الكتاب: ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب المؤلف: محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب (المتوفى: 776هـ) المحقق: محمد عبد الله عنان الناشر: مكتبة الخانجي - القاهرة الطبعة: الأولى، 1980م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب لسان الدين بن الخطيب الكتاب: ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب المؤلف: محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب (المتوفى: 776هـ) المحقق: محمد عبد الله عنان الناشر: مكتبة الخانجي - القاهرة الطبعة: الأولى، 1980م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم الْحَمد لله الَّذِي أقسم بالقلم تَفْضِيلًا وتشريفا، واستخدمه من فَوق الطباق السَّبع، فَأَسْمع من أسرى بِهِ إِلَى حَضْرَة الْجمع صريفا، وَعلم الْإِنْسَان مَا لم يعلم، فأحله بذلك محلا شريفا، وَصَرفه فِي كِتَابَة الْوَحْي تصريفا، وَجعله نايب اللِّسَان بَيَانا للأمور الغايبة عَن الْبَيَان وتعريفا، ومقيدا لما يذهب بذهاب الزَّمَان تدوينا وتصنيفا، فلولاه لم ندر شرعا وَلَا تكليفا، وَلَا اجتلينا خَبرا طريفا، وَلَا استطلعنا لعلم تأليفا، سرا غَرِيبا، وَمعنى لطيفا، يحار فِيهِ الْإِدْرَاك، وَإِن لم يكن بليدا كثيفا، ويموج بَحر الِاعْتِبَار، محيطا بذوي الاستبصار مطيفا. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي كَيفَ أَسبَاب السَّعَادَة تكييفا، وَهدى بِهِ صراطا قويما، ودينا حَنِيفا، وَجعله أَمينا، كي لَا يستدعى توهم الِاكْتِسَاب لما جَاءَ بِهِ من النُّبُوَّة وَالْكتاب قولا سخيفا، وَمَا أوهم الالتباس بِالْأَمر الشريف كَانَ شريفا. والرضى عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين كتبُوا الْوَحْي بأقلامهم، وجودوا نَقله عَن أعلامهم، لَا يقبل تبديلا، وَلَا تحريفا، وَكفى بذلك، للكتابة وَالْكتاب، فخرا لزيما أليفا، فَأَنِّي، وَمَا أولى أنيتي بالمجاز عِنْد الِاخْتِصَاص بِمَعْرِِفَة نَفسِي، والامتياز لما كبح السن عناني، وَعمر التشمير للرحيل عَن الرّبع الْمُحِيل جناني، وَاسْتقر على الزّهْد فِيمَا [يجمع ويؤلف] ، ويدون ويصنف شاني، وَإِن عذل العاذل، وَرَغمَ الشاني، بقيت فِي لفتيات الْبَيَان، البديع الْأَثر والعيان، عقايل نظرة، وبقايا هوى لَا يبرح من بعد المشيب عشاق بني عذره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وغيرة تَدْعُو إِلَى صون مَا مهد لَهُ حجر، وَالْتمس فِي حسن كفَالَته أجر، وتلقى فِي مراودته وصل وهجر، وارتقب لاجتلابه فِي ليل الحبر فَخر. وَإِن كَانَ ذَلِك مِمَّا لَا يحجب، فالغيرة فِيهِ أعجب، وَفِيمَا فَوْقه أوجب، وأنف لرياضة الْأنف أَن يقتطعها الإغفال، ولخزاينه أَن تصدأ فَوق مصاريعها الأقفال، ولجياده الْعتاق، أَن تَلْتَبِس مِنْهَا بالهوادي المشرفة الْأَعْنَاق والأعجاز والأكفال. وعَلى ذَلِك فألفيت عِنْد الافتقاد عقب الرقاد، بدايع الْأَدَب النثر، قد ضَاعَت وتملكتها أَيدي الذهول عَنْهَا، فَوهبت وباعت، بعد مَا أظمأت وأجاعت، وَإِذا فَلم يبْق إِلَّا ثَمَرَات من أوقار عير، وشعرات من جلد بعير، إِذْ كنت قبل الِاعْتِمَاد من الدولة النصرية، بالمشاورة والموازرة، والمعاونة والمظاهرة، والحرص على خدمتها، بوظيفة الأقلام والمثابرة، إِذْ الْعُمر جَدِيد، وظل النشاط مديد، أكل مسوداتها المجتلبة، إِلَى حفظ الكتبة، وأرمى بعقودها البذخة، إِلَى الأنامل المنتسخة، مشتغلا عَن الشَّيْء بِمَا يتلوه، غافلا عَن منحطه بالغرض الَّذِي يعلوه. وَالْولد فِي الْغَالِب المختبر، لَا يقدر قدره إِلَّا مَعَ الْكبر، فَلَمَّا بت بهمه، وتقت إِلَى جمعه وضمه، وتوهمت الثراء بجمه، راعني صفور نَادِيه وَقد عَادَته عواديه، ونضوب واديه، من بعد إمداد غواديه، وانخفاض نَادِيه وصمات مناديه، بعد حذق شاديه، والتقاء حاضره وباديه. فأدميت الأنامل ندما، أَن صَار وجوده عدما، إِلَّا وَرَقَات تشبثت بِمَا أسأرته الْحَادِثَة على الدولة من سقط الْمَتَاع، وشلو مختلس من براثن سِبَاع. سميته عِنْد الِاسْتِقْرَار بِمَدِينَة سلا حرسها الله، وَقد اخترتها موادعا لفرق الدَّهْر، مُتَمَتِّعا بصبابة الْعُمر " كناسَة الدّكان بعد انْتِقَال السكان " وأضفت إِلَيْهِ من بعد مَا خبأته وجادة، أَو ذخرته استجادة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وَمَا استلحق من بعد الأوبة، وَبعد أَن أظهر الدَّهْر التَّوْبَة، وَلَو سلم جمه، لزخر يمه بِمَا يلْزم حَمده أَو ذمه، وَيتَوَجَّهُ إِلَى الإجادة أَو ضدها مامه، فالإكثار مَظَنَّة السقط، وطرق السَّهْو والغلط، من لَوَازِم اللَّغط، إِذْ كنت قد تعدد عَن الدولة النصرية إملاءي، وَتردد فِي مناضلة أضدادها ومجاملة أولى ودادها، إمراري وإحلاءي مِمَّا تنوء مَفَاتِيح كنوزه، بالعصبة أولى الْقُوَّة، وتضيق منصات محافله عَن مَوَاقِف عقايله المجلوة. فرضيت مِنْهَا بِمَا حضر مُضْطَرّا، وقنعت بِالَّذِي تيَسّر، إِذْ أَصبَحت قانعا معترا، وأثبته فِي الأوراق من بعد الِافْتِرَاق حفيا [برا] ، وَإِن لم أكن بِهِ مغترا. وأنى لمثلي من بعد الْبيَاض بأزهار الرياض، وعَلى مُشَاورَة الارتياض، بارتشاف تِلْكَ الْحِيَاض. فقد كَانَ أولى بى الإضراب عَمَّا زوره السراب، والاقتراب إِلَى من تنَال بِقُرْبِهِ الأراب، قبل أَن يستأثر بعده الْجَوَارِح المعارة التُّرَاب، والإطلال على الطية والإشراف، وخلط الِافْتِرَاق بالاعتراف، والسداد بالإسراف، فجَاء مَوْضُوعه ميدان أغراض، وموقف نزاع وتراض، كم تضمن من مثير اعْتِبَار، ومشير إِلَى أَخْبَار، وذم للدهر جَبَّار، وضراعة جَبَّار، وظفر صبار، وَأمر كبار، وآداب تستفز السَّامع، وتشنف دررها المسامع. فَسئلَ الَّذِي حرك بِهِ عذبة اللِّسَان، أَن يتغمد سَيِّئَة بِالْإِحْسَانِ، وَالَّذِي بَث داعيتها فِي الْجنان، المغرى بدلالتها خدمَة الْبَيَان، أَن يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 على نكيرها بعادة الامتنان، فعلى فَضله تقف الآمال، وبهدايته تستقيم الْأَقْوَال والأعمال [وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي إِلَّا لَهُ الْكَمَال] . وسميته، لتنوع بساتينه المشوقة، وتعدد أفانينه المعشوقة " رَيْحَانَة الْكتاب ونجعة المنتاب ". وقسمته إِلَى حمدلة ديوَان، وتهنئة إخْوَان، وتعزية فِي حَرْب للدهر عوان، [وأغراض ألوان] ، وفتوح يجليها السلوان، ومخاطبات إخْوَان، ومقامات آنق من شعب بوان، وَغير ذَلِك من أغراض ألوان، صنْوَان وَغير صنْوَان. والآن فلنأت بِمَا وعدت، وَنحل عقال مَا اقتعدت، وتتنوع أغراض هَذَا الريحان المنتشق، الذكية العبق، إِلَى تحميد ثَبت فِي [صُدُور] بعض مَا ينْسب إِلَى من المصنفات، وَمَا ألفى من الصَّدقَات والبيعات، ثمَّ إِلَى كتب الفتوحات، ثمَّ إِلَى التهاني بالمكيفات، ثمَّ إِلَى التعازي عَن النايبات، ثمَّ إِلَى كتب الشُّكْر على الْهَدَايَا الواردات، ثمَّ إِلَى الِاسْتِظْهَار على الْعَدو، واستنجاز العدات، ثمَّ إِلَى كتب الرسائل والشفاعات، ثمَّ إِلَى تَقْرِير المودات، ثمَّ إِلَى جُمْهُور الْأَغْرَاض السلطانيات، ثمَّ إِلَى مُخَاطبَة الرعايا والجهات، ثمَّ إِلَى ظهاير الْأُمَرَاء والولاة، ثمَّ إِلَى مخاطبت بِهِ عَن نَفسِي، أَرْبَاب المناصب الرفيعة والهيئات، وَعَن غَيْرِي من الابناء والأذيال والحرمات، ثمَّ إِلَى جُمْهُور الإخوانيات، ثمَّ إِلَى رسايل الفكاهات والدعابات، ثمَّ إِلَى المقامات فِي الإغراض المختلفات، ثمَّ إِلَى بعض من أَوْصَاف النَّاس فِي الْأَغْرَاض والصلات، ثمَّ إِلَى الزواجر والعظات والمذكرات والموقظات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 (التحميدات الَّتِي صدرت بهَا بعض التواليف المصنفات وَهِي بعض من كل ويسير من جلّ) ثَبت من ذَلِك فِي صدر الْكتاب [المتعدد الْأَسْفَار] الْمُسَمّى ببستان الدول، الَّذِي أذهبت الْحَادِثَة عينه، وشعثت الكاينة زينه: أما بعد حمد الله، الَّذِي قدر تَدْبِير الْوُجُود، بِمُقْتَضى الْغِنَا الْمَحْض والجود، على حسب مَشِيئَته وَمرَاده، وفاضل بَين ضروبه المتشابهة الأشكال، فِي إقطاع حصص الْكَمَال، كل بِحَسب قبُوله واستعداده، فبدت مزية ناطقه على صامته، وَظهر فضل حيه على جماده، وَأتم على نوعٍ الْإِنْسَان جزيل الْإِحْسَان، لما أَهله بِبَيَان اللِّسَان، لقبُول إلهامه وإمداده، وَخَصه بمزبة الإنافة، لما نصب لَهُ كرْسِي الْخلَافَة بَين عباده، وَأحكم سياسة وَضعه عِنْد اختراع صنعه، فَجعل فكره وَزِير عقله، وَلسَانه ترجمان فُؤَاده، وجبله على الافتقار إِلَى أَبنَاء جنسه، وَالْعجز عَن تنَاول مُؤنَة نَفسه، وَتَحْصِيل مَصَالِحه مَعَ استبداده، فَكَانَ مُضْطَرّا إِلَى التآلف والاجتماع، متمدنا بِحَسب الطباع، لَا يقوم أمره مَعَ انْفِرَاده، ثمَّ ضم نشره براع يحوط سوائمه أَن تتناطح وتتردى، ويحفظ عوايده أَن تتجاوز وتتعدى، ويحمله على مصَالح دُنْيَاهُ ومعاده. فسبحان الْحَكِيم الْعَلِيم، مُقَدّر الشَّيْء قبل إيجاده، الَّذِي لَا معقب لحكمه، وَلَا مُقَدّر لعلمه، وَلَا مفلت عَن معاده. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي فَضله على الْأَنْبِيَاء برفعة شَأْنه، وعلو مَكَانَهُ، على تَأَخّر زَمَانه، وَقرب ميلاده، وَأثْنى على خلقه وَصِفَاته. وَأقسم بِبَلَدِهِ وحياته، إعلاما بشرف ذَاته وكرم بِلَاده، ووقف على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 مظهره [دَرَجَات الْكَمَال] ، وَأَبَان بِلِسَانِهِ الْعَرَبِيّ أَحْوَال الْحَرَام والحلال، وأقامه لإِقَامَة قسطاس الْحق والاعتدال، وَرفع عماده، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَارك وترحم، من صادع بِاللَّه، أَفَادَ روح الْحَيَاة، الساطعة الإفادة لكل حَيّ، وطوي بِسَاط الْعدوان، بسلطانه الْمَنْصُور الأعوان أَي طي، وَقرر فِي مِلَّته رتب السياسة الإلاهية، فَكَانَ يعلم كل شَيْء، وقابل زخرف الدُّنْيَا باقتصاره واقتصاده. والرضى عَن آله وَأَصْحَابه، وخلفائه، أَلْسِنَة جداله، وسيوف جلاده، المستولين من الْكَمَال الْأَقْصَى، والشرف الَّذِي لَا يُحْصى، على نهاياته وآماده، صَلَاة لَا انْقِضَاء لغاياتها، ورضى لَا نِهَايَة لأعداده، مَا أرسل الْبَرْق سفر جياده، وخطب الطير على أعواده. وَهَذَا الْكتاب انْفَرد بترتيب غَرِيب، لاشْتِمَاله على شجرات عشر، أَولهَا شَجَرَة السُّلْطَان، وَآخِرهَا شَجَرَة الرعايا، واستلزام الْكَلَام فِي أَصْنَاف الموجودات. وتعدد إِلَى مَا يُقَارب ثَلَاثِينَ سفرا، ضَاعَت عِنْد الْحَادِثَة، إِلَّا مَالا عِبْرَة بِهِ. وَثَبت أَيْضا فِي الْكتاب الْمُسَمّى " بتخليص الذَّهَب " الْمَرْفُوع إِلَى خزانَة السُّلْطَان [الْمُقَدّس الْمُجَاهِد] أبي الْحجَّاج [ابْن نصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 رَحْمَة الله عَلَيْهِ] . أما بعد حمد الله، الَّذِي قصر وصف الْكَمَال الْمَحْض على ذَاته، وَجعل الألسن تَتَفَاوَت فِي رتب الْبَيَان ودرجاته، وَالثنَاء عَلَيْهِ، بِمَا بِهِ على نَفسه أثنى من أَسْمَائِهِ الْحسنى وَصِفَاته، وَالِاعْتِرَاف بالقصور عَمَّا لَا تُدْرِكهُ قوى الأذهان من كنه سُلْطَانه الْعَظِيم الشَّأْن، فكثيرا مَا كَانَ عجب الْإِنْسَان من آفاته. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، الصادع بآياته، المعجز ببيناته، الَّذِي اصطفاه لحمل أَمَانَته الْعُظْمَى، وحباه بِالْقدرِ الرفيع، وَالْمحل الأسمى، وَالله يعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته. والرضى عَن آله وَأَصْحَابه [وأحزابه] نُجُوم الدّين وهداته، وأنصار الْحق وحماته. وَثَبت أَيْضا فِي الْكتاب الْمُسَمّى " بِجَيْش التوشيح " من تأليفي، وَهُوَ الْمَرْفُوع للسُّلْطَان الْمَذْكُور رَحْمَة الله عَلَيْهِ الْحَمد لله الَّذِي انْفَرد بالكمال الْمَحْض، فِي ملإ السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَصفا ونعتا، وَلم يخص بالفضائل الذاتية والمواهب اللدنية، بَلَدا وَلَا وقتا، مطلع شمس البلاغة وَالْبَيَان، تتجلى من اخْتِلَاف أغراض اللِّسَان فِي مطالع شَتَّى، وَجعل مَرَاتِب حاملي رايتها، متباينات فِي التمَاس غاياتها، فواصلا ومنبتا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، الَّذِي حَاز الْمجد صرفا، والشرف نعتا، ونال من الْكَمَال البشري، غَايَة لَا تحد بإلى وَلَا حتا، وَخير من ركب وَمَشى، وصاف وشتا صَلَاة يَجْعَلهَا اللِّسَان هجيراه، كَيْفَمَا يتَمَكَّن لَهُ أَو يَتَأَتَّى، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، الَّذين اقتدوا بِهِ هَديا وسمتا، وسلكوا من اتِّبَاعه طَرِيقا، لَا ترى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 فِيهَا عوجا وَلَا أمتا، مَا علل الْغَمَام نبتا، وتعاقبت الْأَيَّام أحدا وسبتا، وَمَا وَافق سعى بختا، وآثرت أُمَّهَات القريحة نبتا [ورتبت هَذَا الْكتاب ترتيبا، لَا يخفي أَحْكَامه، وبوبته تبويبا، يسهل فِيهِ مرامه، كلما ذكرت حرفا، قدمت أَرْبَاب الْإِكْثَار، وَأولى الاشتهار، من بعد الِاخْتِيَار، والبراة من عُهْدَة النِّسْبَة، اتهاما للْأَخْبَار. ثمَّ أتيت بِالْمَجْهُولِ مِنْهَا على الْآثَار، حَتَّى كمل على حسب الوسع والاقتدار، فَإِن وَافق الْإِرَادَة، فشكرا لله وحمدا، وَإِن ظهر التَّقْصِير، فخديم استنفد جهدا. وَمن الله نسئل أَن يتغمد الزلل، ويتدارك الْخلَل، ويبلغ من مرضاته الأمل، فَمَا خَابَ لَدَيْهِ من سَأَلَ] . وَثَبت أَيْضا من تأليفي فِي الْكتاب الْمُسَمّى " باللمحمة البدرية فِي الدولة النصرية " الْحَمد لله الَّذِي جعل الْأَزْمِنَة كالأفلاك، ودول الْأَمْلَاك، كأنجم الأحلاك، تطلعها من الْمَشَارِق نيرة، وتلعب بهَا مُسْتَقِيمَة أَو متحيرة، ثمَّ تذْهب بهَا غابرة أَو متغيرة، السَّابِق عجل، وطبع الْوُجُود مرتجل، والحي من الْمَوْت وَجل، والدهر لَا معتذر وَلَا خجل، بَيْنَمَا ترى الدست عَظِيم الزحام، والموكب شَدِيد الالتحام، والوزعة تُشِير، والأبواب يقرعها البشير، وَالسُّرُور قد شَمل الْأَهْل والعشير، والأطراف تلثمها الْأَشْرَاف، وَالطَّاعَة يشهرها الِاعْتِرَاف، وَالْأَمْوَال يحوطها الْعدْل، أَو يبيحها الْإِسْرَاف، والرايات تعقد، والأعطيات تنقد، إِذْ رَأَيْت الْأَبْوَاب مهجورة، والدسوت لَا مؤملة، وَلَا مزورة، والحركات قد سكنت، وأيدي الإدالة قد تمكنت، فَكَأَن لم يسمر سامر، وَلَا نهى ناه وَلَا أَمر آمُر. مَا أشبه اللَّيْلَة بالبارحة، والغادية بالرايحة، إِنَّمَا مثل الْحَيَاة الدُّنْيَا، كَمَاء أَنزَلْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 من السَّمَاء، فاختلط بِهِ نَبَات الأَرْض، فَأصْبح هشيما تَذْرُوهُ الرِّيَاح، فالويل لمن يتْرك حَسَنَة تَنْفَعهُ، أَو ذكرا جميلا يرفعهُ، فَلَقَد عَاشَ عَيْش الْبَهِيمَة النهيمة، وأضاع جَوَاهِر عمره الرفيعة الْقيمَة، فِي السبل غير المستقيمة، وبدد أَمَانَته [سُبْحَانَهُ] فِي المساقط العقيمة. وطوبى لمن عرف الْمصير، وغافص الزَّمن الْقصير، فِي اكْتِسَاب محمدة، تبقى بعده شهابا، وتخليد منقبة، [تبقى بعده] ثَنَاء وثوابا، فالذكر الْجَمِيل كلما تخلد استدعى الرَّحْمَة وطلبها، واستدنى الْمَغْفِرَة واستجلبها. فلمثله فليعمل الْعَامِلُونَ [وغايته فليأمل الآملون] . وَالدَّار الْآخِرَة خير لَو كَانُوا يعلمُونَ. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي أوضح حقارة الدُّنْيَا عِنْد الله وَبَين، وحد الْبَلَاغ مِنْهَا وَعين، وخفض الْكَلِمَة وَبَين، وَحسن الدَّار الْآخِرَة وزين، وخفض أَمر هَذِه الدَّار الْغرُور وهين، وَقَالَ صلوَات الله عَلَيْهِ، أَكْثرُوا من ذكر هَادِم اللَّذَّات، كَيْلا تتشبث بهَا يَد، ولتنظر نفس مَا قدمت لغد. وَالرِّضَا عَن آله، الَّذين جازوا على ظهر جسرها الْمَمْدُود ومروا، ولقوا الله وهم لم يغتروا، فَكَانُوا إِذا عَاهَدُوا بروا، وَإِذا تليت آيَات الله عَلَيْهِم خروا، وَكَانُوا عِنْد حُدُود الله لَا يبرحون [وبسوى مذاهبه الْبَاقِيَة لَا يفرحون] أُولَئِكَ حزب الله، أَلا إِن حزب الله هم المفلحون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وَثَبت فِي صدرالرجز المشروح الْمُسَمّى " برقم الْحلَل فِي نظم الدول " الْحَمد لله الَّذِي ملكه الثَّابِت لَا يدول وعزه الدايم لَا يَزُول، وأحوال مَا سواهُ تحول، وَإِلَيْهِ وَإِن طَال المدا الرُّجُوع، وَبَين يَدَيْهِ المثول، الَّذِي جعل الدُّنْيَا جِسْرًا، عَلَيْهِ للآخرة الْوُصُول، ومتاع الْحَيَاة القصيرة ابتلاء يتعقبه النكير أَو الْقبُول. فمهما طلع فِي دوَل الْأَيَّام شان، أعقبه الأفول، أَو متع فِي أجوايها ضحى تلاه الطفول. وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد، رَسُوله الْمُصْطَفى، وَنعم الرَّسُول، الَّذِي باتباعه يبلغ من رضى الله السول، ويسوغ المأمول. أنصح من بَين قدر الدُّنْيَا، بِمَا كَانَ يفعل وَيَقُول، وغبط بِالآخِرَة الَّتِي فِي مستقرها الأبدي الْحُلُول. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، سيوف دينه، الَّتِي بهَا يصول، إِذا فرقت النصول، وَهُدَاة أمته، وَإِذا تنودى الصَّحِيح الْمَنْقُول [والصريح الْمَعْقُول] ، فَإِن الدُّنْيَا ظهر قلق، ومتاع خلق، وسراب مؤتلق. هَذَا يعد الْجَمِيل فيصرع، وَهَذَا يرى الْجدّة، فيتمزق ويتصدع، وَهَذَا يؤم السراب فيخدع، والمعاد الْمُلْتَقى وَالْمجْمَع، وَمن خسر الله فَفِيمَ يطْمع، وَلَا أجلب للاعتبار، من اسْتَطَاعَ الْإِخْبَار، وَلَا أَبَت فِي عضد الاغترار، من الاستبصار، فِي وقايع اللَّيْل وَالنَّهَار، وتحول الْأَحْوَال، وتطور الأطوار. وَثَبت فِي الْكتاب الْمُسَمّى أَيْضا " بِالسحرِ وَالشعر " من تأليفي مَا نَصه: الْحَمد لله الَّذِي راش أَجْنِحَة الأفهام بالإمداد والإلهام، فمضت إِلَى أغراضها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 مضى السِّهَام، وأنشأت فِي آفَاق الْعُقُول، سحب الخواطر، مَا بَين المخلف والماطر، والصيب والجهام. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، خير الْأَنَام، الَّذِي جعله فِي روض هَذَا الْوُجُود المجود، بسحاب الْجُود زهرَة الكمام، وَختم ديوَان الْأَنْبِيَاء، من دَعوته الحنيفية السمحة بمسكة الختام. وَالرِّضَا عَن آله البررة الْأَعْلَام، أولى النهى والأحلام، مَا قذفت بشهد الْحِكْمَة نحل الأقلام، وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا. وَبعد فَإِنِّي لما يسر الله مني للآداب جالي سماتها، وناشر [رممها] بعد مماتها. وصاقل صفحاتها، وَقد محا محاسنها الصدا، بعد بعد المدا، وموضح طريقتها المثلى، وَقد أضحت طرائق قددا، والغاشي لضوء نورها، لعَلي أجد على النَّار هدى. بذلت فِيهَا من كل دن، وَلم أقتصر من [فنون غرايبها] على فن. فَجعلت عقايلها تتزاحم عَليّ، تزاحم الْحور على سَاكن جنَّات الحبور، فقيدت من شواردها بِالْكتاب، مَا لَا تقله ذَوَات الأقتاب، وأتيت بيوتها من الْأَبْوَاب، فَكَانَ مَا قيدته من الْغرَر، وانتقيته من نفايس تِلْكَ الدُّرَر، أناشيد لَو تجسدت للعيون، لكَانَتْ ياقوتا، أَو استطعمت لكَانَتْ للقلوب قوتا. وَلَو ورد الْأَمر فِي الْخَبَر الْمَنْقُول، بِحِفْظ نتايج القرائح [والعقول] ، لكَانَتْ على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا. من كل عراقية المنتمى، مترددة بَين الرصافة ومحراب الدمى، مَاء الرافدين على أعطافها يسيل، وسر من رأى، مَا انجلى عَنهُ خدها الأسيل. وشامية تقلبت بَين الْجَابِيَة والبلاط أَي مُنْقَلب. وَبَقِيَّة مِمَّا ترك آل حمدَان فِي حلب. وحجازية ورى لَهَا [فِي الفصاحة] الزند، وتضوع من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 أذيالها الشيح والرند. ويمنية تعلمت صنعاء مِنْهَا وشى برودها. وخراسانية غَار سحبان ببرودها، ومصرية ضرب على محاسنها الْفسْطَاط، وَهَاجَرت بِسَبَبِهَا الأنباط، وسكنت مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة حَيْثُ الرِّبَاط. وإفريقية تفرق النُّفُوس لتوقع فراقها. وتغار الشموس عِنْد إشراقها. وغربية حطت لَهَا العصم، وطلعت آياتها من الْمغرب، فبهت الْخصم. وأندلسية لَهَا الشفوف، أولياؤها الكموت، وشهودها الصُّفُوف، وخدورها البنود، وظلالها السيوف، وبيوتها الثغور، وغروسها الْجِهَاد الْمَعْرُوف وَهُوَ على تَرْتِيب مَعْلُوم، وَوصف مَوْسُوم، من الْمَدْح وَمَا يُقَارِبه، والنسيب وَمَا يُنَاسِبه، وَالْوَصْف وَإِن تشعبت مذاهبه، وَالْملح وفيهَا محَاسِن الشَّيْء ومعايبه، وَالْحكم والزهد، وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ واجبه، فجَاء تَمَامه نسك، وختامه مسك، ليَكُون أجمع للفكر، وأسهل للذّكر. وَقسمت مَا تضمنه قسمَيْنِ، سحر وَشعر [وَرُبمَا عوجلت بالاستفهام عَن هَذَا الْإِبْهَام، فَنَقُول إِن الشّعْر لَيْسَ فِي أمة من الْأُمَم مَحْصُور، وَلَا على صنف من الْبشر مَقْصُور، وَهُوَ فِيهَا يُوجد الأوايل، ويلفي أَعم من أَن يَشْمَلهُ الْوَزْن المقفى، أَو يخْتَص بِهِ عرُوض يكمل وَزنه فِيهِ ويوفى. فَمن الشّعْر عِنْدهم، الصُّور الممثلة، واللعب المخيلة، وَمَا تأسس على الْمُحَاذَاة، والتخييل ببناه، ككتاب كليلة ودمنة وَمَا فِي مَعْنَاهُ. إِلَّا أَنه فِي سجية الْعَرَب أنهر، وهم بِهِ أشهر. وَلذَلِك يَقُول بعض حكماء الْفرس، الشّعْر حلية اللِّسَان، ومدرجة الْبَيَان، ونظام للْكَلَام، مَفْهُوم غير مَحْظُور ومشترك غير مَقْصُور، إِلَّا أَنه فِي الْعَرَب جوهري، وَفِي الْعَجم صناعي. وَمَتى يخلى الْكَلَام عَن هَذَا الْغَرَض، وَعدل عَن واجبه المفترض، وخاض فِي الْأُمُور الشايعة، والمقدمات الزاهية، وَلم يعدل عَن الْمَشْهُور، فِي مُخَاطبَة الْجُمْهُور، بعد ترك الشّعْر وتعداه، وأفضى بِهِ إِلَى بَاب الْحِكَايَة مداه، وَلكُل مِنْهَا فِي الْكتب المنطقية بَاب يضْبط أُصُوله وَيبين خواصه وفصوله. ثمَّ إِن الْعَرَب لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 تعْتَبر هَذَا التَّنْصِيص، وعممت فَسَمت الشّعْر كل كَلَام يحضرهُ الْوَزْن والقافية، وَيقوم الروي لجنابه مقَام الخافية، وَيخْتَص بِهِ من الأعاريض المتعارفة فروض، وَيقوم بِهِ نظام مَعْرُوف، وَوزن مَفْرُوض. وعددها حَسْبَمَا نقل وأشتهر، خَمْسَة عشر، وَيَقْتَضِي أَكثر من ذَلِك التَّقْسِيم والتفعيل، لَكِن نبا بهم عَن لسانهم المقيل، وَلم يركب منجها القيل، واضطرد على هَذِه الوتيرة الشّعْر، فطما مِنْهُ الْبَحْر الزاخر، وتبعت الأوايل الْأَوَاخِر، وَثبتت فِي ديوانه الوقايع والكواين، والمكارم والمفاخر، وَمَات الْحَيّ، وحيي الْعظم الناخر، فَمَا جنح إِلَى التخييل مِنْهُ والتشبيه، وَحل مَحل الِاسْتِعَارَة بِالْمحل النبيه، لم ينم عَنهُ عرق أَبِيه، وَأغْرقَ فِي بَاب الشّعْر أتم الإغراق، وَكَانَ شعرًا على الْإِطْلَاق. وَمَا قعد عَن دَرَجه، وَلم يعرج على منعرجه، فَهُوَ عِنْدهَا شعر تستحسنه وترتضيه، ويوجبه لساننا ويقتضيه. وَإِذا تقرر هَذَا التَّقْسِيم، وتضوع من روض الْبَيَان النسيم، وبهر الْحق الْوَجْه الوسيم؛ فلنرجع إِلَى غرضي الَّذِي اعتمدته، ومطلبي الَّذِي قصدته. وَلما كَانَ السحر قُوَّة، ظهر فِي النُّفُوس انفعالها، وَاخْتلفت بِحَسب الْوَارِد أحوالها، وتراءى لَهَا فِي صُورَة الْحَقِيقَة خيالها، ويبتدىء فِي هَيْئَة الْوَاجِب مجالها، وَكَانَ الشّعْر يملك مقادتها، ويغلف عَادَتهَا، وينقل هيئتها، ويسهل بعد الاستصعاب جيئتها، ويحملها فِي قده على الشَّيْء وَحده. وَإِذا عضد بِمَا يُنَاسِبه، وتفضى إِلَيْهِ مذاهبه، وقرنت بِهِ الألحان، عظم الْأَثر، وَظَهَرت العبر، فشجع وأقدم؛ وسهر ونوم، وأضحك وأبكى، وَكثير من ذَلِك يحْكى. وَهَذِه قوى سحرية، وَمَعَان بالإصابة إِلَى السحر حريَّة، فَمن الْوَاجِب أَن يُسمى الصِّنْف من الشّعْر، الَّذِي يخلب النُّفُوس ويفزها، وَيسْتَثْنى الأعطاف ويهزها، باسم السحر الَّذِي ظَهرت عَلَيْهِ آثَار طباعه، وَتبين أَنه نوع من أَنْوَاعه. وَمَا قصر عَن هَذِه الْغَايَة القاصية، والمزية الأبية، على المدارك المتعاصية، سمى شعرًا، تخْتَلف أَحْوَاله عِنْد الأعتبار، ويتبين شبهه من النظار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 فَمِنْهُ مَا يلفظ، عِنْدَمَا بِهِ يلفظ، فَلَا يروي وَلَا يحفظ. وَمِنْه مَا يبْعَث بِهِ ويسخر، وَلَا يقتنى وَلَا يدّخر. وَمِنْه اشْتَمَل على لفظ فصيح، وَمعنى صَحِيح، وقافية وَثِيقَة، ومثارة أنيقة، واشتمل على الحكم والأمثال، ومعظم الشّعْر على هَذَا الْمِثَال. وَلكُل قسم بَيت مَشْهُور، وَشَاهد مَذْكُور، وَإِذا قلت شعرًا فعلى هَذِه الْمَقَاصِد المنوية، وَإِذا قلت سحرًا، فالتخصيص والمزية، بِمَعْنى الْأَوْلَوِيَّة. وَظهر بعد اسْتِمْرَار هَذَا التَّرْتِيب، بُرْهَة من نظم هذَيْن السمطين، وَاخْتِيَار هذَيْن النمطين، أَن الْفرق بَينهمَا، كثير الدقة واللطافة، وَأَن الِاخْتِيَار من بَاب القافية، وَأَن التحسين والتقبيح من بَاب الْإِضَافَة، إِذْ أشخاص المحبوبات، تقع بَينهَا وَبَين النُّفُوس الَّتِي تكلّف بهَا، وتتعلق بِسَبَبِهَا، علاقات لَا تدْرك، ومناسبات تعجز عي المدارك عَنْهَا فَتتْرك. وَكَثِيرًا مَا عشق الْعقل من الْجمال لهَذَا السَّبَب، وأخلاق نفوس الْبشر مثار الْعجب. وَتركت الِاخْتِيَار، بعد أَن أشرقت مطالعه، ووكلته لمن يقف عَلَيْهِ أَو يطالعه، فإنني إِذْ أغفلت الِاخْتِيَار، حزت على الأس الْخِيَار، فيظن النَّاظر فِيهِ، بعد تحكيم ذوقه، واستنزال روحانية التَّمْيِيز من فَوْقه، أَن نَظَرِي مُوَافق لنظره، وَأَن أثرى حَذْو أَثَره. ورتبته على الْحُرُوف، ليَكُون أنسب للتَّرْتِيب، وأليق بِالْمَعْنَى العجيب] . فجَاء مجموعا قَلما اتّفق أَو تَأتي، ومصنوعا لَا ترى فِيهِ عوجا وَلَا أمتا، رَيْحَانَة الأنوف الشم، وخبيئة الجيب والكم، لم يَقع غَيْرِي على مِثَاله، وَلَا نسج بِهَذَا الصقع سواي على منواله، وَهَذَا حِين ابتدى. وَالله ولي المرشد، فِي هَذَا الْقَصْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَثَبت أَيْضا فِي صدر كتابي الَّذِي يشْتَمل على " تَارِيخ غرناطة " فِي إثني عشر سفرا، مَا نَصه: [أما بعد حمد الله، الَّذِي أحصى الْخَلَائق عددا، وابتلاهم الْيَوْم لِيَجْزِيَهُم غَدا، وَجعل جيادهم تتسابق فِي ميادين الْآجَال إِلَى مدا، وباين بَينهم فِي الصُّور والأخلاق، والأعمال والأرزاق، فَلَا يَجدونَ عَمَّا قسم محيصا، وَلَا فِيمَا حكم ملتحدا، ووسعهم علمه على تبَاين أفرادهم، وتكاثف أعدادهم، والدا وَولدا، ونسبا وبلدا، ووفاة ومولدا. فَمنهمْ النبيه والخامل، والحالي والعاطل، والعالم وَالْجَاهِل، وَلَا يظلم رَبك أحدا. وَجعل لَهُم الأَرْض ذلولا، يَمْشُونَ فِي مناكبها، ويتخذون من جبالها بُيُوتًا، وَمن متاعها عددا. وَخص بعض أقطارها بمزايا تَدْعُو إِلَى الأغتباط والأعتمار، وتحث على السّكُون والاستقرار، متبوءا فسيحا، وهوءا صَحِيحا، وَمَاء نميرا، وإمتناعا شهيرا، وَرِزْقًا رغدا. فسبحان من جعل التَّفَاضُل فِي المساكن والساكن، وَعرف الْعباد عوارف اللطف، فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن، وَلم يتْرك شَيْئا سدا. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله، الَّذِي مَلأ الْكَوْن نورا وَهدى، وأوضح سَبِيل الْحق وَقد كَانَ طرايق قددا، أَعلَى الْأَنَام يدا، وأشرف الْخلق ذاتا، وَأكْرمهمْ محتدا، الَّذِي أنْجز الله بِهِ من نصر دينه [الْحق] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 موعدا حَتَّى بلغت دَعوته، مَا زوى لَهُ، من هَذَا الْمغرب الْأَقْصَى، فَرفعت بِكُل هضبة معلما، وَبنت بِكُل قلعة مَسْجِدا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين كَانُوا لسماء سنته عمدا، لُيُوث العدا، وغيوث الندى، [مَا أقل ساعد يدا، وَعمر بكر خَالِدا؛ وَمَا صباح بدا، وأورق شدا] . فَإِن الله عز وَجهه، جعل الْكتاب لشوارد الْعلم قيدا، وجوارح اليراع تثير مِنْهُ فِي سهول الرّقاع صيدا. وَلَوْلَا ذَلِك لم يشْعر آتٍ فِي الْخلق بذاهب، وَلَا اتَّصل شَاهد بغايب، فَمَاتَتْ الفضايل بِمَوْت أَهلهَا، وأفلت نجومها، من أعين مجتليها، فَلم يرجع إِلَى خبر ينْقل، وَلَا دَلِيل يعقل، وَلَا سياسة تكتسب، وَلَا أَصَالَة إِلَيْهَا ينتسب؛ فهدى سُبْحَانَهُ وألهم، وَعلم الْإِنْسَان بالقلم علم مَا لم يعلم، حَتَّى ألفينا المراسم بادية، والمراشد هادية، وَالْأَخْبَار منقولة، والأسانيد مَوْصُولَة، والأصولة محررة، والتواريخ مقررة، وَالسير مَذْكُورَة، والْآثَار مآثورة، والفضايل من بعد أَهلهَا بَاقِيَة خالدة، والمآثر ناطقة شاهدة، كَأَن نَهَار الطرس، وليل المداد، ينافسان اللَّيْل وَالنَّهَار، فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد، فمهما طويا شَيْئا، ولعا بنثره، أَو دفنا ذكرا دعوا إِلَى نشره. وَلَو أَن لِسَان الدَّهْر نطق، وَتَأمل هَذِه المناقضة وَتحقّق، لأتي بِمَا شَاءَ من عتب ولوم، وَأنْشد: أعلمهُ الرماية كل يَوْم. وَلما كَانَ هَذَا الْفَنّ التاريخي فِيهِ مأرب الْبشر، [وداع إِلَى ترك الْأَثر] ، ووسيلة إِلَى ضم النثر، يعْرفُونَ بِهِ أنسابهم، وَفِي ذَلِك شرعا وطبعا مَا فِيهِ، ويكتسبون بِهِ عقل التجربة فِي حَال السّكُون والترفيه، ويستدلون بِبَعْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 صفحة فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الجسوم، مَا أكذب رايدها المطري، وأخبث زخرفها المغرى، وأقصر مُدَّة استمتاعها، وَأكْثر المساوى تَحت قناعها: (على وَجه مي مسحة من ملاحة ... وَتَحْت الثِّيَاب الْعَار لَو كَانَ باديا) مَا ثمَّ إِلَّا أنفاس تردد وتخبث، وَعلل تنشأ ثمَّ تحدث، وزخارف حسن تعهد ثمَّ تنكث، وتركيب يَطْلُبهُ التَّحْلِيل بِدِينِهِ، وَيَأْخُذ أَثَره بعد عينه، وَأنس يفقد، واجتماع كَأَن لم يعْقد، وفراق إِن لم يكن فَكَأَن قد: (وَمن سره أَن لَا يرى مَا يسوء ... فَلَا يتَّخذ شَيْئا يخَاف لَهُ فقدا) آخر: (منغص الْعَيْش لَا يأوي إِلَى دعة ... من كَانَ ذَا بلد وَكَانَ ذَا ولد) (والساكن النَّفس من لم ترض همته ... سُكْنى مَكَان وَلم يسكن إِلَى أحد) وَقلت، وَقد فَاتَ سكن عَزِيز على أَيَّام تغريبي بِمَدِينَة سلا [حرسها الله] [عظم عَلَيْهِ جزعى] : (يَا قلب كم هَذَا الجوى والخفوت ... ذماءك استبق لِئَلَّا يفوت) (فَقَالَ لَا حول وَلَا قَول لي ... قد كَانَ مَا كَانَ فحسبي السُّكُوت) (فارقني الرشد وفارقته لما تعشقت بِشَيْء يَمُوت) وَالزَّمَان لَا يعْتَبر، وَحَاصِله خبر، والحازم من نظر فِي العواقب نظر المراقب، وَعرف الإضاعة، وَلم يَجْعَل الْحلم بضَاعَة. إِنَّمَا الْحبّ الْحَقِيقِيّ حب يصعدك ويرقيك، ويخلدك ويبقيك، ويطعمك ويسقيك، ويخلصك إِلَى فِئَة السَّعَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 مِمَّن يشقيك، وَيجْعَل لَك الْكَوْن أَرضًا، ومشرب الْحق حوضا، ويجنبك زهر المنى، ويغنيك عَن أهل الْفقر والغنى، ويخضع التيجان للنعلك. وَيجْعَل الْكَوْن متصرف فعلك. لَيْسَ إِلَّا الْحبّ ثمَّ الْوَصْل، ثمَّ الْقرب، ثمَّ الشُّهُود [ثمَّ البقا] ، [بعد مَا اضمحل الْوُجُود] ، فشفيت اللآلام، وَسقط اللَّام، وَذَهَبت الأضغاث والأحلام، وَاخْتصرَ الْكَلَام، ومحيت الرسوم، وعفيت الْأَعْلَام، وَلمن الْملك الْيَوْم وَالسَّلَام. فالحذر الحذر، أَن تعجل النَّفس سَيرهَا، وَيُفَارق القفص طيرها، وَهِي بِالْعرضِ الفاني متشبطة، وبثاء الثقيل مرتبطة، وبصحبة الفاني مغتبطة، فالمرء مَعَ من أحب. يَمُوت الْمَرْء على مَا عَاشَ عَلَيْهِ [ويحس على مَا مَاتَ عَلَيْهِ] أَن تَقول نفس يَا حسرتي على مَا فرطت فِي جنب الله، وَإِن كنت لمن الساخرين. أَو تَقول لَو أَن الله هَدَانِي لَكُنْت من الْمُتَّقِينَ، أَو تَقول حِين ترى الْعَذَاب لَو أَن لي كرة فَأَكُون من الْمُحْسِنِينَ. وَفِي مثل ذَلِك قلت: (أعشاق غير الْوَاحِد الصَّمد الباق ... جنونكم وَالله أعيت على الراق) (جننتم بِمَا يفني ويبقي مضاضة ... تعذب بعد الْبَين مهجة مشتاق) (وتربط بالأجسام نفسا حَيَاتهَا ... مباينة الْأَجْسَام بالجوهر الراق) (فَلَا هِيَ فازت بِالَّذِي ظَفرت بِهِ ... وَلَا رَأس مَال كَانَ ينفعها بَاقٍ) (فِرَاق وقسر وَانْقِطَاع وظلمة ... قِنَا الْبعد عَن نيل السَّعَادَة ياواق) (كَأَنِّي بهَا بعد مَا كشف الغطا ... صريعة أحزان لربقة أشواق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 (تقلب كفيها بخيط موصل ... وثيقته من دون سَبْعَة أطباق) (فَلَا تطعموها السم فِي الشهد ضلة ... فَذَلِك سم لَا يداوي [صَحِيح درياق] ) (بِمَا اكْتسبت تسْعَى إِلَى مستقرها ... فإمَّا بوفر محسب أَو بإملاق) (وَلَيْسَ لَهَا بعد التَّفَرُّق حِيلَة ... سوى نَدم يزري مدامع آماق) (وَلَو كَانَ مرمى الْحزن مِنْهَا إِلَى مدى ... لهان الأسى مَا بَين وخد وأعناق) (فجدوا فَإِن الْأَمر جد وشمروا ... بِفضل ارتياض أَو بإصلاح أَخْلَاق) (وَلَا تطلقوا فِي الْحس ثنى عنانها ... وشيموا بهَا للحق لمحة إشراق) (ودسوا لَهَا الْمَعْنى رويدا وأيقظوا ... بصيرتها من بعد نوم وإغراق) (وعاقبة الفاني اشرحوا وتلطفوا ... بإخلاقها المرضى تلطف إشفاق) (وَمهما أفاقت فافتحوا لاعتبارها ... مصاريع أَبْوَاب وأقفال أغلاق) (فَإِن سكرت واستشرفت عِنْد سكرها ... لماهية السقيا وَمَعْرِفَة السَّاق) (أطيلوا على روض الْجمال خطورها ... إِلَى أَن يقوم الْحبّ فِيهَا على سَاق) (وخلوا لهيب الشيب يطوي بهَا الفلا ... إِلَى الوجد فِي مسرى رموز وأذواق) (فَمَا هُوَ إِلَّا أَن تحط رِحَالهَا ... بمثوى التجلي وَالشُّهُود بِإِطْلَاق) (وتفنى إِذا مَا شاهدت عَن شهودها ... وَقد فنى الفاني وَقد بَقِي الباق) (هُنَالك تلقى الْعَيْش تضفو ظلاله ... وتنعم من روض الْحَيَاة برقراق) (وَمَا قسم الأرزاق إِلَّا عَجِيبَة ... فَلَا تطرد السُّؤَال يَا خير رواق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 [وَثَبت فِي صدر كتابي الْمُسَمّى " باستنزال اللطف الْمَوْجُود فِي أسرار الْوُجُود "، وَهُوَ مِمَّا جمعته لهَذَا الْعَهْد الْحَمد لله الَّذِي خلق الْإِنْسَان مهيضا جنَاحه، بالافتقار لما فِيهِ صَلَاحه، كسيرا، وَقدر عمره، وَإِن طَال المدا، وَسَالم الردى يَسِيرا، وأقامه عانيا فِي أَيدي الأقدار، وَحكم اللَّيْل وَالنَّهَار أَسِيرًا. وَجعل مرام الْخَلَاص من قيود الْوُجُود عَلَيْهِ إِلَّا بلطف الْمَوْجُود عَلَيْهِ عسيرا. وَملك نَاصِيَة فضا لايجد فِيهِ مراعا، وَلَا يَسْتَطِيع عَنهُ مسيرًا، ومزاجا مُحْتَاجا إِلَى المراعاة مَعَ السَّاعَات فَقِيرا، وتكليفا يَأْخُذ بأطواقه عَن تراضي أشواقه فَلَا يملك لنَفسِهِ قبيلا إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا دبيرا، وسياسة يُطِيع فِيهَا مرعاه رَاعيا، وَيتبع مأموره مِنْهَا أَمِيرا، ومعاشا يضْطَر فِيهِ إِلَى إمداد حَيَاته وَصَلَاح ذَاته، اضطرارا كَبِيرا، ومعاشرة بأبناء جنسه تكون السَّلامَة لأَجله مِنْهُم، وَإِدْرَاك الكفاف من أَيْديهم حظا أثيرا، وابتلاه بِمَا يلْحق هَذِه الملكات، علاوة على أحماله المهلكات، فَلَا تَجِد غَيره وليا وَلَا نَصِيرًا، وخياله الْمَكْرُوه فِي المحبوب ابتلاء وتطهيرا، والمحبوب الْمَكْرُوه فِي الْمَكْرُوه إخفاء لسيره المحجوب فِي اسْتعَار الغيوب وتدبيرا. فَقَالَ وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا، وَيجْعَل الله فِيهِ خيرا كثيرا. ثمَّ أتاح الرَّاحَة مِنْهُم لمن اصطنعه، وأنشأه من الحضيض الأوهد، وَرَفعه فجلل قامه تنويرا، ومهد لَهُ التَّوْفِيق سريرا، وَجعل الْفِكر السديد بهدايته لنَفسِهِ الناطقة وزيرا، واتصال عقله الْمُسْتَفَاد بِالْعقلِ الْبري، من لواحق الْكَوْن وَالْفساد كمالا أخيرا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله الَّذِي، بَعثه مبشرا وَنَذِيرا، ودليلا إِلَى حَضْرَة الْحق، من أقرب المآخذ على الْخلق، تَنْبِيها وتحذيرا، وإرشاد وتبصيرا، وأنيط بسعيه فِي هَذَا الْوُجُود الأول، والحلم المسلول، عينا، يشرب بهَا عباد الله، يفجرونها تفجيرا. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، الَّذين أوسعوا هَدْيه بَيَانا وتفسيرا، مَا أطلع الروش من روح السَّمَاء، فِي عذير الظلماء وَجها منيرا، ولمع برق الْغَمَام فِي السحب السجام، سَيْفا طريرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 أما بعد، فَإِنَّهُ جرى بِبَعْض هَذِه الْمجَالِس، الَّتِي نَجْعَلهَا لكلال الأحباب جماما، ولعلل المتلومين عَن الْعِلَل غماما، وَفِي أَوْقَات التَّذْكِير الَّتِي لَا تخلق، والْمنَّة لله، محن مَعَ السَّاعَات لبسكب، وسبيل إِلَى الْخَلَاص يركب، وَحِكْمَة يطارد شاردها، حَتَّى يلقى المقادة، ويمتاح مواردها حَتَّى تملأ مزاد السَّعَادَة، ذكر مَا يعتور الْإِنْسَان فِي هَذَا الْعَالم من القواطع المساجلة، والعوايق عَن آماله العاجلة والآجلة، ويحف بِهِ فِي هَذِه الأحلام من ضروب الآلام، ويناله من القسر فِي هَذَا الآسر، وَمَا الْحِيلَة فِي تسليس قيوده الثقال، وتوسعة محابسه الضيقة الاعتقال، إِلَى أَن تقع رَحْمَة الافتكاك والانتقال، وتوسعة الصدا بإدالة الصقال، وَيصِح الْمقَام من بعد الْمقَال. فوعدت من لَهُ عناية بِنَفسِهِ، وارتقاب لمطلع شمسه، من الْأَصْحَاب المتعلقين بأهداب النّظر، والمتشوقين إِلَى الْخَبَر من بعد الْخَبَر، والحرص على قطع هَذِه المرحلة الحلمية بِحَال السَّلامَة، وارتفاع عتاب وملامة، واستشعار جنَّة المكاره ولامه، أعلن فِي ذَلِك مقَالَة، تخْفض البث، وتعمل فِي طلب الْخَلَاص الْحَث، فتخف لأَجلهَا العلائق، وَيَأْخُذ بحظه مِنْهَا الْمُبْتَدِي والفايق، وَالله ولي الْهِدَايَة فِي كل سَبِيل، والوقاية من كل مرعى وبيل. وَلما تحصل الْوَعْد، وَقع فِي الاقتصاد الإلحاح والاستنجاز الصراح، وَلم يَقع الإعفا، وَلم يسع إِلَّا الوفا] . [وتبث فِي صدر تأليفي الْمُسَمّى " بالوصول لحفظ الصِّحَّة فِي الْفُصُول " الْحَمد لله الَّذِي فصل الْفُصُول بحركات الشَّمْس، وَجعل الْحس مَدِينَة لتِلْك النَّفس، واستخدم لَهُ فِيهَا حَرَكَة الْحَواس الْخمس، بَين السّمع وَالْبَصَر والشم والذوق واللمس. وَصلى الله على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، شرف النَّوْع وَالْجِنْس، بسعادة الْجِنّ وَالْإِنْس. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين، أمنت حقائق فَضلهمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 من اللّبْس، مَا تعاضد الظَّن بالحدس، وتعاقب الْيَوْم مَعَ الأمس. وَبعد، فَإِن الصنايع إِن تشرفت بغاياتها، وتميزت عِنْد التَّعَامُل براياتها، فعلوم الْأَدْيَان والأبدان، صادعة فِي الْفضل بآياتها، متوصلة إِلَى النُّفُوس الناطقة بإفادة كمالها، وَحفظ حَيَاتهَا، وَلذَلِك مَا صرفت إِلَيْهِمَا الأنظار والأفكار أَعِنَّة عناياتها. وَرُبمَا كَانَت عُلُوم الْأَبدَان، لسواها أصولا، وَلم يرج الراجي لعلم الْأَدْيَان، قبل علم الْأَبدَان، حصولا. فَإِن مَقَاصِد الشَّرْع صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه، إِنَّمَا تنَال الصَّحِيح السوي، والمطبق الْقوي. وَهَذِه الْحَالة حسية فِي الْغَالِب عَن سياسة الْجِسْم، بِحِفْظ الصِّحَّة، وَإِزَالَة السقم. فوضح فضل صناعَة الطِّبّ وَتبين، وتقرر غنَاؤُهَا وَتبين. وَلما كَانَ غرضها المهم، وغايتها الَّتِي بِالْفَصْلِ إِلَيْهَا تتمّ، حفظ الصِّحَّة إِذا حصلت، وردهَا إِلَى معتادها كلما انْتَقَلت وَارْتَحَلت، وَكَانَت النَّفس لَا تقدر قدر الْحَاصِل المصاحب، وَلَا تسير من إِيجَاب حَقه على السّنَن اللاحب شَأْنهَا فِي الصِّحَّة والشباب، والتمتع بالأحباب، والغنى والأمان، ومساعدة الزَّمَان حَتَّى إِذا ذهب، واسترجع الله مِنْهُ مَا وهب، قدر حنين قدره، وَأعظم أمره، وَكثر عَلَيْهِ الأسف واللهف، وأمل الْعود، وَرمى الْخلف، على هَذَا تبع السّلف الْخلف، إِلَّا من بَان لَدَيْهِ بالحكمة الكلف. كَانَت الْعِنَايَة باسترجاع نعْمَة الصِّحَّة أَشد وَالْكَلَام فِيهَا أمد، والتدوين قد جَاوز الْحَد، فكثرت كنانيش الْعَالم ودواوينه، وتعددت أغراضه وأفانينه، وألفى القَوْل فِي حفظ الصِّحَّة المستقرة وصون حماها من طرق الْغرَّة، تافها من كثير، وَلَفْظَة من نثير، وَلَو حكم الأنصاف لَكَانَ حفظ الصِّحَّة أولى بالعناية، وأحق بالإفصاح وَالْكِنَايَة، إِذْ لَو حفظ مِنْهَا الْعرض، لقل أَن يروع سربها الْمَرَض، فَظهر لي أَن نعتني بِمَا أغفل وأهمل، وَاعْتبر وتؤمل، وَأَن أفصل وأجمل، وأتمم وأكمل، وأدون فِيهِ كتابا، يعظم فِي الْخلق نَفعه وجدواه، ويحق الافتقار لما سواهُ، وَأَرْجُو بِهِ إِحْسَان الله، وَلكُل امرىء مَا نَوَاه] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وكتبت عَن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج ابْن السُّلْطَان أبي الْوَلِيد بن نصر رَحمَه الله إِلَى التربة المقدسة تربة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي من أوليات مَا صدر عني فِي هَذِه. (إِذا فَاتَنِي ظلّ الْحمى ونعيمه ... كفاني وحسبي أَن يهب نسيمه) (ويقنعني أَنِّي بِهِ متكيف ... فزمزمه دمعي وجسمي حطيمه) (يعود فُؤَادِي ذكر من سكن الفضا ... فيقعده فَوق القضا ويقيمه) (وَلم أر يَوْمًا كالنسيم إِذا سرى ... شفى سقم الْقلب المشوق سقيمه) (نعلل بالتذكار نفسا مشوقة ... يُدِير عَلَيْهَا كاسه ويديمه) (وَمَا شفني بالغور قد مرنم ... وَلَا شاقني من وَحش وَجدّة ريمه) (وَلَا سهرت عَيْني لبرق ثنية ... من الثغر يَبْدُو موهنا فأشيمه) (براني شوق للنَّبِي مُحَمَّد ... يَوْم فؤادى بحده مَا يسومه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 (أَلا يَا رَسُول الله ناداك ضارع ... على الْبعد مَحْفُوظ الوداد سليمه) (مشوق إِذا مَا اللَّيْل مد رواقه ... تهم بِهِ تَحت الظلام همومه) (إِذا مَا حَدِيث عَنْك جَاءَت بِهِ الصِّبَا ... شجاه من الشوق الحَدِيث قديمه) (أيجهر بالنجوى وَأَنت سميعها ... ويشرح مَا يخفي وَأَنت عليمه) (وتعوزه السقيا وَأَنت غياثه ... وتتلفه الْبلوى وَأَنت رحيمه) (بنورك نور الله قد أشرق الْهدى ... فأقماره وضاحة ونجومه) (وَمن فَوق أطباق السما بك اقْتدى ... خَلِيل الَّذِي أوطأ لَهَا وكليمه) (لَك الْخلق الأرضي الَّذِي جلّ ذكره ... ومجد فِي الذّكر الْحَكِيم عظيمه) (يجل مدى علياك عَن مدح مادح ... فَهُوَ سر در القَوْل فِيك عديمه) (ولي يَا رَسُول الله فِيك وراثة ... ومجدك لَا ينسى الذمام كريمه) (وَعِنْدِي إِلَى أنصار دينك نِسْبَة ... هِيَ الْفَخر لَا يخْشَى انتقالا مقيمه) (وَكَانَ بودي أَن أَزور مبوأ ... بك افتخرت أطلاله ورسومه) (وَقد يجْهد الْإِنْسَان طرف اعتزامه ... ويعوزه من بعد ذَاك مرومه) (وعذري فِي تسويف عزمي ظَاهر ... إِذا ضَاقَ عذر الْعَزْم عَمَّن يلومه) (عدتني بأقصى الغرب عَن تربك العدا ... جلالقة الثغر الْغَرِيب ورومه) (أجاهد مِنْهُم فِي سَبِيلك أمة ... هِيَ الْبَحْر يَعْنِي أمرهَا من يرومه) (فلولا اعتناء مِنْك يَا ملْجأ الورى ... لريع حماه واستبيح حريمه) (فَلَا تقطع الْحَبل الَّذِي قد وصلته ... فمجدك موفور النوال عميمه) (وَأَنت [لنا] الْغَيْث الَّذِي نستدره ... وَأَنت لنا الظل الَّذِي نستديمه) (وَلما نأت دَاري وأعذر مطمعي ... وأقلقني شوق يشب جحيمه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 (بعثت بهَا جهد الْمقل معولا ... على مجدك الْأَعْلَى الَّذِي جلّ خيمه) (وكلت بهَا همي وَصدق قريحتي ... فساعد فِي هَاء الروى وميمه) (فَلَا تنسني يَا خير من وطىء الثرى ... فمثلك لَا ينسى لَدَيْهِ خديمه) (عَلَيْك صَلَاة الله مَا در شارق ... وَمَا راق من وَجه الصَّباح وسيمه) إِلَى رَسُول الْحق، إِلَى كَافَّة الْخلق، وغمام الرَّحْمَة، الصَّادِق الْبَرْق، والحايز فِي ميدان اصطفاء الرَّحْمَن، قصب السَّبق، خَاتم الْأَنْبِيَاء، وَإِمَام الْمَلَائِكَة السَّمَاء، وَمن وَجَبت لَهُ النُّبُوَّة، وآدَم بَين الطين وَالْمَاء، شَفِيع أَرْبَاب الذُّنُوب، وطبيب أدواء الْقُلُوب، ووسيلة الْخلق إِلَى علام الغيوب، نَبِي الْهدى، الَّذِي طهر قلبه، وَغفر ذَنبه، وَختم بِهِ الرسَالَة ربه، وَجرى فِي النُّفُوس مجْرى الأنفاس حبه، المشفع يَوْم الْعرض، الْمَحْمُود فِي ملأالسموات وَالْأَرْض، صَاحب اللِّوَاء المنشور، والمؤتمن على سر الْكتاب المسطور، ومخرج النَّاس من الظُّلُمَات إِلَى النُّور، الْمُؤَيد بكفاية الله وعصمته، [الموفور حَظه من عنايته وحرمته] ، الظل الخفاق على أمته، من لَو حازت الشَّمْس بعض كَمَاله، مَا عدمت إشراقا، أَو كَانَت للآباء رَحْمَة قلبه، ذَابَتْ [نُفُوسهم] إشفاقا، فآيته الْكَوْن وَمَعْنَاهُ، وسر الْوُجُود، الَّذِي يبهر الْوُجُود سناه، وصفى حَضْرَة الْقُدس، الَّذِي لَا ينَام قلبه إِذا نَامَتْ عَيناهُ. البشير الَّذِي سبقت لَهُ الْبُشْرَى، وَرَأى من آيَات ربه الْكُبْرَى، وَنزل فِيهِ سُبْحَانَ الَّذِي أسرى. الْأَنْوَار من عنصر نوره مستمدة، والْآثَار [تخلق و] آثاره مستجدة. من طوى بِسَاط الْوَحْي لفقده، وسد بَاب [النُّبُوَّة والرسالة] من بعده. وأوتي جَوَامِع الْكَلم، فوقفت البلغاء حسرى دون حَده، الَّذِي انْتقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فِي الْغرَر الْكَرِيمَة نوره، وأضاءت لميلاده مصانع الشَّام وقصوره، وطفقت الْمَلَائِكَة تحييه وفودها وتزوره، وأخبرت الْكتب الْمنزلَة على الْأَنْبِيَاء بأسمائه وَصِفَاته، فجَاء بِتَصْدِيق الْخَبَر ظُهُوره، [وَأخذ عهد الْإِيمَان بِهِ على من اتَّصَلت بمبعثه مِنْهُم أَيَّام حَيَاته] المفزع الأمنع، يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر، والسند الْمُعْتَمد فِي أهوال الْمَحْشَر، ذُو المعجزات الَّتِي أثبتتها الْمُشَاهدَة والحس، وَأقر بهَا الْجِنّ والأنس، من جماد يتَكَلَّم، وجذع لفراقه يتألم، وقمر لَهُ ينشق، وَحجر يشْهد أَن مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحق، وشمس بدعايه عَن مسيرها تحبس، وَمَاء من أَصَابِعه يتفجر، وغمام باستسقايه يصوب، وركية بَصق فِي أجاجها، فَأصْبح مَاؤُهَا، وَهُوَ العذب المشروب، الْمَخْصُوص بمناقب الْكَمَال وَكَمَال المناقب، الْمُسَمّى بالحاسر العاقب، ذُو الْمجد الْبعيد المراقي والمراتب، أكْرم من بعثت إِلَيْهِ، وَسِيلَة الْمُعْتَرف المغترب، [ونجحت لَدَيْهِ قربَة الْبعيد المغترب] سيد الرُّسُل، مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب، الَّذِي فَازَ بِطَاعَتِهِ المحسنون، واستنقذ بِشَفَاعَتِهِ المذنبون، وَسعد باتباعه الَّذين لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا لمع برق وهمع ودق، وطلعت شمس، وَنسخ الْيَوْم أمس، من عَتيق شَفَاعَته، وعهد طَاعَته، المعتصم بِسَبَبِهِ، الْمُؤمن بِاللَّه ثمَّ بِهِ، المستثفى بِذكرِهِ كلما تألم، المفتتح بِالصَّلَاةِ كلما تكلم، الَّذِي يمثل طلوعه بَين أَصْحَابه وَآله، وَإِن هَب النسيم العاطر، وجد فِيهِ طيب خلاله، وَإِن سمع الآذان تذكر صَوت بلاله، وَإِن ذكر الْقُرْآن، تردد جِبْرِيل بَين معاهدة وجلاله، لاثم تربه، ومؤمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 قربه، ورهين طَاعَته وحبه، المتوسل بِهِ إِلَى رضى الله وربه، يُوسُف بن إِسْمَاعِيل ابْن نصر، كتبه إِلَيْك يَا رَسُول الله، والدمع ماح، وخيل الوجد ذَا جماح، عَن شوق يزْدَاد، كلما نقص الصَّبْر، وانكسار لَا يتاح لَهُ إِلَّا بدنو مزارك الْجَبْر، وَكَيف لَا يعي مشوقك الْأَمر، وتوطى على كبده الْحجر، وَقد مطلت الْأَيَّام بالقدوم على ترتبك المقدسة اللَّحْد، ووعدت الآمال ودانت بإخلاف الْوَعْد، وَانْصَرف الرفاق، وَالْعين بإثر ضريحك مَا اكتحلت، والركايب إِلَيْك مَا ارتحلت، والعزايم قَالَت وَمَا فعلت، والنواظر فِي تِلْكَ الْمشَاهد الْكَرِيمَة لم تسرح، وَظُهُور الآمال عَن ركُوب الْعَجز لم تَبْرَح، فيا لَهَا من معاهد، فَازَ من حياها، ومشاهد مَا أعطر رياها. بِلَاد نيطت بهَا عَلَيْك التمايم، وأشرقت بنورك مِنْهَا النجُود والتهايم، وَنزل فِي حجراتها عَلَيْك الْملك، وانجلى بضيا فرقانك فِيهَا الحلك. مدارس الْآيَات والسور، ومطالع المعجزات [السافرة الْغرَر] ، حَيْثُ قضيت الْفُرُوض وحتمت، وافتتحت سور الْوَحْي وختمت، وأبدئت الْملَّة الحنيفية وتممت، وَنسخت الْآيَات وأحكمت. أما وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ هاديا، وأطلعك لِلْخلقِ نورا باديا، لَا يطفي غلتي إِلَّا شربك، وَلَا يسكن لوعتي إِلَّا قربك، فَمَا أسعد من أَفَاضَ من حرم الله إِلَى حَرمك، وَأصْبح بعد أَدَاء، مَا فرضت، عَن الله ضيف كرمك، وعفر الخد فِي معاهدك، ومعاهد أسرتك، وَتردد مَا بَين دَاري بَعَثْتُك وهجرتك. وَإِنِّي لما عاقتني عَن زيارتك العوايق، وَإِن كَانَ شغلي عَنْك بك، وصدتني الأعدا فِيك عَن وصل سببي يسببك، وأصبحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 بَحر تتلاطم أمواجه، وعدو تتكاثف أفواجه، ويحجب الشَّمْس عِنْد الظهيرة عجاجه، فِي طايفة من الْمُؤمنِينَ، بك وطنوا على الصَّبْر نُفُوسهم، وَجعلُوا التَّوَكُّل على الله وَعَلَيْك لبوسهم، وَرفعُوا إِلَى مصارختك رؤوسهم، واستعذبوا فِي مرضاة الله ومرضاتك نُفُوسهم، يطيرون من هيعة إِلَى أُخْرَى، وينفلتون، والمحاربون عَن يمنى ويسرى، ويقارعون وهم الفئة القليلة، جموعا كجموع قَيْصر وكسرى، لَا يبلغون [من عَدو هُوَ الذَّر عِنْد] انتشاره معشار معشاره، قد باعوا من الله الْحَيَاة الدُّنْيَا، لِأَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا، فيا لَهُ من سرب مروع [وصريخ عَنْك مَمْنُوع] وَدُعَاء إِلَيْك وَإِلَى الله مَرْفُوع، وصبية حمر الحواصل، تخفق فَوق أوكارها أَجْنِحَة المناصل، والصليب قد تمطى يمد ذِرَاعَيْهِ، وَرفعت الأطماع بضبعيه، وَقد حجبت بالقتام السما، وتلاطمت أمواج الْحَدِيد، والبأس الشَّديد فَالتقى المَاء وَلم يبْق إِلَّا الذما، وعَلى ذَلِك فَمَا ضعفت البصاير، وَلَا ساءت الظنون، وَمَا وعد بِهِ الشهدا تعتقده الْقُلُوب، حَتَّى تكَاد تشاهده الْعُيُون، إِلَى أَن أتلقاك غَدا إِن شَاءَ الله، وَقد أبلينا الْعذر، وأرغمنا الْكفْر، وأعملنا فِي سَبِيل الله وسبيلك الْبيض والسمر. استنبت رقعتي هَذِه إِلَيْك لتطير بجناح خافق، [وتشعر نيتي] الَّتِي تصحبها برفيق مرافق، فَيُؤَدِّي عَن عَبدك ويبلغ، ويعفر الخد فِي تربك ويمرغ، ويطيب بريا معاهدك الطاهرة وبيوتك، وَيقف وقُوف الْخُشُوع والخضوع تجاه تابوتك، وَيَقُول بِلِسَان التملق، عِنْد التشبث بأسبابك، والتعلق منكسرة الطّرف، حذرا بمرجها من عدم الصّرْف، يَا غياث الْأمة وغمام الرَّحْمَة، ارْحَمْ غربتي وانقطاعي، وتغمد بطولك، قصر باعي، وقو على هيئتك خور طباعي. فكم جزت من لج مهول، وَجَبت من حزون وسهول، وقابل بِالْقبُولِ نيابتي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وَعجل بِالرِّضَا إجَابَتِي، وَمَعْلُوم من كَمَال تِلْكَ الشيم، وسخاء تِلْكَ الديم، أَن لَا يخيب قصد من حط بفنايها، وَلَا يظمأ وَارِد أكب على مَا يها. اللَّهُمَّ يَا من جعلته أول الْأَنْبِيَاء بِالْمَعْنَى، وَآخرهمْ بالصورة، وأعطيته لِوَاء الْحَمد، يسير آدم فَمن دونه، تَحت ظلاله المنشورة وملكت أمته، مَا زوى لَهُ من زَوَايَا البسيطة المعمورة، وجعلتني من أمته المجبولة على حبه، المؤملة لقُرْبه [المفطورة، وشوقتني إِلَى معاهده المبرورة ومشاهده المزورة] ووكلت لساني بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وقلبي بالحنين إِلَيْهِ، ورغبتني فِي التمَاس مَا لَدَيْهِ، فَلَا تقطع عَنهُ أسبابي وَلَا تحرمني فِي حبه أجر ثوابي، وتداركني بِشَفَاعَتِهِ، يَوْم أَخذ كتابي. هَذِه يَا رَسُول الله وَسِيلَة من بَعدت دَاره، وشط مزاره، وَلم يَجْعَل بِيَدِهِ اخْتِيَاره. فَإِن لم تكن [هَذِه] للقبول أَهلا، فَأَنت للإغضاءٌ [والسمح] أهل، وَإِن كَانَت ألفاظها وعرة، فجنابك للقاصدين سهل، وَإِذا كَانَ الْحبّ يتوارث كَمَا أخْبرت، وَالْعُرُوق تدس، حَسْبَمَا إِلَيْهِ أَشرت، فلى بانتسابي إِلَى سعد عميد أنصارك [مزية] ووسيلة أثيرة خُفْيَة، فَإِن لم يكن لي عمل أرتضيه فلي نِيَّة، فَلَا تنسني، وَمن بِهَذِهِ الجزيرة [الَّتِي افتتحت] بِسيف كلمتك، على أَيدي خير أمتك، فَإِنَّمَا نَحن وَدِيعَة تَحت بعض أقفالك، نَعُوذ بِوَجْه رَبك من إغفالك، ونستنشق من ريح عنايك نفحة، ونرتقب من محيا قبولك لمحة، ندافع بهَا عدوا طَغى وبغى، وَبلغ من مضايقتنا مَا ابْتغى. فمواقف التمحيص قد أعيت من كتب وأرخ، وَالْبَحْر قد أصمتت [بواعث لججه] من استصرخ، والطاغية فِي الْعدوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 مستبصر، والعدو محلق [وَالْمولى منصر] . وبجاهك نستدفع مَا لَا نطيق، وبعنايتك نعالج سقيم الدّين فيفيق [فَلَا تفردنا وَلَا تهملنا وناد رَبك فِينَا رَبنَا لَا تحملنا، وطوايف أمتك حَيْثُ كَانُوا عناية مِنْك تكفيهم] وَرَبك يَقُول وَقَوله الْحق: وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْك يَا خير من طَاف وسعى، وَأجَاب دَاعيا إِذا دَعَا، وَصلى على جَمِيع آحزابك وآلك بِمَا يَلِيق بجلالك ويحق لكمالك، وعَلى ضجيعيك وصديقيك وحبيبيك ورفيقيك، خلفيتك فِي ملتك، وفاروقك الْمُسْتَخْلف بعده على ملتك، وصهرك ذُو النورين، الْمَخْصُوص ببرك وتجلتك، وَابْن عمك سَيْفك المسلول على [حلتك] بدر سمايك، ووالد أهلتك، [وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْك وَعَلَيْهِم كثيرا] وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَكتب بِجَزِيرَة الأندلس، غرناطة، صانها الله ووقاها، وَدفع عَنْهَا ببركتك كيد عَداهَا. وكتبت لهَذَا الْعَهْد عَن وَلَده أَمِير الْمُسلمين أبي عبد الله إِلَى ضريح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وضمنت ذَلِك مَا فتح الله بِهِ عَلَيْهِ وَسَاقه من الفتوحات السنيات إِلَيْهِ، وَفِي أَوَائِل عَام أحد وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة (دعَاك بأقصى المغربين غَرِيب ... وَأَنت على بعد المزار قريب) (مدل بِأَسْبَاب الرجا وطرفه ... غضيض على حكم [الْمحيا ويهيب] ) (يُكَلف قرص الْبَدْر حمل تَحِيَّة ... إِذا مَا هوى وَالشَّمْس حِين تغيب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 (لنرجع من تِلْكَ المعالم غدْوَة ... وَقد ذاع من ورد التَّحِيَّة طيب) (ونستودع الرّيح الشمَال شمايلا ... من الْحبّ لم يعلم بِهن رَقِيب) (وَيطْلب فِي جيب الْجنُوب جوابها ... إِذا مَا أطلت والصباح منيب) (ويستفهم الْكَفّ الخضيب ودمعه ... غراما بحناء النجيع خضيب) (وَيتبع آثَار الْمطِي مشيعا ... وَقد زَمْزَم الْحَادِي وحن نجيب) (إِذا آثر الأحباب لاحت مُحَاربًا ... يخد عَلَيْهَا رَاكِعا وينيب) (ويلقى ركاب الْحَج وَهِي قوافل ... طلاح وَقد لبا للنداء لَبِيب) (فَلَا قَول إِلَّا أَنه وتوجع ... وَلَا حول إِلَّا زفرَة ونحيب) (غليل وَلَكِن من قبولك منهل ... عليل ولاكن من رضاك طَبِيب) (أَلا لَيْت شعري والأماني ضلة ... وَقد تخطىء الآمال ثمَّ تصيب) (أينجد نجد بعد شط مزاره ... وَيكْتب بعد الْبعد مِنْهُ كثيب) (وتقضي ديوني بعد مَا مطل المدا ... وَينفذ بيعي وَالْمَبِيع معيب) (وَهل [اقْتضى دهري] فيسمح طالعا ... وأدعو بحظي مسمعا فيجيب) (وَيَا لَيْت شعري هَل لحومي مورد ... لديك وَهل لي فِي رضاك نصيب) (وَلَكِنَّك الْمولى الْجواد وجاره ... على أَي حَال كَانَ لَيْسَ يخيب) (وَكَيف يضيق الذرع يَوْمًا بقاصد ... وَذَاكَ الجناب المستجار رحيب) (وَمَا هاجني إِلَّا تألق بارق ... يلوح بفود اللَّيْل مِنْهُ مشيب) (ذكرت بِهِ ركب الْحجاز وجيرة ... أهاب بهَا نَحْو الحبيب مهيب) (فَبت وجفني من لآلىء دمعه ... غنى وصبري للشجون سليب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 (تريحني الذكرى ويهفو بِي الجوى ... كَمَا مَال غُصْن فِي الرياض رطيب) (وأحضر تعليلا لشوقي بالمنى ... ويطرق وجد غَالب فأغيب) (مناي لَو أَعْطَيْت الْأَمَانِي زورة ... يبث غرام عِنْدهَا ووجيب) (فَقَوْل حبيب إِذْ يَقُول تشوقا ... عَسى وَطن يدنو إِلَيّ حبيب) (تعجبت من سبقي وَقد جَاوز الفضا ... وقلبي فَلم يسكبه مِنْهُ مذيب) (وأعجبت أَن لَا يورق الرمْح فِي يَدي ... وَمن فَوْقه غيث الشوق سكيب) (فياسرح ذَلِك الْحَيّ لَو أخلف الحيا ... لأغناك من صوب الدُّمُوع صبيب) (وَيَا هَاجر الجو الجديب تلبثا ... فعهدي رطب الْجَانِبَيْنِ خصيب) (وَيَا قَادِح الزند الشجاح ترفقا ... عَلَيْك فشوقي الْخَارِجِي شبيب) (أيا خَاتم الرُّسُل المكين مَكَانَهُ ... حَدِيث الْغَرِيب الدَّار فِيك غَرِيب) (فُؤَادِي على جمر البعاد فِيك مُقَلِّب ... يماح عَلَيْهِ للدموع قليب) (فوَاللَّه مَا يزْدَاد إِلَّا تلهفا ... لأبصرت مَاء ثار عَنهُ لهيب) (فليلته ليل السَّلِيم ويومه ... إِذا شدّ للشوق العصاب عصيب) (هُدَايَ هوى فِيك اهتديت بنوره ... ومنتسبي للصحب مِنْك نسيب) (وحسبي علا أَنِّي لصحبك منتم ... وللخزرجيين الْكِرَام نسيب) (عدت عَن مغانيك المشوقة للعدا ... عقارب لَا يخفي لَهُنَّ دَبِيب) (حراص على إطفاء نور قدحته ... فمستلب من [دونهَا ونسيب] ) (فكم من شَهِيد فِي رضاك مجدل ... يظلله نسر وَينْدب ديب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 (تمر الرِّيَاح الغفل فَوق كلومهم ... فتعبق من أنفاسها وتطيب) (بنصرك عَنْك الشّغل من غير منَّة ... وَهل يتساوى مشْهد ومنيب) (فَإِن صَحَّ مِنْك الْحَظ طاوعت المنا ... وَيبعد مرمى السهْم وَهُوَ مُصِيب) (ولولاك لم تعجم من الرّوم عودهَا ... فعود الصَّلِيب الأعجمي صَلِيب) (وَقد كَانَت الْأَحْوَال لَوْلَا مراغب ... ضمنت ووعد بالظنون تديب) (فَمَا شيت من نصر عَزِيز وأنعم ... آثاب بِهن الْمُؤمنِينَ مثيب) (مَنَابِر عز أذن الْفَتْح فَوْقهَا ... وأفصح للعضب الطرير خطيب) (تقود إِلَى هيجائها كل صاهل ... كَمَا ريع مَكْحُول اللحاظ ربيب) (ونجتاب من سود الْيَقِين مدارعا ... يكيفها من يجتني ويثيب) (إِذا اضطرت الخطى حول غديرها ... يروقك مِنْهَا لجة وقضيب) (فعذرا وإغضاء وَلَا تنس صَارِخًا ... بعزك يَرْجُو أَن يُجيب مُجيب) (وجاهك بعد الله نرجو وَإنَّهُ ... لحظ حلى بِالْوَفَاءِ رغيب) (عَلَيْك سَلام الله مَا طيب الفضا ... عَلَيْك مطيل بالثناء مُطيب) (وَمَا اهتز قد للغصون مرنح ... وَمَا افتر ثغر للبروق شنيب) إِلَى حجَّة الله، الْمُؤَيد ببراهين أنواره، وفايدة الْكَوْن ونكتة أدواره وصفوة نوع الْبشر ومنتهى أطواره، إِلَى الْمُجْتَبى، وموجود الْوُجُود، لم يغن بِمُطلق الْجُود عديمه، والمصطفى من ذُرِّيَّة آدم، قبل أَن يكسو الْعِظَام أديمه، الْمَخْتُوم فِي الْقدَم، وظلمات الْعَدَم، عِنْد صدق الْقدَم [تَقْدِيمه وتفضيله] ، إِلَى وَدِيعَة النُّور، الْمُنْتَقل فِي الجباه الْكَرِيمَة وَالْغرر، [ودرة الْأَنْبِيَاء الَّتِي لَهَا الْفضل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الدُّرَر] ، وغمام الرَّحْمَة الهامية الدُّرَر، إِلَى مُخْتَار الله الْمَخْصُوص باجتبايه، وحبيبه الَّذِي لَهُ المزية على أحبايه، من ذُرِّيَّة أَنْبيَاء الله آبايه. إِلَى الَّذِي شرح صَدره وغسله، ثمَّ بَعثه وَاسِطَة بَينه وَبَين الْعباد، وأرسله، وَأتم عَلَيْهِ إنعامه، الَّذِي أجزله، وَأنزل عَلَيْهِ من [النُّور وَالْهدى] مَا أنزلهُ. إِلَى بشرى الْمَسِيح والذبيح، وملهم التَّجر الربيح، الْمَنْصُور بِالرُّعْبِ وَالرِّيح، الْمَخْصُوص بِالنّسَبِ الصَّرِيح. إِلَى الَّذِي جعله فِي المحول غماما، وللأنبياء إِمَامًا، وشق صَدره لتلقي روح أمره غُلَاما، وَأعلم بِهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إعلاما، وَعلم الْمُؤمنِينَ صَلَاة عَلَيْهِ وَسلَامًا. إِلَى الشَّفِيع الَّذِي لَا ترد فِي العصاة شَفَاعَته، والوجيه الَّذِي قرنت بِطَاعَة الله طَاعَته، والرؤوف الرَّحِيم، الَّذِي خلصت إِلَى الله فِي أهل الجرايم ضراعته، صَاحب الْآيَات الَّتِي لَا يسع ردهَا، والمعجزات الَّتِي أربى على الْألف عدهَا. فَمن قمر يشق، وجذع يحن لَهُ وَحقّ، وبنان يتفجر بِالْمَاءِ، فَيقوم بري الظماء، [وَطَعَام يشْبع الْجمع الْكثير يسيره، وغمام] يظلل بِهِ مقَامه ومستقره خطيب الْمقَام الْمَحْمُود، إِذا كَانَ الْعرض، وَأول من تشق عَنهُ الأَرْض [ووسيلة الله الَّتِي مَا أقْرض الْقَرْض] وَلَا عرف النَّفْل وَالْفَرْض، مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف الْمَحْمُود الْخلال من ذِي الْجلَال، الشاهدة بصدقه صحف الْأَنْبِيَاء وَكتب الْإِرْسَال، وآياته الَّتِي أثلجت الْقُلُوب بِبرد الْيَقِين السلسال، صلى الله عَلَيْهِ، مَا در شارق، وأومض بارق، وَفرق بَين الْيَوْم الشامس وَاللَّيْل الدامس فَارق، صَلَاة تتأرج عَن شذا الدَّهْر، وتنبلج عَن سنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الْكَوَاكِب الزهر، وتتردد بَين السِّرّ والجهر، وتستغرق سَاعَات النَّهَار، وَأَيَّام الشَّهْر، وتدوم بدوام الدَّهْر، من عبد هداه، ومستقري مواقع نداه، ومزاحم أنصاره فِي منتداه، وَبَعض سهامه المفوقة إِلَى [نحور] عداهُ، مُؤَمل الْعتْق من النَّار بِشَفَاعَتِهِ، ومحرز طَاعَة الْجَبَّار بِطَاعَتِهِ، الآمن باتصال رعيه، من إهمال الله وإضاعته، متخذ الصَّلَاة عَلَيْهِ وسايل نجاة، وذخاير فِي الشدايد أَي مرتجاة، ومتاجر بضايعها غير مزجاة، الَّذِي مَلأ بحبه جوانح صَدره، وَجعل فكره هَالة لبدره، وَأوجب قدره، على قدر العَبْد لَا على قدره، مُحَمَّد بن يُوسُف بن نصر الْأنْصَارِيّ الخزرجي، نسيب سعد بن عبَادَة من أَصْحَابه، وبوارق سحابه، وسيوف نصرته، وأقطاب دَار هجرته، ظلله الله يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر، من رضاك عَنهُ، بظلال الْأمان، كَمَا أنار قلبه من هدايتك بأنوار الْهدى وَالْإِيمَان، وَجعله من أهل السياحة فِي فضاء حبك والهيمان. كتبه إِلَيْك يَا رَسُول الله، واليراع يَقْتَضِي مقَام الهيبة، صفرَة لَونه، والمداد يكَاد أَن يحول سَواد جونه، وورقة الْكتاب، يخْفق فؤادها حرصا على حفظ اسْمك الْكَرِيم وصونه، والدمع يقطر، فتنقط بِهِ الْحُرُوف، وتفصل الأسطر، وتوهم المثول بمثواك الْمُقَدّس، لَا يمر بالخاطر سواهُ وَلَا يخْطر، عَن قلب بالبعد عَنْك قريح، وجفن بالبكاء جريح، كلما هَب من أَرْضك نسيم ريح، وانكسار لَيْسَ لَهُ إِلَّا جبرك، واغتراب لَا يُونُس فِيهِ إِلَّا قربك، وَإِن لم يقْض فقبرك. وَكَيف لَا يسلم فِي مثلهَا الأسى، ويوحش الصَّباح المسا، ويرجف جبل الصَّبْر بعد مَا رسى، لَوْلَا وَلَعَلَّ وَمَا وَعَسَى. فقد سَارَتْ الركاب إِلَيْك، وَلم يقْض مسير، وحومت الأسراب عَلَيْك، والجناح كسير، ووعدت الْأَمْلَاك فأخلفت، وَحلفت العزايم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فَلم تف بِمَا حَلَفت، وَلم تحصل النَّفس من تِلْكَ الْمعَاهد ذَات الشّرف الأمثل، إِلَّا على التَّمْثِيل، وَلَا من المعالم الملتمسة التَّنْوِير، إِلَّا على التَّصْوِير، مهبط وَحي الله، ومتنزل أسمايه، ومتردد ملايكة سماية، ومرافق أوليائه، وملاحد خيرة [أَصْحَاب] أنبيائه، رَزَقَنِي الله الرضى بقضايه، وَالصَّبْر على جاحم الْبعد ورمضايه. من حَمْرَاء غرناطة [حرسها الله] دَار ملك الْإِسْلَام بالأندلس، قاصيه سبلك، ومسلحة رجلك، يَا رَسُول الله وخيلك، وأنأى مطارح دعوتك، ومساحب ذيلك، حَيْثُ مصَاف الْجِهَاد، فِي سَبِيل الله وسبيلك، قد ظللها القتام، وشهبان الأسنة أطلعت مِنْهُ الإعتام، وأسواق بيع النُّفُوس من الله، قد تعدد لَهَا الأيامي والأيتام، حَيْثُ الْجراح قد تحلت بعسجد نجيعها النحور، وَالشُّهَدَاء تحف بهَا الْحور، والأمم الغريبة، قد قطعتها عَن المدد البحور، حَيْثُ المباسم المفترة، تجلوها المصارع الْبرة، فتجيبها بالعدا ثغور الأزاهر، وتندبها المفترة، تجلوها المصارع الْبرة، فتجيبها بالعدا ثغور الأزاهر، وتندبها صوادح الأدواح، برنات تِلْكَ المزامر، [وتحلى السَّحَاب أشلاؤها المعطلة من طلها بالجواهر] حَيْثُ الْإِسْلَام من عدوه المكايد بِمَنْزِلَة قَطْرَة من عَارض غمام، وحصاة من نثير أَو سمام، وَقد سدت الطَّرِيق، وَأسلم للفراق الغريق، وأغص الرِّيق، ويئس من السَّاحِل الغريق. إِلَّا أَن الْإِسْلَام بِهَذِهِ الْجِهَة المستمسكة بِحَبل الله وحبلك، المهتدية بأدلة سبلك، سَالم وَالْحَمْد لله من الانصداع، محروس بِفضل الله من الابتداع، مقدود من جَدِيد الْملَّة، مَعْدُوم فِيهِ وجود الطوايف المضلة، إِلَّا مَا يخص الْكفْر من هَذِه الْعلَّة، والاستظهار على جمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الْكَثْرَة من جموعه بِجمع الْقلَّة. ولهذه الْأَيَّام يَا رَسُول الله أَقَامَ الله أوده برا بِوَجْهِك الْوَجِيه، ورعيا، وإنجازا [بوعدك وسعيا] ، وَهُوَ الَّذِي لَا يخلف وَعدا، وَلَا يخيب سعيا، وَفتح لنا فتوحات، أشعرتنا بِرِضَاهُ عَن وطننا الْغَرِيب، وبشرتنا مِنْهُ تَعَالَى بتغمد التَّقْصِير ورفيع التثريب، وَنَصَرنَا وَله الْمِنَّة، على عَبدة الصَّلِيب، وَجعل لألفنا الرديني، ولامنا السردي حكم التغليب. وَإِذا كَانَت الموالى الَّتِي طرقت الْأَعْنَاق مننها، وقررت العوايد الْحَسَنَة سَيرهَا وسننها. تبادر إِلَيْهَا نوابها الصرما، وخدامها النصحا، بالبشاير والمسرات، الَّتِي تشاع فِي العشاير، وتجلو لَدَيْهَا نتايج أيديها، وغايات مباديها، وتتاحفها ونهاديها بمجابى جناتها، وأزاهر غواديها، وتطرف محاضرها بِطرف بواديها، فبابك يَا رَسُول الله أولى بذلك وأحق، وَلَك الْحق الْحق، وَالْحر منا عَبدك المسترق. حَسْبَمَا سجله الرّقّ، وَفِي رضاك من كل من يلْتَمس رِضَاهُ المطمع، ومثواك الْمجمع. وملوك الْإِسْلَام فِي الْحَقِيقَة عبيد سيرتك المؤملة، وخول مثابتك المحسنة بِالْحَسَنَاتِ المحملة، وشهب تعشى إِلَيّ بدورك المكملة، ومحض سيوفك المقلدة فِي سَبِيل الله المحملة، وحرسة مهادك، وَسلَاح جهادك وبروق عهادك. وَإِن مكفول احترامك الَّذِي لَا يخفر، وربي إنعامك الَّذِي لَا يكفر، وملتحف جهادك الَّذِي بمجاذيته بشفاعتك إِن شَاءَ الله وَيغْفر، يطالع رَوْضَة الْجنَّة، المفتحة أَبْوَابهَا بمثواك، ويفاتح رضوَان الْقُدس الَّذِي أحبك وحواك، وينشر بضايع الصَّلَاة عَلَيْك بَين يَدي الضريح الَّذِي طواك، وبعرض جنى مَا غرست الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وبذرت، ومصداق مَا بشرت بِهِ [لما بشرت] وأنذرت، وَمَا انْتهى إِلَيْك طلق جهادك، ومصب عمادك، لتقر عين نصحك الَّذِي أَنَام الْعُيُون الساهرة هجوعها، وَأَشْبع الْبُطُون وَرَوَاهَا ظمأها، من الله وجوعها. وَإِن كَانَت الْأُمُور بمرأى من عين عنايتك، وغيبها متعرف بَين إفصاحها وكنايتك، ومحملة يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْك] وَبلغ وسيلتي إِلَيْك] ، وَهُوَ أَن الله سُبْحَانَهُ، لما عرفني لطفه الْخَفي فِي التمحيص الْمُقْتَضى عدم المحيص، ثمَّ فِي التَّخْصِيص المغنى بعيانه عَن التَّنْصِيص، وَوَافَقَ ببركاتك السارية رحماها فِي الْقُلُوب، ووسايل محبتك العايدة بنيل الْمَطْلُوب، إِلَى استفادة عظة وَاعْتِبَار، واغتنام إقبال بعد إدبار، ومزيد استبصار، واستعانة بِاللَّه واستنصار، فسكن هبوب الْكفْر بعد إعصار، وَحل مخنق الْإِسْلَام بعد حِصَار. وَجَرت على سنَن السّنة بِحَسب الِاسْتِطَاعَة والْمنَّة السِّيرَة، وجبرت بجاهك الْقُلُوب الكسيرة، ويسرت المآرب العسيرة، وَرفع بيد الْعِزَّة الضيم، وكشف بِنور البصيرة الْغَيْم، وَظهر الْقَلِيل على الْكثير، وباء الْكفْر بخطة التعثير، واستوى الدّين الحنيف على المهاد الوثير. فاهتبلنا يَا رَسُول الله غرَّة الْعَدو وانتهزناها، وشمنا صوارم [عزة الْعَدو] وهززناها، وَأَرِحْنَا علل الجيوش وجهزناها، فكانء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مَا ساعد عَلَيْهِ الْقدر، والحظ المبتدر، والورد الَّذِي حسن مِنْهُ الصَّدْر، أننا عاجلنا مَدِينَة برغة، وَقد جدعت الْأُخْتَيْنِ، مالقة ورندة، من مداين دينك، وخزاين ميادينك أكواس الْفِرَاق، وأذكرت مثل من بالعراق، وسدت طرق التزاور على الطراق، وأسالت المسيل بالنجيع المراق، فِي مراصد المُرَاد والمذاق، ومنعت المراسلة مَعَ هدى الْحمام، لَا بل مَعَ طيف الْمَنَام، عِنْد الإلهام، فيسر الله اقتحامها، وألحمت بيض الشفار، فِي رُؤُوس الْكفَّار ألحامها، وأزالت بشر السيوف من بَين تِلْكَ الْحُرُوف أقحامها، فَانْطَلق المسرى، واستبشرت الْقَوَاعِد الحسرى، وعدمت طريقها المخيف مصَارِع الصرعى [ومثاقب الأسرى] ، وَالْحَمْد لله على فَتحه الْأَسْنَى ومنحه الأسرى، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، هُوَ منفل قَيْصر وكسرى، وفاتح مغلقاتها المنيعة قسرا، وَاسْتولى الْإِسْلَام مِنْهَا على قَرَار جنَّات، وَأم بَنَات، وقاعدت حصون، وشجرة غصون، طهرت مساجدها المغتصبة المكرمة، وفجع فِيهَا الْفِيل إِلَّا فيل أَبْرَهَة، وَانْطَلَقت بِذكر الله أَلْسِنَة المذرهة، وفاز بسبق ميدانها جياده الفرهة، هَذَا وطاغية الرّوم، على توفر جموعه، وهول مرئيه ومسموعه، قريب جواره، بِحَيْثُ يتَّصل خواره [وَقد عَرك إِلَيْهَا الْحِين حواره] ثمَّ نَازل الْمُسلمُونَ، بعْدهَا شجا الْإِسْلَام الَّذِي أعيا النطاسي علاجه، وكر هَذَا الْقطر الَّذِي لَا يطاول أَعْلَامه، وَلَا يصاول أعلاجه، وركاب الغارات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الَّتِي تطوي المراحل، إِلَى مكايدة الْمُسلمين طي البرود، وجحر الْحَيَّات الَّتِي لَا تخلع على اخْتِلَاف الْفُصُول، جُلُود الزرود، ومنغص الْوُرُود، فِي العذب البرود، ومقض الْمضَاجِع، وحلم الهاجع، ومجز الْخطب الفاجي الفاجع ومستدرك فاتكة الرَّاجِع قبل هبوب الطاير الساجع، حصن أشر حماه الله، دُعَاء لَا خَبرا، كَمَا جعله للمتفكرين فِي قدرته مُعْتَبرا، فأحاطوا بِهِ إخاطة القلادة بالجيد، وأذلوا عزته بعزة ذِي الْعَرْش الْمجِيد، وحفت بِهِ الرَّايَات يسمهَا وسمك، [ويلوح فِي صفحاتها اسْم الله واسمك] ، فَلَا ترى إِلَّا نفوسا تتزاحم على موارد الشَّهَادَات أسرابها، وليوثا يصدق طعناها فِي الله وضرابها، وَأرْسل الله عَلَيْهَا رجزا إسرايليا من جَراد السهاد، تشذ آيَاته عَن الأفهام، وسدد إِلَى جبل النُّفُوس الْقَابِلَة للإلهام، من بعد الإستغلاق والاستبهام، وَقد عبئت جوارح صخوره فِي قنايص الْهَام، وأعيا صعبه على الْجَيْش اللهام، فَأخذ مسايفة النَّقْض والنهب، ورغا فَوق أَهله الصقب، ونصبت المعارج والمراقي، وفرغت المناكب والتراقي، واغتنم الصادقون من الله الْحَظ الْبَاقِي، وَقَالَ الشَّهِيد المسابق يَا فوز استباقي. وَدخل الْبَلَد، فألحم السَّيْف، واستلب البحت والزيف، ثمَّ استخلصت القصبة، فعلت أعلامك فِي أبراجها المشيدة، وظفر نَاشد دينك مِنْهَا بالنشيدة، وشكر الله فِي قَصدهَا مساعي النصايح الرشيدة، وَعمل مَا يرضيك يَا رَسُول الله فِي سد ثلمها، وهون مستلمها، ومداواة ألمها، حرصا على الِاقْتِدَاء فِي مثلهَا بأعمالك والاهتداء بمشكاة كمالك، ورتب فِيهَا الحماة، تشجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الْعَدو، وتواصل فِي [مرضاة الله و] مرضاتك الرواح والغدو. ثمَّ كَانَ الْغَزْو إِلَى مَدِينَة إطريرة، بنت حَاضِرَة الْكفْر إشبيلية، الَّتِي أظلتها بالجناح السَّاتِر. وأنامتها فِي ضَمَان الْأمان للحسام الباثر. وَقد وتر الْإِسْلَام من هَذِه المومسة البايسة، فوتر الواتر، وأحفظ مِنْهَا بَادِي الوقاح المهاتر، لما جرته على أسراره من عمل الخاتر الخاتر، [حسب الْمَنْقُول المقبول لَا بل الْمُتَوَاتر] ، فطوى إِلَيْهَا الْمُسلمُونَ المدا النازح، وَلم يشك الْمطِي الروادح، وَصدق الْجد جدها المازح، وخفقت فَوق أوكارها أَجْنِحَة الْأَعْلَام، وغشيتها أَفْوَاج الملايكة المسومة، وظلل الْغَمَام، وصابت من السِّهَام ودق الرغام، وَكَاد يَكْفِي السَّمَاء على الأَرْض ارتجاج جوانحها بِكَلِمَة الْإِسْلَام، وَقد صم خَاطب عروس الشَّهَادَة، عَن الملام، وسمح بالعزيز المصون، فَبَايع الْملك العلام، وَتكلم لِسَان الْحَدِيد الصَّامِت، وَصمت إِلَّا بِذكر الله لِسَان الْكَلَام، وَوقت الأوتار بالأوتار وَوصل بالخطا ذرع الْأَبْيَض البتار، وسلطت النَّار على أَرْبَابهَا، وَأذن الله فِي تبار تِلْكَ الْأمة وتبابها، ونزلوا على حكم السَّيْف آلافا. بعد أَن أتلفوا بِالسِّلَاحِ إتلافا، واستدعيت الْمُقَاتلَة كثافا، ونزلوا فِي الجول أكتافا أكتافا، وحملت العقايل والخرايد والولدان والولايد، إركابا من فَوق الظُّهُور وإردافا، وأقلت مِنْهَا أفلاك الحمول بدورا تضيء من ليَالِي المحاق أسدافا، وأمتلأت الْأَيْدِي من الْمَوَاهِب والغنايم، بِمَا لَا يصوره حلم النايم، وَتركت العوافي تتداعى إِلَى تِلْكَ الولايم، وتتفتك من مطامعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فِي الملايم، وشنت الغارات على حمص، فجللت خَارِجهَا مغارا، وكست كبار الرّوم بهَا صغَارًا، وأحجرت أبطالها إحجارا، واستاقت من النعم مَا لَا يقبل الْحصْر استبحارا، وَلم يكن إِلَّا أَن عدل الْقسم، واستقل [بِالْقبُولِ الْعَزِيز] ، الرَّسْم، ووضح من التَّوْفِيق الوسم. وَكَانَت الْحَرَكَة إِلَى قَاعِدَة جيان، قيمعة الظل الْأَبْرَد، ونسيجة المنوال الْمُفْرد، وكناس الْقَيْد الخرد وكرسي الْإِمَارَة وبحر الْعِمَارَة، ومهوى هوى الْغَيْث الهتون، وحزب التِّين وَالزَّيْتُون، حَيْثُ خَنْدَق الْجنَّة الْمَعْرُوف، تَدْنُو لأهل النَّار مجانيه، وتشرق بشواطي الْأَنْهَار إشراق الأزهار وزهر مبانيه، والقلعة الَّتِي تختمت بنان شرفاتها بخواتم النُّجُوم، وهمت من دون سحابها الْبيض سحايب الْغَيْث السجوم، والعقيلة الَّتِي أبدى الْإِسْلَام يَوْم طَلاقهَا، وهجوم فراقها، سمة الوجوم [لذَلِك الهجوم فرمتها الْبِلَاد الْمسلمَة بأفلاذ أكبادها الوادعة، وأجابت مُنَادِي دعوتك الصادقة الصادعة وحيتها بالفادحة البارعة] ، فغصت الرِّبَا والوهاد بِالتَّكْبِيرِ والتهليل، وتجاوبت الْخَيل بالصهيل، وانهالت الجموع [المجاهدة فِي الله] ، انهيال الكئيب المهيل، وفهمت النُّفُوس المجاهدة فِي الله حق الْجِهَاد، مَعَاني التَّيْسِير من رَبهَا والتسهيل، وسفرت الرَّايَات عَن المرأى الْجَمِيل، وأربت المحلات المسلمات على التأميل. وَلما صبحتها النواصي الْمُقبلَة الْغرَر، والأعلام المكتتبة الطرر، برز حاميتها مصحرين، وللحوزة المستباحة مستنصرين، وكاثرهم من سرعَان الْأَبْطَال رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الدبا، وَبنت الوهاد والربا، فأقحموهم من وَرَاء السُّور، وأسرعت أَقْلَام الرماح فِي بسط عَددهمْ المكسور، وَتركت صرعاهم ولائم للنسور، ثمَّ اقتحموا ربض الْمَدِينَة الْأَعْظَم، ففرعوه، وجدلوا من دَافع عَن أسواره وصرعوه، وأكواس الحتوف جرعوه. وَلم يتَّصل أولى النَّاس بأخراهم، وكمل، بمخيم النَّصْر الْعَزِيز سراهم، حَتَّى خذل الْكفَّار الصَّبْر، وَأسلم الْجلد، وَنزل على الْمُؤمنِينَ النَّصْر، فَدخل الْبَلَد، وطاح فِي السَّيْل (الجارف] ، الْوَالِد وَالْولد والتهم الْمطرف والمتلد، فَكَانَ هولا بعيد الشناعة، وبعثا كقيام السَّاعَة، أعجل المجانيق عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود، والسلالم عَن مطاولة النجُود، وَالْأَيْدِي عَن ردم الْخَنَادِق والأغوار، والأكبش عَن مناطحة الأسوار، والنفوط عَن إصعاق الْكفَّار وَعمد الْحَدِيد، ومعاوز الباس الشَّديد، عَن نقب الأبراج، وَنقض الْأَحْجَار، فهيلت الكثبان، وأبيد الشيب والشبان، وَكسرت الصلبان، وفجع بِهَذَا الكنايس والرهبان، وأهبطت النواقيس من مراقيها الْعَالِيَة، وصروحها المتعالية وخلعت ألسنتها الكاذبة، وَنقل مَا استطاعته الْأَيْدِي المتجاذبة وعجزت عَن الأسلاب ذَوَات الظُّهُور، وجلل الْإِسْلَام شعار الْغَزْو والظهور، بِمَا خلت عَن مثله سوالف الأعوام والشهور، وأعرست الشُّهَدَاء من النُّفُوس الْمَبِيعَة، [من الله] ، نحل الصَّدقَات الصادقة والمهور. وَمن بعد ذَلِك هدم السُّور، ومحيت من مختطه الْمُحكم السطور، وَكَاد يسير ذَلِك الْجَبَل، الَّذِي اقتعدته الْمَدِينَة، ويدك ذَلِك الطّور. وَمن بعْدهَا خرب الوجار، وعقرت الْأَشْجَار، وعقر الْمنَار، وسلطت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 على بَنَات التُّرَاب وَالْمَاء النَّار. وارتحل عَنْهَا الْمُسلمُونَ، وَقد عَمَّتهَا المصايب وأصمى لبتها السهْم الصايب، وظللها القشاعم العصايب، فالذياب فِي اللَّيْل البهيم تعْمل، والضباع من الحدب الْبعيد تنسل، وَقد ضَاقَتْ الجدل عَن المخانق وَبيع الْعرض الثمين بالدانق، وسبكت إسورة الأسوار، وسويت الهضاب بالأغوار، واكتسحت الأحواز القاصية سَرَايَا الغوار. وحجبت بالدخان مطالع الْأَنْوَار، وَتَخَلَّفت قاعتها عِبْرَة للمعتبرين، وعظة للناظرين، وَآيَة للمستبصرين، ونادى لِسَان الحمية يالثارات الْإسْكَنْدَريَّة، فَأَسْمع آذان المقيمين والمسافرين، وأحق الله الْحق بكلماته، وَقطع دابر الْكَافرين. ثمَّ كَانَت الْحَرَكَة إِلَى أُخْتهَا الْكُبْرَى، ولدتها الحزينة عَلَيْهَا العبرى، مَدِينَة أبدة، دَار الْعمرَان المستبحر، والربض الحري الْمحصر، والمباني الشم الأنوف، وعقايل المصانع الجمة الحلى والشنوف، والغاب الأنوف، وبلد التَّجر، والعسكر المجر، وأفق الضلال الْفَاجِر الْكَذِب على الله، الْكَاذِب الْفجْر، فجدل الله حاميته، الَّتِي يعي الحسبان عَددهَا، وَشَجر بحورها الَّتِي لَا يرام مدها، وحقت عَلَيْهَا كلمة الْإِسْلَام، فَلَا يُسْتَطَاع ردهَا، فَدخلت لأوّل وهلة، واستوعب [جمعهَا] ، والْمنَّة لله، فِي نهلة، وَلم يَك للسيف من عضب عَلَيْهَا وَلَا مهلة. فَلَمَّا تنَاولهَا العفاء والتخريب، واجتاحها الْفَتْح الْقَرِيب، وَأسْندَ عَن عواليها حَدِيث النَّصْر الْحسن الْقَرِيب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وأقعدت أبراجها من بعد الْقيام والانتصاب، وأضرعت مسايغها لهول الْمُصَاب، انْصَرف عَنْهَا الْمُسلمُونَ بِالْفَتْح، الَّذِي عظم صيته، والعز للَّذي سما طرفه، واشرأب ليته، وَالْقصر الَّذِي حمد مسراه ومبيته، وَالْحَمْد لله ناظم الْأَمر، وَقد رأب شتيته، وَجَابِر الْكسر، وَقد أفات الْجَبْر مفيته. ثمَّ كَانَ الْغَزْو إِلَى أم الْبِلَاد، ومثوى الطارف والتلاد، قرطبة، وَمَا أَدْرَاك مَا قرطبة. الْمَدِينَة، الَّتِي على عمل أَهلهَا فِي الْقَدِيم، بِهَذَا الإقليم، كَانَ الْعَمَل، والكرسي الَّذِي بفضله أرعى الهمل، والمصر الَّذِي لَهُ فِي خطة الْمَعْمُور النَّاقة والجمل، والأفق الَّذِي هُوَ لشمس الْخلَافَة العبشمية الْحمل، فخيم الْإِسْلَام بعنوتها المستباحة، وَأَجَازَ نهرها المعيي على السياحة، وَعم دوحها الأشف بوارا، وأدار المحلات بسورها سوارا، وَأخذ بمخنقها حصارا، وأعمل النَّصْر بشجر نصلها، اجتناء مَا شَاءَ الله واهتصارا، وجدل من أبطالها من لم يرض الحجار، فأعمل إِلَى الْمُسلمين إحصارا، حَتَّى فرع بعض جهاتها غلابا جهارا [وَرفعت الْأَعْلَام إعلاما بعز الْإِسْلَام وإظهارا] ، فلولا استهلال الغوادي، وَإِن أَتَى الْوَادي، لأفضت إِلَى فتوح الْفتُوح تِلْكَ المبادىء، وأمضى تفئة العاكف والبادي، فَاقْتضى الرَّأْي، ولذنب الزَّمن بِفضل الله فِي اغتصاب الْكفْر إِيَّاهَا متاب، تعْمل ببشراه اقتاد واقتاب، وَلكُل أجل كتاب، أَن يراض صعبها، حَتَّى يعود ذلولا، وتعفى معاهدها الآهلة، فَتتْرك طلولا، فَإِذا فجع الله بمارج النَّار طوايفها المارجة، وأباد نجارجها الطايرة والدارجة، خطب السَّيْف مِنْهَا أم خَارِجَة. فَعِنْدَ ذَلِك أطلقنا بهَا أَلْسِنَة النَّار، ومفارق الهضاب بالهشيم قد شابت، والغلات المستغلات، قد دَعَا بهَا أهل الْفضل فَمَا ارتابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وَكَأن صفيحة نهرها، لما أضرمت النَّار خفافي ظهرهَا ذَابَتْ، وحية فرت أَمَام الْحَرِيق وانسابت، وَتَخَلَّفت لغمايم الدُّخان عمايم، تلويها برءوس الْجبَال، أَيدي الرِّيَاح، وتنثرها [بعد الركود] ، أَيدي الاجتياح. وأغرينا، بأقطارها الشاسعة، وجهاتها الواسعة، جنود الْجُوع، وتوعدت بِالرُّجُوعِ، فسلبت أَهلهَا لتوقع [الهجوم] ، منزور الهجوع، فأعلامها خاشعة خاضعة، وولدانها لثدي الْبُؤْس راضعة، وَالله يوفد بِخَبَر فتحهَا الْقَرِيب ركاب البشري، وينشر رَحمته قبلنَا نشرا. وَلِهَذَا الْعَهْد، يَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْك، وَبلغ وسيلتي إِلَيْك بلغ [عز] ، هَذَا الْقطر المرتدي بجاهك، الَّذِي لَا يذل من ادرعه، وَلَا يضل من اهْتَدَى بالسبيل الَّذِي شَرعه، إِلَى أَن لاطفنا ملك الرّوم، بأَرْبعَة من الْبِلَاد، كَانَ الْكفْر قد اغتصبها، وَرفع التماثيل ببيوت الله ونصبها، فانجاب عَنْهَا [بنورك] الحلك، وَدَار بإدالتها إِلَى دعوتك الْفلك، وَعَاد إِلَى مكاتبها الْقُرْآن، الَّذِي نزل بِهِ على قَلْبك الْملك، فَوَجَبت مطالعة مقرك النَّبَوِيّ بأحوال هَذِه الْأمة المكفولة فِي حجرك، المفضلة بإدارة تجرك، المهتدية بأنوار فجرك، وَهل هُوَ إِلَّا ثَمَرَات سعيك، ونتائج رعيك، وبركة حبك ورضاك، الْكَفِيل بِرِضا رَبك، وغمام رعدك، وإنجاز وَعدك، وشعاع من نور سعدك، وبر رعي رعيه من بعْدك، وَنصر رَايَتك، وَأثر حمايتك ورعايتك. واستنبت هَذِه الرسَالَة، مانحة بَحر الندى الْمَمْنُوع، ومفاتحته بإبداء الْهدى بِفَتْح الْفتُوح، وقارعة الْمظَاهر والصروح، وباقية الرحل، بمتنزل المليكة وَالروح، لتمد إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 قَلْبك يَد استمناح، ويطير إِلَيْك من الشوق الحثيث بجناح، ثمَّ تقف موقف الانكسار، فَإِن كَانَ تجرها آمنا من الخسار، وَتقدم بأنس، ويحجم بوحشة الغربة، وَيحبس لطول الْغَيْبَة، وَتقول أرْحم بعد دَاري، وَضعف اقتداري، وانتزاح أوطاني، وعلق أَعْطَانِي، وَقلة زادي، وفراغ مزادي، وَتقبل وَسِيلَة اعْتِرَاف وتغمد صفوة اقترافي، وَعجل بِالرِّضَا انصراف تحملي لَا انصرافي، فكم جبت من بَحر زاخر، وقفر بالركاب ساخر، وحاشى لله أَن يخيب قاصدك، أَو يتخطاي معاضدك، أوتطردني موايدك، أَو تضيق عني عوايدك. ثمَّ تمد الْيَد مقتبضة من يَد رحمتك، مستدعية دُعَاء من حضر من أمتك، وأصحبتها يَا رَسُول الله، عرضا من النواقيس الَّتِي كَانَت بِهَذِهِ الْبِلَاد المفتتحة، تعين الْإِقَامَة وَالْأَذَان، وَتسمع الأسماع الضَّالة وَالْأَذَان، مِمَّا قبل الْحَرَكَة، وَسَالم المعركة، وَمكن من نَقله الْأَيْدِي الْمُشْتَركَة، وَاسْتحق بالقدوم عَلَيْك، وَالْإِسْلَام بَين يَديك السَّابِقَة فِي الْأَزَل وَالْبركَة. وَمَا سواهُ فَكَانَت جبالا عجز عَن نقلهَا الهندام. فنسخ وجودهَا الإعدام. وَهِي يَا رَسُول الله جنى من جنانك، وَرطب من أفنانك، وَأثر ظهر عَلَيْهَا من مسحة حنانك، هَذِه هِيَ الْحلَل والانتحال، والعايق أَن تشد الرّحال، ويعجل الترحال إِلَى أَن نلقاك فِي عرصات الْقِيَامَة شَفِيعًا، وَنحل بجاهك إِن شَاءَ الله محلا رفيعا، ونقدم فِي زمرة الشُّهَدَاء الدامية كلومهم من أَجلك، الناهلة غللهم فِي سجلك، ونبتهل إِلَى الله، أطلعك فِي سَمَاء الْهِدَايَة سِرَاجًا، وَأَعْلَى لَك فِي السَّبع الطباق معراجا، وَأم الْأَنْبِيَاء مِنْك بِالنَّبِيِّ الْخَاتم، وقفي على آثَار نجومها المشرقة بقمرك العاتم، أَلا يقطع عَن هَذِه الْأمة الغريبة أسبابك، وَلَا يسد فِي وجوهها أبوابك، ويوفقها لاتباع هداك وَيثبت أَقْدَامهَا على جِهَاد عداك. وَكَيف نعدم ترفيها، أَو نخشى بسخا وَأَنت موفيها، أَو يعذبها الله وَأَنت فِيهَا. وَصَلَاة الله تحيط بفنايك رحال طيبها، وتبذر فِي ناديك شقايق خطيبها، مَا أذكر الصَّباح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 الطلق هداك، والغمام السكيب نداك، وَمَا حن مشتاق للثم ضريحك. وفليت نسيمات الأسحار عَمَّا أشرقت من ضريحك، وَكتب فِي كَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الصَّدقَات والبيعات صدر عني فِي ذَلِك صدَاق مُنْعَقد على أُخْت السُّلْطَان أبي الْحجَّاج بن نصر للرئيس أبي الْحسن عَليّ بن نصر، مَا نَصه: الْحَمد لله مانح أَسبَاب الهبات ومسديها، وفاتح أَبْوَاب الآمال الْبَعِيدَة المنال ومدنيها، وجاعل البركات الظَّاهِرَة، منوطة بِاتِّبَاع [أوَامِر] هَذِه الشَّرِيعَة الطاهرة، وَاجْتنَاب نواهيها. حمدا يصل المنن بالمنن، ويربط الْمَوَاهِب بالمواهب، الَّذِي أنشأ الْإِنْسَان، من نفس وَاحِدَة، وَجعل الْعَالم صِفَات حدوثها بعرمه شاهدة، وجاد على الخلايق من نعمه وعواطف رحماه، بِأَفْضَل صلات وَأكْرم عايدة، وأوردهم من موارد لطفه، كل عذب المشارب. هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة، ومنهى عباده، إِلَى مَا سبق فيهم. من سوابق الْإِرَادَة، وجاعلهم قسمَيْنِ، فمنية إِلَى الشَّقَاء ومنية إِلَى السَّعَادَة، لَا اعْتِرَاض على حكمه الْفَصْل، وَأمره الْغَالِب. تقدس عَن لواحق الْحَوَادِث والأغيار، وتعلى عَن هواجس الخواطر، وخطرات الأفكار، ووسع الأكوان، ظَاهرهَا وباطنها، باللطف الْخَفي، والجود المدرار، فشملت نعْمَته الهامية السَّحَاب. أوجر الْعَالم ليعبدوه، وألزمهم أَن ينزهوه ويمجدوه، وعرفهم وجوده الضَّرُورِيّ، ولولاه مَا عرفوه [وَلَا وجدوه] . وخلفهم فِي بطُون أمهاتهم، خلقا من بعد خلق، فِي ظلمَة الغياهب. شرع لنا الْإِسْلَام سَبِيلا وَاضحا، وأطلع [لنا من]] مراشده الباهرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 نورا لامحا، وَبعث إِلَيْنَا نبيه الْكَرِيم، رَسُولا أَمينا، وهاديا ناصحا، فَعرفنَا برسالته، المستحيل من الجايز، والمحظور من الْوَاجِب، وَالْحَمْد لله الَّذِي تنزه فِي عَظمته، وتوحد فِي كبريائه، وتعلى ملكه الْقَدِيم، وسلطانه الْكَرِيم، فِي أرضه وسمايه، وأحاط علما بِأَسْبَاب كل أَمر وأحواله، وانبعاثه ومآله، وابتدايه وانتهايه، وصور نوع الْإِنْسَان بِحِكْمَتِهِ من الطين اللازب. نحمده سُبْحَانَهُ على مَا أجزل من إحسانه، وخول من رفده، ونسبحه آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار، وَأَن من شَيْء، إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ، ونعترف بِأَن كل عارفة ونعمة واكفة، ومنة تالدة أَو طارفة، فَإِنَّمَا هِيَ من عِنْده. ونبرأ من المجادلة والمناصب، ونشكره، عز وَجهه، على مَا أَسْبغ من الإنعام، ونقر لَهُ بالوحدانية، المنزهة عَن الِانْتِهَاء والانصرام، ونستزيد من مواهبه الفياضة، وعوارفه الجسام، وآلايه المحسبة المآرب، ونسله أَن يمدنا بالتوفيق والعصمة، ويصل لنا أَسبَاب الْعِنَايَة وَالنعْمَة، وينور أبصارنا بِنور هداه، الَّذِي يشفي من العما، وَيذْهب بالظلمة، ويحملنا من رِضَاهُ على أوضح الْمذَاهب، ونشهد أَنه الله، الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، الْغَنِيّ عَن الأنداد، المبرأ عَن الِاتِّصَال والانفصال، والصاحبة وَالْأَوْلَاد، الْمُنْفَرد بِالْقَبْضِ والبسط، والإعدام والإيجاد، الْملك الَّذِي لَا تفيض خزاينه على كَثْرَة المسترفد والراغب. ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الطّيب العناصر، وَنبيه العميم المكارم، الْعَظِيم المفاخر، وأمينة المحرز فضل الأول وَالْآخر، وَصفيه الطَّاهِر الْمُنَاسب، الْكَرِيم الضرايب. تخيره من أشرف القبايل محتدا ومنتسبا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وَأَتَاهُ من كل الفضايل سَببا، وَاخْتَارَ لَهُ الْبُطُون الطاهرة، والأصلاب الفاخرة، أما فَأَما، وَأَبا فأبا، واختصه من شرف الْأَخْلَاق، وكريم الْمُنَاسب، وَألبسهُ من المفاخر الرايقة الطرر، والمحامد المتألقة الْغرَر، أشرف اللبَاس، وَأَتَاهُ من كَمَال والخصايص، وخصايص الْكَمَال، كل مضطرد الْقيَاس، وَجعل أمته الَّتِي كرمها باتباعه، والاستضاء، بِنور شعاعه، خير أمة أخرجت للنَّاس، وملكها بعز دَعوته، مَا زوى لَهُ من الْمَشَارِق والمغارب، فشرع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، النِّكَاح ذَرِيعَة إِلَى النَّمَاء، وَحفظ الْأَنْسَاب، ومألفة لمفترقات الْأَهْوَاء، وصلَة لمتباعدات الْأَسْبَاب، ورفعها لما يهجس من الشَّك، ويختلج من الأرتياب، وصونا لبيوت الشّرف، عَن الأوشاب والشوايب. [وخطب عَلَيْهِ السَّلَام، وخطب إِلَيْهِ، فِي الْأَحْيَاء، وَقبل الْخطْبَة للدُّعَاء، وجدع بالحلال أنف الْغيرَة والأباء] ، وَأمر بالتحيز للنطف، والارتياد لعقايل الشّرف تكريما للمناسب، وتنزيها للمناصب، فسعد باتباعه كل سالك الطَّرِيقَة [وَأَوَى إِلَى جناب الله كل آو لحزبه المفلح وفريقه] ، وَبَان المبتدع من المتبع، بتمييز الْحق وتعريفه [ليميز الله الْخَبيث من الطّيب] ، وَمَا الأخابث كالأطايب، فصلوات الله وَسَلَامه، وتحيته وإكرامه تستلم شرِيف ترابه، وتزاحم الْوُفُود على بَابه، وتعرس ركايبها، بَين روضته الطاهرة ومحرابه، وتحدو جوانبها أَيدي الصِّبَا والجنايب، صَلَاة نجدها زلفى فِي الْمعَاد، وقربة إِلَى رب الْعباد، وذخرا يَوْم قيام الأشهاد، ووسيلة تنَال بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 من رِضَاهُ أَسْنَى الرغايب، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، نُجُوم الأقتدا والإتمام، وسيوف دين الْإِسْلَام، السَّادة البررة، القادة الْأَعْلَام، أحلاس الْخَيل، وَرُهْبَان اللَّيْل، وَأسد الكتايب، ونستوهب من الله للمقام الْعلي المولوى السلطاني الْكَرِيم، اليوسفي النصري، سَعْدا ضافية حلله، وَعزا يُضَاعف بِهِ الدّين الحنيف أمله، وتمهيدا يتوفر لجميل صنع الله فِيهِ جذله، وعناية آلهية، يدل حاضرها على الغايب، وَلَا زَالَ نظره الْجَمِيل يعم الْأَقَارِب والأباعد، وَعطفه وشفقته، يعذبان لِلْخلقِ الْمَوَارِد، [وخلاله الْكَرِيمَة تقيد الأمداح الشوارد] ، وَلَا زَالَ الزَّمَان يتحلى من حلاه، ومآثر علاهُ، بأنفس من عُقُود الترايب. أما بعد هَذِه الْمُقدمَة، الَّتِي كرمت اختتاما وافتتاحا، وَوجدت فِي ميدان الرِّضَا والسعد، وبلوغ الأمل، وإحراز الْقَصْد، مغدا ومراحا، وأوسعت الْعُيُون قُرَّة، والصدور إنشراحا، فَإِن [من] الْمَعْلُوم الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل، وَالْمُسلم الَّذِي لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ بتعليل، وَلَا يخَاف على محكمه وَارِد مسخ وَلَا عَارض تَأْوِيل. فقد صَحَّ مِنْهُ كل سَبِيل، مَا خول الله هَذِه الدولة النصرية، كتب الله نصر كتابها، وَجعل مآثرها قلايد تجعلها الايام قلايد فَوق نحورها وترايبها، من الْكَمَال الَّذِي وَردت بِهِ، غير مدافعة حياطة، وَالْمجد اهذي تفيأت رياضه، وَالْعدْل الَّذِي رفعت فَوق الْعباد ظلاله، وَالْفضل الَّذِي استشعرت شيمته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وخلاله، وَالْجهَاد الَّذِي تلقت رايته بِالِاسْتِحْقَاقِ، [وَقَامَت بعرضه] كِفَايَة عَمَّن دونهَا من مُلُوك الْآفَاق، وَإِن الله سُبْحَانَهُ، نصر الدّين الحنيف، بسلفها فِي الْقَدِيم، ثمَّ تَدَارُكه بخلفها فِي هَذَا الأقليم، فضاء بنورهم صبح اللَّيْل البهيم، وأينع روض الْعِزّ فَلَيْسَ بالمصرح وَلَا بالمشيم، وتواترها صَدرا عَن صدر، وهلالا عَن بدر، وَولدا عَن أَب، وراثة حق وَنسب، من كل ملك صادح بِالْحَقِّ، مبرز فِي حلبة السَّبق، مراقب لله فِي الْخلق، وَهَمَّام يحِيل جِيَاد النَّصْر، ويطلع شمس السَّعَادَة فِي الْعَصْر. كلما أفل شهَاب ثاقب، طلع بَدْرًا فلاكه مفاخر ومناقب. صانوا حلل الْعليا عَن ابتذالها، وحفظوا على الْأَيَّام رونق جمَالهَا، وعالجوا الْملَّة الحنيفة من اعتلالها، وماذا عَسى أَن يبلغ القَوْل وَإِن اضطرد، أَو ينتهى الْمَدْح وَإِن شرد، فِي أنباء صحابة الرَّسُول وأنصاره، وسلالة سعد بن عبَادَة، وزيره الَّذِي لَا يضاهى فِي رفْعَة شَأْنه، وعلو مِقْدَاره، ووليه الَّذِي أعلن بإجلاله فِي قومه الْأَنْصَار وإكباره، وَقَالَ لَهُم لما أطل، قومُوا لسيدكم تسجيلا لعقد فخاره، إِلَى أَن ألبس الله طوق هَذِه الْخلَافَة النصرية، أشرفها فِي الْعَشِيرَة جيدا، وَأَكْرمهَا أَبَا وجدودا، وَجعل زمامها فِي أولى النَّاس بمقادتها، وأخصهم عِنْد إِحَالَة القداح بِسَهْم سعادتها، وأطولهم باعا فِي توفير الْخلال، الَّتِي يقتضيها، والمحامد الَّتِي يختارها ويرتضيها، مَوْلَانَا السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الْكَبِير الشهير الخطير، الْعَادِل الْفَاضِل، الْمَاجِد الْكَامِل، الأروع الباسل، الْمُجَاهِد الحافل، الْمَاضِي الصفاح، فِي ذَات الله والذوابل، هضبة الثَّبَات، إِذا هفت من الروع الهضاب، وَسيف الله الْمَاضِي الشبا إِذا كهمت السيوف العضاب، الَّذِي اشْتَمَل بِالطَّهَارَةِ يافعا وكهلا، وَكَانَ مذ كَانَ لخلافة الْمُسلمين أَهلا، الْمُجَاهِد، الكذا، [السعيد الشَّهِيد] أَبُو الْوَلِيد ابْن مَوْلَانَا الْهمام الأخطر، الْعلم الْأَشْهر، عنصر الْمجد اللّبَاب، وبحر النوال الْفَيَّاض الْعباب، وطود الرياسة العالي الجناب، وصارف عنان الدولة إِلَى أبنايه، بالعزم [الْمَاضِي الشبا] الثاقب الشهَاب، والرأي المصمى بعزة الصَّوَاب، ومستحقها بالاكتساب والانتساب، ومخلدها مِنْهُم، فِي الأعقاب إِن شَاءَ الله، وأعقاب الأعقاب، أبي سعيد فرج بن إِسْمَاعِيل ابْن يُوسُف بن نصر، المضاهي من نضار الانتساب [الرفيع] ، بِغَيْر الرايق وَلَا البهرج، الْمُنْتَهى فِي ذؤابة كرام الْخَزْرَج، جدد الله عَلَيْهِ ملابس الرَّحْمَة، وجزاه أفضل مَا جزا بِهِ الصَّالِحين، من مُلُوك هَذِه الْأمة، فَللَّه من سنة أَحْيَاهَا، وسيرة عدل أطلع محياها، وسبيل بر أوضحها، وَأَحَادِيث مجد عَن سلفة [من صحابة رَسُول الله] أثبتها وصححها، وصير الله ملكه إِلَى قرارة رِضَاهُ واختياره، وخلاصة حبه من بَين ساير بنيه وإيثاره، بدر أقماره، وندرة نضاره، وعنوان سعده، وبركة دَاره، الَّذِي أَعلَى عماد ملكه وَرَفعه، وَضم شَمل الْمُسلمين من بعده وَجمعه، وَبني على أساسه، وأثبج الْكَمَال من مُقَدمَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 قِيَاسه. مَوْلَانَا وعمدة ديننَا ودنيانا، الْوَاحِد المعدول بآلاف الْمُلُوك الصَّيْد، درة السلك، وَبَيت القصيد، الْجَامِع لما تفرق من محَاسِن الدَّهْر، كفو الْخلَافَة، المليء لَهَا بِالْمهْرِ، ذِي الْعَزْم الأمضى، وَالسَّعْي الأرضي، والسياسة الَّتِي أقرَّت الْعُيُون المرهى، والنفوس المرضى، الشهير الْحلم والأناة فِي [معمور الأَرْض شرقه وغربة] الميمون النقيبة، فِي سلمه وحربه، والمصنوع لَهُ فِي أعدايه، عناية من ربه، أَمِير الْمُسلمين أَبُو الْحجَّاج يُوسُف، أبقاه الله، وأيامه عَن غرر السعد سافرة، وأقسامه من النَّصْر وَالْفضل وافرة، وكتايبه ظَاهِرَة ظافرة، والحوادث عَن مقَامه، شاردة نافرة. فَمن لَهُ مجد كمجد هَذِه الدولة، الَّتِي لَهَا الْفَخر الْحقيق، وَالنّسب الصَّرِيح العريق، وَالسَّبَب المتين الوثيق، واقتدى بِهَذِهِ الشَّجَرَة النصرية الشماء، الَّتِي أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء. فروعها من الْأَقَارِب والرؤساء، فَكَانُوا نجوما أمدتهم شمسها المنيرة، بالثناء والسناء، فَلم يألوا فِي الاهتداء بهم والاقتداء فضلا منشور اللِّوَاء، وعدلا مديد الأنباء، ومجدا كريم الْأَبْنَاء، وجهادا قامعا للأعداء [يقوم مِنْهُم الْأَبْنَاء فِي ذَلِك بِحُقُوق الْآبَاء] ، ويتوارثون كَابِرًا عَن كَابر، مذخور ذَلِك الْعَلَاء، فَأَصْبحُوا صوارم جلادها، وولاة بلادها، وظهراء سلطانها، وزين أوطانها، حفظ الله عَلَيْهِم، من عز هَذِه الإيالة النصرية اليوسفية، مَادَّة سعدهم، وعنصر مجدهم، وَإِن من أفضل من أنجبته هَذِه الْبيُوت الرياسية، من أبنايها، الرييس الكذا الكذا [أبي فلَان] ، وصل الله سعده، وحرس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 مجده. فَإِنَّهُ نَشأ والعفاف يظله، وَالْمجد ينهله ويعله، وَالطَّهَارَة تضفي عَلَيْهِ، سوابغ أذيالها، والآصالة تورده عذب زلالها، [والسعادة] تَأْخُذ بضبعيه صعدا وتفسح لَهُ من بُلُوغ الآمال مدا، لم يعلق بأثواب شبيبته مَا يريبها ويشينها، وَلَا تلبس بِمَا يُنَافِيهِ فَضلهَا ودينها، وأسندت إِلَيْهِ الْولَايَة فسلك فِيهَا سيرة الْعدْل، وتحلى بحلى النزاهة وَالْفضل، وَإنَّهُ أعزه الله، ترقت إِلَى الْغَايَة القصوى آماله، وَانْفَسَحَ لَهُ فِي التمَاس الْعِزّ الأقعس مجاله [من الشّرف الْعد] ، وتشوفت نَفسه إِلَى إِحْرَاز الْوَسِيلَة، الَّتِي لَو طمعت فِيهَا الْكَوَاكِب الزهر، لتزحزت عَن مراكزها استلطافا، وهشت من آفاقها، استنزالا واستعطافا. وَسَأَلَ الله أَن يكيف لَهُ من الْمقَام اليوسفي، مصاهرة [يزِيد بهَا فخره] العالي أضعافا. فَوَافَقت دَعوته من الله إِجَابَة، ووافقت رغبته من خَلِيفَته [اسعافا] وأجابه، وَمَا برح يستخير الله [سُبْحَانَهُ] وَنعم المستخار، ويمد يَد الضراعة إِلَيْهِ، وَالله يقْضِي مَا يَشَاء ويختار. وَعرض على [الْمقَام] المقتدى بالرسول الَّذِي خطب إِلَيْهِ، صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه عَلَيْهِ، مَا تَوَجَّهت إِلَيْهِ آماله، وتوسل بالقربى، الَّذِي يتوسل بهَا أَمْثَاله. فَلَمَّا اتَّصَلت رغبته، وانثالت وتمادت وتوالت، وورى بالسعادة زنده، وخفق بالظفر بنده، وَرَأى مَوْلَانَا [أيده الله وأعز نَصره وَأَعلاهُ] أَن وصل سَببه، وزكى حَسبه، وأوضح فِي الإنعام عَلَيْهِ مذْهبه، وَأوجب لَهُ الْعَهْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 السّني، والإملاك السّني فِي أُخْته، الْحرَّة الجليلة الطاهرة [المعظمة السعيدة] إبنة وَالِده، مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد، وصل الله [لَهما عوايد] الْيمن والسعد، وَعرفهَا فِي انتقالها أَضْعَاف مَا عَرفته، من منشإ الْمجد، إِيجَابا حالفته السُّعُود، وأنجزت لَهُ الآمال الوعود، وَأسسَ بُنْيَانه، على تقوى من الله ورضوانه، الَّذِي تؤسس عَلَيْهِ الْعُقُود الدِّينِيَّة والعهود، فَعرف الرييس الْأَجَل، أعزه الله، قدر هَذِه النِّعْمَة، الَّتِي لَا تقاس بهَا النعم، إِلَّا وترفعت عَن أجناسها، وَخرجت عَن حكم قياسها، وتلقاها بِمَا يجب من الشُّكْر الَّذِي يُقَابل جلايل النعم، وتستزاد بِهِ عوارف الْكَرم، وانعقد بَينهمَا الإملاك السعيد، فِي الْحرَّة [الجليلة] المخطوبة [الْمُسَمَّاة] على صدَاق أوجبت السّنة، تعْيين مقدمه وتاليه، وتبيين نَقده وكاليه، وأجرى قبُوله الْمقَام الْكَرِيم اليوسفى، حرس الله لَهُ أَسبَاب معاليه، [فَجرى رفده الذى يصله، وإحسانه الذى يواليه] ، مبلغه مَا بَين نقد حَاضر، وكالي مستأخر ألفا دنير، إثنان من دَنَانِير الذَّهَب الْعين، وَكَذَا وَكَذَا. على هَذَا انْعَقَد النِّكَاح، وَتمّ بِسَبَبِهِ وكمل. وَلَو كَانَ [هَذَا الْقدر يكافي] ، مِقْدَارًا، أَو يوازي منصبا ملوكيا ونجارا، لم يكن لهَذَا المنصب فِي عرُوض الدُّنْيَا ونقودها، على اخْتِلَاف أقطارها، وتباين حُدُودهَا، مَا يكافي قدرا، ويوفي مهْرا. لَا كنها سنة الْإِسْلَام، واقتفاء مَذَاهِب الشَّرْع الْوَاضِحَة الْإِعْلَام، وسبيل الْعُقُود الشَّرْعِيَّة، فِيمَا يَخُصهَا من الْأَحْكَام. وَتَزَوجهَا بِكَلِمَة الله الَّتِي علت على جَمِيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الْكَلم، وعَلى سنة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله المبتعث إِلَى الْعَرَب والعجم، الماحي بِنور هداه، أسداف الظُّلم، وَبِمَا أَخذه الله عز وَجل، لِلزَّوْجَاتِ على أَزوَاجهنَّ فِي كِتَابه الْعَزِيز، الَّذِي أوضح لأولى الْأَلْبَاب قَصده، من الْإِمْسَاك بِالْمَعْرُوفِ، وَمَا بعده. فليعاملها بِمَا يجب لمنصبها الْكَبِير، ومجدها الشهير، من المكارمة المتكفلة باستخلاص الضَّمِير، وَهِي وصل الله لَهَا أَسبَاب السَّعَادَة، تعامله بِمَا يَقْتَضِيهِ حَالهَا، وتعرف لَهُ الدرجَة، الني لَا ينكرها أَمْثَالهَا. عقد عَلَيْهَا الْأَمْلَاك [هَذَا] ، السعيد، وَكيل الْمولى أَخِيهَا، وَهُوَ فلَان، بِمَا بِيَدِهِ، من قبل مقَامه، من التَّفْوِيض الْعَام، الَّذِي من فُصُول النِّكَاح، من يرجع إِلَى نظره، أيده الله بِسَبَب أَو ملك أَو وَلَاء [حَسْبَمَا] . يعرفهُ شُهُوده، وَهِي بكر فِي حجر الْمقَام المولوي،، ونحت ولَايَة نظره العلى، وَبعد تَقْدِيم الاستمار، واقتضاء الْإِذْن من مقَامهَا الرفيع الْمِقْدَار، وَتَحْصِيل مَا يجب فِي [هَذَا الْبَاب] ، شرعا، على حسب الِاخْتِيَار. وَالله تَعَالَى يَجْعَل هَذَا العقد مُبَارَكًا، قد جَادَتْ البركات الهامية أرجاه، وأجابت السَّعَادَة نداه، ويبقي عَلَيْهِمَا من [عناية] ، هَذَا الْمقَام الْكَرِيم المولوي، مَا يحمدان إِعَادَته وأبداه، بِفضل الله. شهد على الرييس الكذا وَالْوَكِيل، بِمَا فِيهِ عَنْهُمَا من أشهداه بِهِ، وهما بِحَال كَمَال الْإِشْهَاد. فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين لصفر عَام اثْنَيْنِ وَخمسين وسبعماية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَمِمَّا صدر عني فِي ذَلِك صدَاق انْعَقَد للأمير الْأَجَل أبي عَليّ مَنْصُور، ابْن السُّلْطَان أبي سعيد ابْن السُّلْطَان أبي يُوسُف بن عبد الْحق، مَعَ بنت الشَّيْخ الْجَلِيل الْمُجَاهِد أبي سرحان مَسْعُود بن الشَّيْخ أبي عُثْمَان بن أبي الْعلي رحمهمَا الله تَعَالَى. الْحَمد لله الَّذِي ارتضى الْإِسْلَام دينا قويما، وَشرح لنا مِنْهُ منهاجا وَاضحا، وسبيلا مُسْتَقِيمًا، وأسبغ علينا بسابغه، كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس، فضلا عميما، عجزت الْعُقُول عَن كنه ذَاته، فضلت فِي بيدائه الأوهام، وحارت الأفكار، فِي تعدد صِفَاته، فَأَصْبَحت طائشة السِّهَام، وسددت الأفهام الثاقبة والأذهان المراقبة، إِلَى هدف، الأحاطة بِعِلْمِهِ، فَكَانَ الْقُصُور قصارى تِلْكَ الأفهام، فوقفت مَوَاقِف الِانْقِطَاع، عَن بُلُوغ ذَلِك المرام، لَا تَسْتَطِيع تَأْخِيرا وَلَا تَقْدِيمًا. تقدس فِي ربوبيته الْوَاجِبَة عَن النظراء والأنداد، وتنزه بوحدانيته عَن الصاحبة وَالْأَوْلَاد، وتعلى فِي كبريائه عَن لواحق الْكَوْن وَالْفساد، وأحاط علمه بالكاينات، على تبَاين الْأَنْوَاع، وتنافر الأضداد لَا يعزب عَن علمه مِثْقَال ذرة، فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض، إِنَّه كَانَ عليما حكيما. وتبارك الَّذِي أنشأ الْإِنْسَان، وسواه بِيَدِهِ , وَنفخ روح الْحَيَاة فِي جسده، ورسم قبُول النهى وَالْأَمر فِي خلده، وَحفظ نَوعه بعقبه وَولده، وَأحسن خلقه فِي ظلمَة الْأَرْحَام تقويما، ثمَّ لما أوجده، بعد أَن لم يكن شَيْئا مَذْكُورا، وشق سَمعه وبصره، فَكَانَ سميعا بَصيرًا، وأودع قلبه من هِدَايَة الْحق نورا، وألهمه طَرِيق النّظر وَالِاسْتِدْلَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 فَعلم ببديهة عقله، أَن لَهُ صانعا قَدِيما قَدِيرًا، يسر لَهُ المآرب تيسيرا، وتمم لَهُ الْمصَالح تتميما، ثمَّ أطاف بِهِ من الشَّرِيعَة حمى حصينا، وبوأه بِهِ من عصمَة النَّفس وَالْمَال، حرما أَمينا [وأسلكه من رفقه ولطفه، سَبِيلا مُبينًا] ، وَأوردهُ من هدايته وإرشاده، مشرعا معينا، وألزمه من وظايف التَّكْلِيف، مَفْرُوضًا ومسنونا، ومحظورا ومحتوما. وَالْحَمْد لله الَّذِي لَا تحصى ضروب نعمه المترادفة، وَلَا تنفد خزاين رَحمته، مَعَ اتِّصَال سحايبها الواكفة، وَلَا يتجهم وُجُوه وجوده على [كَثْرَة الأكف المستمدة من فيض بحورها] الغارقة، وَلَا يعْدم من لَجأ إِلَيْهِ وتوكل عَلَيْهِ فضلا جسيما. فَبِأَي مواهبه العميمه، يغرى لِسَان التَّحْمِيد، وَفِي أَي بَاب من أَبْوَاب آلايه [الْكَرِيمَة] يحط ركاب التمجيد، أبنعمة الْخلق أم بِنِعْمَة الرزق، أم بِنِعْمَة التَّوْحِيد. لقد بهرت آلَاء ذِي الْعَرْش الْمجِيد، خُصُوصا وعموما، وَمن عنايته جلّ جَلَاله، بِهَذَا النَّوْع الَّذِي فَضله بِالْعقلِ على كثير من خلقه، وشرفه لما عرفه طَرِيق الْقيام بِحقِّهِ، أَن جعل الآخر مِنْهُ كَالْأولِ، فِي سلوك سَبِيل الْخَيْر، وَاتِّبَاع طرقه، وَجعل لَهُ بِمُقْتَضى لطفه ورفقه، حدودا يقتفي آثارها ورسوما. فسكن بِمَا شرع لَهُ من الْإِحْصَان، بعضه إِلَى بعض، وهيأ لَهُ بالتناسل بَقَاء النَّوْع وَعمْرَان الأَرْض، وَجعل لَهُ التعاون على وظايف الدُّنْيَا، والإعداد إِلَى يَوْم الْعرض، فَحفِظت رسوم الْمصَالح الدِّينِيَّة والدنيوية، بالمثابرة عَلَيْهَا والحض، وأينعت أدواح الرشد، بعد أَن كَانَت هشيما. نحمده سُبْحَانَهُ، حمد معترف بتقصيره، عَاجز من حَقه الْوَاجِب على أَدَاء كبيره، ملق زِمَام التَّفْوِيض، إِلَى لطيف تَدْبيره، مستزيد من مواهب هدايته وتبصيره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 مستسق من ألطاف لطفه الْخَفي، وفضله الحفي نسيما، ونشكره أَن ألهمنا شكره، الَّذِي يَسْتَدْعِي الْمَزِيد من النعم، وَيضمن من الآلاء، أوفى الحظوظ، وأوفر الْقيم، وعَلى أَن سددنا إِلَيْهِ، وصرفنا فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ، شبا اللِّسَان والقلم، شكرا يكون بتضاعف هبات الْجُود وَالْكَرم زعيما. ونشهد أَلا إِلَه إِلَّا هُوَ وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة يذهب نورها بِالشَّكِّ والالتباس، ويتأرج مِنْهَا رياض الصدْق عاطر الأنفاس، وتثنى نفحات الْبسط من مهبات الإيناس، وتطلع وَجه التَّحْقِيق لأبصار بصاير النَّاس، وضاحا وسيما. ونشهد أَن سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، النَّبِي الْعَرَبِيّ، الْقرشِي الْهَاشِمِي، عَبده وَرَسُوله، الَّذِي اخْتَارَهُ واصطفاه، ووفاه [من مَخْصُوص اعتنايه] ، وَمَا وفاه، وَأَبْرَأ بِهِ الْوُجُود من علته المعضلة وشفاه، وَأثْنى عَلَيْهِ فِي مُحكم كِتَابه الْحَكِيم وَكَفاهُ، فخرا عَظِيما، انتخبه من سلالة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، وَأنزل بِشَارَة ببعثه فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، وَأثبت بهدايته الْحق، ومحا برسالته الأضاليل، وكرم بولادته الذَّبِيح والخليل، وَجعله أزكى الخلايق عنصرا وأطهرهم خيما. النُّور الَّذِي تضاءلت الْأَنْوَار لطلوعه، وَنَفث روح الْقُدس فِي روعه، وتفجرت يناييع الْخيرَات والبركات من ينبوعه، واحتفل الشّرف الْعد بَين أُصُوله الطاهرة وفروعه، حَدِيثا وقديما. ابتعثه والشرك قد أظلت آفاقه، والعدوان قد قَامَت أسواقه، وَالْبَغي قد أتلعت أعناقه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَحقّ الله قد نكث عَهده وميثاقه، والعقايد زايفة عَن الْحق تثليثا وتجسيما، فَدَعَا الْخلق على بَصِيرَة مِمَّن خصّه بِخَتْم الرسَالَة، ومحا بِنور الْحق [ظلمَة الْجَهَالَة] وَشَمل الْخلق بالبركات الهامية المنثالة، وَبَين المآخذ والمتارك تبيينا أنقذ من العماية والجهالة، وأوضح الْمذَاهب عَن الله تحليلا وتحريما، فَكَانَ مِمَّا ندب إِلَيْهِ النِّكَاح، الَّذِي أَخذ بحكمتى الطَّبْع وَالشَّرْع , وَجمع بَينهمَا [أحسن] الْجمع , وَأمره بِالِاخْتِيَارِ للنسل وَالزَّرْع , فتطابقت دلالتا الْعقل والسمع، منطوقا ومفهوما. ونصلى عَلَيْهِ عدد الْحَصاد وَالتُّرَاب ونهدي من كريم التَّحِيَّة، مَا يغْرس بَين تِلْكَ الرَّوْضَة الطاهرة والمحراب، ونعفر الخدود فِي مواطنه الْكَرِيمَة، بالوهم قبل الْقدوم على لحده الرفيع الجناب، ونهدي إِلَيْهِ بالنفوس الَّتِي أنقذها هَدْيه، وخلصها سَعْيه على حَال الاغتراب، ونسلم تَسْلِيمًا وَنرْضى عَن آله وقرابته، وأوليائه وعصابته، وأنصاره الْكِرَام وصحابته، المستوجبين من الله عز وَجل، بنصره وإجابته، مزية قَوْله، ويدخلهم مدخلًا كَرِيمًا، مَا ركضت جِيَاد الألسن، فِي ميادين ثنايهم، ولجأت الآمال الضاحية إِلَى ظلالهم وأفيائهم، واهتدت السراة بأنوار سمايهم، واقتدت الْأمة فِي آدَاب الدّين وَالدُّنْيَا بمآثر عليائهم، انتفاعا بهَا وتعليما، ونستوهب من الله سُبْحَانَهُ [لهَذَا الْمقَام الْعلي] ، السعيد السلطاني اليوسفي] سَعْدا تبهر الْعُقُول عجايبه، وَعزا لَا يراع حماه، وَلَا يذعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 جَانِبه، وصنعا إلهيا لَا تَلْتَبِس مذاهبه، ونصرا تجوس خلال الديار كتبه أَو كتايبه، وفخرا يَنْتَظِم مِنْهُ لبات الزَّمَان وترايبه، درا نظيما، وَلَا زَالَ ملكه مثوى العفاة ومحط الآمال، ومقامه السعيد، فذلكة حِسَاب الْكَمَال، وبابه الْعلي، كعبة الْجلَال، فَكلما رام أمرا بعيد المنال، كَانَ لَهُ السعد خدينا، والدهر خديما. أما بعد هَذَا الْفَاتِحَة، الَّتِي فتحت من النجح كل بَاب، ومتت إِلَى التَّوْفِيق بوسائل وَأَسْبَاب، فقد علم من مَذَاهِب [أهل] السّنة، وتقرر، وَتردد، وتكرر، وتخلص بالبراهين الأشعرية وتحرر، أَن التحسين والتقبيح، لَا يُحِبَّانِ بِالْعقلِ وَلَا بالطبع، وَإِنَّمَا الْمرجع فيهمَا إِلَى حكم الشَّرْع، وَإِن الْعقل إِذا شدّ لحكم من الْأَحْكَام عقدا، وتناوله قبولا أَو ردا [فحقه أَن] يعرض على سُلْطَان الشَّرْع توقيعه، ويلقى فِي يَد ذَلِك المسيطر النَّاقِد جَمِيعه. فَمَا كتب بامضائه، أنفذ وأعمل، وَمَا لم يجزه، طرح وأهمل. وَلَا خَفَاء أَن النِّكَاح، مِمَّا اقْتَضَاهُ الشَّرْع وَالْعقل، وتعاضد فِيهِ السّمع وَالنَّقْل، وَأَن الرَّسُول الَّذِي أعْطى كل شَيْء حَقه، وأوضح من الْهدى طرقه، ندب إِلَيْهِ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْل وَبَين حكم مستطيع الطول [وَغير مستطيع الطول] حَتَّى كَاد نَدبه إِلَيْهِ أَن يكون وجوبا، وَإِلَى تِلْكَ الصِّيَغ مَنْسُوبا، [فَمن أُوتِيَ رشدا، وسلك من الِاتِّبَاع قصدا اقْتدى بِمَا شَرعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَينه، وَفتح مَا فَتحه، وَحسن مَا حسنه، واستمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 القَوْل فَاتبع أحْسنه] وَلَا أبهى من حلل الْمجد، إِذا كَانَت عَلَيْهَا من التَّقْوَى طرر مذْهبه، وقلايد من طَاعَة الله وَرَسُوله منتخبة، فَإِن تقوى أولى الرياسة وَالْمجد عز الدّين، وَظُهُور السّنة فِي هَذِه الميادين، وَهَذَا الْقرب من الْمَعْمُور، وَإِن نأي حسا لَا معنى، عَن مطالع ذَلِك النُّور، مستمسك بِحَبل السّنة وَالْجَمَاعَة [لَا يزَال أَهله على الْحق كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام، إِلَى قيام السَّاعَة. [وَلما جعل الله] بعدوتيه، الدولتين الساهرتين النصرية والمرينية، على هدى، ومنح الْخلق مِنْهُمَا نَاس وندا، فاستولتا من الْكَمَال على مدا، وجعلتا التعاون فِي سَبِيل الله دينا وسبيلا مُبينًا، بِأَن أتحف الدولة المرينية بالإمداد والإنجاد، وأتحفتها الدولة النصرية بِأَجْر الْجِهَاد، ومرضاة رب الْعباد، فضفى السّتْر [وَالْحَمْد لله] ، على الْبِلَاد، واتصلت الْأَيْدِي على الدفاع وَالْجهَاد. وَلما كَانَت أَحْوَال هَاتين الإيالتين، لم تزل على مر الْأَيَّام، وكبارهما، كَأَنَّهُمَا حَال وَاحِدَة، وضمايرهما على الصِّفَات متعاقدة، تنْتَقل بَينهمَا من ظلّ إِلَى ظلّ، وتجنح بِحَسب الدَّوَاعِي من مَحل كريم إِلَى مَحل، كَأَنَّمَا ينتقلون من يَد إِلَى يَد، ويترددون بَين قلب وكبد. فورد على هَذِه الْأَبْوَاب الجهادية، مِنْهُم صُدُور ميادين، وأعلام فضل وَدين، وآساد عرين، وأهلة من مطالع سَمَاء بني مرين، تلقاهم الرتب بانشراح صدورها، وتحلهم الْأَمْلَاك بَين شموسها وبدورها، وتستظهر مِنْهُم على أعدايها بكريم أودايها، فربعها بهم عَامر وآهل، وَبُيُوتهمْ فِيهَا يدل عَلَيْهِ سِنَان حايل، وجواد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 كَاهِل. إِن تحركت المراكب، كَانُوا آساد سُرُوجهَا، وَأَن نصبت الْمَرَاتِب، كَانُوا نُجُوم بروجها، وَإِن أحضرت بساتين الكتايب، كَانَت عمايمهم الْبيض أزهار مروجها، يلقون عَصا التسيار بِهَذَا الوطن اعتباطا، ويوسعون الْعدَد استكثارا وَالْجهَاد ارتباطا، ويطيرون إِلَى الْجِهَاد بأجنحة السمر الْحداد ارتياحا ونشاطا، من كل همام غذاه الْملك بدره، وبوأه الْملك فِي مستقره. وَإِن من أرفع من ورد على هَذِه الإيالة النصرية قدرا، وَاسْتحق من موكب جيادها قلبا، وَمن مجْلِس أمجادها صَدرا، من استولى من الشّرف الْعد على أتمه، وتوسل إِلَى الْملك المريني بِأَبِيهِ وجده وَعَمه [وَابْن عَمه] ، ذَلِك الشَّيْخ الْأَجَل [الْأَعَز الأرفع الأمجد، الأحفل الأسعد الأوحد، الأطهر الْأَصِيل الْمُعظم] ، أَبُو عَليّ مَنْصُور ابْن السُّلْطَان [الْأَجَل الْأَعَز الأطول الْأَفْضَل الأحفل الأسعد الأطهر الأمجد، الباسل الْفَاضِل الْكَامِل، الْمُعظم المبرور الْمُقَدّس] ، أبي عَليّ عمر ابْن السُّلْطَان الْجَلِيل، الْأَعْلَى الأمجد الأحفل، الأسعد الأوحد، الأرضي، الْمُجَاهِد، الأسمى، الحافل الْكَامِل، الْجواد الْبَاذِل، علم الْأَعْلَام، نَاصِر دين الْإِسْلَام، الْعَادِل الْفَاضِل الْمُؤَيد المعان، الْمُعظم الْمُقَدّس، أَمِير الْمُسلمين [أبي سعيد] ، ابْن السُّلْطَان الْجَلِيل الْمُعظم الْمُقَدّس، أَمِير الْمُسلمين، وناصر الدّين، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل رب الْعَالمين، أبي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق، من مُلُوك الْمغرب الْأَقْصَى، وَأولى المآثر الَّتِي لَا تحصى. مجَالِسهمْ بالعلماء معمورة، ومكارمهم فِي الْآفَاق مَشْهُورَة، ووقايعهم بالْكفْر مَذْكُورَة، وموالاتهم، لأملاك [الْجِهَاد] ، بِهَذِهِ الْبِلَاد، فِي صحف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الْبر مسطورة، وأبوابهم بالوسايل مَقْصُودَة، وألويتهم فِي نصر الدّين معقودة، تغمد الله من سلف من مُلُوك هَاتين الدولتين بِرِضَاهُ وَرَحمته، وَشَمل من ولى وَخلف بمزيد فَضله وَنعمته. وَأَنه لما قدم على هَذِه الْبِلَاد النصرية الْآن، وَقد ازدهت بالإيالة اليوسفية أقطارها، وأضاءت بِنور الْعدْل ديارها، وَصفا بهَا مورد الْيمن وضفى ستر الأوان، وأشرقت الأَرْض بِنور الرَّحْمَن، واعتدل بِعدْل سلالة الْأَنْصَار، وَأَبْنَاء صحابة النَّبِي الْمُخْتَار فِيهَا وزن الرِّهَان، تَلقاهُ روح حَيَاتهَا وَبدر إمامها، وَمعنى مَعَانِيهَا، وَولى الْمُسلمين فِيهَا، مَوْلَانَا وعصمة ديننَا ودنيانا، السُّلْطَان الْجَلِيل، الظَّاهِر الطَّاهِر، الْعَادِل الْمُجَاهِد [الْفَاضِل] ، ثمال الْأمة، [وسلالة كرام الأيمة] ، الدَّاعِي للوسايل والأذمة، أَمِير الْمُسلمين أَبُو الْحجَّاج، أيده الله، تَلقاهُ بالرحب والسهل، وخلطه بالعشير والأهل، فمهد لَهُ الْكَرَامَة قبل الوساد، وتكلفت لَهُ الْغَايَة، بتقليل النظراء وتكثير الحساد، وَخبر عَنهُ [بِحَضْرَتِهِ] ، أفضل مَا خبر من منتقل من مشابه من الْعقل وَالدّين وَالْعَمَل، على شاكلة أَبنَاء السلاطين، وَأَنه ذهب إِلَى تحصين دينه بالإحصان، وَجمع شَمله بكفو من أَهله، فِي هَذِه الأوطان، وَاخْتَارَ فِي بيُوت الْمجد بَيْتا يُوَافق أصالته الراسخة الْبُنيان، فأداه اخْتِيَاره الَّذِي شهد توقله بالسداد والرجحان، إِلَى الْبَيْت الرفيع، المستولى فِي ميدان جلالة الشَّأْن على الأمد، مقاسمه فِي بحبوحة الْحسب، وملاقيه فِي ذرْوَة النّسَب، حَيْثُ الْعِزّ مَرْفُوعَة قباقبه، وَالْفَخْر مَوْصُولَة أَسبَابه، وَالْجهَاد دامية عضابه، جليس الضراغم الضارية، وميدان الْجِيَاد المتسابقة إِلَى الْفضل المتبارية. ذَلِك بَيت الشَّيْخ [الْأَجَل الْأَعَز الأرفع الْأَسْنَى] الكذا، أبي سرحان مَسْعُود ابْن الشَّيْخ الْجَلِيل الْأَغَر الأرفع الْمُعظم الْأَسْنَى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ظهير الدولة الإسماعيلية، ذِي السَّابِقَة لدعوتها والأولية، والاختصاص بتشييد أَرْكَانهَا والمزية، أَسد الحروب، إِذا اضطرمت نارها وفار تيارها، وَبدر دجاها إِذا احْتَجَبت بالنقع أقمارها، الْكَرِيم المآثر فِي الدفاع عَن الدّين، حسام كَبِير السلاطين، أَسد العرين، شيخ الْمُجَاهدين، من مَشَايِخ بني مرين، [الْمُقَدّس، الأرضي، الْمُعظم] ، أبي سعيد عُثْمَان ابْن الشَّيْخ [الْجَلِيل الْكَبِير، الشهير الخطير، الْمُعظم الأوحد، الْأَظْهر الأطهر، الأمجد، الْمُعظم الْمُقَدّس الأرضي] ، أبي الْعَلَاء إِدْرِيس بن عبد الْحق، النّسَب الْمَعْرُوف، والمعدن الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ هَذِه السيوف، والعنصر الَّذِي تشمخ بِهِ هَذِه المعاطير الأنفة والأنوف. فحين ظهر بِهَذَا الْبَيْت، الَّذِي هيأ لَهُ التَّوْفِيق اتفاقه، وَمد عَلَيْهِ السعد رواقه، شَدِيد الظنين على ذخره، وثابر مِنْهُ على مُرَجّح فخره، وَعرض غَرَضه على الْمقَام الْكَرِيم اليوسفي، الَّذِي أَوَى إِلَى إيالته، واستظل بِظِل جلالته، ملتمسا بركَة إِشَارَته، وراجيا أثر استخارته، فَاسْتَرْجع، أيد الله نظره، وَاسْتحْسن مأخذه فِي ذَلِك وشكره، وَرَأى أَنَّهَا وشايج على مُظَاهرَة مقَامه تلتحم، وعقود مجد فِي لبة دولته الرفيعة، تنتظم، وَقُلُوب على محبته تأتلف، وألسن بِحقِّهِ الْوَاجِب تعترف، وشآجيب مجد بِبَابِهِ إِن شَاءَ الله تقف، كافأ الله مقَامه ببلوغ الأمل، وإنجاح الْعَمَل، حَتَّى يودي حَقه من صنايعه، هَؤُلَاءِ الحفدة والبنون، وتجنى من غرس الْخَيْر [فِي أَهله، وَوَضعه فِي مَحَله] مَا تقر الْعُيُون. فَخَطب للشَّيْخ [الْأَجَل الْأَغَر الأرفع، الْمَاجِد الْمُعظم] ، أبي الْحسن عَليّ ابْن الشَّيْخ الكذا ابي سرحان مَسْعُود ابْن أبي سعيد الْمَذْكُور قبل، أُخْته الْحرَّة الماجدة الفاضلة، مسعودة، وصل الله سعدها، وحرس مجدها، خطْبَة قابلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 السعيد بِوَجْهِهِ الْمشرق الأسرة [وضاحكة الْيمن] بالثغور المفترة، وانعقد بَينهمَا فِي الخطوبة الْمُسَمَّاة الْأَمْلَاك السعيد [الَّذِي يسير بِهِ الأمل الْبعيد] ، على صدَاق، أوجبت السّنة تعْيين حَده، وتبيين كاليه ونقده، مبلغه بَين نقد عجلته يَد الْإِحْضَار، وكالي أجلته مَكَارِم الاختبار، مُشْتَمل على خدم وعروض من الأثواب الرفيعة، وحلى النضار، بِحَسب حسبها الرفيع الْمِقْدَار، وَذَلِكَ أَرْبَعَة من خلاخل الذَّهَب قيمتهَا أربعماية دنير من الذَّهَب الْعين، وتاج من الذَّهَب قِيمَته كَذَا إِلَى كَذَا، تزَوجهَا بِكَلِمَة الله الَّتِي علت الْكَلِمَات الْعليا، وعَلى سنة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُول الله، الَّذِي علم آدَاب الدّين وَالدُّنْيَا، وَبِمَا أَخذه الله لِلزَّوْجَاتِ على أَزوَاجهنَّ من الدرجَة الرفيعة المقررة بِلِسَان الشَّرِيعَة، حَسْبَمَا بَينه الله سُبْحَانَهُ وَحده، من الْإِمْسَاك بِالْمَعْرُوفِ، وَمَا بعده. فليتجاريا فِي ميدان المكارمة تجاري [الْجِيَاد] ، الْعتاق، ويعملا على شاكلة مَا لَهما من طَهَارَة الأحساب، وكرم الأعراق. عقد عَلَيْهَا هَذَا الْأَمْلَاك السعيد، فلَان، وَهِي بكر عذراء، صَحِيحَة الْجِسْم وَالْعقل، مَحْمُولَة من الْحِلْية على أوضح السَّبِيل، وَبعد تقدم الاستيمار، وَتَحْصِيل مَا يجب فِي هَذِه الْحَال شرعا، على الأختيار، شهد عَلَيْهِمَا بِمَا فِيهِ عَنْهُمَا من أشهداه، وهما بِحَال كَمَال الْإِشْهَاد. وَالله عز وَجل، يَجْعَل هَذَا العقد أَيمن عقد، يسر السعد أَسبَابه، وَفتح الْيمن أبوابه، وسحب التَّوْفِيق أثوابه، ورسم النجح كِتَابه. وَيبقى هَذَا الْمقَام اليوسفي ظلا لمن قصد جنابه [وثمالا لمن أمل ثَوَابه] ، وَلَا أعدمه مَوَدَّة صَادِقَة، ومدحة رائقة، ودعوة مجابة بمنه. وَكتب فِي كَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَمِمَّا صدر عني أَيْضا صدَاق مُنْعَقد على بنت سيد الشرفاء، الجلة وَعلم أَعْلَام هَذِه أَعْلَام هَذِه الْملَّة، أبي عبد الله بن عمرَان، لولد الشَّيْخ الْفَقِيه الْخَطِيب الْكَبِير الشهير، أبي عبد الله مُحَمَّد بن مَرْزُوق، أعزهما الله بعد أَن صدر الْأَمر من سُلْطَان الْمغرب، أَمِير الْمُسلمين أبي سَالم، أَن يكون الصَدَاق الْمَذْكُور من إملائي على كتاب بَابه، فأمليت فِي الْيَوْم الَّذِي صدر لي الْأَمر الْعلي بذلك، مَا نَصه بعد سطر الِافْتِتَاح: الْحَمد لله الَّذِي لَهُ الْحِكْمَة الْبَالِغَة، وَالنعْمَة السابغة، وَالْملك الْكَبِير، وَبِيَدِهِ الْخلق وَالْأَمر [والإنشاء] ، وَالْفضل، يؤتيه من يَشَاء. وَهُوَ الْحَيّ الْحَلِيم المريد الْقَدِير، الْوَاحِد الْأَحَد، الَّذِي لَا يحول بَقَاؤُهُ، وَإِن حَال الزَّمَان، وَطَالَ الأمد الْفَرد، الَّذِي اسْتَحَالَ عَلَيْهِ الْعدَد، والصاحبة وَالْولد، فَلَا يُدْرِكهُ فِي ذَاته، بِتَعَدُّد صِفَاته، التكثير، الْملك الْحق الَّذِي غنى بعز جبروته، فِي عَظِيم ملكوته، عَن الأعوان والظهراء، والصاحبة والوزراء، والأمثال والنظراء، فَلَا ينجده الْمعِين، وَلَا يرشده النصيح، وَلَا يُشَارِكهُ الْوَزير الْحَكِيم، الَّذِي فتق رتق الأكوان، على اخْتِلَاف الصُّور والألوان، وَقد تعاقب الملوان، وَأعْطى كل شَيْء خلقه، من الجماد والنبات وَالْحَيَوَان. فأذعن لَهُ الإبداع، وانقاد لَهُ الاختراع، وأطاعه التَّصْوِير. أضلّ وَهدى، وَتفرد بالوحدانية، فَلم يتَّخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 صَاحِبَة وَلَا ولدا، وأحصى مدارج الحركات، ومدارك اللحظات، فيعينه مَا [يظنّ وَظهر] وَرَاح وَغدا، وَحصر شوارد الأنفاس، وأشخاص الْأَجْنَاس، فأحاط بِكُل شَيْء علما، وأحصى كل شَيْء عددا. أَلا يعلم من خلق وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير. تجلى الْأَبْصَار البصاير نور جَلَاله، فاض على السَّمَوَات وَالْأَرْض، عميم جوده، وكريم نواله، وامتن على الْوُجُود بمنحه قبل استمناحه وسؤاله، فَهُوَ الْغَنِيّ الْمَحْض، وَمن سواهُ فَهُوَ، الْفَقِير. وَالْحَمْد لله الَّذِي فضل نوع الْإِنْسَان، وَخَصه بمزيد الإنعام وَالْإِحْسَان، وحباه بِفضل الْعقل، وَفضل اللِّسَان، فأمكنه الإفصاح عَن مقاصده الحسان وَالتَّعْبِير، وابتداه بجزيل نعماية، وَاعْتَمدهُ بعميم آلايه، وصوره من الطين اللازب بيد إنشايه، وَنفخ فِيهِ من روحه، وأسجد لَهُ الملايكة سمايه، وَاخْتَارَ مِنْهُ صفرَة أوليايه، ونخبة أنبيايه، وَجعله محلا لقبوله، وَأهلا لاصطفايه،، وَأعد لأَجله دَاري جزايه. وحسبك فخارا يُشِير إِلَيْهِ المشير. وَالْحَمْد لله الَّذِي رفع بنية السَّمَاء والقبة الشماء، مَا اتخذ لَهَا عمادا، وَجعل الأَرْض فراشا لَهَا ومهادا، وَالْجِبَال الراسية أوتادا، وَأَنْشَأَ الْبشر، لما دَرأ وَنشر، من نفس وَاحِدَة، بَث مِنْهَا أعدادا، وَضرب لَهُم من بعد الْحَيَاة ميعادا، فَمِنْهُ النشأة، وَإِلَيْهِ الْمصير. وتبارك الله رب الْعَالمين، الَّذِي نطق الْحَيّ والجماد من تَعْظِيمه بِلِسَان، واعترف الْخلق أَنه الْحق، وكل من عَلَيْهَا فان. وَثَبت ببديهة الْحق وجوده، من غير اعْتِبَار مَكَان، وَلَا بسبوق زمَان، وَأَلْقَتْ الموجودات إِلَى حكم قدرته يَد الإذعان، فَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ، مَا بَين سر وإعلان. ونعوذ بِاللَّه، من سخطه ونستجير، وَسُبْحَان من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أنشأ النُّفُوس البشرية وسواها، وأدار على من اصْطفى مِنْهَا، وَاخْتَارَ كؤوس مَعْرفَته حَتَّى رَوَاهَا، وأرشدها بِنور الإلهام فِي ظلمات الْأَرْحَام، إِلَى الْوُقُوف بربوع توحيده والإلمام، وَقد مَال بهَا عَن الجادة هَواهَا، وَعظم الْأَرْحَام إِلَى جعل تقواه مقترنة بتقواها، فوضح حَقّهَا الأكيد، وَظهر قدرهَا الْكَبِير. ونحمده، وَله الْحَمد فِي الأولى وَالْآخِرَة، ونثني عَلَيْهِ بِمَا على نَفسه، اثنى من صِفَاته الْعلي، وأسمايه الْحسنى [ونشكره على] ونعمه الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة، ونعترف لملكه الْحق، بعجز الْعُقُول الذاهلة، والنفوس الْقَاهِرَة، فَكلما بهرت الْأَلْبَاب منته الوافرة، وآلاؤه المتوافرة، فشأننا الْعَجز، وصفتنا التَّقْصِير. ونشهد أَنه الله الَّذِي لَا آله إِلَّا هُوَ، ثَبت فِي بالبديهة وجوده فَلَا يسع جَهله، لَيْسَ فِي الْوُجُود إِلَّا فعله، بِيَدِهِ الْخلق، وَالْأَمر، وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله، عين المقاسم والمواهب جوده وفضله، وأجرى الأقدار على حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ وَاخْتَارَهُ حكمه وعدله. يحط وَيرْفَع، وَيُعْطِي وَيمْنَع، لَا يسل عَمَّا يفعل، وَلَا يعْتَرض، فِيمَا يصنع، بِمَا اقتضته الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَالتَّدْبِير، شَهَادَة تتأرج نفحات الْإِخْلَاص من أزهارها، وتتخلق [أكوان الأردان] ، من شذا معطارها، وتسفر غرر التَّوْحِيد من مطالع أسرارها، وتضيء أرجاء الْوُجُود أشعة نجومها وأقمارها، وتستفاد كنوز الْيَقِين من مكامن أسرارها، ونجدها عتادا إِذا زخرفت الْجنان وسعرت السعير. ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده الَّذِي شرح صَدره، وَرفع ذكره، وَرَسُوله الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 بلغ نَهْيه وَأمره، ونجيه الَّذِي أدنى مَحَله، وأسنى قدره، ونوره الَّذِي أَمن من المحاق بدره، ومختاره الْأمين، المكين، البشير النذير، أكْرم ولد آدم عَلَيْهِ، وأرفعهم منزلَة لَدَيْهِ، ومصطفاه الَّذِي جعل الْفضل طوع يَدَيْهِ، ومجتباه الَّذِي مدحه فِي الْقُرْآن الْحَكِيم، بالخلق الْعَظِيم، وَأثْنى عَلَيْهِ، وَنبيه الَّذِي لَهُ شرف الْأَقْصَى، وَالْفضل الشهير، نُكْتَة الْعَالم، وفايدة الأكوان، والمتقدم بِفضل [السَّابِقَة] وَإِن تَأَخّر بِالزَّمَانِ، وَحجَّة الله المؤيدة بالبرهان، وَخَاتم النبين وناسخ الْأَدْيَان، المحرز من شَأْن الْكَمَال وَكَمَال الشَّأْن، مَالا يحصره الْعد، وَلَا يَأْخُذهُ التَّقْدِير. أرْسلهُ سُبْحَانَهُ بِالْحَقِّ لجَمِيع الْخلق، بشيرا بِلِسَان الصدْق، بشيرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ لإنس الْكَوْن وجنه، وسراجا منيرا، وَنَصره بِالْحَرْبِ، والمجال الصعب، بجيوش الرعب، يسير بَين يَدَيْهِ شهورا، وأذهب عَن أهل بَيته الرجس وطهرهم تَطْهِيرا، وَاخْتَارَ لَهُ من دوحة الْفَخر قبيلا، وَمن عنصر الْمجد عشيرا، فَنعم الْقَبِيل، وَنعم العشير، وأضفى عَلَيْهِ ملابس التكريم، وَوَصفه بالرؤف الرَّحِيم. وافترض على الْمُؤمنِينَ فرض الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيم، وَجعله فذلكة الْحساب، وَبَيت القصيد ويتيمة العقد النظيم، دَرَجَة ييس مِنْهَا المثيل، وَعجز عَنْهَا النظير، وأفرده بالفخر الأجلى، وَالْقدر الْأَعْلَى، والكمال الْأَقْصَى، [وَنَصّ عَلَيْهِ] فِي صحف أنبيائه نصا، وأولاه من مواهب عنايته، ولطايف ولَايَته، مَالا يعد وَلَا يُحْصى، وَأسرى بِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى، [ووثر لَهُ] ، ظهر الْبراق، لاختراق السَّبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الطباق، فَمَا استصعب وَلَا استعصا، فَعرف فَضله الْمَلأ الْأَعْلَى، والفلك الْأَثِير، ابتعثه الله، والجاهلية الجهلا تصول، والعدوان تشام مِنْهُ النصول، وحرمات الله، تجتث مِنْهَا الْفُرُوع وَالْأُصُول، وَالْمَعْرُوف يقطع بِسَبَبِهِ الْمَوْصُول، والسعادة لَا يَتَأَتَّى عَلَيْهَا الْحُصُول، وَدِمَاء الضُّعَفَاء تطل، وأيدي الأقويا تطول، فقر الرجفان، وارتفع الْعدوان، وَسَهل العسير، وانتصف الْغَرِيم، ووضح النهج الْكَرِيم، وَثَبت التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم، وطلع الصُّبْح وانصرم الصريم، وَاسْتقر الْحق فَلَا يبرح وَلَا يريم، وَأخذ الْأَحْكَام عَن الله، التَّمْهِيد والتقرير. فَكَانَ مِمَّا سنه صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ، النِّكَاح، الَّذِي ندب إِلَيْهِ ندبا كَاد يلْحق بِالْإِيجَابِ، وخطب إِلَيْهِ تهمما بِهَذَا الْبَاب، فَكَانَت سنة وَافَقت هواً، وقصداً جمع بَين الضرورية البشرية، وَالثَّوَاب وذريعة إِلَى صون الْأَنْسَاب وَحفظ الأحساب، وننزيها للدّين من شوايب الإرتياب، وغرضا كَرِيمًا يكل فِي ميدانه وتعظيم شَأْنه، الْبَيَان وَالتَّعْبِير، وَلم يزل صلوَات الله عَلَيْهِ، يحض عَلَيْهِ بإفصاحه وتبيينه، وَقَوله من تزوج فقد كمل نصف دينه، ويجلي وَجه النصح يروق نور جَبينه، ويحض ذَات الدّين والشرف بتعيينه، ليرجح الْأُمَم فِي الْمعَاد، وَيقوم قيام الْإِشْهَاد الْعدَد الْكثير، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَشرف وكرم وَقدس وَعظم، وَبَارك ورحم، مَا أظلم اللَّيْل البهيم، وأشرق الصُّبْح الْمُنِير، ورضى عَن آله وصحابته وعترته وقرابته، نُجُوم الْهدى المشرقة، وبحور الندى المغرقة، والعصابة المومنة بِالْغَيْبِ المصدقة، والأسرة الملتفة فِي الرعب المحدقة، الَّتِي كَانَت تهدي بهديه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فِيمَا يُشِير، وتسري بأنوار مراشده وتسير، ونستوهب من الله لهَذَا الْمقَام الْعلي المولوي [الإمامي السعيد السّني] ، الإبراهيمي المستعينى، سَعْدا يتكفل بعز السُّلْطَان، وتمهيد الأوطان، ونصرا يعلي أَعْلَام الْإِيمَان، وَيرْفَع رواق الْيمن وَالْإِيمَان [وصنعا يخلد آيَات الْفَخر فِي صفحات الْأَزْمَان] ، وعدلا يكف أكف الْبَغي والعدوان، وتوفيقا يَقُود إِلَى الْقبُول من الله والرضوان، ويمنا تلوذ بِهِ الآمال، فيحالفها البشير. فَهُوَ الَّذِي جدد الرَّسْم بعد مَا درس، وحاط الْأمة بِسيف الله وحرس، وجنى من ثَمَرَات الْملك الْأَصِيل، مَا ازدرع سلفه الأرضي بالعزم الأمضى واغترس، فغفر الله لَيْث الْبَغي لما افترس، واستخلص أَمر الله من يَد غاضبه فَهُوَ الأحق بِهِ والجدير. فأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا، وأفاقت النُّفُوس من كربها، ودارت أفلاك الْأَمر الْعَزِيز على قطبها، وَأَلْقَتْ الْفِتْنَة أوزار حربها، وابتهج الْمِنْبَر والسرير، وَلَا زَالَ جَامع شَمل الدّين بعد شتاته، وواصل سَبَب الْحق بعد انبتاته، وحافظ كلمة الله، وَالله لَا مبدل لكلماته. ومخيف الزَّمَان العادي بعزماته وطارد شدايده وأزماته، يطلع بَدْرًا فِي ظلماته، ويسطع فجرا فِي مدلهماته، حَتَّى يَأْمَن بِهِ الخايف، وَيجْبر الكسير، ودام مستعينا بِاللَّه فِي جَمِيع أَحْوَاله، مستزيدا بِذكرِهِ من نواله، متوكلا عَلَيْهِ فِي حركاته وسكنانه، وأقواله وأعماله، فَالله نعم الْمولى وَنعم النصير. أما بعد هَذِه الْفَاتِحَة الَّتِي تجلت وُجُوه المسرات المستمرات، خلال اختتامها وافتتاحها، وتأرجت أزهار تحميد الله وتمجيده، من بَين أدواحها، ووضحت فِي ليل الحبر تباشير صباحها، والمقدمة الَّتِي تكفلت للأعمال بنجح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 آمالها، وللآمال بفوز قداحها، فَإِن السَّعَادَة فِي الأقتداء بسنن خَاتم الْأَنْبِيَاء حَاصِلَة، وآيات الْكتاب الْعَزِيز، بَين الْحق وَالْبَاطِل فاصلة، وصنعة الله وَإِن أَبَت المناصل غير ناصلة، فَمن وفْق للسعادة الْمُعَادَة، اقْتدى وَاتبع، وثوى بِربع الْهدى وَربع. وَالشَّرْع قد قرر الْآدَاب ورتبها، ورفض الْفَوَاحِش واجتنبها، وانتقى المراشد وانتخبها، وَله الحكم على الْعقل، بسيوف النَّقْل، الرايقة الصقل مهما حسن أَو قبح، وَإِن وازن الْعقل وَرجح، ونأى بصنعة الْقيَاس وتبحح. وَالنِّكَاح من الْأَغْرَاض الَّتِي حسنها الشَّرْع وزينها، وأوضح تضافر الْمصَالح الشَّرْعِيَّة والطبيعية فِيهِ وَبَينهَا [ونفق الْفضل وَحرم العضل] وأرشد من الْحيرَة، وأرغم بالحلال أنف الْغيرَة، فتعاضدت الْأَنْسَاب والأصهار، وَأمكن بالتآلف والاستظهار، وَبَان الْحق ووضح النَّهَار، سنة الله الَّتِي قر بهَا الْقَرار، وعمرت الْمنَازل والديار، وتنافس فِيهَا الأخيار، وامتدت إِلَيْهَا الْأَيْدِي والأبصار، وحكمته الَّتِي لطفت مِنْهَا الْأَسْرَار، وَوَجَب فِيهَا الِاعْتِبَار. وَكَانَ أولى بالمثابرة على هَذِه المراشد، وتتميم مَا قرر من الْأَغْرَاض الشَّرْعِيَّة والمقاصد، والمسارعة إِلَى هَذِه المشارع الروية والموارد، والمبادرة إِلَى اقتناء هَذِه المحامد، أولو الْعلم الَّذين يَتَّقُونَ الله حق تُقَاته، ويحرصون على التمَاس مرضاته، فهم أقطاب سنته ومفترضاته، وورثة أنبيائه ودعاته، وأشرف الْملَّة الَّذين يُحَافِظُونَ على الْمُنَاسب الرفيعة، وياخذون وَيدعونَ بقسطاس الشَّرِيعَة. فهنالك تزدان حلل الْعلم والشرف بحلى الْعَمَل، وتطلع شمس الْآدَاب الدِّينِيَّة، أبهى من الشَّمْس فِي الْحمل، وتستبشر النُّفُوس النفيسة، من إِحْرَاز مزايا الدّين وَالدُّنْيَا ببلوغ الأمل. وَإِن هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الْمغرب الْأَقْصَى الَّذِي عدمت فِيهِ، وَالْحَمْد لله، الْفرق والأهواء، وسطعت من [فضايل أَهله] الأضواء، ولاح من حسن اقتدايهم بِإِمَام دَار الْهِجْرَة، رضى الله عَنهُ، السَّبِيل السوَاء، تشرف قَدِيما، ببضعة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَجعلهَا بَين سحره ونحره، وتبعة من إِحْدَى ريحانتي الْجنَّة، اتخذها إكليلا لمفرق فخره، فَاسْتَوَى على الأمد القصي، وَأصْبح كرسيا لأهل الْوَصِيّ، وَاسِعًا آل عَبَّاس بدايل، ذِي بَأْس ونايل، لَوْلَا أَنه اغتبط لتوقد ذرْوَة الشوق وفرعها، وَعجل الكرة وأبدعها، واستخلص الْجنَّة الَّتِي بذرها جده وزرعها، فصرف لفاس، عمرها الله بِالْإِسْلَامِ حلته، وأورث مِنْهَا بالبقعة الزكية سراته وجلته، فتبوؤا مِنْهَا بالدور ... المعشب الرَّوْض، الأرج النُّور [قرارة السعد] ومثوى عشير سبط وبأس جعد، ودست وَعِيد ووعد، وفْق برق ورعد، يتناقلون رتب الشّرف الصَّرِيح، كَابِرًا عَن كَابر، ويروي مسلسل بَيتهمْ الرفيع الْعمد، كل حَرِيص على عوالي الْمَعَالِي مثابر. فالكف عَن صلَة، وَالْأُذن عَن حسن، وَالْعين عَن قُرَّة، وَالْقلب عَن جَابر، حَيْثُ الأنوف الشم، وَالْوُجُوه الغر، والعزة القعساء وَالنّسب الْحر، والفواطم فِي صدف الصون من لدن الْكَوْن، كأنهن الدّرّ. قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَنعم الْآل، والموارد الصادقة إِذا كذب الْآل، وَمن إِذا لم يصل عَلَيْهِم فِي الصَّلَاة، حبطت مِنْهَا الْأَعْمَال، طيبَة الركب، ونشيدة الطَّالِب، وسراة لؤَي بن غَالب، وملتقى نور الله، مَا بَين فَاطِمَة الزهراء وَعلي بن أبي طَالب، والأدارسة الَّذين سيف جدهم بالمأذنة الْعُظْمَى، والمرقب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الأسمى، منتضى مَشْهُور، قد سالمته أفلاك ودهور، وتجافت عَنهُ أَعْوَام وشهور. فَلهُ إِذا حذفت المعالم، وطمست للفخر المواسم، ظُهُور. وَلم تزل الْمُلُوك الْكِرَام تستدعيهم إِلَى صُدُور الْمجَالِس، وتزين عُقُود المحافل بدررهم النفايس، وتشركهم فِي المآكل والمشارب والملابس، وَتجْعَل توفيرهم إِلَى استخلاص ضماير الْمُسلمين ذَرِيعَة، وتقديمهم دينا، وتجلتهم شَرِيعَة، وتبرزهم فِي المحول، إِذا شكا النَّاس نازلهم وَجَهْدهمْ، وتستسقي بهم غيث السما، كَمَا استسقى عمر رَضِي الله عَنهُ بجهدهم، إِلَى أَن تَلا الدَّهْر سُورَة آل عمرَان، فياشد مَا أعجز، ووعد أَن يحيي بآيتها الْبَيِّنَة الشّرف، وآثار من [مضى من] ، وَالسَّلَف، فوفى وأنجز، فتوفرت رغبات الْأَعْلَام على التَّعَلُّق بعروتهم الوثقى، وسمت مِنْهُم الهمم إِلَى الْمحل، الأرقى، وتبادر الْفُضَلَاء والأعوان، ركضا، إِلَى المنافسة فِي قربهم وسبقا، ابْتِغَاء لما عِنْد الله، فَمَا عِنْد الله خير وَأبقى، واغتباطا بذرية رَسُوله، الَّذِي من ظفر بقربها أحرز الْفَخر حَقًا. أبقى الله أعلامهم سامية، وبركاتهم هامية، وآمال الْعلمَاء، وَرَثَة جدهم، إِلَى غَايَة مجدهم مترامية. وَإِن السَّيِّد الْفَقِيه الْجَلِيل، الْكَبِير الشهير الخطير، رييس الفئة العلمية العديدة الوافرة، وَصدر كتبتها الغانمة الظافرة، وجواد هَذِه الحلبة الْكَرِيمَة، وَفَارق هَذِه الديمة، تَاج المفرق، وفخر الْمغرب على الْمشرق، على الْحلَّة السيرا، وبركة الدولة الغرا، ممهد الأقاليم برماح الأقلام، وآسى الكلوم الرعيبة برقى الْكَلَام، وَعلم الْأَعْلَام، والمؤتمن على أسرار مُلُوك الْإِسْلَام، الَّذِي أَصبَحت مَدِينَة الْملك بيمن نقيبته، وَفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ضريبته، مَدِينَة السَّلَام، وانجلت بِنور تَدْبيره غياهب الظلام، وهيأته لسعادة الْخلق، وإبانة طرق الْحق، عناية الْملك العلام الْعَالم الْعلَا، الأوحد، الطَّاهِر الظَّاهِر، الأسعد، الإِمَام اذي يقدمهُ الْمُلُوك والأمراء، ونسيج وَحده، الَّذِي عدمت لَهُ النظراء [وتقاصرت عَن مدى شاوه النظراء] مُسْند حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غضا أعمل فِيهِ ركضا، وَقطع جوا فجوا، وأرضا فأرضا، يرى نَقله من معدنه فرضا، حَتَّى لفظ من أدواح الْمشَاهد النَّبَوِيَّة أزهاره، وأنفد ليله فِي اقتناء الفضايل والجلائل ونهاره، وأسمع بِلَفْظِهِ من فَوق المراقي السامية، مشايخه وكباره، وقفل عَن حج بَيت الله وزيارة الرَّسُول، الَّذِي اخْتَارَهُ، قفول النسيم عَن الرَّوْض بعد مَا زَارَهُ وأودعه أسراره، توجب مُلُوك الْإِسْلَام إيثاره، وتجلو عَن منصات منابرها أفكاره. صدر الصُّدُور، وَبدر البدور، وَعلم المرقب الْمَشْهُور، ومؤمل الْخَاصَّة وَالْجُمْهُور، الْفَاضِل الْكَامِل، والحافظ المحافظ، الْعَالم الْعلم، المتقن المُصَنّف، أَبَا عبد الله مُحَمَّدًا ولي الله، الَّذِي ظَهرت بركاته وتقيدت بِالْكتاب وَالسّنة [سكناته وحركاته] ، الْمَعْمُور الزَّمن بالأحباب والإنابة، الْمَخْصُوص الدعْوَة بالإجابة، الَّذِي وَاصل فِي مجاورة حرم الله شتاء وصيفا، وأخذته بِهِ أكف الاختبار، فَلم يَك عِنْد الِاعْتِبَار زيفا، حَتَّى أم بِالْمَسْجِدِ الْكَرِيم، وَإِن كَانَ ضيفا، وَتقدم مُصَلَّاهُ اختبارا لم يجر حيفا. وحسبك بهَا فَضِيلَة سلت عَلَيْهَا عناية الله سَيْفا، وَاخْتَارَ بذلك البقيع الْكَرِيم لحده، مُنْقَطِعًا إِلَى الله وَحده، فَأَصْبَحت تربته مزورة مَقْصُودَة، وكرامته مَشْهُورَة مَشْهُودَة، وفضايله لَيست خافية وَلَا محجوبة، الشَّيْخ الْفَقِيه الْجَلِيل الطَّاهِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الظَّاهِر، القانت العابد، الزَّاهِد المتصوف، الصَّالح الْمُعظم، الْمُقَدّس، المرحوم أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن ولي الله، الرفيع الدرجَة لَدَيْهِ والرتبة، الْكَرِيم اللَّحْد، الزكي التربة. الَّذِي تذممت بجاه جواره مُلُوك وَطنه، واستنارت بملحده بَين أحداثها ومدفنه، ابْتِغَاء الْوَسِيلَة إِلَيْهِ، والقربة الشَّيْخ الكذا، أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مَرْزُوق، سلالة أَوْلِيَاء الله، الَّذين شهرت أَحْوَالهم، وَقصرت على مواهب السَّعَادَة آمالهم، وأشرقت بإدامة ذكر الله خلالهم، جيران تَاج العارفين، ومشايخ القايمين بمقام تربته والعاكفين، وعماد الْعباد المتسمين بِولَايَة الله المتصفين، أبقاه الله للْعلم وَالْعَمَل، وبلوغ الأمل، وتدبير الدولة الَّتِي لَهَا الْفَخر على الدول، وَحجَّة فضل العصور الْمُتَأَخِّرَة عَن العصور الأول، لما كَانَ لَهُ فِي مضمار الْفضل [الْمشرق الْأَنْوَار] ، بالتقديم والتبريز والكمال الَّذِي خلص مِنْهُ الإبريز، وَنَشَأ فِي حجره، فرع مجده، ونير سعده سلالة الْكَرَامَة وَالْولَايَة، والمؤمل لوراثة فَضله وَعلمه، بعد بُلُوغ عمر النِّهَايَة، وهلال سمايه الَّذِي حكمت لَهُ بالإبدار، والعصمة من السرَار، مخايل الْبِدَايَة، وتوهم إمتطاؤه كتد الْمِنْبَر، وَهُوَ فِي كتد الر اية،، الْفَقِيه الكذا، أَبُو الْقَاسِم، بلغه الله فِيهِ [غَايَة الآمال] وَحفظ عين، كَمَاله من عين الْكَمَال، فَهُوَ عين الْكَمَال، نظر لَهُ النّظر الَّذِي يتكفل بِحسن العواقب، وَيجمع شتات المناقب، ورشحه إِلَى أَعلَى المراقى والمراقب، وَولي فِيهِ وَجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 اجْتِهَاد الملاحظ المراقب، شطر النَّجْم، المصاقب للنجم المثاقب، [وأمد لَهُ] الْوَسِيلَة إِلَى الحاشر العاقب، وَذهب إِلَى أَن يصون شبابه بإحصانه فِي ريعانه، ويلبسه ثوب العفاف، يسحب فِي ميدانه ذيل أردانه، فجالت مِنْهُ فِي هَذَا الْغَرَض الَّذِي يسمح فِي اقتناء جوهره بِالْعرضِ، الخواطر المقدسة والأفكار، وقرع باستخارته بَاب من يخلق مَا يَشَاء ويختار، حَسْبَمَا كَانَ يَفْعَله فِي أُمُوره المهمة، النَّبِي الْمُخْتَار، فانبعث لخطاب، واعتبرت الْأَعْيَان فِي الْمَدِينَة الَّتِي عظم مِنْهَا الشان، وأقرت بفضلها الْبلدَانِ، واستحضرت الأقطاب، وتنخل الطاب، فَوقف أمله على هَذَا الْبَيْت، الَّذِي عقد عَلَيْهِ الْخِنْصر، وَالْفَخْر، الَّذِي سَمعه السَّامع، وأبصره المبصر، وَاخْتَارَ وَهُوَ السديدة أفكاره، وعنوان عقل الْفَتى اخْتِيَاره، الْبَيْت الَّذِي لَا يعدل الأختيار عَن جنابه [شرفا وتجلة] ، وإعظاما أَصبَحت رسومه مُسْتَقلَّة، خير بَيت طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس، وتفرعت من قَوَاعِده الْقَوَاعِد الْخمس، وَشهد بفخره الْيَوْم والأمس، وصمتت لهيبته الشفاه، فشأنها الْإِشَارَة والهمس. بَيت الشّرف الَّذِي تعرفه الْخيام وَالْحلَل، [لَا بل النجد] ، والملل، ومعدن الْفَخر الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل، وَيعْمل فِي تعزيزه وتوقيره أَمر الله الممتثل. وَرمى إِلَى ذَلِك الْجَبَل المنيف بهمته، وأغرا أمله باختطاطه بِنَاء هَذَا الْبناء السعيد فِي ذروته وقمته، ومت إِلَيْهِ بوسايله الَّتِي لَا ترد وأذمته، فَخَطب مِنْهُم السَّيِّد الشريف [الطَّاهِر الظَّاهِر الأسعد الأصعد الأوحد الأمجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الأعدل الْأَفْضَل الْأَكْمَل] ، الْمُعظم، لباب لبابهم، وعنوان كِتَابهمْ، وواصل أسبابهم، وبركة شيبهم وشبابهم، ذِي الْقدر المنيف، والحسب الْغَنِيّ عَن التَّعْرِيف، الَّذِي تذكر بالغرر الفاطمية عزته، وَيدل على نفاسة ذَلِك العقد الثمين درته، جليس الْخلَافَة وأثيرها، وعميد الْعِصَابَة العلوية وكبيرها، أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن علم الْأَعْلَام، وكبير الشرفاء الْكِرَام، وَالْمُعْتَمد بالإجلال والإعظام، المتميز بقدم الرسوخ، ورسوخ الْأَقْدَام، والمتمسك من مثوى جده، بمحط الرحل وَمحل الالمام، الْمَخْصُوص بميزات الْمُلُوك الْعِظَام، الْمُعْتَمد مِنْهُم بالإحظاء وَالْإِكْرَام، المتبرك بِهِ وبولده، من أهل بَلَده عِنْد اللِّقَاء وَالسَّلَام [الشريف الْكَبِير الْجَلِيل التقي الأواب الأسعد الأرضي الْمُقَدّس المرحوم] ، أبي عبد الله مُحَمَّد بن عمرَان ابْن عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن عَليّ بن يحيى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حمود بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى الحوطي، الَّذِي جبر الْبَيْت، وَأَحْيَا الْحَيّ. وَخلف الْمَيِّت ابْن الْقَاسِم بن إِدْرِيس بن عبد الله بن حسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، أبقاه الله علم أَعْلَام، وركن استلام، وشهاب هدى يجلو كل الإظلام ووسيلة إِلَى الله فِي كشف ضرّ أَو استنزال غمام، على وَلَده الأسعد أبي الْقَاسِم، بنت أَخِيه السَّيِّد الشريف، [الْأَجَل الظَّاهِر الْأَسْنَى الأعدل الأزكى] قسيمه فِي نسبه، وَمَا تقرر من حميد مذْهبه، فرع الشَّجَرَة الشماء [والسرحة الهاشمية] الَّتِي أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء، الَّذِي توشح بِالطَّهَارَةِ والعفاف يافعا ووليدا، واحرز الْفَخر طريفا وتليدا [الصَّالح الْفَاضِل التقي الخاشع المتبرك بِهِ الْمُقَدّس المرحوم] أبي فلَان قدس الله تربته، وَرفع فِي الملاء الْأَعْلَى، مَعَ سلطة أولى الْفضل الَّذِي تتلى رتبته. وَهِي الشَّرِيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 السعيدة، الفاضلة الطاهرة، كَرِيمَة شرفه، وَبكر حجابه، ودرة صدفه، فَاطِمَة، جعلهَا الله خير خلف، من أمهاتها اللأى طَال مَا اهْتَدَى بِهن الرِّجَال، وَإِن كن نسا، وَنقل عَنْهُن إِلَى أبنايهن، وهم الْمُؤْمِنُونَ، حكم الله صباحا ومسا، خطْبَة كَانَ السعد قايد زمامها، واليمن مُقَرر أَحْكَامهَا، والرضى وَالْقَبُول ضامني تَمامهَا. فَتلقى الشريف الطَّاهِر، أَبُو عبد الله عَنْهَا بِالْقبُولِ وَالرِّضَا خطبَته، وأسعف رغبته، وَرَأى أَنه كَمَا قيل فِي أَوَّلهمْ، فَحل لَا يقْدَح أَنفه، وكفؤ يَقْتَضِي الْعدْل والعلمية أَن يمْنَع صرفه، وَعلم لَا يجهل اسْمه وَلَا يُنكر فعله، وَلَا يحذف حرفه. فَكَانَ الارتياح والنشاط، وَالرِّضَا والاغتباط، ثمَّ الِالْتِزَام والارتباط، وانعقد بَينهمَا [النِّكَاح فِي الخطوبة، الْمُسَمَّاة على بركَة الله الباهرة الْآيَات، وعَلى صدَاق مبلغه مَا بَين نقد معجل وكالي مُؤَجل كَذَا وَكَذَا، النَّقْد من ذَاك كَذَا وَكَذَا والكالى وَقدره كَذَا وَكَذَا، وسعت المكارمة أنظاره إِلَى كَذَا وَكَذَا من الْآن] ، تحمل وَالِد الزَّوْج، حرس الله أَسبَاب معاليه، وبلغه من سَعَادَة الزَّوْجَيْنِ مَا يرتضيه، جَمِيع مَا ذكر، من نقد الصَدَاق وكاليه، [تحمل حمل لَا مدْخل للحمالة كَحكم فِيهِ] وعَلى ذَلِك انْعَقَد النِّكَاح، وتمت مَعَانِيه، وبسببه اسْتَقَلت مبانيه، وَهِي متصفة بالأوصاف الَّتِي تبيح كَمَال الْإِشْهَاد وتسنيه. تزَوجهَا بِكَلِمَة الله، الَّتِي علت الْكَلِمَات وفاقتها، وبهرت الْأَبْصَار وراقتها، وَتَقَدَّمت الْأَعْمَال الصَّالِحَة فَمَا حدتها الْمَوَانِع وَلَا عاقتها، وعَلى سنة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله، الَّتِي انتخبتها المراشد وانتقتها [ونظمت الميامن ونسقتها] ، وعَلى مَا أَخذه الله سُبْحَانَهُ، لِلزَّوْجَاتِ على أَزوَاجهنَّ، وللأزواج على الزَّوْجَات، من حسن الْعشْرَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَإِيجَاب الدَّرَجَات وَكِلَاهُمَا غَنِي عَن الوصاة بالآداب الْكَرِيمَة والخلال المرتضاة، حَتَّى تتكفل المكارمة بقرة الْعُيُون، وانشراح الصُّدُور، وتسعد الشموس بالبدور، وتزين نُجُوم سلالة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، آفَاق الْمنَازل الْمُبَارَكَة والدور، وتنتظم فِي لبة الْمجد انتظام الشذور. شهد [على السَّيِّد الْفَقِيه الْخَطِيب وَالِد الزَّوْج، وَولده السَّيِّد الشريف الْمُعظم أبي عبد الله بن عمرَان بِمَا ذكر عَنْهُم فِي هَذَا الْكتاب، وَحضر إِشْهَاد الزَّوْج من أشهدوه بِهِ على أنفسهم وهم بِحَال صِحَة كَمَال الْإِشْهَاد وعَلى أتم الْأَحْوَال المسوغة لهَذَا المُرَاد كَذَا] ، وَالله عز وَجل يَجْعَل هَذَا العقد، أسعد عقد، حضرت لمرعاه الجلة، وسرت بتأتي مثله الْملَّة، وأنارت [بسعادته] البدور والأهلة، وَثبتت من سنيه وأمانيه [وَكَونه مؤسسا على تقوى الله ورضوانه] ، الْعُقُود المستقلة، ويبقيهما فِي العيشة الرغد، واتصال السعد، وَتَحْت بركَة من لَهما، من الْأَب الصَّالح وَالْجد، ويضفى عَلَيْهِمَا من الْعِصْمَة، درعا حصينا، ويجعلهما من أهل السَّعَادَة، دنيا ودينا، ويسلك بهما من التَّوْفِيق، سَبِيلا مُبينًا. وَصَلَاة الله على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، [الَّذِي بوأنا من السَّعَادَة] مَكَانا مكينا، وأجلانا، وَجه الْفَوْز، يروق جبينا، وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَلما توفّي السُّلْطَان أَبُو الْحجَّاج رَحمَه الله، وَولي وَلَده رضى الله عَنهُ، الْأَمر من بعده، كَانَ مماصدر عني الْبيعَة المنعقدة عَلَيْهِ من أهل الحضرة الْعلية والإيالة الْكَرِيمَة النصرية نصا بعد الْفَاتِحَة. الْحَمد لله الَّذِي جلّ شانا، وَعز سُلْطَانا، وَأقَام على ربوبيته الْوَاجِبَة فِي كل كل شَيْء خلقه برهانا، الْوَاجِب الْوُجُود ضَرُورَة، إِذْ كَانَ وجود مَا سواهُ إمكانا، الْحَيّ القيوم حَيَاة أبدية، منزهة عَن الِابْتِدَاء والانتهاء، فَلَا تعرف وقتا، وَلَا تستدعي زَمَانا، الْعَلِيم الَّذِي يعلم السِّرّ وأخفى، فَلَا يعزب عَن علمه مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء، إِلَّا أحَاط بهَا علما، وأدركها عيَانًا، الْقَدِير الَّذِي أَلْقَت الموجودات كلهَا إِلَى عَظمته، يَد الخضوع إسلاما لَهُ وإذعانا، المريد الَّذِي بِيَدِهِ تصريف الأقدار، وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار، فَإِن منع، منع عدلا، وَإِن منح، منح إحسانا، شهد [تدول الْملك] ، بزمام ملكه، وَدلّ حُدُوث مَا سواهُ على قدمه، وأثنت أَلْسِنَة الْحَيّ والجماد على مواهبه وقسمه، وفاض على عوالم السما وَالْأَرْض، بَحر جوده العميم النوال، من قبل سُؤَاله، وَكَرمه، فمامن شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ، ويثني على نعمه سرا وإعلاما، فَهُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، لَيْسَ فِي الْوُجُود إِلَّا فعله، أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر، وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله، وسع الأكوان على تباينها فَضله، وَقدر الْمَوَاهِب والمقاسم عدله، منعا ومنحا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَزِيَادَة ونقصانا، وَالْحَمْد لله الَّذِي بِيَدِهِ الاختراع والإنشاء، [ملك الْمُلُوك] ، يُؤْتِي الْملك من يشا، [ويعز من يشا ويذل من يشا] ، سبق فِي فِي مَكْنُون غيبه القضا [وخفيت عَن خلقه الْأَسْبَاب، وعميت عَلَيْهِم الأنباء] وعجزت عُقُولهمْ عَن أَن تستكشف مِنْهَا كنها، أَو تدْرك مِنْهَا بَيَانا. وَالْحَمْد لله الَّذِي رفع قبَّة السَّمَاء مَا اتخذ لَهَا عمادا، وَجعل الأَرْض فراشا ومهادا، وَخلق الْجبَال الراسية أوتادا، ورتب أوضاعها أجناسا متفاضلة، وأنواعا متباينة متقابلة. فحيوانا ونباتا وجمادا، وَأقَام فِيهَا، على ربوبيته حِكْمَة الأبداع والْآثَار، باهرة الشعاع وإشهارا، وَجعل اللَّيْل وَالنَّهَار، وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا، وَقدر لسياسة سياجا لعالم الْإِنْسَان، يضم مِنْهُ مَا انتثر، ويطوي من تعديه مَا نشر، تحمله على الْآدَاب الَّتِي ترشده إِذا ضل، وتقيمه إِذا عثر، وتجبره على أَن لتزم السّنَن، وَيتبع الْأَثر، لطفا مِنْهُ شَمل الْبشر وَحَنَانًا. وَلما عمر الأَرْض بِهَذَا الْجِنْس الَّذِي فَضله وشرفه، ووهب لَهُ الْعقل الَّذِي يفكر بِهِ فِي حكمته حَتَّى عرفه، وَبِمَا يجب لربوبيته الْوَاجِبَة وَصفه، جعلهم دَرَجَات، بَعْضهَا فَوق بعض، فقرا وغنا، وَطَاعَة وعصيانا، وَاخْتَارَ مِنْهُم سفرة الْوَحْي، وَحَملَة الْآيَات، وَأرْسل لَهُم الرُّسُل بالدلايل والمعجزات، وعرفهم بِمَا كلفهم من الْأَعْمَال المفترضات، ليجزي الَّذين أساءوا بِمَا عمِلُوا، وليجزي الَّذين أَحْسنُوا بِالْحُسْنَى، [يَوْم اختبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الْأَعْمَال، وَاعْتِبَار الْحَسَنَات] ، وَنصب الْعدْل والمجازات، فِي يَوْم الْعرض عَلَيْهِ قسطاسا وميزانا. نحمده، وَله الْحَمد فِي االأولى وَالْآخِرَة، ونثني على مواهبه الجمة، وآلايه الوافرة، ونمد يَد الضراعة، فِي موقف الرجا وَالطَّاعَة، إِلَى الْمَزِيد من مننه الهامية الهامرة، ونسله دوَام ألطافه الخافية، وعصمته الظَّاهِرَة، واتصال نعمه، الَّتِي لَا تزَال نتعرفها، مثنى ووحدانا، ونشهد أَنه الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة نجدها فِي الْمعَاد عده وافية، ووسيلة بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة إِلَيْهِ راقية، وذخيرة بَاقِيَة، ونورا يسْعَى بَين أَيْدِينَا، وَيكون على الرِّضَا وَالْقَبُول فِينَا عنوانا. ونشهد أَن سيدنَا ومولانا مُحَمَّد النَّبِي الْعَرَبِيّ الْقرشِي الْهَاشِمِي، عَبده وَرَسُوله الَّذِي اصطفاه وَاخْتَارَهُ، وَرفع بَين النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ مِقْدَاره، وطهر قلبه، وَقدس أسراره، وبلغه من رِضَاهُ اخْتِيَاره، وَأَعْطَاهُ لِوَاء الشَّفَاعَة، يقفو آدم وَمن بعده من الْأَنْبِيَاء الْكِرَام آثاره، وَجعله أقرب الرُّسُل مكانة، وأرفعهم مَكَانا. رَسُول الرَّحْمَة، وَنور الظلمَة، وَإِمَام الرُّسُل الإيمة، الَّذِي جمع لَهُ بَين مزية السَّبق، ومزية التَّتِمَّة، وَجعل طَاعَته، من الْعَذَاب الْمُقِيم أَمَانًا، صَاحب الشَّفَاعَة الَّتِي تؤمل، والوسيلة الَّتِي بهَا إِلَى الله يتوسل، والدرجة الَّتِي لم يؤتها ملك المقرب، وَلَا النَّبِي الْمُرْسل، والرتبة الَّتِي لم يُعْطهَا الله سواهُ. إنْسَانا انتخبه من أشرف الْعَرَب أما وَأَبا، وأزكى الْبَريَّة طِينَة، وأرفعها نسبا، وابتعثه إِلَى كَافَّة الْخلق، عجما وعربا، وملأ بِنور دَعوته البسيطة جنوبا وَشمَالًا، ومشرقا ومغربا، وَأنزل عَلَيْهِ كِتَابه الَّذِي آمَنت بِهِ الْجِنّ لما سمعته، وَقَالُوا، إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 عجبا، تَمامًا على الَّذِي أحسن، وتفصيلا لكل شئ وتبيانا، فصدع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَمْر من اخْتَار ذَاته الطاهرة، واصطفاها، وَأدّى أَمَانَة الله ووفاها، وَرَأى الخلايق على شفا المتالف فتلافاها، وتتبع أدواء الضلال فشفاها، ومحا معالم الْجَهْل وعفاها، وشاد الْحق لِلْخلقِ بنيانا، مؤيدا بالمعجزات، الَّتِي حججها تقبل وتسلم، فَمن جذع لفراقه يتألم، وجماد بِتَصْدِيق نبوته يتَكَلَّم، وجيش شكا لَهُ الظمأ، ففجر لريه الْمعِين مِنْهُ بنانا. وَأي معْجزَة ككتاب الله، الَّذِي لَا تَنْقَضِي عجايبه، فَهُوَ اليم، والعلوم النافعة كلهَا مذانبة، وأفق الْحق الَّذِي تهدي فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر كواكبه، وَالْحجّة الْبَالِغَة الَّتِي أَصبَحت بَين الْحق وَالْبَاطِل فرقانا، فأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا وآياته، وتمت كلمة الله صدقا وعدلا، لَا مبدل لكلماته، وَبلغ ملك أمته، مَا زوى لَهُ من أقطار الْمَعْمُور وجهاته، حَتَّى عمر من أكناف البسيطة، وأرياف الْبحار المحيطة وهادا وكثبانا، ونقلت كنوز كسْرَى بعز دَعوته الْغَالِبَة [وظفرت بفلح الحسام عزايمها الْمُطَالبَة] ، وَأصْبح إيوَان فَارس، مجر رماح الْعَرَب الْعَارِية، وقذفت جنود قَيْصر من دواليها بِالشُّهُبِ الثاقبة، حَتَّى فر عَن مدرته الطّيبَة آيبا بالصفقة الخايبة، وخلصت إِلَى فسطاط مصر بكتايبها المتعاقبة، فَلَا تسمع الآذان فِي مقاماتهم إِلَّا إِقَامَة وأذانا، وَلَا دَلِيل أظهر من هَذَا الْقطر الأندلسي الْغَرِيب، الَّذِي خاضت إِلَيْهِ بسيوفها أثباج الْبحار على بعد المراحل، ونزوح الديار، وتكاثف العمالات، وَاخْتِلَاف الْأَمْصَار، ومنقطع الْعِمَارَة بأقصى الشمَال ومحط السفار، طلعت عَلَيْهِ كلمة الله طُلُوع النَّهَار، واستوطنته قبايل الْعَرَب الْأَحْرَار، وأرغمت بِهِ أنوف الْكفَّار، ضرابا سَبِيل الله وطعانا. وَلما استقام الدّين، وتمم معالم الْإِيمَان الرَّسُول الْأمين، وَظهر الْحق الْمُبين، وراق من وَجه الْملَّة الحنيفية السمحة الجبين، وَأخذ المسالك والمآخذ والإفصاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 والتبيين وتقررت المستندات المعتمدات سنة، وقرأنا أسرة الْوَحْي بالرحلة عَن هَذِه الدَّار، والانتقال إِلَى مَحل الْكَرَامَة، وَدَار الْقَرار، وَخير الْملك، فَاخْتَارَ الرفيق الْأَعْلَى، موفقا إِلَى أكْرم الِاخْتِيَار، وجد صَحبه رَضِي الله عَنْهُم، فِي الِاسْتِخْلَاف بعده والإيثار، حجَجًا مشرقة الْأَنْوَار، أطلقت بِالْحَقِّ يدا وأنطقت بِالصّدقِ لِسَانا، صلى الله عَلَيْهِ، وعَلى آله وصحابته وأسرته الطاهرة، وعصابته وأصهاره، وقرابته، الَّذِي كَانُوا فِي معاضدته إخْوَانًا، وعَلى إعلاء أمره الْحق أعوانا، نُجُوم الْملَّة وأقمارها، وغيوثها الهامية وبحورها، وسيوف الله الَّتِي لَا تنبو شفارها، وأعلام الْهدى الَّتِي لَا تبلى آثارها، ودعايم الدّين الَّتِي وقفت على الْبر وَالتَّقوى أركانا، وَحيا الله وُجُوه حى الْأَنْصَار، بِالنعَم والنضرة، أولي الْبَأْس عِنْد الحفيظة، وَالْعَفو عِنْد الْمقدرَة، الرضْوَان أَن يذهب النَّاس بِالشَّاة وَالْبَعِير، ويذهبون برَسُول الله، فنعمت المنقبة والأثرة، الحائزون ببيعة الرضْوَان، فضلا من الله ورضوانا، ووزراؤه وظهراؤه فِي كل أَمر، وخالصة يَوْم أحد وَبدر، لم يزَالُوا صَدرا فِي كل قلب، وَقَلْبًا فِي كل صدر، [يعدونه كل حمد، وَيصلونَ بنفوسهم فِي كل سر وجهر] ويعملون فِي إعلاء دينه. بيضًا عضابا، وسمرا لدانا، صَلَاة لَا تزَال سحايبها ثرة، وتحية دائمة مستمرة، مَا لهجت الألسن بثنايهم، ووقفت المفاخر على عليائهم، وتعلمت الْمَوَاهِب على آلايهم، وَقصرت المحامد على مسمياتهم وأسمايهم، وَكَانَ حثهم على الْفَوْز بِالْجنَّةِ ضمانا. ونسلك اللَّهُمَّ لهَذَا الْأَمر النَّصْر الَّذِي سَببه بسببهم مَوْصُول، وهم لفروعه السامية أصُول، فيا لَهَا من نصول خلفتها نصول أنجزت وعد النَّصْر، وَهُوَ ممطول، وأحيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ربوع الْإِيمَان وَهِي طلول، نصرا عَزِيزًا، وفتحا مُبينًا، وتأييدا على أعدائك وتمكينا، وملكا يبْقى فِي الأعقاب وأعقاب الأعقاب وسلطانا. وأعنا اللَّهُمَّ على مَا أوجبت [من حسن الطَّاعَة] وتأدية الْحق بِجهْد الِاسْتِطَاعَة، وأعصمنا بإيالته العادلة من الإضاعة، واحملنا من مرضاته على سنَن السّنة وَالْجَمَاعَة، وَاجْعَلْهَا كلمة بَاقِيَة فِي عقبه إِلَى قيام السَّاعَة، واعف عَنَّا واغفر لنا وارحمنا. أَنْت مَوْلَانَا. أما بعد مَا افْتتح بِهِ من تحميد الله وتمجيده، وَالثنَاء الَّذِي تتعطر الأندية بترديده، فَإِن من الْمَشْهُور الَّذِي يعضده الْوُجُود وَيُؤَيِّدهُ، والمعلوم الَّذِي هُوَ كَالشَّمْسِ ضل من يُنكره أَو يجحده، والذائع بِكُل قطر ترويه رُوَاة الأنباء وتسنده، مَا عَلَيْهِ هَذَا الْملك النصري الْحمى الْأنْصَارِيّ المنتمي، الَّذِي يُصِيب شاكلة الْحق إِذا رمي، ويعم الْعباد والبلاد غيثه مهمي همي، من أَصَالَة الأعراق، وكرم الْأَخْلَاق، وَالْفضل الباهر الْإِشْرَاق، وَالْجهَاد الَّذِي هُوَ سمر الْكَوَاكِب، وَحَدِيث الرفاق، وَإِن قومه الْمُلُوك الْكِرَام، إِن فوخروا بِنسَب، ذكرُوا سعد بن عبَادَة ومجده، أَو كَثُرُوا بِعَدَد، غلبوا بِاللَّه وَحده، أَو استنصروا فَرجوا كل شدَّة، واستظهروا من عزهم الْمَوْهُوب، وصبرهم على الخطوب، بِكُل عدد وعدة. دَارهم الثغر الْأَقْصَى ونعمت الدَّار، وشعارهم لَا غَالب إِلَّا الله وَنعم الشعار، زهاد إِذا ذكر الدّين، أسود إِذا حميت الميادين، جبال إِذا زحفت الصُّفُوف، بدور إِذا أظلمت الزحوف، غيوث إِذا منع الْمَعْرُوف، أَفْرَاد إِذا ذكر الألوف، إِن بويعوا فالملايكة وُفُود، وَحَملَة الْعلم وَحَملَة السِّلَاح شُهُود، وَإِن ولدُوا، فالسيوف تمايم، والسروج مهود، وَإِن أصحروا لِلْعَدو فالظلال بنود، وجنود السَّبع السما جُلُود. وَإِن أظلم اللَّيْل أسهروا جفونهم فِي حياطة الْمُسلمين والجفون رقود. وَإِن هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الْقطر الَّذِي انْتهى سَبِيل الْفَتْح الأول إِلَى قاصيته، وأجيلت قداح الْفَوْز بالدعوة الحنيفية على الْإِسْلَام فَأخذ الأسلام بناصيته، كَانَ من فَتحه الأول مَا قد علم حَسْبَمَا سطر ورسم، وَأَن مُوسَى بن نصير وفتاه، حل من فرضة مجازه مَا حل مُوسَى وفتاه، وَحل الْإِسْلَام مِنْهُ دَار قَرَار، وخطة حَقِيقَة بارتياد وَاخْتِيَار، وبلد لَا يُحْصى خَيره، وَلَا يفضله بِشَيْء من المزية مَا عدى الْحَرَمَيْنِ، غَيره، وامتدته الْأَيَّام حَتَّى تأنس الْعَدو لروعته، وخف عَلَيْهِ مَا كَانَ من صرعته، وقدح فأورى، وأعضل داؤه فاستشرى، وَصَارَت الصُّغْرَى، الَّتِي كَانَت الْكُبْرَى. فلولا أَن الله دعم الدّين مِنْهُم بالعمد الْوَثِيقَة حماة الْحَقِيقَة، وأيمة الخليقة، وسلالة مفتتحي الْيَمَامَة، ومقتحمي الحديقة، لأجهز النصل، وأجتث من الدّين الأَصْل. لَا كنهم انتدبوا إِلَى إمْسَاك الدّين بهَا انتدابا، ووصلوا بِالْإِسْلَامِ أسبابا، وتناولها مِنْهُم صقر قبيل الْخَزْرَج، ذُو الحسام المضرج، وَالثنَاء المؤرج، أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن نصر، أَمِير الْمُسلمين المنتدب لإِقَامَة سنة سيد الْمُرْسلين، قدوة الْمُلُوك الْمُجَاهدين، نضر الله وَجهه، وَتقبل جهاده، وشكر دفاعه، عَن حوزة الْإِسْلَام وبلاده. فأقشعت الظلمَة، وتماسكت الْأمة، وكف الْعَدو وأقصر، وَرَأى الْإِسْلَام بِمن استنصر، واستبصر فِي الطَّاعَة من استبصر، وهبت [بِطَاعَتِهِ لله] العزايم، وكرت على الْعَدو الهزايم، وتوارثوا ملكهَا ولدا عَن أَب، مستندين إِلَى عدل وبذل وبسالة وجلالة وَحسب، تتضح فِي أفق الْجلَال نُجُوم سيرهم هادية للسايرين، وتفرق من سطوتهم فِي الله أَسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 العرين، إِلَى أَن قَامَ بِالْأَمر وسطى سلكهم، وبركة ملكهم، الْخَلِيفَة [الْوَاجِبَة طَاعَته على الْخلق] ، [الشهير الْجَلالَة والبسالة] فِي الغرب والشرق، أَمِير الْمُسلمين بِوَاجِب الْحق، صَاحب أذيال العفاف وَالطَّهَارَة، السعيد الإيالة والإمارة، الْبعيد الْغَارة، من ذعر الْعَدو لبارق حسامه، وَذخر الْفَتْح السّني، لأيامه، صدر الْمُلُوك الْمُجَاهدين، وكبير الْخُلَفَاء العادلين، الْبعيد المدا فِي حماية الدّين، السعيد، الشَّهِيد أَبُو الْوَلِيد، ابْن الْمولى الْهمام، الأوحد الرفيع الممجد، الطَّاهِر الظَّاهِر الْأَعْلَى الرييس الْكَبِير الْجَلِيل، الْمُقَدّس الأرضي، أبي سعيد بن نصر، فأحيا رَحمَه الله، معالم الْكتاب وَالسّنة، وجلى بنوره غياهب الدجنة، وأعز الْإِسْلَام وحماه، وَرمى ثغر الْكفْر فأصماه، قدس الله روحه الطّيب وَسَقَى لحده من الرَّحْمَة والغمام الصيب، وأورث الْملك الجهادي من وَلَده خير ملك قبلت مِنْهُ كف، واستدار بِهِ موكب للْجِهَاد ملتف، وشمخ بخدمته أنف، وسما إِلَى مشاهدته طرف، وتأرج من ذكره عرف، وحدي إِلَى بَابه حرف، مَوْلَانَا الْخَلِيفَة الإِمَام، الْملك الْهمام، من أشرق بِنور إيالته الْإِسْلَام، وتشرفت بِوُجُودِهِ اللَّيَالِي والايام، بدر الْملك، وشمسه وسر الزَّمَان الَّذِي قصر عَن يَوْمه أمسه، الَّذِي شهر عدله، وبهر فَضله، وَظَهَرت عَلَيْهِ عناية ربه، وَكَانَ الْمَصْنُوع لَهُ فِي سلمه وحربه، مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين، وقدوة الْمُلُوك الْمُجَاهدين، وَالْأَيمَة العادلين، السعيد الشَّهِيد [الطَّاهِر الظَّاهِر الأوحد الْهمام الْخَلِيفَة الإِمَام] ، أَبُو الْحجَّاج رفع الله درجتة فِي أوليائه، وحشره مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من أنبيائه وشهدائه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فوضحت المسالك وَبَانَتْ، وأشرقت الْمعَاهد وازدانت، وَشَمل الصنع الإلهي، واللطف الْخَفي، أقطار هَذِه الْأمة حَيْثُ كَانَت. وَلما اخْتَار الله لَهُ مَا عِنْده، وَبلغ الْأَجَل الَّذِي قدره سُبْحَانَهُ لِحَيَاتِهِ وَحده، وَقَبضه إِلَيْهِ مطمئنا، مُسْتَغْفِرًا من ذَنبه، فِي الْحَالة الَّتِي أقرب مَا يكون العَبْد فِيهَا من ربه، كَأَنَّمَا تأهب للشَّهَادَة، فَاخْتَارَ زمانها ومكانها، وطهر بِالصَّوْمِ، نَفسه، الَّتِي كرم الله شَأْنهَا، وَطيب رِيحهَا وريحانها، فوقفت إزاء أَرْبَاب الشورى الَّتِي تصح الْإِمَامَة باتفاقها، وتنعقد بِعقد ميثاقها، من أَعْلَام الْعلم، بقاعدة ملكه غرناطة، حرسها الله الَّتِي غَيرهَا لَهَا تبع، وحماة الْإِسْلَام الَّذين فِي آرائهم للدّين وَالدُّنْيَا منتفع، وخلص الثِّقَات، ووجوه الطَّبَقَات على مبايعة وَارِث ملكه، بِحقِّهِ الحايز فِي ميدان الْكَمَال، وإحراز مَا للْإِمَامَة من الشُّرُوط والخلال، خصل سبقه، كَبِير وَلَده، وسابق أمده، ووارث ملكه، ووسطى سلكه، وعماد فسطاطه، [وَبدر الهالة من بساطه] مَوْلَانَا، قمر الْعليا، ودرة الخلفا، وَفرع الشَّجَرَة الشما، الَّتِي أَصْلهَا ثَابت، وفرعها فِي السَّمَاء، الَّذِي ظَهرت عَلَيْهِ مخايل الْملك، ناشيا ووليدا، واستشعرت الأقطار بِهِ، وَهُوَ فِي المهد أَمَانًا وتمهيدا، واستبشر الدّين الحنيف، فأتلع جيدا، واستأنف شبَابًا جَدِيدا، نَاصِر الْحق، وغياث الْخلق، الَّذِي تميز بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار، وَالْحيَاء المنسدل الأستار، والبسالة المرهبة الشفار، والجود المنسكب الامطار، وَالْعدْل الْمشرق الْأَنْوَار، وَجمع الله فِيهِ شُرُوط الْملك على الِاخْتِيَار، مَوْلَانَا، وعمدة ديننَا ودنيانا، السُّلْطَان الْفَاضِل، وَالْإِمَام الْعَادِل، والهمام الباسل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الْكَرِيم الشمايل، شمس الْملك وبدره، وَعين الزَّمَان وصدره، [أَمِير الْمُسلمين، وقرة عين الْمُؤمنِينَ، أَبُو عبد الله] ، وصل الله أَسبَاب سعده، كَمَا حلى أجياد المنابر بالدعا لمجده، وَجعل جنود السَّمَاء من جنده، وَنَصره بالنصر الْعَزِيز، فَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْده. وَرَأَوا أَن قد ظَفرت [بِعُرْوَة الْحق] أَيْديهم، وَأمن فِي ظلّ الله رايحهم وغاديهم، ودلت على حسن الْخَوَاتِم مباديهم، فبادروا وانثالوا، وتبختروا فِي ملابس الْأَمْن واختالوا، وهبوا إِلَى بيعَته، تطيرهم أَجْنِحَة السرُور، ويعلن أنطلاق وُجُوههم بانشراح الصُّدُور. وَاجْتمعَ مِنْهُم طوايف الْخَاصَّة وَالْجُمْهُور، مَا بَين الشريف والمشروف، والروسا أولى المنصب الْمَعْرُوف، وَحَملَة الْعلم وَحَملَة السيوف، والأمنا وَمن لديهم من الألوف، وساير الكافة، أولى البدار لمثلهَا والخفوف، فعقدوا لَهُ الْبيعَة الْوَثِيقَة الأساس، السعيدة بِفضل الله، على النَّاس، البرى عقدهَا من الأرتياب والألتباس، الحايزة شُرُوط الْكَمَال، الماحية بِنور الْبَيَان ظلم الْإِشْكَال، الضمينة حسن العقبي ونجح الْمَآل، على مَا بُويِعَ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن لَهُ من الصَّحَابَة والآل، وعَلى السّمع وَالطَّاعَة وملازمة السّنة وَالْجَمَاعَة، فأيديهم بالسلم وَالْحَرب رد ليده، وطاعتهم إِلَيْهِ خَالِصَة فِي يَوْمه وغده، وأهواؤهم متفقة حَالي الشدَّة والرخاء، وعهودهم مَحْفُوظَة على تداول السَّرَّاء وَالضَّرَّاء. أشهدوا عَلَيْهَا الله، وَكفى بِهِ شَهِيدا، وأعطوا صفقات إِيمَانهم تثبيتا للوفاء بهَا وتأكيدا، وَجعلُوا مِنْهَا فِي أَعْنَاقهم ميثاقا وثيقا وعهدا شَدِيدا. وَالله عز وَجل يَقُول، فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه، وَمن أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فسنوتيه أجرا عَظِيما. وَمن أصدق من الله وَعدا أَو وعيدا. وهم قد بسطوا أَيْديهم يستنزلون رَحْمَة الله بالإخلاص والإنابة، وصرفوا وُجُوههم إِلَى من أَمرهم بِالدُّعَاءِ وَوَعدهمْ بالإجابة. يسْأَلُون لَهُ خير مَا يَقْضِيه، وَالسير على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 مَا يرضيه، اللَّهُمَّ بابك عِنْد تقلب الْأَحْوَال عرفنَا، وَمن بَحر نعمك الْكَرِيمَة اغترفنا، وعفوك ستر عيوننا كلما اجترحنا السَّيِّئَات واقترفنا. من فضلك أغنيتنا، وبعينك الَّتِي لَا تنام حرستنا وحميتنا، فانصر حينا، وَارْحَمْ ميتنا وأوزعنا شكر مَا أوليتنا، وَاجعَل لنا الْخَيْر والخيرة فِيمَا إِلَيْهِ هديتنا. اللَّهُمَّ إِن قطرنا من مَادَّة الْإِسْلَام بعيد، وَقد أحدق بِنَا بَحر زاخر، وعدو شَدِيد. وَفينَا أيم وَضَعِيف، وهرم ووليد، وَأَنت مَوْلَانَا وَنحن عبيد، اللَّهُمَّ من بَايَعْنَاهُ فِي هَذَا العقد، فأسعدنا بمبايعته وطاعته، وَكن لَهُ حَيْثُ لَا يكون لنَفسِهِ، بعد استنفاد جهده فِي التحفظ واستطاعته، وكف عَنَّا كف عَدوك وعدوه، كلما هبت بِهِ ريَاح طماعته، يَا من يفرده العَبْد بضراعته، ونعوذ بحفظه من إضاعته، اللَّهُمَّ أد عَنَّا حَقه. فَإنَّا لَا نقوى على أدايه، وتول عَنَّا شكر سيرته وَمَا حمدنا من سير آبايه، واحمله من توفيقك على سوايه، اللَّهُمَّ إِنَّا إِلَيْهِ ناظرون، وَعَن أمره صادرون، ولإنجاز وعده فِي نصر من ينصرك منتظرون، فأعنه على مَا قلدته، وأنجز لديننا على يَدَيْهِ، بِمَا وعدته. فَمَا فقد شَيْئا من وَجدك، وَلَا خَابَ من قصدك، وَلَا ضل من اعتمدك، آمين آمين، يَا رب الْعَالمين. وَكتب الْمَلأ المذكورن أَسْمَاءَهُم بخطوط أَيْديهم فِي هَذَا الْكتاب، شاهدة عَلَيْهِم بِمَا التزموه دينا وَدُنْيا، وسلكوا مِنْهُ سَبِيلا مُبينًا. فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين لشوال من عَام خَمْسَة وَخمسين وسبعماية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الفتوحات الْوَاقِعَة والمراجعات التابعة [صدر عني كتاب عَن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد ابْن نصر، إِلَى ملك الْمغرب السُّلْطَان أبي عنان ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن] نَصه بعد الْفَاتِحَة. الْمقَام الَّذِي مآثره الْعلية، لَا تحصى، ومكارمه [السّنيَّة عَمت] ، الْأَدْنَى والأقصى، وَأَحْكَام مجده ثبتَتْ فِي كتاب الْفَخر نصا، وبدور سعده، لَا تخَاف بِفضل الله نقصا، وعزايمه فِي نصر دين الْإِسْلَام، تروض من صرف الْأَيَّام مَا استعصا، وتقضي للدّين دينه الممطول مستقصا، مقَام مَحل أخينا، الَّذِي نجحت آمال الْإِسْلَام فِي الِاسْتِعَانَة بجلاله، وصدقته، مخيلته فِي فِي كرم خلاله، وخلصت فِي سَبِيل الله زاكيات أَعماله، وابتدر إِلَى الإصراخ والإنجاد وَالْجهَاد فِيهِ حق جهاده، بمواعيده الصادقة وعزايمه المتلاحقة وأمواله. [السُّلْطَان الكذا] ، أبقاه الله يجلو بِنور سعده كل خطب، ويحيي بوعده ميت الرجا فِي كل قلب، ويروض بيمن نقيبته كل صَعب، وينسى بمكارمه ذكر حَاتِم وَكَعب، ويسحب أذيال عزه فِي كل سلم وَحرب، وَيضْرب قداح النَّصْر فِي مأزق كل طعن وَضرب، موفى مَا يجب لمقامه من الْبر الْمَفْرُوض المحتوم، وإمحاض الود الَّذِي لَا يعى الظَّاهِر مِنْهُ بالمضمر، وَلَا الْمكنون مِنْهُ بالمكتوم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الْمثنى على فَضله الْمَشْهُور، ومجده الْمَعْلُوم، فلَان، سَلام كريم طيب عميم، كَمَا طلع وَجه الصَّباح الْمشرق، وقرع أَشهب الْفجْر ثنية الْمشرق، وهب نسيم الصَّباح، مشقق الجيب، مخلق المفرق، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله، ولي المحامد على اخْتِلَاف الْأَنْوَاع مِنْهَا والأجناس، ومسنى الصنايع الكافية والألطاف الخافية، تجل مسالكها عَن الْقيَاس، ومطلع بوارق الرجا على هَذِه الأرجاء عِنْد اعتكار ظلام الياس، ومنجد كلمة التَّوْحِيد فِي هَذَا الْقطر الْغَرِيب الوحيد، بِكُل موازر من أوليائه ومواس، فمواهب عنايته سُبْحَانَهُ لأهل هَذِه الْأَمْصَار، على مر الْأَعْصَار ضافية اللبَاس، وَرَحمته لمن بهَا من الْمُسلمين كفيلة بانسكاب النعمى وَذَهَاب الباس. وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله، أكْرم الرُّسُل من شيت إِلَى إلْيَاس، المبتعث من، خير أمة أخرجت للنَّاس، هادي الْخلق إِلَى سَبِيل الْحق فِي ليل الشَّك والالتباس، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وأسرته وأحزابه، غيوث الندى وليوث لِبَاس، الَّذين رفعوا معالم سنته من بعده على أوثق أساس، وخلفوه فِي أمته بالنصر الْمَاضِي الصوارم، والجود الهامي الغمايم، وَالْعدْل القايم القسطاس، وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بعز يذل مصاعب الْأَمَانِي من بعده مصاعب الشماس، وَنصر تهب بِهِ ريح الصِّبَا بَين، سحايب القتام، وبوارق الظبا متأرجة الأنفاس، وتتبارى فِي ترديد وَصفه وتجويد رصفه، جِيَاد اليراع فِي ميدان القرطاس. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لسلطانكم الْعلي سَعْدا وثيق المباني، ونصرا كريم الْأَلْفَاظ والمعاني، وصنعا كَفِيلا لِلْإِسْلَامِ وَأَهله، بنيل الأوطار وبلوغ الْأَمَانِي، وَعزا تخفق ظلاله على الأقاصي والأداني. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، ومسرة اتِّصَال الْيَد بسلطانكم الأسعد، للصدور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 شارحة، [وَفِي عوالم الْأَرْوَاح سَارِيَة بارحة] ، ولآيات السَّعَادَة والصنايع الْمُعَادَة، قارحة فِي الْقُلُوب إِلَى ظلالها الوارفة جانحة، والعيون لأنوارها الْبَادِيَة لامحة، والألسن بشكرها مادحة، والنفوس فِي انتشاق رياها، [ومعاطاة محياها] تصل الْيَوْم الغادي بالليلة البارحة. وَالْحَمْد لله كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَّا فَضله، وَعِنْدنَا لمقامكم الْعلي، ود صفت موارده العذبة ومشارعه، وإخلاص كَأَنَّهُ الصُّبْح أشرقت مطالعه، وثناء تأرج فِي الأرجاء ذايعة. فَنحْن نعتد بذلك الْملك، الْكَرِيمَة فِي الدّين صنايعه، وتؤمل أصراخه إِذا رَاع الْإِسْلَام رايعه، ونلتمس مِنْهُ علاج هَذَا الْقطر إِذا اضْطَرَبَتْ طبايعه. وَإِلَى هَذَا وصل الله لكم عوايد النَّصْر على أعدايه، وَجعل عزمكم كَفِيلا للدّين ببرء دايه وَإجَابَة ندايه. فإننا ورد علينا كتابكُمْ الَّذِي موقعه عِنْد الْعَدو موقع الكتايب، وخطابكم الْمُشْتَمل على المواعد الصادقة، والعزايم المتلاحقة، والمكارم الغرايب فاجتلينا مِنْهُ سَحَابَة جود صابت على الأرجاء، وتألقت من خلالها بروق الرَّجَاء، وردنا مِنْهُ رَوْضَة تعاهدتها الغمايم. وتفتحت عَن أزهارها الصَّفْرَاء والبيضاء مِنْهَا [الكمايم، فأهلا بِهِ من خطاب، تباري فِي ميدان الْكَمَال قَوْله وَفعله، واشتمل بحلة الْفضل الَّذِي أَنْتُم أَهله، وَشهِدت أغراضه بِمَا لكم من الْملك الرفيع مَحَله، والعز المديد ظله، ونطق بإجابة دَاعِي الله وَرَسُوله مضمنه كُله، أعَاد فِي شرح مكارمكم الحافلة، وَأبْدى وأسدى من كرم الْخلَّة مَا أسدى، وَأهْدى من نفايس الْمُوَالَاة وَالْأَمْوَال، وَصدق الْأَفْعَال، والأقوال، مَا أهْدى. فَكلما تدبرنا فصوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وتأملنا مَعَانِيه الَّتِي [شرح الْفَخر بهَا] محصوله، واجتلينا مِنْهُ مَعَاني، أَضَاء سَواد الحبر نورها، وحروفا تحمل المداد ظُهُورهَا، أنفسح لنا فِي إنجاز تِلْكَ المواعد ميدان الأمل، وراقنا تظافر النِّيَّة، فِي تِلْكَ المخاطبة السّنيَّة وَالْعَمَل، وَللَّه مَا تحليتم بِهِ من كرم الذَّات، وَكَمَال الصِّفَات، وسعادة السمات، ومضاء العزمات، وَمَا هيأ الله لكم من الْقبُول فِي الْقُلُوب، والمحبة هِيَ عنوان الْعِنَايَة من علام الغيوب وَمَا أنطق بِهِ الْأَلْسِنَة من الثَّنَاء على رفدكم الْمَوْهُوب، وفضلكم الَّذِي اعْترف الْمَوْجُود بِهِ وَالْوُجُوب، ومجدكم الَّذِي تعاضد مِنْهُ الْمَوْرُوث بالمكسوب، زادكم الله من فَضله المرغوب، وسنى لكم من نصر دينه أقْصَى الْمَطْلُوب. فصدعنا بذلك الْكتاب فِي الحفل الْمَجْمُوع، وأشدنا بفضله المرءى والمسموع، وبثثنا أنس حَدِيثه بَين هَذِه الأقطار والربوع، ليثوب الْوَلِيّ مِنْهُ بِالْخَيرِ الْمَشْفُوع، واليسر الْمعِين الينبوع، وينقلب الْعَدو بالروع المروع، وبحكم مسموعة بتنِكير المعارف، وتكسير الجموع، إِن شَاءَ الله. وَألقى إِلَيْنَا رَسُولكُم الشَّيْخ [القايد أَبُو مهْدي ابْن الزرقا] وصل الله سعادته، وحرس مجادته، مَا قصرتموه على المشافهة، من ألطاف الْبر، ومكنون الود الْكَرِيم السِّرّ، فأبلغ فِي أَحْكَام نَقله، بِمُقْتَضى دينه وعقله، واستوعب مَا تحمله عَنْكُم، بِمَا يَلِيق بِمثلِهِ، وَخرج عَن مضمن تِلْكَ الرسَالَة الْكَرِيمَة كُله، وَبسط لنا القَوْل إرسالنا الآيبون [صحبته من بَابَكُمْ الْكَرِيم أعزهم الله] فِيمَا وردوا عَلَيْهِ، من السهل والرحب، والمكارم الهامية السحب، وَمَا تلقوهُ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 عزايمكم الَّتِي تقذف الْعَدو بِالرُّعْبِ. فتقرر لدينا امتعاض مقامكم الْكَبِير الْجَلالَة، الشهير البسالة، واستنبطنا أَحْكَام النَّصْر من ذَلِك التَّلْقِين الْمُبين وَتلك الرسَالَة. وَهَذِه الْبِلَاد أيدكم الله، إِنَّمَا استمسكت [بِأَسْبَاب تِلْكَ] الإبالة، واستركبت بَرَكَات مكارمها المنثالة، فأكف سكانها على اخْتِلَاف أزمانها إِلَى تِلْكَ العزايم الْمَاضِيَة تُشِير، وبتلك الهمم الْعَالِيَة، مهمي طرقها الْهم تستجير، وَقُلُوب الْمُسلمين فِيهَا إِلَى عوايد سلفكم الْأَرْضين تجنح، ونفوسهم لَا تزَال تلوذ مِنْهُم بِمن يمْنَع ويمنح، فَإِذا كَيفَ الله لَهَا مثلكُمْ من لباب ذَلِك العنصر الطَّاهِر، وخلاصة الْملك العالي الظَّاهِر، [فقد جبر الْقُلُوب، وَبلغ الْمَطْلُوب] . أمتعنا الله بعصمة مجدكم وَعرف الْإِسْلَام بركَة سعدكم، وإنجاز وَعدكُم. وَمن الِاتِّفَاق الَّذِي عددناه من سَعَادَة هديتكم، وحسبناه من آثَار نيتكم، مَا كَانَ من مُشَاهدَة رَسُولكُم، أعزه الله، قفول الْجَيْش بحضرتنا من غَزْوَة أغزيناه إِيَّاهَا إِلَى جِهَات عَدو الشرق، أبعد فِيهَا المغار، وسام من بهَا من الرّوم الصغار، وَأطلق فِي أوطانها السَّيْف وَالنَّار، واستباح جملَة من الْقرى بأحواز مَدِينَة الكرس، ركبت إِلَيْهَا سراياه ظهر اللَّيْل، وأطلعت بمطالع فجرها قبل غرَّة الصَّباح غور الْجَبَل. وباكرت أبكارها وعونها بِالْوَيْلِ، ونالت من حماتها أعظم النّيل، وأدارت على متدبريها أكواس المنايا، واستاقت النِّسَاء والحريم سَبَايَا، ودوخت أَرضًا، خطب الْقدوم عَلَيْهَا شَدِيد، وعهدها بسيوف الْمُسلمين بعيد، كل ذَلِك بِقُوَّة الله سُبْحَانَهُ وَحَوله، وفضله السابغ وَطوله، وبركة الِاعْتِدَاد بمقامكم الأسمى، شكر الله مَكَارِم قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وَفعله، فَإِن الْعَدو أهلكه الله، يرهب صولة سلطانكم الْعَزِيز الْأَنْصَار. وَيفرق من عزايمكم الْمَاضِيَة الشبا والشفار، وَيعلم أَن اتِّصَال الْيَد بِالْيَدِ سَبَب الدمار لَهُ والثبار، على بعد الدَّار، ونزوح الأقطار. فبمقامكم نتوعده إِذا تعدى، نصد عزمه إِذا تصدى، على مر الْأَعْصَار. حفظ الله علينا إِعَانَة مللكم الأسمى، وأجرى لِلْإِسْلَامِ عوايد دولتكم الْعُظْمَى. وَمن لدنا أوفدنا على بَابَكُمْ الْعلي إرسالنا، وأعلقنا بمقامكم المرضى آمالنا؛ أغزينا الْجَيْش غزوات عظمت فِي الْعَدو بهَا النكاية، وصحبت الْمُسلمين من الله الْوِقَايَة، إِحْدَاهَا وقف الْجَيْش فِيهَا بَيَاض يَوْمه على بَاب مَدِينَة إستجة، إِحْدَى المدن الخطيرة، وَالْقَوَاعِد الشهيرة، وَدَار الحامية، ومثوى شَوْكَة الطاغية، وضيق عَلَيْهَا بِالْقِتَالِ، وأذاقها أَلِيم النكال. وبآخره لاكت النَّار زروعها، وسكنت حلَّة الْبَوَار ربوعها، وَانْصَرف عَنْهَا الْمُسلمُونَ، وَقد تخلف من بهَا فِي عداد الْأَمْوَات، لما سامهم من إهلاك الغلات، وانتساف الأقوات. وَأُخْرَى قصد بهَا مَدِينَة قيجاطة، وَهِي أَيْضا من قَوَاعِد الثغر وأماته، ومقر شرار رماته وركاب حماته، فَرمى غرضها، واستباح ربضها، ودوخت سراياه، مَا وَرَاءَهَا من الْحُصُون العلايم والقلاع، والأقطار الزارعة الأصقاع، وسلطت النَّار على مَا دنا ونآ من تِلْكَ الْبِقَاع، والعدو دمره الله شَدِيد التحذير لأرضه مِمَّا يَلِي هَذِه الْبِلَاد، وفرسانه الْمعدة لحماية ثغوره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 كَثِيرَة كثيفة الْأَعْدَاد، فَمَا يُفَارق الحضرة، إِلَّا على توقع مضرتها، واستدفاع مَحْذُور غرتها. هَذَا مَا عندنَا شرحناه إِلَيْكُم، وألقيناه عَلَيْكُم، [وإعانتكم الَّتِي لسبيل الله عينتموها، وَاقعَة من الله سُبْحَانَهُ بمكانه وَمَكَان رِجَاله مِنْهُ مَحل رضوَان] شكرنا لمقاصدكم الْكَرِيمَة، وفواضلكم العميمة، لَو استظهرنا عَلَيْهِ بِلِسَان سحبان، لما جلى عَن غرضنا وَلَا أبان، وَإِلَى الله نكل جزاءكم، ونسله أَن يصل اعتناءكم، ويحرس سناءكم، ويذيع فِي الْخَافِقين ثناءكم، ورسولكم القايد [الْأَجَل الريس أَبُو مهْدي] أعزه الله، يُقرر لديكم مَا حملناه، ويعرض بَين يديكم مَا من الله أملناه، وفضلكم بالإصغاء إِلَيْهِ كَفِيل، ونظركم جميل، وَالسَّلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَصدر عني أَيْضا فِي مُخَاطبَة السُّلْطَان بالمغرب أَمِير الْمُسلمين أبي عنان الْمُتَقَدّم ذكره، مُعَرفا عَن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج بن نصر بِفَتْح حصن قنيط الْمقَام الَّذِي لأنباء النَّصْر اهتزازه وارتياحه، وَفِي سَبِيل الله عزمه وبأسه وسماحه، ولجهاد أعدائه تحن جياده وتميل رماحه، وَمن أفقه الْأَعْلَى تنشأ سَحَابَة وتهب رياحه. مقَام مَحل أخينا، الَّذِي نعظمه ونجله، ونثني عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله، السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله، ومقدمات رفده صَادِقَة الإنتاج، وَدَلِيل سعده غير معَارض فِي منَاط الِاحْتِجَاج، وَحرم عزه مَمْنُوع الْحمى، مَرْفُوع السياج، وعقبان راياته تظلل من حماته أسود الْهياج. مُعظم مجده المعتد بوده، الدَّاعِي إِلَى الله فِي اتِّصَال سعده، الْأَمِير عبد الله يُوسُف بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن [إِسْمَاعِيل بن فرج] بن نصر، سَلام [كريم] عَلَيْكُم سَلاما يوده الْبَدْر وشما فِي غرته، ويكتبه الصَّباح الطلق [معودة] فِي طرته. يخص مقامكم الأسمى وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد لله الَّذِي يسر لنا من لطفه الْخَفي سَبِيلا وَاضحا ومنهاجا، وجدد علينا ملابس الإقبال بسعادة ملككم السَّامِي الْجلَال، وَقد كَادَت ترق انهاجا، فاتح أَبْوَاب الأمل، إِذا سامتها الشدايد أرتاجا، ومسخر ضروب الْأَيَّام، وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أعيت جماحا ولجاجا. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا رَسُوله، الَّذِي أطلع مِنْهُ فِي أفق المهدى، سِرَاجًا وهاجا، وَأقَام بِهِ عماد الْحق لَا يعرف اعوجاجا، وَعقد عَلَيْهِ من جاه الشَّفَاعَة الْعَامَّة تاجا، وأيده بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وأمده فِي الأَرْض بملايكته المسومين أَفْوَاجًا. وَالرِّضَا عَمَّن شملته [حُرْمَة جواره، ووسعته رَحْمَة قربه وحبه وإيثاره] صحابة وقرابة وأزواجا، الَّذين لم يألوا فِي شدّ أزره، وإعلا أمره التحاما وامتزاجا، وإلجاما فِي مجاهدة عداهُ وإسراجا، فَكَانُوا غيوثا كلما باشروا احتياجا، وليوثا كلما حَضَرُوا هياجا، فانبلج بهم صباح الْحق انبلاجا، وَلم يدع هديهم فِي النُّفُوس ريبا، وَلَا فِي الصُّدُور اختلاجا. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى أبقاه الله بحرا بأمواج الكتايب الناصرة عجاجا، وغماما لغيوث الْمَوَاهِب الهامرة ثجاجا، واطلع عَلَيْهِ من أنباء الصنع الْجَمِيل على يَدَيْهِ، مَا يهز عطفه الْكَرِيم ارتياحا وابتهاجا، وَلَا زَالَت كواكب يمنه أسعد أبراجا، وأدلة سعده، أوفى حظوظا فِي حُدُودهَا وأوفر أدراجا، وَجعل عزمه الأمضى، وسعيه الأرضي، لعلل الدّين وَالدُّنْيَا علاجا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم صنعا، يسحب من أذيال المسرات المستمرات عصبا وديباجا، وَعزا يطوف بمقامه وُفُود البشاير حجاجا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَعِنْدنَا من الثِّقَة بِاللَّه عُقُود لَا يتَطَرَّق إِلَيْهَا انفصام، وَمن التَّوَكُّل عَلَيْهِ حصن حُصَيْن إِلَيْهِ فِي الشدايد والاعتصام. وجنابكم بعد الله، هُوَ الملجأ الأحمى وَالْمقَام، ولمدونة كتايبه القَوْل، إِذا اشْتَدَّ الْعَدو وَالْخِصَام، فَلَا نزال بيمن الِاعْتِدَاد لمقامكم الْأَعْلَى نجتلي وُجُوه السَّعَادَة عيَانًا، ونعرف ضروب الْإِعَانَة والتيسير، حَالي الْمقَام والمسير مثنى ووحدانا، ونجد فِيهَا مَدْلُول قَوْله سُبْحَانَهُ، " سنشد عضدك بأخيك ونجعل لَكمَا سُلْطَانا ". وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وسنى فِي أعدايه قصدكم. وَإنَّهُ تقدّمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 مطالعة مقامكم بِمَا سناه الله لجيش الْمُسلمين فِي الْغَزَوَات المنصوصة عَلَيْكُم من الصنع الْكَرِيم، وَأَنَّهُمْ تَعَاهَدُوا مَا بَينهم من ديار الْكفَّار معاهدة الْغَرِيم، وأذاقوا من حلوا بِسَاحَتِهِمْ من أحزاب الظلال طعم الوبال، بَين إحراق الغلات، وَسبي الْحَرِيم، كل ذَلِك من غير قُوَّة وَلَا حول، وَلَا بِفعل منا وَلَا قَول، بل بِقُوَّة الله الَّتِي لَا تضير مَعهَا قلَّة عدد، وإعانته الَّتِي هِيَ خير مدد، وبركة نيتكم الَّتِي هِيَ بعد الله أَسْنَى مُعْتَمد. ورأينا الْآن أَن نصل فيهم النكاية الْمَاضِيَة بالآتية، ونقرن الْغُزَاة الصايفة بالشاتية، وَلَا نقصر الْعَزْم على الْفُصُول المواتية. فأغزينا بالجيش خاصتنا، الحظي لدينا، القايد أَبَا النَّعيم رضوانا أعزه الله وأسعده، ووفقه وأرشده. فنهد لقصده، ونهض بِمَا نعلمهُ من جده، وَتَبعهُ الْجَيْش يكافحه جَيش المزن، وَقد فرق قباله، وطور بأعلام البروج جباله، وصمم لوجهه أَنَفَة من حل الْعَزْم الْمَعْقُود، وثقة باشتمال الْمَكْرُوه على المودود. وَقع التفاوض فِي الْوَجْه الْمَقْصُود، والتماس الْأَثر الْمَحْمُود، وروعيت فِي طَرِيق التَّرْجِيح ضمايم الْوُجُود. فتخلص الْعَزْم على قصد الحفرة الغربية لتَكون المرفقة أسوغ ونكاية الْعَدو فِيمَا يرَاهُ مستخلص قهره أبلغ، وَلِأَن الْجِهَة الَّتِي لإيالتكم هِيَ علينا أهم، والفايدة فِيمَا يخْتَص بهم أَعم. فنازل بعد أَن تلاحقت الجيوش الغربية، حصن قنيط، وَهُوَ من أشهر تِلْكَ الْحُصُون الأطيبية ذكرا، وَأَعْظَمهَا نكرا، وأشدها امتناعا، وأمدها فِي نكاية الْمُسلمين باعا. وَوَافَقَ قَصده وُرُود الْميرَة على سكانه، فانحصر فِيهِ من أوصلها من رجال الْعَدو وفرسانه، وحماة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 طغيانه. فشرعت العزايم الْمسلمَة فِي قِتَاله، وسالت جداول السيوف إِلَى إطفاء نَار ضلاله، وفوقت السِّهَام إِلَى برج سوره وجلاله، وَأخذ [أَمر الله من] عَن يَمِينه وشماله، والجو مَعَ هَذِه الْحَال مرعد مبرق، وَالنَّهَار قد تجهم وَجهه الْمشرق، وعارض الوبل قد خالط عَارض النبل، وَالْحِيلَة فِي افتتاحه لَا تهدي لسلوك مَا تعرفه من السبل. ثمَّ أذن الله فِي كف أكف الْمَطَر، لتيسير الأمل، وإحراز الوطر، فسفرت الشَّمْس من نقابها، وبرزت مخدرتها من حجاب سحابها، كَأَنَّمَا أعانت على تَكْمِيل المُرَاد، لما تطلعت لمشاهدة الطراد [فرشفت البلل] ، [ونقعت الغلل، وأزاحت الكسل، واستانفت الفعلة الْعَمَل، وعاودت الْمُقَاتلَة الأمل، وحكمت آلَات النقب فِي شارة سوره، فَقَعَدت وخرم أساسها، فاتكأت على دعايم الْخشب واعتمدت. ثمَّ تليت عَلَيْهَا آيَة النَّهَار فخشعت، ثمَّ سجدت، وَدخل الْمُسلمُونَ جفْنه عنْوَة بعد حَرْب أداروا كاسها، وموافقة رَاض النَّصْر سماتها، واعتصم حماته بقصبته، وَقد أحيط بهم إحاطة القلادة بالجيد، وراع تثليثهم تجاوب كلمة التَّوْحِيد، وكاتبتهم صروف المنايا بمرنات الجنايا على المرمى الْبعيد. فأذعن عميدهم عِنْد ذَلِك إذعان العميد، ولجوا فِي طلب الْأمان إِلَى الرُّكْن الشَّديد. فَظهر أَن إِجَابَة سُؤَالهمْ تسهيل على أمثالهم وَمن يجاورهم من أشكالهم، من الْعَمَل الأكيد، والرأي السديد. فتسلم الْمُسلمُونَ الْيَوْم الثَّانِي قصبته، وأورث الله دينه الَّذِي حجب عصبته، وتسنمت رايات النَّصْر هضبته، وحلت كلمة الْإِسْلَام من بعد العطل لبته. وَهَذَا المعقل أيدكم الله، إِلَيْهِ تنْسب الحفرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 القنيطية، وَفِي ساحته لمرتاد الخصب مُنْتَهى الطية [ومناخ الطية] وَمَا يجاوره من الْحُصُون بِسَبَبِهِ، إِن شَاءَ الله ينتثر سلكها، ويتيسر ملكهَا، فَإِنَّمَا هُوَ دين، اقتضيت مِنْهُ دفْعَة، وَحقّ مُشْتَرك، استخلصت بعضه شُفْعَة، وَبَاب تفتحت مِنْهُ فُرْجَة، وخصام وضحت مِنْهُ حجَّة، وَعَما قريب إِن شَاءَ الله [بمعاهدتكم الْكَرِيمَة] ، نستوفي من الْعَدو الدُّيُون، وتقر باستخلاص ذَلِك الْحق الْعُيُون، وَيفتح الْبَاب، وتتقطع بالخصم الألد الْأَسْبَاب. وموقع هَذَا الْحصن من طاغية الْعَدو، قصمه الله، الْموقع الَّذِي ينغص أنسه، ويوحش نَفسه، وَقد رتب فِيهِ الحماة، واختير لَهُ الرِّجَال وَالرُّمَاة، بخلال مَا يَقع نظركم فِي إِضَافَته إِلَى مَا يرجع لرندة حرسها الله، من الثغور، وتعرف نكرته بِالْإِضَافَة إِلَى علمكُم الْمَنْصُور، فَهُوَ طَلِيعَة الْفتُوح الَّتِي فِي إيالتكم الْعَالِيَة ترتسم، ومبدأ الْحُصُون الَّتِي فِي سلككم الرفيع بحول الله تنتظم. وَانْصَرف الْجَيْش الْمُبَارك عَنهُ، حميد السَّعْي، سديد الرَّمْي، واستنزل مِنْهُ من الْأَعْدَاء، أولى الْقُوَّة والبأس، والنفوس الحمية الأنفاس، جملَة تناهز الماية. لَو لم يكن فِي هَذَا الْفَتْح إِلَّا أَن الْعَدو تكل، دفاعهم عَن حوزته، وَكفى الله الْإِسْلَام شرهم بعزته، وتخلص من كَانَ بِهِ من أسرى الْمُسلمين، وَلَحِقُوا بأهليهم سَالِمين. وَلما كَيفَ الله هَذَا الصنع، قابله مُعظم مقامكم بالشكر الَّذِي يَسْتَدْعِي الْمَزِيد، وَيقرب الأمل الْبعيد، وَعرف بِهِ مقامكم الأسمى، ليَأْخُذ من ذَلِك بالحظ الأوفى، وَالشُّكْر الَّذِي يقرب إِلَى الله زلفى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فَإِن نسب هَذَا الْفَتْح إِلَى عَمُود ملككم نسب صَحِيح، وَشَاهده فِي الانتماء إِلَى معاليكم عَرَبِيّ فصيح، فَإِنَّمَا هُوَ ثَمَرَة إمدادكم، عرض على مقامكم [الأسمى ليَأْخُذ من ذَلِك بالحظ الأوفى] . وَلَا خَفَاء بِمَا هُوَ عَلَيْهِ الْإِسْلَام فِي هَذِه الأقطار الغريبة من انْقِطَاع المدد، وَتعذر الْعدَد، والقلة الَّتِي لَيْسَ بَينهَا وَبَين عدوها نِسْبَة من نسب الْعدَد، فَجَمِيع مَا يسنى الله لَهُ من الظُّهُور، فَإِنَّمَا هُوَ بركَة سلطانكم الأسعد، وَمَا تحققته أمة الْكفْر من اتِّصَال الْيَد بملككم. وَأَنْتُم عدَّة الْإِسْلَام وذخره، وكنزه الَّذِي بِهِ فخره، أبقاكم الله تخلدون الْآثَار الْكَرِيمَة فِي نَصره، وتعاملون الله على إِظْهَار دينه وإعلاء أمره. هَذَا مَا تزيد عندنَا، أردنَا بِهِ إعلامكم وخاطبنا بمضمنة مقامكم. وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وَصدر عني أَيْضا فِي مُخَاطبَة الْمَذْكُور عِنْد إقلاع ملك قشتالة عَن جبل الْفَتْح مَا نَصه: الْمقَام الَّذِي أنارت آيَات سعده فِي مسطور الْوُجُود، وتبارت جِيَاد مجده فِي ميدان الْبَأْس والجود، وضمنت إيالته لمن بِهَذِهِ الأقطار الغريبة تَجْدِيد السُّعُود [وإعادة العهود] ، وَاخْتلفت كتايب تأييده لوقته الْمَشْهُور فِينَا ويومه الْمَوْعُود، مقَام مَحل أخينا، الَّذِي نعظمه ونجله، ونوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله، السُّلْطَان أبي عنان ابْن السُّلْطَان [أبي الْحسن أبي سعيد أبن السُّلْطَان أبي يُوسُف بن عبد الْحق] ، أبقاه الله يَتَهَلَّل للبشرى جنابه، وَيفتح لوارد الْفَتْح الالآهي بَابه، وتعمل فِي سَبِيل الله مكارمه وعزايمه وركابه، ويتوفر بِالْجِهَادِ فِيهِ مجده وسعده، وفخره وثوابه، [مُعظم مقَامه] ، الْأَمِير عبد الله يُوسُف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَعِيل بن فرج بن نصر، أيده الله وَنَصره وسني لَهُ الْفَتْح الْمُبين ويسره. وَسَلام كريم، مشفوع بالبشاير والتهاني، محفوف الركايب ببلوغ الْأَمَانِي، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله مطلع أنوار الصَّباح العجيبة متألقة الْغرَر، ومنشى سحايب الألطاف الْكَرِيمَة الْأَوْصَاف هامية الدُّرَر، الْكَرِيم الَّذِي يُجيب دَعْوَة الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ، ويكشف السوء وَمَا أمره، إِلَّا وَاحِدَة كلمح الْبَصَر، حجب مكامن العافين فَوق الفطن ومدارك الْفطر، فَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ، وَمَا هِيَ إِلَّا ذكرى للبشر، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، ذِي المعجزات [الباهرة، والآيات] الْكبر، الَّذِي بجاهه الْحصين نمتنع عِنْد استشعار الحذر، وبنور هداه نستضي عِنْد البتاس الْورْد والصدر، فنحصل على الْخَيْر العاجل والمنتظر. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الْكِرَام الْأَثر، الَّذين جنوا من أفنان الصَّبْر فِي الله ثمار الظفر، وفازوا من إنجاز الْوَعْد بأقصى الوطر، وانتظموا فِي سلك الْملَّة الرفيعة انتظام الدُّرَر، وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى باتصال المسرات وتوالي الْبشر، والسعد الَّذِي تجْرِي بأحكامه النافذة تصاريف الْقدر، والصنع الَّذِي تجلى عجائبه فِي أجمل الصُّور. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من حظوة فَضله وإحسانه أجزل الْأَقْسَام، وعرفكم عوارف نعْمَة الثرة وآلايه الجسام. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، واليسر بِفضل الله، طارد الأزمات بعد مَا قعدت، وَكَاشف الشدايد. بعد مَا أرعدت وأبرقت، ثمَّ بِمَا عندنَا من الِاعْتِدَاد بإيالتكم الَّتِي أنجزت لنا فِي الله مَا وعدت، وَمَدَدْنَا إِلَيْهَا يَد الِانْتِصَار على إعدايه فأسعدت، آلَاء الصنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 العجيب، واليسر الَّذِي أتاح ألطافه السَّمِيع الْمُجيب، واليمن الَّذِي رفع عماده التَّيْسِير الْغَرِيب، وَضرب رواقه الْفرج الْقَرِيب. وَإِلَى هَذَا أيدكم الله على أعدايه، وأجزل لديكم مواهب آلايه، وَحكم لِلْإِسْلَامِ على يديكم بظهوره واعتلايه، وعرفكم من أَخْبَار الْفَتْح الْمُبين [الْموقع] ، وأنبايه، كل شَاهد برحمته واعتنايه. فإننا كتبناه إِلَيْكُم، فحقق لديكم الْبُشْرَى الَّتِي بِمِثْلِهَا تمْضِي الركايب. ويخاض الْعباب، ونعرض عَلَيْكُم ثَمَرَة سعدكم الْجَدِيد الأثواب، [المفتح الْأَبْوَاب] علما بِمَا عنْدكُمْ من فضل الأعراق، وكرم الْأَخْلَاق، وأصالة الأحساب، والمعرفة بمواقع نعم الله الَّتِي لَا تجْرِي لخلقه على حِسَاب، والعناية بِأُمُور هَذَا الْقطر، الَّذِي يتَعَلَّق بأذيال ملككم السَّامِي الجناب، وَقد تقرر لَدَى مقامكم الأسمى مَا كَانَت الْحَال آلت إِلَيْهِ بِهَذَا الطاغية الَّذِي غره الْإِمْهَال والإملاء، وأقدمه على الْإِسْلَام التمحيص الْمَكْتُوب والابتلاء، فتملأ تيها وعجبا، وارتكب من قهر هَذِه الْأمة [الْمسلمَة] مركبا صعبا، وسام كلمة الْإِسْلَام بَأْسا وحربا، بكتايب بره توسع الأرجاء [طَعنا وَضَربا] ، وكتايب بحره تَأْخُذ كل سفينة غصبا، والمخاوف قد تجاوبت شرقا وغربا، والقلوب، قد بلغت الْحَنَاجِر غما وكربا، وجبل الْفَتْح، الَّذِي هُوَ بَاب هَذِه الدَّار وَسبب الاستعدا على الأعدا والانتصار، ومسالك الدّين الحنيفي إِلَى هَذِه الأقطار، قد رَمَاه [ببوايقه] وصير ساحته مجر عواليه، ومجرى سوابقه، واتخذه دَار مقَامه، وَجعله شغل يقظته، وحلم مَنَامه، وَيسر الله لَهُ مَا يجاوره من المعاقل، إملاء من الله لأيامه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فاستقر بِهِ الْقَرار واطمأنت الدَّار، وَطَالَ الْحصار، وعجزت عَن نصر الْجَبَل الْأَنْصَار، ووجمت الظنون وَسَاءَتْ الأفكار [وَشَجر] نظار الْقُلُوب الِاضْطِرَار إِلَى رَحْمَة الله والافتقار، فجبر الله الخواطر لما عظم بهَا الانطسار، وَدَار بإدالة الْإِسْلَام الْفلك الدوار، وتمخض عَن عجايب صنع الله اللَّيْل وَالنَّهَار، وهبت نواسم الْفرج عاطرة الأرج عَمَّن يخلق مَا يَشَاء ويختار، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْوَاحِد القهار. وبينما نَحن نَخُوض من الشَّفَقَة عى ذَلِك المعقل، الْعَزِيز على الْإِسْلَام لجة مترامية الغارب، ونقتعد مِنْهُ صعبا لَا يلين لراكب. وَلَوْلَا التَّعَلُّق بأسبابكم فِي ارتداد تِلْكَ الغياهب، وَمَا خلص إِلَى هَذِه الْبِلَاد من مواهبكم الهامية الْمَوَاهِب، ومواعيدكم الصادقة، ومكارمكم الغرايب، وكتبكم الَّتِي تقوم عِنْد الْعَدو مقَام الكتايب، وإمدادكم المتلاحق تلاحق الصِّبَا والجنايب، لما نآ الْكفْر بصفقة الخايب، إِذا تجلى النُّور من خلال تِلْكَ الظلمَة، وهبت سحايب الرَّحْمَة وَالنعْمَة على هَذِه الْأمة، وَرمى الله الْعَدو بِجَيْش من جيوش قدرته، أغْنى من العديد وَالْعدة، وأرانا رأى العيان لطايف الْفرج بعد الشدَّة، وَأهْلك الطاغية حتف أَنفه، وَقطع بِهِ عَن أمله قَاطع حتفه، وغالته أَيدي الْمنون فِي غيله، وانْتهى إِلَى حُدُود القواطع القوية، والأشعة المريخية تصير دَلِيله. فشفى الله مِنْهُ دَاء، وَأَخذه أَشد مَا كَانَ [اعتدادا] ، واعتداء، وَحمى الجزيرة الغريبة، وَقد صَارَت نهبة لحماته، وأشرقه بريقه، وَهِي مُضْغَة فِي لهواته، سُبْحَانَهُ لَا مبدل لكلماته. فانتثر سلكه الَّذِي نظمه، واختل تَدْبيره الَّذِي أحكمه، ونطقت بتبار محلته أَلْسِنَة النَّار، وعاجلت انتظامها أَيدي الانتثار، وركدت رِيحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الزعزع من بعد الإعصار، وَأصْبح من استظهر بِهِ من الأشياع وَالْأَنْصَار، يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم، وأيدي الْمُؤمنِينَ، فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار، وولوا بِهِ يحثون التُّرَاب من فَوق المفارق والترايب [ويخلطون تبر السيال الصعب بذوب الذوايب] ، قد لبسوا المسوح حزنا، وَأَرْسلُوا الدُّمُوع مزنا، وشقوا جيوبهم أسفا، وأضرموا [قُلُوبهم] تلهفا، وَرَأَوا أَن حصن إستبونه لَا يَتَأَتَّى لَهُم بِهِ امْتنَاع، وَلَا يُمكنهُم لمن يرومه من الْمُسلمين دفاع، فَأَخَذُوهُ من سكانه، وَعَاد فِيهِ الْإِسْلَام إِلَى مَكَانَهُ، وَهُوَ مَا هُوَ من طيب الْبقْعَة، وانفساح الرقعة، وَلَو تمسك بِهِ الْعَدو، لَكَانَ ذَلِك الوطن بِسوء جواره مكدودا، والمسلك إِلَى الْجَبَل، عصمَة الله، مسدودا، فَكَانَ الصنع بِهِ طرازا [على عاتق] تِلْكَ الْحلَّة الضافية، ومزيدا لحسنى عارفة الله الوارفة، فَلَمَّا استجلينا غرَّة هَذَا الْفَتْح الهني، والمنح السّني، قابلناه بشكر الله تَعَالَى وحمده، وضرعنا إِلَيْهِ فِي صلَة نعمه، فَلَا نعْمَة إِلَّا من عِنْده، وَعلمنَا أَنه عنوان على يمن ملككم الْأَعْلَى، وعلامة على سعده، وَأثر نِيَّته لِلْإِسْلَامِ وَحسن قَصده، وفخر ذخره الله لأيامكم لَا نِهَايَة لحده، فَإِنَّكُم صرفتم وَجه عنايتكم إِلَى هَذَا الْقطر، على نأى الْمحل وَبعده، وَلم تشغلكم الشواغل عَن] إصْلَاح شانه] وأجزل رفده. وَأما الْبَلَد المحصور، فَظهر فِيهِ من عزمكم الأمضى، مَا صدق الآمال والظنون، وَشرح الصُّدُور وَأقر الْعُيُون، من حلَّة الْإِمْدَاد على الْخطر، وتعدد السابلة البحرية على هَذَا الوطن، وَتعذر الوطر، وَاخْتِلَاف الشواني الَّتِي تسري إِلَيْهِ سري الطيف، وتخلص سهامها إِلَى غَرَضه، بعد أَتَى وَكَيف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 حَتَّى لم تعدم فِيهِ مرفقة يسوء فقدانها، وَلَا عدَّة يهم شَأْنهَا. فجزاؤكم عِنْد الله موفور الْقسم، وسعيكم لَدَيْهِ مشكور الذمم، كافأ الله أَعمالكُم الْعَالِيَة الهمم، وخلالكم الزاكية الشيم، فقد سعد الْإِسْلَام، وَالْحَمْد لله بملككم الميمون الطَّائِر، وسرت أنباء عنايتكم بِهَذِهِ الْبِلَاد كالمثل الساير، وَمَا هُوَ إِلَّا أَن يستتب اضْطِرَاب الْكفَّار وَاخْتِلَافهمْ، وتنازع الْأَمر [بَين] أصنافهم، فنغتنم إِن شَاءَ الله فيهم الْغرَّة، الَّتِي ترتقبها العزايم الشَّرِيفَة، والهمم المنيفة، وَتجمع شيمكم الْعليا، بَين فَخر الْآخِرَة وَالدُّنْيَا، وَتحصل على الْكَمَال الَّذِي لَا شَرط فِيهِ وَلَا ثنيا. فاهنئوا بِهَذِهِ النِّعْمَة الَّتِي حباها الله إِلَيْكُم، والتحفة الَّتِي بعثها السعد إِلَيْكُم، وَإِنَّمَا هِيَ بِتَوْفِيق الله ثَمَرَة إمدادكم، وعقبا جهادكم، أوزعنا الله وَإِيَّاكُم شكرها، وألهمنا ذكرهَا، عرفناكم بِمَا ورد من البشاير علينا، عملا بِمَا يجب لمقامكم من الْإِعْلَام بالمتزيدات، وَالْأَحْوَال الواردات، ووجهنا إِلَيْكُم بكتابنا هَذَا من يَنُوب عَنَّا فِي هَذَا الهنا، ويقرر مَا عندنَا من الْوَلَاء، وَمَا يزِيد لدينا من الأنباء، خَالِصَة أنعاما، المتميز بالوسيلة المرعية إِلَى مقامنا [الحظي لدينا المقرب إِلَيْنَا] القايد أَبَا الْحسن عبادا، وصل الله عزته ويمن وجهته. ومجدكم ينعم بالإصغاء إِلَيْهِ، فِيمَا أحلنا فِيهِ من ذَلِك عَلَيْهِ. وَالله يصل سعدكم ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. [وَكتب فِي الْيَوْم الثَّالِث من شهر الله الْمحرم عَام أحد وَخمسين وَسَبْعمائة] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَصدر عني فِي أول الْحَرَكَة الجهادية لهَذَا الْعَهْد وَقد تحرّك السُّلْطَان أعزه الله إِلَى حصن أشر الْقَرِيب الْجوَار لأرض النَّصَارَى، بِأَهْل حَضرته وَمَا يجاورها من الْأَمَاكِن الغربية، وَكَانَ إملاء هَذَا الْكتاب قبل أَعمال الْحَرَكَة بِيَوْم فَلم تبدل مِنْهُ لَفْظَة وَاحِدَة، إلهام من الله عز وَجل وَافق مَا وَقع فِي ذَلِك الْفَتْح الْقَرِيب، وَقَعَدت نايبا عَن السُّلْطَان بدار ملكه على عادتي فَكَتبهُ عَنهُ كَاتب إنشايه، مُعَرفا بذلك صَاحب الْمغرب الْمقَام الَّذِي يحيى بعز الدّين الحنيف وَجهه، ويطرب بِخَبَر الْفَتْح على [أهل] لَا إِلَه إِلَّا الله سَمعه، ويشرح بنصر الفئة القليلة على الفئة الْكَثِيرَة صَدره، مقَام مَحل أخينا، الَّذِي ينجدنا بِفضل الله وعزمه، ويمدنا سعده، ويؤخرنا وعده، وَيحسن بإعانتنا بالْقَوْل وَالْعَمَل قَصده، السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله عميما فَضله، رفيعا مجده، ماضيه عزمه. [من مُعظم قدره وملتزم بره] المطنب فِي حَمده وشكره، [الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر] . سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ٍ أما بعد حمد الله الْقوي الْعَزِيز، المبدي المعيد، الْوَلِيّ النصير، كَافِي المتوكلين، وَولي الْمُؤمنِينَ، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، قدوة الْمُجَاهدين، وَإِمَام الصابرين. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، المهتدين بهديه، السالكين فِي جِهَاد عَدو الله على نهجه، حَتَّى استقام عَمُود الْمُسلمين من بعده، وَبلغ التخوم القاصية نور دَعوته، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم أجر من ساهم وأعان، وأنجد وقوى، وشمر فِي جِهَاد الْكَافرين عَن الساعد الْأَقْوَى، وعامل من إِلَيْهِ الرجعى، وَأخذ بالحظ الرغيب من السرُور، بِمَا يسر الله وسنى. من منزلنا السعيد على الْمُسلمين، بِظَاهِر حصن أشر، حماه الله، وَلَا زايد إِلَّا الْفَتْح والمنح، والظهور الَّذِي احتفل بِهِ الصقع، وجم اللطف. وَالْحَمْد لله الَّذِي بِيَدِهِ الْأَمر، مجزل المنن، ومخول الآلاء وَالنعَم، الملهم الْمُنعم الْوَلِيّ النصير، سُبْحَانَهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. وقدكنا عرفناكم مَا أنعم الله بِهِ على الْمُسلمين ببركتكم من فتح برغة، واتصال سببهم من إخْوَانهمْ، من بعد الانبتات والانقطاع وتبر جرثومة الْإِسْلَام من تِلْكَ الأحواز الْمسلمَة والأصقاع، فَأصْبح الشمل جَمِيعًا، والمنثور منظوما، والسبيل قصدا، والفرقة جمعا. وَمَا استضيف إِلَى ذَلِك من فتح، كمل النِّعْمَة، وتمم العارفة. ثمَّ أننا رَأينَا أَن الْإِسْلَام لَا يقر بِهِ قَرَار، مَعَ كَون حصن أشر ركابا لعَدوه، وسلما لكيده، ودربا إِلَى غارات الْكَافرين، وفرضة إِلَى مسارب أَعدَاء الدّين، إِذْ لَا تضبط مَا بَينه وَبَين الْحُدُود الإسلامية الرتب، وَلَا تغني المسلحة، وَلَا يجدي الحذر، فَإِنَّهُ الْجَارِح المحلق، والبازي المطل، وَالْيَد المحكمة، والداء الدفين، مقض الْمضَاجِع، وفالي مكامن المسارح، ومصمى أهداف السواحل. فأهمنا وشأنه، وحمانا الرقاد بثه، ونغص علينا الْعَيْش شبحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 واستخرنا الله فِي قَصده، وسألناه الْإِعَانَة على فَتحه، وتيسير صعبه، فخلق الله سُبْحَانَهُ عندنَا النهود إِلَيْهِ ضَرْبَة لازب، من غير أَن نريح الْجَيْش، وَلَا نعيد الرَّأْي وأشعنا للحين نفير الْجِهَاد، وَلم نستدع لمأدبة هَذَا الْفَتْح إِلَّا الْأَوْلِيَاء من أهل وَادي آش وسندها، وأقليم الحضرة وَمَا اتَّصل بحوزها، وخيمنا من الْغَد بظاهرها، فِي عَفْو من الإحتشاد، ونقاوة من الرجل، وخف إِلَّا من آلَات الْحَرْب، حرصا على كتمان الْقَصْد، واستصحبنا أعجالا تحمل جوالقات السِّهَام وآلات الْهدم، وماعون النقب من الدبابات والستاير الخشبية، والنفوط والترسة والدرق، إِلَى الحصاصيد والسلالم، وَأَلْقَتْ الحضرة بأفلاذها. فَلم يتَخَلَّف عَنْهَا محتلم فَمن فَوْقه. وبرزوا فِي رَحل الرِّبَا، زادهم الله نَمَاء وَكَثْرَة. وصبحنا ليَوْم الثُّلَاثَاء فجر أولى مظنات لَيْلَة الْقدر من هَذَا الشَّهْر الْمُبَارك، فصكت أسماع من بِهِ طبول الْجِهَاد الَّتِي قدم بهَا الْعَهْد، وانتثرت حواليه رايات الصَّبْر، الَّتِي راق مِنْهَا الْجَيْش، ورف عَلَيْهَا الغر، ودارت بهَا الْمُقَاتلَة الْمسلمَة، الَّتِي لَا يخامرها الرعب، وَلَا يداخلها الذعر، وَهُوَ مصام منيع، وَمَعْقِل شهير وَبلا مُبين. قد صرف إِلَيْهِ الْكفْر لما ملكه عزمه، وأغرى بِهِ همه، فسد ثلمه وَأصْلح خلله وَنظر إِلَى عوراته فأوسعها تحصينا، حَتَّى قطع الأطماع، وتبر الآمال. وَكَانَ بِهِ عدد جم من رُمَاة الشعرا، ومساعير الْحَرْب، وَأولى الشُّهْرَة من السِّلَاح وَالْعدة، كل محسب فِي الْحَاجة، ومغن فِي الشدَّة، إِلَّا أَن الله لَا تغالب قدرته، [وَلَا تطاول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 عزته] ، وَلَا يرد عَن الْقَوْم الْكَافرين بأسه، فَتعلق بِهِ الْمُسلمُونَ يَخُوضُونَ غمار الشَّهَادَة، ويتزاحمون على مَرَاتِب الْمنية، ويسمحون فِي مبايعة الله بالنفوس الزكية. فَاقْتَحَمت المايدة الْمُتَّصِلَة بِهِ، ولجأ إِلَى الْحصن من كَانَ بِهِ من الحامية، فخلفهم الْمُسلمُونَ وَهِي أولى عَلَامَات الظُّهُور، ومبدأ الْفَتْح المسطور، وقاتلوا ذَلِك الْعقَاب المروم من جهاته، وأوسعوا أسواره المنيعة نقبا، وحفايره العميقة ردما، وصبروا صَبر الأبلج فكرا، وَلَا يُعْطي مقادة التَّصَوُّر وهما، كَأَنَّمَا هُوَ آثَار من آثَار عناية الله، قدم بهَا للدّين عهدا، وَأحمد الله بهَا لِلْإِسْلَامِ صنعا، وَرَأى الْأَعْدَاء من قدرَة الله، مَا رَاع أفئدتهم، وأذهل عُقُولهمْ، وفشت فيهم الْجراح، وعجزت مِنْهُم الْحِيَل، فأشاروا إِلَى طلب الْأمان، بعد أَن [بالغوا فِي الْأَعْذَار] ، وبلغوا أبعد مبالغ الصَّبْر، فقوبلوا بانبعاث الْقَصْد، وتتميم الرَّغْبَة، وأنزلوا عَن الأبلق الْفَرد، لَا بل عَن مَرْكَز النَّجْم، وعلت فَوق أبراجه رايات الْإِسْلَام، وَارْتَفَعت بِكَلِمَة التَّوْحِيد. وَأخذ بيُوت عباد الله التَّطْهِير وَتَنَاول بمثاله التثمير، وَأنزل ناقوسه إِنْزَال التهوين، وحلت بِهِ على الْمُسلمين عوارف الْفَتْح. وللحين شرعنا فِي سد مَا ثلم من أسواره، وهتم من شرفاته، وبقر من بطُون مسافاته، فعملنا بيدنا، [فِي سَبِيل الله] ، اقْتِدَاء بنبينا صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ، نقلا للآلة، وَعَملا بالمواعين. نَسْله جلّ وَعلا، أَن يَجْعَل ذَلِك خَالِصا لوجهه، وذريعة إِلَى قربه، وَأَن يَجْعَل غباره لنا أَمَانًا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 دُخان ناره، وَأَن يسهمكم فِي أجره. فَلَو أبصرتم جد هَذِه الْأمة الغريبة، لغلبتكم دموع الرقة، وإستفزتكم بواعث الحمية. وفازت يَد الْإِسْلَام، من هَذَا المعقل الْعَزِيز عَلَيْهِ، بقرار الْقُلُوب، وقرة الْعُيُون، وشفى مِنْهُ دَاء عضال، وَكفى بلَاء لَا يُطَاق. والعدو فِي أثْنَاء هَذَا، حَسْبَمَا نتعرفه من ألسن أسراه، متمهد بإشبيلية يعزز قَوَاعِد مَا صَار إِلَيْهِ، ويمهد جَوَانِب مَا انثال من الدُّنْيَا عَلَيْهِ، وَقد بَث تِلْكَ الْأمة المتلاحقة من الشَّرْقِي بَين بِلَاده، [وحد لَهُم] ارتقاب أمره، والتماح إِشَارَته. وَلَا شكّ فِي أَن هَذ القروح، يصل وخزها إِلَى قلبه، ويثير نكاياتها من عزمه، وَبِاللَّهِ تدرأ فِي نَحره، وبحزب الله نستعين على حزبه، وبربنا الله نستظهر على ربه الْمَنْصُوب، وإلاهه المنحوت. وَقد سبقناه بانتهاز الفرصة، وعاجلناه فِي سَبِيل الله بالغرة، وبوءنا لله بِالْقُدْرَةِ، وَمَعَ الْيَوْم غَد، ومجمل الصنايع لطايفه خُفْيَة، وَجُنُوده كَثِيرَة، وَمَا قل من كَانَ الله مَعَه، وَلَا ذل من كَانَ الله ناصره، أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر، تبَارك الله رب الْعَالمين. طيرنا لكم هَذَا الْخَبَر، لتسروا بِهِ أَنْتُم وَمن لنظركم من الْمُسلمين، وَنحن نتراءى فِيمَا يكون عَلَيْهِ الْعَمَل من قصد غَيره، ومصادقة سواهُ، ونشرع فِي اخْتِيَار من يعمره من الفرسان والحماة، وحذاق الرُّمَاة، ونستكثر بِهِ من الأقوات، وَالله الْمُسْتَعَان. وَأَنْتُم عمدتنا فِي الله الَّذِي نبشره عِنْد اجتلاء السرُور، ونستصرخه، عِنْد اشتداد الْأُمُور، وَأَن يسر الله فِي إنجاز مَا بِهِ وعدتم، من إِشَاعَة الْحَرَكَة إِلَى سبتة، تعْيين حِصَّة تَبْتَغُونَ بهَا وَجه الله، وتنجدون بهَا الْإِسْلَام، فأثرها كَبِير، وسماعها شهير، وَهِي الْأَخْبَار تأخذها الزياد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 إِذا تنوقلت، ويبعدها الإرجاف إِذا سَمِعت، والكلمة وَاحِدَة، وكل مَعْرُوف صَدَقَة، وظنون الْإِسْلَام فِيكُم جميلَة، وَالله يحملكم على مَا يرشدكم ويسعدكم. [ويوالي عزتكم، ويحرس مجادتكم] ، وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وَلما وصل السُّلْطَان أيده الله من غزَاة أطريره بعد استفتاح حصن أشر الْمُتَقَدّم الذّكر، صدر عني فِي التَّعْرِيف بذلك لسلطان الْمغرب، وَهُوَ من الْكَلَام الْمُرْسل، الَّذِي قَلما ألوى على سجع، وَلَا وقف على قافية لشفوف هَذَا الْغَرَض فِي هَذِه الأقطار الْمقَام الَّذِي تيمنت الْبِلَاد بولايته، وتعرفت ببركته بِفضل الله وعنايته وادخرت الِاعْتِدَاد بِرَأْيهِ فِي سَبِيل الله ثمَّ برايته، وتوعدت الْكفْر بِقِيَام قِيَامَته. فطلوع شمسه من الْمغرب أكبر آيَته. مقَام مَحل أخينا الَّذِي ثغور نَصره بواسم، وأيامه لِلْإِسْلَامِ مواسم، وتتوفر لَهَا من صنع الله المقاسم، السُّلْطَان الكذا أَبُو فَارس ابْن السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن، مُعظم سُلْطَانه، ومجل شَأْنه، الْعَارِف بأصالة مجده، ورفعة مَكَانَهُ، فلَان. أما بعد حمد الله، الملهم الْمُنعم، الْعلي الْكَبِير، الْوَلِيّ النصير، محرك العزايم بباعث الْإِسْلَام، ومكيف الصنايع الْخفية على الأذهان، الْمُوفق للخير، الْمعِين عَلَيْهِ، الْوَلِيّ الحميد، الَّذِي لَا ملْجأ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، نَاصِر الْمُؤمنِينَ ومظهر دينه على رغم الجاحدين وَكره الْكَافرين، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، عَبده وَرَسُوله، مُجَاهِد الْأَنْبِيَاء، [الْمَنْصُور فِي الأَرْض] بملايكة السَّمَاء، نَبِي الْمَلَاحِم، ومسوغ الغنايم، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه أسود الروع، ونجوم الْهدى وأعلام الصَّبْر، وسيوف الْحق، وَالدُّعَاء لمقامكم بتوالي الْعِزّ، واتساق الصنع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سني الْحَظ، وهنى الْفَتْح، بعد الِاعْتِرَاف لدولتكم بيمن الطير، ونصبة السعد، ونفاق سوق الصنع بِهَذَا الْقطر. وَالله متمم الْفضل، ومجدد عَادَة اللطف، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الفتاح الْعَلِيم، وَإِلَى هَذَا فإننا كُنَّا قد عرفناكم بِمَا أضفي عَلَيْهِ الرَّأْي، من مُظَاهرَة ملك قشتالة على أَخِيه، مجليه على مدرته، والمستحوذ على مَمْلَكَته، تَعْرِيف يُوصل بِهِ دوَام الْفِتْنَة، واشتعال نَار الإحنة، وتميز الْمُسلمين بخطة الْعَافِيَة، وتبريزا فِي ميدان حسن الْمُكَافَأَة، وَإِقَامَة لحسن المجازاة، وتمهيدا لرعي قديم الْجوَار، وَبَرَاءَة من التَّقْصِير فِي استصراخ كريم قوم، أَو معرض حسن سعى، فخاطبنا بِلَاد الفرنتيرة، نضمن لأَهْلهَا اتِّصَال السّلم، عِنْد صدق الْفِتْنَة، واستدراك الْقلَّة، فأهطع، مِنْهُم السوَاد الْأَعْظَم، وتغاضى أمة من الْبِلَاد تقفها زعماء، وضبطها قواميس أسلفوا مَا أَسَاءَ بِالدَّلِيلِ ظنونهم، وَقطع فِي عدوه آمالهم. وَإِذا سَاءَ فعل الْمَرْء ساءت ظنونه، وَصدق مَا يعتاده من توهم. فأثبتوا مِنْهَا فِي مستنقع الْمَوْت أَرجُلهم، ليوثقوا مِنْهُ ... ... الْحِيلَة، وَكُنَّا قبل هَذِه الْبُنُوَّة بسُلْطَان ملك قشتالة الْمَذْكُور، قد عَملنَا مضضا طوينا الجوانح على مثله، وأغرينا الْجزع ببثه فِي الْحَادِثَة على مَا يناهز الْألف من أسرى الْمُسلمين، المقرنين فِي الأصفاد بدار الصَّنْعَة من إشبيلية، إِلَّا ذمار الحماة، فلول الوقايع، وأسار الحتوف، وحيات الأودية الضنينة بهم يَد الْكفْر، من لدن سِنِين عدَّة، إِذا كَانَ المجعجع بِهِ بَين طراده، والجهر بخلعانه، وانتهاب قصره، قد أطلقهُم نكاية لِقَوْمِهِ، وعاقبة سوء يرتادها للبلد الخاين بعهده، فَانْطَلقُوا أظعان المسغبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وأضر بالأداهم، وَقد لفقوا علالة من مستهجن السِّلَاح وَذي الْآلَة، يهبون إِلَى تَحْصِيل النجَاة، ولات حِين مناص، وَقد تَأذن الله سُبْحَانَهُ، بكر ظُهُور الشَّهَادَة على مَا رسب من أوزارهم، وَختم بِهِ صحايف بوساهم وشظفهم، واعترضهم أهل أطريرة، من بنيات هَذِه الْأُمَم الممتنعة إشبيلية، وعَلى نصف بريد من بيضتها، وَأَهْلهَا أشهر أكلب الْكفْر عَن نَاب شَره، وأسطاهم بِنَفس مومنة، وأخفرهم لذمة، وأسوأهم مُعَارضَة لملتمس تجر أَو نجعة أَو مضايقة بسفير رِسَالَة، يرومهم التحرج من انصرافهم بِجلَال تِلْكَ الأسلحة، وَجعلُوا ... . فِي إسْلَامهَا إِلَيْهِم شرطا، وبذلوا لَهُم على ذَلِك عهدا، فَلَمَّا صفر مِنْهُ أَيْديهم، تناولوهم بالإبادة، وهم لحم على وَضم، لم يرقوا لطول بلواهم، وَلَا أنفذوا فيهم عهد مَوْلَاهُم، وتركوهم صرعى بقرًا الْبيُوت الْكَافِرَة، والفرضاة الغادرة، وأثكلوا مِنْهُم الثغور بجملتها، ومفرجي أزماتها، وأسبوا الْمُسلمين بوعي موقف الصَّبْر، وشهدوا مأزق الذل، يتلونهم للجباه والأذقان، وينحرونهم نحر إبل القربان، كتب الله لَهُم، أوفر أجور الْمُحْسِنِينَ، ونفعهم بِمَا محصهم بِهِ يَوْم الدّين. فَلَمَّا قَامَت هَذِه السُّوق، ولمعت فِي سَمَاء الْفِتْنَة القشتالية البروق، ثار لدينا وَلم يكن خافيا كامن الحمية لله على بعد المرمى، وخطر المسرى، كتبه الله لنا من مسعى، يَوْم تدان النُّفُوس وتجزى، فتوفرنا على قصدهم مصمت الْهَام، وَنقل الأوهام، توفرا لم تطل بِهِ الْأَيَّام، وَلَا فسحنا لتدبير الآماد، وَكَأن الله عز وَجل، أطلع قُلُوب الْمُسلمين من ذَلِك على خباه، وكشف لَهُم عَمَّا نويناه، فخفوا كثر الله جمعهم، خفوفا لم يذمر بموعد، ونفروا عَن غير مزعج، مهيب فِي الرجل الرِّبَا كَثْرَة، وأسود الشرى نجدة، ويعاسيب الكور سلاطة وحمية. وَخَرجْنَا نجد السّير، والنجح قايد، والتوفيق مواكب، والسعد للْفَرض كافل، وَالْقَصْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 المبرور ضَامِن. واحتللنا رندة مرسها الله، واثقين بِقُوَّة الله وَحَوله، مُتَمَسِّكِينَ بِسَبَبِهِ الْقوي فِي الْأَمر كُله، وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه، وَمن فوض الْأَمر إِلَيْهِ نجح قَصده وَعلا كَعبه. ثمَّ انتقلنا بالمحلات المجتمعات ضفة وَادي لكه، محلّة الْفَتْح الأول، ومحول النَّصْر المتاح المخول، وَمِنْهَا صبحنا أُولَئِكَ الْكَافرين فشاحت وُجُوههم، وأحاط بهم سوء كسبهم، وحاق بهم وبال أَمرهم، فَقَالُوا على الربض صلينَا ... . . وَلما كاثرهم أَوْلِيَاء الله، يَعْلُو بالكلمتين نداؤهم، ويكاثروا أزهار الْبَطْحَاء الْمُخْتَلفَة الألوان راياتهم، فحاش سرعَان من انتثر بذلك السهل العريض من الْأُمَم الْكَافِرَة، وَالنَّسَمُ الغادرة إِلَى مسور الْحصن، وَقد كَانُوا فِي هَذِه المدد الْقَرِيبَة أَو سعوه تحصينا، وناصحوا عوراته رما وتسديدا، وتخلفوا الْمنَازل مَالِيَّة بِالنعَم والأقوات، والأمتعة والآلات، فخافهم الْمُسلمُونَ عَلَيْهَا انتهابا لكثيرها واستلابا لخطيرها، حَتَّى لم تبْق يَد إِلَّا ملثت، وَلَا نعْمَة إِلَّا سبيت، وتحصنوا بالقصبة، وَالسُّيُوف تتخطفهم، والرماح تنوشهم، والسهام تبعجهم، بعد موافقات صعبة، وحملات مرّة، ومدافعات تجاه بَابهَا، استوعب لفيفهم مَعهَا التحصن، واستكملوا التصنع، وهم أُلُوف، حذر الْمَوْت يحْضرُون، وَإِلَى الْمحيا يتسابقون ويهرعون، وصدقوهم الْمُسلمين الضمة، فأجحروهم صابرين، وتسنموا الْعَرَصَة ظَاهِرين بعد إثخان الْقَتْل وإعمال السَّيْف، وَبعد أَن سدت المسالك جثث الْقَتْلَى، وملأت الرحاب أشلاء الصرعى، ثمَّ عاطوا من تحصن بالقصبة كؤوس الْقِتَال، وَأَرْسلُوا عَلَيْهِم حواصب النبال، وتعلقوا بأسوارهم، يقرعون الثنايا، ويطلعون عَلَيْهِم وُجُوه المنايا، واستجدت آلَات النقب، وَظَهَرت إِلَى ذَلِك المعتصم المحبور من ذمَّة الله، حِجَارَة الرجز، وأسفوا الله فانتقم مِنْهُم، وعتوا على عباد الله المطهرين، فَجعل لأوليائه وأوليائهم نَصِيرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 لَهُم فصابروا الشدَّة عَامَّة، يَوْم الهجوم عَلَيْهِم، وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي سَفَكُوا فِيهِ دِمَاء أسرى الْمُسلمين، وعتوا على رب الْعَالمين، لَيْلَة مستهل الشَّهْر الْكَرِيم، متقبل الْأَعْمَال، ومتنزل الْقُرْآن. وحثهم اللَّيْل فأضرمت النيرَان فِيمَا استبحر من دِيَارهمْ المتحرقة الأوضاع، الغاصة بالآلات، فغشيتهم السَّمَاء بِدُخَان مبير، وَعَذَاب أَلِيم، وضغطهم صهاب من عَذَاب شَدِيد. ولمنتصف الْيَوْم بعده، ألقوا بالإذعان إِلَى حكم الْمُسلمين، فأنزلوا عَامَّة اللَّيْل، بعد أَن علت بِنور الْإِسْلَام فِي أبراجهم الحصينة، وقصبهم المبتناة لهَذَا الْعَهْد المشيدة، وَمن الْغَد عَمت ردفا سباياهم الظُّهُور والأكفال، وتجاذبت مُقَاتلَتهمْ وجلداؤهم الجزل والحبال، وصلصلت إِلَى إمتطاء نبهائهم الأصفاد والأكبال، وَقد أضرمت النَّار فِي بُيُوتهم، الَّتِي تَأذن الله بخرابها، فَعَادَت قاعا لَا يعمر، ويبابا لَا يسكن بعْدهَا وَلَا يتدبر، قد جلله من رفع مستنجز الإثارة، متواكف الْعِمَارَة، مناخ السيارة، سخط من أهل الغربي، لما بطرت معيشتها، وأدال الْأُمَم لما ركبت بغيها. سُبْحَانَهُ لَا مبدل لكلماته، وَلَا دَافع لنقماته، فأصمت [ألسن] ، نواقيسه المصطحبة، ومزقت أشلاء تماثيله المتبرجة، وسفكت دِمَائِهِمْ، فَوق دَمًا من قَتَلُوهُ، وجزوا جَزَاء الضعْف بِمَا فَعَلُوهُ. فيابردها على كبد إلاسلام، من نيران مشبوبة، وأوثان مطروحة، وأغلاق مفضوضة، وفروش وثرت من زغب الطُّيُور حشاياها، ومهدت للمترفين وَلَا ياها، نفضت فخالطت الهباء وعمت الْهَوَاء. وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى. وقفل الْجَيْش يجلب نصرا لَا كفاء لَهُ، وصنعا لَا عهد بِمثلِهِ، وَقد رفعت ألويته الخافقة ألوية الْفَخر، وفازت سيوفه الْمَاضِيَة بِإِدْرَاك. . ور ... . وَإِن كَانَت ترايب الْإِسْلَام أَقْدَام من هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الْحق، وَقد كللت مَحل الصَّيْحَة، ومتنزل النقمَة، ومصرع الفئة الْكَافِرَة الباغية، أَفْوَاج من عصايب الطير، تتداعى الجفايا، وتتنادب للوليمة الْعُظْمَى، وَلَحِقت عمد الدُّخان لأعنان السَّمَاء، وَنَادَتْ أَلْسِنَة الحمية فِي تِلْكَ العرصات يالثارات الأسرى، واستباحت سيوف الله من النسم آلافا عدَّة، وَمن الحماة أولى بَأْس وَشدَّة، أعيا حَدِيثهَا النَّقْل، فاثتمنت علية النَّار، وأعجزت طعمتها الظّهْر، يُوكل بهَا الانتساف والتبار، وألصقت جدرانها بِوَجْه الثرى، وَأهْلك مَا خرب من زَرعهَا ونأى. وَالْخَيْر لَا يَنُوب عنة كل المناب عَن المرأى، أوزع الله شكر النعمى، وَكتب لِلْإِسْلَامِ حسن العقبى. وَظهر الْمُسلمُونَ من الْبَقر على آلَاف مَلَأت السُّرُوج، وغصت ببراذنها ومراقدها الحزون والسهول. وَأما سايمة الْغنم، فعاثوا مِنْهَا فِيمَا لَا يكْتب وَلَا يُحْصى وَلَا يعد، وباء الْمُسلمُونَ بشفاء الصُّدُور وسرور الْقُلُوب، وقرة الْعُيُون، وَقد ... ... ... . . للأخذ بترابهم من لَا ينَام عَن الدمنة ن وَلَا يصانع فِي رعى الذِّمَّة. وجاست خيل الله من أحواز حمص، أَعَادَهَا الله بإمدادكم، ومؤمل جهادكم، الجو الَّذِي لم يطْرق لهَذَا الْوَقْت حماه، وَلَا عرف اسْمه فرضا عَن مُسَمَّاهُ، سوق عصية السوايم وتكتسح المسارح، فَلَا تتْرك لسع هجمة، وَلَا نافخ ضرمة، وتذعر غاراته المشعلة الأسراب، وتتخلل عمرته وسواده الشعاب، وَمن بهَا من الفرسان والأعيان، أولى الْقُدُور الراسبات، والزغب الكاسيات، والأتباع والأشياع، والرطانة والجعجاع، قد لاذوا على وفور عَددهمْ بالأسوار، وأيقنوا بالبوار، وطرقتهم الْغَارة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 اتسعوا فِي عقر الدَّار. وَلَوْلَا أَن الْفضل لم يَأن إِدْرَاك غلاته، وَلم يسْتَدرك خصايص مطعوماته ومقضوماته، لاتخذها النَّاس مجْرى السوابق، ومجر العوالق على التوالي، وَلَو صلوا فِي انتساف النعم وموالات النقم، أيامهم بالليالي. والعزم على التعقيب بِفضل الله متوفر، وَالْعَمَل على الْعود إِن شَاءَ الله متجدد، وَعند الْمُسلمين حاطهم الله وأنجدهم، من الْمُبَادرَة إِلَى الدعْوَة، والمنوب إِلَيّ الهيعة، والاغتباط فِي سَبِيل الله والروحة، مَا يرجي أَن يكون سَببا لظُهُور مَا تَضَمَّنت محجوبه أَلْوَاح الْغَيْب وأسرار الْمَشِيئَة، وَالْقُوَّة بِاللَّه، والعزة لله، وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله، وَلَا حول لنا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَمن جعل مقامكم الْكَرِيم رده فِي سَبِيل الله، وتوعد الْكفْر بحميتكم فِي سَبِيل الله، وَمن أجلة فقدحه أَن شَاءَ الله الْمُعَلَّى، وحظه بِالْخَيرِ أَجْدَر وَأولى. حفظ الله مِنْكُم على الْمُسلمين عنصر كلمتهم، ومقدر قوتهم، ومهب ريح نَصرهم، ومفزع شدتهم، وطية ركاب منشرايهم. وَلما عدنا إِلَى حضرتنا بادرنا تعريفكم بِهَذَا الصنع، من قبل أَن تنفض غُبَار الْغَزْو من العمايم واللمم، ونريح الْجِيَاد من اللبود واللجم، وكأننا نَنْظُر من حسن موقعهم من نواديكم الغاصة بالأحراز، الهافية لإدراك الثار، وإجمال الْآثَار، فَإِن لمحركات الحمية، من بَين القبايل المزية، وَإِدْرَاك التراث، ترتاح إِلَيْهِ الهمم الأبية، لَا سِيمَا الهمم المرينية، وذمام الْإِسْلَام، وَالْحَمْد لله، غير واهن السَّبَب، وَلَا دارس الْمَذْهَب. وأكد حبورنا ... ... . لسرورنا، مَا شهد بِهِ العيان من يمن دولتكم، وَظُهُور سعادتكم، فَلم يعْدم مَعهَا وَالْحَمْد لله حضب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وَظُهُور وَخير مَشْهُور، وَالله عز وَجل يصل لنا وَلكم مَا عود، ويمتع بِمَا حول، ويعين على مَا قلد. وَأَنْتُم وجهة تعريفنا بالمتزيدات، والمنن الوافدات، فَمَتَى استجلينا مِنْهُ شَيْئا، جلوناه عَلَيْكُم، أَو استطلعنا وافدا، أهديناه إِلَيْكُم. وَالله يصل بقاكم , ويعتمد بالصنايع الباهرة علاءكم , وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم , وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته , وَكتب فِي كَذَا من رَمَضَان الْمُعظم من عَام ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ وسبعماية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وَكَانَت الْحَرَكَة الْكُبْرَى إِلَى مَدِينَة جيان إِحْدَى دَار الْملك وكرسي دَار الْإِمَارَة ولدات الشُّهْرَة , وافتتحها الْمُسلمُونَ عنْوَة فِي أَوَاخِر شهر الله الْمحرم من عَام تِسْعَة وَسِتِّينَ وسبعماية فصدرت مُخَاطبَة سُلْطَان الْمغرب من إملائي مَا نَصه: الْمقَام الَّذِي نبادر أبوابه بالبشرى , مردفة أولاها بِالْأُخْرَى , ونستظهر بعزيمته الْكُبْرَى , مَتى أعضل الدَّاء واستشرى , فَهُوَ أولى بالحالتين وَالْأُخْرَى , مقَام مَحل أخينا , الَّذِي أَقَامَت دولته أسواق البشاير والتهاني , وتكلفت سعادته للْإيمَان بتسني الْأمان , وتأتى الْأَمَانِي , السُّلْطَان الكذا أَبُو فَارس ابْن السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن , ابْن السُّلْطَان الكذا أبي سعيد ابْن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق , أبقاه الله بالصنايع الجميلة [مَسْرُورا , وبر كايب البشاير العجايب] مزورا , وَفِي الفضايل الجليلة علما منشورا , وَلَا أعدمه فتحا وظهورا , مُعظم قدره , وملتزم بره [الدَّاعِي إِلَى الله باتصال سعده , واتساق نَصره] , الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر , أيد الله أمره وأعز نَصره. سَلام كريم [طيب برعميم] , ينم بِفَتْح الْفتُوح المؤيدة بالملائكه وَالروح عرفه , ويبدي أنفاس ريحَان [الْجنان] . فيعي عبارَة اللِّسَان , وموارد علم الْإِنْسَان وَصفه , يخص مقامكم الْأَعْلَى , ومثابتكم الفضلى , وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أما بعد حمد الله كَافِي من اسنكفاه، وهادي من استهداه، الَّذِي نصر الْحق وَأَعلاهُ، ودحض الْبَاطِل وأرداه، ووعد من توكل عَلَيْهِ، وفوض أمره إِلَيْهِ، بحسنى عقباه، وَأخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر [فاظنتتم أَن يخرجُوا] ، وظنوا أَن حصونهم مَا نعتهم من الله، فَمَا أوسع رحماه، وأسبغ نعماه. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، سر الْوُجُود وَمَعْنَاهُ، وموحد الْكَمَال ومثناه، ومختار الله من الخليقة ومجتباه، نَبِي الْمَلَاحِم، الَّذِي نصر بِالرُّعْبِ على عداهُ، وزوى لَهُ الأَرْض، فَرَأى ملك أمته بلغ مَا جمع لَهُ مِنْهَا وزواه، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه وعترته وأحزابه المخصوصين بمزية قربه، ومنقبة حبه فِي مماته ومحياه، الذادة عَن حماه، النزعة فِي الْهدى إِلَى هدى مرماه، مزعجي الْكفْر عَن مثواه، ووارثي الأَرْض من بعده بذريعة رَضِي الله وتقواه، والدعا لمقامكم، حرس الله جَوَانِب علاهُ، وأعانه وتولاه فِيمَا ولاه، وَحفظ عَلَيْهِ مَا أولاه، كَمَا جعل أَوْصَاف الْكَمَال حلاه، وعرفه عوارف السعد، الرايق مجتلاه، وَذخر لَهُ الْفَتْح الْمُبين وسناه [بتوالي الْعِزّ المشرف سناه] ، والنصر الداني من غصون الرماح الملد جناه، والصنع الَّذِي ينَال بِهِ الدّين الحنيف مَا يتمناه، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم فخرا رايقا رياه، وسعدا مشيدا مبناه، وأطلع من غرر الْفتُوح كل وَافد بشر محياه، ووارد مهما تَلقاهُ، روح الْحَيَاة بوأه وحياه. [من حَمْرَاء غرناطة، أمنها الله] ، وَالدّين قد ساعدته بِمَا يرضيه دُنْيَاهُ، وَنور الله الَّذِي وعد بإتمامه وَإِن كرهه الْكَافِر وأباه، قد دَعَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 بوعد الصَّادِق فلباه، وَالْإِسْلَام بِهَذَا الْقطر قد استمنح مِنْهُ سُبْحَانَهُ، عَادَة اللطف بِهِ والنصر فحياه، وَالْحَمْد لله مبدأ كل أمره ومنتهاه، وَآخر كل كدح وأولاه، فَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله، ومقامكم عدَّة الْإِسْلَام الَّذِي يكْشف جلاه، ونساهمه فِي المسرات الَّتِي تهز نواسمها منتداه، والمبشرات الَّتِي تفوز بقدحها يَدَاهُ. وَإِلَى هَذَا أوزعنا الله وَإِيَّاكُم شكره، من منح أعلت معالم الْإِيمَان، وأعلنت برضى الرَّحْمَن، وعودة الزَّمَان، وأعربت عَن إتاحة الكرة وهبوب الرّيح، وَإِطْلَاق الإدالة، فَإنَّا نجلو عَلَيْكُم خبر الْفَتْح المخبو لزمننا وزمنكم، المذخور من الله سُبْحَانَهُ، فضلا علينا وَعَلَيْكُم، المعرب [عَمَّا بعده] إِن شَاءَ الله، عَن دُيُون فِي الْكفْر تَقْتَضِي، ومعارج للذّكر الْجَمِيل تَرْتَضِي، وسبل السّلف الصَّالح تقتفي، ومساع فِي الْجِهَاد تقرب إِلَى الله زلفى، وتعود مِنْهُ بالجزاء الأوفى، فتح الْفتُوح الَّذِي سمى اسْمه الرفيع ومسماه، أَن يُحِيط النّظم والنثر بِمَعْنَاهُ، إِلَّا أَن الْإِشَارَة تنْزع إِلَى مرماه، وَشرح الْمُجْمل الَّذِي تقصر عَنهُ ألسن الْعبارَة، ويستدل على كنهه بملامح الْإِشَارَة، هُوَ أننا اتَّصل بِنَا، والحي خلوف، وَحكم السّلم مألوف، أَن مَدِينَة جيان، بلغاء الشُّهْرَة، وَغَابَ البسالة، ومنبت الشَّوْكَة، وعقاب الْقَوَاعِد المغتصبة للْمُسلمين، ومختط طَائِفَة الْعَرَب الشاميين من كورة قنسرين، والأمم العديدة الْبَنَات، المستبحرة المنا والجنات، حَيْثُ الزياتين مِنْهَا، تمتار الْبِلَاد والعباد، مدد الْوقُود والكروم، الَّتِي استثمرتها الرّوم، تعبق لَهَا الخوابي الجوب بِدَم العنقود، والجنات الأشب، والوضع المنبت المعجب، حجر الأراقم المختالة، فِي جُلُود الزرود، والليوث الباطشة فَوق فيول الْخُيُول، ومصرخ النواقيس الصايلة، وَنصب التماثيل الهايلة، ولدة دَار الْخلَافَة قرطبة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 بدا لأَهْلهَا فِي مُخَالفَة سلطانهم الَّذِي جددنا عَهده، وأبرمنا سلمه، وأكدنا عقده، وأوجبنا لتوفر البواعث نَصره. فأهنبلنا للحين غرَّة، وانتهزناها فرْصَة، وحللنا إِلَيْهَا عقال الفتك، الَّذِي كَانَ قد قَيده الْإِيمَان، وسللنا عَلَيْهَا سيف الله الَّذِي أغمدته الْمُوَادَعَة والآمال، بعد أَن استخرنا الله، الْوَلِيّ فِي الغربة، النَّاصِر فِي الشدَّة، الَّذِي بِيَدِهِ الْقُدْرَة والعزة، والحول وَالْقُوَّة، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ خير الناصرين، ومظهر دينه على كره الْكَافرين، ونوينا أَن نرفع بهَا هضم الْإسْكَنْدَريَّة، ونقوم بِفَرْض الْكِفَايَة عَن الكافة، فأثمرت استخارة الله لدينا، وَالْقُوَّة بِهِ، والتوكل عَلَيْهِ، الإستهانة بأسوارها المشيدة، وحماتها البئيسة، وشهرتها الجامحة، فأبرمنا الحزم الَّذِي شحذ التَّوَكُّل غربه، وسدد الاستبصار سَهْمه، وأضفى الصَّبْر جنته، وسهلت الثِّقَة بِاللَّه حزبه. واستدعينا أهل الْجِهَاد [لتصير الْجِهَاد] ، ونفضنا أَطْرَاف الْبِلَاد، عَن أولى الجلادة على الجلاد، وعينا أمدا أضَاف الانحفاز مدَّته وتحيفت البدار فسحته، وعَلى ذَلِك فاستكثرنا من آلَات الْقِتَال، ورفعنا المجانيق على أفلاك الأعجال، وأفضنا العطا الَّذِي تجَاوز شهور الأستحقاق إِلَى مَا وَرَاءَهَا، مِمَّا لم يستهل جَنِين هلاله، وَلَا وسمت خيلان اللَّيَالِي صفحة جماله، وأوصلنا الجيوش إِلَى المطوعة الغازين والمرتزقة المدونين إِلَى حُقُوقهَا فِي الْغنم الْمُتَقَدّم، وَالنَّفْل الْمُبَارك الْمُتَيَقن، فتضاعفت الارتياش، وأزيحت الْعِلَل، وأخلصت الضماير النصفة، وأطابت الْقُلُوب المعدلة، وَلما تكاملت الجموع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وتوالت الحشود، وتعددت بِظَاهِر حضرتنا الرَّايَات والبنود، بَرَزْنَا نهتدي من الرَّأْي الَّذِي تعودنا يمنة بمصباح، وذبال اسصباح، لَا بل بفلق صباح، وخيمنا على بريد من الحضرة، ترفيها على السيقة، ونظرا للفذ وَالْجُمْلَة، مخيما جمع مقادة من النسم، لَا يحصيهم إِلَّا من كتب خطاهم فِي طَاعَته، وأحصى أنفاسهم المطيبة بذكراه، واستحفظ بقع الأَرْض شَهَادَتهم بتوحيده. وَكَانَ إطلالنا عَلَيْهِ، ثَالِث يَوْم البروز، وَهُوَ يَوْم الأثنين الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر الله الْمحرم، مفتتح هَذَا الْعَام السعيد، فِي أحسن التعبية، وأكمل وَأحكم الأهبة. وأمحرت الينا حامية الْعَدو، ذابة عَن الْحَوْزَة، مبلية من دون الْعَرَصَة، متمرسة بسرعان الْمُقدمَات، ورواد منَازِل المحلات، فَلَمَّا كاثرهم السوَاد الْأَعْظَم، وَالْبَحْر الَّذِي لَا يزحم، استجنوا بحمى الأبراج المشيدة، وَفرج الْأَبْوَاب العديدة. وتلاحق أوايل الْأُمَم المحشودة المحشورة، من الجموع المنصورة الموفورة، تموج بهم عَرَفَات موقف الْجِهَاد، [وتعرضهم ساهرة نشر الْبِلَاد] ، ويتراكم مِنْهُم، وفرهم الله، رجل الْجَرَاد. وَكَانَ الْغَرَض يستكمل محمل الطَّرِيق، ويتدارك جُمْهُور النفير، وَيجْرِي حَربًا على مُقَرر التَّرْتِيب ومحكم التَّدْبِير، فشره النَّاس إِلَى الْعَدو، ووجهوا إِلَى حومة الْحَرْب خفوفا. لم يلو فِيهِ الْمُتَقَدّم على الْمُتَأَخر وَلَا انْتظر المسرع لحاق المتلوم. فانهارت مِنْهُم الهضاب وانهالت، وتدافعت الأودية وسالت، وجنحت الرَّايَات إِلَى حومة الربض الْأَعْظَم ومالت، كَأَنَّهُمْ سحايب الخريف. حركتها الزعازع، وَخَربَتْ آباط ركابهَا البروق الخواطف، وَأَحَاطُوا بِهِ من قبل أَن توزع عَلَيْهِم الْآلَات، وتبوأ مقاعد الْقِتَال [كماة الحماة وفره] الرُّمَاة، فقرعوا للحين سوره، واقتحموا مَنَازِله ودوره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وصدموا حاميته الضخمة، ووالوا عَلَيْهَا الشدَّة، حَتَّى أزعجوهم عَنْهَا عنْوَة، واستلحموا مِنْهُ جملَة. وَشَمل الربض النهب، ورغا فَوق أَهله الْعَذَاب الصعب، وتعلقوا بعده بسور الْبَلَد، وبادرنا الهيعة، وَقد هزت ريَاح النَّصْر عذبات الرَّايَات، وسد مَا بَين الْخَافِقين علو كلمة الشَّهَادَات باخْتلَاف الْأَصْوَات، وصكت الأسماع رعود الطبول، واستنجز الْمُؤْمِنُونَ الصَّابِرُونَ من رَبهم مِيقَات الْوَعْد الْمَفْعُول، فَلَا ترى إِلَّا هاويا من ذرى شرفة، تخلفه جملَة، أَو شَهِيدا يتزاحم على مواقفه لمة، أَو ثنية تفرع، أَو شعارا يسمع. وَنزل الصَّبْر، وأنجز الْوَعْد، وَقذف الله الرعب فِي قُلُوب الْكَافرين، وأمد أولياه بالملايكة المسومين. ففرعت أسوار الْمَدِينَة ضَرْبَة، وَدخلت وَالْحَمْد لله عنْوَة، وَجَاز فرسانها فِي السكَك، يطيرون من ضيقَة إِلَى أُخْرَى، والمسلمون يَأْخُذُونَ عَلَيْهِم الفوهات، ويسوقونهم إِلَى المتمنعات، وَقد شرهت السيوف، وتخارقت الرماح، وَحقّ عَلَيْهِم القَوْل، وأخذتهم الرجفة. وَاخْتَارَ لمة مِنْهُم ميتَة الإيجاز والإعذار لأَنْفُسِهِمْ بالفرار، على الْميتَة بَين الديار، ففتحوا بعض أسوارها وألهبوا الْخَيل ركضا، وأجهدوها خضا، وَركب الْمُسلمُونَ أكتاف مدبرهم، واعترضوا وُجُوه مقبلهم، فبهروهم بِالسُّيُوفِ، وعاجلوهم بالحتوف، واستولوا على أقطار الْمَدِينَة اسْتِيلَاء أعجل المجانيق عَن الرُّكُوع، وصواعق الصخر عَن الْوُقُوع، وجبل الْحَرْب عَن الإحكام، والاعتدال عَنْهَا بالهندام. وَانْطَلَقت الْأَيْدِي على مَالا يَنَالهُ، وَلَا يُدْرِكهُ الْكسْب، من الْأَمْوَال الدرة، والأمتعة الثرة، والذخاير المصونة، وآنية الزِّينَة الثَّقِيلَة، والأسلحة المستجادة، وعاثت فِي الخزاين الطامية، والأقوات الهايلة، ودنان الأدهان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 المدخرة، وَالْخُمُور الْمُقدمَة، إبادة ونهبا، وإراقة ونقلا، إِلَّا مَا يكاثر الْحَصَى، واجزاء الهبا، من الْحَيَوَان الْمُخْتَلفَة الْأَجْنَاس، صواهل ضامرة، وسواجع بادية ويعافير فارهة. وغصت الأضبان، ووهنت الأكثاد، بِمَا فِيهِ يرغب، من الماعون والسقط والخرئي، وجلال الْأَسْبَاب، حَتَّى القسى، والسرج الدني [وَمَا يشنفه الْغنى] وَأخذت الدّور والقصور، وَالْبيع وهياكل الْعِبَادَة، والرباع الشهيرة، [والحانات، والديرة الْمَقْصُودَة، والقياسر الميسورة] أَيدي الإثارة، والإبادة، فسلطت النَّار على أعاليها، وَالْهدم على مَا يَليهَا، وجللها الدُّخان، وظللها الخسران، ونادى بهَا لِسَان، الحمية، فِي مرضاة رب الْبَريَّة، بالثارات الْإسْكَنْدَريَّة. وقيدت نواقسها بالحبل الَّتِي حركت جبالها، وقلقلت هضابها، فأبرزت خاسئة صاغرة، وَتركت بعد ثل ألسنتها دامية فاغرة، وجنب من الأسرى، وهم الفل الَّذِي تخطاه الْأَجَل الْمَكْتُوب، وَالْقدر المحتوم، أوشفع فِيهِ الْحسن المرموق طوايف غصت بقطارهم، السبل العريضة. وَضَاقَتْ بواردهم المناهل المفرقة، وَهلك بَين جدرانها من النسم الْكَافِرَة، والطوايف المجانبة للحق المنافرة، بَين بهم مقدم، وشجاع معلم، وَفَارِس مغوار، ومنتجع فلاحة، ومعاني صناعَة، وملتمس تجر وقنية، ومقيم مِلَّة، مَا لم تستأصله الهزايم الشهيرة، والوقايع المبيرة. كفى الله شرهم، وَدفع ضرهم، سُبْحَانَهُ لَا دَافع لنقمته الحانقة بالمعتدين، وَلَا راد لِبَأْسِهِ عَن الْقَوْم الْمُجْرمين. وتخلص من أسرى الْمُسلمين جملَة، طرقهم الْفرج الَّذِي لَا يحْتَسب. واللطف الَّذِي تنجاب بِهِ الكرب، ولجأ الفل المحروب من جمهرها، وهم معشار المعشار من صريعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ومأسورها، أزوادا تنشر عَلَيْهَا عصي سمر الرماح، وأسرابا تخفق فَوْقهَا أَجْنِحَة الْجراح، من بيض الصفاح، إِلَى حمى القلعات المشيدة، فنراكموا بالقنة القايمة بِأَعْلَى الندوة، وَقد جنح الْأَصِيل، وجاذب القرص المسيل، فرتبنا عَلَيْهِم المسالح والأحراس، ووكلناهم إِلَى غيب الزحام، وَسُوء الْمقَام، وبرح الظما، ورجز السما، وتربصناه بالإجهاز عَلَيْهِم، انقشاع الظلماء، وباكرناهم وطبول الْعِزَّة بِاللَّه هادرة، وَكلمَة الْحق قايمة صاعدة، وعزايم الصدْق مَاضِيَة. فعاطينا تِلْكَ القلعة الشما [فِي السكَك الْمُزَاحمَة لشهب الأفلاك] الْحَرْب الضرسة الَّتِي لم يعْهَد بِمِثْلِهَا، فِي زمَان سالف، ودهر غابر، بلغ فِيهَا الصَّبْر أغياما، تتجاذبه مطولات الْقصاص، وغرايب الأسمار، وَيجمع فِيهَا أَلْسِنَة الْأَخْبَار. فَدخلت القصبة الأولى، وَارْتَفَعت فِي أبراجها البنود، وانتقل من بهَا إِلَى الثَّانِيَة. وَلما افْتقر أمرهَا من بعد المحاولة إِلَى المطاولة، ورأينا بعد ذَلِك أَن لَا مطمع فِي اسْتِبْقَاء الْمَدِينَة، إِذا استخلصنا القصبة الشاهقة، وفتحنا القلعة السامية، لمَكَان العقد، مَعَ ولي قاعتها، ومستحق خربتها، ضنا بالنفوس الْمسلمَة، أَن تفيض من دونهَا لجاجا، أَو تبيد عَلَيْهَا مجَّانا، وَأَن من تحصل بهَا، أشبه شَيْء بِالْعدمِ، قلَّة وذلة، وارتيابا وأشتاتا، وَقد أثبتهم الرُّمَاة، وفشت فيهم الْجراح. ونبا بهم الوطن، واقتطعتهم المحن، أجبناهم إِلَى مَا بذلوا فِي جماجمهم من الفدا على الإفراج عَنْهُم، والإقلاع عَن ساحتهم. فتم ذَلِك فِي يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس من يَوْم المنازلة [بعد أَن] توثقنا فِي شَأْنهمْ، واقتضينا مائَة من متخير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 رهائنهم. هَذَا بعد أَن جهر الْمُنَادِي , بعقر الْأَشْجَار , وانتساف تِلْكَ الأقطار , [فأمسى الجناب الْأَخْضَر , لَا يظل ضاحيا وَلَا يقل فراشا هافيا] . وتناولت الأقواس جراثيم الْعقار فعقرتها , وقرأت أَلْسِنَة النَّار سُورَة التِّين وَالزَّيْتُون فجرفتها , وحالت أَيدي الْبَوَار , واستؤصلت عاديات الْأَشْجَار , وفجع بخندق الْجنَّة أهل النَّار , وَطَاف عَلَيْهَا طايف من الله , وأصبحت كالصريم , وطلعت عَلَيْهَا بالصليم , لكتاد غرَّة الْيَوْم العصيب , وتقاسمت الْأَيْدِي تخريب أسوارها , فهشمت أَسْنَان الشرفات , وجدعت آناف الأبراج المشرفات , فَهِيَ الْيَوْم اليباب البلقع , ووهيها الوهي الَّذِي لَا يرقع. وَاتفقَ من تَمام الصنع أَن تلاحق بمحلتنا عَلَيْهَا وَزِير السُّلْطَان صَاحب قشتالة , فِي كَتِيبَة خشنة من قومه , وعددهم من أَتْبَاعه , مستجيرا بِنَا من مُطَالبَة سُلْطَانه , طارحا نَفسه علينا , فِي تكفل أَمَانه , فَرَأى من وفور محلات الْمُسلمين مَا بلد فكره , وحير لحظه , وَشَاهد من عَظِيم أَثَرهم فِي الْبَلَد المستباح , الَّذِي دمروه , وَعدد من استرقوه وأسروه , مَا ضاعف حسرته , وأذرف عبرته. فَكَانَ ذالك طرازا على الْحلَّة السيراء , وتماما للنعمة النعمى , وأملا فِي ظُهُور الدّين , وَالْحَمْد لله تكيف وتأتى. وقفلنا بِالْمُسْلِمين , هنأهم الله بِمَا وهبهم وَقد وسم وُجُوههم الاستبشار , وحلل قِتَالهمْ فِي سَبِيل الله النَّقْع للثار , وَقد فجعوا الْكفْر بِأم من أَمَاتَهُ , وكرسي الْملك مُسْتَقل بذاتة , وتركوها أوحش من القفر , وأخلى من جَوف الْقَبْر , مرصوفة السكَك بالجثث والأشلاء , مظللة بأعنان تبلغ أعنان السَّمَاء , مرفرفة فَوْقهَا عصايب القشاعم , متزاحمة على شعابها ونقابها الضباع الصرامح , والعواسل والكواسر , قد شاه مرآها الْجَمِيل , وأوحش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 مربعها الأنيس، قفولا مَلأ بِلَاد الْكفْر رعْبًا، وجاسها ذعرا، وَأقَام لِلْإِسْلَامِ [وَأَهله فِيهَا] وزنا، ويالها من شَوْكَة خضدها الله وأبادها , وأذهب كيادها. وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه , إِن الله بَالغ أمره. وعرجنا فِي هَذَا الإياب الْعَزِيز على مَدِينَة باغة الْحُجْرَة , من بَنَات تِلْكَ الْأُم البائسة , وفروع تِلْكَ الشَّجَرَة المجتثة , فَصَارَت سحيرا للسيل , وملتهم الويل , ومنتهب الرجل وَالْخَيْل , وألفينا قاطنها قد ولى هربا , وَاتخذ اللَّيْل جملا , وبيوتها مشحونة أثاثا وأقوتا , وَنِعما أشتاتا , فَأَخذهَا النهب , وَفَشَا فِي عيصها الأشب العيث , وتعلقت النَّار بزياتينها لمَكَان العلاقة , وأغرت بهَا لأجل السلبط أَلْسِنَة السلاطة , فَقلب الدمار أعيانها رَمَادا , وألبسها الْحَرِيق للثكل حدادا. وانصرفنا عَنْهَا , وَالْعَمَل إِن شَاءَ الله على التعقيب مستوفر , والعزم إِن شَاءَ الله على الْعود إِلَى أبدة الذاهبة مذهبها متجدد. نسْأَل الله أَن يتم علينا النعم , ويجزل من فَضله الْمَوَاهِب وَالْقسم , ويلهمنا الشُّكْر المستدعي للمزيد , فَهُوَ الْوَلِيّ الحميد. وبادرنا تَعْرِيف مقامكم بِمَا سناه الله , قبل حط البنود عَن الْجِيَاد , والحمايل عَن الأكتاد , علما بموقع هَذَا الصنع من دينكُمْ الْأَصِيل , ومجدكم الْعَزِيز , وملككم الْكَبِير , فَهُوَ دينكُمْ وجواركم , ووطنكم الثَّانِي وداركم. وَقد كَانَت هَذِه المكيفات , بشاير ولي الله السُّلْطَان الْمُقَدّس والدكم , الَّذِي لَا يتحف بأسنى مِنْهَا خطرا , وَلَا يهدي أجل مِنْهَا قدرا. وَأَنْتُم وَارِث خلاله الصَّالِحَة , وشيمه الْبرة الطاهرة. وَنَرْجُو الله أَن يكون هَذَا الْفَتْح , تمهيدا لمذخور نصركم , وإرهاصا بَين يَدي جهادكم , ولتتحققوا أَنه لَو جمع الله جمع الْإِسْلَام على الْجِهَاد , لعاد الْفَتْح الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 جدعا , وتقهقر الْكفْر جزعا , وراجع حُدُوده هربا. وَبِيَدِهِ الْخلق وَالْأَمر , وَمَا أمرنَا إِلَّا بِوَاحِدَة , وَمَا ذالك على الله بعزيز , وَهُوَ سُبْحَانَهُ يهيء لكم وَلنَا من أمرنَا رشدا , ويوفقنا كَمَا يقربنا الله زلفى , بفضله وَرَحمته. وَالسَّلَام الْكَرِيم , الْبر العميم , يعْتَمد كم كثيرا أثيرا , وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. كتب فى آخر شهر الله الْمحرم من عَام تِسْعَة وَسِتِّينَ وسبعماية. تمّ السّفر الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وَكَانَت الْحَرَكَة بعْدهَا فِي أوايل شهر ربيع الأول الْمُبَارك من عَام تِسْعَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة إِلَى مَدِينَة أبدة. فاحتل السُّلْطَان [بِمن لنظره] من جَيش الْمُسلمين بظاهرها، فافتتحها عنْوَة وَاسْتولى على مساكنها التدمير والتئبير، وعفت آثارها، وهدمت كنائسها وأسوارها، وقفل إِلَى حَضرته الْعلية بِجنب نصرا لَا كفاء لَهُ. وصدرت عَنهُ مُخَاطبَة سُلْطَان الْمغرب من إملائي بِمَا نَصه بعد سطر الأفتتاح. الْمقَام الَّذِي نعاطيه أكواس المسرات دراكا، ونجعل لَهُ فِي الْفتُوح وثوابها الممنوح اشتراكا، ونتحفه بالأنباء الشاهدة بخلوص الْوَلَاء على الْوَلَاء سكونا أَو حراكا، مقَام مَحل أخينا، الَّذِي شَأْنه السرُور بِمَا يفتح الله بِهِ على الْمُسلمين وَالْإِسْلَام، والابتهاج بِمَا اجتلاه الدّين الحنيف من سَعَادَة الْأَيَّام، والمساهمة الَّتِي تلِيق بِمثلِهِ من الْمُلُوك الْأَعْلَام، السُّلْطَان الكذا أبي فَارس ابْن السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا أبي سعيد ابْن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف يَعْقُوب ابْن عبد الْحق، أبقاه الله، وبابه بالبشاير مَقْصُود، وسعده فِي الْأُفق الْأَعْلَى مرصود، وَملكه بِاللَّه مَعْصُوم معضود، وشمله باتصال الْأمان وَرَضي الرَّحْمَن منضود، وظل عدله وفضله مَمْدُود، وآثاره فِي الْآثَار الصَّالِحَة الْبَاقِيَة مَحْسُوب مَعْدُود، مُعظم قدره العالي الاقتدار، المسرور لهلاله السعيد لصفة الْأَبْرَار، واستقامة الدَّار، الدَّاعِي لَهُ فِي حَالي الْإِيرَاد والإصدار، بالزلفى وعقبي الدَّار، الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ابْن نصر. سَلام كريم، ينم فِي جو الخلوص مِنْهُ نسيم، ويتجلى فِي مظهره الود المرصوص لَهُ محيا وسيم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله معرف العوايد الجميلة، ومعدد العوارف، ومصرف الألطاف الْحَسَنَة، ومحسن المصارف، مُجَدد الْيمن المتعاقب المترادف، ومؤيد الْعِزّ التالد بالطارف، الْجواد الَّذِي أخلصت آراؤه العميمة، ومننه الْكَرِيمَة وصف الواصف، نَاصِر حزب الْإِسْلَام، على معاند دَعوته السامية الْأَعْلَام والمخالف، ومظهر دينه الْحق على الْأَدْيَان، إنجازاً لوعده السَّابِق فِي الزَّمن السالف. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، أَمَان الْعباد عِنْد اشتداد المخاوف، والظل الظليل الوارف، وغمام الرَّحْمَة الواكف، المنقذ بِنور هداه من المتالف، وَالرِّضَا عَن آله الشم الأنوف الغطارف، سَحَاب العوارف، [وبحار الغوارف] ، الَّذين نصروه فِي حَيَاته بالبيض المواضي، والسمر الرواعف، وَقَامُوا بسنته قيام الْوَاصِل العاكف. والمناصح الملاطف، حَتَّى دنت الغصون للقاطف، واختالت الْملَّة من ثِيَاب الْعِزّ فِي أبهى المطارف، وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم، أبقاه الله مثابة البادي والعاكف، بالصنع المساعد المساعف. واليمن المتزايد المتضاعف، والنصر الَّذِي تشهد بِهِ أَلْسِنَة المارق من الجهادية والمواقف. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا يتكفل بإسعاد الراضي. وتمهيد الراجف، وعدلا تمْضِي فِيهِ أوراق المطالب، حكم أوراق الْمَصَاحِف، والسعد بر المتاحف، وَالْحَمْد لله كثيرا كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَّا فَضله، ومقامكم الْعلي وجهة التَّعْرِيف بِمَا يتزيد من منح، أَو يفتح الله جلّ جَلَاله من فتح، تكل فِي بَحر تَفْسِيره الأقلام، عَن فسح وإسهاب وَشرح، إِذْ الخلوص المجدد، وَالْحق الَّذِي لَا يجْحَد، والود المتوارث الَّذِي عقوده تشهد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 تأبى أَن يقطع مِنْهُ الإغفال جنابا، أَو تفقد مِنْهُ منابا، أَو [تسد الشامتة] مِنْهُ بَابا، أَو يكدر صفوا، أَو يشرب لبابا. وبحسب ذَلِك يُنْهِي إِلَيْكُم كل رَاجِعَة تتبعها رادفة، وسالفة تعقبها خالفة، إِشَاعَة لمنن الله بَين عباده، وإشادة فِي الْجِهَاد بثمر جهاده، وعلما بمواقع ذَلِك من مقامكم الَّذِي يعلم صدق وداده، وَجَمِيل اعْتِقَاده، وسيره فِي الْمَقَاصِد الْبرة، على سنَن الْكِرَام أجداده. وَقد كُنَّا عرفناكم فِي هَذَا الْكتاب قبل هَذَا، أننا على ركاب جِهَاد، واستيناف احتشاد، إِلَى مَدِينَة أبدة، لنهيض مِنْهَا ثَانِي جنحي الْكفْر، ونؤمن الْجِهَات الشرقية بِفضل الله عَادِية الضّر، ونفجع الشّرك بحبيبته، ونصيبه من بعد يسراه بِيَمِينِهِ، فاستعنا بِاللَّه الْقوي الْمعِين، واستنجدناه على فتح معقلها، وَهُوَ خير الفاتحين، واستدعينا كَافَّة أهل الْإِسْلَام، لمأدبة الْجِهَاد الْوَاضِح الْإِشْهَاد، فَهموا طايعين، وَفِي فوز أَيْديهم بِإِحْدَى الحسنيين طامعين، واستكثرنا من الْآلَات والأسباب واستبحرنا من معارج التسورات، وخزاين النشاب، وَلم نَدع حِيلَة تبقر سورا، وَلَا تهويلا يذعر محصورا، وَلَا آلَة تحط وقاية مَنْصُوبَة، وَلَا نكاية تكظم بَلْدَة مخروبة، إِلَّا استزدنا من أَنْوَاعهَا وأجناسها، وتممنا مَا نقص من قياسها، بعد أَن اعتقدنا أَن لَا غَالب إِلَّا الله وَحده، وَأَنه الَّذِي يظْهر دينه وينجز وعده. وَإِلَّا فَمَا يُغني الْعدَد، إِذا لم يكن مِنْهُ الْإِعَانَة والمدد، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ خَالق الْخلق وَمَا يعْملُونَ، ومتمم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وأفضنا الْعَطاء فِي المرتزقة، وفتحنا الدَّوَاوِين الملتحفة، وحملنا من نفق فِي سَبِيل الله جَوَاده، وأعنا من قصر عَن مُؤْنَته زَاده. وَخَرجْنَا والتوكل على الدَّلِيل، والمواكب الظَّن الْجَمِيل، ومتعود الصنع للظل الظليل، وَكلمَة الله الْعليا الْعلم الَّذِي لَا يمِيل، فخيمنا على أَمْيَال من الحضرة، مخيما بَادِي الوفور، محفوفا بالعز الْمَشْهُور، والنصر الرايق الشُّعُور. ثمَّ دَخَلنَا بعد مراحل ضفة الْوَادي الْكَبِير من أحوازها المستباحة، وعمالتها المخروبة الساحة، والعدو بعرصة جسر عَال، مثل فَوْقه حصن حُصَيْن يمْنَع العابر، ويصد الْوَارِد والصادر، فألفيناه وَقد قد ضَابِط دربه، وقيوم سلمه وحربه، فأغنانا الله [عَن فض] غلقه واقتحمناه تجْرِي فَوْقه سيول الحشود، وَنشر النَّمْل غير المحصور وَلَا الْمَمْدُود، لَا بل قطايع الليوث الغلب وَالْأسود. وَلما صبحنا ساحتها وأزمعنا بعزة الله استباحتها، نَظرنَا إِلَى مَدِينَة هايلة، عمارتها فِي الأَرْض الفضاجايلة، وأدواحها الأشبة مايلة، ومحاسنها متبرجة متخايلة، ومنعتها دون من اعْتصمَ بهَا إِلَّا من الله حايلة، بنت جبان فِي ملأتها سَعَة جناب، وتبحر فلح وأعناب، بلد التِّجَارَة الَّتِي يعْمل إِلَيْهَا سير الرفاق، من نازح الْآفَاق، والمآرب الآمنة مساعيها من الإخفاق، والمصر الشهير الْعِمَارَة، الفسيح الإثارة، فَإِذا ذكرت الأمات فإليها يشار، وَإِذا تشوقت المعاطن. فلهَا تحن العشار. فَقُلْنَا اللَّهُمَّ سهل صعبها، وأسفل كعبها، وَاجْعَلْهَا لِعِبَادِك أنفالا، واترك معالمها إغفالا لرمي النَّصْر ثقالا، واقطع عمالتها ليدي الخراب، واصرع آناف مبانيها السامية فِي التُّرَاب، وصيرها عِبْرَة لأولي الْأَلْبَاب. ثمَّ نهدنا فأدرنا الجموع بالأسوار دور السوار، بعد أَن عممنا بكتايب الدَّار ظُهُور النجادة، وبطون الأغوار، وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا طيور المنيات من أوكار الْحَيَّات، ورجعنا بذوات الأدراج إِلَى الأبراج، وعاطينا حَربًا تبرجت لأبطالها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الْحور، وتحلت بشذور , النجيع مِنْهَا النحور , وعلت بِالشَّهَادَةِ الْأَصْوَات , وحامت عَن موارد الكماة , وبيعت من الله النُّفُوس , ودارت للآجال الكؤوس , حَتَّى أثمر النَّصْر ثمراته الْمَعْهُودَة , فافترعت الشرفات المفترشات , وأصبحت المسافات تطأها الْآفَات , وَدخلت الْمَدِينَة , وَالْقُدْرَة لله غلابا , وتقسمتها أَيدي الْإِسْلَام، قتلا واستلابا، فَأخذت جذل الرماح على كفارها بِوَجْه الْأَزِقَّة، واقتطعوا بَين عياث الْأَيْدِي المستهلكة والمسترقة فاستبيحت المقاصير والقصور، واقتحمت الديرة والدور، وخسفت فِي مطالع بروجها الْكَافِرَة البدور، وانتسفت الأقوات، وأوقع بالْكفْر الْفَوات، وأخليت من سروج فرسانهم الصهوات، وأيمت من آبايها الإخوان وَالْأَخَوَات، وَكَانَ مسورها الَّذِي تعاصي عَن الذرع والمساحة فوره، وتعدى حُدُود الْمَدِينَة الرحيبة طوره، قد اسْتوْدعت أقصيته، تعم مسارحها الَّتِي أخافها الْخلاف، وأمم فحوصها الفيح الَّتِي يخْشَى عَلَيْهَا الْإِتْلَاف، فألفاها الْمُسلمُونَ ألوفا لَا تحصى، وحملا عسر إبرازه على الْجَبَل واستعصى، فَتَنَاولهَا الانتهاب والاقتسام، وأمهلت هضابها الجسام، وأقيمت لَهَا فِي هَذَا الميلاد الْكَرِيم المواسم الوسام. وَأما الْأَمْوَال الموصلة، والخزاين المجملة المفصلة، فأعيا نقلهَا الظُّهُور، واستغرق الْأَيَّام بل الشُّهُور. ولجأ الفل من أَهلهَا إِلَى القصبة الَّتِي تسع الْجُمْلَة، وتوهم المعتصم بهَا الْعَطف والمهلة، واستماتوا من وَرَاء سورها العَاصِي الْبناء، وأبلوا من دون الْحَرِيم وَالْأَبْنَاء. وزحف إِلَيْهِم الرِّجَال، حَتَّى ضَاقَ بهم المجال، ورشقتهم السِّهَام بمالا تتصوره الأوهام، وأمطرت عَلَيْهِم السَّمَاء حِجَارَة الْقَذْف، وشرعت إِلَى أسمائهم عوامل الْحَذف، وأسفوا على المتالف، وَرَأَوا فِي أنفسهم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 مواقع الرماح من النحور، وَالسُّيُوف من السوالف، إِلَّا أننا رَأينَا أَنَّهَا قَصَبَة مستعدة، قد تحصل بهَا من الناشبة والرامحة عدَّة، فَلَا يتَوَصَّل إِلَى افتتاحها إِلَّا بمهج ونفوس من الْمُسلمين عَلَيْهَا تسيل، وحماة لَهَا فِي الْإِسْلَام الْغناء الْجَمِيل، وَفِي سلامتها التأميل، وَأَن الْبَلَد قد استوصل معموره، وألصقت بالرغام دوره، وسد دكه، ودك سوره، وتعدد قتيله ومأسوره، بِحَيْثُ لَا يفِيق أبدا من بواره، وَلَا يجْبر كَسره إِلَّا بعد انْقِضَاء أدوار، وَأَن القصبة لَا تبدي فِي اعتماره وَلَا تعيد، وَأَيْنَ يَقع ساكنها مِمَّا تُرِيدُ. وشرعنا فِي الإياب والسكك بالأوقار قد ضَاقَتْ، وَالْأَيْدِي قد حملت فَوق مَا أطاقت [والمناصل قد أنهرت وأراقت، ونقمة الله بعدوه قد حاقت، ونعمه قد بهرت لدينا وراقت] . وتخلفنا قُصُورهَا السامية قيعانا، وكنايسها الحافلة أثرالاعيانا، وَقد أَخذ الله صلبانها، واستعجل النيرَان رهبانها، وأتى الله بيوتها من الْقَوَاعِد فخرت، وزلزل مصانعها الْعَالِيَة، فاستوت على وَجه الصَّعِيد واستقرت. فَمَا أَظن أَن مَدِينَة بلغ من معمورها، واستأصل العفا من حجرات دورها، مَا بلغ فِي هَذِه البايسة البائدة، والغوية المكايدة، غير الله محاسنها [وشرد قاطنها] . وَلما فرغت الْأَيْدِي المجاهدة من داخلها الهايل تدميرا وتخريبا، وتهيأت هَنَات الله جلّ جَلَاله نصرا عَزِيزًا، وفتحا قَرِيبا، انْطَلَقت على مَا بخارجها عقرا للأشجار، وتعفية للآثار، وتغويرا للأنهار، وتسليط أَلْسِنَة النَّار، وأغرينا بِهَذَا العياث أَيَّامًا سَبْعَة، تسبي النعم، وتبث فِي جهاتها النقم، فتركنا مرابع الْبَيْت الأوانس أوحش من الرمس، ومغاني الغانيات كَأَن لم تغن بالْأَمْس، قد أذلّ الله بعز الْإِسْلَام طغيانها، وكف بكف الْقُدْرَة عدوانها، وشان بالدمار شَأْنهَا. فكم أجلبت على ثغور الْإِسْلَام بخيلها ورجلها وَكم عظم الْفَرح فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 الدّين لأَجلهَا، ووفاه الله وَله الْحَمد، بمحلها. وقفلنا والأولوية بالنصر خافقة، وأسواق الظُّهُور نافقة، وألسنة الْحَمد وَالشُّكْر ناطقة، والظنون فِي فضل الصَّادِق صادقه، وَالْكفْر قد ذل واستكان، وَدخل ثغره فِي خبر كَانَ، وَعز الْإِسْلَام قد ظهر واستبان، ورسى كَمَا رسى رضوى وَأَبَان، وَالْخَيْل تلاعب الطلال مرحا ونشاطا، وَالْوُجُوه تتلألأ اغتباطا، والجياد الجرد تتدافع وتمطر، والأسال السمر تتهاود وتتأطر، والجهات بشذا الْفَتْح تتعطر، وَقد أقفر هَذَا الصقع الْعَظِيم من عمرانه، وأطاع الاشتمال بالمنحسة حكم قرانه، وأناخ عَلَيْهِ العفا بجرانه. وَمن الله نسل أَن يصل الْإِسْلَام عوايد النعم الجسام، ويلهمنا الشُّكْر المستدعي للمزيد من هَذِه الْأَقْسَام، وَإِن كَانَ هَذَا الموطن الَّذِي يغبط من الْكفَّار، يَدْفَعهُ الله ويكتبه، ويعلق الثَّوَاب الجزيل ويرقبه، فَكيف لَا نحمد الله على تخريب هَذَا الْمصر الشهير، والقطر الخصيب الخطير، بِحَيْثُ تمْضِي الأحقاب، وَهُوَ عِبْرَة للمعتبرين، وواعظ للمبصرين، وَحَدِيثه لِسَان صدق فِي الآخرين. ومقامكم وجهة الْمُبَشِّرَات مهما يسرها الله وكيفها، والصنايع إِذا أولاها جلّ جَلَاله وَعرفهَا، عَلَيْكُم نجلو صورها، ولديكم نتلو سورها، علما من دينكُمْ الَّذِي علمت مساهمته ونصحه، وأشرق فِي أفق الْفضل صبحه، وَلما لسلفكم من أثر بِهَذِهِ الْبِلَاد لَا يخفي، وإعانة حُقُوقهَا المرعبة لَا تخفي، وأجورها عِنْد الله توفّي. وَأَنْتُم وَارِث [خلدا بِهَذِهِ الْبِلَاد] إِلَّا عَن كَلَالَة، وَولى مَا تخلفه من مجد وجلالة. وَإِنَّا لنَرْجُو أَن يكون لكم فِي الْجِهَاد بِهَذِهِ الْبِلَاد الْقدح المعلي، والأثر الَّذِي يتلي، فِيمَن نقيبتكم قد أشرف وتجلى، وعَلى ميادين الظُّهُور قد استولى. وَالله يُحَقّق الآمال، وينجح الْأَعْمَال. وَأوجب تَعْجِيل التَّعْرِيف بِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ود فِي سَبِيل الله أطيب من العذب الزلَال، وخلوص يتضاعف على مر الْأَيَّام والليال. وَنحن نشرع فِي إِعْمَال الْحَرَكَة إِلَى قرطبة، دمرها الله، واثقين بِذِي الْعِزَّة والجلال، مستظهرين بنيتكم الْكَرِيمَة، الكفيلة بسعادة المنال، وَدُعَاء من لديكم من الْمُسلمين، بِمَا يقْضِي ببلوغ وَإجَابَة السُّؤَال. وَالله يصل لكم سَعْدا مديد الظلال، بامتداد الْبكر وَالْآصَال. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وكتبت لصَاحب تونس بِمَجْمُوع هَذِه الْفتُوح عَن السُّلْطَان رَضِي الله عَنهُ، وَقد أهدي خيلا وعتاقا وأصنافا من الرَّقِيق والفتيان وَغير ذَلِك صُحْبَة الرَّسُول الْفَقِيه أبي الْحسن الْبَنَّا وبتاريخ الْيَوْم الثَّالِث من شهر ربيع الآخر من عَام سبعين وَسَبْعمائة الْخلَافَة الَّتِي ارْتَفع فِي عقائد فَضلهَا الْأَصِيل الْقَوَاعِد الْخلاف، واستقلت مباني فخرها الشَّائِع وعزها الذائع، على مَا أسسه الأسلاف، وَوَجَب لحقها الْجَازِم وفرضها اللَّازِم الِاعْتِرَاف، ووسعت الآملين لَهَا الجوانب الرحيبة والأكناف، فامتزاجنا بعلائها المنيف، وولائها الشريف، كَمَا امتزج المَاء والسلاف، وثناؤنا على مجدها الْكَرِيم، وفضلها العميم، كَمَا تأرجت الرياض الأفواف، لما زارها الْغَمَام الوكاف، ودعاؤنا بطول بَقَائِهَا واتصال علائها، يسمو بِهِ إِلَى قرع أَبْوَاب السَّمَوَات [الْعلَا] الاستشراف، وحرصنا على تَوْفِيَة حُقُوقهَا الْعَظِيمَة، وفواضلها العميمة، لَا تحصره الْحُدُود، وَلَا تُدْرِكهُ الْأَوْصَاف. وَإِن عذر فِي. التَّقْصِير عَن نيل ذَاك المرام الْكَبِير، الْحق والإنصاف، خلَافَة وجهة تعظيمنا إِذا تَوَجَّهت الْوُجُوه، وَمن نوثره إِذا أهمنا مَا نرجوه، ونفديه ونبيديه إِذا استمنح المحبوب، واسترفع الْمَكْرُوه. الْخَلِيفَة [الكذا أَبُو إِسْحَق ابْن الْخَلِيفَة الكذا أبي يحيى أبي بكر ابْن السُّلْطَان أبي زَكَرِيَّا ابْن السُّلْطَان الكذا أبي إِسْحَاق ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي عبد الله بن أبي زَكَرِيَّا بن عبد الْوَاحِد ابْن أبي حَفْص] أبقاه الله. ومقامه مقَام إِبْرَاهِيم رزقا وأمانا، لَا يخص جلب الثمرات إِلَيْهِ وقتا وَلَا يعين زَمَانا. وَكَانَ على من يتخطف النَّاس من حوله مؤيدا بِاللَّه معانا، مُعظم قدره العالي على الأقدار، وَمُقَابل دَاعِي حَقه بالابتدار، الْمثنى على معاليه المخلدة الْآثَار، فِي أصونة النظام والنثار، ثَنَاء الرَّوْضَة المعطار، على الأمطار، الدَّاعِي إِلَى الله بِبَقَائِهِ فِي عزة منسدلة الأستار، وعصمة ثَابِتَة المركز مُسْتَقِيمَة الْمدَار، وَأَن يخْتم لَهُ بعد بُلُوغ غايات الْآجَال، ونهايات الْأَعْمَار، بالزلفى وعقبى الدَّار. سَلام كريم كَمَا حملت نسمات الأسحار، أَحَادِيث الأزهار، وروت ثغور الأقاحي والبهار، عَن مسلسلات الْأَنْهَار [وتجلي على منصة الاشتهار، وَجه عروس النَّهَار] يخص خلافتكم الْكَرِيمَة النجار، العزيزة الْجَار، وَرَحْمَة الله الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي أخْفى حكمته الْبَالِغَة عَن أذهان الْبشر، فعجزت عَن قياسها، وَجعل الْأَرْوَاح، كَمَا ورد فِي الْخَبَر تحن إِلَى أجناسها، منجد هَذِه الْملَّة، من أوليائه الجلة، بِمن يروض الآمال بعد شماسها، وييسر الْأَغْرَاض قبل التماسها، وَيَعْنِي بتجديد المودات فِي ذَاته وابتغاء مرضاته، على حِين إخلاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 لباسها، الْملك الْحق، وَاصل الْأَسْبَاب بحوله، بعد انتكاب أمراسها، وَمُغْنِي النُّفُوس بِطُولِهِ بعد إفلاسها، حمدا يدر أخلاف النعم، بعد إبساسها، وينثر رمم الآمال من أرماسها، ويقدس النُّفُوس بِصِفَات مَلَائِكَة السَّمَوَات بعد إيلاسها. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، سراج الْهِدَايَة ونبراسها، عِنْد اقتناء الْأَنْوَار واقتباسها، مطهر الأَرْض من أوضارها وأدناسها، ومصطفى الله من بَين ناسها، وَسيد الرُّسُل الْكِرَام مَا بَين شيثها وإلياسها، والآتي مهيمنا على آثارها فِي حِين فترتها، وَمن بعد [استياسها] ، مرغم الضراغم فِي أخياسها بعد افترارها وافتراسها، ومعفر أجرام الْأَصْنَام، ومصمت أجراسها. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه وعترته وأحزابه، حماة شرعته الْبَيْضَاء وحراسها، وملقحى غراسها، لُيُوث الوغى عِنْد احتدام مراسها، وَرُهْبَان الدجا، تتكفل مُنَاجَاة السَّمِيع الْعَلِيم، فِي وَحْشَة اللَّيْل البهيم بإيناسها، وتفاوح نواسم الأسحار عِنْد الاسْتِغْفَار بِطيب أنفاسها. وَالدُّعَاء لخلافتكم الْعلية المستنصرية، بالصنايع الَّتِي تشعشع الْعِزَّة القعساء من أكواسها، وَلَا زَالَت الْعِزَّة الإلهية كفيلة [باحتراسها وامتراسها] وأنباء الْفتُوح المؤيدة بِالْمَلَائِكَةِ وَالروح، ريحَان جلاسها، وآيات المفاخر الَّتِي ترك الأول للْآخر، مكتتبة على الأسطار بأطراسها. وميادين الْوُجُود مجالا لجياد جودها وبأسها. والعز وَالْعدْل منسوبين [لفسطاطها وقسطاسها] . وصحيفة النَّصْر الْعَزِيز تفيض كفها المؤيدة بِاللَّه، على رياسها عِنْد اهتياج أضدادها وسرة انتكاسها، لانتهاب الْبِلَاد وانتهابها، وهبوب ريَاح رياحها، وتمرد مرداسها. [فَإنَّا كتبناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 إِلَيْكُم، كتب الله لكم من كتايب نَصره أمدادا، تذعن أَعْنَاق الْأَيَّام لطاعة ملككم الْمَنْصُور الْأَعْلَام عِنْد إحساسها، وأتاكم من آيَات العنايات آيَة تضرب الصَّخْرَة الصماء مِمَّن عصاها بعصاها، فتبادر بانبحاسها. