْه الْبَسْمَلَة لِأَن الْفِعْل لَا يَتَأَتَّى على الْوَجْه الْأَكْمَل إِلَّا بهَا الرَّابِع السَّبَبِيَّة نَحْو {إِنَّكُم ظلمتم أَنفسكُم باتخاذكم الْعجل} {فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ} وَمِنْه لقِيت بزيد الْأسد أَي بِسَبَب لقائي إِيَّاه وَقَوله 154 - (قد سقيت آبالهم بالنَّار ... ) أَي أَنَّهَا بِسَبَب مَا وسمت بِهِ من أَسمَاء أَصْحَابهَا يخلى بَينهَا وَبَين المَاء الحديث: 153 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الْخَامِس المصاحبة نَحْو {اهبط بِسَلام} أَي مَعَه {وَقد دخلُوا بالْكفْر} الْآيَة وَقد اخْتلف فِي الْبَاء من قَوْله تَعَالَى {فسبح بِحَمْد رَبك} فَقيل للمصاحبة وَالْحَمْد مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول أَي فسبحه حامدا لَهُ أَي نزهه عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ وَأثبت لَهُ مَا يَلِيق بِهِ وَقيل للاستعانة وَالْحَمْد مُضَاف إِلَى الْفَاعِل أَي سبحه بِمَا حمد بِهِ نَفسه إِذْ لَيْسَ كل تَنْزِيه بمحمود أَلا ترى أَن تَسْبِيح الْمُعْتَزلَة اقْتضى تَعْطِيل كثير من الصِّفَات وَاخْتلف فِي سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك فَقيل جملَة وَاحِدَة على أَن الْوَاو زَائِدَة وَقيل جملتان على أَنَّهَا عاطفة ومتعلق الْبَاء مَحْذُوف أَي وَبِحَمْدِك سبحتك وَقَالَ الْخطابِيّ الْمَعْنى وبمعونتك الَّتِي هِيَ نعْمَة توجب عَليّ حمدك سبحتك لَا بحولي وقوتي يُرِيد أَنه مِمَّا أقيم فِيهِ الْمُسَبّب مقَام السَّبَب وَقَالَ ابْن الشجري فِي {فتستجيبون بِحَمْدِهِ} هُوَ كَقَوْلِك أَجَبْته بِالتَّلْبِيَةِ أَي فتجيبونه بالثناء إِذْ الْحَمد الثَّنَاء أَو الْبَاء للمصاحبة مُتَعَلقَة بِحَال محذوفة أَي معلنين بِحَمْدِهِ والوجهان فِي {فسبح بِحَمْد رَبك} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَالسَّادِس الظَّرْفِيَّة نَحْو {وَلَقَد نصركم الله ببدر} {نجيناهم بِسحر} وَالسَّابِع الْبَدَل كَقَوْل الحماسي 155 - (فليت لي بهم قوما إِذا ركبُوا ... شنوا الإغارة فُرْسَانًا وركبانا) وانتصاب الإغارة على أَنه مفعول لأَجله وَالثَّامِن الْمُقَابلَة وَهِي الدَّاخِلَة على الأعواض نَحْو اشْتَرَيْته بِأَلف وكافأت إحسانه بِضعْف وَقَوْلهمْ هَذَا بِذَاكَ وَمِنْه {ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وَإِنَّمَا لم نقدرها بَاء السَّبَبِيَّة كَمَا قَالَت الْمُعْتَزلَة وكما قَالَ الْجَمِيع فِي لن يدْخل أحدكُم الْجنَّة بِعَمَلِهِ لِأَن الْمُعْطِي بعوض قد يُعْطي مجَّانا وَأما الْمُسَبّب فَلَا يُوجد بِدُونِ السَّبَب وَقد تبين أَنه لَا تعَارض بَين الحَدِيث وَالْآيَة لاخْتِلَاف محملي الباءين جمعا بَين الْأَدِلَّة وَالتَّاسِع الْمُجَاوزَة كعن فَقيل تخْتَص بالسؤال نَحْو {فاسأل بِهِ خَبِيرا} بِدَلِيل {يسْأَلُون عَن أنبائكم} وَقيل لَا تخْتَص بِهِ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم وبأيمانهم} {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام} وَجعل الزَّمَخْشَرِيّ الحديث: 155 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 هَذِه الْبَاء بمنزلتها فِي شققت السنام بالشفرة على أَن الْغَمَام جعل كالآلة الَّتِي يشق بهَا قَالَ وَنَظِيره {السَّمَاء منفطر بِهِ} وَتَأَول االبصريون {فاسأل بِهِ خَبِيرا} على أَن الْبَاء للسَّبَبِيَّة وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تكون بِمَعْنى عَن أصلا وَفِيه بعد لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي قَوْلك سَأَلت بِسَبَبِهِ أَن الْمَجْرُور هُوَ المسؤول عَنهُ الْعَاشِر الاستعلاء نَحْو {من إِن تأمنه بقنطار} الْآيَة بِدَلِيل {هَل آمنكم عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أمنتكم على أَخِيه من قبل} وَنَحْو {وَإِذا مروا بهم يتغامزون} بِدَلِيل {وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم} وَقد مضى الْبَحْث فِيهِ وَقَوله 156 - (أرب يَبُول الثعلبان بِرَأْسِهِ ... ) بِدَلِيل تَمَامه ( ... لقد هان من بَالَتْ عَلَيْهِ الثعالب) الْحَادِي عشر التَّبْعِيض أثبت ذَلِك الْأَصْمَعِي والفارسي والقتبي وَابْن مَالك قيل والكوفيون وَجعلُوا مِنْهُ {عينا يشرب بهَا عباد الله} وَقَوله 157 - (شربن بِمَاء الْبَحْر ثمَّ ترفعت ... مَتى لجج خضر لَهُنَّ نئيج) الحديث: 156 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَقَوله 158 - ( ... شرب النزيف بِبرد مَاء الحشرج) قيل وَمِنْه {وامسحوا برؤوسكم} وَالظَّاهِر أَن الْبَاء فِيهِنَّ للالصاق وَقيل هِيَ فِي آيَة الْوضُوء للاستعانة وَإِن فِي الْكَلَام حذفا وَقَلْبًا فَإِن مسح يتَعَدَّى إِلَى المزال عَنهُ بِنَفسِهِ وَإِلَى المزيل بِالْبَاء فَالْأَصْل امسحوا رؤوسكم بِالْمَاءِ وَنَظِيره بَيت الْكتاب 159 - (كنواح ريش حمامة نجدية ... ومسحت باللثتين عصف الإثمد) يَقُول إِن لثاتك تضرب إِلَى سَمُرَة مسحتها بمسحوق الإثمد فَقلب معمولي مسح وَقيل فِي شربن إِنَّه ضمن معنى روين وَيصِح ذَلِك فِي {يشرب بهَا} وَنَحْوه وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي {يشرب بهَا} الْمَعْنى يشرب بهَا الْخمر كَمَا تَقول شربت المَاء بالعسل الثَّانِي عشر الْقسم وَهُوَ أصل أحرفه وَلذَلِك خصت بِجَوَاز ذكر الْفِعْل مَعهَا نَحْو أقسم بِاللَّه لتفعلن ودخولها على الضَّمِير نَحْو بك لَأَفْعَلَنَّ واستعمالها فِي الْقسم الاستعطافي نَحْو بِاللَّه هَل قَامَ زيد أَي أَسأَلك بِاللَّه مستحلفا الثَّالِث عشر الْغَايَة نَحْو {وَقد أحسن بِي} أَي إِلَيّ وَقيل ضمن الحديث: 158 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 أحسن معنى لطف الرَّابِع عشر التوكيد وَهِي الزَّائِدَة وزيادتها فِي سِتَّة مَوَاضِع أَحدهَا الْفَاعِل وزيادتها فِيهِ وَاجِبَة وغالبة وضرورة فالواجبة فِي نَحْو أحسن بزيد فِي قَول الْجُمْهُور إِن الأَصْل أحسن زيد بِمَعْنى صَار ذَا حسن ثمَّ غيرت صِيغَة الْخَبَر إِلَى الطّلب وزيدت الْبَاء إصلاحا للفظ وَأما إِذا قيل بِأَنَّهُ أَمر لفظا وَمعنى وَإِن فِيهِ ضمير الْمُخَاطب مستترا فالباء معدية مثلهَا فِي امرر بزيد والغالبة فِي فَاعل كفى نَحْو {كفى بِاللَّه شَهِيدا} وَقَالَ الزّجاج دخلت لتضمن كفى معنى اكتف وَهُوَ من الْحسن بمَكَان ويصححه قَوْلهم أتقى الله امْرُؤ فعل خيرا يثب عَلَيْهِ أَي ليتق وليفعل بِدَلِيل جزم يثب ويوجبه قَوْلهم كفى بهند بترك التَّاء فَإِن احْتج بالفاصل فَهُوَ مجوز لَا مُوجب بِدَلِيل {وَمَا تسْقط من ورقة} {وَمَا تخرج من ثَمَرَات} فَإِن عورض بِقَوْلِك أحسن بهند فالتاء لَا تلْحق صِيغ الْأَمر وَإِن كَانَ مَعْنَاهَا الْخَبَر وَقَالَ ابْن السراج الْفَاعِل ضمير الِاكْتِفَاء وَصِحَّة قَوْله مَوْقُوفَة على جَوَاز تعلق الْجَار بضمير الْمصدر وَهُوَ قَول الْفَارِسِي والرماني أجازا مروري بزيد حسن وَهُوَ بِعَمْرو قَبِيح وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ إعماله فِي الظّرْف وَغَيره وَمنع جُمْهُور الْبَصرِيين إعماله مُطلقًا قَالُوا وَمن مَجِيء فَاعل كفى هَذِه مُجَردا عَن الْبَاء قَول سحيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 160 - ( ... كفى الشيب وَالْإِسْلَام للمرء ناهيا) وَوجه ذَلِك على مَا اخترناه أَنه لم يسْتَعْمل كفى هُنَا بِمَعْنى اكتف وَلَا تزاد الْبَاء فِي فَاعل كفى الَّتِي بِمَعْنى أَجْزَأَ وأغنى وَلَا الَّتِي بِمَعْنى وقى وَالْأولَى متعدية لوَاحِد كَقَوْلِه 16 - (قَلِيل مِنْك يَكْفِينِي وَلَكِن ... قليلك لَا يُقَال لَهُ قَلِيل) وَالثَّانيَِة متعدية لاثْنَيْنِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال} {فَسَيَكْفِيكَهُم الله} وَوَقع فِي شعر المتنبي زِيَادَة الْبَاء فِي فَاعل كفى المتعدية لوَاحِد قَالَ 16 - (كفى ثعلا فخرا بأنك مِنْهُم ... ودهر لِأَن أمسيت من أَهله أهل) وَلم أر من انتقد عَلَيْهِ ذَلِك فَهَذَا إِمَّا لسهو عَن شَرط الزِّيَادَة أَو لجعلهم هَذِه الزِّيَادَة من قبيل الضَّرُورَة كَمَا سَيَأْتِي أَو لتقدير الْفَاعِل غير مجرور بِالْبَاء وثعل رَهْط الممدوح وهم بطن من طَيئ وَصَرفه للضَّرُورَة إِذْ فِيهِ الْعدْل والعلمية كعمر ودهر مَرْفُوع عِنْد ابْن جني بِتَقْدِير وليفخر دهر وَأهل صفة لَهُ بِمَعْنى مُسْتَحقّ وَاللَّام مُتَعَلقَة بِأَهْل وَجوز ابْن الشجري فِي دهر ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن يكون مُبْتَدأ حذف خَبره أَي يفتخر بك وَصَحَّ الِابْتِدَاء بالنكرة لِأَنَّهُ قد وصف بِأَهْل وَالثَّانِي كَونه مَعْطُوفًا على فَاعل كفى أَي انهم فَخَروا بِكَوْنِهِ مِنْهُم وفخروا بِزَمَانِهِ لنضارة أَيَّامه وَهَذَا وَجه لَا حذف فِيهِ وَالثَّالِث أَن تجره بعد أَن ترفع فخرا على تَقْدِير كَونه فَاعل كفى وَالْبَاء مُتَعَلقَة بفخر لَا زَائِدَة وَحِينَئِذٍ تجر الدَّهْر الحديث: 160 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 بالْعَطْف وتقدر أَهلا خَبرا لَهو محذوفا وَزعم المعري أَن الصَّوَاب نصب دهر بالْعَطْف على ثعلا أَي وَكفى دهرا هُوَ أهل لِأَن أمسيت من أَهله أَنه أهل لكونك من أَهله وَلَا يخفى مَا فِيهِ التعسف وَشَرحه أَنه عطف على الْمَفْعُول الْمُتَقَدّم وَهُوَ ثعلا وَالْفَاعِل الْمُتَأَخر وَهُوَ أَنَّك مِنْهُم مَنْصُوبًا وَمَرْفُوعًا وهما دهرا وَأَن ومعمولاها وَمَا تعلق بخبرها ثمَّ حذف الْمَرْفُوع الْمَعْطُوف اكْتِفَاء بِدلَالَة الْمَعْنى وَزعم الربعِي أَن النصب بالْعَطْف على اسْم أَن وَأَن أهل عطف على خَبَرهَا وَلَا معنى للبيت على تَقْدِيره والضرورة كَقَوْلِه 163 - (ألم يَأْتِيك والأنباء تنمي ... بِمَا لاقت لبون بني زِيَاد) وَقَوله 164 - (مهما لي اللَّيْلَة مهما ليه ... أودى بنعلي وسرباليه) وَقَالَ ابْن الضائع فِي الأول إِن الْبَاء مُتَعَلقَة بتنمي وَإِن فَاعل يَأْتِي مُضْمر فَالْمَسْأَلَة من بَاب الإعمال وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي الثَّانِي الْبَاء معدية كَمَا تَقول ذهب بنعلي وَلم يتَعَرَّض لشرح الْفَاعِل وعلام يعود إِذا قدر ضميرا فِي أودى وَيصِح أَن يكون التَّقْدِير الحديث: 163 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 أودى هُوَ أَي مود أَي ذهب ذَاهِب كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن أَي وَلَا يشرب هُوَ أَي الشَّارِب إِذْ لَيْسَ المُرَاد وَلَا يشرب الزَّانِي وَالثَّانِي مِمَّا تزاد فِيهِ الْبَاء الْمَفْعُول نَحْو {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة} {فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء} {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد} {فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ} أَي يمسح السُّوق مسحا وَيجوز أَن يكون صفة أَي مسحا وَاقعا بِالسوقِ وَقَوله 165 - ( ... نضرب بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بالفرج) الشَّاهِد فِي الثَّانِيَة فَأَما الأولى فللاستعانة وَقَوله 166 - ( ... سود المحاجر لَا يقْرَأن بالسور) وَقيل ضمن تلقوا معنى تفضوا وَيُرِيد معنى يهم وَنَرْجُو معنى نطمع ويقرأن معنى يرقين ويتبركن وَأَنه يُقَال قَرَأت بالسورة على هَذَا الْمَعْنى وَلَا يُقَال قَرَأت بكتابك لفَوَات معنى التَّبَرُّك فِيهِ قَالَه السُّهيْلي وَقيل المُرَاد لَا تلقوا الحديث: 165 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 أَنفسكُم إِلَى التَّهْلُكَة بِأَيْدِيكُمْ فَحذف الْمَفْعُول بِهِ وَالْبَاء للآلة كَمَا فِي قَوْلك كتبت بالقلم أَو المُرَاد بِسَبَب أَيْدِيكُم كَمَا يُقَال لَا تفْسد أَمرك بِرَأْيِك وَكَثُرت زيادتها فِي مفعول عرفت وَنَحْوه وَقلت فِي مفعول مَا يتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ كَقَوْلِك 167 - (تبلت فُؤَادك فِي الْمَنَام خريدة ... تَسْقِي الضجيع ببارد بسام) وَقد زيدت فِي مفعول كفى المتعدية لوَاحِد وَمِنْه الحَدِيث كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يحدث بِكُل مَا سمع وَقَوله 168 - (فَكفى بِنَا فضلا على من غَيرنَا ... حب النَّبِي مُحَمَّد إيانا) وَقيل إِنَّمَا هِيَ فِي الْبَيْت زَائِدَة فِي الْفَاعِل وَحب بدل اشْتِمَال على الْمحل وَقَالَ المتنبي 169 - (كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لَوْلَا مخاطبتي إياك لم ترني) وَالثَّالِث الْمُبْتَدَأ وَذَلِكَ فِي قَوْلهم بحسبك دِرْهَم وَخرجت فَإِذا بزيد وَكَيف بك إِذا كَانَ كَذَا وَمِنْه عِنْد سِيبَوَيْهٍ {بأيكم الْمفْتُون} وَقَالَ أَبُو الْحسن بأيكم مُتَعَلق باستقرار مَحْذُوف مخبر بِهِ عَن الْمفْتُون ثمَّ اخْتلف فَقيل الْمفْتُون مصدر بِمَعْنى الْفِتْنَة وَقيل الْبَاء ظرفية أَي فِي أَي طَائِفَة مِنْكُم الْمفْتُون الحديث: 167 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 تَنْبِيه من الْغَرِيب أَنَّهَا زيدت فِيمَا أَصله الْمُبْتَدَأ وَهُوَ اسْم لَيْسَ بِشَرْط أَن يتَأَخَّر إِلَى مَوضِع الْخَبَر كَقِرَاءَة بَعضهم {لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا} بِنصب الْبر وَقَوله 170 - (أَلَيْسَ عجيبا بِأَن الْفَتى ... يصاب بِبَعْض الاذى فِي يَدَيْهِ) وَالرَّابِع الْخَبَر وَهُوَ ضَرْبَان غير مُوجب فينقاس نَحْو لَيْسَ زيد بقائم {وَمَا الله بغافل} وَقَوْلهمْ لَا خير بِخَير بعده النَّار إِذا لم تحمل على الظَّرْفِيَّة وَمُوجب فَيتَوَقَّف على السماع وَهُوَ قَول الْأَخْفَش وَمن تَابعه وَجعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {جَزَاء سَيِّئَة بِمِثْلِهَا} وَقَول الحماسي 17 - ( ... ومنعكها بِشَيْء يُسْتَطَاع) وَالْأولَى تَعْلِيق {بِمِثْلِهَا} باستقرار مَحْذُوف هُوَ الْخَبَر وبشيء بمنعكها وَالْمعْنَى ومنعكها بِشَيْء مَا يُسْتَطَاع وَقَالَ ابْن مَالك فِي بحسبك زيد إِن زيدا مُبْتَدأ مُؤخر لِأَنَّهُ وحسبك نكرَة وَالْخَامِس الْحَال الْمَنْفِيّ عاملها كَقَوْلِه 17 - (فَمَا رجعت بخائبة ركاب ... حَكِيم بن الْمسيب مُنْتَهَاهَا) الحديث: 170 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَقَوله 173 - ( ... فَمَا انبعثت بمزؤود وَلَا وكل) ذكر ذَلِك ابْن مَالك وَخَالفهُ أَبُو حَيَّان وَخرج الْبَيْتَيْنِ على أَن التَّقْدِير بحاجة خائبة وبشخص مزؤود أَي مذعور وَيُرِيد بالمزؤود نَفسه على حد قَوْلهم رَأَيْت مِنْهُ أسدا وَهَذَا التَّخْرِيج ظَاهر فِي الْبَيْت الأول دون الثَّانِي لِأَن صِفَات الذَّم إِذا نفيت على سَبِيل الْمُبَالغَة لم ينتف أَصْلهَا وَلِهَذَا قيل فِي {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} إِن فعالا لَيْسَ للْمُبَالَغَة بل للنسب كَقَوْلِه 174 - ( ... وَلَيْسَ بِذِي سيف وَلَيْسَ بِنِبَالٍ) أَي وَمَا رَبك بِذِي ظلم لِأَن الله تَعَالَى لَا يظلم النَّاس شَيْئا وَلَا يُقَال لقِيت مِنْهُ أسدا أَو بحرا أَو نَحْو ذَلِك إِلَّا عِنْد قصد الْمُبَالغَة فِي الْوَصْف بالإقدام أَو الْكَرم وَالسَّادِس التوكيد بِالنَّفسِ وَالْعين وَجعل مِنْهُ بَعضهم قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} وَفِيه نظر إِذا حق الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل الْمُؤَكّد بِالنَّفسِ أَو بِالْعينِ أَن يُؤَكد أَولا بالمنفصل نَحْو قُمْتُم أَنْتُم أَنفسكُم وَلِأَن التوكيد هُنَا ضائع إِذْ المأمورات بالتربص لَا يذهب الْوَهم إِلَى أَن الْمَأْمُور غَيْرهنَّ بِخِلَاف قَوْلك زارني الْخَلِيفَة نَفسه وَإِنَّمَا ذكر الْأَنْفس هُنَا لزِيَادَة الْبَعْث على التَّرَبُّص لإشعاره بِمَا يستنكفن مِنْهُ من طموح أَنْفسهنَّ إِلَى الرِّجَال تَنْبِيه مَذْهَب الْبَصرِيين أَن أحرف الْجَرّ لَا يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض بِقِيَاس كَمَا الحديث: 173 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 أَن أحرف الْجَزْم وأحرف النصب كَذَلِك وَمَا أوهم ذَلِك فَهُوَ عِنْدهم إِمَّا مؤول تَأْوِيلا يقبله اللَّفْظ كَمَا قيل فِي {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} إِن فِي لَيست بِمَعْنى على وَلَكِن شبه المصلوب لتمكنه من الْجذع بِالْحَال فِي الشَّيْء وَإِمَّا على تضمين الْفِعْل معنى فعل يتَعَدَّى بذلك الْحَرْف كَمَا ضمن بَعضهم شربن فِي قَوْله 175 - (شربن بِمَاء الْبَحْر ... ) معنى روين وَأحسن فِي {وَقد أحسن بِي} معنى لطف وَإِمَّا على شذوذ إنابة كلمة عَن أُخْرَى وَهَذَا الْأَخير هُوَ مُجمل الْبَاب كُله عِنْد أَكثر الْكُوفِيّين وَبَعض الْمُتَأَخِّرين وَلَا يجْعَلُونَ ذَلِك شاذا ومذهبهم أقل تعسفا بجل على وَجْهَيْن حرف بِمَعْنى نعم وَاسم وَهِي على وَجْهَيْن اسْم فعل بِمَعْنى يَكْفِي وَاسم مرادف لحسب وَيُقَال على الأول بجلني وَهُوَ نَادِر وعَلى الثَّانِي بجلي قَالَ 176 - ( ... أَلا بجلي من ذَا الشَّرَاب أَلا بجل) بل حرف إضراب فَإِن تَلَاهَا جملَة كَانَ معنى الإضراب إِمَّا الْإِبْطَال نَحْو {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون} الحديث: 175 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ) أَي بل هم عباد وَنَحْو {أم يَقُولُونَ بِهِ جنَّة بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ} وَإِمَّا الِانْتِقَال من غَرَض إِلَى آخر وَوهم ابْن مَالك إِذْ زعم فِي شرح كافيته أَنَّهَا لَا تقع فِي التَّنْزِيل إِلَّا على هَذَا الْوَجْه ومثاله {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَنَحْو {ولدينا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ بل قُلُوبهم فِي غمرة} وَهِي فِي ذَلِك كُله حرف ابْتِدَاء لَا عاطفة على الصَّحِيح وَمن دُخُولهَا على الْجُمْلَة قَوْله 177 - ( ... بل بلد ملْء الفجاج قتمه) إِذْ التَّقْدِير بل رب مَوْصُوف بِهَذَا الْوَصْف قطعته وَوهم بَعضهم فَزعم إِنَّهَا تسْتَعْمل جَارة وَإِن تَلَاهَا مُفْرد فَهِيَ عاطفة ثمَّ إِن تقدمها أَمر أَو إِيجَاب ك اضْرِب زيدا بل عمرا وَقَامَ زيد بل عَمْرو فَهِيَ تجْعَل مَا قبلهَا كالمسكوت عَنهُ فَلَا يحكم عَلَيْهِ بِشَيْء وَإِثْبَات الحكم لما بعْدهَا وَإِن تقدمها نفي أَو نهي فَهِيَ لتقرير مَا قبلهَا على حَالَته وَجعل ضِدّه لما بعده نَحْو مَا قَامَ زيد بل عَمْرو وَلَا يقم زيد بل عَمْرو وَأَجَازَ الْمبرد وَعبد الْوَارِث أَن تكون ناقلة معنى النَّفْي وَالنَّهْي إِلَى مَا بعْدهَا وعَلى قَوْلهمَا فَيصح مَا زيد قَائِما بل قَاعِدا وبل قَاعد وَيخْتَلف الْمَعْنى الحديث: 177 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَمنع الْكُوفِيُّونَ أَن يعْطف بهَا بعد غير النَّفْي وَشبهه قَالَ هِشَام محَال ضربت زيدا بل إياك اه ومنعهم ذَلِك مَعَ سَعَة روايتهم دَلِيل على قلته وتزاد قبلهَا لَا لتوكيد الإضراب بعد الْإِيجَاب كَقَوْلِه (وَجهك الْبَدْر لَا بل الشَّمْس لَو لم ... يقْض للشمس كسفة أَو أفول) ولتوكيد تَقْرِير مَا قبلهَا بعد النَّفْي وَمنع ابْن درسْتوَيْه زيادتها بعد النَّفْي وَلَيْسَ بِشَيْء لقَوْله 179 - (وَمَا هجرتك لَا بل زادني شغفا ... هجر وَبعد تراخي لَا إِلَى أجل) بلَى حرف جَوَاب أُصَلِّي الْألف وَقَالَ جمَاعَة الأَصْل بل وَالْألف زَائِدَة وَبَعض هَؤُلَاءِ يَقُول إِنَّهَا للتأنيث بِدَلِيل إمالتها وتختص بِالنَّفْيِ وتفيد إِبْطَاله سَوَاء كَانَ مُجَردا نَحْو {زعم الَّذين كفرُوا أَن لن يبعثوا قل بلَى وربي} أم مَقْرُونا بالاستفهام حَقِيقِيًّا كَانَ نَحْو أَلَيْسَ زيد بقائم فَتَقول بلَى أَو توبيخيا نَحْو {أم يحسبون أَنا لَا نسْمع سرهم ونجواهم بلَى} {أيحسب الْإِنْسَان ألن نجمع عِظَامه بلَى} أَو تقريريا نَحْو {ألم يأتكم نَذِير قَالُوا بلَى} {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} أجروا النَّفْي مَعَ التَّقْرِير مجْرى النَّفْي الْمُجَرّد فِي رده ب بلَى وَلذَلِك الحديث: 179 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيره لَو قَالُوا نعم لكفروا وَوَجهه أَن نعم تَصْدِيق للمخبر بِنَفْي أَو إِيجَاب وَلذَلِك قَالَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء لَو قَالَ أَلَيْسَ لي عَلَيْك ألف فَقَالَ بلَى لَزِمته وَلَو قَالَ نعم لم تلْزمهُ وَقَالَ آخَرُونَ تلْزمهُ فيهمَا وجروا فِي ذَلِك على مُقْتَضى الْعرف لَا اللُّغَة وَنَازع السُّهيْلي وَغَيره فِي المحكي عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره فِي الْآيَة مستمسكين بِأَن الِاسْتِفْهَام التقريري خبر مُوجب وَلذَلِك امْتنع سِيبَوَيْهٍ من جعل أم مُتَّصِلَة فِي قَوْله تَعَالَى {أَفلا تبصرون أم أَنا خير} لِأَنَّهَا لَا تقع بعد الْإِيجَاب وَإِذا ثَبت أَنه إِيجَاب فَنعم بعد الْإِيجَاب تَصْدِيق لَهُ انْتهى وَيشكل عَلَيْهِم أَن بلَى لايجاب بهَا الْإِيجَاب وَذَلِكَ مُتَّفق عَلَيْهِ وَلَكِن وَقع فِي كتب الحَدِيث مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا يُجَاب بهَا الِاسْتِفْهَام الْمُجَرّد فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي كتاب الْإِيمَان أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لأَصْحَابه أَتَرْضَوْنَ أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة قَالُوا بلَى وَفِي صَحِيح مُسلم فِي كتاب الْهِبَة أَيَسُرُّك أَن يَكُونُوا لَك فِي الْبر سَوَاء قَالَ بلَى قَالَ فَلَا إِذن وَفِيه أَيْضا أَنه قَالَ أَنْت الَّذِي لقيتني بِمَكَّة فَقَالَ لَهُ الْمُجيب بلَى وَلَيْسَ لهَؤُلَاء أَن يحتجوا بذلك لِأَنَّهُ قَلِيل فَلَا يتَخَرَّج عَلَيْهِ التَّنْزِيل وَاعْلَم أَن تَسْمِيَة الِاسْتِفْهَام فِي الْآيَة تقريرا عبارَة جمَاعَة ومرادهم أَنه تَقْرِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 بِمَا بعد النَّفْي كَمَا مر فِي صدر الْكتاب وَفِي الْموضع بحث أوسع من هَذَا فِي بَاب النُّون بيد وَيُقَال ميد بِالْمِيم وَهُوَ اسْم ملازم للاضافة إِلَى أَن وصلتها وَله مَعْنيانِ أَحدهمَا غير إِلَّا أَنه لَا يَقع مَرْفُوعا وَلَا مجرورا بل مَنْصُوبًا وَلَا يَقع صفة وَلَا اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا وَإِنَّمَا يسْتَثْنى بِهِ فِي الِانْقِطَاع خَاصَّة وَمِنْه الحَدِيث نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة بيد أَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا وَفِي مُسْند الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بائد أَنهم وَفِي الصِّحَاح بيد بِمَعْنى غير يُقَال إِنَّه كثير المَال بيد أَنه بخيل اه وَفِي الْمُحكم أَن هَذَا الْمِثَال حَكَاهُ ابْن السّكيت وَأَن بَعضهم فَسرهَا فِيهِ بِمَعْنى على وَأَن تَفْسِيرهَا بِغَيْر أَعلَى وَالثَّانِي أَن تكون بِمَعْنى من أجل وَمِنْه الحَدِيث أَنا أفْصح من نطق بالضاد بيد أَنِّي من قُرَيْش واسترضعت فِي بني سعد بن بكر وَقَالَ ابْن مَالك وَغَيره إِنَّهَا هُنَا بِمَعْنى غير على حد قَوْله 180 - (وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم ... بِهن فلول من قراع الْكَتَائِب) الحديث: 180 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة على مجيئها بِمَعْنى من أجل قَوْله 18 - (عمدا فعلت ذَاك بيد أَنِّي ... أَخَاف إِن هَلَكت أَن ترني) وَقَوله ترني من الرنين وَهُوَ الصَّوْت بله على ثَلَاثَة أوجه اسْم ل دع ومصدر بِمَعْنى التّرْك وَاسم مرادف لكيف وَمَا بعْدهَا مَنْصُوب على الأول ومخفوض على الثَّانِي ومرفوع على الثَّالِث وَفتحهَا بِنَاء على الأول وَالثَّالِث وإعراب على الثَّانِي وَقد رُوِيَ بالأوجه الثَّلَاثَة قَوْله يصف السيوف 18 - (تذر الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكف كَأَنَّهَا لم تخلق) وإنكار أبي عَليّ أَن يرْتَفع مَا بعْدهَا مَرْدُود بحكاية أبي الْحسن وقطرب لَهُ وَإِذا قيل بله الزيدين أَو الْمُسلمين أَو أَحْمد أَو الهندات احتملت المصدرية وَاسم الْفِعْل وَمن الْغَرِيب أَن فِي البُخَارِيّ فِي تَفْسِير ألم السَّجْدَة يَقُول الله تَعَالَى أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر ذخْرا من بله مَا اطلعتم عَلَيْهِ واستعملت معربة مجرورة بِمن خَارِجَة عَن الْمعَانِي الثَّلَاثَة وفسرها بَعضهم بِغَيْر وَهُوَ ظَاهر وَبِهَذَا يتقوى من يعدها فِي أَلْفَاظ الِاسْتِثْنَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 حرف التَّاء التَّاء المفردة محركة فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء ومحركة فِي أواخرها ومحركة فِي أَوَاخِر الْأَفْعَال ومسكنة فِي أواخرها فالمحركة فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء حرف جر مَعْنَاهُ الْقسم وتختص بالتعجب وباسم الله تَعَالَى وَرُبمَا قَالُوا تربي وترب الْكَعْبَة وتالرحمن قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي {وتالله لأكيدن أصنامكم} الْبَاء أصل حُرُوف الْقسم وَالْوَاو بدل مِنْهَا وَالتَّاء بدل من الْوَاو وفيهَا زِيَادَة معنى التَّعَجُّب كَأَنَّهُ تعجب من تسهيل الكيد على يَده وتأتيه مَعَ عتو نمْرُود وقهره اه والمحركة فِي أواخرها حرف خطاب نَحْو أَنْت وَأَنت والمحركة فِي أَوَاخِر الْأَفْعَال ضمير نَحْو قُمْت وَقمت وَقمت وَوهم ابْن خروف فَقَالَ فِي قَوْلهم فِي النّسَب كنتي إِن التَّاء هُنَا عَلامَة كالواو فِي أكلوني البراغيث وَلم يثبت فِي كَلَامهم أَن هَذِه التَّاء تكون عَلامَة وَمن غَرِيب أَمر التَّاء الاسمية أَنَّهَا جردت عَن الْخطاب وَالْتزم فِيهَا لفظ التَّذْكِير والإفراد فِي أرأيتكما وأرأيتكم وأرأيتك وأرأيتك وأرأيتكن إِذْ لَو قَالُوا أرأيتماكما جمعُوا بَين خطابين وَإِذا امْتَنعُوا من اجْتِمَاعهمَا فِي يَا غلامكم فَلم يقولوه كَمَا قَالُوا يَا غلامنا وَيَا غلامهم مَعَ أَن الْغُلَام طَارِئ عَلَيْهِ الْخطاب بِسَبَب النداء وَأَنه خطاب لاثْنَيْنِ لَا لوَاحِد فَهَذَا أَجْدَر وَإِنَّمَا جَازَ واغلامكيه لِأَن الْمَنْدُوب لَيْسَ بمخاطب فِي الْحَقِيقَة وَيَأْتِي تَمام القَوْل فِي أرأيتك فِي حرف الْكَاف إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالتَّاء الساكنة فِي أَوَاخِر الْأَفْعَال حرف وضع عَلامَة للتأنيث كقامت وَزعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الجلولي أَنَّهَا اسْم وَهُوَ خرق لإجماعهم وَعَلِيهِ فَيَأْتِي فِي الِاسْم الظَّاهِر بعْدهَا أَن يكون بَدَلا أَو مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة قبله خبر وَيَردهُ أَن الْبَدَل صَالح للاستغناء بِهِ عَن الْمُبدل مِنْهُ وَأَن عود الضَّمِير على مَا هُوَ بدل مِنْهُ نَحْو اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ الرؤوف الرَّحِيم قَلِيل وَأَن تقدم الْخَبَر الْوَاقِع جملَة قَلِيل أَيْضا كَقَوْلِه 183 - (إِلَى ملك مَا أمه من محَارب ... أَبوهُ وَلَا كَانَت كُلَيْب تصاهره) وَرُبمَا وصلت هَذِه بثم وَرب وَالْأَكْثَر تحريكها مَعَهُمَا بِالْفَتْح حرف الثَّاء ثمَّ وَيُقَال فِيهَا فَم كَقَوْلِهِم فِي جدث جدف حرف عطف يَقْتَضِي ثَلَاثَة أُمُور التَّشْرِيك فِي الحكم وَالتَّرْتِيب والمهلة وَفِي كل مِنْهَا خلاف فَأَما التَّشْرِيك فَزعم الْأَخْفَش والكوفيون أَنه قد يتَخَلَّف وَذَلِكَ بِأَن تقع زَائِدَة فَلَا تكون عاطفة الْبَتَّةَ وحملوا على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِم أنفسهم وظنوا أَن لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم} وَقَول زُهَيْر الحديث: 183 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 184 - (أَرَانِي إِذا أَصبَحت أَصبَحت ذَا هوى ... فثم إِذا أمسيت أمسيت غاديا) وَخرجت الْآيَة على تَقْدِير الْجَواب وَالْبَيْت على زِيَادَة الْفَاء وَأما التَّرْتِيب فَخَالف قوم فِي اقتضائها إِيَّاه تمسكا بقوله تَعَالَى {خَلقكُم من نفس وَاحِدَة ثمَّ جعل مِنْهَا زَوجهَا} {وَبَدَأَ خلق الْإِنْسَان من طين ثمَّ جعل نَسْله من سلالة من مَاء مهين ثمَّ سواهُ وَنفخ فِيهِ من روحه} {ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ثمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} وَقَول الشَّاعِر 185 - (إِن من سَاد ثمَّ سَاد أَبوهُ ... ثمَّ قد سَاد قبل ذَلِك جده) وَالْجَوَاب عَن الْآيَة الأولى من خَمْسَة أوجه أَحدهَا أَن الْعَطف على مَحْذُوف أَي من نفس وَاحِدَة أَنْشَأَهَا ثمَّ جعل مِنْهَا زَوجهَا الثَّانِي أَن الْعَطف على {وَاحِدَة} على تَأْوِيلهَا بِالْفِعْلِ أَي من نفس توحدت أَي انْفَرَدت ثمَّ جعل مِنْهَا زَوجهَا الثَّالِث أَن الذُّرِّيَّة أخرجت من ظهر آدم عَلَيْهِ السَّلَام كالذر ثمَّ خلقت حَوَّاء من قصيراه الرَّابِع أَن خلق حَوَّاء من آدم لما لم تجر الْعَادة بِمثلِهِ جِيءَ بثم إِيذَانًا بترتبه الحديث: 184 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وتراخيه فِي الْإِعْجَاب وَظُهُور الْقُدْرَة لَا لترتيب الزَّمَان وتراخيه الْخَامِس أَن ثمَّ لترتيب الْإِخْبَار لَا لترتيب الحكم وَأَنه يُقَال بَلغنِي مَا صنعت الْيَوْم ثمَّ مَا صنعت أمس أعجب أَي ثمَّ أخْبرك أَن الَّذِي صَنعته أمس أعجب والأجوبة السَّابِقَة أَنْفَع من هَذَا الْجَواب لِأَنَّهَا تصحح التَّرْتِيب والمهلة وَهَذَا يصحح التَّرْتِيب فَقَط إِذْ لَا تراخي بَين الإخبارين وَلَكِن الْجَواب الْأَخير أَعم لِأَنَّهُ يَصح أَن يُجَاب بِهِ عَن الاية الْأَخِيرَة وَالْبَيْت وَقد أُجِيب عَن الْآيَة الثَّانِيَة أَيْضا بِأَن {سوأة} عطف على الْجُمْلَة الأولى لَا الثَّانِيَة وَأجَاب ابْن عُصْفُور عَن الْبَيْت بِأَن المُرَاد أَن الْجد أَتَاهُ السؤدد من قبل الْأَب وَالْأَب من قبل الابْن كَمَا قَالَ ابْن الرُّومِي (قَالُوا أَبُو الصَّقْر من شَيبَان قلت لَهُم ... كلا لعمري وَلَكِن مِنْهُ شَيبَان) (وَكم أَب قد علا بِابْن ذرا حسب ... كَمَا علت برَسُول الله عدنان) وَأما المهلة فَزعم الْفراء أَنَّهَا قد تتخلف بِدَلِيل قَوْلك أعجبني مَا صنعت الْيَوْم ثمَّ مَا صنعت أمس أعجب لِأَن ثمَّ فِي ذَلِك لترتيب الْإِخْبَار وَلَا تراخي بَين الإخبارين وَجعل مِنْهُ ابْن مَالك {ثمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} الْآيَة وَقد مر الْبَحْث فِي ذَلِك وَالظَّاهِر أَنَّهَا وَاقعَة موقع الْفَاء فِي قَوْله 186 - (كهز الرديني تَحت العجاج ... جرى فِي الأنابيب ثمَّ اضْطربَ) الحديث: 186 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 إِذا الهز مَتى جرى فِي أنابيب الرمْح يعقبه الِاضْطِرَاب وَلم يتراخ عَنهُ مَسْأَلَة أجْرى الْكُوفِيُّونَ ثمَّ مجْرى الْفَاء وَالْوَاو فِي جَوَاز نصب الْمُضَارع المقرون بهَا بعد فعل الشَّرْط وَاسْتدلَّ لَهُم بِقِرَاءَة الْحسن {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله} بِنصب {يدْرك} وأجراها ابْن مَالك مجراهما بعد الطّلب فَأجَاز فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يجْرِي ثمَّ يغْتَسل مِنْهُ ثَلَاثَة أوجه الرّفْع بِتَقْدِير ثمَّ هُوَ يغْتَسل وَبِه جَاءَت الرِّوَايَة والجزم بالْعَطْف على مَوضِع فعل النَّهْي وَالنّصب قَالَ بِإِعْطَاء ثمَّ حكم وَاو الْجمع فَتوهم تِلْمِيذه الإِمَام أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ رَحمَه الله أَن المُرَاد إعطاؤها حكمهَا فِي إِفَادَة معنى الْجمع فَقَالَ لَا يجوز النصب لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن الْمنْهِي عَنهُ الْجمع بَينهمَا دون إِفْرَاد أَحدهمَا وَهَذَا لم يقلهُ أحد بل الْبَوْل مَنْهِيّ عَنهُ سَوَاء أَرَادَ الِاغْتِسَال فِيهِ أَو مِنْهُ أم لَا انْتهى وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْن مَالك إعطاءها حكمهَا فِي النصب لَا فِي الْمَعِيَّة أَيْضا ثمَّ مَا أوردهُ إِنَّمَا جَاءَ من قبل الْمَفْهُوم لَا الْمَنْطُوق وَقد قَامَ دَلِيل آخر على عدم إِرَادَته وَنَظِيره إجَازَة الزّجاج والزمخشري فِي {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق} كَون {تكتموا} مَجْزُومًا وَكَونه مَنْصُوبًا مَعَ أَن النصب مَعْنَاهُ النَّهْي عَن الْجمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 تَنْبِيه قَالَ الطَّبَرِيّ فِي وَقَوله تَعَالَى {أَثم إِذا مَا وَقع آمنتم بِهِ} مَعْنَاهُ أهنالك وَلَيْسَت ثمَّ الَّتِي تَأتي للْعَطْف انْتهى وَهَذَا وهم اشْتبهَ عَلَيْهِ ثمَّ المضمومة الثَّاء بالمفتوحتها ثمَّ بِالْفَتْح اسْم يشار بِهِ إِلَى الْمَكَان الْبعيد نَحْو {وأزلفنا ثمَّ الآخرين} وَهُوَ ظرف لَا يتَصَرَّف فَلذَلِك غلط من أعربه مَفْعُولا لرأيت فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت} وَلَا يتقدمه حرف التَّنْبِيه وَلَا يتَأَخَّر عَنهُ كَاف الْخطاب حرف الْجِيم جير بِالْكَسْرِ على أصل التقاء الساكنين كأمس وبالفتح للتَّخْفِيف كأين وَكَيف حرف جَوَاب بِمَعْنى نعم لَا اسْم بِمَعْنى حَقًا فَتكون مصدرا وَلَا بِمَعْنى أبدا فَتكون ظرفا وَإِلَّا لأعربت وَدخلت عَلَيْهَا أل وَلم تؤكد أجل بجير فِي قَوْله 187 - ( ... أجل جير إِن كَانَت أبيحت دعاثره) الحديث: 187 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَلَا قوبل بهَا لَا فِي قَوْله 188 - (إِذا تَقول لَا ابْنة العجير ... تصدق لَا إِذا تَقول جير) وَأما قَوْله 189 - (وقائلة أسيت فَقلت جير ... أسي إِنَّنِي من ذَاك إِنَّه) فَخرج على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الأَصْل جير إِن بتأكيد جير بإن الَّتِي بِمَعْنى نعم ثمَّ حذفت همزَة إِن وخففت الثَّانِي أَن يكون شبه آخر النّصْف بآخر الْبَيْت فنونه تَنْوِين الترنم وَهُوَ غير مُخْتَصّ بِالِاسْمِ وَوصل بنية الْوَقْف جلل حرف بِمَعْنى نعم حَكَاهُ الزّجاج فِي كتاب الشَّجَرَة وَاسم بِمَعْنى عَظِيم أَو يسير أَو أجل فَمن الأول قَوْله 190 - (قومِي هم قتلوا أميم أخي ... فَإِذا رميت يُصِيبنِي سهمي) (فلئن عَفَوْت لأعفون جللا ... وَلَئِن سطوت لأوهنن عظمي) وَمن الثَّانِي قَول امْرِئ الْقَيْس وَقد قتل أَبوهُ 19 - ( ... أَلا كل شَيْء سواهُ جلل) وَمن الثَّالِث قَوْلهم فعلت كَذَا من جللك وَقَالَ جميل الحديث: 188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 19 - (رسم دَار وقفت فِي طلله ... كدت أَقْْضِي الْحَيَاة من جلله) فَقيل أَرَادَ من أَجله وَقيل أَرَادَ من عظمه فِي عَيْني حرف الْحَاء الْمُهْملَة حاشا على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن تكون فعلا مُتَعَدِّيا متصرفا تَقول حَاشِيَته بِمَعْنى استثنيته وَمِنْه الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أُسَامَة أحب النَّاس إِلَيّ مَا حاشى فَاطِمَة مَا نَافِيَة وَالْمعْنَى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْتَثْن فَاطِمَة وتوهم ابْن مَالك أَنَّهَا مَا المصدرية وحاشا الاستثنائية بِنَاء على أَنه من كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستدل بِهِ على أَنه قد يُقَال قَامَ الْقَوْم مَا حاشا زيدا كَمَا قَالَ 193 - (رَأَيْت النَّاس مَا حاشا قُريْشًا ... فَإنَّا نَحن أفضلهم فعالا) وَيَردهُ أَن فِي مُعْجم الطَّبَرَانِيّ ماحاشى فَاطِمَة وَلَا غَيرهَا وَدَلِيل تصرفه قَوْله 194 - (وَلَا أرى فَاعِلا فِي النَّاس يُشبههُ ... وَلَا أحاشي من الأقوام من أحد) وتوهم الْمبرد أَن هَذَا مضارع حاشا الَّتِي يسْتَثْنى بهَا وَإِنَّمَا تِلْكَ حرف أَو فعل جامد لتَضَمّنه معنى الْحَرْف الثَّانِي أَن تكون تنزيهية نَحْو {حاش لله} وَهِي عِنْد الْمبرد وَابْن جني الحديث: 193 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 والكوفيين فعل قَالُوا لتصرفهم فِيهَا بالحذف ولإدخالهم إِيَّاهَا على الْحَرْف وَهَذَانِ الدليلان ينافيان الحرفية وَلَا يثبتان الفعلية قَالُوا وَالْمعْنَى فِي الْآيَة جَانب يُوسُف الْمعْصِيَة لأجل الله وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّأْوِيل فِي مثل {حاش لله مَا هَذَا بشرا} وَالصَّحِيح أَنَّهَا اسْم مرادف للبراءة من كَذَا بِدَلِيل قِرَاءَة بَعضهم / حاشا لله / بِالتَّنْوِينِ كَمَا يُقَال بَرَاءَة لله من كَذَا وعَلى هَذَا فقراءة ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ / حاش الله / كمعاذ الله لَيْسَ جارا ومجرورا كَمَا وهم ابْن عَطِيَّة لِأَنَّهَا إِنَّمَا تجر فِي الِاسْتِثْنَاء ولتنوينها فِي الْقِرَاءَة الْأُخْرَى ولدخولها على اللَّام فِي قِرَاءَة السَّبْعَة وَالْجَار لَا يدْخل على الْجَار وَإِنَّمَا ترك التَّنْوِين فِي قراءتهم لبِنَاء حاشا لشبهها بحاشا الحرفية وَزعم بَعضهم أَنَّهَا اسْم فعل مَعْنَاهَا أَتَبرأ أَو بَرِئت وحامله على ذَلِك بناؤها وَيَردهُ إعرابها فِي بعض اللُّغَات الثَّالِث أَن تكون للاستثناء فَذهب سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْبَصرِيين إِلَى أَنَّهَا حرف دَائِما بِمَنْزِلَة إِلَّا لَكِنَّهَا تجر الْمُسْتَثْنى وَذهب الْجرْمِي والمازني والمبرد والزجاج والأخفش وَأَبُو زيد وَالْفراء وَأَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ إِلَى أَنَّهَا تسْتَعْمل كثيرا حرفا جارا وقليلا فعلا مُتَعَدِّيا جَامِدا لتَضَمّنه معنى إِلَّا وَسمع اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَلمن يسمع حاشا الشَّيْطَان وَأَبا الْأَصْبَغ وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 195 - (حاشا أَبَا ثَوْبَان إِن بِهِ ... ضنا على الملحاة والشتم) ويروى أَيْضا حاشا أبي بِالْيَاءِ وَيحْتَمل أَن تكون رِوَايَة الْألف على لُغَة من قَالَ 196 - (إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا ... ) وفاعل حاشا ضمير مستتر عَائِد على مصدر الْفِعْل الْمُتَقَدّم عَلَيْهَا أَو اسْم فَاعله أَو الْبَعْض الْمَفْهُوم من الِاسْم الْعَام فَإِذا قيل قَامَ الْقَوْم حاشا زيدا فَالْمَعْنى جَانب هُوَ أَي قيامهم أَو الْقَائِم مِنْهُم أَو بَعضهم زيدا حَتَّى حرف يَأْتِي لأحد ثَلَاثَة معَان انْتِهَاء الْغَايَة وَهُوَ الْغَالِب وَالتَّعْلِيل وَبِمَعْنى إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء وَهَذَا أقلهَا وَقل من يذكرهُ وتستعمل على ثَلَاثَة أوجه 1 - أَحدهَا أَن تكون حرفا جارا بِمَنْزِلَة إِلَى فِي الْمَعْنى وَالْعَمَل وَلكنهَا تخالفها فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن لمخفوضها شرطين أَحدهمَا عَام وَهُوَ أَن يكون ظَاهرا لَا مضمرا خلافًا للكوفيين والمبرد فَأَما قَوْله 197 - (أَتَت حتاك تقصد كل فج ... ترجي مِنْك أَنَّهَا لَا تخيب) الحديث: 195 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فضرورة وَاخْتلف فِي عِلّة الْمَنْع فَقيل هِيَ أَن مجرورها لَا يكون إِلَّا بَعْضًا مِمَّا قبلهَا أَو كبعض مِنْهُ فَلم يُمكن عود ضمير الْبَعْض على الْكل وَيَردهُ أَنه قد يكون ضميرا حَاضرا كَمَا فِي الْبَيْت فَلَا يعود على مَا تقدم وَأَنه قد يكون ضميرا غَائِبا عَائِدًا على مَا تقدم غير الْكل كَقَوْلِك زيد ضربت الْقَوْم حتاه وَقيل الْعلَّة خشيَة التباسها بالعاطفة وَيَردهُ أَنَّهَا لَو دخلت عَلَيْهِ لقيل فِي العاطفة قَامُوا حَتَّى أَنْت وأكرمتهم حَتَّى إياك بِالْفَصْلِ لِأَن الضَّمِير لَا يتَّصل إِلَّا بعامله وَفِي الخافضة حتاك بالوصل كَمَا فِي الْبَيْت وَحِينَئِذٍ فَلَا التباس وَنَظِيره أَنهم يَقُولُونَ فِي توكيد الضَّمِير الْمَنْصُوب رَأَيْتُك أَنْت وَفِي الْبَدَل مِنْهُ رَأَيْتُك إياك فَلم يحصل لبس وَقيل لَو دخلت عَلَيْهِ قلبت ألفها يَاء كَمَا فِي إِلَى وَهِي فرع عَن إِلَى فَلَا تحْتَمل ذَلِك وَالشّرط الثَّانِي خَاص بالمسبوق بِذِي أَجزَاء وَهُوَ أَن يكون الْمَجْرُور آخرا نَحْو أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا أَو ملاقيا لآخر جُزْء نَحْو {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} وَلَا يجوز سرت البارحة حَتَّى ثلثهَا أَو نصفهَا كَذَا قَالَ المغاربة وَغَيرهم وتوهم ابْن مَالك أَن ذَلِك لم يقل بِهِ إِلَّا الزَّمَخْشَرِيّ وَاعْترض عَلَيْهِ بقوله 198 - (عينت لَيْلَة فَمَا زلت حَتَّى ... نصفهَا راجيا فعدت يؤوسا) وَهَذَا لَيْسَ مَحل الِاشْتِرَاط إِذْ لم يقل فَمَا زلت فِي تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى نصفهَا وَإِن كَانَ الْمَعْنى عَلَيْهِ وَلكنه لم يُصَرح بِهِ الثَّانِي أَنَّهَا إِذا لم يكن مَعهَا قرينَة تَقْتَضِي دُخُول مَا بعْدهَا كَمَا فِي قَوْله 199 - (ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفف رَحْله ... والزاد حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا) الحديث: 198 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 أَو عدم دُخُوله كَمَا فِي قَوْله 200 - (سقى الحيا الأَرْض حَتَّى أمكن عزيت ... لَهُم فَلَا زَالَ عَنْهَا الْخَيْر مجدودا) حمل على الدُّخُول وَيحكم فِي مثل ذَلِك لما بعد إِلَى بِعَدَمِ الدُّخُول حملا على الْغَالِب فِي الْبَابَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الْبَابَيْنِ وَزعم الشَّيْخ شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ أَنه لَا خلاف فِي وجوب دُخُول مَا بعد حَتَّى وَلَيْسَ كَذَلِك بل الْخلاف فِيهَا مَشْهُور وَإِنَّمَا الِاتِّفَاق فِي حَتَّى العاطفة لَا الخافضة وَالْفرق أَن العاطفة بِمَعْنى الْوَاو وَالثَّالِث أَن كلا مِنْهُمَا قد ينْفَرد بِمحل لَا يصلح للْآخر فمما انْفَرَدت بِهِ إِلَى أَنه يجوز كتبت إِلَى زيد وَأَنا إِلَى عَمْرو أَي هُوَ غايتي كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث أَنا بك وَإِلَيْك وسرت من الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة وَلَا يجوز حَتَّى زيد وَحَتَّى عَمْرو وَحَتَّى الْكُوفَة أما الْأَوَّلَانِ فَلِأَن حَتَّى مَوْضُوعَة لإِفَادَة تقضي الْفِعْل قبلهَا شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى الْغَايَة وَإِلَى لَيست كَذَلِك وَأما الثَّالِث فلضعف حَتَّى فِي الْغَايَة فَلم يقابلوا بهَا ابْتِدَاء الْغَايَة وَمِمَّا انْفَرَدت بِهِ حَتَّى أَنه يجوز وُقُوع الْمُضَارع الْمَنْصُوب بعْدهَا نَحْو سرت حَتَّى أدخلها وَذَلِكَ بِتَقْدِير حَتَّى أَن أدخلها وَأَن المضمرة وَالْفِعْل فِي تَأْوِيل مصدر مخفوض بحتى وَلَا يجوز سرت إِلَى أدخلها وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن النصب بعد حَتَّى بِأَن الحديث: 200 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 مضمرة لَا بِنَفسِهَا كَمَا يَقُول الْكُوفِيُّونَ لِأَن حَتَّى قد ثَبت أَنَّهَا تخْفض الْأَسْمَاء وَمَا يعْمل فِي الْأَسْمَاء لَا يعْمل فِي الْأَفْعَال وَكَذَا الْعَكْس ولحتى الدَّاخِلَة على الْمُضَارع الْمَنْصُوب ثَلَاثَة معَان مرادفة إِلَى نَحْو {حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} ومرادفة كي التعليلية نَحْو {وَلَا يزالون يقاتلونكم حَتَّى يردوكم} {هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا} وقولك أسلم حَتَّى تدخل الْجنَّة ويحتملهما {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} ومرادفة إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء وَهَذَا الْمَعْنى ظَاهر من قَول سِيبَوَيْهٍ فِي تَفْسِير قَوْلهم وَالله لَا أفعل إِلَّا أَن تفعل الْمَعْنى حَتَّى أَن تفعل وَصرح بِهِ ابْن هِشَام الخضراوي وَابْن مَالك وَنَقله أَبُو الْبَقَاء عَن بَعضهم فِي {وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا} وَالظَّاهِر فِي هَذِه الْآيَة خِلَافه وَأَن المُرَاد معنى الْغَايَة نعم هُوَ ظَاهر فِيمَا أنْشدهُ ابْن مَالك فِي قَوْله 20 - (لَيْسَ الْعَطاء من الفضول سماحة ... حَتَّى تجود وَمَا لديك قَلِيل) وَفِي قَوْله 20 - (وَالله لَا يذهب شَيْخي بَاطِلا ... حَتَّى أبير مَالِكًا وكاهلا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 لِأَن مَا بعدهمَا لَيْسَ غَايَة لما قبلهمَا وَلَا مسببا عَنهُ وَجعل ابْن هِشَام من ذَلِك الحَدِيث كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة حَتَّى يكون أَبَوَاهُ هما اللَّذَان يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ إِذْ زمن الميلاد لَا يَتَطَاوَل فَتكون حَتَّى فِيهِ للغاية وَلَا كَونه يُولد على الْفطْرَة علته الْيَهُودِيَّة والنصرانية فَتكون فِيهِ للتَّعْلِيل وَلَك أَن تخرجه على أَن فِيهِ حذفا أَي يُولد على الْفطْرَة وَيسْتَمر على ذَلِك حَتَّى يكون وَلَا ينْتَصب الْفِعْل بعد حَتَّى إِلَّا إِذا كَانَ مُسْتَقْبلا ثمَّ إِن كَانَ استقباله بِالنّظرِ إِلَى زمن التَّكَلُّم فالنصب وَاجِب نَحْو {لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} وَإِن كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قبلهَا خَاصَّة فالوجهان نَحْو {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول} الْآيَة فَإِن قَوْلهم إِنَّمَا هُوَ مُسْتَقْبل بِالنّظرِ إِلَى الزلزال لَا بِالنّظرِ إِلَى زمن قصّ ذَلِك علينا وَكَذَلِكَ لَا يرْتَفع الْفِعْل بعد حَتَّى إِلَّا إِذا كَانَ حَالا ثمَّ إِن كَانَت حاليته بِالنِّسْبَةِ إِلَى زمن التَّكَلُّم فالرفع وَاجِب كَقَوْلِك سرت حَتَّى أدخلها إِذا قلت ذَلِك وَأَنت فِي حَالَة الدُّخُول وَإِن كَانَت حاليته لَيست حَقِيقِيَّة بل كَانَت محكية رفع وَجَاز نَصبه إِذا لم تقدرالحكاية نَحْو {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول} قِرَاءَة نَافِع بِالرَّفْع بِتَقْدِير حَتَّى حالتهم حِينَئِذٍ أَن الرَّسُول وَالَّذين آمنُوا مَعَه يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا وَاعْلَم أَنه لَا يرْتَفع الْفِعْل بعد حَتَّى إِلَّا بِثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَن يكون حَالا أَو مؤولا بِالْحَال كَمَا مثلنَا وَالثَّانِي أَن يكون مسببا عَمَّا قبلهَا فَلَا يجوز سرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا مَا سرت حَتَّى أدخلها وَهل سرت حَتَّى تدْخلهَا أما الأول فَلِأَن طُلُوع الشَّمْس لَا يتسبب عَن السّير وَأما الثَّانِي فَلِأَن الدُّخُول لَا يتسبب عَن عدم السّير وَأما الثَّالِث فَلِأَن السَّبَب لم يتَحَقَّق وجوده وَيجوز أَيهمْ سَار حَتَّى يدخلهَا وَمَتى سرت حَتَّى تدْخلهَا لِأَن السّير مُحَقّق وَإِنَّمَا الشَّك فِي عين الْفَاعِل وَفِي عين الزَّمَان وَأَجَازَ الْأَخْفَش الرّفْع بعد النَّفْي على أَن يكون أصل الْكَلَام إِيجَابا ثمَّ أدخلت أَدَاة النَّفْي على الْكَلَام بأسره لَا على مَا قبل حَتَّى خَاصَّة وَلَو عرضت هَذِه الْمَسْأَلَة بِهَذَا الْمَعْنى على سِيبَوَيْهٍ لم يمْنَع الرّفْع فِيهَا وَإِنَّمَا مَنعه إِذا كَانَ النَّفْي مسلطا على السَّبَب خَاصَّة وكل أحد يمْنَع ذَلِك وَالثَّالِث أَن يكون فضلَة فَلَا يَصح فِي نَحْو سيري حَتَّى أدخلها لِئَلَّا يبْقى الْمُبْتَدَأ بِلَا خبر وَلَا فِي نَحْو كَانَ سيري حَتَّى أدخلها إِن قدرت كَانَ نَاقِصَة فَإِن قدرتها تَامَّة أَو قلت سيري أمس حَتَّى أدخلها جَازَ الرّفْع إِلَّا إِن علقت أمس بِنَفس السّير لَا باستقرار مَحْذُوف 2 - الثَّانِي من أوجه حَتَّى أَن تكون عاطفة بِمَنْزِلَة الْوَاو إِلَّا أَن بَينهمَا فرقا من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن لمعطوف حَتَّى ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَن يكون ظَاهرا لَا مضمرا كَمَا أَن ذَلِك شَرط مجرورها ذكره ابْن هِشَام الخضراوي وَلم أَقف عَلَيْهِ لغيره وَالثَّانِي أَن يكون إِمَّا بَعْضًا من جمع قبلهَا ك قدم الْحَاج حَتَّى المشاة أَو جُزْءا من كل نَحْو أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا أَو كجزء نَحْو أعجبتني الْجَارِيَة حَتَّى حَدِيثهَا وَيمْتَنع أَن تَقول حَتَّى وَلَدهَا وَالَّذِي يضْبط لَك ذَلِك أَنَّهَا تدخل حَيْثُ يَصح دُخُول الِاسْتِثْنَاء وتمتنع حَيْثُ يمْتَنع وَلِهَذَا لَا يجوز ضربت الرجلَيْن حَتَّى أفضلهما وَإِنَّمَا جَازَ 203 - ( ... حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا) الحديث: 203 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 لِأَن إِلْقَاء الصَّحِيفَة والزاد فِي معنى ألْقى مَا يثقله وَالثَّالِث أَن يكون غَايَة لما قبلهَا إِمَّا فِي زِيَادَة أَو نقص فَالْأول نَحْو مَاتَ النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء وَالثَّانِي نَحْو زارك النَّاس حَتَّى الحجامون وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله 204 - (قهرناكم حَتَّى الكماة فَأنْتم ... تهابوننا حَتَّى بنينَا الأصاغرا) الْفرق الثَّانِي أَنَّهَا لَا تعطف الْجمل وَذَلِكَ لِأَن شَرط معطوفها أَن يكون جُزْءا مِمَّا قبلهَا أَو كجزء مِنْهُ كَمَا قدمْنَاهُ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك إِلَّا فِي الْمُفْردَات هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَزعم ابْن السَّيِّد فِي قَول أمرىء الْقَيْس 205 - (سريت بهم حَتَّى تكل مطيهم ... وَحَتَّى الْجِيَاد مَا يقدن بأرسان) فِيمَن رفع تكل أَن جملَة تكل مطيهم معطوفة بحتى على سريت بهم الثَّالِث أَنَّهَا إِذا عطفت على مجرور أُعِيد الْخَافِض فرقا بَينهَا وَبَين الجارة فَتَقول مَرَرْت بالقوم حَتَّى بزيد ذكر ذَلِك ابْن الخباز وَأطْلقهُ وَقَيده ابْن مَالك بِأَن لَا يتَعَيَّن كَونهَا للْعَطْف نَحْو عجبت من الْقَوْم حَتَّى بنيهم وَقَوله 206 - (جود يمناك فاض فِي الْخلق حَتَّى ... بائس دَان بالإساءة دينا) وَهُوَ حسن ورده أَبُو حَيَّان وَقَالَ فِي الْمِثَال هِيَ جَارة إِذْ لَا يشْتَرط فِي تالي الجارة أَن يكون بَعْضًا أَو كبعض بِخِلَاف العاطفة وَلِهَذَا معنوا أعجبتني الْجَارِيَة حَتَّى وَلَدهَا قَالَ وَهِي فِي الْبَيْت مُحْتَملَة انْتهى وَأَقُول إِن شَرط الجارة التالية مَا يفهم الْجمع أَن يكون مجرورها بَعْضًا أَو كبعض وَقد ذكر ذَلِك ابْن مَالك فِي بَاب حُرُوف الْجَرّ وَأقرهُ أَبُو حَيَّان عَلَيْهِ وَلَا يلْزم من امْتنَاع أعجبتني الْجَارِيَة الحديث: 204 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 حَتَّى ابْنهَا امْتنَاع عجبت من الْقَوْم حَتَّى بنيهم لِأَن اسْم الْقَوْم يَشْمَل أَبْنَاءَهُم وَاسم الْجَارِيَة لَا يَشْمَل ابْنهَا وَيظْهر لي أَن الَّذِي لَحْظَة ابْن مَالك أَن الْموضع الَّذِي يَصح أَن تحل فِيهِ إِلَى مَحل حَتَّى العاطفة فَهِيَ فِيهِ مُحْتَملَة للجارة فَيحْتَاج حِينَئِذٍ إِلَى اعادة الْجَار عِنْد قصد الْعَطف نَحْو اعتكفت فِي الشَّهْر حَتَّى فِي آخِره بِخِلَاف الْمِثَال وَالْبَيْت السَّابِقين وَزعم ابْن عُصْفُور أَن إِعَادَة الْجَار مَعَ حَتَّى أحسن وَلم يَجْعَلهَا وَاجِبَة تَنْبِيه الْعَطف بحتى قَلِيل وَأهل الْكُوفَة ينكرونه الْبَتَّةَ ويحملون نَحْو جَاءَ الْقَوْم حَتَّى أَبوك ورأيتهم حَتَّى أَبَاك ومررت بهم حَتَّى أَبِيك على أَن حَتَّى فِيهِ ابتدائية وَأَن مَا بعْدهَا على إِضْمَار عَامل 3 - الثَّالِث من أوجه حَتَّى أَن تكون حرف ابْتِدَاء أَي حرفا تبتدأ بعده الْجمل أَي تسْتَأْنف فَيدْخل على الْجُمْلَة الاسمية كَقَوْل جرير 207 - (فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... بدجلة حَتَّى مَاء دجلة أشكل) وَقَول الفرزدق 208 - (فوا عجبا حَتَّى كُلَيْب تسبني ... كَأَن أَبَاهَا نهشل أَو مجاشع) وَلَا بُد من تَقْدِير مَحْذُوف قبل حَتَّى فِي هَذَا الْبَيْت يكون مَا بعد حَتَّى غَايَة لَهُ أَي فوا عجبا يسبني النَّاس حَتَّى كُلَيْب تسبني وعَلى الفعلية الَّتِي فعلهَا مضارع كَقِرَاءَة نَافِع رَحمَه الله {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} بِرَفْع يَقُول وكقول حسان الحديث: 207 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 209 - (يغشون حَتَّى مَا تهر كلابهم ... لَا يسْأَلُون عَن السوَاد الْمقبل) وعَلى الفعلية الَّتِي فعلهَا مَاض نَحْو {حَتَّى عفوا وَقَالُوا} وَزعم ابْن مَالك أَن حَتَّى هَذِه جَارة وَأَن بعْدهَا أَن مضمرة وَلَا أعرف لَهُ فِي ذَلِك سلفا وَفِيه تكلّف إِضْمَار من غير ضَرُورَة وَكَذَا قَالَ فِي حَتَّى الدَّاخِلَة على إِذا فِي نَحْو {إِذا فشلتم وتنازعتم} إِنَّهَا الجارة وَإِن إِذا فِي مَوضِع جر بهَا وَهَذِه الْمقَالة سبقه إِلَيْهَا الْأَخْفَش وَغَيره وَالْجُمْهُور على خلَافهَا وَأَنَّهَا حرف ابْتِدَاء وَأَن إِذا فِي مَوضِع نصب بشرطها أَو جوابها وَالْجَوَاب فِي الْآيَة مَحْذُوف أَي امتحنتم أَو أنقسمتم قسمَيْنِ بِدَلِيل {مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة} وَنَظِيره حذف جَوَاب لما فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا نجاهم إِلَى الْبر فَمنهمْ مقتصد} أَي انقسموا قسمَيْنِ فَمنهمْ مقتصد وَمِنْهُم غير ذَلِك وَأما قَول ابْن مَالك إِن {فَمنهمْ مقتصد} هُوَ الْجَواب فمبني على صِحَة مَجِيء جَوَاب لما مَقْرُونا بِالْفَاءِ وَلم يثبت وَزعم بَعضهم أَن الْجَواب فِي الْآيَة الأولى مَذْكُور وَهُوَ / عصيتم / أَو {صرفكم} وَهَذَا مَبْنِيّ على زِيَادَة الْوَاو ثمَّ وَلم يثبت ذَلِك وَقد دخلت حَتَّى الابتدائية على الجملتين الاسمية والفعلية فِي قَوْله 210 - (سريت بهم حَتَّى تكل مطيهم ... وَحَتَّى الْجِيَاد مَا يقدن بأرسان) الحديث: 209 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فِيمَن رَوَاهُ بِرَفْع تكل وَالْمعْنَى حَتَّى كلت وَلكنه جَاءَ بِلَفْظ الْمُضَارع على حِكَايَة الْحَال الْمَاضِيَة كَقَوْلِك رَأَيْت زيدا أمس وَهُوَ رَاكب وَأما من نصب فَهِيَ حَتَّى الجارة كَمَا قدمنَا وَلَا بُد على النصب من تَقْدِير زمن مُضَاف إِلَى تكل أَي إِلَى زمَان كلال مطيهم وَقد يكون الْموضع صَالحا لأقسام حَتَّى الثَّلَاثَة كَقَوْلِك أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا فلك أَن تخْفض على معنى إِلَى وَأَن تنصب على معنى الْوَاو وَأَن ترفع على الِابْتِدَاء وَقد رُوِيَ بالأوجه الثَّلَاثَة قَوْله 21 - (عممتهم بالندى حَتَّى غواتهم ... فَكنت مَالك ذِي غي وَذي رشد) وَقَوله ( ... حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا) إِلَّا أَن بَينهمَا فرقا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الرّفْع فِي الْبَيْت الأول شَاذ لكَون الْخَبَر غير مَذْكُور فَفِي الرّفْع تهيئة الْعَامِل وَقطعَة عَنهُ وَهَذَا قَول الْبَصرِيين وأوجبوا إِذا قلت حَتَّى رَأسهَا بِالرَّفْع أَن تَقول مَأْكُول وَالثَّانِي أَن النصب فِي الْبَيْت الثَّانِي من وَجْهَيْن أَحدهمَا الْعَطف وَالثَّانِي إِضْمَار الْعَامِل على شريطة التَّفْسِير وَفِي الْبَيْت الأول من وَجه وَاحِد وَإِذا قلت قَامَ الْقَوْم حَتَّى زيد قَامَ جَازَ الرّفْع والخفض دون النصب وَكَانَ لَك فِي الرّفْع أوجه أَحدهَا الِابْتِدَاء وَالثَّانِي الْعَطف وَالثَّالِث إِضْمَار الْفِعْل وَالْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا خبر على الأول ومؤكدة على الثَّانِي كَمَا أَنَّهَا كَذَلِك مَعَ الْخَفْض وَأما على الثَّالِث فَتكون الْجُمْلَة مفسرة وَزعم بعض المغاربة أَنه لَا يجوز ضربت الْقَوْم حَتَّى زيد ضَربته بالخفض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وَلَا بالْعَطْف بل الرّفْع أَو بِالنّصب بإضمار فعل لِأَنَّهُ يمْتَنع جعل ضَربته توكيدا لضَرَبْت الْقَوْم قَالَ وَإِنَّمَا جَازَ الْخَفْض فِي حَتَّى نَعله أَن ضمير أَلْقَاهَا للصحيفة وَلَا يجوز على هَذَا الْوَجْه أَن يقدر أَنه للنعل وَلَا مَحل للجملة الْوَاقِعَة بعد حَتَّى الابتدائية خلافًا للزجاج وَابْن درسْتوَيْه زعما أَنَّهَا فِي مَحل جر بحتى وَيَردهُ أَن حُرُوف الْجَرّ لَا تعلق عَن الْعَمَل وَإِنَّمَا تدخل على الْمُفْردَات أَو مَا فِي تَأْوِيل الْمُفْردَات وَأَنَّهُمْ إِذا أوقعوا بعْدهَا إِن كسروها فَقَالُوا مرض زيد حَتَّى إِنَّهُم لَا يرجونه وَالْقَاعِدَة أَن حرف الْجَرّ إِذا دخل على أَن فتحت همزتها نَحْو {ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق} حَيْثُ وطيىء تَقول حوث وَفِي الثَّاء فيهمَا الضَّم تَشْبِيها بالغايات لِأَن الْإِضَافَة إِلَى الْجُمْلَة كلا إِضَافَة لِأَن أَثَرهَا وَهُوَ الْجَرّ لَا يظْهر وَالْكَسْر على أصل التقاء الساكنين وَالْفَتْح للتَّخْفِيف وَمن الْعَرَب من يعرب حَيْثُ وَقِرَاءَة من قَرَأَ {من حَيْثُ لَا يعلمُونَ} بِالْكَسْرِ تحتملها وتحتمل لُغَة الْبناء على الْكسر وَهِي للمكان اتِّفَاقًا قَالَ الْأَخْفَش وَقد ترد للزمان وَالْغَالِب كَونهَا فِي مَحل نصب على الظَّرْفِيَّة أَو خفض بِمن وَقد تخْفض بغَيْرهَا كَقَوْلِه 213 - ( ... لَدَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم) وَقد تقع حَيْثُ مَفْعُولا بِهِ وفَاقا للفارسي وَحمل عَلَيْهِ {الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل} الحديث: 213 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 رسَالَته) إِذْ الْمَعْنى أَنه تَعَالَى يعلم نفس الْمَكَان الْمُسْتَحق لوضع الرسَالَة فِيهِ لَا شَيْئا فِي الْمَكَان وناصبها يعلم محذوفا مدلولا عَلَيْهِ بِأَعْلَم لَا بِأَعْلَم نَفسه لِأَن أفعل التَّفْضِيل لَا ينصب الْمَفْعُول بِهِ فَإِن أولته بعالم جَازَ أَن ينصبه فِي رَأْي بَعضهم وَلم تقع اسْما ل أَن خلافًا لِابْنِ مَالك وَلَا دَلِيل لَهُ فِي قَوْله 214 - (إِن حَيْثُ اسْتَقر من أَنْت راعيه ... حمى فِيهِ عزة وأمان) لجَوَاز تَقْدِير حَيْثُ خَبرا وَحمى اسْما فَإِن قيل يُؤَدِّي إِلَى جعل الْمَكَان حَالا فِي الْمَكَان قُلْنَا هُوَ نَظِير قَوْلك إِن فِي مَكَّة دَار زيد وَنَظِيره فِي الزَّمَان إِن فِي يَوْم الْجُمُعَة سَاعَة الْإِجَابَة وَتلْزم حَيْثُ الْإِضَافَة إِلَى جملَة اسمية كَانَت أَو فعلية وإضافتها إِلَى الفعلية أَكثر وَمن ثمَّ رجح النصب فِي نَحْو جَلَست حَيْثُ زيدا أرَاهُ وندرت إضافتها إِلَى الْمُفْرد كَقَوْلِه 215 - ( ... ببيض المواضي حَيْثُ لي العمائم) أنْشدهُ ابْن مَالك وَالْكسَائِيّ يقيسه وَيُمكن أَن يخرج عَلَيْهِ قَول الْفُقَهَاء من حَيْثُ أَن كَذَا وأندر من ذَلِك اضافتها إِلَى جملَة محذوفة كَقَوْلِه 216 - (إِذا زيدة من حَيْثُ مَا نفحت لَهُ ... أَتَاهُ برياها خَلِيل يواصله) أَي إِذا ريدة نفحت لَهُ من حَيْثُ هبت وَذَلِكَ لِأَن ريدة فعل بِمَحْذُوف يفسره نفحت فَلَو كَانَ نفحت مُضَافا إِلَيْهِ حَيْثُ لزم بطلَان التَّفْسِير إِذْ الْمُضَاف الحديث: 214 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 إِلَيْهِ لَا يعْمل فِيمَا قبل الْمُضَاف وَمَا لَا يعْمل لَا يُفَسر عَاملا قَالَ أَبُو الْفَتْح فِي كتاب التَّمام وَمن أضَاف حَيْثُ إِلَى الْمُفْرد أعْربهَا انْتهى وَرَأَيْت بِخَط الضابطين 217 - (أما ترى حَيْثُ سُهَيْل طالعا) بِفَتْح الثَّاء من حَيْثُ وخفض سُهَيْل وَحَيْثُ بِالضَّمِّ وَسُهيْل بِالرَّفْع أَي مَوْجُود فَحذف الْخَبَر وَإِذا اتَّصَلت بهَا مَا الكافة ضمنت معنى الشَّرْط وجزمت الْفِعْلَيْنِ كَقَوْلِه 218 - (حَيْثُمَا تستقم يقدر لَك الله نجاحا فِي غابر الْأَزْمَان) وَهَذَا الْبَيْت دَلِيل عِنْدِي على مجيئها للزمان حرف الْخَاء الْمُعْجَمَة خلا على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تكون حرفا جارا للمستثنى ثمَّ قيل موضعهَا نصب عَن تَمام الْكَلَام وَقيل تتَعَلَّق بِمَا قبلهَا من فعل أَو شبهه على قَاعِدَة أحرف الْجَرّ وَالصَّوَاب عِنْدِي الأول لِأَنَّهَا لَا تعدى الْأَفْعَال إِلَى الْأَسْمَاء أَي لَا توصل مَعْنَاهَا إِلَيْهَا بل تزيل مَعْنَاهَا عَنْهَا فَأَشْبَهت فِي عدم التَّعْدِيَة الْحُرُوف الزَّائِدَة وَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة إِلَّا وَهِي غير مُتَعَلقَة وَالثَّانِي أَن تكون فعلا مُتَعَدِّيا ناصبا لَهُ وفاعلها على الْحَد الْمَذْكُور فِي فَاعل حاشا وَالْجُمْلَة مستأنفة أَو حَالية على خلاف فِي ذَلِك وَتقول قَامُوا خلا زيدا وَإِن شِئْت خفضت إِلَّا فِي نَحْو قَول لبيد الحديث: 217 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 219 - (أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل) وَذَلِكَ لِأَن مَا فِي هَذِه مَصْدَرِيَّة فَدَخَلُوهَا يعين الفعلية وَمَوْضِع مَا خلا نصب فَقَالَ السيرافي على الْحَال كَمَا يَقع الْمصدر الصَّرِيح فِي نَحْو أرسلها العراك وَقيل على الظّرْف على نيابتها وصلتها عَن الْوَقْت فَمَعْنَى قَامُوا مَا خلا زيدا على الأول قَامُوا خالين عَن زيد وعَلى الثَّانِي قَامُوا وَقت خلوهم عَن زيد وَهَذَا الْخلاف الْمَذْكُور فِي محلهَا خافضة وناصبة ثَابت فِي حاشا وَعدا وَقَالَ ابْن خروف على الِاسْتِثْنَاء كانتصاب غير فِي قَامُوا غير زيد وَزعم الْجرْمِي والربعي وَالْكسَائِيّ والفارسي وَابْن جني أَنه قد يجوز الْجَرّ على تَقْدِير مَا زَائِدَة فَإِن قَالُوا ذَلِك بِالْقِيَاسِ ففاسد لِأَن مَا لَا تزاد قبل الْجَار بل بعده نَحْو {عَمَّا قَلِيل} {فبمَا رَحْمَة} وَإِن قَالُوهُ بِالسَّمَاعِ فَهُوَ من الشذوذ بِحَيْثُ لَا يُقَاس عَلَيْهِ حرف الرَّاء رب حرف جر خلافًا للكوفيين فِي دَعْوَى اسميته وَقَوْلهمْ إِنَّه أخبر عَنهُ فِي قَوْله 220 - (إِن يَقْتُلُوك فَإِن قَتلك لم يكن ... عارا عَلَيْك وَرب قتل عَار) مَمْنُوع بل عَار خبر لمَحْذُوف وَالْجُمْلَة صفة للمجرور أَو خبر للمجرور إِذْ هُوَ فِي مَوضِع مُبْتَدأ كَمَا سَيَأْتِي الحديث: 219 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَلَيْسَ مَعْنَاهَا التقليل دَائِما خلافًا للأكثرين وَلَا التكثير دَائِما خلافًا لِابْنِ درسْتوَيْه وَجَمَاعَة بل ترد للتكثير كثيرا وللتقليل قَلِيلا فَمن الأول {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} وَفِي الحَدِيث يَا رب كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية يَوْم الْقِيَامَة وَسمع أَعْرَابِي يَقُول بعد انْقِضَاء رَمَضَان يَا رب صَائِمَة لن يَصُومهُ وَيَا رب قَائِمَة لن يقومه وَهُوَ مِمَّا تمسك بِهِ الْكسَائي على إِعْمَال اسْم الْفَاعِل الْمُجَرّد بِمَعْنى الْمَاضِي وَقَالَ الشَّاعِر 22 - (فيا رب يَوْم قد لهوت وَلَيْلَة ... بآنسة كَأَنَّهَا خطّ تِمْثَال) وَقَالَ آخر 22 - (رُبمَا أوفيت فِي علم ... ترفعن ثوبي شمالات) وَوجه الدَّلِيل أَن الْآيَة والْحَدِيث والمثال مسوقة للتخويف والبيتين مسوقان للافتخار وَلَا يُنَاسب وَاحِدًا مِنْهُمَا التقليل وَمن الثَّانِي قَول أبي طَالب فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 223 - (وأبيض يَسْتَسْقِي الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل) وَقَول الآخر الحديث: 223 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 224 - (أَلا رب مَوْلُود وَلَيْسَ لَهُ أَب ... وَذي ولد لم يلده أَبَوَانِ) (وَذي شامة غراء فِي حر وَجهه ... مُجَللَة لَا تَنْقَضِي لِأَوَانِ) (ويكمل فِي تسع وَخمْس شبابه ... ويهرم فِي سبع مَعًا وثمان) أَرَادَ عِيسَى وآدَم عَلَيْهِمَا السَّلَام وَالْقَمَر وَنَظِير رب فِي إِفَادَة التكثير كم الخبرية وَفِي إفادته تَارَة وإفادة التقليل أُخْرَى قد على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حرف الْقَاف وصيغ التصغير تَقول حُجَيْر ورجيل فَتكون للتقليل وَقَالَ 225 - (فويق جبيل شامخ لن تناله ... بقنته حَتَّى تكل وتعملا) وَقَالَ لبيد 226 - (وكل أنَاس سَوف تدخل بَينهم ... دويهية تصفر مِنْهَا الأنامل) إِلَّا أَن الْغَالِب فِي قد والتصغير إفادتهما التقليل وَرب بِالْعَكْسِ وتنفرد رب بِوُجُوب تصديرها وَوُجُوب تنكير مجرورها ونعته إِن كَانَ ظَاهرا وإفراده وتذكيره وتمييزه بِمَا يُطَابق الْمَعْنى إِن كَانَ ضميرا وَغَلَبَة حذف معداها ومضيه وإعمالها محذوفة بعد الْفَاء كثيرا وَبعد الْوَاو أَكثر وَبعد بل قَلِيلا وبدونهن أقل كَقَوْلِه 227 - (فمثلك حُبْلَى قد طرقت ومرضع ... ) الحديث: 224 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَقَوله 228 - (وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ) وَقَوله 229 - ( ... بل بلد ذِي صعد وآكام) وَقَوله 230 - (رسم دَار وقفت فِي طلله ... ) وبأنها زَائِدَة فِي الْإِعْرَاب دون الْمَعْنى فَمحل مجرورها فِي نَحْو رب رجل صَالح عِنْدِي رفع على الابتدائية وَفِي نَحْو رب رجل صَالح لقِيت نصب على المفعولية وَفِي نَحْو رب رجل صَالح لَقيته رفع أَو نصب كَمَا فِي قَوْلك هَذَا لَقيته وَيجوز مُرَاعَاة مَحَله كثيرا وَإِن لم يجز نَحْو مَرَرْت بزيد وعمرا إِلَّا قَلِيلا قَالَ 23 - (وَسن كسنيق سناء وسنما ... ذعرت بمدلاح الهجير نهوض) فعطف سنما على مَحل سنّ وَالْمعْنَى ذعرت بِهَذَا الْفرس ثورا وبقرة عَظِيمَة وسنيق اسْم جبل بِعَيْنِه وسناء ارتفاعا وَزعم الزّجاج وموافقوه أَن مجرورها لَا يكون إِلَّا فِي مَحل نصب وَالصَّوَاب مَا قدمْنَاهُ وَإِذا زيدت مَا بعْدهَا فالغالب أَن تكفها عَن الْعَمَل وَأَن تهيئها للدخول على الْجمل الفعلية وَأَن يكون الْفِعْل مَاضِيا لفظا وَمعنى كَقَوْلِه الحديث: 228 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 23 - (رُبمَا أوفيت فِي علم ... ترفعن ثوبي شمالات) وَمن أَعمالهَا قَوْله 233 - (رُبمَا ضَرْبَة بِسيف صقيل ... بَين بصرى وطعنة نجلاء) وَمن دُخُولهَا على الاسمية قَول أبي دؤاد 234 - (رُبمَا الجامل الموبل فيهم ... وعناجيج بَينهُنَّ المهار) وَقيل لَا تدخل المكفوفة على الاسمية أصلا وَإِن مَا فِي الْبَيْت نكرَة مَوْصُوفَة والجامل خبر لَهو محذوفا وَالْجُمْلَة صفة لما وَمن دُخُولهَا على الْفِعْل الْمُسْتَقْبل قَوْله تَعَالَى {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا} وَقيل هُوَ مؤول بالماضي على حد قَوْله تَعَالَى {وَنفخ فِي الصُّور} وَفِيه تكلّف لاقْتِضَائه أَن الْفِعْل الْمُسْتَقْبل عبر بِهِ عَن مَاض متجوز بِهِ عَن الْمُسْتَقْبل وَالدَّلِيل على صِحَة اسْتِقْبَال مَا بعْدهَا قَوْله 235 - (فَإِن أهلك فَرب فَتى سيبكي ... عَليّ مهذب رخص البنان) وَقَوله 236 - (يَا رب قائلة غَدا ... يَا لهف أم مُعَاوِيَة) الحديث: 233 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَفِي رب سِتّ عشرَة لُغَة ضم الرَّاء وَفتحهَا وَكِلَاهُمَا مَعَ التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف وَالْأَوْجه الْأَرْبَعَة مَعَ تَاء التَّأْنِيث سَاكِنة أَو محركة وَمَعَ التجرد مِنْهَا فَهَذِهِ اثْنَتَا عشرَة وَالضَّم وَالْفَتْح مَعَ إسكان الْبَاء وَضم الحرفين مَعَ التَّشْدِيد وَمَعَ التَّخْفِيف حرف السِّين الْمُهْملَة السِّين المفردة حرف يخْتَص بالمضارع وَيُخَلِّصهُ للاستقبال وَينزل مِنْهُ منزلَة الْجُزْء وَلِهَذَا لم يعْمل فِيهِ مَعَ اخْتِصَاصه بِهِ وَلَيْسَ مقتطعا من سَوف خلافًا للكوفيين وَلَا مُدَّة الِاسْتِقْبَال مَعَه أضيق مِنْهَا مَعَ سَوف خلافًا للبصريين وَمعنى قَول المعربين فِيهَا حرف تَنْفِيس حرف توسيع وَذَلِكَ أَنَّهَا تقلب الْمُضَارع من الزَّمن الضّيق وَهُوَ الْحَال إِلَى الزَّمن الْوَاسِع وَهُوَ الِاسْتِقْبَال وأوضح من عبارتهم قَول الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره حرف اسْتِقْبَال وَزعم بَعضهم أَنَّهَا قد تَأتي للاستمرار لَا للاستقبال ذكر ذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى {سَتَجِدُونَ آخَرين} الْآيَة وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى {سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس مَا ولاهم عَن قبلتهم} مُدعيًا أَن ذَلِك إِنَّمَا نزل بعد قَوْلهم {مَا ولاهم} قَالَ فَجَاءَت السِّين إعلاما بالاستمرار لَا بالاستقبال انْتهى وَهَذَا الَّذِي قَالَه لَا يعرفهُ النحويون وَمَا اسْتندَ إِلَيْهِ من أَنَّهَا نزلت بعد قَوْلهم {مَا ولاهم} غير مُوَافق عَلَيْهِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن قلت أَي فَائِدَة فِي الْإِخْبَار بقَوْلهمْ قبل وُقُوعه قلت فَائِدَته أَن المفاجأة للمكروه أَشد وَالْعلم بِهِ قبل وُقُوعه أبعد عَن الِاضْطِرَاب إِذا وَقع انْتهى ثمَّ لَو سلم فالاستمرار إِنَّمَا اسْتُفِيدَ من الْمُضَارع كَمَا تَقول فلَان يقري الضَّيْف ويصنع الْجَمِيل تُرِيدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 أَن ذَلِك دأبه وَالسِّين مفيدة للاستقبال إِذْ الِاسْتِمْرَار إِنَّمَا يكون فِي الْمُسْتَقْبل وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّهَا إِذا دخلت على فعل مَحْبُوب أَو مَكْرُوه أفادت أَنه وَاقع لَا محَالة وَلم أر من فهم وَجه ذَلِك وَوَجهه أَنَّهَا تفِيد الْوَعْد بِحُصُول الْفِعْل فَدَخَلُوهَا على مَا يُفِيد الْوَعْد أَو الْوَعيد مُقْتَض لتوكيده وتثبيت مَعْنَاهُ وَقد أَوْمَأ إِلَى ذَلِك فِي سُورَة الْبَقَرَة فَقَالَ فِي (فَسَيَكْفِيكَهُم الله) وَمعنى السِّين أَن ذَلِك كَائِن لَا محَالة وَإِن تَأَخّر إِلَى حِين وَصرح بِهِ فِي سُورَة بَرَاءَة فَقَالَ فِي {أُولَئِكَ سيرحمهم الله} السِّين مفيدة وجود الرَّحْمَة لَا محَالة فَهِيَ تؤكد الْوَعْد كَمَا تؤكد الْوَعيد إِذا قلت سأنتقم مِنْك سَوف مرادفة للسين أَو أوسع مِنْهَا على الْخلاف وَكَأن الْقَائِل بذلك نظر إِلَى أَن كَثْرَة الْحُرُوف تدل على كَثْرَة الْمَعْنى وَلَيْسَ بمطرد وَيُقَال فِيهَا سف بِحَذْف الْوسط وسو بِحَذْف الْأَخير وسى بحذفه وقلب الْوسط يَاء مُبَالغَة فِي التَّخْفِيف حَكَاهَا صَاحب الْمُحكم وتنفرد عَن السِّين بِدُخُول اللَّام عَلَيْهَا نَحْو {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} وبأنها قد تفصل بِالْفِعْلِ الملغى كَقَوْلِه 237 - (وَمَا أدرى وسوف إخال أَدْرِي ... أقوم آل حصن أم نسَاء) الحديث: 237 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 سي من لَا سِيمَا اسْم بِمَنْزِلَة مثل وزنا وَمعنى وعينه فِي الأَصْل وَاو وتثنيته سيان وتستغني حِينَئِذٍ عَن الْإِضَافَة كَمَا استغنت عَنْهَا مثل فِي قَوْله 238 - ( ... وَالشَّر بِالشَّرِّ عِنْد الله مثلان) واستغنوا بتثنيته عَن تَثْنِيَة سَوَاء فَلم يَقُولُوا سواءان إِلَّا شاذا كَقَوْلِه 239 - (فيا رب إِن لم تقسم الْحبّ بَيْننَا ... سواءين فَاجْعَلْنِي على حبها جلدا) وَتَشْديد يائه وَدخُول لَا عَلَيْهِ وَدخُول الْوَاو على لَا وَاجِب قَالَ ثَعْلَب من اسْتَعْملهُ على خلاف مَا جَاءَ فِي قَوْله 240 - ( ... وَلَا سِيمَا يَوْم بداره جلجل) فَهُوَ مخطىء اهـ وَذكر غَيره أَنه قد يُخَفف وَقد تحذف الْوَاو كَقَوْلِه 24 - (فه بِالْعُقُودِ وبالأيمان لَا سِيمَا ... عقد وَفَاء بِهِ من أعظم الْقرب) وَهِي عِنْد الْفَارِسِي نصب على الْحَال فَإِذا قيل قَامُوا لَا سِيمَا زيد فالناصب قَامَ وَلَو كَانَ كَمَا ذكر لامتنع دُخُول الْوَاو ولوجب تكْرَار لَا كَمَا تَقول رَأَيْت زيدا لَا مثل عَمْرو وَلَا مثل خَالِد وَعند غَيره هُوَ اسْم للا التبرئة وَيجوز فِي الِاسْم الَّذِي بعْدهَا الْجَرّ وَالرَّفْع مُطلقًا وَالنّصب أَيْضا إِذا كَانَ نكرَة وَقد رُوِيَ بِهن 24 - ( ... وَلَا سِيمَا يَوْم) الحديث: 238 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 والجر أرجحها وَهُوَ على الْإِضَافَة وَمَا زَائِدَة بَينهمَا مثلهَا فِي {أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت} وَالرَّفْع على أَنه خبر لمضمر مَحْذُوف وَمَا مَوْصُولَة أَو نكرَة مَوْصُوفَة بِالْجُمْلَةِ وَالتَّقْدِير وَلَا مثل الَّذِي هُوَ يَوْم أَو لَا مثل شَيْء هُوَ يَوْم ويضعفه فِي نَحْو وَلَا سِيمَا زيد حذف الْعَائِد الْمَرْفُوع مَعَ عدم الطول وَإِطْلَاق مَا على من يعقل وعَلى الْوَجْهَيْنِ ففتحة سى إِعْرَاب لِأَنَّهُ مُضَاف وَالنّصب على التَّمْيِيز كَمَا يَقع التَّمْيِيز بعد مثل فِي نَحْو {وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا} وَمَا كَافَّة عَن الْإِضَافَة والفتحة بِنَاء مثلهَا فِي لَا رجل وَأما انتصاب الْمعرفَة نَحْو وَلَا سِيمَا زيدا فَمَنعه الْجُمْهُور وَقَالَ ابْن الدهان لَا أعرف لَهُ وَجها وَوجه بَعضهم بِأَن مَا كَافَّة وَأَن لَا سِيمَا نزلت منزلَة إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء ورد بِأَن الْمُسْتَثْنى مخرج وَمَا بعْدهَا دَاخل من بَاب أولى وَأجِيب بِأَنَّهُ مخرج مِمَّا أفهمهُ الْكَلَام السَّابِق من مساواته لما قبلهَا وعَلى هَذَا فَيكون اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا سَوَاء تكون بِمَعْنى مستو ويوصف بهَا الْمَكَان بِمَعْنى أَنه نصف بَين مكانين والأفصح فِيهِ حِينَئِذٍ أَن يقصر مَعَ الْكسر نَحْو {مَكَانا سوى} وَهُوَ أحد الصِّفَات الَّتِي جَاءَت على فعل كَقَوْلِهِم مَاء روى وَقوم عدى وَقد تمد مَعَ الْفَتْح نَحْو مَرَرْت بِرَجُل سَوَاء والعدم وَبِمَعْنى الْوسط وَبِمَعْنى التَّام فتمد فيهمَا مَعَ الْفَتْح نَحْو قَوْله تَعَالَى فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 سَوَاء الْجَحِيم) وقولك هَذَا دِرْهَم سَوَاء وَبِمَعْنى الْقَصْد فتقصر مَعَ الْكسر وَهُوَ أغرب مَعَانِيهَا كَقَوْلِه 243 - (فلأصرفن سوى حُذَيْفَة مدحتي ... لفتى الْعشي وَفَارِس الْأَحْزَاب) ذكره ابْن الشجري وَبِمَعْنى مَكَان أَو غير على خلاف فِي ذَلِك فتمد مَعَ الْفَتْح وتقصر مَعَ الضَّم وَيجوز الْوَجْهَانِ مَعَ الْكسر وَتَقَع هَذِه صفة واستثناء كَمَا تقع غير وَهُوَ عِنْد الزجاجي وَابْن مَالك كَغَيْر فِي الْمَعْنى وَالتَّصَرُّف فَتَقول جَاءَنِي سواك بِالرَّفْع على الفاعلية وَرَأَيْت سواك بِالنّصب على المفعولية وَمَا جَاءَنِي أحد سواك بِالنّصب وَالرَّفْع وَهُوَ الْأَرْجَح وَعند سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور أَنَّهَا ظرف مَكَان ملازم للنصب لَا يخرج عَن ذَلِك إِلَّا فِي الضَّرُورَة وَعند الْكُوفِيّين وَجَمَاعَة أَنَّهَا ترد بِالْوَجْهَيْنِ ورد على من نفى ظرفيتها بوقوعها صلَة قَالُوا جَاءَ الَّذِي سواك وَأجِيب بِأَنَّهُ على تَقْدِير سوى خَبرا لَهو محذوفا أَو حَالا لثبت مضمرا كَمَا قَالُوا لَا أَفعلهُ مَا أَن حراء مَكَانَهُ وَلَا يمْنَع الخبرية قَوْلهم سواءك بِالْمدِّ وَالْفَتْح لجَوَاز أَن يُقَال إِنَّهَا بنيت لإضافتها إِلَى الْمَبْنِيّ كَمَا فِي غير تَنْبِيه يخبر بِسَوَاء الَّتِي بِمَعْنى مستو عَن الْوَاحِد فَمَا فَوْقه نَحْو لَيْسُوا سَوَاء لِأَنَّهَا الحديث: 243 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 فِي الأَصْل مصدر بِمَعْنى الاسْتوَاء وَقد أُجِيز فِي قَوْله تَعَالَى {سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} كَونهَا خَبرا عَمَّا قبلهَا أَو عَمَّا بعْدهَا أَو مُبْتَدأ وَمَا بعْدهَا فَاعل على الأول ومبتدأ على الثَّانِي وَخبر على الثَّالِث وأبطل ابْن عمرون الأول بِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله وَالثَّانِي بِأَن الْمُبْتَدَأ الْمُشْتَمل على الِاسْتِفْهَام وَاجِب التَّقْدِيم فَيُقَال لَهُ وَكَذَا الْخَبَر فَإِن أجَاب بِأَنَّهُ مثل زيد أَيْن هُوَ منعناه وَقُلْنَا لَهُ بل مثل كَيفَ زيد لِأَن {أأنذرتهم} إِذا لم يقدر بالمفرد لم يكن خَبرا لعدم تحمله ضمير سَوَاء وَأما شبهته فجوابها أَن الِاسْتِفْهَام هُنَا لَيْسَ على حَقِيقَته فَإِن أجَاب بِأَنَّهُ كَذَلِك فِي نَحْو علمت أَزِيد قَائِم وَقد أبقى عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق الصدرية بِدَلِيل التَّعْلِيق قُلْنَا بل الِاسْتِفْهَام مُرَاد هُنَا إِذْ الْمَعْنى علمت مَا يُجَاب بِهِ قَول المستفهم أَزِيد قَائِم وَأما فِي الْآيَة وَنَحْوهَا فَلَا اسْتِفْهَام الْبَتَّةَ لَا من قبل الْمُتَكَلّم وَلَا غَيره حرف الْعين الْمُهْملَة عدا مثل خلا فِيمَا ذَكرْنَاهُ من الْقسمَيْنِ وَفِي حكمهَا مَعَ مَا وَالْخلاف فِي ذَلِك وَلم يحفظ فِيهَا سِيبَوَيْهٍ إِلَّا الفعلية على على وَجْهَيْن 1 - أَحدهمَا أَن تكون حرفا وَخَالف فِي ذَلِك جمَاعَة فزعموا أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا اسْما ونسبوه لسيبويه وَلنَا أَمْرَانِ أَحدهمَا قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 244 - (تجن فتبدي مَا بهَا من صبَابَة ... وأخفي الَّذِي لَوْلَا الأسى لقضاني) أَي لقضى عَليّ فحذفت على وَجعل مجرورها مَفْعُولا وَقد حمل الْأَخْفَش على ذَلِك {وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا} أَي على سر أَي نِكَاح وَكَذَلِكَ {لأقعدن لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم} أَي على صراطك وَالثَّانِي أَنهم يَقُولُونَ نزلت على الَّذِي نزلت أَي عَلَيْهِ كَمَا جَاءَ {وَيشْرب مِمَّا تشربون} أَي مِنْهُ وَلها تِسْعَة معَان أَحدهَا الاستعلاء إِمَّا على الْمَجْرُور وَهُوَ الْغَالِب نَحْو {وَعَلَيْهَا وعَلى الْفلك تحملون} أَو على مَا يقرب مِنْهُ نَحْو (أَو أجد على النَّار هدى) وَقَوله 245 - ( ... وَبَات عَن النَّار الندى والمحلق) وَقد يكون الاستعلاء معنويا نَحْو {وَلَهُم عَليّ ذَنْب} وَنَحْو {فضلنَا بَعضهم على بعض} الثَّانِي المصاحبة كمع نَحْو {وَآتى المَال على حبه} {وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم} الحديث: 244 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ) الثَّالِث الْمُجَاوزَة كعن كَقَوْلِه 246 - (إِذا رضيت عَليّ بَنو قُشَيْر ... لعمر الله أعجبني رِضَاهَا) أَي عني وَيحْتَمل أَن رَضِي ضمن معنى عطف وَقَالَ الْكسَائي حمل على نقيضه وَهُوَ سخط وَقَالَ 247 - (فِي لَيْلَة لَا نرى بهَا أحدا ... يَحْكِي علينا إِلَّا كواكبها) أَي عَنَّا وَقد يُقَال ضمن يَحْكِي معنى ينم الرَّابِع التَّعْلِيل كاللام نَحْو (ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ) أَي لهدايته إيَّاكُمْ وَقَوله 248 - (علام تَقول الرمْح يثقل عَاتِقي ... إِذا أَنا لم أطعن إِذا الْخَيل كرت) الْخَامِس الظَّرْفِيَّة ك فِي نَحْو {وَدخل الْمَدِينَة على حِين غَفلَة} وَنَحْو (وَاتبعُوا مَا تتلو الشَّيَاطِين على ملك سُلَيْمَان) أَي فِي زمن ملكه وَيحْتَمل أَن {تتلو} مضمن معنى تتقول فَيكون بِمَنْزِلَة {وَلَو تَقول علينا بعض الْأَقَاوِيل} السَّادِس مُوَافقَة من نَحْو {إِذا اكتالوا على النَّاس يستوفون} الحديث: 246 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 السَّابِع مُوَافقَة الْبَاء نَحْو {حقيق على أَن لَا أَقُول} وَقد قَرَأَ أبي بِالْبَاء وَقَالُوا اركب على اسْم الله الثَّامِن أَن تكون زَائِدَة للتعويض أَو غَيره فَالْأول كَقَوْلِه 249 - (إِن الْكَرِيم وَأَبِيك يعتمل ... إِن لم يجد يَوْمًا على من يتكل) أَي من يتكل عَلَيْهِ فَحذف عَلَيْهِ وَزَاد على قبل الْمَوْصُول تعويضا لَهُ قَالَه ابْن جني وَقيل المُرَاد إِن لم يجد يَوْمًا شَيْئا ثمَّ ابْتَدَأَ مستفهما فَقَالَ على من يتكل وَكَذَا قيل فِي قَوْله 250 - (ولايؤاتيك فِيمَا نَاب من حدث ... إِلَّا أَخُو ثِقَة فَانْظُر بِمن تثق) إِن الأَصْل فَانْظُر لنَفسك ثمَّ اسْتَأْنف الِاسْتِفْهَام وَابْن جني يَقُول فِي ذَلِك أَيْضا إِن الأَصْل فَانْظُر من تثق بِهِ فَحذف الْبَاء ومجرورها وَزَاد الْبَاء عوضا وَقيل بل تمّ الْكَلَام عِنْد قَوْله فَانْظُر ثمَّ ابْتَدَأَ مستفهما فَقَالَ بِمن تثق وَالثَّانِي قَول حميد بن ثَوْر 25 - (أَبى الله إِلَّا أَن سرحة مَالك ... على كل أفنان العضاه تروق) قَالَه ابْن مَالك وَفِيه نظر لِأَن راقه الشَّيْء بِمَعْنى أعجبه وَلَا معنى لَهُ هُنَا الحديث: 249 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَإِنَّمَا المُرَاد تعلو وترتفع التَّاسِع أَن تكون للاستدراك والإضراب كَقَوْلِك فلَان لَا يدْخل الْجنَّة لسوء صَنِيعه على أَنه لَا ييأس من رَحْمَة الله تَعَالَى وَقَوله 25 - (فوَاللَّه لَا أنسى قَتِيلا رزئته ... بِجَانِب قوسى مَا بقيت على الأَرْض) (على أَنَّهَا تَعْفُو الكلوم وَإِنَّمَا ... نوكل بالأدنى وَإِن جلّ مَا يمْضِي) أَي على أَن الْعَادة نِسْيَان المصائب الْبَعِيدَة الْعَهْد وَقَوله 253 - (بِكُل تداوينا فَلم يشف مَا بِنَا ... على أَن قرب الدَّار خير من الْبعد) ثمَّ قَالَ (على أَن قرب الدَّار لَيْسَ بِنَافِع ... إِذا كَانَ من تهواه لَيْسَ بِذِي ود) أبطل بعلى الأولى عُمُوم قَوْله لم يشف مَا بِنَا فَقَالَ بلَى إِن فِيهِ شِفَاء مَا ثمَّ أبطل بِالثَّانِيَةِ قَوْله على أَن قرب الدَّار خير من الْبعد وَتعلق على هَذِه بِمَا قبلهَا عِنْد من قَالَ بِهِ كتعلق حاشا بِمَا قبلهَا عِنْد من قَالَ بِهِ لِأَنَّهَا أوصلت مَعْنَاهُ إِلَى مَا بعْدهَا على وَجه الإضراب والإخراج أَو هِيَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي وَالتَّحْقِيق على كَذَا وَهَذَا الْوَجْه اخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب قَالَ وَدلّ على ذَلِك أَن الْجُمْلَة الأولى وَقعت على غير التَّحْقِيق ثمَّ جِيءَ بِمَا هُوَ التَّحْقِيق فِيهَا وَالثَّانِي من وَجْهي على أَن تكون اسْما بِمَعْنى فَوق وَذَلِكَ إِذا دخلت عَلَيْهَا من كَقَوْلِه الحديث: 253 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 254 - (غَدَتْ من عَلَيْهِ بعد مَا تمّ ظمؤها ... ) وَزَاد الْأَخْفَش موضعا آخر وَهُوَ أَن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى وَاحِد نَحْو قَوْله تَعَالَى {أمسك عَلَيْك زَوجك} وَقَول الشَّاعِر 255 - (هون عَلَيْك فَإِن الْأُمُور ... بكف الْإِلَه مقاديرها) لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى فعل الْمُضمر الْمُتَّصِل إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل فِي غير بَاب ظن وفقد وَعدم لَا يُقَال ضربتني وَلَا فرحت بِي وَفِيه نظر لِأَنَّهَا لَو كَانَت اسْما فِي هَذِه الْمَوَاضِع لصَحَّ حُلُول فَوق محلهَا وَلِأَنَّهَا لَو لَزِمت اسميتها لما ذكر لزم الحكم باسمية إِلَى فِي نَحْو {فصرهن إِلَيْك} {واضمم إِلَيْك} {وهزي إِلَيْك} وَهَذَا كُله يتَخَرَّج إِمَّا على التَّعَلُّق بِمَحْذُوف كَمَا قيل فِي اللَّام فِي سقيا لَك وَإِمَّا على حذف مُضَاف أَي هون نَفسك واضمم إِلَى نَفسك وَقد خرج ابْن مَالك على هَذَا قَوْله الحديث: 254 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 256 - (وَمَا أصَاحب من قوم فأذكرهم ... إِلَّا يزيدهم حبا إِلَيّ هم) فَادّعى أَن الأَصْل يزِيدُونَ أنفسهم ثمَّ صَار يزيدونهم ثمَّ فصل ضمير الْفَاعِل للضَّرُورَة وَأخر عَن ضمير الْمَفْعُول وحامله على ذَلِك ظَنّه أَن الضميرين لمسمى وَاحِد وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مُرَاده أَنه مَا يصاحب قوما فيذكر قومه لَهُم إِلَّا وَيزِيد هَؤُلَاءِ الْقَوْم قومه حبا إِلَيْهِ لما يسمعهُ من ثنائهم عَلَيْهِم وَالْقَصِيدَة فِي حماسة أبي تَمام وَلَا يحسن تَخْرِيج ذَلِك على ظَاهره كَمَا قيل فِي قَوْله 257 - (قد بت أحرسي وحدي ويمنعني ... صَوت السبَاع بِهِ يضبحن والهام) لِأَن ذَلِك شعر فقد يستسهل فِيهِ مثل هَذَا وَلَا على قَول ابْن الْأَنْبَارِي إِن إِلَى قد ترد اسْما فَيُقَال انصرفت من إِلَيْك كَمَا يُقَال غَدَوْت من عَلَيْك لِأَنَّهُ إِن كَانَ ثَابتا فَفِي غَايَة الشذوذ وَلَا على قَول ابْن عُصْفُور إِن إِلَيْك فِي {واضمم إِلَيْك} إغراء وَالْمعْنَى خُذ جناحك أَي عصاك لِأَن إِلَى لَا تكون بِمَعْنى خُذ عِنْد الْبَصرِيين وَلِأَن الْجنَاح لَيْسَ بِمَعْنى الْعَصَا إِلَّا عِنْد الْفراء وشذوذ من الْمُفَسّرين الحديث: 256 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 عَن على ثلَاثه أوجه 1 - أَحدهَا أَن تكون حرفا جارا وَجَمِيع مَا ذكر لَهَا عشرَة معَان أَحدهَا الْمُجَاوزَة وَلم يذكر البصريون سواهُ نَحْو سَافَرت عَن الْبَلَد ورغبت عَن كَذَا ورميت السهْم عَن الْقوس وَذكر لَهَا فِي هَذَا الْمِثَال معنى غير هَذَا وَسَيَأْتِي الثَّانِي الْبَدَل نَحْو {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} وَفِي الحَدِيث صومي عَن أمك الثَّالِث الاستعلاء نَحْو {فَإِنَّمَا يبخل عَن نَفسه} وَقَول ذِي الْأصْبع 258 - (لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسب ... عني وَلَا أَنْت دياني فتخزوني) أَي لله در أبن عمك لَا أفضلت فِي حسب عَليّ وَلَا أَنْت مالكي فتسوسني وَذَلِكَ لِأَن الْمَعْرُوف أَن يُقَال أفضلت عَلَيْهِ قيل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أَحْبَبْت حب الْخَيْر عَن ذكر رَبِّي} أَي قَدمته عَلَيْهِ وَقيل هِيَ على بَابهَا وتعلقها بِحَال محذوفة أَي منصرفا عَن ذكر رَبِّي وَحكى الرماني عَن أبي عُبَيْدَة أَن أَحْبَبْت من أحب الْبَعِير إحبابا إِذا برك فَلم يثر فَعَن مُتَعَلقَة بِهِ بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ التضمني الحديث: 258 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وَهِي على حَقِيقَتهَا أَي إِنِّي تثبطت عَن ذكر رَبِّي وعَلى هَذَا فحب الْخَيْر مفعول لأَجله الرَّابِع التَّعْلِيل نَحْو {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة} وَنَحْو {وَمَا نَحن بتاركي آلِهَتنَا عَن قَوْلك} وَيجوز أَن يكون حَالا من ضمير / تاركي / أَي مَا نتركها صادرين عَن قَوْلك وَهُوَ رَأْي الزَّمَخْشَرِيّ وَقَالَ فِي {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا} إِن كَانَ الضَّمِير للشجرة فَالْمَعْنى حملهما على الزلة بِسَبَبِهَا وَحَقِيقَته أصدر الزلة عَنْهَا وَمثله {وَمَا فعلته عَن أَمْرِي} وَإِن كَانَ للجنة فَالْمَعْنى نحاهما عَنْهَا الْخَامِس مرادفة بعد نَحْو {عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين} {يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه} بِدَلِيل أَن فِي مَكَان آخر {من بعد موَاضعه} وَنَحْو {لتركبن طبقًا عَن طبق} أَي حَالَة بعد حَالَة وَقَالَ 259 - ( ... ومنهل وردته عَن منهل) السَّادِس الظَّرْفِيَّة كَقَوْلِه 260 - وآس سراة الْحَيّ حَيْثُ لقيتهم ... ولاتك عَن حمل الرباعة وانيا) الحديث: 259 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الرباعة نُجُوم الْحمالَة قيل لِأَن ونى لَا يتَعَدَّى إِلَّا بفي بِدَلِيل {وَلَا تنيا فِي ذكري} وَالظَّاهِر أَن معنى ونى عَن كَذَا جاوزه وَلم يدْخل فِيهِ وونى فِيهِ دخل فِيهِ وفتر السَّابِع مرادفة من نَحْو {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات} الشَّاهِد فِي الأولى {أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا} بِدَلِيل {فَتقبل من أَحدهمَا وَلم يتَقَبَّل من الآخر} {رَبنَا تقبل منا} الثَّامِن مرادفة الْبَاء نَحْو {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} وَالظَّاهِر أَنَّهَا على حَقِيقَتهَا وَأَن الْمَعْنى وَمَا يصدر قَوْله عَن هوى التَّاسِع الِاسْتِعَانَة قَالَه ابْن مَالك وَمثله برميت عَن الْقوس لأَنهم يَقُولُونَ أَيْضا رميت بِالْقَوْسِ حَكَاهُمَا الْفراء وَفِيه رد على الحريري فِي إِنْكَاره أَن يُقَال ذَلِك إِلَّا إِذا كَانَت الْقوس هِيَ المرمية وَحكى أَيْضا رميت على الْقوس الْعَاشِر أَن تكون زَائِدَة للتعويض من أُخْرَى محذوفة كَقَوْلِه 26 - (أتجزع أَن نفس أَتَاهَا حمامها ... فَهَلا الَّتِي عَن بَين جنبيك تدفع) قَالَ ابْن جني أَرَادَ فَهَلا تدفع عَن الَّتِي بَين جنبيك فحذفت عَن من أول الْمَوْصُول وزيدت بعده 2 - الْوَجْه الثَّانِي أَن تكون حرفا مصدريا وَذَلِكَ أَن بني تَمِيم يَقُولُونَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 نَحْو أعجبني أَن تفعل عَن تفعل قَالَ ذُو الرمة 26 - (أعن ترسمت من خرقاء منزلَة ... مَاء الصبابة من عَيْنَيْك مسجوم) يُقَال ترسمت الدَّار أَي تأملتها وسجم الدمع سَالَ وسجمته الْعين أسالته وَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي أَن الْمُشَدّدَة فَيَقُولُونَ أشهد عَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَتسَمى عنعنة تَمِيم 3 - الثَّالِث أَن تكون اسْما بِمَعْنى جَانب وَذَلِكَ يتَعَيَّن فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع أَحدهَا أَن يدْخل عَلَيْهَا من وَهُوَ كثير كَقَوْلِه 263 - (فَلَقَد أَرَانِي للرماح دريئة ... من عَن يَمِيني مرّة وأمامي) ويحتمله عِنْدِي {ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم وَعَن أَيْمَانهم وَعَن شمائلهم} فتقدر معطوفة على مجرور من لَا على من ومجرورها وَمن الدَّاخِلَة على عَن زَائِدَة عِنْد ابْن مَالك ولابتداء الْغَايَة عِنْد غَيره قَالُوا فَإِذا قيل قعدت عَن يَمِينه فَالْمَعْنى فِي جَانب يَمِينه وَذَلِكَ مُحْتَمل للملاصقة ولخلافها فَإِن جِئْت ب من تعين كَون الْقعُود ملاصقا لأوّل النَّاحِيَة الثَّانِي أَن يدْخل عَلَيْهَا على وَذَلِكَ نَادِر وَالْمَحْفُوظ مِنْهُ بَيت وَاحِد وَهُوَ قَوْله 264 - (على عَن يَمِيني مرت الطير سنحا ... ) الثَّالِث أَن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى وَاحِد قَالَه الْأَخْفَش وَذَلِكَ كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس الحديث: 263 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 265 - (ودع عَنْك نهبا صِيحَ فِي حجراته ... ) وَقَول أبي نواس 266 - (دع عَنْك لومي فَإِن اللوم إغراء ... ) وَذَلِكَ لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى تعدِي فعل الْمُضمر الْمُتَّصِل إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل وَقد تقدم الْجَواب عَن هَذَا وَمِمَّا يدل على أَنَّهَا لَيست هُنَا اسْما أَنه لَا يَصح حُلُول الْجَانِب محلهَا عوض ظرف لاستغراق الْمُسْتَقْبل مثل أبدا الا أَنه مُخْتَصّ بِالنَّفْيِ وَهُوَ مُعرب إِن أضيف كَقَوْلِهِم لَا أَفعلهُ عوض العائضين مَبْنِيّ إِن لم يضف وبناؤه إِمَّا على الضَّم كقبل أَو على الْكسر كأمس أَو على الْفَتْح كأين وَسمي الزَّمَان عوضا لِأَنَّهُ كلما مضى جُزْء مِنْهُ عوضه جُزْء آخر وَقيل بل لِأَن الدَّهْر فِي زعمهم يسلب ويعوض وَاخْتلف فِي قَول الْأَعْشَى 267 - (رضيعي لبان ثدي أم تحَالفا ... بأسحم داج عوض لَا نتفرق) فَقيل ظرف لنتفرق وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ قسم وَهُوَ اسْم لصنم كَانَ لبكر بن الحديث: 265 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وَائِل بِدَلِيل قَوْله 268 - (حَلَفت بمائرات حول عوض ... وأنصاب تركن لَدَى السعير) والسعير اسْم لصنم كَانَ لعنزة انْتهى وَلَو كَانَ كَمَا زعم لم يتَّجه بِنَاؤُه فِي الْبَيْت عَسى فعل مُطلقًا لَا حرف مُطلقًا خلافًا لِابْنِ السراج وثعلب وَلَا حِين يتَّصل بالضمير الْمَنْصُوب كَقَوْلِه 269 - ( ... يَا أبتا علك أَو عساكا) خلافًا لسيبويه حَكَاهُ عَنهُ السيرافي وَمَعْنَاهُ الترجي فِي المحبوب والإشفاق فِي الْمَكْرُوه وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم} وتستعمل على أوجه أَحدهَا أَن يُقَال عَسى زيد أَن يقوم وَاخْتلف فِي إعرابه على أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ قَول الْجُمْهُور أَنه مثل كَانَ زيد يقوم وَاسْتشْكل بِأَن الْخَبَر فِي تَأْوِيل الْمصدر والمخبر عَنهُ ذَات وَلَا يكون الْحَدث عين الذَّات وَأجِيب بِأُمُور أَحدهَا أَنه على تَقْدِير مُضَاف إِمَّا قبل الِاسْم أَي عَسى أَمر زيد الْقيام أَو قبل الْخَبَر أَي عَسى زيد صَاحب الْقيام وَمثله {وَلَكِن الْبر من آمن بِاللَّه} الحديث: 268 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 أَي وَلَكِن صَاحب الْبر من آمن بِاللَّه أَو وَلَكِن الْبر بر من آمن بِاللَّه وَالثَّانِي أَنه من بَاب زيد عدل وَصَوْم وَمثله {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن أَن يفترى} وَالثَّالِث أَن أَن زَائِدَة لَا مَصْدَرِيَّة وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهَا قد نصبت وَلِأَنَّهَا لَا تسْقط إِلَّا قَلِيلا وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهَا فعل مُتَعَدٍّ بِمَنْزِلَة قَارب معنى وَعَملا أَو قَاصِر بِمَنْزِلَة قرب من أَن يفعل وَحذف الْجَار توسعا وَهَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ والمبرد وَالثَّالِث أَنَّهَا فعل قَاصِر بِمَنْزِلَة قرب وَأَن وَالْفِعْل بدل اشْتِمَال من فاعلها وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين وَيَردهُ أَنه حِينَئِذٍ يكون بَدَلا لَازِما تتَوَقَّف عَلَيْهِ فَائِدَة الْكَلَام وَلَيْسَ هَذَا شَأْن الْبَدَل وَالرَّابِع أَنَّهَا فعل نَاقص كَمَا يَقُول الْجُمْهُور وَأَن وَالْفِعْل بدل اشْتِمَال كَمَا يَقُول الْكُوفِيُّونَ وَأَن هَذَا الْبَدَل سد مسد الجزأين كَمَا سد مسد المفعولين فِي قِرَاءَة حَمْزَة رَحمَه الله {وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا أَنما نملي لَهُم خير} بِالْخِطَابِ وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك الِاسْتِعْمَال الثَّانِي أَن تسند إِلَى أَن وَالْفِعْل فَتكون فعلا تَاما هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم من كَلَامهم وَقَالَ ابْن مَالك عِنْدِي أَنَّهَا نَاقِصَة أبدا وَلَكِن سدت أَن وصلتها فِي هَذِه الْحَالة مسد الجزأين كَمَا فِي {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا} إِذْ لم يقل أحد إِن حسب خرجت فِي ذَلِك عَن أَصْلهَا الثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس أَن يَأْتِي بعْدهَا الْمُضَارع الْمُجَرّد أَو المقرون بِالسِّين أَو الِاسْم الْمُفْرد نَحْو عَسى زيد يقوم وَعَسَى زيد سيقوم وَعَسَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 زيد قَائِما وَالْأول قَلِيل كَقَوْلِه 270 - (عَسى الكرب الَّذِي أمسيت فِيهِ ... يكون وَرَاءه فرج قريب) وَالثَّالِث أقل كَقَوْلِه 27 - (أكثرت فِي اللوم ملحا دَائِما ... لَا تكثرن إِنِّي عَسَيْت صَائِما) وَقَوْلهمْ فِي الْمثل عَسى الغوير أبؤسا كَذَا قَالُوا وَالصَّوَاب أَنَّهُمَا مِمَّا حذف فِيهِ الْخَبَر أَي يكون أبؤسا وأكون صَائِما لِأَن فِي ذَلِك إبْقَاء لَهما على الِاسْتِعْمَال الْأَصْلِيّ وَلِأَن المرجو كَونه صَائِما لَا نفس الصَّائِم وَالثَّانِي نَادِر جدا كَقَوْلِه 27 - (عس طَيئ من طَيئ بعد هَذِه ... ستطفئ غلات الكلى والجوانح) وَعَسَى فِيهِنَّ فعل نَاقص بِلَا إِشْكَال وَالسَّادِس أَن يُقَال عساي وعساك وعساه وَهُوَ قَلِيل وَفِيه ثَلَاثَة مَذَاهِب أَحدهَا أَنَّهَا أجريت مجْرى لَعَلَّ فِي نصب الِاسْم وَرفع الْخَبَر كَمَا أجريت لَعَلَّ مجْراهَا فِي اقتران خَبَرهَا بِأَن قَالَه سِيبَوَيْهٍ وَالثَّانِي أَنَّهَا بَاقِيَة على عَملهَا عمل كَانَ وَلَكِن استعير ضمير النصب مَكَان ضمير الرّفْع قَالَه الْأَخْفَش وَيَردهُ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن إنابة ضمير عَن ضمير إِنَّمَا ثَبت فِي الْمُنْفَصِل نَحْو مَا أَنا كَأَنْت الحديث: 270 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وَلَا أَنْت كأنا وَأما قَوْله 273 - ( ... يَا بن الزبير طالما عصيكا) فالكاف بدل من التَّاء بَدَلا تصريفيا لَا من إنابة ضمير عَن ضمير كَمَا ظن ابْن مَالك وَالثَّانِي أَن الْخَبَر قد ظهر مَرْفُوعا فِي قَوْله 274 - (فَقلت عساها نَار كأس وعلها ... تشكى فَآتي نَحْوهَا فأعودها) وَالثَّالِث أَنَّهَا بَاقِيَة على إعمالها عمل كَانَ وَلَكِن قلب الْكَلَام فَجعل الْمخبر عَنهُ خَبرا وَبِالْعَكْسِ قَالَه الْمبرد والفارسي ورد باستلزامه فِي نَحْو قَوْله 275 - ( ... يَا أبتا علك أَو عساكا) الِاقْتِصَار على فعل ومنصوبه وَلَهُمَا أَن يجيبا بِأَن الْمَنْصُوب هُنَا مَرْفُوع فِي الْمَعْنى إِذْ مدعاهما أَن الْإِعْرَاب قلب وَالْمعْنَى بِحَالهِ السَّابِع عَسى زيد قَائِم حَكَاهُ ثَعْلَب وَيتَخَرَّج هَذَا على أَنَّهَا نَاقِصَة وَأَن اسْمهَا ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة الاسمية الْخَبَر تَنْبِيه إِذا قيل زيد عَسى أَن يقوم احْتمل نُقْصَان عَسى على تَقْدِير تحملهَا الضَّمِير وتمامها على تَقْدِير خلوها مِنْهُ وَإِذا قلت عَسى أَن يقوم زيد احْتمل الْوَجْهَيْنِ أَيْضا وَلَكِن يكون الْإِضْمَار فِي يقوم لَا فِي عَسى اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تقدر العاملين تنَازعا زيدا فَيحْتَمل الْإِضْمَار فِي عَسى على إِعْمَال الثَّانِي فَإِذا قلت عَسى أَن يضْرب زيد عمرا فَلَا يجوز كَون زيد اسْم عَسى لِئَلَّا يلْزم الْفَصْل بَين صلَة أَن ومعمولها وَهُوَ عمرا بالأجنبي وَهُوَ زيد وَنَظِير هَذَا الْمِثَال قَوْله تَعَالَى {عَسى أَن} الحديث: 273 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا) عل بلام خَفِيفَة اسْم بِمَعْنى فَوق التزموا فِيهِ أَمريْن أَحدهمَا اسْتِعْمَاله مجرورا بِمن وَالثَّانِي اسعتماله غير مُضَاف فَلَا يُقَال أَخَذته من عل السَّطْح كَمَا يُقَال من علوه وَمن فَوْقه وَقد وهم فِي هَذَا جمَاعَة مِنْهُم الْجَوْهَرِي وَابْن مَالك وَأما قَوْله 276 - (يَا رب يَوْم لي لَا أظلله ... أرمض من تَحت وأضحى من عله) فالهاء للسكت بِدَلِيل أَنه مَبْنِيّ وَلَا وَجه لبنائه لَو كَانَ مُضَافا وَمَتى أُرِيد بِهِ الْمعرفَة كَانَ مَبْنِيا على الضَّم تَشْبِيها لَهُ بالغايات كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت إِذْ المُرَاد فوقية نَفسه لَا فوقية مُطلقَة وَالْمعْنَى أَنه نصِيبه الرمضاء من تَحْتَهُ وحر الشَّمْس من فَوْقه وَمثله قَول الاخر يصف فرسا 277 - ( ... أقب من تَحت عريض من عل) وَمَتى أُرِيد بِهِ النكرَة كَانَ معربا كَقَوْلِه 278 - ( ... كجلمود صَخْر حطه السَّيْل من عل) الحديث: 276 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 إِذْ المُرَاد تَشْبِيه الْفرس فِي سرعته بجلمود انحط من مَكَان مَا عَال لَا من علو مَخْصُوص عل بلام مُشَدّدَة مَفْتُوحَة أَو مَكْسُورَة لُغَة فِي لَعَلَّ وَهِي أَصْلهَا عِنْد من زعم زِيَادَة اللَّام قَالَ 279 - (وَلَا تهين الْفَقِير علك أَن ... تركع يَوْمًا والدهر قد رَفعه) وَهِي بِمَنْزِلَة عَسى فِي الْمَعْنى وبمنزلة أَن الْمُشَدّدَة فِي الْعَمَل وَعقيل تخْفض بهما وحيز فِي لامهما الْفَتْح تَخْفِيفًا وَالْكَسْر على أصل التقاء الساكنين وَيصِح النصب فِي جوابهما عِنْد الْكُوفِيّين تمسكا بِقِرَاءَة حَفْص {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع} بِالنّصب وَقَوله 280 - (عل صروف الدَّهْر أَو دولاتها ... تدلننا اللمة من لماتها) ( ... فتستريح النَّفس من زفراتها) وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِي ذَلِك وَذكر ابْن مَالك فِي شرح الْعُمْدَة أَن الْفِعْل قد يجْزم بعد لَعَلَّ عِنْد سُقُوط الْفَاء وَأنْشد 28 - (لَعَلَّ التفاتا مِنْك نحوي مُقَدّر ... يمل بك من بعد القساوة للرحم) وَهُوَ غَرِيب عِنْد اسْم للحضور الْحسي نَحْو {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقرًّا عِنْده} والمعنوي نَحْو {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} وللقرب كَذَلِك نَحْو {عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى عِنْدهَا جنَّة المأوى} وَنَحْو {وَإِنَّهُم عندنَا لمن المصطفين الأخيار} وَكسر فائها أَكثر من ضمهَا وَفتحهَا وَلَا تقع إِلَّا ظرفا أَو مجرورة بِمن وَقَول الْعَامَّة ذهبت إِلَى عِنْده لحن وَقَول بعض المولدين 28 - (كل عِنْد لَك عِنْدِي ... لَا يُسَاوِي نصف عِنْدِي) قَالَ الحريري لحن وَلَيْسَ كَذَلِك بل كل كلمة ذكرت مرَادا بهَا لَفظهَا فسائغ أَن تتصرف تصرف الْأَسْمَاء وَأَن تعرب ويحكى أَصْلهَا تَنْبِيهَانِ الأول قَوْلنَا عِنْد اسْم للحضور مُوَافق لعبارة ابْن مَالك وَالصَّوَاب اسْم لمَكَان الْحُضُور فَإِنَّهَا ظرف لَا مصدر وَتَأْتِي أَيْضا لزمانه نَحْو الصَّبْر عِنْد الصدمة الأولى وجئتك عِنْد طُلُوع الشَّمْس الثَّانِي تعاقب عِنْد كلمتان لَدَى مُطلقًا نَحْو {لَدَى الْحَنَاجِر} {لَدَى الْبَاب} {وَمَا كنت لديهم إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم وَمَا كنت لديهم إِذْ يختصمون} الحديث: 279 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 ) ولدن إِذا كَانَ الْمحل مَحل ابْتِدَاء غَايَة نَحْو جِئْت من لَدنه وَقد اجتمعتا فِي قَوْله تَعَالَى {آتيناه رَحْمَة من عندنَا وعلمناه من لدنا علما} وَلَو جِيءَ بعند فيهمَا أَو بلدن لصَحَّ وَلَكِن ترك دفعا للتكرار وَإِنَّمَا حسن تكْرَار لَدَى فِي {وَمَا كنت لديهم} لتباعد مَا بَينهمَا وَلَا تصلح لدن هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحل ابْتِدَاء ويفترقن من وَجه ثَان وَهُوَ أَن لَا لدن تكون إِلَّا فضلَة بخلافهما بِدَلِيل {ولدينا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ} {وَعِنْدنَا كتاب حفيظ} وثالث وَهُوَ أَن جرها بِمن أَكثر من نصبها حَتَّى إِنَّهَا لم تَجِيء فِي التَّنْزِيل مَنْصُوبَة وجر عِنْد كثير وجر لَدَى مُمْتَنع ورابع وَهُوَ أَنَّهُمَا معربان وَهِي مَبْنِيَّة فِي لُغَة الْأَكْثَرين وخامس وَهُوَ أَنَّهَا قد تُضَاف للجملة كَقَوْلِه 283 - ( ... لدن شب حَتَّى شَاب سود الذوائب) وسادس وَهُوَ أَنَّهَا قد لَا تُضَاف وَذَلِكَ أَنهم حكوا فِي غدْوَة الْوَاقِعَة بعْدهَا الْجَرّ بِالْإِضَافَة وَالنّصب على التَّمْيِيز وَالرَّفْع بإضمار كَانَ تَامَّة ثمَّ اعْلَم أَن عِنْد أمكن من لَدَى من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنَّهَا تكون ظرفا للأعيان والمعاني تَقول هَذَا القَوْل عِنْدِي صَوَاب الحديث: 283 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَعند فلَان علم بِهِ وَيمْتَنع ذَلِك فِي لَدَى ذكره ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ ومبرمان فِي حَوَاشِيه وَالثَّانِي أَنَّك تَقول عِنْدِي مَال وَإِن كَانَ غَائِبا وَلَا تَقول لدي مَال إِلَّا إِذا كَانَ حَاضرا قَالَه الحريري وَأَبُو هِلَال العسكري وَابْن الشجري وَزعم المعري أَنه لَا فرق بَين لَدَى وَعند وَقَول غَيره أولى وَقد أغناني هَذَا الْبَحْث عَن عقد فصل للدن وللدى فِي بَاب اللَّام حرف الْغَيْن الْمُعْجَمَة غير اسْم ملازم للاضافة فِي الْمَعْنى وَيجوز أَن يقطع عَنْهَا لفظا إِن فهم الْمَعْنى وَتَقَدَّمت عَلَيْهَا كلمة لَيْسَ وَقَوْلهمْ لَا غير لحن وَيُقَال قبضت عشرَة لَيْسَ غَيرهَا بِرَفْع غير على حذف الْخَبَر أَي مَقْبُوضا بنصبها على إِضْمَار الِاسْم أَي لَيْسَ الْمَقْبُوض غَيرهَا وَلَيْسَ غير بِالْفَتْح من غير تَنْوِين على إِضْمَار الِاسْم أَيْضا وَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ لفظا وَنِيَّة ثُبُوته كَقِرَاءَة بَعضهم {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} بِالْكَسْرِ من غير تَنْوِين أَي من قبل الغلب وَمن بعده وَلَيْسَ غير بِالضَّمِّ من غير تَنْوِين فَقَالَ الْمبرد والمتأخرون إِنَّهَا ضمة بِنَاء لَا إِعْرَاب وَإِن غير شبهت بالغايات كقبل وَبعد فعلى هَذَا يحْتَمل أَن يكون اسْما وَأَن يكون خَبرا وَقَالَ الْأَخْفَش ضمة إِعْرَاب لَا بِنَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ باسم زمَان كقبل وَبعد وَلَا مَكَان كفوق وَتَحْت وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة كل وَبَعض وعَلى هَذَا فَهُوَ الِاسْم وَحذف الْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وَقَالَ ابْن خروف يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ غيرا بِالْفَتْح والتنوين وَلَيْسَ غير بِالضَّمِّ والتنوين وَعَلَيْهِمَا فالحركة إعرابية لِأَن التَّنْوِين إِمَّا للتمكين فَلَا يلْحق إِلَّا المعربات وَإِمَّا للتعويض فَكَأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ مَذْكُور وَلَا تتعرف غير بِالْإِضَافَة لشدَّة إبهامها وتستعمل غير المضافة لفظا على وَجْهَيْن أَحدهمَا وَهُوَ الأَصْل أَن تكون صفة للنكرة نَحْو {نعمل صَالحا غير الَّذِي كُنَّا نعمل} أَو الْمعرفَة قريبَة مِنْهَا نَحْو {صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم} الْآيَة لِأَن الْمُعَرّف الجنسي قريب من النكرَة وَلِأَن غيرا إِذا وَقعت بَين ضدين ضعف إبهامها حَتَّى زعم ابْن السراج أَنَّهَا حِينَئِذٍ تتعرف وَيَردهُ الْآيَة الأولى وَالثَّانِي أَن تكون اسْتثِْنَاء فتعرب بإعراب الِاسْم التَّالِي إِلَّا فِي ذَلِك الْكَلَام فَتَقول جَاءَ الْقَوْم غير زيد بِالنّصب وَمَا جَاءَنِي أحد غير زيد بِالنّصب وَالرَّفْع وَقَالَ تَعَالَى {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر} يقْرَأ بِرَفْع غير إِمَّا على أَنه صفة للقاعدون لأَنهم جنس وَإِمَّا على أَنه اسْتثِْنَاء وأبدل على حد {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة النصب وَأَن حسن الْوَصْف فِي {غير المغضوب عَلَيْهِم} إِنَّمَا كَانَ لِاجْتِمَاع أَمريْن الجنسية والوقوع بَين الضدين وَالثَّانِي مَفْقُود هُنَا وَلِهَذَا لم يقْرَأ بالخفض صفة للْمُؤْمِنين إِلَّا خَارج السَّبع لِأَنَّهُ لَا وَجه لَهَا إِلَّا الْوَصْف وَقُرِئَ {مَا لكم من إِلَه غَيره} بِالْجَرِّ صفة على اللَّفْظ وبالرفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 على الْموضع وَبِالنَّصبِ على الِاسْتِثْنَاء وَهِي شَاذَّة وتحتمل قِرَاءَة الرّفْع الِاسْتِثْنَاء على أَنه إِبْدَال على الْمحل مثل {لَا إِلَه إِلَّا الله} وانتصاب غير فِي الِاسْتِثْنَاء عَن تَمام الْكَلَام عِنْد المغاربة كانتصاب الِاسْم بعد إِلَّا عِنْدهم وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور وعَلى الحالية عِنْد الْفَارِسِي وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وعَلى التَّشْبِيه بظرف الْمَكَان عِنْد جمَاعَة وَاخْتَارَهُ ابْن الباذش وَيجوز بناؤها على الْفَتْح إِذا أضيفت إِلَى مَبْنِيّ كَقَوْلِه 284 - (لم يمْنَع الشّرْب مِنْهَا غير أَن نطقت ... حمامة فِي غصون ذَات أوقال) وَقَوله 285 - (لذ بقيس حِين يَأْبَى غَيره ... تلفه بحرا مفيضا خَيره) وَذَلِكَ فِي الْبَيْت الأول أقوى لِأَنَّهُ انْضَمَّ فِيهِ إِلَى الْإِبْهَام وَالْإِضَافَة لمبني تضمن غير معنى إِلَّا تَنْبِيهَانِ الأول من مُشكل التراكيب الَّتِي وَقعت فِيهَا كلمة غير قَول الْحكمِي 286 - (غير مأسوف على زمن ... يَنْقَضِي بالهم والحزن) الحديث: 284 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن غير مُبْتَدأ لَا خبر لَهُ بل لما أضيف إِلَيْهِ مَرْفُوع يُغني عَن الْخَبَر وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي معنى النَّفْي وَالْوَصْف بعده مخفوض لفظا وَهُوَ فِي قُوَّة الْمَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ فَكَأَنَّهُ قيل مَا مأسوف على زمن يَنْقَضِي مصاحبا للهم والحزن فَهُوَ نَظِير مَا مَضْرُوب الزيدان والنائب عَن الْفَاعِل الظّرْف قَالَه ابْن الشجري وَتَبعهُ ابْن مَالك وَالثَّانِي أَن غير خبر مقدم وَالْأَصْل زمن يَنْقَضِي بالهم والحزن غير مأسوف عَلَيْهِ ثمَّ قدمت غير وَمَا بعْدهَا ثمَّ حذف زمن دون صفته فَعَاد الضَّمِير الْمَجْرُور بعلى على غير مَذْكُور فَأتى بِالِاسْمِ الظَّاهِر مَكَانَهُ قَالَه ابْن جني وَتَبعهُ ابْن الْحَاجِب فَإِن قيل فِيهِ حذف الْمَوْصُوف مَعَ أَن الصّفة غير مُفْردَة وَهُوَ فِي مثل هَذَا مُمْتَنع قُلْنَا فِي النثر وَهَذَا شعر فَيجوز فِيهِ كَقَوْلِه 287 - (أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... ) أَي أَنا ابْن رجل جلا الْأُمُور وَقَوله 288 - (ترمي بكفي ... كَانَ من أرمى الْبشر) أَي بكفي رجل كَانَ وَالثَّالِث أَنه خبر لمَحْذُوف ومأسوف مصدر جَاءَ على مفعول كالمعسور والميسور وَالْمرَاد بِهِ اسْم الْفَاعِل وَالْمعْنَى أَنا غير آسَف على زمن هَذِه صفته قَالَه ابْن الخشاب وَهُوَ ظَاهر التعسف الحديث: 287 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 التَّنْبِيه الثَّانِي من أَبْيَات الْمعَانِي قَول حسان رَضِي الله عَنهُ 289 - (أَتَانَا فَلم نعدل سواهُ بِغَيْرِهِ ... نَبِي بدا فِي ظلمَة اللَّيْل هاديا) فَيُقَال سواهُ هُوَ غَيره فَكَأَنَّهُ قَالَ لم نعدل غَيره بِغَيْرِهِ وَالْجَوَاب أَن الْهَاء فِي بِغَيْرِهِ للسوى فَكَأَنَّهُ قَالَ لم نعدل سواهُ بِغَيْر السوى وَغير سواهُ هُوَ نَفسه عليهه السَّلَام فَالْمَعْنى لم نعدل سواهُ بِهِ حرف الْفَاء الْفَاء المفردة حرف مهمل خلافًا لبَعض الْكُوفِيّين فِي قَوْلهم إِنَّهَا ناصبة فِي نَحْو مَا تَأْتِينَا فتحدثنا وللمبرد فِي قَوْله إِنَّهَا خافضة فِي نَحْو 290 - (فمثلك حُبْلَى قد طرقت ومرضع) فِيمَن جر مثلا والمعطوف وَالصَّحِيح أَن النصب بِأَن مضمرة كَمَا سَيَأْتِي وَأَن الْجَرّ بِرَبّ مضمرة كَمَا مر وَترد على ثَلَاثَة أوجه 1 - أَحدهَا أَن تكون عاطفة وتفيد ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا التَّرْتِيب وَهُوَ نَوْعَانِ معنوي كَمَا فِي قَامَ زيد فعمرو وذكري وَهُوَ عطف مفصل على مُجمل نَحْو {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ} وَنَحْو {فقد سَأَلُوا مُوسَى أكبر من ذَلِك فَقَالُوا أرنا الله جهرة} وَنَحْو الحديث: 289 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 {ونادى نوح ربه فَقَالَ رب إِن ابْني من أَهلِي} الْآيَة وَنَحْو تَوَضَّأ فَغسل وَجهه وَيَديه وَمسح رَأسه وَرجلَيْهِ وَقَالَ الْفراء إِنَّهَا لَا تفِيد التَّرْتِيب مُطلقًا وَهَذَا مَعَ قَوْله إِن الْوَاو تفِيد التَّرْتِيب غَرِيب وَاحْتج بقوله تَعَالَى {أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا بياتا أَو هم قَائِلُونَ} وَأجِيب بِأَن الْمَعْنى أردنَا إهلاكها أَو بِأَنَّهَا للتَّرْتِيب الذكري وَقَالَ الْجرْمِي لَا تفِيد الْفَاء التَّرْتِيب فِي الْبِقَاع وَلَا فِي الأمطار بِدَلِيل قَوْله 29 - ( ... بَين الدُّخُول فحومل) وَقَوْلهمْ مُطِرْنَا مَكَان كَذَا فمكان كَذَا وَإِن كَانَ وُقُوع الْمَطَر فيهمَا فِي وَقت وَاحِد الْأَمر الثَّانِي التعقيب وَهُوَ فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ أَلا ترى أَنه يُقَال تزوج فلَان فولد لَهُ إِذا لم يكن بَينهمَا إِلَّا مُدَّة الْحمل وَإِن كَانَت متطاولة وَدخلت الْبَصْرَة فبغداد إِذا لم تقم فِي الْبَصْرَة وَلَا بَين البلدين وَقَالَ الله تَعَالَى {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} وَقيل الْفَاء فِي هَذِه الْآيَة للسَّبَبِيَّة وَفَاء السَّبَبِيَّة لَا تَسْتَلْزِم التعقيب بِدَلِيل صِحَة قَوْلك إِن يسلم فَهُوَ يدْخل الْجنَّة وَمَعْلُوم مَا بَينهمَا من المهلة وَقيل تقع الْفَاء تَارَة بِمَعْنى ثمَّ وَمِنْه الْآيَة وَقَوله تَعَالَى {ثمَّ خلقنَا النُّطْفَة علقَة فخلقنا الْعلقَة مُضْغَة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا الْعِظَام لَحْمًا} فالفاءات فِي {فخلقنا الْعلقَة مُضْغَة} وَفِي {فخلقنا المضغة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وَفِي {فكسونا} بِمَعْنى ثمَّ لتراخي معطوفاتها وَتارَة بِمَعْنى الْوَاو كَقَوْلِه ( ... بَين الدُّخُول فحومل) وَزعم الْأَصْمَعِي أَن الصَّوَاب رِوَايَته بِالْوَاو لِأَنَّهُ لَا يجوز جَلَست بَين زيد فعمرو وَأجِيب بِأَن التَّقْدِير بَين مَوَاضِع الدُّخُول فمواضع حومل كَمَا يجوز جَلَست بَين الْعلمَاء فالزهاد وَقَالَ بعض البغداديين الأَصْل مَا بَين فَحذف مَا دون بَين كَمَا عكس ذَلِك من قَالَ 29 - (يَا أحسن النَّاس مَا قرنا إِلَى قدم ... ) أَصله مَا بَين قرن فَحذف بَين وَأقَام قرنا مقَامهَا وَمثله {مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} قَالَ وَالْفَاء نائبة عَن إِلَى وَيحْتَاج على هَذَا القَوْل إِلَى أَن يُقَال وَصحت إِضَافَة بَين إِلَى الدُّخُول لاشْتِمَاله على مَوَاضِع أَو لِأَن التَّقْدِير بَين مَوَاضِع الدُّخُول وَكَون الْفَاء للغاية بِمَنْزِلَة إِلَى غَرِيب وَقد يسْتَأْنس لَهُ عِنْدِي بمجيء عَكسه فِي نَحْو قَوْله 293 - (وَأَنت الَّتِي حببت شغبا إِلَى بدا ... إِلَيّ وأوطاني بِلَاد سواهُمَا) إِذْ الْمَعْنى شغبا فَبَدَا وهما موضعان وَيدل على إِرَادَة التَّرْتِيب قَوْله بعده (حللت بِهَذَا حلَّة ثمَّ حلَّة ... بِهَذَا فطاب الواديان كِلَاهُمَا) وَهَذَا معنى غَرِيب لِأَنِّي لم أر من ذكره وَالْأَمر الثَّالِث السَّبَبِيَّة وَذَلِكَ غَالب فِي العاطفة جملَة أَو صفة فَالْأول الحديث: 293 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 نَحْو {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ} وَنَحْو (فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ) وَالثَّانِي نَحْو {لآكلون من شجر من زقوم فمالئون مِنْهَا الْبُطُون فشاربون عَلَيْهِ من الْحَمِيم} وَقد تَجِيء فِي ذَلِك لمُجَرّد التَّرْتِيب نَحْو {فرَاغ إِلَى أَهله فجَاء بعجل سمين فقربه إِلَيْهِم} وَنَحْو {لقد كنت فِي غَفلَة من هَذَا فكشفنا عَنْك غطاءك} وَنَحْو (فَأَقْبَلت امْرَأَته فِي صرة فصكت وَجههَا) وَنَحْو {فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا} وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ للفاء مَعَ الصِّفَات ثَلَاثَة أَحْوَال أَحدهَا أَن تدل على تَرْتِيب مَعَانِيهَا فِي الْوُجُود كَقَوْلِه 294 - (يالهف زيابة لِلْحَارِثِ الصابح ... فالغانم فالآيب) أَي الَّذِي صبح فغنم فآب وَالثَّانِي أَن تدل على ترتيبها فِي التَّفَاوُت من بعض الْوُجُوه نَحْو قَوْلك خُذ الْأَكْمَل فَالْأَفْضَل واعمل الْأَحْسَن فالأجمل وَالثَّالِث أَن تدل على تَرْتِيب موصوفاتها فِي ذَلِك نَحْو رحم الله المحلقين فالمقصرين اهـ الْبَيْت لِابْنِ زيابة يَقُول يالهف أُمِّي على الْحَارِث إِذْ صبح قومِي بالغارة الحديث: 294 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 فغنم فآب سليما أَلا أكون لَقيته فَقتلته وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرِيد يَا لهف نَفسِي 2 - وَالثَّانِي من أوجه الْفَاء أَن تكون رابطة للجواب وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يصلح لِأَن يكون شرطا وَهُوَ منحصر فِي سِتّ مسَائِل إِحْدَاهَا أَن يكون الْجَواب جملَة اسمية نَحْو {وَإِن يمسسك بِخَير فَهُوَ على كل شَيْء قدير} وَنَحْو {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} الثَّانِيَة أَن تكون فعلية كالاسمية وَهِي الَّتِي فعلهَا جامد نَحْو {إِن ترن أَنا أقل مِنْك مَالا وَولدا فَعَسَى رَبِّي أَن يؤتين} {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} {وَمن يكن الشَّيْطَان لَهُ قرينا فسَاء قرينا} {وَمن يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء} الثَّالِثَة أَن يكون فعلهَا إنشائيا نَحْو (إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله) وَنَحْو {فَإِن شهدُوا فَلَا تشهد مَعَهم} وَنَحْو {قل أَرَأَيْتُم إِن أصبح ماؤكم غورا فَمن يأتيكم بِمَاء معِين} فِيهِ أَمْرَانِ الاسمية والإنشائية وَنَحْو إِن قَامَ زيد فوَاللَّه لأقومن وَنَحْو إِن لم يتب زيد فيا خسره رجلا وَالرَّابِعَة أَن يكون فعلهَا مَاضِيا لفظا وَمعنى إِمَّا حَقِيقَة نَحْو {إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ من قبل} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 ) وَنَحْو {إِن كَانَ قَمِيصه قد من قبل فصدقت وَهُوَ من الْكَاذِبين وَإِن كَانَ قَمِيصه قد من دبر فَكَذبت وَهُوَ من الصَّادِقين} وَقد هُنَا مقدرَة وَإِمَّا مجَازًا نَحْو {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار} نزل هَذَا الْفِعْل لتحَقّق وُقُوعه منزلَة مَا وَقع وَالْخَامِسَة أَن تقترن بِحرف اسْتِقْبَال نَحْو {من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وَنَحْو {وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه} السَّادِسَة أَن تقترن بِحرف لَهُ الصَّدْر كَقَوْلِه 295 - (فَإِن أهلك فذي لَهب لظاه ... عَليّ تكَاد تلتهب التهابا) لما عرفت من أَن رب مقدرَة وَأَنَّهَا لَهَا الصَّدْر وَإِنَّمَا دخلت فِي نَحْو {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} لتقدير الْفِعْل خَبرا لمَحْذُوف فالجملة اسمية وَقد مر أَن إِذا الفجائية قد تنوب عَن الْفَاء نَحْو {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} وَأَن الْفَاء قد تحذف للضَّرُورَة كَقَوْلِه 296 - (من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها ... ) وَعَن الْمبرد أَنه منع ذَلِك حَتَّى فِي الشّعْر وَزعم أَن الرِّوَايَة الحديث: 295 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 (من يفعل الْخَيْر فالرحمن يشكره ... ) وَعَن الْأَخْفَش أَن ذَلِك وَاقع فِي النثر الصَّحِيح وَأَن مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة للْوَالِدين} وَتقدم تَأْوِيله وَقَالَ ابْن مَالك يجوز فِي النثر نَادرا وَمِنْه حَدِيث اللّقطَة فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا استمتع بهَا تَنْبِيه كَمَا ترْبط الْفَاء الْجَواب بِشَرْطِهِ كَذَلِك ترْبط شبه الْجَواب بشبه الشَّرْط وَذَلِكَ فِي نَحْو الَّذِي يأتيني فَلهُ دِرْهَم وبدخولها فهم مَا أَرَادَهُ الْمُتَكَلّم من ترَتّب لُزُوم الدِّرْهَم على الْإِتْيَان وَلَو لم تدخل احْتمل ذَلِك وَغَيره وَهَذِه الْفَاء بِمَنْزِلَة لَام التوطئة فِي نَحْو {لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون مَعَهم} فِي إيذانها بِمَا أَرَادَهُ الْمُتَكَلّم من معنى الْقسم وَقد قرئَ بالإثبات والحذف قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} 3 - الثَّالِث أَن تكون زَائِدَة دُخُولهَا فِي الْكَلَام كخروجها وَهَذَا لَا يُثبتهُ سِيبَوَيْهٍ وَأَجَازَ الْأَخْفَش زيادتها فِي الْخَبَر مُطلقًا وَحكى أَخُوك فَوجدَ وَقيد الْفراء والأعلم وَجَمَاعَة الْجَوَاز بِكَوْن الْخَبَر أمرا أَو نهيا فَالْأَمْر كَقَوْلِه 297 - (وقائله خولان فانكح فَتَاتهمْ ... ) الحديث: 297 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وَقَوله 298 - (أَرْوَاح مُودع أم بكور ... أَنْت فَانْظُر لأي ذَاك تصير) وَحمل عَلَيْهِ الزّجاج {هَذَا فليذوقوه حميم} وَالنَّهْي نَحْو زيد فَلَا تضربه وَقل ابْن برهَان تزاد الْفَاء عِنْد أَصْحَابنَا جَمِيعًا كَقَوْلِه 299 - ( ... فَإِذا هَلَكت فَعِنْدَ ذَلِك فاجزعي) انْتهى وَتَأَول المانعون قَوْله خولان فانكح على أَن التَّقْدِير هَذِه خولان وَقَوله أَنْت فَانْظُر على أَن التَّقْدِير انْظُر فَانْظُر ثمَّ حذف انْظُر الأول وَحده فبرز ضَمِيره فَقيل أَنْت فَانْظُر وَالْبَيْت الثَّالِث ضَرُورَة وَأما الْآيَة فَالْخَبَر حميم وَمَا بَينهمَا معترض أَو هَذَا مَنْصُوب بِمَحْذُوف يفسره فليذوقوه مثل {وإياي فارهبون} وعَلى هَذَا فحميم بِتَقْدِير هُوَ حميم وَمن زيادتها قَوْله 300 - (لما اتَّقى بيد عَظِيم جرمها ... فَتركت ضاحي جلدهَا يتذبذب) لِأَن الْفَاء لَا تدخل فِي جَوَاب لما خلافًا لِابْنِ مَالك وَأما قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا نجاهم إِلَى الْبر فَمنهمْ مقتصد} الحديث: 298 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ) فَالْجَوَاب مَحْذُوف أَي انقسموا قسمَيْنِ فَمنهمْ مقتصد وَمِنْهُم غير ذَلِك وَأما قَوْله تَعَالَى {وَلما جَاءَهُم كتاب من عِنْد الله مُصدق لما مَعَهم وَكَانُوا من قبل يستفتحون على الَّذين كفرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عرفُوا كفرُوا بِهِ} فَقيل جَوَاب لما الأولى لما الثَّانِيَة وجوابها وَهَذَا مَرْدُود لاقترانه بِالْفَاءِ وَقيل {كفرُوا بِهِ} جَوَاب لَهما لِأَن الثَّانِيَة تَكْرِير للأولى وَقيل جَوَاب الأولى مَحْذُوف أَي أنكروه مَسْأَلَة الْفَاء فِي نَحْو {بل الله فاعبد} جَوَاب لأما مقدرَة عِنْد بَعضهم وَفِيه إجحاف وزائدة عِنْد الْفَارِسِي وَفِيه بعد وعاطفة عِنْد غَيره وَالْأَصْل تنبه فاعبد الله ثمَّ حذف تنبه وَقدم الْمَنْصُوب على الْفَاء إصلاحا للفظ كَيْلا تقع الْفَاء صَدرا كَمَا قَالَ الْجَمِيع فِي الْفَاء فِي نَحْو أما زيدا فَاضْرب إِذْ الأَصْل مهما يكن من شَيْء فَاضْرب زيدا وَقد مضى شَرحه فِي حرف الْهمزَة مَسْأَلَة الْفَاء فِي نَحْو خرجت فَإِذا الْأسد زَائِدَة لَازمه عِنْد الْفَارِسِي والمازني وَجَمَاعَة وعاطفة عِنْد مبرمان وَأبي الْفَتْح وللسببية الْمَحْضَة كفاء الْجَواب عِنْد أبي إِسْحَاق وَيجب عِنْدِي أَن يحمل على ذَلِك مثل {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر فصل لِرَبِّك} وَنَحْو ائْتِنِي فَإِنِّي أكرمك إِذْ لَا يعْطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر وَلَا الْعَكْس وَلَا يحسن إِسْقَاطهَا ليسهل دَعْوَى زيادتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 مَسْأَلَة {أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه مَيتا فكرهتموه} قدر أَنهم قَالُوا بعد الِاسْتِفْهَام لَا فَقيل لَهُم فَهَذَا كرهتموه يَعْنِي والغيبة مثله فاكرهوها ثمَّ حذف الْمُبْتَدَأ وَهُوَ هَذَا وَقَالَ الْفَارِسِي التَّقْدِير فَكَمَا كرهتموه فاكرهوا الْغَيْبَة وَضَعفه ابْن الشجري بِأَن فِيهِ حذف الْمَوْصُول وَهُوَ مَا المصدرية دون صلتها وَذَلِكَ رَدِيء وَجُمْلَة {وَاتَّقوا الله} عطف على {وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا} على التَّقْدِير الأول وعَلى فاكرهوا الْغَيْبَة على تَقْدِير الغارسي وَبعد فعندي أَن ابْن الشجري لم يتَأَمَّل كَلَام الْفَارِسِي فَإِنَّهُ قَالَ كَأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْجَواب لَا فَقيل لَهُم فكرهتموه فاكرهوا الْغَيْبَة وَاتَّقوا الله فَاتَّقُوا عطف على فاكرهوا وَإِن لم يذكر كَمَا فِي {اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت} وَالْمعْنَى فَكَمَا كرهتموه فاكرهوا الْغَيْبَة وَإِن لم تكن كَمَا مَذْكُورَة كَمَا أَن مَا تَأْتِينَا فتحدثنا مَعْنَاهُ فَكيف تحدثنا وَإِن لم تكن كَيفَ مَذْكُورَة اهـ وَهَذَا يَقْتَضِي أَن كَمَا لَيست محذوفة بل أَن الْمَعْنى يُعْطِيهَا فَهُوَ تَفْسِير معنى لَا تَفْسِير إِعْرَاب تَنْبِيه قيل الْفَاء تكون للاستئناف كَقَوْلِه 30 - (ألم تسْأَل الرّبع القواء فينطق ... ) أَي فَهُوَ ينْطق لِأَنَّهَا لَو كَانَت للْعَطْف لجزم مَا بعْدهَا وَلَو كَانَت للسَّبَبِيَّة لنصب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وَمثله {فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} بِالرَّفْع أَي فَهُوَ يكون حِينَئِذٍ وَقَوله 30 - (الشّعْر صَعب وطويل سلمه ... إِذا ارْتقى فِيهِ الَّذِي لَا يُعلمهُ) (زلت بِهِ إِلَى الحضيض قدمه ... يُرِيد أَن يعربه فيعجمه) أَي فَهُوَ يعجمه وَلَا يجوز نَصبه بالْعَطْف لِأَنَّهُ لَا يُرِيد أَن يعجمه وَالتَّحْقِيق أَن الْفَاء فِي ذَلِك كُله للْعَطْف وَأَن الْمُعْتَمد بالْعَطْف الْجُمْلَة لَا الْفِعْل والمعطوف عَلَيْهِ فِي هَذَا الشّعْر قَوْله يُرِيد وَإِنَّمَا يقدر النحويون كلمة هُوَ ليبينوا أَن الْفِعْل لَيْسَ الْمُعْتَمد بالْعَطْف فِي حرف جر لَهُ عشرَة معَان أَحدهَا الظَّرْفِيَّة وَهِي إِمَّا مكانية أَو زمانية وَقد اجتمعتا فِي قَوْله تَعَالَى {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} أَو مجازية نَحْو {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} وَمن المكانية أدخلت الْخَاتم فِي أُصْبُعِي والقلنسوة فِي رَأْسِي إِلَّا أَن فيهمَا قلبا الثَّانِي المصاحبة نَحْو {ادخُلُوا فِي أُمَم} أَي مَعَهم وَقيل التَّقْدِير ادخُلُوا فِي جملَة أُمَم فَحذف الْمُضَاف {فَخرج على قومه فِي زينته} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَالثَّالِث التَّعْلِيل نَحْو {فذلكن الَّذِي لمتنني فِيهِ} {لمسكم فِيمَا أَفَضْتُم} وَفِي الحَدِيث أَن امْرَأَة دخلت النَّار فِي هرة حبستها وَالرَّابِع الاستعلاء نَحْو {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} وَقَالَ 303 - (هم صلبوا الْعَبْدي فِي جذع نَخْلَة ... ) وَقَالَ آخر 304 - (بَطل كَأَن ثِيَابه فِي سرحة ... ) وَالْخَامِس مرادفة الْبَاء كَقَوْلِه 305 - (ويركب يَوْم الروع منا فوارس ... بصيرون فِي طعن الأباهر والكلى) وَلَيْسَ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يذرؤكم فِيهِ} خلافًا لزاعمه بل هِيَ للتَّعْلِيل أَي يكثركم بِسَبَب هَذَا الْجعل وَالْأَظْهَر قَول الزَّمَخْشَرِيّ إِنَّهَا للظرفية المجازية قَالَ جعل هَذَا التَّدْبِير كالمنبع أَو الْمَعْدن للبث والتكثير مثل {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} الحديث: 303 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 السَّادِس مرادفة إِلَى نَحْو {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} السَّابِع مرادفة من كَقَوْلِه 306 - (ألاعم صباحا أَيهَا الطلل الْبَالِي ... وَهل يعمن من كَانَ فِي الْعَصْر الْخَالِي) (وَهل يعمن من كَانَ أحدث عَهده ... ثَلَاثِينَ شهرا فِي ثَلَاثَة أَحْوَال) وَقَالَ ابْن جني التَّقْدِير فِي عقب ثَلَاثَة أَحْوَال وَلَا دَلِيل على هَذَا الْمُضَاف وَهَذَا نَظِير إِجَازَته جَلَست زيدا بِتَقْدِير جُلُوس زيد مَعَ احْتِمَاله لِأَن يكون أَصله إِلَى زيد وَقيل الْأَحْوَال جمع حَال لَا حول أَي ثَلَاث حالات نزُول الْمَطَر وتعاقب الرِّيَاح ومرور الدهور وَقيل يُرِيد أَن أحدث عَهده خمس سِنِين وَنصف فَفِي بِمَعْنى مَعَ الثَّامِن المقايسة وَهِي الدَّاخِلَة بَين مفضول سَابق وفاضل لَاحق نَحْو {فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل} التَّاسِع التعويض وَهِي الزَّائِدَة عوضا من أُخْرَى محذوفة كَقَوْلِك ضربت فِيمَن رغبت أَصله ضربت من رغبت فِيهِ أجَازه ابْن مَالك وَحده بِالْقِيَاسِ على نَحْو قَوْله 307 - ( ... فَانْظُر بِمن تثق) على حمله على ظَاهره وَفِيه نظر الْعَاشِر التوكيد وَهِي الزَّائِدَة لغير التعويض أجَازه الْفَارِسِي فِي الضَّرُورَة وَأنْشد الحديث: 306 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 308 - (أَنا أَبُو سعد إِذا اللَّيْل دجا ... يخال فِي سوَاده يرندجا) وَأَجَازَهُ بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ اركبوا فِيهَا} حرف الْقَاف قد على وَجْهَيْن حرفية وَسَتَأْتِي واسمية وَهِي على وَجْهَيْن اسْم فعل وَسَيَأْتِي وَاسم مرادف لحسب وَهَذِه تسْتَعْمل على وَجْهَيْن مَبْنِيَّة وَهُوَ الْغَالِب لشبهها بقد الحرفية فِي لَفظهَا ولكثير من الْحُرُوف فِي وَضعهَا وَيُقَال فِي هَذَا قد زيد دِرْهَم بِالسُّكُونِ وقدني بالنُّون حرصا على بَقَاء السّكُون لِأَنَّهُ الأَصْل فِيمَا يبنون ومعربة وَهُوَ قَلِيل يُقَال قد زيد دِرْهَم بِالرَّفْع كَمَا يُقَال حَسبه دِرْهَم بِالرَّفْع وقدي دِرْهَم بِغَيْر نون كَمَا يُقَال حسبي والمستعملة اسْم فعل مرادفة ليكفي يُقَال قد زيدا دِرْهَم وقدني دِرْهَم كَمَا يُقَال يَكْفِي زيدا دِرْهَم ويكفيني دِرْهَم وَقَوله 309 - (قدني من نصر الخبيبين قدي ... ) تحْتَمل قد الأولى أَن تكون مرادفة لحسب على لُغَة الْبناء وَأَن تكون اسْم فعل وَأما الثَّانِيَة فتحتمل الأول وَهُوَ وَاضح وَالثَّانِي على أَن النُّون حذفت للضَّرُورَة كَقَوْلِه الحديث: 308 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 310 - (إِذْ ذهب الْقَوْم الْكِرَام ليسي ... ) وَيحْتَمل أَنَّهَا اسْم فعل لم يذكر مَفْعُوله فالياء للاطلاق والكسرة للساكنين وَأما الحرفية فمختصة بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرف الخبري الْمُثبت الْمُجَرّد من جازم وناصب وحرف تَنْفِيس وَهِي مَعَه كالجزء فَلَا تفصل مِنْهُ بِشَيْء اللَّهُمَّ إِلَّا بالقسم كَقَوْلِه 31 - (أخالد قد وَالله أوطأت عشوة ... وَمَا قَائِل الْمَعْرُوف فِينَا يعنف) وَقَول آخر 31 - (فقد وَالله بَين لي عنائي ... بوشك فراقهم صرد يَصِيح) ومسمع قد لعمري بت ساهرا وَقد وَالله أَحْسَنت وَقد يحذف بعْدهَا لدَلِيل كَقَوْل النَّابِغَة 313 - (أفد الترحل غير أَن رِكَابنَا ... لما تزل برحالنا وَكَأن قد) أَي وَكَأن قد زَالَت وَلها خَمْسَة معَان 1 - أَحدهَا التوقع وَذَلِكَ مَعَ الْمُضَارع وَاضح كَقَوْلِك قد يقدم الْغَائِب الحديث: 310 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 الْيَوْم إِذا كنت تتَوَقَّع قدومه وَأما مَعَ الْمَاضِي فأثبته الْأَكْثَرُونَ قَالَ الْخَلِيل يُقَال قد فعل لقوم ينتظرون الْخَبَر وَمِنْه قَول الْمُؤَذّن قد قَامَت الصَّلَاة لِأَن الْجَمَاعَة منتظرون لذَلِك وَقَالَ بَعضهم تَقول قد ركب الْأَمِير لمن ينْتَظر ركُوبه وَفِي التَّنْزِيل {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك} لِأَنَّهَا كَانَت تتَوَقَّع إِجَابَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لدعائها وَأنكر بَعضهم كَونهَا للتوقع مَعَ الْمَاضِي وَقَالَ التوقع انْتِظَار الْوُقُوع والماضي قد وَقع وَقد تبين بِمَا ذكرنَا أَن مُرَاد المثبتين لذَلِك أَنَّهَا تدل على أَن الْفِعْل الْمَاضِي كَانَ قبل الْإِخْبَار بِهِ متوقعا لَا أَنه الْآن متوقع وَالَّذِي يظْهر لي قَول ثَالِث وَهُوَ أَنَّهَا لَا تفِيد التوقع أصلا أما فِي الْمُضَارع فَلِأَن قَوْلك يقدم الْغَائِب يُفِيد التوقع بِدُونِ قد إِذْ الظَّاهِر من حَال الْمخبر عَن مُسْتَقْبل أَنه متوقع لَهُ وَأما فِي الْمَاضِي فَلِأَنَّهُ لَو صَحَّ إِثْبَات التوقع لَهَا بِمَعْنى أَنَّهَا تدخل على مَا هُوَ متوقع لصَحَّ أَن يُقَال فِي لَا رجل بِالْفَتْح إِن لَا للاستفهام لِأَنَّهَا لَا تدخل إِلَّا جَوَابا لمن قَالَ هَل من رجل وَنَحْوه فَالَّذِي بعد لَا مستفهم عَنهُ من جِهَة شخص آخر كَمَا أَن الْمَاضِي بعد قد متوقع كَذَلِك وَعبارَة ابْن مَالك فِي ذَلِك حَسَنَة فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّهَا تدخل على مَاض متوقع وَلم يقل إِنَّهَا تفِيد التوقع وَلم يتَعَرَّض للتوقع فِي الدَّاخِلَة على الْمُضَارع الْبَتَّةَ وَهَذَا هُوَ الْحق 2 - الثَّانِي تقريب الْمَاضِي من الْحَال تَقول قَامَ زيد فَيحْتَمل الْمَاضِي الْقَرِيب والماضي الْبعيد فَإِن قلت قد قَامَ اخْتصَّ بالقريب وانبنى على إفادتها ذَلِك أَحْكَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 أَحدهَا أَنَّهَا لَا تدخل على لَيْسَ وَعَسَى وَنعم وَبئسَ لِأَنَّهُنَّ للْحَال فَلَا معنى لذكر مَا يقرب مَا هُوَ حَاصِل وَلذَلِك عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن صيغهن لَا يفدن الزَّمَان وَلَا يتصرفن فأشبهن الِاسْم وَأما قَول عدي 314 - (لَوْلَا الْحيَاء وَأَن رَأْسِي قد عسا ... فِيهِ المشيب لزرت أم الْقَاسِم) فعسا هُنَا بِمَعْنى اشْتَدَّ وَلَيْسَت عَسى الجامدة الثَّانِي وجوب دُخُولهَا عِنْد الْبَصرِيين إِلَّا الْأَخْفَش على الْمَاضِي الْوَاقِع حَالا إِمَّا ظَاهِرَة نَحْو {وَمَا لنا أَلا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله وَقد أخرجنَا من دِيَارنَا وأبنائنا} أَو مقدرَة نَحْو {هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا} وَنَحْو {أَو جاؤوكم حصرت صُدُورهمْ} وَخَالفهُم الْكُوفِيُّونَ والأخفش فَقَالُوا لَا تحْتَاج لذَلِك لِكَثْرَة وُقُوعهَا حَالا بِدُونِ قد وَالْأَصْل عدم التَّقْدِير لَا سِيمَا فِيمَا كثر اسْتِعْمَاله الثَّالِث ذكره ابْن عُصْفُور وَهُوَ أَن الْقسم إِذا أُجِيب بماض متصرف مُثبت فَإِن كَانَ قَرِيبا من الْحَال جِيءَ بِاللَّامِ وَقد جَمِيعًا نَحْو {تالله لقد آثرك الله علينا} وَإِن كَانَ بَعيدا جِيءَ بِاللَّامِ وَحدهَا كَقَوْلِه 315 - (حَلَفت لَهَا بِاللَّه حلفة فَاجر ... لناموا فَمَا إِن من حَدِيث وَلَا صال) اهـ وَالظَّاهِر فِي الْآيَة وَالْبَيْت عكس مَا قَالَ إِذْ المُرَاد فِي الْآيَة لقد فضلك الله الحديث: 314 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 علينا بِالصبرِ وسيرة الْمُحْسِنِينَ وَذَلِكَ مَحْكُوم لَهُ بِهِ فِي الْأَزَل وَهُوَ متصف بِهِ مذ عقل وَالْمرَاد فِي الْبَيْت أَنهم نَامُوا قبل مَجِيئه وَمُقْتَضى كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّهَا فِي نَحْو وَالله لقد كَانَ كَذَا للتوقع لَا للتقريب فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {لقد أرسلنَا نوحًا} فِي سُورَة الْأَعْرَاف فَإِن قلت فَمَا بالهم لَا يكادون ينطقون بِهَذِهِ اللَّام إِلَّا مَعَ قد وَقل عَنْهُم نَحْو قَوْله (حَلَفت لَهَا بِاللَّه ... الْبَيْت) قلت لِأَن الْجُمْلَة القسمية لَا تساق إِلَّا تَأْكِيدًا للجملة الْمقسم عَلَيْهَا الَّتِي هِيَ جوابها فَكَانَت مَظَنَّة لِمَعْنى المتوقع الَّذِي هُوَ معنى قد عِنْد اسْتِمَاع الْمُخَاطب كلمة الْقسم اهـ وَمُقْتَضى كَلَام ابْن مَالك أَنَّهَا مَعَ الْمَاضِي إِنَّمَا تفِيد التَّقْرِيب كَمَا ذكره ابْن عُصْفُور وَأَن من شَرط دُخُولهَا كَون الْفِعْل متوقعا كَمَا قدمنَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي تسهيله وَتدْخل على فعل مَاض متوقع لَا يشبه الْحَرْف لتقريبه من الْحَال اهـ الرَّابِع دُخُول لَام الِابْتِدَاء فِي نَحْو إِن زيدا لقد قَامَ وَذَلِكَ لِأَن الأَصْل دُخُولهَا على الِاسْم نَحْو إِن زيدا لقائم وَإِنَّمَا دخلت على الْمُضَارع لشبهه بِالِاسْمِ نَحْو {وَإِن رَبك ليحكم بَينهم} فَإِذا قرب الْمَاضِي من الْحَال أشبه الْمُضَارع الَّذِي هُوَ شَبيه بِالِاسْمِ فَجَاز دُخُولهَا عَلَيْهِ 3 - الْمَعْنى الثَّالِث التقليل وَهُوَ ضَرْبَان تقليل وُقُوع الْفِعْل قد يصدق الكذوب وَقد يجود الْبَخِيل وتقليل مُتَعَلّقه نَحْو قَوْله تَعَالَى قد يعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 مَا أَنْتُم عَلَيْهِ) أَي مَا هم عَلَيْهِ هُوَ أقل معلوماته سُبْحَانَهُ وَزعم بَعضهم أَنَّهَا فِي هَذِه الْأَمْثِلَة وَنَحْوهَا للتحقيق وَأَن التقليل فِي المثالين الْأَوَّلين لم يستفد من قد بل من قَوْلك الْبَخِيل يجود والكذوب يصدق فَإِنَّهُ إِن لم يحمل على أَن صُدُور ذَلِك مِنْهُمَا قَلِيل كَانَ فَاسِدا إِذْ آخر الْكَلَام يُنَاقض أَوله 4 - الرَّابِع التكثير قَالَه سِيبَوَيْهٍ فِي قَول الْهُذلِيّ 316 - (قد أترك الْقرن مصفرا أنامله ... ) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قد نرى تقلب وَجهك أَي رُبمَا نرى وَمَعْنَاهُ تَكْثِير الرُّؤْيَة ثمَّ اسْتشْهد بِالْبَيْتِ وَاسْتشْهدَ جمَاعَة على ذَلِك بِبَيْت الْعرُوض 317 - (قد أشهد الْغَارة الشعواء تحملنِي ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب) 5 - الْخَامِس التَّحْقِيق نَحْو قد أَفْلح من زكاها وَقد مضى أَن بَعضهم حمل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ دخلت لتوكيد الْعلم وَيرجع ذَلِك إِلَى توكيد الْوَعيد وَقَالَ غَيره فِي وَلَقَد علمْتُم الَّذين اعتدوا قد فِي الْجُمْلَة الفعلية المجاب بهَا الْقسم مثل إِن فِي الْجُمْلَة الاسمية الحديث: 316 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 المجاب بهَا فِي إِفَادَة التوكيد وَقد مضى نقل القَوْل بالتقليل فِي الأولى والتقريب والتوقع فِي مثل الثَّانِيَة وَلَكِن القَوْل بالتحقيق فيهمَا أظهر 6 - السَّادِس النَّفْي حكى ابْن سيدة 318 - (قد كنت فِي خير فتعرفه ... ) بِنصب تعرف وَهَذَا غَرِيب وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي التسهيل بقوله وَرُبمَا نفي بقد فنصب الْجَواب بعْدهَا اهـ ومحمله عِنْدِي على خلاف مَا ذكر وَهُوَ أَن يكون كَقَوْلِك للكذوب هُوَ رجل صَادِق ثمَّ جَاءَ النصب بعْدهَا نظرا إِلَى الْمَعْنى وَإِن كَانَا إِنَّمَا حكما بِالنَّفْيِ لثُبُوت النصب فَغير مُسْتَقِيم لمجيء قَوْله 319 - ( ... وَألْحق بالحجاز فأستريحا) وَقِرَاءَة بَعضهم بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه مَسْأَلَة قيل يجوز النصب على الإشتغال فِي نَحْو خرجت فَإِذا زيد يضْربهُ عَمْرو مُطلقًا وَقيل يمْتَنع مُطلقًا وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن إِذا الفجائية لَا يَليهَا إِلَّا الْجمل الاسمية وَقَالَ أَبُو الْحسن وَتَبعهُ ابْن عُصْفُور يجوز فِي نَحْو فَإِذا زيد قد ضربه عَمْرو وَيمْتَنع بِدُونِ قد وَوَجهه عِنْدِي أَن الْتِزَام الاسمية مَعَ إِذا هَذِه إِنَّمَا كَانَ للْفرق الحديث: 318 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 بَينهَا وَبَين الشّرطِيَّة المختصة بالفعلية فَإِذا اقترنت بقد حصل الْفرق بذلك إِذْ لَا تقترن الشّرطِيَّة بهَا قطّ على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن تكون ظرف زمَان لاستغراق مَا مضى وَهَذِه بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الطَّاء مَضْمُومَة فِي أفْصح اللُّغَات وتختص بِالنَّفْيِ يُقَال مَا فعلته قطّ والعامة يَقُولُونَ لَا أَفعلهُ قطّ وَهُوَ لحن واشتقاقه من قططته أَي قطعتة فَمَعْنَى مَا فعلته قطّ مَا فعلته فِيمَا انْقَطع من عمري لِأَن الْمَاضِي مُنْقَطع عَن الْحَال والاستقبال وبنيت لتضمنها معنى مذ وَإِلَى إِذْ الْمَعْنى مذ أَن خلقت أَو مذ خلقت إِلَى الْآن وعَلى حَرَكَة لِئَلَّا يلتقي ساكنان وَكَانَت الضمة تَشْبِيها بالغايات وَقد تكسر على أصل التقاء الساكنين وَقد تتبع قافه طاءه فِي الضَّم وَقد تخفف طاؤه مَعَ ضمهَا أَو إسكانها وَالثَّانِي أَن تكون بِمَعْنى حسب وَهَذِه مَفْتُوحَة الْقَاف سَاكِنة الطَّاء يُقَال قطي وقطك وقط زيد دِرْهَم كَمَا يُقَال حسبي وحسبك وَحسب زيد دِرْهَم إِلَّا أَنَّهَا مَبْنِيَّة لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة على حرفين وَحسب معربة وَالثَّالِث أَن تكون اسْم فعل بِمَعْنى يَكْفِي فَيُقَال قطني بنُون الْوِقَايَة كَمَا يُقَال يَكْفِينِي وَتجوز نون الْوِقَايَة على الْوَجْه الثَّانِي حفظا للْبِنَاء على السّكُون كَمَا يجوز فِي لدن وَمن وَعَن كَذَلِك حرف الْكَاف الْكَاف المفردة جَارة وَغَيرهَا والجارة حرف وَاسم والحرف لَهُ خَمْسَة معَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 1 - أَحدهَا التَّشْبِيه نَحْو زيد كالأسد 2 - وَالثَّانِي التَّعْلِيل أثبت ذَلِك قوم ونفاه الْأَكْثَرُونَ وَقيد بَعضهم جَوَازه بِأَن تكون الْكَاف مَكْفُوفَة بِمَا كحكاية سِيبَوَيْهٍ كَمَا أَنه لَا يعلم فَتَجَاوز الله عَنهُ وَالْحق جَوَازه فِي الْمُجَرَّدَة من مَا نَحْو {ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} أَي أعجب لعدم فلاحهم وَفِي المقرونة بِمَا الزَّائِدَة كَمَا فِي الْمِثَال وَبِمَا المصدرية نَحْو {كَمَا أرسلنَا فِيكُم} الْآيَة قَالَ الْأَخْفَش أَي لأجل إرسالي فِيكُم رَسُولا مِنْكُم فاذكروني وَهُوَ ظَاهر فِي قَوْله تَعَالَى {واذكروه كَمَا هدَاكُمْ} وَأجَاب بَعضهم بِأَنَّهُ من وضع الْخَاص مَوضِع الْعَام إِذْ الذّكر وَالْهِدَايَة يَشْتَرِكَانِ فِي أَمر وَاحِد وَهُوَ الْإِحْسَان فَهَذَا فِي الأَصْل بِمَنْزِلَة {وَأحسن كَمَا أحسن الله إِلَيْك} وَالْكَاف للتشبيه ثمَّ عدل عَن ذَلِك للاعلام بخصوصية الْمَطْلُوب وَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْآيَتَيْنِ من أَن مَا مَصْدَرِيَّة قَالَه جمَاعَة وَهُوَ الظَّاهِر وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن عَطِيَّة وَغَيرهمَا أَنَّهَا كَافَّة وَفِيه إِخْرَاج الْكَاف عَمَّا ثَبت لَهَا من عمل الْجَرّ لغير مُقْتَض وَاخْتلف فِي نَحْو قَوْله (وطرفك إِمَّا جئتنا فاحبسنه ... كَمَا يحسبوا أَن الْهوى حَيْثُ تنظر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 فَقَالَ الْفَارِسِي الأَصْل كَيْمَا فَحذف الْيَاء وَقَالَ ابْن مَالك هَذَا تكلّف بل هِيَ كَاف التَّعْلِيل وَمَا الكافة وَنصب الْفِعْل بهَا لشبهها بكي فِي الْمَعْنى وَزعم أَبُو مُحَمَّد الْأسود فِي كِتَابه الْمُسَمّى نزهة الأديب أَن أَبَا عَليّ حرف هَذَا الْبَيْت وَأَن الصَّوَاب فِيهِ (إِذا جِئْت فامنح طرف عَيْنَيْك غَيرنَا ... لكَي يحسبوا الْبَيْت) 3 - وَالثَّالِث الاستعلاء ذكره الْأَخْفَش والكوفيون وَأَن بَعضهم قيل لَهُ كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ كخير أَي على خير وَقيل الْمَعْنى بِخَير وَلم يثبت مَجِيء الْكَاف بِمَعْنى الْبَاء وَقيل هِيَ للتشبيه على حذف مُضَاف أَي كصاحب خير وَقيل فِي كن كَمَا أَنْت إِن الْمَعْنى على مَا أَنْت عَلَيْهِ وللنحويين فِي هَذَا الْمِثَال أعاريب أَحدهَا هَذَا وَهُوَ أَن مَا مَوْصُولَة وَأَنت مُبْتَدأ حذف خَبره وَالثَّانِي أَنَّهَا مَوْصُولَة وَأَنت خبر حذف مبتدؤه أَي كَالَّذي هُوَ أَنْت وَقد قيل بذلك فِي قَوْله تَعَالَى {اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} أَي كَالَّذي هُوَ لَهُم آلِهَة وَالثَّالِث أَن مَا زَائِدَة ملغاة وَالْكَاف أَيْضا جَارة كَمَا فِي قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 32 - (وننصر مَوْلَانَا ونعلم أَنه ... كَمَا النَّاس مجروم عَلَيْهِ وجارم) وَأَنت ضمير مَرْفُوع أنيب عَن الْمَجْرُور كَمَا فِي قَوْلهم مَا أَنا كَأَنْت وَالْمعْنَى كن فِيمَا يسْتَقْبل مماثلا لنَفسك فِيمَا مضى وَالرَّابِع أَن مَا كَافَّة وَأَنت مُبْتَدأ حذف خَبره أَي عَلَيْهِ أَو كَائِن وَقد قيل فِي {كَمَا لَهُم آلِهَة} إِن مَا كَافَّة وَزعم صَاحب الْمُسْتَوْفى أَن الْكَاف لَا تكف بِمَا ورد عَلَيْهِ بقوله 32 - (وَأعلم أنني وَأَبا حميد ... كَمَا النشوان وَالرجل الْحَلِيم) وَقَوله 323 - (أَخ ماجد لم يخزني يَوْم مشْهد ... كَمَا سيف عَمْرو لم تخنه مضاربه) وَإِنَّمَا يَصح الِاسْتِدْلَال بهما إِذا لم يثبت أَن مَا المصدرية توصل بِالْجُمْلَةِ الاسمية الْخَامِس أَن مَا كَافَّة أَيْضا وَأَنت فَاعل وَالْأَصْل كَمَا كنت ثمَّ حذف كَانَ فانفصل الضَّمِير وَهَذَا بعيد بل الظَّاهِر أَن مَا على هَذَا التَّقْدِير مَصْدَرِيَّة تَنْبِيه تقع كَمَا بعد الْجمل كثيرا صفة فِي الْمَعْنى فَتكون نعتا لمصدر أَو حَالا ويحتملهما قَوْله تَعَالَى (كَمَا بدأنا أول خلق نعيده) فَإِن قدرته نعتا لمصدر فَهُوَ إِمَّا مَعْمُول ل (نعيده) أَي نعيد أول خلق إِعَادَة مثل مَا بدأناه أَو ل (نطوي) الحديث: 323 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 أَي نَفْعل هَذَا الْفِعْل الْعَظِيم كفعلنا هَذَا الْفِعْل وَإِن قدرته حَالا فذو الْحَال مفعول نعيده أَي نعيده مماثلا للَّذي بدأنا وَتَقَع كلمة كَذَلِك أَيْضا كَذَلِك فَإِن قلت فَكيف اجْتمعت مَعَ مثل فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الَّذين لَا يعلمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمنَا الله أَو تَأْتِينَا آيَة كَذَلِك قَالَ الَّذين من قبلهم مثل قَوْلهم} وَمثل فِي الْمَعْنى نعت لمصدر {قَالَ} الْمَحْذُوف كَمَا أَن (كَذَلِك) نعت لَهُ وَلَا يتَعَدَّى عَامل وَاحِد لمتعلقين بِمَعْنى وَاحِد لاتقول ضربت زيدا عمرا وَلَا يكون مثل تَأْكِيدًا ل كَذَلِك لِأَنَّهُ أبين مِنْهُ كَمَا لَا يكون زيد من قَوْلك هَذَا زيد يفعل كَذَا توكيدا لهَذَا لذَلِك وَلَا خَبرا لمَحْذُوف بِتَقْدِير الْأَمر كَذَلِك لما يُؤَدِّي إِلَيْهِ من عدم ارتباط مَا بعده بِمَا قبله قلت {مثل} بدل من (كَذَلِك) أَو بَيَان أَو نصب ب {يعلمُونَ} أَي لَا يعلمُونَ اعْتِقَاد الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمثل بمنزلتها فِي مثلك لَا يفعل كَذَا أَو نصب ب {قَالَ} أَو الْكَاف مُبْتَدأ والعائد مَحْذُوف أَي قَالَه ورد ابْن الشجري ذَلِك على مكي بِأَن قَالَ قد استوفى معموله وَهُوَ مثل وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن مثل حِينَئِذٍ مفعول مُطلق أَو مفعول بِهِ ليعلمون وَالضَّمِير الْمُقدر مفعول بِهِ لقَالَ 4 - وَالْمعْنَى الرَّابِع الْمُبَادرَة وَذَلِكَ إِذا اتَّصَلت بِمَا فِي نَحْو سلم كَمَا تدخل وصل كَمَا يدْخل الْوَقْت ذكره ابْن الخباز فِي النِّهَايَة وَأَبُو سعيد السيرافي 5 - وَالْخَامِس التوكيد وَهِي الزَّائِدَة نَحْو {لَيْسَ كمثله شَيْء} قَالَ الْأَكْثَرُونَ التَّقْدِير لَيْسَ شَيْء مثله إِذْ لَو لم تقدر زَائِدَة صَار الْمَعْنى لَيْسَ شَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 مثل مثله فَيلْزم الْمحَال وَهُوَ إِثْبَات الْمثل وَإِنَّمَا زيدت لتوكيد نفي الْمثل لِأَن زِيَادَة الْحَرْف بِمَنْزِلَة إِعَادَة الْجُمْلَة ثَانِيًا قَالَه ابْن جني وَلِأَنَّهُم إِذا بالغوا فِي نفي الْفِعْل عَن أحد قَالُوا مثلك لَا يفعل كَذَا ومرادهم إِنَّمَا هُوَ النَّفْي عَن ذَاته وَلَكنهُمْ إِذا نفوه عَمَّن هُوَ على أخص أَوْصَافه فقد نفوه عَنهُ وَقيل الْكَاف فِي الْآيَة غير زَائِدَة ثمَّ اخْتلف فَقيل الزَّائِد مثل كَمَا زيدت فِي {فَإِن آمنُوا بِمثل مَا آمنتم بِهِ} قَالُوا وَإِنَّمَا زيدت هُنَا لتفصل الْكَاف من الضَّمِير اهـ وَالْقَوْل بِزِيَادَة الْحَرْف أولى من القَوْل بِزِيَادَة الِاسْم بل زِيَادَة الِاسْم لم تثبت وَأما {بِمثل مَا آمنتم بِهِ} فقد يشْهد للقائل بِزِيَادَة مثل فِيهَا قِرَاءَة ابْن عَبَّاس / بِمَا آمنتم بِهِ / وَقد تؤولت قِرَاءَة الْجَمَاعَة على زِيَادَة الْبَاء فِي الْمَفْعُول الْمُطلق أَي إِيمَانًا مثل إيمَانكُمْ بِهِ أَي بِاللَّه سُبْحَانَهُ أَو بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو بِالْقُرْآنِ وَقيل مثل لِلْقُرْآنِ وَمَا للتوراة أَي فَإِن آمنُوا بِكِتَابِكُمْ كَمَا آمنتم بِكِتَابِهِمْ وَفِي الْآيَة الأولى قَول ثَالِث وَهُوَ أَن الْكَاف ومثلا لَا زَائِد مِنْهُمَا ثمَّ اخْتلف فَقيل مثل بِمَعْنى الذَّات وَقيل بِمَعْنى الصّفة وَقيل الْكَاف اسْم مُؤَكد بِمثل كَمَا عكس ذَلِك من قَالَ 324 - (فصيروا مثل كعصف مَأْكُول ... ) وَأما الْكَاف الاسمية الجارة فمرادفة لمثل وَلَا تقع كَذَلِك عِنْد سِيبَوَيْهٍ والمحققين إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه الحديث: 324 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 325 - (يضحكن عَن كَالْبردِ المنهم ... ) وَقَالَ كثير مِنْهُم الْأَخْفَش والفارسي يجوز فِي الِاخْتِيَار فجوزوا فِي نَحْو زيد كالأسد أَن تكون الْكَاف فِي مَوضِع رفع والأسد محفوضا بِالْإِضَافَة وَيَقَع مثل هَذَا فِي كتب المعربين كثيرا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي {فأنفخ فِيهِ} إِن الضَّمِير رَاجع للكاف من {كَهَيئَةِ الطير} أَي فأنفخ فِي ذَلِك الشَّيْء المماثل فَيصير كَسَائِر الطُّيُور انْتهى وَوَقع مثل ذَلِك فِي كَلَام غَيره وَلَو كَانَ كَمَا زَعَمُوا لسمع فِي الْكَلَام مثل مَرَرْت بكالأسد وتتعين الحرفية فِي موضِعين أَحدهمَا أَن تكون زَائِدَة خلافًا لمن أجَاز زِيَادَة الْأَسْمَاء وَالثَّانِي أَن تقع هِيَ ومخفوضها صلَة كَقَوْلِه 326 - (مَا يرتجى وَمَا يخَاف جمعا ... فَهُوَ الَّذِي كالليث والغيث مَعًا) خلافًا لِابْنِ مَالك فِي إِجَازَته أَن يكون مُضَافا ومضافا إِلَيْهِ على إِضْمَار مُبْتَدأ كَمَا فِي قِرَاءَة بَعضهم {تَمامًا على الَّذِي أحسن} وَهَذَا تَخْرِيج للفصيح على الشاذ وَأما قَوْله 327 - (وصاليات ككما يؤثفين ... ) الحديث: 325 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 فَيحْتَمل أَن الكافين حرفان أكد أَولهمَا بثانيهما كَمَا قَالَ 328 - ( ... وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء) وَأَن يَكُونَا اسْمَيْنِ أكد أَيْضا أَولهمَا بثانيهما وَأَن تكون الأولى حرفا وَالثَّانيَِة اسْما وَأما الْكَاف غير الجارة فنوعان مُضْمر مَنْصُوب أَو مجرور نَحْو {مَا وَدعك رَبك} وحرف معنى لَا مَحل لَهُ وَمَعْنَاهُ الْخطاب وَهِي اللاحقة لاسم الْإِشَارَة نَحْو ذَلِك وَتلك وللضمير الْمُنْفَصِل الْمَنْصُوب فِي قَوْلهم إياك وإياكما وَنَحْوهمَا هَذَا هُوَ الصَّحِيح ولبعض أَسمَاء الْأَفْعَال نَحْو حيهلك ورويدك والنجاءك ولأرأيت بِمَعْنى أَخْبرنِي نَحْو {أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ} فالتاء فَاعل وَالْكَاف حرف خطاب هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَعكس ذَلِك الْفراء فَقَالَ التَّاء حرف خطاب وَالْكَاف فَاعل لكَونهَا الْمُطَابقَة للمسند إِلَيْهِ وَيَردهُ صِحَة الِاسْتِغْنَاء عَن الْكَاف وَأَنَّهَا لَا تقع قطّ مَرْفُوعَة وَقَالَ الْكسَائي التَّاء فَاعل وَالْكَاف مفعول وَيلْزمهُ أَن يَصح الِاقْتِصَار على الْمَنْصُوب فِي نَحْو أرأيتك زيدا مَا صنع لِأَنَّهُ الْمَفْعُول الثَّانِي وَلَكِن الْفَائِدَة لَا تتمّ عِنْده وَأما {أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ} فالمفعول الثَّانِي مَحْذُوف أَي لم كرمته عَليّ وَأَنا خير مِنْهُ وَقد تلْحق ألفاظا الحديث: 328 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 أخر شذوذا وَحمل على ذَلِك الْفَارِسِي قَوْله 329 - (لِسَان السوء تهديها إِلَيْنَا ... وحنت وَمَا حسبتك أَن تحينا) لِئَلَّا يلْزم الْإِخْبَار عَن اسْم الْعين بِالْمَصْدَرِ وَقيل يحْتَمل كَون أَن وصلتها بَدَلا من الْكَاف سَادًّا مسد المفعولين كَقِرَاءَة حَمْزَة {وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا أَنما نملي لَهُم} بِالْخِطَابِ كي على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن تكون اسْما مُخْتَصرا من كَيفَ كَقَوْلِه 330 - (كي تجنحون إِلَى سلم وَمَا ثئرت ... قَتْلَاكُمْ ولظى الهيجاء تضطرم) أَرَادَ كَيفَ فَحذف الْفَاء كَمَا قَالَ بَعضهم سو أفعل يُرِيد سَوف الثَّانِي أَن تكون بِمَنْزِلَة لَام التَّعْلِيل معنى وَعَملا وَهِي الدَّاخِلَة على مَا الاستفهامية فِي قَوْلهم فِي السُّؤَال عَن الْعلَّة كيمة بِمَعْنى لمه وعَلى مَا المصدرية فِي قَوْله 33 - (إِذا أَنْت لم تَنْفَع فضر فَإِنَّمَا ... يُرْجَى الْفَتى كَيْمَا يضر وينفع) وَقيل مَا كَافَّة وعَلى أَن المصدرية مضمرة نَحْو جئْتُك كي تكرمني إِذا قدرت النصب بِأَن الثَّالِث أَن تكون بِمَنْزِلَة أَن المصدرية معنى وَعَملا وَذَلِكَ فِي نَحْو {لكَي لَا تأسوا} الحديث: 329 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 ) وَيُؤَيِّدهُ صِحَة حُلُول أَن محلهَا وَلِأَنَّهَا لَو كَانَت حرف تَعْلِيل لم يدْخل عَلَيْهَا حرف تَعْلِيل وَمن ذَلِك جئْتُك كي تكرمني وَقَوله تَعَالَى {كي لَا يكون دولة} إِذا قدرت اللَّام قبلهَا فَإِن لم تقدر فَهِيَ تعليلية جَارة وَيجب حِينَئِذٍ إِضْمَار أَن بعْدهَا وَمثله فِي الِاحْتِمَالَيْنِ قَوْله 23 - (أردْت لكيما أَن تطير بقربتي ... ) فكي إِمَّا تعليلية مُؤَكدَة للام أَو مَصْدَرِيَّة مُؤَكدَة بِأَن وَلَا تظهر أَن بعد كي إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه 333 - (فَقَالَت أكل النَّاس أَصبَحت مانحا ... لسَانك كَيْمَا أَن تغر وتخدعا) وَعَن الْأَخْفَش أَن كي جَارة دَائِما وَأَن النصب بعْدهَا ب أَن ظَاهِرَة أَو مضمرة وَيَردهُ نَحْو {لكَي لَا تأسوا} فَإِن زعم أَن كي تَأْكِيد للام كَقَوْلِه 334 - ( ... وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء) رد بِأَن الفصيح الْمَقِيس لَا يخرج على الشاذ وَعَن الْكُوفِيّين أَنَّهَا ناصبة دَائِما وَيَردهُ قَوْلهم كيمه كَمَا يَقُولُونَ لمه وَقَول حَاتِم الحديث: 333 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 335 - (وَأوقدت نَارِي كي ليبصر ضوؤها ... وأخرجت كَلْبِي وَهُوَ فِي الْبَيْت دَاخله) لِأَن لَام الْجَرّ لَا تفصل بَين الْفِعْل وناصبه وَأَجَابُوا عَن الأول بِأَن الأَصْل كي يفعل مَاذَا ويلزمهم كَثْرَة الْحَذف وَإِخْرَاج مَا الاستفهامية عَن الصَّدْر وَحذف ألفها فِي غير الْجَرّ وَحذف الْفِعْل الْمَنْصُوب مَعَ بَقَاء عَامل النصب وكل ذَلِك لم يثبت نعم وَقع فِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي تَفْسِير {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} فَيذْهب كَيْمَا فَيَعُود ظَهره طبقًا وَاحِدًا أَي كَيْمَا يسْجد وَهُوَ غَرِيب جدا لَا يحْتَمل الْقيَاس عَلَيْهِ تَنْبِيه إِذا قيل جِئْت لتكرمني بِالنّصب فالنصب بِأَن مضمرة وَجوز أَبُو سعيد كَون الْمُضمر كي وَالْأول أولى لِأَن أَن أمكن فِي عمل النصب من غَيرهَا فَهِيَ أقوى على التَّجَوُّز فِيهَا بِأَن تعْمل مضمرة كم على وَجْهَيْن خبرية بِمَعْنى كثير واستفهامية بِمَعْنى أَي عدد ويشتركان فِي خَمْسَة أُمُور الاسمية والإبهام والافتقار إِلَى التَّمْيِيز وَالْبناء وَلُزُوم التصدير وَأما قَول بَعضهم فِي {ألم يرَوا كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ} أبدلت أَن وصلتها من كم فمردود بِأَن عَامل الحديث: 335 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الْبَدَل هُوَ عَامل الْمُبدل مِنْهُ فَإِن قدر عَامل ال مبدل من يرَوا فكم لَهَا الصَّدْر فَلَا يعْمل فِيهَا مَا قبلهَا وَإِن قدر أهلكنا فَلَا تسلط لَهُ فِي الْمَعْنى على الْبَدَل وَالصَّوَاب أَن كم مفعول لأهلكنا وَالْجُمْلَة إِمَّا معمولة ليروا على أَنه علق عَن الْعَمَل فِي اللَّفْظ وَأَن وصلتها مفعول لأَجله وَإِمَّا مُعْتَرضَة بَين {يرَوا} وَمَا سد مسد مفعولية وَهُوَ أَن وصلتها وَكَذَلِكَ قَول ابْن عُصْفُور فِي {أفلم يهد لَهُم كم أهلكنا} إِن كم فَاعل مَرْدُود بِأَن كم لَهَا الصَّدْر وَقَوله إِن ذَلِك جَاءَ على لُغَة رَدِيئَة حَكَاهَا الْأَخْفَش عَن بَعضهم أَنه يَقُول ملكت كم عبيد فيخرجها عَن الصدرية خطأ عَظِيم إِذْ خرج كَلَام الله سُبْحَانَهُ على هَذِه اللُّغَة وَإِنَّمَا الْفَاعِل ضمير اسْم الله سُبْحَانَهُ أَو ضمير الْعلم أَو الْهدى الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ أَو جملَة {أهلكنا} على القَوْل بِأَن الْفَاعِل يكون جملَة إِمَّا مُطلقًا أَو بِشَرْط كَونهَا مقترنة بِمَا يعلق عَن الْعَمَل وَالْفِعْل قلبِي نَحْو ظهر لي أَقَامَ زيد وَجوز أَبُو الْبَقَاء كَونه ضمير الإهلاك الْمَفْهُوم من الْجُمْلَة وَلَيْسَ هَذَا من المواطن الَّتِي يعود الضَّمِير فِيهَا على الْمُتَأَخر ويفترقان فِي خَمْسَة أُمُور أَحدهَا أَن الْكَلَام مَعَ الخبرية مُحْتَمل للتصديق والتكذيب بِخِلَافِهِ مَعَ الاستفهامية الثَّانِي أَن الْمُتَكَلّم بالخبرية لَا يَسْتَدْعِي من مُخَاطبَة جَوَابا لِأَنَّهُ مخبر والمتكلم بالاستفهامية يستدعيه لِأَنَّهُ مستخبر الثَّالِث أَن الِاسْم الْمُبدل من الخبرية لَا يقْتَرن بِالْهَمْزَةِ بِخِلَاف الْمُبدل من الاستفهامية يُقَال فِي الخبرية كم عبيد لي خَمْسُونَ بل سِتُّونَ وَفِي الاستفهامية كم مَالك أعشرون أم ثَلَاثُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الرَّابِع أَن تَمْيِيز كم الخبرية مُفْرد أَو مَجْمُوع تَقول كم عبيد ملكت وَكم عبد ملكت قَالَ 336 - (كم مُلُوك باد ملكهم ... ونعيم سوقة بادوا) وَقَالَ الفرزدق 337 - (كم عمَّة لَك يَا جرير وَخَالَة ... فدعاء قد حلبت عَليّ عشاري) وَلَا يكون تَمْيِيز الاستفهامية إِلَّا مُفردا خلافًا للكوفيين الْخَامِس أَن تَمْيِيز الخبرية وَاجِب الْخَفْض وتمييز الاستفهامية مَنْصُوب وَلَا يجوز جَرّه مُطلقًا خلافًا للفراء والزجاج وَابْن السراج وَآخَرين بل يشْتَرط أَن تجر كم بِحرف جر فَحِينَئِذٍ يجوز فِي التَّمْيِيز وَجْهَان النصب وَهُوَ الْكثير والجر خلافًا لبَعْضهِم وَهُوَ بِمن مضمرة وجوبا لَا بِالْإِضَافَة خلافًا للزجاج وتلخص أَن فِي جر تمييزها أقوالا الْجَوَاز وَالْمَنْع وَالتَّفْصِيل فَإِن جرت هِيَ بِحرف جر نَحْو بكم دِرْهَم اشْتريت جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَزعم قوم أَن لُغَة تَمِيم جَوَاز نصب تَمْيِيز كم الخبرية إِذا كَانَ الْخَبَر مُفردا وَرُوِيَ قَول الفرزدق (كم عمَّة لَك يَا جرير وَخَالَة ... فدعاء قد حلبت عَليّ عشاري ( بالخفض على قِيَاس تَمْيِيز الخبرية وَبِالنَّصبِ على اللُّغَة التميمية أَو على تقديرها استفهامية اسْتِفْهَام تهكم أَي أَخْبرنِي بِعَدَد عَمَّاتك وخالاتك اللَّاتِي كن يخدمنني فقد نَسِيته وَعَلَيْهِمَا فكم مُبْتَدأ خَبره قد حلبت وأفرد الضَّمِير حملا على لفظ كم وبالرفع على أَنه مُبْتَدأ وَإِن كَانَ نكرَة لكَونه قد وصف ب لَك وبفدعاء الحديث: 336 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 محذوفة مَدْلُول عَلَيْهَا بالمذكورة إِذْ لَيْسَ المُرَاد تَخْصِيص الْخَالَة بوصفها بالفدع كَمَا حذف لَك من صفة خَالَة اسْتِدْلَالا عَلَيْهَا ب لَك الأولى وَالْخَبَر قد حلبت وَلَا بُد من تَقْدِير قد حلبت أُخْرَى لِأَن الْمخبر عَنهُ فِي هَذَا الْوَجْه مُتَعَدد لفظا وَمعنى وَنَظِيره زَيْنَب وَهِنْد قَامَت وَكم على هَذَا الْوَجْه ظرف أَو مصدر والتمييز مَحْذُوف أَي كم وَقت أَو حلبة كأي اسْم مركب من كَاف التَّشْبِيه وَأي المنونة وَلذَلِك جَازَ الْوَقْف عَلَيْهَا بالنُّون لِأَن التَّنْوِين لما دخل فِي التَّرْكِيب أشبه النُّون الْأَصْلِيَّة وَلِهَذَا رسم فِي الْمُصحف نونا وَمن وقف عَلَيْهَا بحذفه اعْتبر حكمه فِي الأَصْل وَهُوَ الْحَذف فِي الْوَقْف وتوافق كأي كم فِي خَمْسَة أُمُور الْإِبْهَام والافتقار إِلَى التَّمْيِيز وَالْبناء وَلُزُوم التصدير وإفادة التكثير تَارَة وَهُوَ الْغَالِب نَحْو (وكأي من نَبِي قَاتل مَعَه ربيون كثير) والاستفهام أُخْرَى وَهُوَ نَادِر وَلم يُثبتهُ إِلَّا ابْن قُتَيْبَة وَابْن عُصْفُور وَابْن مَالك وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بقول أبي بن كَعْب لِابْنِ مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا كأي تقْرَأ سُورَة الْأَحْزَاب آيَة فَقَالَ ثَلَاثًا وَسبعين وتخالفها فِي خَمْسَة أُمُور أَحدهَا أَنَّهَا مركبة وَكم بسيطة على الصَّحِيح خلافًا لمن زعم أَنَّهَا مركبة من الْكَاف وَمَا الاستفهامية ثمَّ حذفت ألفها لدُخُول الْجَار وسكنت ميمها للتَّخْفِيف لثقل الْكَلِمَة بالتركيب وَالثَّانِي أَن مميزها مجرور بِمن غَالِبا حَتَّى زعم ابْن عُصْفُور لُزُوم ذَلِك وَيَردهُ قَول سِيبَوَيْهٍ وكأي رجلا رَأَيْت زعم ذَلِك يُونُس وكأي قد أَتَانَا رجلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 إِلَّا أَن أَكثر الْعَرَب لَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ إِلَّا مَعَ من انْتهى وَمن الْغَالِب قَوْله تَعَالَى {وكأين من نَبِي} و {وكأين من آيَة} و {وكأين من دَابَّة} وَمن النصب قَوْله 338 - (أطْرد الْيَأْس بالرجا فكأي ... آلما حم يسره بعد عسر) وَقَوله 339 - (وكائن لنا فضلا عَلَيْكُم ومنة ... قَدِيما وَلَا تَدْرُونَ مَا من منعم) وَالثَّالِث أَنَّهَا لَا تقع استفهامية عِنْد الْجُمْهُور وَقد مضى وَالرَّابِع أَنَّهَا لَا تقع مجرورة خلافًا لِابْنِ قُتَيْبَة وَابْن عُصْفُور أجازا بكأي تبيع هَذَا الثَّوْب وَالْخَامِس أَن خَبَرهَا لَا يَقع مُفردا كَذَا ترد على ثَلَاثَة أوجه 1 - أَحدهَا أَن تكون كَلِمَتَيْنِ باقيتين على أَصلهمَا وهما كَاف التَّشْبِيه وَذَا الإشارية كَقَوْلِك رَأَيْت زيدا فَاضلا وَرَأَيْت عمرا كَذَا وَقَوله 340 - (وأسلمني الزَّمَان كَذَا ... فَلَا طرب وَلَا أنس) وَتدْخل عَلَيْهَا هَا التَّنْبِيه كَقَوْلِه تَعَالَى {أهكذا عرشك} 2 - وَالثَّانِي أَن تكون كلمة وَاحِدَة مركبة من كَلِمَتَيْنِ مكنيا بهَا عَن غير عدد كَقَوْل أَئِمَّة اللُّغَة قيل لبَعْضهِم أما بمَكَان كَذَا وَكَذَا وجذ فَقَالَ بلَى الحديث: 338 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وجاذا فنصب بإضمار أعرف وكما جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه يُقَال للْعَبد يَوْم الْقِيَامَة أَتَذكر يَوْم كَذَا وَكَذَا فعلت فِيهِ كَذَا وَكَذَا 3 - الثَّالِث أَن تكون كلمة وَاحِدَة مركبة مكنيا بهَا عَن الْعدَد فتوافق كأي فِي أَرْبَعَة أُمُور التَّرْكِيب وَالْبناء والإبهام والافتقار إِلَى التَّمْيِيز وتخالفها فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا الصَّدْر تَقول قبضت كَذَا وَكَذَا درهما الثَّانِي أَن تمييزها وَاجِب النصب فَلَا يجوز جَرّه بِمن اتِّفَاقًا وَلَا بِالْإِضَافَة خلافًا للكوفيين أَجَازُوا فِي غير تكْرَار وَلَا عطف أَن يُقَال كَذَا ثوب وَكَذَا أَثوَاب قِيَاسا على الْعدَد الصَّرِيح وَلِهَذَا قَالَ فقهاؤهم إِنَّه يلْزم بقول الْقَائِل لَهُ عِنْدِي كَذَا دِرْهَم مئة وَبِقَوْلِهِ كَذَا دَرَاهِم ثَلَاثَة وَبِقَوْلِهِ كَذَا كَذَا درهما أحد عشر وَبِقَوْلِهِ كَذَا درهما عشرُون وَبِقَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا درهما أحد وَعِشْرُونَ حملا على الْمُحَقق من نظائرهن من الْعدَد الصَّرِيح وَوَافَقَهُمْ على هَذِه التفاصيل غير مَسْأَلَتي الْإِضَافَة الْمبرد والأخفش وَابْن كيسَان والسيرافي وَابْن عُصْفُور وَوهم ابْن السَّيِّد فَنقل اتِّفَاق النَّحْوِيين على إجَازَة مَا أجَازه الْمبرد وَمن ذكر مَعَه الثَّالِث أَنَّهَا لَا تسْتَعْمل غَالِبا إِلَّا مَعْطُوفًا عَلَيْهَا كَقَوْلِه 34 - (عد النَّفس نعمى بعد بؤساك ذَاكِرًا ... كَذَا وَكَذَا لطفا بِهِ نسي الْجهد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَزعم ابْن خروف أَنهم لم يَقُولُوا كَذَا درهما وَلَا كَذَا كَذَا درهما وَذكر ابْن مَالك أَنه مسموع وَلكنه قَلِيل كلا مركبة عِنْد ثَعْلَب من كَاف التَّشْبِيه وَلَا النافية قَالَ وَإِنَّمَا شددت لامها لتقوية الْمَعْنى ولدفع توهم بَقَاء معنى الْكَلِمَتَيْنِ وَعند غَيره هِيَ بسيطة وَهِي عِنْد سِيبَوَيْهٍ والخليل والمبرد والزجاج وَأكْثر الْبَصرِيين حرف مَعْنَاهُ الردع والزجر لَا معنى لَهَا عِنْدهم إِلَّا ذَلِك حَتَّى إِنَّهُم يجيزون أبدا الْوَقْف عَلَيْهَا والابتداء بِمَا بعْدهَا وَحَتَّى قَالَ جمَاعَة مِنْهُم مَتى سَمِعت كلا فِي سُورَة فاحكم بِأَنَّهَا مَكِّيَّة لِأَن فِيهَا معنى التهديد والوعيد وَأكْثر مَا نزل ذَلِك بِمَكَّة لِأَن أَكثر العتو كَانَ بهَا وَفِيه نظر لِأَن لُزُوم المكية إِنَّمَا يكون عَن اخْتِصَاص العتو بهَا لَا عَن غلبته ثمَّ لَا تمْتَنع الْإِشَارَة إِلَى عتو سَابق ثمَّ لَا يظْهر معنى الزّجر فِي كلا المسبوقة بِنَحْوِ {فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك} {يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} {ثمَّ إِن علينا بَيَانه} وَقَوْلهمْ الْمَعْنى انته عَن ترك الْإِيمَان بالتصوير فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ الله وبالبعث وَعَن العجلة بِالْقُرْآنِ تعسف إِذْ لم يتَقَدَّم فِي الْأَوَّلين حِكَايَة نفي ذَلِك عَن أحد ولطول الْفَصْل فِي الثَّالِثَة بَين كلا وَذكر العجلة وَأَيْضًا فَإِن أول مَا نزل خمس آيَات من أول سُورَة العلق ثمَّ نزل {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فَجَاءَت فِي افْتِتَاح الْكَلَام والوارد مِنْهَا فِي التَّنْزِيل ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ موضعا كلهَا فِي النّصْف الْأَخير وَرَأى الْكسَائي وَأَبُو حَاتِم وَمن وافقهما أَن معنى الردع والزجر لَيْسَ مستمرا فِيهَا فزادوا فِيهَا معنى ثَانِيًا يَصح عَلَيْهِ أَن يُوقف دونهَا ويبتدأ بهَا ثمَّ اخْتلفُوا فِي تعْيين ذَلِك الْمَعْنى على ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا للكسائي ومتابعيه قَالُوا تكون بِمَعْنى حَقًا وَالثَّانِي لأبي حَاتِم ومتابعيه قَالُوا تكون بِمَعْنى أَلا الاستفتاحية وَالثَّالِث للنضر ابْن شُمَيْل وَالْفراء وَمن وافقهما قَالُوا تكون حرف جَوَاب بِمَنْزِلَة إِي وَنعم وحملوا عَلَيْهِ {كلا وَالْقَمَر} فَقَالُوا مَعْنَاهُ إِي وَالْقَمَر وَقَول أبي حَاتِم عِنْدِي أولى من قَوْلهمَا لِأَنَّهُ أَكثر اطرادا فَإِن قَول النَّضر لَا يَتَأَتَّى فِي آيتي الْمُؤمنِينَ وَالشعرَاء على مَا سَيَأْتِي وَقَول الْكسَائي لَا يَتَأَتَّى فِي نَحْو {كلا إِن كتاب الْأَبْرَار} {كلا إِن كتاب الْفجار} {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} لِأَن أَن تكسر بعد أَلا الاستفتاحية وَلَا تكسر بعد حَقًا وَلَا بعد مَا كَانَ بمعناها وَلِأَن تَفْسِير حرف بِحرف أولى من تَفْسِير حرف باسم وَأما قَول مكي إِن كلا على رَأْي الْكسَائي اسْم إِذا كَانَت بِمَعْنى حَقًا فبعيد لِأَن اشْتِرَاك اللَّفْظ بَين الاسمية والحرفية قَلِيل ومخالف للْأَصْل ومحوج لتكلف دَعْوَى عِلّة لبنائها وَإِلَّا فَلم لَا نونت وَإِذا صلح الْموضع للردع وَلغيره جَازَ الْوَقْف عَلَيْهَا والابتداء بهَا على اخْتِلَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 التَّقْدِيرَيْنِ والأرجح حملهَا على الردع لِأَنَّهُ الْغَالِب فِيهَا وَذَلِكَ نَحْو {أطلع الْغَيْب أم اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا كلا سنكتب مَا يَقُول} {وَاتَّخذُوا من دون الله آلِهَة ليكونوا لَهُم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم} وَقد تتَعَيَّن للردع أَو الاستفتاح نَحْو {رب ارْجِعُونِ لعَلي أعمل صَالحا فِيمَا تركت كلا إِنَّهَا كلمة} لِأَنَّهَا لَو كَانَت بِمَعْنى حَقًا لما كسرت همزَة إِن وَلَو كَانَت بِمَعْنى نعم لكَانَتْ للوعد بِالرُّجُوعِ لِأَنَّهَا بعد الطّلب كَمَا يُقَال أكْرم فلَانا فَتَقول نعم وَنَحْو {قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون قَالَ كلا إِن معي رَبِّي سيهدين} وَذَلِكَ لكسر إِن وَلِأَن نعم بعد الْخَبَر للتصديق وَقد يمْتَنع كَونهَا للزجر نَحْو {وَمَا هِيَ إِلَّا ذكرى للبشر كلا وَالْقَمَر} إِذْ لَيْسَ قبلهَا مَا يَصح رده وَقَول الطَّبَرِيّ وَجَمَاعَة إِنَّه لما نزل عدد خَزَنَة جَهَنَّم {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} قَالَ بَعضهم أكفوني اثْنَيْنِ وَأَنا أكفيكم سَبْعَة عشر فَنزل {كلا} زجرا لَهُ قَول متعسف لِأَن الْآيَة لم تَتَضَمَّن ذَلِك تَنْبِيه قرىء {كلا سيكفرون بعبادتهم} بِالتَّنْوِينِ إِمَّا على أَنه مصدر كل إِذا أعيا أَي كلوا فِي دَعوَاهُم وانقطعوا أَو من الْكل وَهُوَ الثّقل أَي حملُوا كلا وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ كَونه حرف الردع وَنون كَمَا فِي {سلاسل} ورده أَبُو حَيَّان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 بِأَن ذَلِك إِنَّمَا صَحَّ فِي {سلاسل} لِأَنَّهُ اسْم أَصله التَّنْوِين فَرجع بِهِ إِلَى أَصله للتناسب أَو على لُغَة من يصرف مَالا ينْصَرف مُطلقًا أَو بِشَرْط كَونه مفاعل أَو مفاعيل اهـ وَلَيْسَ التَّوْجِيه منحصرا عِنْد الزَّمَخْشَرِيّ فِي ذَلِك بل جوز كَون التَّنْوِين بَدَلا من حرف الْإِطْلَاق الْمَزِيد فِي رَأس الْآيَة ثمَّ إِنَّه وصل بنية الْوَقْف وَجزم بِهَذَا الْوَجْه فِي {قواريرا} وَفِي قِرَاءَة بَعضهم {وَاللَّيْل إِذا يسر} بِالتَّنْوِينِ وَهَذِه الْقِرَاءَة مصححة لتأويلة فِي كلا إِذْ الْفِعْل لَيْسَ أَصله التَّنْوِين كَأَن حرف مركب عِنْد أَكْثَرهم حَتَّى ادّعى ابْن هِشَام وَابْن الخباز الْإِجْمَاع عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِك قَالُوا وَالْأَصْل فِي كَأَن زيدا أسدا إِن زيدا كأسد ثمَّ قدم حرف التَّشْبِيه اهتماما بِهِ ففتحت همزَة أَن لدُخُول الْجَار عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ الزّجاج وَابْن جني مَا بعد الْكَاف جر بهَا قَالَ ابْن جني وَهِي حرف لَا يتَعَلَّق بِشَيْء لمفارقته الْموضع الَّذِي تتَعَلَّق فِيهِ بالاستقرار وَلَا يقدر لَهُ عَامل غَيره لتَمام الْكَلَام بِدُونِهِ وَلَا هُوَ زَائِد لإفادته التَّشْبِيه وَلَيْسَ قَوْله بأبعد من قَول أبي الْحسن إِن كَاف التَّشْبِيه لَا تتَعَلَّق دَائِما وَلما رأى الزّجاج أَن الْجَار غير الزَّائِد حَقه التَّعَلُّق قدر الْكَاف هُنَا اسْما بِمَنْزِلَة مثل فَلَزِمَهُ أَن يقدر لَهُ موضعا فقدره مُبْتَدأ فاضطر إِلَى أَن قدر لَهُ خَبرا لم ينْطق بِهِ قطّ وَلَا الْمَعْنى مفتقر إِلَيْهِ فَقَالَ معنى كَأَن زيدا أَخُوك مثل أخوة زيد إياك كَائِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا مَوضِع لِأَن وَمَا بعْدهَا لِأَن الْكَاف وَأَن صَارا بالتركيب كلمة وَاحِدَة وَفِيه نظر لِأَن ذَاك فِي التَّرْكِيب الوضعي لَا فِي التَّرْكِيب الطارىء فِي حَال التَّرْكِيب الإسنادي والمخلص عِنْدِي من الْإِشْكَال أَن يدعى أَنَّهَا بسيطة وَهُوَ قَول بَعضهم وَفِي شرح الْإِيضَاح لِابْنِ الخباز ذهب جمَاعَة إِلَى أَن فتح همزتها لطول الْحَرْف بالتركيب لَا لِأَنَّهَا معمولة للكاف كَمَا قَالَ أَبُو الْفَتْح وَإِلَّا لَكَانَ الْكَلَام غير تَامّ وَالْإِجْمَاع على أَنه تَامّ اهـ وَقد مضى أَن الزّجاج يرَاهُ نَاقِصا وَذكروا لكأن أَرْبَعَة معَان 1 - أَحدهَا وَهُوَ الْغَالِب عَلَيْهَا والمتفق عَلَيْهِ التَّشْبِيه وَهَذَا الْمَعْنى أطلقهُ الْجُمْهُور لكأن وَزعم جمَاعَة مِنْهُم ابْن السَّيِّد البطليوسي أَنه لَا يكون إِلَّا إِذا كَانَ خَبَرهَا اسْما جَامِدا نَحْو كَأَن زيدا أَسد بِخِلَاف كَأَن زيدا قَائِم أَو فِي الدَّار أَو عنْدك أَو يقوم فَإِنَّهَا فِي ذَلِك كُله للظن 2 - وَالثَّانِي الشَّك وَالظَّن وَذَلِكَ فِيمَا ذكرنَا وَحمل ابْن الْأَنْبَارِي عَلَيْهِ كَأَنَّك بالشتاء مقبل أَي أَظُنهُ مُقبلا 3 - وَالثَّالِث التَّحْقِيق ذكره الْكُوفِيُّونَ والزجاجي وأنشدوا عَلَيْهِ 34 - (فَأصْبح بطن مَكَّة مقشعرا ... كَأَن الأَرْض لَيْسَ بهَا هِشَام) أَي لِأَن الأَرْض إِذْ لَا يكون تَشْبِيها لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الأَرْض حَقِيقَة فَإِن قيل فَإِذا كَانَت للتحقيق فَمن أَيْن جَاءَ معنى التَّعْلِيل قلت من جِهَة أَن الْكَلَام مَعهَا فِي الْمَعْنى جَوَاب عَن سُؤال عَن الْعلَّة مُقَدّر وَمثله {اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَأجِيب بِأُمُور أَحدهَا أَن المُرَاد بالظرفية الْكَوْن فِي بَطنهَا لَا الْكَوْن على ظهرهَا فَالْمَعْنى أَنه كَانَ يَنْبَغِي أَلا يقشعر بطن مَكَّة مَعَ دفن هِشَام فِيهِ لِأَنَّهُ لَهَا كالغيث الثَّانِي أَنه يحْتَمل أَن هشاما قد خلف من يسد مسده فَكَأَنَّهُ لم يمت الثَّالِث أَن الْكَاف للتَّعْلِيل وَأَن للتوكيد فهما كلمتان لَا كلمة وَنَظِيره {ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} أَي أعجب لعدم فلاح الْكَافرين 4 - وَالرَّابِع التَّقْرِيب قَالَه الْكُوفِيُّونَ وحملوا عَلَيْهِ كَأَنَّك بالشتاء مقبل وكأنك بالفرج آتٍ وكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل وَقَول الحريري 343 - (كَأَنِّي بك تنحط ... ) وَقد اخْتلف فِي إِعْرَاب ذَلِك فَقَالَ الْفَارِسِي الْكَاف حرف خطاب وَالْبَاء زَائِدَة فِي اسْم كَأَن وَقَالَ بَعضهم الْكَاف اسْم كَأَن وَفِي الْمِثَال الأول حذف مُضَاف أَي كَأَن زَمَانك مقبل بالشتاء وَلَا حذف فِي كَأَنَّك بالدنيا لم تكن بل الْجُمْلَة الفعلية خبر وَالْبَاء بِمَعْنى فِي وَهِي مُتَعَلقَة بتكن وفاعل تكن ضمير الْمُخَاطب وَقَالَ ابْن عُصْفُور الْكَاف وَالْيَاء فِي كَأَنَّك وَكَأَنِّي زائدتان كافتان لكأن عَن الْعَمَل كَمَا تكفها مَا وَالْبَاء زَائِدَة فِي الْمُبْتَدَأ وَقَالَ ابْن عمرون الْمُتَّصِل بكأن اسْمهَا والظرف خَبَرهَا وَالْجُمْلَة بعده حَال بِدَلِيل قَوْلهم كَأَنَّك بالشمس وَقد طلعت بِالْوَاو وَرِوَايَة بَعضهم وَلم تكن وَلم تزل بِالْوَاو وَهَذِه الْحَال متممة لِمَعْنى الْكَلَام كالحال فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا لَهُم عَن التَّذْكِرَة معرضين} وكحتى وَمَا الحديث: 343 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 بعْدهَا فِي قَوْلك مَا زلت بزيد حَتَّى فعل وَقَالَ المطرزي الأَصْل كَأَنِّي أبصرك تنحط وَكَأَنِّي أبْصر الدُّنْيَا لم تكن ثمَّ حذف الْفِعْل وزيدت الْبَاء مَسْأَلَة زعم قوم أَن كَأَن قد تنصب الجزأين وأنشدوا 344 - (كَأَن أُذُنَيْهِ إِذا تشوفا ... قادمة أَو قَلما محرفا) فَقيل الْخَبَر مَحْذُوف أَي يحكيان وَقيل إِنَّمَا الرِّوَايَة تخال أُذُنَيْهِ وَقيل الرِّوَايَة قادمتا أَو قَلما محرفا بألفات غير منونة على أَن الْأَسْمَاء مثناة وحذفت النُّون للضَّرُورَة وَقيل أَخطَأ قَائِله وَهُوَ أَبُو نخيلة وَقد أنْشدهُ بِحَضْرَة الرشيد فلحنه أَبُو عَمْرو والأصمعي وَهَذَا وهم فَإِن أَبَا عَمْرو توفّي قبل الرشيد كل اسْم مَوْضُوع لاستغراق أَفْرَاد الْمُنكر نَحْو {كل نفس ذائقة الْمَوْت} والمعرف الْمَجْمُوع نَحْو {وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} وأجزاء الْمُفْرد الْمُعَرّف نَحْو كل زيد حسن فَإِذا قلت أكلت كل رغيف لزيد كَانَت لعُمُوم الْأَفْرَاد فَإِن أضفت الرَّغِيف إِلَى زيد صَارَت لعُمُوم أَجزَاء فَرد وَاحِد الحديث: 344 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَمن هُنَا وَجب فِي قِرَاءَة غير أبي عَمْرو وَابْن ذكْوَان {كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر جَبَّار} بترك تَنْوِين قلب تَقْدِير كل بعد قلب ليعم أَفْرَاد الْقُلُوب كَمَا عَم أَجزَاء الْقلب وَترد كل بِاعْتِبَار كل وَاحِد مِمَّا قبلهَا وَمَا بعْدهَا على ثَلَاثَة أوجه فَأَما أوجهها بِاعْتِبَار مَا قبلهَا 1 - فأحدها أَن تكون نعتا لنكرة أَو معرفَة فتدل على كَمَاله وَتجب إضافتها إِلَى اسْم ظَاهر يماثله لفظا وَمعنى نَحْو أطعمنَا شَاة كل شَاة وَقَوله 345 - (وَإِن الَّذِي حانت بفلج دِمَاؤُهُمْ ... هم الْقَوْم كل الْقَوْم يَا أم خَالِد) 2 - وَالثَّانِي أَن تكون توكيدا لمعْرِفَة قَالَ الْأَخْفَش والكوفيون أَو لنكرة محدودة وَعَلَيْهِمَا ففائدتها الْعُمُوم وَتجب إضافتها إِلَى اسْم مُضْمر رَاجع إِلَى الْمُؤَكّد نَحْو {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم} قَالَ ابْن مَالك وَقد يخلفه الظَّاهِر كَقَوْلِه 346 - (كم قد ذكرتك لَو أجزى بذكركم ... يَا أشبه النَّاس كل النَّاس بالقمر) وَخَالفهُ أَبُو حَيَّان وَزعم أَن كل فِي الْبَيْت نعت مثلهَا فِي أطعمنَا شَاة كل شَاة وَلَيْسَت توكيدا وَلَيْسَ قَوْله بِشَيْء لِأَن الَّتِي ينعَت بهَا دَالَّة على الْكَمَال لَا على عُمُوم الْأَفْرَاد الحديث: 345 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وَمن توكيد النكرَة بهَا قَوْله 347 - (نَلْبَث حولا كَامِلا كُله ... لَا نَلْتَقِي إِلَّا على مَنْهَج) وَأَجَازَ الْفراء والزمخشري أَن تقطع كل الْمُؤَكّد بهَا عَن الْإِضَافَة لفظا تمسكا بِقِرَاءَة بَعضهم / إِنَّا كلا فِيهَا / وخرجها ابْن مَالك على أَن كلا حَال من ضمير الظّرْف وَفِيه ضعف من وَجْهَيْن تَقْدِيم الْحَال على عَامله الظّرْف وَقطع كل عَن الْإِضَافَة لفظا وتقديرا لتصير نكرَة فَيصح كَونه حَالا والأجود أَن تقدر كلا بَدَلا من اسْم إِن وَإِنَّمَا جَازَ إِبْدَال الظَّاهِر من ضمير الْحَاضِر بدل كل لِأَنَّهُ مُفِيد للاحاطة مثل قُمْتُم ثلاثتكم 3 - وَالثَّالِث أَلا تكون تَابِعَة بل تالية للعوامل فَتَقَع مُضَافَة إِلَى الظَّاهِر نَحْو {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} وَغير مُضَافَة نَحْو {وكلا ضربنا لَهُ الْأَمْثَال} أما أوجهها الثَّلَاثَة الَّتِي بِاعْتِبَار مَا بعْدهَا فقد مَضَت الْإِشَارَة إِلَيْهَا 1 - الأول أَن تُضَاف إِلَى الظَّاهِر وَحكمهَا أَن يعْمل فِيهَا جَمِيع العوامل نَحْو أكرمت كل بني تَمِيم 2 - وَالثَّانِي أَن تُضَاف إِلَى ضمير مَحْذُوف وَمُقْتَضى كَلَام النَّحْوِيين أَن الحديث: 347 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 حكمهَا كَالَّتِي قبلهَا وَوَجهه أَنَّهُمَا سيان فِي امْتنَاع التَّأْكِيد بهما وَفِي تذكرة أبي الْفَتْح أَن تَقْدِيم كل فِي قَوْله تَعَالَى {كلا هدينَا} أحسن من تَأْخِيرهَا لِأَن التَّقْدِير كلهم فَلَو أخرت لباشرت الْعَامِل مَعَ أَنَّهَا فِي الْمَعْنى منزلَة منزلَة مَا لَا يباشره فَلَمَّا قدمت أشبهت المرتفعة بِالِابْتِدَاءِ فِي أَن كلا مِنْهُمَا لم يسبقها عَامل فِي اللَّفْظ 3 - الثَّالِث أَن تُضَاف إِلَى ضمير ملفوظ بِهِ وَحكمهَا أَلا يعْمل فِيهَا غَالِبا إِلَّا الِابْتِدَاء نَحْو {إِن الْأَمر كُله لله} فِيمَن رفع كلا وَنَحْو {وَكلهمْ آتيه} لِأَن الِابْتِدَاء عَامل معنوي وَمن الْقَلِيل قَوْله ( ... فيصدر عَنهُ كلهَا وَهُوَ ناهل) وَلَا يجب أَن يكون مِنْهُ قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ 349 - (فَلَمَّا تَبينا الْهدى كَانَ كلنا ... على طَاعَة الرَّحْمَن وَالْحق والتقى) بل الأولى تَقْدِير كَانَ شأنية فصل وَاعْلَم أَن لفظ كل حكمه الْإِفْرَاد والتذكير وَأَن مَعْنَاهَا بِحَسب مَا تُضَاف إِلَيْهِ فَإِن كَانَت مُضَافَة إِلَى مُنكر وَجب مُرَاعَاة مَعْنَاهَا فَلذَلِك جَاءَ الضَّمِير أمفردا مذكرا فِي نَحْو {وكل شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزبر} {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره} الحديث: 349 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 ) وَقَول أبي بكر وَكَعب ولبيد رَضِي الله عَنْهُم 350 - (كل امرىء مصبح فِي أَهله ... وَالْمَوْت أدنى من شِرَاك نَعله) 35 - (كل ابْن أُنْثَى وَإِن طَالَتْ سَلَامَته ... يَوْمًا على آلَة حدباء مَحْمُول) 35 - (أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل ... وكل نعيم لَا محَالة زائل) وَقَول السموءل 353 - (إِذا الْمَرْء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فَكل رِدَاء يرتديه جميل) ب ومفردا مؤنثا فِي قَوْله تَعَالَى {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} {كل نفس ذائقة الْمَوْت} ج ومثنى فِي قَول الفرزدق 354 - (وكل رفيقي كل رَحل وَإِن هما ... تعاطى القنا قوماهما أَخَوان) وَهَذَا الْبَيْت من المشكلات لفظا وَمعنى وإعرابا فلنشرحه الحديث: 350 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 قَوْله كل رَحل كل هَذِه زَائِدَة وَعَكسه حذفهَا فِي قَوْله تَعَالَى {على كل قلب متكبر جَبَّار} فِيمَن أضَاف ورحل بِالْحَاء الْمُهْملَة وتعاطى أَصله تعاطيا فَحذف لامه للضَّرُورَة وَعَكسه إِثْبَات اللَّام للضَّرُورَة فِيمَن قَالَ 355 - (لَهَا متنتان خظاتا ... ) إِذا قيل إِن خظاتا فعل وفاعل أَو الْألف من تعاطى لَام الْفِعْل ووحد الضَّمِير لِأَن الرفيقين ليسَا بِاثْنَيْنِ مُعينين بل هما كثير كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} ثمَّ حمل على اللَّفْظ إِذْ قَالَ هما أَخَوان كَمَا قيل {فأصلحوا بَينهمَا} وَجُمْلَة هما أَخَوان خبر كل وَقَوله قوما إِمَّا بدل من القنا لِأَن قومهما من سببهما إِذْ مَعْنَاهَا تقاومهما فحذفت الزَّوَائِد فَهُوَ بدل اشْتِمَال أَو مفعول لأَجله أَي تعاطيا القنا لمقاومة كل مِنْهُمَا الآخر أَو مفعول مُطلق من بَاب {صنع الله} لِأَن تعَاطِي القنا يدل على تقاومهما وَمعنى الْبَيْت أَن كل الرفقاء فِي السّفر إِذا استقروا رَفِيقَيْنِ رَفِيقَيْنِ فهما كالأخوين لاجتماعهما فِي السّفر والصحبة وَإِن تعاطى كل وَاحِد مِنْهُمَا مغالبة الآخر د - ومجموعا مذكرا فِي قَوْله تَعَالَى {كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ} وَقَول لبيد الحديث: 355 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 356 - (وكل أنَاس سَوف تدخل بَينهم ... دويهية تصفر مِنْهَا الأنامل) هـ ومؤنثا فِي قَول الآخر 357 - (وكل مصيبات الزَّمَان وَجدتهَا ... سوى فرقة الأحباب هينة الْخطب) ويروى (وكل مصيبات تصيب فَإِنَّهَا ... ) وعَلى هَذَا فالبيت مِمَّا نَحن فِيهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ من وجوب مُرَاعَاة الْمَعْنى مَعَ النكرَة نَص عَلَيْهِ ابْن مَالك ورده أَبُو حَيَّان بقول عنترة 358 - (جَادَتْ عَلَيْهِ من كل عين ثرة ... فتركن كل حديقة كالدرهم) فَقَالَ تركن وَلم يقل تركت فَدلَّ على جَوَاز كل رجل قَائِم وقائمون وَالَّذِي يظْهر لي خلاف قَوْلهمَا وَأَن المضافة إِلَى الْمُفْرد إِن أُرِيد نِسْبَة الحكم إِلَى كل وَاحِد وَجب الْإِفْرَاد نَحْو كل رجل يشبعه رغيف أَو إِلَى الْمَجْمُوع وَجب الْجمع كبيت عنترة فَإِن المُرَاد أَن كل فَرد من الْأَعْين جاد وَأَن مَجْمُوع الْأَعْين تركن وعَلى هَذَا فَتَقول جاد عَليّ كل محسن فأغناني أَو فأغنوني بِحَسب الْمَعْنى الَّذِي تريده وَرُبمَا جمع الضَّمِير مَعَ إِرَادَة الحكم على كل وَاحِد كَقَوْلِه 359 - ( ... من كل كوماء كثيرات الْوَبر) الحديث: 356 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وَعَلِيهِ أجَاز ابْن عُصْفُور فِي قَوْله 360 - (وَمَا كل ذِي لب بمؤتيك نصحه ... وَمَا كل مؤت نصحه بلبيب) أَن يكون مؤتيك جمعا حذفت نونه للإضافة وَيحْتَمل ذَلِك قَول فَاطِمَة الْخُزَاعِيَّة تبكى إخوتها 36 - (إخوتي لَا تبعدوا أبدا ... وبلى وَالله قد بعدوا) (كل مَا حَيّ وَإِن أمروا ... واردو الْحَوْض الَّذِي وردوا) وَذَلِكَ فِي قَوْلهَا أمروا فَأَما قَوْلهَا وردوا فَالضَّمِير لإخوتها هَذَا إِن حملت الْحَيّ على نقيض الْمَيِّت وَهُوَ ظَاهر فَإِن حَملته على مرادف الْقَبِيلَة فالجمع فِي أمروا وَاجِب مثله فِي {كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ} وَلَيْسَ من ذَلِك {وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه} لِأَن الْقُرْآن لَا يخرج على الشاذ وَإِنَّمَا الْجمع بِاعْتِبَار معنى الْأمة وَنَظِيره الْجمع فِي قَوْله تَعَالَى {أمة قَائِمَة يَتلون} وَمثل ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وعَلى كل ضامر يَأْتِين} فَلَيْسَ الضامر مُفردا فِي الْمَعْنى لِأَنَّهُ قسيم الْجمع وَهُوَ {رجَالًا} بل هُوَ اسْم جمع كالجامل والباقر أَو صفة لجمع مَحْذُوف أَي كل نوع ضامر وَنَظِيره {وَلَا تَكُونُوا أول كَافِر بِهِ} فَإِن {كَافِر} نعت لمَحْذُوف مُفْرد لفظا مَجْمُوع معنى أَي أول فريق كَافِر وَلَوْلَا ذَلِك لم الحديث: 360 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 يقل {كَافِر} بِالْإِفْرَادِ وأشكل من الْآيَتَيْنِ قَوْله تَعَالَى {وحفظا من كل شَيْطَان مارد لَا يسمعُونَ} وَلَو ظفر بهَا أَبُو حَيَّان لم يعدل إِلَى الِاعْتِرَاض بِبَيْت عنترة وَالْجَوَاب عَنْهَا أَن جملَة {لَا يسمعُونَ} مستأنفة أخبر بهَا عَن حَال المسترقين لَا صفة لكل شَيْطَان وَلَا حَال مِنْهُ إِذْ لَا معنى للْحِفْظ من شَيْطَان لَا يسمع وَحِينَئِذٍ فَلَا يلْزم عود الضَّمِير إِلَى كل وَلَا إِلَى مَا أضيفت إِلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَائِد إِلَى الْجمع الْمُسْتَفَاد من الْكَلَام وَإِن كَانَت كل مُضَافَة إِلَى معرفَة فَقَالُوا يجوز مُرَاعَاة لَفظهَا ومراعاة مَعْنَاهَا نَحْو كلهم قَائِم أَو قائمون وَقد اجتمعتا فِي قَوْله تَعَالَى {إِن كل من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} وَالصَّوَاب أَن الضَّمِير لَا يعود إِلَيْهَا من خَبَرهَا إِلَّا مُفردا مذكرا على لَفظهَا نَحْو {وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة} الْآيَة وَقَوله تَعَالَى فِيمَا يحكيه عَنهُ نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا عبَادي كلكُمْ جَائِع إِلَّا من أطعمته الحَدِيث وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كل النَّاس يَغْدُو فبائع نَفسه فمعتقها أَو موبقها وكلكم رَاع وكلكم مسؤول عَن رَعيته وكلنَا لَك عبد وَمن ذَلِك {إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا} وَفِي الْآيَة حذف مُضَاف وإضمار لما دلّ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الْمَعْنى لَا اللَّفْظ أَي إِن كل أَفعَال هَذِه الْجَوَارِح كَانَ الْمُكَلف مسؤولا عَنهُ وَإِنَّمَا قَدرنَا الْمُضَاف لِأَن السُّؤَال عَن أَفعَال الْحَواس لَا عَن أَنْفسهَا وَإِنَّمَا لم يقدر ضمير كَانَ رَاجعا لكل لِئَلَّا يَخْلُو مسؤولا عَن ضمير فَيكون حِينَئِذٍ مُسْندًا إِلَى عَنهُ كَمَا توهم بَعضهم وَيَردهُ أَن الْفَاعِل ونائبه لَا يتقدمان على عاملهما وَأما {لقد أحصاهم} فجملة أُجِيب بهَا الْقسم وَلَيْسَت خَبرا عَن كل وضميرها رَاجع لمن لَا لكل وَمن مَعْنَاهَا الْجمع فَإِن قطعت عَن الْإِضَافَة لفظا فَقَالَ أَبُو حَيَّان يجوز مُرَاعَاة اللَّفْظ نَحْو {كل يعْمل على شاكلته} (فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ) ومراعاة الْمَعْنى نَحْو {وكل كَانُوا ظالمين} وَالصَّوَاب أَن الْمُقدر يكون مُفردا نكرَة فَيجب الْإِفْرَاد كَمَا لَو صرح بالمفرد وَيكون جمعا مُعَرفا فَيجب الْجمع وَإِن كَانَت الْمعرفَة لَو ذكرت لوَجَبَ الْإِفْرَاد وَلَكِن فعل ذَلِك تَنْبِيها على حَال الْمَحْذُوف فيهمَا فَالْأول نَحْو {كل يعْمل على شاكلته} {كل آمن بِاللَّه} {كل قد علم صلَاته وتسبيحه} إِذْ التَّقْدِير كل أحد وَالثَّانِي نَحْو {كل لَهُ قانتون} {كل فِي فلك يسبحون} {وكل أَتَوْهُ داخرين} {وكل كَانُوا ظالمين} أَي كلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 مَسْأَلَتَانِ الأولى قَالَ البيانيون إِذا وَقعت كل فِي حيّز النَّفْي كَانَ النَّفْي موجها إِلَى الشُّمُول خَاصَّة وَأفَاد بمفهومه ثُبُوت الْفِعْل لبَعض الْأَفْرَاد كَقَوْلِك مَا جَاءَ كل الْقَوْم وَلم آخذ كل الدِّرْهَم وكل الدَّرَاهِم لم آخذ وَقَوله 36 - (مَا كل رَأْي الْفَتى يَدْعُو إِلَى رشد ... ) وَقَوله 363 - (مَا كل مَا يتَمَنَّى الْمَرْء يُدْرِكهُ ... ) وَإِن وَقع النَّفْي فِي حيزها اقْتضى السَّلب عَن كل فَرد كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أنسيت أم قصرت الصَّلَاة كل ذَلِك لم يكن وَقَول أبي النَّجْم 364 - (قد أَصبَحت أم الْخِيَار تَدعِي ... عَليّ ذَنبا كُله لم أصنع) وَقد يشكل على قَوْلهم فِي الْقسم الأول قَوْله تَعَالَى {وَالله لَا يحب كل مختال فخور} وَقد صرح الشلوبين وَابْن مَالك فِي بَيت أبي النَّجْم بِأَنَّهُ لَا فرق فِي الْمَعْنى بَين رفع كل ونصبه ورد الشلوبين على ابْن أبي الْعَافِيَة إِذْ زعم أَن بَينهمَا فرقا وَالْحق الحديث: 363 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 مَا قَالَه البيانيون وَالْجَوَاب عَن الْآيَة أَن دلَالَة الْمَفْهُوم إِنَّمَا يعول عَلَيْهَا عِنْد عدم الْمعَارض وَهُوَ هُنَا مَوْجُود إِذْ دلّ الدَّلِيل على تَحْرِيم الاختيال وَالْفَخْر مُطلقًا الثَّانِيَة كل فِي نَحْو {كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا} مَنْصُوبَة على الظَّرْفِيَّة بِاتِّفَاق وناصبها الْفِعْل الَّذِي هُوَ جَوَاب فِي الْمَعْنى مثل {قَالُوا} فِي الْآيَة وجاءتها الظَّرْفِيَّة من جِهَة مَا فَإِنَّهَا مُحْتَملَة لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن تكون حرفا مصدريا وَالْجُمْلَة بعده صلَة لَهُ فَلَا مَحل لَهَا وَالْأَصْل كل رزق ثمَّ عبر عَن معنى الْمصدر بِمَا وَالْفِعْل ثمَّ أنيبا عَن الزَّمَان اي كل وَقت رزق كَمَا أنيب عَنهُ الْمصدر الصَّرِيح فِي جئْتُك خفوق النَّجْم وَالثَّانِي أَن تكون أسما نكرَة بِمَعْنى وَقت فَلَا تحْتَاج على هَذَا إِلَى تَقْدِير وَقت وَالْجُمْلَة بعده فِي مَوضِع خفض على الصّفة فتحتاج إِلَى تَقْدِير عَائِد مِنْهَا أَي كل وَقت رزقوا فِيهِ وَلِهَذَا الْوَجْه مبعد وَهُوَ ادِّعَاء حذف عَائِد الصّفة وجوبا حَيْثُ لم يرد مُصَرحًا بِهِ فِي شَيْء من أَمْثِلَة هَذَا التَّرْكِيب وَمن هُنَا ضعف قَول أبي الْحسن فِي نَحْو أعجبني مَا قُمْت إِن مَا اسْم وَالْأَصْل مَا قمته أَي الْقيام الَّذِي قمته وَقَوله فِي يَا أَيهَا الرجل إِن أيا مَوْصُولَة وَالْمعْنَى يَا من هُوَ الرجل فَإِن هذَيْن العائدين لم يلفظ بهما قطّ وَهُوَ مبعد عِنْدِي أَيْضا لقَوْل سِيبَوَيْهٍ فِي نَحْو سرت طَويلا وَضربت زيدا كثيرا إِن طَويلا وَكَثِيرًا حالان من ضمير الْمصدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 محذوفا أَي سرته وضربته أَي السّير وَالضَّرْب لِأَن هَذَا الْعَائِد لم يتَلَفَّظ بِهِ قطّ فَإِن قلت فقد قَالُوا وَلَا سِيمَا زيد بِالرَّفْع وَلم يَقُولُوا قطّ وَلَا سِيمَا هُوَ زيد قلت هِيَ كلمة وَاحِدَة شذوا فِيهَا بِالْتِزَام الْحَذف ويؤنسك بذلك أَن فِيهَا شذوذين آخَرين إِطْلَاق مَا على الْوَاحِد مِمَّن يعقل وَحذف الْعَائِد الْمَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ مَعَ قصر الصِّلَة وللوجه الأول مقربان كَثْرَة مَجِيء الْمَاضِي بعْدهَا نَحْو {كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ} {كلما أَضَاء لَهُم مَشوا فِيهِ} {وَكلما مر عَلَيْهِ مَلأ من قومه سخروا مِنْهُ} {وَإِنِّي كلما دعوتهم لتغفر لَهُم جعلُوا} وَأَن مَا المصدرية التوقيتية شَرط من حَيْثُ الْمَعْنى فَمن هُنَا احْتِيجَ إِلَى جملتين إِحْدَاهمَا مرتبَة على الْأُخْرَى وَلَا يجوز أَن تكون شَرْطِيَّة مثلهَا فِي مَا تفعل أفعل لأمرين أَن تِلْكَ عَامَّة فَلَا تدخل عَلَيْهَا أَدَاة الْعُمُوم وَأَنَّهَا لَا ترد بِمَعْنى الزَّمَان على الْأَصَح وَإِذا قلت كلما استدعيتك فَإِن زرتني فَعَبْدي حر فَكل مَنْصُوبَة أَيْضا على الظَّرْفِيَّة وَلَكِن ناصبها مَحْذُوف مَدْلُول عَلَيْهِ بَحر الْمَذْكُور فِي الْجَواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وَلَيْسَ الْعَامِل الْمَذْكُور لوُقُوعه بعد الْفَاء وَإِن وَلما أشكل ذَلِك على ابْن عُصْفُور قَالَ وقلده الأبدي إِن كلا فِي ذَلِك مَرْفُوعَة بِالِابْتِدَاءِ وَإِن جملتي الشَّرْط وَالْجَوَاب خَبَرهَا وَإِن الْفَاء دخلت فِي الْخَبَر كَمَا دخلت فِي نَحْو كل رجل يأتيني فَلهُ دِرْهَم وَقدرا فِي الْكَلَام حذف ضميرين أَي كلما استدعيتك فِيهِ فَإِن زرتني فَعَبْدي حر بعده لترتبط الصّفة بموصوفها وَالْخَبَر بمبتدئه قَالَ أَبُو حَيَّان وقولهما مَدْفُوع بِأَنَّهُ لم يسمع كل فِي ذَلِك إِلَّا مَنْصُوبَة ثمَّ تَلا الْآيَات الْمَذْكُورَة وَأنْشد قَوْله 365 - (وَقَوْلِي كلما جشأت وجاشت ... مَكَانك تحمدي أَو تستريحي) وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا الْبَحْث فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يمْنَع من الْعَمَل كلا وكلتا مفردان لفظا مثنيان معنى مضافان أبدا لفظا وَمعنى إِلَى كلمة وَاحِدَة معرفَة دَالَّة على اثْنَيْنِ إِمَّا بِالْحَقِيقَةِ والتنصيص نَحْو {كلتا الجنتين} وَنَحْو {أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا} وَإِمَّا بِالْحَقِيقَةِ والاشتراك نَحْو كِلَانَا فَإِن نَا مُشْتَركَة بَين الِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَة أَو بالمجاز كَقَوْلِه 366 - (إِن للخير وللشر مدى ... وكلا ذَلِك وَجه وَقبل) الحديث: 365 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 فَإِن ذَلِك حَقِيقَة فِي الْوَاحِد وأشير بهَا إِلَى الْمثنى على معنى وكلا مَا ذكر على حَدهَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَا فارض وَلَا بكر عوان بَين ذَلِك} وَقَوْلنَا كلمة وَاحِدَة احْتِرَاز من قَوْله 367 - (كلا أخي وخليلي واجدي عضدا ... ) فَإِنَّهُ ضَرُورَة نادرة وَأَجَازَ ابْن الْأَنْبَارِي إضافتها إِلَى الْمُفْرد بِشَرْط تكريرها نَحْو كلاي وكلاك محسنان وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ إضافتها إِلَى النكرَة المختصة نَحْو كلا رجلَيْنِ عنْدك محسنان فَإِن رجلَيْنِ قد تخصصا بوصفهما بالظرف وحكوا كلتا جاريتين عنْدك مَقْطُوعَة يَدهَا أَي تاركة للغزل وَيجوز مُرَاعَاة لفظ كلا وكلتا فِي الْإِفْرَاد نَحْو {كلتا الجنتين آتت أكلهَا} ومراعاة مَعْنَاهُمَا وَهُوَ قَلِيل وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله 368 - (كِلَاهُمَا حِين جد السّير بَينهمَا ... قد اقلعا وكلا أنفيهما راب) وَمثل أَبُو حَيَّان لذَلِك يَقُول الْأسود بن يعفر 369 - (إِن الْمنية والحتوف كِلَاهُمَا ... يُوفي الْمنية يرقبان سوَادِي) وَلَيْسَ بمتعين لجَوَاز كَون يرقبان خَبرا عَن الْمنية والحتوف وَيكون مَا بَينهمَا إِمَّا خَبرا أول أَو اعتراضا ثمَّ الصَّوَاب فِي إنشاده كِلَاهُمَا يُوفي المخارم إِذْ لَا يُقَال إِن الْمنية توفّي نَفسهَا وَقد سُئِلت قَدِيما عَن قَول الْقَائِل زيد وَعَمْرو كِلَاهُمَا قَائِم أَو كِلَاهُمَا الحديث: 367 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 قائمان أَيهمَا الصَّوَاب فَكتبت إِن قدر كِلَاهُمَا توكيدا قبل قائمان لِأَنَّهُ خبر عَن زيد وَعَمْرو وَإِن قدر مُبْتَدأ فالوجهان وَالْمُخْتَار الْإِفْرَاد وعَلى هَذَا فَإِذا قيل إِن زيدا وعمرا فَإِن قيل كليهمَا قيل قائمان أَو كِلَاهُمَا فالوجهان وَيتَعَيَّن مُرَاعَاة اللَّفْظ فِي نَحْو كِلَاهُمَا محب لصَاحبه لِأَن مَعْنَاهُ كل مِنْهُمَا وَقَوله 370 - (كِلَانَا غَنِي عَن أَخِيه حَيَاته ... وَنحن إِذا متْنا أَشد تَغَانِيًا) كَيفَ وَيُقَال فِيهَا كي كَمَا يُقَال فِي سَوف سو قَالَ 37 - (كي تجنحون إِلَى سلم وَمَا ثئرت ... قَتْلَاكُمْ ولظى الهيجاء تضطرم) وَهُوَ اسْم لدُخُول الْجَار عَلَيْهِ بِلَا تَأْوِيل فِي قَوْلهم على كَيفَ تبيع الأحمرين ولإبدال الِاسْم الصَّرِيح مِنْهُ نَحْو كَيفَ أَنْت أصحيح أم سقيم وللاخبار بِهِ مَعَ مُبَاشَرَته الْفِعْل فِي نَحْو كَيفَ كنت فبالإخبار بِهِ انْتَفَت الحرفية وبمباشرة الْفِعْل انْتَفَت الفعلية وتستعمل على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تكون شرطا فتقتضي فعلين متفقي اللَّفْظ وَالْمعْنَى غير مجزومين نَحْو كَيفَ تصنع أصنع وَلَا يجوز كَيفَ تجْلِس أذهب بِاتِّفَاق وَلَا كَيفَ تجْلِس أَجْلِس بِالْجَزْمِ عِنْد الْبَصرِيين إِلَّا قطربا لمخالفتها لأدوات الشَّرْط بِوُجُوب مُوَافقَة جوابها لشرطها كَمَا مر وَقيل يجوز مُطلقًا وَإِلَيْهِ ذهب قطرب الحديث: 370 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 والكوفيون وَقيل يجوز بِشَرْط اقترانها بِمَا قَالُوا وَمن وُرُودهَا شرطا {ينْفق كَيفَ يَشَاء} (يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء) {فيبسطه فِي السَّمَاء كَيفَ يَشَاء} وجوابها فِي ذَلِك كُله مَحْذُوف لدلَالَة مَا قبلهَا وَهَذَا يشكل على إِطْلَاقهم أَن جوابها يجب مماثلته لشرطها وَالثَّانِي وَهُوَ الْغَالِب فِيهَا أَن تكون استفهاما إِمَّا حَقِيقِيًّا نَحْو كَيفَ زيد أَو غَيره نَحْو {كَيفَ تكفرون بِاللَّه} الْآيَة فَإِنَّهُ أخرج مخرج التَّعَجُّب وَتَقَع خَبرا قبل مَا لَا يَسْتَغْنِي نَحْو كَيفَ أَنْت وَكَيف كنت وَمِنْه وَكَيف ظَنَنْت زيدا وَكَيف أعلمته فرسك لِأَن ثَانِي مفعولي ظن وثالث مفعولات أعلم خبران فِي الأَصْل وَحَالا قبل مَا يَسْتَغْنِي نَحْو كَيفَ جَاءَ زيد أَي على أَي حَالَة جَاءَ زيد وَعِنْدِي أَنَّهَا تَأتي فِي هَذَا النَّوْع مَفْعُولا مُطلقًا أَيْضا وَأَن مِنْهُ {كَيفَ فعل رَبك} إِذْ الْمَعْنى أَي فعل فعل رَبك وَلَا يتَّجه فِيهِ أَن يكون حَالا من الْفَاعِل وَمثله {فَكيف إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد} أَي فَكيف إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد يصنعون ثمَّ حذف عاملها مُؤَخرا عَنْهَا وَعَن إِذا كَذَا قيل وَالْأَظْهَر أَن يقدر بَين كَيفَ وَإِذا وتقدر إِذا خَالِيَة عَن معنى الشَّرْط وَأما (كَيفَ وَإِن يظهروا عَلَيْكُم) فَالْمَعْنى كَيفَ يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 لَهُم عهد وحالهم كَذَا وَكَذَا فَكيف حَال من عهد إِمَّا على أَن يكون تَامَّة أَو نَاقِصَة وَقُلْنَا بدلالتها على الْحَدث وَجُمْلَة الشَّرْط حَال من ضمير الْجمع وَعَن سِيبَوَيْهٍ أَن كَيفَ ظرف وَعَن السرافي والأخفش أَنَّهَا اسْم غير ظرف ورتبوا على هَذَا الْخلاف أمورا أَحدهَا أَن موضعهَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ نصب دَائِما وَعِنْدَهُمَا رفع مَعَ الْمُبْتَدَأ نصب مَعَ غَيره الثَّانِي أَن تقديرها عِنْد سِيبَوَيْهٍ فِي أَي حَال أَو على أَي حَال وَعِنْدَهُمَا تقديرها فِي نَحْو كَيفَ زيد أصحيح زيد وَنَحْوه وَفِي نَحْو كَيفَ جَاءَ زيد أراكبا جَاءَ زيد وَنَحْوه الثَّالِث أَن الْجَواب المطابق عِنْد سِيبَوَيْهٍ أَن يُقَال على خير وَنَحْوه وَلِهَذَا قَالَ رُؤْيَة وَقد قيل لَهُ كَيفَ أَصبَحت خير عافاك الله أَي على خير فَحذف الْجَار وَأبقى عمله فَإِن أُجِيب على الْمَعْنى دون اللَّفْظ قيل صَحِيح أَو سقيم وَعِنْدَهُمَا على الْعَكْس وَقَالَ ابْن مَالك مَا مَعْنَاهُ لم يقل أحد إِن كَيفَ ظرف إِذْ لَيست زَمَانا وَلَا مَكَانا وَلكنهَا لما كَانَت تفسر بِقَوْلِك على أَي حَال لكَونهَا سؤالا عَن الْأَحْوَال الْعَامَّة سميت ظرفا لِأَنَّهَا فِي تَأْوِيل الْجَار وَالْمَجْرُور وَاسم الظّرْف يُطلق عَلَيْهِمَا مجَازًا اهـ وَهُوَ حسن وَيُؤَيِّدهُ الْإِجْمَاع على أَنه يُقَال فِي الْبَدَل كَيفَ أَنْت أصحيح أم سقيم بِالرَّفْع وَلَا يُبدل الْمَرْفُوع من الْمَنْصُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 تَنْبِيه قَوْله تَعَالَى {أَفلا ينظرُونَ إِلَى الْإِبِل كَيفَ خلقت} لَا تكون كَيفَ بَدَلا من الْإِبِل لِأَن دُخُول الْجَار على كَيفَ شَاذ على أَنه لم يسمع فِي إِلَى بل فِي على وَلِأَن إِلَى مُتَعَلقَة بِمَا قبلهَا فَيلْزم أَن يعْمل فِي الِاسْتِفْهَام فعل مُتَقَدم عَلَيْهِ وَلِأَن الْجُمْلَة الَّتِي بعْدهَا تصير حِينَئِذٍ غير مرتبطة وَإِنَّمَا هِيَ مَنْصُوبَة بِمَا بعْدهَا على الْحَال وَفعل النّظر مُعَلّق وَهِي وَمَا بعْدهَا بدل من الْإِبِل بدل اشْتِمَال وَالْمعْنَى إِلَى الْإِبِل كَيْفيَّة خلقهَا وَمثله {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} وَمثلهمَا فِي إِبْدَال جملَة فِيهَا كَيفَ من اسْم مُفْرد قَوْله 37 - (إِلَى الله أَشْكُو بِالْمَدِينَةِ حَاجَة ... وبالشام أُخْرَى كَيفَ يَلْتَقِيَانِ) أَي أَشْكُو هَاتين الحاجتين تعذر التقائهما مَسْأَلَة زعم قوم أَن كَيفَ تَأتي عاطفة وَمِمَّنْ زعم ذَلِك عِيسَى بن موهب ذكره فِي كتاب الْعِلَل وَأنْشد عَلَيْهِ 373 - (إِذا قل مَال الْمَرْء لانت قناته ... وَهَان على الْأَدْنَى فَكيف الأباعد) وَهَذَا خطأ لاقترانها بِالْفَاءِ وَإِنَّمَا هِيَ هُنَا اسْم مَرْفُوع الْمحل على الخبرية ثمَّ يحْتَمل أَن الأباعد مجرور بِإِضَافَة مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي فَكيف حَال الأباعد فَحذف الْمُبْتَدَأ على حد قِرَاءَة ابْن جماز {وَالله يُرِيد الْآخِرَة} أَو بِتَقْدِير الحديث: 373 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 فَكيف الهوان على الأباعد فَحذف الْمُبْتَدَأ وَالْجَار أَو بالْعَطْف بِالْفَاءِ ثمَّ أقحمت كَيفَ بَين العاطف والمعطوف لإِفَادَة الْأَوْلَوِيَّة بالحكم حرف اللَّام اللَّام المفردة ثَلَاثَة أَقسَام عاملة للجر وعاملة للجزم وَغير عاملة وَلَيْسَ فِي الْقِسْمَة أَن تكون عاملة للنصب خلافًا للكوفيين وَسَيَأْتِي فالعاملة للجر مَكْسُورَة مَعَ كل ظَاهر نَحْو لزيد ولعمرو إِلَّا مَعَ المستغاث الْمُبَاشر ليا فمفتوحة نَحْو يالله وَأما قِرَاءَة بَعضهم {الْحَمد لله} بضَمهَا فَهُوَ عَارض للإتباع ومفتوحة مَعَ كل مُضْمر نَحْو لنا وَلكم وَلَهُم إِلَّا مَعَ يَاء الْمُتَكَلّم فمكسورة وَإِذا قيل يَا لَك ويالي احْتمل كل مِنْهُمَا أَن يكون مستغاثا بِهِ وَأَن يكون مستغاثا من أَجله وَقد أجازهما ابْن جني فِي قَوْله 374 - (فيا شوق مَا أبقى ويالي من النَّوَى ... ) وَأوجب ابْن عُصْفُور فِي يالي أَن يكون مستغاثا من أَجله لِأَنَّهُ لَو كَانَ مستغاثا بِهِ لَكَانَ التَّقْدِير يَا أَدْعُو لي وَذَلِكَ غير جَائِز فِي غير بَاب ظَنَنْت وفقدت وعدمت وَهَذَا لَازم لَهُ لَا لِابْنِ جني لما سأذكره بعد وَمن الْعَرَب من يفتح اللَّام الدَّاخِلَة على الْفِعْل وَيقْرَأ {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم} الحديث: 374 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وللام الجارة اثْنَان وَعِشْرُونَ معنى أَحدهَا الِاسْتِحْقَاق وَهِي الْوَاقِعَة بَين معنى وَذَات نَحْو {الْحَمد لله} و {الْعِزَّة لله} وَالْملك لله وَالْأَمر لله وَنَحْو {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} و {لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي} وَمِنْه للْكَافِرِينَ النَّار أَي عَذَابهَا وَالثَّانِي الِاخْتِصَاص نَحْو الْجنَّة للْمُؤْمِنين وَهَذَا الْحَصِير لِلْمَسْجِدِ والمنبر للخطيب والسرج للدابة والقميص للْعَبد وَنَحْو {إِن لَهُ أَبَا} {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة} وقولك هَذَا الشّعْر لحبيب وقولك أدوم لَك مَا تدوم لي وَالثَّالِث الْملك نَحْو {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} وَبَعْضهمْ يَسْتَغْنِي بِذكر الِاخْتِصَاص عَن ذكر الْمَعْنيين الآخرين ويمثل لَهُ بالأمثلة الْمَذْكُورَة وَنَحْوهَا ويرجحه أَن فِيهِ تقليلا للاشتراك وَأَنه إِذا قيل هَذَا المَال لزيد وَالْمَسْجِد لزم القَوْل بِأَنَّهَا للاختصاص مَعَ كَون زيد قَابلا للْملك لِئَلَّا يلْزم اسْتِعْمَال الْمُشْتَرك فِي معنييه دفْعَة وَأَكْثَرهم يمنعهُ الرَّابِع التَّمْلِيك نَحْو وهبت لزيد دِينَارا الْخَامِس شبه التَّمْلِيك نَحْو {جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} السَّادِس التَّعْلِيل كَقَوْلِه 375 - (وَيَوْم عقرت للعذارى مطيتي ... ) الحديث: 375 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وَقَوله تَعَالَى {لِإِيلَافِ قُرَيْش} وتعلقها ب (فليعبدوا) وَقيل بِمَا قبله أَي (فجعلهم كعصف مَأْكُول لِإِيلَافِ قُرَيْش) وَرجح بِأَنَّهُمَا فِي مصحف أبي سُورَة وَاحِدَة وَضعف بِأَن جعلهم كعصف إِنَّمَا كَانَ لكفرهم وجرأتهم على الْبَيْت وَقيل مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف تَقْدِيره اعجبوا وَكَقَوْلِه تَعَالَى {وَإنَّهُ لحب الْخَيْر لشديد} إِي وَإنَّهُ من أجل حب المَال لبخيل وَقِرَاءَة حَمْزَة (وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة) الْآيَة أَي لأجل إتياني إيَّاكُمْ بعض الْكتاب وَالْحكمَة ثمَّ لمجيء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصدقا لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ فَمَا مَصْدَرِيَّة فيهمَا وَاللَّام تعليلية وتعلقت بِالْجَوَابِ الْمُؤخر على الاتساع فِي الظّرْف كَمَا قَالَ الْأَعْشَى 376 - ( ... عوض لَا نتفرق) وَيجوز كَون مَا مَوْصُولا اسميا فَإِن قلت فَأَيْنَ الْعَائِد فِي {ثمَّ جَاءَكُم رَسُول} قلت إِن {إِنِّي مَعكُمْ} هُوَ نفس {لما آتيتكم} فَكَأَنَّهُ قيل مُصدق لَهُ وَقد يضعف هَذَا لقلته نَحْو قَوْله الحديث: 376 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 377 - ( ... وَأَنت الَّذِي فِي رَحْمَة الله أطمع) وَقد يرجح بِأَن الثواني يتَسَامَح فِيهَا كثيرا واما قِرَاءَة البَاقِينَ بِالْفَتْح فَاللَّام لَام التوطئة وَمَا شَرْطِيَّة أَو اللَّام للابتداء وَمَا مَوْصُولَة أَي الَّذِي آتيتكموه وَهِي مفعولة على الأول ومبتدأ على الثَّانِي وَمن ذَلِك قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا} بِكَسْر اللَّام وَمِنْهَا اللَّام الثَّانِيَة فِي نَحْو يَا لزيد لعَمْرو وتعلقها بِمَحْذُوف وَهُوَ فعل من جملَة مُسْتَقلَّة أَي أَدْعُوك لعَمْرو أَو اسْم هُوَ حَال من المنادى أَي مدعوا لعَمْرو قَولَانِ وَلم يطلع ابْن عُصْفُور على الثَّانِي فَنقل الْإِجْمَاع على الأول وَمِنْهَا اللَّام الدَّاخِلَة لفظا على الْمُضَارع فِي نَحْو {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس} وانتصاب الْفِعْل بعْدهَا بِأَن مضمرة بِعَينهَا وفَاقا لِلْجُمْهُورِ لَا بِأَن مضمرة أَو بكي المصدرية مضمرة خلافًا للسيرافي وَابْن كيسَان وَلَا بِاللَّامِ بطرِيق الْأَصَالَة خلافًا لأكْثر الْكُوفِيّين وَلَا بهَا لنيابتها عَن أَن خلافًا لثعلب وَلَك إِظْهَار أَن فَتَقول جئْتُك لِأَن تكرمني بل قد يجب وَذَلِكَ إِذا اقْترن الْفِعْل بِلَا نَحْو {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة} لِئَلَّا يحصل الثّقل بالتقاء المثلين الحديث: 377 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 فرع أجَاز أَبُو الْحسن أَن يتلَقَّى الْقسم بلام كي وَجعل مِنْهُ {يحلفُونَ بِاللَّه لكم ليرضوكم} فَقَالَ الْمَعْنى ليرضنكم قَالَ أَبُو عَليّ وَهَذَا عِنْدِي أولى من أَن يكون مُتَعَلقا بيحلفون والمقسم عَلَيْهِ مَحْذُوف وَأنْشد أَبُو الْحسن 378 - (إِذا قلت قدني قَالَ بِاللَّه حلفة ... لتغني عني ذَا إنائك أجمعا) وَالْجَمَاعَة يأبون هَذَا لِأَن الْقسم إِنَّمَا يُجَاب بِالْجُمْلَةِ ويروون لتغنن بِفَتْح اللَّام وَنون التوكيد وَذَلِكَ على لُغَة فَزَارَة فِي حذف آخر الْفِعْل لأجل النُّون إِن كَانَ يَاء تلِي كسرة كَقَوْلِه 379 - (وابكن عَيْشًا تقضي بعد جدته ... ) وقدروا الْجَواب محذوفا وَاللَّام مُتَعَلقَة بِهِ أَي لَيَكُونن كَذَا ليرضوكم ولتشربن لتغني عني السَّابِع توكيد النَّفْي وَهِي الدَّاخِلَة فِي اللَّفْظ على الْفِعْل مسبوقة بِمَا كَانَ أَو بلم يكن ناقصتين مسندتين لما أسْند إِلَيْهِ الْفِعْل المقرون بِاللَّامِ نَحْو (وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب) (لم يكن الله ليغفر لَهُم) ويسميها أَكْثَرهم لَام الْجُحُود لملازمتها للجحد أَي النَّفْي قَالَ النّحاس وَالصَّوَاب تَسْمِيَتهَا لَام النَّفْي الحديث: 378 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 لِأَن الْجحْد فِي اللُّغَة إِنْكَار مَا تعرفه لَا مُطلق الْإِنْكَار اهـ وَوجه التوكيد فِيهَا عِنْد الْكُوفِيّين أَن أصل مَا كَانَ ليفعل مَا كَانَ يفعل ثمَّ أدخلت اللَّام زِيَادَة لتقوية النَّفْي كَمَا أدخلت الْبَاء فِي مَا زيد بقائم لذَلِك فعندهم أَنَّهَا حرف زَائِد مُؤَكد غير جَار وَلكنه ناصب وَلَو كَانَ جارا لم يتَعَلَّق عِنْدهم بِشَيْء لزيادته فَكيف بِهِ وَهُوَ غير جَار وَوَجهه عِنْد الْبَصرِيين أَن الأَصْل مَا كَانَ قَاصِدا للْفِعْل وَنفي الْقَصْد أبلغ من نَفْيه وَلِهَذَا كَانَ قَوْله 380 - (يَا عاذلاتي لَا تردن ملامتي ... إِن العواذل لسن لي بأمير) أبلغ من لَا تلمنني لِأَنَّهُ نهي عَن السَّبَب وعَلى هَذَا فَهِيَ عِنْدهم حرف جر معد مُتَعَلق بِخَبَر كَانَ الْمَحْذُوف وَالنّصب بِأَن مضمرة وجوبا وَزعم كثير من النَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} فِي قِرَاءَة غير الْكسَائي بِكَسْر اللَّام الأولى وَفتح الثَّانِيَة أَنَّهَا لَام الْجُحُود وَفِيه نظر لِأَن النَّافِي على هَذَا غير مَا وَلم ولاختلاف فاعلي كَانَ وتزول وَالَّذِي يظْهر لي أَنَّهَا لَام كي وَأَن إِن شَرْطِيَّة أَي وَعند الله جَزَاء مَكْرهمْ وَهُوَ مكر أعظم مِنْهُ وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لِشِدَّتِهِ معدا لأجل زَوَال الْأُمُور الْعِظَام المشبهة فِي عظمها بالجبال كَمَا تَقول أَنا أَشْجَع من فلَان وَإِن كَانَ معدا للنوازل وَقد تحذف كَانَ قبل لَام الْجُحُود كَقَوْلِه 38 - (فَمَا جمع ليغلب جمع قومِي ... مقاومة وَلَا فَرد لفرد) الحديث: 380 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 أَي فَمَا كَانَ جمع وَقَول أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر مَا أَنا لأدعهما وَالثَّامِن مُوَافقَة إِلَى نَحْو قَوْله تَعَالَى {بِأَن رَبك أوحى لَهَا} {كل يجْرِي لأجل مُسَمّى} {وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ} وَالتَّاسِع مُوَافقَة على فِي الاستعلاء الْحَقِيقِيّ نَحْو {ويخرون للأذقان} {دَعَانَا لجنبه} {وتله للجبين} 38 - ( ... فَخر صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ) والمجازي نَحْو {وَإِن أسأتم فلهَا} وَنَحْو قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا اشترطي لَهُم الْوَلَاء وَقَالَ النّحاس الْمَعْنى من أَجلهم قَالَ وَلَا نَعْرِف فِي الْعَرَبيَّة لَهُم بِمَعْنى عَلَيْهِم والعاشر مُوَافقَة فِي نَحْو {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 {لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} وَقَوْلهمْ مضى لسبيله قيل وَمِنْه {يَا لَيْتَني قدمت لحياتي} أَي فِي حَياتِي وَقيل للتَّعْلِيل أَي لأجل حَياتِي فِي الْآخِرَة وَالْحَادِي عشر أَن تكون بِمَعْنى عِنْد كَقَوْلِهِم كتبته لخمس خلون وَجعل مِنْهُ ابْن جني قِرَاءَة الجحدري {بل كذبُوا بِالْحَقِّ لما جَاءَهُم} بِكَسْر اللَّام وَتَخْفِيف الْمِيم وَالثَّانِي عشر مُوَافقَة بعد نَحْو {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} وَفِي الحَدِيث صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته وَقَالَ 383 - (فَلَمَّا تفرقنا كَأَنِّي ومالكا ... لطول اجْتِمَاع لم نبت لَيْلَة مَعًا) وَالثَّالِث عشر مُوَافقَة مَعَ قَالَه بَعضهم وَأنْشد عَلَيْهِ هَذَا الْبَيْت وَالرَّابِع عشر مُوَافقَة من نَحْو سَمِعت لَهُ صراخا وَقَول جرير 384 - (لنا الْفضل فِي الدُّنْيَا وأنفك راغم ... وَنحن لكم يَوْم الْقِيَامَة أفضل) وَالْخَامِس عشر التَّبْلِيغ وَهِي الجارة لاسم السَّامع لقَوْل أَو مَا فِي مَعْنَاهُ نَحْو قلت لَهُ وأذنت لَهُ وفسرت لَهُ الحديث: 383 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وَالسَّادِس عشر مُوَافقَة عَن نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا لَو كَانَ خيرا مَا سبقُونَا إِلَيْهِ} قَالَه ابْن الْحَاجِب وَقَالَ ابْن مَالك وَغَيره وَهِي لَام التَّعْلِيل وَقيل لَام التَّبْلِيغ والتفت عَن الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة أَو يكون اسْم الْمَقُول لَهُم محذوفا أَي قَالُوا لطائفة من الْمُؤمنِينَ لما سمعُوا بِإِسْلَام طَائِفَة أُخْرَى وَحَيْثُ دخلت اللَّام على غير الْمَقُول لَهُ فالتأويل على بعض مَا ذَكرْنَاهُ نَحْو {قَالَت أخراهم لأولاهم رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا} {وَلَا أَقُول للَّذين تزدري أعينكُم لن يُؤْتِيهم الله خيرا} وَقَوله 385 - (كضرائر الْحَسْنَاء قُلْنَ لوجهها ... حسدا وبغضا إِنَّه لدميم) السَّابِع عشر الصيرورة وَتسَمى لَام الْعَاقِبَة وَلَام الْمَآل نَحْو {فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا} وَقَوله 386 - (فللموت تغذو الوالدات سخالها ... كَمَا لخراب الدّور تبنى المساكن) وَقَوله 387 - (فَإِن يكن الْمَوْت أفناهم ... فللموت مَا تَلد الوالده) ويحتمله {رَبنَا إِنَّك آتيت فِرْعَوْن وملأه زِينَة وأموالا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا رَبنَا ليضلوا عَن سَبِيلك} الحديث: 385 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ) وَيحْتَمل أَنَّهَا لَام الدُّعَاء فَيكون الْفِعْل مَجْزُومًا لَا مَنْصُوبًا وَمثله فِي الدُّعَاء {وَلَا تزد الظَّالِمين إِلَّا ضلالا} وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي آخر الْآيَة {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم وَاشْدُدْ على قُلُوبهم فَلَا يُؤمنُوا} وَأنكر البصريون وَمن تَابعهمْ لَام الْعَاقِبَة قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا لَام الْعلَّة وَأَن التَّعْلِيل فِيهَا وَارِد على طَرِيق الْمجَاز دون الْحَقِيقَة وَبَيَانه أَنه لم يكن داعيهم إِلَى الِالْتِقَاط أَن يكون لَهُم عدوا وحزنا بل الْمحبَّة والتبني غير أَن ذَلِك لما كَانَ نتيجة التقاطهم لَهُ وثمرته شبه بالداعي الَّذِي يفعل الْفِعْل لأَجله فَاللَّام مستعارة لما يشبه التَّعْلِيل كَمَا استعير الْأسد لمن يشبه الْأسد الثَّامِن عشر الْقسم والتعجب مَعًا وتختص باسم الله تَعَالَى كَقَوْلِه 388 - (لله يبْقى على الْأَيَّام ذُو حيد ... ) الحديث: 388 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 التَّاسِع عشر التَّعَجُّب الْمُجَرّد عَن الْقسم وتستعمل فِي النداء كَقَوْلِهِم يَا للْمَاء وَيَا للعشب إِذا تعجبوا من كثرتهما وَقَوله 389 - (فيا لَك من ليل كَأَن نجومه ... بِكُل مغار الفتل شدت بيذبل) وَقَوْلهمْ يَا لَك رجلا عَالما وَفِي غَيره كَقَوْلِهِم لله دره فَارِسًا وَللَّه أَنْت وَقَوله 390 - (شباب وشيب وافتقار وثروة ... فَللَّه هَذَا الدَّهْر كَيفَ ترددا) المتمم عشْرين التَّعْدِيَة ذكره ابْن مَالك فِي الكافية وَمثل لَهُ فِي شرحها بقوله تَعَالَى {فَهَب لي من لَدُنْك وليا} وَفِي الْخُلَاصَة وَمثل لَهُ ابْنه بِالْآيَةِ وبقولك قلت لَهُ افْعَل كَذَا وَلم يذكرهُ فِي التسهيل وَلَا فِي شَرحه بل فِي شَرحه أَن اللَّام فِي الْآيَة لشبه التَّمْلِيك وَأَنَّهَا فِي الْمِثَال للتبليغ وَالْأولَى عِنْدِي أَن يمثل للتعدية بِنَحْوِ مَا أضْرب زيدا لعَمْرو وَمَا أحبه لبكر الْحَادِي وَالْعشْرُونَ التوكيد وَهِي اللَّام الزَّائِدَة وَهِي أَنْوَاع مِنْهَا اللَّام المعترضة بَين الْفِعْل الْمُتَعَدِّي ومفعولة كَقَوْلِه 39 - (وَمن يَك ذَا عظم صَلِيب رجابه ... ليكسر عود الدَّهْر فالدهر كاسره) الحديث: 389 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَقَوله 39 - (وملكت مَا بَين الْعرَاق ويثرب ... وملكا أَجَارَ لمُسلم ومعاهد) وَلَيْسَ مِنْهُ {ردف لكم} خلافًا للمبرد وَمن وَافقه بل ضمن ردف معنى اقْترب فَهُوَ مثل {اقْترب للنَّاس حسابهم} وَاخْتلف فِي اللَّام من نَحْو {يُرِيد الله ليبين لكم} {وأمرنا لنسلم لرب الْعَالمين} وَقَول الشَّاعِر 393 - (أُرِيد لأنسى ذكرهَا فَكَأَنَّمَا ... تمثل لي ليلى بِكُل سَبِيل) فَقيل زَائِدَة وَقيل للتَّعْلِيل ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ فَقيل الْمَفْعُول مَحْذُوف أَي يُرِيد الله التَّبْيِين ليبين لكم وَيهْدِيكُمْ أَي ليجمع لكم بَين الْأَمريْنِ وأمرنا بِمَا أمرنَا بِهِ لنسلم وَأُرِيد السلو لأنسى وَقَالَ الْخَلِيل وسيبويه وَمن تابعهما الْفِعْل فِي ذَلِك كُله مُقَدّر بمصدر مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَاللَّام وَمَا بعْدهَا خبر أَي إِرَادَة الله للتبيين وأمرنا لِلْإِسْلَامِ وعَلى هَذَا فَلَا مفعول للْفِعْل وَمِنْهَا اللَّام الْمُسَمَّاة بالمقحمة وَهِي المعترضة بَين المتضايفين وَذَلِكَ فِي قَوْلهم يَا بؤس للحرب وَالْأَصْل يَا بؤس الْحَرْب فأقحمت تَقْوِيَة للاختصاص الحديث: 393 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 قَالَ 394 - (يَا بؤس للحرب الَّتِي ... وضعت أراهط فاستراحوا) وَهل انجرار مَا بعْدهَا بهَا أَو بالمضاف قَولَانِ أرجحهما الأول لِأَن اللَّام أقرب وَلِأَن الْجَار لَا يعلق وَمن ذَلِك قَوْلهم لَا أَبَا لزيد وَلَا أخاله وَلَا غلامي لَهُ على قَول سِيبَوَيْهٍ إِن اسْم لَا مُضَاف لما بعد اللَّام وَأما على قَول من جعل اللَّام وَمَا بعْدهَا صفة وَجعل الِاسْم شَبِيها بالمضاف لِأَن الصّفة من تَمام الْمَوْصُوف وعَلى قَول من جَعلهمَا خَبرا وَجعل أَبَا وأخا على لُغَة من قَالَ 395 - (إِن أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا ... ) وَقَوْلهمْ مكره أَخَاك لَا بَطل وَجعل حذف النُّون على وَجه الشذوذ كَقَوْلِه بيضك ثنتا وبيضي مئتا فَاللَّام للاختصاص وَهِي مُتَعَلقَة باستقرار مَحْذُوف وَمِنْهَا اللَّام الْمُسَمَّاة لَام التقوية وَهِي المزيدة لتقوية عَامل ضعف إِمَّا بتأخره نَحْو {هدى وَرَحْمَة للَّذين هم لرَبهم يرهبون} وَنَحْو {إِن كُنْتُم للرؤيا تعبرون} الحديث: 394 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 ) أَو بِكَوْنِهِ فرعا فِي الْعَمَل نَحْو {مُصدقا لما مَعَهم} {فعال لما يُرِيد} {نزاعة للشوى} وَنَحْو ضربي لزيد حسن وَأَنا ضَارب لعَمْرو قيل وَمِنْه {إِن هَذَا عَدو لَك ولزوجك} وَقَوله 396 - (إِذا مَا صنعت الزَّاد فالتمسي لَهُ ... أكيلا فَإِنِّي لست آكله وحدي) وَفِيه نظر لِأَن عدوا وأكيلا وَإِن كَانَا بِمَعْنى معاد ومؤاكل لَا ينصبان الْمَفْعُول لِأَنَّهُمَا موضوعان للثبوت وليسا مجاريين للْفِعْل فِي التحرك والسكون وَلَا محولان عَمَّا هُوَ مجار لَهُ لِأَن التَّحْوِيل إِنَّمَا هُوَ ثَابت فِي الصِّيَغ الَّتِي يُرَاد بهَا الْمُبَالغَة وَإِنَّمَا اللَّام فِي الْبَيْت للتَّعْلِيل وَهِي مُتَعَلقَة ب (التمسي) وَفِي الْآيَة مُتَعَلقَة بمستقر مَحْذُوف صفة لعدو وَهِي للاختصاص وَقد اجْتمع التَّأَخُّر والفرعية فِي {وَكُنَّا لحكمهم شَاهِدين} وَأما قَوْله تَعَالَى {نذيرا للبشر} فَإِن كَانَ النذير بِمَعْنى الْمُنْذر فَهُوَ مثل {فعال لما يُرِيد} وَإِن كَانَ بِمَعْنى الْإِنْذَار فَاللَّام مثلهَا فِي سقيا لزيد وَسَيَأْتِي قَالَ ابْن مَالك وَلَا تزاد لَام التقوية مَعَ عَامل يتعدي لاثْنَيْنِ لِأَنَّهَا إِن زيدت فِي مفعولية فَلَا يتَعَدَّى فعل إِلَى اثْنَيْنِ بِحرف وَاحِد وَإِن زيدت فِي أَحدهمَا الحديث: 396 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 لزم تَرْجِيح من غير مُرَجّح وَهَذَا الْأَخير مَمْنُوع لِأَنَّهُ إِذا تقدم أَحدهمَا دون الآخر وزيدت اللَّام فِي الْمُقدم لم يلْزم ذَلِك وَقد قَالَ الْفَارِسِي فِي قِرَاءَة من قَرَأَ {وَلكُل وجهة هُوَ موليها} بِإِضَافَة كل إِنَّه من هَذَا وَإِن الْمَعْنى الله مول كل ذِي وجهة وجهته وَالضَّمِير على هَذَا للتولية وَإِنَّمَا لم يَجْعَل كلا وَالضَّمِير مفعولين ويستغن عَن حذف ذِي ووجهته لِئَلَّا يتَعَدَّى الْعَامِل إِلَى الضَّمِير وَظَاهره مَعًا وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْهَاء من قَوْله 397 - (هَذَا سراقَة لِلْقُرْآنِ يدرسه ... يقطع اللَّيْل تسبيحا وقرآنا) إِن الْهَاء مفعول مُطلق لَا ضمير الْقُرْآن وَقد دخلت اللَّام على أحد المفعولين مَعَ تأخرهما فِي قَول ليلى 398 - (أحجاج لَا تُعْطِي العصاة مُنَاهُمْ ... وَلَا الله يُعْطي للعصاة مناها) وَهُوَ شَاذ لقُوَّة الْعَامِل وَمِنْهَا لَام المستغاث عِنْد الْمبرد وَاخْتَارَهُ ابْن خروف بِدَلِيل صِحَة إِسْقَاطهَا وَقَالَ جمَاعَة غير زَائِدَة ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ ابْن جني مُتَعَلقَة بِحرف النداء لما فِيهِ من معنى الْفِعْل ورد بِأَن معنى الْحَرْف لَا يعْمل فِي الْمَجْرُور وَفِيه نظر لِأَنَّهُ قد عمل فِي الْحَال فِي نَحْو قَوْله 399 - (كَأَن قُلُوب الطير رطبا ويابسا ... لَدَى وَكرها الْعنَّاب والحشف الْبَالِي) الحديث: 397 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مُتَعَلقَة بِفعل النداء الْمَحْذُوف وَاخْتَارَهُ ابْن الضائع وَابْن عُصْفُور ونسباه لسيبويه وَاعْترض بِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ فَأجَاب ابْن أبي الرّبيع بِأَنَّهُ ضمن معنى الالتجاء فِي نَحْو يَا لزيد والتعجب فِي نَحْو يَا للدواهي وَأجَاب ابْن عُصْفُور وَجَمَاعَة بِأَنَّهُ ضعف بِالْتِزَام الْحَذف فقوي تعديه بِاللَّامِ وَاقْتصر على إِيرَاد هَذَا الْجَواب أَبُو حَيَّان وَفِيه نظر لِأَن اللَّام المقوية زَائِدَة كَمَا تقدم وَهَؤُلَاء لَا يَقُولُونَ بِالزِّيَادَةِ فَإِن قلت وَأَيْضًا فَإِن اللَّام لَا تدخل فِي نَحْو زيدا ضَربته مَعَ أَن الناصب مُلْتَزم الْحَذف قلت لما ذكر فِي اللَّفْظ مَا هُوَ عوض مِنْهُ كَانَ بِمَنْزِلَة مَا لم يحذف فَإِن قلت وَكَذَلِكَ حرف النداء عوض من فعل النداء قلت إِنَّمَا هُوَ كالعوض وَلَو كَانَ عوضا البته لم يجز حذفه ثمَّ إِنَّه لَيْسَ بِلَفْظ الْمَحْذُوف فَلم ينزل مَنْزِلَته من كل وَجه وَزعم الْكُوفِيُّونَ أَن اللَّام فِي المستغاث بَقِيَّة اسْم وَهُوَ آل وَالْأَصْل يَا آل زيد ثمَّ حذفت همزَة آل للتَّخْفِيف وَإِحْدَى الْأَلفَيْنِ لالتقاء الساكنين وَاسْتَدَلُّوا بقوله 400 - (فَخير نَحن عِنْد النَّاس مِنْكُم ... إِذا الدَّاعِي المثوب قَالَ يالا) الحديث: 400 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 فَإِن الْجَار لَا يقْتَصر عَلَيْهِ وَأجِيب بِأَن الأَصْل يَا قوم لَا فرار أَو لَا نفر فَحذف مَا بعد لَا النافية أَو الأَصْل يَا لفُلَان ثمَّ حذف مَا بعد الْحَرْف كَمَا يُقَال ألاتا فَيُقَال ألافا يُرِيدُونَ أَلا تَفْعَلُونَ وَألا فافعلوا تَنْبِيه إِذا قيل يَا لزيد بِفَتْح اللَّام فَهُوَ مستغاث فَإِن كسرت فَهُوَ مستغاث لأَجله والمستغاث مَحْذُوف فَإِن قيل يَا لَك احْتمل الْوَجْهَيْنِ فَإِن قيل يَا لي فَكَذَلِك عِنْد ابْن جني أجازهما فِي قَوْله 40 - (فيا شوق مَا أبقى وَيَا لي من النَّوَى ... وَيَا دمع مَا أجْرى وَيَا قلب مَا أصبى) وَقَالَ إِبْنِ عُصْفُور الصَّوَاب أَنه مستغاث لأَجله لِأَن لَام المستغاث مُتَعَلقَة بأدعو فَيلْزم تعدِي فعل الْمُضمر الْمُتَّصِل إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل وَهَذَا لَا يلْزم ابْن جني لِأَنَّهُ يرى تعلق اللَّام بيا كَمَا تقدم وَيَا لَا تتحمل ضميرا كَمَا لَا تتحمله هَا إِذا عملت فِي الْحَال فِي نَحْو {وَهَذَا بعلي شَيخا} نعم هُوَ لَازم لِابْنِ عُصْفُور لقَوْله فِي يَا لزيد لعَمْرو إِن لَام لعَمْرو مُتَعَلقَة بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره أَدْعُوك لعَمْرو وبنبغي لَهُ هُنَا أَن يرجع إِلَى قَول ابْن الباذش إِن تعلقهَا مَحْذُوف تَقْدِيره مدعوا لعَمْرو وَإِنَّمَا ادّعَيَا وجوب التَّقْدِير لِأَن الْعَامِل الْوَاحِد لَا يصل بِحرف وَاحِد مرَّتَيْنِ وَأجَاب ابْن الضائع بِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ معنى نَحْو وهبت لَك دِينَارا لترضى تَنْبِيه زادوا اللَّام فِي بعض المفاعيل المستغنية عَنْهَا كَمَا تقدم وعكسوا ذَلِك فحذفوها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 من بعض المفاعيل المفتقرة إِلَيْهَا كَقَوْلِه تَعَالَى {تَبْغُونَهَا عوجا} {وَالْقَمَر قدرناه منَازِل} {وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون} وَقَالُوا وَهبتك دِينَارا وصدتك ظَبْيًا وجنيتك ثَمَرَة قَالَ 40 - (وَقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ) وَقَالَ 403 - (فَتَوَلّى غلامهم ثمَّ نَادَى ... أظليما أصيدكم أم حمارا) وَقَالَ 404 - (إِذا قَالَت حذام فأنصتوها ... ) فِي رِوَايَة جمَاعَة وَالْمَشْهُور فصدقوها الثَّانِي وَالْعشْرُونَ التَّبْيِين وَلم يوفوها حَقّهَا من الشَّرْح وَأَقُول هِيَ ثَلَاثَة أَقسَام إحدها مَا تبين الْمَفْعُول من الْفَاعِل وَهَذِه تتَعَلَّق بمذكور وضابطها أَن تقع بعد فعل تعجب أَو اسْم تَفْضِيل مفهمين حبا أَو بغضا تَقول مَا أَحبَّنِي وَمَا أبغضني فَإِن قلت لفُلَان فَأَنت فَاعل الْحبّ والبغض وَهُوَ مفعولهما وَإِن قلت إِلَى فلَان فَالْأَمْر بِالْعَكْسِ وَهَذَا شرح مَا قَالَه ابْن مَالك وَيلْزمهُ ان يذكر هَذَا الْمَعْنى فِي مَعَاني إِلَى أَيْضا لما بَينا وَقد مضى فِي مَوْضِعه الحديث: 403 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الثَّانِي وَالثَّالِث مَا يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية وَمَا يبين مفعولية غير ملتبسة بفاعلية ومصحوب كل مِنْهُمَا إِمَّا غير مَعْلُوم مِمَّا قبلهَا أَو مَعْلُوم لَكِن استؤنف بَيَانه تَقْوِيَة للْبَيَان وتوكيدا لَهُ وَاللَّام فِي ذَلِك كُله مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف مِثَال المبينة للمفعولية سقيا لزيد وجدعا لَهُ فَهَذِهِ اللَّام لَيست مُتَعَلقَة بالمصدرين وَلَا بفعليهما المقدرين لِأَنَّهُمَا متعديان وَلَا هِيَ مقوية لِلْعَامِلِ لضَعْفه بالفرعية إِن قدر أَنه الْمصدر أَو بِالْتِزَام الْحَذف إِن قدر أَنه الْفِعْل لِأَن لَام التقوية صَالِحَة للسقوط وَهَذِه لَا تسْقط لَا يُقَال سقيا زيدا وَلَا جدعا إِيَّاه خلافًا لِابْنِ الْحَاجِب ذكره فِي شرح الْمفصل وَلَا هِيَ ومخفوضها صفة للمصدر فتتعلق بالاستقرار لِأَن الْفِعْل لَا يُوصف فَكَذَا مَا أقيم مقَامه وَإِنَّمَا هِيَ لَام مبينَة للمدعو لَهُ أَو عَلَيْهِ إِن لم يكن مَعْلُوما من سِيَاق أَو غَيره أَو مُؤَكدَة للْبَيَان إِن كَانَ مَعْلُوما وَلَيْسَ تَقْدِير الْمَحْذُوف أَعنِي كَمَا زعم ابْن عُصْفُور لِأَنَّهُ يتَعَدَّى بِنَفسِهِ بل التَّقْدِير إرادتي لزيد وَيَنْبَنِي على أَن هَذِه اللَّام لَيست مُتَعَلقَة بِالْمَصْدَرِ انه لَا يجوز فِي زيد سقيا لَهُ أَن ينصب زيد بعامل مَحْذُوف على شريطة التَّفْسِير وَلَو قُلْنَا إِن الْمصدر الْحَال مَحل فعل دون حرف مصدري يجوز تَقْدِيم معموله عَلَيْهِ فَتَقول زيدا ضربا لِأَن الضَّمِير فِي الْمِثَال لَيْسَ مَعْمُولا لَهُ وَلَا هُوَ من جملَته وَأما تَجْوِيز بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا فتعسا لَهُم} كَون الَّذين فِي مَوضِع نصب على الِاشْتِغَال فَوَهم وَقَالَ ابْن مَالك فِي شرح بَاب النَّعْت من كتاب التسهيل اللَّام فِي سقيا لَك مُتَعَلقَة بِالْمَصْدَرِ وَهِي للتبيين وَفِي هَذَا تهافت لأَنهم إِذا أطْلقُوا القَوْل بِأَن اللَّام للتبيين فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بهَا أَنَّهَا مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف استؤنف للتبيين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وَمِثَال المبينة للفاعلية تَبًّا لزيد وويحا لَهُ فَإِنَّهُمَا فِي معنى خسر وَهلك فَإِن رفعتهما بِالِابْتِدَاءِ فَاللَّام ومجرورها خبر ومحلهما الرّفْع وَلَا تَبْيِين لعدم تَمام الْكَلَام فَإِن قلت تَبًّا لَهُ وويح فَنصبت الأول وَرفعت الثَّانِي لم يجز لتخالف الدَّلِيل والمدلول عَلَيْهِ إِذْ اللَّام فِي الأول للتبيين وَاللَّام المحذوفة لغيره وَاخْتلف فِي قَوْله تَعَالَى {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون} فَقيل اللَّام زَائِدَة وَمَا فَاعل وَقيل الْفَاعِل ضمير مستتر رَاجع إِلَى الْبَعْث أَو الْإِخْرَاج فَاللَّام للتبيين وَقيل هَيْهَات مُبْتَدأ بِمَعْنى الْبعد وَالْجَار وَالْمَجْرُور خبر وَأما قَوْله تَعَالَى {وَقَالَت هيت لَك} فِيمَن قَرَأَ بهاء مَفْتُوحَة وياء سَاكِنة وتاء مَفْتُوحَة أَو مَكْسُورَة أَو مَضْمُومَة فهيت اسْم فعل ثمَّ قيل مُسَمَّاهُ فعل مَاض أَي تهيأت فَاللَّام مُتَعَلقَة بِهِ كَمَا تتَعَلَّق بمسماه لَو صرح بِهِ وَقيل مُسَمَّاهُ فعل أَمر بِمَعْنى أقبل أَو تعال فَاللَّام للتبيين أَي إرادتي لَك أَو أَقُول لَك وَأما من قَرَأَ / هئت / مثل جِئْت فَهُوَ فعل بمعى تهيأت وَاللَّام مُتَعَلقَة بِهِ وَأما من قَرَأَ كَذَلِك وَلَكِن جعل التَّاء ضمير الْمُخَاطب فَاللَّام للتبيين مثلهَا مَعَ اسْم الْفِعْل وَمعنى تهيئة تيَسّر انفرادها بِهِ لَا أَنه قَصدهَا بِدَلِيل {وراودته} فَلَا وَجه لإنكار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 الْفَارِسِي هَذِه الْقِرَاءَة مَعَ ثُبُوتهَا واتجاهها وَيحْتَمل أَنَّهَا أصل قِرَاءَة هِشَام {هيت} بِكَسْر الْهَاء وبالياء وبفتح التَّاء وَتَكون على إِبْدَال الْهمزَة تَنْبِيه الظَّاهِر أَن لَهَا من قَول المتنبي 405 - (لَوْلَا مُفَارقَة الأحباب مَا وجدت ... لَهَا المنايا إِلَى أَرْوَاحنَا سبلا) جَار ومجرور مُتَعَلق بوجدت لَكِن فِيهِ تعدى فعل الظَّاهِر إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل كَقَوْلِك ضربه زيد وَذَلِكَ مُمْتَنع فَيَنْبَغِي أَن يقدر صفة فِي الأَصْل لسبلا فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ صَار حَالا مِنْهُ كَمَا أَن قَوْله إِلَى أَرْوَاحنَا كَذَلِك إِذْ الْمَعْنى سبلا مسلوكة إِلَى أَرْوَاحنَا وَلَك فِي لَهَا وَجه غَرِيب وَهُوَ أَن تقدره جمعا للهاة كحصاة وحصى وَيكون لَهَا فَاعِلا بوجدت والمنايا مُضَافا إِلَيْهِ وَيكون إِثْبَات اللهوات للمنايا اسْتِعَارَة شبهت بِشَيْء يبتلع النَّاس وَيكون أَقَامَ اللها مقَام الأفواه لمجاورة اللهوات للفم وَأما اللَّام العاملة للجزم فَهِيَ اللَّام الْمَوْضُوعَة للطلب وحركتها الْكسر وسليم تفتحها وإسكانها بعد الْفَاء وَالْوَاو أَكثر من تحريكها نَحْو {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بِي} وَقد تسكن بعد ثمَّ نَحْو {ثمَّ ليقضوا} فِي قِرَاءَة الْكُوفِيّين وقالون الحديث: 405 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 والبزي وَفِي ذَلِك رد على من قَالَ إِنَّه خَاص بالشعر وَلَا فرق فِي اقْتِضَاء اللَّام الطلبية للجزم بَين كَون الطّلب أمرا نَحْو {لينفق ذُو سَعَة} أَو دُعَاء نَحْو {ليَقْضِ علينا رَبك} أَو التماسا كَقَوْلِك لمن يساويك ليفعل فلَان كَذَا إِذا لم ترد الاستعلاء عَلَيْهِ وَكَذَا لَو أخرجت عَن الطّلب إِلَى غَيره كَالَّتِي يُرَاد بهَا وبمصحوبها الْخَبَر نَحْو {من كَانَ فِي الضَّلَالَة فليمدد لَهُ الرَّحْمَن مدا} {اتبعُوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} أَي فيمد ونحمل أَو التهديد نَحْو {وَمن شَاءَ فليكفر} وَهَذَا هُوَ معنى الْأَمر فِي {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} وَأما {ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم وليتمتعوا} فَيحْتَمل اللامان مِنْهُ التَّعْلِيل فَيكون مَا بعدهمَا مَنْصُوبًا والتهديد فَيكون مَجْزُومًا وَيتَعَيَّن الثَّانِي فِي اللَّام الثَّانِيَة فِي قِرَاءَة من سكنها فيترجح بذلك أَن تكون اللَّام الأولى كَذَلِك وَيُؤَيِّدهُ أَن بعدهمَا {فَسَوف يعلمُونَ} وَأما {وليحكم أهل الْإِنْجِيل} فِيمَن قَرَأَ بِسُكُون اللَّام فَهِيَ لَام الطّلب لِأَنَّهُ يقْرَأ بِسُكُون الْمِيم وَمن كسر اللَّام وَهُوَ حَمْزَة فَهِيَ لَام التَّعْلِيل لِأَنَّهُ يفتح الْمِيم وَهَذَا التَّعْلِيل إِمَّا مَعْطُوف على تَعْلِيل آخر متصيد من الْمَعْنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 لِأَن قَوْله تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هدى وَنور} مَعْنَاهُ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل للهدى والنور وَمثله {إِنَّا زينا السَّمَاء الدُّنْيَا بزينة الْكَوَاكِب وحفظا} لِأَن الْمَعْنى إِنَّا خلقنَا الْكَوَاكِب فِي السَّمَاء زِينَة وحفظا وَإِمَّا مُتَعَلق بِفعل مُقَدّر مُؤخر أَي ليحكم أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله أنزلهُ وَمثله {وَخلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ ولتجزى كل نفس} أَي وللجزاء خلقهما وَقَوله سُبْحَانَهُ {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وليكون من الموقنين} أَي وأريناه ذَلِك وَقَوله تَعَالَى {هُوَ عَليّ هَين ولنجعله آيَة للنَّاس} أَي وخلقناه من غير أَب وَإِذا كَانَ مَرْفُوع فعل الطّلب فَاعِلا مُخَاطبا استغني عَن اللَّام بِصِيغَة افْعَل غَالِبا نَحْو قُم واقعد وَتجب اللَّام إِن انْتَفَت الفاعلية نَحْو لتعن بحاجتي أَو الْخطاب نَحْو ليقمْ زيد أَو كِلَاهُمَا نَحْو ليعن زيد بحاجتي وَدخُول اللَّام على فعل الْمُتَكَلّم قَلِيل سَوَاء أَكَانَ الْمُتَكَلّم مُفردا نَحْو قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قومُوا فلأصل لكم أَو مَعَه غَيره كَقَوْلِه تَعَالَى {وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا اتبعُوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} وَأَقل مِنْهُ دُخُولهَا فِي فعل الْفَاعِل الْمُخَاطب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 كَقِرَاءَة جمَاعَة / فبذلك فلتفرحوا / وَفِي الحَدِيث لِتَأْخُذُوا مَصَافكُمْ وَقد تحذف اللَّام فِي الشّعْر وَيبقى عَملهَا كَقَوْلِه 406 - (فَلَا تستطل مني بقائي ومدتي ... وَلَكِن يكن للخير مِنْك نصيب) وَقَوله 407 - (مُحَمَّد تفد نَفسك كل نفس ... إِذا مَا خفت من شَيْء تبالا) أَي ليكن ولتفد والتبال الوبال أبدلت الْوَاو الْمَفْتُوحَة تَاء مثل تقوى وَمنع الْمبرد حذف اللَّام وإبقاء عَملهَا حَتَّى فِي الشّعْر وَقَالَ فِي الْبَيْت الثَّانِي إِنَّه لَا يعرف قَائِله مَعَ احْتِمَاله لِأَن يكون دُعَاء بِلَفْظ الْخَبَر نَحْو يغْفر الله لَك ويرحمك الله وحذفت الْيَاء تَخْفِيفًا واجتزىء عَنْهَا بالكسرة كَقَوْلِه 408 - ( ... دوامي الأيد يخبطن السريحا) قَالَ وَأما قَوْله 409 - (على مثل أَصْحَاب الْبَعُوضَة فاخمشي ... لَك الويل حر الْوَجْه أَو يبك من بَكَى) فَهُوَ على قبحه جَائِر لِأَنَّهُ عطف على الْمَعْنى إِذْ اخمشي ولتخمشي بِمَعْنى وَاحِد الحديث: 406 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وَهَذَا الَّذِي مَنعه الْمبرد فِي الشّعْر أجازة الْكسَائي فِي الْكَلَام لَكِن بِشَرْط تقدم قل وَجعل مِنْهُ {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا الصَّلَاة} أَي ليقيموها وَوَافَقَهُ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَزَاد عَلَيْهِ أَن ذَلِك يَقع فِي النثر قَلِيلا بعد القَوْل الخبري كَقَوْلِه 40 - (قلت لبواب لَدَيْهِ دارها ... تَأذن فَإِنِّي حمؤها وجارها) أَي لتأذن فَحذف اللَّام وَكسر حرف المضارعة قَالَ وَلَيْسَ الْحَذف بضرورة لتمكنه من أَن يَقُول إيذن اهـ قيل وَهَذَا تخلص من ضَرُورَة لضَرُورَة وَهِي إِثْبَات همزَة الْوَصْل فِي الْوَصْل وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُمَا بيتان لَا بَيت مصرع فالهمزة فِي أول الْبَيْت لَا فِي حشوه بِخِلَافِهَا فِي نَحْو قَوْله 41 - (لَا نسب الْيَوْم وَلَا خلة ... إتسع الْخرق على الراقع) وَالْجُمْهُور على أَن الْجَزْم فِي الْآيَة مثله فِي قَوْلك ائْتِنِي أكرمك وَقد اخْتلف فِي ذَلِك على ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا للخليل وسيبويه أَنه بِنَفس الطّلب لما تضمنه من معنى إِن الشّرطِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 كَمَا أَن أَسمَاء الشَّرْط إِنَّمَا جزمت لذَلِك وَالثَّانِي للسيرافي والفارسي أَنه بِالطَّلَبِ لنيابته مناب الْجَازِم الَّذِي هُوَ الشَّرْط الْمُقدر كَمَا أَن النصب بضربا فِي قَوْلك ضربا زيدا لنيابته عَن اضْرِب لَا لتَضَمّنه مَعْنَاهُ وَالثَّالِث لِلْجُمْهُورِ أَنه بِشَرْط مُقَدّر بعد الطّلب وَهَذَا أرجح من الأول لِأَن الْحَذف والتضمين وَإِن اشْتَركَا فِي أَنَّهُمَا خلاف الأَصْل لَكِن فِي التَّضْمِين تَغْيِير معنى الأَصْل وَلَا كَذَلِك الْحَذف وَأَيْضًا فَإِن تضمين الْفِعْل معنى الْحَرْف إِمَّا غير وَاقع أَو غير كثير وَمن الثَّانِي لِأَن نَائِب الشَّيْء يُؤدى مَعْنَاهُ والطلب لَا يُؤدى معنى الشَّرْط وأبطل ابْن مَالك بِالْآيَةِ أَن يكون الْجَزْم فِي جَوَاب شَرط مُقَدّر لِأَن تَقْدِيره يسْتَلْزم أَلا يتَخَلَّف أحد من الْمَقُول لَهُ ذَلِك عَن الِامْتِثَال وَلَكِن التَّخَلُّف وَاقع وَأجَاب ابْنه بِأَن الحكم مُسْند إِلَيْهِم على سَبِيل الْإِجْمَال لَا إِلَى كل فَرد فَيحْتَمل أَن الأَصْل يقم أَكْثَرهم ثمَّ حذف الْمُضَاف وأنيب عَنهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ فارتفع واتصل بِالْفِعْلِ وباحتمال أَنه لَيْسَ المُرَاد بالعباد الموصوفين بِالْإِيمَان مُطلقًا بل المخلصين مِنْهُم وكل مُؤمن مخلص قَالَ لَهُ الرَّسُول أقِم الصَّلَاة أَقَامَهَا وَقَالَ الْمبرد التَّقْدِير قل لَهُم أقِيمُوا يقيموا والجزم فِي جَوَاب أقِيمُوا الْمُقدر لَا فِي جَوَاب قل وَيَردهُ أَن الْجَواب لَا بُد أَن يُخَالف المجاب إِمَّا فِي الْفِعْل وَالْفَاعِل نَحْو ائْتِنِي أكرمك أَو فِي الْفِعْل نَحْو أسلم تدخل الْجنَّة أَو فِي الْفَاعِل نَحْو قُم أقِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَلَا يجوز أَن يتوافقا فيهمَا وَأَيْضًا فَإِن الْأَمر الْمُقدر للمواجهة ويقيموا للغيبة وَقيل يقيموا مَبْنِيّ لحلوله مَحل أقِيمُوا وَهُوَ مَبْنِيّ وَلَيْسَ بِشَيْء وَزعم الْكُوفِيُّونَ وَأَبُو الْحسن أَن لَام الطّلب حذفت حذفا مستمرا فِي نَحْو قُم واقعد وَأَن الأَصْل لتقم ولتقعد فحذفت اللَّام للتَّخْفِيف وتبعها حرف المضارعة وبقولهم أَقُول لِأَن الْأَمر معنى حَقه أَن يُؤدى بالحرف وَلِأَنَّهُ أَخُو النَّهْي وَلم يدل عَلَيْهِ إِلَّا بالحرف وَلِأَن الْفِعْل إِنَّمَا وضع لتقييد الْحَدث بِالزَّمَانِ المحصل وَكَونه أمرا أَو خَبرا خَارج عَن مَقْصُوده وَلِأَنَّهُم قد نطقوا بذلك الأَصْل كَقَوْلِه 41 - (لتقم أَنْت يَابْنَ خير قُرَيْش ... ) وكقراءة جمَاعَة / فبذلك فلتفرحوا / وَفِي الحَدِيث لِتَأْخُذُوا مَصَافكُمْ ولأنك تَقول أغز واخش وارم واضربا واضربوا واضربي كَمَا تَقول فِي الْجَزْم وَلِأَن الْبناء لم يعْهَد كَونه بالحذف وَلِأَن الْمُحَقِّقين على أَن أَفعَال الْإِنْشَاء مُجَرّدَة عَن الزَّمَان كبعت وَأَقْسَمت وَقبلت وَأَجَابُوا عَن كَونهَا مَعَ ذَلِك أفعالا بِأَن تجردها عَارض لَهَا عِنْد نقلهَا عَن الْخَبَر وَلَا يُمكنهُم ادِّعَاء ذَلِك فِي نَحْو قُم لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَالَة غير هَذِه وَحِينَئِذٍ فتشكل فعليته فَإِذا ادعِي أَن أَصله لتقم كَانَ الدَّال على الْإِنْشَاء اللَّام لَا الْفِعْل وَأما اللَّام غير العاملة فسبع 1 - إِحْدَاهَا لَام الِابْتِدَاء وفائدتها أَمْرَانِ توكيد مَضْمُون الْجُمْلَة وَلِهَذَا زحلقوها فِي بَاب إِن عَن صدر الْجُمْلَة كَرَاهِيَة ابْتِدَاء الْكَلَام بمؤكدين وتخليص الْمُضَارع للْحَال كَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَاعْترض ابْن مَالك الثَّانِي بقوله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 {وَإِن رَبك ليحكم بَينهم يَوْم الْقِيَامَة} {إِنِّي ليحزنني أَن تذْهبُوا بِهِ} فَإِن الذّهاب كَانَ مُسْتَقْبلا فَلَو كَانَ الْحزن حَالا لزم تقدم الْفِعْل فِي الْوُجُود على فَاعله مَعَ أَنه أَثَره وَالْجَوَاب أَن الحكم وَاقع فِي ذَلِك الْيَوْم لَا محَالة فَنزل منزل الْحَاضِر الْمشَاهد وَأَن التَّقْدِير قصد أَن تذْهبُوا وَالْقَصْد حَال وَتَقْدِير أبي حَيَّان قصدكم أَن تذْهبُوا مَرْدُود بِأَنَّهُ يَقْتَضِي حذف الْفَاعِل لِأَن {أَن تذْهبُوا} على تَقْدِيره مَنْصُوب وَتدْخل بِاتِّفَاق فِي موضِعين أَحدهمَا الْمُبْتَدَأ نَحْو {لَأَنْتُم أَشد رهبة} وَالثَّانِي بعد إِن وَتدْخل فِي هَذَا الْبَاب على ثَلَاثَة بِاتِّفَاق الِاسْم نَحْو {إِن رَبِّي لسميع الدُّعَاء} والمضارع لشبهه بِهِ نَحْو {وَإِن رَبك ليحكم بَينهم} والظرف نَحْو {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} وعَلى ثَلَاثَة باخْتلَاف أَحدهَا الْمَاضِي الجامد نَحْو إِن زيدا لعسى أَن يقوم أَو لنعم الرجل قَالَه أَبُو الْحسن وَوَجهه أَن الجامد يشبه الِاسْم وَخَالفهُ الْجُمْهُور وَالثَّانِي الْمَاضِي المقرون بقد قَالَه الْجُمْهُور وَوَجهه أَن قد تقرب الْمَاضِي من الْحَال فَيُشبه الْمُضَارع الْمُشبه للاسم وَخَالف فِي ذَلِك خطاب وَمُحَمّد بن مَسْعُود الغزني وَقَالا إِذا قيل إِن زيدا لقد قَامَ فَهُوَ جَوَاب لقسم مُقَدّر وَالثَّالِث الْمَاضِي الْمُتَصَرف الْمُجَرّد من قد أجَازه الْكسَائي وَهِشَام على إِضْمَار قد وَمنعه الْجُمْهُور وَقَالُوا إِنَّمَا هَذِه لَام الْقسم فَمَتَى تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 فعل الْقلب فتحت همزَة ان ك علمت أَن زيدا لقام وَالصَّوَاب عِنْدهمَا الْكسر وَاخْتلف فِي دُخُولهَا فِي غير بَاب إِن على شَيْئَيْنِ أَحدهمَا خبر الْمُبْتَدَأ الْمُتَقَدّم نَحْو لقائم زيد فَمُقْتَضى كَلَام جمَاعَة من النَّحْوِيين الْجَوَاز وَفِي أمالي ابْن الْحَاجِب لَام الِابْتِدَاء يجب مَعهَا الْمُبْتَدَأ الثَّانِي الْفِعْل نَحْو ليقوم زيد فَأجَاز ذَلِك ابْن مَالك والمالقي وَغَيرهمَا زَاد المالقي الْمَاضِي الجامد نَحْو {لبئس مَا كَانُوا يعْملُونَ} وَبَعْضهمْ الْمُتَصَرف المقرون بقد نَحْو {وَلَقَد كَانُوا عَاهَدُوا الله من قبل} {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات} وَالْمَشْهُور أَن هَذِه لَام الْقسم وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي {وَلَقَد علمْتُم} هِيَ لَام الِابْتِدَاء مفيدة لِمَعْنى التوكيد وَيجوز أَن يكون قبلهَا قسم مُقَدّر وَألا يكون اهـ وَنَصّ جمَاعَة على منع ذَلِك كُله قَالَ ابْن الخباز فِي شرح الْإِيضَاح لَا تدخل لَام الِابْتِدَاء على الْجمل الفعلية إِلَّا فِي بَاب إِن اهـ وَهُوَ مُقْتَضى مَا قدمْنَاهُ عَن ابْن الْحَاجِب وَهُوَ أَيْضا قَول الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ فِي تَفْسِير {ولسوف يعطيك رَبك} لَام الِابْتِدَاء لَا تدخل إِلَّا على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَقَالَ فِي {} هِيَ لَام الِابْتِدَاء دخلت على مُبْتَدأ مَحْذُوف وَلم يقدرها لَام الْقسم لِأَنَّهَا عِنْده مُلَازمَة للنون وَكَذَا زعم فِي {ولسوف يعطيك رَبك} أَن الْمُبْتَدَأ مُقَدّر أَي ولأنت سَوف يعطيك رَبك وَقَالَ ابْن الْحَاجِب اللَّام فِي ذَلِك لَام التوكيد وَأما قَول بَعضهم إِنَّهَا لَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 الِابْتِدَاء وَإِن الْمُبْتَدَأ مُقَدّر بعْدهَا ففاسد من جِهَات إِحْدَاهَا أَن اللَّام مَعَ الِابْتِدَاء كقد مَعَ الْفِعْل وَإِن مَعَ الِاسْم فَكَمَا لَا يحذف الْفِعْل وَالِاسْم ويبقيان بعد حذفهما كَذَلِك اللَّام بعد حذف الِاسْم وَالثَّانيَِة أَنه إِذا قدر الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو لسوف يقوم زيد يصير التَّقْدِير لزيد سَوف يقوم زيد وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الضعْف وَالثَّالِثَة أَنه يلْزم إِضْمَار لَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْكَلَام اهـ وَفِي الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ نظر لِأَن تكْرَار الظَّاهِر إِنَّمَا يقبح إِذا صرح بهما وَلِأَن النَّحْوِيين قدرُوا مُبْتَدأ بعد الْوَاو فِي نَحْو قُمْت وأصك عينه وَبعد الْفَاء فِي نَحْو {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} وَبعد اللَّام فِي نَحْو {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} وكل ذَلِك تَقْدِير لأجل الصِّنَاعَة دون الْمَعْنى فَكَذَلِك هُنَا وَأما الأول فقد قَالَ جمَاعَة فِي {إِن هَذَانِ لساحران} إِن التَّقْدِير لَهما ساحران فَحذف الْمُبْتَدَأ وَبقيت اللَّام وَلِأَنَّهُ يجوز على الصَّحِيح نَحْو لقائم زيد وَإِنَّمَا يضعف قَول الزَّمَخْشَرِيّ أَن فِيهِ تكلفين لغير ضَرُورَة وهما تَقْدِير مَحْذُوف وخلع اللَّام عَن معنى الْحَال لِئَلَّا يجْتَمع دَلِيلا الْحَال والاستقبال وَقد صرح بذلك فِي تَفْسِير {لسوف أخرج حَيا} وَنَظره بخلع اللَّام عَن التَّعْرِيف وإخلاصها للتعويض فِي يالله وَقَوله إِن لَام الْقسم مَعَ الْمُضَارع لَا تفارق النُّون مَمْنُوع بل تَارَة تجب اللَّام وتمتنع النُّون وَذَلِكَ مَعَ التَّنْفِيس كالآية وَمَعَ تَقْدِيم الْمَعْمُول بَين اللَّام وَالْفِعْل نَحْو {وَلَئِن متم أَو قتلتم لإلى الله تحشرون} وَمَعَ كَون الْفِعْل للْحَال نَحْو {لَا أقسم} وَإِنَّمَا قدر البصريون هُنَا مُبْتَدأ لأَنهم لَا يجيزون لمن قصد الْحَال أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 يقسم إِلَّا على الْجُمْلَة الاسمية وَتارَة يمتنعان وَذَلِكَ مَعَ الْفِعْل الْمَنْفِيّ نَحْو {تالله تفتأ} وَتارَة يجبان وَذَلِكَ فِيمَا بَقِي نَحْو {وتالله لأكيدن أصنامكم} مَسْأَلَة للام الِابْتِدَاء الصدرية وَلِهَذَا علقت الْعَامِل فِي علمت لزيد منطلق ومنعت من النصب على الِاشْتِغَال فِي نَحْو زيد لأَنا أكْرمه وَمن أَن يتَقَدَّم عَلَيْهَا الْخَبَر فِي نَحْو لزيد قَائِم والمبتدأ فِي نَحْو لقائم زيد فَأَما قَوْله 413 - (أم الْحُلَيْس لعجوز شهربه ... ) فَقيل اللَّام زَائِدَة وَقيل للابتداء وَالتَّقْدِير لهي عَجُوز وَلَيْسَ لَهَا الصدرية فِي بَاب إِن لِأَنَّهَا فِيهِ مؤخرة من تَقْدِيم وَلِهَذَا تسمى اللَّام المزحلقة والمزحلقة أَيْضا وَذَلِكَ لِأَن أصل إِن زيدا لقائم لإن زيدا قَائِم فكرهوا افْتِتَاح الْكَلَام بتوكيدين فأخروا اللَّام دون إِن لِئَلَّا يتَقَدَّم مَعْمُول الْحَرْف عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لم نَدع أَن الأَصْل إِن لزيدا قَائِم لِئَلَّا يحول مَاله الصَّدْر بَين الْعَامِل والمعمول وَلِأَنَّهُم قد نطقوا بِاللَّامِ مُقَدّمَة على إِن فِي نَحْو قَوْله ( ... لهنك من برق عَليّ كريم) ولاعتبارهم حكم صدريتها فِيمَا قبل إِن دون مَا بعْدهَا دَلِيل الأول أَنَّهَا تمنع من تسلط فعل الْقلب على أَن ومعموليها وَلذَلِك كسرت فِي نَحْو {وَالله يعلم إِنَّك لرَسُوله} الحديث: 413 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 ) بل قد أثرت هَذَا الْمَنْع مَعَ حذفهَا فِي قَول الْهُذلِيّ 415 - (فغبرت بعدهمْ بعيش ناصب ... وإخال إِنِّي لَاحق مستتبع) الأَصْل إِنِّي للاحق فحذفت اللَّام بَعْدَمَا علقت إخال وبقى الْكسر بعد حذفهَا كَمَا كَانَ مَعَ وجودهَا فَهُوَ مِمَّا نسخ لَفظه وَبَقِي حكمه وَدَلِيل الثَّانِي أَن عمل إِن يتخطاها تَقول إِن فِي الدَّار لزيدا وَإِن زيدا لقائم وَكَذَلِكَ يتخطاها عمل الْعَامِل بعْدهَا نَحْو إِن زيدا طَعَامك لآكل وَوهم بدر الدّين ابْن مَالك فَمنع من ذَلِك والوارد مِنْهُ فِي التَّنْزِيل كثير نَحْو {إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير} تَنْبِيه إِن زيدا لقام أَو ليقومن اللَّام جَوَاب قسم مُقَدّر لَا لَام الِابْتِدَاء فَإِذا دخلت عَلَيْهَا علمت مثلا فتحت همزتها فَإِن قلت لقد قَامَ زيد فَقَالُوا هِيَ لَام الِابْتِدَاء وَحِينَئِذٍ يجب كسر الْهمزَة وَعِنْدِي أَن الْأَمريْنِ محتملان فصل وَإِن خففت إِن نَحْو {وَإِن كَانَت لكبيرة} {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} فَاللَّام عِنْد سِيبَوَيْهٍ والأكثرين لَام الِابْتِدَاء أفادت مَعَ إفادتها توكيد النِّسْبَة وتخليص الْمُضَارع للْحَال الْفرق بَين إِن المخففة من الثَّقِيلَة وَإِن النافية وَلِهَذَا صَارَت لَازِمَة بعد أَن كَانَت جَائِزَة اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يدل دَلِيل على قصد الْإِثْبَات الحديث: 415 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 كَقِرَاءَة أبي رَجَاء {وَإِن كل ذَلِك لما مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} بِكَسْر اللَّام أى للَّذي وَكَقَوْلِه 416 - (إِن كنت قَاضِي نحبي يَوْم بَيْنكُم ... لَو لم تمنوا بوعد غير توديع) وَيجب تَركهَا مَعَ نفي الْخَبَر كَقَوْلِه 417 - (إِن الْحق لَا يخفى على ذِي بَصِيرَة ... وَإِن هُوَ لم يعْدم خلاف معاند) وَزعم أَبُو عَليّ وَأَبُو الْفَتْح وَجَمَاعَة أَنَّهَا لَام غير لَام الِابْتِدَاء اجتلبت للْفرق قَالَ أَبُو الْفَتْح قَالَ لي أَبُو عَليّ ظَنَنْت أَن فلَانا نحوي محسن حَتَّى سمعته يَقُول إِن اللَّام الَّتِي تصْحَب إِن الْخَفِيفَة هِيَ لَام الِابْتِدَاء فَقلت لَهُ أَكثر نَحْويي بَغْدَاد على هَذَا اهـ وَحجَّة أبي عَليّ دُخُولهَا على الْمَاضِي الْمُتَصَرف نَحْو إِن زيد لقام وعَلى مَنْصُوب الْفِعْل الْمُؤخر عَن ناصبه فِي نَحْو {وَإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين} وَكِلَاهُمَا لَا يجوز مَعَ الْمُشَدّدَة وَزعم الْكُوفِيُّونَ أَن اللَّام فِي ذَلِك كُله بِمَعْنى إِلَّا وَأَن إِن قبلهَا نَافِيَة وَاسْتَدَلُّوا على مَجِيء اللَّام للاستثناء بقوله 418 - (أَمْسَى أبان ذليلا بعد عزته ... وَمَا أبان لمن أعلاج سودان) وعَلى قَوْلهم يُقَال قد علمنَا إِن كنت لمؤمنا بِكَسْر الْهمزَة لِأَن النافية مَكْسُورَة الحديث: 416 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 دَائِما وَكَذَا على قَول سِيبَوَيْهٍ لِأَن لَام الِابْتِدَاء تعلق الْعَامِل عَن الْعَمَل وَأما على قَول أبي عَليّ وَأبي الْفَتْح فتفتح 2 - الْقسم الثَّانِي اللَّام الزَّائِدَة وَهِي الدَّاخِلَة فِي خبر الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو قَوْله 419 - (أم الْحُلَيْس لعجوز شهربه) وَقيل الأَصْل لهي عَجُوز وَفِي خبر أَن الْمَفْتُوحَة كَقِرَاءَة سعيد بن جُبَير {إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون الطَّعَام} بِفَتْح الْهمزَة وَفِي خبر لَكِن فِي قَوْله 420 - ( ... ولكنني من حبها لعميد) وَلَيْسَ دُخُول اللَّام مقيسا بعد أَن الْمَفْتُوحَة خلافًا للمبرد وَلَا بعد لَكِن خلافًا للكوفيين وَلَا اللَّام بعدهمَا لَام الِابْتِدَاء خلافًا لَهُ وَلَهُم وَقيل اللامان للابتداء على أَن الأَصْل وَلَكِن إِنَّنِي فحذفت همزَة إِن للتَّخْفِيف وَنون لَكِن لذَلِك لثقل اجْتِمَاع الْأَمْثَال وعَلى أَن مَا فِي قَوْله 42 - ( ... وَمَا أبان لمن أعلاج سودان) اسْتِفْهَام وَتمّ الْكَلَام عِنْد أبان ثمَّ ابْتَدَأَ لمن أعلاج أَي بِتَقْدِير لَهو من أعلاج وَقيل هِيَ لَام زيدت فِي خبر مَا النافية وَهَذَا الْمَعْنى عكس الْمَعْنى على الْقَوْلَيْنِ السَّابِقين وَمِمَّا زيدت فِيهِ أَيْضا خبر زَالَ من قَوْله الحديث: 419 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 42 - (وَمَا زلت من ليلى لدن أَن عرفتها ... لكالهائم المقصى بِكُل مُرَاد) وَفِي الْمَفْعُول الثَّانِي لأرى فِي قَول بَعضهم أَرَاك لشاتمي وَنَحْو ذَلِك قيل وَفِي مفعول يَدْعُو من قَوْله تَعَالَى {يَدْعُو لمن ضره أقرب من نَفعه} وَهَذَا مَرْدُود لِأَن زِيَادَة هَذِه اللَّام فِي غَايَة الشذوذ فَلَا يَلِيق تَخْرِيج التَّنْزِيل عَلَيْهِ ومجموع مَا قيل فِي اللَّام فِي هَذِه الْآيَة قَولَانِ أأحدهما هَذَا وَهُوَ أَنَّهَا زَائِدَة وَقد بَينا فَسَاده ب وَالثَّانِي أَنَّهَا لَام الِابْتِدَاء وَهُوَ الصَّحِيح ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ فَقيل إِنَّهَا مُقَدّمَة من تَأْخِير وَالْأَصْل يَدْعُو من لضره أقرب من نَفعه فَمن مفعول وضره أقرب مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة صلَة لمن وَهَذَا بعيد لِأَن لَام الِابْتِدَاء لم يعْهَد فِيهَا التَّقَدُّم عَن موضعهَا وَقيل إِنَّهَا فِي موضعهَا وَإِن من مُبْتَدأ و {لبئس الْمولى} خَبره لِأَن التَّقْدِير لبئس الْمولى هُوَ وَهُوَ الصَّحِيح ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ فِي مَطْلُوب يَدْعُو على أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا لَا مَطْلُوب لَهَا وَأَن الْوَقْف عَلَيْهَا وَأَنَّهَا إِنَّمَا جَاءَت توكيدا ليدعو فِي قَوْله {يَدْعُو من دون الله مَا لَا يضرّهُ وَمَا لَا يَنْفَعهُ} وَفِي هَذَا القَوْل دَعْوَى خلاف الأَصْل مرَّتَيْنِ إِذْ الأَصْل عدم التوكيد وَالْأَصْل أَلا يفصل الْمُؤَكّد من توكيده وَلَا سِيمَا فِي التوكيد اللَّفْظِيّ وَالثَّانِي أَن مَطْلُوبه مقدم عَلَيْهِ وَهُوَ {ذَلِك هُوَ الضلال} على أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 ذَلِك مَوْصُول وَمَا بعده صلَة وعائد وَالتَّقْدِير يَدْعُو الَّذِي هُوَ الضلال الْبعيد وَهَذَا الْإِعْرَاب لَا يَسْتَقِيم عِنْد الْبَصرِيين لِأَن ذَا لَا تكون عِنْدهم مَوْصُولَة إِلَّا إِذا وَقعت بعد مَا أَو من الاستفهاميتين وَالثَّالِث أَن مَطْلُوبه مَحْذُوف وَالْأَصْل يَدعُوهُ وَالْجُمْلَة حَال وَالْمعْنَى ذَلِك هُوَ الضلال الْبعيد مدعوا وَالرَّابِع أَن مَطْلُوبه الْجُمْلَة بعده ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن يَدْعُو بِمَعْنى يَقُول وَالْقَوْل يَقع على الْجمل وَالثَّانِي أَن يَدْعُو ملموح فِيهِ معنى فعل من أَفعَال الْقُلُوب ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن مَعْنَاهُ يظنّ لِأَن أصل يَدْعُو مَعْنَاهُ يُسَمِّي فَكَأَنَّهُ قَالَ يُسَمِّي من ضره أقرب من نَفعه إِلَهًا وَلَا يصدر ذَلِك عَن يَقِين اعْتِقَاد فَكَأَنَّهُ قيل يظنّ وعَلى هَذَا القَوْل فالمفعول الثَّانِي مَحْذُوف كَمَا قَدرنَا وَالثَّانِي أَن مَعْنَاهُ يزْعم لِأَن الزَّعْم قَول مَعَ اعْتِقَاد وَمن أَمْثِلَة اللَّام الزَّائِدَة قَوْلك لَئِن قَامَ زيد أقِم أَو فَأَنا أقوم أَو أَنْت ظَالِم لَئِن فعلت فَكل ذَلِك خَاص بالشعر وَسَيَأْتِي تَوْجِيهه والاستشهاد عَلَيْهِ 3 - الثَّالِث لَام الْجَواب وَهِي ثَلَاثَة أَقسَام لَام جَوَاب لَو نَحْو {لَو تزيلوا لعذبنا الَّذين كفرُوا} {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} وَلَام جَوَاب لَوْلَا نَحْو {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض} وَلَام جَوَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 الْقسم نَحْو {تالله لقد آثرك الله علينا} (وتالله لأكيدن أصنامكم) وَزعم أَبُو الْفَتْح ان اللَّام بعد لَو وَلَوْلَا ولوما لَام جَوَاب قسم مُقَدّر وَفِيه تعسف نعم الأولى فِي {وَلَو أَنهم آمنُوا وَاتَّقوا لمثوبة من عِنْد الله خير} أَن تكون اللَّام لَام جَوَاب قسم مُقَدّر بِدَلِيل كَون الْجُمْلَة اسمية وَأما القَوْل بِأَنَّهَا لَام جَوَاب لَو وَأَن الاسمية استعيرت مَكَان الفعلية كَمَا فِي قَوْله 423 - (وَقد جعلت قلُوص بني سُهَيْل ... من الأكوار مرتعها قريب) فَفِيهِ تعسف وَهَذَا الْموضع مِمَّا يدل عِنْدِي على ضعف قَول أبي الْفَتْح إِذْ لَو كَانَت اللَّام بعد لَو أبدا فِي جَوَاب قسم مُقَدّر لكثر مَجِيء الْجَواب بعد لَو جملَة اسمية نَحْو لَو جَاءَنِي لأَنا أكْرمه كَمَا يكثر ذَلِك فِي بَاب الْقسم 4 - الرَّابِع اللَّام الدَّاخِلَة على أَدَاة شَرط للإيذان بِأَن الْجَواب بعْدهَا مَبْنِيّ على قسم قبلهَا لَا على الشَّرْط وَمن ثمَّ تسمى اللَّام الموذنة وَتسَمى الموطئة أَيْضا لِأَنَّهَا وطأت الْجَواب للقسم أَي مهدته لَهُ نَحْو {لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون مَعَهم وَلَئِن قوتلوا لَا ينصرونهم وَلَئِن نصروهم ليولن الأدبار} وَأكْثر مَا تدخل على إِن وَقد تدخل على غَيرهَا كَقَوْلِه 424 - (لمتى صلحت ليقضين لَك صَالح ... ولتجزين إِذا جزيت جميلا) الحديث: 423 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وعَلى هَذَا فَالْأَحْسَن فِي قَوْله تَعَالَى {لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة} أَلا تكون موطئة وَمَا شَرْطِيَّة بل للابتداء وَمَا مَوْصُولَة لِأَنَّهُ حمل على الْأَكْثَر وَأغْرب مَا دخلت عَلَيْهِ إِذْ وَذَلِكَ لشبهها بإن أنْشد أَبُو الْفَتْح 425 - (غضِبت عَليّ لِأَن شربت بجزة ... فلإذ غضِبت لأشربن بخروف) وَهُوَ نَظِير دُخُول الْفَاء فِي {فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} شبهت إِذْ بإن فَدخلت الْفَاء بعْدهَا كَمَا تدخل فِي جَوَاب الشَّرْط وَقد تحذف مَعَ كَون الْقسم مُقَدرا قبل الشَّرْط نَحْو {وَإِن أطعتموهم إِنَّكُم لمشركون} وَقَول بَعضهم لَيْسَ هُنَا قسم مُقَدّر وَإِن الْجُمْلَة الاسمية جَوَاب الشَّرْط على إِضْمَار الْفَاء كَقَوْلِه 426 - (من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها ... ) مَرْدُود لِأَن ذَلِك خَاص بالشعر وَكَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن لم ينْتَهوا عَمَّا يَقُولُونَ ليمسن} فَهَذَا لَا يكون إِلَّا جَوَابا للقسم وَلَيْسَت موطئة فِي قَوْله 427 - (لَئِن كَانَت الدُّنْيَا عَليّ كَمَا أرى ... تباريح من ليلى فللموت أروح) الحديث: 425 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وَقَوله 428 - (لَئِن كَانَ مَا حدثته الْيَوْم صَادِقا ... أَصمّ فِي نَهَار القيظ للشمس باديا) وَقَوله 429 - (ألمم بِزَيْنَب إِن الْبَين قد أفدا ... قل الثواء لَئِن كَانَ الرحيل غَدا) بل هِيَ فِي ذَلِك كُله زَائِدَة كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ أما الْأَوَّلَانِ فَلِأَن الشَّرْط قد أُجِيب بِالْجُمْلَةِ المقرونة بِالْفَاءِ فِي الْبَيْت الأول وبالفعل المجزوم فِي الْبَيْت الثَّانِي فَلَو كَانَت اللَّام للتوطئة لم يجب إِلَّا الْقسم هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَخَالف فِي ذَلِك الْفراء فَزعم أَن الشَّرْط قد يُجَاب مَعَ تقدم الْقسم عَلَيْهِ أما الثَّالِث فَلِأَن الْجَواب قد حذف مدلولا عَلَيْهِ بِمَا قبل إِن فَلَو كَانَ ثمَّ قسم مُقَدّر لزم الإجحاف بِحَذْف جوابين 5 - الْخَامِس لَام أل كَالرّجلِ والْحَارث وَقد مضى شرحها 6 - السَّادِس اللَّام اللاحقة لأسماء الْإِشَارَة للدلالة على الْبعد أَو على توكيده على خلاف فِي ذَلِك وَأَصلهَا السّكُون كَمَا فِي تِلْكَ وَإِنَّمَا كسرت فِي ذَلِك لالتقاء الساكنين 7 - السَّابِع لَام التَّعَجُّب غير الجارة نَحْو لظرف زيد ولكرم عَمْرو بِمَعْنى مَا أظرفه وَمَا أكْرمه ذكره ابْن خالويه فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالجمل وَعِنْدِي أَنَّهَا إِمَّا لَام الِابْتِدَاء دخلت على الْمَاضِي لشبهه لجموده بِالِاسْمِ وَإِمَّا لَام جَوَاب قسم مُقَدّر الحديث: 428 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 لَا على ثَلَاثَة أوجه 1 - أَحدهَا أَن تكون نَافِيَة وَهَذِه على خَمْسَة أوجه أَحدهَا أَن تكون عاملة عمل إِن وَذَلِكَ إِن أُرِيد بهَا نفي الْجِنْس على سَبِيل التَّنْصِيص وَتسَمى حِينَئِذٍ تبرئة وَإِنَّمَا يظْهر نصب اسْمهَا إِذا كَانَ خَافِضًا نَحْو لَا صَاحب جود ممقوت وَقَول أبي الطّيب 430 - (فَلَا ثوب مجد غير ثوب ابْن أَحْمد ... على أحد إِلَّا بلؤم مُرَقع) أَو رَافعا نَحْو لَا حسنا فعله مَذْمُوم أَو ناصبا نَحْو لَا طالعا جبلا حَاضر وَمِنْه لَا خيرا من زيد عندنَا وَقَول أبي الطّيب 43 - (قفا قَلِيلا بهَا عَليّ فَلَا ... أقل من نظرة أزودها) وَيجوز رفع أقل على أَن تكون عاملة عمل لَيْسَ وتحالف لَا هَذِه إِن من سَبْعَة أوجه أَحدهَا أَنَّهَا لَا تعْمل إِلَّا فِي النكرات الثَّانِي أَن اسْمهَا إِذا لم يكن عَاملا فَإِنَّهُ يبْنى قيل لتَضَمّنه معنى من الاستغراقية وَقيل لتركيبه مَعَ لَا تركيب خَمْسَة عشر وبناؤه على مَا ينصب بِهِ لَو كَانَ معربا فيبنى على الْفَتْح فِي نَحْو لَا رجل وَلَا رجال وَمِنْه {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} {قَالُوا لَا ضير} {يَا أهل يثرب لَا مقَام لكم} وعَلى الْيَاء فِي نَحْو لَا رجلَيْنِ وَلَا قَائِمين وَعَن الْمبرد أَن هَذَا الحديث: 430 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 مُعرب لبعده بالتثنية وَالْجمع عَن مشابهة الْحَرْف وَلَو صَحَّ هَذَا للَزِمَ الْإِعْرَاب فِي يَا زَيْدَانَ وَيَا زيدون وَلَا قَائِل بِهِ وعَلى الكسرة فِي نَحْو لَا مسلمات وَكَانَ الْقيَاس وُجُوبهَا وَلكنه جَاءَ بِالْفَتْح وَهُوَ الْأَرْجَح لِأَنَّهَا الْحَرَكَة الَّتِي يَسْتَحِقهَا الْمركب وَفِيه رد على السيرافي والزجاج إِذْ زعما أَن اسْم لَا غير الْعَامِل مُعرب وَأَن ترك تنوينه للتَّخْفِيف وَمثل لَا رجل عِنْد الْفراء لَا جرم نَحْو {لَا جرم أَن لَهُم النَّار} وَالْمعْنَى عِنْده لَا بُد من كَذَا أَو لَا محَالة فِي كَذَا فحذفت من أَو فِي وَقَالَ قطرب لَا رد لما قبلهَا أَي لَيْسَ الْأَمر كَمَا وصفوا ثمَّ ابتدىء مَا بعده وجرم فعل لَا اسْم وَمَعْنَاهُ وَجب وَمَا بعده فَاعل وَقَالَ قوم لَا زَائِدَة وجرم وَمَا بعْدهَا فعل وفاعل كَمَا قَالَ قطرب ورده الْفراء بِأَن لَا لَا تزاد فِي أول الْكَلَام وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِي ذَلِك وَالثَّالِث أَن ارْتِفَاع خَبَرهَا عِنْد إِفْرَاد اسْمهَا نَحْو لَا رجل قَائِم بِمَا كَانَ مَرْفُوعا بِهِ قبل دُخُولهَا لَا بهَا وَهَذَا القَوْل لسيبويه وَخَالفهُ الْأَخْفَش وَالْأَكْثَرُونَ وَلَا خلاف بَين الْبَصرِيين فِي أَن ارتفاعه بهَا إِذا كَانَ اسْمهَا عَاملا الرَّابِع أَن خَبَرهَا لَا يتَقَدَّم على اسْمهَا وَلَو كَانَ ظرفا أَو مجرورا الْخَامِس أَنه يجوز مُرَاعَاة محلهَا مَعَ اسْمهَا قبل مُضِيّ الْخَبَر وَبعده فَيجوز رفع النَّعْت والمعطوف عَلَيْهِ نَحْو لَا رجل ظريف فِيهَا وَلَا رجل وَامْرَأَة فِيهَا السَّادِس أَنه يجوز إلغاؤها إِذا تَكَرَّرت نَحْو لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وَلَك فتح الاسمين ورفعهما والمغايرة بَينهمَا بِخِلَاف نَحْو قَوْله 43 - (إِن محلا وَإِن مرتحلا ... وَإِن فِي السّفر إِذْ مضوا مهلا) فَلَا محيد عَن النصب وَالسَّابِع أَنه يكثر حذف خَبَرهَا إِذا علم نَحْو {قَالُوا لَا ضير} {فَلَا فَوت} وَتَمِيم لَا تذكره حِينَئِذٍ الثَّانِي أَن تكون عاملة عمل لَيْسَ كَقَوْلِه 433 - (من صد عَن نيرانها ... فَأَنا ابْن قيس لَا براح) وَإِنَّمَا لم يقدروها مُهْملَة وَالرَّفْع بِالِابْتِدَاءِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ وَاجِبَة التّكْرَار وَفِيه نظر لجَوَاز تَركه فِي الشّعْر وَلَا هَذِه تخَالف لَيْسَ من ثَلَاث جِهَات إِحْدَاهَا أَن عَملهَا قَلِيل حَتَّى ادعِي أَنه لَيْسَ بموجود الثَّانِيَة أَن ذكر خَبَرهَا قَلِيل حَتَّى إِن الزّجاج لم يظفر بِهِ فَادّعى أَنَّهَا تعْمل فِي الِاسْم خَاصَّة وَأَن خَبَرهَا مَرْفُوع وَيَردهُ قَوْله 434 - (تعز فَلَا شَيْء على الأَرْض بَاقِيا ... وَلَا وزر مِمَّا قضى الله واقيا) الحديث: 433 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَأما قَوْله 435 - (نصرتك إِذْ لَا صَاحب غير خاذل ... فبوئت حصنا بالكماة حصينا) فَلَا دَلِيل فِيهِ كَمَا توهم بَعضهم لاحْتِمَال أَن يكون الْخَبَر محذوفا وَغير اسْتثِْنَاء الثَّالِثَة أَنَّهَا لَا تعْمل إِلَّا فِي النكرات خلافًا لِابْنِ جني وَابْن الشجري وعَلى ظَاهر قَوْلهمَا جَاءَ قَول النَّابِغَة 436 - (وحلت سَواد الْقلب لَا أَنا بَاغِيا ... سواهَا وَلَا عَن حبها متراخيا) وَعَلِيهِ بنى المتنبي قَوْله 437 - (إِذا الْجُود لم يرْزق خلاصا من الْأَذَى ... فَلَا الْحَمد مكسوبا وَلَا المَال بَاقِيا) تَنْبِيه إِذا قيل لَا رجل فِي الدَّار بِالْفَتْح تعين كَونهَا نَافِيَة للْجِنْس وَيُقَال فِي توكيده بل امْرَأَة وَإِن قيل بِالرَّفْع تعين كَونهَا عاملة عمل لَيْسَ وَامْتنع أَن تكون مُهْملَة وَإِلَّا تَكَرَّرت كَمَا سَيَأْتِي وَاحْتمل أَن تكون لنفي الْجِنْس وَأَن تكون لنفي الْوحدَة وَيُقَال فِي توكيده على الأول بل امْرَأَة وعَلى الثَّانِي بل رجلَانِ أَو رجال وَغلط كثير من النَّاس فرعموا أَن العاملة عمل لَيْسَ لَا تكون إِلَّا نَافِيَة للوحدة لَا غير وَيرد عَلَيْهِم نَحْو قَوْله 438 - (تعز فَلَا شَيْء على الأَرْض بَاقِيا ... الْبَيْت) الحديث: 435 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وَإِذا قيل لَا رجل وَلَا امْرَأَة فِي الدَّار برفعهما احْتمل كَون لَا الأولى عاملة فِي الأَصْل عمل إِن ثمَّ ألغيت لتكرارها فَيكون مَا بعْدهَا مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ وَأَن تكون عاملة عمل لَيْسَ فَيكون مَا بعْدهَا مَرْفُوعا بهَا وعَلى الْوَجْهَيْنِ فالظرف خبر عَن الاسمين إِن قدرت لَا الثَّانِيَة تَكْرَارا للأولى وَمَا بعْدهَا مَعْطُوفًا فَإِن قدرت الأولى مُهْملَة وَالثَّانيَِة عاملة عمل لَيْسَ أَو بِالْعَكْسِ فالظرف خبر عَن أَحدهمَا وَخبر الآخر مَحْذُوف كَمَا فِي قَوْلك زيد وَعَمْرو قَائِم وَلَا يكون خَبرا عَنْهُمَا لِئَلَّا يلْزم محذوران كَون الْخَبَر الْوَاحِد مَرْفُوعا ومنصوبا وتوارد عاملين على مَعْمُول وَاحِد وَإِذا قيل مَا فِيهَا من زَيْت وَلَا مصابيح بِالْفَتْح احْتمل كَون الفتحة بِنَاء مثلهَا فِي لَا رجال وَكَونهَا عَلامَة للخفض بالْعَطْف وَلَا مُهْملَة فَإِن قلته بِالرَّفْع احْتمل كَون لَا عاملة لَيْسَ وَكَونهَا مُهْملَة وَالرَّفْع بالْعَطْف على الْمحل فَأَما قَوْله تَعَالَى {وَمَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر} فَظَاهر الْأَمر جَوَاز كَون أَصْغَر وأكبر معطوفين على لفظ مِثْقَال أَو على مَحَله وَجَوَاز كَون لَا مَعَ الْفَتْح تبرئة وَمَعَ الرّفْع مُهْملَة أَو عاملة عمل لَيْسَ وَيُقَوِّي الْعَطف أَنه لم يقْرَأ فِي سُورَة سبأ فِي قَوْله سُبْحَانَهُ {عَالم الْغَيْب لَا يعزب عَنهُ مِثْقَال ذرة} الْآيَة إِلَّا بِالرَّفْع لما لم يُوجد الْخَفْض فِي لفظ مِثْقَال وَلَكِن يشكل عَلَيْهِ أَنه يُفِيد ثُبُوت العزوب عِنْد ثُبُوت الْكتاب كَمَا أَنَّك إِذا قلت مَا مَرَرْت بِرَجُل إِلَّا فِي الدَّار كَانَ إِخْبَارًا بِثُبُوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 مرورك بِرَجُل فِي الدَّار وَإِذا امْتنع هَذَا تعين أَن الْوَقْف على {فِي السَّمَاء} وَأَن مَا بعْدهَا مُسْتَأْنف وَإِذا ثَبت ذَلِك فِي سُورَة يُونُس قُلْنَا بِهِ فِي سُورَة سبأ وَأَن الْوَقْف على {الأَرْض} وَأَنه إِنَّمَا لم يَجِيء فِيهِ الْفَتْح اتبَاعا للنَّقْل وَجوز بَعضهم الْعَطف فيهمَا على أَلا يكون معنى يعزب يخفى بل يخرج إِلَى الْوُجُود الْوَجْه الثَّالِث أَن تكون عاطفة وَلها ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَن يتقدمها إِثْبَات كجاء زيد لَا عَمْرو أَو أَمر كاضرب زيدا لَا عمرا قَالَ سِيبَوَيْهٍ أَو نِدَاء نَحْو يَابْنَ أخي لَا ابْن عمي وَزعم ابْن سَعْدَان أَن هَذَا لَيْسَ من كَلَامهم الثَّانِي أَلا تقترن بعاطف فَإِذا قيل جَاءَنِي زيد لَا بل عَمْرو فالعاطف بل وَلَا رد لما قبلهَا وَلَيْسَت عاطفة وَإِذا قلت مَا جَاءَنِي زيد وَلَا عَمْرو فالعاطف الْوَاو وَلَا توكيد للنَّفْي وَفِي هَذَا الْمِثَال مَانع آخر من الْعَطف بِلَا وَهُوَ تقدم النَّفْي وَقد اجْتمعَا أَيْضا فِي {وَلَا الضَّالّين} وَالثَّالِث أَن يتعاند متعاطفاها فَلَا يجوز جَاءَنِي رجل لَا زيد لِأَنَّهُ يصدق على زيد اسْم الرجل بِخِلَاف جَاءَنِي رجل لَا امْرَأَة وَلَا يمْتَنع الْعَطف بهَا على مَعْمُول الْفِعْل الْمَاضِي خلافًا للزجاجي أجَاز يقوم زيد لَا عَمْرو وَمنع قَامَ زيد لَا عَمْرو وَمَا مَنعه مسموع فَمَنعه مَدْفُوع قَالَ امْرُؤ الْقَيْس 439 - (كَأَن دثارا حلقت بلبونه ... عِقَاب تنوفى لَا عِقَاب القواعل) الحديث: 439 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 دثار اسْم رَاع وحلقت ذهبت اللَّبُون نُوق ذَوَات لبن وتنوفى جبل عَال والقواعل جبال صغَار وَقَوله إِن الْعَامِل مُقَدّر بعد العاطف وَلَا يُقَال لَا قَامَ عَمْرو إِلَّا على الدُّعَاء مَرْدُود بِأَنَّهُ لَو توقفت صِحَة الْعَطف على صِحَة تَقْدِير الْعَامِل بعد العاطف لامتنع لَيْسَ زيد قَائِما وَلَا قَاعِدا الْوَجْه الرَّابِع أَن تكون جَوَابا مناقضا لنعم وَهَذِه تحذف الْجمل بعْدهَا كثيرا يُقَال أجاءك زيد فَتَقول لَا وَالْأَصْل لَا لم يَجِيء وَالْخَامِس أَن تكون على غير ذَلِك فَإِن كَانَ مَا بعْدهَا جملَة اسمية صدرها معرفَة أَو نكرَة وَلم تعْمل فِيهَا أَو فعلا مَاضِيا لفظا وتقديرا وَجب تكرارها مِثَال الْمعرفَة {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} وَإِنَّمَا لم تكَرر فِي لَا نولك أَن تفعل لِأَنَّهُ بِمَعْنى لَا يَنْبَغِي لَك فَحَمَلُوهُ على مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ كَمَا فتحُوا فِي يذر حملا على يدع لِأَنَّهُمَا بِمَعْنى وَلَوْلَا أَن الأَصْل فِي يذر الْكسر لما حذفت الْوَاو كَمَا لم تحذف فِي يوجل وَمِثَال النكرَة الَّتِي لم تعْمل فِيهَا لَا {لَا فِيهَا غول وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} فالتكرار هُنَا وَاجِب بِخِلَافِهِ فِي {لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وَمِثَال الْفِعْل الْمَاضِي {فَلَا صدق وَلَا صلى} وَفِي الحَدِيث فَإِن المنبت لَا أَرضًا قطع وَلَا ظهر أبقى وَقَول الْهُذلِيّ كَيفَ أغرم من لَا شرب وَلَا أكل وَلَا نطق وَلَا اسْتهلّ وَإِنَّمَا ترك التّكْرَار فِي لَا شكّ يداك وَلَا فض الله فَاك وَقَوله 440 - ( ... وَلَا زَالَ منهلا بجرعائك الْقطر) وَقَوله 44 - (لَا بَارك الله فِي الغواني هَل ... يصبحن إِلَّا لَهُنَّ مطلب) لِأَن المُرَاد الدُّعَاء فالفعل مُسْتَقْبل فِي الْمَعْنى وَمثله فِي عدم وجوب التّكْرَار بِعَدَمِ قصد الْمُضِيّ إِلَّا أَنه لَيْسَ دُعَاء قَوْلك وَالله لَا فعلت كَذَا وَقَول الشَّاعِر 44 - (حسب المحبين فِي الدُّنْيَا عَذَابهمْ ... تالله لَا عذبتهم بعْدهَا سقر) وشذ ترك التّكْرَار فِي قَوْله 443 - (لَا هم إِن الْحَارِث بن جبلة ... زنا على أَبِيه ثمَّ قَتله) (وَكَانَ فِي جاراته لَا عهد لَهُ ... وَأي أَمر سيء لَا فعله) زنأ بتَخْفِيف النُّون كَذَا رَوَاهُ يَعْقُوب وَأَصله زنا بِالْهَمْز بِمَعْنى ضيق وَرُوِيَ بتشديدها وَالْأَصْل زنى بِامْرَأَة أَبِيه فَحذف الْمُضَاف وأناب على عَن الْبَاء وَقَالَ الحديث: 440 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 أَبُو خرَاش الْهُذلِيّ وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ 444 - (إِن تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما ... وَأي عبد لَك لَا ألما) وَأما قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَلَا اقتحم الْعقبَة} فَإِن لَا فِيهِ مكررة فِي الْمَعْنى لِأَن الْمَعْنى فَلَا فك رَقَبَة وَلَا أطْعم مِسْكينا لِأَن ذَلِك تَفْسِير للعقبة قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ وَقَالَ الزّجاج إِنَّمَا جَازَ لِأَن {ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا} مَعْطُوف عَلَيْهِ وداخل فِي النَّفْي فَكَأَنَّهُ قيل فَلَا اقتحم وَلَا آمن انْتهى وَلَو صَحَّ لجَاز لَا أكل زيد وَشرب وَقَالَ بَعضهم لَا دعائية دُعَاء عَلَيْهِ أَلا يفعل خيرا وَقَالَ آخر تحضيض وَالْأَصْل فألا اقتحم ثمَّ حذفت الْهمزَة وَهُوَ ضَعِيف وَكَذَلِكَ يجب تكرارها إِذا دخلت على مُفْرد خبر أَو صفة أَو حَال نَحْو زيد لَا شَاعِر وَلَا كَاتب وَجَاء زيد لَا ضَاحِكا وَلَا باكيا وَنَحْو {إِنَّهَا بقرة لَا فارض وَلَا بكر} {وظل من يحموم لَا بَارِد وَلَا كريم} {وَفَاكِهَة كَثِيرَة لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة} {من شَجَرَة مباركة زيتونة لَا شرقية وَلَا غربية} الحديث: 444 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَإِن كَانَ مَا دخلت عَلَيْهِ فعلا مضارعا لم يجب تكرارها نَحْو {لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء} {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} وَإِذا لم يجب أَن تكَرر فِي لَا نولك أَن تفعل لكَون الِاسْم الْمعرفَة فِي تَأْوِيل الْمُضَارع فألا يجب فِي الْمُضَارع أَحَق ويتخلص الْمُضَارع بهَا للاستقبال عِنْد الْأَكْثَرين وَخَالفهُم ابْن مَالك لصِحَّة قَوْلك جَاءَ زيد لَا يتَكَلَّم بالِاتِّفَاقِ مَعَ الِاتِّفَاق على أَن الْجُمْلَة الحالية لَا تصدر بِدَلِيل اسْتِقْبَال تَنْبِيه من أَقسَام لَا النافية المعترضة بَين الْخَافِض والمخفوض نَحْو جِئْت بِلَا زَاد وغضبت من لَا شَيْء وَعَن الْكُوفِيّين أَنَّهَا اسْم وَأَن الْجَار دخل عَلَيْهَا نَفسهَا وَأَن مَا بعْدهَا خفض بِالْإِضَافَة وَغَيرهم يَرَاهَا حرفا ويسميها زَائِدَة كَمَا يسمون كَانَ فِي نَحْو زيد كَانَ فَاضل زَائِدَة وَإِن كَانَت مفيدة لِمَعْنى وَهُوَ الْمُضِيّ والانقطاع فَعلم أَنهم قد يُرِيدُونَ بِالزَّائِدِ الْمُعْتَرض بَين شَيْئَيْنِ متطالبين وَإِن لم يَصح أصل الْمَعْنى بإسقاطه كَمَا فِي مَسْأَلَة لَا فِي نَحْو غضِبت من لَا شَيْء وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ يفوت بفواته معنى كَمَا مَسْأَلَة كَانَ وَكَذَلِكَ لَا المقترنة بالعاطف فِي نَحْو مَا جَاءَنِي زيد وَلَا عَمْرو ويسمونها زَائِدَة وَلَيْسَت بزائدة الْبَتَّةَ أَلا ترى أَنه إِذا قيل مَا جَاءَنِي زيد وَعَمْرو احْتمل أَن المُرَاد نفي مَجِيء كل مِنْهُمَا على كل حَال وَأَن يُرَاد نفي اجْتِمَاعهمَا فِي وَقت الْمَجِيء فَإِذا جِيءَ بِلَا صَار الْكَلَام نصا فِي الْمَعْنى الأول نعم هِيَ فِي قَوْله سُبْحَانَهُ {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَات} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 ) لمُجَرّد التوكيد وَكَذَا إِذا قيل لَا يَسْتَوِي زيد وَلَا عَمْرو تَنْبِيه اعْتِرَاض لَا بَين الْجَار وَالْمَجْرُور فِي نَحْو غضِبت من لَا شَيْء وَبَين الناصب والمنصوب فِي نَحْو {لِئَلَّا يكون للنَّاس} وَبَين الْجَازِم والمجزوم فِي نَحْو {إِلَّا تفعلوه} وَتقدم مَعْمُول مَا بعْدهَا عَلَيْهَا فِي نَحْو {يَوْم يَأْتِي بعض آيَات رَبك لَا ينفع نفسا إيمَانهَا} الْآيَة دَلِيل على أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا الصَّدْر بِخِلَاف مَا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تقع فِي جَوَاب الْقسم فان الْحُرُوف الَّتِي يتلَقَّى بهَا الْقسم كلهَا لَهَا الصَّدْر وَلِهَذَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله 445 - (آلَيْت حب الْعرَاق الدَّهْر أطْعمهُ ... ) إِن التَّقْدِير على حب الْعرَاق فَحذف الْخَافِض وَنصب مَا بعده بوصول الْفِعْل إِلَيْهِ وَلم يَجعله من بَاب زيدا ضَربته لِأَن التَّقْدِير لَا أطْعمهُ وَهَذِه الْجُمْلَة جَوَاب لآليت فَإِن مَعْنَاهُ حَلَفت وَقيل لَهَا الصَّدْر مُطلقًا وَقيل لَا مُطلقًا وَالصَّوَاب الأول 2 - الثَّانِي من أوجه لَا أَن تكون مَوْضُوعَة لطلب التّرْك وتختص بِالدُّخُولِ على الْمُضَارع وتقتضي جزمه واستقباله سَوَاء كَانَ الْمَطْلُوب مِنْهُ مُخَاطبا الحديث: 445 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 نَحْو {لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} أَو غَائِبا نَحْو {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافرين أَوْلِيَاء} أَو متكلما نَحْو لَا أرينك هَاهُنَا وَقَوله 446 - (لَا أَعرفن ربربا حورا مدامعها ... ) وَهَذَا النَّوْع مِمَّا أقيم فِيهِ الْمُسَبّب مقَام السَّبَب والاصل لَا تكن هَا هُنَا فَأَرَاك وَمثله فِي الْأَمر {وليجدوا فِيكُم غلظة} أَي وأغلظوا عَلَيْهِم ليجدوا ذَلِك وَإِنَّمَا عدل إِلَى الْأَمر بالوجدان تَنْبِيها على أَنه الْمَقْصُود لذاته وَأما الإغلاظ فَلم يقْصد لذاته بل ليجدوه وَعَكسه {لَا يفتننكم الشَّيْطَان} أَي لَا تفتتنوا بفتنة الشَّيْطَان وَاخْتلف فِي لَا من قَوْله تَعَالَى {وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة} على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهَا ناهية فَتكون من هَذَا وَالْأَصْل لَا تتعرضوا للفتنة فتصيبكم ثمَّ عدل عَن النَّهْي عَن التَّعَرُّض إِلَى النَّهْي عَن الْإِصَابَة لِأَن الْإِصَابَة مسببة عَن التَّعَرُّض وَأسْندَ هَذَا الْمُسَبّب إِلَى فَاعله وعَلى هَذَا فالإصابة خَاصَّة الحديث: 446 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 بالمتعرضين وتوكيد الْفِعْل بالنُّون وَاضح لاقترانه بِحرف الطّلب مثل {وَلَا تحسبن الله غافلا} وَلَكِن وُقُوع الطّلب صفة للنكرة مُمْتَنع فَوَجَبَ إِضْمَار القَوْل أَي وَاتَّقوا فتْنَة مقولا فِيهَا ذَلِك كَمَا قيل فِي قَوْله 447 - (حَتَّى إِذا جن الظلام وَاخْتَلَطَ ... جاؤوا بمذق هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ) الثَّانِي أَنَّهَا نَافِيَة وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بذلك على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَن الْجُمْلَة صفة لفتنة وَلَا حَاجَة إِلَى إِضْمَار قَول لِأَن الْجُمْلَة خبرية وعَلى هَذَا فَيكون دُخُول النُّون شاذا مثله فِي قَوْله 448 - (فَلَا الجارة الدُّنْيَا بهَا تلحينها ... ) بل هُوَ فِي الْآيَة أسهل لعدم الْفَصْل وَهُوَ فيهمَا سَمَاعي وَالَّذِي جوزه تَشْبِيه لَا النافية بِلَا الناهية وعَلى هَذَا الْوَجْه تكون الْإِصَابَة عَامَّة للظالم وَغَيره لَا خَاصَّة بالظالمين كَمَا ذكره الزَّمَخْشَرِيّ لِأَنَّهَا قد وصفت بِأَنَّهَا لَا تصيب الظَّالِمين خَاصَّة فَكيف تكون مَعَ هَذَا خَاصَّة بهم وَالثَّانِي أَن الْفِعْل جَوَاب الْأَمر وعَلى هَذَا فَيكون التوكيد أَيْضا خَارِجا عَن الْقيَاس شاذا وَمِمَّنْ ذكر هَذَا الْوَجْه الزَّمَخْشَرِيّ وَهُوَ فَاسد لِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ فَإِنَّكُم إِن تتقوها لَا تصيب الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة وَقَوله إِن التَّقْدِير إِن أَصَابَتْكُم لَا تصيب الظَّالِم خَاصَّة مَرْدُود لِأَن الشَّرْط إِنَّمَا يقدر من جنس الْأَمر لَا من جنس الْجَواب أَلا ترى أَنَّك تقدر فِي ائْتِنِي أكرمك إِن تأتني أكرمك الحديث: 447 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 نعم يَصح الْجَواب فِي قَوْله تَعَالَى {ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ} الْآيَة إِذْ يَصح إِن تدْخلُوا لَا يحطمنكم وَيصِح أَيْضا النَّهْي على حد لَا أرينك هَاهُنَا وَأما الْوَصْف فَيَأْتِي مَكَانَهُ هُنَا أَن تكون الْجُمْلَة حَالا أَي ادخلوها غير محطومين والتوكيد بالنُّون على هَذَا الْوَجْه وعَلى الْوَجْه الأول سَمَاعي وعَلى النَّهْي قياسي وَلَا فرق فِي اقْتِضَاء لَا الطلبية للجزم بَين كَونهَا مفيدة للنَّهْي سَوَاء كَانَ للتَّحْرِيم كَمَا تقدم أَو للتنزيه نَحْو {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} وَكَونهَا للدُّعَاء كَقَوْلِه تَعَالَى {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا} وَقَول الشَّاعِر 449 - (يَقُولُونَ لَا تبعد وهم يدفنونني ... وَأَيْنَ مَكَان الْبعد إِلَّا مكانيا) وَقَول الآخر 450 - (فَلَا تشلل يَد فتكت بِعَمْرو ... فَإنَّك لن تذل وَلنْ تضاما) وَيحْتَمل النَّهْي وَالدُّعَاء قَول الفرزدق 45 - (إِذا مَا خرجنَا من دمشق فَلَا نعد ... لَهَا أبدا مَا دَامَ فِيهَا الجراضم) أَي الْعَظِيم الْبَطن وَكَونهَا للالتماس كَقَوْلِك لنظيرك غير مستعل عَلَيْهِ لَا تفعل كَذَا وَكَذَا الحكم إِذا خرجت عَن الطّلب إِلَى غَيره كالتهديد فِي قَوْلك لولدك أَو عَبدك لاتطعني الحديث: 449 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وَلَيْسَ أصل لَا الَّتِي يجْزم الْفِعْل بعْدهَا لَام الْأَمر فزيدت عَلَيْهَا ألف خلاف لبَعْضهِم وَلَا هِيَ النافيه والجزم بلام أَمر مقدرَة خلاف لِلسُّهَيْلِي 3 - وَالثَّالِث لَا الزَّائِدَة الدَّاخِلَة فِي الْكَلَام لمُجَرّد تقويته وتوكيده نَحْو {مَا مَنعك إِذْ رَأَيْتهمْ ضلوا أَلا تتبعن} {مَا مَنعك أَلا تسْجد} ويوضحه الْآيَة الْأُخْرَى {مَا مَنعك أَن تسْجد} وَمِنْه {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} أَي ليعلموا وَقَوله 45 - (وتلحينني فِي اللَّهْو أَن لَا أحبه ... وللهو دَاع دائب غير غافل) وَقَوله 453 - (أَبى جوده لَا الْبُخْل واستعجلت بِهِ ... نعم من فَتى لَا يمْنَع الْجُود قَاتله) وَذَلِكَ فِي رِوَايَة من نصب الْبُخْل فَأَما من خفض ف لَا حِينَئِذٍ اسْم مُضَاف لِأَنَّهُ أُرِيد بِهِ اللَّفْظ وَشرح هَذَا الْمَعْنى أَن كلمة لَا تكون للبخل وَتَكون للكرم وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا وَقعت بعد قَول الْقَائِل أَعْطِنِي أَو هَل تُعْطِينِي كَانَت للبخل فَإِن وَقعت بعد قَوْله أتمنعني عطاءك أَو أتحرمني نوالك كَانَت للكرم وَقيل هِيَ غير زَائِدَة أَيْضا فِي رِوَايَة النصب وَذَلِكَ على أَن تجْعَل اسْما مَفْعُولا الحديث: 453 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وَالْبخل بَدَلا مِنْهَا قَالَه الزّجاج وَقَالَ آخر لَا مفعول بِهِ وَالْبخل مفعول لأَجله أَي كَرَاهِيَة الْبُخْل مثل {يبين الله لكم أَن تضلوا} أَي كَرَاهِيَة أَن تضلوا وَقَالَ أَبُو عَليّ فِي الْحجَّة قَالَ أَبُو الْحسن فسرته الْعَرَب أَبى جوده الْبُخْل وَجعلُوا لَا حَشْوًا اه وكما اخْتلف فِي لَا فِي هَذَا الْبَيْت أنافية أم زَائِدَة كَذَلِك اخْتلف فِيهَا فِي مَوَاضِع من التَّنْزِيل أَحدهَا قَوْله تَعَالَى {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} فَقيل هِيَ نَافِيَة وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فِي منفيها على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه شَيْء تقدم وَهُوَ مَا حُكيَ عَنْهُم كثيرا من إِنْكَار الْبَعْث فَقيل لَهُم لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك ثمَّ استؤنف الْقسم قَالُوا وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِك لِأَن الْقُرْآن كُله كالسورة الْوَاحِدَة وَلِهَذَا يذكر الشَّيْء فِي سُورَة وَجَوَابه فِي سُورَة أُخْرَى نَحْو {وَقَالُوا يَا أَيهَا الَّذِي نزل عَلَيْهِ الذّكر إِنَّك لمَجْنُون} وَجَوَابه {مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون} وَالثَّانِي أَن منفيها أقسم وَذَلِكَ على أَن يكون إِخْبَارًا لَا إنْشَاء وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَنه لَا يقسم بالشَّيْء إِلَّا إعظاما لَهُ بِدَلِيل {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} فَكَأَنَّهُ قيل إِن إعظامه بالإقسام بِهِ كلا إعظام أَي إِنَّه يسْتَحق إعظاما فَوق ذَلِك وَقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 هِيَ زَائِدَة وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فِي فائدتها على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهَا زيدت تَوْطِئَة وتمهيدا لنفي الْجَواب وَالتَّقْدِير لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة لَا يتركون سدى وَمثله {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} وَقَوله 454 - (فَلَا وَأَبِيك ابْنة العامري ... لَا يَدعِي الْقَوْم أَنِّي أفر) ورد بقوله تَعَالَى {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} الْآيَات فَإِن جَوَابه مُثبت وَهُوَ {لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي كبد} وَمثله {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} الْآيَة وَالثَّانِي أَنَّهَا زيدت لمُجَرّد التوكيد وتقوية الْكَلَام كَمَا فِي {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} ورد بِأَنَّهَا لَا تزاد لذَلِك صَدرا بل حَشْوًا كَمَا أَن زِيَادَة مَا وَكَانَ كَذَلِك نَحْو {فبمَا رَحْمَة من الله} {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} وَنَحْو زيد كَانَ فَاضل وَذَلِكَ لِأَن زِيَادَة الشَّيْء تفِيد اطراحه وَكَونه أول الْكَلَام يُفِيد الاعتناء بِهِ قَالُوا وَلِهَذَا نقُول بزيادتها فِي نَحْو {فَلَا أقسم بِرَبّ الْمَشَارِق والمغارب} {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} لوقوعها بَين الْفَاء ومعطوفها بِخِلَاف هَذِه وَأجَاب أَبُو عَليّ بِمَا تقدم من أَن الْقُرْآن كالسورة الْوَاحِدَة الْموضع الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {قل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم عَلَيْكُم أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا} الحديث: 454 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 ) فَقيل إِن لَا نَافِيَة وَقيل ناهية وَقيل زَائِدَة والجميع مُحْتَمل وَحَاصِل القَوْل فِي الْآيَة أَن مَا خبرية بِمَعْنى الَّذِي مَنْصُوبَة بأتل و {حرم ربكُم} صلَة و {عَلَيْكُم} مُتَعَلقَة بحرم هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَأَجَازَ الزّجاج كَون مَا استفهامية مَنْصُوبَة بحرم وَالْجُمْلَة محكية بأتل لِأَنَّهُ بِمَعْنى أَقُول وَيجوز أَن يعلق {عَلَيْكُم} بأتل وَمن رجح إِعْمَال أول المتنازعين وهم الْكُوفِيُّونَ رَجحه على تعلقه بحرم وَفِي أَن وَمَا بعْدهَا أوجه أَحدهَا أَن يَكُونَا فِي مَوضِع نصب بَدَلا من مَا وَذَلِكَ على أَنَّهَا مَوْصُولَة لَا استفهامية إِذْ لم يقْتَرن الْبَدَل بهزة الِاسْتِفْهَام الثَّانِي أَن يَكُونَا فِي مَوضِع رفع خَبرا ل هُوَ محذوفا أجازهما بعض المعربين وَعَلَيْهِمَا ف لَا زَائِدَة قَالَه ابْن الشجري وَالصَّوَاب أَنَّهَا نَافِيَة على الأول وزائدة على الثَّانِي وَالثَّالِث أَن يكون الأَصْل أبين لكم ذَلِك لِئَلَّا تُشْرِكُوا وَذَلِكَ لأَنهم إِذا حرم عَلَيْهِم رؤساؤهم مَا أحله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فأطاعوهم أشركوا لأَنهم جعلُوا غير الله بِمَنْزِلَتِهِ وَالرَّابِع أَن الأَصْل أوصيكم بألا تُشْرِكُوا بِدَلِيل أَن {وبالوالدين إحسانا} مَعْنَاهُ وأوصيكم بالوالدين وَأَن فِي آخر الاية {ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ} وعَلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فحذفت الْجُمْلَة وحرف الْجَرّ وَالْخَامِس أَن التَّقْدِير أتل عَلَيْكُم أَلا تُشْرِكُوا فَحذف مدلولا عَلَيْهِ بِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 تقدم وَأَجَازَ هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة الزّجاج وَالسَّادِس أَن الْكَلَام تمّ عِنْد {حرم ربكُم} ثمَّ ابتدئ عَلَيْكُم أَلا تُشْرِكُوا وَأَن تحسنوا بالوالدين إحسانا وَألا تقتلُوا وَلَا تقربُوا ف {عَلَيْكُم} على هَذَا اسْم فعل بِمَعْنى الزموا وَأَن فِي الْأَوْجه السِّتَّة مَصْدَرِيَّة وَلَا فِي الْأَوْجه الْأَرْبَعَة الْأَخِيرَة نَافِيَة وَالسَّابِع أَن أَن مفسرة بِمَعْنى أَي وَلَا ناهية وَالْفِعْل مجزوم لَا مَنْصُوب وَكَأَنَّهُ قيل أَقُول لكم لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وأحسنوا بالوالدين إحسانا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ الأخيران أجازهما ابْن الشجري الْموضع الثَّالِث قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} فِيمَن فتح الْهمزَة فَقَالَ قوم مِنْهُم الْخَلِيل والفارسي لَا زَائِدَة وَإِلَّا لَكَانَ عذرا للْكفَّار ورده الزّجاج بِأَنَّهَا نَافِيَة فِي قِرَاءَة الْكسر فَيجب ذَلِك فِي قِرَاءَة الْفَتْح وَقيل نَافِيَة وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بذلك فَقَالَ النّحاس حذف الْمَعْطُوف أَي أَو أَنهم يُؤمنُونَ وَقَالَ الْخَلِيل فِي قَوْله لَهُ آخر أَن بِمَعْنى لَعَلَّ مثل ائْتِ السُّوق أَنَّك تشتري لنا شَيْئا وَرجحه الزّجاج وَقَالَ إِنَّهُم أَجمعُوا عَلَيْهِ ورده الْفَارِسِي فَقَالَ التوقع الَّذِي فِي لَعَلَّ يُنَافِيهِ الحكم بِعَدَمِ إِيمَانهم يَعْنِي فِي قِرَاءَة الْكسر وَهَذَا نَظِير مَا رجح بِهِ الزّجاج كَون لَا غير زَائِدَة وَقد انتصروا لقَوْل الْخَلِيل بِأَن قَالُوا يُؤَيّدهُ أَن {يشعركم} ويدريكم بِمَعْنى وَكَثِيرًا مَا تَأتي لَعَلَّ بعد فعل الدِّرَايَة نَحْو {وَمَا يدْريك لَعَلَّه يزكّى} وَأَن فِي مصحف أبي {وَلَا أدراكم} وَقَالَ قوم أَن مُؤَكدَة وَالْكَلَام فِيمَن حكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 بكفرهم ويئس من إِيمَانهم وَالْآيَة عذر للْمُؤْمِنين أَي إِنَّكُم معذورون لأنكم لَا تعلمُونَ مَا سبق لَهُم بِهِ الْقَضَاء من أَنهم لَا يُؤمنُونَ حِينَئِذٍ وَنَظِيره {إِن الَّذين حقت عَلَيْهِم كلمة رَبك لَا يُؤمنُونَ وَلَو جَاءَتْهُم كل آيَة} وَقيل التَّقْدِير لأَنهم وَاللَّام مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف أَي لأَنهم لَا يُؤمنُونَ امتنعنا من الْإِتْيَان بهَا وَنَظِيره {وَمَا منعنَا أَن نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كذب بهَا الْأَولونَ} وَاخْتَارَهُ الْفَارِسِي وَاعْلَم أَن مفعول {يشعركم} الثَّانِي على هَذَا القَوْل وعَلى القَوْل بِأَنَّهَا بِمَعْنى لَعَلَّ مَحْذُوف أَي إِيمَانهم وعَلى بَقِيَّة الْأَقْوَال أَن وصلتها الْموضع الرَّابِع {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} فَقيل لَا زَائِدَة وَالْمعْنَى مُمْتَنع على أهل قَرْيَة قَدرنَا إهلاكهم أَنهم يرجعُونَ عَن الْكفْر إِلَى قيام السَّاعَة وعَلى هَذَا ف (حرَام) خبر مقدم وجوبا لِأَن الْمخبر عَنهُ أَن وصلتها وَمثله {وَآيَة لَهُم أَنا حملنَا ذُرِّيتهمْ} لَا مُبْتَدأ وَأَن وصلتها فَاعل أغْنى عَن الْخَبَر كَمَا جوزه أَبُو الْبَقَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْف صَرِيح وَلِأَنَّهُ لم يعْتَمد على نفي وَلَا اسْتِفْهَام وَقيل لَا نَافِيَة وَالْإِعْرَاب إِمَّا على مَا تقدم وَالْمعْنَى مُمْتَنع عَلَيْهِم أَنهم لَا يرجعُونَ إِلَى الْآخِرَة وَإِمَّا على أَن {حرَام} مُبْتَدأ حذف خَبره أَي قبُول أَعْمَالهم وابتدئ بالنكرة لتقييدها بالمعمول وَإِمَّا على أَنه خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي وَالْعَمَل الصَّالح حرَام عَلَيْهِم وعَلى الْوَجْهَيْنِ ف {أَنهم لَا يرجعُونَ} تَعْلِيل على إِضْمَار اللَّام وَالْمعْنَى لَا يرجعُونَ عَمَّا هم فِيهِ وَدَلِيل الْمَحْذُوف مَا تقدم من قَوْله تَعَالَى {فَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن فَلَا كفران لسعيه} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 ) ويؤيدهما تَمام الْكَلَام قبل مَجِيء إِن فِي قِرَاءَة بَعضهم بِالْكَسْرِ الْموضع الْخَامِس {مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله الْكتاب وَالْحكم والنبوة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عبادا لي من دون الله وَلَكِن كونُوا ربانيين بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ الْكتاب وَبِمَا كُنْتُم تدرسون وَلَا يَأْمُركُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة والنبيين أَرْبَابًا} قرئَ فِي السَّبع بِرَفْع {يَأْمُركُمْ} ونصبه فَمن رَفعه قطعه عَمَّا قبله وفاعله ضَمِيره تَعَالَى أَو ضمير الرَّسُول وَيُؤَيّد الِاسْتِئْنَاف قِرَاءَة بَعضهم / وَلنْ يَأْمُركُمْ / وَلَا على هَذِه الْقِرَاءَة نَافِيَة لَا غير وَمن نَصبه فَهُوَ مَعْطُوف على {يؤتيه} كَمَا أَن {يَقُول} كَذَلِك وَلَا على هَذِه زَائِدَة مُؤَكدَة لِمَعْنى النَّفْي السَّابِق وَقيل على {يَقُول} وَلم يذكر الزَّمَخْشَرِيّ غَيره ثمَّ جوز فِي لَا وَجْهَيْن أَحدهمَا الزِّيَادَة فَالْمَعْنى مَا كَانَ لبشر أَن ينصبه الله للدُّعَاء إِلَى عِبَادَته وَترك الأنداد ثمَّ يَأْمر النَّاس بِأَن يَكُونُوا عبادا لَهُ ويأمركم أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَة والنبيين أَرْبَابًا وَالثَّانِي أَن تكون غير زَائِدَة وَوَجهه بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينْهَى قُريْشًا عَن عبَادَة الْمَلَائِكَة وَأهل الْكتاب عَن عبَادَة عُزَيْر وَعِيسَى فَلَمَّا قَالُوا لَهُ أنتخذك رَبًّا قيل لَهُم مَا كَانَ لبشر أَن يستنبئه الله ثمَّ يَأْمر النَّاس بِعِبَادَتِهِ وينهاهم عَن عبَادَة الْمَلَائِكَة والأنبياء هَذَا ملخص كَلَامه وَإِنَّمَا فسر لَا يَأْمر بينهى لِأَنَّهَا حَالَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِلَّا فانتفاء الْأَمر أَعم من النَّهْي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وَالسُّكُوت وَالْمرَاد الأول وَهِي الْحَالة الَّتِي يكون بهَا الْبشر متناقضا لِأَن نَهْيه عَن عِبَادَتهم لكَوْنهم مخلوقين لَا يسْتَحقُّونَ أَن يعبدوا وَهُوَ شريكهم فِي كَونه مخلوقا فَكيف يَأْمُرهُم بِعِبَادَتِهِ وَالْخطاب فِي {وَلَا يَأْمُركُمْ} على الْقِرَاءَتَيْن الْتِفَات تَنْبِيه قَرَأَ جمَاعَة {وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا} وخرجها أَبُو الْفَتْح على حذف ألف لَا تَخْفِيفًا كَمَا قَالُوا أم وَالله وَلم يجمع بَين الْقِرَاءَتَيْن بِأَن تقدر لَا فِي قِرَاءَة الْجَمَاعَة زَائِدَة لِأَن التوكيد بالنُّون يَأْبَى ذَلِك لات اخْتلف فِيهَا فِي أَمريْن 1 - أَحدهمَا فِي حَقِيقَتهَا وَفِي ذَلِك ثَلَاثَة مَذَاهِب أَحدهَا أَنَّهَا كلمة وَاحِدَة فعل مَاض ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنَّهَا فِي الأَصْل بِمَعْنى نقص من قَوْله تَعَالَى {لَا يلتكم من أَعمالكُم شَيْئا} فَإِنَّهُ يُقَال لات يليت كَمَا يُقَال ألت يألت وَقد قرئَ بهما ثمَّ اسْتعْملت للنَّفْي كَمَا أَن قل كَذَلِك قَالَه أَبُو ذَر الْخُشَنِي وَالثَّانِي أَن أَصْلهَا لَيْسَ بِكَسْر الْيَاء فقلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وأبدلت السِّين تَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَالْمذهب الثَّانِي أَنَّهَا كلمتان لَا النافية وَالتَّاء لتأنيث اللَّفْظَة كَمَا فِي ثمت وربت وَإِنَّمَا وَجب تحريكها لالتقاء الساكنين قَالَه الْجُمْهُور وَالثَّالِث أَنَّهَا كلمة وَبَعض كلمة وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا النافية وَالتَّاء زَائِدَة فِي أول الْحِين قَالَه أَبُو عُبَيْدَة وَابْن الطراوة وَاسْتدلَّ أَبُو عُبَيْدَة بِأَنَّهُ وجدهَا فِي الإِمَام وَهُوَ مصحف عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ مختلطة بِحِين فِي الْخط وَلَا دَلِيل فِيهِ فكم فِي خطّ الْمُصحف من أَشْيَاء خَارِجَة عَن الْقيَاس وَيشْهد لِلْجُمْهُورِ أَنه يُوقف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ وَالْهَاء وَأَنَّهَا رسمت مُنْفَصِلَة عَن الْحِين وَأَن التَّاء قد تكسر على أصل حَرَكَة التقاء الساكنين وَهُوَ معنى قَول الزَّمَخْشَرِيّ وَقُرِئَ بِالْكَسْرِ على الْبناء كجير اه وَلَو كَانَ فعلا مَاضِيا لم يكن للكسر وَجه 2 - الْأَمر الثَّانِي فِي عَملهَا وَفِي ذَلِك أَيْضا ثَلَاثَة مَذَاهِب أَحدهَا أَنَّهَا لَا تعْمل شَيْئا فَإِن وَليهَا مَرْفُوع فمبتدأ حذف خَبره أَو مَنْصُوب فمفعول لفعل مَحْذُوف وَهَذَا قَول للأخفش وَالتَّقْدِير عِنْده فِي الْآيَة لَا أرى حِين مناص وعَلى قِرَاءَة الرّفْع وَلَا حِين مناص كَائِن لَهُم الثَّانِي أَنَّهَا تعْمل عمل إِن فتنصب الِاسْم وترفع الْخَبَر وَهَذَا قَول آخر للأخفش وَالثَّالِث أَنَّهَا تعْمل عمل لَيْسَ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وعَلى كل قَول لَا يذكر بعْدهَا إِلَّا أحد المعمولين وَالْغَالِب أَن يكون الْمَحْذُوف هُوَ الْمَرْفُوع وَاخْتلف فِي معمولها فنص الْفراء على أَنَّهَا لَا تعْمل الا فِي لَفْظَة الْحِين وَهُوَ ظَاهر قَول سِيبَوَيْهٍ وَذهب الْفَارِسِي وَجَمَاعَة إِلَى أَنَّهَا تعْمل فِي الْحِين وَفِيمَا رادفه قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ زيدت التَّاء على لَا وخصت بِنَفْي الأحيان تَنْبِيه قرئَ {ولات حِين مناص} بخفض الْحِين فَزعم الْفراء أَن لات تسْتَعْمل حرفا جارا لأسماء الزَّمَان خَاصَّة كَمَا أَن مذ ومنذ كَذَلِك وَأنْشد 455 - (طلبُوا صلحنا ولات أَوَان ... ) وَأجِيب عَن الْبَيْت بجوابين أَحدهمَا أَنه على إِضْمَار من الاستغراقية وَنَظِيره فِي بَقَاء عمل الْجَار مَعَ حذفه وزيادته قَوْله 456 - (أَلا رجل جزاه الله خيرا ... ) فِيمَن رَوَاهُ بجر رجل وَالثَّانِي أَن الأَصْل ولات أَوَان صلح ثمَّ بنى الْمُضَاف لقطعه على الْإِضَافَة وَكَانَ بِنَاؤُه على الْكسر لشبهه بنزال وزنا أَو لِأَنَّهُ قدر بِنَاؤُه على السّكُون ثمَّ كسر على أصل التقاء الساكنين كأمس وجير وَنون للضَّرُورَة وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ للتعويض كيومئذ وَلَو كَانَ كَمَا زعم لأعرب لِأَن الْعِوَض ينزل منزلَة المعوض مِنْهُ وَعَن الْقِرَاءَة بِالْجَوَابِ الأول وَهُوَ وَاضح وَبِالثَّانِي وتوجيهه الحديث: 455 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 أَن الأَصْل حِين مناصهم ثمَّ نزل قطع الْمُضَاف إِلَيْهِ من مناص منزلَة قطعه من حِين لِاتِّحَاد الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ وَجعل التَّنْوِين عوضا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ ثمَّ بنى الْحِين لِإِضَافَتِهِ إِلَى غير مُتَمَكن اه وَالْأولَى أَن يُقَال إِن التَّنْزِيل الْمَذْكُور اقْتضى بِنَاء الْحِين ابْتِدَاء وَإِن المناص مُعرب وَإِن كَانَ قد قطع عَن الْإِضَافَة بِالْحَقِيقَةِ لكنه لَيْسَ بِزَمَان فَهُوَ ككل وَبَعض لَو على خَمْسَة أوجه 1 - أَحدهَا لَو المستعملة فِي نَحْو لَو جَاءَنِي لأكرمته وَهَذِه تفِيد ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا الشّرطِيَّة أَعنِي عقد السَّبَبِيَّة والمسببية بَين الجملتين بعْدهَا وَالثَّانِي تَقْيِيد الشّرطِيَّة بالزمن الْمَاضِي وَبِهَذَا الْوَجْه وَمَا يذكر بعده فَارَقت إِن فَإِن تِلْكَ لعقد السَّبَبِيَّة والمسببية فِي الْمُسْتَقْبل وَلِهَذَا قَالُوا الشَّرْط بإن سَابق على الشَّرْط بلو وَذَلِكَ لِأَن الزَّمن الْمُسْتَقْبل سَابق على الزَّمن الْمَاضِي عكس مَا يتَوَهَّم المبتدئون أَلا ترى أَنَّك تَقول إِن جئتني غَدا أكرمتك فَإِذا انْقَضى الْغَد وَلم يَجِيء قلت لَو جئتني أمس أكرمتك الثَّالِث الِامْتِنَاع وَقد اخْتلف النُّحَاة فِي إفادتها لَهُ وَكَيْفِيَّة إفادتها إِيَّاه على ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا لَا تفيده بِوَجْه وَهُوَ قَول الشلوبين زعم أَنَّهَا لَا تدل على امْتنَاع الشَّرْط وَلَا على امْتنَاع الْجَواب بل على التَّعْلِيق فِي الْمَاضِي كَمَا دلّت إِن على التَّعْلِيق فِي الْمُسْتَقْبل وَلم تدل بِالْإِجْمَاع على امْتنَاع وَلَا ثُبُوت وَتَبعهُ على هَذَا القَوْل ابْن هِشَام الخضراوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وَهَذَا الَّذِي قَالَاه كإنكار الضروريات إِذْ فهم الِامْتِنَاع مِنْهَا كالبديهي فَإِن كل من سمع لَو فعل فهم عدم وُقُوع الْفِعْل من غير تردد وَلِهَذَا يَصح فِي كل مَوضِع اسْتعْملت فِيهِ أَن تعقبه بِحرف الِاسْتِدْرَاك دَاخِلا على فعل الشَّرْط منفيا لفظا أَو معنى تَقول لَو جَاءَنِي أكرمته لكنه لم يَجِيء وَمِنْه قَوْله 457 - (وَلَو أَنما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني وَلم أطلب قَلِيل من المَال) (ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وَقد يدْرك الْمجد المؤثل أمثالي) وَقَوله 458 - (فَلَو كَانَ حمد يخلد النَّاس لم تمت ... وَلَكِن حمد النَّاس لَيْسَ بمخلد) وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها وَلَكِن حق القَوْل مني لأملأن جَهَنَّم} أَي وَلَكِن لم أشأ ذَلِك فَحق القَوْل مني وَقَوله تَعَالَى {وَلَو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم فِي الْأَمر وَلَكِن الله سلم} أَي فَلم يركموهم كَذَلِك وَقَول الحماسي 459 - (لَو كنت من مَازِن لم تستبح إبلي ... بَنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا) ثمَّ قَالَ (لَكِن قومِي وَإِن كَانُوا ذَوي عدد ... لَيْسُوا من الشَّرّ فِي شَيْء وَإِن هانا) إِذْ الْمَعْنى لكنني لست من مَازِن بل من قوم لَيْسُوا فِي شَيْء من الشَّرّ وَإِن هان الحديث: 457 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وَإِن كَانُوا ذَوي عدد فَهَذِهِ الْمَوَاضِع وَنَحْوهَا بِمَنْزِلَة قَوْله تَعَالَى {وَمَا كفر سُلَيْمَان وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا} {فَلم تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِن الله قَتلهمْ} {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} وَالثَّانِي أَنَّهَا تفِيد امْتنَاع الشَّرْط وَامْتِنَاع الْجَواب جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ القَوْل الْجَارِي على أَلْسِنَة المعربين وَنَصّ عَلَيْهِ جمَاعَة من النحوبين وَهُوَ بَاطِل بمواضع كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة وكلمهم الْمَوْتَى وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبلا مَا كَانُوا ليؤمنوا} {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر مَا نفدت كَلِمَات الله} وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ نعم العَبْد صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ وَبَيَانه أَن كل شَيْء امْتنع ثَبت نقيضه فَإِذا امْتنع مَا قَامَ ثَبت قَامَ وَبِالْعَكْسِ وعَلى هَذَا فَيلْزم على هَذَا القَوْل فِي الْآيَة الأولى ثُبُوت إِيمَانهم مَعَ عدم نزُول الْمَلَائِكَة وتكليم الْمَوْتَى لَهُم وَحشر كل شَيْء عَلَيْهِم وَفِي الثَّانِيَة نفاد الْكَلِمَات مَعَ عدم كَون كل مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أقلاما تكْتب الْكَلِمَات وَكَون الْبَحْر الْأَعْظَم بِمَنْزِلَة الدواة وَكَون السَّبْعَة الأبحر مَمْلُوءَة مدادا وَهِي تمد ذَلِك الْبَحْر وَيلْزم فِي الْأَثر ثُبُوت الْمعْصِيَة مَعَ ثُبُوت الْخَوْف وكل ذَلِك عكس المُرَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وَالثَّالِث أَنَّهَا تفِيد امْتنَاع الشَّرْط خَاصَّة وَلَا دلَالَة لَهَا على امْتنَاع الْجَواب وَلَا على ثُبُوته وَلكنه إِن كَانَ مُسَاوِيا للشّرط فِي الْعُمُوم كَمَا فِي قَوْلك لَو كَانَت الشَّمْس طالعة كَانَ النَّهَار مَوْجُودا لزم انتفاؤه لِأَنَّهُ يلْزم من انْتِفَاء السَّبَب الْمسَاوِي انْتِفَاء مسببه وَإِن كَانَ أَعم كَمَا فِي قَوْلك لَو كَانَت الشَّمْس طالعة كَانَ الضَّوْء مَوْجُودا فَلَا يلْزم انتفاؤه وَإِنَّمَا يلْزم انْتِفَاء الْقدر الْمسَاوِي مِنْهُ للشّرط وَهَذَا قَول الْمُحَقِّقين ويتلخص على هَذَا أَن يُقَال إِن لَو تدل على ثَلَاثَة أُمُور عقد السَّبَبِيَّة والمسببية وكونهما فِي الْمَاضِي وَامْتِنَاع السَّبَب ثمَّ تَارَة يعقل بَين الجزأين ارتباط مُنَاسِب وَتارَة لَا يعقل فالنوع الأول على ثَلَاثَة أَقسَام مَا يُوجب فِيهِ الشَّرْع أَو الْعقل انحصار مسببية الثَّانِي فِي سَبَبِيَّة الأول نَحْو {وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا} وَنَحْو لَو كَانَت الشَّمْس طالعة كَانَ النَّهَار مَوْجُودا وَهَذَا يلْزم فِيهِ من امْتنَاع الأول امْتنَاع الثَّانِي قطعا وَمَا يُوجب أَحدهمَا فِيهِ عدم الانحصار الْمَذْكُور نَحْو لَو نَام لانتقض وضوؤه وَنَحْو لَو كَانَت الشَّمْس طالعة كَانَ الضَّوْء مَوْجُودا وَهَذَا لَا يلْزم فِيهِ من امْتنَاع الأول امْتنَاع الثَّانِي كَمَا قدمنَا وَمَا يجوز فِيهِ الْعقل ذَلِك نَحْو لَو جَاءَنِي أكرمته فَإِن الْعقل يجوز انحصار سَبَب الْإِكْرَام فِي الْمَجِيء ويرجحه أَن ذَلِك هُوَ الظَّاهِر من تَرْتِيب الثَّانِي على الأول وَأَنه الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن واستصحاب الأَصْل وَهَذَا النَّوْع يدل فِيهِ الْعقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 على انْتِفَاء الْمُسَبّب الْمسَاوِي لانْتِفَاء السَّبَب لَا على الانتفاء مُطلقًا وَيدل الِاسْتِعْمَال وَالْعرْف على الانتفاء الْمُطلق وَالنَّوْع الثَّانِي قِسْمَانِ أَحدهمَا مَا يُرَاد فِيهِ تَقْرِير الْجَواب وجد الشَّرْط أَو فقد وَلكنه مَعَ فَقده أولى وَذَلِكَ كالأثر عَن عمر فَإِنَّهُ يدل على تَقْرِير عدم الْعِصْيَان على كل حَال وعَلى أَن انْتِفَاء الْمعْصِيَة مَعَ ثُبُوت الْخَوْف أولى وَإِنَّمَا لم تدل على انْتِفَاء الْجَواب لأمرين أَحدهمَا أَن دلالتها على ذَلِك إِنَّمَا هُوَ من بَاب مَفْهُوم الْمُخَالفَة وَفِي هَذَا الْأَثر دلّ مَفْهُوم الْمُوَافقَة على عدم الْمعْصِيَة لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَت الْمعْصِيَة عِنْد عدم الْخَوْف فَعِنْدَ الْخَوْف أولى وَإِذا تعَارض هَذَانِ المفهومان قدم مَفْهُوم الْمُوَافقَة الثَّانِي أَنه لما فقدت الْمُنَاسبَة انْتَفَت الْعلية فَلم يَجْعَل عدم الْخَوْف عِلّة عدم الْمعْصِيَة فَعلمنَا أَن عدم مُعَلل بِأَمْر آخر وَهُوَ الْحيَاء والمهابة والإجلال والإعظام وَذَلِكَ مُسْتَمر مَعَ الْخَوْف فَيكون عدم الْمعْصِيَة عِنْد عدم الْخَوْف مُسْتَندا إِلَى ذَلِك السَّبَب وَحده وَعند الْخَوْف مُسْتَندا إِلَيْهِ فَقَط أَو إِلَيْهِ وَإِلَى الْخَوْف مَعًا وعَلى ذَلِك تتخرج آيَة لُقْمَان لِأَن الْعقل يجْزم بِأَن الْكَلِمَات إِذا لم تنفذ مَعَ كَثْرَة هَذِه الْأُمُور فَلِأَن لَا تنفذ مَعَ قلتهَا وَعدم بَعْضهَا أولى وَكَذَا {وَلَو سمعُوا مَا اسْتَجَابُوا لكم} لِأَن عدم الاستجابة عِنْد عدم السماع أولى وَكَذَا {وَلَو أسمعهم لتولوا} فَإِن التولي عِنْد عدم الإسماع أولى وَكَذَا {لَو أَنْتُم تَمْلِكُونَ خَزَائِن رَحْمَة رَبِّي إِذا لأمسكتم خشيَة الْإِنْفَاق} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 ) فَإِن الْإِمْسَاك عِنْد عدم ذَلِك أولى وَالثَّانِي أَن يكون الْجَواب مقررا على كل حَال من غير تعرض لأولوية نَحْو {وَلَو ردوا لعادوا} فَهَذَا وَأَمْثَاله يعرف ثُبُوته بعلة أُخْرَى مستمرة على التَّقْدِيرَيْنِ وَالْمَقْصُود فِي هَذَا الْقسم تَحْقِيق ثُبُوت الثَّانِي وَأما الِامْتِنَاع فِي الأول فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ حَاصِلا لكنه لَيْسَ الْمَقْصُود وَقد اتَّضَح أَن أفسد تَفْسِير ل لَو قَول من قَالَ حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع وَأَن الْعبارَة الجيدة قَول سِيبَوَيْهٍ رَحمَه الله حرف لما كَانَ سيقع لوُقُوع غَيره وَقَول ابْن مَالك حرف يدل على انْتِفَاء تال وَيلْزم لثُبُوته ثُبُوت تاليه وَلَكِن قد يُقَال إِن فِي عبارَة سِيبَوَيْهٍ إشْكَالًا ونقصا فَأَما الْإِشْكَال فَإِن اللَّام من قَوْله لوُقُوع غَيره فِي الظَّاهِر لَام التَّعْلِيل وَذَلِكَ فَاسد فَإِن عدم نفاد الْكَلِمَات لَيْسَ مُعَللا بِأَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَمَا بعده بل بِأَن صِفَاته سُبْحَانَهُ لَا نِهَايَة لَهَا والإمساك خشيَة الْإِنْفَاق لَيْسَ مُعَللا بملكهم خَزَائِن رَحْمَة الله بل بِمَا طبعوا عَلَيْهِ من الشُّح وَكَذَا التولي وَعدم الاستجابة ليسَا معللين بِالسَّمَاعِ بل بِمَا هم عَلَيْهِ من العتو والضلال وَعدم مَعْصِيّة صُهَيْب لَيست معللة بِعَدَمِ الْخَوْف بل بالمهابة وَالْجَوَاب أَن تقدر اللَّام للتوقيت مثلهَا فِي {لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} أَي إِن الثَّانِي يثبت عِنْد ثُبُوت الأول وَأما النَّقْص فَلِأَنَّهَا لَا تدل على أَنَّهَا دَالَّة على امْتنَاع شَرطهَا وَالْجَوَاب أَنه مَفْهُوم من قَوْله مَا كَانَ سيقع فَإِنَّهُ دَلِيل على أَنه لم يَقع نعم فِي عبارَة ابْن مَالك نقص فَإِنَّهَا لَا تفِيد أَن اقتضاءها للامتناع فِي الْمَاضِي فَإِذا قيل لَو حرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 يَقْتَضِي فِي الْمَاضِي امْتنَاع مَا يَلِيهِ واستلزامه لتاليه كَانَ ذَلِك أَجود الْعبارَات تَنْبِيهَانِ الأول اشْتهر بَين النَّاس السُّؤَال عَن معنى الْأَثر الْمَرْوِيّ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ وَقد وَقع مثله فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي كَلَام الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقل من يتَنَبَّه لَهما فَالْأول قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي بنت أبي سَلمَة إِنَّهَا لَو لم تكن ربيبتي فِي حجري مَا حلت لي إِنَّهَا لابنَة أخي من الرضَاعَة فَإِن حلهَا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُنْتَفٍ من جِهَتَيْنِ كَونهَا ربيبتة فِي حجرَة وَكَونهَا ابْنة أَخِيه من الرضَاعَة كَمَا أَن مَعْصِيّة صُهَيْب منتفية من جهتي المخافة والإجلال وَالثَّانِي قَوْله رَضِي الله عَنهُ لما طول فِي صَلَاة الصُّبْح وَقيل لَهُ كَادَت الشَّمْس تطلع لَو طلعت مَا وجدتنا غافلين لِأَن الْوَاقِع عدم غفلتهم وَعدم طُلُوعهَا وكل مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لم تجدهم غافلين أما الأول فَوَاضِح وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهَا إِذا لم تطلع لم تجدهم الْبَتَّةَ لَا غافلين وَلَا ذاكرين الثَّانِي لهجت الطّلبَة بالسؤال عَن قَوْله تَعَالَى {وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم وَلَو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} وتوجيهه أَن الجملتين يتركب مِنْهُمَا قِيَاس وَحِينَئِذٍ فينتج لَو علم الله فيهم خيرا لتولوا وَهَذَا مُسْتَحِيل وَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه اثْنَان يرجعان إِلَى نفي كَونه قِيَاسا وَذَلِكَ بِإِثْبَات اخْتِلَاف الْوسط أَحدهمَا أَن التَّقْدِير لأسمعهم إسماعا نَافِعًا وَلَو أسمعهم إسماعا غير نَافِع لتولوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَالثَّانِي أَن تقدر وَلَو أسمعهم على تَقْدِير عدم علم الْخَيْر فيهم وَالثَّالِث بِتَقْدِير كَونه قِيَاسا مُتحد الْوسط صَحِيح الانتاج وَالتَّقْدِير وَلَو علم الله فيهم خيرا وقتا مَا لتولوا بعد ذَلِك الْوَقْت 2 - الثَّانِي من أَقسَام لَو أَن تكون حرف شَرط فِي الْمُسْتَقْبل إِلَّا أَنَّهَا لَا تجزم كَقَوْلِه 460 - (وَلَو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ... وَمن دون رمسينا من الأَرْض سبسب) (لظل صدى صوتي وَإِن كنت رمة ... لصوت صدى ليلى يهش ويطرب) وَقَول تَوْبَة 46 - (وَلَو أَن ليلى الأخيلية سلمت ... عَليّ ودوني جندل وصفائح) (لسلمت تَسْلِيم البشاشة أوزقا ... إِلَيْهَا صدى من جَانب الْقَبْر صائح) وَقَوله 46 - (لَا يلفك الراجيك إِلَّا مظْهرا ... خلق الْكِرَام وَلَو تكون عديما) وَقَوله تَعَالَى {وليخش الَّذين لَو تركُوا من خَلفهم ذُرِّيَّة ضعافا خَافُوا عَلَيْهِم} أَي وليخش الَّذين إِن شارفوا وقاربوا أَن يتْركُوا وَإِنَّمَا أولنا التّرْك الحديث: 460 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 بمشارفة التّرْك لِأَن الْخطاب للأوصياء وَإِنَّمَا يتَوَجَّه إِلَيْهِم قبل التّرْك لأَنهم بعده أموات وَمثله {لَا يُؤمنُونَ بِهِ حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الْأَلِيم} أَي حَتَّى يشارفوا رُؤْيَته ويقاربوها لِأَن بعده {فيأتيهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ} وَإِذا رَأَوْهُ ثمَّ جَاءَهُم لم يكن مجيئة لَهُم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ وَيحْتَمل أَن تحمل الرُّؤْيَة على حَقِيقَتهَا وَذَلِكَ على أَن يَكُونُوا يرونه فَلَا يَظُنُّونَهُ عذَابا مثل {وَإِن يرَوا كسفا من السَّمَاء سَاقِطا يَقُولُوا سَحَاب مركوم} أَو يعتقدونه عذَابا وَلَا يَظُنُّونَهُ وَاقعا بهم وَعَلَيْهِمَا فَيكون أَخذه لَهُم بَغْتَة بعد رُؤْيَته وَمن ذَلِك {كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت} أَي إِذا قَارب حُضُوره {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فأمسكوهن} لِأَن بُلُوغ الْأَجَل انْقِضَاء الْعدة وَإِنَّمَا الامساك قبله وَأنكر ابْن الْحَاج فِي نَقده على المقرب مَجِيء لَو للتعليق فِي الْمُسْتَقْبل قَالَ وَلِهَذَا لَا تَقول لَو يقوم زيد فعمرو منطلق كَمَا تَقول ذَلِك مَعَ إِن وَكَذَلِكَ أنكرهُ بدر الدّين ابْن مَالك وَزعم أَن إِنْكَار ذَلِك قَول أَكثر الْمُحَقِّقين قَالَ وَغَايَة مَا فِي أَدِلَّة من أثبت ذَلِك أَن مَا جعل شرطا للو مُسْتَقْبل فِي نَفسه أَو مُقَيّد بمستقبل وَذَلِكَ لَا يُنَافِي امْتِنَاعه فِيمَا مضى لِامْتِنَاع غَيره وَلَا يحوج إِلَى إِخْرَاج لَو عَمَّا عهد فِيهَا من الْمُضِيّ اهـ وَفِي كَلَامه نظر فِي مَوَاضِع أَحدهَا نَقله عَن أَكثر الْمُحَقِّقين فَإنَّا لَا نَعْرِف من كَلَامهم إِنْكَار ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 بل كثير مِنْهُم سَاكِت عَنهُ وَجَمَاعَة مِنْهُم أثبتوه وَالثَّانِي أَن قَوْله وَذَلِكَ لَا يُنَافِي إِلَى آخِره مُقْتَضَاهُ أَن الشَّرْط يمْتَنع لِامْتِنَاع الْجَواب وَالَّذِي قَرَّرَهُ هُوَ وَغَيره من مثبتي الِامْتِنَاع فيهمَا أَن الْجَواب هُوَ الْمُمْتَنع لِامْتِنَاع الشَّرْط وَلم نر أحدا صرح بِخِلَاف ذَلِك إِلَّا ابْن الْحَاجِب وَابْن الخباز فاما ابْن الْحَاجِب فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَمَالِيهِ ظَاهر كَلَامهم أَن الْجَواب امْتنع لِامْتِنَاع الشَّرْط لأَنهم يذكرونها مَعَ لَوْلَا فَيَقُولُونَ لَوْلَا حرف امْتنَاع لوُجُود والممتنع مَعَ لَوْلَا هُوَ الثَّانِي قطعا فَكَذَا يكون قَوْلهم فِي لَو وَغير هَذَا القَوْل أولى لِأَن انْتِفَاء السَّبَب لَا يدل على انْتِفَاء مسببه لجَوَاز أَن يكون ثمَّ أَسبَاب أخر وَيدل على هَذَا {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} فَإِنَّهَا مسوقة لنفي التَّعَدُّد فِي الْآلهَة بامتناع الْفساد لَا أَن امْتنَاع الْفساد لِامْتِنَاع الْآلهَة لِأَنَّهُ خلاف الْمَفْهُوم من سِيَاق أَمْثَال هَذِه الْآيَة وَلِأَنَّهُ لَا يلْزم من انْتِفَاء الْآلهَة انْتِفَاء الْفساد لجَوَاز وُقُوع ذَلِك وَإِن لم يكن تعدد فِي الْآلهَة لِأَن المُرَاد بِالْفَسَادِ فَسَاد نظام الْعَالم عَن حَالَته وَذَلِكَ جَائِز أَن يَفْعَله الْإِلَه الْوَاحِد سُبْحَانَهُ اهـ وَهَذَا الَّذِي قَالَه خلاف الْمُتَبَادر فِي مثل لَو جئتني أكرمتك وَخلاف مَا فسروا بِهِ عبارتهم إِلَّا بدر الدّين فَإِن الْمَعْنى انْقَلب عَلَيْهِ لتصريحه أَولا بِخِلَافِهِ وَإِلَّا ابْن الخباز فَإِنَّهُ من ابْن الْحَاجِب أَخذ وعَلى كَلَامه اعْتمد وَسَيَأْتِي الْبَحْث مَعَه وَقَوله الْمَقْصُود نفي التَّعَدُّد لانْتِفَاء الْفساد مُسلم وَلَكِن ذَاك اعْتِرَاض على من قَالَ إِن لَو حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع وَقد بَينا فَسَاده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 فَإِن قَالَ إِنَّه على تفسيري لَا اعْتِرَاض عَلَيْهِم قُلْنَا فَمَا تصنع ب لَو جئتني لأكرمتك و {وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم} فَإِن المُرَاد نفي الْإِكْرَام والإسماع لانْتِفَاء الْمَجِيء وَعلم الْخَيْر فيهم لَا الْعَكْس وَأما ابْن الخباز فَإِنَّهُ قَالَ فِي شرح الدرة وَقد تَلا قَوْله تَعَالَى {وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا} يَقُول النحويون إِن التَّقْدِير لم نَشأ فَلم نرفعه وَالصَّوَاب لم نرفعه فَلم نَشأ لِأَن نفي اللَّازِم يُوجب نفي الْمَلْزُوم وَوُجُود الْمَلْزُوم يُوجب وجود اللَّازِم فَيلْزم من وجود الْمَشِيئَة وجود الرّفْع وَمن نفي الرّفْع نفي الْمَشِيئَة اهـ وَالْجَوَاب أَن الْمَلْزُوم هُنَا مَشِيئَة الرّفْع لَا مُطلق الْمَشِيئَة وَهِي مُسَاوِيَة للرفع أَي مَتى وجدت وجد وَمَتى انْتَفَت انْتَفَى وَإِذا كَانَ اللَّازِم والملزوم بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة لزم من نفي كل مِنْهُمَا انْتِفَاء الآخر الِاعْتِرَاض الثَّالِث على كَلَام بدر الدّين أَن مَا قَالَه من التَّأْوِيل مُمكن فِي بعض الْمَوَاضِع دون بعض فمما أمكن فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وليخش الَّذين لَو تركُوا} الْآيَة إِذْ لَا يَسْتَحِيل أَن يُقَال لَو شارفت فِيمَا مضى أَنَّك تخلف ذُرِّيَّة ضعافا لخفت عَلَيْهِم لكنك لم تشارف ذَلِك فِيمَا مضى وَمِمَّا لَا يُمكن ذَلِك فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا صَادِقين} وَنَحْو ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَكَون لَو بِمَعْنى إِن قَالَه كثير من النَّحْوِيين فِي نَحْو {وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا صَادِقين} {لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ} {قل لَا يَسْتَوِي الْخَبيث وَالطّيب وَلَو أعْجبك كَثْرَة الْخَبيث} {وَلَو أَعجبتكُم} {وَلَو أعجبكم} {وَلَو أعْجبك حسنهنَّ} وَنَحْو أعْطوا السَّائِل وَلَو جَاءَ على فرس وَقَوله 463 - (قوم إِذا حَاربُوا شدوا مآزرهم ... دون النِّسَاء وَلَو باتت بأطهار) وَأما نَحْو {وَلَو ترى إِذْ وقفُوا على النَّار} {أَن لَو نشَاء أصبناهم} وَقَول كَعْب رَضِي الله عَنهُ 464 - ( ... أرى وأسمع مَا لَو يسمع الْفِيل) فَمن الْقسم الأول لَا من هَذَا الْقسم لِأَن الْمُضَارع فِي ذَلِك مُرَاد بِهِ الْمُضِيّ وَتَقْرِير ذَلِك أَن تعلم أَن خاصية لَو فرض مَا لَيْسَ بواقع وَاقعا وَمن ثمَّ انْتَفَى شَرطهَا الحديث: 463 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 فِي الْمَاضِي وَالْحَال لما ثَبت من كَون متعلقها غير وَاقع وخاصية إِن تَعْلِيق أَمر بِأَمْر مُسْتَقْبل مُحْتَمل وَلَا دلَالَة لَهَا على حكم شَرطهَا فِي الْمَاضِي وَالْحَال فعلى هَذَا قَوْله 465 - ( ... وَلَو باتت بأطهار) يتَعَيَّن فِيهِ معنى إِن لِأَنَّهُ خبر عَن أَمر مُسْتَقْبل مُحْتَمل أما استقباله فَلِأَن جَوَابه مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ شدوا وشدوا مُسْتَقْبل لِأَنَّهُ جَوَاب إِذا وَأما احْتِمَاله فَظَاهر وَلَا يُمكن جعلهَا امتناعية للاستقبال وَالِاحْتِمَال وَلِأَن الْمَقْصُود تحقق ثُبُوت الطُّهْر لَا امْتِنَاعه وَأما قَوْله 466 - (وَلَو تلتقي ... الْبَيْت) وَقَوله 467 - (وَلَو أَن ليلى ... ) فَيحْتَمل أَن لَو فيهمَا بِمَعْنى إِن على أَن المُرَاد مُجَرّد الْإِخْبَار بِوُجُود ذَلِك عِنْد وجود هَذِه الْأُمُور فِي الْمُسْتَقْبل وَيحْتَمل أَنَّهَا على بَابهَا وَأَن الْمَقْصُود فرض هَذِه الْأُمُور وَاقعَة وَالْحكم عَلَيْهَا مَعَ الْعلم بِعَدَمِ وُقُوعهَا وَالْحَاصِل أَن الشَّرْط مَتى كَانَ مُسْتَقْبلا مُحْتملا وَلَيْسَ الْمَقْصُود فَرْضه الْآن أَو فِيمَا مضى فَهِيَ بِمَعْنى إِن وَمَتى كَانَ مَاضِيا أَو حَالا أَو مُسْتَقْبلا وَلَكِن قصد فَرْضه الْآن أَو فِيمَا مضى فَهِيَ الامتناعية 3 - وَالثَّالِث أَن تكون حرفا مصدريا بِمَنْزِلَة أَن إِلَّا أَنَّهَا لَا تنصب الحديث: 465 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وَأكْثر وُقُوع هَذِه بعد ود أَو يود نَحْو {ودوا لَو تدهن} {يود أحدهم لَو يعمر} وَمن وُقُوعهَا بدونهما قَول قتيلة 468 - (مَا كَانَ ضرك لَو مننت وَرُبمَا ... من الْفَتى وَهُوَ المغيظ المحنق) وَقَول الْأَعْشَى 469 - (وَرُبمَا فَاتَ قوما جلّ أَمرهم ... من التأني وَكَانَ الحزم لوعجلوا) وَقَول امْرِئ الْقَيْس 470 - (تجاوزت أحراسا عَلَيْهَا ومعشرا ... عَليّ حراصا لَو يسرون مقتلي) وَأَكْثَرهم لم يثبت وُرُود لَو مَصْدَرِيَّة وَالَّذِي أثْبته الْفراء وَأَبُو عَليّ وَأَبُو الْبَقَاء والتبريزي وَابْن مَالك وَيَقُول المانعون فِي نَحْو {يود أحدهم لَو يعمر ألف سنة} إِنَّهَا شَرْطِيَّة وَإِن مفعول يود وَجَوَاب لَو محذوفان وَالتَّقْدِير يود أحدهم التَّعْمِير لَو يعمر ألف سِتَّة لسره ذَلِك وَلَا خَفَاء بِمَا فِي ذَلِك من التَّكَلُّف وَيشْهد للمثبتين قِرَاءَة بَعضهم {ودوا لَو تدهن فيدهنون} بِحَذْف النُّون فعطف يدهنوا بِالنّصب على تدهن لما كَانَ مَعْنَاهُ أَن تدهن الحديث: 468 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وَيشكل عَلَيْهِم دُخُولهَا على أَن فِي نَحْو {وَمَا عملت من سوء تود لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمدا بَعيدا} وَجَوَابه أَن لَو إِنَّمَا دخلت على فعل مَحْذُوف مُقَدّر بعد لَو تَقْدِيره تود لَو ثَبت أَن بَينهَا وَأورد ابْن مَالك السُّؤَال فِي {فَلَو أَن لنا كرة} وَأجَاب بِمَا ذكرنَا وَبِأَن هَذَا من بَاب توكيد اللَّفْظ بمرادفه نَحْو {فجاجا سبلا} وَالسُّؤَال فِي الْآيَة مَدْفُوع من أَصله لِأَن لَو فِيهَا لَيست مَصْدَرِيَّة وَفِي الْجَواب الثَّانِي نظر لِأَن توكيد الْمَوْصُول قبل مَجِيء صلته شَاذ كَقِرَاءَة زيد بن عَليّ {وَالَّذين من قبلكُمْ} بِفَتْح الْمِيم 4 - وَالرَّابِع أَن تكون لِلتَّمَنِّي نَحْو لَو تَأتِينِي فتحدثني قيل وَمِنْه {لَو أَن لنا كرة} أَي فليت لنا كرة وَلِهَذَا نصب {فنكون} فِي جوابها كَمَا انتصب {فأفوز} فِي جَوَاب لَيْت فِي {يَا لَيْتَني كنت مَعَهم فأفوز} وَلَا دَلِيل فِي هَذَا لجَوَاز أَن يكون النصب فِي {فنكون} مثله فِي {إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا} وَقَول مَيْسُونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 47 - (وَلبس عباءة وتقر عَيْني ... أحب إِلَيّ من لبس الشفوف) وَاخْتلف فِي لَو هَذِه فَقَالَ ابْن الضائع وَابْن هِشَام هِيَ قسم برأسها لَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب كجواب الشَّرْط وَلَكِن قد يُؤْتى لَهَا بِجَوَاب مَنْصُوب كجواب لَيْت وَقَالَ بَعضهم هِيَ لَو الشّرطِيَّة أشربت معنى التَّمَنِّي بِدَلِيل أَنهم جمعُوا لَهَا بَين جوابين جَوَاب مَنْصُوب بعد الْفَاء وَجَوَاب بِاللَّامِ كَقَوْلِه 47 - (فَلَو نبش الْمَقَابِر عَن كُلَيْب ... فيخبر بالذنائب أَي زير) (بِيَوْم الشعثمين لقر عينا ... وَكَيف لِقَاء من تَحت الْقُبُور) وَقَالَ ابْن مَالك هِيَ لَو المصدرية أغنت عَن فعل التَّمَنِّي وَذَلِكَ أَنه أورد قَول الزَّمَخْشَرِيّ وَقد تَجِيء لَو فِي معنى التَّمَنِّي فِي نَحْو لَو تَأتِينِي فتحدثني فَقَالَ إِن أَرَادَ أَن الأَصْل وددت لَو تَأتِينِي فتحدثني فَحذف فعل التَّمَنِّي لدلَالَة لَو عَلَيْهِ فَأَشْبَهت لَيْت فِي الْإِشْعَار بِمَعْنى التَّمَنِّي فَكَانَ لَهَا جَوَاب كجوابها فَصَحِيح أَو أَنَّهَا حرف وضع لِلتَّمَنِّي كليت فَمَمْنُوع لاستلزامه منع الْجمع بَينهَا وَبَين فعل التَّمَنِّي كَمَا لَا يجمع بَينه وَبَين لَيْت اه 5 - الْخَامِس أَن يكون للعرض نَحْو لَو تنزل عندنَا فتصيب خيرا ذكره فِي التسهيل وَذكر ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ وَغَيره لَهَا معنى آخر وَهُوَ الْقَلِيل نَحْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 تصدقوا وَلَو بظلف محرق وَقَوله تَعَالَى {وَلَو على أَنفسكُم} وَفِيه نظر وَهنا مسَائِل إِحْدَاهَا أَن لَو خَاصَّة بِالْفِعْلِ وَقد يَليهَا اسْم مَرْفُوع مَعْمُول لمَحْذُوف يفسره مَا بعده أَو اسْم مَنْصُوب كَذَلِك أَو خبر لَكَانَ محذوفة أَو اسْم هُوَ فِي الظَّاهِر مُبْتَدأ وَمَا بعده خبر فَالْأول كَقَوْلِهِم لَو ذَات سوار لطمتني وَقَول عمر رَضِي الله عَنهُ لَو غَيْرك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة وَقَوله 473 - (لَو غَيْركُمْ علق الزبير بحبله ... أدّى الْجوَار إِلَى بني الْعَوام) وَالثَّانِي نَحْو لَو رَأَيْته أكرمته وَالثَّالِث نَحْو التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد وَاضْرِبْ وَلَو زيدا وَألا مَاء وَلَو بَارِدًا وَقَوله الحديث: 473 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 474 - (لَا يَأْمَن الدَّهْر ذُو بغي وَلَو ملكا ... جُنُوده ضَاقَ عَنْهَا السهل والجبل) وَاخْتلف فِي {قل لَو أَنْتُم تَمْلِكُونَ} فَقيل من الأول وَالْأَصْل لَو تَمْلِكُونَ نملكون فَحذف الْفِعْل الأول فانفصل الضَّمِير وَقيل من الثَّالِث أَي لَو كُنْتُم تَمْلِكُونَ ورد بِأَن الْمَعْهُود بعد لَو حذف كَانَ ومرفوعها مَعًا فَقيل الأَصْل لَو كُنْتُم أَنْتُم تَمْلِكُونَ فحذفا وَفِيه نظر للْجمع بَين الْحَذف والتوكيد وَالرَّابِع نَحْو قَوْله 475 - (لَو بِغَيْر المَاء حلقي شَرق ... كنت كالغصان بِالْمَاءِ اعتصاري) وَقَوله 476 - (لَو فِي طهية أَحْلَام لما عرضوا ... دون الَّذِي أَنا أرميه ويرميني) وَاخْتلف فِيهِ فَقيل مَحْمُول على ظَاهره وَإِن الْجُمْلَة الاسمية وليتها شذوذا كَمَا قيل فِي قَوْله 477 - ( ... فَهَلا نفس ليلى شفيعها) وَقَالَ الْفَارِسِي هُوَ من النَّوْع الأول وَالْأَصْل لَو شَرق حلقي هُوَ شَرق فَحذف الْفِعْل أَولا والمبتدأ آخرا وَقَالَ المتنبي 478 - (وَلَو قلم ألقيت فِي شقّ رَأسه ... من السقم مَا غيرت من خطّ كَاتب) الحديث: 474 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 فَقيل لحن لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يقدر وَلَو ألْقى قلم وَأَقُول رُوِيَ بِنصب قلم وَرَفعه وهما صَحِيحَانِ وَالنّصب أوجه بِتَقْدِير وَلَو لابست قَلما كَمَا يقدر فِي نَحْو زيدا حبست عَلَيْهِ وَالرَّفْع بِتَقْدِير فعل دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى أَي وَلَو حصل قلم أَي وَلَو لوبس قلم كَمَا قَالُوا فِي قَوْله 479 - (إِذا ابْن أبي مُوسَى بِلَالًا بلغته ... ) فِيمَن رفع ابْنا إِن التَّقْدِير إِذا بلغ وعَلى الرّفْع فَيكون ألقيت صفة لقلم وَمن الأولى تعليلية على كل حَال مُتَعَلقَة بألقيت لَا بغيرت لوُقُوعه فِي حيّز مَا النافية وَقد تعلق بغيرت لِأَن مثل ذَلِك يجوز فِي الشّعْر كَقَوْلِه 480 - ( ... وَنحن عَن فضلك مَا استغنينا) الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة تقع أَن بعْدهَا كثيرا نَحْو {وَلَو أَنهم آمنُوا} {وَلَو أَنهم صَبَرُوا} {وَلَو أَنا كتبنَا عَلَيْهِم} {وَلَو أَنهم فعلوا مَا يوعظون بِهِ} وَقَوله الحديث: 479 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 48 - (وَلَو أَن مَا أسعى لأدنى معيشة ... ) وموضعها عِنْد الْجَمِيع رفع فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ بِالِابْتِدَاءِ وَلَا تحْتَاج إِلَى خبر لاشتمال صلتها على الْمسند والمسند إِلَيْهِ واختصت من بَين سَائِر مَا يؤول بِالِاسْمِ بالوقوع بعد لَو كَمَا اخْتصّت غدْوَة بِالنّصب بعد لدن والحين بِالنّصب بعد لات وَقيل على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف ثمَّ قيل يقدر مقدما أَي وَلَو ثَابت إِيمَانهم على حد (وَآيَة لَهُم أَنا حملنَا) وَقَالَ ابْن عُصْفُور بل يقدر هُنَا مُؤَخرا وَيشْهد لَهُ أَنه يَأْتِي مُؤَخرا بعد أما كَقَوْلِه 48 - (عِنْدِي اصطبار وَأما أنني جزع ... يَوْم النَّوَى فلوجد كَاد يبريني) وَذَلِكَ لِأَن لَعَلَّ لَا تقع هُنَا فَلَا تشتبه أَن الْمُؤَكّدَة إِذا قدمت بِالَّتِي بِمَعْنى لَعَلَّ فَالْأولى حِينَئِذٍ أَن يقدر مُؤَخرا على الأَصْل أَي وَلَو إِيمَانهم ثَابت وَذهب الْمبرد والزجاج والكوفيون إِلَى أَنه على الفاعلية وَالْفِعْل مُقَدّر بعْدهَا أَي وَلَو ثَبت أَنهم آمنُوا وَرجح بِأَن فِيهِ إبْقَاء لَو على الِاخْتِصَاص بِالْفِعْلِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَيجب كَون أَن فعلا ليَكُون عوضا من الْفِعْل الْمَحْذُوف ورده ابْن الْحَاجِب وَغَيره بقوله تَعَالَى {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} وَقَالُوا إِنَّمَا ذَاك فِي الْخَبَر الْمُشْتَقّ لَا الجامد كَالَّذي فِي الْآيَة وَفِي قَوْله 483 - (مَا أطيب الْعَيْش لَو أَن الْفَتى حجر ... تنبو الْحَوَادِث عَنهُ وَهُوَ ملموم) وَقَوله الحديث: 483 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 484 - (وَلَو أَنَّهَا عصفورة لحسبتها ... مسومة تَدْعُو عبيدا وأزنما) ورد ابْن مَالك قَول هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ قد جَاءَ اسْما مشتقا كَقَوْلِه 485 - (لَو أَن حَيا مدرك الْفَلاح ... أدْركهُ ملاعب الرماح) وَقد وجدت آيَة فِي التَّنْزِيل وَقع فِيهَا الْخَبَر اسْما مشتقا وَلم يتَنَبَّه لَهَا الزَّمَخْشَرِيّ كَمَا لم يتَنَبَّه لآيَة لُقْمَان وَلَا ابْن الْحَاجِب وَإِلَّا لما منع من ذَلِك وَلَا ابْن مَالك وَإِلَّا لما اسْتدلَّ بالشعر وَهِي قَوْله تَعَالَى {يودوا لَو أَنهم بادون فِي الْأَعْرَاب} وَوجدت آيَة الْخَبَر فِيهَا ظرف لَغْو وَهِي {لَو أَن عندنَا ذكرا من الْأَوَّلين} الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لغَلَبَة دُخُول لَو على الْمَاضِي لم تجزم وَلَو أُرِيد بهَا معنى إِن الشّرطِيَّة وَزعم بَعضهم أَن الْجَزْم بهَا مطرد على لُغَة وَأَجَازَهُ جمَاعَة فِي الشّعْر مِنْهُم ابْن الشجري كَقَوْلِه 486 - (لَو يَشَأْ طَار بِهِ ذُو ميعة ... لَاحق الآطال نهد ذُو خصل) وَقَوله 487 - (تامت فُؤَادك وَلَو يحزنك مَا صنعت ... إِحْدَى نسَاء بني ذهل بن شيبانا) وَقد خرج هَذَا على أَن ضمة الْإِعْرَاب سكنت تَخْفِيفًا كَقِرَاءَة أبي عَمْرو {ينصركم} الحديث: 484 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 و {يشعركم} و {ويأمركم} وَالْأول على لُغَة من يَقُول شا يشا بِأَلف ثمَّ أبدلت همزَة سَاكِنة كَمَا قيل العألم والخأتم وَهُوَ تَوْجِيه قِرَاءَة ابْن ذكْوَان {منسأته} بِهَمْزَة سَاكِنة فَإِن الأَصْل {منسأته} بِهَمْزَة مَفْتُوحَة مفعلة من نسأه إِذا أَخّرهُ ثمَّ أبدلت الْهمزَة ألفا ثمَّ الْألف همزَة سَاكِنة الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة جَوَاب لَو إِمَّا مضارع منفي بلم نَحْو لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ أَو مَاض مُثبت أَو منفي بِمَا وَالْغَالِب على الْمُثبت دُخُول اللَّام عَلَيْهِ نَحْو {لَو نشَاء لجعلناه حطاما} وَمن تجرده مِنْهَا {لَو نشَاء جَعَلْنَاهُ أجاجا} وَالْغَالِب على الْمَنْفِيّ تجرده مِنْهَا نَحْو {وَلَو شَاءَ رَبك مَا فَعَلُوهُ} وَمن اقترانه بهَا قَوْله 488 - (وَلَو نعطى الْخِيَار لما افترقنا ... وَلَكِن لَا خِيَار مَعَ اللَّيَالِي) وَنَظِيره فِي الشذوذ اقتران جَوَاب الْقسم الْمَنْفِيّ بِمَا بهَا كَقَوْلِه 489 - (أما وَالَّذِي لَو شَاءَ لم يخلق النَّوَى ... لَئِن غبت عَن عَيْني لما غبت عَن قلبِي) وَقد ورد جَوَاب لَو الْمَاضِي مَقْرُونا بقد وَهُوَ غَرِيب كَقَوْل جرير 490 - (لَو شِئْت قد نقع الْفُؤَاد بِشَربَة ... تدع الحوائم لَا يجدن غليلا) الحديث: 488 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وَنَظِيره فِي الشذوذ اقتران جَوَاب لَوْلَا بهَا كَقَوْل جرير أَيْضا 49 - ( ... لَوْلَا رجاؤك قد قتلت أَوْلَادِي) قيل وَقد يكون جَوَاب لَو جملَة اسمية مقرونة بِاللَّامِ أَو بِالْفَاءِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَو أَنهم آمنُوا وَاتَّقوا لمثوبة من عِنْد الله خير} وَقيل هِيَ جَوَاب لقسم مُقَدّر وَقَول الشَّاعِر 49 - (قَالَت سَلامَة لم يكن لَك عَادَة ... أَن تتْرك الْأَعْدَاء حَتَّى تعذرا) (لَو كَانَ قتل يَا سَلام فراحة ... لَكِن فَرَرْت مَخَافَة أَن أوسرا) لَوْلَا على أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَن تدخل على جملتين اسمية ففعلية لربط امْتنَاع الثَّانِيَة بِوُجُود الأولى نَحْو لَوْلَا زيد لأكرمتك أَي لَوْلَا زيد مَوْجُود فَأَما قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة فالتقدير لَوْلَا مَخَافَة أَن أشق على أمتِي لأمرتهم أَي أَمر إِيجَاب وَإِلَّا لانعكس مَعْنَاهَا إِذْ الْمُمْتَنع الْمَشَقَّة وَالْمَوْجُود الْأَمر وَلَيْسَ الْمَرْفُوع بعد لَوْلَا فَاعِلا بِفعل مَحْذُوف وَلَا بلولا لنيابتها عَنهُ وَلَا بهَا أَصَالَة خلافًا لزاعمي ذَلِك بل رَفعه بِالِابْتِدَاءِ ثمَّ قَالَ أَكْثَرهم يجب كَون الْخَبَر كونا مُطلقًا محذوفا فَإِذا أُرِيد الْكَوْن الْمُقَيد لم يجز أَن تَقول لَوْلَا زيد قَائِم وَلَا أَن تحذفه بل تجْعَل مصدره هُوَ الْمُبْتَدَأ فَتَقول لَوْلَا قيام زيد لأتيتك أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 تدخل أَن على الْمُبْتَدَأ فَتَقول لَوْلَا أَن زيدا قَائِم وَتصير أَن وصلتها مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر وجوبا أَو مُبْتَدأ لَا خبر لَهُ أَو فَاعِلا بثبت محذوفا على الْخلاف السَّابِق فِي فصل لَو وَذهب الرماني وَابْن الشجري والشلوبين وَابْن مَالك إِلَى أَنه يكون كونا مُطلقًا كالوجود والحصول فَيجب حذفه وكونا مُقَيّدا كالقيام وَالْقعُود فَيجب ذكره إِن لم يعلم نَحْو لَوْلَا قَوْمك حديثو عهد بِالْإِسْلَامِ لهدمت الْكَعْبَة وَيجوز الْأَمْرَانِ إِن علم وَزعم ابْن الشجري أَن من ذكره {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته} وَهَذَا غير مُتَعَيّن لجَوَاز تعلق الظّرْف بِالْفَضْلِ ولحن جمَاعَة مِمَّن أطلق وجوب حذف الْخَبَر المعري فِي قَوْله فِي وصف سيف 493 - (يذيب الرعب مِنْهُ كل عضب ... فلولا الغمد يمسِكهُ لسالا) وَلَيْسَ بجيد لاحْتِمَال تَقْدِير يمسِكهُ بدل اشْتِمَال على أَن الأَصْل أَن يمسِكهُ ثمَّ حذفت أَن وارتفع الْفِعْل أَو تَقْدِير يمسِكهُ جملَة مُعْتَرضَة وَقيل يحْتَمل أَنه حَال من الْخَبَر الْمَحْذُوف وَهَذَا مَرْدُود بِنَقْل الْأَخْفَش أَنهم لَا يذكرُونَ الْحَال بعْدهَا لِأَنَّهُ خبر فِي الْمَعْنى وعَلى الْإِبْدَال والاعتراض وَالْحَال عِنْد من قَالَ بِهِ يتَخَرَّج أَيْضا قَول تِلْكَ الْمَرْأَة 494 - (فوَاللَّه لَوْلَا الله تخشى عواقبه ... لزعزع من هَذَا السرير جوانبه) وَزعم ابْن الطراوة أَن جَوَاب لَوْلَا أبدا هُوَ خبر الْمُبْتَدَأ وَيَردهُ أَنه لَا رابط بَينهمَا وَإِذا ولي لَوْلَا مُضْمر فحقه أَن يكون ضمير رفع نَحْو {لَوْلَا أَنْتُم لَكنا} الحديث: 493 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 مُؤمنين) وَسمع قَلِيلا لولاي ولولاك ولولاه خلافًا للمبرد ثمَّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور هِيَ جَارة للضمير مُخْتَصَّة بِهِ كَمَا اخْتصّت حَتَّى وَالْكَاف بِالظَّاهِرِ وَلَا تتَعَلَّق لَوْلَا بِشَيْء وَمَوْضِع الْمَجْرُور بهَا رفع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَحْذُوف وَقَالَ الْأَخْفَش الضَّمِير مُبْتَدأ وَلَوْلَا غير جَارة وَلَكنهُمْ أنابوا الضَّمِير المخفوض عَن الْمَرْفُوع كَمَا عكسوا إِذْ قَالُوا مَا أَنا كَأَنْت وَلَا أَنْت كأنا وَقد أسلفنا أَن النِّيَابَة إِنَّمَا وَقعت فِي الضمائر الْمُنْفَصِلَة لشبهها فِي استقلالها بالأسماء الظَّاهِرَة فَإِذا عطف عَلَيْهِ اسْم ظَاهر نَحْو لولاك وَزيد تعين رَفعه لِأَنَّهَا لَا تخْفض الظَّاهِر الثَّانِي أَن تكون للتحضيض وَالْعرض فتختص بالمضارع أَو مَا فِي تَأْوِيله نَحْو {لَوْلَا تستغفرون الله} وَنَحْو {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب} وَالْفرق بَينهمَا أَن التحضيض طلب بحث وإزعاج وَالْعرض طلب بلين وتأدب وَالثَّالِث أَن تكون للتوبيخ والتنديم فتختص بالماضي نَحْو {لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء} {فلولا نَصرهم الَّذين اتَّخذُوا من دون الله قربانا آلِهَة} وَمِنْه {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا} إِلَّا أَن الْفِعْل أخر وَقَوله 495 - (تَعدونَ عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لَوْلَا الكمي المقنعا) الحديث: 495 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 إِلَّا أَن الْفِعْل أضمر أَي لَوْلَا عددتم وَقَول النَّحْوِيين لَوْلَا تَعدونَ مَرْدُود إِذْ لم يرد أَن يحضهم على أَن يعدو فِي الْمُسْتَقْبل بل المُرَاد توبيخهم على ترك عده فِي الْمَاضِي وَإِنَّمَا قَالَ تَعدونَ على حِكَايَة الْحَال فَإِن كَانَ مُرَاد النَّحْوِيين مثل ذَلِك فَحسن وَقد فصلت من الْفِعْل بإذ وَإِذا معمولين لَهُ وبجملة شَرْطِيَّة مُعْتَرضَة فَالْأول نَحْو {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ} {فلولا إِذْ جَاءَهُم بأسنا تضرعوا} وَالثَّانِي وَالثَّالِث نَحْو {فلولا إِذا بلغت الْحُلْقُوم وَأَنْتُم حِينَئِذٍ تنْظرُون وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم وَلَكِن لَا تبصرون فلولا إِن كُنْتُم غير مدينين ترجعونها} الْمَعْنى فَهَلا ترجعون الرّوح إِذا بلغت الْحُلْقُوم إِن كُنْتُم غير مدينين وحالتكم أَنكُمْ تشاهدون ذَلِك وَنحن أقرب إِلَى المحتضر مِنْكُم بعلمنا أَو بِالْمَلَائِكَةِ وَلَكِنَّكُمْ لَا تشاهدون ذَلِك وَلَوْلَا الثَّانِيَة تكْرَار للأولى الرَّابِع الِاسْتِفْهَام نَحْو {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب} {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} قَالَه الْهَرَوِيّ وَأَكْثَرهم لَا يذكرهُ وَالظَّاهِر أَن الأولى للعرض وَأَن الثَّانِيَة مثل {لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء} وَذكر الْهَرَوِيّ أَنَّهَا تكون نَافِيَة بِمَنْزِلَة لم وَجعل مِنْهُ {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت فنفعها إيمَانهَا إِلَّا قوم يُونُس} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ) وَالظَّاهِر أَن الْمَعْنى على التوبيخ أَي فَهَلا كَانَت قَرْيَة وَاحِدَة من الْقرى الْمهْلكَة تابت عَن الْكفْر قبل مَجِيء الْعَذَاب فنفعها ذَلِك وَهُوَ تَفْسِير الْأَخْفَش وَالْكسَائِيّ وَالْفراء وَعلي بن عِيسَى والنحاس وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة أبي وَعبد الله / فَهَلا كَانَت / وَيلْزم من هَذَا الْمَعْنى النَّفْي لِأَن التوبيخ يَقْتَضِي عدم الْوُقُوع وَقد يتَوَهَّم أَن الزَّمَخْشَرِيّ قَائِل بِأَنَّهَا للنَّفْي لقَوْله وَالِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع بِمَعْنى لَكِن وَيجوز كَونه مُتَّصِلا وَالْجُمْلَة فِي معنى النَّفْي كَأَنَّهُ قيل مَا آمَنت وَلَعَلَّه إِنَّمَا أَرَادَ مَا ذكرنَا وَلِهَذَا قَالَ وَالْجُمْلَة فِي معنى النَّفْي وَلم يقل وَلَوْلَا للنَّفْي وَكَذَا قَالَ فِي {فلولا إِذْ جَاءَهُم بأسنا تضرعوا} مَعْنَاهُ نفي التضرع وَلكنه جِيءَ بلولا ليفاد أَنهم لم يكن لَهُم عذر فِي ترك التضرع إِلَّا عنادهم وقسوة قُلُوبهم وإعجابهم بأعمالهم الَّتِي زينها الشَّيْطَان لَهُم اه فَإِن احْتج مُحْتَج للهروي بِأَنَّهُ قرئَ بِنصب {قوم} على أصل الِاسْتِثْنَاء وَرَفعه على الْإِبْدَال فَالْجَوَاب أَن الْإِبْدَال يَقع بعد مَا فِيهِ رَائِحَة النَّفْي كَقَوْلِه 496 - ( ... عاف تغير إِلَّا النؤي والوتد) فَرفع لما كَانَ تغير بِمَعْنى لم يبْق على حَاله وأدق من هَذَا قِرَاءَة بَعضهم {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} لما كَانَ شربوا مِنْهُ فِي معنى فَلم يَكُونُوا مِنْهُ الحديث: 496 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 بِدَلِيل {فَمن شرب مِنْهُ فَلَيْسَ مني} ويوضح لَك ذَلِك أَن الْبَدَل فِي غير الْمُوجب أرجح من النصب وَقد أَجمعت السَّبْعَة على النصب فِي {إِلَّا قوم يُونُس} فَدلَّ على أَن الْكَلَام مُوجب وَلَكِن فِيهِ رَائِحَة غير الْإِيجَاب كَمَا فِي قَوْله ( ... عاف تغير إِلَّا النؤي والوتد) تَنْبِيه لَيْسَ من أَقسَام لَوْلَا الْوَاقِعَة فِي نَحْو قَوْله 497 - (أَلا زعمت أَسمَاء أَن لَا أحبها ... فَقلت بلَى لَوْلَا يُنَازعنِي شغلي) لِأَن هَذِه كلمتان بِمَنْزِلَة قَوْلك لَو لم وَالْجَوَاب مَحْذُوف أَي لَو لم يُنَازعنِي شغلي لزرتك وَقيل بل هِيَ لَوْلَا الامتناعية وَالْفِعْل بعْدهَا على إِضْمَار أَن على حد قَوْلهم تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ لوما بِمَنْزِلَة لَوْلَا تَقول لوما زيد لأكرمتك فِي التَّنْزِيل {لَو مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} وَزعم المالقي أَنهم لم تأت إِلَّا للتحضيض وَيَردهُ قَول الشَّاعِر 498 - (لَو مَا الْإِضَافَة للوشاة لَكَانَ لي ... من بعد شخطك فِي رضاك رَجَاء) الحديث: 497 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 لم حرف جزم لنفي الْمُضَارع وَقَلبه مَاضِيا نَحْو {لم يلد وَلم يُولد} الْآيَة وَقد يرفع الْفِعْل الْمُضَارع بعْدهَا كَقَوْلِه 499 - (لَوْلَا فوارس من نعم وأسرتهم ... يَوْم الصليفاء لم يُوفونَ بالجار) فَقيل ضَرُورَة وَقَالَ ابْن مَالك لُغَة وَزعم اللحياني أَن بعض الْعَرَب ينصب بهَا كَقِرَاءَة بَعضهم {ألم نشرح} وَقَوله 500 - (فِي أَي يومي من الْمَوْت أفر ... أيوم لم يقدر أم يَوْم قدر) وخرجا على أَن الأَصْل نشرحن ويقدرن ثمَّ حذفت نون التوكيد الْخَفِيفَة وَبقيت الفتحة دَلِيلا عَلَيْهَا وَفِي هَذَا شذوذان توكيد الْمَنْفِيّ بلم وَحذف النُّون لغير وقف وَلَا ساكنين وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الأَصْل يقدر بِالسُّكُونِ ثمَّ لما تجاورت الْهمزَة الْمَفْتُوحَة وَالرَّاء الساكنة وَقد أجرت الْعَرَب السَّاكِن المجاور للمحرك مجْرى المحرك والمحرك مجْرى السَّاكِن إِعْطَاء للْجَار حكم مجاوره أبدلوا الْهمزَة المحركة ألفا كَمَا تبدل الْهمزَة الساكنة بعد الفتحة يَعْنِي وَلزِمَ حِينَئِذٍ فتح مَا قبلهَا إِذْ لَا تقع الْألف إِلَّا بعد فَتْحة قَالَ وعَلى ذَلِك قَوْلهم المراة والكماة بِالْألف وَعَلِيهِ خرج أَبُو عَليّ قَول عبد يَغُوث الحديث: 499 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 50 - ( ... كَأَن لم ترا قبلي أَسِيرًا يَمَانِيا) فَقَالَ أَصله ترأى بِهَمْزَة بعْدهَا ألف كَمَا قَالَ سراقَة الْبَارِقي 50 - (أرِي عَيْني مالم ترأياه ... ) ثمَّ حذفت الْألف للجازم ثمَّ أبدلت الْهمزَة ألفا لما ذكرنَا وأقيس من تخريجهما أَن يُقَال فِي قَوْله 503 - ( ... أيوم لم يقدر) نقلت حَرَكَة همزَة أم إِلَى رَاء يقدر ثمَّ بدلت الْهمزَة الساكنة ألفا ثمَّ الْألف همزَة متحركة لالتقاء الساكنين وَكَانَت الْحَرَكَة فَتْحة إتباعا لفتحة الرَّاء كَمَا فِي {وَلَا الضَّالّين} فِيمَن همزه وَكَذَلِكَ القَوْل فِي المراة والكماة وَقَوله 504 - ( ... كَأَن لم تراا قبلي أَسِيرًا يَمَانِيا) وَلَكِن لم تحرّك الْألف فِيهِنَّ لعدم التقاء الساكنين وَقد تفصل من مجزومها فِي الضَّرُورَة بالظرف كَقَوْلِه 505 - (فَذَاك وَلم إِذا نَحن امترينا ... تكن فِي النَّاس يدركك المراء) وَقَوله الحديث: 503 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 506 - (فأضحت مغانيها قفارا رسومها ... كَأَن لم سوى أهل من الْوَحْش تؤهل) وَقد يَليهَا الِاسْم مَعْمُولا لفعل مَحْذُوف يفسره مَا بعده كَقَوْلِه 507 - (ظَنَنْت فَقِيرا ذَا غنى ثمَّ نلته ... فَلم ذَا رَجَاء ألقه غير واهب) لما على ثَلَاثَة أوجه 1 - أَحدهَا أَن تخْتَص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه مَاضِيا كلم إِلَّا أَنَّهَا تفارقها فِي خَمْسَة أُمُور أَحدهَا أَنَّهَا لَا تقترن بأداة شَرط لَا يُقَال إِن لما تقم وَفِي التَّنْزِيل {وَإِن لم تفعل} {وَإِن لم ينْتَهوا} الثَّانِي أَن منفيها مُسْتَمر النَّفْي إِلَى الْحَال كَقَوْلِه 508 - (فَإِن كنت مَأْكُولا فَكُن خير آكل ... وَإِلَّا فأدركني وَلما أمزق) ومنفي لم حتمل الِاتِّصَال نَحْو {وَلم أكن بدعائك رب شقيا} والانقطاع مثل {لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} وَلِهَذَا جَازَ لم يكن ثمَّ كَانَ وَلم يجز لما الحديث: 506 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 يكن ثمَّ كَانَ بل يُقَال لما يكن وَقد يكون وَمثل ابْن مَالك للنَّفْي الْمُنْقَطع بقوله 509 - (وَكنت إِذْ كنت إلهي وحدكا ... لم يَك شَيْء يَا إلهي قبلكا) وَتَبعهُ ابْنه فِيمَا كتب على التسهيل وَذَلِكَ وهم فَاحش ولامتداد النَّفْي بعد لما لم يجز اقترانها بِحرف التعقيب بِخِلَاف لم تَقول قُمْت فَلم تقم لِأَن مَعْنَاهُ وَمَا قُمْت عقيب قيامي وَلَا يجوز قُمْت فَلَمَّا تقم لِأَن مَعْنَاهُ وَمَا قُمْت إِلَى الْآن الثَّالِث أَن منفي لما لَا يكون إِلَّا قَرِيبا من الْحَال وَلَا يشْتَرط ذَلِك فِي منفي لم تَقول لم يكن زيد فِي الْعَام الْمَاضِي مُقيما وَلَا يجوز لما يكن وَقَالَ ابْن مَالك لَا يشْتَرط كَون منفي لما قَرِيبا من الْحَال مثل عصى إِبْلِيس ربه وَلما ينْدَم بل ذَلِك غَالب لَا لَازم الرَّابِع أَن منفي لما متوقع ثُبُوته بِخِلَاف منفي لم أَلا ترى أَن معنى {بل لما يَذُوقُوا عَذَاب} أَنهم لم يذوقوه إِلَى الْآن وَأَن ذوقهم لَهُ متوقع قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي {وَلما يدْخل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ} مَا فِي لما من معنى التوقع دَال على أَن هَؤُلَاءِ قد آمنُوا فِيمَا بعد اه وَلِهَذَا أَجَازُوا لم يقْض مَالا يكون ومنعوه فِي لما وَهَذَا الْفرق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْتَقْبل فَأَما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَاضِي فهما سيان فِي نفي المتوقع وَغَيره وَمِثَال المتوقع أَن تَقول مَالِي قُمْت وَلم تقم أَو وَلما تقم وَمِثَال غير المتوقع أَن تَقول ابْتِدَاء لم تقم أَو لما تقم الحديث: 509 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الْخَامِس أَن منفي لما جَائِز الْحَذف لدَلِيل كَقَوْلِه 510 - (فَجئْت قُبُورهم بَدَأَ وَلما ... فناديت الْقُبُور فَلم يجبنه) أَي وَلما أكن بَدَأَ قبل ذَلِك أَي سيدا وَلَا يجوز وصلت إِلَى بَغْدَاد وَلم تُرِيدُ وَلم أدخلها فَأَما قَوْله 51 - (احفظ وديعتك الَّتِي استودعتها ... يَوْم الأعازب إِن وصلت وان لم) فضرورة وَعلة هَذِه الْأَحْكَام كلهَا أَن لم لنفي فعل وَلما لنفي قد فعل 2 - الثَّانِي من أوجه لما أَن تخْتَص بالماضي فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عِنْد وجود أولاهما نَحْو لما جَاءَنِي أكرمته وَيُقَال فِيهَا حرف وجود لوُجُود وَبَعْضهمْ يَقُول حرف وجوب لوُجُوب وَزعم ابْن السراج وَتَبعهُ الْفَارِسِي وتبعهما ابْن جني وتبعهم جمَاعَة أَنَّهَا ظرف بِمَعْنى حِين وَقَالَ ابْن مَالك بِمَعْنى إِذْ وَهُوَ حسن لِأَنَّهَا مُخْتَصَّة بالماضي وبالإضافة إِلَى الْجُمْلَة ورد ابْن خروف على مدعي الاسمية بِجَوَاز أَن يُقَال لما أكرمتني أمس أكرمتك الْيَوْم لِأَنَّهَا إِذا قدرت طرفا كَانَ عاملها الْجَواب وَالْوَاقِع فِي الْيَوْم لَا يكون فِي الأمس وَالْجَوَاب أَن هَذَا مثل {إِن كنت قلته فقد عَلمته} وَالشّرط لَا يكون إِلَّا مُسْتَقْبلا وَلَكِن الْمَعْنى إِن ثَبت أَنِّي كنت قلته وَكَذَا هُنَا الْمَعْنى لما ثَبت الْيَوْم اكرامك لي أمس أكرمتك الحديث: 510 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وَيكون جوابها فعلا مَاضِيا اتِّفَاقًا وَجُمْلَة اسمية مقرونة بإذا الفجائية أَو بِالْفَاءِ عِنْد ابْن مَالك وفعلا مضارعا عِنْد ابْن عُصْفُور دَلِيل الأول {فَلَمَّا نجاكم إِلَى الْبر أعرضتم} وَالثَّانِي {فَلَمَّا نجاهم إِلَى الْبر إِذا هم يشركُونَ} وَالثَّالِث {فَلَمَّا نجاهم إِلَى الْبر فَمنهمْ مقتصد} وَالرَّابِع {فَلَمَّا ذهب عَن إِبْرَاهِيم الروع وجاءته الْبُشْرَى يجادلنا} وَهُوَ مؤول بجادلنا وَقيل فِي آيَة الْفَاء إِن الْجَواب مَحْذُوف أَي انقسموا قسمَيْنِ فَمنهمْ مقتصد وَفِي آيَة الْمُضَارع إِن الْجَواب {وجاءته الْبُشْرَى} على زِيَادَة الْوَاو أَو مَحْذُوف أَي أقبل يجادلنا وَمن مُشكل لما هَذِه قَول الشَّاعِر 51 - (أَقُول لعبد الله لما سقاؤنا ... وَنحن بوادي عبد شمس وهَاشِم) فَيُقَال أَيْن فعلاها وَالْجَوَاب أَن سقاؤنا فَاعل بِفعل مَحْذُوف يفسره وَهِي بِمَعْنى سقط وَالْجَوَاب مَحْذُوف تَقْدِيره قلت بِدَلِيل قَوْله أَقُول وَقَوله شم أَمر من قَوْلك شمت الْبَرْق إِذا نظرت إِلَيْهِ وَالْمعْنَى لما سقط سقاؤنا قلت لعبد الله شمه 3 - وَالثَّالِث أَن تكون حرف اسْتثِْنَاء فَتدخل على الْجُمْلَة الاسمية نَحْو {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} فِيمَن شدد الْمِيم وعَلى الْمَاضِي لفظا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 لَا معنى نَحْو أنْشدك الله لما فعلت أَي مَا أَسأَلك إِلَّا فعلك قَالَ 513 - (قَالَت لَهُ بِاللَّه يَا ذَا البردين ... لما غنثت نفسا أَو اثْنَيْنِ) وَفِيه رد لقَوْل الْجَوْهَرِي إِن لما بِمَعْنى إِلَّا غير مَعْرُوف فِي اللُّغَة وَتَأْتِي لما مركبة من كَلِمَات وَمن كَلِمَتَيْنِ فَأَما المركبة من كَلِمَات فَكَمَا تقدم فِي {وَإِن كلا لما ليوفينهم رَبك} فِي قِرَاءَة ابْن عَامر وَحَمْزَة وَحَفْص بتَشْديد نون إِن وَمِيم لما فِيمَن قَالَ الأَصْل لمن مَا فأبدلت النُّون ميما وأدغمت فَلَمَّا كثرت الميمات حذفت الأولى وَهَذَا القَوْل ضَعِيف لِأَن حذف مثل هَذِه الْمِيم استثقالا لم يثبت وأضعف مِنْهُ قَول آخر إِن الأَصْل لما بِالتَّنْوِينِ بِمَعْنى جمعا ثمَّ حذف التَّنْوِين إِجْرَاء للوصل مجْرى الْوَقْف لِأَن اسْتِعْمَال لما فِي هَذَا الْمَعْنى بعيد وَحذف التَّنْوِين من المنصرف فِي الْوَصْل أبعد وأضعف من هَذَا قَول آخر إِنَّه فعلى من اللمم وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَلكنه منع الصّرْف لِأَلف التَّأْنِيث وَلم يثبت اسْتِعْمَال هَذِه اللَّفْظَة وَإِذا كَانَ فعلى فَهَلا كتب بِالْيَاءِ وهلا أماله من قَاعِدَته الإمالة وَاخْتَارَ ابْن الْحَاجِب أَنَّهَا لما الجازمة حذف فعلهَا وَالتَّقْدِير لما يهملوا أَو لما يتْركُوا لدلَالَة مَا تقدم من قَوْله تَعَالَى {فَمنهمْ شقي وَسَعِيد} ثمَّ ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم قَالَ وَلَا أعرف وَجها أشبه من هَذَا وَإِن كَانَت النُّفُوس تستبعده من جِهَة أَن مثله لم يَقع فِي التَّنْزِيل وَالْحق أَلا يستبعد لذَلِك اه وَفِي تَقْدِيره نظر وَالْأولَى عِنْدِي أَن يقدر لما يوفوا أَعْمَالهم أَي أَنهم إِلَى الْآن لم يوفوها وسيوفونها وَوجه الحديث: 513 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 رحجانه أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن بعده {ليوفينهم} وَهُوَ دَلِيل على أَن التوفية لم تقع بعد وَأَنَّهَا ستقع وَالثَّانِي أَن منفي لما متوقع الثُّبُوت كَمَا قدمنَا والإهمال غير متوقع الثُّبُوت وَأما قِرَاءَة أبي بكر بتَخْفِيف إِن وَتَشْديد لما فتحتمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَيَأْتِي فِي لما تِلْكَ الْأَوْجه وَالثَّانِي أَن تكون إِن نَافِيَة وكلاا مفعول بإضمار أرى وَلما بِمَعْنى إِلَّا وَأما قِرَاءَة النَّحْوِيين بتَشْديد النُّون وَتَخْفِيف الْمِيم وَقِرَاءَة الحرميين بتخفيفهما ف إِن فِي الأولى على أَصْلهَا من التَّشْدِيد وَوُجُوب الإعمال وَفِي الثَّانِيَة مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وأعملت على أحد الْوَجْهَيْنِ وَاللَّام من لما فيهمَا لَام الِابْتِدَاء قيل أَو هِيَ فِي قِرَاءَة التَّخْفِيف الفارقة بَين إِن النافية والمخففة من الثَّقِيلَة وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن تِلْكَ إِنَّمَا تكون عِنْد تَخْفيف إِن وإهمالها وَمَا زَائِدَة للفصل بَين اللامين كَمَا زيدت الْألف للفصل بَين الهمزتين فِي نَحْو {أأنذرتهم} وَبَين النونات فِي نَحْو اضربنان يَا نسْوَة قيل وَلَيْسَت مَوْصُولَة بجملة الْقسم لِأَنَّهَا إنشائية وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الصِّلَة فِي الْمَعْنى جملَة الْجَواب وَإِنَّمَا جملَة الْقسم مسوقة لمُجَرّد التوكيد وَيشْهد لذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَإِن مِنْكُم لمن ليبطئن} لَا يُقَال لَعَلَّ من نكرَة أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 لفريق ليبطئن لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تكون مَوْصُوفَة وَجُمْلَة الصّفة كجملة الصِّلَة فِي اشْتِرَاط الخبرية وَأما المركبة من كَلِمَتَيْنِ فكقوله 514 - (لما رَأَيْت أَبَا يزِيد مُقَاتِلًا ... أدع الْقِتَال وَأشْهد الهيجاء) وَهُوَ لغز يُقَال فِيهِ أَيْن جَوَاب لما وَبِمَ انتصب أدع وَجَوَاب الأول أَن الأَصْل لن مَا ثمَّ أدغمت النُّون فِي الْمِيم للتقارب ووصلا خطا للإلغاز وَإِنَّمَا حَقّهمَا إِن يكبا منفصلين وَنَظِيره فِي الإلغاز قَوْله 515 - (عافت المَاء فِي الشتَاء فَقُلْنَا ... برديه تصادفيه سخينا) فَيُقَال كَيفَ يكون التبريد سَببا لمصادفته سخينا وَجَوَابه أَن الأَصْل بل رديه ثمَّ كتب على لَفظه للإلغاز وَعَن الثَّانِي أَن انتصابه بلن وَمَا الظَّرْفِيَّة وصلتها ظرف لَهُ فاصل بَينه وَبَين لن للضَّرُورَة فَيسْأَل حِينَئِذٍ كَيفَ يجْتَمع قَوْله لن أدع الْقِتَال مَعَ قَوْله لن أشهد الهيجاء فيجاب بِأَن أشهد لَيْسَ مَعْطُوفًا على أدع بل نَصبه بِأَن مضمرة وَأَن وَالْفِعْل عطف على الْقِتَال أَي لن أدع الْقِتَال وشهود الهيجاء على حد قَول مَيْسُونُ 516 - (وَلبس عباءة وتقر عَيْني ... ) لن حرف نصب وَنفي واستقبال وَلَيْسَ أَصله وأصل لم لَا فأبدلت الْألف نونا فِي لن وميما فِي لم خلافًا للفراء لِأَن الْمَعْرُوف إِنَّمَا هُوَ إِبْدَال النُّون الحديث: 514 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 ألفا لَا الْعَكْس نَحْو {لنسفعا} و {ليكونا} وَلَا أصل لن لَا أَن فحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا وَالْألف للساكنين خلافًا للخليل وَالْكسَائِيّ بِدَلِيل جَوَاز تَقْدِيم مَعْمُول معمولها عَلَيْهَا نَحْو زيدا لن أضْرب خلافًا للأخفش الصَّغِير وَامْتِنَاع نَحْو زيدا يُعجبنِي أَن تضرب خلافًا للفراء وَلِأَن الْمَوْصُول وصلته مُفْرد وَلنْ أفعل كَلَام تَامّ وَقَول الْمبرد إِنَّه مُبْتَدأ حذف خَبره أَي لَا الْفِعْل وَاقع مَرْدُود بِأَنَّهُ لم ينْطق بِهِ مَعَ أَنه لم يسد شَيْء مسده بِخِلَاف نَحْو لَوْلَا زيد لأكرمتك وَبِأَن الْكَلَام تَامّ بِدُونِ الْمُقدر وَبِأَن الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة الاسمية وَاجِبَة التّكْرَار إِذا لم تعْمل وَلَا الْتِفَات لَهُ فِي دَعْوَى عدم وجوب ذَلِك فَإِن الاستقراء يشْهد بذلك وَلَا تفِيد لن توكيد النَّفْي خلافًا للزمخشري فِي كشافه وَلَا تأبيده خلافًا لَهُ فِي أنموذجه وَكِلَاهُمَا دَعْوَى بِلَا دَلِيل قيل وَلَو كَانَت للتأبيد لم يُقيد منفيها بِالْيَوْمِ فِي {فَلَنْ أكلم الْيَوْم إنسيا} ولكان ذكر الْأَبَد فِي {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} تَكْرَارا وَالْأَصْل عَدمه وَتَأْتِي للدُّعَاء كَمَا أَتَت لَا لذَلِك وفَاقا لجَماعَة مِنْهُم ابْن عُصْفُور وَالْحجّة فِي قَوْله 517 - (لن تزالوا كذلكم ثمَّ لَا زلت ... لكم خَالِدا خُلُود الْجبَال) الحديث: 517 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وَأما قَوْله تَعَالَى {قَالَ رب بِمَا أَنْعَمت عَليّ فَلَنْ أكون ظهيرا للمجرمين} فَقيل لَيْسَ مِنْهُ لِأَن فعل الدُّعَاء لَا يسند إِلَى الْمُتَكَلّم بل إِلَى الْمُخَاطب أَو الْغَائِب نَحْو يَا رب لَا عذبت فلَانا وَنَحْو لَا عذب الله عمرا اه وَيَردهُ قَوْله (ثمَّ لَا زلت ... لكم خَالِدا خُلُود الْجبَال) وتلقي الْقسم بهَا وبلم نَادِر جدا كَقَوْل أبي طَالب 518 - (وَالله لن يصلوا إِلَيْك بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوَسَّد فِي التُّرَاب دَفِينا) وَقيل لبَعْضهِم أَلَك بنُون فَقَالَ نعم وخالقهم لم تقم عَن مثلهم منجبة وَيحْتَمل هَذَا أَن يكون على حذف الْجَواب أَي إِن لي لبنين ثمَّ اسْتَأْنف جملَة النَّفْي وَزعم بَعضهم أَنَّهَا قد تجزم كَقَوْلِه 519 - ( ... فَلَنْ يحل للعينين بعْدك منظر) وَقَوله 520 - (لن يخب الْآن من رجائك من ... حرك من دون بابك الحلقه) وَالْأول مُحْتَمل للاجتزاء بالفتحة عَن الْألف للضَّرُورَة لَيْت حرف تمن يتَعَلَّق بالمستحيل غَالِبا كَقَوْلِه الحديث: 518 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 52 - (فياليت الشَّبَاب يعود يَوْمًا ... فَأخْبرهُ بِمَا فعل المشيب) وبالممكن قَلِيلا وَحكمه أَن ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر قَالَ الْفراء وَبَعض أَصْحَابه وَقد ينصبهما كَقَوْلِه 52 - ( ... يَا لَيْت أَيَّام الصِّبَا رواجعا) وَبني على ذَلِك ابْن المعتز قَوْله 523 - (مرت بِنَا سحرًا طير فَقلت لَهَا ... طوباك ياليتني إياك طوباك) وَالْأول عندنَا مَحْمُول على حذف الْخَبَر وَتَقْدِيره أَقبلت لَا تكون خلافًا للكسائي لعدم تقدم إِن وَلَو الشرطيتين وَيصِح بَيت ابْن المعتز على إنابة ضمير النصب عَن ضمير الرّفْع وتقترن بهَا مَا الحرفية فَلَا تزيلها عَن الِاخْتِصَاص بالأسماء لَا يُقَال ليتما قَامَ زيد خلافًا لِابْنِ أبي الرّبيع وطاهر الْقزْوِينِي وَيجوز حِينَئِذٍ إعمالها لبَقَاء الِاخْتِصَاص وإهمالها حملا على أخواتها وَرووا بِالْوَجْهَيْنِ قَول النَّابِغَة 524 - (قَالَت أَلا ليتما هَذَا الْحمام لنا ... إِلَى حمامتنا أَو نصفه فقد) وَيحْتَمل أَن الرّفْع على أَن مَا مَوْصُولَة وَأَن الْإِشَارَة خبر ل هُوَ محذوفا أَي لَيْت هُوَ هَذَا الْحمام لنا فَلَا يدل حِينَئِذٍ على الإهمال وَلكنه احْتِمَال مَرْجُوح لِأَن حذف الْعَائِد الْمَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ فِي صلَة غير أَي مَعَ عدم طول الحديث: 523 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 الصِّلَة قَلِيل وَيجوز ليتما زيدا أَلْقَاهُ على الإعمال وَيمْتَنع على إِضْمَار فعل على شريطة التَّفْسِير لَعَلَّ حرف ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر قَالَ بعض أَصْحَاب الْفراء وَقد ينصبهما وَزعم يُونُس أَن ذَلِك لُغَة لبَعض الْعَرَب وَحكى لَعَلَّ أَبَاك مُنْطَلقًا وتأويله عندنَا على إِضْمَار يُوجد وَعند الْكسَائي على إِضْمَار يكون وَقد مر أَن عقيلا يخفضون بهَا الْمُبْتَدَأ كَقَوْلِه 525 - ( ... لَعَلَّ أبي المغوار مِنْك قريب) وَزعم الْفَارِسِي أَنه لَا دَلِيل فِي ذَلِك لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن الأَصْل لَعَلَّه لأبي المغوار مِنْك جَوَاب قريب فَحذف مَوْصُوف قريب وَضمير الشَّأْن وَلَام لَعَلَّ الثَّانِيَة تَخْفِيفًا وأدغم الأولى فِي لَام الْجَرّ وَمن ثمَّ كَانَت مَكْسُورَة وَمن فتح فَهُوَ على لُغَة من يَقُول المَال لزيد بِالْفَتْح وَهَذَا تكلّف كثير وَلم يثبت تَخْفيف لَعَلَّ ثمَّ هُوَ محجوج بِنَقْل الْأَئِمَّة أَن الْجَرّ ب لَعَلَّ لُغَة قوم بأعيانهم وَاعْلَم أَن مجرور لَعَلَّ فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ لتنزيل لَعَلَّ منزلَة الْجَار الزَّائِدَة نَحْو بحسبك دِرْهَم بِجَامِع مَا بَينهمَا من عدم التَّعَلُّق بعامل وَقَوله قريب هُوَ خبر ذَلِك الْمُبْتَدَأ وَمثله لولاي لَكَانَ كَذَا على قَوْله سِيبَوَيْهٍ إِن لَوْلَا جَارة وقولك رب رجل يَقُول ذَلِك وَنَحْوه قَوْله 526 - ( ... وجيران لنا كَانُوا كرام) الحديث: 525 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 على قَول سِيبَوَيْهٍ إِن كَانَ زَائِدَة وَقَول الْجُمْهُور إِن الزَّائِد لَا يعْمل شَيْئا فَقيل الأَصْل هم لنا ثمَّ وصل الضَّمِير بكان الزَّائِدَة إصلاحا للفظ لِئَلَّا يَقع الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُنْفَصِل إِلَى جَانب الْفِعْل وَقيل بل الضَّمِير توكيد للمستتر فِي لنا على أَن لنا صفة لجيران ثمَّ وصل لما ذكر وَقيل بل هُوَ مَعْمُول لَكَانَ بِالْحَقِيقَةِ فَقيل على أَنَّهَا نَاقِصَة وَلنَا الْخَبَر وَقيل بل على أَنَّهَا زَائِدَة وَأَنَّهَا تعْمل فِي الْفَاعِل كَمَا يعْمل فِيهِ الْعَامِل الملغى نَحْو زيد ظَنَنْت عَالم وتتصل بلعل مَا الحرفية فتكفها عَن الْعَمَل لزوَال اختصاصها حِينَئِذٍ بِدَلِيل قَوْله 527 - (لعلما ... أَضَاءَت لَك النَّار الْحمار المقيدا) وَجوز قوم إعمالها حِينَئِذٍ حملا على لَيْت لاشْتِرَاكهمَا فِي أَنَّهُمَا يغيران معنى الِابْتِدَاء وَكَذَا قَالُوا فِي كَأَن وَبَعْضهمْ خص لَعَلَّ بذلك لأشدية التشابه لِأَنَّهَا وليت للانشاء وَأما كَأَن فللخبر قيل وَأول لحن سمع بِالْبَصْرَةِ 528 - ( ... لَعَلَّ لَهَا عذر وَأَنت تلوم) وَهَذَا مُحْتَمل لتقدير ضمير الشَّأْن كَمَا تقدم فِي إِن من أَشد النَّاس عذَابا الحديث: 527 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 يَوْم الْقِيَامَة المصورون وفيهَا عشر لُغَات مَشْهُورَة وَلها معَان أَحدهَا التوقع وَهُوَ ترجي المحبوب والإشفاق من الْمَكْرُوه نَحْو لَعَلَّ الحبيب وَاصل وَلَعَلَّ الرَّقِيب حَاصِل وتختص بالممكن وَقَول فِرْعَوْن {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات} إِنَّمَا قَالَه جهلا أَو مخرقة وإفكا الثَّانِي التَّعْلِيل أثْبته جمَاعَة مِنْهُم الْأَخْفَش وَالْكسَائِيّ وحملوا عَلَيْهِ {فقولا لَهُ قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} وَمن لم يثبت ذَلِك يحملهُ على الرَّجَاء ويصرفه للمخاطبين أَي اذْهَبَا على رجائكما الثَّالِث الِاسْتِفْهَام أثْبته الْكُوفِيُّونَ وَلِهَذَا علق بهَا الْفِعْل فِي نَحْو {لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} وَنَحْو {وَمَا يدْريك لَعَلَّه يزكّى} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَقد أشربها معنى لَيْت من قَرَأَ {فَاطلع} اه وَفِي الْآيَة بحث سَيَجِيءُ ويقترن خَبَرهَا ب أَن كثيرا حملا على عَسى كَقَوْلِه 529 - (لَعَلَّك يَوْمًا أَن تلم ملمة ... ) وبحرف التَّنْفِيس قَلِيلا كَقَوْلِه الحديث: 529 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 530 - (فقولا لَهَا قولا رَقِيقا لَعَلَّهَا ... سترحمني من زفرَة وعويل) وَخرج بَعضهم نصب {فَاطلع} على تَقْدِير أَن مَعَ أبلغ كَمَا خفض الْمَعْطُوف من بَيت زُهَيْر 53 - (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سَابق شَيْئا إِذا كَانَ جائيا) على تَقْدِير الْبَاء مَعَ مدرك وَلَا يمْتَنع كَون خَبَرهَا فعلا مَاضِيا خلافًا للحريري وَفِي الحَدِيث وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم وَقَالَ الشَّاعِر 53 - (وبدلت قرحا داميا بعد صِحَة ... لَعَلَّ منايانا تحولن أبؤسا) وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ 533 - (أعد نظرا يَا عبد قيس لعلما ... أَضَاءَت لَك النَّار الْحمار المقيدا) فَإِن اعْترض بِأَن لَعَلَّ هُنَا مَكْفُوفَة بِمَا فَالْجَوَاب أَن شُبْهَة الْمَانِع أَن لَعَلَّ للاستقبال فَلَا تدخل على الْمَاضِي وَلَا فرق على هَذَا بَين كَون الْمَاضِي مَعْمُولا لَهَا أَو مَعْمُولا لما فِي حيزها وَمِمَّا يُوضح بطلَان قَوْله ثُبُوت ذَلِك فِي خبر لَيْت وَهِي بِمَنْزِلَة لَعَلَّ نَحْو {يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا وَكنت نسيا منسيا} {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا} الحديث: 530 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 يَا لَيْتَني قدمت لحياتي {يَا لَيْتَني كنت مَعَهم} تَنْبِيه من مُشكل بَاب لَيْت وَغَيره قَول يزِيد بن الحكم 534 - (فليت كفافا كَانَ خيرك كُله ... وشرك عني مَا ارتوى المَاء مرتو) وإشكاله من أوجه أَحدهَا عدم ارتباط خبر لَيْت باسمها إِذْ الظَّاهِر أَن كفافا اسْم لَيْت وَأَن كَانَ تَامَّة وَأَنَّهَا وفاعلها الْخَبَر وَلَا ضمير فِي هَذِه الْجُمْلَة وَالثَّانِي تَعْلِيقه عَن بمرتو وَالثَّالِث إِيقَاعه المَاء فَاعِلا بارتوى وَإِنَّمَا يُقَال ارتوى الشَّارِب وَالْجَوَاب عَن الأول أَن كفافا إِنَّمَا هُوَ خبر ل كَانَ مقدم عَلَيْهَا وَهُوَ بِمَعْنى كَاف وَاسم لَيْت مَحْذُوف للضَّرُورَة أَي فليتك أَو فليته أَي فليت الشَّأْن وَمثله قَوْله 535 - (فليت دفعت الْهم عني سَاعَة ... ) وخيرك اسْم كَانَ وَكله توكيد لَهُ وَالْجُمْلَة خبر لَيْت وَأما وشرك فيروى بِالرَّفْع عطفا على خيرك فخبره إِمَّا مَحْذُوف تَقْدِيره كفافا فمرتو فَاعل بارتوى وَإِمَّا مرتو على أَنه سكن للضَّرُورَة كَقَوْلِه الحديث: 534 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 536 - (وَلَو أَن واش بِالْيَمَامَةِ دَاره ... وداري بِأَعْلَى حَضرمَوْت اهْتَدَى ليا) وَرُوِيَ بِالنّصب إِمَّا على أَنه اسْم ل لَيْت محذوفة وَسَهل حذفهَا تقدم ذكرهَا كَمَا سهل ذَلِك حذف كل وَبَقَاء الْخَفْض فِي قَوْله 537 - (أكل امْرِئ تحسبين امْرأ ... ونار توقد بِاللَّيْلِ نَارا) وَإِمَّا على الْعَطف على اسْم لَيْت الْمَذْكُورَة إِن قدر ضمير الْمُخَاطب فَأَما ضمير الشَّأْن فَلَا يعْطف عَلَيْهِ لَو ذكر فَكيف وَهُوَ مَحْذُوف ومرتو على الْوَجْهَيْنِ مَرْفُوع إِمَّا لِأَنَّهُ خبر لَيْت المحذوفة أَو لِأَنَّهُ عطف على خبر لَيْت الْمَذْكُورَة وَعَن الثَّانِي بِأَنَّهُ ضمن مرتو معنى كَاف لِأَن المرتوي يكف عَن الشّرْب كَمَا جَاءَ {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} لِأَن {يخالفون} فِي معنى يعدلُونَ وَيخرجُونَ وَإِن علقته ب كفافا محذوفا على وَجه مر ذكره فَلَا إِشْكَال وَعَن الثَّالِث أَنه إِمَّا على حذف مُضَاف أَي شَارِب المَاء وَإِمَّا على جعل المَاء مرتويا مجَازًا كَمَا جعل صاديا فِي قَوْله 538 - ( ... وَجَبت هجيرا يتْرك المَاء صاديا) ويروى المَاء بِالنّصب على تَقْدِير من كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} الحديث: 536 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 ) ففاعل ارتوى على هَذَا مرتو كَمَا تَقول مَا شرب المَاء شَارِب لَكِن مُشَدّدَة النُّون حرف ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ الْمَشْهُور أَنه وَاحِد وَهُوَ الِاسْتِدْرَاك وَفسّر بِأَن تنْسب لما بعْدهَا حكما مُخَالفا لحكم مَا قبلهَا وَلذَلِك لَا بُد أَن يتقدمها كَلَام مُنَاقض لما بعْدهَا نَحْو مَا هَذَا سَاكِنا لكنه متحرك أَو ضد لَهُ نَحْو مَا هَذَا أَبيض لكنه أسود قيل أَو خلاف نَحْو مَا زيد قَائِما لكنه شَارِب وَقيل لَا يجوز ذَلِك وَالثَّانِي أَنَّهَا ترد تَارَة للاستدراك وَتارَة للتوكيد قَالَه جمَاعَة مِنْهُم صَاحب الْبَسِيط وفسروا الِاسْتِدْرَاك بِرَفْع مَا يتَوَهَّم ثُبُوته نَحْو مَا زيد شجاعا لكنه كريم لِأَن الشجَاعَة وَالْكَرم لَا يكادان يفترقان فنفي أَحدهمَا يُوهم انْتِفَاء الآخر وَمَا قَامَ زيد لَكِن عمرا قَامَ وَذَلِكَ إِذا كَانَ بَين الرجلَيْن تلابس أَو تماثل فِي الطَّرِيق ومثلوا للتوكيد بِنَحْوِ لَو جَاءَنِي أكرمته لكنه لم يَجِيء فأكدت مَا أفادته لَو من الِامْتِنَاع وَالثَّالِث أَنَّهَا للتوكيد دَائِما مثل إِن ويصحب التوكيد معنى الِاسْتِدْرَاك وَهُوَ قَول ابْن عُصْفُور قَالَ فِي المقرب إِن وَأَن وَلَكِن وَمَعْنَاهَا التوكيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وَلم يزدْ على ذَلِك وَقَالَ فِي الشَّرْح معنى لَكِن التوكيد وَتُعْطِي مَعَ ذَلِك الِاسْتِدْرَاك اه والبصريون على أَنَّهَا بسيطة وَقَالَ الْفراء أَصْلهَا لَكِن أَن فطرحت الْهمزَة للتَّخْفِيف وَنون لَكِن للساكنين كَقَوْلِه 539 - ( ... ولاك اسْقِنِي إِن كَانَ ماؤك ذَا فضل) وَقَالَ بَاقِي الْكُوفِيّين مركبة من لَا وَإِن وَالْكَاف الزَّائِدَة لَا التشبيهية وحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا وَقد يحذف اسْمهَا كَقَوْلِه 540 - (فَلَو كنت ضبيا عرفت قَرَابَتي ... وَلَكِن زنجي عَظِيم المشافر) أَي وَلَكِنَّك زنجي وَعَلِيهِ بَيت المتنبي 54 - (وَمَا كنت مِمَّن يدْخل الْعِشْق قلبه ... وَلَكِن من يبصر جفونك يعشق) وَبَيت الْكتاب 54 - (وَلَكِن من لَا يلق أمرا ينوبه ... بعدته ينزل بِهِ وَهُوَ أعزل) وَلَا يكون الِاسْم فيهمَا من لِأَن الشَّرْط لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله الحديث: 539 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَلَا تدخل اللَّام فِي خَبَرهَا خلافًا للكوفيين احْتَجُّوا بقوله 543 - ( ... ولكنني من حبها لعميد) وَلَا يعرف لَهُ قَائِل وَلَا تَتِمَّة وَلَا نَظِير ثمَّ هُوَ مَحْمُول على زِيَادَة اللَّام أَو على أَن الأَصْل لَكِن إِنَّنِي ثمَّ حذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا وَنون لَكِن للساكنين لَكِن سَاكِنة النُّون ضَرْبَان مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَهِي حرف ابْتِدَاء لَا يعْمل خلافًا للأخفش وَيُونُس لدخولها بعد التَّخْفِيف على الجملتين وخفيفة بِأَصْل الْوَضع فَإِن وَليهَا كَلَام فَهِيَ حرف ابْتِدَاء لمُجَرّد إِفَادَة الِاسْتِدْرَاك وَلَيْسَت عاطفة وَيجوز أَن تسْتَعْمل بِالْوَاو نَحْو {وَلَكِن كَانُوا هم الظَّالِمين} وبدونها نَحْو قَول زُهَيْر 544 - (إِن ابْن وَرْقَاء لاتخشى بوادره ... لَكِن وقائعه فِي الْحَرْب تنْتَظر) وَزعم ابْن أبي الرّبيع أَنَّهَا حِين اقترانها بِالْوَاو عاطفة جملَة على جملَة وَأَنه ظَاهر قَول سِيبَوَيْهٍ وَإِن وَليهَا مُفْرد فَهِيَ عاطفة بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن يتقدمها نفي أَو نهي نَحْو مَا قَامَ زيد لَكِن عَمْرو وَلَا يقم زيد لَكِن عَمْرو فَإِن قلت قَامَ زيد ثمَّ جِئْت بلكن جَعلتهَا حرف ابْتِدَاء فَجئْت بِالْجُمْلَةِ فَقلت لَكِن عَمْرو لم يقم وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ لَكِن عَمْرو على الْعَطف وَلَيْسَ بمسموع الحديث: 543 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الشَّرْط الثَّانِي أَلا تقترن بِالْوَاو قَالَه الْفَارِسِي وَأكْثر النَّحْوِيين وَقَالَ قوم لَا تسْتَعْمل مَعَ الْمُفْرد إِلَّا بِالْوَاو وَاخْتلف فِي نَحْو مَا قَامَ زيد وَلَكِن عَمْرو على أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا ليونس إِن لَكِن غير عاطفة وَالْوَاو عاطفة مفرده على مُفْرد الثَّانِي لِابْنِ مَالك إِن لَكِن غير عاطفة وَالْوَاو عاطفة لجملة حذف بَعْضهَا على جملَة صرح بجميعها قَالَ فالتقدير فِي نَحْو مَا قَامَ زيد وَلَكِن عَمْرو وَلَكِن قَامَ عَمْرو وَفِي {وَلَكِن رَسُول الله} وَلَكِن كَانَ رَسُول الله وَعلة ذَلِك أَن الْوَاو لَا تعطف مُفردا على مُفْرد مُخَالف لَهُ فِي الْإِيجَاب وَالسَّلب بِخِلَاف الجملتين المتعاطفتين فَيجوز تخالفهما فِيهِ نَحْو قَامَ زيد وَلم يقم عَمْرو وَالثَّالِث لِابْنِ عُصْفُور إِن لَكِن عاطفة وَالْوَاو زَائِدَة لَازِمَة وَالرَّابِع لِابْنِ كيسَان إِن لَكِن عاطفة وَالْوَاو زَائِدَة غير لَازِمَة وَسمع مَا مَرَرْت بِرَجُل صَالح لَكِن طالح بالخفض فَقيل على الْعَطف وَقيل بجار مُقَدّر أَي لَكِن مَرَرْت بطالح وَجَاز إبْقَاء عمل الْجَار بعد حذفه لقُوَّة الدّلَالَة عَلَيْهِ بتقدم ذكره لَيْسَ كلمة دَالَّة على نفي الْحَال وتنفي غَيره بِالْقَرِينَةِ نَحْو لَيْسَ خلق الله مثله وَقَول الْأَعْشَى 545 - (لَهُ نافلات مَا يغب نوالها ... وَلَيْسَ عَطاء الْيَوْم مانعه غَدا) الحديث: 545 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وَهِي فعل لَا يتَصَرَّف وَزنه فعل بِالْكَسْرِ ثمَّ الْتزم تخفيفه وَلم نقدره فعل بِالْفَتْح لِأَنَّهُ لَا يُخَفف وَلَا فعل بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ لم يُوجد فِي يائي الْعين إِلَّا فِي هيؤ وَسمع لست بِضَم اللَّام فَيكون على هَذِه اللُّغَة كهيؤ وَزعم ابْن السراج أَنه حرف بِمَنْزِلَة مَا وَتَابعه الْفَارِسِي فِي الحلبيات وَابْن شقير وَجَمَاعَة وَالصَّوَاب الأول بِدَلِيل لست ولستما ولستن وليسا وَلَيْسوا وَلَيْسَت ولسن وتلازم رفع الِاسْم وَنصب الْخَبَر وَقيل قد تخرج عَن ذَلِك فِي مَوَاضِع 1 - أَحدهَا أَن تكون حرفا ناصبا للمستثنى بِمَنْزِلَة إِلَّا نَحْو أَتَوْنِي لَيْسَ زيدا وَالصَّحِيح أَنَّهَا الناسخة وَأَن اسْمهَا ضمير رَاجع للْبَعْض الْمَفْهُوم مِمَّا تقدم واستتاره وَاجِب فَلَا يَليهَا فِي اللَّفْظ إِلَّا الْمَنْصُوب وَهَذِه الْمَسْأَلَة كَانَت سَبَب قِرَاءَة سِيبَوَيْهٍ النَّحْو وَذَلِكَ أَنه جَاءَ إِلَى حَمَّاد بن سَلمَة لكتابة الحَدِيث فاستملى مِنْهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ من أَصْحَابِي أحد إِلَّا وَلَو شِئْت لأخذت عَلَيْهِ لَيْسَ أَبَا الدَّرْدَاء فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ لَيْسَ أَبُو الدَّرْدَاء فصاح بِهِ حَمَّاد لحنت يَا سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا هَذَا اسْتثِْنَاء فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَالله لأطلبن علما لَا يلحنني مَعَه أحد ثمَّ مضى وَلزِمَ الْخَلِيل وَغَيره 2 - وَالثَّانِي أَن يقْتَرن الْخَبَر بعْدهَا ب إِلَّا نَحْو لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك بِالرَّفْع فَإِن بني تَمِيم يَرْفَعُونَهُ حملا لَهَا على مَا فِي الإهمال عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 انْتِقَاض النَّفْي كَمَا حمل أهل الْحجاز مَا على لَيْسَ فِي الإعمال عِنْد اسْتِيفَاء شُرُوطهَا حكى ذَلِك عَنْهُم أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء فَبلغ ذَلِك عِيسَى بن عمر الثَّقَفِيّ فَجَاءَهُ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرو مَا شَيْء بَلغنِي عَنْك ثمَّ ذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَمْرو نمت وأدلج النَّاس لَيْسَ فِي الأَرْض تميمي إِلَّا وَهُوَ يرفع وَلَا حجازي إِلَّا وَهُوَ ينصب ثمَّ قَالَ لليزيدي ولخلف الْأَحْمَر اذْهَبَا إِلَى أبي مهْدي فلقناه الرّفْع فَإِنَّهُ لَا يرفع وَإِلَى المنتجع التَّمِيمِي فلقناه النصب فَإِنَّهُ لَا ينصب فأتياهما وجهدا بِكُل مِنْهُمَا أَن يرجع عَن لغته فَلم يفعل فأخبرا أَبَا عَمْرو وَعِنْده عِيسَى فَقَالَ لَهُ عِيسَى بِهَذَا فقت النَّاس وَخرج الْفَارِسِي ذَلِك على أوجه أَحدهَا أَن فِي لَيْسَ ضمير الشَّأْن وَلَو كَانَ كَمَا زعم لدخلت إِلَّا على أول الْجُمْلَة الاسمية الْوَاقِعَة خَبرا فَقيل لَيْسَ إِلَّا الطّيب الْمسك كَمَا قَالَ 546 - (أَلا لَيْسَ إِلَّا مَا قضى الله كَائِن ... وَمَا يَسْتَطِيع الْمَرْء نفعا وَلَا ضرا) وَأجَاب بِأَن إِلَّا قد تُوضَع فِي غير موضعهَا مثل {إِن نظن إِلَّا ظنا} وَقَوله الحديث: 546 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 547 - ( ... وَمَا اغتره الشيب إِلَّا اغْتِرَارًا) أَي إِن نَحن إِلَّا نظن ظنا وَمَا اغتره اغْتِرَارًا إِلَّا الشيب لِأَن الِاسْتِثْنَاء المفرغ لَا يكون فِي الْمَفْعُول الْمُطلق التوكيدي لعدم الْفَائِدَة فِيهِ وَأجِيب بِأَن الْمصدر فِي الْآيَة وَالْبَيْت نَوْعي على حذف الصّفة أَي إِلَّا ظنا ضَعِيفا وَإِلَّا اغْتِرَارًا عَظِيما الثَّانِي أَن الطّيب اسْمهَا وَأَن خَبَرهَا مَحْذُوف أَي فِي الْوُجُود وَأَن الْمسك بدل من اسْمهَا الثَّالِث أَنه كَذَلِك وَلَكِن إِلَّا الْمسك نعت للاسم لِأَن تَعْرِيفه تَعْرِيف الْجِنْس فَهُوَ نكرَة معنى أَي لَيْسَ طيب غير الْمسك طيبا وَلأبي نزار الملقب بِملك النُّحَاة تَوْجِيه آخر وَهُوَ أَن الطّيب اسْمهَا والمسك مُبْتَدأ حذف خَبره وَالْجُمْلَة خبر لَيْسَ وَالتَّقْدِير إِلَّا الْمسك أفخره وَمَا تقدم من نقل أبي عَمْرو أَن ذَلِك لُغَة تَمِيم يرد هَذِه التأويلات وَزعم بَعضهم عَن قَائِل ذَلِك أَنه قدرهَا حرفا وَأَن من ذَلِك قَوْلهم لَيْسَ خلق الله مثله وَقَوله 548 - (هِيَ الشِّفَاء لدائي لَو ظَفرت بهَا ... وَلَيْسَ مِنْهَا شِفَاء النَّفس مبذول) ولادليل فيهمَا لجَوَاز كَون لَيْسَ فيهمَا شأنية 3 - الْموضع الثَّالِث أَن تدخل على الْجُمْلَة الفعلية أَو على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر مرفوعين كَمَا مثلنَا وَقد أجبنا على ذَلِك الحديث: 547 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 4 - الرَّابِع أَن تكون حرفا عاطفا أثبت ذَلِك الْكُوفِيُّونَ أَو البغداديون على خلاف بَين النقلَة وَاسْتَدَلُّوا بِنَحْوِ قَوْله 549 - (أَيْن المفر والإله الطَّالِب ... والأشرم المغلوب لَيْسَ الْغَالِب) وَخرج على أَن الْغَالِب اسْمهَا وَالْخَبَر مَحْذُوف قَالَ ابْن مَالك وَهُوَ فِي الأَصْل ضمير مُتَّصِل عَائِد على الأشرم أَي ليسه الْغَالِب كَمَا تَقول الصّديق كانه زيد ثمَّ حذف لاتصاله وَمُقْتَضى كَلَامه أَنه لَوْلَا تَقْدِيره مُتَّصِلا لم يجز حذفه وَفِيه نظر حرف الْمِيم مَا تَأتي على وَجْهَيْن اسمية وحرفية وكل مِنْهُمَا ثَلَاثَة أَقسَام فَأَما أوجه الاسمية 1 - فأحدها أَن تكون معرفَة وَهِي نَوْعَانِ نَاقِصَة وَهِي الموصولة نَحْو {مَا عنْدكُمْ ينْفد وَمَا عِنْد الله بَاقٍ} وتامة وَهِي نَوْعَانِ عَامَّة أَي مقدرَة بِقَوْلِك الشَّيْء وَهِي الَّتِي لم يتقدمها اسْم تكون هِيَ وعاملها صفة لَهُ فِي الْمَعْنى نَحْو {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} أَي فَنعم الشَّيْء هِيَ وَالْأَصْل فَنعم الشَّيْء إبداؤها لِأَن الْكَلَام فِي الإبداء لَا فِي الصَّدقَات ثمَّ حذف الْمُضَاف وأنيب عَنهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ فانفصل وارتفع الحديث: 549 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 وخاصة هِيَ الَّتِي تقدمها ذَلِك وتقدر من لفظ ذَلِك الِاسْم نَحْو غسلته غسلا نعما ودققته دقا نعما أَي نعم الْغسْل وَنعم الدق وَأَكْثَرهم لَا يثبت مَجِيء مَا معرفَة تَامَّة وأثبته جمَاعَة مِنْهُم ابْن خروف وَنَقله عَن سِيبَوَيْهٍ 2 - وَالثَّانِي أَن تكون نكرَة مُجَرّدَة عَن معنى الْحَرْف وَهِي أَيْضا نَوْعَانِ نَاقِصَة وتامة فالناقصة هِيَ الموصوفة وتقدر بِقَوْلِك شَيْء كَقَوْلِهِم مَرَرْت بِمَا معجب لَك أَي بِشَيْء معجب لَك وَقَوله 550 - (لما نَافِع يسْعَى اللبيب لَا تكن ... لشَيْء بعيد نَفعه الدَّهْر ساعيا) وَقَول الآخر 55 - (رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأَمر ... لَهُ فُرْجَة كحل العقال) أَي رب شَيْء تكرههُ النُّفُوس فَحذف الْعَائِد من الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف وَيجوز أَن تكون مَا كَافَّة وَالْمَفْعُول الْمَحْذُوف اسْما ظَاهرا أَي قد تكره النُّفُوس من الْأَمر شَيْئا أَي وَصفا فِيهِ أَو الأَصْل من الْأُمُور أمرا وَفِي هَذَا إنابة الْمُفْرد عَن الْجمع وَفِيه وَفِي الأول إنابة الصّفة غير المفردة عَن الْمَوْصُوف إِذْ الْجُمْلَة بعده صفة لَهُ وَقد قيل فِي {إِن الله نعما يعظكم بِهِ} إِن الْمَعْنى نعم هُوَ شَيْئا يعظكم بِهِ فَمَا نكرَة تَامَّة تَمْيِيز وَالْجُمْلَة صفة وَالْفَاعِل مستتر وَقيل مَا معرفَة مَوْصُولَة فَاعل وَالْجُمْلَة صلَة وَقيل غير ذَلِك وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي {هَذَا مَا لدي عتيد} المُرَاد الحديث: 550 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 شَيْء لدي عتيد أَي معد أَي لِجَهَنَّم بإغوائي إِيَّاه أَو حَاضر وَالتَّفْسِير الأول رَأْي الزَّمَخْشَرِيّ وَفِيه أَن مَا حِينَئِذٍ للشَّخْص الْعَاقِل وَإِن قدرت مَا مَوْصُولَة فعتيد بدل مِنْهَا أَو خبر ثَان أَو خبر لمَحْذُوف والتامة تقع فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب أَحدهَا التَّعَجُّب نَحْو مَا أحسن زيدا الْمَعْنى شَيْء حسن زيدا جزم بذلك جَمِيع الْبَصرِيين إِلَّا الْأَخْفَش فجوزه جوز أَن تكون معرفَة مَوْصُولَة وَالْجُمْلَة بعْدهَا صلَة لَا مَحل لَهَا وَأَن تكون نكرَة مَوْصُوفَة وَالْجُمْلَة بعْدهَا فِي مَوضِع رفع نعتا لَهَا وَعَلَيْهِمَا فخبر الْمُبْتَدَأ مَحْذُوف وجوبا تَقْدِيره شَيْء عَظِيم وَنَحْوه الثَّانِي بَاب نعم وَبئسَ نَحْو غسلته غسلا نعما ودققته دقا نعما أَي نعم شَيْئا فَمَا نصب على التَّمْيِيز عِنْد جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ وَظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا معرفَة تَامَّة كَمَا مر وَالثَّالِث قَوْلهم إِذا أَرَادوا الْمُبَالغَة فِي الْإِخْبَار عَن أحد بالإكثار من فعل كالكتابة إِن زيدا مِمَّا أَن يكْتب إِي إِنَّه من أَمر كِتَابَة أَي إِنَّه مَخْلُوق من أَمر وَذَلِكَ الْأَمر هُوَ الْكِتَابَة فَمَا بِمَعْنى شَيْء وَأَن وصلتها فِي مَوضِع خفض بدل مِنْهَا وَالْمعْنَى بِمَنْزِلَتِهِ فِي {خلق الْإِنْسَان من عجل} وَجعل لِكَثْرَة عجلته كَأَنَّهُ خلق مِنْهَا وَزعم السرافي وَابْن خروف وتبعهما ابْن مَالك وَنَقله عَن سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا معرفَة تَامَّة بِمَعْنى الشَّيْء أَو الْأَمر وَأَن وصلتها مُبْتَدأ والظرف خَبره وَالْجُمْلَة خبر لإن وَلَا يتَحَصَّل للْكَلَام معنى طائل على هَذَا التَّقْدِير 3 - وَالثَّالِث أَن تكون نكرَة مضمنة معنى الْحَرْف وَهِي نَوْعَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 أَحدهمَا الاستفهامية وَمَعْنَاهَا أَي شَيْء نَحْو {مَا هِيَ} {مَا لَوْنهَا} {وَمَا تِلْكَ بيمينك} {قَالَ مُوسَى مَا جئْتُمْ بِهِ السحر} وَذَلِكَ على قِرَاءَة أبي عَمْرو {السحر} بِمد الْألف فَمَا مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة بعْدهَا خبر وآلسحر إِمَّا بدل من مَا وَلِهَذَا قرن بالاستفهام وَكَأَنَّهُ قيل آلسحر جئْتُمْ بِهِ وَإِمَّا بِتَقْدِير أهوَ السحر أَو آلسحر هُوَ وَأما من قَرَأَ {السحر} على الْخَبَر فَمَا مَوْصُولَة وَالسحر خَبَرهَا ويقويه قِرَاءَة عبد الله {مَا جئْتُمْ بِهِ السحر} وَيجب حذف ألف مَا الاستفهامية إِذا جرت وإبقاء الفتحة دَلِيلا عَلَيْهَا نَحْو فيمَ وإلام وعلام وَبِمَ قَالَ 55 - (فَتلك وُلَاة السوء قد طَال مكثهم ... فحتام حتام العناء المطول) وَرُبمَا تبِعت الفتحة الْألف فِي الْحَذف وَهُوَ مَخْصُوص بالشعر كَقَوْلِه 553 - (يَا أَبَا الْأسود لم خلقتني ... لهموم طارقات وَذكر) وَعلة حذف الْألف الْفرق بَين الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر فَلهَذَا حذفت فِي نَحْو {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} {فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} {لم تَقولُونَ مَا لَا} وَثبتت فِي {لمسكم فِيمَا أَفَضْتُم فِيهِ عَذَاب عَظِيم} {يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك} الحديث: 553 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 {مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي} وكما لَا تحذف الْألف فِي الْخَبَر لَا تثبت فِي الِاسْتِفْهَام وَأما قِرَاءَة عِكْرِمَة وَعِيسَى / عَمَّا يتساءلون / فنادر وَأما قَول حسان 554 - (على مَا قَامَ يَشْتمنِي لئيم ... كخنزير تمرغ فِي دمان) فضرورة والدمان كالرماد وزنا وَمعنى ويروى فِي رماد فَلذَلِك رجحته على تَفْسِير ابْن الشجري لَهُ بالسرجين وَمثله قَول الآخر 555 - (إِنَّا قتلنَا بقتلانا سراتكم ... أهل اللِّوَاء فَفِيمَا يكثر القيل) وَلَا يجوز حمل الْقِرَاءَة المتواترة على ذَلِك لضَعْفه فَلهَذَا رد الْكسَائي قَول الْمُفَسّرين فِي {بِمَا غفر لي رَبِّي} إِنَّهَا استفهامية وَإِنَّمَا هِيَ مَصْدَرِيَّة وَالْعجب من الزَّمَخْشَرِيّ إِذْ جوز كَونهَا استفهامية مَعَ رده على من قَالَ فِي {بِمَا أغويتني} إِن الْمَعْنى بِأَيّ شَيْء أغويتني بِأَن إِثْبَات الْألف قَلِيل شَاذ وَأَجَازَ هُوَ وَغَيره أَن تكون بِمَعْنى الَّذِي وَهُوَ بعيد لِأَن الَّذِي غفر لَهُ هُوَ الذُّنُوب وَيبعد إِرَادَة الِاطِّلَاع عَلَيْهَا وَإِن غفرت وَقَالَ جمَاعَة مِنْهُم الإِمَام فَخر الدّين فِي {فبمَا رَحْمَة من الله} إِنَّهَا للاستفهام التعجبي أَي فَبِأَي رَحْمَة وَيَردهُ ثُبُوت الْألف وَأَن خفض رَحْمَة حِينَئِذٍ لَا يتَّجه لِأَنَّهَا لَا تكون بَدَلا من مَا إِذْ الْمُبدل من اسْم الِاسْتِفْهَام يجب اقترانه بِهَمْزَة الحديث: 554 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 الِاسْتِفْهَام نَحْو مَا صنعت أخيرا أَمر شرا وَلِأَن مَا النكرَة الْوَاقِعَة فِي غير الِاسْتِفْهَام وَالشّرط لَا تَسْتَغْنِي عَن الْوَصْف إِلَّا فِي بَابي التَّعَجُّب وَنعم وَبئسَ وَإِلَّا فِي نَحْو قَوْلهم إِنِّي مِمَّا أَن أفعل على خلاف فِيهِنَّ وَقد مر وَلَا عطف بَيَان لهَذَا وَلِأَن مَا الاستفهامية لَا تُوصَف ومالا يُوصف كالضمير لَا يعْطف عَلَيْهِ عطف بَيَان وَلَا مُضَافا إِلَيْهِ لِأَن أَسمَاء الِاسْتِفْهَام وَأَسْمَاء الشَّرْط والموصولات لَا يُضَاف مِنْهَا غير أَي بِاتِّفَاق وَكم فِي الِاسْتِفْهَام عِنْد الزّجاج فِي نَحْو بكم دِرْهَم اشْتريت وَالصَّحِيح أَن جَرّه ب من محذوفة وَإِذا ركبت مَا الاستفهامية مَعَ ذَا لم تحذف ألفها نَحْو لماذا جِئْت لِأَن ألفها قد صَارَت حَشْوًا وَهَذَا فصل عقدته ل مَاذَا اعْلَم أَنَّهَا تَأتي فِي الْعَرَبيَّة على أوجه أَحدهَا أَن تكون مَا استفهامية وَذَا إِشَارَة نَحْو مَاذَا التواني و556 - (مَاذَا الْوُقُوف ... ) وَالثَّانِي أَن تكون مَا استفهامية وَذَا مَوْصُولَة كَقَوْل لبيد 557 - (أَلا تَسْأَلَانِ الْمَرْء مَاذَا يحاول ... أنحب فَيقْضى أم ضلال وباطل) فَمَا مُبْتَدأ بِدَلِيل إِبْدَاله الْمَرْفُوع مِنْهَا وَذَا مَوْصُول بِدَلِيل افتقاره للجملة بعده وَهُوَ أرجح الْوَجْهَيْنِ فِي {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} فِيمَن رفع الْعَفو أَي الَّذِي ينفقونه الْعَفو إِذْ الأَصْل أَن تجاب الاسمية بالاسمية والفعلية بالفعلية الحديث: 557 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 الثَّالِث أَن يكون مَاذَا كُله استفهاما على التَّرْكِيب كَقَوْلِك لماذا جِئْت وَقَوله 558 - (يَا خزر تغلب مَاذَا بَال نسوتكم ... ) وَهُوَ أرجح الْوَجْهَيْنِ فِي الْآيَة فِي قِرَاءَة غير أبي عَمْرو {قل الْعَفو} بِالنّصب أَي يُنْفقُونَ الْعَفو الرَّابِع أَن يكون مَاذَا كُله اسْم جنس بِمَعْنى شَيْء أَو مَوْصُولا بِمَعْنى الَّذِي على خلاف فِي تَخْرِيج قَول الشَّاعِر 559 - (دعِي مَاذَا علمت سأتقيه ... وَلَكِن بالمغيب نبئيني) فالجمهور على أَن مَاذَا كُله مفعول دعِي ثمَّ اخْتلف فَقَالَ السيرافي وَابْن خروف مَوْصُول بِمَعْنى الَّذِي وَقَالَ الْفَارِسِي نكرَة بِمَعْنى شَيْء قَالَ لِأَن التَّرْكِيب ثَبت فِي الْأَجْنَاس دون الموصولات وَقَالَ ابْن عُصْفُور لَا تكون مَاذَا مَفْعُولا ل دعِي لِأَن الِاسْتِفْهَام لَهُ الصَّدْر وَلَا ل علمت لِأَنَّهُ لم يرد أَن يستفهم عَن معلومها مَا هُوَ وَلَا لمَحْذُوف يفسره سأتقيه لِأَن علمت حِينَئِذٍ لَا مَحل لَهَا بل مَا اسْم اسْتِفْهَام مُبْتَدأ وَذَا مَوْصُول خبر وَعلمت صلَة وعلق دعِي عَن الْعَمَل بالاستفهام انْتهى ونقول إِذا قدرت مَاذَا بِمَعْنى الَّذِي أَو بِمَعْنى شَيْء لم يمْتَنع كَونهَا مفعول دعِي الحديث: 558 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وَقَوله لم يرد أَن يستفهم عَن معلومها لَازم لَهُ إِذا جعل مَاذَا مُبْتَدأ وخبرا ودعواه تَعْلِيق دعِي مَرْدُودَة بِأَنَّهَا لَيست من أَفعَال الْقُلُوب فَإِن قَالَ إِنَّمَا أردْت أَنه قدر الْوَقْف على دعِي فاستأنف مَا بعده رده قَول الشَّاعِر وَلَكِن فَإِنَّهَا لَا بُد أَن يُخَالف مَا بعْدهَا مَا قبلهَا والمخالف هُنَا دعِي فَالْمَعْنى دعِي كَذَا وَلَكِن افعلي كَذَا وعَلى هَذَا فَلَا يَصح اسْتِئْنَاف مَا بعد دعِي لِأَنَّهُ لَا يُقَال من فِي الدَّار فإنني أكْرمه وَلَكِن أَخْبرنِي عَن كَذَا الْخَامِس أَن تكون مَا زَائِدَة وَذَا للاشارة كَقَوْلِه 560 - (أنورا سرع مَاذَا يَا فروق ... ) أنورا بالنُّون أَي أنفارا وسرع أَصله بِضَم الرَّاء فَخفف يُقَال سرع ذَا خُرُوجًا أَي أسْرع هَذَا فِي الْخُرُوج قَالَ الْفَارِسِي يجوز كَون ذَا فَاعل سرع وَمَا زَائِدَة وَيجوز كَون مَاذَا كُله اسْم كَمَا فِي قَوْله 56 - (دعِي مَاذَا علمت سأتقيه ... ) السَّادِس أَن تكون مَا استفهاما وَذَا زَائِدَة أجَازه جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَالك فِي نَحْو مَاذَا صنعت وعَلى هَذَا التَّقْدِير فَيَنْبَغِي وجوب حذف الْألف فِي نَحْو لم ذَا جِئْت وَالتَّحْقِيق أَن الْأَسْمَاء لَا تزاد الحديث: 560 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 النَّوْع الثَّانِي الشّرطِيَّة وَهِي نَوْعَانِ غير زمانية نَحْو {وَمَا تَفعلُوا من خير يُعلمهُ الله} {مَا ننسخ من آيَة} وَقد جوزت فِي {وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله} على أَن الأَصْل وَمَا يكن ثمَّ حذف فعل الشَّرْط كَقَوْلِه 56 - (إِن الْعقل فِي أَمْوَالنَا لَا نضق بهَا ... ذِرَاعا وَإِن صبرا فنصبر للصبر) أَي إِن يكن الْعقل وَإِن نحبس حبسا والأرجح فِي الْآيَة أَنَّهَا مَوْصُولَة وَأَن الْفَاء دَاخِلَة على الْخَبَر لَا شَرْطِيَّة وَالْفَاء دَاخِلَة على الْجَواب وزمانية أثبت ذَلِك الْفَارِسِي وَأَبُو الْبَقَاء وَأَبُو شامة وَابْن بري وَابْن مَالك وَهُوَ ظَاهر فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا استقاموا لكم فاستقيموا لَهُم} أَي اسْتَقِيمُوا لَهُم مُدَّة استقامتهم لكم ومحتمل فِي {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} إِلَّا أَن مَا هَذِه مُبْتَدأ لَا ظرفية وَالْهَاء من بِهِ رَاجِعَة إِلَيْهَا وَيجوز فِيهَا الموصولية و {فأتوهن} الْخَبَر والعائد مَحْذُوف أَي لأَجله وَقَالَ 563 - (فَمَا تَكُ يَا بن عبد الله فِينَا ... فَلَا ظلما نَخَاف وَلَا افتقارا) اسْتدلَّ بِهِ ابْن مَالك على مجيئها للزمان وَلَيْسَ بقاطع لاحْتِمَاله للمصدر أَي للْمَفْعُول الْمُطلق فَالْمَعْنى أَي كَون تكن فِينَا طَويلا أَو قَصِيرا الحديث: 563 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وَأما أوجه الحرفية 1 - أَحدهَا أَن تكون نَافِيَة فَإِن دخلت على الْجُمْلَة الاسمية أعملها الحجازيون والتهاميون والنجديون عمل لَيْسَ بِشُرُوط مَعْرُوفَة نَحْو {مَا هَذَا بشرا} {مَا هن أمهاتهم} وَعَن عَاصِم أَنه رفع أمهاتهم على التميمية وندر تركيبها مَعَ النكرَة تَشْبِيها لَهَا ب لَا كَقَوْلِه 564 - (وَمَا بَأْس لَو ردَّتْ علينا تَحِيَّة ... قَلِيل على من يعرف الْحق عابها) وَإِن دخلت على الفعلية لم تعْمل نَحْو {وَمَا تنفقون إِلَّا ابْتِغَاء وَجه الله} فَأَما {وَمَا تنفقوا من خير فلأنفسكم} {وَمَا تنفقوا من خير يوف إِلَيْكُم} ف مَا فيهمَا شَرْطِيَّة بِدَلِيل الْفَاء فِي الأولى والجزم فِي الثَّانِيَة وَإِذا نفت الْمُضَارع تخلص عِنْد الْجُمْهُور للْحَال ورد عَلَيْهِم ابْن مَالك بِنَحْوِ {قل مَا يكون لي أَن أبدله} وَأجِيب بِأَن شَرط كَونه للْحَال انْتِفَاء قرينَة خِلَافه 2 - وَالثَّانِي أَن تكون مَصْدَرِيَّة وَهِي نَوْعَانِ زمانية وَغَيرهَا فَغير الزمانية نَحْو {عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} {ودوا مَا عنتم} و {ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} {فَذُوقُوا بِمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا} الحديث: 564 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 {لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب} {ليجزيك أجر مَا سقيت لنا} وَلَيْسَت هَذِه بِمَعْنى الَّذِي لِأَن الَّذِي سقَاهُ لَهُم الْغنم وَإِنَّمَا الْأجر على السَّقْي الَّذِي هُوَ فعله لَا على الْغنم فَإِن ذهبت تقدر أجر السَّقْي الَّذِي سقيته لنا فَذَلِك تكلّف لَا محوج إِلَيْهِ وَمِنْه {بِمَا كَانُوا يكذبُون} {آمنُوا كَمَا آمن النَّاس} وَكَذَا حَيْثُ اقترنت بكاف التَّشْبِيه بَين فعلين متماثلين وَفِي هَذِه الْآيَات رد لقَوْل السُّهيْلي إِن الْفِعْل بعد مَا هَذِه لَا يكون خَاصّا فَتَقول أعجبني مَا تفعل وَلَا يجوز أعجبني مَا تخرج والزمانية نَحْو {مَا دمت حَيا} أَصله مُدَّة دوامي حَيا فَحذف الظّرْف وخلفته مَا وصلتها كَمَا جَاءَ فِي الْمصدر الصَّرِيح نَحْو جئْتُك صَلَاة الْعَصْر وآتيك قدوم الْحَاج وَمِنْه {إِن أُرِيد إِلَّا الْإِصْلَاح مَا اسْتَطَعْت} {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَقَوله 565 - (أجارتنا إِن الخطوب تنوب ... وَإِنِّي مُقيم مَا أَقَامَ عسيب) وَلَو كَانَ معنى كَونهَا زمانية أَنَّهَا تدل على الزَّمَان بذاتها لَا بالنيابة لكَانَتْ اسْما وَلم تكن مَصْدَرِيَّة كَمَا قَالَ ابْن السّكيت وَتَبعهُ ابْن الشجري فِي قَوْله 566 - (منا الَّذين هُوَ مَا إِن طر شَاربه ... والعانسون وَمنا المرد والشيب) الحديث: 565 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 مَعْنَاهُ حِين طر قلت وزيدت إِن بعْدهَا لشبهها فِي اللَّفْظ بِمَا النافية كَقَوْلِه 567 - (ورج الْفَتى للخير مَا إِن رَأَيْته ... على السن خيرا لَا يزَال يزِيد) وَبعد فَالْأولى فِي الْبَيْت تَقْدِير مَا نَافِيَة لِأَن زِيَادَة إِن حِينَئِذٍ قياسية وَلِأَن فِيهِ سَلامَة من الْأَخْبَار بِالزَّمَانِ عَن الجثة وَمن إِثْبَات معنى وَاسْتِعْمَال لما لم يثبتا لَهُ وهما كَونهَا للزمان مُجَرّدَة وَكَونهَا مُضَافَة وَكَأن الَّذِي صرفهما عَن هَذَا الْوَجْه مَعَ ظُهُوره أَن ذكر المرد بعد ذَلِك لَا يحسن إِذْ الَّذِي لم ينْبت شَاربه أَمْرَد وَالْبَيْت عِنْدِي فَاسد التَّقْسِيم بِغَيْر هَذَا أَلا ترى أَن العانسين وهم الَّذين لم يتزوجوا لَا يناسبون بَقِيَّة الْأَقْسَام وَإِنَّمَا الْعَرَب محميون من الْخَطَأ فِي الْأَلْفَاظ دون الْمعَانِي وَفِي الْبَيْت مَعَ هَذَا الْعَيْب شذوذان إِطْلَاق العانس على الْمُذكر وَإِنَّمَا الْأَشْهر اسْتِعْمَاله فِي الْمُؤَنَّث وَجمع الصّفة بِالْوَاو وَالنُّون مَعَ كَونهَا غير قَابِلَة للتاء وَلَا دَالَّة على المفاضلة وَإِنَّمَا عدلت عَن قَوْلهم ظرفية إِلَى قولي زمانية ليشْمل نَحْو {كلما أَضَاء لَهُم مَشوا فِيهِ} فَإِن الزَّمَان الْمُقدر هُنَا مخفوض أَي كل وَقت إضاءة والمخفوض لَا يُسمى ظرفا وَلَا تشارك مَا فِي النِّيَابَة عَن الزَّمَان أَن خلافًا لِابْنِ جني وَحمل عَلَيْهِ قَوْله 568 - (وتالله مَا إِن شهلة أم وَاحِد ... بأوجد مني أَن يهان صغيرها) وَتَبعهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَحمل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَن آتَاهُ الله الْملك} {إِلَّا أَن يصدقُوا} الحديث: 567 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله وَمعنى التَّعْلِيل فِي الْبَيْت والآيات مُمكن وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ فَلَا معدل عَنهُ وَزعم ابْن خروف أَن مَا المصدرية حرف بِاتِّفَاق ورد على من نقل فِيهَا خلافًا وَالصَّوَاب مَعَ ناقل الْخلاف فقد صرح الْأَخْفَش وَأَبُو بكر باسميتها ويرجحه أَن فِيهِ تخلصا من دَعْوَى اشْتِرَاك لَا دَاعِي إِلَيْهِ فَإِن مَا الموصولة الاسمية ثَابِتَة بِاتِّفَاق وَهِي مَوْضُوعَة لما لَا يعقل والأحداث من جملَة مَا لَا يعقل فَإِذا قيل أعجبني مَا قُمْت قُلْنَا التَّقْدِير أعجبني الَّذِي قمته وَهُوَ يُعْطي معنى قَوْلهم أعجبني قيامك وَيرد ذَلِك أَن نَحْو جَلَست مَا جلس زيد تُرِيدُ بِهِ الْمَكَان مُمْتَنع مَعَ أَنه مِمَّا لَا يعقل وَأَنه يسْتَلْزم أَن يسمع كثيرا أعجبني مَا قمته لِأَنَّهُ عِنْدهمَا الأَصْل وَذَلِكَ غير مسموع قيل وَلَا مُمكن لِأَن قَامَ غير مُتَعَدٍّ وَهَذَا خطأ بَين لِأَن الْهَاء الْمقدرَة مفعول مُطلق لَا مفعول بِهِ وَقَالَ ابْن الشجري أفسد النحويون تَقْدِير الْأَخْفَش بقوله تَعَالَى وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون فَقَالُوا إِن كَانَ الضَّمِير الْمَحْذُوف للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَو لِلْقُرْآنِ صَحَّ الْمَعْنى وخلت الصِّلَة عَن عَائِد أَو للتكذيب فسد الْمَعْنى لأَنهم إِذا كذبُوا التَّكْذِيب بِالْقُرْآنِ أَو النَّبِي كَانُوا مُؤمنين اهـ وَهَذَا سَهْو مِنْهُ وَمِنْهُم لِأَن كذبُوا لَيْسَ وَاقعا على التَّكْذِيب بل مُؤَكد بِهِ لِأَنَّهُ مفعول مُطلق لَا مفعول بِهِ وَالْمَفْعُول بِهِ مَحْذُوف أَيْضا أَي بِمَا كَانُوا يكذبُون النَّبِي أَو الْقُرْآن تَكْذِيبًا وَنَظِيره وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا وَلأبي الْبَقَاء فِي هَذِه الْآيَة أَوْهَام مُتعَدِّدَة فَإِنَّهُ قَالَ مَا مَصْدَرِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 صلتها يكذبُون ويكذبون خبر كَانَ وَلَا عَائِد على مَا وَلَو قيل باسميتها فتضمنت مقَالَته الْفَصْل بَين مَا الحرفية وصلتها بكان وَكَون يكذبُون فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهُ قدره خبر كَانَ وَكَونه لَا مَوضِع لَهُ لِأَنَّهُ قدره صلَة مَا واستغناء الْمَوْصُول الاسمي عَن عَائِد وللزمخشري غلطة هَذِه الْأَخِيرَة فَإِنَّهُ جوز مَصْدَرِيَّة مَا فِي وأتبع الَّذين ظلمُوا مَا أترفوا فِيهِ مَعَ أَنه قد عَاد عَلَيْهَا الضَّمِير وندر وَصلهَا بِالْفِعْلِ الجامد فِي قَوْله 569 - (أَلَيْسَ أَمِيري فِي الْأُمُور بأنتما ... بِمَا لستما أهل الْخِيَانَة والغدر) وَبِهَذَا الْبَيْت رجح القَوْل بحرفيتها إِذْ لَا يَتَأَتَّى هُنَا تَقْدِير الضَّمِير 3 - الْوَجْه الثَّالِث أَن تكون زَائِدَة وَهِي نَوْعَانِ كَافَّة وَغير كَافَّة والكافة ثَلَاثَة أَنْوَاع أَحدهَا الكافة عَن عمل الرّفْع وَلَا تتصل إِلَّا بِثَلَاثَة أَفعَال قل وَكثر وَطَالَ وَعلة ذَلِك شبههن بِرَبّ وَلَا يدخلن حِينَئِذٍ إِلَّا على جملَة فعلية صرح بِفِعْلِهَا كَقَوْلِه 570 - (فَلَمَّا يبرح اللبيب إِلَى مَا ... يُورث الْمجد دَاعيا أَو مجيبا) فَأَما قَول المرار 57 - (صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يَدُوم) فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ ضَرُورَة فَقيل وَجه الضَّرُورَة أَن حَقّهَا أَن يَليهَا الْفِعْل صَرِيحًا الحديث: 569 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 والشاعر أولاها فعلا مُقَدرا وَأَن وصال مُرْتَفع بيدوم محذوفا مُفَسرًا بالمذكور وَقيل وَجههَا أَنه قدم الْفَاعِل ورده ابْن السَّيِّد بِأَن الْبَصرِيين لَا يجيزون تَقْدِيم الْفَاعِل فِي شعر وَلَا نثر وَقيل وَجههَا أَنه أناب الْجُمْلَة الاسمية عَن الفعلية كَقَوْلِه 57 - ( ... فَهَلا نفس ليلى شفيعها) وَزعم الْمبرد أَن مَا زَائِدَة ووصال فَاعل لَا مُبْتَدأ وَزعم بَعضهم أَن مَا مَعَ هَذَا الْأَفْعَال مَصْدَرِيَّة لَا كَافَّة وَالثَّانِي الكافة عَن عمل النصب وَالرَّفْع وَهِي الْمُتَّصِلَة بإن وَأَخَوَاتهَا نَحْو إِنَّمَا الله إِلَه وَاحِد كَأَنَّمَا يساقون إِلَى الْمَوْت وَتسَمى المتلوة بِفعل مهيئة وَزعم ابْن درسْتوَيْه وَبَعض الْكُوفِيّين أَن مَا مَعَ هَذِه الْحُرُوف اسْم مُبْهَم بِمَنْزِلَة ضمير الشَّأْن فِي التفخيم والإبهام وَفِي أَن الْجُمْلَة بعده مفسرة لَهُ ومخبر بهَا عَنهُ وَيَردهُ أَنَّهَا لَا تصلح للابتداء بهَا وَلَا لدُخُول نَاسخ غير إِن وَأَخَوَاتهَا ورده ابْن الخباز فِي شرح الايضاح بامتناع إِنَّمَا أَيْن زيد مَعَ صِحَة تَفْسِير ضمير الشَّأْن بجملة الِاسْتِفْهَام وَهَذَا سَهْو مِنْهُ إِذْ لَا يُفَسر ضمير الشَّأْن بالجمل غير الخبرية اللَّهُمَّ إِلَّا مَعَ أَن المخففة من الثَّقِيلَة فَإِنَّهُ قد يُفَسر بِالدُّعَاءِ نَحْو أما أَن جَزَاك الله خيرا وَقِرَاءَة بعض السَّبْعَة وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا على أَنا لَا نسلم أَن اسْم أَن المخففة يتَعَيَّن كَونه ضمير شَأْن إِذْ يجوز هُنَا أَن يقدر ضمير الْمُخَاطب فِي الأول والغائبة فِي الثَّانِي وَقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله تَعَالَى أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا) إِن التَّقْدِير إِن قد صدقت وَأما {إِن مَا توعدون لآت} {وَأَن مَا يدعونَ من دونه هُوَ الْبَاطِل} إِن مَا عِنْد الله هُوَ خير لكم {أيحسبون أَنما نمدهم بِهِ من مَال وبنين نسارع لَهُم فِي الْخيرَات} {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه} ف مَا فِي ذَلِك كُله اسْم بِاتِّفَاق والحرف عَامل وَأما {إِنَّمَا حرم عَلَيْكُم الْميتَة} فَمن نصب الْميتَة فَمَا كَافَّة وَمن رَفعهَا وَهُوَ أَبُو رَجَاء العطاردي فَمَا اسْم مَوْصُول والعائد مَحْذُوف وَكَذَلِكَ {إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر} فَمن رفع كيد ف إِن عاملة وَمَا مَوْصُولَة والعائد مَحْذُوف لكنه مُحْتَمل للاسمي والحرفي أَي إِن الدي صنعوه أَو إِن صنعهم وَمن نصب وَهُوَ ابْن مَسْعُود وَالربيع بن خَيْثَم ف مَا كَافَّة وَجزم النحويون بِأَن مَا كَافَّة فِي (إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء) وَلَا يمْتَنع أَن تكون بِمَعْنى الَّذِي وَالْعُلَمَاء خبر والعائد مستتر فِي يخْشَى وأطلقت مَا على جمَاعَة الْعُقَلَاء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء وَأما قَول النَّابِغَة 573 - قَالَت أَلا ليتما هَذَا الْحمام لنا ... فَمن نصب الْحمام وَهُوَ الْأَرْجَح عِنْد النَّحْوِيين فِي نَحْو ليتما زيدا قَائِم ف مَا زَائِدَة غير كَافَّة وَهَذَا اسْمهَا وَلنَا الْخَبَر قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَقد كَانَ رؤبة بن العجاج ينشده رفعا اهـ فعلى هَذَا يحْتَمل أَن تكون مَا كَافَّة وَهَذَا مُبْتَدأ وَيحْتَمل أَن تكون مَوْصُولَة وَهَذَا خبر لمَحْذُوف أَي لَيْت الَّذِي هُوَ هَذَا الْحمام لنا وَهُوَ ضَعِيف لحذف الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي صلَة غير أَي مَعَ عدم الطول وَسَهل ذَلِك لتَضَمّنه إبْقَاء الإعمال وَزعم جمَاعَة من الْأُصُولِيِّينَ والبيانيين أَن مَا الكافة الَّتِي مَعَ إِن نَافِيَة وَأَن ذَلِك سَبَب إفادتها للحصر قَالُوا لِأَن إِن للاثبات وَمَا للنَّفْي فَلَا يجوز أَن يتوجها مَعًا إِلَى شَيْء وَاحِد لِأَنَّهُ تنَاقض وَلَا أَن يحكم بتوجه النَّفْي للمذكور بعْدهَا لِأَنَّهُ خلاف الْوَاقِع بِاتِّفَاق فَتعين صرفه لغير الْمَذْكُور وَصرف الْإِثْبَات للمذكور فجَاء الْحصْر وَهَذَا الْبَحْث مَبْنِيّ على مقدمتين باطلتين بِإِجْمَاع النَّحْوِيين إِذْ لَيست إِن للإثبات وَإِنَّمَا هِيَ لتوكيد الْكَلَام إِثْبَاتًا كَانَ مثل إِن زيدا قَائِم أَو نفيا مثل إِن زيدا لَيْسَ بقائم وَمِنْه إِن الله لَا يظلم النَّاس شَيْئا وَلَيْسَت مَا للنَّفْي بل هِيَ بمنزلتها فِي أخواتها ليتما ولعلما ولكنما وكأنما وَبَعْضهمْ ينْسب القَوْل بِأَنَّهَا الحديث: 573 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 نَافِيَة للفارسي فِي كتاب الشيرازيات وَلم يقل ذَلِك الْفَارِسِي لَا فِي الشيرازيات وَلَا فِي غَيرهَا وَلَا قَالَه نحوي غَيره وَإِنَّمَا قَالَ الْفَارِسِي فِي الشيرازيات إِن الْعَرَب عاملوا إِنَّمَا مُعَاملَة النَّفْي وَإِلَّا فِي فصل الضَّمِير كَقَوْلِه الفرزدق 574 - (وَإِنَّمَا ... يدافع عَن أحسابهم أَنا أَو مثلي) فَهَذَا كَقَوْل الآخر 575 - (قد علمت سلمى وجاراتها ... مَا قطر الْفَارِس إِلَّا أَنا) وَقَول أبي حَيَّان لَا يجوز فصل الضَّمِير المحصور بإنما وَإِن الْفَصْل فِي الْبَيْت الأول ضَرُورَة واستدلاله بقوله تَعَالَى قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة وهم لِأَن الْحصْر فِيهِنَّ فِي جَانب الظّرْف لَا الْفَاعِل أَلا ترى أَن الْمَعْنى مَا أعظكم إِلَّا بِوَاحِدَة وَكَذَلِكَ الْبَاقِي الثَّالِث الكافة عَن عمل الْجَرّ وتتصل بأحرف وظروف فالأحرف أَحدهَا رب وَأكْثر مَا تدخل حِينَئِذٍ على الْمَاضِي كَقَوْلِه 576 - (رُبمَا أوفيت فِي علم ... ترفعن ثوبي شمالات) لِأَن التكثير والتقليل إِنَّمَا يكونَانِ فِيمَا عرف حَده والمستقبل مَجْهُول وَمن الحديث: 574 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 ثمَّ قَالَ الرماني فِي رُبمَا يود الَّذين كفرُوا إِنَّمَا جَازَ لِأَن الْمُسْتَقْبل مَعْلُوم عِنْد الله تَعَالَى كالماضي وَقيل هُوَ على حِكَايَة حَال مَاضِيَة مجَازًا مثل وَنفخ فِي الصُّور وَقيل التَّقْدِير رُبمَا كَانَ يود وَتَكون كَانَ هَذِه شأنية وَلَيْسَ حذف كَانَ بِدُونِ إِن وَلَو الشرطيتين سهلا ثمَّ الْخَبَر حِينَئِذٍ وَهُوَ يود مخرج على حِكَايَة الْحَال الْمَاضِيَة فَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير كَانَ وَلَا يمْتَنع دُخُولهَا على الْجُمْلَة الاسمية خلافًا للفارسي وَلِهَذَا قَالَ فِي قَول أبي دؤاد 577 - (رُبمَا الجامل المؤبل فيهم ... ) مَا نكرَة مَوْصُوفَة بجملة حذف مبتدؤها أَي رب شَيْء هُوَ الجامل الثَّانِي الْكَاف نَحْو كن كَمَا أَنْت وَقَوله 578 - ( ... كَمَا سيف عَمْرو لم تخنه مُضَارَبَة) قيل وَمِنْه اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة وَقيل مَا مَوْصُولَة وَالتَّقْدِير كَالَّذي هُوَ آلِهَة لَهُم وَقيل لَا تكف الْكَاف بِمَا وَإِن مَا فِي ذَلِك مَصْدَرِيَّة مَوْصُولَة بِالْجُمْلَةِ الاسمية الثَّالِث الْبَاء كَقَوْلِه 579 - (فلئن صرت لَا تحير جَوَابا ... لبما قد ترى وَأَنت خطيب) ذكره ابْن مَالك وَأَن مَا الكافة أحدثت مَعَ الْبَاء معنى التقليل كَمَا الحديث: 577 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 أحدثت مَعَ الْكَاف معنى التَّعْلِيل فِي نَحْو واذكروه كَمَا هدَاكُمْ وَالظَّاهِر أَن الْبَاء وَالْكَاف للتَّعْلِيل وَأَن مَا مَعَهُمَا مَصْدَرِيَّة وَقد سلم أَن كلا من الْكَاف وَالْبَاء يَأْتِي للتَّعْلِيل مَعَ عدم مَا كَقَوْلِه تَعَالَى فبظلم من الَّذين هادوا حرمنا عَلَيْهِم طَيّبَات أحلّت لَهُم ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ وَأَن التَّقْدِير أعجب لعدم فلاح الْكَافرين ثمَّ الْمُنَاسب فِي الْبَيْت معنى التكثير لَا التقليل الرَّابِع من كَقَوْل أبي حَيَّة 580 - (وَإِنَّا لمما نضرب الْكَبْش ضَرْبَة ... ) قَالَه ابْن الشجري وَالظَّاهِر أَن مَا مَصْدَرِيَّة وان الْمَعْنى مثله فِي خلق الْإِنْسَان من عجل وَقَوله 58 - ( ... وضنت علينا والضنين من الْبُخْل) فَجعل الْإِنْسَان والبخيل مخلوقين من الْعجل وَالْبخل مُبَالغَة وَأما الظروف فأحدها بعد كَقَوْلِه 58 - (أعلاقة أم الْوَلِيد بَعْدَمَا ... أفنان رَأسك كالثغام المخلس) الحديث: 580 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 المخلس بِكَسْر اللَّام الْمُخْتَلط رطبه بيابسه وَقيل مَا مَصْدَرِيَّة وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن فِيهِ إبْقَاء بعد على أَصْلهَا من الْإِضَافَة وَلِأَنَّهَا لَو لم تكن مُضَافَة لنونت وَالثَّانِي بَين كَقَوْلِه 583 - (بَيْنَمَا نَحن بالأراك مَعًا ... إِذْ أَتَى رَاكب على جملَة) وَقيل مَا زَائِدَة وَبَين مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة وَقيل زَائِدَة وَبَين مُضَافَة إِلَى زمن مَحْذُوف مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة أَي بَين أَوْقَات نَحن بالأراك والأقوال الثَّلَاثَة تجْرِي فِي بَين مَعَ الْألف فِي نَحْو قَوْله 584 - (فَبينا نسوس النَّاس وَالْأَمر أمرنَا ... إِذا نَحن فيهم سوقة لَيْسَ ننصف) وَالثَّالِث وَالرَّابِع حَيْثُ وَإِذ ويضمنان حِينَئِذٍ معنى إِن الشّرطِيَّة فيجزمان فعلين وَغير الكافة نَوْعَانِ عوض وَغير عوض فالعوض فِي موضِعين أَحدهمَا فِي نَحْو قَوْلهم أما أَنْت مُنْطَلقًا انْطَلَقت وَالْأَصْل انْطَلَقت لِأَن كنت مُنْطَلقًا فَقدم الْمَفْعُول لَهُ للاختصاص وَحذف الْجَار وَكَانَ للاختصار وَجِيء ب مَا للتعويض وأدغمت النُّون للتقارب وَالْعَمَل عِنْد الْفَارِسِي وَابْن جني ل مَا لَا ل كَانَ وَالثَّانِي فِي نَحْو قَوْلهم افْعَل هَذَا إِمَّا لَا وَأَصله إِن كنت لَا تفعل غَيره الحديث: 583 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَغير الْعِوَض أتقع بعد الرافع كَقَوْلِك شتان مَا زيد وَعَمْرو وَقَول مهلهل 585 - (لَو بأبانين جَاءَ يخطبها ... ومل مَا أنف خَاطب بِدَم) وَقد مضى الْبَحْث فِي قَوْله 586 - (أنورا سرع مَاذَا يَا فروق ... ) وَأَن التَّقْدِير أنفارا سرع هَذَا ب وَبعد الناصب الرافع نَحْو ليتما زيدا قَائِم ج وَبعد الْجَازِم نَحْو {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ} {أيا مَا تدعوا} {أَيْنَمَا تَكُونُوا} وَقَول الْأَعْشَى 587 - (مَتى مَا تناخي عِنْد بَاب ابْن هَاشم ... تراحي وتلقي من فواضله ندى) د وَبعد الْخَافِض حرفا كَانَ نَحْو {فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم} {عَمَّا قَلِيل} {مِمَّا خطيئاتهم} وَقَوله 588 - (رُبمَا ضَرْبَة بِسيف صقيل ... بَين بصرى وطعنة نجلاء) الحديث: 585 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وَقَوله 589 - (وننصر مَوْلَانَا ونعلم أَنه ... كَمَا النَّاس مجروم عَلَيْهِ وجارم) أَو اسْما كَقَوْلِه تَعَالَى {أَيّمَا الْأَجَليْنِ} وَقَول الشَّاعِر 590 - (نَام الخلي وَمَا أحس رقادي ... والهم محتضر لدي وِسَادِي) (من غير مَا سقم وَلَكِن شفني ... هم أرَاهُ قد أصَاب فُؤَادِي) وَقَوله 59 - ( ... وَلَا سِيمَا يَوْم بدارة جلجل) أَي وَلَا مثل الَّذِي يَوْم وَقَوله بدارة صفة ليَوْم وَخبر لَا مَحْذُوف وَمن رفع يَوْم فالتقدير وَلَا مثل هُوَ يَوْم وَحسن حذف الْعَائِد طول الصِّلَة بِصفة يَوْم ثمَّ إِن الْمَشْهُور أَن مَا مخفوضة وَخبر لَا مَحْذُوف وَقَالَ الْأَخْفَش مَا خبر ل لَا وَيلْزمهُ قطع سي عَن الْإِضَافَة من غير عوض قيل وَكَون خبر لَا مَعْرُوفَة وَجَوَابه أَنه قد يقدر مَا نكرَة مَوْصُوفَة أَو يكون قد رَجَعَ إِلَى قَول سِيبَوَيْهٍ فِي لَا رجل قَائِم إِن ارْتِفَاع الْخَبَر بِمَا كَانَ مرتفعا بِهِ لَا ب لَا النافية وَفِي الهيتيات للفارسي إِذا قيل قَامُوا لَا سِيمَا زيد ف لَا مُهْملَة وسي حَال أَي قَامُوا غير مماثلين لزيد فِي الْقيام وَيَردهُ صِحَة دُخُول الْوَاو وَهِي لَا تدخل على الْحَال المفردة وَعدم تكْرَار لَا وَذَلِكَ وَاجِب مَعَ الْحَال المفردة وَأما من نَصبه فَهُوَ تَمْيِيز ثمَّ قيل مَا نكرَة الحديث: 589 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 تَامَّة مخفوضة بِالْإِضَافَة فَكَأَنَّهُ قيل وَلَا مثل شَيْء ثمَّ جِيءَ بالتمييز وَقَالَ الْفَارِسِي مَا حرف كَاف لسي عَن الْإِضَافَة فَأَشْبَهت الْإِضَافَة فِي على التمرة مثلهَا زبدا وَإِذا قلت لَا سِيمَا زيد جَازَ جر زيد وَرَفعه وَامْتنع نَصبه هـ وزيدت قبل الْخَافِض كَمَا فِي قَول بَعضهم مَا خلا زيد وَمَا عدا عَمْرو بالخفض وَهُوَ نَادِر ووتزاد بعد أَدَاة الشَّرْط جازمة كَانَت نَحْو {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} {وَإِمَّا تخافن} أَو غير جازمة {حَتَّى إِذا مَا جاؤوها شهد عَلَيْهِم سمعهم} ز - وَبَين الْمَتْبُوع وَتَابعه فِي نَحْو {مثلا مَا بعوضة} قَالَ الزّجاج مَا حرف زَائِد للتوكيد عِنْد جَمِيع الْبَصرِيين اهـ وَيُؤَيِّدهُ سُقُوطهَا فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود وبعوضة بدل وَقيل مَا اسْم نكرَة صفة لمثلا أَو بدل مِنْهُ وبعوضة عطف بَيَان على مَا وَقَرَأَ رُؤْيَة بِرَفْع بعوضة وَالْأَكْثَرُونَ على أَن مَا مَوْصُولَة أَي الَّذِي هُوَ بعوضة وَذَلِكَ عِنْد الْبَصرِيين والكوفيين على حذف الْعَائِد مَعَ عدم طول الصِّلَة وَهُوَ شَاذ عِنْد الْبَصرِيين قِيَاس عِنْد الْكُوفِيّين وَاخْتَارَ الزَّمَخْشَرِيّ كَون مَا استفهامية مُبْتَدأ وبعوضة خَبَرهَا وَالْمعْنَى أَي شَيْء الْبَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا فِي الحقارة ح وزادها الْأَعْشَى مرَّتَيْنِ فِي قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 59 - (إِمَّا ترينا حُفَاة لَا نعال لنا ... إِنَّا كَذَلِك مَا نحفى وننتعل) وَأُميَّة بن أبي الصَّلْت ثَلَاث مَرَّات فِي قَوْله 593 - (سلع مَا وَمثله عشر مَا ... عائل مَا وعالت البيقورا) وَهَذَا الْبَيْت قَالَ عِيسَى بن عمر لَا أَدْرِي مَا مَعْنَاهُ وَلَا رَأَيْت أحدا يعرفهُ وَقَالَ غَيره كَانُوا إِذا أَرَادوا الاسْتِسْقَاء فِي سنة الجدب عقدوا فِي أَذْنَاب الْبَقر وَبَين عراقيها السّلع بِفتْحَتَيْنِ وَالْعشر بضمة ففتحة وهما ضَرْبَان من الشّجر ثمَّ أوقدوا فِيهَا النَّار وصعدوا بهَا الْجبَال وَرفعُوا أَصْوَاتهم بِالدُّعَاءِ قَالَ (أجاعل أَنْت بيقورا مسلعة ... ذَرِيعَة لَك بَين الله والمطر) وَمعنى عالت البيقورا أَن السّنة أثقلت الْبَقر بِمَا حملتها من السّلع وَالْعشر وَهَذَا فصل عقدته للتدريب فِي مَا قَوْله تَعَالَى {مَا أغْنى عَنهُ مَاله وَمَا كسب} تحْتَمل مَا الأولى النافية أَي لم يغن والاستفهامية فَتكون مَفْعُولا مُطلقًا وَالتَّقْدِير أَي إغناء أغْنى عَنهُ مَاله ويضعف كَونه مُبْتَدأ بِحَذْف الْمَفْعُول الْمُضمر حِينَئِذٍ إِذْ تَقْدِيره أَي إغناء أغناه عَنهُ مَاله وَهُوَ نَظِير زيد ضربت إِلَّا أَن الْهَاء المحذوفة فِي الْآيَة مفعول مُطلق وَفِي الْمِثَال مفعول بِهِ وَأما مَا الثَّانِيَة فموصول اسْمِي أَو حرفي أَي وَالَّذِي كَسبه أَو وَكَسبه وَقد يضعف الاسمي بِأَنَّهُ إِذا قدر وَالَّذِي كَسبه لزم التّكْرَار لتقدم الحديث: 593 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 ذكر المَال وَيُجَاب بِأَنَّهُ يجوز أَن يُرَاد بهَا الْوَلَد فَفِي الحَدِيث أَحَق مَا أكل الرجل من كَسبه وَإِن وَلَده من كَسبه وَالْآيَة حِينَئِذٍ نَظِير {لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم} وَأما {وَمَا يُغني عَنهُ مَاله إِذا تردى} {مَا أغْنى عني ماليه} ف مَا فيهمَا مُحْتَملَة للاستفهامية وللنافية ويرجحها تعينها فِي {فَمَا أغْنى عَنْهُم سمعهم وَلَا أَبْصَارهم} والأرجح فِي {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} أَنَّهَا مَوْصُولَة عطف على السحر وَقيل نَافِيَة فالوقف على السحر والأرجح فِي {لتنذر قوما مَا أنذر آباؤهم} أَنَّهَا النافية بِدَلِيل {وَمَا أرسلنَا إِلَيْهِم قبلك من نَذِير} وتحتمل الموصولة وَالْأَظْهَر فِي {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} المصدرية وَقيل مَوْصُولَة قَالَ ابْن الشجري فَفِيهِ خَمْسَة حذوف وَالْأَصْل بِمَا تُؤمر بالصدع بِهِ فحذفت الْبَاء فَصَارَ بالصدعه فحذفت أل لِامْتِنَاع جمعهَا مَعَ الْإِضَافَة فَصَارَ بصدعه ثمَّ حذف الْمُضَاف كَمَا فِي {واسأل الْقرْيَة} فَصَارَ بِهِ ثمَّ حذف الْجَار كَمَا قَالَ عَمْرو بن معد يكرب 594 - أَمرتك الْخَيْر فافعل مَا أمرت بِهِ ... الحديث: 594 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 فَصَارَ تؤمرة ثمَّ حذفت الْهَاء كَمَا حذفت فِي {أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا} وَهَذَا تَقْرِير ابْن جني وَأما {مَا ننسخ من آيَة} ف مَا شَرْطِيَّة وَلِهَذَا جزمت ومحلها النصب بننسخ وانتصابها إِمَّا على أَنَّهَا مفعول بِهِ مثل {أيا مَا تدعوا} فالتقدير أَي شَيْء ننسخ لَا أَي آيَة ننسخ لِأَن ذَلِك لَا يجْتَمع مَعَ {من آيَة} وَإِمَّا على أَنَّهَا مفعول مُطلق فالتقدير أَي نسخ ننسخ ف آيَة مفعول ننسخ وَمن زَائِدَة ورد هَذَا أَبُو الْبَقَاء بِأَن مَا المصدرية لَا تعْمل وَهَذَا سَهْو مِنْهُ فَإِن نَفسه نقل عَن صَاحب هَذَا الْوَجْه أَن مَا مصدر بِمَعْنى أَنَّهَا مفعول مُطلق وَلم ينْقل عَنهُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّة وَأما قَوْله تَعَالَى {مكناهم فِي الأَرْض مَا لم نمكن لكم} فَمَا مُحْتَملَة للموصوفة أَي شَيْئا لم نمكنه لكم فَحذف الْعَائِد وللمصدرية الظَّرْفِيَّة أَي أَن مُدَّة تمكنهم أطول وانتصابها فِي الأول على الْمصدر وَقيل على الْمَفْعُول بِهِ على تضمين مكنا معنى أعطينا وَفِيه تكلّف وَأما قَوْله تَعَالَى {فقليلا مَا يُؤمنُونَ} فَمَا مُحْتَملَة لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الزِّيَادَة فَتكون إِمَّا لمُجَرّد تَقْوِيَة الْكَلَام مثلهَا فِي {فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 ) فَتكون حرفا بِاتِّفَاق وقليلا فِي معنى النَّفْي مثلهَا فِي قَوْله 595 - ( ... قَلِيل بهَا الْأَصْوَات إِلَّا بغامها) وَإِمَّا لإِفَادَة التقليل مثلهَا فِي أكلت أكلا مَا وعَلى هَذَا فَيكون تقليلا بعد تقليل وَيكون التقليل على مَعْنَاهُ وَيَزْعُم قوم أَن مَا هَذِه اسْم كَمَا قدمْنَاهُ فِي {مثلا مَا بعوضة} وَالْوَجْه الثَّانِي النَّفْي وقليلا نعت لمصدر مَحْذُوف أَو لظرف مَحْذُوف أَي إِيمَانًا قَلِيلا أَو زَمنا قَلِيلا أجَاز ذَلِك بَعضهم وَيَردهُ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن مَا النافية لَهَا الصَّدْر فَلَا يعْمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا ويسهل ذَلِك شَيْئا مَا على تَقْدِير قَلِيلا نعتا للظرف لأَنهم يتسعون فِي الظّرْف وَقد قَالَ 596 - (وَنحن عَن فضلك مَا استغنينا ... ) وَالثَّانِي أَنهم لَا يجمعُونَ بَين مجازين وَلِهَذَا لم يجيزوا دخلت الْأَمر لِئَلَّا يجمعوا بَين حذف فِي وَتَعْلِيق الدُّخُول باسم الْمَعْنى بِخِلَاف دخلت فِي الْأَمر وَدخلت الدَّار واستقبحوا سير عَلَيْهِ طَوِيل لِئَلَّا يجمعوا بَين جعل الْحَدث أَو الزَّمَان مسيرًا وَبَين حذف الْمَوْصُوف بِخِلَاف سير عَلَيْهِ طَويلا وسير عَلَيْهِ سير طَوِيل أَو زمن طَوِيل وَالثَّالِث أَن تكون مَصْدَرِيَّة وَهِي وصلتها فَاعل بقليلا وقليلا حَال مَعْمُول لمَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى أَي لعنهم الله فأخروا قَلِيلا إِيمَانهم أجَازه ابْن الْحَاجِب وَرجح مَعْنَاهُ على غَيره الحديث: 595 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَقَوله تَعَالَى {وَمن قبل مَا فرطتم فِي يُوسُف} مَا إِمَّا زَائِدَة ف من مُتَعَلقَة ب فرطتم وَإِمَّا مَصْدَرِيَّة فَقيل موضعهَا هِيَ وصلتها رفع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره من قبل ورد بِأَن الغايات لَا تقع أَخْبَارًا وَلَا صلات وَلَا صِفَات وَلَا أحوالا نَص على ذَلِك سِيبَوَيْهٍ وَجَمَاعَة من الْمُحَقِّقين وَيشكل عَلَيْهِم {كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبل} وَقيل نصب عطفا على أَن وصلتها أَي ألم تعلمُوا أَخذ أبيكم الموثق وتفريطكم وَيلْزم على هَذَا الْإِعْرَاب الْفَصْل بَين العاطف والمعطوف بالظرف وَهُوَ مُمْتَنع فَإِن قيل قد جَاءَ {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا} {رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة} قُلْنَا لَيْسَ هَذَا من ذَلِك كَمَا توهم ابْن مَالك بل الْمَعْطُوف شَيْئَانِ على شَيْئَيْنِ وَقَوله تَعَالَى {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ} مَا ظرفية وَقيل بدل من النِّسَاء وَهُوَ بعيد وَتقول اصْنَع مَا صنعت فَمَا مَوْصُولَة أَو شَرْطِيَّة وعَلى هَذَا فتحتاج إِلَى تَقْدِير جَوَاب فَإِن قلت اصْنَع مَا تصنع امْتنعت الشّرطِيَّة لِأَن شَرط حذف الْجَواب مُضِيّ فعل الشَّرْط وَتقول مَا أحسن مَا كَانَ زيد ف مَا الثَّانِيَة مَصْدَرِيَّة وَكَانَ زيد صلتها وَالْجُمْلَة مفعول وَيجوز عِنْد من جوز إِطْلَاق مَا على آحَاد من يعلم أَن تقدرها بِمَعْنى الَّذِي وتقدر كَانَ نَاقِصَة رَافِعَة لضميرها وتنصب زيدا على الخبرية وَيجوز على قَوْله أَيْضا أَن تكون بِمَعْنى الَّذِي مَعَ رفع زيد على أَن يكون الْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 ضمير مَا ثمَّ حذف وَالْمعْنَى مَا أحسن الَّذِي كانه زيد إِلَّا أَن حذف خبر كَانَ ضَعِيف وَمِمَّا يسْأَل عَنهُ قَول الشَّاعِر فِي صفة فرس صَافِن أَي ثَان فِي وُقُوفه إِحْدَى قوائمه 597 - (ألف الصفون فَمَا يزَال كَأَنَّهُ ... مِمَّا يقوم على الثَّلَاث كسيرا) فَيُقَال كَانَ الظَّاهِر رفع كسيرا خَبرا لكأن وَالْجَوَاب أَنه خبر ليزال وَمَعْنَاهُ كاسر أَي ثَان كرحيم وقدير لَا مكسور ضد الصَّحِيح كجريح وقتيل وَمَا مَصْدَرِيَّة وَهِي وصلتها خبر كَأَن أَي ألف الْقيام على الثَّلَاث فَلَا يزَال ثَانِيًا إِحْدَى قوائمه حَتَّى كَأَنَّهُ مَخْلُوق من قِيَامه على الثَّلَاث وَقيل مَا بِمَعْنى الَّذِي وَضمير يقوم عَائِد إِلَيْهَا وكسيرا حَال من الضَّمِير وَهُوَ بِمَعْنى مكسور وَكَأن ومعمولاها خبر يزَال أَي كَأَنَّهُ من الْجِنْس الَّذِي يقوم على الثَّلَاث وَالْمعْنَى الأول أولى من تَأتي على خَمْسَة عشر وَجها أَحدهَا ابْتِدَاء الْغَايَة وَهُوَ الْغَالِب عَلَيْهَا حَتَّى ادّعى جمَاعَة أَن سَائِر مَعَانِيهَا رَاجِعَة إِلَيْهِ وَتَقَع لهَذَا الْمَعْنى فِي غير الزَّمَان نَحْو {من الْمَسْجِد الْحَرَام} {إِنَّه من سُلَيْمَان} قَالَ الْكُوفِيُّونَ والأخفش والمبرد وَابْن درسْتوَيْه وَفِي الزَّمَان الحديث: 597 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 أَيْضا بِدَلِيل {من أول يَوْم} وَفِي الحَدِيث فمطرنا من الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة وَقَالَ النَّابِغَة 598 - (تخيرن من ازمان يَوْم حليمة ... إِلَى الْيَوْم قد جربن كل التجارب) وَقيل التَّقْدِير من مُضِيّ أزمان يَوْم حليمة وَمن تأسيس أول يَوْم ورده السُّهيْلي بِأَنَّهُ لَو قيل هَكَذَا لاحتيج إِلَى تَقْدِير الزَّمَان الثَّانِي التَّبْعِيض نَحْو {مِنْهُم من كلم الله} وعلامتها إِمْكَان سد بعض مسدها كَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود {حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} الثَّالِث بَيَان الْجِنْس وَكَثِيرًا مَا تقع بعد وَمَا وَمهما وهما بهَا أولى لإفراط إبهامهما نَحْو (مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا) {مَا ننسخ من آيَة} {مهما تأتنا بِهِ من آيَة} وَهِي ومخفوضها فِي ذَلِك فِي مَوضِع نصب على الْحَال وَمن وُقُوعهَا بعد غَيرهمَا {يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب وَيلبسُونَ ثيابًا خضرًا من سندس وإستبرق} الشَّاهِد فِي غير الأولى فَإِن تِلْكَ للابتداء وَقيل زَائِدَة وَنَحْو {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} وَأنكر الحديث: 598 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 مَجِيء من لبَيَان الْجِنْس قوم وَقَالُوا هِيَ فِي {من ذهب} و {من سندس} للتَّبْعِيض وَفِي {من الْأَوْثَان} للابتداء وَالْمعْنَى فَاجْتَنبُوا من الْأَوْثَان الرجس وَهُوَ عبادتها وَهَذَا تكلّف وَفِي كتاب الْمَصَاحِف لِابْنِ الْأَنْبَارِي أَن بعض الزَّنَادِقَة تمسك بقوله تَعَالَى {وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُم مغْفرَة} فِي الطعْن على بعض الصَّحَابَة وَالْحق أَن من فِيهَا للتبيين وَلَا للتَّبْعِيض أَي الَّذين آمنُوا هم هَؤُلَاءِ وَمثله {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول من بعد مَا أَصَابَهُم الْقرح للَّذين أَحْسنُوا مِنْهُم وَاتَّقوا أجر عَظِيم} وَكلهمْ محسن ومتق {وَإِن لم ينْتَهوا عَمَّا يَقُولُونَ ليمسن الَّذين كفرُوا مِنْهُم عَذَاب أَلِيم} فالمقول فيهم ذَلِك كلهم كفار الرَّابِع التَّعْلِيل نَحْو {مِمَّا خطيئاتهم أغرقوا} وَقَوله 599 - (وَذَلِكَ من نبإ جَاءَنِي ... ) وَقَول الفرزدق فِي عَليّ بن الْحُسَيْن 600 - (يغضي حَيَاء ويغضى من مهابته ... ) الحديث: 599 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 الْخَامِس الْبَدَل نَحْو {أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة} {لجعلنا مِنْكُم مَلَائِكَة فِي الأَرْض يخلفون} لِأَن الْمَلَائِكَة لَا تكون من الْإِنْس {لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من الله شَيْئا} أَي بدل طَاعَة الله أَو بدل رَحْمَة الله وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد أَي لَا ينفع ذَا الْحَظ من الدُّنْيَا حَظه بذلك أَي بدل طَاعَتك أَو بدل حظك أَي بدل حَظه مِنْك وَقيل ضمن ينفع معنى يمْنَع وَمَتى علقت من بالجد انعكس الْمَعْنى {فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء} فَلَيْسَ من هَذَا خلافًا لبَعْضهِم بل من للْبَيَان أَو للابتداء وَالْمعْنَى فَلَيْسَ فِي شَيْء من ولَايَة الله وَقَالَ ابْن مَالك فِي قَول أبي نخيلة 60 - (وَلم تذق من الْبُقُول الفستقا) المُرَاد بدل الْبُقُول وَقَالَ غَيره توهم الشَّاعِر أَن الفستق من الْبُقُول وَقَالَ الْجَوْهَرِي الرِّوَايَة النقول بالنُّون وَمن عَلَيْهِمَا للتعبيض وَالْمعْنَى على قَول الْجَوْهَرِي أَنَّهَا تَأْكُل النقول إِلَّا الفستق وَإِنَّمَا المُرَاد أَنَّهَا لَا تَأْكُل إِلَّا الْبُقُول لِأَنَّهَا بدوية وَقَالَ الآخر يصف عَامِلِي الزَّكَاة بالجور 60 - (أخذُوا الْمَخَاض من الفصيل غَلَبَة ... ظلما وَيكْتب للأمير أفيلا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 أَي بدل الفصيل والأفيل الصَّغِير لِأَنَّهُ يأفل بَين الْإِبِل أَي يغيب وانتصاب أفيلا على الْحِكَايَة لأَنهم يَكْتُبُونَ أدّى فلَان أفيلا وَأنكر قوم مَجِيء من للبدل فَقَالُوا التَّقْدِير فِي {أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة} أَي بَدَلا مِنْهَا فالمفيد للبدلية متعلقها الْمَحْذُوف وَأما هِيَ فللابتداء وَكَذَا الْبَاقِي السَّادِس مرادفة عَن نَحْو {فويل للقاسية قُلُوبهم من ذكر الله} {يَا ويلنا قد كُنَّا فِي غَفلَة من هَذَا} وَقيل هِيَ فِي هَذِه للابتداء لتفيد أَن مَا بعد ذَلِك من الْعَذَاب أَشد وَكَأن هَذَا الْقَائِل يعلق مَعْنَاهَا بويل مثل {فويل للَّذين كفرُوا من النَّار} وَلَا يَصح كَونه تَعْلِيقا صناعيا للفصل بالْخبر وَقيل هِيَ فيهمَا للابتداء أَو هِيَ فِي الأولى للتَّعْلِيل أَي من أجل ذكر الله لِأَنَّهُ إِذا ذكر قست قُلُوبهم وَزعم ابْن مَالك أَن من فِي نَحْو زيد أفضل من عَمْرو للمجاوزة وَكَأَنَّهُ قيل جَاوز زيد عمرا فِي الْفضل قَالَ وَهُوَ أولى من قَول سِيبَوَيْهٍ وَغَيره إِنَّهَا لابتداء الِارْتفَاع فِي نَحْو أفضل مِنْهُ وَابْتِدَاء الانحطاط فِي نَحْو شَرّ مِنْهُ إِذْ لَا يَقع بعْدهَا إِلَى اهـ وَقد يُقَال وَلَو كَانَت للمجاوزة لصَحَّ فِي موضعهَا عَن السَّابِع مرادفة الْبَاء نَحْو {ينظرُونَ من طرف خَفِي} قَالَه يُونُس وَالظَّاهِر أَنَّهَا للابتداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 الثَّامِن مرادفة فِي نَحْو {أروني مَاذَا خلقُوا من الأَرْض} {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} وَالظَّاهِر أَنَّهَا فِي الأولى لبَيَان الْجِنْس مثلهَا فِي {مَا ننسخ من آيَة} التَّاسِع مُوَافقَة عِنْد نَحْو {لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم من الله شَيْئا} قَالَه أَبُو عُبَيْدَة وَقد مضى القَوْل بِأَنَّهَا فِي ذَلِك للبدل الْعَاشِر مرادفة رُبمَا وَذَلِكَ إِذا اتَّصَلت بِمَا كَقَوْلِه 603 - (وَإِنَّا لمما نضرب الْكَبْش ضَرْبَة ... على رَأسه تلقي اللِّسَان من الْفَم) قَالَه السيرافي وَابْن خروف وَابْن طَاهِر والأعلم وَخَرجُوا عَلَيْهِ قَول سِيبَوَيْهٍ وَاعْلَم أَنهم مِمَّا يحذفون كَذَا وَالظَّاهِر أَن من فيهمَا ابتدائية وَمَا مَصْدَرِيَّة وَأَنَّهُمْ جعلُوا كَأَنَّهُمْ خلقُوا من الضَّرْب والحذف مثل {خلق الْإِنْسَان من عجل} الْحَادِي عشر مرادفة على نَحْو {ونصرناه من الْقَوْم} وَقيل على التَّضْمِين أَي منعناه مِنْهُم بالنصر الثَّانِي عشر الْفَصْل وَهِي الدَّاخِلَة على ثَانِي المتضادين نَحْو {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} الحديث: 603 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث من الطّيب قَالَه ابْن مَالك وَفِيه نظر لِأَن الْفَصْل مُسْتَفَاد من الْعَامِل فَإِن ماز وميز بِمَعْنى فصل وَالْعلم صفة توجب التَّمْيِيز وَالظَّاهِر أَن من فِي الْآيَتَيْنِ للابتداء أَو بِمَعْنى عَن الثَّالِث عشر الْغَايَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَتقول رَأَيْته من ذَلِك الْموضع فَجَعَلته غَايَة لرؤيتك أَي محلا للابتداء والانتهاء قَالَ وَكَذَا أَخَذته من زيد وَزعم ابْن مَالك أَنَّهَا فِي هَذِه للمجاوزة وَالظَّاهِر عِنْدِي أَنَّهَا للابتداء لِأَن الْأَخْذ ابْتَدَأَ من عِنْده وانْتهى إِلَيْك الرَّابِع عشر التَّنْصِيص على الْعُمُوم وَهِي الزَّائِدَة فِي نَحْو مَا جَاءَنِي من رجل فَإِنَّهُ قبل دُخُولهَا يحْتَمل نفي الْجِنْس وَنفي الْوحدَة وَلِهَذَا يَصح أَن يُقَال بل رجلَانِ وَيمْتَنع ذَلِك بعد دُخُول من الْخَامِس عشر توكيد الْعُمُوم وَهِي الزَّائِدَة فِي نَحْو مَا جَاءَنِي من أحد أَو من ديار فَإِن أحدا وديارا ضيغتا عُمُوم وَشرط زيادتها فِي النَّوْعَيْنِ ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا تقدم نفي أَو نهي أَو اسْتِفْهَام بهل نَحْو وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت فَارْجِع الْبَصَر هَل ترى من فطور وَتقول لَا يقم من أحد وَزَاد الْفَارِسِي الشَّرْط كَقَوْلِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 604 - (وَمهما تكن عِنْد امرىء من خَلِيقَة ... وَإِن خالها تخفى على النَّاس تعلم) وَسَيَأْتِي فصل مهما وَالثَّانِي تنكير مجرورها وَالثَّالِث كَونه فَاعِلا أَو مَفْعُولا بِهِ أَو مُبْتَدأ تَنْبِيهَات أَحدهَا قد اجْتمعت زيادتها فِي الْمَنْصُوب وَالْمَرْفُوع فِي قَوْله تَعَالَى مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه وَلَك أَن تقدر كَانَ تَامَّة لِأَن مرفوعها فَاعل وناقصة لِأَن مرفوعها شَبيه بالفاعل وَأَصله الْمُبْتَدَأ الثَّانِي تَقْيِيد الْمَفْعُول بقولنَا بِهِ هِيَ عبارَة ابْن مَالك فَتخرج بَقِيَّة المفاعيل وَكَأن وَجه منع زيادتها فِي الْمَفْعُول مَعَه وَالْمَفْعُول لأَجله وَالْمَفْعُول فِيهِ أَنَّهُنَّ فِي الْمَعْنى بِمَنْزِلَة الْمَجْرُور بمع وباللام وبفي وَلَا تجامعهن من وَلَكِن لَا يظْهر للْمَنْع فِي الْمَفْعُول الْمُطلق وَجه وَقد خرج عَلَيْهِ أَبُو الْبَقَاء مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء فَقَالَ من زَائِدَة وَشَيْء فِي مَوضِع الْمصدر أَي تفريطا مثل لَا يضركم كيدهم شَيْئا وَالْمعْنَى تفريطا وضرا قَالَ وَلَا يكون مَفْعُولا بِهِ لِأَن فرط إِنَّمَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ بفي وَقد عدي بهَا إِلَى الْكتاب قَالَ وعَلى هَذَا فَلَا حجَّة فِي الْآيَة لمن ظن أَن الْكتاب يحتوي على ذكر كل شَيْء صَرِيحًا قلت وَكَذَا لَا حجَّة فِيهَا لَو كَانَ شَيْء مَفْعُولا بِهِ لِأَن المُرَاد بِالْكتاب اللَّوْح الْمَحْفُوظ الحديث: 604 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين وَهُوَ رَأْي الزَّمَخْشَرِيّ والسياق يَقْتَضِيهِ الثَّالِث الْقيَاس أَنَّهَا لَا تزاد فِي ثَانِي مفعول ظن وَلَا ثَالِث مفعولات أعلم لِأَنَّهُمَا فِي الأَصْل خبر وشذت قِرَاءَة بَعضهم مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من أَوْلِيَاء بِبِنَاء نتَّخذ للْمَفْعُول وَحملهَا ابْن مَالك على شذوذ زِيَادَة من فِي الْحَال وَيظْهر لي فَسَاده فِي الْمَعْنى لِأَنَّك إِذا قلت مَا كَانَ لَك أَن تتَّخذ زيدا فِي حَالَة كَونه خاذلا لَك فَأَنت مُثبت لخذلانه ناه عَن اتِّخَاذه وعَلى هَذَا فَيلْزم أَن الْمَلَائِكَة أثبتوا لأَنْفُسِهِمْ الْولَايَة الرَّابِع أَكْثَرهم أهمل هَذَا الشَّرْط الثَّالِث فيلزمهم زيادتها فِي الْخَبَر فِي نَحْو مَا زيد قَائِما والتمييز فِي نَحْو مَا طَابَ زيد نفسا وَالْحَال فِي نَحْو مَا جَاءَ أحد رَاكِبًا وهم لَا يجيزون ذَلِك وَأما قَول أبي الْبَقَاء فِي مَا ننسخ من آيَة إِنَّه يجوز كَون آيَة حَالا وَمن زَائِدَة كَمَا جَاءَت آيَة حَالا فِي هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة وَالْمعْنَى أَي شَيْء ننسخ قَلِيلا أَو كثيرا فَفِيهِ تَخْرِيج التَّنْزِيل على شَيْء إِن ثَبت فَهُوَ شَاذ أَعنِي زِيَادَة من فِي الْحَال وَتَقْدِير مَا لَيْسَ بمشتق وَلَا منتقل وَلَا يظْهر فِيهِ معنى الْحَال حَالا والتنظير بِمَا لَا يُنَاسب فَإِن آيَة {فِي} هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة بِمَعْنى عَلامَة لَا وَاحِدَة الْآي وَتَفْسِير اللَّفْظ بِمَا لَا يحْتَملهُ هُوَ قَوْله قَلِيلا اَوْ كثيرا وَإِنَّمَا ذَلِك مُسْتَفَاد من اسْم الشَّرْط لعمومه لَا من آيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وَلم يشْتَرط الْأَخْفَش وَاحِدًا من الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلين وَاسْتدلَّ بِنَحْوِ وَلَقَد جَاءَك من نبأ الْمُرْسلين يغْفر لكم ذنوبكم يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب يكفر عَنْكُم من سَيِّئَاتكُمْ وَلم يشْتَرط الْكُوفِيُّونَ الأول وَاسْتَدَلُّوا بقَوْلهمْ قد كَانَ من مطر وَبقول عمر ابْن أبي ربيعَة 605 - (وينمي لَهَا حبها عندنَا ... فَمَا قَالَ من كاشح لم يضر) وَخرج الْكسَائي على زيادتها إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون وَابْن جني قِرَاءَة بَعضهم لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة بتَشْديد لما وَقَالَ أَصله لمن مَا ثمَّ أدغم ثمَّ حذفت مِيم من وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ فِي وَمَا أنزلنَا على قومه من بعده من جند من السَّمَاء وَمَا كُنَّا منزلين الْآيَة كَون الْمَعْنى وَمن الَّذِي كُنَّا منزلين فجوز زيادتها مَعَ الْمعرفَة وَقَالَ الْفَارِسِي فِي وَينزل من السَّمَاء من جبال فِيهَا من برد يجوز كَون من وَمن الْأَخِيرَتَيْنِ زائدتين فجوز الزِّيَادَة فِي الْإِيجَاب الحديث: 605 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 وَقَالَ المخالفون التَّقْدِير قد كَانَ هُوَ أَي كَائِن من جنس الْمَطَر وفما قَالَ هُوَ أَي قَائِل من جنس الْكَاشِح وَإنَّهُ من أَشد النَّاس أَي إِن الشَّأْن وَلَقَد جَاءَك هُوَ أَي جَاءَ من الْخَبَر كَائِنا من نبأ الْمُرْسلين أَو وَلَقَد جَاءَك نبأ من نبأ الْمُرْسلين ثمَّ حذف الْمَوْصُوف وَهَذَا ضَعِيف فِي الْعَرَبيَّة لِأَن الصّفة غير مُفْردَة فَلَا يحسن تَخْرِيج التَّنْزِيل عَلَيْهِ وَاخْتلف فِي من الدَّاخِلَة على قبل وَبعد فَقَالَ الْجُمْهُور لابتداء الْغَايَة ورد بِأَنَّهَا لَا تدخل عِنْدهم على الزَّمَان كَمَا مر وَأجِيب بِأَنَّهُمَا غير متأصلين فِي الظَّرْفِيَّة وَإِنَّمَا هما فِي الأَصْل صفتان للزمان إِذْ معنى جِئْت قبلك جِئْت زَمنا قبل زمن مجيئك فَلهَذَا سهل ذَلِك فيهمَا وَزعم ابْن مَالك أَنَّهَا زَائِدَة وَذَلِكَ مَبْنِيّ على قَول الْأَخْفَش فِي عدم الِاشْتِرَاط لزيادتها مَسْأَلَة {كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم} من الأولى للابتداء وَالثَّانيَِة للتَّعْلِيل وتعلقها بأرادوا أَو بيخرجوا أَو للابتداء فالغم بدل اشْتِمَال وأعيد الْخَافِض وَحذف الضَّمِير أَي من غم فِيهَا مَسْأَلَة {مِمَّا تنْبت الأَرْض من بقلها} من الأولى للابتداء وَالثَّانيَِة إِمَّا كَذَلِك فالمجرور بدل بعض وأعيد الْجَار وَإِمَّا لبَيَان الْجِنْس فالظرف حَال والمنبت مَحْذُوف أَي مِمَّا تنبته كَائِنا من هَذَا الْجِنْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 مَسْأَلَة {وَمن أظلم مِمَّن كتم شَهَادَة عِنْده من الله} وَمن الأولى مثلهَا فِي زيد أفضل من عَمْرو وَمن الثَّانِيَة للابتداء على أَنَّهَا مُتَعَلقَة باستقرار مُقَدّر أَو بالاستقرار الَّذِي تعلّقت بِهِ عِنْد أَي شَهَادَة حَاصِلَة عِنْده مِمَّا أخبر الله بِهِ قيل أَو بِمَعْنى عَن على أَنَّهَا مُتَعَلقَة بكتم على جعل كِتْمَانه عَن الْأَدَاء الَّذِي أوجبه الله كِتْمَانه عَن الله وَسَيَأْتِي أَن كتم لَا يتَعَدَّى بِمن مَسْأَلَة {إِنَّكُم لتأتون الرِّجَال شَهْوَة من دون النِّسَاء} من للابتداء والظرف صفة لشَهْوَة أَي شَهْوَة مُبتَدأَة من دونهن قيل أَو للمقابلة ك خُذ هَذَا من دون هَذَا أَي اجْعَلْهُ عوضا مِنْهُ وَهَذَا يرجع إِلَى معنى الْبَدَل الَّذِي تقدم وَيَردهُ أَنه لَا يَصح التَّصْرِيح بِهِ وَلَا بِالْعِوَضِ مَكَانهَا هُنَا مَسْأَلَة {مَا يود الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَلَا الْمُشْركين أَن ينزل عَلَيْكُم من خير من ربكُم} الْآيَة فِيهَا من ثَلَاث مَرَّات الأولى للتبيين لِأَن الْكَافرين نَوْعَانِ كتابيون ومشركون وَالثَّانيَِة زَائِدَة وَالثَّالِثَة لابتداء الْغَايَة مَسْأَلَة {لآكلون من شجر من زقوم} {وَيَوْم نحْشر من كل أمة فوجا مِمَّن يكذب} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 ) الأولى مِنْهُمَا للابتداء وَالثَّانيَِة للتبيين مَسْأَلَة {نُودي من شاطئ الْوَادي الْأَيْمن فِي الْبقْعَة الْمُبَارَكَة من الشَّجَرَة} من فيهمَا للابتداء ومجرور الثَّانِيَة بدل من مجرور الأولى بدل اشْتِمَال لِأَن الشَّجَرَة كَانَت نابتة بالشاطىء من على أَرْبَعَة أوجه 1 - شَرْطِيَّة نَحْو {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} 2 - واستفهامية نَحْو {من بعثنَا من مرقدنا} {فَمن رَبكُمَا يَا مُوسَى} وَإِذا قيل من يفعل هَذَا إِلَّا زيد فَهِيَ من الاستفهامية أشربت معنى النَّفْي وَمِنْه {وَمن يغْفر الذُّنُوب إِلَّا الله} وَلَا يتَقَيَّد جَوَاز ذَلِك بِأَن يتقدمها الْوَاو خلافًا لِابْنِ مَالك بِدَلِيل {من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وَإِذا قيل منذا لقِيت فَمن مُبْتَدأ وَذَا خبر مَوْصُول والعائد مَحْذُوف وَيجوز على قَول الْكُوفِيّين فِي زِيَادَة الْأَسْمَاء كَون ذَا زَائِدَة وَمن مَفْعُولا وَظَاهر كَلَام جمَاعَة أَنه يجوز فِي منذا لقِيت أَن تكون من وَذَا مركبتين كَمَا فِي قَوْلك مَاذَا صنعت وَمنع ذَلِك أَبُو الْبَقَاء فِي مَوَاضِع من إعرابه وثعلب فِي أَمَالِيهِ وَغَيرهمَا وخصوا جَوَاز ذَلِك ب مَاذَا لِأَن مَا أَكثر إبهاما فَحسن أَن تجْعَل مَعَ غَيرهَا كشيء وَاحِد ليَكُون ذَلِك أظهر لمعناها وَلِأَن التَّرْكِيب خلاف الأَصْل وَإِنَّمَا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل مَعَ مَا وَهُوَ قَوْلهم لما جِئْت بِإِثْبَات الْألف 3 - وموصولة فِي نَحْو {ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض} 4 - ونكرة مَوْصُوفَة وَلِهَذَا دخلت عَلَيْهَا رب فِي قَوْله 606 - (رب من أنضجت غيظا قلبه ... قد تمنى لي موتا لم يطع) ووصفت بالنكرة فِي نَحْو قَوْلهم مَرَرْت بِمن معجب لَك وَقَالَ حسان رَضِي الله عَنهُ 607 - (فَكفى بِنَا فضلا على من غَيرنَا ... حب النَّبِي مُحَمَّد إيانا) ويروى بِرَفْع غير فَيحْتَمل أَن من على حَالهَا وَيحْتَمل الموصولية وَعَلَيْهِمَا فالتقدير على من هُوَ غَيرنَا وَالْجُمْلَة صفة أَو صلَة وَقَالَ الفرزدق 608 - (إِنِّي وأياك إِذْ حلت بأرحلنا ... كمن بواديه بعد الْمحل مَمْطُور) الحديث: 606 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 أَي كشخص مَمْطُور بواديه وَزعم الْكسَائي أَنَّهَا لَا تكون نكرَة إِلَّا فِي مَوضِع يخص النكرات ورد بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فخرجهما على الزِّيَادَة وَذَلِكَ شَيْء لم يثبت كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ تَعَالَى {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه} فَجزم جمَاعَة بِأَنَّهَا مَوْصُوفَة وَهُوَ بعيد لقلَّة اسْتِعْمَالهَا وَآخَرُونَ بِأَنَّهَا مَوْصُولَة وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ إِن قدرت أل فِي النَّاس للْعهد فموصولة مثل {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي} أَو للْجِنْس فموصوفة مثل {من الْمُؤمنِينَ رجال} وَيحْتَاج إِلَى تَأمل تَنْبِيهَانِ الأول تَقول من يكرمني أكْرمه فتحتمل من الْأَوْجه الْأَرْبَعَة فَإِن قدرتها شَرْطِيَّة جزمت الْفِعْلَيْنِ أَو مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة رفعتهما أَو استفهامية رفعت الأول وجزمت الثَّانِي لِأَنَّهُ جَوَاب بِغَيْر الْفَاء وَمن فِيهِنَّ مُبْتَدأ وَخبر الاستفهامية الْجُمْلَة الأولى والموصولة أَو الموصوفة الْجُمْلَة الثَّانِيَة والشرطية الأولى أَو الثَّانِيَة على خلاف فِي ذَلِك وَتقول من زارني زرته فَلَا تحسن الاستفهامية وَيحسن مَا عَداهَا الثَّانِي زيد فِي أَقسَام من قِسْمَانِ آخرَانِ أَحدهمَا أَن تَأتي نكرَة تَامَّة وَذَلِكَ عِنْد أبي عَليّ قَالَه فِي قَوْله 609 - ( ... وَنعم من هُوَ فِي سر وإعلان) الحديث: 609 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 فَزعم أَن الْفَاعِل مستتر وَمن تَمْيِيز وَقَوله هُوَ مَخْصُوص بالمدح فَهُوَ مُبْتَدأ خَبره مَا قبله أَو خبر لمبتدأ مَحْذُوف وَقَالَ غَيره من مَوْصُول فَاعل وَقَوله هُوَ مُبْتَدأ خَبره هُوَ آخر مَحْذُوف على حد قَوْله 610 - (وشعري شعري ... ) والظرف مُتَعَلق بالمحذوف لِأَن فِيهِ معنى الْفِعْل أَي وَنعم من هُوَ الثَّابِت فِي حالتي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة قلت وَيحْتَاج إِلَى تَقْدِير هُوَ ثَالِث يكون مَخْصُوصًا بالمدح الثَّانِي التوكيد وَذَلِكَ فِيمَا زعم الْكسَائي أَنَّهَا ترد زَائِدَة ك مَا وَذَلِكَ سهل على قَاعِدَة الْكُوفِيّين فِي أَن الْأَسْمَاء تزاد وَأنْشد عَلَيْهِ 61 - (فَكفى بِنَا فضلا على من غَيرنَا ... ) فِيمَن خفض غَيرنَا وَقَوله 61 - (ياشاة من قنص لمن حلت لَهُ ... ) فِيمَن رَوَاهُ ب من دون مَا وَهُوَ خلاف الْمَشْهُور وَقَوله 613 - (آل الزبير سَنَام الْمجد قد علمت ... ذَاك الْقَبَائِل والأثرون من عددا) وَلنَا أَنَّهَا فِي الْأَوَّلين نكرَة مَوْصُوفَة أَي على قوم غَيرنَا وَيَا شَاة إِنْسَان قنص وَهَذَا من الْوَصْف بِالْمَصْدَرِ للْمُبَالَغَة وعددا إِمَّا صفة لمن على أَنه اسْم وضع مَوضِع الحديث: 610 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 الْمصدر وَهُوَ الْعد أَي والأثرون قوما ذَوي عد أَي قوما معدودين وَإِمَّا مَعْمُول ليعد محذوفا صلَة أَو صفة لمن وَمن بدل من الاثرون مهما اسْم لعود الضَّمِير إِلَيْهَا فِي {مهما تأتنا بِهِ من آيَة لتسحرنا بهَا} وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره عَاد عَلَيْهَا ضمير بِهِ وَضمير {بهَا} حملا على اللَّفْظ وعَلى الْمَعْنى اه وَالْأولَى أَن يعود ضمير {بهَا} لآيَة وَزعم السُّهيْلي أَنَّهَا تَأتي حرفا بِدَلِيل قَول زُهَيْر 614 - (وَمهما تكن عِنْد امْرِئ من خَلِيقَة ... وَإِن خالها تخفى على النَّاس تعلم) قَالَ فَهِيَ هُنَا حرف بِمَنْزِلَة إِن بِدَلِيل أَنَّهَا لَا مَحل لَهَا وَتَبعهُ ابْن يسعون وَاسْتدلَّ بقوله 615 - (قد أوبيت كل مَاء فَهِيَ ضاوية ... مهما تصب أفقا من بارق تشم) قَالَ إِذْ لَا تكون مُبْتَدأ لعدم الرابط من الْخَبَر وَهُوَ فعل الشَّرْط وَلَا مَفْعُولا لِاسْتِيفَاء فعل الشَّرْط مَفْعُوله وَلَا سَبِيل إِلَى غَيرهمَا فَتعين أَنَّهَا لَا مَوضِع لَهَا وَالْجَوَاب أَنَّهَا فِي الأول إِمَّا خبر تكن وخليقة اسْمهَا وَمن زَائِدَة لِأَن الشَّرْط غير مُوجب عِنْد أبي عَليّ وَإِمَّا مُبْتَدأ وَاسم تكن ضمير رَاجع إِلَيْهَا والظرف الحديث: 614 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 خبر وأنث ضميرها لِأَنَّهَا الخليقة فِي الْمَعْنى وَمثله مَا جَاءَت حَاجَتك فِيمَن نصب حَاجَتك وَمن خَلِيقَة تَفْسِير للضمير كَقَوْلِه 616 - ( ... لما نسجتها من جنوب وشمأل) وَفِي الثَّانِي مفعول تصب وأفقا ظرف وَمن بارق تَفْسِير لمهما أَو مُتَعَلقا بتصب فمعناها التَّبْعِيض وَالْمعْنَى أَي شَيْء تصب فِي أفق من البوارق تشم وَقَالَ بَعضهم مهما ظرف زمَان وَالْمعْنَى أَي وَقت تصب بارقا من أفق فَقلب الْكَلَام أَو فِي أفق بارقا فَزَاد من وَاسْتعْمل أفقا ظرفا انْتهى وَسَيَأْتِي أَن مهما لَا تسْتَعْمل ظرفا وَهِي بسيطة لَا مركبة من مَه وَمَا الشّرطِيَّة وَلَا من مَا الشّرطِيَّة وَمَا الزَّائِدَة ثمَّ أبدلت الْهَاء من الْألف الأولى دفعا للتكرار خلافًا لزاعمي ذَلِك وَلها ثَلَاثَة معَان أَحدهَا مَالا يعقل غير الزَّمَان مَعَ تضمن معنى الشَّرْط وَمِنْه الْآيَة وَلِهَذَا فسرت بقوله تَعَالَى {من آيَة} وَهِي فِيهَا مُبْتَدأ أَو مَنْصُوبَة على الِاشْتِغَال فَيقدر لَهَا عَامل مُتَعَدٍّ كَمَا فِي زيدا مَرَرْت بِهِ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا لِأَن لَهَا الصَّدْر أَي مهما تحضرنا تأتنا بِهِ الثَّانِي الزَّمَان وَالشّرط فَتكون ظرفا لفعل الشَّرْط ذكره ابْن مَالك وَزعم أَن النَّحْوِيين أهملوه وَأنْشد لحاتم الحديث: 616 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 617 - (وَإنَّك مهما تعط بَطْنك سؤله ... وفرجك نالا مُنْتَهى الذَّم أجمعا) وأبياتا أخر وَلَا دَلِيل فِي ذَلِك لجَوَاز كَونهَا للمصدر بِمَعْنى أَي إِعْطَاء كثيرا أَو قَلِيلا وَهَذِه الْمقَالة سبق إِلَيْهَا ابْن مَالك غَيره وشدد الزَّمَخْشَرِيّ الْإِنْكَار على من قَالَ بهَا فَقَالَ هَذِه الْكَلِمَة فِي عداد الْكَلِمَات الَّتِي يحرفها من لَا يَد لَهُ فِي علم الْعَرَبيَّة فَيَضَعهَا فِي غير موضعهَا ويظنها بِمَعْنى مَتى وَيَقُول مهما جئتني أَعطيتك وَهَذَا من وَضعه وَلَيْسَ من كَلَام وَاضع الْعَرَبيَّة ثمَّ يذهب فيفسر بهَا الْآيَة فيلحد فِي آيَات الله انْتهى وَالْقَوْل بذلك فِي الْآيَة مُمْتَنع وَلَو صَحَّ ثُبُوته فِي غَيرهَا لتفسيرها ب {من آيَة} الثَّالِث الِاسْتِفْهَام ذكره جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَالك وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بقوله 618 - (مهمالي اللَّيْلَة مهماليه ... أودى بنعلي وسرباليه) فزعموا أَن مهما مُبْتَدأ ولي الْخَبَر وأعيدت الْجُمْلَة توكيدا وأودى بِمَعْنى هلك ونعلي فَاعل وَالْبَاء زَائِدَة مثلهَا فِي {كفى بِاللَّه شَهِيدا} وَلَا دَلِيل فِي الْبَيْت لاحْتِمَال أَن التَّقْدِير مَه اسْم فعل بِمَعْنى اكفف ثمَّ اسْتَأْنف استفهاما ب مَا وَحدهَا تَنْبِيه من الْمُشكل قَول الشاطبي رَحمَه الله 619 - (وَمهما تصلها أَو بدأت بَرَاءَة ... ) الحديث: 617 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 ونقول فِيهِ لَا يجوز فِي مهما أَن تكون مَفْعُولا بِهِ لتصل لاستيفائه مَفْعُوله وَلَا مُبْتَدأ لعدم الرابط فَإِن قيل قدر مهما وَاقعَة على بَرَاءَة فَيكون ضمير تصلها رَاجعا إِلَى بَرَاءَة وَحِينَئِذٍ ف مهما مُبْتَدأ أَو مفعول لمَحْذُوف يفسره تصل قُلْنَا اسْم الشَّرْط عَام وَبَرَاءَة اسْم خَاص فضميرها كَذَلِك فَلَا يرجع إِلَى الْعَام وبالوجه الَّذِي بَطل بِهِ ابتدائية مهما يبطل كَونهَا مشتغلا عَنْهَا الْعَامِل بالضمير وَهَذِه بِخِلَافِهَا فِي قَوْله 620 - (وَمهما تصلها مَعَ أَوَاخِر سُورَة ... ) فَإِنَّهَا هُنَاكَ وَاقعَة على الْبَسْمَلَة الَّتِي فِي أول كل سُورَة فِي عَامَّة فَيصح فِيهَا الِابْتِدَاء أَو النصب بِفعل يفسره تصل أَي وَأي بَسْمَلَة تصل تصلها والظرفية بِمَعْنى وَأي وَقت تصل الْبَسْمَلَة على القَوْل بِجَوَاز ظرفيتها وَأما هُنَا فَيتَعَيَّن كَونهَا ظرفا لتصل بِتَقْدِير وَأي وَقت تصل بَرَاءَة أَو مَفْعُولا بِهِ حذف عَامله أَي وَمهما تفعل وَيكون تصل وبدأت بدل تَفْصِيل من ذَلِك الْفِعْل وَأما ضمير تصلها فلك أَن تعيده على اسْم مظهر قبله محذوفا أَي وَمهما تفعل فِي بَرَاءَة تصلها أَو بدأت بهَا وَحذف بهَا وَلما خَفِي الْمَعْنى بِحَذْف مرجع الضَّمِير ذكر بَرَاءَة بَيَانا لَهُ إِمَّا على أَنه بدل مِنْهُ أَو على إِضْمَار أَعنِي وَلَك أَن تعيده على مَا بعده وَهُوَ بَرَاءَة إِمَّا على أَنه بدل مِنْهُ مثل رَأَيْته زيدا فمفعول بدأت مَحْذُوف أَو على أَن الْفِعْلَيْنِ تنازعاها فأعمل الثَّانِي متسعا فِيهِ بِإِسْقَاط الْبَاء وأضمر الفضلة فِي الأول على حد قَوْله 62 - (إِذا كنت ترضيه ويرضيك صَاحب ... جهازا فَكُن فِي الْغَيْب أحفظ للود) الحديث: 620 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 مَعَ اسْم بِدَلِيل التَّنْوِين فِي قَوْلك مَعًا وَدخُول الْجَار فِي حِكَايَة سِيبَوَيْهٍ ذهبت من مَعَه وَقِرَاءَة بَعضهم {هَذَا ذكر من معي} وتسكين عينه لُغَة غنم وَرَبِيعَة لَا ضَرُورَة خلافًا لسيبويه واسميتها حِينَئِذٍ بَاقِيَة وَقَول النّحاس إِنَّهَا حِينَئِذٍ حرف بِالْإِجْمَاع مَرْدُود وتستعمل مُضَافَة فَتكون ظرفا وَلها حِينَئِذٍ ثَلَاث معَان أَحدهَا مَوضِع الِاجْتِمَاع وَلِهَذَا يخبر بهَا عَن الذوات نَحْو {وَالله مَعكُمْ} وَالثَّانِي زَمَانه نَحْو جئْتُك مَعَ الْعَصْر وَالثَّالِث مرادفة عِنْد وَعَلِيهِ الْقِرَاءَة وحكاية سِيبَوَيْهٍ السابقتان ومفردة فتنون وَتَكون حَالا وَقد جَاءَت ظرفا مخبرا بِهِ فِي نَحْو قَوْله 62 - (أفيقوا بنى حَرْب وأهواؤنا مَعًا ... ) وَقيل هِيَ حَال وَالْخَبَر مَحْذُوف وَهِي فِي الْإِفْرَاد بِمَعْنى جَمِيعًا عِنْد ابْن مَالك وَهُوَ خلاف قَول ثَعْلَب إِذا قلت جَاءَا جَمِيعًا احْتمل أَن فعلهمَا فِي وَقت وَاحِد أَو فِي وَقْتَيْنِ وَإِذا قلت جَاءَا مَعًا فالوقت وَاحِد اه وَفِيه نظر وَقد عَادل بَينهمَا من قَالَ 623 - (كنت وَيحيى كيدي وَاحِد ... نرمي جَمِيعًا ونرامى مَعًا) وتستعمل مَعًا للْجَمَاعَة كَمَا تسْتَعْمل للاثنين قَالَ الحديث: 623 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 624 - ( ... إِذا حنت الأولى سجعن لَهَا مَعًا) وَقَالَت الخنساء 625 - (وأفنى رجالي فبادوا مَعًا ... فَأصْبح قلبِي بهم مستفزا) مَتى على خَمْسَة أوجه 1 - اسْم اسْتِفْهَام نَحْو {مَتى نصر الله} 2 - وَاسم شَرط كَقَوْلِه 626 - ( ... مَتى أَضَع الْعِمَامَة تعرفوني) 3 - وَاسم مرادف للوسط 4 - و 5 وحرف بِمَعْنى من أَو فِي وَذَلِكَ فِي لُغَة هُذَيْل يَقُولُونَ أخرجهَا مَتى كمه أَي مِنْهُ وَقَالَ سَاعِدَة 627 - (أخيل برقا مَتى حاب لَهُ زجل ... ) أَي من سَحَاب حاب أَي ثقيل الْمَشْي لَهُ تصويت وَاخْتلف فِي قَول بَعضهم الحديث: 624 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وَضعته مَتى كمي فَقَالَ ابْن سيدة بِمَعْنى فِي وَقَالَ غَيره بِمَعْنى وسط وَكَذَلِكَ اخْتلف فِي قَول أبي ذُؤَيْب يصف السَّحَاب 628 - (شربنا بِمَاء الْبَحْر ثمَّ ترفعت ... مَتى لجج خضر لَهُنَّ نئيج) فَقيل بِمَعْنى من وَقَالَ ابْن سيدة بِمَعْنى وسط مُنْذُ ومذ لَهما ثَلَاث حالات إِحْدَاهَا أَن يَليهَا اسْم مجرور فَقيل هما اسمان مضافان وَالصَّحِيح أَنَّهُمَا حرفا جر بِمَعْنى من إِن كَانَ الزَّمَان مَاضِيا وَبِمَعْنى فِي إِن كَانَ حَاضرا وَبِمَعْنى من وَإِلَى جَمِيعًا إِن كَانَ معدودا نَحْو مَا رَأَيْته مذ يَوْم الْخَمِيس أَو مذ يَوْمنَا أَو عامنا أَو مذ ثَلَاثَة أَيَّام وَأكْثر الْعَرَب على وجوب جرهما للحاضر وعَلى تَرْجِيح جر مُنْذُ للماضي على رَفعه وترجيح رفع مذ للماضي على جَرّه وَمن الْكثير فِي مُنْذُ قَوْله 629 - ( ... وَربع عفت آثاره مُنْذُ أزمان) وَمن الْقَلِيل فِي مذ قَوْله 630 - ( ... أقوين مذ حجج ومذ دهر) وَالْحَالة الثَّانِيَة أَن يليهما اسْم مَرْفُوع نَحْو مذ يَوْم الْخَمِيس ومنذ يَوْمَانِ الحديث: 628 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 فَقَالَ الْمبرد وَابْن السراج والفارسي مبتدآن وَمَا بعدهمَا خبر ومعناهما الأمد إِن كَانَ الزَّمَان حَاضرا أَو معدودا وَأول الْمدَّة إِن كَانَ مَاضِيا وَقَالَ الْأَخْفَش والزجاج والزجاجي ظرفان مخبر بهما عَمَّا بعدهمَا ومعناهما بَين وَبَين مضافين فَمَعْنَى مَا لَقيته مذ يَوْمَانِ بيني وَبَين لِقَائِه يَوْمَانِ وَلَا خَفَاء بِمَا فِيهِ من التعسف وَقَالَ أَكثر الْكُوفِيّين ظرفان مضافان لجملة حذف فعلهَا وَبَقِي فاعلها وَالْأَصْل مذ كَانَ يَوْمَانِ وَاخْتَارَهُ السُّهيْلي وَابْن مَالك وَقَالَ بعض الْكُوفِيّين خبر لمَحْذُوف أَي مَا رَأَيْته من الزَّمَان الَّذِي هُوَ يَوْمَانِ بِنَاء على أَن مذ مركبة من كَلِمَتَيْنِ من وَذُو الطائية الْحَالة الثَّالِثَة أَن يليهما الْجمل الفعلية أَو الاسمية كَقَوْلِه 63 - (مَا زَالَ مذ عقدت يَدَاهُ إزَاره ... ) وَقَوله 63 - (وَمَا زلت أبغي المَال مذ أَنا يافع ... ) وَالْمَشْهُور أَنَّهُمَا حِينَئِذٍ ظرفان مضافان فَقيل إِلَى الْجُمْلَة وَقيل إِلَى زمن مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة وَقيل مبتدآن فَيجب تَقْدِير زمَان مُضَاف للجملة يكون هُوَ الْخَبَر وأصل مذ مُنْذُ بِدَلِيل رجوعهم إِلَى ضم ذال مذ عِنْد ملاقاة السَّاكِن نَحْو مذ الْيَوْم وَلَوْلَا أَن الأَصْل الضَّم لكسروا وَلِأَن بَعضهم يَقُول مذ زمن طَوِيل فيضم مَعَ عدم السَّاكِن وَقَالَ ابْن ملكون هما أصلان لِأَنَّهُ لَا يتَصَرَّف فِي الْحَرْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وَلَا شبهه وَيَردهُ تخفيفهم إِن وَكَأن وَلَكِن وَرب وقط وَقَالَ المالقي إِذا كَانَت مذ اسْما فأصلها مُنْذُ أَو حرفا فَهِيَ أصل حرف النُّون النُّون المفردة تَأتي على أَرْبَعَة أوجه 1 - أَحدهَا نون التوكيد وَهِي خَفِيفَة وثقيلة وَقد اجتمعتا فِي قَوْله تَعَالَى {ليسجنن وليكونن} وهما أصلان عِنْد الْبَصرِيين وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الثَّقِيلَة أصل ومعناهما التوكيد قَالَ الْخَلِيل والتوكيد بالثقيلة أبلغ ويختصان بِالْفِعْلِ وَأما قَوْله 633 - ( ... أقائلن أحضروا الشهودا) فضرورة سوغها شبه الْوَصْف بِالْفِعْلِ ويؤكد بهما صِيغ الْأَمر مُطلقًا وَلَو كَانَ دعائيا كَقَوْلِه 634 - ( ... فأنزلن سكينَة علينا) إِلَّا أفعل فِي التَّعَجُّب لِأَن مَعْنَاهُ كمعنى الْفِعْل الْمَاضِي وشذ قَوْله 635 - ( ... فأحر بِهِ بطول فقر وأحريا) الحديث: 633 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 وَلَا يُؤَكد بهما الْمَاضِي مُطلقًا وشذ قَوْله 636 - (دامن سعدك لَو رحمت متيما ... لولاك لم يَك للصبابة جانحا) وَالَّذِي سهله أَنه بِمَعْنى افْعَل وَأما الْمُضَارع فَإِن كَانَ حَالا لم يُؤَكد بهما وَإِن كَانَ مُسْتَقْبلا أكد بهما وجوبا فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {وتالله لأكيدن أصنامكم} وقريبا من الْوُجُوب بعد إِمَّا فِي نَحْو {وَإِمَّا تخافن من قوم} {وَإِمَّا يَنْزغَنك} وَذكر ابْن جني أَنه قرئَ {فإمَّا تَرين} بياء سَاكِنة بعْدهَا نون الرّفْع على حد قَوْله 637 - ( ... يَوْم الصليفاء لم يُوفونَ بالجار) فَفِيهَا شذوذان ترك نون التوكيد وَإِثْبَات نون الرّفْع مَعَ الْجَازِم وجوازا كثيرا بعد الطّلب نَحْو {وَلَا تحسبن الله غافلا} وقليلا فِي مَوَاضِع كَقَوْلِهِم 638 - ( ... وَمن عضة مَا ينبتن شكيرها) 2 - الثَّانِي التَّنْوِين وَهُوَ نون زَائِدَة سَاكِنة تلْحق الآخر لغير توكيد فَخرج الحديث: 636 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 نون حسن لِأَنَّهَا أصل وَنون ضيفن للطفيلي لِأَنَّهَا متحركة وَنون منكسر وانكسر لِأَنَّهَا غير آخر وَنون {لنسفعا} لِأَنَّهَا للتوكيد وأقسامه خَمْسَة تَنْوِين التَّمْكِين وَهُوَ اللَّاحِق للاسم المعرب المنصرف إعلاما بِبَقَائِهِ على أَصله وَأَنه لم يشبه الْحَرْف فيبنى وَلَا الْفِعْل فَيمْنَع الصّرْف وَيُسمى تَنْوِين الأمكنية أَيْضا وتنوين الصّرْف وَذَلِكَ كزيد وَرجل وَرِجَال وتنوين التنكير وَهُوَ اللَّاحِق لبَعض الْأَسْمَاء المبنية فرقا بَين مَعْرفَتهَا ونكرتها وَيَقَع فِي بَاب اسْم الْفِعْل بِالسَّمَاعِ كصه ومه وإيه وَفِي الْعلم الْمَخْتُوم بويه بِقِيَاس نَحْو جَاءَنِي سِيبَوَيْهٍ وسيبويه آخر وَأما تَنْوِين رجل وَنَحْوه من المعربات فتنوين تَمْكِين لَا تَنْوِين تنكير كَمَا قد يتَوَهَّم بعض الطّلبَة وَلِهَذَا لَو سميت بِهِ رجلا بَقِي ذَلِك التَّنْوِين بِعَيْنِه مَعَ زَوَال التنكير وتنوين الْمُقَابلَة وَهُوَ اللَّاحِق لنَحْو مسلمات جعل فِي مُقَابلَة النُّون فِي مُسلمين وَقيل هُوَ عوض عَن الفتحة نصبا وَلَو كَانَ كَذَلِك لم يُوجد فِي الرّفْع والجر ثمَّ الفتحة قد عوض عَنْهَا الكسرة فَمَا هَذَا الْعِوَض الثَّانِي وَقيل هُوَ تَنْوِين التَّمْكِين وَيَردهُ ثُبُوته مَعَ التَّسْمِيَة بِهِ كعرفات كَمَا تبقى نون مُسلمين مُسَمّى بِهِ وتنوين التَّمْكِين لَا يُجَامع العلتين وَلِهَذَا لَو سمي بِمسلمَة أَو عَرَفَة زَالَ تنوينهما وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ أَن عَرَفَات مَصْرُوف لِأَن تاءه لَيست للتأنيث وَإِنَّمَا هِيَ وَالْألف للْجمع قَالَ وَلَا يَصح أَن يقدر فِيهِ تَاء غَيرهَا لِأَن هَذِه التَّاء لاختصاصها بِجمع الْمُؤَنَّث تأبى ذَلِك كَمَا لَا تقدر التَّاء فِي بنت مَعَ أَن التَّاء الْمَذْكُورَة مبدلة من الْوَاو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وَلَكِن اختصاصها بالمؤنث يَأْبَى ذَلِك وَقَالَ ابْن مَالك اعْتِبَار تَاء نَحْو عَرَفَات فِي منع الصّرْف أولى من اعْتِبَار تَاء نَحْو عَرَفَة ومسلمة لِأَنَّهَا لتأنيث مَعَه جمعية وَلِأَنَّهَا عَلامَة لَا تَتَغَيَّر فِي وصل وَلَا وقف وتنوين الْعِوَض وَهُوَ اللَّاحِق عوضا من حرف أُصَلِّي أَو زَائِد أَو مُضَاف إِلَيْهِ مُفردا أَو جملَة فَالْأول كجوار وغواش فَإِنَّهُ عوض من الْيَاء وفَاقا لسيبويه وَالْجُمْهُور لَا عوض من ضمة الْيَاء وفتحتها النائبة عَن الكسرة خلافًا للمبرد إِذْ لَو صَحَّ لعوض عَن حركات نَحْو حُبْلَى وَلَا هُوَ تَنْوِين التَّمْكِين وَالِاسْم منصرف خلافًا للأخفش وَقَوله لما حذفت الْيَاء الْتحق الْجمع بأوزان الْآحَاد كسلام وَكَلَام فصرف مَرْدُود لِأَن حذفهَا عَارض للتَّخْفِيف وَهِي منوية بِدَلِيل أَن الْحَرْف الَّذِي بَقِي أخيرا لم يُحَرك بِحَسب العوامل وَقد وَافق على أَنه لَو سمي بكتف الْمَرْأَة ثمَّ سكن تَخْفِيفًا لم يجز صرفه كَمَا جَازَ صرف هِنْد وَأَنه إِذا قيل فِي جيأل علما لرجل جيل بِالنَّقْلِ لم ينْصَرف انصراف قدم علما لرجل لِأَن حَرَكَة تَاء كتف وهمزة جيل منويا الثُّبُوت وَلِهَذَا لم تقلب يَاء جيل ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا وَالثَّانِي كجندل فَإِن تنوينه عوض من ألف جنادل قَالَه ابْن مَالك وَالَّذِي يظْهر خِلَافه وَأَنه تَنْوِين الصّرْف وَلِهَذَا يجر بالكسرة وَلَيْسَ ذهَاب الْألف الَّتِي هِيَ علم الجمعية كذهاب الْيَاء من نَحْو جوَار وغواش وَالثَّالِث تَنْوِين كل وَبَعض إِذا قطعتا عَن الْإِضَافَة نَحْو {وكلا ضربنا لَهُ الْأَمْثَال} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 {فضلنَا بَعضهم على بعض} وَقيل هُوَ تَنْوِين التَّمْكِين رَجَعَ لزوَال الْإِضَافَة الَّتِي كَانَت تعارضه وَالرَّابِع اللَّاحِق لإذ فِي نَحْو {وانشقت السَّمَاء فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية} وَالْأَصْل فَهِيَ يَوْم إِذْ انشقت واهية ثمَّ حذفت الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا للْعلم بهَا وَجِيء بِالتَّنْوِينِ عوضا عَنْهَا وَكسرت الذَّال للساكنين وَقَالَ الْأَخْفَش التَّنْوِين تَنْوِين التَّمْكِين والكسرة إِعْرَاب الْمُضَاف إِلَيْهِ وتنوين الترنم وَهُوَ اللَّاحِق للقوافي الْمُطلقَة بَدَلا من حرف الْإِطْلَاق وَهُوَ الْألف الْوَاو وَالْيَاء وَذَلِكَ فِي إنشاد بني تَمِيم وَظَاهر قَوْلهم أَنه تَنْوِين مُحَصل للترنم وَقد صرح بذلك ابْن يعِيش كَمَا سَيَأْتِي وَالَّذِي صرح بِهِ سِيبَوَيْهٍ وَغَيره من الْمُحَقِّقين أَنه جِيءَ بِهِ لقطع الترنم وَأَن الترنم وَهُوَ التَّغَنِّي يحصل بأحرف الْإِطْلَاق لقبولها لمد الصَّوْت فِيهَا فَإِذا أنشدوا وَلم يترنموا جاؤوا بالنُّون فِي مَكَانهَا وَلَا يخْتَص هَذَا التَّنْوِين بِالِاسْمِ بِدَلِيل قَوْله 639 - ( ... وَقَوْلِي إِن أصبت لقد أصابن) وَقَوله الحديث: 639 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 640 - ( ... لما تزل برحالنا وَكَأن قدن) وَزَاد الْأَخْفَش والعروضيون تنوينا سادسا وسموه الغالي وَهُوَ اللَّاحِق لآخر القوافي الْمقيدَة كَقَوْلِه رُؤْيَة 64 - (وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... ) وَسمي غاليا لتجاوزه حد الْوَزْن وَيُسمى الْأَخْفَش الْحَرَكَة الَّتِي قبله علوا وَفَائِدَته الْفرق بَين الْوَقْف والوصل وَجعله ابْن يعِيش من نوع تَنْوِين الترنم زاعما أَن التزنم يحصل بالنُّون نَفسهَا لِأَنَّهَا حرف أغن قَالَ وَإِنَّمَا سمي الْمُغنِي مغنيا لِأَنَّهُ يغنن صَوته أَي يَجْعَل فِيهِ غنة وَالْأَصْل عِنْده مغنن بِثَلَاث نونات فابدلت الْأَخِيرَة يَاء تَخْفِيفًا وَأنكر الزّجاج والسرافي ثُبُوت هَذَا التَّنْوِين الْبَتَّةَ لِأَنَّهُ يكسر الْوَزْن وَقَالا لَعَلَّ الشَّاعِر كَانَ يزِيد إِن فِي آخر كل بَيت فضعف صَوته بِالْهَمْزَةِ فَتوهم السَّامع أَن النُّون تَنْوِين وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل ابْن مَالك وَزعم أَبُو الْحجَّاج ابْن معزوز أَن ظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي الْمُسَمّى تَنْوِين الترنم أَنه نون عوض من الْمدَّة وَلَيْسَ بتنوين وَزعم ابْن مَالك فِي التُّحْفَة أَن تَسْمِيَة اللَّاحِق للقوافي الْمُطلقَة والقوافي الْمقيدَة تنوينا مجَاز وَإِنَّمَا هُوَ نون أُخْرَى زَائِدَة وَلِهَذَا لَا يخْتَص بِالِاسْمِ ويجامع الْألف وَاللَّام وَيثبت فِي الْوَقْف وَزَاد بَعضهم تنوينا سابعا وَهُوَ تَنْوِين الضَّرُورَة وَهُوَ اللَّاحِق لما لَا ينْصَرف كَقَوْلِه الحديث: 640 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 64 - (وَيَوْم دخلت الخدر خدر عنيزة ... ) وللمنادى المضموم كَقَوْلِه 643 - (سَلام الله يَا مطر عَلَيْهَا ... ) وَبِقَوْلِهِ أَقُول فِي الثَّانِي دون الأول لِأَن الأول تَنْوِين التَّمْكِين لِأَن الضَّرُورَة أَبَاحَتْ الصّرْف وَأما الثَّانِي فَلَيْسَ تَنْوِين تَمْكِين لِأَن الِاسْم مَبْنِيّ على الضَّم وثامنا وَهُوَ التَّنْوِين الشاذ كَقَوْل بَعضهم هَؤُلَاءِ قَوْمك حَكَاهُ أَبُو زيد وَفَائِدَته مُجَرّد تَكْثِير اللَّفْظ كَمَا قيل فِي ألف قبعثرى وَقَالَ ابْن مَالك الصَّحِيح أَن هَذَا نون زيدت فِي آخر الِاسْم كنون ضيقن وَلَيْسَ بتنوين وَفِيمَا قَالَه نظر لِأَن الَّذِي حَكَاهُ سَمَّاهُ تنوينا فَهَذَا دَلِيل مِنْهُ على أَنه سَمعه فِي الْوَصْل دون الْوَقْف وَنون ضيفن لَيست كَذَلِك وَذكر ابْن الخباز فِي شرح الجزولية أَن أَقسَام التَّنْوِين عشرَة وَجعل كلا من تَنْوِين المنادى وتنوين صرف مَالا ينْصَرف قسما بِرَأْسِهِ قَالَ والعاشر تَنْوِين الْحِكَايَة مثل أَن تسمي رجلا بعاقلة لَبِيبَة فَإنَّك تحكي اللَّفْظ الْمُسَمّى بِهِ وَهَذَا اعْتِرَاف مِنْهُ بِأَنَّهُ تَنْوِين الصّرْف لِأَن الَّذِي كَانَ قبل التَّسْمِيَة حُكيَ بعْدهَا 3 - الثَّالِث نون الْإِنَاث وَهِي اسْم فِي نَحْو النسْوَة يذْهبن خلافًا للمازني وحرف فِي نَحْو يذْهبن النسْوَة فِي لُغَة من قَالَ أكلوني البراغيث خلافًا لمن زعم الحديث: 643 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 أَنَّهَا اسْم وَمَا بعْدهَا بدل مِنْهَا أَو مُبْتَدأ مُؤخر وَالْجُمْلَة قبله خَبره 4 - الرَّابِع نون الْوِقَايَة وَتسَمى نون الْعِمَاد أَيْضا وتلحق قبل يَاء الْمُتَكَلّم المنتصبة بِوَاحِد من ثَلَاثَة أَحدهَا الْفِعْل متصرفا كَانَ نَحْو أكرمني أَو جَامِدا نَحْو عساني وَقَامُوا مَا خلاني وَمَا عداني وحاشاني إِن قدرت فعلا وَأما قَوْله 644 - ( ... إِذْ ذهب الْقَوْم الْكِرَام ليسي) فضرورة وَنَحْو {تأمروني} يجوز فِيهِ الفك والإدغام والنطق بنُون وَاحِدَة وَقد قرئَ بِهن فِي السَّبع وعَلى الْأَخِيرَة فَقيل النُّون الْبَاقِيَة نون الرّفْع وَقيل نون الْوِقَايَة وَهُوَ الصَّحِيح الثَّانِي اسْم الْفِعْل نَحْو دراكني وتراكني وعليكني بِمَعْنى أدركني واتركني والزمني الثَّالِث الْحَرْف نَحْو إِنَّنِي وَهِي جَائِزَة الْحَذف مَعَ إِن وَأَن وَلَكِن وَكَأن وغالبة الْحَذف مَعَ لَعَلَّ وقليلته مَعَ لَيْت وتلحق أَيْضا قبل الْيَاء المخفوضة بِمن وَعَن إِلَّا فِي الضَّرُورَة وَقبل الْمُضَاف إِلَيْهَا لدن أَو قد أَو قطّ إِلَّا فِي قَلِيل من الْكَلَام وَقد تلْحق فِي غير ذَلِك شذوذا كَقَوْلِهِم بجلني بِمَعْنى حسبي وَقَوله 645 - ( ... أمسلمني إِلَى قومِي شراحي) يُرِيد شرَاحِيل وَزعم هِشَام أَن الَّذِي فِي أمسلمني وَنَحْوه تَنْوِين لَا نون الحديث: 644 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وَبنى ذَلِك على قَوْله فِي ضاربني إِن الْيَاء مَنْصُوبَة وَيَردهُ قَول الشَّاعِر 646 - (وَلَيْسَ الموافيني ليرفد خائبا ... ) وَفِي الحَدِيث غير الدَّجَّال أخوفني عَلَيْكُم والتنوين لَا يُجَامع الْألف وَاللَّام وَلَا اسْم التَّفْضِيل لكَونه غير منصرف وَمَا لَا ينْصَرف لَا تَنْوِين فِيهِ وَفِي الصِّحَاح أَنه يُقَال بجلي وَلَا يُقَال بجلني وَلَيْسَ كَذَلِك نعم بِفَتْح الْعين وكنانة تكسرها وَبهَا قَرَأَ الْكسَائي وَبَعْضهمْ يبدلها حاء وَبهَا قَرَأَ ابْن مَسْعُود وَبَعْضهمْ يكسر النُّون إتباعا لسرة الْعين تَنْزِيلا لَهَا منزلَة الْفِعْل فِي قَوْلهم نعم وَشهد بكسرتين كَمَا نزلت بلَى منزلَة الْفِعْل فِي الإمالة والفارسي لم يطلع على هَذِه الْقِرَاءَة وأجازها بِالْقِيَاسِ وَهِي حرف تَصْدِيق ووعد وإعلام فَالْأول بعد الْخَبَر كقام زيد وَمَا قَامَ زيد وَالثَّانِي بعد افْعَل وَلَا تفعل وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا نَحْو هلا تفعل وهلا لم تفعل وَبعد الِاسْتِفْهَام فِي نَحْو هَل تُعْطِينِي وَيحْتَمل أَن تفسر فِي هَذَا بِالْمَعْنَى الثَّالِث وَالثَّالِث بعد الِاسْتِفْهَام فِي نَحْو هَل جَاءَك زيد وَنَحْو {فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا} {إِن لنا لأجرا} وَقَول صَاحب المقرب إِنَّهَا بعد الِاسْتِفْهَام للوعد غير مطرد لما بَيناهُ قبل الحديث: 646 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 قيل وَتَأْتِي للتوكيد إِذا وَقعت صَدرا نَحْو نعم هَذِه أطلالهم وَالْحق أَنَّهَا قي ذَلِك حرف إِعْلَام وَأَنَّهَا جَوَاب لسؤال مُقَدّر وَلم يذكر سِيبَوَيْهٍ معنى الْإِعْلَام الْبَتَّةَ بل قَالَ وَأما نعم فَعدَّة وتصديق وَأما بلَى فَيُوجب بهَا بعد النَّفْي وَكَأَنَّهُ رأى أَنه إِذا قيل هَل قَامَ زيد فَقيل نعم فَهِيَ لتصديق مَا بعد الِاسْتِفْهَام وَالْأولَى مَا ذَكرْنَاهُ من أَنَّهَا للإعلام إِذْ لَا يَصح أَن تَقول لقَائِل ذَلِك صدقت لِأَنَّهُ إنْشَاء لَا خبر وَاعْلَم أَنه إِذا قيل قَامَ زيد فتصديقه نعم وتكذيبه لَا وَيمْتَنع دُخُول بلَى لعدم النَّفْي وَإِذا قيل مَا قَامَ زيد فتصديقه نعم وتكذيبه بلَى وَمِنْه {زعم الَّذين كفرُوا أَن لن يبعثوا قل بلَى وربي} وَيمْتَنع دُخُول لَا لِأَنَّهَا لنفي الْإِثْبَات لَا لنفي النَّفْي وَإِذا قيل أَقَامَ زيد فَهُوَ مثل قَامَ زيد أَعنِي أَنَّك تَقول إِن أثبت الْقيام نعم وَإِن نفيته لَا وَيمْتَنع ذخول بلَى وَإِذا قيل ألم يقم زيد فَهُوَ مثل لم يقم زيد فَتَقول إِذا أثبت الْقيام بلَى وَيمْتَنع دُخُول لَا وَإِن نفيته قلت نعم قَالَ الله تَعَالَى {ألم يأتكم نَذِير قَالُوا بلَى} {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} {أَو لم تؤمن قَالَ بلَى} وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه لَو قيل نعم فِي جَوَاب {أَلَسْت بربكم} لَكَانَ كفرا وَالْحَاصِل أَن بلَى لَا تَأتي إِلَّا بعد نفي وَأَن لَا لَا تَأتي إِلَّا بعد إِيجَاب وَأَن نعم تَأتي بعدهمَا وَإِنَّمَا جَازَ {بلَى قد جاءتك آياتي} مَعَ أَنه لم يتَقَدَّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 أَدَاة نفي لِأَن {لَو أَن الله هَدَانِي} يدل على نفي هدايته وَمعنى الْجَواب حِينَئِذٍ بلَى قد هديتك بمجيء الْآيَات أَي قد أرشدتك بذلك مثل {وَأما ثَمُود فهديناهم} وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب النَّعْت فِي مناضرة جرت بَينه وَبَين بعض النَّحْوِيين فَيُقَال لَهُ أَلَسْت تَقول كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ لَا يجد بدا من أَن يَقُول نعم فَيُقَال لَهُ أفلست تفعل كَذَا فَإِنَّهُ قَائِل نعم فَزعم ابْن الطراوة أَن ذَلِك لحن وَقَالَ جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين مِنْهُم الشلوبين إِذا كَانَ قبل النَّفْي اسْتِفْهَام فَإِن كَانَ على حَقِيقَته فَجَوَابه كجواب النَّفْي الْمُجَرّد وَإِن كَانَ مرَادا بِهِ التَّقْرِير فالأكثر أَن يُجَاب بِمَا يُجَاب بِهِ النَّفْي رعيا للفظه وَيجوز عِنْد أَمن اللّبْس أَن يُجَاب بِمَا يُجَاب بِهِ الْإِيجَاب رعيا لمعناه أَلا ترى أَنه لَا يجوز بعده دُخُول أحد وَلَا الِاسْتِثْنَاء المفرغ لَا يُقَال أَلَيْسَ أحد فِي الدَّار وَلَا أَلَيْسَ فِي الدَّار إِلَّا زيد وعَلى ذَلِك قَول الْأَنْصَار رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ لَهُم ألستم ترَوْنَ لَهُم ذَلِك نعم وَقَول جحدر 647 - (أَلَيْسَ اللَّيْل يجمع أم عَمْرو ... وإيانا فَذَاك بِنَا تدان) (نعم وَأرى الْهلَال كَمَا ترَاهُ ... ويعلوها النَّهَار كَمَا علاني) وعَلى ذَلِك جرى كَلَام سِيبَوَيْهٍ والمخطئ مُخطئ وَقَالَ ابْن عُصْفُور أجرت الْعَرَب التَّقْرِير فِي الْجَواب مجْرى االنفي الْمَحْض وَإِن كَانَ إِيجَابا فِي الْمَعْنى فَإِذا قيل ألم أعطك درهما قيل فِي تَصْدِيقه نعم وَفِي الحديث: 647 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 تَكْذِيبه بلَى وَذَلِكَ لِأَن الْمُقَرّر قد يوافقك فِيمَا تدعيه وَقد يخالفك فَإِذا قَالَ نعم لم يعلم هَل أَرَادَ نعم لم تعطني على اللَّفْظ أَو نعم أَعْطَيْتنِي على الْمَعْنى فَلذَلِك أجابوه على اللَّفْظ وَلم يلتفتوا إِلَى معنى وَأما نعم فِي بَيت جحدر فجواب لغير مَذْكُور وَهُوَ مَا قدره فِي اعْتِقَاده من أَن اللَّيْل يجمعه وَأم عَمْرو وَجَاز ذَلِك لأمن اللّبْس لعلمه أَن كل أحد يعلم أَن اللَّيْل يجمعه وَأم عَمْرو أَو هُوَ جَوَاب لقَوْله وَأرى الْهلَال الْبَيْت وَقدمه عَلَيْهِ قلت أَو لقَوْله فَذَاك بِنَا تدان وَهُوَ أحسن وَأما قَول الْأَنْصَار فَجَاز لزوَال اللّبْس لِأَنَّهُ قد علم أَنهم يُرِيدُونَ نعم نَعْرِف لَهُم ذَلِك وعَلى هَذَا يحمل اسْتِعْمَال سِيبَوَيْهٍ لَهَا بعد التَّقْرِير اه ويتحرر على هَذَا أَنه لَو أُجِيب {أَلَسْت بربكم} ب نعم لم يكف فِي الْإِقْرَار لِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أوجب فِي الْإِقْرَار بِمَا يتَعَلَّق بالربوبية الْعبارَة الَّتِي لَا تحْتَمل غير الْمَعْنى المُرَاد من الْمقر وَلِهَذَا لَا يدْخل فِي الْإِسْلَام بقوله لَا إِلَه إِلَّا الله بِرَفْع إِلَه لاحْتِمَاله لنفي الْوحدَة فَقَط وَلَعَلَّ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنما قَالَ إِنَّهُم لَو قَالُوا نعم لم يكن إِقْرَارا كَافِيا وَجوز الشلوبين أَن يكون مُرَاده أَنهم لَو قَالُوا نعم جَوَابا للملفوظ بِهِ على مَا هُوَ الْأَفْصَح لَكَانَ كفرا إِذْ الأَصْل تطابق الْجَواب وَالسُّؤَال لفظا وَفِيه نظر لِأَن التفكير لَا يكون بِالِاحْتِمَالِ حرف الْهَاء الْهَاء المفردة على خَمْسَة أوجه أَحدهَا أَن تكون ضميرا للْغَائِب وتستعمل فِي موضعي الْجَرّ وَالنّصب نَحْو {قَالَ لَهُ صَاحبه وَهُوَ يحاوره} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وَالثَّانِي أَن تكون حرفا للغيبة وَهِي الْهَاء فِي إِيَّاه وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا حرف لمُجَرّد معنى الْغَيْبَة وَأَن الضَّمِير إيا وَحدهَا وَالثَّالِث هَاء السكت وَهِي اللاحقة لبَيَان حَرَكَة أَو حرف نَحْو {مَا هيه} وَنَحْو هاهناه ووازيداه وَأَصلهَا أَن يُوقف عَلَيْهَا وَرُبمَا وصلت بَيِّنَة الْوَقْف وَالرَّابِع المبدلة من همزَة الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِه 648 - (وأتى صواحبها فَقُلْنَ هَذَا الَّذِي ... منح الْمَوَدَّة غَيرنَا وجفانا) وَالتَّحْقِيق أَلا تعد هَذِه لِأَنَّهَا لَيست بأصلية على أَن بَعضهم زعم أَن الأَصْل هَذَا فحذفت الْألف وَالْخَامِس هَاء التَّأْنِيث نَحْو رَحمَه فِي الْوَقْف وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين زَعَمُوا أَنَّهَا الأَصْل وَأَن التَّاء فِي الْوَصْل بدل مِنْهَا وَعكس ذَلِك البصريون وَالتَّحْقِيق أَلا تعد وَلَو قُلْنَا بقول الْكُوفِيّين لِأَنَّهَا جُزْء كلمة لَا كلمة هَا على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن تكون اسْما لفعل وَهُوَ خُذ وَيجوز مد ألفها ويستعملان بكاف الْخطاب وبدونها وَيجوز فِي الممدودة أَن يسْتَغْنى عَن الْكَاف بتصريف همزتها تصاريف الْكَاف فَيُقَال هَاء للمذكر بِالْفَتْح وهاء للمؤنث بِالْكَسْرِ وهاؤما وهاؤن وهاؤم وَمِنْه {هاؤم اقرؤوا كِتَابيه} الحديث: 648 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وَالثَّانِي أَن تكون ضميرا للمؤنث فتستعمل مجرورة الْموضع ومنصوبته نَحْو {فألهمها فجورها وتقواها} وَالثَّالِث أَن تكون للتّنْبِيه فَتدخل على أَرْبَعَة أَحدهَا الْإِشَارَة غير المختصة بالبعيد نَحْو هَذَا بِخِلَاف ثمَّ وَهنا بِالتَّشْدِيدِ وهنالك وَالثَّانِي ضمير الرّفْع الْمخبر عَنهُ باسم إِشَارَة نَحْو {هَا أَنْتُم أولاء} وَقيل إِنَّمَا كَانَت دَاخِلَة على الْإِشَارَة فَقدمت فَرد بِنَحْوِ {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ} فَأُجِيب بِأَنَّهَا أُعِيدَت توكيدا وَالثَّالِث نعت أَي فِي النداء نَحْو يَا أَيهَا الرجل وَهِي فِي هَذَا وَاجِبَة للتّنْبِيه على أَنه الْمَقْصُود بالنداء قيل وللتعويض عَمَّا تُضَاف إِلَيْهِ أَي وَيجوز فِي هَذِه فِي لُغَة بني أَسد أَن تحذف ألفها وَأَن تضم هاؤها إتباعا وَعَلِيهِ قِرَاءَة ابْن عَامر / أيه الْمُؤْمِنُونَ / / أيه الثَّقَلَان / / أيه السَّاحر / بِضَم الْهَاء فِي الْوَصْل وَالرَّابِع اسْم الله تَعَالَى فِي الْقسم عِنْد حذف الْحَرْف يُقَال هَا الله بِقطع الْهمزَة وَوَصلهَا وَكِلَاهُمَا مَعَ إِثْبَات ألف هَا وحذفها هَل حرف مَوْضُوع لطلب التَّصْدِيق الإيجابي دون التَّصَوُّر وَدون التَّصْدِيق السلبي فَيمْتَنع نَحْو هَل زيدا ضربت لِأَن تَقْدِيم الِاسْم يشْعر بِحُصُول التَّصْدِيق بِنَفس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 النِّسْبَة وَنَحْو هَل زيد قَائِم أم عَمْرو إِذا أُرِيد بِأم الْمُتَّصِلَة وَهل لم يقم زيد ونظيرها فِي الِاخْتِصَاص بِطَلَب التَّصْدِيق أم المنقطعة وعكسهما أم الْمُتَّصِلَة وَجَمِيع أَسمَاء الِاسْتِفْهَام فَإِنَّهُنَّ لطلب التَّصَوُّر لَا غير وأعم من الْجَمِيع الْهمزَة فَإِنَّهَا مُشْتَركَة بَين االطلبين وتفترق هَل من الْهمزَة من عشرَة أوجه أَحدهَا اختصاصها بالتصديق وَالثَّانِي اختصاصها بِالْإِيجَابِ تَقول هَل زيد قَائِم وَيمْتَنع هَل لم يقم بِخِلَاف الْهمزَة نَحْو {ألم نشرح} {ألن يكفيكم} {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} وَقَالَ 649 - (أَلا طعان أَلا فرسَان عَادِية ... ) وَالثَّالِث تخصيصها الْمُضَارع بالاستقبال نَحْو هَل تُسَافِر بِخِلَاف الْهمزَة نَحْو أتظنه قَائِما وَأما قَول ابْن سيدة فِي شرح الْجمل لَا يكون الْفِعْل المستفهم عَنهُ إِلَّا مُسْتَقْبلا فسهو قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا} وَقَالَ زُهَيْر الحديث: 649 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 650 - (فَمن مبلغ الأحلاف عني رِسَالَة ... وذبيان هَل أقسمتم كل مقسم) وَالرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس أَنَّهَا لَا تدخل على الشَّرْط وَلَا على إِن وَلَا على اسْم بعده فعل فِي الِاخْتِيَار بِخِلَاف الْهمزَة بِدَلِيل {أَفَإِن مت فهم الخالدون} {أئن ذكرْتُمْ بل أَنْتُم قوم مسرفون} {أئنك لأَنْت يُوسُف} {أبشرا منا وَاحِدًا نتبعه} وَالسَّابِع وَالثَّامِن أَنَّهَا تقع بعد العاطف لَا قبله وَبعد أم نَحْو {فَهَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} وَفِي الحَدِيث وَهل ترك لنا عقيل من رباع وَقَالَ 65 - (لَيْت شعري هَل ثمَّ هَل آتينهم ... أَو يحولن دون ذَاك حمام) وَقَالَ تَعَالَى {قل هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير أم هَل تستوي الظُّلُمَات والنور} الحديث: 650 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 ) التَّاسِع أَنه يُرَاد بالاستفهام بهَا النَّفْي وَلذَلِك دخلت على الْخَبَر بعْدهَا إِلَّا فِي نَحْو {هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان} وَالْبَاء فِي قَوْله 65 - ( ... أَلا هَل أَخُو عَيْش لذيذ بدائم) وَصَحَّ الْعَطف فِي قَوْله 653 - (وَإِن شفائي عِبْرَة مهراقة ... وَهل عِنْد رسم دارس من معول) إِذْ لَا يعْطف الانشاء على الْخَبَر فَإِن قلت قد مر لَك فِي صدر الْكتاب أَن الْهمزَة تَأتي لمثل ذَلِك مثل {أفأصفاكم ربكُم بالبنين} أَلا ترى أَن الْوَاقِع أَنه سُبْحَانَهُ لم يصفهم بذلك قلت إِنَّمَا مر أَنَّهَا للانكار على مدعي ذَلِك وَيلْزم من ذَلِك الانتفاء لَا أَنَّهَا للنَّفْي ابْتِدَاء وَلِهَذَا لَا يجوز أَقَامَ إِلَّا زيد كَمَا يجوز هَل قَامَ إِلَّا زيد {فَهَل على الرُّسُل إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين} {هَل ينظرُونَ إِلَّا السَّاعَة} وَقد يكون الْإِنْكَار مقتضيا لوُقُوع الْفِعْل على الْعَكْس من هَذَا وَذَلِكَ إِذا كَانَ بِمَعْنى مَا كَانَ يَنْبَغِي لَك أَن تفعل نَحْو أتضرب زيدا وَهُوَ أَخُوك الحديث: 653 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 [ويتلخص أَن الْإِنْكَار على ثَلَاثَة أوجه إِنْكَار على من ادّعى وُقُوع الشَّيْء وَيلْزم من هَذَا النَّفْي وإنكار على من أوقع الشَّيْء ويختصان بِالْهَمْزَةِ وإنكار لوُقُوع الشَّيْء وَهَذَا هُوَ معنى النَّفْي وَهُوَ الَّذِي تنفرد بِهِ هَل عَن الْهمزَة] والعاشر أَنَّهَا تَأتي بِمَعْنى قد وَذَلِكَ مَعَ الْفِعْل وَبِذَلِك فسر قَوْله تَعَالَى {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} جمَاعَة مِنْهُم ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَالْكسَائِيّ وَالْفراء والمبرد قَالَ فِي مقتضبه هَل للاستفهام نَحْو هَل جَاءَ زيد وَقد تكون بِمَنْزِلَة قد نَحْو قَوْله جلّ اسْمه {هَل أَتَى على الْإِنْسَان} اه وَبَالغ الزَّمَخْشَرِيّ فَزعم أَنَّهَا أبدا بِمَعْنى قد وَأَن الِاسْتِفْهَام إِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَاد من همزَة مقدرَة مَعهَا وَنَقله فِي الْمفصل عَن سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ وَعند سِيبَوَيْهٍ أَن هَل بِمَعْنى قد إِلَّا أَنهم تركُوا الْألف قبلهَا لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا فِي الِاسْتِفْهَام وَقد جَاءَ دُخُولهَا عَلَيْهَا فِي قَوْله 654 - (سَائل فوارس يَرْبُوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القاع ذِي الأكم) اه وَلَو كَانَ كَمَا زعم لم تدخل إِلَّا على الْفِعْل كقد وَثَبت فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ رَحمَه الله مَا نَقله عَنهُ ذكره فِي بَاب أم الْمُتَّصِلَة وَلَكِن فِيهِ أَيْضا مَا قد يُخَالِفهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَاب عدَّة مَا يكون عَلَيْهِ الْكَلم مَا نَصه وَهل وَهِي للاستفهام وَلم يزدْ على ذَلِك وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي كشافه {هَل أَتَى} أَي قد أَتَى على معنى التَّقْرِير والتقريب جَمِيعًا أَي أَتَى على الْإِنْسَان قبل زمَان قريب طَائِفَة من الزَّمَان الطَّوِيل الممتد لم يكن فِيهِ شَيْئا مَذْكُورا بل شَيْئا منسيا نُطْفَة فِي الأصلاب وَالْمرَاد الحديث: 654 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 بالإنسان الْجِنْس بِدَلِيل {إِنَّا خلقنَا الْإِنْسَان من نُطْفَة} اه وفسرها غَيره بقد خَاصَّة وَلم يحملوا قد على معنى التَّقْرِيب بل على معنى التَّحْقِيق وَقَالَ بَعضهم مَعْنَاهَا التوقع وَكَأَنَّهُ قيل لقوم يتوقعون الْخَبَر عَمَّا أَتَى على الْإِنْسَان وَهُوَ آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ والحين زمن كَونه طينا وَفِي تسهيل ابْن مَالك أَنه يتَعَيَّن مرادفة هَل لقد إِذا دخلت عَلَيْهَا الْهمزَة يَعْنِي كَمَا فِي الْبَيْت وَمَفْهُومه أَنَّهَا لَا تتَعَيَّن لذَلِك إِذا لم تدخل عَلَيْهَا بل قد تَأتي لذَلِك كَمَا فِي الْآيَة وَقد لَا تَأتي لَهُ وَقد عكس قوم مَا قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ فزعموا أَن هَل لَا تَأتي بِمَعْنى قد أصلا وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب عِنْدِي إِذْ لَا متمسك لمن أثبت ذَلِك إِلَّا أحد ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا تَفْسِير ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَلَعَلَّه إِنَّمَا أَرَادَ أَن الاستفهمام فِي الْآيَة للتقرير وَلَيْسَ باستفهام حَقِيقِيّ وَقد صرح بذلك جمَاعَة من الْمُفَسّرين فَقَالَ بَعضهم هَل هُنَا للاستفهام التقريري والمقرر بِهِ من أنكر الْبَعْث وَقد علم أَنهم يَقُولُونَ نعم قد مضى دهر طَوِيل لَا إِنْسَان فِيهِ فَيُقَال لَهُم فَالَّذِي أحدث النَّاس بعد أَن لم يَكُونُوا كَيفَ يمْتَنع عَلَيْهِ إحياؤهم بعد مَوْتهمْ وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد علمْتُم النشأة الأولى فلولا تذكرُونَ} أَي فَهَلا تذكرُونَ فتعلمون أَنه من أنشأ شَيْئا بعد أَن لم يكن قَادر على إِعَادَته بعد عَدمه انْتهى وَقَالَ آخر مثل ذَلِك إِلَّا أَنه فسر الْحِين بِزَمن التَّصْوِير فِي الرَّحِم فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 الْمَعْنى ألم يَأْتِ على النَّاس حِين من الدَّهْر كَانُوا فِيهِ نطفا ثمَّ علقا ثمَّ مضغا إِلَى أَن صَارُوا شَيْئا مَذْكُورا وَكَذَا قَالَ الزّجاج إِلَّا أَنه حمل الْإِنْسَان على آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ الْمَعْنى ألم يَأْتِ على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر كَانَ فِيهِ تُرَابا وطينا إِلَى أَن نفخ فِيهِ الرّوح اه وَقَالَ بَعضهم لَا تكون هَل للاستفهام التقريري وَإِنَّمَا ذَلِك من خَصَائِص الْهمزَة وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَذكر جمَاعَة من النَّحْوِيين أَن هَل تكون بِمَنْزِلَة إِن فِي إِفَادَة التوكيد وَالتَّحْقِيق وحملوا على ذَلِك {هَل فِي ذَلِك قسم لذِي حجر} وقدروه جَوَابا للقسم وَهُوَ بعيد وَالدَّلِيل الثَّانِي قَول سِيبَوَيْهٍ الَّذِي شافه الْعَرَب وَفهم مقاصدهم وَقد مضى أَن سِيبَوَيْهٍ لم يقل ذَلِك وَالثَّالِث دُخُول الْهمزَة عَلَيْهَا فِي الْبَيْت والحرف لَا يدْخل على مثله فِي الْمَعْنى وَقد رَأَيْت عَن السيرافي أَن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة أم هَل وَأم هَذِه مُنْقَطِعَة بِمَعْنى بل فَلَا دَلِيل وَبِتَقْدِير ثُبُوت تِلْكَ الرِّوَايَة فالبيت شَاذ فَيمكن تَخْرِيجه على أَنه من الْجمع بَين حرفين لِمَعْنى وَاحِد على سَبِيل التوكيد كَقَوْلِه 655 - ( ... وَلَا للما بهم أبدا دَوَاء) بل الَّذِي فِي ذَلِك الْبَيْت أسهل لاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ وَكَون أَحدهمَا على حرفين فَهُوَ كَقَوْلِه 656 - (فَأصْبح لَا يسألنه عَن بِمَا بِهِ ... أصعد فِي علو الْهوى أم تصوبا) الحديث: 655 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 هُوَ وفروعه تكون أَسمَاء وَهُوَ الْغَالِب وأحرفا فِي نَحْو زيد هُوَ الْفَاضِل إِذا أعرب فصلا وَقُلْنَا لَا مَوضِع لَهُ من الْإِعْرَاب وَقيل هِيَ مَعَ القَوْل بذلك أَسمَاء كَمَا قَالَ الْأَخْفَش فِي نَحْو صه ونزال أَسمَاء لَا مَحل لَهَا وكما فِي الْألف وَاللَّام فِي نَحْو الضَّارِب إِذا قدرناهما اسْما حرف الْوَاو الْوَاو المفردة انْتهى مَجْمُوع مَا ذكر من أقسامها إِلَى خَمْسَة عشر 1 - الأول العاطفة وَمَعْنَاهَا مُطلق الْجمع فتعطف الشَّيْء على مصاحبة نَحْو {فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة} وعَلى سابقه نَحْو {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا وَإِبْرَاهِيم} وعَلى لاحقه نَحْو {كَذَلِك يوحي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك} وَقد اجْتمع هَذَانِ فِي {ومنك وَمن نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم} فعلى هَذَا إِذا قيل قَامَ زيد وَعَمْرو احْتمل ثَلَاثَة معَان قَالَ ابْن مَالك وَكَونهَا للمعية رَاجِح وللترتيب كثير ولعكسه قَلِيل اه وَيجوز أَن يكون بَين متعاطفيها تقَارب أَو تراخ نَحْو {إِنَّا رادوه إِلَيْك وجاعلوه من الْمُرْسلين} فَإِن الرَّد بعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 إلقائه فِي اليم والإرسال على رَأس أَرْبَعِينَ سنة وَقَول بَعضهم إِن مَعْنَاهَا الْجمع الْمُطلق غير سديد لتقييد الْجمع بِقَيْد الْإِطْلَاق وَإِنَّمَا هِيَ للْجمع لَا بِقَيْد وَقَول السيرافي إِن النَّحْوِيين واللغويين أَجمعُوا على أَنَّهَا لَا تفِيد التَّرْتِيب مَرْدُود بل قَالَ بإفادتها إِيَّاه قطرب والربعي وَالْفراء وثعلب وَأَبُو عمر الزَّاهِد وَهِشَام وَالشَّافِعِيّ وَنقل الإِمَام فِي الْبُرْهَان عَن بعض الْحَنَفِيَّة أَنَّهَا للمعية وتنفرد عَن سَائِر أحرف الْعَطف ب عشر حكما أَحدهَا احْتِمَال معطوفها للمعاني الثَّلَاثَة السَّابِقَة وَالثَّانِي اقترانها بإما نَحْو {إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} وَالثَّالِث اقترانها ب لَا إِن سبقت بِنَفْي وَلم تقصد الْمَعِيَّة نَحْو مَا قَامَ زيد وَلَا عَمْرو ولتفيد أَن الْفِعْل منفي عَنْهُمَا فِي حالتي الِاجْتِمَاع والافتراق وَمِنْه {وَمَا أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم بِالَّتِي تقربكم عندنَا زلفى} والعطف حِينَئِذٍ من عطف الْجمل عِنْد بَعضهم على إِضْمَار الْعَامِل وَالْمَشْهُور أَنه من عطف الْمُفْردَات وَإِذا فقد أحد الشَّرْطَيْنِ امْتنع دُخُولهَا فَلَا يجوز نَحْو قَامَ زيد وَلَا عَمْرو وانما جَازَ {وَلَا الضَّالّين} لِأَن فِي غير معنى النَّفْي وَإِنَّمَا جَازَ قَوْله 657 - (فَاذْهَبْ فَأَي فَتى فِي النَّاس أحرزه ... من حتفه ظلم دعجٌ وَلَا حيل) الحديث: 657 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 لِأَن الْمَعْنى لَا فَتى أحرزه مثل {فَهَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} وَلَا يجوز مَا اخْتصم زيد وَلَا عَمْرو لِأَنَّهُ للمعية لَا غير وَأما {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير وَلَا الظُّلُمَات وَلَا النُّور وَلَا الظل وَلَا الحرور وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَات} فَلَا الثَّانِيَة وَالرَّابِعَة وَالْخَامِسَة زَوَائِد لأمن اللّبْس وَالرَّابِع اقترانها بلكن نَحْو {وَلَكِن رَسُول الله} وَالْخَامِس عطف الْمُفْرد السَّبي على الْأَجْنَبِيّ عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى الرَّبْط ك مَرَرْت بِرَجُل قَائِم زيد وَأَخُوهُ وَنَحْو زيد قَائِم عَمْرو وَغُلَامه وقولك فِي بَاب الِاشْتِغَال زيدا ضربت عمرا وأخاه وَالسَّادِس عطف العقد على النيف نَحْو أحد وَعِشْرُونَ وَالسَّابِع عطف الصِّفَات المفرقة مَعَ اجْتِمَاع منعوتها كَقَوْلِه 758 - (بَكَيْت وَمَا بكا رجل حَزِين ... على ربعين مسلوب وبال) وَالثَّامِن عطف مَا حَقه التَّثْنِيَة أَو الْجمع نَحْو قَول الفرزدق 659 - (إِن الرزية لَا رزية مثلهَا ... فقدان مثل مُحَمَّد وَمُحَمّد) وَقَول أبي نواس 660 - (أَقَمْنَا بهَا يَوْمًا وَيَوْما وثالثا ... وَيَوْما لَهُ يَوْم الترحل خَامِس) وَهَذَا الْبَيْت يتساءل عَنهُ أهل الْأَدَب فَيَقُولُونَ كم أَقَامُوا وَالْجَوَاب ثَمَانِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 لِأَن يَوْمًا الْأَخير رَابِع وَقد وصف بِأَن يَوْم الترحل خَامِس لَهُ وَحِينَئِذٍ فَيكون يَوْم الترحل هُوَ الثَّامِن بِالنِّسْبَةِ إِلَى أول يَوْم التَّاسِع عطف مَالا يسْتَغْنى عَنهُ كاختصم زيد وَعَمْرو واشترك زيد وَعَمْرو وَهَذَا من أقوى الْأَدِلَّة على عدم إفادتها التَّرْتِيب وَمن ذَلِك جَلَست بَين زيد وَعَمْرو وَلِهَذَا كَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول الصَّوَاب 66 - ( ... بَين الدُّخُول وحومل) لَا فحومل وَأجِيب بِأَن التَّقْدِير بَين نواحي الدُّخُول فَهُوَ كَقَوْلِك جَلَست بَين الزيدين فالعمرين أَو بِأَن الدُّخُول مُشْتَمل على أَمَاكِن وتشاركها فِي هَذَا الحكم أم الْمُتَّصِلَة فِي نَحْو سَوَاء عَليّ أَقمت أم قعدت فَإِنَّهَا عاطفة مَالا يسْتَغْنى عَنهُ والعاشر وَالْحَادِي عشر عطف الْعَام على الْخَاص وَبِالْعَكْسِ فَالْأول نَحْو {رب اغْفِر لي ولوالدي وَلمن دخل بَيْتِي مُؤمنا وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} وَالثَّانِي نَحْو {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح} الْآيَة ويشاركها فِي هَذَا الحكم الْأَخير حَتَّى ك مَاتَ النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء وَقدم الْحَاج حَتَّى المشاة فَإِنَّهَا عاطفة خَاصّا على عَام واالثاني عشر عطف عَامل حذف وَبَقِي معموله على عَامل آخر مَذْكُور يجمعهما معنى وَاحِد كَقَوْلِه 66 - ( ... وزججن الحواجب والعيونا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 أَي وكحلن الْعُيُون ولجامع بَينهمَا التحسين وَلَوْلَا هَذَا التَّقْيِيد لورد اشْتَرَيْته بدرهم فَصَاعِدا إِذْ التَّقْدِير فَذهب الثّمن صاعدا وَالثَّالِث عشر عطف الشَّيْء على مرادفه نَحْو {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله} وَنَحْو {أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} وَنَحْو {عوجا وَلَا أمتا} وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ليلني مِنْكُم ذَوُو الأحلام والنهى وَقَول الشَّاعِر 663 - ( ... وألفى قَوْلهَا كذبا ومينا) وَزعم بَعضهم أَن الرِّوَايَة كذبا مُبينًا فَلَا عطف وَلَا تَأْكِيد وَلَك أَن تقدر الأحلام فِي الحَدِيث جمع حلم بِضَمَّتَيْنِ فَالْمَعْنى ليلني البالغون الْعُقَلَاء وَزعم ابْن مَالك أَن ذَلِك قد يَأْتِي فِي أَو وَأَن مِنْهُ {وَمن يكْسب خَطِيئَة أَو إِثْمًا} وَالرَّابِع عشر عطف الْمُقدم على متبوعه للضَّرُورَة كَقَوْلِه 664 - (أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق ... عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام) وَالْخَامِس عشر عطف المخفوض على الْجوَار كَقَوْلِه تَعَالَى {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} فِيمَن خفض الأرجل وَفِيه بحث سَيَأْتِي الحديث: 663 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 تَنْبِيه زعم قوم أَن الْوَاو قد تخرج عَن إِفَادَة مُطلق الْجمع وَذَلِكَ على أوجه أَحدهَا أَن تسْتَعْمل بِمَعْنى أَو وَذَلِكَ على ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا أَن تكون بمعناها فِي التَّقْسِيم كَقَوْلِك الْكَلِمَة اسْم وَفعل وحرف وَقَوله 665 - ( ... كَمَا النَّاس مجروم عَلَيْهِ وجارم) وَمِمَّنْ ذكر ذَلِك ابْن مَالك فِي التُّحْفَة وَالصَّوَاب أَنَّهَا فِي ذَلِك على مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ إِذْ الْأَنْوَاع مجتمعة فِي الدُّخُول تَحت الْجِنْس وَلَو كَانَت أَو هِيَ الأَصْل فِي التَّقْسِيم لَكَانَ اسْتِعْمَالهَا فِيهِ أَكثر من اسْتِعْمَال الْوَاو وَالثَّانِي أَن تكون بمعناها فِي الْإِبَاحَة قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ وَزعم أَنه يُقَال جَالس الْحسن وَابْن سِيرِين أَي أَحدهمَا وَأَنه لهَذَا قيل {تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} بعد ذكر ثَلَاثَة وَسَبْعَة لِئَلَّا يتَوَهَّم إِرَادَة الْإِبَاحَة وَالْمَعْرُوف من كَلَام النَّحْوِيين أَنه لَو قيل جَالس الْحسن وَابْن سِيرِين كَانَ أمرا بمجالسة كل مِنْهُمَا وَجعلُوا ذَلِك فرقا بَين الْعَطف بِالْوَاو والعطف بِأَو وَالثَّالِث أَن تكون بمعناها فِي التَّخْيِير قَالَه بَعضهم فِي قَوْله 666 - (وَقَالُوا نأت فاختر لَهَا الصَّبْر والبكا ... فَقلت البكا أشفى إِذن لغليلي) قَالَ مَعْنَاهُ أَو الْبكاء إِذْ لَا يجْتَمع مَعَ الصَّبْر ونقول يحْتَمل أَن الأَصْل فاختر من الصَّبْر والبكاء أَي أَحدهمَا ثمَّ حذف من كَمَا فِي {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} الحديث: 665 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 ) وَيُؤَيِّدهُ أَن أَبَا عَليّ القالي رَوَاهُ بِمن وَقَالَ الشاطبي رَحمَه الله فِي بَاب الْبَسْمَلَة 667 - ( ... وصل واسكتا) فَقَالَ شارحو كَلَامه المُرَاد التَّخْيِير ثمَّ قَالَ محققوهم لَيْسَ ذَلِك من قبل الْوَاو بل من جِهَة أَن الْمَعْنى وصل إِن شِئْت واسكتن إِن شِئْت وَقَالَ أَبُو شامة وَزعم بَعضهم أَن الْوَاو تَأتي للتَّخْيِير مجَازًا وَالثَّانِي أَن تكون بِمَعْنى بَاء الْجَرّ كَقَوْلِهِم أَنْت أعلم وَمَالك وبعت الشَّاء شَاة ودرهما قَالَه جمَاعَة وَهُوَ ظَاهر وَالثَّالِث أَن تكون بِمَعْنى لَام التَّعْلِيل قَالَه الخارزنجي وَحمل عَلَيْهِ الواوات الدَّاخِلَة على الْأَفْعَال المنصوبة فِي قَوْله تَعَالَى {أَو يوبقهن بِمَا كسبوا ويعف عَن كثير وَيعلم الَّذين} {أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون} وَالصَّوَاب أَن الْوَاو فِيهِنَّ للمعية كَمَا سَيَأْتِي الحديث: 667 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 2 - و 3 وَالثَّانِي وَالثَّالِث من أَقسَام الْوَاو واوان يرْتَفع مَا بعدهمَا إِحْدَاهمَا وَاو الِاسْتِئْنَاف نَحْو {لنبين لكم ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء} وَنَحْو لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن فِيمَن رفع وَنَحْو {من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ ويذرهم} فِيمَن رفع أَيْضا وَنَحْو {وَاتَّقوا الله ويعلمكم الله} إِذْ لَو كَانَت وَاو الْعَطف لَا نتصب نقر وَلَا نتصب أَو انجزم تشرب ولجزم يذر كَمَا قَرَأَ الْآخرُونَ وللزم عطف الْخَبَر على الْأَمر وَقَالَ الشَّاعِر 668 - (على الحكم المأتي يَوْمًا إِذا قضى ... قَضيته أَلا يجور ويقصد) وَهَذَا مُتَعَيّن للاستئناف لِأَن الْعَطف يَجعله شَرِيكا فِي النَّفْي فَيلْزم التَّنَاقُض وَكَذَلِكَ قَوْلهم دَعْنِي وَلَا أَعُود لِأَنَّهُ لَو نصب كَانَ الْمَعْنى ليجتمع تَركك لعقوبتي وتركي لما تنهاني عَنهُ وَهَذَا بَاطِل لِأَن طلبه لترك الْعقُوبَة إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَال فَإِذا تقيد ترك الْمنْهِي عَنهُ بِالْحَال لم يحصل غَرَض الْمُؤَدب وَلَو جزم فإمَّا بالْعَطْف وَلم يتَقَدَّم جازم أَو ب لَا على أَن تقدر ناهية وَيَردهُ أَن الْمُقْتَضِي لترك التَّأْدِيب إِنَّمَا هُوَ الْخَبَر عَن نفي الْعود لَا نَهْيه نَفسه عَن الْعود إِذْ لَا تنَاقض بَين النَّهْي عَن الْعود وَبَين الْعود بِخِلَاف الْعود والإخبار بِعَدَمِهِ ويوضحه أَنَّك تَقول أَنا أنهاه وَهُوَ يفعل وَلَا تَقول أَنا لَا أفعل وَأَنا أفعل مَعًا وَالثَّانيَِة وَاو الْحَال الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة الاسمية نَحْو جَاءَ زيد وَالشَّمْس الحديث: 668 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 طالعة وَتسَمى وَاو الِابْتِدَاء ويقدرها سِيبَوَيْهٍ والأقدمون بإذ وَلَا يُرِيدُونَ أَنَّهَا بمعناها إِذْ لَا يرادف الْحَرْف الِاسْم بل إِنَّهَا وَمَا بعْدهَا قيد للْفِعْل السَّابِق كَمَا أَن إِذْ كَذَلِك وَلم يقدرها بإذا لِأَنَّهَا لَا تدخل على الْجمل الاسمية وَوهم أَبُو الْبَقَاء فِي قَوْله تَعَالَى {وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} فَقَالَ الْوَاو للْحَال وَقيل بِمَعْنى إِذْ وَسَبقه إِلَى ذَلِك مكي وَزَاد عَلَيْهِ فَقَالَ الْوَاو للابتداء وَقيل للْحَال وَقيل بِمَعْنى إِذْ اهـ وَالثَّلَاثَة بِمَعْنى وَاحِد فَإِن أَرَادَ بِالِابْتِدَاءِ الِاسْتِئْنَاف فقولهما سَوَاء وَمن أمثلتها دَاخِلَة على الْجُمْلَة الفعلية قَوْله 669 - (بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... وَلم تكْثر الْقَتْلَى بهَا حِين سلب) وَلَو قدرت للْعَطْف لانقلب الْمَدْح ذما وَإِذا سبقت بجملة حَالية احتملت عِنْد من يُجِيز تعدد الْحَال العاطفة والابتدائية نَحْو {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر} 4 - و 5 الرَّابِع وَالْخَامِس واوان ينْتَصب مَا بعدهمَا وهما وَاو الْمَفْعُول مَعَه ك سرت والنيل وَلَيْسَ النصب بهَا خلافًا للجرجاني وَلم يَأْتِ فِي التَّنْزِيل بِيَقِين فَأَما قَوْله تَعَالَى {فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم} فِي قِرَاءَة السَّبْعَة {فَأَجْمعُوا} بِقطع الْهمزَة و {شركاءكم} بِالنّصب فتحتمل الْوَاو الحديث: 669 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 فِيهِ ذَلِك وَأَن تكون عاطفة مُفردا على مُفْرد بِتَقْدِير مُضَاف أَي وَأمر شركائكم أَو جملَة على جملَة بِتَقْدِير فعل أَي واجمعوا شركاءكم بوصل الْهمزَة وَمُوجب التَّقْدِير فِي الْوَجْهَيْنِ أَن أجمع لَا يتَعَلَّق بالذوات بل بالمعاني كَقَوْلِك أَجمعُوا على قَوْله كَذَا بِخِلَاف جمع فَإِنَّهُ مُشْتَرك بِدَلِيل {فَجمع كَيده} {الَّذِي جمع مَالا وعدده} وَيقْرَأ {فَأَجْمعُوا} بالوصل فَلَا إِشْكَال وَيقْرَأ بِرَفْع الشُّرَكَاء عطفا على الْوَاو للفصل بالمفعول وَالْوَاو الدَّاخِلَة على الْمُضَارع الْمَنْصُوب لعطفه على اسْم صَرِيح أَو مؤول فَالْأول كَقَوْلِه 670 - (وَلبس عباءة وتقر عَيْني ... أحب إِلَيّ من لبس الشفوف) وَالثَّانِي شَرطه أَن يتَقَدَّم الْوَاو نفي أَو طلب وسمى الْكُوفِيُّونَ هَذَا الْوَاو وَاو الصّرْف وَلَيْسَ النصب بهَا خلافًا لَهُم ومثالها {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} وَقَوله 67 - (لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... ) وَالْحق أَن هَذِه وَاو الْعَطف كَمَا سَيَأْتِي الحديث: 670 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 6 - و 7 السَّادِس وَالسَّابِع واوان ينجر مَا بعدهمَا إِحْدَاهمَا وَاو الْقسم وَلَا تدخل إِلَّا على مظهر وَلَا تتَعَلَّق إِلَّا بِمَحْذُوف نَحْو {وَالْقُرْآن الْحَكِيم} فَإِن تلتها وَاو أُخْرَى نَحْو {والتين وَالزَّيْتُون} فالتالية وَاو الْعَطف وَإِلَّا لاحتاج كل من الاسمين إِلَى جَوَاب الثَّانِيَة وَاو رب كَقَوْلِه 67 - (وليل كموج الْبَحْر أرْخى سدوله ... ) وَلَا تدخل إِلَّا على مُنكر وَلَا تتَعَلَّق إِلَّا بمؤخر وَالصَّحِيح أَنَّهَا وَاو الْعَطف وَأَن الْجَرّ بِرَبّ محذوفة خلافًا للكوفيين والمبرد وحجتهم افْتِتَاح القصائد بهَا كَقَوْل رؤبة 673 - (وقاتم الْأَعْمَال خاوي المخترق) وَأجِيب بِجَوَاز تَقْدِير الْعَطف على كل شَيْء فِي نفس الْمُتَكَلّم ويوضح كَونهَا عاطفة أَن وَاو الْعَطف لَا تدخل عَلَيْهَا كَمَا تدخل على وَاو الْقسم قَالَ 674 - (وَوَاللَّه لَوْلَا تَمْرَة مَا حببته ... ) 8 - وَالثَّامِن وَاو دُخُولهَا كخروجها وَهِي الزَّائِدَة أثبتها الْكُوفِيُّونَ والأخفش وَجَمَاعَة وَحمل على ذَلِك {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا} بِدَلِيل الْآيَة الحديث: 673 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 الْأُخْرَى وَقيل هِيَ عاطفة والزائدة الْوَاو فِي {وَقَالَ لَهُم خزنتها} وَقيل هما عاطفتان وَالْجَوَاب مَحْذُوف أَي كَانَ كَيْت وَكَيْت وَكَذَا الْبَحْث فِي {فَلَمَّا أسلما وتله للجبين وناديناه} الأولى أَو الثَّانِيَة زَائِدَة على القَوْل الأول أَو هما عاطفتان وَالْجَوَاب مَحْذُوف على القَوْل الثَّانِي وَالزِّيَادَة ظَاهِرَة فِي قَوْله 675 - (فَمَا بَال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظا وَيَنْوِي من سفاهته كسري) وَقَوله 676 - (وَلَقَد رمقتك فِي الْمجَالِس كلهَا ... فَإِذا وَأَنت تعين من يبغيني) 9 - وَالتَّاسِع وَاو الثَّمَانِية ذكرهَا جمَاعَة من الأدباء كالحريري وَمن النَّحْوِيين الضُّعَفَاء كَابْن خالويه وَمن الْمُفَسّرين كَالثَّعْلَبِيِّ وَزَعَمُوا أَن الْعَرَب إِذا عدوا قَالُوا سِتَّة سَبْعَة وَثَمَانِية إِيذَانًا بِأَن السَّبْعَة عدد تَامّ وَأَن مَا بعْدهَا عدد مُسْتَأْنف وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بآيَات إِحْدَاهَا {سيقولون ثَلَاثَة رابعهم كلبهم} إِلَى قَوْله سُبْحَانَهُ {سَبْعَة وثامنهم كلبهم} وَقيل هِيَ فِي ذَلِك لعطف جملَة على جملَة إِذْ التَّقْدِير هم سَبْعَة ثمَّ قيل الْجَمِيع كَلَامهم وَقيل الْعَطف من كَلَام الله تَعَالَى وَالْمعْنَى نعم هم سَبْعَة وثامنهم كلبهم وَإِن هَذَا تَصْدِيق لهَذِهِ الْمقَالة كَمَا أَن {رجما بِالْغَيْبِ} الحديث: 675 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 تَكْذِيب لتِلْك الْمقَالة وَيُؤَيِّدهُ قَول ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا حِين جَاءَت الْوَاو انْقَطَعت الْعدة أَي لم يبْق عدَّة يلْتَفت إِلَيْهَا فَإِن قلت إِذا كَانَ المُرَاد التَّصْدِيق فَمَا وَجه مَجِيء {قل رَبِّي أعلم بِعدَّتِهِمْ مَا يعلمهُمْ إِلَّا قَلِيل} قلت وَجه الْجُمْلَة الأول توكيد صِحَة التَّصْدِيق بِإِثْبَات علم الْمُصدق وَوجه الثَّانِيَة الْإِشَارَة إِلَى أَن الْقَائِلين تِلْكَ الْمقَالة الصادقة قَلِيل أَو أَن الَّذِي قَالَهَا مِنْهُم عَن يَقِين قَلِيل أَو لما كَانَ التَّصْدِيق فِي الْآيَة خفِيا لَا يَسْتَخْرِجهُ إِلَّا مثل ابْن عَبَّاس قيل ذَلِك وَلِهَذَا كَانَ يَقُول أَنا من ذَلِك الْقَلِيل هم سَبْعَة وثامنهم كلبهم وَقيل هِيَ وَاو الْحَال وعَلى هَذَا فَيقدر الْمُبْتَدَأ اسْم اشارة أَي هَؤُلَاءِ سَبْعَة ليَكُون فِي الْكَلَام مَا يعْمل فِي الْحَال وَيرد ذَلِك أَن حذف عَامل الْحَال إِذا كَانَ معنويا مُمْتَنع وَلِهَذَا ردوا على الْمبرد قَوْله فِي بَيت الفرزدق 677 - ( ... وَإِذا مَا مثلهم بشر) إِن مثلهم حَال ناصبها خبر مَحْذُوف أَي وَإِذ مَا فِي الْوُجُود بشر مماثلا لَهُم الثَّانِيَة آيَة الزمر إِذْ قيل {فتحت} فِي آيَة النَّار لِأَن أَبْوَابهَا سَبْعَة {وَفتحت} فِي آيَة الْجنَّة إِذْ أَبْوَابهَا ثَمَانِيَة وَأَقُول لَو كَانَ لواو الثَّمَانِية حَقِيقَة لم تكن الْآيَة مِنْهَا إِذْ لَيْسَ فِيهَا ذكر عدد الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا فِيهَا ذكر الْأَبْوَاب وَهِي جمع لَا يدل على عدد خَاص ثمَّ الْوَاو لَيست دَاخِلَة عَلَيْهِ بل هِيَ جملَة هُوَ فِيهَا وَقد مر أَن الْوَاو الحديث: 677 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 فِي {وَفتحت} مقحمة عِنْد قوم وعاطفة عِنْد آخَرين وَقيل هِيَ وَاو الْحَال أَي جاؤوها مفتحة أَبْوَابهَا كَمَا صرح بمفتحة حَالا فِي {جنَّات عدن مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} وَهَذَا قَول الْمبرد والفارسي وَجَمَاعَة قيل وَإِنَّمَا فتحت لَهُم قبل مجيئهم إِكْرَاما لَهُم عَن أَن يقفوا حَتَّى تفتح لَهُم الثَّالِثَة {والناهون عَن الْمُنكر} فَإِنَّهُ الْوَصْف الثَّامِن وَالظَّاهِر أَن الْعَطف فِي هَذَا الْوَصْف بِخُصُوصِهِ إِنَّمَا كَانَ من جِهَة أَن الْأَمر وَالنَّهْي من حَيْثُ هما أَمر وَنهي متقابلان بِخِلَاف بَقِيَّة الصِّفَات أَو لِأَن الْآمِر بِالْمَعْرُوفِ ناه عَن الْمُنكر وَهُوَ ترك الْمَعْرُوف والناهي عَن الْمُنكر آمُر بِالْمَعْرُوفِ فأشير إِلَى الِاعْتِدَاد بِكُل من الوصفين وَأَنه لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِمَا يحصل فِي ضمن الآخر وَذهب أَبُو الْبَقَاء على إِمَامَته فِي هَذِه الْآيَة مَذْهَب الضُّعَفَاء فَقَالَ إِنَّمَا دخلت الْوَاو فِي الصّفة الثَّامِنَة إِيذَانًا بِأَن السَّبْعَة عِنْدهم عدد تَامّ وَلذَلِك قَالُوا سبع فِي ثَمَانِيَة أَي سبع أَذْرع فِي ثَمَانِيَة أشبار وَإِنَّمَا دخلت الْوَاو على ذَلِك لِأَن وَضعهَا على مُغَايرَة مَا بعْدهَا لما قبلهَا الرَّابِعَة {وأبكارا} فِي آيَة التَّحْرِيم ذكرهَا القَاضِي الْفَاضِل وتبجح باستخراجها وَقد سبقه إِلَى ذكرهَا الثَّعْلَبِيّ وَالصَّوَاب أَن هَذِه الْوَاو وَقعت بَين صفتين هما تَقْسِيم لمن اشْتَمَل على جَمِيع الصِّفَات السَّابِقَة فَلَا يَصح إِسْقَاطهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 إِذْ لَا تَجْتَمِع الثيوبة والبكارة وواو الثَّمَانِية عِنْد الْقَبَائِل بهَا صَالِحَة للسقوط وَأما قَول الثَّعْلَبِيّ إِن مِنْهَا الْوَاو فِي قَوْله تَعَالَى {سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما} فسهو بَين وَإِنَّمَا هَذِه وَاو الْعَطف وَهِي وَاجِبَة الذّكر ثمَّ إِن {أَبْكَارًا} صفة تاسعة لَا ثامنة إِذْ أول الصِّفَات {خيرا مِنْكُن} لَا {مسلمات} فَإِن أجَاب بِأَن مسلمات وَمَا بعده تَفْصِيل لخيرا مِنْكُن فَلهَذَا لم تعد قسيمة لَهَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ {ثيبات وأبكارا} تَفْصِيل للصفات السَّابِقَة فَلَا نعدهما مَعَهُنَّ 10 - والعاشر الْوَاو الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة الْمَوْصُوف بهَا لتأكيد لصوقها بموصوفها وإفادتها أَن اتصافه بهَا أَمر ثَابت وَهَذِه الْوَاو أثبتها الزَّمَخْشَرِيّ وَمن قَلّدهُ وحملوا على ذَلِك مَوَاضِع الْوَاو فِيهَا كلهَا وَاو الْحَال نَحْو {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم} الْآيَة {سَبْعَة وثامنهم كلبهم} {أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة وَهِي خاوية على عروشها} {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم} والمسوغ لمجيء الْحَال من النكرَة فِي هَذِه الْآيَة أَمْرَانِ أَحدهمَا خَاص بهَا وَهُوَ تقدم النَّفْي وَالثَّانِي عَام فِي بَقِيَّة الْآيَات وَهُوَ امْتنَاع الوصفية إِذْ الْحَال مَتى امْتنع كَونهَا صفة جَازَ مجيئها من النكرَة وَلِهَذَا جَاءَت مِنْهَا عِنْد تقدمها عَلَيْهَا نَحْو فِي الدَّار قَائِما رجل وَعند جمودها نَحْو هَذَا خَاتم حديدا ومررت بِمَاء قعدة رجل ومانع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الوصفية فِي هَذِه الْآيَة أَمْرَانِ أَحدهمَا خَاص بهَا وَهُوَ اقتران الْجُمْلَة بإلا إِذْ لَا يجوز التفريغ فِي الصِّفَات لَا تَقول مَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا قَائِم نَص على ذَلِك أَبُو عَليّ وَغَيره وَالثَّانِي عَام فِي بَقِيَّة الْآيَات وَهُوَ اقترانها بِالْوَاو 11 - وَالْحَادِي عشر وَاو ضمير الذُّكُور نَحْو الرِّجَال قَامُوا وَهِي اسْم وَقَالَ الْأَخْفَش والمازني حرف وَالْفَاعِل مستتر وَقد تسْتَعْمل لغير الْعُقَلَاء إِذا نزلُوا مَنْزِلَتهمْ نَحْو قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ} وَذَلِكَ لتوجيه الْخطاب إِلَيْهِم وشذ قَوْله 678 - (شربت بهَا والديك يَدْعُو صباحه ... إِذا مَا بَنو نعش دانوا فتصوبوا) وَالَّذِي جرأه على ذَلِك قَوْله بَنو لَا بَنَات وَالَّذِي سوغ ذَلِك أَن مَا فِيهِ من تَغْيِير نظم الْوَاحِد شبهه بِجمع التكسير فسهل مَجِيئه لغير الْعَاقِل وَلِهَذَا جَازَ تَأْنِيث فعله نَحْو {إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل} مَعَ امْتنَاع قَامَت الزيدون 12 - الثَّانِي عشر وَاو عَلامَة المذكرين فِي لُغَة طَيء أَو أَزْد شنُوءَة أَو بلحارث وَمِنْه الحَدِيث يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكه بِالنَّهَارِ وَقَوله 679 - (يلومونني فِي اشْتِرَاء النخيل ... أَهلِي فكلهم ألوم) وَهِي عِنْد سِيبَوَيْهٍ حرف دَال على الْجَمَاعَة كَمَا أَن التَّاء فِي قَالَت حرف دَال على الحديث: 678 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 التَّأْنِيث وَقيل هِيَ اسْم مَرْفُوع على الفاعلية ثمَّ قيل إِن مَا بعْدهَا بدل مِنْهَا وَقيل مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة خبر مقدم وَكَذَا الْخلاف فِي نَحْو قاما أَخَوَاك وقمن نسوتك وَقد تسْتَعْمل لغير الْعُقَلَاء إِذْ نزلُوا مَنْزِلَتهمْ قَالَ أَبُو سعيد نَحْو أكلوني البراغيث إِذْ وصفت بِالْأَكْلِ لَا بالقرص وَهَذَا سَهْو مِنْهُ فَإِن الْأكل من صِفَات الْحَيَوَانَات عَاقِلَة وَغير عَاقِلَة وَقَالَ ابْن الشجري عِنْدِي أَن الْأكل هُنَا بِمَعْنى الْعدوان وَالظُّلم كَقَوْلِه 680 - (أكلت بنيك أكل الضَّب حَتَّى ... وجدت مرَارَة الْكلأ الوبيل) أَي ظلمتهم وَشبه الْأكل الْمَعْنَوِيّ بالحقيقي وَالْأَحْسَن فِي الضَّب فِي الْبَيْت أَلا يكون فِي مَوضِع نصب على حذف الْفَاعِل أَي مثل أكلك الضَّب بل فِي مَوضِع رفع على حذف الْمَفْعُول أَي مثل أكل الضَّب أَوْلَاده لِأَن ذَلِك أَدخل فِي التَّشْبِيه وعَلى هَذَا فَيحْتَمل الْأكل الثَّانِي أَن يكون معنويا لِأَن الضَّب ظَالِم لأولاده بِأَكْلِهِ إيَّاهُم وَفِي الْمثل أعق من ضَب وَقد حمل بَعضهم على هَذِه اللُّغَة {ثمَّ عموا وصموا كثير مِنْهُم} {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} وحملهما على غَيره هَذِه اللُّغَة لِضعْفِهَا وَقد جوز فِي {الَّذين ظلمُوا} أَن يكون بَدَلا من الْوَاو فِي وأسروا أَو مُبْتَدأ خَبره إِمَّا وأسروا أَو قَول مَحْذُوف عَامل فِي جملَة الِاسْتِفْهَام أَي يَقُولُونَ هَل هَذَا وَأَن يكون خَبرا لمَحْذُوف أَي هم الَّذين أَو فَاعِلا بأسروا وَالْوَاو عَلامَة كَمَا قدمنَا أَو بيقول محذوفا أَو بَدَلا من وَاو {استمعوه} وَأَن يكون مَنْصُوبًا على الحديث: 680 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 الْبَدَل من مفعول يَأْتِيهم أَو على إِضْمَار أَذمّ أَو أَعنِي وَأَن يكون مجرورا على الْبَدَل من النَّاس فِي {اقْترب للنَّاس حسابهم} أَو من الْهَاء وَالْمِيم فِي {لاهية قُلُوبهم} فَهَذِهِ أحد عشر وَجها وَأما الْآيَة الأولى فَإِذا قدرت الواوان فِيهَا علامتين فالعاملان قد تنَازعا الظَّاهِر فَيجب حِينَئِذٍ أَن تقدر فِي أَحدهمَا ضميرا مستترا رَاجعا إِلَيْهِ وَهَذَا من غرائب الْعَرَبيَّة أَعنِي وجوب استتار الضَّمِير فِي فعل الغائبين وَيجوز كَون كثير مُبْتَدأ وَمَا قبله خَبرا وَكَونه بَدَلا من الْوَاو الأولى مثل اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ الرؤوف الرَّحِيم فالواو الثَّانِيَة حِينَئِذٍ عَائِدَة على مُتَقَدم رُتْبَة وَلَا يجوز الْعَكْس لِأَن الأولى حِينَئِذٍ لَا مُفَسّر لَهَا وَمنع أَبُو حَيَّان أَن يُقَال على هَذِه اللُّغَة جاؤوني من جَاءَك لِأَنَّهَا لم تسمع إِلَّا مَعَ مَا لَفظه جمع وَأَقُول إِذا كَانَ سَبَب دُخُولهَا بَيَان أَن الْفَاعِل الْآتِي جَمِيع كَانَ لحاقها هُنَا أولى لِأَن الجمعية خُفْيَة وَقد أوجب الْجَمِيع عَلامَة التَّأْنِيث فِي قَامَت هِنْد كَمَا أوجبوها فِي قَامَت امْرَأَة وأجازوها فِي غلت الْقدر وانكسرت الْقوس كَمَا أجازوها فِي طلعت الشَّمْس ونفعت الموعظة وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ فِي {لَا يملكُونَ الشَّفَاعَة إِلَّا من اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} كَون من فَاعِلا وَالْوَاو عَلامَة وَإِذا قيل جاؤوا زيد وَعَمْرو وَبكر لم يجز عِنْد ابْن هِشَام أَن يكون من هَذِه اللُّغَة وَكَذَا تَقول فِي جَاءَا زيد وَعَمْرو وَقَول غَيره أولى لما بَينا من أَن المُرَاد بَيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 الْمَعْنى وَقد رد عَلَيْهِ بقوله 68 - ( ... وَقد أسلماه مبعد وحميم) وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ إِنَّمَا يمْنَع التَّخْرِيج لَا التَّرْكِيب وَيجب الْقطع بامتناعها فِي نَحْو قَامَ زيد أَو عَمْرو لِأَن الْقَائِم وَاحِد بِخِلَاف قَامَ أَخَوَاك أَو غلاماك لِأَنَّهُ اثْنَان وَكَذَلِكَ تمْتَنع فِي قَامَ أَخَوَاك أَو زيد وَأما قَوْله تَعَالَى {إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا} فَمن زعم أَنه من ذَلِك فَهُوَ غالط بل الْألف ضمير الْوَالِدين فِي {وبالوالدين إحسانا} وَأَحَدهمَا أَو كِلَاهُمَا بِتَقْدِير يبلغهُ أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا أَو أَحدهمَا بدل بعض وَمَا بعده بإضمار فعل وَلَا يكون مَعْطُوفًا لِأَن بدل الْكل لَا يعْطف على بدل الْبَعْض لَا تَقول أعجبني زيد وَجهه وأخوك على أَن الْأَخ هُوَ زيد لِأَنَّك لَا تعطف الْمُبين على الْمُخَصّص فَإِن قلت قَامَ أَخَوَاك وَزيد جَازَ قَامُوا بِالْوَاو إِن قدرته من عطف الْمُفْردَات وقاما بِالْألف إِن قدرته من عطف الْجمل كَمَا قَالَ السُّهيْلي فِي {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} إِن التَّقْدِير وَلَا يَأْخُذهُ نوم 13 - وَالثَّالِث عشر وَاو الْإِنْكَار نَحْو آلرجلوه بعد قَول الْقَائِل قَامَ الرجل وَالصَّوَاب أَلا تعد هَذِه لِأَنَّهَا إشباع للحركة بِدَلِيل آلرجلاه فِي النصب وآلرجليه فِي الْجَرّ ونظيرها الْوَاو فِي منو فِي الْحِكَايَة وَفِي أنظور من قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 68 - ( ... من حوثما سلكوا أدنو فأنظور) وواو القوافي كَقَوْلِه 683 - ( ... سقيت الْغَيْث إيتها الخيامو) 14 - الرَّابِع عشر وَاو التَّذَكُّر كَقَوْل من أَرَادَ أَن يَقُول يقوم زيد فنسى زيد فَأَرَادَ مد الصَّوْت ليتذكر إِذْ لم يرد قطع الْكَلَام يقومو وَالصَّوَاب أَن هَذِه كَالَّتِي قبلهَا 15 - الْخَامِس عشر الْوَاو المبدلة من همزَة الِاسْتِفْهَام المضموم مَا قبلهَا كَقِرَاءَة قنبل {وَإِلَيْهِ النشور أأمنتم} {قَالَ فِرْعَوْن آمنتم بِهِ} وَالصَّوَاب أَلا تعد هَذِه أَيْضا لِأَنَّهَا مبدلة وَلَو صَحَّ عدهَا لصَحَّ عد الْوَاو من أحرف الِاسْتِفْهَام وَا على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تكون حرف نِدَاء مُخْتَصًّا بِبَاب الندبة نَحْو وازيداه وَأَجَازَ بَعضهم اسْتِعْمَاله فِي النداء الْحَقِيقِيّ وَالثَّانِي أَن تكون اسْما لأعجب كَقَوْلِه الحديث: 683 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 684 - (وَا بِأبي أَنْت وفوك الأشنب ... كَأَنَّمَا ذَر عَلَيْهِ الزرنب) (أَو زنجبيل وَهُوَ عِنْدِي أطيب) وَقد يُقَال واها كَقَوْلِه 685 - (واها لسلمى ثمَّ واها واها) ووي كَقَوْلِه 686 - (وي كَأَن من يكن لَهُ نشب يحبب ... وَمن يفْتَقر يَعش عَيْش ضرّ) وَقد تلْحق هَذِه كَاف الْخطاب كَقَوْلِه 687 - (وَلَقَد شفى نَفسِي وَأَبْرَأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم) وَقَالَ الْكسَائي أصل وَيلك فالكاف ضمير مجرور وَأما / وى كَأَن الله / فَقَالَ أَبُو الْحسن وى اسْم فعل وَالْكَاف حرف خطاب وَأَن على إِضْمَار اللَّام وَالْمعْنَى أعجب لِأَن الله وَقَالَ الْخَلِيل وى وَحدهَا كَمَا قَالَ 688 - (وى كَأَن من يكن ... الْبَيْت) وَكَأن للتحقيق كَمَا قَالَ 689 - (كأنني حِين أمسي لَا تكلمني ... متيم يَشْتَهِي مَا لَيْسَ مَوْجُودا) الحديث: 684 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 أَي إِنَّنِي حِين أمسي على هَذِه الْحَالة حرف الْألف وَالْمرَاد هُنَا الْحَرْف الهاوي الْمُمْتَنع الِابْتِدَاء بِهِ لكَونه لَا يقبل لحركة فَأَما الَّذِي يُرَاد بِهِ الْهمزَة فقد مر فِي صدر الْكتاب وَابْن جني يرى أَن هَذَا الْحَرْف اسْمه لَا وَأَنه الْحَرْف الَّذِي يذكر قبل الْيَاء عِنْد عد الْحُرُوف وَأَنه لما لم يكن أَن يتَلَفَّظ بِهِ فِي أول اسْمه كَمَا فعل فِي أخواته إِذْ قيل صَاد جِيم توصل إِلَيْهِ بِاللَّامِ كَمَا توصل إِلَى اللَّفْظ بلام التَّعْرِيف بِالْألف حِين قيل فِي الِابْتِدَاء الْغُلَام ليتقارضا وَأَن قَول المعلمين لَام ألف خطأ لِأَن كلا من اللَّام وَالْألف قد مضى ذكره وَلَيْسَ الْغَرَض بَيَان كَيْفيَّة تركيب الْحُرُوف بل سرد أَسمَاء الْحُرُوف البسائط ثمَّ اعْترض على نَفسه بقول أبي النَّجْم 690 - (أَقبلت من عِنْد زِيَاد كالخرف ... تخط رجلاي بِخَط مُخْتَلف) (تكتبان فِي الطَّرِيق لَام الف) وَأجَاب بِأَنَّهُ لَعَلَّه تَلقاهُ من أَفْوَاه الْعَامَّة لِأَن الْخط لَيْسَ لَهُ تعلق بالفصاحة وَقد ذكر للألف تِسْعَة أوجه أَحدهَا أَن تكون للانكار نَحْو أعمراه لمن قَالَ لقِيت عمرا الثَّانِي أَن تكون للتذكر كرأيت الرجلا وَقد مضى أَن التَّحْقِيق أَلا يعد هَذَانِ الحديث: 690 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 الثَّالِث أَن تكون ضمير الِاثْنَيْنِ نَحْو الزيدان قاما وَقَالَ الْمَازِني هِيَ حرف وَالضَّمِير مستتر الرَّابِع أَن تكون عَلامَة الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِه 691 - ألفيتا عَيْنَاك عِنْد الْقَفَا ... وَقَوله 69 - ( ... وَقد أسلماه مبعد وحميم) وَعَلِيهِ قَول المتنبي 693 - (وَرمى وَمَا رمتا يَدَاهُ فصابني ... سهم يعذب والسهام تريح) الْخَامِس الْألف الكافة كَقَوْلِه 694 - (فبينانسوس النَّاس وَالْأَمر أمرنَا ... إِذا نَحن فيهم سوقة لَيْسَ ننصف) وَقيل الْألف بعض مَا الكافة وَقيل إشباع وَبَين مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة ويويده أَنَّهَا قد أضيفت إِلَى الْمُفْرد فِي قَوْله 695 - (بَينا تعانقه الكماة وروغه ... يَوْمًا أتيح لَهُ جريء سلفع) السَّادِس أَن تكون فاصلة بَين الهمزتين نَحْو {أأنذرتهم} ودخلوها جَائِز لَا وَاجِب وَلَا فرق بَين كَون الْهمزَة الثَّانِيَة سهلة أَو مُحَققَة الحديث: 691 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 السَّابِع أَن تكون فاصلة بَين النونين نون النسْوَة وَنون التوكيد نَحْو اضربنان وَهَذِه وَاجِبَة الثَّامِن أَن تكون لمد الصَّوْت بالمنادى المستغاث أَو المتعجب مِنْهُ أَو الْمَنْدُوب كَقَوْلِه 696 - (يَا يزيدا لآمل نيل عز ... وغنى بعد فاقة وهوان) وَقَوله 697 - (يَا عجبا لهَذِهِ الفليقه ... هَل تذهبن القوباء الريقه) وَقَوله 698 - (حملت أمرا عَظِيما فاصطبرت لَهُ ... وَقمت فِيهِ بِأَمْر الله يَا عمرا) التَّاسِع أَن تكون بَدَلا من نون سَاكِنة وَهِي إِمَّا نون التوكيد أَو تَنْوِين الْمَنْصُوب فَالْأول نَحْو {لنسفعا} وليكونا وَقَوله 699 - ( ... وَلَا تعبد الشَّيْطَان وَالله فاعبدا) الحديث: 696 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وَيحْتَمل أَن تكون هَذِه النُّون من بَاب يَا حرسي اضربا عُنُقه وَالثَّانِي كرأيت زيدا فِي لُغَة غير ربيعَة وَلَا يجوز أَن تعد الْألف المبدلة من نون إِذن وَلَا ألف التكثير كألف قبعثرى وَلَا ألف التَّأْنِيث كألف حُبْلَى وَلَا ألف الْإِلْحَاق كألف أرطى وَلَا ألف الْإِطْلَاق كالألف فِي قَوْله 700 - (من طلل كالأتحمي أنهجا) وَلَا ألف التَّثْنِيَة كالزيدان وَلَا ألف الإشباع الْوَاقِعَة فِي الْحِكَايَة نَحْو منا أَو فِي غَيرهَا فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه 70 - (أعوذ بِاللَّه من العقراب) وَلَا الْألف الَّتِي تبين بهَا الْحَرَكَة فِي الْوَقْف وَهِي ألف أَنا عِنْد الْبَصرِيين وَلَا ألف التصغير نَحْو ذيا واللذيا لما قدمْنَاهُ حرف الْيَاء الْيَاء المفردة تَأتي على ثَلَاثَة أوجه وَذَلِكَ أَنَّهَا تكون ضميرا للمؤنثة نَحْو تقومين وقومي وَقَالَ الْأَخْفَش والمازني هِيَ حرف تَأْنِيث وَالْفَاعِل مستتر وحرف إِنْكَار نَحْو أزيدنية وحرف تذكار نَحْو قدي وَقد تقدم الْبَحْث فيهمَا وَالصَّوَاب أَلا يعدا كَمَا لَا تعد يَاء التصغير وياء المضارعة وياء الْإِطْلَاق وياء الإشباع ونحوهن لِأَنَّهُنَّ أَجزَاء للكلمات لَا كَلِمَات الحديث: 700 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 حرف مَوْضُوع الْبعيد لنداء حَقِيقَة أَو حكما وَقد يُنَادى بهَا الْقَرِيب توكيدا وَقيل هِيَ مُشْتَركَة بَين الْقَرِيب والبعيد وَقيل بَينهمَا وَبَين الْمُتَوَسّط وَهِي أَكثر أحرف النداء اسْتِعْمَالا وَلِهَذَا لَا يقدر عِنْد الْحَذف سواهَا نَحْو {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} وَلَا يُنَادى اسْم الله عز وَجل وَالِاسْم المستغاث وأيها وأيتها إِلَّا بهَا وَلَا الْمَنْدُوب إِلَّا بهَا أَو بوا وَلَيْسَ نصب المنادى بهَا وَلَا بأخواتها أحرفا وَلَا بِهن أَسمَاء ل أَدْعُو متحملة لضمير الْفَاعِل خلافًا لزاعمي ذَلِك بل بأدعو محذوفا لُزُوما وَقَول ابْن الطراوة النداء إنْشَاء وأدعو خبر سَهْو مِنْهُ بل أَدْعُو الْمُقدر إنْشَاء كبعت وَأَقْسَمت وَإِذا ولي يَا مَا لَيْسَ بمنادى كالفعل فِي / أَلا يَا اسجدوا / وَقَوله 70 - (أَلا يَا اسقياني قبل غَارة سنجال ... ) والحرف فِي نَحْو {يَا لَيْتَني كنت مَعَهم فأفوز} يَا رب كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية يَوْم الْقِيَامَة وَالْجُمْلَة الاسمية كَقَوْلِه 703 - (يَا لعنة الله والأقوام كلهم ... وَالصَّالِحِينَ على سمْعَان من جَار) فَقيل هِيَ للنداء والمنادى مَحْذُوف وَقيل هِيَ لمُجَرّد التَّنْبِيه لِئَلَّا يلْزم الإجحاف الحديث: 703 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 بِحَذْف الْجُمْلَة كلهَا وَقَالَ ابْن مَالك إِن وَليهَا دُعَاء كَهَذا الْبَيْت أَو أَمر نَحْو / أَلا يَا اسجدوا / فَهِيَ للنداء لِكَثْرَة وُقُوع النداء قبلهمَا نَحْو {يَا آدم اسكن} {يَا نوح اهبط} وَنَحْو {يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك} وَإِلَّا فَهِيَ للتّنْبِيه وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 الْبَاب الثَّانِي فِي تَفْسِير الْجُمْلَة وَذكر أقسامها وأحكامها شرح الْجُمْلَة وَبَيَان أَن الْكَلَام أخص مِنْهَا لَا مرادف لَهَا الْكَلَام هُوَ القَوْل الْمُفِيد بِالْقَصْدِ وَالْمرَاد بالفيد مَا دلّ على معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ وَالْجُمْلَة عبارَة عَن الْفِعْل وفاعله ك قَامَ زيد والمبتدأ وَخَبره ك زيد قَائِم وَمَا كَانَ بِمَنْزِلَة أَحدهمَا نَحْو ضرب اللص وأقائم الزيدان وَكَانَ زيد قَائِما وظننته قَائِما وَبِهَذَا يظْهر لَك أَنَّهُمَا ليسَا مترافدين كَمَا يتوهمه كثير من النَّاس وَهُوَ ظَاهر قَول صَاحب الْمفصل فَإِنَّهُ بعد أَن فرغ من حد الْكَلَام قَالَ وَيُسمى جملَة وَالصَّوَاب أَنَّهَا أَعم مِنْهُ إِذْ شَرطه الإفادة بِخِلَافِهَا وَلِهَذَا تسمعهم يَقُولُونَ جملَة الشَّرْط جملَة الْجَواب جملَة الصِّلَة وكل ذَلِك لَيْسَ مُفِيدا فَلَيْسَ بِكَلَام وَبِهَذَا التَّقْرِير يَتَّضِح لَك صِحَة قَول ابْن مَالك فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ بدلنا مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة حَتَّى عفوا وَقَالُوا قد مس آبَاءَنَا الضراء والسراء فأخذناهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ وَلَو أَن أهل الْقرى آمنُوا وَاتَّقوا لفتحنا عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض وَلَكِن كذبُوا فأخذناهم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أفأمن أهل الْقرى أَن يَأْتِيهم بأسنا بياتا وهم نائمون} ) إِن الزَّمَخْشَرِيّ حكم بِجَوَاز الِاعْتِرَاض بِسبع جمل إِذْ زعم أَن {أفأمن} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 أفأمن مَعْطُوف على فأخذناهم ورد عَلَيْهِ من ظن أَن الْجُمْلَة وَالْكَلَام مُتَرَادِفَانِ فَقَالَ إِنَّمَا اعْترض بِأَرْبَع جمل وَزعم أَن من عِنْد {وَلَو أَن أهل الْقرى} إِلَى {وَالْأَرْض} جملَة لِأَن الْفَائِدَة إِنَّمَا تتمّ بمجموعة وَبعد فَفِي الْقَوْلَيْنِ نظر أما قَول ابْن مَالك فَلِأَنَّهُ كَانَ من حَقه أَن يعدها ثَمَانِي جمل إِحْدَاهَا {وهم لَا يَشْعُرُونَ} وَأَرْبَعَة فِي حيّز لَو وَهِي آمنُوا وَاتَّقوا وفتحنا والمركبة من أَن وصلتها مَعَ ثَبت مُقَدرا أَو مَعَ ثَابت مُقَدرا على الْخلاف فِي أَنَّهَا فعلية أَو أسمية وَالسَّادِسَة {وَلَكِن كذبُوا} وَالسَّابِعَة {فأخذناهم} وَالثَّامِنَة {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فَإِن قلت لَعَلَّه بنى ذَلِك على مَا اخْتَارَهُ وَنَقله عَن سِيبَوَيْهٍ من كَون أَن وصلتها مُبْتَدأ لَا خبر لَهُ وَذَلِكَ لطوله وجريان الْإِسْنَاد فِي ضمنه قلت إِنَّمَا مُرَاده أَن يبين مَا لزم على اعراب الزَّمَخْشَرِيّ والزمخشري يرى أَن أَن وصلتها هُنَا فَاعل بثبت وَأما قَول الْمُعْتَرض فَلِأَنَّهُ كَانَ من حَقه أَن يعدها ثَلَاث جمل وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يعد {وهم لَا يَشْعُرُونَ} جملَة لِأَنَّهَا حَال مرتبطة بعاملها وَلَيْسَت مُسْتَقلَّة برأسها ويعد لَو وَمَا فِي حيزها جملَة وَاحِدَة إِمَّا فعلية إِن قدر وَلَو ثَبت أَن أهل الْقرى آمنُوا وَاتَّقوا أَو اسمية إِن قدر وَلَو أَن إِيمَانهم وتقواهم ثابتان وَبعد {وَلَكِن كذبُوا} جملَة و {فأخذناهم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} كُله جملَة وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 هُوَ التَّحْقِيق وَلَا يُنَافِي ذَلِك مَا قدمْنَاهُ فِي تَفْسِير الْجُمْلَة لِأَن الْكَلَام هُنَا لَيْسَ فِي مُطلق الْجُمْلَة بل فِي الْجُمْلَة بِقَيْد كَونهَا جملَة اعْتِرَاض وَتلك لَا تكون إِلَّا كلَاما تَاما انقسام الْجُمْلَة الى اسمية وفعلية وظرفية فالاسمية هِيَ الَّتِي صدرها اسْم كزيد قَائِم وهيهات العقيق وقائم الزيدان عِنْد من جوزه وَهُوَ الْأَخْفَش والكوفيون والفعلية هِيَ الَّتِي صدرها فعل كقام زيد وَضرب اللص وَكَانَ زيد قَائِما وظننته قَائِما وَيقوم زيد وقم والظرفية هِيَ المصدرة بظرف أَو مجرور نَحْو أعندك زيد وأفي الدَّار زيد إِذا قدرت زيدا فَاعِلا بالظرف وَالْجَار وَالْمَجْرُور لَا بالاستقرار الْمَحْذُوف وَلَا مُبْتَدأ مخبرا عَنهُ بهما وَمثل الزَّمَخْشَرِيّ لذَلِك ب فِي الدَّار فِي قَوْلك زيد فِي الدَّار وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن الِاسْتِقْرَار الْمُقدر فعل لَا اسْم وعَلى أَنه حذف وَحده وانتقل الضَّمِير إِلَى الظّرْف بعد أَن عمل فِيهِ وَزَاد الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره الْجُمْلَة الشّرطِيَّة وَالصَّوَاب أَنَّهَا من قبيل الفعلية لما سَيَأْتِي تَنْبِيه [مرادنا بصدر الْجُمْلَة الْمسند أَو الْمسند إِلَيْهِ فَلَا عِبْرَة بِمَا تقدم عَلَيْهِمَا من الْحُرُوف] فالجملة من نَحْو أقائم الزيدان وأزيد أَخُوك وَلَعَلَّ أَبَاك منطلق وَمَا زيد قَائِما اسمية وَمن نَحْو أَقَامَ زيد وَإِن قَامَ زيد وَقد قَامَ زيد وهلا قُمْت فعلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 وَالْمُعْتَبر أَيْضا مَا هُوَ صدر فِي الأَصْل فالجملة من نَحْو كَيفَ جَاءَ زيد وَمن نَحْو {فَأَي آيَات الله تنكرون} وَمن نَحْو {ففريقا كَذبْتُمْ وفريقا تقتلون} و {خشعا أَبْصَارهم يخرجُون} فعلية لِأَن هَذِه الْأَسْمَاء فِي نِيَّة التَّأْخِير وَكَذَا الْجُمْلَة فِي نَحْو يَا عبد الله وَنَحْو {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} {والأنعام خلقهَا} {وَاللَّيْل إِذا يغشى} لِأَن صدورها فِي الأَصْل أَفعَال وَالتَّقْدِير أَدْعُو زيدا وَإِن استجارك أحد وَخلق الْأَنْعَام وَأقسم وَاللَّيْل مَا يجب على المسؤول [فِي المسؤول] عَنهُ أَن يَفْعَله يفصل فِيهِ لاحْتِمَاله الاسمية والفعلية لاخْتِلَاف التَّقْدِير أَو لاخْتِلَاف النَّحْوِيين وَلذَلِك أَمْثِلَة أَحدهَا صدر الْكَلَام من نَحْو إِذا قَامَ زيد فَأَنا أكْرمه وَهَذَا مَبْنِيّ على الْخلاف السَّابِق فِي عَامل إِذا فَإِن قُلْنَا جوابها فصدر الْكَلَام جملَة اسمية وَإِذا مُقَدّمَة من تَأْخِير وَمَا بعد إِذا متمم لَهَا لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَيْهِ وَنَظِير ذَلِك قَوْلك يَوْم يُسَافر زيد أَنا مُسَافر وَعَكسه قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 704 - (فَبينا نَحن نرقبه أَتَانَا ... ) إِذا قدرت ألف بَينا زَائِدَة وَبَين مُضَافَة للجملة الاسمية فَإِن صدر الْكَلَام جملَة فعلية والظرف مُضَاف إِلَى جملَة اسمية وَإِن قُلْنَا الْعَامِل فِي إِذا فعل الشَّرْط وَإِذا غير مُضَافَة فصدر الْكَلَام جملَة فعلية قدم ظرفها كَمَا فِي قَوْلك مَتى تقم فَأَنا أقوم الثَّانِي نَحْو أَفِي الدَّار زيد وأعندك عَمْرو فَإنَّا إِن قَدرنَا الْمَرْفُوع مُبْتَدأ أَو مَرْفُوعا بمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره كَائِن أَو مُسْتَقر فالجملة اسمية ذَات خبر فِي الأولى وَذَات فَاعل مغن عَن الْخَبَر فِي الثَّانِيَة وَإِن قدرناه فَاعِلا باستقر ففعلية أَو بالظرف فظرفية الثَّالِث نَحْو يَوْمَانِ فِي بَحر مَا رَأَيْته مذ يَوْمَانِ فَإِن تَقْدِيره عِنْد الْأَخْفَش والزجاج بيني وَبَين لِقَائِه يَوْمَانِ وَعند أبي بكر وَأبي عَليّ أمد انْتِفَاء الرُّؤْيَة يَوْمَانِ وَعَلَيْهِمَا فالجملة اسمية لَا مَحل لَهَا ومنذ خبر على الأول ومبتدأ على الثَّانِي وَقَالَ الْكسَائي وَجَمَاعَة الْمَعْنى مُنْذُ كَانَ يَوْمَانِ فمنذ ظرف لما قبلهَا وَمَا بعْدهَا جملَة فعلية فعلهَا مَاض حذف فعلهَا وَهِي فِي مَحل خفض وَقَالَ آخَرُونَ الْمَعْنى من الزَّمن الَّذِي هُوَ يَوْمَانِ ومنذ مركبة من حرف الِابْتِدَاء وَذُو الطائية وَاقعَة على الزَّمن وَمَا بعْدهَا جملَة اسمية حذف مبتدؤها وَلَا مَحل لَهَا لِأَنَّهَا صلَة الرَّابِع مَاذَا صنعت فَإِنَّهُ يحْتَمل مَعْنيين أَحدهمَا مَا الَّذِي صَنعته فالجملة اسمية قدم خَبَرهَا عِنْد الْأَخْفَش ومبتدؤها عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالثَّانِي أَي شَيْء صنعت فَهِيَ فعلية قدم مفعولها فَإِن قلت مَاذَا صَنعته فعلى التَّقْدِير الأول الحديث: 704 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 الْجُمْلَة بِحَالِهَا وعَلى الثَّانِي تحْتَمل الاسمية بِأَن تقدر مَاذَا مُبْتَدأ وصنعته الْخَبَر والفعلية بِأَن تقدره مَفْعُولا لفعل مَحْذُوف على شريطة التَّفْسِير وَيكون تَقْدِيره بعد مَاذَا لِأَن الِاسْتِفْهَام لَهُ الصَّدْر الْخَامِس نَحْو {أبشر يهدوننا} فالأرجح تَقْدِير بشر فَاعِلا ليهدي محذوفا وَالْجُمْلَة فعلية وَيجوز تَقْدِيره مُبْتَدأ وَتَقْدِير الاسمية فِي {أأنتم تخلقونه} أرجح مِنْهُ فِي {أبشر يهدوننا} لمعادلتها للاسمية وَهِي {أم نَحن الْخَالِقُونَ} وَتَقْدِير الفعلية فِي قَوْله 705 - ( ... فَقلت أَهِي سرت أم عادني حلم) أَكثر رجحانا من تقديرها فِي {أبشر يهدوننا} لمعادلتها الفعلية السَّادِس نَحْو قاما أَخَوَاك فَإِن الْألف إِن قدرت حرف تَثْنِيَة كَمَا أَن التَّاء حرف تَأْنِيث فِي قَامَت هِنْد أَو اسْما وأخواك بدل مِنْهَا فالجملة فعلية وَإِن قدرت اسْما وَمَا بعْدهَا مُبْتَدأ فالجملة اسمية قدم خَبَرهَا السَّابِع نَحْو نعم الرجل زيد فَإِن قدر نعم الرجل خَبرا عَن زيد فاسمية كَمَا فِي زيد نعم الرجل وَإِن قدر زيد خَبرا لمبتدأ مَحْذُوف فجملتان فعلية وإسمية الثَّامِن جملَة الْبَسْمَلَة فَإِن قدر ابتدائي باسم الله فاسمية وَهُوَ قَول الْبَصرِيين أَو أبدأ باسم الله ففعلية وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين وَهُوَ الْمَشْهُور فِي التفاسير والأعاريب وَلم يذكر الزَّمَخْشَرِيّ غَيره إِلَّا أَنه يقدر الْفِعْل مُؤَخرا ومناسبا لما الحديث: 705 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 جعلت الْبَسْمَلَة مُبْتَدأ لَهُ فَيقدر باسم الله أَقرَأ باسم الله أحل باسم الله أرتحل وَيُؤَيِّدهُ الحَدِيث بِاسْمِك رَبِّي وضعت جَنْبي التَّاسِع قَوْلهم مَا جَاءَت حَاجَتك فَإِنَّهُ يرْوى بِرَفْع حَاجَتك فالجملة فعلية وبنصبها فالجملة اسمية وَذَلِكَ لِأَن جَاءَ بِمَعْنى صَار فعلى الأول مَا خَبَرهَا وحاجتك اسْمهَا وعَلى الثَّانِي مَا مُبْتَدأ وَاسْمهَا ضمير مَا وأنث حملا على معنى مَا وحاجتك خَبَرهَا وَنَظِير مَا هَذِه مَا فِي قَوْلك مَا أَنْت ومُوسَى فَإِنَّهَا أَيْضا تحْتَمل الرّفْع وَالنّصب إِلَّا أَن الرّفْع على الابتدائية أَو الخبرية على خلاف بَين سِيبَوَيْهٍ والأخفش وَذَلِكَ إِذا قدرت مُوسَى عطفا على أَنْت وَالنّصب على الخبرية أَو المفعولية وَذَلِكَ إِذا قدرته مَفْعُولا مَعَه إِذْ لَا بُد من تَقْدِير فعل حِينَئِذٍ أَي مَا تكون أَو مَا تصنع وَنَظِير مَا هَذِه فِي هذَيْن الْوَجْهَيْنِ على اخْتِلَاف التَّقْدِيرَيْنِ كَيفَ فِي نَحْو كَيفَ أَنْت ومُوسَى إِلَّا أَنَّهَا لَا تكون مُبْتَدأ وَلَا مَفْعُولا بِهِ فَلَيْسَ للرفع إِلَّا تَوْجِيه وَاحِد وَأما النصب فَيجوز كَونه على الخبرية أَو الحالية الْعَاشِر الْجُمْلَة المعطوفة من نَحْو قعد عَمْرو وَزيد قَائِم فالأرجح الفعلية للتناسب وَذَلِكَ لَازم عِنْد من يُوجب توَافق الجملتين المتعاطفتين وَمِمَّا يتَرَجَّح فِيهِ الفعلية نَحْو مُوسَى أكْرمه وَنَحْو زيد ليقمْ وَعَمْرو لَا يذهب بِالْجَزْمِ لِأَن وُقُوع الْجُمْلَة الطلبية خَبرا قَلِيل وَأما نَحْو زيد قَامَ فالجملة اسمية لَا غير لعدم مَا يطْلب الْفِعْل هَذَا قَول الْجُمْهُور وَجوز الْمبرد وَابْن العريف وَابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 مَالك فعليتها على الْإِضْمَار وَالتَّفْسِير والكوفيون على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فَإِن قلت زيد قَامَ وَعَمْرو قعد عِنْده فَالْأولى اسمية عِنْد الْجُمْهُور وَالثَّانيَِة مُحْتَملَة لَهما على السوَاء عِنْد الْجَمِيع انقسام الْجُمْلَة الى صغرى وكبرى الْكُبْرَى هِيَ الاسمية الَّتِي خَبَرهَا جملَة نَحْو زيد قَامَ أَبوهُ وَزيد أَبوهُ قَائِم وَالصُّغْرَى هِيَ المبنية على الْمُبْتَدَأ كالجملة الْمخبر بهَا فِي المثالين وَقد تكون الْجُمْلَة صغرى وكبرى باعتبارين نَحْو زيد أَبوهُ غُلَامه منطلق فمجموع هَذَا الْكَلَام جملَة كبرى لَا غير وَغُلَامه منطلق صغرى لَا غير لِأَنَّهَا خبر وَأَبوهُ غُلَامه منطلق كبرى بِاعْتِبَار غُلَامه منطلق وصغرى بِاعْتِبَار جملَة الْكَلَام وَمثله {لَكِن هُوَ الله رَبِّي} إِذْ الأَصْل لَكِن أَنا هُوَ الله رَبِّي فَفِيهَا أَيْضا ثَلَاثَة مبتدآت إِذا لم يقدر هُوَ ضميرا لَهُ سُبْحَانَهُ وَلَفظ الْجَلالَة بدل مِنْهُ أَو عطف بَيَان عَلَيْهِ كَمَا جزم بِهِ ابْن الْحَاجِب بل قدر ضمير الشَّأْن وَهُوَ الظَّاهِر ثمَّ حذفت همزَة أَنا حذفا اعتباطيا وَقيل حذفا قياسيا بِأَن نقلت حركتها ثمَّ حذفت ثمَّ أدغمت نون لَكِن فِي نون أَنا تَنْبِيهَانِ الأول مَا فسرت بِهِ الْجُمْلَة الْكُبْرَى هُوَ مُقْتَضى كَلَامهم وَقد يُقَال كَمَا تكون مصدرة بالمبتدأ تكون مصدرة بِالْفِعْلِ نَحْو ظَنَنْت زيدا يقوم أَبوهُ الثَّانِي إِنَّمَا قلت صغرى وكبرى مُوَافقَة لَهُم وَإِنَّمَا الْوَجْه اسْتِعْمَال فعلى أفعل بأل أَو بِالْإِضَافَة وَلذَلِك لحن من قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 706 - (كَأَن صغرى وكبرى من فقاقعها ... حَصْبَاء در على أَرض من الذَّهَب) وَقَول بَعضهم إِن من زَائِدَة وإنهما مضافان على حد قَوْله 707 - ( ... بَين ذراعي وجبهة الْأسد) يردهُ أَن الصَّحِيح أَن من لَا تقحم فِي الْإِيجَاب وَلَا مَعَ تَعْرِيف الْمَجْرُور وَلَكِن رُبمَا اسْتعْمل أفعل التَّفْضِيل الَّذِي لم يرد بِهِ المفاضلة مطابقا مَعَ كَونه مُجَردا قَالَ 708 - (إِذا غَابَ عَنْكُم أسود الْعين كُنْتُم ... كراما وَأَنْتُم مَا أَقَامَ الائم) أَي لئام فعلى هَذَا يتَخَرَّج الْبَيْت وَقَول النَّحْوِيين صغرى وكبرى وَكَذَلِكَ قَول العروضيين فاصلة صغرى وفاصلة كبرى وَقد يحْتَمل الْكَلَام الْكُبْرَى وَغَيرهَا وَلِهَذَا النَّوْع أَمْثِلَة أَحدهَا نَحْو {أَنا آتِيك بِهِ} إِذْ يحْتَمل {آتِيك} أَن يكون فعلا مضارعا ومفعولا وَأَن يكون اسْم فَاعل ومضافا إِلَيْهِ مثل {وَإِنَّهُم آتيهم عَذَاب} (وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا) وَيُؤَيِّدهُ أَن أصل الْخَبَر الْإِفْرَاد وَأَن حَمْزَة يمِيل الْألف من {آتِيك} وَذَلِكَ مُمْتَنع على تَقْدِير انقلابها من الْهمزَة الثَّانِي نَحْو زيد فِي الدَّار إِذْ يحْتَمل تقديراستقر وَتَقْدِير مُسْتَقر الحديث: 706 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 الثَّالِث نَحْو إِنَّمَا أَنْت سيرا إِذْ يحْتَمل تَقْدِير تسير وَتَقْدِير سَائِر وَيَنْبَغِي أَن يجْرِي هُنَا الْخلاف الَّذِي فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا الرَّابِع زيد قَائِم أَبوهُ إِذْ يحْتَمل أَن يقدر أَبوهُ مُبْتَدأ وَأَن يقدر فَاعِلا بقائم تَنْبِيه يتَعَيَّن فِي قَوْله 709 - (أَلا عمر ولى مستطاع رُجُوعه ... ) تَقْدِير رُجُوعه مُبْتَدأ ومستطاع خَبره وَالْجُمْلَة فِي مَحل نصب على أَنَّهَا صفة لَا فِي مَحل رفع على أَنَّهَا خبر لِأَن أَلا الَّتِي لِلتَّمَنِّي لَا خبر لَهَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ لفظا وَلَا تَقْديرا فَإِذا قيل أَلا مَاء كَانَ ذَلِك كلَاما مؤلفا من حرف وَاسم وَإِنَّمَا تمّ الْكَلَام بذلك حملا على مَعْنَاهُ وَهُوَ أَتَمَنَّى مَاء وَكَذَلِكَ يمْتَنع تَقْدِير مستطاع خَبرا ورجوعه فَاعِلا لما ذكرنَا وَيمْتَنع أَيْضا تَقْدِير مستطاع صفة على الْمحل أَو تَقْدِير مستطاع رُجُوعه جملَة فِي مَوضِع رفع على أَنَّهَا صفة على الْمحل إِجْرَاء ل أَلا مجْرى لَيْت فِي امْتنَاع مُرَاعَاة مَحل اسْمهَا وَهَذَا أَيْضا قَول سِيبَوَيْهٍ فِي الْوَجْهَيْنِ وَخَالفهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَازِني والمبرد انقسام الْكُبْرَى إِلَى ذَات وَجه وَذَات وَجْهَيْن ذَات الْوَجْهَيْنِ هِيَ اسمية الصَّدْر فعلية الْعَجز نَحْو زيد يقوم أَبوهُ كَذَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد عكس ذَلِك فِي نَحْو ظَنَنْت زيدا أَبوهُ قَائِم بِنَاء على مَا قدمنَا الحديث: 709 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وَذَات الْوَجْه نَحْو زيد أَبوهُ قَائِم وَمثله على مَا قدمنَا نَحْو ظَنَنْت زيدا يقوم أَبوهُ الْجمل الَّتِي لَا مَحل لَهَا من الاعراب وَهِي سبع وبدأنا بهَا لِأَنَّهَا لم تحل مَحل الْمُفْرد وَذَلِكَ هُوَ الأَصْل فِي الْجمل 1 - فالاولى الابتدائية وَتسَمى أَيْضا المستأنفة وَهُوَ أوضح لِأَن الْجُمْلَة الابتدائية تطلق أَيْضا على الْجُمْلَة المصدرة بالمبتدأ وَلَو كَانَ لَهَا مَحل ثمَّ الْجمل المستأنفة نَوْعَانِ أَحدهمَا الْجُمْلَة المفتتح بهَا النُّطْق كَقَوْلِك ابْتِدَاء زيد قَائِم وَمِنْه الْجمل المفتتح بهَا السُّور وَالثَّانِي الْجُمْلَة المنقطعة عَمَّا قبلهَا نَحْو مَاتَ فلَان رَحمَه الله وَقَوله تَعَالَى {قل سأتلو عَلَيْكُم مِنْهُ ذكرا إِنَّا مكنا لَهُ فِي الأَرْض} وَمِنْه جملَة الْعَامِل الملغى لتأخره نَحْو زيد قَائِم أَظن فَأَما الْعَامِل الملغى لتوسطه نَحْو زيد أَظن قَائِم فجملته أَيْضا لَا مَحل لَهَا إِلَّا أَنَّهَا من بَاب جمل الِاعْتِرَاض ويخص البيانيون الِاسْتِئْنَاف بِمَا كَانَ جَوَابا لسؤال مُقَدّر نَحْو قَوْله تَعَالَى {هَل أَتَاك حَدِيث ضيف إِبْرَاهِيم الْمُكرمين إِذْ دخلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاما قَالَ سَلام قوم منكرون} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 ) فَإِن جملَة القَوْل الثَّانِيَة جَوَاب لسؤال مُقَدّر تَقْدِيره فَمَاذَا قَالَ لَهُم وَلِهَذَا فصلت عَن الأولى فَلم تعطف عَلَيْهَا وَفِي قَوْله تَعَالَى {سَلام قوم منكرون} جملتان حذف خبر الأولى ومبتدأ الثَّانِيَة إِذْ التَّقْدِير سَلام عَلَيْكُم أَنْتُم قوم منكرون وَمثله فِي اسْتِئْنَاف جملَة القَوْل الثَّانِيَة {ونبئهم عَن ضيف إِبْرَاهِيم إِذْ دخلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاما قَالَ إِنَّا مِنْكُم وجلون} وَقد استؤنفت جملتا القَوْل فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد جَاءَت رسلنَا إِبْرَاهِيم بالبشرى قَالُوا سَلاما قَالَ سَلام} وَمن الِاسْتِئْنَاف الْبَيَانِي أَيْضا قَوْله 710 - (زعم العواذل أنني فِي غمرة ... صدقُوا وَلَكِن غمرتي لَا تنجلي) فَإِن قَوْله صدقُوا جَوَاب لسؤال مُقَدّر تَقْدِيره أصدقوا أم كذبُوا وَمثله قَوْله تَعَالَى {يسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رجال} فِيمَن فتح بَاء {يسبح} تَنْبِيهَات الأول من الِاسْتِئْنَاف مَا قد يخفى وَله أمثله كَثِيرَة أَحدهَا {لَا يسمعُونَ} من قَوْله تَعَالَى {وحفظا من كل شَيْطَان مارد لَا يسمعُونَ إِلَى الملإ الْأَعْلَى} فَإِن الَّذِي يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن أَنه صفة لكل شَيْطَان أَو حَال مِنْهُ وَكِلَاهُمَا بَاطِل إِذْ لَا معنى للْحِفْظ من شَيْطَان لَا يسمع وَإِنَّمَا الحديث: 710 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 هِيَ للاستئناف النَّحْوِيّ وَلَا يكون استئنافا بيانيا لفساد الْمَعْنى أَيْضا وَقيل يحْتَمل أَن الأَصْل لِئَلَّا يسمعوا ثمَّ حذفت اللَّام كَمَا فِي جئْتُك أَن تكرمني ثمَّ حذفت أَن فارتفع الْفِعْل كَمَا فِي قَوْله 711 - أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... فِيمَن رفع أحضر واستضعف الزَّمَخْشَرِيّ الْجمع بَين الحذفين فَإِن قلت اجْعَلْهَا حَالا مقدرَة أَي وحفظا من كل شَيْطَان مارد مُقَدرا عدم سَمَاعه أَي بعد الْحِفْظ قلت الَّذِي يقدر وجود معنى الْحَال هُوَ صَاحبهَا كالمرور بِهِ فِي قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل مَعَه صقر صائدا بِهِ غَدا أَي مُقَدرا حَال الْمُرُور بِهِ أَن يصيد بِهِ غَدا وَالشَّيَاطِين لَا يقدرُونَ عدم السماع وَلَا يريدونه الثَّانِي {إِنَّا نعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون} بعد قَوْله تَعَالَى {فَلَا يحزنك قَوْلهم} فَإِنَّهُ رُبمَا يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن أَنه محكي بالْقَوْل وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن ذَلِك لَيْسَ مقولا لَهُم الثَّالِث {إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا} بعد قَوْله تَعَالَى {وَلَا يحزنك قَوْلهم} وَهِي كَالَّتِي قبلهَا وَفِي جمال الْقُرَّاء للسخاوي أَن الْوَقْف على قَوْلهم فِي الْآيَتَيْنِ وَاجِب وَالصَّوَاب أَنه لَيْسَ فِي جَمِيع الْقُرْآن وقف وَاجِب الحديث: 711 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 الرَّابِع {ثمَّ يُعِيدهُ} بعد {أَو لم يرَوا كَيفَ يبدئ الله الْخلق} لِأَن إِعَادَة الْخلق لم تقع بعد فيقرروا برؤيتها وَيُؤَيّد الِاسْتِئْنَاف فِيهِ قَوْله تَعَالَى على عقب ذَلِك {قل سِيرُوا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ بَدَأَ الْخلق ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة} الْخَامِس زعم أَبُو حَاتِم أَن من ذَلِك {تثير الأَرْض} فَقَالَ الْوَقْف على {ذَلُول} جيد ثمَّ يبتدىء {تثير الأَرْض} على الِاسْتِئْنَاف ورده أَبُو الْبَقَاء بِأَن {وَلَا} إِنَّمَا تعطف على النَّفْي وبأنها لَو أثارت الأَرْض كَانَت ذلولا وَيرد اعتراضه الأول صِحَة مَرَرْت بِرَجُل يُصَلِّي وَلَا يلْتَفت وَالثَّانِي أَن أَبَا حَاتِم زعم أَن ذَلِك من عجائب هَذِه الْبَقَرَة وَإِنَّمَا وَجه الرَّد أَن الْخَبَر لم يَأْتِ بِأَن ذَلِك من عجائبها وبأنهم إِنَّمَا كلفوا بِأَمْر مَوْجُود لَا بِأَمْر خارق للْعَادَة وَبِأَنَّهُ كَانَ يجب تكْرَار لَا فِي ذَلُول إِذْ لَا يُقَال مَرَرْت بِرَجُل لَا شَاعِر حَتَّى تَقول وَلَا كَاتب لَا يُقَال قد تَكَرَّرت بقوله تَعَالَى {وَلَا تَسْقِي الْحَرْث} لِأَن ذَلِك وَاقع بعد الِاسْتِئْنَاف على زَعمه الثَّانِي قد يحْتَمل اللَّفْظ الِاسْتِئْنَاف وَغَيره وَهُوَ نَوْعَانِ أَحدهمَا مَا إِذا حمل على الِاسْتِئْنَاف احْتِيجَ إِلَى تَقْدِير جُزْء يكون مَعَه كلَاما نَحْو زيد من قَوْلك نعم الرجل زيد وَالثَّانِي مَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى ذَلِك لكَونه جملَة تَامَّة وَذَلِكَ كثير جدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 نَحْو الْجُمْلَة المنفية وَمَا بعْدهَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم لَا يألونكم خبالا ودوا مَا عنتم قد بَدَت الْبغضَاء من أَفْوَاههم وَمَا تخفي صُدُورهمْ أكبر} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الْأَحْسَن والأبلغ أَن تكون مستأنفات على وَجه التَّعْلِيل للنَّهْي عَن اتخاذهم بطانة من دون الْمُسلمين وَيجوز أَن يكون {لَا يألونكم} و {قد بَدَت} صفتين أَي بطانة غير مانعتكم فَسَادًا بادية بغضاؤهم وَمنع الواحدي هَذَا الْوَجْه لعدم حرف الْعَطف بَين الجملتين وَزعم أَنه لَا يُقَال لَا تتَّخذ صاحبا يُؤْذِيك أحب مفارقتك وَالَّذِي يظْهر أَن الصّفة تَتَعَدَّد بِغَيْر عاطف وَإِن كَانَت جملَة كَمَا فِي الْخَبَر نَحْو {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان} وَحصل للامام فَخر الدّين فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة سَهْو فَإِن سَأَلَ مَا الْحِكْمَة فِي تَقْدِيم {من دونكم} على {بطانة} وَأجَاب بِأَن محط النَّهْي هُوَ {من دونكم} لَا {بطانة} فَلذَلِك قدم الأهم وَلَيْسَت التِّلَاوَة كَمَا ذكر وَنَظِير هَذَا أَن أَبَا حَيَّان فسر فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء كلمة {زبرا} بعد قَوْله تَعَالَى {وتقطعوا أَمرهم بَينهم} وَإِنَّمَا هِيَ فِي سُورَة الْمُؤْمِنُونَ وَترك تَفْسِيرهَا هُنَاكَ وَتَبعهُ على هَذَا السَّهْو رجلَانِ لخصا من تَفْسِيره إعرابا الثَّالِث من الْجمل مَا جرى فِيهِ خلاف امستأنف أم لَا وَله أَمْثِلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 أَحدهَا أقوم من نَحْو قَوْلك إِن قَامَ زيد أقوم وَذَلِكَ لِأَن الْمبرد يرى أَنه على إِضْمَار الْفَاء وسيبويه بَرِيء أَنه مُؤخر من تَقْدِيم وَأَن الأَصْل أقوم إِن قَامَ زيد وَأَن جَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف وَيُؤَيِّدهُ التزامهم فِي مثل ذَلِك كَون الشَّرْط مَاضِيا وَيَنْبَنِي على هَذَا مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه هَل يجوز زيدا إِن أَتَانِي أكْرمه بِنصب زيدا فسيبويه يُجِيزهُ كَمَا يُجِيز زيدا أكْرمه إِن أَتَانِي وَالْقِيَاس أَن الْمبرد يمنعهُ لِأَنَّهُ فِي سِيَاق أَدَاة الشَّرْط فَلَا يعْمل فِيمَا تقدم على الشَّرْط فَلَا يُفَسر عَاملا فِيهِ وَالثَّانيَِة أَنه إِذا جِيءَ بعد هَذَا الْفِعْل الْمَرْفُوع بِفعل مَعْطُوف هَل يجْزم أم لَا فعلى قَول سِيبَوَيْهٍ لَا يجوز الْجَزْم وعَلى قَول الْمبرد يَنْبَغِي أَن يجوز الرّفْع بالْعَطْف على لفظ الْفِعْل والجزم بالْعَطْف على مَحل الْفَاء الْمقدرَة وَمَا بعْدهَا الثَّانِي مذ ومنذ وَمَا بعدهمَا فِي نَحْو مَا رَأَيْته مذ يَوْمَانِ فَقَالَ السيرافي فِي مَوضِع نصب على الْحَال وَلَيْسَ بِشَيْء لعدم الرابط وَقَالَ الْجُمْهُور مستأنفة جَوَابا لسؤال تَقْدِيره عِنْد من قدر مذ مُبْتَدأ مَا أمد ذَلِك وَعند من قدرهَا خَبرا مَا بَيْنك وَبَين لِقَائِه الثَّالِث جملَة أَفعَال الِاسْتِثْنَاء لَيْسَ وَلَا يكون وخلا وَعدا وحاشا فَقَالَ السيرافي حَال إِذْ الْمَعْنى قَامَ الْقَوْم خالين عَن زيد وَجوز الِاسْتِئْنَاف وأوجبه ابْن عُصْفُور فَإِن قلت جَاءَنِي رجال لَيْسُوا زيدا فالجملة صفة وَلَا يمْتَنع عِنْدِي أَن يُقَال جاؤوني لَيْسُوا زيدا على الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 الرَّابِع الْجُمْلَة بعد حَتَّى الابتدائية كَقَوْلِه 71 - ( ... حَتَّى مَاء دجلة أشكل) فَقَالَ الْجُمْهُور مستأنفة وَعَن الزّجاج وَابْن درسْتوَيْه أَنَّهَا فِي مَوضِع جر بحتى وَقد تقدم 2 - الْجُمْلَة الثَّانِيَة المعترضة بَين شَيْئَيْنِ لإِفَادَة الْكَلَام تَقْوِيَة وتسديدا أَو تحسينا وَقد وَقعت فِي مَوَاضِع أَحدهَا بَين الْفِعْل ومرفوعه كَقَوْلِه 713 - (شجاك أَظن ربع الظاعنينا ... ) ويروى بِنصب ربع على أَنه مفعول أول وشجاك مَفْعُوله الثَّانِي وَفِيه ضمير مستتر رَاجع إِلَيْهِ وَقَوله 714 - (وَقد أدركتني والحوادث جمة ... أسنة قوم لَا ضِعَاف وَلَا عزل) وَهُوَ الظَّاهِر فِي قَوْله 715 - (الم يَأْتِيك والأنباء تنمي ... بِمَا لاقت لبون بني زِيَاد) على أَن الْبَاء زَائِدَة فِي الْفَاعِل وَيحْتَمل أَن يَأْتِي وتنمي تنَازعا مَا فأعمل الثَّانِي وأضمر الْفَاعِل فِي الأول فَلَا اعْتِرَاض وَلَا زِيَادَة وَلَكِن الْمَعْنى على الأول أوجه إِذْ الأنباء من شَأْنهَا أَن تنمي بِهَذَا وَبِغَيْرِهِ الحديث: 713 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 الثَّانِي بَينه وَبَين مَفْعُوله كَقَوْلِه 716 - (وبدلت والدهر ذُو تبدل ... هيفا دبورا بالصبا والشمأل) وَالثَّالِث بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره كَقَوْلِه 717 - (وفيهن وَالْأَيَّام يعثرن بالفتى ... نوادب لَا يمللنه ونوائح) وَمِنْه الِاعْتِرَاض بجملة الْفِعْل الملغى فِي نَحْو زيد أَظن قَائِم وبجملة الِاخْتِصَاص فِي نَحْو قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث وَقَول الشَّاعِر 718 - (نَحن بَنَات طَارق ... نمشي على النمارق) وَأما الِاعْتِرَاض بكان الزَّائِدَة فِي نَحْو قَوْله أَو نَبِي كَانَ مُوسَى فَالصَّحِيح أَنَّهَا لَا فَاعل لَهَا فَلَا جملَة وَالرَّابِع بَين مَا أَصله الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر كَقَوْلِه 719 - (وَإِنِّي لرام نظرة قبل الَّتِي ... لعَلي وَإِن شطت نَوَاهَا أزورها) وَذَلِكَ على تَقْدِير أزورها خبر لَعَلَّ وَتَقْدِير الصِّلَة محذوفة أَي الَّتِي أَقُول لعَلي وَكَقَوْلِه 720 - (لَعَلَّك والموعود حق لقاؤه ... بدا لَك فِي تِلْكَ القلوص بداء) وَقَوله الحديث: 716 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 72 - (يَا لَيْت شعري والمنى لَا تَنْفَع ... هَل أغدون يَوْمًا وأمري مجمع) إِذا قيل بِأَن جملَة الِاسْتِفْهَام خبر على تَأْوِيل شعري بمشعوري لتَكون الْجُمْلَة نفس الْمُبْتَدَأ فَلَا تحْتَاج إِلَى رابط وَأما إِذا قيل بِأَن الْخَبَر مَحْذُوف أَي مَوْجُود أَو إِن لَيْت لَا خبر لَهَا هَاهُنَا إِذْ الْمَعْنى لَيْتَني أشعر فالاعتراض بَين الشّعْر ومعموله الَّذِي علق عَنهُ بالاستفهام وَقَول الحماسي 72 - (إِن الثَّمَانِينَ وبلغتها ... قد أحوجت معي إِلَى ترجمان) وَقَول ابْن هرمة 723 - (إِن سليمى وَالله يكلؤها ... ضنت بِشَيْء مَا كَانَ يرزؤها) وَقَول رؤبة 724 - (إِنِّي وأسطار سطرن سطرا ... لقَائِل يَا نصر نصر نصرا) وَقَول كثير 725 - (وَإِنِّي وتهيامي بعزة بَعْدَمَا ... تخليت مِمَّا بَيْننَا وتخلت) (لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلما ... تبوأ مِنْهَا للمقيل اضمحلت) قَالَ أَبُو عَليّ تهيامي بعزة جملَة مُعْتَرضَة بَين اسْم إِن وخبرها وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الحديث: 723 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 يجوز أَن تكون الْوَاو للقسم كَقَوْلِك إِنِّي وحبك لضنين بك فَتكون الْبَاء مُتَعَلقَة بالتهيام لَا بِخَبَر مَحْذُوف الْخَامِس بَين الشَّرْط وَجَوَابه نَحْو {وَإِذا بدلنا آيَة مَكَان آيَة وَالله أعلم بِمَا ينزل قَالُوا إِنَّمَا أَنْت مفتر} وَنَحْو {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار} وَنَحْو {إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما فَلَا تتبعوا الْهوى} قَالَه جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَالك وَالظَّاهِر أَن الْجَواب {فَالله أولى بهما} وَلَا يرد ذَلِك تَثْنِيَة الضَّمِير كَمَا توهموا لِأَن أَو هُنَا للتنويع وَحكمهَا حكم الْوَاو فِي وجوب الْمُطَابقَة نَص عَلَيْهِ الأبدي وَهُوَ الْحق أما قَالَ ابْن عُصْفُور إِن تَثْنِيَة الضَّمِير فِي الْآيَة شَاذَّة فَبَاطِل كبطلان قَوْله مثل ذَلِك فِي إِفْرَاد الضَّمِير فِي وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يروه وَفِي ذَلِك ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن {أَحَق} خبر عَنْهُمَا وَسَهل إِفْرَاد الضَّمِير أَمْرَانِ معنوي وَهُوَ أَن إرضاء الله سُبْحَانَهُ إرضاء لرَسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَبِالْعَكْسِ {إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله} ولفظي وَهُوَ تَقْدِيم إِفْرَاد أَحَق وَوجه ذَلِك أَن اسْم التَّفْضِيل الْمُجَرّد من ال والاضافة وَاجِب الافراد نَحْو {ليوسف وَأَخُوهُ أحب} {قل إِن كَانَ آباؤكم وأبناؤكم وَإِخْوَانكُمْ وأزواجكم وعشيرتكم} إِلَى قَوْله {أحب إِلَيْكُم} وَالثَّانِي أَن {أَحَق} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 خبر عَن اسْم الله سُبْحَانَهُ وَحذف مثله خَبرا عَن اسْمه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو بِالْعَكْسِ وَالثَّالِث أَن {أَن يرضوه} لَيْسَ فِي مَوضِع جر أَو نصب بِتَقْدِير بِأَن يرضوه بل فِي مَوضِع رفع بَدَلا عَن أحد الاسمين وَحذف من الآخر مثل ذَلِك وَالْمعْنَى وإرضاء الله وإرضاء رَسُوله أَحَق من إرضاء غَيرهمَا وَالسَّادِس بَين الْقسم وَجَوَابه كَقَوْلِه 726 - (لعمري وَمَا عمري عَليّ بهين ... لقد نطقت بطلا عَليّ الأقارع) وَقَوله تَعَالَى {قَالَ فَالْحق وَالْحق أَقُول لأملأن} الأَصْل أقسم بِالْحَقِّ لأملأن وَأَقُول الْحق فانتصب الْحق الأول بعد إِسْقَاط الْخَافِض بأقسم محذوفا وَالْحق الثَّانِي بأقول وَاعْترض بجملة أَقُول الْحق وَقدم معمولها للاختصاص وقريء برفعهما بِتَقْدِير فَالْحق قسمي وَالْحق أقوله وبحرهما على تَقْدِير وَاو الْقسم فِي الأول وَالثَّانِي توكيدا كَقَوْلِك وَالله وَالله لَأَفْعَلَنَّ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ جر الثَّانِي على أَن الْمَعْنى وَأَقُول وَالْحق أَي هَذَا اللَّفْظ فأعمل القَوْل فِي لفظ وَاو الْقسم مَعَ مجرورها على سَبِيل الْحِكَايَة قَالَ وَهُوَ وَجه حسن دَقِيق جَائِز فِي الرّفْع وَالنّصب اهـ وقرىء بِرَفْع الأول وَنصب الثَّانِي قيل أَي فَالْحق قسمي أَو فَالْحق مني أَو فَالْحق أَنا وَالْأول أولى وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} الْآيَات وَالسَّابِع بَين الْمَوْصُوف وَصفته كالآية فَإِن فِيهَا اعتراضين اعتراضا بَين الْمَوْصُوف وَهُوَ قسم وَصفته وَهُوَ عَظِيم بجملة لَو تعلمُونَ واعتراضا بَين الحديث: 726 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 {أقسم بمواقع النُّجُوم} وَجَوَابه وَهُوَ {إِنَّه لقرآن كريم} بالْكلَام الَّذِي بَينهمَا وَأما قَول ابْن عَطِيَّة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا اعْتِرَاض وَاحِد وَهُوَ {لَو تعلمُونَ} لِأَن {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} توكيد لَا اعْتِرَاض فمردود لِأَن التوكيد والاعتراض لَا يتنافيان وَقد مضى ذَلِك فِي حد جملَة الِاعْتِرَاض وَالثَّامِن بَين الْمَوْصُول وصلته كَقَوْلِه 727 - (ذَاك الَّذِي وَأَبِيك يعرف مَالِكًا ... ) ويحتمله قَوْله 728 - (وَإِنِّي لرام نظرة قبل الَّتِي ... لعَلي وَإِن شطت نَوَاهَا أزورها) وَذَلِكَ على أَن تقدر الصِّلَة أزورها وتقدر خبر لَعَلَّ محذوفا أَي لعَلي أفعل ذَلِك وَالتَّاسِع بَين أَجزَاء الصِّلَة نَحْو {وَالَّذين كسبوا السَّيِّئَات جَزَاء سَيِّئَة بِمِثْلِهَا وترهقهم ذلة} الْآيَات فَإِن جملَة {وترهقهم ذلة} معطوفة على {كسبوا السَّيِّئَات} فَهِيَ من الصِّلَة وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض بَين بِهِ قدر جزائهم وَجُمْلَة {مَا لَهُم من الله من عَاصِم} خبر قَالَه ابْن عُصْفُور وَهُوَ بعيد لِأَن الظَّاهِر أَن {ترهقهم} لم يُؤْت بِهِ لتعريف الَّذين فيعطف على صلته بل جِيءَ بِهِ للإعلام بِمَا يصيبهم جَزَاء على كسبهم السَّيِّئَات ثمَّ إِنَّه لَيْسَ بمتعين لجَوَاز أَن يكون الْخَبَر {جَزَاء سَيِّئَة بِمِثْلِهَا} فَلَا يكون فِي الْآيَة اعْتِرَاض وَيجوز أَن يكون الْخَبَر جملَة النَّفْي كَمَا ذكر وَمَا قبلهَا جملتان معترضتان وَأَن يكون الْخَبَر {كَأَنَّمَا أغشيت} فالاعتراض بِثَلَاث جمل أَو {أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار} فالاعتراض الحديث: 727 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 بِأَرْبَع جمل وَيحْتَمل وَهُوَ الْأَظْهر ان الَّذين لَيْسَ مُبْتَدأ بل مَعْطُوف على الَّذين الأولى أَي للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة وَالَّذين كسبوا السَّيِّئَات جَزَاء سَيِّئَة بِمِثْلِهَا هُنَا فِي مُقَابلَة الزِّيَادَة هُنَاكَ ونظيرها فِي الْمَعْنى قَوْله تَعَالَى {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى الَّذين عمِلُوا السَّيِّئَات إِلَّا مَا كَانُوا يعْملُونَ} وَفِي اللَّفْظ قَوْلهم فِي الدَّار زيد والحجرة عَمْرو وَذَلِكَ من الْعَطف على معمولي عاملين مُخْتَلفين عِنْد الْأَخْفَش وعَلى إِضْمَار الْجَار عِنْد سِيبَوَيْهٍ والمحققين وَمِمَّا يرجح هَذَا الْوَجْه أَن الظَّاهِر أَن الْبَاء فِي بِمِثْلِهَا مُتَعَلقَة بالجزاء فَإِذا كَانَ جَزَاء سَيِّئَة مُبْتَدأ احْتِيجَ إِلَى تَقْدِير الْخَبَر أَي وَاقع قَالَه أَبُو الْبَقَاء أَو لَهُم قَالَه الحوفي وَهُوَ أحسن لإغنائه عَن تَقْدِير رابط بَين هَذِه الْجُمْلَة ومبتدئها وَهُوَ الَّذين وعَلى مَا اخترناه يكون جَزَاء عطفا على الْحسنى فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير آخر وَأما قَول أبي الْحسن وَابْن كيسَان إِن بِمِثْلِهَا هُوَ الْخَبَر وَأَن الْبَاء زيدت فِي الْخَبَر كَمَا زيدت فِي الْمُبْتَدَأ فِي بحسبك دِرْهَم فمردود عِنْد الْجُمْهُور وَقد يؤنس قَوْلهمَا بقوله {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} والعاشر بَين المتضايفين كَقَوْلِهِم هَذَا غُلَام وَالله زيد وَلَا أَخا فَاعْلَم لزيد وَقيل الْأَخ هُوَ الِاسْم والظرف الْخَبَر وَإِن الْأَخ حِينَئِذٍ جَاءَ على لُغَة الْقصر كَقَوْلِه مكرة أَخَاك لَا بَطل فَهُوَ كَقَوْلِهِم لَا عَصا لَك الْحَادِي عشر بَين الْجَار وَالْمَجْرُور كَقَوْلِه اشْتَرَيْته بارى ألف دِرْهَم الثَّانِي عشر بَين الْحَرْف النَّاسِخ وَمَا دخل عَلَيْهِ كَقَوْلِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 729 - (كَأَن وَقد أَتَى حول كميل ... أثافيها حمامات مثول) كَذَا قَالَ قوم وَيُمكن أَن تكون هَذَا الْجُمْلَة حَالية تقدّمت على صَاحبهَا وَهُوَ اسْم كَأَن على حد الْحَال فِي قَوْله 730 - (كَأَن قُلُوب الطير رطبا ويابسا ... لَدَى وَكرها الْعنَّاب والحشف الْبَالِي) الثَّالِث عشر بَين الْحَرْف وتوكيده كَقَوْلِه 73 - (لَيْت وَهل ينفع شَيْئا لَيْت ... لَيْت شبَابًا بوع فاشتريت) الرَّابِع عشر بَين حرف التَّنْفِيس وَالْفِعْل كَقَوْلِه 73 - (وَمَا أَدْرِي وسوف إخال أَدْرِي ... أقوم آل حصن أم نسَاء) وَهَذَا الِاعْتِرَاض فِي أثْنَاء اعْتِرَاض آخر فَإِن سَوف وَمَا بعْدهَا اعْتِرَاض بَين أَدْرِي وَجُمْلَة الِاسْتِفْهَام الْخَامِس عشر بَين قد وَالْفِعْل كَقَوْلِه 733 - (أخالد قد وَالله أوطأت عشوة ... ) السَّادِس عشر بَين حرف النَّفْي ومنفيه كَقَوْلِه 734 - (وَلَا أَرَاهَا تزَال ظالمة ... ) وَقَوله 735 - (فَلَا وَأبي دهماء زَالَت عزيزة ... ) الحديث: 729 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 السَّابِع عشر بَين جملتين مستقلتين نَحْو {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} فَإِن {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} تَفْسِير لقَوْله تَعَالَى {من حَيْثُ أَمركُم الله} أَي إِن المأتى الَّذِي أَمركُم الله بِهِ هُوَ مَكَان الْحَرْث وَدلَالَة على أَن الْغَرَض الْأَصْلِيّ فِي الْإِتْيَان طلب النَّسْل لَا مَحْض الشَّهْوَة وَقد تَضَمَّنت هَذِه الْآيَة الِاعْتِرَاض بِأَكْثَرَ من جملَة وَمثلهَا فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حَملته أمه وَهنا على وَهن وفصاله فِي عَاميْنِ أَن اشكر لي ولوالديك} وَقَوله تَعَالَى (رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَالله أعلم بِمَا وضعت وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى وَإِنِّي سميتها مَرْيَم) فِيمَن قَرَأَ بِسُكُون تَاء وضعت إِذْ الجملتان المصدرتان بإني من قَوْلهَا عَلَيْهَا السَّلَام وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض وَالْمعْنَى وَلَيْسَ الذّكر الَّذِي طلبته كالأنثى الَّتِي وهبت لَهَا وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ هُنَا جملتان معترضتان كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} انْتهى وَفِي التنظير نظر لِأَن الَّذِي فِي الْآيَة الثَّانِيَة اعتراضان كل مِنْهُمَا بجملة لَا اعْتِرَاض وَاحِد بجملتين وَقد يعْتَرض بِأَكْثَرَ من جملتين كَقَوْلِه تَعَالَى {ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب يشْتَرونَ الضَّلَالَة ويريدون أَن تضلوا السَّبِيل وَالله أعلم بأعدائكم وَكفى بِاللَّه وليا وَكفى بِاللَّه نَصِيرًا من الَّذين هادوا يحرفُونَ الْكَلم} إِن قدر {من الَّذين هادوا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 ) بَيَانا للَّذين أُوتُوا وتخصيصا لَهُم إِذْ كَانَ اللَّفْظ عَاما فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمرَاد الْيَهُود أَو بَيَانا لأعدائكم والمعترض بِهِ على هَذَا التَّقْدِير جملتان وعَلى التَّقْدِير الأول ثَلَاث جمل وَهِي وَالله أعلم وَكفى بِاللَّه مرَّتَيْنِ وَأما يشْتَرونَ ويريدون فجملتا تَفْسِير لمقدر إِذْ الْمَعْنى ألم تَرَ إِلَى قصَّة الَّذين أُوتُوا وَإِن علقت من بنصيرا مثل {ونصرناه من الْقَوْم} أَو بِخَبَر مَحْذُوف على أَن {يحرفُونَ} صفة لمبتدأ مَحْذُوف أَي قوم يحرفُونَ كَقَوْلِهِم منا ظعن وَمنا أَقَامَ أَي منا فريق فَلَا اعْتِرَاض الْبَتَّةَ وَقد مر أَن الزَّمَخْشَرِيّ أجَاز فِي سُورَة الْأَعْرَاف الِاعْتِرَاض بِسبع جمل على مَا ذكر ابْن مَالك وَزعم أَبُو عَليّ أَنه لَا يعْتَرض بِأَكْثَرَ من جملَة وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي قَول الشَّاعِر 736 - (أَرَانِي وَلَا كفران لله أَيَّة ... لنَفْسي قد طالبت غير منيل) إِن أَيَّة وَهِي مصدر أويت لَهُ إِذا رَحمته ورفقت بِهِ لَا ينْتَصب بأويت محذوفة لِئَلَّا يلْزم الِاعْتِرَاض بجملتين قَالَ وَإِنَّمَا انتصابه باسم لَا أَي وَلَا أكفر الله رَحْمَة مني لنَفْسي وَلَزِمَه من هَذَا ترك تَنْوِين الِاسْم المطول وَهُوَ قَول البغداديين أَجَازُوا لَا طالع جبلا أجروه فِي ذَلِك مجْرى الْمُضَاف كَمَا أجري مجْرَاه فِي الْإِعْرَاب وعَلى قَوْلهم يتَخَرَّج الحَدِيث لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت وَأما على قَول الْبَصرِيين فَيجب تنوينه وَلَكِن الرِّوَايَة إِنَّمَا جَاءَت بِغَيْر تَنْوِين الحديث: 736 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 وَقد اعْترض ابْن مَالك قَول أبي عَليّ بقوله تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ والزبر} وَبقول زُهَيْر 737 - (لعمري والخطوب مغيرات ... وَفِي طول المعاشرة التقالي) (لقد باليت مظعن أم أوفى ... وَلَكِن أم أوفى لَا تبالي) وَقد يُجَاب عَن الْآيَة بِأَن جملَة الْأَمر دَلِيل الْجَواب عِنْد الْأَكْثَرين وَنَفسه عِنْد قوم فَهِيَ مَعَ جملَة الشَّرْط كالجملة الْوَاحِدَة وَبِأَنَّهُ يجب أَن يقدر للباء مُتَعَلق مَحْذُوف أَي أرسلناهم بِالْبَيِّنَاتِ لِأَنَّهُ لَا يسْتَثْنى بأداة وَاحِدَة شَيْئَانِ وَلَا يعْمل مَا قبل إِلَّا فِيمَا بعْدهَا إِلَّا إِذا كَانَ مُسْتَثْنى نَحْو مَا قَامَ إِلَّا زيد أَو مُسْتَثْنى مِنْهُ نَحْو مَا قَامَ إِلَّا زيدا أحد أَو تَابعا لَهُ نَحْو مَا قَامَ أحد إِلَّا زيدا فَاضل مَسْأَلَة كثيرا مَا تشتبه المعترضة بالحالية ويميزها مِنْهَا أُمُور أَحدهَا أَنَّهَا تكون غير خبرية كالأمرية فِي {وَلَا تؤمنوا إِلَّا لمن تبع دينكُمْ قل إِن الْهدى هدى الله أَن يُؤْتى أحد مثل مَا أُوتِيتُمْ} كَذَا مثل ابْن مَالك وَغَيره بِنَاء على {أَن يُؤْتى أحد} مُتَعَلق بتؤمنوا وان الْمَعْنى وَلَا تظهروا تصديقكم بِأَن أحدا يُؤْتى من كتب الله مثل مَا أُوتِيتُمْ وَبِأَن ذَلِك الْأَحَد يحاجونكم عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة بِالْحَقِّ فيغلبونكم إِلَّا لأهل دينكُمْ لِأَن ذَلِك لَا يُغير اعْتِقَادهم بِخِلَاف الحديث: 737 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 الْمُسلمين فَإِن ذَلِك يزيدهم ثباتا وَبِخِلَاف الْمُشْركين فَإِن ذَلِك يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام وَمعنى الِاعْتِرَاض حِينَئِذٍ أَن الْهدى بيد الله فَإِذا قدره لأحد لم يضرّهُ مَكْرهمْ وَالْآيَة مُحْتَملَة لغير ذَلِك وَهِي أَن يكون الْكَلَام قد تمّ عِنْد الِاسْتِثْنَاء وَالْمرَاد وَلَا تظهروا الْإِيمَان الْكَاذِب الَّذِي توقعونه وَجه النَّهَار وتنقضونه آخِره إِلَّا لمن كَانَ مِنْكُم كَعبد الله بن سَلام ثمَّ أسلم وَذَلِكَ لِأَن إسْلَامهمْ كَانَ أَغيظ لَهُم ورجوعهم إِلَى الْكفْر كَانَ عِنْدهم أقرب وعَلى هَذَا ف أَن يُؤْتى من كَلَام الله تَعَالَى وَهُوَ مُتَعَلق بِمَحْذُوف مُؤخر أَي لكراهية أَن يُؤْتى أحد دبرتم هَذَا الكيد وَهَذَا الْوَجْه أرجح لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه الْمُوَافق لقِرَاءَة ابْن كثير أأن يُؤْتى بهمزتين أَي لكراهية أَن يُؤْتى قُلْتُمْ ذَلِك وَالثَّانِي أَن فِي الْوَجْه الأول عمل مَا قبل إِلَّا فِيمَا بعْدهَا مَعَ أَنه لَيْسَ من الْمسَائِل الثَّلَاث الْمَذْكُورَة آنِفا وكالدعائية فِي قَوْله 738 - (إِن الثَّمَانِينَ وبلغنها ... قد أحوجت سَمْعِي إِلَى ترجمان) وَقَوله 739 - (إِن سليمى وَالله يكلؤها ... ضنت بِشَيْء مَا كَانَ يرزؤها) وكالقسمية فِي قَوْله 740 - (إِنِّي وأسطار سطرن سطرا ... الْبَيْت) الحديث: 738 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 وكالتنزيهية فِي قَوْله تَعَالَى {ويجعلون لله الْبَنَات سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَا يشتهون} كَذَا مثل بَعضهم وكالاستفهامية فِي قَوْله تَعَالَى {فاستغفروا لذنوبهم وَمن يغْفر الذُّنُوب إِلَّا الله وَلم يصروا} كَذَا مثل ابْن مَالك فَأَما الأولى فَلَا دَلِيل فِيهَا إِذا قدر لَهُم خَبرا وَمَا مُبْتَدأ وَالْوَاو للاستئناف لَا عاطفة جملَة على جملَة وَقدر الْكَلَام تهديدا كَقَوْلِك لعبدك لَك عِنْدِي مَا تخْتَار تُرِيدُ بذلك إبعاده أَو التهكم بِهِ بل إِذا قدر لَهُم مَعْطُوفًا على الله وَمَا معطوفة على الْبَنَات وَذَلِكَ مُمْتَنع فِي الظَّاهِر إِذْ لَا يتَعَدَّى فعل الضَّمِير الْمُتَّصِل إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل إِلَّا فِي بَاب ظن وفقد وَعدم نَحْو {فَلَا تحسبنهم بمفازة من الْعَذَاب} فِيمَن ضم الْبَاء وَنَحْو {أَن رَآهُ اسْتغنى} وَلَا يجوز مثل زيد ضربه تُرِيدُ ضرب نَفسه وَإِنَّمَا يَصح فِي الْآيَة الْعَطف الْمَذْكُور إِذا قدر أَن الأَصْل ولأنفسهم ثمَّ حذف الْمُضَاف وَذَلِكَ تكلّف وَمن الْعجب أَن الْفراء والزمخشري والحوفي قدرُوا الْعَطف الْمَذْكُور وَلم يقدروا الْمُضَاف الْمَحْذُوف وَلَا يَصح الْعَطف إِلَّا بِهِ وَأما الثَّانِيَة فنص هُوَ وَغَيره على أَن الِاسْتِفْهَام فِيهَا بِمَعْنى النَّفْي فالجملة خبرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وَقد فهم مِمَّا أوردته من أَن المعترضة تقع طلبية أَن الحالية لَا تقع إِلَّا خبرية وَذَلِكَ بِالْإِجْمَاع وَأما قَول بَعضهم فِي قَول الْقَائِل 74 - (اطلب وَلَا تضجر من مطلب ... ) إِن الْوَاو للْحَال وَإِن لَا ناهية فخطأ وَإِنَّمَا هِيَ عاطفة إِمَّا مصدرا يسبك من أَن وَالْفِعْل على مصدر متوهم من الْأَمر السَّابِق أَي ليكن مِنْك طلب وَعدم الضجر أَو جملَة على جملَة وعَلى الأول ففتحة تضجر إِعْرَاب وَلَا نَافِيَة والعطف مثله فِي قَوْلك ائنتي وَلَا أجفوك بِالنّصب وَقَوله 74 - (فَقلت ادعِي وأدعو إِن أندى ... لصوت أَن يُنَادي داعيان) وعَلى الثَّانِي فالفتحة للتركيب وَالْأَصْل وَلَا تضجرن بنُون التوكيد الْخَفِيفَة فحذفت للضَّرُورَة وَلَا ناهية والعطف مثله فِي قَوْله تَعَالَى {واعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا} الثَّانِي أَنه يجوز تصديرها بِدَلِيل اسْتِقْبَال كالتنفيس فِي قَوْله 743 - (وَمَا أَدْرِي وسوف إخال أَدْرِي ... ) وَأما قَول الحوفي فِي {إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سيهدين} إِن الْجُمْلَة الحالية فمردود وك لن فِي {وَلنْ تَفعلُوا} وكالشرط فِي {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض} الحديث: 743 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 {قَالَ هَل عسيتم إِن كتب عَلَيْكُم الْقِتَال أَلا تقاتلوا} {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم إِن كَانَ بكم أَذَى من مطر أَو كُنْتُم مرضى أَن تضعوا أسلحتكم} {إِنِّي أَخَاف إِن عصيت رَبِّي عَذَاب يَوْم عَظِيم} {فَكيف تَتَّقُون إِن كَفرْتُمْ يَوْمًا} {فلولا إِن كُنْتُم غير مدينين ترجعونها} وَإِنَّمَا جَازَ لأضربنه إِن ذهب وَإِن مكث لِأَن الْمَعْنى لأضربنه على كل حَال إِذْ لَا يَصح أَن يشْتَرط وجود الشَّيْء وَعَدَمه لشَيْء وَاحِد وَالثَّالِث أَنه يجوز اقترانها بِالْفَاءِ كَقَوْلِه 744 - (وَاعْلَم فَعلم الْمَرْء يَنْفَعهُ ... أَن سَوف يَأْتِي كل مَا قدرا) وكجملة (فَالله أولى بهما) فِي قَول وَقد مضى وكجملة {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} الفاصلة بَين {فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة} وَبَين الْجَواب وَهُوَ {فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس} والفاصلة بَين {وَمن دونهمَا جنتان} وَبَين {فِيهِنَّ خيرات حسان} وَبَين صفتيهما وَهِي {مدهامتان} فِي الأولى الحديث: 744 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 و {حور مقصورات} فِي الثَّانِيَة ويحتملان تَقْدِير مُبْتَدأ فَتكون الْجُمْلَة إِمَّا صفة وَإِمَّا مستأنفة الرَّابِع أَنه يجوز اقترانها بِالْوَاو مَعَ تصديرها بالمضارع الْمُثبت كَقَوْل المتنبي 745 - يَا حاديي عبيرها وأحسبني ... أوجد مَيتا قبيل أفقدها (قفا قَلِيلا بهَا عَليّ فَلَا ... أقل من نظرة أزودها) قَوْله أفقدها على إِضْمَار أَن وَقَوله أقل يرْوى بِالرَّفْع وَالنّصب تَنْبِيه للبيانيين فِي الِاعْتِرَاض اصْطِلَاحَات مُخَالفَة لاصطلاح النَّحْوِيين والزمخشري يسْتَعْمل بَعْضهَا كَقَوْلِه فِي قَوْله تَعَالَى {وَنحن لَهُ مُسلمُونَ} يجوز أَن يكون حَالا من فَاعل نعْبد أَو من مَفْعُوله لاشتمالها على ضميريهما وَأَن تكون معطوفة على نعْبد وَأَن تكون اعتراضية مُؤَكدَة أَي وَمن حَالنَا أَنا مخلصون لَهُ التَّوْحِيد وَيرد عَلَيْهِ مثل ذَلِك من لَا يعرف هَذَا الْعلم كَأبي حَيَّان توهما مِنْهُ أَنه لَا اعْتِرَاض إِلَّا مَا يَقُوله النَّحْوِيّ وَهُوَ الِاعْتِرَاض بَين شَيْئَيْنِ متطالبين 3 - الْجُمْلَة الثَّالِثَة التفسيرية وَهِي الفضلة الكاشفة لحقيقة مَا تليه وسأذكر لَهَا أَمْثِلَة توضحها أَحدهَا {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} فجملة الحديث: 745 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 الِاسْتِفْهَام مفسرة للنجوى وَهل هُنَا للنَّفْي وَيجوز أَن تكون بَدَلا مِنْهَا إِن قُلْنَا إِن مَا فِيهِ معنى القَوْل يعْمل فِي الْجمل وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين وَأَن تكون معمولة لقَوْل مَحْذُوف وَهُوَ حَال مثل {وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب سَلام عَلَيْكُم} الثَّانِي {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون} فخلقه وَمَا بعده تَفْسِير لمثل آدم لَا بِاعْتِبَار مَا يُعْطِيهِ ظَاهر لفظ الْجُمْلَة من كَونه قدر جسدا من طين ثمَّ كَون بل بِاعْتِبَار الْمَعْنى أَي إِن شَأْن عِيسَى كشأن آدم فِي الْخُرُوج عَن مُسْتَمر الْعَادة وَهُوَ التولد بَين أبوين وَالثَّالِث {هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم تؤمنون بِاللَّه} فجملة تؤمنون تَفْسِير للتِّجَارَة وَقيل مستأنفة مَعْنَاهَا الطّلب أَي آمنُوا بِدَلِيل يغْفر بِالْجَزْمِ كَقَوْلِهِم اتَّقى الله امْرُؤ فعل خيرا يثب عَلَيْهِ أَي ليتق الله وليفعل يثب وعَلى الأول فالجزم فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام تَنْزِيلا للسبب وَهُوَ الدّلَالَة منزلَة الْمُسَبّب وَهُوَ الِامْتِثَال الرَّابِع {وَلما يأتكم مثل الَّذين خلوا من قبلكُمْ مستهم البأساء وَالضَّرَّاء وزلزلوا} وَجوز أَبُو الْبَقَاء كَونهَا حَالية على إِضْمَار قد وَالْحَال لَا تَأتي من الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي مثل هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 الْخَامِس {حَتَّى إِذا جاؤوك يجادلونك يَقُول الَّذين كفرُوا} إِن قدرت إِذا غير شَرْطِيَّة فجملة القَوْل تَفْسِير ليجادلونك وَإِلَّا فَهِيَ جَوَاب إِذا وَعَلَيْهِمَا فيجادلونك حَال تَنْبِيه المفسرة ثَلَاثَة أَقسَام مُجَرّدَة من حرف التَّفْسِير كَمَا فِي الْأَمْثِلَة السَّابِقَة ومقرونة بِأَيّ كَقَوْلِه 746 - (وترمينني بالطرف أَي أَنْت مذنب ... ) ومقرونة بِأَن نَحْو {فأوحينا إِلَيْهِ أَن اصْنَع الْفلك} وقولك كتبت إِلَيْهِ أَن افْعَل إِن لم تقدر الْبَاء قبل أَن السَّادِس {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات ليسجننه} فجملة ليسجننه قيل هِيَ مفسرة للضمير فِي بدا الرَّاجِع إِلَى البداء الْمَفْهُوم مِنْهُ وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا جَوَاب لقسم مُقَدّر وَأَن الْمُفَسّر مَجْمُوع الجملتين وَلَا يمْنَع من ذَلِك كَون الْقسم إنْشَاء لِأَن الْمُفَسّر هُنَا إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى المتحصل من الْجَواب وَهُوَ خبري لَا إنشائي وَذَلِكَ الْمَعْنى هُوَ سجنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَهَذَا هُوَ البداء الَّذِي بدالهم ثمَّ اعْلَم أَنه لَا يمْتَنع كَون الْجُمْلَة الإنشائية مفسرة بِنَفسِهَا وَيَقَع ذَلِك فِي موضِعين أَحدهمَا أَن يكون الْمُفَسّر إنْشَاء أَيْضا نَحْو أحسن إِلَى زيد أعْطه ألف دِينَار الحديث: 746 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 وَالثَّانِي أَن يكون مُفردا مُؤديا معنى جملَة نَحْو {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} الْآيَة وَإِنَّمَا قُلْنَا فِيمَا مضى إِن الِاسْتِفْهَام مُرَاد بِهِ النَّفْي تَفْسِيرا لما اقْتَضَاهُ الْمَعْنى وأوجبته الصِّنَاعَة لأجل الِاسْتِثْنَاء المفرغ لَا أَن التَّفْسِير أوجب ذَلِك وَنَظِيره بَلغنِي عَن زيد كَلَام وَالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَيجوز أَن يكون {ليسجننه} جَوَابا لبدا لِأَن أَفعَال الْقُلُوب لإفادتها التَّحْقِيق تجاب بِمَا يُجَاب بِهِ الْقسم قَالَ 747 - (وَلَقَد علمت لتأتين منيتي ... ) وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الْجُمْلَة فَاعل ثمَّ قَالَ هِشَام وثعلب وَجَمَاعَة يجوز ذَلِك فِي كل جملَة نَحْو يُعجبنِي تقوم وَقَالَ الْفراء وَجَمَاعَة جَوَازه مَشْرُوط بِكَوْن الْمسند إِلَيْهَا قلبيا وباقترانها بأداة معلقَة نَحْو ظهر لي أَقَامَ زيد وَعلم هَل قعد عَمْرو وَفِيه نظر لِأَن أَدَاة التَّعْلِيق بِأَن تكون مَانِعَة أشبه من أَن تكون مجوزة وَكَيف تعلق الْفِعْل عَمَّا هُوَ مِنْهُ كالجزء وَبعد فعندي أَن الْمَسْأَلَة صَحِيحَة وَلَكِن مَعَ الِاسْتِفْهَام خَاصَّة دون سَائِر المعلقات وعَلى أَن الْإِسْنَاد إِلَى مُضَاف مَحْذُوف لَا إِلَى الْجُمْلَة الْأُخْرَى أَلا ترى أَن الْمَعْنى ظهر لي جَوَاب أَقَامَ زيد أَي جَوَاب قَول الْقَائِل ذَلِك الحديث: 747 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وَكَذَلِكَ فِي علم أقعد عَمْرو وَذَلِكَ لَا بُد من تَقْدِيره دفعا للتناقض إِذْ ظُهُور الشَّيْء وَالْعلم بِهِ منافيان للاستفهام الْمُقْتَضِي للْجَهْل بِهِ فَإِن قلت لَيْسَ هَذَا مِمَّا تصح فِيهِ الْإِضَافَة إِلَى الْجمل قلت قد مضى عَن قريب أَن الْجُمْلَة الَّتِي يُرَاد بهَا اللَّفْظ يحكم لَهَا بِحكم الْمُفْردَات السَّابِع {وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض} زعم ابْن عُصْفُور أَن الْبَصرِيين يقدرُونَ نَائِب الْفَاعِل فِي قيل ضمير الْمصدر وَجُمْلَة النَّهْي مفسرة لذَلِك الضَّمِير وَقيل الظّرْف نَائِب عَن الْفَاعِل فالجملة فِي مَحل نصب وَيرد بِأَنَّهُ لَا تتمّ الْفَائِدَة بالظرف وبعدمه فِي {وَإِذا قيل إِن وعد الله حق} وَالصَّوَاب أَن النَّائِب الْجُمْلَة لِأَنَّهَا كَانَت قبل حذف الْفَاعِل مَنْصُوبَة بالْقَوْل فَكيف انقلبت مفسرة وَالْمَفْعُول بِهِ مُتَعَيّن للنيابة وَقَوْلهمْ الْجُمْلَة لَا تكون فَاعِلا وَلَا نَائِبا عَنهُ جَوَابه أَن الَّتِي يُرَاد بهَا لَفظهَا يحكم لَهَا بِحكم الْمُفْردَات وَلِهَذَا تقع مُبْتَدأ نَحْو لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه كنز من كنوز الْجنَّة وَفِي الْمثل زَعَمُوا مَطِيَّة الْكَذِب وَمن هُنَا لم يحْتَج الْخَبَر إِلَى ربط فِي نَحْو قولي لَا إِلَه إِلَّا الله كَمَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْخَبَر الْمُفْرد الجامد الثَّامِن {وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم مغْفرَة وَأجر عَظِيم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 لِأَن وعد يتَعَدَّى لاثْنَيْنِ وَلَيْسَ الثَّانِي هُنَا {لَهُم مغْفرَة} لِأَن ثَانِي مفعولي كسا لَا يكون جملَة بل هُوَ مَحْذُوف وَالْجُمْلَة مفسرة لَهُ وَتَقْدِيره خيرا عَظِيما أَو الْجنَّة وعَلى الثَّانِي فَوجه التَّفْسِير إِقَامَة السَّبَب مقَام الْمُسَبّب إِذْ الْجنَّة مسببة عَن اسْتِقْرَار الغفران وَالْأَجْر وَقَوْلِي فِي الضَّابِط الفضلة احترزت بِهِ عَن الْجُمْلَة المفسرة لضمير الشَّأْن فَإِنَّهَا كاشفة لحقيقة الْمَعْنى المُرَاد بِهِ وَلها مَوضِع بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهَا خبر فِي الْحَال أَو فِي الأَصْل وَعَن الْجُمْلَة المفسرة فِي بَاب الِاشْتِغَال فِي نَحْو زيدا ضَربته فقد قيل إِنَّهَا تكون ذَات مَحل كَمَا سَيَأْتِي وَهَذَا الْقَيْد أهملوه وَلَا بُد مِنْهُ مَسْأَلَة قَوْلنَا إِن الْجُمْلَة المفسرة لَا مَحل لَهَا خَالف فِيهِ الشلوبين فَزعم أَنَّهَا بِحَسب مَا تفسره فَهِيَ فِي نَحْو زيدا ضَربته لَا مَحل لَهَا وَفِي نَحْو {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} وَنَحْو زيد الْخبز يَأْكُلهُ بِنصب الْخبز فِي مَحل رفع وَلِهَذَا يظْهر الرّفْع إِذا قلت آكله وَقَالَ 748 - (فَمن نَحن نؤمنه يبت وَهُوَ آمن ... ) فَظهر الْجَزْم وَكَأن الْجُمْلَة المفسرة عِنْده عطف بَيَان أَو بدل وَلم يثبت الْجُمْهُور وُقُوع الْبَيَان وَالْبدل جملَة وَقد بيّنت أَن جملَة الِاشْتِغَال لَيست من الْجمل الَّتِي تسمى فِي الِاصْطِلَاح جملَة مفسرة وَإِن حصل فِيهَا تَفْسِير وَلم يثبت جَوَاز حذف الْمَعْطُوف الحديث: 748 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 عَلَيْهِ عطف الْبَيَان وَاخْتلف فِي الْمُبدل مِنْهُ وَفِي البغداديات لأبي عَليّ أَن الْجَزْم فِي ذَلِك بأداة شَرط مقدرَة فَإِنَّهُ قَالَ مَا ملخصه إِن الْفِعْل الْمَحْذُوف وَالْفِعْل الْمَذْكُور فِي نَحْو قَوْله 749 - (لَا تجزعي إِن منفسا أهلكته ... ) مجزومان فِي التَّقْدِير وَإِن انجزام الثَّانِي لَيْسَ على الْبَدَلِيَّة إِذْ لم يثبت حذف الْمُبدل مِنْهُ بل على تَكْرِير إِن أَي إِن أهلكت منفسا إِن أهلكته وساغ إِضْمَار إِن وَإِن لم يجز إِضْمَار لَام الْأَمر إِلَّا ضَرُورَة لاتساعهم فِيهَا بِدَلِيل إيلائهم إِيَّاهَا الِاسْم وَلِأَن تقدمها مقو للدلالة عَلَيْهَا وَلِهَذَا أجَاز سِيبَوَيْهٍ بِمن تمرر أمرر وَمنع من تضرب أنزل لعدم دَلِيل على الْمَحْذُوف وَهُوَ عَلَيْهِ حَتَّى تَقول عَلَيْهِ وَقَالَ فِيمَن قَالَ مَرَرْت بِرَجُل صَالح إِن لَا صَالح فطالح بالخفض إِنَّه أسهل من إِضْمَار رب بعد الْوَاو وَرب شَيْء يكون ضَعِيفا ثمَّ يحسن للضَّرُورَة كَمَا فِي ضرب غُلَامه زيدا فَإِنَّهُ ضَعِيف جدا وَحسن فِي نَحْو ضربوني وَضربت قَوْمك واستغني بِجَوَاب الأولى عَن جَوَاب الثَّانِيَة كَمَا استغني فِي نَحْو أزيدا ظننته قَائِما بثاني مفعولي ظَنَنْت الْمَذْكُورَة عَن ثَانِي مفعولي ظَنَنْت الْمقدرَة 4 - الْجُمْلَة الرَّابِعَة المجاب بهَا الْقسم نَحْو {وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّك لمن الْمُرْسلين} وَنَحْو {وتالله لأكيدن أصنامكم} وَمِنْه {لينبذن فِي الحطمة} {وَلَقَد كَانُوا عَاهَدُوا الله من قبل} يقدر لذَلِك وَلما أشبهه الْقسم الحديث: 749 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 وَمِمَّا يحْتَمل جَوَاب الْقسم {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} وَذَلِكَ بِأَن تقدر الْوَاو عاطفة على {ثمَّ لنَحْنُ أعلم} فَإِنَّهُ وَمَا قبله أجوبة لقَوْله تَعَالَى {فوربك لنحشرنهم وَالشَّيَاطِين} وَهَذَا مُرَاد ابْن عَطِيَّة من قَوْله هُوَ قسم وَالْوَاو تَقْتَضِيه أَي هُوَ جَوَاب قسم وَالْوَاو هِيَ المحصلة لذَلِك لِأَنَّهَا عطفت وتوهم أَبُو حَيَّان عَلَيْهِ مَا لَا يتَوَهَّم على صغَار الطّلبَة وَهِي أَن الْوَاو حرف قسم فَرد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ حذف الْمَجْرُور وَبَقَاء الْجَار وَحذف الْقسم مَعَ كَون الْجَواب منفيا بإن تَنْبِيه من أَمْثِلَة جَوَاب الْقسم مَا يخفى نَحْو {أم لكم أَيْمَان علينا بَالِغَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِن لكم لما تحكمون} {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله} {وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم لَا تسفكون دماءكم} وَذَلِكَ لِأَن أَخذ الْمِيثَاق بِمَعْنى الِاسْتِحْلَاف قَالَه كَثِيرُونَ مِنْهُم الزّجاج ويوضحه {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس} وَقَالَ الْكسَائي وَالْفراء وَمن وافقهما التَّقْدِير بِأَن لَا تعبدوا إِلَّا الله وَبَان لَا تسفكوا ثمَّ حذف الْجَار ثمَّ أَن فارتفع الْفِعْل وَجوز الْفراء أَن يكون الأَصْل النَّهْي ثمَّ أخرج مخرج الْخَبَر وَيُؤَيِّدهُ أَن بعده {وَقُولُوا} {وَأقِيمُوا} {وَأتوا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 وَمِمَّا يحْتَمل الْجَواب وَغَيره قَول الفرزدق 750 - (تعش فَإِن عاهدتني لَا تخونني ... نَكُنْ مثل من يَا ذِئْب يصطحبان) فجملة النَّفْي إِمَّا جَوَاب لعاهدتني كَمَا قَالَ 75 - (أرى محرزا عاهدته ليوافقن ... فَكَانَ كمن أغريته بِخِلَاف) فَلَا مَحل لَهَا أَو حَال من الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول أَو كليهمَا فمحلها النصب وَالْمعْنَى شَاهد للجوابية وَقد يحْتَج للحالية بقوله أَيْضا 75 - (ألم ترني عَاهَدت رَبِّي وإنني ... لبين رتاج قَائِما ومقام) (على حلفة لَا أشتم الدَّهْر مُسلما ... وَلَا خَارِجا من فِي زور كَلَام) وَذَلِكَ أَنه عطف خَارِجا على مَحل جملَة لَا أشتم فَكَأَنَّهُ قَالَ حَلَفت غير شاتم وَلَا خَارِجا وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَن خَارِجا مفعول مُطلق وَالْأَصْل وَلَا يخرج خُرُوجًا ثمَّ حذف الْفِعْل وأناب الْوَصْف عَن الْمصدر كَمَا عكس فِي قَوْله تَعَالَى {إِن أصبح ماؤكم غورا} لِأَن المُرَاد أَنه حلف بَين بَاب الْكَعْبَة وَبَين مقَام إِبْرَاهِيم أَنه لَا يشْتم مُسلما فِي الْمُسْتَقْبل وَلَا يتَكَلَّم بزور لَا أَنه حلف فِي حَال اتصافه بِهَذَيْنِ الوصفين على شَيْء آخر مَسْأَلَة قَالَ ثَعْلَب لَا تقع جملَة الْقسم خَبرا فَقيل فِي تَعْلِيله لِأَن نَحْو لَأَفْعَلَنَّ لَا مَحل لَهُ فَإِذا بني على مُبْتَدأ فَقيل زيد ليفعلن صَار لَهُ مَوضِع وَلَيْسَ بِشَيْء الحديث: 750 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 لِأَنَّهُ إِنَّمَا منع وُقُوع الْخَبَر جملَة قسمية لَا جملَة هِيَ جَوَاب الْقسم وَمرَاده أَن الْقسم وَجَوَابه لَا يكونَانِ خَبرا إِذْ لَا تنفك إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى وجملتا الْقسم وَالْجَوَاب يُمكن أَن يكون لَهما مَحل من الْإِعْرَاب كَقَوْلِك قَالَ زيد أقسم لَأَفْعَلَنَّ وَإِنَّمَا الْمَانِع عِنْده إِمَّا كَون جملَة الْقسم لَا ضمير فِيهَا فَلَا تكون خَبرا لِأَن الجملتين هَا هُنَا ليستا كجملتي الشَّرْط وَالْجَزَاء لِأَن الْجُمْلَة الثَّانِيَة لَيست معمولة لشَيْء من الْجُمْلَة الأولى وَلِهَذَا منع بَعضهم وُقُوعهَا صلَة وَإِمَّا كَون الْجُمْلَة أَعنِي جملَة الْقسم إنشائية وَالْجُمْلَة الْوَاقِعَة خَبرا لَا بُد من احتمالها للصدق وَالْكذب وَلِهَذَا منع قوم من الْكُوفِيّين مِنْهُم ابْن الْأَنْبَارِي أَن يُقَال زيد اضربه وَزيد هَل جَاءَك وَبعد فعندي أَن كلا من التعليلين ملغى أما الأول فَلِأَن الجملتين مرتبطتان ارتباطا صارتا بِهِ كالجملة الْوَاحِدَة وَإِن لم يكن بَينهمَا عمل وَزعم ابْن عُصْفُور أَن السماع قد جَاءَ بوصل الْمَوْصُول بِالْجُمْلَةِ القسمية وجوابها وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِن كلا لما ليوفينهم} قَالَ فَمَا مَوْصُولَة لَا زَائِدَة وَإِلَّا لزم دُخُول اللَّام على اللَّام انْتهى وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن امْتنَاع دُخُول اللَّام على اللَّام إِنَّمَا هُوَ لأمر لَفْظِي وَهُوَ ثقل التّكْرَار والفاصل يُزِيلهُ وَلَو كَانَ زَائِدا وَلِهَذَا اكْتفى بِالْألف فاصلة بَين النونات فِي اذهبنان وَبَين الهمزتين فِي {أأنذرتهم} وَإِن كَانَت زَائِدَة وَكَانَ الْجيد أَن يسْتَدلّ بقوله تَعَالَى {وَإِن مِنْكُم لمن ليبطئن} فَإِن قيل تحْتَمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 من الموصوفية أَي لفريقا ليبطئن قُلْنَا وَكَذَا مَا فِي الْآيَة أَي لقوم ليوفينهم ثمَّ إِنَّه لَا يَقع صفة إِلَّا مَا يَقع صلَة فالاستدلال ثَابت وَإِن قدرت صفة فَإِن قيل فَمَا وَجهه وَالْجُمْلَة الأولى إنشائية قلت جَازَ لِأَنَّهَا غير مَقْصُودَة وَإِنَّمَا الْمَقْصُود جملَة الْجَواب وَهِي خبرية وَلم يُؤْت بجملة الْقسم إِلَّا لمُجَرّد التوكيد لَا للتأسيس وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْخَبَر الَّذِي شَرطه احْتِمَال الصدْق وَالْكذب الْخَبَر الَّذِي هُوَ قسيم الْإِنْشَاء لَا خبر الْمُبْتَدَأ للاتفاق على أَن أَصله الْإِفْرَاد وَاحْتِمَال الصدْق وَالْكذب إِنَّمَا هُوَ من صِفَات الْكَلَام وعَلى جَوَاز أَيْن زيد وَكَيف عَمْرو وَزعم ابْن مَالك أَن السماع ورد بِمَا مَنعه ثَعْلَب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لندخلنهم فِي الصَّالِحين} {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنبوئنهم} {وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم} وَقَوله 753 - (جشأت فَقلت اللذ خشيت ليَأْتِيَن ... ) وَعِنْدِي لما اسْتدلَّ بِهِ تَأْوِيل لطيف وَهُوَ أَن الْمُبْتَدَأ فِي ذَلِك كُله ضمن معنى الشَّرْط وَخَبره منزل منزلَة الْجَواب فَإِذا قدر قبله قسم كَانَ الْجَواب لَهُ وَكَانَ خبر الْمُبْتَدَأ الْمُشبه لجواب الشَّرْط محذوفا للاستغناء بِجَوَاب الْقسم الْمُقدر قبله وَنَظِيره فِي الِاسْتِغْنَاء بِجَوَاب الْقسم الْمُقدر قبل الشَّرْط الْمُجَرّد من لَام التوطئة نَحْو {وَإِن لم ينْتَهوا عَمَّا يَقُولُونَ ليمسن} التَّقْدِير وَالله ليمسن إِن لم ينْتَهوا يمسس الحديث: 753 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 تَنْبِيه وَقع لمكي وَأبي الْبَقَاء وهم فِي جملَة الْجَواب فأعرباها إعرابا يَقْتَضِي أَن لَهَا موضعا فَأَما مكي فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {كتب على نَفسه الرَّحْمَة ليجمعنكم} إِن ليجمعنكم بدل من الرَّحْمَة وَقد سبقه إِلَى هَذَا الْإِعْرَاب غَيره وَلكنه زعم أَن اللَّام بِمَعْنى أَن المصدرية وَأَن من ذَلِك {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات ليسجننه} أَي أَن يسجنوه وَلم يثبت مَجِيء اللَّام مَصْدَرِيَّة وخلط مكي فَأجَاز الْبَدَلِيَّة مَعَ قَوْله إِن اللَّام لَام جَوَاب الْقسم وَالصَّوَاب أَنَّهَا لَام الْجَواب وَأَنَّهَا مُنْقَطِعَة مِمَّا قبلهَا إِن قدر قسم أَو مُتَّصِلَة بِهِ اتِّصَال الْجَواب بالقسم إِن أجري بدا مجْرى أقسم كَمَا أجري علم فِي قَوْله 754 - (وَلَقَد علمت لتأتين منيتي ... ) وَأما أَبُو الْبَقَاء فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْله {لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة} الْآيَة من فتح اللَّام فَفِي مَا وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا مَوْصُولَة مُبْتَدأ وَالْخَبَر إِمَّا {من كتاب} أَي للَّذي آتيتكموه من الْكتاب أَو {لتؤمنن بِهِ} وَاللَّام جَوَاب الْقسم لِأَن أَخذ الْمِيثَاق قسم الحديث: 754 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 وَجَاءَكُم عطف على آتيتكم وَالْأَصْل ثمَّ جَاءَكُم بِهِ فَحذف عَائِد مَا أَو الأَصْل مُصدق لَهُ ثمَّ نَاب الظَّاهِر عَن الْمُضمر أَو الْعَائِد ضمير اسْتَقر الَّذِي تعلّقت بِهِ مَعَ وَالثَّانِي أَنَّهَا شَرْطِيَّة وَاللَّام موطئة وَمَوْضِع مَا نصب بآتيت وَالْمَفْعُول الثَّانِي ضمير الْمُخَاطب وَمن كتاب مثل من آيَة فِي {مَا ننسخ من آيَة} اهـ مُلَخصا وَفِيه أُمُور أَحدهَا أَن إِجَازَته كَون من كتاب خَبرا فِيهِ الْإِخْبَار عَن الْمَوْصُول قبل كَمَال صلته لِأَن ثمَّ جَاءَكُم عطف على الصِّلَة الثَّانِي أَن تجويزه كَون لتؤمنن خَبرا مَعَ تَقْدِيره إِيَّاه جَوَابا لأخذ الْمِيثَاق يَقْتَضِي أَن لَهُ موضعا وَأَنه لَا مَوضِع لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ حَقه أَن يقدره جَوَابا لقسم مَحْذُوف وَيقدر الجملتين خَبرا وَقد يُقَال إِنَّمَا أَرَادَ بقوله اللَّام جَوَاب الْقسم لِأَن أَخذ الْمِيثَاق قسم أَن أَخذ الْمِيثَاق دَال على جملَة قسم مقدرَة ومجموع الجملتين الْخَبَر وَإِنَّمَا سمى لتؤمنن خَبرا أَنه الدَّال على الْمَقْصُود بِالْأَصَالَةِ لَا أَنه وَحده هُوَ الْخَبَر بِالْحَقِيقَةِ وَأَنه لَا قسم مُقَدّر بل أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين هُوَ جملَة الْقسم وَقد يُقَال لَو أَرَادَ هَذَا لم يحصر الدَّلِيل فِيمَا ذكره للاتفاق على أَن وجود الْمُضَارع مفتتحا بلام مَفْتُوحَة مختتما بنُون مُؤَكدَة دَلِيل قَاطع على الْقسم وَإِن لم يذكر مَعَه أَخذ الْمِيثَاق أَو نَحوه وَالثَّالِث أَن تجويزه كَون الْعَائِد ضمير اسْتَقر يَقْتَضِي عود ضمير مُفْرد إِلَى شَيْئَيْنِ مَعًا فَإِنَّهُ عَائِد إِلَى الْمَوْصُول وَالرَّابِع أَنه جوز حذف الْعَائِد الْمَجْرُور مَعَ أَن الْمَوْصُول غير مجرور فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 قيل اكْتفى بِكَلِمَة بِهِ الثَّانِيَة فَيكون كَقَوْلِه 755 - (وَلَو أَن مَا عَالَجت لين فؤادها ... فقسا استلين بِهِ للان الجندل) قُلْنَا قد جوز على هَذَا الْوَجْه عود بِهِ الْمَذْكُورَة إِلَى الرَّسُول لَا إِلَى مَا وَالْخَامِس أَنه سمى ضمير آتيتكم مَفْعُولا ثَانِيًا وَإِنَّمَا هُوَ مفعول أول مَسْأَلَة زعم الْأَخْفَش فِي قَوْله 756 - (إِذا قَالَ قدني قَالَ بِاللَّه حلفة ... لتغني عني ذَا إنائك أجمعا) أَن لتغني جَوَاب الْقسم وَكَذَا قَالَ فِي {ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَة الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} لِأَن قبله {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا} الْآيَة وَلَيْسَ فِيهِ مَا يكون {ولتصغى} مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَالصَّوَاب خلاف قَوْله لِأَن الْجَواب لَا يكون إِلَّا جملَة وَلَام كي وَمَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل الْمُفْرد وَأما مَا اسْتدلَّ بِهِ فمتعلق اللَّام فِيهِ مَحْذُوف أَي لتشربن لتغني عني وَفعلنَا ذَلِك لتصغى 5 - الْجُمْلَة الْخَامِسَة الْوَاقِعَة جَوَابا لشرط غير جازم مُطلقًا أَو جازم وَلم تقترن بِالْفَاءِ وَلَا بإذا الفجائية فَالْأول جَوَاب لَو وَلَوْلَا وَلما وَكَيف وَالثَّانِي نَحْو إِن تقم أقِم وَإِن قُمْت قُمْت أما الأول فلظهور الْجَزْم فِي لفظ الْفِعْل وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْمَحْكُوم لموضعه بِالْجَزْمِ الْفِعْل لَا الْجُمْلَة بأسرها 6 - الْجُمْلَة السَّادِسَة الْوَاقِعَة صلَة لاسم أَو حرف فَالْأول نَحْو جَاءَ الَّذِي الحديث: 755 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 قَامَ أَبوهُ فَالَّذِي فِي مَوضِع رفع والصلة لَا مَحل لَهَا وَبَلغنِي عَن بَعضهم أَنه كَانَ يلقن أَصْحَابه أَن يَقُولُوا إِن الْمَوْصُول وصلته فِي مَوضِع كَذَا محتجا بِأَنَّهُمَا ككلمة وَاحِدَة وَالْحق مَا قدمت لَك بِدَلِيل ظُهُور الْإِعْرَاب فِي نفس الْمَوْصُول فِي نَحْو ليقمْ أَيهمْ فِي الدَّار ولألزمن أَيهمْ عنْدك وأمرر بِأَيِّهِمْ هُوَ أفضل وَفِي التَّنْزِيل (رَبنَا أرنا اللَّذين أضلانا) وقرىء {أَيهمْ أَشد} بِالنّصب وَرُوِيَ 757 - ( ... فَسلم على أَيهمْ أفضل) بالخفض وَقَالَ الطَّائِي 758 - ( ... فحسبي من ذِي عِنْدهم مَا كفانيا) وَقَالَ الْعقيلِيّ 759 - (نَحن الذون صبحوا الصباحا) وَقَالَ الْهُذلِيّ 760 - (هم اللاؤون فكوا الغل عني ... ) وَالثَّانِي نَحْو أعجبني أَن قُمْت أَو مَا قُمْت إِذا قُلْنَا بحرفية مَا المصدرية وَفِي هَذَا النَّوْع يُقَال الْمَوْصُول وصلته فِي مَوضِع كَذَا لِأَن الْمَوْصُول حرف فَلَا إِعْرَاب الحديث: 757 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 لَهُ لَا لفظا وَلَا محلا وَأما قَول أبي الْبَقَاء فِي {بِمَا كَانُوا يكذبُون} إِن مَا مَصْدَرِيَّة وصلتها يكذبُون وَحكمه مَعَ ذَلِك بِأَن يكذبُون فِي مَوضِع نصب خَبرا لَكَانَ فَظَاهره متناقض وَلَعَلَّ مُرَاده أَن الْمصدر إِنَّمَا ينسبك من مَا ويكذبون لَا مِنْهَا وَمن كَانَ بِنَاء على قَول أبي الْعَبَّاس وَأبي بكر وَأبي عَليّ وَأبي الْفَتْح وَآخَرين إِن كَانَ النَّاقِصَة لَا مصدر لَهَا 7 - الْجُمْلَة السَّابِعَة التابعة لما لَا مَحل لَهُ نَحْو قَامَ زيد وَلم يقم عَمْرو إِذا قدرت الْوَاو عاطفة لَا وَاو الْحَال الْجمل الَّتِي لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب وَهِي أَيْضا سبع 1 - الْجُمْلَة الأولى الْوَاقِعَة خَبرا وموضعها رفع فِي بَابي الْمُبْتَدَأ وَإِن وَنصب فِي بَابي كَانَ وَكَاد وَاخْتلف فِي نَحْو زيد أضربه وَعَمْرو هَل جَاءَك فَقيل مَحل الْجُمْلَة الَّتِي بعد الْمُبْتَدَأ رفع على الخبرية وَهُوَ صَحِيح وَقيل نصب بقول مُضْمر هُوَ الْخَبَر بِنَاء على أَن الْجُمْلَة الإنشائية لَا تكون خَبرا وَقد مر إِبْطَاله الْجُمْلَة الثَّانِيَة الْوَاقِعَة حَالا وموضعها نصب نَحْو {وَلَا تمنن تستكثر} وَنَحْو {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} {قَالُوا أنؤمن لَك واتبعك الأرذلون} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 ) وَمِنْه {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث إِلَّا استمعوه وهم يَلْعَبُونَ} فجملة استمعوه حَال من مفعول يَأْتِيهم أَو من فَاعله وقرىء مُحدثا لِأَن الذّكر مُخْتَصّ بِصفتِهِ مَعَ أَنه قد سبق بِالنَّفْيِ فالحالان على الأول وَهُوَ أَن يكون استمعوه حَالا من مفعول يَأْتِيهم مثلهمَا فِي قَوْلك مَا لَقِي الزيدين عَمْرو مصعدا إِلَّا منحدرين وعَلى الثَّانِي وَهُوَ أَن يكون جملَة استمعوه حَالا من فَاعل يَأْتِيهم مثلهمَا فِي قَوْلك مَا لَقِي الزيدين عَمْرو رَاكِبًا إِلَّا ضَاحِكا وَأما {وهم يَلْعَبُونَ} فحال من فَاعل استمعوه فالحالان متداخلتان ولاهية حَال من فَاعل يَلْعَبُونَ وَهَذَا من التَّدَاخُل أَيْضا أَو من فَاعل {استمعوه} فَيكون من التَّعَدُّد لَا من التَّدَاخُل وَمن مثل الحالية أَيْضا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد وَهُوَ من أقوى الْأَدِلَّة على أَن انتصاب قَائِما فِي ضربي زيدا قَائِما على الْحَال لَا على أَنه خبر لَكَانَ محذوفة إِذْ لَا يقْتَرن الْخَبَر بِالْوَاو وقولك مَا تكلم فلَان إِلَّا قَالَ خيرا كَمَا تَقول مَا تكلم إِلَّا قَائِلا خيرا وَهُوَ اسْتثِْنَاء مفرغ من أَحْوَال عَامَّة محذوفة وَقَول الفرزدق 76 - (بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... وَلم تكْثر الْقَتْلَى فِيهَا حِين سلت) لِأَن تَقْدِير الْعَطف مُفسد للمعنى وَقَول كَعْب رَضِي الله عَنهُ 76 - ( ... صَاف بأبطح أضحى وَهُوَ مشمول) وأضحى تَامَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 3 - الْجُمْلَة الثَّالِثَة الْوَاقِعَة مَفْعُولا ومحلها النصب إِن لم تنب عَن فَاعل وَهَذِه النِّيَابَة مُخْتَصَّة بِبَاب القَوْل نَحْو {ثمَّ يُقَال هَذَا الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون} لما قدمْنَاهُ من أَن الْجُمْلَة الَّتِي يُرَاد بهَا لَفظهَا تنزل منزلَة الْأَسْمَاء المفردة قيل وَتَقَع أَيْضا فِي الْجُمْلَة المقرونة بمعلق نَحْو علم أَقَامَ زيد وَأَجَازَ هَؤُلَاءِ وُقُوع هَذِه فَاعِلا وحملوا عَلَيْهِ {وَتبين لكم كَيفَ فعلنَا بهم} {أفلم يهد لَهُم كم أهلكنا} {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات ليسجننه} وَالصَّوَاب خلاف ذَلِك وعَلى قَول هولاء فيزاد فِي الْجمل الَّتِي لَهَا مَحل الْجُمْلَة الْوَاقِعَة فَاعِلا فَإِن قلت وَيَنْبَغِي زيادتها على مَا قدمت اخْتِيَاره من جَوَاز ذَلِك مَعَ الْفِعْل القلي الْمُعَلق بالاستفهام فَقَط نَحْو ظهر لي أَقَامَ زيد قلت إِنَّمَا أجزت ذَلِك على أَن الْمسند إِلَيْهِ مُضَاف مَحْذُوف لَا الْجُمْلَة وَتَقَع الْجُمْلَة مَفْعُولا فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب أَحدهَا بَاب الْحِكَايَة بالْقَوْل أَو مرادفة فَالْأول نَحْو {قَالَ إِنِّي عبد الله} وَهل هِيَ مفعول بِهِ أَو مفعول مُطلق نَوْعي كالقرفصاء فِي قعد القرفصاء إِذْ هِيَ دَالَّة على نوع خَاص من القَوْل فِيهِ مذهبان ثَانِيهمَا اخْتِيَار ابْن الْحَاجِب قَالَ وَالَّذِي غر الاكثرين أَنهم ظنُّوا أَن تعلق الْجُمْلَة بالْقَوْل كتعلقها بِعلم فِي علمت لزيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 منطلق وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْجُمْلَة نفس القَوْل وَالْعلم غير الْمَعْلُوم فَافْتَرقَا اه وَالصَّوَاب قَول الْجُمْهُور إِذْ يَصح أَن يخبر عَن الْجُمْلَة بِأَنَّهَا مقولة كَمَا خَيْبَر عَن زيد من ضربت زيدا بِأَنَّهُ مَضْرُوب بِخِلَاف القرفصاء فِي الْمِثَال فَلَا يَصح أَن يخبر عَنْهَا بِأَنَّهَا مقعودة لِأَنَّهَا نفس الْقعُود وَأما تَسْمِيَة النَّحْوِيين الْكَلَام قولا فكتسميتهم إِيَّاه لفظا وَإِنَّمَا الْحَقِيقَة أَنه مقول وملفوظ وَالثَّانِي نَوْعَانِ مَا مَعَه حرف التَّفْسِير كَقَوْلِه 763 - (وترمينني بالطرف أَي أَنْت مذنب ... وتقلينني لَكِن إياك لَا أقلي) وقولك كتبت إِلَيْهِ أَن افْعَل إِذا لم تقدر بَاء الْجَرّ وَالْجُمْلَة فِي هَذَا النَّوْع مفسرة للْفِعْل فَلَا مَوضِع لَهَا وَمَا لَيْسَ مَعَه حرف التَّفْسِير نَحْو {ووصى بهَا إِبْرَاهِيم بنيه وَيَعْقُوب يَا بني إِن الله اصْطفى لكم الدّين} وَنَحْو {ونادى نوح ابْنه وَكَانَ فِي معزل يَا بني اركب مَعنا} وَقِرَاءَة بَعضهم {فَدَعَا ربه أَنِّي مغلوب} بِكَسْر الْهمزَة وَقَوله 764 - (رجلَانِ من مَكَّة أخبرانا ... إِنَّا رَأينَا رجلا عُريَانا) رُوِيَ بِكَسْر إِن فَهَذِهِ الْجمل فِي مَحل نصب اتِّفَاقًا ثمَّ قَالَ البصريون النصب بقول مُقَدّر وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُور وَيشْهد للبصريين التَّصْرِيح بالْقَوْل فِي نَحْو {ونادى نوح ربه فَقَالَ رب إِن ابْني من أَهلِي} وَنَحْو {إِذْ نَادَى ربه نِدَاء خفِيا قَالَ رب إِنِّي وَهن الْعظم مني} وَقَول أبي الْبَقَاء فِي قَوْله تَعَالَى الحديث: 763 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} إِن الْجُمْلَة الثَّانِيَة فِي مَوضِع نصب بيوصي قَالَ لِأَن الْمَعْنى يفْرض لكم أَو يشرع لكم فِي أَمر أَوْلَادكُم إِنَّمَا يَصح هَذَا على قَول الْكُوفِيّين وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ إِن الْجُمْلَة الأولى إِجْمَال وَالثَّانيَِة تَفْصِيل لَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا عِنْده مفسرة وَلَا مَحل لَهَا وَهُوَ الظَّاهِر تَنْبِيهَات الأول من الْجمل المحكية مَا قد يخفى فَمن ذَلِك فِي المحكية بعد القَوْل {فَحق علينا قَول رَبنَا إِنَّا لذائقون} وَالْأَصْل إِنَّكُم لذائقون عَذَابي ثمَّ عدل إِلَى التَّكَلُّم لأَنهم تكلمُوا بذلك عَن أنفسهم كَمَا قَالَ 765 - (ألم تَرَ أَنِّي يَوْم جو سويقة ... بَكَيْت فنادتني هنيدة ماليا) وَالْأَصْل مَالك وَمِنْه فِي المحكية بعد مَا فِيهِ معنى القَوْل {أم لكم كتاب فِيهِ تدرسون إِن لكم فِيهِ لما تخيرون} أَي تدرسون فِيهِ هَذَا اللَّفْظ أَو تدرسون فِيهِ قَوْلنَا هَذَا الْكَلَام وَذَلِكَ إِمَّا على أَن يَكُونُوا خوطبوا بذلك فِي الْكتاب على زعمهم أَو الأَصْل إِن لَهُم لما يتخيرون ثمَّ عدل إِلَى الْخطاب عِنْد مواجهتهم وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى {يَدْعُو لمن ضره أقرب من نَفعه} إِن يَدْعُو فِي معنى يَقُول مثلهَا فِي قَول عنترة 766 - (يدعونَ عنتر والرماح كَأَنَّهَا ... أشطان بِئْر فِي لبان الأدهم) الحديث: 765 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 فِيمَن رَوَاهُ عنتر بِالضَّمِّ على النداء وَإِن {من} مُبْتَدأ و (لبئس الْمولى) خَبره وَمَا بَينهمَا جملَة اسمية صلَة وَجُمْلَة {من} وخبرها محكية بيدعو أَي إِن الْكَافِر يَقُول ذَلِك فِي يَوْم الْقِيَامَة وَقيل من مُبْتَدأ حذف خَبره أَي إلهه وَإِن ذَلِك حِكَايَة لما يَقُول فِي الدُّنْيَا وعَلى هَذَا فَالْأَصْل يَقُول الوتن إلهه ثمَّ عبر عَن الوثن بِمن ضره أقرب من نَفعه تشنيعا على الْكَافِر الثَّانِي قد يَقع بعد القَوْل مَا يحْتَمل الْحِكَايَة وَغَيرهَا نَحْو أَتَقول مُوسَى فِي الدَّار فلك أَن تقدر مُوسَى مَفْعُولا أول وَفِي الدَّار مَفْعُولا ثَانِيًا على إِجْرَاء القَوْل مجْرى الظَّن وَلَك أَن تقدرهما مُبْتَدأ وخبرا على الْحِكَايَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أم تَقولُونَ إِن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق} الْآيَة أَلا ترى أَن القَوْل قد استوفى شُرُوط إجرائه مجْرى الظَّن وَمَعَ هَذَا جِيءَ بِالْجُمْلَةِ بعده محكية الثَّالِث قد يَقع بعد القَوْل جملَة محكية وَلَا عمل لِلْقَوْلِ فِيهَا وَذَلِكَ نَحْو أول قولي إِنِّي أَحْمد الله إِذا كسرت إِن لِأَن الْمَعْنى أول قولي هَذَا اللَّفْظ فالجملة خبر لَا مفعول خلافًا لأبي عَليّ زعم أَنَّهَا فِي مَوضِع نصب بالْقَوْل فَبَقيَ الْمُبْتَدَأ بِلَا خبر فَقدر مَوْجُود أَو ثَابت وَهَذَا الْمُقدر يسْتَغْنى عَنهُ بل هُوَ مُفسد للمعنى لِأَن أول قولي إِنِّي أَحْمد الله بِاعْتِبَار الْكَلِمَات إِن وَبِاعْتِبَار الْحُرُوف الْهمزَة فَيُفِيد الْكَلَام على تَقْدِيره الْإِخْبَار بِأَن ذَلِك الأول ثَابت وَيَقْتَضِي بمفهومه أَن بَقِيَّة الْكَلَام غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 ثَابت اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يقدر أول زَائِدا والبصريون لَا يجيزونه وَتبع الزَّمَخْشَرِيّ أَبَا عَليّ فِي التَّقْدِير الْمَذْكُور وَالصَّوَاب خلاف قَوْلهمَا فَإِن فتحت فَالْمَعْنى حمد الله يَعْنِي بِأَيّ عبارَة كَانَت الرَّابِع قد تقع الْجُمْلَة بعد القَوْل غير محكية وَهِي نَوْعَانِ محكية بقول آخر مَحْذُوف كَقَوْلِه تَعَالَى {فَمَاذَا تأمرون} بعد {قَالَ الْمَلأ من قوم فِرْعَوْن إِن هَذَا لساحر عليم} لِأَن قَوْلهم تمّ عِنْد قَوْله {من أَرْضكُم} ثمَّ التَّقْدِير فَقَالَ فِرْعَوْن بِدَلِيل {قَالُوا أرجه وأخاه} وَقَول الشَّاعِر 767 - (قَالَت لَهُ وَهُوَ بعيش ضنك ... لَا تكثري لومي وخلي عَنْك) التَّقْدِير قَالَت لَهُ أَتَذكر قَوْلك لي إِذْ ألومك فِي الْإِسْرَاف فِي الْإِنْفَاق لَا تكثري لومي فَحذف المحكية بالمذكور وَأثبت المحكية بالمحذوف وَغير محكية وَهِي نَوْعَانِ دَالَّة على المحكية كَقَوْلِك قَالَ زيد لعَمْرو فِي حَاتِم أتظن حاتما بَخِيلًا فَحذف الْمَقُول وَهُوَ حَاتِم بخيل مدلولا عَلَيْهِ بجملة الْإِنْكَار الَّتِي هِيَ من كلامك دونه وَلَيْسَ من ذَلِك قَوْله تَعَالَى {قَالَ مُوسَى أتقولون للحق لما جَاءَكُم أَسحر هَذَا} وَإِن كَانَ الأَصْل وَالله أعلم أتقولون للحق لما جَاءَكُم هَذَا سحر ثمَّ حذفت مقالتهم مدلولا عَلَيْهَا بجملة الْإِنْكَار لِأَن جملَة الْإِنْكَار هُنَا الحديث: 767 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 محكية بالْقَوْل الأول وَإِن لم تكن محكية بالْقَوْل الثَّانِي وَغير دَالَّة عَلَيْهِ نَحْو {وَلَا يحزنك قَوْلهم إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا} وَقد مر الْبَحْث فِيهَا الْخَامِس قد يُوصل بالمحكية غير محكي وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه المحدثون مدرجا وَمِنْه {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} بعد حِكَايَة قَوْلهَا وَهَذِه الْجُمْلَة وَنَحْوهَا مستأنفة لَا يقدر لَهَا قَول الْبَاب الثَّانِي من الْأَبْوَاب الَّتِي تقع فِيهَا الْجُمْلَة مَفْعُولا بَاب ظن وَأعلم فَإِنَّهَا تقع مَفْعُولا ثَانِيًا لظن وثالثا لأعْلم وَذَلِكَ لِأَن أَصلهمَا الْخَبَر ووقوعه جملَة سَائِغ كَمَا مر وَقد اجْتمع وُقُوع خبري كَانَ وَإِن وَالثَّانِي من مفعولي بَاب ظن جملَة فِي قَول أبي ذُؤَيْب 768 - (فَإِن تزعميني كنت أَجْهَل فِيكُم ... فَإِنِّي شريت الْحلم بعْدك بِالْجَهْلِ) الْبَاب الثَّالِث بَاب التَّعْلِيق وَذَلِكَ غير مُخْتَصّ بِبَاب ظن بل هُوَ جَائِز فِي كل فعل قلبِي وَلِهَذَا انقسمت هَذِه الْجُمْلَة إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا أَن تكون فِي مَوضِع مفعول مُقَيّد بالجار نَحْو {أولم يتفكروا مَا بِصَاحِبِهِمْ من جنَّة} {فَلْينْظر أَيهَا أزكى طَعَاما} {يسْأَلُون أَيَّانَ يَوْم الدّين} لِأَنَّهُ يُقَال تفكرت فِيهِ وَسَأَلت عَن وَنظرت فِيهِ وَلَكِن علقت هُنَا الحديث: 768 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 بالاستفهام عَن الْوُصُول فِي اللَّفْظ إِلَى الْمَفْعُول وَهِي من حَيْثُ الْمَعْنى طالبة لَهُ على معنى ذَلِك الْحَرْف وَزعم ابْن عُصْفُور أَنه لَا يعلق فعل غير علم وَظن حَتَّى يضمن مَعْنَاهُمَا وعَلى هَذَا فَتكون هَذِه الْجُمْلَة سادة مسد المفعولين وَاخْتلف فِي قَوْله تَعَالَى {إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم} فَقيل التَّقْدِير ينظرُونَ أَيهمْ يكفل مَرْيَم وَقيل يتعرفون وَقيل يَقُولُونَ فالجملة على التَّقْدِير الأول مِمَّا نَحن فِيهِ وعَلى الثَّانِي فِي مَوضِع الْمَفْعُول بِهِ المسرح أَي غير الْمُقَيد بالجار وعَلى الثَّالِث لَيست من بَاب التَّعْلِيق الْبَتَّةَ وَالثَّانِي أَن تكون فِي مَوضِع الْمَفْعُول المسرح نَحْو عرفت من أَبوك وَذَلِكَ لِأَنَّك تَقول عرفت زيدا وَكَذَا علمت من أَبوك إِذا أردْت علم بِمَعْنى عرف وَمِنْه قَول بَعضهم 769 - ( ... أما ترى أَي برق هَا هُنَا) لِأَن رأى البصرية وَسَائِر أَفعَال الْحَواس إِنَّمَا تتعدى لوَاحِد بِلَا خلاف إِلَّا سمع الْمُعَلقَة باسم عين نَحْو سَمِعت زيدا يقْرَأ فَقيل سمع متعدية لاثْنَيْنِ ثَانِيهمَا الْجُمْلَة وَقيل إِلَى وَاحِد وَالْجُمْلَة حَال فَإِن علقت بمسموع فمتعدية لوَاحِد اتِّفَاقًا نَحْو {يَوْم يسمعُونَ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ} وَلَيْسَ من الْبَاب {ثمَّ لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد} خلافًا ليونس لِأَن ننزع لَيْسَ بِفعل قلبِي بل أَي مَوْصُولَة لَا استفهامية وَهِي الْمَفْعُول وضمتها بِنَاء لَا إِعْرَاب وَأَشد خبر لَهو محذوفا وَالْجُمْلَة صلَة الحديث: 769 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 وَالثَّالِث أَن تكون فِي مَوضِع المفعولين نَحْو {ولتعلمن أَيّنَا أَشد عذَابا} {لنعلم أَي الحزبين أحصى} وَمِنْه {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} لِأَن أيا مفعول مُطلق لينقلبون لَا مفعول بِهِ ليعلم لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله ومجموع الْجُمْلَة الفعلية فِي مَحل نصب بِفعل الْعلم وَمِمَّا يوهمون فِي إنشاده وَإِعْرَابه 770 - (ستعلم ليلى أَي دين تداينت ... وَأي غَرِيم للتقاضي غريمها) وَالصَّوَاب فِيهِ نصب أَي الأولى على حد انتصابها فِي {أَي مُنْقَلب} إِلَّا أَنَّهَا مفعول بِهِ لَا مفعول مُطلق وَرفع أَي الثَّانِيَة مُبْتَدأ وَمَا بعْدهَا الْخَبَر وَالْعلم مُعَلّق عَن الجملتين المتعاطفتين الفعلية والاسمية وَاخْتلف فِي نَحْو عرفت زيدا من هُوَ فَقيل جملَة الِاسْتِفْهَام حَال ورد بِأَن الْجمل الإنشائية لَا تكون حَالا وَقيل مفعول ثَان على تضمين عرف معنى علم ورد بِأَن التَّضْمِين لَا ينقاس وَهَذَا التَّرْكِيب مقيس وَقيل بدل من الْمَنْصُوب ثمَّ اخْتلف فَقيل بدل اشْتِمَال وَقيل بدل كل وَالْأَصْل عرفت شَأْن زيد وعَلى القَوْل بِأَن عرف بِمَعْنى علم فَهَل يُقَال إِن الْفِعْل مُعَلّق أم لَا قَالَ جمَاعَة من المغاربة إِذا قلت علمت زيدا لأبوه قَائِم أَو مَا أَبوهُ قَائِم فالعامل مُعَلّق عَن الْجُمْلَة وَهُوَ عَامل فِي محلهَا النصب على أَنَّهَا مفعول ثَان وَخَالف فِي ذَلِك بَعضهم لِأَن الْجُمْلَة حكمهَا فِي مثل هَذَا أَن تكون فِي مَوضِع نصب وَألا يُؤثر الْعَامِل فِي لَفظهَا وَإِن لم يُوجد مُعَلّق وَذَلِكَ نَحْو علمت الحديث: 770 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 زيدا أَبوهُ قَائِم واضطرب فِي ذَلِك كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} فِي سُورَة هود إِنَّمَا جَازَ تَعْلِيق فعل الْبلوى لما فِي الاختبار من معنى الْعلم لِأَنَّهُ طَرِيق إِلَيْهِ فَهُوَ ملابس لَهُ كَمَا تَقول انْظُر أَيهمْ أحسن وَجها واستمع أَيهمْ أحسن صَوتا لِأَن النّظر وَالِاسْتِمَاع من طرق الْعلم اه وَلم أَقف على تَعْلِيق النّظر الْبَصْرِيّ وَالِاسْتِمَاع إِلَّا من جِهَته وَقَالَ فِي تَفْسِير الْآيَة فِي سُورَة الْملك وَلَا يُسمى هَذَا تَعْلِيقا وَإِنَّمَا التَّعْلِيق أَن يُوقع بعد الْعَامِل مَا يسد مسد منصوبيه جَمِيعًا ك علمت أَيهمَا عَمْرو أَلا ترى أَنه لَا يفْتَرق الْحَال بعد تقدم أحد المنصوبين بَين مَجِيء مَاله الصَّدْر وَغَيره وَلَو كَانَ تَعْلِيقا لافترقا كَمَا افْتَرقَا فِي علمت زيدا مُنْطَلقًا وَعلمت أَزِيد منطلق تَنْبِيه فَائِدَة الحكم على مَحل الْجُمْلَة فِي التَّعْلِيق بِالنّصب ظُهُور ذَلِك فِي التَّابِع فَتَقول عرفت من زيد وَغير ذَلِك من أُمُوره وَاسْتدلَّ ابْن عُصْفُور بقول كثير 77 - (وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزة مَا البكا ... وَلَا موجعات الْقلب حَتَّى تولت) بِنصب موجعات وَلَك أَن تَدعِي أَن البكا مفعول وَأَن مَا زَائِدَة أَو أَن الأَصْل وَلَا أَدْرِي موجعات فَيكون من عطف الْجمل أَو أَن الْوَاو للْحَال وموجعات اسْم لَا أَي وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزة وَالْحَال أَنه لَا موجعات للقلب مَوْجُودَة مَا الْبكاء وَرَأَيْت بِخَط الإِمَام بهاء الدّين بن النّحاس رَحمَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 الله أَقمت مُدَّة أَقُول الْقيَاس جَوَاز الْعَطف على مَحل الْجُمْلَة الْمُعَلق عَنْهَا بِالنّصب ثمَّ رَأَيْته مَنْصُوصا اهـ وَمِمَّنْ نَص عَلَيْهِ ابْن مَالك وَلَا وَجه للتوقف فِيهِ مَعَ قَوْلهم إِن الْمُعَلق عَامل فِي الْمحل 4 - الْجُمْلَة الرَّابِعَة الْمُضَاف اليها ومحلها الْجَرّ وَلَا يُضَاف إِلَى الْجُمْلَة إِلَّا ثَمَانِيَة أَحدهَا أَسمَاء الزَّمَان ظروفا كَانَت أَو أَسمَاء نَحْو {وَالسَّلَام عَليّ يَوْم ولدت} وَنَحْو {وأنذر النَّاس يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب} وَنَحْو {لينذر يَوْم التلاق يَوْم هم بارزون} وَنَحْو (هَذَا يَوْم لَا ينطقون) أَلا ترى أَن الْيَوْم ظرف فِي الأولى ومفعول ثَان فِي الثَّانِيَة وَبدل مِنْهُ فِي الثَّالِثَة وَخبر فِي الرَّابِعَة وَيُمكن فِي الثَّالِثَة أَن يكون ظرفا ليخفى من قَوْله تَعَالَى {لَا يخفى على الله مِنْهُم شَيْء} وَمن أَسمَاء الزَّمَان ثَلَاثَة إضافتها إِلَى الْجُمْلَة وَاجِبَة إِذْ بِاتِّفَاق وَإِذا عِنْد الْجُمْهُور وَلما عِنْد من قَالَ باسميتها وَزعم سِيبَوَيْهٍ أَن اسْم الزَّمَان الْمُبْهم إِن كَانَ مُسْتَقْبلا فَهُوَ ك اذا فِي اخْتِصَاصه بالجمل الفعلية وَإِن كَانَ مَاضِيا فَهُوَ ك إِذْ فِي الْإِضَافَة إِلَى الجملتين فَتَقول أتيك زمن يقدم الْحَاج وَلَا يجوز زمن الْحَاج قادم وَتقول آتيتك زمن قدم الْحَاج وزمن الْحَاج قادم ورد عَلَيْهِ دَعْوَى اخْتِصَاص الْمُسْتَقْبل بالفعلية بقوله تَعَالَى {يَوْم هم بارزون} وَبقول الشَّاعِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 77 - (وَكن لي شَفِيعًا يَوْم لَا ذُو شَفَاعَة ... بمغن فتيلا عَن سَواد بن قَارب) وَأجَاب ابْن عُصْفُور عَن الْآيَة بِأَنَّهُ إِنَّمَا يشْتَرط حمل الزَّمَان الْمُسْتَقْبل على إِذا إِذا كَانَ ظرفا وَهِي فِي الْآيَة بدل من الْمَفْعُول بِهِ لَا ظرف وَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الْجَواب فِي الْبَيْت وَالْجَوَاب الشَّامِل لَهما أَن يَوْم الْقِيَامَة لما كَانَ مُحَقّق الْوُقُوع جعل كالماضي فَحمل على إِذْ لَا على إِذا على حد {وَنفخ فِي الصُّور} الثَّانِي حَيْثُ وتختص بذلك عَن سَائِر أَسمَاء الْمَكَان وإضافتها إِلَى الْجُمْلَة لَازِمَة وَلَا يشْتَرط لذَلِك كَونهَا ظرفا وَزعم الْمَهْدَوِيّ شَارِح الدريدية وَلَيْسَ بالمهدوي الْمُفَسّر المقرىء أَن حَيْثُ فِي قَوْله 773 - (ثمت رَاح فِي الملبين إِلَى ... حَيْثُ تحجى المأزمان وَمنى) لما خرجت عَن الظَّرْفِيَّة بِدُخُول إِلَى عَلَيْهَا خرجت عَن الْإِضَافَة إِلَى الْجمل وَصَارَت الْجُمْلَة بعْدهَا صفة لَهَا وتكلف تَقْدِير رابط لَهَا وَهُوَ فِيهِ وَلَيْسَ بِشَيْء لما قدمنَا فِي أَسمَاء الزَّمَان الثَّالِث آيَة بِمَعْنى عَلامَة فَإِنَّهَا تُضَاف جَوَازًا إِلَى الْجُمْلَة الفعلية الْمُتَصَرف فعلهَا مثبتا أَو منفيا بِمَا كَقَوْلِه الحديث: 773 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 774 - (بِآيَة يقدمُونَ الْخَيل شعثا ... ) وَقَوله 775 - ( ... بِآيَة مَا كَانُوا ضعافا وَلَا عزلا) هَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ وَزعم أَبُو الْفَتْح أَنَّهَا إِنَّمَا تُضَاف إِلَى الْمُفْرد نَحْو {آيَة ملكه أَن يأتيكم التابوت} وَقَالَ الأَصْل بِآيَة مَا يقدمُونَ أَي بِآيَة إقدامكم كَمَا قَالَ 776 - ( ... بِآيَة مَا يحبونَ الطعاما) وَفِيه حذف مَوْصُول حرفي غير أَن وَبَقَاء صلته ثمَّ هُوَ غير متأت فِي قَوْله 777 - ( ... بِآيَة مَا كَانُوا ضعافا وَلَا عزلا) الرَّابِع ذُو فِي قَوْلهم اذْهَبْ بِذِي تسلم وَالْبَاء فِي ذَلِك ظرفية وَذي صفة لزمن مَحْذُوف ثمَّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ هِيَ بِمَعْنى صَاحب فالموصوف نكرَة أَي اذْهَبْ فِي وَقت صَاحب سَلامَة أَي فِي وَقت هُوَ مَظَنَّة السَّلامَة وَقيل الحديث: 774 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 بِمَعْنى الَّذِي فالموصوف معرفَة وَالْجُمْلَة صلَة فَلَا مَحل لَهَا وَالْأَصْل اذْهَبْ فِي الْوَقْت الَّذِي تسلم فِيهِ ويضعفه أَن اسْتِعْمَال ذِي مَوْصُولَة مُخْتَصّ بطيىء وَلم ينْقل اخْتِصَاص هَذَا الِاسْتِعْمَال بهم وَأَن الْغَالِب عَلَيْهَا فِي لغتهم الْبناء وَلم يسمع هُنَا إِلَّا الاعراب وَأَن حذف الْعَائِد الْمَجْرُور هُوَ والموصول بِحرف مُتحد الْمَعْنى مَشْرُوط باتحاد الْمُتَعَلّق نَحْو {وَيشْرب مِمَّا تشربون} والمتعلق هُنَا مُخْتَلف وَأَن هَذَا الْعَائِد لم يذكر فِي وَقت وَبِهَذَا الْأَخير يضعف قَول الْأَخْفَش فِي {يَا أَيهَا النَّاس} إِن أيا مَوْصُولَة وَالنَّاس خبر لمَحْذُوف وَالْجُمْلَة صلَة وعائد أَي يامن هم النَّاس على أَنه قد حذف الْعَائِد حذفا لَازِما فِي نَحْو 778 - ( ... وَلَا سِيمَا يَوْم) فِيمَن رفع أَي لَا مثل الَّذِي هُوَ يَوْم وَلم يسمع فِي نَظَائِره ذكر الْعَائِد وَلكنه نَادِر فَلَا يحسن الْحمل عَلَيْهِ وَالْخَامِس وَالسَّادِس لدن وريث فانهما يضافان جَوَازًا إِلَى الْجُمْلَة الفعلية الَّتِي فعلهَا متصرف وَيشْتَرط كَونه مثبتا بِخِلَافِهِ مَعَ آيَة فَأَما لدن فَهِيَ اسْم لمبدأ الْغَايَة زمانية كَانَت أَو مكانية وَمن شواهدها قَوْله 799 - (لزمنا لدن سالمتمونا وفاقكم ... فَلَا يَك مِنْكُم للْخلاف جنوح) وَأما ريث فَهِيَ مصدر راث إِذا أَبْطَأَ وعوملت مُعَاملَة اسماء الزَّمَان فِي الْإِضَافَة الحديث: 778 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 إِلَى الْجُمْلَة كَمَا عوملت المصادر مُعَاملَة أَسمَاء الزَّمَان فِي التَّوْقِيت كَقَوْلِك جئْتُك صَلَاة الْعَصْر قَالَ 780 - (خليلي رفقا ريث أَقْْضِي لبانة ... من العرصات المذكرات عهودا) وَزعم ابْن مَالك فِي كافيته وَشَرحهَا أَن الْفِعْل بعدهمَا على إِضْمَار أَن وَالْأول قَوْله فِي التسهيل وَشَرحه وَقد يعْذر فِي ريث لِأَنَّهَا لَيست زَمَانا بِخِلَاف لدن وَقد يُجَاب بِأَنَّهَا لما كَانَت لمبدأ الغايات مُطلقًا لم تخلص للْوَقْت وَفِي الْغرَّة لِابْنِ الدهان أَن سِيبَوَيْهٍ لَا يرى جَوَاز إضافتها إِلَى الْجُمْلَة وَلِهَذَا قَالَ فِي قَوْله 78 - (من لد شولا ... ) إِن تَقْدِيره من لد أَن كَانَت شولا وَلم يقدر من لد كَانَت وَالسَّابِع وَالثَّامِن قَول وَقَائِل كَقَوْلِه 78 - (قَول يَا للرِّجَال ينْهض منا ... مُسْرِعين الكهول والشبانا) وَقَوله 783 - (وأجبت قَائِل كَيفَ أَنْت ب صَالح ... حَتَّى مللت وملني عوادي) 5 - وَالْجُمْلَة الْخَامِسَة الْوَاقِعَة بعد الْفَاء أَو إِذا جَوَابا لشرط جازم لِأَنَّهَا الحديث: 780 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 لم تصدر بمفرد يقبل الْجَزْم لفظا كَمَا فِي قَوْلك إِن تقم أقِم أَو محلا كَمَا فِي قَوْلك إِن جئتني أكرمتك مِثَال المقرونة بِالْفَاءِ {من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ ويذرهم} وَلِهَذَا قرىء بجزم يذر عطفا على الْمحل وَمِثَال المقرونة بإذا {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} وَالْفَاء الْمقدرَة كالموجودة كَقَوْلِه 784 - (من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها ... ) وَمِنْه عِنْد الْمبرد نَحْو إِن قُمْت أقوم وَقَول زُهَيْر 785 - (وَإِن أَتَاهُ خَلِيل يَوْم مسغبة ... يَقُول لَا غَائِب مَالِي وَلَا حرم) وَهَذَا أحد الْوَجْهَيْنِ عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْوَجْه الآخر أَنه على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فَيكون دَلِيل الْجَواب لَا عينه وَحِينَئِذٍ فَلَا يجْزم مَا عطف عَلَيْهِ وَيجوز أَن يُفَسر ناصبا لما قبل الأداة نَحْو زيدا إِن أَتَانِي أكْرمه وَمنع الْمبرد تَقْدِير التَّقْدِيم محتجا بِأَن الشَّيْء إِذا حل فِي مَوْضِعه لَا ينوى بِهِ غَيره وَإِلَّا لجَاز ضرب غُلَامه زيدا وَإِذا خلا الْجَواب الَّذِي لم يجْزم لَفظه من الْفَاء وَإِذا نَحْو إِن قَامَ زيد قَامَ عَمْرو فَمحل الْجَزْم مَحْكُوم بِهِ للْفِعْل لَا للجملة وَكَذَا القَوْل فِي فعل الشَّرْط قيل وَلِهَذَا جَازَ نَحْو إِن قَامَ ويقعدا أَخَوَاك على إِعْمَال الأول وَلَو كَانَ مَحل الْجَزْم للجملة بأسرها لزم الْعَطف على الْجُمْلَة قبل أَن تكمل الحديث: 784 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 تَنْبِيه قَرَأَ غير أبي عَمْرو {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب فَأَصدق وأكن} بِالْجَزْمِ فَقيل عطف على مَا قبله على تَقْدِير إِسْقَاط الْفَاء وَجزم أصدق وَيُسمى الْعَطف على الْمَعْنى وَيُقَال لَهُ فِي غير الْقُرْآن الْعَطف على التَّوَهُّم وَقيل عطف على مَحل الْفَاء وَمَا بعْدهَا وَهُوَ أصدق وَمحله الْجَزْم لِأَنَّهُ جَوَاب التحضيض ويجزم بإن مقدرَة وَإنَّهُ كالعطف على {من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ ويذرهم} بِالْجَزْمِ وعَلى هَذَا فيضاف إِلَى الضَّابِط الْمَذْكُور أَن يُقَال أَو جَوَاب طلب وَلَا تقيد هَذِه الْمَسْأَلَة بِالْفَاءِ لأَنهم أنشدوا على ذَلِك قَوْله 786 - (فأبلوني بليتكم لعَلي ... أصالحكم واستدرج نويا) وَقَالَ أَبُو عَليّ عطف أستدرج على مَحل الْفَاء الدَّاخِلَة فِي التَّقْدِير على لعَلي وَمَا بعْدهَا قلت فَكَأَن هَذَا هُنَا بِمَنْزِلَة 787 - (من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها ... ) فِي بَاب الشَّرْط وَبعد فالتحقيق أَن الْعَطف فِي الْبَاب من الْعَطف على الْمَعْنى لِأَن الْمَنْصُوب بعد الْفَاء فِي تَأْوِيل الِاسْم فَكيف يكون هُوَ وَالْفَاء فِي مَحل الْجَزْم وسأوضح ذَلِك فِي بَاب أَقسَام الْعَطف 6 - الْجُمْلَة السَّادِسَة التابعة لمفرد وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع الحديث: 786 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 أَحدهَا المنعوت بهَا فَهِيَ فِي مَوضِع رفع فِي نَحْو {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا بيع فِيهِ} وَنصب فِي نَحْو {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ} وجر فِي نَحْو {رَبنَا إِنَّك جَامع النَّاس ليَوْم لَا ريب فِيهِ} وَمن مثل المنصوبة الْمحل {رَبنَا أنزل علينا مائدة من السَّمَاء تكون لنا عيدا} {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ} الْآيَة فجملة {تكون لنا عيدا} صفة لمائدة وَجُمْلَة {تطهرهُمْ وتزكيهم} صفة لصدقة وَيحْتَمل أَن الأولى حَال من ضمير مائدة الْمُسْتَتر فِي من السَّمَاء على تَقْدِيره صفة لَهَا لَا مُتَعَلقا بأنزل أَو من مائدة على هَذَا التَّقْدِير لانها قد وصفت وَأَن الثَّانِيَة حَال من ضمير خُذ وَنَحْو {فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي} أَي وليا وَارِثا وَذَلِكَ فِيمَن رفع يَرث وَأما من جزمه فَهُوَ جَوَاب للدُّعَاء وَمثل ذَلِك {فَأرْسلهُ معي ردْءًا يصدقني} قرىء بِرَفْع يصدق وجزمه وَالثَّانِي المعطوفة بالحرف نَحْو زيد منطلق وَأَبوهُ ذَاهِب إِن قدرت الْوَاو عاطفة على الْخَبَر فَلَو قدرت الْعَطف على الْجُمْلَة فَلَا مَوضِع لَهَا أَو قدرت الْوَاو وَاو الْحَال فَلَا تَبَعِيَّة وَالْمحل نصب وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي قَوْله تَعَالَى {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} الأَصْل فَهِيَ تصبح وَالضَّمِير للقصة وتصبح خَبره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 أَو تصبح بِمَعْنى أَصبَحت وَهُوَ مَعْطُوف على أنزل فَلَا مَحل لَهُ إِذن اهـ وَفِيه إشْكَالَانِ أَحدهمَا أَنه لَا محوج فِي الظَّاهِر لتقدير ضمير الْقِصَّة وَالثَّانِي تَقْدِيره الْفِعْل الْمَعْطُوف على الْفِعْل الْمخبر بِهِ لَا مَحل لَهُ وَجَوَاب الأول أَنه قد يكون قدر الْكَلَام مستأنفا والنحويون يقدرُونَ فِي مثل ذَلِك مُبْتَدأ كَمَا قَالُوا فِي وتشرب اللَّبن فِيمَن رفع إِن التَّقْدِير وَأَنت تشرب اللَّبن وَذَلِكَ إِمَّا لقصدهم إِيضَاح الِاسْتِئْنَاف أَو لِأَنَّهُ لَا يسْتَأْنف إِلَّا على هَذَا التَّقْدِير وَإِلَّا لزم الْعَطف الَّذِي هُوَ مُقْتَضى الظَّاهِر وَجَوَاب الثَّانِي أَن الْفَاء نزلت الجملتين منزلَة الْجُمْلَة الْوَاحِدَة وَلِهَذَا اكْتفى فيهمَا بضمير وَاحِد وحيئذ فَالْخَبَر مجموعهما كَمَا فِي جملتي الشَّرْط وَالْجَزَاء الواقعتين خَبرا وَالْمحل لذَلِك الْمَجْمُوع وَأما كل مِنْهُمَا فجزء الْخَبَر فَلَا مَحل لَهُ فافهمه فَإِنَّهُ بديع وَيجب على هَذَا أَن يدعى أَن الْفَاء فِي ذَلِك وَفِي نَظَائِره من نَحْو زيد يطير الذُّبَاب فيغضب قد أخلصت لِمَعْنى السَّبَبِيَّة وأخرجت عَن الْعَطف كَمَا أَن الْفَاء كَذَلِك فِي جَوَاب الشَّرْط وَفِي نَحْو أحسن إِلَيْك فلَان فَأحْسن إِلَيْهِ وَيكون ذكر أبي الْبَقَاء للْعَطْف تجوزا أَو سَهوا وَمِمَّا يلْحق بِهَذَا الْبَحْث أَنه إِذا قيل قَالَ زيد عبد الله منطلق وَعَمْرو مُقيم فَلَيْسَتْ الْجُمْلَة الأولى فِي مَحل نصب وَالثَّانيَِة تَابِعَة لَهَا بل الجملتان مَعًا فِي مَوضِع نصب وَلَا مَحل لوَاحِدَة مِنْهُمَا لِأَن الْمَقُول مجموعهما وكل مِنْهُمَا جُزْء للمقول كَمَا أَن جزأي الْجُمْلَة الْوَاحِدَة لَا مَحل لوَاحِد مِنْهُمَا بِاعْتِبَار القَوْل فَتَأَمّله الثَّالِث المبدلة كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا يُقَال لَك إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك إِن رَبك لذُو مغْفرَة وَذُو عِقَاب أَلِيم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 ) فَإِن وَمَا عملت فِيهِ بدل من مَا وصلتها وَجَاز إِسْنَاد يُقَال إِلَى الْجُمْلَة كَمَا جَازَ فِي {وَإِذا قيل إِن وعد الله حق والساعة لَا ريب فِيهَا} هَذَا كُله إِن كَانَ الْمَعْنى مَا يَقُول الله لَك إِلَّا مَا قد قيل فَأَما إِن كَانَ الْمَعْنى مَا يَقُول لَك كفار قَوْمك من الْكَلِمَات المؤذية إِلَّا مثل مَا قد قَالَ الْكفَّار الماضون لأنبيائهم وَهُوَ الْوَجْه الَّذِي بَدَأَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيّ فالجملة اسْتِئْنَاف وَمن ذَلِك {وأسروا النَّجْوَى} ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ أفتأتون السحر} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ هَذَا فِي مَوضِع نصب بَدَلا من النَّجْوَى وَيحْتَمل التَّفْسِير وَقَالَ ابْن جني فِي قَوْله 788 - (إِلَى الله أَشْكُو بِالْمَدِينَةِ حَاجَة ... وبالشام أُخْرَى كَيفَ يَلْتَقِيَانِ) جملَة الِاسْتِفْهَام بدل من حَاجَة وَأُخْرَى أَي إِلَى الله أَشْكُو حاجتين تعذر التقائهما 7 - الْجُمْلَة السَّابِعَة التابعة لجملة لَهَا مَحل وَيَقَع ذَلِك فِي بَابي النسق وَالْبدل خَاصَّة فَالْأول نَحْو زيد قَامَ أَبوهُ وَقعد أَخُوهُ إِذا لم تقدر الْوَاو للْحَال وَلَا قدرت الْعَطف على الْجُمْلَة الْكُبْرَى وَالثَّانِي شَرطه كَون الثَّانِيَة أوفى من الأولى بتأدية الْمَعْنى المُرَاد نَحْو وَاتَّقوا الحديث: 788 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 الَّذِي أمدكم بِمَا تعلمُونَ أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون) فَإِن دلَالَة الثَّانِيَة على نعم الله مفصلة بِخِلَاف الأولى وَقَوله 789 - (أَقُول لَهُ ارحل لَا تقيمن عندنَا ... ) فَإِن دلَالَة الثَّانِيَة على مَا أَرَادَهُ من إِظْهَار الْكَرَاهِيَة لإقامته بالمطابقة بِخِلَاف الأولى قيل وَمن ذَلِك قَوْله 790 - (ذكرتك والخطي يخْطر بَيْننَا ... وَقد نهلت منا المثقفة السمر) فَإِنَّهُ أبدل وَقد نهلت من قَوْله والخطي يخْطر بَيْننَا بدل اشْتِمَال اهـ وَلَيْسَ مُتَعَيّنا لجَوَاز كَونه من بَاب النسق على أَن تقدر الْوَاو للْعَطْف وَيجوز أَن تقدر وَاو الْحَال وَتَكون الْجُمْلَة حَالا إِمَّا من فَاعل ذكرتك على الْمَذْهَب الصَّحِيح فِي جَوَاز ترادف الْأَحْوَال وَإِمَّا من فَاعل يخْطر فَتكون الحالان متداخلتين والرابط على هَذَا الْوَاو وإعادة صَاحب الْحَال بِمَعْنَاهُ فَإِن المثقفة السمر هِيَ الرماح وَمن غَرِيب هَذَا الْبَاب قَوْلك قلت لَهُم قومُوا أولكم وآخركم زعم ابْن مَالك أَن التَّقْدِير ليقمْ أولكم وآخركم وَأَنه من بَاب بدل الْجُمْلَة من الْجُمْلَة لَا الْمُفْرد من الْمُفْرد كَمَا قَالَ فِي الْعَطف فِي نَحْو اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة {لَا نخلفه نَحن وَلَا أَنْت مَكَانا سوى} الحديث: 789 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 ) و {لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُود لَهُ بولده} تَنْبِيه هَذَا الَّذِي ذكرته من انحصار الْجمل الَّتِي لَهَا مَحل فِي سبع جَار على مَا قرروا وَالْحق أَنَّهَا تسع وَالَّذِي أهملوه الْجُمْلَة المستثناة وَالْجُمْلَة الْمسند إِلَيْهَا أما الأولى فنحو {لست عَلَيْهِم بمصيطر إِلَّا من تولى وَكفر فيعذبه الله} قَالَ ابْن خروف من مُبْتَدأ ويعذبه الله الْخَبَر وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع نصب على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع وَقَالَ الْفراء فِي قِرَاءَة بَعضهم {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} إِن قَلِيل مُبْتَدأ حذف خَبره أَي لم يشْربُوا وَقَالَ جمَاعَة فِي {إِلَّا امْرَأَتك} بِالرَّفْع إِنَّه مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة بعده خبر وَلَيْسَ من ذَلِك نَحْو مَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا زيد خير مِنْهُ لِأَن الْجُمْلَة هُنَا حَال من أحد بِاتِّفَاق أَو صفة لَهُ عِنْد الْأَخْفَش وكل مِنْهُمَا قد مضى ذكره وَكَذَلِكَ الْجُمْلَة فِي {إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون الطَّعَام} فَإِنَّهَا حَال وَفِي نَحْو مَا علمت زيدا إِلَّا يفعل الْخَيْر فَإِنَّهَا مفعول وكل ذَلِك قد ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 وَأما الثَّانِيَة فنحو {سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم} الْآيَة إِذا أعرب سَوَاء خَبرا وأنذرتهم مُبْتَدأ وَنَحْو تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ إِذا لم تقدر الأَصْل أَن تسمع بل يقدر تسمع قَائِما مقَام السماع كَمَا أَن الْجُمْلَة بعد الظّرْف فِي نَحْو {وَيَوْم نسير الْجبَال} وَفِي نَحْو أأنذرتهم فِي تَأْوِيل الْمصدر وَإِن لم يكن مَعَهُمَا حرف سابك وَاخْتلف فِي الْفَاعِل ونائبه هَل يكونَانِ جملَة أم لَا فَالْمَشْهُور الْمَنْع مُطلقًا وَأَجَازَهُ هِشَام وثعلب مُطلقًا نَحْو يُعجبنِي قَامَ زيد وَفصل الْفراء وَجَمَاعَة ونسبوه لسيبويه فَقَالُوا إِن كَانَ الْفِعْل قلبيا وَوجد مُعَلّق عَن الْعَمَل نَحْو ظهر لي أَقَامَ زيد صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وحملوا عَلَيْهِ {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات ليسجننه حَتَّى حِين} وَمنعُوا يُعجبنِي يقوم زيد وأجازهما هِشَام وثعلب واحتجا بقوله 79 - (وَمَا راعني إِلَّا يسير بشرطة ... ) وَمنع الْأَكْثَرُونَ ذَلِك كُله وَأولُوا مَا ورد مِمَّا يُوهِمهُ فَقَالُوا فِي بدا ضمير البداء وَتسمع ويسير على إِضْمَار أَن وَأما قَوْله تَعَالَى {وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض} وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه كنز من كنوز الْجنَّة وَقَول الْعَرَب زَعَمُوا مَطِيَّة الْكَذِب فَلَيْسَ من بَاب الْإِسْنَاد إِلَى الْجُمْلَة لما بَينا فِي غير هَذَا الْموضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 حكم الْجمل بعد المعارف وَبعد النكرات يَقُول المعربون على سَبِيل التَّقْرِيب الْجمل بعد النكرات صِفَات وَبعد المعارف أَحْوَال وَشرح الْمَسْأَلَة مستوفاة أَن يُقَال الْجمل الخبرية الَّتِي لم يستلزمها مَا قبلهَا إِن كَانَت مرتبطة بنكرة مَحْضَة فَهِيَ صفة لَهَا أَو بِمَعْرِِفَة مَحْضَة فَهِيَ حَال عَنْهَا أَو بِغَيْر الْمَحْضَة مِنْهُمَا فَهِيَ مُحْتَملَة لَهما وكل ذَلِك بِشَرْط وجود الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاء الْمَانِع مِثَال النَّوْع الأول وَهُوَ الْوَاقِع صفة لَا غير لوُقُوعه بعد النكرات الْمَحْضَة قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} {لم تعظون قوما الله مهلكهم أَو معذبهم} {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا بيع فِيهِ} وَمِنْه {حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة استطعما أَهلهَا} وَإِنَّمَا أُعِيد ذكر الْأَهْل لِأَنَّهُ لَو قيل استطعماهم مَعَ أَن المُرَاد وصف الْقرْيَة لزم خلو الصّفة من ضمير الْمَوْصُوف وَلَو قيل استطعماها كَانَ مجَازًا وَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْوَجْه أولى من أَن تقدر الْجُمْلَة جَوَابا لإذا لِأَن تكْرَار الظَّاهِر يعرى حِينَئِذٍ عَن هَذَا الْمَعْنى وَأَيْضًا فَلِأَن الجوابب فِي قصَّة الْغُلَام {قَالَ أقتلت} لَا قَوْله {فَقتله} لِأَن الْمَاضِي المقرون بِالْفَاءِ لَا يكون جَوَابا فَلْيَكُن {قَالَ} فِي هَذِه الْآيَة أَيْضا جَوَابا وَمِثَال النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ الْوَاقِع حَالا لَا غير لوُقُوعه بعد المعارف الْمَحْضَة {وَلَا تمنن تستكثر} {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 وَمِثَال النَّوْع الثَّالِث وَهُوَ الْمُحْتَمل لَهما بعد النكرَة {وَهَذَا ذكر مبارك أَنزَلْنَاهُ} فلك أَن تقدر الْجُمْلَة صفة للنكرة وَهُوَ الظَّاهِر وَلَك أَن تقدرها حَالا مِنْهَا لِأَنَّهَا قد تخصصت بِالْوَصْفِ وَذَلِكَ يقربهَا من الْمعرفَة حَتَّى إِن أَبَا الْحسن أجَاز وصفهَا بالمعرفة فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {فآخران يقومان مقامهما من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان} إِن {الأوليان} صفة لآخران لوصفه بيقومان وَلَك أَن تقدرها حَالا من الْمعرفَة وَهُوَ الضَّمِير فِي {مبارك} إِلَّا أَنه قد يضعف من حَيْثُ الْمَعْنى وَجها الْحَال أما الأول فَلِأَن الْإِشَارَة إِلَيْهِ لم تقع فِي حَالَة الْإِنْزَال كَمَا وَقعت الْإِشَارَة إِلَى البعل فِي حَالَة الشيخوخة فِي {وَهَذَا بعلي شَيخا} وَأما الثَّانِي فلاقتضائه تَقْيِيد الْبركَة بِحَالَة الْإِنْزَال وَتقول مَا فِيهَا أحد يقْرَأ فَيجوز الْوَجْهَانِ أَيْضا لزوَال الْإِبْهَام عَن النكرَة بعمومها وَمِثَال النَّوْع الرَّابِع وَهُوَ الْمُحْتَمل لَهما بعد الْمعرفَة {كَمثل الْحمار يحمل أسفارا} فَإِن الْمُعَرّف الجنسي يقرب فِي الْمَعْنى من النكرَة فَيصح تَقْدِير {يحمل} حَالا أَو وَصفا وَمثله {وَآيَة لَهُم اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار} وَقَوله 79 - (وَلَقَد أَمر على اللثيم يسبني ... ) وَقد اشْتَمَل الضَّابِط الْمَذْكُور على قيود أَحدهَا كَون الْجُمْلَة خبرية واحترزت بذلك من نَحْو هَذَا عبد بعتكه تُرِيدُ بِالْجُمْلَةِ الْإِنْشَاء وَهَذَا عَبدِي بعتكه كَذَلِك فَإِن الجملتين مستأنفتان لِأَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 الْإِنْشَاء لَا يكون نعتا وَلَا حَالا وَيجوز أَن يَكُونَا خبرين آخَرين إِلَّا عِنْد من منع تعدد الْخَبَر مُطلقًا وَهُوَ اخْتِيَار ابْن عُصْفُور وَعند من منع تعدده مُخْتَلفا بِالْإِفْرَادِ وَالْجُمْلَة وَهُوَ أَبُو عَليّ وَعند من منع وُقُوع الْإِنْشَاء خَبرا وهم طَائِفَة من الْكُوفِيّين وَمن الْجمل مَا يحْتَمل الإنشائية والخبرية فيختلف الحكم باخْتلَاف التَّقْدِير وَله أَمْثِلَة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} فَإِن جملَة {أنعم الله عَلَيْهِمَا} تحْتَمل الدُّعَاء فَتكون مُعْتَرضَة والإخبار فَتكون صفة ثَانِيَة ويضعف من حَيْثُ الْمَعْنى أَن تكون حَالا وَلَا يضعف فِي الصِّنَاعَة لوصفها بالظرف وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أَو جاؤوكم حصرت صُدُورهمْ} فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن {حصرت صُدُورهمْ} جملَة خبرية ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ جمَاعَة مِنْهُم الْأَخْفَش هِيَ حَال من فَاعل جَاءَ على إِضْمَار قد وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة الْحسن {حصرت صُدُورهمْ} وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ صفة لِئَلَّا يحْتَاج إِلَى إِضْمَار قد ثمَّ اخْتلفُوا فَقيل الْمَوْصُوف مَنْصُوب مَحْذُوف أَي قوما حصرت صُدُورهمْ وَرَأَوا أَن إِضْمَار الِاسْم أسهل من إِضْمَار حرف الْمَعْنى وَقيل مخفوض مَذْكُور وهم قوم الْمُتَقَدّم ذكرهم فَلَا إِضْمَار الْبَتَّةَ وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض وَيُؤَيِّدهُ أَنه قرىء بِإِسْقَاط {أَو} وعَلى ذَلِك فَيكون {جاؤوكم} صفة لقوم وَيكون {حصرت} صفة ثَانِيَة وَقيل بدل اشْتِمَال من {جاؤوكم} لِأَن الْمَجِيء مُشْتَمل على الْحصْر وَفِيه بعد لِأَن الْحصْر من صفة الجائين وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد الْجُمْلَة إنشائية مَعْنَاهَا الدُّعَاء مثل {غلت أَيْديهم} فَهِيَ مستأنفة ورد بِأَن الدُّعَاء عَلَيْهِم بِضيق قُلُوبهم عَن قتال قَومهمْ لَا يتَّجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة} فَإِنَّهُ يجوز أَن تقدر لَا ناهية ونافية وعَلى الأول فَهِيَ مقولة لقَوْل مَحْذُوف هُوَ الصّفة أَي فتْنَة مقولا فِيهَا ذَلِك ويرجحه أَن توكيد الْفِعْل بالنُّون بعد لَا الناهية قِيَاس نَحْو {وَلَا تحسبن الله غافلا} وعَلى الثَّانِي فَهِيَ صفة لفتنة ويرجحه سَلَامَته من تَقْدِير الْقَيْد الثَّانِي صلاحيتها للاستغناء عَنْهَا وَخرج بذلك جملَة الصِّلَة وَجُمْلَة الْخبز وَالْجُمْلَة المحكية بالْقَوْل فَإِنَّهَا لَا يسْتَغْنى عَنْهَا بِمَعْنى أَن معقولية القَوْل متوقفة عَلَيْهَا وَأَشْبَاه ذَلِك الْقَيْد الثَّالِث وجود الْمُقْتَضِي واحترزت بذلك عَن نَحْو {فَعَلُوهُ} من قَوْله تَعَالَى {وكل شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزبر} فَإِنَّهُ صفة لكل أَو لشَيْء وَلَا يَصح أَن يكون حَالا من كل مَعَ جَوَاز الْوَجْهَيْنِ فِي نَحْو أكْرم كل رجل جَاءَك لعدم مَا يعْمل فِي الْحَال وَلَا يكون خَبرا لأَنهم لم يَفْعَلُوا كل شَيْء وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {لَوْلَا كتاب من الله سبق} يتَعَيَّن كَون {سبق} صفة ثَانِيَة لَا حَالا من الْكتاب لِأَن الِابْتِدَاء لَا يعْمل فِي الْحَال وَلَا من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي الْخَبَر الْمَحْذُوف لِأَن أَبَا الْحسن حكى أَن الْحَال لَا يذكر بعد لَوْلَا كَمَا لَا يذكر الْخَبَر وَلَا يكون خَبرا لما أَشَرنَا إِلَيْهِ وَلَا ينْقض الأول بقوله لَوْلَا رَأسك مدهونا وَلَا الثَّانِي بقول الزبير رَضِي الله عَنهُ 793 - (وَلَوْلَا بنوها حولهَا لخبطتها ... ) الحديث: 793 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 لندورهما وَأما قَول ابْن الشجري فِي {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم} إِن عَلَيْكُم خبر فمردود بل هُوَ مُتَعَلق بالمبتدأ وَالْخَبَر مَحْذُوف الْقَيْد الرَّابِع انْتِفَاء الْمَانِع وَالْمَانِع أَرْبَعَة أَنْوَاع أَحدهَا مَا يمْنَع حَالية كَانَت متعينة لَوْلَا وجوده وَيتَعَيَّن حِينَئِذٍ الِاسْتِئْنَاف نَحْو زارني زيد سأكافئه أَو لن أنسى لَهُ ذَلِك فَإِن الْجُمْلَة بعد الْمعرفَة الْمَحْضَة حَال وَلَكِن السِّين وَلنْ مانعان لِأَن الحالية لَا تصدر بِدَلِيل اسْتِقْبَال وَأما قَول بَعضهم فِي {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سيهدين} إِن {سيهدين} حَال كَمَا تَقول سأذهب مهديا فسهو وَالثَّانِي مَا يمْنَع وَصفِيَّة كَانَت متعينة لَوْلَا وجود الْمَانِع وَيمْتَنع فِيهِ الِاسْتِئْنَاف لِأَن الْمَعْنى على تَقْيِيد الْمُتَقَدّم فَيتَعَيَّن الحالية بعد أَن كَانَت ممتنعة وَذَلِكَ نَحْو {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم} {أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة وَهِي خاوية} وَقَوله 794 - (مضى زمن وَالنَّاس يستشفعون بِي ... ) والمعارض فِيهِنَّ الْوَاو فَإِنَّهَا لَا تعترض بَين الْمَوْصُوف وَصفته خلافًا للزمخشري وَمن وَافقه وَالثَّالِث مَا يمنعهما مَعًا نَحْو {وحفظا من كل شَيْطَان مارد لَا يسمعُونَ} وَقد مضى الْبَحْث فِيهَا وَالرَّابِع مَا يمْنَع أَحدهمَا دون الآخر وَلَوْلَا الْمَانِع لكانا جائزين وَذَلِكَ نَحْو مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا قَالَ خيرا فَإِن جملَة الحديث: 794 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 القَوْل كَانَت قبل وجود إِلَّا مُحْتَملَة للوصفية والحالية وَلما جَاءَت إِلَّا امْتنعت الوصفية وَمثله {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون} وَأما {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم} فللوصفية مانعان الْوَاو وَإِلَّا وَلم ير الزَّمَخْشَرِيّ وَأَبُو الْبَقَاء وَاحِدًا مِنْهُمَا مَانِعا وَكَلَام النَّحْوِيين بِخِلَاف ذَلِك قَالَ الْأَخْفَش لَا تفصل إِلَّا بَين الْمَوْصُوف وَصفته فَإِن قلت مَا جَاءَنِي رجل إِلَّا رَاكب فالتقدير إِلَّا رجل رَاكب يَعْنِي أَن رَاكِبًا صفة لبدل مَحْذُوف قَالَ وَفِيه قبح لجعلك الصّفة كالاسم يَعْنِي فِي إيلائك إِيَّاهَا الْعَامِل وَقَالَ الْفَارِسِي لَا يجوز مَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا قَائِم فَإِن قلت إِلَّا قَائِما جَازَ وَمثل ذَلِك قَوْله 795 - (وقائلة تخشى عَليّ أَظُنهُ ... سيودي بِهِ ترحاله وجعائله) فَإِن جملَة تخشى عَليّ حَال من الضَّمِير فِي قائلة وَلَا يجوز أَن يكون صفة لَهَا لِأَن اسْم الْفَاعِل لَا يُوصف قبل الْعَمَل وَالله أعلم الحديث: 795 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 الْبَاب الثَّالِث فِي ذكر أَحْكَام مَا يشبه الْجُمْلَة وَهُوَ الظّرْف وَالْجَار وَالْمَجْرُور ذكر حكمهمَا فِي التَّعَلُّق لَا بُد من تعلقهما بِالْفِعْلِ أَو مَا يُشبههُ أَو مَا أول بِمَا يُشبههُ أَو مَا يُشِير إِلَى مَعْنَاهُ فَإِن لم يكن شَيْء من هَذِه الْأَرْبَعَة مَوْجُودا قدر كَمَا سَيَأْتِي وَزعم الْكُوفِيُّونَ وابنا طَاهِر وخروف أَنه لَا تَقْدِير فِي نَحْو زيد عنْدك وَعَمْرو فِي الدَّار ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ ابْنا طَاهِر وخروف الناصب الْمُبْتَدَأ وزعما أَنه يرفع الْخَبَر إِذا كَانَ عينه نَحْو زيد أَخُوك وينصبه إِذا كَانَ غَيره وَأَن ذَلِك مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الناصب أَمر معنوي وَهُوَ كَونهمَا مخالفين للمبتدأ وَلَا معول على هذَيْن المذهبين مِثَال التَّعَلُّق بِالْفِعْلِ وبشبهه قَوْله تَعَالَى {أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم} وَقَول ابْن دُرَيْد 796 - (واشتعل المبيض فِي مسوده ... مثل اشتعال النَّار فِي جزل الغضى) الحديث: 796 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 وَقد تقدر فِي الأول مُتَعَلقَة بالمبيض فَيكون تعلق الجارين بِالِاسْمِ وَلَكِن تعلق الثَّانِي بالاشتعال يرجح تعلق الأول بِفِعْلِهِ لِأَن أتم لِمَعْنى التَّشْبِيه وَقد يجوز تعلق فِي الثَّانِيَة بِكَوْن مَحْذُوف حَالا من النَّار ويبعده أَن الأَصْل عدم الْحَذف وَمِثَال التَّعَلُّق بِمَا أول بمشبه الْفِعْل قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} أَي وَهُوَ الَّذِي هُوَ إِلَه فِي السَّمَاء فَفِي مُتَعَلقَة بإله وَهُوَ اسْم غير صفة بِدَلِيل أَنه يُوصف فَتَقول إِلَه وَاحِد وَلَا يُوصف بِهِ لَا يُقَال شَيْء إِلَه وَإِنَّمَا صَحَّ التَّعَلُّق بِهِ لتأوله بمعبود وإله خبر لَهو محذوفا وَلَا يجوز تَقْدِير إِلَه مُبْتَدأ مخبرا عَنهُ بالظرف أَو فَاعِلا بالظرف لِأَن الصِّلَة حِينَئِذٍ خَالِيَة من الْعَائِد وَلَا يحسن تَقْدِير الظّرْف صلَة وإله بَدَلا من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِيهِ وَتَقْدِير {وَفِي الأَرْض إِلَه} مَعْطُوفًا كَذَلِك لتَضَمّنه الْإِبْدَال من ضمير الْعَائِد مرَّتَيْنِ وَفِيه بعد حَتَّى قيل بامتناعه وَلِأَن الْحمل على الْوَجْه الْبعيد يَنْبَغِي أَن يكون سَببه التَّخَلُّص بِهِ من مَحْذُور فَأَما أَن يكون هُوَ موقعا فِيمَا يحوج إِلَى تأويلين فَلَا وَلَا يجوز على هَذَا الْوَجْه أَن يكون {وَفِي الأَرْض إِلَه} مُبْتَدأ وخبرا لِئَلَّا يلْزم فَسَاد الْمَعْنى إِن استؤنف وخلو الصِّلَة من عَائِد إِن عطف وَمن ذَلِك أَيْضا قَوْله 797 - (وَإِن لساني شهدة يشتفى بهَا ... وَهُوَ على من صبه الله علقم) أَصله علقم عَلَيْهِ فعلى المحذوفة مُتَعَلقَة بصبه والمذكورة مُتَعَلقَة بعلقم لتأوله الحديث: 797 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 بصعب أَو شاق أَو شَدِيد وَمن هُنَا كُنَّا الْحَذف شاذا لاخْتِلَاف متعلقي جَار الْمَوْصُول وجار الْعَائِد وَمِثَال التَّعَلُّق بِمَا فِيهِ رَائِحَته قَوْله 798 - (أَنا أَبُو الْمنْهَال بعض الأحيان) وَقَوله 799 - (أَنا ابْن ماوية إِذْ جد النقر) فَتعلق بعض وَإِذ بالاسمين العلمين لَا لتأولهما باسم يشبه الْفِعْل بل لما فيهمَا من معنى قَوْلك الشجاع أَو الْجواد وَتقول فلَان حَاتِم فِي قومه فَتعلق الظّرْف بِمَا فِي حَاتِم من معنى الْجُود وَمن هُنَا رد على الْكسَائي فِي استدلاله على إِعْمَال اسْم الْفَاعِل المصغر بقول بَعضهم أظنني مرتحلا وسويرا فرسخا وعَلى سِيبَوَيْهٍ فِي استدلاله على إِعْمَال فعيل بقوله 800 - (حَتَّى شآها كليل موهنا عمل ... ) الحديث: 798 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 وَذَلِكَ أَن فرسخا ظرف مَكَان وموهنا ظرف زمَان والظرف يعْمل فِيهِ رَوَائِح الْفِعْل بِخِلَاف الْمَفْعُول بِهِ ويوضح كَون الموهن لَيْسَ مَفْعُولا بِهِ أَن كليلا من كل وَفعله لَا يتَعَدَّى عَن سِيبَوَيْهٍ بِأَن كليلا بِمَعْنى مكل وَكَأن الْبَرْق يكل الْوَقْت بدوامه فِيهِ كَمَا يُقَال أَتعبت يَوْمك أَو بِأَنَّهُ إِنَّمَا اسْتشْهد بِهِ على أَن فَاعِلا يعدل إِلَى فعيل للْمُبَالَغَة وَلم يسْتَدلّ بِهِ على الإعمال وَهَذَا أقرب فَإِن فِي الأول حمل الْكَلَام على الْمجَاز مَعَ إِمْكَان حمله على الْحَقِيقَة وَقَالَ ابْن مَالك فِي قَول الشَّاعِر 80 - ( ... وَنعم من هُوَ فِي سر وإعلان) يجوز كَون من مَوْصُولَة فاعلة بنعم وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره هُوَ أُخْرَى مقدرَة وَفِي مُتَعَلقَة بالمقدرة لِأَن فِيهَا معنى الْفِعْل أَي الَّذِي هُوَ مَشْهُور انْتهى وَالْأولَى أَن يكون الْمَعْنى هُوَ ملازم لحالة وَاحِدَة فِي سر وإعلان وَقدر أَبُو عَليّ من هَذِه تمييزا وَالْفَاعِل مستتر وَقد أُجِيز فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض} تعلقه باسم الله تَعَالَى وَإِن كَانَ علما على معنى وَهُوَ المعبود أَو وَهُوَ الْمُسَمّى بِهَذَا الِاسْم وأجيز تعلقه ب {يعلم} وب {سركم} و {جهركم} وبخبر مَحْذُوف قدره الزَّمَخْشَرِيّ ب عَالم ورد الثَّانِي بِأَن فِيهِ تَقْدِيم مَعْمُول الْمصدر وتنازع عاملين فِي مُتَقَدم وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْمصدر هُنَا لَيْسَ مُقَدرا بِحرف مصدري وصلته وَلِأَنَّهُ قد جَاءَ نَحْو {بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} والظرف مُتَعَلق بِأحد الوصفين قطعا فَكَانَ هُنَا ورد أَبُو حَيَّان الثَّالِث بِأَن فِي لَا تدل على عَالم وَنَحْوه من الأكوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 الْخَاصَّة وَكَذَا رد على تقديرهم فِي {فطلقوهن لعدتهن} مستقبلات لعدتهن وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن الدَّلِيل مَا جرى فِي الْكَلَام من ذكر الْعلم فَإِن بعده {يعلم سركم وجهركم} وَلَيْسَ الدَّلِيل حرف الْجَرّ وَيُقَال لَهُ إِذا كنت تجيز الْحَذف للدليل الْمَعْنَوِيّ مَعَ عدم مَا يسد مسده فَكيف تَمنعهُ مَعَ وجود مَا يسد وَإِنَّمَا اشترطوا الْكَوْن الْمُطلق لوُجُوب الْحَذف لَا لجوازه وَمِثَال التَّعَلُّق بالمحذوف {وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا} بِتَقْدِير وَأَرْسَلْنَا وَلم يتَقَدَّم ذكر الْإِرْسَال وَلَكِن ذكر النَّبِي والمرسل إِلَيْهِم يدل على ذَلِك وَمثله {فِي تسع آيَات إِلَى فِرْعَوْن} فَفِي وَإِلَى متعلقان باذهب محذوفا {وبالوالدين إحسانا} أَي وأحسنوا بالوالدين إحسانا مثل {وَقد أحسن بِي} أَو وصيناهم بالوالدين إحسانا مثل {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا} وَمِنْه بَاء الْبَسْمَلَة هَل يتعلقان بِالْفِعْلِ النَّاقِص من زعم أَنه لَا يدل على الْحَدث منع من ذَلِك وهم الْمبرد فالفارسي فَابْن جني فالجرجاني فَابْن برهَان ثمَّ الشلوبين وَالصَّحِيح أَنَّهَا كلهَا دَالَّة عَلَيْهِ إِلَّا لَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 وَاسْتدلَّ لمثبتي ذَلِك التَّعَلُّق بقوله تَعَالَى {أَكَانَ للنَّاس عجبا أَن أَوْحَينَا} فَإِن اللَّام لَا تتَعَلَّق بعجبا لِأَنَّهُ مصدر مُؤخر وَلَا بأوحينا لفساد الْمَعْنى وَلِأَنَّهُ صلَة لِأَن وَقد مضى عَن قريب أَن الْمصدر الَّذِي لَيْسَ فِي تَقْدِير حرف مَوْصُول وَلَا صلته لَا يمْتَنع التَّقْدِيم عَلَيْهِ وَيجوز أَيْضا أَن تكون مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف هُوَ حَال من عجبا على قَوْله 80 - (لمية موحشا طلل ... ) هَل يتعلقان بِالْفِعْلِ الجامد زعم الْفَارِسِي فِي قَوْله 803 - (وَنعم مزكأ من ضَاقَتْ مذاهبه ... وَنعم من هُوَ فِي سر وإعلان) أَن من نكرَة تَامَّة تَمْيِيز لفاعل نعم مستترا كَمَا قَالَ هُوَ وَطَائِفَة فِي مَا من نَحْو {فَنعما هِيَ} وَأَن الظّرْف مُتَعَلق بنعم وَزعم ابْن مَالك أَنَّهَا مَوْصُولَة فَاعل وَأَن هُوَ مُبْتَدأ خَبره هُوَ أُخْرَى مقدرَة على حد 804 - ( ... وشعري شعري) وَأَن الظّرْف مُتَعَلق بهو المحذوفة لتضمنها معنى الْفِعْل أَي وَنعم الَّذِي هُوَ بَاقٍ على وده فِي سره وإعلانه وَأَن الْمَخْصُوص مَحْذُوف أَي بشر بن مَرْوَان وَعِنْدِي أَن يقدر الْمَخْصُوص هُوَ لتقدم ذكر بشر فِي الْبَيْت قبله وَهُوَ الحديث: 803 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 (وَكَيف أرهب أمرا أَو أراع بِهِ ... وَقد زكأت إِلَى بشر بن مَرْوَان) فَيبقى التَّقْدِير حِينَئِذٍ هُوَ هُوَ هُوَ هَل يتعلقان بأحرف الْمعَانِي الْمَشْهُور منع ذَلِك مُطلقًا وَقيل بِجَوَازِهِ مُطلقًا وَفصل بَعضهم فَقَالَ إِن كَانَ نَائِبا عَن فعل حذف جَازَ ذَلِك على سَبِيل النِّيَابَة لَا الْأَصَالَة وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ قَول أبي عَليّ وَأبي الْفَتْح زعما فِي نَحْو يَا لزيد أَن اللَّام مُتَعَلقَة بيا بل قَالَا فِي يَا عبد الله إِن النصب بيا وَهُوَ نَظِير قَوْلهمَا فِي قَوْله 805 - (أَبَا خراشة أما أَنْت ذَا نفر ... ) إِن مَا الزَّائِدَة هِيَ الرافعة الناصبة لَا كَانَ المحذوفة وَأما الَّذين قَالُوا بِالْجَوَازِ مُطلقًا فَقَالَ بَعضهم فِي قَول كَعْب بن زُهَيْر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ 806 - (وَمَا سعاد غَدَاة الْبَين إِذْ رحلوا ... إِلَّا أغن غضيض الطّرف مَكْحُول) غَدَاة الْبَين ظرف للنَّفْي أَي انْتَفَى كَونهَا فِي هَذَا الْوَقْت إِلَّا كأغن وَقَالَ ابْن الْحَاجِب فِي {وَلنْ ينفعكم الْيَوْم إِذْ ظلمتم} إِذْ بدل من الْيَوْم وَالْيَوْم إِمَّا ظرف الحديث: 805 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 للنفع الْمَنْفِيّ وَإِمَّا لما فِي لن من معنى النَّفْي أَي انْتَفَى فِي هَذَا الْيَوْم النَّفْع فالمنفي نفع مُطلق وعَلى الأول نفع مُقَيّد بِالْيَوْمِ وَقَالَ أَيْضا إِذا قلت مَا ضَربته للتأديب فَإِن قصدت نفي ضرب مُعَلل بالتأديب فَاللَّام مُتَعَلقَة بِالْفِعْلِ والمنفي ضرب مَخْصُوص وللتأديب تَعْلِيل للضرب الْمَنْفِيّ وَإِن قصدت نفي الضَّرْب على كل حَال فَاللَّام مُتَعَلقَة بِالنَّفْيِ وَالتَّعْلِيل لَهُ أَي إِن انْتِفَاء الضَّرْب كَانَ لأجل التَّأْدِيب لِأَنَّهُ قد يُؤَدب بعض النَّاس بترك الضَّرْب وَمثله فِي التَّعَلُّق بِحرف النَّفْي مَا أكرمت الْمُسِيء لتأديبه وَمَا أهنت المحسن لمكافأته إِذْ لَو علق هَذَا بِالْفِعْلِ فسد الْمَعْنى المُرَاد وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون} الْبَاء مُتَعَلقَة بِالنَّفْيِ إِذْ لَو علقت بمجنون لأفاد نفي جُنُون خَاص وَهُوَ الْجُنُون الَّذِي يكون من نعْمَة الله تَعَالَى وَلَيْسَ فِي الْوُجُود جُنُون هُوَ نعْمَة وَلَا المُرَاد نفي جُنُون خَاص اهـ مُلَخصا وَهُوَ كَلَام بديع إِلَّا أَن جُمْهُور النَّحْوِيين لَا يوافقون على صِحَة التَّعَلُّق بالحرف فَيَنْبَغِي على قَوْلهم أَن يقدر أَن التَّعَلُّق بِفعل دلّ عَلَيْهِ النَّافِي أَي انْتَفَى ذَلِك بِنِعْمَة رَبك وَقد ذكرت فِي شرحي لقصيدة كَعْب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن الْمُخْتَار تعلق الظّرْف بِمَعْنى التَّشْبِيه الَّذِي تضمنه الْبَيْت وَذَلِكَ على أَن الأَصْل وَمَا كسعاد إِلَّا ظَبْي أغن على التَّشْبِيه المعكوس للْمُبَالَغَة لِئَلَّا يكون الظّرْف مُتَقَدما فِي التَّقْدِير على اللَّفْظ الْحَامِل لِمَعْنى التَّشْبِيه وَهَذَا الْوَجْه هُوَ اخْتِيَار ابْن عمرون وَإِذا جَازَ لحرف التَّشْبِيه أَن يعْمل فِي الْحَال فِي نَحْو قَوْله 807 - (كَأَن قُلُوب الطير رطبا ويابسا ... لَدَى وَكرها الْعنَّاب والحشف الْبَالِي) مَعَ أَن الْحَال شَبيهَة بالمفعول بِهِ فعمله فِي الظّرْف أَجْدَر الحديث: 807 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 فَإِن قلت لَا يلْزم من صِحَة إِعْمَال الْمَذْكُور صِحَة إِعْمَال الْمُقدر لِأَنَّهُ أَضْعَف قلت قد قَالُوا زيد زُهَيْر شعرًا وحاتم جودا وَقيل فِي الْمَنْصُوب فيهمَا إِنَّه حَال أَو تَمْيِيز وَهُوَ الظَّاهِر وأيا كَانَ فالحجة قَائِمَة بِهِ وَقد جَاءَ أبلغ من ذَلِك وَهُوَ إعماله فِي الْحَالين وَذَلِكَ فِي قَوْله 808 - (تعيرنا أننا عَالَة ... وَنحن صعاليك أَنْتُم ملوكا) إِذْ الْمَعْنى تعيرنا أننا فُقَرَاء وَنحن فِي حَال صعلكتنا مثلكُمْ فِي حَال ملككم فَإِن قلت قد أوجبت فِي بَيت كَعْب بن زُهَيْر رَضِي الله عَنهُ أَن يكون من عكس التَّشْبِيه لِئَلَّا تتقدم الْحَال على عاملها الْمَعْنَوِيّ فَمَا الَّذِي سوغ تقدم صعاليك هُنَا عَلَيْهِ قلت سوغه الَّذِي سوغ تقدم بسرا فِي هَذَا بسرا أطيب مِنْهُ رطبا وَإِن كَانَ مَعْمُول اسْم التَّفْضِيل لَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ فِي نَحْو لَهو أكفؤهم ناصرا وَهُوَ خشيَة اخْتِلَاط الْمَعْنى إِلَّا أَن هَذَا مطرد ثمَّ لقُوَّة التَّفْضِيل ونادر هُنَا لضعف حرف التَّشْبِيه وَهَذَا الَّذِي ذكرته فِي الْبَيْت أَجود مَا قيل فِيهِ وَفِيه قَولَانِ آخرَانِ أَحدهمَا ذكره السخاوي فِي كتاب سفر السَّعَادَة وَهُوَ أَن عَالَة من عالني الشَّيْء إِذا أثقلني وملوكا مفعول أَي إننا نثقل الْمُلُوك بطرح كلنا عَلَيْهِم وَنحن أَنْتُم أَي مثلكُمْ فِي هَذَا الْأَمر فالإخبار هُنَا مثله فِي {وأزواجه أمهاتهم} وَالثَّانِي قَالَه الحديث: 808 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 الحريري وَقد سُئِلَ عَن الْبَيْت وَهُوَ أَن التَّقْدِير إِنَّا عَالَة صعاليك نَحن وَأَنْتُم وَقد خطئَ فِي ذَلِك وَقيل إِنَّه كَلَام لَا معنى لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مُتَّجه على بعد فِيهِ وَهُوَ أَن يكون صعاليك مفعول عَالَة أَي إِنَّا نعول صعاليك وَيكون نَحن توكيدا لضمير عَالَة وَأَنْتُم توكيد لضمير مستتر فِي صعاليك وَحصل فِي الْبَيْت تَقْدِيم وَتَأْخِير للضَّرُورَة وَلم يتَعَرَّض لقَوْله ملوكا وَكَأَنَّهُ عِنْده حَال من ضمير عَالَة وَالْأولَى على قَوْله أَن يكون صعاليك حَالا من مَحْذُوف أَي نعولكم صعاليك وَيكون الحالان بمنزلتهما فِي لَقيته مصعدا منحدرا فَإِنَّهُم نصوا على أَنه يكون الأول للثَّانِي وَالثَّانِي للْأولِ لِأَن فصلا أسهل من فصلين وَيكون أَنْتُم توكيدا للمحذوف لَا لضمير صعاليك لِأَنَّهُ ضمير غيبَة وَإِنَّمَا جوزناه أَولا لِأَن الصعاليك هم المخاطبون فَيحْتَمل كَونه رَاعى الْمَعْنى ذكر مَا لَا يتَعَلَّق من حُرُوف الْجَرّ يسْتَثْنى من قَوْلنَا لَا بُد لحرف الْجَرّ من مُتَعَلق سِتَّة أُمُور أَحدهَا الْحَرْف الزَّائِد كالباء وَمن فِي {كفى بِاللَّه شَهِيدا} {هَل من خَالق غير الله} وَذَلِكَ لِأَن معنى التَّعَلُّق الارتباط الْمَعْنَوِيّ وَالْأَصْل أَن أفعالا قصرت عَن الْوُصُول إِلَى الْأَسْمَاء فأعينت على ذَلِك بحروف الْجَرّ وَالزَّائِد إِنَّمَا دخل فِي الْكَلَام تَقْوِيَة لَهُ وتوكيدا وَلم يدْخل للربط وَقَول الحوفي إِن الْيَاء فِي {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} مُتَعَلقَة وهم نعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 يَصح فِي اللَّام المقوية أَن يُقَال إِنَّهَا مُتَعَلقَة بالعامل المقوى نَحْو {مُصدقا لما مَعَهم} و {فعال لما يُرِيد} و {إِن كُنْتُم للرؤيا تعبرون} لِأَن التَّحْقِيق أَنَّهَا لَيست زَائِدَة مَحْضَة لما تخيل فِي الْعَامِل من الضعْف الَّذِي نزله منزلَة الْقَاصِر وَلَا معدية مَحْضَة لاطراد صِحَة إِسْقَاطهَا فلهَا منزلَة بَين المنزلتين الثَّانِي لَعَلَّ فِي لُغَة عقيل لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْحَرْف الزَّائِد أَلا ترى أَن مجرورها فِي مَوضِع رفع على الِابْتِدَاء بِدَلِيل ارْتِفَاع مَا بعده على الخبرية قَالَ 809 - ( ... لَعَلَّ أبي المغوار مِنْك قريب) وَلِأَنَّهَا لم تدخل لتوصيل عَامل بل لإِفَادَة معنى التوقع كَمَا دخلت لَيْت لإِفَادَة معنى التَّمَنِّي ثمَّ إِنَّهُم جروا بهَا منبهة على أَن الأَصْل فِي الْحُرُوف المختصة بِالِاسْمِ أَن تعْمل الْإِعْرَاب الْمُخْتَص بِهِ كحروف الْجَرّ وَالثَّالِث لَوْلَا فِيمَن قَالَ لولاي ولولاك ولولاه على قَول سِيبَوَيْهٍ إِن لَوْلَا جَارة للضمير فانها أَيْضا بِمَنْزِلَة لَعَلَّ فِي أَن مَا بعْدهَا مَرْفُوع الْمحل بِالِابْتِدَاءِ فَإِن لَوْلَا الامتناعية تستدعي جملتين كَسَائِر أدوات التَّعْلِيق وَزعم أَبُو الْحسن أَن لَوْلَا غير جَارة وَأَن الضَّمِير بعْدهَا مَرْفُوع وَلَكنهُمْ استعاروا ضمير الْجَرّ مَكَان ضمير الرّفْع كَمَا عكسوا فِي قَوْلهم مَا أَنا كَأَنْت وَهَذَا كَقَوْلِه فِي عساي ويردهما أَن نِيَابَة ضمير عَن ضمير يُخَالِفهُ فِي الْإِعْرَاب إِنَّمَا ثبتَتْ فِي الْمُنْفَصِل وَإِنَّمَا جَاءَت الحديث: 809 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 النِّيَابَة فِي الْمُتَّصِل بِثَلَاثَة شُرُوط كَون المنوب عَنهُ مُنْفَصِلا وتوافقهما فِي الْإِعْرَاب وَكَون ذَلِك فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه 810 - ( ... أَلا يجاورنا إلاك ديار) وَعَلِيهِ خرج أَبُو الْفَتْح قَوْله 81 - (نَحن بغرس الودى أعلمنَا ... منا بركض الْجِيَاد فِي السدف) فَادّعى أَن نَا مَرْفُوع مُؤَكد للضمير فِي أعلم وَهُوَ نَائِب عَن نَحن ليتخلص بذلك من الْجمع بَين إِضَافَة أفعل وَكَونه بِمن وَهَذَا الْبَيْت أشكل على أبي عَليّ حَتَّى جعله من تَخْلِيط الْأَعْرَاب وَالرَّابِع رب فِي نَحْو رب رجل صَالح لَقيته أَو لقِيت لِأَن مجرورها مفعول فِي الثَّانِي ومبتدأ فِي الأول أَو مفعول على حد زيدا ضَربته وَيقدر الناصب بعد الْمَجْرُور لَا قبل الْجَار لِأَن رب لَهَا الصَّدْر من بَين حُرُوف الْجَرّ وَإِنَّمَا دخلت فِي المثالين لإِفَادَة التكثير أَو التقليل لَا لتعدية عَامل هَذَا قَول الرماني وَابْن طَاهِر وَقَالَ الْجُمْهُور هِيَ فيهمَا حرف جر معد فَإِن قَالُوا إِنَّهَا عدت الْعَامِل الْمَذْكُور فخطأ لِأَنَّهُ يتَعَدَّى بِنَفسِهِ ولاستيفائه معموله فِي الْمِثَال الأول وَإِن قَالُوا عدت محذوفا تَقْدِيره حصل أَو نَحوه كَمَا صرح بِهِ جمَاعَة فَفِيهِ تَقْدِير لما معنى الْكَلَام مستغن عَنهُ وَلم يلفظ بِهِ فِي وَقت الْخَامِس كَاف التَّشْبِيه قَالَه الْأَخْفَش وَابْن عُصْفُور مستدلين بِأَنَّهُ إِذا قيل زيد كعمرو فَإِن كَانَ الْمُتَعَلّق اسْتَقر فالكاف لَا تدل عَلَيْهِ بِخِلَاف نَحْو الحديث: 810 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 فِي من زيد فِي الدَّار وَإِن كَانَ فعلا مناسبا للكاف وَهُوَ أشبه فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ لَا بالحرف وَالْحق أَن جَمِيع الْحُرُوف الجارة الْوَاقِعَة فِي مَوضِع الْخَبَر وَنَحْوه تدل على الِاسْتِقْرَار السَّادِس حرف الِاسْتِثْنَاء وَهُوَ خلا وَعدا وحاشا إِذا خفضن فَإِنَّهُنَّ لتنحية الْفِعْل عَمَّا دخلن عَلَيْهِ كَمَا أَن إِلَّا كَذَلِك وَذَلِكَ عكس معنى التَّعْدِيَة الَّذِي هُوَ إِيصَال معنى الْفِعْل إِلَى الِاسْم وَلَو صَحَّ أَن يُقَال إِنَّهَا مُتَعَلقَة لصَحَّ ذَلِك فِي إِلَّا وَإِنَّمَا خفض بِهن الْمُسْتَثْنى وَلم ينصب كالمستثنى بإلا لِئَلَّا يَزُول الْفرق بَينهُنَّ أفعالا وأحرفا حكمهمَا بعد المعارف والنكرات حكمهمَا بعدهمَا حكم الْجمل فهما صفتان فِي نَحْو رَأَيْت طائرا فَوق غُصْن أَو على غُصْن لِأَنَّهُمَا بعد نكرَة مَحْضَة وحالان فِي نَحْو رَأَيْت الْهلَال بَين السَّحَاب أَو فِي الْأُفق لِأَنَّهُمَا بعد معرفَة مَحْضَة ومحتملان لَهما فِي نَحْو يُعجبنِي الزهر فِي أكمامه وَالثَّمَر على أغصانه لِأَن الْمُعَرّف الجنسي كالنكرة وَفِي نَحْو هَذَا ثَمَر يَانِع على أغصانه لِأَن النكرَة الموصوفة كالمعرفة حكم الْمَرْفُوع بعدهمَا إِذا وَقع بعدهمَا مَرْفُوع فَإِن تقدمهما نفي أَو اسْتِفْهَام أَو مَوْصُوف أَو مَوْصُول أَو صَاحب خبر أَو حَال نَحْو مَا فِي الدَّار أحد وأفي الدَّار زيد ومررت بِرَجُل مَعَه صقر وَجَاء الَّذِي فِي الدَّار أَبوهُ وَزيد عنْدك أَخُوهُ ومررت بزيد عَلَيْهِ جُبَّة فَفِي الْمَرْفُوع ثَلَاثَة مَذَاهِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 أَحدهَا أَن الْأَرْجَح كَونه مُبْتَدأ مخبرا عَنهُ بالظرف أَو الْمَجْرُور وَيجوز كَونه فَاعِلا وَالثَّانِي أَن الْأَرْجَح كَونه فَاعِلا وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وتوجيهه أَن الأَصْل عدم التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالثَّالِث أَنه يجب كَونه فَاعِلا نَقله ابْن هِشَام عَن الْأَكْثَرين وَحَيْثُ أعرب فَاعِلا فَهَل عَامله الْفِعْل الْمَحْذُوف أَو الظّرْف أَو الْمَجْرُور لنيابتها عَن اسْتَقر وقربهما من الْفِعْل لاعتمادهما فِيهِ خلاف وَالْمذهب الْمُخْتَار الثَّانِي لدليلين أَحدهمَا امْتنَاع تَقْدِيم الْحَال فِي نَحْو زيد فِي الدَّار جَالِسا وَلَو كَانَ الْعَامِل الْفِعْل لم يمْتَنع وَلقَوْله 81 - ( ... فَإِن فُؤَادِي عنْدك الدَّهْر أجمع) فأكد الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي الظّرْف وَالضَّمِير لَا يسْتَتر إِلَّا فِي عَامله وَلَا يَصح أَن يكون توكيدا لضمير مَحْذُوف مَعَ الِاسْتِقْرَار لِأَن التوكيد والحذف متنافيان وَلَا لاسم إِن على مَحَله من الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ لِأَن الطَّالِب للمحل قد زَالَ وَاخْتَارَ ابْن مَالك الْمَذْهَب الأول مَعَ اعترافه بِأَن الضَّمِير مستتر فِي الظّرْف وَهَذَا تنَاقض فَإِن الضَّمِير لَا يستكن إِلَّا فِي عَامله وَإِن لم يعْتَمد الظّرْف أَو الْمَجْرُور نَحْو فِي الدَّار أَو عنْدك زيد فالجمهور يوجبون الِابْتِدَاء والأخفش والكوفيون يجيزون الْوَجْهَيْنِ لِأَن الِاعْتِمَاد عِنْدهم لَيْسَ بِشَرْط وَلذَا يجيزون فِي نَحْو قَائِم زيد أَن يكون قَائِم مُبْتَدأ وَزيد فَاعِلا وَغَيرهم يُوجب كَونهمَا على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 تَنْبِيهَات يحْتَمل قَول المتنبي يذكر دَار المحبوب 813 - (ظلت بهَا تنطوي على كبد ... نضيجة فَوق خلبها يَدهَا) أَن تكون الْيَد فِيهِ فاعلة بنضيجة أَو بالظرف أَو بِالِابْتِدَاءِ وَالْأول أبلغ لِأَنَّهُ أَشد للحرارة والخلب زِيَادَة الكبد أَو حجاب الْقلب أَو مَا بَين الكبد وَالْقلب وأضاف الْيَد إِلَى الكبد للملابسة بَينهمَا فَإِنَّهُمَا فِي الشَّخْص وَلَا خلاف فِي تعين الِابْتِدَاء فِي نَحْو فِي دَاره زيد لِئَلَّا يعود الضَّمِير على مُتَأَخّر لفظا ورتبة فَإِن قلت فِي دَاره قيام زيد لم يجزها الْكُوفِيُّونَ الْبَتَّةَ أما على الفاعلية فَلَمَّا قدمنَا وَأما على الابتدائية فَلِأَن الضَّمِير لم يعد على الْمُبْتَدَأ بل على مَا أضيف إِلَيْهِ الْمُبْتَدَأ والمستحق للتقديم إِنَّمَا هُوَ الْمُبْتَدَأ وَأَجَازَهُ البصريون على أَن يكون الْمَرْفُوع مُبْتَدأ لَا فَاعِلا كَقَوْلِهِم فِي أَكْفَانه درج الْمَيِّت وَقَوله 814 - (بمسعاته هلك الْفَتى أَو نجاته) وَإِذا كَانَ الِاسْم فِي نِيَّة التَّقْدِيم كَانَ مَا هُوَ من تَمَامه كَذَلِك والارجح تعين الابتدائية فِي نَحْو هَل أفضل مِنْك زيد لِأَن اسْم التَّفْضِيل لَا يرفع الْفَاعِل الظَّاهِر عِنْد الْأَكْثَر على هَذَا الْحَد وَتجوز الفاعلية فِي لُغَة قَليلَة الحديث: 813 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 وَمن الْمُشكل قَوْله 815 - (فَخير نَحن عِنْد النَّاس مِنْكُم ... ) لِأَن قَوْله نَحن إِن قدر فَاعِلا لزم إِعْمَال الْوَصْف غير مُعْتَمد وَلم يثبت وَعمل أفعل فِي الظَّاهِر فِي غير مَسْأَلَة الْكحل وَهُوَ ضَعِيف وَإِن قدر مُبْتَدأ لزم الْفَصْل بِهِ وَهُوَ أَجْنَبِي بَين أفعل وَمن وخرجه أَبُو عَليّ وَتَبعهُ ابْن خروف على أَن الْوَصْف خبر لنَحْنُ محذوفة وَقدر نَحن الْمَذْكُورَة توكيدا للضمير فِي أفعل مَا يجب فِيهِ تعلقهما بِمَحْذُوف وَهُوَ ثَمَانِيَة أَحدهَا أَن يقعا صفة نَحْو {أَو كصيب من السَّمَاء} الثَّانِي أَن يقعا حَالا نَحْو {فَخرج على قومه فِي زينته} وَأما قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقرًّا عِنْده} فَزعم ابْن عَطِيَّة أَن مُسْتَقرًّا هُوَ الْمُتَعَلّق الَّذِي يقدر فِي أَمْثَاله قد ظهر وَالصَّوَاب مَا قَالَه أَبُو الْبَقَاء وَغَيره من أَن هَذَا الِاسْتِقْرَار مَعْنَاهُ عدم التحرك لَا مُطلق الْوُجُود والحصول فَهُوَ كَون خَاص الثَّالِث أَن يقعا صلَة نَحْو {وَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ} الرَّابِع أَن يقعا خَبرا نَحْو زيد عنْدك أَو فِي الدَّار وَرُبمَا ظهر فِي الحديث: 815 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 الضَّرُورَة كَقَوْلِه 816 - (لَك الْعِزّ إِن مَوْلَاك عز وَإِن يهن ... فَأَنت لَدَى بحبوحة الْهون كَائِن) وَفِي شرح ابْن يعِيش مُتَعَلق الظّرْف الْوَاقِع خَبرا صرح ابْن جني بِجَوَاز إِظْهَاره وَعِنْدِي أَنه إِذا حذف وَنقل ضَمِيره إِلَى الظّرْف لم يجز إِظْهَاره لِأَنَّهُ قد صَار أصلا مرفوضا فَأَما إِن ذكرته أَولا فَقلت زيد اسْتَقر عنْدك فَلَا يمْنَع مَانع مِنْهُ اهـ وَهُوَ غَرِيب الْخَامِس أَن يرفعا الِاسْم الظَّاهِر نَحْو {أَفِي الله شكّ} وَنَحْو {أَو كصيب من السَّمَاء فِيهِ ظلمات} وَنَحْو أعندك زيد وَالسَّادِس أَن يسْتَعْمل الْمُتَعَلّق محذوفا فِي مثل أَو شبهه كَقَوْلِهِم لمن ذكر أمرا قد تقاده عَهده حِينَئِذٍ الْآن أَصله كَانَ ذَلِك حِينَئِذٍ واسمع الْآن وَقَوْلهمْ للمعرس بالرفاء والبنين بإضمار أعرست وَالسَّابِع أَن يكون الْمُتَعَلّق محذوفا على شريطة التَّفْسِير نَحْو أيوم الْجُمُعَة صمت فِيهِ وَنَحْو بزيد مَرَرْت بِهِ عِنْد من أجَازه مستدلا بِقِرَاءَة بَعضهم / وللظالمين أعد لَهُم / وَالْأَكْثَرُونَ يوجبون فِي مثل ذَلِك إِسْقَاط الْجَار وَأَن يرفع الِاسْم بِالِابْتِدَاءِ أَو ينصب بإضمار جَاوَزت أَو نَحوه وبالوجهين قرىء فِي الْآيَة وَالنّصب قِرَاءَة الْجَمَاعَة ويرجحها الْعَطف على الْجُمْلَة الفعلية وَهل الأولى أَن يقدر الْمَحْذُوف مضارعا أَي ويعذب لمناسبة يدْخل أَو مَاضِيا أَي الحديث: 816 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 وعذب لمناسبة الْمُفَسّر فِيهِ نظر وَالرَّفْع بِالِابْتِدَاءِ وَأما الْقِرَاءَة بِالْجَرِّ فَمن توكيد الْحَرْف بإعادته دَاخِلا على ضمير مَا دخل عَلَيْهِ الْمُؤَكّد مثل إِن زيدا إِنَّه فَاضل وَلَا يكون الْجَار وَالْمَجْرُور توكيدا للْجَار وَالْمَجْرُور لِأَن الضَّمِير لَا يُؤَكد الظَّاهِر لِأَن الظَّاهِر أقوى وَلَا يكون الْمَجْرُور بَدَلا من الْمَجْرُور بِإِعَادَة الْجَار لِأَن الْعَرَب لم تبدل مضمرا من مظهر لَا يَقُولُونَ قَامَ زيد هُوَ وَإِنَّمَا جوز ذَلِك بعض النَّحْوِيين بِالْقِيَاسِ وَالثَّامِن الْقسم بِغَيْر الْبَاء نَحْو {وَاللَّيْل إِذا يغشى} {وتالله لأكيدن أصنامكم} وَقَوْلهمْ لله لَا يُؤَخر الْأَجَل وَلَو صرح فِي ذَلِك بِالْفِعْلِ لَوَجَبَتْ الْيَاء هَل الْمُتَعَلّق الْوَاجِب الْحَذف فعل أَو وصف لَا خلاف فِي تعين الْفِعْل فِي بَابي الْقسم والصلة لِأَن الْقسم والصلة لَا يكونَانِ إِلَّا جملتين قَالَ ابْن يعِيش وَإِنَّمَا لم يجز فِي الصِّلَة أَن يُقَال إِن نَحْو جَاءَ الَّذِي فِي الدَّار بِتَقْدِير مُسْتَقر على أَنه خبر لمَحْذُوف على حد قِرَاءَة بَعضهم {تَمامًا على الَّذِي أحسن} بِالرَّفْع لقلَّة ذَاك واطرد هَذَا اهـ وَكَذَلِكَ يجب فِي الصّفة فِي نَحْو رجل فِي الدَّار فَلهُ دِرْهَم أَن الْفَاء تجوز فِي نَحْو رجل يأتيني فَلهُ دِرْهَم وتمتنع فِي نَحْو رجل صَالح فَلهُ دِرْهَم فَأَما قَوْله 817 - (كل أَمر مباعد أَو مدان ... فمنوط بحكمة المتعالي) فنادر الحديث: 817 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 وَاخْتلف فِي الْخَبَر وَالصّفة وَالْحَال فَمن قدر الْفِعْل وهم الْأَكْثَرُونَ فَلِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْعَمَل وَمن قدر الْوَصْف فَلِأَن الأَصْل فِي الْخَبَر وَالْحَال والنعت الْإِفْرَاد وَلِأَن الْفِعْل فِي ذَلِك لَا بُد من تَقْدِيره بِالْوَصْفِ قَالُوا وَلِأَن تقليل الْمُقدر أولى وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْحق أَنا لم نحذف الضَّمِير بل نَقَلْنَاهُ إِلَى الظّرْف فالمحذوف فعل أَو وصف وَكِلَاهُمَا مُفْرد وَأما فِي الِاشْتِغَال فَيقدر بِحَسب الْمُفَسّر فَيقدر الْفِعْل فِي نَحْو أيوم الْجُمُعَة تعتكف فِيهِ وَالْوَصْف فِي نَحْو أيوم الْجُمُعَة أَنْت معتكف فِيهِ وَالْحق عِنْدِي أَنه لَا يتَرَجَّح تَقْدِيره اسْما وَلَا فعلا بل بِحَسب الْمَعْنى كَمَا سأبينه كَيْفيَّة تَقْدِيره بِاعْتِبَار الْمَعْنى أما فِي الْقسم فتقديره أقسم وَأما فِي الِاشْتِغَال فتقديره كالمنطوق بِهِ نَحْو يَوْم الْجُمُعَة صمت فِيهِ وَاعْلَم أَنهم ذكرُوا فِي بَاب الِاشْتِغَال أَنه يجب أَلا يقدر مثل الْمَذْكُور إِذا حصل مَانع صناعي كَمَا فِي زيدا مَرَرْت بِهِ أَو معنوي كَمَا فِي زيدا ضربت أَخَاهُ إِذْ تَقْدِير الْمَذْكُور يَقْتَضِي فِي الأول تعدِي الْقَاصِر بِنَفسِهِ وَفِي الثَّانِي خلاف الْوَاقِع إِذْ الضَّرْب لم يَقع بزيد فَوَجَبَ أَن يقدر جَاوَزت فِي الأول وأهنت فِي الثَّانِي وَلَيْسَ المانعان مَعَ كل مُتَعَدٍّ بالحرف وَلَا مَعَ كل سبي أَلا ترى أَنه لَا مَانع فِي نَحْو زيدا شكرت لَهُ لِأَن شكر يتَعَدَّى بالجار وبنفسه وَكَذَلِكَ الظّرْف نَحْو يَوْم الْجُمُعَة صمت فِيهِ لِأَن الْعَامِل لَا يتَعَدَّى إِلَى ضمير الظّرْف بِنَفسِهِ مَعَ أَنه يتَعَدَّى إِلَى ظَاهره بِنَفسِهِ وَكَذَلِكَ لَا مَانع فِي نَحْو زيدا أهنت أَخَاهُ لِأَن إهانة أَخِيه إهانة لَهُ بِخِلَاف الضَّرْب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 وَأما فِي الْمثل فَيقدر بِحَسب الْمَعْنى وَأما فِي الْبَوَاقِي نَحْو زيد فِي الدَّار فَيقدر كونا مُطلقًا وَهُوَ كَائِن أَو مُسْتَقر أَو مضارعهما إِن أُرِيد الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال نَحْو الصَّوْم الْيَوْم أَو فِي الْيَوْم وَالْجَزَاء غَدا أَو فِي الْغَد وَيقدر كَانَ أَو اسْتَقر أَو وصفهما إِن أُرِيد الْمُضِيّ هَذَا هُوَ الصَّوَاب وَقد أغفلوه مَعَ قَوْلهم فِي نَحْو ضربي زيدا قَائِما إِن التَّقْدِير إِذْ كَانَ إِن أُرِيد الْمُضِيّ أَو إِذا كَانَ إِن أُرِيد بِهِ الْمُسْتَقْبل وَلَا فرق وَإِذا جهلت الْمَعْنى فَقدر الْوَصْف فَإِنَّهُ صَالح فِي الْأَزْمِنَة كلهَا وَإِن كَانَت حَقِيقَته الْحَال وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {أفأنت تنقذ من فِي النَّار} إِنَّهُم جعلُوا فِي النَّار الْآن لتحَقّق الْمَوْعُود بِهِ وَلَا يلْزم مَا ذكره لِأَنَّهُ لَا يمْتَنع تَقْدِير الْمُسْتَقْبل وَلَكِن مَا ذكره أبلغ وَأحسن وَلَا يجوز تَقْدِير الْكَوْن الْخَاص كقائم وجالس إِلَّا لدَلِيل وَيكون الْحَذف حِينَئِذٍ جَائِزا لَا وَاجِبا وَلَا ينْتَقل ضمير من الْمَحْذُوف إِلَى الظّرْف وَالْمَجْرُور وتوهم جمَاعَة امْتنَاع حذف الْكَوْن الْخَاص ويبطله أَنا متفقون على جَوَاز حذف الْخَبَر عِنْد وجود الدَّلِيل وَعدم وجود مَعْمُول فَكيف يكون وجود الْمَعْمُول مَانِعا من الْحَذف مَعَ أَنه إِمَّا أَن يكون هُوَ الدَّلِيل أَو مقويا للدليل وَاشْتِرَاط النَّحْوِيين الْكَوْن الْمُطلق إِنَّمَا هُوَ لوُجُوب الْحَذف لَا لجوازه وَمِمَّا يتَخَرَّج على ذَلِك قَوْلهم من لي بِكَذَا أَي من يتكفل لي بِهِ وَقَوله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} أَي مستقبلات لعدتهن كَذَا فسره جمَاعَة من السّلف وَعَلِيهِ عول الزَّمَخْشَرِيّ ورده أَبُو حَيَّان توهما مِنْهُ أَن الْخَاص لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 يحذف وَقَالَ الصَّوَاب أَن اللَّام للتوقيت وَأَن الأَصْل لاستقبال عدتهن فَحذف الْمُضَاف اهـ وَقد بَينا فَسَاد تِلْكَ الشُّبْهَة وَمِمَّا يتَخَرَّج على التَّعَلُّق بالكون الْخَاص قَوْله تَعَالَى {الْحر بِالْحرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} التَّقْدِير مقتول أَو يقتل لَا كَائِن اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تقدر مَعَ ذَلِك مضافين أَي قتل الْحر كَائِن بقتل الْحر وَفِيه تكلّف تَقْدِير ثَلَاثَة الْكَوْن والمضافان بل تَقْدِير خَمْسَة لِأَن كلا من المصدرين لَا بُد لَهُ من فَاعل وَمِمَّا يبعد ذَلِك أَيْضا أَنَّك لَا تعلم معنى الْمُضَاف الَّذِي تقدره مَعَ الْمُبْتَدَأ إِلَّا بعد تَمام الْكَلَام وَإِنَّمَا حسن الْحَذف أَن يعلم عِنْد مَوضِع تَقْدِيره نَحْو {واسأل الْقرْيَة} وَنَظِير هَذِه الْآيَة قَوْله تَعَالَى {أَن النَّفس بِالنَّفسِ} الْآيَة أَي إِن النَّفس مقتولة بِالنَّفسِ وَالْعين مفقوءة بِالْعينِ وَالْأنف مجدوع بالأنف وَالْأُذن مصلومة بالأذن وَالسّن مقلوعة بِالسِّنِّ هَذَا هُوَ الْأَحْسَن وَكَذَلِكَ الْأَرْجَح فِي قَوْله تَعَالَى {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} أَن يقدر يجريان فَإِذا قدرت الْكَوْن قدرت مُضَافا أَي جَرَيَان الشَّمْس وَالْقَمَر كَائِن بحسبان وَقَالَ ابْن مَالك فِي قَوْله تَعَالَى {قل لَا يعلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله} إِن الظّرْف لَيْسَ مُتَعَلقا بالاستقرار لاستلزامه إِمَّا الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فَإِن الظَّرْفِيَّة المستفادة من فِي حَقِيقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ومجاز بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَإِمَّا حمل قِرَاءَة السَّبْعَة على لُغَة مرجوحة وَهِي إِبْدَال الْمُسْتَثْنى الْمُنْقَطع كَمَا زعم الزَّمَخْشَرِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 فَإِنَّهُ زعم أَن الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع والمخلص من هذَيْن المحذورين أَن يقدر قل لَا يعلم من يذكر فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن جوز اجْتِمَاع الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فِي كلمة وَاحِدَة وَاحْتج بقَوْلهمْ الْقَلَم أحد اللسانين وَنَحْوه لم يحْتَج إِلَى ذَلِك وَفِي الْآيَة وَجه آخر وَهُوَ أَن يقدر من مغعولا بِهِ والغيب بدل اشْتِمَال وَالله فَاعل وَالِاسْتِثْنَاء مفرغ تعْيين مَوضِع التَّقْدِير الأَصْل أَن يقدر مقدما عَلَيْهِمَا كَسَائِر العوامل مَعَ معمولاتها وَقد يعرض مَا يَقْتَضِي تَرْجِيح تَقْدِيره مُؤَخرا وَمَا يَقْتَضِي إِيجَابه فَالْأول نَحْو فِي الدَّار زيد لِأَن الْمَحْذُوف هُوَ الْخَبَر وَأَصله أَن يتَأَخَّر عَن الْمُبْتَدَأ وَالثَّانِي نَحْو إِن فِي الدَّار زيدا لِأَن إِن لَا يَليهَا مرفوعها وَيلْزم من قدر الْمُتَعَلّق فعلا أَن يقدره مُؤَخرا فِي جَمِيع الْمسَائِل لِأَن الْخَبَر إِذا كَانَ فعلا لَا يتَقَدَّم على الْمُبْتَدَأ تَنْبِيه رد جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَالك على من قدر الْفِعْل بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {إِذا لَهُم مكر فِي آيَاتنَا} وقولك أما فِي الدَّار فزيد لِأَن إِذا الفجائية لَا يَليهَا الْفِعْل وَأما لَا يَقع بعْدهَا فعل إِلَّا مَقْرُونا بِحرف الشَّرْط نَحْو {فَأَما إِن كَانَ من المقربين} وَهَذَا على مَا بَيناهُ غير وَارِد لِأَن الْفِعْل يقدر مُؤَخرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 الْبَاب الرَّابِع فِي ذكر أَحْكَام يكثر دورها ويقبح بالمعرب جهلها وَعدم مَعْرفَتهَا على وَجههَا فَمن ذَلِك مَا يعرف بِهِ الْمُبْتَدَأ من الْخَبَر يجب الحكم بابتدائية الْمُقدم من الاسمين فِي ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَن يَكُونَا معرفتين تَسَاوَت رتبتهما نَحْو الله رَبنَا أَو اخْتلفت نَحْو زيد الْفَاضِل زيد هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَقيل يجوز تَقْدِير كل مِنْهُمَا مُبْتَدأ وخبرا مُطلقًا وَقيل الْمُشْتَقّ خبر وَإِن تقدم نَحْو الْقَائِم زيد وَالتَّحْقِيق أَن الْمُبْتَدَأ مَا كَانَ أعرف كزيد فِي الْمِثَال أَو كَانَ هُوَ الْمَعْلُوم عِنْد الْمُخَاطب كَأَن يَقُول من الْقَائِم فَتَقول زيد الْقَائِم فَإِن علمهما وَجَهل النِّسْبَة فالمقدم الْمُبْتَدَأ الثَّانِيَة أَن يَكُونَا نكرتين صالحتين للابتداء بهما نَحْو أفضل مِنْك أفضل مني الثَّالِثَة أَن يَكُونَا مُخْتَلفين تعريفا وتنكيرا وَالْأول هُوَ الْمعرفَة ك زيد قَائِم وَأما إِن كَانَ هُوَ النكرَة فإم لم يكن مَا يسوغ الِابْتِدَاء بِهِ فَهُوَ خبر اتِّفَاقًا نَحْو خزثوبك وَذهب خاتمك وَإِن كَانَ لَهُ مسوغ فَكَذَلِك عِنْد الْجُمْهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 وَأما سِيبَوَيْهٍ فَيَجْعَلهُ الْمُبْتَدَأ نَحْو كم مَالك وَخير مِنْك زيد وحسبنا الله وَوَجهه أَن الأَصْل عدم التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وأنهما شبيهان بمعرفتين تَأَخّر الْأَخَص مِنْهُمَا نَحْو الْفَاضِل أَنْت وَيتَّجه عِنْدِي جَوَاز الْوَجْهَيْنِ إعمالا للدليلين وَيشْهد لابتدائية النكرَة قَوْله تَعَالَى {فَإِن حَسبك الله} {إِن أول بَيت وضع للنَّاس للَّذي ببكة} وَقَوْلهمْ إِن قَرِيبا مِنْك زيد وَقَوْلهمْ بحسبك زيد وَالْبَاء لَا تدخل فِي الْخَبَر فِي الْإِيجَاب ولخبريتها قَوْلهم مَا جَاءَت حَاجَتك بِالرَّفْع وَالْأَصْل مَا حَاجَتك فَدخل النَّاسِخ بعد تَقْدِير الْمعرفَة مُبْتَدأ وَلَوْلَا هَذَا التَّقْدِير لم يدْخل إِذْ لَا يعْمل فِي الِاسْتِفْهَام مَا قبله وَأما من نصب فَالْأَصْل مَا هِيَ حَاجَتك بِمَعْنى أَي حَاجَة هِيَ حَاجَتك ثمَّ دخل النَّاسِخ على الضَّمِير فاستتر فِيهِ وَنَظِيره أَن تَقول زيد هُوَ الْفَاضِل وتقدر هُوَ مُبْتَدأ ثَانِيًا لَا فصلا وَلَا تَابعا فَيجوز لَك حِينَئِذٍ أَن تدخل عَلَيْهِ كَانَ فَتَقول زيد كَانَ الْفَاضِل وَيجب الحكم بابتدائية الْمُؤخر فِي نَحْو أَبُو حنيفَة أَبُو يُوسُف و818 - (بنونا بَنو أَبْنَائِنَا ... ) رعيا للمعنى ويضعف أَن تقدر الأول مُبْتَدأ بِنَاء على أَنه من التَّشْبِيه المعكوس للْمُبَالَغَة لِأَن ذَلِك نَادِر الْوُقُوع ومخالف لِلْأُصُولِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَقْتَضِي الْمقَام الْمُبَالغَة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 مَا يعرف بِهِ الِاسْم من الْخَبَر اعْلَم أَن لَهما ثَلَاث حالات إِحْدَاهَا أَن يَكُونَا معرفتين فَإِن كَانَ الْمُخَاطب يعلم أَحدهمَا دون الآخر فالمعلوم الِاسْم والمجهول الْخَبَر فَيُقَال كَانَ زيد أَخا عَمْرو لمن علم زيدا وَجَهل أخوته لعَمْرو وَكَانَ أَخُو عَمْرو زيدا لمن يعلم أَخا لعَمْرو ويجهل أَن اسْمه زيد وَإِن كَانَ يعلمهما ويجهل انتساب أَحدهمَا إِلَى الآخر فَإِن كَانَ أَحدهمَا أعرف فالمختار جعله الِاسْم فَتَقول كَانَ زيد الْقَائِم لمن كَانَ قد سمع بزيد وَسمع بِرَجُل قَائِم فَعرف كلا مِنْهُمَا بِقَلْبِه وَلم يعلم أَن أَحدهمَا هُوَ الآخر وَيجوز قَلِيلا كَانَ الْقَائِم زيدا وَإِن لم يكن أَحدهمَا أعرف فَأَنت مُخَيّر نَحْو كَانَ زيد أَخا عَمْرو وَكَانَ أَخُو عَمْرو زيدا وَيسْتَثْنى من مختلفي الرُّتْبَة نَحْو هَذَا فَإِنَّهُ يتَعَيَّن للاسمية لمَكَان التَّنْبِيه الْمُتَّصِل بِهِ فَيُقَال كَانَ هَذَا أَخَاك وَكَانَ هَذَا زيدا إِلَّا مَعَ الضَّمِير فَإِن الْأَفْصَح فِي بَاب الْمُبْتَدَأ أَن تَجْعَلهُ الْمُبْتَدَأ وَتدْخل التَّنْبِيه عَلَيْهِ فَتَقول هَا أنذا وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك فِي بَاب النَّاسِخ لِأَن الضَّمِير مُتَّصِل بالعامل فَلَا يَتَأَتَّى دُخُول التَّنْبِيه عَلَيْهِ على أَنه سمع قَلِيلا فِي بَاب الْمُبْتَدَأ هَذَا أَنا وَاعْلَم أَنهم حكمُوا أَن وَأَن المقدرتين بمصدر معرف بِحكم الضَّمِير لِأَنَّهُ لَا يُوصف كَمَا أَن الضَّمِير كَذَلِك فَلهَذَا قَرَأت السَّبْعَة {مَا كَانَ حجتهم إِلَّا أَن قَالُوا} {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا} وَالرَّفْع ضَعِيف كضعف الْإِخْبَار بالضمير عَمَّا دونه فِي التَّعْرِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَكُونَا نكرتين فان كَانَ لكل مِنْهُمَا مسوغ للاخبار عَنْهَا فانت مُخَيّر فِيمَا تَجْعَلهُ مِنْهُمَا الِاسْم وَمَا تَجْعَلهُ الْخَبَر فَتَقول كَانَ خير من زيد شرا من عَمْرو أَو تعكس وَإِن كَانَ المسوغ لإحداهما فَقَط جَعلتهَا الِاسْم نَحْو كَانَ خير من زيد امْرَأَة الْحَالة الثَّالِثَة أَن يَكُونَا مُخْتَلفين فتجعل الْمعرفَة الِاسْم والنكرة الْخَبَر نَحْو كَانَ زيد قَائِما وَلَا يعكس إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه 819 - ( ... وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا) وَقَوله 820 - ( ... يكون مزاجها عسل وَمَاء) وَأما قِرَاءَة ابْن عَامر {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ} بتأنيث تكن وَرفع آيَة فان قدرت تكن تَامَّة فَاللَّام مُتَعَلقَة بهَا وَآيَة فاعلها وَأَن يُعلمهُ بدل من آيَة أَو خبر لمَحْذُوف أَي هِيَ أَن يُعلمهُ وَإِن قدرتها نَاقِصَة فاسمها ضمير الْقِصَّة وَأَن يُعلمهُ مُبْتَدأ وَآيَة خَبره وَالْجُمْلَة خبر كَانَ أَو آيَة اسْمهَا وَلَهُم خَبَرهَا وَأَن يُعلمهُ بدل أَو خبر لمَحْذُوف وَأما تَجْوِيز الزّجاج كَون آيَة اسْمهَا وَأَن يُعلمهُ خَبَرهَا فَردُّوهُ لما ذكرنَا وَاعْتذر لَهُ بِأَن النكرَة قد تخصصت بلهم الحديث: 819 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 مَا يعرف بِهِ الْفَاعِل من الْمَفْعُول واكثر مَا يشْتَبه ذَلِك إِذا كَانَ أَحدهمَا اسْما نَاقِصا وَالْآخر اسْما تَاما وَطَرِيق معرفَة ذَلِك أَن تجْعَل فِي مَوضِع التَّام إِن كَانَ مَرْفُوعا ضمير الْمُتَكَلّم الْمَرْفُوع وَإِن كَانَ مَنْصُوبًا ضَمِيره الْمَنْصُوب وتبدل من النَّاقِص إسما بِمَعْنَاهُ فِي الْعقل وَعَدَمه فَإِن صحت الْمَسْأَلَة بعد ذَلِك فَهِيَ صَحِيحَة قبله وَإِلَّا فَهِيَ فَاسِدَة فَلَا يجوز أعجب زيد مَا كره عَمْرو إِن أوقعت مَا على مَا لَا يعقل لِأَنَّهُ لَا يجوز أعجبت الثَّوْب وَيجوز النصب لِأَنَّهُ يجوز أعجبني الثَّوْب فان أوقعت مَا على أَنْوَاع من يعقل جَازَ لِأَنَّهُ يجوز أعجبت النِّسَاء وَإِن كَانَ الِاسْم النَّاقِص من أَو الَّذِي جَازَ الْوَجْهَانِ أَيْضا فروع تَقول امكن الْمُسَافِر السّفر بِنصب الْمُسَافِر لِأَنَّك تَقول أمكنني السّفر وَلَا تَقول أمكنت السّفر وَتقول مَا دَعَا زيدا إِلَى الْخُرُوج وَمَا كره زيد من الْخُرُوج بِنصب زيد فِي الأولى مَفْعُولا وَالْفَاعِل ضمير مَا مستترا وبرفعه فِي الثَّانِيَة فَاعِلا وَالْمَفْعُول ضمير مَا محذوفا لِأَنَّك تَقول مَا دَعَاني إِلَى الْخُرُوج وَمَا كرهت مِنْهُ وَيمْتَنع الْعَكْس لِأَنَّهُ لَا يجوز دَعَوْت الثَّوْب إِلَى الْخُرُوج وَكره من الْخُرُوج وَتقول زيد فِي رزق عَمْرو عشرُون دِينَارا بِرَفْع الْعشْرين لَا غير فان قدمت عمرا فَقلت عَمْرو زيد فِي رزقه عشرُون جَازَ رفع الْعشْرين ونصبه وعَلى الرّفْع فالفعل خَال من الضَّمِير فَيجب توحيده مَعَ الْمثنى وَالْمَجْمُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 وَيجب ذكر الْجَار وَالْمَجْرُور لأجل الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى الْمُبْتَدَأ وعَلى النصب فالفعل متحمل للضمير فيبرز فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع وَلَا يجب ذكر الْجَار وَالْمَجْرُور مَا افترق فِيهِ عطف الْبَيَان وَالْبدل وَذَلِكَ ثَمَانِيَة أُمُور أَحدهَا أَن الْعَطف لَا يكون مضمرا وَلَا تَابعا لمضمر لِأَنَّهُ فِي الجوامد نَظِير النَّعْت فِي الْمُشْتَقّ وَأما إجَازَة الزَّمَخْشَرِيّ فِي {أَن اعبدوا الله} أَن يكون بَيَانا للهاء من قَوْله تَعَالَى {إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ} فقد مضى رده نعم أجَاز الْكسَائي أَن ينعَت الضَّمِير بنعت مدح أَو ذمّ أَو ترحم فَالْأول نَحْو {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم} وَنَحْو {قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب} وَقَوْلهمْ اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ الرؤوف الرَّحِيم وَالثَّانِي نَحْو مَرَرْت بِهِ الْخَبيث وَالثَّالِث نَحْو قَوْله 82 - (فَلَا تلمه أَن ينَام البائسا) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام} إِن {الْبَيْت الْحَرَام} عطف بَيَان على جِهَة الْمَدْح كَمَا فِي الصّفة لَا على جِهَة التَّوْضِيح فعلى هَذَا لَا يمْتَنع مثل ذَلِك فِي عطف الْبَيَان على قَول الْكسَائي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 وَأما الْبَدَل فَيكون تَابعا للمضمر بالِاتِّفَاقِ نَحْو {ونرثه مَا يَقُول} {وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ} وَإِنَّمَا امْتنع الزَّمَخْشَرِيّ من تَجْوِيز كَون {أَن اعبدوا الله} بَدَلا من الْهَاء فِي بِهِ توهما مِنْهُ أَن ذَلِك يخل بعائد الْمَوْصُول وَقد مضى رده وَأَجَازَ النحويون أَن يكون الْبَدَل مضمرا تَابعا لمضمر ك رَأَيْته إِيَّاه أَو لظَاهِر ك رَأَيْت زيدا إِيَّاه وَخَالفهُم ابْن مَالك فَقَالَ إِن الثَّانِي لم يسمع وَإِن الصَّوَاب فِي الأول قَول الْكُوفِيّين إِنَّه توكيد كَمَا فِي قُمْت أَنْت الثَّانِي أَن الْبَيَان لَا يُخَالف متبوعه فِي تَعْرِيفه وتنكيره وَأما قَول الزَّمَخْشَرِيّ إِن {مقَام إِبْرَاهِيم} عطف على {آيَات بَيِّنَات} فسهو وَكَذَا قَالَ فِي {إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة أَن تقوموا} إِن {أَن تقوموا} عطف على {وَاحِدَة} وَلَا يخْتَلف فِي جَوَاز ذَلِك فِي الْبَدَل نَحْو {إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} وَنَحْو {بالناصية نَاصِيَة كَاذِبَة} الثَّالِث أَنه لَا يكون جملَة بِخِلَاف الْبَدَل نَحْو {مَا يُقَال لَك إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك إِن رَبك لذُو مغْفرَة وَذُو عِقَاب أَلِيم} وَنَحْو {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} وَهُوَ أصح الْأَقْوَال فِي عرفت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 زيدا أَبُو من هُوَ وَقَالَ 82 - (لقد أذهلتني أم عَمْرو بِكَلِمَة ... أتصبر يَوْم الْبَين أم لست تصبر) الرَّابِع أَنه لَا يكون تَابعا لجملة بِخِلَاف الْبَدَل نَحْو {اتبعُوا الْمُرْسلين اتبعُوا من لَا يسألكم أجرا} وَنَحْو {أمدكم بِمَا تعلمُونَ أمدكم بأنعام وبنين} وَقَوله 823 - (أَقُول لَهُ ارحل لَا تقيمن عندنَا ... ) الْخَامِس أَنه لَا يكون فعلا تَابعا لفعل بِخِلَاف الْبَدَل نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب} السَّادِس أَنه لَا يكون بِلَفْظ الأول وَيجوز ذَلِك فِي الْبَدَل بِشَرْط أَن يكون مَعَ الثَّانِي زِيَادَة بَيَان كَقِرَاءَة يَعْقُوب {وَترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إِلَى كتابها} بِنصب كل الثَّانِيَة فَإِنَّهَا قد اتَّصل بهَا ذكر سَبَب الجثو وكقول الحماسي 824 - (رويد بني شَيبَان بعض وعيدكم ... تلاقوا غَدا خيلي على سفوان) (تلاقوا جيادا لَا تحيد عَن الوغى ... إِذا مَا غَدَتْ فِي المأزق المتداني) الحديث: 823 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 (تلاقوهم فتعرفوا كَيفَ صبرهم ... على مَا جنت فيهم يَد الْحدثَان) وَهَذَا الْفرق إِنَّمَا هُوَ على مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن الطراوة من أَن عطف الْبَيَان لَا يكون من لفظ الأول وَتَبعهُ على ذَلِك ابْن مَالك وَابْنه وحجتهم أَن الشَّيْء لَا يبين بِنَفسِهِ وَفِيه نظر من أوجه أَحدهَا أَنه يَقْتَضِي أَن الْبَدَل لَيْسَ مُبينًا للمبدل مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِك وَلِهَذَا منع سِيبَوَيْهٍ مَرَرْت بِي الْمِسْكِين وَبِك الْمِسْكِين دون بِهِ الْمِسْكِين وَإِنَّمَا يُفَارق الْبَدَل عطف الْبَيَان فِي أَنه بِمَنْزِلَة جملَة استؤنفت للتبيين والعطف تَبْيِين بالمفرد الْمَحْض وَالثَّانِي أَن اللَّفْظ المكرر إِذا اتَّصل بِهِ مَا لم يتَّصل بِالْأولِ كَمَا قدمنَا اتجه كَون الثَّانِي بَيَانا بِمَا فِيهِ من زِيَادَة الْفَائِدَة وعَلى ذَلِك أَجَازُوا الْوَجْهَيْنِ فِي نَحْو قَوْله 825 - (يَا زيد زيد اليعملات الذبل) و826 - (يَا تيم تيم عدي ... ) إِذا ضممت المنادى فيهمَا وَالثَّالِث أَن الْبَيَان يتَصَوَّر مَعَ كَون المكرر مُجَردا وَذَلِكَ فِي مثل قَوْلك يَا زيد زيد إِذا قلته وبحضرتك اثْنَان اسْم كل مِنْهُمَا زيد فانك حِين تذكر الأول يتَوَهَّم كل مِنْهُمَا أَنه الْمَقْصُود فَإِذا كررته الحديث: 825 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 تكَرر خطابك لأَحَدهمَا وإقبالك عَلَيْهِ فَظهر المُرَاد وعَلى هَذَا يتَخَرَّج قَول النَّحْوِيين فِي قَول رؤبة 827 - ( ... لقَائِل يَا نصر نصر نصرا) إِن الثَّانِي وَالثَّالِث عطفان على اللَّفْظ وعَلى الْمحل وخرجه هَؤُلَاءِ على التوكيد اللَّفْظِيّ فيهمَا أَو فِي الأول فَقَط فَالثَّانِي إِمَّا مصدر دعائي مثل سقيا لَك أَو مفعول بِهِ بِتَقْدِير عَلَيْك على أَن المُرَاد إغراء نصر بن سيار بحاجب لَهُ اسْمه نصر على مَا نقل أَبُو عُبَيْدَة وَقيل لَو قدر أَحدهمَا توكيدا لضما بِغَيْر تَنْوِين كالمؤكد السَّابِع أَنه لَيْسَ فِي نِيَّة إحلاله مَحل الأول بِخِلَاف الْبَدَل وَلِهَذَا امْتنع الْبَدَل وَتعين الْبَيَان فِي نَحْو يَا زيد الْحَارِث وَفِي نَحْو يَا سعيد كرز بِالرَّفْع أَو كرزا بِالنّصب بِخِلَاف يَا سعيد كرز بِالضَّمِّ فانه بِالْعَكْسِ وَفِي نَحْو أَنا الضَّارِب الرجل زيد وَفِي نَحْو زيد أفضل النَّاس الرِّجَال وَالنِّسَاء أَو النِّسَاء وَالرِّجَال وَفِي نَحْو يَا أَيهَا الرجل غُلَام زيد وَفِي نَحْو أَي الرجلَيْن زيد وَعَمْرو جَاءَك وَفِي نَحْو جَاءَنِي كلا أخويك زيد وَعَمْرو الثَّامِن أَنه لَيْسَ فِي التَّقْدِير من جملَة أُخْرَى بِخِلَاف الْبَدَل وَلِهَذَا امْتنع أَيْضا الْبَدَل وَتعين الْبَيَان فِي نَحْو قَوْلك هِنْد قَامَ عَمْرو أَخُوهَا وَنَحْو مَرَرْت بِرَجُل قَامَ عَمْرو أَخُوهُ وَنَحْو زيد ضربت عمرا أَخَاهُ الحديث: 827 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 مَا افترق فِيهِ اسْم الْفَاعِل وَالصّفة المشبهة وَذَلِكَ أحد عشر أمرا أَحدهَا أَنه يصاغ من الْمُتَعَدِّي والقاصر كضارب وقائم ومستخرج ومستكبر وَهِي لَا تصاغ إِلَّا من الْقَاصِر كحسن وَجَمِيل الثَّانِي أَنه يكون للأزمنة الثَّلَاثَة وَهِي لَا تكون إِلَّا للحاضر أَي الْمَاضِي الْمُتَّصِل بالزمن الْحَاضِر الثَّالِث أَنه لَا يكون إِلَّا مجاريا للمضارع فِي حركاته وسكناته كضارب وَيضْرب ومنطلق وينطلق وَمِنْه يقوم وقائم لِأَن الأَصْل يقوم بِسُكُون الْقَاف وَضم الْوَاو ثمَّ نقلوا وَأما توَافق أَعْيَان الحركات فَغير مُعْتَبر بِدَلِيل ذَاهِب وَيذْهب وَقَاتل وَيقتل وَلِهَذَا قَالَ ابْن الخشاب هُوَ وزن عروضي لَا تصريفي وَهِي تكون مجارية لَهُ كمنطلق اللِّسَان ومطمئن النَّفس وطاهر الْعرض وَغير مجارية وَهُوَ الْغَالِب نَحْو ظريف وَجَمِيل وَقَول جمَاعَة إِنَّهَا لَا تكون إِلَّا غير مجارية مَرْدُود باتفاقهم على أَن مِنْهَا قَوْله 828 - (من صديق أَو أخي ثِقَة ... أَو عَدو شاحط دَارا) الرَّابِع أَن منصوبه يجوز أَن يتَقَدَّم عَلَيْهِ نَحْو زيد عمرا ضَارب وَلَا يجوز زيد وَجهه حسن الْخَامِس أَن معمولة يكون سَببا وأجنبيا نَحْو زيد ضَارب غُلَامه وعمرا وَلَا يكون معمولها إِلَّا سببيا تَقول زيد حسن وَجهه أَو الْوَجْه وَيمْتَنع زيد حسن عمرا الحديث: 828 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 السَّادِس أَنه لَا يُخَالف فعله فِي الْعَمَل وَهِي تخَالفه فَإِنَّهَا تنصب مَعَ قُصُور فعلهَا تَقول زيد حسن وَجهه وَيمْتَنع زيد حسن وَجهه بِالنّصب خلافًا لبَعْضهِم فَأَما الحَدِيث أَن امْرَأَة كَانَت تهراق الدِّمَاء فالدماء تَمْيِيز على زِيَادَة أل قَالَ ابْن مَالك أَو مفعول على أَن الأَصْل تهريق ثمَّ قلبت الكسرة فَتْحة وَالْيَاء ألفا كَقَوْلِهِم جاراة وناصاة وبقى وَهَذَا مَرْدُود لِأَن شَرط ذَلِك تحرّك الْيَاء كجارية وناصية وَبَقِي السَّابِع أَنه يجوز حذفه وَبَقَاء معموله وَلِهَذَا أَجَازُوا أَنا زيدا ضاربه وَهَذَا ضَارب زيد وعمرا بخفض زيد وَنصب عَمْرو بإضمار فعل أَو وصف منون وَأما الْعَطف على مَحل المخفوض فممتنع عِنْد من شَرط وجود المحرز كَمَا سَيَأْتِي وَلَا يجوز مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه وَالْفِعْل بخفض الْوَجْه وَنصب الْفِعْل وَلَا مَرَرْت بِرَجُل وَجهه حسنه بِنصب الْوَجْه وخفض الصّفة لِأَنَّهَا لَا تعْمل محذوفة وَلِأَن معمولها لَا يتقدمها وَمَا لَا يعْمل لَا يُفَسر عَاملا الثَّامِن أَنه لَا يقبح حذف مَوْصُوف اسْم الْفَاعِل وإضافته إِلَى مُضَاف إِلَى ضَمِيره نَحْو مَرَرْت بِقَاتِل أَبِيه ويقبح مَرَرْت بِحسن وَجهه التَّاسِع أَنه يفصل مرفوعه ومنصوبه ك زيد ضَارب فِي الدَّار أَبوهُ عمرا وَيمْتَنع عِنْد الْجُمْهُور زيد حسن فِي الْحَرْب وَجهه رفعت أَو نصبت الْعَاشِر أَنه يجوز إتباع معموله بِجَمِيعِ التوابع وَلَا يتبع معمولها بِصفة قَالَه الزّجاج ومتأخرو المغاربة وَيشكل عَلَيْهِم الحَدِيث فِي صفة الدَّجَّال أَعور عينه الْيُمْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 الْحَادِي عشر أَنه يجوز إتباع مجروره على الْمحل عِنْد من لَا يشْتَرط المحرز وَيحْتَمل أَن يكون مِنْهُ {وَجعل اللَّيْل سكنا وَالشَّمْس} وَلَا يجوز هُوَ حسن الْوَجْه وَالْبدن جر الْوَجْه وَنصب الْبدن خلافًا للفراء أجَاز هُوَ قوي الرجل وَالْيَد بِرَفْع الْمَعْطُوف وَأَجَازَ البغداديون إتباع الْمَنْصُوب بمجرور فِي الْبَابَيْنِ كَقَوْلِه 829 - (فظل طهاة اللَّحْم مَا بَين منضج ... صفيف شواء أَو قدير معجل) الْقَدِير الْمَطْبُوخ فِي الْقدر وَهُوَ عِنْدهم عطف على صفيف وَخرج على أَن الأَصْل أَو طابخ قدير ثمَّ حذف الْمُضَاف وأبقي جر الْمُضَاف إِلَيْهِ كَقِرَاءَة بَعضهم {وَالله يُرِيد الْآخِرَة} بالخفض أَو أَنه عطف على صفيف وَلَكِن خفض على الْجوَار أَو على توهم أَن الصفيف مجرور بِالْإِضَافَة كَمَا قَالَ 830 - ) وَلَا سَابق شَيْئا إِذا كَانَ جائيا) مَا افترق فِيهِ الْحَال والتمييز وَمَا اجْتمعَا فِيهِ اعْلَم أَنَّهُمَا قد اجْتمعَا فِي خَمْسَة أُمُور وافترقا فِي سَبْعَة فأوجه الِاتِّفَاق أَنَّهُمَا اسمان نكرتان فضلتان منصوبتان رافعتان للابهام وَأما أوجه الِافْتِرَاق فأحدها أَن الْحَال يكون جملَة ك جَاءَ زيد يضْحك وظرفا نَحْو رَأَيْت الْهلَال بَين السَّحَاب وجارا ومجرورا نَحْو {فَخرج على قومه فِي زينته} الحديث: 829 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 ) والتمييز لَا يكون إِلَّا اسْما وَالثَّانِي أَن الْحَال قد يتَوَقَّف معنى الْكَلَام عَلَيْهَا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحا} {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} وَقَالَ 83 - (إِنَّمَا الْمَيِّت من يعِيش كئيبا ... كاسفا باله قَلِيل الرَّجَاء) بِخِلَاف التَّمْيِيز وَالثَّالِث أَن الْحَال مبينَة للهيئات والتمييز مُبين للذوات وَالرَّابِع أَن الْحَال تَتَعَدَّد كَقَوْلِه 83 - (عَليّ إِذا مَا زرت ليلى بخفية ... زِيَارَة بَيت الله رجلَانِ حافيا) بِخِلَاف التَّمْيِيز وَلذَلِك كَانَ خطأ قَول بَعضهم فِي 833 - ( ... تبَارك رحمانا رحِيما وموئلا) إنَّهُمَا تمييزان وَالصَّوَاب أَن رحمانا باضمار أخص أَو أمدح ورحيما حَال مِنْهُ لَا نعت لَهُ لِأَن الْحق قَول الأعلم وَابْن مَالك إِن الرَّحْمَن لَيْسَ بِصفة بل علم وَبِهَذَا أَيْضا يبطل كَونه تمييزا وَقَول قوم إِنَّه حَال وَأما قَول الزَّمَخْشَرِيّ إِذا قلت الله رَحْمَن أتصرفه أم لَا وَقَول ابْن الْحَاجِب إِنَّه اخْتلف فِي صرفه فخارج عَن كَلَام الْعَرَب من وَجْهَيْن لِأَنَّهُ لم يسْتَعْمل صفة وَلَا مُجَردا من أل وَإِنَّمَا حذفت فِي الْبَيْت للضَّرُورَة وَيَنْبَنِي على علميته أَنه فِي الْبَسْمَلَة وَنَحْوهَا بدل لَا نعت وَأَن الرَّحِيم بعده نعت لَهُ لَا نعت لاسم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحديث: 833 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 إِذْ لَا يتَقَدَّم الْبَدَل على النَّعْت وَأَن السُّؤَال الَّذِي سَأَلَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره لم قدم الرَّحْمَن مَعَ أَن عَادَتهم تَقْدِيم غير الأبلغ كَقَوْلِهِم عَالم نحرير وجواد فياض غير مُتَّجه وَمِمَّا يُوضح لَك أَنه غير صفة مَجِيئه كثيرا غير تَابع نَحْو {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} {وَإِذا قيل لَهُم اسجدوا للرحمن قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن} وَالْخَامِس أَن الْحَال تتقدم على عاملها إِذا كَانَ فعلا متصرفا أَو وَصفا يُشبههُ نَحْو {خشعا أَبْصَارهم يخرجُون} وَقَوله 834 - ( ... نجوت وَهَذَا تحملين طليق) أَي وَهَذَا طليق مَحْمُولا لَك وَلَا يجوز ذَلِك فِي التَّمْيِيز على الصَّحِيح فَأَما اسْتِدْلَال ابْن مَالك على الْجَوَاز بقوله 835 - (رددت بِمثل السَّيِّد نهد مقلص ... كميش إِذا عطفاه مَاء تحلبا) وَقَوله 836 - (إِذا الْمَرْء عينا قر بالعيش مثريا ... وَلم يعن بِالْإِحْسَانِ كَانَ مذمما) الحديث: 834 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 فسهو لِأَن عطفاه والمرء مرفوعان بِمَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور والناصب للتمييز هُوَ الْمَحْذُوف وَأما قَوْله 838 - ( ... وَمَا ارعويت وشيبا رَأْسِي اشتعلا) وَقَوله 738 - (أنفسا تطيب بنيل المنى ... وداعي الْمنون يُنَادي جهارا) فضرورتان السَّادِس أَن حق الْحَال الِاشْتِقَاق وَحقّ التَّمْيِيز الجمود وَقد يتعاكسان فَتَقَع الْحَال جامدة نَحْو هَذَا مَالك ذَهَبا {وتنحتون الْجبَال بُيُوتًا} وَيَقَع التَّمْيِيز مشتقا نَحْو لله دره فَارِسًا وقولك كرم زيد ضيفا إِذا أردْت الثَّنَاء على ضيف زيد بِالْكَرمِ فان كَانَ زيد هُوَ الضَّيْف احْتمل الْحَال والتمييز وَالْأَحْسَن عِنْد قصد التَّمْيِيز إِدْخَال من عَلَيْهِ وَاخْتلف فِي الْمَنْصُوب بعد حبذا فَقَالَ الْأَخْفَش والفارسي والربعي حَال مُطلقًا وَأَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء تَمْيِيز مُطلقًا وَقيل الجامد تَمْيِيز والمشتق حَال وَقيل الجامد تَمْيِيز والمشتق إِن أُرِيد تَقْيِيد الْمَدْح بِهِ كَقَوْلِه 839 - (يَا حبذا المَال مبذولا بِلَا سرف ... ) فحال وَإِلَّا فتمييز نَحْو حبذا رَاكِبًا زيد السَّابِع أَن الْحَال تكون مُؤَكدَة لعاملها نَحْو {ولى مُدبرا} {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا} {وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} وَلَا يَقع التَّمْيِيز كَذَلِك فَأَما الحديث: 838 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 (إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا) فشهرا مُؤَكد لما فهم من {إِن عدَّة الشُّهُور} وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَامله وَهُوَ أثنا عشر فمبين وَأما إجَازَة الْمبرد وَمن وَافقه نعم الرجل رجلا زيد فمردودة وَأما قَوْله 840 - (تزَود مثل زَاد أَبِيك فِينَا ... فَنعم الزَّاد زَاد أَبِيك زادا) فَالصَّحِيح أَن زادا مَعْمُول لتزود إِمَّا مفعول مُطلق إِن أُرِيد بِهِ التزود أَو مفعول بِهِ إِن أُرِيد بِهِ الشَّيْء الَّذِي يتزوده من أَفعَال الْبر وَعَلَيْهِمَا فَمثل نعت لَهُ تقدم فَصَارَ حَالا وَأما قَوْله 84 - (نعم الفتاة فتاة هِنْد لَو بذلت ... رد التَّحِيَّة نطقا أَو بإيماء) ففتاة حَال مُؤَكدَة أَقسَام الْحَال تَنْقَسِم باعتبارات 1 - الأول انقسامها بِاعْتِبَار انْتِقَال مَعْنَاهَا ولزومه إِلَى قسمَيْنِ منتقلة وَهُوَ الْغَالِب وملازمة وَذَلِكَ وَاجِب فِي ثَلَاث مسَائِل احداها الجامدة غير المؤولة بالمشتق نَحْو هَذَا مَالك ذَهَبا وَهَذِه جبتك خَزًّا بِخِلَاف نَحْو بِعته يدا بيد فَإِنَّهُ بِمَعْنى متقابضين وَهُوَ وصف منتقل وَإِنَّمَا الحديث: 840 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 لم يؤول فِي الأول لِأَنَّهَا مستعملة فِي مَعْنَاهَا الوضعي بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِي وَكثير يتَوَهَّم أَن الْحَال الجامدة لَا تكون إِلَّا مؤولة بالمشتق وَلَيْسَ كَذَلِك الثَّانِيَة الْمُؤَكّدَة نَحْو {ولى مُدبرا} قَالُوا وَمِنْه {وَهُوَ الْحق مُصدقا} لِأَن الْحق لَا يكون إِلَّا مُصدقا وَالصَّوَاب أَنه يكون مُصدقا ومكذبا وَغَيرهمَا نعم إِذا قيل هُوَ الْحق صَادِقا فَهِيَ مُؤَكدَة الثَّالِثَة الَّتِي دلّ عاملها على تجدّد صَاحبهَا نَحْو {وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} وَنَحْو خلق الله الزرافة يَديهَا أطول من رِجْلَيْهَا الْحَال أطول ويديها بدل بعض قَالَ ابْن مَالك بدر الدّين وَمِنْه {وَهُوَ الَّذِي أنزل إِلَيْكُم الْكتاب مفصلا} وَهَذَا سَهْو مِنْهُ لِأَن الْكتاب قديم وَتَقَع الْمُلَازمَة فِي غير ذَلِك بِالسَّمَاعِ وَمِنْه {قَائِما بِالْقِسْطِ} إِذا أعرب حَالا وَقَول جمَاعَة إِنَّهَا مُؤَكدَة وهم لِأَن مَعْنَاهَا غير مُسْتَفَاد مِمَّا قبلهَا 2 - الثَّانِي انقسامها بِحَسب قَصدهَا لذاتها وللتوطئة بهَا إِلَى قسمَيْنِ مَقْصُودَة وَهُوَ الْغَالِب وموطئة وَهِي الجامدة الموصوفة نَحْو {فتمثل لَهَا بشرا سويا} فَإِنَّمَا ذكر بشرا تَوْطِئَة لذكر سويا وَتقول جَاءَنِي زيد رجلا محسنا 3 - الثَّالِث انقسامها بِحَسب الزَّمَان إِلَى ثَلَاثَة مُقَارنَة وَهُوَ الْغَالِب نَحْو {وَهَذَا بعلي شَيخا} ومقدرة وَهِي الْمُسْتَقْبلَة كمررت بِرَجُل مَعَه صقر صائدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 بِهِ غَدا أَي مُقَدرا ذَلِك وَمِنْه {فادخلوها خَالِدين} {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ} ومحكية وَهِي الْمَاضِيَة نَحْو جَاءَ زيد أمس رَاكِبًا 4 - الرَّابِع انقسامها بِحَسب التَّبْيِين والتوكيد إِلَى قسمَيْنِ مبينَة وَهُوَ الْغَالِب وَتسَمى مؤسسة أَيْضا ومؤكدة وَهِي الَّتِي يُسْتَفَاد مَعْنَاهَا بِدُونِهَا وَهِي ثَلَاثَة مُؤَكدَة لعاملها نَحْو {ولى مُدبرا} ومؤكدة لصَاحِبهَا نَحْو جَاءَ الْقَوْم طرا وَنَحْو {لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا} ومؤكدة لمضمون الْجُمْلَة نَحْو زيد أَبوك عطوفا وأهمل النحويون الْمُؤَكّدَة لصَاحِبهَا وَمثل ابْن مَالك وَولده بِتِلْكَ الْأَمْثِلَة للمؤكدة لعاملها وَهُوَ سَهْو وَمِمَّا يشكل قَوْلهم فِي نَحْو جَاءَ زيد وَالشَّمْس طالعة إِن الْجُمْلَة الاسمية حَال مَعَ أَنَّهَا لَا تنْحَل إِلَى مُفْرد وَلَا تبين هَيْئَة فَاعل وَلَا مفعول وَلَا هِيَ حَال مُؤَكدَة فَقَالَ ابْن جني تَأْوِيلهَا جَاءَ زيد طالعة الشَّمْس عِنْد مَجِيئه يَعْنِي فَهِيَ كالحال والنعت السببيين ك مَرَرْت بِالدَّار قَائِما سكانها وبرجل قَائِم غلمانه وَقَالَ ابْن عمرون هِيَ مؤولة بِقَوْلِك مبكرا وَنَحْوه وَقَالَ صدر الأفاضل تلميذ الزَّمَخْشَرِيّ إِنَّمَا الْجُمْلَة مفعول مَعَه وَأثبت مَجِيء الْمَفْعُول مَعَه جملَة وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 قَوْله تَعَالَى {وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر} فِي قِرَاءَة من رفع الْبَحْر هُوَ كَقَوْلِه 84 - (وَقد أغتدي وَالطير فِي وكناتها ... ) وَجئْت والجيش مصطف وَنَحْوهمَا من الْأَحْوَال الَّتِي حكمهَا حكم الظروف فَلذَلِك عريت عَن ضمير ذِي الْحَال وَيجوز أَن يقدر وبحرها أَي وبحر الأَرْض إِعْرَاب أَسمَاء الشَّرْط والاستفهام وَنَحْوهَا اعْلَم أَنَّهَا إِن دخل عَلَيْهَا جَار أَو مُضَاف فمحلها الْجَرّ نَحْو {عَم يتساءلون} وَنَحْو صَبِيحَة أَي يَوْم سفرك وَغُلَام من جَاءَك وَإِلَّا فَإِن وَقعت على زمَان نَحْو {أَيَّانَ يبعثون} أَو مَكَان نَحْو {فَأَيْنَ تذهبون} أَو حدث نَحْو {أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} فَهِيَ مَنْصُوبَة مَفْعُولا فِيهِ ومفعولا مُطلقًا وَإِلَّا فَإِن وَقع بعْدهَا اسْم نكرَة نَحْو من أَب لَك فَهِيَ مُبتَدأَة أَو اسْم معرفَة نَحْو من زيد فَهِيَ خبر أَو مُبْتَدأ على الْخلاف السَّابِق وَلَا يَقع هَذَانِ النوعان فِي أَسمَاء الشَّرْط وَإِلَّا فَإِن وَقع بعْدهَا فعل قَاصِر فَهِيَ مُبتَدأَة نَحْو من قَامَ وَنَحْو من يقم أقِم مَعَه وَالأَصَح أَن الْخَبَر فعل الشَّرْط لَا فعل الْجَواب وَإِن وَقع بعْدهَا فعل مُتَعَدٍّ فَإِن كَانَ وَاقعا عَلَيْهَا فَهِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 مفعول بِهِ نَحْو {فَأَي آيَات الله تنكرون} وَنَحْو {أيا مَا تدعوا} وَنَحْو {من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ} وَإِن كَانَ وَاقعا على ضميرها نَحْو من رَأَيْته أَو متعلقها نَحْو من رَأَيْت أَخَاهُ فَهِيَ مُبتَدأَة أَو مَنْصُوبَة بِمَحْذُوف مُقَدّر بعْدهَا يفسره الْمَذْكُور تَنْبِيه وَإِذا وَقع اسْم الشَّرْط مُبْتَدأ فَهَل خَبره فعل الشَّرْط وَحده لِأَنَّهُ اسْم تَامّ وَفعل الشَّرْط مُشْتَمل على ضَمِيره فقولك من يقم لَو لم يكن فِيهِ معنى الشَّرْط لَكَانَ بِمَنْزِلَة قَوْلك كل من النَّاس يقوم أَو فعل الْجَواب لِأَن الْفَائِدَة بِهِ تمت ولالتزامهم عود ضمير مِنْهُ إِلَيْهِ على الْأَصَح وَلِأَن نَظِيره هُوَ الْخَبَر فِي قَوْلك الَّذِي يأتيني فَلهُ دِرْهَم أَو مجموعهما لِأَن قَوْلك من يقم أقِم مَعَه بِمَنْزِلَة قَوْلك كل من النَّاس إِن يقم أقِم مَعَه وَالصَّحِيح الأول وَإِنَّمَا توقفت الْفَائِدَة على الْجَواب من حَيْثُ التَّعَلُّق فَقَط لَا من حَيْثُ الخبرية مسوغات الِابْتِدَاء بالنكرة لم يعول المتقدمون فِي ضَابِط ذَلِك إِلَّا على حُصُول الْفَائِدَة وَرَأى الْمُتَأَخّرُونَ أَنه لَيْسَ كل أحد يَهْتَدِي إِلَى مَوَاطِن الْفَائِدَة فتتبعوها فَمن مقل مخل وَمن مكثر مورد مَا لَا يصلح أَو معدد لأمور متداخلة وَالَّذِي يظْهر لي أَنَّهَا منحصرة فِي عشرَة أُمُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 أَحدهَا أَن تكون مَوْصُوفَة لفظا أَو تَقْديرا أَو معنى فَالْأول نَحْو {وَأجل مُسَمّى عِنْده} {ولعَبْد مُؤمن خير من مُشْرك} وقولك رجل صَالح جَاءَنِي وَمن ذَلِك قَوْلهم ضَعِيف عاذ بقرملة إِذْ الأَصْل رجل ضَعِيف فالمبتدأ فِي الْحَقِيقَة هُوَ الْمَحْذُوف وَهُوَ مَوْصُوف والنحويون يَقُولُونَ يبتدأ بالنكرة إِذا كَانَت مَوْصُوفَة أَو خلفا من مَوْصُوف وَالصَّوَاب مَا بيّنت وَلَيْسَت كل صفة تحصل الْفَائِدَة فَلَو قلت رجل من النَّاس جَاءَنِي لم يجز وَالثَّانِي نَحْو قَوْلهم السّمن منوان بدرهم أَي منوان مِنْهُ بدرهم وَقَوْلهمْ شَرّ أهر ذَا نَاب و843 - (قدر أحلك ذَا الْمجَاز ... ) إِذْ الْمَعْنى شَرّ أَي شَرّ وَقدر لَا يغالب وَالثَّالِث نَحْو رجيل جَاءَنِي لِأَنَّهُ فِي معنى رجل صَغِير وَقَوْلهمْ مَا أحسن زيدا لِأَنَّهُ فِي معنى شَيْء عَظِيم حسن زيدا وَلَيْسَ فِي هذَيْن النَّوْعَيْنِ صفة مقدرَة فيكونا من الْقسم الثَّانِي وَالثَّانِي أَن تكون عاملة إِمَّا رفعا نَحْو قَائِم الزيدان عِنْد من أجَازه أَو نصبا نَحْو أَمر بِمَعْرُوف صَدَقَة وَأفضل مِنْك جَاءَنِي إِذْ الظّرْف مَنْصُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 الْمحل بِالْمَصْدَرِ وَالْوَصْف أَو جرا نَحْو غُلَام امْرَأَة جَاءَنِي وَخمْس صلوَات كتبهن الله وَشرط هَذِه أَن يكون الْمُضَاف إِلَيْهِ نكرَة كَمَا مثلنَا أَو معرفَة والمضاف مِمَّا لَا يتعرف بِالْإِضَافَة نَحْو مثلك لَا يبخل وَغَيْرك لَا يجود وَأما مَا عدا ذَلِك فَإِن الْمُضَاف إِلَيْهِ فِيهِ معرفَة لَا نكرَة وَالثَّالِث الْعَطف بِشَرْط كَون الْمَعْطُوف أَو الْمَعْطُوف عَلَيْهِ مِمَّا يسوغ الِابْتِدَاء بِهِ نَحْو {طَاعَة وَقَول مَعْرُوف} أَي أمثل من غَيرهمَا وَنَحْو {قَول مَعْرُوف ومغفرة خير من صَدَقَة يتبعهَا أَذَى} وَكثير مِنْهُم أطلق الْعَطف وأهمل الشَّرْط مِنْهُم ابْن مَالك وَلَيْسَ من أَمْثِلَة الْمَسْأَلَة مَا أنْشدهُ من قَوْله 844 - (عِنْدِي اصطبار وشكوى عِنْد قاتلتي ... فَهَل بِأَعْجَب من هَذَا امْرُؤ سمعا) إِذْ يحْتَمل أَن الْوَاو هُنَا للْحَال وَسَيَأْتِي أَن ذَلِك مسوغ وَإِن سلم الْعَطف فثم صفة مقدرَة يقتضيها الْمقَام أَي وشكوى عَظِيمَة على أَنا لَا نحتاج إِلَى شَيْء من هَذَا كُله فَإِن الْخَبَر هُنَا ظرف مُخْتَصّ وَهَذَا بِمُجَرَّدِهِ مسوغ كَمَا قدمنَا وَكَأَنَّهُ توهم أَن التسويغ مَشْرُوط بتقدمه على النكرَة وَقد أسلفنا أَن التَّقْدِيم إِنَّمَا كَانَ لدفع توهم الصّفة وَإِنَّمَا لم يجب هُنَا لحُصُول الِاخْتِصَاص بِدُونِهِ وَهُوَ مَا قدمْنَاهُ من الصّفة الْمقدرَة أَو الْوُقُوع بعد وَاو الْحَال فَلذَلِك جَازَ تَأَخّر الظّرْف كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأجل مُسَمّى عِنْده} الحديث: 844 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 قإن قلت لَعَلَّ الْوَاو للْعَطْف وَلَا صفة مقدرَة فَيكون الْعَطف هُوَ المسوغ قلت لَا يسوغ ذَلِك لِأَن المسوغ عطف النكرَة والمعطوف فِي الْبَيْت الْجُمْلَة لَا النكرَة فَإِن قيل يحْتَمل أَن الْوَاو عطفت اسْما وظرفا على مثليهما فَيكون من عطف الْمُفْردَات قُلْنَا يلْزم الْعَطف على معمولي عاملين مُخْتَلفين إِذْ الاصطبار مَعْمُول للابتداء والظرف مَعْمُول للاستقرار فَإِن قيل قدر لكل من الظرفين استقرارا وَاجعَل التعاطف بَين الاستقرارين لَا بَين الظرفين قُلْنَا الِاسْتِقْرَار الأول خبر وَهُوَ مَعْمُول للمبتدأ نَفسه عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك فَرجع الْأَمر إِلَى الْعَطف على معمولي عاملين وَالرَّابِع أَن يكون خَبَرهَا ظرفا أَو مجرورا قَالَ ابْن مَالك أَو جملَة نَحْو {ولدينا مزِيد} و {لكل أجل كتاب} وقصدك غُلَامه رجل وَشرط الْخَبَر فِيهِنَّ الِاخْتِصَاص فَلَو قيل فِي دَار رجل لم يجز لِأَن الْوَقْت لَا يَخْلُو عَن أَن يكون فِيهِ رجل مَا فِي دَار مَا فَلَا فَائِدَة فِي الْإِخْبَار بذلك قَالُوا والتقديم فَلَا يجوز رجل فِي الدَّار وَأَقُول إِنَّمَا وَجب التَّقْدِيم هُنَا لدفع توهم الصّفة واشتراطه هُنَا يُوهم أَن لَهُ مدخلًا فِي التَّخْصِيص وَقد ذكرُوا الْمَسْأَلَة فِيمَا يجب فِيهِ تَقْدِيم الْخَبَر وَذَاكَ موضعهَا وَالْخَامِس أَن تكون عَامَّة إِمَّا بذاتها كأسماء الشَّرْط وَأَسْمَاء الِاسْتِفْهَام أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 بغَيْرهَا نَحْو مَا رجل فِي الدَّار وَهل رجل فِي الدَّار و {أإله مَعَ الله} وَفِي شرح منظومة ابْن الْحَاجِب لَهُ أَن الِاسْتِفْهَام المسوغ للابتداء هُوَ الْهمزَة المعادلة بِأم نَحْو أرجل فِي الدَّار أم امْرَأَة كَمَا مثل بِهِ فِي الكافية وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَالسَّادِس أَن تكون مرَادا بهَا صَاحب الْحَقِيقَة من حَيْثُ هِيَ نَحْو رجل خير من امْرَأَة وَتَمْرَة خير من جَرَادَة وَالسَّابِع أَن تكون فِي معنى الْفِعْل وَهَذَا شَامِل لنَحْو عجب لزيد وضبطوه بِأَن يُرَاد بهَا التَّعَجُّب ولنحو {سَلام على إل ياسين} و {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} وضبطوه بِأَن يُرَاد بهَا الدُّعَاء ولنحو قَائِم الزيدان عِنْد من جوزها وعَلى هَذَا فَفِي نَحْو مَا قَائِم الزيدان مسوغان كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَعِنْدنَا كتاب حفيظ} مسوغان وَأما منع الْجُمْهُور لنَحْو قَائِم الزيدان فَلَيْسَ لِأَنَّهُ لَا مسوغ فِيهِ للابتداء بل إِمَّا لفَوَات شَرط الْعَمَل وَهُوَ الِاعْتِمَاد أَو لفَوَات شَرط الِاكْتِفَاء بالفاعل عَن الْخَبَر وَهُوَ تقدم النَّفْي أَو الِاسْتِفْهَام وَهَذَا أظهر لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه لَا يَكْفِي مُطلق الِاعْتِمَاد فَلَا يجوز فِي نَحْو زيد قَائِم أَبوهُ كَون قَائِم مُبْتَدأ وَإِن وجد الِاعْتِمَاد على الْمخبر عَنهُ وَالثَّانِي أَن اشْتِرَاط الِاعْتِمَاد وَكَون الْوَصْف بِمَعْنى الْحَال أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 الِاسْتِقْبَال إِنَّمَا هُوَ للْعَمَل فِي الْمَنْصُوب لَا لمُطلق الْعَمَل بدليلين أَحدهمَا أَنه يَصح زيد قَائِم أَبوهُ أمس وَالثَّانِي أَنهم لم يشترطوا لصِحَّة نَحْو أقائم الزيدان كَون الْوَصْف بِمَعْنى الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال وَالثَّامِن أَن يكون ثُبُوت ذَلِك الْخَبَر للنكرة من خوارق الْعَادة نَحْو شَجَرَة سجدت وبقرة تَكَلَّمت إِذْ وُقُوع ذَلِك من أَفْرَاد هَذَا الْجِنْس غير مُعْتَاد فَفِي الْإِخْبَار بِهِ عَنْهَا فَائِدَة بِخِلَاف نَحْو رجل مَاتَ وَنَحْوه وَالتَّاسِع أَن تقع بعد إِذا الفجائية نَحْو خرجت فَإِذا أَسد أَو رجل بِالْبَابِ إِذْ لَا توجب الْعَادة أَلا يَخْلُو الْحَال من أَن يفاجئك عِنْد خُرُوجك أَسد أَو رجل والعاشر أَن تقع فِي أول جملَة حَالية كَقَوْلِه 845 - (سرينا وَنجم قد أَضَاء فمذ بدا ... محياك أخْفى ضوؤه كل شارق) وَعلة الْجَوَاز مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا وَمن ذَلِك قَوْله 846 - (الذِّئْب يطرقها فِي الدَّهْر وَاحِدَة ... وكل يَوْم تراني مدية بيَدي) وَبِهَذَا يعلم أَن اشْتِرَاط النَّحْوِيين وُقُوع النكرَة بعد وَاو الْحَال لَيْسَ بِلَازِم وَنَظِير هَذَا الْموضع قَول ابْن عُصْفُور فِي شرح الْجمل تكسر إِن إِذا وَقعت بعد وَاو الْحَال وَإِنَّمَا الضَّابِط أَن تقع فِي أول جملَة حَالية بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون الطَّعَام} وَمن روى مدية بِالنّصب فمفعول لحَال محذوفة أَي حَامِلا أَو ممسكا وَلَا يحسن أَن يكون بَدَلا من الْيَاء وَمثل ابْن مَالك بقوله تَعَالَى {وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} وَقَول الشَّاعِر الحديث: 845 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 847 - (عرضنَا فسلمنا فَسلم كَارِهًا ... علينا وتبريح من الوجد خانقه) وَلَا دَلِيل فيهمَا لِأَن النكرَة مَوْصُوفَة بِصفة مَذْكُورَة فِي الْبَيْت ومقدرة فِي الْآيَة أَي وَطَائِفَة من غَيْركُمْ بِدَلِيل {يغشى طَائِفَة مِنْكُم} وَمِمَّا ذكرُوا من المسوغات أَن تكون النكرَة محصورة نَحْو إِنَّمَا فِي الدَّار رجل أَو للتفصيل نَحْو النَّاس رجلَانِ أكرمته وَرجل أهنته وَقَوله 848 - (فَأَقْبَلت زحفا على الرُّكْبَتَيْنِ ... فثوب نسيت وثوب أجر) وَقَوْلهمْ شهر ثرى وَشهر ترى وَشهر مرعى أَو بعد فَاء الْجَزَاء نَحْو إِن مضى عير فَعير فِي الرِّبَاط وفيهن نظر أما الاولى فَلِأَن الِابْتِدَاء فِيهَا بالنكرة صَحِيح قبل مَجِيء إِنَّمَا وَأما الثَّانِيَة فلاحتمال رجل الأول للبداية وَالثَّانِي عطف عَلَيْهِ كَقَوْلِه 849 - (وَكنت كذي رجلَيْنِ رجل صَحِيحَة ... وَرجل رمى فِيهَا الزَّمَان فشلت) وَيُسمى بدل التَّفْصِيل ولاحتمال شهر الأول الخبرية وَالتَّقْدِير أشهر الحديث: 847 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 الأَرْض الممطورة شهر ذُو ثرى أَي ذُو تُرَاب ند وَشهر ترى فِيهِ الزَّرْع وَشهر ذُو مرعى ولاحتمال نسيت وَأجر للوصفية وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي فَمِنْهَا ثوب نَسِيته وَمِنْهَا ثوب أجره وَيحْتَمل أَنَّهُمَا خبران وَثمّ صفتان مقدرتان أَي فثوب لي نَسِيته وثوب لي أجره وَإِنَّمَا نسي ثَوْبه لشغل قلبه بهَا كَمَا قَالَ) ( ... لعوب تنسيني إِذا قُمْت سربالي) وَإِنَّمَا جر الآخر ليعلى رُكْبَتَيْهِ وَأما الثَّالِثَة فَلِأَن الْمَعْنى فَعير آخر ثمَّ حذفت الصّفة وَرَأَيْت فِي كَلَام مُحَمَّد بن حبيب وحبِيب مَمْنُوع من الصّرْف لِأَنَّهُ اسْم أمه قَالَ يُونُس قَالَ رؤبة الْمَطَر شهر ثرى إِلَخ وَهَذَا دَلِيل على أَنه خبر وَلَا بُد من تَقْدِير مُضَاف قبل الْمُبْتَدَأ لتصحيح الْإِخْبَار عَنهُ بِالزَّمَانِ أَقسَام الْعَطف وَهِي ثَلَاثَة 1 - أَحدهَا الْعَطف على اللَّفْظ وَهُوَ الأَصْل نَحْو لَيْسَ زيد بقائم وَلَا قَاعد بالخفض وَشَرطه إِمْكَان توجه الْعَامِل إِلَى الْمَعْطُوف فَلَا يجوز فِي نَحْو مَا جَاءَنِي من امْرَأَة وَلَا زيد إِلَّا الرّفْع عطفا على الْموضع لِأَن من الزَّائِدَة لَا تعْمل فِي المعارف وَقد يمْتَنع الْعَطف على اللَّفْظ وعَلى الْمحل جَمِيعًا نَحْو مَا زيد قَائِما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 لَكِن أَو بل قَاعد لِأَن فِي الْعَطف على اللَّفْظ إِعْمَال مَا فِي الْمُوجب وَفِي الْعَطف على الْمحل اعْتِبَار الِابْتِدَاء مَعَ زَوَاله بِدُخُول النَّاسِخ وَالصَّوَاب الرّفْع على إِضْمَار مُبْتَدأ 2 - وَالثَّانِي الْعَطف على الْمحل نَحْو لَيْسَ زيد بقائم وَلَا قَاعِدا بِالنّصب وَله عِنْد الْمُحَقِّقين ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا إِمْكَان ظُهُوره فِي الفصيح أَلا ترى أَنه يجوز فِي لَيْسَ زيد بقائم وَمَا جَاءَنِي من امْرَأَة أَن تسْقط الْبَاء فتنصب وَمن فَترفع وعَلى هَذَا فَلَا يجوز مَرَرْت بزيد وعمرا خلافًا لِابْنِ جني لِأَنَّهُ لَا يجوز مَرَرْت زيدا وَأما قَوْله 850 - (تمرون الديار وَلم تعوجوا ... ) فضرورة وَلَا تخْتَص مُرَاعَاة الْموضع بِأَن يكون الْعَامِل فِي اللَّفْظ زَائِدا كَمَا مثلنَا بِدَلِيل قَوْله 85 - (فَإِن لم تَجِد من دون عدنان والدا ... وَدون معد فلتزعك العواذل) وَأَجَازَ الْفَارِسِي فِي قَوْله تَعَالَى {وأتبعوا فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة} أَن يكون {يَوْم الْقِيَامَة} عطفا على مَحل هَذِه لِأَن مَحَله النصب الثَّانِي أَن يكون الْموضع بِحَق الْأَصَالَة فَلَا يجوز هَذَا ضَارب زيدا وأخيه لِأَن الْوَصْف المستوفي لشروط الْعَمَل الأَصْل إعماله لَا إِضَافَته لالتحاقه بِالْفِعْلِ وَأَجَازَهُ البغداديون تمسكا بقوله الحديث: 850 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 85 - (منضج ... صفيف شواء أَو قدير معجل) وَقد مر جَوَابه وَالثَّالِث وجود المحرز أَي الطَّالِب لذَلِك الْمحل وابتنى على هَذَا امْتنَاع مسَائِل إِحْدَاهَا إِن زيدا وَعَمْرو قائمان وَذَلِكَ لِأَن الطَّالِب لرفع زيد هُوَ الِابْتِدَاء والابتداء هُوَ التجرد والتجرد قد زَالَ بِدُخُول إِن وَالثَّانيَِة إِن زيدا قَائِم وَعَمْرو إِذا قدرت عمرا مَعْطُوفًا على الْمحل لَا مُبْتَدأ وَأَجَازَ هَذِه بعض الْبَصرِيين لأَنهم لم يشترطوا المحرز وَإِنَّمَا منعُوا الأولى لمَانع آخر وَهُوَ توارد عاملين إِن والابتداء على مَعْمُول وَاحِد وَهُوَ الْخَبَر وأجازهما الْكُوفِيُّونَ لأَنهم لَا يشترطون المحرز وَلِأَن إِن لم تعْمل عِنْدهم فِي الْخَبَر شَيْئا بل هُوَ مَرْفُوع بِمَا كَانَ مَرْفُوعا بِهِ قبل دُخُولهَا وَلَكِن شَرط الْفراء لصِحَّة الرّفْع قبل مَجِيء الْخَبَر خَفَاء إِعْرَاب الِاسْم لِئَلَّا يتنافر اللَّفْظ وَلم يَشْتَرِطه الْكسَائي كَمَا أَنه لَيْسَ بِشَرْط بالِاتِّفَاقِ فِي سَائِر مَوَاضِع الْعَطف على اللَّفْظ وحجتهما قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا والصابئون} الْآيَة وَقَوْلهمْ إِنَّك وَزيد ذاهبان وَأجِيب عَن الْآيَة بأمرين أَحدهمَا أَن خبر إِن مَحْذُوف أَي مأجورون أَو آمنون أَو فَرِحُونَ والصابئون مُبْتَدأ وَمَا بعده الْخَبَر وَيشْهد لَهُ قَوْله 853 - (خليلي هَل طب فَإِنِّي وأنتما ... وَإِن لم تبوحا بالهوى دنفان) ويضعفه أَنه حذف من الاول لدلَالَة الثَّانِي وَإِنَّمَا الْكثير الْعَكْس وَالثَّانِي أَن الْخَبَر الْمَذْكُور لإن وَخبر {الصابئون} مَحْذُوف أَي كَذَلِك وَيشْهد لَهُ قَوْله الحديث: 853 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 854 - (فَمن يَك أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْله ... فَإِنِّي وقيار بهَا لغريب) إِذْ لَا تدخل اللَّام فِي خبر الْمُبْتَدَأ حَتَّى يقدم نَحْو لقائم زيد ويضعفه تَقْدِيم الْجُمْلَة المعطوفة على بعض الْجُمْلَة الْمَعْطُوف عَلَيْهَا وَعَن الْمِثَال بأمرين أَحدهمَا أَنه عطف على توهم عدم ذكر إِن وَالثَّانِي أَنه تَابع لمبتدأ مَحْذُوف إِي إِنَّك أَنْت وَزيد ذاهبان وَعَلَيْهِمَا خرج قَوْلهم إِنَّهُم أَجْمَعُونَ ذاهبون الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة هَذَا ضَارب زيد وعمرا بِالنّصب الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة أعجبني ضرب زيد وَعَمْرو بِالرَّفْع أَو وعمرا بِالنّصب منعهما الحذاق لِأَن الِاسْم الْمُشبه للْفِعْل لَا يعْمل فِي اللَّفْظ حَتَّى يكون بأل أَو منونا أَو مُضَافا وأجازهما قوم تمسكا بِظَاهِر قَوْله تَعَالَى {وَجعل اللَّيْل سكنا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا} وَقَول الشَّاعِر 855 - ( ... فَلم تخل من تمهيد مجد وسوددا) وَأجِيب بِأَن ذَلِك على إِضْمَار عَامل يدل عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَي وَجعل الشَّمْس ومهدت سوددا أَو يكون سوددا مَفْعُولا مَعَه وَيشْهد للتقدير فِي الْآيَة أَن الْوَصْف فِيهَا بِمَعْنى الْمَاضِي والماضي الْمُجَرّد من أل لَا يعْمل النصب ويوضح لَك مضيه قَوْله تَعَالَى {وَمن رَحمته جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار لتسكنوا فِيهِ} الْآيَة وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ الحديث: 854 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 كَون الشَّمْس مَعْطُوفًا على مَحل اللَّيْل وَزعم مَعَ ذَلِك أَن الْجعل مُرَاد مِنْهُ فعل مُسْتَمر فِي الْأَزْمِنَة لَا فِي الزَّمن الْمَاضِي بخصوصيته مَعَ نَصه فِي {مَالك يَوْم الدّين} على أَنه إِذا حمل على الزَّمن المستمر كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ إِذا حمل على الْمَاضِي فِي أَن إِضَافَته مَحْضَة وَأما قَوْله 856 - (قد كنت داينت بهَا حسانا ... مَخَافَة الإفلاس والليانا) فَيجوز أَن يكون الليانا مَفْعُولا مَعَه وَأَن يكون مَعْطُوفًا على مَخَافَة على حذف مُضَاف أَي ومخافة الليان وَلَو لم يقدر الْمُضَاف لم يَصح لِأَن الليان فعل لغير الْمُتَكَلّم إِذْ المُرَاد أَنه داين حسان خشيَة من إفلاس غَيره ومطله وَلَا بُد فِي الْمَفْعُول لَهُ من مُوَافَقَته لعامله فِي الْفَاعِل وَمن الْغَرِيب قَول أبي حَيَّان إِن من شَرط الْعَطف على الْموضع أَن يكون للمعطوف عَلَيْهِ لفظ وَمَوْضِع فَجعل صُورَة الْمَسْأَلَة شرطا لَهَا ثمَّ إِنَّه أسقط الشَّرْط الأول الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَلَا بُد مِنْهُ 3 - وَالثَّالِث الْعَطف على التَّوَهُّم نَحْو لَيْسَ زيد قَائِما وَلَا قَاعد بالخفض على توهم دُخُول الْبَاء فِي الْخَبَر وَشرط جَوَازه صِحَة دُخُول ذَلِك الْعَامِل المتوهم وَشرط حسنه كَثْرَة دُخُوله هُنَاكَ وَلِهَذَا حسن قَول زُهَيْر 857 - (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سَابق شَيْئا إِذا كَانَ جائيا) وَقَول الآخر 858 - (مَا الحازم الشهم مقداما وَلَا بَطل ... إِن لم يكن للهوى بِالْحَقِّ غلابا) الحديث: 856 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 وَلم يحسن قَول الآخر 859 - (وَمَا كنت ذَا نيرب فيهم ... وَلَا منمش فيهم منمل) لقلَّة دُخُول الْبَاء على خبر كَانَ بِخِلَاف خبري لَيْسَ وَمَا والنيرب النميمة والمنمل الْكثير النميمة والمنمش الْمُفْسد ذَات الْبَين وكما وَقع هَذَا الْعَطف فِي الْمَجْرُور وَقع فِي أَخِيه المجزوم وَوَقع أَيْضا فِي الْمَرْفُوع اسْما وَفِي الْمَنْصُوب اسْما وفعلا وَفِي المركبات فَأَما المجزوم فَقَالَ بِهِ الْخَلِيل وسيبويه فِي قِرَاءَة غير أبي عَمْرو {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب فَأَصدق وأكن} فَإِن معنى لَوْلَا أخرتني فَأَصدق وَمعنى إِن أخرتني أصدق وَاحِد وَقَالَ السيرافي والفارسي هُوَ عطف على مَحل فَأَصدق كَقَوْل الْجَمِيع فِي قِرَاءَة الْأَخَوَيْنِ {من يضلل الله فَلَا هادي لَهُ ويذرهم} بِالْجَزْمِ وَيَردهُ أَنَّهُمَا يسلمان أَن الْجَزْم فِي نَحْو ائْتِنِي أكرمك بإضمار الشَّرْط فَلَيْسَتْ الْفَاء هُنَا وَمَا بعْدهَا فِي مَوضِع جزم لِأَن مَا بعد الْفَاء مَنْصُوب بِأَن مضمرة وَأَن وَالْفِعْل فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على مصدر متوهم مِمَّا تقدم فَكيف تكون الْفَاء مَعَ ذَلِك فِي مَوضِع الْجَزْم وَلَيْسَ بَين المفردين المتعاطفين شَرط مُقَدّر وَيَأْتِي الْقَوْلَانِ فِي قَول الْهُذلِيّ 860 - (فأبلوني بليتكم لعَلي ... أصالحكم وأستدرج نويا) أَي نواي وَكَذَلِكَ اخْتلف فِي نَحْو قَامَ الْقَوْم غير زيد وعمرا بِالنّصب الحديث: 859 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 وَالصَّوَاب أَنه على التَّوَهُّم وَأَنه مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لقَوْله لِأَن غير زيد فِي مَوضِع إِلَّا زيدا وَمَعْنَاهُ فشبهوه بقَوْلهمْ 86 - ( ... فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا) وَقد استنبط من ضعف فهمه من إنشاده هَذَا الْبَيْت هُنَا أَنه يرَاهُ عطفا على الْمحل وَلَو أَرَادَ ذَلِك لم يقل إِنَّهُم شبهوه بِهِ رَجَعَ القَوْل إِلَى المجزوم وَقَالَ بِهِ الْفَارِسِي فِي قِرَاءَة قنبل {إِنَّه من يتق ويصبر فَإِن الله} بِإِثْبَات الْيَاء فِي يَتَّقِي وَجزم يصبر فَزعم أَن من مَوْصُولَة فَلهَذَا ثبتَتْ يَاء يَتَّقِي وَأَنَّهَا ضمنت معنى الشَّرْط وَلذَلِك دخلت الْفَاء فِي الْخَبَر وَإِنَّمَا جزم يصبر على توهم معنى من وَقيل بل وصل يصبر بنية الْوَقْف كَقِرَاءَة نَافِع {ومحياي ومماتي} بِسُكُون يَاء محياي وصلا وَقيل بل سكن لتوالي الحركات فِي كَلِمَتَيْنِ كَمَا فِي {يَأْمُركُمْ} و {يشعركم} وَقيل من شَرْطِيَّة وَهَذِه الْيَاء إشباع وَلَام الْفِعْل حذفت للجازم أَو هَذِه الْيَاء لَام الْفِعْل وَاكْتفى بِحَذْف الْحَرَكَة الْمقدرَة وَأما الْمَرْفُوع فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَاعْلَم أَن نَاسا من الْعَرَب يغلطون فَيَقُولُونَ إِنَّهُم أَجْمَعُونَ ذاهبون وَإنَّك وَزيد ذاهبان وَذَلِكَ على أَن مَعْنَاهُ معنى الِابْتِدَاء فَيرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 أَنه قَالَ هم كَمَا قَالَ 86 - (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... الْبَيْت) اهـ وَمرَاده بالغلط مَا عير عَنهُ غَيره بالتوهم وَذَلِكَ ظَاهر من كَلَامه ويوضحه إنشاده الْبَيْت وتوهم ابْن مَالك أَنه أَرَادَ بالغلط الْخَطَأ فَاعْترضَ عَلَيْهِ بِأَنا مَتى جَوَّزنَا ذَلِك عَلَيْهِم زَالَت الثِّقَة بكلامهم وَامْتنع أَن نثبت شَيْئا نَادرا لِإِمْكَان أَن يُقَال فِي كل نَادِر إِن قَائِله غلط وَأما الْمَنْصُوب اسْما فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} فِيمَن فتح الْبَاء كَأَنَّهُ قبل وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب على طَريقَة قَوْله 863 - (مشائيم لَيْسُوا مصلحين عشيرة ... وَلَا ناعب إِلَّا ببين غرابها) اه وَقيل هُوَ على إِضْمَار وهبنا أَي وَمن وَرَاء إِسْحَاق وهبنا يَعْقُوب بِدَلِيل {فبشرناها} لِأَن الْبشَارَة من الله تَعَالَى بالشَّيْء فِي معنى الْهِبَة وَقيل هُوَ مجرور عطفا على بِإسْحَاق أَو مَنْصُوب عطفا على مَحَله وَيرد الأول أَنه لَا يجوز الْفَصْل بَين العاطف والمعطوف على الْمَجْرُور كمررت بزيد وَالْيَوْم عَمْرو وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {وحفظا من كل شَيْطَان مارد} إِنَّه عطف على معنى {إِنَّا زينا السَّمَاء الدُّنْيَا} وَهُوَ إِنَّا خلقنَا الْكَوَاكِب فِي السَّمَاء الدُّنْيَا زِينَة للسماء كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد زينا السَّمَاء الدُّنْيَا بمصابيح وجعلناها رجوما} الحديث: 863 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 ) وَيحْتَمل أَن يكون مَفْعُولا لأَجله أَو مَفْعُولا مُطلقًا وَعَلَيْهِمَا فالعامل مَحْذُوف أَي وحفظا من كل شَيْطَان زيناها بالكواكب أَو وحفظناها حفظا وَأما الْمَنْصُوب فعلا فكقراءة بَعضهم {ودوا لَو تدهن فيدهنون} حملا على معنى ودوا أَن تدهن وَقيل فِي قِرَاءَة حَفْص {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع} بِالنّصب إِنَّه عطف على معنى لعَلي أبلغ وَهُوَ لعَلي أَن أبلغ فَإِن خبر لَعَلَّ يقْتَرن بِأَن كثيرا نَحْو الحَدِيث فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض وَيحْتَمل أَنه عطف على الْأَسْبَاب على حد 864 - (للبس عباءة وتقر عَيْني ... ) وَمَعَ هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ فيندفع قَول الْكُوفِي إِن هَذِه الْقِرَاءَة حجَّة على جَوَاز النصب فِي جَوَاب الترجي حملا لَهُ على التَّمَنِّي وَأما فِي المركبات فقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى {وَمن آيَاته أَن يُرْسل الرِّيَاح مُبَشِّرَات وليذيقكم} إِنَّه على تَقْدِير ليبشركم وليذيقكم وَيحْتَمل أَن التَّقْدِير وليذيقكم وليكون كَذَا وَكَذَا أرسلها وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى {أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة} إِنَّه الحديث: 864 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 على معنى أَرَأَيْت كَالَّذي حَاج أَو كَالَّذي مر وَيجوز أَن يكون على إِضْمَار فعل أَي أورأيت مثل الَّذِي فَحذف لدلَالَة {ألم تَرَ إِلَى الَّذِي حَاج} عَلَيْهِ لِأَن كليهمَا تعجب وَهَذَا التَّأْوِيل هُنَا وَفِيمَا تقدم أولى لِأَن إِضْمَار الْفِعْل لدلَالَة الْمَعْنى عَلَيْهِ أسهل من الْعَطف على الْمَعْنى وَقيل الْكَاف زَائِدَة أَي ألم تَرَ إِلَى الَّذِي حَاج أَو الَّذِي مر وَقيل الْكَاف اسْم بِمَعْنى مثل مَعْطُوف على الَّذِي أَي ألم تنظر إِلَى الَّذِي حَاج أَو إِلَى مثل الَّذِي مر تَنْبِيه من الْعَطف على الْمَعْنى على قَول الْبَصرِيين نَحْو لألزمنك أَو تقضيني حَقي إِذْ النصب عِنْدهم بإضمار أَن وَأَن وَالْفِعْل فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على مصدر متوهم أَي لَيَكُونن لُزُوم مني أَو قَضَاء مِنْك لحقي وَمِنْه {تقاتلونهم أَو يسلمُونَ} فِي قِرَاءَة أبي بِحَذْف النُّون وَأما قِرَاءَة الْجُمْهُور بالنُّون فبالعطف على لفظ تقاتلونهم أَو على الْقطع بِتَقْدِير أَو هم يسلمُونَ وَمثله مَا تَأْتِينَا فتحدثنا بِالنّصب أَي مَا يكون مِنْك إتْيَان فَحَدِيث وَمعنى هَذَا نفي الْإِتْيَان فَيَنْتَفِي الحَدِيث أَي مَا تَأْتِينَا فَكيف تحدثنا أَو نفي الحَدِيث فَقَط حَتَّى كَأَنَّهُ قيل مَا تَأْتِينَا مُحدثا أَي بل غير مُحدث وعَلى الْمَعْنى الأول جَاءَ قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا} أَي فَكيف يموتون وَيمْتَنع أَن يكون على الثَّانِي إِذْ يمْتَنع أَن يقْضِي عَلَيْهِم وَلَا يموتون وَيجوز رَفعه فَيكون إِمَّا عطفا على تَأْتِينَا فَيكون كل مِنْهُمَا دَاخِلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 عَلَيْهِ حرف النَّفْي أَو على الْقطع فَيكون مُوجبا وَذَلِكَ وَاضح فِي نَحْو مَا تَأْتِينَا فتجهل أمرنَا وَلم تقْرَأ فتنسى لِأَن المُرَاد إِثْبَات جَهله ونسيانه وَلِأَنَّهُ لَو عطف لجزم تنسى وَفِي قَوْله 865 - (غير أَنا لم يأتنا بِيَقِين ... فنرجي ونكثر التأميلا) إِذْ الْمَعْنى أَنه لم يَأْتِ بِالْيَقِينِ فَنحْن نرجو خلاف مَا أَتَى بِهِ لانْتِفَاء الْيَقِين عَمَّا أَتَى بِهِ وَلَو جزمه أَو نَصبه لفسد مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ يصير منفيا على حِدته كَالْأولِ إِذا جزم ومنفيا على الْجمع إِذا نصب وَإِنَّمَا المُرَاد إثْبَاته وَأما إجازتهم ذَلِك فِي الْمِثَال السَّابِق فمشكلة لِأَن الحَدِيث لَا يُمكن مَعَ عدم الْإِتْيَان وَقد يُوَجه قَوْلهم بِأَن يكون مَعْنَاهُ مَا تَأْتِينَا فِي الْمُسْتَقْبل فَأَنت تحدثنا الْآن عوضا عَن ذَلِك وللاستئناف وَجه آخر وَهُوَ أَن يكون على معنى السَّبَبِيَّة وَانْتِفَاء الثَّانِي لانْتِفَاء الأول وَهُوَ أحد وَجْهي النصب وَهُوَ قَلِيل وَعَلِيهِ قَوْله 866 - (فَلَقَد تركت صبية مَرْحُومَة ... لم تدر مَا جزع عَلَيْك فتجزع) أَي لَو عرفت الْجزع لجزعت وَلكنهَا لم تعرفه فَلم تجزع وَقَرَأَ عِيسَى بن عمر / فيموتون / عطفا على {يقْضِي} وَأَجَازَ ابْن خروف فِيهِ الِاسْتِئْنَاف على معنى السَّبَبِيَّة كَمَا قدمنَا فِي الْبَيْت وَقَرَأَ السَّبْعَة {وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون} وَقد كَانَ النصب مُمكنا مثله فِي {فيموتوا} وَلَكِن عدل عَنهُ لتناسب الفواصل وَالْمَشْهُور فِي تَوْجِيهه أَنه لم يقْصد إِلَى معنى السَّبَبِيَّة بل إِلَى مُجَرّد الْعَطف على الْفِعْل وإدخاله مَعَه فِي سلك النَّفْي لِأَن المُرَاد ب {وَلَا يُؤذن لَهُم} نني الْإِذْن فِي الِاعْتِذَار وَقد الحديث: 865 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 نهوا عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى {لَا تعتذروا الْيَوْم} فَلَا يَتَأَتَّى الْعذر مِنْهُم بعد ذَلِك وَزعم ابْن مَالك بدر الدّين أَنه مُسْتَأْنف بِتَقْدِير فهم يَعْتَذِرُونَ وَهُوَ مُشكل على مَذْهَب الْجَمَاعَة لاقْتِضَائه ثُبُوت الِاعْتِذَار مَعَ انْتِفَاء الْإِذْن كَمَا فِي قَوْلك مَا تؤذينا فنحبك بِالرَّفْع ولصحة الِاسْتِئْنَاف يحمل ثُبُوت الِاعْتِذَار مَعَ مَجِيء {لَا تعتذروا الْيَوْم} على اخْتِلَاف المواقف كَمَا جَاءَ {فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان} {وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون} وَإِلَيْهِ ذهب ابْن الْحَاجِب فَيكون بِمَنْزِلَة مَا تَأْتِينَا فتجهل أمورنا وَيَردهُ أَن الْفَاء غير العاطفة للسَّبَبِيَّة وَلَا يتسبب الِاعْتِذَار فِي وَقت عَن نفي الْإِذْن فِيهِ فِي وَقت آخر وَقد صَحَّ الِاسْتِئْنَاف بِوَجْه آخر يكون الِاعْتِذَار مَعَه منفيا وَهُوَ مَا قدمْنَاهُ ونقلناه عَن ابْن خروف من أَن المستأنف قد يكون على معنى السَّبَبِيَّة وَقد صرح بِهِ هُنَا الأعلم وَأَنه فِي الْمَعْنى مثل {لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا} ورده ابْن عُصْفُور بِأَن الْإِذْن فِي الِاعْتِذَار قد يحصل وَلَا يحصل اعتذار بِخِلَاف الْقَضَاء عَلَيْهِم فَإِنَّهُ يتسبب عَنهُ الْمَوْت جزما ورد عَلَيْهِ ابْن الضائع بِأَن النصب على معنى السَّبَبِيَّة فِي مَا تَأْتِينَا فتحدثنا جَائِز بِإِجْمَاع مَعَ أَنه قد يحصل الْإِتْيَان وَلَا يحصل التحديث وَالَّذِي أَقُول إِن مَجِيء الرّفْع بِهَذَا الْمَعْنى قَلِيل جدا فَلَا يحسن حمل التَّنْزِيل عَلَيْهِ تَنْبِيه لَا تَأْكُل سمكًا وتشرب لَبَنًا إِن جزمت فالعطف على اللَّفْظ وَالنَّهْي عَن كل مِنْهُمَا وَإِن نصبت فالعطف عِنْد الْبَصرِيين على الْمَعْنى وَالنَّهْي عِنْد الْجَمِيع عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 الْجمع أَي لَا يكن مِنْك أكل سمك مَعَ شرب لبن وَإِن رفعت فَالْمَشْهُور أَنه نهي عَن الأول وَإِبَاحَة للثَّانِي وَأَن الْمَعْنى وَلَك شرب اللَّبن وتوجيهه أَنه مُسْتَأْنف فَلم يتَوَجَّه إِلَيْهِ حرف النَّهْي وَقَالَ بدر الدّين ابْن مَالك إِن مَعْنَاهُ كمعنى وَجه النصب وَلكنه على تَقْدِير لَا تَأْكُل السّمك وَأَنت تشرب اللَّبن اه وَكَأَنَّهُ قدر الْوَاو للْحَال وَفِيه بعد لدخولها فِي اللَّفْظ على الْمُضَارع الْمُثبت ثمَّ هُوَ مُخَالف لقَولهم إِذْ جعلُوا لكل من أوجه الْإِعْرَاب معنى عطف الْخَبَر على الانشاء وَبِالْعَكْسِ مَنعه البيانيون وَابْن مَالك فِي شرح بَاب الْمَفْعُول مَعَه من كتاب التسهيل وَابْن عُصْفُور فِي شرح الْإِيضَاح وَنَقله عَن الْأَكْثَرين وَأَجَازَهُ الصفار بِالْفَاءِ تلميذ ابْن عُصْفُور وَجَمَاعَة مستدلين بقوله تَعَالَى {وَبشر الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} فِي سُورَة الْبَقَرَة {وَبشر الْمُؤمنِينَ} فِي سُورَة الصَّفّ قَالَ أَبُو حَيَّان وَأَجَازَ سِيبَوَيْهٍ جَاءَنِي زيد وَمن عَمْرو العاقلان على أَن يكون العاقلان خَبرا لمَحْذُوف وَيُؤَيِّدهُ قَوْله 867 - (وَإِن شفائي عِبْرَة مهراقة ... وَهل عِنْد رسم دارس من معول) الحديث: 867 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 وَقَوله 868 - (تناغي غزالا عِنْد بَاب ابْن عَامر ... وكحل أماقيك الْحَسَنَات بإثمد) وَاسْتدلَّ الصفار بِهَذَا الْبَيْت وَقَوله 869 - (وقائلة خولان فانكح فَتَاتهمْ ... ) فَإِن تَقْدِيره عِنْد سِيبَوَيْهٍ هَذِه خولان وَأَقُول أما آيَة الْبَقَرَة فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ لَيْسَ الْمُعْتَمد بالْعَطْف الْأَمر حَتَّى يطْلب لَهُ مشاكل بل المُرَاد عطف جملَة ثَوَاب الْمُؤمنِينَ على جملَة عَذَاب الْكَافرين كَقَوْلِك زيد يُعَاقب بالقيد وَبشر فلَانا بِالْإِطْلَاقِ وَجوز عطفه على اتَّقوا وَأتم من كَلَامه فِي الْجَواب الأول أَن يُقَال الْمُعْتَمد بالْعَطْف جملَة الثَّوَاب كَمَا ذكر وَيُزَاد عَلَيْهِ فَيُقَال وَالْكَلَام مَنْظُور فِيهِ إِلَى الْمَعْنى الْحَاصِل مِنْهُ وَكَأَنَّهُ قيل وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم جنَّات فبشرهم بذلك وَأما الْجَواب الثَّانِي فَفِيهِ نظر لِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يكون جَوَابا للشّرط إِذْ لَيْسَ الْأَمر بالتبشير مَشْرُوطًا بعجز الْكَافرين عَن الْإِتْيَان بِمثل الْقُرْآن وَيُجَاب بِأَنَّهُ قدم علم أَنهم غير الْمُؤمنِينَ فَكَأَنَّهُ قيل فَإِن لم يَفْعَلُوا فبشر غَيرهم بالجنات وَمعنى هَذَا فبشر هَؤُلَاءِ المعاندين بِأَنَّهُ لَا حَظّ لَهُم من الْجنَّة وَقَالَ فِي آيَة الصَّفّ إِن الْعَطف على تؤمنون لِأَنَّهُ بِمَعْنى آمنُوا وَلَا يقْدَح الحديث: 868 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 فِي ذَلِك أَن ب الْمُخَاطب تؤمنون الْمُؤْمِنُونَ وب بشر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أَن يُقَال فِي تؤمنون إِنَّه تَفْسِير للتِّجَارَة لَا طلب وَإِن يغْفر لكم جَوَاب الِاسْتِفْهَام تَنْزِيلا لسَبَب السَّبَب منزلَة السَّبَب كَمَا مر فِي بحث الْجمل المفسرة لِأَن تخَالف الفاعلين لَا يقْدَح تَقول قومُوا واقعد يَا زيد وَلِأَن تؤمنون لَا يتَعَيَّن للتفسير سلمنَا وَلَكِن يحْتَمل أَنه تفسيرمع كَونه أمرا وَذَلِكَ بِأَن يكون معنى الْكَلَام السَّابِق اتَّجرُوا تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم كَمَا كَانَ {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فِي معنى انْتَهوا أَو بِأَن يكون تَفْسِيرا فِي الْمَعْنى دون الصِّنَاعَة لِأَن الْأَمر قد يساق لإِفَادَة الْمَعْنى الَّذِي يتَحَصَّل من المفسرة يَقُول هَل أدلك على سَبَب نجاتك آمن بِاللَّه كَمَا تَقول هُوَ أَن تؤمن بِاللَّه وَحِينَئِذٍ فَيمْتَنع الْعَطف لعدم دُخُول التبشير فِي معنى التَّفْسِير وَقَالَ السكاكي الْأَمْرَانِ معطوفان على قل مقدرَة قبل يَا أَيهَا وَحذف القَوْل كثير وَقيل معطوفان على أَمر مَحْذُوف تَقْدِيره فِي الأول فَأَنْذر وَفِي الثَّانِيَة فأبشر كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي {واهجرني مَلِيًّا} إِن التَّقْدِير فاحذرني واهجرني لدلَالَة {لأرجمنك} على التهديد وَأما 870 - ( ... وَهل عِنْد رسم دارس من معول) فَهَل فِيهِ نَافِيَة مثلهَا فِي {هَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الظَّالِمُونَ} الحديث: 870 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 وَأما هَذِه خولان فَمَعْنَاه تنبه لخولان أَو الْفَاء لمُجَرّد السببيه مثلهَا فِي جَوَاب الشَّرْط وَإِذ قد استدلا بذلك فَهَلا استدلا بقوله تَعَالَى {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر فصل لِرَبِّك وانحر} وَنَحْوه فِي التَّنْزِيل كثير وَأما 87 - ( ... وكحل أماقيك) فَيتَوَقَّف على النّظر فِيمَا قبله من الأبيات وَقد يكون مَعْطُوفًا على أَمر مُقَدّر يدل عَلَيْهِ الْمَعْنى أَي فافعل كَذَا وكحل كَمَا قيل فِي {واهجرني مَلِيًّا} وَأما مَا نَقله أَبُو حَيَّان عَن سِيبَوَيْهٍ فغلط عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ وَاعْلَم أَنه لَا يجوز من عبد الله وَهَذَا زيد الرجلَيْن الصَّالِحين رفعت أَو نصبت لِأَنَّك لَا تثني إِلَّا على من أثْبته وعلمته وَلَا يجوز أَن تخلط من تعلم وَمن لَا تعلم فتجعلهما بِمَنْزِلَة وَاحِدَة وَقَالَ الصفار لما منعهَا سِيبَوَيْهٍ من جِهَة النَّعْت علم أَن زَوَال النَّعْت يصححها فتصرف أَبُو حَيَّان فِي كَلَام الصفار فَوَهم فِيهِ وَلَا حجَّة فِيمَا ذكر الصفار إِذْ قد يكون للشَّيْء مانعان ويقتصر على ذكر أَحدهمَا لِأَنَّهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْمقَام وَالله أعلم عطف الاسمية على الفعلية وَبِالْعَكْسِ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْجَوَاز مُطلقًا وَهُوَ الْمَفْهُوم من قَول النَّحْوِيين فِي بَاب الِاشْتِغَال فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 مثل قَامَ زيد وعمرا أكرمته إِن نصب عمرا أرجح لِأَن تناسب الجملتين المتعاطفتين أولى من تخالفهما وَالثَّانِي الْمَنْع مُطلقًا حُكيَ عَن ابْن جني أَنه قَالَ فِي قَوْله 87 - (عاضها الله غُلَاما بعد مَا ... شابت الأصداع والضرس نقد) إِن الضرس فَاعل بِمَحْذُوف يفسره الْمَذْكُور وَلَيْسَ بمبتدأ وَيلْزمهُ إِيجَاب النصب فِي مَسْأَلَة الِاشْتِغَال السَّابِقَة إِلَّا إِن قَالَ أقدر الْوَاو للاستئناف وَالثَّالِث لأبي عَليّ أَنه يجوز فِي الْوَاو فَقَط نَقله عَنهُ أَبُو الْفَتْح فِي سر الصِّنَاعَة وَبنى عَلَيْهِ منع كَون الْفَاء فِي خرجت فَإِذا الْأسد حَاضر عاطفة وأضعف الثَّلَاثَة القَوْل الثَّانِي وَقد لهج بِهِ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيره وَذكر فِي كِتَابه فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن مَجْلِسا جُمُعَة وَجَمَاعَة من الْحَنَفِيَّة وَأَنَّهُمْ زَعَمُوا أَن قَول الشَّافِعِي يحل أكل مَتْرُوك التَّسْمِيَة مَرْدُود بقوله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَإنَّهُ لفسق} فَقَالَ فَقلت لَهُم لَا دَلِيل فِيهَا بل هِيَ حجَّة للشَّافِعِيّ وَذَلِكَ لِأَن الْوَاو لَيست للْعَطْف لتخالف الجملتين بالاسمية والفعلية وَلَا للاستئناف لِأَن أصل الْوَاو أَن ترْبط مَا بعْدهَا بِمَا قبلهَا فَبَقيَ أَن تكون للْحَال فَتكون جملَة الْحَال مُقَيّدَة للنَّهْي وَالْمعْنَى لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ فِي حَالَة كَونه فسقا وَمَفْهُومه جَوَاز الْأكل إِذا لم يكن فسقا وَالْفِسْق قد فسره الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 بقوله {أَو فسقا أهل لغير الله بِهِ} فَالْمَعْنى لَا تَأْكُلُوا مِنْهُ إِذا سمي عَلَيْهِ غير الله وَمَفْهُومه كلوا مِنْهُ إِذا لم يسم عَلَيْهِ غير الله اه مُلَخصا موضحا وَلَو أبطل الْعَطف لتخالف الجملتين بالإنشاء وَالْخَبَر لَكَانَ صَوَابا الْعَطف على معمولي عاملين وَقَوْلهمْ على عاملين فِيهِ تجوز أَجمعُوا على جَوَاز الْعَطف على معمولي عَامل وَاحِد نَحْو إِن زيدا ذَاهِب وعمرا جَالس وعَلى معمولات عَامل نَحْو أعلم زيد عمرا بكرا جَالِسا وَأَبُو بكر خَالِدا سعيدا مُنْطَلقًا وعَلى منع الْعَطف على معمولي أَكثر من عاملين نَحْو إِن زيدا ضَارب أَبوهُ لعَمْرو وأخاك غُلَامه بكر وَأم مَعْمُولا عاملين فَإِن لم يكن أَحدهمَا جارا فَقَالَ ابْن مَالك هُوَ مُمْتَنع إِجْمَاعًا نَحْو كَانَ آكلا طَعَامك عَمْرو وتمرك بكر وَلَيْسَ كَذَلِك بل نقل الْفَارِسِي الْجَوَاز مُطلقًا عَن جمَاعَة وَقيل إِن مِنْهُم الْأَخْفَش وَإِن كَانَ أَحدهمَا جارا فَإِن كَانَ الْجَار مُؤَخرا نَحْو زيد فِي الدَّار والحجرة عَمْرو أَو وَعَمْرو الْحُجْرَة فَنقل الْمَهْدَوِيّ أَنه مُمْتَنع إِجْمَاعًا وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ جَائِز عِنْد من ذكرنَا وَإِن كَانَ الْجَار مقدما نَحْو فِي الدَّار زيد والحجرة عَمْرو فَالْمَشْهُور عَن سِيبَوَيْهٍ الْمَنْع وَبِه قَالَ الْمبرد وَابْن السراج وَهِشَام وَعَن الْأَخْفَش الْإِجَازَة وَبِه قَالَ الْكسَائي وَالْفراء والزجاج وَفصل قوم مِنْهُم الأعلم فَقَالُوا إِن ولي المخفوض العاطف كالمثال جَازَ لِأَنَّهُ كَذَا سمع وَلِأَن فِيهِ تعادل المتعاطفات وَإِلَّا امْتنع نَحْو فِي الدَّار زيد وَعَمْرو الْحُجْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 وَقد جَاءَت مَوَاضِع يدل ظَاهرهَا على خلاف قَول سِيبَوَيْهٍ كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض لآيَات للْمُؤْمِنين وَفِي خَلقكُم وَمَا يبث من دَابَّة آيَات لقوم يوقنون وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من رزق فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا وتصريف الرِّيَاح آيَات لقوم يعْقلُونَ} آيَات الأولى مَنْصُوبَة إِجْمَاعًا لِأَنَّهَا اسْم إِن وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة قرأهما الأخوان بِالنّصب وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْع وَقد اسْتدلَّ بالقراءتين فِي آيَات الثَّالِثَة على الْمَسْأَلَة أما الرّفْع فعلى نِيَابَة الْوَاو مناب الِابْتِدَاء وَفِي وَأما النصب فعلى نيابتها مناب إِن وَفِي وَأجِيب بِثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا أَن فِي مقدرَة فَالْعَمَل لَهَا وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي حرف عبد الله التَّصْرِيح بفي وعَلى هَذَا الْوَاو نائبة مناب عَامل وَاحِد وَهُوَ الِابْتِدَاء أَو إِن وَالثَّانِي أَن انتصاب آيَات على التوكيد للأولى ورفعها على تَقْدِير مُبْتَدأ أَي هِيَ آيَات وَعَلَيْهِمَا فَلَيْسَتْ فِي مقدرَة وَالثَّالِث يخص قِرَاءَة النصب وَهُوَ أَنه على إِضْمَار إِن وَفِي ذكره الشاطبي وَغَيره وإضمار إِن بعيد وَمِمَّا يشكل على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ قَوْله 873 - (هون عَلَيْك فَإِن الْأُمُور ... بكف الْإِلَه مقاديرها) (فَلَيْسَ بآتيك منهيها ... وَلَا قَاصِر عَنْك مأمورها) لِأَن قَاصِر عطف على مجرور الْبَاء فَإِن كَانَ مأمورها عطفا على مَرْفُوع الحديث: 873 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 لَيْسَ لزم الْعَطف على معمولي عاملين وَإِن كَانَ فَاعِلا بقاصر لزم عدم الارتباط بالمخبر عَنهُ إِذْ التَّقْدِير حِينَئِذٍ فَلَيْسَ منهيها بقاصر عَنْك مأمورها وَقد أُجِيب عَن الثَّانِي بِأَنَّهُ لما كَانَ الضَّمِير فِي مأمورها عَائِدًا على الْأُمُور كَانَ كالعائد على المنهيات لدخلوها فِي الْأُمُور وَاعْلَم أَن الزَّمَخْشَرِيّ مِمَّن منع الْعَطف الْمَذْكُور وَلِهَذَا اتجه لَهُ أَن يسْأَل فِي قَوْله تَعَالَى {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} الْآيَات فَقَالَ فَإِن قلت نصب إِذا معضل لِأَنَّك إِن جعلت الواوات عاطفة وَقعت فِي الْعَطف على عاملين يَعْنِي أَن إِذا عطف على إِذا المنصوبة بأقسم والمخفوضات عطف على الشَّمْس المخفوضة بواو الْقسم قَالَ وَإِن جعلتهن للقسم وَقعت فِيمَا اتّفق الْخَلِيل وسيبويه على استكراهه يَعْنِي أَنَّهُمَا استكرها ذَلِك لِئَلَّا يحْتَاج كل قسم إِلَى جَوَاب يَخُصُّهُ ثمَّ أجَاب بِأَن فعل الْقسم لما كَانَ لَا يذكر مَعَ وَاو الْقسم بِخِلَاف الْبَاء صَارَت كَأَنَّهَا هِيَ الناصبة الخافضة فَكَانَ الْعَطف على معمولي عَامل قَالَ ابْن الْحَاجِب وَهَذِه قُوَّة مِنْهُ واستنباط لِمَعْنى دَقِيق ثمَّ اعْترض عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى {فَلَا أقسم بالخنس الْجوَار الكنس وَاللَّيْل إِذا عسعس وَالصُّبْح إِذا تنفس} فَإِن الْجَار هُنَا الْبَاء وَقد صرح مَعَه بِفعل الْقسم فَلَا تنزل الْبَاء منزلَة الناصبة الخافضة اه وَبعد فَالْحق جَوَاز الْعَطف على معمولي عاملين فِي نَحْو فِي الدَّار زيد والحجرة عَمْرو وَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ فِي الْآيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 وَأخذ ابْن الخباز جَوَاب الزَّمَخْشَرِيّ فَجعله قولا مُسْتقِلّا فَقَالَ فِي كتاب النِّهَايَة وَقيل إِذا كَانَ أحد العاملين محذوفا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ وَلِهَذَا جَازَ الْعَطف فِي نَحْو {وَاللَّيْل إِذا يغشى وَالنَّهَار إِذا تجلى} وَمَا أَظُنهُ وقف فِي ذَلِك على كَلَام غير الزَّمَخْشَرِيّ فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُقيد الْحَذف بِالْوُجُوب الْمَوَاضِع الَّتِي يعود الضَّمِير فِيهَا على مَا تَأَخّر لفظا ورتبة وَهِي سَبْعَة 1 - أَحدهَا أَن يكون الضَّمِير مَرْفُوعا بنعم أَو بئس وَلَا يُفَسر إِلَّا بالتمييز نَحْو نعم رجلا زيد وَبئسَ رجلا عَمْرو ويلتحق بهما فعل الَّذِي يُرَاد بِهِ الْمَدْح والذم نَحْو {سَاءَ مثلا الْقَوْم} و {كَبرت كلمة تخرج} وظرف رجلا زيد وَعَن الْفراء وَالْكسَائِيّ أَن الْمَخْصُوص هُوَ الْفَاعِل وَلَا ضمير فِي الْفِعْل وَيَردهُ نعم رجلا كَانَ زيد وَلَا يدْخل النَّاسِخ على الْفَاعِل وَأَنه قد يحذف نَحْو {بئس للظالمين بَدَلا} 2 - الثَّانِي أَن يكون مَرْفُوعا بِأول المتنازعين المعمل ثَانِيهمَا نَحْو قَوْله 874 - (جفوني وَلم أجف الأخلاء إِنَّنِي ... لغير جميل من خليلي مهمل) والكوفيون يمْنَعُونَ من ذَلِك فَقَالَ الْكسَائي يحذف الْفَاعِل وَقَالَ الْفراء الحديث: 874 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 يضمر وَيُؤَخر عَن الْمُفَسّر فَإِن اسْتَوَى العاملان فِي طلب الرّفْع وَكَانَ الْعَطف بِالْوَاو نَحْو قَامَ وَقعد أَخَوَاك فَهُوَ عِنْده فَاعل بهما 3 - الثَّالِث أَن يكون مخبرا عَنهُ فيفسره خَبره نَحْو {إِن هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ هَذَا الضَّمِير لَا يعلم مَا يعْنى بِهِ إِلَّا بِمَا يتلوه وَأَصله إِن الْحَيَاة إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا ثمَّ وضع هِيَ مَوضِع الْحَيَاة لِأَن الْخَبَر يدل عَلَيْهَا ويبينها قَالَ وَمِنْه 875 - (هِيَ النَّفس تحمل مَا حملت ... ) وَهِي الْعَرَب تَقول مَا شَاءَت قَالَ ابْن مَالك وَهَذَا من جيد كَلَامه وَلَكِن فِي تمثيله بهي النَّفس وَهِي الْعَرَب ضعف لِإِمْكَان جعل النَّفس وَالْعرب بدلين وَتحمل وَتقول خبرين وَفِي كَلَام ابْن مَالك أَيْضا ضعف لِإِمْكَان وَجه ثَالِث فِي المثالين لم يذكرهُ وَهُوَ كَون هِيَ ضمير الْقِصَّة فَإِن أَرَادَ الزَّمَخْشَرِيّ أَن المثالين يُمكن حملهما على ذَلِك لَا أَنه مُتَعَيّن فيهمَا فالضعف فِي كَلَام ابْن مَالك وَحده 4 - الرَّابِع ضمير الشَّأْن والقصة نَحْو {قل هُوَ الله أحد} وَنَحْو {فَإِذا هِيَ شاخصة أبصار الَّذين كفرُوا} والكوفي يُسَمِّيه ضمير الْمَجْهُول وَهَذَا الضَّمِير مُخَالف للْقِيَاس من خَمْسَة أوجه أَحدهَا عوده على مَا بعده لُزُوما إِذْ لَا يجوز للجملة المفسرة لَهُ أَن تتقدم هِيَ الحديث: 875 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 وَلَا شَيْء مِنْهَا عَلَيْهِ وَقد غلط يُوسُف بن السيرافي إِذْ قَالَ فِي قَوْله 876 - (أسكران كَانَ ابْن المراغة إِذْ هجا ... تميما بجو الشَّام أم متساكر) فِيمَن رفع سَكرَان وَابْن المراغة إِن كَانَ شأنية وَابْن المراغة سَكرَان مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة خبر كَانَ وَالصَّوَاب أَن كَانَ زَائِدَة وَالْأَشْهر فِي إنشاده نصب سَكرَان وَرفع ابْن المراغة فارتفاع متساكر على أَنه خبر لَهو محذوفا ويروى بِالْعَكْسِ فاسم كَانَ مستتر فِيهَا وَالثَّانِي أَن مفسره لَا يكون إِلَّا جملَة وَلَا يُشَارِكهُ فِي هَذَا ضمير وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ والأخفش تَفْسِيره بمفرد لَهُ مَرْفُوع نَحْو كَانَ قَائِما زيد وظننته قَائِما عَمْرو وهذ إِن سمع خرج على أَن الْمَرْفُوع مُبْتَدأ وَاسم كَانَ وَضمير ظننته راجعان إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي نِيَّة التَّقْدِيم وَيجوز كَون الْمَرْفُوع بعد كَانَ اسْما لَهَا وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ إِنَّه قَامَ وَإنَّهُ ضرب على حذف الْمَرْفُوع وَالتَّفْسِير بِالْفِعْلِ مَبْنِيا للْفَاعِل أَو للْمَفْعُول وَفِيه فسادان التَّفْسِير بالمفرد وَحذف مَرْفُوع الْفِعْل وَالثَّالِث أَنه لَا يتبع بتابع فَلَا يُؤَكد وَلَا يعْطف عَلَيْهِ وَلَا يُبدل مِنْهُ وَالرَّابِع أَنه لَا يعْمل فِيهِ إِلَّا الِابْتِدَاء أَو أحد نواسخه وَالْخَامِس أَنه ملازم للافراد فَلَا يثنى وَلَا يجمع وَإِن فسر بحديثين أَو أَحَادِيث وَإِذا تقرر هَذَا علم أَنه لَا يَنْبَغِي الْحمل عَلَيْهِ إِذا أمكن غَيره وَمن الحديث: 876 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 ثمَّ ضعف قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله} إِن اسْم إِن ضمير الشَّأْن وَالْأولَى كَونه ضمير الشَّيْطَان وَيُؤَيِّدهُ أَنه قرىء {وقبيله} بِالنّصب وَضمير الشَّأْن لَا يعْطف عَلَيْهِ وَقَول كثير من النَّحْوِيين إِن اسْم أَن الْمَفْتُوحَة المخففة ضمير شَأْن وَالْأولَى أَن يُعَاد على غَيره إِذا أمكن وَيُؤَيِّدهُ قَول سِيبَوَيْهٍ فِي {أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا} إِن تَقْدِيره أَنَّك وَفِي كتبت إِلَيْهِ أَن لَا تفعل إِنَّه يجْزم على النَّهْي وَينصب على معنى لِئَلَّا وَيرْفَع على أَنَّك 5 - الْخَامِس أَن يجر بِرَبّ مُفَسرًا بتمييز وَحكمه حكم ضمير نعم وَبئسَ فِي وجوب كَون مفسره تمييزا وَكَونه هُوَ مُفردا قَالَ 877 - (ربه فتية دَعَوْت إِلَى مَا ... يُورث الْمجد دائبا فَأَجَابُوا) وَلكنه يلْزم أَيْضا التَّذْكِير فَيُقَال ربه امْرَأَة لَا رَبهَا وَيُقَال نعمت امْرَأَة هِنْد وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ مطابقته للتمييز فِي التَّأْنِيث والتثنية وَالْجمع وَلَيْسَ بمسموع وَعِنْدِي أَن الزَّمَخْشَرِيّ يُفَسر الضَّمِير بالتمييز فِي غير بَابي نعم وَرب وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِي تَفْسِير {فسواهن سبع سماوات} الضَّمِير فِي فسواهن ضمير مُبْهَم وَسبع سموات تَفْسِيره كَقَوْلِهِم ربه رجلا وَقيل رَاجع إِلَى السَّمَاء وَالسَّمَاء فِي معنى الْجِنْس وَقيل جمع سماءة وَالْوَجْه الْعَرَبِيّ هُوَ الأول اه وتؤول على أَن مُرَاده أَن سبع سموات بدل وَظَاهر تشبيهه ب ربه رجلا يأباه الحديث: 877 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 6 - السَّادِس أَن يكون مبدلا مِنْهُ الظَّاهِر الْمُفَسّر لَهُ ك ضَربته زيدا قَالَ ابْن عُصْفُور أجَازه الْأَخْفَش وَمنعه سِيبَوَيْهٍ وَقَالَ ابْن كيسَان هُوَ جَائِز بِإِجْمَاع نَقله عَنهُ ابْن مَالك وَمِمَّا خَرجُوا على ذَلِك قَوْلهم اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ الرؤوف الرَّحِيم وَقَالَ الْكسَائي هُوَ نعت وَالْجَمَاعَة يأبون نعت الضَّمِير وَقَوله 878 - (قد أَصبَحت بقرقوى كوانسا ... فَلَا تلمه أَن ينَام البائسا) وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ هُوَ بإضمار أَذمّ وَقَوْلهمْ قاما أَخَوَاك وَقَامُوا إخْوَتك وقمن نسوتك وَقيل على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَقيل الْألف وَالْوَاو وَالنُّون أحرف كالتاء فِي قَامَت هِنْد وَهُوَ الْمُخْتَار 7 - وَالسَّابِع أَن يكون مُتَّصِلا بفاعل مقدم ومفسره مفعول مُؤخر ك ضرب غُلَامه زيدا أجَازه الْأَخْفَش وَأَبُو الْفَتْح وَأَبُو عبد الله الطوَال من الْكُوفِيّين وَمن شواهده قَول حسان 879 - (وَلَو أَن مجدا أخلد الدَّهْر وَاحِدًا ... من النَّاس أبقى مجده الدَّهْر مطعما) وَقَوله 880 - (كسا حلمه ذَا الْحلم أَثوَاب سؤدد ... ورقى نداه ذَا الندى فِي ذرا الْمجد) وَالْجُمْهُور يوجبون فِي ذَلِك فِي النثر تَقْدِيم الْمَفْعُول نَحْو {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه} الحديث: 878 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 وَيمْتَنع بِالْإِجْمَاع نَحْو صَاحبهَا فِي الدَّار لاتصال الضَّمِير بِغَيْر الْفَاعِل وَنَحْو ضرب غلامها عبد هِنْد لتفسيره بِغَيْر الْمَفْعُول وَالْوَاجِب فيهمَا تَقْدِيم الْخَبَر وَالْمَفْعُول وَلَا خلاف فِي جَوَاز نَحْو ضرب غُلَامه زيد وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا} الْآيَة فِي قِرَاءَة أبي عَمْرو / فَلَا يحسبنهم / بالغيبة وَضم آخر الْفِعْل إِن الْفِعْل مُسْند للَّذين يفرحون وَاقعا على ضميرهم محذوفا وَالْأَصْل لَا يحسبنهم الَّذين يفرحون بمفازة أَي لَا يَحسبن أنفسهم الَّذين يفرحون فائزين وفلا يحسبنهم توكيد وَكَذَا قَالَ فِي قِرَاءَة هِشَام {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} بالغيبة إِن التَّقْدِير وَلَا يحسبنهم وَالَّذين فَاعل ورده أَبُو حَيَّان باستلزامه عود الضَّمِير على الْمُؤخر وَهَذَا غَرِيب جدا فَإِن هَذَا الْمُؤخر مقدم فِي الرُّتْبَة وَوَقع لَهُ نَظِير هَذَا فِي قَول الْقَائِل مَرَرْت بِرَجُل ذَاهِبَة فرسه مكسورا سرجها فَقَالَ تَقْدِيم الْحَال هُنَا على عاملها وَهُوَ ذَاهِبَة مُمْتَنع لِأَن فِيهِ تَقْدِيم الضَّمِير على مفسره وَلَا شكّ أَنه لَو قدم لَكَانَ كَقَوْلِك غُلَامه ضرب زيد وَوَقع لِابْنِ مَالك سَهْو فِي هَذَا الْمِثَال من وَجه غير هَذَا وَهُوَ أَنه منع من التَّقْدِيم لكَون الْعَامِل صفة وَلَا خلاف فِي جَوَاز تَقْدِيم مَعْمُول الصّفة عَلَيْهَا بِدُونِ الْمَوْصُوف وَمن الْغَرِيب أَن أَبَا حَيَّان صَاحب هَذِه الْمقَالة وَقع لَهُ أَنه منع عود الضَّمِير إِلَى مَا تقدم لفظا وَأَجَازَ عوده إِلَى مَا تَأَخّر لفظا ورتبة أما الأول فَإِنَّهُ منع فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا عملت من سوء تود} كَون مَا شَرْطِيَّة لِأَن تود حِينَئِذٍ يكون دَلِيل الْجَواب لَا جَوَابا لكَونه مَرْفُوعا فَيكون فِي نِيَّة التَّقْدِيم فَيكون حِينَئِذٍ الضَّمِير فِي بَينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 عَائِدًا على مَا تَأَخّر لفظا ورتبة وَهَذَا عَجِيب فَإِن الضَّمِير الْآن عَائِد على مُتَقَدم لفظا وَلَو قدم تود لغير التَّرْكِيب وَيلْزمهُ أَن يمْنَع ضرب زيدا غُلَامه لِأَن زيدا فِي نِيَّة التَّأْخِير وَقد استشعر وُرُود ذَلِك وَفرق بَينهمَا بِمَا لَا معول عَلَيْهِ وَأما الثَّانِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات ليسجننه} إِن فَاعل بدا عَائِد على السجْن الْمَفْهُوم من ليسجننه شرح حَال الضَّمِير الْمُسَمّى فصلا وعمادا وَالْكَلَام فِيهِ فِي أَربع مسَائِل الأولى فِي شُرُوطه وَهِي سِتَّة وَذَلِكَ أَنه يشْتَرط فِيمَا قبله أَمْرَانِ أَحدهمَا كَونه مُبْتَدأ فِي الْحَال أَو فِي الأَصْل نَحْو {أُولَئِكَ هم المفلحون} {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون} الْآيَة (كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم) {تَجِدُوهُ عِنْد الله هُوَ خيرا} {إِن ترن أَنا أقل مِنْك مَالا وَولدا} وَأَجَازَ الْأَخْفَش وُقُوعه بَين الْحَال وصاحبها كجاء زيد هُوَ ضَاحِكا وَجعل مِنْهُ {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم} فِيمَن نصب أطهر ولحن أَبُو عَمْرو من قَرَأَ بذلك وَقد خرجت على أَن {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} جملَة وَهن إِمَّا توكيد لضمير مستتر فِي الْخَبَر أَو مُبْتَدأ وَلكم الْخَبَر وَعَلَيْهِمَا فأطهر حَال وَفِيهِمَا نظر أما الأول فَلِأَن بَنَاتِي جامد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 غير مؤول بالمشتق فَلَا يتَحَمَّل ضميرا عِنْد الْبَصرِيين وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْحَال لَا تتقدم على عاملها الظرفي عِنْد أَكْثَرهم وَالثَّانِي كَونه معرفَة كَمَا مثلنَا وَأَجَازَ الْفراء وَهِشَام وَمن تابعهما من الْكُوفِيّين كَونه نكرَة نَحْو مَا ظَنَنْت أحدا هُوَ الْقَائِم وَكَانَ رجل هُوَ الْقَائِم وحملوا عَلَيْهِ {أَن تكون أمة هِيَ أربى من أمة} فقدروا أربى مَنْصُوبًا وَيشْتَرط فِيمَا بعده أَمْرَانِ كَونه خَبرا لمبتدأ فِي الْحَال أَو فِي الأَصْل وَكَونه معرفَة أَو كالمعرفة فِي أَنه لَا يقبل أل كَمَا تقدم فِي خيرا وَأَقل وَشرط الَّذِي كالمعرفة أَن يكون اسْما كَمَا مثلنَا وَخَالف فِي ذَلِك الْجِرْجَانِيّ فَألْحق الْمُضَارع بِالِاسْمِ لتشابههما وَجعل مِنْهُ {إِنَّه هُوَ يبدئ وَيُعِيد} وَهُوَ عِنْد غَيره توكيد أَو مُبْتَدأ وَتبع الْجِرْجَانِيّ أَبُو الْبَقَاء فَأجَاز الْفَصْل فِي {ومكر أُولَئِكَ هُوَ يبور} وَابْن الخباز فَقَالَ فِي شرح الْإِيضَاح لَا فرق بَين كَون امْتنَاع أل لعَارض كأفعل من والمضاف كمثلك وَغُلَام زيد أَو لذاته كالفعل الْمُضَارع اهـ وَهُوَ قَول السُّهيْلي قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنه هُوَ أضْحك وأبكى وَأَنه هُوَ أمات وَأَحْيَا وَأَنه خلق الزَّوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى} وَإِنَّمَا أَتَى بضمير الْفَصْل فِي الْأَوَّلين دون الثَّالِث لِأَن بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 الْجُهَّال قد يثبت هَذِه الْأَفْعَال لغير الله كَقَوْل نمْرُود أَنا أحيي وأميت وَأما الثَّالِث فَلم يَدعه أحد من النَّاس اهـ وَقد يسْتَدلّ لقَوْل الْجِرْجَانِيّ بقوله تَعَالَى {وَيرى الَّذين أُوتُوا الْعلم الَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك هُوَ الْحق وَيهْدِي} فعطف يهدي على الْحق الْوَاقِع خَبرا بعد الْفَصْل اهـ وَيشْتَرط لَهُ فِي نَفسه أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن يكون بِصِيغَة الْمَرْفُوع فَيمْتَنع زيد إِيَّاه الْفَاضِل وَأَنت إياك الْعَالم وَأما إِنَّك إياك الْفَاضِل فَجَائِز على الْبَدَل عِنْد الْبَصرِيين وعَلى التوكيد عِنْد الْكُوفِيّين وَالثَّانِي أَن يُطَابق مَا قبله فَلَا يجوز كنت هُوَ الْفَاضِل فَأَما قَول جرير ابْن الخطفى 88 (وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لَو أصبت هُوَ المصابا) وَكَانَ قِيَاسه يراني أَنا مثل {إِن ترن أَنا أقل مِنْك} فَقيل لَيْسَ هُوَ فصلا وَإِنَّمَا هُوَ توكيد للْفَاعِل وَقيل بل هُوَ فصل فَقيل لما كَانَ عِنْد صديقه بِمَنْزِلَة نَفسه حَتَّى كَانَ إِذا أُصِيب كَأَن صديقه هُوَ قد أُصِيب فَجعل ضمير الصّديق بِمَنْزِلَة ضَمِيره لِأَنَّهُ نَفسه فِي الْمَعْنى وَقيل هُوَ على تَقْدِير مُضَاف إِلَى الْيَاء أَي يرى مصابي والمصاب حِينَئِذٍ مصدر كَقَوْلِهِم جبر الله مصابك أَي مصيبتك أَي يرى مصابي هُوَ الْمُصَاب الْعَظِيم وَمثله فِي حذف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 الصّفة {الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} أَي الْوَاضِح وَإِلَّا لكفروا بِمَفْهُوم الظّرْف {فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا} أَي نَافِعًا لِأَن أَعْمَالهم توزن بِدَلِيل {وَمن خفت مَوَازِينه} الْآيَة وأجازوا سير بزيد سير بِتَقْدِير الصّفة أَي وَاحِد وَإِلَّا لم يفد وَزعم ابْن الْحَاجِب أَن الإنشاد لَو أُصِيب بِإِسْنَاد الْفِعْل إِلَى ضمير الصّديق وَأَن هُوَ توكيد لَهُ أَو لضمير يرى قَالَ إِذْ لَا يَقُول عَاقل يراني مصابا إِذا أصابتني مُصِيبَة اه وعَلى مَا قدمْنَاهُ من تَقْدِير الصّفة لَا يتَّجه الِاعْتِرَاض ويروى يرَاهُ أَي يرى نَفسه وتراه بِالْخِطَابِ وَلَا إِشْكَال حِينَئِذٍ وَلَا تَقْدِير والمصاب حينئد مفعول لَا مصدر وَلم يطلع على هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ بَعضهم فَقَالَ وَلَو أَنه قَالَ يرَاهُ لَكَانَ حسنا أَي يرى الصّديق نَفسه مصابا إِذا أصبت الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي فَائِدَته وَهِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا لَفْظِي وَهُوَ الْإِعْلَام من أول الْأَمر بِأَن مَا بعده خبر لَا تَابع وَلِهَذَا سمي فصلا لِأَنَّهُ فصل بَين الْخَبَر وَالتَّابِع وعمادا لِأَنَّهُ يعْتَمد عَلَيْهِ معنى الْكَلَام وَأكْثر النَّحْوِيين يقْتَصر على ذكر هَذِه الْفَائِدَة وَذكر التَّابِع أولى من ذكر أَكْثَرهم الصّفة لوُقُوع الْفَصْل فِي نَحْو {كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم} والضمائر لَا تُوصَف وَالثَّانِي معنوي وَهُوَ التوكيد ذكره جمَاعَة وبنوا عَلَيْهِ أَنه لَا يُجَامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 التوكيد فَلَا يُقَال زيد نَفسه هُوَ الْفَاضِل وعَلى ذَلِك سَمَّاهُ بعض الْكُوفِيّين دعامة لِأَنَّهُ يدعم بِهِ الْكَلَام أَي يقوى ويؤكد وَالثَّالِث معنوي أَيْضا وَهُوَ الِاخْتِصَاص وَكثير من البيانيين يقْتَصر عَلَيْهِ وَذكر الزَّمَخْشَرِيّ الثَّلَاثَة فِي تَفْسِير {وَأُولَئِكَ هم المفلحون} فَقَالَ فَائِدَته الدّلَالَة على أَن الْوَارِد بعده خبر لَا صفة والتوكيد وَإِيجَاب أَن فَائِدَة الْمسند ثَابِتَة للمسند إِلَيْهِ دون غَيره الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي مَحَله زعم البصريون أَنه لَا مَحل لَهُ ثمَّ قَالَ أَكْثَرهم إِنَّه حرف فَلَا إِشْكَال وَقَالَ الْخَلِيل اسْم وَنَظِيره على هَذَا القَوْل أَسمَاء الْأَفْعَال فِيمَن يَرَاهَا غير معمولة لشَيْء وأل الموصولة وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَهُ مَحل ثمَّ قَالَ الْكسَائي مَحَله بِحَسب مَا بعده وَقَالَ الْفراء بِحَسب مَا قبله فمحله بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر رفع وَبَين معمولي ظلّ نصب وَبَين معمولي كَانَ رفع عِنْد الْفراء وَنصب عِنْد الْكسَائي وَبَين معمولي إِن بِالْعَكْسِ الْمَسْأَلَة الرَّابِع فِيمَا يحْتَمل من الْأَوْجه يحْتَمل فِي نَحْو {كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم} وَنَحْو {إِن كُنَّا نَحن الغالبين} الفصلية والتوكيد دون الِابْتِدَاء لانتصاب مَا بعده وَفِي نَحْو {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون} وَنَحْو زيد هُوَ الْعَالم وَإِن عمرا هُوَ الْفَاضِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 الفصلية والابتداء دون التوكيد لدُخُول اللَّام فِي الأولى وَلكَون مَا قبله ظَاهرا فِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَلَا يُؤَكد الظَّاهِر بالمضمر لِأَنَّهُ ضَعِيف وَالظَّاهِر قوي وَوهم أَبُو الْبَقَاء فَأجَاز فِي {إِن شانئك هُوَ الأبتر} التوكيد وَقد يُرِيد أَنه توكيد لضمير مستتر فِي شانئك لَا لنَفس شانئك وَيحْتَمل الثَّلَاثَة فِي نَحْو أَنْت أَنْت الْفَاضِل وَنَحْو {إِنَّك أَنْت علام الغيوب} وَمن أجَاز إِبْدَال الضَّمِير من الظَّاهِر أجَاز فِي نَحْو إِن زيدا هُوَ الْفَاضِل الْبَدَلِيَّة وَوهم أَبُو الْبَقَاء فَأجَاز فِي {تَجِدُوهُ عِنْد الله هُوَ خيرا} كَونه بَدَلا من الضَّمِير الْمَنْصُوب وَمن مسَائِل الْكتاب قد جربتك فَكنت أَنْت أَنْت الضميران مُبْتَدأ وَخبر وَالْجُمْلَة خبر كَانَ وَلَو قدرت الأول فصلا أَو توكيدا لَقلت أَنْت إياك وَالضَّمِير فِي قَوْله تَعَالَى {أَن تكون أمة هِيَ أربى من أمة} مُبْتَدأ لِأَن ظُهُور مَا قبله يمْنَع التوكيد وتنكيره يمْنَع الْفَصْل وَفِي الحَدِيث كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة حَتَّى يكون أَبَوَاهُ هما اللَّذَان يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ إِن قدر فِي يكون ضمير لكل فَأَبَوَاهُ مُبْتَدأ وَقَول هما إِمَّا مُبْتَدأ ثَان وَخَبره اللَّذَان وَالْجُمْلَة خبر أَبَوَاهُ وَإِمَّا فصل وَإِمَّا بدل من أَبَوَاهُ إِذا أجزنا إِبْدَال الضَّمِير من الظَّاهِر واللذان خبر أَبَوَاهُ وَإِن قدر يكون خَالِيا من الضَّمِير فَأَبَوَاهُ اسْم يكون وهما مُبْتَدأ أَو فصل أَو بدل وعَلى الأول فاللذان بِالْألف وعَلى الْأَخيرينِ هُوَ بِالْيَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 روابط الْجُمْلَة بِمَا هِيَ خبر عَنهُ وَهِي عشرَة 1 - أَحدهَا الضَّمِير وَهُوَ الأَصْل وَلِهَذَا يرْبط بِهِ مَذْكُورا كزيد ضَربته ومحذوفا مَرْفُوعا نَحْو {إِن هَذَانِ لساحران} إِذا قدر لَهما ساحران ومنصوبا كَقِرَاءَة ابْن عَامر فِي سُورَة الْحَدِيد {وكلا وعد الله الْحسنى} وَلم يقْرَأ بذلك فِي سُورَة النِّسَاء بل قَرَأَ بِنصب كل كالجماعة لِأَنَّهُ قبله جملَة فعلية وَهِي {فضل الله الْمُجَاهدين} فساوى بَين الجملتين فِي الفعلية بل بَين الْجمل لِأَن بعده {وَفضل الله الْمُجَاهدين} وَهَذَا مِمَّا أغفلوه أَعنِي التَّرْجِيح بِاعْتِبَار مَا يعْطف على الْجُمْلَة فَإِنَّهُم ذكرُوا رُجْحَان النصب على الرّفْع فِي بَاب الِاشْتِغَال فِي نَحْو قَامَ زيد وعمرا أكرمته للتناسب وَلم يذكرُوا مثل ذَلِك فِي نَحْو زيد ضَربته وأكرمت عمرا وَلَا فرق بَينهمَا وَقَول أبي النَّجْم 88 - ( ... كُله لم أصنع) وَلَو نصب كل على التوكيد لم يَصح لِأَن ذَنبا نكرَة أَو على المفعولية كَانَ فَاسِدا معنى لما بَيناهُ فِي فصل كل وضعيفا صناعَة لِأَن حق كل الْمُتَّصِلَة بالضمير أَلا تسْتَعْمل إِلَّا توكيدا أَو مُبْتَدأ نَحْو {إِن الْأَمر كُله لله} قرىء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 بِالنّصب وَالرَّفْع وَقِرَاءَة جمَاعَة {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} بِالرَّفْع ومجرورا نَحْو السّمن منوان بدرهم أَي مِنْهُ وَقَول امْرَأَة زَوجي الْمس مس أرنب وَالرِّيح ريح زرنب إِذا لم نقل إِن ال نائبة عَن الضَّمِير وَقَوله تَعَالَى {وَلمن صَبر وَغفر إِن ذَلِك لمن عزم الْأُمُور} أَي إِن ذَلِك مِنْهُ وَلَا بُد من هَذَا التَّقْدِير سَوَاء أقدرنا اللَّام للابتداء وَمن مَوْصُولَة أَو شَرْطِيَّة أم قَدرنَا اللَّام موطئة وَمن شَرْطِيَّة أما على الأول فَلِأَن الْجُمْلَة خبر وَأما على الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا بُد فِي جَوَاب اسْم الشَّرْط الْمُرْتَفع بِالِابْتِدَاءِ من أَن يشْتَمل على ضَمِيره سَوَاء قُلْنَا إِنَّه الْخَبَر أَو إِن الْخَبَر فعل الشَّرْط وَهُوَ الصَّحِيح وَأما على الثَّالِث فَلِأَنَّهَا جَوَاب الْقسم فِي اللَّفْظ وَجَوَاب الشَّرْط فِي الْمَعْنى وَقَول أبي الْبَقَاء والحوف إِن الْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط مَرْدُود لِأَنَّهُ اسمية وقولهما إِنَّهَا على إِضْمَار الْفَاء مَرْدُود لاخْتِصَاص ذَلِك بالشعر وَيجب على قَوْلهمَا أَن تكون اللَّام للابتداء لَا للتوطئة تَنْبِيه قد يُوجد الضَّمِير فِي اللَّفْظ وَلَا يحصل الرَّبْط وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَة مسَائِل إِحْدَاهَا أَن يكون مَعْطُوفًا بِغَيْر الْوَاو نَحْو زيد قَامَ عَمْرو فَهُوَ أَو ثمَّ هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 وَالثَّانيَِة أَن يُعَاد الْعَامِل نَحْو زيد قَامَ عَمْرو وَقَامَ هُوَ والثالثه أَن يكون بَدَلا نَحْو حسن الْجَارِيَة الْجَارِيَة أعجبتني هُوَ فَهُوَ بدل اشْتِمَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر الْعَائِد على الْجَارِيَة وَهُوَ فِي التَّقْدِير كَأَنَّهُ من جملَة أُخْرَى وَقِيَاس قَول من جعل الْعَامِل فِي الْبَدَل نفس الْعَامِل فِي الْمُبدل مِنْهُ أَن تصح الْمَسْأَلَة وَنَحْو ذَلِك مَسْأَلَة الِاشْتِغَال فَيجوز النصب وَالرَّفْع فِي نَحْو زيد ضربت عمرا وأباه وَيمْتَنع الرّفْع وَالنّصب مَعَ الْفَاء وَثمّ وَمَعَ التَّصْرِيح بالعامل وَإِذا أبدلت أَخَاهُ وَنَحْوه من عَمْرو لم يجوزا على مَا مر من الِاخْتِلَاف فِي عَامل الْبَدَل فَإِنَّهُ قدرته بَيَانا جَازَ بِاتِّفَاق أَو بَدَلا لم يجز وَيجوز بالِاتِّفَاقِ زيد ضربت رجلا يُحِبهُ رفعت زيدا أَو نصبته لِأَن الصّفة والموصوف كالشيء الْوَاحِد 2 - الثَّانِي الْإِشَارَة نَحْو {وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار} {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَا نكلف نفسا إِلَّا وسعهَا أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة} {إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا} ويحتمله {ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} وَخص ابْن الْحَاج الْمَسْأَلَة يكون الْمُبْتَدَأ مَوْصُولا أَو مَوْصُوفا وَالْإِشَارَة إِشَارَة الْبعيد فَيمْتَنع نَحْو زيد قَامَ هَذَا لمانعين وَزيد قَامَ ذَلِك لمَانع وَالْحجّة عَلَيْهِ فِي الْآيَة الثَّالِثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 وَلَا حجَّة عَلَيْهِ فِي الرَّابِعَة لاحْتِمَال كَون ذَلِك فِيهَا بَدَلا أَو بَيَانا وَجوز الْفَارِسِي كَونه صفة وَتَبعهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْبَقَاء ورده الحوفي بِأَن الصّفة لَا تكون أعرف من الْمَوْصُوف 3 - الثَّالِث إِعَادَة الْمُبْتَدَأ بِلَفْظِهِ وَأكْثر وُقُوع ذَلِك فِي مقَام التهويل والتفخيم نَحْو {الحاقة مَا الحاقة} {وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين} وَقَالَ 883 - (لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شَيْء ... نغص الْمَوْت ذَا الْغنى والفقيرا) 4 - وَالرَّابِع إِعَادَته بِمَعْنَاهُ نَحْو زيد جَاءَنِي أَبُو عبد الله إِذا كَانَ أَبُو عبد الله كنية لَهُ أجَازه أَبُو الْحسن مستدلا بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يمسكون بِالْكتاب وَأَقَامُوا الصَّلَاة إِنَّا لَا نضيع أجر المصلحين} وَأجِيب بِمَنْع كَون الَّذين مُبْتَدأ بل مجرور بالْعَطْف على {الَّذين يَتَّقُونَ} وَلَئِن سلم فالرابط الْعُمُوم لِأَن المصلحين أَعم من الْمَذْكُورين أَو ضمير مَحْذُوف أَي مِنْهُم وَقَالَ الحوفي الْخَبَر مَحْذُوف أَي مأجورون وَالْجُمْلَة دَلِيله 5 - وَالْخَامِس عُمُوم يَشْمَل الْمُبْتَدَأ نَحْو زيد نعم الرجل وَقَوله 884 - ( ... فَأَما الصَّبْر عَنْهَا فَلَا صبرا) الحديث: 883 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 كَذَا قَالُوا ويلزمهم أَن يجيزوا زيد مَاتَ النَّاس وَعَمْرو كل النَّاس يموتون وخَالِد لَا رجل فِي الدَّار أما الْمِثَال فَقيل الرابط إِعَادَة الْمُبْتَدَأ بِمَعْنَاهُ على قَول أبي الْحسن فِي صِحَة تِلْكَ الْمَسْأَلَة وعَلى القَوْل بِأَن ال فِي فاعلي نعم وَبئسَ للْعهد لَا للْجِنْس وَأما الْبَيْت فالرابط فِيهِ إِعَادَة الْمُبْتَدَأ بِلَفْظِهِ وَلَيْسَ الْعُمُوم فِيهِ مرَادا إِذْ المُرَاد أَنه لَا صَبر لَهُ عَنْهَا لِأَنَّهُ لَا صَبر لَهُ عَن شَيْء 6 - وَالسَّادِس أَن يعْطف بفاء السَّبَبِيَّة جملَة ذَات ضمير على جملَة خَالِيَة مِنْهُ أَو بِالْعَكْسِ نَحْو {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} وَقَوله 885 - (وإنسان عَيْني يحسر المَاء تَارَة ... فيبدو وتارات يجم فيغرق) كَذَا قَالُوا وَالْبَيْت مُحْتَمل لِأَن يكون أَصله يحسر المَاء عَنهُ أَي ينْكَشف عَنهُ وَفِي الْمَسْأَلَة تَحْقِيق تقدم فِي مَوْضِعه 7 - وَالسَّابِع الْعَطف بِالْوَاو أجَازه هِشَام وَحده نَحْو زيد قَامَت هِنْد وَأَكْرمهَا وَنَحْو زيد قَامَ وَقَعَدت هِنْد بِنَاء على أَن الْوَاو للْجمع فالجملتان كالجملة كَمَسْأَلَة الْفَاء وَإِنَّمَا الْوَاو للْجمع فِي الْمُفْردَات لَا فِي الْجمل بِدَلِيل جَوَاز هَذَانِ قَائِم وقاعد دون هَذَانِ يقوم وَقعد 8 - وَالثَّامِن شَرط يشْتَمل على ضمير مَدْلُول على جَوَابه بِالْخَيرِ نَحْو زيد يقوم عَمْرو إِن قَامَ الحديث: 885 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 9 - وَالتَّاسِع ال النائبة عَن الضَّمِير وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين وَطَائِفَة من الْبَصرِيين وَمِنْه {وَأما من خَافَ مقَام ربه وَنهى النَّفس عَن الْهوى فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى} الأَصْل مَأْوَاه وَقَالَ المانعون التَّقْدِير هِيَ المأوى لَهُ 10 - والعاشر كَون الْجُمْلَة نفس الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى نَحْو هجيرى أبي بكر لَا إِلَه إِلَّا الله وَمن هَذَا أَخْبَار ضمير الشَّأْن والقصة نَحْو {قل هُوَ الله أحد} وَنَحْو {فَإِذا هِيَ شاخصة أبصار الَّذين كفرُوا} تَنْبِيه الرابط فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} إِمَّا النُّون على أَن الأَصْل وَأَزْوَاج الَّذين وَإِمَّا كلمة هم مخفوضة محذوفة هِيَ وَمَا أضيف إِلَيْهِ على التدريج وتقديرهما إِمَّا قبل يَتَرَبَّصْنَ أَي أَزوَاجهم يَتَرَبَّصْنَ وَهُوَ قَول الْأَخْفَش وَإِمَّا بعده أَي يَتَرَبَّصْنَ بعدهمْ وَهُوَ قَول الْفراء وَقَالَ الْكسَائي وَتَبعهُ ابْن مَالك الأَصْل يتربص ازواجهم ثمَّ جِيءَ بالضمير مَكَان الْأزْوَاج لتقدم ذكرهن فَامْتنعَ ذكر الضَّمِير لِأَن النُّون لَا تُضَاف لكَونهَا ضميرا وَحصل الرَّبْط بالضمير الْقَائِم مقَام الظَّاهِر الْمُضَاف للضمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 الْأَشْيَاء الَّتِي تحْتَاج إِلَى الرابط وَهِي أحد عشر أَحدهَا الْجُمْلَة الْمخبر بهَا وَقد مَضَت وَمن ثمَّ كَانَ مردودا قَول ابْن الطراوة فِي لَوْلَا زيد لأكرمتك إِن لأكرمتك هُوَ الْخَبَر وَقَول ابْن عَطِيَّة فِي {فَالْحق وَالْحق أَقُول لأملأن} إِن لأملأن خبر الْحق الأول فِيمَن قَرَأَهُ بِالرَّفْع وَقَوله إِن التَّقْدِير أَن أملأ مَرْدُود لِأَن أَن تصير الْجُمْلَة مُفردا وَجَوَاب الْقسم لَا يكون مُفردا بل الْخَبَر فيهمَا مَحْذُوف أَي لَوْلَا زيد مَوْجُود وَالْحق قسمي كَمَا فِي لعمرك لَأَفْعَلَنَّ الثَّانِي الْجُمْلَة الْمَوْصُوف بهَا وَلَا يربطها إِلَّا الضَّمِير إِمَّا مَذْكُورا نَحْو {حَتَّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} أَو مُقَدرا إِمَّا مَرْفُوعا كَقَوْلِه 886 - (إِن يَقْتُلُوك فَإِن قَتلك لم يكن ... عارا عَلَيْك وَرب قتل عَار) أَي هُوَ عَار أَو مَنْصُوبًا كَقَوْلِه 887 - ( ... وَمَا شَيْء حميت بمستباح) أَي حميته أَو مجرورا نَحْو {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عدل وَلَا هم ينْصرُونَ} فَإِنَّهُ على تَقْدِير فِيهِ الحديث: 886 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 أَربع مَرَّات وَقِرَاءَة الْأَعْمَش {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ} على تَقْدِير فِيهِ مرَّتَيْنِ وَهل حذف الْجَار وَالْمَجْرُور مَعًا أَو حذف الْجَار وَحده فانتصب الضَّمِير واتصل بِالْفِعْلِ كَمَا قَالَ 888 - (وَيَوْما شهدناه سليما وعامرا ... ) أَي شَهِدنَا فِيهِ ثمَّ حذف مَنْصُوبًا قَولَانِ الأول عَن سِيبَوَيْهٍ وَالثَّانِي عَن أبي الْحسن وَفِي أمالي ابْن الشجري قَالَ الْكسَائي لَا يجوز أَن يكون الْمَحْذُوف إِلَّا الْهَاء أَي إِن الْجَار حذف أَولا ثمَّ حذف الضَّمِير وَقَالَ آخر لَا يكون الْمَحْذُوف إِلَّا فِيهِ وَقَالَ أَكثر النَّحْوِيين مِنْهُم سِيبَوَيْهٍ والأخفش يجوز الْأَمْرَانِ والأقيس عِنْدِي الأول اهـ وَهُوَ مُخَالف لما نقل غَيره وَزعم أَبُو حَيَّان أَن الأولى أَلا يقدر فِي الْآيَة الأولى ضمير بل يقدر أَن الأَصْل يَوْمًا يَوْم لَا تجزي بإبدال يَوْم الثَّانِي من الأول ثمَّ حذف الْمُضَاف وَلَا يعلم أَن مُضَافا إِلَى جملَة حذف ثمَّ إِن ادّعى أَن الْجُمْلَة بَاقِيَة على محلهَا من الْجَرّ فشاذ أَو أَنَّهَا أنيبت عَن الْمُضَاف فَلَا تكون الْجُمْلَة مَفْعُولا فِي مثل هَذَا الْموضع الثَّالِث الْجُمْلَة الْمَوْصُول بهَا الْأَسْمَاء وَلَا يربطها غَالِبا إِلَّا الضَّمِير إِمَّا مَذْكُورا نَحْو {الَّذين يُؤمنُونَ} وَنَحْو {وَمَا عملته أَيْديهم} {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس} الحديث: 888 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 ) وَنَحْو {يَأْكُل مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ} وَإِمَّا مُقَدرا نَحْو {أَيهمْ أَشد} وَنَحْو {وَمَا عملته أَيْديهم} {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس} وَنَحْو {وَيشْرب مِمَّا تشربون} والحذف من الصِّلَة أقوى مِنْهُ من الصّفة وَمن الصّفة أقوى مِنْهُ من الْخَبَر وَقد يربطها ظَاهر يخلف الضَّمِير كَقَوْلِه 889 - (فيا رب ليلى أَنْت فِي كل موطن ... وَأَنت الَّذِي فِي رَحْمَة الله أطمع) وَهُوَ قَلِيل قَالُوا وَتَقْدِيره وَأَنت الَّذِي فِي رَحمته وَقد كَانَ يُمكنهُم أَن يقدروا فِي رحمتك كَقَوْلِه 890 - (وَأَنت الَّذِي أخلفتني مَا وَعَدتنِي ... ) وَكَأَنَّهُم كَرهُوا بِنَاء قَلِيل على قَلِيل إِذْ الْغَالِب أَنْت الَّذِي فعل وَقَوْلهمْ فعلت قَلِيل وَلكنه مَعَ هَذَا مقيس وَأما أَنْت الَّذِي قَامَ زيد فقليل غير مقيس وعَلى هَذَا فَقَوْل الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} إِنَّه يجوز كَون الْعَطف بثم على الْجُمْلَة الفعلية ضَعِيف لِأَنَّهُ يلْزمه أَن يكون من هَذَا الْقَلِيل فَيكون الأَصْل كفرُوا بِهِ لِأَن الْمَعْطُوف على الصِّلَة صلَة فَلَا بُد من رابط الحديث: 889 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 وَأما إِذا قدر الْعَطف على الْحَمد لله وَمَا بعده فَلَا إِشْكَال الرَّابِع الْوَاقِعَة حَالا ورابطها إِمَّا الْوَاو وَالضَّمِير نَحْو {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} أَو الْوَاو فَقَط نَحْو {لَئِن أكله الذِّئْب وَنحن عصبَة} وَنحن جَاءَ زيد وَالشَّمْس طالعة أَو الضَّمِير فَقَط نَحْو {ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة} وَزعم أَبُو الْفَتْح فِي الصُّورَة الثَّانِيَة أَنه لَا بُد من تَقْدِير الضَّمِير أَي طالعة وَقت مَجِيئه وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ فِي الثَّالِثَة أَنَّهَا شَاذَّة نادرة وَلَيْسَ كَذَلِك لورودها فِي مَوَاضِع من التَّنْزِيل نَحْو {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو} فنبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ {وَالله يحكم لَا معقب لحكمه} {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون الطَّعَام} {وَيَوْم الْقِيَامَة ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة} وَقد يَخْلُو مِنْهُمَا لفظا فَيقدر الضَّمِير نَحْو مَرَرْت بِالْبرِّ قفيز بدرهم أَو الْوَاو كَقَوْلِه يصف غائصا لطلب اللُّؤْلُؤ انتصف النَّهَار وَهُوَ غائص وَصَاحبه لَا يدْرِي مَا حَاله 89 - (نصف النَّهَار المَاء غامره ... ورفيقه بِالْغَيْبِ لَا يدْرِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 الْخَامِس المفسرة لعامل الِاسْم المشتغل عَنهُ نَحْو زيدا ضَربته أَو ضربت أَخَاهُ أَو عمرا وأخاه أَو عمرا أَخَاهُ إِذا قدرت الْأَخ بَيَانا فَإِن قدرته بَدَلا لم يَصح نصب الِاسْم عَن الِاشْتِغَال وَلَا رَفعه على الِابْتِدَاء وَكَذَا لَو عطفت بِغَيْر الْوَاو وَقَوله تَعَالَى {وَالَّذين كفرُوا فتعسا لَهُم} الَّذين مُبْتَدأ وتعسا مصدر لفعل مَحْذُوف هُوَ الْخَبَر وَلَا يكون الَّذين مَنْصُوبًا بِمَحْذُوف يفسره تعسا كَمَا تَقول زيدا ضربا إِيَّاه وَكَذَا لَا يجوز زيدا جدعا لَهُ وَلَا عمرا سقيا لَهُ خلافًا لجَماعَة مِنْهُم أَبُو حَيَّان لِأَن اللَّام مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف لَا بِالْمَصْدَرِ لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى بالحرف وَلَيْسَت لَام التقوية لِأَنَّهَا لَازِمَة وَلَام التقوية غير لَازِمَة وَقَوله تَعَالَى {سل بني إِسْرَائِيل كم آتَيْنَاهُم من آيَة} إِن قدرت من زَائِدَة فكم مُبْتَدأ أَو مفعول لآتينا مُقَدرا بعده وَإِن قدرتها بَيَانا ل كم هِيَ بَيَان ل مَا فِي {مَا ننسخ من آيَة} لم يجز وَاحِد من الْوَجْهَيْنِ لعدم الرَّاجِع حِينَئِذٍ إِلَى كم وَإِنَّمَا هِيَ مفعول ثَان مقدم مثل أعشرين درهما أَعطيتك وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ فِي كم الخبرية والاستفهامية وَلم يذكر النحويون أَن كم الخبرية تعلق الْعَامِل عَن الْعَمَل وَجوز بَعضهم زِيَادَة من كَمَا قدمنَا وَإِنَّمَا تزاد بعد الِاسْتِفْهَام بهل خَاصَّة وَقد يكون تجويزه ذَلِك على قَول من لَا يشْتَرط كَون الْكَلَام غير مُوجب مُطلقًا أَو على قَول من يَشْتَرِطه فِي غير بَاب التَّمْيِيز وَيرى أَنَّهَا فِي رَطْل من زَيْت وَخَاتم من حَدِيد زَائِدَة لَا مبينَة للْجِنْس السَّادِس وَالسَّابِع بَدَلا الْبَعْض والاشتمال وَلَا يربطهما إِلَّا الضَّمِير ملفوظا نَحْو {ثمَّ عموا وصموا كثير مِنْهُم} {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 657 ) أَو مُقَدرا نَحْو {من اسْتَطَاعَ} أَي مِنْهُم وَنَحْو {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار} أَي فِيهِ وَقيل إِن ال خلف عَن الضَّمِير أَي ناره وَقَالَ الْأَعْشَى 89 - (لقد كَانَ فِي حول ثواء ثوبته ... تقضي لبانات ويسأم سائم) أَي ثويته فِيهِ فالهاء من ثويته مفعول مُطلق وَهِي ضمير الثواء لِأَن الْجُمْلَة صفته وَالْهَاء رابط الصّفة وَالضَّمِير الْمُقدر للبدل وَهُوَ ثواء بالمبدل مِنْهُ وَهُوَ حول وَزعم ابْن سيدة أَنه يجوز كَون الْهَاء من ثويته للحول على الاتساع فِي ضمير الظّرْف بِحَذْف كلمة فِي وَلَيْسَ بِشَيْء لخلو الصّفة حِينَئِذٍ من ضمير الْمَوْصُوف ولاشتراط الرابط فِي بدل الْبَعْض وَجب فِي نَحْو قَوْلك مَرَرْت بِثَلَاثَة زيد وَعَمْرو الْقطع بِتَقْدِير مِنْهُم لِأَنَّهُ لَو أتبع لَكَانَ بدل بعض من غير ضمير تَنْبِيه إِنَّمَا لم يحْتَج بدل الْكل إِلَى رابط لِأَنَّهُ نفس الْمُبدل مِنْهُ فِي الْمَعْنى كَمَا أَن الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ نفس الْمُبْتَدَأ لاتحتاج إِلَى رابط لذَلِك الثَّامِن مَعْمُول الصّفة المشبهة وَلَا يربطه أَيْضا إِلَّا الضَّمِير إِمَّا ملفوظا بِهِ نَحْو زيد حسن وَجهه أَو وَجها مِنْهُ أَو مُقَدرا نَحْو زيد حسن وَجها أَي مِنْهُ وَاخْتلف فِي نَحْو زيد حسن الْوَجْه بِالرَّفْع فَقيل التَّقْدِير مِنْهُ وَقيل ال خلف عَن الضَّمِير وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن لِلْمُتقين لحسن مآب جنَّات عدن مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 658 ) جنَّات بدل أَو بَيَان وَالثَّانِي يمنعهُ البصريون لِأَنَّهُ لَا يجوز عِنْدهم أَن يَقع عطف الْبَيَان فِي النكرات وَقَول الزَّمَخْشَرِيّ إِنَّه معرفَة لِأَن عدنا علم على الْإِقَامَة بِدَلِيل {جنَّات عدن الَّتِي وعد الرَّحْمَن عباده} لَو صَحَّ تعيّنت الْبَدَلِيَّة بالِاتِّفَاقِ إِذْ لَا تبين الْمعرفَة النكرَة وَلَكِن قَوْله مَمْنُوع وَإِنَّمَا عدن مصدر عدن فَهُوَ نكرَة وَالَّتِي فِي الْآيَة بدل لَا نعت ومفتحة حَال من جنَّات لاختصاصها بِالْإِضَافَة أَو صفة لَهَا لَا صفة لحسن لِأَنَّهُ مُذَكّر وَلِأَن الْبَدَل لَا يتَقَدَّم على النَّعْت والأبواب مفعول مالم يسم فَاعله أَو بدل من ضمير مستتر وَالْأول أولى لضعف مثل مَرَرْت بِامْرَأَة حَسَنَة الْوَجْه وَعَلَيْهِمَا فَلَا بُد من تَقْدِير أَن الأَصْل الْأَبْوَاب مِنْهَا أَو أَبْوَابهَا ونابت ال عَن الضَّمِير وَهَذَا الْبَدَل بدل بعض لَا اشْتِمَال خلافًا للزمخشري التَّاسِع جَوَاب اسْم الشَّرْط الْمَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَلَا يربطه أَيْضا إِلَّا الضَّمِير إِمَّا مَذْكُورا نَحْو {فَمن يكفر بعد مِنْكُم فَإِنِّي أعذبه} أَو مُقَدرا أَو منوبا عَنهُ نَحْو {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج} أَي مِنْهُ أَو الأَصْل فِي حجه وَأما قَول تَعَالَى {بلَى من أوفى بعهده وَاتَّقَى فَإِن الله يحب الْمُتَّقِينَ} {وَمن يتول الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا فَإِن حزب الله هم الغالبون} وَقَول الشَّاعِر 893 - (فَمن تكن الحضارة أَعْجَبته ... فَأَي رجال بادية تَرَانَا) الحديث: 893 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 فَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْآيَة الأولى إِن الرابط عُمُوم الْمُتَّقِينَ وَالظَّاهِر أَنه لَا عُمُوم فِيهَا وَأَن الْمُتَّقِينَ مساوون لمن تقدم ذكره وَإِنَّمَا الْجَواب فِي الْآيَتَيْنِ وَالْبَيْت مَحْذُوف وَتَقْدِيره فِي الْآيَة الأولى يُحِبهُ الله وَفِي الثَّانِيَة يغلب وَفِي الْبَيْت فلسنا على صفته الْعَاشِر العاملان فِي بَاب التَّنَازُع فَلَا بُد من ارتباطهما إِمَّا بعاطف كَمَا فِي قاما وَقعد أَخَوَاك أَو عمل أَولهمَا فِي ثَانِيهمَا نَحْو {وَأَنه كَانَ يَقُول سفيهنا على الله شططا} {وَأَنَّهُمْ ظنُّوا كَمَا ظننتم أَن لن يبْعَث الله أحدا} أَو كَون ثَانِيهمَا جَوَابا للْأولِ إِمَّا جوابية الشَّرْط نَحْو {تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله} وَنَحْو {آتوني أفرغ عَلَيْهِ قطرا} أَو جوابية السُّؤَال نَحْو {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} أَو نَحْو ذَلِك من أوجه الارتباط وَلَا يجوز قَامَ قعد زيد وَلذَلِك بَطل قَول الْكُوفِيّين إِن من التَّنَازُع قَول امْرِئ الْقَيْس 894 - (كفاني ... وَلم أطلب قَلِيل من المَال) وَإنَّهُ حجَّة على رُجْحَان اخْتِيَار إِعْمَال الأول لِأَن الشَّاعِر فصيح وَقد ارْتَكَبهُ مَعَ لُزُوم حذف مفعول الثَّانِي وَترك إِعْمَال الثَّانِي مَعَ تمكنه مِنْهُ وسلامته من الْحَذف وَالصَّوَاب أَنه لَيْسَ من التَّنَازُع فِي شَيْء لاخْتِلَاف مطلوبي العاملين فَإِنِّي كفاني طَالب للقليل وأطلب طَالب للْملك محذوفا للدليل وَلَيْسَ طَالبا للقليل لِئَلَّا يلْزم فَسَاد الْمَعْنى وَذَلِكَ لِأَن التَّنَازُع يُوجب تَقْدِير قَوْله وَلم أطلب الحديث: 894 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 مَعْطُوفًا على كفاني وَحِينَئِذٍ يلْزم كَونه مثبتا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ دَاخل فِي حيّز الِامْتِنَاع الْمَفْهُوم من لَو وَإِذا امْتنع النَّفْي جَاءَ الْإِثْبَات فَيكون قد أثبت طلبه للقليل بعد مَا نَفَاهُ بقوله (وَلَو أَنما أسعى لأدنى معيشة ... ) وَإِنَّمَا لم يجز أَن يقدر مستأنفا لِأَنَّهُ لَا ارتباط حِينَئِذٍ بَينه وَبَين كفاني فَلَا تنَازع بَينهمَا فَإِن قلت لم لَا يجوز التَّنَازُع على تَقْدِير الْوَاو للْحَال فَإنَّك إِذا قلت لَو دَعوته لأجابني غير متوان أفادت لَو انْتِفَاء الدُّعَاء والإجابة دون انْتِفَاء عدم التواني حَتَّى يلْزم إِثْبَات التواني قلت أجَاز ذَلِك قوم مِنْهُم ابْن الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل وَوجه بِهِ قَول الْفَارِسِي والكوفيين إِن الْبَيْت من التَّنَازُع وإعمال الأول وَفِيه نظر لِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ لَو ثَبت أَنِّي أسعى لأدنى معيشة لكفاني الْقَلِيل فِي حَالَة أَنِّي غير طَالب لَهُ فَيكون انْتِفَاء كِفَايَة الْقَلِيل الْمقيدَة بِعَدَمِ طلبه مَوْقُوفا على طلبه لَهُ فَيتَوَقَّف عدم الشَّيْء على وجوده ولهذه الْقَاعِدَة أَيْضا بَطل قَول بَعضهم فِي {فَلَمَّا تبين لَهُ قَالَ أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} إِن فَاعل تبين ضمير رَاجع إِلَى الْمصدر الْمَفْهُوم من أَن وصلتها بِنَاء على أَن تبين وَأعلم قد تنازعاه كَمَا فِي ضَرَبَنِي وَضربت زيدا إِذْ لَا ارتباط بَين تبين وَأعلم على أَنه لَو صَحَّ لم يحسن حمل التَّنْزِيل عَلَيْهِ لضعف الْإِضْمَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 قبل الذّكر فِي بَاب التَّنَازُع حَتَّى إِن الْكُوفِيّين لَا يجيزونه الْبَتَّةَ وَضعف حذف مفعول الْعَامِل الثَّانِي إِذا أهمل ك ضَرَبَنِي وَضربت زيد حَتَّى إِن الْبَصرِيين لَا يجيزونه إِلَّا فِي الضَّرُورَة وَالصَّوَاب أَن مفعول أطلب الْملك محذوفا كَمَا قدمنَا وَأَن فَاعل تبين ضمير مستتر إِمَّا للمصدر أَي فَلَمَّا تبين لَهُ تبين كَمَا قَالُوا فِي {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات ليسجننه} أَو لشَيْء دلّ عَلَيْهِ الْكَلَام أَي فَلَمَّا تبين لَهُ الْأَمر أَو مَا أشكل عَلَيْهِ وَنَظِيره إِذا كَانَ غَدا فأتني أَي إِذا كَانَ هُوَ أَي مَا نَحن عَلَيْهِ من سَلامَة الْحَادِي عشر أَلْفَاظ التوكيد الأول وَإِنَّمَا يربطها الضَّمِير الملفوظ بِهِ نَحْو جَاءَ زيد نَفسه والزيدان كِلَاهُمَا وَالْقَوْم كلهم وَمن ثمَّ كَانَ مردودا قَول الْهَرَوِيّ فِي الذَّخَائِر تَقول جَاءَ الْقَوْم جَمِيعًا على الْحَال وَجَمِيع على التوكيد وَقَول بعض من عاصرناه فِي قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} إِن جَمِيعًا توكيد ل مَا وَلَو كَانَ كَذَا لقيل جَمِيعه ثمَّ التوكيد بِجَمِيعِ قَلِيل فَلَا يحمل عَلَيْهِ التَّنْزِيل وَالصَّوَاب أَنه حَال وَقَول الْفراء والزمخشري فِي قِرَاءَة بَعضهم / إِنَّا كلا فِيهَا / إِن كلا توكيد وَالصَّوَاب أَنَّهَا بدل وإبدال الظَّاهِر من ضمير الْحَاضِر بدل كل جَائِز إِذا كَانَ مُفِيدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 للاحاطة نَحْو قُمْتُم ثلاثتكم وَبدل الْكل لَا يحْتَاج إِلَى ضمير وَيجوز ل كل أَن تلِي العوامل إِذا لم تتصل بالضمير نَحْو جَاءَنِي كل الْقَوْم فَيجوز مجيئها بَدَلا بِخِلَاف جَاءَنِي كلهم فَلَا يجوز إِلَّا فِي الضَّرُورَة فَهَذَا أحسن مَا قيل فِي هَذِه الْقِرَاءَة وخرجها ابْن مَالك على أَن كلا حَال وَفِيه ضعفان تنكير كل بقطعها عَن الْإِضَافَة لفظا وَمعنى وَهُوَ نَادِر كَقَوْل بَعضهم مَرَرْت بهم كلا أَي جَمِيعًا وَتَقْدِيم الْحَال على عاملها الظرفي واحترزت بِذكر الأول عَن أجمع وأخواته فَإِنَّهَا إِنَّمَا تؤكد بعد كل نَحْو {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} الْأُمُور الَّتِي يكتسبها الِاسْم بِالْإِضَافَة وَهِي أحد عشر أَحدهَا التَّعْرِيف نَحْو غُلَام زيد الثَّانِي التَّخْصِيص نَحْو غُلَام امْرَأَة وَالْمرَاد بالتخصيص الَّذِي لم يبلغ دَرَجَة التَّعْرِيف فَإِن غُلَام رجل أخص من غُلَام وَلكنه لم يتَمَيَّز بِعَيْنِه كَمَا يتَمَيَّز غُلَام زيد الثَّالِث التَّخْفِيف ك ضَارب زيد وضاربا عَمْرو وضاربو بكر إِذا أردْت الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال فَإِن الأَصْل فِيهِنَّ أَن يعملن النصب وَلَكِن الْخَفْض أخف مِنْهُ إِذْ لَا تَنْوِين مَعَه وَلَا نون وَيدل على أَن هَذِه الْإِضَافَة لَا تفِيد التَّعْرِيف قَوْلك الضاربا زيد والضاربو زيد وَلَا يجْتَمع مَعَ الِاسْم تعريفان وَقَوله تَعَالَى {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 ) وَلَا تُوصَف النكرَة بالمعرفة وَقَوله تَعَالَى {ثَانِي عطفه} وَقَول ابي كَبِير 895 - (فَأَتَت بِهِ حوش الْفُؤَاد مبطنا ... ) وَلَا تنتصب الْمعرفَة على الْحَال وَقَول جرير 896 - (يَا رب غابطنا لَو كَانَ يطلبكم ... ) وَلَا تدخل رب على المعارف وَفِي التُّحْفَة أَن ابْن مَالك رد على ابْن الْحَاجِب فِي قَوْله وَلَا تفِيد إِلَّا تَخْفِيفًا فَقَالَ بل تفِيد أَيْضا التَّخْصِيص فَإِن ضَارب زيد أخص من ضَارب وَهَذَا سَهْو فَإِن ضَارب زيد أَصله ضَارب زيدا بِالنّصب وَلَيْسَ أَصله ضَارِبًا فَقَط فالتخصيص حَاصِل بالمعمول قبل أَن تَأتي الْإِضَافَة فَإِن لم يكن الْوَصْف بِمَعْنى الْحَال والاستقبال فإضافته مَحْضَة تفِيد التَّعْرِيف والتخصيص لِأَنَّهَا لَيست فِي تَقْدِير الِانْفِصَال وعَلى هَذَا صَحَّ وصف اسْم الله تَعَالَى ب (مَالك يَوْم الدّين) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أُرِيد باسم الْفَاعِل هُنَا إِمَّا الحديث: 895 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 الْمَاضِي كَقَوْلِك هُوَ مَالك عبيده أمس أَي ملك الْأُمُور يَوْم الدّين على حد {ونادى أَصْحَاب الْجنَّة} وَلِهَذَا قَرَأَ أَبُو حنيفَة {مَالك يَوْم الدّين} وَأما الزَّمَان المستمر كَقَوْلِك هُوَ مَالك العبيد فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة قَوْلك مولى العبيد اه مُلَخصا وَهُوَ حسن إِلَّا أَنه نقض هَذَا الْمَعْنى الثَّانِي عِنْدَمَا تكلم على قَوْله تَعَالَى {وَجعل اللَّيْل سكنا وَالشَّمْس وَالْقَمَر} فَقَالَ قرىء بجر الشَّمْس وَالْقَمَر عطفا على اللَّيْل وبنصبهما بإضمار جعل أَو عطفا على مَحل اللَّيْل لِأَن اسْم الْفَاعِل هُنَا لَيْسَ فِي معنى الْمُضِيّ فَتكون إِضَافَته حَقِيقِيَّة بل هُوَ دَال على جعل مُسْتَمر فِي الْأَزْمِنَة الْمُخْتَلفَة وَمثله {فالق الْحبّ والنوى} و {فالق الإصباح} كَمَا تَقول زيد قَادر عَالم وَلَا تقصد زَمَانا دون زمَان اهـ وَحَاصِله أَن إِضَافَة الْوَصْف إِنَّمَا تكون حَقِيقِيَّة إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَاضِي وَأَنه إِذا كَانَ لإِفَادَة حدث مُسْتَمر فِي الْأَزْمِنَة كَانَت إِضَافَته غير حَقِيقِيَّة وَكَانَ عَاملا وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك الرَّابِع إِزَالَة الْقبْح أَو التَّجَوُّز ك مَرَرْت بِالرجلِ الْحسن الْوَجْه فَإِن الْوَجْه إِن رفع قبح الْكَلَام لخلو الصّفة لفظا عَن ضمير الْمَوْصُوف وَإِن نصب حصل التَّجَوُّز بإجرائك الْوَصْف الْقَاصِر مجْرى الْمُتَعَدِّي الْخَامِس تذكير الْمُؤَنَّث كَقَوْلِه 897 - (إنارة الْعقل مكسوف بطوع هوى ... وعقل عاصي الْهوى يزْدَاد تنويرا) الحديث: 897 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 وَيحْتَمل أَن يكون مِنْهُ {إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} ويبعده {لَعَلَّ السَّاعَة قريب} فَذكر الْوَصْف حَيْثُ لَا إِضَافَة وَلَكِن ذكر الْفراء أَنهم التزموا التَّذْكِير فِي قريب إِذا لم يرد قرب النّسَب قصدا للْفرق وَأما قَول الْجَوْهَرِي إِن التَّذْكِير لكَون التَّأْنِيث مجازيا فَوَهم لوُجُوب التَّأْنِيث فِي نَحْو الشَّمْس طالعة وَالْمَوْعِظَة نافعة وَإِنَّمَا يفْتَرق حكم الْمجَازِي والحقيقي الظاهرين لَا المضمرين السَّادِس تَأْنِيث الْمُذكر كَقَوْلِهِم قطعت بعض أَصَابِعه وقرىء {يلتقطه بعض السيارة} وَيحْتَمل أَن يكون مِنْهُ {فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} {وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذكم مِنْهَا} أَي من الشفا وَيحْتَمل أَن الضَّمِير للنار وَفِيه بعد لأَنهم مَا كَانُوا فِي النَّار حَتَّى ينقذوا مِنْهَا وَأَن الأَصْل فَلهُ عشر حَسَنَات أَمْثَالهَا فالمعدود فِي الْحَقِيقَة الْمَوْصُوف الْمَحْذُوف وَهُوَ مؤنث وَقَالَ 898 - (طول اللَّيَالِي أسرعت فِي نقضي ... نقضن كلي ونقضن بَعْضِي) وَقَالَ 899 - (وَمَا حب الديار شغفن قلبِي ... ) الحديث: 898 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ 900 - (وتشرق بالْقَوْل الَّذِي قد أذعته ... كَمَا شَرقَتْ صدر الْقَنَاة من الدَّم) وَإِلَى هَذَا الْبَيْت يُشِير ابْن حزم الظَّاهِرِيّ فِي قَوْله (تجنب صديقا مثل مَا وَاحْذَرْ الَّذِي ... يكون كعمرو بَين عرب وأعجم) (فَإِن صديق السوء يزري وشاهدي ... كَمَا شَرقَتْ صدر الْقَنَاة من الدَّم) وَمرَاده ب مَا الْكِنَايَة عَن الرجل النَّاقِص كنقص مَا الموصولة وبعمرو الْكِنَايَة عَن الرجل المريد أَخذ مَا لَيْسَ لَهُ كأخذ عَمْرو الْوَاو فِي الْخط وَشرط هَذِه الْمَسْأَلَة وَالَّتِي قبلهَا صَلَاحِية الْمُضَاف للاستغناء عَنهُ فَلَا يجوز أمة زيد جَاءَ وَلَا غُلَام هِنْد ذهبت وَمن ثمَّ رد ابْن مَالك فِي التَّوْضِيح قَول أبي الْفَتْح فِي تَوْجِيهه قِرَاءَة أبي الْعَالِيَة {لَا ينفع نفسا إيمَانهَا} بتأنيث الْفِعْل إِنَّه من بَاب قطعت بعض أَصَابِعه لِأَن الْمُضَاف لَو سقط هُنَا لقيل نفسا لَا تَنْفَع بِتَقْدِيم الْمَفْعُول ليرْجع إِلَيْهِ الضَّمِير الْمُسْتَتر الْمَرْفُوع الَّذِي نَاب عَن الْإِيمَان فِي الفاعلية الحديث: 900 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 وَيلْزم من ذَلِك تعدِي فعل الضَّمِير الْمُتَّصِل إِلَى ظَاهره نَحْو قَوْلك زيدا ظلم تُرِيدُ أَنه ظلم نَفسه وَذَلِكَ لَا يجوز السَّابِع الظَّرْفِيَّة نَحْو {تؤتي أكلهَا كل حِين} وَقَوله 90 - ( ... أناأبو الْمنْهَال بعض الأحيان) وَقَالَ المتنبي 90 - (أَي يَوْم سررتني بوصال ... لم تسؤني ثَلَاثَة) وَأي فِي الْبَيْت استفهامية يُرَاد بهَا النَّفْي لَا شَرْطِيَّة لِأَنَّهُ لَو قيل مَكَان ذَلِك إِن سررتني انعكس الْمَعْنى لَا يُقَال يدل على أَنَّهَا شَرْطِيَّة أَن الْجُمْلَة المنفية إِن استؤنفت وَلم ترْبط بِالْأولَى فسد الْمَعْنى لأَنا نقُول الرَّبْط حَاصِل بتقديرها صفة لوصال والرابط مَحْذُوف أَي لَو ترعني بعده ثمَّ حذفا دفْعَة أَو على التدريج أَو حَالا من تَاء الْمُخَاطب والرابط فاعلها وَهِي حَال مقدرَة أَو معطوفة بفاء محذوفة فَلَا مَوضِع لَهَا أَي مَا سررتني غير مُقَدّر أَنَّك تروعني وَمن روى ثَلَاثَة بِالرَّفْع فالحالية ممتنعة لعدم الرابط الثَّامِن المصدرية نَحْو {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} فَأَي مفعول مُطلق ناصبه يَنْقَلِبُون وَيعلم معلقَة عَن الْعَمَل بالاستفهام وَقَالَ 903 - (ستعلم ليلى أَي دين تداينت ... وَأي غَرِيم للتقاضي غريمها) الحديث: 903 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 أَي الأولى وَاجِبَة النصب بِمَا بعْدهَا كَمَا فِي الْآيَة إِلَّا أَنَّهَا هُنَا مفعول بِهِ كَقَوْلِك تداينت مَالا لَا مفعول مُطلق لِأَنَّهَا لم تضف لمصدر وَالثَّانيَِة وَاجِبَة الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ مثلهَا فِي {لنعلم أَي الحزبين أحصى} {ولتعلمن أَيّنَا أَشد عذَابا} التَّاسِع وجوب التصدر وَلِهَذَا وَجب تَقْدِيم الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو غُلَام من عنْدك وَالْخَبَر فِي نَحْو صَبِيحَة أَي يَوْم سفرك وَالْمَفْعُول فِي نَحْو غُلَام أَيهمْ أكرمت وَمن ومجرورها فِي نَحْو من غُلَام أَيهمْ أَنْت أفضل وَوَجَب الرّفْع فِي نَحْو علمت أَبُو من زيد وَإِلَى هَذَا يُشِير قَول بعض الْفُضَلَاء (عَلَيْك بأرباب الصُّدُور فَمن غَدا ... مُضَافا لأرباب الصُّدُور تصدرا) (وَإِيَّاك أَن ترْضى صحابة نَاقص ... فتنحط قدرا من علاك وتحقرا) (فَرفع أَبُو من ثمَّ خفض مزمل ... يبين قولي مغريا ومحذرا) وَالْإِشَارَة بقوله ثمَّ خفض مزمل إِلَى قَول امرىء الْقَيْس 904 - (كَأَن أَبَانَا فِي عرانين وبله ... كَبِير أنَاس فِي بجاد مزمل) وَذَلِكَ أَن مزملا صفة لكبير فَكَانَ حَقه الرّفْع وَلكنه خفض لمجاورته للمخفوض والعاشر الْأَعْرَاب نَحْو هَذِه خَمْسَة عشر زيد فِيمَن أعربه وَالْأَكْثَر الْبناء الحديث: 904 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 وَالْحَادِي عشر الْبناء وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب أَحدهَا أَن يكون الْمُضَاف مُبْهما كَغَيْر وَمثل وَدون وَقد اسْتدلَّ على ذَلِك بِأُمُور مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} {وَمنا دون ذَلِك} قَالَه الْأَخْفَش وخولف وَأجِيب عَن الأول بِأَن نَائِب الْفَاعِل ضمير الْمصدر أَي وحيل هُوَ أَي الْحول كَمَا فِي قَوْله 905 - (وَقَالَت مَتى يبخل عَلَيْك ويعتلل ... يسؤك وَإِن يكْشف غرامك تدرب) أَي ويعتلل هُوَ أَي الاعتلال وَلَا بُد عِنْدِي من تَقْدِير عَلَيْك مدلولا عَلَيْهَا بالمذكورة وَتَكون حَالا من الْمُضمر ليتقيد بهَا فتقيد مَا لم يفده الْفِعْل وَعَن الثَّانِي بِأَنَّهُ على حذف الْمَوْصُوف أَي وَمنا قوم دون ذَلِك كَقَوْلِهِم منا ظعن وَمنا أَقَامَ أَي منا فريق ظعن وَمنا فريق أَقَامَ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {لقد تقطع بَيْنكُم} فِيمَن فتح بَينا قَالَه الْأَخْفَش وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة الرّفْع وَقيل بَين ظرف وَالْفَاعِل ضمير مستتر رَاجع إِلَى مصدر الْفِعْل أَي لقد وَقع التقطع أَو إِلَى الْوَصْل لِأَن {وَمَا نرى مَعكُمْ شفعاءكم} يدل على التهاجر وَهُوَ يسْتَلْزم عدم التواصل أَو إِلَى {مَا كُنْتُم تَزْعُمُونَ} على أَن الْفِعْلَيْنِ تنازعاه وَيُؤَيّد التَّأْوِيل قَوْله الحديث: 905 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 906 - (أهم بِأَمْر الحزم لَو أستطيعه ... وَقد حيل بَين العير والنزوان) بِفَتْح بَين مَعَ إِضَافَته لمعرب وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّه لحق مثل مَا أَنكُمْ تنطقون} فِيمَن فتح مثلا وَقِرَاءَة بعض السّلف {أَن يُصِيبكُم مثل مَا أصَاب} بِالْفَتْح وَقَول الفرزدق 907 - ( ... إِذْ هم قُرَيْش وَإِذا مَا مثلهم بشر) وَزعم ابْن مَالك أَن ذَلِك لَا يكون فِي مثل لمخالفتها للمبهمات فَإِنَّهَا تثنى وَتجمع كَقَوْلِه تَعَالَى {إِلَّا أُمَم أمثالكم} وَقَول الشَّاعِر 908 - ( ... وَالشَّر بِالشَّرِّ عِنْد الله مثلان) وَزعم أَن حَقًا اسْم فَاعل من حق يحِق وَأَصله حاق فقصر كَمَا قيل بر وسر ونم فَفِيهِ ضمير مستتر وَمثل حَال مِنْهُ وَأَن فَاعل يُصِيبكُم ضَمِيره تَعَالَى لتقدمه فِي {وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه} وَمثل مصدر وَأم بَيت الفرزدق فَفِيهِ أجوبة مَشْهُورَة وَمِنْهَا قَوْله 909 - (لم يمْنَع الشّرْب مِنْهَا غير أَن نطقت ... حمامة فِي غصون ذَات أَو قَالَ) فَغير فَاعل ليمنع وَقد جَاءَ مَفْتُوحًا وَلَا يَأْتِي فِيهِ بحث ابْن مَالك لِأَن قَوْلهم غيران وأغيار لَيْسَ بعربي الحديث: 906 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 وَلَو كَانَ الْمُضَاف غير مُبْهَم لم يبن وَأما قَول الْجِرْجَانِيّ وموافقيه إِن غلامي وَنَحْوه مَبْنِيّ فمردود ويلزمهم بِنَاء غلامك وَغُلَامه وَلَا قَائِل بذلك الْبَاب الثَّانِي أَن يكون الْمُضَاف زَمَانا مُبْهما والمضاف إِلَيْهِ إِذْ نَحْو {وَمن خزي يَوْمئِذٍ} و {من عَذَاب يَوْمئِذٍ} يقرأان بجر يَوْم وفتحه الثَّالِث أَن يكون زَمَانا مُبْهما والمضاف إِلَيْهِ فعل مَبْنِيّ بِنَاء أَصْلِيًّا كَانَ الْبناء كَقَوْلِه 910 - (على حِين عاتبت المشيب على الصِّبَا ... وَقلت ألما أصح والشيب وازع) أَو بِنَاء عارضا كَقَوْلِه 91 - (لأجتذبن مِنْهُنَّ قلبِي تحلما ... على حِين يستصبين كل حَلِيم) رويا بِالْفَتْح وَهُوَ أرجح من الْإِعْرَاب عِنْد ابْن مَالك ومرجوح عِنْد ابْن عُصْفُور فَإِن كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ فعلا معربا أَو جملَة اسمية فَقَالَ البصريون يجب الْإِعْرَاب وَالصَّحِيح جَوَاز الْبناء وَمِنْه قِرَاءَة نَافِع {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين} بِفَتْح يَوْم وَقِرَاءَة غير أبي عَمْرو وَابْن كثير {يَوْم لَا تملك نفس} بِالْفَتْح وَقَالَ 91 - (إِذا قلت هَذَا حِين أسلو يهيجني ... نسيم الصِّبَا من حَيْثُ يطلع الْفجْر) الحديث: 910 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 وَقَالَ آخر 913 - (ألم تعلمي يَا عمرك الله أنني ... كريم على حِين الْكِرَام قَلِيل) (وَأَنِّي لَا أخزى إِذا قيل مملق ... سخي وأخزى أَن يُقَال بخيل) رويا بِالْفَتْح ويحكى أَن ابْن الْأَخْضَر سُئِلَ بِحَضْرَة ابْن الأبرش عَن وَجه النصب فِي قَول النَّابِغَة 914 - (أَتَانِي أَبيت اللَّعْن أَنَّك لمتني ... وَتلك الَّتِي تستك مِنْهَا المسامع) (مقَالَة أَن قد قلت سَوف أناله ... وَذَلِكَ من تِلْقَاء مثلك رائع) فَقَالَ ( ... وَلَا تصْحَب الأردى فتردى مَعَ الردي) فَقيل لَهُ الْجَواب فَقَالَ ابْن الأبرش قد أجَاب يُرِيد أَنه لما أضيف إِلَى الْمَبْنِيّ اكْتسب مِنْهُ الْبناء فَهُوَ مَفْتُوح لَا مَنْصُوب وَمحله الرّفْع بَدَلا من أَنَّك لمتني وَقد رُوِيَ بِالرَّفْع وَهَذَا الْجَواب عِنْدِي غير جيد لعدم إِبْهَام الْمُضَاف وَلَو صَحَّ لصَحَّ الْبناء فِي نَحْو غلامك وفرسه وَنَحْو هَذَا مِمَّا لَا قَائِل بِهِ وَقد مضى أَن ابْن مَالك منع الْبناء فِي مثل مَعَ إبهامها لكَونهَا تثنى وَتجمع فَمَا ظَنك بِهَذَا وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوب على إِسْقَاط الْبَاء أَو بإضمار أَعنِي أَو على المصدرية الحديث: 913 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 وَفِي الْبَيْت إِشْكَال لَو سَأَلَ السَّائِل عَنهُ لَكَانَ أولى وَهُوَ إِضَافَة مقَالَة إِلَى أَن قد قلت فَإِنَّهُ فِي التَّقْدِير مقَالَة قَوْلك وَلَا يُضَاف الشَّيْء إِلَى نَفسه وَجَوَابه أَن الأَصْل مقَالَة فَحذف التَّنْوِين للضَّرُورَة لَا للاضافة وَأَن وصلتها بدل من مقَالَة أَو من أَنَّك لمتني أَو خبر لمَحْذُوف وَقد يكون الشَّاعِر إِنَّمَا قَالَه مقَالَة ان بِإِثْبَات التَّنْوِين وَنقل حَرَكَة الْهمزَة فأنشده النَّاس بتحقيقها فاضطروا إِلَى حذف التَّنْوِين ويروى ملامة وَهُوَ مصدر ل لمتني الْمَذْكُورَة أَو لأخرى محذوفة الْأُمُور الَّتِي لَا يكون الْفِعْل مَعهَا إِلَّا قاصرا وَهِي عشرُون أَحدهَا كَونه على فعل بِالضَّمِّ كظرف وَشرف لِأَنَّهُ وقف على أَفعَال السجايا وَمَا أشبههَا مِمَّا يقوم بفاعله وَلَا يتجاوزه وَلِهَذَا يتَحَوَّل الْمُتَعَدِّي قاصرا إِذا حول وَزنه إِلَى فعل لغَرَض الْمُبَالغَة والتعجب نَحْو ضرب الرجل وَفهم بِمَعْنى مَا أضربه وأفهمه وَسمع رحبتكم الطَّاعَة وَإِن بشرا طلع الْيمن وَلَا ثَالِث لَهما ووجههما أَنَّهُمَا ضمنا معنى وسع وَبلغ الثَّانِي وَالثَّالِث كَونه على فعل بِالْفَتْح أَو فعل بِالْكَسْرِ ووصفهما على فعيل نَحْو ذل وَقَوي الرَّابِع كَونه على أفعل بِمَعْنى صَار ذَا كَذَا نَحْو أغد الْبَعِير وأحصد الزَّرْع إِذا صَارا ذَوي غُدَّة وحصاد الْخَامِس كَونه عل افعلل كاقشعر واشمأز السَّادِس كَونه على افوعل كَا كوهد الفرخ إِذا ارتعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 السَّابِع كَونه على افعنلل بأصالة اللامين كاحر نجم بِمَعْنى اجْتمع الثَّامِن كَونه على افعنلل بِزِيَادَة أحد اللامين كاقعنسس الْجمل إِذا أَبى أَن ينقاد التَّاسِع كَونه على افعنلى كاحرنبى الديك إِذا انتفش وشذ قَوْله 915 - (قد جعل النعاس يغرنديني ... أطرده عني ويسرنديني) وَلَا ثَالِث لَهما ويغرنديني بالغين الْمُعْجَمَة يعلوني ويغلبني وَبِمَعْنَاهُ يسرنديني الْعَاشِر كَونه على استفعل وَهُوَ دَال على التَّحَوُّل كاستحجر الطين وَقَوْلهمْ إِن البغاث بأرضنا يستنسر الْحَادِي عشر كَونه على وزن انفعل نَحْو انْطلق وانكسر الثَّانِي عشر كَون مطاوعا لمتعد إِلَى وَاحِد نَحْو كَسرته فانكسر وأزعجته فانزعج فَإِن قلت قد مضى عد انفعل قلت نعم لَكِن تِلْكَ عَلامَة لفظية وَهَذِه معنوية وَأَيْضًا فالمطاوع لَا يلْزم وزن أفعل تَقول ضاعفت الْحَسَنَات فتضاعفت وعلمته فتعلم وثلمته فتثلم وَأَصله أَن المطاوع ينقص عَن المطاوع دَرَجَة كألبسته الثَّوْب فلبسه وأقمته فَقَامَ وَزعم ابْن بري أَن الْفِعْل ومطاوعه قد يتفقان فِي التَّعَدِّي لاثْنَيْنِ نَحْو استخبرته الْخَبَر فَأَخْبرنِي الْخَبَر واستفهمته الحَدِيث فأفهمني الحَدِيث واستعطيته درهما فَأَعْطَانِي درهما وَفِي التَّعَدِّي لوَاحِد نَحْو استفتيته فأفتاني واستنصحته فنصحني وَالصَّوَاب مَا قَدمته لَك وَهُوَ قَول النَّحْوِيين وَمَا ذكره لَيْسَ من بَاب المطاوعة الحديث: 915 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 بل من بَاب الطّلب والإجابة وَإِنَّمَا حَقِيقَة المطاوعة أَن يدل أحد الْفِعْلَيْنِ على تَأْثِير وَيدل الآخر على قبُول فَاعله لذَلِك التَّأْثِير الثَّالِث عشر أَن يكون رباعيا مزيدا فِيهِ نَحْو تدحرج واحرنجم واقشعر وَاطْمَأَنَّ الرَّابِع عشر أَن يضمن معنى فعل قَاصِر نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَلَا تعد عَيْنَاك عَنْهُم} {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} {أذاعوا بِهِ} {وَأصْلح لي فِي ذريتي} {لَا يسمعُونَ إِلَى الملإ الْأَعْلَى} وَقَوْلهمْ سمع الله لمن حَمده وَقَوله 916 - ( ... يجرح فِي عراقيبها نصلي) فَإِنَّهَا ضمنت معنى وَلَا تنب وَيخرجُونَ وتحدثوا وَبَارك وَلَا يصغون واستجاب ويعث أَو يفْسد والستة الْبَاقِيَة أَن يدل على سجية كلؤم وَجبن وشجع أَو على عرض كفرح وبطر وأشر وحزن وكسل أَو على نظافة كطهر ووضؤ الحديث: 916 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 أَو دنس كنجس ورجس وأجنب أَو على لون كاحمر واخضر وأدم واحمار واسواد أَو حلية كدعج وكحل وشنب وَسمن وهزل تَنْبِيه فِي فصيح ثَعْلَب فِي بَاب المشدد فلَان يتعهد ضيعته قَالَ ابْن درسْتوَيْه وَلَا يجوز عِنْده يتَعَاهَد لِأَنَّهُ لَا يكون عِنْد أَصْحَابه إِلَّا من اثْنَيْنِ وَلَا يكون مُتَعَدِّيا وَيَردهُ قَوْله 917 - (تجاوزت أحراسا إِلَيْهَا ومعشرا ... ) وَأَجَازَ الْخَلِيل يتَعَاهَد وَهُوَ قَلِيل وَسَأَلَ الحكم بن قنبر أَبَا زيد عَنْهَا فَمنعهَا وَسَأَلَ يُونُس فأجازها فَجمع بَينهمَا وَكَانَ عِنْده سِتَّة من فصحاء الْعَرَب فسئلوا عَنْهَا فامتنعوا من يتَعَاهَد فَقَالَ يُونُس يَا أَبَا زيد كم من علم استفدناه كنت أَنْت سَببه وَنقل ابْن عُصْفُور عَن ابْن السَّيِّد أَنه قَالَ فِي قَول أبي ذُؤَيْب 918 - (بَينا تعانقه الكماة وروغه ... يَوْمًا أتيح لَهُ جريء سلفع) إِن من رَوَاهُ بجر التعانق مخطىء لِأَن تفَاعل لَا يتَعَدَّى ثمَّ رد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إِن كَانَ قبل دُخُول التَّاء مُتَعَدِّيا إِلَى اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يبْقى بعد دُخُولهَا مُتَعَدِّيا إِلَى وَاحِد نَحْو عاطيته الدَّرَاهِم وتعاطينا الدَّرَاهِم وَإِن كَانَ مُتَعَدِّيا إِلَى وَاحِد فَإِنَّهُ يصير قاصرا نَحْو تضارب زيد وَعَمْرو إِلَّا قَلِيلا نَحْو جَاوَزت زيدا وتجاوزته وعانقته وتعانقته اه الحديث: 917 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 وَإِنَّمَا ذكر ابْن السَّيِّد أَن تعانق لَا يتَعَدَّى وَلم يذكر أَن تفَاعل لَا يكون مُتَعَدِّيا وَأَيْضًا فَلم يخص الرَّد بِرِوَايَة الْجَرّ وَلَا معنى لذَلِك الْأُمُور الَّتِي يتَعَدَّى بهَا الْفِعْل الْقَاصِر وَهِي سَبْعَة أَحدهَا همزَة أفعل نَحْو {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ} {رَبنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} {وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتا ثمَّ يعيدكم فِيهَا ويخرجكم إخراجا} وَقد ينْقل الْمُتَعَدِّي إِلَى وَاحِد بِالْهَمْزَةِ إِلَى التَّعَدِّي إِلَى اثْنَيْنِ نَحْو ألبست زيدا ثوبا وأعطيته دِينَارا وَلم ينْقل مُتَعَدٍّ إِلَى اثْنَيْنِ بِالْهَمْزَةِ إِلَى التَّعَدِّي إِلَى ثَلَاثَة إِلَّا فِي رأى وَعلم وقاسه الْأَخْفَش فِي أخواتهما الثَّلَاثَة القلبية نَحْو ظن وَحسب وَزعم وَقيل النَّقْل بِالْهَمْزَةِ كُله سَمَاعي وَقيل قياسي فِي الْقَاصِر والمتعدي إِلَى وَاحِد وَالْحق أَنه قياسي فِي الْقَاصِر سَمَاعي فِي غَيره وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ الثَّانِي ألف المفاعلة تَقول فِي جلس زيد وَمَشى وَسَار جالست زيدا وماشيته وسايرته الثَّالِث صوغه على فعلت بِالْفَتْح أفعل بِالضَّمِّ لإِفَادَة الْغَلَبَة تَقول كرمت زيدا بِالْفَتْح أَي غلبته فِي الْكَرم الرَّابِع صوغه على استفعل للطلب أَو النِّسْبَة إِلَى الشَّيْء ك استخرجت المَال واستحسنت زيدا واستقبحت الظُّلم وَقد ينْقل ذُو الْمَفْعُول الْوَاحِد إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 اثْنَيْنِ نَحْو استكتبته الْكتاب واستغفرت الله الذَّنب وَإِنَّمَا جَازَ استغفرت الله من الذَّنب لتَضَمّنه معنى استتبت وَلَو اسْتعْمل على أَصله لم يجز فِيهِ ذَلِك وَهَذَا قَول ابْن الطراوة وَابْن عُصْفُور وَأما قَول أَكْثَرهم إِن اسْتغْفر من بَاب اخْتَار فمردود وَالْخَامِس تَضْعِيف الْعين تَقول فِي فَرح زيد فرحته وَمِنْه {قد أَفْلح من زكاها} {هُوَ الَّذِي يسيركم} وَزعم أَبُو عَليّ أَن التَّضْعِيف فِي هَذَا للْمُبَالَغَة لَا للتعدية لقَولهم سرت زيدا وَقَوله 919 - ( ... فَأول رَاض سنة من يسيرها) وَفِيه نظر لِأَن سرته قَلِيل وَسيرَته كثير بل قيل إِنَّه لَا يجوز سرته وَإنَّهُ فِي الْبَيْت على إِسْقَاط الْبَاء توسعا وَقد اجْتمعت التَّعْدِيَة بِالْهَمْزَةِ والتضعيف فِي قَوْله تَعَالَى {نزل عَلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل هدى للنَّاس وَأنزل الْفرْقَان} وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ أَن بَين التعديتين فرقا فَقَالَ لما نزل الْقُرْآن منجما والكتابان جملَة وَاحِدَة جِيءَ بِنزل فِي الأول وَأنزل فِي الثَّانِي وَإِنَّمَا قَالَ هُوَ فِي خطْبَة الْكَشَّاف الْحَمد لله الَّذِي أنزل الْقُرْآن كلَاما مؤلفا منظما ونزله بِحَسب الْمصَالح منجما لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْأولِ أنزلهُ من اللَّوْح الْمَحْفُوظ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا وَهُوَ الْإِنْزَال الْمَذْكُور فِي {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} وَفِي قَوْله الحديث: 919 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 تَعَالَى {شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن} وَأما قَول الْقفال إِن الْمَعْنى الَّذِي أنزل فِي وجوب صَوْمه أَو الَّذِي أنزل فِي شَأْنه فتكلف لَا دَاعِي إِلَيْهِ وَبِالثَّانِي تَنْزِيله من السَّمَاء الدُّنْيَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجوما فِي ثَلَاث وَعشْرين سنة وَيشكل على الزَّمَخْشَرِيّ قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة} فقرن نزل بجملة وَاحِدَة وَقَوله تَعَالَى {وَقد نزل عَلَيْكُم فِي الْكتاب أَن إِذا سَمِعْتُمْ آيَات الله يكفر بهَا} وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا} الْآيَة وَهِي آيَة وَاحِدَة وَالنَّقْل بالتضعيف سَمَاعي فِي الْقَاصِر كَمَا مثلنَا وَفِي الْمُتَعَدِّي لوَاحِد نَحْو عَلمته الْحساب وفهمته الْمَسْأَلَة وَلم يسمع فِي الْمُتَعَدِّي لاثْنَيْنِ وَزعم الحريري أَنه يجوز فِي علم المتعدية لاثْنَيْنِ أَن ينْقل بالتضعيف إِلَى ثَلَاثَة وَلَا يشْهد لَهُ سَماع وَلَا قِيَاس وَظَاهر قَول سِيبَوَيْهٍ أَنه سَمَاعي مُطلقًا وَقيل قياسي فِي الْقَاصِر والمتعدي إِلَى وَاحِد السَّادِس التَّضْمِين فَلذَلِك عدي رحب وطلع إِلَى مفعول لما تضمنا معنى وسع وَبلغ وَقَالُوا فرقت زيدا وسفه نَفسه لتضمنها معنى خَافَ وامتهن أَو أهلك وَيخْتَص التَّضْمِين عَن غَيره من المعديات بِأَنَّهُ قد ينْقل الْفِعْل إِلَى أَكثر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 دَرَجَة وَلذَلِك عدي ألوت بقصر الْهمزَة بِمَعْنى قصرت إِلَى مفعولين بعد مَا كَانَ قاصرا وَذَلِكَ فِي قَوْلهم لَا آلوك نصحا وَلَا آلوك جهدا لما ضمن معنى لَا أمنعك وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {لَا يألونكم خبالا} وعدي أخبر وَخبر وَحدث وأنبأ ونبأ إِلَى ثَلَاثَة لما ضمنت معنى أعلم وَأرى بعد مَا كَانَت متعدية إِلَى وَاحِد بِنَفسِهَا وَإِلَى آخر بالجار نَحْو {أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أنبأهم بِأَسْمَائِهِمْ} {نبئوني بِعلم} السَّابِع إِسْقَاط الْجَار توسعا نَحْو {وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا} أَي على سر أَي نِكَاح {أعجلتم أَمر ربكُم} أَي عَن أمره {واقعدوا لَهُم كل مرصد} أَي عَلَيْهِ وَقَول الزّجاج إِنَّه ظرف رده الْفَارِسِي بِأَنَّهُ مُخْتَصّ بِالْمَكَانِ الَّذِي يرصد فِيهِ فَلَيْسَ مُبْهما وَقَوله 920 - ( ... كَمَا عسل الطَّرِيق الثَّعْلَب) أَي فِي الطَّرِيق وَقَول ابْن الطراوة إِنَّه ظرف مَرْدُود أَيْضا بِأَنَّهُ غير مُبْهَم وَقَوله إِنَّه اسْم لكل مَا يقبل الاستطراق فَهُوَ مُبْهَم لصلاحيته لكل مَوضِع مُنَازع فِيهِ بل هُوَ اسْم لما هُوَ مستطرق وَلَا يحذف الْجَار قِيَاسا إِلَّا مَعَ أَن وَأَن وأهمل النحويون هُنَا ذكر كي مَعَ تجويزهم فِي نَحْو جِئْت كي تكرمني أَن تكون كي مَصْدَرِيَّة وَاللَّام مقدرَة الحديث: 920 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 681 وَالْمعْنَى لكَي تكرمني وأجازوا أَيْضا كَونهَا تعليلية وَأَن مضمرة بعْدهَا وَلَا يحذف مَعَ كي إِلَّا لَام الْعلَّة لِأَنَّهَا لَا يدْخل عَلَيْهَا جَار غَيرهَا بِخِلَاف أختيها قَالَ الله تَعَالَى {وَبشر الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أَن لَهُم جنَّات} {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} أَي بِأَن لَهُم وَبِأَنَّهُ (وترغبون أَن تنكحوهن) أَي فِي أَن أَو عَن على خلاف فِي ذَلِك بَين الْمُفَسّرين وَمِمَّا يحتملهما قَوْله 92 - (ويرغب أَن يَبْنِي الْمَعَالِي خَالِد ... ويرغب أَن يرضى صَنِيع الألائم) أنْشدهُ ابْن السَّيِّد فَإِن قدر فِي أَولا وَعَن ثَانِيًا فمدح وَإِن عكس فذم وَلَا يجوز أَن يقدر فيهمَا مَعًا فِي أَو عَن للتناقض وَمحل أَن وَأَن وصلتهما بعد حذف الْجَار نصب عِنْد الْخَلِيل وَأكْثر النَّحْوِيين حملا على الْغَالِب فِيمَا ظهر فِيهِ الْإِعْرَاب مِمَّا حذف مِنْهُ وَجوز سِيبَوَيْهٍ أَن يكون الْمحل جرا فَقَالَ بَعْدَمَا حكى قَول الْخَلِيل وَلَو قَالَ إِنْسَان إِنَّه جر لَكَانَ قولا قَوِيا وَله نَظَائِر نَحْو قَوْلهم لاه أَبوك وَأما نقل جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَالك أَن الْخَلِيل يرى أَن الْموضع جر وَأَن سِيبَوَيْهٍ يرى أَنه نصب فسهو وَمِمَّا يشْهد لمُدعِي الْجَرّ قَوْله تَعَالَى {وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا مَعَ الله أحدا} وَأَن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاعبدون أَصلهمَا لَا تدعوا مَعَ الله أحدا لِأَن الْمَسَاجِد لله وفاعبدون لِأَن هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 682 وَلَا يجوز تَقْدِيم مَنْصُوب الْفِعْل عَلَيْهِ إِذا كَانَ أَن وصلتها لَا تَقول أَنَّك فَاضل عرفت وَقَوله 92 - (وَمَا زرت ليلى أَن تكون حَبِيبَة ... إِلَيّ وَلَا دين بهَا أَنا طَالبه) رَوَوْهُ يخْفض دين عطفا على مَحل أَن تكون إِذْ أَصله لِأَن تكون وَقد يُجَاب بِأَنَّهُ عطف على توهم دُخُول اللَّام وَقد يعْتَرض بِأَن الْحمل على الْعَطف على الْمحل أظهر من الْحمل على الْعَطف على التَّوَهُّم وَيُجَاب بِأَن الْقَوَاعِد لَا تثبت بالمحتملات وَهنا معد ثامن ذكره الْكُوفِيُّونَ وَهُوَ تَحْويل حَرَكَة الْعين يُقَال كسي زيد بِوَزْن فَرح فَيكون قاصرا قَالَ 923 - (وَأَن يعرين إِن كسي الْجَوَارِي ... فتنبو الْعين عَن كرم عجاف) فَإِذا فتحت السِّين صَار بِمَعْنى ستر وغطى وتعدى إِلَى وَاحِد كَقَوْلِه 924 - (وأركب فِي الروع خيفانة ... كسا وَجههَا سعف منتشر) أَو بِمَعْنى أعْطى كسْوَة وَهُوَ الْغَالِب فيتعدى إِلَى اثْنَيْنِ نَحْو كسوت زيدا جُبَّة قَالُوا وَكَذَلِكَ شترت عينه بِكَسْر التَّاء قَاصِر بِمَعْنى انْقَلب جفنها وشتر الله عينه بِفَتْحِهَا مُتَعَدٍّ بِمَعْنى قَلبهَا وَهَذَا عندنَا من بَاب المطاوعة يُقَال شتره فشتر كَمَا يُقَال ثرمه فثرم وثلمه فثلم وَمِنْه كسوته الثَّوْب فكسيه وَمِنْه الْبَيْت وَلَكِن حذف فِيهِ الْمَفْعُول الحديث: 923 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 الْبَاب الْخَامِس من كتاب فِي ذكر الْجِهَات الَّتِي يدْخل الِاعْتِرَاض على المعرب من جِهَتهَا وَهِي عشرَة الْجِهَة الأولى أَن يُرَاعِي مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر الصِّنَاعَة وَلَا يُرَاعِي الْمَعْنى وَكَثِيرًا مَا تزل الاقدام بِسَبَب ذَلِك وَأول وَاجِب عَن المعرب أَن يفهم معنى مَا يعربه مُفردا أَو مركبا وَلِهَذَا لَا يجوز إِعْرَاب فواتح السُّور على القَوْل بِأَنَّهَا من الْمُتَشَابه الَّذِي اسْتَأْثر الله تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَلَقَد حُكيَ لي أَن بعض مَشَايِخ الإقراء أعرب لتلميذ لَهُ بَيت الْمفصل 925 - (لَا يبعد الله التلبب والغارات ... إِذْ قَالَ الْخَمِيس نعم) فَقَالَ نعم حرف جَوَاب ثمَّ طلبا مَحل الشَّاهِد فِي الْبَيْت فَلم يجداه فَظهر لي حِينَئِذٍ حسن لُغَة كنَانَة فِي نعم الجوابية وَهِي نعم بِكَسْر الْعين وانما نعم هُنَا وَاحِد الْأَنْعَام وَهُوَ خبر لمَحْذُوف أَي هَذِه نعم وَهُوَ مَحل الشَّاهِد وسألني أَبُو حَيَّان وَقد عرض اجتماعنا علام عطف بحقلد من قَول زُهَيْر الحديث: 925 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 926 - (تَقِيّ نقي لم يكثر غنيمَة ... بنهكة ذِي قربى وَلَا بحقلد) فَقلت حَتَّى أعرف مَا الحقلد فنظرناه فاذا هُوَ سيء الْخلق فَقلت هُوَ مَعْطُوف على شَيْء متوهم إِذْ الْمَعْنى لَيْسَ بمكثر غنيمَة فاستعظم ذَلِك وَقَالَ الشلوبين حُكيَ لي أَن نحويا من كبار طلبة الْجُزُولِيّ سُئِلَ عَن إِعْرَاب كَلَالَة من قَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة} فَقَالَ أخبروني مَا الْكَلَالَة فَقَالُوا لَهُ الْوَرَثَة إِذا لم يكن فيهم أَب فَمَا علا وَلَا ابْن فَمَا سفل فَقَالَ فَهِيَ إِذن تَمْيِيز وتوجيه قَوْله أَن يكون الأَصْل وَإِن كَانَ رجل يَرِثهُ كَلَالَة ثمَّ حذف الْفَاعِل وَبني الْفِعْل للْمَفْعُول فارتفع الضَّمِير واستتر ثمَّ جِيءَ بكلالة تمييزا وَقد أصَاب هَذَا النَّحْوِيّ فِي سُؤَاله وَأَخْطَأ فِي جَوَابه فَإِن التَّمْيِيز بالفاعل بعد حذفه نقض للغرض الَّذِي حذف لأَجله وتراجع عَمَّا بنيت الْجُمْلَة عَلَيْهِ من طي ذكر الْفَاعِل فِيهَا وَلِهَذَا لَا يُوجد فِي كَلَامهم مثل ضرب أَخُوك رجلا وَأما قِرَاءَة من قَرَأَ {يسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رجال} بِفَتْح الْبَاء فَالَّذِي سوغ فِيهَا أَن يذكر الْفَاعِل بَعْدَمَا حذف أَنه إِنَّمَا ذكر فِي جملَة أُخْرَى غير الَّتِي حذف فِيهَا وكإعراب هَذَا المعرب كَلَالَة تمييزا قَول بَعضهم فِي هَذَا الْبَيْت 927 - (يبسط للأضياف وَجها رحبا ... بسط ذِرَاعَيْهِ لعظم كَلْبا) إِن الأَصْل كَمَا بسط كلب ذِرَاعَيْهِ ثمَّ جِيءَ بِالْمَصْدَرِ وَأسْندَ للْمَفْعُول فَرفع ثمَّ أضيف إِلَيْهِ ثمَّ جِيءَ بالفاعل تمييزا الحديث: 926 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 وَالصَّوَاب فِي الْآيَة أَن كَلَالَة بِتَقْدِير مُضَاف أَي ذَا كَلَالَة وَهُوَ إِمَّا حَال من ضمير يُورث فَكَانَ نَاقِصَة وَيُورث خبر أَو تَامَّة فيورث صفة وَإِمَّا خبر فيورث صفة وَمن فسر الْكَلَالَة بِالْمَيتِ الَّذِي لم يتْرك ولدا وَلَا والدا فَهِيَ أَيْضا حَال أَو خبر وَلَكِن لَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير مُضَاف وَمن فَسرهَا بِالْقَرَابَةِ فَهِيَ مفعول لأَجله وَأما الْبَيْت فتخريجه على الْقلب وَأَصله كَمَا بسط ذراعاه كَلْبا ثمَّ جِيءَ بِالْمَصْدَرِ للْفَاعِل المقلوب عَن الْمَفْعُول وانتصب كَلْبا على الْمَفْعُول المقلوب عَن الْفَاعِل وَهَا أَنا مورد بعون الله أَمْثِلَة مَتى بني فِيهَا على ظَاهر اللَّفْظ وَلم ينظر فِي مُوجب الْمَعْنى حصل الْفساد وَبَعض هَذِه الْأَمْثِلَة وَقع للمعربين فِيهِ وهم بِهَذَا السَّبَب وسترى ذَلِك معينا فأحدها قَوْله تَعَالَى {أصلاتك تأمرك أَن نَتْرُك مَا يعبد آبَاؤُنَا أَو أَن نَفْعل فِي أَمْوَالنَا مَا نشَاء} فَإِنَّهُ يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن عطف أَن نَفْعل على أَن نَتْرُك وَذَلِكَ بَاطِل لِأَنَّهُ لم يَأْمُرهُم أَن يَفْعَلُوا فِي أَمْوَالهم مَا يشاؤون وَإِنَّمَا هُوَ عطف على مَا فَهُوَ مَعْمُول للترك وَالْمعْنَى أَن نَتْرُك أَن نَفْعل نعم من قَرَأَ تفعل وتشاء بِالتَّاءِ لَا بالنُّون فالعطف على أَن نَتْرُك وَمُوجب الْوَهم الْمَذْكُور أَن المعرب يرى أَن وَالْفِعْل مرَّتَيْنِ وَبَينهمَا حرف الْعَطف وَنَظِير هَذَا سَوَاء أَن يتَوَهَّم فِي قَوْله 918 - (لن مَا رَأَيْت أَبَا يزِيد مُقَاتِلًا ... أدع الْقِتَال وَأشْهد الهيجاء) أَن الْفِعْلَيْنِ متعاطفان حِين يرى فعلين مضارعين منصوبين وَقد بيّنت فِي فصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 لما أَن ذَلِك خطأ وَأَن أدع مَنْصُوب بلن وَأشْهد مَعْطُوف على الْقِتَال الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} فَإِن الْمُتَبَادر تعلق من بخفت وَهُوَ فَاسد فِي الْمَعْنى وَالصَّوَاب تعلقه بِالْمَوَالِي لما فِيهِ من معنى الْولَايَة أَي خفت ولايتهم من بعدِي وَسُوء خلافتهم أَو بِمَحْذُوف هُوَ حَال من الموَالِي أَو مُضَاف إِلَيْهِم أَي كائنين من ورائي أَو فعل الموَالِي من ورائي وَأما من قَرَأَ خفت بِفَتْح الْخَاء وَتَشْديد الْفَاء وَكسر التَّاء فَمن مُتَعَلقَة بِالْفِعْلِ الْمَذْكُور الثَّالِث قَوْله تَعَالَى {وَلَا تسأموا أَن تكتبوه صَغِيرا أَو كَبِيرا إِلَى أَجله} فَإِن الْمُتَبَادر تعلق إِلَى بتكتبوه وَهُوَ فَاسد لاقْتِضَائه اسْتِمْرَار الْكِتَابَة إِلَى أجل الدّين وَإِنَّمَا هُوَ حَال أَي مُسْتَقرًّا فِي الذِّمَّة إِلَى أَجله وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {فأماته الله مائَة عَام} فَإِن الْمُتَبَادر انتصاب مئة بأماته وَذَلِكَ مُمْتَنع مَعَ بَقَائِهِ على مَعْنَاهُ الوضعي لِأَن الإماتة سلب الْحَيَاة وَهِي لَا تمتد وَالصَّوَاب أَن يضمن أَمَاتَهُ ألبثه فَكَأَنَّهُ قيل فألبثه الله بِالْمَوْتِ مئة عَام وحينئد يتَعَلَّق بِهِ الظّرْف بِمَا فِيهِ من الْمَعْنى الْعَارِض لَهُ بالتضمين أَي معنى اللّّبْث لَا معنى الإلباث لِأَنَّهُ كالإماته فِي عدم الامتداد فَلَو صَحَّ ذَلِك لعلقناه بِمَا فِيهِ من مَعْنَاهُ الوضعي وَيصير هَذَا التَّعَلُّق بِمَنْزِلَتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {قَالَ لَبِثت يَوْمًا أَو بعض يَوْم قَالَ بل لَبِثت مائَة عَام} وَفَائِدَة التَّضْمِين أَن يدل بِكَلِمَة وَاحِدَة على معنى كَلِمَتَيْنِ يدلك على ذَلِك أَسمَاء الشَّرْط والاستفهام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 وَنَظِيره أَيْضا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة حَتَّى يكون أَبَوَاهُ هما اللَّذَان يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ لَا يجوز أَن يعلق حَتَّى ب يُولد لِأَن الْولادَة لَا تستمر إِلَى هَذِه الْغَايَة بل الَّذِي يسْتَمر إِلَيْهَا كَونه على الْفطْرَة فَالصَّوَاب تَعْلِيقهَا بِمَا تعلّقت بِهِ على وَأَن على مُتَعَلقَة بكائن مَحْذُوف مَنْصُوب على الْحَال من الضَّمِير فِي يُولد ويولد خبر كل الرَّابِع قَول الشَّاعِر 929 - (تركت بِنَا لوحا وَلَو شِئْت جادنا ... بعيد الْكرَى ثلج بكرمان نَاصح) فَإِن الْمُتَبَادر تَعْلِيق بعيد الْكرَى بجاد وَالصَّوَاب تَعْلِيقه بِمَا فِي ثلج من معنى بَارِد إِذْ المُرَاد وصفهَا بِأَن رِيقهَا يُوجد عقب الْكرَى بَارِدًا فَمَا الظَّن بِهِ فِي غير ذَلِك الْوَقْت لَا أَنه يتَمَنَّى أَن تجود لَهُ بِهِ بعيد الْكرَى دون مَا عداهُ من الْأَوْقَات واللوح بِفَتْح اللَّام الْعَطش الْخَامِس قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي} فَإِن الْمُتَبَادر تعلق مَعَ ببلغ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَي فَلَمَّا بلغ أَن يسْعَى مَعَ أَبِيه فِي أشغاله وحوائجه قَالَ وَلَا يتَعَلَّق مَعَ ببلغ لاقْتِضَائه أَنَّهُمَا بلغا مَعًا حد السَّعْي وَلَا بالسعي لِأَن صلَة الْمصدر لَا تتقدم عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف على أَن يكون بَيَانا كَأَنَّهُ قيل فَلَمَّا بلغ الْحَد الَّذِي يقدر فِيهِ على السَّعْي فَقيل مَعَ من فَقيل مَعَ أعطف النَّاس عَلَيْهِ وَهُوَ أَبوهُ أَي إِنَّه لم يستحكم قوته بِحَيْثُ يسْعَى مَعَ غير مُشفق الحديث: 929 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 السَّادِس قَوْله تَعَالَى {الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} فَإِن الْمُتَبَادر أَن حَيْثُ ظرف مَكَان لِأَنَّهُ الْمَعْرُوف فِي اسْتِعْمَالهَا وَيَردهُ أَن المُرَاد أَنه تَعَالَى يعلم الْمَكَان الْمُسْتَحق للرسالة لَا أَن علمه فِي الْمَكَان فَهُوَ مفعول بِهِ لَا مفعول فِيهِ وَحِينَئِذٍ لَا ينْتَصب بِأَعْلَم إِلَّا على قَول بَعضهم بِشَرْط تَأْوِيله بعالم وَالصَّوَاب انتصابه بيعلم محذوفا دلّ عَلَيْهِ أعلم السَّابِع قَوْله تَعَالَى {فَخذ أَرْبَعَة من الطير فصرهن إِلَيْك} فَإِن الْمُتَبَادر تعلق إِلَى بصرهن وَهَذَا لَا يَصح إِذا فسرصوهن بقطعهن وَإِنَّمَا تعلقه بخذ وَأما إِن فسر بأملهن فالتعلق بِهِ وعَلى الوجين يجب تَقْدِير مُضَاف أَي إِلَى نَفسك لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى فعل الْمُضمر الْمُتَّصِل إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل إِلَّا فِي بَاب ظن نَحْو {أَن رَآهُ اسْتغنى} {فَلَا تحسبنهم بمفازة} فِيمَن ضم الْبَاء وَيجب تَقْدِير هَذَا الْمُضَاف فِي نَحْو {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة} {واضمم إِلَيْك جناحك من الرهب} {أمسك عَلَيْك زَوجك} وَقَوله 930 - (هون عَلَيْك فَإِن الْأُمُور ... بكف الْإِلَه مقاديرها) وَقَوله 93 - (ودع عَنْك نهبا صِيحَ فِي حجراته ... ) الحديث: 930 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 قَوْله حجراته بِفتْحَتَيْنِ أَي نواحيه وَقَول ابْن عُصْفُور إِن عَن وعَلى فِي ذَلِك اسمان كَمَا فِي قَوْله 93 - (غَدَتْ من عَلَيْهِ بعد ماتم ظمؤها ... ) وَقَوله 933 - (فَلَقَد أَرَانِي للرماح دريئة ... من عَن يَمِيني مرّة وأمامي) دفعا للمحذور الْمَذْكُور وهم لِأَن معنى على الاسمية فَوق وَمعنى عَن الاسمية جَانب وَلَا يتأتيان هُنَا وَلِأَن ذَلِك لَا يَتَأَتَّى مَعَ إِلَى لِأَنَّهَا لَا تكون اسْما الثَّامِن قَوْله تَعَالَى {يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف} فَإِن الْمُتَبَادر تعلق من ب أَغْنِيَاء لمجاورته لَهُ ويفسده أَنهم مَتى ظنهم ظان قد استغنوا من تعففهم علم أَنهم فُقَرَاء من المَال فَلَا يكون جَاهِلا بحالهم وَإِنَّمَا هِيَ مُتَعَلقَة بيحسب وَهِي للتَّعْلِيل التَّاسِع قَوْله تَعَالَى {ألم تَرَ إِلَى الملإ من بني إِسْرَائِيل من بعد مُوسَى إِذْ قَالُوا} فَإِن الْمُتَبَادر تعلق إِذْ بِفعل الرُّؤْيَة ويفسده أَنه لم ينْتَه علمه أَو نظره إِلَيْهِم فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِنَّمَا الْعَامِل مُضَاف مَحْذُوف أَي ألم تَرَ إِلَى قصتهم أَو خبرهم إِذْ التَّعَجُّب إِنَّمَا هُوَ من ذَلِك لَا من ذواتهم الْعَاشِر قَوْله تَعَالَى {فَمن شرب مِنْهُ فَلَيْسَ مني وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ مني إِلَّا من اغترف غرفَة} فَإِن الْمُتَبَادر تعلق الِاسْتِثْنَاء بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَة وَذَلِكَ فَاسد لاقْتِضَائه الحديث: 933 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 أَن من اغترف غرفَة بِيَدِهِ لَيْسَ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِك بل ذَلِك مُبَاح لَهُم وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَثْنى من الأولى وَوهم أَبُو الْبَقَاء تجويزه كَونه مُسْتَثْنى من الثَّانِيَة وَإِنَّمَا سهل الْفَصْل بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَة لِأَنَّهَا مفهومة من الأولى المفصولة لِأَنَّهُ إِذا ذكر أَن الشَّارِب لَيْسَ مِنْهُ اقْتضى مَفْهُومه أَن {وَمن لم يطعمهُ} مِنْهُ فَكَانَ الْفَصْل بِهِ كلا فصل الْحَادِي عشر قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} فَإِن الْمُتَبَادر تعلق إِلَى باغسلوا وَقد رده بَعضهم بِأَن مَا قبل الْغَايَة لَا بُد أَن يتَكَرَّر قبل الْوُصُول إِلَيْهَا تَقول ضَربته إِلَى أَن مَاتَ وَيمْتَنع قتلته إِلَى أَن مَاتَ وَغسل الْيَد لَا يتَكَرَّر قبل الْوُصُول إِلَى الْمرْفق لِأَن الْيَد شَامِلَة لرؤوس الأنامل والمناكب وَمَا بَينهمَا قَالَ فَالصَّوَاب تعلق إِلَى بأسقطوا محذوفا وَيُسْتَفَاد من ذَلِك دُخُول الْمرَافِق فِي الْغسْل لِأَن الْإِسْقَاط قَامَ الْإِجْمَاع على أَنه لَيْسَ من الأنامل بل من المناكب وَقد انْتهى إِلَى الْمرَافِق وَالْغَالِب أَن مَا بعد إِلَى يكون غير دَاخل بِخِلَاف حَتَّى وَإِذا لم يدْخل فِي الْإِسْقَاط بَقِي دَاخِلا فِي الْمَأْمُور بِغسْلِهِ وَقَالَ بَعضهم الْأَيْدِي فِي عرف الشَّرْع اسْم للأكف فَقَط بِدَلِيل آيَة السّرقَة وَقد صَحَّ الْخَبَر باقتصاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّيَمُّم على مسح الْكَفَّيْنِ فَكَانَ ذَلِك تَفْسِيرا للمراد بِالْأَيْدِي فِي آيَة التَّيَمُّم قَالَ وعَلى هَذَا ف إِلَى غَايَة للْغسْل لَا للإسقاط قلت وَهَذَا وَإِن سلم فَلَا بُد من تَقْدِير مَحْذُوف أَيْضا أَي ومدوا الْغسْل إِلَى الْمرَافِق إِذْ لَا يكون غسل مَا وَرَاء الْكَفّ غَايَة لغسل الْكَفّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 691 الثَّانِي عشر قَول ابْن دُرَيْد 934 - (إِن امْرأ الْقَيْس جرى إِلَى مدى ... فاعتاقه حمامه دون المدى) فَإِن الْمُتَبَادر تعلق إِلَى بجرى وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ الجري قد انْتهى إِلَى ذَلِك المدى وَذَلِكَ مُنَاقض لقَوْله (فاعتاقه حمامه دون المدى) وَإِنَّمَا إِلَى مدى مُتَعَلق بِكَوْن خَاص مَنْصُوب على الْحَال أَي طَالبا إِلَى مدى وَنَظِيره قَوْله أَيْضا يصف الْحَاج 935 - (يَنْوِي الَّتِي فَضلهَا رب الْعلَا ... لما دحا تربَتهَا على البنى) فَإِن قَوْله على البنى مُتَعَلق بأبعد الْفِعْلَيْنِ وَهُوَ فضل لَا بأقر بهما وَهُوَ دحا بِمَعْنى بسط لفساد الْمَعْنى الثَّالِث عشر مَا حَكَاهُ بَعضهم مَعَ أَنه سمع شَيخا يعرب لتلميذه قيمًا من قَوْله تَعَالَى {وَلم يَجْعَل لَهُ عوجا قيمًا} صفة لعوجا قَالَ فَقلت لَهُ يَا هَذَا كَيفَ يكون العوج قيمًا وترحمت على من وقف من الْقُرَّاء على ألف التَّنْوِين فِي عوجا وَقْفَة لَطِيفَة دفعا لهَذَا التَّوَهُّم وَإِنَّمَا قيمًا حَال إِمَّا من اسْم مَحْذُوف هُوَ وعامله أَي أنزلهُ قيمًا وَإِمَّا من الْكتاب وَجُمْلَة النَّفْي معطوفة على الأول ومعترضة على الثَّانِي قَالُوا وَلَا تكون معطوفة لِئَلَّا يلْزم الْعَطف على الصِّلَة قبل كمالها وَإِمَّا من الضَّمِير الْمَجْرُور بِاللَّامِ إِذا أُعِيد إِلَى الْكتاب لَا إِلَى مجرور على أَو جملَة النَّفْي الحديث: 934 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 692 وقيما حالان من الْكتاب على أَن الْحَال يَتَعَدَّد وَقِيَاس قَول الْفَارِسِي فِي الْخَبَر إِنَّه لَا يَتَعَدَّد مُخْتَلفا بِالْإِفْرَادِ وَالْجُمْلَة أَن يكون الْحَال كَذَلِك لَا يُقَال قد صَحَّ ذَلِك فِي النَّعْت نَحْو {وَهَذَا ذكر مبارك أَنزَلْنَاهُ} بل قد ثَبت فِي الْحَال فِي نَحْو {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} ثمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ {وَلَا جنبا} لِأَن الْحَال بالْخبر أشبه وَمن ثمَّ اخْتلف فِي تعددهما وَاتفقَ على تعدد النَّعْت وَأما جنبا فعطف على الْحَال لَا حَال وَقيل المنفية حَال وقيما بدل مِنْهَا عكس عرفت زيدا أَبُو من هُوَ الرَّابِع عشر قَول بَعضهم فِي {أحوى} إِنَّه صفة لغثاء وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح على الْإِطْلَاق بل إِذا فسر الأحوى بالأسود من الْجَفَاف واليبس وَأما إِذا فسر بالأسود من شدَّة الخضرة لِكَثْرَة الرّيّ كَمَا فسر {مدهامتان} فَجعله صفة لغثاء كجعل قيمًا صفة لعوجا وَإِنَّمَا الْوَاجِب أَن تكون حَالا من المرعى وَأخر لتناسب الفواصل الْخَامِس عشر قَول بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {فأخرجنا بِهِ نَبَات كل شَيْء فأخرجنا مِنْهُ خضرًا نخرج مِنْهُ حبا متراكبا وَمن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب} فِيمَن رفع جنَّات إِنَّه عطف على قنوان وَهَذَا يَقْتَضِي أَن جنَّات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 الأعناب تخرج من طلع النّخل وَإِنَّمَا هُوَ مُبْتَدأ بِتَقْدِير وَهُنَاكَ جنَّات أَو وَلَهُم جنَّات وَنَظِيره قِرَاءَة من قَرَأَ {وحور عين} بِالرَّفْع بعد قَوْله تَعَالَى {يُطَاف عَلَيْهِم بكأس من معِين} أَي وَلَهُم حور وَأما قِرَاءَة السَّبْعَة {وجنات} بِالنّصب فبالعطف على {نَبَات كل شَيْء} وَهُوَ من بَاب {وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال} السَّادِس عشر قَول ابْن السَّيِّد فِي قَوْله تَعَالَى {من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} إِن من فَاعل بِالْمَصْدَرِ وَيَردهُ أَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ وَللَّه على النَّاس أَن يحجّ المستطيع فَيلْزم تأثيم جَمِيع النَّاس إِذا تخلف مستطيع على الْحَج وَفِيه مَعَ فَسَاد الْمَعْنى ضعف من جِهَة الصِّنَاعَة لِأَن الْإِتْيَان بالفاعل بعد إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول شَاذ حَتَّى قيل إِنَّه ضَرُورَة كَقَوْلِه 936 - (أفنى تلادي وَمَا جمعت من نشب ... قرع القواقيز أَفْوَاه الأباريق) فِيمَن رَوَاهُ بِرَفْع أَفْوَاه وَالْحق جَوَاز ذَلِك فِي النثر إِلَّا أَنه قَلِيل وَدَلِيل الْجَوَاز هَذَا الْبَيْت فَإِنَّهُ رُوِيَ بِالرَّفْع مَعَ التَّمَكُّن من النصب وَهِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَذَلِكَ على أَن القواقيز الْفَاعِل والأفواه مفعول وَصَحَّ الْوَجْهَانِ لِأَن كلا مِنْهُمَا قرع ومقروع وَمن مَجِيئه فِي النثر الحَدِيث وَحج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا الحديث: 936 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِك الْإِشْكَال لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذكر الْوُجُوب على النَّاس وَالْمَشْهُور فِي من فِي الْآيَة أَنَّهَا بدل من النَّاس بدل بعض وَجوز الْكسَائي كَونهَا مُبْتَدأ فَإِن كَانَت مَوْصُولَة فخبرها مَحْذُوف أَو شَرْطِيَّة فالمحذوف جوابها وَالتَّقْدِير عَلَيْهِمَا من اسْتَطَاعَ فليحج وعليهن فالعموم مُخَصص إِمَّا بِالْبَدَلِ أَو بِالْجُمْلَةِ السَّابِع عشر قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا ويلتى أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب فأواري سوأة أخي} إِن انتصاب أواري فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام وَوجه فَسَاده أَن جَوَاب الشَّيْء مسبب عَنهُ والمواراة لَا تتسبب عَن الْعَجز وَإِنَّمَا انتصابه بالْعَطْف على أكون وَمن هُنَا امْتنع نصب تصبح فِي قَوْله تَعَالَى {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} لِأَن إصباح الأَرْض مخضرة لَا يتسبب عَن رُؤْيَة إِنْزَال الْمَطَر بل عَن الْإِنْزَال نَفسه وَقيل إِنَّمَا لم ينصب لِأَن ألم تَرَ فِي معنى قد رَأَيْت أَي إِنَّه اسْتِفْهَام تقريري مثل {ألم نشرح} وَقيل النصب جَائِز كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فَتكون لَهُم قُلُوب} وَلَكِن قصد هُنَا إِلَى الْعَطف على أنزل على تَأْوِيل تصبح بأصبحت وَالصَّوَاب القَوْل الأول وَلَيْسَ ألم تَرَ مثل أفلم يَسِيرُوا لما بَيناهُ الثَّامِن عشر قَول بَعضهم فِي {فلولا نَصرهم الَّذين اتَّخذُوا من دون الله قربانا آلِهَة} إِن الأَصْل اتخذوهم قربانا وَإِن الضَّمِير وقربانا مفعولان وآلهة بدل من قربانا وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ إِن ذَلِك فَاسد فِي الْمَعْنى وَإِن الصَّوَاب أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 آلِهَة هُوَ الْمَفْعُول الثَّانِي وَأَن قربانا حَال وَلم يبين وَجه فَسَاد الْمَعْنى وَوَجهه أَنهم إِذا ذموا على اتخاذهم قربانا من دون الله اقْتضى مَفْهُومه الْحَث على أَن يتخذوا الله سُبْحَانَهُ قربانا كَمَا أَنَّك إِذا قلت أتتخذ فلَانا معلما دوني كنت آمرا لَهُ أَن يتخذك معلما لَهُ دونه وَالله تَعَالَى يتَقرَّب إِلَيْهِ بِغَيْرِهِ وَلَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى غَيره سُبْحَانَهُ التَّاسِع عشر قَول الْمبرد فِي قَوْله تَعَالَى {أَو جاؤوكم حصرت صُدُورهمْ} إِن جملَة {حصرت صُدُورهمْ} جملَة دعائية ورده الْفَارِسِي بِأَنَّهُ لَا يدعى عَلَيْهِم بِأَن تحصر صُدُورهمْ عَن قتال قَومهمْ وَلَك أَن تجيب بِأَن المُرَاد الدُّعَاء عَلَيْهِم بِأَن يسلبوا أَهْلِيَّة الْقِتَال حَتَّى لَا يستطيعوا أَن يقاتلوا أحدا الْبَتَّةَ المتمم الْعشْرين قَول أبي الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين} فِيمَن نون مئة إِنَّه يجوز كَون سِنِين مَنْصُوبًا بَدَلا من ثَلَاث أَو مجرورا بَدَلا من مئة وَالثَّانِي مَرْدُود فَإِنَّهُ إِذا أقيم مقَام مئة فسد الْمَعْنى الْحَادِي وَالْعشْرُونَ قَول الْمبرد فِي {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} إِن اسْم الله تَعَالَى بدل من آلِهَة وَيَردهُ أَن الْبَدَل فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء مُسْتَثْنى مُوجب لَهُ الحكم أما الأول فَلِأَن الِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج وَمَا قَامَ أحد إِلَّا زيد مُفِيد لإِخْرَاج زيد وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ كلما صدق مَا قَامَ أحد إِلَّا زيد صدق قَامَ زيد وَاسم الله تَعَالَى هُنَا لَيْسَ بمستثنى وَلَا مُوجب لَهُ الحكم أما الأول فَلِأَن الْجمع الْمُنكر لَا عُمُوم لَهُ فيستثنى مِنْهُ وَلِأَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة مُسْتَثْنى مِنْهُم الله لفسدتا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنه لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة فيهم الله لم تفسدا وَإِنَّمَا المُرَاد أَن الْفساد يَتَرَتَّب على تَقْدِير التَّعَدُّد مُطلقًا وَأما أَنه لَيْسَ بِمُوجب لَهُ الحكم فَلِأَنَّهُ لَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 قيل لَو كَانَ فيهمَا الله لفسدتا لم يستقم وَهَذَا الْبَحْث يَأْتِي فِي مِثَال سِيبَوَيْهٍ لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد لغلبنا لِأَن رجلا لَيْسَ بعام فيستثنى مِنْهُ وَلِأَنَّهُ لَو قيل لَو كَانَ مَعنا جمَاعَة مُسْتَثْنى مِنْهُم زيد لغلبنا اقْتضى أَنه لَو كَانَ مَعَهم جمَاعَة فيهم زيد لم يغلبوا وَهَذَا وَإِن كَانَ معنى صَحِيحا إِلَّا أَن المُرَاد إِنَّمَا هُوَ أَن زيدا وَحده كَاف فَإِن قيل لَا نسلم أَن الْجمع فِي الْآيَة والمفرد فِي الْمِثَال غير عَاميْنِ لِأَنَّهُمَا واقعان فِي سِيَاق لَو وَهِي للامتناع والامتناع انْتِفَاء قلت لَو صَحَّ ذَلِك لصَحَّ أَن يُقَال لَو كَانَ فيهمَا من أحد وَلَو جَاءَنِي ديار وَلَو جَاءَنِي فَأكْرمه بِالنّصب لَكَانَ كَذَا وَكَذَا وَاللَّازِم مُمْتَنع الثَّانِي وَالْعشْرُونَ قَول أبي الْحسن الْأَخْفَش فِي كَلمته فَاه إِلَى فِي إِن انتصاب فَاه على إِسْقَاط الْخَافِض أَي من فِيهِ ورده الْمبرد فَقَالَ إِنَّمَا يتَكَلَّم الْإِنْسَان من فِي نَفسه لَا من فِي غَيره وَقد يكون أَبُو الْحسن إِنَّمَا قَالَ ذَلِك فِي كلمني فَاه إِلَى فِي أَو قَالَه فِي ذَلِك وَحمله على الْقلب لفهم الْمَعْنى فَلَا يرد عَلَيْهِ سُؤال أبي الْعَبَّاس فلنعدل إِلَى مِثَال غير هَذَا حُكيَ عَن اليزيدي أَنه قَالَ فِي قَول العرجي 937 - (أظلوم إِن مصابكم رجلا ... رد السَّلَام تَحِيَّة ظلم) إِن الصَّوَاب رجل بِالرَّفْع خَبرا لإن وعَلى هَذَا الْإِعْرَاب يفْسد الْمَعْنى المُرَاد فِي الْبَيْت وَلَا يتَحَصَّل لَهُ معنى الْبَتَّةَ وَله حِكَايَة مَشْهُورَة بَين أهل الْأَدَب الحديث: 937 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 رووا عَن أبي عُثْمَان الْمَازِني أَن بعض أهل الذِّمَّة بذل لَهُ مئة دِينَار على أَن يقرئه كتاب سِيبَوَيْهٍ فَامْتنعَ من ذَلِك مَعَ مَا كَانَ بِهِ من شدَّة احْتِيَاج فلامه تِلْمِيذه الْمبرد فَأَجَابَهُ بِأَن الْكتاب مُشْتَمل على ثلاثمئة وَكَذَا كَذَا آيَة من كتاب الله تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي تَمْكِين ذمِّي من قرَاءَتهَا ثمَّ قدر أَن غنت جَارِيَة بِحَضْرَة الواثق بِهَذَا الْبَيْت فَاخْتلف الْحَاضِرُونَ فِي نصب رجل وَرَفعه وأصرت الْجَارِيَة على النصب وَزَعَمت أَنَّهَا قرأته على أبي عُثْمَان كَذَلِك فَأمر الواثق بإشخاصه من الْبَصْرَة فَلَمَّا حضر أوجب النصب وَشَرحه بِأَن مصابكم بِمَعْنى إصابتكم ورجلا مَفْعُوله وظلم الْخَبَر وَلِهَذَا لَا يتم الْمَعْنى بِدُونِهِ قَالَ فَأخذ اليزيدي فِي معارضتي فَقلت لَهُ وَهُوَ كَقَوْلِك إِن ضربك زيدا ظلم فَاسْتَحْسَنَهُ الواثق ثمَّ أَمر لَهُ بِأَلف دِينَار ورده مكرما فَقَالَ للمبرد تركنَا لله مئة دِينَار فعوضنا ألفا الْجِهَة الثَّانِيَة أَن يُرَاعِي المعرب معنى صَحِيحا وَلَا ينظر فِي صِحَّته فِي الصِّنَاعَة وَهَا أَنا مورد لَك أَمْثِلَة من ذَلِك أَحدهَا قَول بَعضهم فِي {وَثَمُود فَمَا أبقى} إِن ثمودا مفعول مقدم وَهَذَا مُمْتَنع لِأَن ل مَا النافية الصَّدْر فَلَا يعْمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا وَإِنَّمَا هُوَ مَعْطُوف على عادا أَو هُوَ بِتَقْدِير وَأهْلك ثمودا وَإِنَّمَا جَاءَ 938 - ( ... وَنحن عَن فضلك مَا استغنينا) لِأَنَّهُ شعر مَعَ أَن الْمَعْمُول ظرف وَأما قِرَاءَة عَمْرو بن فائد {من شَرّ مَا خلق} الحديث: 938 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 بتنوين شَرّ ف مَا بدل من شَرّ بِتَقْدِير مُضَاف أَي من شَرّ شَرّ مَا خلق وَحذف الثَّانِي لدلَالَة الأول الثَّانِي قَول بَعضهم فِي إِذْ من قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم إِذْ تدعون إِلَى الْإِيمَان فتكفرون} إِنَّهَا ظرف للمقت الأول أَو الثَّانِي وَكِلَاهُمَا مَمْنُوع أما امْتنَاع تَعْلِيقه بِالثَّانِي فلفساد الْمَعْنى لأَنهم لم يمقتوا أنفسهم ذَلِك الْوَقْت وَإِنَّمَا يمقتونها فِي الْآخِرَة وَنَظِيره قَول من زعم فِي {يَوْم تَجِد} إِنَّه ظرف ليحذركم حَكَاهُ مكي قَالَ وَفِيه نظر وَالصَّوَاب الْجَزْم بِأَنَّهُ خطأ لِأَن التحذير فِي الدُّنْيَا لَا فِي الْآخِرَة وَلَا يكون مَفْعُولا بِهِ ل {يحذركم} كَمَا فِي {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الآزفة} لِأَن يحذر قد استوفى مفعوليه وَإِنَّمَا هُوَ نصب بِمَحْذُوف تَقْدِيره اذْكروا أَو احْذَرُوا وَأما امْتنَاع تَعْلِيقه بِالْأولِ وَهُوَ رَأْي جمَاعَة مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ فلاستلزامه الْفَصْل بن الْمصدر ومعموله بالأجنبي وَلِهَذَا قَالُوا فِي قَوْله 939 - (وَهن وقُوف ينتظرن قَضَاءَهُ ... بضاحي غَدَاة أمره وَهُوَ ضامز) إِن الْبَاء مُتَعَلقَة بِقَضَائِهِ لَا بوقوف وَلَا بينتظرن لِئَلَّا يفصل بَين قَضَاءَهُ وَأمره بالأجنبي وَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير ابْن الشجري وَغَيره أمره مَعْمُولا لقضى محذوفا لوُجُود مَا يعْمل وَنَظِير مَا لزم الزَّمَخْشَرِيّ هُنَا مَا لزمَه إِذْ علق {يَوْم تبلى السرائر} الحديث: 939 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 بالرجع من قَوْله تَعَالَى {إِنَّه على رجعه لقادر} وَإِذ علق أَيَّامًا بالصيام من قَوْله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون أَيَّامًا معدودات} فَإِن فِي الأولى الْفَصْل بِخَبَر إِن وَهُوَ لقادر وَفِي الثَّانِي الْفَصْل بمعمول كتب وَهُوَ كَمَا كتب فَإِن قيل لَعَلَّه يقدر كَمَا كتب صفة للصيام فَلَا يكون مُتَعَلقا بكتب قُلْنَا يلْزم مَحْذُور آخر وَهُوَ إتباع الْمصدر قبل أَن يكمل معموله وَنَظِير اللَّازِم لَهُ على هَذَا التَّقْدِير مَا لزمَه إِذْ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَصد عَن سَبِيل الله وَكفر بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام} إِن الْمَسْجِد عطف على سَبِيل الله وَإنَّهُ حِينَئِذٍ من جملَة مَعْمُول الْمصدر وَقد عطف كفر على الْمصدر قبل مَجِيئه وَالصَّوَاب أَن الظروف الثَّلَاثَة مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف أَي مقتكم إِذْ تدعون وصوموا أَيَّامًا ويرجعه يَوْم تبلى السرائر وَلَا ينْتَصب يَوْم بِقَادِر لِأَن قدرته تَعَالَى لَا تتقيد بذلك الْيَوْم وَلَا بِغَيْرِهِ وَنَظِيره فِي التَّعَلُّق بِمَحْذُوف {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين} أَلا ترى أَن الْيَوْم لَو علق ببشرى لم يَصح من وَجْهَيْن أَنه مصدر وَأَنه اسْم للا وَأما {أَلا يَوْم يَأْتِيهم لَيْسَ مصروفا عَنْهُم} فعلى الْخلاف فِي جَوَاز تقدم مَنْصُوب لَيْسَ عَلَيْهَا وَالصَّوَاب أَن خفض الْمَسْجِد بباء محذوفة لدلَالَة مَا قبلهَا عَلَيْهَا لَا بالْعَطْف ومجموع الْجَار وَالْمَجْرُور عطف على بِهِ وَلَا يكون خفض الْمَسْجِد بالْعَطْف على الْهَاء لِأَنَّهُ لَا يعْطف على الضَّمِير المخفوض إِلَّا بِإِعَادَة الْخَافِض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 وَمن أَمْثِلَة ذَلِك قَول المتنبي 940 - (وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه ... بِأَن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه) وَقد سَأَلَ أَبُو الْفَتْح المتنبي عَنهُ فأعرب وفاؤكما كالربع مُبْتَدأ وَخَبره وعلق الْبَاء بوفاؤكما فَقَالَ لَهُ كَيفَ تخبر عَن اسْم لم يتم فأنشده قَول الشَّاعِر 94 - (لسنا كمن جعلت إياد دارها ... تكريت تمنع حبها أَن يحصدا) أَي إِن إياد بدل من من قبل مَجِيء مَعْمُول جعلت وَهُوَ دارها وَالصَّوَاب تَعْلِيق دارها وَبِأَن تسعدا بِمَحْذُوف أَي جعلت ووفيتما وَمعنى الْبَيْت وفاؤكما يَا صَاحِبي بِمَا وعدتماني بِهِ من الإسعاد بالبكاء عِنْد ربع الْأَحِبَّة إِنَّمَا يسليني إِذا كَانَ بدمع ساجم أَي هامل كَمَا أَن الرّبع إِنَّمَا يكون أبْعث على الْحزن إِذا كَانَ دارسا الثَّالِث تَعْلِيق جمَاعَة الظروف من قَوْله تَعَالَى {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله} {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} وَمن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت باسم لَا وَذَلِكَ بَاطِل عِنْد الْبَصرِيين لِأَن اسْم لَا حِينَئِذٍ مطول فَيجب نَصبه وتنوينه وَإِنَّمَا التَّعْلِيق فِي ذَلِك بِمَحْذُوف إِلَّا عِنْد البغداديين وَقد مضى الحديث: 940 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 الرَّابِع وَهُوَ عكس ذَلِك تَعْلِيق بَعضهم الظّرْف من قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم} بِمَحْذُوف أَي كَائِن عَلَيْكُم وَذَلِكَ مُمْتَنع عِنْد الْجُمْهُور وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلق بالمذكور وَهُوَ الْفضل لِأَن خبر الْمُبْتَدَأ بعد لَوْلَا وَاجِب الْحَذف وَلِهَذَا لحن المعري فِي قَوْله 94 - ( ... فلولا الغمد يمسِكهُ لسالا) الْخَامِس قَول بَعضهم فِي {وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك} إِن الظّرْف كَانَ صفة ل أمة ثمَّ قدم عَلَيْهَا فانتصب على الْحَال وَهَذَا يلْزم مِنْهُ الْفَصْل بَين العاطف والمعطوف بِالْحَال وَأَبُو عَليّ لَا يُجِيزهُ بالظرف فَمَا الظَّن بِالْحَال الَّتِي هِيَ شَبيهَة بالمفعول بِهِ وَمثله قَول أبي حَيَّان فِي {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا} إِن أَشد حَال كَانَ فِي الأَصْل صفة لذكرا السَّادِس قَول الحوفي إِن الْبَاء من قَوْله تَعَالَى {فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} مُتَعَلقَة ب ناظرة وَيَردهُ أَن الِاسْتِفْهَام لَهُ الصَّدْر وَمثله قَول ابْن عَطِيَّة فِي {قَاتلهم الله أَنى يؤفكون} إِن أَنى ظرف لقاتلهم الله وَأَيْضًا فَيلْزم كَون يؤفكون لَا موقع لَهَا حِينَئِذٍ وَالصَّوَاب تعلقهما بِمَا بعدهمَا ونظيرهما قَول الْمُفَسّرين فِي {ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 ) إِن الْمَعْنى إِذا أَنْتُم تخرجُونَ من الأَرْض فعلقوا مَا قبل إِذا بِمَا بعْدهَا حكى ذَلِك عَنْهُم أَبُو حَاتِم فِي كتاب الْوَقْف والابتداء وَهَذَا لَا يَصح فِي الْعَرَبيَّة وَقَول بَعضهم فِي {ملعونين أَيْنَمَا ثقفوا أخذُوا} إِن ملعونين حَال من مَعْمُول ثقفوا أَو أخذُوا وَيَردهُ أَن الشَّرْط لَهُ الصَّدْر وَالصَّوَاب أَنه مَنْصُوب على الذَّم وَأما قَول أبي الْبَقَاء إِنَّه حَال من فَاعل {يجاورونك} فمردود لِأَن الصَّحِيح أَنه لَا يسْتَثْنى بأداة وَاحِدَة دون عطف شَيْئَانِ وَقَول آخر فِي {وَكَانُوا فِيهِ من الزاهدين} إِن فِي مُتَعَلقَة بزاهدين الْمَذْكُور وَهَذَا مُمْتَنع إِذا قدرت ال مَوْصُولَة وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن مَعْمُول الصِّلَة لَا يتَقَدَّم على الْمَوْصُول فَيجب حِينَئِذٍ تعلقهَا بأعني محذوفة أَو بزاهدين محذوفا مدلولا عَلَيْهِ بالمذكور أَو بالكون الْمَحْذُوف الَّذِي تعلق بِهِ من الزاهدين وَأما إِن قدرت ال للتعريف فَوَاضِح السَّابِع قَول بَعضهم فِي بَيت المتنبي يُخَاطب الشيب 943 - (ابعد بَعدت بَيَاضًا لَا بَيَاض لَهُ ... لأَنْت أسود فِي عَيْني من الظُّلم) إِن من مُتَعَلقَة بأسود وَهَذَا يَقْتَضِي كَونه اسْم تَفْضِيل وَذَلِكَ مُمْتَنع فِي الألوان وَالصَّحِيح أَن من الظُّلم صفة لأسود أَي أسود كَائِن من جملَة الظُّلم وَكَذَا قَوْله الحديث: 943 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 944 - (يلقاك مرتديا بأحمر من دم ... ذهبت بخضرته الطلى والأكبد) من دم إِمَّا تَعْلِيل أَي أَحْمَر من أجل التباسه بِالدَّمِ أَو صفة كَأَن السَّيْف لِكَثْرَة التباسه بِالدَّمِ صَار دَمًا الثَّامِن قَول بَعضهم فِي سقيا لَك إِن اللَّام مُتَعَلقَة بسقيا وَلَو كَانَ كَذَا لقيل سقيا إياك فَإِن سقى يتَعَدَّى بِنَفسِهِ فَإِن قيل اللَّام للتقوية مثل {مُصدقا لما مَعَهم} فلام التقوية لَا تلْزم وَمن هُنَا امْتنع فِي {وَالَّذين كفرُوا فتعسا لَهُم} كَون الَّذين نصبا على الِاشْتِغَال لِأَن لَهُم لَيْسَ مُتَعَلقا بِالْمَصْدَرِ التَّاسِع قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {وَمن آيَاته منامكم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وابتغاؤكم من فَضله} إِنَّه من اللف والنشر وَإِن الْمَعْنى منامكم وابتغاؤكم من فَضله بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون النَّهَار مَعْمُولا للابتغاء مَعَ تَقْدِيمه عَلَيْهِ وَعطفه على مَعْمُول منامكم وَهُوَ بِاللَّيْلِ وَهَذَا لَا يجوز فِي الشّعْر فَكيف فِي أفْصح الْكَلَام وَزعم عصري فِي تَفْسِير لَهُ على سورتي الْبَقَرَة وَآل عمرَان فِي قَوْله تَعَالَى {يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق حذر الْمَوْت} أَن من مُتَعَلقَة الحديث: 944 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 بحذر أَو بِالْمَوْتِ وَفِيهِمَا تَقْدِيم مَعْمُول الْمصدر وَفِي الثَّانِي أَيْضا تَقْدِيم مَعْمُول الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف وحامله على ذَلِك أَنه لَو علقه ب (يجْعَلُونَ) وَهُوَ فِي مَوضِع الْمَفْعُول لَهُ لزم تعدد الْمَفْعُول لَهُ من غير عطف إِذْ كَانَ {حذر الْمَوْت} مَفْعُولا لَهُ وَقد أُجِيب بِأَن الأول تَعْلِيل للجعل مُطلقًا وَالثَّانِي تَعْلِيل لَهُ مُقَيّدا بِالْأولِ وَالْمُطلق والمقيد غيران فالمعلل مُتَعَدد فِي الْمَعْنى وان اتَّحد فِي اللَّفْظ وَالصَّوَاب أَن يحمل على أَن الْمَنَام فِي الزمانين والابتغاء فيهمَا الْعَاشِر قَول بَعضهم فِي {فقليلا مَا يُؤمنُونَ} إِن مَا بِمَعْنى من وَلَو كَانَ كَذَلِك لرفع قَلِيل على أَنه خبر الْحَادِي عشر قَول بَعضهم فِي {وَمَا هُوَ بمزحزحه من الْعَذَاب أَن يعمر} إِن هُوَ ضمير الشَّأْن وَأَن يعمر مُبْتَدأ وبمزحزحه خبر وَلَو كَانَ كَذَلِك لم يدْخل الْبَاء فِي الْخَبَر وَنَظِيره قَول آخر فِي حَدِيث بَدْء الْوَحْي مَا أَنا بقارىء إِن مَا استفهامية مفعولة لقارىء وَدخُول الْبَاء فِي الْخَبَر يَأْبَى ذَلِك الثَّانِي عشر قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} فِيمَن رفع يدْرك إِنَّه يجوز كَون الشَّرْط مُتَّصِلا بِمَا قبله أَي وَلَا تظْلمُونَ فتيلا أَيْنَمَا تَكُونُوا يَعْنِي فَيكون الْجَواب محذوفا مدلولا عَلَيْهِ بِمَا قبله ثمَّ يبتدىء {يدرككم الْمَوْت وَلَو كُنْتُم فِي بروج مشيدة} وَهَذَا مَرْدُود بِأَن سِيبَوَيْهٍ وَغَيره من الْأَئِمَّة نصوا على أَنه لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 يحذف الْجَواب إِلَّا وَفعل الشَّرْط مَاض تَقول أَنْت ظَالِم إِن فعلت وَلَا تَقول أَنْت ظَالِم إِن تفعل إِلَّا فِي الشّعْر وَأما قَول أبي بكر فِي كتاب الْأُصُول إِنَّه يُقَال آتِيك إِن تأتني فنقله من كتب الْكُوفِيّين وهم يجيزون ذَلِك لَا على الْحَذف بل على أَن الْمُتَقَدّم هُوَ الْجَواب وَهُوَ خطأ عِنْد أَصْحَابنَا لِأَن الشَّرْط لَهُ الصَّدْر الثَّالِث عشر قَول بَعضهم فِي {بالأخسرين أعمالا} إِن {أعمالا} مفعول بِهِ ورده ابْن خروف بِأَن خسر لَا يتَعَدَّى كنقيضه ربح وَوَافَقَهُ الصفار مستدلا بقوله تَعَالَى {كرة خاسرة} إِذْ لم يرد أَنَّهَا خسرت شَيْئا وثلاثتهم ساهون لَان اسْم التَّفْضِيل لَا ينصب الْمَفْعُول بِهِ وَلِأَن خسر مُتَعَدٍّ فَفِي التَّنْزِيل {الَّذين خسروا أنفسهم} {خسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} وَأما خاسرة فَكَأَنَّهُ على النّسَب أَي ذَات خسر وَربح أَيْضا يتَعَدَّى فَيُقَال ربح دِينَارا وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ أعمالا مشبه بالمفعول بِهِ وَيَردهُ أَن اسْم التَّفْضِيل لَا يشبه باسم الْفَاعِل لِأَنَّهُ لَا تلْحقهُ عَلَامَات الْفُرُوع إِلَّا بِشَرْط وَالصَّوَاب أَنه تَمْيِيز الْجِهَة الثَّالِثَة أَن يخرج على مَا لم يثبت فِي الْعَرَبيَّة وَذَلِكَ إِنَّمَا يَقع عَن جهل أَو غَفلَة فلنذكر مِنْهُ أَمْثِلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 أَحدهَا قَول أبي عُبَيْدَة فِي (كَمَا أخرجك رَبك من بَيْتك بِالْحَقِّ) إِن الْكَاف حرف قسم وَإِن الْمَعْنى الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول وَالَّذِي أخرجك وَقد شنع ابْن الشجري على مكي فِي حكايته هَذَا القَوْل وسكوته عَنهُ قَالَ وَلَو أَن قَائِلا قَالَ كالله لَأَفْعَلَنَّ لَاسْتَحَقَّ أَن يبصق فِي وَجهه وَيبْطل هَذِه الْمقَالة أَرْبَعَة أُمُور أَن الْكَاف لم تَجِيء بِمَعْنى وَاو الْقسم وَإِطْلَاق مَا على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وربط الْمَوْصُول بِالظَّاهِرِ وَهُوَ فَاعل أخرج وَبَاب ذَلِك الشّعْر كَقَوْلِه 945 - ( ... وَأَنت الَّذِي فِي رَحْمَة الله أطمع) وَوَصله بِأول السُّورَة مَعَ تبَاعد مَا بَينهمَا وَقد يُجَاب عَن الثَّانِي بِأَنَّهُ قد جَاءَ نَحْو {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} وَعنهُ أَنه قَالَ الْجَواب {يجادلونك} وَيَردهُ عدم توكيده وَفِي الْآيَة أَقْوَال أخر ثَانِيهَا أَن الْكَاف مُبْتَدأ وَخَبره {فَاتَّقُوا الله} ويفسده اقترانه بِالْفَاءِ وخلوه من رابط وتباعد مَا بَينهمَا وَثَالِثهَا أَنَّهَا نعت مصدر مَحْذُوف أَي يجادلونك فِي الْحق الَّذِي هُوَ إخراجك من بَيْتك جدالا مثل جِدَال إخراجك وَهَذَا فِيهِ تَشْبِيه الشَّيْء بِنَفسِهِ وَرَابِعهَا وَهُوَ أقرب مِمَّا قبله أَنَّهَا نعت مصدر أَيْضا وَلَكِن التَّقْدِير قل الْأَنْفَال ثَابِتَة لله وَالرَّسُول مَعَ كراهيتهم ثبوتا مثل ثُبُوت إِخْرَاج رَبك إياك من الحديث: 945 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 بَيْتك وهم كَارِهُون وخامسها وَهُوَ أقرب من الرَّابِع أَنَّهَا نعت لَحقا أَي أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا كَمَا أخرجك وَالَّذِي سهل هَذَا تقاربهما وَوصف الْإِخْرَاج بِالْحَقِّ فِي الْآيَة وسادسها وَهُوَ أقرب من الْخَامِس أَنَّهَا خبر لمَحْذُوف أَي هَذِه الْحَال كَحال إخراجك أَي إِن حَالهم فِي كَرَاهِيَة مَا رَأَيْت من تنفيلك الْغُزَاة مثل حَالهم فِي كَرَاهِيَة خُرُوجك من بَيْتك للحرب وَفِي الْآيَة أَقْوَال أخر منتشرة الْمِثَال الثَّانِي قَول ابْن مهْرَان فِي كتاب الشواذ فِيمَن قَرَأَ {إِن الْبَقر تشابه} بتَشْديد التَّاء إِن الْعَرَب تزيد تَاء على التَّاء الزَّائِدَة فِي أول الْمَاضِي وَأنْشد 946 - ( ... تتقطعت بِي دُونك الْأَسْبَاب) وَلَا حَقِيقَة لهَذَا الْبَيْت وَلَا لهَذِهِ الْقَاعِدَة وَإِنَّمَا أصل الْقِرَاءَة (إِن الْبَقَرَة) بتاء الْوحدَة ثمَّ أدغمت فِي تَاء تشابهت فَهُوَ إدغام من كَلِمَتَيْنِ الثَّالِث قَول بَعضهم فِي {وَمَا لنا أَلا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله} إِن الأَصْل وَمَا لنا وَأَن لَا نُقَاتِل أَي مالنا وَترك الْقِتَال كَمَا تَقول مَالك وزيدا وَلم يثبت فِي الْعَرَبيَّة حذف وَاو الْمَفْعُول مَعَه الرَّابِع قَول مُحَمَّد بن مَسْعُود الزكي فِي كِتَابه البديع وَهُوَ كتاب خَالف فِيهِ أَقْوَال النَّحْوِيين فِي أُمُور كَثِيرَة إِن الَّذِي وَأَن المصدرية يتقارضان فَتَقَع الَّذِي مَصْدَرِيَّة كَقَوْلِه الحديث: 946 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 947 - (أتقرح أكباد المحبين كالذى ... أرى كبدى من حب مية تقرح) وَتَقَع أَن بِمَعْنى الَّذِي كَقَوْلِهِم زيد أَعقل من أَن يكذب أى من الذى يكذب اهـ فَأَما وُقُوع الَّذِي مَصْدَرِيَّة فَقَالَ بِهِ يُونُس وَالْفراء والفارسي وارتضاه ابْن خروف وَابْن مَالك وَجعلُوا مِنْهُ {ذَلِك الَّذِي يبشر الله عباده} {وخضتم كَالَّذي خَاضُوا} وَأما عَكسه فَلم أعرف لَهُ قَائِلا وَالَّذِي جرأه عَلَيْهِ إِشْكَال هَذَا الْكَلَام فَإِن ظَاهره تَفْضِيل زيد فِي الْعقل على الْكَذِب وَهَذَا لَا معنى لَهُ ونظائر هَذَا التَّرْكِيب كَثِيرَة مَشْهُورَة الِاسْتِعْمَال وَقل من يتَنَبَّه لإشكالها وَظهر لي فِيهَا توجيهان أَحدهمَا أَن يكون فِي الْكَلَام تَأْوِيل على تَأْوِيل فيؤول أَن وَالْفِعْل بِالْمَصْدَرِ ويؤول الْمصدر بِالْوَصْفِ فيؤول إِلَى الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَهُ وَلَكِن بتوجيه يقبله الْعلمَاء أَلا ترى أَنه قيل فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن أَن يفترى} إِن التَّقْدِير مَا كَانَ افتراء وَمعنى هَذَا مَا كَانَ مفترى وَقَالَ أَبُو الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} إِن الْمَعْنى ثمَّ يعودون لِلْقَوْلِ وَالْقَوْل فِي تَأْوِيل الْمَقُول أَي يعودون للمقول فِيهِنَّ لفظ الظِّهَار وَذَلِكَ هُوَ الْمُوَافق لقَوْل جُمْهُور الْعلمَاء إِن الْعود الْمُوجب لِلْكَفَّارَةِ الْعود إِلَى الْمَرْأَة لَا الْعود إِلَى القَوْل نَفسه كَمَا يَقُول أهل الظَّاهِر وَبعد فَهَذَا الْوَجْه عِنْدِي ضَعِيف لِأَن التَّفْضِيل على النَّاقِص لَا فضل الحديث: 947 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 فِيهِ وَعَلِيهِ قَوْله (إِذا أَنْت فضلت امْرأ ذَا براعة ... على نَاقص كَانَ المديح من النَّقْص) التَّوْجِيه الثَّانِي أَن أَعقل ضمن معنى أبعد فَمَعْنَى الْمِثَال زيد أبعد النَّاس من الْكَذِب لفضله من غَيره فَمن الْمَذْكُورَة لَيست الجارة للمفضول بل مُتَعَلقَة بأفعل لما تضمنه من معنى الْبعد لَا مَا فِيهِ من الْمَعْنى الوضعي والمفضل عَلَيْهِ مَتْرُوك أبدا مَعَ أفعل هَذَا لقصد التَّعْمِيم وَلَوْلَا خشيَة الإسهاب لأوردت لَك أَمْثِلَة كَثِيرَة من هَذَا الْبَاب لتقف مِنْهَا على الْعجب العجاب الْجِهَة الرَّابِعَة أَن يخرج على الْأُمُور الْبَعِيدَة وَالْأَوْجه الضعيفة وَيتْرك الْوَجْه الْقَرِيب وَالْقَوِي فَإِن كَانَ لم يظْهر لَهُ إِلَّا ذَاك فَلهُ عذر وَإِن ذكر الْجَمِيع فَإِن قصد بَيَان الْمُحْتَمل أَو تدريب الطَّالِب فَحسن إِلَّا فِي أَلْفَاظ التَّنْزِيل فَلَا يجوز أَن يخرج إِلَّا على مَا يغلب على الظَّن إِرَادَته فَإِن لم يغلب شَيْء فليذكر الْأَوْجه المحتملة من غير تعسف وَإِن أَرَادَ مُجَرّد الإغراب على النَّاس وتكثير الْأَوْجه فصعب شَدِيد وسأضرب لَك أَمْثِلَة مِمَّا خرجوه على الامور المستبعدة لتجنبها وأمثالها أَحدهَا قَول جمَاعَة فِي وقيله إِنَّه عطف على لفظ {السَّاعَة} فِيمَن خفض وعَلى محلهَا فِيمَن نصب مَعَ مَا بَينهمَا من التباعد وَأبْعد مِنْهُ قَول أبي عَمْرو فِي قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر} إِن خَبره {أُولَئِكَ ينادون من مَكَان بعيد} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 وَأبْعد من هَذَا قَول الْكُوفِيّين والزجاج فِي قَوْله تَعَالَى {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} إِن جَوَابه {إِن ذَلِك لحق} وَقَول بَعضهم فِي {ثمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} إِنَّه عطف على {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق} وَقَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {وكل أَمر مُسْتَقر} فِيمَن جر مُسْتَقر إِن كلا عطف على {السَّاعَة} وَأبْعد مِنْهُ قَوْله فِي {وَفِي مُوسَى إِذْ أرسلناه} إِنَّه عطف على {وَفِي الأَرْض آيَات} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 وَأبْعد من هَذَا قَوْله فِي {فاستفتهم ألربك الْبَنَات} إِنَّه عطف على {فاستفتهم أهم أَشد خلقا} قَالَ هُوَ مَعْطُوف على مثله فِي أول السُّورَة وَإِن تَبَاعَدت بَينهمَا الْمسَافَة انْتهى وَالصَّوَاب خلاف ذَلِك كُله فَأَما {وقيله} فِيمَن خفض فَقيل الْوَاو للقسم وَمَا بعده الْجَواب وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَأما من نصب فَقيل عطف على {سرهم} أَو على مفعول مَحْذُوف مَعْمُول ل {يَكْتُبُونَ} أَو ل {يعلمُونَ} أَي يَكْتُبُونَ ذَلِك أَو يعلمُونَ الْحق أَو أَنه مصدر لقَالَ محذوفا أَو نصب على إِسْقَاط حرف الْقسم وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيّ واما {إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر} فَقيل الَّذين بدل من الَّذين فِي {إِن الَّذين يلحدون} وَالْخَبَر {لَا يخفون} وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَقيل مُبْتَدأ خَبره مَذْكُور وَلَكِن حذف رابطه ثمَّ اخْتلف فِي تَعْيِينه فَقيل هُوَ {مَا يُقَال لَك} أَي فِي شَأْنهمْ وَقيل هُوَ {لما جَاءَهُم} أَي كفرُوا بِهِ وَقيل {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل} أَي لَا يَأْتِيهِ مِنْهُم وَهُوَ بعيد لِأَن الظَّاهِر أَن {لَا يَأْتِيهِ} من جملَة خبر إِنَّه وَأما {ص وَالْقُرْآن} الْآيَة فَقيل الْجَواب مَحْذُوف أَي إِنَّه لمعجز بِدَلِيل الثَّنَاء عَلَيْهِ بقوله {ذِي الذّكر} أَو إِنَّك لمن الْمُرْسلين بِدَلِيل {وعجبوا أَن جَاءَهُم مُنْذر مِنْهُم} أَو مَا الْأَمر كَمَا زَعَمُوا بِدَلِيل {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحر كَذَّاب} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712 ) وَقيل مَذْكُور فَقَالَ الْأَخْفَش {إِن كل إِلَّا كذب الرُّسُل} وَقَالَ الْفراء وثعلب {ص} لِأَن مَعْنَاهَا صدق الله وَيَردهُ أَن الْجَواب لَا يتَقَدَّم فَإِن أُرِيد أَنه دَلِيل الْجَواب فقريب وَقيل {كم أهلكنا} الْآيَة وحذفت اللَّام للطول وَأما {ثمَّ آتَيْنَا} فعطف على {ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ} وَثمّ لترتيب الْإِخْبَار لَا لترتيب الزَّمَان أَي ثمَّ أخْبركُم بِأَنا آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب وَأما {وكل أَمر مُسْتَقر} فمبتدأ حذف خَبره أَي وكل أَمر مُسْتَقر عِنْد الله وَاقع أَو ذكر وَهُوَ {حِكْمَة بَالِغَة} وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض وَقَول بَعضهم الْخَبَر مُسْتَقر وخفض على الْجوَار حمل على مَا لم يثبت فِي الْخَبَر وَأما {وَفِي مُوسَى} فعطف على فِيهَا من {وَتَركنَا فِيهَا آيَة للَّذين يخَافُونَ الْعَذَاب الْأَلِيم} الثَّانِي قَول بَعضهم فِي {فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما} إِن الْوَقْف على فَلَا جنَاح وَإِن مَا بعده إغراء ليُفِيد صَرِيحًا مطلوبية التطوف بالصفا والمروة وَيَردهُ أَن إغراء الْغَائِب ضَعِيف كَقَوْل بَعضهم وَقد بلغه أَن إنْسَانا يهدده عَلَيْهِ رجلا ليسني أَي ليلزم رجلا غَيْرِي وَالَّذِي فسرت بِهِ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا خلاف ذَلِك وقصتها مَعَ عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فِي ذَلِك مسطورة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 713 صَحِيح البُخَارِيّ ثمَّ الْإِيجَاب لَا يتَوَقَّف على كَون عَلَيْهِ إغراء بل كلمة على تَقْتَضِي ذَلِك مُطلقًا وَأما قَول بَعضهم فِي {قل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم عَلَيْكُم أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا} إِن الْوَقْف قبل عَلَيْكُم وَإِن عَلَيْكُم إغراء فَحسن وَبِه يتَخَلَّص من إِشْكَال ظَاهر فِي الْآيَة محوج للتأويل الثَّالِث قَول بَعضهم فِي {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} إِن أهل مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص وَهَذَا ضَعِيف لوُقُوعه بعد ضمير الْخطاب مثل بك الله نرجو الْفضل وَإِنَّمَا الْأَكْثَر أَن يَقع بعد ضمير التَّكَلُّم كالحديث نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث وَالصَّوَاب أَنه منادى الرَّابِع قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {فَلَا تجْعَلُوا لله أندادا} إِنَّه يجوز كَون تجْعَلُوا مَنْصُوبًا فِي جَوَاب الترجى أَعنِي {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} على حد النصب فِي قِرَاءَة حَفْص {فَاطلع} وَهَذَا لَا يُجِيزهُ بَصرِي ويتأولون قِرَاءَة حَفْص إِمَّا على أَنه جَوَاب لِلْأَمْرِ وَهُوَ {ابْن لي صرحا} أَو على الْعَطف على الْأَسْبَاب على حد قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 714 948 - (وَلبس عباءة وتقر عَيْني ... ) أَو على معنى مَا يَقع موقع أبلغ وَهُوَ أَن أبلغ على حد قَوْله 949 - ( ... وَلَا سَابق شَيْئا) ثمَّ إِن ثَبت قَول الْفراء إِن جَوَاب الترجى مَنْصُوب كجواب التَّمَنِّي فَهُوَ قَلِيل فَكيف تخرج عَلَيْهِ الْقِرَاءَة الْمجمع عَلَيْهَا وَهَذَا كتخريجه قَوْله تَعَالَى {قل لَا يعلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله} على أَن الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع وَأَنه جَاءَ على الْبَدَل الْوَاقِع فِي اللُّغَة التميمية وَقد مضى الْبَحْث فِيهَا وَنَظِير هَذَا على الْعَكْس قَول الْكرْمَانِي فِي {وَمن يرغب عَن مِلَّة إِبْرَاهِيم إِلَّا من سفه نَفسه} إِن من نصب على الِاسْتِثْنَاء وَنَفسه توكيد فَحمل قِرَاءَة السَّبْعَة على النصب فِي مثل مَا قَامَ أحد إِلَّا زيدا كَمَا حمل الزَّمَخْشَرِيّ قراءتهم على الْبَدَل فِي مثل مَا فِيهَا أحد إِلَّا حمَار وَإِنَّمَا تَأتي قِرَاءَة الْجَمَاعَة على أفْصح الْوَجْهَيْنِ الا ترى إِلَى إِجْمَاعهم على الرّفْع فِي {وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم} وَأَن أَكْثَرهم قَرَأَ بِهِ فِي {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} وَأَنه لم يقْرَأ أحد بِالْبَدَلِ فِي {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى} لِأَنَّهُ مُنْقَطع الحديث: 948 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 715 وَقد قيل إِن بَعضهم قَرَأَ بِهِ فِي {مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن} وَإِجْمَاع الْجَمَاعَة على خِلَافه وَنَظِير حمل الْكرْمَانِي النَّفس على التوكيد فِي مَوضِع لم يحسن فِيهِ ذَلِك قَول بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} إِن الْبَاء زَائِدَة وأنفسهن توكيد للنون وَإِنَّمَا لُغَة الْأَكْثَرين فِي توكيد الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل بِالنَّفسِ أَو الْعين أَن يكون بعد التوكيد بالمنفصل نَحْو قُمْتُم أَنْتُم أَنفسكُم الْخَامِس قَول بَعضهم فِي {لتستووا على ظُهُوره} إِن اللَّام لِلْأَمْرِ وَالْفِعْل مجزوم وَالصَّوَاب أَنَّهَا لَام الْعلَّة وَالْفِعْل مَنْصُوب لضعف أَمر الْمُخَاطب بِاللَّامِ كَقَوْلِه 950 - (لتقم أَنْت يَا بن خير قُرَيْش ... فلتقضي حوائج المسلمينا) السَّادِس قَالَ التبريزي فِي قِرَاءَة يحيى بن يعمر {تَمامًا على الَّذِي أحسن} بِالرَّفْع إِن أَصله أَحْسنُوا فحذفت الْوَاو اجتزاء عَنْهَا بالضمة كَمَا قَالَ 95 - (إِذا مَا شَاءَ ضروا من أَرَادوا ... وَلَا يألوهم أحد ضِرَارًا) الحديث: 950 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 716 واجتماع حذف الْوَاو وَإِطْلَاق الَّذِي على الْجَمَاعَة كَقَوْلِه 95 - (وَإِن الَّذِي حانت بفلج دِمَاؤُهُمْ ... ) لَيْسَ بالسهل وَالْأولَى قَول الْجَمَاعَة إِنَّه بِتَقْدِير مُبْتَدأ أَي هُوَ أحسن وَقد جَاءَت مِنْهُ مَوَاضِع حَتَّى إِن أهل الْكُوفَة يقيسونه والاتفاق على أَنه قِيَاس مَعَ أَي كَقَوْلِه 953 - ( ... فَسلم على أَيهمْ أفضل) وَأما قَول بَعضهم فِي قِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن {لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} أَن الأَصْل أَن يتموا بِالْجمعِ فَحسن لِأَن الْجمع على معنى من مثل {وَمِنْهُم من يَسْتَمِعُون} وَلَكِن أظهر مِنْهُ قَول الْجَمَاعَة إِنَّه قد جَاءَ على إهمال أَن الناصبة حملا على أُخْتهَا مَا المصدرية السَّابِع قَول بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِن تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا} فِيمَن قَرَأَ بتَشْديد الرَّاء وَضمّهَا إِنَّه على حد قَوْله 954 - ( ... إِنَّك إِن يصرع أَخُوك تصرع) فَخرج الْقِرَاءَة المتواترة على شَيْء لَا يجوز إِلَّا فِي الشّعْر وَالصَّوَاب أَنه مجزوم الحديث: 953 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 717 وَأَن الضمة إتباع كالضمة فِي قَوْلك لم يشد وَلم يرد وَقَوله تَعَالَى {عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} إِذا قدر لَا يضركم جَوَابا لاسم الْفِعْل فَإِن قدر استئنافا فالضمة إِعْرَاب بل قد امْتنع الزَّمَخْشَرِيّ من تَخْرِيج التَّنْزِيل على رفع الْجَواب مَعَ مُضِيّ فعل الشَّرْط فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا عملت من سوء تود} لَا يجوز أَن تكون مَا شَرْطِيَّة لرفع تود هَذَا مَعَ تصريحه فِي الْمفصل بِجَوَاز الْوَجْهَيْنِ فِي نَحْو إِن قَامَ زيد أقوم وَلكنه لما رأى الرّفْع مرجوحا لم يستسهل تَخْرِيج الْقِرَاءَة الْمُتَّفق عَلَيْهَا عَلَيْهِ يُوضح لَك هَذَا أَنه جوز ذَلِك فِي قِرَاءَة شَاذَّة مَعَ كَون فعل الشَّرْط مضارعا وَذَلِكَ على تَأْوِيله بالماضي فَقَالَ قرىء {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} بِرَفْع يدْرك فَقيل هُوَ على حذف الْفَاء وَيجوز أَن يُقَال إِنَّه مَحْمُول على مَا يَقع موقعه وَهُوَ أَيْنَمَا كُنْتُم كَمَا حمل 955 - ( ... وَلَا ناعب) على مَا يَقع موقع لَيْسُوا مصلحين وَهُوَ لَيْسُوا بمصلحين وَقد يرى كثير من النَّاس قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي هَذِه الْمَوَاضِع متناقضا وَالصَّوَاب مَا بيّنت لَك قَالَ وَيجوز أَن يتَّصل بقوله {وَلَا تظْلمُونَ} اهـ وَقد مضى رده الحديث: 955 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 718 الثَّامِن قَول ابْن حبيب إِن {بِسم الله} خبر و {الْحَمد} مُبْتَدأ و (لله) حَال وَالصَّوَاب أَن {الْحَمد لله} مُبْتَدأ وَخبر و {بِسم الله} على مَا تقدم فِي إعرابها التَّاسِع قَول بَعضهم إِن أصل بِسم كسر السِّين أَو ضمهَا على لُغَة من قَالَ سم أَو سم ثمَّ سكنت السِّين لِئَلَّا يتوالى كسرات أَو لِئَلَّا يخرجُوا من كسر إِلَى ضم وَالْأولَى قَول الْجَمَاعَة إِن السّكُون أصل وَهِي لُغَة الْأَكْثَرين وهم الَّذين يبتدئون اسْما بهمز الْوَصْل الْعَاشِر قَول بَعضهم فِي {الرَّحِيم} من الْبَسْمَلَة إِنَّه وصل بنية الْوَقْف فَالتقى ساكنان الْمِيم وَلَام الْحَمد فَكسرت الْمِيم لالتقائهما وَمِمَّنْ جوز ذَلِك ابْن عَطِيَّة وَنَظِير هَذَا قَول جمَاعَة مِنْهُم الْمبرد إِن حَرَكَة رَاء أكبر من قَول الْمُؤَذّن الله أكبر الله أكبر فَتْحة وَإنَّهُ وصل بنية الْوَقْف ثمَّ اخْتلفُوا فَقيل هِيَ حَرَكَة الساكنين وَإِنَّمَا لم يكسروا حفظا لتفخيم اللَّام كَمَا فِي {الم الله} وَقيل هِيَ حَرَكَة الْهمزَة نقلت وكل هَذَا خُرُوج عَن الظَّاهِر لغير دَاع وَالصَّوَاب أَن كسرة الْمِيم إعرابية وَأَن حَرَكَة الرَّاء ضمة إعرابية وَلَيْسَ لهمزه الْوَصْل ثُبُوت فِي الدرج فتنقل حركتها إِلَّا فِي ندور الْحَادِي عشر قَول الْجَمَاعَة فِي قَوْله تَعَالَى {تبينت الْجِنّ أَن لَو كَانُوا يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين} إِن فِيهِ حذف مضافين وَالْمعْنَى علمت ضعفاء الْجِنّ أَن لَو كَانَ رؤساؤهم وَهَذَا معنى حسن إِلَّا أَن فِيهِ دَعْوَى حذف مضافين لم يظْهر الدَّلِيل عَلَيْهِمَا وَالْأولَى أَن تبين بِمَعْنى وضح وَأَن وصلتها بدل اشْتِمَال من الْجِنّ أَي وضح للنَّاس أَن الْجِنّ لَو كَانُوا إِلَخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 719 الثَّانِي عشر قَول بَعضهم فِي {عينا فِيهَا تسمى} إِن الْوَقْف على تسمى هُنَا أَي عينا مُسَمَّاة مَعْرُوفَة وَإِن {سلسبيلا} جملَة أمرية أَي اسْأَل طَرِيقا موصلة إِلَيْهَا وَدون هَذَا فِي الْبعد قَول آخر إِنَّه علم مركب كتأبط شرا وَالْأَظْهَر أَنه اسْم مُفْرد مُبَالغَة فِي السلسال كَمَا أَن السلسال مُبَالغَة فِي السلس ثمَّ يحْتَمل أَنه نكرَة وَيحْتَمل أَنه علم مَنْقُول وَصرف لِأَنَّهُ اسْم لماء وَتقدم ذكر الْعين لَا يُوجب تأنيثه كَمَا تَقول هَذِه وَاسِط بِالصرْفِ وَيبعد أَن يُقَال صرف للتناسب ك {قواريرا} لاتفاقهم على صرفه الثَّالِث عشر قَول مكي وَغَيره فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُم زهرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا} إِن زهرَة حَال من الْهَاء فِي بِهِ أَو من مَا وَإِن التَّنْوِين حذف للساكنين مثل قَوْله 956 - ( ... وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا) وَإِن جر الْحَيَاة على أَنه بدل من مَا وَالصَّوَاب أَن زهرَة مفعول بِتَقْدِير جعلنَا لَهُم أَو آتَيْنَاهُم وَدَلِيل ذَلِك ذكر التمتيع أَو بِتَقْدِير أَذمّ لِأَن الْمقَام يَقْتَضِيهِ أَو بِتَقْدِير أَعنِي بَيَانا لما أَو للضمير أَو بدل من أَزوَاج إِمَّا بِتَقْدِير ذَوي زهرَة أَو على أَنهم جعلُوا نفس الزهرة مجَازًا للْمُبَالَغَة وَقَالَ الْفراء هُوَ تَمْيِيز لما أَو للهاء وَهَذَا على مَذْهَب الْكُوفِيّين فِي تَعْرِيف التَّمْيِيز وَقيل بدل من مَا الحديث: 956 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 720 ورد بِأَن لنفتنهم من صلَة متعنَا فَيلْزم الْفَصْل بَين أبعاض الصِّلَة بأجنبي وَبِأَن الْمَوْصُول لَا يتبع قبل كَمَال صلته وَبِأَنَّهُ لَا يُقَال مَرَرْت بزيد أَخَاك على الْبَدَل لِأَن الْعَامِل فِي الْمُبدل مِنْهُ لَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ بِنَفسِهِ وَقيل من الْهَاء وَفِيه مَا ذكر وَزِيَادَة الْإِبْدَال من الْعَائِد وَبَعْضهمْ يمنعهُ بناءعلى أَن الْمُبدل مِنْهُ فِي نِيَّة الطرح فَيبقى الْمَوْصُول بِلَا عَائِد فِي التَّقْدِير وَقد مر أَن الزَّمَخْشَرِيّ منع فِي {أَن اعبدوا الله} أَن يكون بَدَلا من الْهَاء فِي {أَمرتنِي بِهِ} ورددناه عَلَيْهِ وَلَو لزم إِعْطَاء منوي الطرح حكم الْمَطْرُوح لزم إِعْطَاء منوي التَّأْخِير حكم الْمُؤخر فَكَانَ يمْتَنع فَكَانَ يمْتَنع ضرب زيدا غُلَامه وَيرد ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه} وَالْإِجْمَاع على جَوَازه تَنْبِيه وَقد يكون الْموضع لَا يتَخَرَّج إِلَّا على وَجه مَرْجُوح فَلَا حرج على مخرجه كَقِرَاءَة ابْن عَامر وَعَاصِم {وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} فَقيل الْفِعْل ماضي مَبْنِيّ للْمَفْعُول وَفِيه ضعف من جِهَات إسكان آخر الْمَاضِي وانابة ضمير الْمصدر مَعَ أَنه مَفْهُوم من الْفِعْل وإنابة غير الْمَفْعُول بِهِ مَعَ وجوده وَقيل مضارع أَصله ننجى بِسُكُون ثَانِيه وَفِيه ضعف لِأَن النُّون عِنْد الْجِيم تخفى وَلَا تُدْغَم وَقد زعم قوم أَنَّهَا أدغمت فِيهَا قَلِيلا وَأَن مِنْهُ أترج وإجاصة وإجانة وَقيل مضارع وَأَصله ننجي بِفَتْح ثَانِيه وَتَشْديد ثالثه ثمَّ حذفت النُّون الثَّانِيَة ويضعفه أَنه لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 721 يجوز فِي مضارع نبأت ونقبت وَنزلت ونحوهن إِذا ابتدأت بالنُّون أَن تحذف النُّون الثَّانِيَة إِلَّا فِي ندور كَقِرَاءَة بَعضهم {وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا} الْجِهَة الْخَامِسَة أَن يتْرك بعض مَا يحْتَملهُ اللَّفْظ من الْأَوْجه الظَّاهِرَة ولنورد مسَائِل من ذَلِك ليتمرن بهَا الطَّالِب مرتبَة على الْأَبْوَاب ليسهل كشفها بَاب الْمُبْتَدَأ مَسْأَلَة يجوز فِي الضَّمِير الْمُنْفَصِل من نَحْو {إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} ثَلَاثَة أوجه الْفَصْل وَهُوَ أرجحها والابتداء وَهُوَ أضعفها وَيخْتَص بلغَة تَمِيم والتوكيد مَسْأَلَة يجوز فِي الِاسْم المفتتح بِهِ من نَحْو قَوْله هَذَا أكرمته الِابْتِدَاء والمفعولية وَمثله كم رجل لَقيته وَمن أكرمته لَكِن فِي هَاتين يقدر الْفِعْل مُؤَخرا وَمثلهمَا رب رجل صَالح لَقيته مَسْأَلَة يجوز فِي الْمَرْفُوع من نَحْو {أَفِي الله شكّ} وَمَا فِي الدَّار زيد الابتدائية والفاعلية وَهِي أرجح لِأَن الأَصْل عدم التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَمثله كلمتا {غرف} فِي سُورَة الزمر لِأَن الظّرْف الأول مُعْتَمد على الْمخبر عَنهُ وَالثَّانِي على الْمَوْصُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 722 إِذْ الغرف الأولى مَوْصُوفَة بِمَا بعْدهَا وَكَذَا نَار فِي قَول الخنساء 957 - ( ... كَأَنَّهُ علم فِي رَأسه نَار) وَمثله الِاسْم التَّالِي للوصف فِي نَحْو زيد قَائِم أَبوهُ وأقائم زيد لما ذكرنَا وَلِأَن الْأَب إِذا قدر فَاعِلا كَانَ خبر زيد مُفردا وَهُوَ الاصل فِي الْخَبَر وَمثله {ظلمات} من قَوْله تَعَالَى {أَو كصيب من السَّمَاء فِيهِ ظلمات} لِأَن الأَصْل فِي الصّفة الْإِفْرَاد فَإِن قلت أقائم أَنْت فَكَذَلِك عِنْد الْبَصرِيين وَأوجب الْكُوفِيُّونَ فِي ذَلِك الابتدائية وَوَافَقَهُمْ ابْن الْحَاجِب وَوهم إِذْ نقل فِي أَمَالِيهِ الْإِجْمَاع على ذَلِك وحجتهم أَن الْمُضمر الْمُرْتَفع بِالْفِعْلِ لَا يجاوره مُنْفَصِلا عَنهُ لَا يُقَال قَامَ أَنا وَالْجَوَاب أَنه إِنَّمَا انْفَصل مَعَ الْوَصْف لِئَلَّا يجهل مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ يكون مَعَه مستترا بِخِلَافِهِ مَعَ الْفِعْل فَإِنَّهُ يكون بارزا كقمت أَو قُمْت وَلِأَن طلب الْوَصْف لمعموله دون طلب الْفِعْل فَلذَلِك احْتمل مَعَه الْفَصْل وَلِأَن الْمَرْفُوع بِالْوَصْفِ سد فِي اللَّفْظ مسد وَاجِب الْفَصْل وَهُوَ الْخَبَر بِخِلَاف فَاعل الْفِعْل وَمِمَّا يقطع بِهِ على بطلَان مَذْهَبهم قَوْله تَعَالَى {أراغب أَنْت عَن آلهتي} وَقَول الشَّاعِر 958 - (خليلي مَا واف بعهدى أَنْتُمَا ... ) فَإِن القَوْل بِأَن الضَّمِير مُبْتَدأ كَمَا زعم الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْآيَة مؤد إِلَى فصل الْعَامِل من معموله بالأجنبي وَالْقَوْل بذلك فِي الْبَيْت مؤد إِلَى الْإِخْبَار عَن الِاثْنَيْنِ بِالْوَاحِدِ وَيجوز فِي نَحْو مَا فِي الدَّار زيد وَجه ثَالِث عِنْد ابْن عُصْفُور الحديث: 957 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 723 وَنَقله عَن أَكثر الْبَصرِيين وَهُوَ أَن يكون الْمَرْفُوع اسْما لما الحجازية والظرف فِي مَوضِع نصب على الخبرية وَالْمَشْهُور وجوب بطلَان الْعَمَل عِنْد تقدم الْخَبَر وَلَو ظرفا مَسْأَلَة يجوز فِي نَحْو أَخُوهُ من قَوْلك زيد ضرب فِي الدَّار أَخُوهُ أَن يكون فَاعِلا بالظرف لاعتماده على ذِي الْحَال وَهُوَ ضمير زيد الْمُقدر فِي ضرب وَأَن يكون نَائِبا عَن فَاعل ضرب على تَقْدِيره خَالِيا من الضَّمِير وَأَن يكون مُبْتَدأ خَبره الظّرْف وَالْجُمْلَة حَال وَالْفراء والزمخشري يريان هَذَا الْوَجْه شاذا رديئا لخلو الْجُمْلَة الاسمية الحالية من الْوَاو ويوجبان الفاعلية فِي نَحْو جَاءَ زيد عَلَيْهِ جُبَّة وَلَيْسَ كَمَا زعما وَالْأَوْجه الثَّلَاثَة فِي قَوْله تَعَالَى {وكأين من نَبِي قَاتل مَعَه ربيون كثير} قيل وَإِذا قرىء بتَشْديد قتل لزم ارْتِفَاع ريبون بِالْفِعْلِ يَعْنِي لِأَن التكثير لَا ينْصَرف إِلَى الْوَاحِد وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن النَّبِي هُنَا مُتَعَدد لَا وَاحِد بِدَلِيل كأين وَإِنَّمَا أفرد الضَّمِير بِحَسب لَفظهَا مَسْأَلَة زيد نعم الرجل يتَعَيَّن فِي زيد الِابْتِدَاء وَنعم الرجل زيد قيل كَذَلِك وَعَلَيْهِمَا فالرابط الْعُمُوم أَو إِعَادَة الْمُبْتَدَأ بِمَعْنَاهُ على الْخلاف فِي الْألف وَاللَّام للْجِنْس هِيَ أم للْعهد وَقيل يجوز أَيْضا أَن يكون خَبرا لمَحْذُوف وجوبا أَي الممدوح زيد وَقَالَ ابْن عُصْفُور يجوز فِيهِ وَجه ثَالِث وَهُوَ أَن يكون مُبْتَدأ حذف خَبره وجوبا أَي زيد الممدوح ورد بِأَنَّهُ لم يسد شَيْء مسده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 724 مَسْأَلَة حبذا زيد يحْتَمل زيد على القَوْل بِأَن حب فعل وَذَا فَاعل أَن يكون مُبْتَدأ مخبرا عَنهُ بحبذا والرابط الْإِشَارَة وَأَن يكون خَبرا لمَحْذُوف وَيجوز على قَول ابْن عُصْفُور السَّابِق أَن يكون مُبْتَدأ حذف خَبره وَلم يقل بِهِ هُنَا لِأَنَّهُ يرى أَن حبذا اسْم وَقيل بدل من ذَا وَيَردهُ أَنه لَا يحل مَحل الأول وَأَنه لَا يجوز الِاسْتِغْنَاء عَنهُ وَقيل عطف بَيَان وَيَردهُ قَوْله 959 - (وحبدا نفحات من يَمَانِية ... ) وَلَا تبين الْمعرفَة بالنكرة بِاتِّفَاق وَإِذا قيل حبذا اسْم للمحبوب فَهُوَ مُبْتَدأ وَزيد خبر أَو بِالْعَكْسِ عِنْد من يُجِيز فِي قَوْلك زيد الْفَاضِل وَجْهَيْن وَإِذا قيل بِأَن حبذا كُله فعل فزيد فَاعل وَهَذَا أَضْعَف مَا قيل لجَوَاز حذف الْمَخْصُوص كَقَوْلِه 960 - (أَلا حبذا لَوْلَا الْحيَاء وَرُبمَا ... منحت الْهوى مَا لَيْسَ بالمتقارب) وَالْفَاعِل لَا يحذف مَسْأَلَة يجوز فِي نَحْو {فَصَبر جميل} ابتدائية كل مِنْهُمَا وخبرية الآخر أَي شأني صَبر جميل أَو صَبر جميل أمثل من غَيره الحديث: 959 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 725 بَاب كَانَ وَمَا جرى مجرأها مَسْأَلَة يجوز فِي كَانَ من نَحْو {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب} وَنَحْو زيد كَانَ لَهُ مَال نُقْصَان كَانَ وتمامها وزيادتها وَهُوَ أضعفها قَالَ ابْن عُصْفُور بَاب زيادتها الشّعْر والظرف مُتَعَلق بهَا على التَّمام وباستقرار مَحْذُوف مَرْفُوع على الزِّيَادَة ومنصوب على النُّقْصَان إِلَّا إِن قدرت النَّاقِصَة شأنية فالاستقرار مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر الْمُبْتَدَأ مَسْأَلَة {فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ} يحْتَمل فِي كَانَ الْأَوْجه الثَّلَاثَة إِلَّا أَن النَّاقِصَة لَا تكون شأنية لأجل الِاسْتِفْهَام ولتقدم الْخَبَر وَكَيف حَال على التَّمام وَخبر لَكَانَ على النُّقْصَان وللمبتدأ على الزِّيَادَة مَسْأَلَة {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا} تحْتَمل كَانَ الْأَوْجه الثَّلَاثَة فعلى النَّاقِصَة الْخَبَر إِمَّا لبشر ووحيا اسْتثِْنَاء مفرغ من الْأَحْوَال فَمَعْنَاه موحيا أَو موحى أَو من وَرَاء حجاب بِتَقْدِير أَو موصلا ذَلِك من وَرَاء حجاب وأو يُرْسل بِتَقْدِير أَو إرْسَالًا أَي أَو ذَا إرْسَال وَإِمَّا وَحيا والتفريغ فِي الْأَخْبَار أَي مَا كَانَ تكليمهم إِلَّا إيحاء أَو إيصالا من وَرَاء حجاب أَو إرْسَالًا وَجعل ذَلِك تكليما على حذف مُضَاف ولبشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 726 على هَذَا تَبْيِين وعَلى التَّمام وَالزِّيَادَة فالتفريغ فِي الْأَحْوَال الْمقدرَة فِي الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي لبشر مَسْأَلَة أَيْن كَانَ زيد قَائِما يحْتَمل الْأَوْجه الثَّلَاثَة وعَلى النُّقْصَان فَالْخَبَر إِمَّا قَائِما وَأَيْنَ ظرف لَهُ أَو أَيْن فَيتَعَلَّق بِمَحْذُوف وَقَائِمًا حَال وعَلى الزِّيَادَة والتمام فقائما حَال وَأَيْنَ ظرف لَهُ وَيجوز كَونه ظرفا لَكَانَ إِن قدرت تَامَّة مَسْأَلَة يجوز فِي نَحْو زيد عَسى أَن يقوم نُقْصَان عَسى فاسمها مستتر وتمامها فَأن وَالْفِعْل مَرْفُوع الْمحل بهَا مَسْأَلَة يجوز الْوَجْهَانِ فِي عَسى أَن يقوم زيد فعلى النُّقْصَان زيد اسْمهَا وَفِي يقوم ضَمِيره وعَلى التَّمام لَا إِضْمَار وكل شَيْء فِي مَحَله وَيتَعَيَّن التَّمام فِي نَحْو عَسى أَن يقوم زيد فِي الدَّار و {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} لِئَلَّا يلْزم فصل صلَة أَن من معمولها بالأجنبي وَهُوَ اسْم عَسى مَسْأَلَة {وَمَا رَبك بغافل} تحْتَمل مَا الحجازية والتميمية وَأوجب الْفَارِسِي والزمخشري الحجازية ظنا أَن الْمُقْتَضِي لزِيَادَة الْبَاء نصب الْخَبَر وَإِنَّمَا الْمُقْتَضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 727 نَفْيه لِامْتِنَاع الْبَاء فِي كَانَ زيد قَائِما وجوازها فِي 96 - (لم أكن ... بأعجلهم) وَفِي مَا إِن زيد بقائم مَسْأَلَة لَا رجل وَلَا امْرَأَة فِي الدَّار إِن رفعت الاسمين فهما مبتدآن على الْأَرْجَح أَو اسمان ل لَا الحجازية فَإِن قلت لَا زيد وَلَا عَمْرو فِي الدَّار تعين الأول لِأَن لَا إِنَّمَا تعْمل فِي النكرات فَإِن قلت لَا رجل فِي الدَّار تعين الثَّانِي لِأَن لَا إِذا لم تَتَكَرَّر يجب أَن تعْمل وَنَحْو {فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج} إِن فتحت الثَّلَاثَة فالظرف خبر للْجَمِيع عِنْد سِيبَوَيْهٍ ولواحد عِنْد غَيره وَيقدر للآخرين ظرفان وَلِأَن لَا المركبة عِنْد غَيره عاملة فِي الْخَبَر وَلَا يتوارد عاملان على مَعْمُول وَاحِد فَكيف عوامل وَإِن رفعت الْأَوَّلين فَإِن قدرت لَا مَعَهُمَا حجازية تعين عِنْد الْجَمِيع إِضْمَار خبرين إِن قدرت لَا الثَّانِيَة كالأولى وخبرا وَاحِدًا إِن قدرتها مُؤَكدَة لَهَا وقدرت الرّفْع بالْعَطْف وَإِنَّمَا وَجب التَّقْدِير فِي الْوَجْهَيْنِ لاخْتِلَاف خبري الحجازية والتبرئة بِالنّصب وَالرَّفْع فَلَا يكون خبر وَاحِد لَهما وَإِن قدرت الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ فيهمَا على أَنَّهُمَا مهملتان قدرت عِنْد غير سِيبَوَيْهٍ خَبرا وَاحِدًا للأولين أَو للثَّالِث كَمَا تقدر فِي زيد وَعَمْرو قَائِم خَبرا للْأولِ أَو للثَّانِي وَلم يحْتَج لذَلِك عِنْد سِيبَوَيْهٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 728 بَاب المنصوبات المتشابهة مَا يحْتَمل المصدرية والمفعولية من ذَلِك نَحْو {وَلَا تظْلمُونَ فتيلا} {وَلَا يظْلمُونَ نقيرا} أَي ظلما مَا أَو خيرا مَا أَي لَا ينقصونه مثل {وَلم تظلم مِنْهُ شَيْئا} وَمن ذَلِك {ثمَّ لم ينقصوكم شَيْئا} أَي نقصا أَو خيرا وَأما {وَلَا تضروه شَيْئا} فمصدر لِاسْتِيفَاء ضرّ مَفْعُوله وَأما {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} فشيء قبل ارتفاعه مصدر أَيْضا لَا مفعول بِهِ لِأَن عَفا لَا يتَعَدَّى مَا يحْتَمل المصدرية والظرفية والحالية من ذَلِك سرت طَويلا أَي سيرا طَويلا أَو زَمنا طَويلا أَو سرته طَويلا وَمِنْه {وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين غير بعيد} أَي إزلافا غير بعيد أَو زَمنا غير بعيد أَو أزلفته الْجنَّة أَي الإزلاف فِي حَالَة كَونه غير بعيد إِلَّا أَن هَذِه الْحَال مُؤَكدَة وَقد يَجْعَل حَالا من الْجنَّة فَالْأَصْل غير بعيدَة وَهِي أَيْضا حَال مُؤَكدَة وَيكون التَّذْكِير على هَذَا مثله فِي {لَعَلَّ السَّاعَة قريب} مَا يحْتَمل المصدرية والحالية جَاءَ زيد ركضا أَي يرْكض ركضا أَو عَامله جَاءَ على حد قعدت جُلُوسًا أَو التَّقْدِير جَاءَ راكضا وَهُوَ قَول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 729 سِيبَوَيْهٍ وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى {ائتيا طَوْعًا أَو كرها قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين} فَجَاءَت الْحَال فِي مَوضِع الْمصدر السَّابِق ذكره مَا يحْتَمل المصدرية والحالية وَالْمَفْعُول لأَجله من ذَلِك {يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا} أَي فتخافون خوفًا وتطمعون طَمَعا وَابْن مَالك يمْنَع حذف عَامل الْمصدر الْمُؤَكّد إِلَّا فِيمَا اسْتثْنى أَو خَائِفين وطامعين أَو لأجل الْخَوْف والطمع فَإِن قُلْنَا لَا يشْتَرط اتِّحَاد فاعلي الْفِعْل والمصدر الْمُعَلل وَهُوَ اخْتِيَار ابْن خروف فَوَاضِح وَإِن قيل باشتراطه فوجهه أَن يريكم بِمَعْنى يجعلكم ترَوْنَ وَالتَّعْلِيل بِاعْتِبَار الرُّؤْيَة لَا الإراءة أَو الأَصْل إخافة وإطماعا وَحذف الزَّوَائِد وَتقول جَاءَ زيد رَغْبَة أَي يرغب رَغْبَة أَو مَجِيء رَغْبَة أَو رَاغِبًا أَو للرغبة وَابْن مَالك يمْنَع الأول لما مر وَابْن الْحَاجِب يمْنَع الثَّانِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاج الْأَبْوَاب عَن حقائقها إِذْ يَصح فِي ضَربته يَوْم الْجُمُعَة أَن يقدر ضرب يَوْم الْجُمُعَة قلت وَهُوَ حذف بِلَا دَلِيل إِذْ لم تدع إِلَيْهِ ضَرُورَة وَقَالَ المتنبي 96 - (أبلى الْهوى أسفا يَوْم النَّوَى بدني ... ) وَالتَّقْدِير آسَف أسفا ثمَّ اعْترض بذلك بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ أَو إبلاء أَسف أَو لأجل الأسف فَمن لم يشْتَرط اتِّحَاد الْفَاعِل فَلَا إِشْكَال وَأما من اشْتَرَطَهُ فَهُوَ على إِسْقَاط لَام الْعلَّة توسعا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تَبْغُونَهَا عوجا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 730 أَو الِاتِّحَاد مَوْجُود تَقْديرا إِمَّا على أَن الْفِعْل الْمُعَلل مُطَاوع أبلى محذوفا أَي فبليت أسفا وَلَا تقدر فبلي بدني لِأَن الِاخْتِلَاف حَاصِل إِذْ الأسف فعل النَّفس لَا الْبدن أَو لِأَن الْهوى لما حصل بتسببه كَانَ كَأَنَّهُ قَالَ أبليت بالهوى بدني مَا يحْتَمل الْمَفْعُول بِهِ وَالْمَفْعُول مَعَه نَحْو أكرمتك وزيدا يجوز كَونه عطفا على الْمَفْعُول بِهِ وَكَونه مَفْعُولا مَعَه وَنَحْو أكرمتك وَهَذَا يحتملهما وَكَونه مَعْطُوفًا على الْفَاعِل لحُصُول الْفَصْل بالمفعول وَقد أُجِيز فِي حَسبك وزيدا دِرْهَم كَون زيد مَفْعُولا مَعَه وَكَونه مَفْعُولا بِهِ بإضمار يحْسب وَهُوَ الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَا يعْمل فِي الْمَفْعُول مَعَه إِلَّا مَا كَانَ من جنس مَا يعْمل فِي الْمَفْعُول بِهِ وَيجوز جَرّه فَقيل بالْعَطْف وَقيل بإضمار حسب أُخْرَى وَهُوَ الصَّوَاب وَرَفعه بِتَقْدِير حسب فحذفت وَخَلفهَا الْمُضَاف اليه وَرووا بالأوجه الثَّلَاثَة قَوْله 963 - (إِذا كَانَت الهيجاء وانشقت الْعَصَا ... فحسبك وَالضَّحَّاك سيف مهند) بَاب الِاسْتِثْنَاء يجوز فِي نَحْو مَا ضربت أحدا إِلَّا زيدا كَون زيد بَدَلا من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهُوَ أرجحها وَكَونه مَنْصُوبًا على الِاسْتِثْنَاء وَكَون إِلَّا وَمَا بعْدهَا نعتا وَهُوَ أضعفها وَمثله لَيْسَ زيد شَيْئا إِلَّا شَيْئا لَا يعبأ بِهِ فَإِن جِئْت مَا مَكَان لَيْسَ بَطل كَونه بَدَلا لِأَنَّهَا لَا تعْمل فِي الْمُوجب الحديث: 963 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 731 مَسْأَلَة يجوز فِي نَحْو قَامَ الْقَوْم حاشاك وحاشاه كَون الضَّمِير مَنْصُوبًا وَكَونه مجرورا فَإِن قلت حاشاي تعين الْجَرّ أَو حاشاني تعين النصب وَكَذَا القَوْل فِي خلا وَعدا مَسْأَلَة يجوز فِي نَحْو مَا أحد يَقُول ذَلِك إِلَّا زيد كَون زيد بَدَلا من أحد وَهُوَ الْمُخْتَار وَكَونه بَدَلا من ضَمِيره وَأَن ينصب على الِاسْتِثْنَاء فارتفاعه من وَجْهَيْن وانتصابه من وَجه فَإِن قلت مَا رَأَيْت أحدا يَقُول ذَلِك إِلَّا زيد فبالعكس وَمن مَجِيئه مَرْفُوعا قَوْله 964 - (فِي لَيْلَة لَا نرى بهَا أحدا ... يَحْكِي علينا إِلَّا كواكبها) وعَلى هُنَا بِمَعْنى عَن أَو ضمن يَحْكِي معنى ينم أَو يشنع مَا يحْتَمل الحالية والتمييز من ذَلِك كرم زيد ضيفا إِن قدرت أَن الضَّيْف غير زيد فَهُوَ تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل يمْتَنع أَن تدخل عَلَيْهِ من وَإِن قدر نَفسه احْتمل الْحَال والتمييز وَعند قصد التَّمْيِيز فَالْأَحْسَن إِدْخَال من وَمن ذَلِك هَذَا خَاتم حديدا والأرجح التَّمْيِيز للسلامة بِهِ من جمود الْحَال ولزومها أَي عدم انتقالها ووقوعها من نكرَة وَخير مِنْهُمَا الْخَفْض بِالْإِضَافَة من الْحَال مَا يحْتَمل كَونه من الْفَاعِل وَكَونه من الْمَفْعُول نَحْو ضربت الحديث: 964 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 732 زيدا ضَاحِكا وَنَحْو {وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة} وتجويز الزَّمَخْشَرِيّ الْوَجْهَيْنِ فِي {ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة} وهم لِأَن كَافَّة مُخْتَصّ بِمن يعقل ووهمه فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} إِذْ قدر كَافَّة نعتا لمصدر مَحْذُوف أَي إرسالة كَافَّة أَشد لِأَنَّهُ أضَاف إِلَى اسْتِعْمَاله فِيمَا لَا يعقل إِخْرَاجه عَمَّا الْتزم فِيهِ من الحالية ووهمه فِي خطْبَة الْمفصل إِذْ قَالَ مُحِيط بكافة الْأَبْوَاب أَشد وَأَشد لإخراجه إِيَّاه عَن النصب الْبَتَّةَ من الْحَال مَا يحْتَمل بِاعْتِبَار عَامله وَجْهَيْن نَحْو {وَهَذَا بعلي شَيخا} يحْتَمل أَن عَامله معنى التَّنْبِيه أَو معنى الاشارة وعَلى الأول فَيجوز هَا قَائِما ذَا زيد قَالَ 965 - (هابينا ذَا صَرِيح النصح فاصغ لَهُ ... ) وعَلى الثَّانِي يمْتَنع وَأما التَّقْدِيم عَلَيْهِمَا مَعًا فَيمْتَنع على كل تَقْدِير من الْحَال مَا يحْتَمل التَّعَدُّد والتداخل نَحْو جَاءَ زيد رَاكِبًا ضَاحِكا فالتعدد على أَن يكون عاملهما جَاءَ وصاحبهما زيد والتداخل على أَن الأولى من زيد وعاملها جَاءَ وَالثَّانيَِة من ضمير الأولى وَهِي الْعَامِل وَذَلِكَ وَاجِب عِنْد من منع تعدد الْحَال وَأما لَقيته مصعدا منحدرا فَمن التَّعَدُّد لَكِن مَعَ اخْتِلَاف الصاحب ويستحيل التَّدَاخُل وَيجب كَون الأولى من الْمَفْعُول وَالثَّانيَِة من الْفَاعِل تقليلا للفصل وَلَا يحمل على الْعَكْس إِلَّا بِدَلِيل كَقَوْلِه الحديث: 965 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 733 966 - (خرجت بهَا أَمْشِي تجر وَرَاءَنَا ... ) وَمن الأول قَوْله 967 - (عهِدت سعاد ذَات هوى معنى ... فزدت وَعَاد سلوانا هَواهَا) بَاب اعراب الْفِعْل مَسْأَلَة مَا تَأْتِينَا فتحدثنا لَك رفع تحدث على الْعَطف فَيكون شَرِيكا فِي النَّفْي أَو الِاسْتِئْنَاف فَتكون مثبتا أَي فَأَنت تحدثنا الْآن بَدَلا عَن ذَلِك ونصبه بإضمار أَن وَله مَعْنيانِ نفي السَّبَب فَيَنْتَفِي الْمُسَبّب وَنفي الثَّانِي فَقَط فَإِن جِئْت ب لن مَكَان مَا فللنصب وَجْهَان إِضْمَار أَن والعطف وللرفع وَجه وَهُوَ الْقطع وَإِن جِئْت ب لم فللنصب وَجه وَهُوَ إِضْمَار أَن وللرفع وَجه وَهُوَ الِاسْتِئْنَاف وَلَك الْجَزْم بالْعَطْف فَإِن قلت مَا أَنْت آتٍ فتحدثنا فَلَا جزم وَلَا رفع بالْعَطْف لعدم تقدم الْفِعْل وَإِنَّمَا هُوَ على الْقطع مَسْأَلَة هَل تَأتِينِي فأكرمك الرّفْع على وَجْهَيْن وَالنّصب على الْإِضْمَار وَهل زيد أَخُوك فتكرمه لَا يرفع على الْعَطف بل على الِاسْتِئْنَاف وَهل لَك الْتِفَات إِلَيْهِ فتكرمه الرّفْع على الِاسْتِئْنَاف وَالنّصب إِمَّا على الْجَواب أَو على الْعَطف على الْتِفَات وإضمار أَن وَاجِب على الأول وَجَائِز على الثَّانِي وكالمثال سَوَاء {فَلَو أَن لنا كرة فنكون} إِن سلم كَون لَو لِلتَّمَنِّي الحديث: 966 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 734 مَسْأَلَة لَيْتَني أجد مَالا فأنفق مِنْهُ الرّفْع على وَجْهَيْن وَالنّصب على إِضْمَار أَن وليت لي مَالا فأنفق مِنْهُ يمْتَنع الرّفْع على الْعَطف مَسْأَلَة ليقمْ زيد فنكرمه الرّفْع على الْقطع والجزم بالْعَطْف وَالنّصب على الْإِضْمَار مَسْأَلَة نَحْو {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا} يحْتَمل الْجَزْم بالْعَطْف وَالنّصب على الْإِضْمَار مثل {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فَتكون لَهُم قُلُوب} وَنَحْو {وَإِن تؤمنوا وتتقوا يُؤْتكُم أجوركم} يحْتَمل تتقوا الْجَزْم بالْعَطْف وَهُوَ الرَّاجِح وَالنّصب بإضمار أَن على حد قَوْله 968 - (وَمن يقترب منا ويخضع نؤوه ... ) بَاب الْمَوْصُول مَسْأَلَة يجوز فِي نَحْو مَاذَا صنعت وماذا صَنعته مَا مضى شَرحه وَقَوله تَعَالَى {مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين} مَاذَا مفعول مُطلق لَا مفعول بِهِ الحديث: 968 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 735 لِأَن أجَاب لَا يتَعَدَّى إِلَى الثَّانِي بِنَفسِهِ بل بِالْبَاء وَإِسْقَاط الْجَار لَيْسَ بِقِيَاس وَلَا يكون مَاذَا مُبْتَدأ وخبرا لِأَن التَّقْدِير حِينَئِذٍ مَا الَّذِي أجبتم بِهِ ثمَّ حذف الْعَائِد الْمَجْرُور من غير شَرط حذفه وَالْأَكْثَر فِي نَحْو من ذَا لقِيت كَون ذَا للاشارة خَبرا وَلَقِيت جملَة حَالية ويقل كَون ذَا مَوْصُولَة وَلَقِيت صلَة وَبَعْضهمْ لَا يُجِيزهُ وَمن الْكثير {من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده} إِذْ لَا يدْخل مَوْصُول على مَوْصُول إِلَّا شاذا كَقِرَاءَة زيد بن عَليّ {وَالَّذين من قبلكُمْ} بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام مَسْأَلَة {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} مَا مَصْدَرِيَّة أَي بِالْأَمر أَو مَوْصُول اسْمِي أَي بِالَّذِي تؤمره على حد قَوْلهم 969 - (أَمرتك الْخَيْر ... ) وَأما من قَالَ أَمرتك بِكَذَا وَهُوَ الْأَكْثَر فيشكل لِأَن شَرط حذف الْعَائِد الْمَجْرُور بالحرف أَن يكون الْمَوْصُول مخفوضا بِمثلِهِ معنى ومتعلقا نَحْو {وَيشْرب مِمَّا تشربون} أَي مِنْهُ وَقد يُقَال إِن اصدع بِمَعْنى اؤمر وَأما {فَمَا كَانُوا ليؤمنوا بِمَا كذبُوا} فِي الْأَعْرَاف فَيحْتَمل أَن يكون الأَصْل بِمَا كذبوه فَلَا إِشْكَال أَو بِمَا كذبُوا بِهِ الحديث: 969 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 736 وَيُؤَيِّدهُ التَّصْرِيح بِهِ فِي سُورَة يُونُس وَإِنَّمَا جَازَ مَعَ اخْتِلَاف الْمُتَعَلّق لِأَن {مَا كَانُوا ليؤمنوا} بِمَنْزِلَة كذبُوا فِي الْمَعْنى وَأما {ذَلِك الَّذِي يبشر الله عباده} فَقيل الَّذِي مَصْدَرِيَّة أَي ذَلِك تبشير الله وَقيل الأَصْل يبشر بِهِ ثمَّ حذف الْجَار توسعا فانتصب الضَّمِير ثمَّ حذف مَسْأَلَة يجوز فِي نَحْو {تَمامًا على الَّذِي أحسن} كَون الَّذِي مَوْصُولا اسميا فَيحْتَاج إِلَى تَقْدِير عَائِد أَي زِيَادَة على الْعلم الَّذِي أحْسنه وَكَونه مَوْصُولا حرفيا فَلَا يحْتَاج لعائد أَي تَمامًا على إحسانه وَكَونه نكرَة مَوْصُوفَة فَلَا يحْتَاج إِلَى صلَة وَيكون أحسن حِينَئِذٍ اسْم تَفْضِيل لَا فعلا مَاضِيا وفتحته إِعْرَاب لَا بِنَاء وَهِي عَلامَة الْجَرّ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كوفيان وَبَعض الْبَصرِيين يُوَافق على الثَّانِي مَسْأَلَة نَحْو أعجبني مَا صنعت يجوز فِيهِ كَون مَا بِمَعْنى الَّذِي وَكَونهَا نكرَة مَوْصُوفَة وَعَلَيْهِمَا فالعائد مَحْذُوف وَكَونهَا مَصْدَرِيَّة فَلَا عَائِد وَنَحْو {حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} يحْتَمل الموصولة والموصوفة دون المصدرية لِأَن الْمعَانِي لَا ينْفق مِنْهَا وَكَذَا {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} فَإِن ذهبت إِلَى تَأْوِيل مَا تحبون وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 737 رَزَقْنَاهُمْ بالحب والرزق وَتَأْويل هذَيْن بالمحبوب والمرزوق فقد تعسفت عَن غير محوج إِلَى ذَلِك وَقَالَ أَبُو حَيَّان لم يثبت مَجِيء مَا نكرَة مَوْصُوفَة وَلَا دَلِيل فِي مَرَرْت بِمَا معجب لَك لاحْتِمَال الزِّيَادَة وَلَو ثَبت نَحْو سرني مَا معجب لَك لثبت ذَلِك انْتهى وَلَا أعلمهم زادوا مَا بعد الْبَاء إِلَّا وَمَعْنَاهَا السَّبَبِيَّة نَحْو {فبمَا نقضهم ميثاقهم لعناهم} {فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم} مَسْأَلَة إِذا قلت أعجبني من جَاءَك احْتمل كَون من مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة وَقد جوزا فِي {وَمن النَّاس من يَقُول} وَضعف أَبُو الْبَقَاء الموصولة لِأَنَّهَا تتَنَاوَل قوما بأعيانهم وَالْمعْنَى على الْإِبْهَام وَأجِيب بِأَنَّهَا نزلت فِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه بَاب التوابع مَسْأَلَة نَحْو {آمنا بِرَبّ الْعَالمين رب مُوسَى وَهَارُون} يحْتَمل بدل الْكل من الْكل وَعطف الْبَيَان وَمثله {نعْبد إلهك وإله آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق} {فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ أَنا دمرناهم} فِيمَن فتح الْهمزَة وَيحْتَمل هَذَا تَقْدِير مُبْتَدأ أَيْضا أَي هِيَ أَنا دمرناهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 738 مَسْأَلَة نَحْو {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} يجوز فِيهِ كَون الْأَعْلَى صفة للاسم أوصفة للرب وَأما نَحْو جَاءَنِي غُلَام زيد الظريف فالصفة للمضاف وَلَا تكون للمضاف إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيل لِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لغَرَض التَّخْصِيص وَلم يُؤْت بِهِ لذاته وَعَكسه 970 - ( ... وكل فَتى يَتَّقِي فائز) فالصفة للمضاف إِلَيْهِ لِأَن الْمُضَاف إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لقصد التَّعْمِيم لَا للْحكم عَلَيْهِ وَلذَلِك ضعف قَوْله 97 - (وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ ... لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان) مَسْأَلَة نَحْو {هدى لِلْمُتقين الَّذين يُؤمنُونَ} ومررت بِالرجلِ الَّذِي فعل يجوز فِي الْمَوْصُول أَن يكون تَابعا أَو بإضمار أَعنِي أَو أمدح أَو هُوَ وعَلى التّبعِيَّة فَهُوَ نعت لَا بدل إِلَّا إِذا تعذر نَحْو {ويل لكل همزَة لُمزَة الَّذِي جمع مَالا} لِأَن النكرَة لَا تُوصَف بالمعرفة بَاب حُرُوف الْجَرّ مَسْأَلَة نَحْو زيد كعمرو تحْتَمل الْكَاف فِيهِ عِنْد المعربين الحرفية فتتعلق الحديث: 970 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 739 باستقرار وَقيل لَا تتَعَلَّق والاسمية فَتكون مَرْفُوعَة الْمحل وَمَا بعْدهَا جر بِالْإِضَافَة وَلَا تَقْدِير بالِاتِّفَاقِ وَنَحْو جَاءَ الَّذِي كزيد تتَعَيَّن الحرفية لِأَن الْوَصْل بالمتضايقين مُمْتَنع مَسْأَلَة زيد على السَّطْح يحْتَمل على الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِمَا فَهِيَ مُتَعَلقَة باستقرار مَحْذُوف مَسْأَلَة قيل فِي نَحْو {وَالضُّحَى وَاللَّيْل} إِن الْوَاو تحْتَمل العاطفة والقسمية وَالصَّوَاب الأول وَإِلَّا لاحتاج كل إِلَى الْجَواب وَمِمَّا يُوضحهُ الْفَاء فِي أَوَائِل سورتي المرسلات والنازعات بَاب فِي مسَائِل مُفْردَة مَسْأَلَة نَحْو {يسبح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} فِيمَن فتح الْبَاء يحْتَمل كَون النَّائِب عَن الْفَاعِل الظّرْف الأول وَهُوَ الأولى أَو الثَّانِي أَو الثَّالِث وَنَحْو {ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 740 ) النَّائِب الظّرْف أَو الْوَصْف وَفِي هَذَا ضعف لضعف قَوْلهم وسير عَلَيْهِ طَوِيل مَسْأَلَة تجلى الشَّمْس يحْتَمل كَون تجلى مَاضِيا تركت التَّاء من آخِره لمجازية التَّأْنِيث وَكَونه مضارعا أَصله تتجلى ثمَّ حذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ على حد قَوْله تَعَالَى {نَارا تلظى} وَلَا يجوز فِي هَذَا كَونه مَاضِيا وَإِلَّا لقيل تلظت لِأَن التَّأْنِيث وَاجِب مَعَ الْمجَازِي إِذا كَانَ ضميرا مُتَّصِلا وَبِمَا ذكرنَا من الْوَجْهَيْنِ فِي الْمِثَال الأول تعلم فَسَاد قَول من اسْتدلَّ على جَوَاز نَحْو قَائِم هِنْد فِي الشّعْر بقوله 97 - (تمنى ابنتاي أَن يعِيش أَبوهُمَا ... ) لجَوَاز أَن يكون أَصله تتمنى الْجِهَة السَّادِسَة أَلا يُرَاعِي الشُّرُوط الْمُخْتَلفَة بِحَسب الْأَبْوَاب فَإِن الْعَرَب يشترطون فِي بَاب شَيْئا ويشترطون فِي آخر نقيض ذَلِك الشَّيْء على مَا اقتضته حِكْمَة لغتهم وصحيح أقيستهم فَإِذا لم يتَأَمَّل المعرب اخْتلطت عَلَيْهِ الْأَبْوَاب والشرائط فلنورد أنواعا من ذَلِك مشيرين إِلَى بعض مَا وَقع فِيهِ الْوَهم للمعربين النَّوْع الأول اشتراطهم الجمود لعطف الْبَيَان والاشتقاق للنعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 741 وَمن الْوَهم فِي الأول قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {ملك النَّاس إِلَه النَّاس} إنَّهُمَا عطفا بَيَان وَالصَّوَاب أَنَّهُمَا نعتان وَقد يُجَاب بِأَنَّهُمَا أجريا مجْرى الجوامد إِذْ يستعملان غير جاريين على مَوْصُوف وتجري عَلَيْهِمَا الصِّفَات نَحْو قَوْلنَا إِلَه وَاحِد وَملك عَظِيم وَمن الْخَطَأ فِي الثَّانِي قَول كثير من النَّحْوِيين فِي نَحْو مَرَرْت بِهَذَا الرجل إِن الرجل نعت قَالَ ابْن مَالك أَكثر الْمُتَأَخِّرين يُقَلّد بَعضهم بَعْضًا فِي ذَلِك وَالْحَامِل لَهُم عَلَيْهِ توهمهم أَن عطف الْبَيَان لَا يكون إِلَّا أخص من متبوعه وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ فِي الجوامد بِمَنْزِلَة النَّعْت فِي الْمُشْتَقّ وَلَا يمْتَنع كَون المنعوت أخص من النَّعْت وَقد هدي ابْن السَّيِّد إِلَى الْحق فِي الْمَسْأَلَة فَجعل ذَلِك عطفا لَا نعتا وَكَذَا ابْن جني اه قلت وَكَذَا الزّجاج والسهيلي قَالَ السُّهيْلي واما تَسْمِيَة سِيبَوَيْهٍ لَهُ نعتا فتسامح كَمَا سمى التوكيد وَعطف الْبَيَان صفة وَزعم ابْن عُصْفُور أَن النَّحْوِيين أَجَازُوا فِي ذَلِك الصّفة وَالْبَيَان ثمَّ استشكله بِأَن الْبَيَان أعرف من الْمُبين وَهُوَ جامد والنعت دون المنعوت أَو مسَاوٍ لَهُ وَهُوَ مُشْتَقّ أَو فِي تَأْوِيله فَكيف يجْتَمع فِي الشَّيْء أَن يكون بَيَانا ونعتا وَأجَاب بِأَنَّهُ إِذا قدر نعتا فَاللَّام فِيهِ للْعهد وَالِاسْم مؤول بِقَوْلِك الْحَاضِر أَو الْمشَار إِلَيْهِ وَإِذا قدر بَيَانا فَاللَّام لتعريف الْحُضُور فيساوي الْإِشَارَة بذلك وَيزِيد عَلَيْهَا بإفادته الْجِنْس الْمعِين فَكَانَ أخص قَالَ وَهَذَا معنى قَول سِيبَوَيْهٍ اهـ وَفِيمَا قَالَه نظر لِأَن الَّذِي يؤوله النحويون بالحاضر والمشار إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ اسْم الْإِشَارَة نَفسه إِذا وَقع نعتا ك مَرَرْت بزيد هَذَا فَأَما نعت اسْم الْإِشَارَة فَلَيْسَ ذَلِك مَعْنَاهُ وَإِنَّمَا هُوَ معنى مَا قبله فَكيف يَجْعَل معنى مَا قبله تَفْسِيرا لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 742 وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي {ذَلِكُم الله ربكُم} يجوز كَون اسْم الله تَعَالَى صفة للاشارة أَو بَيَانا وربكم الْخَيْر فجوز فِي الشَّيْء الْوَاحِد الْبَيَان وَالصّفة وَجوز كَون الْعلم نعتا وَإِنَّمَا الْعلم ينعَت وَلَا ينعَت بِهِ وَجوز نعت الْإِشَارَة بِمَا لَيْسَ مُعَرفا بلام الْجِنْس وَذَلِكَ مِمَّا أَجمعُوا على بُطْلَانه النَّوْع الثَّانِي اشتراطهم التَّعْرِيف لعطف الْبَيَان ولنعت الْمعرفَة والتنكير للْحَال والتمييز وأفعل من ونعت النكرَة وَمن الْوَهم فِي الأول قَول جمَاعَة فِي صديد من {مَاء صديد} وَفِي طَعَام مَسَاكِين من {كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين} فِيمَن نون كَفَّارَة إنَّهُمَا عطفا بَيَان وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ معترض على قَول الْبَصرِيين وَمن وافقهم فَيجب عِنْدهم فِي ذَلِك أَن يكون بَدَلا وَأما الْكُوفِيُّونَ فيرون أَن عطف الْبَيَان فِي الجوامد كالنعت فِي المشتقات فَيكون فِي المعارف والنكرات وَقَول بَعضهم فِي ناقع من قَول النَّابِغَة 973 - ( ... من الرقش فِي أنيابها السم ناقع) إِنَّه نعت للسم وَالصَّوَاب أَنه خبر للسم والظرف مُتَعَلق بِهِ أَو خبر ثَان وَلَيْسَ من ذَلِك قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {شَدِيد الْعقَاب} إِنَّه يجوز كَونه صفة لاسم الله تَعَالَى فِي أَوَائِل سُورَة الْمُؤمن وَإِن كَانَ من بَاب الصّفة المشبهة الحديث: 973 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 743 وإضافتها لَا تكون إِلَّا فِي تَقْدِير الِانْفِصَال أَلا ترى أَن {شَدِيد الْعقَاب} مَعْنَاهُ شَدِيد عِقَابه وَلِهَذَا قَالُوا كل شَيْء إِضَافَته غير مَحْضَة فَإِنَّهُ يجوز أَن تصير إِضَافَته مَحْضَة إِلَّا الصّفة المشبهة لِأَنَّهُ جعله على تَقْدِير ال وَجعل سَبَب حذفهَا إِرَادَة الازدواج وَأَجَازَ وصفيته أَيْضا أَبُو الْبَقَاء لَكِن على أَن شَدِيدا بِمَعْنى مشدد كَمَا أَن الأذين فِي معنى الْمُؤَذّن فَأخْرجهُ بالتأويل من بَاب الصّفة المشبهة إِلَى بَاب اسْم الْفَاعِل وَالَّذِي قدمه الزَّمَخْشَرِيّ أَنه وَجَمِيع مَا قبله أبدال أما أَنه بدل فلتنكيره وَكَذَا المضافان قبله وَإِن كَانَا من بَاب اسْم الْفَاعِل لِأَن المُرَاد بهما الْمُسْتَقْبل وَأما الْبَوَاقِي فللتناسب ورد على الزّجاج فِي جعله {شَدِيد الْعقَاب} بَدَلا وَمَا قبله صِفَات وَقَالَ فِي جعله بَدَلا وَحده من بَين الصِّفَات نبو ظَاهر وَمن ذَلِك قَول الجاحظ فِي بَيت الْأَعْشَى 974 - (وَلست بِالْأَكْثَرِ مِنْهُم حَصى ... ) إِنَّه يبطل قَول النَّحْوِيين لَا تَجْتَمِع ال وَمن فِي اسْم التَّفْضِيل فَجعل كلا من ال وَمن معتدا بِهِ جَارِيا على ظَاهره وَالصَّوَاب أَن تقدر ال زَائِدَة أَو معرفَة وَمن مُتَعَلقَة بِأَكْثَرَ مُنْكرا محذوفا مبدلا من الْمَذْكُور أَو بالمذكور على أَنَّهَا بمنزلتها فِي قَوْلك أَنْت مِنْهُم الْفَارِس البطل أَي أَنْت من بَينهم وَقَول بَعضهم إِنَّهَا مُتَعَلقَة بليس قد يرد بِأَنَّهَا لَا تدل على الْحَدث عِنْد من قَالَ فِي أخواتها إِنَّهَا تدل عَلَيْهِ الحديث: 974 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 744 وَلِأَن فِيهِ فصلا بَين أفعل وتمييزه بالأجنبي وَقد يُجَاب بِأَن الظّرْف يتَعَلَّق بالوهم وَفِي لَيْسَ رَائِحَة قَوْلك انْتَفَى وَبِأَن فصل التَّمْيِيز قد جَاءَ فِي الضَّرُورَة فِي قَوْله 975 - (على أنني بعد مَا قد مضى ... ثَلَاثُونَ للهجر حولا كميلا) وأفعل أقوى فِي الْعَمَل من ثَلَاثُونَ وَمن الْوَهم فِي الثَّانِي قَول مكي فِي قِرَاءَة ابْن أبي عبلة {فَإِنَّهُ آثم قلبه} بِالنّصب إِن قلبه تَمْيِيز وَالصَّوَاب أَنه مشبه بالمفعول بِهِ كحسن وَجهه أَو بدل من اسْم أَن وَقَول الْخَلِيل والأخفش والمازني فِي إيَّايَ وَإِيَّاك وإياه إِن إيا ضمير أضيف إِلَى ضمير فحكموا للضمير بالحكم الَّذِي لَا يكون إِلَّا للنكرات وَهُوَ الْإِضَافَة وَقَول بَعضهم فِي {لَا إِلَه إِلَّا الله} إِن اسْم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خبر لَا التبرئة وَيَردهُ أَنَّهَا لَا تعْمل إِلَّا فِي نكرَة منفية وَاسم الله تَعَالَى معرفَة مُوجبَة نعم يَصح أَن يُقَال إِنَّه خبر ل لَا مَعَ اسْمهَا فَإِنَّهُمَا فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَزعم أَن المركبة لَا تعْمل فِي الْخَبَر لِضعْفِهَا بالتركيب عَن أَن تعْمل فِيمَا تبَاعد مِنْهَا وَهُوَ الْخَبَر كَذَا قَالَ ابْن مَالك وَالَّذِي عِنْدِي أَن سِيبَوَيْهٍ يرى أَن المركبة لَا تعْمل فِي الِاسْم أَيْضا لِأَن جُزْء الشَّيْء لَا يعْمل فِيهِ وَأما لَا رجل ظريفا بِالنّصب فَإِنَّهُ عِنْد سِيبَوَيْهٍ مثل يَا زيد الْفَاضِل بِالرَّفْع وَكَذَا الْبَحْث فِي {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} للتعريف والإيجاب أَيْضا وَفِي لَا إِلَه إِلَّا إِلَه وَاحِد للْإِيجَاب وَإِذا قيل لَا مُسْتَحقّا لِلْعِبَادَةِ إِلَّا إِلَه وَاحِد أَو إِلَّا الله لم يتَّجه الِاعْتِذَار الْمُتَقَدّم لِأَن لَا فِي ذَلِك عاملة الحديث: 975 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 745 فِي الِاسْم وَالْخَبَر لعدم التَّرْكِيب وَزعم الْأَكْثَرُونَ أَن الْمُرْتَفع بعد إِلَّا فِي ذَلِك كُله بدل من مَحل اسْم لَا كَمَا فِي قَوْلك مَا جَاءَنِي من أحد إِلَّا زيد وَيشكل على ذَلِك أَن الْبَدَل لَا يصلح هُنَا لحلوله مَحل الأول وَقد يُجَاب بِأَنَّهُ بدل من الِاسْم مَعَ لَا فانهما كالشيء الْوَاحِد وَيصِح أَن يخلفهما وَلَكِن يذكر الْخَبَر حِينَئِذٍ فَيُقَال الله مَوْجُود وَقيل هُوَ بدل من ضمير الْخَبَر الْمَحْذُوف وَلم يتَكَلَّم الزَّمَخْشَرِيّ فِي كشافه على الْمَسْأَلَة اكْتِفَاء بتأليف مُفْرد لَهُ فِيهَا وَزعم فِيهِ أَن الأَصْل الله إِلَه الْمعرفَة مُبْتَدأ والنكرة خبر على الْقَاعِدَة ثمَّ قدم الْخَبَر ثمَّ أَدخل النَّفْي على الْخَبَر والإيجاب على الْمُبْتَدَأ وَركبت لَا مَعَ الْخَبَر فَيُقَال لَهُ فَمَا تَقول فِي نَحْو لَا طالعا جبلا إِلَّا زيد لم انتصب خبر الْمُبْتَدَأ فان قَالَ إِن لَا عاملة عمل لَيْسَ فَذَلِك مُمْتَنع لتقدم الْخَبَر ولانتفاض النَّفْي ولتعريف أحد الجزأين فَأَما قَوْله يجب كَون الْمعرفَة الْمُبْتَدَأ فقد مر أَن الْإِخْبَار عَن النكرَة المخصصة الْمُقدمَة بالمعرفة جَائِز نَحْو {إِن أول بَيت وضع للنَّاس للَّذي ببكة} وَمن ذَلِك قَول الْفَارِسِي فِي مَرَرْت بِرَجُل مَا شِئْت من رجل إِن مَا مَصْدَرِيَّة وَإِنَّهَا وصلتها صفة لرجل وَتَبعهُ على ذَلِك صَاحب الترشيح قَالَ وَمثله قَوْله تَعَالَى {فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك} أَي فِي أَي صُورَة مَشِيئَته أَي يشاؤها وَقَول أبي الْبَقَاء فِي (تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله) إِن أَن وصلتها بدل من سَوَاء وَبدل الصّفة صفة والحرف المصدري وصلته فِي نَحْو ذَلِك معرفَة فَلَا يَقع صفة للنكرة وَقَول بَعضهم فِي {ويل لكل همزَة لُمزَة الَّذِي جمع} إِن الَّذِي صفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 746 وَالصَّوَاب أَن مَا فِي الْمِثَال شَرْطِيَّة حذف جوابها أَي فَهُوَ كَذَلِك وَالصّفة الجملتان مَعًا وَأما الْآيَة الأولى فَقَالَ أَبُو الْبَقَاء مَا شَرْطِيَّة أَو زَائِدَة وَعَلَيْهِمَا فالجملة صفة لصورة والعائد مَحْذُوف أَي عَلَيْهَا وَفِي مُتَعَلقَة بركبك انْتهى كَلَامه وَكَانَ حَقه إِذْ علق فِي ب ركبك وَقَالَ الْجُمْلَة صفة أَن يقطع بِأَن مَا زَائِدَة إِذْ لَا يتَعَلَّق الشَّرْط الْجَازِم بجوابه وَلَا تكون جملَة الشَّرْط وَحدهَا صفة وَالصَّوَاب أَن يُقَال إِن قدرت مَا زَائِدَة فالصفة جملَة شَاءَ وَحدهَا وَالتَّقْدِير شاءها وَفِي مُتَعَلقَة بركبك أَو باستقرار مَحْذُوف هُوَ حَال من مَفْعُوله أَو ب عدلك أَي وضعك فِي صُورَة أَي صُورَة وَإِن قدرت مَا شَرْطِيَّة فالصفة مَجْمُوع الجملتين والعائد مَحْذُوف أَيْضا وَتَقْدِيره عَلَيْهَا وَتَكون فِي حِينَئِذٍ مُتَعَلقَة بعدلك أَي عدلك فِي صُورَة أَي صُورَة ثمَّ استؤنف مَا بعده وَالصَّوَاب فِي الْآيَة الثَّانِيَة أَنَّهَا على تَقْدِير مُبْتَدأ وَفِي الثَّالِثَة أَن الَّذِي بدل أَو صفة مَقْطُوعَة بِتَقْدِير هُوَ أَو أَذمّ أَو أَعنِي هَذَا هُوَ الصَّوَاب خلافًا لمن أجَاز وصف النكرَة بالمعرفة مُطلقًا وَلمن أجَازه بِشَرْط وصف النكرَة أَولا بنكرة وَهُوَ قَول الْأَخْفَش زعم أَن الأوليان صفة لآخران فِي {فآخران يقومان مقامهما} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 747 الْآيَة لوصفهما بيقومان وَكَذَا قَالَ بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {إِن الله لَا يحب كل مختال فخور} وَمن ذَلِك قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة أَن تقوموا لله} إِن أَن تقوموا عطف بَيَان على وَاحِدَة وَفِي {مقَام إِبْرَاهِيم} إِنَّه عطف بَيَان على {آيَات بَيِّنَات} مَعَ اتِّفَاق النَّحْوِيين على أَن الْبَيَان والمبين لَا يتخالفان تعريفا وتنكيرا وَقد يكون عبر عَن الْبَدَل بعطف الْبَيَان لتآخيهما وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي {أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من وجدكم} إِن من وجدكم عطف بَيَان لقَوْله تَعَالَى {من حَيْثُ سكنتم} وَتَفْسِير لَهُ قَالَ وَمن تبعيضية حذف مبعضها أَي أسكنوهن مَكَانا من مَسَاكِنكُمْ مِمَّا تطيقون اه وَإِنَّمَا يُرِيد الْبَدَل لِأَن الْخَافِض لَا يُعَاد إِلَّا مَعَه وَهَذَا إِمَام الصِّنَاعَة سِيبَوَيْهٍ يُسَمِّي التوكيد صفة وَعطف الْبَيَان صفة كَمَا مر النَّوْع الثَّالِث اشتراطهم فِي بعض مَا التَّعْرِيف شَرطه تعريفا خَاصّا كمنع الصّرْف اشترطوا لَهُ تَعْرِيف العلمية أَو شبها كَمَا فِي أجمع وكنعت الْإِشَارَة وَأي فِي النداء اشترطوا لَهما تَعْرِيف اللَّام الجنسية وَكَذَا تَعْرِيف فاعلي نعم وَبئسَ لَكِنَّهَا تكون مُبَاشرَة لَهُ أَو لما أضيف إِلَيْهِ بِخِلَاف مَا تقدم فشرطها الْمُبَاشرَة لَهُ وَمن الْوَهم فِي ذَلِك قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي قِرَاءَة ابْن أبي عبلة {إِن ذَلِك لحق تخاصم أهل النَّار} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 748 ) بِنصب تخاصم إِنَّه صفة للاشارة وَقد مضى أَن جمَاعَة من الْمُحَقِّقين اشترطوا فِي نعت الْإِشَارَة الِاشْتِقَاق كَمَا اشترطوا فِي غَيره من النعوت وَلَا يكون التخاصم أَيْضا عطف بَيَان لِأَن الْبَيَان يشبه الصّفة فَكَمَا لَا تُوصَف الْإِشَارَة إِلَّا بِمَا فِيهِ ال كَذَلِك مَا يعْطف عَلَيْهَا وَلِهَذَا منع أَبُو الْفَتْح فِي {وَهَذَا بعلي شَيخا} فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود بِرَفْع شيخ كَون بعلي عطف بَيَان وَأوجب كَونه خَبرا وَشَيخ إِمَّا خبر ثَان أَو خبر لمَحْذُوف أَو بدل من بعلي أَو بعلي بدل وَشَيخ الْخَبَر وَنَظِير منع أبي الْفَتْح مَا ذكرنَا منع ابْن السَّيِّد فِي كتاب الْمسَائِل والأجوبة وَابْن مَالك فِي التسهيل كَون عطف الْبَيَان تَابعا للمضمر لِامْتِنَاع ذَلِك فِي النَّعْت وَلَكِن أجَاز سِيبَوَيْهٍ يَا هَذَانِ زيد وَعَمْرو على عطف الْبَيَان وَتَبعهُ الزيَادي فَأجَاز مَرَرْت بِهَذَيْنِ الطَّوِيل والقصير على الْبَيَان وَأَجَازَهُ على الْبَدَل أَيْضا وَلم يجزه على النَّعْت لِأَن نعت الْإِشَارَة لَا يكون إِلَّا طبقها فِي اللَّفْظ وَمِمَّنْ نَص على منع النَّعْت فِي هَذَا سِيبَوَيْهٍ والمبرد والزجاج وَهُوَ مُقْتَضى الْقيَاس وَمنع سِيبَوَيْهٍ فِيهَا مُخَالف لإجازته فِي النداء النَّوْع الرَّابِع اشْتِرَاط الْإِبْهَام فِي بعض الْأَلْفَاظ كظروف الْمَكَان والاختصاص فِي بَعْضهَا كالمبتدآت وَأَصْحَاب الْأَحْوَال وَمن الْوَهم فِي الأول قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {فاستبقوا الصِّرَاط} وَفِي {سنعيدها سيرتها الأولى} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 749 ) وَقَول ابْن الطراوة فِي قَوْله 976 - ( ... كَمَا عسل الطَّرِيق الثَّعْلَب) وَقَول جمَاعَة فِي دخلت الدَّار أَو الْمَسْجِد أَو السُّوق إِن هَذِه المنصوبات ظروف وَإِنَّمَا يكون ظرفا مكانيا مَا كَانَ مُبْهما وَيعرف بِكَوْنِهِ صَالحا لكل بقْعَة كمكان وناحية وجهة وجانب وأمام وَخلف وَالصَّوَاب أَن هَذِه الْمَوَاضِع على إِسْقَاط الْجَار توسعا وَالْجَار الْمُقدر إِلَى فِي {سنعيدها سيرتها الأولى} وَفِي فِي الْبَيْت وَفِي أَو إِلَى فِي الْبَاقِي وَيحْتَمل أَن استبقوا ضمن معنى تبَادرُوا وَقد أُجِيز الْوَجْهَانِ فِي {فاستبقوا الْخيرَات} وَيحْتَمل سيرتها أَن يكون بَدَلا من ضمير الْمَفْعُول بدل اشْتِمَال أَي سنعيدها طريقتها وَمن ذَلِك قَول الزّجاج فِي {واقعدوا لَهُم كل مرصد} إِن كلا ظرف ورده أَبُو عَليّ فِي الأغفال بِمَا ذكرنَا وَأجَاب أَبُو حَيَّان بِأَن اقعدوا لَيْسَ على حَقِيقَته بل مَعْنَاهُ أرصدوهم كل مرصد وَيصِح أرصدوهم كل مرصد فَكَذَا يَصح قعدت كل مرصد قَالَ وَيجوز قعدت مجْلِس زيد كَمَا يجوز قعدت مَقْعَده اهـ وَهَذَا مُخَالف لكلامهم إِذْ اشترطوا توَافق مادتي الظّرْف وعامله وَلم يكتفوا بالتوافق الْمَعْنَوِيّ كَمَا فِي الْمصدر وَالْفرق أَن انتصاب هَذَا النَّوْع عَلَيْهِ الظَّرْفِيَّة على خلاف الْقيَاس لكَونه مُخْتَصًّا فَيَنْبَغِي أَلا يتَجَاوَز بِهِ مَحل السماع وَأما الحديث: 976 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 750 نَحْو قعدت جُلُوسًا فَلَا دَافع لَهُ من الْقيَاس وَقيل التَّقْدِير اقعدوا لَهُم على كل مرصد فحذفت على كَمَا قَالَ 977 - ( ... وأخفي الَّذِي لَوْلَا الأسى لقضاني) أَي لقضى عَليّ وَقِيَاس الزّجاج أَن يَقُول فِي {لأقعدن لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم} مثل قَوْله فِي {واقعدوا لَهُم كل مرصد} وَالصَّوَاب فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّهُمَا على تَقْدِير على كَقَوْلِهِم ضرب زيد الظّهْر والبطن فِيمَن نصبهما أَو أَن لأقعدن واقعدوا ضمنا معنى لألزمن والزموا وَمن الْوَهم فِي الثَّانِي قَول الحوفي فِي {ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض} إِن {بَعْضهَا فَوق بعض} جملَة مخبر بهَا عَن ظلمات وظلمات غير مُخْتَصّ فَالصَّوَاب قَول الْجَمَاعَة إِنَّه خبر لمَحْذُوف أَي تِلْكَ ظلمات نعم إِن قدر أَن الْمَعْنى ظلمات أَي ظلمات بِمَعْنى ظلمات عِظَام أَو متكاثفة وَتركت الصّفة لدلَالَة الْمقَام عَلَيْهَا كَمَا قَالَ 978 - (لَهُ حَاجِب فِي كل أَمر يشينه ... ) صَحَّ وَقَول الْفَارِسِي فِي {ورهبانية ابتدعوها} إِنَّه من بَاب زيدا ضَربته الحديث: 977 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 751 وَاعْتَرضهُ ابْن الشجري بِأَن الْمَنْصُوب فِي هَذَا الْبَاب شَرطه أَن يكون مُخْتَصًّا ليَصِح رَفعه بِالِابْتِدَاءِ وَالْمَشْهُور أَنه عطف على مَا قبله وابتدعوها صفة وَلَا بُد من تَقْدِير مُضَاف أَي وَحب رَهْبَانِيَّة وَإِنَّمَا لم يحمل أَبُو عَليّ الْآيَة على ذَلِك لاعتزاله فَقَالَ لِأَن مَا يبتدعونه لَا يخلقه الله عز وَجل وَقد يتخيل وُرُود اعْتِرَاض ابْن الشجري على أبي الْبَقَاء فِي تجويزه فِي {وَأُخْرَى تحبونها} كَونه ك زيدا ضَربته وَيُجَاب بِأَن الأَصْل وَصفَة أُخْرَى وَيجوز كَون تحبونها صفة وَالْخَبَر إِمَّا نصر وَإِمَّا مَحْذُوف أَي وَلكم نعْمَة أُخْرَى وَنصر بدل أَو خبر لمَحْذُوف وَقَول ابْن مَالك بدر الدّين فِي قَول الحماسي 979 - (فَارِسًا مَا غادروه ملحما ... ) إِنَّه من بَاب الِاشْتِغَال كَقَوْل أبي عَليّ فِي الْآيَة وَالظَّاهِر أَنه نصب على الْمَدْح لما قدمنَا وَمَا فِي الْبَيْت زَائِدَة وَلِهَذَا أمكن أَن يَدعِي أَنه من بَاب الِاشْتِغَال النَّوْع الْخَامِس اشتراطهم الْإِضْمَار فِي بعض المعمولات والإظهار فِي بعض فَمن الأول مجرور لَوْلَا ومجرور وحد وَلَا يختصان بضمير خطاب وَلَا غَيره تَقول لولاي ولولاك ولولاه ووحدي ووحدك وَوَحدهُ ومجرور لبي وسعدي وحناني وَيشْتَرط لَهُنَّ ضمير الْخطاب وشذ نَحْو قَوْله الحديث: 979 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 752 980 - (فيالبي إِذْ هدرت لَهُم ... ) وَقَول آخر 98 - ( ... لَقلت لبيه لمن يدعوني) كَمَا شذت إضافتها إِلَى الظَّاهِر فِي قَوْله 98 - ( ... فلبى فلبي يَدي مسور) وَمن ذَلِك مَرْفُوع خبر كَاد وَأَخَوَاتهَا إِلَّا عَسى فَتَقول كَاد زيد يَمُوت وَلَا تَقول يَمُوت أَبوهُ وَيجوز عَسى زيد أَن يقوم أَو يقوم أَبوهُ فيرفع السَّبي لَا يجوز رَفعه الْأَجْنَبِيّ نَحْو عَسى زيد أَن يقوم عَمْرو عِنْده وَمن ذَلِك مَرْفُوع اسْم التَّفْضِيل فِي غير مَسْأَلَة الْكحل وَهَذَا شَرطه مَعَ الْإِضْمَار الاستتار وَكَذَا مَرْفُوع نَحْو قُم وأقوم وَتقوم ونقوم وَمن الثَّانِي تَأْكِيد الِاسْم الْمظهر والنعت والمنعوت وَعطف الْبَيَان والمبين وَمن الْوَهم فِي الأول قَول بَعضهم فِي لولاي ومُوسَى إِن مُوسَى يحْتَمل الْجَرّ وَهَذَا خطأ لِأَنَّهُ لَا يعْطف على الضَّمِير الْمَجْرُور إِلَّا بِإِعَادَة الجاز وَلِأَن لَوْلَا لَا تجر الظَّاهِر فَلَو أُعِيدَت لم تعْمل الْجَرّ فَكيف وَلم تعد وَهَذِه مَسْأَلَة يحاجى بهَا فَيُقَال ضمير مجرور لَا يَصح أَن يعْطف عَلَيْهِ اسْم مجرور أعدت الحديث: 980 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 753 الْجَار أم لم تعده وَقَوْلِي مجرور لِأَنَّهُ يَصح أَن تعطف عَلَيْهِ اسْما مَرْفُوعا لِأَن لَوْلَا مَحْكُوم لَهَا بِحكم الْحُرُوف الزَّائِدَة وَالزَّائِد لَا يقْدَح فِي كَون الِاسْم مُجَردا من العوامل اللفظية فَكَذَا مَا أشبه الزَّائِد وَقَول جمَاعَة فِي قَول هدبة 983 - (عَسى الكرب الَّذِي أمسيت فِيهِ ... يكون وَرَاءه فرج قريب) إِن فرجا اسْم كَانَ وَالصَّوَاب أَنه مُبْتَدأ خَبره الظّرْف وَالْجُمْلَة خبر كَانَ وَاسْمهَا ضمير الكرب واما قَوْله 984 - (وَقد جعلت إِذا مَا قُمْت يثقلني ... ثوبي فأنهض نَهَضَ الشَّارِب الثمل) فثوبي بدل اشْتِمَال من تَاء جعلت لَا فَاعل يثقلني وَمن الْوَهم فِي الثَّانِي قَول أبي الْبَقَاء فِي {إِن شانئك هُوَ الأبتر} إِنَّه يجوز كَون هُوَ توكيدا وَقد مضى وَقَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله} إِذا قدرت أَن مَصْدَرِيَّة فَأن وصلتها عطف بَيَان على الْهَاء وَقَول النَّحْوِيين فِي نَحْو {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} إِن الْعَطف على الضَّمِير الْمُسْتَتر وَقد رد ذَلِك ابْن مَالك وَجعله من عطف الْجمل وَالْأَصْل ولتسكن زَوجك وَكَذَا قَالَ فِي {لَا نخلفه نَحن وَلَا أَنْت} إِن الحديث: 983 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 754 التَّقْدِير وَلَا تخلفه أَنْت لِأَن مَرْفُوع فعل الْأَمر لَا يكون ظَاهرا ومرفوع الْفِعْل الْمُضَارع ذِي النُّون لَا يكون غير ضمير الْمُتَكَلّم وَجوز فِي قَوْله 985 - (نطوف مَا نطوف ثمَّ نأوي ... ذَوُو الْأَمْوَال منا والعديم) (إِلَى حفر أسافلهن جَوف ... وأعلاهن صفاح مُقيم) كَون ذَوُو فَاعِلا بِفعل غيبَة مَحْذُوف أَي يأوي ذَوُو الْأَمْوَال وَكَونه وَمَا بعده توكيدا على حد ضرب زيد الظّهْر والبطن تَنْبِيه من العوامل مَا يعْمل فِي الظَّاهِر وَفِي الْمُضمر بِشَرْط استتاره وَهُوَ نعم وَبئسَ تَقول نعم الرّجلَانِ الزيدان وَنعم رجلَيْنِ الزيدان وَلَا يُقَال نعما إِلَّا فِي لغية أَو بِشَرْط إِفْرَاده وتذكيره وَهُوَ رب فِي الْأَصَح النَّوْع السَّادِس اشتراطهم الْمُفْرد فِي بعض المعمولات وَالْجُمْلَة فِي بعض فَمن الأول الْفَاعِل ونائبه وَهُوَ الصَّحِيح فَأَما {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات ليسجننه} {وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض} فقد مر الْبَحْث فيهمَا وَمن الثَّانِي خبر أَن الْمَفْتُوحَة إِذا خففت وَخبر القَوْل المحكي نَحْو قولي لَا إِلَه إِلَّا الله وَخرج بِذكر المحكي قَوْلك قولي حق الحديث: 985 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 755 وَكَذَلِكَ خبر ضمير الشَّأْن وعَلى هَذَا فَقَوله تَعَالَى {وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه} إِذا قدر ضمير إِنَّه للشأن لزم كَون آثم خَبرا مقدما وَقَلبه مُبْتَدأ مُؤَخرا وَإِذا قدر رَاجعا إِلَى اسْم الشَّرْط جَازَ ذَلِك وَأَن يكون آثم الْخَبَر وَقَلبه فَاعل بِهِ وَخبر أَفعَال المقاربة وَمن الْوَهم قَول بَعضهم فِي {فَطَفِقَ مسحا بِالسوقِ والأعناق} إِن مسحا خبر طفق وَالصَّوَاب أَنه مصدر لخَبر مَحْذُوف أَي يمسح مسحا وَجَوَاب الشَّرْط وَجَوَاب الْقسم وَمن الْوَهم قَول الْكسَائي وَأبي حَاتِم فِي نَحْو {يحلفُونَ بِاللَّه لكم ليرضوكم} إِن اللَّام وَمَا بعْدهَا جَوَاب وَقد مر الْبَحْث فِي ذَلِك وَقَول بدر الدّين ابْن مَالك فِي قَوْله تَعَالَى {أَفَمَن زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا} إِن جَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف وَإِن تَقْدِيره ذهبت نَفسك عَلَيْهِم حسرة بِدَلِيل {فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسرات} أَو كمن هداه الله بِدَلِيل {فَإِن الله يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء} وَالتَّقْدِير الثَّانِي بَاطِل وَيجب عَلَيْهِ كَون من مَوْصُولَة وَقد يتَوَهَّم أَن مثل هَذَا قَول صَاحب اللوامح وَهُوَ أَبُو الْفضل الرَّازِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {أم من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} لَا بُد من إِضْمَار جملَة معادلة وَالتَّقْدِير كمن لَا يخلق اهـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 756 وَإِنَّمَا هَذَا مَبْنِيّ على تَسْمِيَة جمَاعَة مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ فِي مفصله الظّرْف من نَحْو زيد فِي الدَّار جملَة ظرفية لكَونه عِنْدهم خلفا عَن جملَة مقدرَة وَلَا يعْتَذر بِمثل هَذَا عَن ابْن مَالك فان الظّرْف لَا يكون جَوَابا وَإِن قُلْنَا إِنَّه جملَة النَّوْع السَّابِع اشْتِرَاط الْجُمْلَة الفعلية فِي بعض الْمَوَاضِع والاسمية فِي بعض وَمن الأول جملَة الشَّرْط غير لَوْلَا وَجُمْلَة جَوَاب لَو وَلَوْلَا وَلَو مَا والجملتان بعد لما والجمل التالية أحرف التحضيض وَجُمْلَة أَخْبَار أَفعَال المقاربة وَخبر أَن الْمَفْتُوحَة بعد لَو عِنْد الزَّمَخْشَرِيّ ومتابعيه نَحْو {وَلَو أَنهم آمنُوا} وَمن الثَّانِي الْجُمْلَة بعد إِذا الفجائية وليتما على الصَّحِيح فيهمَا وَمن الْوَهم فِي الأول أَن يَقُول من لَا يذهب إِلَى قَول الْأَخْفَش والكوفيين فِي نَحْو {وَإِن امْرَأَة خَافت} {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} و {إِذا السَّمَاء انشقت} إِن الْمَرْفُوع مُبْتَدأ وَذَلِكَ خطأ لِأَنَّهُ خلاف قَول من اعْتمد عَلَيْهِم وَإِنَّمَا قَالَه سَهوا وَأما إِذا قَالَ ذَلِك الْأَخْفَش أَو الْكُوفِي فَلَا يعد ذَلِك الْإِعْرَاب خطأ لِأَن هَذَا مَذْهَب ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَلم يقولوه سَهوا عَن قَاعِدَة نعم الصَّوَاب خلاف قَوْلهم فِي أصل الْمَسْأَلَة وأجازوا أَن يكون الْمَرْفُوع مَحْمُولا على إِضْمَار فعل كَمَا يَقُول الْجُمْهُور وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ وَجها ثَالِثا وَهُوَ أَن يكون فَاعِلا بِالْفِعْلِ الْمَذْكُور على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير مستدلين على جَوَاز ذَلِك بِنَحْوِ قَول الزباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 757 986 - ( ... مَا للجمال مشيها وئيدا) فِيمَن رفع مشيها وَذَلِكَ عِنْد الْجَمَاعَة مُبْتَدأ حذف خَبره وَبَقِي مَعْمُول الْخَبَر أَي مشيها يكون وئيدا أَو يُوجد وئيدا وَلَا يكون بدل بعض من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي الظّرْف كَمَا كَانَ فِيمَن جَرّه بدل اشْتِمَال من الْجمال لِأَنَّهُ عَائِد على مَا الاستفهامية وَمَتى أبدل اسْم من اسْم اسْتِفْهَام وَجب اقتران الْبَدَل بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام فَكَذَلِك حكم ضمير الِاسْتِفْهَام وَلِأَنَّهُ لَا ضمير فِيهِ رَاجع إِلَى الْمُبدل مِنْهُ وَمن ذَلِك قَول بَعضهم فِي بَيت الْكتاب 987 - ( ... وصال على طول الصدود يَدُوم) إِن وصال مُبْتَدأ وَالصَّوَاب أَنه فَاعل ب يَدُوم محذوفا مُفَسرًا بالمذكور وَقَول آخر فِي نَحْو آتِيك يَوْم زيدا تَلقاهُ إِنَّه يجوز فِي زيد الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ وَذَلِكَ خطأ عِنْد سِيبَوَيْهٍ لِأَن الزَّمن الْمُبْهم الْمُسْتَقْبل يحمل على إِذا فِي أَنه لَا يُضَاف إِلَى الْجُمْلَة الاسمية وَأما قَوْله تَعَالَى {يَوْم هم بارزون} فقد مضى أَن الزَّمن هُنَا مَحْمُول على إِذْ لَا على إِذا وَأَنه لتحققه نزل منزلَة الْمَاضِي وَأما جَوَاب ابْن عُصْفُور عَن سِيبَوَيْهٍ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُوجب ذَلِك فِي الظروف وَالْيَوْم هُنَا بدل من الحديث: 986 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 758 الْمَفْعُول بِهِ وَهُوَ {يَوْم التلاق} فِي قَوْله تَعَالَى {لينذر يَوْم التلاق} فمردود وَإِنَّمَا ذَلِك فِي اسْم الزَّمَان ظرفا كَانَ أَو غَيره ثمَّ هَذَا الْجَواب لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي قَوْله 988 - (وَكن لي شَفِيعًا يَوْم لَا ذُو شَفَاعَة ... بمغن فتيلا عَن سَواد بن قَارب) وَمن الْوَهم أَيْضا قَول بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه} بَعْدَمَا جزم بِأَن من شَرْطِيَّة إِنَّه يجوز كَون الْجُمْلَة الاسمية معطوفة على كَانَ وَمَا بعْدهَا وَيَردهُ أَن جملَة الشَّرْط لَا تكون اسمية فَكَذَا الْمَعْطُوف عَلَيْهَا على أَنه لَو قدر من مَوْصُولَة لم يَصح قَوْله أَيْضا لِأَن الْفَاء لَا تدخل فِي الْخَبَر إِذا كَانَت الصِّلَة جملَة اسمية لعدم شبهه حِينَئِذٍ باسم الشَّرْط وَقَول ابْن طَاهِر فِي قَوْله 989 - (فَإِن لَا مَال أعْطِيه فَإِنِّي ... صديق من غدو أَو رواح) وَقَول آخَرين فِي قَول الشَّاعِر 990 - (ونبئت ليلى أرْسلت بشفاعة ... إِلَيّ فَهَلا نفس ليلى شفيعها) إِن مَا بعد إِن لَا وهلا جملَة اسمية نابت عَن الْجُمْلَة الفعلية وَالصَّوَاب أَن التَّقْدِير فِي الأولى فَإِن أكن وَفِي الثَّانِيَة فَهَلا كَانَ أَي الْأَمر والشأن وَالْجُمْلَة الاسمية فيهمَا خبر وَمن ذَلِك قَول جمَاعَة مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ فِي {وَلَو أَنهم آمنُوا وَاتَّقوا لمثوبة من عِنْد الله خير} الحديث: 988 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 759 ) إِن الْجُمْلَة الاسمية جَوَاب لَو وَالْأولَى أَن يقدر الْجَواب محذوفا أَي لَكَانَ خيرا لَهُم أَو أَن يقدر لَو بِمَنْزِلَة لَيْت فِي إِفَادَة التَّمَنِّي فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب وَمن ذَلِك قَول جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَالك فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا نجاهم إِلَى الْبر فَمنهمْ مقتصد} إِن الْجُمْلَة جَوَاب لما وَالظَّاهِر أَن الْجَواب جملَة فعلية محذوفة أَي انقسموا قسمَيْنِ فَمنهمْ مقتصد وَمِنْهُم غير ذَلِك وَيُؤَيّد هَذَا أَن جَوَاب لما لَا يقْتَرن بِالْفَاءِ وَمن الْوَهم فِي الثَّانِي تَجْوِيز كثير من النَّحْوِيين الِاشْتِغَال فِي نَحْو خرجت فَإِذا زيد يضْربهُ عَمْرو وَمن الْعجب أَن ابْن الْحَاجِب أجَاز ذَلِك فِي كافيته مَعَ قَوْله فِيهَا فِي بحث الظروف وَقد تكون للمفاجأة فَيلْزم الْمُبْتَدَأ بعْدهَا وَأَجَازَ ابْن أبي الرّبيع فِي ليتما زيدا أضربه أَن يكون انتصاب زيدا على الِاشْتِغَال كالنصب فِي إِنَّمَا زيدا أضربه وَالصَّوَاب أَن انتصابه بليت لِأَنَّهُ لم يسمع نَحْو ليتما قَامَ زيد كَمَا سمع إِنَّمَا قَامَ زيد تَنْبِيه اعْترض الرَّازِيّ على الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله فِي {وَالَّذين كفرُوا بآيَات الله أُولَئِكَ هم الخاسرون} إِن الْجُمْلَة معطوفة على {وينجي الله الَّذين اتَّقوا} بِأَن الاسمية لَا تعطف على الفعلية وَقد مر أَن تخَالف الجملتين فِي الاسمية والفعلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 760 لَا يمْنَع التعاطف وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين فِي تَجْوِيز أبي الْبَقَاء فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْهُم من كلم الله} إِنَّه يجوز كَون الْجُمْلَة الاسمية بَدَلا من {فضلنَا بَعضهم على بعض} هَذَا مَرْدُود لِأَن الاسمية لَا تبدل من الفعلية اه وَلم يقم دَلِيل على امْتنَاع ذَلِك النَّوْع الثَّامِن اشتراطهم فِي بعض الْجمل الخبرية وَفِي بَعْضهَا الإنشائية فَالْأول كثير كالصلة وَالصّفة وَالْحَال وَالْجُمْلَة الْوَاقِعَة خَبرا لَكَانَ أَو خَبرا لإن أَو لضمير الشَّأْن قيل أَو خَبرا للمبتدأ أَو جَوَابا للقسم غير الاستعطافي وَمن الثَّانِي جَوَاب الْقسم الاستعاطفي كَقَوْلِه 99 - (بِرَبِّك هَل ضممت إِلَيْك ليلى ... ) وَقَوله 99 - (بعيشك يَا سلمى ارحمي ذَا صبَابَة ... ) وَمَا ورد على خلاف مَا ذكر مؤول فَمن الأول قَوْله 993 - (وَإِنِّي لراج نظرة قبل الَّتِي ... لعَلي وَإِن شطت نَوَاهَا أزورها) وتخريجه على إِضْمَار القَوْل أَي قبل الَّتِي أَقُول لعَلي أَو على أَن الصِّلَة أزورها وَخبر لَعَلَّ مَحْذُوف وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة أَي لعَلي أفعل ذَلِك وَقَوله 944 - ( ... جاؤوا بمذق هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ) وَقَوله الحديث: 993 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 761 995 - ( ... فَإِنَّمَا أَنْت أَخ لَا نعدمه) وتخريجهما على إِضْمَار القَوْل أَي أَخ مقول فِيهِ لَا جعلنَا الله نعدمه وبمذق مقول عِنْد رُؤْيَته ذَلِك وَقَول أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ وجدت النَّاس اخبر تقله أَي صادفت النَّاس مقولا فيهم ذَلِك وَقَوله 996 - (وكوني بالمكارم ذكريني ... ودلي دلّ ماجدة صناع) وَالْجُمْلَة فِي هَذَا مؤولة بِالْجُمْلَةِ الخبرية أَي وكوني تذكرينني مثل قَوْله تَعَالَى {قل من كَانَ فِي الضَّلَالَة فليمدد لَهُ الرَّحْمَن مدا} أَي فيمد وَقَوله 997 - (إِن الَّذين قتلتم أمس سيدهم ... لَا تحسبوا ليلهم عَن ليلكم نَامَا) وَقَوله 998 - (إِنِّي إِذا مَا الْقَوْم كَانُوا أنجيه ... واضطرب الْقَوْم اضْطِرَاب الأرشيه) (هُنَاكَ أوصيني وَلَا توصي بيه ... ) وَيَنْبَغِي أَن يسْتَثْنى من منع ذَلِك فِي خبري إِن وَضمير الشَّأْن خبر أَن الْمَفْتُوحَة إِذا خففت فَإِنَّهُ يجوز أَن يكون جملَة دعائية كَقَوْلِه تَعَالَى {وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا} فِي قِرَاءَة من قَرَأَ أَن بِالتَّخْفِيفِ وَغَضب بِالْفِعْلِ وَالله فَاعل الحديث: 995 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 762 وَقَوْلهمْ اما أَن جَزَاك الله خيرا فِيمَن فتح الْهمزَة وَإِذا لم نلتزم قَول الْجُمْهُور فِي وجوب كَون اسْم أَن هَذِه ضمير شَأْن فَلَا اسْتثِْنَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى ضمير الشَّأْن إِذْ يُمكن أَن يقدر وَالْخَامِسَة أَنَّهَا وَأما أَنَّك وَأما {نُودي أَن بورك من فِي النَّار} فَيجوز كَون أَن تفسيرية وَمن الْوَهم فِي هَذَا الْبَاب قَول بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها} إِن جملَة الِاسْتِفْهَام حَال من الْعِظَام وَالصَّوَاب أَن كَيفَ وَحدهَا حَال من مفعول ننشز وَأَن الْجُمْلَة بدل من الْعِظَام وَلَا يلْزم من جَوَاز كَون الْحَال المفردة استفهاما جَوَاز ذَلِك فِي الْجُمْلَة لِأَن الْحَال كالخبر وَقد جَازَ بالِاتِّفَاقِ نَحْو كَيفَ زيد وَاخْتلف فِي نَحْو زيد كَيفَ هُوَ وَقَول آخَرين إِن جملَة الِاسْتِفْهَام حَال فِي نَحْو عرفت زيدا أَبُو من هُوَ وَقد مر وَاعْلَم أَن النّظر الْبَصْرِيّ يعلق فعله كالنظر القلبي قَالَ تَعَالَى {فَلْينْظر أَيهَا أزكى طَعَاما} وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {انْظُر كَيفَ فضلنَا بَعضهم على بعض} وَمن ذَلِك قَول الْأمين الْمحلي فِيمَا رَأَيْت بِخَطِّهِ إِن الْجُمْلَة الَّتِي بعد الْوَاو من قَوْله 999 - (اطلب وَلَا تضجر من مطلب ... ) حَالية وَإِن لَا ناهية وَالصَّوَاب أَن الْوَاو للْعَطْف ثمَّ الْأَصَح أَن الحديث: 999 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 763 الفتحة اعراب مثلهَا فِي لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن لابناء لأجل نون توكيد خَفِيفَة محذوفة النَّوْع التَّاسِع اشتراطهم لبَعض الْأَسْمَاء أَن يُوصف ولبعضها أَلا يُوصف فَمن الأول مجرور رب إِذا كَانَ ظَاهرا وَأي فِي النداء والجماء فِي قَوْلهم جاؤوا الْجَمَّاء الْغَفِير وَمَا وطئ بِهِ من خبر أَو صفة أَو حَال نَحْو زيد رجل صَالح ومررت بزيد الرجل الصَّالح وَمِنْه {بل أَنْتُم قوم تفتنون} {وَلَقَد ضربنا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن} إِلَى قَوْله تَعَالَى {قُرْآنًا عَرَبيا} وَقَول الشَّاعِر 1000 - (أأكرم من ليلى عَليّ فتبتغي ... بِهِ الجاه أم كنت امْرأ لَا أطيعها) وَمن ثمَّ أبطل أَبُو عَليّ كَون الظّرْف من قَول الْأَعْشَى 100 - (رب رفد هرقته ذَلِك الْيَوْم ... وَأسرى من معشر أقيال) مُتَعَلقا بأسرى لِئَلَّا يَخْلُو مَا عطف على مجرور رب من صفة قَالَ وَأما قَوْله 100 - (فيا رب يَوْم قد لهوت وَلَيْلَة ... بآنسة كَأَنَّهَا خطّ تِمْثَال) فعلى أَن صفة الثَّانِي محذوفة مَدْلُول عَلَيْهَا بِصفة الأول وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك هُنَا وَقد يجوز ذَلِك هُنَا لِأَن الإراقة إِتْلَاف فقد تجْعَل دَلِيلا عَلَيْهِ الحديث: 1000 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 764 وَمن الثَّانِي فَاعِلا نعم وَبئسَ والأسماء المتوغلة فِي شبه الْحَرْف إِلَّا من وَمَا النكرتين فَإِنَّهُمَا يوصفان نَحْو مَرَرْت بِمن معجب لَك وَبِمَا معجب لَك وَألْحق بهما الْأَخْفَش أيا نَحْو مَرَرْت بِأَيّ معجب لَك وَهُوَ قوي فِي الْقيَاس لِأَنَّهَا معربة وَمن ذَلِك الضَّمِير وَجوز الْكسَائي نَعته إِن كَانَ لغَائِب والنعت لغير التَّوْضِيح نَحْو {قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب} وَنَحْو {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَقدر علام نعتا للضمير الْمُسْتَتر فِي {يقذف بِالْحَقِّ} و {الرَّحْمَن الرَّحِيم} نعتين لَهو وَأَجَازَ غير الْفَارِسِي وَابْن السراج نعت فاعلي نعم وَبئسَ تمسكا بقوله 1003 - (نعم الْفَتى المري أَنْت إِذا هم ... حَضَرُوا لَدَى الحجرات نَار الموقد) وَحمله الْفَارِسِي وَابْن السراج على الْبَدَل وَقَالَ ابْن مَالك يمْتَنع نَعته إِذا قصد بالنعت التَّخْصِيص مَعَ إِقَامَة الْفَاعِل مقَام الْجِنْس لِأَن تَخْصِيصه حِينَئِذٍ منَاف لذَلِك الْقَصْد فَأَما إِذا تؤول بالجامع لأكمل الْخِصَال فَلَا مَانع من نَعته حِينَئِذٍ لِإِمْكَان أَن ينوى فِي النَّعْت مَا نوي فِي المنعوت وعَلى هَذَا يحمل الْبَيْت اه وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَأَبُو الْبَقَاء فِي {وَكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن} إِن الْجُمْلَة بعد كم صفة لَهَا وَالصَّوَاب أَنَّهَا صفة لقرن وَجمع الضَّمِير حملا على مَعْنَاهُ كَمَا جمع وصف جَمِيع فِي {وَإِن كل لما جَمِيع لدينا محضرون} الحديث: 1003 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 765 النَّوْع الْعَاشِر تخصيصهم جَوَاز وصف بعض الْأَسْمَاء بمَكَان دون آخر كالعامل من وصف ومصدر فَإِنَّهُ لَا يُوصف قبل الْعَمَل ويوصف بعده وكالموصول فَإِنَّهُ لَا يُوصف قبل تَمام صلته بعد تَمامهَا وتعميمهم الْجَوَاز فِي الْبَعْض وَذَلِكَ هُوَ الْغَالِب وَمن الْوَهم فِي الأول قَول بَعضهم فِي قَول الحطيئة 1004 - (أزمعت يأسا مُبينًا من نوالكم ... وَلنْ ترى طاردا للْحرّ كالياس) إِن من مُتَعَلقَة بيأسا وَالصَّوَاب أَن تعلقهَا بيئست محذوفا لِأَن الْمصدر لَا يُوصف قبل أَن يَأْتِي معموله وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام يَبْتَغُونَ فضلا} لَا يكون يَبْتَغُونَ نعتا لآمين لِأَن اسْم الْفَاعِل إِذا وصف لم يعْمل فِي الِاخْتِيَار بل هُوَ حَال من آمين اه وَهَذَا قَول ضَعِيف وَالصَّحِيح جَوَاز الْوَصْف بعد الْعَمَل النَّوْع الْحَادِي عشر إجازتهم فِي بعض أَخْبَار النواسخ أَن يتَّصل بالناسخ نَحْو كَانَ قَائِما زيد وَمنع ذَلِك فِي الْبَعْض إِن زيدا قَائِم وَمن الْوَهم فِي هَذَا قَول الْمبرد فِي قَوْلهم إِن من أفضلهم كَانَ زيدا إِنَّه لَا يجب أَن يحمل على زِيَادَة كَانَ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ بل يجوز أَن تقدر كَانَ نَاقِصَة وَاسْمهَا ضمير زيد لِأَنَّهُ مُتَقَدم رُتْبَة إِذْ هُوَ إسم إِن وَمن أفضلهم خبر كَانَ وَكَانَ ومعمولاها خبر إِن فَلَزِمَهُ تَقْدِيم خبر إِن على اسْمهَا مَعَ أَنه لَيْسَ ظرفا وَلَا مجرورا وَهَذَا لَا يُجِيزهُ أحد الحديث: 1004 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 766 النَّوْع الثَّانِي عشر إيجابهم لبَعض معمولات الْفِعْل وَشبهه أَن يتَقَدَّم كالاستفهام وَالشّرط وَكم الخبرية نَحْو {فَأَي آيَات الله تنكرون} {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} {أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت} وَلِهَذَا قدر ضمير الشَّأْن فِي قَوْله 1005 - (إِن من يدْخل الْكَنِيسَة يَوْمًا ... يلق فِيهَا جآذرا وظباء) ولبعضها أَن يتَأَخَّر إِمَّا لذاته كالفاعل ونائبه ومشبهه أَو لضعف الْفِعْل كمفعول التَّعَجُّب نَحْو مَا أحسن زيدا أَو لعَارض معنوي أَو لَفْظِي وَذَلِكَ كالمفعول فِي نَحْو ضرب مُوسَى عِيسَى فَإِن تَقْدِيمه يُوهم أَنه مُبْتَدأ وَأَن الْفِعْل مُسْند إِلَى ضَمِيره وكالمفعول الَّذِي هُوَ أَي الموصولة نَحْو سأكرم أَيهمْ جَاءَنِي كَأَنَّهُمْ قصدُوا الْفرق بَينهَا وَبَين أَي الشّرطِيَّة والاستفهامية وَالْمَفْعُول الَّذِي هُوَ أَن وصلتها نَحْو عرفت أَنَّك فَاضل كَرهُوا الِابْتِدَاء بِأَن الْمَفْتُوحَة لِئَلَّا يلتبس بِأَن الَّتِي بِمَعْنى لَعَلَّ وَإِذا كَانَ الْمُبْتَدَأ الَّذِي أَصله التَّقْدِيم يجب تَأَخره إِذا كَانَ أَن وصلتها نَحْو {وَآيَة لَهُم أَنا حملنَا ذُرِّيتهمْ} فَأن يجب تَأَخّر الْمَفْعُول الَّذِي أَصله التَّأْخِير نَحْو {وَلَا تخافون أَنكُمْ أشركتم} أَحَق وَأولى وكمفعول عَامل اقْترن بلام الِابْتِدَاء أَو الْقسم أَو حرف الِاسْتِثْنَاء أَو مَا النافية أَو لَا فِي جَوَاب الْقسم الحديث: 1005 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 767 وَمن الْوَهم فِي الأول قَول ابْن عُصْفُور فِي {أفلم يهد لَهُم كم أهلكنا} إِن كم فَاعل يهد فَإِن قلت خرجه على لُغَة حَكَاهَا الْأَخْفَش هِيَ أَن بعض الْعَرَب لَا يلْتَزم صدرية كم الخبرية قلت قد اعْترف برداءتها فتخريج التَّنْزِيل عَلَيْهَا بعد ذَلِك رداءة وَالصَّوَاب أَن الْفَاعِل مستتر رَاجع إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَي أَو لم يبين الله لَهُم أَو إِلَى الْهدى وَالْأول قَول أبي الْبَقَاء وَالثَّانِي قَول الزّجاج وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الْفَاعِل الْجُمْلَة وَقد مر أَن الْفَاعِل لَا يكون جملَة وَكم مفعول أهلكنا وَالْجُمْلَة مفعول يهد وَهُوَ مُعَلّق عَنْهَا وَكم الخبرية تعلق خلافًا لأكثرهم وَمن الْوَهم فِي الثَّانِي قَول بَعضهم فِي بَيت الْكتاب 1006 - (وقلما ... وصال على طول الصدود يَدُوم) إِن وصال فَاعل ب يَدُوم وَفِي بَيت الْكتاب أَيْضا 1007 - ( ... أظبي كَانَ أمك أم حمَار) إِن ظَبْي اسْم كَانَ وَالصَّوَاب أَن وصال فَاعل يَدُوم محذوفا مدلولا عَلَيْهِ بالمذكور وَأَن ظَبْي اسْم ل كَانَ محذوفة مفسرة بكان الْمَذْكُورَة أَو مُبْتَدأ وَالْأول أولى لِأَن همزَة الِاسْتِفْهَام بالجمل الفعلية أولى مِنْهَا بالاسمية وَعَلَيْهِمَا فاسم كَانَ ضمير رَاجع إِلَيْهِ وَقَول سِيبَوَيْهٍ إِنَّه أخبر عَن النكرَة بالمعرفة وَاضح على الأول لِأَن ظَبْيًا الْمَذْكُور اسْم كَانَ وَخَبره أمك وَأما على الثَّانِي الحديث: 1006 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 768 فخبر ظَبْي إِنَّمَا هُوَ الْجُمْلَة والجمل نكرات وَلَكِن يكون مَحل الاستشهاد قَوْله كَانَ أمك على أَن ضمير النكرَة عِنْده نكرَة لَا على أَن الِاسْم مقدم وَقَول بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا} إِن عَنهُ مَرْفُوع الْمحل بمسؤولا وَالصَّوَاب أَن اسْم كَانَ ضمير الْمُكَلف وَإِن لم يجر لَهُ ذكر وَأَن الْمَرْفُوع بمسؤولا مستتر فِيهِ رَاجع إِلَيْهِ أَيْضا وَأَن عَنهُ فِي مَوضِع نصب وَقَول بَعضهم فِي قَوْله 1008 - (آلَيْت حب الْعرَاق الدَّهْر أطْعمهُ ... ) إِنَّه من بَاب الِاشْتِغَال لَا على إِسْقَاط على كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَذَلِكَ مَرْدُود لِأَن أطْعمهُ بِتَقْدِير لَا أطْعمهُ وَقَول الْفراء فِي {وَإِن كلا لما ليوفينهم رَبك أَعْمَالهم} فِيمَن خفف إِن إِنَّه أَيْضا من بَاب الِاشْتِغَال مَعَ قَوْله إِن اللَّام بِمَعْنى إِلَّا وَإِن نَافِيَة وَلَا يجوز بِالْإِجْمَاع أَن يعْمل مَا بعد إِلَّا فِيمَا قبلهَا على أَن هُنَا مَانِعا آخر وَهُوَ لَام الْقسم وَأما قَوْله تَعَالَى {وَيَقُول الْإِنْسَان أئذا مَا مت لسوف أخرج حَيا} فَإِن إِذا ظرف لأخرج وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيم الظّرْف على لَام الْقسم لتوسعهم فِي الظّرْف وَمِنْه قَوْله 1009 - (رضيعي لبان ثدي أم تحَالفا ... بأسحم داج عوض لَا نتفرق) الحديث: 1008 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 769 أَي لَا نتفرق أبدا وَلَا النافية لَهَا الصَّدْر فِي جَوَاب الْقسم وَقيل الْعَامِل مَحْذُوف أَي أإذا مَا مت أبْعث لسوف أخرج النَّوْع الثَّالِث عشر مَنعهم من حذف بعض الْكَلِمَات وإيجابهم حذف بَعْضهَا فَمن الأول الْفَاعِل ونائبه وَالْجَار الْبَاقِي عمله إِلَّا فِي مَوَاضِع نَحْو قَوْلهم الله لَأَفْعَلَنَّ وبكم دِرْهَم اشْتريت أَي وَالله وبكم من دِرْهَم وَمن الثَّانِي أحد معمولي لات وَمن الْوَهم فِي الأول قَول ابْن مَالك فِي أَفعَال الِاسْتِثْنَاء نَحْو قَامُوا لَيْسَ زيدا وَلَا يكون زيدا وَمَا خلا زيدا إِن مرفوعهن مَحْذُوف وَهُوَ كلمة بعض مُضَافَة إِلَى ضمير من تقدم وَالصَّوَاب أَنه مُضْمر عَائِد إِمَّا على الْبَعْض الْمَفْهُوم من الْجمع السَّابِق كَمَا عَاد الضَّمِير من قَوْله تَعَالَى {فَإِن كن نسَاء} على الْبَنَات المفهومة من الْأَوْلَاد فِي {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} وَإِمَّا على اسْم الْفَاعِل الْمَفْهُوم من الْفِعْل أَي لَا يكون هُوَ أَي الْقَائِم زيدا كَمَا جَاءَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن وَإِمَّا على الْمصدر الْمَفْهُوم من الْفِعْل وَذَلِكَ فِي غير لَيْسَ وَلَا يكون تَقول قَامُوا خلا زيدا أَي جَانب هُوَ أَي قيامهم زيدا وَمن ذَلِك قَول كثير من المعربين والمفسرين فِي فواتح السُّور إِنَّه يجوز دونهَا فِي مَوضِع جر بِإِسْقَاط حرف الْقسم وَهَذَا مَرْدُود بِأَن ذَلِك مُخْتَصّ عِنْد الْبَصرِيين باسم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 770 لَا أجوبة للقسم فِي سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَيُونُس وَهود ونحوهن وَلَا يَصح أَن يُقَال قدر {ذَلِك الْكتاب} فِي الْبَقَرَة و {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} فِي آل عمرَان جَوَابا وحذفت اللَّام من الْجُمْلَة الاسمية كحذفها فِي قَوْله 1010 - (وَرب السَّمَوَات الْعلَا وبروجها ... وَالْأَرْض وَمَا فِيهَا الْمُقدر كَائِن) وَقَول ابْن مَسْعُود وَالله الَّذِي لَا إِلَه غَيره هَذَا مقَام الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة لِأَن ذَلِك على قلته مَخْصُوص باستطالة الْقسم وَمن الْوَهم فِي الثَّانِي قَول ابْن عُصْفُور فِي قَوْله 101 - (حنت نوار ولات هُنَا حنت ... ) إِن هُنَا اسْم لات وحنت خَبَرهَا بِتَقْدِير مُضَاف أَي وَقت حنت فَاقْتضى إعرابه الْجمع بَين معموليها وَإِخْرَاج هُنَا عَن الظَّرْفِيَّة وإعمال لات فِي معرفَة ظَاهِرَة وَفِي غير الزَّمَان وَهُوَ الْجُمْلَة النائبة عَن الْمُضَاف وَحذف الْمُضَاف إِلَى الْجُمْلَة وَالْأولَى قَول الْفَارِسِي إِن لات مُهْملَة وَهنا خبر مقدم وحنت الحديث: 1010 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 771 مُبْتَدأ مُؤخر بِتَقْدِير أَن مثل تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ النَّوْع الرَّابِع عشر تجويزهم فِي الشّعْر مَا لَا يجوز فِي النثر وَذَلِكَ كثير وَقد أفرد بالتصنيف وَعَكسه وَهُوَ غَرِيب جدا وَذَلِكَ بَدَلا الْغَلَط وَالنِّسْيَان زعم بعض القدماء أَنه لَا يجوز فِي الشّعْر لِأَنَّهُ يَقع غَالِبا عَن ترو وفكر النَّوْع الْخَامِس عشر اشتراطهم وجود الرابط فِي بعض الْمَوَاضِع وفقده فِي بعض فَالْأول قد مضى مشروحا وَالثَّانِي الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا نَحْو يَوْم قَامَ زيد فَأَما قَوْله 101 - (وتسخن لَيْلَة لَا يَسْتَطِيع ... نباحا بهَا الْكَلْب إِلَّا هريرا) وَقَوله 1013 - (مَضَت سنة لعام ولدت فِيهِ ... وَعشر بعد ذَاك وحجتان) فنادر وَهَذَا الحكم خَفِي على أَكثر النَّحْوِيين وَالصَّوَاب فِي مثل قَوْلك أعجبني يَوْم ولدت فِيهِ تَنْوِين الْيَوْم وَجعل الْجُمْلَة بعده صفة لَهُ وَكَذَلِكَ أجمع وَمَا يتَصَرَّف مِنْهُ فِي بَاب التوكيد يجب تجريده من ضمير الْمُؤَكّد وَأما قَوْلهم جَاءَ الْقَوْم بأجمعهم فَهُوَ بِضَم الْمِيم لَا بِفَتْحِهَا وَهُوَ جمع لِقَوْلِك جمع على حد قَوْلهم فلس وأفلس وَالْمعْنَى جاؤوا بجماعتهم وَلَو كَانَ توكيدا لكَانَتْ الْبَاء فِيهِ زَائِدَة مثلهَا فِي قَوْله الحديث: 1013 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 772 1014 - (هَذَا وجدكم الصغار بِعَيْنِه ... ) فَكَانَ يَصح إِسْقَاطهَا النَّوْع السَّادِس عشر اشتراطهم لبِنَاء بعض الْأَسْمَاء أَن تقطع عَن الْإِضَافَة كقبل وَبعد وَغير ولبناء بَعْضهَا أَن تكون مُضَافَة وَذَلِكَ أَي الموصولة فَإِنَّهَا لَا تبنى إِلَّا إِذا أضيفت وَكَانَ صدر صلتها ضميرا محذوفا نَحْو {أَيهمْ أَشد} وَمن الْوَهم فِي ذَلِك قَول ابْن الطراوة هم أَشد مُبْتَدأ وَخبر وَأي مَبْنِيَّة مَقْطُوعَة عَن الْإِضَافَة وَهَذَا مُخَالف لرسم الْمُصحف ولإجماع النَّحْوِيين الْجِهَة السَّابِعَة أَن يحمل كلَاما على شَيْء وَيشْهد اسْتِعْمَال آخر فِي نَظِير ذَلِك الْموضع بِخِلَافِهِ وَله أَمْثِلَة أَحدهَا قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} إِنَّه عطف على {فالق الْحبّ والنوى} وَلم يَجعله مَعْطُوفًا على {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت} لِأَن عطف الِاسْم على الِاسْم أولى وَلَكِن مَجِيء قَوْله تَعَالَى {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} بِالْفِعْلِ فيهمَا يدل على خلاف ذَلِك الثَّانِي قَول مكي وَغَيره فِي قَوْله تَعَالَى {مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مثلا يضل بِهِ كثيرا} الحديث: 1014 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 773 ) إِن جملَة يضل صفة ل مثلا أَو مستأنفة وَالصَّوَاب الثَّانِي لقَوْله تَعَالَى فِي سُورَة المدثر {مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مثلا كَذَلِك يضل الله من يَشَاء} الثَّالِث قَول بَعضهم فِي {ذَلِك الْكتاب لَا ريب} إِن الْوَقْف هُنَا على ريب ويبتدىء فِيهِ هدى وَيدل على خلاف ذَلِك قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة السَّجْدَة {الم تَنْزِيل الْكتاب لَا ريب فِيهِ من رب الْعَالمين} الرَّابِع قَول بَعضهم فِي {وَلمن صَبر وَغفر إِن ذَلِك لمن عزم الْأُمُور} إِن الرابط الْإِشَارَة وَإِن الصابر والغافر جعلا من عزم الْأُمُور مُبَالغَة وَالصَّوَاب أَن الْإِشَارَة للصبر والغفران بِدَلِيل {وَإِن تصبروا وتتقوا فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور} وَلم يقل إِنَّكُم الْخَامِس قَوْلهم فِي {أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تَزْعُمُونَ} إِن التَّقْدِير تزعمونهم شُرَكَاء وَالْأولَى أَن يقدر تَزْعُمُونَ أَنهم شُرَكَاء بِدَلِيل {وَمَا نرى مَعكُمْ شفعاءكم الَّذين زعمتم أَنهم فِيكُم شُرَكَاء} وَلِأَن الْغَالِب على زعم أَلا يَقع على المفعولين صَرِيحًا بل على أَن وصلتها وَلم يَقع فِي التَّنْزِيل إِلَّا كَذَلِك وَمثله فِي هَذَا الحكم تعلم كَقَوْلِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 774 1015 - (تعلم رَسُول الله أَنَّك مدركي ... ) وَمن الْقَلِيل فيهمَا قَوْله 1016 - (زعمتني شَيخا وَلست بشيخ ... ) وَقَوله 1017 - (تعلم شِفَاء النَّفس قهر عدوها ... ) وعكسهما فِي ذَلِك هَب بِمَعْنى ظن فالغالب تعديه إِلَى صَرِيح المفعولين كَقَوْلِه 1018 - (فَقلت أجرني أَبَا خَالِد ... وَإِلَّا فهبني امْرأ هَالكا) ووقوعه على أَن وصلتها نَادِر حَتَّى زعم الحريري أَن قَول الْخَواص هَب أَن زيدا قَائِم لحن وَذهل عَن قَول الْقَائِل هَب أَن أَبَانَا كَانَ حمارا وَنَحْوه السَّادِس قَوْلهم فِي {سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} إِن لَا يُؤمنُونَ مُسْتَأْنف أَو خبر لإن وَمَا بَينهمَا اعْتِرَاض وَالْأولَى الأول بِدَلِيل {وَسَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} الحديث: 1015 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 775 السَّابِع قَوْلهم فِي نَحْو {وَمَا رَبك بظلام} {وَمَا الله بغافل} إِن الْمَجْرُور فِي مَوضِع نصب أَو رفع على الحجازية والتميمية وَالصَّوَاب الأول لِأَن الْخَبَر بعد مَا لم يجِئ فِي التَّنْزِيل مُجَردا من الْبَاء إِلَّا وَهُوَ مَنْصُوب نَحْو {مَا هن أمهاتهم} {مَا هَذَا بشرا} الثَّامِن قَول بَعضهم فِي {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله} إِن اسْم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُبْتَدأ أَو فَاعل أَي الله خلقهمْ أَو خلقهمْ الله وَالصَّوَاب الْحمل على الثَّانِي بِدَلِيل {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ليَقُولن خَلقهنَّ الْعَزِيز الْعَلِيم} التَّاسِع قَول أبي الْبَقَاء فِي {أَفَمَن أسس بُنْيَانه على تقوى} إِن الظّرْف حَال أَي على قصد تقوى أَو مفعول أسس وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الْمُعْتَمد عَلَيْهِ عِنْدِي لتعينه فِي {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى} تَنْبِيه وَقد يحْتَمل الْموضع أَكثر من وَجه وَيُوجد مَا يرجح كلا مِنْهَا فَينْظر فِي أَوْلَادهَا كَقَوْلِه تَعَالَى {فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك موعدا} فَإِن الْموعد مُحْتَمل للمصدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 776 وَيشْهد لَهُ {لَا نخلفه نَحن وَلَا أَنْت} وللزمان وَيشْهد لَهُ {قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزِّينَة} وللمكان وَيشْهد لَهُ {مَكَانا سوى} وَإِذا أعرب مَكَانا بَدَلا مِنْهُ لَا ظرفا لنخلفه تعين ذَلِك الْجِهَة الثَّامِنَة أَن يحمل المعرب على شَيْء وَفِي ذَلِك الْموضع مَا يَدْفَعهُ وَهَذَا أصعب من الَّذِي قبله وَله أَمْثِلَة أَحدهَا قَول بَعضهم فِي {إِن هَذَانِ لساحران} إنَّهُمَا إِن وَاسْمهَا أَي إِن الْقِصَّة وذان مُبْتَدأ وَهَذَا يَدْفَعهُ رسم إِن مُنْفَصِلَة وَهَذَانِ مُتَّصِلَة وَالثَّانِي قَول الْأَخْفَش وَتَبعهُ أَبُو الْبَقَاء فِي {وَلَا الَّذين يموتون وهم كفار} إِن اللَّام للابتداء وَالَّذين مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة بعده خَبره ويدفعه أَن الرَّسْم وَلَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنه مجرور بالْعَطْف على {الَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات} لَا مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَالَّذِي حملهما على الْخُرُوج عَن ذَلِك الظَّاهِر أَن من الْوَاضِح أَن الْمَيِّت على الْكفْر لَا تَوْبَة لَهُ لفَوَات زمن التَّكْلِيف وَيُمكن أَن يدعى لَهما أَن الْألف فِي لَا زَائِدَة كالألف فِي {لأذبحنه} فَإِنَّهَا زَائِدَة فِي الرَّسْم وَكَذَا فِي {لأوضعوا} وَالْجَوَاب أَن هَذِه الْجُمْلَة لم تذكر ليفاد مَعْنَاهَا بِمُجَرَّدِهِ بل ليسوى بَينهَا وَبَين مَا قبلهَا أَي إِنَّه لَا فرق فِي عدم الِانْتِفَاع بِالتَّوْبَةِ بَين من أَخّرهَا إِلَى حُضُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 777 الْمَوْت وَبَين من مَاتَ على الْكفْر كَمَا نفى الْإِثْم عَن الْمُتَأَخر فِي {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} مَعَ أَن حِكْمَة مَعْلُوم لِأَنَّهُ آخذ بالعزيمة بِخِلَاف المتعجل فَإِنَّهُ آخذ بِالرُّخْصَةِ على معنى يَسْتَوِي فِي عدم الْإِثْم من يتعجل وَمن لم يتعجل وَحمل الرَّسْم على خلاف الأَصْل مَعَ إِمْكَانه غير سديد وَالثَّالِث قَول ابْن الطراوة فِي {أَيهمْ أَشد} هم أَشد مُبْتَدأ وَخبر وَأي مُضَافَة لمَحْذُوف ويدفعه رسم أَيهمْ مُتَّصِلَة وَأَن أيا إِذا لم تضف أعربت بِاتِّفَاق وَالرَّابِع قَول بَعضهم فِي {وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون} إِن هم الأولى ضمير رفع مُؤَكد للواو وَالثَّانيَِة كَذَلِك أَو مُبْتَدأ وَمَا بعده خَبره وَالصَّوَاب أَن هم مفعول فيهمَا لرسم الْوَاو بِغَيْر ألف بعْدهَا وَلِأَن الحَدِيث فِي الْفِعْل لَا فِي الْفَاعِل إِذْ الْمَعْنى إِذا أخذُوا من النَّاس استوفوا وَإِذا أعطوهم أخسروا وَإِذا جعلت الضَّمِير لِلْمُطَفِّفِينَ صَار مَعْنَاهُ إِذا أخذُوا استوفوا وَإِذا توَلّوا الْكَيْل أَو الْوَزْن هم على الْخُصُوص أخسروا وَهُوَ كَلَام متنافر لِأَن الحَدِيث فِي الْفِعْل لَا فِي الْمُبَاشر الْخَامِس قَول مكي وَغَيره فِي قَوْله تَعَالَى {ذَلِك هُوَ الْفضل الْكَبِير جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} إِن جنَّات بدل من الْفضل وَالْأولَى أَنه مُبْتَدأ لقِرَاءَة بَعضهم بِالنّصب على حد زيدا ضَربته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 778 السَّادِس قَول كثير من النَّحْوِيين فِي قَوْله تَعَالَى {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك} إِنَّه دَلِيل على جَوَاز اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر من الْأَقَل وَالصَّوَاب أَن المُرَاد بالعباد المخلصون لَا عُمُوم المملوكين وَأَن الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع بِدَلِيل سُقُوطه فِي آيَة سُبْحَانَ {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان وَكفى بِرَبِّك وَكيلا} وَنَظِير الْمِثَال الْآتِي السَّابِع قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك} إِن من نصب قدر الِاسْتِثْنَاء من {فَأسر بأهلك} وَمن رفع قدره من {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد} وَيرد باستلزامه تنَاقض الْقِرَاءَتَيْن فَإِن الْمَرْأَة تكون مسرى بهَا على قِرَاءَة الرّفْع وَغير مسرى بهَا على قِرَاءَة النصب وَفِيه نظر لِأَن إخْرَاجهَا من جملَة النَّهْي لَا يدل على أَنَّهَا مسرى بهَا بل على أَنَّهَا مَعَهم وَقد رُوِيَ أَنَّهَا تبعتهم وَأَنَّهَا التفتت فرأت الْعَذَاب فصاحت فأصابها حجر فَقَتلهَا وَبعد فَقَوْل الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْآيَة خلاف الظَّاهِر وَقد سبقه غَيره اليه وَالَّذِي حملهمْ على ذَلِك أَن النصب قِرَاءَة الْأَكْثَرين فَإِذا قدر الِاسْتِثْنَاء من أحد كَانَت قراءتهم على الْوَجْه الْمَرْجُوح وَقد الْتزم بَعضهم جَوَاز مَجِيء قِرَاءَة الْأَكْثَر على ذَلِك مستدلا بقوله تَعَالَى {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} فَإِن النصب فِيهَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ على حد قَوْلهم زيدا ضَربته وَلم ير خوف إلباس الْمُفَسّر بِالصّفةِ مرجحا كَمَا رَآهُ بعض الْمُتَأَخِّرين وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يرى فِي نَحْو خفت بِالْكَسْرِ وطلت بِالضَّمِّ أَنه مُحْتَمل لفعلي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَلَا خلاف أَن نَحْو تضار مُحْتَمل لَهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 779 وَأَن نَحْو مُخْتَار مُحْتَمل لوصفهما وَكَذَلِكَ نَحْو مُشْتَرِي فِي النّسَب وَقَالَ الزّجاج فِي {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} إِن النَّحْوِيين بجيزون كَون الأول اسْما وَالثَّانِي خَبرا وَالْعَكْس وَمِمَّنْ ذكر الْجَوَاز فيهمَا الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ ابْن الْحَاج وَكَذَا نَحْو ضرب مُوسَى عِيسَى كل من الاسمين مُحْتَمل للفاعلية والمفعولية وَالَّذِي الْتزم فاعلية الأول إِنَّمَا هُوَ بعض الْمُتَأَخِّرين والإلباس وَاقع فِي الْعَرَبيَّة بِدَلِيل أَسمَاء الْأَجْنَاس والمشتركات اه وَالَّذِي أَجْزم بِهِ أَن قِرَاءَة الْأَكْثَرين لَا تكون مرجوحة وَأَن الِاسْتِثْنَاء فِي الْآيَة من جملَة الْأَمر على الْقِرَاءَتَيْن بِدَلِيل سُقُوط {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد} فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود وَأَن الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع بِدَلِيل سُقُوطه فِي آيَة الْحجر وَلِأَن المُرَاد بالأهل الْمُؤْمِنُونَ وان لم يَكُونُوا من أهل بَيته لَا أهل بَيته وَإِن لم يَكُونُوا مُؤمنين وَيُؤَيِّدهُ مَا جَاءَ فِي ابْن نوح عَلَيْهِ السَّلَام {يَا نوح إِنَّه لَيْسَ من أهلك إِنَّه عمل غير صَالح} وَوجه الرّفْع أَنه على الِابْتِدَاء وَمَا بعده الْخَبَر والمستثنى الْجُمْلَة وَنَظِيره {لست عَلَيْهِم بمصيطر إِلَّا من تولى وَكفر فيعذبه الله} وَاخْتَارَ أَبُو شامة مَا اخترته من أَن الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع وَلكنه قَالَ وَجَاء النصب على اللُّغَة الحجازية وَالرَّفْع على التميمية وَهَذَا يدل على أَنه جعل الِاسْتِثْنَاء من جملَة النَّهْي وَمَا قَدمته أولى لضعف اللُّغَة التميمية وَلما قدمت من سُقُوط جملَة النَّهْي فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدَة وَغَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 780 الْجِهَة التَّاسِعَة ألأ يتَأَمَّل عِنْد وجود المشتبهات وَلذَلِك أَمْثِلَة أَحدهَا نَحْو زيد أحصى ذهنا وَعَمْرو أحصى مَالا فَإِن الأول على أَن أحصى اسْم تَفْضِيل والمنصوب تَمْيِيز مثل أحسن وَجها وَالثَّانِي على أَن أحصى فعل مَاض والمنصوب مفعول مثل {وأحصى كل شَيْء عددا} وَمن الْوَهم قَول بَعضهم فِي {أحصى لما لَبِثُوا أمدا} إِنَّه من الأول فَإِن الأمد لَيْسَ محصيا بل محصى وَشرط التَّمْيِيز الْمَنْصُوب بعد أفعل كَونه فَاعِلا فِي الْمَعْنى ك زيد أَكثر مَالا بِخِلَاف مَال زيد أَكثر مَال الثَّانِي نَحْو زيد كَاتب شَاعِر فَإِن الثَّانِي خبر أَو صفة للْخَبَر وَنَحْو زيد رجل صَالح فَإِن الثَّانِي صفة لَا غير لِأَن الأول لَا يكون خَبرا على انْفِرَاده لعدم الْفَائِدَة وَمثلهمَا زيد عَالم يفعل الْخَيْر وَزيد رجل يفعل الْخَيْر وَزعم الْفَارِسِي أَن الْخَبَر لَا يَتَعَدَّد مُخْتَلفا بِالْإِفْرَادِ وَالْجُمْلَة فَيتَعَيَّن عِنْده كَون الْجُمْلَة الفعلية صفة فيهمَا وَالْمَشْهُور فيهمَا الْجَوَاز كَمَا أَن ذَلِك جَائِز فِي الصِّفَات وَعَلِيهِ قَول بَعضهم فِي {فَإِذا هم فريقان يختصمون} إِن يختصمون خبر ثَان أَو صفة وَيحْتَمل الحالية أَيْضا أَي فَإِذا هم مفترقون مختصمين وَأوجب الْفَارِسِي فِي {كونُوا قردة خَاسِئِينَ} كَون خَاسِئِينَ خَبرا ثَانِيًا لِأَن جمع الْمُذكر السَّالِم لَا يكون صفة لما لَا يعقل الثَّالِث رَأَيْت زيدا فَقِيها وَرَأَيْت الْهلَال طالعا فَإِن رأى فِي الأول علمية وفقيها مفعول ثَان وَفِي الثَّانِي بصرية وطالعا حَال وَتقول تركت زيدا عَالما فَإِن فسرت تركت بصيرت ف عَالما مفعول ثَان أَو بخلفت فحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 781 وَإِذا حمل قَوْله تَعَالَى {وتركهم فِي ظلمات لَا يبصرون} على الأول فالظرف وَلَا يبصرون مفعول ثَان تكَرر كَمَا يتَكَرَّر الْخَبَر أَو الظّرْف مفعول ثَان وَالْجُمْلَة بعده حَال أَو بِالْعَكْسِ وَإِن حمل على الثَّانِي فحالان الرَّابِع {اغترف غرفَة بِيَدِهِ} إِن فتحت الْغَيْن فمفعول مُطلق أَو ضممتها فمفعول بِهِ وَمثلهمَا حسوت حسوة وحسوة الْجِهَة الْعَاشِرَة أَن يخرج على خلاف الأَصْل أَو على خلاف الظَّاهِر لغير مُقْتَض كَقَوْل مكي فِي {تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى كَالَّذي} الْآيَة إِن الْكَاف نعت لمصدر مَحْذُوف أَي إبطالا كَالَّذي وَيلْزمهُ أَن يقدر إبطالا كإبطال إِنْفَاق الَّذِي ينْفق وَالْوَجْه أَن يكون كَالَّذي حَالا من الْوَاو أَي لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ مشبهين الَّذِي ينْفق فَهَذَا الْوَجْه لَا حذف فِيهِ وَقَول بعض العصريين فِي قَول ابْن الْحَاجِب الْكَلِمَة لفظ أَصله الْكَلِمَة هِيَ لفظ وَمثله قَول ابْن عُصْفُور فِي شرح الْجمل إِنَّه يجوز فِي زيد هُوَ الْفَاضِل أَن يحذف مَعَ قَوْله وَقَول غَيره إِنَّه لَا يجوز حذف الْعَائِد فِي نَحْو جَاءَ الَّذِي هُوَ فِي الدَّار لِأَنَّهُ لَا دَلِيل حِينَئِذٍ على الْمَحْذُوف ورده على من قَالَ فِي بَيت الفرزدق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 782 1019 - (فَأَصْبحُوا قد أعَاد الله نعمتهم ... إِذْ هم قُرَيْش وَإِذ مَا مثلهم بشر) إِن بشر مُبْتَدأ وَمثلهمْ نعت لمَكَان مَحْذُوف خَبره أَي وَإِذ مَا بشر مَكَانا مثل مكانهم بِأَن مثلا لَا يخْتَص بِالْمَكَانِ فَلَا دَلِيل حِينَئِذٍ كَقَوْل الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله 1020 - (لَا نسب الْيَوْم وَلَا خله ... ) إِن النصب بإضمار فعل أَي وَلَا أرى وَإِنَّمَا النصب مثله فِي لَا حول وَلَا قُوَّة وَقَول الْخَلِيل فِي قَوْله 102 - (أَلا رجلا جزاه الله خيرا ... ) إِن التَّقْدِير أَلا تروني رجلا مَعَ إِمْكَان أَن يكون من بَاب الِاشْتِغَال وَهُوَ أولى من تَقْدِير فعل غير مَذْكُور وَقد يُجَاب عَن هَذَا بِثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن رجلا نكرَة وَشرط الْمَنْصُوب على الِاشْتِغَال أَن يكون قَابلا للرفع بِالِابْتِدَاءِ وَيُجَاب بِأَن النكرَة هُنَا مَوْصُوفَة بقوله ( ... يدل على محصلة تبيت) الثَّانِي أَن نَصبه على الِاشْتِغَال يسْتَلْزم الْفَصْل بِالْجُمْلَةِ المفسرة بَين الْمَوْصُوف وَالصّفة وَيُجَاب بِأَن ذَلِك جَائِز كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن امْرُؤ هلك لَيْسَ لَهُ ولد} الثَّالِث أَن طلب رجل هَذِه صفته أهم من الدُّعَاء لَهُ فَكَانَ الْحمل عَلَيْهِ أولى الحديث: 1019 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 783 وَأما قَول سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله 102 - (آلَيْت حب الْعرَاق الدَّهْر أطْعمهُ ... ) إِن أَصله آلَيْت على حب الْعرَاق مَعَ إِمْكَان جعله على الِاشْتِغَال وَهُوَ قياسي بِخِلَاف حذف الْجَار فَجَوَابه أَن أطْعمهُ بِتَقْدِير لَا أطْعمهُ وَلَا النافية فِي جَوَاب الْقسم لَهَا الصَّدْر لحلولها مَحل أدوات الصُّدُور كَلَام الِابْتِدَاء وَمَا النافية وَمَاله الصَّدْر لَا يعْمل مَا بعده فِيمَا قبله وَمَا لَا يعْمل لَا يُفَسر عَاملا وَإِنَّمَا قَالَ فِي {قل اللَّهُمَّ فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} إِنَّه على تَقْدِير يَا وَلم يَجعله صفة على الْمحل لِأَن عِنْده أَن اسْم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما اتَّصل بِهِ الْمِيم المعوضة عَن حرف النداء أشبه الْأَصْوَات فَلم يجز نَعته وَإِنَّمَا قَالَ فِي قَوْله 1023 - (اعْتَادَ قَلْبك من سلمى عوائده ... وهاج أحزانك المكنونة الطلل) (ربع قواء أذاع المعصرات بِهِ ... وكل حيران سَار مَاؤُهُ خضل) إِن التَّقْدِير هُوَ ربع وَلم يَجعله على الْبَدَل من الطلل لِأَن الرّبع أَكثر مِنْهُ فَكيف يُبدل الْأَكْثَر من الْأَقَل وَلِئَلَّا يصير الشّعْر معيبا لتَعلق أحد الْبَيْتَيْنِ بِالْآخرِ إِذْ الْبَدَل تَابع للمبدل مِنْهُ ويسمي ذَلِك عُلَمَاء القوافي تضمينا وَلِأَن أَسمَاء الديار قد كثر فِيهَا أَن تحمل على عَامل مُضْمر يُقَال دَار مية وديار الأحباب رفعا بإضمار هِيَ ونصبا بإضمار اذكر فَهَذَا مَوضِع ألف فِيهِ الْحَذف الحديث: 1023 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 784 وَإِنَّمَا قَالَ الْأَخْفَش فِي ماأحسن زيدا إِن الْخَبَر مَحْذُوف بِنَاء على أَن مَا معرفَة مَوْصُولَة أَو نكرَة مَوْصُوفَة وَمَا بعْدهَا صلَة أَو صفة مَعَ انه إِذا قدر مَا نكرَة تَامَّة وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبرا كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ لم يحْتَج إِلَى تَقْدِير خبر لِأَنَّهُ رأى أَن مَا التَّامَّة غير ثابته أَو غير فَاشِية وَحذف الْخَبَر فَاش فترجح عِنْده الْحمل عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أجَاز كثير من النَّحْوِيين فِي نَحْو قَوْلك نعم الرجل زيد كَون زيد خَبرا لمَحْذُوف مَعَ إِمْكَان تَقْدِيره مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة قبله خَبرا لِأَن نعم وَبئسَ موضوعان للمدح والذم العامين فَنَاسَبَ مقامهما الإطناب بتكثير الْجمل وَلِهَذَا يجيزون فِي نَحْو {هدى لِلْمُتقين الَّذين يُؤمنُونَ} أَن يكون الَّذين نصبا بِتَقْدِير أمدح أَو رفعا بقدير هم مَعَ إِمْكَان كَونه صفة تَابِعَة على أَن التَّحْقِيق الْجَزْم بِأَن الْمَخْصُوص مُبْتَدأ وَمَا قبله خبر وَهُوَ اخْتِيَار ابْن خروف وَابْن الباذش وَهُوَ ظَاهر قَول سِيبَوَيْهٍ وَأما قَوْلهم نعم الرجل عبد الله فَهُوَ بِمَنْزِلَة ذهب أَخُوهُ عبد الله مَعَ قَوْله وَإِذا قَالَ عبد الله نعم الرجل فَهُوَ بِمَنْزِلَة عبد الله ذهب أَخُوهُ فسوى بَين تَأْخِير الْمَخْصُوص وتقديمه وَالَّذِي غر أَكثر النَّحْوِيين أَنه قَالَ كَأَنَّهُ قَالَ نعم الرجل فَقيل لَهُ من هُوَ فَقَالَ عبد الله وَيرد عَلَيْهِم أَنه قَالَ أَيْضا وَإِذا قَالَ عبد الله فَكَأَنَّهُ قيل لَهُ مَا شَأْنه فَقَالَ نعم الرجل فَقَالَ مثل ذَلِك مَعَ تقدم الْمَخْصُوص وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن تعلق الْمَخْصُوص بالْكلَام تعلق لَازم فَلَا تحصل الْفَائِدَة إِلَّا بالمجموع قدمت أَو أخرت وَجوز ابْن عُصْفُور فِي الْمَخْصُوص الْمُؤخر أَن يكون مُبْتَدأ حذف خَبره وَيَردهُ أَن الْخَبَر لَا يحذف ووجوبا إِلَّا إِن سد شَيْء مسده وَذَلِكَ وَارِد على الْأَخْفَش فِي مَا أحسن زيدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 785 وَأما قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَول الله عز وَجل {قل هُوَ للَّذين آمنُوا هدى وشفاء وَالَّذين لَا يُؤمنُونَ فِي آذانهم وقر} إِنَّه يجوز أَن يكون تَقْدِيره هُوَ فِي آذانهم وقر فَحذف الْمُبْتَدَأ أَو فِي آذانهم مِنْهُ وقر وَالْجُمْلَة خبر الَّذين مَعَ إِمْكَان أَن يكون لَا حذف فِيهِ فوجهه أَنه لما رأى مَا قبل هَذِه الْجُمْلَة وَمَا بعْدهَا حَدِيثا فِي الْقُرْآن قدر مَا بَينهمَا كَذَلِك وَلَا يُمكن أَن يكون حَدِيثا فِي الْقُرْآن إِلَّا على ذَلِك اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يقدر عطف الَّذين على الَّذين وَوقر على هدى فَيلْزم الْعَطف على معمولي عاملين وسيبويه لَا يُجِيزهُ وَعَلِيهِ فَيكون {فِي آذانهم} نعتا لوقر قدم عَلَيْهِ فَصَارَ حَالا وَأما قَول الْفَارِسِي فِي أول مَا أَقُول إِنِّي أَحْمد الله فِيمَن كسر الْهمزَة إِن الْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره ثَابت فقد خُولِفَ فِيهِ وَجعلت الْجُمْلَة خَبرا وَلم يذكر سِيبَوَيْهٍ الْمَسْأَلَة وَذكرهَا أَبُو بكر فِي أُصُوله وَقَالَ الْكسر على الْحِكَايَة فَتوهم الْفَارِسِي أَنه أَرَادَ الْحِكَايَة بالْقَوْل الْمَذْكُور فَقدر الْجُمْلَة مَنْصُوبَة الْمحل فَبَقيَ لَهُ الْمُبْتَدَأ بِلَا خبر فقدره وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو بكر أَنه حكى لنا اللَّفْظ الَّذِي يفْتَتح بِهِ قَوْله خَاتِمَة وَإِذ قد انجر بِنَا القَوْل إِلَى ذكر الْحَذف فلنوجه القَوْل إِلَيْهِ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات فَنَقُول ذكر شُرُوطه وَهِي ثَمَانِيَة 1 - أَحدهَا وجود دَلِيل حَالي كَقَوْلِك لمن رفع سَوْطًا زيدا بإضمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 786 اضْرِب وَمِنْه {قَالُوا سَلاما} أَي سلمنَا سَلاما أَو مقالي كَقَوْلِك لمن قَالَ من أضْرب زيدا وَمِنْه وَإِذا قيل لَهُم مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا خيرا وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك إِذا كَانَ الْمَحْذُوف الْجُمْلَة بأسرها كَمَا مثلنَا أَو أحد ركنيها نَحْو {قَالَ سَلام قوم منكرون} أَي سَلام عَلَيْكُم أَنْتُم قوم منكرون فَحذف خبر الأولى ومبتدأ الثَّانِيَة أَو لفظا يُفِيد معنى فِيهَا هِيَ مَبْنِيَّة عَلَيْهِ نَحْو {تالله تفتأ} أَي لَا تفتأ وَأما إِذا كَانَ الْمَحْذُوف فضلَة فَلَا يشْتَرط لحذفه وجدان الدَّلِيل وَلَكِن يشْتَرط أَلا يكون فِي حذفه ضَرَر معنوي كَمَا فِي قَوْلك مَا ضربت إِلَّا زيدا أَو صناعي كَمَا فِي قَوْلك زيد ضَربته وقولك ضَرَبَنِي وضربته زيد وَسَيَأْتِي شَرحه ولاشتراط الدَّلِيل فِيمَا تقدم امْتنع حذف الْمَوْصُوف فِي نَحْو رَأَيْت رجلا أَبيض بِخِلَاف نَحْو رَأَيْت رجلا كَاتبا وَحذف الْمُضَاف فِي نَحْو جَاءَنِي غُلَام زيد بِخِلَاف نَحْو {وَجَاء رَبك} وَحذف الْعَائِد فِي نَحْو جَاءَ الَّذِي هُوَ فِي الدَّار بِخِلَاف نَحْو {لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد} وَحذف الْمُبْتَدَأ إِذا كَانَ ضمير الشَّأْن لِأَن مَا بعده جملَة تَامَّة مستغنية عَنهُ وَمن ثمَّ جَازَ حذفه فِي بَاب إِن نَحْو إِن بك زيد مَأْخُوذ لِأَن عدم الْمَنْصُوب دَلِيل عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 787 وَحذف الْجَار فِي نَحْو رغبت فِي أَن تفعل أَو عَن أَن تفعل بِخِلَاف عجبت من أَن تفعل وَأما {وترغبون أَن تنكحوهن} فَإِنَّمَا حذف الْجَار فِيهَا لقَرِينَة وَإِنَّمَا اخْتلف الْعلمَاء فِي الْمُقدر من الحرفين فِي الْآيَة لاختلافهم فِي سَبَب نُزُولهَا فَالْخِلَاف فِي الْحَقِيقَة فِي الْقَرِينَة وَكَانَ مردودا قَول أبي الْفَتْح إِنَّه يجوز جَلَست زيدا بِتَقْدِير مُضَاف أَي جُلُوس زيد لاحْتِمَال أَن الْمُقدر كلمة إِلَى وَقَول جمَاعَة إِن بني تَمِيم لَا يثبتون خبر لَا التبرئة وَإِنَّمَا ذَلِك عِنْد وجود الدَّلِيل وَأما نَحْو لَا أحد أغير من الله وقولك مبتدئا من غير قرينَة لَا رجل يفعل كَذَا فإثبات الْخَبَر فِيهِ إِجْمَاع وَقَول الْأَكْثَرين إِن الْخَبَر بعد لَوْلَا وَاجِب الْحَذف وَإِنَّمَا ذَلِك إِذا كَانَ كونا مُطلقًا نَحْو لَوْلَا زيد لَكَانَ كَذَا يُرِيد لَوْلَا زيد مَوْجُود أَو نَحوه وَأما الأكوان الْخَاصَّة الَّتِي لَا دَلِيل عَلَيْهَا لَو حذفت فواجبة الذّكر نَحْو لَوْلَا زيد مَا سلم سالمنا وَنَحْو قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَوْلَا قَوْمك حديثو عهد بِالْإِسْلَامِ لأسست الْبَيْت على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم وَقَالَ الْجُمْهُور لَا يجوز لَا تدن من الْأسد يَأْكُلك بِالْجَزْمِ لِأَن الشَّرْط الْمُقدر إِن قدر مثبتا أَي فَإِن تدن لم يُنَاسب فعل النَّهْي الَّذِي جعل دَلِيلا عَلَيْهِ وَإِن قدر منفيا أَي فإلا تدن فسد الْمَعْنى بِخِلَاف لَا تدن من الْأسد تسلم فَإِن الشَّرْط الْمُقدر منفي وَذَلِكَ صَحِيح فِي الْمَعْنى والصناعة وَلَك أَن تجيب عَن الْجُمْهُور بِأَن الْخَبَر إِذا كَانَ مَجْهُولا وَجب أَن يَجْعَل نفس الْمخبر عَنهُ عِنْد الْجَمِيع فِي بَاب لَوْلَا وَعند تَمِيم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 بَاب لَا فَيُقَال لَوْلَا قيام زيد وَلَا قيام أَي مَوْجُود وَلَا يُقَال لَوْلَا زيد وَلَا لَا رجل وَيُرَاد قَائِم لِئَلَّا يلْزم الْمَحْذُور الْمَذْكُور وَأما لَوْلَا قَوْمك حديثو عهد فَلَعَلَّهُ مِمَّا يرْوى بِالْمَعْنَى وَعَن الْكسَائي فِي إِجَازَته الْجَزْم بِأَنَّهُ يقدر الشَّرْط مثبتا مدلولا عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ تَرْجِيحا للقرينة المعنوية على الْقَرِينَة اللفظية وَهَذَا وَجه حسن إِذا كَانَ الْمَعْنى مفهوما تَنْبِيهَانِ أَحدهمَا إِن دَلِيل الْحَذف نَوْعَانِ أَحدهمَا غير صناعي وينقسم إِلَى حَالي ومقالي كَمَا تقدم وَالثَّانِي صناعي وَهَذَا يخْتَص بمعرفته النحويون لِأَنَّهُ إِنَّمَا عرف من جِهَة الصِّنَاعَة وَذَلِكَ كَقَوْلِهِم فِي قَوْله تَعَالَى {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} إِن التَّقْدِير لأَنا أقسم وَذَلِكَ لِأَن فعل الْحَال لَا يقسم عَلَيْهِ فِي قَول الْبَصرِيين وَفِي قُمْت وأصك عينه إِن التَّقْدِير وَأَنا أصك لِأَن وَاو الْحَال لَا تدخل على الْمُضَارع الْمُثبت الْخَالِي من قد وَفِي إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ إِن التَّقْدِير أم هِيَ شَاءَ لِأَن أم المنقطعة لَا تعطف إِلَّا الْجمل وَفِي قَوْله 1024 - (إِن من لَام فِي بني بنت حسان ... ألمه وأعصه فِي الخطوب) إِن التَّقْدِير إِنَّه أَي الشَّأْن لِأَن اسْم الشَّرْط لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله وَمثله قَول المتنبي الحديث: 1024 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 789 1025 - (وَمَا كنت مِمَّن يدْخل الْعِشْق قلبه ... وَلَكِن من يبصر جفونك يعشق) وَفِي {وَلَكِن رَسُول الله} إِن التَّقْدِير وَلَكِن كَانَ رَسُول الله لِأَن مَا بعد لَكِن لَيْسَ مَعْطُوفًا بهَا لدُخُول الْوَاو عَلَيْهَا وَلَا بِالْوَاو لِأَنَّهُ مُثبت وَمَا قبلهَا منفي وَلَا يعْطف بِالْوَاو مُفْرد على مُفْرد إِلَّا وَهُوَ شَرِيكه فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات فَإِذا قدر مَا بعد الْوَاو جملَة صَحَّ تخالفهما كَمَا تَقول مَا قَامَ زيد وَقَامَ عَمْرو وَزعم سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله 1026 - (وَلست بحلال التلاع مَخَافَة ... وَلَكِن مَتى يسترفد الْقَوْم أرفد) أَن التَّقْدِير وَلَكِن أَنا ووجهوه بِأَن لَكِن تشبه الْفِعْل فَلَا تدخل عَلَيْهِ وَبَيَان كَونهَا دَاخِلَة عَلَيْهِ أَن مَتى مَنْصُوبَة بِفعل الشَّرْط فالفعل مقدم فِي الرُّتْبَة عَلَيْهِ ورده الْفَارِسِي بِأَن الْمُشبه بِالْفِعْلِ هُوَ لَكِن الْمُشَدّدَة لَا المخففة وَلِهَذَا لم تعْمل المخففة لعدم اختصاصها بالأسماء وَقيل إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى التَّقْدِير إِذا دخلت عَلَيْهَا الْوَاو لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تخلص لمعناها وَتخرج عَن الْعَطف التَّنْبِيه الثَّانِي شَرط الدَّلِيل اللَّفْظِيّ أَن يكون طبق الْمَحْذُوف فَلَا يجوز زيد ضَارب وَعَمْرو أَي ضَارب وتريد بضارب الْمَحْذُوف معنى يُخَالف الْمَذْكُور بِأَن يقدر أَحدهمَا بِمَعْنى السّفر من قَوْله تَعَالَى {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} وَالْآخر الحديث: 1025 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 790 بِمَعْنى الإيلام الْمَعْرُوف وَمن ثمَّ أَجمعُوا على جَوَاز زيد قَائِم وَعَمْرو وَإِن زيدا قَائِم وَعَمْرو وعَلى منع لَيْت زيدا قَائِم وَعَمْرو وَكَذَا فِي لَعَلَّ وَكَأن لِأَن الْخَبَر الْمَذْكُور متمنى أَو مترجى أَو مشبه بِهِ وَالْخَبَر الْمَحْذُوف لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ خبر الْمُبْتَدَأ فَإِن قلت فَكيف تصنع بقوله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} فِي قِرَاءَة من رفع وَذَلِكَ مَحْمُول عِنْد الْبَصرِيين على الْحَذف من الأول لدلَالَة الثَّانِي أَي إِن الله يُصَلِّي ولملائكته يصلونَ وَلَيْسَ عطفا على الْموضع وَيصلونَ خَبرا عَنْهُمَا لِئَلَّا يتوارد عاملان على مَعْمُول وَاحِد وَالصَّلَاة الْمَذْكُورَة بِمَعْنى الاسْتِغْفَار والمحذوفة بِمَعْنى الرَّحْمَة وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان ألن نجمع عِظَامه بلَى قَادِرين} إِن التَّقْدِير بلَى ليحسبنا قَادِرين والحسبان الْمَذْكُور بِمَعْنى الظَّن والمحذوف بِمَعْنى الْعلم إِذْ التَّرَدُّد فِي الْإِعَادَة كفر فَلَا يكون مَأْمُورا بِهِ وَقَالَ بعض الْعلمَاء فِي بَيت الْكتاب 1027 - (لن ترَاهَا وَلَو تَأَمَّلت إِلَّا ... وَلها فِي مفارق الرَّأْس طيبا) إِن ترى الْمقدرَة الناصبة لطيبا قلبية لَا بصرية لِئَلَّا يَقْتَضِي كَون الموصوفة مكشوفة الرَّأْس وَإِنَّمَا تمدح النِّسَاء بالخفر والتصون لَا بالتبذل مَعَ أَن رأى الْمَذْكُورَة بصرية قلت الصَّوَاب عِنْدِي أَن الصَّلَاة لُغَة بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ الْعَطف ثمَّ الْعَطف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرَّحْمَة وَإِلَى الْمَلَائِكَة الاسْتِغْفَار وَإِلَى الْآدَمِيّين دُعَاء بَعضهم لبَعض وَأما قَول الْجَمَاعَة فبعيد من جِهَات إِحْدَاهَا اقتضاؤه الحديث: 1027 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 791 الِاشْتِرَاك وَالْأَصْل عَدمه لما فِيهِ من الإلباس حَتَّى إِن قوما نفوه ثمَّ المثبتون لَهُ يَقُولُونَ مَتى عَارضه غَيره مِمَّا يُخَالف الأَصْل كالمجاز قدم عَلَيْهِ وَالثَّانيَِة أَنا لَا نَعْرِف فِي الْعَرَبيَّة فعلا وَاحِدًا يخْتَلف مَعْنَاهُ باخْتلَاف الْمسند إِلَيْهِ إِذا كَانَ الْإِسْنَاد حَقِيقِيًّا وَالثَّالِثَة أَن الرَّحْمَة فعلهَا مُتَعَدٍّ وَالصَّلَاة فعلهَا قَاصِر وَلَا يحسن تَفْسِير الْقَاصِر بالمتعدي وَالرَّابِعَة أَنه لَو قيل مَكَان صلى عَلَيْهِ دَعَا عَلَيْهِ انعكس الْمَعْنى وَحقّ المترادفين صِحَة حُلُول كل مِنْهُمَا مَحل الآخر وَأما آيَة الْقِيَامَة فَالصَّوَاب فِيهَا قَول سِيبَوَيْهٍ إِن قَادِرين حَال أَي بلَى نجمعها قَادِرين لِأَن فعل الْجمع أقرب من فعل الحسبان وَلِأَن بلَى إِيجَاب للمنفي وَهُوَ فِي الْآيَة فعل الْجمع وَلَو سلم قَول الْفراء فَلَا يسلم أَن الحسبان فِي الْآيَة ظن بل اعْتِقَاد وَجزم وَذَلِكَ لإفراط كفرهم وَأما قَول المعرب فِي الْبَيْت فمردود وأحوال النَّاس فِي اللبَاس والاحتشام مُخْتَلفَة فحال أهل الْمدر يُخَالف حَال أهل الْوَبر وَحَال أهل الْوَبر مُخْتَلف وَبِهَذَا أجَاب الزَّمَخْشَرِيّ عَن إرْسَال شُعَيْب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ابْنَتَيْهِ لسقي الْمَاشِيَة وَقَالَ الْعَادَات فِي مثل ذَلِك متباينة وأحوال الْعَرَب خلاف أَحْوَال الْعَجم 2 - الشَّرْط الثَّانِي أَلا يكون مَا يحذف كالجزء فَلَا يحذف الْفَاعِل وَلَا نَائِبه وَلَا مشبهه وَقد مضى الرَّد على ابْن مَالك فِي مَرْفُوع أَفعَال الِاسْتِثْنَاء وَقَالَ الْكسَائي وَهِشَام والسهيلي فِي نَحْو ضَرَبَنِي وَضربت زيدا إِن الْفَاعِل مَحْذُوف لَا مُضْمر وَقَالَ ابْن عَطِيَّة فِي {بئس مثل الْقَوْم الَّذين كذبُوا} إِن التَّقْدِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 792 بئس الْمثل مثل الْقَوْم فَإِن أَرَادَ الْفَاعِل لفظ الْمثل محذوفا فمردود وَإِن أَرَادَ تَفْسِير الْمَعْنى وَأَن فِي بئس ضمير الْمثل مستترا فَأَيْنَ تَفْسِيره وَهَذَا لَازم للزمخشري فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَقْدِيره بئس مثلا وَقد نَص سِيبَوَيْهٍ على أَن تَمْيِيز فَاعل نعم وَبئسَ لَا يحذف وَالصَّوَاب أَن {مثل الْقَوْم} فَاعل وَحذف الْمَخْصُوص أَي مثل هَؤُلَاءِ أَو مُضَاف أَي مثل الَّذين كذبُوا وَلَا خلاف فِي جَوَاز حذف الْفَاعِل مَعَ فعله نَحْو {قَالُوا خيرا} وَيَا عبد الله وزيدا ضَربته 3 - الثَّالِث أَلا يكون مؤكدا وَهَذَا الشَّرْط أول من ذكره الْأَخْفَش منع فِي نَحْو الَّذِي رَأَيْت زيد أَن يُؤَكد الْعَائِد الْمَحْذُوف بِقَوْلِك نَفسه لِأَن الْمُؤَكّد مُرِيد للطول والحاذف مُرِيد للاختصار وَتَبعهُ الْفَارِسِي فَرد فِي كتاب الأغفال قَول الزّجاج فِي {إِن هَذَانِ لساحران} أَن التَّقْدِير إِن هَذَانِ لَهما ساحران فَقَالَ الْحَذف والتوكيد بِاللَّامِ متنافيان وَتبع أَبَا عَليّ أَبُو الْفَتْح فَقَالَ فِي الخصائص لَا يجوز الَّذِي ضربت نَفسه زيد كَمَا لَا يجوز إدغام نَحْو اقعنسس لما فيهمَا جَمِيعًا من نقض الْغَرَض وتبعهم ابْن مَالك فَقَالَ لَا يجوز حذف عَامل الْمصدر الْمُؤَكّد ك ضربت ضربا لِأَن الْمَقْصُود بِهِ تَقْوِيَة عَامله وَتَقْرِير مَعْنَاهُ والحذف منَاف لذَلِك وَهَؤُلَاء كلهم مخالفون للخليل وسيبويه أَيْضا فَإِن سِيبَوَيْهٍ سَأَلَ الْخَلِيل عَن نَحْو مَرَرْت بزيد وأتاني أَخُوهُ أَنفسهمَا كَيفَ ينْطق بالتوكيد فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ يرفع بِتَقْدِير هما صَاحِبَايَ أَنفسهمَا وَينصب بِتَقْدِير أعنيهما أَنفسهمَا وَوَافَقَهُمَا على ذَلِك جمَاعَة وَاسْتَدَلُّوا بقول الْعَرَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 793 1028 - (إِن محلا وَإِن مرتحلا ... ) وَإِن مَالا وَإِن ولدا فحذفوا الْخَبَر مَعَ أَنه مُؤَكد بإن وَفِيه نظر فَإِن الْمُؤَكّد نِسْبَة الْخَبَر إِلَى الِاسْم لَا نفس الْخَبَر وَقَالَ الصفار إِنَّمَا فر الْأَخْفَش من حذف الْعَائِد فِي نَحْو الَّذِي رَأَيْته نَفسه زيد لِأَن الْمُقْتَضِي للحذف الطول وَلِهَذَا لَا يحذف فِي نَحْو الَّذِي هُوَ قَائِم زيد فَإِذا فروا من الطول فَكيف يؤكدون وَأما حذف الشَّيْء لدَلِيل وتوكيده فَلَا تنَافِي بَينهمَا لِأَن الْمَحْذُوف لدَلِيل كَالثَّابِتِ ولبدر الدّين ابْن مَالك مَعَ وَالِده فِي الْمَسْأَلَة بحث أَجَاد فِيهِ 4 - الرَّابِع أَلا يُؤَدِّي حذفه إِلَى اخْتِصَار الْمُخْتَصر فَلَا يحذف اسْم الْفِعْل دون معموله لِأَنَّهُ اخْتِصَار للْفِعْل وَأما قَول سِيبَوَيْهٍ فِي زيدا فاقتله وَفِي شَأْنك وَالْحج وَقَوله 1029 - ( ... يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا) إِن التَّقْدِير عَلَيْك زيدا وَعَلَيْك الْحَج ودونك دلوي فَقَالُوا إِنَّمَا أَرَادَ تَفْسِير الْمَعْنى لَا الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا التَّقْدِير خُذ دلوي والزم زيدا والزم الْحَج وَيجوز فِي دلوي أَن يكون مُبْتَدأ ودونك خَبره 5 - الْخَامِس أَلا يكون عَاملا ضَعِيفا فَلَا يحذف الْجَار والجازم والناصب للْفِعْل إِلَّا فِي مَوَاضِع قويت فِيهَا الدّلَالَة وَكثر فِيهِ اسْتِعْمَال تِلْكَ العوامل وَلَا يجوز الْقيَاس عَلَيْهَا 6 - السَّادِس أَلا يكون عوضا عَن شَيْء فَلَا تحذف مَا فِي أما أَنْت مُنْطَلقًا انْطَلَقت وَلَا كلمة لَا من قَوْلهم افْعَل هَذَا إِمَّا لَا وَلَا التَّاء من الحديث: 1028 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 794 عدَّة وَإِقَامَة واستقامة فَأَما قَوْله تَعَالَى {وَأقَام الصَّلَاة} فمما يجب الْوُقُوف عِنْده وَمن هُنَا لم يحذف خبر كَانَ لِأَنَّهُ عوض أَو كالعوض من مصدرها وَمن ثمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ وَمن هُنَا قَالَ ابْن مَالك إِن الْعَرَب لم تقدر أحرف النداء عوضا من أَدْعُو وأنادي لإجازتهم حذفهَا 7 - و 8 السَّابِع وَالثَّامِن أَلا يُؤَدِّي حذفه إِلَى تهيئة الْعَامِل للْعَمَل وقطعه عَنهُ وَلَا إِلَى إِعْمَال الْعَامِل الضَّعِيف مَعَ إِمْكَان الْعَامِل الْقوي وللأمر الأول منع البصريون حذف الْمَفْعُول الثَّانِي من نَحْو ضَرَبَنِي وضربته زيد لِئَلَّا يتسلط على زيد ثمَّ يقطع عَنهُ بِرَفْعِهِ بِالْفِعْلِ الأول ولاجتماع الْأَمريْنِ امْتنع عِنْد الْبَصرِيين أَيْضا حذف الْمَفْعُول فِي نَحْو زيد ضَربته لِأَن فِي حذفه تسليط ضرب على الْعَمَل فِي زيد مَعَ قطعه عَنهُ وإعمال الِابْتِدَاء مَعَ التَّمَكُّن من إِعْمَال الْفِعْل ثمَّ حملُوا على ذَلِك زيد مَا ضَربته أَو هَل ضَربته فمنعوا الْحَذف وَإِن لم يؤد إِلَى ذَلِك وَكَذَلِكَ منعُوا رفع رَأسهَا فِي أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا إِلَّا أَن يذكر الْخَبَر فَتَقول مَأْكُول ولاجتماعهما مَعَ الإلباس منع الْجَمِيع تَقْدِيم الْخَبَر فِي نَحْو زيد قَامَ ولانتفاء الْأَمريْنِ جَازَ عِنْد الْبَصرِيين وَهِشَام تَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو زيد ضرب عمرا وَإِن لم يجز تَقْدِيم الْخَبَر فأجازوا زيدا أَجله أحرز وَقَالَ البصريون فِي قَوْله 1030 - ( ... بِمَا كَانَ إيَّاهُم عَطِيَّة عودا) الحديث: 1030 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 795 إِن عَطِيَّة مُبْتَدأ وإياهم مفعول عود وَالْجُمْلَة خبر كَانَ وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن وَقد خفيت هَذِه النُّكْتَة على ابْن عُصْفُور فَقَالَ هربوا من مَحْذُور وَهُوَ أَن يفصلوا بَين كَانَ وَاسْمهَا بمعمول خَبَرهَا فوقعوا فِي مَحْذُور آخر وَهُوَ تَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر حَيْثُ لَا يتَقَدَّم خبر الْمُبْتَدَأ وَقد بَينا أَن امْتنَاع تَقْدِيم الْخَبَر فِي ذَلِك لِمَعْنى مَفْقُود فِي تَقْدِيم معموله وَهَذَا بِخِلَاف عِلّة امْتنَاع تَقْدِيم الْمَفْعُول على مَا النافية فِي نَحْو مَا ضربت زيدا فَإِنَّهُ لنَفس الْعلَّة الْمُقْتَضِيَة لِامْتِنَاع تَقْدِيم الْفِعْل عَلَيْهَا وَهُوَ وُقُوع مَا النافية فِيهِ حَشْوًا تَنْبِيه رُبمَا خُولِفَ مُقْتَضى هذَيْن الشَّرْطَيْنِ أَو أَحدهمَا فِي ضَرُورَة أَو قَلِيل من الْكَلَام فَالْأول كَقَوْلِه 203 - (وخَالِد يحمد سَادَاتنَا ... ) وَقَوله 103 - ( ... كُله لم أصنع) وَقيل هُوَ فِي صِيغ الْعُمُوم أسهل وَمِنْه قِرَاءَة ابْن عَامر {وكلا وعد الله الْحسنى} وَالثَّانِي كَقَوْلِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 796 1033 - (بعكاظ يعشي الناظرين ... إِذا هم لمحوا شعاعه) فَإِن فِيهِ تهيئة لمحوا للْعَمَل فِي شعاعه مَعَ قطعه عَن ذَلِك بإعمال يعشي فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ إِعْمَال ضَعِيف دون قوي وَذكر ابْن مَالك فِي قَوْله 1034 - (عممتهم بالندى حَتَّى غواتهم ... فَكنت مَالك ذِي غي وَذي رشد) إِنَّه يرْوى غواتهم بالأوجه الثَّلَاثَة فَإِن ثبتَتْ رِوَايَة الرّفْع فَهُوَ من الْوَارِد فِي النَّوْع الأول فِي الشذوذ إِذْ لَا ضَرُورَة تمنع من الْجَرّ وَالنّصب وَقد رويا بَيَان أَنه قد يظنّ أَن الشَّيْء من بَاب الْحَذف وَلَيْسَ مِنْهُ جرت عَادَة النَّحْوِيين أَن يَقُولُوا يحذف الْمَفْعُول اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الْحَذف لدَلِيل وبالاقتصار الْحَذف لغير دَلِيل ويمثلونه بِنَحْوِ {كلوا وَاشْرَبُوا} أَي أوقعوا هذَيْن الْفِعْلَيْنِ وَقَول الْعَرَب فِيمَا يتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ من يسمع يخل أَي تكن مِنْهُ خيلة وَالتَّحْقِيق أَن يُقَال إِنَّه تَارَة يتَعَلَّق الْغَرَض بالإعلام بِمُجَرَّد وُقُوع الْفِعْل من غير تعْيين من أوقعه أَو من أوقع عَلَيْهِ فيجاء بمصدره مُسْندًا إِلَى فعل كَون عَام فَيُقَال حصل حريق أَو نهب وَتارَة يتَعَلَّق بالإعلام بِمُجَرَّد إِيقَاع الْفَاعِل للْفِعْل فَيقْتَصر عَلَيْهِمَا وَلَا يذكر الْمَفْعُول وَلَا ينوى إِذْ الْمَنوِي كَالثَّابِتِ وَلَا يُسمى محذوفا لِأَن الْفِعْل ينزل الحديث: 1033 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 797 لهَذَا الْقَصْد منزلَة مَا لَا مفعول لَهُ وَمِنْه {رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت} {هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ} {وكلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا} {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ} إِذْ الْمَعْنى رَبِّي الَّذِي يفعل الْإِحْيَاء والإماتة وَهل يَسْتَوِي من يَتَّصِف بِالْعلمِ وَمن يَنْتَفِي عَنهُ الْعلم وأوقعوا الْأكل وَالشرب وذروا الْإِسْرَاف وَإِذا حصلت مِنْك رُؤْيَة هُنَالك وَمِنْه على الْأَصَح {وَلما ورد مَاء مَدين} الْآيَة أَلا ترى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا رحمهمَا إِذْ كَانَتَا على صفة الذياد وقومهما على السَّقْي لَا لكَون مذودهما غنما ومسقيهم إبِلا وَكَذَلِكَ الْمَقْصُود من قَوْلهمَا {لَا نسقي} السَّقْي لَا المسقي وَمن لم يتَأَمَّل قدر يسقون إبلهم وتذودان غنمهما وَلَا نسقي غنمنا وَتارَة يقْصد إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى فَاعله وتعليقه بمفعوله فيذكران نَحْو {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} {وَلَا تقربُوا الزِّنَى} وقولك مَا أحسن زيدا وَهَذَا النَّوْع إِذا لم يذكر مَفْعُوله قيل مَحْذُوف نَحْو {مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} وَقد يكون فِي اللَّفْظ مَا يستدعيه فَيحصل الْجَزْم بِوُجُوب تَقْدِيره نَحْو {أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 798 {وكلا وعد الله الْحسنى} و1035 - ( ... وَمَا شَيْء حميت بمستباح) بَيَان مَكَان الْمُقدر الْقيَاس أَن يقدر الشَّيْء فِي مَكَانَهُ الْأَصْلِيّ لِئَلَّا يُخَالف الأَصْل من وَجْهَيْن الْحَذف وَوضع الشَّيْء فِي غير مَحَله فَيجب أَن يقدر الْمُفَسّر فِي نَحْو زيدا رَأَيْته مقدما عَلَيْهِ وَجوز البيانيون تَقْدِيره مُؤَخرا عَنهُ وَقَالُوا لِأَنَّهُ يُفِيد الِاخْتِصَاص حِينَئِذٍ وَلَيْسَ كَمَا توهموا وَإِنَّمَا يرتكب ذَلِك عِنْد تعذر الأَصْل أَو عِنْد اقْتِضَاء أَمر معنوي لذَلِك فَالْأول نَحْو أَيهمْ رَأَيْته إِذْ لَا يعْمل فِي الِاسْتِفْهَام مَا قبله وَنَحْو {وَأما ثَمُود فهديناهم} فِيمَن نصب إِذْ لَا يَلِي أما فعل وَكُنَّا قدمنَا فِي نَحْو فِي الدَّار زيد أَن مُتَعَلق الظّرْف يقدر مُؤَخرا عَن زيد لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة الْخَبَر وأصل الْخَبَر أَن يتَأَخَّر عَن الْمُبْتَدَأ ثمَّ ظهر لنا أَنه يحْتَمل تَقْدِيره مقدما لمعارضة أصل آخر وَهُوَ أَنه عَامل فِي الظّرْف وأصل الْعَامِل أَن يتَقَدَّم على الْمَعْمُول اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يقدر الْمُتَعَلّق فعلا فَيجب التَّأْخِير لِأَن الْخَبَر الْفعْلِيّ لَا يتَقَدَّم على الْمُبْتَدَأ فِي مثل هَذَا وَإِذا قلت إِن خَلفك زيدا وَجب تَأْخِير الْمُتَعَلّق فعلا كَانَ أَو أسما لِأَن مَرْفُوع إِن لَا يسْبق منصوبها وَإِذا قلت كَانَ خَلفك زيد جَازَ الْوَجْهَانِ وَلَو قدرته فعلا لِأَن خبر كَانَ يتَقَدَّم مَعَ كَونه فعلا على الصَّحِيح إِذْ لَا تَلْتَبِس الْجُمْلَة الاسمية بالفعليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 799 وَالثَّانِي نَحْو مُتَعَلق بَاء الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة فَإِن الزَّمَخْشَرِيّ قدره مُؤَخرا عَنْهَا لِأَن قُريْشًا كَانَت تَقول باسم اللات والعزى نَفْعل كَذَا فيؤخرون أفعالهم عَن ذكر مَا اتخذوه معبودا لَهُم تفخيما لشأنه بالتقديم فَوَجَبَ على الموحد أَن يعْتَقد ذَلِك فِي اسْم الله تَعَالَى فَإِنَّهُ الْحقيق بذلك ثمَّ اعْترض ب {اقْرَأ باسم رَبك} وَأجَاب بِأَنَّهَا أول سُورَة أنزلت فَكَانَ تَقْدِيم الْأَمر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا أهم وَأجَاب عَنهُ السكاكي بتقديرها مُتَعَلقَة ب {اقْرَأ} الثَّانِي وَاعْتَرضهُ بعض العصريين باستلزامه الْفَصْل بَين الْمُؤَكّد وتأكيده بمعمول الْمُؤَكّد وَهَذَا سَهْو مِنْهُ إِذْ لَا توكيد هُنَا بل أَمر أَولا بايجاد الْقِرَاءَة وَثَانِيا بِقِرَاءَة مُقَيّدَة وَنَظِيره {الَّذِي خلق خلق الْإِنْسَان} وَمثل هَذَا لَا يُسَمِّيه أحد توكيدا ثمَّ هَذَا الْإِشْكَال لَازم لَهُ على قَوْله إِن الْبَاء مُتَعَلقَة باقرأ الأول لِأَن تَقْيِيد الثَّانِي إِذا منع من كَونه توكيدا فَكَذَا تَقْيِيد الأول ثمَّ لَو سلم ففصل الْمَوْصُوف من صفته بمعمول الصّفة جَائِز بِاتِّفَاق ك مَرَرْت بِرَجُل عمرا ضَارب فَكَذَا فِي التوكيد وَقد جَاءَ الْفَصْل بَين الْمُؤَكّد والمؤكد فِي {وَلَا يحزن ويرضين بِمَا آتيتهن كُلهنَّ} مَعَ أَنَّهُمَا مفردان والجمل أحمل للفصل وَقَالَ الراجز 1036 - ( ... إِذن ظللت الدَّهْر أبْكِي أجمعا) الحديث: 1036 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 800 تَنْبِيه ذكرُوا أَنه إِذا اعْترض شَرط على آخر نَحْو إِن أكلت إِن شربت فَأَنت طَالِق فَإِن الْجَواب الْمَذْكُور للسابق مِنْهُمَا وَجَوَاب الثَّانِي مَحْذُوف مَدْلُول عَلَيْهِ بِالشّرطِ الأول وَجَوَابه كَمَا قَالُوا فِي الْجَواب الْمُتَأَخر عَن الْقسم وَالشّرط وَلِهَذَا قَالَ محققو الْفُقَهَاء فِي الْمِثَال الْمَذْكُور إِنَّهَا لَا تطلق حَتَّى تقدم الْمُؤخر وتؤخر الْمُقدم وَذَلِكَ لِأَن التَّقْدِير حينئد إِن شربت فَإِن أكلت فَأَنت طَالِق وَهَذَا كُله حسن وَلَكنهُمْ جعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم} وَفِيه نظر إِذْ لم يتوال شَرْطَانِ وبعدهما جَوَاب كَمَا فِي الْمِثَال وكما فِي قَول الشَّاعِر 1037 - (إِن تستغيثوا بِنَا إِن تذعروا تَجدوا ... منا معاقل عز زانها كرم) وَقَول ابْن دُرَيْد 1038 - (فَإِن عثرت بعْدهَا إِن وألت ... نَفسِي مَا هاتا فقولا لالعا) إِذْ الْآيَة الْكَرِيمَة لم يذكر فِيهَا جَوَاب وَإِنَّمَا تقدم على الشَّرْطَيْنِ مَا هُوَ جَوَاب فِي الْمَعْنى للشّرط الأول فَيَنْبَغِي أَن يقدر إِلَى جَانِبه وَيكون الأَصْل إِن أردْت أَن أنصح لكم فَلَا ينفعكم نصحي إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم وَأما أَن يقدر الْجَواب بعدهمَا ثمَّ يقدر بعد ذَلِك مقدما إِلَى جَانب الشَّرْط الأول فَلَا وَجه لَهُ وَالله أعلم الحديث: 1037 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 801 بَيَان مِقْدَار الْمُقدر يَبْغِي تقليله مَا أمكن لنقل مُخَالفَة الأَصْل وَلذَلِك كَانَ تَقْدِير الْأَخْفَش فِي ضربي زيدا قَائِما ضربه قَائِما أولى من تَقْدِير بَاقِي الْبَصرِيين حَاصِل إِذا كَانَ أَو إِذا كَانَ قَائِما لِأَنَّهُ قدر اثْنَيْنِ وقدروا خَمْسَة وَلِأَن التَّقْدِير من اللَّفْظ أولى وَكَانَ تَقْدِيره فِي أَنْت مني فرسخان بعْدك مني فرسخان أولى من تَقْدِير الْفَارِسِي أَنْت مني ذُو مَسَافَة فرسخين لِأَنَّهُ قدر مُضَافا لَا يحْتَاج مَعَه إِلَى تَقْدِير شَيْء آخر يتَعَلَّق بِهِ الظّرْف والفارسي قدر شَيْئَيْنِ يحْتَاج مَعَهُمَا إِلَى تَقْدِير ثَالِث وَضعف قَول بَعضهم فِي {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل} إِن التَّقْدِير حب عبَادَة الْعجل وَالْأول تَقْدِير الْحبّ فَقَط وَضعف قَول الْفَارِسِي وَمن وَافقه فِي {واللائي يئسن} الْآيَة إِن الأَصْل واللائي لم يحضن فعدتهن ثَلَاثَة أشهر وَالْأولَى أَن يكون الأَصْل واللائي لم يحضن كَذَلِك وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يقدر فِي نَحْو زيد صنع بِعَمْرو جميلا وبخالد سوءا وَبكر أَي كَذَلِك وَلَا يقدر عين الْمَذْكُور تقليلا للمحذوف وَلِأَن الأَصْل فِي الْخَبَر الْإِفْرَاد وَلِأَنَّهُ لَو صرح بالْخبر لم يحسن إِعَادَة ذَلِك الْمُتَقَدّم لثقل التّكْرَار وَلَك أَلا تقدر فِي الْآيَة شَيْئا الْبَتَّةَ وَذَلِكَ بِأَن تجْعَل الْمَوْصُول مَعْطُوفًا على الْمَوْصُول فَيكون الْخَبَر الْمَذْكُور لَهما مَعًا وَكَذَا تصنع فِي نَحْو زيد فِي الدَّار وَعَمْرو وَلَا يتأتي ذَلِك فِي الْمِثَال السَّابِق لِأَن إِفْرَاد عَامل الْفِعْل يأباه نعم لَك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 802 أَن تسلم فِيهِ من الْحَذف بِأَن تقدر الْعَطف على ضمير الْفِعْل لحُصُول الْفَصْل بَينهمَا فَإِن قلت لَو صَحَّ مَا ذكرته فِي الْآيَة والمثال السَّابِق لصَحَّ زيد قائمان وَعَمْرو بِتَقْدِير زيد وَعَمْرو قائمان قلت إِن سلم مَنعه فلقبح اللَّفْظ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا نَحن بصدده وَلَكِن يشْهد للْجُوَاز قَوْله 1039 - (وَلست مقرا للرِّجَال ظلامة ... أَبى ذَاك عمي الأكرمان وخاليا) وَقد جوزوا فِي أَنْت أعلم وَزيد كَون زيد مُبْتَدأ حذف خَبره وَكَونه عطفا على أَنْت فَيكون خَبرا عَنْهُمَا بَيَان كَيْفيَّة التَّقْدِير إِذا استدعى الْكَلَام تَقْدِير أَسمَاء متضايفة أَو مَوْصُوف وَصفَة مُضَافَة أَو جَار ومجرور مُضْمر عَائِد على مَا يحْتَاج إِلَى الرابط فَلَا يقدر أَن ذَلِك حذف دفْعَة وَاحِدَة بل على التدريج فَالْأول نَحْو {كَالَّذي يغشى عَلَيْهِ} أَي كدوران عين الَّذِي وَالثَّانِي كَقَوْلِه 1040 - (إِذا قامتا تضوع الْمسك مِنْهُمَا ... نسيم الصِّبَا جَاءَت بريا القرنفل) أَي تضوعا مثل تضوع نسيم الصِّبَا وَالثَّالِث كَقَوْلِه تَعَالَى {وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} أَي الحديث: 1039 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 803 لَا تجزي فِيهِ ثمَّ حذفت فِي فَصَارَ لَا تجزيه ثمَّ حذف الضَّمِير مَنْصُوبًا لَا مخفوضا هَذَا قَول الْأَخْفَش وَعَن سِيبَوَيْهٍ أَنَّهُمَا حذفا دفْعَة وَنقل ابْن الشجري القَوْل الأول عَن الْكسَائي وَاخْتَارَهُ قَالَ وَالثَّانِي قَول نحوي آخر وَقَالَ أَكثر أهل الْعَرَبيَّة مِنْهُم سِيبَوَيْهٍ والأخفش يجوز الْأَمْرَانِ اه وَهُوَ نقل غَرِيب يَنْبَغِي أَن يكون الْمَحْذُوف من لفظ الْمَذْكُور مهما أمكن فَيقدر فِي ضربي زيدا قَائِما ضربه قَائِما فَإِنَّهُ من لفظ الْمُبْتَدَأ وَأَقل تَقْديرا دون إِذْ كَانَ أَو إِذا كَانَ وَيقدر اضْرِب دون أهن فِي زيدا اضربه فان منع من تَقْدِير الْمَذْكُور معنى أَو صناعَة قدر مَالا مَانع لَهُ فَالْأول نَحْو زيدا اضْرِب أَخَاهُ يقدر فِيهِ أهن دون اضْرِب فَإِن قلت زيدا أهن أَخَاهُ قدرت أهن وَالثَّانِي نَحْو زيدا امرر بِهِ تقدر فِيهِ جَاوز دون امرر لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ نعم إِن كَانَ الْعَامِل ممايتعدى بِنَفسِهِ وَتارَة بالجار نَحْو نصح فِي قَوْلك زيدا نصحت لَهُ جَازَ أَن يقدر نصحت زيدا بل هُوَ أولى من تَقْدِير غير الملفوظ بِهِ وَمِمَّا لَا يقدر فِيهِ مثل الْمَذْكُور لمَانع صناعي قَوْله 104 - ( ... يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا) إِذا قدر دلوي مَنْصُوبًا فالمقدر خُذ لَا دُونك وَقد مضى وَقَوله 104 - ( ... وأضرب منا بِالسُّيُوفِ القوانسا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 804 الناصب فِيهِ للقوانس فعل مَحْذُوف لَا اسْم التَّفْضِيل مَحْذُوف لأَنا فَرَرْنَا بالتقدير من إِعْمَال اسْم التَّفْصِيل الْمَذْكُور فِي الْمَفْعُول فَكيف يعْمل فِيهِ الْمُقدر وقولك هَذَا معطي زيد أمس درهما التَّقْدِير أعطَاهُ وَلَا يقدر اسْم فَاعل لِأَنَّك إِنَّمَا فَرَرْت بالتقدير من إِعْمَال اسْم الْفَاعِل الْمَاضِي الْمُجَرّد من ال وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله تعاالى {لن نؤثرك على مَا جَاءَنَا من الْبَينَات وَالَّذِي فطرنا} إِن الْوَاو للقسم فعلى هَذَا دَلِيل الْجَواب الْمَحْذُوف جملَة النَّفْي السَّابِقَة وَيجب أَن يقدر وَالَّذِي فطرنا لَا نؤثرك لِأَن الْقسم لَا يُجَاب بلن إِلَّا فِي الضَّرُورَة كَقَوْل أبي طَالب 1043 - (وَالله لن يصلوا إِلَيْك بِجَمْعِهِمْ ... حَتَّى أُوَسَّد فِي التُّرَاب دَفِينا) وَقَالَ الْفَارِسِي ومتابعوه فِي {واللائي لم يحضن} التَّقْدِير فعدتهن ثَلَاثَة أشهر وَهَذَا لَا يحسن وَإِن كَانَ مُمكنا لِأَنَّهُ لَو صرح بِهِ اقْتَضَت الفصاحة أَن يُقَال كَذَلِك وَلَا تُعَاد الْجُمْلَة الثَّانِيَة إِذا دَار الْأَمر بَين كَون الْمَحْذُوف مُبْتَدأ وَكَونه خَبرا فَأَيّهمَا أولى قَالَ الوَاسِطِيّ الأولى كَون الْمَحْذُوف الْمُبْتَدَأ لِأَن الْخَبَر محط الْفَائِدَة وَقَالَ الحديث: 1043 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 805 الْعَبْدي الأولى كَونه الْخَبَر لِأَن التَّجَوُّز أَوَاخِر الْجُمْلَة أسهل نقل الْقَوْلَيْنِ ابْن إياز وَمِثَال الْمَسْأَلَة {فَصَبر جميل} أَي شأني صَبر جميل أَو صَبر جميل أمثل من غَيره وَمثله {طَاعَة مَعْرُوفَة} أَي الَّذِي يطْلب مِنْكُم طَاعَة مَعْلُومَة لَا يرتاب فِيهَا لَا إِيمَان بِاللِّسَانِ لَا يواطئه الْقلب أَو طاعتكم مَعْرُوفَة أَي عرف أَنَّهَا بالْقَوْل دون الْفِعْل أَو طَاعَة مَعْرُوفَة أمثل بكم من هَذِه الْأَيْمَان الكاذبة وَلَو عرض مَا يُوجب التَّعْيِين عمل بِهِ كَمَا فِي نعم الرجل زيد على القَوْل بِأَنَّهُمَا جملتان إِذْ لَا يحذف الْخَبَر وجوبا إِلَّا إِذا سد شَيْء مسده وَمثله حبذا زيد إِذا حمل على الْحَذف وَجزم كثير من النَّحْوِيين فِي نَحْو عمرك لَأَفْعَلَنَّ وأيمن الله لَأَفْعَلَنَّ بِأَن الْمَحْذُوف الْخَبَر وَجوز ابْن عُصْفُور كَونه الْمُبْتَدَأ وَلذَلِك لم يعده فِيمَا يجب فِيهِ حذف الْخَبَر لعدم تعينه عِنْده لذَلِك قَالَ وَالتَّقْدِير إِمَّا قسمي أَيمن الله أَو أَيمن لله قسم لي اه وَلَو قدرت وأيمن الله قسمي لم يمْتَنع إِذْ الْمعرفَة الْمُتَأَخِّرَة عَن معرفَة يجب كَونهَا الْخَبَر على الصَّحِيح إِذا دَار الْأَمر بَين كَون الْمَحْذُوف فعلا وَالْبَاقِي فَاعِلا وَكَونه مُبْتَدأ وَالْبَاقِي خَبرا فَالثَّانِي أولى لِأَن الْمُبْتَدَأ عين الْخَبَر فالمحذوف عين الثَّابِت فَيكون الْحَذف كلا حذف فَأَما الْفِعْل فَإِنَّهُ غير الْفَاعِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 806 اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يعتضد الأول بِرِوَايَة أُخْرَى فِي ذَلِك الْموضع أَو بِموضع آخر يُشبههُ أَو بِموضع آتٍ على طَرِيقَته فَالْأول كَقِرَاءَة شُعْبَة {يسبح لَهُ فِيهَا} بِفَتْح الْبَاء وكقراءة ابْن كثير {كَذَلِك يوحي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك الله الْعَزِيز الْحَكِيم} بِفَتْح الْحَاء وكقراءة بَعضهم {وَكَذَلِكَ زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركاؤهم} بِبِنَاء زين للْمَفْعُول وَرفع الْقَتْل والشركاء وَكَقَوْلِه 1044 (ليبك يزِيد ضارع لخصومة ... ) فِيمَن رَوَاهُ مَبْنِيا للْمَفْعُول فَإِن التَّقْدِير يسبحه رجال ويوحيه الله وزينه شركاؤهم ويبكيه ضارع وَلَا تقدر هَذِه المرفوعات مبتدآت حذفت أَخْبَارهَا لِأَن هَذِه الْأَسْمَاء قد ثبتَتْ فاعليتها فِي رِوَايَة من بني الْفِعْل فِيهِنَّ للْفَاعِل وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله} فَلَا يقدر ليَقُولن الله خلقهمْ بل خلقهمْ الله لمجيء ذَلِك فِي شبه هَذَا الْموضع وَهُوَ {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ليَقُولن خَلقهنَّ الْعَزِيز الْعَلِيم} وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 807 مَوَاضِع آتِيَة على طَرِيقَته نَحْو {قَالَت من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير} {قَالَ من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا} إِذا دَار الْأَمر بَين كَون الْمَحْذُوف أَولا أَو ثَانِيًا فكونه ثَانِيًا أولى وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا نون الْوِقَايَة فِي نَحْو {أتحاجوني} و {تأمروني} فِيمَن قَرَأَ بنُون وَاحِدَة وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس وَأبي سعيد وَأبي عَليّ وَأبي الْفَتْح وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك إِن الْمَحْذُوف الأولى الثَّانِيَة نون الْوِقَايَة مَعَ نون الْإِنَاث فِي نَحْو قَوْله 1045 - ( ... يسوء الفاليات إِذا فليني) هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَفِي الْبَسِيط أَنه مجمع عَلَيْهِ لِأَن نون الْفَاعِل لَا يَلِيق بهَا الْحَذف وَلَكِن فِي التسهيل أَن الْمَحْذُوف الأولى وَأَنه مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ الثَّالِثَة تَاء الْمَاضِي مَعَ تَاء الْمُضَارع فِي نَحْو {نَارا تلظى} وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِن توَلّوا فَإِن الله عليم بالمفسدين} يضعف كَون توَلّوا فعلا مضارعا لِأَن أحرف المضارعة لَا تحذف اه وَهَذَا فَاسد لِأَن الْمَحْذُوف الحديث: 1045 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 808 الثَّانِيَة وَهُوَ قَول الْجُمْهُور والمخالف فِي ذَلِك هِشَام الْكُوفِي ثمَّ إِن التَّنْزِيل مُشْتَمل على مَوَاضِع كَثِيرَة من ذَلِك لَا شكّ فِيهَا نَحْو {نَارا تلظى} {وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت} الرَّابِعَة نَحْو مقول ومبيع الْمَحْذُوف مِنْهُمَا وَاو مفعول وَالْبَاقِي عين الْكَلِمَة خلافًا للأخفش الْخَامِسَة نَحْو إِقَامَة واستقامة والمحذوف مِنْهُمَا ألف الإفعال والاستفعال وَالْبَاقِي عين الْكَلِمَة خلافًا للأخفش أَيْضا السَّادِسَة نَحْو 1046 - ( ... يَا زيد زيد اليعملات الذبل) بفتحهما و1047 - ( ... بَين ذراعي وجبهة الْأسد) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح خلافًا للمبرد السَّابِعَة نَحْو زيد وَعَمْرو قَائِم وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَن الْحَذف فِيهِ من الأول لسلامته من فصل وَلِأَن فِيهِ إِعْطَاء الْخَبَر للمجاور مَعَ أَن مذْهبه فِي نَحْو 1048 - ( ... يَا زيد زيد اليعملات) أَن الْحَذف من الثَّانِي قَالَ ابْن الْحَاجِب إِنَّمَا اعْترض بالمضاف الثَّانِي بَين الحديث: 1046 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 809 المتضايفين ليبقى الْمُضَاف إِلَيْهِ الْمَذْكُور فِي اللَّفْظ عوضا مِمَّا ذهب وَأما هُنَا فَلَو كَانَ قَائِم خَبرا عَن الأول لوقع فِي مَوْضِعه إِذْ لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى تَأْخِيره إِذْ كَانَ الْخَبَر يحذف بِلَا عوض نَحْو زيد قَائِم وَعَمْرو من غير قبح فِي ذَلِك اه وَقيل أَيْضا كل من المبتدأين عَامل فِي الْخَبَر فَالْأولى إِعْمَال الثَّانِي لقُرْبه وَيلْزم من هَذَا التَّعْلِيل أَن يُقَال بذلك فِي مَسْأَلَة الْإِضَافَة تَنْبِيه الْخلاف إِنَّمَا هُوَ عِنْد التَّرَدُّد وَإِلَّا فَلَا تردد فِي أَن الْحَذف من الأول فِي قَوْله 1049 - (نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف) وَقَوله 1050 - (خليلي هَل طب فَإِنِّي وأنتما ... وَإِن لم تبوحا بالهوى دنفان) وَفِي الثَّانِي فِي قَوْله تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ} إِذْ لَو كَانَ الْجَواب للثَّانِي لجزم فَقُلْنَا بذلك فِي نَحْو إِن أكلت إِن شربت فَأَنت طَالِق وَفِي {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح} وَنَحْو {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ} ثمَّ قَالَ تَعَالَى {لَو تزيلوا لعذبنا} وانبنى على ذَلِك الْمِثَال أَنَّهَا لَا تطلق حَتَّى تُؤخر الْمُقدم وَتقدم الْمُؤخر إِذْ التَّقْدِير إِن أكلت فَأَنت طَالِق إِن شربت وَجَوَاب الثَّانِي فِي هَذَا الْكَلَام من حَيْثُ الْمَعْنى هُوَ الشَّرْط الأول وَجَوَابه الحديث: 1049 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 810 كَمَا أَن الْجَواب من حَيْثُ الْمَعْنى فِي أَنْت ظَالِم إِن فعلت مَا تقدم على الشَّرْط بل قَالَ جمَاعَة إِنَّه الْجَواب فِي الصِّنَاعَة أَيْضا وَمن ذَلِك قَوْله 015 - ( ... فَإِنِّي وقيار بهَا لغريب) وَقد تكلّف بَعضهم فِي الْبَيْت الأول فَزعم أَن نَحن للمعظم نَفسه وَأَن رَاض خبر عَنهُ وَلَا يحفظ مثل نَحن قَائِم بل يجب فِي الْخَبَر الْمُطَابقَة نَحْو {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون} وَأما {قَالَ رب ارْجِعُونِ} فأفرد ثمَّ جمع لِأَن غير الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر لَا يجب لَهما من التطابق مَا يجب لَهما ذكر أَمَاكِن من الْحَذف يتمرن بهَا المعرب حذف الِاسْم الْمُضَاف {وَجَاء رَبك} {فَأتى الله بنيانهم} أَي أمره لِاسْتِحَالَة الْحَقِيقِيّ فَأَما {ذهب الله بنورهم} فالباء للتعدية أَي أذهب الله نورهم وَمن ذَلِك مَا نسب فِيهِ حكم شَرْعِي إِلَى ذَات لِأَن الطّلب لَا يتَعَلَّق إِلَّا بالأفعال نَحْو {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} أَي استمتاعهن {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 811 ) أَي أكلهَا {حرمنا عَلَيْهِم طَيّبَات} أَي تنَاولهَا لَا أكلهَا ليتناول شرب ألبان الْإِبِل {حرمت ظُهُورهَا} أَي مَنَافِعهَا ليتناول الرّكُوب والتحميل وَمثله {وَأحلت لكم الْأَنْعَام} وَمن ذَلِك مَا علق فِيهِ الطّلب بِمَا قد وَقع نَحْو {أَوْفوا بِالْعُقُودِ} {وأوفوا بِعَهْد الله} فَإِنَّهُمَا قَولَانِ قد وَقعا فَلَا يتَصَوَّر فيهمَا نقض وَلَا وَفَاء وَإِنَّمَا المُرَاد الْوَفَاء بمقتضاهما وَمِنْه {فذلكن الَّذِي لمتنني فِيهِ} إِذْ الذوات لَا يتَعَلَّق بهَا لوم وَالتَّقْدِير فِي حبه بِدَلِيل {قد شغفها حبا} أَو فِي مراودته بِدَلِيل {تراود فتاها} وَهُوَ أولى لِأَنَّهُ فعلهَا بِخِلَاف الْحبّ {واسأل الْقرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعير الَّتِي أَقبلنَا فِيهَا} أَي أهل الْقرْيَة وَأهل العير {وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيبا} أَي وَإِلَى أهل مَدين بِدَلِيل أَخَاهُم وَقد ظهر فِي {وَمَا كنت ثاويا فِي أهل مَدين} وَأما {وَكم من قَرْيَة أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا} فَقدر النحويون الْأَهْل بعد من واهلكنا وَجَاء وَخَالفهُم الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْأَوَّلين لِأَن الْقرْيَة تهْلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 812 وَوَافَقَهُمْ فِي فجَاء لأجل {أَو هم قَائِلُونَ} {إِذا لأذقناك ضعف الْحَيَاة وَضعف الْمَمَات} أَي ضعف عَذَاب الْحَيَاة وَضعف عَذَاب الْمَمَات {لمن كَانَ يَرْجُو الله} أَي رَحمته {يخَافُونَ رَبهم} أَي عَذَابه بِدَلِيل {ويرجون رَحمته وَيَخَافُونَ عَذَابه} {يضاهئون قَول الَّذين كفرُوا} أَي يضاهي قَوْلهم قَول الَّذين كفرُوا وَقَالَ الْأَعْشَى 105 - (ألم تغتمض عَيْنَاك لَيْلَة أرمدا ... ) فَحذف الْمُضَاف إِلَى لَيْلَة والمضاف إِلَيْهِ لَيْلَة وَأقَام صفته مقَامه أَي اغتماض لَيْلَة رجل أرمد وَعَكسه نِيَابَة الْمصدر عَن الزَّمَان جئْتُك طُلُوع الشَّمْس أَي وَقت طُلُوعهَا فناب الْمصدر عَن الزَّمَان وَلَيْسَ من ذَلِك جئْتُك مقدم الْحَاج خلافًا للزمخشري بل الْمُقدم اسْم لزمن الْقدوم تَنْبِيه إِذا احْتَاجَ الْكَلَام إِلَى حذف مُضَاف يُمكن تَقْدِيره مَعَ أول الجزأين وَمَعَ ثَانِيهمَا فتقديره مَعَ الثَّانِي أولى نَحْو {الْحَج أشهر} وَنَحْو {وَلَكِن الْبر من آمن} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 813 فَيكون التَّقْدِير الْحَج حج أشهر وَالْبر بر من آمن أولى من أَن يقدر أشهر الْحَج أشهر وَذَا الْبر من آمن لِأَنَّك فِي الأول قدرت عِنْد الْحَاجة إِلَى التَّقْدِير وَلِأَن الْحَذف من آخر الْجُمْلَة أولى حذف الْمُضَاف اليه يكثر فِي يَاء الْمُتَكَلّم مُضَافا إِلَيْهَا المنادى نَحْو {رب اغْفِر لي} وَفِي الغايات نَحْو {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} أَي من قبل الغلب وَمن بعده وَفِي أَي وكل وَبَعض وَغير بعد لَيْسَ وَرُبمَا جَاءَ فِي غَيْرهنَّ نَحْو {فَلَا خوف عَلَيْهِم} فِيمَن ضم وَلم ينون أَي فَلَا خوف شَيْء عَلَيْهِم وَسمع سَلام عَلَيْكُم فَيحْتَمل ذَلِك أَي سَلام الله أَو إِضْمَار أل حذف اسْمَيْنِ مضافين {فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب} أَي فَإِن تعظيمها من أَفعَال ذوى تقوى الْقُلُوب {قَبْضَة من أثر الرَّسُول} أَي من أثر حافر فرس الرَّسُول {كَالَّذي يغشى عَلَيْهِ} أَي كدوران عين الَّذِي يغشى وَقَالَ 1053 - ( ... وَقد جَعَلتني من حزيمة إصبعا) أَي ذَا مَسَافَة إِصْبَع الحديث: 1053 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 814 حذف ثَلَاث متضايفات {فَكَانَ قاب قوسين} أَي فَكَانَ مِقْدَار مَسَافَة قربه مثل قاب قوسين فحذفت ثَلَاثَة من اسْم كَانَ وَوَاحِد من خَبَرهَا كَذَا قدره الزَّمَخْشَرِيّ تَنْبِيه للقاب مَعْنيانِ الْقدر وَمَا بَين مقبض الْقوس وطرفها وعَلى تَفْسِير الَّذِي فِي الْآيَة بِالثَّانِي فَقيل هِيَ على الْقلب وَالتَّقْدِير قابي قَوس وَلَو أُرِيد هَذَا لأغنى عَنهُ ذكر الْقوس حذف الْمَوْصُول الاسمي ذهب الْكُوفِيُّونَ والأخفش إِلَى إِجَازَته وتبعهم ابْن مَالك وَشرط فِي بعض كتبه كَونه مَعْطُوفًا على مَوْصُول آخر وَمن حجتهم {آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم} وَقَول حسان 1054 - (أَمن يهجو رَسُول الله مِنْكُم ... ويمدحه وينصره سَوَاء) وَقَول آخر الحديث: 1054 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 815 1055 - (مَا الَّذِي دأبه احْتِيَاط وحزم ... وهواه أطَاع يستويان) أَي وَالَّذِي أنزل وَمن يمدحه وَالَّذِي أطَاع هَوَاهُ حذف الصِّلَة يجوز قَلِيلا لدلَالَة صلَة أُخْرَى كَقَوْلِه 1056 - (وَعند الَّذِي وَاللات عدنك إحْنَة ... عَلَيْك فَلَا يغررك كيد العوائد) أَي الَّذِي عادك أَو دلَالَة غَيرهَا كَقَوْلِه 1057 - (نَحن الألى فاجمع جموعك ... ثمَّ وجههم إِلَيْنَا) أَي نَحن الألى عرفُوا بالشجاعة وَقَالَ 1058 - (بعد اللتيا واللتيا وَالَّتِي ... إِذا علتها أنفس تردت) فَقيل يقدر مَعَ اللتيا فيهمَا نَظِير الْجُمْلَة الشّرطِيَّة الْمَذْكُورَة وَقيل يقدر اللتيا دقَّتْ واللتيا دقَّتْ لِأَن التصغير يَقْتَضِي ذَلِك وصلَة الثَّالِثَة الْجُمْلَة الشّرطِيَّة وَقيل يقدر مَعَ اللتيا فيهمَا عظمت لَا دقَّتْ وَإنَّهُ تَصْغِير تَعْظِيم كَقَوْلِه 1059 - ( ... دويهية تصفر مِنْهَا الأنامل) حذف الْمَوْصُوف قَوْله تَعَالَى {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف} أَي حور قاصرات {وألنا لَهُ الْحَدِيد أَن اعْمَلْ سابغات} الحديث: 1055 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 816 ) أَي دروعا سابغات {فليضحكوا قَلِيلا وليبكوا كثيرا} أَي ضحكا قَلِيلا وبكاء كثيرا كَذَا قيل وَفِيه بحث سَيَأْتِي {وَذَلِكَ دين الْقيمَة} أَي دين الْملَّة الْقيمَة {ولدار الْآخِرَة خير} أَي ولدار السَّاعَة الْآخِرَة قَالَه الْمبرد وَقَالَ ابْن الشجري الْحَيَاة الْآخِرَة بِدَلِيل {وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور} وَمِنْه {وَحب الحصيد} أَي حب النبت الحصيد وَقَالَ سحيم 1060 - (أَنا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... ) قيل تَقْدِيره أَنا ابْن رجل جلا الْأُمُور وَقيل جلا علم محكي على أَنه مَنْقُول من نَحْو قَوْلك زيد جلا فَيكون جملَة لَا من قَوْلك جلا زيد وَنَظِيره قَوْله 106 - (نبئت أخوالي بني يزِيد ... ظلما علينا لَهُم فديد) فيزيد مَنْقُول من نَحْو قَوْلك المَال يزِيد لَا من قَوْلك يزِيد المَال وَإِلَّا لأعرب غير منصرف فَكَانَ يفتح لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَيْهِ وَاخْتلف فِي الْمُقدر مَعَ الْجُمْلَة فِي نَحْو منا ظعن وَمنا أَقَامَ فأصحابنا يقدرُونَ مَوْصُوفا أَي فريق والكوفيون يقدرُونَ مَوْصُولا أَي الَّذِي أَو من وَمَا قدرناه أَقيس لِأَن اتِّصَال الْمَوْصُول بصلته أَشد من اتِّصَال الْمَوْصُول بِصفتِهِ الحديث: 1060 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 817 لتلازمهما وَمثله مَا مِنْهُمَا مَاتَ حَتَّى لَقيته نقدره بِأحد ويقدرونه بِمن {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ} أَي إِلَّا إِنْسَان أَو إِلَّا من وَحكى الْفراء عَن بعض قدمائهم أَن الْجُمْلَة القسمية لَا تكون صلَة ورده بقوله تَعَالَى {وَإِن مِنْكُم لمن ليبطئن} حذف الصّفة {يَأْخُذ كل سفينة غصبا} أَي صَالِحَة بِدَلِيل أَنه قرىء كَذَلِك وَأَن تعييبها لَا يُخرجهَا عَن كَونهَا سفينة فَلَا فَائِدَة فِيهِ حِينَئِذٍ {تدمر كل شَيْء} أَي سلطت عَلَيْهِ بِدَلِيل {مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ} الْآيَة {قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} أَي الْوَاضِح وَإِلَّا كَانَ مَفْهُومه كفرا {وَمَا نريهم من آيَة إِلَّا هِيَ أكبر من أُخْتهَا} وَقَالَ 106 - ( ... فَلم أعْط شَيْئا وَلم أمنع) وَقَالَ 1063 - ( ... وَلَيْسَت دَارنَا هاتا بدار) الحديث: 1063 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 818 أَي من أُخْتهَا السَّابِقَة وبدار طائلة وَلم أعْط شَيْئا طائلا دفعا للتناقض فِيهِنَّ {قل يَا أهل الْكتاب لَسْتُم على شَيْء} أَي نَافِع {إِن نظن إِلَّا ظنا} أَي ضَعِيفا حذف الْمَعْطُوف وَيجب أَن يتبعهُ العاطف نَحْو {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل} أَي وَمن أنْفق من بعده دَلِيل التَّقْدِير أَن الاسْتوَاء إِنَّمَا يكون بَين شَيْئَيْنِ وَدَلِيل الْمُقدر {أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا} {لَا نفرق بَين أحد من رسله} {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله وَلم يفرقُوا بَين أحد مِنْهُم} أَي بَين أحد وَأحد مِنْهُم وَقيل أحد فيهمَا لَيْسَ بِمَعْنى وَاحِد مثله فِي {قل هُوَ الله أحد} بل هُوَ الْمَوْضُوع للْعُمُوم وهمزته أَصْلِيَّة لَا مبدلة من الْوَاو فَلَا تَقْدِير ورد بِأَنَّهُ يَقْتَضِي حِينَئِذٍ أَن المعرض بهم وهم الْكَافِرُونَ فرقوا بَين كل الرُّسُل وَإِنَّمَا فرقوا بَين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين غَيره فِي النُّبُوَّة وَفِي لُزُوم هَذَا نظر وَالَّذِي يظْهر لي وَجه التَّقْدِير وَأَن الْمُقدر بَين أحد وَبَين الله بِدَلِيل {ويريدون أَن يفرقُوا بَين الله وَرُسُله} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 819 وَنَحْو {سرابيل تقيكم الْحر} أَي وَالْبرد وَقد يكون اكْتفى عَن هَذَا بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أول السُّورَة {لكم فِيهَا دفء} {وَله مَا سكن} أَي وَمَا تحرّك وَإِذا فسر سكن باستقر لم يحْتَج إِلَى هَذَا {فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} أَي فَإِن أحصرتم فحللتم {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية} أَي فحلق ففدية {لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا} أَي إيمَانهَا وكسبها وَالْآيَة من اللف والنشر وَبِهَذَا التَّقْدِير تنْدَفع شُبْهَة الْمُعْتَزلَة كالزمخشري وَغَيره إِذْ قَالُوا سوى الله تَعَالَى بَين عدم الْإِيمَان وَبَين الْإِيمَان الَّذِي لم يقْتَرن بِالْعَمَلِ الصَّالح فِي عدم الِانْتِفَاع بِهِ وَهَذَا التَّأْوِيل ذكره ابْن عَطِيَّة وَابْن الْحَاجِب وَمن الْقَلِيل حذف أم ومعطوفها كَقَوْلِه 1064 - ( ... فَمَا أَدْرِي أرشد طلابها) أَي أم غي وَقد مر الْبَحْث فِيهِ حذف الْمَعْطُوف عَلَيْهِ أَن اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت أَي فَضرب فانفجرت وَزعم الحديث: 1064 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 820 ابْن عُصْفُور أَن الْفَاء فِي فانفجرت هِيَ فَاء فَضرب وَأَن فَاء فانفجرت حذفت ليَكُون على الْمَحْذُوف دَلِيل بِبَقَاء بعضه وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن لفظ الفاءين وَاحِد فَكيف يحصل الدَّلِيل وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ وَمن تبعه أَن تكون فَاء الْجَواب أَي فَإِن ضربت فقد انفجرت وَيَردهُ أَن ذَلِك يَقْتَضِي تقدم الانفجار على الضَّرْب مثل {إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ من قبل} إِلَّا إِن قيل المُرَاد فقد حكمنَا بترتب الانفجار على ضربك وَقيل فِي {أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة} إِن أم مُتَّصِلَة وَالتَّقْدِير أعلمتم أَن الْجنَّة حفت بالمكاره أم حسبتم حذف الْمُبدل مِنْهُ قيل فِي {وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب} وَفِي {كَمَا أرسلنَا فِيكُم رَسُولا مِنْكُم} إِن الْكَذِب بدل من مفعول تصف الْمَحْذُوف أَي لما تصفه وَكَذَلِكَ فِي رَسُولا بِنَاء على أَن مَا فِي كَمَا مَوْصُول اسْمِي وَيَردهُ أَن فِيهِ إِطْلَاق مَا على الْوَاحِد من أولي الْعلم وَالظَّاهِر أَن مَا كَافَّة وَأظْهر مِنْهُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّة لابقاء الْكَاف حيئذ على عمل الْجَرّ وَقيل فِي الْكَذِب إِنَّه مفعول إِمَّا لتقولوا والجملتان بعده بدل مِنْهُ أَي لَا تَقولُوا الْكَذِب لما تصفه أَلْسِنَتكُم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 821 الْبَهَائِم بِالْحلِّ أَو الْحُرْمَة وَإِمَّا لمَحْذُوف أَي فتقولون الْكَذِب وَأما لتصف على أَن مَا مَصْدَرِيَّة والجملتان محكيتا القَوْل أَي لَا تحللوا وتحرموا لمُجَرّد قَول تنطق بِهِ أَلْسِنَتكُم وقرىء بِالْجَرِّ بَدَلا من مَا على أَنَّهَا اسْم وبالرفع وَضم الْكَاف والذال جمعا لكذوب صفة للْفَاعِل وَقد مر أَنه قيل فِي لَا إِلَه إِلَّا الله إِن اسْم الله تَعَالَى بدل من ضمير الْخَبَر الْمَحْذُوف حذف الْمُؤَكّد وَبَقَاء توكيده قد مر أَن سِيبَوَيْهٍ والخليل أجازاه وَأَن أَبَا الْحسن وَمن تبعه منعُوهُ حذف الْمُبْتَدَأ يكثر ذَلِك فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام نَحْو {وَمَا أَدْرَاك مَا الحطمة نَار الله} أَي هِيَ نَار الله {وَمَا أَدْرَاك مَا هيه نَار حامية} {مَا أَصْحَاب الْيَمين فِي سدر مخضود} الْآيَتَيْنِ {قل أفأنبئكم بشر من ذَلِكُم النَّار} وَبعد فَاء الْجَواب نَحْو {من عمل صَالحا فلنفسه وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا} أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 822 فعمله لنَفسِهِ وإساءته عَلَيْهَا {وَإِن تخالطوهم فإخوانكم} أَي فهم إخْوَانكُمْ {فَإِن لم يصبهَا وابل فطل} {وَإِن مَسّه الشَّرّ فيؤوس قنوط} {فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ} أَي فالشاهد وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك} وَبعد القَوْل نَحْو {وَقَالُوا أساطير الْأَوَّلين} {إِلَّا قَالُوا سَاحر أَو مَجْنُون} {سيقولون ثَلَاثَة} الْآيَة {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} وَبعد مَا الْخَبَر صفة لَهُ فِي الْمَعْنى نَحْو {التائبون العابدون} وَنَحْو {صم بكم عمي} وَوَقع فِي غير ذَلِك أَيْضا نَحْو {لَا يغرنك تقلب الَّذين كفرُوا فِي الْبِلَاد مَتَاع قَلِيل} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 823 {وَلَا تَقولُوا ثَلَاثَة} {لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة من نَهَار بَلَاغ} أَي هَذَا بَلَاغ وَقد صرح بِهِ فِي {هَذَا بَلَاغ للنَّاس} {سُورَة أنزلناها} أَي هَذِه سُورَة وَمثله قَول الْعلمَاء بَاب كَذَا وسيبويه يُصَرح بِهِ حذف الْخَبَر {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم وطعامكم حل لَهُم وَالْمُحصنَات من الْمُؤْمِنَات وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} أَي حل لكم {أكلهَا دَائِم وظلها} أَي دَائِم وَأما {أأنتم أعلم أم الله} فَلَا حَاجَة إِلَى دَعْوَى الْحَذف كَمَا قيل لصِحَّة كَون أعلم خَبرا عَنْهُمَا وَأما أَنْت أعلم وَمَالك فمشكل لِأَنَّهُ إِن عطف على أَنْت لزم كَون أعلم خَبرا عَنْهُمَا أَو على أعلم لزم كَونه شَرِيكه فِي الخبرية أَو على ضمير أعلم لزم أَيْضا نِسْبَة الْعلم إِلَيْهِ والعطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل من غير توكيد وَلَا فصل وإعمال أفعل فِي الظَّاهِر وَإِن قدر مُبْتَدأ حذف خَبره لزم كَون الْمَحْذُوف أعلم وَالْوَجْه فِيهِ أَن الأَصْل بِمَالك ثمَّ أنيبت الْوَاو مناب الْبَاء قصدا للتشاكل اللَّفْظِيّ لَا للاشتراك الْمَعْنَوِيّ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 824 قصد بالْعَطْف فِي نَحْو {وأرجلكم} فِيمَن خفض على القَوْل بِأَن الْخَفْض للجوار وَنَظِيره بِعْت الشَّاء شَاة ودرهما وَالْأَصْل شَاة بدرهم وَقَالُوا النَّاس مجزيون بأعمالهم إِن خير فَخير) أَي إِن كَانَ فِي عَمَلهم خير فحذفت كَانَ وخبرها وَقَالَ 1065 - (لهفي عَلَيْك للهفة من خَائِف ... يَبْغِي جوارك حِين لَيْسَ مجير) أَي لَيْسَ لَهُ وَقَالُوا من تأنى أصَاب أَو كَاد وَمن استعجل أَخطَأ أَو كَاد وَقَالُوا إِن مَالا وَإِن ولدا وَقَالَ الْأَعْشَى 1066 - (إِن محلا وَإِن مرتحلا ... ) أَي إِن لنا حلولا فِي الدُّنْيَا وَإِن لنا ارتحالا عَنْهَا وَقد مر الْبَحْث فِي {إِن الَّذين كفرُوا ويصدون عَن سَبِيل الله} {إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر لما جَاءَهُم} مُسْتَوفى وَقَالَ تَعَالَى {قَالُوا لَا ضير} أَي علينا {وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت} أَي لَهُم وَقَالَ الحماسي 1067 - (من صد عَن نيرانها ... فَأَنا ابْن قيس لَا براح) الحديث: 1065 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 825 وَقد كثر حذف خبر لَا هَذِه حَتَّى قيل إِنَّه لَا يذكر وَقَالَ آخر 1068 - (إِذا قيل سِيرُوا إِن ليلى لَعَلَّهَا ... جرى دون ليلى مائل الْقرن أعضب) أَي لَعَلَّهَا قريبَة مَا يحْتَمل النَّوْعَيْنِ يكثر بعد الْفَاء نَحْو {فَتَحْرِير رَقَبَة} {فَعدَّة من أَيَّام أخر} {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} {فنظرة إِلَى ميسرَة} أَي فَالْوَاجِب كَذَا أَو فَعَلَيهِ كَذَا أَو فَعَلَيْكُم كَذَا وَيَأْتِي فِي غَيره نَحْو {فَصَبر جميل} أَي أَمْرِي أَو أمثل وَمثله {طَاعَة وَقَول مَعْرُوف} أَي أمرنَا أَو أمثل وَيدل للْأولِ قَوْله 1069 - (فَقَالَت على اسْم الله أَمرك طَاعَة ... ) وَقد مر تَجْوِيز ابْن عُصْفُور الْوَجْهَيْنِ فِي لعمرك لَأَفْعَلَنَّ وايمن الله لَأَفْعَلَنَّ وَغَيره جزم بِأَن ذَلِك من حذف الْخَبَر وَفِي نعم الرجل زيد وَغَيره جزم بِأَنَّهُ إِذا جعل على الْحَذف كَانَ من حذف الْمُبْتَدَأ الحديث: 1068 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 826 حذف الْفِعْل وَحده أَو مَعَ مُضْمر مَرْفُوع أَو مَنْصُوب أَو مَعَهُمَا يطرد حذفه مُفَسرًا نَحْو {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} {إِذا السَّمَاء انشقت} {قل لَو أَنْتُم تَمْلِكُونَ} وَالْأَصْل لَو تَمْلِكُونَ تَمْلِكُونَ فَلَمَّا حذف الْفِعْل انْفَصل الضَّمِير قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ وَأَبُو الْبَقَاء وَأهل الْبَيَان وَعَن الْبَصرِيين أَنه لَا يجوز لَو زيد قَامَ إِلَّا فِي الشّعْر أَو الندور نَحْو لَو ذَات سوار لطمتني وَقيل الأَصْل لَو كُنْتُم فحذفت كَانَ دون اسْمهَا وَقيل لَو كُنْتُم أَنْتُم فحذفا مثل التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد وَبَقِي التوكيد وَيكثر فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام نَحْو {ليَقُولن الله} أَي ليَقُولن خلقهمْ الله وَإِذا قيل لَهُ مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا خيرا وَأكْثر من ذَلِك كُله حذف القَوْل نَحْو {وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب سَلام عَلَيْكُم} حَتَّى قَالَ أَبُو عَليّ حذف القَوْل من حَدِيث الْبَحْر قل وَلَا حرج وَيَأْتِي حذف الْفِعْل فِي غير ذَلِك نَحْو {انْتَهوا خيرا لكم} أَي وَأتوا خيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 827 وَقَالَ الْكسَائي يكن الِانْتِهَاء خيرا وَقَالَ الْفراء الْكَلَام جملَة وَاحِدَة وَخيرا نعت لمصدر مَحْذُوف أَي انْتِهَاء خيرا {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم} أَي واعتقدوا الْإِيمَان من قبل هجرتهم وَقَالَ 1070 - (علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا ... ) فَقيل التَّقْدِير وسقيتها وَقيل لَا حذف بل ضمن علفتها معنى أنلتها وأعطيتها وألزموا صِحَة نَحْو علفتها مَاء بَارِدًا وتبنا فالتزموه محتجين بقول طرفَة 107 - ( ... لَهَا سَبَب ترعى بِهِ المَاء وَالشَّجر) وَقَالُوا الْحَمد لله أهل الْحَمد بإضمار أمدح وَفِي التَّنْزِيل {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} بإضمار أَذمّ ونظائره كَثِيرَة وَقَالُوا أما أَنْت مُنْطَلقًا أنطلقت أَي لِأَن كنت مُنْطَلقًا انْطَلَقت وَقَالُوا لَا ُأكَلِّمهُ مَا أَن حراء مَكَانَهُ وَمَا أَن فِي السَّمَاء نجما أَي مَا ثَبت ويروى نجم بِالرَّفْع فَأن فعل مَاض بِمَعْنى عرض وَأَصله عَن حذف الْمَفْعُول يكثر بعد لَو شِئْت نَحْو {فَلَو شَاءَ لهداكم} أَي فَلَو شَاءَ هدايتكم الحديث: 1070 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 828 وَبعد نفي الْعلم وَنَحْوه نَحْو {أَلا إِنَّهُم هم السُّفَهَاء وَلَكِن لَا يعلمُونَ} أَي إِنَّهُم سُفَهَاء {وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم وَلَكِن لَا تبصرون} وعائدا على الْمَوْصُول نَحْو {أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا} وَحذف عَائِد الْمَوْصُوف دون ذَلِك كَقَوْلِه 107 - ( ... وَمَا شَيْء حميت بمستباح) وعائد الْمخبر عَنهُ دونهمَا كَقَوْلِه 1073 - ( ... عَليّ ذَنبا كُله لم أصنع) وَقَوله 1074 - ( ... فثوب لبست وثوب أجر) وَجَاء فِي غير ذَلِك نَحْو {فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن} {فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} أَي فَمن لم يجد الرَّقَبَة فَمن لم يسْتَطع الصَّوْم وَمن غَرِيبه حذف الْمَقُول وَبَقَاء القَوْل نَحْو {قَالَ مُوسَى أتقولون للحق لما جَاءَكُم} أَي هُوَ سحر بِدَلِيل {أَسحر هَذَا} الحديث: 1073 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 829 وَيكثر حذفه فِي الفواصل نَحْو {وَمَا قلى} {وَلَا تخشى} وَيجوز حذف مفعولي أعْطى نَحْو {فَأَما من أعْطى} وَثَانِيهمَا فَقَط نَحْو {ولسوف يعطيك رَبك} وأولهما فَقَط خلافًا لِلسُّهَيْلِي نَحْو {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة} حذف الْحَال أَكثر مَا يرد ذَلِك إِذا كَانَ قولا أغْنى عَنهُ الْمَقُول نَحْو {وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب سَلام عَلَيْكُم} أَي قائلين ذَلِك وَمثله {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل رَبنَا تقبل منا} وَيحْتَمل أَن الْوَاو للْحَال وَأَن القَوْل الْمَحْذُوف خبر أَي وَإِسْمَاعِيل يَقُول كَمَا أَن القَوْل حذف خَبرا للموصول فِي {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا} وَيحْتَمل أَن الْخَبَر هُنَا {إِن الله يحكم بَينهم} فَالْقَوْل الْمَحْذُوف نصب على الْحَال أَو رفع خَبرا أول أَو لَا مَوضِع لَهُ لِأَنَّهُ بدل من الصِّلَة هَذَا كُله إِن كَانَ الَّذين للْكفَّار والعائد الْوَاو فَإِن كَانَ للمعبودين عِيسَى وَالْمَلَائِكَة والأصنام والعائد مَحْذُوف أَي اتخذوهم فَالْخَبَر {إِن الله يحكم بَينهم} وَجُمْلَة القَوْل حَال أَو بدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 830 حذف التَّمْيِيز نَحْو كم صمت أَي كم يَوْمًا وَقَالَ تَعَالَى {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} {إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ} وَهُوَ شَاذ فِي بَاب نعم نَحْو من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة فِيهَا ونعمت أَي فبالرخصة أَخذ ونعمت رخصَة حذف الِاسْتِثْنَاء وَذَلِكَ بعد إِلَّا وَغير المسبوقين بليس يُقَال قبضت عشرَة لَيْسَ إِلَّا أَو لَيْسَ غير وَقد تقدم وَأَجَازَ بَعضهم ذَلِك بعد لم يكن وَلَيْسَ بمسموع حذف حرف الْعَطف بَابه الشّعْر كَقَوْل الحطيئة 1075 - (إِن امْرأ رهطه بِالشَّام منزله ... برمل يبرين جارا شدّ مَا اغتربا) أَي ومنزله برمل يبرين كَذَا قَالُوا وَلَك أَن تَقول الْجُمْلَة الثَّانِيَة صفة ثَانِيَة لَا معطوفة وَحكى أَبُو زيد أكلت خبْزًا لَحْمًا تَمرا فَقيل على حذف الْوَاو وَقيل على بدل الإضراب وَحكى أَبُو الْحسن أعْطه درهما دِرْهَمَيْنِ ثَلَاثَة وَخرج على إِضْمَار أَو وَيحْتَمل الْبَدَل الْمَذْكُور وَقد خرج على ذَلِك آيَات إحدها {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناعمة} أَي ووجوه عطفا على {وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة} الحديث: 1075 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 831 وَالثَّانيَِة {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} فِيمَن فتح الْهمزَة أَي وَأَن الدّين عطفا على {أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} ويبعده أَن فِيهِ فصلا بَين المتعاطفين المرفوعين بالمنصوب وَبَين المنصوبين بالمرفوع وَقيل بدل من أَن الأولى وصلتها أَو من {الْقسْط} أَو مَعْمُول ل {الْحَكِيم} على أَن أَصله الْحَاكِم ثمَّ حول للْمُبَالَغَة وَالثَّالِثَة {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم قلت لَا أجد} أَي وَقلت وَقيل بل هُوَ الْجَواب و {توَلّوا} جَوَاب سُؤال مُقَدّر كَأَنَّهُ قيل فَمَا حَالهم إِذْ ذَاك وَقيل {توَلّوا} حَال على إِضْمَار قد وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيّ أَن يكون {قلت} استئنافا أَي إِذا مَا أتوك لتحملهم توَلّوا ثمَّ قدر أَنه قيل لم توَلّوا بَاكِينَ فَقيل {قلت لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ} ثمَّ وسط بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء حذف فَاء الْجَواب هُوَ مُخْتَصّ بِالضَّرُورَةِ كَقَوْلِه 1076 - (من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها ... ) وَقد مر أَن أَبَا الْحسن خرج عَلَيْهِ {إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة للْوَالِدين} الحديث: 1076 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 832 حذف وَاو الْحَال تقدم فِي قَوْله 1077 - (نصف النَّهَار المَاء غامرة ... ) أَي انتصف النَّهَار وَالْحَال أَن المَاء غامر هَذَا الغائص حذف قد زعم البصريون أَن الْفِعْل الْمَاضِي الْوَاقِع حَالا لَا بُد مَعَه من قد ظَاهِرَة نَحْو {لكم أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَقد فصل لكم} أَو مضمرة نَحْو {أنؤمن لَك واتبعك الأرذلون} {أَو جاؤوكم حصرت صُدُورهمْ} وَخَالفهُم الْكُوفِيُّونَ واشترطوا ذَلِك فِي الْمَاضِي الْوَاقِع خَبرا ل كَانَ كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لبَعض أَصْحَابه أَلَيْسَ قد صليت مَعنا وَقَول الشَّاعِر 1078 - (وَكُنَّا حَسبنَا كل بَيْضَاء شحمة ... عَشِيَّة لاقينا جذاما وحميرا) وَخَالفهُم البصريون وَأَجَازَ بَعضهم إِن زيدا لقام على إِضْمَار قد وَقَالَ الْجَمِيع حق الْمَاضِي الْمُثبت المجاب بِهِ الْقسم أَن يقرن بِاللَّامِ وَقد نَحْو {تالله لقد آثرك الله علينا} وَقيل فِي {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} إِنَّه جَوَاب للقسم الحديث: 1077 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 833 على إِضْمَار اللَّام وَقد جَمِيعًا للطول وَقَالَ 1079 - (حَلَفت لَهَا بِاللَّه حلفة فَاجر ... لناموا فَمَا إِن من حَدِيث وَلَا صال) فأضمر قد وَأما {وَلَئِن أرسلنَا ريحًا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون} فَزعم قوم أَنه من ذَلِك وَهُوَ سَهْو لِأَن ظلوا مُسْتَقْبل لِأَنَّهُ مُرَتّب على الشَّرْط وساد مسد جَوَابه فَلَا سَبِيل فِيهِ إِلَى قد إِذْ الْمَعْنى ليظلن وَلَكِن النُّون لَا تدخل على الْمَاضِي حذف لَا التبرئة حكى الْأَخْفَش لَا رجل وَامْرَأَة بِالْفَتْح وَأَصله وَلَا امْرَأَة فحذفت لَا وَبَقِي الْبناء للتركيب بِحَالهِ حذف لَا النافية وَغَيرهَا يطرد ذَلِك فِي جَوَاب الْقسم إِذا كَانَ الْمَنْفِيّ مضارعا نَحْو {تالله تفتأ تذكر يُوسُف} وَقَوله 1080 - (فَقلت يَمِين الله أَبْرَح قَاعِدا ... ) ويقل مَعَ الْمَاضِي كَقَوْلِه 108 - (فَإِن شِئْت آلَيْت بَين الْمقَام ... والركن وَالْحجر الْأسود) (نسيتك مَا دَامَ عَقْلِي معي ... أمد بِهِ أمد السرمد) الحديث: 1079 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 834 ويسهله تقدم لَا على الْقسم كَقَوْلِه 108 - (فَلَا وَالله نَادَى الْحَيّ قومِي ... ) وَسمع بِدُونِ الْقسم كَقَوْلِه 1083 - (وَقَوْلِي إِذا مَا أطْلقُوا عَن بغيرهم ... يلاقونه حَتَّى يؤوب المنخل) وَقد قيل بِهِ فِي {يبين الله لكم أَن تضلوا} أَي لِئَلَّا وَقيل الْمَحْذُوف مُضَاف أَي كَرَاهَة أَن تضلوا حذف مَا النافية ذكر ابْن معط ذَلِك فِي جَوَاب الْقسم فَقَالَ فِي ألفيته (وَإِن أَتَى الْجَواب منفيا بِلَا ... أَو مَا كَقَوْلي والسما مَا فعلا) (فَإِنَّهُ يجوز حذف الْحَرْف ... إِن أَمن الإلباس حَال الْحَذف) الحديث: 1083 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 835 قَالَ ابْن الخباز وَمَا رَأَيْت فِي كتب النَّحْو إِلَّا حذف لَا وَقَالَ لي شَيخنَا لَا يجوز حذف مَا لِأَن التَّصَرُّف فِي لَا أَكثر من التَّصَرُّف فِي مَا انْتهى وَأنْشد ابْن مَالك 1084 - (فوَاللَّه مَا نلتم وَمَا نيل مِنْكُم ... بمعتدل وفْق وَلَا مُتَقَارب) وَقَالَ أَصله مَا مَا نلتم ثمَّ فِي بعض كتبه قدر الْمَحْذُوف مَا النافية وَفِي بَعْضهَا قدره مَا الموصولة حذف مَا المصدرية قَالَه أَبُو الْفَتْح فِي قَوْله 1085 - (بِآيَة تقدمون الْخَيل شعثا ... ) وَالصَّوَاب أَن آيَة مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة كَمَا مر وَعَكسه قَول سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله 1086 - ( ... بِآيَة مَا تحبون الطعاما) إِن مَا زَائِدَة وَالصَّوَاب أَنَّهَا مَصْدَرِيَّة حذف كي المصدرية أجَازه السيرافي نَحْو جِئْت لتكرمني وَإِنَّمَا يقدر الْجُمْهُور هُنَا أَن بِعَينهَا لِأَنَّهَا أم الْبَاب فَهِيَ أولى بالتجوز الحديث: 1084 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 836 حذف أَدَاة الِاسْتِثْنَاء لَا أعلم أَن أحدا أجَازه إِلَّا أَن السُّهيْلي قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقولن لشَيْء} الْآيَة لَا يتَعَلَّق الِاسْتِثْنَاء ب {فَاعل} إِذْ لم ينْه عَن أَن يصل {إِلَّا أَن يَشَاء الله} بقوله ذَلِك وَلَا بِالنَّهْي لِأَنَّك إِذا قلت أَنْت مَنْهِيّ عَن أَن تقوم إِلَّا أَن يَشَاء الله فلست بمنهي فقد سلطته على أَن يقوم وَيَقُول شَاءَ الله ذَلِك وَتَأْويل ذَلِك أَن الأَصْل إِلَّا قَائِلا إِلَّا أَن يَشَاء الله وَحذف القَوْل كثير اه فتضمن كَلَامه حذف أَدَاة الِاسْتِثْنَاء والمستثنى جَمِيعًا وَالصَّوَاب أَن الِاسْتِثْنَاء مفرغ وَأَن الْمُسْتَثْنى مصدر أَو حَال أَي إِلَّا قولا مصحوبا بِأَن يَشَاء الله أَو إِلَّا متلبسا بِأَن يَشَاء الله وَقد علم أَنه لَا يكون القَوْل مصحوبا بذلك إِلَّا مَعَ حرف الِاسْتِثْنَاء فطوي ذكره لذَلِك وَعَلَيْهِمَا فالباء محذوفة من أَن وَقَالَ بَعضهم يجوز أَن يكون {أَن يَشَاء الله} كلمة تأبيد أَي لَا تقولنه أبدا كَمَا قيل فِي {وَمَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا} لِأَن عودهم فِي ملتهم مِمَّا لَا يشاؤه الله سُبْحَانَهُ وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ أَن يكون الْمَعْنى وَلَا تقولن ذَلِك إِلَّا أَن يَشَاء الله أَن تَقوله بِأَن يَأْذَن لَك فِيهِ وَلما قَالَه مبعد وَهُوَ أَن ذَلِك مَعْلُوم فِي كل أَمر وَنهي ومبطل وَهُوَ أَنه يَقْتَضِي النَّهْي عَن قَول إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا مُطلقًا وَبِهَذَا يرد أَيْضا قَول من زعم أَن الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع وَقَول من زعم أَن {إِلَّا أَن يَشَاء الله} كِنَايَة عَن التَّأْبِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 837 حذف لَام التوطئة {وَإِن لم ينْتَهوا عَمَّا يَقُولُونَ ليمسن} {وَإِن أطعتموهم إِنَّكُم لمشركون} {وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} بِخِلَاف {وَإِلَّا تغْفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} حذف الْجَار يكثر ويطرد مَعَ أَن وَأَن نَحْو {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا} أَي بِأَن وَمثله {بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ} {وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي} {ونطمع أَن يدخلنا رَبنَا} {وَأَن الْمَسَاجِد لله} أَي وَلِأَن الْمَسَاجِد لله {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم} أَي بأنكم وَجَاء فِي غَيرهمَا نَحْو {قدرناه منَازِل} أَي قَدرنَا لَهُ {ويبغونها عوجا} أَي يَبْغُونَ لَهَا {إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان يخوف أولياءه} أَي يخوفكم بأوليائه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 838 وَقد يحذف مَعَ بَقَاء الْجَرّ كَقَوْل رؤبة وَقد قيل لَهُ كَيفَ أَصبَحت خير عافاك الله وَقَوْلهمْ بكم دِرْهَم اشْتريت وَيُقَال فِي الْقسم ألله لَأَفْعَلَنَّ حذف أَن الناصبة هُوَ مطرد فِي مَوَاضِع مَعْرُوفَة وشاذ فِي غَيرهَا نَحْو خُذ اللص قبل يأخذك ومره يحفرها وَلَا بُد من تتبعها وَقَالَ بِهِ سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله 1087 - ( ... ونهنهت نَفسِي بَعْدَمَا كدت أَفعلهُ) وَقَالَ الْمبرد الأَصْل أَفعَلهَا ثمَّ حذفت الْألف ونقلت حَرَكَة الْهَاء إِلَى مَا قبلهَا وَهَذَا أولى من قَول سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ أضمر أَن فِي مَوضِع حَقّهَا أَلا تدخل فِيهِ صَرِيحًا وَهُوَ خبر كَاد واعتد بهَا مَعَ ذَلِك بإبقاء عَملهَا وَإِذا رفع الْفِعْل بعد إِضْمَار أَن سهل الْأَمر وَمَعَ ذَلِك لَا ينقاس وَمِنْه {قل أفغير الله تأمروني أعبد} {وَمن آيَاته يريكم الْبَرْق} وَتسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ وَهُوَ الْأَشْهر فِي بَيت طرفَة الحديث: 1087 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 839 1088 - (أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وَأَن أشهد اللَّذَّات هَل أَنْت مخلدي) وقريء {أعبد} بِالنّصب كَمَا رُوِيَ أحضر كَذَلِك وانتصاب غير فِي الْآيَة على الْقِرَاءَتَيْن لَا يكون بأعبد لِأَن الصِّلَة لَا تعْمل فَمَا قبل الْمَوْصُول بل بتأمروني وَأَن أعبد بدل اشْتِمَال مِنْهُ أَي تأمروني بِغَيْر الله عِبَادَته حذف لَام الطّلب هُوَ مطرد عِنْد بَعضهم فِي نَحْو قل لَهُ يفعل وَجعل مِنْهُ {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا الصَّلَاة} {وَقل لعبادي يَقُولُوا} وَقيل هُوَ جَوَاب لشرط مَحْذُوف أَو جَوَاب للطلب وَالْحق أَن حذفهَا مُخْتَصّ بالشعر كَقَوْلِه 1089 - (مُحَمَّد تفد نَفسك كل نفس ... ) حذف حرف النداء نَحْو {أَيهَا الثَّقَلَان} {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} {أَن أَدّوا إِلَيّ عباد الله} وشذ فِي اسْمِي الْجِنْس والاشارة فِي نَحْو أصبح ليل وَقَوله 1090 - ( ... بمثلك هَذَا لوعة وغرام) الحديث: 1088 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 840 ولحن بَعضهم المتنبي فِي قَوْله 109 - (هذي برزت لنا فهجت رسيسا ... ) وَأجِيب بِأَن هذي مفعول مُطلق أَي برزت هَذِه البرزة ورده ابْن مَالك بِأَنَّهُ لَا يشار إِلَى الْمصدر إِلَّا منعوتا بِالْمَصْدَرِ الْمشَار إِلَيْهِ كضربته ذَلِك الضَّرْب وَيَردهُ بَيت أنْشدهُ هُوَ وَهُوَ قَوْله 109 - (يَا عَمْرو إِنَّك قد مللت صَاحِبَتي ... وصحابتيك إخال ذَاك قَلِيل) حذف همزَة الِاسْتِفْهَام قد ذكر فِي أول الْبَاب الأول من هَذَا الْكتاب حذف نون التوكيد يجوز فِي نَحْو لَأَفْعَلَنَّ فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه 1093 - (فَلَا وَأبي لنأتيها جَمِيعًا ... وَلَو كَانَت بهَا عرب وروم) وَيجب حذف الْخَفِيفَة إِذا لقيها سَاكن نَحْو اضْرِب الْغُلَام بِفَتْح الْبَاء وَالْأَصْل اضربن وَقَوله الحديث: 1093 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 841 1094 - (وَلَا تهين الْفَقِير علك أَن ... تركع يَوْمًا والدهر قد رَفعه) وَإِذا وقف عَلَيْهَا تالية ضمة أَو كسرة ويعاد حِينَئِذٍ مَا كَانَ حذف لأَجلهَا فَيُقَال فِي اضربن يَا قوم اضربوا وَفِي اضربن يَا هِنْد اضربي قيل وحذفها فِي غير ذَلِك ضَرُورَة كَقَوْلِه 1095 - (اضْرِب عَنْك الهموم طارقها ... ضربك بِالسَّيْفِ قونس الْفرس) وَقيل رُبمَا جَاءَ فِي النثر وَخرج بَعضهم عَلَيْهِ قِرَاءَة من قَرَأَ {ألم نشرح} بِالْفَتْح وَقيل إِن بَعضهم ينصب بلم ويجزم بلن وَلَك أَن تَقول لَعَلَّ الْمَحْذُوف فيهمَا الشَّدِيدَة فيجاب بِأَن تقليل الْحَذف وَالْحمل على مَا ثَبت حذفه أولى حذف نوني التَّثْنِيَة وَالْجمع يحذفان للاضافة نَحْو {تبت يدا أبي لَهب} و {إِنَّا مرسلو النَّاقة} ولشبه الْإِضَافَة نَحْو لَا غلامي لزيد وَلَا مكرمي لعَمْرو إِذا لم تقدر اللَّام مقحمة ولتقصير الصِّلَة نَحْو الضاربا زيدا والضاربوا عمرا وللام الساكنة قَلِيلا نَحْو {لذائقوا الْعَذَاب} فِيمَن قَرَأَهُ بِالنّصب وللضرورة نَحْو قَوْله الحديث: 1094 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 842 1096 - (هما خطتا إِمَّا إسار ومنة ... وَإِمَّا دم وَالْقَتْل بِالْحرِّ أَجْدَر) فِيمَن رَوَاهُ بِرَفْع إسار ومنة وَأما من خفض فبالإضافة وَفصل بَين المتضايفين بإما فَلم يَنْفَكّ الْبَيْت عَن ضَرُورَة وَاخْتلف فِي قَوْله 1097 - ( ... لَا يزالون ضاربين القباب) فَقيل الأَصْل ضاربين القباب وَقيل للقباب كَقَوْلِه 1098 - ( ... أشارت كُلَيْب بالأكف الْأَصَابِع) وَقيل ضاربين مُعرب إِعْرَاب مَسَاكِين فنصبه بالفتحة لَا بِالْيَاءِ حذف التَّنْوِين يحذف لُزُوما لدُخُول ال نَحْو الرجل وللاضافة نَحْو غلامك ولشبهها نَحْو لَا مَال لزيد إِذا لم تقدر اللَّام مقحمة فَإِن قدرت فَهُوَ مُضَاف ولمانع الصّرْف نَحْو فَاطِمَة وللوقف فِي غير النصب وللاتصال بالضمير نَحْو ضاربك فِيمَن قَالَ إِنَّه غير مُضَاف فَأَما قَوْله 1099 - ( ... أمسلمني إِلَى قومِي شراحي) الحديث: 1096 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 843 فضرورة خلافًا لهشام ثمَّ هُوَ نون وقاية لَا تَنْوِين كَقَوْلِه 1100 - (وَلَيْسَ الموافيني ليرفد خائبا ... ) إِذْ لَا يجْتَمع التَّنْوِين مَعَ أل وَلكَون الِاسْم علما مَوْصُوفا بِمَا اتَّصل بِهِ وأضيف إِلَى علم من ابْن وَابْنَة اتِّفَاقًا أَو بنت عِنْد قوم من الْعَرَب فَأَما قَوْله 110 - ( ... جَارِيَة من قيس بن ثَعْلَبه) فضرورة ويحذف لالتقاء الساكنين قَلِيلا كَقَوْلِه 110 - (فَأَلْفَيْته غير مستعتب ... وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا) وَإِنَّمَا آثر ذَلِك على حذفه للاضافة لإِرَادَة تماثل المتعاطفين فِي التنكير وَقُرِئَ {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} بترك تَنْوِين أحد وسابق وَنصب النَّهَار وَاخْتلف لم ترك تَنْوِين غير فِي نَحْو قبضت عشرَة لَيْسَ غير فَقيل لِأَنَّهُ مَبْنِيّ كقبل وَبعد وَقيل لنِيَّة الْإِضَافَة وَإِن الضمة إِعْرَاب وَغير متعينة لِأَنَّهَا اسْم لَيْسَ لَا مُحْتَملَة لذَلِك وللخبرية وَيَردهُ أَن هَذَا التَّرْكِيب مطرد وَلَا يحذف تَنْوِين مُضَاف لغير مَذْكُور باطراد إِلَّا إِن أشبه فِي اللَّفْظ الْمُضَاف نَحْو قطع الله يَد وَرجل من قَالَهَا فَإِن الأول مُضَاف إِلَى الْمَذْكُور وَالثَّانِي لمجاورته لَهُ مَعَ أَنه الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي الْمَعْنى كَأَنَّهُ مُضَاف إِلَيْهِ لفظا الحديث: 1100 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 844 حذف ال تحذف للاضافة المعنوية وللنداء نَحْو يَا رَحْمَن إِلَّا من اسْم الله تَعَالَى والجمل المحكية قيل وَالِاسْم الْمُشبه بِهِ نَحْو يَا الْخَلِيفَة هَيْبَة وَسمع سَلام عَلَيْكُم بِغَيْر تَنْوِين فَقيل على إِضْمَار ال وَيحْتَمل عِنْدِي كَونه على تَقْدِير الْمُضَاف إِلَيْهِ وَالْأَصْل سَلام الله عَلَيْكُم وَقَالَ الْخَلِيل فِي مَا يحسن بِالرجلِ خير مِنْك أَن يفعل كَذَا هُوَ على نِيَّة ال فِي خير وَيَردهُ أَنَّهَا لَا تجامع من الجارة للمفضول وَقَالَ الْأَخْفَش اللَّام زَائِدَة وَلَيْسَ هَذَا بِقِيَاس والتركيب قياسي وَقَالَ ابْن مَالك خير بدل وإبدال الْمُشْتَقّ ضَعِيف وَأولى عِنْدِي أَن يخرج على قَوْله 1103 - (وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني ... ) حذف لَام الْجَواب وَذَلِكَ ثَلَاثَة حذف لَام جَوَاب لَو نَحْو {لَو نشَاء جَعَلْنَاهُ أجاجا} وَحذف لَام لقد يحسن مَعَ طول الْكَلَام نَحْو {قد أَفْلح من زكاها} وَحذف لَام لَأَفْعَلَنَّ يخْتَص بِالضَّرُورَةِ كَقَوْلِه عَامر بن الطُّفَيْل 1104 - (وقتيل مرّة أثأرن فَإِنَّهُ ... فرغ وَإِن أَخَاكُم لم يثأر) الحديث: 1103 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 845 حذف جملَة الْقسم كثير جدا وَهُوَ لَازم مَعَ غير الْبَاء من حُرُوف الْقسم وَحَيْثُ قيل لَأَفْعَلَنَّ أَو لقد فعل أَو لَئِن فعل وَلم يتَقَدَّم جملَة قسم فثم جملَة قسم مقدرَة نَحْو {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} الْآيَة {وَلَقَد صدقكُم الله وعده} {لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون مَعَهم} وَاخْتلف فِي نَحْو لزيد قَائِم وَنَحْو إِن زيدا قَائِم أَو لقائم هَل يجب كَونه جَوَابا لقسم أَو لَا حذف جَوَاب الْقسم يجب إِذا تقدم عَلَيْهِ أَو اكتنفه مَا يُغني عَن الْجَواب فَالْأول نَحْو زيد قَائِم وَالله وَمِنْه إِن جَاءَنِي زيد وَالله أكرمته وَالثَّانِي نَحْو زيد وَالله قَائِم فَإِن قلت زيد وَالله إِنَّه قَائِم أَو لقائم احْتمل كَون الْمُتَأَخر عَنهُ خَبرا عَن الْمُتَقَدّم عَلَيْهِ وَاحْتمل كَونه جَوَابا وَجُمْلَة الْقسم وَجَوَابه الْخَبَر وَيجوز فِي غير ذَلِك نَحْو {والنازعات غرقا} الْآيَات أَي لتبعثن بِدَلِيل مَا بعده وَهَذَا الْمُقدر هُوَ الْعَامِل فِي {يَوْم ترجف} أَو عَامله اذكر وَقيل الْجَواب {إِن فِي ذَلِك لعبرة} وَهُوَ بعيد لبعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 846 وَمثله {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} أَي ليهلكن بِدَلِيل {كم أهلكنا} أَو إِنَّك لمنذر بِدَلِيل {بل عجبوا أَن جَاءَهُم مُنْذر} وَقيل الْجَواب مَذْكُور فَقَالَ الْأَخْفَش {قد علمنَا} وحذفت اللَّام للطول مثل {قد أَفْلح من زكاها} وَقَالَ ابْن كيسَان {مَا يلفظ من قَول} الْآيَة الْكُوفِيُّونَ {بل عجبوا} وَالْمعْنَى لقد عجبوا بَعضهم {إِن فِي ذَلِك لذكرى} وَمثله {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} أَي إِنَّه لمعجز أَو إِنَّك لمن الْمُرْسلين أَو مَا الْأَمر كَمَا يَزْعمُونَ وَقيل مَذْكُور فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ والزجاج {إِن ذَلِك لحق} وَفِيه بعد الْأَخْفَش {إِن كل إِلَّا كذب الرُّسُل} الْفراء وثعلب {ص} لِأَن مَعْنَاهَا صدق الله وَيَردهُ أَن الْجَواب لَا يتَقَدَّم وَقيل {كم أهلكنا} وحذفت اللَّام للطول حذف جملَة الشَّرْط هُوَ مطرد بعد الطّلب نَحْو {فَاتبعُوني يحببكم الله} أَي فَإِن تتبعوني يحببكم الله {فاتبعني أهدك} {رَبنَا أخرنا إِلَى أجل قريب نجب دعوتك وَنَتبع الرُّسُل} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 847 وَجَاء بِدُونِهِ نَحْو {إِن أرضي وَاسِعَة فإياي فاعبدون} أَي فَإِن لم يتأت إخلاص الْعِبَادَة لي فِي هَذِه الْبَلدة فإياي فاعبدون فِي غَيرهَا {أم اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء فَالله هُوَ الْوَلِيّ} أَي إِن أَرَادوا أَوْلِيَاء بِحَق فَالله هُوَ الْوَلِيّ {أَو تَقولُوا لَو أَنا أنزل علينا الْكتاب لَكنا أهْدى مِنْهُم فقد جَاءَكُم بَيِّنَة من ربكُم وَهدى وَرَحْمَة فَمن أظلم مِمَّن كذب بآيَات الله} أَي إِن صَدقْتُمْ فِيمَا كُنْتُم تَعدونَ بِهِ من أَنفسكُم فقد جَاءَكُم بَيِّنَة وَإِن كَذبْتُمْ فَلَا أحد أكذب مِنْكُم فَمن أظلم وَإِنَّمَا جعلت هَذِه الْآيَة من حذف جملَة الشَّرْط فَقَط وَهِي من حذفهَا وَحذف جملَة الْجَواب لِأَنَّهُ قد ذكر فِي اللَّفْظ جملَة قَائِمَة مقَام الْجَواب وَذَلِكَ يُسمى جَوَابا تجوزا كَمَا سَيَأْتِي وَجعل مِنْهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَتَبعهُ ابْن مَالك بدر الدّين {فَلم تَقْتُلُوهُمْ} أَي إِن افتخرتم بِقَتْلِهِم فَلم تَقْتُلُوهُمْ وَيَردهُ أَن الْجَواب الْمَنْفِيّ بلم لَا تدخل عَلَيْهِ الْفَاء وَجعل مِنْهُ أَبُو الْبَقَاء {فَذَلِك الَّذِي يدع الْيَتِيم} أَي إِن أردْت مَعْرفَته فَذَلِك هُوَ حسن وَحذف جملَة الشَّرْط بِدُونِ الأداة كثير كَقَوْلِه 1105 - (فَطلقهَا فلست لَهَا بكفء ... وَإِلَّا يعل مفرقك الحسام) أَي وَإِن لَا تطلقها الحديث: 1105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 848 حذف جملَة جَوَاب الشَّرْط وَذَلِكَ وَاجِب إِن تقدم عَلَيْهِ أَو اكتنفه مَا يدل على الْجَواب فَالْأول نَحْو هُوَ ظَالِم إِن فعل وَالثَّانِي نَحْو هُوَ إِن فعل ظَالِم {وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ} وَمِنْه وَالله إِن جَاءَنِي زيد لأكرمته وَقَول ابْن معط اللَّفْظ إِن يفد هُوَ الْكَلَام إِمَّا من ذَلِك فَفِيهِ ضَرُورَة وَهِي حذف الْجَواب مَعَ كَون الشَّرْط مضارعا وَإِمَّا الْجَواب الْجُمْلَة الاسمية وجملتا الشَّرْط وَالْجَوَاب خبر فَفِيهِ ضَرُورَة أَيْضا وَهِي حذف الْفَاء كَقَوْلِه 1106 - (من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها ... ) وَوهم ابْن الخباز إِذْ قطع بِهَذَا الْوَجْه وَيجوز حذف الْجَواب فِي غير ذَلِك نَحْو {فَإِن اسْتَطَعْت أَن تبتغي نفقا فِي الأَرْض} الْآيَة أَي فافعل {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} الْآيَة أَي لما آمنُوا بِهِ بِدَلِيل {وهم يكفرون بالرحمن} والنحويون يقدرُونَ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآن وَمَا قدرته أظهر {لَو تعلمُونَ علم الْيَقِين} أَي لارتدعتم وَمَا أَلْهَاكُم التكاثر {وَلَو افتدى بِهِ} أَي مَا تقبل مِنْهُ {وَلَو كُنْتُم فِي بروج مشيدة} الحديث: 1106 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 849 ) أَي لأدرككم {وَإِذا قيل لَهُم اتَّقوا مَا بَين أَيْدِيكُم وَمَا خلفكم لَعَلَّكُمْ ترحمون} أَي أَعرضُوا بِدَلِيل مَا بعده {أئن ذكرْتُمْ} أَي تطيرتم {وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا} أَي لنفد {وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسو رؤوسهم} أَي لرأيت أمرا فظيعا {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته وَأَن الله تواب حَكِيم} أَي لهلكتم {قل أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد الله وكفرتم بِهِ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ تَقْدِيره ألستم ظالمين بِدَلِيل {إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} وَيَردهُ أَن جملَة الِاسْتِفْهَام لَا تكون جَوَابا إِلَّا بِالْفَاءِ مؤخرة عَن الْهمزَة نَحْو إِن جئْتُك أفما تحسن إِلَيّ ومقدمة على غَيرهَا نَحْو فَهَل تحسن إِلَيّ تَنْبِيه التَّحْقِيق أَن من حذف الْجَواب مثل {من كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله فَإِن أجل الله لآت} لِأَن الْجَواب مسبب عَن الشَّرْط وَأجل الله آتٍ سَوَاء أوجد الرَّجَاء أم لم يُوجد وَإِنَّمَا الأَصْل فليبادر بِالْعَمَلِ فَإِن أجل الله لآت وَمثله {وَإِن تجْهر بالْقَوْل} أَي فَاعْلَم أَنه غَنِي عَن جهرك {فَإِنَّهُ يعلم السِّرّ} {وَإِن يُكذِّبُوك} أَي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 850 فتصبر {فقد كذبت رسل من قبلك} {إِن يمسسكم قرح} أَي فَاصْبِرُوا {فقد مس الْقَوْم قرح مثله} {وَمن يتبع خطوَات الشَّيْطَان} أَي يفعل الْفَوَاحِش والمنكرات {فَإِنَّهُ يَأْمر بالفحشاء وَالْمُنكر} {وَمن يتول الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا} أَي يغلب {فَإِن حزب الله هم الغالبون} {وَإِن عزموا الطَّلَاق} أَي فَلَا تؤذوهم بقول وَلَا فعل فَإِن الله يسمع ذَلِك ويعلمه {فَإِن توَلّوا} أَي فَلَا لوم عَليّ {فقد أبلغتكم} حذف الْكَلَام بجملته يَقع ذَلِك باطراد فِي مَوَاضِع أَحدهَا بعد حرف الْجَواب يُقَال أَقَامَ زيد فَتَقول نعم وألم يقم زيد فَتَقول نعم إِن صدقت النَّفْي وبلى إِن أبطلته وَمن ذَلِك قَوْله 1107 - (قَالُوا أخفت فَقلت إِن وضيفتي ... مَا إِن تزَال منوطة برجائي) فَإِن إِن هُنَا بِمَعْنى نعم وَأما قَوْله 1108 - (وَيَقُلْنَ شيب قد علاك ... وَقد كَبرت فَقلت إِنَّه) فَلَا يلْزم كَونه من ذَلِك خلافًا لأكثرهم لجَوَاز أَلا تكون الْهَاء للسكت بل اسْما ل إِن على أَنَّهَا الْمُؤَكّدَة وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي إِنَّه كَذَلِك الحديث: 1107 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 851 الثَّانِي بعد نعم وَبئسَ إِذا حذف الْمَخْصُوص وَقيل إِن الْكَلَام جملتان نَحْو {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العَبْد} وَالثَّالِث بعد حُرُوف النداء فِي مثل {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} إِذا قيل إِنَّه على حذف المنادى أَي يَا هَؤُلَاءِ الرَّابِع بعد إِن الشّرطِيَّة كَقَوْلِه 1109 - (قَالَت بَنَات الْعم يَا سلمى وَإِن ... كَانَ فَقِيرا معدما قَالَت وَإِن) أَي وَإِن كَانَ كَذَلِك رضيته الْخَامِس فِي قَوْلهم افْعَل هَذَا إِمَّا لَا أَي إِن كنت لَا تفعل غَيره فافعله حذف أَكثر من جملَة فِي غير مَا ذكر أنْشد أَبُو الْحسن 1110 - (إِن يكن طبك الدَّلال فَلَو فِي ... سالف الدَّهْر والسنين الخوالي) أَي إِن كَانَ عادتك الدَّلال فَلَو كَانَ هَذَا فِيمَا مضى لاحتملناه مِنْك وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى} إِن التَّقْدِير فضربوه فحيي فَقُلْنَا كَذَلِك يحيي الله وَفِي قَوْله تَعَالَى {أَنا أنبئكم بتأويله فأرسلون} الْآيَة إِن التَّقْدِير فأرسلون إِلَى يُوسُف لأستعبره الرُّؤْيَا فَأَرْسلُوهُ فَأَتَاهُ وَقَالَ لَهُ يَا يُوسُف وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْم الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا فدمرناهم} إِن التَّقْدِير فأتياهم فأبلغاهم الرسَالَة فكذبوهما فدمرناهم الحديث: 1109 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 852 تَنْبِيه الْحَذف الَّذِي يلْزم النَّحْوِيّ النّظر فِيهِ هُوَ مَا اقتضته الصِّنَاعَة وَذَلِكَ بِأَن يجد خَبرا بِدُونِ مُبْتَدأ أَو بِالْعَكْسِ أَو شرطا بِدُونِ جَزَاء أَو بِالْعَكْسِ أَو مَعْطُوفًا بِدُونِ مَعْطُوف عَلَيْهِ أَو مَعْمُولا بِدُونِ عَامل نَحْو {ليَقُولن الله} وَنَحْو {قَالُوا خيرا} وَنَحْو خير عافاك الله وَأما قَوْلهم فِي نَحْو {سرابيل تقيكم الْحر} إِن التَّقْدِير وَالْبرد وَنَحْو {وَتلك نعْمَة تمنها عَليّ أَن عبدت بني إِسْرَائِيل} إِن التَّقْدِير وَلم تعبدني ففضول فِي فن النَّحْو وَإِنَّمَا ذَلِك للمفسر وَكَذَا قَوْلهم يحذف الْفَاعِل لعظمته وحقارة الْمَفْعُول أَو بِالْعَكْسِ أَو للْجَهْل بِهِ أَو للخوف عَلَيْهِ أَو مِنْهُ وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ تطفل مِنْهُم على صناعَة الْبَيَان وَلم أذكر بعض ذَلِك فِي كتابي جَريا على عَادَتهم وَأنْشد متمثلا (وَهل أَنا إِلَّا من غزيَّة إِن غوت ... غويت وَإِن ترشد غزيَّة أرشد) بل لِأَنِّي وضعت الْكتاب لإِفَادَة متعاطي التَّفْسِير والعربية جَمِيعًا وَأما قَوْلهم فِي رَاكب النَّاقة طليحان إِنَّه على حذف عاطف ومعطوف أَي والناقة فلازم لَهُم ليطابق الْخَبَر الْمخبر عَنهُ وَقيل هُوَ على حذف مُضَاف أَي أحد طليحين وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي نَحْو غُلَام زيد ضربتهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 853 الْبَاب السَّادِس من كتاب فِي التحذير من أُمُور اشتهرت بَين المعربين وَالصَّوَاب خلَافهَا وَهِي كَثِيرَة وَالَّذِي يحضرني الْآن مِنْهَا عشرُون موضعا 1 - أَحدهَا قَوْلهم فِي لَو إِنَّهَا حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع وَقد بَينا الصَّوَاب فِي ذَلِك فِي فصل لَو وبسطنا القَوْل فِيهِ بِمَا لم نسبق إِلَيْهِ 2 - الثَّانِي قَوْلهم فِي إِذا غير الفجائية إِنَّهَا ظرف لما يسْتَقْبل من الزَّمَان وفيهَا معنى الشَّرْط غَالِبا وَذَلِكَ معيب من جِهَات إِحْدَاهَا أَنهم يذكرُونَهُ فِي كل مَوضِع وَإِنَّمَا ذَلِك تَفْسِير للأداة من حَيْثُ هِيَ وعَلى المعرب أَن يبين فِي كل مَوضِع هَل هِيَ متضمنة لِمَعْنى الشَّرْط أَو لَا وَأحسن مِمَّا قَالُوهُ أَن يُقَال إِذا أُرِيد تَفْسِيرهَا من حَيْثُ هِيَ ظرف مُسْتَقْبل خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه صَالح لغير ذَلِك وَالثَّانيَِة أَن الْعبارَة الَّتِي تلقى للمتدربين يطْلب فِيهَا الإيجاز لتخف على الْأَلْسِنَة إِذْ الْحَاجة دَاعِيَة إِلَى تكرارها وَكَانَ أخصر من قَوْلهم لما يسْتَقْبل من الزَّمَان أَن يَقُولُوا مُسْتَقْبل وَالثَّالِثَة أَن المُرَاد أَنَّهَا ظرف مَوْضُوع للمستقبل والعبارة موهمة أَنَّهَا مَحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 854 للمستقبل كَمَا تَقول الْيَوْم ظرف للسَّفر فَإِن الزَّمَان قد يَجْعَل ظرفا للزمان مجَازًا كَمَا تَقول كتبته فِي يَوْم الْخَمِيس فِي عَام كَذَا فَإِن الثَّانِي حَال من الأول فَهُوَ ظرف لَهُ على الاتساع وَلَا يكون بَدَلا مِنْهُ إِذْ لَا يُبدل الْأَكْثَر من الْأَقَل على الْأَصَح وَلَو قَالُوا ظرف مُسْتَقْبل لسلموا من الإسهاب والإبهام الْمَذْكُورين وَالرَّابِعَة أَن قَوْلهم غَالِبا رَاجع إِلَى قَوْلهم فِيهِ معنى الشَّرْط كَذَا يفسرونه وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن كَونه ظرفا وَكَونه للزمان وَكَونه للمستقبل لَا يتخلفن وَقد بَينا فِي بحث إِذا أَن الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك 3 - الثَّالِث قَوْلهم النَّعْت يتبع المنعوت فِي أَرْبَعَة من عشرَة وَإِنَّمَا ذَلِك فِي النَّعْت الْحَقِيقِيّ فَأَما السَّبي فَإِنَّمَا يتبع فِي اثْنَيْنِ من خَمْسَة وَاحِد من أوجه الْإِعْرَاب وَوَاحِد من التَّعْرِيف والتنكير وَأما الْإِفْرَاد والتذكير وأضدادهما فَهُوَ فِيهَا كالفعل تَقول مَرَرْت برجلَيْن قَائِم أبواهما وبرجال قَائِم آباؤهم وبرجل قَائِمَة أمه وبامرأة قَائِم أَبوهَا وَإِنَّمَا يَقُول قَائِمين أبواهما وقائمين آباؤهم من يَقُول أكلوني البراغيث وَفِي التَّنْزِيل {رَبنَا أخرجنَا من هَذِه الْقرْيَة الظَّالِم أَهلهَا} غير أَن الصّفة الرافعة للْجمع يجوز فِيهَا فِي الفصيح أَن تفرد وَأَن تكسر وَهُوَ أرجح على الْأَصَح كَقَوْلِه 111 - (بكرت عَلَيْهِ بكرَة فَوَجَدته ... قعُودا عَلَيْهِ بالصريم عواذله) وَصَحَّ الاستشهاد بِالْبَيْتِ لِأَن هَذَا الحكم ثَابت أَيْضا للْخَبَر وَالْحَال 4 - وَالرَّابِع قَوْلهم فِي نَحْو {وكلا مِنْهَا رغدا} إِن رغدا نعت مصدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 855 مَحْذُوف وَمثله {وَاذْكُر رَبك كثيرا} وَقَول ابْن دُرَيْد 111 - (واشتعل المبيض فِي مسوده ... مثل اشتعال النَّار فِي جزل الغضى) أَي أكلا رغدا وذكرا كثيرا واشتعالا مثل اشتعال النَّار قيل وَمذهب سِيبَوَيْهٍ والمحققين خلاف ذَلِك وَأَن الْمَنْصُوب حَال من ضمير مصدر الْفِعْل وَالْأَصْل فكلاه واشتعله أَي فكلا الْأكل واشتعل الاشتعال وَدَلِيل ذَلِك قَوْلهم سير عَلَيْهِ طَويلا وَلَا يَقُولُونَ طَوِيل وَلَو كَانَ نعتا للمصدر لجَاز وبدليل أَنه لَا يحذف الْمَوْصُوف إِلَّا وَالصّفة خَاصَّة بِجِنْسِهِ تَقول رَأَيْت كَاتبا وَلَا تَقول رَأَيْت طَويلا لِأَن الْكِتَابَة خَاصَّة بِجِنْس الْإِنْسَان دون الطول وَعِنْدِي فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ نظر أما الأول فلجواز أَن الْمَانِع من الرّفْع كَرَاهِيَة اجْتِمَاع مجازين حذف الْمَوْصُوف وتصيير الصّفة مَفْعُولا على السعَة وَلِهَذَا يَقُولُونَ دخلت الدَّار بِحَذْف فِي توسعا وَمنعُوا دخلت الْأَمر لِأَن تعلق الدُّخُول بالمعاني مجَاز وَإِسْقَاط الْخَافِض مجَاز وتوضيحه أَنهم يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي صفة الأحيان فَيَقُولُونَ سير عَلَيْهِ زمن طَوِيل فَإِذا حذفوا الزَّمَان قَالُوا طَويلا بِالنّصب لما ذكرنَا وَأما الثَّانِي فَلِأَن التَّحْقِيق أَن حذف الْمَوْصُوف إِنَّمَا يتَوَقَّف على وجدان الدَّلِيل لَا على الِاخْتِصَاص بِدَلِيل {وألنا لَهُ الْحَدِيد أَن اعْمَلْ سابغات} أَي دروعا سابغات وَمِمَّا يقْدَح فِي قَوْلهم مَجِيء نَحْو قَوْلهم اشْتَمَل الصماء أَي الشملة الصماء والحالية متعذرة لتعريفه 5 - وَالْخَامِس قَوْلهم الْفَاء جَوَاب الشَّرْط وَالصَّوَاب أَن يُقَال رابطة لجواب الشَّرْط وَإِنَّمَا جَوَاب الشَّرْط الْجُمْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 856 6 - وَالسَّادِس قَوْلهم الْعَطف على عاملين وَالصَّوَاب على معمولي عاملين 7 - وَالسَّابِع قَوْلهم بل حرف إضراب وَالصَّوَاب حرف اسْتِدْرَاك وإضراب فَإِنَّهَا بعد النَّفْي وَالنَّهْي بِمَنْزِلَة لَكِن سَوَاء 8 - وَالثَّامِن قَوْلهم فِي نَحْو ائْتِنِي أكرمك إِن الْفِعْل مجزوم فِي جَوَاب الْأَمر وَالصَّحِيح أَنه جَوَاب لشرط مُقَدّر وَقد يكون إِنَّمَا أَرَادوا تقريب الْمسَافَة على المتعلمين 9 - وَالتَّاسِع قَوْلهم فِي الْمُضَارع فِي مثل يقوم زيد فعل مضارع مَرْفُوع لخلوه من ناصب وجازم وَالصَّوَاب أَن يُقَال مَرْفُوع لحلوله مَحل الِاسْم وَهُوَ قَول الْبَصرِيين وَكَأن حاملهم على مَا فعلوا إِرَادَة التَّقْرِيب وَإِلَّا فَمَا بالهم يبحثون على تَصْحِيح قَول الْبَصرِيين فِي ذَلِك ثمَّ إِذا أعربوا أَو عربوا قَالُوا خلاف ذَلِك 10 - والعاشر قَوْلهم امْتنع نَحْو سَكرَان من الصّرْف للصفة وَالزِّيَادَة وَنَحْو عُثْمَان للعلمية وَالزِّيَادَة وَإِنَّمَا هَذَا قَول الْكُوفِيّين فَأَما البصريون فمذهبهم أَن الْمَانِع الزِّيَادَة المشبهة لألفي التَّأْنِيث وَلِهَذَا قَالَ الْجِرْجَانِيّ وَيَنْبَغِي أَن تعد مَوَانِع الصّرْف ثَمَانِيَة لَا تِسْعَة وَإِنَّمَا شرطت العلمية أَو الصّفة لِأَن الشّبَه لَا يتقوم إِلَّا بِأَحَدِهِمَا وَيلْزم الْكُوفِيّين أَن يمنعوا صرف نَحْو عفريت علما فَإِن أجابوا بِأَن الْمُعْتَبر هُوَ زيادتان بأعيانهما سألناهم عَن عِلّة الِاخْتِصَاص فَلَا يَجدونَ مصرفا عَن التَّعْلِيل بمشابهة ألفي التَّأْنِيث فيرجعون إِلَى مَا اعْتَبرهُ البصريون 11 - وَالْحَادِي عشر قَوْلهم فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} إِن الْوَاو نائبة عَن أَو وَلَا يعرف ذَلِك فِي اللُّغَة وَإِنَّمَا يَقُوله بعض ضعفاء المعربين والمفسرين وَأما الْآيَة فَقَالَ أَبُو طَاهِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 857 حَمْزَة بن الْحُسَيْن الْأَصْفَهَانِي فِي كِتَابه الْمُسَمّى فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب الرسَالَة المعربة عَن شرف الْإِعْرَاب القَوْل فِيهَا بِأَن الْوَاو بِمَعْنى أَو عجز عَن دَرك الْحق فاعلموا أَن الْأَعْدَاد الَّتِي تجمع قِسْمَانِ قسم يُؤْتى بِهِ ليضم بعضه إِلَى بعض وَهُوَ الْأَعْدَاد الْأُصُول نَحْو {ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} {ثَلَاثِينَ لَيْلَة وأتممناها بِعشر فتم مِيقَات ربه أَرْبَعِينَ لَيْلَة} وَقسم يُؤْتى بِهِ لَا ليضم بعضه إِلَى بعض وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ الِانْفِرَاد لَا الِاجْتِمَاع وَهُوَ الْأَعْدَاد المعدولة كهذه الْآيَة وَآيَة سُورَة فاطر وَقَالَ أَي مِنْهُم جمَاعَة ذَوُو جناحين وَجَمَاعَة ذَوُو ثَلَاثَة ثَلَاثَة وَجَمَاعَة ذَوُو أَرْبَعَة أَرْبَعَة فَكل جنس مُفْرد بِعَدَد وَقَالَ الشَّاعِر 1113 - (ولكنما أَهلِي بواد أنيسه ... ذئاب تبغى النَّاس مثنى وموحد) وَلم يَقُولُوا ثَلَاث وخماس ويريدون ثَمَانِيَة كَمَا قَالَ تَعَالَى {ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم} وللجهل بمواقع هَذِه الْأَلْفَاظ استعملها المتنبي فِي غير مَوضِع التَّقْسِيم فَقَالَ 1114 - (أحاد أم سداس فِي أحاد ... لييلتنا المنوطة بالتنادي) الحديث: 1113 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 858 وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن قلت الَّذِي أطلق للناكح فِي الْجمع أَن يجمع بَين اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث أَو أَربع فَمَا معنى التكرير فِي مثنى وَثَلَاث وَربَاع قلت الْخطاب للْجَمِيع فَوَجَبَ التكرير ليصيب كل ناكح يُرِيد الْجمع مَا أَرَادَهُ من الْعدَد الَّذِي أطلق لَهُ كَمَا تَقول للْجَمَاعَة اقتسموا هَذَا المَال دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ وَثَلَاثَة ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة أَرْبَعَة وَلَو أفردت لم يكن لَهُ معنى فَإِن قلت لم جَاءَ الْعَطف بِالْوَاو دون أَو قلت كَمَا جَاءَ بهَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وَلَو جِئْت فِيهِ بِأَو لأعلمت أَنه لَا يسوغ لَهُم أَن يقتسموه إِلَّا على أحد أَنْوَاع هَذِه الْقِسْمَة وَلَيْسَ لَهُم أَن يجمعوا بَينهَا فيجعلوا بعض الْقِسْمَة على تَثْنِيَة وَبَعضهَا على تثليث وَبَعضهَا على تربيع وَذهب معنى تَجْوِيز الْجمع بَين أَنْوَاع الْقِسْمَة الَّذِي دلّت عَلَيْهِ الْوَاو وتحريره أَن الْوَاو دلّت على إِطْلَاق أَن يَأْخُذ الناكحون من أَرَادوا نِكَاحهَا من النِّسَاء على طَرِيق الْجمع إِن شاؤوا مُخْتَلفين فِي تِلْكَ الْأَعْدَاد وَإِن شاؤوا متفقين فِيهَا مَحْظُورًا عَلَيْهِم مَا وَرَاء ذَلِك وأبلغ من هَذِه الْمقَالة فِي الْفساد قَول من أثبت وَاو الثَّمَانِية وَجعل مِنْهَا {سَبْعَة وثامنهم كلبهم} وَقد مضى فِي بَاب الْوَاو أَن ذَلِك لَا حَقِيقَة لَهُ وَاخْتلف فِيهَا هُنَا فَقيل عاطفة خبر هُوَ جملَة على خبر مُفْرد وَالْأَصْل هم سَبْعَة وثامنهم كلبهم وَقيل للاستئناف وَالْوَقْف على سَبْعَة وَإِن فِي الْكَلَام تقريرا لكَوْنهم سَبْعَة وَكَأَنَّهُ لما قيل سَبْعَة قيل نعم وثامنهم كلبهم واتصل الكلامان وَنَظِيره {إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة} الْآيَة فان {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} لَيْسَ من كَلَامهَا وَيُؤَيِّدهُ أَنه قد جَاءَ فِي المقالتين الْأَوليين {رجما بِالْغَيْبِ} وَلم يجِئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 859 مثله فِي هَذِه الْمقَالة فَدلَّ على مخالفتها لَهما فَتكون صدقا وَلَا يرد ذَلِك بقوله تَعَالَى {مَا يعلمهُمْ إِلَّا قَلِيل} لِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون المُرَاد مَا يعلم عدتهمْ أَو قصتهم قبل أَن نتلوها عَلَيْك إِلَّا قَلِيل من أهل الْكتاب الَّذين عرفوه من الْكتب وَكَلَام الزَّمَخْشَرِيّ يَقْتَضِي أَن الْقَلِيل هم الَّذين قَالُوا سَبْعَة فيندفع الاشكال أَيْضا وَلكنه خلاف الظَّاهِر وَقيل هِيَ وَاو الْحَال أَو الْوَاو الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة الْمَوْصُوف بهَا لتأكيد لصوق الِاسْم بِالصّفةِ كمررت بِرَجُل وَمَعَهُ سيف فَأَما الْوَاو الأولى فَلَا حَقِيقَة لَهَا وَأما وَاو الْحَال فَأَيْنَ عَامل الْحَال إِن قدرت هم ثَلَاثَة أَو هَؤُلَاءِ ثَلَاثَة فَإِن قيل على التَّقْدِير الثَّانِي هُوَ من بَاب {وَهَذَا بعلي شَيخا} قُلْنَا الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ لَا يحذف 12 - الثَّانِي عشر قَوْلهم الْمُؤَنَّث الْمجَازِي يجوز مَعَه التَّذْكِير والتأنيث وَهَذَا يتداوله الْفُقَهَاء فِي محاوراتهم وَالصَّوَاب تَقْيِيده بالمسند إِلَى الْمُؤَنَّث الْمجَازِي وبكون الْمسند فعلا أَو شبهه وبكون الْمُؤَنَّث ظَاهرا وَذَلِكَ نَحْو طلع الشَّمْس ويطلع الشَّمْس وأطالع الشَّمْس وَلَا يجوز هَذَا الشَّمْس وَلَا هُوَ الشَّمْس وَلَا الشَّمْس هَذَا أَو هُوَ وَلَا يجوز فِي غير ضَرُورَة الشَّمْس طلع خلافًا لِابْنِ كيسَان وَاحْتج بقوله 1115 - ( ... وَلَا أَرض أبقل إبقالها) قَالَ وَلَيْسَ بضرورة لتمكنه من أَن يكون أبقلت ابقالها بِالنَّقْلِ ورد بِأَنا لَا نسلم أَن هَذَا الشَّاعِر مِمَّن لغته تَخْفيف الْهمزَة بِنَقْل أَو غَيره الحديث: 1115 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 860 13 - الثَّالِث عشر قَوْلهم يَنُوب بعض حُرُوف الْجَرّ عَن بعض وَهَذَا أَيْضا مِمَّا يتداولونه ويستدلون بِهِ وتصحيحه بِإِدْخَال قد على قَوْلهم يَنُوب وَحِينَئِذٍ فيتعذر استدلالهم بِهِ إِذْ كل مَوضِع ادعوا فِيهِ ذَلِك يُقَال لَهُم فِيهِ لَا نسلم أَن هَذَا مِمَّا وَقعت فِيهِ النِّيَابَة وَلَو صَحَّ قَوْلهم لجَاز أَن يُقَال مَرَرْت فِي زيد وَدخلت من عَمْرو وكتبت إِلَى الْقَلَم على أَن الْبَصرِيين وَمن تَابعهمْ يرَوْنَ فِي الْأَمَاكِن الَّتِي ادعيت فِيهَا النِّيَابَة أَن الْحَرْف بَاقٍ على مَعْنَاهُ وَأَن الْعَامِل ضمن معنى عَامل يتَعَدَّى بذلك الْحَرْف لِأَن التَّجَوُّز فِي الْفِعْل أسهل مِنْهُ فِي الْحَرْف 14 - الرَّابِع عشر قَوْلهم إِن النكرَة إِذا اعيدت نكرَة كَانَت غير الأولى وَإِذا أُعِيدَت معرفَة أَو أُعِيدَت الْمعرفَة معرفَة أَو نكرَة كَانَ الثَّانِي عين الأول وحملوا على ذَلِك مَا رُوِيَ لن يغلب عسر يسرين قَالَ الزّجاج ذكر الْعسر مَعَ الْألف وَاللَّام ثمَّ ثنى ذكره فَصَارَ الْمَعْنى إِن مَعَ الْعسر يسرين اه وَيشْهد للصورتين الْأَوليين أَنَّك تَقول اشْتريت فرسا ثمَّ بعث فرسا فَيكون الثَّانِي غير الأول وَلَو قلت ثمَّ بِعْت الْفرس لَكَانَ الثَّانِي عين الأول وللرابع قَول الحماسي 1116 - (صفحنا عَن بني ذهل ... وَقُلْنَا الْقَوْم إخْوَان) الحديث: 1116 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 861 (عَسى الْأَيَّام أَن يرجعن قوما كَالَّذي كَانُوا) وَيشكل على ذَلِك أُمُور ثَلَاثَة أَحدهَا أَن الظَّاهِر فِي آيَة {ألم نشرح} أَن الْجُمْلَة الثَّانِيَة تكْرَار للجملة الأولى كَمَا تَقول إِن لزيد دَارا إِن لزيد دَارا وعَلى هَذَا فالثانية عين الأولى وَالثَّانِي أَن ابْن مَسْعُود قَالَ لَو كَانَ الْعسر فِي جُحر لطلبه الْيُسْر حَتَّى يدْخل عَلَيْهِ إِنَّه لن يغلب عسر يسرين مَعَ أَن الْآيَة فِي قِرَاءَته وَفِي مصحفه مرّة وَاحِدَة فَدلَّ على مَا ادعينا من التَّأْكِيد وعَلى أَنه لم يستفد تكَرر الْيُسْر من تكرره بل هُوَ من غير ذَلِك كَأَن يكون فهمه مِمَّا فِي التنكير من التفخيم فتأوله بيسر الدَّاريْنِ وَالثَّالِث أَن فِي التَّنْزِيل آيَات ترد هَذِه الْأَحْكَام الْأَرْبَعَة فيشكل على الأول قَوْله تَعَالَى {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف} الْآيَة {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} وَالله إِلَه وَاحِد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعَلى الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا وَالصُّلْح خير} فَالصُّلْح الأول خَاص وَهُوَ الصُّلْح بَين الزَّوْجَيْنِ وَالثَّانِي عَام وَلِهَذَا يسْتَدلّ بهَا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 862 اسْتِحْبَاب كل صلح جَائِر وَمثله {زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب} وَالشَّيْء لَا يكون فَوق نَفسه وعَلى الثَّالِث قَوْله تَعَالَى {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء} فَإِن الْملك الأول عَام وَالثَّانِي خَاص {هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان} فَإِن الأولى الْعَمَل وَالثَّانِي الثَّوَاب {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} فَإِن الأول القاتلة وَالثَّانيَِة المقتولة وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الْآيَة وعَلى الرَّابِع {يَسْأَلك أهل الْكتاب أَن تنزل عَلَيْهِم كتابا من السَّمَاء} وَقَوله 1117 - ( ... إِذْ النَّاس نَاس وَالزَّمَان زمَان) فَإِن الثَّانِي لَو سَاوَى الأول فِي مَفْهُومه لم يكن فِي الاخبار بِهِ عَنهُ فَائِدَة وَإِنَّمَا هَذَا من بَاب قَوْله 1118 - ( ... أَنا أَبُو النَّجْم وشعري شعري) أَي وشعري لم يتَغَيَّر عَن حَالَته فَإِذا ادعِي أَن الْقَاعِدَة فِيهِنَّ إِنَّمَا هِيَ مستمرة مَعَ عدم الْقَرِينَة فَأَما إِن وجدت قرينَة فالتعويل عَلَيْهَا سهل الْأَمر الحديث: 1117 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 863 وَفِي الْكَشَّاف فَإِن قلت مَا معنى لن يغلب عسر يسرين قلت هَذَا حمل على الظَّاهِر وَبِنَاء على قُوَّة الرَّجَاء وَأَن وعد الله لَا يحمل إِلَّا على أبلغ مَا يحْتَملهُ اللَّفْظ وَالْقَوْل فِيهِ أَن الْجُمْلَة الثَّانِيَة يحْتَمل أَن تكون تكريرا لأولى كتكرير {ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} لتقرير مَعْنَاهَا فِي النُّفُوس وكتكرير الْمُفْرد فِي جَاءَ زيد زيد وَأَن تكون الأولى عدَّة بِأَن الْعسر مردوف باليسر لَا محَالة وَالثَّانيَِة عدَّة مستأنفة بِأَن الْعسر متبوع باليسر لَا محَالة فهما يسران على تَقْدِير الِاسْتِئْنَاف وَإِنَّمَا كَانَ الْعسر وَاحِدًا لِأَن اللَّام إِن كَانَت فِيهِ للْعهد فِي الْعسر الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَهُوَ هُوَ لِأَن حكمه حكم زيد فِي قَوْلك إِن مَعَ زيد مَالا إِن مَعَ زيد مَالا وَإِن كَانَت للْجِنْس الَّذِي يُعلمهُ كل أحد فَهُوَ هُوَ أَيْضا وَأما الْيُسْر فمنكر متناول لبَعض الْجِنْس فَإِذا كَانَ الْكَلَام الثَّانِي مستأنفا فقد تنَاول بَعْضًا آخر وَيكون الأول مَا تيَسّر لَهُم من الْفتُوح فِي زَمَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالثَّانِي مَا تيَسّر فِي أَيَّام الْخُلَفَاء وَيحْتَمل أَن المُرَاد بهما يسر الدُّنْيَا وَيسر الْآخِرَة مثل {هَل تربصون بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحسنيين} وهما الظفر وَالثَّوَاب اهـ مُلَخصا وَقَالَ بَعضهم الْحق أَن فِي تَعْرِيف الأول مَا يُوجب الِاتِّحَاد وَفِي التنكير يَقع الِاحْتِمَال والقرينة تعين وبيانها هُنَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ هُوَ وَأَصْحَابه فِي عسر الدُّنْيَا فَوسعَ الله عَلَيْهِم بالفتوح والغنائم ثمَّ وعد عَلَيْهِ الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 864 وَالسَّلَام بِأَن الْآخِرَة خيرله من الأولى فالتقدير إِن مَعَ الْعسر فِي الدُّنْيَا يسرا فِي الدُّنْيَا وَإِن مَعَ الْعسر فِي الدُّنْيَا يسرا فِي الْآخِرَة للْقطع بِأَنَّهُ لَا عسر عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة فتحققنا اتِّحَاد الْعسر وتيقنا أَن لَهُ يسرا فِي الدُّنْيَا ويسرا فِي الْآخِرَة 15 - الْخَامِس عشر قَوْلهم يجب أَن يكون الْعَامِل فِي الْحَال هُوَ الْعَامِل فِي صَاحبهَا وَهَذَا مَشْهُور فِي كتبهمْ وعَلى ألسنتهم وَلَيْسَ بِلَازِم عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَيشْهد لذَلِك أُمُور أَحدهَا قَوْلك أعجبني وَجه زيد مُتَبَسِّمًا وصوته قَارِئًا فَإِن صَاحب الْحَال مَعْمُول للمضاف أَو الْجَار مُقَدّر وَالْحَال مَنْصُوبَة بِالْفِعْلِ وَالثَّانِي قَوْله 1119 - (لمية موحشا طلل ... ) فَإِن صَاحب الْحَال عِنْد سِيبَوَيْهٍ النكرَة وَهُوَ عِنْده مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَلَيْسَ فَاعِلا كَمَا يَقُول الْأَخْفَش والكوفيون والناصب للْحَال الِاسْتِقْرَار الَّذِي تعلق بِهِ الظّرْف وَالثَّالِث {وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} فَإِن أمة حَال من مَعْمُول إِن وَهُوَ أمتكُم وناصب الْحَال حرف التَّنْبِيه أَو اسْم الْإِشَارَة وَمثله {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} وَقَالَ 1120 - (هَا بَينا ذَا صَرِيح النصح فاصغ لَهُ ... ) الْعَامِل حرف التَّنْبِيه وَلَك أَن تَقول لَا نسلم أَن صَاحب الْحَال طلل بل الحديث: 1119 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 865 ضَمِيره الْمُسْتَتر فِي الظّرْف لِأَن الْحَال حِينَئِذٍ حَال من الْمعرفَة وَأما جَوَاب ابْن خروف بِأَن الظّرْف إِنَّمَا يتَحَمَّل الضَّمِير إِذا تَأَخّر من الْمُبْتَدَأ فمخالف لإطلاقهم وَلقَوْل أبي الْفَتْح فِي 112 - ( ... عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام) إِن الأولى حمله على الْعَطف على ضمير الظّرْف لَا على تَقْدِيم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَقد اعْترض عَلَيْهِ بِأَن تخلص عَن ضَرُورَة بِأُخْرَى وَهِي الْعَطف مَعَ عدم الْفَصْل وَلم يعْتَرض بِعَدَمِ الضَّمِير وَجَوَابه أَن عدم الْفَصْل أسهل لوروده فِي النثر ك مَرَرْت بِرَجُل سَوَاء والعدم حَتَّى قيل إِنَّه قِيَاس وَأما جَوَاب ابْن مَالك بِأَن الْحمل على طلل أولى لِأَنَّهُ ظَاهر فَإِنَّمَا يَصح لَو سَاوَى الظَّاهِر الضَّمِير فِي التَّعْرِيف وَأما الْبَوَاقِي فاتحاد الْعَامِل فِيهَا مَوْجُودا تَقْديرا إِذْ الْمَعْنى أُشير إِلَى أمتكُم وَإِلَى صِرَاطِي وتنبه لصريح النصح بَينا وَأما مسألتا الْمُضَاف إِلَيْهِ فصلاحية الْمُضَاف فيهمَا للسقوط جعل الْمُضَاف إِلَيْهِ كَأَنَّهُ مَعْمُول للْفِعْل وعَلى هَذَا فَالشَّرْط فِي الْمَسْأَلَة اتِّحَاد الْعَامِل تَحْقِيقا أَو تَقْديرا 16 - السَّادِس عشر قَوْلهم يغلب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا ضبعان فِي تَثْنِيَة ضبع للمؤنث وضبعان للمذكر إِذْ لم يَقُولُوا ضبعانان وَالثَّانيَِة التأريخ فَإِنَّهُم أَرخُوا بالليالي دون الْأَيَّام ذكر ذَلِك الْجِرْجَانِيّ وَجَمَاعَة وَهُوَ سَهْو فَإِن حَقِيقَة التغليب أَن يجْتَمع شَيْئَانِ فَيجْرِي حكم أَحدهمَا على الآخر وَلَا يجْتَمع اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَا هُنَا تَعْبِير عَن شَيْئَيْنِ بِلَفْظ أَحدهمَا وَإِنَّمَا أرخت الْعَرَب بالليالي لسبقها إِذْ كَانَت أشهرهم قمرية وَالْقَمَر إِنَّمَا يطلع لَيْلًا وَإِنَّمَا الْمَسْأَلَة الصَّحِيحَة قَوْلك كتبته لثلاث بَين يَوْم وَلَيْلَة وضابطها أَن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 866 مَعنا عدد مُمَيّز بمذكر ومؤنث وَكِلَاهُمَا مِمَّا لَا يعقل وفصلا من الْعدَد بِكَلِمَة بَين قَالَ 112 - (فطافت ثَلَاثًا بَين يَوْم وَلَيْلَة ... ) 17 - السَّابِع عشر قَوْلهم فِي نَحْو {خلق الله السَّمَاوَات} إِن السَّمَوَات مفعول بِهِ وَالصَّوَاب أَنه مفعول مُطلق لِأَن الْمَفْعُول الْمُطلق مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمَفْعُول بِلَا قيد نَحْو قَوْلك ضربت ضربا وَالْمَفْعُول بِهِ مَا لَا يَقع عَلَيْهِ ذَلِك إِلَّا مُقَيّدا بِقَوْلِك بِهِ كضربت زيدا وَأَنت لَو قلت السَّمَوَات مفعول كَمَا تَقول الضَّرْب مفعول كَانَ صَحِيحا وَلَو قلت السَّمَوَات مفعول بهَا كَمَا تَقول زيد مفعول بِهِ لم يَصح وَقد يُعَارض هَذَا بِأَن يصاغ لنَحْو السَّمَوَات فِي الْمِثَال اسْم مفعول تَامّ فَيُقَال فالسموات مخلوقة وَذَلِكَ مُخْتَصّ بالمفعول بِهِ إِيضَاح آخر الْمَفْعُول بِهِ مَا كَانَ مَوْجُودا قبل الْفِعْل الَّذِي عمل فِيهِ ثمَّ أوقع الْفَاعِل بِهِ فعلا وَالْمَفْعُول الْمُطلق مَا كَانَ الْفِعْل الْعَامِل فِيهِ هُوَ فعل إيجاده وَالَّذِي غر أَكثر النَّحْوِيين فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَنهم يمثلون الْمَفْعُول الْمُطلق بِأَفْعَال الْعباد وهم إِنَّمَا يجْرِي على أَيْديهم إنْشَاء الْأَفْعَال لَا الذوات فتوهموا أَن الْمَفْعُول الْمُطلق لَا يكون إِلَّا حَدثا وَلَو مثلُوا بِأَفْعَال الله تَعَالَى لظهر لَهُم أَنه لَا يخْتَص بذلك لِأَن الله تَعَالَى موجد للأفعال والذوات جَمِيعًا لَا موجد لَهما فِي الْحَقِيقَة سواهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الَّذِي ذكرته الْجِرْجَانِيّ وَابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 867 وَكَذَا الْبَحْث فِي أنشأت كتابا وَعمل فلَان خيرا و {آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} وَزعم ابْن الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل وَغَيره أَن الْمَفْعُول وَالْمُطلق يكون جملَة وَجعل من ذَلِك نَحْو قَالَ زيد عَمْرو منطلق وَقد مضى رده وَزعم أَيْضا فِي أنبأت زيدا عمرا فَاضلا أَن الأول مفعول بِهِ وَالثَّانِي وَالثَّالِث مفعول مُطلق لِأَنَّهُمَا نفس النبأ قَالَ بِخِلَاف الثَّانِي وَالثَّالِث فِي أعلمت زيدا عمرا فَاضلا فَإِنَّهُمَا مُتَعَلقا الْعلم لَا نَفسه وَهَذَا خطأ بل هما أَيْضا منبأ بهما لَا نفس النبأ وَهَذَا الَّذِي قَالَه لم يقلهُ أحد وَلَا يَقْتَضِيهِ النّظر الصَّحِيح 18 - الثَّامِن عشر قَوْلهم إِن كَاد إِثْبَاتهَا نفي ونفيها إِثْبَات فَإِذا قيل كَاد يفعل فَمَعْنَاه أَنه لم يفعل وَإِذا قيل لم يكد يفعل فَمَعْنَاه أَنه فعله دَلِيل لأوّل {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك عَن الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك} وَقَوله 1123 - (كَادَت النَّفس أَن تفيض عَلَيْهِ ... ) وَدَلِيل الثَّانِي {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وَقد اشْتهر ذَلِك بَينهم حَتَّى جعله المعري لغزا فَقَالَ (أنحوي هَذَا الْعَصْر مَا هِيَ لَفْظَة ... جرت فِي لساني جرهم وَثَمُود) (إِذا اسْتعْملت فِي صُورَة الْجحْد أَثْبَتَت ... وَإِن أَثْبَتَت قَامَت مقَام جحود) الحديث: 1123 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 868 وَالصَّوَاب أَن حكمهَا حكم سَائِر الْأَفْعَال فِي أَن نَفيهَا نفي وإثباتها إِثْبَات وَبَيَانه أَن مَعْنَاهَا المقاربة وَلَا شكّ أَن معنى كَاد يفعل قَارب الْفِعْل وَأَن معنى مَا كَاد يفعل مَا قَارب الْفِعْل فخبرها منفي دَائِما أما إِذا كَانَت منفية فَوَاضِح لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَت مقاربة الْفِعْل انْتَفَى عقلا حُصُول ذَلِك الْفِعْل وَدَلِيله {إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا} وَلِهَذَا كَانَ أبلغ من أَن يُقَال لم يرهَا لِأَن من لم ير قد يُقَارب الرُّؤْيَة وَأما إِذا كَانَت المقاربة مثبتة فَلِأَن الْإِخْبَار بِقرب الشَّيْء يَقْتَضِي عرفا عدم حُصُوله وَإِلَّا لَكَانَ الْإِخْبَار حِينَئِذٍ بحصوله لَا بمقاربة حُصُوله إِذْ لَا يحسن فِي الْعرف أَن يُقَال لمن صلى قَارب الصَّلَاة وَإِن كَانَ مَا صلى حَتَّى قَارب الصَّلَاة وَلَا فرق فِيمَا ذكرنَا بَين كَاد ويكاد فَإِن أورد على ذَلِك {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} مَعَ أَنهم قد فعلوا إِذْ المُرَاد بِالْفِعْلِ الذّبْح وَقد قَالَ تَعَالَى {فذبحوها} فَالْجَوَاب أَنه إِخْبَار عَن حَالهم فِي أول الْأَمر فَإِنَّهُم كَانُوا أَولا بعداء من ذَبحهَا بِدَلِيل مَا يُتْلَى علينا من تعنتهم وتكرر سُؤَالهمْ وَلَا كثر اسْتِعْمَال مثل هَذَا فِيمَن انْتَفَت عَنهُ مقاربة الْفِعْل أَولا ثمَّ فعله بعد ذَلِك توهم من توهم أَن هَذَا الْفِعْل بِعَيْنِه هُوَ الدَّال على حُصُول ذَلِك الْفِعْل بِعَيْنِه وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا فهم حُصُول الْفِعْل من دَلِيل آخر كَمَا فهم فِي الْآيَة من قَوْله تَعَالَى {فذبحوها} 19 - التَّاسِع عشر قَوْلهم فِي السِّين وسوف حرف تَنْفِيس وَالْأَحْسَن حرف اسْتِقْبَال لِأَنَّهُ أوضح وَمعنى التَّنْفِيس التوسيع فَإِن هَذَا الْحَرْف ينْقل الْفِعْل عَن الزَّمن الضّيق وَهُوَ الْحَال إِلَى الزَّمن الْوَاسِع وَهُوَ الِاسْتِقْبَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 869 وَهَاهُنَا تَنْبِيهَانِ أَحدهمَا أَن الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ فِي {أُولَئِكَ سيرحمهم الله} إِن السِّين مفيدة وجود الرَّحْمَة لَا محَالة فَهِيَ مُؤَكدَة للوعد وَاعْتَرضهُ بعض الْفُضَلَاء بِأَن وجود الرَّحْمَة مُسْتَفَاد من الْفِعْل لَا من السِّين وَبِأَن الْوُجُوب الْمشَار إِلَيْهِ بقوله لَا محَالة لَا إِشْعَار للسين بِهِ وَأجِيب بِأَن السِّين مَوْضُوعَة للدلالة على الْوُقُوع مَعَ التَّأَخُّر فَإِذا كَانَ الْمقَام لَيْسَ مقَام تَأَخّر لكَونه بِشَارَة تمحضت لإِفَادَة الْوُقُوع وبتحقق الْوُقُوع يصل إِلَى دَرَجَة الْوُجُوب الثَّانِي قَالَ بَعضهم فِي {سَتَجِدُونَ آخَرين} السِّين للاستمرار لَا للاستقبال مثل {سَيَقُولُ السُّفَهَاء} فَإِنَّهَا نزلت بعد قَوْلهم {مَا ولاهم عَن قبلتهم} الْآيَة وَلَكِن دخلت السِّين إشعارا بالاستمرار اه وَالْحق أَنَّهَا للاستقبال وَأَن يَقُول بِمَعْنى يسْتَمر على القَوْل وَذَلِكَ مُسْتَقْبل فَهَذَا فِي الْمُضَارع نَظِير {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا} فِي الْأَمر هَذَا إِن سلم أَن قَوْلهم سَابق على النُّزُول وَهُوَ خلاف الْمَفْهُوم من كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فَإِنَّهُ سَأَلَ مَا الْحِكْمَة فِي الْإِعْلَام بذلك قبل وُقُوعه 20 - تَمام الْعشْرين قَوْلهم فِي نَحْو جَلَست أَمَام زيد إِن زيدا مخفوض بالظرف وَالصَّوَاب أَن يُقَال مخفوض بِالْإِضَافَة فَإِنَّهُ لَا مدْخل فِي الْخَفْض لخصوصية كَون الْمُضَاف ظرفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 870 خَاتِمَة يَنْبَغِي للمعرب أَن يتَخَيَّر من الْعبارَات أوجزها وأجمعها للمعنى المُرَاد فَيَقُول فِي نَحْو ضرب فعل مَاض لم يسم فَاعله وَلَا يَقُول مَبْنِيّ لما لم يسم فَاعله لطول ذَلِك وخفائه وَأَن يَقُول فِي الْمَرْفُوع بِهِ نَائِب عَن الْفَاعِل وَلَا يَقُول مفعول مَا لم يسم فَاعله لذَلِك ولصدق هَذِه الْعبارَة على الْمَنْصُوب من نَحْو أعطي زيد دِينَارا أَلا ترى أَنه مفعول لأعطي وَأعْطِي لم يسم فَاعله وَأما النَّائِب عَن الْفَاعِل فَلَا يصدق إِلَّا على الْمَرْفُوع وَأَن يَقُول فِي قد حرف لتقليل زمن الْمَاضِي وَحدث الْآتِي ولتحقيق حَدثهمَا وَفِي أما حرف شَرط وتفصيل وتوكيد وَفِي لم حرف جزم لنفي الْمُضَارع وَقَلبه مَاضِيا وَيزِيد فِي لما الجازمة مُتَّصِلا نَفْيه متوقعا ثُبُوته وَفِي الْوَاو حرف عطف لمُجَرّد الْجمع أَو لمُطلق الْجمع وَلَا يَقُول للْجمع الْمُطلق وَفِي حَتَّى حرف عطف للْجمع والغاية وَفِي ثمَّ حرف عطف للتَّرْتِيب والمهلة وَفِي الْفَاء حرف عطف للتَّرْتِيب والتعقيب وَإِذا اختصرت فِيهِنَّ فَقل عاطف ومعطوف وناصب ومنصوب وجازم ومجزوم كَمَا تَقول جَار ومجرور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 871 الْبَاب السَّابِع من كتاب فِي كَيْفيَّة الْإِعْرَاب والمخاطب بمعظم هَذَا الْبَاب المبتدئون اعْلَم أَن اللَّفْظ الْمعبر عَنهُ إِن كَانَ حرفا وَاحِدًا عبر عَنهُ باسمه الْخَاص بِهِ أَو الْمُشْتَرك فَيُقَال فِي الْمُتَّصِل بِالْفِعْلِ من نَحْو ضربت التَّاء فَاعل أَو الضَّمِير فَاعل وَلَا يُقَال ت فَاعل كَمَا بَلغنِي عَن بعض المعلمين إِذْ لَا يكون اسْم ظَاهر هَكَذَا فَأَما الْكَاف الاسمية فَإِنَّهَا مُلَازمَة للاضافة فاعتمدت على الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلِهَذَا إِذا تَكَلَّمت على إعرابها جِئْت باسمها فَقلت فِي نَحْو قَوْله 1124 - (وَمَا هداك إِلَى أَرض كعالمها ... ) الْكَاف فَاعل وَلَا تَقول ك فَاعل لزوَال مَا تعتمد عَلَيْهِ وَيجوز فِي نَحْو م الله وق نَفسك وش الثَّوْب ول هَذَا الْأَمر أَن تنطق بلفظها فَتَقول م مُبْتَدأ وَذَلِكَ على القَوْل بِأَنَّهَا بعض ايمن وَتقول ق فعل أَمر لِأَن الْحَذف فِيهِنَّ عَارض فَاعْتبر فِيهِنَّ الأَصْل وَتقول الْبَاء حرف جر وَالْوَاو حرف عطف وَلَا تنطق بلفظهما الحديث: 1124 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 872 وَإِن كَانَ اللَّفْظ على حرفين نطق بِهِ فَقيل قد حرف تَحْقِيق وَهل حرف اسْتِفْهَام ونا فَاعل أَو مفعول وَالْأَحْسَن أَن تعبر عَنْك بِقَوْلِك الضَّمِير لِئَلَّا تنطق بالمتصل مُسْتقِلّا وَلَا يجوز أَن تنطق باسم شَيْء من ذَلِك كَرَاهِيَة الإطالة وعَلى هَذَا فَقَوْلهم أل أَقيس من قَوْلهم الْألف وَاللَّام وَقد اسْتعْمل التَّعْبِير بهما الْخَلِيل وسيبويه وَإِن كَانَ أَكثر من ذَلِك نطق بِهِ أَيْضا فَقيل سَوف حرف اسْتِقْبَال وَضرب فعل مَاض وَضرب هَذَا اسْم وَلِهَذَا أخبر عَنْهَا بِقَوْلِك فعل مَاض وَإِنَّمَا فتحت على الْحِكَايَة يدلك على مَا ذكرنَا أَن الْفِعْل مَا دلّ على حدث وزمان وَضرب هُنَا لَا تدل على ذَلِك وَأَن الْفِعْل لَا يَخْلُو عَن الْفَاعِل فِي حَالَة التَّرْكِيب وَهَذَا لَا يَصح أَن يكون لَهُ فَاعل وَمِمَّا يُوضح لَك ذَلِك أَنَّك تَقول فِي زيد من ضرب زيد زيد مَرْفُوع بِضَرْب أَو فَاعل بِضَرْب فَتدخل الْجَار عَلَيْهِ وَقَالَ لي بَعضهم لَا دَلِيل فِي ذَلِك لِأَن الْمَعْنى بِكَلِمَة ضرب فَقلت لَهُ وَكَيف وَقع ضرب مُضَافا إِلَيْهِ مَعَ أَنه فِي ذَلِك لَيْسَ باسم فِي زعمك فَإِن قلت فَإِذا كَانَ اسْما فَكيف أخْبرت عَنهُ بِأَنَّهُ فعل قلت هُوَ نَظِير الْإِخْبَار فِي قَوْلك زيد قَائِم أَلا ترى أَنَّك أخْبرت عَن زيد بِاعْتِبَار مُسَمَّاهُ لَا بِاعْتِبَار لَفظه وَكَذَلِكَ أخْبرت عَن ضرب بِاعْتِبَار مُسَمَّاهُ وَهُوَ ضرب الَّذِي يدل على الْحَدث وَالزَّمَان فَهَذَا فِي أَنه لفظ مُسَمَّاهُ لفظ كأسماء السُّور وَأَسْمَاء حُرُوف المعجم وَمن هُنَا قلت حرف التَّعْرِيف أل فَقطعت الْهمزَة وَذَلِكَ لِأَنَّك لما نقلت اللَّفْظ من الحرفية إِلَى الاسمية أجريت عَلَيْهِ قِيَاس همزات الْأَسْمَاء كَمَا أَنَّك إِذا سميت ب إضرب قطعت همزته وَأما قَول ابْن مَالك إِن الْإِسْنَاد اللَّفْظِيّ يكون فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال والحروف وَإِن الَّذِي يخْتَص بِهِ الِاسْم هُوَ الْإِسْنَاد الْمَعْنَوِيّ فَلَا تَحْقِيق فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 873 وَقَالَ لي بَعضهم كَيفَ تتوهم أَن ابْن مَالك اشْتبهَ عَلَيْهِ الْأَمر فِي الِاسْم وَالْفِعْل والحرف فَقلت كَيفَ توهم ابْن مَالك أَن النَّحْوِيين كَافَّة غلطوا فِي قَوْلهم إِن الْفِعْل يخبر بِهِ وَلَا يخبر عَنهُ وَإِن الْحَرْف لَا يخبر بِهِ وَلَا عَنهُ وَمِمَّنْ قلد ابْن مَالك فِي هَذَا الْوَهم أَبُو حَيَّان وَلَا بُد للمتكلم على الِاسْم أَن يذكر مَا يَقْتَضِي وَجه إعرابه كَقَوْلِك مُبْتَدأ خبر فَاعل مُضَاف إِلَيْهِ وَأما قَول كثير من المعربين مُضَاف أَو مَوْصُول أَو اسْم إِشَارَة فَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء لَا تسْتَحقّ إعرابا مَخْصُوصًا فالاقتصار فِي الْكَلَام عَلَيْهَا على هَذَا الْقدر لَا يعلم بِهِ موقعها من الْإِعْرَاب وَإِن كَانَ المبحوث فِيهِ مَفْعُولا عين نَوعه فَقيل مفعول مُطلق أَو مفعول بِهِ أَو لأَجله أَو مَعَه أَو فِيهِ وَجرى اصطلاحهم على أَنه إِذا قيل مفعول وَأطلق لم يرد إِلَّا الْمَفْعُول بِهِ لما كَانَ أَكثر المفاعيل دورا فِي الْكَلَام خففوا اسْمه وَإِنَّمَا كَانَ حق ذَلِك أَلا يصدق إِلَّا على الْمَفْعُول الْمُطلق وَلَكنهُمْ لَا يطلقون على ذَلِك اسْم الْمَفْعُول إِلَّا مُقَيّدا بِقَيْد الْإِطْلَاق وَإِن عين الْمَفْعُول فِيهِ فَقيل ظرف زمَان أَو مَكَان فَحسن وَلَا بُد من بَيَان مُتَعَلّقه كَمَا فِي الْجَار وَالْمَجْرُور الَّذِي لَهُ مُتَعَلق وَإِن كَانَ الْمَفْعُول بِهِ مُتَعَددًا عينت كل وَاحِد فَقلت مفعول أول أَو ثَان أَو ثَالِث وَيَنْبَغِي أَن تعين للمبتدىء نوع الْفِعْل فَتَقول فعل مَاض أَو فعل مضارع أَو فعل أَمر وَتقول فِي نَحْو تلظى فعل مضارع أَصله تتلظى وَتقول فِي الْمَاضِي مَبْنِيّ على الْفَتْح وَفِي الْأَمر مَبْنِيّ على مَا يجْزم بِهِ مضارعه وَفِي نَحْو {يَتَرَبَّصْنَ} مَبْنِيّ على السّكُون لاتصاله بنُون الْإِنَاث وَفِي نَحْو {لينبذن} مَبْنِيّ على الْفَتْح لمباشرته لنون التوكيد وَتقول فِي الْمُضَارع المعرب مَرْفُوع لخلوله مَحل الِاسْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 874 وَتقول مَنْصُوب بِكَذَا أَو بإضمار أَن ومجزوم بِكَذَا وَيبين علامه الرّفْع وَالنّصب والجزم وَإِن كَانَ الْفِعْل نَاقِصا نَص عَلَيْهِ فَقَالَ مثلا كَانَ فعل مَاض نَاقص رفع الِاسْم وَينصب الْخَبَر وَإِن كَانَ المعرب حَالا فِي غير مَحَله عين ذَلِك فَقيل فِي قَائِم مثلا من نَحْو قَائِم زيد خبر مقدم ليعلم أَنه فَارق مَوْضِعه الْأَصْلِيّ وليتطلب مبتدأه وَفِي نَحْو {وَلَو ترى إِذْ يتوفى الَّذين كفرُوا الْمَلَائِكَة} الَّذين مفعول مقدم ليتطلب فَاعله وَإِن كَانَ الْخَبَر مثلا غير مَقْصُود لذاته قيل خبر موطىء ليعلم أَن الْمَقْصُود مَا بعده كَقَوْلِه تَعَالَى {بل أَنْتُم قوم تجهلون} وَقَوله 1125 - (كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لَوْلَا مخاطبتي إياك لم ترني) وَلِهَذَا أُعِيد الضَّمِير بعد قوم وَرجل إِلَى مَا قبلهمَا لَا إِلَيْهِمَا وَمثله الْحَال الموطئة فِي نَحْو {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} وَإِن كَانَ المبحوث فِيهِ حرفا بَين نَوعه وَمَعْنَاهُ وَعَمله إِن كَانَ عَاملا فَقَالَ مثلا إِن حرف توكيد تنصب الِاسْم وترفع الْخَبَر لن حرف نفي وَنصب واستقبال أَن حرف مصدري ينصب الْفِعْل الْمُضَارع لم حرف نفي يجْزم الْمُضَارع ويقلبه مَاضِيا ثمَّ بعد الْكَلَام على الْمُفْردَات يتَكَلَّم على الْجمل ألها مَحل أم لَا فصل وَأول مَا يحْتَرز مِنْهُ المبتدىء فِي صناعَة الْإِعْرَاب ثَلَاثَة أُمُور الحديث: 1125 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 875 أَحدهَا أَن يلتبس عَلَيْهِ الْأَصْلِيّ بِالزَّائِدِ ومثاله أَنه إِذا سمع أَن أل من عَلَامَات الِاسْم وَأَن أحرف نأيت من عَلَامَات الْمُضَارع وَأَن تَاء الْخطاب من عَلَامَات الْمَاضِي وَأَن الْوَاو وَالْفَاء من أحرف الْعَطف وَأَن الْبَاء وَاللَّام من أحرف الْجَرّ وَأَن فعل مَا لم يسم فَاعله مضموم الأول سبق وهمه إِلَى أَن ألفيت وألهبت اسمان وَأَن أكرمت وتعلمت مضارعان وَأَن وعظ وَفسخ عاطفان ومعطوفان وَأَن نَحْو بَيت وَبَين وَلَهو وَلعب كل مِنْهَا جَار ومجرور وَأَن نَحْو أدحرج مَبْنِيّ لما لم يسم فَاعله وَقد سَمِعت من يعرب {أَلْهَاكُم التكاثر} مُبْتَدأ وخبرا فظنهما مثل قَوْلك المنطلق زيد وَنَظِير هَذَا الْوَهم قِرَاءَة كثير من الْعَوام {نَار حامية أَلْهَاكُم التكاثر} بِحَذْف الْألف كَمَا تحذف أول السُّورَة فِي الْوَصْل فَيُقَال {لخبير} وَذكر لي عَن رجل كَبِير من الْفُقَهَاء مِمَّن يقْرَأ علم الْعَرَبيَّة أَنه اسْتشْكل قَول الشريف المرتضى 1126 - (أتبيت رَيَّان الجفون من الْكرَى ... وأبيت مِنْك بليلة الملسوع) وَقَالَ كَيفَ ضم التَّاء من تبيت وَهِي للمخاطب لَا للمتكلم وَفتحهَا من أَبيت وَهُوَ للمتكلم لَا للمخاطب فبينت للحاكي أَن الْفِعْلَيْنِ مضارعان وَأَن التَّاء فيهمَا لَام الْكَلِمَة وَأَن الْخطاب فِي الأول مُسْتَفَاد من تَاء المضارعة والتكلم الحديث: 1126 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 876 فِي الثَّانِي مُسْتَفَاد من الْهمزَة وَالْأول مَرْفُوع لحلوله مَحل الِاسْم وَالثَّانِي مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد وَاو المصاحبة على حد قَول الحطيئة 1127 - (ألم أك جاركم وَيكون بيني ... وَبَيْنكُم الْمَوَدَّة والإخاء) وَحكى العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف أَنه قيل لبَعْضهِم مَا فعل أَبوك بحماره فَقَالَ بَاعه فَقيل لَهُ لم قلت بَاعه قَالَ فَلم قلت أَنْت بحماره فَقَالَ أَنا جررته بِالْبَاء فَقَالَ فَلم تجر باؤك وبائي لَا تجر وَمثله من الْقيَاس الْفَاسِد مَا حَكَاهُ أَبُو بكر التاريخي فِي كتاب أَخْبَار النَّحْوِيين أَن رجلا قَالَ لسماك بِالْبَصْرَةِ بكم هَذِه السَّمَكَة فَقَالَ بدرهمان فَضَحِك الرجل فَقَالَ السماك أَنْت أَحمَق سَمِعت سِيبَوَيْهٍ يَقُول ثمنهَا دِرْهَمَانِ وَقلت يَوْمًا ترد الْجُمْلَة الاسمية الحالية بِغَيْر وَاو فِي فصيح الْكَلَام خلافًا للزمخشري كَقَوْلِه تَعَالَى {وَيَوْم الْقِيَامَة ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة} فَقَالَ بعض من حضر هَذِه الْوَاو فِي أَولهَا وَقلت يَوْمًا الْفُقَهَاء يلحنون فِي قَوْلهم البايع بِغَيْر همز فَقَالَ قَائِل فقد قَالَ الله تَعَالَى {فبايعهن} وَقَالَ الطَّبَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {أَثم إِذا مَا وَقع} إِن ثمَّ بِمَعْنى هُنَالك الحديث: 1127 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 877 وَقَالَ جمَاعَة من المعربين فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} فِي قِرَاءَة ابْن عَامر وَأبي بكر بنُون وَاحِدَة إِن الْفِعْل مَاض وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ آخِره مَفْتُوحًا وَالْمُؤمنِينَ مَرْفُوعا فَإِن قيل سكنت الْيَاء للتَّخْفِيف كَقَوْلِه 1128 - (هُوَ الْخَلِيفَة فارضوا مَا رَضِي لكم ... ) وأقيم ضمير الْمصدر مقَام الْفَاعِل قُلْنَا الإسكان ضَرُورَة وَإِقَامَة غير الْمَفْعُول بِهِ مقَامه مَعَ وجوده ممتنعة بل إِقَامَة ضمير الْمصدر ممتنعة وَلَو كَانَ وَحده لِأَنَّهُ مُبْهَم وَمِمَّا يشْتَبه نَحْو توَلّوا بعد الْجَازِم والناصب والقرائن تبين فَهُوَ فِي نَحْو {فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله} مَاض وَفِي نَحْو {وَإِن توَلّوا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم} {فَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حمل وَعَلَيْكُم مَا حملتم} مضارع وَقَوله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} الأول أَمر وَالثَّانِي مضارع لِأَن النَّهْي لَا يدْخل على الْأَمر وتلظى فِي {فأنذرتكم نَارا تلظى} مضارع وَإِلَّا لقيل تلظت وَكَذَا تمنى من قَوْله 1129 - (تمنى ابنتاي أَن يعِيش أَبوهُمَا ... ) الحديث: 1128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 878 وَوهم ابْن مَالك فَجعله مَاضِيا من بَاب 1130 - ( ... وَلَا أَرض أبقل إبقالها) وَهَذَا حمل على الضَّرُورَة من غير ضَرُورَة وَمِمَّا يلتبس على المبتدىء أَن يَقُول فِي نَحْو مَرَرْت بقاض إِن الكسرة عَلامَة الْجَرّ حَتَّى إِن بَعضهم يسْتَشْكل قَوْله تَعَالَى {لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك} وَقد سَأَلَني بَعضهم عَن ذَلِك فَقَالَ كَيفَ عطف الْمَرْفُوع على الْمَجْرُور فَقلت فَهَلا استشكلت وُرُود الْفَاعِل مجرورا وبينت لَهُ أَن الأَصْل زاني بباء مَضْمُومَة ثمَّ حذفت الضمة للاستثقال ثمَّ حذفت الْيَاء لالتقائها سَاكِنة هِيَ والتنوين فَيُقَال فِيهِ فَاعل وعلامة رَفعه ضمة مقدرَة على الْيَاء المحذوفة وَيُقَال فِي نَحْو مَرَرْت بقاض جَار ومجرور وعلامة جرة كسرة مقدرَة على الْيَاء المحذوفة وَفِي نَحْو {وَالْفَجْر وليال عشر} وَالْفَجْر جَار ومجرور وليال عاطف ومعطوف وعلامة جَرّه فَتْحة مقدرَة على الْيَاء المحذوفة وَإِنَّمَا قدرت الفتحة مَعَ خفتها لنيابتها عَن الكسرة ونائب الثقيل ثقيل وَلِهَذَا حذفت الْوَاو فِي يهب كَمَا حذفت فِي يعد وَلم تحذف فِي يوجل لِأَن فَتحته لَيست نائبة عَن الكسرة لِأَن مَاضِيَة وَجل بِالْكَسْرِ فَقِيَاس مضارعه الْفَتْح وماضيهما فعل بِالْفَتْح فَقِيَاس مضارعهما الْكسر وَقد جَاءَ يعد على ذَلِك وَأما يهب فَإِن الفتحة فِيهِ عارضة لحرف الْحلق وَمن هُنَا أَيْضا قَالَ أَبُو الْحسن فِي يَا غُلَاما يَا غُلَام بِحَذْف الْألف وَإِن كَانَت أخف الْحُرُوف لِأَن أَصْلهَا الْيَاء الحديث: 1130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 879 وَمن ذَلِك أَن يُبَادر فِي نَحْو المصطفين والأعلين إِلَى الحكم بِأَنَّهُ مثنى وَالصَّوَاب أَن ينظر أَولا فِي نونه فَإِن وجدهَا مَفْتُوحَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُم عندنَا لمن المصطفين الأخيار} حكم بِأَنَّهُ جمع وَفِي الْآيَة دَلِيل ثَان وَهُوَ وَصفه بِالْجمعِ وثالث وَهُوَ دُخُول من التبعيضية عَلَيْهِ بعد {وَأَنَّهُمْ} ومحال أَن يكون الْجمع من الِاثْنَيْنِ وَقَالَ الْأَحْنَف بن قيس 113 - (تحلم عَن الأدنين واستبق ودهم ... وَلنْ تَسْتَطِيع الْحلم حَتَّى تحلما) وَمن ذَلِك أَن يعرب الْيَاء وَالْكَاف وَالْهَاء فِي نَحْو غلامي أكرمني وغلامك أكرمك وَغُلَامه أكْرمه إعرابا وَاحِدًا أَو بعكس الصَّوَاب فَليعلم أَنَّهُنَّ إِذا اتصلن بِالْفِعْلِ كن مفعولات وَإِن اتصلن بِالِاسْمِ كن مُضَافا إلَيْهِنَّ وَيسْتَثْنى من الأول نَحْو أرأيتك زيدا مَا صنع وأبصرك زيدا فَإِن الْكَاف فيهمَا حرف خطاب وَمن الثَّانِي نَوْعَانِ نوع لَا مَحل فِيهِ لهَذِهِ الْأَلْفَاظ وَذَلِكَ نَحْو قَوْلهم ذَلِك وَتلك وإياي وَإِيَّاك وإياه فَإِنَّهُنَّ أحرف تكلم وخطاب وغيبة وَنَوع هِيَ فِيهِ فِي مَحل نصب وَذَلِكَ نَحْو الضاربك والضاربه على قَول سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ لَا يُضَاف الْوَصْف الَّذِي ب ال إِلَى عَار مِنْهَا وَنَحْو قَوْلهم لَا عهد لي بألأم قفا مِنْهُ وَلَا أوضعه بِفَتْح الْعين فالهاء فِي مَوضِع نصب كالهاء فِي الضاربة إِلَّا أَن ذَلِك مفعول وَهَذَا مشبه بالمفعول لِأَن اسْم التَّفْضِيل لَا ينصب الْمَفْعُول إِجْمَاعًا وَلَيْسَت مُضَافا إِلَيْهَا وَإِلَّا لخفض أوضع بالكسرة وعَلى ذَلِك فَإِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل أَبيض الْوَجْه لَا أحمره فان فتحت الرَّاء فالهاء مَنْصُوبَة الْمحل وَإِن كسرتها فَهِيَ مجرورته وَمن ذَلِك قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 880 113 - ( ... فَإِن نِكَاحهَا مطر حرَام) فِيمَن رَوَاهُ بجر مطر فَالضَّمِير مَنْصُوب على المفعولية وَهُوَ فاصل بَين المتضايفين تَنْبِيه إِذا قلت رويدك زيدا فَإِن قدرت رويدا اسْم فعل فالكاف حرف خطاب وَإِن قدرته مصدرا فَهُوَ اسْم مُضَاف اليه وَمحله الرّفْع لِأَنَّهُ فَاعل وَالثَّانِي أَن يجْرِي لِسَانه إِلَى عبارَة اعتادها فيستعملها فِي غير محلهَا كَأَن يَقُول فِي كنت وَكَانُوا فِي النَّاقِصَة فعل وفاعل لما ألف من قَول ذَلِك فِي نَحْو فعلت وفعلوا وَأما تَسْمِيَة الأقدمين الِاسْم فَاعِلا وَالْخَبَر مَفْعُولا فَهُوَ اصْطِلَاح غير مألوف وَهُوَ مجَاز كتسميتهم الصُّورَة الجميلة دمية والمبتدىء إِنَّمَا يَقُوله على سَبِيل الْغَلَط فَلذَلِك يعاب عَلَيْهِ وَالثَّالِث أَن يعرب شَيْئا طَالبا لشَيْء ويهمل النّظر فِي ذَلِك الْمَطْلُوب كَأَن يعرب فعلا وَلَا يتطلب فَاعله أَو مُبْتَدأ وَلَا يتَعَرَّض لخبره بل رُبمَا مر بِهِ فأعربه بِمَا لَا يسْتَحقّهُ وَنسي مَا تقدم لَهُ فَإِن قلت فَهَل من ذَلِك قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} الْآيَة قد أهمتهم صفة لطائفة ويظنون صفة أُخْرَى أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 881 حَال بِمَعْنى قد أهمتهم أنفسهم ظانين أَو اسْتِئْنَاف على وَجه الْبَيَان للجملة قبلهَا وَيَقُولُونَ بدل من يظنون فَكَأَنَّهُ نسي الْمُبْتَدَأ فَلم يَجْعَل شَيْئا من هَذِه الْجمل خَبرا لَهُ قلت لَعَلَّه رأى أَن خَبره مَحْذُوف أَي وَمَعَكُمْ طَائِفَة صفتهمْ كَيْت وَكَيْت وَالظَّاهِر أَن الْجُمْلَة الأولى خبر وَأَن الَّذِي سوغ الِابْتِدَاء بالنكرة صفة مقدرَة أَي وَطَائِفَة من غَيْركُمْ مثل السّمن منوان بدرهم أَي مِنْهُ أَو اعْتِمَاده على وَاو الْحَال كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث دخلا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وبرمة على النَّار وَسَأَلت كثيرا من الطّلبَة عَن إِعْرَاب أَحَق مَا سَأَلَ العَبْد مَوْلَاهُ فَيَقُولُونَ مَوْلَاهُ مفعول فَيبقى لَهُم الْمُبْتَدَأ بِلَا خبر وَالصَّوَاب أَنه الْخَبَر وَالْمَفْعُول الْعَائِد الْمَحْذُوف أَي سَأَلَهُ وعَلى هَذَا فَيُقَال أَحَق مَا سَأَلَ العَبْد ربه بِالرَّفْع وَعَكسه 1133 - (إِن مصابك الْمولى قَبِيح ... ) يذهب الْوَهم فِيهِ إِلَى أَن الْمولى خبر بِنَاء على أَن الْمُصَاب اسْم مفعول وَإِنَّمَا هُوَ مفعول والمصاب مصدر بِمَعْنى الْإِصَابَة بِدَلِيل مَجِيء الْخَبَر بعده وَمن هُنَا أَخطَأ من قَالَ فِي مجْلِس الواثق بِاللَّه فِي قَوْله 1134 - (أظلوم إِن مصابكم رجلا ... أهْدى السَّلَام تَحِيَّة ظلم) إِنَّه بِرَفْع رجل وَقد مَضَت الْحِكَايَة تَنْبِيه قد يكون للشَّيْء إِعْرَاب إِذا كَانَ وَحده فَإِذا اتَّصل بِهِ شَيْء آخر تغير إعرابه فَيَنْبَغِي التَّحَرُّز فِي ذَلِك الحديث: 1133 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 882 من ذَلِك مَا أَنْت وَمَا شَأْنك فَإِنَّهُمَا مُبْتَدأ وَخبر إِذا لم تأت بعدهمَا بِنَحْوِ قَوْلك وزيدا فَإِن جِئْت بِهِ فَأَنت مَرْفُوع بِفعل مَحْذُوف وَالْأَصْل مَا تصنع أَو مَا تكون فَلَمَّا حذف الْفِعْل برز الضَّمِير وانفصل وارتفاعه بالفاعلية أَو على أَنه اسْم لَكَانَ وشأنك بِتَقْدِير مَا يكون وَمَا فيهمَا فِي مَوضِع نصب خَبرا ليَكُون أَو مَفْعُولا لتصنع وَمثل ذَلِك كَيفَ أَنْت وزيدا إِلَّا أَنَّك إِذا قدرت تصنع كَانَ كَيفَ حَالا إِذْ لَا تقع مَفْعُولا بِهِ وَكَذَلِكَ يخْتَلف إِعْرَاب الشَّيْء بِاعْتِبَار الْمحل الَّذِي يحل فِيهِ وَسَأَلت طَالبا مَا حَقِيقَة كَانَ إِذا ذكرت فِي قَوْلك مَا أحسن زيدا فَقَالَ زَائِدَة بِنَاء مِنْهُ على أَن الْمِثَال المسؤول عَنهُ مَا كَانَ أحسن زيدا وَلَيْسَ فِي السُّؤَال تعْيين ذَلِك وَالصَّوَاب الاستفصال فَإِنَّهَا فِي هَذَا الْموضع زَائِدَة كَمَا ذكر وَلَيْسَ لَهَا اسْم وَلَا خبر لِأَنَّهَا قد جرت مجْرى الْحُرُوف كَمَا أَن قل فِي قَلما يقوم زيد لما اسْتعْملت اسْتِعْمَال مَا النافية لم تحتج لفاعل هَذَا قَول الْفَارِسِي والمحققين وَعند أبي سعيد هِيَ تَامَّة وفاعلها ضمير الْكَوْن وَعند بَعضهم هِيَ نَاقِصَة وَاسْمهَا ضمير مَا وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبَرهَا وَإِن ذكرت بعد فعل التَّعَجُّب وَجب الْإِتْيَان قبلهَا بِمَا المصدرية وَقيل مَا أحسن مَا كَانَ زيد وَكَانَ تَامَّة وَأَجَازَ بَعضهم أَنَّهَا نَاقِصَة على تَقْدِير مَا اسْما مَوْصُولا وَأَن ينصب زيد على أَنه الْخَبَر أَي مَا أحسن الَّذِي كَانَ زيدا ورد بِأَن مَا أحسن زيدا مغن عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 883 الْبَاب الثَّامِن من الْكتاب فِي ذكر أُمُور كُلية يتَخَرَّج عَلَيْهَا مَالا ينْحَصر من الصُّور الْجُزْئِيَّة وَهِي إِحْدَى عشرَة قَاعِدَة الْقَاعِدَة الأولى قد يعْطى الشَّيْء حكم مَا أشبهه فِي مَعْنَاهُ أَو فِي لَفظه أَو فيهمَا 1 - فَأَما الأول فَلهُ صور كَثِيرَة إِحْدَاهَا دُخُول الْبَاء فِي خبر أَن فِي قَوْله تَعَالَى {أَو لم يرَوا أَن الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلم يعي بخلقهن بِقَادِر} لِأَنَّهُ فِي معنى أَو لَيْسَ الله بِقَادِر وَالَّذِي سهل ذَلِك التَّقْدِير تبَاعد مَا بَينهمَا وَلِهَذَا لم تدخل فِي {أولم يرَوا أَن الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَادر على أَن يخلق مثلهم} وَمثله إِدْخَال الْبَاء فِي {كفى بِاللَّه شَهِيدا} لما دخله من معنى اكتف بِاللَّه شَهِيدا بِخِلَاف قَوْله 1135 - (قَلِيل مِنْك يَكْفِينِي وَلَكِن ... ) الحديث: 1135 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 884 وَفِي قَوْله 1136 - ( ... سود المحاجر لَا يقْرَأن بالسور) لما دخله من معنى لَا يتقربن بِقِرَاءَة السُّور وَلِهَذَا قَالَ السُّهيْلي لَا يجوز أَن تَقول وصل إِلَيّ كتابك فَقَرَأت بِهِ على حد قَوْله ( ... لَا يقْرَأن بالسور) لِأَنَّهُ عَار عَن معنى التَّقَرُّب وَالثَّانيَِة جَوَاز حذف خبر الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو إِن زيدا قَائِم وَعَمْرو اكْتِفَاء بِخَبَر إِن لما كَانَ إِن زيدا قَائِم فِي معنى زيد قَائِم وَلِهَذَا لم يجز لَيْت زيدا قَائِم وَعَمْرو وَالثَّالِثَة جَوَاز أَنا زيدا غير ضَارب لما كَانَ فِي معنى أَنا زيدا لَا أضْرب وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز إِذْ لَا يتَقَدَّم الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف فَكَذَا لَا يتَقَدَّم معموله لَا تَقول أَنا زيدا أول ضَارب أَو مثل ضَارب وَدَلِيل الْمَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ فِي الْخِصَام غير مُبين} وَقَول الشَّاعِر 1137 - (فَتى هُوَ حَقًا غير ملغ توله ... وَلَا تتَّخذ يَوْمًا سواهُ خَلِيلًا) وَقَوله 1138 - (إِن امْرأ خصني يَوْمًا مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور) وَيحْتَمل أَن يكون مِنْهُ {فَذَلِك يَوْمئِذٍ يَوْم عسير على الْكَافرين غير يسير} الحديث: 1136 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 885 وَيحْتَمل تعلق على بعسير أَو بِمَحْذُوف هُوَ نعت لَهُ أَو حَال من ضَمِيره وَلَو قلت جَاءَنِي غير ضَارب زيدا لم يجز التَّقْدِيم لِأَن النَّافِي هُنَا لَا يحل مَكَان غير وَالرَّابِعَة جَوَاز غير قَائِم الزيدان لما كَانَ فِي معنى مَا قَائِم الزيدان وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز لِأَن الْمُبْتَدَأ إِمَّا أَن يكون ذَا خبر أَو ذَا مَرْفُوع يُغني عَن الْخَبَر وَدَلِيل الْمَسْأَلَة قَوْله 1139 - (غير لاه عداك فاطرح اللَّهْو ... وَلَا تغترر بِعَارِض سلم) وَهُوَ أحسن مَا قيل فِي بَيت أبي نواس 1140 - (غير مأسوف على زمن ... يَنْقَضِي بالهم والحزن) وَالْخَامِسَة إعطاؤهم ضَارب زيد الْآن أَو غَدا حكم ضَارب زيدا فِي التنكير لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلِهَذَا وصفوا بِهِ النكرَة ونصبوه على الْحَال وخفضوه بِرَبّ وأدخلوا عَلَيْهِ ال وَأَجَازَ بَعضهم تَقْدِيم حَال مجروره عَلَيْهِ نَحْو هَذَا ملتوتا شَارِب السويق كَمَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ حَال منصوبه وَلَا يجوز شَيْء من ذَلِك إِذا أُرِيد الْمُضِيّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ فِي معنى الناصب وَالسَّادِسَة وَقع الِاسْتِثْنَاء المفرغ فِي الْإِيجَاب فِي نَحْو {وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا على الخاشعين} {ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره} لما كَانَ الْمَعْنى وَإِنَّهَا لَا تسهل إِلَّا على الخاشعين وَلَا يُرِيد الله إِلَّا أَن يتم نوره السَّابِعَة الْعَطف ب وَلَا بعد الايجاب فِي نَحْو الحديث: 1139 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 886 114 - ( ... أَبى الله أَن أسمو بِأم وَلَا أَب) لما كَانَ مَعْنَاهُ قَالَ الله لي لَا تسم بِأم وَلَا أَب الثَّامِنَة زِيَادَة لَا فِي قَوْله تَعَالَى {مَا مَنعك أَلا تسْجد} قَالَ ابْن السَّيِّد الْمَانِع من الشَّيْء آمُر للممنوع أَلا يفعل فَكَأَنَّهُ قيل مَا الَّذِي قَالَ لَك لَا تسْجد وَالْأَقْرَب عِنْدِي أَن يقدر فِي الأول لم يرد الله لي وَفِي الثَّانِي مَا الَّذِي أَمرك يُوضحهُ فِي هَذَا أَن الناهية لَا تصاحب الناصبة بِخِلَاف النافية التَّاسِعَة تعدِي رَضِي ب على فِي قَوْله 114 - (إِذا رضيت عَليّ بَنو قُشَيْر ... ) لما كَانَ رَضِي عَنهُ بِمَعْنى أقبل عَلَيْهِ بِوَجْه وده وَقَالَ الْكسَائي إِنَّمَا جَازَ هَذَا حملا على نقيضه وَهُوَ سخط الْعَاشِرَة رفع الْمُسْتَثْنى على إِبْدَاله من الْمُوجب فِي قِرَاءَة بَعضهم {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا} لما كَانَ مَعْنَاهُ لم يَكُونُوا مِنْهُ بِدَلِيل {فَمن شرب مِنْهُ فَلَيْسَ مني} وَقيل إِلَّا وَمَا بعْدهَا صفة فَقيل إِن الضَّمِير يُوصف فِي هَذَا الْبَاب وَقيل مُرَادهم بِالصّفةِ عطف الْبَيَان وَهَذَا لَا يخلص من الِاعْتِرَاض إِن كَانَ لَازِما لِأَن عطف الْبَيَان كالنعت فَلَا يتبع الضَّمِير وَقيل قَلِيل مُبْتَدأ حذف خَبره أَي لم يشْربُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 887 الْحَادِيَة عشرَة تذكير الاشارة فِي قَوْله تَعَالَى {فذانك برهانان} مَعَ أَن الْمشَار اليه الْيَد والعصا وهما مؤنثان وَلَكِن الْمُبْتَدَأ عين الْخَبَر فِي الْمَعْنى والبرهان مُذَكّر وَمثله {ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا أَن قَالُوا} فِيمَن نصب الْفِتْنَة وأنث الْفِعْل الثَّانِيَة عشرَة قَوْلهم علمت زيد من هُوَ بِرَفْع زيد جَوَازًا لِأَنَّهُ نفس من فِي الْمَعْنى الثَّالِثَة عشرَة قَوْلهم إِن أحدا لَا يَقُول ذَلِك فأوقع أحدا فِي الْإِثْبَات لِأَنَّهُ نفس الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي يَقُول وَالضَّمِير فِي سِيَاق النَّفْي فَكَأَن أحدا كَذَلِك وَقَالَ 1143 - (فِي لَيْلَة لَا نرى بهَا أحدا ... يَحْكِي علينا إِلَّا كواكبها) فَرفع كواكبها بَدَلا من ضمير يَحْكِي لِأَنَّهُ رَاجع إِلَى أحدا وَهُوَ وَاقع فِي سِيَاق غير الايجاب فَكَانَ الضَّمِير كَذَلِك وَهَذَا الْبَاب وَاسع وَلَقَد حكى أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء أَنه سمع شخصا من أهل الْيمن يَقُول فلَان لغوب أَتَتْهُ كتابي فاحتقرها فَقَالَ لَهُ كَيفَ قلت أَتَتْهُ كتابي فَقَالَ أَلَيْسَ الْكتاب فِي معنى الصَّحِيفَة وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة لرؤبة بن العجاج لما أنْشد 1144 - (فِيهَا خطوط من سَواد وبلق ... كَأَنَّهُ فِي الْجلد توليع البهق) الحديث: 1143 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 888 إِن أردْت الخطوط فَقل كَأَنَّهَا أَو السوَاد والبلق فَقل كَأَنَّهُمَا فَقَالَ أردْت ذَلِك وَيلك وَقَالُوا مَرَرْت بِرَجُل أبي عشرَة نَفسه وبقوم عرب كلهم وبقاع عرفج كُله بِرَفْع التوكيد فِيهِنَّ فَرفعُوا الْفَاعِل بالأسماء الجامدة وأكدوه لما لحظوا فِيهَا الْمَعْنى إِذْ كَانَ الْعَرَب بِمَعْنى الفصحاء والعرفج بِمَعْنى الخشن وَالْأَب بِمَعْنى الْوَالِد تَنْبِيهَانِ الأول أَنه وَقع فِي كَلَامهم أبلغ مِمَّا ذكرنَا من تنزيلهم لفظا مَوْجُودا منزلَة لفظ آخر لكَونه بِمَعْنَاهُ وَهُوَ تنزيلهم اللَّفْظ الْمَعْدُوم الصَّالح للوجود بِمَنْزِلَة الْمَوْجُود كَمَا فِي قَوْله 1145 - (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سَابق شَيْئا إِذا كَانَ جائيا) وَقد مضى ذَلِك وَالثَّانِي أَنه لَيْسَ بِلَازِم أَن يعْطى الشَّيْء حكم مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ أَلا ترى أَن الْمصدر قد لَا يعْطى حكم أَن أَو أَن وصلتهما وَبِالْعَكْسِ دَلِيل الأول أَنهم لم يعطوه حكمهمَا فِي جَوَاز حذف الْجَار وَلَا فِي سدهما مسد جزأي الاسناد ثمَّ إِنَّهُم شركوا بَين أَن وَأَن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي بَاب ظن وخصوا أَن الْخَفِيفَة وصلتها بسدها مسدهما فِي بَاب عَسى وخصوا الشَّدِيدَة بذلك فِي بَاب لَو وَدَلِيل الثَّانِي أَنَّهُمَا لَا يعطيان حكمه فِي النِّيَابَة عَن ظرف الزَّمَان تَقول عجبت من قيامك وَعَجِبت أَن تقوم وَأَنَّك قَائِم وَلَا يجوز عجبت قيامك وشذ قَوْله الحديث: 1145 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 889 1146 - (فإياك إياك المراء فَإِنَّهُ ... إِلَى الشَّرّ دُعَاء وللشر جالب) فأجري الْمصدر مجْرى أَن يفعل فِي حذف الْجَار وَتقول حسبت أَنه قَائِم أَو أَن قَامَ وَلَا تَقول حسبت قيامك حَتَّى تذكر الْخَبَر وَتقول عَسى أَن تقوم وَيمْتَنع عَسى أَنَّك قَائِم وَمثلهَا فِي ذَلِك لَعَلَّ وَتقول لَو أَنَّك تقوم وَلَا تَقول لَو أَن تقوم وَتقول جئْتُك صَلَاة الْعَصْر وَلَا يجوز جئْتُك أَن تصلي الْعَصْر خلافًا لِابْنِ جني والزمخشري 2 - وَالثَّانِي وَهُوَ مَا أعطي حكم الشَّيْء الْمُشبه لَهُ فِي لَفظه دون مَعْنَاهُ لَهُ صور كَثِيرَة أَيْضا إِحْدَاهَا زِيَادَة إِن بعد مَا المصدرية الظَّرْفِيَّة وَبعد مَا الَّتِي بِمَعْنى الَّذِي لِأَنَّهُمَا بِلَفْظ مَا النافية كَقَوْلِه 1147 - (ورج الْفَتى للخير مَا إِن رَأَيْته ... على السن خيرا لَا يزَال يزِيد) وَقَوله 1148 - (يرجي الْمَرْء مَا إِن لَا يرَاهُ ... وَتعرض دون أدناه الخطوب) فهذان محمولان على نَحْو قَوْله 1149 - (مَا إِن رَأَيْت وَلَا سَمِعت بِمثلِهِ ... كَالْيَوْمِ هانىء أينق جرب) الحديث: 1146 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 890 الثَّانِيَة دُخُول لَام الابتدء على مَا النافية حملا لَهَا فِي اللَّفْظ على مَا الموصولة الْوَاقِعَة مُبْتَدأ كَقَوْلِه 1150 - (لما أغفلت شكرك فاصطنعني ... فَكيف وَمن عطائك جلّ مَالِي) فَهَذَا مَحْمُول فِي اللَّفْظ على نَحْو قَوْلك لما تَصنعهُ حسن الثَّالِثَة توكيد الْمُضَارع بالنُّون بعد لَا النافية حملا لَهَا فِي اللَّفْظ على لَا الناهية نَحْو {ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ لَا يحطمنكم سُلَيْمَان وَجُنُوده} وَنَحْو {وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة} فَهَذَا مَحْمُول فِي اللَّفْظ على نَحْو {وَلَا تحسبن الله غافلا} وَمن أَولهَا على النَّهْي لم يحْتَج إِلَى هَذَا الرَّابِعَة حذف الْفَاعِل فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {أسمع بهم وَأبْصر} لما كَانَ أحسن بزيد مشبها فِي اللَّفْظ لِقَوْلِك امرر بزيد الْخَامِسَة دُخُول لَام الِابْتِدَاء بعد إِن الَّتِي بِمَعْنى نعم لشبهها فِي اللَّفْظ بِأَن الْمُؤَكّدَة قَالَه بَعضهم فِي قِرَاءَة من قَرَأَ {إِن هَذَانِ لساحران} وَقد مضى الْبَحْث فِيهَا السَّادِسَة قَوْلهم اللَّهُمَّ اغْفِر لنا أيتها الْعِصَابَة بِضَم أَيَّة وَرفع صفتهَا كَمَا يُقَال يَا أيتها الْعِصَابَة وَإِنَّمَا كَانَ حَقّهمَا وجوب النصب كَقَوْلِهِم نَحن الْعَرَب أقرى النَّاس للضيف وَلكنهَا لما كَانَت فِي اللَّفْظ بِمَنْزِلَة المستعملة فِي النداء أَعْطَيْت حكمهَا وَإِن انْتَفَى مُوجب الْبناء وَأما نَحن الْعَرَب فِي الْمِثَال فَإِنَّهُ لَا الحديث: 1150 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 891 يكون منادى لكَونه بأل فَأعْطِي الحكم الَّذِي يسْتَحقّهُ فِي نَفسه وَأما نَحْو نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث فَوَاجِب النصب سَوَاء اعْتبر حَاله أَو حَال مَا يُشبههُ وَهُوَ المنادى السَّابِعَة بِنَاء بَاب حذام فِي لُغَة الْحجاز على الْكسر تَشْبِيها لَهَا بداراك ونزال وَذَلِكَ مَشْهُور فِي المعارف وَرُبمَا جَاءَ فِي غَيرهَا وَعَلِيهِ وَجه قَوْله 115 - (يَا لَيْت حظي من جداك الصافي ... وَالْفضل أَن تتركني كفاف) فَالْأَصْل كفافا فَهُوَ حَال أَو ترك كفاف فمصدر وَمِنْه عِنْد أبي حَاتِم قَوْله 115 - (جَاءَت لتصرعني فَقلت لَهَا اقصري ... إِنِّي امْرُؤ صرعي عَلَيْك حرَام) وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ لَيْسَ لفعله فَاعل أَو فاعلة فَالْأولى قَول الْفَارِسِي إِن أَصله حرامي كَقَوْلِه 1153 - ( ... والدهر بالإنسان دواري) ثمَّ خفف وَلَو أقوى لَكَانَ أولى وَأما قَوْله 1154 (طلبُوا صلحنا ولات أَوَان ... فأجبنا أَن لَيْسَ حِين بَقَاء) فعلة بنائِهِ قطعه عَن الاضافة وَلَكِن عِلّة كَسره وَكَونه لم يسْلك بِهِ فِي الضَّم مَسْلَك قبل وَبعد شبهه بنزال الحديث: 1153 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 892 الثَّامِنَة بِنَاء حاشا فِي {وقلن حاش لله} لشبهها فِي اللَّفْظ بحاشا الحرفية وَالدَّلِيل على اسميتها قِرَاءَة بَعضهم حاشا بِالتَّنْوِينِ على إعرابها كَمَا تَقول تَنْزِيها لله وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهَا لَيست حرفا لدخولها على الْحَرْف وَلَا فعلا إِذْ لَيْسَ بعْدهَا اسْم مَنْصُوب بهَا وَزعم بَعضهم أَنَّهَا فعل حذف مَفْعُوله أَي جَانب يُوسُف الْمعْصِيَة لأجل الله وَهَذَا التَّأْوِيل لَا يَتَأَتَّى فِي كل مَوضِع يُقَال لَك أتفعل كَذَا أَو أفعلت كَذَا فَتَقول حاشا لله فَإِنَّمَا هَذِه بِمَعْنى تبرأت لله بَرَاءَة من هَذَا الْفِعْل وَمن نونها أعْربهَا على إِلْغَاء هَذَا الشّبَه كَمَا أَن بني تَمِيم أعربوا بَاب حذام لذَلِك التَّاسِعَة قَول بعض الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَصرنَا الصَّلَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر مَا كُنَّا قطّ وآمنه فأوقع قطّ بعد مَا المصدرية كَمَا تقع بعد مَا النافية الْعَاشِرَة إِعْطَاء الْحَرْف حكم مقاربه فِي الْمخْرج حَتَّى أدغم فِيهِ نَحْو {خلق كل شَيْء} و (لَك قصورا) وَحَتَّى اجْتمعَا رويين كَقَوْلِه 1155 - (بني إِن الْبر شَيْء هَين ... الْمنطق الطّيب والطعيم) وَقَول أبي جهل الحديث: 1155 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 893 1156 - (مَا تنقم الْحَرْب الْعوَان مني ... بازل عَاميْنِ حَدِيث سني) ( ... لمثل هَذَا ولدتني أُمِّي) وَقَول آخر 1157 - (إِذا ركبت فاجعلوني وسطا ... إِنِّي كَبِير لَا أُطِيق العندا) وَيُسمى ذَلِك إكفاء 3 - وَالثَّالِث وَهُوَ مَا أعطي حكم الشَّيْء لمشابهته لَهُ لفظا وَمعنى نَحْو اسْم التَّفْضِيل وأفعل فِي التَّعَجُّب فَإِنَّهُم منعُوا أفعل التَّفْضِيل إِن يرفع الظَّاهِر لشبهه ب أفعل فِي التَّعَجُّب وزنا وأصلا وإفادة للْمُبَالَغَة وأجازوا تَصْغِير أفعل فِي التَّعَجُّب لشبهه بأفعل التَّفْضِيل فِيمَا ذكرنَا قَالَ 1158 - (يَا مَا أميلح غزلانا شدن لنا ... ) وَلم يسمع ذَلِك إِلَّا فِي أحسن وأملح ذكره الْجَوْهَرِي وَلَكِن النَّحْوِيين مَعَ هَذَا قاسوه وَلم يحك ابْن مَالك اقتياسه إِلَّا عَن ابْن كيسَان وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ أَبُو بكر ابْن الْأَنْبَارِي وَلَا يُقَال إِلَّا لمن صغر سنه الْقَاعِدَة الثَّانِيَة أَن الشَّيْء يعْطى حكم الشَّيْء إِذا جاوره كَقَوْل بَعضهم هَذَا جُحر ضَب خرب بِالْجَرِّ وَالْأَكْثَر الرّفْع وَقَالَ الحديث: 1156 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 894 1159 - ( ... كَبِير أنَاس فِي بجاد مزمل) وَقيل بِهِ فِي {وحور عين} فِيمَن جرهما فَإِن الْعَطف على {ولدان مخلدون} لَا على {بأكواب وأباريق} إِذْ لَيْسَ الْمَعْنى أَن الْولدَان يطوفون عَلَيْهِم بالحور وَقيل الْعَطف على {جنَّات} وَكَأَنَّهُ قيل المقربون فِي جنَّات وَفَاكِهَة وَلحم طير وحور وَقيل على أكواب بِاعْتِبَار الْمَعْنى إِذْ معنى {يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون بأكواب} ينعمون بأكواب وَقيل فِي {وأرجلكم} بالخفض إِنَّه عطف على {أَيْدِيكُم} لَا على {رؤوسكم} إِذْ الأرجل مغسولة لَا ممسوحة وَلكنه خفض لمجاورة رؤوسكم وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَن خفض الْجوَار يكون فِي النَّعْت قَلِيلا كَمَا مثلنَا وَفِي التوكيد نَادرا كَقَوْلِه 1160 - (يَا صَاح بلغ ذَوي الزَّوْجَات كلهم ... أَن لَيْسَ وصل إِذا انْحَلَّت عرا الذَّنب) قَالَ الْفراء أنشدنيه أَبُو الْجراح بخفض كلهم فَقلت لَهُ هلا قلت كلهم يَعْنِي بِالنّصب فَقَالَ هُوَ خير من الَّذِي قلته أَنا ثمَّ استنشدته إِيَّاه فأنشدنيه بالخفض وَلَا يكون فِي النسق لِأَن العاطف يمْنَع من التجاور وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الحديث: 1159 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 895 لما كَانَت الأرجل من بَين الْأَعْضَاء الثَّلَاثَة المغسولة تغسل بصب المَاء عَلَيْهَا كَانَت مَظَنَّة الْإِسْرَاف المذموم شرعا فعطفت على الْمَمْسُوح لَا لتمسح وَلَكِن لينبه على وجوب الاقتصاد فِي صب المَاء عَلَيْهَا وَقيل {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فجيء بالغاية إمَاطَة لظن من يظنّ أَنَّهَا ممسوحة لِأَن الْمسْح لم تضرب لَهُ غَايَة فِي الشَّرِيعَة انْتهى تَنْبِيه أنكر السيرافي وَابْن جني الْخَفْض على الْجوَار وتأولا قَوْلهم خرب بِالْجَرِّ على أَنه صفة لضب ثمَّ قَالَ السيرافي الأَصْل خرب الْجُحر مِنْهُ بتنوين خرب وَرفع الْجُحر ثمَّ حذف الضَّمِير للْعلم بِهِ وحول الْإِسْنَاد إِلَى ضمير الضَّب وخفض الْجُحر كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه بِالْإِضَافَة وَالْأَصْل حسن الْوَجْه مِنْهُ ثمَّ أَتَى بضمير الْجُحر مَكَانَهُ لتقدم ذكره فاستتر وَقَالَ ابْن جني الأَصْل خرب جُحْره ثمَّ أنيب الْمُضَاف إِلَيْهِ عَن الْمُضَاف فارتفع واستتر ويلزمهما استتار الضَّمِير مَعَ جَرَيَان الصّفة على غير من هِيَ لَهُ وَذَلِكَ لَا يجوز عِنْد الْبَصرِيين وَإِن أَمن اللّبْس وَقَول السيرافي إِن هَذَا مثل مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبَوَاهُ لَا قَاعِدين مَرْدُود لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يجوز فِي الْوَصْف الثَّانِي دون الأول على مَا سَيَأْتِي وَمن ذَلِك قَوْلهم هنأني ومرأني وَالْأَصْل أمرأني وَقَوْلهمْ هُوَ رِجْس نجس بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْجِيم وَالْأَصْل نجس بفتحة فكسرة كَذَا قَالُوا وَإِنَّمَا يتم هَذَا أَن لَو كَانُوا لَا يَقُولُونَ هُنَا نجس بفتحة فكسرة وَحِينَئِذٍ فَيكون مَحل الاستشهاد إِنَّمَا هُوَ الِالْتِزَام للتناسب وَأما إِذا لم يلْتَزم فَهَذَا جَائِز بِدُونِ تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 896 رِجْس إِذْ يُقَال فعل بكسرة فَسُكُون فِي كل فعل بفتحة فكسرة نَحْو كتف وَلبن ونبق وَقَوْلهمْ أَخذه مَا قدم وَمَا حدث بِضَم دَال حدث وَقِرَاءَة جمَاعَة {سلاسل وأغلالا} بِصَرْف سلاسل وَفِي الحَدِيث ارْجِعْنَ مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات وَالْأَصْل موزورات بِالْوَاو لِأَنَّهُ من الْوزر وَقِرَاءَة أبي حَيَّة / يؤقنون / بِالْهَمْزَةِ وَقَوله 116 - (أحب المؤقدين إِلَيّ مؤسى ... وجعدة إِذْ أضاءهما الْوقُود) بهمز المؤقدين ومؤسى على إِعْطَاء الْوَاو الْمُجَاورَة للضمة حكم الْوَاو المضمومة فهمزت كَمَا قيل فِي وُجُوه أجوه وَفِي وقتت أقتت وَمن ذَلِك قَوْلهم فِي صَوْم صيم حملا على قَوْلهم فِي عصو عصي وَكَانَ أَبُو عَليّ ينشد فِي مثل ذَلِك ( ... قد يُؤْخَذ الْجَار بجرم الْجَار) الْقَاعِدَة الثَّالِثَة قد يشربون لفظا معنى لفظ فيعطونه حكمه وَيُسمى ذَلِك تضمينا وَفَائِدَته أَن تُؤدِّي كلمة مؤدى كَلِمَتَيْنِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَلا ترى كَيفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 897 رَجَعَ معنى {وَلَا تعد عَيْنَاك عَنْهُم} إِلَى قَوْلك وَلَا تقتحم عَيْنَاك مجاوزتين إِلَى غَيرهم {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} أَي وَلَا تضموها إِلَيْهَا آكلين اه وَمن مثل ذَلِك أَيْضا قَوْله تَعَالَى {الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} ضمن الرَّفَث معنى الْإِفْضَاء فعدي بإلى مثل {وَقد أفْضى بَعْضكُم إِلَى بعض} وَإِنَّمَا أصل الرَّفَث أَن يتَعَدَّى بِالْبَاء يُقَال أرفث فلَان بامرأته وَقَوله تَعَالَى {وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه} أَي فَلَنْ يحرموه أَي فَلَنْ يحرموا ثَوَابه وَلِهَذَا عدي إِلَى اثْنَيْنِ لَا إِلَى وَاحِد وَقَوله تَعَالَى {وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح} أَي لَا تنووا وَلِهَذَا عدي بِنَفسِهِ لَا بعلى وَقَوله تَعَالَى {لَا يسمعُونَ إِلَى الملإ الْأَعْلَى} أَي لَا يصغون وَقَوْلهمْ سمع الله لمن حَمده أَي اسْتَجَابَ فعدي يسمع فِي الأول بإلى وَفِي الثَّانِي بِاللَّامِ وَإِنَّمَا أَصله أَن يتَعَدَّى بِنَفسِهِ مثل {يَوْم يسمعُونَ الصَّيْحَة} وَقَوله تَعَالَى {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} أَي يُمَيّز وَلِهَذَا عدي ب من لَا بِنَفسِهِ وَقَوله تَعَالَى {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم} أَي يمتنعون من وَطْء نِسَائِهِم بِالْحلف فَلهَذَا عدي بِمن وَلما خَفِي التَّضْمِين على بَعضهم فِي الْآيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 898 وَرَأى أَنه لَا يُقَال حلف من كَذَا بل حلف عَلَيْهِ قَالَ من مُتَعَلقَة بِمَعْنى للَّذين كَمَا تَقول لي مِنْك مبرة قَالَ وَأما قَول الْفُقَهَاء آلى من امْرَأَته فغلط أوقعهم فِيهِ عدم فهم الْمُتَعَلّق فِي الْآيَة وَقَالَ أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ 116 - (حملت بِهِ فِي لَيْلَة مزؤودة ... كرها وَعقد نطاقها لم يحلل) وَقَالَ قبله (مِمَّن حملن بِهِ وَهن عواقد ... حبك النطاق فشب غير مهبل) مزؤودة أَي مَذْعُورَة ويروى بِالْجَرِّ صفة لليلة مثل {وَاللَّيْل إِذا يسر} وَبِالنَّصبِ حَالا من الْمَرْأَة وَلَيْسَ بِقَوي مَعَ أَنه الْحَقِيقَة لِأَن ذكر اللَّيْلَة حِينَئِذٍ لَا كَبِير فَائِدَة فِيهِ وَالشَّاهِد فيهمَا أَنه ضمن حمل معنى علق وَلَوْلَا ذَلِك لعدي بِنَفسِهِ مثل {حَملته أمه كرها} وَقَالَ الفرزدق 1163 - (كَيفَ تراني قالبا مجني ... قد قتل الله زيادا عني) أَي صرفه عني بِالْقَتْلِ وَهُوَ كثير قَالَ أَبُو الْفَتْح فِي كتاب التَّمام أَحسب لَو جمع مَا جَاءَ مِنْهُ لجاء مِنْهُ كتاب يكون مئين أوراقا الحديث: 1163 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 899 الْقَاعِدَة الرَّابِعَة أَنهم يغلبُونَ على الشَّيْء مَا لغيره لتناسب بَينهمَا أَو اخْتِلَاط فَلهَذَا قَالُوا الْأَبَوَيْنِ فِي الْأَب وَالأُم وَمِنْه {ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} وَفِي الْأَب وَالْخَالَة وَمِنْه {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} والمشرقين والمغربين وَمثله الخافقان فِي الْمشرق وَالْمغْرب وَإِنَّمَا الخافق الْمغرب ثمَّ إِنَّمَا سمي خافقا مجَازًا وَإِنَّمَا هُوَ مخفوق فِيهِ والقمرين فِي الشَّمْس وَالْقَمَر قَالَ المتنبي 1164 - (واستقبلت قمر السَّمَاء بوجهها ... فأرتني القمرين فِي وَقت مَعًا) أَي الشَّمْس وَهُوَ وَجههَا وقمر السَّمَاء وَقَالَ التبريزي يجوز أَنه أَرَادَ قمرا وقمرا لِأَنَّهُ لَا يجْتَمع قمران فِي لَيْلَة كَمَا أَنه لَا تَجْتَمِع الشَّمْس وَالْقَمَر اه وَمَا ذَكرْنَاهُ أمدح والقمران فِي الْعرف الشَّمْس وَالْقَمَر وَقيل إِن مِنْهُ قَول الفرزدق 1165 - (أَخذنَا بآفاق السَّمَاء عَلَيْكُم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع) وَقيل إِنَّمَا أَرَادَ مُحَمَّدًا والخليل عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن نسبه رَاجع إِلَيْهِمَا بِوَجْه وَإِن المُرَاد بالنجوم الصَّحَابَة وَقَالُوا العمرين فِي أبي بكر وَعمر وَقيل المُرَاد عمر بن الْخطاب وَعمر بن عبد الْعَزِيز فَلَا تَغْلِيب وَيرد بِأَنَّهُ قيل لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ نَسْأَلك سيرة العمرين قَالَ نعم قَالَ قَتَادَة الحديث: 1164 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 900 أعتق الْعمرَان فَمن بَينهمَا من الْخُلَفَاء أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَهَذَا المُرَاد بِهِ عمر وَعمر وَقَالُوا العجاجين فِي رؤبة والعجاج والمروتين فِي الصَّفَا والمروة وَلأَجل الِاخْتِلَاط أطلقت من على مَا لَا يعقل فِي نَحْو {فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه وَمِنْهُم من يمشي على رجلَيْنِ وَمِنْهُم من يمشي على أَربع} فَإِن الِاخْتِلَاط حَاصِل فِي الْعُمُوم السَّابِق فِي قَوْله تَعَالَى {كل دَابَّة من مَاء} وَفِي {من يمشي على رجلَيْنِ} اخْتِلَاط آخر فِي عبارَة التَّفْصِيل فَإِنَّهُ يعم الْإِنْسَان والطائر وَاسم المخاطبين على الغائبين فِي قَوْله تَعَالَى {اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} لِأَن لَعَلَّ مُتَعَلقَة ب خَلقكُم لَا ب اعبدوا والمذكرين على الْمُؤَنَّث حَتَّى عدت مِنْهُم فِي {وَكَانَت من القانتين} وَالْمَلَائِكَة على إِبْلِيس حَتَّى اسْتثْنِي مِنْهُم فِي {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَالِاسْتِثْنَاء مُتَّصِل لِأَنَّهُ وَاحِد من بَين أظهر الألوف من الْمَلَائِكَة فغلبوا عَلَيْهِ فِي فسجدوا ثمَّ اسْتثْنى مِنْهُم اسْتثِْنَاء أحدهم ثمَّ قَالَ وَيجوز أَن يكون مُنْقَطِعًا وَمن التغليب {أَو لتعودن فِي ملتنا} بعد {لنخرجنك يَا شُعَيْب وَالَّذين آمنُوا مَعَك من قريتنا} فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يكن فِي ملتهم قطّ بِخِلَاف الَّذين آمنُوا مَعَه وَمثله {جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا وَمن الْأَنْعَام أَزْوَاجًا يذرؤكم فِيهِ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 901 ) فَإِن الْخطاب فِيهِ شَامِل للعقلاء والأنعام فغلب المخاطبون والعاقلون على الغائبين والأنعام وَمعنى يذرؤكم فِيهِ يبثكم ويكثركم فِي هَذَا التَّدْبِير وَهُوَ أَن جعل للنَّاس وللأنعام أَزْوَاجًا حَتَّى حصل بَينهم التوالد فَجعل هَذَا التَّدْبِير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير فَلهَذَا جِيءَ ب فِي دون الْبَاء وَنَظِيره {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} وَزعم جمَاعَة أَن مِنْهُ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} وَنَحْو {بل أَنْتُم قوم تجهلون} وَإِنَّمَا هَذَا من مُرَاعَاة الْمَعْنى وَالْأول من مُرَاعَاة اللَّفْظ الْقَاعِدَة الْخَامِسَة أَنهم يعبرون بِالْفِعْلِ عَن أُمُور أَحدهَا وُقُوعه وَهُوَ الأَصْل وَالثَّانِي مشارفته نَحْو {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فأمسكوهن} أَي فشارفن انْقِضَاء الْعدة {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم} أَي وَالَّذين يشارفون الْمَوْت وَترك الْأزْوَاج يوصون وَصِيَّة {وليخش الَّذين لَو تركُوا من خَلفهم ذُرِّيَّة} أَي لَو شارفوا أَن يتْركُوا وَقد مَضَت فِي فصل لَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 902 ونظائرها وَمِمَّا لم يتَقَدَّم ذكره قَوْله 1166 - (إِلَى ملك كَاد الْجبَال لفقده ... تَزُول وَزَالَ الراسيات من الصخر) الثَّالِث إِرَادَته وَأكْثر مَا يكون ذَلِك بعد أَدَاة الشَّرْط نَحْو {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه} {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} {إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن} {وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ} {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} {إِذا تناجيتم فَلَا تتناجوا بالإثم والعدوان} {إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا} الْآيَة {إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} وَفِي الصَّحِيح إِذا أَتَى أحدكُم الْجُمُعَة فليغتسل وَمِنْه فِي غَيره {فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} أَي فأردنا الْإِخْرَاج {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم ثمَّ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم} لِأَن ثمَّ للتَّرْتِيب وَلَا يُمكن هُنَا مَعَ الْحمل على الظَّاهِر فَإِذا حمل خلقنَا وصورنا على إِرَادَة الْخلق والتصوير لم يشكل وَقيل الحديث: 1166 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 903 هما على حذف مضافين أَي خلقنَا أَبَاكُم فِي صورنا أَبَاكُم وَمثله {وَكم من قَرْيَة أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا} أَي أردنَا إهلاكها {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} أَي أَرَادَ الدنو من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَدَلَّى فَتعلق فِي الْهَوَاء وَهَذَا أولى من قَول من ادّعى الْقلب فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ وَأَن التَّقْدِير وَكم من قَرْيَة جاءها بأسنا فأهلكناها ثمَّ تدلى فَدَنَا وَقَالَ 1167 - (فارقنا قبل أَن نفارقه ... لما قضى من جماعنا وطرا) أَي أَرَادَ فراقنا وَفِي كَلَامهم عكس هَذَا وَهُوَ التَّعْبِير بِإِرَادَة الْفِعْل عَن إيجاده نَحْو {ويريدون أَن يفرقُوا بَين الله وَرُسُله} بِدَلِيل أَنه قوبل بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلم يفرقُوا بَين أحد مِنْهُم} وَالرَّابِع الْقُدْرَة عَلَيْهِ نَحْو {وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين} أَي قَادِرين على الْإِعَادَة وأصل ذَلِك أَن الْفِعْل يتسبب عَن الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة وهم يُقِيمُونَ السَّبَب مقَام الْمُسَبّب وَبِالْعَكْسِ فَالْأول نَحْو {ونبلو أخباركم} أَي ونعلم أخباركم لِأَن الِابْتِلَاء الاختبار وبالاختيار يحصل الْعلم وَقَوله تَعَالَى {هَل يَسْتَطِيع رَبك} الْآيَة فِي قِرَاءَة غير الْكسَائي يَسْتَطِيع بالغيبة وَرَبك الحديث: 1167 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 904 بِالرَّفْع مَعْنَاهُ هَل يفعل رَبك فَعبر عَن الْفِعْل بالاستطاعة لِأَنَّهَا شَرطه أَي هَل ينزل علينا رَبك مائدة إِن دَعوته وَمثله {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} أَي لن نؤاخذه فَعبر عَن الْمُؤَاخَذَة بشرطها وَهُوَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا وَأما قِرَاءَة الْكسَائي فتقديرها هَل تَسْتَطِيع سُؤال رَبك فَحذف الْمُضَاف أَو هَل تطلب طَاعَة رَبك فِي إِنْزَال الْمَائِدَة أَي استجابته وَمن الثَّانِي {فَاتَّقُوا النَّار} أَي فَاتَّقُوا العناد الْمُوجب للنار الْقَاعِدَة السَّادِسَة أَنهم يعبرون عَن الْمَاضِي والآتي كَمَا يعبرون عَن الشَّيْء الْحَاضِر قصدا لإحضاره فِي الذِّهْن حَتَّى كَأَنَّهُ مشَاهد حَالَة الْإِخْبَار نَحْو {وَإِن رَبك ليحكم بَينهم يَوْم الْقِيَامَة} لِأَن لَام الِابْتِدَاء للْحَال وَنَحْو {هَذَا من شيعته وَهَذَا من عدوه} إِذْ لَيْسَ المُرَاد تقريب الرجلَيْن من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تَقول هَذَا كتابك فَخذه وَإِنَّمَا الاشارة كَانَت اليهما فِي ذَلِك الْوَقْت هَكَذَا فحكيت وَمثله {وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح فتثير سحابا} قصد بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فتثير إِحْضَار تِلْكَ الصُّورَة البديعة الدَّالَّة على الْقُدْرَة الباهرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 905 من إثارة السَّحَاب تبدو أَولا قطعا ثمَّ تتضام متقلبة بَين أطوار حَتَّى تصير ركاما وَمِنْه {ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون} أَي فَكَانَ {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خر من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض} إِلَى قَوْله تَعَالَى {ونري فِرْعَوْن وهامان} وَمِنْه عِنْد الْجُمْهُور {وكلبهم باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} أَي يبسط ذِرَاعَيْهِ بِدَلِيل {ونقلبهم} وَلم يقل وقلبناهم وَبِهَذَا التَّقْرِير ينْدَفع قَول الْكسَائي وَهِشَام إِن اسْم الْفَاعِل الَّذِي بِمَعْنى الْمَاضِي يعْمل وَمثله {وَالله مخرج مَا كُنْتُم تكتمون} إِلَّا أَن هَذَا على حِكَايَة حَال كَانَت مُسْتَقْبلَة وَقت التدارؤ وَفِي الْآيَة الأولى حكيت الْحَال الْمَاضِيَة وَمثلهَا قَوْله 1168 - (جَارِيَة فِي رَمَضَان الْمَاضِي ... تقطع الحَدِيث بالإيماض) وَلَوْلَا حِكَايَة الْحَال فِي قَول حسان 1169 - (يغشون حَتَّى لَا تهر كلابهم ... ) الحديث: 1168 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 906 لم يَصح الرّفْع لِأَنَّهُ لَا يرفع إِلَّا وَهُوَ للْحَال وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} بِالرَّفْع الْقَاعِدَة السَّابِعَة إِن اللَّفْظ قد يكون على تَقْدِير وَذَلِكَ الْمُقدر على تَقْدِير آخر نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن أَن يفترى من دون الله} فَإِن يفترى مؤول بالافتراء والافتراء مؤول بمفترى وَقَالَ 1170 - (لعمرك مَا الفتيان أَن تنْبت اللحى ... ولكنما الفتيان كل فَتى ندي) وَقَالُوا عَسى زيد أَن يقوم فَقيل هُوَ على ذَلِك وَقيل على حذف مُضَاف أَي عَسى أَمر زيد أَو عَسى زيد صَاحب الْقيام وَقيل أَن زَائِدَة وَيَردهُ عدم صلاحيتها للسقوط فِي الْأَكْثَر وَأَنَّهَا قد عملت والزائدة لَا تعْمل خلافًا لأبي الْحسن وَأما قَول أبي الْفَتْح فِي بَيت الحماسة 117 - (حَتَّى يكون غزيزا فِي نُفُوسهم ... أَو أَن يبين جَمِيعًا وَهُوَ مُخْتَار) يجوز كَون أَن زَائِدَة فَلِأَن النصب هُنَا يكون بالْعَطْف لَا بِأَن وَقيل فِي {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} إِن مَا قَالُوا بِمَعْنى القَوْل وَالْقَوْل بِتَأْوِيل الْمَقُول أَي يعودون للمقول فِيهِنَّ لفظ الظِّهَار وَهن الزَّوْجَات وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي {حَتَّى} الحديث: 1170 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 907 تنفقوا مِمَّا تحبون) يجوز عِنْد أبي عَليّ كَون مَا مَصْدَرِيَّة والمصدر فِي تَأْوِيل اسْم الْمَفْعُول اه وَهَذَا يَقْتَضِي أَن غير أبي عَليّ لَا يُجِيز ذَلِك وَقَالَ السيرافي إِذا قيل قَامُوا مَا خلا زيدا وَمَا عدا زيدا فَمَا مَصْدَرِيَّة وَهِي وصلتها حَال وَفِيه معنى الِاسْتِثْنَاء قَالَ ابْن مَالك فَوَقَعت الْحَال معرفَة لتأولها بالنكرة اه والتأويل خالين عَن زيد ومتجاوزين زيدا وَأما قَول ابْن خروف والشلوبين إِن مَا وصلتها نصب على الِاسْتِثْنَاء فغلط لِأَن معنى الِاسْتِثْنَاء قَائِم بِمَا بعدهمَا لَا بهما والمنصوب على معنى لَا يَلِيق ذَلِك الْمَعْنى بِغَيْرِهِ الْقَاعِدَة الثَّامِنَة كثيرا مَا يغْتَفر فِي الثواني مَا لَا يغْتَفر فِي الْأَوَائِل فَمن ذَلِك كل شَاة وسخلتها بدرهم و117 - (وَأي فَتى هيجاء أَنْت وجارها ... ) وَرب رجل وأخيه و (إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت) وَلَا يجوز كل سخلتها وَلَا أَي جارها وَلَا رب أَخِيه وَلَا يجوز إِن يقم زيد قَامَ عَمْرو فِي الْأَصَح إِلَّا فِي الشّعْر كَقَوْلِه 1173 - (إِن يسمعوا سبة طاروا بهَا فَرحا ... عني وَمَا يسمعوا من صَالح دفنُوا) إِذْ لَا تُضَاف كل وَأي إِلَى معرفَة مُفْردَة كَمَا أَن اسْم التَّفْضِيل كَذَلِك الحديث: 1173 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 908 وَلَا تجر رب إِلَّا النكرات وَلَا يكون فِي النثر فعل الشَّرْط مضارعا وَالْجَوَاب مَاضِيا وَقَالَ الشَّاعِر 1174 - (إِن تركبوا فركوب الْخَيل عادتنا ... أَو تَنْزِلُونَ فَإنَّا معشر نزل) فَقَالَ يُونُس أَرَادَ أَو أَنْتُم تَنْزِلُونَ فعطف الْجُمْلَة الاسمية على جملَة الشَّرْط وَجعل سِيبَوَيْهٍ ذَلِك من الْعَطف على التَّوَهُّم قَالَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أتركبون فَذَلِك عادتنا أَو تَنْزِلُونَ فَنحْن معروفون بذلك وَيَقُولُونَ مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبَوَاهُ لَا قَاعِدين وَيمْتَنع قَائِمين لَا قَاعد أَبَوَاهُ على إِعْمَال الثَّانِي وربط الأول بِالْمَعْنَى الْقَاعِدَة التَّاسِعَة انهم يتسعون فِي الظّرْف وَالْمَجْرُور مَا لَا يتسعون فِي غَيرهمَا فَلذَلِك فصلوا بهما الْفِعْل النَّاقِص من معموله نَحْو كَانَ فِي الدَّار أَو عنْدك زيد جَالِسا وَفعل التَّعَجُّب من المتعجب مِنْهُ نَحْو مَا أحسن فِي الهيجاء لِقَاء زيد وَمَا أثبت عِنْد الْحَرْب زيدا وَبَين الْحَرْف النَّاسِخ ومنسوخه نَحْو قَوْله 1175 - (فَلَا تلحني فِيهَا فَإِن بحبها ... أَخَاك مصاب الْقلب جم بلابله) وَبَين الِاسْتِفْهَام وَالْقَوْل الْجَارِي مجْرى الظَّن كَقَوْلِه 1176 - (أبعد بعد تَقول الدَّار جَامِعَة ... ) الحديث: 1174 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 909 وَبَين الْمُضَاف وحرف الْجَرّ ومجرورهما وَبَين إِذن وَلنْ ومنصوبهما نَحْو هَذَا غُلَام وَالله زيد واشتريته بوالله دِرْهَم وَقَوله 1177 - (إِذن وَالله نرميهم بِحَرب ... ) وَقَوله 1178 - (لن مَا رَأَيْت أَبَا يزِيد مُقَاتِلًا ... أدع الْقِتَال وَأشْهد الهيجاء) وقدموهما خبرين على الِاسْم فِي بَاب إِن نَحْو {إِن فِي ذَلِك لعبرة} ومعمولين للْخَبَر فِي بَاب مَا نَحْو مَا فِي الدَّار زيد جَالِسا وَقَوله 1179 - ( ... فَمَا كل حِين من تؤاتي مؤاتيا) فان كَانَ الْمَعْمُول غَيرهمَا بَطل عَملهَا كَقَوْلِه 1180 - ( ... وَمَا كل من وافى منى أَنا عَارِف) ومعمولين لصلة ال نَحْو {وَكَانُوا فِيهِ من الزاهدين} فِي قَول وعَلى الْفِعْل الْمَنْفِيّ ب مَا فِي نَحْو قَوْله 118 - ( ... وَنحن عَن فضلك مَا استغنينا) قيل وعَلى إِن مَعْمُولا لخبرها فِي نَحْو أما بعد فَإِنِّي أفعل كَذَا وَكَذَا وَقَوله الحديث: 1177 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 910 118 - (أَبَا خراشة أما أَنْت ذَا نفر ... فَإِن قومِي لم تأكلهم الضبع) وعَلى الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ فِي نَحْو قَوْلهم أكل يَوْم لَك ثوب وَأَقُول أما مَسْأَلَة أما فَاعْلَم أَنه إِذا تَلَاهَا ظرف وَلم يل الْفَاء مَا يمْتَنع تقدم معموله عَلَيْهِ نَحْو أما فِي الدَّار أَو عنْدك فزيد جَالس جَازَ كَونه مَعْمُولا لأما أَو لما بعد الْفَاء فَإِن تَلا الْفَاء مَا لَا يتَقَدَّم معموله عَلَيْهِ نَحْو أما زيدا أَو الْيَوْم فَإِنِّي ضَارب فالعامل فِيهِ عِنْد الْمَازِني أما فَتَصِح مَسْأَلَة الظّرْف فَقَط لِأَن الْحُرُوف لَا تنصب الْمَفْعُول بِهِ وَعند الْمبرد تجوز مَسْأَلَة الظّرْف من وَجْهَيْن وَمَسْأَلَة الْمَفْعُول بِهِ من جِهَة إِعْمَال مَا بعد الْفَاء وَاحْتج بِأَن أما وضعت على أَن مَا بعد فَاء جوابها يتَقَدَّم بعضه فاصلا بَينهَا وَبَين أما وَجوزهُ بَعضهم فِي الظّرْف دون الْمَفْعُول بِهِ وَأما قَوْله أما أَنْت ذَا نفر فَلَيْسَ الْمَعْنى على تعلقه بِمَا بعد الْفَاء بل هُوَ مُتَعَلق تعلق الْمَفْعُول لأَجله بِفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير أَلِهَذَا فخرت عَليّ وَأما الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة فَمن أجَاز زيد جَالِسا فِي الدَّار لم يكن ذَلِك مُخْتَصًّا عِنْده بالظرف الْقَاعِدَة الْعَاشِرَة من فنون كَلَامهم الْقلب وَأكْثر وُقُوعه فِي الشّعْر كَقَوْل حسان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ 1183 - (كَأَن سبيئة من بَيت رَأس ... يكون مزاجها عسل وَمَاء) الحديث: 1183 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 911 فِيمَن نصب المزاج فَجعل الْمعرفَة الْخَبَر والنكرة الِاسْم وتأوله الْفَارِسِي على أَن انتصاب المزاج على الظَّرْفِيَّة المجازية وَالْأولَى رفع المزاج وَنصب الْعَسَل وَقد رُوِيَ كَذَلِك أَيْضا فارتفاع مَاء بِتَقْدِير وخالطها مَاء ويروى برفعهن على إِضْمَار الشَّأْن وَأما قَول ابْن أَسد إِن كَانَ زَائِدَة فخطأ لِأَنَّهَا لَا تزاد بِلَفْظ الْمُضَارع بِقِيَاس وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك هُنَا وَقَول رؤبة 1184 - (ومهمه مغبرة أرجاؤه ... كَأَن لون أرضه سماؤه) أَي كَأَن لون سمائه لغبرتها لون أرضه فعكس التَّشْبِيه مُبَالغَة وَحذف الْمُضَاف وَقَالَ آخر 1185 - (فَإِن أَنْت لاقيت فِي نجدة ... فَلَا يتهيبك أَن تقدما) أَي تتهيبها وَقَالَ ابْن مقبل 1186 - (وَلَا تهيبني الموماة أركبها ... إِذا تجاوبت الأصداء بِالسحرِ) أَي وَلَا أتهيبها وَقَالَ كَعْب 1187 - (كَأَن أَوب ذراعيها إِذا عرقت ... وَقد تلفع بالقور العساقيل) القور جمع قارة وَهِي الْجَبَل الصَّغِير والعساقيل اسْم لأوائل السراب وَلَا وَاحِد لَهُ والتلفع الاشتمال وَقَالَ عُرْوَة بن الْورْد الحديث: 1184 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 912 1188 - (فديت بِنَفسِهِ نَفسِي وَمَالِي ... وَمَا آلوك إِلَّا مَا أُطِيق) وَقَالَ الْقطَامِي 1189 - (فَلَمَّا أَن جرى سمن عَلَيْهَا ... كَمَا طينت بالفدن السياعا) الفدن الْقصر والسياع الطين وَمِنْه فِي الْكَلَام أدخلت القلنسوة فِي رَأْسِي وَعرضت النَّاقة على الْحَوْض وعرضتها على المَاء قَالَه الْجَوْهَرِي وَجَمَاعَة مِنْهُم السكاكي والزمخشري وَجعل مِنْهُ {وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار} وَفِي كتاب التَّوسعَة ليعقوب بن إِسْحَاق السّكيت إِن عرضت الْحَوْض على النَّاقة مقلوب وَقَالَ آخر لَا قلب فِي وَاحِد مِنْهُمَا وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان ورد على قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْآيَة وَزعم بَعضهم فِي قَول المتنبي 1190 - (وعذلت أهل الْعِشْق حَتَّى ذقته ... فعجبت كَيفَ يَمُوت من لَا يعشق) أَن أَصله كَيفَ لَا يَمُوت من يعشق وَالصَّوَاب خِلَافه وَأَن المُرَاد أَنه صَار يرى أَن لَا سَبَب للْمَوْت سوى الْعِشْق وَيُقَال إِذا طلعت الجوزاء انتصب الْعود فِي الحرباء أَي انتصب الحرباء فِي الْعود وَقَالَ ثَعْلَب فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ فِي سلسلة ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسلكوه} إِن الْمَعْنى اسلكوا فِيهِ سلسلة وَقيل الحديث: 1188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 913 إِن مِنْهُ {وَكم من قَرْيَة أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا} {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} وَقد مضى تأويلهما وَنقل الْجَوْهَرِي فِي {فَكَانَ قاب قوسين} أَن أَصله قابي قَوس فقلبت التَّثْنِيَة بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ حسن إِن فسر القاب بِمَا بَين مقبض الْقوس وسيتها أَي طرفها وَلها طرفان فَلهُ قابان وَنَظِير هَذَا إنشاد ابْن الْأَعرَابِي 119 - (إِذا أحسن ابْن الْعم بعد إساءة ... فلست لشري فعله بحمول) أَي فلست لشر فَعَلَيهِ قيل وَمن الْقلب {اذْهَبْ بكتابي هَذَا} الْآيَة وَأجِيب بِأَن الْمَعْنى ثمَّ تول عَنْهُم إِلَى مَكَان يقرب مِنْهُم ليَكُون مَا يَقُولُونَهُ بمسمع مِنْك فَانْظُر مَاذَا يرجعُونَ وَقيل فِي {فعميت عَلَيْكُم} إِن الْمَعْنى فعميتم عَنْهَا وَفِي {حقيق على أَن لَا أَقُول} الْآيَة فِيمَن جر بعلى أَو وصلتها على أَن الْمَعْنى حقيق عَليّ بإدخالها على يَاء الْمُتَكَلّم كَمَا قَرَأَ نَافِع وَقيل ضمن حقيق معنى حَرِيص وَفِي {مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة} إِن الْمَعْنى لتنوء الْعصبَة بهَا أَي لتنهض بهَا متثاقلة وَقيل الْبَاء للتعدية كالهمزة أَي لتنيء الْعصبَة أَي تجعلها تنهض متثاقلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 914 الْقَاعِدَة الْحَادِيَة عشرَة من ملح كَلَامهم تقارض اللَّفْظَيْنِ فِي الْأَحْكَام وَلذَلِك أمثله أَحدهَا إِعْطَاء غير حكم إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء بهَا نَحْو {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر} فِيمَن نصب غير وَإِعْطَاء إِلَّا حكم غير فِي الْوَصْف بهَا نَحْو {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} وَالثَّانِي إِعْطَاء أَن المصدرية حكم مَا المصدرية فِي الإهمال كَقَوْلِه 119 - (أَن تقرأان على أَسمَاء ويحكما ... مني السَّلَام وَألا تشعرا أحدا) الشَّاهِد فِي أَن الأولى وَلَيْسَت مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة بِدَلِيل أَن المعطوفة عَلَيْهَا وإعمال مَا حملا على أَن كَمَا رُوِيَ من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا تَكُونُوا يُولى عَلَيْكُم ذكره ابْن الْحَاجِب وَالْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة كَمَا تَكُونُونَ وَالثَّالِث إِعْطَاء إِن الشّرطِيَّة حكم لَو فِي الإهمال كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث فإلا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك وَإِعْطَاء لَو حكم إِن فِي الْجَزْم كَقَوْلِه 1193 - (لَو يَشَأْ طَار بهَا ذُو ميعة ... ) ذكر الثَّانِي ابْن الشجري وخرجه غَيره على أَنه جَاءَ على لُغَة من يَقُول شا الحديث: 1193 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 915 يشا بِالْألف ثمَّ أبدلت الْألف همزَة على حد قَول بَعضهم العألم والخأتم بِالْهَمْزَةِ وَيُؤَيِّدهُ أَنه لَا يجوز مَجِيء إِن الشّرطِيَّة فِي هَذَا الْموضع لِأَنَّهُ إِخْبَار عَمَّا مضى فَالْمَعْنى لَو شَاءَ وَبِهَذَا يقْدَح أَيْضا فِي تَخْرِيج الحَدِيث السَّابِق على مَا ذكر وَهُوَ تَخْرِيج ابْن مَالك وَالظَّاهِر أَنه يتَخَرَّج على إِجْرَاء المعتل مجْرى الصَّحِيح كَقِرَاءَة قنبل {إِنَّه من يتق ويصبر فَإِن الله} بِإِثْبَات يَاء يَتَّقِي وَجزم يصبر وَالرَّابِع إِعْطَاء إِذا حكم مَتى فِي الْجَزْم بهَا كَقَوْلِه 1194 - ( ... وَإِذا تصبك خصَاصَة فَتحمل) وإهمال مَتى حكما لَهَا بِحكم إِذا كَقَوْل عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَأَنه مَتى يقوم مقامك لَا يسمع النَّاس وَالْخَامِس إِعْطَاء لم حكم لن فِي عمل النصب ذكره بَعضهم مستشهدا بِقِرَاءَة بَعضهم {ألم نشرح} بِفَتْح الْحَاء وَفِيه نظر إِذا لَا تحل لن هُنَا وَإِنَّمَا يَصح أَو يحسن حمل الشَّيْء على مَا يحل مَحَله كَمَا قدمنَا وَقيل أَصله نشرحن ثمَّ حذفت النُّون الْخَفِيفَة وَبَقِي الْفَتْح دَلِيلا عَلَيْهَا وَفِي هَذَا شذوذان توكيد الْمَنْفِيّ بلم مَعَ أَنه كالفعل الْمَاضِي فِي الْمَعْنى وَحذف النُّون لغير مُقْتَض مَعَ أَن الْمُؤَكّد لَا يَلِيق بِهِ الْحَذف وَإِعْطَاء لن حكم لم فِي الْجَزْم كَقَوْلِه 1195 - (لن يخب الْآن من رجائك من ... حرك من دون بابك الحلقه) الرِّوَايَة بِكَسْر الْبَاء الحديث: 1194 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 916 وَالسَّادِس إِعْطَاء مَا النافية حكم لَيْسَ فِي الإعمال وَهِي لُغَة أهل الْحجاز نَحْو {مَا هَذَا بشرا} وَإِعْطَاء لَيْسَ حكم مَا فِي الإهمال عِنْد انْتِقَاض النَّفْي بإلا كَقَوْلِهِم لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك وَهِي لُغَة بني تَمِيم وَالسَّابِع إِعْطَاء عَسى حكم لَعَلَّ فِي الْعَمَل كَقَوْلِه 1196 - ( ... يَا أبتا علك أَو عساكا) وَإِعْطَاء لَعَلَّ حكم عَسى فِي اقتران خَبَرهَا بِأَن وَمِنْه الحَدِيث فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض وَالثَّامِن إِعْطَاء الْفَاعِل إِعْرَاب الْمَفْعُول وعسكه عِنْد أَمن اللّبْس كَقَوْلِهِم خرق الثَّوْب المسمار وَكسر الزّجاج الْحجر وَقَالَ الشَّاعِر 1197 - (مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نَجْرَان أَو بلغت سوءاتهم هجر) وَسمع أَيْضا نصبهما كَقَوْلِه 1198 - ( ... قد سَالم الْحَيَّات مِنْهُ القدما) وَفِي رِوَايَة من نصب الْحَيَّات وَقيل القدما تَثْنِيَة حذفت نونه للضَّرُورَة كَقَوْلِه 1199 - (هما خطتا إِمَّا إسار ومنة ... ) الحديث: 1196 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 917 فِيمَن رَوَاهُ بِرَفْع إسار ومنة وَسمع أَيْضا رفعهما كَقَوْلِه 1200 - (إِن من صَاد عقعقا لمشوم ... كَيفَ من صَاد عقعقان وبوم) وَالتَّاسِع إِعْطَاء الْحسن الْوَجْه حكم الضَّارِب الرجل فِي النصب وَإِعْطَاء الضَّارِب الرجل حكم الْحسن الْوَجْه فِي الْجَرّ والعاشر إِعْطَاء أفعل فِي التَّعَجُّب حكم أفعل التَّفْضِيل فِي جَوَاز التصغير وَإِعْطَاء أفعل التَّفْضِيل حكم أفعل فِي التَّعَجُّب فِي أَنه لَا يرفع الظَّاهِر وَقد مر ذَلِك وَلَو ذكرت أحرف الْجَرّ وَدخُول بَعْضهَا على بعض فِي مَعْنَاهُ لجاء من ذَلِك أمثله كَثِيرَة وَهَذَا آخر مَا تيَسّر إِيرَاده فِي هَذَا التَّأْلِيف وأسأل الله الَّذِي من عَليّ بإنشائه وإتمامه فِي الْبَلَد الْحَرَام فِي شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام وَيسر عَليّ إتْمَام مَا ألحقت بِهِ من الزَّوَائِد فِي شهر رَجَب الْحَرَام أَن يحرم وَجْهي على النَّار وَأَن يتَجَاوَز عَمَّا تحملته من الأوزار وَأَن يوقظني من رقدة الْغَفْلَة قبل الْفَوْت وَأَن يلطف بِي عِنْد معالجة سَكَرَات الْمَوْت وَأَن يفعل ذَلِك بأهلي وأحبائي وَجَمِيع الْمُسلمين وَأَن يهدي أشرف صلواته وأزكى تحياته إِلَى أشرف الْعَالمين وَإِمَام العاملين مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة الكاشف فِي يَوْم الْمَحْشَر بِشَفَاعَتِهِ الْغُمَّة وعَلى أَهله الهادين وَأَصْحَابه الَّذين شادوا لنا قَوَاعِد الدّين وَأَن يسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الحديث: 1200 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 918