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَأَيَّام الْإِسْلَام، بعناية الْملك العلام، تحتفل وُفُود الْمَلَائِكَة الْكِرَام لولايمها وأعراسها، وطواعن الطعان [فِي عَدو الدّين المعان] تجدّد عريدها بعام عمواسها. وَالْحَمْد لله حمدا معادا، يُقيد شوارد النعم، ويستدر مواهب الْجُود وَالْكَرم، ويؤمن من انتكاب الجدود وانتكاسها، ولي الآمال ومكاسها. وخلافتكم هِيَ [المثابة] الَّتِي تزهي الْوُجُود بمحاسن مجدها، زهو الرياض بوردها وآسها، ونستمد أضواء الْفَضَائِل من مقياسها، وتروي رُوَاة الإفادة والإبادة عَن ضحاكها وعباسها. وَإِلَى هَذَا أَعلَى الله معارج قدركم، وَقد فعل، وأنطق بحجج مجدكم، من احتفى وأنتعل، فَإِنَّهُ وصلنا كتابكُمْ الَّذِي حسبناه على صنائع الله تَمِيمَة لَا تلتمع بعْدهَا عين، وجعلناه على حلل مواهبه، قلادة لَا يحْتَاج مَعهَا زين، ودعوناه من [جيب الكنانة] آيَة بَيْضَاء للكتابة، لم يبْق مَعهَا شكّ وَلَا مين، وقرأنا مِنْهُ وَثِيقَة ود، هضم فِيهَا عَن غَرِيم الزَّمَان دين، ورأينا مِنْهُ إنْشَاء، خدم اليراع بَين يَدَيْهِ مشاء، وسيل عَن مَعَانِيه الاختراع، فَقَالَ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء فأهلا بِهِ من عَرَبِيّ أبي يصف السانح والبانة، وَيبين فَيحسن الْإِبَانَة، أدّى الْأَمَانَة. وسيل عَن حيه فَانْتهى إِلَى كنَانَة، وأفصح وَهُوَ لَا ينبس، وتهللت قسماته، وليل حبره يعبس، وَكَأن خَاتمه المقفل على صوانه، المتحف بباكر الْورْد فِي غير أَوَانه، رعف من مسك عنوانه، وَللَّه من قلم دبج تِلْكَ الْحلَل ونقع بمجاج الدواة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 المستمدة من عين الْحَيَاة الغلل , فَلَقَد تخارق فِي الْجُود , مقتديا بالخلافة , الَّتِي خلد فخرها فِي الْوُجُود , فجاد بسر الْبَيَان ولبابه , وسمح فِي سَبِيل الْكَرم [حَتَّى بِمَاء شبابه] وجمح لفرط بشاشته وفهامته , بعد شَهَادَة السَّيْف بشهامته، فَمشى من الترحيب فِي الطرس الرحيب، على أم هامته، وَأكْرم بِهِ من حَكِيم أفْصح بملغوز الإكسير، فِي اللَّفْظ الْيَسِير، وَشرح بِلِسَان الْخَبِير، سر صناعَة التَّدْبِير، كَأَنَّمَا خدم الملكة الساحرة بِتِلْكَ الْبِلَاد، قبل استنجاز الجلاد، فآثرته بالطارف من سجرها والتلاد، أَو غير بالمعلقة، وَتلك الْقَدِيمَة الْمُطلقَة، [من قنية] دَار، أَو كنز تَحت جِدَار، أَو ظفر لمباني الحنايا، قبل أَن تَنْقَطِع بِهِ عَن أمانيه المنايا، ببديعه، أَو خلف جرجير الرّوم، قبل منازلة القروم على وديعه، أَو أسهمه ابْن " أبي سرح فِي نشب لِلْفَتْحِ وسرح، أَو ختم لَهُ روح بن حَاتِم ببلوغ الْمطلب، أَو غلب الحظوظ بِخِدْمَة آل الْأَغْلَب، أَو خصّه زِيَادَة الله بمزيد، أَو شَارك الشِّيعَة فِي أَمر أبي يزِيد، أَو سَار على منهاج فِي مناصحة بني صنهاج، وفضح بتخليد أمداحهم كل هاج، وأعجب لَهُ، وَقد عزز مِنْهُ مثنى الْبَيَان بثالث، فجلب سحر الأسماع، واسترقاق الطباع، بَين مثاني الإبداع، ومثالث كَيفَ اقتدر [على هَذَا المحيد] وناصح مَعَ التَّثْلِيث مقَام التَّوْحِيد، نَسْتَغْفِر الله، ولي العون على الصمَّة والصون، فالقلم هُوَ الموحد قبل الْكَوْن، والمتصف من صِفَات السَّادة أولى الْعِبَادَة، بضمور الْجِسْم، وصفرة اللَّوْن، إِنَّمَا هِيَ كَرَامَة فاروقية، وَإِشَارَة من حَدِيث سَارِيَة، وَبَقِيَّة سفر وَجههَا فِي الأعقاب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 بعد طول الانتقاب، وتداول الأحقاب، ولسان مناب عَن كريم جناب، وإصابة السهْم لسواه محسوبة، وَإِلَى الرَّامِي الَّذِي سدده منسوبة، وَلَا تنكر على الْغَمَام بارقة، وَلَا على الْمُحَقِّقين بمقام التَّوْحِيد كَرَامَة خارقة، فَمن شَاءَ الْفضل من غرايب بر وجد، ومحاريب خلق كريم ركع الشُّكْر فِيهَا وَسجد. حديقة بَيَان استثارت نواسم الْإِيدَاع من مهبها، واستنارت غمايم الطباع من مصبها، فَأَتَت أكلهَا مرَّتَيْنِ بِإِذن رَبهَا، لَا بل كَتِيبَة عز طاعنت بقنا الألفات سطورها، فَلَا يرومها النَّقْد وَلَا يطورها، ونزعت عَن قسي النونات خطوطها، واصطفت من بَيَاض الطرس، وَسَوَاد النَّفس. فلق تحوطها، فَمَا كاس المدير على الغدير، بَين الخورنق والسدير، تغامر بِبرد الْحباب، عقول أولي الْأَلْبَاب، وتغرق كسْرَى فِي القباب، وتهدي وَهِي الشمطا نشاط الشَّبَاب، وَقد أَسْرج ابْن سريح وألجم، وأفصح للقريض بعد مَا جمجم، وأعرب الناي الْأَعْجَم، وَوَقع معبدًا بالقضيب، وشرعت فِي حِسَاب العقد بنان الْكَفّ الخضيب، وَكَأن الأنامل فَوق مثالث الْعود ومثانيه، وَعند إغراء الثقيل بثانيه، وَإجَابَة صدا الْغناء بَين مغانيه. المراود تشرع فِي الوشي، أَو العناكب تسرع فِي الْمَشْي، وَمَا الْمخبر بنيل الرغايب، أَو قدوم الحبيب الغايب، لَا بل إِشَارَة البشير [بكم المشير] على العشير، بأجلب للسرور من زايرة الْمُلْتَقى بالبرور، وأدعى للحبور من سفيره الْمُبْهِج للسفور، فَلم ير مثله من كَتِيبَة كتاب تجنب الجرد [تمرح] فِي الأرسان. وتتشوف مجالي ظُهُورهَا إِلَى عرايس الفرسان، وتهز معاطف الأرتياح من صهيلها الصراح بالنغمات الحسان إِذا أوجست. الصَّرِيخ بارحت إثناء الأعنة، وكاثرت بأسنة آذانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 مشرعة الأسنة، فَإِن ادّعى الظليم إثكالها، فَهُوَ ظَالِم، أَو نَازع الظبي هواديها وأكفالها فَهُوَ هاد أَو حالم. وَإِن سُئِلَ الْأَصْمَعِي عَن عُيُوب الْغرَر والأوضاح، قَالَ مُشِيرا إِلَى وجوهها الصَّباح، " جلدَة بَين الْأنف وَالْعين سَالم "، من كل عبل الشوى، مسابق النَّجْم إِذا هوى، سامي التليل، عريض مَا تَحت الشليل، ممشوقة أعطافه بمنديل النسيم البليل، من أَحْمَر كالمدام، تجلي على الندام عقب الْفِدَام أتحف لَونه بالورد، فِي زمن الْبرد، وَحيا أفق محياه بكوكب السعد، وتشوف الواصفون إِلَى عد محاسنه، فأعيت عَن الْعد، بَحر يساجل الْبَحْر عِنْد الْمَدّ، وريح تباري الرّيح عِنْد الشد بالذراع الأشد، حكم لَهُ مُدبر الْفلك باعتدال فصل الْقد، وميزه قدره الْمُمَيز يَوْم الاستباق بقصب السباق، عِنْد اعْتِبَار الْجد. وَولد مختط غرته أشكال الْجمال على الْكَمَال، بَين الْبيَاض والحمرة، ونقا الخد، وَحفظ رِوَايَة الْخلق الْوَجِيه عَن جده الْوَجِيه. وَلَا تنكر الرِّوَايَة عَن الْحَافِظ بن الْجد. وأشقر ذهبي الْخلق وَالْوَجْه الطلق، أَن يحقر كَأَنَّمَا صِيغ عَن العسجد، وطرف بالدر، وأنعل بالزبرجد، ووسم فِي الحَدِيث بسمة [الْيمن و] الْبركَة، واختص بفلج الْخِصَام عِنْد استنجاز المعركة وَانْفَرَدَ بمضاعف السِّهَام المنكسرة، على الْهَام فِي الْفَرَائِض الْمُشْتَركَة. واتصل فلك كفله، بحركتي الإدارة، والطبع من أَصْنَاف الْحَرَكَة. أصغي إِلَى السما بِإِذن الملهم، وأغرى لِسَان الصميل. عِنْد التباس مَعَاني المهمز، والتسهيل بِبَيَان الْمُبْهم. وفتنت الْعُيُون من ذهب جِسْمه، ولجين نجمه، بحب الدنير وَالدِّرْهَم، فَإِن انقض فرجم، أَو ريح لما هجم، اعْترض فشفق لَاحَ بِهِ للنجم نجم، واصفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 قيد الأوابد الْحرَّة، وَأمْسك المحاسن، وَأطلق الْغرَّة، وسيل من أَنْت فِي قواد الكتايب وَأولى الْأَخْبَار العجايب، فَقَالَ أَنا الْمُهلب بن أبي صفرَة، نرجس هَذِه الألوان فِي رياض الأكوان، تحيا بِهِ محيا الْحَرْب الْعوَان، أغار بنخوة الصايل، على معصفرات الأصايل، فارتداها، وَعمد إِلَى خيوط [شُعَاع] الشَّمْس، عِنْد جانحة الأمس، فألجم مِنْهَا حلته وأسداها، واستعدت عَلَيْهِ تِلْكَ المحاسن فَمَا أعداها، فَهُوَ أصيل تمسك بذيل اللَّيْل عرفه وذيله، وكوكب يطلعه من القتام ليله، فيحسده فرقد الْأُفق وسهيله. وَأَشْهَب سني من لَونه مفاضة، [وتسربل مِنْهُ] لَامة فضفاضة، قد احتفل زينه لما رقم بالنبال لجيه، فَهُوَ الأشمط الَّذِي حَقه لَا يغمط، والدارع المسارع، والأعزل الذارع، وراقي الهضاب الفارع. ومكتوب الكتيبة البارع. وَأكْرم بِهِ من مرتاض سالك، ومجتهد على غايات السَّابِقين متهالك، وَأَشْهَب يروي من الْخَلِيفَة ذِي الشيم المنيفة عَن مَالك. وحباري كلما سَابق وبارى، اسْتعَار جنَاح الخبارى، فَإِذا أعملت الْحِسْبَة، قيل من هَذَا جَاءَت النِّسْبَة، طرد [النمر لما عظم] أمره وَأمره، فنسخ وجوده بِعَدَمِهِ، [وابتزه الفروة] ملطخة بدمه. وَكَأن مضاعف الْورْد نثر عَلَيْهِ من طبقه، أَو الْفلك لما ذهب الحلك، مزج بَيَاض صبحه بحمرة شفقه، وقرطاسى حَقه لَا يجهل، مَتى مَا ترقى الْعين فِيهِ تسهل، إِن نزع عَنهُ جله، فَهُوَ نجم كُله، انْفَرد بمادة الألوان، قبل أَن [تثريها] الأكوان، وتمزقها أَقْلَام الملوان. تتقدم مِنْهُ الكتيبة المقفلة لِوَاء ناصع، أَو أَبيض مماصع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 لبس وقار الشيب فِي ريعان الْعُمر القشيب، وأنصتت الآذان من صهيله المطيل المطيب، لما ارتدى بالبياض إِلَى نَغمَة الْخَطِيب. وَإِن تعتب مِنْهُ التَّأْخِير المقتب، قُلْنَا الْوَاو لَا ترَتّب، مَا بَين فَحل وحرة، وبهرمانة ودرة، ويالله من ابتسام غرَّة، ووضوح يمن فِي طرة، وبهجة للعين وقرة. وَإِن ولع النَّاس بامتداح الْقَدِيم، وطمح إِلَى رُتْبَة المخدوم طرف الخديم، وقورن المثرى بالعديم، وبخس فِي سوق الكسد الْكَيْل، ودجا اللَّيْل، وَظهر فِي فلك الْإِنْصَاف الْميل، لما تذوكرت الْخَيل، فجيء بالوجيه والخطار، والزايد وَذي الْحمار، وداحس والسكب، والأبحر وَزَاد الركب، والجموح واليحموم، والكميت ومكتوم، والأعوج والحلوان، ولاحق والغضبان، وعفروز والزعفران، والمحبر واللعاب، والأغر والغراب، وشقلة وَالْعِقَاب، والفياض واليعبوب، وَالْمذهب واليعسوب، والصحون والقطيب، وهيدب والصبيب، وأهلوب وهداج، والحرون والحراج، وعلوي والجناح، والأحوى ومحاح، والعصا والنعامة، والمبلقا والحمامة، وسكاب والجرادة، وخبوصا والعرادة. وَكم بَين الشَّاهِد والغايب، والفروض والرغايب، وَفرق مَا بَين الْأَثر والعيان، غَنِي عَن الْبَيَان، وشتان مَا بَين الصَّرِيح والمشتبه، وَللَّه در القايل " خُذ مَا ترَاهُ، ودع شَيْئا سَمِعت بِهِ "، والناسخ يخْتَلف بِهِ الحكم، وَشر الدَّوَابّ عِنْد التَّفْضِيل الصم والبكم، إِلَّا مَا رَكبه نَبِي، أَو كَانَ لَهُ يَوْم الافتخار برهَان مرعى، ومفضل مَا سمع على مَا رأى غبي. فَلَو أنصفت محاسنها الَّتِي وصفت، لأقضمت حب الْقُلُوب علفا، وأوردت مَاء الشبيبة نطفا، وتخذت لَهَا من عذر الخدود الملاح عذر موشية، وعللت بصفير ألحان القيان كل عَشِيَّة، وأهلت بِالْأَهِلَّةِ، وغطيت بالرياض بدل الأجلة إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الرَّقِيق، الخليق بالْحسنِ الْحقيق، تسوقه إِلَى مثوى الرِّعَايَة روقة الفتيان رعاته، وتهدي عقيقها من سبحه أشكالا، تشهد للمخترع سُبْحَانَهُ، بإحكام مخترعاته، وقفت نَاظر الِاسْتِحْسَان لَا يريم لما بهرها منظره الْكَرِيم، وتحامل الظليم، وتضاءول الريم. وأخرص مفوه اللِّسَان [بملكة التِّبْيَان] الحفيظ الْعَلِيم. وناب لِسَان الْحَال عَن لِسَان الْمقَال عِنْد الاعتقال. فَقَالَ يُخَاطب الْمقَام، الَّذِي أطلعن أزهارها غمايم جوده، واقتضت اخْتِيَارهَا بركَة وجوده. لَو علمنَا أَيهَا الْملك الْأَصِيل، الَّذِي كرم مِنْهُ الْإِجْمَال وَالتَّفْصِيل، أَن الثَّنَاء يوازيها، لكلنا لَك بكيلك. أَو الشُّكْر يعادلها أَو يجازيها، لتعرضنا بالوشل إِلَى نيل نبلك، أَو قُلْنَا هِيَ الَّتِي أَشَارَ أَشَارَ إِلَيْهَا مستصرخ سلفك الْمُسْتَنْصر بقوله: " أدْرك بخيلك "، حِين شَرق بدمعه الشرق، وَانْهَزَمَ الْجمع، وَاسْتولى الْفرق، واتسع فِيهِ، وَالْحكم لله، الْخرق، وَرَأى أَن مقَام التَّوْحِيد بالمظاهرة على التليث , وَحزبه الْخَبيث , هُوَ الأولى والأحق. والان قد أغْنى الله بِتِلْكَ النِّيَّة , عَن الأمداد اتِّخَاذ الطوَال الردينية , وبالدعاء من تِلْكَ المثابة الدِّينِيَّة , إِلَى رب البنية عَن الأمداد السّنيَّة , والأجواد تخوض بَحر المَاء " لى بَحر الْمنية , وَعَن الجرد الْعَرَبيَّة فِي مقاود الليوث الأبية , فجدد برسم هَذِه الْهَدِيَّة , مراسم العهود الودية , والذمم الموحدية , لتَكون عَلامَة على الأَصْل , ومكذبة لدعوى الْوَقْف والفصل , وإشعارا بالألفة الَّتِي لاتزال ألفها بحول الله , ألف الْوَصْل , لامها حَرَامًا على النصل. وَحضر بَين يدينا رَسُولكُم فلَان , فقرر من فَضلكُمْ , مَا لَا يُنكره من عرف علو مقداركم , وأصالة داركم , وفلك أبداركم , وقطب مداركم , واجبنا عَنهُ بِجهْد مَا كُنَّا لنقنع من جناه المهتصر , بالمقتضب الْمُخْتَصر , وَلَا لنقابل طول طوله بِالْقصرِ , لَوْلَا طروء الْحصْر. وَقد كَانَ بَين الأسلاف , رضوَان الله عَلَيْهِم ود أبرمت من أجل الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 معاهدة ووثرت للخلوص الجلى الْمَنْصُوص , مضاجعه القارة ومراقده [وتعاهد بالجميل] توجع لفقده فِيمَا سلف فاقده , أَبى الله إِلَّا أَن يكون لكم الْفضل فِي تجديده , والعطف بتوكيده. فَنحْن الْآن لَا نَدْرِي أَي مكارمكم تذكر , أَو أَي فواضلكم تشرح أَو تشكر. أمفاتحتكم الَّتِي هِيَ عندنَا فِي الْحَقِيقَة فتح , أم هديتكم , وَفِي وصفهَا للأقلام سبح , ولعدو الْإِسْلَام بحكمة حكمتها كبح. إِنَّمَا نكل الشُّكْر لمن يُوفي جَزَاء الْأَعْمَال الْبرة , وَلَا يبخس مِثْقَال ذرة , وَلَا أدنى من مِثْقَال الذّرة , ذى الرَّحْمَة الثرة , والألطاف المستمرة , لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. وَإِن تشوفتم إِلَى الْأَحْوَال الراهنة , وَأَسْبَاب الْكفْر الواهنة , فَنحْن نطرفكم بطرفها , وَهُوَ أننا كَمَا أعادنا الله من التمحيص , إِلَى مثابة التَّخْصِيص , من بعد المرام العويص , كحلنا بِتَوْفِيق الله بصر البصيرة , ووقفنا على سَبيله مساعي الْحَيَاة القصيرة , ورأينا كَمَا نقل إِلَيْنَا , وَكرر من قبلنَا وعلينا , أَن الدُّنْيَا وَإِن غر الْغرُور , وَأقَام على سرر الْغَفْلَة السرُور , فَلم ينفع الخطور على أجداث الزَّمَان. والمرور جسر يعبر ومتاع لَا يغبط , من حبى بِهِ وَلَا يجْبر , إِنَّمَا هُوَ خبر فِيهِ يخبر , وَأَن الْأَعْمَار أَحْلَام , وَأَن النَّاس نيام ووربما رَحل الراحل عَن الخان قد جلله بالأذى وبالدخان , أَو ترك بعده طيبا وثنا يقوم بعده للآتي خَطِيبًا. فَجعلنَا الْعدْل فِي الْأُمُور ملاكا , والتفقد للثغور مسواكا , وضجيع المهاد , حَدِيث الْجِهَاد , وَأَحْكَامه منَاط الِاجْتِهَاد , وَقَوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم} دَلِيل الْإِشْهَاد. وبادرنا رَمق الْحُصُون المضاعة , وجنح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 التقية دامس، وعوراته لَا ترد يَد لامس، وساكنها بايس، والأعصم فِي شعباتها من الْعِصْمَة آيس. فرتبنا ببيض الشرفات ثناياها، وأفعمنا بالعذب الْفُرَات ركاياها، وغشينا بالصفيح المضاعف أَبْوَابهَا، واحتسبنا عِنْد موفي الأجور ثَوَابهَا، وبيضنا بناصع الكلس أثوابها. فَهِيَ الْيَوْم توهم حسن العيان أَنَّهَا قطع من بيض الْعَنَان، تكَاد تنَاول قرص الْبَدْر بالبنان، متكفلة لِلْمُؤمنِ من قرع الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بالأمان، وأقرضنا الله قرضا، وأوسعنا مدونة الْجَيْش عرضا، وفرضنا أنصافه مَعَ الْأَهِلّة فرضا، واستندنا من التَّوَكُّل على الله الْغَنِيّ الحميد إِلَى ظلّ لِوَاء، ونبذنا إِلَى الطاغية عَهده على سَوَاء، وَقُلْنَا رَبنَا أَنْت الْعَزِيز، وكل جَبَّار لعزك ذليل، وحزبك هُوَ الْكثير، وَمَا سواهُ فقليل، أَنْت الْكَافِي، وَوَعدك الْوَعْد الوافي، فأفض علينا مدارع الصابرين، واكتبنا من الفائزين بحظوظ رضاك الظافرين. [وَثَبت اقدامنا، وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين] . فتحركنا أولى الحركات، وفاتحة مصحف البركات، فِي خف من الحشود، واقتصار على من بحضرتنا من العساكر المظفرة والجنود، إِلَى حصن أشر السَّامِي المطل، وركاب الْعَدو الضال المضل، ومهدي نفثات الصل، على لمتناعه وارتفاعه، وَسمر يفاعه، وَمَا بذل الْعَدو فِيهِ من استعداده، وتوفير أسلحته وأزواده، وانتخاب أنجاده، فصلينا عَلَيْهِ بنفسنا ناره، وزاحمنا عَلَيْهِ الشُّهَدَاء نصابر أواره، ونلقى بالجوارح العزيزة سهامه [المسمومة وجلاسده] الملومة وأحجاره، حَتَّى فرعنا بحول الله، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 من لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِهِ، أبراجه المنيعة وأسواره، وكففنا عَن الْعباد والبلاد أضراره، بعد أَن أضفنا إِلَيْهِ حصن السهلة جَاره، ورحلنا عَنهُ بعد أَن شحناه رابطة وحامية، [وأوسعناه] أزوادا نامية، وعملنا بيدنا فِي رم مَا ثلم الْقِتَال، وبقر من بطُون مسابقه الرِّجَال، واقتدينا بنبينا صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ، فِي الخَنْدَق، لما حمى ذَلِك المجال، وَوَقع الارتجاز الْمَنْقُول خَبره والارتحال، وَمَا كَانَ لِيُقِر الْإِسْلَام مَعَ تَركه الْقَرار، وَقد كتب الْجوَار، وتداعي الدعْوَة وتعاون الشرار. وَقد كُنَّا أغزينا الْجِهَة الغربية من الْمُسلمين، مَدِينَة برغة، الَّتِي سدت بَين القاعدتين رندة ومالقة الطَّرِيق، وألبست ذل الْفِرَاق، ذَلِك الْفَرِيق، ومنعتهما أَن يسيغا الرِّيق، فَلَا سَبِيل إِلَى الْإِلْمَام لطيف الْمَنَام إِلَّا فِي الأحلام، وَلَا رِسَالَة إِلَّا فِي أَجْنِحَة هدى الْحمام، فيسر الله فتحهَا، وَعجل منحها، بعد حَرْب انبتت فِيهَا النحور، وتزينت الْحور. وَتبع هَذِه الْأُم بَنَات شهيرة، وبقع للزَّرْع والضرع خيرة، فشفى الثغر من بوسه، وتهلل وَجه الْإِسْلَام بِتِلْكَ النَّاحِيَة بعد عبوسه. ثمَّ أعملنا الْحَرَكَة إِلَى مَدِينَة أطريرة على بعد المدا، وتغلغلها فِي بِلَاد العدا، واقتحام هول البلا وغول الردى، مَدِينَة تبنتها حمص فَأَوْسَعْت الدَّار، وأغلت الشوار، وراعت الاستكثار، وَبسطت الاعتمار. رجح إِلَيْنَا قَصدهَا على الْبعد، وَالطَّرِيق الْجَعْد، مَا أسفت بِهِ الْمُسلمين، من استيصال طايفة من أَسْرَاهُم، مروا بهَا آمِنين، وبظاهرها المشئوم متيمنين، قد أنهكهم الاعتقال والقيود الثقال، وأضرعهم الأسار، وجللهم الانكسار، فجدلوهم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 مصرع وَاحِد، وتركوهم عِبْرَة للرائي والمشاهد، وأهدوا بوقيعتهم إِلَى الْإِسْلَام ثكل الْوَاجِد، وثرة الْمَاجِد. فكبسناها كبسا، وفجأناها بإلهام من لَا يضل وَلَا ينسى. فصبحتها الْخَيل، ثمَّ تلاحق الرجل، كَمَا جن السَّيْل، وحاق بهَا الويل، فأبيح مِنْهَا الذمار، وَأَخذهَا الدمار، ومحقت من مصانعها الْبيض الآهلة، وخسفت الأقمار، وشفيت من دَمًا أَهلهَا الضلوع الجرار، وسلطت على هياكلها النَّار، وَاسْتولى على الْآلَات العديدة من سبيهَا الأسار، وانْتهى إِلَى إشبيلية الثكلى المغار، فجلل وُجُوه من بهَا من وُجُوه كبار النَّصْرَانِيَّة الصغار، واستولت الْأَيْدِي على مَا لَا يَسعهُ الْوَصْف، وَلَا تقله الأوقار. وعدنا وَالْأَرْض تموج سبيا، لم تتْرك بعفرين شبلا، وَلَا بوجرة ظَبْيًا، والعقايل حسرى، والعيون يبهرها الصنع الأسرى [وصبح السرى قد حمد من بعد بعد المسرى، فسبحان الَّذِي أسرى، ولسان الحمية يُنَادي فِي تِلْكَ الْكَنَائِس المخربة والنوادي، بالثارات الأسرى] . وَلم يكن إِلَّا أَن نقلت الْأَنْفَال، ووسمت، ورسمت بالإيضاح الأغفال، وتميزت الهوادي والأكفال. وَكَانَ إِلَى غَزْو مَدِينَة جيان الاحتفال، قدنا إِلَيْهَا الجرد تلاعب الظلال نشاطا، والأبطال تقتحم الأخطار رَضِي بِمَا عندالله واغتباطا، والمهندة الدلق تسبق إِلَى الرّقاب استلالا واختراطا، والردينية السمر تسترط حَيَاتهَا النُّفُوس استراطا. واستكثرنا من عدد الْقِتَال احْتِيَاطًا، وَأَرِحْنَا الْعِلَل عَمَّن أَرَادَ جهادا، منجيا غباره من نَار جَهَنَّم ورباطا، ونادينا الْجِهَاد الْجِهَاد يَا أمة النَّبِي الْهَاد، الْجنَّة الْجنَّة تَحت ظلال السيوف الْحداد، فهز [النداء] إِلَى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 كل عَامر وغامر، وائتمر الجم من دَعْوَة الْحق إِلَى أَمر آمُر. وَآتى النَّاس من الفجوج العميقة رجَالًا، وعَلى كل ضامر، وكاثرت الرياض أزهار البطاح لونا وَعدا، وسدت الحشود مسالك الطّرق العريضة سدا وَمد بحرها الزاخر مدا، فَلَا يجد لَهَا النَّاظر وَلَا المناظر حدا. وَهَذِه الْمَدِينَة هِيَ الْأُم الْوَلُود، وَالْجنَّة الَّتِي فِي النَّار لسكانها الخلود، وكرسي الْملك، ومجنبته الْوُسْطَى من ذَلِك السلك، باءت باالمزايا العديدة ونجحت، وَعند الْوزان بغَيْرهَا من أمات الْبِلَاد رجحت، غَابَ الْأسود وجحر الْحَيَّات السود، ومنصب التماثيل الهائلة، ومعلق النواقيس الصايلة. وأدنينا إِلَيْهَا المراحل، وعينا ببحار المحلات المستقلات مِنْهَا على السَّاحِل. وَلما اكتسبنا جوارها، وكدنا نلتمح نارها، تحركنا، ووشاح الْأُفق المرقوم بزهر النُّجُوم، قد دَار دايره، وَاللَّيْل من خوف الصَّباح [على سرحه المستباح] قد شابت غدايره، والنسر يرفرف بِالْيمن طايره، والسماك والرماح يثأر بعز الْإِسْلَام ثائره، والنعايم راعدة [فرائص] الْجَسَد من خوف الْأسد، والقوس يُرْسل سهم السَّعَادَة، بِوتْر الْعَادة، إِلَى أهداب النعم الْمُعَادَة، والجوزاء عابرة نهر المجرة، والزهرة تغار من الشعرى، العبور بالضرة، وَعُطَارِد يسدي فِي حَبل الحروب على الْبَلَد المحروب ويلحم، ويناظر أشكالها الهندمية فيفحم، والأحمر يبهر، وَالْعلم [الْأَبْيَض يفري وينهر] وَالْمُشْتَرِي يُبْدِي فِي فضل الْجِهَاد وَيُعِيد، ويزاحم فِي الحلقات على مَا للسعادة من الصِّفَات وَيزِيد، وزحل عَن الطالع منزحل، وَفِي زلق السُّقُوط وَحل، والبدر يطارح حجر المنجنيق كَيفَ يهوى إِلَى النيق، ومطلع الشَّمْس يرقب، وجدار الْأُفق يكَاد بالعيون عَنْهَا يرقب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وَلما فَشَا سر الصَّباح، واهتزت أعطاف الرَّايَات لتحيات مُبَشِّرَات الرياحٍ، أطلنا عَلَيْهَا إطلال الْأسود على الفرايس، والفحول على العرايس، فَنَظَرْنَا منْظرًا يروع بَأْسا ومنعة، ويروق وضعا وصنعة، تلفعت معاقله الشم للسحاب ببرود، ووردت من عذر المزن فِي برود , وأسرعت لاقتطاف أزهار النُّجُوم [والذراع بَين النطاق] معاصم رَود , وبلد يعي الماسح والدراع , وينتظم المجاني والأجارح. فَقُلْنَا اللَّهُمَّ نفله أَيدي عِبَادك وبلادك , وأرنا فِيهِ آيَة من آيَات جهادك. فنزلنا بساحتها العريضة الْمُتُون , نزُول الْغَيْث الهتون , وتيمنا من فحصها الأفيح , بِسُورَة التِّين وَالزَّيْتُون , متبرية من أَمَان الرَّحْمَن للبلد الْمفْتُون , وأعجلنا النَّاس بحمية نُفُوسهم النفيسة , وسجية شجاعتهم البييسة، عَن أَن نبوي لِلْقِتَالِ المقاعد، وندني بأسماع شهير النفير مِنْهُم الأباعد. وَقبل أَن يلتقي الخديم بالمخدوم، ويركع المنجنيق رَكْعَتي الْقدوم، فدافعوا من أصحر إِلَيْهِم من الفرسان، وَسبق الى حومة الميدان، حَتَّى أحجروهم فِي الْبَلَد، وسلبوهم لِبَاس الْجلد، فِي موقف يذهل الْوَالِد عَن الْوَلَد، صابت السِّهَام فِيهِ غماما، وطارت كأسراب الْحمام تهدي حَماما، وأضحت القنا قصدا بعد أَن كَانَت شهابا رصدا، وماج بَحر القتام بأمواج النصول، وَأخذ الأَرْض الرجفان لزلزال الصَّباح الْمَوْصُول، فَلَا ترى إِلَّا شَهِيدا تظلل مصرعه الْحور، وصريعا تقذف بِهِ الى السَّاحِل تِلْكَ البحور [ونواشب تبأى] بهَا الْوُجُوه الوجيهة عِنْد الله والنحور. فالمقضب فوده يخصب، والأسمر غصنه يستثمر، والمغفر حماه يخفر، وَظُهُور القسى تفصم، وعصم الْجند الكوافر تفصم، ودرق اليلب فِي المنقلب يسْقط، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 والبتر يكْتب، والسمر تنقط. فاقتحم الربض الْأَعْظَم لحينه، وَأظْهر الله لعيون المبصرين والمستبصرين عزة دينه، وتبرأ الشَّيْطَان من خدينه، وبهت الْكفَّار وخذلوا، وكل مصرع جدلوا. ثمَّ دخل الْبَلَد بعده غلابا، وجلل قتلا واستلابا، فَلَا تسل إِلَّا الظبا والأسل عَن قيام سَاعَته، وهول يَوْمهَا وشناعته، وتخريب المبايت والمباني، وغنى الْأَيْدِي من خزاين تِلْكَ المغاني، وَنقل الْوُجُود الأول إِلَى الْوُجُود الثَّانِي، وتخارق السَّيْف فجار بِغَيْر الْمُعْتَاد، ونهلت القنا الردينية من الدما حَتَّى كَادَت تورق كالأغصان المغترسة والأوتاد، وهمت أفلاك القسى وسحت، وأربت حَتَّى بحت، ونفذت موادها فشحت بِمَا ألحت، وسدت المسالك جثت الْقَتْلَى فمنعت العابر، واستأصل الله من عدوه الشأفة وَقطع الدابر، وأزلف الشَّهِيد، وأحسب الصابر، وسبقت رسل الْفَتْح الَّذِي لم يسمع بِمثلِهِ فِي الزَّمن الغابر، تنقل الْبُشْرَى من أَفْوَاه المحابر إِلَى أَذَان المنابر. أَقَمْنَا بهَا أَيَّامًا نعقر الْأَشْجَار، ونستأصل بالتخريب الوجار، ولسان الانتقام من عَبدة الْأَصْنَام يُنَادي يَا لثارات الْإسْكَنْدَريَّة تشفيا من الْفجار، ورعيا لحق الْجَار. وقفلنا وَأَجْنِحَة الرَّايَات برياح العنايات خافقة، وأوفاق التَّوْفِيق الناشية من خطوط الطَّرِيق وأسواق الْعِزّ بِاللَّه نافقة، وحملاء الرِّفْق مصاحبة، وَالْحَمْد لله مرافقة، وَقد ضَاقَتْ ذروع الْجبَال عَن أَعْنَاق [الصب السيال] ، وَرفعت على الأكفال ردفا كرايم الْأَنْفَال، وقلقلت من النواقيس أجرام الْجبَال، بالهندام والاحتيال، وَهَلَكت بِهَلَاك هَذَا الْأُم بَنَات [كن يرتضعن] ثديها الحوافل، ويستوثرن حجرها الكافل. وَشَمل التخريب أسوارها، وعجلت النَّار بوادرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 ثمَّ تحركنا بعْدهَا حَرَكَة الْفَتْح، وَأَرْسَلْنَا الأدلاء قبل الْمنح، فبشرت بالمنح، وقصدنا مَدِينَة أبدة، وَهِي ثَانِيَة الجناحين، وكبرى الْأُخْتَيْنِ، ومساهمة جيان فِي ذِي الْحِين، مَدِينَة أخذت عريض الفضا الأخرق، وتمشت فِيهِ أرباضها تمشي الْكِتَابَة الجامحة فِي المهرق، الْمُشْتَملَة على المتاجر والمكاسب [والوضع المتناسب] والفلح المعي عده على الحاسب، وكورة الدَّيْر اللاسب، المتعددة اليعاسب، فَأَنَاخَ العفا بربوعها العامرة، ودارت عقار كؤوس عقار الحتوف، ببنان السيوف على متديرها المعاقرة، وصبحتها طلائع الفاقرة، وأغريت ببطون أسوارها عوج المعاول الباقرة. وَدخلت مدينتها عنْوَة السَّيْف، فِي أسْرع من خطرة الطيف، وَلَا تسل عَن الكيف، فَلم يبلغ العفا من مَدِينَة حافلة، وعقيلة فِي حلل المحاسن رافلة، مَا بلغ من هَذِه البائسة الَّتِي سجدت لآلهة النَّار أبراجها [وتضاءل بالرغام معراجها] ، وضفت على أعطافها ملابس الخذلان، وأقفر من كنائسها كناس الغزلان. ثمَّ تأهبنا لغزو أم الْقرى الْكَافِرَة، وخزاين المداين الوافرة، وربة الشُّهْرَة السافرة والأنباء المسافرة، قرطبة، وَمَا أدريك مَاهِيَّة، ذَات الأرجاء الحالية الكاسية، والأطواد الراسخة الراسية، والمباني المباهية، والزهراء المزاهية، والمحاسن غير المتناهية، حَيْثُ هَالة بدر السما قد استدارت من السُّور المشيد الْبناء دَارا، ونهر المجرة من نهرها الْفَيَّاض، المسلول حسامه من غمد [الْفَيَّاض] قد لصق بهَا جارا، وفلك الدولاب المعتدل الانقلاب، قد استقام مدارا، وَرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الحنين اشتياقا إِلَى الحبيب الأول وَاد كارا، حَيْثُ الطود كالتاج يَزْدَان بلجين العذب المجاج، فيزري بتاج كسْرَى ودارا، حَيْثُ قسى الجسور المديدة كَأَنَّهَا عوج المطى الغزيرة، تعبر النَّهر قطارا، حَيْثُ آثَار العامري الْمُجَاهِد تعبق من تِلْكَ الْمعَاهد شذا معطارا، حَيْثُ كرايم السحايب تزوره عرايس الرياض الحبايب، فَتحمل لَهَا من الدّرّ نثارا، حَيْثُ شُمُول الشمايل تَدور على الأدواح بِالْغُدُوِّ والرواح، فترى الغصون سكارى وَمَا هِيَ بسكارى، حَيْثُ أَيدي الِافْتِتَاح تفتض من شقايق البطاح أَبْكَارًا، حَيْثُ ثغور الأقاصي البواسم، تقلبها بِالسحرِ زوار النواسم، فتخفق قُلُوب النُّجُوم الغيارا، حَيْثُ الْمصلى الْعَتِيق قد رحب مجالا، وَطَالَ منارا، وأزرى ببلاط الْوَلِيد احتقارا، حَيْثُ الظُّهُور المثارة بسلاح الْفَلاح تجب عَن مثل أسنمة المهارا، والبطون كَأَنَّهَا لتدميث الغمايم بطُون العذارى، والأدواح الْعَالِيَة تخترق أعلامها الهادية بالجداول الحيارا، فَمَا شيت من جو صقيل، ومعرس للخنس ومقيل، وَمَالك لِلْعَقْلِ وَعقيل، وخمايل كم فِيهَا للبلابل من قَالَ وَقيل، وخفيف يُجَاوب بتثقيل، وسنابل تحكى من فَوق سوقها، وقضب بسوقها الهمزات فَوق الألفات، والعصافير البديعة الصِّفَات فَوق الْقَضِيب المؤتلفات، تميل لهبوب الصِّبَا، والجنوب مَالِيَّة الْجُيُوب، وبطاح لَا تعرف [بدرر الْحُبُوب] عين الْمحل فتطلبه بالدحل، وَلَا يصرف فِي خدمَة بيض قباب الأزهار، عِنْد افْتِتَاح السوسن والبهار، غير العبدان من سودان النَّحْل وبحر الفلاحة، الَّذِي لَا يدْرك ساحله، وَلَا يبلغ الْقبَّة الْبَعِيدَة راحله، إِلَى الْوَادي وَسمر النوادي، وقرار دموع الغوادي، المتجاسر على تخطيه عِنْد تمطيه الجسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 العادي، والوطن الَّذِي لَيْسَ من عَمْرو وَلَا زيد، والفرا الَّذِي فِي جَوْفه كل الصَّيْد. أقل كرسيه خلَافَة الْإِسْلَام، وأغار بالرصافة والجسر دَار السَّلَام، وَمَا عَسى أَن تطنب فِي وَصفه أَلْسِنَة الأقلام، أَو تعبر بِهِ عَن ذَلِك الْكَمَال فنون الْكَلَام فأعملنا إِلَيْهَا السرى وَالسير، وَقدمنَا إِلَيْهَا الْخَيل، قد عقد فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر. وَلما وقفنا بظاهرها المبهت المعجب، واصطففنا بخارجها المنبت المنجب، والقلوب تلتمس الْإِعَانَة من منعم مجزل، وتستنزل الْمَلَائِكَة من منجد منزل، والركايب واقفة من خلفنا بمعزل، نتناشد فِي معاهد الْإِسْلَام: وَقفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل. برز من حاميتها المحامية، ووقود النَّار الحامية، وَبَقِيَّة السَّيْف الوافرة على الْحَصاد النامية، قطع الْغَمَام الهامية، وأمواج الْبحار الطامية. واستجنت بظلال أبطال المجال، أعداد الرِّجَال الناشبة والرامية، وتصدى للنزال من صناديدها الصهب السيال أَمْثَال الهضاب الراسية، يجنها جنن السوابغ الكاسية، ونواميسها المفادية للصلبان يَوْم بوسها بنفوسها الواسية، وخنازيرها الَّتِي عدتهَا عَن قبُول حجج الله وَرَسُوله ستور الظلام الغاشية، وصخور الْقُلُوب القاسية. وَكَانَ بَين الْفَرِيقَيْنِ، إِمَام جسرها الَّذِي فَوق الْبَحْر، وحلا بلجينه ولآلئ زينه مِنْهَا النَّحْر، حَرْب لم ينسج على منوالها، وَلَا أَتَت اللَّيَالِي الحبالي بِمثل أجنة أهوالها، من قاسيها بالفجار أفك وفجر، أَو مثلهَا بِحَفر الهباءة خرف وهجر، وَمن شبهها بداحس والغبراء فَمَا عرف الْخَبَر، فليسأل من جرب وَخبر، من نظرها بِيَوْم شغب جبله، وَهُوَ ذُو بلة، أَو عادلها بِبَطن عَاقل، فَهُوَ غير عَاقل، أَو أحتج بِيَوْم ذِي قار، فَهُوَ إِلَى الْمعرفَة ذُو افتقار أَو ناضل بِيَوْم الكديد، فسهمه غير السديد، إِنَّمَا كَانَ مقَاما غير مُعْتَاد، ومرعى نفوس لم يفت بوصفه لِسَان مرتاد، وزلازل جبال أوتاد [ومتلف مذخور] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 لسلطان الشَّيْطَان وعتاد، أعلم فِيهِ البطل الباسل، وَتردد الْأَبْيَض الباتر، وتأود الأسمر العاسل، ودوم الجلمد المتكاسل، وابتعث من حدب الحنية إِلَى هدف الرَّمية الناشر الناسل، وَرويت لمرسلات السِّهَام المراسل. ثمَّ أفْضى أمره الرماح إِلَى التشاجر والأرتباك وتشبثت الأسنة فِي الدروع تشبث السماك فِي الشباك، ثمَّ اخْتَلَط المرعى بالهمل، وعزل الرديني عَن الْعَمَل، وعادت السيوف من فَوق المفارق تيجانا، بعد أَن شقَّتْ غدر السوابغ خلجانا، واتخذت جداول الدروع فَصَارَت بحرا. وَكَانَ التعانق فَلَا ترى إِلَّا نحرا يلازم نحرا، عنَاق وداع، وموقف شَمل ذِي أنصداع، وَإجَابَة مُنَاد إِلَى فِرَاق الْأَبَد وداع، واستكشفت منال الصَّبْر الْأَنْفس الشفافة [وهبت برِيح النَّصْر الطَّلَائِع المبشرة الهفافة] ثمَّ أمد السَّيْل ذَلِك الْعباب، وصقل الاستبصار الْأَلْبَاب، واستخلص الْعَزْم صفوة اللّبَاب، وَقَالَ لِسَان الصَّبْر ادخُلُوا عَلَيْهِم الْبَاب، فَأَصْبَحت طوايف [الْكفَّار] حصايد مناجل الشفار، فمغافرهم قد رضيت حرماتها بالإخفار، ورؤوسهم محطوطة فِي غير مقَام الاسْتِغْفَار، وعلت الرَّايَات من فَوق تِلْكَ الأبراج المستطرفة الأسوار، ورفرف على الْمَدِينَة جنَاح الْبَوَار، لَوْلَا الِانْتِهَاء إِلَى الْحَد والمقدار، وَالْوُقُوف عِنْد اختفاء سر الأقدار. ثمَّ عبرنا نهرها، وسددنا بأيدي الله قهرها، وضيقنا حصرها، وأدرنا بلآلي القباب الْبيض خصرها، وأقمنا بهَا أَيَّامًا، تحوم عقبان البنود على فريستها حياما، ونرمى الأدواح ببوارها، ونسلط النَّار على أقطارها، فلولا عوايق الْمَطَر، لحصلنا من فتح ذَلِك الوطن على الوطر. فَرَأَيْنَا أَن نروضها بالاجتثاث والانتساف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 ونوالي على زروعها وربوعها كرات ريَاح الاعتساف، حَتَّى يتهيأ لِلْإِسْلَامِ لوك طعمتها، ويتهيأ بِفضل الله إِرْث نعمتها. ثمَّ كَانَت عَن موقفها الْإِفَاضَة من بعد نحر النحور، وَقذف جمار الدمار على الْعَدو المذعور، وتدافعت خلفنا السيقات المتسعات، تدافع أمواج البحور , وَبعد أَن ألححنا على جناتها المصحرة، وكرومها المستبحرة إلحاح الْغَرِيم، عوضناها المنظر الكريه [من المنظر الْكَرِيم] وَطَاف عَلَيْهَا طائف من رَبهَا، فَأَصْبَحت كالصريم، وأغرينا خيلان النَّار بحمم الْجَحِيم، وراكنا فِي أَجْوَاف أجوايها غمايم الدُّخان، تذكر طيبَة البان، بِيَوْم الغميم، وَأَرْسَلْنَا ريَاح الغارات، فَمَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم، واستقبلنا الْوَادي يهول مدا، ويردع سَيْفه الصَّقِيل خدا، يسره الله من بعد الإعواز، وَانْطَلَقت على الفرضة بِتِلْكَ العرضة، أَيدي الانتهاز، وَسَأَلنَا من سائله أَسد بن الْفُرَات، فَأفْتى برجحان الْجَوَاز، فَعم الاكتساح والاستباح جَمِيع الاجواز، فأديل المصون، وانتهبت الْقرى، وهدمت الْحُصُون، واجتثت الْأُصُول، وحطمت الغصون، وَلم نرفع عَنْهَا إِلَى الْيَوْم غَارة تصاحبها بالبوس، وتطلع عَلَيْهَا غررها الضاحكة بِالْيَوْمِ العبوس، فَهِيَ إِلَى الْآن مجْرى السوابق، ومجر العوالي على التوالي، والحسرات تتجدد فِي أطلالها البوالي. وَكَأن بهَا قد صرعت، وَإِلَى الدعْوَة المحمدية قد أسرعت [بقدرة من أنزل الْقُرْآن على الْجبَال فخشعت من خشيَة الله وتصدعت] لعزة من أذعنت الْجَبَابِرَة لعزه وخنعت. وعدنا والبنود لَا يعرف الملف نشرها، وَالْوُجُوه المجاهدة لَا يخالط التقطب بشرها، وَالْأَيْدِي بالعروة الوثقى معتلقة، والألسن بشكر الله منطلقة، وَالسُّيُوف فِي مضاجع [الغمود] قلقة، وسرابيل الدروع خلقَة، والجياد من ردهَا إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 [المرابط و] الأواري رد العواري حنقة، وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقة، تنظر إِلَيْنَا نظر العاتب، وتعود من ميادين المراح والاختيال تَحت حلل عود السِّلَاح عود الصّبيان إِلَى الْمكَاتب، والطبل بِلِسَان الْعِزّ هادر، والعزم إِلَى منادى الْعود الحميد مبادر، وَوُجُود نوع الرماح من بعد ذَلِك الكفاح نَادِر، والمقاسم ترَتّب بَين يَدَيْهِ من السَّبي النَّوَادِر. ووارد مناهل الأجور غير المحلا وَلَا المهجور غير صادر، ومناظر الْفضل الْآتِي، عقب أَخِيه الشاني عَن الْمَطْلُوب الْآتِي مصَادر وَالله على تيسير الصعاب، وتخويل المنن الرغاب قَادر، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، فَمَا أجمل لنا صنعه الحفى، وَأكْرم لنا لطفه الخفى، اللَّهُمَّ لَا نحصى منا عَلَيْك، وَلَا نلجأ مِنْك إِلَّا إِلَيْك، وَلَا نلتمس خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا لديك، فأعد علينا عوايد نصرك يَا مبدي يَا معيد، وأعنا من وَسَائِل شكرك على مَا ننال بِهِ الْمَزِيد، يَا حَيّ يَا قيوم، يَا فعال لما يُرِيد. وقارنت رسالتكم الميمونة لدينا حذق فتح بعيد صيته، مشريب ليته، وفخر من فَوق النُّجُوم العوائم مبيته، عجبنا من تَأتي أمله الشارد، وَقُلْنَا الْبركَة، فِي قدم الْوَارِد، وَهُوَ أَن ملك الرّوم، لَا طفنا بجملة من الْحُصُون كَانَت من ملكة الْإِسْلَام قد غصبت، والتماثيل فِي بيُوت الله قد نصبت، أدالها الله بمحاولتنا الطّيب من الْخَبيث، والتوحيد من التَّثْلِيث، وَعَاد إِلَيْهَا الْإِسْلَام عودة الْأَب الغايب إِلَى الْبَنَات الحبايب، يسل عَن شؤونها، وَيمْسَح الرقة عَن جفونها، وَهِي للروم خطة خسف، قَلما ارتكبوها فِيمَا يعلم من العهود، ونادرة من نَوَادِر الْوُجُود، وَإِلَى الله علينا وَعَلَيْكُم عوارف الْجُود، وَجَعَلنَا فِي محاريب الشُّكْر من الركع السُّجُود عرفناكم بمجملات أُمُور تحتهَا تَفْسِير، ويمن من الله وتيسير، إِذْ اسْتِيفَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الجزئيات عسير، لنسركم بِمَا منح الله دينكُمْ، ونتوج بعز الْملَّة الحنيفية جبينكم، ونخطب بعده دعاءكم وتأمينكم، فَإِن دُعَاء الْمُؤمن لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب سلَاح مَاض، وكفيل للمواهب المسئولة من الْمُنعم الْوَاهِب مستفاض. وَأَنْتُم أولى من ساهم فِي بر، وعامل الله بخلوص سر، وَأَيْنَ يذهب الْفضل عَن بَيتكُمْ، وَهُوَ صِفَات حيكم، وتراث ميتكم، وَلكم مزية الْقدَم، ورسوخ الْقدَم. [تَسَاوِي فِي ذَلِك التَّحْرِيم مَعَ الفدم] . والخلافة مقرها إيوانكم، وَأَصْحَاب الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ مستقرها قيروانكم، وتفجير المنابر ذكر إمامكم، والتوحيد إِعْلَام أعلامكم، والوقائع الشهيرة فِي الْكفْر منسوبة إِلَى أيامكم، وَالصَّحَابَة الْكِرَام فَتْحة أوطانكم، وسلالة الْفَارُوق عَلَيْهِ السَّلَام وشيجة سلطانكم، وَنحن نَسْتَكْثِر من بركَة خطابكم، ووصلة جنابكم، وَلَوْلَا الْأَعْذَار، لوالينا بالمتزايدات تَعْرِيف أبوابكم. وَالله عز وَجل يتَوَلَّى عَنَّا من شكركم المحتوم، مَا قصر الْمَكْتُوب فِيهِ عَن المكتوم، ويبقيكم لإِقَامَة الرسوم، وَيحل محبتكم من الْقُلُوب، مَحل الْأَرْوَاح من الجسوم، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام [الْكَرِيم الطّيب الزكي الْمُبَارك الْبر العميم يخصكم كثيرا أثيرا] ، مَا أطلع الصَّباح وَجها منيرا، بعد أَن أرسل النسيم سفيرا، وَكَانَ الوميض [الباسم] لأكواس الْغَمَام على أزهار الكمام مديرا، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَكَانَ مِمَّا زيد فِي آخر الرسَالَة النَّبَوِيَّة فصل فِي استفتاح الجزيرة الخضراء صدر عَنى إملاء على الْكتاب عِنْدَمَا توجه الرَّسُول إِلَى ضريح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي آخر ربيع الأول الْمُبَارك من عَام أحد وَسبعين وَسَبْعمائة، وأغفل ذَلِك عَن مَوْضِعه إِلَى أَن ألحق بِهَذَا الْموضع وَاسْتولى أهل الثغور لهَذَا الْحَد على معاقل، كَانَت مستغلقة ففتحوها، وشرعوا أرشية الرماح إِلَى قلب قلوبها فمنحوها، وَلم تكد الجيوش المجاهدة تنفض إِلَّا عَن الْأَعْرَاف متراكم الْغُبَار، وترخى عَن أباطيلها شدّ حزم المغار، حَتَّى عاودت النُّفُوس شوقها، واستتبعت ذوقها، وخصت الَّتِي لَا فَوْقهَا، وَذَهَبت، بهَا الآمال إِلَى الْغَايَة القاصية، والمدارك المتعاصية، على الأفكار المتغاصية. فقصدنا الجزيرة الخضراء، بَاب هَذَا الوطن، الَّذِي مِنْهُ طرق وادعه، ومطلع الْحق الَّذِي صدع الْبَاطِل صادعه، وثنية الْفَتْح الَّذِي برق مِنْهَا لامعه، ومثيرة الهجوم الَّذِي لم تكن لتعبر على غَيره مطامعه، وفرضة الْمجَاز الَّذِي لَا تنكر، وَمجمع الْبَحْرين فِي بعض مَا يذكر، حَيْثُ يتقارب الشطان، وتتقاطر ذَوَات الأشطان، وتقارب الحطان، وَكَاد أَن يلتقي حَلقَة البطان، وَقد كَانَ الْكفْر قدر قدر هَذِه الفرضة، الَّتِي طرق مِنْهَا حماه، ورماه الْفَتْح الأول مرماه، وَعلم أَن لَا يتَّصل أَيدي الْمُسلمين من إخْوَانهمْ إِلَّا من تلقائها، وَأَنه لَا يعْدم الْمَكْرُوه مَعَ بَقَائِهَا، فأجلب عَلَيْهَا بخيله وَرجله، وسد أفق الْبَحْر من أساطيله، ومراكب أباطيله بِقطع ليله، وتداعى الْمُسلمُونَ بالعدوتين إِلَى استنقاضها من لهواته، أَو إِِمْسَاكهَا من دون مهواته، فعجز الْحول، وَوَقع إِيَّاهَا بملكة القَوْل، واحتازها قهرا، وَقد صابرت الضّيق مَا يناهز ثَلَاثِينَ شهرا، وأطرق الْإِسْلَام بعْدهَا إطراق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 الواجم، واسودت الْوُجُوه بخبرها الهاجم، وبكتها دموع الْغَيْث الساجم، وَانْقطع المدد إِلَّا من رَحْمَة من ينفس الكروب، ويغرى بالإدالة الشروق والغروب. وَلما شككنا بشبا الله نحرها، وأغصصنا بجيوش المَاء وجيوش الأَرْض تكاثر نُجُوم السما برهَا وبحرها، ونازلناها نضيقها شَدِيد النزال، وتحجها بِصدق الْوَعيد فِي غير سَبِيل الاعتزال، رَأينَا بأوا لَا يظاهر إِلَّا بِاللَّه وَلَا يطال، ومنبعه يتحامى شبا الْأَبْطَال، وخبايا رَوْضَة الْغَيْث الهطال. أما اسوارها فَهِيَ الَّتِي أخذت النجد والغور، واستعدت بجدال الْبِلَاد عَن الجلاد، فارتكبت الدّور تجوز بحرا من الاعتمار ثَانِيًا، وتشكك أَن يسكون لَهَا الْإِنْس بانيا. وَأما أبراجها فصفوف وصنوف , تزين صفحات المسايف مِنْهَا أنوف، وأذان لَهَا من دوامع الصخر شقوف. وَأما خندقها فصخر مجلوب، وسور مقلوب، وصدقها الْمُسلمُونَ الْقِتَال بِحَسب محلهَا من نُفُوسهم، واقتران اغتصابها ببوسهم، وأفول شموسهم، فرشقوها من النبال بظلال تحجب الشَّمْس، فَلَا يشرق سناها، وعرجوا فِي المراقي الْبَعِيدَة، يفرعون مبناها، ونقبوا أنقابا، وحصبوها عقَابا، ودخلوا مَدِينَة البنية بنتهَا غلابا، وأحسبوا السيوف أسلابا، وَالْأَيْدِي استلابا، واستوعب الْقَتْل مقاتلتها، السابغة الجنن، الْبَالِغَة المنن، فَأَخذهُم الهول المتفاقم، وجدلوا كَأَنَّهُمْ الأراقم، لم تفلت مِنْهُم عين تطرف، وَلَا لِسَان تنبى من يستطلع الْخَبَر أَو يستشرف. ثمَّ سمت الهمم الإيمانية إِلَى الْمَدِينَة الْكُبْرَى، فَدَارُوا سوارا على سورها، وتجاسروا على اقتحام أَوديَة الفنا من فَوق جسورها، ودنوا إِلَيْهَا بالضروب من خيل الحروب بروجا مشيدة، ومجانيق توثق حبالها مِنْهَا بِشدَّة، وخفقت بنصر الله عذبات الاعلام، وأهدت الْمَلَائِكَة مدد السَّلَام، فخذل الله كفارها ... شفارها، قلم بيد قدرته أظفارها، فالتمس الْأمان لِلْخُرُوجِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ونزلوا عَن مراقى العروج، إِلَى الأباطح والمروج، عَن سمائها ذَات البروج، فَكَانَ بروزهم إِلَى العراء من الأَرْض، تذكرة بِيَوْم الْعرض، قد جلل الْمُقَاتلَة الصغار، وَتعلق بالأمهات الصغار، وبودرت الْمَدِينَة وكفارها بالتطهير، ونطقت المآذن الْعَالِيَة بِالْأَذَانِ الشهير، وَالذكر الجهير، وطردت كفار التماثيل عَن الْمَسْجِد الْكَبِير، وأنزلت عَن الصروح أجراسها، يعي الهندام مرامها، وألفى مِنْبَر الْإِسْلَام بهَا مجفوا، فأنست غربته، وأعيد إِلَيْهِ قربه وقربته، وتلا واعظ الْجمع الْمَشْهُود، قَول منجز الوعود، ومورق الْعود: " وَمَا ظلمناهم وَلَكِن ظلمُوا أنفسهم، لآيَة " فكاد الدمع يغرق الآماق، والوجد يستأصل الأزماق، وَارْتَفَعت الزعقات، وعلت الشهقات. وجئ بأسرى الْمُسلمين يرسفون فِي الْقُيُود الثقال، وينسلون من أجداث الاعتقال، ففكت عَن أسوقهم أَسْوِدَة الْحَدِيد، وَعَن أَعْنَاقهم ملكات الْبَأْس الشَّديد، وظللوا بجناح اللطف العريض المديد. وترتبت فِي المقاعد الحامية، وأزهرت بِذكر الله المآذن السامية، فَعَادَت الْمَدِينَة لأحسن أحوالها، وشكنت من بعد أهوالها، وعادت الحالية إِلَى أموالها وَرجع إِلَى الْقطر شبابه، ورد على دَار هِجْرَة الْإِسْلَام بَابه، واتصلت بِأَهْل لَا إِلَه إِلَّا الله أَسبَابه. فَهِيَ فِي بِلَاد الْإِسْلَام قلادة النَّحْر. أبقى الله عَلَيْهَا، وعَلى مَا وَرَاءَهَا من بيُوت أمتك، وودائع الله فِي ذِمَّتك، ظلال عنايتك الوافية، وأمتعنا إِلَى أَن يَرث الله الأَرْض وَمن عَلَيْهَا بِكَلِمَة دينك الصَّالِحَة الْبَاقِيَة، وسبل عَلَيْهَا أَسْتَار عصمتك الواقية. وعدنا إِلَى الحضرة، وَالصَّلَاة عَلَيْك يَا رَسُول الله، شعار البدور والقفول، وهجير الشروق والطفول، وَالْجهَاد الشاق الْمُعْتَمد، مَا امْتَدَّ بالأمل الأمد، والمستعان الْوَاحِد الْفَرد الصَّمد. " كمل الْجُزْء الثَّانِي من " رَيْحَانَة الْكتاب ونجعة المنتاب " يتلوه الْجُزْء الثَّالِث " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. وَصلى الله على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد وعَلى آله وصحبة وَسلم تَسْلِيمًا وَصدر عني فِي مُخَاطبَة صَاحب مَكَّة شرفها الله: وَتوجه الرَّسُول بهَا عَن السُّلْطَان رَضِي الله عَنهُ صُحْبَة الرسَالَة لقبر الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُعَرفا بجملة الْفتُوح الَّتِي فتح الله بهَا على الْمُسلمين بالأندلس لهَذَا الْعَهْد، وَذَلِكَ فِي شهر ربيع الأول من عَام أحد وَسبعين وَسَبْعمائة. الْمقر الْأَشْرَف، الَّذِي فضل الْمحَال الدِّينِيَّة بحله، وكرم فِي بِئْر زَمْزَم، مهبط إِسْمَاعِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهله وعله، وَخَصه بإمرة الْحرم الشريف الْأمين من بِيَدِهِ الْأَمر كُله، فأسفر عَن صبح النَّصْر فَضله، واشتمل على خَواص الشّرف الوضاح حَسبه وفضله، وَطَابَتْ فروعه لما استمد من ريحانتي الْجنَّة أَصله، مقرّ السُّلْطَان الْجَلِيل، الْكَبِير الشهير الظَّاهِر الطَّاهِر، الأمجد الأسعد الأوحد الأسمى، الشهير الْبَيْت، الْكَرِيم الْحَيّ وَالْمَيِّت، الموقر الْمُعظم [ابْن الْحُسَيْن] ذِي الحسنيين، وحافد سيد الثقلَيْن، تَاج الْمَعَالِي، وَعز الدُّنْيَا وَالدّين، أبي الْحسن عجلَان، ابْن السُّلْطَان الْكَبِير الشهير الرفيع الخطير الْجَلِيل، المثيل الظَّاهِر الطَّاهِر، الشريف الْأَصِيل، الْمُعظم الأرضى، الْمُقَدّس [الْمُنعم، أَسد الدّين أبي الْفضل رميثة بن مُحَمَّد بن أبي سعيد الْحُسَيْنِي، أبقاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الله، وأفيدة من النَّاس تثوب إِلَى فاطمي مثواه، على بعد الدَّار، ويتقرب فِيهِ إِلَى الله بالتثام التُّرَاب، واستلام الْجِدَار، وتجيب أَذَان نبيه إِبْرَاهِيم بِالْحَجِّ إِجَابَة البدار، وهناه المزية الَّتِي خصّه بهَا من بَين مُلُوك الأقطار، وأولي الْمَرَاتِب فِي عباده والأخطار، كَمَا رفع قدره على الأقدار، وسجل لَهُ بسقاية الْحَج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام عقد النجار، ينْهَى إِلَيْهِ أكْرم التَّحِيَّات تتأرج عَن شذا الرَّوْضَة المعطار، عقب الأمطار، مُعظم مَا عظم الله من شَعَائِر مثواه، وملتمس الْبركَة من أَبْوَاب مفاتحته، وَلكُل أمرئ مَا نَوَاه، وَمُوجب حَقه الَّذِي يَلِيق بِمن كَانَ البتول، والرضى، الَّذِي واخاه الرَّسُول، أمه وأباه، الشيق إِلَى الْوِفَادَة عَلَيْهِ وَإِن مطله الدَّهْر ولواه، الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد، ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج، أبن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، كَانَ الله لَهُ فِي غربته عَن جرثومة الْإِسْلَام وانفراده، وَتَوَلَّى عونه على الْجِهَاد فِيهِ حق جهاده أما بعد حمد الله ولي الْحَمد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ومطمح النُّفُوس الْعَالِيَة والهمم الفاخرة، مؤيد العزايم المتصارخة [فِي سَبيله] المتناصرة، ومعز الطَّائِفَة المؤمنة، ومذل الطَّائِفَة الْكَافِرَة، ومنفل خَزَائِن القياصرة الغلب والأكاسرة، وتارك أرْضهَا عِبْرَة للآذان الواعية والعيون الباصرة، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، عَبده وَرُسُله، نَبِي الرَّحْمَة [الهامية الهامرة] والبركات [الْبَاطِنَة و] الظَّاهِرَة، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله بالعزايم الْمَاضِيَة والظبا الباترة، مخمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الشقاشق الهادرة، ومرغم الضَّلَالَة المكابرة، الْمَنْصُور بِالرُّعْبِ من جُنُوده الناصرة، المحروس بحراسة [الْمَلَائِكَة] الواقية الوافرة، الْمَوْعُود ملك أمته بِمَا زوى لَهُ من أَطْرَاف البسيطة العامرة، حَسْبَمَا ثَبت بالدلائل المتواترة، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وعترته وأحزابه، المجاهدة الصابرة، أولى الْقُلُوب المراقبة، والألسنة الذاكرة، والآداب الحريصة على الاهتداء بهداه المثابرة، الَّذين جاهدوا فِي الله حق جهاده، يَخُوضُونَ لِأَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا، فِي بحار الروع الزاخرة، ويقدمون بالجموع القليلة على الآلاف المتكاثرة، حَتَّى قرت [بِظُهُور الْإِسْلَام] الْعُيُون الناظرة، وجلت فِي الْعَدو الفاقرة، فَكَانُوا فِي الذب عَن أمته كالأسود الخادرة وَفِي الْهِدَايَة بسنا مِلَّته، كَالنُّجُومِ الزاهرة، والدعا لشرفكم الْأَصِيل ذِي الْمُنَاسب الطاهرة، والمكارم الزاهية، ببنوة الزهراء البتول، بضعَة الرَّسُول الزاهرة، بالصنع الَّذِي يتبلج عَن الْغرَر المشرقة السافرة، والعز الَّذِي يضفو مِنْهُ الْجنَاح على الْوُفُود الزائرة، والفضلاء الْمُجَاورَة، وَلَا زَالَ ذكركُمْ بالجميل هجير الركائب الْوَارِدَة والصادرة، وَالثنَاء على مكارمكم يخجل أنفاس الرياض العاطرة، عِنْد الغمائم الماطرة. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عناية تحجب الأسوأ بجننها الساترة، ورعاية تجمع الْأَهْوَاء الْمُخْتَلفَة، وتضم الْقُلُوب المنافرة. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله دَار ملك الْإِسْلَام بِجَزِيرَة الأندلس، وفر الله جموع حاميتها المثاغرة، ورم بيد قدرته مَا هم بهَا من أَفْوَاه العدا الفاغرة، وَلَا زَالَت سحائب الرحمات السانحة إِلَيْهَا الغامرة، تظلل جموع جهادها الظافرة، وتجود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 رمم شهدائها الناخرة وَنعم الله تحط ركائب الْمَزِيد فِي نواديها الحامدة الشاكرة، وَالْحَمْد لله كَمَا هُوَ أَهله فَلَا فضل إِلَّا فَضله، وجانبكم موفى حَقه، من التَّعْظِيم الَّذِي أناف وأربى، وقدركم يعرفهُ من صَامَ وَصلى، فضلا عَمَّن حج مَعَ ذَلِك وأبلى، ومستند ودكم، {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} وَإِلَى هَذَا حرس الله [مجدكم و] مقركم الْأَشْرَف كَمَا سحب على بَيته الْعَتِيق ظلكم الأورف، فَإِن الْجِهَاد وَالْحج أَخَوان يرتضعان ثدي الْمُنَاسبَة [ويكاد أَن يتكافآن فِي المحاسبة] سفرا وَزَادا [وَنِيَّة واستعدادا وإتلافا لمصون المَال وإنفادا، وخروجا إِلَى الله لَا يُؤثر أَهلا وَلَا دلوا] ويفترقان محلا، ويجتمعان جهادا، ويرفعان للملة منارا ساميا وعمادا. ووطننا وَالْحَمْد لله على هَذَا الْعَهْد، هُوَ الْمَخْصُوص بِكَمَال هَذِه المزية، وَالْقِيَام بكفايتها الْبَريَّة والبحرية، السليمة من الضلال الْبَريَّة، وَهَذَا نسب واشجة عروقه، وذمام صَادِقَة بروقه، ومتات لَا يفضله متات وَلَا يفوقه. وَنحن نعرفكم بأحوال هَذَا الْقطر المتمسكة فروعه بِتِلْكَ الجرثومة الراسية، الممدودة أيديه إِلَى مثابتها، المتصدقة بِالدُّعَاءِ المواسية. فاعلموا أَن الْإِسْلَام بِهِ مَعَ الْحَيَّات فِي سفط حرج وَأمر مرج، وَطَائِفَة الْحق قَلِيل عَددهَا، مُنْقَطع إِلَّا من الله مددها، مُسْتَغْرق يَوْمهَا فِي الشدَّة وغدها، والطلائع فِي قنن الْجبَال تنور، والمصحر من بَيته مغرر، والصيحة مَعَ الأحيان مسموعة، والأعدا لرد مَا جازه الْفَتْح الأول مَجْمُوعَة، وَالصَّبْر قد لبست مدارعه، والنصر قد التمست مشارعه، وَالشُّهَدَاء تنوش أشلاءهم القشاعم، وتحتفل لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 مِنْهُم المطاعم، وَالصبيان تدرب على السِّلَاح، وَتعلم المدافعة كَمَا يعلم فِي الْقُرْآن الألواح، وآذان الْخَيل مستشرفة للصياح، ومفارق الطايحين فِي سَبِيل الله تفلي بأيدي الرِّيَاح، والمآذن تجيبها النواقيس مناقضة، وتكافحها مُكَابَرَة مُعَارضَة [وَعدد الْمُسلمين] لَا يبلغ من عدد الْكفَّار [عِنْد الانتثار] معشار المعشار [وَلَا برة فِي جُلُود العشار] إِلَّا أَن الله عز وَجل، حل بولايتنا المخنق المشدود، وَفتح إِلَى الْيُسْر المهيع الْمَعْهُود، وأضفى ظلّ الْأَمْن الْمَمْدُود، وألهم، وَله الشُّكْر على الإلهام، وتسديد السِّهَام، وَالْحَمْد لله الَّذِي يَقُود مدارك الأفهام إِلَى اجْتِهَاد قرن بِهِ التَّوْفِيق، وَجِهَاد فتح بِهِ إِلَى التِّجَارَة المنجية الطَّرِيق، سُبْحَانَهُ من رَحِيم يجتبي إِلَيْهِ من يشا، وَيهْدِي إِلَيْهِ من ينيب، وكريم يلهم ليثيب، ولطيف يَأْمر بِالدُّعَاءِ ليجيب، فتحركت لهَذَا حركات ساعدها، وَالْحَمْد لله، السعد، وَتَوَلَّى أمرهَا، ونصرها من لَهُ الْأَمر من قبلهَا وَمن بعد. ففتحنا مَدِينَة برغة الفاصلة كَانَت بَين الْبِلَاد الْمسلمَة، والشجي الْمُعْتَرض فِي نحر الْكَلِمَة. [وتبعتها بَنَات كن يرتضعن أحلاف درتها ويتعلقن فِي الْحَرْب وَالسَّلَام بارزتها] ثمَّ نازلنا حصن أشر، ركاب الغارات الْكَافِرَة، ومستقر الشَّوْكَة الوافرة، فَرفع الله إصره الثقيل، وَكَانَ من عثرته المقيل. ثمَّ قصدنا مَدِينَة أطريرة بنت حَاضِرَة الْكفْر، وعرين الْأسود الغلب وكناس الظبا القفر، ففتحناها عنْوَة أضرمت الْبَلَد نَارا، واستأصلت أَهله قتلا وأسارا، وملأت الْبِلَاد سَببا تعدّدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 آلافه، وَغنما شذت عَن الْعبارَة أَوْصَافه. ونازلنا مَدِينَة جيان وشهرتها فِي الْمَعْمُور، تغنى عَن بسط مَالهَا من الْأُمُور، فَفَتحهَا الله عنْوَة، وَجعل سبيهَا للاسترقاق، ومقاتلتها للبيض الرقَاق. وغزونا بعده مَدِينَة أبدة، فَكَانَت أُسْوَة لَهَا فِي التدمير والعفا الميير. ثمَّ نازلنا مَدِينَة قرطبة، وَهِي أم هَذِه الْبِلَاد الْكَافِرَة، وَدَار النعم الوافرة، وكدنا نستبيح حماها المنيع، ونشتت شملها الْجَمِيع، لَوْلَا عايق أمطار، وَأجل مَخْصُوص بِمِقْدَار. ورحلنا عَنْهَا بعد انتهاك زلزل الطود، ووعدنا بِمَشِيئَة الله الْعود، ونأمل من الله إيفاد الْبُشْرَى بِفَتْحِهَا على بِلَاد الْإِسْلَام، ومتاحفة من بهَا بالإخبار بِهِ والإعلام. ثمَّ فتحنا بعْدهَا ثغورا مقفلة الْأَبْوَاب، ومعاقل مُتَعَلقَة بالسحاب، كحصن روط، وحصن الحوار، وحصن قنبيل، أَمن الْإِسْلَام جوارها، وَعمر بالمجاهدين أقطارها. وَخرج لنا ملك الرّوم فِي مشارطات أردناها، وفرص لعز الْإِسْلَام ابتدرناها عَن حصون أَرْبَعَة، طهرنا بيُوت الله بهَا، من دنس الْأَوْثَان، وعوضنا النواقيس بِكَلِمَة الْإِيمَان. وَالْحَمْد لله على الْمَوَاهِب الامتنان، وَمِنْه نسل الْمَزِيد من الْإِحْسَان. وَأقرب الْمَدَائِن بافتتاحها، الجزيرة الخضراء، وَهِي بَاب الْإِسْلَام، الَّتِي مِنْهَا دخل الْفَتْح، وَعظم عَلَيْهَا بِكَلِمَة الله الْمَنّ والمنح، وقدرها الْكَبِير أعظم من أَن يَسْتَوْفِي وَصفه التَّعْبِير. فانبسطت الآمال، وضفت على الْإِسْلَام ملابس الْيمن والإقبال. وَهَذِه المجملات تحْتَمل شرحا، تسبح فِيهِ الأقلام سبحا، من أَوْصَاف مَغَانِم شذت عَن الْحصْر، ومعاقب لنزول السكينَة، وهبوب النَّصْر، وَمَا ظهر من جد الْمُسلمين فِي افْتِتَاح تِلْكَ المعاقل المنيعة، ومقارعة الجموع الكثيفة، وبركة الحزم فِي كل حَال مَوْجُودَة، والوسائل بأَهْله فِي الْقَدِيم والْحَدِيث لَا مخيبة وَلَا مَرْدُودَة، فَهُوَ الأَصْل والغمد، الَّذِي سهل مِنْهُ هَذَا النصل، حَتَّى بلغ النُّجُوم القاصية، وقاد من استعصى بالناصية. وَقد ظهر لنا أَن وجهنا إِلَى الْمَدِينَة المقدسة، صلوَات الله على من بهَا وَسَلَامه. نعرفه بِهَذِهِ البركات الهامية من سما عنايته. المعدودة خوارقها من آيَته. فَكلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 جناه. وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله بهداه، وأصحبنا شخاصا من نواقيس الفرنج مِمَّا تَأتي حمله، وَأمكن نَقله، وَمَا عداهُ فَكَانَت جبالا، لَا تقبل فِي نقلهَا اختبالا، فَتَنَاول درعها التكسير، وشفي بذهاب رسومها الْإِقَامَة وَالتَّكْبِير. ومرادنا أَن تعرض بمجتمع الْوُفُود تذكرة، تستدعي الْإِمْدَاد بِالدُّعَاءِ، وتقتضى بِتِلْكَ الْمعَاهد الشَّرِيفَة النَّصْر على الْأَعْدَاء، ثمَّ نصحب ركاب الزِّيَارَة إِلَى أَبْوَاب النُّبُوَّة ومطالع الإنارة. وَأَنْتُم تَعْمَلُونَ فِي تَوْفِيَة هَذِه الْأَحْوَال ورعايتها، وإبلاغها إِلَى غايتها، مَا يَلِيق بحسبكم الوضاح ومجدكم الصراح، وشرفكم المتبلج تبلج الصَّباح، فَأنْتم خير من ركب المطايا، وأندى الْعَالمين بطُون رَاح، وَلكم بذلك الْحَظ الرغيب، فِي هَذِه الْأَعْمَال الْبرة، وَالله سُبْحَانَهُ لَا يضيع مِثْقَال ذرة، وَهُوَ يتولاكم بِمَا يتَوَلَّى من أعز شعائره وعظمها، ورعى وسائله واحترمها، ويصل أَسبَاب سعدكم، وينفعكم بقصدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم الطّيب الْبر العميم، يخص معاهدكم الْكَرِيمَة على الله عهودها الهامية، بغمائم الرحمات والبركات عهودها، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 (وكتبت فِي مثل هَذَا الْغَرَض إِلَى أَمِير الْمَدِينَة المقدسة على ساكنها من الله أفضل الصَّلَاة وَأطيب السَّلَام) يعْتَمد الْمقر الْأَشْرَف الَّذِي طَابَ بِطيبَة نشره، وَجل بإمارتها الشَّرِيفَة أَثَره، وَقدر فِي الْآفَاق شرفه، وَشرف قدره، وَعظم بخدمته ضريح [سيد ولد] آدم فخره، الْأَمِير الشريف الكذا أَبَا فلَان، أبقاه الله منشرحا بجوار رَوْضَة الْجنَّة صَدره، مشرقا بذلك الْأُفق الْأَعْلَى بدره، ذائعا على الألسن المادحة فِي الأقطار النازحة حَمده وشكره، مزريا بشذا الْمسك الأذفر ذكره، تَحِيَّة مُعظم مَا عظم الله من دَار الْهِجْرَة، دَاره ومطلع أبداره، الملتمس بركَة آثاره، المتقرب إِلَى الله بحبه وإيثاره. فلَان، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي فضل البقع [بخصائها الْكَرِيمَة] ومزاياها، كَمَا فضل الأزاهر برياها، وَجعلهَا مثابة رَحْمَة تضرب إِلَيْهَا الْعباد آباط مطاياها. مؤملة من الله غفران زلاتها، وَحط خطاياها، وَخص طيبَة الْمَدِينَة الأمينة بضريح سيد الْمُرْسلين، فأسعد مماتها ومحياها، وَرفع علياها. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، مطلع وُجُوه السَّعَادَة يروق محياها، وموضح أسرار النجَاة ومبين خباياها، الَّذِي تدارك الخليقة بهديه، فكشف بلاياها، ورعى بِسنة الله رعاياها، وَجمع بَين مصَالح دينهَا ودنياها، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، وعترته وَحزبه، الَّذين كرمت سجاياها , وعظمت ألطافها الهادية وهداياها، وجاهدت بعده طوائف الْكفَّار تشعشع لَهَا فِي أكواس الشفار مناياها، وتطلع عَلَيْهَا فِي اللَّيْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 البهيم، سنا الصَّباح الوسيم من غرر سراياها، وتسد بغمام الأسنة، وعواصف ريَاح الأعنة ثناياها. وَالدُّعَاء لمقر أصالتكم الشَّرِيفَة حياها الله وبياها، كَمَا شرفها بِوِلَادَة الْوَصِيّ الَّذِي قرر وصاياها، وسلالة النَّبِي الَّذِي أعظم الله بهَا مواهب فخره وعطاياها، بالسعادة الَّتِي تبرز أكف الأقدار على مُرُور الْأَعْصَار خباياها، والعز الَّذِي يزاحم فرقد السما وثرياها. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من مواهب الصنع الْجَمِيل أغناها، كَمَا طيب بذكركم أَطْرَاف البسيطة وزواياها، وَجعل فَخر الْجوَار الْكَرِيم فِي عقبكم كلمة بَاقِيَة لَا تخْتَلف قضاياها مَا مَرضت الرِّيَاح مورسات غشاياها، فَجعلت من النواسم مشمومها، وَمن الأزهار النواسم حشاياها. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله [وَنعم الله يحوك حللها الْجِهَاد، وَالسُّيُوف الْحداد، وتلبسها الْبِلَاد والعباد، وملوك الْكفْر ناكصة على الأعقاب. من بعد شدّ الوثاق وَضرب الرّقاب، خزاياها] وبركات الْحرم الْوَجِيه يستظلها الْإِسْلَام ويتفياها، وينقع الغلل برواياها، وَالْحَمْد لله كثيرا كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَّا فَضله، ولمعاهدكم الْكَرِيمَة الارتياح، كلما وَمَضَت البروق وخفقت الرِّيَاح، ولسنى عناياتكم الإلتماح، إِذا اشتجرت الرماح، وَفِي تأميل المثول بهَا تعْمل الأفكار، وَإِن هيض الْجنَاح، وبهداها الاستنارة إِذا جلي للمراشد الصَّباح، وبالاعتمال فِي مرضاة من ضمه مِنْهَا الثرى الفواح، والصفايح الَّتِي تراثها العوامل المجاهدة والصفاح، وَالْجهَاد الصراح، يعظم فِي الصُّدُور الانشراح ويعز المغدا فِي سَبِيل الله والمراح. وَإِلَى هَذَا، أجزل الله مسرتكم بِظُهُور الدّين، واعتلاء صبحه الْمُبين، فإننا نعرفكم أننا فتح الله علينا وعَلى إخْوَانكُمْ الْمُؤمنِينَ بِهَذِهِ الثغور الغريبة الماتة إِلَيْكُم على الآماد الْبَعِيدَة، بالأمم الْعَرَبيَّة، فتوحا حررت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الْبِلَاد، ونقلت الطارف والتلاد حَسْبَمَا تقصه مخاطبتنا إِلَى نَبينَا الْكَرِيم، الَّذِي شرفكم لله بِخِدْمَة لحده، واستخلفكم على دَار هجرته من بعده، إِذْ لَا حَاجَة إِلَى التّكْرَار، بعد مَا شرحت بِهِ الصُّدُور من الْأَخْبَار فِي الْإِيرَاد والإصدار، ووجهنا صحبتهَا من النواقيس الَّتِي كَانَت تشيع ندا الضلال، وتعارض الْأَذَان بجلاد الْجِدَال، وتبادر أَمر التمثال بالامتثال، مَا يكون تذكرة، تحن بِهِ الْقُلُوب إِذا رأتها، وتلتمس الْإِعَانَة من الله كلما نظرتها، وتتصور الْأَيْدِي المجاهدة الَّتِي هصرتها، وَهَذَا كُله لَا يحصل على التَّمام، إِلَّا بمشاركة مِنْكُم تسوغه، وإعانة تُؤَدِّيه وتبلغه، تشيع لكم عِنْد تعرفها الثَّنَاء الدَّائِم الترداد، وَالدُّعَاء الْحسن الْمُكَافَأَة من رب الْعباد، ويسهمكم فِي أجر الْجِهَاد، وَأَنْتُم تَعْمَلُونَ فِي ذَلِك مَا يُنَاسب مثلكُمْ من الشرفاء الأمجاد، وَالله عز وَجل يواليكم بنعمه الثرة التعهاد، ويعرفكم عوارف الإسعاد فِي الدُّنْيَا، وَيَوْم قيام الْإِشْهَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 التهاني بالصنايع المكيفات صدر عني جَوَاب للسُّلْطَان الْكَبِير الشهير أبي عنان عَن كِتَابه الَّذِي وَجهه إِلَى سُلْطَان الأندلس أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج بن نصر، رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا، يعرفهُ فِيهِ بِمَا أتاح الله لَهُ من الظُّهُور على بني زيان، واستيلائه على ملكهم بِمَدِينَة تلمسان، وَذَلِكَ فِي وسط شهر ربيع الأول الْمُبَارك من عَام اثْنَيْنِ وَخمسين وسبعمائه. الْمقَام الَّذِي مُقَدّمَة سعده تسلم وَلَا تمنع، وَحجَّة مجده لَا ترد وَلَا تدفع، ونوافل فتوحه المؤيدة بالملايكة وروحه، توثر وَتشفع، والصنايع الالهية فِي دولته الفارسية، تثنى وَتجمع، وَيحمل مِنْهَا مَا يُقَاس على مَا يسمع. مقَام مَحل أخينا الَّذِي تَبَسم النَّصْر عَن ثغور نصوله، واحتفل الْفَخر فِي تدوين محصوله، وَشهِدت مخايله الطاهرة بكرم أُصُوله، [وتألقت خدود] الْمجد سَالِمَة من النَّقْد بَين أجناسه وخواصه وفصوله. السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله يورق أَعْوَاد المنابر كلما سقتها من أنباء فتوحه الغيوث، وتفرق أسود السثرى، كلما زأرت من أبطال حماته الليوث، وتأمن فِي ظلّ إيالته العادلة وخلافته الفاضلة، السهول من الأَرْض والوعوث، ويتعاضد بالمكسوب من فخره الْمَوْرُوث، وينضى إِلَى استلام ركن يَمِينه، ومشاهدة نور جَبينه الركاب المحثوث. مُعظم مقَامه، الَّذِي تَعْظِيمه مفترض، [القايم بِحَق بره، الَّذِي لَا يقدم عَلَيْهِ غَرَض] فلَان، سَلام كريم [طيب بر عميم] كَمَا حسر وَجه الْفجْر [فِي أعقابه] عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 نقابه، وتقدمته طلائع نسيمه، وشهب الصُّبْح فِي أعقابه، يخص مقامكم [الْأَعْلَى] وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الفتاح الْعَلِيم، مطلع غرر المسرات المستمرات، أوضح من فلق الصَّباح، وميسر الآمال السّنيَّة وفْق الأمنية، وَحسب الاقتراح، مورث الأَرْض كَمَا وعد أيمة الْهدى وَالصَّلَاح، المتكفل لَهُم بِحسن العواقب وَفَوْز القداح. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، نور الْهدى الوضاح، ذُو الْقدر الرفيع والجاه المنيع وَالْمجد الصراح، الْمُؤَيد بِالرُّعْبِ، الْمَنْصُور بهبوب الرِّيَاح، حَتَّى أشرقت أنوار دَعوته السمحة فَوق الرِّبَا والبطاح، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه لُيُوث الباس وغيوث السماح [الَّذين راضوا صعاب النَّصْر من بعد الجماح، وَرفعُوا سَمَاء قبَّة الْإِسْلَام على عمد الرماح] وَلم يشغلهم ليل التبتل عَن يَوْم الكفاح، فَكَانُوا لأمته أهْدى من الْقَمَر اللياح، وعَلى أعدائه أعدى من الْحِين المتاح. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى بالنصر، الَّذِي ترتسم آثاره فِي صحف الصفاح، وتسطر أخباره فِي صفحات الحسان الصِّحَاح، والعز الَّذِي تبدى لَهُ الْحِيَل بسيما الخيلا والمراح، فَإنَّا كتبنَا إِلَيْكُم، كتب الله لكم فتوحات منظومة الْعُقُود، معقودة النظام، وآلاء دائمة الِاتِّصَال، مُتَّصِلَة الدَّوَام، وسعودا مَعْلُومَة الوضوح وَاضِحَة الْأَعْلَام، ونصرا يرتاح بِهِ قد الْقَنَاة، وَتَبَسم لَهُ ثغر الحسام، وصنايع تبهر حلاها على لبات المنن الجسام، ويروق مجتلاها فِي غرر النعم الوسام. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله [جلّ وَتَعَالَى] ثمَّ مَا عود من آلائه الَّتِي تترادف وتتوالى، إِلَّا الْخَيْر الَّذِي أنجزت وَعوده، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 [000 والنصر الَّذِي صدقت بروقه ورعوده] والصنع الَّذِي تألقت فِي أفق الدّين الحنيف سعوده، وَالْفَتْح الَّذِي تفتح بِهِ زهره وأورق عوده، جعلنَا الله مِمَّن اسْتمرّ فِي مقَام الشُّكْر قِيَامه وقعوده [فَكلما اعتلت قوى إِدْرَاكه جَاءَهُ الْإِمْدَاد من الله يعودهُ] وَنحن من السرُور بِمَا يسنيه الله لكم بِحَيْثُ لَا تلبسُونَ حلَّة فَخر إِلَّا لبسنا مثالها، وَلَا تجتلون غرَّة فتح إِلَّا استجلينا جمَالهَا، [وَلَا تنالون سَبَب نعْمَة إِلَّا حمدنا منالها] نشرب من ذَلِك فضل شربكم، ونرده عقب وردكم، ويمت إِلَى الله بِمثل متات مجدكم، فَكلما امْتَدَّ لدولتكم الْعلية ظلّ عز، انفسحت آمالنا وامتدت، واشتدت لملككم عُرْوَة نصر، قويت أعضادنا واشتدت. وَإِلَى هَذَا أيدكم الله بنصره، وَحكم لملككم الرفيع بأعلا أمره، فَإِنَّكُم جئتمونا بزهرة الْفَتْح الأول أظلال فَضله، وأتحفنا ملككم ببواكر نَصره قريبَة الْعَهْد باقتطاف نصله، وعرفتمونا بِمَا كَانَ من الظُّهُور الَّذِي خَفَقت عَلَيْكُم رايته، والنصر الَّذِي أنزلت عَلَيْكُم آيَته، وَالْفَخْر الَّذِي ذخرت لملككم غَايَته، وَأَن عَدوكُمْ لما ضَاقَتْ عَلَيْهِ المسالك [وفغرت أفواهها إِلَيْهِ المهالك] ، أقدم إقدام من استعجل الْحمام، وَلم تمطل بِهِ الْأَيَّام، وأمل انتهاز فرْصَة كَانَت وقاية الله من دونهَا، واغتنام غرَّة كَانَ مدد الْحَرَام يغض عيونها، وَأَقْبل والمحلات تخيم بيوتها تخييم الْحساب، وتطفو قبابها الْبيض طفو الْحباب، فناشب حاميتها الْحَرْب، وأعمل الطعان وَالضَّرْب، وسولت لَهُ الأطماع خطة انْتِهَاء قُلُوب قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 خلصت، وأبطال من بعد الْإِقْدَام مَا نكصت، وأقدام ثبتَتْ فِي موقف الهول واستقرت، وقبائل من مرين عَاهَدت الله، فوفت وبرت. وَإِنَّكُمْ لما عقدت الْحَرْب حباها، ورجمت الظنون الكاذبة فِي عقباها، فديتم من دونكم من الْخَلِيفَة بِالنَّفسِ الْحُرِّيَّة بالمجد الخليقة، واقتديتم بأنصار رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم الحديقة، وَأَنَّهُمْ رَضِي الله عَنْهُم لما ارْتَابُوا بأوشابهم، وعولوا على أديانهم وأحسابهم، وتبوؤا من الصَّبْر حصونا، ونادى أمراؤهم أَخْلصُوا، فحصلت مِنْهُم كَتِيبَة كَانَت الحملات لَا تهزها، والأهوال لَا تستفزها، حَتَّى علت أيديها، وحيعل بِالْفَتْح الْقَرِيب مناديها، فَمَا كَانَت إِلَّا أَن طلعت شمس غرتكم يحملهَا من الطّرف الْعَتِيق فلك، وخفق مَنْصُور علمكُم يتبعهُ ملك، ويقدمه ملك، ونهد موكبكم يهديه من الرَّأْي صبح، ويحجبه من القتام حلك، وتراكمت من النَّقْع جون السحائب، وَمَاجَتْ على الأَرْض بحور الْكَتَائِب، وضحكت النصول فِي الْيَوْم العبوس، ودارت بَين الرِّجَال للآجال الكؤوس، وأخفرت حرمات المغافر، وتجلت وقاح الْحَرْب بِالْحَدِّ السافر، واشتبهت الطّرق، ورمدت من الأسنة الْعُيُون الزرق، وأجرى الله مقامكم من النَّصْر على عَادَته، وَأثبت فِي دَرَجَة ذَلِك الِاجْتِمَاع سهم سعادته , فَكَذبت من مناويكم الْعَزِيمَة، وصدقت عَلَيْهِ الْهَزِيمَة، وَأدبر إدبار أمسه، وَمضى وهمه نجاة نَفسه، وانقلب مَغْلُوبًا مغلولا يرى الْبَرْق سَيْفا مسلولا، ويحسب الشعاب خيولا، ويظن حمرَة الشَّفق دَمًا مطلولا، وَخلف أنصاره حصيدا، ودياره طلولا، وأنكم ثنيتم الأعنة، والنصر لِوَاء بِكُل ثنية، وعَلى كل راية عناية ربانية، وَالْوُجُوه بادية السفور، وَالْخَيْل دامية النحور، وَالسُّيُوف موردة الخدود، والرماح مختصرة القدود، ومحابر الكنائن خاوية من أقلامها، وموارد السوابغ خَالِيَة بعد أزدحامها، وَالْفَتْح قد فتح لكم بَابه، والنصر حَوْلكُمْ كتائبه، وَفِي يدكم كِتَابه، فَلم نكد نعطي السرُور بِهَذَا النبإ حَقه من الابتهاج والارتياح، وَالشُّكْر لله على فوز القداح، وَتَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الاقتراح، والإشادة بِهِ فِي النواح، ونفرغ من مُرَاجعَة ذَلِك الْمجد الوضاح حَتَّى اتَّصل بِنَا الصنع، الَّذِي عمر مَا قبله، وَشرح مُجمل السعد، وأوضح سبله، من أَنكُمْ ملكتم مَدِينَة تلمسان، فاستأثرتم بالسعد الهني الْمُعَجل، ودخلتموها فِي الْيَوْم الْأَغَر المحجل، وحصلتم عَلَيْهَا من غير سلَاح أعمل، وَلَا حق أهمل، وَلَا نفس ريعت، وَلَا حُرْمَة للدّين أضيعت، وَأَن بناتها من المعاقل الشم الأنوف، والمصانع السافرة عَن حواجب القسي، المبتسمة عَن ثغور السيوف، والمعاقل الَّتِي تعد أهلة السما من الأسورة وجوزايها من الشنوف، رَأَتْ رأى أمهَا فِي تَعْجِيل الطَّاعَة، وحملت الْأَمر على الْفَوْر بِجهْد الِاسْتِطَاعَة، وبادرت التَّوْبَة النصوح، قبل قيام تِلْكَ السَّاعَة، فانتظمها سلك الْأَمر السعيد، واتصل الْقَرِيب مِنْهَا بالبعيد، واحتجت معتزلتها، بإنجاز الْوَعْد وإخلاف الْوَعيد، وَكَانَ لسابقها حق التَّكَلُّم، وللاحقها حق المعيد، فَأَقَمْنَا فَرِيضَة الشُّكْر وَالْحَمْد لوَقْتهَا، وتلونا فِي بِسَاط الِاعْتِبَار بِالنعَم " وَمَا نريهم من آيَة إِلَّا هِيَ أكبر من أُخْتهَا " وَقُلْنَا هَذَا هُوَ النبأ الَّذِي ارتقبنا طُلُوع البشائر من ثنايا تلاعه، وأجزنا تلقى الركْبَان لرخصة استطلاعه. هَذَا هُوَ الصنع السّني، وَالْفَتْح الهنى، والنصر الْمثنى، والعز المتمنى، نصر من الله وَفتح قريب، وتكييف لملك الغرب غَرِيب، هَذَا هُوَ الْيمن الَّذِي أصَاب قبيصى النَّصْر وَالْفَتْح بِسَهْم فتح تلمسان، وَمَا أدريك مَا تلمسان، قَاعِدَة الْملك، وواسطة السلك، وقلادة النَّحْر، وحاضرة الْبر وَالْبَحْر، أسندت إِلَى التل ظهرا، وأفصحت بالفخر جَهرا، وأصبحت للغرب بَابا، ولركاب الْحَج ركابا، ولسهام الآمال هدفا، ولدر الْعلم صدفا. حسناء تسبى الْعُقُول، بَين التقنع والسفور، والأطماع والنفور. شمخت بأنف الحصانة والابابة، وتبجحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 بوفور الْعِمَارَة، ودرور الجباية، ولبست حلَّة الجناب الخصيب، وفازت من الِاعْتِدَال وأوصاف الْكَمَال بأوفى نصيب. فيالها من غادة، كلما مرت عَلَيْهَا الْأَيَّام، استجد شبابها، وأينع جنابها، وضفى من الْحسن جلبابها، حَتَّى كَأَن عين أم يحيى سقتها من عين الْحَيَاة، فنورها الدَّهْر باهر الْآيَات، ومحاسنها راثقة الْغرَر والشياه، تخدع بِاللَّفْظِ الخلوب، وتغلب على لظى الأشواق أفلاذ الْقُلُوب. حركت الْمُلُوك الصَّيْد وسكنت، فَمَا بذلت من قيادها وَلَا أمكنت. ضَاقَ بِعَبْد الْمُؤمن طوقها، فَبعد لأي مَا مزقه، وَرجع مِنْهَا إِلَى السعيد سَهْمه الَّذِي فَوْقه. وَلم تزل أَحْوَال محبيها من بعد ذَلِك مُخْتَلفَة، وَقُلُوبهمْ بهواها كلفة، فَمنهمْ من حياها على الْبعد، وقنع من وَصلهَا بالوعد، وَاقْتصر مِنْهَا على الْإِلْمَام، وإهداء السَّلَام. وَمِنْهُم من جد الْجد وَهِي تسخر، ولان لَهَا القَوْل مِنْهُ وَهِي تبأى وتفخر، وَلم يجد مُتَقَدما عَنْهَا وَلَا مُتَأَخّر، حَتَّى غلب الْيَأْس، وخاب الْقيَاس. وَمِنْهُم من بَاعَ الْكرَى بالسهد، وَوجد مرَارَة الصَّبْر أحلى من الشهد، وبذل لَهَا فِي المجال نثار رُؤُوس الرِّجَال، وسخى عَلَيْهَا حَتَّى بالأعمار والآجال، وَنَازع الْحَرْب إِلَى الغلاب والسجال. فالجنبات يلوى ضلوعها الزَّفِير، والمجانيق يدمى أنوفها السُّجُود والتعفير، [فالجياد] تَشْكُو من بَاب جهادها إِلَى غير رَاحِم، وتظمأ فتسقى من نجيع الْمَلَاحِم، حَتَّى أذعنت إذعان الْقَهْر، ورضيت بِمَا بذل لَهَا من الْمهْر، وجاذب رداءها من أردى لَهُ أوداءها، وأماط قناعها من غلب بِالصبرِ امتناعها. ثمَّ ضرب الدَّهْر ضرباته، وَأقَام للقدر برهانه، فَرَاجعهَا من كَانَ يهواها، وَأثبت فِي الْإِكْرَاه دَعْوَاهَا، بعد أَن حصلت لَهَا بمقامكم علاقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 كامنة بَين الضلوع، ورسي بجوانحها رسيس هوى [يجل عَن الولوع] وتملكها بِهِ غرام ظَاهر ومستكن، ولسان حَالهَا يَتْلُو [قَوْله] إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن. وَرب مغلوب سمح بالرغم قياده، وَملك ظَاهره وَلم يملك فُؤَاده، فَلَمَّا علمت الْآن من حبيبها بِقرب الدَّار، وَأدنى ركابه مِنْهَا مساعف الْمِقْدَار، هَمت وهامت، وتطارحت وترامت، وتهللت من بعد الإطراق، وضحكت من حن اللقا كَمَا بَكت من ألم الْفِرَاق، وأمكنت من وصالها عفوا، وأوردت العذب من زلالها صفوا، وَأَلْقَتْ الْيَد طَوْعًا، وَخير النعم مَا لم تقع عَن كد، وأسنى الْمنح، مَا لم تَجِيء فِي حِسَاب وَلَا وعد، فَكَأَنَّهَا لقطَة اسْتحقَّهَا سيفكم من بعد التَّعْرِيف، ونقطة اسْتَدَارَ علها مُحِيط ذَلِك الْملك الشريف، ونكرة أدخلت عَلَيْهَا أَدَاة التَّعْرِيف، وقبلة عدلت من بعد التحريف، وَلَفْظَة ردَّتْ إِلَى الأَصْل الصَّحِيح عِنْد التصريف. وَمَا كَانَ الْبَلَد الَّذِي عدلت نصبة ملككم السعيد بمطالعه، واقترت السُّعُود على درجتي عاشره وطالعه، ليكذبكم وعده، وَلَا يتخلفكم سعده، فَمَا بَرحت بروق السَّعَادَة تبدو فِي خلال مَا رمتموه، والتوفيق يشد أواخي الْعَزْم الَّذِي أبرمتموه، وَالْحَرَكَة الَّتِي أزمعتم، تتضام عَلَيْهَا الْأَسْبَاب المشتركات، [وتسنح على غروسها الزكية سحايب البركات] وتجد النُّفُوس لَهَا خفَّة، وحركة الْفَتْح أخف الحركات. فَالْحَمْد لله الَّذِي جعل الْقيَاس صَادِقا [والتوفيق مُوَافقا، والنصر للنصل مرافقا] وَالْحَمْد لله الَّذِي ألبسكم حلتها السيرا، لم يوهنها طول المجاذبة والمجاورة، وَلَا اختلقتها أَيدي المسارقة والمساورة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وخولكم وَصلهَا، لم يقْدَح فِيهِ ملل الْمُجَاورَة، وليهن مقامكم الَّذِي أقَال العثار، وخلد الْآثَار، وَأخذ الثار، مَا منحه الله من الغر الصَّادِق والبرق، وَالْفَتْح الَّذِي وصل يَد الغرب إِلَى الشرق، فَلَقَد جمع حسامكم الْمَاضِي المضرب، من مدينتي تلمسان وفاس، بَين عقيلتي الْمغرب، للأولى مِنْهُمَا الْأَصَالَة والمجادة، وَالثَّانيَِة العلاقة والودادة، وَكِلَاهُمَا الْحسنى وَالزِّيَادَة. فَإِن فخرت هَذِه بنصبة الْملك. فخرت تِلْكَ بنصبة الْولادَة. وَيَا بشرى لهَذَا الْقطر الْغَرِيب، الَّذِي يمد إِلَى عَزمَات جهاتكم يَد الرَّاغِب، ويرتقب ارْتِفَاع الشواغل والشواغب، بِمَا استروحه من صرف الاستعداد إِلَى أعدائه، والإهطاع إِلَى ندائه، والشروع فِي معالجة دائه. وَإِن منى بالادكار من تَملكهَا، وأدار على قطب السياسة فلكها، وَجب الهنا بِالْحَقِّ لقطر تملكتموه، وَملك قبضتم عنان أمره وأمسكتموه. فقد جعل الله مقامكم كعبة الآمال، وَجمع فِيكُم مَا تفرق من أَخْلَاق الْكَمَال. بَارك لكم فِي الْعَطِيَّة من وَهبهَا، وراض لكم متن المطية من دالها وأركبها. وإننا لما استجلينا عَن زهرَة الْفتُوح الضاحكة المباسم، والصنايع الَّتِي ألبست الْأَيَّام، أَثوَاب المواسم، رَأينَا غَايَة الشُّكْر بعيدَة عَن إِدْرَاك الْبَيَان، وَأَن الإيجاز فِيهَا والإسهاب سيان. فَلَو طالبنا بِهَذِهِ الْوَظِيفَة أبان لما أبان، أَو دَعونَا لَهَا سحبان، لَكَانَ فِي ميدانها الجبان. وَلَو استعنا بِعَبْد الحميد لم نجده فِيهَا حميدا، أَو نبهنا لَهَا ابْن العميد لأضحى عميدا، أَو أردنَا لبيدا لانقلب بليدا، وَلَو أَقَمْنَا لَهَا الصاحب لقعد، أَو كلفناها ابْن هِلَال لرآها من أَبِيه أبعد. إِنَّمَا هُوَ عذر يبلغ، وإغضاء يسوغ، وَمن الْمَعْلُوم أَن أوداء ذَلِك الْمقَام الْكَرِيم، إِن أخذُوا [من مسرته] بحظ، استأثرنا بجملتها، أَو تمسكوا مِنْهَا بِمذهب، قمنا بملتها، وَإِن هنوه بصنع، قدمنَا نَحن هُنَا أَنْفُسنَا بِهِ، أَو توسلوا بزمام حب، سبقنَا فِي حلبة أحبابه، وَإِن حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 نَصره، إِلَى هَذِه الْبِلَاد الأندلسية عايد، ومدد سعادته فِي أقطار هَذَا الْقطر متزايد، فَكيف لَا تتهلل وُجُوه أهليها، وتبدو الكآبة على الْعَدو الَّذِي يَليهَا، وَكَيف لَا ترْتَفع بالشكر أيديها، وَيقوم على هضبة الاستبشار مناديها. بِظُهُور من يكف أَيدي عواديها، ويتكفل بَرى صاديها، وَإِن نبأ هَذَا الْفَتْح فِي قلب الْعَدو لكبير، وعَلى سَمعه لأثقل من رضوى وثبير، فمما لَا يفْتَقر إِلَى تمهيد وَتَقْرِير، أَن الْجِهَاد لَا يزَال تجاه ذَلِك الْمقَام الْكَرِيم وَنصب عينه، وَأَن الظُّهُور على أَعدَاء دين الله دين لحسامه وَهُوَ لَا ينَام عَن اقْتِضَاء دينه. فَمَا هم النُّفُوس الْكَرِيمَة، إِلَّا اكْتِسَاب المناقب الفاخرة، وَلَا بعد تَحْصِيل الْفَوْز بالدنيا إِلَّا حَدِيث الْآخِرَة [وَلَا وَرَاء تمهيد] الْأمة الْمسلمَة، إِلَّا قتال الْأمة الْكَافِرَة. وأننا وجهنا كتَابنَا ليخطب فِي هَذَا الهنا، بمبلغ الْجهد ووسع الْغِنَا، واخترنا للوفادة بِهِ من يَنُوب عَنَّا فِي هَذَا الْغَرَض، وَيقوم للْوَقْت بواجبه المفترض، وهم صُدُور إيالتنا، ودرر لبات عمالنا، فلَان وَفُلَان، وصل الله إعزازهم وكرامتهم. ويمن ظعنهم وإقامتهم، وأوفدناهم على بَابَكُمْ الْمَقْصُود، وشرعة مملكتكم المزدحمة بالوقود، وهم يلقون إِلَى مقامكم فِي تَقْرِير ودادنا، والتنبيه على مِقْدَار اعتدادنا مَا نعلم أَن قَوَاعِده لديكم غير مفترقة، للتقرير بِمَا عنْدكُمْ من إشراق البصيرة، وثقوب الضَّمِير، فتفضلوا بِالْقبُولِ الْمَعْهُود، وأوردوه من بركم أعذب الْوُرُود، ومهدوا لَهُم جناب الإغضاء فِيمَا قصروا فِيهِ عَن الْغَرَض الْمَقْصُود. وَالله تَعَالَى يصل لكم أَسبَاب السُّعُود، وَيجْعَل لكم عزمكم فِي الْجِهَاد صَادِق البروق والرعود، وَيبقى مِنْكُم على الْأَنَام مثابة الْجُود، وفخر الْوُجُود. وَالسَّلَام عَلَيْكُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وَصدر عني لما فر الْأَمِير أَبُو ثَابت الزعيم بالفل من بني زيان أثر الْهَزِيمَة الَّتِي جرت عَلَيْهِم، وَلحق بِأَرْض صَاحب بجاية فَقبض عَلَيْهِم، وَوجه بهم إِلَى السُّلْطَان الْكَبِير الشهير أبي عنان رَحمَه الله، فأوقع بهم، تجَاوز الله عَنْهُم. وخاطب سُلْطَان الأندلس أَبَا الْحجَّاج بن نصر رَحمَه الله مُرَاجعَته من إملائي بِمَا نَصه: الْمقَام الَّذِي انتظمت لدولته الْفتُوح الغر انتظام الْعُقُود، واقتضيت بعزماء عزماته دُيُون الْأَيَّام اقْتِضَاء النُّقُود، وطلعت من ثنايا آرائه السديدة، وُجُوه السُّعُود، وتكلفت نِيَّته الصَّالِحَة لَهُ بنيل الْمَقْصُود، وإنجاز الْمَوْعُود، مقَام مَحل أخينا الَّذِي إِن نشرت الْفتُوح، ألفيت فِي ألفاف البنود وَادعَة، أَو دعيت الآمال كَانَت بِوُجُودِهِ طَائِعَة سامعة [أَو استدعيت الْأَمَانِي انثالت فِي أَيدي سعوده وَإِن كَانَت شاسعة] . فرياض العزبه يانعة، وكواكب السعد بآفاقه طالعة، وأنفاس الثَّنَاء على ملكه الرفيع الْبناء بأعطر من الْمسك الفتيت ذائعة، وحدود صوارمة قَاطِعَة، وبالحق الْمُبين صادعة، السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله مكملة مآرب أمره، معملة عوامل نَصره، مخولا من الله مَا يعجز اللِّسَان عَن حصره، ثبته فِي صحايف الصفايح آيَات فخره، وَلَا زَالَت عوامله مصرفة فِي زيد عداهُ وعمره، حَتَّى تذعن الرّقاب الغلب لقهره، وتعرف الدهور بمزية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 دهره. سَلام كريم كَمَا سفرت الْفتُوح عَن غررها، ورقمت أنباء النَّصْر على صفحات السيوف وطررها، واستبشرت الأَرْض بوابل مطرها، وظفرت النُّفُوس بأقصى وطرها، يخص مقامكم الْأَعْلَى [ومثابتكم الفضلى] وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي تمم لكم الصنايع تتميما، وجلي لكم وَجه السَّعَادَة أغر وسيما، وَأثبت لكم فِي صفحات الْفَخر ذكرا شهيرا، ومجدا عَظِيما، وَجعل حد سُيُوفكُمْ الْمَاضِيَة، تستوعب العدا سبرا وتقسيما، فَكلما طلبتم الْأَيَّام بديونها، لم تمطل كَفِيلا بكم غريما، وَكلما دعوتم الآمال، انثالت على مواردكم هيما، وَكلما أضمرتم أمرا بَعيدا، أصبح بباكم مُقيما. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، أزكى الْبَريَّة عنصرا، وَأَشْرَفهَا خيما، نَبِي الرَّحْمَة الَّذِي جلي بِنور الْحق لَيْلًا بهيما، ودعا إِلَى تَوْحِيد الله نفوسا حازت فِي ظلمات الضلال تثليثا وتجسيما، وأعمل الْحَرْب الْعوَان حَتَّى سلكت الْخَلَائق من الطَّاعَة لله وَرَسُوله مسلكا قويما، ووقفت عِنْد أوَامِر الله ونواهيه تحليلا وتحريما. وَالرِّضَا عَن آله الَّذين كَانُوا فِي الظلماء نجوما، وَفِي اللأواء غيوما، وَفِي الْهياج أَََجَلًا محتوما، ففرعوا السَّحَاب جودا، والآساد إقداما، والبدور ضِيَاء، والهضاب حلوما، صلى الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم وَسلم تَسْلِيمًا، وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالعز الَّذِي لَا يزَال لركابه العلى لزيما، والسعد الَّذِي تغنى عَن الِاخْتِيَار أَسبَابه، وتفتح قبل الطّلب أبوابه، فَلَا يحْتَاج تعديلا وَلَا تقويما، والصنع الَّذِي يروق [أَوْلِيَاء مقامكم] الرفيع خُصُوصا، وَسَائِر الْمُسلمين عُمُوما، وَلَا زَالَ جنابكم المؤمل كهفا، وَالثنَاء عَلَيْهِ رقيما، حَتَّى يصبح الْكفْر بهبوب عزائمكم هشيما، ويستنشق الْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 من إتاحة الكرة لَهُ على يدكم روحا عاطرا ونسيما. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من مواهب عنايته أوفر مَا كتب، وَجعل سعودكم تضمن إعتاب الدَّهْر كلما عتب، وَأَقْلَام رماحكم تثبت فِي خطّ خطيها النَّصْر الدَّاخِلَة على العتب، وخطباء فتوحكم تتوقل من مِنْبَر الْعِزّ أَعلَى الرتب. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، والاعتداد بمقامكم العلى يزِيد صبحه وضوحا، والأمل فِي ملككم الْفَارِسِي، يهز مِنْهُ نسيم هَذِه الأنباء غضا مروحا، وخافت الرجا فِي هَذِه الأرجاء تنفخ فِيهِ عزائمكم على جِهَاد الْأَعْدَاء روحا، وتتلو عَلَيْهِ من النَّصْر كتابا مشروحا. وَإِلَى هَذَا، أيد الله أَمركُم الرفيع تأييدا، وألهمه شكرا برا لَا يعْدم مِنْهُ مزيدا، وَجعل سَيْفه الْمَاضِي كلما تقلده لأبواب الْفتُوح إقليدا، حَتَّى يسْتَأْنف بِهِ الْإِسْلَام عزا جَدِيدا، ويتلع جيدا، ويملأ بِلَاد التَّثْلِيث توحيدا، وَيُذِيق الْكَافرين بَأْسا شَدِيدا، وَيُرِيهمْ الْفَتْح الْقَرِيب الْمُبين قَرِيبا، وَإِن كَانُوا يرونه بَعيدا. فإننا ورد كتابكُمْ الْمُسْتَوْفى الْفُصُول، الْمُحكم الْفُرُوع بالأصول، الْمُشْتَمل على محصول الْفَخر، وفخر الْمَحْصُول، الْمسند خبر النَّصْر إِلَى قُضَاة الذهول. فيالها من وُجُوه بشر جلتها البلاغة فِي أحسن الشارات، ومعاني فتوح أوردهَا الْبَيَان بأفصح الْعبارَات، وعيون نصر أفادتها الْآدَاب أحلى الإشارات، حَتَّى كَأَن الأقلام فِي خدمَة مقامكم السعيد، جرت مجْرى السيوف فِي اسْتِصْحَاب التأييد، وإحراز الْمقَام الْبعيد. وقفنا من مضمنه حَسْبَمَا قررتم على خلوص الطَّاعَة، والتئام الْجَمَاعَة، واستقرار الْحق فِي أَهله بعد الْخِصَام، وتسويغ مشارع الشَّرِيعَة لواردها من بعد الازدحام، وانطلاق أَلْسِنَة الْعدْل بعد الإفحام، وإلحاق طرر الْبِلَاد القصية بِأَهْل العمالة المرينية، بعد الإضراب والإقحام. وَإِن عَدوكُمْ أجهز الْقدر على جريحه، ونشأت ريح البشائر لخمود رِيحه، واعتقبه الحسام الصَّلْت، فَلم يفرق بَين طرفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وَلَا صَرِيحه. فَأصْبح الشوق لنُور دعوتكم مشرقا، وأساغ رِيقه وَكَانَ بِهِ شرقا، واشتمل مَلأ الْأَمْن، وَكَانَ خَائفًا فرقا، وَغدا مزاج السياسة المرينية لارْتِفَاع ضدها مزاجا مُتَّفقا، وأنشدها لِسَان السعد: " فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التَّاج مرتفعا " وَأَن هَذِه الوقيعة المستأصلة كَانَت لمَرض الْخلاف المزمن بحرانا، وَحكما يَنْبع من حُلُول النَّصْر بِدَرَجَة النصل قرانا، وفتوى رَضِي أسهب الحسام اخْتِيَارهَا، وكتبت أَقْلَام الرماح [فِي صحف] الْأَيَّام آثارها. فَقُلْنَا هَذَا أَمر لنا كُله أَو جله، ومزن لنا ظله ووبله. الْآن ارْتَفَعت عَن الْجِهَاد الشواغل والشواغب، وآن أَن يحظى بأمله الرَّاغِب. الْآن تهللت الْوُجُوه، واستشرف الدّين الحنيف كَمَا لم نزل نرجوه. كأننا بالعزائم لأَدَاء حق الله مصروفة، والصوارم على سَبِيل الْجِهَاد مَوْقُوفَة، والهمم لِأَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا مشغوفة. وَمن عَامل الله فِي نصر هَذِه الأقطار الْمسلمَة، مَعَ اخْتِلَاف الْكَلِمَة، بِمَا جمع بَين الْكرَى والأجفان، وَمد الْقَوَاعِد بعد الرجفان، وَأمْسك حملهَا العاصم عِنْد فيض الطوفان، كَيفَ يكون عمله بعد ارْتِفَاع الْمَوَانِع وزوالها، وَسُكُون الْبِلَاد من أهوالها، قِيَاس بِمَشِيئَة الله صَادِق، وبرهان بَين الشَّك وَالْيَقِين فَارق. فهده الجزيرة الأندلسية، من عَامل الله فِي نصرها بنية صَالِحَة، طهر ربحه، وطلع بالسعادة صبحه. وَقد ظهر مُجمل ذَلِك بِمَا يطول شَرحه. فَأنْتم لما صدق فِيهَا عزمكم، لم تسلوا سَيْفا فِيمَا فِينَا عَن ضريبة، وَلَا أعملتم عزما إِلَّا بلغ غَايَة غَرِيبَة، وَلَا سددتم سَهْما إِلَّا أصَاب غَرضا بَعيدا، وَلَا أردتم رَأيا إِلَّا أثمر مراما سعيدا، وإننا أَخذنَا من السرُور بِتمَام نعْمَة الله عَلَيْكُم، واستقرار فذلكة الْفَتْح لديكم، بأقصى مَا يَأْخُذهُ الولى الْحَمِيم، ولهجنا من اتِّصَال سعدكم بِمَا سناه الله الْكَرِيم، ووجهنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 من يَنُوب عَنَّا فِي هنائكم بِهِ مَا يُوجِبهُ الود الصميم. وَهُوَ قريبنا الكذا أَبُو فلَان، وألقينا إِلَيْهِ فِي هَذَا الْغَرَض، مَا يلقيه ويقصه عَلَيْكُم، وَأَنْتُم تتفضلون بالإصغاء إِلَى مَا يُؤَدِّيه. وَالله يصل سعدكم. ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم. وَلما استولى رَحمَه الله على بجاية، ثمَّ ثار بعض كبار وطنها بقايده وَقَتله، فاستدرك أَهلهَا بعد ذَلِك الْأَمر، فتغلبوا عَلَيْهِ، وَرجعت الدعْوَة بهَا إِلَيْهِ، وَوصل كِتَابه يعرف بذلك، صدرت مُرَاجعَته عَن سُلْطَان الأندلس أبي الْحجَّاج بن نصر رَحمَه الله من إملائي بِمَا نَصه: الْمقَام الَّذِي أشرقت بأفقه الْأَعْلَى فجر الْفتُوح، وَجَرت جِيَاد سعوده فِي ميدان النَّصْر الْعَزِيز طلق الجموح، وَجَاءَت دولته الفارسية على إِيضَاح السعد بِأَحْسَن الشُّرُوح، وتأود الدايل ارتياحا بعزه تأود الْغُصْن المروح. مقَام مَحل أخينا، الَّذِي حَدِيد سَيْفه بَينه وَبَين مغناطيس الْفتُوح خاصية عَجِيبَة، وعزيم سعده لَهُ فِي أَعْنَاق اللَّيَالِي وَالْأَيَّام وجيبة، ومنادى طَاعَته إِذا دَعَا، كَانَت لَهُ المسالك قريبَة، والممالك مجيبة، [السُّلْطَان الكذا أبي عنان] أبقاه الله، والمحامد بِذكرِهِ كلفة، والقلوب على طَاعَته مؤتلفة، وَالسُّيُوف والأقلام بخدمته متصفة، والألسنة فِي الْإِقْرَار بعجزها عَمَّا يجب لَهُ متصفه. مُعظم مقَامه، الَّذِي تَعْظِيمه فرض لَازم، وَالْقَوْل بإجلاله وإكباره، قَول جازم. وموقر ملكه الَّذِي لَهُ التوقير محالف ملازم. الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 نصر. سَلام كريم [طيب بر عميم] كَمَا زحفت للصباح شهب المراكب، وفجر الْفجْر نهر النَّهَار، فطفا فَوْقه حباب الْكَوَاكِب، يخص مقامكم الْأَعْلَى، وأخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي آلاؤه العميمة، لَا يحصر عَددهَا، وصنايعه الْكَرِيمَة لَا يَنْقَطِع عَمَّن توكل عَلَيْهِ مددها، وفتوحاته لأوليائه وصفوة خلفائه، لَا تبلغ بالأفهام أمدها، الفتاح الْعَلِيم، نَاصِر العزايم ومؤيدها، وموفق الآراء ومسددها الَّذِي إِذا قرب مَسَافَة أمل، فَمن ذَا يبعدها، وَإِذا أعْطى فَمن ذَا يسوف عطاياه أَو يُرَدِّدهَا. وَالصَّلَاة [وَالسَّلَام] على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، ذِي المعجزات الَّتِي هِيَ الشَّمْس، ضل من ينكرها أَو يجحدها، إِمَام الرُّسُل الْكِرَام وسيدها، وأحمدها ومحمدها، وَخَاتم النَّبِيين، الَّذِي كمل بِهِ عَددهَا، وشفيع الْخَلَائق، يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر ومعتمدها، الَّذِي ندخر محبته ونجدها، ونلجأ إِلَى ظلال وسيلته، فَلَا يخلف إِن شَاءَ الله موعدها، ونمحص الود فِي مرضاته، ونصل الْيَد لإِقَامَة سنته ومفترضاته، فنتعرف الْإِعَانَة ونتعددها. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه وأنصاره وأحزابه، الَّذين هم كنوز الْملَّة السمحة وعددها وأنجمها، الَّتِي لَا يضل من يسترشدها فينصرهم، طَالَتْ يَدهَا واستقام أودها، حَتَّى أورثهم الله مَا زوى من الأَرْض، بالعزايم الْقَائِمَة على أساس الْيَقِين عمدها، فدان لَهُم أدنى الْأَمَاكِن وأبعدها، وسطا بمثلث الْأُمَم موحدها، وتمت كلمة الله صدقا وعدلاً، يتوارثها عَن الْآبَاء وَلَدهَا، وينافس فِيهَا الْيَوْم غداته. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَسْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 بالنصر الَّذِي يثبت آيَات الْفَخر ويخلدها، والسعد الَّذِي يَسُوق ملابس الْفَتْح ويجددها، وَلَا زَالَت حجج سُيُوفكُمْ الْمَالِكِيَّة، يُصِيب شاكلة الْحق من يتقلدها، وأودية سياستكم المرضية، يشفي الغليل مركبها ومفردها، [ومشارع جودكم تروي من يردهَا] . فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عناية يَتَّضِح مقصدها، وسعادة تروى أَحَادِيث الصنع الْجَمِيل وتسندها. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَا مزِيد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من التَّشَيُّع لمقامكم، أَعلَى الله سُلْطَانه، إِلَّا الْخَيْر الَّذِي سحائبه ثرة، والصنع الْجَمِيل الَّذِي مباسمه ضاحكة مفترة، والأنباء الَّتِي لَا تعدم مَعهَا مَسَرَّة، والصنايع الَّتِي ألطافها بِالْإِسْلَامِ برة، وجانبكم عندنَا عَلَيْهِ، بعد الله الْمعول، وَالْإِخْلَاص لكم هُوَ لدينا الْمَعْقُول الأول، وَبِمَا فتح الله لكم من منحه الْكَرِيمَة، هُوَ عندنَا الْمنح المهنأ المخول. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وأعز نصركم، فإننا لَا نزال على ثِقَة من عناية الله بكم فِي كل وَجه، تؤمون إِلَى هَدْيه، وتطلعون كواكب رَأْيكُمْ الميمون فِي سدفه، لما نعلمهُ من سعدكم، الَّذِي يروض الصعاب إِذا رامها، وعزمكم الَّذِي يتَنَاوَل الْأُمُور المبرمة فَيحل إبرامها، ويسهل مرامها، وهمتكم الَّتِي تروم الْكَوَاكِب، فتزاحم أجرامها، ونعتقد أَن الَّذِي سدد من عزمكم السِّهَام فأصابت، ودعا السَّحَاب الجهام فصابت، إِنَّمَا هُوَ ثَمَرَة نِيَّة خلصت لله، لم يشب صفوها شائب، وخبية صَالِحَة للْمُسلمين تساوى فِيهَا مِنْهُم حَاضر وغائب. وَكُنَّا قد اتَّصل بِنَا أَن مقامكم خطب مَدِينَة بجاية فَأَلْقَت المقاد، وراجعت الِاعْتِقَاد، وَأَن من كَانَ لنظره أمرهَا لما تلى عَلَيْهِ أَن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا، أذعن للحق وانقاد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ثمَّ تخللت المراوضة أُمُور، وَحدث فِي أثْنَاء الْوَصْل نفور، وللحق من بعد الاحتجاب سفور، وَللَّه فِي كل شَيْء قدر مَقْدُور. فَجعلنَا نرتقب لتِلْك الْحَال مقَالا يحمد، وعاقبة يسر بهَا ذَلِك الْمقَام الأسعد، فَكلما اخْتلفت الْأَحَادِيث نَظرنَا فِي رجالها وطرقها، ورمنا الْجمع بَين متعارضها ومفترقها، واستعملنا ميزَان التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح، لتخليص السقيم من الصَّحِيح. فَلَمَّا ورد رَسُولنَا من بَابَكُمْ، وَقد عَنى بكشف الْمُشكل وَتَقْيِيد المهمل. ووفى بِحمْل المعنعن والمسلسل، وعرفنا بِالْفَتْح الَّذِي تشمخ بِهِ الأنوف، وَتَبَسم لمسرته السيوف، وترتاح لعزه الْجِيَاد الجرد، وتتأود لذكره الرماح الملد، فتح بجاية حرسها الله، وَمَا بجاية إِلَّا بَاب الشرق، وَذَات الْأَصَالَة بِوَاجِب الْحق، وَمن لَهَا فِي ميدان افتخار الْبلدَانِ قصب السَّبق، العتيقة الْبناء، السامية الميناء [الأنيقة الرُّتْبَة، الخصيبة الْبقْعَة] ، دَار البسالة على طول الْمدَّة، وَمَعْقِل الْمُلُوك عِنْد الشدَّة، أزرت على الْقَوَاعِد بزيرها وغمامها، وباءت بباديتها وهماذها، وصابرت الأزمات على طول آمادها. فَهِيَ العقيلة الَّتِي أشرقت يَوْم الافتخار بأسمى سليل، وسفرت لِلْإِسْلَامِ عَن كل مرأى جميل، وَقَعَدت على منصة التشريف والتفضيل، وَضمن عليل نسيمها شفا العليل، وتختمت بِالثُّرَيَّا، وتعصبت بالإكليل، وزرت برفيعها وبديعها على الْفُرَات والنيل. دَار الْجِيَاد المجنوبة، والأساطيل الْمَوْهُوبَة، ومرفأ الشَّفق ومحط الركاب، ومتلقى جوابة البيدا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وخايضي الْعباب، تهوى إِلَيْهَا أَجْنِحَة الشراع شارعة، وتبتدرها قوافل السفن متسارعة، مَا بَين مخبرة عَن مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة، ومطرفة بأبناء رومة بنى الْأَصْفَر، وصادرة عَن السواحل العكية، ومحدثة عَن غرائب التركية، وشاكية إِلَيْكُم الكرب نَاجِية من ظلمَة اقتباس الغرب. أَلْقَت الْيَد إِلَى طاعتكم على شهرة إبائها وشماسها، ومنعة وَضعهَا، وشهامة ناسها، لما علمت أَن مغالب الْحق مغلوب، ومحارب الْقُدْرَة الإلهية محروب، وحروف اللجاج مقود مجنوب، ومكابر الْبُرْهَان إِلَى الْجَهْل مَنْسُوب. فصانتها أَصَالَة رأيها فِي طَاعَة عَن الخطل، وتحلت منابرها بذكركم من بعد العطل، وَطَابَتْ بإيالتكم الفارسية نفسا، واستشعرت سُرُورًا وأنسا. وَكَانَت قد عدمت نَاصِر الدّين معنى، فَوجدت نَاصِر الدّين معنى وحسا، وخشعت أصوات أَهلهَا للرحمن من بعد الإجهار بالإباية والإعلان، فَلَا تسمع إِلَّا همسا، وَأصْبح ملككم مطلا على ماوراءها من الْجِهَات، [نَاسِخا بمحكم] الْحق حجج الترهات، وَإِن كَانَت قد أبدت نفارا وتيها، وعاودت عَادَة تجنيها، فالتيه من عَادَة الغادة، والتمنع من شِيمَة الْكَرِيمَة، أَنما هُوَ المطل، وَبعده يحصل الْوَصْل، والوعد والإنجاز من بعد، والبرق والرعد، وَفِي أَثَره الْغَمَام الرغد، وأهون المكسوب رخيصه، وَلَذَّة الصَّيْد أَن يطارد قنيصه، وَإِذا ظَهرت الآلاء فَمَا أخفت ملالا، وَإِن رامت دفاعا، فَمَا أضمرت خلافًا وَلَا امتناعا. فقد كَانَت خجلة من نشوزها الْمُتَقَدّم، قَارِعَة سنّ المنتدم المتندم، معلنة بطوق الكلف، متبرمة من الصلف، معترفة بِحُقُوق من سلف لكم من كريم السّلف، مستدركة مَا فاتها من أيامكم السعيدة الْمُسْتَقْبلَة، باخعة بتوبتها، والتائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ. فَلَمَّا تحققنا من هَذَا الْخَبَر الَّذِي هُوَ علم فِي عواتق الْإِخْبَار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وشنب فِي ثغور الثغور، وخفر، فِي خدود الْأَمْصَار، وَسجْدَة فِي سُورَة الفتوحات الْكِبَار، وَأثر حَقه أَن يكْتب بمداد اللَّيْل فِي قرطاس النَّهَار، قُلْنَا تحصل الأمل، وَلما ثَبت الحَدِيث وَجب الْعَمَل. وَهَذَا أَمر لنا فِيهِ النَّاقة والجمل، إِذا فتح الله على من نأمل نَصره فعلينا فتح، وَإِذا منح من نرجو إعانته فإيانا منح. الْآن زَادَت الخطة المرجوة سَعَة، واستأنفت الْملك الَّذِي يعْتد بِهِ تمهيدا ودعة، وآن أَن يحصد فِي مرضات الله مَا زرعه. الْآن أمكن الاستعداد، وتيسير الْحَج وَبعده إِن شَاءَ الله تيسير الْجِهَاد، وأعطينا السرُور بِهِ مَا شاءه، وأتبعنا الدَّلْو فِيهِ رشاءه، وعمرنا بترديد الْحَمد لله ضحى الزَّمَان وعشاءه. وبادرنا بتوجيه من يُؤدى عَنَّا حق الهناء بِهَذِهِ الآلاء، ويسلك فِي تَوْفِيَة مَا عندنَا من السرُور على سَبِيل السوَاء. فاخترنا لذَلِك فلَانا، وصل الله سَلَامَته، ويمن ظعنه وإقامته، وحملناه من تَقْرِير مَا لدينا من الود الَّذِي صدق ابتهاجه، وَقطع المعابر امتجاجه، وراق على أعطاف الخلوص ديباجه، مَا نرجو أَن يقوم بِمَا أمكن من حَقه، ويسلك فِي تبليغه لَا حب طرقه. وفضلكم كَفِيل بالإصغاء إِلَى مَا يلقيه، وَالْقَبُول على مَا يُؤَدِّيه، وَالله تَعَالَى يبْقى ملككم متأودة بالنصر عواليه، مَسْرُورا بسعادته من يواليه، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخص مقامكم الْأَعْلَى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. [وَكتب فِي الثَّانِي عشر لشهر ربيع الأول الْمُبَارك من عَام أَرْبَعَة وَخمسين وَسَبْعمائة] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَلما ثار بجبل الْفَتْح عِيسَى بن الْحسن بن أبي منديل، وَقبض عَلَيْهِ وَوجه للسُّلْطَان بالمغرب، عرف سُلْطَان الأندلس بذلك فَكتب فِي مُرَاجعَته كِتَابه الْمَذْكُور مَا نَصه: الْمقَام الَّذِي غَرِيم غرمه كَفِيل باسترجاع الْمَغْصُوب، وعامل سعده ضمين بخفض الْبَاطِل الْمَنْصُوب، وجبين مجده خليق بتاج الْعِزّ المعصوب. مقَام مَحل والدنا، الَّذِي نشتمل من فضل سروره بالملادة الضافية [ونستند من التَّشَيُّع إِلَيْهِ إِلَى كلاءة وافية، ونرد من مشرب سعادته فِي الْمَوَارِد الصافية] ، ونحظى من مقاسم مَا يسنيه الله لَهُ، بالخطوة الوافرة الوافية، ونسأل الله لَهُ اتِّصَال الصنع ودوام الْعَافِيَة، حَتَّى لَا تزَال تطلع علينا من ثنايا عناية الله بِهِ، أنوار الألطاف الخافية، أبقاه الله يروض سعده الصِّفَات فيلينها، ويتناول المشكلات فيبينها، ويطلع غرَّة الصنع الْجَمِيل يروق جبينها، ويجني ثَمَرَة النَّصْر الْعَزِيز قد يسرها حينها. مُعظم قدره الَّذِي فاق الأقدار، وَاسْتحق الإجلال والإعظام والإكبار، وموقر ملكه الَّذِي صدق الْخَبَر من فَضله الْأَخْبَار، فلَان [سَلام كريم طيب بر عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته] أما بعد حمد الله الفتاح الْعَلِيم، مطلع أنوار الْعِنَايَة بِهَذَا الإقليم، فِي جنح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الْخطب البهيم، ومجنى ثَمَرَة التَّفْوِيض لأوامره وَالتَّسْلِيم، وتلقى أَحْكَامه بِالْقَلْبِ السَّلِيم، عذبة المذاق، طيبَة الْعرف، رايقة الْأَدِيم، ومحق الْحق، ومبطل الْبَاطِل فِي الحَدِيث من الْحَوَادِث وَالْقَدِيم، الَّذِي تدارك بالشفا عِنْد الإشفار من الْقطر السقيم، وَسكن بالايتلاف من بعد قدح زند الْخلاف، نفس الظاعن بِهِ والمقيم، وأخمد بيد قدرته عصوف الرّيح الْعَقِيم. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله النَّبِي الْكَرِيم، الرؤوف الرَّحِيم، الْمَوْصُوف فِي كِتَابه الْعَزِيز بالخلق الْعَظِيم، الْهَادِي إِلَى السَّبِيل الْوَاضِح وَالطَّرِيق الْمُسْتَقيم، الَّذِي باتباعه نحظى بِالْخَيرِ العاجل، وَالنَّعِيم الْمُقِيم، وبجاهه ندرأ فِي نحر الْخطب الجسيم، فنجتلي غرر الْوَجْه الوسيم، [وَفِي ابْتِغَاء مرضاته نثابر على جمع شَمل الْإِسْلَام] واتساق ملكه الْعَظِيم. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه أولى الْهدى الْكَرِيم، وَالْمجد الصميم، الَّذين خلفوه فِي أمته، بالتكميل لمرضاته والتتميم، وَكَانُوا لَهَا من بعده كَالنُّجُومِ الهادية فِي اللَّيْل البهيم، وَجَاهدُوا أعداءه بالجد والتصميم، فامتد بسيوفهم الْمَاضِيَة، وسيرهم الراضية، جنَاح الْأمان على الْأَمْوَال والأنفس والحريم. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَسْنَى، بالنصر الَّذِي يغنى ببرهانه عَن السبر والتقسيم , واليمن الَّذِي يمد جنَاحه الرحب على العامر والمسيم. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم دوَام السَّعَادَة واتصالها، وَعمر بِإِظْهَار آيَات العنايات بكم بكر الْأَزْمَان وآصالها. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله، الَّذِي بهرتنا ألطافه، فأضرمت الألسن الخامدة، وغرناطه نعمه تتبع التالية مِنْهَا الْوَارِدَة، إِلَّا انْشِرَاح الصُّدُور الَّتِي كَادَت لَوْلَا حسن الْيَقِين تضيق، واستبشار النُّفُوس، الَّتِي كَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 يلتبس لَهَا فِي جنح الشدايد طَرِيق، واجتماع الْكَلِمَة بعد أَن نعق بهَا التَّفْرِيق، وخلوص الْمَوَارِد، وَقد كَاد يتنكر الصّديق، واستقامة الْأَحْوَال على مَا يجمل بِمن يرْعَى حق ذِي الْجلَال ويليق، ولأبوتكم الْحق الَّذِي لَا يُفَارِقهُ التَّحْقِيق، وَالْبر الَّذِي سَببه القوى وثيق، والتشيع الَّذِي تعاضد مِنْهُ التَّصَوُّر والتصديق. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، فإننا وصلنا كتابكُمْ، الَّذِي شفى الْعِلَل، ونقع الغلل، وَمكن السرُور والجذل، تعرفُون فِيهِ بِحَال الْجَبَل، وَمَا أفْضى إِلَيْهِ أمره، وَاسْتقر عَلَيْهِ زيده وعمره، وَمَا كَانَ من مُرَاجعَة من فِيهِ بصائرهم، وإظهارهم ثَمَرَة مَا أسرته من الطَّاعَة سرائرهم، وَأَنَّهُمْ امتعضوا للْوَاقِع، وصرفوا الوصى للراقع، وَبَادرُوا بدرياق الاستقالة عَاد والسم الناقع، فَعَاد الْحق لرَبه، واستقام نفس الدعْوَة فِي مهبه، وانحط سَنَام الْخلاف بعد جبه، وباء المذنب بِذَنبِهِ، وَسُوء كَسبه. وَإِن كَانَ الْجوَار. بهدى الأنباء غضة، فَمن لِسَان مخاطبتكم للجيب، وجزئياتها لَا تبين مِنْهَا إِلَّا ببيانه الْمَذْهَب. وَاعْلَمُوا يَا مَحل والدنا أَن هَذَا الْأَمر الَّذِي انصدع صباح الْفرج فِي ليل شدته، وطالت آماد الآمال بقصر مدَّته، إِنَّمَا هُوَ كَانَ شعلة وَقعت لِلْإِسْلَامِ فِي خزانَة عدته، وَهِي طرق إِلَى أساس سدته، وداهية أَصَابَت هَذَا الْقطر الْغَرِيب، آخذة بمصراع بَابه، قَاطِعَة لأسبابه. تداركها الله بسعدكم، ليرى كَيفَ تجلى بالعناية إلآلهية الغياهب، وتتضح [بِالْقُدْرَةِ الأزلية] الْمذَاهب، [وليحمد الحامد ويهب الْوَاهِب] ، وَيعْتَبر بمواقع تصريف الْقَضَاء الْآتِي والذاهب. فَالْحَمْد لله الَّذِي لم يشمت الْكفَّار بِوُقُوع فتْنَة تهد من الْإِسْلَام ركنا، وتشمل أَهله ضغنا، وَتغَير من اتِّصَال أَيْديهم لفظا أَو معنى. وَإِن عَم الصنع بهَا فجهتنا الْمُعْتَمدَة بِخُصُوصِهِ، وَإِن كَانَ لغَيْرهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 من الأقطار حَظّ أقيسة، فلنا حظوظ نصوصه. فَنحْن نهنى مقامكم الْأَسْنَى بخلوص حَسَنَة سلفكم الْمَكْتُوبَة فِي صحف الْقبُول، ومنقبة ملككم الرائقة الْغرَر والحجول. فقد ظَهرت طَيّبَات كسبها لما نفي الله عَنْهَا الشوايب، وحقق الشَّاهِد مِنْهَا للْغَائِب، وتخيرت الأخابث والأطايب، وَظهر أَن الله قد حفظ عَلَيْكُم نعْمَته وصانها، وَقصر على يدكم عنانها، وَكفى شانها من شَأْنهَا، فَإِنَّمَا هِيَ فرضة بحار تسلك، وَمَسْجِد عبَادَة لَا تسْتَحقّ بِغَيْر التَّقْوَى وَلَا تملك، وَقد ظهر من سر سعادتكم مَا لم يكن فِي حيّز الخفا، فكم معضلة بادرها بالشفا من بعد الإسفا، فهجعت الْعُيُون بعد هجر الإغفا، ووردت الآمال، وَقد تَكَرَّرت الْمَوَارِد مُرَاجعَة بعد الكدر حَال الصفاء، مَا ذَاك إِلَّا لنِيَّة يعلمهَا من يطلع على الضمائر، فَيعلم إخفائها وإيداها. وكما قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من أسر سريرة ألبسهُ الله رداها. فهنيا بِهَذَا الصنع، الَّذِي أشرقت شمسه، وَنسي بيومه أمسه، وَنحن نقابل مخاطبتكم إيانا بِهِ بالشكر الَّذِي كرم نَوعه وجنسه، ونضرع إِلَى الله فِي صلَة بقائكم، الَّذِي هُوَ معنى الْخَيْر كُله وأسه، ونسله سُبْحَانَهُ أَن يوليكم من مواهب فَضله، مَا ينشرح بِهِ صدر كل مُؤمن، وتطيب نَفسه، حَتَّى يرغم أنف الْكفْر بجهادكم، وتعز هَذِه الأقطار بإعانتكم وإمدادكم. وَإِن ذَهَبْنَا إِلَى تَقْرِير مَا لدينا من التَّشَيُّع الْمُسلم الْحجَج، وَالْبر الْوَاضِح الْمنْهَج، كُنَّا كمن يروم رفع اللّبْس عَن سنا الشَّمْس، ويعدل عَن الْمُشَاهدَة إِلَى الحدس. وَالله عز وَجل يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. [فِي السَّادِس وَالْعِشْرين لذِي حجَّة من عَام سِتَّة وَخمسين وَسَبْعمائة] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وَصدر عني جَوَاب لما اسْتَقل سُلْطَان الْمغرب بِملك وَطنه الْمقَام الْأَسْنَى الَّذِي أحسن الله لَهُ العقبي [وأعقب لَهُ] الْحسنى، وبلغه من فَضله مَا تمنى، وَجعله مثابة للنَّاس وَأمنا. فَهُوَ مقَام إِبْرَاهِيم لفظا وَمعنى , مقَام مَحل أخينا الَّذِي جدد الْبَيْت الْكَرِيم وَرفع أَرْكَانه، وَاسْتحق النَّصْر الْعَزِيز، فعين زَمَانه ومكانه، ونبهه الْقدر والحظ المبتدر، فتملا أوطاره، وتملك أوطانه، وَاسْتظْهر للدهر بعقوده، طَالبا إِرْث آبَائِهِ وجدوده، فحاز تراثه، واسترد سُلْطَانه. السُّلْطَان الكذا أبقاه الله منشرحة بسلطانه الصُّدُور، مستمدة من نور سعادته البدور، ومشمرا لتتميم مآربه، وإيضاح مذاهيه الْقدر الْمَقْدُور، مقترنا بعزماته الظُّهُور، متنافسة فِي تخليد مآثره الْأَيَّام والشهور، رَافعا رواق الْعِصْمَة عدله الْمَشْهُور، ضَاحِكا فِي الْيَوْم العبوس علمه الْمَنْصُور، مُعظم قدره، وملتزم بره المسرور، بِمَا سناه الله لَهُ من إجلال قدره، وإعزاز نَصره، [الْأَمِير عبد الله فلَان] . سَلام كريم يخص مقامكم الْأَعْلَى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الفتاح الْعَلِيم، مجتني ثَمَرَة الْأَمَانِي القاصية، والآمال المتقاصية، من شَجَرَة الرِّضَا وَالتَّسْلِيم، ومطلع أنوار الظفر بالأوطار فِي [ظلمَة الأخطار] لأولى الْعَزْم من خلفائه الْأَبْرَار والتصميم، وذاخر منحة الْفَوْز بِمَا لَدَيْهِ من أوليائه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الْكِرَام عَلَيْهِ لمن أَتَاهُ بقلب سليم، الَّذِي جدد للملة الملابس عزها رائقة التسهيم، وجلى عَنْهَا بِنور السَّعَادَة غياهب اللَّيْل البهيم، وَنفخ فِيهَا الرّوح، روح الْحَيَاة فِي الْعظم الرميم، الْملك الْحق الَّذِي إِذا أعْطى لم يفد لرد الْخصم وَلَا مماطلة الْغَرِيم، فبيده ملك الْقَبْض والبسط، وَتَأْخِير والتقديم. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد نبيه الْمُصْطَفى الْكَرِيم، وَرَسُوله الرءوف بِالْمُؤْمِنِينَ الرَّحِيم، الَّذِي أثنى فِي كِتَابه الْعَزِيز على خلقه الْعَظِيم، وأرسله بِالْآيَاتِ الْبَينَات وَالذكر الْحَكِيم، وَأخْبر أَنه وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ، وَأمر بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيم، وَبَعثه إِلَى النَّاس كَافَّة، يَأْخُذ بالحجزات عَن الْعَذَاب الْأَلِيم، وَيَدْعُو على بَصِيرَة مِنْهُ سُبْحَانَهُ إِلَى جنَّات النَّعيم، حَتَّى أَصبَحت كلمة الله تخب بهَا جِيَاد الأقلام فِي ميادين الأقاليم، وسرت فِي الأقطار تبين لأولى الأسماع والأبصار حُدُود التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه المتميزين بأصالة الْمجد وكرم الخيم، الحائزين قصب السَّبق فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم، الَّذين خلفوه فِي أمته بالتكميل لمحاسنها والتتميم، ونصروه فِي حَيَاته نصرا تكفل بِحِفْظ النُّفُوس وصون الْحَرِيم، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم صنعا تتلى أنباؤه مَا بَين زَمْزَم والحطيم، وسعدا تغنى قواطعه فِي الْأَعْدَاء عَن اختبارات النصب واعتبارات التنجيم، ونصرا يدونه الذابل والحسام، فيقومان بوظيفتي السبر والتقسيم، وبشاير تسرى فِي الْآفَاق مسرى النسيم، وتسفر فِي مطالع التَّعْرِيف عَن الْوَجْه الوسيم، وتروى مِنْهَا الْعباد والبلاد، تحفة القادم وَزَاد الْمُسَافِر، وقوت الْمُقِيم. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَنعم الله قد هَمت مِنْهَا السَّحَاب، وفتوحاته الربانية، قد تفتحت مِنْهَا الْأَبْوَاب، والكلمة المحمدية قد اتَّصَلت بهَا الْأَسْبَاب، ودولة الْإِسْلَام قد عَاد لَهَا بدولتكم الشَّبَاب، وآلاء الله [لما بهرت أذهلت الْأَلْبَاب] . والظنون فِيهِ سُبْحَانَهُ، قد صدق مِنْهَا الْحساب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَلَا زايد بِفضل الله، الَّذِي عَمت هباته، فَهُوَ الْجواد الْوَهَّاب، ثمَّ ببركة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للَّذي أشرف من نور هدايته الشهَاب إِلَّا الْعِزّ المشيد، والسعد الْجَدِيد، واليمن العريض المديد. [والآمال الَّتِي أشرق مِنْهَا الْجيد. وَالْحَمْد لله حمدا يتَوَلَّى مِنْهُ بوسيلة الشُّكْر الْمَزِيد] وَإِلَى هَذَا عرف الله الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين [عارفة] سعدكم، وهناكم مَا هيأه من الصنع الْجَمِيل لمجدكم، فإننا [قدمنَا] لكم الْخطاب جَوَابا عَمَّا أهديتم إِلَيْنَا، وأوفدتم بِمُقْتَضى فَضلكُمْ العميم علينا، من اتحافكم ببواكر الْفَتْح الْأَسْنَى، والصنع الوثيق الْمَبْنِيّ، وأنكم صرفتم إِلَى دَار الْملك، الَّذِي اخْتلفت لسعادة أَمركُم أوقاته، ومقر الْعِزّ الَّذِي حفظ أَمَانَته عَلَيْكُم ثقاته، وتشوف إِلَى تَلْبِيَة مجدكم مِيقَاته، وارتاحت إِلَيْكُم عهوده، وحنت إِلَى لقائكم سروجه ومهوده، وسهرت لارتقابكم عيونه، ويسرت لاقتضائكم دُيُونه، ونضرت لمجالسكم مراتبه، وَعرضت بَين يَدي جودكم مواهبه، وجنبت إِلَيْكُم جرده وسلاهبه، وزينت ببدركم هالته، وخطبت بجلالكم جلالته. وَأَن الْملك قد اسْتَقر، والْمنَّة لله فِي قراره، وَرب الدَّار قد توَسط أريكة دَاره، وَالْوَارِث الأحق قد فَازَ بِحقِّهِ، والجواد الْكَرِيم قد تميز فِي ميدان السعد بخصل سَيْفه، وَأَن الطَّاعَة قد اتسقت عقودها وانتظمت، وخلصت واستحكمت، والألسنة قد أعلنت مَا كتمت، وملة الْإِسْلَام قد رضيت وسلمت، وَأَن الْعباد والبلاد قد شملها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الاستبشار، وَحصل إِلَيْهَا الأمل الَّذِي كَانَ إِلَيْهِ يشار، والقرب الَّذِي كَانَت تحن إِلَيْهِ كَمَا تحن العشار، وَظَهَرت آثَار الِاعْتِقَاد الَّذِي لم يزل فِي العقائد كامنا يروع النَّاس مقَام إِبْرَاهِيم، الَّذِي من دخله كَانَ آمنا، وغبطناكم بموقعها الْأَسْنَى، وعارفتها الْحسنى، وَقُلْنَا الْحَمد لله الَّذِي رد حلي الْملك الْمجِيد إِلَى الْجيد، وقلد حسام الْخلَافَة، عاتق البطل النجيد، وزين المفرق الْكَرِيم بالتاج، وَفرق مُقَدّمَة الْعَزْم بالإنتاج، ومعاذ الله أَن تجْهَل الْبِلَاد حق والدكم، الَّذِي كفل الرّعية وكفاها، وتمم مآرب الْإِسْلَام على الْأَيَّام ووفاها، وأعذب الْمَوَارِد وأصفاها، وَمد جنَاح الْعدْل المنشور، وَالْفضل الْمَشْهُور، ووسم بغرر المناقب أوجه الْأَيَّام والشهور، وَكَانَ لملوك الْإِسْلَام أَبَا، ولتمهيد الأقطار، وتسنى الآمال الجهادية والأوطار سَببا، وَلدين الله ركنا وثيقا، ولأوليائه وليا وصديقا، وعَلى الثغور شفيقا، ولأعباء الْخلَافَة مطيقا، وللمناقب ديوانا، وعَلى عز كلمة الله عنوانا، وللجهاد مديما، ولنعمة الله بالشكر مستديما، ولرسوم الْعلم وَالْعَمَل مُقيما، وللعدل وَالْإِحْسَان صراطا مُسْتَقِيمًا، ولخصوص هَذِه الجزيرة الأندلسية، الَّتِي جعلهَا الله ميدان أمانيه، من رَضِي الله وآماله، وأسلف فِيهَا مَا أسلف من أَعماله، وسمح لَهَا بِنَفسِهِ وَولده وَمَاله، جزاه الله جَزَاء الْخُلَفَاء الصَّالِحين، وَالْأَئِمَّة الْمُجَاهدين من أَمْثَاله، وَأبقى بركته فِي وَلَده وَآله. فَلَو لم يدع إِلَى السرُور بِمَا سناه الله لكم إِلَّا هَذِه الْوَسِيلَة، الَّتِي تسلم لَهَا الْوَسَائِل، وَتقوم على فَضلهَا الْبَرَاهِين والدلائل، لكفت، وبرت ووفت، وسحت بركتها ووكفت، فالفرقد من النصل، وَالْفرع من الأَصْل، وَالْحب يتوارث، كَمَا ورد بِهِ الحَدِيث وَالْخَبَر، وَشهد بِهِ الْحس وَهُوَ الشَّاهِد الْمُعْتَبر. وَإِنَّا لنَرْجُو أَن ترضوه فِي لحده، باقتفاء سنَن جهاده وجده، وتتمموا مقاصده فِي سَبِيل الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 من بعده. فَأنْتم سلالة مجده، ومنقبة حَمده، ورأينا أَن تِلْكَ الْمُرَاجَعَة دون الْكِفَايَة، وقاصرة عَمَّا يجب من المبرة والحفاية، فخاطبناكم بِهَذَا الْكتاب، نؤكد سرورنا بِمَا ألبسكم الله من تِلْكَ الْحلَل، ونسله لكم تَمام الْقَصْد وبلوغ الأمل، فَنحْن الْآن نبدي فِي سنائكم ونعيد، ونسهب فِي القَوْل، وَأَيْنَ يَقع مِمَّا نُرِيد، ونروم أَن يَفِي الْكتاب، بِمَا ينطوي عَلَيْهِ لكم، وَهُوَ المرام الْبعيد، وَإِذا كَانَت السرائر يعلمهَا الشَّاهِد الرَّقِيب، ويرتب عَلَيْهَا المجازاة، فَهُوَ الْمجَازِي الْمُنِيب، فحسبنا أَن نكل خفيها إِلَيْهِ، وندنيه مِنْهَا بِمَا لَا يخفى عَلَيْهِ، فَالله عز وَجل يهنيكم بِمَا أولاكم من منحة حافلة، وصنيعة فِي حلل الْكَمَال رافلة، ويسعد بهَا الأقطار، كَمَا [مهد بهَا] الأوطان، وَيسر الأوطار، ويجعلها فِي الْعقب بعد طول المدا بَاقِيَة، ويلبسها عصمَة مِنْهُ واقية، حَتَّى لَا يصرف شملها بعد الانتظام انتثارا، وَلَا طرف سعدها من بعد الْإِحْضَار عثارا، ويجعلها لنجوم عزكم مدارا، ولدعوة ملككم دَارا وقراراً. وعينا فِي هَذَا الْغَرَض وَالْقِيَام بواجبه [الْمُلْتَزم] المفترض، من رجونا أَن يَنُوب عَنَّا فِيهِ أَحْمد المناب، ويمهد أفسح الجناب، ويشرح مَا لَا تفي بِهِ مَقَاصِد الْكتاب [وهم فلَان وَفُلَان] ، وفضلكم كَفِيل بالإصغا لما يلقونه، وَالْقَبُول على مَا يودونه. وَالله يصل سعدكم ويحرس مجدكم [ويضاعف نعمه عنْدكُمْ] ، وَالسَّلَام الْكَرِيم، الْبر العميم يخصكم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَصدر عني فِي هناء السُّلْطَان الْكَبِير أبي عنان رَحمَه الله عِنْدَمَا أتيح لَهُ النَّصْر على فل بني زيان بِمَدِينَة تلمسان، وَذَلِكَ فِي عَام اثْنَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة الْمقَام الَّذِي أكواس فتوحه على غبوق الزَّمَان وصبوحه تَدور دراكا، وكفلاء سعوده، توجه آماله القصية بغايتها لحَاقًا وإدراكا، وأيدي الْقدر فِي حالتي الْورْد والصدر تعلق أعداءه إشراكا، وحدود صوارمه، تأبى فصولها المميزة، أَن تدع فِي أمره اشتراكا، وعناية الله تصْحَب ركابه وتحف جنابه، كلما رام سكونا أَو أعمل حراكا. مقَام مَحل أخينا الَّذِي أَخْبَار نَصره لَا تمل على الْإِعَادَة، وآثار نجومه مسطرة فِي أوراق السَّعَادَة، وَآيَة صنع الله لَهُ خارقة حجاب الْعَادة، ومنته الْخَالِصَة لله ضامنة لَهُ بُلُوغ الْإِرَادَة، أبقاه الله يمهد قَوَاعِد الْملك الْأَصِيل، فَلَا يعارضها فرق، ويستخلص دُيُونه، فَلَا يتَعَذَّر عَلَيْهِ مِنْهَا حق [ويشيم بوارق النَّصْر الْعَزِيز فَلَا يخلف مِنْهَا برق] ويقتحم الْأَهْوَال وصدره رحب وَوَجهه طلق، فَكلما عرضت آيَة بر كَانَ لَهُ سبق، مُعظم مقَامه الَّذِي اسْتوْجبَ التَّعْظِيم بِكُل اعْتِبَار، ومابل ملكه بِكُل إجلال وإكبار، الْمثنى على مكارمه الَّتِي جيادها للغايات ذَات ابتدار، وديمها فِي انهمار. فلَان. سَلام كريم، طيب بر عميمم كَمَا حَيا نسيم الصَّباح بِطيب هِبته، وَرفعت راية النَّهَار على هضبته، يخص مقامكم الْأَعْلَى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 أما بعد حمد الله الَّذِي طوقتنا مواهبه العميمة تطويقا، وأوضحت لنا هدايته من الشُّكْر طَرِيقا، الَّذِي جعل عزمكم للنجح رَفِيقًا، وَلم يعْدم آراءكم السديدة تَوْفِيقًا، وشفا بسيوفكم عليل ذَلِك الْقطر، فَأصْبح بعد الإشفاء مفيقا، ورد إِلَى عصمَة ملككم عقائل تِلْكَ الأقطار، قد سامتها الْفِتْنَة مُفَارقَة وتطليقا، فاجتلت بكم وَجه السَّعَادَة طليقا، وأوت إِلَى الظل الَّذِي جعله الله باجتماع كلمة الْحق خليقا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي أطلع نور [الْهِدَايَة للرسالة وَالْهِدَايَة] فأرشد ضَالًّا وأنقذ غريقا، وسام كلمة الْكفْر طمسا , وَسبب لفرقة تمزيقا، الَّذِي نعتلق من جاهه عِنْد انبتات الْأَسْبَاب سَببا وثيقا، ونقصد مِنْهُ يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر منجا بالفوز حَقِيقا، ونؤم مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة شَفِيعًا وشفيقا، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين اخْتَارَهُمْ لَهُ حزبا وفريقا، فصدقوا مَا جَاءَ بِهِ عَن الله تَصْدِيقًا، ونصروا دَعوته حَتَّى بلغت مُرَاد الله مِنْهَا تغريبا فِي الأَرْض وتشريقا. وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالنصر الَّذِي يستعذب مِنْهُ مبسم الْفضل ريقا، والصنع الَّذِي يدرء روض الْعِنَايَة الإلهية أنيقا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم نصرا يطبق مفاصل الآمال تطبيقا، وسعدا يفوق سهامه تفويقا، وَعزا يُوسع فُصُول التَّمْهِيد والتحليل تثبتا فِي الأَرْض وتحقيقا. من حَمْرَاء غرناطة , حرسها الله، وَلَيْسَ لفضل الله سُبْحَانَهُ إِلَّا الارتياح إِلَى البشائر المثناه، والأنس بلقا المأمل المتهناه، والكلف بِوُجُوه الْفتُوح المجتلاه، والترحيب بالأنباء الَّتِي تعلى الْبَنَّا نواصي الفلاة، وتركب متون السفن تجْرِي فِي أَعِنَّة الرِّيَاح المرسلات. وَنحن على مَا تعلمُونَ من الود الَّذِي اسْتَقَرَّتْ أَرْكَانه، وَشهر مَكَانَهُ، وتمحص إِلَى جِهَة الْوُجُوب إِمْكَانه، نعتد بملككم الَّذِي نرفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 شَأْنه، ونؤمل من ظهوركم على أَعدَاء الله يَوْمًا يرتقب زَمَانه، ونثنى عَلَيْكُم ثَنَاء الرَّوْض باكره من الْقطر هتانه. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، فَإنَّا ورد علينا كتابكُمْ، الَّذِي صفر التَّعْرِيف بالظفر وأكده، وعضد إخاءه وأيده، تركت ظهر الشَّيْخ خائضا لجته، ويصدع أحشاءه مستهديا محجته. فاستجلينا غرَّة الْبَيَان الْحر، وَقُلْنَا عَادَة الْبَحْر أَن يقذف بالدر، أَي كتاب وَسعه الْخطاب الْفَصْل ووشاه، وزائر لَا يسْعد الله ممساه. جددنا الْعَهْد بِسَمَاع فصوله، وَالشُّكْر لصلته وموصوله، وروينا حَدِيث النَّصْر مُتَّفقا على اخْتِلَاف الطّرق، وقابلنا نُسْخَة الغرب بنسخة الشرق، وَقُلْنَا هَذَا أصل فِي بَحر، وَإِلَى مثله ترد النّسخ العتيقة، وَبِه تحصل الْوَثِيقَة، وأثنينا على مجادتكم الَّتِي لم تقتصر فِي تعريفنا على خبر وَاحِد، وَلَا وثقت فِيهِ بِأول وَافد، حذرا مِمَّا يعْتَرض برد الرسائل من غوائل الطّرق وطوق الغوائل. فثابرت على تَحْصِيل هَذَا الْغَرَض حَتَّى حصل وَصَحب كل وَاحِد مِنْهَا خَبِير سعدكم فَسلم وَوصل، فتقرر مَا سناه الله لملككم من إعزاز المملكة، وتورط عَدوكُمْ فِي هفوة الردى ومهواة الهلكة، وَالْفَتْح الَّذِي قَامَ بِحِسَاب الْفتُوح مقَام الفذلكة، وأرمق قُلُوبكُمْ، كَمَا تناولت عزماتكم طرده وَعَكسه، وقارعت خصماء نفوسكم نَفسه، وَجَرت عَلَيْهِ جيوشكم الجرارة ذيول الهزائم، وأذكت عَلَيْهِ سعودكم عُيُون الزَّمن النَّائِم، فَرَأَوْا عقبان الْخَيل فِي أَعْقَابهم، وعيون النُّجُوم تَأْخُذ المراقب فِي ارتقابهم، وراموا التنكر فعرفوا، وَاسْتظْهر عَلَيْهِم سعدكم بِالْعَدْلِ والعلمية فصرفوا، وَقد وَكلهمْ النَّدَم بعض الأباهم، وعوضهم الْقَهْر من امتطاء الأداهم، وأصبحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 الْبِلَاد، قد سكن هائجها، ومقدمات الْعَزْم قد صدقت نتائجها، والكلمة قد اجْتمعت، وَأَحْكَام الْخلاف قد ارْتَفَعت، وأودية السياسة نجعت. وَقد كُنَّا لأوّل وُرُود هَذَا الْخَبَر أعطيناه حَقه من السرُور بمقدمه، وعينا رَسُولنَا الَّذِي أوفدناه على بَابَكُمْ الْكَرِيم لتقرير ذممه، وإلقاء مَا يسع فِي اسْتِيفَائه عَادَة مجده وَكَرمه. وَنحن الْآن نعيد هُنَاكُم، ونقيد على هَذِه الْمُحَافظَة ثنائكم. وَإِن ذَهَبْنَا إِلَى تَقْرِير مَا عندنَا من السرُور بسروركم، والابتهاج بانتظام أُمُوركُم، رمنا تَحْصِيل حَاصِل، واجتهاد وادع وَاصل، فَجَمِيع مَا ينالكم من عز النَّصْر، وعلو الْأَمر، نصيبنا الأوفر فِيهِ، وحظنا الْحَظ الَّذِي لَا يرجحه غَيره وَلَا يوازيه، وعايدته على قطرنا بِمَا يكبت طوايف أعاديه، ويسكب بالأمداد غيوث عواديه، فتقدمها بالتشيع الضافية أثوابه، والخلوص المفتحة أبوابه. وَالله تَعَالَى يعلى مقامكم الْوَثِيقَة أَسبَابه، وَيُؤَيِّدهُ حَتَّى يمْضِي فِي جِهَاد أَعدَاء الله عضابه. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. وَصدر عني فِي قريب من هَذَا الْغَرَض الْمقَام الَّذِي تبرع سعده برد الْمَغْصُوب، وتولت يَد الْعِنَايَة الإلهية عقد تَاج عزه المعصوب، وحكمت عوامله فِي سَبِيل الله بخفض الصَّلِيب الْمَنْصُوب، مقَام مَحل أخينا الَّذِي أَتَاهُ الله الحكم صَبيا، وأخلص الْملك فِيهِ لله نجيا حفيا، فَقَالَ مُشِيرا إِلَى مَكَانَهُ، قبل تَأتي الْأَمر وإمكانه، " رب هَب لي من لَدُنْك وليا، يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب، واجعله رب رَضِيا "، السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله يَرْمِي [بسهام عزماته] أغراض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 السداد فيصيبها، وَيُشِير بِيَدِهِ الْكَرِيمَة إِلَى مواهب الله العميمة، فيتوفر لَدَيْهِ نصِيبهَا، وَيطْلب مِيرَاث سلفه فِي الأقطار بالحسام الماضى والقنا الخطار، فيفوز بأقصى الآمال والأوطار من الِانْفِرَاد بتعصيبها. مُعظم قدر إخائه، ومرفع جَانب علائه، وَمُوجب فرض هنائه، بنعم الله وآلائه، [ومؤمل عزمه الْمُعْتَمد بمضائه] ، الدَّاعِي إِلَى الله بدوام نَصره وصلَة بَقَائِهِ، حَتَّى تربي مآثره فِي سَبِيل الله على مآثر آبَائِهِ، فلَان. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي حفظ مُؤَكد الْعِزّ مِنْكُم على من اخْتَارَهُ، وَأظْهر عنايته بِالدّينِ الحنيف على يَدي سلطانكم المنيف، فمهد أوطانه، وَيسر أوطاره، فَمَتَى شب ضرام فتْنَة، أطفأت جداول سُيُوفكُمْ ناره، وَمَتى خبا ثبير هِدَايَة، رفعت أَيدي ملككم مناره، وَمَتى اسْتَأْثر مُنَازع من أطواق إيالتكم بلباس وَلَو فِي سَبِيل اختلاس، استرجعت عزايمكم مَا استعاره وصرمت عاره، فملككم بِفضل الله مُسْتَدْرك ثاره، مقيل آثاره، والدهر بَين يديكم مستقيل عثاره. وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي رفع شَأْنه فِي الْأَنْبِيَاء الْكِرَام، وَعظم مِقْدَاره، وَجعل فِي أشرف الْخلق قومه، وَفِي أشرف الأَرْض دَاره، وَأَعْطَاهُ لِوَاء الشَّفَاعَة ليجير من أجاره، فِي الْيَوْم الَّذِي يسلم فِيهِ الولى وليه وَالْجَار جَاره، فَمن انتصر بجاهه فِي الملمات، وعول عَلَيْهِ فِي الشدائد المدلهمات، رَضِي انتصافه وَحمد انتصاره، وَمن توسل بِهِ، فضلا عَمَّن زَارَهُ، أَمن برحمة الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 أوزاره. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وأسرته وأحزابه، الَّذين ورثوا فخاره، واختاروا فِي سبل الْحق مَا اخْتَارَهُ، وَكفوا عَن دينه أَيدي العدا، وزينوه بحلى الباس والندي، فَكَانُوا سوره وسواره، وَكَاد بِنَاؤُه ينْقض، وكنز الْحق [تَحت أساسه] ينفض، فأقاموا ببيض الْمَعَالِي، والسمر العوالي جِدَاره. وَالدُّعَاء لمقامكم السعيد بالعز الَّذِي تؤيد قدرَة الله اقتداره، والصنع الَّذِي على قطب التَّوْفِيق مَدَاره، والنصر الَّذِي يعْمل فِي سَبِيل الله سنته وشعاره، وَالْفَتْح الَّذِي تسبح فِي بحره الأقلام فَلَا يبلغ مِنْهَا الْإِعْلَام [وَأَن جاش الْكَلَام وجادت الأحلام] معشاره. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لأيامكم الجديدة السعد، السعيدة الْجد، من مواهبه الْخَارِجَة عَن الْجد أفضل مَا كتب، وخولكم من مقاسم النَّصْر الشاذة عَن الْحصْر أجزل مَا وهب، وَجعل ملككم ليستعتبه الدَّهْر إِذا عتب، وَيَقْضِي من فروض طَاعَته، مُعْلنا بضراعته إِذا حمله الْقدر على تفريقه وإضاعته مَا ترَتّب وَوَجَب. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَالْيَد بعلو يدكم عالية، وَالنعَم بتوالي سعادتكم مُتَوَالِيَة، والآمال باستقامة الْأَحْوَال لأخوتكم الرفيعة الْجلَال حَالية، والارتياح الَّذِي [تودي بشايره] لَا تَخْلُو مِنْهُ غَالِيَة، والمسرات لَا تنفذ مِنْهَا وافدة إِلَّا تبعتها تالية. وَإِلَى هَذَا وصل الله لملككم أَسبَاب الانتظام والاتساق، وَأهْدى انباءكم طيبَة الْعرف حَسَنَة المساق، وأطلع بدر سعادتكم فِي أسعد الْآفَاق، [وَأقَام الدَّهْر بَين يدكم مهمى تَابَ من ذَنبه أَو عتب بعد عَتبه، مقَام الحياد والإطراق] حَتَّى تخفق [أحشاء الْكفْر] رعْبًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 من لوائكم الخفاق، ويتفق على عقيدة طاعتكم، فِيمَا لكم من الأقطار والأصقاع أَلْسِنَة الْإِجْمَاع والإصفاق. فقد وصل كتابكُمْ البرالوفادة، الجم الإفادة السافرة غمامته الْبَيْضَاء عَن بدر السَّعَادَة، المتحف بصنع الله الَّذِي خرق حجاب الْعَادة، فاجتلينا الْبَيَان الغض من حلل سطوره، وقرطنا الآذان بشذوره، وصدعنا فِي الحفل الْمَشْهُود بمنشوره. عرفتمونا فِيهِ بِالْفَتْح الَّذِي فتحت لكم أبوابه، والنصر الَّذِي يسرت لكم أَسبَابه، والسعد الَّذِي ضفا عَلَيْكُم جلبابه، والصنع الَّذِي ناشبت دولتكم المقتبلة الشَّبَاب فِرَاق شبابه، وشرحتم مَا آل إِلَيْهِ حَال مَدِينَة تلمسان، تقبل الله توبتها، وأسعد أوبتها، وَحَال من كَانَ قد تسور جدارها، واقتحم دارها، ومزق بِالْإِكْرَاهِ صدارها، لما دلفت إِلَيْهِ الليوث واستقبلته، فاستقبلته الكتايب والبعوث، وَأخذت عَلَيْهِ، بعرب الطَّاعَة بَغْتَة كقيام السَّاعَة، السهول والوعوث، وَمَا أبداه لما تغشاه رِدَاء من التمويه باللقاء، وَالْعَمَل على الثُّبُوت والبقاء، وتظاهر بِهِ من صيد العنقاء، والإخفار الَّتِي يستريب مِنْهَا لِسَان الْإِلْقَاء، وَمَا نشب أَن ركب اللَّيْل جملا، وَترك سائمته المهتضمة هملا، [وَلم يصرف] إِلَى غير طلب النجَاة بإفلاته، ولات حِين نجاته أملا، وَإِن أَوْلِيَاء الدولة السعيدية استولوا على الْمَدِينَة، فاستخلصوا حَقّهَا، وأوضحوا للطاعة طرقها، وَسَكنُوا راجفها، وأمنوا خائفها، وَرفعُوا عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 رعيتها المرزات كل تَثْرِيب، وَلم يَأْخُذُوا بريا بمريب، وَلَا بَعيدا بقريب، وقبلوا الْأَعْذَار حلما، ووهبوا ذنُوب جهالها وعلمائها وسفهائها وحلمائها لمن وسع كل شَيْء رَحْمَة وعلما، سجية من ملك فَأَسْجِحْ، وأبت لَهُ الهمة الْعليا أَن [تتنحى أَو] تتبجح، وَرَأى المزية بَين الخطتين، فَكَانَ إِلَى الَّتِي هِيَ أقرب إِلَى الله أجنح، فَعَاد الْحلِيّ إِلَى الْجيد، بِفضل ذِي الْعَرْش الْمجِيد، وعوجل الشعث بالتنجيد، وأصبحت الصهوة مركب البطل النجيد، ورد سيف الطَّاعَة بيد الِاجْتِهَاد فِي جِدَال الْبِلَاد، من الِاجْتِهَاد إِلَى التَّقْلِيد، وشملت الكافية واقية كواقية الْوَلِيد، وتحلت المنابر بعد العطل، والخطا الْمُتَعَمد الخصل، بدعوة الإِمَام السعيد، وَرَأى من اعتزل الْهَرج، رُجْحَان القَوْل بإخلاف الْوَعيد، فَكَأَنَّمَا كَانَت فلتة تِلْكَ الإيالة الطامعة فِي الإدالة، وارتشاف البلالة، سَهوا فِي عبَادَة، وتقصيرا فِي إجادة، ولحنا فِي وجادة، وغلطا فِي اسْتِغْفَار، وقذا بَين أشفار، ودخيلا فِي قطار، ولحقا بَين أسطار، وحلما محت الْيَقَظَة خيال غروره، وتمويها ذهب الْحق بنوره، وقلما أدبر شَيْء فَأقبل، وَهل عِنْد رسم دارس من معول، ومكابر الْحق موكوس الْقسم، وضد السعيد مَعْرُوف الِاسْم، وَمَا كَانَ الله جلّ جَلَاله [وتقدست صِفَاته وأفعاله] لينثر قلادة الدّين بعد نظامها، وينسخ ثَابت أَحْكَامهَا بعد إحكامها. بل هُوَ نور وعد بإتمامه، والوعد حق، وَقَاعِدَة لَا يدخلهَا فرق، وَملك تعلق بأذياله غرب وشرق، ومزن أومض فِي برده للغيث برق، فَإِن أذْنب الدَّهْر فقد استقال، وَإِن أضحى الْملك بهَا فقد قَالَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 [وَوجد لِسَان الصارم القَوْل فَقَالَ] . وَالْحَمْد لله حمدا يدر من النعم السحب الثقال، ويقر أَحْوَال السَّعَادَة الْمُعَادَة فَلَا تعرف الِانْتِقَال، وَقد كُنَّا على علم قَطْعِيّ فِي سَبِيل شَرْعِي، نرى أَن الَّذِي اختاركم لحمل هَذِه [الْأَمَانَة وتقلد] القلادة من بَين يُشَارك فِي نسب أَو ولادَة، وألبسكم ملابس المجادة، وحلاكم لما تولاكم قبل أَن ولاكم بحلى السِّيَادَة، وَجعل جبل الْفَتْح أفق بدركم، وصدفة دركم، وَبَدَأَ بفاتحته الْجِهَاد، وَهِي أم ذَلِك الْكتاب. كتاب أَمركُم، لَا يهمل سلطانكم، وَلَا تذعن بِالْخِلَافِ أوطانكم. وَأَن لَهُ فِيكُم خبية نصر يرتقب أَوَانه، وينتجز وعده، ويقتضى ضَمَانه حَتَّى تبلغ الآمال، وتنجح فِي مرضاة الله الْأَعْمَال. فَفِي التمَاس مَا عِنْده سُبْحَانَهُ يجب أَن تجمع الرِّجَال وتفرق الْأَمْوَال، وفضله تَعَالَى لَا يخيب مِنْهُ السؤل، وَلَا يخيب فِيهِ السُّؤَال. فَلَمَّا وَردت الْأَخْبَار بِمَا منحكم الله من الفتوحات الَّتِي أبلغت الْبِلَاد والعباد آمالها، ووفرت سرورها وجذلها، وَمَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا [وأشرقت الأَرْض بنورها، وَوضع الْكتاب صدق الْقيَاس وَصَحَّ الْحساب واتصلت الْأَسْبَاب واضطرد الْبَاب] خاطبناكم نهنيكم بِمَا وهبه الله ومنح، ونرى أَن مَا فتح الله بِهِ عَلَيْكُم، فعلينا بِهِ فتح، فمقامكم الْعدة الَّتِي بهَا نباهي ونباهر، ونضاهي ونظاهر، ونكافي ونكاثر، ونصادم ونصادر. أبقاكم الله لآمال كَرِيمَة تَقْتَضِي، وخلال شريفة ترتضى، ومقاصد مبرورة، تنسى مَا سلف للسلف وَمضى. وَنحن أَيْضا نعد إيثاركم إيانا بالتعريف بِهَذَا التكييف هَدِيَّة ودية، تقل لَهَا الْمُكَافَأَة وَإِن جلت، وفضلا عميما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 أشرقت أنواره وتجلت، ويستدعي الْقيام بِحَق مقامكم، وَهُوَ المرام الْبعيد، ونجهد طرف اللِّسَان فِي ميدان الشُّكْر، وَأَيْنَ يَقع جهده مِمَّا نُرِيد، فَإلَى الله نكل مَا ننطوي لكم عَلَيْهِ من ود كريم، وَحب صميم، فَهُوَ بالبواطن عليم، وَلَا ينفع لَدَيْهِ مَال وَلَا بنُون، إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم. وَهُوَ عز وَجل يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم، الْبر العميم يخصكم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَكَانَ مِمَّا كتبت بِهِ لما وصلت الْأَخْبَار بنجاة ملك الْمغرب السُّلْطَان الْمُعظم أبي الْحسن من هول الْبَحْر لما هلك مَعَه الْجَمَاعَة من أَعْلَام ناسه بأحواز الجزاير، وَذَلِكَ من أوليات مَا كتبت فِي هَذِه الْأَغْرَاض الْمقَام الَّذِي عُيُون أهل الْإِسْلَام ساهرة فِي ارتقابه، وَقُلُوبهمْ خافقة عَلَيْهِ خفوق أَعْلَامه حول ركابه، وأكفهم إِلَى الله ممدودة فِي تيسير إيابه، وأسبابهم على بعد الدَّار ونزوح الأقطار مُتَعَلقَة بأسبابه، مقَام مَحل والدنا الَّذِي تعظيمنا على مثابته الْعلية مَوْقُوف، وأملنا إِلَى الله فِي عصمَة ذَاته الزكية مَصْرُوف، وقصدنا بالتشيع إِلَيْهِ، والاعتماد بعد الله سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ مَعْرُوف، صَاحب الْجِهَاد المقبول، والرفد المبذول، أَمِير الْمُسلمين الكذا أبقاه الله وسعوده تسْتَأْنف الأبدار أقمارها، والمشيئة تجْرِي بأحكامه العادلة أقدارها، والبشاير عَنهُ صدرها وَإِلَيْهِ ابتدارها، وحروف الزَّمَان تنبسط بَين يَدَيْهِ أعذارها، وَتعرض ذنوبها على حلمه فننثال مِنْهُ اعْتِبَارهَا، وَالْملَّة المحمدية تنسدل بحياته الرضية أستارها، والفئة الغريبة تتمهد بهَا أوطانها، وتتجدد أوطارها. مُعظم سُلْطَانه الَّذِي يجب لَهُ التَّعْظِيم باستحقاقه، وموقر ملكه الَّذِي تجلت أنوار الْفضل الْمُبين بآفاقه، المرتقب من طلوعه على هَذِه الأقطار، صبحا مشرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الْإِسْفَار، يصدع ليل الخطوب نور ائتلافه. وَيفتح بَاب الْفرج بعد استغلاقه، الْأَمِير عبد الله فلَان [سَلام كريم عَلَيْكُم] وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي أذن لسعود الْإِسْلَام، بعصمة ملككم الْمَنْصُور الْأَعْلَام فِي انبلاج صباحها، وجدد بهَا عزائم النَّصْر قبل ركود رياحها، وَأعَاد جِيَاد الآمال إِلَى مراحها، وَألف بَين قُلُوب الْمُسلمين واقتراحها، وَجمع بَين صُدُورهمْ وَبَين انشراحها، وتدارك الْملَّة المحمدية بتشييد ركنها، وجبر جناحها. وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله الْكَرِيم، نور الْهِدَايَة ومصباحها، وَمعنى الرسَالَة بَين اختتامها وافتتاحها، الرَّحْمَة الهامية فَوق وهاد الأَرْض وبطاحها، مخرس أَلْسِنَة الْبَغي بعد إفصاحها، ومطفي نَار الْفِتَن بعد اقتداحها، وَنَبِي الْمَلَاحِم، وَالْأَرْض تموج بكفاحها، لم تثن عزمه الشدائد بإنجاحها، وصروف الْأَنَام بجماحها، حَتَّى باءت كلمة الله بفوز قداحها. وَالرِّضَا عَن آله وصحابته الَّتِي ذادت عَنهُ بسيوفها [الْمَاضِيَة] ورماحها، وسمحت لَهُ بأموالها وأرواحها، وباعت نفوسها من الله فِي نَصره، فأعظم بأرباحها، وَالدُّعَاء لمقام أبوتكم الْعُظْمَى، أَعلَى الله معالم هديها وصلاحها، ورسم آيَات نصرها الْعَزِيز فِي صحف السَّعَادَة وألواحها، [بالصنع الَّذِي تتفتح أزهاره فِي خمائل الألطاف الْخفية وأدواحها] [فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لمقامكم سَعْدا جَدِيدا ريعانه، وَعزا مشيدا بُنْيَانه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 يقوم على [قدره] جَبَّار السَّمَوَات وَالْأَرْض برهانه. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَيْسَ بِفضل الله، الَّذِي لَا يعول فِي الشدائد إِلَّا عَلَيْهِ. وَلَا تمد الأكف وَتصرف الْوُجُوه إِلَّا إِلَيْهِ، إِلَّا إرْسَال جِيَاد الآمال فِي ميدانها، وسحب حلل الجذل ينم طيب أردانها، واستقبال مَا تعودته الْملَّة المحمدية من سَعَادَة أزمانها. لله الْحَمد على نعْمَة الَّتِي اتَّصَلت عوارف إحسانها، وصنايعها الَّتِي راقت أبصار البصاير لمحات حسانها، وَنحن على مَا يُعلمهُ مقامكم من التَّشَيُّع الَّذِي رفعنَا لكم بِهِ فِي النَّاس علما شهيرا، والتعظيم الَّذِي استعرنا مِنْهُ مهادا أثيرا، والاعتقاد الْجَمِيل الَّذِي اتخذناه إِلَى الله وَسِيلَة وعَلى أعدائه ظهيرا، وَالْحب الَّذِي لَا يزْدَاد نضاره على نَار الْبعد إِلَّا تشميرا. نؤمل من مقامكم على بعد الديار، وَاعْتِرَاض الْبحار ملْجأ ونصيرا، ونذيع من ثنائه مسكا فتيقا وعبيرا، وَمهما اجتلينا بِخَبَر سعادته وافدا وبشيرا، جعلنَا رسَالَته آيَة، واتخذنا يَوْمهَا عيدا كَبِيرا. وَإِلَى هَذَا فقد علم الله الَّذِي يعلم مَا فِي الضمائر، ويطلع على خفيات السراير، وَيرى فِي خلقه وهم شهداؤه فِي أرضه، مسرى الْمثل السائر، مَا عندنَا لمقامكم الْكَرِيم من الخلوص الَّذِي لم يلابس قطّ ريبا، الِاعْتِقَاد الْكَرِيم مشهدا وغيبا. وإننا بِحَسب ذَلِك من لدن أمعن ركابكم الْعلي السلطاني فِي تدويخ تِلْكَ الأوطان، حَتَّى ناءت الديار وشطت [ساءت المراحل وحطت] ، [فَانْقَطَعت فِيهَا وخطت. وَاخْتلفت الْأَخْبَار] ، فَلم يتَبَيَّن الصَّحِيح من الْمَوْضُوع، والمتصل من الْمَقْطُوع. وَاخْتلفت القضايا الْمُطلقَة، وأعملت الْأَفْعَال الْمُعَلقَة، وأوحشت الظنون وَسَاءَتْ، وترامت الأفكار حَيْثُ شَاءَت، أَلا ليستطيع شرح أَحْوَال هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الْقطر الَّذِي استظل بِظِل جناحكم، وَأمن فِي سياج رماحكم، وأخضبت أرجاؤه بغيث سماحكم، ضَاقَتْ بهَا الصُّدُور عَن زفراتها، والشؤون عَن عبراتها، والقلوب عَن أوجالها، والنفوس عَن اعتلالها، لاكن الثِّقَة بِاللَّه سُبْحَانَهُ مَا بَرحت تطلع فِي ليل ذَلِك الْخطب شهابا، والتوكل عَلَيْهِ لم يزل يفتح فِي تِلْكَ الشدَّة بَابا، وَمَا كَانَ الله لينثر عقد الدّين بعد انتظامه، وينسخ حكمه بعد إحكامه، ويكل الْإِسْلَام إِلَى إِسْلَامه، ويطفي النُّور الَّذِي وعد بإتمامه، إِلَى أَن ترادفت الْأَخْبَار من جهاتها، وَاتفقَ منقولها عَن اخْتِلَاف رواتها، وشافهنا بهَا من شَاهد ذَلِك التمحيص رَأْي الْعين، وَتبين الْحق من المين، وتعرفنا مَا كَانَ من صنع الله لكم فِي الشدائد بِمُقْتَضى فَضله الْجَمِيل العوائد، وَأَن مقامكم قد شملته الْعِصْمَة، وحلت على الْإِسْلَام بوقايته النِّعْمَة. ثمَّ وصل كتابكُمْ [المستولي] على مُطلق الرجا بعد اعتقاله، منطق لِسَان الشُّكْر لله بفصيح مقاله، وتعرفنا أَن ذَلِك الْقطر [سكن راجف زلزاله] ، وَوضع الأوزار وطيس نزاله، وَدخلت فِي مَذْهَب السّنة وَالْجَمَاعَة طوايف اعتزاله. وَأَن الْأَيَّام قد اعْترفت بذنبها، وَالْأَرْض قد أشرفت بِنور رَبهَا، والقبائل وسعهم الصفح والنائل، والمعاقل خف للطاعة مِنْهَا المتثاقل، وأنكم صرفتم النّظر الْجَمِيل إِلَى مَا يمهد الأوطان، وَيُؤَيّد السُّلْطَان، ويؤمن الْخَائِف، ويؤلف على مرضاة الله الطوائف. وَأَن مَحل أخينا الظَّاهِر الطَّاهِر أَبَا عَليّ النَّاصِر، أسعده الله، قدمتموه بَين يَدي ركابكم طَائِعَة الْيمن والسعد، ورائد عزمكم الصَّادِق الْوَعْد، وأنكم تقفون أَثَره إِن شَاءَ الله بالجيوش الجرارة، والكتائب المختارة، والمناصل الْمَاضِيَة الشبا، وَالْمُضَارب الَّتِي تشيب ببيضها مفارق الرِّبَا، وَإِن غرر هَذِه الْكتب، تقفوها غرر الْكَتَائِب، وَخبر هَذَا المروم، يتلوه خبر اللطائف الْعَجَائِب، فَنعم من قدمتم، إِنَّهَا لمقدمة لِلْعَدو سالبة، وأداة تَعْرِيف ألفها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ولامها هِيَ الْغَالِبَة، وحبذا مَا أطلعْتُم علينا من المسرة والبشائر الَّتِي حيتها هَذِه الثغور بالثغور المفترة، ليهنى مرقبها السعيد مراقب الْجِهَاد المقبول، ومثابة الرفد المبذول، والوعد الْمَفْعُول. فَلَقَد جدد لِلْإِسْلَامِ ملابس الْفَخر وَالْقَبُول، وَروض آمال الصِّلَة من بعد الذبول. وَأما موقع هَذِه الْبُشْرَى من مُعظم أبوتكم فَلَا توفيه الْعبارَة وَلَا توديه الْأَلْفَاظ المستعارة، وعذرنا عَمَّا كَانَ يجب علينا من صلَة الرسائل وَترد يَدهَا، وَتَقْرِير الْوَسَائِل، وعذرنا عَمَّا كَانَ يجب علينا من صلَة الرسائل وتردديها، وَتَقْرِير الْوَسَائِل وتجديدها، لَا يخفى على مقامكم الَّذِي يقبل الْأَعْذَار إِذا ظَهرت، وَيحمل الْمَوَدَّة على مَا عَلَيْهِ تقررت، من هول الْبحار، الَّتِي لَا تجْرِي على الْقيَاس أمورها، وَلَا يتَمَكَّن فِي كل الْفُصُول عبورها، وغدر الطَّرِيق الَّتِي كثر بالفتنة أمورها ومأمورها، وَمَا أصَاب السواحل من الْميتَة الَّتِي جرى فِي الْبِلَاد مقدورها. ومقامكم يوالي الْأَعْذَار الصادقة وَجها جميلا، ويبوءها من قبُوله ظلا ظليلا، قد علم الله وَالنَّاس، وَثَبت بِالْحَقِّ الَّذِي لَا يخالطه الالتباس، أننا لَو وجدنَا سَببا، أَو صادفنا للاتصال بكم مذهبا، لما قعدنا أَولا عَن المساهمة والدفاع فِي جملَة أَبْنَائِكُم، وَثَانِيا عَن مُبَاشرَة هنائكم، حَتَّى لَا يَنُوب فِي ذَلِك بعث الْكتاب عَن حث الركاب، وَلَا إِعْلَام الأقلام، عَن إِعْمَال الْأَقْدَام. وَالله تَعَالَى يسنى لكم من نَصره أكْرم مَا سنى للصالحين من مُلُوك عباده، وينشر لكم جنَاح الرَّحْمَة على أقطار الْإِسْلَام وبلاده، وَيصْلح بإيالتكم مَا فسد فِي الْأَحْوَال، ويسكن بهَا مَا عظم من الْأَهْوَال، ويضفي بهَا رواق الْعِصْمَة على الْأَدْيَان والنفوس وَالْأَمْوَال [وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يصل سعودكم ويحرس وجودكم] وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. كتب فِي كَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وَوصل كِتَابه رَحمَه الله تَعَالَى للسُّلْطَان أبي الْحجَّاج رَحْمَة الله عَلَيْهِ يعرفهُ أَيْضا بالكائنة الْمَذْكُورَة من أحواز الجزائر فصدر عني جَوَابا عَن ذَلِك مَا نَصه: الْمقَام الَّذِي لَا تنكر حُقُوقه الجمة وصنائعه، وَلَا يجْحَد فَضله الَّذِي انتشرت فِي الأَرْض شائعه، فثناؤنا عَلَيْهِ هُوَ الرَّوْض تأرج ذائعه، وودانا فِيهِ تصفو على كدر الزَّمَان شرائعه، وأبوته الْكَرِيمَة وديعتنا من ذمَّة الله، وَالله لَا تضيع ودائعه، مقَام مَحل أَبينَا الَّذِي بره وَاجِب مفترض، وَالْقِيَام بكبير حَقه لَا يقدم عَلَيْهِ غَرَض، السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا أبي سعيد ابْن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق، أبقاه الله يشْرَح لملمات الزَّمَان صَدرا رحيبا، ويستأنف من الله صنعا عجيبا، ولطفا قَرِيبا، ويتغمد بِالْعَفو ذنُوب دهره مهما أَتَى مستقيلا مستريبا، ويخفض جنَاح الْقبُول والرضوان خفضا لَا يبْقى تبعة وَلَا بذر تثريبا، مُعظم حُقُوقه الْعَظِيمَة، وموقر أبوته الْكَرِيمَة، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام كريم [برعم عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى، وأبوتكم الفضلى] وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله [الْملك الْحق] ذِي الْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة، مانح النعم العميمة، وفاتح الْأَبْوَاب المبهمة، وميسر الألطاف الْخفية عِنْد انْقِطَاع الْأَسْبَاب المبرمة، وجاعل الْعَاقِبَة للتقوى، كَمَا وعد فِي آيَاته الْكَرِيمَة المحكمة. وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد رَسُوله الْمُصْطَفى الْكَرِيم، نَبِي الملحمة الصائح بِالْآيَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الْبَينَات الْمسلمَة، الَّذِي باتباعه نختال من السَّعَادَة فِي الْحلَل الضافية المعلمة. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين وفوا بعهوده الملتزمة، وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ [فِي دينه] وَتَوَاصَوْا بِالرَّحْمَةِ. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى، بالنصر على عَبدة الصلبان تشهده مَلَائِكَة السَّمَاء المسومة، وتغني كتائبه عَن اتِّخَاذ الْجِيَاد المسرجة الملجمة. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم حسن المآب ونجح الْمَآل، وأطلع عَلَيْكُم أنوار البشائر من ثنيات الآمال. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَيْسَ بِفضل الله الَّذِي بِيَدِهِ الْأَمر كُله، وَلَيْسَ فِي الْوُجُود إِلَّا فعله، ثمَّ ببركة الِاعْتِقَاد الْجَمِيل فِي مقامكم السَّامِي مَحَله. العميم فَضله، إِلَّا البشائر الَّتِي بَابهَا فِي موطى السَّعَادَة، هُوَ الْبَاب الْجَامِع، وأحاديثها على الْإِعَادَة لَا يملها الرَّاوِي وَالسَّامِع. وأبوتكم الْكَرِيمَة لَا تعدل الْبشَارَة بعصمتها بِشَارَة، وَإِن جلت، وَلَا ترجح صنيعتها عِنْدهَا صَنِيعَة، وَإِن أشرقت أنوارها وتجلت، نمد الأكف لغمامتها كلما استهلت، ونتتبع مساقط أندافها حَيْثُ حلت، ونداوي بأنبائها أدواء الْقُلُوب الَّتِي لبعدها اعتلت، وَكَيف لَا وأرجاؤها بأفضالكم السَّابِق ناطقة، وألفاظ ثنائها لمعاني كتابكُمْ متضمنة، وَعَلَيْهَا مُتَطَابِقَة، أبقاكم الله وَأَسْبَاب التَّوْفِيق لأحوالكم مُوَافقَة، ورفاق الصَّنَائِع اللالهية لَهَا مرافقة، ومتاجرها فِي مُعَاملَة الله تخطبها لحسن الْجَزَاء أسواق نافقة، وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، فجملة أمرنَا فِي هَذِه الْأَحْوَال الَّتِي جرت، والشدائد الَّتِي خلصت لَهَا معادن البصائر الإيمانية وتشحرت، والتمحيص الَّذِي تضمنه الْكتاب الْمَوْقُوف [وناء بديته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 الزَّمن الممقوت] ، وطالما أصلى الْيَاقُوت [جمر الغضا ثمَّ انطفى الْجَمْر والياقوت] أننا مَا برحنا بِوَاجِب شَفَقَة الْبُنُوَّة نخالف الأسى، ونتدارس فِي حمل هَذِه الْأُمُور بَاب لَعَلَّ وَعَسَى، فَتَارَة نستفتح وُجُوه الصَّبْر وَهِي جميلَة، ونتعلل بنواسم الْأَخْبَار وَهِي عليلة، وَتارَة نفوض الْأُمُور إِلَى من بِيَدِهِ مقاليد الألطاف الْعَجَائِب، ونمدكم من الدُّعَاء بأعظم الْكَتَائِب. هَذَا والعدو الَّذِي سَالم الْإِسْلَام بِسَبَب جهادكم، وتقلصت أطماعه بامتداد ظلال أمدادكم، قد فاض علينا بحره، وتجنى على عهدنا غدره، وشره إِلَى استئصالنا نابه وظفره، ونازل جبل الْفَتْح، الَّذِي كَانَ نصركم إِيَّاه بِفضل الله سَبَب نجاته، واستعدادكم [فِيهِ] ذَرِيعَة استمساك الدّين وثباته، بِمَا تجدونه مذخورا يَوْم يسر الْمُؤمن بحسناته، بعد خصام جرى بَيْننَا وَبَينه، تَوَجَّهت عَلَيْهِ فِيهِ الْحجَّة، ووضحت من سَبِيل غدره المحجة، وخيرنا فَلم نرض الدنية الَّتِي عرضهَا، وحملنا الْأُمُور على أَشد الْوُجُوه الَّتِي فَرضهَا، ثِقَة بِاللَّه الَّذِي هُوَ الملجأ الأحمى والركن الْأَقْوَى، وعلما بِأَن الْعَاقِبَة للتقوى، فسد الْبَاب، وَقطع الْأَسْبَاب، وَرَأى أَنه إِذا فازت بفرضة الْمجَاز قداحه، ولان لَهُ من الْجَبَل بطول الْحصار جماحه، تستسف بِمَا سواهُ رياحه، وتملكت الْبِلَاد والعباد رماحه، وَلم يدر أَن لله كتائب تخفى عَن عُيُون الْكَتَائِب، وتكمن فِي مدارج الأنفاس ومياه المشارب، وَأَن الجديدين اللَّيْل وَالنَّهَار يبليان الْجَدِيد، ويأتيان بالعجائب، وعَلى هَذِه الْحَال المهمة، والنوائب الْملَّة، فمقامكم شغل بالنا، وَفِي ميدان مساهمتكم مجَال آمالنا نصل السُّؤَال عَن أَبْنَائِكُم فِي كل الأحيان، ونعاقب بعث الرسائل على تعاقب الزَّمَان، وَفِي هَذِه الْأَيَّام وَفد علينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 رسولاكم فلَان وَفُلَان، وصل الله عزتهما، [ووالى رفعتهما] ويمن وجهتهما، وفادة كَانَ الْيمن لَهَا وَالْحَمْد لله رائدا، وَسعد الْإِسْلَام وَأَهله لركابهما قائدا، منصرفين عَن مخيم الطاغية، الَّذِي بعثتموهما إِلَيْهِ، بعد أَن قوضت رحاله، وحالت حَاله، وحم هَلَاكه، وانتثرت أسلاكه، وأديا إِلَيْنَا كتابكُمْ، الَّذِي طَال عهدنا باجتلاء غرره، واقتنا درره، وتعرفت عوارف الْفضل والكمال بَين ورده وصدره، جَوَابا عَن بعض الْكتب الَّتِي وجهنا إِلَيْكُم وأوفدنا عَلَيْكُم، ظهر أَنه لم يخلص غَيره من جملَة مكاتبات عديدة بعثناها، وركائب مخاطبات إِلَيْكُم حثثناها، عاقت الْأَهْوَال عَن وصولها، وفصلتها الحوداث قبل بَث فصولها، وَشرح محصولها، عَرَفْتُمْ فِيهِ أَن ركابكم العالي، اسْتَقر بِمَدِينَة الجزائر قراره، واطمأنت بهَا دَاره، بعد الشدَّة الَّتِي هِيَ إِن شَاءَ الله ختام الشدائد، والأزمة الَّتِي عرفكم الله فِيهَا جميل العوائد وَأَن الْقَبَائِل بذلك الوطن قد اعتلقت من طاعتكم سَببا وثيقا، وسلكت من الانقياد لأمركم الْعلي سَبِيلا وَاضحا وطريقا، وَدخلت فِي طاعتكم فوجا فوجا، وفريقا فريقا، مستبقين من تَجْدِيد العهود الَّتِي أعطوها صفقات إِيمَانهم، ورهنوا فِي الوفا بهَا، الْكَرِيم من أَخْلَاقهم وأديانهم، وَإِن الْوُفُود إِلَيْكُم قد أَقبلت، والسعود لدعوتكم قد انجلت، وَإِن صفحكم قد شَمل من أناب، وعفوكم قد تغمد من تَابَ، وقبولكم قد فتح للوارد الْبَاب، وَوصل للمنبت الْأَسْبَاب، وَإِنَّكُمْ لم تقدمُوا عملا على مُخَاطبَة الطاغية بِالْحجَّةِ الَّتِي أملتم أَن تستنزله من مهواته، وتستنقذ مُضْغَة الْإِسْلَام من لهواته، قيَاما بِحَق الله فِي الْحَال الَّتِي يهم فِيهَا للقلوب شَأْنهَا، وَلَا ينفع النُّفُوس الْكَرِيمَة إِلَّا إيمَانهَا، فَكَانَ من التَّوْفِيق الْغَرِيب. والصنع العجيب، أَن رسوليكم وردا على طاغية الرّوم بقاطع أَجله، ووفدا إِلَيْهِ بخيبة أمله، وَنِيَّة الْمُؤمن كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 من عمله، فَمَا كَانَت كتبكم إِلَيْهِ إِلَّا كَتِيبَة، تقدمها طلائع النَّصْر، ومقدمة رفع تخصيصها عَن الْجَبَل دَعْوَى الْحصْر، ورقى شفى بِهِ الزَّمَان زمانته، ووثيقة مكن بهَا الْإِيمَان من أَمَانَته [وعلاجا لم يفق بعده من ألم، وَسَهْما من سِهَام الخواطر الْخَالِصَة لله أصَاب وراميها بِذِي سلم، فكال رَسُولا كم مِمَّن طلع علينا بشيرا بهلاكه، وانتثار أسلاكه، ظُهُور حَرَكَة الإدبار فِي أملاكه، فَضَحكت ثغور هَذِه الثغور، ووضحت مَذَاهِب الْأُمُور، وشفيت علل الصُّدُور، واستأنف الْإِسْلَام بدار الْكَمَال وَكَمَال البدور، وسفر السعد عَن وَجهه الْمشرق. ووردت علينا المسرات المختلفات من جهتي الْمغرب والمشرق، هَذِه تعلق بحياة الحبيب الْكَرِيم ودنو دَاره، وَهَذِه تفصح بممات الْعَدو وتباره، فيا لَهما من بشارتين اختلفتا، فرجوعهما إِلَى عنصر وَاحِد، والتقاؤهما فِي أصل كريم، وَإِن تشفعت الْمَقَاصِد، إِذْ هما عنوان على فضل نيتكم الَّتِي أنوارها قد بهرت، وببركة سريرتكم الَّتِي بَانَتْ شواهدها وَظَهَرت. وَإِذا اعْتبرنَا التَّرْجِيح فِي هَذَا الْمَحْصُول، رَأينَا أَن الْفُرُوع لَا تقوى قُوَّة الْأُصُول، وَأَن الْبشَارَة بعصمتكم، أقوى علا قدرا، وَأَرْفَع خطرا، أوزعنا الله شكرا، يكون لما أولى من كليهمَا كفاء، وَوَهَبْنَا قيَاما بحقهما ووفاء، فَإِنَّهُمَا نعم أذهلت الْعُقُول، واستصغرت الْمُسْتَعَار من الْأَلْفَاظ وَالْمَنْقُول، فَنحْن نهنئكم بِهَذَيْنِ الصنعين الَّذين هما من آثَار نيتكم، وَصدق طويتكم، وَكَأن بمواهب الله قد اتسقت، وأفنان الْيمن قد بسقت، وليالي الشدائد قد أضاءها الْفرج بعد مَا غسقت، وَدين الْإِسْلَام قد استحكم متاته، وَالْكفْر قد أمكن مِنْهُ اضطرابه وشتاته. وَلَا تسئلوا عَن الْأَحْوَال بِهَذَا الْقطر، الَّذِي كلبت لهَذِهِ الْأَحْوَال عداته، إِنَّمَا هُوَ جَسَد عاودته حَيَاته، وَبدر راجعته من بعد السرا راياته. وَأما مَا عندنَا من الدعا لعهدكم، والضراعة لله فِي دوَام سعدكم، فَلَو علمنَا أَنه خَفِي بجهدنا فِي تَقْرِيره، ووكلنا أَلْسِنَة الأقلام بشرحه، وتيسيره، إِنَّمَا هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 صبح وضح سفوره، وتألق فِي الْآفَاق نوره، وَالله تَعَالَى يصل لكم أَسبَاب عنايته ويوزعنا شكر مَا من بِهِ من عصمَة مقامكم ووقايته. وَقد حضر بَين يدينا رسولاكم أعزهما الله، وألقيا إِلَيْنَا مَا دَار بَينهمَا وَبَين النَّصَارَى فِي أَمر السّلم الَّذِي أكدتم حكمهَا بِمُقْتَضى نظركم لِلْإِسْلَامِ وَأَهله، وجر مقامكم على مَا يَلِيق بفضله، وَمَا وعد بِهِ من صرف الجفن الَّذِي ظهر عَلَيْهِ الْعَدو، من الأجفان الْوَاصِلَة من جهتكم من جملَة مَا تضمنه الشُّرُوط، وتشتمل عَلَيْهِ الربوط، وَإِن الْوَلَد الَّذِي أَقَامَ النَّصَارَى بعد أمه يرضى ذَلِك، ويسلك مِمَّا كَانَ وَالِده ينقاد إِلَيْهِ أوضح المسالك، فأمسكناهما عندنَا يَسِيرا، لزي مَا تنبلج عَنهُ المراوضة، وتفضي إِلَيْهِ الْمُفَاوضَة. أطلع الله من الْأُمُور كلهَا على مَا يكون فِيهِ سَعَادَة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين، وكبت أعدائه الْكَافرين. وَإِن تفضلتم بتعريفنا إِن أمكن بِبَعْض أحوالكم، فَهُوَ صلَة لأفضالكم، وَتَمام على الَّذِي أحسن من كمالكم. وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وَمِمَّا صدر عني فِي غَرَض التهنئة وَقد استولى السُّلْطَان أَبُو عُثْمَان بن أبي زيد بن أبي زَكَرِيَّا ابْن السُّلْطَان أبي يحيى يغمراسن بن زيان على مستوطن سلفه وَمحل خلافتهم من مَدِينَة تلمسان حرسها الله الْمقَام الَّذِي نظم من عُقُود الدولة مَا انْتَشَر، وأقال بِهِ ملكهَا بعد مَا عثر، فأحيا السّنَن الْحسن من مَكَارِم قومه، وَأَحْيَا الْأَثر، مقَام مَحل أخينا الَّذِي نسر بتجديد وده، وإعادة عَهده، وصفينا الَّذِي نبتهج باتساق أمره، واستئناف سعده، ونصل الثنا على أَصَالَة مجده، ونثق مِنْهُ بالمعتمد الَّذِي يحي فِي سَبِيل الله [وإعانة هَذِه الْبِلَاد] سنة قومه، وَأثر جده، السُّلْطَان الكذا [أبي سعيد عُثْمَان بن السُّلْطَان الكذا أبي زيد عبد الرَّحْمَن بن السُّلْطَان الكذا أبي زَكَرِيَّا ابْن السُّلْطَان الكذا أبي يحيى يغمراس بن زيان] ، وصل الله لدولته الرفيعة، أَسبَاب الانتظام والاتساق، وأطلع لَهَا كواكب السَّعَادَة باهرة الْإِشْرَاق، وَمد عَلَيْهَا من عنايته كل وارف الْجنَاح خفاق الرواق، وهناها الْملك، الَّذِي جددت ملابسه بعد الإخلاق، وجمعت شَمله بعد الِافْتِرَاق، وتناولته بِوَاجِب الِاسْتِحْقَاق. مُعظم، مقَامه أتم التَّعْظِيم، وممجد سُلْطَانه الرفيع ومجده الصميم، الْمثنى على دينه المتين وفضله العميم، والمسرور بِمَا سناه الله لسعده من تَجْدِيد الْعَهْد الْقَدِيم، والود الْكَرِيم. الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 نصر. سَلام كريم يستمد الشَّمْس من نور محياه، ويستعير الرَّوْض طيب رياه، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله المبدي المعيد، ميسر الأمل الْبعيد، الَّذِي من توكل عَلَيْهِ، ولجأ إِلَيْهِ، فقد أَوَى إِلَى [الظل الظليل] والركن الشَّديد، وَمن شكر نعْمَته، تكفل لَهُ بالمزيد، وَمن أسلفه فِي ذَاته عملا صَالحا، جنى على الْأَيَّام ثَمَرَة قَصده الحميد، وَالصَّلَاة [وَالسَّلَام] على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله ذِي الْقدر الرفيع والعز المكين، وَالْمجد المشيد، الْهَادِي إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين سلكوا على نهجه الْوَاضِح وقصده السديد، وتناسقوا فِي سلك أَتْبَاعه، تناسق الدّرّ الفريد. وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالنصر على أَعدَاء الله والتأييد، والصنع الَّذِي يتجلى للعيون باسم الثغر سامي الْجيد. وَلَا زَالَت صنائعه تعتمد مصانع المكرمات بالتنجيد، وتتعاهد أمهَا بالترديد. فَإنَّا كتبنَا إِلَيْكُم، كتب الله لكم بليغ الأوطار، وإحراز الآمال [وهناكم] بِمَا خولكم من الْملك الرفيع الْخلال، وجعلكم من الشَّاكِرِينَ لنعمه بالأقوال والأعمال، من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَيْسَ يفضل الله [سُبْحَانَهُ] المرجو فِي الشدايد الْجَمِيل العوايد، ثمَّ ببركة الِاعْتِدَاد بمقامكم السَّامِي الصاعد، والأصيل الْقَوَاعِد، إِلَّا مَا شرح الصُّدُور، وَأكْثر السرُور، وَبسط النُّفُوس، وأضحك الزَّمن العبوس، من اتساق [أُمُور] ذَلِك الْملك لديكم، واجتماع كَلمته عَلَيْكُم، وَمَا تعرفنا من أَن الدولة الزيانية، وصل الله لبدورها اسْتِئْنَاف الْكَمَال، وَأَعْلَى أعلامها فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 هضاب الْيمن والإقبال، تذكرت الْوَسَائِل الْقَدِيمَة والأذمة، والقت إِلَى قَومهَا الأزمة، وحنت إِلَى عَهدهم على طول النَّوَى، وَأنْشد لِسَان حَالهَا " نقل فُؤَادك حَيْثُ شيت من الْهوى "، وَأصْبح شتيت شملها بِأَهْلِهَا مجموعا، وَعلم عليائها بأيدي أوليائها مَرْفُوعا، وملابس اعتزازها على ابتزارها جَدِيدَة، وظلال سعودها على أغوارها ونجودها وديدة، وقبيلها قد أنجح فِي ائتلافه أمل الآمل، ومبتداها مَرْفُوع مَعَ وجود الْعَامِل، وَالْكثير من أوطانها، قد سلكت مَسْلَك تلمسانها فِي الطَّاعَة، وتبادرت إِلَى استباق فَضِيلَة الْوِفَاق بِحَسب الِاسْتِطَاعَة، فَعظم الاستبشار، بِأَن كَانَ إِلَيْكُم ملكهَا، وَفِي يدكم اختبالها، من غير أَن يعلق بأسبابها، من لَيْسَ من أَرْبَابهَا، ويطمع فِي اكتسابها، من لم يكن فِي حِسَابهَا، وَقُلْنَا إِنَّمَا هُوَ إِرْث وَجب، وعاصب حجب، وَركب عاج بعد القفول، وشمس طلعت بعد الأفول، وجيد حلى بَعْدَمَا اشْتَكَى العطل، وغريم قضى بَعْدَمَا مطل، وطرف تنبه بَعْدَمَا هجع، ودرى استقام سيره بَعْدَمَا رَجَعَ، وَقَضِيَّة انْصَرف دليلها عَن حُدُود القواطع، وطرحت عَلَيْهِ [أشعتها] السُّعُود السواطع، لَا بل عبد أبق، لغدر سبق، حَتَّى إِذا رَجَعَ نَهَاهُ، وعذله الْعقل وَنَهَاهُ، جنح بعد هجره، إِلَى كنف من نَشأ فِي حجره. وَعلمنَا أَن الدولة الَّتِي عرفنَا مَكَانهَا قد دالت، والغمامة الَّتِي شطرنا مواقعها، قد انثالت، والعهد الْقَدِيم قد تجدّد، والود الْكَرِيم قد تَأَكد، فجرينا فِي المسرة ملْء الأعنة، وشاركنا فِي شكر هَذِه الْمِنَّة، مَا لإيالتكم على هَذِه الْبِلَاد الأندلسية من حُقُوق لَا تنكر، وأعمال لَا تزَال تشكر، طالما خلصت إِلَيْهَا الأمداد ذَوَات الدسر والألواح، وطلعت عَلَيْهَا شرعها الْبيض طُلُوع فلق الصَّباح، تتسابق دهم جيادها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 فِي أَعِنَّة الرِّيَاح، مفعمات الأعطان، بإعانة هَذِه الأوطان، معربة عَن أَصَالَة الدّين، وَعز السُّلْطَان، قد سمح لَهَا بالخزائن الثرة، من يسْتَقلّ الْكثير، إِذا سمح، ويبلغ بهمته السما مهمى طمح، فحقيق أَن يلبس بخبرها حلل الجذل، وترتاح لنسيم سعدها الْمقل. فَمَا عدمت وَالْحَمْد لله الْمَكَان وَلَا السُّلْطَان، وَلَا حل بِنَا مَا كَانَ على مَا كَانَ. وَمن قدم فِي سَبِيل الله مَا قدم ذَلِك السّلف [الصَّالح] الَّذِي درج، وأخلص فِي إمداد الْإِسْلَام وإرفاده الْعَمَل، الَّذِي إِلَى مرقى الْقبُول عرج، كَيفَ لَا يقيل الله دولته إِذا عثرت، وينظم عقودها إِذا أنتثرت، ويحيي آثارها بَعْدَمَا درست، ويجنيها من عَفوه وإقالته ثمَّ مَا غرست، فَهَذَا الْقطر الجهادي، هُوَ ميدان الْأَعْمَال الصَّالِحَة، وسوق التِّجَارَة الرابحة. وَالله سُبْحَانَهُ أوفى من ضمن أجرا، وَأكْرم من أربح تجرا. وإننا أصدرنا إِلَيْكُم هَذَا الْخطاب مهنيا، وَعَن الود الْكَرِيم وَالْوَلَاء الصميم مُبينًا، وَفِي تَقْرِير مَا بَين الأسلاف [جدد الله عَلَيْهِم ملابس الرضْوَان] معيدا مبديا، وَإِن تَأَخّر مِنْهُ الْغَرَض، وَقضى لهَذَا الْعَهْد واجبه المفترض، والأعذار وَاضِحَة، وأدلتها راجحة، وللضرائر أَحْكَام تمضى، والفروض الفوايت تقضي، فَكيف والاعتقاد الْجَمِيل ميسر مُمكن، وَالْوَقْت وَالْحَمْد لله مُتَمَكن. وَمَا برحنا من منَاط اجْتِهَاد، وترجيح استشهاد، وَالْأَخْبَار يطرب مفهومها، والألفاظ لَا يتخصص عمومها، وَالْأَحَادِيث يتجول فِي معارضتها [النّظر] وَلَا يلْزم الْعَمَل مَا لم يَصح الْخَبَر. فَلَمَّا تحققنا الْأَمر من فصه، وتعاضد قِيَاسه بنصه، لم نقدم على الْمُبَادرَة عملا، وَبينا لكم من حسن اعتقادنا مَا كَانَ مُجملا، فليهن تِلْكَ الإيالة مَا استأنفت من شبابها وتسربلت من جَدِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أثوابها، ولتستقبل الْعَيْش خضرًا، والدهر معتذرا [والسعد مُسْفِرًا] وَالزَّمَان من ذَنبه تايبا مُسْتَغْفِرًا. وَأما مَا لدينا من الْوَلَاء الْمُحكم الْأَسْبَاب، والاعتداد بؤاد ذَلِك الجناب، فشيء يضيق عَنهُ نطاق الْكتاب، وَيقصر فِيهِ إطناب الإطناب، فثقوا منا بالخلوص الَّذِي تسابقت إِلَى الْغَايَة القصوى جياده، والصفا الَّذِي تجلت بلآلى الوفا أجياده. وأوفدنا إِلَى مقامكم الْكَرِيم [بكتابنا هَذَا] نَائِبا عَنَّا فِي غَرَض الهنا، ومقررا قَوَاعِد الْحبّ الوثيق إِلَيْنَا، فلَانا، وفضلكم يصغي إِلَيْهِ، وَيعْتَبر من ذَلِك مَا لَدَيْهِ. وَالله عز وَجل [يصل إعزاز سلطانكم، وتمهيد أوطانكم] وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. وَصدر عني أَيْضا فِي مُخَاطبَة سُلْطَان مَدِينَة تلمسان الدايل على هَذَا الْعَهْد، الْأَمِير أبي حمو مُوسَى بن الْأَمِير أبي يَعْقُوب يُوسُف بن الْأَمِير أبي زيد عبد الرَّحْمَن بن الْأَمِير أبي زَكَرِيَّا يحيى ابْن السُّلْطَان أبي يحيى يغمراسن بن زيان، عَن السُّلْطَان بالأندلس فِي غَرَض الهنا لما دَال أَمر وَطنه إِلَيْهِ وَقد وصل كِتَابه يعرف بذلك من الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد بن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره، وأعز نَصره، إِلَى السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الكذا وصل الله لَهُ أَسبَاب الْعِنَايَة، وعرفه سَعَادَة الْإِمَارَة الْمُبَارَكَة وَالْولَايَة، وَحمله على سنَن التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة. سَلام كريم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله مُجَدد العهود، ومنجز الوعود، ومطلع نُجُوم السُّعُود، ومخول الْآبَاء مِيرَاث الجدود، ومتمم الأمل ومكمل الْمَقْصُود، الَّذِي أعادكم إِلَى ملككم، وَالْعود أَحْمد، إِعَادَة الْفضل والجود، وَيسر عَلَيْكُم مرامه على طول الحوم على الْوُرُود. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله ومصطفاه من هَذَا الْوُجُود، نَبِي الرَّحْمَة الهامية العهود، وَصَاحب الْمقَام الْمَحْمُود، الصادع بِالْآيَاتِ الْبَينَات الزاكية الشُّهُود، والمعجزات الثَّابِتَة الْعُقُود، شَفِيع الْخَلَائق فِي الْيَوْم الْمَوْعُود، وداعيهم على بَصِيرَة من ربه إِلَى دَار الخلود، فَمن اعْتصمَ بحبله أَو أَوَى إِلَى طلبه، تمسك بِالسَّبَبِ المشدود، ولجأ إِلَى الظل الْمَمْدُود. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه السَّادة الْأسود، الركع السُّجُود، الَّذين جمعُوا فِي نَصره بَين الوفا والعهود، وَفرقُوا بَين الصوارم والغمود، وَرفعُوا قبَّة مِلَّته، مديدة الطنب سامية العمود. والدعا لسلطانكم بالعز الصافي الْوُرُود، والسعد الضافي البرود. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا ثاقب الشهَاب، وَعزا رفيع الجناب، وتوفيقا متين الْأَسْبَاب، وصنعا يتكفل بِتمَام الْأَغْرَاض، وَكَمَال الْآرَاب. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَنعم الله واكفة السَّحَاب، وآلاؤه مفتحة الْأَبْوَاب، ضافية الأثواب، وَعِنْدنَا لكم من الود اللّبَاب، والاعتقاد الأنيق الجلباب. ذخائر حزناها عَن سلفنا بِالْإِرْثِ والاكتساب. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، فإننا تأدى إِلَيْنَا كتابكُمْ المبرور، وخطابكم الْمَأْثُور، فأهلا بِهِ من وَافد يحدوه الجذل وَالسُّرُور، وزائر تَنْشَرِح بِهِ من أوليائه الصُّدُور، عرفتمونا فِيهِ بِمَا كَانَ من صنع الله، الَّذِي أوضح السَّبِيل، وجبر الْقَبِيل، وأبلغ التأميل، وجلى من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 رِضَاهُ وفضله الْوَجْه الْجَمِيل، وَأَنه سُبْحَانَهُ أعادكم إِلَى سلطانكم، وسوغكم الْقَرار فِي أوطانكم، ورد عَلَيْكُم مِيرَاث جدودكم، وَأذن فِي استيناف سعودكم، فَأَصْبَحت قصوركم آهلة، ودعوتكم [فِي نعْمَة] من الله شَامِلَة، ومنة مِنْهُ كَامِلَة، وَأَن مَا يجاور حضرتكم من تلمسان من الْجِهَات، تبادرت إِلَى الدُّخُول فِي الطَّاعَة، وحملت الْأَمر على الْفَوْر بِجهْد الِاسْتِطَاعَة، فَلم تكن عهودها بالعهود المضاعة، وانتظم العقد على وسطاه، وتهنا الْملك مَا خوله الله وَأَعْطَاهُ، وامتدت فِي تِلْكَ الساحة خطاه، وَفرع ثنية الْعِزّ واقتعد مطاه. واستوفينا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ من جزيئات التَّعْرِيف فِي ذَلِك التكييف، والصنع اللَّطِيف. فقابلنا مَا كَانَ من اعتقادكم إيانا بإهدائه، وإطرافكم بأنبائه، بالشكر لسلطانكم الَّذِي تأسست قَوَاعِد ولائه على سنَن سلفه [فِي مُوالَاة سلفنا] ونهج آبَائِهِ، وسررنا بسعادة علائه، وَسَأَلنَا من الله دوَام نعْمَته واتصال آلائه. وَقُلْنَا إِرْث رده الدَّهْر على أَهله، وَشَيْء عَاد إِلَى مَحَله، ويجد زين بعقده، وَسيف أُعِيد إِلَى غمده، وَبدر عَاد إِلَى إبداره من بعد سراره، وَسَاكن رَجَعَ إِلَى دَاره، وفلك استقام على مَدَاره. ورأينا أَنَّهَا عناية من الله بكم ظَاهِرَة، وسعادة أنوارها باهرة، إِذْ مثل هَذِه الضَّالة الَّتِي ملكتم زمامها، والإمارة الَّتِي رفعتم أعلامها، قَلما استخلص حَقّهَا، وأوضحت فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم طرقها، إِلَّا عَن حروب مبيرة مبيدة، ومواقف عَظِيمَة شَدِيدَة، ونفوس ريعت، وَحُرْمَة للدّين أضيعت، فكونكم صير الله لكم ذَلِك عفوا، من غير عَنَّا [إِنَّمَا هُوَ لطف مِنْهُ] بكم، واعتنا. وَوَقعت بَيْنكُم وَبَين الدولة المرينية، أعزها الله، عُقُود أحكم مِنْهَا كل بِنَا، وتأسست قواعدها على ود وَصفا، فَلم تمتد إِلَى البرى يَد اعتداء، وَلَا رَاع الْخلق بذلك الوطن وُقُوع دَاء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وَذَلِكَ دَلِيل على رضوَان من الله وَقبُول، وَسعد مَوْصُول، وفروع سوغت مِيرَاث أصُول. فَنحْن نهنيكم بِمَا من الله بِهِ عَلَيْكُم، وسنى من السَّعَادَة الَّتِي سَاقهَا إِلَيْكُم، ونسله لكم تَحْسِين العواقب، وإعلاء المراقي والمراقب، ونقرر سرورنا باستقامة أَحْوَال الْمُسلمين على الْعُمُوم وَالْإِطْلَاق، وَحَيْثُ اتّفق من الْآفَاق، وخصوصا فِيمَا قرب منا جواره، وَدنت دَاره، وفيمن بَينه وَبَين سلفنا الود الَّذِي لَا يجهل مِقْدَاره. وَلَا تخفى آثاره. وَالله عز وَجل يسعدكم بهَا من رَجْعَة، ويمتعكم بهَا من نجعة، ويحملكم فِيهَا على الْبر وَالتَّقوى، ويجعلنا وَإِيَّاكُم مِمَّن اعْتصمَ بِالسَّبَبِ الْأَقْوَى. وَهُوَ سُبْحَانَهُ ينجح الْأَعْمَال، وَيجْرِي على مَا يرضيه الْأَحْوَال. وَهُوَ عز وَجل يصل سعدكم [ويحرس مجدكم] ، وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَصدر عني أَيْضا وَقد اتَّصل الْخَبَر باستقلال ملك الْمغرب السُّلْطَان الْمُعظم أبي عنان رَحمَه الله على الْملك الْمقَام الَّذِي لَهُ الْمجد الصراح، والحسب الوضاح، والأصالة الَّتِي أَخْبَارهَا فِي عوالي الْمَعَالِي ومعالي العوالي هِيَ الحسان الصِّحَاح، وَالْبَيْت الَّذِي دعائمه العزائم والصوارم والرماح، وطينته الْجَلالَة والبسالة والسماح، وفضائله الْعَالِيَة، ومكارمه المتوالية [كَمَا متع الصَّباح] وأخبار فخره المنشور، ومجده الْمَشْهُور، تسرى فِي وجهات الْمَعْمُور، كَمَا تسرى الرِّيَاح. مقَام مَحل أخينا الَّذِي لَهُ الْمجد الوثيق الأساس، والأصالة الَّتِي ذكرهَا فِي النَّاس ذَات الندى والباس، والمفاخر الَّتِي يشْهد بهَا موقف الجلاد، ومثابة الإرفاد، وَظُهُور الْجِيَاد، ولسان القنا المياد، وصفح القرطاس، والمآثر الَّتِي أغْنى فِيهَا أَعْلَام الْإِجْمَاع عَن إِعْمَال الْقيَاس [السُّلْطَان الْجَلِيل، الْمُعظم الْكَبِير الشهير، الإِمَام الْعَادِل، البطل الباسل، الحافل الْفَاضِل الْكَامِل، الأمضى الموقر المبرور أَبُو عنان] ابْن مَحل أَبينَا الَّذِي نعظم قدره، ونوجب بره، السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا [الْمُؤَيد المعان] صَاحب الْجُود الشهير فِي الأقطار، وَالْفضل المتألق الْأَنْوَار، والمآثر الَّتِي هِيَ أوضح من محيا النَّهَار، أَمِير الْمُسلمين، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل رب الْعَالمين أبي سعيد، ابْن السُّلْطَان الكذا، أَمِير الْمُسلمين وناصر الدّين، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل رب الْعَالمين، الْمُقَدّس الأرضي، المبرور المرحوم أبي يُوسُف يَعْقُوب ابْن عبد الْحق. أبقاه الله يَرْمِي أغراض الْأَعْمَال الصَّالِحَة، بمكارمه الْوَاضِحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 فَيُصِيب، ويمد يَده إِلَى مواهب توفيق الله وتسديده، فيتوفر لَهُ مِنْهَا النَّصِيب، ويجدد عهود سلفه الَّتِي أَعمالهَا الْكَرِيمَة عِنْد الله لَا تخيب. مُعظم سُلْطَانه الشهير الْجَلالَة، الرفيع الْأَصَالَة، الْمثنى على مناسبه الَّتِي يقصر عَن ذكرهَا لِسَان الإطالة، الدَّاعِي إِلَى الله أَن يصل لَهُ بسلوك مرضاته عوائد آلائه المزدادة، ونعمه المنثالة، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج بن نصر. سَلام كريم طيب بر عميم، تتأرج فِي روض الِاعْتِدَاد بكم فِي الله نواسمه، وتفتر عَن ثغر الوداد الْمَحْض فِيهِ مباسمه، وتتفتح عَن زهر الثنا بِأَعْلَى معالي ذَلِك الْملك الشهير الْعلَا كمايمه، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي لَا يضيع عمل عَامل، وَلَا يخيب فِي فَضله العميم أمل آمل، معود الْإِسْلَام وَأَهله من ذَلِك الْملك الَّذِي يتَمَسَّك على مر الْأَوْقَات بحبله، ويستظهر بجموعه الناصرة على جَمِيع الْمَوَاهِب كل يسر شَامِل، وحامله من فَضله الْعَظِيم الْمَوَاهِب عِنْد التباس الْمذَاهب على سَبِيل سابل، ومنجده فِي الأزمات بِكُل كَاف من أوليائه أولي العزمات وكافل، فَإِن عظم كلب أعدائه، وغفل الدَّهْر عَن معالجة دائه، فَمَا رَبك بغافل. ومهمى ساءت ظنونه، واقتضيت بخصومات الْعَدو دُيُونه، حرك لَهُ همة كل ملك فَاضل، وأيده الله مِنْهُ بمدافع عَنهُ بعد مدافع، ومناضل عَنهُ إِثْر مناضل وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد النَّبِي الْكَرِيم، الرؤوف بِالْمُؤْمِنِينَ الرَّحِيم، أصدق قَائِل، وَأكْرم فَاعل [وأشرف الْبَريَّة بَين حاف وناعل] دَاعِي الْخلق للَّتِي هِيَ خير وَأبقى، ومنقذهم وهم غرقى من بَحر جهل بِلَا سَاحل، وَقَائِدهمْ إِلَى مَا فِيهِ السَّعَادَة المخلدة، والعناية المؤبدة، فِي عَاجل وآجل، والملجأ المنيع الَّذِي يأوون إِلَى ظله عِنْد كل أَمر هائل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وخطب غائل. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وأسرته وَحزبه، أَدِلَّة كل هامز وَسَائِر، وثمال كل عَارِف وَسَائِل، السَّابِقين فِي ميدان دين الْإِيمَان بِمَا شَاءَ من بَأْس ونائل، الَّذين ظاهروه فِي حَيَاته بِكُل أَبيض صارم، وأسمر ذابل، وخلفوه فِي دينه من بعده بِإِقَامَة كل [مياد مِنْهُ ومائل] . فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لملككم من توفيقه وإسعاده، أحظى مَا وهب 4 الْمُتَّقِينَ من عباده، وَحمل عزمكم الأمضى، وسعيكم الأرضى، على مَا يخلد لكم الْفَخر الْمَشْهُور وَالْحَمْد المسطور بَين عباده وبلاده، وجدد لمقامكم الْمَشْهُور عهود آبَائِهِ فِي نصر هَذِه الْبِلَاد القاصية الثغور وأجداده، حَتَّى يعلم عَدو هَذَا الْقطر أَنه لم يعْدم ناصرا مستنصرا فِي نَصره وإمداده، وسلطانا يُجَاهد فِي الله حق جهاده، وَأَن الْملك الْكَرِيم الَّذِي عرف صدق جهاده، لم يبرح عَن نصابه وَلَا خرج عَن معتاده، وَلَا انْتقل عَن أمجاده. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَيْسَ يفضل الله جلّ جَلَاله، ثمَّ ببركة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد الرفيع قدره، الْكَرِيم آله، ثمَّ بِمَا عندنَا من [الِاعْتِدَاد بنصر] سلطانكم الَّذِي اِنْفَسَحَ فِي طَاعَة الله مجاله، وتسنت بهَا إِن شَاءَ الله آماله، إِلَّا مَا يُرْجَى من سفور وَجه الصنع الَّذِي يبهر جماله، ويروق اقتباله، وَعِنْدنَا من الْعلم بِحُقُوق ذَلِك الْمجد الرفيع بِمَا لَا مزِيد على محصوله، وَمن الثَّنَاء على مَاله من الْأَصَالَة الشهيرة الْجَلالَة، مَالا تفي الْعبارَة بِبَعْض فصوله [وَمن الِاعْتِدَاد بأسنته الْمَاضِيَة فِي سَبِيل الله ونصوله] مَا يتكفل لِلْإِسْلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 بإعلاء فروعه، وثبات أُصُوله. وَإِلَى هَذَا أنجح الله تَعَالَى فِي مرضاته أَعمالكُم، وبلغكم من فَضله آمالكم، فَإِنَّهُ ورد علينا كتابكُمْ الْكَرِيم، فاستجلينا مِنْهُ حلَّة بَيَان رشقت البراعة أعطافها، وروضة إِحْسَان أَتَت أكلهَا، وأدنت قطافها، ناطقا بِلِسَان الْفضل الَّذِي مجدكم مَعْدن نضاره ومطلع أنواره، جَارِيا فِي ميدان الْبر إِلَى أقْصَى مضماره، عرفتمونا فِيهِ بِمَا سناه الله لملككم من تيسير الْأُمُور، وانشراح الصُّدُور، وَأَن من بِتِلْكَ العدوة حرسها الله من الْمُسلمين، أَجمعُوا على مبايعتكم وأصفقوا، وَبَادرُوا إِلَى الدُّخُول فِي طاعتكم واستبقوا، وانتظموا فِي عقودها واتسقوا، يطير بهم الارتياح إِلَى التَّمَسُّك بعراها، والتيمن بالتماح بشراها، وَمَا كَانَ من اسْتِقْرَار ملككم الْعلي فِي قَرَار مجده، ومطلع أنوار سعده، ومثابة أَبِيه وجده، وأنكم لما ملكتم أسجحتم، وأقدركم الله فعفوتم وصفحتم، وَأَن دعوتكم استقام طريقها وَعز فريقها، وخفقت بالسعد أعلامها، وأصابت الْأَغْرَاض الْبَعِيدَة سهامها، على سَبِيل من التَّيْسِير قريب، وحد من السَّعَادَة غَرِيب، جعلتم فِيهِ الرِّضَا وَالْقَبُول، شكرا لله على النِّعْمَة الَّتِي ألبسكم حللها، وقلدكم حلاها، والمثابة الَّتِي أهلكم لعلاها، فَسُرِرْنَا بِمَا كَانَ من ثبات ذَلِك الْملك فِي نصابه، واستقرار الْحق فِي أربابه، وَقُلْنَا اللَّيْث أَحَق بغابه، وَالسيف أولى بقرابه. وَهل هُوَ إِلَّا تَاج عقد على مفرقه، وَبدر طلع من مشرقه، ووارث قَامَ بِحَق سلفه. وكوكب حل بَيت شرفه. فَالْحَمْد لَك على أَن أصبح بكم [عماد الْملك الْأَصِيل] مَرْفُوعا، وَشَمل الْقَبِيل الْجَلِيل مَرْفُوعا. وَكَيف لَا نسر باشتمال ذَلِك الْملك الْكَرِيم عَلَيْكُم، وَأَن جعل الله أزمته فِي يديكم، وَلم يظفر بِهِ من يروم فَسَادًا، ويسوم أسواق الْفَضَائِل كسادا، أَو يسد بَين الْمُسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وإخوانهم بَابا، وَيقطع أسباباً، ويوقد للفتنة شهابا. فَمَا عدمنا بِفضل الله عارفة الْجد المساعد، وَلَا برحنا بَين النَّحْر والساعد، نتقلب فِي مرضاة الْأَب [الأرضى] وَالْأَخ الْمَاجِد، ونلتمس من الله أثْنَاء ذَلِك جميل العوائد. أبقى الله تِلْكَ الإيالة اليعقوبية، فِي أعقابها على اسْتِمْرَار الدهور وأعقابها بمنه. وعرفتمونما أَنكُمْ بِمُقْتَضى مَا لكم فِي سَبِيل الله من الْعَزْم الَّذِي مضاربه إِن شَاءَ الله لَا تفل، وعراه الْوَثِيقَة لَا تنفصم وَلَا تحل، أمددتم ثغر الْجَبَل بِالْمَالِ، وفسحتم لِلْإِسْلَامِ فِيهِ مجَال الآمال، وأقرضتم الله تَعَالَى فِي إمداده وسداده كرائم الْأَعْمَال. وحبذا الْعَمَل الصَّالح الَّذِي إِلَيْهِ ابتدرتم، وَنعم مَحل الصنيعة مَا تخيرتم بَاب هَذَا الْقطر الْغَرِيب، ومهب أنفاس النَّصْر الْعَزِيز وَالْفَتْح الْقَرِيب، ومطلع نور الله تَعَالَى أنجاد هَذِه الْبِلَاد وأغوارها، وفاتحة الْكتاب من سور ذَات أسوارها. فَإِن جعل الله الْجبَال أوتادا، تمسك من الأَرْض فراشا لِلْخلقِ ومهادا، فجبل الْفَتْح بِخُصُوص وتد هَذِه الأَرْض الَّذِي لولاه مَا قر رجفانها، وَلَا نَامَتْ فِي كنف الْأَمْن أجفانها، وجبلها الَّذِي لم يزل يَعْصِمهَا من المَاء إِذا فاض للشدائد طوفانها، ولسلفكم بافتتاحه واسترجاعه واستخلاصه قلبا للكفر بَين أضلاعه، المكرمة الَّتِي يكل عَن وصفهَا لِسَان قس إياد، والمنقبة الَّتِي لَا يجاريها إِلَّا فاتحه الأول طَارق ابْن زِيَاد، أَبى الله إِلَّا أَن يمنح فِيهِ ملككم [الرفيع] عَن عدَّة الْمجد، ويصون مِنْهُ الطّراز الْمَذْهَب الَّذِي رقمه الله على حلَّة السعد. وَمَا كَانَ مقامكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 ليترك ذَلِك الْفَخر الْمَذْكُور لكم بَين الرُّكْن وَالْمقَام عرضة للانتقام، وَلَا ليصرف عَنهُ وَجه الاهتمام، مَعَ الاقتدار بالملوك الأعزة والإئتمام، وَوُجُود أَنَفَة الْملك وحمية الْإِسْلَام. فَمَا هِيَ إِلَّا مكرمَة جددت لتِلْك المكارم عهدا، وأنجزت لنصر الله وَعدا، وشرحت للدّين صَدرا، وأثبتت فِي الصَّالِحَات الْبَاقِيَات ذكرا. وَمَا تَفعلُوا من خير تَجِدُوهُ عِنْد الله، هُوَ خيرا وَأعظم أجرا. وَقد كُنَّا أصدرنا إِلَى مقامكم الرفيع كتابا، وأعملنا فِي شَأْن الْجَبَل وَمَا إِلَى ذَلِك خطابا، بِمَا يهز الشيم الزكية، ويحرك الهمم الملكية، فَحصل فَبل وُصُوله إِلَيْكُم الأمل، وَسبق القَوْل وَالْحَمْد لله فِي الْعَمَل، وحرك شيمكم الْكَرِيمَة باعث ذَاتهَا، ونبهها عَلَيْهِ كَمَال صفاتها. وَمن كَانَ سلالة ذَلِك الْملك الْكَرِيم النّسَب، الْأَصِيل الْحسب، أغناه مطبوع فَضله عَن المكتسب ورندة حرسها الله تَعَالَى وَمَا إِلَيْهَا، ترتقب جميل ذَلِك النّظر، وتلتمس عارفة الْملك الْكَرِيم السّير، حَتَّى يَشْمَل جَمِيعهَا رماق فَضله، وَيُسَوِّي بَينهَا مألوف عدله، ويغتنم فِيهَا ثَنَاء الْإِسْلَام وَأَهله. وعرفتمونى بِمَا قَرَّرَهُ لديكم الْوَلِيّ فِي الله [الشَّيْخ الْأَجَل المرفع الأَرْض الْمُجَاهِد الْأَفْضَل الأمضى] أَبُو مهْدي عِيسَى بن الْحسن، شكر الله مذاهبه، وحرس شَاهد وده وغائبه، من اعتدادنا بذلك الْملك الرفيع الْعلَا، واستظهارنا بعزماته على الْأَعْدَاء. وَالْمَذْكُور، وصل الله أَسبَاب وده، وشكر حسن عَهده، وَإِن أطنب فِي ذَلِك بِمُقْتَضى مجده، لَا يبلغ فِيمَا عندنَا من ذَلِك بعض جده، فغايته بعيدَة المدا، وَمَا خَفِي مِنْهُ أعظم مِمَّا بدا. وَقد كَانَ الْمَذْكُور قبل حركتكم من تلمسان، كتب إِلَيْنَا معلما بِمَا تنطوي عَلَيْهِ نيتكم الصَّالِحَة لهَذِهِ الْبِلَاد الْمسلمَة، وتضمره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فِيهَا من الْعَزْم على نصر الدّين وإعلاه الْكَلِمَة، وَقرر مَا يُعلمهُ فِيهَا من مَقَاصِد جلالكم، وَضمن لَهَا من الْفضل [مَا يضمن] عَن أمثالكم، فشكرنا لَهُ نِيَّة الْوَلِيّ الصَّرِيح، ووثقنا من خَبره الْحسن الصَّحِيح، وَسَأَلنَا الله لنا وَلكم الْخيرَة فِيمَا يَقْضِيه، وَالْحمل على مَا يرتضيه، وَأَن يجدد لِلْإِسْلَامِ بكم عهود اعتلائه، ويصل لكم بتوفيقه سوابغ آلائه. وعرفتمونا أَيْضا أَنكُمْ خاطبتم طاغية الرّوم فِي تثبيت الْعَهْد الَّذِي قد ربطه، وَالْوَفَاء بِمَا فِي الصُّلْح على بِلَاد الْمُسلمين اشْتَرَطَهُ، لينسحب رواق الْأَمْن على هَذِه الأقطار بيمن إقبالكم، وَيكون اسْتِصْحَاب الْعَافِيَة بهَا فَاتِحَة أَعمالكُم، ومثلكم من يحرص على اكْتِسَاب المكارم الفاخرة. وتطمح همته، أبقاه الله، إِلَى الْجمع بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. شكر الله عَن الْإِسْلَام مكارمكم الَّتِي تعنى بتشييد مبانيه وتيسير أمانيه. وطلبتم أَن نطلعكم على مَا تزيد لدينا بِهَذِهِ الأقطار من أَخْبَار الْكفَّار، بِمُقْتَضى جلالكم الرفيع الْمِقْدَار. وَنحن نلقى إِلَى مقامكم، أَن هَذَا الطاغية، لَا أنجح الله سَعْيه، وَلَا سدد رَأْيه، لما وصل إِلَيْهِ سُلْطَان ابْن عُثْمَان، وَخرج لَهُ عَن مضمره، وَألقى إِلَيْهِ مَا يجد بركَة أَثَره، لم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى ظَهرت ثَمَرَة الْفساد، وذاعت فِي أَرض الْعَدو حَرَكَة الاحتشاد، وَكتب يعرف أَن جبل الْفَتْح، خرج عَن شُرُوطه، فِي صلحه، بِمَا كَانَ من حُصُول صَاحبه فِي إيالتكم، وقيامه بدعوة جلالتكم. فراجعناه نعرفه أَن أَمِير الْمُسلمين بالعدوة لم يبرح عَن مَحَله، وَلَا تقلص مديد ظله، وَلَا خرج عَن عوايده، وَلَا انْتقل عَن الْوَلَد ووالده. وَنحن عَقدنَا مَعَه الصُّلْح على تِلْكَ الْبِلَاد فِي جملَة مَا عَلَيْهِ عَقدنَا، وأكدنا عَلَيْهِ من المواثيق مَا أكدنا. ثمَّ تعرفنا أَنه يقْصد الجزيرة لمباشرة أمورها، وَكتب إِلَيْنَا بعض ناسه، أَنه إِنَّمَا يقْصد رندة أَو جبل الْفَتْح، فَلم نقدم عملا على تَوْجِيه مدد الرُّمَاة والفرسان، صُحْبَة من اخترنا لهَذَا الشَّأْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 من القواد الْأَعْيَان، وأمرناهم بالْمقَام بِهِ حَتَّى تنبلج الْأَخْبَار، وَيظْهر مَا يبرزه اللَّيْل وَالنَّهَار. وَنَرْجُو أَن يكون دفاع الله من دُوننَا مدَدا، وَأَن يُهَيِّئ لنا من أمرنَا رشدا. هَذَا مَا عندنَا شرحناه إِلَيْكُم، وألقيناه لديكم، وَأَنْتُم تَعْمَلُونَ فِي الإنجاد، ومعاملة الله فِي نصر هَذِه الْبِلَاد، بِمَا يخلد لكم الذّكر المسطور الأوراق، ويتكفل لكم بالنعيم الخالد، والسعد الباق. وَالله تَعَالَى يصل بمرضاته سعودكم، ويبلغكم بهَا مقصودكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وَصدر عني أَيْضا وَقد بلغ إِعْمَال حركته لتمهيد وَطن سجلماسة عِنْدَمَا تصير الْأَمر إِلَيْهِ، وحلوله بِمَدِينَة مراكش بعد أَن قَامَت تِلْكَ الْبِلَاد بدعوته، وعقدت الْبيعَة لَهُ، وَفِي عَام أحد وَخمسين وسبعماية مَا نَصه: الْمقَام الَّذِي لِسَان سنانه فِي حومة الردع وميدانه بليغ فصيح، وَخبر بأسه ونداه فِي مُسْند الْفَخر الْبعيد مداه غَرِيب صَحِيح، وَنسب جهاده المرتقب الْحِين فِي ذوابة النَّصْر الْعَزِيز وَالْفَتْح الْمُبين أصيل صَرِيح. مقَام مَحل أخينا، الَّذِي آيَة سعده ثَابِتَة محكمَة، وحلة مجده ضافية معلمة، وَحجَّة فخره محررة مسلمة، وخواطر يقينه مسددة ملهمة، وأبواب الْحَوَادِث عَن مقَامه الرفيع مُبْهمَة، ومناسك جوده من وهاد الأَرْض ونجوده محجوجة ميممة. السُّلْطَان الكذا أبي عنان ابْن مَحل والدنا الَّذِي نعظمه ونجله، ونوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله، السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن، ابْن السُّلْطَان الكذا [صَاحب المكارم الشهيرة، والمدابر الَّتِي هِيَ أوضح من شمس الظهيرة، أَمِير الْمُسلمين] أبي سعيد ابْن السُّلْطَان الكذا [الْمُؤَيد المعان الأمضى صَاحب الْجِهَاد المبرور وَالسَّعْي المشكور وَالْأَجْر الموفور أَمِير الْمُسلمين الْمُجَاهِد فِي سَبِيل رب الْعَالمين] أَي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق، أبقاه الله، يسلم لَهُ الْأسد الْورْد فِي وثبات الْإِقْدَام، [ويعترف لَهُ الْعلم الْفَرد بثبات الْأَقْدَام] ويقر لَهُ الصَّباح الطلق بإشراق القسام، والغمام الْجُود بالآلاء الجسام [وَلَا زَالَ سعده حاسم الْحَد حَدِيد الحسام، وأنباء مجده الْمَأْثُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 تسري فِيمَا لآيتي الْمَعْمُور مسرى الْحَيَاة فِي الْأَجْسَام] مُعظم سُلْطَانه الَّذِي تَعْظِيمه فِي الْوُجُود محتوم الْوُجُوب، وصنايعه فِي جُيُوب الْآفَاق ألزم للأطواق من الْجُيُوب، وحسنات ملكه السعيد ماحية للذنوب، ولطايف صفحه المبذول يسكن طير الأمل فِي أوكار الْقُلُوب، وأسرار نَصره المذخور مكتتبة السطور فِي أوراق الغيوب [الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر] سَلام كريم طيب بر عميم، كَمَا سفر الْقَمَر اللياح عَن جَبينه [وروى النسيم اللدن أَحَادِيث الطّيب عَن دارنيه، وتلقى عرابة الْمشرق بِيَمِينِهِ] وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي أضفى على معاطف ملككم الْأَصِيل، حلل الصنع الْجَمِيل، ففاق جماله، وراق لِبَاسه، وَيسر لعزمه الْمَنْصُور مُقَدمَات الظُّهُور، [فأنتج قِيَاسه، وسل من أَمركُم الْمَقْصُود [حسابا] فالجود حَده، والصفح غمده، وَالْمجد رياسه، وَمكن لَهُ فِي أرضه [ليقرضه تَعَالَى من الْجِهَاد فِيهِ حق قرضه] ، فعلت فروعه، ورست أساسه، وَصحت لَهُ حُدُود الْمجد سَالِمَة من النَّقْد بِمَا منعته فصوله، وَجمعته أجناسه. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، عنصر نور الْهدى الَّذِي اضاء الظُّلم مقباسه، وينبوع مواد الرَّحْمَة الواكف على الْأمة مجاسه، وسيلتنا إِلَى الله فِي الْيَوْم العصيب، والفوز قد أعيا التماسه، وملجأنا عِنْد الْفَزع الْأَكْبَر إِذا غلب الرجا ياسه، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وناسه الْكِرَام وَحزبه، فيا حبذا صَحبه الْكِرَام وناسه وَحزبه، الَّذِي قَامَ بِهِ الْحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 قسطاسه، مَا وَفِي للروض آسه، ودلت على السحر أنفاسه. [الدُّعَاء لمقامكم الأسمى بنصر يرتاح لهبوب رِيحه مياد القنا المياد ومياسه] وصنع جميل يتوفر مجْرَاه وَطيب مسراه جذل الْإِسْلَام وإيناسه، وَفتح تتفتح عَن أزهار الْعِنَايَة الإلهية أطراسه، ويعنى براوية فخره] من طرسه الأنيق، وخيرة ضحاكه وعباسه. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا يروق اقتباله، وصنعا تصيب شاكلة الرشاد والتوفيق والسداد نباله، ونصرا يتوفر جدل الْإِسْلَام بِهِ وينعم باله. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله جلّ جَلَاله، ثمَّ بِمَا عندنَا من التَّشَيُّع لمقامكم الأسمى الَّذِي تسنت من فضل الله آماله، إِلَّا الْخَيْر الْمُتَّصِل دَوَامه، الدَّائِم اتِّصَاله، واليسر الَّذِي اِنْفَسَحَ لجياد الأمل مجاله، وَالْحَمْد لله حمدا يتكفل بالمزيد رويته وارتجاله. ومقامكم هُوَ عدَّة الْإِسْلَام وَأَهله، وَالْمقَام الَّذِي يأوي إِلَى ظله، ويعول بعد الله على فضل عَادَته وإعادة فَضله، حكم الله لملككم [وَقد فعل] بأعلا مَحَله، وأصحبه الْإِعَانَة والتوفيق فِي ظعنه وحله. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وَأَعْلَى فِي الْمُلُوك الْمُجَاهدين قدركم، فإننا بِحَسب مَا نطوي لكم [عَلَيْهِ الضمائر] من وداد أضفى من نطف الْغَمَام، وأصون من دُرَر الأزهار فِي أصداف الكمام، واعتقاد نجدد حلله، على بِلَا الْأَيَّام، نرى أَن الْأَيَّام الْمَاضِيَة، إِذا اجتازت إغفالا من خبر سَار عنْدكُمْ نفيده، وَوجه مَسَرَّة بكم نبديه أَو نعيده، فَإِنَّهَا حصص من الدَّهْر، لم يَقع بهَا الِانْتِفَاع، وضياع من الزَّمَان استولى عَلَيْهَا الضّيَاع. فبودنا لَوْلَا الْمَوَانِع، أَن تكون المخاطبة لَا تغب، وَالْمُكَاتبَة مطردَة كَمَا نحب. وَمن لدن تعريفكم إيانا بِمَا كَانَ من صنع الله لكم فِي وجهتكم إِلَى سجلماسة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 الَّتِي كَانَت لما كتبه الله من ظُهُور مقامكم عنوانا، وَلما أجمله من خطاب سعادتكم بَيَانا، وأنكم شرعتم فِي فصل الْبِلَاد المراكشية الَّتِي مناصلها مَاضِيَة، وأغراضها [لديون الآمال] متقاضية، لم تزل النُّفُوس، تهوى إِلَيْكُم تشوقا للأنبا واستطلاعا، والحواس التماسا لأخباركم السايرة قد صَارَت كلهَا أسماعا. فَمَا سلكتم من وجهتكم طَرِيقا إِلَّا اتخذنا القلق رَفِيقًا، والتمسنا خَبرا يكون بالركون إِلَيْهِ خليقا، واعتلفنا من الدُّعَاء لكم بِمَا فِيهِ الْخَيْر والخيرة سَببا وثيقا، وَالْأَخْبَار مَعَ ذَلِك أسانيدها مقلة، [وطرقها مختلة] فَمِنْهَا المهمل والمقطوع، والضعيف والموضوع، لَا يجد التَّرْجِيح بَين متعارضها مسلكا، وَلَا يقتبس من جُمْلَتهَا نور صدق يجلو من الالتباس حلكا. فَأَقَمْنَا نرتقب حَدِيثا يحصل بِهِ الْعلم، وَيَنْبَنِي على أَصله الحكم، إِلَى أَن تحقق الْآن لدينا مَا سناه الله لكم من الِاسْتِيلَاء على تِلْكَ الأوطان [ودخولكم لمستقر أمرهَا الرفيع الْأَمر والشان] وَأَن الله [تَعَالَى] أجْرى لكم عَادَة الظفر لما شبت نَار الْحَرْب، وَعقد لكم صَفْقَة الظُّهُور فِي سوق الطعْن وَالضَّرْب، فجنيتم ثَمَرَة الْعَزْم عذَابا جناها، واجتليتم وُجُوه السعد يبهر سناها، وَأَن ركابكم اسْتَقر [أمره] بِمَدِينَة مراكش دَار الْملك الْقَدِيم، والبقعة الطّيبَة الْأَدِيم، والقطر الَّذِي جمع من الْمرَافِق مَا تفرق فِي الأقاليم، حَيْثُ الْخَيل وَالْخَيْر، والخطة الفسيحة، يعيا عَن بُلُوغ مداها الطير، والجباية الدارة الأخلاف، والربوع المتوفرة الآلاف، وَالْمَدينَة الَّتِي رغمت الرّوم بسعادة نصبتها وشقيت [وَلَقِيت من جَزَاء نسبتها] نسبتها على الْأَيَّام مَا لقِيت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَلَا تزَال ترهب مِنْهَا تِلْكَ الْقُوَّة مَا بقيت، وَأَن سلككم قد اتسق نظامه، وملككم قد تيَسّر من الظُّهُور مرامه، فبادرنا بهنايكم مبادرة الخلوص الَّذِي لَا يشوبه الريب، والتشيع الَّذِي يتساوى مِنْهُ الْمحْضر والغيب، وقياما بِحَق أخوتكم الَّتِي سبق أفضالها، وكرمت فِي سَبِيل الله أَعمالهَا، وعلما بِأَن نيتكم فِي الْجِهَاد، ستشرق بِهَذِهِ الْبِلَاد [غرر] محاسنها المجلوة، ويبرز سر طباعها، إِلَى عَالم الْفِعْل من عَالم الْقُوَّة. فَمن مَدِينَة مراكش [حرسها الله] هبت ريَاح النَّصْر فِيمَا سلف من الدول، وفيهَا تحركت لنصر الدّين همم الْمُلُوك الأول، وطاروا إِلَى إغاثة هَذِه الْبِلَاد ببيض الصفاح وَسمر الأسل، حَتَّى قصوا جنَاح الشّرك، وأوقعوا وقيعتي الزلاقة والأرك، وَلَعَلَّ الثَّالِثَة إِن شَاءَ الله، تنْسب إِلَى سَعَادَة تِلْكَ الْمَدِينَة الَّتِي حللتم، وَهَذِه الأمنية تكون ثَمَرَة الْحَرَكَة الَّتِي أعملتم. وَلَا تسلوا عَمَّا عندنَا لكم من الْحبّ الَّذِي خلص لبابه، وتوفرت وَالْحَمْد لله أَسبَابه، فقد تقرر فِي مدونة الصدْق بَابه، وتألق شهابه. فَلَمَّا أَخذ التَّحْقِيق مأخذه من هَذَا الْخَبَر، واقتضت مِنْهُ الحكم أدوات النّظر، لبينا من حق الهنا الْوَاجِب الندا، وبادرنا قبل فَوَات الْوَقْت الْأَدَاء، علمنَا بِأَن مقامكم لَا يحجب وَجه رِضَاهُ عَن عذر، وَلَا يلقى من يرد عَلَيْهِ إِلَّا بترحيب وبر، وَبِذَلِك جمع الله الْقُلُوب على وده، وصنع الصنايع لمجده، واطلع على الْآفَاق أنوار سعده. وَالله سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وكتبت أَيْضا عَن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج ابْن نصر للأمير على النَّاصِر بن أَمِير الْمُسلمين السُّلْطَان أبي الْحسن فِي غَرَض التهنية الْإِمَارَة الَّتِي لم تزل المكارم الراضية، والعزائم الْمَاضِيَة، وَالْجَلالَة الراقية، والأعمال الصَّالِحَة الْبَاقِيَة. إِمَارَة مَحل أخينا الَّذِي نعظم مجده السَّامِي الْجلَال، ونثني على شيمه الطاهرة الْخلال، ونعتد بوده الْكَرِيم الْأَقْوَال والأعمال، ونسر بِمَا يسنيه الله لعزه الفسيح المجال، من عوائد الْيمن والإقبال، الْأَمِير [الْأَجَل الْأَعَز الْأَسْنَى الأمجد الأسمى الأرفع الأسعد الأصعد] أبي عَليّ النَّاصِر ابْن مَحل أَبينَا الَّذِي نعظمه ونجله، ونوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله، السُّلْطَان [الْجَلِيل الْأَعَز، الرفيع الْأَسْنَى الأسمى، الصَّدْر الأرقى، الْكَبِير الشهير الْمُجَاهِد الأمضى، الْمُعظم الموقر المبرور الْمُقَدّس، المرحوم الأرضى أبي الْحسن، ابْن السُّلْطَان [الْجَلِيل الْأَغَر المرفع الأسمى الظَّاهِر الطَّاهِر الخطير الْمَاجِد الْأَسْنَى، الإِمَام الْعَادِل الْفَاضِل الْكَامِل المبرور الْمُقَدّس أبي سعيد، ابْن السُّلْطَان الْجَلِيل الْمُعظم الخطير الحافل الْفَاضِل الْكَامِل الموقر، المبرور المرحوم أبي يُوسُف يَعْقُوب ابْن عبد الْحق] ، أبقاه الله والسعود إِلَيْهِ مبتدرة مستبقة، والمسرات لَدَيْهِ منتظمة متسقة، وغرر أَيَّامه وَاضِحَة مشرقة، والأهواء على محبته متفقة. مُعظم إمارته الرفيعة الْجَانِب، الْقَائِم من إجلالها وَنشر خلالها بِالْحَقِّ الْوَاجِب، الْمثنى على مَالهَا من السّير الفاضلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الْمذَاهب، والأصالة الرفيعة الْمُنَاسب، والبسالة الْمَاضِيَة الْمضَارب، والمكارم الَّتِي تشهد بهَا مَوَاقِف الجلاد، وَظُهُور الْجِيَاد وصحائف الْكتب، وصفائح الجلاد، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر. سَلام كريم بر عميم، تتأرج الأرجاء من طيب نفحته، ويشرق نور الود الْأَصِيل عَن صفحته، يخص أخوتكم الفاضلة، وإمارتكم الحافلة، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي شرح بالتوكل عَلَيْهِ صدورا، وَجعل الود فِي ذَاته كنزا مذخورا. والأعمال الَّتِي تقرب إِلَيْهِ نورا، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي بَعثه بِالْحَقِّ هاديا، وبالرعب منصورا، وَرفع لدعوته الغالية، لِوَاء من عنايته منشورا، وَاخْتَارَهُ لإِقَامَة دين الْحق، وَالْأَرْض قد ملئت إفكا وزورا، حَتَّى بلغ ملك أمته، وتبلغ مَا كَانَ من الأَرْض معمورا، وَالرِّضَا عَن آله وأحزابه [وقرابته وَأَصْحَابه] ، الَّذين اتسقوا فِي قلائد مِلَّته الرفيعة شذورا، وطلعوا فِي سمائها بدورا، وبذلوا نُفُوسهم النفيسة فِي نَصره وإعلاء أمره، فَكَانَت شَفَاعَته لَهُم جَزَاء وَكَانَ سَعْيهمْ مشكورا، وَالدُّعَاء لإمارتكم الْعَالِيَة بالسعد الَّذِي يصاحب مِنْهَا ركابهَا مدَدا موفورا، والتوفيق الَّذِي يُوسع عَملهَا نجحا وَأَهْلهَا سُرُورًا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم سَعْدا متجدد الْأَحْكَام، وصنعا مشرق الْأَنْوَار وافر الْأَقْسَام، وعرفكم مَا عودكم من عوارف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 الإنعام، وعوائد النَّصْر الْوَاضِح الْأَعْلَام، وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ ببركة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي أوضح برهانه، ثمَّ بِمَا عندنَا من التَّشَيُّع، فِي مقَام مَحل أَبينَا، والدكم السُّلْطَان الْجَلِيل، أسعد الله سُلْطَانه، ومهد أوطانه، إِلَّا مَا يُرْجَى من عوائد الله الجميلة أَو مننه الجزيلة، وألطافه الكافية الكفيلة. وَعِنْدنَا من التَّعْظِيم لتِلْك الْإِمَارَة الرفيعة، مَا هُوَ أشهر من الشهير، وَأعظم من أَن يحْتَاج إِلَى تَفْسِير [فَلَا تزَال] تَعْتَد بِجَانِب إخوتها بالغنا الْكَبِير، والذخر الخطير، ونثني على مكارمها بالقلم وَاللِّسَان وَالضَّمِير. وَإِلَى هَذَا أيد الله إمارتكم وسنى إرادتكم، وأسعد إدارتكم، فقد علم الغايب وَالشَّاهِد، والصادر والوارد، مَا عندنَا لكم من الْحبّ الَّذِي صفت مِنْهُ الْمَوَارِد، وَالْوَلَاء الَّذِي تضوعت بطيبه الْمعَاهد. وأننا تعرفنا مَا كَانَ من قدومكم السعيد على أحواز ألمرية من تِلْكَ الأقطار، وطلوعكم عَلَيْهَا بالعزم الْمَاضِي والجيش الجرار، وَأَن مَحل والدنا، وصل الله لَهُ علو الْمِقْدَار، قدم مِنْكُم بَين يَدَيْهِ مُقَدّمَة الْيمن والاستبشار، ورائد السَّعَادَة المشرقة الْأَنْوَار، بخلال مَا يتلاحق بهَا ركابه العالي [قدره] على الأقدار وَأَن مخايل النجح لإمارتكم الرفيعة، قد ظَهرت، وأدلة الصنع الْجَمِيل قد بهرت وَمن بِتِلْكَ الْجِهَة من الْقَبَائِل الْمُخْتَلفَة فِي الطَّاعَة قد ابْتَدَرْت، وبإماتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 الإمارية قد ايتمرت، وَإِنَّكُمْ قد أَخَذْتُم فِي تسكين الأوطان وتمهيدها، واستئناف العزائم وتجديدها، وإطفاء نَار الْفِتَن وإخمادها وإعلاء أَرْكَان تِلْكَ الإيالة وَرفع عمادها، فكتبنا إِلَيْكُم هَذَا الْكتاب نهنئكم بِمَا سناه الله لمجدكم الرفيع من حسن الصنع، ونقرر مَا عندنَا من الود الْكَرِيم، وَالْحب الصميم، ونستفهم من أحوالكم لنكون من علمهَا على السّنَن القويم، وَحَتَّى لَا تزَال الْأَسْبَاب مُتَّصِلَة، والمودة جَدِيدَة مقتبلة. وَلَوْلَا الْعَوَائِق الْمَانِعَة، والشقة الْبَعِيدَة، والأمواج المترامية [المتدافقة] لم تقف المخاطبة، ولوصلنا المراسلة وَالْمُكَاتبَة. ومجدكم يقبل الْأَعْذَار الصَّحِيحَة بِمُقْتَضى كَمَاله، ومعهود أفضاله. وَالله تَعَالَى يصلح لكم الْأَحْوَال، ويسكن الْأَهْوَال، ويبلغكم من فَضله الآمال. [وَلكم الْفضل فِي التَّعْرِيف بِمَا لديكم من أَحْوَال مَحل أَبينَا) وصل الله عوايد النَّصْر لسلطانه، وتكفل بأعلا أمره ورفعة شَأْنه، وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَلما ملك السُّلْطَان أَبُو سَالم الْمغرب قلت أخاطبه عَن سُلْطَان الأندلس مهنئا الْمقَام الَّذِي عالج زَمَانه الزَّمن فشفا، وَضمن لَهُ غَرِيم الْقدر باوغ الوطر فوفا، وانسدل بإيالته على الْأمة لِبَاس الْوِقَايَة والعصمة فضفا، وَاسْتظْهر للدهر بعقوده طَالبا إِرْث آبَائِهِ وجدوده، فَكتب عَلَيْهِ اسْتَقل بِالْوَاجِبِ واكتفا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 مقَام مَحل أخينا الَّذِي ثغر الدَّهْر لما اسْتَحَقَّه من عزة الْأَمر برود شنيب، وقبة الْفَخر قد أحكم مِنْهَا على مجده الغر وفضله الْغمر تطنيب، ومركب الْعِزَّة القعساء لخدمته فِي الإصباح والمسا جنيب، ولسان الثنا على حمله وَدينه يتلوه على الْإِشْهَاد من مرينه، إِن إِبْرَاهِيم كليم أَواه منيب. [السُّلْطَان الكذا أبي سَالم ابْن السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن] أبقاه الله تضرب [بِصدق عزمه] الْأَمْثَال، كَمَا ارْتَفع لحجته دَعوته الْإِشْكَال، فمهما طمحت نَفسه إِلَى غَرَض بعيد قرب مِنْهُ المنال، وطأطأت أعناقها الآمال، وأهطعت الْغَايَة الَّتِي لاتنال. [مُعظم مقَامه السرُور بسعادة أَيَّامه، وَمَا يتَّصل بِهِ من فضل الله وإنعامه فلَان. سَلام كريم بر عميم يخص مقامكم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته] . أما بعد حمد الله مُدبر الْوُجُود، الَّذِي بِيَدِهِ مقاليده، الْملك الْحق الَّذِي ثَبت ببديهة الْعقل توحيده، جَبَّار [السَّمَوَات وَالْأَرْض] فَالْأَمْر أمره وَالْعَبِيد عبيده، جَاعل الشُّكْر مِفْتَاح الْمَزِيد من نعمه، فَهُوَ كَمَا وعد يحب الشاكر ويزيده. فَمن اسْتَعَانَ بِهِ فِي الملمة أَعَانَهُ وَنَصره، وأنجده تأييده، وَمن توكل عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّات ساعده مَا يُريدهُ، وَمن تذلل لعظمته، اشرأب بالعز جَيِّدَة. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله ذِي الشّرف العالي مشيده، وَالْحَمْد المتوالي [فِي الذّكر الْحَكِيم] ترديده، وَالْفَخْر الَّذِي لَا يطال سمكه، وَلَا يخلق جديده [صَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 الْأمة] الَّذِي امتاز بِطَاعَتِهِ شقي الْخلق وسعيده، فَأصْبح الْبَاطِل وَسيف الْحق يُبْدِهِ، وَغدا عقد الْإِيمَان، وَهُوَ وثيق السَّبَب شديده. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه الَّذين نصروه فِي حَيَاته بالعزائم الصادقة، وَيَوْم الروع لَا يَتَأَتَّى وليده، وخلفوه فِي أمته بالاهتداء الَّذِي بَان فَضله، وَظهر تسديده، وَكَانُوا فِي سَمَاء مِلَّته كَالنُّجُومِ المشرقة لمن يَبْتَغِي الْخَيْر ويستزيده. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا يطوي المراحل [بريده] [فَيُشبه الْغَيْث برود الْبَلَد الماحل بريده] ونصرا يقصر على تمهيد الأرجاء على الْجِهَاد الَّذِي هُوَ مطمح الأمل، والرجا عدته وعديده، حَتَّى يزِيد عطف المثقف إنشاؤه، وَخذ المورد توريده، وَيقوم خطيب الحسام [مكبرا بالفتوحات الجسام] فَيُقَال هَذَا الْيَوْم عيده، وَهنا كم الْملك الَّذِي ذخر لنظم مآثركم طويله ومديده. فَإِذا تذوكرت الأفلاك، ونظمت من الْفَخر الأسلاك، فسيفكم سفاحه، ورأيكم رشيده. حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وساجع شكر الله على الأفواه، قد طَابَ بدوحة الصنع الْجَمِيل تغريده، والمسئول فِي صلَة عوايده وفضله، من يبْدَأ الْخلق ويعيده. وَإِلَى هَذَا هُنَاكُم الله مَا خولكم، وبلغكم من فَضله أَملكُم، فإننا من لدن انْبَعَثَ عزمكم على طلب حقكم، وَقد تَأذن الله فِي استخلاصه، ومطاردة أَملكُم الَّذِي أجلى الركض الحثيث عَن اقتناصه، ونبهكم الْقدر والحظ المبتدر، والسعد الَّذِي راقت مِنْهُ الْغرَر، فسهل الصعب عَلَيْكُم وَهَان الْخطر، وانقاد الوطن وتأتى الوطر، وبرز إِلَى الْوُجُود مَا تضمنه اللَّوْح المستطر، لسر من الْقبُول حباه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وحتمه لكم وأوجبه، وَمَكَان فِي الْإِرْث أسقط بِهِ من دونكم وحجبه، لم نزل نسل الله [لكم] حسن العقبى ونجح المنال، ونتشوف إِلَى مَا نُرِيد من قبلكُمْ من الْأَحْوَال، ونتلقى مَا يرد من أنبائكم المعربة عَن سمو الْقدر، والسعادة المشرقة الْبَدْر بانشراح الصَّدْر، إِذْ لم توسع الْأَحْوَال المتعارفة عندنَا زِيَادَة على هَذَا الْقدر، إِلَى أَن طلع علينا كتابكُمْ الْأَسْنَى متحفا بثمرة السعد طيبَة المجنى، قد تأسس مِنْهُ على الْوَفَاء وكرم الْعَهْد الْمَبْنِيّ، وتطابق مِنْهُ فِي مَقَاصِد الْفضل والكمال، الْفظ وَالْمعْنَى، وأطلعتمونا طلع الأنباء، الَّتِي لم يزل التشوف يحوم حول حماها، والشفقة تتزاحم على منتماها، وتسرع الأفكار إِلَى فك معماها، وأنكم مَا زلتم ترفلون فِي لطائف رفق الله برا وبحرا، وتتوسدون من صنائعه وعنايته سحرًا ونحرا، إِلَى أَن نقلكم من صدر الْفلك إِلَى سَرِير الْملك، مرتجى ثَمَرَة الْحَيَاة الطّيبَة من شَجَرَة الْفلك، وسيق على أزهار الْأَنْوَار كمائم الظُّلم الحلك، فتأرجت نواسم الْقبُول من مهبها، وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا، وتذكرت الرعايا صنائع والدكم الْمُقَدّس فدعتها، وانصتت لدَعْوَة الْحق فرعتها، وَأقَام الله بدار الْملك، وَهُوَ الأَصْل والرياش الَّذِي مِنْهُ يمسك النصل، من حمى الْحَوْزَة، وَأَحْيَا العراسة وأجزل فِي حفظهَا عَلَيْكُم الجزالة والصرامة، بِمَا يسْتَوْجب بهَا هُوَ وعقبه مِنْكُم الحظوة والكرامة، فَلم يجد عدوه الْحِيَل، وَلَا نفع الْحصْر، حَتَّى نزل بمصارحتكم إِيَّاه النَّصْر، وَسعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 بدعوتكم الْعَصْر [وارتاح إِلَى محياكم الْقصر] ووردت عَلَيْكُم الْوقُود تجر ذيول الأمل، وتستشعر النشاط من بعد الكسل، وتراجع الوفا الْمَعْهُود، وتذكر الْحُقُوق السالفة والعهود، وأنكم حثثتم السّير إِلَى الحضرة الَّتِي فارقتكم مطالعها هلالا، فقدمتم الْيَوْم عَلَيْهَا بَدْرًا، وارتاحت إِلَى لقائكم على مر الْأَيَّام، وَقد جعل الله لكل شَيْء قدرا، وَأَن وزيركم شكر الله وفاه، وَجعل مَعْرُوف اعتقادكم الْجَمِيل كَفاهُ، وَجه آلَات الْملك الَّذِي يستظهر بهَا الْأَمر الْعَزِيز، ليَكُون بهَا على الْمَدِينَة التبريز، وقررتم مَا سلكتم بيمن أظفر الله بِهِ أَمركُم، وشفا بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ صدركم، من عَفْو عَن دم، وإيجاد بعد عدم [ورعي بعد رمم، وإيثار عَادَة فضل موروث وكرم] فاستوفينا مَا قررتم من مَقَاصِد نظمت البلاغة شذورها وجلت ظلم الحبر نجومها القاتمة وبدورها، وَحضر بَين يدينا رَسُولكُم فلَان، فَزَاد الْخَبَر إيضاحا، وَأفَاد بشرح الجزئيات الَّتِي غايتها الصُّدُور انشراحا، فقابلنا نعم الله عَلَيْكُم بشكره وحمده، وَسَأَلنَا لنا وَلكم مزِيد فَضله، فَكل نعْمَة من عِنْده، وَقُلْنَا ذخر ثمين انتظم بعقده، وحسام مَاض عَاد إِلَى غمده، وَفرع كريم، اسْتَقل بمنبت أَبِيه وجده، وَمَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا، وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده، ثمَّ ثنينا [الْعَنَان] إِلَى شكر مجدكم الَّذِي لَا يُنكر حَقه، وَلَا تَلْتَبِس فِي الْأَصَالَة طرقه، فالجواد لَا يُنكر سبقه، والغيث يدل عَلَيْهِ برقه، وتيقنا بِمَا قررتم من استشعار الْعِفَّة عَمَّن قصدكم من طوائف النَّاس، على اخْتِلَاف الآجناس، وخفضتم جنَاح الإيناس، وسلامة الصُّدُور [وَذَهَاب الباس، وسررنا وَالله الْعَلِيم بخفايا الصُّدُور] وموارد الأنفاس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 سُرُورًا ننازعكم مِنْهُ فضل اللبَاس، وفضله ذَلِك الكاس، فَإِن اتِّصَال الْحُقُوق إِلَى أهليها، وَكَون رتب الْآبَاء، تَسْتَقِر فِي لَاحق بهَا من بنيها، مِمَّا جبلت النُّفُوس على استحسانه وإيثاره، ويجده كل قلب وفْق اخْتِيَاره. فَكيف إِذا تعاضد ذَلِك ود متوارث عَن السّلف، مَحْفُوظ بدره عَن الكلف. فَنحْن نهنيكم والهنا شَامِل، ونؤمل لكم الْمَزِيد، وَالله لَا يخيب لَدَيْهِ آمل، ونسله أَن يسعدكم بِمَا صَار لكم، وَيجْعَل فِي طَاعَته عَمَلكُمْ [ويشكر كم فِيمَن شكر آلاءه ونعمه، وَذكر فَضله وَكَرمه] وَهُوَ تَعَالَى يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 ووصلت الْأَخْبَار بِمَا جرت بِهِ الْحَادِثَة من دُخُول عَدو قبرس مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة، تمّ رَجَعَ الْمُسلمُونَ إِلَيْهَا، وتدارك السُّلْطَان بِمصْر أمرهَا، ورام أَخذ الثأر من الْعَدو، وَأَنْشَأَ الأساطيل، صدرت مُخَاطبَة السُّلْطَان بالأندلس رَضِي الله عَنهُ من إملائي مَا نَصه، وَتوجه الرُّسُل بذلك إِلَى بَابه الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة الَّتِي تعنو لعزة قدرهَا الْأَبْوَاب، ويعتزي إِلَى نسب عدلها الْحِكْمَة وَالصَّوَاب، وتناديها الأقطار الْبَعِيدَة مفتخرة بولائها، واصلة السَّبَب بعلائها، فيصدر بِمَا يشفي الجوى مِنْهَا الْجَواب. فَإِذا حسن مناب عَن أَئِمَّة الْهدى، وسباق المدى، كَانَ مِنْهَا عَن عمومة النُّبُوَّة النواب، وَإِذا أضفت على العفاة بغَيْرهَا أَثوَاب الصَّلَاة، ضفت مِنْهَا على الْكَعْبَة المقدسة الأثواب، أَبْوَاب السُّلْطَان الْكَبِير الْجَلِيل الشهير، الظَّاهِر الطَّاهِر، الأوحد الأسعد، الأصعد الأمجد الْأَعْلَى، الْعَادِل، الْعَامِل الْعَالم الْفَاضِل الْكَامِل، [سُلْطَان الْعدْل، وحيد الْفضل] ، جمال الْإِسْلَام، علم الْأَعْلَام، فَخر هَذِه الْأَيَّام، ملك البرين والبحرين، مُؤَمل الْأَمْصَار [والأقطار] ، عاصب تَاج الفخار، هازم الفرنج وَالتّرْك والتطار، الْملك الْمَنْصُور، أَبُو الْفتُوح شعْبَان، ابْن الْأَمِير الرفيع المجادة، الْكَرِيم الْبُنُوَّة والولادة، الطَّاهِر الظَّاهِر، الْكَبِير الشهير، الْمُعظم الممجد الأسمى، الموقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 5 - الْأَعْلَى، فَخر الْملَّة، سيف الْأمة، تَاج الْإِمَارَة، عز الْإِسْلَام، جمال الْأَنَام، قمر الميادين، أَسد أجمة الدّين، سمام الطغاة والمعتدين، الْمُقَدّس، المظفر، الْأَمِير أبي حسن، ابْن السُّلْطَان الْكَبِير الشهير، ملك الْإِسْلَام وَأَبُو السلاطين، سيف خلَافَة الله فِي الْعَالمين، ولى الْمُؤمنِينَ، وظهير الدّين، سُلْطَان الْحَج وَالْجهَاد، وكاسي الْحرم الْأمين، قامع الْمُعْتَدِينَ، قاهر الْخَوَارِج والمتمردين، نَاصِر السّنة، محيي الْملَّة، ملك البرين والبحرين، مُقيم رسوم الْحَرَمَيْنِ الشريفين، الْعَامِل الْعَالم، الْعَامِل الطَّاهِر، الظَّاهِر الأسعد، الأصعد الأوحد، الْأَعْلَى الْمَنْصُور، الْمُؤَيد المعان، المرفع الْمُعظم، المبجل المؤمل، الْمُجَاهِد المرابط الْغَازِي، أَبُو عبد الله مُحَمَّد، بن قلاوون الصَّالِحِي، أبقاه الله، وفلق الإصباح يشْهد بِكَمَالِهِ، وخدمة الْحَرَمَيْنِ الشريفين، طراز مَذْهَب على حلَّة أَعماله، ومسورات الْإِسْلَام آمِنَة على طول الْأَيَّام من إهماله، وَلَا زَالَ ركنا للدّين الحنيف، تتزاحم على مستلمه الشريف شفَاه آماله. [سَلام كريم بر عميم، كَمَا اسْتوْدعت الرياض أسرارها صدر النسيم، وَأرْسلت مطالع الْفجْر أنهارها من بَحر الصَّباح الوسيم، يسري من الطّيب وَالْحَمْد المستطيل، المطيب فِي الصوان الْكَرِيم، وَيقف مَوَاقِف الْأَدَب والفهامة، بِمَا استحفظ من الإمانة، إِلَى مجَال الْإِمَامَة، وقُوف الحفيظ الْعَلِيم، يعْتَمد مشارع تِلْكَ الْأَبْوَاب الشارعة إِلَى الْفضل العميم، الْمُقَابلَة لذمام وَسَائِل الْإِسْلَام بالصدر المشروح، وَالْبر الممنوح، وَالْقلب السَّلِيم، من مُعظم سُلْطَانه، ومجل شانه، المفتخر بالانتظام فِي سلك خلصائه، أَمِير الْمُسلمين الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 بالأندلس، عبد الله، الْغَنِيّ بِاللَّه، مُحَمَّد بن يُوسُف [بن اسماعيل بن فرج] ابْن نصر، بلغه الله من رِضَاهُ أقْصَى سؤله، وأعانه على جِهَاد عَدو الله وعدو رَسُوله. أما بعد حمد الله الَّذِي جعل قلادة الْإِسْلَام على الدَّوَام، آمِنَة من الانخرام والانتشار مفصلة النظام بحرز المآثر الْعِظَام والْآثَار، معرف أَهلهَا فِي حزن البسيطة وسهلها، عوارف الصنع المثار، وإقالة العثار، القوى الْعَزِيز، الَّذِي لَا يغالب قدره بالاحتشاد والاستكثار، وَلَا يبْذل غيبه المحجوب، بعد مَا عين حكمه للْوُجُوب فِي خَزَائِن الاستبشار، حَتَّى تظهر خبيئة عنايته بأوليائه، المعترفين بآلائه بادية للأبصار، فِيمَا قرب وَبعد من الْأَعْصَار، وَرَحمته عِنْد الاستغاثة بِهِ والانتصار، فِي مُخْتَلف الأقطار والأمصار، الْوَلِيّ الَّذِي [لَا تكدر هبات] فَضله شُرُوط الِاعْتِصَام، وَلَا يشين خطب حَمده ضرائر الاقتصاد والاختصار. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، نخبة الأكوان [وسر الدهور والأزمان وَفَائِدَة] الأدوار، نور الله المتميز باختصاصه، واستصفائه واستخلاصه، قبل خلق الظلمَة والأنوار، وَرَحمته الوارفة الشاملة الهامية، الهاملة على الهضاب والوهاد، والنجاد والأغوار، أقرب عوالم الشَّهَادَة والخلق إِلَى حَضْرَة الْحق، على تعدد الرتب وتفاضل الأطوار. منقذ النَّاس من الْبَوَار، ومبوئهم من جوَار الله خير الْجوَار، نَبِي الرَّحْمَة وَالْجهَاد، والغوار، الْمَنْصُور على الْأَحْزَاب، عِنْدَمَا استداروا بمثوى نبوته على الأطم والأسوار دور السوار، الواعد عَن ربه بِظُهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 دينه الْحق الْأَدْيَان، فمهما أوقدوا نَارا تكفل الله بإطفاء النَّار وإخماد الأوار. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه حماة الذمار، ومقتحمي الغمار، وباذلى كرام الْأَمْوَال من دونه ونفائس الْأَعْمَار، القائمين فِي سما مِلَّته للاهتداء بسننهم والاقتدا بسننهم، مقَام النُّجُوم الهادية والأقمار، مَا صقلت مدارس النسيم سيوف الْأَنْهَار، وخجل الْورْد من تَبَسم البهار، وغازلت عُيُون [زهر المجرة عُيُون] الأزهار، وطرد أدهم اللَّيْل أَشهب النَّهَار، وَالدُّعَاء لتِلْك الْأَبْوَاب المتعددة الْحجاب [المعودة] باجتلاء غرر الْفتُوح، والمطالع المشيدة المصانع، على الْعِزّ الممنوح، والأواوين المؤيدة بالدواوين، بِالْمَلَائِكَةِ وَالروح، بإعلاء الْمظَاهر والصروح، وأناره الله بأهلة تِلْكَ السُّرُوج، ساحات تِلْكَ السُّرُوج، وَلَا زَالَت أَقْلَام بشائرها تَأتي على سُورَة الْفَتْح بأكمل الشُّرُوح. فَإنَّا كتبناه لمثابتكم السُّلْطَانِيَّة ذَات الْعِزّ الأحمى، وَالْملك الْأَشْرَف الأسمى، والصيت الْبعيد المرمى، كتب الله لَهَا من عنايته وَقد فعل أوفر مقاسم النعمى، وَجعل غيث نوالها الأهمى، وحظ جلالها من الله الْحَظ الأنمى، ودامت كواكب سعودها تمزق جلابيب الظلماء، وأخبار بأسها وجودهَا، وسعادة وجودهَا، [تهديها على الْبعد] ركائب الدأماء، وترفرف برياح ارتياحها أَجْنِحَة بَنَات المَاء. من منزلنا المحبور بسعادة سلطانكم الْمَنْصُور، وخزي عدوه المدحور، بِحَمْرَاء غرناطة، دَار ملك الْجِهَاد بِجَزِيرَة الأندلس، وَإِلَى الله عَنْهَا الدفاع، وأنار بمشكاة نوره، الَّذِي وعد بإتمامه، الْأَعْلَام مِنْهَا والإيفاع، وَوصل لَهَا بشرف مخاطبتكم الِارْتفَاع وَالِانْتِفَاع، حَتَّى تشفع بتهانيكم الأوتار، وَنور الإشفاع، وآلاء الله لدينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 [بِنِعْمَة دين الْإِسْلَام علينا] قد أخجلت اللِّسَان الشكُور، وَإِن استنفدت الرواح والبكور، والثقة بِاللَّه فِي هَذَا الثغر الْغَرِيب قد كثرت الْعدَد المنزور، وَالْحق الصَّالح قد كافح الزُّور، والتوطين على الشَّهَادَة قد شرح الصُّدُور، واقتطع فِي الْجنَّة الْمنَازل والدور، والمعرفة بمقام تِلْكَ الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة، عقائد لَا تبدل، وأدواح علائها حمائم الْحَمد بهَا تتهدل، ومحافل ثنائها تتراكم فِي سمائها الألوة والمندل. وَالْحَال مَا علمْتُم بَحر زاخر الأمواج، وعدو وافر الأفواج، وجياد ضمرتها مصابرة الْهياج، وداء على الْأَيَّام متوقع الاهتياج، وَعدد إِلَى [الْإِمْدَاد والإصراخ] عَظِيم الِاحْتِيَاج، فالنفوس إِلَى الله تجْهر وتسلم، وَالصبيان فِي الْمكَاتب تدرب على مَوَاقِف الشَّهَادَة وَتعلم، والألسنة بِغَيْر شعار الْإِسْلَام لَا تنبس غَالِبا وَلَا تَتَكَلَّم، إِلَّا أَن عَادَة الْخَبِير اللَّطِيف، تخفيض الذعر المطيف، وَنصر النزر الضَّعِيف على عدد التَّضْعِيف، وَالْحَال تزجى بَين الْحَرْب وَالسّلم، والمكالمة، والكلم، وتأميل الْجَبْر، وارتقاب عَاقِبَة الصَّبْر، على حماة الدبر. وَإِلَى هَذَا فإننا اتَّصل بِنَا مَا رامت المروم من المكيدة الَّتِي كَانَ دفاع الله من دونهَا سدا، وَالْمَلَائِكَة الْكِرَام جندا، والعصمة سورا، وَالروح الْأمين مدَدا منصورا، وَأَنَّهَا استنفدت الوسع فِي احتشادها حَتَّى ضَاقَتْ اللجج عَن أعوادها، وَبَلغت المجهود فِي استنفارها، حَتَّى غص كَافِر الْبَحْر بكفارها، يَصِيح بهم التأليب، ويذمرهم الصَّلِيب، وسول لَهُم الشَّيْطَان كيادة ثغر الْإسْكَنْدَريَّة شجى صُدُورهمْ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 ومرمى آمال غدورهم، ومحوم قديمهم، ومتعلل غريمهم، ليهتموا ثغور الْإِسْلَام بصدمتها، ويقودوا جناب السواحل فِي رمتها، ويرفعوا عَن دينهم المعرة، ويتلقفوا فِي الْقُدس كرة الكرة، ويفصلوا مَا امْتَدَّ من ظلال الْإِسْلَام، ويشيموا سيوف التغلب على الشَّام، ويحولوا بَين الْمُسلمين، وَبَين محط أوزارهم، وحجهم ومزارهم، وَبَيت رَبهم، الَّذِي يقصدونه من كل فج عميق، ويركبون إِلَيْهِ نهج كل طَرِيق، وقبر نَبِيّهم الَّذِي يطفئون بزيارته من الشوق كل حريق، ويكحلون الجفون بمشاهدة آثاره عَن بكاء وشهيق، وشوق بذلك الحبيب خليق، ويقطعوا حَبل الْمُسلمين بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى بُلُوغ فريق، وَلَا غَرَض تَشْرِيق، وَالله، من ورائهم مُحِيط، وبدمائهم مشيط، وبعباده بَصِير، ولدينه الْحق ولى ونصير " هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله، وَلَو كره الْمُشْركُونَ ". فَمَا هُوَ إِلَّا أَن طما جرادهم، وخلص إِلَيْهَا مُرَادهم، وفاض عَلَيْهَا بحرهم، وَعظم [من المحلوك] أَمرهم، حَتَّى اشْترك الشّرك بعض أسوارها، ونال النهب بمستطرف ديارها، ظنت أَنَّهَا الوهية الَّتِي لَا ترفع، والمصيبة الَّتِي غَلَّتهَا لَا تنقع، واشتمل الباس، وذعر النَّاس، وَأرى الشدَّة من يتدارك بالفرج، وَأعَاد إِلَى السعَة من الْحَرج، وَأَنْشَأَ ريح النَّصْر عاطرة الأرج، وَنصر حزب الْإِسْلَام، من لَا غَالب لمن ينصره، وَحصر الْعَدو بخصره [من كَانَ الْعَدو يحصره] وَظهر الْحق على الْبَاطِل، والحالي بزينة الله على العاطل، فَخرج الْعَدو [الخاسر عَمَّا حازه] وَالسُّيُوف ترهقه حَيْثُ تلفيه، والسهام تثبته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وتنفيه، وغرماء كرة الْإِسْلَام تَقْتَضِي مِنْهُ دينهَا وتستوفيه، والخزي قد جلل سباله الصهب، وحناء الدما قد خضبت مشيخته الشهب، والغلب قد أخضع رقابه الغلب، فكم من غريق أردته دروعه [لما حشي بالروع روعه] وطعين نظمت بالسمهري ضلوعه، فغلبوا هُنَالك وانقلبوا صاغرين، وأحق الله الْحق بكلماته، وَقطع دابر الْكَافرين، و " كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَبِيرَة بِإِذن الله، وَالله مَعَ الصابرين ". فأى رَحْمَة منشورة ضفت على الْإِسْلَام ظلالها، وخطة نعْمَة اتَّسع نطاقها ورحب مجالها، ومجلى صَنِيعَة راق عُيُون الْمُؤمنِينَ جمَالهَا، واهتزت بهَا الأَرْض وربت، وبشكر الله جلّ جَلَاله أعربت، واستبشرت [النُّفُوس] وَذهب الْبُؤْس، وضفى بمنة الله اللبوس، وَظَهَرت عناية الله بمقامكم، وإقالة عَثْرَة الْإِسْلَام فِي أيامكم، فَمَا كَانَ سُبْحَانَهُ لِيُضيع لكم خدمَة ... الْحَرَمَيْنِ، أَنَّهَا الْوَسِيلَة الْكُبْرَى، والذريعة إِلَى سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى، وَهِي عُهْدَة الله الَّتِي يصونها من كل اهتضام، وقلادته الَّتِي مَا يَتْرُكهَا بِغَيْر نظام. وَكَانَ من لطائف هَذَا الْفَتْح الَّذِي أجزل الْبُشْرَى، وأوسع أَعْلَام الْإِسْلَام نشرا، وُرُوده بعد أَن شفيت الْعلَّة، ونصرت الْملَّة، وَبعد أَن جَفا الدَّهْر وتجافا وعادا، ثمَّ صافا، وهجر ووافى، وأمرض ثمَّ عافا، فَلَو ورد مقدمه ثمَّ تاليه، ونقده مُتَأَخّر عَن كاليه، أَو كَانَت أواخره بَعيدا مَا بَينهَا وَبَين أواليه، لأوجست الظنون وَسَاءَتْ، وَبَلغت الهموم من النُّفُوس مَا شَاءَت، فَإِن الْإِسْلَام كالجسد يتداعى كُله لتألم بعضه، ويتساهم إخوانه فِي بَسطه وَقَبضه، وسماؤه مرتبطة بأرضه، ونفله مُتَعَلق بفرضه، فَالْحَمْد لله الَّذِي خفف الأثقال، وزار وأقال، وسوغ فِي الشُّكْر الْمقَال، وَجمع بَين الْقُلُوب وإنالة الْمَطْلُوب. وَإِن وجد الْعَدو طعم الْإِسْلَام مرا لما ذاقه، وَعوده صلبا فَمَا أطاقه، وَرفع عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 طَرِيق بَيت الله مَا عاقه، وقاد إِلَيْكُم فِي بُيُوتكُمْ فضل الْجِهَاد وَسَاقه، ورد الْمَكْر السيء على الْعَدو وأحاقه. فَمَا كَانَت هَذِه المكيدة، إِلَّا داهية للكفر طارقة. ونكبة لعضب التَّثْلِيث غارقة، ومعجزة من آثَار النَّبِي الشريف لهَذَا الدّين المنيف خارقة، استأصلت الْعَدو وَالْمَال، وَقطعت لِلْعَدو الآمال، وأوهنت الْيَمين وَالشمَال. فبادرنا عِنْد تعرف الْخَبَر المختال من أَثوَاب المسرة فِي أبهى الحبر، الْمهْدي أعظم العبر، إِلَى تهنئتكم، تطير بهَا أَجْنِحَة الارتياح، مبارية للرياح، وتستفزنا دواعي الأفراح، بِحَسب الود الصراح، وَكَيف [لَا يسر الْيَسَار بِيَمِينِهِ] ، وَالْوَجْه بجبينه، وَالْمُسلم بِدِينِهِ. وخاطبناكم مهنئين، وَلَوْلَا الْعَوَائِق الَّتِي لَا تَبْرَح، والموانع الَّتِي وضحت حَتَّى لَا تشرح، ومكابدة هَذَا الْعَدو الَّذِي يأسو الدَّهْر بِهِ ويجرح، لم نجتز بإعلام الْقَلَم من إِعْمَال الْقدَم، حَتَّى نتشرف بالورود على تِلْكَ المثابة الشَّرِيفَة، ونمتاز بزيارة الْأَبْوَاب المنيفة، فَيَقْضِي الْفَرْض تَحت رعيها، وبركة سعيها، لاكن الْمَرْء جنيب أمله، وَنِيَّة الْمُؤمن أبلغ من عمله. فهنيئا بِمَا منحكم الله من ظفر شهِدت برضى الله مراسمه، وافترت عَن ثغور الْعِنَايَة الربانية مباسمه، وتوفرت لديكم مواهبه ومقاسمه، ويهنى الْبَيْت الْمُقَدّس، مَكَان فضل الله وَمِنْه، وسلامة مجنه، وَالْإِسْلَام عصمَة ثغره المؤشر، وطهارة كِتَابه المنشر، وجمال عنوانه، وقفل صنوانه، وَبَاب إيوانه، بمرفإ الْفسْطَاط، ومركز لِوَاء الرِّبَاط، وَمحل رحال الِاغْتِبَاط، ومتخير الْإسْكَنْدَريَّة عَن الْبناء والاختطاط. وَمِمَّا زادنا بجحا بِهَذَا الْفَتْح وسرورا زايدا بِهَذَا الْمنح، مَا تحققنا أَنه يثير من شَفَقَة الْمُسلمين لهَذَا الْقطر الَّذِي لَا يزَال يطرقه مَا طرق الْإسْكَنْدَريَّة على مر الْأَيَّام، ويجلب عَلَيْهِ برا وبحرا عَبدة الْأَصْنَام، بِحَيْثُ الْبر مَوْصُول، وَالْكفْر بِكَثْرَة الْعدَد يصول، ونيران الْجوَار مترامية للعيان، والفراسخ القليلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 متوسطة بَين مُخْتَلف النَّحْل والأديان، وَالْعدَد لَا ينْسب، والصريخ إِلَّا من عِنْد الله لَا يحْسب، فتنجدنا بِالدُّعَاءِ أَلْسِنَة فضلائه وتسهمنا خواطر صالحيه وأوليائه، وَالله لَا يقطع عَن الْجَمِيع عوائد آلائه، ويعرفنا بركَة خَاتم أنبيائه، وينصرنا فِي أرضه بملائكة سمائه، وَقد كَانَ اتَّصل بِنَا فِي هَذِه الْأَيَّام الفارطة الذخر الَّذِي مَلأ الْيَد استكثارا، وَالْجَلد اسْتِعْدَادًا واستظهارا، والهمم فخارا، وأضاء الْقطر أنوارا، جوابكم الْكَرِيم، يشيم من نفحاته شذى الْأَخْضَر والجليل، ويلتمس من خلال حَافَّاته بَرَكَات الْخَلِيل، وَيقرب الْوُجُوه بِهِ آثَار الْمعَاهد، ويلتمح من ثنايا بوارقه بوارق الْفَوَائِد، فَأكْرم بِهِ من وَافد مخطوب، وزائر مرقوب، صدعنا بِهِ فِي حفل الْجِهَاد انتحاء وافتخارا، ثمَّ صناه فِي كرائم الخزائن اقتناء للخلف وادخارا، وَجَعَلنَا قراه [شكر الْعباد روضا معطارا] ، وثنا يبْقى فِي الْخَافِقين مطارا، وَدُعَاء يعلى الله بِهِ لمقامكم السنى فِي أوليائه مِقْدَارًا، ويجهز بِهِ لملككم كَمَا فعل أنصارا، ويثيبكم بِالْجنَّةِ الَّتِي لَا يرضى السُّعَدَاء بغَيْرهَا قرارا. وَالله عز وَجل يَجْعَل لأفلاك الهنا على مُخَاطبَة مقامكم الرفيع [الْعلَا] مدارا، وَيُقِيم الشُّكْر ألزم الْوَظَائِف بحقكم ابتدارا، وَالثنَاء أولى مَا تحلى بِهِ مجدكم شعارا، ويبقيكم لِلْإِسْلَامِ ركنا شَدِيدا وظلا مديدا، وسماء مدرارا، مَا استأنفت البدور إبدارا، وعاقب اللَّيْل نَهَارا. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَصدر عني أَيْضا لما استولى السُّلْطَان أَبُو زيان ابْن الْأَمِير أبي عبد الرَّحْمَن ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن على مَدِينَة مراكش، وَقد كَانَ اقْترن بوظيفها عَامر بن مُحَمَّد الهنتاتي، مَا نَصه الْمقَام الَّذِي سعده متاح، وَعطفه بالصنع الْجَمِيل مرتاح وجبينه بالبشر ملتاح، وإقليد سَيْفه للمقفلات فتاح، ولأزهار أَعْلَامه فِي بطاح الجلاد والبطاح بالنصر افْتِتَاح. مقَام مَحل أخينا الطالع صبع سعده بسعادة الْعَصْر، المثمر نصله بجنى النَّصْر، الْبَريَّة من الْإِحَاطَة بصنع الله لَهُ أَدَاة الْحصْر. السُّلْطَان الكذا [ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا] أبقاه الله وأعلام مجده عالية ولبات أَحْوَاله بالسعد حَالية، وألطاف الله لَدَيْهِ مُتَوَالِيَة، وأنوار توفيقه للخطوب جالية، وأعين الْعِصْمَة لَهُ كالية، وعزائمه تشقى بهَا الْأُمَم المناصبة، وتشفى الْأُمَم الموالية. مُعظم مجده المسرور بِظُهُور سعده، المؤمل من الله على يَدَيْهِ إنجاز وعده [الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيده الله وَنَصره] [يسلم عَلَيْكُم سَلاما لائقا بمثابتكم السامية] وفضائلكم الهامية النامية، بل المنسحبة الهامية وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 أما بعد حمد الله الْعلي الْكَبِير، الْوَلِيّ النصير، مخول الْفتُوح، ومعود المنوح، وميسر العسير، الَّذِي وعد الْمُتَّقِينَ بِحسن العقبى فِي الْكتاب الْمُنِير، وَقرن النجح بِحسن التَّدْبِير. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، البشير النذير، المرتقى بمقامه الْأَثِير، فَوق الْفلك الْأَثِير، بدر الرُّسُل الْمُنِير، وكهف الْأمة المجير، وَسبب نجاتنا من سوء الْمصير، الَّذِي بجاهه نقرع أَبْوَاب [التَّيْسِير ونجتلي وُجُوه] التباشير، وَفِي مرضاته نعمل شبا اللدن الطَّوِيل، وظبا العضب الطرير. وَالرِّضَا عَمَّن لَهُ من الصحب والآل والعشير، ملبسى كسْرَى أَثوَاب المهيض الكسير، [ومنزلي قَيْصر عَن ذرْوَة السرير] وورثة الْحق وقادة الجماهير، وكواكب الْهِدَايَة المستنير. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم سَعَادَة مصاحبة فِي الْمقَام والمسير، وعناية مُقَارنَة لإشارة النصيح المشير، وَلَا زَالَ سعدكم يغلب أَعْيَان الأقطار الشاردة، والعمالات المعاندة فعل الإكسير، وَيرد حظوظها إِلَى محط ملككم المستدير. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله اللَّطِيف الْخَبِير، إِلَّا التَّمَتُّع من الْهُدْنَة المكيفة ببركتكم فِي الْمحل الوثير، وَالِاعْتِرَاف لله بِالْخَيرِ الْكثير، وَالسُّرُور لِلْإِسْلَامِ على يدكم، بِجمع الشتيت ونظم النثير، وَالْحَمْد لله كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَّا فَضله، وَعِنْدنَا اعْتِدَاد كريم لَا يزَال يرهب فِي سَبِيل الله حَده، ونرتقب فِي الظُّهُور على أَعدَاء الله وعده، ونصابر الظمأ حَتَّى نرد ورده، ونشفى عليل النُّفُوس عِنْده، وَالله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 يبلغ فِي الْإِسْلَام قَصده، ويكيف نَصره وعضده، ويثير من جعل مَعَه آلِهَة مُتعَدِّدَة بِمن عَبده وَحده، وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم [وحرس مجدكم] . فإننا لما وصلنا كتابكُمْ الْكَرِيم سافرا عَن محيا الْفَتْح الَّذِي راق جمالا وفَاق كمالا، وَأَنْشَأَ للاسلام آمالا، [ورحب مجالا] ودعا بالأماني فَجَاءَت عجالا فتح مراكش لما فَاء الله طاعتها، كَمَا رفع بعد إيالتكم إضاعتها، وأسعد فيئتها، كَمَا أسْرع بعد إيالتكم لإجابة داعيكم جيئتها، وَإنَّهُ لِلْفَتْحِ الْأَغَر المجحل، والسعد الهني الْمُعَجل، دَار الْملك الْقَدِيم، والنصر الوسيم [والعز الجسيم] وطية الْحَادِي ومرتاد المسيم، حَيْثُ الجباية النامية، والشفاعات السامية، والسحب الهامية، وسيوف الْجِهَاد الدامية، وإثباج الْكَتَائِب المترامية، ومنبعث الْقُوَّة المطاقة، ومنشأ عزم الأرك والزلاقة، والحضرة الَّتِي إِلَيْهَا ينْسب بالمشرق وَالْمغْرب. هُنَاكُم الله ملكة نَوَاصِيهَا، واستيعاب قاصيها، وخولكم من فَضله ويمنه، غَايَة لَا يُدْرِكهَا القَوْل، وَلَا يحصيها. كتبنَا نهنئكم هناء من لَهُ فِي المنحة النَّصِيب الأوفر، والحظ الْأَكْبَر، ونسل الله لكم، توالي الصنع الَّذِي أنواره تبهر، ونقرر [مَا لدينا من الْحبّ] الَّذِي عضد خَبره الْمخبر، وأصحبنا نُودي خطابكم الْكَرِيم، الَّذِي لَا يجهل الْفضل ببعثه، وَلَا يُنكر على حَال التشوف الَّذِي صروحه تظهر، والارتقاب الَّذِي يسنيه الله لكم من فضل طلائعه تنْتَظر، وَهُوَ فلَان. ثمَّ رَأينَا أَن لَا بُد من مشافهة تصْحَب الْمُرَاجَعَة، تتميما لوظائف الْبر، وَإِقَامَة لرسوم الود الْكَرِيم العلن والسر، وَإِن كَانَت سَعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 الِاجْتِهَاد، مقصرة عَن ثَمَرَة الوداد، ومدارك اليراع والمداد، عاجزة عَن بُلُوغ هَذِه الآماد، وَإِنَّمَا يشفع فِيهِ شَافِع الْقبُول الْمُعْتَاد، ومسامحة الْمجد الرفيع الْعِمَاد، واخترنا لذَلِك من الفضلا الحسبا، أولى الصّلاح والزكا، القائدين الحاجين فلَانا وَفُلَانًا، [وصل الله عزتهما، وَكتب سلامتهما] وأملنا تَعْجِيل قبولهما، وَقد شَاهدا مَا يسر السَّامع، ويحسب المطامع من كَمَال هبة، وَتَمام آمال عَن السعد المقتبل معرفَة، وَكَمَال مقاصدكم، ضافية أثوابه، متعوذة بتغمد التَّقْصِير أثوابه، وَالله يصل لكم عزا عالية هضابه، مطنبة فَوق النُّجُوم قبابه، وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وَلما وصل كتاب سُلْطَان الْمغرب على هَذَا الْعَهْد أَمِير الْمُسلمين أبي فَارس عبد الْعَزِيز، ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن، يعرف باستيلائه على الْخلَافَة بالمغرب، صدر عني فِي ذَلِك الْمقَام الَّذِي خصت عبوديته لِلْإِسْلَامِ الْعَزِيز بِالْإِضَافَة، عَلامَة على انسدال الْأمان وارتفاع المخافة، وَاخْتَارَهُ الْملك السعيد، وَقد أينع الْقَمَر الْجَدِيد، لرفع الْخلاف بِنصب الْخلَافَة، وشمخ مِنْهُ الْقَبِيل المريني، بمآزر الإباية والإنافة، وأورثته الفراسة العمرية حق أَبِيه بِالنّسَبِ الصَّرِيح لَا بالقافة، مقَام مَحل أخينا الَّذِي استبشرنا بوصل سَببه وَسبب وَصله، واغتبطنا مِنْهُ بالفرع الْكَرِيم الْقَرِيب من أَصله، وتفرسنا فراسة الْمُؤمن، أَن نصر الْإِسْلَام فِي نصله، واستظهرنا مِنْهُ بِسيف الْجِهَاد الَّذِي اشْتَمَل حَده على فَصله ورجونا أَن يجنى الْإِسْلَام بِهَذِهِ الْبِلَاد ثَمَرَات فَضله وخصله، السُّلْطَان الكذا [ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن مَحل والدنا الَّذِي نعظمه ونجله ونوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله، ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان] أبقاه الله، وعنايته تقية من المكاره وتحميه، وترقيه إِلَى مراقي سلفه الْكَرِيم وتسميه، وحمائم الْبركَة تزكّى فَرعه الباسق وتنميه، ولازال سهم سعادته يُصِيب شاكلة الرمى إِذا يرميه، وشديد عزمه يسمه التَّوْفِيق ويسميه، مُعظم منصبه المسرور بِهِ، الْعَارِف بأصالة حَسبه [الدَّاعِي إِلَى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 بتتميم أمله من فَضله] وتكميل أربه، [الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد ابْن نصر] سَلام كريم طيب بر عميم، كَمَا سفر وَجه الصَّباح الوسيم، وَأهْدى الرَّوْض شذاه مَعَ رَسُول النسيم، يخص سلطانكم الْأَعْلَى [وأخوتكم الفضلى] وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله ملك الْمُلُوك ومولاها، ومقدر آجالها وأعمالها وأوصافها وحلاها، ليبلوها قيمًا ولاها، يُؤْتى الْملك من يَشَاء، وَينْزع مِمَّن يَشَاء، بطَائفَة ابتلاها، وَطَائِفَة تولاها، جَاعل منصب الْخلَافَة أسمى مطامح الْإِنْسَان من بعد النُّبُوَّة الرفيعة الشان وأعلاها، وأحقها بِوُجُوه التجلة وأولاها، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، مطلع أنوار الْهدى الَّتِي جلاها، وسر عنايته فِي أُخْرَى النشآت وأولاها، النَّبِي الْكَرِيم الَّذِي فَازَ من قداح الِاخْتِصَاص والاصطفاء بمعلاها. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، وعترته وَحزبه، الَّذين خلفوه فِي أمته، بالسنن الَّتِي تَركهَا لهدايتهم وخلاها، فسدوا مسده بضرورة الْخلَافَة، حَتَّى كفيت الْملَّة الَّتِي جلاها، وضفت على من استرعاه الله ملاها، فانتظمت الدولة معمور الأَرْض وفلاها، وجاس التَّوْحِيد مفارق الهضاب الشم وفلاها، والدعا لمقام أخوتكم حرس الله جَوَانِب علاها، وصل لَدَيْهَا [أَسبَاب الْفضل الَّذِي أولاها] وأولاها بالسعادة الَّتِي يروق مجتلاها، والصنايع الَّتِي لَا تنقضى، إِلَّا ردفها أكبر مِنْهَا وتلاها، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم نعْمَة لحظها الْقدر والخط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 المبتدر وأملاها، وَعزة تفترع ثنايا الشُّهْرَة ابْن جلاها. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله بِعَين عنايته وكلأها، وَعرفهَا عوارف لطفه الَّتِي مَا ودعها مَعهَا وَلَا قلاها، وَلَا زَائِد بِفضل الله الأنعم تفياها الْإِسْلَام ببركتكم، وتملاها، وهدنة تقلد الْوَقْت الَّذِي لَا يشوبه المقت شذورها وتملاها. وَإِلَى هَذَا وصل الله لكم سَعْدا يُنَاسب عمركم فِي الْجدّة، ويتكفل لكم بانفساح الْمدَّة، وَجعل ملككم السعيد كملك سلفكم الْكَرِيم، ملْجأ الْإِسْلَام فِي الشدَّة، وملاذ الْأَنَام فِي الأزمات، يمدون إِلَيْهِ الاكف المستمدة شَادَّة أعداد جيوشه المنصورة وكتائبه الموفورة عَن الْعدة، حَتَّى يمضى سيوفه فِي رِقَاب الْكَفَرَة بِاللَّه كمضاء سيوف خلفاء رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي أصل الرِّدَّة، وتنفذ لفتوحه المنتثرة فِي الْآفَاق صفحات الطروس، وينابيع الأمدة. فإننا اتَّصل بِنَا وَأهلا بِهِ من بريد بشرى، ووافد نعْمَة كبرى [لَا يصغر إِلَيْهِ] مسراه من مسرى، فَمَا أفضل وَأسرى، وَأعرف بمواقع السرُور لدينا وأدرى، كتابكُمْ الَّذِي عظم قدرا، وطلع فِي مراقب البشاير بَدْرًا، وَأقر للدّين الحنيف عينا، وَشرح صَدرا، متحفا بالنبإ الَّذِي جدد ملابس الآمال ضافية الأذيال، وأطلع وُجُوه الْجمال والإجمال فِي آفَاق الْكَمَال، وحلى سور القضايا العاطلة من بعد الإهمال، بأسورة نجح الْأَحْوَال، واشتمل على أشتات البركات كل الاشتمال، بِمَا كَانَ من تصير ملك أبيكم إِلَى يديكم الْمُسْتَحقَّة لنصابه، الهنأة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 برد اغتصابه، وشفا أوصابه، وأنكم حللتم ذروته المنيفة المنيعة، ونزعتم هضبته السامية الرفيعة، ونفيأتم أفياءه الخصيبة المريعة، وتقلدتم بيعَته المتبجحة فِي تَرْجِيح ميزَان الشَّرِيعَة، فدارت هَالة الْقَبِيل الْجَلِيل مِنْكُم على حَالي ظلمه وكربه كشعبي غمه، وبشرى فضل من الله ونعمة، ومظنة وفلق أمة، وقائد الزَّمن الحرون بزمه، وقعدتم مَحل والدكم، كَبِير الْمُلُوك الْكِبَار، وندرة مَعْدن الْحسب النضار، وَولى الشُّهْرَة الجامحة فِي الأقطار والأمصار، ومخلد الْآثَار، ومحتقر الْأَهْوَال فِي سَبِيل الله وراكب الأخطار، الَّذِي راعت الْكفْر عَزَائِمه الْمَاضِيَة القنا والشفار، وأساطيله الواطية صَخْر خدود الْبحار، وَصَبره واحتسابه تأسيا بِالنَّبِيِّ الْمُخْتَار، فِي مواهب التمحيص وَالِاخْتِيَار، وهمته المغراة بِطَلَب بالثار، واستقالة العثار. فَلَو أمهله الدَّهْر، لشفى أهل الْجنَّة من أهل النَّار، ولجاست جياده خلال الْبيُوت المشركة بِاللَّه والديار، فِي إِعْمَال تِلْكَ الْآفَاق والأقطار، وَقسمت أهل الصَّلِيب بَين حط الحتوف، وَطعم السيوف ورق الأسار، وركز راية الْإِسْلَام بدويه الصفر، وشفاف قلب الْكفْر، تخفق عذباتها بويح الْعِزَّة بِاللَّه والاقتدار. وَعَسَى أَن يكون دين هَذَا الأمل لوَلَده مذخورا، ولوليه مجموعا موفورا، فخزائنه سُبْحَانَهُ لَا تحصى وفورا، وحجب غيبه كم تَضَمَّنت صنعا مَسْتُورا، ونصرا تتلألأ صفحاته سُرُورًا، وَعزا عَاد من بعد الطي منشورا، وَبعد الِافْتِرَاق محشودا محشورا. فَسُرِرْنَا يعلم الله لكم بِهَذَا الصنع الْكَرِيم، والمنح الجسيم، سرُور من يعرف الْحق لأَهله، ويقر عينا باستقرار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الْأَمر فِي مَحَله، وينوب فِي رعى الذمام عَن سلفه، من قبله، وَيذْهب من الود الْكَرِيم والخلوص الْقَدِيم، على أوضح سبله، ويرتاد لِلْإِسْلَامِ فِي الأدلات الَّتِي يسببها الِاخْتِيَار اجْتِمَاع شَمله، وَيقرب الآمال بَين من اتّفق رَأْي أولى العقد والحل على فَضله، فالإسلام حَيْثُ تعيّنت إيالته الشَّرِيفَة، وملكته المنيفة، نسب يجمع، وذمام يشفع، ووسيلة لَا تدفع. ومتاب ينفع، ولوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمجمع، والجوار إِذْ كَانَ خلوا من مُوجبَات الشُّكْر والبواعث على مقارضات الْبر، قد ورد فِيهِ من الْأَحَادِيث الغر، والوصايا المنتظمة انتظام الدّرّ. فَكيف إِذا كرمت المساعي، وتوفرت على المساهمة الدَّوَاعِي. فكتبنا نهنى الْملك مِنْكُم بعروس محلاه، والقبيل بِابْن سُلْطَانه الْكَبِير ومولاه، وَالدّين بإعمال الِاخْتِيَار فِيمَن تولاه، وَقُلْنَا رضى وَورث من آل يَعْقُوب، ونير رضى أسْرع فِي غيم هَذِه الفترة الثقوب [ومنهل سعد] ينْتَظر بِفضل الله وعد نَصره المرقوب. الْآن عدل الزَّمَان، وانسدل الْأمان، ووفا الضَّمَان، هَذِه نشيدة النصح الَّتِي أضلها فِيمَا سلف، ومجدد العهود الَّتِي يشبه الأَصْل ويحي السّلف، ومركز الْوِفَاق الَّذِي يرجع إِلَيْهِ من اخْتلف. وَإِن أَبْطَأت البادرة بِهَذَا الْعَمَل الْوَاجِب، فَرب مُتَأَخّر حَقه التَّقَدُّم، ومتلوم مَخْصُوص بالتكريم، والزارع يراقب الْفَصْل، والخطيب يطبق الْفَصْل، والمراجعة فرع عَن الْخطاب، وَالْفرع لَا يتَقَدَّم الأَصْل، وَفِي كل حَال فَإِنَّهَا فِيمَا يسركم السرُور الوثيق الْبَنَّا، والاستبشار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 الْمَرْفُوع على أَعْلَام الاعتنا، فَإِذا جللكم المحبوب أصدرنا مُخَاطبَة الهنا، وَإِذا لحقتكم الْوِقَايَة، قابلنا نعْمَة الله بالشكر والثنا، فثقوا بودنا على توالي الأنا، هُنَاكُم الله بِمَا جلبه الْحَظ من ملك مقتبل الشَّبَاب، وَعز مفتح الْأَبْوَاب، وَجعله لكم ذَرِيعَة إِلَى الْفَخر وَالْأَجْر وَالثَّوَاب، وألبسكم ملابس السَّلامَة الضافية الأثواب، وسلك بكم مَسْلَك الاسْتقَامَة العائدة بالزلفى وَحسن المآب، وَقد وجهنا من يَنُوب عَنَّا فِي تَقْرِير هَذَا الهنا أحسن المناب، ويوفى مَا يرضاه من بر ذَلِك الجناب، ويستدرك [بِاللِّسَانِ مَا أغفله عبارَة الْكتاب، وَهُوَ قَاضِي الْجَمَاعَة وخطيب حمراينا الْعلية، الْفَقِيه القَاضِي الْخَطِيب الْفَاضِل الحسيب الخطى الْخَاصَّة، أَبُو الْحسن ابْن الْحسن وصل الله] لَهُ أَسبَاب الْكَرَامَة وعرفه عوارف الْيمن والسلامة، وَصَحبه بعنايته فِي الرحيل وَالْإِقَامَة، وَلكم الْفضل فِي الْقبُول عِنْد القفول عَلَيْكُم [وَالِاعْتِبَار لما يلقيه بَين يديكم] والإصغا لما أمرنَا بِهِ من شرح ضَرُورَة، وَعذر يُبْدِي وَجه الْحق فِي أحسن صُورَة، وخلوص حظوظه غير منزورة، ومقاصد جد مشكورة. ونسل الْعَزِيز سُبْحَانَهُ، أَن يصل عزة عَبده، وينجز لَهُ فِي النَّصْر صَادِق وعده، ويتكفل لَهُ وَلمن كفل أمره ببلوغ أمله فِي نصر الْإِسْلَام وعضده. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَرجعت حَضْرَة مراكش إِلَى طَاعَته فصدر عني فِي غَرَض هنائه: الْمقَام الَّذِي ذخر لَهُ الْفَتْح الهنى، وجنى الْمنح السنى، وتهدلت فَوْقه الآمال يتساقط مِنْهَا الصنع الجنى، وَيسر لَهُ المآرب القاصية الْجواد الْغَنِيّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وأعرب بِحكم عوامله الْمَبْنِيّ، فَإِذا أشارت السُّعُود بجملها فَهُوَ الْمَعْنى، وَإِذا أهابت النُّفُوس بأمانيها كفلت بِهِ الْأَمَانِي، مقَام مَحل أخينا السعيد النصبة، الرفيع الهضبة، مَالك الظَّوَاهِر بالرهبة، والقلوب بالمحبة، ذِي الثنا الطّيب الْهِبَة، والرأي الحميد المغبة. السُّلْطَان الكذا [أبي فَارس عبد الْعَزِيز ابْن مَحل والدنا الَّذِي نعظمه ونجله، نوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله، السُّلْطَان الكذا أبي سعيد ابْن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف بن عبد الْحق] أبقاه الله فاتح مَا استغلق، ومجدد مَا أخلق، يُقيد شوارد الآمال، كلما أرسل أَعِنَّة الغارات وَأطلق، وَيُسْتَنْزَلُ النازى وَلَو تمسك بالعنان وَتعلق، فضلا عَن أَن يعد لامتناعه الأبلق، أَو يركب ظهر السهْم إِذا أحلق، مجل شَأْنه الْجَلِيل إِذا ذكر الشان، وَمُوجب حَقه إِذا تعيّنت من فروضه الْأَركان المصرورة، بِمَا يسنيه الله لَهُ من فتح يبتسم لَهُ الزَّمَان، وينسدل على الْبِلَاد المؤمنة الْأمان، الدَّاعِي إِلَى الله بِبَقَائِهِ فِي عزة يسر بهَا الْإِيمَان، وسعادة تنتظم عقودها كَمَا انتظم الجمان. أَمِير الْمُسلمين الْغَنِيّ بِاللَّه عبد الله مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر. سَلام كريم. كَمَا حسر الْبَدْر لثام السَّحَاب عَن محياه، وَأهْدى النسيم الَّذِي عِنْد الهبوب طيب رياه، يخص مقَام أخوتكم السامية علياه، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الْوَاهِب المانح، النَّاصِر الفاتح، ميسر المناجح، ومكيف الْخَوَاتِم الْحَسَنَة والفواتح، جَاعل التَّوَكُّل عَلَيْهِ وتفويض الْأُمُور إِلَيْهِ مدنيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 للنازح، وَقَائِدًا إِلَى المسلك الْوَاضِح، ومجازي النيات الْخَالِصَة لوجهه بالصنائع الرائفة الملامح، والمواهب الرواجح، مِمَّن عَامله بالتجر الرابح، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، مطلع صبح الْهدى اللايح، وظل الله الظليل على الغادي والرايح، نَبِي الرَّحْمَة الهامية، فَوق الْحزن والبطايح. وشفيع الْأمة يَوْم خوف الفضايح، الرَّسُول الرؤوف الرَّحِيم الْكَرِيم النصايح، الجم اللطايف الصرايح، الَّذِي باتباعه نظفر بالسعى الناجح، وندرأ فِي نحر الْعَدو المكافح، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه حماة المسالح، أولى الرعى للْمصَالح، الَّذين نصروه فِي حَيَاته يبيض الصفايح، وخلفوه بِنَقْل الصحايح، فَكَانُوا أَحَق بقلائد المدايح، وَأولى بالثناء الْعطر النوافح، وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى بالنصر الَّذِي تركب أنباؤه ظُهُور الرِّيَاح اللوافح، والصنع الَّذِي يضيء بِنور الاستبصار، فِي عناية الْوَاحِد القهار احناء الجوانح. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا يسهل الصعاب ويدنيها، وَعزا يشيد معالم الْفَخر ويبنيها، ونصرا يظْهر أفنان الْفتُوح ويجنيها، حَتَّى تسر بمأمون نصركم الدُّنْيَا وبنيها، وتتصل الْملَّة الحنيفية بأمانيها. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، والآمال متيسرة، والصنائع لمجمل الرجا فِي الله مفسرة، والأنباء مبشرة، والثغور ضاحكة مستبشرة، وقضايا السَّعَادَة منتشرة، وَالْإِسْلَام تبدو مخايل اجْتِمَاع شَمله، وَسُكُون الثايرة بَين أَهله، وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله قد وضح بعد انسداد سبله، وَالْحَمْد لله حمدا، نستزيد بِهِ من فَضله، وَالله الْمُسْتَعَان على الْأَمر كُله. وَقد وصلنا كتابكُمْ الْكَرِيم الَّذِي وَفد فَأفَاد، وجاد غمامه وأجاد، [وَبشر الْبِلَاد والعباد، والنفوس الَّتِي أخلصت لله الْجِهَاد] . وخاضوا فِي سَبيله الخطوب الشداد بِمَا كَانَ من الْفَتْح الَّذِي رفع الله بغره الْعِمَاد، وفسح فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 السرُور بِهِ الآماد، وَكفى النضال والجلاد، فتح مراكش، الَّذِي هيأته السَّعَادَة، وأخلصته المنحة الْمُعَادَة، ويسرته الْمَشِيئَة السابغة، ويمن الْإِرَادَة، على مَا قررتم من التَّيْسِير، ويمن الْمسير، واجتلا وُجُوه التباشير، وخدمة الْجبَال المتعاصية، وَطَاعَة النُّجُوم القاصية، وإلقاء المنتزين بالناصية. فالأفواج تدخل فِي دين الله، بالجنوح إِلَى الْجَمَاعَة والشهقات الشم تهرع بِالطَّاعَةِ، والمنابر تَنْطَلِق بالأوامر المطاعة، وَأَن من كَانَ بهَا بَادر النجَاة بِجمع قَلِيل، وحد فليل، وأنكم أتبعتم أَثَره بِمن تثقون بغنائه، وتجنون ثَمَر إدنائه، حَتَّى تستأصلون معضل دائه. فقابلنا مَا يسر الله لكم من الْفَتْح الجسيم، والصنع الوسيم، بِمَا يجب من ابتهاج واستبشار وَالسُّرُور الْمشرق الْأَنْوَار، وَسَأَلنَا الله علو الْمِقْدَار، وتمهيد الأقطار، وساهمنا كم فِي المنحة الْكَرِيمَة الْآثَار، والموهبة الَّتِي هِيَ علم فِي الْمَوَاهِب الْكِبَار، وَقُلْنَا عَاد فلك الْجِهَاد إِلَى الْمدَار، وسح هِلَال الْملك المريني بالإبدار، وارتفع عَن الْإِسْلَام مَا طرق صَفوه من الأكدار، وَارْتَفَعت بارتفاع الْمَوَانِع مقررة الْأَعْذَار، وَسَأَلنَا الله أَن يتم على الْإِسْلَام النِّعْمَة، بِجمع كلمتهم الَّتِي فرقها الشَّيْطَان، وَذَهَاب فتقتهم الَّتِي رجعت بهَا الأوطار، وجلت الْقطَّان، وطالما ضَاقَتْ الصُّدُور بِمَا شغل الْأمة عَن مهمها الأكيد، ونهجها السديد، وَنصر دينهَا مَعَ الِاعْتِرَاف بِكَلِمَة التَّوْحِيد، وَعصى الْكفْر قد انشقت، وَكلمَة الْعَذَاب قد حقت، والفتن فيهم مَا رعت وَلَا أبقت. فَلَو اجْتمع عز الْإِسْلَام لعادت الْفتُوح الأول، وَبلغ من رد مَا غصب الْكفْر الأمل، لَا كن هَذِه الفداءات الْمُبَارَكَة تدل على مَا وَرَاءَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 من فَائت يسْتَدرك، وحظوظ لله لَا تتْرك، وعزائم لجهاد عَدو الدّين تصرف، وعوائد تُعَاد كَمَا يعرف. وَلما أعطينا الهنا حَقه، وَإِن كَانَ جهدا لَا يَعْنِي بالمكتوم مكتوبه، وَلَا يُوفي إِلَّا من بعد التَّرَخُّص وُجُوبه، فاستيفاء مَا تجنيه البواطن من الود، وتضمره من حسن الْقَصْد، بَحر عَظِيم الْمَدّ، إِنَّمَا يُعلمهُ الله الَّذِي يطلع على الْخَفي من قلب الصّديق الحفي [عل مَاله فِي قلب صديقه من الود الوفير] صرفنَا أَعِنَّة الثنا لما كَانَ من مبادرتكم إِلَيْهَا بِهَذِهِ الطرفة الْوَارِدَة، والمنحة الوافدة، فَمثل هَذِه الْعِنَايَة شَاهد بالخلوص مَقْبُول، وَدَلِيل على أتم وُجُوه الصِّحَّة مَحْمُول، فَالله عز وَجل يشْكر عَنَّا ودكم المستولي على ميدان الْكَمَال، المتحف من نصركم ببلوغ الآمال. وَلم نقنع فِي غَرَض الهنا، وَالشُّكْر والثنا على هَذَا الْمَقْصد الْبر، بِجَوَاب يَنُوب عَن لِسَان، ويجتهد فِي توفيه مَا جلبتم من وُجُوه الْبر وَالْإِحْسَان حَتَّى عينا من يتَوَلَّى ذَلِك بِمَا يجب من تَقْرِير، وَشرح وَتَفْسِير. وَهُوَ فلَان، ومجدكم، يصل عوائد الْقبُول، ويبلغ من الإصغاء لذَلِك أمضى المأمول، على عوائد الْفضل المبذول. وَالله عز وَجل، يعرفكم عوارف الْيمن وَالْقَبُول،، والعز الْمَوْصُول، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ، عرف الله بركته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 (وَمن التهاني فِي الإبلال من الْمَرَض مَا صدر عني مهنئا أَمِير الْمُسلمين أَبَا عنان رَحْمَة الله عَلَيْهِ) الْمقَام الَّذِي شفاؤه لِلْإِسْلَامِ شفا، وبرؤه نعْمَة عميمة مَا بموقعها خفا، وشيمه فضل وَعدل ووفا. فللقلوب بِهِ ابتهاج، وللصدور انْشِرَاح، وللعيون إغفا، مقَام مَحل أخينا الَّذِي نقدر قدره، ونسل الله أَن يحفظ من بادرة السرَار بدره، ونرتقب تأييده على الْعَدو وَنَصره، ونروم الْإِحَاطَة بِمَا بلونا من أَجنَاس فَضله، فَلَا نطيق حصره. السُّلْطَان الكذا [أبي، عنان ابْن السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا أبي سعيد بن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف بن عبد الْحق] أبقاه الله مفداة ذَاته الطاهرة بالنفوس، محوطة البدور والشموس، مُبْعدًا عَن جلالها لِبَاس البوس، متهللا باتصال عَافِيَتهَا وَجه الزَّمَان العبوس، مَحْمُولا مهرق السرُور برامتها فَوق الرؤوس، مُعظم مقامكم الأسمى، وَمحل أخوتكم الْعُظْمَى [الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره] سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله، كاشف ظلمَة الغما بِنور صباح النعماء وَمذهب وَحْشَة اللأواء بأنس رَحمته المنشورة اللِّوَاء، الْحَكِيم الَّذِي لَا يفْتَقر فِي إِزَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 الأدواء، إِلَى وَاسِطَة الدَّوَاء وَلَا يفر مَعَ اسْمه الْكَرِيم فِي الْأَسْمَاء شَيْء لَا فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء، متدارك نفوس الْمُسلمين بِمَا وهبهم من الشِّفَاء بعد الإشفاء، فالموارد بعد الكدر ظَاهِرَة الصَّفَا، وأنوار الاستبشار ظَاهِرَة بعد الاختفاء. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله خيرة الرُّسُل وَخَاتم الْأَنْبِيَاء، الَّذِي بجاهه نسحب ملابس الاعتناء، ونرد موارد الآلاء، ونستظهر على الْأَعْدَاء، ونستشفي عِنْد إِلْمَام الدَّاء، ونتوسل إِلَى الله فِي الْإِعَادَة من الْأُمُور والإبداء، ونرفع الندا مهما رَاعنا رايع فنتعرف مِنْهُ إِجَابَة الدُّعَاء. وَالرِّضَا عَمَّن لَهُ من الصَّحَابَة والقرابة وَالْخُلَفَاء، الْمُوفينَ بعهده حق الْوَفَاء، الْأَشِدَّاء على الْكفَّار، الرُّحَمَاء الَّذين خلفوه فِي أمته على إِيضَاح الْحق، وحياطة الْخلق، وقمع الْأَعْدَاء، وَرفع منار أوامره المتبعة على أوثق الْبناء، فَكَانُوا من بعده كَالنُّجُومِ فِي الظلماء. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى بالنصر الْكَرِيم الأنباء، والصنع الوسيم الرواء، والتأييد المتكفل بتمهيد الأرجاء. وَلَا زَالَ نصله شهير المضا فِي كف الفضا، وسعده مشرق الضيا فِي أفق العلياء، وعزه ضافي الردا وَشَاهد عناية الله بِهِ معمل الْأَدَاء، ومنار علمه قبْلَة الأولى الاقتدا. فَإنَّا كتبناه كتب الله لكم دوَام الْعَافِيَة المديدة الأفياء، وعرفكم عوارف السَّعَادَة مَعَ اتِّصَال الأناء. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله وَلَيْسَ بِفضل الله إِلَّا مسرات براحتكم نعاطى راحها، ونذيع أفراحها، ونسيغ قراحها، ونحفل فِي مسارح حمد الله وشكره مغداها ومراحها. وَقد وصلنا كتابكُمْ الَّذِي أهْدى أَسْنَى التحف وأعلاها، وأسدى أجمل الْمنح وأولاها، وأزال الغما وجلاها، وأطلع أنوار الْبشر يروق مجتلاها، وَجمع بَين الفواضل العميمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 يعضد أولاها أخراها، عَرَفْتُمْ فِيهِ بِمَا قد ألم بذاتكم الطاهرة من الْأَلَم، الَّذِي قد ألمت لَهُ الْقُلُوب، وثوت فِي النُّفُوس الْمسلمَة الكروب، ثمَّ مَا تدارك من الإبلال والاستقلال، ببرء ذَلِك الْجلَال، واستيلاء جيوش الرَّاحَة [على عَدو ذَلِك الاعتلال] فلولا أَن خبر الْمَرَض بلغنَا مَقْرُونا بِخَبَر الرَّاحَة، وَأمن تِلْكَ الساحة، لعظمت الأدجال وضاق المجال [واشهب الصَّبْر الكرب العجال] لاكن الشرفة الظلمَة كَانَت مردفة بالصباح، والشبهة مقترنة بِالْحَقِّ الصراح، والمسرات مَوْصُولَة بالأتراح. فحمدنا الله على راحتكم الَّتِي هِيَ رَاحَة الْبِلَاد والعباد، وَفِي ضمنهَا النعم الواكفة العهاد، فاستقامة الْفسْطَاط، استقامة الْعِمَاد، وبصلاح الْأَرْوَاح، صَلَاح الأجساد. وَالْحَمْد لله الَّذِي أقَال وَفك العقال، وكفا الكرب الثقال، ووفى الْأجر، وَهُوَ لَا يظلم مِثْقَال، وجدد لسيفه الْمَاضِي الصقال، وَجمع لكم بَين الأجور الوافية، من الصَّبْر على الْأَلَم، وَالشُّكْر على الْعَافِيَة. وَعلمنَا فِي إعلامكم أيانا بِهَذِهِ النِّعْمَة، فكأننا من إِيثَار أخوتكم، فزادت المسرة أضعافا، وَثبتت قواعدها ثبوتا لَا يحْتَمل خلافًا، وَوَجَب الشُّكْر اعتقادا واعترافا، فَلَا تسلوا عَمَّا عندنَا من الابتهاج والاستبشار، وَالسُّرُور الْمشرق الْأَنْوَار، وَكَيف لَا تسر بِنِعْمَة الله قبلكُمْ هَذِه الْجِهَات الَّتِى مَا عدمت مِنْكُم، وَلَا من سلفكم عناية، وَلَا فقدت حالى الشدَّة والرخاء رِعَايَة، فَكلما أفلت آيَة، طلعت آيَة، وَكلما تعرفت رَأيا، اسْتقْبلت راية، وَالله تَعَالَى، يحفظ من عزائمكم الْعدة الَّتِي بهَا نتقي عَدو الْعَدو، ونخطب أملهَا المرجو، ونعمر بتأميلها الرواح والغدو. وَنحن نهنئكم، وَإِن كُنَّا أَحَق بالهنا، ونبدي من التَّشَيُّع مَا يَلِيق بكريم الإخا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 ونجهد فِي إجزال الشُّكْر وإجمال الثنا. وَالله عز وَجل يطلعنا من مقامكم على كل بهج من الأنباء، ويحرس مالكم من أصيل الْعَلَاء، ويدافع عَن ذاتكم الْكَرِيمَة، بمعهود اللطف، وموصول الاعتناء. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَصد رعني أَيْضا فِي غَرَض الهنا بشفاء من مرض لسلطان الْمغرب الْمقَام الَّذِي شفى الْمجد وَالْكَرم بشفائه، وَعَاد جفن الْملَّة بأنبا عصمته المستقيلة إِلَى إغفائه، ويلقى السرُور ضيف الْبشَارَة المختالة من خبر رَاحَته فِي أجمل الشارة باحتفائه واعتفائه، وَثَبت للدّين الحنيف مَا فرج بِهِ من التَّعْرِيف دَلِيل السعد المنيف، وَقد تطرق الْقيَاس الْجَلِيّ إِلَى انتفائه، فَعَاد مورد الْيمن إِلَى صفائه، وتبرأ الدَّهْر من ذَنبه [وَعَاد إِلَى وفائه] . مقَام مَحل أخينا الَّذِي أَسبَاب هَذِه الْبِلَاد الغريبة بأسبابه معقودة، وآمال الْإِسْلَام بِوُجُودِهِ مَوْجُودَة، وأبواب المخاوف بتأميل بَابه الْعلي مسدودة [وأيدي من بهَا من الْأُمَم على مجدها الرَّاعِي الذمم مشدودة] فأقطارها بقطر الْإِعْلَام بعافيته مجودة، وأكف ناسها على اخْتِلَاف أجناسها بالشكر ممدودة، [أبقاه الله يتلَقَّى زِيَارَة الله بالكنف الرحب وَالْعقد السَّلِيم، ويعجل بريد الضراعة والاستقالة، مهما أحس بتغيير الْحَالة، طَارِقًا بَاب السَّمِيع الْعَلِيم، ونقتني من الْأجر الموفور، وَالثَّوَاب المذخور، بضائع إِنَّمَا يخص الله بهَا [من عباده] خَزَائِن الأواه الْحَلِيم، وَجعل الْعِصْمَة مصاحبة لذاته الطاهرة، [فِي الْأَحْوَال الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة] يطالع مِنْهَا زَاد الْمُسَافِر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وتحفه القادم [وَزَاد الْمُقِيم] وشكر مَا يصله بعناية تَعْرِيفه من سَبَب الْوَلِيّ الْحَمِيم [من الْوَلِيّ الْحَمِيم] مُعظم قدره الَّذِي تَعْظِيمه مفترض، ومقيم بره الَّذِي لَا يقدم على تتميمه غَرَض، الَّذِي أقْصَى مَذَاهِب المساهمة لمجده مهما ألم بجوهر مقَامه الأبوي عرض، أَو شَاب مورد صِحَّته مرض، فلَان وَمِنْه: وَإِلَى هَذَا حرس الله ذاتكم الطاهرة من طرق النوائب، وصان مواردكم المؤملة من شبوب الشوائب، وكنفكم بجناح عصمته فِي الشَّاهِد وَالْغَائِب. فإننا فِي هَذِه الْأَيَّام، طرق بعض سواحلنا شاني مشنو الْخَبَر، وحث جنَاح الشراع مِنْهُ مارج مَكْرُوه الْعين والأثر، جمجم بِكَلَام ملفق، ونبإ غير مُحَقّق، عللنا النُّفُوس بتمحيله وتكذيبه، [وَلم نعن] بتقرير هدهده فضلا عَن تعذيبه، وغمضنا عِنْده الأجفان، طَمَعا فِي أَن يكون حلما، وتغافلنا عَن استفسار كَلَام يجر كلما، فَلم تقر الْجَوَارِح على هَذِه الصدمة المتعرفة، وَلَا سكن اضْطِرَاب النَّفس فِي مثل هَذِه الْأُمُور المصرفة، فزند القلق فِي مثلهَا أورى، واضطراب البال بِمِثْلِهَا أَحْرَى، والشفيق كَمَا قيل بِسوء الظَّن مغرى، فعجلنا إِلَى جبل الْفَتْح، من يجلب مِنْهُ نفسا بِنَفس من بَث، وعينا لَهُ المراحل تَحت الْحَث، فَلم يكن يهب نسيمه، وَيقْضى إِلَى الْمَطْلُوب سيره وتقسيمه، حَتَّى طلع علينا من كتابكُمْ صبح جلي الظلمَة المعتركة، وَعلم عرف النكرَة، وَحكم حزم الظنون المذهلة المسكرة، عرفتمونا فِيهِ بالألم الَّذِي ألم، واتصال الْعَافِيَة الَّتِي خص صنعها وَعم، وشرحتم مَا أوجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 الألقية الَّتِي صدقت الآمال بتكذيبها، وسهلت الْعبارَة بِحَذْف وحشيها وغريبها، وقررتم اسْتِقْرَار الْعَافِيَة فِي مهادها، وَرُجُوع الْحَال الصَّحِيحَة إِلَى معتادها، واستبشار قبَّة الْإِسْلَام باستقامة عمادها، وَذَهَاب جِيَاد السرُور فِي أقطار الْمَعْمُور إِلَى غاياتها وآمادها. فقدمنا أَولا شكر الله الَّذِي تعزى لِسَان الْفرج بتقديمه، ونظرنا إِلَى وَجه الْإِسْلَام، وَقد عَادَتْ نظرة أديمه، وبهرتنا فواضل مقامكم الَّذِي اتَّصل فضل حَدِيثه بقديمه. فَلَقَد كَانَ كتاب مقامكم إِلَيْنَا أَمر من توقع الشفا لديكم، وَأنس من عوايد الصنع الَّذِي ورد عَلَيْكُم، فَنحْن نسهب فِي الثَّنَاء ونطيل، ونتحكم على الْأَيَّام ونستطيل [ونطرح بِظُهُور الْحق مَا دلسته الأباطيل] ونهنئكم بمراجعة عقيلة الصِّحَّة الَّتِي لَا ينبو بهَا من بعد إِن شَاءَ الله بَيت، وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهَا [كَيْت وَلَا كَيْت] وَلَا يعْمل بِسَبَبِهَا بعل وَلَا لَيْت، فلتهن راحتكم مجَالِس الْعلم وخلوات الْعَمَل، لَا بل الْإِسْلَام بِمَا حمل، فَإِنَّمَا عصمتكم على الدّين الحنيف وَأَهله رواق، وظل خفاق، ومكارمكم فِي أسواقها للدّين وَالدُّنْيَا نفاق، فَإِذا تألمتم كَانَ بِالدّينِ الحنيف وَأَهله إشفاق، وَإِذا عوفيتم، كَانَ للأمن اتساق، وللسعد إشراق. ثمَّ أتبعتم رَحل الْمرة بالحقيبة، وَجِهَاد الشَّيْطَان التاعق بالتعقيبة [جَارِيا على فضل من فضل الضريبة ويمن النقيبة] فسرحتم مَا عنْدكُمْ من الْعَزْم الَّذِي جعلتم هَذِه الحركات المباركات مُقَدمَات قِيَاسه، وأنواعا لأجناسه، وأنكم تباشرون إعداد الْمُنْشَآت وتستظهرون على قطع مَسَافَة الْبَحْر لجيادها الْكِرَام الشيات، وعملكم على مَا فِيهِ رضى الله، قَضِيَّة لَا تحْتَمل النقيض، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وتصريح لَا يقبل التَّعْرِيض. إِنَّمَا هُوَ جد خلص لله قَصده، وعزم أرهف فِي سَبِيل الله حَده، وكريم يقفو مَا سنه أَبوهُ وجده، فاستكثروا من الْخَيْر الَّذِي أَنْتُم بسبيله، واستعدوا على الْبَحْر الْقَاطِع بَيْننَا وَبَيْنكُم بتوفر عدد أساطيله، فَقبل الرَّمْي تراش السِّهَام، وَقبل اللِّقَاء يكْتب الْجَيْش اللهام، وعقل التجربة قد بَين مَا أشكل، وَفِي معرض الاستعداد قيدها وتوكل، وَمن قبلكُمْ تلتمس العوارف، ونقتبس المعارف، ونتوسد الظل الوارف، وبنظركم السديد تحمد الْمَوَارِد والمصارف [بِفضل الله. ومماأطرف بِهِ كتابكُمْ الَّذِي أطْعم وسْقا، وَأورد المسرات نسقا، وجلا من [الظُّلم المتظاهر] غسقا، خبر مأ آل إِلَيْهِ حَال مَدِينَة إطرابلس الَّتِي أوقعت بالقلوب وقيعتها الشنيعة، وفرعت بملكة الْكفْر هضبتها المنيعة، وَمَا ذخر الله فِيهَا لملككم من حسن الصنيعة، وأنكم لبيتم على الْبعد نداءها، وشفيتم داءها، وعاجلتم من يَد الْكفَّار فداءها، وَذَلِكَ عنوان قبُول الله على مقامكم وإقباله، ومنقبة حباها الله الجلاله، فَمن طمح إِلَى مَا طمحتم إِلَيْهِ نظر لمناله، وَمن شراها بِالثّمن الخطير، وَالله مَا جَار على مَاله، فياله من فَخر جلّ قدره عَن الثّمن، وَذكر تخَلّل بَغْدَاد الْعرَاق وصنعا الْيمن، وصفقة رابحة إِن لم يعقدها مثلكُمْ، وَإِلَّا فَمن لمثل ذَلِك تطمح الهمم، وَفِي مثله تتنافس الْأُمَم، وَالله يذخر المَال، وَعَلِيهِ تحوم الآمال، لِدَة الْإسْكَنْدَريَّة، وَأم من أُمَّهَات المدن البحرية، أَرَادَ الله أَن يبْقى التَّوْحِيد بهَا بسببكم، وَأَن يَجْعَلهَا بِالْملكِ الصَّرِيح من مكتسبكم، فاهنوا بِهَذِهِ الصَّنَائِع الَّتِي يلْبِسكُمْ الله أطواقها، وَيفتح بسعدكم أغلاقها، مَا ذَلِك إِلَّا لنِيَّة اطلع عَلَيْهَا من ضميركم، فسدد إِلَى [الْغَرَض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 الْكَرِيم] سِهَام تدبيركم، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يزيدكم من مواهبه، ويحملكم من الْبر على أوضح مذاهبه. وأننا لما استجلينا من كتابكُمْ غرَّة السَّعَادَة المشرقة، وشكرنا مِنْكُم موقع الغمامة المغرقة [أمرنَا برفد] المنشور، فصدع بِهِ فِي الحفل الْمَشْهُود [وبلغنا من الإشادة بِهِ أقْصَى الشُّهُود] ورحبنا بوافده الْمَرْدُود، وأرغمنا أنوف أَعدَاء الله وأعدائنا بلوائه الْمَعْقُود، حَتَّى يَبْدُو للقريب والبعيد تشيعنا لمقامكم الْمَحْمُود، واستظلالنا بظلكم الْمَمْدُود، وَنحن نجمع فِي مراجعتنا بَين الشُّكْر والثنا، ومضاعفة الهنا، ونسل الله تَعَالَى أَن يُطِيل بقاءكم فِي الْملك الوثيق الْبناء، ويعرفكم من لَدَيْهِ عوارف الاعتناء [وَهُوَ سُبْحَانَهُ يديم سعدكم ويحرس مجدكم] . وَالسَّلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 كتب التعازي فِي الْحَوَادِث والنائبات وَصدر عني فِي مُخَاطبَة السُّلْطَان أبي عنان فِي غَرَض العزا والهناء الْمقَام الَّذِي صبره فِي النوائب جميل. وشكره على الْمَوَاهِب بالمزيد كَفِيل، وفضله لَا يلتبس مِنْهُ سَبِيل [وَحكم فخره لَا يتطرقه تَعْلِيل] ، ومحكم مجده لَا يتَنَاوَلهُ تَأْوِيل، مقَام مَحل أخينا الَّذِي استولى على غايات الْكَمَال مجده، وَرفع راية الْعِنَايَة الإلهية سعده، واشتهر فِي مقَام الصَّبْر صبره، وَفِي مقَام الشُّكْر، شكره وحمده، [وطوق الْأَعْنَاق بذله ورفده] وشف نور قلبه بإلهام من ربه، فأخلص ضَمِيره لمن يوده، السُّلْطَان الكذا [أبي عنان] ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله مشكور المساعي والخلال، جليل الْخطر خطير الْجلَال، كَامِل الذَّات ذاتي الْكَمَال، جَارِيا على مهيع السّنة فِي جَمِيع الْأَحْوَال، مُعظم سُلْطَانه الَّذِي تَعْظِيمه فرض محتوم، وموقر ملكه الَّذِي لَهُ فِي الْملك حق مَعْلُوم، الْمثنى على مكارمه الَّتِي تطابق مِنْهَا مَنْقُول وَمَفْهُوم، ومساهمه فِيمَا سَاءَ وسر حكمهَا فِي صَحَائِف الصدْق مرسوم. الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج بن نصر. سَلام كريم، طيب بر عميم، يخص مقامكم الأعلي، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 أما بعد حمد الله الَّذِي بِيَدِهِ الْأَمر كُله، وَلَيْسَ فِي الْوُجُود إِلَّا فعله، وَالتَّسْلِيم لأحكامه، وَالشُّكْر على إنعامه، أولى مَا اكْتسب بِهِ رِضَاهُ واستزيد بِهِ فَضله، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله [الْمُصْطَفى الْكَرِيم] ، الَّذِي ختم بِهِ رسله، وَنبيه الْعَظِيم قدره، الْكَرِيم مَحَله، ملْجأ الْأمة يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله، وَالرِّضَا عَن آله وَأَهله وَأَصْحَابه، فسيا حبذا أَصْحَابه الْكِرَام وَأَصله، الَّذين كَانُوا فِي آفَاق دينه الحنيف شهبا أَضَاءَت بهم سبله، وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَسْنَى أبقاه الله مَعْرُوفا صبره وشكره وعدله، مجموعا فِي مَوَاقِف الْفِرَاق شَمله، بالنصر الَّذِي يمْضِي فِي مَوَاقِف السعد نصله، والعز الَّذِي تميز فئته الْغَالِبَة فَضله. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم بقا يتَّصل باتصال الزَّمَان حبله، وَعزا جوزاء نطاق السما نطاقه، وبدرها تاجه، وثرياها تعله. . من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من الِاعْتِدَاد بمقامكم، أَعلَى الله سُلْطَانه، ومهد باتصال السعد والعافية أوطانه، إِلَّا الاستبشار الَّتِي أشرقت فِي سما الْغَيْم كواكبه، ووضحت بعد الالتباس مذاهبه، وَأَنْتُم عدَّة الْإِسْلَام إِذا ارْتَاحَ جَانِبه، وردءه الَّذِي يحذرهُ من يحاربه. أبقاكم الله يزين بحمدكم كتبه، وبنصركم كتائبه، وتستعذب بوجودكم موارده [ومشاربه] . وَعِنْدنَا من التَّشَيُّع لجلالكم الأسمى، جمل لاتوفيها الْعبارَة وَإِن اِنْفَسَحَ مداها، وَلَا تدركها البلاغة وَإِن طَال مداها، نغتبط بعصمة ذاتكم الَّتِي لَو خير الْإِسْلَام [فِي الْمَوَاهِب] مَا تعداها، ونستنصر بعزمكم كلما غلبت على هَذِه الثغور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الغريبة عَداهَا، وَإِلَى هَذَا أيدكم الله بنصر من عِنْده، وَوصل لملككم أَسبَاب سعده، فَإنَّا وصلنا كتابكُمْ المرفع، عرفتمونا فِيهِ بِمَا كَانَ من استبشار الله بِمحل والدنا السُّلْطَان الباهر العالي، الَّتِي اعْترفت بعظيم قدره أَلْسِنَة الْأَيَّام والليالي، والدكم تغمد الله لحده من الرَّحْمَة بغمام، وحشره فِي زمرة من يُخَاطب عِنْد بَاب الْجنَّة ادخلوها بِسَلام، فَلَو لم يكن لَهُ من المآثر الَّتِي يسْتَحق بهَا الْحَمد، ويسترق الْمجد، إِلَّا أَن كُنْتُم سلالته، وورثتم بِالْحَقِّ جلالته، لَكَانَ فخرا لَا يُنَازع فِي حَقه، وَلَا يضايق فِي طرقه، فَإنَّا لله تَسْلِيمًا لحكمه الحتم، وتفويضا إِلَى أمره الْجَزْم، سَبِيل مُبين، وَقصد يَدْعُو إِلَى الصَّبْر فِيهِ عقل وَدين. من ذَا الَّذِي سَالم الْأَيَّام فَسلم من غوائلها، وتمتع بطالعها، جعلنَا الله مِمَّن عمل عملا بَاقِيا، واسلف سعيا صاعدا [إِلَى مَحل الْقبُول] راقيا. وَنحن مهما اعْتبرنَا هَذَا الْحَادِث على انْفِرَاده، وَلم نَنْظُر إِلَى أضداده، بلغ منا الوجد إِلَى غَايَة مُرَاده. وَإِذا نَظرنَا إِلَى أَصْحَاب الدَّهْر، بعد تصعب قياده، وَلما أنعم الله بِهِ من ارْتِفَاع سمك الدّين واستقامة عماده، وَإِن الميدان سلم إِلَى جَوَاده، والغيل إِلَى اسد آساده، وَالْإِسْلَام ظفر بمراده، بِمَا كَانَ من خلوص الْأَمر إِلَيْكُم، وَحُصُول أزمته فِي يديكم، انقلبت الْحَسْرَة حبرَة، والكآبة نعيما ونضرة، وَعَاد الْغم مَسَرَّة. وَقُلْنَا هَذِه نعْمَة بِأَيّ لِسَان تشكر، وَبشَارَة مثلهَا يردد وَيذكر. الْآن صدقت الآمال فِي حَافظ الدّين وناصره، وَالْكَفِيل برعى أواصره، لقد آن للخيل أَن يظْهر عَلَيْهَا المراح، ولصدور المراكب أَن يشملها الانشراح، وللسيوف أَن تضحك مِنْهَا المباسم، لوأقلام الرماح، أَن تحيا بهَا للجياد المراسم. وَقد كُنَّا عِنْد استجلاء هَذَا الْخَبَر قمنا فِي طرفِي المساهمة بِالْحَقِّ الْوَاجِب، وسرنا من الْبر على السّنَن اللاحب، وعينا من يفد على مقامكم الْعلي الْجَانِب. وأبرمنا الْأَمر فِي ذَلِك إبرام الْحبّ الصافي المشارب، وذهبنا من عزائكم وهنائكم فِي أوضح الْمذَاهب. فَلَمَّا ورد الْآن كتابكُمْ أعدنا مَا أصدرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 ابْتِدَاء، وأكدنا هَذَا الْقَصْد قيَاما بحقكم ووفاء، وَلم نأل لمجدكم الْعلي فِي التَّعْرِيف بِهِ حمدا وشكرا وثناء. فَنحْن نعرفكم وجلالكم فِي الخطوب أثبت قدما، وَأَعْلَى فِي الْفضل علما، من أَن يهدي إِلَى قصد سنى أَو يدل على عمل هنى، ونهنئكم بالسعد الَّذِي إِنَّمَا [فِي الْفضل علما] هُوَ فِي الْحَقِيقَة علينا عَائِد، ولعز الله [دينه] فِي أقطارنا شَاهد، هنانا الله وَإِيَّاكُم مَا خولكم من هدنة الأوطان، وخلوص السُّلْطَان، فَلَقَد اسْتَقَرَّتْ مقاليده مِنْكُم بيد الْوَلِيّ الكافل الْقَائِل الْفَاعِل الَّذِي أغمد [بالصفاح الصفح] ، وَاسْتحق أشتات الْحَمد والمدح، وشرحت دولته الفارسية إِيضَاح الْكَلَام حق الشَّرْح. وَلَو ذَهَبْنَا إِلَى تَقْرِير مَا لدينا من خلوص وضح وضوح الصُّبْح، وثنا كَمَا الرَّوْض فِي المرءى (؟) أَو النفح، لما وفى للسان بِبَعْضِه، وَلَا قَامَت البراعة عَنَّا بفرضه، فنكل علمه إِلَى الْعَالم بخفيات سمائه وأرضه، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يشْكر عَنَّا مقامكم، الَّذِي نتعرف مَعَ الْأَيَّام مزِيد أفضاله، ونستقبل وُجُوه إكماله بِمَا يَلِيق بِحَسبِهِ ومجده وكماله، ونسله أَن يسبغ عَلَيْكُم ملابس إقباله، ويعرفكم عوارف السعد فِي بكر الزَّمَان وآصاله. وأشرتم علينا أَن نعجل صرف من اسْتَقر بالمرية من خدام جنابكم وَارِث بَابَكُمْ، ليردوا على الْأمان المبذول، والوعد الفعول، وَالْعَفو المسدول، وَقد كُنَّا عَملنَا بِمُقْتَضى ذَلِك لأوّل إِشَارَة. وَالله يصل سعادتكم ويحرس مجادتكم. وَالسَّلَام عَلَيْكُم كثيرا أثيرا، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 (وأصحبت فِي معنى العزاء والهنا إِلَيْهِ فِي غَرَض الرسَالَة، كتابا نَصه بعد سطر) افتتاحه: الْمقَام الَّذِي رسخت مِنْهُ فِي مقَام الصَّبْر وَالشُّكْر قدم، فَلَا يغره وجود، وَلَا يذعره عدم، وصدقت مِنْهُ فِي طلب الْمجد عَزمَة لم يختلجها وَهن وَلَا نَدم، حَتَّى تصرفت بِحكم معاليه، أَيَّام دهره ولياليه، هَذِه ولدان، وَهَذِه خدم. مقَام مَحل أخينا، الَّذِي إِن جَاشَتْ النوائب وسعهَا صَدره، أَو عظمت الْمَوَاهِب، ترفع عَنْهَا قدره، أَو أظلمت الكروب، جلاها بدره، أَو تألبت الخطوب، هزمها صبره، أَو أظلت سحائب النعم، استدرها حَمده وشكره، أَو عرضت عُقُود [الْحَمد] فِي سوق الْمجد أغلاها فخره، أَو راقت جلل الصَّنَائِع، طرزها ذكره، أَو طبعت سيوف الباس، أغمدها صفحه وسلها قهره. السُّلْطَان الكذا أبي عنان ابْن السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا أبي سعيد ابْن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق. أبقاه الله ضَاحِك السعد، كلما بَكت عين،، مَجْمُوع الشمل كلما أزف بَين، وارى الزند، إِذا اقْتضى للعز دين، محمى الذمار بانفساح الْأَعْمَار، كلما أغار على الْأَحْيَاء حِين، وَلَا زَالَ يُفِيد مِنْهُ شكر الله [نعما] ، مَا فِي وعدها لي وَلَا فِي قَوْلهَا مين، ويلبس مِنْهُ حللا، تقواه فِي عواتقها زين، مساهمة فِي كل خطب غم، أَو فضل من الله سُبْحَانَهُ عَم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 ومقاسمه فِي كل مَا ألم، ومهنيه بِالْملكِ الَّذِي خلص وَتمّ، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي جعل الصَّبْر فِي النوائب حصنا منيعا، وَالشُّكْر يَسْتَدْعِي الْمَزِيد من النعم سَرِيعا، فَمَتَى أعضلت للصبر دَعْوَة، كَانَ لَهَا الْأجر سميعا، وَمَتى رفعت من الشُّكْر رقْعَة، كَانَ [الْمَزِيد] عَلَيْهَا توقيعا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي بوأنا من السَّعَادَة جنابا مريعا، وَبَين لنا حُدُود أوامره [ونواهيه] فطوبى لمن كَانَ مُطيعًا، وَعلمنَا مَكَارِم الْأَخْلَاق، صبرا فِي النوائب، وشكرا على الْمَوَاهِب [تَفْضِيلًا] وتنويعا، وَكَانَ لنا فِي الدُّنْيَا هاديا، ونجده فِي الْآخِرَة شَفِيعًا. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، الَّذين كَانُوا على العداة [قيظا] وعَلى العفاة [ربيعا] ، فحلوا من الِاقْتِدَاء بهم، فِيمَا سَاءَ وسر، وَأحلى وَأمر، مقَاما رفيعا [وخفض] عَلَيْهِم مضاضة فَقده، مثابرتهم على ضم شَمل الْمُسلمين من بعده، اقْتِدَاء بقوله سُبْحَانَهُ، " واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا ". وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالنصر الَّذِي تشكر مِنْهُ الْجِيَاد، وَالْبيض الْحداد صنيعا، وتشرح مِنْهُ ألسن الأقلام تهذيبا وتفريعا. وَالصَّبْر الَّذِي يَقُود زرافات الْأجر قطيعا فقطيعا، وَالشُّكْر الَّذِي يفجر من الْمَزِيد ينبوعا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم من حظوة الْخَيْر أوفرها عددا، وأقطعكم من خطط السعد أبعدها أمدا وأتبعكم من كتايب الْعِزّ أطولها يدا، وألهمكم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 الصَّبْر لما تقدمونه فِي الْيَوْم فتجدونه غَدا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَعِنْدنَا من الِاعْتِدَاد بِاللَّه فِيكُم أَسبَاب وَثِيقَة، وأنساب صدق فِي بحبوحة الخلوص عريقة، وَمن الثَّنَاء عَلَيْكُم، حدائق روض لَا تحاكيها حديقة، وَمن المساهمة لكم فِي شَتَّى الْأَحْوَال، مَقَاصِد لَا تَلْتَبِس مِنْهَا طَريقَة، وَمن السرُور بِمَا سناه الله لكم نعم بشكر الله عز وَجل خَلِيقَة. وَإِلَى هَذَا أيدكم الله بنصره، وَحكم لمقامكم بشد أزره وإعلاء أمره، فإننا ورد علينا الْخَبَر الَّذِي قبض وَبسط، وجار وقسط، وبخس ووفى، وأمرض وشفا، وأضحى وظلل، وتجهم وتهلل، وَأمر وَأحلى، وأوحش وأسلى، وأساء ثمَّ أحسن، وَبشر بعد مَا أَحْزَن، خبر وَفَاة والدكم، مَحل والدنا، السُّلْطَان الْكَبِير الْقدر، الرفيع الْخطر، الَّذِي لَو لم يكن من مناقبه، إِلَّا أَن كَانَ لكم أَبَا، وَفِي أَن أنعم الله على الْملَّة الحنيفية سَببا، لكفاه شرفا لَا تَجِد الْأَشْرَاف بعده مذهبا، قدس الله طَاهِر تربه، وكريم لحده، كَمَا أَحْيَا بكم معالم مجده، فياله من سهم رمى أغراض الْقُلُوب فأثبتها، وطرق مجتمعات الآمال فشتتها، ونعى إِلَى الْمجد إِنْسَان عينه وَعين أنسانه، وَإِلَى الْملك هيولي أَرْكَانه، وَإِلَى الدّين تَرْجَمَة ديوانه، وَإِلَى الْفضل عميد إيوانه. حَادث نبه الْعُيُون من سنة غرورها، وَذكر النُّفُوس بمهم أمورها، وأشرق المحاجر بِمَاء دموعها، وأضرم الجوانح بِنور ولوعها، وَبَين أَن شراب الآمال سراب، وكل الَّذِي فَوق التُّرَاب تُرَاب. فَمن تَأمل الدُّنْيَا وطباعها، وَالْأَيَّام وأفراعها، والحوادث وقراعها، بدا لَهُ الْحق من المين، وَاسْتغْنى عَن الْأَثر بِالْعينِ، فشأنها أَلا تفتر عَن سهم تسدده إِلَى غَرَض، وَصِحَّة يعقبها مرض، وجوهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 ترميه بِعرْض. وداء الْمَوْت قديم، وفريه لَا يبْقى عَلَيْهِ أَدِيم، وكاسه يشْربهَا مُوسر وعديم، دبت إِلَى كسْرَى الْفرس عقاربه، وَلم تَمنعهُ أساورته وَلَا مرازفه، وَقصر قَيْصر عَن مشاربه، وابتز سيف ابْن ذِي يزن من غمدانه، وَلم ترعه مضاربه، وَأرى تبعا فَلم يكن فِي اتِّبَاعه من يحاربه وَكم فِي الْإِسْلَام من مُلُوك أولى فَخر مَا بَين بني الْعَبَّاس وَآل صَخْر، فَأَيْنَ مَرْوَان ودواره وَأَبُو الْأَمْلَاك وبهاره، والوليد وأبناؤه، وَسليمَان وآلاؤه، وَعمر وثناؤه، وَيزِيد وظباؤه، وَهِشَام وآباؤه، والجعدي وآراؤه، وَأَيْنَ السفاح وحسامه، والمنصور واعتزامه، وَالْمهْدِي وإعظامه، وَالْهَادِي وإقدامه، والرشيد وأيامه، والأمين وندامه، والمأمون وَكَلَامه، والمعتصم وأسراجه وألجامه، وَغَيرهم مِمَّن طلع بالغرب شمسا، وَأصْبح فِي مرضاة الله وَأمسى عمر رمسا، وَفَارق إلفا وجنسا. لم تدافع عَنْهُم الْجنُود المجندة، وَلَا الصفاح المهندة، وَلَا الدروع المحكمة، وَلَا الثِّيَاب المعلمة، وَلَا الْجِيَاد الجرد المسومة، وَلَا الرماح المثقفة المقومة. كل نَدم على مَا قدم، وجد إِلَى مَا أعد، جعلنَا الله مِمَّن يسر لنَفسِهِ زادا، وَقدم بَين يَدَيْهِ رِبَاطًا شافعا لَدَيْهِ وجهادا، ووثر لنَفسِهِ بمناصحة الله وَالْمُسْلِمين فِي أَعلَى عليين مهادا، وطوق للْمُسلمين فضل وعدلا وأمدادا. غير أَن هَذِه الفاجىء الَّذِي فجع، وَمنع الْقُلُوب أَن تقر والعيون أَن تنجع، غمرته الْبُشْرَى، وغلبته المسرة الْكُبْرَى، وعوضته من بقائكم الْآيَة المحكمة الْأُخْرَى، فاضمحل من بعد الرسوخ، وَصَارَ دَلِيله فِي حكم الْمَنْسُوخ، بِمَا كَانَ من استخلاصكم الْملك الَّذِي أَنْتُم أَهله، واختياركم الْمجد الَّذِي أشرق بكم مَحَله، وَكَيف لسهم أَخطَأ ذاتكم الشَّرِيفَة أَن يُقَال فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 أصمى أَو أجهز، أَو لأمل بعد بقائكم تعذر أَو أعذر، إِنَّمَا الآمال ببقائكم المملا محوطة، وسعادة دين الْإِسْلَام بحياتكم الْمُتَّصِلَة مَشْرُوطَة، وَفِيكُمْ [لدين الله] الْخلف من ذَاهِب، مَا بَين عَابِر فِي سلفكم وناصر وواهب، فَلَقَد أَضَاءَت المراقي والمراقب، واطردت المفاخر والمناقب، وَحسنت بِفضل الله العواقب، وَظهر أَن لله تَعَالَى فِيكُم سر يُدْرِكهُ الملاحظ المراقب، إِذْ هيأكم لملك الْإِسْلَام تهيئة لم يتعقبها قطع، وأيدكم بالعزم الَّذِي لم يضق لكم بمصابرته ذرع، فكأنكم كُنْتُم على بَصِيرَة من أَمركُم ووعد، وَفِي خفارة عصمَة واقية وَسعد، حَتَّى حزتم عقيلة الْملك، وَقد رفعت عَلَيْهَا تيجان الصفاح الْبيض، يغشى الْعُيُون مِنْهَا لألاء الوميض، وَأوقدت حولهَا مشاعل الأسل، وأديرت أكواس الحتوف أحلى فِي لَهَوَات الشم الأنوف من الْعَسَل. وَضربت عَلَيْهَا للقتام قباب، وسدل عَلَيْهَا للعزة القعساء حجاب، فوفيتم مهرهَا، وتوليتم أمرهَا، فَسلمت الْخطاب، واستقامت للسعد الأقطاب، واستتب الْعَهْد لما فهم الْخطاب، وَقَامَ بِالْأَمر من اخْتَارَهُ الله لحمله، وَلم يخرج الْملك عَن مَحَله، وَلَا انْتقل عَن أَهله، فَأَي ترح يبْقى بعد هَذَا الْفَرح، وَأي كسل ينشأ بعد هَذَا المرح. إِن أفل الْبَدْر فقد تبلج الْفجْر، وَإِن غاض النّيل، فقد فاض الْبَحْر، وَإِن مَال فلك الْملك فقد عَاد إِلَى مَدَاره، وَإِن أذْنب الدَّهْر، فقد أحسن مَا شَاءَ فِي اعتذاره. إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْخطب وَهنا أعقبه ضوء النَّهَار، وسطعت بعده اشعة البهار، وصمصامة أغمدت، وسل من بعْدهَا ذُو الفقار. وَلَا خَفَاء عِنْد ذِي قلب صَاف وفكر شفاف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 أَن هَذَا السعد الَّذِي ألبس الله ملككم أطواقه، وَمد عَلَيْكُم رواقه، إِنَّمَا هُوَ ثَمَرَة نِيَّة لله أخلصتموها [ونذور بإعانة هَذِه الجزيرة الغريبة خصصتموها] ، وعقيدة جِهَاد فِيمَا بَيْنكُم وَبَين الله أحكمتموها، وَأَسْبَاب نصر على طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله أبرمتموها، فتهلل عارضها الصيب، وَرفعت إِلَى حَيْثُ يرفع الْعَمَل الصَّالح والكلم الطّيب، فَهِيَ لجياد حسناتكم وحسنات سلفكم ميدان، وجيد على الْأَيَّام بحليكم مزدان، ووسيلة بَيْنكُم وَبَين رب الْعباد. وَإِن كَانَ لملوك الشرق فَخر بِإِقَامَة الْحَج، فلكم بهَا فَخر إِقَامَة الْجِهَاد، وبحسب استزادتكم من النّظر الْجَمِيل لما تستزيدون من جميل نظره، وتستقبلون عوايد النَّصْر فِي حَاضر الزَّمَان ومنتظره، وأمل الْإِسْلَام قد تعلق بكم، بِالْملكِ الْجواد الْكَفّ. الْحمى الْأنف، الْحَلِيم العف، الْوَاحِد المعدول بِالْألف، إِلَى نهد الصَّفّ إِلَى الصَّفّ، وَمَا قد سلفكم من غرس جِهَاد، فلكم بِفضل الله جناه، وَمَا خلدوه فِي مسطورها من لفظ، فلكم إِن شَاءَ الله مَعْنَاهُ، وَقد سبقت من فضائلكم المتواترة، ماحق الثَّنَاء أَن يكون عَلَيْهِ وَقفا مُؤَبَّدًا، وَالدُّعَاء أَن يُوجب إِلَيْهِ مدَدا فمددا. فَإِنَّكُم بادرتم بَاب هَذَا الْقطر قبل سَده، ودعمتم حبلها العاصم قبل دكه وهده، وساجلتم بحره ببحر من جودكم، لَا يتعاقب الجزر مَعَ مده، وتداركتم أمره بالعزم الَّذِي لَا يَتَقَلَّص بممتده، وَلم تشغلكم الشواغل مَعَ تغاور بروقها، وَلَا الْحَرْب مَعَ نفاق سوقها، وتشميرها عَن سوقها، حَتَّى قُمْتُم لملة الْإِسْلَام فِي هَذِه الجزيرة بحقوقها، وَرمى الله الطاغية لما قصد مِنْهَا بَيت القصيد، وحتم باسطا ذِرَاعَيْهِ بالوصيد، بكتيبة من كتائب سعدكم ضمنت للمناصل أَن لَا تتعقب، ولغربان الأساطيل أَن لَا تنعب، وللجياد أَن تجم إِلَى مَا بعد، وللكتائب أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 تريح إِلَى أَن ينجز بعد فراغكم الْوَعْد، فَمن لَهَا الْآن بكم، وَقد ألْقى الْملك إِلَى مقامكم الْعلي عَصا سيره، وَجرى بيمنه سانح طيره، وخلص إِلَيْهِ خلوصا لم يعول فِيهِ على غَيره [زادكم الله من مواهب فَضله العميم وخيره] . وأننا لما قَررنَا هَذَا الْخَبَر عَن حَقه، ورصدنا طالعه فِي أفقه، قابلنا الْوَاقِع بِالتَّسْلِيمِ، والمنحة الرادفة بالشكر الْعَظِيم، وأنسنا فِي غمام الْهُدْنَة ري هَذَا الإقليم، وَقُلْنَا اسْتَقر الْحق، ووضحت الطّرق، وَهدى الرايد وَصدق الْبَرْق، وتقررت الْقَاعِدَة وارتفع الْفرق، واستبشر بإبلال الغرب أَخُوهُ الشرق، وتأتت آمال أولى الْجِهَاد [إِلَى اقتحام] إِلَى شط الْمجَاز وَأولى الْحَج إِلَى مراقبة ركب الْحجاز، وآن للدنيا أَن تلبس الحلا العجيبة بعد الابتزاز. فَالْحَمْد لله الَّذِي زين بكم أفق الْملك، وَكَيف بسعدكم نظم ذَلِك السلك، وهنأ الله بإيالتكم الْعباد والبلاد [وَالْحج وَالْجهَاد] والمطهمة الْجِيَاد، وَصدق الظنون فِي مقامكم الَّذِي حَاز فِي المكارم الآماد. وبادرنا أيدكم الله من بركم إِلَى غرضين، وشرعنا علم الله، وَمن لدينا أَن نباشر بنفسنا هذَيْن القصدين، إِلَّا أننا عاقنا عَن ذَلِك مَا عقده الْعَدو الَّذِي بلينا بجواره، ومصابرة تياره فِي هَذَا الشَّهْر من الميعاد الَّذِي استدعى إِلَيْهِ الْخَلَائق من كل فج عميق، واستقدم إِلَى يَوْمه الْمَشْهُود وُجُوه كل فريق، حَتَّى غص بهم عرض كل طَرِيق، وَلَا يومن أَن يتَّفق رَأْيهمْ على كيد يحذر داؤه، ويخشى اعتداده، وَإِلَّا فَهَذَا الْغَرَض قد كُنَّا لَا نرى فِيهِ بإجراء الِاسْتِنَابَة، وَلَا نحظى غَيرنَا بزيارة تِلْكَ المثابة. فَليصل الْفضل جلالكم، وَيقبل الْعذر كمالكم، وَإِذا كَانَ الِاسْتِخْلَاف مِمَّا تحمله الْعِبَادَة، وَلَا يُنكره عِنْد الضرار الْعرف وَالْعَادَة، فأحرى الْأُخوة، والودادة، وَالْفضل والمجادة. فتجهزنا جهدنا، واصطفينا لباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 اللّبَاب فِيمَا عندنَا، فعينا للنيابة عَنَّا فِي تَقْرِير الْحبّ، والمساهمة الصافية الشّرْب فلَانا وَفُلَانًا. وَصدر عني فِي هَذَا الْغَرَض أَيْضا الْمقَام الَّذِي مساهمة جَلَاله وَاجِب مفترض، ومقاسمته فِيمَا سَاءَ وسر لَا يقدم عَلَيْهِ غَرَض، ومذاهب تَسْلِيمه لله وتعويضه، لَيْسَ فِيهَا مَأْخَذ معترض، وَصِحَّة يقينه المستفادة عَن اعْتِدَال أَرْكَان دينه لَا يشوبها مرض، وَلَا يحل بجوهرها عرض. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نساهمه فِيمَا سَاءَ وسر، ونقاسمه فِيمَا أحلى وَأمر. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله تتحامى الْغَيْر حماه المنيع، وتشمل الْعِصْمَة شَمله الْجَمِيع، وتعتذر لَهُ صروف الْأَيَّام مهما أساءت الصَّنِيع، وتستقبل دينهَا الْكَبِير لَدَيْهِ وحادثها الشنيع، مُعظم مقَامه، وملتزم إجلاله وإعظامه، الْأَمِير [عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر] سَلام كريم [طيب بر عميم يخص مقامكم العالي] وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي لَا يعْتَرض حكمه تَنْزِيها لعزه الْمَحْض وتعظيما، وَلَا يسئل عَمَّا يفعل انقيادا لأَمره الحتم وتسليما، مُقَدّر حصص الْأَعْمَار والآجال، محصورة المدى محدودة المجال، لَا تَسْتَطِيع تَأْخِيرا وَلَا تَقْدِيمًا، ومصرف صروف الْأَيَّام بحكمة مستبقة إِلَى سَابِقَة مَشِيئَته وَعلمه، إِنَّه كَانَ عليما حكيما. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي نتأسى فِي الْحَوَادِث بهديه اقْتِدَاء وتعليما، ونهون لمصاب فَقده كل خطب ألم بِنَا من، بعده، وَإِن كَانَ عَظِيما، ونجعل حبه وَسِيلَة جليلة، يَوْم لَا يسل حميم حميما، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 الَّذين سلكوا من اتِّبَاعه سَبِيلا قويما، وجلوا بِنور هداه لَيْلًا بهيما، فأحرزوا بالتماس مرضاته من الله فضلا عَظِيما، ووجدوا مصداق وعده، وَنُدْخِلكُمْ مدخلًا كَرِيمًا. فإننا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من مواهب الصابرين المحتسبين حظا جسيما، وجعلكم مِمَّن عمر بِرِضَاهُ، وَالتَّسْلِيم لما قَضَاهُ، قلبا سليما. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَعِنْدنَا من المساهمة لمقامكم الأسمى، والأرتماض والمشاركة، فِي حالتي الانبساط والانقباض، والمقاسمة فِيمَا يرد عَلَيْهِ من شَتَّى الْأَغْرَاض، أَو فِي مَا بِهِ من عاطى فِي الله كل وداد، أَو تعاطى جميل اعْتِقَاد، أَو أجال قداح إخلاص، أَو اختال بامتياز فِي الْحبّ واختصاص، نرى الْعَمَل بذلك وجوبا، ونعتقده فرضا مَكْتُوبًا، وَفِي الْأَعْمَال الزاكية محسوبا. وَإِلَى هَذَا حمى الله ملككم من طرق الْمَكْرُوه وهجومه، وأنار سما مجدكم بكواكب السعد ونجومه، وأجزل حظكم من الرِّضَا بمكتوب قدره ومحتومه. فإننا اتَّصل بِنَا مَا أشرق الأنفاس بصعدايها، وأشجى النُّفُوس بدايها، وغمر الشؤون بِمَائِهَا، وَعمر الْقُلُوب بغمايها، من استيثار الله عز وَجل بِتِلْكَ الْجِهَة السُّلْطَانِيَّة [ذَات البركات] الطاهرة والمكارم الهامرة، الَّتِي ثبتَتْ فِي أوراق الْآفَاق آي مفاخرها المتلوة، وَأوجب لَهَا الْملك حُقُوق الْأُبُوَّة، أَعلَى الله درجتها فِي عليين، وأسعدها بجوار كرايم الْمُخْتَار من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. فياله من فاجع لم ينفع فِيهِ إِلَّا الاسترجاع، وخطب تساوى عِنْد الجبان والشجاع، وطارق لم يغن فِيهِ الدفاع، وهاجم لم تأنف لَهُ الْقَبَائِل والأتباع، والشعائر والأشياع، أهاب الْملك بِأَعْلَى ذخائره المحسوبة، وأسنى حَسَنَاته الْمَكْتُوبَة، وَأعظم عدده المصونة المحجوبة، على حِين سحت سحب الآمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وجادت، وانتظمت عُقُود الشمل أَو كَادَت. فَإنَّا إِلَى الله تَسْلِيمًا لحكمه، وانقيادا لما سبق على من خلق فِي علمه، هِيَ عَادَة الْأَيَّام تعثر فِي مرحها، وتشرب كأس فرحها. كن الْحَوَادِث إِذا تخطت مقامكم الَّذِي هُوَ المقلة الباهرة والعمدة الناصرة، وَالْعدة الفاخرة، والقطب الَّذِي تَدور عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. فَهِيَ قد أقصرت وَإِن أفصدت، وأصحت وَإِن أرعدت، وأخلفت مَا أوعدت، وَإِن تعدت أَو عدت. وَتلك الْجِهَة الْكَرِيمَة وَإِن أعجل الْقدر الحتم جنابها، وحث إِلَى خير علم مَا عِنْد الله ركابهَا، قبل أَن يُشَاهد مَا يرتقب لمقامكم من إنجاز الْوَعْد، وتضاعف مواهب السعد، فسترد على مجدها المجود بسحاب الرَّحْمَة، الْمَقْصُود بركائب الْفضل من الله وَالنعْمَة وينثال فِيهِ من حسناتكم الجهادية، وبركات الدعْوَة الَّتِي تدف عَلَيْكُم من هَذِه الْأمة المحمدية [مدد لَا تَعب] زَائِدَة ووافده، وَنور تسطع بِتِلْكَ التربة الزكية شواهده، حَتَّى يتَّصل لَهَا بكم فِي الدَّاريْنِ أَسبَاب السرُور، وتقر عينا تفد على ضريحها المبرور من الْبركَة الهامية والنور. فَمن ترك بَينه وَبَين الله مثلكُمْ، فقد تخلف الْعَمَل الَّذِي لَا يَنْقَطِع مدده، وَالْفَخْر الَّذِي لَا يبلغ أمده. ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ إِذا مَاتَ الْإِنْسَان انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث، فَذكر ولدا صَالحا يَدْعُو لَهُ، وَصدقَة جَارِيَة، وَعَملا ينْتَفع بِهِ، وَقد اجْتمع لَهَا الثَّلَاثَة وَالْحَمْد لله فِي نظم متسق، وتألف لَهَا مِنْهُ كل مفترق لما أعده الله لمقدمها من أَسبَاب الْكَرَامَة، وعلو الدرجَة فِي دَار المقامة. وَاعْلَمُوا أيدكم الله، أَن هَذَا الْخطب الَّذِي طرق ذَلِك الجناب الأرفع، والجلال الَّذِي تجلى الْمجد وَالطَّهَارَة تلفع، لَو كَانَ مِمَّا يقبل فِيهِ الفدا، أَو يعْمل بِسَبَبِهِ الندا، لكَانَتْ النُّفُوس من خلصان مقَامه الرفيع وأوليائه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 بعض فدائه، والمبادرة تسبق أول ندائه، وَلَا كنه أَمر تذعن لَهُ المراكب المختالة والرماح المنثالة، والجنود المجندة، والصفاح المهندة، وَحكم لَا يعْتَرض فَضله، وَلَا يدْفع نصله، وَلَا يتَأَوَّل مُسْنده. ومقامكم الْأَعْلَى، يتلَقَّى أَمر الله بِالتَّسْلِيمِ وَالرِّضَا، ويرضى بِحكمِهِ جلّ جَلَاله فِيمَا قضى، وَيعلم أَن الدُّنْيَا لَيست بدار الْقَرار، وَأَن مَا عِنْد الله خير للأبرار، وَالصَّبْر أَعلَى الذَّخَائِر، وأسنى المفاخر. وَقَالَ الله تَعَالَى، لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر، فقد سهل مضض فَقده كل خطب من بعده، وسلى كل وَاجِد عَن وجده، وَعَن مثابتكم توخذ السّير الفاضلة وتلتمس، وَمن آثَاركُم وآثار سلفكم تَقْتَضِي المراشد وتقتبس، وأننا لما اتَّصل بِنَا هَذَا الْخَبَر، وجهنا إِلَيْكُم من يَنُوب عَنَّا فِي سنة العزا، من المساهمة بأوفى الأجزا [وَلَوْلَا حكم الضروة لم نقنع بِرُخْصَة هَذَا الإجراء] لاكن الْأُمُور مثلكُمْ من يَتَأَمَّلهَا، والأعذار فَضلكُمْ يقبلهَا، وَالَّذِي عينا لذَلِك هُوَ [قريبنا الريس الْأَجَل الْأَعَز الأود الأخلص الأصفى، أَبُو جَعْفَر ابْن الرئيس الْجَلِيل الْمَاجِد الرفيع الْمُجَاهِد الْأَشْهر الأخطر الأحفل الْأَكْمَل الموقر المرحوم أبي الْحسن بن نصر، وصل الله عزته، ووالى سعادته ورفعته] ومجدكم ينعم بالإصغاء إِلَيْهِ فِيمَا أحلنا فِيهِ من ذَلِك عَلَيْهِ. وَالله سُبْحَانَهُ يقي مجدكم من طرق الحوادت، ويحرس حماه من هجوم الخطوب الكوارث، ويجعله الْوَارِث، ويحفظ من شرب الْغَيْر تِلْكَ الْمَوَارِد، ويضاعف نعمه عنْدكُمْ. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 كتب الشفاعات الْمقَام الَّذِي ظلال فَضله محدودة، وينابيع جوده مورودة، وأبواب مثابته مَقْصُودَة،] وحركات إقباله مرصودة] وكتائب نَصره مؤيدة معضودة، وجواهر فخره على ترائب الزَّمَان ونحره متسوقة منضودة. مقَام مَحل أخينا، الَّذِي نصل الثنا على معاليه، ونقتنص نتيجة النَّصْر من مقدم وعده وتاليه. [ونورد مُنْفَصِل حَمده ونواليه] ، على اسْتِمْرَار الدَّهْر وتواليه، ونتوعد الْعَدو الْكَافِر بِهِ وبمن يواليه، وننذره بحلول الْأَثر العلوية عِنْد شيم بوارق عواليه. السُّلْطَان الكذا [ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا] أَبُو عنان، أبقاه الله مَقْصُود الجناب، واصلا لمنبت الْأَسْبَاب، تحيي أسنة كتائبه رسوم السّنة وَالْكتاب، وتتكفل عَزَائِمه لِلْإِسْلَامِ وَأَهله، بنيل الطلاب وبلوغ الْآرَاب، وَلَا زَالَ سعده مقتبل الشَّبَاب، مفتح الْأَبْوَاب، وصنع الله لَهُ أنيق الأثواب، ومراقبته لله تَعَالَى كفيلة بالزلفى وَحسن المآب. مُعظم مثابته الْعَالِيَة، ومجادته السامية المعتد بِعَزَائِمِهِ الْمَاضِيَة، الْمثنى على مكارمه الوافية، وفواضله الكافية، الدَّاعِي لملكه باتصال الْعِزّ وَتَوَلَّى الْعَافِيَة. الْأَمِير عبد الله يُوسُف بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن نصر، سَلام كريم بر عميم [يخص مقامكم الْأَعْلَى ومثابتكم الفضلى وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته] . أما بعد حمد الله ولي الْحَمد وَأَهله، وَالثنَاء عَلَيْهِ بمتواتر جوده ومترادف فَضله، الَّذِي نمحض الود الْخَالِص من أَجله، ونصل الْيَد على دفاع من حاد عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 سبله، ونخلص الضمائر لإعلاء دينه الْحق وَجمع شَمله. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد خير أنبيائه وَخَاتم رسله، الَّذِي يعول على جاهه فِي الْأَمر كُله، ونأوي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَى ظله، ونجعل الْمَوَدَّة فِي ابْتِغَاء مرضاته وَسِيلَة إِلَى [كريم] مَحَله، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وأنصاره وأحزابه، وَأَهله المقتدين [بقوله وَفعله] المهتدين بهديه، فِي ظعنه وحله، وعقده وحله، المستمسكين بمتين حبله، وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى بنصر يمضى فِي الأعدا شبا نصله، وصنع يتكفل لِلْإِسْلَامِ ببسوق فَرعه، وثبات أَصله. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم سَعْدا، تطلع فِي أفق الْإِسْلَام كواكبه، ونصرا تسطر فِي صحف الْأَيَّام عجائبه، وصنعا إلاهيا، يعرف بالحاضر مِنْهُ غائبه، واعتناء تتيسر بِهِ آمال الدّين الحنيف ومطالبه. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَعِنْدنَا من التَّشَيُّع لمقامكم عقائد بواطنها بالظواهر مَقْصُودَة، وأوقاتها بِمَا يرضى الله عز وَجل مَشْهُودَة، وآمالنا بالاعتداد بكم ظلالها ممدودة، وجهاتنا بتأميل مقامكم، أَبْوَاب المخاوف عَنْهَا مسدودة. أبقاكم الله بقا يشْرَح صدر الْإِسْلَام، وتتهلل لَهُ وُجُوه الْأَيَّام، وَحكم لملككم على أعدائه بثبات الْأَقْدَام، وَنصر الْأَعْلَام. وَإِلَى هَذَا فإننا، بعد أَن نقدم الْوَاجِب الأولى المهم، الَّذِي لَا نوثر على تَقْدِيمه قولا، من السُّؤَال عَن أَحْوَال ذاتكم السّنيَّة، هُوَ تَقْرِير التَّشَيُّع إِلَى تلكم المثابة السُّلْطَانِيَّة، وَبث مَا عندنَا من خلوص الضَّمِير وإمحاض النِّيَّة، نعرفكم، عرفكم الله أَسبَاب السَّعَادَة الأبدية، وَنصر بعزماتكم طَائِفَة الْأمة المحمدية، ونفع الْمُسلمين بِمَا لنا فِيكُم من الْمَقَاصِد الودية. إِن الشَّيْخ الْفَقِيه الْخَطِيب الْحَاج أَبَا عبد الله بن مَرْزُوق، وصل الله عزته، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وَيسر وجهته، لما ورد علينا، وَاسْتقر لدينا، وَهُوَ جملَة من جمل الْفضل، والمستولى على أمد الخصل، وَفَارِس المنابر يروض صعابها ويفرع هضابها، قمنا جهد إمكاننا بِحقِّهِ، وعرفنا لَهُ مزية سبقه، واقتدينا بكم وبسلفكم فِي ترفيع قدره، والمثابرة على بره، وسوغنا لمستفيد الْعلم مورد إفادته، وشددنا عَلَيْهِ يَد الِاغْتِبَاط فِي إبدائه وإعادته، إِذْ هَذَا الْقطر الْمُنْقَطع، يتوفر فِيهِ الِاغْتِبَاط بحملة السيوف وَحَملَة الْعُلُوم، هَؤُلَاءِ لإِقَامَة الْجِهَاد المحتوم، وَهَؤُلَاء لإِقَامَة مَا للدّين من الرسوم. وَمَعَ ذَلِك فَلم يقر لَهُ بتفريق شَمله قَرَار، وَلَا فارقة إِلَيْهِم حنين وَلَا أدكار، [والأوطان هِيَ الْأَركان] وَالْأَوْلَاد ثَمَرَة الْفُؤَاد، وأفلاذ الأكباد. وَلما صدر فِيمَا تقدم من التمَاس وصولهم مَا لم يهيئه الْمِقْدَار، وَلَا صَحبه الِاخْتِيَار، عزم الْآن، وَالله يسنى توفيقه، ويسهل طَرِيقه، على قصد بَابَكُمْ الْكَفِيل بالأمل، الضمين بنجاح الْعَمَل، ليجدد الْعَهْد بتعظيم مثابته، ويبث مَا يعانيه [بِسَبَب تشتيت] شَمله من كآبته، ويباشر الرَّغْبَة بِنَفسِهِ، واثقا بتلبية الْمقَام الْكَرِيم وإجابته، وَلم يزل مِنْهُ هَذَا الْعَزْم معمل الركاب، مفتح الْبَاب، لَا سِيمَا مَعَ مَا تقدم فِي شَأْنه من مُخَاطبَة ذَلِك الجناب، وَكُنَّا نكل الْأَمر إِلَى اخْتِيَاره عِنْد وُرُود الْخطاب، فيعتذر بِمَا قرر من الْأُمُور الْخَاصَّة والأسباب. والآن أفْصح بتغلب شوقه ووجده، وارتفاع أعذاره، واستقامة قَصده، وَشرع فِي اللحاق ببابكم الْأَعْلَى بغاية جده، وَطلب منا أَن نخاطبكم فِي شَأْنه، ونستمطر لَهُ من مقامكم سحائب إحسانه، ونرغب مِنْكُم فِي تيسير أمله ورغبته، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وإسعاف غَرَضه، ونيل طلبته، ومقامكم غنى عَن التَّنْبِيه على من اشْتهر بالخلوص لَهُ ولسلفه، وَالدُّعَاء الصَّالح فِي دياجي اللَّيْل وسدفه، وَالثنَاء الْكَرِيم، الَّذِي يخجل الزهر حِين مقتطفه، فبادرنا إِلَى إسعاف سُؤَاله، وتيسير مأموله، وتسهيل سَبيله، وترجيح دَلِيله، إِذْ هَذِه الْجِهَات الودية، لَا يخْتَلف كَمَا ذكرنَا حكمهَا، وَلَا يعْفُو فِي الْمَوَدَّة رسمها. وعرفنا مقامكم بذلك، ليَكُون مِنْهُ على علم مُقَرر، وأصل مُحَرر، وَنحن على مَا يُعلمهُ مقامكم، من التَّعْظِيم، الَّذِي أَسبَابه مبرمة، والتشيع الَّذِي آيَاته ثَابِتَة محكمَة، والود الَّذِي [مطرزة] حلله معلمة، لَا يمر يَوْم إِلَّا ولدينا من مقامكم الْعلي سُؤال، وَفِي تسني أمله يحول الله آمال. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم، الْبر العميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى، وأخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وأصدرت أَيْضا عَن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج ابْن السطلان أبي الْوَلِيد ابْن نصر مُخَاطبَة السُّلْطَان أبي عنان ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان أبي سعيد فِي شَأْن وَالِي مربلة لذَلِك الْعَهْد الشَّيْخ المكرم المبرور أبي زَكَرِيَّا البرقاجي وَقد تقاعد بأحواز جبل الْفَتْح عِنْدَمَا انْفَصل عَن ولَايَة مربلة الْمقَام الَّذِي لَهُ الْقدر الرفيع، والعز المنيع، والمكارم الَّتِي حسن مِنْهَا الصَّنِيع. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نعظم جَانِبه ونتمم من الإجلال واجبه، ونشكر فِي سَبِيل الْجِهَاد مذاهبه. السُّلْطَان أبي عنان ابْن السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن [وعزمه إِلَى الغايات الْبَعِيدَة متراميا] أُبْقِي الله سعده صاعدا ساميا، وجوده هاملا هاميا، وفضله يعم قاصيا من الأقطار ودانيا. وَلَا زَالَ الدّين الحنيف لركن شَدِيد من معاضدته ثاويا، مهما خَافَ ضدا أَو شكى مناويا، والوجود لأخبار جوده وبأسه رَاوِيا، مَحل سُلْطَانه الْجَارِي فِي التَّشَيُّع لأخوته الْكُبْرَى ملْء عنانه، الدَّاعِي إِلَى الله فِي صلَة سعده، وإعلاء شَأْنه، وَنَصره، على أحزاب الْكفْر وشيع طغيانه. الْأَمِير عبد الله يُوسُف [ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل ابْن فرج بن نصر] سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 أما بعد حمد الله أهل الْحَمد والثنا، الَّذِي نتعاون فِي ذَاته، وابتغاء مرضاته، على جِهَاد الْأَعْدَاء، ونلتمس بذلك الْفَوْز لَدَيْهِ يَوْم الْجَزَاء. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله سيد الرُّسُل وَخَاتم الْأَنْبِيَاء [الدَّاعِي إِلَى السَّبِيل السوَاء] الْهَادِي إِلَى الْحجَّة الْوَاضِحَة الْبَيْضَاء، نَبِي الرَّحْمَة الَّذِي نلجأ فِي جاهه إِلَى الرفيع من اللِّوَاء، ونستدر ببركته أَخْلَاق النعماء. من رب السَّمَاء. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه البررة الأتقياء، أولى المفاخر الْبَاقِيَة على تعاقب الآناء، الْمُهْتَدي بهم من بعده كَمَا هدى نجم الظلماء. فإننا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من فَضله بُلُوغ الأمل الرَّجَاء، وسنى بنصركم حياطة الأرجاء، من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله والاعتداد بكم فِي الله وثيق النباء، والتشيع فِيكُم مُتَّصِل [الْأَسَانِيد صَحِيح] الأنباء، وَالثنَاء على معاليكم السامية الْعَلَاء [متوالي الإقبال مُتَّصِل الْوَلَاء] . وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم وحرس مجدكم، فَإِن مؤديه إِلَى مقامكم الْكَرِيم، [ومثابتكم الَّتِي لَهَا فِي الْفضل مزية التَّقْدِيم] ، خديمكم الشَّيْخ الْأَجَل المكرم أَبَا زَكَرِيَّا البرقاجي الْوَالِي بمربلة، وصل الله كرامته، وسنى سَلَامَته، يُقرر لديكم مَا ثَبت عندنَا من ن حسن أنحائه ومشكور بلائه، وَمَا بذله فِي هَذِه الْأَيَّام الفارطة بمربلة وجهاتها من تسديد الْأُمُور، وتمشية أَحْوَال مَا يرجع إِلَيْهَا من الثغور، بالجد المبرور، وَالْقَصْد المشكور، وَأَنه لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 يزل يُبَاشِرهَا بِنَفسِهِ ويتفقدها، وَيَمْشي واجباتها ويسددها، ويحاول مَا أمكن من مجابيها، ويبذل الْأَعْمَال المشكورة فِيهَا، وَأَنه لما عزم فِيمَا سلف على اللحاق ببابكم، والتوجه إِلَى كريم جنابكم، أَشَرنَا عَلَيْهِ بالْمقَام، لما علمنَا من غنائه، وتحققنا من اكتفائه، وَلكَون مربلة حرسها الله، كَانَ قد توفّي قائدها رَحمَه الله، فَرَأَيْنَا أَن إِقَامَة الْوَالِي الْمَذْكُور فِيهَا، لتسديد نَوَاحِيهَا، وَقبض مَالا يعرفهُ غَيره من مجابيها، من الْأَسْبَاب الَّتِي تعود بمرضاة أَهلهَا، ونكاية أعاديها، وَلما نعلم من أَن هَذَا الْقَصْد يَقع برضى من مثابتكم، حرس الله أكناف معاليها. فَأَقَامَ الذُّكُور جَارِيا مِمَّا عهد مِنْهُ على سنَن، وباذلا من الْخدمَة كل قصد حسن، وَلما وَقع الْعَزْم الْآن على إشخاصه إِلَى مقامكم الْكَرِيم واستقدامه، قَررنَا عنْدكُمْ عذره فِي مقَامه [لِتَكُونُوا على علم من اجْتِهَاده فِي خدمتكم وجده وَمَا بذله من حميد سَعْيه وَحسن قَصده] [وجنابكم لَا تضيع عِنْده وَسِيلَة وَلَا تَلْتَبِس مِنْهَا لَدَيْهِ مخيلة] وبادرنا إِلَى تَعْرِيف مقامكم بذلك وإعلامه، لِتَكُونُوا على يَقِين، وسبيل مُبين. ونظركم فِي ذَلِك أَعلَى، وَبِكُل جميل أولى. وَالله يصل سعادتكم، ويوالي رفعتكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخص مقامكم الْأَعْلَى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا. وكتبت أَيْضا عَنهُ فِي غَرَض الشَّفَاعَة بِمَا نَصه: الْمقَام الَّذِي مقاصده كلهَا صَالِحَة، ومكارمه وَاضِحَة، ومساعيه إِن شَاءَ الله فِي نصر الْإِسْلَام ناجحة. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نجل مقَامه، ونصل بره وإعظامه، وندعو الله عز وَجل، أَن ييسر فِي الظُّهُور على الْعَدو الكفور مرامه. السُّلْطَان الكذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 أبي عنان ابْن السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا أبي سعيد بن عبد الْحق أبقاه الله عالي الْمجد، مُؤَمل النَّصْر ظَاهر السعد، كَفِيلا عزمه السلطاني لِلْإِسْلَامِ وَأَهله بإنجاز الْوَعْد، مُعظم إخائه الْكَرِيم، وموقر مجده الصميم، المعتد بسلطانه الرفيع ووده السَّلِيم، الْمُلْتَزم لما يجب لمقامه الْعلي من الإجلال والتعظيم، المتم لشكر فضائله الجزيلة، ومقاصده الجميلة أكمل التتميم، الْجَارِي فِي تَوْفِيَة واجبه، وإجلال جَانِبه على الْمنْهَج القويم. الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام كريم، طيب بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى الأسعد، ويعتمد محلكم الأرفع الأمجد وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الْوَاجِب حَمده، المتوالي إنعامه ورفده، الَّذِي جعل التواصل فِي ذَاته سَببا لَا ينفصم عقده. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الرفيع قدره الْكَرِيم مجده، رَسُول الرَّحْمَة الَّذِي أشرق بدعوته غور الْمَعْمُور ونجده، الدَّاعِي إِلَى الدّين القويم، والصراط الْمُسْتَقيم، لَا يضل قَصده. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين أنْجز بنصرهم وعده، وَرفعت بهم أَرْكَان مِلَّته، بَعْدَمَا ضم عَلَيْهِ ضريحه الطَّاهِر ولحده، وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الْعَالِيَة بالسعد الَّذِي لَا يبلغ حَده، والنصر الَّذِي يمْضِي فِي الْأَعْدَاء حَده، والتأييد الإلاهي الَّذِي لَا يَتَقَلَّص ممتده. فَإنَّا كتبناه لمقامكم الأسمى، كتب الله لكم، من السَّعَادَة أوفرها حظا، وَلَا أعدمه رِعَايَة مِنْهُ ولحظا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا متعرف بِفضل الله الَّذِي عوده، ولطفه الْخَفي، الَّذِي لَا تبلغ الأفكار أمده، وصنعه الْجَمِيل لمن فِي هَذِه الأقطار الغريبة المفردة، ثمَّ ببركة الِاعْتِدَاد بمقامكم نَصره الله وأيده، وَأَعْلَى على الْعَدو الطاغي يَده، إِلَّا مَا يُرْجَى من انبلاج صباح النَّصْر، والألطاف الَّتِي تجل عَن الْحصْر، والصنايع الَّتِي تحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 فِيهَا بحول الله وقوته عَاقِبَة الصَّبْر، وجانبكم الْعدة الَّتِي يعول عَلَيْهَا الْإِسْلَام فِي جَمِيع الْأَمر، وتلتمس الْإِعَانَة من تلقائه على مر الدَّهْر، وثناؤنا على معاليكم الحافلة طيب النشر، كريم الْخَبَر وَالْخَبَر، وودنا لكم خَالص السِّرّ والجهر وموجبه إِلَيْكُم، هُوَ أَنه تأدى إِلَيْنَا كتابكُمْ المبرور فِي قَضِيَّة الشَّيْخ أبي الرّبيع سليمن ابْن الشَّيْخ أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعلي أعزه الله. تذكرُونَ أَن من هُنَا لكم من قومه بسطوا يَد الرَّغْبَة إِلَى مقامكم فِي أَن يجْتَمع شملهم بالمذكور، وتكمل لَهُم بمقامه مَعَهم فِي تِلْكَ الْخدمَة السعيدة أَسبَاب السرُور، فأسعفتم قصدهم فِيمَا رغبوه، وآثرتم إسعافهم فِيمَا من مقامكم الْأَعْلَى طلبوه، وعرضتم علينا تَكْمِيل هَذَا الْغَرَض الْمَطْلُوب وَالْقَصْد المرغوب، وَإِشَارَة مقامكم الْأَعْلَى عندنَا مَقْبُولَة، وأغراضه الفاضلة على كَاهِل الْبر مَحْمُولَة، ومثابرتنا على تَوْفِيَة أغراضكم، جهتكم الْكَرِيمَة مَوْصُولَة [وَقد أذنا إِلَى أبي الرّبيع الْمَذْكُور فِي التَّوَجُّه إِلَيْكُم] والقدوم عَلَيْكُم مثابرة على تَحْصِيل مَا قصدتم، ووقوفا عِنْدَمَا حددتم، وعلما أَن من جنح إِلَى إيالتكم المنصورة، وانتقل إِلَى خدمَة [بَابَكُمْ الَّتِي آثاره مبرورة] فَكَأَنَّهُ مَا برح عَن مَكَانَهُ، وَلَا انْتقل عَن شَأْنه، إِذْ الْأَحْوَال كلهَا وَاحِدَة، والعزايم فِي كلتا الْجِهَتَيْنِ على جِهَاد الْعَدو مساعدة. وَلَو طلب منا الْمَذْكُور اللحاق ببابكم، والانضواء إِلَى جنابكم قبل وُصُول كتابكُمْ المرفع وخطابكم، لم يجد طلبه عندنَا صدا، وَلَا عرفت رغبته ردا، فَكيف بعد أَن اقْتَضَت مخاطبتكم خلاص الْقَضِيَّة، وتوجهت فِيهَا إِشَارَة أخوتكم المرضية، وَمَا نَحن إِلَّا على أتم مَا يجب لمقامكم من [تتميم الْمَقَاصِد] وتكميلها، وإجلال الجوانب وتعجيلها [وصلَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 حَدِيث الود يقيمها] وَالله تَعَالَى يصل سعدكم، ويحرس مجدكم [ويحفظ دركم ويضاعف نعمه عنْدكُمْ] وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم كثيرا وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. [وَكتب فِي آخر رَجَب الْفَرد الْمُبَارك من عَام خمسين وسبعماية، عرف الله خَيره] . وكتبت عَنهُ فِي قريب من هَذَا الْغَرَض مَا نَصه: الْمقَام الَّذِي تحط الرّحال بِبَابِهِ، وتترامى الآمال إِلَى جنابه، ويتمسك الْإِسْلَام على بعد الديار وَاعْتِرَاض الْبحار بأسبابه، مقَام مَحل أخينا، الَّذِي آمال الْإِسْلَام، بمظاهرة ملكه الرفيع مقعودة، وبابه برغبات أَهله مَقْصُودَة، وَسبب اعتداده بِعَزَائِمِهِ الْمَاضِيَة، ومكارمه الراضية قَوِيَّة مشدودة. السُّلْطَان الكذا أبي عنان ابْن السُّلْطَان الكذا أبي الْحسن أبقاه الله، ومثابته حرم تهوى إِلَيْهِ أَفْئِدَة النَّاس، ومفاخره ميدان، تتراهن فِيهِ جِيَاد الْجُود والباس، ونصوص سعادته، تغني عَن التمَاس الْقيَاس، مُعظم مقَامه الَّذِي تَعْظِيمه هُوَ الْغَرَض الأكيد، الْمثنى على مكارمه الَّتِي لَهَا الصيت الْبعيد، المعتد بوده الَّذِي هُوَ السَّبَب الوثيق بِفضل الله والركن الشَّديد، والذخر الَّذِي لَا يبيد. الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل ابْن فرج بن نصر. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله ملهم المراشد، ومنجح الْمَقَاصِد، المؤمل فِي الشدائد، الْكَرِيم العوائد، الَّذِي بالتوكل عَلَيْهِ تفتح أَبْوَاب الْفَوَائِد، وندرأ فِي نحر الْعَدو المكائد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله الَّذِي شرع من شَرِيعَة الْإِسْلَام أعذب الشَّرَائِع، وأصفى الْمَوَارِد، وَهدى النَّاس [سَبِيل السوا] وَقد بَان جور الجائر، وحيد الحائد، وَحَملهمْ على نهج الْهدى، كَمَا حملت السوايم عصى الرائد، حَتَّى تعوضوا النَّعيم الخالد من الْمَتَاع البائد. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه الْكِرَام الأماجد، المقتدين بهديه الصَّالح، السالكين على سنَنه الْمَقَاصِد، وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم السَّامِي المراقي والمصاعد، بالسعد الْكَرِيم الْغَائِب وَالشَّاهِد، والنصر الَّذِي يقْضِي بكبت الْعَدو المعاند. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم سَعْدا باهرا، وَعزا ظَاهرا، وصنعا سافرا، وحظا من عناية الله وافرا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ إِلَّا مَا يؤمل من فَضله المرجو فِي كبت هَذَا الْعَدو، ونرتقب من عوائد صنعه الْجَمِيل فِيهِ مَعَ الرواح والغدو، وجانبكم بعد الله هُوَ الصنع المؤمل، والملجأ الَّذِي عَلَيْهِ الْمعول. وموجبه إِلَيْكُم وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، هُوَ أَن الواصلين بكتابنا هَذَا إِلَيْكُم، والواردين بخطابنا عَلَيْكُم، وَهُوَ وَفد من برندة عصمها الله ووقاها، وَدفع عَنْهَا وَعَن سَائِر مدن الْإِسْلَام شرعداها، من قوادها وولاتها وأجنادها [وحماتها وأشياخها ووزرائها وطلبتها وفضلائها وفقهائها، وكافة دهمائها] وصل الله صَلَاح أَحْوَالهم، وإنجاح أَعْمَالهم. يُرِيد أَن يُقرر لَدَى مقامكم أَعْلَاهُ الله وأيده، وَأظْهر أمره وأسعده أَنهم لم يمنعهُم من الْوِفَادَة على مثابتكم الْعَالِيَة السُّلْطَان، المتصفة بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 فِيمَا انصرم من الزَّمَان، إِلَّا مَا عَلَيْهِ حَال هَذِه الأقطار من تكالب الْكفَّار، وَتعذر الأوطار. وَلَا خَفَاء بِحَال الْبَحْر، وتلاعب الأسطول الْكَافِر بَين أثباجه، وترامى غربانه فِي هضبات أمواجه، وَأَخذهَا لجَمِيع ثناياه وفجاجه، وَمَا زلنا نعدهم بِأَنا نوفد على جنابكم الرحب إرسالنا، ونعلق بمقامكم الرفيع آمالنا، فنشملهم بِهَذَا الْغَرَض، ونقيمهم فِي صف هَذَا الْوَاجِب المفترض، ونجعل هَذَا الْقَصْد للْجَمِيع شَامِلًا، والجفن للطائفين حَامِلا، ورغباتهم فِي تَعْجِيل الْقدوم عَلَيْكُم، والبدار إِلَيْكُم، يُقيم القلق فِيهَا وَيقْعد، والآمال الصادقة تقربهم من المثول بَين يديكم، وأحوال الدَّهْر تبعد، فَلَمَّا تهَيَّأ سفر من عَيناهُ للرسالة، والقدوم على تِلْكَ الإيالة، الرفيعة الْجَلالَة، أوعزنا لَهُم أَن يَلْبَثُوا بمالقة حرسها الله، بخلال مَا يتَّصل بذلك النَّفر استدعاؤنا إيَّاهُم للسَّفر، فاتفق أَن كَانَ ببحرها من حربيات الْعَدو، من يجتاز بِتِلْكَ الأحواز، وَيمْنَع الْجَوَاز، اغتنم ناسنا غفلته عَن مراقبتهم وانحرافه عَن مصاقبتهم، ورأوها فرْصَة تنتهز، وغنيمة تحرز، فَرَكبُوا الْبَحْر على عجل، وَبَادرُوا للسَّفر من غير تربص وَلَا كسل، وَنَرْجُو أَن يَكُونُوا قد حصلوا على الْقَصْد، واتصلوا بِتِلْكَ الإيالة الْكَرِيمَة الْمجد، الباهرة السعد، وَوصل هَذَا الْوَفْد الْمُبَارك الْمَذْكُور، بِمَا فِي استطاعتهم من بدارهم وإسراعهم [معلنين بطاعتهم] فحلوا مالقة حرسها الله، على أثر سفر الْإِرْسَال وإقلاعهم. [وتعرفنا الْخَبَر فبادرنا إِلَى تَكْمِيل أغراضهم المبرورة وإعانتهم] على مَا توجهوا إِلَيْهِ من المساعي المشكورة، وأمرنا بتعمير جفن ثَان يكون فِيهِ سفرهم إِلَى بَابَكُمْ الْمَقْصُود، وظلكم الْمَمْدُود، والمثول بَين أمثالهم من كرام الْوُفُود. وخاطبنا مقامكم الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 يقبل الْأَعْذَار إِذا ظَهرت ووضحت وجوهها وبهرت، تبين لكم أَمرهم، ونبسط عذرهمْ، وَإِنَّمَا هُوَ، أبقاكم الله مسعى لَا يشان بإخفاق، وَفرض وَقت أَدَائِهِ متسع بَاقٍ، وَملك مد من الصفح خير رواق، وَأورد من موارد الْجُود كل رقراق. وهم يردون على مثابتكم الْعليا، الجامعة بَين مَكَارِم الدّين وَالدُّنْيَا [سفراء عَن من دونهم] [فاشرحوا صُدُور من وَرَاءَهُمْ من الْمُسلمين بقبولكم، وأقروا عيونهم، وحققوا آمالهم، وَصَدقُوا ظنونهم] فمقامكم رحب لمن حط بفنائه، وأعلق بِهِ كف رجائه. عرفنَا كم بِهَذَا لِتَكُونُوا مِنْهُ على علم، وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم الْبر العميم يخص مقامكم الْأَعْلَى وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وكتبت عَن السطان لهَذَا الْعَهْد أَمِير الْمُسلمين أبي عبد الله ابْن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج بن نصر، وَقد وصل لأوّل دولته الْفَقِيه الْأُسْتَاذ قَاضِي حَضْرَة الْمغرب أَبُو عبد الله المقرى رَسُولا عَن السُّلْطَان أبي عنان وعزم على الْإِقَامَة بالأندلس خَارِجا عَن عُهْدَة الرسَالَة الْمقَام الَّذِي يحْسب الشَّفَاعَة ويرعى الْوَسِيلَة، وينجز الْعدة، ويتمم الْفَضِيلَة، [وَيعرف العوارف الجزيلة] ، ويبغي حَمده الممادح العريضة الطَّوِيلَة، مقَام مَحل والدنا الَّذِي كرم مجده [ووضح سعده] وَصَحَّ فِي الله عقده، وخلص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة قَصده، وأعجز الْأَلْسِنَة حَمده السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله لوسيلة يرعاها، وشفاعة يكرم مسعاها [وأخلاق جميلَة] تجيب دَعْوَة طبعه الْكَرِيم مهما دَعَاهَا، مُعظم سُلْطَانه الْكَبِير، وممجد مقَامه الشهير، المتشيع لأبوته الرفيعة، قولا بِاللِّسَانِ واعتقادا بالضمير، الْمُعْتَمد مِنْهُ بعد الله على الملجإ الأحمى وَالْوَلِيّ النصير، الْأَمِير فلَان. سَلام كريم طيب بر عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي جعل [الْخلق الحميدة] دَلِيلا على عنايته بِمن حلا بمحلاها، وميز بهَا النُّفُوس الَّتِي اختصها بكرامته وتولاها، حمدا يكون كفوا للنعم الَّتِي أولاها، وأعادها وأولاها. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله المترقى من دَرَجَات الِاخْتِصَاص أرفعها وأعلاها، الممتاز من أنوار الْهِدَايَة بأوضحها وأجلاها، مطلع آيَات السَّعَادَة يروق مجتلاها، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين خبر صدق ضمائرهم لما ابتلاها. وَعسل فِي الأفواه ذكرهم، فَمَا أعذب أوصافهم على الألسن وأحلاها، وَالدُّعَاء لمقام أبوتكم حرس الله علاها، بالسعادة الَّتِي يَقُول أَنا طلاع الثنايا ابْن جلاها، والصنائع الَّتِي تخترق المفاوز بركائبها الْمُبَشِّرَات فتفلى فلاها. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عزة مشيدة الْبَنَّا، وحشد على أَعْلَام صنائعكم الْكِرَام جيوش الثنا، وخلدكم من قلائد مَكَارِم الْأَخْلَاق مَا يشْهد لذاتكم مِنْهُ بسابغة الاعتنا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، والود باهر السنا، مُجَدد الأنا، والتشيع رحب الدست والفنا. وَإِلَى هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 [وصل الله سعدكم وحرس مجدكم] فَإنَّا خاطبنا مقامكم الْكَرِيم فِي شَأْن الشَّيْخ الْفَقِيه الْحَافِظ الصَّالح، أبي عبد الله بن المقرى، خار الله لنا وَله، وَبلغ الْجَمِيع من فَضله العميم أمله، جَوَابا عَمَّا صدر عَن مثابتكم فِيهِ من الْإِشَارَة الممتثلة، والمآرب المعملة، والقضايا غير الْمُهْملَة، نصادركم [فِي ذَلِك] بالشفاعة الَّتِي مثلهَا بأبوابكم لَا ترد،، وظماها عَن مناهل قبولكم لَا يحلا وَلَا يرد حَسْبَمَا سنه الْأَب الْكَرِيم وَالْجد، والقبيل الَّذِي وضح مِنْهُ فِي المكارم الرَّسْم وَالْحَد، وَلم نصدر الْخطاب حَتَّى ظهر لنا من أَحْوَاله صدق المخيلة، وتبلج صبح الزهادة والفضيلة، وجود النَّفس الشحيحة بِالْعرضِ الْأَدْنَى البخيلة، ظهر تخليه عَن هَذِه الدَّار، واختلاطه باللفيف والغمار، وإقباله على مَا يعْنى مثله من صله الأوراد ومداومة الاسْتِغْفَار. وَكُنَّا لما تعرفنا إِقَامَته بمالقة لهَذَا الْغَرَض الَّذِي شهره، وَالْقَصْد الَّذِي أبرزه للعيان وأظهره، أمرنَا أَن يعتني بأحواله ويعان على فرَاغ باله، [وَيجْرِي عَلَيْهِ سَبَب] من ديوَان الأعشار الشَّرْعِيَّة وصريح مَاله، وَقُلْنَا مَا أَتَاك من غير مسئلة مُسْتَند صَحِيح لاستدلاله، ففر من مالقة على مَا تعرفنا لهَذَا السَّبَب، وَقعد بحضرتنا مَسْتُور المنتمي والمنتسب، وَسكن بِالْمَدْرَسَةِ بعض الْأَمَاكِن الْمعدة لسكنى المتسمين بِالْخَيرِ، والمحترفين ببضاعة الطّلب، بِحَيْثُ لم يتعرف وُرُوده ووصوله إِلَّا مِمَّن لَا يوبه بتعريفه، وَلم تتَحَقَّق زوائده وأصوله لقلَّة تَعْرِيفه. ثمَّ تلاحق إرسالكم الجلة، فَوَجَبت حِينَئِذٍ الشَّفَاعَة، وَعرضت على سوق الْفضل والحلم، من الاستلطاف والاستعطاف البضاعة، وقررنا بِمَا تحققنا من أمره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وانقباضه عَن زيد الْخلق وعمره، واستقباله الوجهة الَّتِي من ولى وجهة شطرها، فقد أثر أثيرا، وَمن اتباعها بمتاع الدُّنْيَا، فقد نَالَ [فضل كَبِيرا] وَخيرا كثيرا، وَسَأَلنَا مِنْكُم أَن تبيحوا لَهُ هَذَا الْغَرَض الَّذِي رَمَاه بعزمه، وَقصر عَلَيْهِ أقْصَى همه، فَمَا أخلق مقامكم أَن يفوز مِنْهُ طَالب الدُّنْيَا بسهمه، وَيحصل مِنْهُ طَالب الْآخِرَة على حَظه الْبَاقِي وقسمه، ويتوسل الزَّاهِد بزهده، والعالم بِعِلْمِهِ، ويعول الْبري على فَضله، ويثق المذنب بحلمه. فوصل الْجَواب الْكَرِيم بمجدد الْأمان، وَهُوَ أرب من آرَاب وَفَائِدَة من جراب، وَوجه من وُجُوه إِعْرَاب، فَرَأَيْنَا أَن المطل يعد جَفا، والإعادة لَيْسَ بثقلها خفا، ومجدكم بِمَا ضمنا عَنهُ وفا. وبادرنا إِلَى الْعَزْم عَلَيْهِ فِي ارتحاله، وَأَن يكون الِانْتِقَال من صفة حَاله، وَأَن يَقْتَضِي ثَمَرَة الْمَقْصد، ويبلغ طية الْإِسْعَاف على السَّبِيل الأقصد، إِذْ كَانَ لمثله مِمَّن بجناب الله تعلق [من مثلكُمْ] حَاصِلا. وَالدّين المتين بَين نَفسه وَبَين المخافة فاصلا، وطالب كيميا السَّعَادَة بإعانتكم واصلا. وَلما مدت الْيَد فِي تسويغ حَالَة هديكم عَلَيْهَا أبدا يحرض، وعملكم يُصَرح بمزيتها فَلَا يعرض. فَكَلَّمُوا أبقاكم الله، مَا لَا يسعنا فِيهِ مساحة الْكتاب، وألحقوا بِالْأَصْلِ حَدِيث هَذِه الْإِبَاحَة فَهُوَ أصح حَدِيث فِي الْبَاب، ووفوا غَرَضه عَن مجدكم [وَجَمِيل عهدكم] وخلوا بَينه وَبَين مُرَاده من ترك الْأَسْبَاب، [وَقصد غَافِر الذَّنب وقابل التوب بإخلاص المتاب] والتشمير ليَوْم الْعرض وموقف الْحساب، وأظهروا عَلَيْهِ عناية الجناب، الَّذِي تعلق بِهِ، أعلق الله يديكم بِهِ من جناب. ومعاذ الله أَن تعود شفاعتنا من لدنكم غير مكملة الْآرَاب. وَقد بعثنَا من يَنُوب عَنَّا فِي مشافهتكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 فِيهَا أَحْمد المناب، وَيَقْتَضِي خلاصها بالرغبة لَا بالغلاب، وهما فلَان وَفُلَان. وَلَوْلَا الْأَعْذَار لَكَانَ فِي هَذَا الْغَرَض إِعْمَال الركاب، يسْبق إِعْلَام الْكتاب، وَأَنْتُم تولون هَذَا الْفضل من مكارمكم، مَا يوفر الثَّنَاء الْجَمِيل [ويربى على التأميل] وَيكْتب على الود الصَّرِيح العقد وَثِيقَة التسجيل، [وإنالة الرفد الجزيل] . وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. [كتب فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة من عَام خَمْسَة وَخمسين وَسَبْعمائة] . وكتبت فِي شَأْن الذُّكُور وَإِلَى هَذَا [وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، وضاعف نعْمَته عنْدكُمْ] فإننا وقفنا على كتابكُمْ الْكَرِيم فِي شَأْن الشَّيْخ [الْفَقِيه الْمقري] ، الصَّالح الْفَاضِل الْكَامِل، أبي عبد الله بن الْمقري، وفقنا الله وإياه لما يزلف لَدَيْهِ، وهدانا لما يقرب إِلَيْهِ، وَمَا بَلغَكُمْ من تقاعده بمالقة، وَمَا أشرتم بِهِ فِي أمره، فاستوفينا جَمِيع مَا كررتم، واستوعبنا مَا أجملتم فِي ذَلِك وفسرتم، وَاعْلَمُوا يَا مَحل والدنا، أمتعنا الله ببقائكم، الَّذِي فِي ضمنه اتِّصَال السَّعَادَة الْمُعَادَة وتعرف النعم الْمُعْتَادَة، أننا لما انْصَرف عَن بابنا هُوَ وَمن رافقه، عَن انْشِرَاح الصُّدُور، وتكييف الجذل على مَا تفضلتم بِهِ وَالسُّرُور، تعرفنا أَنه تقاعد بمالقة، عَن صَحبه، وَأظْهر الِاشْتِغَال بِمَا يخلصه عِنْد ربه، وَصرف الْوَجْه إِلَى التخلي، مشفقا من ذَنبه، وَاحْتج بِأَن قَصده لَيْسَ لَهُ سَبَب، وَلَا تعين لَهُ فِي الدُّنْيَا أرب، وَأَنه عرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 عَلَيْكُم أَن تسمحوا لَهُ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ وتقروه عَلَيْهِ، ليعجل البدار ويمهد تَحت إيالتكم الْقَرار. فَلَمَّا بلغنَا هَذَا الْخَبَر، لم يخلق الله عندنَا بِهِ مبالات تعْتَبر، وَلَا أعددناه فِيمَا يذكر، فَكيف فِيمَا يُنكر، وقطعنا أَن الْأَمر فِيهِ هَين، وَأَن ذَلِك الْغَرَض لَا تلْتَفت إِلَيْهِ عين، فَإِن بَابَكُمْ غَنِي عَن طَبَقَات أولي الْكَمَال، مَلِيء بتوسيع الآمال، موفور الرِّجَال، ومعمور بالفقهاء العارفين بِأَحْكَام الْحَرَام والحلال، والصلحاء أولي المقامات وَالْأَحْوَال، والأدباء فرسَان الروية والارتجال، وَلَا ينْفد بفقدان الْحَصَاة أعداد الرمال، وَلَا يستكثر بالقطرة جَيش الْعَارِض المنثال، مَعَ مَا علم من إعانتكم على مثل هَذِه الْأَعْمَال، واستمساككم بإسعاف من صرف وَجهه إِلَى ذِي الْجلَال. وَلَو علمنَا أَن شَيْئا يهجس فِي الخواطر من أَمر مقَامه، لقابلناه بعلاج سقامه. ثمَّ لم ينشب أَن تلاحق بحضرتنا، بارزا فِي طور التقلل وَالتَّخْفِيف، خالط نَفسه باللفيف، مذ صَار نكرَة بعد العلمية والتعريف، وَسكن بعض مَوَاضِع الْمدرسَة، منقبضا عَن النَّاس، لَا يظْهر إِلَّا لصَلَاة يشْهد جماعتها، ودعوة لِلْعِبَادَةِ يجب إضاعتها. ثمَّ تلاحق إرسالكم الجلة الَّذين تحن لمثلهم التجلة، فَحَضَرُوا لدينا، وأدوا المخاطبة [الْكَرِيمَة] لما ذكر إِلَيْنَا، وتكلمنا مَعَهم فِي الْقَضِيَّة، وتنخلنا فِي الْوُجُوه المرضية، فَلم نجد وَجها أخْلص فِي هَذَا الْغَرَض، وَلَا علاجا يتكفل ببرء الْمَرَض، من أَن كلفناهم الْإِقَامَة الَّتِي نتبرك بجوارها، ونعمل على إيثارها، بخلال مَا نخاطب مقامكم بِهَذَا الْكتاب، الَّذِي بضمنه شَفَاعَة يضمن حياؤكم إحسانها، ويرعى انتماها إِلَى الْخَلَاص وانتسابها، ويفيد مَا قد أعلمت الحظوة أثوابها، ونقصدكم ومثلكم من يقْصد فِي المهمة فَأنْتم الْمثل الذائع فِي عُمُوم الْحلم، وعلو الهمة، بِأَن تصدروا لَهُ مَكْتُوبًا مكمل الْفُصُول، مُقَرر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 الْأُصُول، يذهب الوجل، وَيرْفَع الخجل، ويسوغ من مأربه لديكم الأمل، ويخلص النِّيَّة ويرتب الْعَمَل، حَتَّى يظْهر مالنا عِنْد أبوتكم من تَكْمِيل الْمَقَاصِد، جَريا على مَا بذلتم من جميل العوائد. وَإِذا تحصل ذَلِك كَانَ بحول الله إيابه. وأناخت بعقدة وَعدكُم الوفي ركابه، وَتحصل لمجدكم عزه ومجده وثوابه. وَأَنْتُم مِمَّن يرْعَى أُمُور الْمجد حق الرِّعَايَة، وَيجْرِي فِي مُعَاملَة الله على مَا أسس من فضل الْبِدَايَة، ويحقق الظنون فِيمَا لَدَيْهِ من المدافعة عَن حوزة الْإِسْلَام والحماية. هَذَا مَا عندنَا عجلنا بِهِ الْإِعْلَام، وأعملنا فِيهِ الأقلام، بعد أَن أجهدنا الِاخْتِيَار وتنخلنا الْكَلَام. وجوابكم بِالْخَيرِ كَفِيل، ونظركم لنا وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين جميل، وَالله يحرس مجدكم، ويصل سعدكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. كتب الِاسْتِظْهَار على العداه والاستنجاز للغداه كتبت عَن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج رَحمَه الله فِي شَأْن جبل الْفَتْح، ومدينة رندة وَمَا شاع من عمل الطاغية على الْحَرَكَة إِلَيْهَا مَا نَصه: الْمقَام الَّذِي لَهُ الْمجد الشهير المآثر، الْكَبِير المفاخر، والأصالة المتواترة عَن الْمُلُوك الأكابر، والحسب الَّذِي تشهد بِهِ صُدُور الْمَلَاحِم، وَظُهُور الْجِيَاد، وبطون الدفاتر. مقَام مَحل أخينا. الَّذِي نكبر مقَامه الرفيع الشان، ونوجب لَهُ الْحق بِمَا اقْتَضَاهُ حَسبه الراسخ الْبُنيان، المتناسق تناسق قلائد الجمان، بالملوك الْأَعْيَان. السُّلْطَان الكذا أبي عنان [ابْن مَحل أَبينَا الَّذِي نعظمه ونجله، ونوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله، السُّلْطَان الكذا صَاحب الْجِهَاد المقبول، والرفد المبذول، أَمِير الْمُسلمين، وناصر الدّين، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل رب الْعَالمين أبي الْحسن، ابْن السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الْمُؤَيد المعان، صَاحب الْجُود الشهير فِي الأقطار، والبطل المتألق الْأَنْوَار، والمآثر الَّتِي هِيَ أشهر من محيا النَّهَار، أَمِير الْمُسلمين، وناصر الدّين، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل رب الْعَالمين، أبي سعيد، ابْن السُّلْطَان الْكَبِير الْمُؤَيد المعان، صَاحب الْجُود المبرور، والعزم الْمَأْثُور، وَالدّين الْمَشْهُور، أَمِير الْمُسلمين، وناصر الدّين، وقامع الْكَافرين، أبي يُوسُف بن عبد الْحق] وصل الله لَهُ من توفيقه وتسديده كل متين الْأَسْبَاب سابغ الأثواب، متكفل بالزلفى وَحسن المآب، مُعظم مجده الشهير، وحسبه الْكَبِير، وأصالته الَّتِي يُغني مجملها عَن التَّفْسِير، الْعَارِف بِمَا يجب لبيته الخطير، من الترفيع وَالتَّكْبِير، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن مَوْلَانَا [أَمِير الْمُسلمين] أبي الْوَلِيد [إِسْمَاعِيل بن فرج] بن نصر. سَلام كريم بر عميم، يخص مقامكم الأرفع، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله ذِي العظمة والجلال، وَالْإِحْسَان والإفضال، الَّذِي لَا يقْصد إِلَّا وَجهه بالمقاصد الزاكية والأعمال، وَلَا يؤمل إِلَّا فَضله فِي جَمِيع الْأَحْوَال. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله خَاتم الْأَنْبِيَاء وخيرة الْإِرْسَال، الملجأ المنيع عِنْد اشتداد الأزمات والأهوال. . وَالرِّضَا عَمَّن لَهُ من الْقَرَابَة وَالصَّحَابَة والآل، بدور مِلَّته الَّتِي لَا يفارقها صِفَات الْكَمَال، وأعلامها الَّذين سرت بهم مكارمهم مسرى الْأَمْثَال. وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الْأَصِيل الْجلَال، سلالة الْملك الطَّاهِر الْخلال، وَالْمجد الفسيح المجال، بالتوفيق، الَّذِي يظفر من الله بالآمال، وَيحصل بِهِ من مرضاته على الْفَخر الْبعيد المنال. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم من الْأَعْمَال الصَّالِحَة أوفرها وأوفاها، وحملكم من رضوانه على أقوم المسالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وأهداها. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من الْمعرفَة بمجدكم الَّذِي أقل الْملك بُنْيَانه وَرفع شَأْنه، إِلَّا مَا يُرْجَى من عوائد الله الجميلة وصنائعه الكفيلة، وسننه الجزيلة، وجانب آخوتكم موفى حَقه من التَّعْظِيم الَّذِي يجب لمجده العالي وحسبه الصميم، وأصالته المعضود حَدِيثهَا بالقديم، المتناسق فخرها تناسق العقد النظيم. وَإِلَى هَذَا أنجح الله فِي مرضاته أَعمالكُم، وعرفكم من عوارف رضوانه، مَا يتكفل بنيل الْحسنى لكم. فموجبه إِلَيْكُم أَن هَذِه الجزيرة الأندلسية، من لدن أذن الله فِي افتتاحها بسيوف هَذِه الْأمة الْكَرِيمَة ورماحها، وأطلع فِي آفاقها القصية لهَذِهِ الْأمة المحمدية، نور صباحها، حَتَّى تبوأها الْإِسْلَام دَارا، وَحمد فِيهَا استقرارا، وملأ هضابها ووهادها أنوارا، وأوسع فِيهَا من دَعَا مَعَ الله إِلَهًا آخر هوانا وصغارا، لم تزل أَيدي من بهَا الْمُسلمين، بإخوانهم من أهل تِلْكَ العدوة حرسها الله معقودة، وأكفهم إِلَى التمَاس إعانتهم ممدودة وآمالهم إِلَى مصارختهم مصروفة، وعَلى إمدادهم مَوْقُوفَة. فَهِيَ تستروح من تلقائهم نسيم الْفرج. عِنْد الشدائد، وتلتمس مِنْهُم جميل العوائد وملوك الْإِسْلَام بِتِلْكَ العدوة، قدس الله أسرارهم، وضاعف أنوارهم، تنافس فِي نصرها هممهم، وتطمح إِلَى إِحْرَاز الْفَخر بإعانتها شيمهم، ويتراهن فِي ميدانها بأسهم وكرمهم، حَتَّى دونوا فِيهَا المفاخر الْبَاقِيَة، والأعمال الراقية، والصنائع الشهيرة، والوقائع الْكَبِيرَة، يتوارث ذَلِك الْآتِي عَن الذَّاهِب، وَيقوم مِنْهَا الْحَاضِر بِحَق الْغَائِب، غَضبا للدّين الحنيف، وحمية للْملك الْأَصِيل والحسب المنيف، وغيرة على الْحَرِيم، وأنفة لِلْخلقِ الْكَرِيم، وامتعاضا لكلمة التَّوْحِيد وشفقة للقطر الْغَرِيب الوحيد، بَين الْبحار الزاخرة، والأمم الْكَافِرَة والمرام الْبعيد. وَلما صير الله ملك العدوة إِلَى سلفكم الأرضي، وجدد الله عَلَيْهِم ملابس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 رضوانه وقبوله، وجزاهم بِمَا أسلفوه من مرضاته ومرضاة رَسُوله، أنسوا بعزائمهم الراضية [ذكر الْمُلُوك الْمَاضِيَة] وعمروا بمكارمهم الْعَالِيَة مفاخر الْأُمَم الخالية، وَصَارَ إِلَى نظرهم جملَة من بلادها مثل الْجَبَل ورندة ومربلة وَمَا إِلَى ذَلِك، حرسها الله، ليَكُون محط رحال المدد، ومستقر مَا يجيزونه من الفرسان وَالْعدَد. فقر جنابها، وقويت أَسبَابهَا، وَأَعدُّوا لغزوهم ركابا، ولجهادهم الأرضي بَابا، وعاملوا الله فِيهَا على الصَّفْقَة الرابحة والأعمال الْبَاقِيَة الصَّالِحَة، فَكَانَ من عزم السُّلْطَان الْمُجَاهِد الارضي، جدكم الْأَعْلَى، مَا هُوَ مَعْلُوم، وَفِي صحف الْفَخر مرسوم، من اقتحامه لجج الْبحار الطامية، وثبج الأمواج المترامية، وَجِهَاد الْأُمَم الباغية، وفل الجيوش الطاغية، حَتَّى عز الْإِسْلَام بمضا حسامه، وسعدت الْملَّة المحمدية بسعادة أَيَّامه. ثمَّ سلك وَلَده جدكم السُّلْطَان الْمُعظم أَبُو سعيد رَحمَه الله سَبيله، وَاتبع دَلِيله، فَجهز إِلَى نصرها جيوشه المنصورة وأساطيله، وسرب إِلَيْهَا مَاله الجم وقبيله، حَتَّى علم أعداؤها أَن لَهَا ناصرا عَزِيز الْأَنْصَار، وملجأ منيع الْجوَار. ثمَّ تلاه والدكم مَحل أَبينَا السُّلْطَان الْمُعظم أَبُو الْحسن، فَجَاهد عَدو الله فِيهَا حق جهاده، وَشهد الْبر وَالْبَحْر بِصدق جلاده، وسمح فِيهَا بِنَفسِهِ النفيسة وأمواله الْعَظِيمَة وَأَوْلَاده، وعامل الله على الصَّفْقَة الرابحة الَّتِي يجدهَا فِي معاده، وَلم يضل التمحيص فِيهَا عزمه الأمضى، وَلَا كف جهاده الأرضي، فاستولى على غايات الْفَخر وآماده، بِمَا هُوَ مَعْلُوم بَين عباد الله وبلاده، وبينما نَحن نَنْتَظِر من مقامكم الَّذِي هُوَ سلالة ذَلِك الْمجد الصراح ولباب ذَلِك الْحسب الوضاح، وَفرع ذَلِك الْفضل المتألق تألق الصَّباح، مَا عود أسلافكم من الإصراخ والإسجاح، والأعمال الْكَرِيمَة الاختتام والافتتاح، وَأَن تسلكوا مسلكهم فِي نصرها وإمدادها وحماية بلادها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وتثابروا على تخليد الْفَخر وإحراز مرضاة الله الَّتِي هِيَ أَنْفَع الذخر، حَتَّى ينشرح بكم صدر الْإِسْلَام، وتربى أيامكم فِيهَا على غَيرهَا من الْأَيَّام، فمثلكم من يجْرِي على أعراقه الْكَرِيمَة جرى الْجِيَاد الْعتاق، وينافس فِي الْأَعْمَال الَّتِي تتكفل بالثناء الخالد والعز الباق، إِذْ تعرفنا أَن ملك قشتالة، قد طمع فِي تِلْكَ الْبِلَاد الْمَذْكُورَة وكلب عَلَيْهَا، وحشد قومه إِلَيْهَا، وأعلق بهَا أطماعه، وحرك لَهَا أشياعه وَأَتْبَاعه وَإِن آماله بهَا حائمة، وَالْحَرَكَة إِلَيْهَا فِي أرضه قَائِمَة، فَإِن من بهَا من الحماة وَذَوي المرتبات قد اختلت أَحْوَالهم، بِسَبَب مَا تَأَخّر من واجباتهم، وَتعذر فِي هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة من مرتباتهم، فتبدد الْكثير من عَددهمْ، وَضاع مَا توفر على الْأَيَّام من أسلحتهم، وعددهم، وَاشْتَدَّ الإشفاق على تِلْكَ الْبِلَاد الْمسلمَة أَن يعاجلها هَذَا الْعدَد بانتهاز فرْصَة، ويجرع الْعباد والبلاد بِاللَّه أفظع غُصَّة، ويهتبل الْغرَّة فِي بعض معاقلها المنيعة، ومصانعها الَّتِي اعتمدتها أسلافكم بِحسن الصنيعة، ويطغى نور الله فِي آفاقها، ويستبيح حماها، واستمساكها بذلك الْملك واعتلاقها. فخاطبناكم بِهَذَا الْكتاب، نشرح لكم أحوالها، ونطلب من نظركم لَهَا من يمهد خلالها، وييسر آمالها، وَإِن ظهر لكم أَن تبَادرُوا بِشَيْء من المَال، الَّذِي غناؤه فِيهَا فِي الْوَقْت كَبِير، وَقَلِيل مَا يرد فِي تِلْكَ الْجِهَة كثير، تسبقون بِهِ حَرَكَة الْعَدو إِلَيْهَا، وتقدمونه مدَدا بَين يَديهَا، فَذَلِك مَا لَا يُنكر على حسبكم الرفيع الْأَصَالَة، الشهير الْجَلالَة، فَلم تدخر الْأَمْوَال لأهم من هَذَا الْغَرَض، وَلَا وضعت فِي أولى من هَذَا الْوَاجِب المفترض. وَإِذا تعرف الْعَدو أَن غايتكم بهَا مَوْصُولَة، ومكارمكم فِيهَا مبذولة، كذبت مساعيه، وخاب بحول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الله أمله الَّذِي يرتجيه. وَهَذِه الْبِلَاد الأندلسية عصمها الله ووقاها، وَحفظ بهَا كلمة الْإِسْلَام وأبقاها، هِيَ عدَّة لأسلافكم الْكِرَام إِلَى معادهم، ومتجر حسناتهم وركاب جهادهم، وصحيفة أَعْمَالهم الزكية، ومنصة آثَارهم الملوكية، لم يزل بعزائمهم استعدادها، وَمن مكارمهم استمدادها، وَأَنْتُم صميم ذَلِك الْمجد الَّذِي تعودت إعانته وَنَصره، وَعرفت من عوارفه، مَالا يُطَاق حصره، وَأولى من يُحَقّق ظنونها، ويشرح صدورها، ويقر عيونها. وَقد وجهنا إِلَى جبل الْفَتْح مدَدا من الرُّمَاة، وشرعنا فِي اتباعهم بجملة من الرِّجَال الرامحة الحماة، يُقِيمُونَ لنظر من بِهِ بخلال مَا تنبلج الْأَخْبَار وَيظْهر مَا يبرزه اللَّيْل وَالنَّهَار، وعرضنا عَلَيْكُم هَذَا الْقَصْد، الَّذِي مازال سلفكم رضى الله عَنهُ، عَلَيْهِ يثابرون، وبمزيته على الْمُلُوك يفتخرون، ومرضاة الله سُبْحَانَهُ، بمبادرته يبتدرون، وَأَنْتُم تَعْمَلُونَ فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله مَا يَلِيق، بمجدكم الْأَصِيل، وحسبكم الأثيل، حملكم الله على مَا يكون لكم فِيهِ الذّكر الحميد، وَالْقَصْد السديد، والعناية الإلهية الَّتِي لَا تبيد. وَهُوَ سُبْحَانَهُ [يصل سعدكم، ويحرس مجدكم] ، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي الثَّالِث عشر لمحرم من عَام خمسين وَسَبْعمائة. وكتبت عَن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج رَحمَه الله فِي الْغَرَض الْمَذْكُور الْمقَام الَّذِي يستظهر الْإِسْلَام بعزماته فِي شدائده الطارقة وأزماته، ويعول على هممه الْعَالِيَة فِي مهماته، ويستنجز فِي النَّصْر على عداته سوابق عداته، ويرتقب غرر الصَّنَائِع الحميدة من مطالع آرابه السعيدة وراياته، مقَام مَحل أخينا الَّذِي سَبَب اعتدادنا بِهِ فِي الله قوى وثيق، وثناؤنا بالمفاخر الْمَوْقُوفَة على ملكه الرفيع طليق، واعتمادنا على مظاهرته وَنَصره لَا يلتبس مِنْهُ طَرِيق، وَلَا يخْتَلف فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 فريق، وودادنا فِي جنابه الأسمى أصيل عريق. السُّلْطَان الكذا، أبي عنان [ابْن مَحل أَبينَا الَّذِي نعظمه ونجله، ونوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله، السُّلْطَان الْمُؤَيد المعان، صَاحب المكارم الشهيرة والمآثر الَّتِي هِيَ أوضح من شمس الظهيرة، أَمِير الْمُسلمين أبي سعيد ابْن السُّلْطَان الْجَلِيل الأمضى، صَاحب الْجِهَاد المبرور والعزم الْمَأْثُور وَالدّين المنشور، أَمِير الْمُسلمين، وناصر الدّين وقامع الْكَافرين، الْمُجَاهِد فِي سَبِيل رب الْعَالمين، الْمُقَدّس الأرضي أبي يُوسُف ابْن عبد الْحق] . أبقاه الله، وآثاره فِي نصر الدّين بَاقِيَة صَالِحَة، وغرر مفاخره مشرقة وَاضِحَة، وآمال أهل الْإِسْلَام فِي عَزَائِمه الْمَاضِيَة، ومكارمه الراضية صَادِقَة ناجحة، وكتايبه فِي سَبِيل الله غادية رَائِحَة، وَكتبه بإنجاز المواعد، والمثابرة على كبت أعاديه مُرَاجعَة أَو مفاتحة، وَأَقْلَام رماحه وصحائف صفاحه، لآيَات النَّصْر الْعَزِيز شارحة، وأعداء الله لحربه مذعنة، أَو إِلَى سلمه جانحة. مُعظم مقَامه الرفيع عماده، الشهير بأسه، وَكَرمه وجهاده، الْمثنى على ملكه، الَّذِي بِهِ انتصار الْإِسْلَام على مر الْأَيَّام واعتداده. الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام تتخلل بِطيب نفحاته هبوب النسيم، وتقتبس من سنا لمحاته أنوار الصَّباح الوسيم، وتتضوع من شذا أنفاسه معاهد ذَلِك الْملك الْكَرِيم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي شرع من التواصل فِي ذَاته، والتعاون على ابْتِغَاء مرضاته، طَرِيقا وَاضحا وسبيلا، وَجعل التَّوَكُّل عَلَيْهِ بِخَير مَا لَدَيْهِ كَفِيلا، ووعد بنصر من ينصره، وَمن أصدق من الله قيلا، وَذخر لهَذَا الْقطر الْغَرِيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 عِنْد اضْطِرَاب أرجائه، وَانْقِطَاع رجائه، من أنصاره الْكِرَام وأوليائه، كَافِيا وكفيلا، يُوسع آماله العصية، تتميما وتكميلا، ومآربه العصية تيسيرا وتسهيلا، وَيُقِيم على لطف الله بِمن فِيهِ من الْمُسلمين المنقطعين دَلِيلا. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله المبتعث رَحْمَة للعباد والبلاد وظلا ظليلا، الْمَخْصُوص من الله سُبْحَانَهُ بمزية قَوْله، إِنَّا نَحن نزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن تَنْزِيلا، الَّذِي أيده بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَجعل فِي أرضه من مَلَائِكَة سمائه المسومين قبيلا، وفضله على الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ تَفْضِيلًا، وَعقد عَلَيْهِ من جاه الشَّفَاعَة الْعَامَّة، تاجا وإكليلا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وقرابته وأحزابه، الَّذين أوضحُوا طَرِيق الْحق وَقد صَار رسما محيلا، وَرفعُوا معالم سنته من بعده، فَلَنْ تَجِد لسنة الله تبديلا، وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الْعُظْمَى، أطلع الله عَلَيْهَا من السَّعَادَة وَجها جميلا، ورسم آيَات نصرها فِي أوراق فخرها، لَا تقبل نسخا وَلَا تَأْوِيلا، وشفا الْإِسْلَام بعزائمها مهمى أصبح عليلا، بالسعد الَّذِي يسْتَأْنف بِهِ الدّين الحنيف تأميلا، وَالْملك المنيف عزا جَدِيدا، وفخرا جَلِيلًا، والنصر الَّذِي ترن بِهِ الْجِيَاد صهيلا. فَإنَّا كتبناه إِلَى مقامكم، أرهف الله فِي نصر الْإِسْلَام عَزَائِمه، وَأَعْلَى بتأميل ملكه الْمَنْصُور الْأَعْلَام معالمه، وتدارك بإنجاده وإمداده أَرْكَانه قبل أَن تهنى ودعائمه. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، والثقة بِاللَّه لَا تحجب ظلمات الشدائد أنوارها، والاعتداد بصنع الله سُبْحَانَهُ على يَد مقامكم، أسعد الله سُلْطَانه، يحفظ على النُّفُوس استبشارها، ويمهد للقلوب قَرَارهَا، ويكف ظنونها الموحشة وأفكارها. وَأما مثابتكم الْكَرِيمَة فوزر الْإِسْلَام، كلما أخذت الْحَرْب أَوزَارهَا، وملجأ هَذِه الْأمة مهمى استصرخت أنصارها، وَالرَّدّ الَّذِي يطْلب تارها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 ويقيل عثارها وَعِنْدنَا لأخوتكم الْكَرِيمَة تَعْظِيم نعترف على الْأَيَّام بِوُجُوبِهِ ولزومه، وود لَا يعبر اللِّسَان عَن مضمره، وَلَا يَفِي الْمَكْتُوب بمكنونه، وتشيع ثبتَتْ فُصُول الخلوص والصفا فِي حُدُوده الجامعة ورسومه. وَإِلَى هَذَا وصل الله لكم سَعْدا جَدِيدا، وَعزا مبيدا، وسعيا فِي مرضات الله حميدا فإننا قدمنَا مُخَاطبَة مقامكم المؤمل] فِي شَأْن هَذِه الْبِلَاد، الَّتِي عظمت فهيا غربَة الْإِسْلَام وانقطاعه، وتوجهت إِلَى استئصال رمقها آمال الْكفْر وأطماعه، وتمطى عَلَيْهَا الصَّلِيب، فامتد ذراعه، وَتقدم بَاعه، وَفِي الله كِفَايَته، وَبِاللَّهِ دفاعه. وكتبنا نقص عَلَيْكُم من آثَار سلفكم فِي هَذِه الْبِلَاد أحسن الْقَصَص، ونستدر لَهَا من سحائب تِلْكَ العوائد المستغاثة فِي الشدائد، مَا فِيهِ إِن شَاءَ الله شفا الْغصَص، ونهز إِلَيْهَا أعطاف تِلْكَ الهمم الشَّرِيفَة، ونمد عَلَيْهَا مَا تقلص من أهداب إيالتها المنيفة، ونعرض مَا أعضل من أدواثها على نظر الآسي الطَّبِيب، ونستنصر على عدوها الْبَاغِي بالولي الحبيب، ونأتي فِي التمَاس إغاثتها الْبيُوت من أَبْوَابهَا، ونطلب الصرخة والإعانة من أَرْبَابهَا، ونندب إِلَى صَفْقَة الْفَخر من هُوَ أولى بهَا، فَلم تخفق وَالْحَمْد لله مساعي الْقُلُوب الخافقة، وَلَا كسدت بضائع الحمية الإلآهية فِي أسواقها النافقة، وأفاقت الأوجال بمكارمكم الفائقة، وتعلقت الآمال بأذيال مواعيدكم الصادقة، وتجلت بثنايا الْجَبَل عصمه الله، غرر صنائعكم الباسمة الباسقة، وَظَهَرت بِهِ طلائع فضائلكم المتوالية المتناسقة. وَلما رأى الطاغية، قصمه الله، أَن دولة الْإِسْلَام قد استأنفت شبابها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 وَأَن الله فتح لنصر هَذِه الجزيرة بَابا، وهيأ لبَقَاء كلمة التَّوْحِيد قطرها الوحيد أسبابا، رام معاجلة الحكم قبل إحكامه، وشره إِلَى إطفاء نور الله الَّذِي وعد بإتمامه، واهتبل الْغرَّة الَّتِي حام عَلَيْهَا طمعه، ورضى منقصة الْغدر فِي جَانب مَا يحذرهُ من الِاتِّصَال بكم ويتوقعه. وأوقع فِي بِلَاد السّلم نَار الْحَرْب، وَلم يثن عزمه ضرو والطاعون عَن إِقَامَة [سوق] الطعْن وَالضَّرْب، وَكذب بالساعة الَّتِي تطلع عَلَيْهِ شمسها من الغرب، وَرمى هَذِه الْبِلَاد الساحلية بشؤبوب شَره، وصيرها فريسة بَين غربان بحره وعقبان بره، وسد فرضته بأساطيله، وراع الْإِسْلَام بر عيله، واستقبل بِلَاده الَّتِي لَا قبل لَهَا بقبيله، ودهم الْجِهَة الَّتِي بادرت إِلَى الِاعْتِصَام بحمى ملككم، والانتظام فِي سلككم، والبلاد الَّتِي أمنت تَحت ظلّ دولتكم، وَامْتنع ذمارها بعز صولتكم، على حِين شحت بِسَبَب الفترة موارد أرفادها، وتعذرت مرافق حماتها وأنجادها، وخم الِاضْطِرَار والافتقار بَين هضابها ووهادها، وَنقص هَذَا الْأَمر الَّذِي أصَاب الأَرْض من إعدادها وَصرف إِلَيْهَا أهلكه عباب سيله، [وأجلب عَلَيْهَا] بِرجلِهِ وخيله، وسحب على أرجائها فضول ذيله، وحجب الضيا عَن آفاقها المشرقة بظلام ليله. فكم حمى مصون بهَا قد استباحه، وَربع مريع قد اجتاحه، وحريم محرم قد أَبَاحَهُ، وَمن وكل باقتضائه ظباء ورماحه، وَشَمل جَمِيع أدَار عَلَيْهِ شُمُول الْفِرَاق وحث أقداحه، ومصلى نصب فِيهِ تماثيله المضلة وأشباحه، وعقاب حصن هاض جنَاحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وأطفا مصباحه، جهلا مِنْهُ أماتة الله واغترارا، وعتوا فِي الأَرْض واستكبارا، وظنا أَن حَبل الْإِسْلَام قد دهى بانبتاته، وشمله قد رمى بشتاته، وَحقّ الدّين قد أغفل رعى متاته، وَأَن ذَلِك الْملك لَا ينجد هَذَا الْقطر فِي الشدائد بعزماته، وَلَا عَلَيْهِ مَا اعتاده من تفريج كربه وَرفع أزماته. وَمَا كَانَ ذَلِك الْمقَام لينسي الْبعيد من بِلَاده بالقريب، وَيسْتَقْبل بالأمل المتعاهد مِنْهَا عَن الْغَرِيب، وصراخه يتَّصل بهَا على بعد المدا، ومنابرها تستجير بهَا من صرف الردا، وبهتان العدا، يَأْبَى الله ذَلِك، وَالْحمية الدِّينِيَّة، والمملكة المرينية، والجنود المجندة، والصفائح المهندة، والجياد الصاهلة، والمعاهد الآهلة، والمراكب الهائلة، والرماح المتمايلة، والأساطيل السابحة، والمتاجر الرابحة، وَالْأَمْوَال الَّتِي لمثل هَذَا الْغَرَض تدخر وتقتنى، والمعالي الَّتِي على مثل هَذِه الدعائم يجب أَن تبتنى، والهمم الَّتِي لَا ترْضى بنعيم أهل الدُّنْيَا، مَا لم تكن كلمة الله هِيَ الْعليا. وَلم يعلم أَن الْإِسْلَام لَو طرقته داهية الْكفْر بِبَعْض أقطاره النازحة وآفاقه، أَو كلب عَلَيْهَا الصَّلِيب بأقصى شامه أَو عرافه، لهزه إِلَى استصراخ الْبِلَاد المغربية الْقَصْد الأول، وَكَانَ لَهُ على نَصره من بهَا الْمُسلمين الْمعول، لما عرفُوا بِهِ من الحمية، والنفوس الأبية، والهمم الَّتِي لَا ترْضى بالدنية، فَكيف بِهَذَا الْقطر، الَّذِي جنَاح ملككم عَلَيْهِ مَمْدُود، وتاج فخركم بِالْجِهَادِ بِهِ مَعْقُود، وغزوكم على أعدائه مَقْصُور، وبابكم بآماله مَقْصُود، لم يستروح نسيم الْفرج على توالي الْحجَج إِلَّا من مهبات نصركم العاطرة، وَلَا سَام بارقة السقيا إِلَّا من خلل سحائبكم الماطرة، وَلَا اختال إِلَّا فِي حلل صنائعكم الفاخرة، وَلَا تقلد إِلَّا دُرَر مكارمكم النافقة، فِي متاجر الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وَالْآخِرَة. وَالْملك وَالْحَمْد لله لم يبرح عَن مَحَله، وَلَا انْتقل عَن أَهله، وَلَا تقلص مديد ظله. إِنَّمَا هِيَ نصبة سعيدة لم تخْتَلف أَحْكَامهَا على إِعَادَة تعديلها، وَنسبَة كَرِيمَة لم تَتَغَيَّر مَعَ تبديلها، وأسود لم تزل عَن غيلها، وجياد تجْرِي على أعراق قبيلها. وَلما رَأينَا أَن هَذَا الطاغية أهلكه الله قد جمح فِي ميدان المطامع هولا، وَأظْهر مَا من الْغدر نَوَاه، وحلت المطامع عُرْوَة عقده، وخاصمناه إِلَى حكم الوفا فَلم يرجع فِي اللدد عَن قَصده، وَطلب منا أَن نُقِيم على مَا يخص الْبِلَاد الَّتِي لنظرنا من عُمُوم عَهده، ويتفرغ هُوَ إِلَى مَا سوى ذَلِك بأقصى جهده، وكلنَا أمورنا إِلَى الله وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير، ولجأنا إِلَى التَّوَكُّل عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، نعم الْمولى وَنعم النصير، ووثقنا بمصارخة ملككم الَّذِي لَهُ الصيت الْبعيد، وَالذكر الشهير، وأمرنا بِإِطْلَاق الغارات على جَمِيع مَا يلينا من بِلَاده، وَجَعَلنَا يَد الْإِسْلَام وَاحِدَة، على دفاعه وجلاده، حَتَّى تقضى الْفُرُوض المتعينة، وَيحيى من حَيّ عَن بَيِّنَة، وَنَرْجُو الله أَن يخيب صَفْقَة هَذَا الناكث الغادر، وَيرد عَلَيْهِ أَسْوَأ الدواير. وخاطبنا مقامكم، الَّذِي هُوَ بعد الله الْعدة الْعُظْمَى، والملجأ الأحمى، نشرح لَهُ أَحْوَال هَذِه الْبِلَاد المتمسكة بأسبابكم المنسوبة إِلَى جنابكم، لتحاولوا علاج دائها، ودفاع أعدائها، ونطلب من ملككم، الَّذِي حَاز فِي الْمَعَالِي الأمد، أَن يعجل إِلَيْهَا الحامية والمدد، وَالْمَال الَّذِي يعدل فِي جبرها الْعدَد، وَالْقُوَّة الَّتِي تضعف عدوها، والرفد الَّذِي تبلغ بِهِ مرجوها، ويمتعض لحرمتها، ويرعى مَا سلف من أذمتها، ويتداركها بالعزائم الَّتِي تمهد راجفها، وتومن خائفها، والمكارم الَّتِي تجبر قلوبها، والصوارم الَّتِي ترد منصوبها، فَمَا أملت إِلَّا حمى ذَلِك الْملك، وَلَا اعتمدت إِلَّا خلاله، وَلَا عرفت فِي الْقَدِيم والْحَدِيث، إِلَّا جيوشه وأمواله، حَتَّى تعود لأحسن أحوالها، وتستأنف الْحَيَاة رمم آمالها، وتسفر عَن وَجه جمَالهَا، وترفل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 فِي حلل اقتبالها، فَهِيَ حَسَنَة سلفكم الأرضي، وركاب جهادكم الأمضى، والميدان الَّذِي لَا تزَال الهمم الملكية تسابق إِلَى غَايَته، وَالْأَيْدِي الْعَالِيَة تمتد إِلَى تلقى رايته، والوسيلة مِنْهُم إِلَى الله الَّتِي يستزيدون بنصرها من مواهب نَصره وعنايته. وَأَنْتُم سلالة ذَلِك الْمجد وَبدر أفقه الباهر السعد، وَأولى من يُعَامل الله فِيهَا، بنصر الْحق وإنجاز الْوَعْد، فحققوا أمل الْإِسْلَام فِي علاكم، واستبقوا فِي ميدان النَّصْر مَا تدل عَلَيْهِ حلاكم، كتب الله فِي إعانتنا المآثر الَّتِي تتلى [وجدد لكم بِهِ المفاخر الَّتِي لَا تبلى] ، وسلك بكم من مرضاته الطَّرِيقَة المثلى، وَجعل سعيكم الأرضى، وملككم الْأَعْلَى. وأننا أوفدنا على بَابَكُمْ لتقرير هَذِه الْأَحْوَال، واستصراخ ملككم السَّامِي الْجلَال، من يشْرَح لكم جزئيات الْأُمُور، ويحرك عزمكم لإنجاد هَذِه الثغور، ويمثل لكم الْحَال فِي صورتهَا، وَيبين لديكم قدر ضرورتها، وهم الشَّيْخَانِ الفقيهان، الأستاذان القاضيان، قَاضِي جماعتنا وخطيب حضرتنا [أَبُو فلَان، وَأَبُو فلَان، والقائد أَبُو فلَان] ولمقامكم الْفضل فِي الإصغاء لما يلقونه إِلَيْكُم، ويقصونه عَلَيْكُم، يكون ذَلِك من جملَة مَا نعتده من مكارمكم الحافلة، وشيمكم الطاهرة الفاضلة، وَالله عز وَجل يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته [وَفِي الْيَوْم الْعَاشِر لشهر ربيع الآخر من عَام خمسين وَسَبْعمائة] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 وكتبت أَيْضا فِي هَذَا الْغَرَض الْمقَام الَّذِي يجب لمرضاته التسرع، ويحق البدار إِلَى وصل الْيَد بِهِ والتسرع [ويدعوا إِلَى الاستمساك بوده التدين والتشرع] ويخلص إِلَى الله فِي حمله على مَا فِيهِ رِضَاهُ التضرع. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نعطي أخوته حَقّهَا، ونسلك من مودته طرقها، ونشيم من عَزَائِمه فِي الْجِهَاد برقها، ونشكر غيثها وودقها، السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله موفى الْمَقَاصِد، مهنأ الْمَوَارِد، معمور التوادي بالصالحات والمعاهد، قَائِما من حُقُوق نعم الله عَلَيْهِ مقَام الشاكر الحامد، وَلَا زَالَت عَزَائِمه قَاطِعَة بالمعاند، متلعة مِنْهُ للطارف والتالد، ومكارمه شَامِلَة للأقارب والأباعد، وأقواله وأعماله خَالِصَة فِي طَاعَة الله الْملك الْوَاحِد، مُعظم مِقْدَاره، وملتزم إجلاله وإكباره، ومواخيه فِي الله على إعلاء دينه الْحق وإظهاره الْعَارِف بكرم تجاره وَفضل آثاره. فلَان، سَلام كريم طيب برعميم يخص مقامكم الأسمى وأخوتكم الْعُظْمَى، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي تجنى من أفنان التَّوَكُّل عَلَيْهِ ثمار الآمال، ونقتنص من مطَالب اللجا إِلَيْهِ نتائج نجاح الْأَعْمَال، جَاعل الْمَوَدَّة فِي ذَاته وَسِيلَة نافعة يَوْم الْعرض وَالسُّؤَال، وظلا على عباده يتكفل بصلاح الْأَحْوَال، مجازي من أخْلص فِي وَسِيلَة قَصده بالصنع الباهر الْجلَال، والمنح الوافرة [عَن الْيَمين وَالشمَال] . أقامنا بِهَذَا الصقع الْأَقْصَى ندافع عداهُ بالبيض الْقصار والسمر الطوَال، وندعوا إِلَى مَا فِيهِ رِضَاهُ أهل الائتمار لطاعته والامتثال، ليُصبح الْأَمْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 مدير الظلال، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الشَّفِيع عِنْد تعاظم الْأَهْوَال، والملجأ المنيع عِنْد إعواز الاحتيال، ذِي المعجزات الَّتِي اسْتَقَلت عقودها كل الِاسْتِقْلَال، خَاتم الْأَنْبِيَاء وَسيد الْإِرْسَال، الَّذِي نلتمس ببركته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة من الله مُؤَمل الأفضال، ونحارب ونسالم عملا بِمُقْتَضى سنته فِي الْحَال والمآل، ونتمسك بأخوة من يُرْجَى دفاعه عَن دينه حَتَّى نبلغ قصيات الامال. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، أكْرم الصَّحَابَة وأسنى الْآل، الَّذِي كَانُوا فِي قلادة مِلَّته مثل اللآل، وَفِي الاهتداء لأمته مثل النُّجُوم فِي الليال. وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الفارسية بتوالي الْيمن والإقبال [وَلَا زَالَت] مقاصدها خَالِصَة فِي رضى الله ذِي الْجلَال، وعزائمها يحفها التَّوْفِيق عَن الْيَمين وَعَن الشمَال. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم من السَّعَادَة أوفرها نَصِيبا. وسلك بكم من السداد والإسعاد مأخذا قَرِيبا، وجلى لكم من وَجه الْعِنَايَة وَجها عجيبا، [وبوأكم من منَازِل الْقبُول جنابا رحيبا] . من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَنحن نمحص لكم الود فِي شَاهد الْأَمر وغائبه، ونثني عَلَيْكُم [ثَنَاء] يبين قصد مذاهبه. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعادتكم، وحرس مجادتكم [ووالى النعم عنْدكُمْ] . فإننا تعرفنا فِي هَذِه الْأَيَّام من خدامكم الوافدين علينا بهديتكم، مَا عنْدكُمْ من استدعاء الأساطيل المنصورة من مَحل إنشائها، والاستكثار من اعدد حركاتها واقتنايها، وَإِن فرض العزائم شَرط فِي أَدَائِهَا، وأولياء الْملَّة قد تدامرت على أعدائها، وحكماؤها قد شمرت لإِزَالَة دائها، فسألنا الله إتاحة الْخيرَة، وتكييف الصنايع المتيسرة، وبادرنا إِلَى سبر مَا عنْدكُمْ من التشوف إِلَى مَا لنا من الأساطيل الجهادية والمقاصد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 الودادية، فَإِن توفر لكم فِي الِاسْتِعَانَة بهَا أرب، أَو بَان فِي الِاحْتِيَاج إِلَيْهَا مَذْهَب، نشرع فِي إصلاحها وتيسيرها، وَتنظر فِي إبرام أمورها، لتَكون مرهفة الْحَد، آخذة أهبتها قبل الْقَصْد، ونعلمكم مَعَ ذَلِك أَن رَسُولنَا إِلَيْكُم فِي الْأَيَّام الْمَاضِيَة، وَالْأَشْهر المتقاصية فلَانا، لما وصل من لدنكم، أوصل فِي الطَّعَام الْمُعْتَاد من سلفكم، قدسهم الله، إِلَى هَذِه الجزيرة وَعدا. وأنهى إِلَيْنَا اجْتِهَادًا فِي أمره وجدا، وأنكم من جددتم من حَسَنَات بَيتكُمْ عهدا، فأورينا فِي الشُّكْر زندا، وأوضحنا فِي الثَّنَاء قصدا، وَقد كَانَت عَادَة والدكم، أزلفه الله إِلَيْهِ، وجدد ملابس الرَّحْمَة والرضوان عَلَيْهِ، أَن يصدر عَنهُ مَكْتُوب بِمِقْدَار ذَلِك الْإِمْدَاد، وَتَعْيِين موَاضعه من سَاحل الْبِلَاد، وَنحن نؤمل أَن تسلكوا ذَلِك الْعَمَل فِي سَبِيل الْجِهَاد، وتخلدوا من الْأَعْمَال الصَّالِحَة، مَا يجده من يؤمل حسن الْمعَاد، أذكرناكم بذلك على سَبِيل الوداد، وكرم الِاعْتِقَاد، ووجهنا من يُقرر لديكم مَا عندنَا من جميل الْوَلَاء فِي أخوتكم الرفيعة الْعَلَاء، وَيتَكَلَّم بَين يديكم فِي هَذِه الْأَشْيَاء، وَيجْرِي من تبين الخلوص على [السَّبِيل السوَاء] وَهُوَ الْقَائِد الْأَجَل المكرم أَبُو فلَان، [وصل الله كرامته، وَكتب سَلَامَته] . [ومكارمكم توسع بقدومه الصُّدُور انشراحا، وتبلغ، من إسداء مَا توجه بسبيله اقتراحا. وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويضاعف نعمه عنْدكُمْ، وَالسَّلَام الْكَرِيم يخص مقامكم الْأَعْلَى وأخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَكتب فِي كَذَا] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وَمن الِاسْتِظْهَار أَيْضا على العداة والاستنجاز للعداة مَا كتبت بِهِ وَقد هلك الْوَزير المستولى على ملك الْمغرب، واستقل السُّلْطَان أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز على ملك أَبِيه. نبهت فِي ذَلِك على جبل الْفَتْح عِنْدَمَا تشذبت حاميته وَانْقطع من الغرب مدده الْمقَام الَّذِي يصْرخ وينجد، ويتهمم فِي الْفضل وينجد، ويسعف ويسعد، ويبرق فِي سَبِيل الله ويرعد، فَيَأْخُذ الْكفْر من عزماته الْمَاضِيَة الْمُقِيم المقعد، حَتَّى ينجز من نصر الله الْموعد، مقَام مَحل أخينا الَّذِي حسن الظَّن بمجده جميل، وحد الْكفْر بسعده قَلِيل، وللإسلام فِيهِ رجا وتأميل، لَيْسَ للقلوب عَنهُ مميل، السُّلْطَان الكذا أبقاه الله وعزمه الْمَاضِي لصولة الْكفْر قامعا، وتدبيره الناجح لشمل الْإِسْلَام جَامعا، وَملكه الْمُوفق لنداء الله مُطيعًا سَامِعًا، ومعظم مِقْدَاره، وملتزم إجلاله وإكباره، المعتد فِي الله بكرم شيمته وَطيب نجاره، المستظهر على عَدو الله بإسراعه إِلَى تدمير أشياعه الْكَافِرَة وَبِدَارِهِ، فلَان. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله مُجيب دَعْوَة السَّائِل، ومتقبل الْوَسَائِل، [ومنيل النائل] ، ومتيح النعم الجلائل، مربح من عَامله فِي هَذَا الْوُجُود الزائف الزائل، والبره القلائل بالمتاع الدَّائِم الطائل، وَالنَّعِيم غير الْحَائِل، ومقيم أود الْإِسْلَام المائل، بأولي المكارم من أوليائه والفضائل، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد وَرَسُوله المنقذ من الغوائل، المنجي من الروع الهائل، والصادع بدعوة الْحق الصايل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 بَين العشائر والفصائل، الَّذِي ختم بِهِ وبرسالته ديوَان الرُّسُل والرسائل، وَجعله فِي الْأَوَاخِر شرف الْأَوَائِل. وَالصَّلَاة عَلَيْهِ زَكَاة قَول الْقَائِل. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وعترته وَحزبه، تيجان الْأَحْيَاء والقبائل، المتميزين يكرم السجايا وَطيب الشمايل، والدعا لمقام أخوتكم فِي الْبكر والأصايل، بالسعد الصَّادِق المخايل، والصنع الَّذِي تتبرج مواهبه تَبْرَح العقايل، والنصر الَّذِي تهز لَهُ الصعاد الملد عطف المترانح المتخايل. فَإنَّا كتبناه كتب الله لكم عزا يَانِع الخمايل، ونصرا يتكفل للكتايب الْمُدَوَّنَة فِي الْجِهَاد ومرضات رب الْعباد، بسرد المسايل، وإقناع السايل. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ إِلَّا استبصار فِي التَّوَكُّل على من بِيَدِهِ ملك الْأُمُور، وتسبب مَشْرُوع تتَعَلَّق بِهِ بِإِذن الله أَحْكَام الْقدر الْمَقْدُور، وَرَجا فِيمَا وعد بِهِ من الظُّهُور، يتصاعد على توالي الْأَيَّام، وترادف الشُّهُور. وَالْحَمْد لله كثيرا كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَّا فَضله، ومكانكم الْمَعْرُوف مَحَله، الْكَفِيل بالإرواء نهله وعله. إِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، [ووالى النعم عنْدكُمْ] فإننا فِي هَذِه الْأَيَّام، أهمنا من أَمر الْإِسْلَام، مَا زبن الشَّرَاب، ونغص الطَّعَام، وَذَادَ الْمَنَام، لما تحققنا من عمل الْكفْر على مكايدته، وسعى الضلال، وَالله الواقي فِي استئصال بغيته، وَعقد النوادى للاستشارة فِي شَأْنه، وشروح الْحِيَل فِي هد أَرْكَانه، وَمن يومل من الْمُسلمين لرفع الردا وكشف الْبلوى، وَبث الشكوى، وَأَهله حاطهم الله وتولاهم، وتمم عوابد لطفه الَّذِي أولاهم، فَهُوَ مَوْلَاهُم، فِي غَفلَة ساهون، وَعَن المغبة فِيهِ ذاهلون، قد شغلتهم دنياهم عَن دينهم، وعاجلهم عَن آجلهم، وَطول الأمل عَن نَافِع الْعَمَل، إِلَّا من نور الله قلبه، بِنور الْإِيمَان، وتململ بمناصحة الله وَالْإِسْلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 تململ السَّلِيم، وَاسْتدلَّ بِالشَّاهِدِ على الغايب، وَصرف الْفِكر إِلَى معاطب الْأُمَم السوالب. فَلَمَّا رَأينَا أَن الدولة المرينية الَّتِي هِيَ على مر الْأَيَّام شجى العدا، ومتوعد كل من يكيد الْهدى، وقبة الْإِسْلَام الَّتِي إِلَيْهَا يتَمَيَّز، وكهفه الَّذِي إِلَيْهِ يلجأ، قد أذن الله فِي صَلَاح أمورها، وَلم شعثها، وَإِقَامَة صفاها، بِأَن خرج عَنْهَا هَنَات الْعَدو، وأراحها من مس الضّر، ورد قوسها إِلَى يَد باريها، وصير حَقّهَا إِلَى وارثها، وَأقَام لرعى مصالحها، من يحسن الظَّن بِحَسبِهِ وَدينه، ويرجى الْخَيْر من ثَمَرَات نصحه، وَمن لم يعلم إِلَّا الْخَيْر من سَعْيه، والسداد من سيرته، وَمن لَا يستريب الْمُسلمُونَ فِي صِحَة عقده، واستقامة قَصده. أردنَا أَن نخرج لكم عَن الْعهْدَة فِي هَذَا الدّين الحنيف، الَّذِي رسمت دَعوته وُجُوه أحبابكم شملهم الله بالعافية، وتشبثت بِهِ أنفاس من صَار إِلَى الله من السّلف، تغمدهم الله بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَة. وَفِي هَذَا الْقطر الَّذِي بِلَاده مَا بَين مكفول يجب رعيه طبعا وَشرعا، وجار يلْزم حَقه دينا وَدُنْيا، وحمية وفضلا. وعَلى الْحَالَتَيْنِ فَعَلَيْكُم بعد الله الْمعول، وَفِيكُمْ المؤمل، فارعونا أسماعكم الْمُبَارَكَة، نقص عَلَيْكُم مَا فِيهِ رَضِي الله، والمنجاة من نكيره، وَالْفَخْر وَالْأَجْر وَحفظ النعم، وَالْخلف فِي الذُّرِّيَّة بِهَذَا وعدت الْكتب الْمنزلَة، وَالرسل الْمُرْسلَة. وَهُوَ أَن هَذَا الْقطر، الَّذِي تعدّدت فِيهِ الْمُحَارب والمنابر، والراكع والساجد، والذاكر وَالْعَابِد، والعالم واللفيف، والأرملة والضعيف، قد انْقَطع عَنهُ إرفاد الْإِسْلَام، وَفتحت الْأَيْدِي بِهِ مُنْذُ أَعْوَام، وَسلم إِلَى عَبدة الْأَصْنَام، وقوبلت ضرايره بالأعذار، والمواعيد المستغرقة للأعمار، وَإِن عرضت شواغل وَفتن وشواغب وإحن، فقد كَانَت بِحَيْثُ لَا يقطع السَّبَب بجملته بولا يذهب الْمَعْرُوف بكليته] ، وَلَا بُد من شكوى إِلَى ذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 مُرُوءَة، يواسيك أَو يسليك أَو يتفجع. وَلَو كَانَت الأشغاب تقطع الْمَعْرُوف وَتصرف عَن الْوَاجِب، لم يفتح السُّلْطَان الْمُقَدّس والدكم جبل الْفَتْح، وَهُوَ منَازِل أَخَاهُ بسجلماسة، وَلَا أمده وَلَده السُّلْطَان أَبُو عنان وَهُوَ بمراكش، وبالأمس بعثنَا إِلَى الْجَبَل وشمانة فِي جملَة مَا أهمنا مبلغ جهد، وسدادا من عوز، وَقد فضلت عَن ضرارنا أَمْوَال فرضت لسبيل الله على عباده، وَطَعَام سمحنا بِهِ على الاحتياح إِلَيْهِ فِي سَبِيل جهاده، فَلم يُسهم المتغلب مِنْهَا بِجَانِب الله بحبه، وَلَا أقطعه مِنْهَا ذرة، مستخفا بِهِ جلّ وَتَعَالَى، متهاونا بنكيره الَّذِي هُوَ أَحَق أَن يخْشَى. فَضَاعَت الثغور، واختلت الْأُمُور، وتشذبت الحامية، وتبدد الْعدَد، وخلت المخازن، وَهَلَكت بهَا الجرذان، وعظمت فِيهَا حسرة الْإِسْلَام أَضْعَاف مَا عظمت حيرته، أَيَّام كَانَت تكفلها همم الْمُلُوك الْكِرَام، والخلفا الْعِظَام، والوزراء والنصحا والأشياخ الأمجاد، قدس الله أَرْوَاحهم، وضاعف أنوارهم، وَلَا كالحسرة فِي الجيل، بَاب الأندلس، وركاب الْجِهَاد، وحسنة بني مرين، ومأثرة آل يَعْقُوب، وكرامة الله السُّلْطَان الْمُقَدّس، وَالِد الْمُلُوك، وكبير الْخُلَفَاء الْمُجَاهدين، والدكم، الَّذِي نرد على قَبره مِنْهُ مَعَ السَّاعَات والأنفاس، وُفُود الرَّحْمَة، وهدايا الزلفة، وَرَيْحَان الْجنَّة. فلولا أَنكُمْ على علم من أَحْوَاله، لشرحنا الْمُجْمل، وشكلنا المهمل. إِنَّمَا هُوَ الْيَوْم شبح ماثل، وطلل بايد، لَوْلَا أَن الله شغل الْعَدو عَنهُ بفتنة قومه، لم يصرف وجههه إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا حوم طيره إِلَّا عَلَيْهِ، ولكان بصدد أَن يَتَّخِذهُ الصَّلِيب دَارا، وَأَن يقر بِهِ عينا، والعدوة، فضلا عَن الأندلس، قد أوسعها شرا، وأرهق مَا يجاورها عسرا. نسل الله بِنور وَجهه، أَن لَا يسود الْوُجُوه بالفجع فِيهِ، وَلَا يسمع عويل الْمُسلمين لثكله، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وَمَا دونه قصد، وَإِن أنعش بِالتَّعْلِيلِ عليله، وَرفع بالجهد خلقه، لحم على وَضم إِلَّا أَن يصل الله وقايته، ويوالي دفاعه وعصمته. لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْوَلِيّ النصير، وَمَا زلنا نشكو إِلَى غير المصمت، ونمد الْيَد إِلَى الْمُدبر عَن الله المعرض، ونخطب لَهُ زَكَاة الْأَمْوَال المباني الضخمة، والخزاين الثرة، والأهراء الطامية، والحظ التافه من المفترض برسمه، وَقُلُوب الْمُسلمين بالنزول عَنهُ من أَجله. فتمضي الْأَيَّام لَا تزيد الضرار فِيهَا إِلَّا ضيقا، وَلَا الْأَحْوَال إِلَّا شدَّة، وَلَا الثغر إِلَّا ضعة، وَلَا نعلم أَن نظرا وَقع لَهُ، وَلَا فكرا أعمل فِيهِ، إِلَّا مَا كَانَ من تسخير رَعيته الضعيفة، وبلالة محياه السخيفة فِي بِنَا قصر بمنت ميور من جباله، شاده مرمرا وجلله كلسا، فللطير فِيهِ ذراه وكور. جلب إِلَيْهِ الزليخ، وَاخْتلفت فِيهِ الأوضاع فِي رَأس [نيق لأمل نزوه] وَسُوء فكره، فَلَمَّا تمّ أقطع الهجران، فَهُوَ الْيَوْم متمتع البوم وحظ الخراب، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، حَتَّى جَاءَ أَمر الله، خَالِي الصَّحِيفَة من الْبر، صفر الْيَد من الْعَمَل الصَّالح، نَعُوذ بِاللَّه من نكيره، ونسله الإلهام والسداد [والتوفيق والرشاد] وَلَقَد بذلنا جهدنا قولا وفعلا، وموعظة وَنصحا، واستدعينا لتِلْك الْجِهَة صدقَات الْمُسلمين، مَحْمُولَة على أكتاف الْعباد الضعفا الَّذين كَانَت صدقَات فاتحه رضوَان الله عَلَيْهِ ترفدهم، ونوافله تتعهدهم، مِمَّا حرك ذَلِك الْجوَار حلوبا، وَلَا استدعى مَطْلُوبا، وَلَا رفدا مجلوبا، فَإلَى مَتى تمْضِي ركاب الصَّبْر، وَقد بلغ الْغَايَة، واستنفد البلالة، بعد أَن أعَاد الله الْعَهْد، وجبر المَال، وَأصْلح السَّعْي، وأجرى ينابيع الْخَيْر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وَانْشَقَّ ريَاح الْإِقَالَة. وَجُمْلَة مَا نُرِيد أَن نقرره، فَهُوَ الْبَاب الْجَامِع، وَالْقَصْد الشَّامِل، والداعي والباعث، أَن صَاحب قشتالة، لما عَاد إِلَى ملكه، وَرجع إِلَى قطره، جرت بَيْننَا وَبَينه المراسلة، الَّتِي أسفرت بِعَدَمِ رِضَاهُ عَن كدحنا لنصره، ومظاهرتنا إِيَّاه على أمره، وَإِن كُنَّا قد بلغنَا جهدا، وأنفذنا وسعا، وأجلت عَن شُرُوط ثَقيلَة لم نقبلها، وأغراض صعبة لم نكملها، وَنحن نحقق أَنه إِمَّا أَن تهيج حفيظته، وتثور إحنته، فَيكْشف وَجه الْمُطَالبَة، مستكثرا بالأمة الَّتِي داس بهَا أهل قشتالة، فراجع أمره غلابا، وَحقه ابتزازا واستلابا، أَو يصرفهَا ويهادن الْمُسلمين، بخلال مَا لَا يدع جِهَة من جِهَات دينه الْقَرِيبَة، إِلَّا عقد مَعهَا صلحا، وَأخذ عَلَيْهَا بإعانتها إِيَّاه عهدا. ثمَّ تفرغ إِلَى شفا غليله وبلوغ جهده، وَلَا شكّ أَنَّهَا تجيبه، صرفا لِبَأْسِهِ عَن نحورها، ومقارضة لما وَقع بأطريرة من ضيق صدورها، وَمن سف جمهورها. وكل من لَهُ دين فَهُوَ يحرص على التَّقَرُّب إِلَى من دانه بِهِ، وكلفه وظائف تَكْلِيفه، رجا لوعده، وخوفا من وعيده. وَبِاللَّهِ ندفع مَا لَا نطيق، من جموع تداعت من الْجَزُور، ووراء البحور، وَالْبر الْمُتَّصِل الَّذِي لَا تقطعه الرفاق، وَلَا تحصى ذرعه الحذاق. وَقد أَصْبَحْنَا بدار غربه، وَمحل روعه، ومفترس ضوه، ومظنة فتنه، وَالْإِسْلَام عدد قَلِيل، ومنتجعه فِي هَذِه الْبقْعَة حَدِيث، وَعَهده بالإرفاد. والإمداد من الْمُسلمين بعيد [رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا] . رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصرا كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا، رَبنَا وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ، واعف عَنَّا، واغفر لنا، وارحمنا أَنْت مَوْلَانَا، فَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وَإِذا تداعت أُمَم الْكفْر، نعرة لدينها المكذوب، وحمية لصليبها الْمَنْصُوب، فَمن يَسْتَدْعِي لنصر الله، وحماية أَمَانَة نبيه إِلَّا أهل ذَلِك الوطن، حَيْثُ المآذن بِذكر الله تملأ الأفاق، وَكلمَة الْإِسْلَام قد عَمت الرِّبَا والوهاد. إِنَّمَا الْإِسْلَام غريق قد تشبث بأهدابكم، يناشدكم الله فِي بَقِيَّة الرمق، وَقبل الرمى تراش السِّهَام، وَهَذَا أَوَان الْبَنَّا والإغنا، وَاخْتِيَار الحماة، وإعداد الأقوات، قبل أَن يضيق المجال، وتمنع الْمَوَانِع. وَقد وجهنا هَذَا الْوَفْد الْمُبَارك للحضور بَين يديكم، مقررا للضَّرُورَة، مَنْهِيّا للرغبة، مذكرا بِمَا يقرب عِنْد الله، وموكدا لذمام الْإِسْلَام، جالبا على من وَرَاءَهُمْ بحول الله من الْمُسلمين، الْبُشْرَى الَّتِي تشرح الصُّدُور، وتسنى الآمال، وتستدعي الدعا والثنا. فالمؤمن كثير بأَخيه، وَيَد الله مَعَ الْجَمَاعَة، والمسلمون يَد على من سواهُم، وَالْمُؤمن لِلْمُؤمنِ كالبنيان المرصوص يشد بعضه بَعْضًا، والتعاون على الْبر وَالتَّقوى مَشْرُوع، وَفِي الذّكر الْحَكِيم مَذْكُور، وَحقّ الْجَار مَشْهُور، وَمَا كَانَ يوحي بِهِ جِبْرِيل فِي الصَّحِيح مَكْتُوب، وكما رَاع الْمُسلمين اجْتِمَاع كلمة الْكفْر، فنرجو أَن يروع الْكفْر من الْعِزّ بِاللَّه، وَشد الحيازيم فِي سَبِيل الله، ونفير النعرة [فِي سَبِيل الله] ، والشروع فِي حماية الثعور وعمرانها، وإزاحة عللها، وجلب الأقوات إِلَيْهَا، وإنشاء الأساطيل وجبر مَا تلف من عدَّة الْبَحْر، أُمُور تدل على مَا وَرَاءَهَا، وتخبر بِمَشِيئَة الله عَمَّا بعْدهَا. وَمَا تَفعلُوا من خير يُعلمهُ الله، وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى. وَمن خطب على رضى الله عَنهُ. أما بعد فَإِن الْجِهَاد بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة، فَمن تَركه رهبة، ألبسهُ الله سِيمَا الْخَسْف، ووسمه بالصغار، وَمَا بعد الدُّنْيَا إِلَّا الْآخِرَة، وَمَا بعد الْآخِرَة إِلَّا إِحْدَى دَاري الْبَقَاء. أَفِي الله شكّ. وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون. والاعتنا بِالْجَبَلِ عنوان هَذَا الْكتاب، ومقدمة هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الْبَاب، والغفلة عَنهُ مُنْذُ أَعْوَام، قد صيرته لَا يقنع باليسير، وَقد أبرمته المواعد وَغير رسومه الِانْتِظَار، [وَنَفَقَته على قدره] . وَمن الْمَنْقُول ارحموا السَّائِل وَلَو جَاءَ على فرس. والإسراف فِي الْخَيْر أرجح فِي هَذَا الْمحل من عَكسه. وَكَانَ بعض الأجواد يَقُول وَقد أقتر، اللَّهُمَّ هَب لي الْكثير، فَإِن حَالي لَا يقوم على الْقَلِيل. وَعَسَى أَن يكون النّظر لَهُ بِنِسْبَة الْغَفْلَة عَنهُ، والامتعاض لَهُ مكافيا للإزراء بِهِ، وخلو الْبَحْر يغتنم لإمداده وإرفاده قبل أَن يثوب نظر الْكفْر إِلَى قطع المدد وسد الْبَحْر. وَمن ضيع الحزم نَدم، وَلَا عذر لمن علم. وَالله عز وَجل، يطلع من قبلكُمْ مَا فَهِيَ شفا الصُّدُور، وجبر الْقُلُوب، وَشعب الصدوع. وَمَا نقص مَال من صَدَقَة، وَطَعَام الْوَاحِد كَافِي الِاثْنَيْنِ، وَالدّين دينكُمْ، والبلاد بِلَادكُمْ، وَمحل رباطكم وجهادكم، وسوق حسناتكم. وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره. وَقد قلدنا الْعهْدَة الحفيظ عَلَيْهَا المصروف الْعِنَايَة بِفضل الله إِلَيْهَا. وَالله الْمُسْتَعَان، وَعَلِيهِ التكلان. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم. وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَصدر عني فِيمَا يقرب من هَذَا الْغَرَض وَفِيه إِشَارَة إِلَى ترك الْحَرَكَة إِلَى مراكش، وَالْعَمَل على إنجاز وعد التغلب على دولة الْمُلُوك بالمغرب، وَقد تَأذن الله عز وَجل بعكس مَا قصد مِنْهُ، ودافع بقدرته عَن هَذَا الوطن دون إعانته الْمقَام الَّذِي يُؤثر حَظّ الله إِذا اخْتلفت الحظوظ وتعددت الْمَقَاصِد، ويشرع إِلَى الْأَدْنَى مِنْهُ إِذا تفاضلت المشارع، وتمايزت الْمَوَارِد، ويستأنف عَادَة حلمه وفضله الشارد، ويسع وارف ظله الصَّادِر والوارد، والغايب وَالشَّاهِد، وَيُعِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 من نصر الله لِلْإِسْلَامِ العوايد [ويسد الذرايع ويدر الْفَوَائِد] ، مقَام مَحل أخينا الَّذِي سَبَب اعتدادنا بِهِ فِي الله قوي وثيق، وثناؤنا بالمفاخر الْمَوْقُوفَة على ملكه الرفيع طليق، واعتمادنا على مظاهرته وَنَصره لَا يلتبس مِنْهُ طَرِيق، وَلَا يخْتَلف فِيهِ فريق، وودادنا فِي جنابه الأسمى أصيل عريق. السُّلْطَان الكذا أبي عنان، أبقاه الله، وآثاره فِي نصر الدّين بَاقِيَة صَالِحَة، وغرس مفاخره مشرقة وَاضِحَة، وآمال أهل الْإِسْلَام فِي عَزَائِمه الْمَاضِيَة، ومكارمه الراضية، صَادِقَة ناجحة، وكتائبه فِي سَبِيل الله غادية رايحة، وَكتبه بإنجاز المواعد والمثابرة على [كبت أعاديه مُرَاجعَة أَو مفاتحه، وَأَقْلَام رماحه وصحايف صفاحه لآيَات إِلَى] الَّذِي حسنت فِي الدّين، سيره، وتعاضد فِي الْفضل خَبره وَخَبره، ودلت شَوَاهِد مداركه للحقوق، وتغمده العقوق على أَن الله لَا يهمله وَلَا يذره. فسلك مجده متسقة درره، وَوجه ملكه [شادخة غرره، السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا أبقاه لله رفيعا علاوة هامية لَدَيْهِ منن الله وآلاؤه] شارقة بكواكب السعد سماؤه، محروسة بعز النَّصْر أرجاؤه، مكملا من فضل الله فِي نصر الْإِسْلَام وكبت عَبدة الْأَصْنَام أمله ورجاؤه، مُعظم قدره الَّذِي يحِق لَهُ التَّعْظِيم، وموقر سُلْطَانه الَّذِي لَهُ الْحسب الْأَصِيل وَالْمجد الصميم، الدَّاعِي إِلَى الله باتصال سعادته، حَتَّى ينتصف من عَدو الْإِسْلَام الْغَرِيم، ويتاح على يَد سُلْطَانه الْفَتْح الجسيم. فلَان. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي لَا يضيع أجر من أحسن عملا، وَلَا يخيب لمن أخْلص إِلَيْهِ الرَّغْبَة أملا، وموفى من تَركه لَهُ حَقه أجره الْمَكْتُوب متمما مكملا، وجاعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 الْجنَّة لمن اتَّقَاهُ حق تُقَاته نزلا، ملك الْمُلُوك الَّذِي جلّ وَعلا، وجبار [الْقُلُوب] الْجَبَابِرَة، الَّذِي لَا يَجدونَ عَن قدره محيصا، وَلَا من دونه موئلا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي أنزل عَلَيْهِ الْكتاب مفصلا، وأوضح طَرِيق الرشد، وَكَانَ مقفلا، [وَفتح بَاب السَّعَادَة ولولاه لَكَانَ مغفلا] . وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وعترته وأحزابه الَّذين ساهموه فِيمَا أَمر وحلا، وخلفوه من بعده بالسير الَّتِي راقت مجثلا، وَرفعُوا عماد دينه، فاستقام لَا يعرف ميلًا، وَكَانُوا فِي الْعَفو والحلم مثلا. وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالنصر الَّذِي يلفى نَصه صَرِيحًا لَا متأولا، والصنع الَّذِي يبهر حَالا ومستقبلا، والعز الَّذِي يرسو جبلا، والسعد الَّذِي لَا يبلغ أمدا وَلَا أَََجَلًا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، أصحب الله ركابكم حَلِيف التَّوْفِيق حلا ومرتحلا، وعرفكم عوارف الْيمن الَّذِي يثير جذلا، ويدعوا وَافد الْفَتْح الْمُبين، وَيَردهُ متعجلا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من التَّشَيُّع لمقامكم، حرس الله سُلْطَانه، ومهد أوطانه، إِلَّا الْخَيْر الَّذِي نسل الله بعده تَحْسِين العقبى، وتوالي عَادَة الرحمى. وَالْحَمْد لله على الَّتِي هِيَ أزكى، وسدل جنَاح الْخَيْر الأضفى، وصلَة للطائف الَّتِي هِيَ أكفل وأكفى، وَأبر وأوفى. ومقامكم عندنَا هُوَ الْعدة الَّتِي بهَا نصول ونرهب، والعمدة الَّتِي نطيل فِي ذكرهَا ونسهب، وَقد أوفدنا عَلَيْكُم كل مَا زَاد لدينا، أَو فتح الله بِهِ علينا. وَنحن مهما شدّ المخنق، بكم نستنصر، أَو ترَاخى فَفِي ودكم نستبصر، أَو فتح الله بأبوابكم نهنى ونبشر، وقررنا عنْدكُمْ أَن الْعَدو فِي هَذِه الْأَيَّام توقف عَن بِلَاد الْمُسلمين، فَلم يصل مِنْهُ إِلَيْنَا سريه، وَلَا بطشت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 لَهُ يَد جرية، وَلَا افترعت من تلقايه ثنية، وَلَا نَدْرِي المكيدة تدبر أَو آرا تنقص بحول الله وتقهر، أَو لشاغل فِي الْبَاطِن لَا يظْهر. وَبعد ذَلِك ورد على بابنا من بعض كبارهم وزعماء أقطارهم مخاطبات يندبون فِيهَا إِلَى جنوحنا للسلم فِي سَبِيل النصح لأياد سلفت منا لَهُم قدروها، ووسائل ذكروها، فَلم يخف عَنَّا أَنه أَمر دبر بلَيْل، وخبيئة تَحت ذيل، فَظهر لنا أَن نسبر الْغَوْر ونستفسر الْأَمر، فوجهنا إِلَيْهِ على عادتنا مَعَ سلفه، [من يهنيه على مَا صَار إِلَيْهِ] وَيعْتَبر مَا لَدَيْهِ وَينظر إِلَى بَاطِن أمره، ويبحث عَن زيد قومه وعمره، فتأتى ذَلِك، وجر مُفَاوَضَة فِي الصُّلْح، أعدنا لأَجلهَا الرسَالَة، واستشعرنا البسالة، ووازنا الْأَحْوَال واعتبرنا، واعتززنا فِي الشُّرُوط مَا قَدرنَا، وَنحن نرتقب مَا يخلق الله من مهادنة تحصل بهَا الأقوات المهيأة للانتساف ويسكن [مَا سَاءَ الْبِلَاد الْمسلمَة] من هَذِه الأرجاف، ويفرغ الْوَقْت لمطاردة الآمال الْعِجَاف، أَو حَرْب يبلغ الاستبصار فِيهَا غَايَته، حَتَّى يظْهر الله فِي نصر الفئة القليلة آيَته. وَلم نجْعَل بِسَبَب الاعتزاز فِيمَا أردناه، وشموخ الْأنف فِيمَا أصدرناه، إِلَّا مَا أشعنا من عزمكم على نصْرَة الْإِسْلَام، وارتقاب خفوق الْأَعْلَام، والخفوف إِلَى دَعْوَة الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَن الأَرْض حمية الله قد اهتزت، والنعرة قد غلبت النُّفُوس واستفزت، واستظهرنا بكتبكم الَّتِي تَضَمَّنت ضرب المواعد، وشمرت عَن السواعد، وَأَن الْخَيل قد أطلقت إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل الله الأعنة، والثنايا سدتها بروق الأسنة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وَفرض الْجِهَاد قد قَامَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، وَالْأَمْوَال قد سمح بهَا الْمُسلمُونَ. وَهَذِه الْأُمُور هِيَ الَّتِي تمشت بقريبها أَو بعيدها أَحْوَال الْإِسْلَام، والآمال الْمعدة لتوجيه الْأَيَّام. ثمَّ اتَّصل بِنَا الْخَبَر الكارث بِمَا كَانَ من خور العزائم المؤمنة بعد كورها، وتسويف مواعيد النُّصْرَة بعد استشعار فورها، وَأَن الْحَرَكَة معملة إِلَى مراكش الْجِهَة الَّتِي فِي يديكم زمامها، وإليكم وَإِن ترامى الطول ترجع أَحْكَامهَا، والقطر الَّذِي لَا يفوتكم مَعَ الْغَفْلَة وَلَا يعجزكم مَعَ الصولة، وَلَا يطلبكم إِن تَرَكْتُمُوهُ، وَلَا يمنعكم إِن طرقتموه وعركتموه. فَسقط فِي الْأَيْدِي الممدودة. وأخلفت المواعد المحدودة، وخسئت الْأَبْصَار المرتقبة، وَرجعت المكاتل الآشبة، وَسَاءَتْ الظنون، وذرقت الْعُيُون، وأكذب الْفُضَلَاء الْخَبَر، وأنفو أَن يعْتَبر، وَقَالُوا هَذَا لَا يُمكن، حَيْثُ الدّين الحنيف، وَالْملك المنيف، والعلما الَّذين أَخذ الله ميثاقهم، وَحمل النَّصِيحَة أَعْنَاقهم. هَذَا هُوَ المفترض الَّذِي لَا يبعد، والقائم الَّذِي يقْعد، يأباه الله وَالْإِسْلَام، تأباه الْعلمَاء الْأَعْلَام، تأباه المآذن والمنابر، تأباه الهمم الأكابر. فبادرنا نستطلع طلع هَذَا النبإ الَّذِي إِن كَانَ بَاطِلا فَهُوَ الظَّن وَالله الْمَنّ، وَإِن كَانَ خِلَافه لرأي رجح، [وتنفق الْملك وتبجج] فَنحْن نوفد كل من يقدم إِلَى الله بِهَذَا الْقطر فِي شَفَاعَة، ويمد إِلَيْهِ كف ضراعة، وَمن يوسم بصلاح وَعبادَة ويقصد فِي الدّين ببث إِفَادَة، يتطارحون عَلَيْكُم فِي نقض مَا أبرم، وَنسخ مَا أحكم، فَإِنَّكُم تجنون بِهِ على من استنصركم عكس مَا قصد، وتحلون عَلَيْهِ مَا عقد. وهب الْعذر يقبل فِي عدم الْإِعَانَة، وضرورة الاستهانة والاستكانة، أَي عذر يقبل فِي الأطراح، والإعراض الصراح، كَأَن الدّين غير وَاحِد، كَأَن هَذَا الْقطر لكلمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الْإِسْلَام جَاحد، كَأَن ذمام الْإِسْلَام غير جَامع، كَأَن الله غير رَاء وَلَا سامع، فَنحْن نسلكم الله الَّذِي تسْأَلُون بِهِ والأرحام، ونأنف لكم من هَذَا الإحجام، ونتطارح عَلَيْكُم فِي أَن تتركوا الله حظكم فِي أهل تِلْكَ الْجِهَة، حَتَّى يحكم الله بَيْننَا وَبَين الْعَدو الَّذِي يتكالب علينا بإدباركم بَعْدَمَا تضاءل لاستنفاركم ولإنصافكم [وَلَا نكلفكم] غير اقتراب داركم، وَمَا سامكم الْمُسلمُونَ بِهِ شططا، وَلَا حملوكم إِلَّا قصدا وسطا، وَمَا ذهبتم إِلَيْهِ لَا يفوت وَلَا يبعد، وَقد تجاورت الْبيُوت، إِنَّمَا الْفَائِت مَا وراءكم من حَدِيث تأنف من سَمَاعه أوداؤكم، وَدين يشمت بِهِ أعداؤكم. فاسعفوا بالشفاعة لمن بِتِلْكَ الْجِهَة المراكشية قصدنا، وحاشى إحسانكم أَن يرضى فِيهِ ردنا، وَأَنْتُم بعد بِالْخِيَارِ فِيمَا يجريه الله على أَيْدِيكُم من قدره، أَو يلهمكم إِلَيْهِ من نَصره، وجوابكم مرتقب بِمَا يَلِيق بكم، ويجمل بحسبكم، وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم بمنه. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَفِي كَذَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 كتب الشُّكْر على الْهَدَايَا الواردات راجعت السُّلْطَان الْكَبِير أَبَا عنان رَحمَه الله عَن هَدِيَّة بعث بهَا إِلَى الأندلس، تشْتَمل على خُيُول ومهندات محلاة، ومهاميز محكمَة، ودنانير من الذَّهَب الْعين، بِقَوْلِي بعد الْفَاتِحَة: الْمقَام الَّذِي شَأْنه هبات تبث، وعزمات تحث، وهمم يبث الْإِسْلَام إِلَيْهَا همومه فَيذْهب البث، مقَام مَحل أخينا، الَّذِي قضايا مجده منتشرة فِي الْجِهَات، فردية بِحَسب الْوَصْف والذات، عرفية فِي الأزمات، مَشْرُوطَة فِي مَذَاهِب العزمات. يزهى بوجودها الزَّمن الْحَاضِر، وباستقبالها الزَّمن الآت، ويطرز بهَا فَخر الدّين رواق الْآيَات الْبَينَات. السُّلْطَان الْجَلِيل الرفيع، الْأَسْنَى الأمجد الأسعد الأوحد الأسمى الْأَغَر، الْكَبِير الْمُجَاهِد الأمضى أبي عنان ابْن السُّلْطَان الْجَلِيل الكذا أبي الْحسن، أبقاه الله، وحيد الْعلمَاء على تعدد فَضله واشتراكه، فذلكة حِسَاب أولي الأحساب، من خلائف الْإِسْلَام وأملاكه، وَلَا زَالَ بدر هدى صهوة الطّرف من أفلاكه، وبحر ندا، ينْسب جيد الْوُجُود إِلَى عنصره العميم الْجُود دُرَر أسلاكه. فَمَتَى حاول قصدا جنح مِنْهُ النجح إِلَى ملاكه وَمهما كَاد ضدا كَانَت النُّجُوم الشوابك من شباكه، حَتَّى يَرْمِي سعده عَن قَوس الْأُفق، ويظفر بسماكه، مُعظم مقَامه، الَّذِي هُوَ بالتعظيم مَخْصُوص، [وَمُوجب حَمده الَّذِي محكمه فِي كتاب الْبر مَنْصُوص] ، وموقر ملكه الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 ثَنَاؤُهُ على أساس الْأَصَالَة مرصوص. الْأَمِير عبد الله يُوسُف بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي جعل الشُّكْر مفترضا، وَألف بَين [قُلُوب الْمُؤمنِينَ] بعواطف فَضله المرهوب، فَلم يبْق فِيهَا مَرضا. وخلص جَوَاهِر الِاعْتِقَاد من شبه الانتقاد فَلم يتْرك عوضا، وسدد الْأَعْمَال الودية والأقوال الاعتقادية إِلَى مرامي التَّوْفِيق فأصابت سهامها غَرضا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي سل من الْحق حساما منتضا، وَندب إِلَى التمَاس الْخلال الَّتِي تحمد، والأخلاق الَّتِي ترتضى، وَبَين من المآخذ والمتارك مَا كَانَ مُسلما أَو مفترضا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين اقتضوا من آدابه الْكَرِيمَة أَسْنَى مُقْتَضى. وَبَاعُوا نُفُوسهم النفيسة من الله فِي نصر دينه، ففازوا بدار الْخلد عوضا، والعزم الَّذِي يحرض النُّفُوس على جِهَاد عَدو الدّين حَتَّى يعود حرضا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم من الْعِزّ أفسحه جنابا، وَمن السعد أسبغه أثوابا، وملأ صَحَائِف صفاحكم الْمَاضِيَة فخرا وثوابا، وَجعل الصنع الإلآهي لندا دعوتكم جَوَابا، وأسعد الْإِسْلَام بأيالتكم الَّتِي استأنفت شباب. ووصلت بِأَسْبَاب التَّمْهِيد أسبابا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وللتشيع فِي سلطانكم الْعلي سَبِيل لَا يلتبس، والاعتقاد فِي رفيع جلالكم نور يقتبس مِنْهُ المقتبس. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وَرفع قدركم، فقد تقرر جبلة مطبوعة، وَسنة متبوعة، أَن المهاداة تغرس الْمحبَّة وتثبتها، [وتصرح الأضغان وتوزعها] ، وتسل السخائم وتنزعها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 فَكيف إِذا وَردت على ضمائر أصفى [فِي ذَات الله] من نطف الْغَمَام، واصدق من ذرر الأزهار فِي أصداف الكمام، وَقُلُوب متعاقدة على مرضاة الله وَالْإِسْلَام، فيالها من مودات تزكو حِينَئِذٍ ثمارها، واعتقادات تسطع أنوارها. وإننا ورد علينا كتابكُمْ الْكَرِيم على حَال اشتياق لوارد، وظما إِلَى موارد، حائزا فِي ميدان البلاغة مزية التَّقْدِيم [واصلا سَبَب الْبر الحَدِيث وَالْقَدِيم] إِلَى أَلْفَاظ مصقولة الْأَدِيم، وَمَعَان حلت من الْبَيَان مَحل الكأس من كف النديم، مصحبا بالهدية الجهادية والمقاصد الودادية، والمواعد السّنيَّة، والعزائم المتكفلة بنيل الأمنية. فوقفنا من ذَلِك كُله على أَنْوَاع بر فِي أصنافها مختارة، وضروب فضل تختال من الاحتفا فِي أكمل شارة، وتشير إِلَى مَا وَرَاءَهَا من الْعَزْم الجهادي أكْرم إِشَارَة، من كل طرف ذكى الْجنان، طموح فِي الْعَنَان، مسرج بالهلال، ملتحف بالعنان منقاد، لوحى الطّرف وَإِشَارَة البنان، ممتر فِي كَلَام النَّقْع بذيال السنان، كَأَنَّمَا زاحم النَّجْم بتليله فألجم بثرياه، وقلد بإكليله، وَكَأن الصَّباح غمر وَجهه بمسيله، والنسيم اللدن مسح عطفه بمنديله، ونهر المجرة أبقى البلل فِي تحجيله، فَلَو رَآهُ القس لمثله فِي ظهر إنجيله، متبختر فِيهَا مَشْيه، مختال فِي عصبه ووشيه، يلاعب ظله نشاطا وترفيها، ويطرف عَن مقلة ملئت تيها، وأودع سحر هاروت فهيا وكل صارم صقيل الْحَد، كَامِل الْفَصْل فِي الخد تَمِيمَة [من تمائم الْمجد] مَا شيت من مَاء فِي الْجلد مسكوب، وحزام فِي الغمد منشوب ورومى إِلَى الْهِنْد مَنْسُوب، كلف بالعلا، وازدان بأبهى الحلا، وهام بيض الطلا، حَتَّى بَان نحوله بالهوى ورق جثمانه، وتضاءل بَين الأجفان إنسانه، من اللاءى عودتهما الإيالة الفارسية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 خوض الغمار، وجردتها من مخيطها لِلْحَجِّ بَين مقَامهَا والاعتمار، وعلمتها بنثار الجماجم رمي الْجمار، وكل محكمَة الْمِقْدَار محلات ببحث النظار، منظومة الخرز نظم الفقار، أبدعتها أَرْبَاب الْحُرُوف فِي أشكال المحاريب وأبرزتها فِي المرأى الأنيق والشكل الْغَرِيب، تهمز بهَا حُرُوف الْجِيَاد عِنْد سكونها، وتثار عقبان الصُّفُوف من ركُوبهَا. فيالها من هَدِيَّة، أزرى فِيهَا العيان بِالسَّمْعِ، وثنية قَامَت عندنَا مقَام الْجمع، وذكرتنا بازدواجها الْحِكْمَة فِي ازدواج الْجَوَارِح كَالْعَيْنِ والسمع، وعرفتنا بتثنية أشكالها، وانفراد الْكتاب المعرب عَن جلالها، بركَة الْوتر وَالشَّفْع، فأغرينا لِسَان الشُّكْر بخلال مهديها، وأقبلنا وُجُوه الود وفادة موديها، وَقُلْنَا لَا يُنكر العذب من منبعه، وَلَا النُّور من مطلعه، وَلَا الْفضل إِذا صدر من مَوْضِعه. وَهَذِه الْبِلَاد أيدكم الله، أسماع أعدائها مصيخة إِلَى مثل هَذِه الأنباء، وقلوبها من اتِّصَال الْيَد بذلك الْعلَا، محملة بأثقال الأعباء، فَإِذا عرفت اعتناءكم بأمرها، وعملكم على نصرها، واهتمامكم بشأنها، ومواعدكم المتكفلة باتصال أمانها، قصر شَأْن عدوانها، وتضاءل نَار طغيانها، ووازنت الْأَحْوَال بميزاتها. وَنحن إِن ذَهَبْنَا إِلَى تَقْرِير مَا عندنَا من التَّشَيُّع الَّذِي آيَاته محكمَة، ومقدماته مسلمة، فَلَا يعْتَرض مِنْهَا رسم، وَلَا يُنَازع فِيهَا وَالْحَمْد لله خصم. لم يَتَّسِع نطاق النُّطْق لأَدَاء معلومها، وَلَا وفى الْمَكْتُوب بِبَعْض مكتومها، فحسبنا أَن نكل ذَلِك إِلَى من يعلم مَا خَفِي من السرائر، ويبلو مخبآت الضمائر. وعرفتمونا بعزمكم على الْحَرَكَة الشرقية الَّتِي قد حتم زندها فأورى، وأثرتم طرفها فانبرى، وأنكم تمهدون إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل الله سَبِيلا، وترفعون الشواغب جملَة وتفصيلا، وَلكَون نيتكم الصادقة تقصد هَذَا المرمى، وتخطب هَذَا الْغَرَض الأسمى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 خصكم الله بالأثرة الأثيرة، ونصركم فِي المواطن الْكَثِيرَة، فَإِنَّكُم إِنَّمَا تعاملون من لَا يضيع عمل عَامل، وَلَا يخيب لَدَيْهِ أمل آمل. وَالله تَعَالَى يقدم الْخيرَة بَين يديكم، ويتمم نعْمَته عَلَيْكُم، ويجزل عوارف الْمَوَاهِب لديكم بمنه وفضله. وَاعْلَمُوا، وصل الله لكم سَعَادَة مُتَّصِلَة الْأَسْبَاب، ووقاية سابغة الأذيال ضافية الأثواب، أَنه حضر بَين أَيْدِينَا خديمكم الشَّيْخ الْأَجَل الْأَعَز المرفع أَبُو فلَان، كتب الله سَلَامَته، ووالى كرامته، فألقينا إِلَيْهِ من شكر مقامكم الْكَرِيم، مَا لزم وَوَجَب، وجلونا مِنْهُ بعض مَا تستر بِالْعَجزِ عَن إِدْرَاكه واحتجب، فلمجدكم أبقاه الله الْفضل فِي الإصغاء لما يلقيه، وَالْقَبُول على مَا من ذَلِك يوديه، وَالله سُبْحَانَهُ يصل لكم عوارف آلائه، ويحملكم من مرضاته على مَا يُضَاعف لديكم مواهب نعمايه، ويحقق الظنون فِيكُم من الدفاع عَن دينه، وَجِهَاد أعدائه، وَالْقِيَام بسنن الجلة من خلفائه، وَهُوَ جلّ وَعلا يحفظكم فِي كل الْأَحْوَال، ويسدل عَلَيْكُم عصمته الوارفة الظلال. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخص مقامكم الْأَعْلَى، وأخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ، عرفنَا الله خَيره. وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ للسُّلْطَان أبي عنان الْمَذْكُور رَحمَه الله، وَقد وَجه إِلَى بَابه سُلْطَان الأندلس أَمِير الْمُسلمين أَبُو الْحجَّاج ابْن نصر رَحْمَة الله عَلَيْهِ، هَدِيَّة تشْتَمل على فره من البغال وَغير ذَلِك. وَهَذَا الْكتاب فقره على حُرُوف المعجم الْمقَام الَّذِي طيب الأفواه ثَنَاؤُهُ، وطرزت صحف الْحَمد أنباؤه، وزينت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 بكواكب المفاخر والمناقب الَّتِي ترك الأول للْآخر مِنْهَا سماؤه، وعَلى أساس الْملك الْأَصِيل وَالْمجد الأثيل بِنَاؤُه، واشتهر اهتمامه بالمكارم واعتناؤه، وتعددت مكارمه العميمة وآلاؤه. مقَام مَحل أخينا الَّذِي بره محتوم الْوُجُوب، وحبه مرسوم فِي أسرار الْقُلُوب، وسعده كَفِيل لِلْإِسْلَامِ بنيل الْمَطْلُوب، ومآثره تشهد بهَا صُفُوف المحاريب ومضارب الحروب. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا أبقاه الله يمهد قَوَاعِد الْملك الرفيع ويثبتها، ويتقبل الْأَعْمَال الودية بِقبُول حسن، وينبتها، وَلَا زَالَ مَعْصُوما بوقاية الله من كل حَادث، معصوبا مِنْهُ حق الدّين بأقرب وَارِث، معزز أَمنه من السَّمَاء بثالث، مُعظم مقَامه الْجَارِي من التَّعْظِيم لَهُ على منهاج، الصادع بِحجَّة التَّشَيُّع فِيهِ يَوْم تبارى الْحجَّاج، الْمُسْتَند من تأميله إِلَى مُقَدمَات مجد صَادِقَة الإنتاج، المبتهج بِمَا يسنيه الله من أَسبَاب سعادته كل الابتهاج، فلَان. أما بعد حمد الله الَّذِي أطلع فِي أفق الْإِسْلَام من أنوار إيالتكم المنصورة الْأَعْلَام صباحا، وملأ بهَا الْعُيُون قُرَّة والصدور انشراحا، فجياد الأمل تزهى نشاطا ومراحا، وأعطاف المكارم تبدي اهتزازا، وارتياحا، وَالْإِسْلَام يسْتَأْنف عزا صراحا، ويحمد مغدا فِي ظلّ الْأمان ومراحا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله الَّذِي طلع فِي سَمَاء الهدا بَدْرًا لياحا ونورا وضاحا، وَكَانَت رسَالَته المؤيدة بِالْحَقِّ لأبواب السَّعَادَة الأبدية مفتاحا. فبذكره تقرع أَبْوَاب الرغبات تيمنا واستنجاحا، وبجاهه نتوسل استنزالا لرحمة الله واستمناحا، وَفِي مرضاته نصل الوداد سدادا لأمته وصلاحا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين كَانُوا غيوثا كلما سئلوا سماحا، وليوثا كلما شهدُوا كفاحا، الباذلين فِي نَصره أَمْوَالًا وأرواحا، المعملين فِي مُظَاهرَة أمره عزائم راضية، ومناصل مَاضِيَة ورماحا، حَتَّى أَدّوا إِلَيْنَا سنته حسانا أحاديثها وصحاحا. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَسْنَى بالنصر الَّذِي يوري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 زنده فِي الْعَدو اقتداحا، والعز الَّذِي يضفي على الدّين الحنيف جنَاحا، والصنع الَّذِي يعم البسيطة وهادا وهضابا وبطاحا، وَلَا زَالَ رَأْيه مؤيدا، وَعلمه منصورا، وسيفه سِفَاحًا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عزا باذخا، وسعدا ساميا شامخا، وملكا راسيا راسخا. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وصنع الله باد، ولطفه جلّ وَعلا متماد، والتشيع فِي مقامكم [الْعلي] لَا يحْتَاج مستسلمه إِلَى استشهاد، وَلَا يفْتَقر جاهله إِلَى إِعَادَة وَلَا ترداد. وجنابكم بعد الله، هُوَ الْمُعْتَمد إِذا اضْطر إِلَى إِعَانَة وَجِهَاد أَو التمَاس إرفاد. وَإِلَى هَذَا عرفكم الله عوارف السَّعَادَة جملا وافذاذا، كَمَا جعلكُمْ فِي مهمات الدّين ملاذا، وَمن وَقع الخطوب عياذا. فقد علم وتقرر، وتأكد وتحرر، ووضح وضوح الصَّباح لمن أبْصر،، مَا عندنَا من الود الَّذِي تألق نوره، وَثَبت فِي صحف الخلوص مسطوره، وخلصت من الشوائب بحوره، وتحلت بجواهر الصَّفَا نحوره، فَهُوَ على الْأَيَّام، يخلص خلوص الإبريز، وتصفو حلله مونقة التطريز، وتتحصن مضمراته من معاقل الِاعْتِقَاد الْجَمِيل بِالْمحل الحريز، وتنتصب حُقُوقه الجمة للعيان مَعَ الأحيان على التَّمْيِيز. وَكَيف لَا تحل كرام صنائعكم من متبوأ الشُّكْر بِالْمحل المغبوط، وتتلازم مُوجبَات الثَّنَاء على ملككم الرفيع الْبَنَّا، تلازم المشروطات مَعَ الْمَشْرُوط، وتختال مكارمكم من الإشادة بمواليها، والإذاعة لمقدمها وتاليها، فِي البرود المذهبة والمروط، وَقد شَمل هَذِه الْبِلَاد مِنْكُم الرعى واللحظ، وكرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 مِنْكُم فِي إمدادها وإنجادها الْمَعْنى وَاللَّفْظ، وتوفر لَهَا من اعتنايكم الكفل وَالْحِفْظ وأننا بِحَسب هَذَا الِاعْتِمَاد والاستمساك، والود الْمُسْتَقيم الأفلاك، والولا الَّذِي يصرع نوره دياجي الأحلاك، نود أَن لَا يمر جُزْء من الزَّمَان إِلَّا عَن رِسَالَة تعْمل، أَو مُخَاطبَة تتحمل، أَو مُكَاتبَة تحْشر فِيهَا حُرُوف الهجا كهذه فَلَا تعْمل، أَو وَجه تَعْرِيف يسْتَقْبل، أَو استطلاع لما يسنيه لله من مزِيد عناية ترجى لكم وتؤمل. وَإِن كُنَّا لَا نسوف الْإِمْكَان بِهَذَا الْغَرَض الحري بالتقديم، وَلَا نغفل صلَة الحَدِيث بالقديم، وَلَا نَبْرَح عَن التَّكْمِيل لَهُ والتتميم، قد جعلنَا ذَلِك شَأْنًا، واستشعرناه سرا وإعلانا، وشغلنا بِهِ لِسَانا وجنانا، فودنا على الاستكثار حَرِيص، وَله مَعَ الْعُمُوم تنصيص، وَمن بعد الْعُمُوم تَخْصِيص. وغرضنا لَو نستنفد الْأَوْقَات فِي فروض بر تقضى، واغتنام ملاطفة ترْضى، واستحثاث مراسلة تنفذ وتمضي. وَلأَجل ذَلِك رَأينَا أَن أوفدنا على بَابَكُمْ من يجدد عهدنا بأنباء ذَلِك الْمقَام السعيد الْمطَالع، الرفيع المصاعد والمصانع وَينْهى إِلَيْنَا عَنهُ إِن شَاءَ الله قُرَّة الْعُيُون وسرور المسامع، وشافهنا بِمَا يتَأَكَّد قبله من نعْمَة الله سابغة، ومنة مِنْهُ سَابِقَة، وموهبة بَالِغَة، فيشاركه فِي الشُّكْر على فضل الله المترادف، ويسره البادي والعاكف، ونسئله صلَة مَا عود من اللطائف، ونرى أَن مَا ينشأ بِتِلْكَ السما من غيث، ففضله عَائِد على هَذِه الْآفَاق، وَأَن مَا يرومه من تمهيد الأقطار، وتأمين الرفاق، ذَرِيعَة إِلَى الْجِهَاد فِيهَا، وتخليد الذّكر الباق. هيأ الله من حلل الْعِزّ مَا يسْتَأْنف لِبَاسه، وَمن مصانع الصنع مَا يمهد أساسه ويسنى بِهِ قومه الْكِرَام وناسه، وأبقاه لفخر فَاش، وَحمد يشي حلته واش، وَفضل لَا يخْتَلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 عَلَيْهِ رَاكب وَلَا ماش. فَبَعَثنَا فِي هَذَا الْغَرَض مولى نعمتنا غَالِبا، وصل الله لَهُ، بالوجهة إِلَى بَابَكُمْ، أَسبَاب الوجاهة، وَحفظ عَلَيْهِ لِبَاس الحظوة والنباهة، وألقينا إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنى مَا يجدي إِلَى غَايَته القصوى، وجلالكم الَّذِي مآثره تردى، ومكارمه تردها الهيم فتروى، يعلم أننا جعلنَا بَين يَدي حركتكم السعيدة بَالا، فيوليه قبولا وإقبالا، وينعم بالإصغاء إِلَيْهِ على عَادَته الَّتِي راقت جمالا، وفاقت كمالا، فسح الله لَهُ فِي السَّعَادَة مجالا، وَجعل لَهُ النَّصْر مَآلًا. وَالسَّلَام العاطر رياه الرَّائِق محياه، الْمُعْتَمد بِالرَّحْمَةِ وَالْبركَة أسحاره وعشاياه، يخص مقَامه الَّذِي كرمت خَصَائِصه ومزاياه، وَطَابَتْ شمائله الزكية وسجاياه، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَفِي مدرجة طي هَذَا الْكتاب يَا مَحل أخينا، وصل الله بقاءكم، ووالى فِي سَمَاء السعد ارتقاءكم، حملنَا الود الَّذِي ملك الإدلال مقادته، وكفل الخلوص إبداءه وإعادته، أَن وجهنا إِلَى بَابَكُمْ الْعلي، وصل الله إسعاده، وفسح فِي الْعِزّ آماده، أَن يتفضل بقبوله الَّتِي تستقبلان بهَا إِن شَاءَ الله وُجُوه السَّعَادَة، وجهنا مَعهَا مَا أمكن من الدَّوَابّ البعلية، مِمَّا أَن عَسى يسْعد بِخِدْمَة مثابتكم الْعلية، على سَبِيل السَّمْح وَسنة الْهَدِيَّة. وَلَو وَقع فِي الْهَدَايَا الِاعْتِبَار، ولوحظت الأقدار. لم يُوجد فِي الْوُجُود مَا يتَعَيَّن لذَلِك الْمقَام الْكَرِيم هَدِيَّة، فيسلك فِي مُكَافَأَة فَضله سَبِيلا سوية، وَإِن قصرت الْأَعْمَال فَمَا قصرت النِّيَّة. وَالسَّلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وَمن ذَلِك جَوَاب على هَدِيَّة بعث بهَا سُلْطَان الْمغرب أَمِير الْمُسلمين أَبُو عنان رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَلم يصل كتاب مَعَ الْهَدِيَّة الْمقَام الَّذِي يهب الْجِيَاد عرابا، ويرسلها أسرابا، ويصل للأمداد أَسبَاب، ويقدح الْعَزْم شهابا. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نؤمل مِنْهُ ظهيرا مدافعا، ونصيرا لأعلام الْملَّة رَافعا، ونستوكف من غمام عزماته السامية القتام ريا نَافِعًا السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله وهباته جزيلة، ومقاصده فِي الْإِسْلَام جميلَة، ومظاهرته بِكُل أمل كفيلة. مُعظم قدره الْكَبِير، الْمثنى على فَضله الشهير، ومجده الْأَثِير، الْأَمِير عبد الله فلَان. سَلام كريم يَجعله الْبَدْر تاجا فَوق جَبينه، وَيحمل مِنْهُ الْفَخر الصَّادِق لوا بِيَمِينِهِ، يخص مقامكم الْأَعْلَى وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله فاتح أَبْوَاب السَّعَادَة لمن تمسك بِسَبَب طَاعَته، وموضح أَسبَاب نجح الإدارة ونيل الْإِرَادَة لمن أفرده بمقام رغبته وضراعته، جَاعل التواصل فِي ذَاته علاجا يكفل بصلاح الْأَحْوَال من حِينه وساعنه. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، ضَامِن حسن الْمَآل، وعقبي الظفر بالآمال، لمن تعلق بسنته وجماعته، وَعقد بجاهه المكين أكف طَاعَته، صَاحب الْحَوْض المورود، واللواء الْمَعْقُود، المجير بوسيلته، المنقذ بِشَفَاعَتِهِ. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وأحبابه وأحزابه، الَّذين أنفوا لدينِهِ الْحق من إهماله وإضاعته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وكلفوا بإظهاره وإعلائه، وإشهاره وإذاعته. وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم السُّلْطَانِيَّة، وصل الله ترفيع شَأْنه، وحرس جَوَانِب سُلْطَانه، وَولى الدفاع عَن أوطانه، بالسعد الَّذِي يَخْدمه خطى الْكَتَائِب بسنانه، وَخط الْكتب ببراعة، والصنع الَّذِي يقوم الْوُجُود لأنبائه، المبشرة بِحَق إشاعته، [وَيعْمل فِيهَا] الْبَيَان جهد استطاعته. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا، تسطر فِي نصر الْإِسْلَام جمله، ونصرا يدنو بِهِ [للدّين الحنيف أمله، وَعزا يَبْدُو بِهِ] سروره وجدله. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وحبكم فِي ذَات الله لاحبة سبله، وأخوتكم يمحضها التَّشَيُّع ضافية حلله. وَإِلَى هَذَا وصل الله لكم سوابغ الآلاء، وحرس مَا لأخوتكم الفارسية من الْعلَا، فَمن الْمَعْلُوم عَامَّة وَشرعا، والذائع الَّذِي لَيْسَ لَهُ نكرا وَلَا بدعا، أَن الْهَدِيَّة، وَإِن كَانَ غيثها رذاذا، وحسناتها أفذاذا، يستخلص ضمائر المودات، وتزكى نقود الأذمة المعتقدات، فَكيف إِذا كَانَت جيادا عتاقا، وجردا تستبق الصَّرِيخ استباقا، ومذاكي مَلأ الشموس مِنْهَا أحداقا، وأتلع الْعجب لَهَا أعناقا. وأنفا وَردت علينا هديتكم الَّتِي غنيت بدالة الْحسن عَن خطاب يلْتَمس لَهَا أذنا، وَكتاب يزيدها حسنا من كل جواد يرد من مَاء الشبيبة ري جواد، [ويقضم حب] كل فؤاد، تود الْأَهِلّة أَن تكون لَهَا سروجا، وخضراء السما أَن تصير لسرحها مروجا، وترتاح إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل الله أعطافها، وتجنح إِلَى الاختضاب بمهج أسود الغاب أطرافها، وتكلف بالاتصال بِسُورَة الْأَنْفَال أعرافها، فيا لَهَا من كَتِيبَة، أغنت عَن الْكتاب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وطليعة أنس من الإعتاب بعد العتاب، كَأَن خضرها غمسن فِي مَاء الشَّبَاب، وشهبها تحلين فِي بيض الدما بساطع الجلباب، وحمرها استرفقن صنع الأنامل المطرقة بالعناب، فبرز إِلَى مشاهدتها النظار، وسارت بوفادتها الْأَخْبَار، وسر الْمُسلمُونَ لَهَا، وسيء الْكفَّار. وَكَيف لَا تنظم بهَا للبشرى عُقُود، وتحسب أكف الأنامل بيسر منقود، وَقد أخبر الصَّادِق عَلَيْهِ السَّلَام، إِن الْخَيْر فِي نَوَاصِيهَا مَعْقُود. وَلما مثلت لدينا تِلْكَ الْجِيَاد، وَالرَّوْض الَّذِي صدق فِيهِ الارتياد رأى أَن يَهْتَز فِي أدواحه، الأسل المياد، وعينا لَهَا فِي الْحِين المواقع الَّتِي عينهَا الِاجْتِهَاد، ورضيها الْجِهَاد، وارتضاها الارتباط فِي سَبِيل الله والاستعداد. قابلنا الْهَدِيَّة بالثناء وَالِاسْتِحْسَان، وَقُلْنَا لَا يُنكر الوابل على الْغَمَام الهتان، وَالْفضل على مثابة من مثابات الْعدْل وَالْإِحْسَان. وَقد كَانَ ذاع الْخَبَر الَّذِي ترَوْنَ فَوق أعطاف الْإِسْلَام مِنْهُ الحبر، بِمَا صرف الله إِلَيْهِ عزمكم من تَجْدِيد مَا درس، وإحياء مَا ألقح سلفكم واغترس من الأساطيل السابحة، وَالتِّجَارَة الرابحة، والأعمال الْبَاقِيَة الصَّالِحَة، وَإِن الإنشا قد استدعى إِلَيْهِ الْخلق والعزم، تتبلج مِنْهُ الصَّباح الطلق، وشيم مِنْهُ الْبَرْق، وَذهب الْفرق، فَلَا تسلوا عَن موقع هَذِه الأنبا، من صديق يعدها فضلا من الله وَمنا، وعدو يسيء بِهِ ظنا، فَلِكُل مِنْهَا شرب مَعْلُوم. وحظ مقسوم، جعله الله قصدا بحجه محتوم، وغرضه بمناصحة الله وَالْمُسْلِمين مرسوم. وَحضر بَين يدينا مؤدى الْهَدِيَّة السّنيَّة خديمكم فلَان، وَألقى من مقاصدكم الجميلة، وأعراقكم الأصيلة، ومواعيدكم الكفيلة، مَا أغرينا بِهِ لِسَان الشُّكْر بأقسامه، وأقبلنا مرْآة الْبر مشرق قسامه، وحملناه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 تَقْرِير مثله، مَا يَفِي إِن شَاءَ الله بإتمامه، وَإِن تشوفتم إِلَى أَخْبَار النصري، فَلم يزدْ بعد مَا تقدم بِهِ إعلامكم إِلَّا أَن طاغيتهم رأى أَن يعاجل من أخوته من لَهُ بِبِلَاد الْمُسلمين اتِّصَال، وَفِي الاستنصار بهم خِصَال. وليكون مِنْهُ لما سوى ذَلِك مِمَّن يسْتَدرك أمره بعد الْوَقْت إغفال، فطوى المراحل ونازل أَخَاهُ المبشر، صَاحب قنطرة السَّيْف بِمَدِينَة شقورة، وَأقَام عَلَيْهِ ثَمَانِيَة أَيَّام بَين قتال لم يجد مَعَ مَنْعَة الْمَدِينَة معنى ومرام صلح أبي الله أَن يتسنى، واتصل بِهِ غياث من خلف وَرَاء ظَهره فِي أرضه وَهلك بعضه وَالْحَمْد لله بِبَعْضِه، فارتحل عَن منزله الَّذِي نزله، وَرجع أدراجه، وَلم يبلغ أمله. هَذَا مَا عندنَا فِي شَأْنه، وَمَا يتزيد نعرفكم بِهِ لمكانه، وَنحن على مَا يجب لأخوتكم من التَّعْظِيم والإجلال، وَالثنَاء بِمَا لكم من الشيم الْكَرِيمَة والخلال. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يبلغ الْجَمِيع من مرضاته غَايَة الآمال. فَهُوَ ولى الْإِجَابَة، وملجأ السُّؤَال. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَأهْدى أَيْضا جمالا مختارة بعث بهَا إِلَى الأندلس، فصدرت عَن ذَلِك مُرَاجعَة من إملاءي بِمَا نَصه الْمقَام الَّذِي من هباته الْإِبِل الهادرة، وَالْبدن المسارعة، إِلَى دَاعِي [الله الْمُبَادرَة] قمنا فِيهِ المناقب الفاخرة، ومكارمه فِي ضمنهَا الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 مقَام مَحل أخينا الَّذِي إِن وهب احتفل، وَإِن اعْتمد فِي الله كفى وكفل. فجلاله فِي حلل المكارم قد رفل، وشهاب سعده من بعد الشرون مَا أفل. السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله، ومبراته فروض مُؤَدَّاة، وسيوفه [هندية، وعطاياه] هنيدات، وَلَا زَالَ ينجز مِنْهُ بالنصر على أَعدَاء الله عدات، ويصرخ دينه مِنْهُ، جنود مجندات. مُعظم قدره، وملتزم بره، المطنب فِي حَمده وشكره فلَان. سَلام كريم بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله، مطرز صَحَائِف الْأَعْمَال بالرسائل الْبرة، ومروض رياض الآمال بسحائب النعم الثرة، الَّذِي وضع عدله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قسطا من الجزا، فَلَا يضيع مِثْقَال ذرة، [وَلَا أقل من مِثْقَال ذرة] معود هَذِه الجزيرة من أوليائه الْكِرَام السِّيرَة، من يتعاهدها بالإرفاد والإمداد فِي الْقَدِيم والْحَدِيث، الْمرة بعد الْمرة، ويعاملها برعى الْمصلحَة ودرء الْمضرَّة، فثغورها تبتسم عَن الثغور المفترة، وتحيل عَلَيْهَا ريح الأنبا السارة رَاح المسرة. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، مُؤَمل الْأَنْفس العائذة، وملجأ الأكف المضطرة، الدي بالتواصل فِي ذَاته نستجلي سَعَادَة الْحَال وَالْمَال رائقة الْغرَّة، ونقتبل وُجُوه الْعِنَايَة الإلهية متألقة الأسرة. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه أولى السجايا الْكَرِيمَة، والفضائل العميمة، والنفوس الْحرَّة، وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالسعادة الدائمة المستمرة، والنصر الَّذِي يمْضِي نصله فِي عَدو الله أَيدي الْقُدْرَة، ولازال عز ملككم يوالي سَبِيل الْجِهَاد والرباط وَالْحج وَالْعمْرَة، ويوضح خطيه فِي خطّ الدفاع عَن الدّين أشكال النُّصْرَة، وقتضي لغريم الْإِسْلَام دين مَا وعد الله من الكره. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من حظوظ السعد أوفرها، وأقطعكم من جَوَانِب الصنع أينعها وأنضرها، وَتَوَلَّى صنائعكم الجميلة، بشكرها. من حَمْرَاء غرناطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 حرسها الله، وَالثنَاء عَلَيْكُم يسْتَغْرق أَوْقَات الزَّمَان آصالها وبكرها، وفضائلكم هى الشَّمْس ضل من أنكرها. وَإِلَى هَذَا وصل الله علاءكم، وَنشر بالنصر على أَعدَاء الله لواءكم، فإننا نَعْرِف جناب أخوتكم السُّلْطَانِيَّة، بعد تَقْرِير الشُّكْر، وتمهيد قَوَاعِد الْبر، بورود الْهَدِيَّة الغريبة، السافرة عَن يمن النقيبة، وَفضل الضريبة، هَدِيَّة الْجمال، اللابسة أَثوَاب الْجمال، والقلاص الَّتِى أَصبَحت بِحمْل أزواد أهل الْجِهَاد ذَات اخْتِصَاص. فَلَقَد طلع مِنْهَا على هَذِه الْبِلَاد الْمُبَارَكَة، ركب لَهُ فِي الْعِنَايَة والأصالة مجَال، رحب من كل نجيب، ماثل فِي المرأى العجيب، وكرما إِلَى الْأَنْسَاب الْعَرَبيَّة ذَات انتما كَأَنَّهَا أهلة حلك، أَو قسى من دارة الْفلك، سفارين بر، وخزائن قَانِع ومعتر، وَكَيف لَا يسنح لَهَا بِالْيمن طير، وَيكون لَهَا فِي مجَال السَّعَادَة سير، وَالله عز وَجل يَقُول لكم فِيهَا خير، أذكرت أهل هَذِه الْبِلَاد أَيَّام الْحَج والثج، وصيرت طَرِيق الْجِهَاد كطريق الْحَج. ترهق فتجيبها الصواهل، وَتعرض عَن الما، فتشتاق إِلَيْهَا المناهل. وَوصل مؤديها فلَان، وَهُوَ الْخَبِير بجزثياتها، والحافظ لمعانى آياتها، وَمن أنس بجوارها طبعه، وطرب بحدايها سَمعه، واتسع لمعْرِفَة أحوالها ذرعه. وَكَانَ أمله يقدم بهَا على حضرتنا إبلاغا فِي المبرة، وتضمنا للمسرة إِلَّا أننا رَأينَا أَن نعفيها من السّفر ترفيها، ونرفع عَنْهَا من توعر الطَّرِيق، مَا يتَوَقَّع أَن يُؤثر فِيهَا، ونتركها بفحص مالقه حرسها الله فِي مسرح يخصبها عشبه، ويرويها شربه، إِلَى أَن نشاهدها بالعيان، ونعطى حروفها من الخطابة عَلَيْهَا مَا يَقْتَضِيهِ علم الْبَيَان. وَنحن نقابل مقاصدكم الفاضلة بالثناء وَالِاسْتِحْسَان، ونشكر مَا لأخوتكم الفاضلة من المزايا الْبرة والسجايا الحسان. وَالله تَعَالَى يصل لكم سَعْدا وثيق الْبَيَان، ويعلى بمظاهرتكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 إيانا شعار الْأَيْمَان. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس الطَّاهِر مجدكم، ويضاعف نعمه عنْدكُمْ بمنه. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ عرفنَا الله خَيره وبركته. وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ عَن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج رَحْمَة الله عَلَيْهِ جَوَابا عَن هَدِيَّة بعثها السُّلْطَان أَبُو عنان مُشْتَمِلَة على خيل وعدة من المهندات وَالذَّهَب الْعين الْمقَام الَّذِي من سجاياه الشيم الغلا، وَمن عطاياه الجرد الْعتاق تختال فِي الحلا، وتحاسن عقبان الجو وغزلان الفلا، وَالْأَحْوَال الَّتِي جلا، روض الْجُود من أزهار صفرائها للوجود أبهى مجتلا. مقَام مَحل أخينا الَّذِي قسم زَمَانه بَين رفد مقسوم، ووعد بِالصّدقِ مَوْسُوم، وَفضل فِي صحف الْمجد مرسوم. السُّلْطَان الكذا أبي عنان [ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف يَعْقُوب بن عبد الْحق] أبقاه الله عالي الهمم، متوالي الْجواد وَالْكَرم، مجمع يَمِينه من سيفها المرهوب، وسببها الْمَوْهُوب، بَين الرّيّ والضرم، وتأمن النُّفُوس فِي ظلّ عدله الْمَمْدُود، وفضله الْمَقْصُود أَمن حمام الْمحرم، وَلَا زَالَ ثَنَاؤُهُ فِي الْخَافِقين كنصر خافق الْعلم، وأخبار عزه الْمَأْثُور، ومجده الْمَشْهُور هجير اللِّسَان والقلم. [وأنوار سعده ماحية للظلم] وعزمات سيوفه ترتقب فِي الفضا أمد السّلم قبض السّلم. مُعظم أخوته الرفيعة، الْمثنى على مَاله من كرم الصنيعة، الْمُسْتَند من التَّشَيُّع إِلَيْهِ، [والاعتداد بِهِ] إِلَى المعاقل المنيعة. [الْأَمِير عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 يُوسُف بن إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر] سَلام كريم، طيب عميم، يخص مقامكم الأسمى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي جعل الشُّكْر على المكارم وَقفا، ونهج مِنْهُ بازايها سَبِيلا لَا يلتبس وَلَا يخفى، وَعقد بَينه وَبَين الْمَزِيد سَببا وحلفا، وَجعل الْمَوَدَّة فِي ذَاته مِمَّا يقرب إِلَيْهِ زلفى، مربح تِجَارَة من قصد وَجهه بِعَمَلِهِ، ومبلغه من الْقبُول أقْصَى أمله، حَتَّى يرى الشَّيْء ضعفا، وَالْوَاحد ألفا، وناصر هَذِه الجزيرة من أوليائه الْكِرَام السِّيرَة، بِمن يوسعها فضلا وعطفا، ويدني ثمار الآمال يتمتع بهَا اجتنا وقطفا. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد النَّبِي الْعَرَبِيّ الْكَرِيم، الرؤوف الرَّحِيم، الَّذِي قد من الرَّحْمَة على الْأمة سجفا، وملأ قلوبها تعطفا وتقاربا ولطفا، القايل من أَيقَن بالخلف، جاد بِالْعَطِيَّةِ، ووعد من عَامل الله بِرِبْح الْمَقَاصِد السّنيَّة، وَعدا لَا يجد خلفا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين كَانُوا من بعده لِلْإِسْلَامِ كهفا، وعَلى ى أَهله فِي الهواجر ظلا ملتفا، غيوث الندا كلما ساموا سماحا، وليوث العدا كلما شهدُوا زحفا. وَالدُّعَاء لقام أخوتكم الأسمى، بالنصر الَّذِي يكف من عدوان الْكفْر كفا، والعز الَّذِي يغض من الشّرك نَاظرا ويرغم أنفًا، وَالْمجد الَّذِي لَا يُغَادر كِتَابه فِي المفاخر الَّتِي ترك الأول مِنْهَا للأخر حرفا، والعزم الَّذِي يُفِيد جوارح الْإِسْلَام قُوَّة لَا تعرف بعْدهَا ضعفا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا خافقا علمه. وَعزا يتبارى فِي ميدان الِاسْتِقْلَال بِحَسب وظائف الْأَعْمَال سَيْفه وقلمه، وفخرا تجلى بِهِ عَن أفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الدّين الحنيف ظلمه، ويشفى بعلاجه الناجع ألمه، وشكرا عَن هَذِه الْبِلَاد جودكم الَّذِي وكفت ديمه، وَأبقى عَلَيْهَا وجودكم الَّذِي راقت شيمه. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله تَعَالَى، والتشيع فِيكُم لَا يعرف النّسخ محكمه، وَلَا يقبل الالتماس معلمه. وَإِلَى هَذَا شكر الله عَن الْإِسْلَام صنائع مقامكم، وعرفكم عوارف الْعِزّ فِي غرر أيامكم. فإننا وصلنا كتابكُمْ الْكَرِيم الْوِفَادَة، الْعَظِيم الإفادة، مصحبا بالهدية الَّتِي صحبها الْكَمَال، وصدقت فِي احتفائها واحتفالها الآمال، واشتملت على نكايتي الْعَدو، وهما الْخَيل وَالْمَال، فَكَأَنَّهُ كَانَ لِوَاء نصر خَفق أَمَام كَتِيبَة، ونسيم زهر عبق عَن رَوْضَة عَجِيبَة. وَيَا لَهَا من هَدِيَّة اتخذ النَّاس يَوْمهَا عيدا، وموسما سعيدا، وعزما رَآهُ الْعَدو قَرِيبا، وَكَانَ يحسبه بَعيدا، نتيجة الهمة الَّتِي تقف الهمم دون مداها، وتستقري الغيوث مساقط نداها، والشيم الَّتِي ترى العواذل فِي الْوُجُود من عَداهَا. فَلَو خير الْمجد لما بعد مداها. وقفنا من مضمنه على لجة جود، للسان فِيهَا سبح طَوِيل، ومحجة فضل للأقلام فِيهَا نصر من كل طرف وسم بالصباح مِنْهُ جبين، ناشي فِي الْحِلْية وَهُوَ فِي خصام الْحَرْب مُبين، من أَشهب للشهب فارح، ولإحراز الغايات مسارع، حاسر فِي شكل دارع، كَأَنَّمَا خلعت عَلَيْهِ البزاة الْبيض صدورها، وقلدته الْكَوَاكِب شذورها، وأشقر عسجدي اللبَاس، شعلة من شعل الباس، كَأَن أُذُنه ورقة الآس، وغرته الحبابة الطافية فِي الكاس. وأحمر وردي الْأَدِيم، حايز فِي حلبة الْحسن مزية التَّقْدِيم، كَأَنَّمَا صنع من العندم، أَو صبغ بالرحيق المغدم، يحْسد الْأسد الْورْد فِي لَونه، ويدعى الرّيح أَنَّهَا مَادَّة كَونه. وكميت مَا فِي خلقه من أمت، كَأَنَّهُ قِطْعَة من الغسق خالطت دهمتها حمرَة الشَّفق. وقرطاسي كَأَنَّهُ درة سمع اسْتِحْسَان الْغرَر فجَاء وَكله غرَّة، كَأَنَّهُ أفق الْفجْر، وسرجه هلاله، وخالص الدّرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وصدفه جَلَاله. وأدهم زنجي البزة، مُرْتَد برداء البأو والعزة، كَأَن الْعُيُون النجل نفضت علها سوادها، والغصون الملد عَلمته انثناءها وانقيادها. وكل صَامت نَاطِق متصف بزينة معشوق ولون عاشق مريني المنتمى وَالضَّرْب، عدَّة فِي السّلم وَالْحَرب، قَامَت قِيَامَة الْعَدو لطلوع شمسه من الغرب، أشبه شمس الْعَالم فِي استدارة قرصه، وانتقال شخصه، واعتدال طبعه، وَعُمُوم نَفعه، تعشو غيون الْأَمَانِي إِلَى ضوء ناره، وتدور فرَاش المطامع حول أنواره، وتحوم نحل الآمال على نواره، وكل صقيل الفرند، مَنْسُوب إِلَى الْهِنْد، يخْطب من الْكَلَام بمقتضبه، ويضحك فِي الروع عِنْد غَضَبه، وَمن الْآلَات كل ماثلة فِي المرآى الْجَمِيل [بعض مغمزها إِلَى السمعيل] فَمن للسان الشكران أَن يُوفى حَقًا أَو يَهْتَدِي فِي هَذِه الْبَيْدَاء طرقا. إِنَّمَا نكل الشُّكْر لمن سمحتم بذلك المدد فِي سَبيله، وأملتم فِيهِ موهبة قبُوله. فَمَا هِيَ فِي التَّحْقِيق إِلَّا كتائب لِلْعَدو جهز ثَمَرهَا، ومواعد نصر أنْجز نموها، ومناقب أسلاف جددتموها وأحرزتموها. وَحضر لدينا رَسُولكُم فلَان فَألْقى من القَوْل الَّذِي صدقه الْفِعْل، وَاللَّفْظ الَّذِي شَرحه الْمجد وَالْفضل، وَمَا أوثق أَسبَاب الآمال وَوَصلهَا، وأحرزها وحصلها، وَقرر اعْتِقَاد الود الْجَمِيل وَأَصلهَا. وَقد رَأَيْتُمْ بالاستقرار الصَّرِيح، وَالنَّظَر الصَّحِيح، مَا أثمر اعتناؤكم بِهَذَا الْقطر المتمسك بأسبابكم، الْمُعْتَمد على جنابكم من صلَة نصركم، وإعزاز أَمركُم، واتساق سعدكم، وإسعاف قصدكم، فاشكروا الله الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 أجْرى الْخَيْر على يديكم، وألهمكم مَا يحفظ نعمه الجزيلة لديكم، ويضفي ستر عصمته عَلَيْكُم. وكتبنا إِلَيْكُم هَذَا الْكتاب، فَلَو أَن حمرَة مثله مُعْتَادَة حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ عرف وَعَادَة، لقلنا خجل من تَقْصِيره، فعلته حمرَة الخجل لما ضَاقَ عَن مُرَاده ذرع المروى والمترجل، لاكن على إغضا ذَلِك الْمقَام الْمُعْتَمد، فَهُوَ الَّذِي يعد مِنْهُ فِي الْفضل الأمد. وَالله يصل سعدكم [ويحرس مجدكم] وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وكتبت أَيْضا الْمقَام الَّذِي بر ووفى، وكفل وَكفى، وخلص على كدر الزَّمَان وَصفا، وشفا الْأَمر على شفا، وَأوجب مَا أوجبه الْمجد ونفا، وسجل عقد الرعى والوفا الحميد السَّعْي، فاستقل رسمه وَاكْتفى، وسكنت صولة عزه ريح الْكفْر وَقد كَانَ هفا، وَقَامَت على قَصده الْجَمِيل الْأَدِلَّة [الَّتِي تسعد] بهَا الْملَّة مِمَّا بدا عَمَّا خفا. مقَام مَحل أَبينَا الَّذِي إِلَى ظلّ فَضله الِاسْتِنَاد، بِحجَّة نَصره يرْتَفع العناد، وعَلى مجده الِاعْتِمَاد، وتشيعنا إِلَى أبوته يشْهد بِهِ الْحَيّ والجماد، أبقاه العناد، وعَلى مجده الِاعْتِمَاد، وتشيعنا إِلَى أبوته يشْهد بِهِ الْحَيّ والجماد، أبقاه الله يخلف أولياءه فِي أبنائه أحسن الْخلف، ويتحلى من حسن الْعَهْد بأكرم مَا يُؤثر عَمَّن شهر من السّلف، ويتحمل فِي سَبِيل الله ثقيل المون وباهظ الكلف، وحرس بدر علاهُ من السرَار والكلف. مُعظم مقَامه، وملتزم إجلاله وإعظامه، فلَان. سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 أما بعد حمد الله الَّذِي لَا تحصى آلاؤه، وَلَا تعد صنايعه، وَلَا تفْتَقر إِلَى الْمثل المحدودة والرسوم المتلوة بدايعه، قيوم السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَلَا يناويه ضد، وَلَا ينازعه، الَّذِي يعلم السِّرّ وأخفى، فَمَا من ضمير إِلَّا وَهُوَ مجتليه وَلَا ندا إِلَّا وَهُوَ سامعه، فَمن توكل عَلَيْهِ، وَأسْندَ الْأَمر إِلَيْهِ. أحسبت بِالْخَيرِ العاجل والآجل مطامعه، وَمن توكل على فَضله، علت مراتبه، وأخصبت مرابعه. وَالشُّكْر لنعمه الباطنه وَالظَّاهِرَة، والمزيد مِنْهَا مقترن بالشكر متتابعه. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، نور الْكَوْن الذى بهر ساطعه، وبرهان النُّبُوَّة الَّذِي فصح المعاندين قاطعه، الَّذِي أنارت بمصباح آيَاته الْبَينَات، مراقب الْهدى ومطالعه، وغمام الرَّحْمَة الَّذِي أغاث الْعباد والبلاد هامعه. فَإِن توقع الْخطب فجاهه دافعه، أَو عظم الذَّنب، فَهُوَ فِي الْقِيَامَة شافعه، وأنموذج الْكَمَال الَّذِي اشْتَمَلت على المكارم أخلاقه وطبايعه، وعنوان أَمر الله، يُبَايع الله من يبايعه، ويشايع الْحق الْمُبين من يشايعه. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين أُقِيمَت بهم من بعده شعائره وشرايعه، وحفظت رسوم دينه فروعيت مَصَالِحه، وسدت ذرايعه، فضفت بِالْبرِّ وَالتَّقوى مدارعه، وأثمرت استقامة الْأَحْوَال ونجاح الْأَعْمَال مزارعه، وشقى بهم عاصيه وَسعد طايعه، وتأرج عَن رياض الْحق نسيم ثنايهم الْجَمِيل فنم ذايعه، وَالدُّعَاء لمقام أبوتكم بالصنع الإلآهي، الَّذِي يشْهد بالعناية الأزلية رايقه ورايعه، والنصر الَّذِي يتجلى [فِي منصات المنابر فتكاته بالْكفْر وَوَقَائعه. والسعد الَّذِي يتجلى] تجلى الصَّباح الطلق، فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 يخفى عَن أعين الْخلق ناصعه، والعز الَّذِي لَا تناجزه الكتايب الْمُشْتَركَة وَلَا تدافعه، وَلَا زَالَت الأقدار الإلآهية توافقه وتطاوعه. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من فَضله أَسْنَى مَا أثبت الخلفا الكفلا وَكتبه، وَأوجب لكم من جزا الْأَئِمَّة الأوفيا خير مَا أوجبه، وكافأ ملككم الَّذِي تقلد مَذْهَب أهل الْحق وارتكبه، وجدد عَادَة الْفضل، وَوصل سَببه، بِمَا يكافي بِهِ من أخْلص إِلَيْهِ النِّيَّة فِيمَا وهبه، وعضد الرَّعْي الَّذِي وَرثهُ، بالرعي الَّذِي كَسبه، وَولى وَجهه شطر مَا عِنْد الله وَقصر عَلَيْهِ طلبه. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَنعم الله علينا، ببركة أبوتكم منسحبة ظلالها، وآلاؤه متوال نوالها، نتعرف وُجُوه السَّعَادَة يروق جمَالهَا، ونترجى بنيتكم سبل الْمصَالح، الَّذِي يحمد مآلها، ونستزيد من جميل نظركم مَا تطاوع بِهِ للنفوس آمالها، وَعِنْدنَا من الثَّنَاء على معاليكم أَعْلَام عقدت فِي قنن الأقلام، فخفقت وَظَهَرت، وبضايع طيب خلقت بهَا هبوب الرِّيَاح فذاعت فِي الْآفَاق واشتهرت، وَمن الود الْأَصِيل أصُول تقررت، وحجج تخلصت من شوب الشُّبُهَات وتحررت، ومقاصد طافت بِذكر ذَلِك الْمقَام الأبوي واعتمرت، وضماير أثمرت من صاغيته المنقادة لداعي الْكَرم وَالْحريَّة مَا أثمرت. وَإِلَى هَذَا وصل الله لنا بقايكم، فإننا نؤمل إغضاءكم حَتَّى عَن قُصُور الْأَلْسِنَة من الثَّنَاء على أبوتكم المحسبة المحسنة، فَإِن المدارك إِذا بَعدت غاياتها، عذر طلابها، والكمالات إِذا نَالَتْ من آياتها، رحم خطابها. وَمن للعبارة أَن تدْرك شأو فضل تجَاوز الْعَادة بخرق حجابها، وَيرْفَع عَن طور الْأُمُور المألوفة فتخط ى حِسَابهَا. ونعرفكم بوصول كتابكُمْ الْكَرِيم جَوَابا عَمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 خاطبنا بِهِ أبوتكم مَعَ رَسُولنَا إِلَيْكُم كَاتب سرنا [ووزير أمرنَا] الكذا الكذا [أَبَا عبد الله بن الْخَطِيب] وصل الله عزته، [ووالى رفعته] ، متضمنا من الْهِدَايَة الَّتِي تنقاد النُّفُوس بزمامها وتجبرها على الرِّضَا بالمقادير وأحكامها، والحظوظ وأقسامها، والآجال وبلوغ أَيَّامهَا، معزيا عَن فقيدنا الْعَزِيز فَقده، مخمدا من الْحزن الَّذِي اشتعل وقده [دَاعيا إِلَى الصَّبْر الَّذِي ضمن كالي الْأجر نَقده] ، واستقل بَين يَدي ذاكم الْخلق الْجَمِيل عقده، مقررا فِي المساهمة بِمَا يَلِيق بمثلكم مِمَّن يحملهُ عَلَيْهَا الدّين الوثيق، والحسب العريق، والوفا الَّذِي صَحَّ مِنْهُ الطَّرِيق، مهنيا بِمَا سناه الله بنيتكم من وراثة الْملك الَّذِي تأميلكم مدَار أمره، وقبتكم فطنة نَصره، وموالاتكم أنفس ذخره. فاجتنينا من ضروب هَذِه الفضال الحسية والمعنوية ضربا مشورا، واجتلينا من طرس ذَلِك الْخطاب، لِوَاء النَّصْر منشورا، وصدعنا بِهِ فِي الحفل اعتزازا بِهِ وظهورا. وقدحنا مِنْهُ فِي ظلام الْخطب نورا، وشرحنا بِهِ للْمُسلمين صدورا، وأطلعنا من أنبائه، شموسا وبدورا، وأضحكنا بمسرته من هَذِه الثغور القاصية ثغورا، ووقف رَسُولنَا بَين تَقْرِير بصور لمجدكم وتمهيد، وَتَفْسِير لسور فَضلكُمْ وتجويد، وتقسيم لضروب محاسنكم وتعديد، حَتَّى ظننا النُّجُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 تنظم عقودا وشذورا، والرياح تحمل مسكا منثورا، ورقاق الْهِنْد تحدوا قطار مسطورا، [وروضة الْحسن تحي بالنفوس اللطيفة دوحا ممطورا] واستصحب من المَال الَّذِي يُقيم الأود، ويوضح الْمُسْتَند، والهدنة الَّتِي حازت من ميدان الْفضل الأمد [وأوصل من المواعد] تتحمل المون العويصة، واجتناء الآمال الحريصة، مَا نقلته الدَّوَابّ [من] الْأَسْبَاب، ووضحت من الثِّقَة بإنجازه الْغرَر والشيات، وَمَا لَا يُنكر على تِلْكَ الشيم، وَلَا يستغرب فِي مواقع تِلْكَ الديم، فالعمايم شَأْنهَا أَن تهمي هباتها، وَالشَّمْس عَادَتهَا أَن تعم إفادتها. فَقُلْنَا الْحَمد لله الَّذِي شرفنا بِهَذِهِ الْأُبُوَّة، وَذخر لنا زمانها، وَعطف علينا هَذِه السرحة الْكَرِيمَة، نستظل ظلالها، وتتجع أفنانها، وَشرح لنا هَذِه المثابة الَّتِي رفع شَأْنهَا، وَلم نكد نشابه شط هَذَا الْبَحْر الَّذِي عبره، ونستوفي شرح مَا خَبره إِلَّا وتلاحقت مراكب الطعمة، وبواكر مَا يعم الْمُسلمين من النِّعْمَة، فأنتج الْمُتَقَدّم والتالي، مَطْلُوب الْقبُول، وأفصح لِسَان الْحَال ولسان الْمقَال بِالنّسَبِ الْمَوْصُول، وزادت [وَالْحَمْد لله] فنون الْفُرُوع وَالْأُصُول، وَصَحَّ عَن ابْن الْخَطِيب حمل ذَلِك الْمَحْصُول، وَإِنَّا وَإِن عجزنا عَن المجازاة، وتبينت الْحَقَائِق من المجازاة، لنشمر فِي التشييع، وَالْحب [عَن ساعد] لَا يطاول بحول الله وَلَا يظْهر، ويجول فِي الثَّنَاء على جواد هُوَ الأسبق الْأَشْهر، ونعلم فِي مجَال الشُّكْر بسيمة لَا تَلْتَبِس وَلَا تنكر، ونلتزم من الْأُبُوَّة الَّتِي أوجبهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 سَبِيلا، تحمد للأبناء وتشكر، حَتَّى يعلم الله أننا [أبلينا عذرا] وقضينا نذرا، ورعينا حَقًا، وسلكنا من الْبر طرقا. وَقد كُنَّا على حَيَاة مَوْلَانَا الْوَالِد، نحمل أَحَادِيث مجدكم بِالْإِجَازَةِ الْعَامَّة، ونعمل حكم التَّوَاتُر بِشُرُوطِهِ التَّامَّة، فَالْآن صحت لنا المناولة وَالسَّمَاع، وصدقت فِي الإفادة الأطماع، وَوَقع على الْقَضِيَّة الْإِجْمَاع. وكتبنا إِلَيْكُم هَذَا الْكتاب لنودي فروض الشُّكْر الَّذِي وَجب، ونثني بِالْفَضْلِ الَّذِي اجتلينا مِنْهُ الْعجب. وَمَا عَسى أَن يبلغ الثنا وَإِن اتَّسع نطاقه، وجاشت آفاقه، وَكَانَ إِلَى دَاعِي [الإجادة اشتياقه] فِي تِلْكَ الشيم الَّتِي راهنت العلما فبذتها، وتخطت مراقي الرتب فاطرحتها، إِلَى مَا فَوْقهَا ونبذتها، والهمة الَّتِي سمت نَحْو الحظوظ الْبَاقِيَة وطمحت، واحتقرت فِي الله مَا بِهِ سمحت، وهامت بأنواره الَّتِي التمحت لتهنها السَّعَادَة الْكُبْرَى، والعناية الَّتِي تجمع لَهَا بَين عز الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى. وَهَذِه الجزيرة الأندلسية لكم ولسلفكم محراب مُنَاجَاة، وسوق بضايع غير مزجاة، وميدان جِهَاد، وخلوة ذكر واجتهاد، فَلَا تعدم مِنْكُم ممتعضا لحرمتها، رَاعيا لأذمتها، مصرخا عِنْد الشدائد لأمتها، وَلَو سُئِلت على كَثْرَة من عرفت لأقرت بفضلكم وَاعْتَرَفت، فأنكم شفيتم مِنْهَا دَاء، وسبقتموها بالجيل ابْتِدَاء، وَلم تشغلكم الشواغل عَن تداركها، حَتَّى فرج سعدكم شدائدها، وَكَانَ إمدادكم طبيبها، وإنجادكم عائدها، فَكيف بعد تمهيد ملككم الأمل. وَإِذا كرم الْمَاضِي، فَأولى أَن يكرم الْمُسْتَقْبل. نسل الله أَن يمتعكم وإيانا ببقائكم مَادَّة سعودها، وحياة وجودهَا، وَيبقى بمناصحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 الله فِيهَا ذكركُمْ، ويعلى بجهاد عدوه قدركم. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل بركم، ويوزع شكركم، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا. وكتبت هَذَا أَيْضا فِي هَذَا الْغَرَض جَوَابا لصَاحب الْبِلَاد الْقبلية عَن خيل عتاق بعث بهَا إِلَى الأندلس رَحْمَة الله عَلَيْهِ من الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر [أيده الله بنصره وأمده بمعونته ويسره] إِلَى مَحل أخينا الَّذِي ودادنا لَهُ فِي ذَات الله وثيق الْبُنيان، وخلوصنا لَهُ كَبِير الْأَثر والعيان، وتشيعنا لجانبه فسيح الميدان، وثناؤنا على مكارمه وَمَكَارِم سلفه، تركض فِي مجاله الرحب جِيَاد ابْن السُّلْطَان أبي يحيى يغمرا سنّ بن زيان] أبقاه الله، وقو اعد ملكه بِهِ راسخة راسية، ومعالم فَضله سامية عالية، وعناية الله لَهُ كالية، وفواضله لَدَيْهِ متواترة مُتَوَالِيَة، حَتَّى ينسى بمآثره الراضية، مَنَاقِب أسلافه الْمَاضِيَة، ويخلد لَهُ فِي سَبِيل الْجِهَاد المفاخر الْبَاقِيَة، والأعمال الصاعدة إِلَى مَحل الْقبُول الراقية. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله ولى الْحَمد وَأَهله، والثنا عَلَيْهِ [بِمَا أولاه] من مواهب فَضله، والاستعانة بِهِ سُبْحَانَهُ على الْأَمر كُله، والضراعة إِلَيْهِ فِي صلَة تيسيره وَحمله. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد الْكَرِيم الْمُصْطَفى، خيرة أنبيائه وَخَاتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 رسله، الْمفضل بعلو مَكَانَهُ ورفعة مَحَله، ملْجأ الْخلق يَوْم لَا ظلّ غير وارف ظله، الَّذِي هدَانَا إِلَى سلوك الْحق، وَاتِّبَاع سبله، وأمدنا بالمؤاخاه فِي ذَاته ابْتِغَاء مرضاته وَمن أَجله، وَالرِّضَا عَن آله وصحابته وقرابته وَأَهله، المثابرين على اتِّبَاع سنته فِي قَوْله وَفعله. وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الفضلى بتأييده، وَنَصره فِي سَبِيل الله ومضاء نصله، واستيلائه من ميدان السعد على قصب خصله. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا باسما باسقا، وَعزا متناسبا متناسقا، وصنعا جميلا رائقا، وتوفيقا من لَدنه مُوَافقا. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله جلّ جَلَاله، ثمَّ بِمَا عندنَا من جميل الِاعْتِقَاد فِي مقامكم الرفيع، الَّذِي تسنت من فضل الله آماله، وَسعد حَاله ومآله، إِلَّا النعم الواكفة، والصنايع المترادفة، وَالْحَمْد لله كثيرا كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَّا فَضله. وَعِنْدنَا لأخوتكم الْكَرِيمَة تشيع وَاضِحَة مذاهبه، ووداد كريم شَاهده وغايبه، وإخلاص أشرقت فِي سما الصَّفَا كواكبه، وَلم لَا وودادكم، قد أحكم السّلف الْمُبَارك [رَضِي الله عَنهُ] معاقده، وأوضح فِي مرضاة الله موارده، وَأقَام على التعاون فِي سَبِيل الله سُبْحَانَهُ قَوَاعِده، فَهُوَ بتأكد وعَلى مر الْأَيَّام يَتَجَدَّد. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، فَلَو استطعنا، لَا تمر سَاعَة إِلَّا عَن مُكَاتبَة، بَيْننَا وَبَيْنكُم تَتَرَدَّد، وذمام كريم يتَأَكَّد، اغتباطا بولائكم، وارتباطا إِلَى مصافاة علائكم، وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصلنا كتابكُمْ صُحْبَة الْخَيل الَّذِي تفضلتم بإهدائها، وسلكتم بهَا سبل الْمُلُوك مَعَ أودائها، فكرم عندنَا موقع ودكم، ووصلنا الثنا على أَصَالَة مجدكم، وَقُلْنَا فضل صدر عَن مَحَله، وبر جَاءَ من أَهله، وإمداد أَتَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 من عنصر الْإِمْدَاد، وإعانة وصلت من مَكَان الْإِعَانَة والإرفاد، والمعاضدة فِي سَبِيل الْجِهَاد، وماجد سلك سَبِيل سلفه الأمجاد، فَوَجَبَ علينا أَن نبعث إِلَيْكُم هَذَا الْكتاب، نشكر بِهِ مَا كَانَ من أفضالكم، ونشير بالثنا على كمالكم وباهر خلالكم، ونستطلع مَا يسر إِن شَاءَ الله من متزيدات أحوالكم، عملا على شاكلة الود الْكَرِيم، والاعتقاد السَّلِيم، والرعى لما سلف بَين قَومنَا وقومكم، من الذمام الْقَدِيم. وَلم يتزيد عندنَا مَا نطالع بِهِ مقامكم الرفيع لما نعلمهُ من تشوفكم لأحوال الْمُسلمين بِهَذَا الْقطر، دَافع الله عَن أَهله، وَحَملهمْ على أنهج طرق السداد وأقوم سبله. إِلَّا أننا عَقدنَا فِي هَذِه الْأَيَّام الفارطة السّلم مَعَ سُلْطَان قشتالة وأحكمناها، وجددنا شُرُوطهَا ورسمناها، وَتمّ المُرَاد من ذَلِك بنيتكم الَّتِي مِنْهَا يلْتَمس، وَمن بركتها يقتبس، وَالنَّاس وَالْحَمْد لله قد شملهم التَّمْهِيد، وتشاور فِي الْأَمر مِنْهُم الْقَرِيب والبعيد. وَالله سُبْحَانَهُ الْمُسْتَعَان فِي جَمِيع الْأَحْوَال، والمرجو لصلة النوال. هَذَا مَا تزيد عندنَا طالعنا بِهِ مقامكم، وبادرنا بِهِ أعلامكم، فعرفونا بِمَا يتزيد ليدكم، ويتجدد من فضل الله عَلَيْكُم، لنسر بوارده، ونتأنس بوافده، [وَالله سُبْحَانَهُ يصل سعدكم ويحرس مجدكم] ، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم كثيرا أثيرا وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ عرف الله خَيره. وكتبت أَيْضا جَوَابا عَن هَدِيَّة بعث بهَا الْمَذْكُور الْمقَام الَّذِي تَجَدَّدَتْ بسعادته دولة أسلافه، وَاتفقَ بهَا قَوْلهَا بعد اختلافه، وَعَاد العقد إِلَى انتظامه، والشمل إِلَى ائتلافه، مقَام ولينا فِي الله، الَّذِي هيأ الله لَهُ من جميل صنعه أسبابا، وَفتح بِهِ من مُبْهَم السعد أبوابا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وأطلع مِنْهُ فِي سما قومه شهابا. وصفينا الَّذِي نسهب القَوْل فِي شكر جَلَاله وَوصف خلاله إسهابا. السُّلْطَان الكذا أبي سعيد عُثْمَان ابْن الْأَمِير أبي زيد ابْن الْأَمِير أبي زَكَرِيَّا ابْن السُّلْطَان أبي يحى يغمراسن بن زيان، أبقاه الله للدولة الزيانية، يزن بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة أجيادها، وَيملك بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان قيادها، وَيجْرِي فِي ميدان الندى، والبأس، وَوضع الْعرف بَين الله وَالنَّاس جيادها. سَلام كريم، كَمَا زحفت للصباح شهب المواكب، وتفحت على نهر المجرة أزهار الْكَوَاكِب، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله جَامع الشمل بعد انصداعه وشتاته، وواصل الْحَبل بعد انْقِطَاعه، وانبتاته، سُبْحَانَهُ لَا مبدل لكلماته، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الصادع بآياته الْمُؤَيد ببيناته، الَّذِي اصطفاه لحمل الْأَمَانَة الْكُبْرَى، وحياه بِالْقدرِ الرفيع وَالْمحل الْأَسْنَى، وَالله يعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته. وَالرِّضَا عَن آله وأنصاره وَحزبه وحماته، المتواصلين فِي ذَات الله وذاته، القائمين بنصر دينه وقهر عداته. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا ثَابت الْأَركان، وَعزا سامي الْمَكَان، ومجدا وثيق الْبُنيان، وصنعا كريم الْأَثر والعيان. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، والثقة بِاللَّه سُبْحَانَهُ أَسبَابهَا وَثِيقَة، وأنسابها عتيقة، والتوكل عَلَيْهِ لَا تَلْتَبِس من مذاهبه طَريقَة، وَلَا تختلط مِنْهُ بالمجاز حَقِيقَة. وَعِنْدنَا فِي الِاعْتِدَاد بكم فِي الله عُقُود مبرمة، وآي فِي كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 الْإِخْلَاص محكمَة. ولدينا من السرُور بِمَا سناه الله لكم من أَسبَاب الظُّهُور الَّذِي حلله معلمة، وحججه الْبَالِغَة مسلمة، مَا لَا تفي الْعبارَة بِبَعْض حُقُوقه الملتزمة. وَإِلَى هَذَا أيد الله سلطانكم، [وسنى أوطاركم، ومهد أقطاركم] ، فإننا ورد على بابنا فلَان وصل الله كرامته، وسنى سَلَامَته صادرا عَن جهتكم الرفيعة الْجَانِب، السامية الْمَرَاتِب، طلق اللِّسَان بالثنا بِمَا خصكم الله بِهِ من فضل الشَّمَائِل، وكرم الْمذَاهب، مُحدثا عَن بَحر مكارمكم بالعجائب، فَحَضَرَ بَين يدينا. ملقيا مَا شَاهده من ازديان الْمشَاهد بِتِلْكَ الإيالة، واستبشار الْمعَاهد بِعُود ذَلِك الْملك الرفيع الْجَلالَة، الشهير الْأَصَالَة، وَوصل صحبته مَا حملتم جفْنه من الطَّعَام إغاثة لهَذِهِ الْبِلَاد الأندلسية، والأمداد الَّتِي افتتحتم بِهِ ديوَان أَعمالكُم السّنيَّة، وأعربتم عَمَّا لكم فِي سَبِيل الله من إخلاص النِّيَّة. وَأخْبر أَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ رشة من غمام وطليعة من جَيش لهام، ورفد من عدد، وَبَعض من مدد، وَإِن عزائمكم فِي الْإِعَانَة والإمداد على أَولهَا، ومكارمكم تنسى الْمَاضِي بمستقبلها، فأثنينا على قصدكم الَّذِي لله أخلصتموه، وَهَذَا الْعَمَل الْبر [الَّذِي] خصصتموه، وَقُلْنَا لَا يُنكر الْفضل على أَهله، وَهَذَا بر صدر عَن مَحَله، فَلَيْسَتْ إِعَانَة هَذِه الْبِلَاد الجهادية ببدع من مَكَارِم جنابكم الرفيع، وَالْإِشَارَة فِيمَا أسدى على الْأَيَّام من حسن الصَّنِيع. فقد علم الشَّاهِد وَالْغَائِب، وَلَو سكتوا، أثنت عَلَيْك الحقائب، مَا تقدم لسلفكم [فِي هَذِه الْبِلَاد] من الإرفاق والإرفاد، وَالْأَخْذ بالحظ الموفور من المدافعة وَالْجهَاد، وَأَنْتُم أولى من جدد عهود قومه، وَكَانَ غداه فِي الْفَخر أكبر من يَوْمه. وَقد ظهر لله فِي جبر [تِلْكَ] الإيالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 الربانية نتيجة تِلْكَ الْمُقدمَات، وَعرفت بركَة مَا أسلفته من المكرمات، وسنى الله سُبْحَانَهُ بَين يَدي وُصُول مَا بِهِ تفضلتم، وَفِي سَبيله بذلتم، أَن فتح جيشنا حصنا من الْحُصُون الْمُجَاورَة لغربي مالقة، يعرف بحصن قنيط، من الْحُصُون الشهيرة الْمَعْرُوفَة، والبقع الْمَذْكُورَة بِالْخصْبِ الموصوفة، دفع الله مضرته عَن الْإِسْلَام وَأَهله، ويسره بمعهود فَضله. فَجعلنَا فِي ذَلِك الطَّعَام الَّذِي وجهتم، طعمة حماته، ونفقات رِجَاله ورماته، اخْتِيَارا لَهُ فِي أرْضى الْمرَافِق من سَبِيل الْخَيْر وجهاته. وَأما نَحن فَإِن ذَهَبْنَا إِلَى تَقْرِير مَا عندنَا من الثنا على ملككم الْأَصِيل الْبَنَّا، والاعتماد على مقامكم الرفيع الْعِمَاد، والاستناد إِلَى ولائكم الثَّابِت الْإِسْنَاد، لم نبلغ بعض المُرَاد، وَلَا وَفِي اللِّسَان بِمَا فِي الْفُؤَاد. فَمن الله نسل أَن يَجعله فِي ذَاته، ووسيلة إِلَى مرضاته، ومرادنا من فَضلكُمْ العميم، وودكم السَّلِيم أَن تحسبوا هَذِه الْجِهَة كجهتكم فِيمَا يعن من الْأَغْرَاض، ليعْمَل [فِي تتميمها] [يحْسب الود الصافي الْحِيَاض] . وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام. وكتبت فِي غَرَض الشُّكْر على الْهَدِيَّة للسُّلْطَان أبي فَارس ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن وفى أول عَام سبعين وَسَبْعمائة الْمقَام الَّذِي جدد الْعَهْد، وَخلف وليه الْعَهْد واستأنف السعد، وتأذن الله فِي كِتَابه أَن ينجز لَهُ الْوَعْد. مقَام مَحل أخينا، الْجَارِي فِي الْفضل جرى الْجواد على أعراقه، المتميز بحميد شيمه وكريم أخلاقه، مطلع ذرى السعد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 آفاقه، وملبس الْإِسْلَام مَا تعود من أطواقه، وناظم عقد الشتيت على أحسن اتساقه. السُّلْطَان الكذا، أبي فَارس عبد الْعَزِيز ابْن مَحل والدنا الَّذِي نعظمه ونجله، ونوجب لَهُ الْحق الَّذِي هُوَ أَهله السُّلْطَان الكذا أَبى الْحسن ابْن السُّلْطَان الكذا أبي سعيد بن السُّلْطَان الكذا أبي يُوسُف بن عبد الْحق] أبقاه الله رفيعا شَأْنه سعيدا زَمَانه، وَاضحا فِي المكرمات رهانه، سَابِقًا إِلَى الغايات أولى الْغرَر من قومه، والشتات، إِذا احتفل ميدانه، مُعظم قدره العالي فِي الأقدار، المسرور لهلاله، السعيد بجلالة الأبدار، واستقامة الْمدَار، الدَّاعِي لَهُ بمساعدة الأقدار وعقبى الدَّار. الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد ابْن نصر. سَلام كريم طيب بر عميم، كَمَا أَهْدَت الرياض شذا رياها، وجلت الشَّمْس محياها، يخص مقامكم الْأَعْلَى [ودولتكم الفضلى] وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله [الْوَلِيّ الحميد] ، المبدى المعيد، معيد القلادة إِلَى الْجيد الْمجِيد، ومعرف عوارف التَّجْدِيد [لمعالم السعد الْجَدِيد] وَالْجد السعيد، ومظهر الْعِنَايَة بِالْإِسْلَامِ، وَاضِحَة الْأَعْلَام للقريب والبعيد، رابط عوايد النَّصْر والتأييد بمبادي التَّوْفِيق وَالتَّشْدِيد، وناظم الْخلال السمية نظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 الغريد لأولى الْمَزِيد، الَّتِي اقتضتها إِرَادَة المريد. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الظل المديد، والملجأ المنيع فِي الْخطب الشَّديد، جالى ظلم الْكفْر والإلحاد بِنور التَّوْحِيد، وهادي من سبقت لَهُ سَابِقَة الْفَوْز إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد، الَّذِي نتعاون فِي إعلاء كَلمته بالمناصحة الْبَالِغَة وَالْقَصْد السديد، ونصل الْمَوَدَّة فِي ذَاته، كفيلة من مرضاته ومرضاة ربه بالمزيد، ونجاهد الْعَدو جهادا، يُوسع السيوف اجْتِهَادًا من بعد التَّقْلِيد، ويملأ الأكف بالأنفال، من بعد فض الأقفال، مستوعبة للطارف مِنْهَا والتليد. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه وأوليائه وأحزابه، السَّادة القادة الصَّيْد، فذلكة الْحساب وَبَيت القصيد، العايثة سيوفهم الباترة وغراماتهم المتواترة فِي أعدا مِلَّته، عياث النَّار فِي يبس الحصيد، الَّذين ظاهروه فِي حَيَاته بالعزايم الصادقة على بَأْس الْحَدِيد، وخلفوه فِي أمته، بِحِفْظ مَا أنزل عَلَيْهِ من الْوَعْد الصَّادِق والوعيد، فَكَانُوا فِي سَمَاء مِلَّته نجوما هادية [للسمت الرشيد وأعلاما مائلة] تهدي الساري فِي عراض البيد، وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى، ومثابتكم الفضلى بالعز المشيد، والنصر الَّذِي يرغم أنف الْجَبَّار العنيد، والصنع الَّذِي لَا يمل حَدِيثه على الترديد، وَلَا زَالَ سيفكم الْمَاضِي يقوم فِي أَبْوَاب المآرب الصعاب مقَام الإقليد، وأنباء فخركم تهديها إِلَى نازح الْبِلَاد ركاب الرِّيَاح، فضلا عَن رَاكب الْبَرِيد. فإننا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا مصاحبا للتأييد، وتوفيقا يُصِيب شاكلة الرمى بِالسَّهْمِ السديد. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَنعم الله محسبة أمل المستفيد، وآلاؤه مجيبة دَاعِي المستزيد، ومجدكم الخليق بالتمجيد، وودكم الْمَخْصُوص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 بتبعية الْعَطف والتوكيد. وَالْحَمْد لله كَمَا هُوَ أَهله [فَلَا فضل إِلَّا فَضله] ، فَهُوَ مُسْتَحقّ التَّحْمِيد. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، [وضاعف مواهب عنايته عنْدكُمْ] فإننا ورد علينا كتابكُمْ الْكَرِيم الْفُصُول، المتعاضد الْفُرُوع بالأصول، المستولى من ميادين الْفضل على أبعد آمادها، المجرى شيم الْمجد على معتادها، الرافل من أَثوَاب البلاغة والبراعة فِي حلل، المتكفل لِلْإِسْلَامِ بأردى غلل، وتجديد أمل، أَطَالَ وَأصَاب، وزين بالخط الْخطاب، وَدنت معاطفه لما استكملت الأوطاب، لجة بَيَان تقذف بالدر، وأفق لزهر الْمعَانِي الغر، ومصحبا بأشتات الهديات حسا وَمعنى، أما الْحس فالصواهل الضامرة والآلات الفاخرة، والمهندات الباقرة، والذخائر الباهرة، وَالْعرُوض المخزونة المصونة، واليلب المنيعة الحصينة، واللطف المجتناة، والطرف الَّتِي تباهي بعيونها الهبات، وَالطّيب ينتشق لَهُ المهبات، وَأما الْمَعْنَوِيّ، وَهُوَ أعلقها بِالنَّفسِ، وأعودهما بالمزيد من الْأنس، وَإِن كَانَ الْكل نفيسا، وبرهان مجده لَا يحْتَمل تلبيسا. فالتعريف بِمَا أَنْتُم عَلَيْهِ من استقامة التَّدْبِير، وإسعاف الْمَقَادِير واضطراد التَّمْهِيد، واستشعار العنابة من الله والمزيد، واستئناف الصنع الْجَدِيد، واستقبال الزَّمن السعيد، وَمَا كيفه الْقدر والحظ المبتدر، واليمن الَّذِي راقت مِنْهُ الْغرَر، وَمن تنوع الْأَحْوَال بمراكش وجهاتها، وعزمكم على انتهاز الفرصة واهتبالها، وَعدم مطاولتها وإهمالها، وأنكم أنهدتم وزيركم مرتادا لركاب النَّصْر، مصحبا أَدَاة الْحصْر، مغتنما هبوب الرّيح وسعادة الْعَصْر، فابتدر الْخط بَين يَدي تِلْكَ العزائم الْمَاضِيَة [والسعود المتقاضية] والشيم الراضية، وَالله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 عز وَجل يَجْعَل التَّوْفِيق مواكب ركابكم، [والسعد ملازم مصراع بَابَكُمْ] وَيتم علينا وَعَلَيْكُم النعم، ويجزل من مواهبه الْقسم، ويطلعنا من أنبائكم على مَا يبهج النُّفُوس، ويشرح الصُّدُور، ويمهد الْجِهَات، وَيصْلح الْأُمُور، ويطيب الْأَلْسِنَة، ويضحك الثغور. وثناونا على نوعى هَذِه الْهَدِيَّة، ثَنَاء الرَّوْض على الْغَمَام الواكف، والعارض المترادف، فقد جدد الله عهد الزَّمن السالف، والظل الوارف. فَالله يشْكر مجدكم الَّذِي احتفى واحتفل، واختال فِي حلل الْفضل ورفل، وأطلع نير الْعِنَايَة بِهَذِهِ الْبِلَاد بعد مَا أفل، وَكفى بدولتكم السعيدة وكفل، فَلَا تسلوا عَمَّا لِلْإِسْلَامِ فِيكُم من أمل مذخور، ورجاء موفور، وَنِيَّة لخشيتها الصَّالِحَة ظُهُور، ولنورها سفور. [فقد شاع مَا تحليتم بِهِ من الشيم الباهرة، والمكارم الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة، وأنكم وَارِث السّلف الَّذِي شكر الله سَعْيه، وَأوجب الله ذكره ورعية] عفة منسدلة الْأَطْنَاب، واستظهارا بِكُل حسن المناب، واتصافا بِطَهَارَة الجناب، ومشاورة [لِذَوي الْأَلْبَاب، وغبطة بمودة الأهداف والأحباب، وتقربا إِلَى الله باكتتاب مَا أنزل من سور الْكتاب، ومحافظة على الْأَركان، ومباشرة] للرسوم مَعَ الأحيان، واستكفاء لِذَوي الْأَدْيَان. وَإِذا علم الله مِنْكُم الاتصاف بِهَذِهِ الصِّفَات المرضية، والشيم الطاهرة الزكية، والأعمال الصادرة عَن خلوص النِّيَّة، تكفل الله لكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بالأمنية، وَأنْبت دولتكم النَّبَات الْحسن وأجزل لكم المنن، وأضفى عَلَيْكُم من وقايته الجنن. زادكم الله من فَضله، وحملكم على مَا فِيهِ السعد المجدد، وَالْفَخْر المخلد، بعيد الْأَمر كُله، [وَلَا قطع عَنَّا وعنكم عَادَة لطفه، الَّذِي نأوى إِلَى ظله] . وماذا عَسى أَن نثني على فَضلكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 الطالع من أفق الْجَلالَة أَو نقرر من ودكم التَّوَارُث لَا عَن كَلَالَة، وقدركم عندنَا أجل، وذكركم بالجميل يملا فَلَا نمل. وَقد حضر بَين يدينا رَسُولكُم الْكَرِيم المناب فِيمَا قَرَّرَهُ من الود الوثيق، وَأدّى من الْبر الجدير بالشكر الخليق، وَأحكم من معاقد الْعَهْد الوثيق، وأوضح فِي الْفضل مِنْهُ الطَّرِيق، الشَّيْخ الْفَقِيه المرفع الحسيب السنى الحظى، المتعدد الأذمة أَبُو يحيى بن أبي مَدين والحاج المكرم المبرور أَبُو مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد، وصل الله لَهُم ولأمثالهم عَادَة إنعامكم، وَأَعَانَهُمْ على خدمَة مقامكم، وقررا مَا يسر سَمَاعه على التّكْرَار والإعادة، وَإِن كَانَ غَنِيا عَن الإشادة، ومليا فَلَا يتشوف إِلَى الزِّيَادَة، فالقلوب تبنى بَعْضهَا بَعْضًا بِمَا تجن، والنفوس تجنح إِلَى أشكالها وتحن، وتلقى من الْجَواب عَن ذَلِك جهد عبارَة، لَا تجلى عَن كنه الْمَفْهُوم، وَلَا توفّي مَعَ الإطالة بالغرض المروم. وَالله عز وَجل يَجعله فِي ذَاته ودا وثيقا، وينهج بِهِ إِلَى مَا يرضاه طَرِيقا، ويريه الْمُسلمين تصورا وَتَصْدِيقًا، حَتَّى تَجْتَمِع الْأَيْدِي الْمسلمَة على جِهَاد الْكَافرين، وتلوح آيَات النَّصْر وَاضِحَة للمبصرين. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل لكم عوايد النَّصْر والتمكين، ويعرفكم عوارف النَّصْر الْعَزِيز وَالْفَتْح الْمُبين، ويطلع من أنبائكم على كل وَاضح الْغرَّة، مشرق الجبين. وَالسَّلَام الْكَرِيم الْبر العميم يخصكم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ، عرفنَا الله بركته بمنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 (كتب تَقْرِير المودات) (صدر عَنى مُخَاطبَة السُّلْطَان أَبى الْحسن بن) (السُّلْطَان أَبى سعيد ابْن السُّلْطَان أَبى يُوسُف) (ابْن عبد الْحق مَا نَصه:) الْمقَام الَّذِي أَخْبَار سعده توسع الصُّدُور انشراحا، وتطلع فِي ليل الشدائد صباحا، وتورد ظمأ الأمل من موارد السرُور والجذل عذبا قراحا. مقَام مَحل والدنا الَّذِي مناهل ودنا فِيهِ على كدر الزَّمَان صَافِيَة، [وحلل تشيعنا لمقامه الأسمى أذيالها ضافية] ، وحظوظ بره الدُّنْيَا نامية وافية، وابتهالنا إِلَى الله فِي اتِّصَال سعده وتيسير قَصده كَافِيَة. السُّلْطَان الكذا، [ابْن السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا] ، أبقاه الله يَصْحَبهُ من عنايته، سُبْحَانَهُ، ألطاف خافية، وصنايع يكنفها يسر وعافية، حَتَّى تداوى علل الْأَيَّام مِنْهُ سياسة شافية، مُعظم مِقْدَاره الَّذِي يحِق لَهُ التَّعْظِيم، الْمُعْتَرف بفضله العميم، المحافظ على وده الْأَصِيل وَعَهده الْكَرِيم، مُحَافظَة [الْوَلَد الرضي] والصفى المخلص وَالْوَلِيّ الْحَمِيم. الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد [إِسْمَاعِيل بن فَرح] بن نصر. سَلام كريم [طيب برعميم يخص مقامكم الأسمى وأبوتكم الفضلى] عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. أما بعد حمد الله الَّذِي هن توكل عَلَيْهِ، فقد استمسك بالعروة الوثقى، وَمن اعْتمد عَلَيْهِ، فقد ظفر بِمَا هُوَ خير وَأبقى. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 رَسُوله، منقذ النَّاس، وهم فِي لجة الْجَهْل غرقى، الَّذِي لم ترعه الشدائد، وَقد تبارت كتايبها سبقا، حَتَّى مَلَأت [جهتى] الْمَعْمُور غربا وشرقا. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه الَّذين وفوا بعهده، وسلكوا من اتِّبَاعه من بعده مَذَاهِب وَاضِحَة وطرقا، حَتَّى وجدوا مَا وعد رَبهم حَقًا. والدعا لملككم الْأَعْلَى ومقامكم الأرقى، بالصنع الَّذِي ينْطق أَلْسِنَة الأقلام من بعد الجماح نطقا، ويوسع صدر الْإِسْلَام التئاما ورتقا، ويتكفل لِلْإِسْلَامِ بالعاقبة الْحسنى، الَّذِي لَا يضل بعْدهَا وَلَا يشقى. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عناية مِنْهُ وَاضِحَة الْغرَر، وسعادة يساعدها تصريف الْقدر. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وأبوتكم مُعْتَمدَة بِالْبرِّ الْكَرِيم الْأَثر، والخلوص المنزه على الكدر [وَعِنْدنَا من التَّشَيُّع لمقامكم مَالا تحمله الْأَيَّام إِذا حَالَتْ، وَلَا تميل دعائمه كلما مادت أَو مَالَتْ] ، رعيا لفضائلكم الَّتِي سبقت وتوالت، وقياما بِحَق أبوتكم الَّتِي صابت بركتها وانثالت. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، فإننا ورد علينا كتابكُمْ المبرور، وخطابكم الْمَأْثُور، يطلع بارجائنا من صنع الله لكم أنوار الْبشر، وينشى سحايب الآلاء هامية الدُّرَر، عرفتمونا فِيهِ بِمَا خول الله سلطانكم من إعزاز الْجَانِب، وإعذاب المشارب، وانجلاء الغياهب، والتئام الجيوش واجتماع الْكَتَائِب، وَأَن الدَّهْر وقف بَين يَدي مقامكم موقف التائب، والسعد قد أبدى لكم وُجُوه الْعَجَائِب، وَأَن قبائل تِلْكَ الْبِلَاد دخلت فِي دين الله بِاتِّبَاع دعوتكم المرضية أَفْوَاجًا، وسلكت من التَّقْوَى وَالْبر منهاجا. وراجعت البصائر الصادقة، وآثرت النعم الْبَالِغَة السَّابِقَة، وشمرت أشياخها إِلَى المناصحة تشمير الْأَحْرَار، وتبادروا إِلَى المدافعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 عَن حمى سلطانكم أكْرم الابتدار، وبذلوا العزائم الَّتِي حكمت لكم بالإعلاء والإظهار، والعز الَّذِي جنوا أفنانه من أَغْصَان الذوابل وأوراق الشفار. وَأَن مقامكم لمن يلْحق بركابه العلى من وُفُود الْعَرَب على قدم الِانْتِظَار. وَقد كُنَّا تعرفنا من كتابكُمْ الْوَارِد قبله بِمَا سناه الله لمقامكم الْعلي من اتساق سعده وانتظامه، واستئناف عزه وإبلال أَيَّامه، واشتمال شَمله على الأميرين الْمُكرمين [الأسعدين الأمجدين الأظهرين] أخوينا أسعدهما الله. ثمَّ عظم الابتهاج بمضمن كتابكُمْ هَذَا الَّذِي قاد إِلَيْنَا السرُور بزمامه. وَاعْلَمُوا أَن مقامكم الأسمى طوق الْبِلَاد وَأَهْلهَا فواضل لَا تفارق أجيادها، وأوسعها أيادي ملكت قيادها، وأوجبت برهَا وشكرها وانقيادها. فَمن وفى بِبَعْضِهَا، وَأقَام بأَدَاء فَرضهَا، فَإِنَّمَا سلك سوا المحجة، وَسلم لصدق الْحجَّة، وَأَوَى من الْبر إِلَى بر يَقِيه غائلة اللجة. وَنحن نقرر لديكم مَا لدينا من المسرة، بعصمة مقامكم الرفيع، ونشكر الله على مَا أسداه لكم من حسن الصَّنِيع، ونهنئكم بتيسير الْعِزّ المنيع، والشمل الْجَمِيع، ونرتقب لِلْإِسْلَامِ ببركة نيتكم الصَّالِحَة، إطلال النَّصْر السَّرِيع، وتمهيد الجناب المريع. وَقد أعلمنَا مقامكم بِمَا كَانَ من أثر نيتكم الصَّالِحَة لِلْإِسْلَامِ، وخواطركم الصافية السِّهَام فِي أَخذ الله تَعَالَى طاغية قشتالة أَشد مَا كَانَ طغيانا، وَأَنه سُبْحَانَهُ أرانا فِيهِ عجائب قدرته عيَانًا، لَهُ الْحَمد على نعمه الَّتِي لَا نطيق لَهَا حسبانا، وَالْآيَة المتواترة مثنى ووحدانا، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْكَفِيل بِأَن يصل للْجَمِيع عوارف فَضله، ويسلك بِنَا من إعانته وإسعاده أوضح سبله. ووقفنا على مَا أشرتم إِلَيْهِ فِي الأجفان الغزوية الثَّلَاثَة، وَمَا تعرفتم عَن خَبَرهَا، وخاطبكم بِهِ خدامكم [أعزهم الله فِي شان] سفرها. وَالَّذِي عندنَا فِي ذَلِك هُوَ أَن الخواطر مَا بَرحت بِمَا يرضى مقامكم الْكَرِيم معمورة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 والآمال فِي ميدان بركم ممدودة، وَعَلِيهِ مَقْصُورَة، إِلَّا أَن الْعَوَائِق عديدة، وَالْأَحْوَال أزماتها شَدِيدَة، وَالْأَيَّام فِي لبها بالأماني مبدية معيدة، وَفِيمَا سلف كَانَت [الأساطيل المدمرة] تسد المسالك، وتقطع مَا يُرَاد من ذَلِك، وَلما كفى الله تَعَالَى شَره، ودافع ضره، تعرفنا الْآن أَن أجفان سبتة عمر مِنْهَا إِلَى مرسى الجزائر سبع قطعات مَا بَين صَغِير وكبير تحققنا خبر انصرافها إِلَى جهاتكم عصمها الله من خَبِير. وَهَذِه أيدكم الله مَوَانِع لَا تخفى أعذارها، وَلَا يجهل مقدارها، والقلوب بعد لما تَقْتَضِيه الْمَوَدَّة الْكَرِيمَة جانحة، والآمال فِي ميدان ذَلِك غادية ورائحة، وَعِنْدنَا مِنْهُ مَا أَن ذَهَبْنَا إِلَى تَقْرِيره، ضَاقَ ذرع البراعة عَن شرح يسيره، فضلا عَن كَثِيره، لَا كن الْعلم بأصيله وشهيره، يُغني عَن بَسطه وَتَفْسِيره. وَقد حضر بَين يدينا مودى كتابكُمْ إِلَيْنَا خديمكم الأنصح المبرور فلَان، وصل الله حفظه، وأجزل من مواهب السَّلامَة حَظه، وألقينا إِلَيْهِ من جزئيات الْأَحْوَال مَا يلقيه إِلَى مقامكم السَّامِي الْجلَال، وَمَا يتزيد عنْدكُمْ من الأنباء فتعريفنا بِهِ صلَة لعوايد الأفضال مِنْكُم والإجمال. وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم يخص مقامكم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. [وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ عرف الله بركته] . وَمن هَذَا الْغَرَض مَا صدر عني الْمقَام الَّذِي أقمار سعده فِي انتظام واتساق، وجياد عزه [أس للغاية] القصوى ذَات استباق، والقلوب على حبه ذَات اتِّفَاق، وعناية الله عَلَيْهِ مديدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 الرواق، وأياديه الجمة فِي الْأَعْنَاق ألزم من الأطواق، وَأَحَادِيث مجده سمر النوادي وَحَدِيث الرفاق. مقَام مَحل أَبينَا الَّذِي شَأْن قُلُوبنَا الاهتمام بِشَأْنِهِ، وَأعظم مطلوبنا من الله سَعَادَة سُلْطَانه، السُّلْطَان أبي الْحسن ابْن السُّلْطَان أبي سعيد ابْن عبد الْحق، أبقاه الله والصنايع اللآلهية تحط بِبَابِهِ، والألطاف الْخفية تغرس فِي جنابه، والنصر الْعَزِيز يحف بركابه، وَأَسْبَاب التَّوْفِيق مُتَّصِلَة بأسبابه، والقلوب الشجية لَا تُفَارِقهُ مسرورة بإيابه. مُعظم سُلْطَانه الَّذِي لَهُ الْحُقُوق المحتومة، والفواضل الْمَشْهُورَة الْمَعْلُومَة، والمكارم المسطورة المرسومة، والمفاخر المنسوقة المنطومة، الدَّاعِي إِلَى الله فِي وقاية ذَاته المعصومة، وحفظها على هَذِه الْأمة المرحومة. الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد [إِسْمَاعِيل ابْن فرج] بن نصر. سَلام كريم [طيب بر عميم، كَمَا سطعت فِي غيهب الشدَّة أنوار الْفرج، وهبت نواسم ألطاف الله عاطرة الأرج، يخص مقامكم الْأَعْلَى] وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله جالي الظُّلم بعد اعتكارها، ومقيل الْأَيَّام بعد عثارها، ومزين سما الْمُلُوك بشموسها المنجبة وأقمارها، ومريح الْقُلُوب من وَحْشَة أفكارها، ومنشى سَحَاب الرَّحْمَة على هَذِه الْأمة بعد افتقارها وَشدَّة اضطرارها، ومتداركها باللطف الْكَفِيل بتمهيد أوطانها، وتيسير أوطارها. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، صفوة النُّبُوَّة ومختارها، ولباب مجدها الباذخ ونجارها، نَبِي الْمَلَاحِم وخائض تيارها، وَمذهب رسوم الْفِتَن، ومطفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 نارها، الَّذِي لم ترعه الشدائد باضطراب بحارها، حَتَّى بلغت كلمة الله مَا شَاءَت من سطوع أنوارها ووضوح آثارها. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين تمسكوا بعهده على إحلاء الْحَوَادِث وأمرارها، وَبَاعُوا نُفُوسهم فِي إعلاء دَعوته الحنيفية وإظهارها. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى باتصال السَّعَادَة واستمرارها، وانسحاب الْعِنَايَة الإلآهية وانسدال أستارها، حَتَّى تقف الْأَيَّام بباكم موقف اعتذارها، وَتعرض على مثابتكم ذنوبها، راغبة فِي اغتفارها. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم أوفى مَا كتب لصالحي الْمُلُوك من مواهب إسعاده، وعرفكم عوارف الآلاء فِي إصدار أَمركُم الرفيع وإيراده، وأجرى الْفلك الدوار بِحكم مُرَاده، وَجعل الْعَاقِبَة للحسنى كَمَا وعد فِي مُحكم كِتَابه الْكَرِيم [الميسر] للصالحين من عباده. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَيْسَ بِفضل الله الَّذِي عَلَيْهِ فِي الشدائد الِاعْتِمَاد، وَإِلَى كنف فَضله الِاسْتِنَاد، ثمَّ ببركة نبيه الَّذِي وضح بهدايته الرشاد، إِلَّا الصَّنَائِع الَّتِي تشام بوارق اللطف من خلالها، وتخبر سيماها بِطُلُوع السُّعُود واستقبالها، وتدل مخايل يمنها على حسن مآلها. لله الْحَمد على نعمه الَّتِي نرغب فِي كمالها، ونستدر عذب زلالها، وَعِنْدنَا من الاستبشار بانساق أَمركُم وانتظامه، وَالسُّرُور بسعادة أَيَّامه، والدعا إِلَى الله فِي إِظْهَاره وإتمامه، مَا لَا تفي الْعبارَة بإمكانه، وَلَا يتعاطى اللِّسَان حصر أَحْكَامه. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم وَأَعلاهُ، وخار لسلطانكم الرِّضَا وتولاه، فقد علم الْحَاضِر وَالْغَائِب، وخلص الخلوص الَّذِي لَا تغيره الشوائب، مَا عندنَا من الْحبّ الَّذِي صفت مِنْهُ المشارب، والتشيع الَّذِي وضحت مِنْهُ الْمذَاهب. وإننا من لدن اتَّصل بِنَا مَا جرت بِهِ الْأَحْكَام من الْأُمُور الَّتِي صَحِبت مقامكم فِيهَا الْعِنَايَة من الله والعصمة، وجلبت على الْعباد والبلاد الْوِقَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وَالنعْمَة، لَا يسْتَقرّ بقلوبنا الْقَرار، وَلَا تتأتى بأوطاننا الأوطار لما تنتجه لكم الأقدار، ويبرزه من سعادتكم اللَّيْل وَالنَّهَار. ورجاؤنا فِي اسْتِئْنَاف سعادتكم يشْتَد على الْأَوْقَات ويقوى، علما بِأَن الْعَاقِبَة للتقوى، وَفِي هَذِه الْأَيَّام عميت الأنبا، وتكالبت فِي الْبر وَالْبَحْر الأعدا، وَاخْتلفت الْفُصُول والأهوا، وعاقت الوراد الأنوا، وعَلى ذَلِك فَلم يَنْقَطِع من فضل الله الرجا. وَلَو كُنَّا نجد للاتصال بكم سَببا أَو نلقى لإعانتكم مذهبا، لما شغلنا الْبعد الَّذِي بَيْننَا اعْترض، وَلَا الْعَدو الَّذِي بساحتنا خيم فِي هَذِه الْأَيَّام وربض، وَكَانَ خديمكم الَّذِي رفع من الْوَفَاء راية خافقة، واقتنى مِنْهُ فِي سوق الكساد بضَاعَة نافقة، الشَّيْخ [الْأَجَل الْأَعَز المرفع] أَبُو مُحَمَّد بن أجانا، سنى الله مأموله، وبلغه من سَعَادَة أَمركُم سوله، قد ورد على بابنا، وتخير اللحاق بجانبنا، ليتيسر لَهُ من جهتنا عَلَيْكُم الْقدوم، ويتأتى لَهُ بإعانتنا الْغَرَض المروم، فَبَيْنَمَا نَحن نَنْظُر فِي تتميم غَرَضه، وإعانته على الوفا الَّذِي قَامَ بمفترضه، إِذْ اتَّصل بِنَا خبر قرقورتين من الأجفان الَّتِي استعنتم بهَا على الْحَرَكَة، والعزمة المقترنة بِالْبركَةِ، حطت إِحْدَاهَا بمرسى الْمنْكب، وَالْأُخْرَى بمرسى ألمرية، فِي كنف الْعِنَايَة الالآهية، تلقينا فِيهَا من الواصلين بهَا الأنباء المحققة بعد التباسها، وَالْأَخْبَار الَّتِي يُغني نَصهَا عَن قياسها، وتعرفنا مَا كَانَ من عزمكم على السّفر، وحركتكم المقرونة بِالْيمن وَالظفر، وأنكم استخرتم الله فِي اللحاق بالأوطان الَّتِي يُؤمن قدومكم خائفها، ويولف طرائقها، ويسكن راجفها، وَيصْلح أحوالها، ويخفض أهوالها، وأنكم سبقتم حركتها بِعشْرَة أَيَّام، مستظهرين بالعزم المبرور، والسعد الموفور، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 واليمن الرَّائِق الثغور، والأسطول الْمَنْصُور، فَلَا تسلوا عَن انبعاث الآمال بعد سكونها، ونهوض طيور الرجا من وكورها، واستبشار الْأمة المحمدية مِنْكُم بقرة أعينها، ومحقق ظنونها، وارتياح الْبِلَاد إِلَى دعوتكم الَّتِي ألبستها ملابس الْعدْل وَالْإِحْسَان، وقلدتها قلائد السّير الحسان، وَمَا مِنْهَا إِلَّا من باح بِمَا يخفيه من وجده، وجهر [بشكر الله وحمده] ، وابتهل إِلَيْهِ فِي تيسير غَرَض مقامكم الشهير وتتميم قَصده، واستأنس نور سعده، وَكم مطل الِانْتِظَار بديوان آمالها، والمطاولة من اعتلالها. وَأما نَحن فَلَا تسلوا عَمَّن استشعر دنو حَبِيبه بعد طول مغيبه، إِنَّمَا هُوَ صدر رَاجعه فُؤَاده، وطرف عَاد إِلَيْهِ رقاده، وفكر ساعده مُرَاده، فَلَمَّا بلغنَا هَذَا الْخَبَر، بادرنا إِلَى إنجاز مَا بذلنا لخديمكم الْمَذْكُور من الْوَعْد، واغتنمنا مِيقَات هَذَا السعد، ليصل سَببه بأسبابكم، ويسرع لحاقة بجنابكم، فَعنده خدم نرجو أَن ييسر الله أَسبَابهَا، وَيفتح بنيتكم الصَّالِحَة أَبْوَابهَا وَقد شَاهد من امتعاضنا لذَلِك الْمقَام الَّذِي ندين لَهُ بالتشيع الْكَرِيم الوداد [ونصل على بعد المزار ونزوح الأقطار سَبَب الِاعْتِدَاد مَا يُغني عَن الْقَلَم والمداد] . وَقد ألقينا إِلَيْهِ من ذَلِك مَا يلقيه إِلَى مقامكم الرفيع الْعِمَاد، وكتبنا إِلَى من بالسواحل من ولاتنا، نحد لَهُم مَا يكون عَلَيْهِ عَمَلهم فِي بر من يرد عَلَيْهِم من جِهَة أبوتكم الْكَرِيمَة، ذَات الْحُقُوق الْعَظِيمَة، والأيادي الْحَادِثَة والقديمة، وهم يعْملُونَ فِي ذَلِك بِحَسب المُرَاد، وعَلى شاكلة جميل الِاعْتِقَاد، وَيعلم الله أننا لَو لم تعق الْعَوَائِق الْكَثِيرَة، والموانع الْكَبِيرَة، والأعداء الَّذين دهيت بهم فِي الْوَقْت هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 الجزيرة، مَا قدمنَا عملا على اللحاق بكم، والاتصال بسببكم، حَتَّى نوفي لأبوتكم الْكَرِيمَة حَقّهَا، ونوضح من المبرة طرقها. لاكن الْأَعْذَار وَاضِحَة وضوح الْمثل السائر، ونيتنا لكم يعلمهَا علام السرائر، وَإِلَى الله نبتهل فِي أَن يُوضح لكم من التَّيْسِير طَرِيقا، وَيجْعَل السعد مصاحبا لكم ورفيقا، وَلَا يعدمكم عناية مِنْهُ وتوفيقا، وَيتم سرورنا عَن قريب بتعرف أنبائكم السارة، وسعودكم الدارة، فَذَلِك مِنْهُ سُبْحَانَهُ غَايَة آمالنا، وَفِيه إِعْمَال ضراعتنا وسؤالنا. هَذَا مَا عندنَا بادرنا إعلامكم بِهِ أسْرع البدار. وَالله يوفد عَلَيْكُم أكْرم الْأَخْبَار بسعادة ملككم السَّامِي الْمِقْدَار، وييسر مَا لَهُ من الأوطار. [ويصل سعدكم، ويحرس مجدكم] وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك قولي أَيْضا الْمقَام الَّذِي لَا تفل الشدائد غرب عزمه، وَلَا تستخف الْحَوَادِث هضبة حلمه، فنفسه الْكَرِيمَة مسلمة لأمر الله السَّابِق فِي علمه، وَنِيَّته الصَّالِحَة تستنجز مِنْهُ سُبْحَانَهُ وعد نَصره، واثقة بِحكمِهِ، وَسعد ملكه قد استقام على رسمه، والدهر قد تَابَ لَدَيْهِ من ظلمه. مقَام مَحل والدنا الَّذِي تشيعنا إِلَيْهِ مشدود الأواخي، وأوامر أبوته مَحْمُولَة لدينا على الْفَوْر لَا على التَّرَاخِي. السُّلْطَان الكذا أبقاه الله مَاضِيَة إِلَى الْأَغْرَاض الْبَعِيدَة سهامه، مسطور فِي صحف الْأَيَّام صبره وحلمه وجوده وإقدامه، مذخورا بجهاد الْكفَّار حسامه، خاضعة لَدَيْهِ بِالتَّوْبَةِ النصوح ليَالِي الدَّهْر وأيامه، حَتَّى تخفق بنصر الْإِسْلَام ألويته وأعلامه، مُعظم مقَامه الَّذِي يجب إعظامه، الْمثنى على فَضله الَّذِي راق قسامه، وتوفرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 أقسامه. الْأَمِير عبد الله [يُوسُف بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج ابْن نصر] سَلام كريم، طيب بر عميم يخصكم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله ولي المحامد على اخْتِلَاف أجناسها، وموضح الْمذَاهب بعد التباسها، وملين صروف الْأَيَّام بعد شماسها، ذُو الألطاف الْخفية عَن الأفكار وقياسها. وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد أكْرم الرُّسُل مَا بَين شيثها وإلياسها، شهَاب الْهِدَايَة ونبراسها، الَّذِي باتباعه نختال فِي حلل السَّعَادَة، ونستمتع بلباسها، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، عترة الْحق، المقتدى فِي الْخلق بنداها وبأسها، الَّذين لم يألوا فِي اتِّبَاع مرضاته والتماسها، فهم الْأَنْوَار الَّتِي هديت الْأمة باقتباسها، والتمسك بأمراسها، وَالدُّعَاء لمقام أبوتكم الْعُظْمَى، الَّتِي يبْنى الْمجد الصراح على أساسها، بالنصر الَّذِي ترسم آيَاته فِي أوراق السَّعَادَة وأطراسها، والعزة الَّتِي تقصر أَيدي اللَّيَالِي عَن اختلاسها، وَلَا زَالَت عزماته تفرق الآساد من افتراسها، وَنِيَّته الصَّالِحَة تجتنى ثمار الْأَمَانِي من زاكى غراسها، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم مجدا عَالِيا، وصنعا متواليا، وَعزا حَافِظًا كاليا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَنعم الله سُبْحَانَهُ بِمَا تعرفناه من خبر ملككم أَعلَى الله سُلْطَانه، ومهد أوطانه، لَا يغب انسكابها، وَلَا يشح سحابها، وعنايته تنسدل عَلَيْهِ أطنابها. وَعِنْدنَا من التَّشَيُّع إِلَى جنابكم الرفيع قدره، الْوَاجِب بره، مَالا تتعاطى الْعبارَة شرح مجمله، وَلَا ينَال اللِّسَان من إيضاحه بعض أمله. فحسبنا نِيَّة يعلمهَا علام السرائر، وَنِيَّة الْمُؤمن خير من عمله. وَكَيف لَا يكون ثناؤنا على معاليكم الباهرة مَقْصُورا، ومسكه فِي جُيُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الْآفَاق منثورا. وَقد أسلفتم فِي هَذِه الأقطار الغريبة مَا يسطع نورا، وَرفع للفخر لِوَاء منثورا، عرفكم الله عزا وظهورا، وَجعل رَأْيكُمْ مَأْمُونا وعلمكم منصورا. وَإِلَى هَذَا أدام الله سعدكم، وحرس مجدكم، فإننا فِي جَمِيع هَذِه الْأُمُور الَّتِي تعاقبت فِيهَا ألوان الزَّمَان وصروفه، وتنكر فِيهَا معروفه، نطوى الصُّدُور على المضض الْأَلِيم، ونرز الْجُيُوب من مساعيكم على مَا يُعلمهُ السَّمِيع الْعَلِيم، ونمدكم من الدُّعَاء بمدد عَظِيم، ونجعل شغل بالنا بِمَا أهمكم هجير الْيَوْم الشامس، وسمير اللَّيْل البهيم. وَلَو استطعنا لأطلعنا عَلَيْكُم ثَمَرَة الِاعْتِقَاد السَّلِيم، والعهد الْكَرِيم، وَمَا غفلنا عَن حث الْكتاب على بعد الشقة، ونزوح الركاب، وعادية الْعَدو وغائلة الْعباب، وَالِاسْتِنْشَاق لنسيم يهب من ذَلِك الجناب، فَتَارَة نتعلل بعليل الْأَخْبَار، ونشم فِي ليل الْخطب بارقة الاستبشار، وَتارَة نطوى الْقُلُوب على أحر من الْجَمْر، ونفوض الْأُمُور إِلَى من بِيَدِهِ ملاك الْخلق وَالْأَمر، وأملنا قوي فِيمَا عودكم الله من الْيُسْر [بعد الْعسر] . ووعد من ينصر دينه من مواعد النَّصْر، إِلَى أَن وصلنا كتابكُمْ الَّذِي هُوَ عندنَا الْوَافِد الْكَرِيم الْوِفَادَة، الْعَظِيم الإفادة على يَدي التَّاجِر النَّصْرَانِي فلَان أكْرمه الله بتقواه فجددنا الْعَهْد بمخاطبتكم الَّتِي فِيهَا لأمراض الْقُلُوب شفا، ولسهر الجفون غفا، عرفتمونا فِيهِ بِمَا سناه الله لكم من الْفضل الْكَبِير، وَأَنه سُبْحَانَهُ يفتح لكم الْأَبْوَاب الَّتِي أبهمت، وَيحل بسعدكم العرى الَّتِي أحكمت، ويصل لكم الْأَسْبَاب الَّتِي فَصمت، وَأَن جيشكم الْمَنْصُور، افْتتح الْمَدِينَة عنْوَة وقهرا وَاسْتولى على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 [من كَانَ بهَا] من الفرسان وَالرِّجَال قسرا، وَإِن تِلْكَ الْجِهَات الَّتِي تخالفكم قد اضْطَرَبَتْ [وَعَن هَيْبَة] مقامكم أعربت، وأنكم على قدم الْحَرَكَة الَّتِي جعلتم فِيهَا التَّوَكُّل على الله دَلِيلا [والاستعانة بِهِ وليا] وقبيلا، وَكَانَ بكم، وَقد سلك الله بكم من الظُّهُور واليمن البادي السفور سَبِيلا، فارتحنا لهَذَا النبأ، الَّذِي شفا منا غليلا، وسجب على آمالنا الضاحية ظلا ظليلا، فَجَمِيع مَا ينالكم من عناية الله وتأييده سهمنا فِيهِ الْمُعَلَّى والرقيب، وَلنَا فِيهِ الْحَظ الوافر والنصيب، فأعمالكم فِي هَذِه الأقطار الغريبة لَا تخيب، وَلَا يضيعها الشَّاهِد الرَّقِيب. وخاطبناكم فِي كتَابنَا هَذَا نشكر فِي التَّعْرِيف فضل مجدكم، وَنَحْمَد الله على مَا كيفه من سعدكم، ونسله أَن يبلغكم من عنايته تَمام قصدكم، ونقرر لديكم مَا عندنَا من التَّشَيُّع الَّذِي موارده على كدر الزَّمَان صَافِيَة، وسجيته على تقلبات الْأَحْوَال ثَابِتَة وافية، ومعرفتكم بِمَا تقرر لدينا من ذَلِك عَن تَقْرِيره بِحَمْد الله كَافِيَة. وَإِن ذهب مقامكم حرس الله أكناف جَلَاله، إِلَى مَا يخص هَذَا الْقطر من أَحْوَاله، فَإِن سُلْطَان قشتالة أَصَابَهُ مرض، أفْضى بِهِ إِلَى زمانة مقعدة [وَوَقعت بَينه وَبَين الزعماء القرمانيين وَحْشَة مبرقة مرعدة، أشعلوها ببلادهم، وكشفوا وَجه عنادهم، وسلطان برجلونة يرليان آخر نواحيه. يستدعى قومه إِلَى المفاضة [فِي وَحْشَة وَقعت بَينه وَبَين أَخِيه] وَأهل هَذِه الْبِلَاد المنقطعة، قد أنسوا بوحشة عدوهم، وشاموا بارقة الْأَمْن فِي رَوَاحهمْ وغدوهم، ويرجى أَن يكمل الله سرورهم، ويشرح صُدُورهمْ، بِمَا يتَّصل بهم من وفور نعم الله لديكم، وتوالي غمائم السَّعَادَة عَلَيْكُم. وجهة الغرب لَيْسَ عندنَا فِيهَا زِيَادَة على مَا وصفتهم، وَمَا حدث بِبَعْض جباله من الْحَال الَّتِي تعرفتم، وَمَا أشرتم بِهِ فِي قَضِيَّة من بألمرية حرسها الله من خدامكم، فَلم يمنعهُم من اللحاق بمقامكم إِلَّا مَا يحذر من غائلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 الْبَحْر، الَّذِي عدوه فِي الْوَقْت موفور، واقتحامه مخوف مَحْذُور، وَالله تَعَالَى يمن بِجمع كلمة الْإِسْلَام، وَيعرف أَهله مَا عودهم من نعمه الثرة وآلائه الجسام. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ. وكتبت فِي ذَلِك الْمقَام الَّذِي أغراضه موفأة الْحُقُوق، ومخائل بره صَادِقَة البروق، وقواعد وده لَا تعَارض بالفروق، وأنباء مجده تتلى مَعَ الْغُرُوب والشروق. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نيتنا فِي وده أبلغ من الْأَعْمَال، وَإِن كَانَت وَالْحَمْد لله بَالِغَة، [وشموس جميل اعتقادنا فِيهِ لَا تزَال لَا يحة بازغة] فَلَا نزال نلبس من موالاته الْكَرِيمَة حلَّة سابغة [ونتعرف مِنْهَا نعما سابغة] السُّلْطَان الكذا [أبي الْحسن] أبقاه الله مَعْرُوف الْحق، حائزا فِي ميدان السَّعَادَة قصب السَّبق، مغيث الْغَيْث صَادِق الْبَرْق، مَعْرُوف الْحلم وَالْفضل فِي الغرب والشرق. مُعظم قدره، وملتزم إعظامه وبره، المثابر على مُوَاصلَة حَمده وشكره، الْأَمِير [عبد الله يُوسُف بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر] سَلام كريم [طيب برعميم] يخص مقامكم الْأَعْلَى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله ميسر المآرب، ومبين الْمذَاهب، ونشكره على آلائه الهامية السحايب، حمدا وشكرا، يتكفلان بمزيد الْمَوَاهِب. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 مُحَمَّد رَسُوله الْهَادِي إِلَى السَّبِيل الْوَاضِح، والنهج اللاحب، الَّذِي بجاهه نعتصم عِنْد النوائب، وببركته نستفتح أَبْوَاب المطالب، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الْكِرَام الْخلال والضرايب، الَّذين خلفوه فِي أمته [بالسير الجميلة والمناقب] ودافعوا أعداءه بالسمر المواضي وَالْبيض القواضب، وَكَانُوا من بعده كَالنُّجُومِ الثواقب، وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى باعزاز الْجَانِب، ولازال حَالا من هضاب الْمجد بِأَعْلَى المراقي والمراتب، متكفلا سعده بعواقب الْحسنى، وَحسن العواقب، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم ... ... ... . من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ إِلَّا الْخَيْر الواكف الدُّرَر، واليسر الْمشرق الْغرَر. وَالْحَمْد لله كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَى فَضله. وَعِنْدنَا لكم ود مشرق قسامه، وخلوص وافرة أقسامه، وتشيع تشهد بِهِ ليَالِي الدَّهْر وأيامه، وَإِلَى هَذَا [أيد الله أَمركُم] ، [وأعز بتأييده نصركم] فإننا وقفنا على كتابكُمْ الْكَرِيم الْوِفَادَة، السافر عَن السَّعَادَة، الَّذِي وجهتموه مَعَ خديمكم فلَان وصل الله عزته، وتعرفنا بِمَا التمسه من كَانَ بألمرية حرسها الله، من عفوكم الممنوح، وَمَا أظهروه من الطَّاعَة إِلَى على سلطانكم والجنوح، وَمَا ارتاحوا إِلَيْهِ من الْوِفَادَة [على بَابَكُمْ المفتوح] وأنكم بذلتم لَهُم فِي ذَلِك مَا سَأَلُوهُ، وأنلتموهم مَا رغبوه، وَهِي سجية بذرتم فِي أَرض السياسة زَرعهَا، فأينع نَبَاته وأثمر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وعاملتم فِيهَا الله فزكى فِيهَا المتجر، وخاطبتموهم بمعهود الشَّفَقَة الَّتِي تجبر الْأَحْوَال، وَتجمع الشمل بالأوطان وتخلف الْأَمْوَال. شكر الله ذَلِك الْجلَال، وكافأ ذَلِك الْكَمَال. وأشرتم علينا أَن نعينكم على هَذَا الْغَرَض، ونيسر لكم أَسبَاب الْقيام بِهَذَا الْوَاجِب المفترض، وَلم يصل كتابكُمْ هَذَا بِمَا يُعلمهُ من أوصله من خدامكم، وأولياء مقامكم، إِلَّا وَنحن قد عَملنَا فِيهِ الْعَمَل الَّذِي يرضيكم، وتممنا الأرب بِمَا يحِق لمعاليكم، وألقينا إِلَى الشَّيْخ الْأَجَل أبي ثَابت الهنتاني، أعزه الله، فِي هَذَا الْمَعْنى بالمشافهة مَا يغبطه بالقدوم عَلَيْكُم، والتزام مَا لديكم، وأصحبناه منا مُخَاطبَة فِي شَأْنه إِلَيْكُم. فَانْصَرف عَنَّا قوير الْعين، منشرح الصَّدْر، واثقا بِقبُول مقامكم الرفيع الْقدر، وعينا من أسطولنا من يتَوَلَّى الْخدمَة فِي هَذَا الْأَمر. فَلَمَّا ورد علينا كتابكُمْ الْآن ألفى حَاجَة قد قضيت، ومثابة كَرِيمَة قد أرضيت، وحقوقا وَاجِبَة قد وفيت، وموارد وداد قد أعذبت وأصفيت، والخواطر إِذا طابت كفيلة إِن شَاءَ الله ببلوغ الآمال، والنيات أبلغ من الْأَعْمَال. وَلَو ذَهَبْنَا إِلَى تَقْرِير مَا لدينا فِيكُم من الْحبّ الْوَاضِح الشواهد، والاعتقاد الْكَرِيم الْمَوَارِد، والتشيع الراسخ الْقَوَاعِد، لضاق الْكتاب عَن تَقْرِير مَا لدينا، وَلم يقم بِعشر مَا يخفيه من حبكم مَا أبدينا، وَإِلَى الله نكل الْعلم بذلك، ونسله أَن يسْلك بِنَا من الْإِعَانَة على مَا فِيهِ رِضَاهُ أوضح لمسالك [وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم ويحرس مجدكم] وَالسَّلَام، وَصدر عني أَيْضا وَكلما تقدم فِي هَذِه التَّرْجَمَة من أوليات مَا كتبت بِهِ الْمقَام الَّذِي عُقُود سعده متناسقة، ووعود دهره بإعزاز نَصره صَادِقَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وجياد مكارمه سَابِقَة متلاحقة، وعناية الله بنودها عَلَيْهِ خافقة. مقَام مَحل أخينا الَّذِي من أنصاره الْقدر وَالْقَضَاء، وَمن خلاله السماحة والرجاحة والمضاء، وَمن سجاياه الصفح والمنح والإغضاء، السُّلْطَان الكذا أبقاه الله، تسطر فِي ديوَان الْمجد أخباره، وتروى على الْأَيَّام مآثره وآثاره. وَيَقْضِي فِي أعدائه وأوليائه اخْتِيَاره، وتمهد أوطانه، وتيسر مآربه وأوطاره. مُعظم مجده الَّذِي تَعْظِيمه حكم لَا يُبدل، وإجلاله فرض لَا يضيع وَلَا يهمل، الْمثنى على مكارمه الَّتِي غمر مِنْهَا الفارض المسبل، وكرم الآخر مِنْهَا وَالْأول. الْأَمِير عبد الله، فلَان بن فلَان. سَلام عَلَيْكُم [يخص مقامكم الْأَسْنَى، ومثابتكم الَّتِي تأسس من أصالتها البني، وتطابق مِنْهَا اللَّفْظ وَالْمعْنَى] وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله وَاصل أَسبَاب المنن ومواليها، ومسدى الآلاء الرغاب، إِلَى من هُوَ أَحَق بهَا من أهليها، وجامع كَلِمَات الْإِسْلَام، ليرْفَع قَوَاعِده ويعليها، ومجازي من أخْلص النِّيَّة لِعِبَادِهِ بالعناية الَّتِي تروق عُيُون مجتليها. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله، ذِي الرسَالَة الَّتِي بهرت معاليها، والآيات الَّتِي لَا يمل تَالِيهَا، على تعاقب العصور وتواليها، حَافظ الْأمة بِمَا عقد من سياج الْعِصْمَة وكاليها، وَنَبِي الرَّحْمَة الَّذِي لَا يزَال فِي حَال الْحَيَاة وَالْمَمَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 يوليها. وَالرِّضَا عَن آله وأسرته وصحابته وعترته الَّذين ذادت عَنهُ بصفاحها الْمَاضِيَة وعواليها، وَكَانَت لأمته من بعده، كَالنُّجُومِ الزاهرة إِذا أربدت لياليها. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى باتصال الصنايع الإلهية، الَّتِي لَا يزَال لِسَان السلوان يُمْلِيهَا، وتوالي السَّعَادَة الَّتِي تبلى الزَّمَان وَلَا يبليها، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا جَدِيدا، وجدا سعيدا، وَلَا أعدمكم فضلا مِنْهُ ومزيدا، وعرفكم عوارف الْيمن كلما رميتم غَرضا بَعيدا. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، ولدينا من جميل الِاعْتِقَاد فِي أصالتكم الرفيعة الْعِمَاد، مَالا يزَال مَوْصُول السَّبَب، وَاضح الْمَذْهَب، متحليا من الصدْق وَالْوَفَاء بالعلا الْمَذْهَب. وَكَيف لَا يكون التَّشَيُّع إِلَى مقَام تِلْكَ الْأُخوة الْكَرِيمَة الَّذِي بِهِ يتجمل، ورواقنا الَّذِي بِهِ نتظلل، وعدتنا الَّتِي بهَا نقُول ونفعل، وَقد تَوَاتَرَتْ من فضائلكم قبلنَا مَا يعجز الشُّكْر وَالْحَمْد، وَيسْتَحق الخلوص والود، أبقى الله مقامكم عدَّة للآمال، متكفلا للدّين ببلوغ الآمال، جليل العلى، عالي الْجلَال، منيل الْمَوَاهِب موهوب النوال، متعرفا عوارف النجح فِي جَمِيع الْأَحْوَال. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وأعز نصركم، فَإِن كتابكُمْ الأكرم، طلع علينا مِنْهُ شهَاب وقاد، وتأرج مِنْهُ لدينا نسيم عطر، خلوص واعتقاد، إجتلينا مِنْهُ أنباء ذَلِك الْمقَام الَّذِي عضد الله لَهُ مصاحب، وسبيل سعده لَا حب، تعرفُون باتصال الْمَوَاهِب، ووضوح الْمذَاهب، واضطراد التَّوْفِيق العذب المشارب، واتساق الْعِنَايَة المتكفلة ببلوغ المآرب. فَسُرِرْنَا بِمَا كَانَ من انتظام النَّصْر لكم واضطراد السعد فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 مجاله، واستخلاص الْأَمر واستكماله، وسعادة ذَلِك الْملك ونجاح أَعماله، وَسَأَلنَا الله أَن يزيدكم من مواهب أفضاله، ويعرفكم من عوارف الْخَيْر مَا يرْوى الْإِسْلَام بزلاله، ويستند إِلَى أروقته الوارفة وظلاله. فَأنْتم ملْجأ الْمُسلمين إِذا رماهم الْعَدو بأهواله، وناصرهم الَّذِي [يسمع دعاءهم] فيسمح فِي الله بِنَفسِهِ النفيسة وَمَا لَهُ. فكتبنا هَذَا إِلَى مقامكم نقرر من ودكم مَا ثَبت وتقرر، وَتردد وتكرر، وتخلص بالحس والمشاهدة وتحرر. وَقد علم الله وَالنَّاس أَن ودادنا فِيكُم أصفى موردا، وأوضح مقصدا، وَأبْعد فِي مرضات الله أمدا، من أَن يحصره تَقْدِير، أَو يشرحه تَفْسِير، فثقوا بِمَا يسر مِمَّا يتعاقب لديكم من السعد الْجَدِيد، والعمر العريض المديد، ونهنئكم بالصنع السَّامِي الْمجِيد، ونضرع لكم إِلَى الله فِي اتِّصَال الْمَزِيد، ونعلم أَن مَا يترادف لديكم من مواهب الله كَفِيل لمن بِهَذِهِ الجزيرة الغريبة بالنصر والتأييد، وَالله يصل سعدكم، [ويحرس مجدكم] وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وكتبت أَيْضا فِي غَرَض تَقْرِير الْمَوَدَّة الْمقَام الَّذِي جِيَاد سعده إِلَى الْغَايَة القصوى ذَات استباق، وأكواس فتوحه المؤيدة بِفضل الله وروحه، تحثها أيدى اصطباح واغتباق، وعقود حَمده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 ذَات انتظام فِي لبات اللَّيَالِي واتساق، وآثار مجده كواكب آفَاق، وَأَحْكَام وده مَذَاهِب إِجْمَاع وإصفاق، فَلهُ من عناية الله واق، وَمن عصمته أَي رواق، والقلوب على طَاعَته ذَات اتِّفَاق، وجداول سيوفه قد آلت أَلا تبقى على الأَرْض شُعْبَة نفاق. مقَام مَحل أخينا الَّذِي قضايا سعده وجودية منتشرة، ورياح سعده مبشرة، ووجوه الدّين بِمَا ينتجه الله لملكه المكين [من النَّصْر الْعَزِيز وَالْفَتْح الْمُبين] مستبشرة، وقدرة عزمه وصفات كَمَاله على توقد جَلَاله متكثرة، ونهار نَصره آيَاته مبصرة، وَأَقْلَام اللَّوْح الْمَحْفُوظ عِنْد قسم الْحُدُود والحظوظ مطيلة لَا مختصرة، وموارد الْعَيْش الهنى لموارد ملكه السّني بادرة خضرَة. السُّلْطَان الكذا أبقاه الله نَاصِر الْكَلِمَة الْعليا يمهد مِنْهَا الإيالة، ويؤسس لَهَا الْجَلالَة، ويتسدر من صنع الله الزِّيَادَة والإنالة، مُعظم مقَامه التَّعْظِيم الَّذِي لَا يبرح، وناشر كَمَاله الَّذِي طيور حَمده فِي روضات مجده الدَّهْر تسرح، وجياد [ثنايه فِي ميدان علائه] تسرح، وَأَقْلَام إطابة ذكره فِي صحف فخره تطنب وتشرح، فلَان، سَلام كريم طيب بر عميم، كَمَا تأرج غيث السَّمَاء زهره، وفاض للصبح على دوحة اللَّيْل نهره، يخص مقامكم الْأَعْلَى ومثابتكم الفضلى وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي جعل الْفتُوح لملككم ديما تصوب وتنثال، والصنائع عجائب تضربها الامثال، وروى نصركم فِي ولائم النَّصْر الْعَزِيز، والصنع الْوَحْي الوفير، مَا أطمعني وسقاني بعد أَن عظم الاحتفاء والاحتفال، وسماكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 فَارس هَذَا الْملك لما ذكركُمْ لنظم منتشر السلك، فصدقت السمة ونجح الفال. فمهما رمتم غَرضا أَصَابَته شاكلة النبال، وَمهما أثرتم عزما رجفت الجيال، وَمهما أردتم رَأيا نجحت بعده الْأَعْمَال، وَمهما خطبتم عناية الله تسنت مِنْهَا الآمال، وَمهما رمتم وجهة، صحب ركابكم الْيمن والإقبال. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، وَنبيه الَّذِي ختم بِهِ النَّبِيُّونَ والإرسال، الملجأ الَّذِي لَهُ الأفياء الوارفة الظلال، والمورد الَّذِي هُوَ العذب الزلَال، نور الله الَّذِي لَا يُفَارِقهُ التَّمام حسب وعده والكمال، وآيته الَّتِي لَا يلْحقهَا الدُّثُور وَلَا الاضمحلال، الْهَادِي إِلَى الْحق وَقد ارتبك الظلام واشتبك الضلال، صَاحب الْمقَام الْمَحْمُود إِذا اشْتَدَّ الظمأ وعظمت الْأَهْوَال، والشفاعة المذخورة إِذا شهِدت الْجَوَارِح وحقق الْحساب ودقق السُّؤَال. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وأنصاره وإشاعه وَأَتْبَاعه وَالصَّحَابَة والآل، سيوف جلاده إِذا اشْتَدَّ النزال، وَالسّنة جداله إِذا انحمى فِي الدّين الْحجَّاج وتعوطى الْجِدَال، والنجوم الزاهرة من بعده فِي سما دينه الَّتِي سمت مِنْهَا الْخلال. فبهم عرف الْحَرَام والحلال، ووضحت الْمَقَاصِد وَزَالَ الْإِشْكَال. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى بالصنع الَّذِي رحب مِنْهُ المجال، والنصر الَّذِي زَان مِنْهُ الْجمال، والعز الَّذِي لَا يرومه الْمقَال، والسعد الَّذِي تساعده الْمطَالع والمواضع والاجتماع والاستقبال، وَلَا زَالَ ملككم يمْضِي مِنْهُ فِي أَعدَاء دين الله النصال، وتخدمه الْبكر وَالْآصَال، ويتجدد بَينه وَبَين عناية الله الِاتِّصَال. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم فتوحا منظومة، ومنوحا بالمزيد موسومة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 وصنايع فِي صحف الْأَيَّام مرسومة، وعناية إلهية منطوقة دلالتها ومفهومة. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَنعم الله واكفة، ومواهبه مترادفة، ومذاهب التَّشَيُّع على رسوم الِاعْتِقَاد الْجَمِيل عاكفة، وركايب الاستمداد بِرُكْن مقامكم الرفيع الْعِمَاد طَائِفَة. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وأعز نصركم، كَمَا شرح لشكر أنعمه صدركم، وَأَعْلَى بإضمار مَا يرتضيه أَمركُم. فإننا ورد علينا كتابكُمْ الْكَرِيم الْوِفَادَة، الَّذِي رقمته أَطْرَاف اليراع، وإنهاء الصناع، وجادته سحائب الإبداع، فجَاء رَوْضَة ذَات إيناع، وَمَا على الصُّبْح غطاء، وَلَا على الشَّمْس قناع. تعرفُون اتساق الطَّاعَة، وخطبة الْبِلَاد الإفريقية لإمرتكم المطاعة، وَمَا كَانَ من دُخُول أَشْيَاخ الْقَبَائِل الَّذين سميتم فِي دينهَا أَفْوَاجًا، وَأَن دَوَاء السياسة الفارسية أوسع أدوائها علاجا، وملأ الْقُلُوب مِنْهَا بعد الْهم ابتهاجا، وأنكم أعدتم حاجبكم إِلَى سد مَدِينَة بجاية بعد الْقدوم عَلَيْكُم بِمن خلصت نِيَّته من أعيانها، وَمَا اعتمدتم بِهِ تِلْكَ المثابة من إحسانها، وَمَا ضمن وَلِيكُم الشَّيْخ أَبُو يَعْقُوب من إصْلَاح شَأْنهَا، وتمهيد أوطانها، وإطفاء نَار عدوانها. وَمِنْه: وَإِن تشوفتم إِلَى مَا تزيد فِي هَذِه الْبِلَاد من الْأَخْبَار بِمَا يَقْتَضِيهِ فَضلكُمْ الباهر الْأَنْوَار، فاعلموا أَن صَاحب قشتالة توجه فِي هَذِه الْأَيَّام إِلَى بِلَاد [خوان منوال] الَّتِي هلك صَاحبهَا، والتبست مذاهبها لينْظر فِي مصرف أمرهَا، الَّذِي رجعت إِلَيْهِ، وأحكامها الَّذِي توقفت عَلَيْهِ، بعد أَن صَالح القند أَخَاهُ، الَّذِي كَانَ لَهُ حَربًا، وَعَلِيهِ ألبا، وَوجه إِلَيْنَا رَسُوله، يعرفنا بعزمه إِلَى منازلة حصن بلَى الْمُخَالف لطاعته، الْخَارِج عَن حكم جماعته، وَطلب منا مدَدا كثيرا من الرُّمَاة وَالرِّجَال، وإعانة على الْقِتَال. فراجعناه بأننا إِنَّمَا نقف فِي المدد عِنْدَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 وَقع بِهِ الشَّرْط، وتضمنه العقد والربط، من تعْيين ثَلَاثمِائَة من الفرسان، يكونُونَ فِي جملَة أَتْبَاعه، يستظهر بهم على من يُخَالِفهُ من أشياعه بطول ثَلَاثَة اشهر من الْعَام الَّذِي يتَوَجَّه فِيهِ إِلَيْهِم احْتِيَاجه، وَيصِح فِي تَعْيِينه بِسَبَب الصُّلْح احْتِيَاجه، وَيَوْم كتبنَا هَذَا كَانَ رَسُولنَا إِلَيْهِ مُتَوَجها فِي هَذِه الْأُمُور. وَالله يطلع على مَا يكون فِيهِ لِلْإِسْلَامِ سَبَب الظُّهُور. عرفنَا كم بذلك عملا على بركم الْمَأْثُور. وَمَا يتزيد فمقامكم يطالع بِهِ صلَة السَّبَب الْبر بِسَبَبِهِ. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي تترامى إِلَى اتِّصَال سعادته منا الآمال، وتتوارد [على التمَاس] مرضاته النيات منا والأعمال، ويتعمد إغضاؤه مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْمَوَدَّة ويوجبه الإدلال، ويتعرف مِنْهُ على مر الْأَيَّام الْفضل والكمال. مقَام مَحل أخينا الَّذِي لَهُ الْقدر السَّامِي، والرفد الهامي، والسعد الْمُصِيب المرامي، والنصل الدامي، والرأي الإلهامي، والمآثر الَّتِي يتدارسها الْعِرَاقِيّ والشامي، السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله مُتَّصِلَة بالسعد أَسبَابه، مَقْصُودا بِجَانِب الثَّنَاء جنابه، غاصا بوفود التَّعْظِيم بَابه، تفرق لسطوته أَعدَاء الله، وترتاح لنصرته أحبابه، معملا فِيمَا يرضيه حزمه وعزمه وركابه، مؤنسة فِي حومة الْحَرْب كتيبته وَفِي حَالَة السّلم كِتَابه، مُعظم قدره الرفيع العالي، الْمُعْتَمد بِملكه الشهير الْمَعَالِي، والمثنى على فَضله المتوالي. الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَعِيل بن فرج بن نصر. سَلام كريم طيب بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى ومثابتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 أما بعد حمد الله الَّذِي شملنا فَضله، ونهج لنا من التحاب منهجا تُفْضِي إِلَى السَّعَادَة سبله. فالدين مُتَّصِل حبله، مُجْتَمع شَمله، والأمن مديد ظله، واليمن رحيب مَحَله، وَالْإِسْلَام مُتَحَقق عزه، وَالْكفْر متوقع ذله. سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ نتوكل، وَبِيَدِهِ الْأَمر كُله. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد النَّبِي الْكَرِيم، الَّذِي بِهِ ختم رسله، وَالَّذِي بِفنَاء جاهه نلقى رَحل الرَّجَاء ونحله، وبحبه نستدر خلف السَّعَادَة فيدر رسله. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وأحزابه وأشياعه الَّذين عزبهم نَصره، وَمضى فِي الْأَعْدَاد نصله [حَتَّى سما فرع دينه وَثَبت أَصله] ورسم بالعز جنسه وفصله. وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى بالنصر الَّذِي لَا ينْفَصل سَببه، وَلَا ينفصم وَصله، والسعد الَّذِي تصيب أغراض الآمال نبله، كَمَا خصكم بِالْفَضْلِ الَّذِي لَا يسع جَهله، وذخركم لنصر الدّين يؤمل دفاعكم ناشئه وكهله. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من الْعِزّ أوفاه قسما، وَمن الصنع الْجَمِيل أوضحه رسما، وَمن السعد [المساعد أثْبته] رسما، وأكرمه اسْما ومسما، وَلَا زَالَت بعزكم حوزة الْحق تحمى، وشاكلة النَّصْر ترمى. فإننا لَو تنخلنا آمالنا، واعتبرنا بمعيار الِاخْتِيَار أَعمالنَا، لوجدنا صلَة ودكم لبابها، وحسبناها جسوما وقوى التَّشَيُّع لكم ألبابها، وبودنا لذَلِك أَن تكون المخاطبات تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد أَجزَاء الزَّمَان وتنتظم على السَّاعَات انتظام الجمان. فَلَا نزال نثابر على ذَلِك بِجهْد الْإِمْكَان، ونعذر الْعَزْم مهما احْتج بتزوح الْمَكَان، وإننا الْآن وجهنا من يجدد الْعَهْد بِهَذَا الْغَرَض، وَيقوم مِنْهُ بِالْوَاجِبِ المفترض، ويصحب مَا حمل الإدلال عَلَيْهِ من قَلِيل، سوغه الْفضل الْكثير، ويسير بِحل بغناء الْمجد الْكَبِير، من مطايا تشرفت بخدمته، وَغير ذَلِك من مُعْتَاد يتوسل إِلَى قبُوله بِمَا سبق من أذمته، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 فلَان. وألقينا إِلَيْهِ من تَقْرِير الود مَا يُرْجَى أَن يضطلع بِهِ، وَإِن كَانَ تَحْصِيل حَاصِل، وتوصيل وَاصل، وَلما نعلمهُ من تشوف مقامكم الْأَعْلَى للْأَخْبَار، بِمُقْتَضى عنايتكم المشرقة الْأَنْوَار، نعرفكم أَن الرَّسُول الَّذِي كُنَّا وجهناه إِلَى صَاحب قشتالة فِي هَذِه الْأَيَّام متطلعا على أَحْوَاله، وَمَا تَوَجَّهت إِلَيْهِ وُجُوه أَعماله، وللكلام فِي حُقُوق الْمُسلمين قبل أرضه، وبأيدي رِجَاله، وصل مجالا فِي الشكايات على من عينه هُوَ من ظهراء محاله، مستوعبا جَمِيع أنبائه فِي مقَامه وارتحاله. فَأخْبر أَن أُمُور الصُّلْح جَارِيَة على مجاريها، وَأَن أَحْوَاله لَا زِيَادَة فِيهَا، وَأَنه متفرغ لاسترجاع مَا كَانَ لوزيره الفار عَنهُ من الْبِلَاد، وَمَاله من الطارف والتلاد، يعرض على معاقله، لإِقَامَة الْحجَّة نَفسه، ويواصل بيومه فِي الْجد فيهم أمسه. والوزير الْمَذْكُور قد لَجأ إِلَى كنف غَيره، واستشعر الحذر فجد فِي سيره، وَإِن هَذَا الشاغل فِي الْوَقْت هُوَ همه الَّذِي نصب عَيْنَيْهِ، وجده مَصْرُوف إِلَى اقْتِضَاء دينه، وَأَن الْأُمُور ببركة الِاعْتِدَاد بكم ملحوظة، والعهود مَحْفُوظَة، وَالله يصل إشغالهم، وَيُمكن فِي الْفِتْنَة إيغالهم، ويعلى بعز نصركم كلمة الْإِسْلَام، وَيجْعَل لكم الطائلة على أَعدَاء الدّين وَعَبدَة الْأَصْنَام. بادرنا لكم بالإعلام بِمُقْتَضى الود الثَّابِت الإحكام. وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي لَا يغْفل من بره وَاجِب مفترض، وَلَا يقدم على التَّشَيُّع فِيهِ غَرَض، مقَام مَحل أخينا الَّذِي لَهُ الْقدر السَّامِي والرفد الهامي، والعز السعيد المرام الْبعيد المرامي. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله كريم الْخلال، رفيع الْجلَال، مبلغا من فَضله أقْصَى الآمال، مُعظم قدره، وملتزم بره، الْقَائِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 بِوَاجِب حَمده وشكره، الْعَارِف بأصالة حَسبه، وكرم نجره. فلَان سَلام كريم، طيب بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته أما بعد حمد الله على آلائه الوافية، ومننه الكافية، وألطافه الظَّاهِرَة والخافية، وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد ذِي المعجزات الْبَادِيَة والآيات الهادية. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه أولى المكارم الْبَاقِيَة، والاعمال الصَّالِحَة الراقية. وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالعناية الصافية، [واتصال النعم الضافية] ، ودوام الْبشر والعافية. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من الْخيرَات أوفرها نَصِيبا، وَأثبت لكم فِي ثغرة السداد سَهْما مصيبا، وخول ملككم الْأَعْلَى فِي أَعدَاء الله صنعا عجيبا، وهيأ لكم من لَدنه نصرا عَزِيزًا وفتحا قَرِيبا. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وعتدنا من التَّعْظِيم لجلالكم مَالا يزَال مُتَّصِل الذمام، على توالي الْأَيَّام، وَمن التَّشَيُّع لمقامكم آيَات ثابتات الْأَحْكَام، وَدَلَائِل واضحات الْأَعْلَام. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وأعز نصركم، فإننا بِمُقْتَضى الود الَّذِي رسخت قَوَاعِده ووضحت شواهده، وتساوى غائبه وَشَاهده، لَا نزال نسل عَن أَحْوَال مقامكم الرفيعة مصاعده، ونلتمس مَا نستفتح بِهِ ودكم الَّذِي اتضحت فِي الْفضل مقاصده. وَكُنَّا تعرفنا فِيمَا سلف من الْأَيَّام أَن لملككم اهتماما بجوارح الصَّيْد من الطير، عملا على شاكلة الْمُلُوك الْكِبَار، فِي تنويه الْملك الرفيع الْمِقْدَار، والاستزادة من آلائه والاستكثار، وَجعل الْمُبَاح مَوْضُوعا لملاذه حَسْبَمَا يحققه الِاعْتِبَار. فصرفنا وَجه النّظر إِلَى مَا يوفد من ذَلِك عَلَيْكُم على بَابَكُمْ، ويتحف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 بِهِ على جنابكم، ووجهنا إِلَى مَا نأى من الْبِلَاد الرومية فِي هَذَا الْغَرَض المروم وكلفنا ذَلِك من يقوم بخدمتنا فِيهِ بالمحدود والرسوم، واختيرت لنا مِنْهُ جملَة كَافِيَة، وعدة بِهَذَا الْقَصْد وافية من الحرافين والبزاة وَغير ذَلِك. وَلما اقتحمه جالبها من هول الْبحار، وَمَا عرضهَا من اخْتِلَاف الطَّعَام وغوائل الْأَسْفَار، هلك معظمها قبل وصولها وَبعده، وَلم يخلص مِنْهَا إِلَّا من استشعر قُوَّة زَائِدَة وَشدَّة، وتأخرت منيته لكَي يحظى بخدمتكم الْمدَّة، وَهِي مَا يصل على يدى بازيارنا الخديم فلَان. ومجدكم يلقى ذَلِك بِالْقبُولِ الَّذِي يَلِيق بفضله، والإغضاء الَّذِي لَا يُنكر على مَحَله، فَيعلم الله مَا عندنَا من الْبر الْمَوْصُول لذَلِك الْجلَال، وَالثنَاء على مَاله من كريم الْخلال، وَالْعَمَل على مَا يُوَافق أغراضه فِي كل الْأَحْوَال، وَلنَا تشوف إِلَى أَحْوَال مقامكم الَّذِي فِي تسنى عافيته مُنْتَهى الآمال، فَإِن تفضل بإطلاعنا على مَا يسر من ذَلِك بِمُقْتَضى الإفضال، فَذَلِك مِمَّا نعده من غرر الْأَعْمَال، ونحسبه من عُيُون مَا لَهُ من الْإِجْمَال. وَالله تَعَالَى يصل لكم أَسبَاب السَّعَادَة الضافية الأذيال، والعافية الكفيلة بتمهيد الْخلال. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي بره بِعَين الملاحظة ملحوظ، وَحقه فِي صحف الْوَاجِبَات المتأكدات مَحْفُوظ، وإعظامه تتوفر مِنْهُ لدينا أَقسَام وحظوظ. مقَام مَحل أخينا الَّذِي مجده ثَابت الْأَركان، وعزه وثيق الْبُنيان، وصنع الله يُغني عَن الْأَثر بالعيان، ومكارمه على أحاديثها السلوان، وعزائمه يشْهد بهَا موقف الروع، وَصدر الميدان، ومقاصده الجميلة كفيلة لِلْإِسْلَامِ وَأَهله بِالْيمن والأمان، السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله مرفعا جَانِبه، كَرِيمَة أنحاؤه ومذاهبه، عميمة مواهبه، معمورا برضى الله تَعَالَى شَاهده وغائبه، مصحبة بتأييد الله كتائبه، مُعظم مقَامه، وملتزم إعظامه، الْمثنى على مجده، فِي تتَابع الدَّهْر، وتوالي أَيَّامه، العتد فِي جِهَاد الْأَعْدَاء بعلى مقَامه، فلَان. أما بعد حمد الله الْغَنِيّ الحميد، المتكفل لمن اعْتمد عَلَيْهِ بِالْحُسْنَى من فَضله والمزيد، الَّذِي نَسْله أَن يسْلك بِنَا سَبِيل التَّوْفِيق والتسديد [ويمدنا على أعدائه الْكَافرين بالإعانة والتأييد] . وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله ذِي الْعِزّ العريض المديد، والشرف الغض الْجَدِيد، مظهر كلمة التَّوْحِيد، الَّذِي لجاهه نلجأ فِي الْأَمر الشَّديد، ونستظهر بالعدة الواقية والعديد، ونرتقب الصنع الْجَمِيل، وضاح الجبين، مشرف الْجيد. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه المستولين على الْفَخر الْبعيد، والعز المشيد، الَّذين لَا تمل أَحَادِيثهم على الْإِعَادَة والترديد، وَالدُّعَاء لسلطانكم الْأَعْلَى بالسعد الْجَدِيد وَالْجد السعيد، والنصر الَّذِي يجلو خدود الصفاح رائقة التوريد، وَيصرف قُضَاة الصوارم إِلَى الِاجْتِهَاد من بعد التَّقْلِيد. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من أَقسَام السَّعَادَة أوفرها نَصِيبا، وسدد مِنْكُم إِلَى هدف الْحق والتماس الصدْق سَهْما مصيبا، وأوضح كلم فِي ابْتِغَاء مرضاته سَبِيلا رحيبا، كَمَا نصركم نصرا عَزِيزًا، وَفتح لكم فتحا قَرِيبا. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، والود فِي مقامكم الْأَعْلَى على أَوله، والتشيع ينسى ماضيه بمستقبله، والخلوص يعضد نِيَّته بِعَمَلِهِ. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وأعز نصركم، فإننا لما نثابر عَلَيْهِ من تعرف أنبائكم الْكَرِيمَة على الأحيان، ونرومه من تَقْرِير الود الصَّادِق الْإِسْرَار والإعلان، رَأينَا أَن وجهنا إِلَى بَابَكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 الْكَرِيم بكتابنا صُحْبَة إرسالكم الواصلين إِلَيْنَا الوافدين علينا من يجدد الْعَهْد، بتقرير مَا نبديه من الود ونعيده، ونلتمسه من جميل اعتقادكم، ونستزيده، ونشرح مَا لدينا من التَّشَيُّع الصَّحِيحَة أسانيده، وَهُوَ الْقَائِد أَبُو فلَان وَهُوَ مِمَّن لَهُ ببساطنا مكانة، وَله فِي طرف الرسَالَة دربة بهَا وَأَمَانَة. أصحبناه إرسالكم، وصل الله كرامتهم ويمن ظعانتهم وإقامتهم، فألقينا إِلَيْهِ فِي جَمِيع الجزئيات الَّتِي وردوا فِيهَا مَا يلقيه، وحملناه مَا يُعِيدهُ لمقامكم ويبديه مِمَّا رجونا حسن مَنَابه فِيهِ. وَالْمرَاد من مقامكم، أسماه الله وَأَعلاهُ، وأعانه على مَا تولاه، أَن يتفضل بالإصغاء لما لَدَيْهِ، وَالْقَبُول عَلَيْهِ، ومحلكم مُؤثر للنصفة، مثابر على الْإِنْصَاف، من إِيثَار الْحق بِأَحْسَن الصّفة. وَالله تَعَالَى يزِيد ملككم بسطة وتأييدا، ويطلع عَلَيْكُم وَجه الْعِنَايَة سعيدا، وَلَا يعدمكم من فَضله مزيدا، ويؤتكم من فَضله تَوْفِيقًا وتسديدا، حَتَّى يعود ركن الْإِسْلَام بكم شَدِيدا، وظل الْأمان على الْإِيمَان مديدا بمنه. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي يُبْدِي الْفضل ويعيده، ويحق الْحق ويشيده، ويزيح الْبَاطِل ويبيده، ويسبغ الطول ويفيده، فَلَا يشرئب للترهات جيده، [وَلَا يخلق من وده الْأَصِيل جديده] وَلَا ينْفق عِنْده من القَوْل وَالْعَمَل إِلَّا مَا ظهر صدقه، وَبَان تسديده. مقَام مَحل أخينا، الَّذِي برهَان وده لَا يُعَارض بِالشُّبُهَاتِ، وأصيل اعْتِقَاده لَا يسْتَنْزل بالترهات، وشمس فَضله باهرة الْآيَات، وجياد مجده مستولية على الغايات. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 الكذا، أبقاه الله يُعْطي الْأُمُور بعقله الرصين حُقُوقهَا، ويحرس أرجاء الْمَوَدَّة فِي الله، أَن تعتاد الألاقي الكاذبة طروقها، وينحى على غراس السعايات. بتتبع عروقها. مُعظم، مقَامه الْحقيق بالتعظيم، منصبا وسيما، وموقر ملكه توقيرا دَائِما مُلْتَزما، الْمثنى على فَضله ثَنَاء متمما، الداعى إِلَى الله، فِي صلَة بَقَائِهِ يرفع لِلْإِسْلَامِ علما، ويعمر من ربع الْمجد معلما. الْأَمِير عبد الله فلَان. سَلام كريم طيب بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى، وأخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله، مظهر الْحق ومعليه، يحكم آيَاته، وينسخ مَا يلقى الشَّيْطَان ويمليه، حَتَّى يروق وَجه الْيَقِين لمجتليه، ويفوز بِحسن العقبى حزبه ومتوليه، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله وَنبيه، الَّذِي جمع الْفضل فِيهِ، وأنقذ الْخلق من مهاوى التّلف بتلافيه، فَثَبت مَا كَانَ الضلال يَنْفِيه، وقصت قوادم الْبَاطِل وخوافيه. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه وقرابته وَذَوِيهِ، الَّذين كَانُوا نُجُوم نَادِيه، وبروق غواديه، [وسيوفه على أعاديه] ، والدعا لمقامكم الأسمى حرس الله أكناف معاليه، وعرفه مقدم الْفَتْح وتاليه، وأبقاه لفخر يبنيه، وأمل للدّين يسنيه بالنصر الَّذِي كرمت أَلْفَاظه ومعانيه. والصنع الَّذِي عذبت مجانيه، والصنع الَّذِي يجمع لِلْإِسْلَامِ شَتَّى أمانيه. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم سَعْدا راياته منشورة، وصنعا كتائب عناية الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 لَدَيْهِ محشودة محشورة، ومجدا آيَاته مؤرخة مسطورة، وقضاياه شائعة، ووصاياه ذائعة مَشْهُورَة. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، والتشيع فِيكُم قوى بِسَبَبِهِ جدير أَن يتسنى بِهِ لِلْإِسْلَامِ مطلبه، ويتحصل للدّين الحنيف أربه. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، ووالى تأييدكم وعضدكم، فإننا ورد علينا كتابكُمْ الْكَرِيم الأنباء، الباهر السناء، السافر عَن محيا الْمَوَدَّة وَالْوَلَاء، تعرفُون بِمَا انْتهى إِلَيْهِ حَال من عاندكم من التَّضْيِيق على جهاته، وأخذكم عَلَيْهِ طَرِيق منجاته، وأنكم أقمتم تلقاءه الحصص، وجرعتموه الْغصَص، وَإِن الحاين الَّذِي دلا دلاه بالغرور، وقدح زناد هَذِه الشرور، ورام شقّ عَصا الْأمة بعد سُكُون هَذِه الْأُمُور وإشراق النُّور، يَعْقُوب بن أبي عياد، أورطة الله فِي حَال مكيدته الَّتِي نصبها، وأشرقه بإكلته الَّتِي اغتصبها، وَأمكن مِنْهُ يَد قدرتكم الَّتِي عودهَا التَّمْكِين، وَعرفهَا الْعِزّ المكين، بِمَا جحد من عَفْو كم الَّذِي ألبستموه، وحلمكم الَّذِي أوليتموه، فأطفأتم بجدول السَّيْف نَار شَره، وحسمتم بعلاج الْيَد سَبَب ضره، وأنفذتم فِيهِ حكم الله سُبْحَانَهُ، بِمُقْتَضى أمره، وَأَنه لما استفهم عَن شَأْنه، وَأَسْبَاب خذلانه، ختم عَار فعله بِعَارٍ لِسَانه، وَرَغمَ أَن هَذِه الفعلة الَّتِي ارتكبها، والدرة الَّتِي جلبها، إِنَّمَا كَانَت بِإِشَارَة من جهتنا اعتمدها، وَرمى أمدها، وَأَن مقامكم الَّذِي أَقَامَهُ الله قسطاس من حق، وعقلكم الَّذِي لَا يلتبس لَدَيْهِ بَاطِل بِحَق، أنحى على هَذِه الدعْوَة الخبيثة بالتكذيب، وَلم يعدها من الْمُمكن الْقَرِيب، وأضرب عَن قَول الْعَدو فِي الحبيب، فاستوفينا مَا فسرتم، وحصلنا مَا قررتم، فقابلنا نعم الله عَلَيْكُم بِحَمْدِهِ وشكره، وَسَأَلنَا لكم مزِيد رفده. وَمَعْلُوم أَن مقامكم محفوف من الله بعناية [ملابسها لَا تخلق مكنوف برعاية] أنوارها تتألق، وَأَنه سُبْحَانَهُ، قد اختاركم، وَهُوَ أعلم بِاخْتِيَارِهِ، وقلدكم الْأَمَانَة، وَلَا يفتات عَلَيْهِ فِي مِقْدَاره، وَالْعجب مِمَّن خفيت عَن بصيرته هَذِه الدَّلَائِل والشواهد، أَو غَابَتْ عَنهُ هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 الْقَوَاعِد، زادكم الله من فَضله، وَحكم لملككم باعتناء مَحَله. وَنحن نصل شكركم على التَّعْرِيف، ثمَّ على رفض [مَا أَلْقَاهُ] ذَلِك الْخَبيث من الْكَلَام السخيف، بَين يدى الرعب المخيف، والحين المطيف، ومقامكم آصل عقلا، وَأشهر فضلا من أَن يصغي إِلَى كَلَام يقوم الْبُرْهَان على بُطْلَانه، وَيشْهد الْحس بخسار قَائِله وخذلانه، فالدعاوى إِذا وَقعت من بَرى الْجَانِب، وَاضح الْمذَاهب، لَا تقبل عَن غير دَلِيل يعضدها، أَو شَهَادَة تؤيدها، فَكيف إِذا صدرت عَن ناكث غادر، مسارع إِلَى شقّ عَصا الْأمة مبادر، مسلوب الْعَدَالَة، يستنجد خدع النَّفس الختاله، ويشاهد فِي السَّيْف مجْرى حوبائه المسالة. وَنحن نكل الْأَمر إِلَى علمكُم بسيرتنا، وسيرة سلفنا فِي اجْتِنَاب هَذِه الشُّبُهَات، والإعراض عَن شيم بوارق الترهات، والتحفظ عَن مداخلة، الْفِتَن، مهما وَقعت بِتِلْكَ الْجِهَات، وَلَا دَلِيل أرجح وَلَا برهَان أوضح مِمَّا شَاهده كثير من خدامكم الَّذين بَين يديكم، حَسْبَمَا تقرر لديكم، من أَن والدكم مَحل أَبينَا، السُّلْطَان، الْوَاجِب علينا حَقه، الْوَاضِحَة فِي الْبر والتشبع لدينا طرفه، لما طلب منا الْإِعَانَة، لما كَانَ بسبيله، وَصرف إِلَى الأنجاد فِي الأجفان وَغَيرهَا، وَجه تأميله، قابلنا طلبه بالإعذار، وأمسكنا عَن الركض فِي ذَلِك الْمِضْمَار، حذرا أَن تكون بَيْننَا، وَبَين تِلْكَ الْجِهَات تره تتعقب عَن الْهُدْنَة، أَو مداخلة فِي شَيْء من أَسبَاب الْفِتْنَة. هَذَا وحقوقه تحجنا بِالسنةِ فصيحة، وتجادلنا بأدلة صَرِيحَة. وَلَكنَّا اخترنا الْوَقْف مذهبا، وَلم تتْرك للحجة علينا سَببا. وَالْحَال فِي جهتكم عندنَا الْآن أعظم، والسبيل بِحَمْد الله أقوم، فَإِنَّكُم ردتم فِي الْبر وأربيتم، وأعدتم فِي الْفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وأبديتم، وَمَا حمل أخوكم على ارْتِكَاب الْخَطَأ الَّذِي قل مَا نجا رَاكِبه، واقتحام الْبَحْر الْمُحِيط، الَّذِي لَا تبين مذاهبه، وَلَا تهدي السارين كواكبه [وتقبيل يَد الْعَدو الْكَافِر] وَهُوَ الْعَمَل الَّذِي لَا تمحي مثالبه، إِلَّا لما يئس من مداخلتنا فِي أمره الَّذِي أبرمه، وأعانته على مَا يممه، وَبعد أَن سدت عَلَيْهِ المسالك الْقَرِيبَة من مرمى أمله، وَلم يجد فِينَا طَمَعا لقبُول قَوْله وَلَا عمله، فَانْفَرد بغائلة ضَمِيره، وَلم يطلع غير طائفته على تَدْبيره، فَالَّذِي عملتم من رفض هَذَا القَوْل هُوَ اللَّائِق بدينكم، وَصدق يقينكم، فمثلكم لَا يرتاب فِي أحبائه وأوليائه، وَلَا تَلْتَبِس لَدَيْهِ مَذَاهِب التَّشَيُّع لعلائه، وتعريفكم عندنَا مُقَابل شكر مقامكم الرفيع وثنائه، على اتِّصَال الدَّهْر، وتوالى آنائه. وَالله تَعَالَى يعرفكم عوارف آلائه، ويجزيكم عَن الْإِسْلَام خير جَزَائِهِ، وينصر عزمكم على أضداد دين الله وأعدائه. وَالسَّلَام الْكَرِيم، الْمُبَارك العميم، ويخصكم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي شهد اللَّيْل وَالنَّهَار بأصالة سعادته، وَجرى الْفلك الدوار بِحكم إِرَادَته، وتعود الظفر بِمن يناوئه، فاضطرد وَالْحَمْد لله، جَرَيَان عَادَته، فَوَلِيه مُتَحَقق لإفادته، وعدوه مرتقب لإبادته، وحلل الصَّنَائِع إلالهية تضفي على أعطاف مجادته. مقَام مَحل أخينا، الَّذِي سهم سعده صائب، وأمل من كاده خاسر خائب، وسر الْفلك الدوار فِي مرضاته دائب، وصنائع الله لَهُ تصحبها الألطاف الْعَجَائِب، فسيان مشَاهد مِنْهُ فِي عصمَة الله وغائب. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله مُسَدّد السهْم، ماضى الْعَزْم، تجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 سعوده عَن تصور الْوَهم، وَلَا زَالَ مرهوب الْحَد، ممتثل الرَّسْم، موفور الْحَظ من نعْمَة الله عِنْد تعود الْقسم، فايزا بفلج الْخِصَام عِنْد لدد الْخصم، مُعظم قدره، وملتزم بره، المبتهج بِمَا يسنيه الله لَهُ من إعزاز نَصره، وَإِظْهَار أمره، فلَان، سَلام كريم، طيب بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى السعيد، ومثابتكم الَّتِي حازت فِي الْفَخر لأمد الْبعيد [وفازت من التأييد والنصر بالحظ السعيد] وَرَحمته الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي فسح لملككم الرفيع فِي الْعِزّ مدا، وعرفه عوارف آلائه، وعوائد النَّصْر على أعدائه، يَوْمًا وَغدا، وحرس سما علائه، بشهب من قدره وقضايه، فَمن يستمع الْآن يجد لَهُ شهابا رصدا، وَجعل نجح أَعماله، وَحسن مآله، قِيَاسا مضطردا، فَرب مزِيد ضره ضرّ نَفسه، وهاد إِلَيْهِ الْجَيْش أهْدى، وَمَا أسدى. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، نبيه وَرَسُوله، الَّذِي مَلأ الْكَوْن نورا وَهدى، وَأَحْيَا مراسم الْحق، وَقد صَارَت طرائق قددا، أَعلَى الْأَنَام يدا، وأشرفهم محتدا، الَّذِي بجاهه، نلبس أَثوَاب السَّعَادَة جددا، ونظفر بالنعيم الَّذِي لَا يَنْقَطِع أبدا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين رفعوا لسماء سنته عمدا، فأوضحوا من سَبِيل اتِّبَاعه مقصدا، وتقبلوا شيمه الطاهرة، عدلا وفضلا وبأسا وندا، فَكَانُوا فِي النَّهَار أسدا، وبالليل ركعا سجدا، سيوفا على من اعْتدى، ونجوما لمن اهْتَدَى، حَتَّى علت فروع مِلَّته صعدا، وَأصْبح بناؤها مديدا مخلدا. وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالنصر الَّذِي يتَّصل سرمدا، والصنع الَّذِي يتوالى مثنى وموحدا، كَمَا جمع لملككم مَا تفرق من الألقاب، على توالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 الأحقاب، فَجعل سيفكم سِفَاحًا، وعلمكم منصورا، ورأيكم رشيدا، وعزمكم مؤيدا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم صنعا، يشْرَح لِلْإِسْلَامِ خلدا، ونصرا يُقيم للدّين الحنيف أودا، وَعزا يمْلَأ أَفْئِدَة الْكفْر كمدا، وجعلكم مِمَّن هيأ لأَمره رشدا، وَيسر لكم الْعَاقِبَة الْحسنى، كَمَا وعد فِي كِتَابه، وَالله أصدق موعدا. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله. وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، إِلَّا استطلاع سعودكم فِي آفَاق الْعِنَايَة، واعتقاد جميل صنع الله لكم فِي الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة، وَالْعلم بِأَن ملككم، تحدى من الظُّهُور على أعدائه بِآيَة، وأجرى جِيَاد السعد فِي ميدان لَا يحد بغاية، وخرق حجاب الْمُعْتَاد بِمَا لم يظْهر إِلَّا لأَصْحَاب الْكَرَامَة وَالْولَايَة. وَنحن على مَا علمْتُم من السرُور بِمَا يهز لملككم الْمَنْصُور عطفا، ويسدل عَلَيْهِ من الْعِصْمَة سجفا، تقاسمه الارتياح لمواقع نعم الله يصفا ويضفا، وبفقد بَين أنباء مسرته، وَبَين الشُّكْر لله حلفا، ونعد التَّشَيُّع مِمَّا يقرب إِلَى الله زلفى، ونؤمل من أمداده، ونرتقب من جهاده وقتا يكفل بِهِ الدّين ويكفا، وتروى علل النُّفُوس وتشفى. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم ووالى نصركم وعضدكم، فإننا من لدن صدر عَن أخيكم أبي الْفضل، مَا صدر من الانقياد، لخدع الآمال، والاغترار بموارد الْآل، وفال رَأْيه فِي اقتحام الْأَحْوَال، وتورط فِي هفوة، صَار فِيهَا حيرة أهل الْكَلَام فِي الْأَحْوَال، وناصب من أَمركُم السعيد، جبلا قضى الله لَهُ بالاستقرار والاستقلال، وَمن ذَا يزاحم الأطواد ويزحزح الْجبَال، وأخلف الظَّن منا فِي وفائه، وأضمر عملا اسْتَأْثر عَنَّا بإخفانه، وَاسْتظْهر من عَدو الدّين بِمعين قل مَا ورى لمن استنصر بِهِ زند، وَلَا حقق لمن تولاه بالنصر بند، وَأَن الطاغية أَعَانَهُ وأنجده، وَرَأى أَنه سهم على الْمُسلمين سدده، وعضب للفتنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 جرده، فَسخرَ لَهُ الْفلك، وأمل أَن يستخدم بِسَبَبِهِ ذَلِك الْملك، فَأوردهُ الهلك، وَالظُّلم الحلك. وَعلمنَا أَن طرف سعادته كاب، ومنجاة آماله غير ذَات انسكاب وَقدم غرَّة لم يسْتَقرّ من السداد فِي غرز ركاب، وَأَن نجاح أَعمال النُّفُوس، مُرْتَبِط بنياتها، وغايات الْأُمُور تظهر فِي بداياتها، وعوائد الله فِيمَن نَازع قدرته لَا تجْهَل، وَمن غَالب أَمر الله خَابَ مِنْهُ الْمعول. فَبينا نَحن نرتقب خسار تِلْكَ الصَّفْقَة المعقودة، وخمود تِلْكَ الشعلة الموقودة. وصلنا كتابكُمْ يشْرَح الصَّدْر بشرح الْأَخْبَار، وَيهْدِي طرف المسرات على أكف الاستبشار، ويعرب بِلِسَان حَال المسارعة والابتدار، عَن الود الْوَاضِح وضوح النَّهَار، والتحقق لخلوصنا الَّذِي يُعلمهُ عَالم الْأَسْرَار، فَأَعَادَ فِي الإفادة وأبدا، وأسدى من الْفَضَائِل الجلائل مَا أسدى. فَعلمنَا مِنْهُ مآل من رام أَن يقْدَح زند الشتات [من بعد] الالتئام، ويثير عجاج الْمُنَازعَة من بعد ركود القتام. هَيْهَات تِلْكَ قلادة الله الَّتِي مَا كَانَ يَتْرُكهَا بِغَيْر نظام، وَلم يدر أَنكُمْ نصبتم لَهُ من الحزم حبالة لَا يفلتها قنيص، وسددتم لَهُ من السعد سَهْما مَا لَهُ عَنهُ من محيص، بِمَا كَانَ من إرْسَال جوارح الأسطول السعيد فِي مطاره، حَائِلا بَينه وَبَين أوطاره، فَمَا كَانَ إِلَّا التَّسْمِيَة والإرسال، ثمَّ الْإِمْسَاك والقتال، ثمَّ الاقتيات والاستعمال، فيا لَهُ من زجر، استنطق لِسَان الْوُجُود فجدله، واستنصر بالبحر فخذله، وصارع الْقدر فجدله لما جد لَهُ، وان خدامكم استولوا على مَا كَانَ فِيهِ من مُؤَمل غَايَة بعيدَة، ومنتسب إِلَى نصبة غير سعيدة، وشاني عمرته من الْكفَّار خدام المَاء، وأولياء النَّار، فحكمت فيهم أَطْرَاف العوالي، وصدور الشفار، وَتحصل مِنْهُم من تخطاه الْحمام، قَبْضَة الإسار. فعجبنا من تيسير هَذَا المرام، وإخماد الله لهَذَا الضرام، وَقُلْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 تكييف لَا يحصل فِي الأوهام، وتسديد لَا تَسْتَطِيع إِصَابَته السِّهَام، كلما قدح الْخلاف زندا، أطفأ سعدكم شعلته، أَو ظهر الشتات ألما، أَبْرَأ يمن طائركم غَلَّته. مَا ذَلِك إِلَّا لنِيَّة صدقت معاملتها فِي جنب الله وَصحت، واسترسلت بركتها وسحت، وَجِهَاد نذرتموه، إِذا فرغت شواغلكم وتمت، واهتمامكم بِالْإِسْلَامِ يَكْفِيهِ الخطوب الَّتِي هَمت. فَنحْن نهنيكم بمنح الله ومننه، ونسله أَن يلْبِسكُمْ من اعتنائه أَو فى جننه، فآمالنا أَن تطرد آمالكم، وتنجح فِي مرضات الله أَعمالكُم، فمقامكم هُوَ الْعُمْدَة الَّتِي نُقَاتِل الْعَدو بسلاحها، وتتبلج ظلمات كفره بأنوار صباحها، وتنام الْعُيُون الساهرة تَحت ظلال صفاحها. فَكيف لَا نهنيكم بصنع على جهاتنا يعود، وبآفاقنا تطلع مِنْهُ السُّعُود، فتيقنوا مَا عندنَا من الِاعْتِقَاد الَّذِي رسومه قد اسْتَقَلت واكتفت، وديمة بسابحة الود قد وكفت. وَالله عز وَجل يَجْعَل لكم الْفتُوح عَادَة، وَلَا يعدمكم غَايَة وسعادة، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يعلى مقامكم، ويهنى الْإِسْلَام أيامكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي يُغني عَن كل مَفْقُود بِوُجُودِهِ، ويهز بِهِ إِلَى جميل العوائد أعطاف بأسه وجوده، ونستضيء عِنْد إظلام الخطوب بِنور سعوده، ونرث من الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ أَسْنَى ذخر يَرِثهُ الْوَلَد عَن آبَائِهِ وجدودوه، مقَام مَحل أَبينَا الَّذِي رعى الأذمة شانه، وصلَة الرعى، سجية انْفَرد بهَا سُلْطَانه، ومواعد النَّصْر ينجزها زَمَانه، القَوْل وَالْفِعْل فِي ذَات الله، تكفلت بهَا يَده الْكَرِيمَة وَلسَانه، وتطابق فِيهَا إسراره وإعلانه. السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله محروسا من غير الْأَيَّام جنابه، مَوْصُولَة بالوقاية الإلهية أَسبَابه، مسدولا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 ذَاته الْكَرِيمَة ستر الله وحجابه، مصروفا عَنهُ من صرف الْقدر مَا يعجز عَن رده بوابه، وَلَا زَالَ ملْجأ تنْفق لَدَيْهِ الْوَسَائِل الَّتِي يدخرها لأولاده أولياؤه وأحبابه، وتسطر فِي صحف الْفَخر نوابه، ويشتمل على مَكَارِم الدّين وَالدُّنْيَا أثوابه، ويتكفل بنصر الْإِسْلَام، وجبر الْقُلُوب، عِنْد طوارق الْأَيَّام كتائبه أَو كِتَابه، مُعظم مَا عظم من كَبِير حَقه السائر من إجلاله وشكر خلاله على لاحب طرفه، المستضيء فِي ظلمَة الْخطب بِنور أفقه. الْأَمِير عبد الله بن مُحَمَّد بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج بن نصر، سَلام كريم، طيب بر عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله، الَّذِي لَا راد لأَمره، وَلَا معَارض لفعله، مصرف الْأَمر بِحِكْمَتِهِ وَقدرته وعدله، الْملك الْحق، الَّذِي بِيَدِهِ ملاك الْأَمر كُله، مُقَدّر الْآجَال والأعمار، فَلَا يتَأَخَّر شَيْء عَن مِيقَاته، وَلَا يبرح عَن مَحَله، جَاعل الدُّنْيَا مناخ قلقة، لَا يغتبط الْعَاقِل بمائه، وَلَا ظله، وسبيل رَحْله، فَمَا أكتب ظعنه من حلّه، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد [صفوته من خلقه] ، وخيرة أنبيائه، وَخَاتم رسله، الَّذِي نعتصم بِسَبَبِهِ الْأَقْوَى، ونتمسك بحبله، ونمديد الافتقار إِلَى فَضله، ونجاهد فِي سَبيله، من كذب بِهِ، أَو حاد عَن سبله، ونصل الْيَد ابْتِغَاء مرضاته وَمن أَجله، وَالرِّضَا عَن أَصْحَابه وأحزابه وأنصاره وَأَهله، المستولين من ميدان الْكَمَال على خصله، وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى بعز نَصره، ومضاء نصله. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم وقاية، لَا تطرق الخطوب حماها، وعصمة ترجع عَنْهَا سِهَام النوائب كلما فَوْقهَا الدَّهْر ورماها، وعناية لَا تغير الْحَوَادِث اسْمهَا وَلَا مسماها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَنعم الله تتوافر لدينا دفعا ونفعا، وألطافه نتعرفها وترا وشفعا، ومقامكم الابوى، هُوَ الْمُسْتَند الأوفى، والمورد الَّذِي ترده آمال الْإِسْلَام، وتهدي إِلَيْهِ أفئدتهم، فتجد مَا تهوى، ومثابتكم الْعدة الَّتِي تأسست مبانيها على الْبر وَالتَّقوى. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وَأبقى مجدكم، فإننا لما نعلم من مساهمة مجدكم، الَّتِي يقتضيها كرم الطباع، وطباع الْكَرم، وَتَدْعُو إِلَيْهَا ذمم الرَّاعِي، ورعي الذمم، نعرفكم بعد الدُّعَاء لملككم بدفاع الله عَن حوباته، وإمتاع الله الْمُسلمين بِبَقَائِهِ، بِمَا كَانَ من وَفَاة مَوْلَانَا الْوَالِد، نَفعه الله بِالشَّهَادَةِ الَّتِي ألبست حلتها، والسعادة الَّتِي فِي أَعماله الزكية كتبهَا. والدرجة الْعَالِيَة الَّتِي خَتمهَا لَهُ وأوجبها، وَبِمَا تصير إِلَيْنَا من أمره، وَضم بِنَا من نشره وسدل على من خَلفه من ستره، وَإِنَّهَا لعبرة لمن ألْقى السّمع، وموعظة تهز الْجمع، وَترسل الدمع، وحادثة أجمل الله فِيهَا الدّفع، وَشرح مجملها، وَإِن أخرس اللِّسَان هولها، وَأسلم الْعبارَة قوتها وحولها، أَنه رَضِي الله عَنهُ لما برز الْإِقَامَة سنة هَذَا الْعِيد مستشعرا شعار كلمة التَّوْحِيد، مظْهرا سمة الخضوع للْمولى، الَّذِي تخضع بَين يَدَيْهِ رِقَاب العبيد، آمنا بَين قومه وَأَهله، متسربلا فِي حلل نعم الله وفضله، قرير الْعين بإكمال عزه، واجتماع شَمله، قد احترس بأقصى استطاعته، وَاسْتظْهر بخلصان طَاعَته، وَالْأَجَل الْمَكْتُوب قد حضر، والإرادة الإلهية قد أنجزت الْقَضَاء وَالْقدر، وَسجد بعد الرَّكْعَة الثَّانِيَة من صلَاته، أَتَاهُ أَمر الله لميقاته على حِين الشَّبَاب غض جلبابه، وَالسِّلَاح زاخر عبابه، وَالدّين بِهَذَا الْقطر، قد أينع بالأمن جنابه، وَأمر من يَقُول للشَّيْء كن فَيكون، قد بلغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 كِتَابه، وَلم يرعه، وَقد اطمأنت بِذكر الله الْقُلُوب، وخلصت الرغبات إِلَى فَضله المخطوب، إِلَّا شقي قيضه الله لسعادته، غير مَعْرُوف وَلَا مَنْسُوب، [وخبيث لم يكن بمعتبر وَلَا مَحْسُوب] تخَلّل الصُّفُوف المعقودة، وَتجَاوز الْأَبْوَاب المسدودة، وخاض الجموع المشهودة، والأمم المحشودة [إِلَى طَاعَة الله المحمودة] لَا تدل الْعين عَلَيْهِ شارة وَلَا بزَّة، وَلَا تحمل على الحذر من مثله أَنَفَة وَلَا عزة، وَإِنَّمَا هُوَ خَبِيث ممرور، وكلب عقور، وحية سمها وحى مَحْذُور، وَآلَة مَنْصُوبَة لينفذ بهَا قدر مَقْدُور. فَلَمَّا طعنه وأثبته، وأعلق بِهِ شرك الْحِين، فَمَا أفلته، قبض عَلَيْهِ من الْأَوْلِيَاء الخلصان من خبر ضَمِيره، وَأحكم تَقْدِيره، وَلم يجب عَن الِاسْتِفْهَام جَوَابا يعقل، وَلَا عثر مِنْهُ على شَيْء ينْقل، لطفا من الله أَفَادَ بَرَاءَة الذمم، وطهر من دنس الظنة من حضر من الْأُمَم، وتعاورته للحين أَيدي التمزيق، وأتبع شلوه بالتحريق. وَاحْتمل مَوْلَانَا الْوَالِد رَحمَه الله إِلَى الْقصر، وَبِه ذما لم يلبث بعد الفتكة العمرية إِلَّا أيسر من التَّيْسِير، وتخلف الْملك، ينظر عَن الطّرف الحسير، وينهض بالجناح الكسير، وَقد عَاد جمع السَّلامَة إِلَى صِيغَة التكسير، إِلَّا أَن الله تدارك هَذَا الْقطر الْغَرِيب، بِأَن أقامنا مقَامه لوقته وحينه، وَرفع بِنَا عماد ملكه، وَلم شعث دينه، وَكَانَ جمع من حضر المشهد من شرِيف النَّاس ومشروفهم وأعلامهم ولفيفهم، قد جمعهم ذَلِك الْمِيقَات، وَحضر الْأَوْلِيَاء الثِّقَات، فَلم تخْتَلف علينا كلمة، وَلَا شذت مِنْهُم عَن بيعتنا نسمَة مسلمة، [وَلَا أخيف بَرى، وَلَا حذر جرى، وَلَا فر من فرى، وَلَا وَقع لَيْسَ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وَلَا استوحشت نفس وَلَا نبض للفتنة عرق، وَلَا أغفل للدّين حق، فاستند الثّقل إِلَى نَصه، وَلم نعدم من فقيدنا غير شخصه. وبادرنا إِلَى مُخَاطبَة الْبِلَاد، فمهدها ونسكنها، ونقرر الطَّاعَة فِي النُّفُوس، ونمكنها، وأمرنا النَّاس بهَا بكف الْأَيْدِي، وَرفع التَّعَدِّي، وَالْعَمَل من حفظ الشُّرُوط المسالمة المعقودة بِمَا يجدي. وَمن شَره مِنْهُم بالعوار عاجلناه بالإنكار، وصرفنا عَن النصرى مَا أوصلوه مصحبا بالاعتذار، وخاطبنا صَاحب قشتالة نرى مَا عِنْده فِي صلَة السّلم، إِلَى أمدها من الْأَخْبَار، واتصلت البيعات بِنَا من جَمِيع الأقطار، وَعفى على حزن الْمُسلمين بوالدنا، مَا ظهر عَلَيْهِم بولايتنا من الاستبشار، واستبقوا تطير بهم أَجْنِحَة الابتدار، جعلنَا الله مِمَّن قَابل الْحَوَادِث بِالِاعْتِبَارِ، وَكَانَ على حذر من تصاريف الأقدار، وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار، وأعاننا على إِقَامَة دينه فِي هَذَا الوطن الْغَرِيب، الْمُنْقَطع بَين الْعَدو الطاغي وَالْبَحْر الزخار، وألهمنا من شكره لما يتكفل بالمزيد من نعمه، وَلَا قطع عَنَّا عوائد كرمه، وَإِن فَقدنَا والدنا، فَأنْتم بعده الْوَالِد، والذخر الَّذِي تكرم مِنْهُ العوائد، وَالْحب يتوارث، كَمَا ورد فِي الاخبار الَّتِي وضحت مِنْهَا الشواهد. وَمن أعد مثلكُمْ لِبَنِيهِ، فقد تيسرت من بعد الْمَمَات أمانيه، وتأنست قَوَاعِد ملكه، وتشيدت مبانيه، فالاعتقاد الْجَمِيل مَوْصُول، وللفروع فِي التَّشَيُّع إِلَيْكُم أصُول، وَفِي تَقْرِير فخركم محصول، وَأَنْتُم ردء الْمُسلمين بِهَذِهِ الْبِلَاد الْمسلمَة، الَّذِي يعينهم بإرفاده، وَيَنْصُرهُمْ بإنجاده، ويعامل الله فيهم بِصدق جهاده، وعندما اسْتَقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 هَذَا الْأَمر الَّذِي تبْعَث المحنة فِيهِ المنحة، وراقت من فضل الله ولطفه فِيهِ الصفحة، وأخذنا الْبيعَة من أهل حضرتنا بعد استدعاء خواصهم وأعيانهم، وتزاحمت على رقها المنشور خطوط إِيمَانهم، وتأصلت قَوَاعِد ألفاظها ومعانيها فِي قُلُوبهم وآذانهم، وضمنوا الْوَفَاء بِمَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ، وَقد خبر سلفنا وَالْحَمْد لله وَفَاء ضمانهم. بادرنا تَعْرِيف مقامكم الَّذِي نعلم مساهمته فِيمَا سَاءَ وسر، وَأحلى وَأمر، عملا بِمُقْتَضى الخلوص الَّذِي ثَبت وَاسْتقر، وَالْحب الَّذِي مَا مَال يَوْمًا، وَلَا ازور، وَمَا أَحَق تَعْرِيف مقامكم بِوُقُوع هَذَا الْأَمر الْمَحْذُور. وانجلاء ليله عَن صبح الصنع البادي السفور، وَإِن كُنَّا قد خاطبنا من خدامكم من يُبَادر إعلامكم بالأمور إِلَّا أَنه أَمر لَهُ مَا بعده، وحادث يَأْخُذ حَده، ونبعث إِلَى بَابَكُمْ من شَاهد الْحَال، مَا بَين وُقُوعهَا، إِلَى استقرارها رأى العيان، وَتَوَلَّى تسديد الْأُمُور بِأَعْمَالِهِ الْكَرِيمَة، ومقاصده الحسان، ليَكُون أبلغ فِي الْبر وأشرح للصدر وأوعب للْبَيَان، فوجهنا إِلَيْكُم وَزِير أمرنَا، وَكَاتب سرنا الكذا، أَبُو فلَان، وألقينا إِلَيْهِ، من تَقْرِير تعويلنا على ذَلِك الْمقَام الْأَسْنَى، واستنادنا من التَّشَيُّع إِلَيْهِ، إِلَى الرُّكْن الوثيق المبنى، مَا نرجو أَن يكون [لَهُ فِيهِ الْمقَام] الأغنى، وَالثَّمَرَة العذبة المجتنى، فاهتمامه بِهَذَا الْغَرَض الأكيد، الَّذِي هُوَ أساس بنائنا، وقامع أَعْدَائِنَا، آثرنا تَوْجِيهه على توفر الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ، ومدار الْحَال عَلَيْهِ، والمرغوب من أبوتكم المؤملة، أَن يتلقاه قبُولهَا، بِمَا يَلِيق بِالْملكِ العالي، والخلافة السامية الْمَعَالِي. وَالله عز وَجل يديم أيامكم لصلة الْفضل المتوالي، ويحفظ مجدكم، من غير الْأَيَّام والليالي. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويوالي نصركم وعضدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي بره، الْفَرْض الأكيد، وقصده الْقَصْد الحميد، وتأمليه لِلْإِسْلَامِ وَأَهله هُوَ الرُّكْن الشَّديد. [فلباس فخره هُوَ الْمعلم الْجَدِيد، وَسَهْم سعادته السهْم السديد] . مقَام مَحل والدنا، الَّذِي نستولي من تَعْظِيمه على أمده، ونثابر على بره، وتتميم مقْصده، ونرتاح إِلَى تعرف أَحْوَال مَحل الْأَخ الْكَرِيم وَلَده. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله قرير الْعين بشمول الْعَافِيَة فِي النَّفس وَالْولد، مستوليا من ميدان الْكَمَال على الْمَدّ، عالى الصيت وَالْيَد، عدَّة الْإِسْلَام وَأَهله فِي الْيَوْم والغد، مُعظم مِقْدَاره، وملتزم إجلاله وإكباره، الْمُعْتَرف بمآثره الْكَرِيمَة وآثاره، والشاكر لفضله العميم فِي إِيرَاده وإصداره، الْمُعْتَمد بمضا غراره، الْمثنى عَلَيْهِ ثَنَاء [النسيم على] الرَّوْض غب قطاره. فلَان سَلام كريم طيب بر عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى، وأبوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله، وَاصل أَسبَاب الود الْكَرِيم، وموضح مناهج الْقَصْد القويم، منجد من توكل عَلَيْهِ باللطف العميم. المتكفل لمن شكر بالمزيد مِنْهَا والتتميم، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الرؤوف الرَّحِيم. الَّذِي أثنى فِي كِتَابه الْحَكِيم على خلقه الْعَظِيم، فبجاهه يتجلى لنا وَجه السَّعَادَة فِي المرأى الوسيم، ونلبس أَثوَاب الْعِزّ رائقة التسهيم، وبهديه نهتدي فِي اللَّيْل البهيم. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، [أولى الْفضل الحَدِيث، وَالْمجد الْقَدِيم] السائرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 من أَتبَاع مرضاته الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، الَّذين ظاهروه فِي حَيَاته بالعزم الصميم، وخلفوه بعد وَفَاته فِي أمته بِالْهدى الْكَرِيم، وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالعز الخالد، والسعد الْمُقِيم، والنصر الْكَرِيم الْإِجْمَال والتقسيم، والصنع الَّذِي يقْضى ارتياده بنجح المسيم. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ ثمَّ بِمَا عندنَا من الِاعْتِدَاد بمقامكم، [أَعلَى الله سُلْطَانه، وَرفع شَأْنه] ومهد بالعز أوطانه، إِلَّا الْخَيْر الدَّائِم الانسكاب، واليسر الخضل الجناب، والسعد المقتبل الشَّبَاب، وَنحن نتمسك بالود المتين الْأَسْبَاب، ونختال من حلل التَّعْظِيم فِي آنق الأثواب، ونمت بِالْوَلَاءِ الْخَالِص وَالْحب اللّبَاب. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، وشكر غرضكم فِي نصر الْإِسْلَام وقصدكم، فإننا لما ورد رَسُولنَا، بَابَكُمْ، منشرح الصَّدْر بِمَا أولاه مقامكم من الْبر، تعرفنا مِنْهُ بِأَن مَحل أخينا، الْأَمِير الأسعد أَبَا زيان، أقرّ الله عين الْإِسْلَام بِكَمَال بدره. ووفر برضاكم عَنهُ، أَسبَاب علو قدره، وأمتعه بِبَقَاء مقامكم، وانفساح عمره، حَتَّى يسركم الله بنجح جهاده، فِي طاعتكم، وإعزاز نَصره، لما عَاد من وجهته الَّتِي لَهَا عينتموه، وحركته الَّتِي بهَا أمرتموه، واصابه ألم، تدارك الله بِرَفْعِهِ وإزالته، وَأعَاد جسده إِلَى حَالَته، فسألنا الله عز وَجل اتِّصَال الْعَافِيَة، وتوالى الألطاف الخافية، والمواهب الوافية، وحمدناه على مَا أتاح من النِّعْمَة الكافية، وَمَعَ هَذَا فَلم نقنع، إِلَّا بمزيد السُّؤَال، واستطلاع الْأَحْوَال [وتعرف أنبائه على الْكَمَال] فكتبنا هَذَا الْكتاب نرغب أَن يشْرَح لنا حَاله عَن أَمركُم الْكَرِيم شرحا يقر الْعُيُون، ويخلص من الشَّك والظنون، فَإِن عافيته لدينا، أهم مَا يلْتَمس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَالسُّرُور براحته أبهى مَا يلبس، وصل الله أَسبَاب عصمته، ووالى لَدَيْهِ ولديكم، مواهب نعْمَته. وَألقى إلنيا الرَّسُول الْمَذْكُور مَا اشرتم بِهِ من تَوْجِيه الطَّبِيب لمباشرة إعقاب هَذَا الْمَرَض، الَّذِي يُرْجَى أَن يكون قد انْفَصل، وَتَمام الْغَرَض من الرَّاحَة قد حصل. وَلَوْلَا أَن الطَّبِيب الَّذِي ذكرْتُمْ، وَإِلَى بَعثه أشرتم، كَانَ أَصَابَته شكاية الْتزم لَهَا دَاره، لأوجبنا للْوَقْت والحين بداره، وعَلى الْأَثر يصلكم كَيفَ مَا تيَسّر، وعَلى أَي حَال قدر، فَلَا شَيْء أهم علينا من المسارعة لتتميم، مَا يعن لأبوتكم من غَرَض، لَا سِيمَا مَا يُرْجَى بِهِ شِفَاء مرض. فَلَا تسلوا عمالنا عَمَّا يهم مقامكم من اهتمام بِمُقْتَضى مالنا لديكم من وَسِيلَة وذمام، أطْلعنَا الله من أحوالكم على مَا يرضى فِي افْتِتَاح واختتام، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل لكم سَعَادَة لَا تؤذن بانصرام، ويحرس مقامكم فِي كل مقَام، ويعين على أَدَاء مالكم من حُقُوق جسام. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي بهر فَضله، واشتهر عدله، وسما فِي الْمُلُوك الصَّالِحين مَحَله، وتظاهر فِي نصر دين الله قَوْله وَفعله، فمجده وَاضِحَة سبله، وعزه وارف ظله، مقَام مَحل أخينا، الَّذِي سَبَب اعتمادنا عَلَيْهِ، بعد الله شَدِيد، الأواخي، وَأمر إِشَارَته لدينا مَحْمُول على الْفَوْز لَا على التَّرَاخِي، السطلان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا أبقاه الله رفيعا جَلَاله، [رحيبا فِي السعد مجاله، ميسرَة من فضل الله آماله، ناجحة فِي سَبيله أَعماله] مكنوفة بالعصمة خلاله، ورافة بالعز ظلاله، مُعظم قدره الَّذِي يجب تَعْظِيمه، وشاكر فَضله الَّذِي اتَّصل بِالْحَدِيثِ قديمه، الْأَمِير فلَان. سَلام كريم، طيب برعميم، يخص جنابكم الْأَعْلَى وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 أما بعد حمد الله الَّذِي أولى النعم وخولها، ووالى المنن وَوَصلهَا، وتمم المآرب وكملها، وعرفنا ببركة أبوتكم عوارف الْعَافِيَة، نسحب حللها وَنَحْمَد حَالهَا ومستقبلها. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي شرف ذَاته الْكَرِيمَة على الذوات البشرية وفضلها، وَبَعثه شافيا أدواء النُّفُوس وعللها، وَمد بِهِ أروقة النجَاة وسدلها، خَاتم الرُّسُل والأنبياء [وَإِن كَانَ بالعناية أَولهَا، الَّذِي عَم الْبَريَّة ببركة دَعوته] وشملها، [وَحمل على جادة الْحق حملهَا] وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وعترته وَحزبه، أَعْلَام الْهدى، الَّذِي انتخبها لَهُ وانتخلها وقواعد الْملَّة الَّتِي مهدها وَأَصلهَا، وشهب الاقتدا الَّذين أوضحُوا محرم الدّيانَة ومحللها، وبينوا مجملها، وشرحوا قَوْلهَا وعملها، والدعا لمقام أبوتكم الأسمى بالنصر الَّذِي يبلغ النُّفُوس الْمسلمَة أملهَا، ويوفر نعم الله قبلهَا، والصنع الذى يرْوى غللها، ويشفى عللها، وَالْفَتْح الَّذِي يطلع انوار الْبشر لَهَا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم، سَعَادَة كَرِيمَة [السمات، وغرة مشرقة القسمات، وعناية] تتكفل بِفَتْح الْأَبْوَاب المبهمات. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من التَّشَيُّع لمقامكم، أَعلَى الله سُلْطَانه، ومهد باتصال الصنع الْكَرِيم أوطانه، إِلَّا الْخَيْر الَّذِي يتوالى مدده، ويترامى إِلَى المرامي القاصية أمده، واليسر الَّذِي يتَّصل سَنَده، على أساس السَّعَادَة عمده، وَعِنْدنَا لمثابتكم الْعُظْمَى، عقائد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 واخت قَوَاعِد الِاعْتِقَاد، ومذاهب ترفعت عَن قبُول الانتقاد، وحجج وَثِيقَة الْإِسْنَاد، وأبيات أمنت من الأنواء والسناد. وَإِلَى هَذَا وصل الله لكم أَسبَاب الإسعاد، وَكتب لكم محتوم الْعِنَايَة فِي المبدأ والمعاد. فإننا لما ورد رَسُولنَا الْقَرِيب عَهده بمثابتكم، مثابة الْعدْل وَالْإِحْسَان، وعنصر الشيم الْكَرِيمَة والأثر الحسان، منبئا عَمَّا كَانَ ألم بأخينا الْأَمِير الأسعد الاطهر أبي زيان، إِنْسَان عين عَالم الْإِنْسَان، ألبسهُ الله بطاعتكم المقترنة بِطَاعَتِهِ ملابس الرضْوَان، من الْأَلَم الَّذِي تفديه من مثله الصُّدُور بلباتها، والقلوب بحباتها، لَا بل البدور بآياتها، ثمَّ بِمَا من الله بِهِ من معافاة الْمجد بمعافاته، وإعادته من لِبَاس الصِّحَّة إِلَى أفضل عاداته، وَأَن الله أَسْبغ على الْإِسْلَام بسلامته لِبَاس الْمِنَّة، وزائر الْأَلَم رَاعى فِي التَّخْفِيف أَعمال السّنة، أنهى إِلَيْنَا الْإِشَارَة بتوجيه الطَّبِيب الإسلامى الذى صدقت إِلَى بابنا هجرته، وَبَانَتْ لدينا ولدى سلفنا أثرته، الْحَكِيم الْعَارِف إِبْرَاهِيم بن زرزار، وصل الله بتقواه سعادته، وسنى لَهُ من الْخَيْر بهَا إِرَادَته، فَكَانَ من الِاتِّفَاق أَن الفني الْمَذْكُور، وَقد أَصَابَته شكاية تردد بني لهواتها، وَكَاد يتردى فِي مهواتها، إِذْ عَالم الْكَوْن وَالْفساد، لَا بُد أَن تعترضه الْعِلَل، وأشراك الْقدر لَا تنجى مِنْهَا الْحِيَل. فَلَمَّا أبل أَو كَاد، وَغلب بِإِذن الله الْكَوْن وَالْفساد، وَجب صرفه لإِزَالَة الْعلَّة الَّتِي منعت، وارتفاع العوايق الَّتِي قطعت، وَإِن كَانَت الْعَافِيَة قد أغنت، وملابس الْعِصْمَة، وَالْحَمْد لله، قد أجنت. فَرَأَيْنَا أَن الْبر إِنَّمَا هُوَ فِي تَوْجِيهه وَبَعثه، وحاله تغنى عَن تَقْرِير الْعذر فِي لبثه. وأصحبناه إِلَى مَحل أخينا الْعَزِيز علينا، الْعَظِيم الْحق لدينا، على الإدلال الَّذِي يحمل فِيهِ كَمَاله، ويغضى عَنهُ جَلَاله، من يخْدم فِي مثل هَذَا الْغَرَض، الَّذِي توجه إِلَيْهِ، ويتصرف فِي مثل هَذِه الْأُمُور بَين يَدَيْهِ. وإغضاؤكم عَن التَّقْصِير مُعْتَاد، وفضلكم قد شهد بِهِ حى وجماد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 ومجدكم قد بَعدت مِنْهُ آماد. نسل الله أَن يُؤَيّد الْإِسْلَام بتأييدكم، ويعز فِيهِ الْحق بإعزاز نصركم، ويوتيكم فِي النَّفس وَالْولد، مَا يتكفل بقرة عينكم، وانشراح صدركم، وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن مذلك الْمقَام الَّذِي اتِّصَال عافيته نعْمَة عميمة، وَكَمَال رَاحَته منَّة جسيمة، ودوام سعادته سقيا للاقطار وديمة، وَتَمام صِحَّته على العدوتين تَمِيمَة، فشيم فَضله، لَا يفضلها فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم شِيمَة، ومذاهب عدله وَاضِحَة مُسْتَقِيمَة، ومكارمه شَامِلَة عميمة، وآثاره فِي سَبِيل الله حَادِثَة وقديمة. مقَام مَحل أَبينَا، الَّذِي لنا باتصال نعم الله عَلَيْهِ ابتهاج، وَفِي ميدان التَّشَيُّع فِيهِ إلجام وإسراج، وَفِي مناظرة الثَّنَاء على مجده العالي اسْتِدْلَال واحتجاج. فَقِيَاس حبنا المتوارث لَا يعْدم فِيهِ إنتاج، وَعقد أخلاصنا لَا يناظره عناد وَلَا لجاج، وتعويلنا عَلَيْهِ بعد الله فِي الظُّهُور وسلوك السّنَن الْمَشْهُور سراج وهاج. السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله يلبس ثِيَاب الْعَافِيَة جددا، ويتعرف عوارف السَّعَادَة الْمُعَادَة يَوْمًا وَغدا، ويفسح لَهُ فِي الْعُمر الطَّوِيل مدا، وَأَعْلَى على الْأَعْدَاء الْكَافرين يدا، وَأبقى ملكه للدّين وَالدُّنْيَا مُسْتَندا، وللإسلام وَأَهله مُعْتَمدًا، يتعرفون مَا بَين سلمه وحربه النَّصْر عَزِيزًا، والعيش رغدا. مُعظم قدره السَّامِي فِي الأقدار [وَمُوجب حَقه] المتأكد الْوُجُوب الْمشرق الْأَنْوَار، الْمثنى على فَضله الْكَرِيم الْعمَّال والأقوال وَالْأَخْبَار، الساحب لأنباء عصمته وراحته أَثوَاب الجذل والاستبشار، الداعى باتصال نعم الله لَدَيْهِ، اتِّصَالًا يُؤذن بالدوام والاستقرار الْأَمِير فلَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 أما بعد حمد الله، واهب النعم ومديمها، وَرَافِع قَوَاعِد الدّين الحنيف ومقيمها، وواصل حَدِيث الصنايع الإلهية والألطاف الْخفية بقديمها، متمم الآلاء حق تتميمها، ومنسق أنفاس الْعِنَايَة، ينشط النُّفُوس أريج نسيمها، ومعرف العوارف الْكَرِيمَة، تظهر مَعَاني الْفضل العميم عِنْد سبرها وتقسيمها، ومبدي صفحات المنن، تروق الْأَبْصَار لمحات وسيمها، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، منقذ الْخَلَائق، بتبيين مَأْخَذ الْهِدَايَة وَتَعْلِيمهَا، ذِي المعجزات، الَّتِي تلقت صحيحها الْعُقُول بإقرارها وتسليمها، سيد الْأَنْبِيَاء، بَين خليلها وكليمها، خَاتم النُّبُوَّة، والفائز بتقديمها، الْمَوْصُوف من الْأَوْصَاف القدسية برءوفها ورحيمها، وَمن الْخلق الرضية، بعظيمها. فبجاهه نلبس أَثوَاب السَّعَادَة، يروق صبح أديمها، ونتفيأ ظلال الْيمن والأمان، فنستمتع بنعيمها، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، وشيعته وأحزابه، دُرَر الْملَّة، الَّتِي عنيت أَيدي الْعِنَايَة بتنظيمها، ووقفت الألسن على توقيرها وتعظيمها، الَّذين دافعوا بسيوفهم الْمَاضِيَة عَن نفوس الْملَّة الراضية وحريمها، وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى بالعناية الَّتِي لَا مطل لغريمها، وَلَا ظعن لمقيمها، والسعادة الَّتِي تغني كواكبها عَن تَعْدِيل النصب وتقويمها، والعزة الَّتِي تتَنَاوَل تَخْصِيص كل عز بتعميمها. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عَافِيَة مديدة الظلال، وَصِحَّة ضافية السربال، وعصمة مستصحبة فِي الْحَال والمآل، وَأبقى علينا مَكَان اعتقادكم الْجَمِيل، مثابة لنجاح الْأَعْمَال، وبلوغ الآمال، حَتَّى نتعرف فِي هَذِه الجزيرة عوارف الْأَمْن، المنسدل الْجنَاح على النُّفُوس وَالْأَمْوَال، وتتهنأ أيامكم الأبوية فِي صنع يَقْتَضِي صَلَاح الْأَحْوَال، وتمهيد الْخلال. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 مجدكم، فإننا لما ورد علينا كتابكُمْ الَّذِي كف وكفا، وداوى بِخَبَر شفائكم وشفا، وَقد كَانَت الْحَال على شفا، وَسكن من الآمال، مَا كَانَ هفا، وَنظر فِي موضوعي المودود وَالْمَكْرُوه، فَأثْبت ونفا، وَأخْبر بذهاب البوس، وتنفيس الله عَن النُّفُوس، وأضفى السرُور وأسبغ اللبوس، وأضحك وَجه الزَّمَان العبوس، راجعنا نشكر صنع الله، فِيمَا تخلق بِهِ طيف ذَلِك الْأَلَم من التَّخْفِيف، ونسله أَن يعظم، وَقد فعل أجر المضيف، ونثني بِذكر مقامكم فِي تَعْجِيل التَّعْرِيف، وإطلاع صبح البشاير فِي جنح الْخطب المخيف. ثمَّ إِن نفس الشفيق لَا تقنع فِي مثل هَذَا بِخَبَر وَاحِد، وَلَا تجتزى بمعان مُفْرد أَو مشَاهد، حَتَّى يتَّصل التَّحْقِيق، ويتضح الطَّرِيق، وتقوى قُوَّة التَّصَوُّر والتصديق. فوجهنا من يُبَاشر أَحْوَال ذَلِك الْمقَام، الَّذِي صَلَاح الْأُمُور بصلاح أمره مَنُوط، والسعادة مَعَ استقامة عافيته شَرط ومشروط. فَإِنَّكُم الْعدة الَّتِي تمد الْيَد إِلَى نَصره، كلما طمح الْعَدو إِلَى اعتدائه، أَو جمع فِي غلوائه، والثمال الْمعول عَلَيْهِ فِي ابْتِدَاء كل أَمر وانتهائه. وَنحن أَولا وآخرا نشكر الله على مَا من بِهِ من عصمَة ذَاته، ونسله دوَام ستره عَلَيْهِ واتصال حَيَاته، ونعتد بِهِ على ابْتِغَاء مَا فِيهِ ابْتِغَاء خير مَا عِنْد الله، والتماس مرضاته، فَهَذِهِ الْبِلَاد لَا تجْهَل مَا سلف فِيهَا لسلفه الأرضي، من أَعمال أمنت الْخَائِف، وأجزلت اللطائف، وأنست الْأَمْلَاك الْمَاضِيَة والخلائف، وطرزت بِالْبرِّ الصحائف، وَهُوَ إِن شَاءَ الله يُربي على الْمَاضِي بمستقبله، وينسى بِآخِرهِ أَوله، حَتَّى يزكو فِي الْبر عمله، ويساعده فِي ابْتِغَاء الْفَخر، وَبَقَاء الذّكر أمله بحول الله. واخترنا لتقرير هَذَا الْفَرْض الأكيد، وَالْقَصْد السديد، من يقوم فِيهِ بالْمقَام الحميد، وينتقل إِلَى مرتبَة الِاجْتِهَاد عَن مرتبَة التَّقْلِيد، ذَلِك القايد الكذا، وألقينا إِلَيْهِ مَا يلقيه إِلَيْكُم، ويورده عَلَيْكُم، وَأَنْتُم تولونه برا وإقبالا، وتفتحون لَهُ فِي الإصغاء إِلَى مَا عِنْده مجالا بحول الله، وَالله يصل سعادتكم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 ويحرس أصالتكم السُّلْطَانِيَّة ومجادتكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي لَا تشوب مُعَامَلَته فِي الله الأوشاب، وَلَا يتَطَرَّق إِلَى يقينه الارتياب، وَلَا يَنْقَطِع مَعَ تأميله الْأَسْبَاب، مقَام مَحل والدنا الَّذِي نجري فِي مَحل التشبت بوده ملْء الْعَنَان، ونجعل التَّشَيُّع إِلَيْهِ شغل الْجنان، وَالثنَاء على معاليه هجير اللِّسَان، ونستند مِنْهُ فِي سَبِيل الله إِلَى المعتصم الوثيق الْبُنيان، ونهيب بِهِ إِلَى مَا هُوَ أحرص عَلَيْهِ، من ابْتِغَاء مرضاة الرَّحْمَن، ونعرض على جَلَاله من الأنباء مَا يهم الْمُسلمين شَأْنه بِهَذِهِ الْبلدَانِ. أبقاه الله خَالص الْعَمَل لوجهه الْكَرِيم، مُصدق ظنون من يؤمل إنجاده من أهل الْإِسْلَام بِهَذَا الإقليم، وَجعله مِمَّن أَتَاهُ [فِي غَد] بِالْقَلْبِ السَّلِيم. مُعظم قدره حق التَّعْظِيم، الْمثنى على مجده السَّامِي، وفضله العميم [المعند بعزمه الْأَقْصَى، وجهاده الأرضي، ومجده الْعَظِيم] فلَان، سَلام كريم طيب بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله، الَّذِي تغمدنا جَمِيعًا فَضله وَكَرمه، وجادت آمالنا الْبَعِيدَة ديمه، وَجعل اتِّصَال الْيَد من أَجله فِي الْإِسْلَام بَين أَهله، متاتا ترعى ذممه، فَمن عول عَلَيْهِ، وَصرف الْقَصْد إِلَيْهِ، علت هممه، وَكَانَت شيم الْمُتَّقِينَ الْأَبْرَار شيمه. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله، الخافق بالهداية علمه، المؤتى جَوَامِع الحكم كَلمه، الَّذِي أطلع نور الْحق، فانجابت حنادس الْبَاطِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وظلمه، وَدلّ على كنز الْمعرفَة بِاللَّه، فأثرى بِهِ [بائس الْوُجُود] ومعدمه، فَهُوَ الملجأ الَّذِي يؤوينا حرمه، وَتُنْجِينَا من المكاره عصمته. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين شفا جهادهم الدّين، وَقد أعيا ألمه، وَحمى الْخلق فحفظ مَال كل مُسلم وَدَمه، وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى، بالصنع الوافرة قسمه، والتوفيق المشرقة أنجمه، والسعد الَّذِي تنجده الأقدار وتخدمه. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا وَاضِحَة حكمه، وَعزا يتبارى فِي الافتخار بِمَا فِيهِ سَعَادَة الْأَمْصَار والأعصار، سَيْفه وقلمه. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَيْسَ بِفضل الله سُبْحَانَهُ الا بنوة شَأْنهَا الدَّهْر صدق اعتذار وَحقّ ابتدار، واعترف بِمَا لتِلْك الْأُبُوَّة من حُقُوق كبار، وَمد أَيدي انتصار واستظهار، ومطالعة بأنباء مهمة وأخبار، واقتباس راى سديد، يستمد الضياء من مشكاته أنوار، وَالله يَجْعَل ذَلِك فِي ذَاته مُتَّصِل السَّبَب، كَفِيلا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بنيل الأرب. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، فإننا بِحَسب الود الوثيق عقده، المورى زنده، والتشيع الخافق بنده، نود أَن لَا يمر زمَان، إِلَّا عَن تَجْدِيد مُخَاطبَة، وترديد مُكَاتبَة، نُودي مِنْهَا فرضا وَاجِبا، ونسلك سننا لاحبا، ونقلد مِنْهَا الْمُرَاجَعَة [مسلكا فِي] فِي التَّشَيُّع، على مهيع السّنة رَاغِبًا، ولأذيال الإغضاء والتؤده مصاحبا، فأبناؤكم عندنَا رقى يشفى بهَا للتشوف الْأَلَم، وكتبكم سحائب بَرَكَات لَا يغب مِنْهَا غمام، وبحسب هَذَا الِاعْتِقَاد، الَّذِي هُوَ أصل لَا يُعَارض، وَفصل لَا يُنَاقض، وجهنا هَذِه المخاطبة، نجدد لمقام أبوتكم عهدا، ونسلك من تَعْظِيم مثابتكم قصدا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 ونستطلع جميل نظركم صَدرا ووردا، ونقرر من أَحْوَال الْعَدو الْمُحَارب والمسالم، مَا نلتمس بِهِ بركَة رَأْيكُمْ، ونجاح قصدكم الله وسعيكم، فاعلموا أَن مِنْهَا كَذَا، وَكَذَا. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي إِلَيْهِ اللجأ والجنوح، وَله الرفد الممنوح، والصدر المشروح، وَالْفضل الَّذِي تألق مِنْهُ الوضوح، والعزمات الَّتِي تؤيدها الْمَلَائِكَة وَالروح، مقَام مؤملي الَّذِي إِلَيْهِ الِاسْتِنَاد، وبعزه الِاعْتِدَاد، وَعَلِيهِ بعد الله الِاعْتِمَاد، السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله يجير الكسير، ويسنى الظهير وَيضم الشتيت، وينظم النثير، ويؤمل القاصد ملكه الْكَبِير، ويستدرك الْفَائِت بعز دخيله من أضاع الحزم وأهمل التَّدْبِير، مُؤَمل نَصره، ومعمل أمره، وقاصر الرجا بعد الله على قصره، الدَّاعِي إِلَى الله بإعلاء قدره، واتصال عمره. فلَان. أما بعد حمد الله على كل حَال، عاطل أَو حَال، وَالتَّسْلِيم لقدرته سُبْحَانَهُ فِي كل حل وارتحال؛ وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الماحي ببرهان الْحق كل محَال، منقذ النَّاس بِشَفَاعَتِهِ، وَقد تورطوا، من الغي فِي أوحال، وتشبثوا بِسوء انتحال. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، خير صحب وَآل. فَكَتبهُ إِلَيْكُم من ظَاهر مربلة حرسها الله، وَقد استظل فِي ظلّ إيالتكم الْقَرار، واطمأنت الدَّار، وتمحض لعز خيلكم الِانْتِصَار، لما خذلت الْأَنْصَار. وَإِلَى هَذَا أبقاكم الله، فقد كَانَ تقدم إيفاد المخاطبة على بَابَكُمْ، التماسا لنظركم الْجَمِيل، وبابكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 الْأَصِيل، وَجعل فِي يدكم الْعليا زِمَام التأميل، ورجيت الْأَيَّام بانتظار مَا يرد من ذَلِك الْمقَام الْجَلِيل، وَقد أعيا على من تعدى على شيعتكم الْأَمر، وضاق مِنْهُ الصَّدْر، وَوَقع الانتصاف فِي المجال، وصدقت عزائم الْأَوْلِيَاء من الرِّجَال، وأمل فضل الله الَّذِي يفرج الشدائد، وَرَحمته المتعرفة العوائد، إِلَى أَن وصل رَسُولكُم الْفَقِيه الشريف، الميمون النقيبة السعيد الإدارة، الذى شهِدت شيمته بالانتماء الصَّادِق إِلَى الْمُخْتَار وسلالته المختارة، أَبُو الْقَاسِم، وصل الله عزة شرفه، ونفع بمحبته سلفه، وَألقى مضمن مَا توجه فِيهِ، وَعرض الدَّوَاء الَّذِي يبرىء الدَّاء ويشفيه، فصادف قلبا إِلَيْهِ مقلوبا، وَهدى بتأييد الله وتوفيقه مَغْلُوبًا، فِيمَن من الجنوح إِلَى مثابتكم أملا مَطْلُوبا، وَقد كَانَ شيعتكم بَين أَمريْن، من الْمقَام بَين أظهر الْأَوْلِيَاء من أهل وَادي آش محصلا من عَهدهم، مَالا يتَطَرَّق النكث إِلَى وفائه، وَلَا يتصدر الكدر إِلَى صفائه، يفدون من النُّفُوس بكرام النُّفُوس، ويستظهرون من الصَّبْر الْجَمِيل بأضفى اللبوس، ويعينون بِمَا ملكت أَيْديهم، وتدل على حسن الْخَوَاتِم، كرائم مبادئهم، إِلَى أَن يحي من حَيّ عَن بَيِّنَة، أَو يهْلك من هلك عَن بَيِّنَة، أنفًا لبيعة موثقة، وَطَاعَة متسقة، أَو اللحاق بِأَرْض الْكفْر، مؤثرا وَالْحَمْد لله، على الْوِقَايَة، من ذَلِك دَاعِيَة الْهوى، منخرطا فِي سلك من تعدى وَهوى، لتحرق الْفِتْنَة من، آثارها، أَو تبلغ النَّفس ثارها. فَوَقع بإشارتكم الدِّينِيَّة الاجتزا، ورجى من أهل الله الْخُف وأمل مِنْهُ الجزا، وارتفع اللّبْس، وَطَابَتْ بالمثول ببابكم النَّفس، وَظهر لشيعتكم كفاء لعناية مقامكم الأسمى، وَعَملا بِمَا يجب من طَاعَة جلالتكم الْعُظْمَى، أَن استحضر أهل العقد والحل، ووجوه أهل الدّين وَالْفضل، فَخرج لكم عَن الْمَدِينَة بِمَا اشْتَمَلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 عَلَيْهِ من الْحُصُون والأقوات وَالْبِقَاع، والمستخلصات والرباع، والحقوق على اخْتِلَاف الْأَنْوَاع، بِحكم الْهِبَة الَّتِي أوضح الشَّرْح سَبِيلهَا، وَأثبت دليلها، وحازها رَسُولكُم، أبقاه الله، حِيَازَة، لم تبْق شُبْهَة ملك، لغيركم فِيهَا، وَسلمهَا من أَمركُم الْعَزِيز، إِلَى من يكفلها ويكفيها، فيدكم عَلَيْهَا، لَا يرفعها غصب غَاصِب، وَلَا يدْفع حجتها لَغْو مكايد للحق مناصب، وَهِي مَا هِيَ من جباية، يفضل فِيهَا الدخل على الخرج، وبلد الزَّرْع والضرع، وَالظّهْر والسرج، وَمَعْقِل الإباية والمنعة، أعزها الله بعز طاعتكم، وهنأ أَهلهَا، نظمكم إِيَّاهَا فِي سلك جماعتكم، وَانْصَرف عَنْهَا إِلَى بَابَكُمْ، وَتَحْت خفارة جنابكم، بعد أَن أَقَامَ أَهلهَا مأتما للفراق وخدوا الخدود بدموع الْآفَاق، وحكموا الزَّفِير فِي الاطواق، وَلم يَقع الخطور على بَلَده، إِلَّا وبرز أَهلهَا يعج عجيجهم، ويعلو بكاؤهم ونشيجهم حسرة، لبيعة مكفورة، وَذمَّة مخفورة، وَعقد بِغَيْر الْحق محلولة، وَحُقُوق مَجْهُولَة. وَقد صرفت الْوُجُوه إِلَى الْبَاب الَّذِي يضم الشارد، ويعذب الْمَوَارِد، ويروى الْوَارِد، وَيُؤْنس الْغَرِيب، وَيضمن النَّصْر الْعَزِيز، وَالْفَتْح الْقَرِيب، وَالدُّنْيَا وَأَهْلهَا مَا علمْتُم، رهن نفاد وزيال. [والاعمار تطوى بَين أَيَّام تمر وليال] وَلَا يبْقى إِلَّا فَخر، يخلد فِي الأعقاب، ومنن تعقد فِي الرّقاب، وَأجر يحْسب يَوْم الْحساب. وَالْملك وَإِن تفاضل، يقوم بَين أَهله مقَام الانتساب، والنعرة المرينية بَاقِيَة، والهمم اليعقوبية عالية، وَالْحُرْمَة مُتَوَالِيَة، وَحُقُوق الدخيل فِي ذَلِك الْقَبِيل جَدِيدَة غير بالية. وهذ أَمر قدم الْعَهْد بِهِ، وَنَرْجُو أَن يكون الامتعاض لَهُ مناسبا، وَالْحق عاصبا، والنفوس الْكَرِيمَة لهضمه مشفقة، والمساعي غير خافية وَلَا مخفقة، وَإِذا وَقع الشّرف بلقائكم تستوفي المشافهة مَا قصر عَنهُ الْكتاب، وتوصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الْأَسْبَاب، وَيفتح من قبُول الله على يدكم الْبَاب، وَهُوَ سُبْحَانَهُ، يقيكم عثرات الْأَزْمَان، ونكث الْإِيمَان، ويفني ذَوي الْعدوان، ويلبس الأَرْض بإيالتكم ملابس الْأمان، وَيجْعَل طاعتكم عنوانا على طَاعَة الرَّحْمَن، ويصل سعدكم ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْإِمَارَة الَّتِي نقيها بالنفوس ونفديها، ونلحم برود برهَا ونسديها، ونستطلع أنباء عَافِيَتهَا ونستهديها. إِمَارَة مَحل أخينا الَّذِي مجده صراح، وصبح فَضله وضاح، وَلنَا بتعرف رَاحَته ارتياح. الْأَمِير الْأَجَل الاعز، الْأَسْنَى الأطهر، الاظهر، الأسمى، الأسعد، الأرشد الارضى، المؤمل الأمضى، الْأَفْضَل الْأَكْمَل، أَبُو زيان ابْن مَحل والدنا، الذى ندين بإجلاله، ونعترف بأفضاله، ونستظهر بأقواله وأفعاله، ونمت بالود المتوارث إِلَى جَلَاله، السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله مَحْفُوظًا من السرَار بدره، رفيعا بالعز قدره، رحيبا بِالْفَضْلِ صَدره، مَاضِيا فِي طَاعَة الله، وَطَاعَة أَبِيه، نَهْيه وَأمره، مُعظم أخوته الْكَرِيمَة الْأَصَالَة وموقر إمارته الرفيعة الْجَلالَة، الدَّاعِي إِلَى الله لَهَا بالعافية الدائمة، وَالنعَم المنثالة، كَمَا زين ببدرها مدَار تِلْكَ الهالة، وَجعلهَا حليا لتِلْك الإيالة، فلَان سَلام كريم، طيب بر عميم، يخص مقامكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي جعل بِإِزَاءِ تألم عَبده أجرا وثوابا، وبإزاء شكره مزيدا وَعَطَاء حسابا، وَوصل من نعمه العميقة أسبابا، وألبس ذاتكم الطاهرة من الْعَافِيَة أثوابا، وسوغ الْإِسْلَام من الاستبشار بإقبالها موارد عذَابا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي نقتبس من سنته الْكَرِيمَة أَخْلَاقًا حميدة وآدابا، ونلبس من الاقتدا بمراسمه الْوَاضِحَة جلبابا، ونصل الود فِي مرضاته، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 فنسعد حَالا ومثالا، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين فضلوا الْأمة أذهانا وألبابا، وَمَكَارِم رغابا، وتصادقوا فِي دينه، فَحَمدَ مِنْهُم مآبا؛ وَالدُّعَاء لإمارتكم السامية، الَّتِي أطلعت فِي سَمَاء الْجَلالَة شهابا، وأنشأت فِي أفق الْفضل سحابا، ونادتها ألسن التَّوْفِيق، فَكَانَت الْمُبَادرَة مِنْهَا جَوَابا [بالسعد الَّذِي يفتح إِلَى مرضاة الله أبوابا، ويمهد مِنْهُ جنابا] فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من آلائه أجزل الْأَقْسَام، ووفر أَسبَاب عافيتكم، الَّتِي فِيهَا أمل الْإِسْلَام، ودافع عَن ذاتكم الإمارية طوارق الآلام، وألهمكم من الشُّكْر على الْعَافِيَة مَا يستدعى مزيدها، كَمَا وعد فِي كِتَابَة الثَّابِت الْأَحْكَام. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من التَّشَيُّع لمقام مَحل والدنا أبيكم، أَعلَى الله سُلْطَانه، ومهد أوطانه، ثمَّ بِمَا يتبع ذَلِك من الِاعْتِدَاد بودكم الَّذِي يوثر شَأْنه، ويجل مَكَانَهُ، إِلَّا الْخَيْر الدَّائِم، واليسر الملازم، وَالْحَمْد لله. وموجبه إِلَى جلالكم الَّذِي نؤمله ونعده، ونوثقه ونشده، فَلَا يبْلى لدينا وده، هُوَ أَن رَسُولنَا، الآيب فِي هَذِه الْأَيَّام من أبوابكم، الصَّادِر بِالْبرِّ وَالثنَاء على جنابكم، كَانَ مِمَّا عرفنَا بِهِ، أَن ثَوَاب الله تفقد ذاتكم الطاهرة، وزيارته أوجبت لكم الأجور الفاخرة، ثمَّ تدارك سُبْحَانَهُ بالعافية الَّتِي أطلعت الْأَنْوَار الباهرة، وسحبت البركات الطاهره، فلولا أَن الْخَبَر اشْتَمَل على خبر الرَّاحَة، وَأمن الساحة، لعظم الْأَمر، واشتغل الْفِكر. لَا كننا لم نقنع فِي هَذِه الْقَضِيَّة بِخَبَر وَاحِد، وَلَا اجتزينا بمعاين مُفْرد [أَو مشَاهد] فَبَعَثنَا هَذَا الْكتاب لنستزيد بِهِ وضوحا، ونطلب الْخَبَر مشروحا، ونستنشق من جو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 السرُور بمزيد عنايتكم روحا، ونهنيكم أَولا بإيابكم من السّفر، وَثَانِيا بِمَا من الله من رفع الضَّرَر، فإننا ننطوى من ودكم وتعظيمكم على عقائد لَا تَلْتَبِس أُصُولهَا، وَلَا تتعارض فصولها، ونؤمل من مظاهرتكم، فِي طَاعَة الله، وَطَاعَة والدكم، مَا يعود بعز الْإِسْلَام وَأَهله، وقمع الْكفْر وذله، وَإِظْهَار دين الله على الدّين كُله، وَالله [يُحَقّق الْأمان، ويبلغ الآمال] فمرادنا مِنْكُم أَن تتفضلوا بالتعريف بحالكم لنكون على علم بِرَفْع الالتباس، وَذَهَاب الباس، وَتَمام السرُور والإيناس، وفضلكم يتمم الْمَقَاصِد والمآرب، ويعذب من الْبر المشارب، إِن شَاءَ الله. وَمن ذَلِك الْإِمَارَة الَّتِي أشرق فِي سَمَاء الْملك شهابها، واتصلت بِأَسْبَاب الْعِزّ أَسبَابهَا، واشتملت على الْفضل وَالطَّهَارَة أثوابها، وأجليت قداح المفاخر فَكَانَ إِلَى جِهَة الله أشرابها. إِمَارَة مَحل أخينا الَّذِي تأسس على مرضاة الله أصل فخره، واتسم بالمرابط الْمُجَاهِد، على اقتبال سنه، وَجدّة عمره، وبدا بِفضل الْجِهَاد صحيفَة أجره، وافتتح بالرباط وَالصَّلَاح، ديوَان نَهْيه وَأمره، لما يسره من سَعَادَة نصبته، وحباه من عز نَصره، الْأَمِير الْأَعَز الأرفع، الْأَسْنَى الأطهر، الْأَظْهر، الأمنع، الأصعد الأسمى، الْمُوفق الأرضى، مَحل أخينا الْعَزِيز علينا، المهداة أنباء مأمول جواره إِلَيْنَا، أبي بكر السعيد ابْن مَحل والدنا، الَّذِي مقاصده لِلْإِسْلَامِ وَأَهله على مرضاة الله جَارِيَة، وعزائمه إِلَى نصر الْملَّة الحنيفية متسارية؛ السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله سديدة آراؤه، ناجحة أَعماله، مسيرَة أغراضه، من فضل الله متمة آماله، رحيبا فِي السعد مجاله، يكنفه من الله [وَمحل أَبينَا غمام] وارفة ظلاله، هام نواله، حَتَّى يُرْضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 مصاعه بَين يَدَيْهِ ومصاله، وتمضي فِي الْأَعْدَاء أَمَام رايته المنصورة نصاله، أَخُوهُ المسرور بِقُرْبِهِ، المنطوي على مُضْمر حبه، فلَان. سَلام كريم طيب بر عميم، يخص أخوتكم الفضلى، وإمارتكم الَّتِي آثارها بحول الله تتلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله، على مَا كَيفَ من ألطافه المشرقة الْأَنْوَار، ويسره لهَذِهِ الأوطان بنصرته من الأوطار، فَكلما دجت بهَا شدَّة، طلع الْفجْر عَلَيْهَا طُلُوع النَّهَار، وَكلما اضْطربَ مِنْهَا جَانب، أَعَادَهُ بِفضل من أَقَامَهُ لذَلِك وَاخْتَارَهُ، إِلَى حَال السّكُون والقرار، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الْمُصْطَفى الْمُخْتَار، الَّذِي أكد جِبْرِيل، صلوَات الله عَلَيْهِمَا حق الْجوَار، حَتَّى كَاد يلْحقهُ بالوسائل والقرب الْكِبَار، وصانا بالالتئام [واتصال الْيَد] فِي نصر الْإِسْلَام، فَنحْن نقابل مرضاته بالبدار، ونجري على نهجه الْوَاضِح الْآثَار، ونرتجي باتباعه الْجمع بَين سَعَادَة هَذِه الدَّار، وَتلك الدَّار. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه وأنصاره وأحزابه، أكْرم الْآل والأحزاب وَالْأَنْصَار، الَّذين كَانُوا كَمَا أخبر الله عَنْهُم على لِسَانه الصَّادِق الْأَخْبَار، رحماء بَينهم، أشداء على الْكفَّار، وَالدُّعَاء لإمارتكم السعيدة السعيدية بالتوفيق الَّذِي تجرى بِهِ الْأُمُور على حسب الِاخْتِيَار، والعز المنيع الذمار [والسعد القويم الْمدَار] والوقاية الَّتِي تأمن بهَا أهلتها من السرَار، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم، أَسْنَى مَا كتب لِلْأُمَرَاءِ الأرضياء الأخيار، ومتعكم، من بقا والدكم، بالعدة الْعُظْمَى والسيرة الرحمى، والجلال الرفيع الْمِقْدَار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ ببركة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي أوضح برهانه، إِلَّا ألطاف باهرة، وعناية من الله باطنة وظاهرة، وَبشَارَة بِالْقبُولِ وَارِدَة، وبالشكر صادرة، وَالله يصل لدينا نعمه، ويوالي فَضله وَكَرمه. وَإِلَى هَذَا، فإننا اتَّصل بِنَا فِي هَذِه الْأَيَّام، مَا كَانَ من عناية والدكم مَحل أَبينَا، أبقاه الله بِهَذِهِ الْبِلَاد، المستندة إِلَى تأميل مجده، وإقطاعها الْغَايَة الَّتِي لَا فَوْقهَا من حسن نظره، وَجَمِيل قَصده، وتعيينكم إِلَى الْمقَام بجبل الْفَتْح، إبلاغا فِي اجْتِهَاده الديني وجده، فَقُلْنَا هَذَا خبر إِن صدق مخبره، وَتحصل منتظره، فَهُوَ فَخر تَجَدَّدَتْ أثوابه [وإعشاء تفتحت أبوابه وَعمل بر عِنْد الله ثَوَابه] فَإِن الأندلس عصمها الله، وَإِن أنجدتها عدده وأمواله، ونجحت فينصرها، مقاصده الْكَرِيمَة وأعماله، لَا يذر موقع النّظر لَهَا من نَفسه، وَزِيَادَة يَوْمهَا فِي الْعِنَايَة على أمسه، حَتَّى يسمح لَهَا بولده، ويخصها بقرة عينه، وفلذة كبده، فَلَمَّا ورد الْخَبَر الَّذِي راقت مِنْهُ الْخَبَر، ووضحت من سعادته الْغرَر، بإجازتكم الْبَحْر، واختياركم [فِي حَال الشبيبة] الْفَخر، وَصدق مخيلة الدّين فِيكُم، واستقراركم فِي الثغر الشهير، الَّذِي افتتحه سيف جدكم واستنقذه سعد أبيكم، سررنا بِقرب الْمقَام ودنو الدَّار، وقابلنا صنع الله بالاستبشار، ووثقنا وَإِن لم نزل على ثِقَة، من عناية الله، وعناية مَحل والدنا بِهَذِهِ الأقطار، وحمدنا الله على هَذِه الآلاء المشرقة، وَالنعَم المغدقة، والصنايع المتألقة، بادرنا نهني أخوتكم أَولا بِمَا يسر الله تَعَالَى لكم من سَلامَة الْمجَاز، ثمَّ بِمَا منحكم من فضل الِاخْتِصَاص بِهَذَا الْفَرْض والامتياز، فإمارتكم الْإِمَارَة الَّتِي أخذت بِأَسْبَاب الْعلَا، وَركبت إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل الله، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 جِيَاد الْخَيل، وجياد المَاء، وأصبحت على حَال الشبيبة شجا فِي حاوق الْأَعْدَاء، وسبقت الَّذِي مِنْهُ فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم، كَانَ جِهَاد الْأَعْدَاء. وَنحن أَحَق بِهَذَا الهنا، وَلكنهَا عَادَة الود، وَسنة الأخا، وَالله عز وَجل، يَجعله مقدما مَيْمُون الطَّائِر، مُتَّصِل البشائر، متهلل بصنع الله بعده، وُجُوه الْقَبَائِل والعشائر، وَيجْرِي خبر سعادته مجْرى الْخَبَر السائر، وبشكر مَحل والدنا، فِيمَا كَانَ من اخْتِيَاره، ومزيد إيثاره، ويجازيه جَزَاء من سمح فِي ذَاته بمظنة ادخاره. وَلما رَأينَا أَن هَذَا الْغَرَض لَا يجتزأ فِيهِ بِالْكِتَابَةِ دون الِاسْتِنَابَة، وجهنا لكم من يقوم بِحقِّهِ، وَيجْرِي من تَقْرِير مَا لدينا على أوضح طرقه، وَهُوَ الْقَائِد كَذَا، ومجدكم يصغى لما يلقيه، ويقابل بِالْقبُولِ مَا من ذَلِك يوديه. وَالله عز وَجل يصل سعادتكم ويحرس مجادتكم. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك الْإِمَارَة الَّتِي إِلَى مثابتها تهوى ركاب الأمال، وعَلى أصالتها تقصر أَوْصَاف الْكَمَال، فأفعال إشارتها الْكَرِيمَة مُعْتَمدَة الإعمال، ومعلم غرضها مَوْصُول بالإكمال. إِمَارَة مَحل أخينا، الَّذِي بهرت جلالته، [وَظَهَرت ظُهُور] الصُّبْح الْمُبين طَهَارَته وأصالته، وسعدت فِي سما الْملك هالته. الْأَمِير الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله بعيد النظير والشبيه، ممتعا بأيام أَبِيه، جَارِيا فِي كل أَحْوَاله على مَا يرضى الله ويرضيه، حَتَّى تصدق آمال الدّين فِيهِ، وتشقى بجهاده تَحت رايته المنصورة أحزاب الْكفْر وَذَوِيهِ. مُعظم قدره الأسمى، وموقر إمارته الْعُظْمَى، فلَان. سَلام كريم، طيب بر عميم، يخص أخوتكم الْكَرِيمَة وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 أما بعد حمد الله، وَاصل الْأَسْبَاب، ومسدى الْآرَاب، الَّذِي جعل الْمَوَدَّة فِيهِ كفيلة بالزلفى وَحسن المآب، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، ذِي الْمجد الصراح اللّبَاب، والعز الرفيع الجناب، رَسُول الرَّحْمَة المفتحة الْأَبْوَاب، وهادى الْخلق إِلَى مُسْتَقر الْكَرَامَة ومثابة الثَّوَاب، وَالرِّضَا عَمَّن لَهُ من الْآل والقرابة وَالْأَصْحَاب، الَّذين نصروه فِي حَيَاته بإعمال السمر اللدان وَالْبيض العضاب، وخلفوه فِي أمته، بِالْهدى الْمشرق الشهَاب. وَالدُّعَاء لمقام والدنا أبيكم بالسعد الضافي الأثواب، والنصر الحميد المآب، والصنع الَّذِي تروق سماته عِنْد تجليها لأبصار أولى الْأَلْبَاب. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من السَّعَادَة أَسْنَى مَا كتبه لمثلكم من علية الْأُمَرَاء، ووفر حظكم من مقاسم السَّرَّاء، وأضفى عَلَيْكُم ملابس الاعتناء، وَحفظ من طوارق الْحدثَان، إمارتكم السامية الْبناء. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَا زايد بِفضل الله، الَّذِي يؤمل بعد وُصُول التَّشَيُّع فِيكُم اتِّصَاله، وَالسير الَّذِي راقت بِفضل الله، ثمَّ ببركة إمارتكم، بكره وآصاله، وحبنا فِيكُم قد تمخض زلاله، ووقفت علينا أماني الدّين وآماله. وَإِلَى هَذَا، وصل الله أَسبَاب سعدكم، وَحفظ علينا، مَا نستعذبه من ودكم، فإننا لَو أمكنا، أَن تكون المراسلة والمخاطبة بَيْننَا وَبَيْنكُم، تَتَرَدَّد مَعَ الأنفاس، فضلا عَن السَّاعَات، لأنضينا ركاب الاستطاعات، واقتنينا من ذَلِك أنفس البضاعات. وَلَكِن الاعذار تتيح التَّأْخِير فِي الْعِبَادَات والطاعات، فضلا عَمَّا للمودة من المراعات. وكنتم عِنْدَمَا أَصَابَكُم التألم الَّذِي توفر فِيهِ الثَّوَاب، وضفت بعد الْعَافِيَة الأثواب، وَردت علينا الْإِشَارَة الْكَرِيمَة بتوجيه طَبِيب دَارنَا كي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 يُبَاشر خدمتكم، فِي جملَة من ببابكم من الأطبا والحكما، أولي الْأَلْبَاب. وَوَافَقَ ذَلِك الطَّبِيب الْمَذْكُور، وَقد أَصَابَته شكاية تخبط فِي أشراكها، ونحى منحى الْحَارِث بن همام فِي وطيس عراكها، وَعجز النُّفُوس البشرية عَن الْإِدْرَاك غَايَة إِدْرَاكهَا، وبيد باريها سُبْحَانَهُ أزمة سكونها وحراكها. فَلَمَّا بَان إبلاله، وَظهر استقلاله، صرفنَا مثابتكم الإمارية وَجه ابتداره، وأمرنا بحث تسياره، فتلبيته الندا بذلك مَشْرُوعَة، ودعوته بِكُل فج عميق مسموعة، وَمن أخر وَاجِبا لعذره ثمَّ قَضَاهُ، فَهُوَ كمن أوقعه فِي مِيقَاته الْمُخْتَار وأمضاه. وَغَايَة الطِّبّ كَمَا تقرر غرضان، أَحدهمَا إِزَالَة الْمَرَض، وَرفع السَّبَب الْكَفِيل بِدفع الْعرض، وَثَانِيها حفظ الصِّحَّة بِحَالِهَا، وإيجاد الْأَفْعَال الطبيعية بكمالها. فمذ أغْنى الله عَن الأول بِكَمَال الْعَافِيَة، وانسحاب أثوابها الضافية، وَمن على الْمُسلمين بإتاحة راحتكم بلطائفه الخافية، فَعَسَى أَن يكون لهَذَا الْحَكِيم فِي الْغَرَض الثَّانِي، غنا زَائِد، ونجح بتسني الآمال رائد؛ فَأنْتم مقلة الْإِسْلَام، الَّتِي بهَا يبصر، ومقامكم ومقام أبيكم، هُوَ الْعدة الَّتِي بهَا ينتصر، فَإِن شملتكم الْعَافِيَة، شملت الأقطار وَمن فِيهَا، وَإِذا ألم بكم ألم، أكبت ليديها وفيهَا، فمرضكم يمرضها، وشفاؤكم يشفيها، وَقد حملنَا الإدلال، الَّذِي هُوَ عنوان الوداد، وعلامة خلوص الِاعْتِقَاد، أَن وجهنا إِلَى بَابَكُمْ مَعَه من يتَصَرَّف فِيمَا تعين من هَذِه الْأَغْرَاض من خدمَة، ويتطوق من قبولكم عَلَيْهِ بأعظم نعْمَة، وَذَلِكَ كَذَا من الروميات وَكَذَا من صبيان الرّوم، وَكَذَا من البغلات. وَلَو كَانَ قدركم بِحَيْثُ تلقى هَدِيَّة تناسبه، أَن تُوجد تحفة يكافأ بهَا جَانِبه، لذهبنا مَذْهَب الِاعْتِذَار، واعترفنا بالتقصير فِي حقوقكم الْكِبَار، وَلكنه إِن عظم الْحق الْكَبِير، وَجل أَن يَأْخُذهُ التَّقْدِير، يتساوى فِيهِ الجم واليسير، والتافه والخطير، فَلَيْسَ إِلَّا ود لَا يتهم بِالنَّقْصِ وَالتَّقْصِير جَانِبه، وَلَا ترمى بالالتباس مذاهبه، وَالله تَعَالَى يصله مَحْفُوظًا من الْغَيْر، مكنوفا بِفضل السّير، حَتَّى تَجْتَمِع الْيَد على جِهَاد الْعَدو، وتفوز [تِلْكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 المثابة الْكَرِيمَة] بالثناء المتلو، وَالْفَخْر المجلو. وَقد ألقينا إِلَى موصله الْحَكِيم الْمَذْكُور من تَقْرِير الود اللّبَاب، والخلوص الوثيق الْأَسْبَاب، بَيَان مَا أجملته عبارَة هَذَا الْكتاب، وفضلكم يتكفل بالإصغاء إِلَى مَا من ذَلِك يوديه، وَالْقَبُول على مَا يُعِيدهُ ويبديه، بِفضل الله سُبْحَانَهُ، وَهُوَ يصل سعدكم ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي تقلد نَافِلَة الْفضل شفعا، وجود سُورَة الْكَمَال إفرادا وجمعا، وَجمع بَين الْمنح، والتهنئة بِالْفَتْح، فأحرز الْكَمَال أصلا وفرعا، وَاسْتحق الشُّكْر عقلا وَشرعا، وأغرى ايدى جوده بالمقصد الَّذِي هُوَ حَظّ وليه من وجوده، فأثار من جَيش اللقا نفعا، ووسط بِهِ جمعا، مقَام مَحل أخينا، الَّذِي أَقْلَام مقاصده دربة، بِحسن التوقيع، وعيون فَضله مذكاة لإحكام الصَّنِيع، وعذبات فَضله تنْفق بِذرْوَةِ الْعلم المنيع، ومكارمه تتفنن فِيهَا مَذَاهِب التنويع. أبقاه الله، وألسن فَضله ناطقة، وأقيسه سعده صَادِقَة، وألويته بالنصر الْعَزِيز خافقة، وبضائع مكارمه فِي أسواق الْبر نافقة، وعصائب التَّوْفِيق لركائب أغراضه مُوَافقَة. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا. سَلام كريم طيب بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى، وأخوتكم الفضلى وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، مجل قدركم، وملتزم بركم، وَمُوجب حمدكم وشكركم، فلَان. أما بعد حمد الله الذى جعل الشُّكْر على المكرمات وَقفا، ونهج مِنْهُ بإزائها، سَبِيلا لَا تَلْتَبِس وَلَا تخفي، وَعقد بَينه وَبَين الْمَزِيد سَببا وحلفا، وَجعل الْمَوَدَّة فِي ذَاته مِمَّا يقرب إِلَيْهِ زلفى، مربح تِجَارَة من قصد وَجهه بِعَمَلِهِ، حَتَّى يرى الشَّيْء ضعفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وناصر هَذِه الجزيرة من أوليائه الْكِرَام السّير، بِمن يوسعها فضلا وعطفا، ويدنى ثمار الآمال، فنتمتع بهَا اجتناء وقطفا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، النَّبِي الْعَرَبِيّ الْكَرِيم، الرؤوف الرَّحِيم، الَّذِي مد من الرَّحْمَة على الْأمة سجفا، وملأ قلوبها تعاطفا وتعارفا ولطفا، الْقَائِل من أَيقَن بالخلف جاد بِالْعَطِيَّةِ، ووعد من عَامل الله بِرِبْح الْمَقَاصِد السّنيَّة، وَعدا لَا نجد فِيهِ خلفا. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين كَانُوا من بعده لِلْإِسْلَامِ كهفا، وعَلى أَهله فِي الهواجر ظلا ملتفا، غيوث الندا، كلما شاموا سماحا وليوث العدا كلما شهدُوا زحفا. وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الأسعد بالنصر الَّذِي يكف من عدوان الْكفْر كفا، وَالْمجد لذِي لَا يُغَادر كِتَابه من المفاخر، الذى ترك الأول للْآخر حرفا. والى هَذَا أيدكم الله بنصر من عِنْده، وَحكم لملككم الأسمى باتصال سعده، وأنجحز فِي ظُهُوره على من عاند أمره سَابق وعده. فإننا نقرر لَدَى مقامكم، وَإِن كَانَ الْغَنِيّ بأصالة عقله، عَن اخْتِلَاف الشَّاهِد وَنَقله، [وجلاء الْبَيَان وصقله] أَن الْهَدَايَا، وَإِن لم تحل الْعين بهَا كلما حلت، أَو تناوبها الاستنزار فَمَا نبهت فِي لحظ الِاعْتِبَار وَلَا جلت، أَو كَانَت زيفا كلما أغرى بهَا الِاخْتِيَار قلت، لَا بُد أَن تتْرك فِي النُّفُوس ميلًا، وَأَن تستدعي من حسن الْجَزَاء كَيْلا، وَأَن تنَال من جَانب التعاطف والتراحم نيلا. وَأي دَلِيل أوضح محجة، وَأبين حجَّة من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تهادوا تحَابوا، من غير تَبْيِين مِقْدَار، وَلَا إِعْمَال اعْتِبَار، وَلَا تفرقه بَين لجين وَلَا نضار. فَكيف إِذا كَانَت الْهَدِيَّة، فلذة الكبد، الَّذِي لَا يلذ الْعَيْش بعد فراقها، وَلَا تضيء ظلم الجوانح إِلَّا بعد طُلُوع شمسها وإشراقها. وَجمع الشمل الَّذِي هُوَ أقْصَى آمال النُّفُوس الألفة، والنواظر المصاحبة للحنين المحالفة، وَلَا سِيمَا إِذا اقتعدت محمل الهنا، بِالْفَتْح الرَّائِق السنا، وَخفت بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 من خلفهَا وأمامها صنايع الْبر وَقَومه الاعتنا، فهناك تَفْخَر ألسن السنا، وتتطابق أَعْلَام الشُّكْر السامية الْبَنَّا، وأننا ورد علينا كتابكُمْ الَّذِي سطره الْبر وأملاه، وكنفه اللحظ وتولاه، ووشحه الْبَيَان وحلاه، مهنئا بِمَا منحه الله جلّ جَلَاله من رد الْحق، وَتَحْقِيق الْحق، وَتعين الْجمع وَرفع الْفرق، وتطويق الْأمان وأمان الطوق، وإسعاد السعد، وبلوغ الْقَصْد، وَقطع دابر، من جحد نعْمَة الْأَب وَالْجد، وسل سيف الْبَغي دامي الخد، فَالْحَمْد لله حمدا يلهمه ويتيحه، [ونسله أمدادا يسوغه ويسيحه] على أَن أحسن العقبى، وأعقب الْحسنى، وَأرى النعم بَين فُرَادَى وشتى، وَجمع الشمل وَقد تبدد، وجدد رسم السَّعَادَة لهَذَا الْقطر فتجدد، وَأخذ الظَّالِم، فَلم يجد من محيص، وَجمع لنا الْأجر وَالْفَخْر، بَين تَخْصِيص وتمحيص، وقلد برءوس أُولَئِكَ الفجرة الغدرة شرفات الفرضة الَّتِي فرعوها، وأطفأ بمراق دِمَائِهِمْ نَار الضَّلَالَة الَّتِي شرعوها، وَكتب لقبيلكم الْفضل الَّذِي يحمد ويشكر، وَالْحق الَّذِي لَا يحجد وَلَا يُنكر، فَلَقَد أَوَى لما تبرأت الخلصان، وتخفى عِنْد مَا تنكر الزَّمَان، وَسبب الإدالة، وطلوع الْأَصَالَة، وَالْجَلالَة، حَتَّى فرج الله الْكُرْبَة، وَأنس الغربة، وأقال العثرة، وَتقبل الْقرْبَة، لَهُ الْحَمد على آلائه وصلَة نعمايه ملْء أرضه وسمائه، وَوصل صحبته الْوَلَد مكنوفا بجناح اللطف، ممهدا لَهُ ببركتكم مهاد الْعَطف، فبرزنا إِلَى تلقيه تنويها بهديتكم وإشادة، وإبداء فِي بركم وإعادة، وأركبنا الْجَيْش الَّذِي آثرنا لحين استقلالنا عرضه، وقررنا بِمُوجب الِاسْتِحْقَاق فَرْضه، فبرز إِلَى الفضاء الأفيح، حسن التَّرْتِيب، سافرا عَن المرأى العجيب. وَلَوْلَا الحنين الَّذِي تَجدهُ النُّفُوس للأبناء وتستشعره، والتشوق للقاء الَّذِي لَا يجحده منصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 وَلَا يُنكره، لما شقّ علينا طول مقَامه فِي حجركم، وَلَا ثواؤ لصق أريكة أَمركُم، فجواركم مَحل لاستعادة رسوم الْإِمَارَة، وَتعلم السياسة والإدارة حَتَّى يرد علينا يقدم كَتِيبَة جهادكم، ويقود إِلَيْنَا طَلِيعَة نصركم إيانا وإمدادكم. فَنحْن الْآن نشكر مقاصدكم الَّتِي اقْتضى الْكَمَال سياقها، وزين الْمجد آفاقها، وقدرها فأحكم طباقها، ونقرر لديكم أَن حظنا من ودادكم، ومحلنا من جميل اعتقادكم، حَظّ بَان رجحانه وفضله، وَلم يتأت بَين من سلف من السّلف مثله، من الصُّحْبَة فِي الْمنزل الخشن، وَهِي الْوَسِيلَة، وَفِي رعيها تظهر الْفَضِيلَة، والاشتراك فِي لَازم الْوُصُول إِلَى الْحق، وَضم أشتات الْخلق، والمودة الْوَاضِحَة الطّرق إِلَى مَا بَين السّلف من الود الآمن بدره من الكلف، المذخور إذمته للخلف، فَإِذا كَانَت الْمُعَامَلَات جَارِيَة على حَسبه، وشعبها رَاجِعَة إِلَى مذْهبه، جنى الْإِسْلَام ثَمَرَة حافلة، واستكفى الدّين إياله كافلة. فَالله عز وَجل يمهد الْبِلَاد بيمن تدبيركم، وَيجْرِي على مهيع السداد جَمِيع أُمُوركُم، ويجعلكم مِمَّن زين الْجِهَاد عواتق أَعماله، وَكَانَ رضَا الله أقْصَى آماله، حَتَّى تربى مآثركم على مآثر سلفكم، الَّذِي عرف هَذَا الوطن الجهادي أمدادهم، وشكر جهادهم، وَقبل الله فِيهِ أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ، وَحسن من أَجله معادهم. وَقد حضر بَين يدينا رَسُولكُم الَّذِي وجهتم الْوَلَد أسعده الله إِلَى نظره، وتخيرتموه لصحبة سَفَره، فلَان. وَهُوَ من الْأَمَانَة وَالْفضل، والرجاحه وَالْعقل بِحَيْثُ طابق اختياركم، وَاسْتحق إيثاركم. فأطنب فِي تَقْدِير مَا لديكم من عناية بِهَذِهِ الأوطان، عينت الرفد، وَضربت الْوَعْد، وأخلصت فِي سَبِيل الله الْقَصْد، وَغير ذَلِك مِمَّا يُؤَكد الْمَوَدَّة المستقرة الْأَركان، على التَّقْوَى والرضوان. فأجبناه بأضعاف ذَلِك مِمَّا لدينا لديكم، وقابلنا بالثناء الْجَمِيل قَوْلكُم وعملكم، وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 الْأَبْوَاب الَّتِي تفتح لنصرها أَبْوَاب السَّمَاء، وتستدر من آفاقها سَحَاب النعماء، وتجلى بأنوار سعدها دياجي الظلماء، وتعرف نكرَة الْعباد والبلاد بالانتساب إِلَى محبتها، والانتماء، على اخْتِلَاف الْعرُوض، وتباين الْحُدُود، وتعدد الْأَسْمَاء، وتجتزئ من صَلَاة صلَاتهَا عِنْد الْمَوَانِع من كَمَال حالات صفاتها بِالْإِيمَاءِ، وَتحمل لَهَا التَّحِيَّة ذَات الدسر والألواح، طاعنة نحر الصَّباح على كبد المَاء [أَبْوَاب] السُّلْطَان الْكَبِير الْجَلِيل الشهير الظَّاهِر الطَّاهِر الأوحد الأسعد الأصعد الأمجد الْأَعْلَى، الْعَادِل الْعَالم الْفَاضِل الْكَامِل، سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين، عماد الدُّنْيَا وَالدّين، رَافع ظلال الْعدْل على الْعَالمين. جمال الْإِسْلَام، علم الْأَعْلَام، فَخر اللَّيَالِي وَالْأَيَّام، ملك البرين والبحرين (إِمَام الْحَرَمَيْنِ) ، مُؤَمل الْأَمْصَار والأقطار، عاصب تَاج الفخار، هازم الفرنج وَالتّرْك والتطار، الْملك الْمَنْصُور ابْن الْأَمِير الرفيع المجادة، الْكَرِيم الْولادَة، الظَّاهِر الطَّاهِر، الْكَبِير الشهير، الْمُعظم الممجد الأسمى الموقر الْأَعْلَى، فَخر الْملَّة، سيف الْأمة، تَاج الْإِمَارَة، عز الْإِسْلَام، مستظل الْأَنَام، قمر الميدان، أَسد الْحَرْب الْعوَان الْمُقَدّس، المطهر، الْأَمِير أَحْمد بن وَالِد السلاطين وَملك الْمُسلمين، وَسيف خلَافَة الله على الْعَالمين، وَولي الْمُؤمنِينَ، سُلْطَان الْجِهَاد وَالْحج، ومقيم رسم العج والبج والثج، مُحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 معالم الدّين، قامع الْمُعْتَدِينَ، قاهر الْخَوَارِج والمتمردين، نَاصِر السّنة، مُحي الْملَّة، ملك البرين والبحرين، سُلْطَان الْحَرَمَيْنِ، الْملك الْعَادِل الْعَالم الْعَامِل الطَّاهِر الظَّاهِر، الأسعد الأصعد الأوحد، الْأَعْلَى، الْمَنْصُور الْمُؤَيد المعان، المرفع الْمُعظم المبجل، الْمُجَاهِد المرابط الْغَازِي، الممجد المكمل المطهر، الْكَبِير الشهير، الْمُقَدّس الْملك النَّاصِر، أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن قلاون الصَّالِحِي، جعل الله قسطاس دَعوته معمودا بعمود الصُّبْح، وحركات عزمه مَبْنِيَّة على الْفَتْح، ومجمل سعادته غَنِيا عَن الشَّرْح، وجياد أَوْصَافه متبارية فِي ميدان الْمَدْح، وزناد آرابه وارية عَن الْقدح. مُوجب حَقه وجوب الشعائر الْخمس، المرحب لأجل أفقه الشَّرْقِي بوفادة الشَّمْس، المجدد فِي الْيَوْم حكم مَا تقرر بَين السّلف، رَحمَه الله، فِي الأمس، أَمِير الْمُسلمين بالأندلس، عبد الله الْغَالِب بِهِ، مُحَمَّد بن يُوسُف بن إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام كريم طيب كَمَا زحفت راية الصَّباح، تقدمها طلائع مُبَشِّرَات الرِّيَاح، تفاوح زهر الأدواح، وتحاسن طرر الْوُجُوه الملاح، يخص أبوتكم، الَّتِي رتب الْعِزّ فصولها، [وعضدت نُصُوص النّظر فصولها] ، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الذى جعله فَاتِحَة الْقُرْآن، وخاتمة دَعَا أهل الْجنان، وشكره على مَا أولى من مواهب الْإِحْسَان حمدا وشكرا، استخدما زمر الْإِحْسَان، ملكتي الْقلب وَاللِّسَان. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله، زهرَة كمامة الأكوان، وَسيد ولد آدم، على اخْتِلَاف اللُّغَات والألوان، الَّذِي أذلّ بعزة الله أنوف الطغيان، وغطى بِدِينِهِ الْحق على الْأَدْيَان، زويت لَهُ الأَرْض، فَرَأى ملك أمته، يبلغ مَا زوى لَهُ، فَكَانَ الْخَبَر وفْق العيان، وَالرِّضَا عَمَّن لَهُ من الْأَصْحَاب والأحباب والأعمام والأخوال والإخوان، صَلَاة يجددها الجديدان، ويمليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 الملوان، وتتزاحم على تربته المقدسة مَعَ الأحيان، مَا سجعت طيور البراعة فِي أغماد اليراعة على الأفنان، والتفتت عُيُون الِالْتِفَات من بَين أجفان الْبَيَان. وَالدُّعَاء لمقام أبوتكم الشَّرِيفَة، جعل الله عصمته يُقيم بهَا وظيفتي الحجابة والاستئذان، وَضرب بدعوتها الَّتِي هِيَ لِدَة الْإِمَامَة وَالْأَذَان على الآذان، واستخدم بِروح الْفلك الدوار فِي أمرهَا الْعَزِيز الْأَنْصَار والأعوان، حَتَّى يعْمل فِي المدافعة عَن حماها مخالب السرحان، وَفِي الإشادة بعدلها كفتى الْمِيزَان، وَيهْدِي لَهَا من الزهرة كرة الميدان، وَمن الْهلَال عوض الصولجان، وَأبقى فِي عواملها ضمير الْأَمر والشان، إِلَى يَوْم تعنى وُجُوه الْمُلُوك إِلَى الْملك الديَّان. فإننا كتبناه إِلَى تِلْكَ الْأَبْوَاب، كتب الله لعتبها النَّصْر الدَّاخِلَة، كَمَا أخجل بمكارمها السَّحَاب الباخلة، وَجعل مفارق مناصلها المختضبة، من نجيع عَداهَا، عين الناصلة، وَقرن بِكُل سَبَب من أضدادها فاصلة. من دَار ملك الْإِسْلَام بالأندلس، حَمْرَاء غرناطة، وصل الله سُبْحَانَهُ عَادَة الدفاع عَن أرجائها، وَشد بأيدي الْيَقِين عرى أملهَا فِي الله ورجائها حَيْثُ المصاف الْمَعْقُود، وَثمن النُّفُوس المنقود، ونار الْحَرْب ذَات الْوقُود، حَيْثُ الْأُفق قد تردى بالقتام وتعمم، وَالسيف قد تجرد وَتيَمّم، وغبار الْجِهَاد يَقُول أَنا الْأمان من دُخان جَهَنَّم، حَيْثُ الْإِسْلَام من عدوه، كَالشَّامَةِ من جلد الْبَعِير، وَالتَّمْرَة من أوسق العير، حَيْثُ المصارع تتزاحم الْحور على شهدائها، والأبطال يَعْلُو بِالتَّكْبِيرِ مسمع ندائها، حَيْثُ الْوُجُوه الضاحكة المستبشرة قد زينتها الكلوم، وفر عَن سماتها اللوم، ودارت بهَا الْجَوَامِع تواريها، وسلمت مِنْهَا النُّفُوس إِلَى الله مشتريها، حَيْثُ لَا آله إِلَّا الله قد اقتطعها عَمَّن وَرَاءَهَا، بَحر يزخر، وَكفر عَن الْإِقْدَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 عَلَيْهَا لَا يتَأَخَّر، وَكلمَة بِتَثْلِيث الله تَفْخَر، [تَعَالَى الله عَن ذَلِك] ، وَأمة لَا تصون نفوسها عَن الْمَوْت وَلَا تذخر. وَعِنْدنَا من التَّعْظِيم لتِلْك الْأَبْوَاب، مَا لَو اعتقدته الرِّيَاح لسكنت وقارا، أَو الأفلاك مَا الفت مدارا، توسع عَن أنبائكم مطالع الصَّباح استخبارا، ونستهدي لطائفها أنفاس الرِّيَاح أصائل وأسحارا، ونقنع بِالْقَلِيلِ قنوع الْمُحب إِذا لم يجد مزارا، ونعد من الِاسْتِغْرَاق بجهاد المُرَاد المراق عَن مراسلة تِلْكَ الْآفَاق أعذارا، لَا يوسعها الْحق إِلَّا قبولا وإيثارا. وَلما ضَاقَ نطاق الصَّبْر عَن ذَلِك عَمَّا يواريه، وَأصْبح بَين خجل يلقيه، وأمل يغريه، وبرى اليراع [إِلَى مَكَّة] شوق كَاد يفنيه عَمَّن يبريه، أصدرنا هَذِه المخاطبة الحمرا، قد ورد خدها الخجل، وَقصر عَن الْقيام بعذرها الْمَرْوِيّ والمرتجل، تنوب عَن الْكَلَام بِالْإِشَارَةِ، وَتخَاف الرَّد لإغفال الزِّيَارَة. واقفة بِبَاب الإيوان، متقاصرة بدارة الخوان عَن رتب الإخوان، قصاراها تَحْصِيل الإغضا عَن قُصُورهَا، وَرفع الإهمال عَن سورها، والارتما عَن غربتها، وَبعد رتبتها، ورعى وسيلتها وقربتها. فلتنعم الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة، بالإصغاء، وليلغ عَن بَاب الإلغا، ولتعلم مجالسها الممهدة على التَّقْوَى المؤسسة، وحلومها المشرقة المقدسة، أَن هَذَا الْقطر الَّذِي أفضت إِلَيْنَا رعاياه، ومهدت لسياستها أكوار مطاياه، وَجعلت بيدنا، والْمنَّة لله، عباب عطاياه، قطر مُسْتَقل بِنَفسِهِ، مرب يَوْمه فِي الْبر على أمسه، زكي المنابت، عذب المشارب، متمم المآمل، مكمل المآرب، فاره الْحَيَوَان، معتدل السّمن والألوان، وسيطة فِي الأقاليم السَّبْعَة، شاهدة لله بِأَحْكَام الصَّنْعَة، أما خيله ففارهة، وَإِلَى الركض شارهة، وَأما سيوفه فلمواطن الغمود كارهة، وَأما أسله فَحسن النَّعْت، لين الْعَطف، وَأما أسنته فمتداركة الخطف، وَأما عوامله فَبَيِّنَة الْحَذف، وَأما نباله فمحذورة الْقَذْف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 إِلَّا أَن الْإِسْلَام فِي سفط مَعَ الْحَيَّات، ودريئة للمنيات الوحيات، وهدفا للنبال، وأكلة للسبال، تَطَأهُمْ الغارات المتعاقبة، وتتخيفهم الْحُدُود المصاقبة، وتجوس خلالهم الْعُيُون المراقبة، وتريب من أشكال مختطهم، إِلَّا بِفضل الله الْعَافِيَة. فَلَيْسَ إِلَّا الصَّبْر، وَالضَّرْب الهبر والهنى والتبر والمقابلة والجبر. وَقد حَال الْبَحْر بَينهم وَبَين إخْوَان ملتهم وأساة علتهم، يقومُونَ بِهَذَا الْغَرَض عَن أهل الأَرْض، ويقرضون ملك يَوْم الْعرض أحسن الْقَرْض، فلولا بعد المدى، وغول الردى، ولغط العدا، وَمَا عدا عمائدا، لسمعتم تَكْبِير الحملات، وزئير أسود تِلْكَ الفلات، ودوى الحوافر، وصليل السيوف من فَوق المقاصر، وصراخ الثكالى، والارتفاع إِلَى الله تَعَالَى، وَلَو ارْتَفع قيد الْمَكَان، وَهُوَ للأولياء مثلكُمْ، من حيّز الْإِمْكَان. لمغلتم مقل الأسنة الزرق، حَالَة من أَطْرَاف قضب الرماح محَال الْوَرق، وأبصرتم القنا الخطار قد عَاد أخله، وَالسُّيُوف قد صَارَت فَوق بدور الْحُدُود أهلة، وعقود الشَّهَادَة عِنْد قَاضِي السَّعَادَة مُسْتَقلَّة. وَكَانَ كَمَا تحضره علومكم الشَّرِيفَة، حذق سُورَة الْفَتْح، وَآخر دلاء ذَلِك الْمنح، عرض على الْفَارُوق فاحتاط، وأغرى بِهِ من بعده فاستشاط، واختط وخاط، وسرحت خيل ابْن أبي سرح، فِي خبر يَدْعُو إِلَى الشَّرْح، حَتَّى إِذا ولد مَرْوَان تقلدوا كربتها الَّتِي هوت، وخضموا مَا أنضجت وَرَثَة الْحق وشوبت، ويدهم على الْأَمر احتوت، وفازت مِنْهُ بِمَا نَوَت، نفل ولايده الْوَلِيد، وجلب لَهُ الطارف والتليد، وطرقته خيل طَارق، وَضَاقَتْ عَن أخباره المهارق، وجلت الْفَائِدَة، وَظهر على الذَّخِيرَة الَّتِي مِنْهَا الْمَائِدَة. ثمَّ استرسل المهب، وَنصر الرب، وَيكثر الطير حَيْثُ ينتشر الْحبّ، وصرفت أسراب الشَّام أعفتها إِلَى التمَاس خَيره، وطارت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 بأجنحة الغرام تيمنا بطيره، وقصدته الطَّلَائِع صُحْبَة بلج بن بشر وَغَيره ففتحت الأقفال، [ونفلت الْأَنْفَال، ونجح الفال] ودسمت الأغفال، وافتتحت الْبِلَاد الشهيرة، وانتقيت العذارى الْخيرَة [واقتنيت الذَّخِيرَة] وَتجَاوز الْإِسْلَام الدروب وتخطا، وخضد الأرطى وأركب وأمطى، واستوثق واستوطى، وتثاءب وتمطى، حَتَّى إِذا تعدّدت مراحل الْبَرِيد، وسخنت عين الشَّيْطَان المريد، واستوسق الْإِسْلَام ملك ضخم السرادق، مرهوب البوارق، رفيع الْعمد، بعيد الأمد، تشهد بذلك الْآثَار وَالْأَخْبَار، والوقائع الْكِبَار، والأوراق والأسطار، وَهل يخفي النَّهَار. وَلكُل هبوب ركود، والدهر حسود لمن يسود، فراجعت الفرنج كرتها، واستدركت معرتها، فدوخت جوارحها. وحلقت، وأومضت بوارقها وتألقت، وتشبثت وتعلقت، وارسلت الأعنة وأطلقت، وراجعت العقائل الَّتِي طلقت، حَتَّى لم يبْق من الْكتاب إِلَّا الْحَاشِيَة، وَلَا من اللَّيْل إِلَّا الناشية، وَسَقَطت الغاشية، وأخلدت ألفية المتلاشية، وتقلصت الظلال الفاشية. إِلَّا أَن الله تدارك بِقوم [رجح] من سلفنا، استثبتوا فِي مستنقع الْحَرْب أَقْدَامهم، وَأَخْلصُوا لله بأسهم وأقدامهم، ووصاوا سيوفهم الباترة بخطاهم، وَأَعْطَاهُمْ منشور الْعِزّ من أَعْطَاهُم، حَتَّى تعين الدّين وتحيز، واشتهر بالموافقة وتميز، وعادت الحروب سجالا، وَعلم الرّوم أَن لله رجَالًا. وَقد أوفد جدنا رَضِي الله عَنهُ، على أَبْوَاب سلفكم من وقائعه فِي الْعَدو كل منتشره، ووجودية نتشرة، ضحِكت لَهَا ثغور الثغور. وسرت فِي الأعطاف حميا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 السرُور، وَكَانَت الْمُرَاجَعَة عَنْهَا شفا بالصدور، وتمائم فِي الدّور، وخفرا فِي وُجُوه البدور. فَإِن ذمام الْإِسْلَام مَوْصُول، وفروعه تجمعها فِي الله أصُول، وَمَا أقرب الْحق مِمَّن دَاره صول، وَالْملَّة والْمنَّة لله وَاحِدَة، والنفوس لَا مُنكرَة للحق وَلَا جاحدة، والأقدار مَعْرُوفَة، والآمال إِلَى مَا يُوصل إِلَى الله مصروفة، فَإِذا لم يكن الاستدعاء أمكن الدعا، والخواطر فعالة، وَالْكل على الله عَالَة، وَالدّين غَرِيب، والغريب يحن إِلَى أَصله، والمرء كثير بأَخيه على بعد مَحَله. وَلما صير الله إِلَيْنَا تراثهم الهنى، وَأمرهمْ السنى وبناءهم العبادى [وملكهم الجهادى] أجرانا وَله الطول على سُنَنهمْ، وَرفع أعلامنا فِي هضابهم المشرقة وقننهم، وحملنا فهم خير حمل، ونظم لنا بهم أَي شَمل، وألبس أيامنا سلما فسيح الإثارة، وَأحكم الإدارة، وَهنا الْإِمَارَة وَمكن الْعِمَارَة، وَأمن فِي الْبر وَالْبَحْر السيارة والعبارة، لَوْلَا مَا طرقهم فِيهَا من تمحيص [أجلى عَن تَخْصِيص، وتمحض بتره بعد تَخْلِيص] ومرام عويص، نبثكم بثه، ونوالي لديكم حثه، ونجمع منبثة. فَإِن [فى قصّ] الْحَوَادِث ذكرى، ومعروف الدَّهْر لَا يومن أَن يكون نكرا، وَشر الْوُجُود معاقب بخيره، والسعيد من اتعظ بِغَيْرِهِ، والحزم أفضل مَا إِلَيْهِ ينتسب، وعقل التجربة بالمران يكْتَسب وَهُوَ أَن بَعْضًا مِمَّن ينتسب إِلَى بيتنا بوشايج الأعراق، لَا بمكارم الْأَخْلَاق، ويمت إِلَيْنَا بِالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَة، لَا بالنصبة السعيدة، مِمَّن كفلناه يَتِيما، وصناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 ذَمِيمًا شتيما، وبوأناه مبوأ كَرِيمًا، بعد أَن نَشأ حرفوشا ذَمِيمًا، وملعونا لئيما، ونوهناه من خموله بِالْولَايَةِ، ونسخنا حكم تسحبه بِآيَة الْعِنَايَة، دَاخل أَخا لنا، كُنَّا ألزمنا الِاقْتِصَار على قصره، وَلم نجْعَل أَدَاة تدل على حصره، وسامحناه فِي كثير من أمره، وَلم نرتب بزيده وَلَا عمره، واغتررنا برماده على حجره، فاستدعى لَهُ من الصعاليك شيعته كل درب بفك الأغلاق، وتسرب انفاق النِّفَاق، وخارق للْإِجْمَاع والاصناق، وخبير بمكايد الخراب ومذاهب الْفُسَّاق، وتسور بهم القلعة من ثلم شرع فِي سَده بعد هده، وَلم تكمل الأقدار المميزة فِي حَده، فِي لَيْلَة آثرنا مبيتها بِبَعْض الْبَسَاتِين خَارج قَصرنَا، واستنبنا من يضطلع بأمورنا، فَاسْتَتَمَّ الْحِيلَة الَّتِي شرعها، واقتحم القلعة وافترعها، وجدل حرسة الْعَوْرَة وصرعها، وكبس مَحل النَّائِب عَنَّا وحدله، وَلم ينشب أَن جدله، واستخرج الْأَخ اليايس فنصبه، وَشد بِهِ تَاج الْولَايَة وعصبه، وابتز أمرنَا وغصبه، وتوهم النَّاس أَن الْحَادِثَة على ذاتنا قد تمت، والدبرة بِنَا قد ألمت، وَلَقَد هَمت بخذل النَّاصِر وانقطعت الأواصر، وأقدم المتقاصر، واقتحمت الأبهاء والمقاصر، وَتَفَرَّقَتْ الْأَجْزَاء وتحللت العناصر، وفقد من عين الْأَعْيَان النُّور الباصرة فَأَعْطوهُ طَاعَة مَعْرُوفَة، وأضحت الْوُجُوه إِلَيْهِ مصروفة، وركضنا وسرعان الْخَيل تقفو أثر شجاتنا والظلام يخفيها، وتكفي علينا السَّمَاء وَالله يكفيها، إِلَى أَن خلصنا إِلَى مَدِينَة وَادي آش خلوص الْقَمَر من السرَار، لَا نملك إِلَّا نفسا مسلمة لحكم الأقدار، ملقية لله مقادة الِاخْتِيَار، مسلوبة الْملك [والبل د والأهل] وَالْولد والشعار والأثار، لَا تعرف سَببا لنكث الْعَهْد من بعد الْعَمَل بِمُوجبِه والاستقرار. وناصحنا أهل الْمَدِينَة فعملوا على الْحصار، واستبصروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 فِي الدفاع عَنَّا أتم الاستبصار، وَرَضوا لبيوتهم المصحرة، وبساتينهم المستبحرة، بِفساد الْحَدِيد وعياث النَّار، وَلم يرْضوا لجوارهم بالإخفار، وَلَا لنفوسهم بالعار. إِلَى أَن كَانَ الْخُرُوج عَن الوطن بعد خطوب تسبح فِيهَا الأقلام سبحا طَويلا، وتوسعها الشجون شرحا وتأويلا، ويلقى الْقَصَص مِنْهَا الْأَذَان قولا ثقيلا، وجزنا الْبَحْر، وضلوع موجه إشفاقا علينا تخفق، وأكف رياحه حسرة تصفق، ونزلنا من جناب سُلْطَان بني مرين على المثوى الَّذِي رحب بِنَا ذرعه، وَدلّ على كرم الاصول فرعة، والكريم الَّذِي وهب فأجزل، وَنزل لنا عَن الصهوة وتنزل، وَخير وَحكم، ورد على الدَّهْر الَّذِي تهكم، واستعبر وَتَبَسم، وآلى وَأقسم، وبسمل وَقدم، واستركب لنا واستخدم. وَلما بدا لما وَرَاءَنَا سيئات مَا اكتسبوا، وحققوا مَا حسبوا، وطفا الغثا ورهبوا، وَلم ينشب الشقى الجرى أَن قتل البائس الَّذِي مده بزيفه، وطوقه بِسَيْفِهِ، وَدلّ ركب المخافة على خيفة، إِذْ أَمن الْمَغْصُوب من كَيده، وَجعل ضرغامه بازيا لصيده، واستقل على أريكته اسْتِقْلَال الظليم، على تريكته، حاسر الهامة، متنفقا بالشجاعة والشهامة، مستظهرا بِأولى الْجَهَالَة والجهامة، وَسَاءَتْ فِي محاولة عَدو الدّين سيرته. وَلما حصحص الْحق انتكثت مريرته، وخبثت سَرِيرَته، وارتابت لحينه المستور جيرته، وفغر عَلَيْهِ طاغية الرّوم فَمه فالتهمه، وَمد عَلَيْهِ الصَّلِيب ذراعه فراعه، وَشد عَلَيْهِ الْكفْر يَده، فَمَا عضده الله وَلَا أيده، وتخرمت ثغور الْإِسْلَام بعد انتظامها، وَشَكتْ إِلَى الله باهتضامها، وغصت بأشلاء عباد الله وعظامها ظُهُور أوضامها، وركلت السّنة وَالْجَمَاعَة، وانقطعت من النجح الطَّاعَة، واشتدت المجاعة، وطلعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 شمس دَعوتنَا من الْمغرب، فَقَامَتْ عَلَيْهَا السَّاعَة، وأجزنا الْبَحْر تكَاد جهتاه تتقارب تيسيرا، ورياحه لَا تعرف فِي غير وجهتنا مسيرًا. وَكَأن مَاءَهُ ذوب لَقِي إكسيرا. ونهضنا يتقدمنا الرعب، ويتبعنا الدعا، وتحاجى بِنَا الْإِشَارَة ويحفزنا الاستدعاء، وأقصر الطاغية عَن الْبِلَاد، بعد أَن ترك ثغورها مهتومة، والإخافة عَلَيْهَا محتومة، وطوابعها مفضوضة، وَكَانَت بِنَا مختومة. وَأخذت الخائن الصَّيْحَة، فاختبل، وَظهر هوره الَّذِي عَلَيْهِ جبل، فَجمع أوباشه السفلة وأوشابه، وطرقه الَّذِي غش بِهِ المخض وشابه، وَعمد إِلَى الذَّخِيرَة، الَّتِي صانتها الأغلاق الحريزة، والمعاقل العزيزة، فَمَلَأ بهَا المناطق، واستوعب الصَّامِت والناطق، والوشح والغراطق، وَاحْتمل عدد الْحَرْب والزينة، وَخرج لَيْلًا عَن الْمَدِينَة، واقتضت آراؤه الفائلة، وهامته الشايلة، ودولة بغيه الزائلة، أَن يقْصد طاغية الرّوم بقضه وقضيضه، وأوجه وحضيضه، وطويله وعريضه، من غير عقد اقْتضى وثيقته، وَلَا أَمر عرف حَقِيقَته، إِلَّا مَا أمل اشْتِرَاطه من تَبْدِيل الْكَلِمَة، واستئصال الْأمة الْمسلمَة، فَلم يكن إِلَّا أَن تحصل فِي قَبضته، ودنا من مَضْجَع ربضته، وَاسْتَشَارَ نصحاه فِي أمره، وَحكم الْحِيلَة فِي جِنَايَة غدره، وشهره بِبَلَدِهِ، وَتَوَلَّى بعد قَتله بِيَدِهِ، وَألْحق بِهِ بِعَبْد جَمِيع من أمده فِي غيه، وَظَاهره على سوء سَعْيه. وَوجه إِلَيْنَا برءوسهم، فَنصبت بمشور غدرها، وقلدت لبة تِلْكَ البنية بشذرها، وأصبحت عِبْرَة للمعتبرين، وَآيَة للمبصرين وأحق الله الْحق بكلماته، وَقطع دابر الْكَافرين. وَعِنْدنَا إِلَى أريكة ملكنا، كَمَا رَجَعَ الْقَمَر إِلَى بَيته، بعد كيتة وكيته، أَو العقد إِلَى جيده، بعد انتشار فريده، أَو الطير إِلَى وَكره، مفلتا من غدر الشّرك ومكره، ينظر النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 إِلَيْنَا بعيون لم تَرَ مُنْذُ غبنا من محيا رَحْمَة، وَلَا طمثت عَلَيْهَا بَعدنَا غمامة نعْمَة، وَلَا باتت للسياسة فِي ذمَّة، وَلَا ركنت لدين وَلَا منَّة. فطوينا بِسَاط العتاب طى الْكتاب؛ وعاجلنا سطور الْمُؤَاخَذَة بالإضراب، وأنسنا نفوس أولى الِافْتِرَاق بالاقتراب، وسهلنا الْوُصُول إِلَيْنَا، واستغفرنا الله لنفسنا وَلمن جنى علينا، فَلَا تسلوا عَمَّا آثَار ذَلِك من اسْتِدْرَاك نَدم، ورسوخ قدم، واستمتاع بِوُجُود بعد عدم. فسبحان الذى يمحص ليثيب، وَيَأْمُر بِالدُّعَاءِ فيجيب، وينبه من الْغَفْلَة ويهيب، ويجتبي إِلَيْهِ من يَشَاء، وَيهْدِي إِلَيْهِ، ينيب. ورأينا أَن نطالع علومكم المشرفة [بِهَذَا الْوَاقِع] تسييبا للفاتحة الْمُعْتَمدَة، وتمهيدا للموالاة المجددة، فأخبار الأقطار مِمَّا تنفقه الْمُلُوك على أسمارها، وترقم ببدائعه هالات أقمارها، وتستفيد مِنْهُ حسن السّير، والأمان من الْغَيْر، وتستعين على الدَّهْر بالتجارب، وتستدل على الشهد بالغائب. وبلادكم ينبوع الْخَيْر وَأَهله، ورواق الْإِسْلَام الَّذِي يأوى قَرِيبه وبعيده إِلَى ظله. ومطلع نور الرسَالَة، وأفق الرَّحْمَة المنثالة، تقوم علينا الْكَوَاكِب تضرب آباط أفلاكها، وتتخلل مداريها المذهبة غداير أحلاكها، وتستدعي البدور، ثمَّ يَدْعُو بهَا إِلَى الْمغرب الْخُدُور، وتطلع الشموس متجردة من كمام لَيْلهَا، متهادية فِي دكان ميلها، ثمَّ تسحب إِلَى الْغُرُوب فضل ذيلها. وَمن تلقائكم ورد الْعلم وَالْعَمَل، وأرعى الهمل. فَنحْن نستوهب من مظان الْإِجَابَة لديكم، دُعَاء يقوم لدينا مقَام المدد، ويعدل مِنْهُ الشَّيْء بِالْمَالِ وَالْعدَد، فَفِي دُعَاء الْمُؤمن، يظْهر الْغَيْب مَا فِيهِ، وَالله يعلم مَا يبديه العَبْد وَمَا يخفيه، وإياه نسل أَن يدْفع عَنَّا وعنكم عوادي الْفِتَن، وغوائل المحن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 ويحملنا على سنَن السّنَن، ويلبسنا من تقواه أوفى الجنن، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل لأبوابكم سَعْدا تستقل لَدَى قَاضِي الْقُضَاة رسومه، فتكتب حُقُوقه، وتكبت خصومه، وَلَا تكلفه الْأَيَّام وَلَا تسومه، بِفضل الله وعزته، وَكَرمه ومنته. وَالسَّلَام الْكَرِيم، الطّيب الْمُبَارك، بدءا بعد عود، وجودا أثر جود، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك من الْأَمِير فلَان أيده الله وَنَصره. وَأَعْلَى نَصره وأظهره. إِلَى ولينا فِي الله الَّذِي لَهُ الْقدر الرفيع المناصب، وَالْمجد السَّامِي الذوائب [، والسياسة الَّتِي أَخْبَارهَا سمر الْمشَاهد، وحدو الركائب، الشَّيْخ الْجَلِيل، الْكَبِير الشهير، الْهمام الخطير، الأمضى الرفيع، الْأَعْلَى الأمجد الأوحد، الأصعد الأسعد، الأرقى، الطَّاهِر الظَّاهِر الْفَاضِل الباسل، الأرضى الأنقى، الْمُعظم الموقر المبرور، علم الاعلام، سلالة أكَابِر أَصْحَاب الإِمَام. معيد دولة التَّوْحِيد إِلَى الانتظام، أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن الشَّيْخ الْجَلِيل الْكَبِير الشهير الْمَاجِد الخطير الرفيع، الأسعد الامجد، الحسيب الْأَصِيل، الطَّاهِر الظَّاهِر، الأرضى الأمضى، الْأَفْضَل الْأَكْمَل، الْمُعظم الْمُقَدّس المرحوم أَبى الْعَبَّاس بن تيفرا جين، وصل الله لَهُ عزة تناسب شهرة فَضله، وسعادة تتكفل لَهُ فِي الدَّاريْنِ برفعة مَحَله. سَلام كريم يخص مجادتكم الفاضلة، ورتبتكم الحافلة، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي يمحص ليثيب، وَيَأْمُر بالاستقالة ليجيب، ويعقب ليل الشدَّة بصبح الْفرج الْقَرِيب، ونجني من شجر التَّوَكُّل عَلَيْهِ، وَالتَّسْلِيم إِلَيْهِ ثَمَر الصنع العجيب، وَيظْهر العبر مهمى كسر ثمَّ جبر، لكل عبد منيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي نلجأ إِلَى ظلّ شَفَاعَته فِي الْيَوْم العصيب، ونستظهر بجاهه على جِهَاد عَبدة الصَّلِيب، ونستكثر بمدد بركاته فِي هَذَا الثغر الْغَرِيب، ونصول مِنْهُ على الْعَدو بالحبيب. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، نُجُوم الْهِدَايَة من بعده، ولأمته من الأفول والمغيب. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عزة مُتَّصِلَة، وعصمة بالأمان من نوب الزَّمَان متكفلة. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله الَّذِي لطف وجبر، وَأظْهر فِي الْإِقَالَة وَحسن الإدالة العبر، وَجَعَلنَا مِمَّن كتب لَهُ العقبى لما صَبر، إِلَّا الْخَيْر الَّذِي كسا الألطاف الْجَبْر، والصنع الَّذِي صدق الْخَبَر وَالْخَبَر. وَالْحَمْد لله كثيرا كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَّا فَضله، ولمكانتكم عندنَا الْمحل الَّذِي قررت شهرة فَضلكُمْ قَوَاعِده، وأعلت مصاعده، وَأثبت التَّوَاتُر شواهده إِذْ لَا نزال نتحف [بسيركم الَّتِي هِيَ] فِي التَّدْبِير أثر يَقْتَضِي، وَعلم يسترشد إِذا الْعلم اختفى والسبيل عَفا، وَإِن تِلْكَ الدولة بكم استقام أودها، وَقَامَت وَالْحَمْد لله عمدها، وَإِنَّكُمْ رعيتم فِي الْبَنِينَ حُقُوق آبائها، وحفظتم عَلَيْهَا مِيرَاث عليائها، وَلَو لم تتصل بِنَا أنباؤكم الحميدة، وآراؤكم السديدة، بِمَا يُفِيد الْعلم بِفضل ذاتكم، ويقوى قوى الِاسْتِحْسَان بصفاتكم، لغبطنا بمخاطبتكم ومفاتحتكم مَا نجده من الْميل إِلَيْكُم طبعا وجبلة، من غير أَن نعتبر سَببا أَو عِلّة، فالتعارف بَين الْأَرْوَاح لَا يُنكر، والْحَدِيث الْكَرِيم يُؤَيّد مَا من ذَلِك ينْقل وَيذكر، وبحسب ذَلِك نطلعكم على غَرِيب مَا جرى بِهِ ملكنا الْقدر، وَحَيْثُ بلغ الْورْد، وَكَيف كَانَ الصَّدْر، وَرُبمَا اتَّصَلت بكم الْحَادِثَة الَّتِي أكفاها على دَار ملكنا من لم يعرف غير نعمتنا غاديا، وَلَا برح فِي جَوَانِب إحسانها رايحا وغاديا، يَتِيم حجرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 الكافل، ورضيع درها الحافل، الشقى الخاسر الخائن، الغادر مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل المستجير بِنَا من لوم غدره، الْخفية عَنَّا حيل مكره، الخمول قدره، إِذْ دَعَاهُ محتوم الْغدر [ليهلك] إِلَى أَن يهْلك وسولت لَهُ نَفسه الأمارة بالسوء أَن يملك أخانا الخاسر ثمَّ يملك. وَسُبْحَان الَّذِي يَقُول يَا نوح إِنَّه لَيْسَ من أهلك. وَكَيف تمّ لَهُ مَا أبرمه من تسور الأسوار، واقتحام الْبَوَار، وتملك الدَّار، والاستيلاء على قطب الْمدَار. وإننا كنفتنا عصمَة الله بمتحولنا الَّذِي كَانَ بِهِ ليلتئذ مَحل ثوائنا، وكفت الْقُدْرَة الإلهية أكف أَعْدَائِنَا، وخلصنا غلابا بِحَال انْفِرَاد إِلَّا من عنايته وَنعم الرفيق، وَصدق اللجأ إِلَى رَحمته الَّتِي ساحتها عَن مثلنَا لَا تضيق، مهمى تنكر الزَّمَان وتفرق الْفَرِيق، وشرذمة الْغدر تَأْخُذ علينا كل فج عميق، حَتَّى أوينا من مَدِينَة وَادي آش إِلَى الْجَبَل العاصم من الْحَادِث القاصم، وَالْحجّة المرغمة أنف المخاصم، ثمَّ أجزنا الْبَحْر بعد معاناة خطوب، وتجهم من الدَّهْر وقطوب، وبلى الله هَذَا الوطن بِمن لَا يُرْجَى لله وقارا، وَلَا يألوا لشعائره المعظمة احتقارا، فأضرمه نَارا، وجلل [وُجُوه] وجوهه خزيا وعارا، ثمَّ انتهك الْبَاطِل حماه، وَغير اسْمه ومسماه، وبدد حاميته المتجبرة وشذبها، وسخم دواوينه الَّتِي محصها التَّرْتِيب والتجريب وهذبها. وَأهْلك نفوسها وأموالها، وأساء لَوْلَا تدارك الله أحوالها. وَلما تَأذن جلّ جَلَاله فِي إِقَالَة العثار، ودرك الثار، وأنشأت نواسم رِضَاهُ إدامة الاسْتِغْفَار، ورأينا أَن قلادة الْإِسْلَام قد أذن انتثارها وَالْملَّة الحنيفية كَادَت تذْهب آثارها، وَسَائِل الْخلاف يَتَعَدَّد مثارها، وَجعلت الملتان نحونا تُشِير، وَالْملك يأمل أَن يوافيه بقدومنا البشير، تحركنا حَرَكَة خَفِيفَة تشعر أَنَّهَا حَرَكَة لِلْفَتْحِ، ونهضنا نَبْتَدِر مَا كتب الله من الْمنح، وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 امتعض لنا الْكَوْن بِمَا حمل، واستخدم الْفلك نَفسه بِمَشِيئَة الله واكتمل، وَكَاد يقرب لقرى طريقنا الثور وَالْحمل، وظاهرنا مَحل أخينا السُّلْطَان الْكَبِير، الرفيع الْمُعظم الْمُقَدّس، أَبُو سَالم، الَّذِي كَانَ وَطنه مأوى الجنوح، ومهب النَّصْر الممنوح، رَحْمَة الله عَلَيْهِ، من مُظَاهرَة مثله من الْمُلُوك الأعاظم، وَختم الْجَمِيل بالجميل والأعمال بالخواتم، وأنف حَتَّى عَدو الدّين لنعمتنا المكفورة، وحقوقنا المستورة، فَأصْبح وَإِن كَانَ الْعَدو حبيبا، وَعَاد بعد الإباية منيبا، وسخر أساطيله وتحضيضا على الْإِجَازَة وترغيبا، واستقبلنا الْبِلَاد وبحر الْبشر يزخر موجه، وفلك الْإِسْلَام، قد خر على الحضيض أوجه، وَالروم مستولية على الثغور، وَقد ساءت ظنون الْمُؤمنِينَ بالعقبى، وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور، والخبيث الغادر الَّذِي كَانَ يموه بالإقدام، قد ظهر كذب وعده، وَهَان مثواه، وتورط فِي إشراك المندمة تورط من اتبع هَوَاهُ، ومجد نعْمَة مَوْلَاهُ. فلولا أَن الله عز وَجل تدارك جَزِيرَة الأندلس بركابنا، وعاجل أوراها بانسكابنا، لكَانَتْ القاضية، وَلم تَرَ لَهَا، بعد تِلْكَ الرّيح الْعَقِيم من بَاقِيَة، لاكنا وَالْفضل لله، رفعنَا وَطْأَة الْعَدو، ووفدنا بكلكل، وابتززناه مِنْهَا إِلَى مشرب ومأكل، واعتززنا عَلَيْهِ بِاللَّه، الَّذِي يعز ويذل، وَيهْدِي ويضل، فَلم نسامحه فِي شَرط يجر غَضَاضَة، وَلَا يخلف فِي الْقُلُوب مضاضة، وخضنا بَحر الهول، وبرئنا إِلَى الله رَبنَا من الْقُدْرَة والحول، وَظَهَرت للْمُسلمين ثَمَرَة سريرتنا [وَمَا بذلنا فِي مصانعة الْعَدو عَن الإجهاز عَلَيْهِم، من حسن سيرتنا] فَقَوِيت فِينَا أطماعهم وانعقد على التحوم بِنَا إِجْمَاعهم، وقصدنا مالقة، بعد أَن انثالت الْجِهَة الغربيه، واذعنت المعاقل الأبيه، فيسر الله فتحهَا، وهنأ منحها. ثمَّ توالت البيعات، وصرخت بمآذن الْبِلَاد الوعاظ واضطرب أَمر الْمُخَالف وَقد ذلفت المخاوف إِلَيْهِ، وَحسب كل صَيْحَة عَلَيْهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 فاقتضت نعامته الشاملة، ودولة بغيه الزائلة، وآراؤه الفائلة، أَن ضم مَا أمكنه من ذخيرة مكنونة، وَآلَة، للْملك مصونة، واستركب أوباشه الَّذين استباح الْحق دمايهم، وَعرف الْخلق اعتزاءهم للغدر وانتماءهم، وَقد سُلْطَان قشتالة، عَن غير عهد وَلَا ثِقَة، وَلَا مثلى طَرِيقه، وَلَا شِيمَة بالرعى خليقه، لَا كن الله عز وَجل حمله على قدمه لإراقة دَمه، وزين الْوُجُود بِعَدَمِهِ، فلحين قدومه عَلَيْهِ، راجيا أَن يستفزه بِعرْض، أَو يحِيل صِحَة عقده المبرم إِلَى مرض، ومؤملا هُوَ وشيعته الغادرة، كرة على الْإِسْلَام مجهزه، ونصرة لمواعيد الشَّيْطَان مستنجزة، تقبض عَلَيْهِ وعَلى شيعته، وصم عَن سَماع خديعته، وأفحش بهم الْمثلَة، وأساء بِحسن رَأْيه فيهم القتلة، فأراح الله بإبادتهم نفوس الْعباد، وَأَحْيَا بهلاكهم أرماق الْبِلَاد. وحثثنا السّير إِلَى دَار ملكنا، فدخلناها فِي الْيَوْم الاغر المحجل، وحصلنا مِنْهَا على الْفَتْح الهني الْمُعَجل، وعدنا إِلَى الأريكة، الَّتِي نبا عَنْهَا التمحيص، فَمَا حسبناه إِلَّا سرارا أعقبه الْكَمَال، ومرضا عاجله الإبلال، فثابت للدّين الآمال، ونجحت الْأَعْمَال. وبذلنا فِي النُّفُوس من الْعَفو مَا تغمد الذُّنُوب، وجبر الْقُلُوب، وأشعنا الْعَفو فِي الْقَرِيب والقصى، وألبسنا الْمُرِيب ثوب الْبري، وتألفنا الشارد، وأعذبنا الْمَوَارِد، وأجرينا العوايد [واسنينا الفوايد] إِلَّا مَا كَانَ من شرذمة عظمت جرايرهم، وخبثت فِي مُعَاملَة الله سرايرهم، وَعرف شومهم، وَصدق من يلومهم، فأقصيناهم وشردناهم، وأجليناهم عَن هَذَا الوطن الجهادي، وأبعدناهم. وَلما تعرف سُلْطَان قشتالة باستقلالنا، واستقرارنا بِحَضْرَة الْملك واحتلالنا؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 بَادر يعرف بِمن كَانَ من عمله فِيمَا لحق بِهِ من طَائِفَة الْغدر وإخوان الخديعة وَالْمَكْر، وَبعث إِلَيْنَا برؤسهم، مَا بَين ريسهم الشقى ومرءوسهم، وَقد طفا على جداول السيوف حبابها، وراق بحناء الدِّمَاء خضابها، وبرز النَّاس إِلَى مشاهدتها معتبرين وَفِي قدرَة الله مستبصرين، ولدفاع الله النَّاس بَعضهم لبَعض شاكرين، وأحق الله الْحق بكلماته، وَقطع دابر الْكَافرين. فَأمرنَا بِنصب تِلْكَ الرُّءُوس بمنسور الْغدر الَّتِي فرعته، وجعلناها علما على عاتق الْعَمَل السيء الَّذِي اخترعته، وشرعنا فِي معالجة الْكَلم، وأفضنا على الْعباد والبلاد حكم السّلم، فَاجْتمع الشمل كأحسن حَاله، وَسكن هَذَا الوطن بعد زلزاله، وأفاق من أهواله. ولعلمنا بفضلكم الَّذِي قضاياه شائعه، ومقدماته ذائعة، أخبرنَا كم بِهِ على اخْتِصَار، وإجتزاء واقتصار لييسر دينكُمْ المتين بتماسك هَذَا الثغر الْأَقْصَى بعد استرساله، وإشرافه على سوء مآله. وَكُنَّا نخاطب مَحل أخينا السُّلْطَان الْجَلِيل الْمُعظم، الأسعد الأوحد، الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو إِسْحَق ابْن الْخَلِيفَة الإِمَام الْمُعظم الْمُقَدّس أبي يحيى أبي بكر ابْن الْأَئِمَّة المهتدين وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وصل الله أَسبَاب سعده، وحرس أكناف مجده، لَو أننا تعرفنا مُقيما بِغَيْر تلكم الحضرة التونسيه، فاجتزأنا بمخاطبة جهتكم السنيه لتنوبوا عَنَّا فِي حفظ ملكه وعمادة دَاره، فَبين سلفنا وسلفكم الْكَرِيم، من الود الراسخ الْبُنيان، والخلوص الْأَثر والعيان، مَا يَدْعُو إِلَى أَن يكون سَبَب المخاطبة مَوْصُولا، وآخرة الود خير من الأولى، لَكِن الطَّرِيق جم الْعَوَائِق، وَالْبَحْر مَعْرُوف البوائق وَقبُول الْعذر بشواغل هَذَا الْقطر بِالْفَضْلِ لَائِق، ومرادنا أَن يتَّصل الود، ويتجدد الْعَهْد، وَالله عز وَجل، يتَوَلَّى أُمُور الْمُسلمين بمتعود إحسانه، وَيجمع قُلُوبهم، حَيْثُ كَانُوا على طَاعَة الله ورضوانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعادتكم، ويحرس مجادتكم. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك إِلَى الْأَمِير المؤتمن على أَمر سُلْطَان الْمُسلمين، الْمُقَلّد تَدْبيره السديد قلادة الدّين، الْمثنى على رسوم بره، المقامة بِبَاب الْحرم الْأمين، الآوى من مرضات الله وَرَسُوله إِلَى الربوة ذَات الْقَرار والمعين، المستعين من الله على مَا حمله وأمله بالقوى الْمعِين، سيف الدعْوَة، ركن الدولة، قوام الْملَّة، مُؤَمل الْأمة، تَاج الْخَواص، أَسد الجيوش، كَافِي الكفاة، زين الأمرا، علم الكبرا، عين الْأَعْيَان، حَسَنَة الزَّمَان، الْأَجَل المرفع، الْأَسْنَى الْكَبِير الْأَشْهر، الأسمى الحافل الْفَاضِل، الْكَامِل الْمُعظم، الموقر، الْأَمِير الأوحد يلبغا الخاصكي وصل الله لَهُ سَعَادَة تشرق عزتها، وصنائع تسح فَلَا تشح درتها، وَأبقى تِلْكَ المثابة، قلادة الله وَهُوَ درتها، سَلام كريم طيب بر عميم، يخص إمارتكم الَّتِي جعل الله السعد على سعادتها إِمَارَة، واليسر لَهَا شارة، فساعد الْفلك الدوار مهمى أعملت بإداره، وتمتثل الرسوم كلما أشارت إِشَارَة. أما بعد حمد الله الَّذِي هُوَ بِعِلْمِهِ فِي كل مَكَان من قاص ودان، وَإِلَيْهِ توجه الْوُجُوه، وَإِن اخْتلفت السّير، وَتَبَاعَدَتْ الْبلدَانِ، وَمِنْه يلْتَمس الْإِحْسَان، وبذكره ينشرح الصَّدْر، ويطهر الْقلب، ويمرح اللِّسَان. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الْعَظِيم الشان، وَنبيه الصَّادِق الْبَيَان، الْوَاضِح الْبُرْهَان، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وأعمامه، أحلاس الْخَيل، وَرُهْبَان اللَّيْل، وأسود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 الميدان، وَالدُّعَاء لإمارتكم السعيدة بالعز الرَّائِق الْخَبَر والعيان، والتوفيق الوثيق الْبُنيان. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم حظا من فَضله وافرا، وصنعا من محيا السرُور سافرا، [وَفِي جو الْإِعْلَام بِالنعَم الجسام مُسَافِرًا] . من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، دَار ملك الأندلس، دَافع الله عَن حوزتها كيد العداة، وأتحف نصلها ببواكر النَّصْر المهداة، وَلَا زَائِد [بِفضل الله] إِلَّا تشوق إِلَى التعارف بتلكلم الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة الَّتِي أَنْتُم عنوان كتابها المرقوم، وَبَيت قصيدها المنظوم، والتماس بركاتها الثَّابِتَة الرسوم. وَتَقْرِير المثول فِي سَبِيل زيارتها بالأرواح، عِنْد تعذرها بالجسوم. وَإِلَى هَذَا فاننا كَانَت بَين سلفنا، تقبل الله جهادهم، وَقدس نُفُوسهم، وَأمن معادهم، وَبَين تِلْكَ الْأَبْوَاب السُّلْطَانِيَّة، أبقى الله على الْمُسلمين وَالْإِسْلَام ظلالها، كَمَا عرفهم عدلها وأفضالها، مراسلة ينم عرف الخلوص من خلالها، وتسطع أنوار السَّعَادَة من آفَاق كمالها، وتلتمح من أسطار طروسها، محَاسِن تِلْكَ الْمعَاهد الزاكية الْمشَاهد، وتعرب عَن فضل الْمذَاهب وكرم الْمَقَاصِد، اشتقنا إِلَى أَن نجددها، بِحسن منابكم، ونصلها بمواصلة جنابكم، ونغتنم فِي عودهَا الحميد مَكَانكُمْ، ونؤمل لَهَا زمامكم، فخاطبنا الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة فِي هَذَا الْغَرَض بمخاطبة خجلة من التَّقْصِير، وَجلة من النَّاقِد والبصير، نؤمل الْوُصُول فِي خفارة يدكم الَّتِي لَهَا الأيادي الْبيض، والموارد الَّتِي لَا تغيض. ومثلكم لَا تخيب الْمَقَاصِد فِي شمائله، وَلَا تهمل المآمل فِي ظلّ خمائله، فقد اشْتهر من جميل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 سيركم مَا طبق الْآفَاق، وَصَحب الرفاق، واستلزم الإصفاق. وَهَذِه الْبِلَاد مباركة، مَا أسلف أحد فِيهَا مُشَاركَة إِلَّا وجدهَا فِي نَفسه وَدينه وَمَاله، وَالله أكْرم من وفى الْأَمر بمكياله. وَالله جلّ جَلَاله يجمع الْقُلُوب على طَاعَته، وينفع بوسيلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الَّذِي نعول على شَفَاعَته، وَيبقى تِلْكَ الْأَبْوَاب ملْجأ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين، وظلا لله على الْعَالمين، وَإِقَامَة لشعائر الْحرم الْأمين، ويتولى إعانتكم على وظائف الدّين، ويجعلكم مِمَّن أنعم عَلَيْهِ من الْمُجَاهدين. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم، وَرَحْمَة الله وبكراته. وَمن ذَلِك من الْأَمِير فلَان، إِلَى الشَّيْخ الكذا ابْن الشَّيْخ الكذا، وصل الله لَهُ سَعَادَة تجذبه، وعناية إِلَيْهِ تقربه، وقبولا يَدعُوهُ إِلَى خير مَا عِنْد الله ويندبه. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله المرشد المثيب، السَّمِيع الْمُجيب، معود اللطف الْخَفي، والصنع العجيب، المتكفل بإنجاز وعد النَّصْر الْعَزِيز، وَالْفَتْح الْقَرِيب، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، ذِي الْقدر الرفيع، والعز المنيع، والجناب الرحيب، الَّذِي بِهِ نرجو ظُهُور عباد الله على عَبدة الصَّلِيب، ونستظهر بِهِ على الْعَدو بالحبيب، ونعده [فِي الشدائد] عدتنا لليوم العصيب. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، الَّذين فازوا من مشاهدته بأوفى نصيب، ورموا إِلَى هدف مرضاته بِالسَّهْمِ الْمُصِيب. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عملا صَالحا، يخْتم الْجِهَاد صَحَائِف بره، ويتمخض لِأَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا جَوَامِع أمره، وجعلكم مِمَّن تهنا فِي الأَرْض الَّتِي فتح فِيهَا أَبْوَاب الْجنَّة حِصَّة عمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، ولطف الله هامي السَّحَاب، وصنعه رائق الجناب، وَالله يصل لنا وَلكم مَا عود من صلَة لطفه عِنْد انبتات الْأَسْبَاب. وَإِلَى هَذَا، أَيهَا الْوَلِيّ فِي الله، الَّذِي هُوَ بركَة الْمغرب الْمشَار إِلَيْهَا بالبنان، وَوَاحِد فِي رفْعَة الشان، الْمُؤثر مَا عِنْد الله على الزخرف الفتان، المتقلل من الْمَتَاع الفان، المستشرف إِلَى مقَام الْعرْفَان من درج الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَالْإِحْسَان. فإننا لما نوثره من بركم [الَّذِي نعده من الْأَمر الأكيد، ونضمره من ودكم] الَّذِي نحله مَحل الْكَنْز العتيد، ونلتمسه من دعائكم التمَاس الْعدة والعديد، لَا نزال نسل عَن أحوالكم الَّتِي ترقت فِي أطوار السَّعَادَة، ووصلت جناب الْحق بمجرى الْعَادة، وَأَلْقَتْ يَد التَّسْلِيم لله، والتوكل عَلَيْهِ بالمقادة، فنسر بِمَا هيأه الله لكم من الْقبُول، وبلغكم من المأمول، وألهمكم من الكلف بِالْقربِ إِلَيْهِ والوصول، والفوز بِمَا لَدَيْهِ والحصول. وعندما رد الله علينا ملكنا الرَّد الْجَمِيل، وأنالنا فَضله الجزيل، وَكَانَ لعثارنا المقيل، خاطبناكم بذلك لمكانكم من ودادنا، ومحلكم من حسن اعتقادنا، ووجهنا إِلَى وجهة دعائكم وَجه اعتدادنا، وَالله ينفع بجميل الظَّن فِي دينكُمْ المتين، وفضلكم الْمُبين، وَيجمع الشمل بكم فِي الْجِهَاد عَن الدّين. وتعرفنا الْآن مِمَّن لَهُ بأنبائكم اعتنا، وعَلى جلالكم حمد وثنا، ولجانب ودكم اعتزاز وَإِنَّمَا، أَنكُمْ يتحاول عزمكم بَين حج مبرور، ترغبون من أجره فِي ازدياد، وتجددون الْعَهْد مِنْهُ بأليف اعتياد، وَبَين رِبَاط فِي سَبِيل الله وَجِهَاد، وتوثير مهاد بَين ربى أثيره عِنْد الله ووهاد، تحْشر يَوْم الْقِيَامَة شهداؤها مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين، فرحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله، وَالله أصدق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 الصَّادِقين، [حَيْثُ الإغارة لعدو الْإِسْلَام تتقي، ولاثنية إِلَّا لابتغاء مَا لدين الله ترتقي] ، حَيْثُ رَحْمَة الله قد فتحت أَبْوَابهَا، وحور الْجنان قد زينت أترابها بدار الْعَرَب الَّذين قارعوا بَاب الْفَتْح، وفازوا بجزيل الْمنح، وخلدوا الْآثَار، وأرغموا الْكفَّار، وأقالوا العثار، وَأخذُوا الثأر، وأمنوا من لفح جَهَنَّم بِمَا علا وُجُوههم فِي ذَلِك الْغُبَار. فكتبنا إِلَيْكُم هَذَا نقوي بصيرتكم على جِهَة الْجِهَاد من العزمين، وَنهب بكم إِلَى إِحْدَى الحسنيين، وَالصُّبْح غير خَافَ عِنْد ذِي عينين، وَالْفضل الجاهز لإحدى المنزلتين، فَإِنَّكُم إِذا حججتم أعدتم فرضا أديتموه، وفضلا ارتديتموه، فَائِدَته عَلَيْكُم مَقْصُورَة، وَقَضيته فِيكُم محصورة، وَإِذا أقمتم الْجِهَاد، جلبتم إِلَى حسناتكم عملا غَرِيبا، واستأنفتم سعيا من الله قَرِيبا، وتعددت الْمَنْفَعَة إِلَى أُلُوف من النُّفُوس المستشعرة لِبَاس الْبُؤْس، وَلَو كَانَ الْجِهَاد بِحَيْثُ يخفى عَلَيْكُم فَضله لأطلنا، وأعنة الإدلال أرسلنَا. هَذَا لَو قدمتهم على هَذَا الوطن، وفضلكم غفل من الاشتهار، وَمن بِهِ لَا يُوجب لكم ترفيع الْمِقْدَار، فَكيف وفضلكم أشهر من محيا النَّهَار، ولقاؤكم أشهى الآمال، وآثر الأوطار، فَإِن قوى عزمكم، وَالله يقويه، ويعيننا من بركم على مَا ننويه؛ فالبلاد بِلَادكُمْ، وَمَا فِيهَا طريفكم وتلادكم، وكهولها أخوانكم، وأحداثها أَوْلَادكُم، وَنَرْجُو أَن تَجدوا بذكركم الله فِي رباها حلاوة زَائِدَة، وَلَا تَعْدَمُوا فِيهَا من روح الله فَائِدَة، وتتكيف نفسكم فِيهَا تكييفات تقصر عَنْهَا خلوات السلوك إِلَى ملك الْمُلُوك. حَتَّى تغتبطوا بِفضل الله الَّذِي يوليكم، وتروا أثر رَحمته فِيكُم، وتخلفوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 فَخر هَذَا الِانْقِطَاع إِلَى الله فِي قبيلكم وبنيكم، وتختتموا الْعُمر الطّيب بِالْجِهَادِ الَّذِي يحليكم، وَمن الله يدنيكم، فنبيكم الْعَرَبِيّ صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه، نَبِي الْمَلَاحِم، ومعمل الصوارم، وبجهاد الفرنج ختم عمل جهاده، والأعمال بالخواتم. هَذَا على بعد بِلَادهمْ من بِلَاده، وَأَنْتُم أَحَق النَّاس باقتفاء جهاده، والاستباق إِلَى آماده. هَذَا مَا عندنَا حثثاكم عَلَيْهِ، وندبناكم إِلَيْهِ، وَأَنْتُم فِي إِيثَار هَذَا الْجوَار، ومقارضة مَا عندنَا بقدومكم على بِلَادنَا من الاستبشار، بِحَسب مَا يخلق عنْدكُمْ، من بِيَدِهِ مقادة الاختبار، وتصريف اللَّيْل وَالنَّهَار، وتقليب الْقُلُوب، وإجالة الأفكار. وَإِذا تَعَارَضَت الحظوظ، فَمَا عِنْد الله خير للأبرار، وَالدَّار الْآخِرَة دَار الْقَرار، وَخير الْأَعْمَال عمل أوصل إِلَى الْجنَّة، وباعد من النَّار. ولتعلموا أَن أهل الْكَشْف والاطلاع بِهَذِهِ الأرجاء والأصقاع، قد اتّفقت أَخْبَارهَا، واتحدت أسرارها على الْبشَارَة بِفَتْح قرب أَوَانه، وأظل زَمَانه، فنرجو الله أَن تَكُونُوا مِمَّن يحضر مدعاه، وَيكرم فِيهِ مسعاه، ويسلف فِيهِ بِالْعَمَلِ الَّذِي يشكره الله ويرعاه. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 جُمْهُور الْأَغْرَاض السلطانيات من ذَلِك مَا كتبت بِهِ الْمقَام الَّذِي رمى لَهُ الْملك الْأَصِيل بأفلاذه، وَأَوَى مِنْهُ الْإِسْلَام إِلَى ملجأه الأحمى وملاذه، وكلفت السُّعُود بإمضاء أمره المطاع وإنفاذه، وشا حلبة الكروم فَكَانَ وحيد آماده، وفذ أفذاذه [وابتدع غَرِيب الْجُود فَقَالَ لِسَان الْوُجُود نعم الْبِدْعَة هَذِه] . مقَام مَحل أخينا الَّذِي أَرْكَان مجده راسية راسخة، وغرر عزه بادية باذخة، وأعلام فخره سامية شامخة، وآيات سعده محكمَة ناسخة. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله يجْرِي بسعده الْفلك، ويجلى بِنور هَدْيه الحلك، ويسطر حَسَنَات ملكه الْملك، ويشيد بِفضل بأسه ونداه، النادي والمعترك. مُعظم حُقُوقه الَّتِي تَأَكد فَرضهَا، الْمثنى على مكارمه الَّتِي أعيا الْأَوْصَاف البليغة بَعْضهَا، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام كريم، طيب بر عميم يخص أخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي هيأ لملة الْإِسْلَام بِظَاهِرِهِ ملككم الْمَنْصُور الْأَعْلَام، إِظْهَارًا وإعزازا، وَجعل لَهَا الْعَاقِبَة الْحسنى بيمن مقامكم الأسمى، تَصْدِيقًا لدَعْوَة الْحق وإنجازا، وَسَهل لَهَا بسعدكم كل صَعب المرام، وَقد سامتها صروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 الْأَيَّام ليا وإعوازا، وأتاح لَهَا مِنْكُم وليا يسوم أعداها إسلاما وابتزازا. وَسكن آمالها، وَقد استشعرت انحفازا. حمدا يكون على حلل النعم العميمة والآراء الْكَرِيمَة طرازا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي بهرت آيَاته وضوحا وإعجازا، واستحقت الْكَمَال صِفَاته حَقِيقَة لَا مجَازًا، وَنبيه الَّذِي بَين لِلْخلقِ أَحْكَام دينه الْحق امتناعا وجوازا، وَيسر لَهُم وَقد ضلوا فِي مفاوز الشَّك مفازا، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه المستولين على ميادين فَضَائِل الدُّنْيَا وَالدّين، اختصاصا بهَا واختبارا فَكَانُوا غيوثا إِذا وجدوا محلا، وليوثا إِذا شهدُوا برازا؛ وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم الأسمى بنصر على أعدائه، تبدي لَهُ الْجِيَاد الجرد ارتياحا، والرماح الملد اهتزازا، وَعز بطأ من أكناف البسيطة وأرجائها المحيطة سهلا وعزازا، ويمن يَشْمَل من بِلَاد الْإِيمَان أقطارا نازحة ويعم أحوازا، وَسعد تجول فِي ميدان ذكره المطاع أَطْرَاف أسنة اليراع إسهابا وإيجازا، وفخر يجوب الأقطار جوب الْمثل السيار عراقا وحجازا [ولازالت كتايب سعده تنتهز فرص الدَّهْر انتهازا وَتوسع ملكات الْكفْر انتهابا واحتيازا] فَإنَّا كتبناه إِلَى مقامكم كتب الله لَهُ سَعْدا ثَابت المراكز، وَعزا لَا تلين قناته فِي يَد الغامز، وثناء لَا تثني عنان مداه عرض المفاوز، وصنعا رحيب الجوانب رغيب الحوايز. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وفضله عز وَجل، قد أدال الْعسر يسرا، وأحال الْقَبْض بسطا، وَقرب نوازح الآمال بعد أَن تناءت ديارها شحطا، وراض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 مركب الدَّهْر الَّذِي كَانَ لَا يلين لمن استمطى، وَقرب غَرِيم الرجا فِي هَذِه الأرجاء وَكَانَ مشتطا، والتوكل عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ قد أحكم مِنْهُ الْيَقِين، والاستبصار الْمُبين ربطا، ومشروط الْمَزِيد من نعمه قد لزم من الشُّكْر شطرا، ومقامكم هُوَ عدَّة الْإِسْلَام إِذا جد حفاظه، وظله الظليل إِذا ألفح الْكفْر شواظه، وملجأه الَّذِي تنام فِي كنف أَمنه إيقاظه، ووزره الَّذِي إِلَى نَصره تمد أيديه وتشير ألحاظه، فَفِي أرجاء ثنائه تسرح مَعَانِيه وَأَلْفَاظه، ولخطب تمجيده وتحميده يَقُول قسه عكاظه. وتشيعنا إِلَى ذَلِك الجناب طَوِيل وعريض، ومقدمات ودنا إِيَّاه لَا يعترضها نقيض، وأفلاك تعظيمنا لَهُ، لَيْسَ لأوجها الرفيع حضيض، وأنوار اعتقادنا الْجَمِيل فِيهِ يشف سَواد الحبر عَن أوجهها الْبيض، وَإِلَى هَذَا ألبسكم الله ثوب السَّعَادَة الْمُعَادَة فضفاضا، كَمَا صرف بإيالتكم الْكَرِيمَة، على ربوع الْإِسْلَام، وُجُوه اللَّيَالِي وَالْأَيَّام، وَقد ازورت إعْرَاضًا، وَبسطت آمالها، وَقد استشعرت انقباضا. فإننا ورد علينا كتابكُمْ الْكَرِيم الَّذِي كرم أنحاء وأغراضا، ومادت البلاغة من طرسه الفسيح المجال، الفصيح الْمقَال، رياضا، ووردت الأفكار من مَعَانِيه الغرائب، وَأَلْفَاظه المزرية بدرر النحور والترائب، بحورا صَافِيَة وحياضا، واجتلينا مِنْهُ حلَّة من حلل الود سابغة، وَحجَّة من حجج الْمجد بَالِغَة، وشمسا فِي فلك السعد بازغة، الَّذِي بَين الْمَقَاصِد الْكَرِيمَة وَشَرحهَا، وجلى الْفَضَائِل العميمة وأوضحها، فِي أكْرم شيم ذَلِك الْجلَال وأسمحها، [وَأفضل خلال ذَلِك الْكَمَال] وأرجحها، حثثتم فِيهِ على إحكام السّلم الَّذِي يحوط الانفس والحريم بسياج، ويداوي الْقطر العليل مِنْهَا بأنجى علاج، وَالْحَال ذَات احْتِيَاج، وساحة الْجَبَل عصمَة الله ميدان هياج، ومتبوأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 أعلاج، ومظنه اخْتِلَاف الظنون الموحشة واختلاج، فَحَضَرَ لدينا متحمله، وزيركم الشَّيْخ الْأَجَل، المرفع الْمُعظم الأسمى، الْخَاصَّة الأحظى، أَبُو عَليّ ابْن الشَّيْخ الْوَزير، الْأَجَل، الحافل الْفَاضِل، الْمُجَاهِد الْكَامِل، أبي عبد الله بن محلى، وَالشَّيْخ الْفَقِيه، الْأُسْتَاذ [الصَّالح الْمُبَارك] الأعرف الْفَاضِل الْكَامِل، أَبُو عبد الله ابْن الشَّيْخ الْفَقِيه، الْأَجَل الْعَارِف، الْفَاضِل الصَّالح الْمُبَارك، المبرور المرحوم أبي عبد الله الفشتالي، وصل الله سعادتهما، وحرص مجادتهما، حَالين من مَرَاتِب ترفيعنا أَعلَى محَال الإعزاز وواردين على أحلى الْقبُول، الَّذِي لَا تشاب حَقِيقَته بالمجاز، عملا بِمَا يجب علينا، لمن يصل إِلَيْنَا من تِلْكَ الأنحاء الْكَرِيمَة والأحواز، فتلقينا مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ الإحالة السُّلْطَانِيَّة من الود، الَّذِي كرم مفهوما ونصا، وَالْبر الَّذِي ذهب من مَذَاهِب الْفضل والكمال إِلَى الأمد الْأَقْصَى، وَقد كَانَ سبقهما، صنع الله جلّ جَلَاله، بِمَا أخلف الظنون، وَشرح الصُّدُور، وَأقر الْعُيُون، فَلم يصلا إِلَيْنَا، إِلَّا وَقد أهلك الله الطاغية، ومزق أحزابه الباغية، نعْمَة مِنْهُ سُبْحَانَهُ، ومنة مَلَأت الصُّدُور انشراحا، وعمت الأرجاء أفراحا، وعنوانا على سعد مقامكم، الَّذِي راق غررا فِي المكرمات وأوضاحا، وَمد يَده إِلَى سِهَام الْمَوَاهِب الإلاهية، فحاز أعلاما قداحا، فتشوفت نفوس الْمُسلمين إِلَى مَا كَانَت تؤمله من فضل الله وترجوه، وبدت فِي الْقَضِيَّة الَّتِي أشرتم بإعمالها الْوُجُوه، وانبعث الآمال بِمَا آلت إِلَيْهِ هَذِه الْحَال انبعاثا، والتأثت أُمُور الْعَدو قصمه الله التياثا، وانتقض غزله من بعد قوته بِفضل الله إنكاثا، واحتملت المسئلة الَّتِي تفضلتم بعرضها، وأشرتم إِلَى فَرضهَا، مآخذ وأبحاثا، فألقينا فِي هَذِه الْحَال إِلَى رسوليكم، أعزهما الله، مَا يلقيانه إِلَى مقامكم الْأَعْلَى، ومثابتكم الفضلى، وَبِمَا يتزيد عندنَا من الْأُمُور، فركائب التَّعْرِيف بهَا إِلَيْكُم محثوثه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وجزئياتها بَين يَدي مقامكم الرفيع مبثوثة، وَقد اضْطَرَبَتْ أَحْوَاله، وفالت آراؤه، واستحكم بالشتات داؤه، وارتجت بزلزال الْفِتْنَة أرجاؤه، وتيسرت آمال الْإِسْلَام بِفضل الله ورجائه، وَمَا هُوَ إِلَّا السعد، يذلل لكم صَعب الْعَدو ويروضه. وَالله يهنى لكم فضل الْجِهَاد حَتَّى تقضى لكم فروضه. وَأما الَّذِي لكم عندنَا من الخلوص الصافية شرائعه، والثنا الَّذِي هُوَ الرَّوْض تأرج ذائعه، فأوضح من فلق الصُّبْح إِذا أشرقت طلائعه، جعله الله فِي ذَاته وَسِيلَة إِلَى مرضاته. ورسولاكم يشرحان الْحَال بجزئياته، ويقرران مَا عندنَا من الود الَّذِي سَطَعَ نور آيَاته. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل لكم سَعْدا سامي المراقب والمراقي، وَيجمع لكم بعد بعد المدا، وتمهيد دين الْهدى، بَين نعيم الدُّنْيَا، وَالنَّعِيم الْبَاقِي. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك من الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أَبى الْوَلِيد إِسْمَعِيل بن فرج ابْن نصر. إِلَى مَحل أخينا، الَّذِي نثني على مجادته أكْرم الثنا ونجدد مَا سلف بَين الأسلاف الْكِرَام من الْوَلَاء، ونتحفه من سَعَادَة الْإِسْلَام وَأَهله، بالأخبار السارة والأنباء. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله رفيع الْمِقْدَار، كريم المآثر والْآثَار، وعرفنا من عوارف فَضله. كل مشرق الْأَنْوَار. كَفِيل بِالْحُسْنَى وعقبى الدَّار. سَلام كريم يخص جلالكم الأرفع، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله على عميم آلائه، وجزيل نعمائه، ميسر الصعب بعد إبائه، وَالْكَفِيل بتقريب الْفرج وإدنائه، لَهُ الْحَمد وَالشُّكْر ملْء أرضه وسمائه، وَالصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد خَاتم رسله الْكِرَام وأنبيائه، الْهَادِي إِلَى سَبِيل الرشد وسوائه، مطلع نور الْحق يجلو ظلم الشَّك بضيائه. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه وأصهاره وأحزابه وخلفائه السائرين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة تَحت لوائه، الباذلين نُفُوسهم فِي إِظْهَار دينه القويم وإعلائه، والدعا لمقامكم بتيسير أمله من فضل الله سُبْحَانَهُ ورجائه، واختصاصه بأوفر الحظوظ من اعتنائه. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتبكم الله فِيمَن ارتضى قَوْله وَعَمله من أوليائه، وعرفكم عوارف السَّعَادَة الْمُعَادَة فِي نِهَايَة كل أَمر وابتدائه. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ ببركة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الْكَرِيم الَّذِي أوضح برهانه، وَعظم أمره وَرفع شَأْنه، ثمَّ بِمَا عندنَا من الود الْكَرِيم، وتجديد الْعَهْد الْقَدِيم لمقامكم، أَعلَى الله سُلْطَانه، إِلَّا الْخَيْر الهامي السَّحَاب، واليسر الْمُبين الْأَسْبَاب، واليمن المفتح الْأَبْوَاب، والسعد الْجَدِيد الأثواب، ومقامكم مُعْتَمد بترفيع الجناب، متعهد بالود الْخَالِص والاعتقاد اللّبَاب، مَعْلُوم مَاله من فضل الدّين وأصالة الأحساب. وَإِلَى هَذَا وصل الله لكم سَعْدا مديد الْأَطْنَاب، ثاقب الشهَاب، وأطلع عَلَيْكُم وُجُوه البشائر سافرة النقاب. فَإِنَّهُ قد كَانَ بَلغَكُمْ مَا آلت الْحَال إِلَيْهِ بطاغية قشتالة، الَّذِي كلب على هَذِه الأقطار، الغريبة من وَرَاء الْبحار، وَمَا سامها من الإرهاق والأضرار وَأَنه جرى فِي ميدان الْإِمْلَاء والأغترار، ومحص الْمُسلمين على يَدَيْهِ بالوقائع الْعَظِيمَة الْكِبَار، وَأَنه نكث الْعَهْد الَّذِي عقده، وَحل الْمِيثَاق الَّذِي أكده، وَحمله الطمع الفاضح على أَن أجلب على بِلَاد الْمُسلمين بخيله وَرجله، ودهمها بتيار سيله وَقطع ليله، وأمل أَن يستولي على جبل الْفَتْح، الَّذِي مِنْهُ بَدَأَ فتحهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وطلع للملة المحمدية صبحها، فضيقه حصارا، واتخذه دَارا، وعندما عظم الإشفاق، وأظلمت الْآفَاق، ظهر فِينَا بقدرة الله، الصنع العجيب، وَنزل الْفجْر الْقَرِيب، وَقبل الدعا السَّمِيع الْمُجيب، وطرق الطاغية جند من جنود الله، أَخذه أَخْذَة رابية، وَلم يبْق لَهُ من بَاقِيَة، فَهَلَك على الْجَبَل حتف أَنفه، وغالته غوائل حتفه، فتفرقت جموعه وأحزابه، وانقطعت أَسبَابه، وتعجل لنار الله مآبه، وأصبحت الْبِلَاد مستبشرة، وَرَحْمَة الله منتشرة، فَرَأَيْنَا أَن هَذِه الْبشَارَة الَّتِي يَأْخُذ كل مُسلم مِنْهَا بالنصيب الموفور، ويشارك فِيمَا جلبته من السرُور، أَنْتُم أولى من نتحفه بِطيب رياها، ونطلع عَلَيْهِ جميل محياها، لما تقرر عندنَا من دينكُمْ المتين، وفضلكم الْمُبين، وعملكم من المساهمة، على شاكلة صالحي السلاطين، فَمَا ذَاك إِلَّا بِفضل نيتكم الْمُسلمين فِي هَذِه الْبِلَاد، واثر مَا عنْدكُمْ من جميل الِاعْتِقَاد. وَقد ورد رَسُولنَا عَلَيْكُم، الْقَائِد أَبُو عبد الله بن أبي الْفَتْح، أعزه الله، مقررا مَا لديكم من الود الراسخ الْقَوَاعِد، والخلوص الصافي الْمَوَارِد الْوَاضِح الشواهد، وَأثْنى على مكارمكم الأصيلة، وَألقى مَا عنْدكُمْ من الْمذَاهب الجليلة، فقابلنا ذَلِك بالشكر الَّذِي يتَّصل سَببه، ويتضح مذْهبه، وَسَأَلنَا الله بِأَن يَجعله ودا فِي ذَاته، ووسيلة إِلَى مرضاته، وتعرفنا مَا كَانَ من تفضلكم بالطريرة الْمَفْتُوحَة الموخر، وَمَا صدر عَن الرئيس الْمَعْرُوف بالناظر من خدام دَار الصَّنْعَة بالمرية من قبح محاولته وَسُوء مُعَامَلَته، فَأمرنَا بِقطع جرايته وثقافه بمطمورة القصبة، جَزَاء لجنايته، وَلَوْلَا أننا توقعنا أَن يكون عَظِيم عِقَابه مِمَّا لَا يَقع من مقامكم بوفقه [الْمَشْهُور عفافه ورفقه] ، لجعلناه نكالا لأمثاله، وعبرة لأشكاله. وَقد وجهنا جفنا سفريا لإيساق الْخَيل الَّتِي ذكرْتُمْ، وايصال مَا إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 من ذَلِك اشرتم، ويكمل الْقَصْد إِن شَاءَ الله تَحت لحظ اعتنائكم وَفضل ولائكم. هَذَا مَا تزيد عندنَا عرفناكم بِهِ عملا على شاكلة الود الْجَمِيل، وَالْوَلَاء الْكَرِيم، الْإِجْمَال وَالتَّفْصِيل، فعرفونا بِمَا تزيد عنْدكُمْ يكون من جملَة أَعمالكُم الفاضلة، ومكارمكم الحافلة. وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي عناية الله بِهِ مَوْجُودَة مؤملة، وأزمنة سعادته إِن شَاءَ الله حَاضِرَة مُسْتَقْبلَة، وواجبات بره فِي علن الْأَمر وسره متممة مكملة، وقضايا التَّشَيُّع فِي أبوته يَأْبَى الْحق أَن ترى وَهِي مُهْملَة، مقَام مَحل أَبينَا الَّذِي ودادنا لَهُ صافي الْوُرُود إِذا كدرت المشارب، وَاضح السبل إِذا التبست الْمذَاهب، وتعظيمنا لَهُ فسيح الْجَانِب، ووفائنا بِعَهْد فَضله من أوجب الْوَاجِب، وثناؤنا على مكارمه، تحدو نجائبه الصِّبَا والجنائب. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله يسْتَقْبل وَجه السعد سافرا نقابه، ويستأنف الْعِزّ ضافيا جلبابه، والاعتناء الإلآهي مفتحا أبوابه، مَوْصُولَة أَسبَابه، مُعظم أبوته الَّتِي لَهَا الْحُقُوق المرعية، والمذاهب المرضية، الْمثنى على مكارمه الَّتِي راقت أنوارها السّنيَّة، وتعاضدت مِنْهَا الْأَعْمَال وَالنِّيَّة، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَعِيل بن فرج بن نصر، سَلام كريم طيب بر عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى وأبوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله ميسر الألطاف، عذبة الجنى دانية القطاف، ومذلل الشدائد بعد الاستيساد والاستشراف، ومسكن الْأَهْوَال بعد الإرجاف، وجامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 الأهوا من بعد الِاخْتِلَاف، الَّذِي لَا معول إِلَّا على فَضله الْكَاف، ووعده الواف، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله الْمُخْتَار من لباب هَاشم بن عبد منَاف، الْآتِي بِالْآيَاتِ الْبَينَات، والبرهان الشاف، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه الْكِرَام البررة الْأَشْرَاف، المتصفين من طَاعَة الله وطاعته بِأَحْسَن الْخلال وَأكْرم الْأَوْصَاف، وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى، بِسَعْد يُغني عَن الإيجاف، وَنصر على أعدائه تفنى بِهِ الْآحَاد عَن الآلاف. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بنية مقامكم، أَعلَى الله سُلْطَانه، ووالى لَدَيْهِ إنعامه وإحسانه، إِلَّا مَا جرت بِهِ العوائد من صلَة نعم الله بعد الافتقار، وإدالة الْيُسْر من الْإِعْسَار، عرفنَا الله وَإِيَّاكُم عوارف إحسانه المدرار، وَكَانَ لنا وَلكم حَيْثُ لَا يكون لأنفسنا من مَوَاطِن الشدائد والاضطرار، وجنابكم عندنَا عَظِيم الْمِقْدَار، كريم المآثر والْآثَار. نصل الدُّعَاء لَهُ، بإلإعلا على دين الله والإظهار، ونلازم التَّشَيُّع فِيهِ على بعد الدَّار، ونثني على فضائله الَّتِي ثبتَتْ حسناتها فِي صَحَائِف اللَّيْل وَالنَّهَار. من ذَلِك مُجمل يضيق عَنْهَا نطاق الْأَخْبَار، [ويعجز عَن استيفائها إنْشَاء الرسائل وخلال الأسطار، فنكلها إِلَى الْعَالم بخفيات الْأَسْرَار] ، وَإِلَى هَذَا، أيد الله سلطانكم، ونصركم على أعدائه وأعانكم، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم مَعَ أرسالكم لنا يبين إِلَيْكُم، وصل الله كرامتهم، وسنى سلامتهم، بِمَا عَلَيْهِ الْأَحْوَال بِهَذَا الأرجاء، وَبِمَا نَحن نرومه من عقد المهادنة بَيْننَا وَبَين الْأَعْدَاء، وَبِمَا كتبنَا بِهِ فِي شَأْن الجفن الَّذِي اسْتَقر لكم فِي ملك قشتالة، بِحكم الْقدر الحتم والقضا، وأننا أمسكنا رَسُولكُم الشَّيْخ الْفَقِيه الْفَاضِل أَبَا الْعَبَّاس الْحصار، أعزه الله، بخلال مَا يعود جَوَاب الطاغية بِمَا كتبناه فِي ذَلِك الجفن إِلَيْهِ، وعرضنا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 قَضيته عَلَيْهِ، ليرْجع إِلَيْكُم فِي المسئلة بِجَوَاب يحصل بِهِ الإنجاز الصَّرِيح، أَو الْيَأْس المريح، وأخذنا فِي الْقَضِيَّة بِمَا يُوجب الْحبّ الْخَالِص، والاعتقاد الصَّحِيح، وآب أرسالنا، وَقد عقدوا الصُّلْح ببركة نيتكم الَّتِي هِيَ لِلْإِسْلَامِ عدَّة، وملجأ الْإِسْلَام كلما نالته شدَّة، وأحكموا شُرُوطه على مَا جرت بِهِ العوائد الْقَدِيمَة، [وتوخيها فِي تثبتها الطّرق القويمة] وَصدر من سلطانهم فِي قَضِيَّة الجفن الْمَذْكُور كِتَابه الَّذِي وجهنا إِلَيْكُم صُحْبَة هَذَا الْكتاب، بعد أَن أمرنَا بشرح مَا تضمنه، ووقفنا على مَا أعلنه، وأحوال النصرى مَعْرُوفَة، وأمورهم فِي هَذَا الْبَاب مَوْصُوفَة، وَلكم عِنْد الله خلف فِي كل مَفْقُود، وَإِذا سلمتم فَلَا خوف بِفضل الله من مَكْرُوه وَلَا فايت ومردود، وَالله تَعَالَى يعرفكم عوارف إحسانه الْمَوْجُود، ولطفه الَّذِي ظَهرت حكمته فِي الْوُجُود، ويظفر كم من مرضى خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بالغرض الْمَقْصُود. هَذَا مَا عندنَا شرحناه إِلَيْكُم [وأوضحناه لديكم] ورسولكم الشَّيْخ الْأَجَل أَبُو الْعَبَّاس الْحصار أعزه الله، يشْرَح لكم جزئيات الْأُمُور شرح المعاين الْمشَاهد، ويستوفى لكم مِنْهَا كل شارد. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي بنيته الصَّالِحَة، تجْرِي الْأُمُور على أفضل معتادها، وبيمن نقيبته تسفر السُّعُود عَن وُجُوه إسعادها، وببركة دولته توضح الْأَيَّام مَذَاهِب صَلَاحهَا وسدادها، وَفِي ميدان جوده، تركض جِيَاد الأمل إِلَى أقْصَى آمادها. مقَام مَحل أخينا الَّذِي لَهُ الْقدر الرفيع، والمكارم الَّتِي راق مِنْهَا الصَّنِيع، والفواضل الَّتِي مقدماتها عِنْد الله سُبْحَانَهُ لَا تضيع، السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله عالية أَعْلَامه، موسومة بِالْيمن والأمان أَيَّامه، كَرِيمًا عَهده فِي الله وذمامه، ميسرًا من فَضله سُبْحَانَهُ قَصده الْبر ومرامه، جَارِيا بِمَا يُرْضِي الله، حربه وَسلمهُ ونقضه وإبرامه، حَتَّى ينتشر فِي الْخَافِقين ثَنَاؤُهُ، كالزهر فض كمامه، وَترد الآمال مورد جوده ضافية جمامه، وتومي بعلاج عزمه فِي هَذَا الدّين وَلَو بعد حِين كَلَامه، مُعظم مقَامه الَّذِي تَعْظِيمه فرض أكيد، وموقر كَمَاله الَّذِي ظلّ أفضاله مديد، المتجمل من التَّشَيُّع فِيهِ بلباس إخلاص تخلق ملابس الدَّهْر وَهُوَ جَدِيد، الْمثنى على مكارمه الَّتِي توالت لدينا وانثالت والمزار بعيد، وسفرت عَن وُجُوه الرجا وَالْوَقْت شَدِيد، المعتد بوده اعتدادا مَا عَلَيْهِ مزِيد. الْأَمِير عبد الله يُوسُف بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام كريم بر عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى ومثابتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله ميسر المصاعب، وموضح الْمَقَاصِد بعد انبهامها والمذاهب، ومعرف أهل هَذَا الْقطر الْغَرِيب عوارف الصنع العجيب، بيمن مقامكم الرفيع الْجَانِب، حَتَّى تنام عيونه فِي كنف أفضالكم الدَّائِم الدائب، وتصبح ظنونه آمِنَة من النوائب، وتجري أُمُوره من التَّمْهِيد وَالنَّظَر السديد على السَّبِيل اللاحب. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد وَرَسُوله، الحاشر العاقب، المجتبي من ذُرِّيَّة لؤَي بن غَالب، الَّذِي جلى بنوره الْحق قطع الغياهب، وَوصل أَسبَاب الود فِي الله بَين الشَّاهِد من أمته وَالْغَائِب. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه أولي المفاخر والمناقب، الَّذين عمروا فِي طَاعَة الله وطاعته صُفُوف الحروب وصفوف الْمُحَارب، وَكَانُوا لأمته من بعده كَالنُّجُومِ الثواقب. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لملككم أَعلَى صَلَاح العواقب، وأطلع كواكب سعده [فِي أَعلَى] المراقي وأسعد المراقب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ إِلَّا الْخَيْر الَّذِي تبنيت ببركة نيتكم أَحْوَاله، فَأنْتم عقدَة الْإِسْلَام وثماله، وَفِي ميدان فضائلكم العميمة ومكارمكم الحديثة والقديمة، تمرح آماله، وباتصال الْيَد بسلطانكم الأسعد، تنجح أَعماله وترف ظلاله، وَعِنْدنَا من التَّشَيُّع الصافي وَلَاؤُه، المنزهة عَن الريب خلاله، مَا لَا يزَال مُتَّصِلا دَوَامه، دَائِما اتِّصَاله، شاهدة بِهِ بكر الزَّمَان وآصاله، وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم. فَإنَّا بِحَسب الوداد الصَّرِيح، والاعتقاد الصَّحِيح، نود أَن لَا يمر لنا يَوْم إِلَّا عَن مُخَاطبَة نوردها عَلَيْكُم، ومراسلة نتعرف بهَا مَا اسْتَقر من فضل الله لديكم، وَقد كُنَّا فِي مُتَقَدم التَّارِيخ عرفنَا مقامكم بِمَا شرعنا فِيهِ من محاولة الْهُدْنَة، الَّتِي تَأْخُذ فِيهِ العزائم مَأْخَذ اعتدادها، وتنام الْعُيُون بعد إنضائها فِي الْجِهَاد وإجهادها، فأخذنا فِي ذَلِك بمعونة الله أكمل الْأَخْذ وأتمه، وأمضينا بعز مظاهرتكم الْكَرِيمَة حكمه، فَإِن [جهتكم هِيَ الْعدة] الَّتِي تتسنى بهَا فِي الْعَدو الْآرَاب، وتتأتى الصَّنَائِع الْعَجَائِب واللطائف الْغُرَاب، وآب أرسالنا من إشبيلية، أَعَادَهَا الله، وَقد عَقدنَا السّلم وعقدوها، وَأخذُوا المواثيق وأكدوها، على الشُّرُوط الَّتِي تصلكم نُسْخَة من عقدهَا صُحْبَة هَذَا الْكتاب، وضمنا عَنْكُم [إمضائكم] لما عقدناه على جهتكم الْعلية، ووصول كتاب كريم مِنْكُم بِمَا يكون فِيهِ خلاص الْقَضِيَّة. وَهَذِه الْهُدْنَة من يمن ملككم الْأَصِيل محسوبة، وَإِلَى ديوَان سعادتكم منسوبة، والرجا فِي فضل الله أَن تتمهد فِيهَا أيامكم الفاضلة، وتستكثر من عدَّة الْجِهَاد فِي مدَّتهَا دولتكم العادلة، وَتَكون الْيَد عَن استكمالها بِخَير وعافية، إِن شَاءَ الله مجتمعة، والعزائم إِلَى مَا يُرْضِي الله من الْعَمَل الصَّالح مسرعة، لتضربوا فِي جِهَاد الْعَدو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 بِأَعْلَى القداح، وتأخذوا بأوفر حَظّ ناله لسلفكم الْكَرِيم من هَذِه الأرباح. أعانكم الله وأيدكم، وَأَعْلَى على أعدائه بدكم. وجوابكم الْعلي مرتقب بإمضاء مَا ذكر فِي الشُّرُوط، وَالْإِذْن فِي إِعْمَال تِلْكَ الربوط. هَذَا مَا زَاد عندنَا طالعنا بِهِ مقامكم الأسمى، ومثابتكم العظمي، عملا بِمَا يجب، وإبداء لوجوه الْبر الَّتِي تحتجب. وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي أبوته مرعية الْحُقُوق، وآثار فَضله متلوة مَعَ الْغُرُوب والشروق، وقواعد وده لَا تعَارض بالفروق. مقَام مَحل أَبينَا، الَّذِي نعظمه ونجله، ونوجب لَهُ الْحق، الَّذِي هُوَ أَحَق بِهِ وَأَهله، السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله يستطلع وُجُوه السَّعَادَة رائقة، ويتلقى وُجُوه العنايات الالاهيات متسابقة، ويجتلى ثغورها باسمة، وأفنانها باسقة، ويتقلد عقودها الرائقة متناسقة، مُعظم مِقْدَاره، وملتزم إجلاله وإكباره، الْعَارِف بمآثره الْكَرِيمَة وآثاره، الْمثنى على أَصَالَة ملكه وكرم نجاره، وفضله الَّتِي ثبتَتْ صحائح أخباره، ثَنَا الرَّوْض على واكفات أمطاره. الْأَمِير عبد الله يُوسُف بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام كريم، طيب بر عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى، وأبوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله ولي المحامد على اختلافها، ومستحقها على تبَاين أصنافها، مسنى أَسبَاب السَّعَادَة وميسر استئنافها. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد الْمُنْتَخب فِي لباب الْعَرَب مَا بَين بني زهرتها وَبني كلابها يمهد الأَرْض بالدعوة الحنيفية، عِنْد اضْطِرَاب أكنافها، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وأنصاره وَحزبه، سادة الْأمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 وأشرافها، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا أَسبَابه وَثِيقَة مبرمة، وَعزا آيَاته ثَابِتَة محكمَة. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله. وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، وبركة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد] صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الَّذِي رفع قدره وَأَعْلَى شَأْنه، ثمَّ بِمَا عندنَا من الِاعْتِقَاد الْجَمِيل فِي مقامكم، أسعد الله سُلْطَانه، إِلَّا الْخَيْر المنهمل السَّحَاب، واليسر المفتح الْأَبْوَاب، والصنع الْكَفِيل بنيل الْآرَاب. وَنحن نعتد بنيتكم الصَّالِحَة فِي تكييف الألطاف، وتيسر الْأَسْبَاب، ونصل الثنا على مجدكم الرفيع الجناب، ونمحض لكم من الود الْخَالِص وَالْحب اللّبَاب، مَا ترجى عَلَيْهِ إثابة الْعَزِيز الْوَهَّاب، ونعترف بِمَا لكم من المكارم والجلائل والفواضل الرغاب، عندنَا من ذَلِك، مَا لَا تحيله الْأَيَّام، وَلَا تبليه الأحقاب. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، فإننا وَإِن حَالَتْ بَيْننَا الْبحار المترامية، والمراحل القاصية، لَو استطعنا أَن نجْعَل المخاطبة سَببا مَوْصُولا، وَالْمُكَاتبَة لَا تنفصل آخرتها عَن الأولى، لم نقدم عملا على ذَلِك، وَلَا تورعنا عَن سلوك هَذِه المسالك، وأننا خاطبنا مقامكم الْكَرِيم فِي هَذِه الْأَيَّام الْقَرِيبَة مَعَ خديمكم المكرم المبرور أبي عبد الله الجزيري حفظه الله، مُرَاجعَة عَن كتابكُمْ الرفيع الْمِقْدَار، وإلماعا بِبَعْض الْأَخْبَار، وتقريرا للود الْكَرِيم الإعلان والإسرار، وَلم يتزيد بعده مَا يحمل على الْإِسْرَاع بالتعريف والبدار. غير أَن الْحَال بصدد الصّلاح والاستقرار، والقلوب تستروح من الله سُبْحَانَهُ نسيم الاستبشار، ونرتقب مَا وعد بِهِ الدّين الحنيف من الْإِظْهَار، فالفرج مُوكل بالشدة، والجبر مُوكل بالانكسار، والآمال قد أشرقت آفاقها من بعد الاعتكار، بِمَا يتَوَقَّع من اتِّصَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 شتات الْكفَّار، واشتعال الْفِتْنَة بَين أهل النَّار، وَذَلِكَ أَن العلجة الَّتِي كَانَت خَاصَّة صَاحب قشتالة الْهَالِك، على مَا كَانَت عَلَيْهِ من الثِّقَات وَأَوْلَادهَا وقرابتها، قد شبوا نَار الْخلاف، والوحشة بَينهم وَبَين سلطانهم مقتبلة، وَأَسْبَاب القطيعة بَينهم مُتَّصِلَة، وسلطانهم يجْتَهد فِي مصالحتهم الْحِيَل، ويروم مصالحة مَا أصَاب كلمة النَّصْرَانِيَّة من الْعِلَل، وَعَسَى الله أَن يَجْعَل بأسهم بَينهم شَدِيدا، ويضفي على الْإِسْلَام ظلّ عنايته مديدا بفضله، وَلم يمْنَع من لدينا من أرسالكم الجلة الأثرا الفضلا المبرورين خديمكم أبي بكر بن مُوسَى، والفقيه أبي الْعَبَّاس الْحصار، والقائد أبي إِسْحَاق بن الْحَاج، وصل الله عزتهم ووالى مبرتهم من الْقدوم على بَابَكُمْ، واللحاق بِخِدْمَة ركابكم. إِلَّا أَن الأنواء فِي هَذِه الْأَيَّام شَدِيدَة الإلحاح، والآفاق غاصة بالأمطار الهامية والرياح. وَأَسْبَاب السّفر متعذرة مَعَ الْمسَاء، والإصباح، وَإِذا من الله سُبْحَانَهُ بانجلا الأنواء، واستقامة حَال الهوا، فَنحْن نَنْظُر لَهُم، وَلمن بالمرية حرسها الله، من خدامكم مَا يسافرون إِلَيْكُم فِيهِ، وَيحمل كلا مِنْهُم على مَا يرضيه، عملا بِمَا توجبه مبرة الْأُبُوَّة الْكَرِيمَة وتقضيه. وَالله الْمَسْئُول أَن يقْضِي خير م يَقْضِيه، ويحرس مقامكم الباهرة معاليه. هَذَا مَا عندنَا بادرنا بِهِ أعلامكم، وَأخْبرنَا بِهِ مقامكم، وَالله سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي تكفل فَضله بتيسير الْأَغْرَاض، وَضمن ملكه لِلْإِسْلَامِ صَلَاح الْأَحْوَال، وشفاء الْأَمْرَاض، وتبرأت مَذَاهِب مجده عَن شبه الْأَعْرَاض، وحسدت أنفاس الثنا على معاليه أنفاس الرياض. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نجتلى على الأحيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 من بره وُجُوهًا ضاحكة مسفرة، [أَو نستنشق من أفقه الْأَعْلَى ريَاح النَّصْر مبشرة] السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله يختال فِي ملابس السعد، ويشد أَرْكَان الْمجد، ويتكفل لِلْإِسْلَامِ ببلوغ الْقَصْد، ويخلد فِي صفحات الْأَيَّام سطور الْحَمد، مُعظم سُلْطَانه الْأَعْلَى السالك من بره وَإِيجَاب شكره على الطَّرِيقَة المثلى، المتحلى من أمحاض وده، وإجلال مجده بأنفس مَا يتحلى، الْمثنى على مكارمه الَّتِي أَخْبَارهَا تتلى، وأنوارها تجلى، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل من فرج بن نصر، سَلام كريم بر عميم، يخص مثابتكم الْعُظْمَى وأخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الَّذِي، فِي ذَاته تزكو ثَمَرَات الوداد، ولدى ابتغا مرضاته، تخلق موارد الِاعْتِقَاد، منجد الْإِسْلَام على مر الْأَيَّام، بمظاهرة ملككم الرفيع الْعِمَاد. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله. هادي الْعباد إِلَى سَبِيل الرشاد، المستولي من كَمَال الْخلال وخلال الْكَمَال، على أقْصَى الآماد، الَّذِي شهد بِصَدقَة لِسَان الْحَيّ والجماد، وبهرت أنوار معجزاته كالصباح الباد، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وعثرته وَحزبه، أولى الْجِدَال فِي نَصره والجلاد، المدافعين عَنهُ بالبيض الرقَاق والسمر الْحداد، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ أنوار دَعوته راسية الأطوار. والدعا لمقام أخوتكم الْعُظْمَى بتوالي الإسعاد، واتصال الْيُسْر الخصيب المُرَاد. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من فَضله أجزل الْمَوَاهِب، وحملكم من توفيقه وتسديده على أوضح الْمذَاهب، وطرز بنصركم على أعدائه صَحَائِف الْكتب وصفحات الْكَتَائِب، وَبلغ الْإِسْلَام مَا يؤمله فِيكُم، ويرجوه فِي معاليكم، من تمهيد الأرجاء، وَكتب كفرة الْأَعْدَاء، وتكييف الصَّنَائِع الْعَجَائِب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من الِاعْتِدَاد بمقامكم أَعلَى الله سُلْطَانه، ومهد بِالْخَيرِ العاجل والآجل أوطانه، إِلَّا ود يستحكم سَببه، وتشيع يَتَّضِح مذْهبه، واعتقاد سما عماده، وانفسحت طنيه، وَوَلَاء ثَبت فِي شَجَرَة الخلوص نسبه. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وأعز نصركم، فإننا ورد على بابنا خديمكم الشَّيْخ الْفَقِيه الْخَطِيب، الافضل الأرضى العابد الْمُجَاهِد الأمضى، المبرور، أَبُو الْعَبَّاس بن الْخَطِيب، وصل الله كرامته، وسنى سَلَامَته، فَألْقى إِلَيْنَا مشافهة من جميل اعتقادكم، وكريم ودادكم، مَا لَو اجتهدت الأقلام فِي تنميقه، وثابرت الْكتب على تَحْصِيله وتحقيقه، لم تَجِد مزيدا عَلَيْهِ، وَلَا فضلت مَا لَدَيْهِ، وَبَالغ فِي تَقْرِير مَا لديكم بِهَذِهِ الْجِهَات من الْعِنَايَة بأحوالها، وَالتَّحْقِيق لآمالها، وَالنِّيَّة الْخَالِصَة لله فِي جِهَاد أعدائها، وتمهيد رحابها. فحمدنا الله مَا وهبنا من ودكم، وَعلمنَا أَن نِيَّة الْجِهَاد كفيلة لكم فِي الدَّاريْنِ ببلوغ قصدكم، وَمَا أَعمالكُم، وَالْحَمْد لله، مُنْذُ أقامكم الله ذَلِك الْمقَام، إِلَّا متسابقة، فِي النّظر لَهَا مُتَوَالِيَة، وَلَا همتكم فِي الْعِنَايَة بهَا إِلَّا عالية، أعانكم الله على مَا يعظم لكم الْأجر، ويخلد الْفَخر. وَقد ألقينا إِلَيْهِ من شكر أفضالكم، وَالثنَاء على جلالكم، مَا نرجو أَن يقوم فِيهِ أحسن الْقيام، وَيعْمل فِيهِ عمل مثله من سراة الخدام، وَإِن كَانَ مَا ألقيناه إِلَيْهِ تعجز عَنهُ فُصُول الْكَلَام، وألسنة الأقلام. وتلاحق بِنَا أَيَّام مقَامه لدينا رَسُولكُم، والقائد الْأَجَل خديمنا أَبُو عبد الله بن غرون، أعزه الله، وأوصل إِلَيْنَا كتابكُمْ متضمنا مَا سناه الله لكم من مساعدة الْأَيَّام، وتيسير المرام، واستصحب أَيْضا مَا عَقدنَا على مقامكم فِي صلح الْعَدو من الْأَحْكَام، فَحصل الْغَرَض الْمَطْلُوب، واستبشرت بِتمَام الصُّلْح والقلوب، وَمَا زَالَ ملككم، حفظ الله معاليه، وشكر مكارمه المتوالية، يتمم لهَذِهِ الْبِلَاد الْمصَالح ويوفيها، ويسلك بهَا سبل الْخَيْر ويقتفيها، ويثابر على الْأَعْمَال الَّتِي يرضى الله فِيهَا، فيلي فضائلكم المترادفة، فضل الشُّكْر، وتوجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 الْبر، أبملفوظها أم بمكتوبها، أعاننا الله على الْقيام بِوُجُوبِهَا، وَمَا عندنَا مَا نعرفكم بِهِ إِلَّا الْخَيْر الَّذِي يُرْجَى بمظاهرتكم اتِّصَاله، واليسر الممتدة ظلاله. وَعِنْدنَا من الْقيام بحقكم الْوَاجِب، وَالثنَاء على محلكم الرفيع الْجَانِب، مَالا يزَال مُتَّصِل الدَّوَام. بَاقِيا على الْأَيَّام. وَالله تَعَالَى يقْضى على يديكم بعز الْإِسْلَام، ويصل لكم من عنايته كل وافر الْأَقْسَام بفضله، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي حُقُوق بره موفاة مُؤَدَّاة، وواجبات شكره مُقَدمَات مبداه، وأخبار عصمته تحف هداه. مقَام مَحل والدنا الَّذِي نعظمه ونكبره، ونجله ونوقره، ونعترف بِمَالِه من الْمجد الزاكي عنصره، وَالْفضل الْكَرِيم أَثَره السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله، ومساعيه فِي الله ناصحة، ومعاليه بَاقِيَة صَالِحَة، وغرر مآثره مشرقة وَاضِحَة، وآيات سعادته لمعاني الْعِنَايَة الإلهية شارحة. مُعظم سُلْطَانه الرفيع الْجَلالَة، والمثنى على فضائله المنثالة، ومكارمه الَّتِي يقصر عَنْهَا لِسَان الإطالة، الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام كريم، طيب بر عميم يخص مقامكم الأسمى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله ميسر الألطاف الخافية، ومحول الْمَوَاهِب الوافرة الوافية، ومانح العصم الكافلة الكافية، وجاعل الْعَاقِبَة للتقوى، إسباغا للنعم الضافية، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، ذِي الدعْوَة الهادية، والمعجزات الظَّاهِرَة الْبَادِيَة [والدرجة الرفيعة الْعَالِيَة، وَالْبركَة المترادفة المتوالية] وَالرِّضَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 عَن آله وَصَحبه، أولي الْآثَار الصَّالِحَة الْبَاقِيَة، والهمم السامية الراقية، وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بنجح الْأَعْمَال الراضية، وَنصر العزائم الصادقة، فِي فِي جِهَاد الْعَدو الْمَاضِيَة، والصنائع الَّتِي تسفر عَن وجود الْيُسْر والعافية. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا وَاضح السمات، وصنعا يتكفل بدرء الشدائد وَرفع الأزمات. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله جلّ وَتَعَالَى، وآلائه الَّتِي لم تزل تترادف وتتوالى إِلَّا الْخَيْر الْكَامِل، واليسر الشَّامِل، وَالْفضل الَّذِي تقضى بِهِ الْحَاج، وتنال المآمل، وَالْحَمْد لله كثيرا كَمَا هُوَ أَهله، فَلَا فضل إِلَّا فَضله. وَعِنْدنَا لمقامكم الأسمى تشيع ثَابِتَة أَرْكَانه، وود جَدِيد على بلَى الجديدين ريعانه، وخلوص لَا تغيره حوادث الدَّهْر وإيوانه. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، فإننا فِي هَذِه الْأَيَّام، أجبنا مقامكم الْكَرِيم عَن فُصُول الْكِتَابَيْنِ الواردين علينا، المهديين تحف أنبائكم السارة إِلَيْنَا، المتأديين على يَدي خديمكم الشَّيْخ الْأَجَل المكرم المبرور أبي بكر بن مُوسَى وَأبي عبد الله الجزيري، أعزهما الله فِي خطاب آب بِهِ أَبُو عبد الله الجزيري الْمَذْكُور إِلَى بَابَكُمْ، وَتوجه إِلَى، جنابكم، إِلَّا مَا كَانَ من مضمن المدرج فِي شَأْن الغرقورة، فإننا أرجأنا جَوَابه خلال مَا يتَّجه لنا فِي ذَلِك نظر يعْمل أَو وَجه لَا يهمل. وَظهر لنا الْآن أَن وجهنا إِلَى سُلْطَان قشتالة قريبنا الريس الْأَجَل أَبَا جَعْفَر بن نصر، وَصَاحب ترجمتنا، وصل الله كرامتها، وَيسر سلامتهما. ليلقيا إِلَيْهِ فِي شَأْن مَا جرا على أَبِيه من هَلَاكه، وَمَا تصير إِلَيْهِ من مِيرَاث ملكه، مَا لَا يُنكر بَين الْمُلُوك تردده، وَلَا يجهل فِي أَبْوَاب التَّدْبِير مقْصده، وَجَعَلنَا قَضِيَّة الغرقورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 الْغَرَض الْمُقدم، والسبيل المتمم، وكتبنا إِلَى صَاحب قشتالة فِي هَذِه الْقَضِيَّة كتابا يصلكم نسخته طي كتَابنَا هَذَا، لِتَكُونُوا على علم من فصوله، واطلاع على فروع هَذَا الْحَال وأصوله، وأذنا لِلشَّيْخَيْنِ الْأَجَليْنِ رسوليكم الوافدين علينا، والواصلين إِلَيْنَا، الخديم الْأَجَل أبي بكر بن مُوسَى، والقائد أبي سَالم بن الْحَاج أعزهما الله فِي اللحاق بمقامكم الأسمى، والقدوم على أبوتكم الْعُظْمَى، لِكَوْنِهِمَا مِمَّن لَهما فِي الْحَرَكَة بَين يديكم غنا، ومذاهب سبيلهما فِي الْخدمَة سوا، وأمسكنا ثالثهما الْفَقِيه أَبَا الْعَبَّاس الْحصار حفظه الله لَا يعدمه بحول الله مبرة وَلَا اعتنا، حَتَّى يقف من جَوَاب الطاغية على مَا يكون فِيهِ إِعْلَام لكم وإنبا، أطلع الله تَعَالَى من الْأَمر كُله، على مَا يكون فِيهِ لاعتلال الْأَيَّام شفا، وَلدين الله ظهورا واعتلا، ولعوائده سُبْحَانَهُ اتِّصَال وولا. هَذَا مَا عندنَا خاطبنا بِهِ مقامكم الْعلي، وصل الله أَسبَاب سعده، وحرس أكناف مجده. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل لديكم مواهب آلائه، ويشملكم بمواهب نعمائه، ويوفر حظكم من اعتنائه. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخص مقامكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي شأو فسيح المدا، وتتراكض فِيهِ جِيَاد الباس والندا، وأخبار فخره، يرْوى صحائفها كل من رَاح وَغدا. وَنِيَّته فِي نصر الْإِسْلَام يعرفهُ عوارف النعم الجسام يَوْمًا وَغدا. مقَام مَحل أخينا الَّذِي مَقَاصِد وده سافرة الْغرَر، وآيات مجده خالدة الْأَثر، ومكارمه هامية الدُّرَر، ومواعيد نَصره على أَعدَاء الْإِسْلَام، يتشوف الدّين إِلَى ميقاتها المنتظر، ورايات جلالته لَا تونى من ضعف الْخَبَر، وصنايعه فِي سَبِيل الله، يرفل الْإِسْلَام مِنْهَا فِي رايق الحبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 السُّلْطَان الكذا بن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله عالي الْمجد، كريم الْقَصْد، رافلا فِي حلل الْفَخر والسعد، مُعظم مقَامه السَّامِي المصاعد، الْمثنى على مجده الأثيل الْقَوَاعِد، ووده العذب الْمَوَارِد، وفضله الْوَاضِح الشواهد، الْأَمِير عبد الله بن يُوسُف بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام كريم بر عميم، يخص أخوتكم الفاضلة، ومملكتكم الحافلة، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله، ولي الْحَمد وَأَهله، الَّذِي تخلص المودات الصادقة من أَجله، ويستعان بحوله وقوته فِي الْأَمر كُله، فَلَا يخيب من اعْتمد على كرمه، أَو عول على فَضله، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، خيرة أنبيائه، وَخَاتم رسله، الَّذِي نأوي عِنْد الْفَزع الْأَكْبَر إِلَى ظله، ونرتجي النجَاة فِي التَّمَسُّك بحبله، ونستجير بجاهه على شَدَائِد الدَّهْر وأزله، ونتوسل إِلَى الله بعزة قدره لَدَيْهِ ورفعة مَحَله، فسلك من الإسعاد على أوضح سبله، وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وعترته وَأَهله، المقتدين بِهِ فِي قَوْله الْكَرِيم وَفعله. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم من عنايته أوفى الحظوظ والأقسام، وعرفكم عوارف الآلاء الجسام، وأنجح [فِي نصركم] على أعدائه الْكَافرين، أمل أهل الْإِسْلَام، حَتَّى ترتسم [حَسَنَات جهادكم] فِي صحف الْأَيَّام. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من الِاعْتِدَاد بمقامكم الأسمى، مهد الله سُلْطَانه، إِلَّا الْخَيْر المديد الرواق، والصنع الباهر الْإِشْرَاق، والأمن المنسحب على الْآفَاق، وتشيعنا إِلَى مثابتكم الْعلية مُحكم الْمِيثَاق، ومورد ثنائنا على مكارمكم السّنيَّة عذب المذاق، وَلَا نزال نجتلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 من مخاطباتكم الْبرة أزهار الْبَيَان، من فَوق الأوراق، ونقتني من أنفاسها إثمد الأحداق، ونثني بِمَا خولكم الله تَعَالَى من الْمجد الَّذِي أحرزتموه بِالِاسْتِحْقَاقِ، وجريتم فِيهِ جرى الْجِيَاد على الأعراق. وَإِلَى هَذَا أيدكم الله بالنصر على أعدائه، وعرفكم عوارف الْعِنَايَة الإلهية فِي مختم كل أَمر وابتدائه. فإننا ورد علينا كتابكُمْ السافرة عَن محيا الدّين فصوله، الْقَائِمَة على كريم الْعَهْد أُصُوله، النَّاطِق بِلِسَان الْفضل الْمُبين محصوله، اجتنينا مِنْهُ رَوْضَة نمت صوادح الْبر بأفنانها، وحلة نم طيب الخلوص من أردائها، تعرفُون بِمَا كَانَ من وجهتكم الَّتِي اتخذتم فِيهَا الحزم طَرِيقا، والعزم مصاحبا ورفيقا، والتوكل على الله سُبْحَانَهُ قبيلا وفريقا، وَإِن ركابكم لم يلو على من تلوم، وطرق عزمكم مَا اغضى وَلَا هوم. فَلم تقفكم الأطواد، وَقد سمت صياصيها [وشابت بالثلج نَوَاصِيهَا، حَتَّى ألحقتم أدانيها بأقاصيها، وحللتم بسجلماسة، حُلُول الإصراخ والبدار، والمعاجلة المسقطة للأعذار، وطلعتم بآفاقها طُلُوع النَّهَار، وأعدتموها إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من التَّمْهِيد والقرار، ووفد بهَا عَلَيْكُم من سميتم من الْأَشْيَاخ الْكِبَار، ووجوه الْقَبَائِل الْأَحْرَار، على اخْتِلَاف الصِّفَات، وتباين الأقدار، وَأَنَّهُمْ وردوا من قبولكم على أعذب المشارب، وشملهم صفح مقامكم الرفيع الْجَانِب، وانتظموا فِيمَن حف بكم من الجيوش والكتائب، وَأَنْتُم صرفتم إِلَى الأحواز المراكشية صُدُور الركائب، وشرعتم فِي صلَة الْعَزْم الدائب. واستوفينا مَا قَرَّرَهُ مقامكم الْأَعْلَى بِمُقْتَضى الود الْكَرِيم الْوَاضِح الْمذَاهب، ورأينا أَن الَّذِي يحمل أخوتكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 الْكَرِيمَة على تعريفنا بجزيئات أحوالها فِي مقَامهَا الرفيع وارتحالها، على انتزاح حلالها، [وشواغل جلالها] إِنَّمَا هُوَ الود الَّذِي زكتْ شُهُوده، وَثبتت عقوده، وعذب فِي الله وُرُوده، فأطلقنا فِي الثَّنَاء على مقامكم أَعِنَّة اللِّسَان، وأطنبنا فِي ذكر فواضلكم العميمة، ومقاصدكم الحسان، وَقُلْنَا نعم الود الَّذِي أصبح على مرضاة الله قَائِم الْبُنيان، فَلَو استعرنا لِسَان بديع الزَّمَان، وَغَيره من فرسَان الْبَيَان، لما وَفينَا بعض شكركم الفسيح الميدان، الْكَرِيم الْأَثر والعيان. وَاعْلَمُوا أَن ذَلِك الْقطر، وصل الله لَهُ، عوائد التَّمْهِيد، وعرفه عارفة الْيمن المديد، إِذا سكن زلزاله، وَحسنت عواقبه. وكرم مَاله، وصلحت باجتماع الْكَلِمَة أَحْوَاله، عَادَتْ على بِلَادنَا عوائد الْأمان، وأغضى عَن هَذَا الْقطر جفن الزَّمَان، وَعلم الْعَدو أَن نَاصِر الْإِسْلَام، يُمكنهُ الدفاع عَن أرجائه، والتفرغ إِلَى تيسير رجائه، مَعَ الأحيان، فَمن الله سُبْحَانَهُ، نسل أَن يعرفنا من تِلْكَ الْجِهَات الْعلية المؤملة، مَا يكون فِيهِ سُكُون الأقطار، وتمهيد الديار، والصنع الْكَفِيل بعز الْإِسْلَام، وثبار الْكفَّار. وَأما مَا لدينا من الِاعْتِدَاد بمقامكم الْعلي الْمِقْدَار، وَالثنَاء على فَضلكُمْ المتألق الْأَنْوَار، فشيء تضيق عَنهُ أَلْسِنَة الأقلام، وبطون الْأَسْفَار، فواصلوا تعريفنا بِمَا يتزيد لديكم، ويتجدد من الْأُمُور عَلَيْكُم، يكون ذَلِك صلَة لما عودتم من مكارمكم الفائقة وفواضلكم السَّابِقَة. وَالله تَعَالَى يشْكر مجدكم، ويبلغكم من نصر الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين قصدكم بمنه، وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي وسع [بالأمتين] عدله وإحسانه، وتكفل بجبر الْقُلُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 وتيسير الأمل الْمَطْلُوب علمه وَلسَانه، واشتمل على المكارم المتعددة شَأْنه، وَقَامَ على الْفضل الْمُبين، والمآثر الرائقة الجبين برهانه، مقَام مَحل أخينا الَّذِي حكمه عدل، وشيمته مجد وَفضل، وَملكه لنصر الله إِيَّاه أهل، وحقوقه على أهل الْإِسْلَام لَا يصدعها جهل، وسيل مكارمه لَا حب سهل. السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله، مخولا من التَّوْفِيق أَسْنَى الْمَوَاهِب، سالكا نظره فِي السداد أوضح الْمذَاهب، متغمدا جَوَانِب الْإِسْلَام بألطافه الْعَجَائِب، ذاخرا من نَصره إِيَّاه جيوش عزم، تسير أَمَام الْكَتَائِب، صارفا إِلَيْهِ من وُجُوه سياسته، مَا يقْضى بِحِفْظ الشَّاهِد مِنْهُ وَالْغَائِب، مُعظم مِقْدَاره الَّذِي فاق الأقدار، ووضح فَضله فَأشبه النَّهَار، وموقر ملكه الَّذِي حَاز الفخار، وَعم فَضله الأقطار فلَان. أما بعد حمد الله الَّذِي آلاؤه العميمة لَا يقْلع مدرارها، وألطافه الْخفية لَا تَلْتَبِس آثارها، وعناياته بِمن وقف عَلَيْهِ رجاؤه تشرق أنوارها، الَّذِي أقامكم لنصر كلمة الْإِسْلَام، ليحمي ذمارها، ويعلو منارها، فآراؤكم لَهُ تتعدى السداد أنظارها، وعزائمكم تنْتَظر مقطع الوفا شفارها، ومكارمكم تَعب فِي سَبِيل الله بحارها. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، وسيلتنا الَّذِي عظم عِنْد الله مقدارها، وعمدتنا الَّتِي فِي التعويل على شَفَاعَته من هَذِه الْأمة استبصارها، وملجأها الَّذِي تمد إِلَيْهِ أيديها وأبصارها. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه، شموس سَمَاء الدعْوَة الحنيفية وأقمارها، الَّذين كَانُوا غيوثا تستسقى أمطارها، وليوثا يرهب زأرها، وأعلاما تمهد سنَن الِاقْتِدَاء أَخْبَارهَا. وَالدُّعَاء لإيالتكم الْعليا بالعز الَّذِي تعمر بِهِ أقطارها، والسعد الَّذِي يتسنى بِهِ أوطارها. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم عناية تكرم أسرارها، وسعادة تجنى فِي سَبِيل الله ثمارها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ. إِلَّا الْخَيْر المنسحب البرود، واليسر المنتظم الْعُقُود. وَالْحَمْد لله. وَنحن نعتمد من مقامكم على الظل الْمَمْدُود، والمورد الْمَقْصُود. وَإِلَى هَذَا وصل الله لكم أَسبَاب السُّعُود وإنجاز الوعود، فإننا وصلنا كتابكُمْ يسطع أرجه نشرا، وتزف عزته بشرا، تعرفُون بِمَا كَانَ من لحاق الشَّيْخ أبي زَكَرِيَّا يحي بن رحو، بمثابتكم الْعلية وَشَرحه مَا انْتهى إِلَيْهِ عمله فِي تِلْكَ الْقَضِيَّة، ووقوفه عِنْد مَذَاهِب الْعدْل المرضية، وَمَا ظهر لكم من شمائل الْأمة النَّصْرَانِيَّة، من دغل الطوية، والحيدة عَن الْمذَاهب الجلية، وَإِنَّكُمْ آثرتم الْحق طَرِيقا، وارتضيتم الْعدْل فِي جنب الْعَدو صديقا، وأمرتم بخلاصهم من الشكايات الَّتِي تَقْتَضِي عَلَيْهِم إِيمَانهم، وطلبتم بِمَا يثبت للْمُسلمين بِمثل ذَلِك مِمَّا يَقْتَضِيهِ ضمانهم، وتوجيه من يُبَاشر هَذَا الْغَرَض، الَّذِي تفضلتم بإبرام عقده، وإتمام قَصده، فقابلنا هَذِه الْمَقَاصِد الْكَرِيمَة، الَّتِي لم تدع سَبِيلا فِي الوفا إِلَّا نهجته، وَلَا مَطْلُوبا إِلَّا أنتجته بالشكر الطَّوِيل المديد، وَالثنَاء الغض الْجَدِيد، وَالدُّعَاء لمقامكم بصلَة التَّوْفِيق والتسديد، وَاعْلَمُوا أيدكم الله، أَن النصرى كَمَا تقدم، أمه تجَادل فِي الْحق بعد بَيَانه، وتتمسك بالحبال الرثيثة بعد وضوح برهانه، وَلَو كَانُوا على آثاره من إنصاف، واتصفوا من الانقياد للْوَاجِب بِبَعْض اتصاف، لم يَكُونُوا أهل بَاطِل مُعْتَقد، وزيغ منتقد، ولاكن أبلغ عدلكم الْأُمُور مُنْتَهَاهَا، وتمم أَسبَاب النصفة ووفاها، وَنحن ناظرون فِي تعْيين من يُبَاشر مَا ذكرْتُمْ حَسْبَمَا بِهِ أشرتم، وَعِنْدنَا من الشُّكْر الجزيل مَا يقصر عَنهُ اللِّسَان، وَمن الثنا على هَذِه الْأَغْرَاض الْكَرِيمَة مَا لَا يُدْرِكهُ الِاسْتِحْسَان، فَمَا زَالَت أَعمالكُم فِي سَبِيل الله كَرِيمَة الْخَوَاتِم والفواتح شاهدة بِمَا لكم عِنْد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 من التَّجر الرابح، كافأ الله قصدكم المتكفل برعي الْمصَالح. وَإِن تشوقتم إِلَى أَحْوَال النصرى، فَهِيَ على حسب مَا عرفناكم بِهِ فِي كتاب أصدرناه إِلَى مقامكم قبله، نؤكد الود وتقرره، ونشرح من ذكر ونفسره، وبحسب مَا يتزيد عندنَا نعجل أعلامكم، ونطالع بمتزيده مقامكم. وَالله تَعَالَى يعمر بالعز أيامكم، ويبشر بالنصر على أعدائه أعلامكم. وَهُوَ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم. وَالسَّلَام يعْتَمد أخوتكم الفاضلة، ومجادتكم الحافلة، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي يكل لصلاح الْأُمُور نظره الْجَمِيل، ويعدلها كلما هَمت أَن تميل، وتبلغ هَذِه ... المستمسكة بأسبابه الْقَصْد والتأميل، ويلاحظ من مصلحها الْكثير والقليل، وَيذْهب عَن مَذْهَب أمانها التَّأْوِيل وَالتَّعْلِيل، ويؤويها من جناب رعيه الظل الظليل، مقَام مَحل أخينا الَّذِي على وداده الِاعْتِمَاد، وَإِلَى جميل نظره الِاسْتِنَاد، وَبِه الِانْتِصَار إِذا وَقع العناد، وَمن جِهَته التَّمْهِيد إِذا قلق المهاد، وَمن تِلْقَاء تَدْبيره العلاج، إِذا تطرق إِلَى كَون الْهُدْنَة الْفساد، فمكارمه قد وضحت مِنْهَا الأشهاد، ومفاخره يعرفهَا الحسام العضب والقنا المياد، وعزماته [يدخرها الْجِهَاد، وفضائله يعرفهَا الْعباد والبلاد، السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا أبقاه الله مُؤَمل النّظر، كريم الْخَبَر وَالْخَبَر كَفِيلا] عدله يرْعَى الْمصلحَة ودرء الضَّرَر، وَلَا زَالَت سعوده متألقة الْغرَر، ومكارمه هامية الدُّرَر، مرجوا للنصر المنتظر، حميد المساعي مرضِي السّير، محروسا مقَامه من الْحَوَادِث والغير، مُعظم قدره، وملتزم بره المطنب بملء اللِّسَان فِي حَمده وشكره، الْعَارِف بكبير مجده، وأصيل فخره. فلَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 أما بعد حمد الله المتوالي حَمده، المتوالي إنعامه ورفده، الَّذِي جعل التواصل فِي ذَاته سَببا لَا يفصم عقده، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد الرفيع قدره، الْكَرِيم مجده، رَسُول الله الرَّحْمَة الَّذِي اشرق بدعوته غور المعمورة ونجده، الدَّاعِي إِلَى الدّين القويم، والصراط [الْمُسْتَقيم الَّذِي لَا يضل قَصده، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه الَّذين أنْجز بنصرهم وعده، وَرفعت بهم أَرْكَان مِلَّته، بعد مَا ضم عَلَيْهِ ضريحه الطَّاهِر ولحده] وَالدُّعَاء [لمقام أخوتكم الْعَالِيَة] بالسعد الَّذِي لَا يبلغ حَده، والنصر الَّذِي يمْضِي فِي الْأَعْدَاء حَده، والتأييد الإلهي الَّذِي لَا يَتَقَلَّص ممتده. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا باهر الْأَنْوَار، ومجدا عالي الْمِقْدَار، وصنعا تجْرِي بمصاعدته أَحْكَام الأقدار، وتتصرف وفْق إِرَادَته، حَرَكَة الْفلك الدوار، وأجرى مجْرى أُمُور هَذِه الْبِلَاد الغريبة والأقطار، من تدبيركم الحميد الْآثَار، ونظركم الْجَمِيل الْأَعْمَال وَالْأَخْبَار، على مَا يَقع من الْإِسْلَام موقع الِاخْتِيَار، ويتكفل بتأمين الْحَال والديار. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، والاعتماد عَلَيْكُم بعد الله وثيق السَّبَب، وَاضح الْمَذْهَب، والتشيع لكم [كَفِيل للدّين بنيل الأرب] وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، [فإننا إِن] عَقدنَا سلما عقدناه بريحكم الَّتِي] يحذر الْعَدو وهبوبها] وَإِن شننا حَربًا استغثنا بعزماتكم، الَّتِي تنَال بهَا الْملَّة مطلوبها، وَإِن ضمنا عَنْكُم أمرا، صدق الضَّمَان، وَإِن وثقنا بكم انْقَادَ الزَّمَان، وَرَأى مَا يسره الْإِيمَان. فأحوال الْمُسلمين فِي هَذَا الْقطر، على جميل نظركم مُعْتَمدَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 وعناياتكم فِي كل يَوْم متجددة، فَكلما توقع فِي أَسبَاب هدنتها مرض، عرض مِنْكُم على الأسى الطَّبِيب، أَو حذر من عدوها مَكْرُوه، صرفت الْوُجُوه مِنْكُم إِلَى الْوَلِيّ الحبيب، فوجوه لحظكم سافرة على حَال المغيب، وَهِي وَإِن كَانَت بعيدَة مِنْكُم، توجبون لَهَا بدينكم حق الْغَرِيب، وَإِن هَذَا الصُّلْح الَّذِي تسنى فِي أيامكم وانقاد [إِلَيْهِ الْعَدو بِسَبَب] اعتزامكم، واتصال الْيَد بمقامكم [تكاثرت فِيهِ بَين الْفَرِيقَيْنِ] شكايات وَهِي إِذا [تكاثرت فِي النُّفُوس] نكايات، وَإِن تغوفل فِي حسم عللها، وَإِصْلَاح خللها، والتنزل فِيهَا الْإِنْصَاف، وَرفع النزاع فِي سَببهَا وَالِاخْتِلَاف، أدَّت لانطلاق الْأَيْدِي، ومجازات التَّعَدِّي بِالتَّعَدِّي حَتَّى تتقلص ظلال الْهُدْنَة والمساهمة. وينتقل الحكم من الْكَلَام إِلَى المكالمة، وَالْحَاجة إِلَى الْهُدْنَة، لَا خَفَاء بهَا عَن مقامكم الرفيع الْعِمَاد، إِذْ فِي اقتضا مَا عين لَهَا الْآن من الآماد، جبر الاعداد، وَإِمْكَان الاستعداد بخلال مَا يَسْتَوْفِي إِن شَاءَ الله، على الْمهل أغراض الْجِهَاد، وَأَن رَسُول قشتاله، ردد إِلَيْنَا الْإِرْسَال بِطَلَب خلاص ناسه مَا بِهِ إِلَيْهِ ستظهروا، وَقد حشدوا كثيرا من الشكايات، وحضروا بَين يدينا، فَألْقوا مَا يخْتَص بإيالتنا، مَنْسُوبا إِلَى الْمَوَاضِع والبلاد [وَمَا يخْتَص بِمَا رَجَعَ] لإيالتكم الرفعية الْعِمَاد، وطلبوا [بالإنصاف مِمَّا تثبت] دَعْوَاهُ وخلاص كل شَاك من شكواه، فَبَلغنَا [الْجهد] فِيمَا يرجع إِلَيْنَا فِي دفع الْحجَّة الَّتِي فِيهَا مدفع، والإتيان بِمَا فِيهِ مقنع، وَغرم مَا لزمنا، واتجه علينا حكمه بِحَسب التسديد الَّذِي تتمشى بِهِ الْأَحْوَال، ويحمد فِيهِ بِفضل الله الْمَآل، وقيدوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 بِتِلْكَ الْجِهَة الَّتِي لجميل نظركم قضايا مقررة، ودعاوي مفسرة، ذكرنَا لكم مِنْهَا فِي مدرج كتَابنَا، أشهرها عِنْد الِاعْتِبَار، وأولاها بالإيثار، وسايرها كثير يَقع الْكَلَام فِيهِ بَين منتحلي الْجوَار من الْمُسلمين وَالْكفَّار، وتبني الْأَحْكَام فِيهِ على ثُبُوت الْآثَار، وَلم تَجِد فِيهَا حِيلَة إِلَّا مُخَاطبَة مقامكم الرفيع الْمِقْدَار، إِذْ وُجُوه خدامكم بِهَذِهِ الْبِلَاد، أعزهم الله قد تنزلوا من هَذِه [الدعاوي منزلَة الْخُصُوم] وَطَالَ الْكَلَام فِي الْمَنْطُوق [مِنْهَا وَالْمَفْهُوم] . فَنحْن الْآن نرغب من مقامكم الْأَعْلَى، ومثابتكم الفضلى، أَن يتَعَيَّن من بَابَكُمْ، من يصل لخلاص مَا يجب خلاصه، واستخلاص مَا يحِق استخلاصه، مِمَّن يمْضِي بأمركم الْعلي الْحق حَيْثُ تعين، ويفصل بِالْوَاجِبِ فِيمَا ظهر وَتبين، ونعين نَحن من يقوم فِيمَا يخْتَص بجهتنا هَذَا الْمقَام، ويعين سُلْطَان قشتالة من جِهَته من يروم هَذَا المرام، حَتَّى يرْتَفع النزاع، وَيظْهر الْحق الشعاع، وتستأنف الْهُدْنَة والأمان الأصقاع. فَمَا زَالَ مقامكم يلْتَمس لَهَا أَسبَاب الرِّفْق، ويدر لَهَا سحائب الرزق، ويلتمس فِي التمَاس صَلَاحهَا أوضح الطّرق. وَبِهَذَا النّظر الَّذِي سألناه من علاكم تتمشى الْأُمُور، وتشرح بِالْحَقِّ الصُّدُور، وَيطْلب بِجَمِيعِ مَا للْمُسلمين من الشكايات على مَا تضمنه الْعَهْد المنشور، وَالْعقد المسطور، وَملك الرّوم فِي الْوَقْت قريب الدَّار، داني الْجوَار، يغتنم دنوه لخلاص هَذِه الْأُمُور، الَّتِي يعوق عَنْهَا المطال إِذا بعد مَكَانَهُ، وشطت دَاره، ونزحت أوطانه، عرضنَا عَلَيْكُم هَذَا الْأَمر المهم قبل أَن يخْتل مَا عقد، ويهي مَا سدد، وَأَنْتُم أكفى وأكفل. وَجَمِيل نظركم المؤمل، وعَلى مقاصدكم الْكَرِيمَة الْمعول. وَقد وجهنا إِلَى بَابَكُمْ فِي هَذَا الْغَرَض من يشْرَح الْأُمُور فِيهَا، ويقرر الْمَقَاصِد ويستوفيها، وَله بذلك دربة وخبرة وَمَعْرِفَة مُسْتَقِرَّة، ذَلِك الْقَائِد الكذا، ومقامكم يتفضل بالإصغا لما يلقيه، وَالْقَبُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 لما يُؤَدِّيه. وَالله تَعَالَى يبْقى مقامكم سامية معاليه، عَائِدًا بجميل نظره بِالْخَيرِ على من يواليه. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي تبادر بالمتزيدات أَعْلَامه، ويتأكد على مر الزَّمَان إكباره وإعظامه، ويقابل جَانِبه بالتشيع الثَّابِتَة أَحْكَامه، الْوَاضِحَة أَعْلَامه. مقَام مَحل أخينا، الَّذِي سعده كَفِيل بِحسن العواقب، ومجده كلف [بإحراز المناقب، وسما فخره قد زينت من نُجُوم الْفَخر بِالشُّهُبِ الثواقب، مكابده مسدود الْمذَاهب، ومنازعه مغالب، وَنِيَّته الصَّالِحَة ضمينة لنيل المطالب، وَإِدْرَاك الرغائب. السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله عَزِيز الْجلَال، كريم الْخلال، قريب النوال، بعيد المنال، كَفِيلا توكله على الله بِحسن الْمَآل منشرحا صَدره فِي جَمِيع الْأَحْوَال، تشهد بمجده ظُهُور الْجِيَاد، وَالسّنة الْبيض الْحداد، ومواقف النزال، مُعظم مقَامه الَّذِي تَعْظِيمه الْفَرْض المحتوم، وإجلاله تطابق مِنْهُ الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم، وَالْمَنْقُول والمعلوم، الْمثنى على مكارمه الَّتِي خجلت مِنْهَا الغيوم، ومناقبه الَّتِي اقتبست مِنْهَا النُّجُوم. فلَان ... سَلام كريم بر عميم يخص مقامكم الْأَعْلَى وأخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله عَالم خفيات الصُّدُور، الَّذِي أحَاط علمه بِمَا خَفِي من جزئيات الْأُمُور، الْكَفِيل لمن توكل عَلَيْهِ، وفوض الْأُمُور إِلَيْهِ بالعلي والظهور، جَاعل الْعَاقِبَة للتقوى، كَمَا وعد فِي كِتَابه الْحَكِيم المسطور، الَّذِي فِي ذَاته تعقد أَسبَاب الْمَوَدَّة الْخَالِصَة على مر الدهور، ولابتغاء مرضاته، نصل الْيَد على جِهَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 الْعَدو الكفور. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد المبتعث بِالْهدى والنور الْهَادِي إِلَى السَّبِيل الْوَاضِح وَالسّنَن الْمَأْثُور، الَّذِي بجاهه نرد موارد السرُور، وببركته نستقبل وُجُوه الْخَيْر بادية السفور. [وبالاعتماد على رُكْنه الْأَقْوَى نتعرف عوارف السعد فِي الدُّنْيَا وَيَوْم النشور] وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه الَّذين كَانُوا فِي سَمَاء الْملَّة الحنيفية أَمْثَال البدور، وَفِي لبتها كاللآلي والشذور، الَّذين دافعوا عَنَّا فِي حَيَاته بالحسام المطرور، وخلفوه بعد مماته بالسعي المبرور، والدعا لمقامكم الْأَعْلَى بصلَة النَّصْر الْمَشْهُور، والصنع الْكَفِيل لِلْإِسْلَامِ وَأَهله بالسرور. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم أَسْنَى مواهب الْخَيْر الموفور. وَجعل الْعَاقِبَة الحميدة لملككم الْمَنْصُور. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَعِنْدنَا من التَّشَيُّع فِي مقامكم الْأَعْلَى، مَا هُوَ أوضح من النَّهَار، وَأجلى من شروق الْأَنْوَار، فبحسبه نبادر إِلَى مقامكم بأنباء الْأَخْبَار، ونحرس على بسط الْأَعْذَار، ونبذل من إمحاض النِّيَّة لكم مَا يُعلمهُ الْعَالم بخفيات الْأَسْرَار. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وأعز نصركم، فَإِن الْإِنْسَان وَإِن توصل إِلَى معرفَة الظَّوَاهِر والبواطن عَنهُ محجوبة، والخفيات إِلَى علم الله، لَا إِلَى غَيره منسوبة، وَله فِي كل شَيْء أَحْكَام مَكْتُوبَة. وَكُنَّا عرفنَا مقامكم الْأَعْلَى بِمَا عندنَا من صرف نظر الملاحظة إِلَى من لدينا من إخْوَانكُمْ وقرابتكم، بِحَيْثُ لَا يبرح رقيبها وَلَا يخْتل ترتيبها، وإننا نصل التفقد إِلَى أَحْوَالهم، وندلي الْعُيُون إِلَى أَقْوَالهم وأعمالهم، فجرينا من ذَلِك على السّنَن اللاحب وقمنا مِنْهُ بِالْوَاجِبِ، وَلم نَدع جهدا إِلَّا سلكنا مِنْهُ أوضح الْمذَاهب. وَمن اضمر المكيدة يرتقب أوانها، ويلتمس مَكَانهَا، والخواطر لَا يعلم إِلَّا الله شَأْنهَا، وبظاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 حضرتنا أَمَاكِن مباركة مَشْهُورَة. وزواياها مباركة مَقْصُودَة، ينفر إِلَيْهَا الْجُمْهُور فِي اللَّيَالِي الَّتِي يقوم بهَا للبر سوق، وَتوفى من تعظيمها حُقُوق، وخصوصا لَيْلَة مِيلَاد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ابْتِغَاء الْبركَة لَدَيْهِ، فَهِيَ بِحَيْثُ ذكر من المواسم الَّتِي ينتدب إِلَيْهَا النَّاس، وتتسابق مِنْهُم الْأَنْوَاع والاجناس، وَإِن أَخَاكُم أَبَا الْفضل، لما كَانَ قد استبطن عقيدة المكيدة، وَأثر اتِّبَاع الآراء غير السديدة، جعل قصد ذَلِك ليلتئذ سَببا لأربه، وورى بهَا عَن مذْهبه. وَمن الْغَد تفقدنا ففقدناه، ووصلنا عادتنا فِي طلبه، فتعرفنا مَا كَانَ من هربه، فبادرنا إِلَى تَوْجِيه الفرسان فِي أَثَره، وطيرنا من أنجاد الخدام من يعوقه عَن وطره، والمرحلة الَّتِي بَيْننَا وَبَين بلد النصرى قريبَة على من يرْكض الْخَيل، وَيقطع بحث ركابه اللَّيْل، فألفوه قد لحق بِأَرْض النصرى، رَاكِبًا فِي قَصدهَا الْخطر، ومقتحما فِي تأميلها الْغرَر، فِي حميلة تنتمي إِلَى ثَلَاثَة عشر لَيْسَ فيهم من بِهِ عِبْرَة، وَلَا من تميزه شهرة، إِلَّا من كَانَ من يَعْقُوب بن أبي عياد شَيْطَانه الَّذِي أغواه، وجذبه من شطن هَوَاهُ، وأرداه فِي ورطة، يتَعَذَّر مِنْهَا منجاه، فَإِن من خاطر بِنَفسِهِ فِي قصد بِلَاد النصرى للغرض الَّذِي قَصده، وَالْمذهب الَّذِي اعْتَمدهُ، قَلما نجح لَهُ عمل، وَلَا تأتى لَهُ مِنْهَا أمل، وَلَا يساعده حَاضر من الزَّمَان وَلَا مُسْتَقْبل، فَهِيَ مثابة وجودهَا عدم، ومفازة، لَيْسَ على الطَّرِيق بهَا علم، قطعت بِمن قَصدهَا على الْقدَم، وقضت بتمزيق الشمل، ومذلة النَّدَم. فامتعضنا لهَذَا الْوَاقِع عِنْدَمَا تعرفناه، ووجهنا إِلَيْهِ وَجه الْعَزْم وصرفناه، ورجعنا على أَخِيه وَأَبْنَاء عَمه باللأئمه الَّتِي لم نقبل فِيهَا عذرا، وَلَا أثرنا فِيهَا صبرا إِذْ كُنَّا قد أغرينا بَينهم، فَجعلنَا بَعضهم على بعض عيُونا ساهرة، ورقبا تبحث عَن كل خافية وظاهرة، فاتهمناهم بكتمانهم مَا استوثقنا مِنْهُم فِيهِ، والمداهنة فِي هَذَا الْأَمر الَّذِي لَا ترتضيه، فكبسنا مَنَازِلهمْ بِالرِّجَالِ مرّة وَاحِدَة، لم نوسعهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 فِيهَا إمهالا، وَلَا فسحنا لَهُم فِي الْإِقَالَة مجالا، وقبضنا على جَمِيعهم، مَعَ تبَاين أُمُورهم، وتباعد مَنَازِلهمْ ودورهم قبضا هائلا، لم يفلت مَعَه مِنْهُم أحد، وَلَا انخرم من جُمْلَتهمْ عدد، وثقفناهم بحمرائنا فِي أَمَاكِن لَهُم أعددناها، ورتبنا عَلَيْهِم الحراسة وجددناها، نكالا لما وَقع من الْأَمر الَّذِي حرصنا على سد بَابه، وجهدنا فِي قطع أَسبَابه، وبادرنا إِلَى تَعْرِيف مقامكم الَّذِي نعتد بجنابه، ونمحض لَهُ من الود صفو لبابه، ليَكُون على علم من هَذَا الْوَاقِع الَّذِي اتّفق، وَالْأَمر الَّذِي غلب الحزم عَلَيْهِ قدر سبق، بِمُقْتَضى الود الَّذِي تقرر وَتحقّق، والخلوص الَّذِي فرع وانبثق، وَنحن على علم بِأَن أَخَاكُم ركب بحرا لَا نجاة لراكبه، وامتطى صعبا يقطع بِهِ عَن مآربه، إِذْ لَا بُد للنصرى من أَصْحَابه إِلَى سلطانهم، وَهُوَ فِي الْوَقْت بداخل سُلْطَان قشتالة، بِحَيْثُ تَتَعَدَّد المراحل، وتطول الْأَيَّام، ويتعذر على قاصده المرام، وأحوال النصرى فِي فتور هَذِه الْأُمُور لديهم لَا تتخيلها الأوهام، وَلم يزل يتَّصل بهم أهل البسالة من كبار الْبَأْس والإقدام، وأولو المضا الْمَشْهُور والاعتزام، فيستولي على أُمُورهم الاختلال، وتشملهم الْحَاجة، وتضيق مِنْهُم الْأَحْوَال، فَمنهمْ من يرجع أدراجه، بعد أَن يكون الصفح وَالْإِقَالَة أقْصَى أمْنِيته. وَمِنْهُم من يرتجيه مِمَّا تورط فِيهِ حُلُول منيته، وسعادتكم تتكفل بجريان الْأُمُور أفضل مجاريها، واستقامة الْأَحْوَال على أوثق مبانيها، وَقد وجهنا إِلَيْكُم بكتابنا هَذَا الْقَائِد الكذا لكَونه مِمَّن اتّفق لمشاهدة هَذَا الْأَمر حُضُوره، وَحدثت بمرأى مِنْهُ أُمُوره، فَهُوَ يلقى إِلَيْكُم مَا قَررنَا مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحبّ، ويشرح منَّة مَا أجمله الْكتب. ومقامكم يصغي إِلَى مَا يلقيه، ويقابل بِالْقبُولِ مَا يُؤَدِّيه. وَالله سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي وده متأكد الْوُجُوب، وَوجه فَضله لَيْسَ بالمحجوب، وَعقد فَضله متقرر فِي الْقُلُوب، وَنِيَّته الصَّالِحَة متكفلة لِلْإِسْلَامِ وَأَهله بنيل الْمَطْلُوب، وبلوغ المرغوب، مقَام مَحل أخينا الَّذِي شَأْننَا كُله تشيع لَهُ وخلوص، وَحكم ودنا فِيهِ عُمُوم وخصوص، وثنا اعتقادنا الْجَمِيل فِيهِ على أساس ابتغا رضوَان الله مرصوص، [أبقاه الله] رفيع الْقدر، عَزِيز الْأَمر، معترفا بِوُجُوب حَقه لِسَان الدَّهْر، مُعظم مِقْدَاره الخليق بالتعظيم، الْمثنى على مجده العالي، وفضله العميم، المعتد مِنْهُ بالذخر الْكَرِيم، فلَان. أما بعد حمد الله الَّذِي إلهامنا إِلَيْهِ من أعظم نعمه، وهدايتنا إِلَيْهِ من أكْرم كرمه. منجح بأخلص من وَسَائِل الود وذممه، وموفق الآراء إِلَى سلوك قَصده الْوَاضِح وأممه، الَّذِي عَلَيْهِ نتوكل فِي مبدأ كل أَمر ومختتمه، فنظفر من السعد بأوفر قسمه، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي تسير الْأَنْبِيَاء والإرسال تَحت علمه، سيد الْكَوْن بَين عربه وعجمه، وَنور الله الَّذِي أذهب مَا تكاثف من غياهب الْبَاطِل وظلمه، وغيث الرَّحْمَة الَّذِي تمد يَد السُّؤَال إِلَى استقامة ديمه. وَالرِّضَا عَن آله وأنصاره، السالكين مناهج سجاياه الشَّرِيفَة وشيمه، الآوين من اتِّبَاعه إِلَى أمنع حرمه، المثابرين على إعلاء معلمة المهتدين بِفِعْلِهِ وَكلمَة. وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بنصر عَزِيز تكون الْفتُوح الغر من خدمه، وَسعد يُغني عَن اختبار نصب الْفلك الدوار وتعديل أنجمه، وصنع تكفل الْعِنَايَة الآلهية بإيضاح محكمه. فَإنَّا كتبنَا إِلَيْكُم، كتب الله لكم تأييدا يقر عين الْإِسْلَام برسوخ قدمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله، إِلَّا الْخَيْر الَّذِي يُقَوي باعتداد بَابَكُمْ سَببه، وَيبين مذْهبه، واليسر الَّذِي يَتَأَتَّى بإعانتكم أمل الْإِسْلَام ومطلبه. وَعِنْدنَا من الْبر لكم عقائد لَا يدْخل الشَّك أُصُولهَا، وَلَا يعْتَرض النَّقْد فصولها، وَلَا تفوت الْأَيَّام محصولها، وَمن الِاعْتِدَاد بجهاتكم عَزمَات يشحذ الْحق نصولها، وآمال يرتب حسن الظَّن بِاللَّه صلتها وموصولها. وَإِلَى هَذَا أيد الله أَمركُم، وأعز نصركم، فإننا بادرنا تعرفكم بِمَا حدث عندنَا من قَضِيَّة أخيكم أبي الْفضل الَّذِي كُنَّا وثقنا فِيمَا كُنَّا شرطنا عَلَيْهِ من الهدو والاستقامة بِحسن عَهده، ورجونا عمله فِيهِ على شاكلة مجده، وأصلنا لَهُ أصلا ظننا وُقُوفه عِنْد حَده، وَأَنه قيض لَهُ من يَعْقُوب بن أبي عياد مثير عجاجه ومنفق لجاجه، صدع بهَا شَمل سكونه، وانسحاب الْعَافِيَة عَلَيْهِ، صدع زجاجه، فورى بِقَصْدِهِ ربط الْعِبَادَات، وأماكن الْقرب المودات وَقد أضمر الْحِيلَة، وأكذب فِيهِ المخيلة، وَلحق بالروم فِي عدد نذر، وَطَائِفَة لَا تستقل بِأَمْر، متورطا فِي لجج هائلة، بآراء فائلة، وأننا اتهمنا أَخَاهُ، وَابْني عَمه بالإدمان فِي قَضيته، وَالْعلم بِمَا كَانَ فِي طويته، وأنكرنا عَلَيْهِم مَا كَانَ من إخفاء هَذَا الْغَرَض، الَّذِي أَخذنَا عَلَيْهِم بإعلامنا بِهِ اشد الْمِيثَاق، وركنا إِلَى مَا تَقْتَضِيه أَصَالَة الأحساب، وَمَكَارِم الْأَخْلَاق، فنضا شَمل جَمَاعَتهمْ واستوعبها، وراع جُمْلَتهمْ وأرعبها، ومازلنا نبحث عَن أَحْوَالهم، ونواصل النقير عَن أَقْوَالهم وأعمالهم، ونختبر مَا نطنا بهم من الشيم الداعية إِلَى اعتقالهم، والريب الحاملة على نكالهم، فَثَبت عندنَا بَرَاءَة جوانبهم، وسلامة مذاهبهم، وحققنا من بسط الْأَحْوَال، واستقل لدينا أتم الِاسْتِقْلَال أَن أَبَا الْفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 انْفَرد عَنْهُم بتدبيره، وطوى عَنْهُم مَا هجس بضميره، حَتَّى ركب الْخطر الَّذِي يتَعَذَّر الْخَلَاص مَعَه، وآثر الطمع، الَّذِي قل مَا صارع أحدا إِلَّا صرعه، وَانْقَضَت مُدَّة من تعرف ركُوبه الْبَحْر لم يسمع لَهُ خبر، وَلَا دلّت مِنْهُ عين على أثر، حَتَّى أَن حَالَة التّلف أقرب إِلَيْهِ، بِحَسب مَا تدل العوائد عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ الله ليظْهر لملككم من الْعَجَائِب مَا أظهره، وأيد سُلْطَانه فِي كل موطن وَنَصره إِلَّا لخبيئة عناية لَا يضر مَعهَا كيد من كاده، وَلَا ينجح بِسوء أَرَادَهُ. تمّ المجلد الأول من كتاب " الريحانة " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 جُمْهُور الْأَغْرَاض السلطانيات وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي بِنور سعادته، تتجلى الغما، وتتصل النعما، فنيته قد صَحَّ مِنْهَا لجَانب الله الانتما، واتفقت مِنْهَا المسميات والأسما. مقَام مَحل أَبينَا الَّذِي تتفيأ أفياءهن الجزيرة الغريبة، أفياء نِيَّته الصَّالِحَة وَعَمله، ونثق بِحسن الْعَاقِبَة اعْتِمَادًا على وعد الله الْمنزل على خيرة رسله، ونجتنى ثمار النجح من أفنان آرائه المتألقة تألق الصُّبْح حالى ريثه وعجله، ونتعرف حالى المودود وَالْمَكْرُوه عارفة الْخَيْر والعافية من قبله، أبقاه الله يحسم الأدواء كلما استشرت، ويحلى موارد الْعَافِيَة كلما أمرت، ويعفى على آثَار الأطماع الكاذبة مهمى خدعت بخلبها وغرت، وَيضمن سعده عودة الْأُمُور إِلَى مَا عَلَيْهِ اسْتَقَرَّتْ، مُعظم مقَامه الَّذِي هُوَ بالتعظيم حقيق، وموقر ملكه الَّذِي لَا يلتبس مِنْهُ فِي الْفَخر والعز طَرِيق، وَلَا يخْتَلف فِي فَضله العميم، ومجده الْكَرِيم رَفِيق. أما بعد حمد الله المثيب الْعَاقِبَة، الْكَفِيل لأهل التَّقْوَى بِحسن العواقب، المشيد بِالْعَمَلِ الصَّالح إِلَى أرفع المراقى والمراقب، يهدى من يَشَاء، ويضل من يَشَاء، فبقضائه وَقدره، اخْتِلَاف المسالك والمذاهب، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الحاشر العاقب، وَنبيه الْكَرِيم، الرءوف الرَّحِيم، ذى المفاخر السامية والمناقب، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه وأنصاره وأحزابه، الَّذين ظاهروه فِي حَيَاته، بأعمال السمر العوالي وَالْبيض القواضب، وخلفوه فِي أمته بخلوص الضمائر عِنْد شوب الشوائب، وَكَانُوا فِي سَمَاء مِلَّته كَالنُّجُومِ الثواقب، وَالدُّعَاء لمقامكم الأسمى بالسعادة الْمُعَادَة فِي الشَّاهِد من الزَّمن وَالْغَائِب، والنصر الَّذِي يقْضى بعز الركائب، والصنع الَّذِي يطلع من ثناياه غر الصَّنَائِع الْعَجَائِب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله. وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ، ثمَّ بِمَا عندنَا من الِاعْتِدَاد بمقامكم، أَعلَى الله سُلْطَانه، وَشَمل بالتمهيد أوطانه. إِلَّا تشيع ثَابت ومزيد، وإخلاص مَا عَلَيْهِ فِي ميدان الاستطلاع مزِيد، وتعظيم أشرف مِنْهُ عيد، وثناء راق فَوق رياضه تحميد وتمجيد. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس الطَّاهِر الْكَرِيم مجدكم، فقد وصلنا كتابكُمْ، الَّذِي هُوَ على الخلوص والاعتقاد عنوان، وَفِي الِاحْتِجَاج على الرِّضَا وَالْقَبُول برهَان، تنطق بِالْفَضْلِ فضوله، وتشير إِلَى كرم العقد فروعه الزكية وأصوله، ويحق أَن ينْسب إِلَى ذَلِك الْفَخر الْأَصِيل محصوله، عرفتمونا بِمَا ذهب إِلَيْهِ عِيسَى بن الْحسن من الْخلاف الَّذِي ارْتَكَبهُ، وسبيل الصَّوَاب الَّذِي تنكبه، وتنبهون على مَا حَده الْحق فِي مثل ذَلِك وأوجبه، حَتَّى لَا يصل أحد من جهتنا سَببه، وَلَا يظاهره مهمى نَدبه، وَلَا يسعفه فِي الإيواء طلبه، فاستوقفنا من ذَلِك، مَا استدعاه الْبَيَان الصَّرِيح وجلبه، وخطه الْقَلَم الفصيح وَكتبه، وليعلم مقامكم، وَهُوَ غَنِي عَن الْإِعْلَام، وَلَكِن لَا بُد من الاسْتِرَاحَة بالْكلَام، والتنفس ونفثات الأقلام، أننا إِنَّمَا نجرى أمورنا مَعَ هَذَا الْعَدو الْكَافِر الَّذِي يلينا بجواره، وبلينا وَالْحَمْد لله بمصادمة تياره، على تعدد أقطاره، واتساع براريه وبحاره، بِأَن تكون الْأمة المحمدية بالعدوتين تَحت وفَاق، وأسواق غير ذَات نفاق، والجماهير تَحت عهد الله وميثاق، فمهمى تعرفنا أَن اثْنَيْنِ اخْتلف مِنْهُمَا بالعدوتين عقدان، وَقع مِنْهُمَا فِي مَقْبُول الطَّاعَة رد، ساءنا واقعه، وعظمت لدينا مواقعه، وَسَأَلنَا أَن يتدارك الخزي راقعه، لما نتوقعه من التشاغل عَن نصرنَا، وتفرغ الْعَدو إِلَى ضرنا، فَكيف إِذا وَقعت الْفِتْنَة فِي صقعنا ونظرنا، إِنَّمَا هِيَ شعلة فِي نقض بُيُوتنَا وَقعت، وحادثة إِلَى جهتنا أشرعت إِن كَانَ لسوانا لفظ فلنا مَعْنَاهَا، وعَلى وطننا يعود جناها، فَنحْن أحرص النَّاس على إطفائها وإخمادها، وَالسَّعْي فِي إصْلَاح فَسَادهَا، والمثابرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 على كفها عَن استئسادها. وَمَا الظَّن فِي دَار فسد بَابهَا، وآمال رثت أَسبَابهَا: وجريرة لَا تستغنم أَحْوَال من بهَا إِلَّا بِالسُّكُونِ، وَسلم الْعَدو الْمَغْرُور الْمفْتُون، حَتَّى يقتضى مِنْهُ بإعانتكم الدُّيُون، وَإِن اضطرابها دَاء نستبصر من رَأْيكُمْ فِيهِ بطبيب، وهدفه خطب نرميه من عزمكم بِسَهْم مُصِيب، وَأمر نضرع فِي تَدَارُكه إِلَى سميع الدُّعَاء مُجيب، وَنحن فِيهِ يَد أَمَام يدكم، ومقصودنا فِيهِ تبع لمقصدكم، وتصرفنا على حد إشارتكم جَار، وعزمنا إِلَى مُنْتَهى مرضاتكم متبار، وعقدنا فِي مشايعة أَمركُم غير متوار. وَقد كُنَّا لأوّل اتِّصَال هَذَا الْخَبَر الْقَبِيح الْعين والأثر، بادرنا إِلَى تعريفكم بِجَمِيعِ مَا اتَّصل بِنَا فِي شَأْنه، وَلم نطوعنكم شَيْئا من إسراره وَلَا إعلانه، وبعثنا رَسُولنَا إِلَى بَابَكُمْ العلى نعتد بسلطانه، ونرتجى تمهيد هَذَا الوطن بتمهيد أوطانه، وبادرنا بالمخاطبة لمن وَجَبت مخاطبته من أهل مربلة وإسطبونة، نثبت بصائرهم فِي الطَّاعَة ونقويها، ونعدهم بتوجيه من يحفظ جهاتهم ويحميها، وعجلنا إِلَى بَعْضهَا مدَدا من الرُّمَاة وَالسِّلَاح ليَكُون ذَلِك عدَّة فِيهَا، وعملنا مَا أوجب الله من الْأَعْمَال الَّتِي يزلف بهَا ويرتضيها، وَكَيف لَا نظاهر أَمركُم، وَهُوَ الْعدة المذخورة، والفئة الناصرة المنصورة، وَالْبَاطِل سراب يخدع، وَالْحق إِلَيْهِ يرجع، وَالْبَغي يردع ويصرع، وَكم تقدم فِي الدَّهْر من مفتر شَذَّ عَن الطَّاعَة، وَخرج عَن الْجَمَاعَة، ومخالف على الدول، فِي العصور الأولى، بهرج الْحق زائفه، ورجمت شهب الأسنة طائفه، وَأخذت عَلَيْهِ الضَّيْعَة وهاده، ونتابعه فتقلص ظله، ونبا بِهِ مَحَله، وكما قَالَ يذهب الْبَاطِل وَأَهله، لَا سِيمَا وسعادة ملككم، قد وطأت المسالك وحدتها، وقهرت الأعدا وتعبدتها، وَأَطْفَأت جداول سُيُوفكُمْ النَّار الَّتِي أوقدتها، وَكَأن بالأمور، إِذا أعملتم فِيهَا رَأْيكُمْ السديد قد عَادَتْ إِلَى خير أحوالها، والبلاد بيمن تدبيركم، قد شفى مَا ظهر من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 اعتلاها، وعَلى كل حَال فَإِنَّمَا نَحن على تَكْمِيل مرضاتكم مبادرون، وَفِي أغراضكم الدِّينِيَّة وَارِدُونَ وصادرون، ولإشارتكم الَّتِي تَتَضَمَّن الْخَيْر والخيرة منتظرون، عندنَا من ذَلِك عقائد لَا يحْتَمل نَصهَا التَّأْوِيل، وَلَا يقبل صحيحها التَّعْلِيل، فلتكن أبوتكم من ذَلِك على أوضح سَبِيل، فشمس النَّهَار لَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل، وَالله تَعَالَى يسنى لكم عوائد الصنع الْجَمِيل، حَتَّى لَا يدع عزمكم مَغْصُوبًا إِلَّا رده، وَلَا ثلمًا فِي ثغر الْإِسْلَام إِلَّا سَده، وَلَا هدفا متعاصيا إِلَّا هده، وَلَا عرقا فِي الْخلاف إِلَّا حَده، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يبْقى ملككم، ويصل سعده، ويعلى أمره ويحرس مجده، وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي اشْتهر فَضله وَدينه، فَفِي سَبِيل الله تنبيهه وتأمينه، ولقن الْحجَج فهذبها يقينه، تَهْذِيب الْمَالِكِي وتلقينه، وأنهل جوده الْفَيَّاض معينه، وَالله ينجده على عمل الْبر ويعينه، مقَام مَحل والدنا الَّذِي صدقت فِي مُعَاملَة الله نِيَّته، وخلصت فِي سَبِيل جهاده طويته، وتكفل بالإرشاد والإمداد هَدْيه الْوَاضِح وهديته، وتمخضت إِلَى أَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا أمْنِيته. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله، تترنم بألحان الْعِزّ صواهله، وتردى ببرود الْيمن والأمان مناهله، وترفع بأيالته معالم الْإِسْلَام وتعمر مجاهله، ويحث بحسامه كَمَال الْعَهْد عِنْد تَمَامه عوارف الْكفْر وكواهله، مُعظم مقَامه، المثابر على إجلال مَحَله الأبوي وإعظامه، الدَّاعِي إِلَى الله فِي صلَة بنائِهِ وسعادة أَيَّامه. الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج يُوسُف بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن فرج بن نصر. سَلام كريم طيب بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى، وأبوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 أما بعد حمد الله الَّذِي نصب للمجازاة قسطاسا وميزانا، وَأقَام الْأَعْمَال الصَّالِحَة على الرِّضَا وَالْقَبُول عنوانا، واختص بالسعادة والعناية من شَاءَ من عباده أولى الْولَايَة، تفضلا مِنْهُ وامتنانا، فَأطلق بِالْخَيرِ مِنْهُم يدا، وَأطلق بالشكر لِسَانا، وَعرف الْعباد فِي اتِّصَال الْأَيْدِي على نصر دينه الْحق يمنا وأمانا، وَجعل الْمَوَدَّة فِيهِ تَقْتَضِي مغْفرَة من لَدنه ورضوانا. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله أرفع الْأَنْبِيَاء شَأْنًا، وأعظمهم مكانة ومكانا، وَأكْرمهمْ مسابقة أزلية لَدَيْهِ، وَإِن تَأَخّر زَمَانا، وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، الَّذين رفعوا من مِلَّته الحنيفية أركانا، وشيدوا من معالم دَعوته بنيانا، وَكَانُوا لأمته فِي الْهِدَايَة بهم من بعده شهبانا. وَالدُّعَاء لمقامكم بالنصر الَّذِي يمضى فِي الْأَعْدَاء صَارِمًا وسنانا، والعز الَّذِي يسمع دَعْوَة الْحق إعلانا، والصنع الَّذِي يرْوى أَحَادِيث الْعِنَايَة الإلهية صحاحا حسانا. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَلَا زَائِد بِفضل الله الَّذِي ترادفت لدينا مواهب إنعامه مثنى ووحدانا، ثمَّ ببركة سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي أوضح من حجَّة الصدْق برهانا، إِلَّا بِالْخَيرِ الأتم، واليسر الْأَعَمّ، وبركم الْمَقْصد الْأَسْنَى، وَالْغَرَض الأهم. وَقد ورد علينا كتابكُمْ الَّذِي ظَاهره هَدِيَّة، وباطنه هِدَايَة، وطيه نصح، وعنوانه عناية، أحكمت مِنْهُ فِي الْفضل آيَة، ونشرت مِنْهُ للعز راية، مصحبا بالألطاف الكفيلة بتأصيل أصيل الوداد، مظْهرا مَعَاني الْعِنَايَة بِهَذِهِ الْبِلَاد، تنبو غرته الْبَيْضَاء غرر الْجِيَاد، من كل سَلس القياد، محيى بالصهيل معالم الْجِهَاد، فياله من كتاب قاد إِلَى الْأَعْدَاء كتائبه، وصحفته فضل تبدى مَعَاني عَجِيبَة، تفنن من الْمجد والحسب الغر فِي ضروب، وأطلع شمس النصح غير ذَات غرُوب، وحرج العتب بالعتبى، وَرب صَنِيعَة الِاحْتِيَاط، فأناف وأربى، فصدعنا بِهِ فِي الحفل استظهارا، وأطلعنا فِي أفق الِاعْتِدَاد نَهَارا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 وقابلنا أغراضه بالشكر سرا وجهارا، وانتشقنا من رياض بلاغته أزهارا، وتأملنا مقاصده، فزدنا فِي التَّشَيُّع استبصارا، ورأينا ألسن الثنا، وَإِن أطلنا قصارا، وَقُلْنَا الْحَمد لله الَّذِي أتاح الله لنا أَبَا، يأنف من الهضمية، ويصرخ عِنْد الْعَظِيمَة، ويرشد إِلَى الْخلال الْكَرِيمَة، وَيبدأ بالفضائل الجسيمة، فَإِن ظن بِنَا الْغَفْلَة عَن عرض مصالحنا عَلَيْهِ، تلطفت أبوته فِي العتاب، وَإِن تشوفنا إِلَى استطلاع مَا لَدَيْهِ تحفى بإهداء الكتيبة وَهدى الْكتاب، فَنحْن نجهد فِي الشُّكْر بِحَسب الِاسْتِطَاعَة، ونصل الثنا الْيَوْم بِالْيَوْمِ، والساعة بالساعة، ونجلو أوجه الْعذر الَّذِي يردد دَعْوَى الْغَفْلَة والإضاعة، ويتبين مَا عندنَا فِي الْفُصُول الَّتِي قررها فِيمَا نَالَ من النصرى من الْفِتْنَة والمجاعة، وَعُمُوم الشتات وَخلاف الْجَمَاعَة، فَأَما مَا ترَتّب فِيهِ العتب مِمَّا أغفله الْكتب بِمَا آل إِلَيْهِ أَمرهم من شتات ذَات الْبَين، والمسغبة المتلفة، للأثر وَالْعين، فَيعلم الله أننا لم يتَّصل بِنَا نبأ إِلَّا بَعَثْنَاهُ على غره، وَلم نختزل شَيْئا من حُلْو وَلَا مره، وَلَا جلب إِلَيْنَا خبر إِلَّا أهديناه عِنْد حلب دره، وركضنا طرفه بعد تقليبه وفره، فَكيف بِمثل هَذَا الَّذِي لَو ثَبت عندنَا خَبره، لأثمر لدينا رفع حمل، وَتَخْفِيف كل، وإضاعة غيم، وَحصر ضيم، ومشقة عزم، وَإِضَافَة حكم، وَلم نزل نبعث الْعُيُون ونزكيها، ونعيد الرُّسُل ونبديها، فَلم يَصح عندنَا مِمَّا اتَّصل بكم نقل، وَلَا شهد بِغَيْر مَا أطلعناهم عَلَيْهِ حس وَلَا عقل. ولسنا من الْغَفْلَة بِحَيْثُ لَا نشعر بِضعْف عَدو قرب منا جواره، وَلَا من الزّهْد فِي المَال بِحَيْثُ يظْهر منا احتقاره، وَلَا من نِسْيَان مَا يجب لأبوتكم بِحَيْثُ لَا نهدى لكم من قبلنَا أنباء عدونا وأخباره، وَإِنَّمَا هِيَ أقاويل لَا عِبْرَة بقائلها، وتمويهات يظْهر الْكَذِب على مخايلها. وَالَّذِي صَحَّ عندنَا فِي أَمر النصرى وسلطانهم، أَن إخْوَة ملكهم وَمن كَانَ على مثل رَأْيهمْ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 لم ينازعوه يَوْمًا فِي طلب ملك، وَلَا سعوا على بهجته بهلك، وَإِنَّمَا خطبوا مِنْهُ خططا كَانَت بِأَيْدِيهِم، ورتبا نالوها من أَبِيهِم، انتزعها لما سَاءَ ظَنّه فيهم، شهدُوا لَهُ الرُّجُوع إِلَى خدمته حَيْثُ كَانَت، وذلت سبالتهم فِي التمَاس إِعَادَتهَا، وهانت أود الإغضاء فهم بمواضعهم إِلَى تَمام أَرْبَعَة أَعْوَام، بمهادنة مبرمة، وموادعة محكمَة، مدون عِنْد انْقِضَائِهَا على حكمه، ويلقون يَد الرَّغْبَة إذعانا إِلَى سلمه، ويجعلون نواصبهم بيَدي عِقَابه إِن شَاءَ الله أَو حلمه، فَرَمَاهُمْ بدائهم، وصم عَن ندائهم، وزاحمهم بمنكب الْملك، واضطرهم إِلَى مهاوى الهلك، واستخلص مِنْهُم مَا كَانَ بِأَيْدِيهِم من المدن الْكَبِيرَة، وَالْقَوَاعِد الخطيرة، كطورو وطليطلة وَغَيرهمَا من الأمات الشهيرة، وتحصلت أمه وزوجه، الموليتان عَلَيْهِ فِي قهره، وَدخل أَخُوهُ الميسر فِي أمره، وَاسْتقر القند بِبِلَاد جليقية شريد خَوفه، وطريد ذعره، مُخَيّرا بَين خطتي الْحسب من الْخُرُوج عَن عمالته، أَو الدُّخُول على الحكم فِي إيالته. وَأما حَالهم فِي طَرِيق المجاعة الفاشية، والضيقة الناشية، والمسغبة الْمهْلكَة للحرث والماشية، فَالَّذِي صَحَّ عندنَا فِيهَا، أَن الْأَحْوَال بالبلاد الأندلسية فِي ذَلِك مُتَقَارِبَة، وَأَن الْحَاجة شملت النَّاس قاطبة، وَالسّنة لم تخْتَص بشدتها الْبِلَاد الْكَافِرَة، وَلَا اعتمدت الفئة الزائفة عَن الْحق النافرة، إِنَّمَا هُوَ أزل شَمل الْبِلَاد والصياصي، وقحط نَالَ جهتي الْمُطِيع والعاصي، فَمن كَانَت لَهُ قُوَّة على احْتِمَاله، ظهر صبره، وَمن قلت ذَات يَده، افتضح أمره. وبلادهم الشمالية، فِيمَا بلغنَا، سليمَة من الضّر، مجودة بالسحاب الغر، تمد الْبِلَاد الساحلية مِنْهَا مراكب الْبر. وَمَعَ هَذَا، فَإِذا اعْتبر فرارهم أَمَام المجاعة. وهم عدد قَلِيل لم يلف فيهم مثيل، وَلَا من لَدَيْهِ مَتَاع أثيل، إِنَّمَا يفر مِنْهُم ذاعر يسترفد كده، وينتجع عمله، أَو صعلوك لَا مَال لَهُ، أَو صَاحب حسيفة من خدام أخوة سلطانهم مِمَّن لم يقدر على ضبط مَا جعل بِيَدِهِ، وضاق عَن مقاومة مَا يحاوره لقلَّة عدده، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 ونقصان جلده، وكلا الصِّنْفَيْنِ لَا يعول على نَقله، وَلَا يسْتَند إِلَى دينه، وَلَا إِلَى عقله. وَإِذا أردتم تَحْقِيق أَمر أَو استربتم فِي خبر زيد أَو عَمْرو، فعينوا عينا يضطلع. بِنَقْل صور الْأَحْوَال، وَيكون ميدانا للأقوال، يتَوَجَّه صوريا، بِبَعْض الْأَغْرَاض الَّتِي تَدْعُو إِلَى المراوضة والمحاورة فِي الشكايات الَّتِي تضطر إِلَيْهَا الْمُجَاورَة، حَتَّى تتبين لكم الْأَخْبَار الَّتِي يزيفها الاختبار. هَذَا مَا عندنَا من حالتي الْعَدو، الَّتِي هَمنَا موازنة أُمُوره، وحذر شروره، قررناها لكم مَعَ الْعلم بِأَن الْعِزَّة لله وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ، وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين، وَأَن قَلِيل الْحق كثير، والعسير على الله يسير، وَإِنَّمَا هُوَ شرح بَين الجلية وَقيد عارضة الْكُلية، والعليل ذُو معرفَة زَائِدَة بأحوال علته، وَالرَّابِع عَن خَبره من خبر حلته، وَلَو علمنَا مَا اسْتَأْثر الله بمولانا قدس الله روحه، وَطيب ضريحه، وَقد وَجب انتباه العزائم من مراقدها، وارتفاع حكم السّلم لوفاة عاقدها، أَن لإخوته قدرَة تستمريها منازعتهم لأخيهم زَمنا فسيحا أَو يخمد مِنْهُ ريحًا، لاغتنمنا الكرة، ورفعنا المعرة، وَلَكنَّا علمنَا بِأَن مادتهم بِمَا بقى من مُدَّة الصُّلْح الْقَدِيم غير وافية، وَأَن قدرتهم بكف العادية، عَن بِلَادهمْ، غير كَافِيَة، فحرصنا على الاستمساك بالسلم، ليتمهد الْقطر ويتقرر الْأَمر. وَمَعَ الْيَوْم غَد، وَلكُل شَيْء أمد، وَلنَا مِنْكُم بعد الله تَعَالَى مُعْتَمد، وَإِذا سنى الله أمرا، يسر أَسبَابه، وَفتح بَابه، وألهم الْخَيْر وَكتب أثوابه، وَأما مَا بغيتم من بذل الضريبة، فَأمر تنفر مِنْهُ الهمة، وتسوغه الشدائد المدلهمة، وتأباه الشَّفَقَة، ثمَّ تَدْعُو لتسليمه الموفقة، وللضرورة حكمهَا، وللعزة إِن شَاءَ الله يَوْمهَا. وَقد انصرمت سنُون عديدة، وآماد مديدة، وعهود بعيدَة، لم يَقع فِيهَا بِهَذِهِ الْبِلَاد، بَين الْمُسلمين وعدوهم سلم، إِلَّا عَن ضريبة تحكم، وحصون إِلَيْهِم تسلم، وعضاضاة تحضى، كَمَا شَاءَ الله وتبرم. فَلم ينْتَه اجْتِهَاد إِلَّا مَعَ الإرهاب بجانبكم الأحمى، والاستناد إِلَى أبوتكم الْعُظْمَى، إِن عَقدنَا بضريبة لم يقْتَرن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 بهَا وَالْحَمْد لله إِسْلَام معقل، وَلَا تشطط فِي حَالَة مُنكرَة، أَو عدد مثقل، إِلَّا ورأينا أَن قد فضل حديثنا الْقَدِيم، وسكنا بالهدنة هَذَا الإقليم. وعَلى تَقْرِير أَن يَقع ارتفاعها، ويشمل من قدرَة الله دفاعها، فإننا لما حضر لدينا رسولاكم فلَان وَفُلَان، أجلنا قداح النّظر، بِنَاء على مَا قررتم من الْخَبَر، وحوما على الْغَرَض الْمُعْتَبر، فَلم نجد وَجها يسوغ حل مَا ربط، وَلَا فسخ مَا اشْترط، لما تقرر فِي العقد من أَيْمَان شَأْنهَا كَبِير، ومحلها من الرعى خطير، وَوَقع عَلَيْهَا منا العقد ومنكم الْإِمْضَاء وأحكمت فصولها الْعَدَالَة، وسجلها الْقَضَاء، وَحضر الْخصم وَوَجَب الِاقْتِضَاء، وَلَو عثر على وَجه يخرج عَن الْعهْدَة، وَيحل لنا مَحل الْعقْدَة، لَكنا نعلم سرُور الْعَدو بنبذنا لعهده، وخفة وطأتنا إِلَى أَن يَشَاء الله على جنده، فَإِنَّهُ اعْتَادَ أَن يكون مَطْلُوبا، وَرَأى التماسنا سلمه وجوبا، إِذْ الْأَحْوَال بِهَذِهِ الجزيرة المنقطعة تضطرنا إِلَى التمَاس سلمه، وحاجتنا إِلَى مهادنته لَا تغيب عَن علمه، مالم يتمخض الدَّهْر عَن معذرة تحطه عَن عزمه، حَسْبَمَا سلف لسلفكم الْكَرِيم. لَوْلَا مَا سبق من تمحيص الله فِي سَابق حكمه. وَفِي مُدَّة هَذَا الصُّلْح الَّذِي عقد وأبرم، وأمضى وتمم، نرجو أَن يَقع الاستعداد وتتوفر الْأَعْدَاد، وَتعرض الأجناد، وتمهد الثغور والبلاد، فَإِذا تقضى مِنْهُ الأمد، وكمل بالوفا الْمَقْصد، كُنْتُم إِن شَاءَ الله على أَعلَى النظرين، وَأكْرم الاختيارين، من حوار مَنْصُور، وَعدد موفور، أَو سلم مقترن بِظُهُور. هَذَا مَا عندنَا عرضناه عَلَيْكُم عرض إدلال، ومحلكم مَحل إغضاء وإكمال، وَفضل وَعدل وجلال. وَالله الْمُسْتَعَان على كل أَمر ذِي بَال، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك أما بعد حمد الله محسن العواقب، ومخلد المناقب، وَمعلى المراقى فِي درج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 عنايته والمراقب، ومسخر النَّجْم الثاقب فِي الغسق الواقب، الْكَفِيل بِالْحُسْنَى للمتوكل المراقب، نَاسخ التمحيص بالعناية والتخصيص، لتظهر حكمه المثيب المعاقب، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الماحي الحاشر العاقب، ذِي الْقدر السَّامِي للدهر المصاقب، وَالرِّضَا عَن آله، الَّذين كَانُوا فِي سَمَاء مِلَّته لهداية أمته كَالنُّجُومِ الثواقب. فَإنَّا كثبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم توالى الْمَوَاهِب، ووضوح الْمذَاهب، ووقوف الدَّهْر لديكم موقف التائب من الْقدح النايب، وخلوص موارد سعدكم من الشوايب، ووالى لديكم مفاتحة الْكتب الهنية بفتوح الْكَتَائِب. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَفضل الله يتعرف صنعه لكم، صافي السَّحَاب كَفِيل بنيل الرغايب، وَالسُّرُور بِمَا سناه الله من استقامة أحوالكم، شَأْن الشَّاهِد والغايب، والرايح والآيب. وَالْحَمْد لله على توالى الألطاف العجايب. وَقد وصل كتابكُمْ الَّذِي أكد السرُور وَأَصله، وأجمل مُقْتَضى الْبُشْرَى وفصله، ونظم خبر الْفَتْح وَوَصله، وراش سهم السَّعَادَة والسداد، والعناية والإمداد ونصله، وأحرز حَظّ السَّعَادَة وحصله، تعرفُون بِمَا أتاح الله لكم، اللَّطِيف الْخَبِير، وَالْوَلِيّ النصير، من الصنع الَّذِي اتسق نظامه، والعز الَّذِي سنت فِي أم الْكتاب أَحْكَامه والعز الَّذِي خَفَقت أَعْلَامه، والتوفيق الَّذِي قرطست الْعرض سهامه، وأنكم من بعد الكاينة، الَّتِي راش لطف الله بهَا وجبر، وَأحسن الْخَبَر وأدال الْخَبَر، وَجعل الْعَاقِبَة الْحسنى لمن صَبر، جهزتم الجيوش المختارة والعساكر الجرارة يَقُودهَا الخلصان من الوزرا، ويتقدم رايتها ميامن الأمرا، فَكتب الله ثبات أَقْدَامهَا، وَتَوَلَّى نصر أعلامها، وَلم يكن إِلَّا أَن حمى وطيس النزال، ورجفت الأَرْض لهول الزلزال، وتعوطبت كؤوس الْآجَال فِي ضنك المجال ودجا القتام، وتوهج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 من فضل الله الاغتنام، وَعَبس الجو الْعَبَّاس، وَضحك النصل البسام، وَأورد الْخَيل موارد الطعان والإقدام، فَكَانَ لحربكم الظُّهُور الَّذِي حكم المهندة فِي الرّقاب، والسمر الطوَال فِي البعر ثمَّ فِي الأعقاب، وبشرت بِرُؤْيَة هِلَال الْفَتْح عُيُون الارتقاب، وَحط عَن وَجه الصنع الْجَمِيل مَا راب من النقاب، وَأَن من بغى عَلَيْهِ، حَسْبَمَا قررتم، وعَلى نَحْو مَا أجملتم وفسرتم من شُيُوخ الْعَرَب المجلية، ووجوه الخدام المنتهية إِلَى حسن الْعَهْد المنتمية، تحصل فِي حكم استرقاقكم، وَتَحْت شدّ وثاقكم، وَرُبمَا سفر الْمَكْرُوه عَن المحبوب، وانجلى المرهوب عَن المرغوب، وَالله مُقَلِّب الْقُلُوب، وشيمتكم فِي ايتلاف النافر، وَالْأَخْذ من فضل الْعَفو بالحظ الوافر، كَفِيل لكم بالصنع السافر. وَالله يحملكم على مَا فِيهِ رِضَاهُ، وَيُخَير لكم فِيمَا قَضَاهُ. فصلنا مَا اتَّصل لكم من الصنع واطرد. ورحبنا هَذَا الْوَارِد الْكَرِيم الَّذِي ورد، وشكرنا فَضلكُمْ فِي التَّعْرِيف بالمودود، وَالشَّرْح لمقامه الْمَحْمُود، وكتبنا نهنيكم بِهِ هُنَا مشفوعا، وبالدعاء لكم متبوعا. وَالله يطلع من توالى مسرتكم على مَا يبسط الآمال، وينجح الْأَعْمَال، وَيفتح فِي السعد المجال، وَالَّذِي عندنَا من ودكم أعظم من اسْتِيفَائه بالمقال، ونهوض اليراع بوظائفه الثقال، يعلم ذَلِك عَالم الخفيات، والمجازي بِالنِّيَّاتِ سُبْحَانَهُ. وَالله يصل سعدكم، ويحرص مجدكم وَالسَّلَام وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي نطالعه أَخْبَار الْجِهَاد، ونهدي إِلَيْهِ عوالي العوالي صَحِيحَة الْإِسْنَاد، وتبشره بأخبار الْفَتْح الْبعيد الآماد، ونسأل الله لَهُ توالى الْإِسْعَاف، ودوام الإسعاد، ونرتقب من صنع الله على يَدَيْهِ تكييفا يخرق حجاب الْمُعْتَاد، وامتعاضا يطلع بأفاق الْبِلَاد، نُجُوم غرر الْجِيَاد، وَيفتح أَبْوَاب الْفتُوح بأقاليد السيوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 الْحداد، وينسى مَكَارِم من سلف من الْآبَاء الْكِرَام والأجداد، مقَام مَحل أخينا الَّذِي نستفتح لَهُ بِالْفَتْح والظهور، ونهدي إِلَى مجده لما يعلم من حسن نِيَّته لطائف السرُور، ونستظهر بِملكه المؤمل ومجده الْمَشْهُور، ونتوعد مِنْهُ الْعَدو بالحبيب المذخور، وَالْوَلِيّ الْمَنْصُور. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، أبقاه الله عالى الْقدر، قرير الْعين، منشرح الصَّدْر، وَلَا زَالَ حَدِيث فخره سائرا مسير الشَّمْس والبدر، مُعظم سُلْطَانه الخليق بالتعظيم، الواثق مِنْهُ بالذخر الْكَرِيم، الْمثنى على مجده الصميم، وفضله العميم، عبد الله، الْغنى بِاللَّه، الْأَمِير مُحَمَّد بن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج، ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج ابْن نصر. سَلام كريم بر عميم، يخص مقامكم الْأَعْلَى وأخوتكم الفضلى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله رب الْعباد، وملهم الرشاد، ومكيف الْإِسْعَاف والإسعاد، الْوَلِيّ النصير، الَّذِي نلقى إِلَى التَّوَكُّل عَلَيْهِ مقاليد الِاعْتِمَاد، ونمد إِلَى أنجاده أَيدي الِاعْتِدَاد، ونرفع إِلَيْهِ أكف الاستمداد، ومخلص لوجهه الْكَرِيم عمل الْجِهَاد، نتعرف عوارف الْفضل المزداد، ونجنى ثمار النَّصْر من أَغْصَان القنا المياد، ونجتلي وُجُوه الصنع الوسيم، أبهر من وَجه الصَّباح الباد، ونظفر بالنعيم العاجل، وَالنَّعِيم الآجل، يَوْم قيام الْإِشْهَاد، ونتفيأ ظلال الْجنَّة، من تَحت ظلال السيوف الْحداد. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، النَّبِي الْهَاد، رَسُول الملحمة، الْمُؤَيد بِالْمَلَائِكَةِ الشداد، وَنَبِي الرَّحْمَة الهامية العهاد، أكْرم الْخلق بَين الرايح والغاد، ذِي اللِّوَاء الْمَعْقُود، والحوض المورود، والشفاعة فِي يَوْم التناد، الَّذِي بجاهه نجدع أنوف الآساد، يَوْم الجلاد، وببركته ننال أقْصَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 الآمال وَالْمرَاد، وَفِي مرضاته نصل أَسبَاب الوداد، فتعود بالتجر الرايح من مرضات رب الْعباد، ونستولي من ميدان السَّعَادَة الْمُعَادَة على الاماد. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وأنصاره وَحزبه الْكِرَام الأمجاد، دعائم الدّين من بعده وَهُدَاة الْعباد، آحَاد الْآحَاد، وآماد الآماد، الَّذين ظاهروه فِي حَيَاته، بالحلوم الراجحة الأطواد، والبسالة الَّتِي لَا تبالي بِالْعدَدِ فِي سَبِيل الله والأعداد، حَتَّى بوءوا الْإِسْلَام فِي الْقَوَاعِد الشهيرة والبلاد، وأرغموا أنوف أهل الْجحْد والإلحاد، فَأصْبح رفيع الدّين رفيع الْعِمَاد، مَنْصُور العساكر والأجناد، مستصحب الْعِزّ فِي الإصدار والإيراد وَالدُّعَاء لمقامكم الْأَعْلَى، بالسعد الذى يغنى عَن اختبار الطالع، وتقويم الْبِلَاد، والنصر الَّذِي تشرق أنباؤه فِي جنح ليل المداد، والصنع الَّذِي تشرع لَهُ أَبْوَاب التَّوْفِيق والسداد. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، واليسر وثيق المهاد، وَالْخَيْر وَاضح الْإِشْهَاد، وَالْحَمْد لله فِي المبدإ والمعاد، وَالشُّكْر على آلائه الْمُتَّصِلَة الترداد، ومقامكم الذّكر الْكَافِي العهاد، وَالرَّدّ المتكفل الإنجاد. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس مجدكم، ووالى نصركم وعضدكم، وبلغكم من فَضله العميم أَملكُم وقصدكم، فإننا نؤثر تعريفكم بتافه المتزيدات، ونورد عَلَيْكُم أشتات الْأَحْوَال المتجددات، إِقَامَة لرسم الخلوص، والتعريف بِمَا قل، ومودة خَالِصَة فِي الله عز وَجل. فَكيف إِذا كَانَ التَّعْرِيف مَا تهتز مَنَابِر الْإِسْلَام، ارتياحا لوروده، وتنشرح الصُّدُور جذلا لمواقع فضل الله وجوده، والمتكيفات البديعة الصِّفَات فِي وجوده. وَهُوَ أننا قدمنَا إعلامكم بِمَا نويناه من غَزْو مَدِينَة قرطبة، أم الْبِلَاد الْكَافِرَة، ومقر الحامية الشهيرة، والخيرات الوافرة، والقطر الَّذِي عَهده بآطام الْإِسْلَام متقادم، والركن الَّذِي لَا يتَوَقَّع صدمة صادم، وَقد اشْتَمَل سورها من زعماء مِلَّة الصَّلِيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 على كل رييس بيس، وهزبر خيس، وَذي مكر وتلبيس، وَمن لَهُ شِيمَة تذيع مَكَانَهُ وتشيعه، وَاتِّبَاع على المنشط وَالْمكْره قطيعة. فاستدعينا الْمُسلمين من أقاصي الْبِلَاد، واذعنا فِي الْجِهَات نفير الْجِهَاد، وتقدمنا إِلَى النَّاس بسبعة الازواء، وأعطينا الْحَرَكَة الَّتِي تخلف الْمُسلمُونَ وَرَاءَهُمْ جمهوريا للكفر من الأقطار، والأعداد حَقّهَا من الاستعداد، وأفضنا الْعَطاء والاستلحاف والاستركاب من أهل العفا وأبطال الجلاد. فحشر الْخلق فِي صَعِيد، وَأخذُوا الأهبة والزينة فِي عيد سعيد، وَشَمل الاستدعا كل قريب وبعيد، عَن وعد ووعيد. ورحلنا، وَفضل الله شَامِل، والتوكل عَلَيْهِ كَاف كافل، وخيمنا بِظَاهِر الحضرة، حَتَّى استوفى النَّاس آرابهم، واستكملوا أسرابهم، ودسنا مِنْهُم بِلَاد النَّصَارَى بجموع كثرها الله وأنماها، وَأبْعد فِي التمَاس مَا عِنْده من الْأجر منتماها. وعندما حللنا مَدِينَة قاشرة، وجدنَا السُّلْطَان دون بطره، مُؤَمل نصرنَا وإنجادنا [ومستفيد حَظه من لواحق جهادنا، وَمُقْتَضى كدح دينه بإعانتنا إِيَّاه وإنجادنا] قد نزل بظاهرها فِي محلات، فِيمَن اسْتَقر على دَعوته وَتمسك بِطَاعَتِهِ، وشمله حكم جماعته، فَكَانَ لقاؤنا إِيَّاه على حَال أقرَّت عين الْمُسلمين، وتكفلت بإعزاز الدّين، ومجملها يُغني عَن التَّعْيِين. والمشرح والتبيين، وَرَأى هُوَ وَمن مَعَه، من وفور جيوش الله مَا هالهم، وأشعل فِي حَال الْيَقَظَة خيالهم، من جموع تسد بِاللَّه الفضا، وأبطال تسارع أسود الفضا، وكتائب منصورة، ورايات منشورة، وأمم محشورة، ونداء بِكَلِمَة الشَّهَادَة يسد بَين الْخَافِقين، ومحلات تفضل عَن مرأى الْعين، فَاعْتَرفُوا بِمَا لم يكن فِي حسابهم، وَاعْتبر فِي عزة الله أولُوا ألبابهم. وَإِذا كثر الله الْعدَد، نما وزكا، وَإِذا أزاح الْعِلَل، مَا اعتذر عان وَلَا شكا. وسالت من الْغَد الأباطح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 بالاعتراف، وسمت الهوادي إِلَى الاستشراف، وَأخذ التَّرْتِيب حَقه من المواسط الجهادية والأطراف، وأحكمت التعبية، الَّتِي لَا ترى الْعين فِيهَا خللا، وَلَا يجد الإحسار عِنْدهَا دخلا. وَكَانَ النُّزُول على فَرسَخ من عدوة النَّهر الْأَعْظَم الدُّنْيَا من خَارج الْمَدِينَة، أنْجز الله وعد دمارها، وأعادها إِلَى عهدها فِي الْإِسْلَام وشعارها، ومحا ظلام الْكفْر فِي آفاقها، بِملَّة الْإِسْلَام وأنوارها. وَقد برزت من حاميتها شَوْكَة سابغة الدروع، وافرة الجموع، استجنت من أسوار القنطرة الْعُظْمَى، بحمى لَا يخفر، وَأخذ أعقابها من الرُّمَاة والكماة الْعدَد الأوفر، فبادر إِلَيْهِم، سرعَان خيل الْمُسلمين، فصدقوهم الدفاع والقراع، والمصال والمصاع، وخالطوهم سبرا بِالسُّيُوفِ، ومباكرة بالحتوف، فتركوهم حصيدا، واذاقوهم وبالا شَدِيدا، وجدلوا مِنْهُم جملَة وافرة، وَأمة كَافِرَة، وملكوا بعض تِلْكَ الأسوار، فارتفعت بهَا راياتهم الخافقة، وَظَهَرت عَلَيْهَا عزماتهم الصادقة، واقتحم الْمُسلمُونَ الْوَادي سبحا فِي غمره، واستهانة فِي سَبِيل الله بأَمْره، وخالطوا حامية الْعَدو فِي ضفته فاقتلعوها، وتعلقوا بأوائل الأسوار ففرعوها، فَلَو كُنَّا فِي ذَلِك الْيَوْم على عزم من الْقِتَال، وتيسير للالآت وترتيب للرِّجَال، لدخل الْبَلَد، وَملك الْأَهْل وَالْولد. لَكِن أَجَارَ الْكفْر من اللَّيْل كَافِر، وَقد هلك مِنْهُم عدد وافر، وَرجع الْمُسلمُونَ إِلَى محلاتهم، وَنصر الله سَافر، والعزم ظافر. وَمن الْغَد، خضنا الْبَحْر الَّذِي جعلنَا الْعَزْم فِيهِ سفيناً والتوكل على الله للبلاغ ضمينا، ونزلنا من ضفته، القصوى، منزلا عَزِيزًا مكينا، بِحَيْثُ تجَاوز سورها طُنب القباب، وَنصِيب دورها، من بَين المخيمات، بوارق النشاب، فبرزت حاميتها على متعددات الْأَبْوَاب، مُقِيمَة أسواق الطعان والضراب، فآبت بصفقة الخسران والتباب. وَلما شرعنا فِي قتالها، ورتبنا أشتات النكابات لنكالها، وَإِن كُنَّا لم نبن على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 مطاولة نزالها، أنزل الله من الْمَطَر الَّذِي قدم بعهده الْعَهْد، وساوى النجد من طوفانه الوهد، وَعظم بِهِ الْجهد. وَوَقع الْإِبْقَاء على السِّلَاح، والكف بِالضَّرُورَةِ من الكفاح، وَبلغ الْمقَام عَلَيْهَا، وَالْأَخْذ بمخنفها، والثوا لَدَيْهَا، خَمْسَة أَيَّام، لم تخل فِيهَا الأسوار من افتراع، وَلَا الْأَبْوَاب من دفاع عَلَيْهَا وقراع، وأنفذت مقَاتل الستاير أنقابا، وارتقب الْفَتْح الْمَوْعُود ارتقابا، وفشت فِي أَهلهَا الجروح، والعبث الصراح، وساهم المسا بعزة الله والصباح. وَلَوْلَا عايق الْمَطَر، لَكَانَ الإجهاز والاستفتاح، وَالله بعْدهَا الفتاح. صرفت الْوُجُوه إِلَى تخريب الْعمرَان، وتسليط النيرَان، وعقر الْأَشْجَار، وتعفية الْآثَار، أَتَى مِنْهَا العفا على الْمصر الشهير فِي الْأَمْصَار، وَتركت زروعها المايحة عِبْرَة للأبصار. ورحلنا عَنْهَا، وَقد ألبسها الدُّخان حدادا، ونكس من طغاتها أجيادا، فاعتادت الذل اعتيادا، وَأَلْقَتْ للهون قيادا، وكادت أَن تستباح عنْوَة، لَو أَن الله جعل لَهَا ميعادا، وأتى الْقَتْل من أبطالها ومشاهير رجالها مِمَّن يبارز ويناطح، ويماسى بالباس ويصابح، على عدد جم، أخْبرت سماتهم الْمَشْهُورَة بِأَسْمَائِهِمْ، ونبهت علاماتها على نبهائهم، وَظهر من إقدام الْمُسلمين فِي المعتركات، وجورهم بالحدود المشتركات، وتنفيلهم الأسلاب، وقودهم الْخَيل المسومة قَود الغلاب. وَكَانَ القفول، وَقد شَمل الْأَمْن وَالْقَبُول، وَحصل الْجِهَاد المقبول، وراع الْكفْر الْعِزّ الَّذِي يهول، والإقدام الَّذِي شهِدت بِهِ الرماح والخيول، وخاض الْمُسلمُونَ من زرع الطَّرِيق الَّذِي رَكبُوهَا، والمنازل الَّتِي استباحوها فِيهَا، وانتهبوها. بحورا بعد مِنْهَا السَّاحِل، وفلاحة مدركة تتعذر فِيهَا المراحل، فصيروها صريما، وسلطوا عَلَيْهَا للنار غريما، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وحلو بِظَاهِر حصن أندوجر، وَقد أصبح مألف إدمار غير أوشاب، ووكر طيور نشاب. فَلَمَّا بلونا مراسه صعبا، وأبراجه ملئت حرسا وشهبا، ضننا بالنفوس أَن تفيض من دون افتتاحه، وسلطنا العفا على ساحه، وأغرينا الغارات باستيعاب مَا بأحوازه واكتساحه، وسلطنا النَّار على حزونه وبطاحه، وألصقنا بالرغام ذوائب أدواحه. وانصرفنا بِفضل الله، والمناصل دامية، والأجور نامية، وَقد وطأنا المواطىء، الَّتِي كَانَت على الْمُلُوك [قبلنَا] سبلا، وَلم نَتْرُك بهَا حرثا يرقد نَسْلًا، وَلَا ضرعا يُرْسل رسلًا. وَالْحَمْد لله الَّذِي يتم النعم بِحَمْدِهِ، ونسله صلَة النَّصْر، فَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْده. عرفناكم بِهَذِهِ المكيفات الْكَرِيمَة الصعاب، والصنايع الروايع الَّتِي بعد الْعَهْد بِمِثْلِهَا فِي هَذِه الْأَوْقَات، علما بِأَنَّهَا لكم أَسْنَى الهديات الوديات، وَلما نعلمهُ لديكم من حسن النيات، وكرم الطويات، فَأنْتم سلالة الْجِهَاد المقبول، والرفد المبذول، ووعد النَّصْر الْمَفْعُول. ونسل الله تَعَالَى أَن ينْتَقل خيالكم للمعاهد الجهادية إِلَى المعاينة فِي نصر الْملَّة المحمدية، وَأَن يجمع بكم كلمة الْإِسْلَام على عَبدة الْأَصْنَام، وَيتم النِّعْمَة على الْأَنَام. وودنا لكم مَا علمْتُم يزِيد على مر الْأَيَّام، وَالله يَجعله فِي ذَاته لكم مُتَّصِل الدَّوَام، مبلغا إِلَى دَار السَّلَام، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويضاعف آلاءه عنْدكُمْ، وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي أَحَادِيث سعادته لَا تمل على الْإِعَادَة والتكرار، وسبيل مجادته الشهيرة، أوضح من شمس الظهيرة عِنْد الِاسْتِظْهَار، وأخبار صنايع الله لملكه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 ونظم فرايد الأمل فِي سلكه، تخلدها أَقْلَام الأقدار، بمداد اللَّيْل فِي قرطاس النَّهَار، وترسمها بتذهيب الْأَسْفَار فِي صفحات الأقمار، وتجعلها هجيراه حملا للأسفار وحداة القطار فِي مسالك الأقطار. مقَام مَحل أخينا الَّذِي نلذ إِعَادَة هنائه مَعَ الْإِعَادَة، ونتلقى أنباء علائه بالإذاعة والإشادة. ونطرز بأعلام ثنائه صَحَائِف المجادة، ونشكر الله أَن وهب لنا من أخوته المضافة إِلَى الْمحبَّة والوداد، مَا يرجح فِي ميزَان الِاعْتِبَار أخوة الْولادَة، وعرفنا بيمن ولَايَته عوارف السَّعَادَة. السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله فِي أَعْلَام الْملك السعيد، بَيت القصيد، ووسطى القلادة، ومجلى الْكَمَال الَّذِي تبارت بميدان بأسه وجوده، حَسَنَات الإبادة والإفادة، وَلَا زَالَت آماله القاصية تنثال طوع الإرداة، ويمن نقيبته تجمع من أشتات الْفتُوح، والعز الممنوح بَين الْحسنى وَالزِّيَادَة. مُعظم سُلْطَانه العالي، الْمثنى على مجده، الْمَرْفُوع إِسْنَاده فِي عوالي الْمَعَالِي، المسرور بِمَا يسنيه الله لَهُ من الصنع المتوالى، وَالْفَتْح الْمُقدم والتالي. الْأَمِير عبد الله الْغَنِيّ بِاللَّه مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُسلمين أَبى الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أَبى الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره، وأعز نَصره. سَلام كريم يتأرج فِي الْآفَاق شذا طيبه، وَتسمع فِي ذرْوَة الود بلاغة خَطِيبه، ويتضمن نور سَواد المداد عِنْد مراسلة الوداد، فيكاد يذهب بعبوسه الْمَجْهُول وتقطيبه، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله فاتح الْأَبْوَاب بمقاليد الْأَسْبَاب، مهمى استصعبت، ومسير الْأُمُور بِحكمِهِ الْمَقْدُور، إِذا أجهدت الْحِيَل وأتعبت، مخمد نيران الْفِتَن بعد مَا التهبت، وجامع كلمة الْإِسْلَام، وَقد تصدعت وتشعبت، ومسكن رجفان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 الأَرْض بعد مَا اضْطَرَبَتْ، ومحييها بعهاد الرَّحْمَة حَتَّى اهتزت وربت، اللَّطِيف الْخَبِير، الَّذِي قدرت حكمته الْأُمُور، ورتبت منهى كل نفس إِلَى مَا خطت الأقلام عَلَيْهَا، وكتبت ونفت وأوجبت، شَاءَت أَو أَبَت، ومجازيها يَوْم الْعرض بِمَا كسبت. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، هازم الْأَحْزَاب لما تألفت وتألبت، وجالب الحتف إِلَيْهَا عِنْدَمَا أجلبت، رَسُول الملحمة إِذا الليوث وَثَبت، وَنَبِي الرَّحْمَة، الَّتِي هيأت النجَاة وسببت، وأبلغت النُّفُوس المطمينة من السَّعَادَة مَا طلبت، ومداوى الْقُلُوب الْمَرِيضَة، وَقد انتكبت وانقلبت بلطائفه الَّتِي راضت وهذبت، وقادت إِلَى الْجنَّة الْعليا واستجلبت، وَأَدت عَن الله وأدبت، الَّذِي بجاهه نستكشف الغما إِذا طنبت، ونستوكف النعما إِذا أخلفت البروق وكذبت، ونتحاب فِي طَاعَته ابْتِغَاء الْوَسِيلَة إِلَى شَفَاعَته، فَنَقُول وَجَبت حَسْبَمَا ثبتَتْ. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه، وأنصاره، وأحزابه، الَّتِي اسْتحقَّت المزية المرضية واستوجبت، لما انتمت إِلَى كَمَاله وانتسبت، وببذل نفوسها فِي مرضات الله، ومرضاته تقربت، وَإِلَى نصرته فِي حَيَاته انتدبت، والمناصل قد رويت من دَمًا الأعدا واختصبت، وخلفته فِي أمته بعد مماته، بالهمم الَّتِى عَن صدق الْيَقِين أعربت، فتداعت لمجاهدة الْكفَّار وانتدبت وأبعدت المغار وادربت، حَتَّى بلغ ملك أمته أقاصي الْبِلَاد الَّتِي نبت، فَكسرت الصَّلِيب الَّتِي نصبت، ونفلت التيجان الَّتِي عضبت، مَا هَمت السحب وانسحبت، وطلعت الشَّمْس وغربت. والدعا لمثابتكم الْعليا بالنصر الْعَزِيز كلما جهزت الْكَتَائِب، وتكتبت، وَالْفَتْح الْمُبين كلما راكنت عقائل الْقَوَاعِد وخطبت، والصنائع الَّتِي مهمى سرحت فِيهَا الْعُيُون تعجبت، أَو جالت فِي لطائفها الأفكار، استطابت مذاق الشُّكْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 واستعدبت، حَتَّى تنجز لكم مواعيد النَّصْر، فقد اقْتَرَبت، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم كتب الله لكم أغيا مَا سَأَلت الألسن السائلة من الله واستوعبت. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وجنود الله، بفضله وَنعمته، قد غلبت وَفتحت وسلبت، وأسود جهاده قد أردْت الْأَعْدَاء بعد مَا كلبت، ومراعى الآمال قد أخصبت، وَالْحَمْد لله حمدا يجلو وُجُوه الرِّضَا بعد مَا احْتَجَبت، وَيفتح أَبْوَاب الْمَزِيد، فَكلما اسْتَقْبلهَا الأمل رَحبَتْ، وَالشُّكْر لله شكرا، يُقيد شوارد النعم فَمَا أنفت وَلَا هربت. وَإِلَى هَذَا وصل الله لمقامكم أَسبَاب الظُّهُور والاعتلا، وعرفكم عوارف الآلاء على الولا. فَإنَّا لما ورد علينا كتابكُمْ الْبر الْوِفَادَة، الجم الإفادة، الْجَامِع بَين الْحسنى وَالزِّيَادَة، جالى غرَّة الْفَتْح الْأَعْظَم من ثنايا السَّعَادَة، وواهب المنن المتاحة، وواصف النعم الْمُعَادَة، فوقفنا من رقّه المنثور [وَبَيَانه المحشود المحشور لَا بل أربه المنشور] على تحف سنية، وأماني سنية، وقطاف للنصر جنية، ضمنت سُكُون الْبِلَاد وقرارها، وَأَن الله قد أذهب الْفِتَن وأورها، وأخمد نارها، وَخرج [عَن وَجه الْإِسْلَام عارها، وَجمع الْأَهْوَاء على من هوته السَّعَادَة، بعد أَن أجهدت] اخْتِيَارهَا، فَأصْبح الشتيت مجتمعا، وجنح الْجنَاح مرتفعا، والجبل الْمُخَالف خَاشِعًا متصدعا [واصحب فِي القيادة من كَانَ متمنعا] واستوسقت الطَّاعَة، وتبجحت السّنة وَالْجَمَاعَة، وَارْتَفَعت الشناعة، وتمسكت الْبِلَاد المكرمة بأذيال وَليهَا لما رَأَتْهُ، وعادت الأجياد العاطلة إِلَى حليها بعد مَا أنكرته. أجلنا جِيَاد الأقلام فِي ملعب الهنا وميدانه، الأول أَوْقَات إِمْكَانه، على بعد مَكَانَهُ، وأجهدنا عبارَة الْكَلَام فِي إجلال هَذَا الصنع، وتعظيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 شانه، وأغرينا الثَّنَاء بشيم مجدكم فِي شَرحه لنا وَبَيَانه [لأوّل أَوْقَات إِمْكَانه] رَأينَا أَن لَا نكل ذَلِك إِلَى اليراع، ونفرد فِيهِ بِالْإِجْمَاع وَمَا يتعاطاه من منَّة الذِّرَاع، وَأَن نَشد بردء من المشافهة لذره، ونعضد بِمعين من اللِّسَان أمره، فعينا لذَلِك من يُفَسر مِنْهُ الْمُجْمل، ويمهد الْقَصْد المعمل، حَتَّى يجمع بَين أغراض الْبر، والعلن مِنْهُ والسر، وَيُقِيم شَتَّى الْأَدِلَّة على الوداد المستقر، ووجهنا بِهِ فِي غَرَض الرسَالَة إِلَيْكُم، واخترنا لشرحه بَين يديكم خطيب الْوُفُود، وبركة الْمَشَايِخ فِي هَذَا الْمقَام الْمَحْمُود، الشَّيْخ الْجَلِيل الْكَبِير الشهير، الصَّالح الْفَاضِل، أَبَا البركات ابْن الْحَاج، وصل الله حفظه، وأجزل من الْحَمد واللطف حَظه، وَهُوَ البطل الَّذِي يعلم الإجالة فِي الميدان، وَلَا يبصر بوظائف ذَلِك الشان. ومرادنا مِنْهُ أَن يطبل، ويطيب ويخيل فِي وصف محاسنكم اللِّسَان الرطيب، ويقرر مَا عندنَا لمقامكم من التَّشَيُّع الَّذِي قَامَ على الْحبّ المتوارث أساسه، واطرد حكمه وأنتج قِيَاسه، وليجعل تلو مقصد الهنا بمجلسكم الباهر السنا، الصَّارِف إِلَى حيّز الْجِهَاد فِي سَبِيل الله والغنا، وَجه التهمم والاعتنا، على الاناء، مَا تجدّد من الأنباء فِي جِهَاد الْأَعْدَاء، وَإِن كَانَ رَسُولكُم أعزه الله، قد شَارك فِي السرى وَالسير، ويمن الطير، فَلَا سرف فِي الْخَبَر. وَهُوَ أننا لما انصرفنا، عَن منازلة قرطبة نظرا للحشود الَّتِي نفدت معدات أزوادها، وشافت بنسيم الْقلَّة المستقلة مفارق بلادها، وإشفاقا لفساد أقواتها بِفَوَات أَوْقَاتهَا، رحلنا عَنْهَا، وَقد انطوينا من إعفا اكثر تِلْكَ الزروع، الهائلة الْفُرُوع، على هم قوص، وأسف للمضاجع مغص، إِذْ كَانَ عاذل الْمَطَر، يكف أَلْسِنَة النَّار، عَن الْمُبَالغَة فِي التهامها، وحلاق هامها، ونفض أغوارها، ونهاب سوارها، وإذاعة أسرارها، وَهِي البحور المتلاطمة، إِذْ حطمتها الرِّيَاح اللاطمة، واللجج الزاخرة الهاملة، إِذْ حركتها الشواني الجائلة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 تود الْعُيُون أَن تَتَخَطَّى حُدُودهَا القاصية، فَلَا تطِيق، والركائب الزاكية، أَن تشرف على غاياتها، فيفضل عَن مراحلها الطَّرِيق، قد خللها أرزاقا، تغص بهَا الخزائن والأطباق، وحبوبا مفضلة لَا يرزأها الإنفاد والإنفاق، وَلَو تعاهدت على انتسافها الْآفَاق. فخففنا فِي سَبِيل الله لتعقيب غَزْو تِلْكَ الأقطار الْمُخَالفَة، بمحق الصائفة، وإذابة تِلْكَ الطَّائِفَة، بعلوم المجاع الحائفة، خفوفا لم يقنع فِيهِ بالاستنابة، حرصا على استيصال الطبابة، وأعفينا الرجل من اتِّصَال الكد، وقابلنا قبولهم على استصحابنا فِيهَا بِالرَّدِّ، وأطللنا على قرطبة بمحلينا، ننتسف جبال النعم نفسا، وَنعم الأَرْض زلزالا وخسفا، ونستقر فِي مواقع الْبذر إحراقا، ونخترق أجواها الْمُخْتَلفَة بحب الحصيد اختراقا، ونسلط عَلَيْهَا من شرار النَّار أَمْثَال الْجمال الصفر، مدت من الشواظ إعناقا، ونوسع الْقرى الواسعة قثلا واسترقاقا، وندير على [متديرها] أكواس الحتوف دهاقا، وَأخذت النيرَان واديها الْأَعْظَم من جانبيه، حَتَّى كَأَن القيون أحمت سبيكته فاستحالت، وأذابت صفيحته فسالت، وَأَتَتْ للْكفَّار سماؤهم بالدخان الْمُبين، وَصَارَت الشَّمْس من بعد صفورها وَعُمُوم نورها، منقبة الْمحيا، مقطبة الجبين، وخضنا أحشاء الفرنتيرة نعم أشتات النعم انتسافا، وأقوات أَهلهَا إتلافا، وآمال سكانها إخلافا، وَقد بهتُوا لسرعة الرُّجُوع، ودهشوا لوُقُوع الْجُوع، وتسبيب تخريب الربوع، فَمن الْمُمكن الْبعيد أَن يَتَأَتَّى بعد عمرائها الْمَعْهُود، وَقد اصطلم الزَّرْع واجتثت الْعود، وَصَارَ إِلَى الْعَدَم مِنْهَا الْوُجُود، وَرَأى من عزايم الْإِسْلَام خوارق تشذ عَن نطاق العوايد، وعجايب يستريب فِيهَا عين الْمشَاهد، إِذْ اشْتَمَل هَذَا الْعَام المتعرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 فِيهِ من الله الإنعام، على غزوات أَربع، دمرت فِيهَا الْقَوَاعِد الشهيرة تدميرا، وَعلا فَوق مراقيها الْأَذَان عَزِيزًا جهيرا، وكراسي الْملك تضييقا كَبِيرا، وأذيقت وبالا مبيرا، ورياح الإدالة إِن شَاءَ الله تسْتَأْنف هبوبا وبأسا شَدِيدا، والثقة بِاللَّه لَا تدخر مَطْلُوبا، وحظا مجلوبا، والعزة لله قد مَلَأت نفوسا مُؤمنَة وقولبا، وَالله السمئول أَن يوزع شكر هَذِه النعم الَّتِي أثقلت الأكتاد، وأمطت الطوق الْمُعْتَاد، والهجت المسيم والمرتاد، فيا لشكر يستدر مزيدها، ويتوالى تجديدها. وقطعنا فِي بحبوحة تِلْكَ العمالة المستبحرة الْعِمَارَة والفلح، المغنى عَن الْعبارَة وَالشَّرْح، مراحل ختمنا بالتعريج على حَرْب جيان حزبها، ففللنا ثَانِيَة غربها، وجددنا كربها، واستوعبنا جريها وحربها، ونظمنا الْبِلَاد فِي سلك البلا، وحثثنا فِي أنجادها وأغوارها ركايب الاستيلا، فَلم نَتْرُك بهَا ملقط طير، فضلا عَن معلف عير، وَلَا أسارنا لفلها المحروب بلالة خير. وقفلنا وَقد تركنَا بِلَاد النَّصَارَى الَّتِي فِيهَا لكيادنا المدد، وَالْعدة وَالْعدَد، وفيهَا الْخِصَام واللدد، قد لبست الْحَدِيد حريقا، وسلكت إِلَى الخلا والجلا طَرِيقا، وَلم تتْرك بهَا مُضْغَة تخالط ريقا، وَلَا نعْمَة تصون من الْفَرِيق فريقا. وَمَا كَانَت تِلْكَ النعم لَوْلَا أَن الله أعاق، من عنصري النَّار والهواء، بِجُنُود كَونه الْوَاسِع، مدركة الْبعيد الشاسع، لتتولى الْأَيْدِي البشرية تغييرها، وَلَا تدرأ كثيرها، وَلَا تمتاح بالاعتراف عذيرها، بل لله الْقُوَّة جَمِيعًا، فقدرته لَا تتحامى ريعا، وَلَا حمى مريعا منيعا. وعدنا وَالْعود فِي مثلهَا أَحْمد، وَقد بعد فِي شفا النُّفُوس الأمد، وَنسخ بالسرور الكمد، وَرفعت من عز الْإِسْلَام الْعمد، وَالْحَمْد لله حمد الشَّاكِرِينَ، وَمِنْه نلتمس عَادَة النَّصْر على أعدائه فَهُوَ خير الناصرين. عرفناكم بِهِ ليسر دينكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 المتين ومجدكم الَّذِي راق مِنْهُ الجبين، وَالله يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويبلغكم أَملكُم من فَضله، وقصدكم بمنه وفضله. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك من أَمِير الْمُسلمين عبد الله مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج بن نصر، أيد الله أمره، وأعز نَصره. إِلَى مَحل أخينا الَّذِي نصل لَهُ أَسبَاب الإعظام والإجلال، ونثني بِمَا لَهُ من كريم الشيم وَحميد الْخلال، ونسر لَهُ ببلوغ الآمال، ونجاح الْأَعْمَال، وَفِي طَاعَة الله ذِي الْجلَال، السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، وصل الله لَهُ سَعْدا مُتَّصِل الدَّوَام، دَائِم الِاتِّصَال، وصنعا تتجلى وجوهه من ثنايا الْقبُول والإقبال، وَعزا متفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشمَال. سَلام كريم بر عميم، يخص سلطانكم الْأَسْنَى، ويعتمد مقامكم الْمَخْصُوص بِالزِّيَادَةِ وَالْحُسْنَى، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الْوَاهِب الفاتح، الْمَانِع المانح، مظهر عنايته بِمن خلص إِلَيْهِ قَصده، وَقصر على مَا لَدَيْهِ صَدره وورده، أبدا من محيا النَّهَار الْوَاضِح، الَّذِي وعد من اتَّقَاهُ حق تُقَاته على ألسنته سفرة وحيه وتقاته، بنجح الْخَوَاتِم والفواتح. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله المبتعث لدرء الْمَفَاسِد، ورعى الْمصَالح، وسعادة الغادى والرايح، منقذ النَّاس يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر، وَقد حاطت بهم أَيدي الطوايح، وهاديهم إِلَى سَوَاء السَّبِيل بأزمة النصايح، ومظفرهم من السَّعَادَة الدائمة بأربح البضائع، وأسنى المفاتح. وَالرِّضَا عَن آله وَأَصْحَابه وعترته وأحزابه، الَّذين خلفوه امتثالا للصحائف، وإعمالا للصفائح، وَكَانُوا لأمته من بعده فِي الاقتدا بسنته، والمحافظة على سنته النُّجُوم اللوايح. والدعا لسلطانكم الأسمى بالسعد الَّذِي يُغني بوثاقه سَببه، ووضوح مذْهبه عَن زجر البارح والسانح، والعز الْبعيد المطارح، السَّامِي المطامح، والصنع الباهر اللايح، ولازال توفيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 الله عَائِدًا على تدبيركم [السعيد] بالسعي الناجح. والتجر الرابح. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم [من فَضله] أدخر الْأَقْسَام وأوفاها، وأوردكم من مورد عنايته أعذب الْحمام وأصفاها، وأبدي لكم وُجُوه اللطائف الجميلة وأخفاها. من حَمْرَاء غرناطة حرسها الله، وَفضل الله هامية ديمه، وعوايد اللطف يصلها فَضله وَكَرمه، وَالْإِسْلَام بِهَذَا الثغر الجهادي مرعية ذممه، وجاه النُّبُوَّة المحمدية يعْمل بَين إرغام الْعَدو الْكَافِر، وإهدا المسرات والبشاير، سَيْفه وقلمه، وَالسُّرُور يبلغ من مزِيد سعدكم وَاضح أممه، خافق علمه، وودكم ثَابت فِي مَوَاقِف الخلوص قدمه. وَقد اتَّصل بِنَا مَا كَانَ من دُخُول حَضْرَة بجاية، حرسها الله، فِي طاعتكم، وانتظامها فِي سلك جماعتكم، وانقطاعها إِلَى عصمتكم، وتمسكها بأذمتكم، وعقدكم مِنْهَا وَمن أُخْتهَا السَّابِقَة، الذمم الخليقة بمزيد الاهتمام، على عقيلتي الأفكار، الَّتِي لَا يجمع بَينهَا إِلَّا ملك همام، وخليفه إِمَام، وَمن وضحت من سعادته أَحْكَام، وَشهِدت بعناية لَهُ أَدِلَّة وَاضِحَة وإعلام، وَمن جمع الله لَهُ بَين الْبر المتراكض الْخُيُول، والجيش المتدافع السُّيُول، وَالْخصب الَّذِي ينضى مراقده المسحرة ظُهُور الحمول، وَبَين الْبَحْر الشهير بنجدة الأسطول، وإنجاز وعد النَّصْر الممطول، ومرفإ السفن الَّتِي تخوض أحشاء الْبحار، وتجلب مرافق الْأَمْصَار والأقطار، وتتحف على النأي بِطرف الْأَخْبَار. بجاية. وَمَا بجاية، دَار الْملك الْأَصِيل الْعَتِيق، وكرسي الْعِزّ الوثيق، وَالْعدة إِذا توقعت الشدَّة، كم ثبتَتْ على الزلزال، وصابرت مَوَاقِف النزال، أمطاكم السعد صهوتها، وَأحكم التَّوْفِيق ربوتها، من غير مطاولة حِصَار، وَلَا استنفاد وسع ابتدار، وَلَا تسور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 جِدَار، فَأَصْبَحت دولتكم السعيدة تتفيأ جنا الجنتين، وتختال فِي حلتين، وَيجمع بِفُتْيَا السيوف الْمَالِكِيَّة بَين هَاتين الأمتين. أوزعكم الله شكرها من نعم جلت مواهبها، ووضحت فِي سَبِيل الْعِنَايَة الإلهية مذاهبها، وصنيعة بهرت عجايبها. وَإِذا كَانَت عقايل النعم، تخْطب أكفاها، وموارد المنن تعرض على صفاها، فَأنْتم أملهَا الَّذِي لكم تذخر، وبمن دونكم تسخر، فَإِنَّكُم تميزتم بخالص العفاف والبسالة، والحسب وَالْجَلالَة، وأصبحتم فِي بَيتكُمْ صَدرا، وَفِي إهالة قومكم بَدْرًا، مواقفكم شهيرة، وسيرتكم فِي الْفضل لَا تفضلها سيرة، وَنحن نهنيكم بِمَا منحكم الله من انفساح الإيالة، ونمو الْجَلالَة، وَالنعَم المنثالة، فسلطان ألْقى عنانه إِلَى مثلكُمْ قد اخْتَار لقيادته، وارتاد فسعد فِي ارتياده، وتكفل الحزم بِحِفْظ بِلَاده، وصون طارفه وتلاده " وَكَأن بِهِ قد استولى على آماده، وتطاول لإرث أجداده، وَلنَا فِيكُم علم الله، ود تأسس بِنَاؤُه، وكرمت أنباؤه، وَجب الشَّرْع إِنْفَاذه إِلَيْكُم وإنهاؤه. وغرضنا الَّذِي نؤثره على الْأَغْرَاض والمقاصد، وتقدمه بِمُقْتَضى الخلوص الزاكي للشواهد، أَن تتصل بَيْننَا وَبَيْنكُم المخاطبة، وتتعاقب المواصلة، وَالْمُكَاتبَة. وَالله عز وَجل الْمعِين على مَا يحب لودكم من بر يكمل واجبه، وتوضح مذاهبه، واعتقاد جميل يتساوى شَاهده وغائبه، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يصل سعدكم ويحرس مجدكم [وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم] وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك الْخلَافَة الَّتِي لَهَا الْمجد المؤثل، وَالْفضل الَّذِي كرم الآخر مِنْهُ وَالْأول، والمفاخر الَّتِي ظَاهرهَا لَا يتَأَوَّل. خلَافَة السُّلْطَان الكذا، ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله علما فِي الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَالْأَئِمَّة المهتدين، [وَجمع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 على محبته قُلُوب] أهل الْفضل وَالدّين، وتمم عَلَيْهِ نعْمَته كَمَا أتمهَا على سلفه من الْمُلُوك الْمُوَحِّدين. سَلام كريم بر عميم يخص خلافتكم الحافلة، ومثابتكم الفاضلة الْكَامِلَة، [وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته] ، من مُعظم مقدارها، وملتزم إجلالها وإكبارها، الْمثنى على مآثرها الْكَرِيمَة وآثارها، أَمِير الْمُسلمين عبد الله مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج بن نصر، أيده الله وَنَصره، وسنى لَهُ الْفَتْح الْمُبين ويسره. أما بعد حمد الله ولى الْحَمد، وَمولى الرفد، جَاعل الْمَوَدَّة فِيهِ كفيلة بنجح الْفضل. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الْهَادِي إِلَى سَبِيل الرشد، الماحي بِنور الْحق ظلام الْجحْد، الدَّاعِي على بَصِيرَة مِنْهُ إِلَى جنَّة الْخلد، ومثابة الْفَوْز والسعد. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه أَعْلَام الْمجد، وسيوف الْحق الْمَخْصُوصَة بالعضد، الَّذين نصروه بالحداد الذلق والرماح الملد، وخلفوه فِي أمته بعد وَفَاته بِصِحَّة العقد. وَالدُّعَاء لخلافتكم الْعَالِيَة بسعادة الْجد، وبلوغ الأمل الممتد، والإنافة على مآثر الْأَب [الْكَرِيم] وَالْجد، فَإنَّا كتبناه لمقام خلافتكم السامية، كتب الله لَهَا من فَضله بُلُوغ الأمل، وَوصل لَهَا عوايد الْقبُول والإقبال، وشكر مَا تحليتم بِهِ من كريم الْخلال، وأصالة الْجلَال. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله، وَنعم الله كثيفة الظلال، وصنايعه لدين الْإِسْلَام مرتقبة الإطلال، وجانبكم مُعْتَمد بالإعظام والإجلال، والمعرفة بِقدر كم رسومها محتومة بالاستقلال. وَقد وصل خطابكم العميم الْوِفَادَة، وَكِتَابكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 الْكَرِيم المجادة، مجددا بركَة المخاطبة من تِلْكَ الحضرة، مهديا من أنبا عصمتها أبهى المسرة، مُبْتَسِمًا عَن ثغور الْبشر المفترة، واصلا عوائد الشيم البره، جَوَابا عَمَّا كُنَّا خاطبنا بِهِ حاجبكم الَّذِي من أهل أبوابكم السامية عرف، وبسداد الْأُمُور فِي خدمتها وصف، وَمَا كَانَ من هجوم الْأَجَل المحتوم عَلَيْهِ، وانتقاله إِلَى المستقر الَّذِي ينْتَقل إِلَيْهِ، وَقبل أَن يُجيب عَن الْخطاب، ويصدر وَاجِب الْجَواب، وَالْأَصْل أبقاكم الله فِيهِ الْفَرْع وَالزِّيَادَة، وَفِي كتابكُمْ الْبركَة والسعادة، وجوابكم أحرز فَوق السُّؤَال، ومجدكم أحسن المناب عَن نابية الحميد الْخلال، تغمده الله وإيانا برحمته الفسيحة المجال. وَنحن نقرر لديكم مَا عندنَا من الْحبّ [فِي مقامكم الْأَصِيل) والثنا على خلافتكم الْكَرِيمَة الْجُمْلَة وَالتَّفْصِيل، ونعترف بِمَا لسلفها من الْفضل العميم وَالْوَلَاء الْكَرِيم، ويسرنا تَجْدِيد الْعَهْد الْقَدِيم. والذمام الَّذِي مَا عَهده بالذميم، وخاطبناكم نشكر تحفيكم الَّذِي لَا يُنكر من مثلكُمْ، وَلَا يستندر من محلكم. وَإِن تشوفتم إِلَى أَحْوَال هَذَا الْقطر وَمن بِهِ من الْمُسلمين، بِمُقْتَضى الدّين المتين، وَالْفضل الْمُبين، فاعلموا أننا فِي هَذِه الْأَيَّام، [ندافع من الْعَدو] تيارا، ونكابر بحرا زخارا، ونتوقع الْأَمر إِلَّا أَن وقى الله خطوبا كبارًا، ونمد الْيَد إِلَى الله انتصارا، ونلجأ إِلَيْهِ اضطرارا، ونستمد دُعَاء الْمُسلمين بِكُل قطر، استمدادا بهَا واستظهارا، ونستشير من خواطر الفضلا مَا يخْفض أخطارا، ويغشى ريح روح الله طيبَة معطارا. فَإِن القومس الْأَعْظَم، قيوم دين النَّصْرَانِيَّة، الَّذِي يأمرها فتطيع، ومخالفته لَا تَسْتَطِيع، رمى هَذِه الْأمة [الغريبة] المنقطعة، مِنْهُم بجراد لَا يسد طريقها، وَلَا يُحْصى فريقها، الْتفت على أخي صَاحب قشتالة، وعزمها أَن تملك بدله، وتبلغه أمله، وَيكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 الْكل يدا وَاحِدَة على الْمُسلمين، ومناصبة هَذَا الدّين، واستئصال شأفة الْمُؤمنِينَ، وَهِي شدَّة لَيْسَ لأهل الوطن بهَا عهد، وَلَا عرفهَا نجد وَلَا وهد، وَقد اقتحموا الْحُدُود الغربية، وَالله ولى هَذِه الْأمة الغريبة. وَقد جعلنَا مقاليد أمورها بيد من يقوى الضَّعِيف، ويدرأ الْخطب المخيف، ورجونا أَن تكون مِمَّن قَالَ الله فِيهِ: {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} وَهُوَ سُبْحَانَهُ المرجو فِي حسن العقبى والمآل، وَنصر قبَّة الْهدى على قبَّة الضلال، وَمَا قل من كَانَ الْحق كنزه، وَلَا ذل من استمد من الله عزه {" قل تربصون بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحسنيين، وَنحن نتربص بكم "} الْآيَة. ودعا من قبلكُمْ من الْمُسلمين عدد موفور، وَالله على كل حَال مَحْمُود مشكور، وَهُوَ جلّ وَعلا يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، ويوفى من فَضله قصدكم وَالسَّلَام، [وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته] . وَمن ذَلِك الْمقَام الَّذِي جلى السعد بدره، فَسَمت إِلَيْهِ الْعُيُون، ومطل الدَّهْر نَذره، فَقضيت بعده الدُّيُون، ورأته النُّفُوس مَظَنَّة الْجَبْر وَالْخَيْر، ويمن النقيبة وَالطير، فصدقته وَالْحَمْد لله الظنون، وأمل الْإِسْلَام أَن يخلف سلفه فِي سَبِيل الله بأكرم مَا خلف الْآبَاء بِهِ البنون، واعتاض الْملك بانتصاره وَحسن آثاره الغر الأقعس من الْهون، وَصَلَاح الشان من نقع الشئون، فَلهُ فِي ابتياسه الطير الميمون، وَالْأَجْر غير الْمَمْنُون. مقَام مَحل أخينا الَّذِي طوق الدولة المرينية يدا لَا تجْهَل، وَأورد بعد الظمأ البرح، الْمَوَارِد الَّتِي عذب مِنْهَا المنهل، فعمر الْمحل، واستقام السَّبِيل الأسهل، وراجع الزَّمن عهد الشبيبة، وَقد كَانَ فِي الْحَرْب يذهل، والرماح الملد لارتياح الْعِزّ تتأود، والجياد الجرد تصهل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله موضح السّنَن، ومسدى المنن، كَمَا أَبْرَأ بعزمته الْمَاضِيَة زمانة الزَّمن، وَعوض الْمنح من المحن، وطهر الضمائر من الإحن. وَلَا زَالَ دفاعكم عَن الدّين الحنيف يقوم من دون الْفَرَائِض وَالسّنَن مقَام الجنن، مُعظم مَا عظمه الْحق من جليل قدره المبتهج بإنارة بدره وقرة عينه، بالاستقلال على ملك أَبِيه وانشراح صَدره، الدَّاعِي إِلَى الله سُبْحَانَهُ بإطالة عمره، وإطاية ذكره، الصادع لموهبة الله قبله بِحَمْدِهِ، سُبْحَانَهُ وشكره. فلَان، سَلام كريم طيب بر عميم. كَمَا وضح وَجه الصَّباح رائق الْمحيا، ونفح النسيم اللدن عاطرا الريا، يخص مقامكم الَّذِي تزين بالكمال وتزيا، واحتل مرتبَة الْمجد الصراح والحسب الوضاح، فحياه السعد وبياه، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله الْقَادِر الدَّائِم، مولى النعم الجمائم، ومثير الحميات فِي سَبيله ومحرك العزائم، ومنجح روم الرائم، ومعدد من لَا يُبَالِي بالامتعاض لدينِهِ الحنيف ومعلمه المنيف بلوم اللائم، ومعود ترادف النعم الْكِرَام والمنن الهامية الْغَمَام، ومشيد ركن الْإِسْلَام، من بعد مميل الدعائم، بِكُل ولى من خلفائه ماضي العزائم، رَافع الهضائم. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، رَسُوله، النُّور الْمشرق على الأنجاد والتهائم، والداعي إِلَى سَبِيل السوَاء والخلق قد ضلوا ضلال الْبَهَائِم، منقذ أهل الجراير والجرائم، من النوب العظائم. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وعترته وَحزبه، رُعَاة الهمل السوائم، وسقاة الأسراب الحوائم الَّذين جروا على الْأَعْدَاء من بعده ذيول الهزائم، وأطلعوا فِي سَمَاء القتام بدور الْوُجُوه الغر من هالات الغمائم، وطنبوا قبب الهمم الشَّرِيفَة، والسجايا المنيفة، من فَوق الثريا والنعائم، وأزرت أَخْبَار مجدهم بشذ اللطائم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وطهر قُلُوبهم من الضغائن والسخائم، وَجعل أَرْزَاقهم من الْغَنَائِم، وأخلاقهم أطهر من أزهار الكمايم. وَالدُّعَاء لمقام أخوتكم، الَّذِي تقلد سيف الْعِزّ بِاللَّه من قبل التمائم، وَشهِدت لهلاله بالإبدار، عدُول المخايل الصادقة والضمائم، بالنصر الَّذِي يَسْتَدْعِي طوائف الْإِشْهَاد فِي سَبِيل الْجِهَاد، إِلَى المداعي الحافلة، فِي أهل الْكفْر والعناد والولائم، والصنع الَّذِي تنشى بِهِ صناع الأقلام صفحات صحف الرقائم. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم سَعْدا تشام بروقه الماطرة، فتقر عين الشائم، وَأمنا تنام فِي ظله عين النَّائِم، ونصرا ماضي الغرار، وثيق الْقَائِم، وتوفيقا يلازم أَعمالكُم السديدة وآراءكم الحميدة، لُزُوم أطواق الحمائم. من حَمْرَاء غرناطة، حرسها الله وَلَا زَائِد بِفضل الله سُبْحَانَهُ إِلَّا يَقِين يشْتَد فِي الله عراه، وتوكل عَلَيْهِ يحمد عِنْد صباح الْفَوْز بالنجاح ويعلى القداح سراه، وَالْحَمْد لله فِي أولى كل أَمر وأخراه، وجانبكم الرفيع، وَجهه الْبر، وودكم وَظِيفَة الْجَهْر والسر، والابتهاج بِمَا يسنيه الله لكم من أمل ونجاح، يحمل عنوان كتاب الخلوص المستقر. وَإِلَى هَذَا وصل الله سعدكم، وحرس الظَّاهِر مجدكم، وبلغكم من فَضله أَملكُم وقصدكم. فإننا لما ورد علينا كتابكُمْ الْكَرِيم الْخلال، الْمهْدي نما الظُّهُور الْمُتَّصِل والاستقلال عَن ذَلِك الْجلَال، المبشر بنجح الْأَعْمَال وَفضل الْمَآل. ناهيك فِي نبإ فِي ضمنه وصل حَبل الله الَّذِي كَانَ قد انْقَطع، وَلم مَا تشعث، وجبر مَا أنصدع، وعود العوائد الْكَرِيمَة إِلَى رسومها، ورد أرواحها المتعارفة إِلَى جسومها، أجبناكم عَنهُ مَعَ مؤديه إِلَيْنَا، وموفد تحيته الْبرة علينا، عفوا مَا كُنَّا لنقنع وَلَا تجتلى بوتره حَتَّى يشفع. وشرعنا فِي اخْتِيَار من يحسن عَنَّا المناب فِي تَقْرِير السرُور بِمَا سركم، والتبرم المجحف بِمن ضرنا وضركم، وَألقى مَا عندنَا من الِاغْتِبَاط بودكم، والارتباط لما يَقع بوفق مجدكم، وكتبنا هَذَا الْكتاب مستدركا غَرَض الهنا الأكيد، محكما فِي جملَة فُصُول التَّأْكِيد، معلما بِأَن هَذِه الْبِلَاد قد استشرفت مِنْكُم إِلَى ظُهُور وَارِث وَليهَا، وَذي الفقار الْمَعْرُوف لَعَلَّهَا، وَمن يحيي فِي جِهَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 عدوها مراسم أَبِيه ومآثر بَيته المبنية، ويغني بباعث رِضَاهُ ومجده، وقيامه بِحقِّهِ من بعده عَن التَّنْبِيه. وَقد قَررنَا لكم فِي غير هَذَا الْكتاب أننا تيمنا بدولتكم من لدن خولها الله موهبة اخْتِصَاصه، وذخركم لجبر حَقّهَا واستخلاصه، تيمنا شاع فِي الْخَاصَّة وَالْجُمْهُور، وَركب جادة القَوْل الْمَشْهُور، فَلم نعدم وَالْحَمْد لله نصرا وَلَا فتحا، وَلَا عدمنا من الله منا وَلَا منحا، وَالله يَجْعَل ذَلِك قِيَاسا يضطرد حكمه، ويبرز فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ إِلَى الْحسن الملحوظ، وَمظَاهر الحظوظ حكمه، وأوفدنا بِهَذِهِ التَّتِمَّة، والأغراض المهمة، من رجونا أَن يجلى فِي هَذَا الميدان، ويأتى على خبر الهنا، وأيدي الثنا بالعيان، ويجهد فِي هَذَا المجال الرحيب جِيَاد الْبَيَان، إِذْ لم تعفه هَيْبَة الْمقَام الرفيع الشان، المتعددة بأفقه الْأَعْلَى غمائم شهب الْأَعْيَان، أولى الأحساب والأديان، وَهُوَ فلَان. وَمن ذَلِك مولَايَ ومولاي بسرى وَمولى الْمُسلمين، ورحمتي الَّتِي فاقت رَحْمَة الْآبَاء للبنين، وعصمتي المتكفلة بالسعد الرَّائِق الجبين: يقبل قدمكم الَّتِي جعل الله الْعِزّ فِي تقبيلها، والسعد فِي اتِّبَاع سَبِيلهَا. عبدكم الصَّغِير فِي سنه، الْكَبِير فِي خدمتكم، وخدمة كبيره فِي حَيَاتكُم بِفضل الله وَمِنْه، الهاش لتمريغ وَجهه فِي كتابكُمْ من الذِّرَاع المنبتة طباعه عَن الْعُبُودِيَّة الكامنة بالبدار إِلَى ذَلِك والإسراع. عبدكم وولدكم بعد كتبه من بَابَكُمْ، المحوط بعز أَمركُم، المتحف إِن شَاءَ الله بأنباء نصركم، وَقد وصل إِلَى العَبْد تشريفكم السابغ الْحلَل، وتنويهكم الْمبلغ غايات الأمل، وَخط يدكم الْكَرِيمَة، وغمامة رحمتكم الهامية الديمة. فياله من عز أثبت لي الْفَخر فِي أنبا الْمُلُوك، وساد بِي من الترشيح إِلَى رتب حظوتكم على النهج المسلوك. قرر من عَافِيَة مولَايَ وسعادته، واقتران السرُور، بِحَيْثُ حل بوفادته مَا يكفل ببلوغ الآمال، وتمم لِسَان الْحَال فِي شكر لِسَان الْمقَال. وَالله يديم أَيَّام مولَايَ حَتَّى يقوم بِحَق شكر النعم لِسَانه، وَتُؤَدِّي بعده جوارحه من الدفاع بَين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 يَدي سُلْطَانه مَا يسر بِهِ سُلْطَانه. وَبعث من جَوَابه مَنْقُولًا ليد حامله فِي يَده لهني تَقْبِيل الْيَد الْكَرِيمَة بِحَال تَأْكِيد، ويقرر مَا لعَبْدِهِ، لوجهه الْكَرِيم من شوق شَدِيد، وَيعرف تحول نعْمَة الله وَنعمته لمن بِبَابِهِ من خدم وَحرم وَعبيد، وَمد يَد الرَّغْبَة لمَوْلَاهُ فِي صلَة الإنعام بتشريفه، وإعلامه بمتزيدات حركته وتعريفه. فَفِي ضمن ذَلِك كل عز مشيد، وَخير جَدِيد، وَينْهى تَحِيَّة أهل منزل مولَايَ على اخْتلَافهمْ بِحَسب مَنَازِلهمْ من نعمه، ولخطه الَّتِي يَأْخُذ مِنْهَا كل بحظه. وَالسَّلَام الْكَرِيم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، يَتْلُو لَهُ فِي الله وَالْآخر بعده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 كتب مخاطبات الرعايا والجهات كتبت عَن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج ابْن السُّلْطَان أبي الْوَلِيد ابْن نصر، رَحمَه الله تَعَالَى لأهل ألمرية، أعرف بِهَلَاك الطاغية ملك قشتالة، وإقلاع محلته عَن جبل الْفَتْح. من الْأَمِير عبد الله يُوسُف ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن فرج بن نصر، أيد الله أمره وَأَعْلَى ذكره. إِلَى أوليائنا الَّذِي نبادر إِلَيْهِم بالبشائر السافرة الْغرَر، ونجلي عَلَيْهِم وُجُوه الصَّنَائِع الإلهية كَرِيمَة الْخَبَر وَالْخَبَر، ونعلم مَا لديهم من الود الْكَرِيم الْأَثر. الْقَائِد بألمرية وَالْقَاضِي بهَا، والخطبا والفقها والأشياخ بهَا والوزراء والأمناء والأزكياء والكافة والدهماء من أَهلهَا، عرفهم الله عوارف الآلاء، وشكر مَا لَهُم من صَحِيح الود ومحض الْوَلَاء، وأوزعهم شكر نعْمَة هَذَا الْفَتْح الرباني الَّذِي تفتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء، وأشرت معجزاته ميت الرجا، سَلام كريم طيب عميم تَنْشَق مِنْهُ نفحات الْفرج، عاطرة الأرج عَلَيْكُم أَجْمَعِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد حمد الله فاتح أَبْوَاب الأمل، من بعد استغلاقها، ومعيد سعيد سعود الْإِسْلَام إِلَى آفاقها، ومبشر الْعباد والبلاد بحياة أرماقها، ومتدارك هَذِه الْأمة المحمدية، بالصنع الَّذِي تجلى لَهَا ملْء أحداقها، وَالرَّحْمَة الَّتِي مدت على النُّفُوس وَالْأَمْوَال والحرمات وَالْأَحْوَال صافي رواقها، وَالنعْمَة الَّتِي لَا يُوفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 إِلَّا بمعونته سُبْحَانَهُ من الشُّكْر وَاجِب اسْتِحْقَاقهَا، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي دَعوته هِيَ العروة الوثقى لمن تمسك باعتلاقها، وَقَامَ على الْوَفَاء بعهدها وميثاقها، ذِي المعجزات الَّتِي بهرت الْعُقُول بائتلافها، الَّذِي لم ترعه فِي الله الشدائد على اشتداد وثاقها، ووضاعة مذاقها، حَتَّى بلغت كلمة الله مَا شَاءَت من انتظامها واتساقها. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه وعترته وَحزبه، الفائزين فِي ميادين الدُّنْيَا وَالدّين بخصل سياقها. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله لكم شكر النِّعْمَة، وَمَعْرِفَة بمواقع كرمه. من حَمْرَاء غرناطة [حرسها الله] وَلَا زايد بِفضل الله، إِلَّا مَا أَمن الأرجاء ومهدها، وَأَنْشَأَ معالم الْإِسْلَام وجددها، وَأسسَ أَرْكَان الدّين الحنيف، وَأقَام أودها، وَأَنْتُم الْأَوْلِيَاء الَّذين نعلم مِنْهُم خلوص الْأَهْوَاء، ولتحقق مَا عِنْدهم من الود والصفا. وَإِلَى هَذَا فقد علمْتُم مَا كَانَت الْحَال آلت إِلَيْهِ من ضَيْعَة الْعباد والبلاد بِهَذَا الطاغية، الَّذِي جرى فِي ميدان الأمل جرى الجموح، ودارت عَلَيْهِ خمر النخوة وَالْخُيَلَاء مَعَ الغبوق والصبوح، حَتَّى طمح بسكر اغتراره، [واعتز على أنصار الله بأنصاره] ومحص الْمُسلمين على يَدَيْهِ الوقائع الَّتِي تجَاوز بهَا مُنْتَهى مِقْدَاره، وتوجهت إِلَى استئصال الْكَلِمَة مطامع أفكاره، ووثق بِأَنَّهُ يطفىء نور الله بناره، ونازل جبل الْفَتْح فَشد مخنق حصاره، وأدار أشياعه فِي الْبر وَالْبَحْر دور السوار على أسواره، وانتهز الفرصة بِانْقِطَاع الْأَسْبَاب. وانبهام الْأَبْوَاب، والأمور الَّتِي لم تجر للْمُسلمين بالعدوتين على مألوف الْحساب. وتكالب التَّثْلِيث على التَّوْحِيد، وَسَاءَتْ الظنون من هَذَا الْقطر الوحيد، الْمُنْقَطع بَين الْأُمَم الْكَافِرَة، والبحور الزاخرة، والمرام الْبعيد. وأننا صابرنا بِاللَّه تيار سيله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 واستضأنا بِنور التَّوَكُّل عَلَيْهِ فِي جنح هَذَا الْخطب، ودجنة ليله، ولجأنا إِلَى الله الَّذِي بِيَدِهِ نواصي الْخَلَائق، واعتلقنا من حبله المتين بأوثق العلائق، وفسحنا مجَال الأمل فِي ذَلِك الميدان المتضايق، وأخلصنا لله مقيل العثار، ومأوى أولى الإضطرار قُلُوبنَا، ورفعنا إِلَيْهِ أمرنَا، ووقفنا عَلَيْهِ مطلوبنا، وَلم نقصر مَعَ ذَلِك فِي إبرام الْعَزْم. واستشعار الحزم، وإمداد الثغور بأقصى الْإِمْكَان، وَبعث الجيوش إِلَى مَا يلينا من بِلَاده على الأحيان، فرحم الله انقطاعنا إِلَى كرمه، ولجأنا إِلَى حرمه، فَجلى سُبْحَانَهُ، بفضله ظلام الشدَّة، وَمد على الْحَرِيم والأطفال ظلال رَحمته الممتدة، وعرفنا عوارف الصنع، الَّذِي قدم بِهِ الْعَهْد على طول الْمدَّة، ورماه بِجَيْش من جيوش قدرته أغْنى عَن إِيجَاد الركاب، واحتشاد الْأَحْزَاب، وَأظْهر فِينَا قدرَة ملكه، عِنْد انْقِطَاع الْأَسْبَاب، واستخلص الْعباد والبلاد من بَين الظفر والناب، فقد كَانَ سد الْمجَاز بأساطيله، وكاثر كلمة الْحق بأباطيله، وَرمى الجزيرة الأندلسية بشؤبوب شَره، وصيرها فريسة بَين غربان بحره، وعقبان بره، فَلم تخلص إِلَى الْمُسلمين من إخْوَانهمْ مرفقة إِلَّا على الْخطر الشَّديد، والإفلات من يَد الْعَدو العنيد، مَعَ توفر الْعَزْم وَالْحَمْد لله على الْعَمَل الحميد، وَالسَّعْي فِيمَا يعود على الدّين بالتأييد. وبينما شفقتنا على جبل الْفَتْح. تقوم وتقعد، وكلب الْأَعْدَاء علينا يَبْرق ويرعد، واليأس والرجا خصمان، هَذَا يقرب وَهَذَا يبعد، إِذْ طلع علينا البشير بانفراج الأزمة، وَحل تِلْكَ العزمة، وَمَوْت شَاة تِلْكَ الرقعة، وإبقاء الله على تِلْكَ الْبقْعَة، وَأَنه سُبْحَانَهُ أَخذ الطاغية أَشد مَا كَانَ اغْتِرَارًا، وَأعظم أنصارا، وزلزل أَرض عزه، وَقد أَصَابَت قرارا، وَأَن شهَاب سعده أصبح آفلا، وَعلم كبره انْقَلب سافلا، وَأَن من بِيَدِهِ ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض طرقه بحتفه، وأهلكه برغم أَنفه، وَأَن محلته عاجلها التباب والتبار، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وعاث فِي منازلها النَّار، وتمحض عَن سوء عَاقبَتهَا اللَّيْل وَالنَّهَار، وَأَن حماتها يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم، وينادي بالشتات لِسَان مناديهم. وتلاحق بِنَا الفرسان من جبل الْفَتْح، المعقل الَّذِي عَلَيْهِ من عناية الله رواق مَضْرُوب، والرباط الَّذِي من حاربه فَهُوَ المحروب، فاختبرت بانفراج الضّيق وارتفاع العائق لَهَا عَن الطَّرِيق، وبرء الدَّاء الَّذِي أشرق بالريق، وَإِن النصرى دمرهم الله، جدت فِي ارتحالها، وأسرعت بجيفة طاغيتها، إِلَى سوء مآلها، وسمحت للنهب، وَالنَّار بأسلابها وأموالها. فبهرنا هَذَا الصنع الإلهي، الَّذِي مهد الأقطار بعد رجفانها وأنام الْعُيُون بعد سهاد أجفانها. وَسَأَلنَا الله أَن يعيننا على شكر هَذِه النِّعْمَة، الَّتِي إِن سلطت عَلَيْهَا قوى الْبشر فضحتها، أَو قويت بِالنعَم فضلتها ورجحتها. ورأينا سر اللطائف الْخفية، كَيفَ سريانه فِي الْوُجُود، وشاهدنا بالعيان أنوار اللطف والجود، وَقُلْنَا إِنَّمَا هُوَ الْفَتْح شفع بثان، وقواعد الدّين الحنيف، أيدت من صنع الله بَيَان [الْحَمد لله] على نعمك الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة، ومننك الوافرة، أَنْت ولينا، وأمرنا للحين، فقلدت لبات المنابر بِهَذَا الْخَبَر، وجليت فِي جماعات الْمُسلمين وُجُوه هَذَا الْفَتْح الرَّائِق الْغرَر. وعجلنا تعريفكم بِهِ سَاعَة اجتلائه، وَتحقّق أنبائه، لتسحبوا لَهُ أَثوَاب الجذل ضافية، وتردوا بِهِ موارد الأمل صَافِيَة، فَإِنَّمَا هُوَ ستر الله شَمل أَنفسكُم وحريمكم، وأمانه كفى ظاعنكم ومقيمكم، فقرطوا بِهِ الآذان، وبشروا بِهِ الْإِقَامَة وَالْأَذَان، وتملؤوا الْعَيْش فِي ظله، وواصلوا حمد الله، ولي الْحَمد وَأَهله، وانشروا فَوق أَعْوَاد المنابر من خطابه راية مَيْمُونَة الطَّائِر، وَاجْعَلُوا هَذِه الْبشَارَة سَجْدَة فِي فرقان البشائر. فشكرا لله سُبْحَانَهُ، يستدعى الْمَزِيد من نعمه، وَيضمن اتِّصَال كرمه، وَعرفُوا بذلك من يليكم من الرّعية، ليأخذوا بِمثل حظكم، ويلحظوا هَذَا الْأَمر بِمثل لحظكم، فحقيق عَلَيْهِم أَن يشيدوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 بِهَذَا الْخَبَر فِي الْحَاضِر والباد، ويجعلوا يَوْم عَاشُورَاء الَّذِي تجلى فِيهِ هَذَا الصنع ثَالِث الأعياد، وَالله عز وَجل يَجعله للمسرة عنوانا، ويطلع علينا [وُجُوه صنعه] غرا حسانا. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم أَجْمَعِينَ، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. كتب فِي كَذَا. وَصدر عني أَيْضا فِي عَام سَبْعَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة مِمَّا يجْرِي مجْرى الحكم والمواعظ والأمثال، صدعت بِهِ الخطباء من المنابر وَاجْتمعت لإلقائه من الْأُمَم الْبحار الزواخر، وَالله عز وَجل لَا يخيب فِيهِ الْفَصْل وَلَا يحبط فِيهِ الْعَمَل بمنه من الْأَمِير عبد الله الْغَنِيّ بِاللَّه مُحَمَّد بن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره، وأعز نَصره. إِلَى أوليائنا المخصوصين منا وَمن سلفنا بزمام الْجوَار الْقَرِيب، والمساكنة الَّتِي لَا يتَطَرَّق إِلَى حَقّهَا الديني استرابة المستريب، المعتمدين، إِذا عدت الرعايا، وَذكرت المزايا بمزيد الأدنا والتقريب، من الْأَشْيَاخ الجلة الشرفاء، والأعلام الْعلمَاء، والصدور الْفُقَهَاء، والعدول الأزكياء، والأعيان الوزراء، والحماة المدافعين عَن الأرجاء، والأمناء، الثِّقَات الأتقياء، والكافة الَّذين نصل لَهُم عوائد الاعتناء، ونسير فيهم بإعانة الله على السَّبِيل السوَاء، من أهل حضرتنا غرناطة وريضها، شرح الله لقبُول الْحِكْمَة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة صُدُورهمْ، وَكَيف بنتائج الاسْتقَامَة سرورهم، وَأصْلح بعنايته أُمُورهم، وَاسْتعْمل فِيمَا يرضيه آمُرهُم ومأمورهم، سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 أما بعد حمد الله الَّذِي إِذا رَضِي عَن قوم، جعل لَهُم التَّقْوَى لباسا، والذكرى لبِنَاء المتاب أساسا، وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي هدَانَا إِلَى الْفَوْز الْعَظِيم ابْتِغَاء الرَّحْمَة والتماسا. وَالرِّضَا عَن آله وَصَحبه الَّذين اخْتَارَهُمْ لَهُ نَاسا، وجعلهم مصابيح من بعده اقْتِدَاء واقتباسا، فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتب الله إعزازكم وحرس أحوازكم، وَجعل الْعَمَل الصَّالح اهتزازكم، وبقبول النصائح امتيازكم. من مستقرنا بذروتكم الْحَمْرَاء حماها الله، وَلَا متعرف بِفضل الله سُبْحَانَهُ إِلَّا هِدَايَة تظهر على الْأَقْوَال والأعمال، وعناية تخف عَن الْيَمين وَالشمَال، وتوكل على الله سُبْحَانَهُ، يتكفل لنا وَلكم ببلوغ الآمال، وَأَنْتُم أولياؤنا الَّذين لَا ندخر عَنْهُم نصحا، وَلَا يهمل فِي تدبيرهم مَا يُثمر نجحا، وبحسب هَذَا الِاعْتِقَاد، لَا نغفل عَن نصيحة ترشدكم إِذا غفلتم، وموعظة نَقصهَا عَلَيْكُم إِذا اجْتَمَعْتُمْ فِي بيُوت الله واحتفلتم، ودرعتكم، تَارَة بسلم نعقدها، ومحاولة نسردها، وَتارَة بسيوف فِي سَبِيل الله نجردها، وغمار للشَّهَادَة نردها، ونفوس بوعد الله نعدها، وَنرْضى بالسهر لتنام أجفانكم، وبالكد لتترع صبيتكم وولدانكم، وباقتحام المخاوف ليتحصل أمانكم. وَلَو استطعنا أَن نجْعَل عَلَيْكُم واقية كواقية الْوَلِيد لجعلنا، أَو أمكننا أَن لَا نفضلكم رعية بصلاح دين أَو دنيا إِلَّا فعلنَا، هَذَا [شغل وقتنا مُنْذُ عَرفْنَاهُ، ومرمى هَمنَا مهما استرفعناه] وَقد استرعانا الله جماعتكم وملأنا طاعتكم، وَحرم علينا [إضاعتكم] 0000 والراعي إِذا لم يقْصد بسائمته المراعى الطّيبَة، وينتجع مساقط الغمايم الصيبة، ويوردها المَاء النمير، ويبتغي بهَا النما والتثمير، وَيصْلح خللها، ويداوي عللها، قل عَددهَا، وجدبت غَلَّتهَا وَوَلدهَا، فندم على مَا ضيعه فِي أمسه، وجنى عَلَيْهَا وعَلى نَفسه، وألفيناكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 فِي أيامنا هَذِه الميامين عَلَيْكُم، قد غمرتكم آلَاء الله ونعمه، وملأت أَيْدِيكُم مواهبه وقسمه، وشغل عَدوكُمْ بفتنة قومه، فنمتم للعافية فَوق مهاد، وَبعد عهدكم بِمَا تقدم من جهد وَجِهَاد، ومخمصة وسهاد، فأشفقنا أَن يجركم توالي الرخَاء إِلَى البطر، أَو تحملكم الْعَافِيَة عَن الْغَفْلَة عَن الله، وَهِي أخطر الْخطر، أَو تجهلوا مواقع فَضله تَعَالَى وَكَرمه، أَو تستعينوا على مَعْصِيّة بنعمه، فَمن عرف الله فِي الرخَاء، عرفه فِي الشدَّة، وَمن استعد فِي الْمهل، وجد مَنْفَعَة الْعدة، والعاقل من لَا يغتر بِالْحَرْبِ أَو السّلم بطول الْمدَّة، فالدهر مبلى الْجدّة، ومستوعب الْعدة، وَإِخْوَانكُمْ الْمُسلمُونَ، قد شغلوا الْيَوْم بِأَنْفسِهِم عَن نصركم وسلموا الله فِي أَمركُم وَفتحت الْأَبْوَاب، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه بثغركم، وأهمتهم فتن تركت رسوم الْجِهَاد خَالِيَة خاوية، ورياض الكتايب الْخضر ذابلة ذاوية، فَإِن لم تشعروا لما بَين أَيْدِيكُم فِي هَذِه البرهة، فَمَاذَا تنتظرون، وَإِذا لم تستنصروا بِاللَّه مولاكم فبمن تستنصرون، وَإِذا لم تستعدوا فِي الْمهل، فَمَتَى تستعدون. لقد خسر من رَضِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بالدون، فَلَا تأمنوا مكر الله، فَإِنَّهُ لَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم الخاسرون. وَمن الْمَنْقُول عَن الْملَل، وَالْمَشْهُور فِي الْأَوَاخِر وَالْأول، أَن الْمعْصِيَة إِذا فَشَتْ فِي قوم، أحَاط بهم سوء كسبهم، وأظلم مَا بَينهم وَبَين رَبهم، وانقطعت عَنْهُم الرحمات، وَوَقعت فيهم المثلات والنقمات، وشحت السَّمَاء، وغيض المَاء، واستولت الْأَعْدَاء، وانتشر الدَّاء، وجفت الضروع وأخلفت الزروع، فَوَجَبَ علينا أَن نخولكم بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة، والذكرى الَّتِي توقظ من السّنة، وتقرع آذانكم بقوارع الْأَلْسِنَة، فاقرعوا الشَّيْطَان بوعيها، وتقربوا إِلَى الله برعيها. الصَّلَاة الصَّلَاة فَلَا تهملوها، ووظائفها الْمَعْرُوفَة فكملوها، فَهِيَ الرُّكْن الوثيق، وَالْعلم الماثل على جادة الطَّرِيق، والخاصة الَّتِي يتَمَيَّز بهَا هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 الْفَرِيق. وَبَادرُوا صفوفها الماثلة، وأتبعوا فريضتها بالنافلة، وأشرعوا إِلَى تاركها أسنة الْإِنْكَار، واغتنموا بهَا نواصي اللَّيْل ومبادي الأسحار. وَالزَّكَاة أُخْتهَا المنسوبة، ولدتها الْمَكْتُوبَة المحسوبة، وَمن منعهَا فقد بخل على مَوْلَاهُ باليسير مِمَّا أولاه، وَمَا أحقه بذهاب هبة الله وأولاه، فاشتروا من الله كرايم أَمْوَالكُم بالصدقات، وأنفقوا فِي سَبِيل الله، يربحكم أَضْعَاف النَّفَقَات، وواسوا سؤالكم كلما نصبت الموائد، وأعيدت للقرب العوائد، وارعوا حق الْجَار، وخذوا على أَيدي الدعرة والفجار، واصرفوا الشنآن عَن الصُّدُور، وَاجْعَلُوا صلَة الْأَرْحَام من عزم الْأُمُور، وصونوا عَن الاغتياب أَفْوَاهكُم، وَلَا تعودوا السفاهة شفاهكم، وأقرضوا الْقَرْض الْحسن إلاهكم، وَعَلمُوا الْقُرْآن صِبْيَانكُمْ، فَهُوَ أس هَذَا المبنى، وازرعوه فِي تُرَاب ترابهم، فَعَسَى أَن يجنى، وَلَا تتركوا النَّصِيحَة لمن استنصح، ورد السَّلَام على من بِتَحِيَّة الْإِسْلَام أفْصح، وَجَاهدُوا أهواءكم فَهِيَ أولى مَا جاهدتم وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهدتم، وثابروا على حلق الْعلم والتعلم، وحقوا بمراقي التَّكَلُّم، تعلمُوا من دينكُمْ مَالا يَسَعكُمْ جَهله، وَيبين لكم حكم الله أَهله، فَمن الْقَبِيح أَن يقوم أحدكُم على معالجة بره وشعيره، ورعاية شاته وبعيره، وَلَا يقوم على شَيْء يخلص لَهُ قَاعِدَة اعْتِقَاده، ويعده منجاة ليَوْم معاده، وَالله عز وَجل يَقُول: {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} . وأنفوا من الْحَوَادِث الشنيعة، والبدع الَّتِي تفت فِي عضد الشَّرِيعَة، فقد شن عَلَيْهَا بالمتلبسة بِأَهْل التَّصَرُّف المغار، ونال جُمْلَتهَا بل جهالتها بأغماضهم الصغار، وتؤول الْمعَاد وَالْجنَّة وَالنَّار. وَإِذا لم يغر الرجل على دينه وَدين أَبِيه فعلى من يغار، فالأنبياء الْكِرَام وورثتهم الْعلمَاء الْأَعْلَام هم أَئِمَّة الِاقْتِدَاء، وَالْكَوَاكِب الَّتِي عينهَا الْحق للاهتداء، فاحذروا معاطب هَذَا الدَّاء ودسائس هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاء، وأهم مَا صرفتم إِلَيْهِ الْوُجُوه، واستدفعتم بِهِ الْمَكْرُوه، الْعَمَل على مَا فِي الْآيَة المتلوة، وَالْحكمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 السافرة المجلوة من ارتباط الْخَيل، وإعداد الْعدة. فَمن كَانَ ذَا سعه فِي رزقه، فَليقمْ لله بِمَا اسْتَطَاعَ من حَقه، وليتخذ فرسا يعلم محلته بصهيله، ويقتنى أجره من أجل الله وَفِي سَبيله، فكم يتَحَمَّل من عِيَال يلْتَمس مرضاتهن باتخاذ الزِّينَة، وَالْعرُوض الثمينة، والتنافس فِي سوق الْمَدِينَة، ومونة الارتباط أقل، وعَلى أهل الهمة وَالدّين أدل، إِلَى مَا فِيهِ من حماية الْحَوْزَة، وَإِظْهَار الْعِزَّة. وَمن لم يحسن الرمى فليتدرب، وباتخاذ السِّلَاح إِلَى الله فليتقرب، فَقبل الرمى تراش السِّهَام، وعَلى العَبْد الِاجْتِهَاد، وعَلى الله التَّمام، وَالسِّكَّة الْجَارِيَة حَدِيث نواديكم، وأثمان الْعرُوض الَّذِي بِأَيْدِيكُمْ. فَمن تحيف حروفها، ونكر معروفها أَو سامح فِي قبُول زيف، أَو هجوس حيف، فقد اتبع هَوَاهُ، وخان نَفسه وسواه. قَالَ الله عز وَجل: {أَوْفوا الْكَيْل وَلَا تَكُونُوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} ، ولتعلموا أَن نَبِيكُم صلوَات الله عَلَيْهِ، إِنَّمَا بَعثه الله مُجَاهدًا، وَفِي الْعرض الْأَدْنَى زاهدا. [وبالسلاح راجيا، وبالحق رَاضِيا] ، وَعَن الهفوات حَلِيمًا متغاضيا، فَتمسكُوا بحبله، وَلَا تعرجوا عَن سبله [يوردكم الله فِي سجله] ويرعكم من أَجله، مُرَاعَاة الرجل فِي نجله، فَهُوَ الَّذِي يَقُول: {" وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم وَمَا كَانَ الله يعذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ "} . وَإِن كَانَ فِي وطنكم سَعَة، وَقد ألحفكم الله أمنا ودعة، فأحسبوا أَنكُمْ فِي بلد مَحْصُور، وَبَين لجتي أَسد هصور، كنفكم بَحر يعب عبابه، وَدَار بكم سور بيَدي عَدوكُمْ بَابه، وَلَا يدْرِي مَتى يَنْتَهِي السّلم، ويشعب الْكَلم، فَإِن لم تَكُونُوا بِنَاء مرصوصا، وتستشعروا الصَّبْر عُمُوما وخصوصا، أصبح الْجنَاح مقصوصا، والرأي قد سلبته الْحيرَة، وَالْمَال والحريم، قد سلمت فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 الضنانة والغيرة، فَإِن أنشأ الله ريح الحمية، ونصرت النُّفُوس على الخيالات الوهمية، فَإِن الْعِزَّة لله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ، وَالله متم على رغم الجاحدين وَكره الْكَافرين. فكم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة، بِإِذن الله، وَالله مَعَ الصابرين. واعتقدوا أَن الله لم يَجْعَل الظُّهُور مَقْرُونا بِعَدَد كثير، وجراد مزرعة أثارها مثير. إِنَّمَا هُوَ إخلاص لَا يَنْبَغِي لغير الله افتقارا، ونفوس توسع مَا سوى الْحق اختصارا، ووعد يصدق، وبصائر أبصارها إِلَى مثابة الْجَزَاء تحدق. وَهَذَا الدّين ظهر مَعَ الغربة، [وشطب الْقرْبَة] ، فَلم ترعه الأكاسرة وقيولها، والأقاصرة وفيولها. دين حنيف، وَعلم منيف من وُجُوه شطر الْمَسْجِد الْحَرَام تولى، وآيات على سَعَة الأحرف تتلى، وَزَكَاة من الصميم تنتقى، وَصَوْم بِهِ إِلَى المعارج يرتقى، وَحج وَجِهَاد، ومواسم وأعياد، لَيْسَ إِلَّا تَكْبِير جهير، وأذان شهير، وَقُوَّة تعد، وثغور لِلْإِسْلَامِ تسد، وَنَبِي يقسم، وفجر يرسم، ونصيحة تهدى، وَأَمَانَة تبدى، وَصدقَة تخفى وتبدى، وصدور تشرح وتشفى، وَخلق من خلق الْقُرْآن تحدى، قبض النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَهَذَا العقد تسجل، والموعد بِهِ قد عجل: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} ، وَلَا يَنْقَطِع لهَذَا الْفَرْع عَادَة وصلَة مَا دَامَ شَبِيها بِأَصْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ جلب لكم زبدته المخضوضة، [وخلاصته الممحوضة] وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين. ولتعلمن نبأه بعد حِين، وحضرتكم الْيَوْم قَاعِدَة الدّين، وَغَابَ الْمُجَاهدين. وَقد اخترعت بهَا أيامنا هَذَا وَأَيَّام الْمُقَدّس والدنا الْآثَار الْكِبَار، والحسنات الَّتِي تنوقلت بهَا الْأَخْبَار، وأغفلت إِلَى زمتكم الْحَسَنَة المذخورة، والمنقبة المبرورة. وَهِي ميارستان يضم مِنْكُم المرضى المطرحين، والضعفاء المغتربين مِنْهُم والمنتزحين فِي كل حِين، فَأنْتم تطئونهم بالأقدام على مر الْأَيَّام، ينظرُونَ إِلَيْكُم بالعيون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الكليلة، ويعرفون عَن الْأَحْوَال الذليلة، وضرورتهم غير خافية، وَمَا أَنْتُم أولى مِنْهُم بالعافية، والمجانين تكْثر مِنْهُم الوقائع، ويعيثون بالإناث مِنْهُم العهر الذايع، عَار تحظره الشَّرَائِع، وَفِي مثلهَا تسد الذرايع، وَقد فضلتهم أهل مصر وبغداد بالرباط الدايم وَالْجهَاد، فَلَا أقل من الْمُسَاوَاة فِي معنى، والمنافسة فِي مبْنى، يذهب عَنْكُم لوم الْجوَار، ويزيل عَن وُجُوهكُم سمات الْعَار، وَيدل على همتكم، وَفضل شيمتكم أهل الأقطار. وَكم نَفَقَة هَانَتْ على الرجل فِي غير مَشْرُوع، وحرص اعتراه على مَمْنُوع، فاشرعوا النّظر فِي هَذَا المهم خير شُرُوع، فلولا اهتمامنا بمرتزقة ديوانكم، وإعدادنا مَال الْجِهَاد للمجاهدين إخْوَانكُمْ، لسبقناكم إِلَى هَذِه الزلفة، وقمنا فِي هَذَا الْعَمَل الصَّالح بتحمل الكلفة. وَمَعَ ذَلِك فَإِذا أخذناكم إِلَى الْجنَّة ببنائه، وأسهمناكم فِي فَرِيضَة أجره وثنائه، فَنحْن إِن شَاءَ الله نحبس لَهُ الْأَوْقَاف الَّتِي تجْرِي لمرفقه، وتتصل عَلَيْهِ بهَا الصَّدَقَة، تأصيلا لفخركم، وإطابة فِي الْبِلَاد لذكركم. فليشاور أحدكُم همته وَدينه، ويستخدم يسَاره فِي طَاعَة الله وَيَمِينه، ونسل الله أَن يوفق كلا لهَذَا الْقَصْد الْكَرِيم ويعينه. وَمن وَرَاء هَذِه النصائح، عزم يتهيأ إِلَى غايتها، وَيجْبر الكافة على اتِّبَاع رأيها ورايتها. فاعملوا الأفكار فِيمَا تضمنته من الْفُصُول، وتلقوا دَاعِي الله فِيهَا بِالْقبُولِ، وَالدُّنْيَا مزرعة الْآخِرَة، وَكم مُعْتَبر للنفوس الساخرة بالعظام الناخرة. " يَا أَيهَا النَّاس إِن وعد الله حق فَلَا تغرنكم الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور ". وَأَنْتُم الْيَوْم أَحَق النَّاس بِقبُول المواعظ نفوسا زكية، وفهوما لَا قَاصِرَة وَلَا بكية، ووطن جِهَاد، ومستسقى غمايم رَحْمَة من الله وعهاد، وبقايا الأول الَّذين فتحُوا هَذَا الوطن، وألقوا فِيهِ العطن، فَإلَى أَيْن يذهب حسن الظَّن بأديانكم، وَصِحَّة إيمَانكُمْ، وتساوى إسراركم فِي طَاعَة الله وإعلانكم. اللَّهُمَّ إِنَّا قد خرجنَا لَك فيهم عَن الْعهْدَة المتحملة، وأبلغناهم نصيحتك المكملة، ووعدناهم مَعَ الِامْتِثَال رحمتك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 المؤملة، فيسرنا وإياهم لليسرى، وعرفنا لطايفك الَّتِي خفى مِنْهَا المسرى، وَلَا تجعلنا مِمَّن صم عَن النداء وَأصْبح شماتة للأعدا، فَمَا ذل من استنصر بجنابك، وَلَا ضل من استبصر بسنتك وكتابك، وَلَا انْقَطع من تمسك بأسبابك. وَالله يصل لكم عوايد الصنع الْجَمِيل، ويحملكم وإيانا من التَّوْفِيق على أوضح سَبِيل، وَالسَّلَام عَلَيْكُم أَيهَا الْأَوْلِيَاء وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَفِي هَذَا الْغَرَض أَيْضا من الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر أيده الله [وَنَصره] . إِلَى أوليائنا الَّذين نوقظ من الْغَفْلَة أجفانهم، وندعوهم لما يطهر من الارتياب إِيمَانهم، ويخلص لله إسرارهم وإعلانهم، ونرثى لعدم إحساسهم، وخيبة قياسهم، ونغار من اسْتِيلَاء الغفلات على أنواعهم وأجناسهم، ونسل الله لَهُم وَلنَا إِقَالَة العثرات، وتخفيض الشدائد المفتورات، وكف ألف العوادى المبتدرات، من أهل حضرتنا غرناطة دَافع الله [عَن فئتهم] الغريبة، وعرفهم فِي الذوات وَالْحرم، عارفة اللطايف الْقَرِيبَة، وتداركهم بالصنايع العجيبة. سَلام كريم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. أما بعد: حمد الله الَّذِي لَا نشْرك بِهِ أحدا، وَلَا نجد من دونه ملتحدا، مبتلى قُلُوب الْمُؤمنِينَ ليعلم أَيهَا أقوى جلدا وَأبْعد فِي الصَّبْر مدا، ليزِيد الله الَّذين آمنُوا واهتدوا هدى. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله الَّذِي أنقذ من الردى، وتكفل بالشفاعة غَدا، ضَارب هام العدا، وَمُجاهد من اتخذ مَعَ الله ولدا. وَالرِّضَا عَن آله الَّذين كَانُوا لسماء مِلَّته عمدا، فَلم ترعهم الْكَتَائِب الوافرة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وَإِن كَانُوا هم أقل عددا، ولأصابتهم الْأُمَم الْكَافِرَة وَإِن كَانَت أَكثر جمعا وَأظْهر عددا، صَلَاة لَا تَنْقَطِع أبدا، ورضا لَا يبلغ أمدا. فَإنَّا كتبناه إِلَيْكُم، كتبكم الله مِمَّن امْتَلَأَ قلبه غَضبا لله وحمية، وَرمى بفكرة عقله غَرَض الصَّوَاب فَلم يخط مِنْهُ هدفا وَلَا رمية. وَقد اتَّصل بِنَا الْخَبَر الَّذِي يُوجب نصح الْإِسْلَام، ورعى الْجوَار والذمام، وَمَا جعل الله للْمَأْمُوم على الإِمَام، أيقظكم من مراقدكم المستغرقة، وَجمع أهواءكم المتفرقة، وَهُوَ أَن كَبِير دين النَّصْرَانِيَّة، الَّذِي إِلَيْهِ ينقادون، وَفِي مرضاته يصافون ويعادون، وَعند رُؤْيَة صليبه يكبون ويسجدون، لما رأى أَن الْفِتَن قد أكلتهم خضما وقضما، وأوسعتهم هضما، فَلم تبْق عصما وَلَا عظما، وَنَثَرت مَا كَانَ نظما، أعمل نظره فِي أَن يجمع مِنْهُم مَا افترق، وَيرْفَع مَا طرق، ويرفأ مَا مزق الشتات وخرق، فَرمى الْإِسْلَام بِأمة عَددهَا الْقطر المنثال، وَالْجَرَاد الَّذِي تضرب بِهِ الْأَمْثَال، وعاهدهم، وَقد حضر التمثال، وَأمرهمْ وشأنهم الِامْتِثَال، أَن يهشوا لمن ارْتَضَاهُ من أمته الطَّاعَة، ويجمعوا فِي مِلَّته الْجَمَاعَة. ويطلع الْكل على هَذِه الفئة القليلة الغريبة بَغْتَة كقيام السَّاعَة، وأقطعهم، قطع الله بِهِ الْبِلَاد والعباد والطارف والتلاد، وسوغهم الْحرم وَالْأَوْلَاد، وَبِاللَّهِ نستدفع مَالا نطيقه، وَمِنْه نسل عَادَة الْفرج، فَمَا سد طَرِيقه. إِلَّا أننا رَأينَا غَفلَة النَّاس عَن تصميمهم، موذنة بالبوار، وأشفقنا للدّين الْمُنْقَطع من وَرَاء الْبحار، وَقد أصبح مُضْغَة فِي لَهَوَات الْكفَّار، وأردنا أَن نهزكم بالمواعظ الَّتِي تكحل الْأَبْصَار بميل الاستبصار، ونلهمكم إِلَى الِانْتِصَار بِاللَّه عِنْد عدم الْأَنْصَار، فَإِن جبر الله الخواطر بالضراعة إِلَيْهِ والانكسار، وَنسخ الْإِعْسَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 بالإيسار، وأنجد الْيَمين بِاجْتِهَاد الْيَسَار، وَإِلَّا فقد تعين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة حَظّ الخسار. فَإِن من ظهر عَلَيْهِ عَدو دينه، وَهُوَ عَن الله مَصْرُوف، وبالباطل مشغوف، وَبِغير الْعرف مَعْرُوف، وعَلى الحطام المسلوب عَنهُ ملهوف، فقد ثله الشَّيْطَان للجبين، وَقد خسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، أَلا ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين، وَمن نفذ فِيهِ أَوله قدر الله عَن أَدَاء الْوَاجِب وبذل الجهود، وأفرد بالعبودية والوحدانية الْأَحَد المعبود، ووطن النَّفس على الشَّهَادَة المبوءة دَار الخلود، العابدة بِالْحَيَاةِ الدائمة والوجود، أَو الظُّهُور على عدوه المحشور إِلَيْهِ المحشود، صبرا على الْمقَام الْمَحْمُود، وبيعا من الله تكون الملايكة فِيهِ من الشُّهُود، حَتَّى تعيث يَد الله فِي ذَلِك الْبناء المهدوم بِقُوَّة الله الْمَمْدُود، والسواد الْأَعْظَم الْمَمْدُود، كَانَ على أمره بِالْخِيَارِ المسدود {" قل هَل تربصون بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحسنيين وَنحن نتربص بكم أَن يُصِيبكُم الله بِعَذَاب من عِنْده أَو بِأَيْدِينَا فتربصو إِنَّا مَعكُمْ فتربصوا "} . الله الله فِي الهمم قد خمدت رِيحهَا، وَالله الله فِي العقائد قد خفتت مصابيحها، وَالله الله فِي الرجولة قد فل حَدهَا، وَالله الله فِي الْغيرَة فقد تعس جدها. وَالله الله فِي الدّين الَّذِي طمع الْكفْر فِي تحويله، وَالله الله فِي الْحَرِيم الَّذِي مد إِلَى استرقاقه يَد تأميله، وَالله الله فِي المساكن زحف لسكناها، وَالله الله فِي الْملَّة الَّتِي يُرِيد إطفاء سناها، وَالله الله فِي الْحَرِيم، وَالله الله فِي الدّين الْكَرِيم، وَالله الله فِي الوطن الَّذِي توارثه الْوَلَد عَن الْوَالِد، الْيَوْم تستأسد النُّفُوس المهينة، الْيَوْم يسْتَنْزل الصَّبْر والسكينة. الْيَوْم تختبر الهمم. الْيَوْم ترعى لهَذِهِ الْمَسَاجِد الْكَرِيمَة الذمم، الْيَوْم يرجع إِلَى الله المصرون، الْيَوْم يفِيق من نوم الْغَفْلَة المغترون، قبل أَن يَتَفَاقَم الهول ويحق القَوْل، ويسد الْبَاب، ويحيق الْعَذَاب، وتسترق بالْكفْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 الرّقاب. فالنساء تَقِيّ بِأَنْفُسِهِنَّ أَوْلَادهنَّ الصغار، والطيور ترفرف لتحمى الأوكار، إِذا أحست العياث بأفراخها والإضرار. تمر الْأَيَّام عَلَيْكُم مر السَّحَاب، فَلَا خبر يُفْضِي إِلَى الْعين، وَلَا حَدِيث فِي الله يسمع بَين اثْنَيْنِ، وَلَا كد إِلَّا لزينة يحلى بهَا نحر وجيد، وَلَا سعى إِلَّا فِي مَتَاع لَا يغنى فِي الشدائد وَلَا يُفِيد. وبالأمس دعيتم إِلَى التمَاس رحمى مسخر السَّحَاب، واستقالة كاشف الْعَذَاب، وسؤال مُرْسل الديمة، ومحيي الْبشر والبهيمة، وَقد أَمْسَكت عَنْكُم رَحْمَة السَّمَاء، وأغبرت جوانبكم المخضرة احتياجا إِلَى بلالة المَاء، وَفِي السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون، وَإِلَيْهِ الأكف تمدون، وأبوابه بِالدُّعَاءِ تقصدون، فَلم يضجر مِنْكُم عدد مُعْتَبر، وَلَا ظهر للإنابة وَلَا للصدقة خبر، وتتوقل عَن الْإِعَادَة الرَّغْبَة إِلَى الْوَلِيّ الحميد، والغنى الَّذِي إِن يَشَأْ يذهبكم وَيَأْتِ بِخلق جَدِيد. وأيم الله لَو كَانَ لهوا، لَا رتقبت السَّاعَات، وَضَاقَتْ المستمعات، وتزاحمت على حَاله وعصيه الْجَمَاعَات. أتعززا على الله وَهُوَ الْقوي الْعَزِيز. أتلبيسا على الله وَهُوَ الَّذِي يُمَيّز الْخَبيث من الطّيب والمشبه من الإبريز. أمنابذة والنواصي فِي يَدَيْهِ. أغرورا بالأمل وَالرُّجُوع بعد إِلَيْهِ. من يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ. من ينزل الرزق ويفيده. من يرجع إِلَيْهِ فِي الْمُهِمَّات. من يُرْجَى فِي الشدائد والأزمات. من يُوجد فِي الْمحيا وَالْمَمَات، أَفِي الله شكّ يختلج الْقُلُوب. أَثم غير الله من يدْفع الْمَكْرُوه وييسر الْمَطْلُوب. تفضلون على اللجإ إِلَيْهِ عوائد الْجَهْل ونزه الْأَهْل. وَطَائِفَة مِنْكُم قد برزت إِلَى إستبقاء رَحمته، تمد إِلَى الله الْأَيْدِي والرقاب، وتستكشف بالخضوع لعزته السقاب، وتستعجل إِلَى مواعيد إجَابَته الارتقاب، وكأنكم أَنْتُم عَن كرمه قد استغنيتم، أَو على الِامْتِنَاع من الرُّجُوع إِلَيْهِ بَقِيتُمْ. أما تعلمُونَ كَيفَ كَانَ نَبِيكُم صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه من التَّبْلِيغ باليسير، والاستعداد للرحيل الْحق والمسير، ومداومة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 الْجُوع، وهجر الهجوع، وَالْعَمَل على الإياب إِلَى الله وَالرُّجُوع. دخلت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا وبيدها كسرة شعير، فَقَالَ مَا هَذِه يَا فَاطِمَة، فَقَالَت يَا رَسُول الله خبْزَة قرصة وأحببت أَن تَأْكُل مِنْهَا، فَقَالَ يَا فَاطِمَة أما أَنه أول طَعَام دخل جَوف أَبِيك مُنْذُ ثَلَاث. وَكَانَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يسْتَغْفر الله فِي الْيَوْم سبعين مرّة، يلْتَمس رحماه، وَيقوم وَهُوَ المغفور لَهُ، مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر، حَتَّى ورمت قدماه. وَكَانَ شَأْنه الْجِهَاد، ودأبه الْجد وَالِاجْتِهَاد، ومواقف صبره تعرفها الرِّبَا والوهاد، ومقامات زهده فِي هَذَا الْمَتَاع الفاني تحوم على أدنى مراتبها الزهاد [فَإِذا لم تقتدوا بِهِ فبمن تقتدون] وَإِذا لم تهتدوا بِهِ فبمن تهتدون، وَإِذا لم ترضوه باتباعكم لَهُ، فَكيف تعتزون إِلَيْهِ وتنتسبون، وَإِذا لم ترغبوا فِي الاتصاف بصفاته غَضبا لله وجهادا، وتقللا من الْعرض الْأَدْنَى وشهادا، فَفِيمَ ترغبون. فافتروا جِهَاد الأمل فَكل آتٍ قريب، واعتبروا بمثلات من تقدم من أهل الْبِلَاد وَالْقَوَاعِد، فذهولكم عَنْهَا غَرِيب، وتفكروا فِي منابرها الَّتِي يَعْلُو فِيهَا واعظ وخطيب، ومطيل ومطيب، ومساجدها المتعددة الصُّفُوف، وَالْجَمَاعَات المعمورة بأنواع الطَّاعَات، وَكَيف أَخذ الله فِيهَا بذنب المترفين من دونهم، وعاقب الْجُمْهُور بِمَا أغمضوا عَنهُ من عيونهم، وَسَاءَتْ بالغفلة عَن الله، عُقبى جَمِيعهم، وَذَهَبت النعمات بعاصيهم، وَمن داهن فِي أَمرهم من مطيعهم، وأصبحت مَسَاجِدهمْ مناصب للصلبان، واستبدلت مآذنهم بالتواقيس من الْأَذَان. هَذَا وَالنَّاس نَاس، وَالزَّمَان زمَان. مَا هَذِه الْغَفْلَة عَمَّن إِلَيْهِ الرجعى وَإِلَيْهِ الْمصير، وَإِلَى مَتى التساهل فِي حُقُوقه، وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير، وَحَتَّى مَتى هَذَا الْخَطَأ فِي الأمد الْقصير، وَإِلَى مَتى نِسْيَان اللجإ إِلَى الْوَلِيّ النصير. قد تداعت الصلبان مجلبة عَلَيْكُم، وتحركت الطواغيت من كل جِهَة إِلَيْكُم. أفيخذلكم الشَّيْطَان، وَكتاب الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 قَائِم فِيكُم، وألسنة الْآيَات تناديكم، لم تمح سطورها، وَلَا احتجب نورها، وَأَنْتُم بقايا من فتحهَا عَن عدد قَلِيل، وظفر فِيهَا كل خطب جليل، فوَاللَّه لَو تمحض الْإِيمَان ورضى الرَّحْمَن، مَا ظهر التَّثْلِيث فِي هَذِه الجزيرة على التَّوْحِيد، وَلَا عدم الْإِسْلَام فِيهَا عَادَة التأييد. لَكِن شَمل الدَّاء وصم النداء، وعميت الْأَبْصَار، فَكيف الاهتداء وَالْبَاب مَفْتُوح، وَالْفضل ممنوح. فتعالوا نَسْتَغْفِر الله جَمِيعًا، فَهُوَ الغفور الرَّحِيم، ونستقيل مقيل العثار، فَهُوَ الرؤوف الْحَلِيم، ونصرف الْوُجُوه إِلَى الِاعْتِرَاف بِمَا قدمت أَيْدِينَا، فقبول المعاذير من شَأْن الْكَرِيم. سدت الْأَبْوَاب، وضعفت الْأَسْبَاب، وانقطعت الآمال إِلَّا مِنْك يَا فتاح يَا وهاب: " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تنصرُوا الله ينصركم، وَيثبت أقدامكم. يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار، وليجدوا فِيكُم غلظة، وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ، وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا، وَأَنْتُم الأعلون، إِن كُنْتُم مُؤمنين. يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون ". أعدُّوا الْخَيل وارتبطوها، وروضوا النُّفُوس على الشَّهَادَة وغبطوها، فَمن خَافَ الْمَوْت، رضى بالدنية، وَلَا بُد على كل حَال من الْمنية، والحياة مَعَ الذل لَيست من شيم النُّفُوس السّنيَّة. واقتنوا السِّلَاح وَالْعدة، وتعرفوا إِلَى الله فِي الرخَاء يعرفكم فِي الشدَّة، واستشعروا الْقُوَّة بِاللَّه على أَعدَاء الله وأعدائكم، واستميتوا من دون أَبْنَائِكُم، فكونوا كالبنيان المرصوص، لحملات هَذَا الْعَدو النَّازِل بفنائكم، وحوطوا بالتعويل على الله وحدة بِلَادكُمْ، واشتروا من الله جلّ جَلَاله أَوْلَادكُم. ذكرُوا أَن امْرَأَة احْتمل السَّبع وَلَدهَا، وَشَكتْ لبَعض الصَّالِحين، فَأَشَارَ عَلَيْهَا بِالصَّدَقَةِ، فتصدقت برغيف، وَأطلق السَّبع وَلَدهَا، وَسمعت النداء يَا هَذِه لقْمَة بلقمة،، وَإِنَّا لما استودعناه لحافظون. واهجروا الشَّهَوَات، واستدركوا الْبَقِيَّة من الْفَوات، وافضلوا لمساكنكم من الأقوات، واخشعوا لما أنزل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 الله من الْآيَات، وخذوا من لكم بِالصبرِ على الأزمات، والمواساة فِي الْمُهِمَّات. وأيقظوا جفونكم من السنات، وَاعْلَمُوا أَنكُمْ رضعا ثدي كلمة التَّوْحِيد، وجيران الْبَلَد الْغَرِيب، وَالدّين الوحيد، وحزب التمحيص، وَنَفر المرام العويص، وتفقدوا معاملاتكم مَعَ الله، فَمَتَى رَأَيْتُمْ الصدْق غَالِبا، وَالْقلب للْمولى الْكَرِيم مراقبا، وشهاب الْيَقِين ثاقبا، فثقوا بعناية الله، الَّتِي لَا يغلبكم مَعهَا غَالب، وَلَا ينالكم من أجلهَا عَدو مطَالب، وأنكم فِي السّتْر الكثيف، وعصمة الْخَبِير اللَّطِيف، ومهمى رَأَيْتُمْ الخواطر متبددة، [والظنون فِي الله مترددة، والجهات الَّتِي تخَاف وترجى مُتعَدِّدَة] والغفلة عَن الله، ملابسها متجددة، وَعَادَة الخذلان دايمة، وأسواق الشَّهَوَات قَائِمَة، فاعلموا أَن الله منفذ فِيكُم وعده، ووعيده فِي الْأُمَم الغافلين، وأنكم قد ظلمتم أَنفسكُم، وَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين، وَالتَّوْبَة ترد الشارد إِلَى الله، وَالله يحب التوابين، وَيُحب المتطهرين، وَهُوَ الْقَائِل: {" إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات، ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ "} وَمَا أقرب صَلَاح الْأَحْوَال مَعَ الله إِذا صلحت العزايم، وتوالت على حزب الشَّيْطَان الهزايم، وخملت الدُّنْيَا الدنية فِي الْعُيُون، وصدقت فِيمَا عِنْد الله الظنون. " {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن وعد الله حق، فَلَا تغرنكم الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور "} ، وتوبوا سرَاعًا إِلَى طَهَارَة الثَّوْب، وَإِزَالَة الشوب، واقصدوا أَبْوَاب غَافِر الذَّنب، وقابل التوب، وَاعْلَمُوا أَن سوء الْأَدَب مَعَ الله يفتح أَبْوَاب الشدائد، ويسد طرق العوائد، فَلَا تمطلوا بِالتَّوْبَةِ أزمانكم، وَلَا تأمنوا مكر الله، فتغشوا إيمَانكُمْ، وَلَا تعلقوا جنابكم بالضرار فَهُوَ علام السرَار، وَإِنَّمَا علينا معاشر الْأَوْلِيَاء أَن ننصحكم، وَإِن كُنَّا أولى بِالنَّصِيحَةِ، ونعتمدكم بِالْمَوْعِظَةِ الصَّرِيحَة، الصادرة علم الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 عَن صدق القريحة. وَإِن شاركناكم فِي الْغَفْلَة، فقد ندبناكم إِلَّا الاسترجاع وَالِاسْتِغْفَار، وَإِنَّمَا لكم لدينا نفس مبذولة فِي جِهَاد الْكفَّار، ونقدم قبلكُمْ إِلَى مَوَاقِف الصَّبْر [لَا نرضى] بالفرار، واجتهاد فِيمَا يعود عَلَيْكُم بِالْحُسْنَى وعقبى الدَّار، وَالِاخْتِيَار لله ولي الِاخْتِيَار، ومصرف الأقدار. وَهَا نَحن [شرعنا الْخُرُوج] إِلَى مدافعة هَذَا الْعَدو، ونفدى بنفسنا الْبِلَاد والعباد، والحريم المستضعف وَالْأَوْلَاد، ونلي من دونهم الجلاد، ونستوهب مِنْكُم الدعا إِلَى من وعد بإجابته، وَتقبل من صرف إِلَيْهِ وَجه إنابته. اللَّهُمَّ كن لنا فِي هَذَا الِانْقِطَاع نَصِيرًا، وعَلى أعدائك ظهيرا، وَمن انتقام عَبدة الْأَصْنَام كَفِيلا ومجيرا. اللَّهُمَّ قو من ضعفت حيلته، فَأَنت الْقوي الْمعِين، وانصر من لَا نصير لَهُ إِلَّا أَنْت، إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين، اللَّهُمَّ ثَبت أقدامنا عِنْد تزلزل الْأَقْدَام، وَلَا تسلمنا عِنْد لِقَاء عَدو الْإِسْلَام. فقد ألقينا إِلَيْك يَد الاستسلام. اللَّهُمَّ دَافع بملائكتك المسومين عَمَّن ضويقت أرجاؤه، وَانْقطع إِلَّا مِنْك رجاؤه. اللَّهُمَّ هيىء لضعفائنا، وكلنَا ضَعِيف فَقير، وذليل بَين يَدي عظمتك حقير، رَحْمَة تُؤدِّي [فِي الأزمة] وتشيع، وَقُوَّة تطرد وتستتبع، يَا غلاب الغلاب، يَا هازم الْأَحْزَاب، يَا كريم العوائد، يَا مفرج الشدائد. رَبنَا أفرغ علينا صبرا، وَثَبت أقدامنا، وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّن تذكر وتيقظ، وَمِمَّنْ قَالَ لَهُم النَّاس، إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ، فَزَادَهُم إِيمَانًا، وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل، فانقلبوا بِنِعْمَة من الله وَفضل لم يمسسهم سوء، وَاتبعُوا رضوَان الله ذُو فضل عَظِيم. وَقد وَردت علينا المخاطبات من قبل إِخْوَاننَا الْمُسلمين الَّذين عرفنَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 الحَدِيث وَالْقَدِيم اجتهادهم، بنى مرين، أولى الامتعاض لله وَالْحمية، والمخصوصين بَين الْقَبَائِل الْكَرِيمَة بِهَذِهِ المزية، بعزمهم على الامتعاض بِحَق الْجوَار، والمصارحة الَّتِي تلِيق بالأحرار، والنفرة لانتهاك النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْمُخْتَار. وحركة سلطانهم مَحل أخينا بِمن لَهُ من الْأَوْلِيَاء وَالْأَنْصَار، وكافة الْمُجَاهدين بِتِلْكَ الأقطار والأمصار، ومدافعة أحزاب الشَّيْطَان وَأهل النَّار. فاسألوا الله إعانتهم على هَذَا الْمَقْصد الْكَرِيم الْآثَار، وَالسَّعْي الضمين الْعِزّ وَالْأَجْر والفخار. وَالسَّلَام عَلَيْكُم أَيهَا الْأَوْلِيَاء وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَكتب فِي صفر من عَام سَبْعَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. وسكنت هرج النَّاس بِقَوْلِي عِنْد مَا ثار الشَّيْخ على بن على بن نصر، صادعا بذلك فَوق أَعْوَاد الْمِنْبَر بالجامع الْأَعْظَم من حَضْرَة غرناطة، مبلغا من السُّلْطَان رَضِي الله عَنهُ الْأمان، سادلا رواق الْعِصْمَة، ضَامِنا عَنهُ الْعَفو لكل طَائِفَة، وَالله ولي المجازات والمتكفل بالمثوبات، سُبْحَانَهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ هَذَا كتاب كريم أصدرناه بِتَوْفِيق الله، شارحا للصدور، مصلحا بإعانة الله للأمور، ملحفا جنَاح الْأمان وَالْعدْل والأحسان للخاصة وَالْجُمْهُور، يعلم من سَمعه أَو يقف عَلَيْهِ ويقرأه، ويتدبر لَدَيْهِ، مَا عاهدنا عَلَيْهِ الله من تَأْمِين النُّفُوس وحقن الدِّمَاء، وَالسير فِي التحامي عَنْهَا، على السّنَن السوا، وَرفع التثريب عَن الْبعيد فِيهَا والقريب، والمساواة فِي الْعَفو عَنْهَا والغفران، بَين البرى والمريب، وَحمل من يظنّ أَنه ينْطق بِعَين الْعَدَاوَة فِي بَاطِن الْأَمر وَظَاهره، محمل الحبيب وَترك مَا يتوعد بهَا من المطالبات، ورفض التَّبعَات، مِمَّا لَا يُعَارض حكما شَرْعِيًّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وَلَا يُنَاقض سَببا من الدّين مرعيا. فَمن كَانَ رهن تبعة أَو طريد تُهْمَة أَو منبزا فِي الطَّاعَة بريبة، فقد سحبنا عَلَيْهِ ظلال الْأمان، والحقناه أَثوَاب الْعَفو والغفران، ووعدناه من نفسنا مواعد الرِّفْق وَالْإِحْسَان، حكما عَاما، وعفوا تَاما، فاشيا فِي جَمِيع الطَّبَقَات، منسحبا على الْأَصْنَاف المختلفات، عاملنا فِي ذَلِك من يتَقَبَّل الْأَعْمَال، وَلَا يضيع السُّؤَال، واستغفرنا الله عَن نفسنا، وَعَمن أَخطَأ علينا من رعيتنا، مِمَّن يدْرَأ للسرع غلطته، وَيقبل الْحق فيئته. وَمن يسْتَغْفر الله، يجد الله غَفُورًا رحِيما لما رَأَيْنَاهُ من وُجُوه اتِّفَاق الْأَهْوَاء والضمائر، وخلوص الْقُلُوب والسرائر، فِي هَذَا الوطن الَّذِي أحَاط بِهِ الْعَدو وَالْبَحْر، ومسه بتقدم الْفِتْنَة الضّر، وصلَة لما أجراه الله على أَيْدِينَا، وهيأه بِنَا، فَلم يخف مَا سكن بِنَا من نَار وفتنة، وَرفع من بَأْس وإحنة، وكشف من ظلمَة، وأسدل من نعْمَة، وأضفى من مورد وعافية، وَأولى من عصمَة وافية، بعد مَا تخرمت الثغور، وفسدت الْأُمُور، واهتضم الدّين، وَاشْتَدَّ على الْعباد والبلاد كلب الْكَافرين. ذَلِك فضل الله علينا وعَلى النَّاس، فَلهُ الْحَمد دائبا، وَالشُّكْر وَاجِبا، وَمن الله نسل أَن يتم نعْمَته علينا، كَمَا أتمهَا على أبوينا من قبل، إِن رَبك حَكِيم عليم. وَنحن قد شرعنا فِي تعْيين من يَنُوب عَنَّا من أهل الْعلم وَالْعَدَالَة، وَالدّين وَالْجَلالَة للتطوف بالبلاد الأندلسية، ومباشرة الْأُمُور بالإيالة النصرية، ينهون إِلَيْنَا مَا يستطلعونه، ويبلغون من الْمصَالح مَا يتعرفونه، ويقيدون مَا تحْتَاج إِلَيْهِ الثغور، وتستوجبه الْمصلحَة الجهادية من الْأُمُور. وَنحن نستعين بفضلاء رعيتنا وخيارهم، والمرافقين مِنْهُم لله فِي إيرادهم وإصدارهم، على إنهاء مَا تخفى عَنَّا من ظلامة تقع، أَو حَادث يبتدع، وَمن اتَّخذت بجواره خمر فَاشِية، أَو نشأت فِي جِهَته للْمُنكر ناشية، فَنحْن نقلده الْعهْدَة، ونطوقه القلادة، ووراء تنبيهنا على مَا خَفِي عَنَّا من الشُّكْر لمن أهداه، وإحماد سعى من بلغه وَأَدَّاهُ، مَا نرجو ثَوَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 الله عَلَيْهِ والتقرب بِهِ إِلَيْهِ، فَمن أهدانا شَيْئا من ذَلِك، فَهُوَ شريك فِي أجره ومقاسم فِي مثوبته، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. وَصدر عني ظهير كريم لمن توجه يتطلع على أَحْوَال الرعايا حَسْبَمَا نبه عَلَيْهِ فِي هَذَا الْأَمر الْمُتَقَدّم هَذَا ظهير كريم، مضمنه استجلاء لأمور الرّعية واستطلاع، ورعاية كرمت مِنْهَا أَجنَاس وأنواع، وَعدل بهر مِنْهُ شُعَاع، ووصايا يجب لَهَا إهطاع. أصدرناه للفقيه أبي فلَان، لما تقرر لدينا دينه وعدله، وَبَان صَلَاحه وفضله، رَأينَا أَن أَحَق من تقلده المهم الوكيد، ونرمي بِهِ من أغراض الْبر الْغَرَض [الوكيد] الْبعيد، ونستكشف بِهِ أَحْوَال الرعايا حَتَّى لَا يغيب عَنَّا شَيْء من أحوالها، وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهَا طَارق عَن إهمالها، وَينْهى إِلَيْنَا الْحَوَادِث الَّتِي تنشأ إنهاء يتكفل بحياطة إبشارها وأموالها. وأمرناه أَن يتَوَجَّه إِلَى جِهَات كَذَا، فَيجمع النَّاس فِي مَسَاجِدهمْ، وَيبدأ بتقرير غرضنا فِي صَلَاح أَحْوَالهم، وإحساب آمالهم، ومكابدتنا الْمَشَقَّة فِي مداراة عدوهم، الَّذِي نعلم من أَحْوَاله مَا غَابَ عَنْهُم، دَفعه الله بقدرته، ووقا نُفُوسهم وحريمهم من معرته. وَلما رَأينَا من انبتات الْأَسْبَاب الَّتِي قبل تومل، وَعجز الْحِيَل الَّتِي كَانَت تعْمل، فيستدعي أنجادهم بِالدُّعَاءِ، وإخلاصهم فِيهِ إِلَى رب السَّمَاء، ونسل عَن سيرة القواد، وولاة الْأَحْكَام بالبلاد، فَمن نالته مظْلمَة فليرفعها إِلَيْهِ، ويقصها عَلَيْهِ، ليبلغها إِلَيْنَا، ويوفدها مقررة الْوَاجِبَات لدينا، ويختبر مَا افْترض صدقه للْجَهْل، وَمَا فضل [من كرم] ذَلِك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 الْعَمَل، ليعين للحصن بجبل فاره، يسر الله لَهُم فِي إِتْمَامه، وَجعل صدقتهم تِلْكَ مسكه ختامه، وَغَيره مِمَّا فرض إِعَانَة للْمُسلمين، وإنجادا لجهاد الْكَافرين، فَيعلم مِقْدَاره، ويتولى اختباره، حَتَّى لَا يَجْعَل مِنْهُ شَيْء على ضَعِيف، وَلَا يعدل بِهِ لمشروف عَن شرِيف، وَلَا تقع فِيهِ مضايقة ذِي الجاه، وَلَا مخادعة غير المراقب لله، وَمَتى تحقق أَن غَنِيا قصر بِهِ فِيهِ عَن حَقه، أَو ضَعِيفا كلف مِنْهُ فَوق طوقه، فَيجْبر الْفَقِير من الْغَنِيّ، وَيجْرِي من الْعدْل على السّنَن السوي، وَيعلم النَّاس أَن هَذِه المعونة وَإِن كَانَت بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَحل ضرورتها يسيرَة، وَأَن الله يُضَاعِفهَا لَهُم أضعافا كَثِيرَة، فَلَيْسَتْ مِمَّا يلْزم، وَلَا من المعاون الَّتِي بتكريرها يحزم وَينظر فِي عهود المتوفين فيصرفها فِي حُقُوقهَا مصارفها الْمعينَة، وطرقها الْوَاضِحَة المبينة، ويتفقد الْمُسلمين تفقداً يكسو عاريها، ويتمم مِنْهَا المآرب تتميما يرضى باريها وَينْدب النَّاس لتعليم الْقُرْآن لصبيانهم، فَذَلِك أصل فِي أديانهم، ويحذرهم المغيب على شَيْء من أعشارهم، فالزكاة أُخْت الصَّلَاة، وهما من قَوَاعِد الْإِسْلَام، بأقصى الْحَد والاعتزام، ورفعنا عَنْهُم رسم التَّعْرِيف، نظرا لَهُم بِعَين الاهتمام، وَقدمنَا الثِّقَات لهَذِهِ الْأَحْكَام، وَجَعَلنَا الْخرص شَرْعِيًّا فِي هَذَا الْعَام، وَفِيمَا بعده إِن شَاءَ الله من الأعوام. وَمن أهم مَا أسندناه إِلَيْهِ، وعولنا فِيهِ عَلَيْهِ، الْبَحْث بِتِلْكَ الأحواز عَن أهل الْبدع، والأهواء، والسارين من السبل على غير السوَاء. وَمن ينبز. بِفساد العقد، وتخريب الْقَصْد، والتلبس بالصوفية، وَهُوَ فِي الْبَاطِن من أهل الْفساد، والداعين إِلَى الْإِبَاحَة وَتَأْويل الْمعَاد، والمولفين بَين النِّسَاء وَالرِّجَال، والمتشيعين لمذاهب الضلال، فمهمى عثر على مطوق بالتهمة منبز بِشَيْء من ذَلِك من هَذِه الْأمة فليشد ثقافه شدا. ويسد عَنهُ سَبِيل الْخَلَاص سدا، ويشرع فِي شَأْنه الموجبات، ويستوعب الشَّهَادَات حَتَّى ينظر فِي حسم رايه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 ويعاجل الْمَرَض بدوايه. فليتول مَا ذكرنَا نايبا بِأَحْسَن المناب، ويقصد وَجه الله راجيا مِنْهُ جزيل الثَّوَاب، وَيعْمل عمل من لَا يخَاف فِي الله لومة لائم، ليجد ذَلِك فِي موقف الْحساب. وعَلى من يقف عَلَيْهِ من القواد والأشياخ والحكام، أَن يَكُونُوا مَعَه يدا وَاحِدَة على مَا ذكرنَا فِي هَذِه الْفُصُول، من الْعَمَل المقبول، وَالْعدْل المبذول. وَمن قصر عَن غَايَة من غاياته، أَو خَالف مُقْتَضى من مقتضياته، فعقابه عِقَاب من عصى أَمر الله وأمرنا، فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه، الَّتِي غرته، وَإِلَى مصرع النكير جرته، وَالله الْمُسْتَعَان. وَكتب عَن الْأَمر الْعلي المولوى السلطاني النصرى أدام الله علاهُ، ووالى مضاءه، فِي شهر ربيع الْمُبَارك من عَام خَمْسَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. عرفنَا الله خَيره وَلما توجه شيخ الصُّوفِيَّة السفارة، أَبُو الْحسن ابْن المحروق رَسُولا إِلَى الْمغرب يَسْتَدْعِي الأمداد ويحض على الْجِهَاد كَانَ مِمَّا رفع بِهِ العقيرة بِجَامِع الْقرَوِيين قولى فِي غَرَض الموعظة واستوعبه درساه أَيهَا النَّاس، رحمكم الله، إِن إخْوَانكُمْ الْمُسلمين بالأندلس، قد دهم الْعَدو قصمه الله ساحتهم، ورام الْكفْر، خيبه الله، استباحتهم، ورجفت أبصار الطواغيث إِلَيْهِم، وَمد الصَّلِيب بذراعيه عَلَيْهِم، وَأَيْدِيكُمْ بعزة الله أقوى، وَأَنْتُم الْمُؤْمِنُونَ أهل الْبر وَالتَّقوى، وَهُوَ دينكُمْ فانصروه، وجواركم الْغَرِيب فَلَا تخفروه، وسبيل الرشد قد وضح فاستبصروه. الْجِهَاد الْجِهَاد فقد تعين. الْجَار الْجَار، فقد قرر الشَّرْع حَقه وَبَين، الله الله فِي الْإِسْلَام. الله الله فِي أمة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام. الله الله فِي الْمَسَاجِد المعمورة بِذكر الله، الله الله فِي وَطن الْجِهَاد فِي سَبِيل الله، فقد اسْتَغَاثَ بكم الدّين فأغيثوه، وَقد تَأَكد عهد الله وحاشاكم أَن تنكثوه. أعينوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 إخْوَانكُمْ بِمَا أمكن من إِعَانَة، أعانكم الله عِنْد الشدائد. جردوا عوائد الحمية يصل الله لكم جميل العوائد. صلوا رحم الْكَلِمَة. وَاسَوْا بِأَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالكُمْ تِلْكَ الطوائف الْمسلمَة. كتاب الله بَين أَيْدِيكُم، وألسنة الْآيَات تناديكم، وَالله سُبْحَانَهُ يَقُول فِيهِ: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم} ، وَسنة رَسُول الله قَائِمَة فِيكُم. وَمِمَّا صَحَّ عَنهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله، حرمهَا الله على النَّار. لَا يجْتَمع غُبَار فِي سَبِيل الله ودخان جَهَنَّم. من جهز غازيا فِي سَبِيل الله، فقد غزا، أدركوا أرمق الدّين قبل أَن يفوت. بَادرُوا عليل الْإِسْلَام قبل أَن يَمُوت. احْفَظُوا وُجُوهكُم مَعَ الله يَوْم يسلكم عَن عباده، جاهدوا فِي سَبِيل الله بالأنفس وَالْأَمْوَال، والأقوال حق جهاده. (مَاذَا يكون جوابكم لنبيكم ... وَطَرِيق هَذَا الْعذر غير ممهد) (إِن قَالَ لم فرطتم فِي أمتِي ... وتركتموهم لِلْعَدو المعتد) (تالله لَو أَن الْعقُوبَة لم تخف ... لكفا الحيا من وَجه ذَاك السَّيِّد) اللَّهُمَّ أعطف علينا قُلُوب الْعباد. اللَّهُمَّ بَث لنا الحمية فِي الْبِلَاد. اللَّهُمَّ دَافع عَن الْحَرِيم الضَّعِيف وَالْأَوْلَاد. اللَّهُمَّ انصرنا على أعدائك، بأحبابك وأوليائك يَا خير الناصرين. اللَّهُمَّ أفرغ علينا صبرا، وَثَبت أقدامنا وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين. وَصلى الله على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، وعَلى آله وَصَحبه، وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين، يَا رب الْعَالمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 ووصلني كتاب السُّلْطَان رَضِي الله عَنهُ يعرف بِفَتْح أطريرة واستيلائه عَلَيْهَا عنْوَة وَذَلِكَ بِخَط يَده، فَعرفت من أهل حَضرته الَّذين أعجلهم إسراع الْحَرَكَة عَن اللحاق بِهِ أَيهَا النَّاس، ضاعف الله بمزيد النعم سروركم، وتكفل بِلُطْفِهِ الْخَفي فِي هَذَا الْقطر الْغَرِيب أُمُوركُم. أبشركم بِمَا كتبه سلطانكم السعيد عَلَيْكُم، المترادفة بَين الله وسعادته نعم الله عَلَيْكُم، أمتع الله الْإِسْلَام بِبَقَائِهِ وأيده على أعدائه، وَنَصره فِي أرضه بملائكة سمائه، وَإِن الله فتح لَهُ الْفَتْح الْمُبين، وأعز بحركة جهاده الدّين، وبيض وُجُوه الْمُؤمنِينَ، وأظفره بأطريرة الْبَلَد الَّذِي فجع الْمُسلمين بأسراهم فجيعة تثير الحمية، وتحرك النُّفُوس الأبية، وانتقم الله مِنْهُم على يَده، وبلغه من استيصالهم غَايَة مقْصده، فَصدق من الله لأوليائه على أعدائه، الْوَعْد والوعيد، وَحكم بإبادتهم المبدي المعيد، وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى وَهِي ظالمة، إِن أَخذه أَلِيم شَدِيد، وَتحصل من سَبْيهمْ، بعد مَا رويت السيوف بدمائهم، أُلُوف عديدة، لم يسمع بِمِثْلِهَا فِي المدد المديدة، وَلَا فِي العهود الْبَعِيدَة، وَلم يصب من إخْوَانكُمْ الْمُسلمين عدد يذكر، وَلَا رجل مُعْتَبر. فتح هنى، وصنع سنى، ولطف خفى، ووعد وَفِي، فاستبشروا بِفضل الله وَنعمته، وثقوا على الافتقار والانقطاع برحمته، وَقَابَلُوا نعمه بالشكر يزدكم، واستنصروا فِي الدفاع عَن دينكُمْ، ينصركم ويؤيدكم، واغتبطوا بِهَذِهِ الدولة الْمُبَارَكَة الَّتِي لم تَعْدَمُوا من الله مَعهَا عَيْشًا خصيبا، وَلَا رَأيا مصيبا، وَلَا نصرا عَزِيزًا، وفتحا قَرِيبا، وَتَضَرَّعُوا فِي بَقَائِهَا، وَنصر لوائها، لمن لم يزل سميعا للدُّعَاء مجيبا. وَالله عز وَجل يَجْعَل البشائر الفاشية فِيكُم عَادَة، وَلَا يعدمكم وَلَا للْوَلِيّ الْأَمر، تَوْفِيقًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وسعادة. وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. من مبلغ ذَلِك إِلَيْكُم ابْن الْخَطِيب ظهاير الْأُمَرَاء والولاة صدر عني لشيخ الْغُزَاة بالحضرة الْعلية أبي زَكَرِيَّا يحيى بن عمر بن رحو لأوّل دولة أَمِير الْمُسلمين السُّلْطَان أبي عبد الله بن نصر رَضِي الله عَنهُ هَذَا ظهير كريم، مَنْزِلَته فِي الْمظهر الْكَرِيمَة منزلَة المعتمدية فِي الظّهْر الْكِرَام. أطلع وَجه التَّعْظِيم سَافر القسام، وَعقد راية الْعِزّ السامية الْأَعْلَام، وجدد كريم المتات. وقديم الذمام، وانتضى للدّين عَن حوزة الدّين حساما، هز بمضائه صدر الحسام، فأعلى تجديده بشد أزر الْملك، ومناصحة الْإِسْلَام، وأعرب عَن الاعتنا الَّذِي لَا تخلق جدته اللَّيَالِي وَالْأَيَّام. أَمر بِهِ الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره، وأعز نَصره، لوَلِيِّه الَّذِي هُوَ عماد سُلْطَانه، وَوَاحِد خلصانه، وَسيف جهاده، وَرَأس أولى الدفاع من بِلَاده، وعضد ملكه، ووسطى سلكه: الشَّيْخ الكذا ابْن الشَّيْخ الكذا زَاد الله مجده علوا، وَقدره سموا، وجهاده ثَنَا متلوا. لما كَانَ مَحَله من مقَامه الْمحل الَّذِي تتقاصر عَنهُ أبصار الأطماع، فترتد خاسرة، وَكَانَ للدفاع عَن دولته يدا باطشة، ومقلة باصرة، فَهُوَ ملك أمورها، وَارِدَة أَو صادرة، وَسيف جهادها الَّذِي أَصبَحت بمضائها ظافرة، وعَلى أعدائها ظَاهِرَة، وَكَانَ لَهُ الصيت الْبعيد، والرأي السديد الحميد، والحسب الَّذِي يَلِيق بِهِ التمجيد، وَالْقدر الَّذِي سما مِنْهُ الْجد، وعرفه بِهِ الْقَرِيب والبعيد، وَالْجهَاد الَّذِي صدق فِي قَوَاعِده، كالاجتهاد والتقليد، فَإِن قاد جَيْشًا أبعد غارته، وَإِن دبر أمرا أحكم إدارته، مستظهرا بالجلال الَّذِي لبس شارته، فَهُوَ وَاحِد الزَّمَان، وَالْعدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 الرفيعة، من عدد الْإِيمَان، وَمن لَهُ بِذَاتِهِ وسلفه علو الشان، وسمو الْمَكَان، والحسب الوثيق الْبُنيان، ولبيته الْكَرِيم من نجد حق السَّابِقَة فِي ولَايَة هَذِه الأوطان، والمدافعة عَن حوزة الْملك، وَحمى السُّلْطَان، إِن فوخر، فاصدعوا بالمفاخر الْمَعْلُومَة، ومتوا إِلَى ملك الْمغرب ببنوة العمومة، وتزينوا من خُيَلَاء الْعِزّ بالتيجان الْمَنْظُومَة، فهم سيوف الدّين، وأبطال الميادين، وأسود العرين، ونجوم سَمَاء بني مرين. وَكَانَ سلفه الْكَرِيم رَضِي الله عَنهُ يستضيء من رَأْيه بالشهاب الثاقب، ويحله من بِسَاط تقريبه أَعلَى الْمَرَاتِب، ويستوضح كنه جَمِيع الْمذَاهب، ويستظهر بِصدق دفاعه على جِهَاد الْعَدو المكاذب، وَيرى أَن عز دولته وَسيف صولته، وذخيرة فخره، وسياج أمره، جدد لَهُ هَذِه الرتب تجديدا صير الْغَايَة مِنْهَا ابتدا، واستأنف بِهِ أعلا، وَلم يدّخر بِهِ حظوة، وَلَا اعتنا. وَحين صير الله إِلَيْهِ ملك الْمولى أَبِيه بمظاهرته ورأيه، وقلده قلادة الْملك الْأَصِيل وراثة آبَائِهِ، وَحمد سَعْيه بعد أَن سبق الألوف إِلَى الْأَخْذ بثأره، وعاجلت البطشة الْكُبْرَى يَد ابتداره، وأردى بِنَفسِهِ الشقى الَّذِي سعى فِي تبديد الْإِسْلَام وإطفاء أنواره، على تعدد خلصان الْملك يَوْمئِذٍ، وتوفر أنصاره، فاستقر الْملك فِي قراره، وانسحب السّتْر على مَحَله. وامتد ظلّ الْحِفْظ على دَاره. عرف وَسِيلَة هَذَا الْمقَام الَّذِي قامه، والوفا الَّذِي رفع أَعْلَامه، فَألْقى إِلَيْهِ فِي مُهِمّ الْأُمُور بالمقاليد، وألزمه مُلَازمَة الْحُضُور مَجْلِسه السعيد، وَشد يَد الِاغْتِبَاط على قربه مستمنحا مِنْهُ بِالرَّأْيِ السديد، ومستندا من وده إِلَى الرُّكْن الشَّديد، وأقامه بِهَذِهِ الجزيرة الأندلسية عماد قومه، فَهُوَ فيهم يعسوب الكتيبة، ووسطى العقد الفريد، وفذلكة الْحساب، وَبَيت القصيد، فدواره مِنْهُم للشريد مأوى الطريف والتليد، وَالْكَفِيل بِالْحُسْنَى والمزيد. يقف بِبَابِهِ أمراؤهم، ويركض خَلفه كبراؤهم، مجددا من ذَلِك مَا عقده سلفه من تَقْدِيمه، وأوجبه مزية حَدِيثَة وقديمة. فَهُوَ شيخ الْغُزَاة على اخْتِلَاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 قبائلهم، وتشعب وسائلهم، تتفاضل دَرَجَات الْقبُول عَلَيْهِم بتعريفه، وتشرف أقداره لديهم بتشريفه، وَتثبت واجباتهم بتقديره، وينال لَهُم الْمَزِيد بتحقيقه للغنا مِنْهُم وَتَقْرِيره، فَهُوَ بعده، أيده الله، قبْلَة آمالهم، وميزان أَعْمَالهم، والأفق الَّذِي يصوب من سَحَاب رفده غمام نوالهم، وَالْيَد تستمنح عَادَة أطعمتهم وَأَمْوَالهمْ، فليتول ذَلِك عَظِيم الْقدر، منشرح الصَّدْر، حَالا من دارة حشمهم مَحل الْقلب من الصَّدْر، متألقا فِي هالته تألق الْبَدْر، صادعا بَينهم باللغات الزناتية، الَّتِي تدل على الْأَصَالَة العريقة، وَاللِّسَان الْحر. وَهُوَ إِن شَاءَ الله الحسام الَّذِي لَا يُنَبه على الضريبة، وَلَا يزِيدهُ حسنا جلب الحلى العجيبة، حَتَّى يشْكر الله والمسلمون اغتباط مقَامه بِمثلِهِ، ويربى بره على من أسس بره من قبله، ويجتنى الْملك ثَمَرَة تقريبه من مَحَله. وَمن وقف على الظهير الْكَرِيم من الْغُزَاة أساد الكفاح: ومعتلقى السيوف، ومعتقلي الرماح، كماة الهيجاء، وحماة البطاح، حَيْثُ كَانُوا من موسطة ثغر، وَمن أقيم من موسطة ثغر، وَمن أقيم فِي رسم من الْجِهَاد أَو أَمر أَن يعلمُوا قدر هَذِه الْعِنَايَة المشرقة وَالْيَد المنطلقة، والحظوة المتألقة، فَتكون أَيْديهم فِيمَا قلدوا رده ليده، وعزائمهم متجهة إِلَى مقْصده فقدره فَوق الأقدار، وَأمره الَّذِي هُوَ نَائِب أمره، مُقَابل بالابتدار، على توالي الْأَيَّام، وتعاقب الْأَعْصَار. وَصدر عني ظهير شيخ الْغُزَاة أَيْضا أبي الْحسن عَليّ بن بدر الدّين رَحْمَة الله عَلَيْهِ هَذَا ظهير كريم، مَنْزِلَته من الظهائر، منزلَة الْمُعْتَمد بِهِ من الظهرا، وَمحله من الصكوك الصادرة عَن أعاظم الْمُلُوك، مَحَله من أولى الرَّايَات الخافقة العذبات والآراء. فتح على الْإِسْلَام، من بعد الْإِبْهَام أَبْوَاب السرا، وراق طرازا مذهبا على عاتق الدولة الغرا، وأعمل عوامل الْجِهَاد فِي طَاعَة رب الْعباد، مُنَازعَة لأهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 الْكفْر والعناد من بَاب الإعمال والإغراء، أَمر بِهِ فلَان لصدر صُدُور أودائه، وحسامه الْمَشْهُور على أعدائه، ووليه الَّذِي خبر صدق وفائه، وجلى فِي مضمار الخلوص لَهُ، مغبرا فِي وُجُوه الكفايه، شيخ شُيُوخ الْمُجَاهدين، وقائد كتائبه المنصورة إِلَى غَزْو الْكَافرين والمعتدين، وعدته الَّتِي يدافع بهَا عَن الدّين، وسابق وده المبرز فِي الميادين، الشَّيْخ الكذا، أبي فلَان بن فلَان، وصل الله سعده، وحرس مجده، وبلغه من مُظَاهرَة دولته ومؤازرة خِلَافَته قَصده. رفع قبَّة الْعِنَايَة والاختبار، على عماد، وأشاد بدعوة التَّعْظِيم سمعا كل حَيّ وجماد، وقابل السَّعْي الْكَرِيم بإحماد، وَأورد من الْبر غير ثماد، وَاسْتظْهر بالوفا الَّذِي لم يسْتَتر ناره برماد، وَلَا قصرت جياده عَن بُلُوغ آماد، وقلد سيف الْجِهَاد عاتق الْحسب اللّبَاب، وأعلق يَد الِاسْتِظْهَار بأوثق الْأَسْبَاب، واستغلظ على الْأَعْدَاء بِأحب الأحباب، لما قَامَت لَهُ الْبَرَاهِين الصادقة. على كريم شيمه، ورسوخ قدمه، وجنى مِنْهُ عِنْد الشدَّة ثَمَرَة مَا أولاه من نعمه، قَابل كرام ذممه، وَعِظَام خدمه، وَشد يَده على عَهده، الَّذِي عرفه حِين انتكث العقد، وأخف المعتقد، واستأسد النغد، وتنكر الصّديق، وَفرق الْفَرِيق، وسدت عَن النُّصْرَة الطَّرِيق، فأثقل لَهُ ميزَان الْمُكَافَأَة، وسجل لَهُ رسم المصافاة، وَجعله يَمِين الْملك الَّذِي بِهِ يناضل، ويقاطع ويواصل، وَسيف الْجِهَاد الَّذِي يحيى بمضائه، حوزة الْبِلَاد، ومرآة النصح الَّذِي يتجلى بِهِ وُجُوه الرشاد. فقدمه أَعلَى الله قدمه، وشكر نعمه، وأسعده فِيمَا يممه، وَنشر بالنصر علمه. شيخ الْغُزَاة بِحَضْرَتِهِ الْعلية، ومساير بِلَاده النصرية، ترجع الْقَبَائِل والأشياخ إِلَى نظره، فِي السكنات والحركات، ويبتدر على يَده من مقامنا الْكَرِيم غمائم البركات، وتقرر وسائلها بوساطة حظوته، وتقصر خطاها، اعترافا بِحقِّهِ الْوَاجِب عَن حظوته، فَعَلَيهِ تَدور أفلاك جَمَاعَتهمْ كلما اجْتَمعُوا وائتلفوا، وبحجة فَضلهمْ يَزُول إشكالهم مهمى اخْتلفُوا، وبلسانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 الْمُبين، يُقرر لَهُم مَا أسلفوا، وَفِي كنف رعيه. ينشأ من أعقبوا من النشء وخلفوا، وبأقدامه تنهض أَقْدَامهم مهمى توقفوا، فَهُوَ يعسوب كتائبهم الملتفة، وفرنان قطعهم المصطفة، وَسَهْم جوارحهم الفارهة، وَعين عيونهم النابهة، [وَتَأْويل أُمُورهم المتشابهة] عَن نظره، يردون وَيَصْدُرُونَ. وبإشارته يرشون ويبرزون، وآثاره يقتفون. وبتلعة، دواره [المرينى] فِي خدمَة مقامنا النصرى يقفون، فَهُوَ الَّذِي لَا تأنف أَشْرَاف الْقَبَائِل من اقتفا آثاره. وَلَا تجْهَل رفْعَة مِقْدَاره، فليبتد المزية بِالْحَقِّ، المستوحية للفخر لسابقة السَّعَادَة لعبد الْحق، ولذاته قصب السَّبق، ولوفائه الشُّهْرَة فِي الغرب والشرق. فليتول ذَلِك، تولاه الله. منشرحا بالعز صَدره، مشرقا من شمس سعادته بدره، مَعْرُوفا حَقه، مُعظما قدره، فَهِيَ خطة قومه، وفريسة حومه، وطية أمسه ويومه، وكفو خطته، ومرمى رتبته، وحلى جيده، ومظهر توفيقه وتسديده، مُطلقًا من عنان الثنا على الْغِنَا، معاملا بصديق الإطراء لِذَوي الأراء، مُتَعَمدا الإغضا هفوات المضا، مُعَرفا بالقبائل والعشائر والفضائل، كلما وفدوا من الْآفَاق للاستلحاق مِنْهَا على مظان الِاسْتِحْقَاق، مطبقا على الطباق، متميزا لجهادها يَوْم السباق، حَرِيصًا على إِنَّمَا الْأَعْدَاد، مطبقا مفاصل السداد، محتاطا على الْأَمْوَال الَّتِي يملى بهَا أكف الجباية، ضروع الْعباد، وَاضِعا مَال الله حَيْثُ وَضعه الْحق من الْوَرع والاستزاد، سِيمَا فِي هَذِه الْبِلَاد، حَتَّى تعظم المزايا والمزاين، وتتوفر الْكَتَائِب والخزائن، ويبهج السَّامع وَيسر المعاين، وَيظْهر الْفضل على من تقدم، وَعند الله يجد كل مَا قدم، فَهِيَ قلادة الله الَّتِي لَا يضيع من أضاعها، ويوفى صاعها، ويرضى من أعمل فِيهَا أوامره وأطاعها. وَهُوَ وصل الله سعادته، وحرس مجادته، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 أولى من لاحظ ضرارها، وَشد مزارها، واستطلع من ثنايا التَّوَكُّل على الله بشايرها، سنا وحسبا وجدا، وَأَبا وجدا وشبا، ونجدة وضحت مذهبا، وعَلى الْغُزَاة وفر الله جموعهم، وأنجد تَابعهمْ ومتبوعهم، أَن يعرفوا قدر هَذَا التَّعْظِيم، الَّذِي خَفَقت أَعْلَامه، وَصحت أَحْكَامه، والاختصاص الَّذِي لطف مَحَله، والاعتقاد الْكَرِيم الَّذِي صفى ظله، ليَكُون من إِيجَاب حَقه حَيْثُ حد ورسم، وَخبر ووصم، لَا يتَخَلَّف أحد مِنْهُم فِي خدمته، أيده الله على إِشَارَته الموفقة، وَلَا يشذ عَن رياسته الْمُطلقَة، بحول الله وقوته. وَكتب فِي كَذَا. وَمن ذَلِك ظهير أمليته للشَّيْخ الْأَجَل أبي الْعلي إِدْرِيس رَحْمَة الله عَلَيْهِ هَذَا ظهير كريم أطلع الرِّضَا وَالْقَبُول صباحا، وَأَنْشَأَ للعناية فِي جو الْوُجُود من بعد الركود رياحا، وأوسع الْعُيُون قُرَّة، والصدور انشراحا، وهيأ للمعتمد بِهِ مغدا فِي السَّعَادَة ومراحا. وهز مِنْهُ سَيْفا عتيقا يفوق اخْتِيَارا، ويروق التماحا، وولاه رياسة الْجِهَاد بالقطر الَّذِي تقدّمت الْولَايَة فِيهِ لسلفه فنال عزا شهيرا، وازداد مجدا صراحا، وَكَانَ ذَلِك لَهُ إِلَى أَبْوَاب السَّعَادَة مفتاحا. أَمر بِهِ وأمضاه، وَأوجب الْعَمَل بِحَسبِهِ وَمُقْتَضَاهُ الْأَمِير فلَان، لوَلِيِّه فِي الله، الَّذِي كَسَاه من جميل اعْتِقَاده حللا، وَأوردهُ من عذب رِضَاهُ منهلا، وعرفه عوارف قبُوله، مفصلا خطابها ومجملا، الشَّيْخ الكذا أَبُو الْعلي إِدْرِيس بن الشَّيْخ الكذا أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعلي، وصل الله لَهُ أَسبَاب سعادته، وحرس اكناف مجادته، وأجراه من ترفيع المكانة لَدَيْهِ على أجمل عَادَة سلفه وعادته. لما كَانَ لَهُ الْقدر الْجَلِيل، وَالْمجد الأثيل، وَالذكر الْجَمِيل، والفضائل الَّتِي كرم مِنْهَا الْإِجْمَال وَالتَّفْصِيل، وأحرز قصب السَّبق بِذَاتِهِ، إِذا ذكر الْمجد الطَّوِيل العريض، وَكَانَ قد أعمل الرحلة إِلَيْهِ، يحدوه إِلَى خدمته التأميل، ويبوء بِهِ الْحبّ الَّذِي وضح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 مِنْهُ السَّبِيل، وعاقه عَنهُ الْوَاقِع الَّذِي تبين فِي عذره الْجَمِيل، ثمَّ خلصه الله من ملكه الْكفْر الَّذِي قَامَ بِهِ على عنايته الدَّلِيل، قابله بِالْقبُولِ والإقبال، وفسح لَهُ ميدان الرِّضَا رحب المجال، وَصرف إِلَيْهِ وَجه الِاعْتِدَاد بمضائه رائق الْجمال، سافرا عَن بُلُوغ الآمال، وأواه من خدمته إِلَى ربوة منيعة الأرجاء وارفة الظلال، وَقطع عَنهُ الأطماع بِمُقْتَضى همته الْبَعِيدَة المنال، ثمَّ رأى، وَالله ينجح رَأْيه، ويشكر فِي سَبِيل الله عَن الْجِهَاد سَعْيه، أَن يستظهر بمضائه، ويصل لَدَيْهِ عوارف آلائه، ويعمر بِهِ رتب آبَائِهِ، فقدمه، أَعلَى الله قدمه، وشكر آلاءه ونعمه، شيخ الْغُزَاة الْمُجَاهدين، وكبير أولى الدفاع عَن الدّين، بِمَدِينَة مالقة حرسها الله، أُخْت حَضْرَة ملكه، وثانية الدرة الثمينة من سلكه وَدَار سلفه، وقرارة مجده، والأفق الَّذِي تألق مِنْهُ نور سعده، رَاجعا إِلَيْهِ نظر الْقَوَاعِد الغريبة، رندة وذكوان وَمَا إِلَيْهَا، رُجُوع الِاسْتِقْلَال والاستبداد، والعز الفسيح المجال الْبعيد الآماد، يَقُود جَمِيعهَا إِلَى الْجِهَاد، عَاملا على شاكلة مجده فِي الإصدار والإيراد، حَتَّى يظْهر على تِلْكَ الْجِهَات الْمُبَارَكَة آثَار الحماية والبسالة، وَيعود لَهَا عهد المجادة وَالْجَلالَة، وتتزين ملابس الإيالة، وَهُوَ يعْمل فِي ذَلِك الْأَعْمَال الَّتِي تلِيق بالمجد الْكَرِيم، والحسب الصميم، حَتَّى يَنْمُو عدد الحماة، ويعظم آثَار الْأَبْطَال الكماة، وَتظهر ثَمَرَة الاختبار، ويشمل الْأَمْن جَمِيع الأقطار، وتنسحم عَنْهَا أطماع الْكفَّار، وعَلى من يقف عَلَيْهِ من الفرسان، وفر الله أعدادهم، وأعز جهادهم، أَن يَكُونُوا ممتثلين فِي الْجِهَاد لأَمره، عارفين بِقَدرِهِ ممضين فِيمَا ذكر بِحكمِهِ، واقفين عِنْد حَده ورسمه، وعَلى سواهُم من الرعايا والخدام، والولاة والحكام، أَن يعرفوا قدر هَذَا الاعتنا الْوَاضِح الْأَحْكَام، وَالْبر الْمشرق القسام، فيعاملوه بِمُقْتَضى الإجلال وَالْإِكْرَام، والترفيع والإعظام. على هَذَا يعْتَمد، وبحبسبه (؟) يعْمل. وَكتب فِي كَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وأمليت ظهيرا للأمير أبي زيد بن عمر نَصه أَيْضا هَذَا ظهير كريم، بلغ فِيهِ الِاخْتِيَار، الَّذِي عضده الاختبار، إِلَى أقْصَى الْغَايَة، وَجمع لَهُ الْوِفَاق الَّذِي خدمه الْبَحْث والاتفاق، والأهلية الَّتِي شهِدت بهَا الْآفَاق، بَين تجمع الرَّأْي، وَنصر الرَّايَة، وأنتجت بِهِ مُقَدمَات الْوَلَاء نتيجة هَذِه الرُّتْبَة السامية، الْعلَا وَالْولَايَة، وَاسْتظْهر من الْمُعْتَمد بِهِ على قصد الْكَرِيم فِي سَبِيل الله ومذهبه، بليث من لُيُوث أوليائه، شَدِيد الْوَطْأَة على أعدائه والنكاية، وَفرع من فروع الْملك الْأَصِيل. مَعْرُوف الْأُبُوَّة والإباية، لتتضح صفحة النَّصْر الْعَزِيز، وَالْفَتْح الْمُبين، مجلية الْآيَة، وتدل بداءات هَذِه الدولة، الرافعة لمعالم الدّين، المؤيدة فِي الْأَفْعَال والأقوال، بمدد الرّوح الْأمين على شرف النِّهَايَة. أصدر حكمته وأبرم حكمه، وَقرر حَده الْمَاضِي ورسمه، عبد الله الْغَنِيّ بِاللَّه، مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، عضد الله كتايبه. وَكتب عضده، وَيسر فِي الظُّهُور على أَعدَاء الله قَصده، لوَلِيِّه المستولى على ميادين حَضرته وإيثاره، الفائز بالقدح الْمُعَلَّى من إجلاله وإكباره، ظهير استنصاره وَسيف جهاده، الْمعد ليَوْم ضريبته وَيَوْم افتخاره، ويعسوب قبائل الْغُزَاة بأصقاعه الجهادية وأقطاره. الْأَمِير الكذا ابْن الْأَمِير الكذا ابْن السُّلْطَان الكذا، وصل الله أَسبَاب سعده، وأنجز للْمُسلمين بمظاهرته إِيَّاه على الْكَافرين سَابق وعده، لما وَقد على بَابه الْكَرِيم، مؤثرا عَمَّا كَانَ بسبيله من جواره، ملقيا بمحله الجهادي عصى تسياره، مفضلا مَا عِنْد الله على رحب أوطانه وأنصاره، شِيمَة من أسْرع إِلَى خير الْآخِرَة ببداره، قبل اكتمال هلاله وإبداره، وعَلى انبعاث أمله واستقامة مَدَاره، قَابل أيده الله وفادته، بِالْقبُولِ الممنوح، والصدر المشروح، وَجعل لَهُ الشّرْب المهنإ فِي مناهل الصَّنَائِع الَّتِي صنع الله لملكه والفتوح، وَلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 يدّخر عَنهُ تَقْرِيبًا يقف الْأَوْلِيَاء دون مداه، وترفيعا تشهد بِهِ محافل الْملك ومنتداه، إِلَى أَن ظَفرت بِحَقِيقَة الْمُوَالَاة الْكَرِيمَة يَدَاهُ. ثمَّ استظهر بِهِ على أَعدَاء الله وعداه، فوفى النصح لله وَأَدَّاهُ، وأضمره وأبداه وتحلى بالبسالة وَالْجَلالَة وَالطَّهَارَة اللائقة بِمنْصب الْإِمَارَة فِي مراحه ومغداه، حَتَّى اتّفقت الْأَهْوَاء على فَضله وعفافه، وَكَمَال أَوْصَافه، وَظَهَرت عَلَيْهِ مخائل أسلافه. ثمَّ رأى الْآن، سدد الله رَأْيه، وشكر عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سَعْيه، أَن يوفد ركائب الِاعْتِقَاد على جنابه، ويفسح ميدان الِاسْتِظْهَار، بِحسن مَنَابه، ويصل أَسبَابه بأسبابه، ويضاعف بولايه الصَّادِق اهتمامه، ويقيمه فِي قَود عَسَاكِر الْجِهَاد الْبر مقَامه. فأضفى ملابس وده عَلَيْهِ، وَجعله فاتح أَبْوَاب الْجنَّة بِفضل الله بَين يَدَيْهِ، وأجراه مجْرى عضده، الَّذِي يتَصَدَّق عَنهُ الضريبة فِي المجال، وسيفه الَّذِي يفرج بِهِ مضايق الْأَهْوَال، ونصبه للقبائل الجهادية، قبله فِي مناصحة الله ومناصحة مَشْرُوعَة، وَرَايَة سعيدة فِي مظاهرته متبوعة، وَعقد لَهُ الْولَايَة الجهادية الَّتِي لَا تعدل بِولَايَة، وَلَا توازن عناية الْمُعْتَمد بهَا عناية، يشْهد بصراحة نَسَبهَا الدّين، ويتحلى بحلى غرتها الميادين. وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله نحلة نَبِي الْأمة وَمن بعده من الْأَئِمَّة، لَا سِيمَا فِي هَذَا الْقطر المتأكد الأذمة لأولى الدّين والهمة، فيتول ذَلِك تولى مثله، وَإِن قل وجود مثله، جَارِيا على سنَن مجده وفضله، سائرا من رضى الله على أوضح سبله، مُعْتَمدًا عَلَيْهِ فِي الْأَمر كُله. وليعلم أَن الَّذِي يخلق مَا يَشَاء ويختار، قد هيأ لَهُ من أمره رشدا، وسلك بِهِ طَرِيقا سددا، وَاسْتَعْملهُ الْيَوْم فِيمَا يحظه غَدا، وَجعل حَظه الَّذِي عوضه نورا وَهدى، وَأبْعد لَهُ فِي الصَّالِحَات مدا. ولينظر فِيمَن لَدَيْهِ من الْقَبَائِل الموفورة، والجموع المؤيدة المنصورة، نظرا يرِيح من الْعِلَل ويبلغ الأمل، ويرعى المهمل، وَيحسن القَوْل، وينجح الْعَمَل، منبها على أهل الْغِنَا والاستحقاق، مُسَددًا لعوائد الأرزاق، مُعَرفا بالغرباء الواردين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 من الْآفَاق، مُطيعًا مِنْهُم للطباق، متغمدا للهفوات بِحسن الْأَخْلَاق، مستجيدا للأسلحة والكراع، مبادرا هيآت الصَّرِيخ بالإسراع، مستدعيا للمشورة الَّتِي يَقع الحكم فِيهَا على حُصُول الْإِجْمَاع، رَفِيقًا بِمن ضعف عَن طول الباع، محتاطا على الْإِسْلَام فِي مَوَاقِف الدفاع [مقدما عِنْد اتجاه الأطماع صَابِرًا فِي المضايق على الفراع] مُتَقَدما للأبطال بالاصطناع. مُقَابلا نصائح أولى الْخِبْرَة بالاستماع، مُسْتَعْملا فِي الحروب من وُجُوه الخداع، حَتَّى يكون عمله وفْق شهرته الْبَعِيدَة المطار، وَسيرَته فِيمَا أسْند إِلَيْهِ مثلا فِي الأقطار، واستقامة التَّدْبِير على يَدَيْهِ، ذَرِيعَة إِلَى إرغام أنوف الْكفَّار، بِقُوَّة الله وَحَوله، وعزته وَطوله، وعَلى الْغُزَاة بالحضرة الْعلية، وَسَائِر الْبِلَاد النصرية من بني مرين، وَسَائِر قبائل الْمُجَاهدين، أَن يعرفوا قدره، ويمتثلوا فِي مرضاتنا أمره، ويكونوا مَعَه يدا وروحا وجسدا، وسعيا وعضدا، فبذلك يشملهم من الله، وَمن مقامنا، الرِّضَا وَالْقَبُول، والعز الْمَوْصُول، ويمضى فِي عَدو الله النصول، ويتأتى على خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْحُصُول إِن شَاءَ الله. وَمن وقف عَلَيْهِ، فَيعرف مَا لَدَيْهِ. وَكتب فِي كَذَا. وَاقْتضى نظر السُّلْطَان أعزه الله أَن قدم وَلَده على الْجَمَاعَة الْكُبْرَى من جَيش الْغُزَاة بِحَضْرَتِهِ الْعلية عِنْد قَبضه على يحيى بن عمر. فَكتبت فِي ذَلِك ظهيرا كَرِيمًا نَصه: هَذَا ظهير كريم فاتح بنير الألوية والبنود، وقود العساكر والجنود، وأجال فِي ميدان الْوُجُود [جنَاح الْبَأْس والجود] وأضفى ستر الحماية والوقاية بالتهائم والنجود، على الطائفين والعاكفين والركع وَالسُّجُود، عقد للمعتمد بِهِ عقد الشريف، وَالْقدر المنيف، زاكي الشُّهُود، وَأوجب المنافسة بَين مجَالِس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 السُّرُوج ومضاجع المهود، وسبر السيوف فِي الغمود، وَأَنْشَأَ ريح النَّصْر آمِنَة من الخمود، أمضى أَحْكَامه، وأنهد الْعِزّ أَمَامه، وَفتح عَن نصر السُّعُود كمامه، أَمِير الْمُسلمين عبد الله، الْغَنِيّ بِاللَّه، مُحَمَّد بن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين وناصر الدّين أبي الْحجَّاج. ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيده الله وَنَصره، لكبير وَلَده وسابق عَهده وَرَيْحَانَة خلده، وياقوتة الْملك على يَده، الْأَمِير الْكَبِير، الطَّاهِر الظَّاهِر الْأَعْلَى، وَاسِطَة السلك، وهلال سَمَاء الْملك، ومصباح الظُّلم الحلك، ومظنة الْعِنَايَة الأزلية، من مُدبر [الْملك، ومجري] الْفلك، عنوان سعده، وحسام نَصره، وعضده وسمى جده، وسلالة فَضله ومجده، السعيد المظفر الْهمام الْأَعْلَى الْمُجَاهِد المؤمل الأرضي أبي الْحجَّاج يُوسُف، ألبسهُ الله من رِضَاهُ عَنهُ حللا لَا تخلق جدَّتهَا الْأَيَّام، وَلَا تبلغ كنهها الأفهام، وبلغه من خدمته المبالغ الَّتِي يسر بهَا الْإِسْلَام، وتسبح فِي بحار صنائعها الأقلام، وحرس معاليها الباهرة بِعَيْنِه الَّتِي لَا تنام. وكنفه بركنه الَّذِي لَا يضام. فَهُوَ الْفَرْع الَّذِي جرى بخصله على أَصله، وارتسم نَصره فِي نصله، واشتمل جده على فَضله، وَشهِدت ألسن خلاله برفعة جَلَاله، وَظَهَرت دلايل سعادته فِي بَدْء كل أَمر وإعادته، لما صرف وَجهه إِلَى ترشيحه لافتراع صِفَات الْمجد الْبعيد المدا، وتوشيحه بِالصبرِ والحلم والبأس والندا، وأرهب مِنْهُ سَيْفا من سيوف الله لضرب هام العدا، وأطلعه فِي سَمَاء الْملك بَدْرًا هدا لمن رَاح وَغدا، وَأَخذه بالآداب الَّتِي تقيم من النُّفُوس أودا، ويبذر الْيَوْم ليجنى غَدا، ورقاه فِي رتب الْمَعَالِي طورا فطورا، وترقى للنبات وَرقا ونورا، ليجده بحول الله يدا باطشة بأعدائه، وَلِسَانًا مجيبا عِنْد ندائه، وطرازا على حلَّة عليائه، وغماما من غمام آلائه، وكوكبا وهاجا بسمائه، وَعقد لَهُ لِوَاء الْجِهَاد على الكتيبة الأندلسية من جنده، قبل أَن ينْتَقل عَن مهده، وظلله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 بجناح رايته، وَهُوَ على كتد دَابَّته. واستركب جَيش الْإِسْلَام ترحيبا بوفادته، وتنويها بمجادته، وَأثبت فِي غَرَض الْإِمَارَة النصرية سهم سعادته، رأى أَن يزِيدهُ فِي عنايته ضروبا وأجناسا، وَيتبع أَثَره نَاسا فناسا، قد اخْتلفُوا لِسَانا ولباسا، وَاتَّفَقُوا ابْتِغَاء لمرضات الله والتماسا، مِمَّن كرم انتماؤه، وزينت بالحسب الغر سماؤه، وَعرف غناؤه، وتأسس على المجادة بِنَاؤُه، حَتَّى لَا يدع من الْعِنَايَة فَنًّا إِلَّا جلبه إِلَيْهِ، وَلَا سَعَادَة فَخر إِلَّا جعلهَا فِي يَدَيْهِ، وَلَا حلية عز إِلَّا أضفى ملابسها عَلَيْهِ. وَكَانَ جَيش الْإِسْلَام فِي هَذِه الْبِلَاد الأندلسية، أَمن الله خلالها، وَسكن زِلْزَالهَا، وَصدق فِي رَحْمَة الله الَّتِي وسعت كل شَيْء آمالها، كلف همته، ومرعى أذمته، وميدان جياده، ومتعلق أمد جهاده، ومعراج إِرَادَته إِلَى تَحْصِيل سعادته، وسبيل خلاله إِلَى بُلُوغ كَمَاله. فَلم يدع عِلّة إِلَّا أزاحها، وَلَا طلبة إِلَّا أجال قداحها، وَلَا عَزِيمَة إِلَّا أورى اقتداها، وَلَا رَغْبَة إِلَّا فسح ساحها، أخذا مرونته بالتهذيب، ومصافه بالترتيب [أورى اقتداحها، وَلَا رَغْبَة، إِلَّا فسح ساحها، أَخذ مدونته بالتهذيب ومطافة بالترتيب، وآماله] بالتعريب محسنا فِي تلقي الْغَرِيب [وتأنيس الحريب، مستنجزا لَهُ وَبِه وعد النَّصْر الْعَزِيز وَالْفَتْح الْقَرِيب] وَرفع عَنهُ لهَذَا الْعَهْد، نظر من حكم الِاعْتِرَاض فِي حماته، واستشعر عروق الحسائف لتشذيب كماته، واستقل عَن حسن الوساطة لَهُم بمصلحة ذَاته، وجلب هباته، وتثمير مَاله، وتوفير أقواته، ذَاهِبًا أقْصَى مَذَاهِب التَّعْمِير بأمد حَيَاته، فانفرج الضّيق وخلص [إِلَى حسن نظره] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وساغ الرِّيق، ورضى الْفَرِيق، وَرَأى، وَالله الْكَفِيل بنجح رَأْيه، وشكر سَعْيه، وصلَة حفظه ورعيه، أَن يحمد لَهُم اختيارهم وَيحسن لديهم آثاره، ويستنيب فِيمَا بَينه وَبَين سيوف جهاده، وأبطال جلاده، وحماة أحوازه، وآلات اعتزازه، من يجْرِي مجْرى نَفسه النفيسة فِي كل مغنى، وَمن يكون لَهُ لفظ الْولَايَة، وَله أيده الله الْمَعْنى، فقدمه على الْجَمَاعَة الأولى كبرى الْكَتَائِب، ومقاد الجنائب، وأجمة الْأَبْطَال، ومزنة الودق الهطال، الْمُشْتَملَة من الْغُزَاة على مشيخة آل يَعْقُوب، نسب الْمُلُوك الْكِرَام، وأعلام الْإِسْلَام، وَسَائِر قبائل بني مرين، لُيُوث العرين، وَغَيرهم من اصناف الْقَبَائِل، وَأولى الْوَسَائِل، يحوط جَمَاعَتهمْ، وَيرْفَع بتفقده إضاعتهم، ويستخلص لله، ولأبيه أيده الله، طاعتهم، وتشرق بإمارته مراكبهم، ويزين هلاله الناهض إِلَى الإبدار على فلك سَعَادَة الْإِنْذَار كواكبهم، تَقْدِيمًا اشرق لَهُ وَجه الدّين الحنيف وتهلل، وأحس باقتراب مَا أمل. فللخيل اختيال ومراح، وللأسل السمر اهتزاز وارتياح، وللصدور انْشِرَاح، وللآمال مغدى فِي فضل الله ومراح، فليتول ذَلِك، أسعده الله تولى مثله، فَمن اسرة الْملك أسرته، وأسرة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أسرته، وَالْملك الْكَرِيم اصل لفرعه، وَالسَّبَب الْعَرَبِيّ منجد لطيب طبعه، أَخذ أَشْرَافهم بترفيع الْمجَالِس، بِنِسْبَة أقدارهم، مقربا حسن اللقا بإيثارهم، شاكرا غناءهم، مستدعيا ثناءهم، مستدرا لأرزاقهم، موجها المزية بِحَسب استحقاقهم، شافعا لَدَيْهِ فِي رغباتهم المؤملة ووسائلهم المتحملة، مسهلا الْإِذْن لوفودهم المتلاحقة، منفقا لبضائعهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 النافقة، مونسا لغربائهم، مستجلبا أَحْوَال أَهْليهمْ وغربائهم، مُمَيّزا بَين أغفالهم ونبهائهم، وعَلى جَمَاعَتهمْ رعى الله جهادهم، ووفر أعدادهم، أَن يطيعوه فِي طَاعَة الله وَطَاعَة أَبِيه، ويكونوا يدا وَاحِدَة على دفاع أعادي الله وأعاديه، ويشدوا فِي مواقفه الْكَرِيمَة أزره، ويمتثلوا نَهْيه وَأمره، حَتَّى يعظم الِانْتِفَاع، ويثمر الدفاع ويخلص المصال لله والمصاع، فَلَو وجد، أيده الله، غَايَة فِي تشريفهم لبلغها، أَو موهبة لسوغها، لَكِن مَا بعد وَلَده الْعَزِيز عَلَيْهِ مَذْهَب، وَلَا وَرَاء مباشرتهم بِنَفسِهِ مرغب. وَالله منجح الْأَعْمَال، ومبلغ الأمال، وَالْكَفِيل بسعادة الْمَآل. فَمن وقف على هَذَا الظهير الْكَرِيم، فَليعلم مِقْدَار مَا تضمنه من أَمر مُطَاع، وفخر مُسْند إِلَى إِجْمَاع، وَوُجُوب اتِّبَاع. وَليكن خير مرعى لخير رَاع بحول الله. وأقطعه، أيده الله، ليَكُون بعض الْموَاد لازواد سَفَره، ومحاط سَفَره، من جملَة مَا أولاه من نعمه، وسوغه من موارد كرمه، جَمِيع الْقرْيَة المنسوبة إِلَى عرب غَسَّان، وَهِي الْمحلة الأثيرة والمنزلة الشهيرة، تَنْطَلِق عَلَيْهَا أَيدي خُدَّامه وَرِجَاله، جَارِيَة مجْرى صَحِيح مَاله، محررة من كل وظيف لاستغلاله إِن شَاءَ الله، فَهُوَ الْمُسْتَعَان سُبْحَانَهُ. وَكتب فِي كَذَا. وَفِي ظهير أَخِيه لتقديمه على الكتيبة الثَّانِيَة من جَيش الْغُزَاة هَذَا ظهير كريم جعل الله لَهُ الْمَلَائِكَة ظهيرا، وَعقد مِنْهُ فِي سَبِيل الله، لِوَاء مَنْصُور، وَأعْطى الْمُعْتَمد بِهِ بِالْيَمِينِ كتابا منشورا، وَمَا كَانَ عَطاء رَبك محذورا، وأطلع صبح الْعِنَايَة المبصرة الْآيَة، يبهر سفورا، ويسطع نورا، واقر عيُونا للْمُسلمين، وَشرح صدورا، ووعد الْأَهِلّة أَن تصير بإمداد شمس الْهدى إِيَّاهَا بدورا، وَبشر الْإِسْلَام بالنصر المنتظر، وَالْفَتْح الرَّائِق الْغرَر مواسطا وثغورا، وأتبع حماة الدّين لِوَاء الْإِمَارَة السعيدة النصرية، فأسعد بِهِ آمرا، وَأكْرم بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 مَأْمُورا. أَمر بِهِ وأمضاه، وَأوجب حكمه وَمُقْتَضَاهُ، الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره، وَأَعْلَى ذكره لقرة عينه وَمُقْتَضى حَقه فِي الْعدَد وَدينه، [وعضد درعه] آيَة لوحه، ودرة قلادته، وذرى أفلاك مجادته، وَسيف نَصره، وهلال قصره، وزينه عصره، ومتقبل هَدْيه ورشده، ومظنة إشراف سعده، وإنجاز وعده، وَلَده الأسعد، وسليل ملكه الْمُؤَيد، الْأَمِير الْأَجَل الْأَعَز الأسمى الْأَسْنَى الأطهر الْأَظْهر الْأَعْلَى، لابس أَثوَاب رِضَاهُ، وَنعمته، ومنحة الله لنصره وخدمته، ومظهر عز نَصره، وَبعد همته، الراضى الْعَالم الْمُجَاهِد، حامي الْحمى، تَحت ظلّ الْإِسْلَام، الَّذِي يَأْمَن بِهِ من إضاعته، المحرز مزايا الْأَعْمَال الطاهرة، حَظّ الشَّهْر فِي يَوْمه، وحظ الْيَوْم فِي سَاعَته، الموقر المهيب، المؤمل، الْمُعظم، أبي النَّصْر سعد، عرفه الله بركَة سعد بن عبَادَة جده، خَال رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَأعظم بمجده، ووزيره فِي حلّه وعقده، وإجناه ثَمَرَة النَّصْر الَّذِي كناه بِهِ، وَوصل سَببه بسبيه، فَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْده، وأنتج لَهُ الْفَتْح الْمُبين فِي مقدمتي نَصره وعضده. لما صرف وَجه عنايته، فِي هَذِه الْبِلَاد الأندلسية، الَّتِي خلص لله انفرادها وانقطاعها، وتمحص لِأَن تكون كلمة الله الْعليا قراعها، وَصدق مصالها فِي سَبِيل الله ومصاعها، إِلَى مَا يمهد أرجاءها، ويحقق رجاها، من سلم يعْقد، وَلَا يعْدم الحزم مَعَه وَلَا يفقد، وَعَطَاء ينفذ، وَرَأى لَا يتعقب وَلَا ينْقد، وَحرب تتضمر لَهَا الْجِيَاد، وتعتقل الأسل المياد. وَكَانَ الْجَيْش روض أمله الَّذِي فِي جناه يسرح، ومرمى فكره الَّذِي عَنهُ لَا يبرح، فديوانه ديوَان أمانيه، الَّذِي تسهب فِيهِ وتسترح، اسْمَعْهُ من سياسته أوفى الحظوظ وأسفاها، وَقصر عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 لفظ الْعِنَايَة وَمَعْنَاهَا، فأزاح علله، وَأَحْيَا أمله، وَأَنْشَأَ جذله، وَرفع عَنهُ من لم يبْذل الْحَد لَهُ، وَلَا أخْلص فِيهِ إِلَّا لله عمله، وَاخْتَارَ لقياده مغانيه المنصورة، وإمارة غَزَوَاته المبرورة، أقرب النَّاس إِلَى نَفسه نسبا، وأوصلهم فِيهِ سَببا، وأحقهم بالرتبة المنيفة، والمظاهر الشَّرِيفَة، ذاتا وَأَبا، وحدا وشبا، وَأمره على أَشْرَافهم، وَدلّ بِهِ الإقبال على أعرافه، وَصرف إِلَيْهِ آماله، وَاسْتعْمل فِي إسنة يَمِينه، وَفِي أَعِنَّة شِمَاله، وَعقد عَلَيْهِ ألويته الخافقة لعزة نَصره، وَرَأى الظُّهُور على أَعدَاء الله جنا فهيأه لمصره، وأدار هَالة قتام الْجِهَاد عَن قرب بِالْولادَةِ على بدره وَنبهَ نفوس الْمُسلمين، على جلالة قدره، وَقدمه على الكتيبة الثَّانِيَة من عَسْكَر الْغُزَاة الْمُشْتَملَة على الْأَشْيَاخ من أَوْلَاد يَعْقُوب كبار بني مرين، وَسَائِر قبائلهم الْمُكرمين، وَغَيرهم من الْقَبَائِل المحترمين، يَنُوب عَن أمره، وَعرض مسايلهم، وقرى وافدهم، وأجرى عوايدهم، تَقْدِيمًا تهلل لَهُ الْإِسْلَام، واستبشر وتيقن الظفر، فاستبصر لما علم من استنصر، فليخلصوا لله فِي طَاعَته الْكُبْرَى المطاعة، وليعلقوا ببنان نداه بنان الطَّاعَة، ويؤملوا على يَدَيْهِ نجح الْوَسِيلَة إِلَى مقَامه والشفاعة، ويعلموه أَن اختصاصهم بِهِ هُوَ العنوان على رفع محالهم لَدَيْهِ، وَعزة شَأْنهمْ عَلَيْهِ، فَلَو وجد هضبة أَعلَى لفرعها لَهُم وعلاها، أَو [عزت] عزة مجلاها، أَو قبْلَة أزكى، لصرف وُجُوههم شطرها وولاها، حَتَّى تجني ثَمَرَة هَذَا الْقَصْد، وتعود بالسعد حَرَكَة الرصد، وَتَعْلُو ذؤابة الْمجد، وَتشهد بنصر الدّين على يَده أَلْسِنَة الْغَوْر والنجد بِفضل الله وَعَلِيهِ، أسعد الله الدولة بِاسْتِعْمَالِهِ مكافحا بأعلامها، وزينا لأيامها، وسيفا فِي طَاعَة الله وَطَاعَة إمامها، أَن يقدم مِنْهُم بمجلسه أهل التَّقَدُّم، ويقابل كرامهم بالتكريم، ويستدعي آراء مشايخهم فِي المشكلات من أُمُور الْحَرْب، وَيَقْتَضِي حُقُوق عزايمهم فِي موقف الطعْن وَالضَّرْب، ويتفقدهم بإحسانه عِنْد الْغِنَا، ويقابل حميد سَعْيهمْ بالثنا. على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 هَذَا يعْتَمد، وبحسبه يعْمل، وَهُوَ الْوَاجِب الَّذِي لَا يهمل، فَمن وقف عَلَيْهِ، فليتول أمره بالامتثال، وقصده بالإعظام والإجلال، والانقياد الَّذِي يعود بالآمال، ونجح الْأَعْمَال، بحول الله وقوته. وَكتب فِي كَذَا. وَمن إملائي ظهير قَاضِي الْجَمَاعَة أبي الْحسن بن الْحسن هَذَا ظهير كريم، أنتج مَطْلُوب الِاخْتِيَار قِيَاسه، وَدلّ على مَا يرضى الله عز وَجل التماسه، أطلع نور الْعِنَايَة يجلو الظلام نبراسه، وَاعْتمد بمثوبة الْعدْل من عرف باقتراع هضبتها ناسه، وَألقى بيد الْمُعْتَمد بِهِ، زِمَام الِاعْتِقَاد الْجَمِيل تروق أَنْوَاعه وأجناسه، وشيد مبْنى الْعِزّ الرفيع فِي قنة الْحسب المنيع، وَكَيف لَا وَالله بانيه، وَالْمجد أساسه. أَمر بِهِ وأمضى الْعَمَل بِحَسبِهِ، الْأَمِير عبد الله مُحَمَّد ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين أبي الْحجَّاج ابْن أَمِير الْمُسلمين أبي الْوَلِيد بن نصر، أيد الله أمره، وأعز نَصره لقَاضِي حَضرته الْعلية، وخطيب حمرايه السّنيَّة، الْمَخْصُوص لَدَيْهِ بترفيع المزية، الْمَعْرُوف إِلَيْهِ خطاب الْقَضَاء بإيالته النصرية، قَاضِي الْجَمَاعَة، ومصرف الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة المطاعة، الشَّيْخ الكذا، أبي الْحسن ابْن الشَّيْخ الْوَزير الكذا أبي مُحَمَّد بن الْحسن، وصل الله سعادته، وحرس مجادته، عصب مِنْهُ جبين الْمجد بتاج الْولَايَة، وأجال قداح الِاخْتِيَار حَتَّى بلغ الْغَايَة، وَتجَاوز النِّهَايَة، فَألْقى مِنْهُ بِيَمِين عرابة الرَّايَة، وأحله مَحل اللَّفْظ من الْمَعْنى والإعجاز من الْآيَة، وَحشر إِلَى مُرَاعَاة ترفيعه وُجُوه الْبر وأعيان الْعِنَايَة، وأنطق بتبجيله ألسن أهل جيله، بَين الإفصاح وَالْكِنَايَة، وَلما كَانَ لَهُ الْحسب الَّذِي شهِدت بِهِ وَرَقَات الدَّوَاوِين، والأصالة الَّتِي قَامَت عَلَيْهَا صِحَاح الْبَرَاهِين، والإباء الَّذِي اعْتد بمضاء قضاتهم الدّين، وطبق مفاصل الحكم بسيوفهم الْحق الْمُبين، وازدان بمجالسة وزراهم السلاطين، فَمن فَارس حكم، أَو حَكِيم [بتدبير] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 أَو قَاض فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة ووزير، أَو جَامع بَينهمَا جمع سَلامَة لَا جمع تكسير. تعدد ذَلِك واطرد، وَوجد مشرع الْمجد عذبا فورد، وَقصرت النظراء عَن مداه فَانْفَرد، وَفرق الْفَرِيق فِي يَد الشَّرْع فاشبه السَّيْف الْفَرد، وَجَاء فِي أَعْقَابهم محييا لما درس، بِمَا حقق ودرس، جانيا لما بذر السّلف الْمُبَارك واغترس، طَاهِر النشأة وقورها، مَحْمُود السجية مشكورها، متحليا بِالسَّكِينَةِ، حَالا من النزاهة بالمكانة المكينة، ساحبا أذيال الصون، بَعيدا عَن الاتصاف بِالْفَسَادِ من لدن الْكَوْن. فخطبته الخطط الْعلية، واغتبطت بِهِ المجادة الأولية، واستعملته دولته الَّتِي ترتاد أهل الْفَضَائِل للرتبة وتستظهر على المناصب بأبناء التقى والحسب وَالْفضل وَالْمجد وَالْأَدب، مِمَّن يجمع بَين الطارف والتالد، وَالْإِرْث والمكتسب، فَكَانَ معدودا من عدُول قضاتها، وصدور نبهائها، وأعيان وزرائها، وَأولى آرئها. فَلَمَّا زَان الله خِلَافَته بالتمحيص، المتجلي عَن التَّخْصِيص، وخلص ملكه الْأَصِيل كالذهب الأبزيز من بعد التخليص، كَانَ مِمَّن صحب ركابه، الطَّالِب للحق بِسَيْفِهِ الْحق، وسلك فِي مظاهرته أوضح الطّرق، وجادل من حاده بأمضى من الْحداد الذلق، واشتهر خبر وفائه فِي الغرب والشرق، وَصلى بِهِ صَلَاة الْحَضَر وَالسّفر، والأمن والحذر، وخطب فِي الْأَمَاكِن الَّتِي بعد [بِذكر الله] عهدها، وخاطب عَنهُ أيده الله المخاطبات الَّتِي حمد قَصدهَا، حَتَّى اسْتَقل ملكه فَوق سَرِيره، وانتهج مِنْهُ الْإِسْلَام بأميره، وَابْن أميره، وَنزل السّتْر على [الْعباد والبلاد] ببركة إيالته، ويمن تَدْبيره. وَكَانَ الجليس الغرب الْمحل، والحظى المشاور فِي العقد والحل، وَالرَّسُول المؤتمن على الْأَسْرَار، والأمين على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 الْوَظَائِف الْكِبَار، فزين الْمجْلس السلطاني بالوقار، ومتحف الْملك بغريب الْأَخْبَار، وخطيب منبره العالي فِي الْجِهَات، وقارىء الحَدِيث لَدَيْهِ فِي المجتمعات. ثمَّ رأى أيده الله، أَن يُشْرك رَعيته فِي نَفعه، وَيصرف عوامل الحظوة إِلَى مزِيد رَفعه، ويجلسه مجْلِس الشَّارِع، صلوَات الله عَلَيْهِ، لإيضاح شَرعه، أَصله وفرعه، وَقدمه أَعلَى الله قدمه، وشكر آلائه ونعمه، قَاضِيا بالأمور الشَّرْعِيَّة، وفاصلا فِي القضايا الدِّينِيَّة. بِحَضْرَة غرناطة الْعلية، تَقْدِيم الِاخْتِيَار والانتقاء وَأبقى لَهُ فَخر السّلف على الْخلف، وَالله يمتعه بطول الْبَقَاء، فليتول ذَلِك عادلا فِي الحكم بِنور الْعلم، مسويا بَين الْخُصُوم، حَتَّى فِي لحظه والتفاته، متصفا من الْحلم بِأَفْضَل صِفَاته، مهيبا فِي الدّين، رؤوفا بِالْمُؤْمِنِينَ، ومسجلا للحقوق، غير مبال فِي رضَا الْخَالِق بسخط الْمَخْلُوق، جزلا فِي الْأَحْكَام، مُجْتَهدا فِي الْفَصْل بأمضى حسام، مراقبا لله عز وَجل فِي النَّقْض والإبرام، وأوصاه بالمشورة، الَّتِي تقدح زناد التَّوْفِيق، والتثبت حَتَّى يتبلج قِيَاس التحقق بآراء مشيخة أهل التوثيق، عادلا إِلَى سَعَة الْأَقْوَال عَن الضّيق، سائرا من مَشْهُور الْمَذْهَب إِلَى أهْدى طَرِيق، وَصِيَّة أصدرها لَهُ مصدر الذكرى الَّتِي تَنْفَع، ويعلى بهَا الله إِلَى الدَّرَجَات وَيرْفَع، وَإِلَّا فَهُوَ عَن الوصاة غنى، وقصده قصد سنى، وَالله عز وَجل ولى إعانته، والحارس من التَّبعَات أكفاف ديانته، وَالْكَفِيل بحفظه من الشُّبُهَات وصيانته، وَأمره أيده الله، أَن ينظر فِي الأحباس على اختلافها، والأوقاف على شَتَّى أصنافها، واليتامى الَّتِي أسدلت كَفَالَة الْقُضَاة على ضعافها، فيذود عَنْهَا طوارق الْخلَل، وَيجْرِي أمورها بِمَا يتكفل لَهَا بالأمل. وليعلم أَن الله عز وَجل يرَاهُ، وَأَن فلتات الحكم، تعاوده الْمُرَاجَعَة فِي أخراه، فيدرع جنَّة تقواه، وَسُبْحَان من يَقُول إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 الْهدى هدى الله. فعلى من يقف عَلَيْهِ، أَن يعرف هَذَا الإجلال، صائنا منصبه عَن الْإِخْلَال، مبادرا أمره الْوَاجِب بالامتثال بحول الله. وَكتب فِي الثَّالِث من شهر الله الْمحرم، فاتح عَام أَرْبَعَة وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. وأمليت أَيْضا ظهيرا للمذكور بخطابه الْجَامِع الْأَعْظَم من غرناطة هَذَا ظهير كريم أَعلَى رُتْبَة الاحتفا اخْتِيَارا واختبارا، وَأظْهر مَعَاني الْكَرَامَة والتخصيص انتقاء واصطفاء وإيثارا، وَرفع لِوَاء الْجَلالَة على من اشْتَمَل عَلَيْهِ حَقِيقَة واعتبارا، ورقى فِي دَرَجَات من طاولتها علا بهر أنوارا، ودينا كرم فِي الصَّالِحَات آثارا، وزكا فِي الْأَصَالَة بخارا وخلوصا، إِلَى هَذَا الْمقَام الْعلي السعيد، راق إِظْهَارًا وإضمارا، أَمر بِهِ فلَان لقَاضِي الْجَمَاعَة الكذا أبي الْحسن ابْن الشَّيْخ الْوَزير الكذا أبي مُحَمَّد بن الْحسن، وصل الله عزته، ووالى رفعته، ووهبه من صلَة الْعِنَايَة الربانية أمله وبغيته. لما أصبح فِي صُدُور الْقُضَاة الْعلمَاء، مشارا إِلَى جَلَاله، مُسْتَندا إِلَى معارفه، الْمَخْصُوصَة بِكَمَالِهِ، مطمورا على الإفادة العلمية والأدبية، بمحاسنه البديعة وخصاله، محفوفا مقْعد الحكم النَّبَوِيّ، ببركة عَدَالَته، وَفضل خلاله، وَحل فِي هَذِه الحضرة الْعلية الْمحل الَّذِي لَا يرقاه إِلَّا عين الْأَعْيَان، وَلَا يتبوأ مهاده إِلَّا مثله من أَبنَاء الْمجد الثَّابِتَة الْأَركان، ومؤملي الْعلم الْوَاضِح الْبُرْهَان، والمبرزين بالمآثر الْعلية فِي الْحسن وَالْإِحْسَان، وتصدر لقَضَاء الْجَمَاعَة، فصدرت عَنهُ الْأَحْكَام الراجحة الْمِيزَان، والأنظار الْحَسَنَة الْأَثر والعيان، والمقاصد الَّتِي وفت بالغاية الَّتِي لَا تستطاع فِي هَذَا الميدان. فكم من قَضِيَّة جلى بمعارفه مشكلها، ونازلة مُبْهمَة فتح بإدراكه مقفلها، وحيلة مهمة عرف نكرتها وَقرر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 مهملها، حَتَّى قرت بعدالته وجزالته الظنون، وَكَانَ فِي تصديره لهَذِهِ الْآيَة الْعُظْمَى من الْخَيْر والخيرة، مَا عَسى أَن يكون، كَانَ أَحَق بالتشفيع للوجاهة وَأولى، وأجدر بمضاعفة النعم الَّتِي لَا تزَال تترادف على قدره الْأَعْلَى، فَلذَلِك اصدر لَهُ هَذَا الظهير الْكَرِيم، مشيدا بالترفيع والثنويه، ومؤكدا للاحتفاء والتوجيه، قدمه أَعلَى [الله قدره] وشكر نعمه، خَطِيبًا بالجامع الْأَعْظَم من حَضرته، مُضَافا ذَلِك إِلَى ولَايَته، ورفيع مَنْزِلَته، مرافقا [لمن] بالجامع الْأَعْظَم، عمره الله بِذكرِهِ، من علية الخطباء وكبار الْعلمَاء وَخيَار النبهاء والصلحاء، فليتداول ذَلِك فِي جمعاته مظْهرا أثر بركاته وحسناته، عَاملا على مَا يقربهُ عِنْد الله من مرضاته، ويظفره بجزيل مثوباته، بحول الله. وَثَبت فِي ظهير ريس الْكتاب الْفَقِيه أبي عبد الله ابْن زمرك هَذَا ظهير كريم، نصب الْمُعْتَمد بِهِ للأمانة الْكُبْرَى بِبَابِهِ فرفعه، وأفرد لَهُ متلو الْعِزّ وَجمعه، وأوتره وشفعه، وقربه فِي بِسَاط الْملك تَقْرِيبًا فتح لَهُ بَاب السَّعَادَة وشرعه، وَأَعْطَاهُ لِوَاء الْقَلَم الْأَعْلَى، فَوَجَبَ على من دون رتبته، من أولى صَنعته أَن يتبعهُ، ورعى لَهُ وَسِيلَة السَّابِقَة عِنْد استخلاص الْمُلُوك لما ابتزه الله من يَد الْغَاصِب وانتزعه، وحسبك من ذمام لَا يحْتَاج إِلَى شَيْء مَعَه. أَمر بِهِ الْأَمِير فلَان، وصل الله سعادته، وحرس مجادته، وأطلع لَهُ وَجه الْعِنَايَة، أبهى من الصُّبْح الوسيم، وأقطعه جَانب الإنعام الجسيم، وأنشقه أرج الخطوة عاطرة النسيم، وَنَقله من كرْسِي التدريس والتعليم إِلَى مرقى الثنويه والتعليم، والرتبة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 الَّتِي لَا يلقاها إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم، وَجعل أقلامه جيادا لإجالة أمره الْعلي، وخطابه السّني فِي ميادين الأقاليم، وَوضع فِي يَده أَمَانَة الْقَلَم الْأَعْلَى، جَارِيا من الطَّرِيقَة المثلى، على النهج القويم، واختصه بمزية الشفوف على كتاب بَابه والتقديم، لما كَانَ ناهض الوكر فِي طلبة حَضرته من الْبِدَايَة، وَلم تزل تظهر عَلَيْهِ لأولى التميز مخايل هَذِه الْغَايَة. فَإِن نظم أَو نثر أَتَى بالقصائد المنقولة، والمخاطبات المصقولة، فاشتهر فِي بَلَده وَغير بَلَده، وَصَارَت أزمة السِّقَايَة طوع يَده، بِمَا أوجب لَهُ المزية فِي يَوْمه وغده. وَحين رد الله علينا ملكنا الَّذِي جبر بِهِ جنَاح الْإِسْلَام، وزين وُجُوه اللَّيَالِي وَالْأَيَّام، وأدال الضيا من الإظلام. كَانَ مِمَّن وسمه الْوَفَاء وشهره، وعجم الْملك عود خلوصه وَخَبره، فَحَمدَ أَثَره، وشكر ظَاهره ومضمره، واستصحب على ركابه الَّذِي صحب الْيمن سَفَره، وأخلصت الْحَقِيقَة نفره، وكفل الله ورده وصدره، مَيْمُون النقيبة، حسن الضريبة، خَالِصا فِي الْأَحْوَال المريبة، ناطقا عَن مقَامه بالمخاطبات العجيبة، واصلا إِلَى الْمعَانِي الْبَعِيدَة، بالعبارة الْقَرِيبَة، مبرز الخدم الغريبة، حَتَّى استقام الْعِمَاد، ونطق بِصدق الطَّاعَة الْحَيّ والجماد، وَدخلت فِي دين الله أَفْوَاجًا الْعباد والبلاد، لله الْحَمد على نعمه الترة العهاد، وآلائه المتوالية الترداد، رعى لَهُ أيده الله، هَذِه الْوَسَائِل، وَهُوَ أَحَق من يرعاها، وشكره الخدم المشكور مسعاها، فقصر عَلَيْهِ الرُّتْبَة الشماء الَّتِي خطبهَا بوفائه، وَألبسهُ أَثوَاب اعتنائه، وفسح لَهُ مجَال آلائه. وَقدمه أَعلَى الله قدمه، وشكر نعمه، كَاتب السِّرّ، وَأمين النهى وَالْأَمر، تَقْدِيم الِاخْتِيَار [بعد الاختبار] والأغتباط بخدمته الْحَسَنَة الْآثَار، والتيمن باستخدامه قبل الْحُلُول بدار الْملك والاستقرار، وَغير ذَلِك من مُوجبَات الإيثار. فليتول ذَلِك عَارِفًا بمقداره، مقتفيا لآثاره، مستعينا بالكتم لأسراره، والاضطلاعه بعظيم أُمُوره وكباره، متصفا بِمَا يحمد من أَمَانَته وعفافه ووقاره، معطيا هَذَا الرَّسْم حَقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 من الرياسة، عَارِفًا أَنه أكبر أَرْكَان السياسة، حَتَّى يتَأَكَّد الِاغْتِبَاط بتقريبه وإدنائه، وتتوفر أَسبَاب الزِّيَادَة فِي إعلائه، وَهُوَ إِن شَاءَ الله، غنى عَن الوصاة مهما ثاقبا، وأدبا لعيون الْكَمَال مراقبا، فَهُوَ [يعْمل فِي] ذَلِك أقْصَى الْعَمَل، المتكفل يبلوغ الأمل، وعَلى من يقف عَلَيْهِ من حَملَة الأقلام وَالْكتاب [الْأَعْلَام] وَغَيرهم من الكافة والخدام، أَن يعرفوا قدر هَذَا الإنعام [والتقديم] الراسخ الْأَقْدَام، ويوجهوا مَا أوجب من الْبر وَالْإِكْرَام، والإجلال والإعظام. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ. [وَالَّذِي خاطبت بِهِ عَن نَفسِي أَو عَن السُّلْطَان يَنْقَسِم إِلَى مَكْتُوب عَن ولد الْملك أَو حرمه، أَو مُخَاطبَة سُلْطَان وَولي نعمه، أَو ريس طوق يدا، أَو فَاضل رَاح فِي الْفضل وَغدا] وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أَمِير الْمُسلمين السُّلْطَان الْكَبِير الْمُقَدّس، أَبَا الْحسن، لما قصدت تربته عقب مَا تذممت بجواره، وتوسلت فِي أغراضي إِلَى وَلَده، رَحْمَة الله عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْك ثمَّ السَّلَام، أَيهَا الْمولى الإِمَام، الَّذِي عرف فَضله الْإِسْلَام، وَأوجب حَقه الْعلمَاء الْأَعْلَام، وخفقت بعز نَصره الْأَعْلَام، وتنافست فِي إِنْفَاذ أمره وَنَهْيه السيوف والأقلام، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْمولى الَّذِي قسم زَمَانه إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 بَين حكم وَفضل [وإمضاء نصل] وإحراز خصل وَعبادَة [فاقت فِي الْيَقِين] على أصل. السَّلَام عَلَيْك يَا مقرّ الصَّدقَات الْجَارِيَة، ومشبع الْبُطُون الجائعة، وكاسي الظُّهُور الْعَارِية، وقادح زناد العزائم الوارية، ومكتب الْكَتَائِب الغازية، فِي سَبِيل الله، والسرايا السارية. السَّلَام عَلَيْك يَا حجَّة الصَّبْر وَالتَّسْلِيم، ومتلقى أَمر الله بالخلق الرضى وَالْقلب السَّلِيم، ومفوض الْأَمر فِي الشدائد إِلَى السَّمِيع الْعَلِيم، ومعمل البنان الطاهرة فِي اكتتاب الذّكر الْحَكِيم. كرم الله تربتك وقدسها، وَطيب روحك الزكية وأنسها، فَلَقَد كنت للدهر حمالا، وللإسلام ثمالا، وللمستجير مجيرا، وللمظلوم وليا ونصيرا. لقد كنت للمحارب صَدرا، وَفِي المواكب بَدْرًا، وللمواهب بحرا، وعَلى الْعباد والبلاد ظلا ظليلا وسترا. لقد فرعت أَعْلَام عزك الثنايا، وأجزلت همتك لملوك الأَرْض الْهَدَايَا، كَأَنَّك لم تعرض الْجنُود، وَلم تنشر البنود، وَلم تبسط الْعدْل الْمَحْدُود، وَلم تُوجد الْجُود، وَلم تريمن للرُّكُوع وَالسُّجُود، فتوسدت الثرى، وأطلت الْكرَى، وشربت الكأس الَّتِي شربهَا الورى، وأصبحت ضارع الخد، كليل الْجد، سالكا سنَن الْأَب الْفَاضِل وَالْجد، لم تَجِد بعد انصرام أملك إِلَّا صَالح عَمَلك، وَلَا صَحِبت لقبرك إِلَّا رابح تجرك، وَمَا أسلفت من رضاك وصبرك. فنسل الله أَن [يؤنس] اغترابك، ويجود بسحاب الرَّحْمَة ترابك، وينفعك بِصدق الْيَقِين، ويجعلك من [الْأَئِمَّة] الْمُتَّقِينَ، ويعلى درجتك فِي عليين، ويحشرك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين، [وليهنك] أَن صير الله ملكك بعْدك إِلَى نير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 سعدك وبارق رعدك، ومنجز وَعدك، أرْضى ولدك، وَرَيْحَانَة خلدك، وشقة نَفسك والسرحة الْمُبَارَكَة من عزمك، وَبدر شمسك، وموصل عَمَلك الْبر إِلَى رمسك. فقد ظهر عَلَيْهِ أثر دعواتك فِي حلولك وأعقاب صلواتك، فكلمتك والْمنَّة لله بَاقِيَة، وحسنتك إِلَى مَحل الْقبُول راقية، يرْعَى بك الْوَسِيلَة، وَيتم مقاصدك الجميلة، أَعَانَهُ الله ببركة رضاك على مَا قَلّدهُ، وَعمر بتقواه يَوْمه وغده، وَأنْفق فِي السعد أمده، وَأطلق بِالْخَيرِ يَده، وَجعل الْمَلَائِكَة أنصاره، والأقدار عدده. وإنني أَيهَا الْمولى الْكَرِيم، الْبر الرَّحِيم، لما اشتراني وراشني وبراني وتعبدني بإحسانه. واستعجل استخلاصي خطّ بنانه، لم أجد مُكَافَأَة إِلَّا التَّقَرُّب إِلَيْهِ، وبرثائك، وإغراء لساني بتخليد عليائك، وتعفير الْوَجْه فِي حَرمك، والإشادة بعد الْمَمَات بمجدك وكرمك، ففتحت فِي هَذَا الْغَرَض، إِلَى الْقيام بحقك. الَّذِي لولاه لاتصلت الْغَفْلَة عَن أَدَائِهِ، وتمادت فِيهَا سبّ الألسن وَلَا كَادَت، متميزا بِالسَّبقِ إِلَى أَدَاء هَذَا الْحق، باديا بزيارة قبرك، الَّذِي رحلته، الغرب فِيهَا نوبت من رحْلَة الشرق، وعرضته عَلَيْهِ، فأقطعه إِثْر مواقع الِاسْتِحْسَان، وَجمع بَين الشُّكْر والتنويه وَالْإِحْسَان. وَالله يَجعله عملا مَقْبُولًا، ويبلغ فِيهِ من الْقبُول مأمولا، ويتغمد من ضاجعته من سلفك الْكَرِيم بالمغفرة الصيبة، والتحيات الطّيبَة. فَنعم الْمُلُوك الْكِبَار، وَالْخُلَفَاء الْأَحْرَار، وَالْأَئِمَّة الأخيار. الَّذين كرمت مِنْهُم السّير، وَحسنت الْأَخْبَار، وَسعد بعزماتهم الجهادية الْمُؤْمِنُونَ، وشقى الْكفَّار، وصلوات الله بدءا وعودا، على الرَّسُول الَّذِي اصطفاه وَاخْتَارَهُ، فَهُوَ الْمُصْطَفى الْمُخْتَار، وعَلى آله وَصَحبه الَّذين هم السَّادة الأخيار، وَسلم تَسْلِيمًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ وَلَده السُّلْطَان أَبَا سَالم رَحمَه الله أهنئه بِفَتْح تلمسان مولَايَ فتاح الأفكار والأمصار، فَائِدَة الْأَزْمَان والأعصار، أثير هبات الله الآمنة من الاعتصار، قدوة أولى الْأَيْدِي والأبصار، نَاصِر الْحق عِنْد تعدد الْأَنْصَار، مستصرخ الْملك الْغَرِيب من وَرَاء الْبحار، مصداق دُعَاء الْأَب الْمولى فِي الأصائل والأسحار. أبقاكم الله لَا تقف إيالتكم عِنْد حد، وَلَا تحصى فتوحات الله عَلَيْكُم بعد، وَلَا تفيق أعداؤكم من كد، ميسرًا على مقامكم مَا عسر على كل أَب كريم وجد. عبدكم الَّذِي خلص إبريز عبوديته لملككم الْمَقْصُود، الْمُعْتَرف لأدنى رَحْمَة من رحماتكم بِالْعَجزِ عَن شكرها والقصور. [أرْغم الله] الْعِزّ طاعتكم أنف الْأسد الهصور، وَيبقى الْملك فِي عقبكم إِلَى يَوْم النفح فِي الصُّور. ابْن الْخَطِيب من الضريح الْمُقَدّس، وَهُوَ الَّذِي تعدّدت على الْمُسلمين حُقُوقه، وسطع نوره وتلألأ شروقه، وَبلغ مجده السَّمَاء لما بسقت فروعه، ورسخت عروقه، وَعظم ببنوتكم فخره، فَمَا فَوق البسيطة فَخر يروقه، حَيْثُ الْجلَال قد رسخت هضابه، وَالْملك قد كُسِيت بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة الشَّرِيفَة قبابه، وَالْبَيْت الْعَتِيق قد الحفت الملاحد الأمامية أثوابه، وَالْقُرْآن الْعَزِيز ترتل أحزابه، وَالْعَمَل الصَّالح يرْتَفع إِلَى الله ثَوَابه، والمستجير يخفى بالهيبة سُؤَاله [فيجهر] بنصرة الْعِزّ جَوَابه، وَقد تفيأ من أوراق الذّكر الْحَكِيم حديقة وخميلة أنيقة، وَحط بجودي الْجُود نفسا فِي طوفان الضّر غريقة، والتحف بعرف الهيبة الَّتِي لَا تهدى النَّفس فِيهَا إِلَّا بهداية الله طَريقَة، واعتز بعزة الله، وَقد توَسط جَيش الْحُرْمَة المرينية حَقِيقَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 إِذْ جعل الْمولي الْمُقَدّس المرحوم أَبَا الْحسن مقدمه وأباه وجده سبقه، يرى بركم بِهَذَا اللَّحْد الْكَرِيم قد طُنب عَلَيْهِ من الرِّضَا بساطا، وأعلق بِهِ يَد الْعِنَايَة المرينية اهتماما واغتباطا، وحرر لَهُ أَحْكَام الْحُرْمَة نصا جليا واستنباطا، وَضمن لَهُ. بِحسن العقبى التزاما واشتراطا، وَقد عقد النَّصْر بطرِيق رحمتكم المنتظرة المرتقبة، وَمد الْيَد إِلَى لطائف شفاعتكم الَّتِي تتكفل بِعِتْق المَال، كَمَا تكفلت بِعِتْق الرَّقَبَة، وَشرع فِي المراح بميدان نعمتكم. بعد اقتحام هَذِه الْعقبَة، كَمَا شنفت لآذان الْبُشْرَى، الَّتِي لم يبْق طَائِر إِلَّا سجع بهَا وَصرح، وَلَا شهَاب دجنة إِلَّا اقتبس من نورها واقتدح، وَلَا صدر إِلَّا انْشَرَحَ، وَلَا غُصْن عطف إِلَّا مرح، بشرى الْفَتْح الْقَرِيب، وَخبر النَّصْر الصَّحِيح الْحسن الْغَرِيب، ونبأ الصنع العجيب، وهدية السَّمِيع الْمُجيب، فتح تلمسان الَّذِي قلد المنابر عُقُود الابتهاج، ووهب الْإِسْلَام منحة النَّصْر غنية عَن الْهياج، وألحف الْخلق ظلا ممدودا، وَفتح بَاب الْحق، وَكَانَ مسدودا، وَأقر عُيُون أَوْلِيَاء الله الَّذين يذكرُونَ الله قيَاما وقعودا، وأصرع لسيف الْحق جباها أبيَّة وخدودا، وملككم من أبيكم، الَّذِي امتار عَلَيْهِ الْأَمْوَال، وخاطر من دونه الْأَهْوَال، وأخلص الضراعة وَالسُّؤَال، من غير كد يغمر عطف المسيرة، وَلَا يجْهد يكدر صفو النِّعْمَة الثرة، وَلَا حصر ينفض بِهِ المنجنيق ذؤابة، ويطهر بِتَكَرُّر الرُّكُوع إنابته. وَالْحَمْد لله الَّذِي أقَال العثار، ونظم بدعوتكم الانتثار، وَجعل ملككم يجدد الْآثَار، وَيَأْخُذ الثار. وَالْعَبْد يمنى مَوْلَاهُ، بِمَا أنعم الله عَلَيْهِ واولاه، وَمَا أجدره بالشكر وأولاه، فَإِذا أجال العَبْد قداح السرُور، فللعبد الْمُعَلَّى والرقيب، وَإِذا استمنحوا حظوظ الجذل. على الْقسم الوافر والنصيب. وَإِذا اقتسموا فَرِيضَة شكر الله، فلى الْفَرْض والتعصيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 لتضاعف أَسبَاب الْعُبُودِيَّة قبلي، وترادف النعم الَّتِي عجز عَنْهَا قولي وعملي، وتقاصر فِي ابْتِغَاء مكافأتها وجدى، وَإِن تطاول أملي. فمقامكم الَّذِي نفس الْكُرْبَة، وَأنس الغربة، ورعى الْوَسِيلَة والقربة، وأنعش الأرماق، وَفك الوثاق، وأدر الأرزاق، وَأخذ على الدَّهْر باستقالة الْعَهْد والميثاق. وَإِن لم يُبَاشر العَبْد الْيَد الغالية بِهَذَا الهنا، ويمثل بَين يَدي الْخلَافَة الْعَالِيَة السناء والسنا، ويمد نَفسه فِي البدار إِلَى تِلْكَ السما، فقد بَاشر بِهِ الْيَد الَّتِي يحِق مولَايَ لتذكر تقبيلها، ويكمل فروض الْمجد بتوفية حُقُوقهَا الأبدية وتكميلها، ووقفت بَين يَدي ملك الْمُلُوك الَّذِي أجال عَلَيْهَا القداح، ووهل فِي طلب وصالها بالمساء وبالصباح، وَكَأن فَتحه إِيَّاهَا أَبَا عذر الِافْتِتَاح، وَقلت يهنيك يَا مولَايَ رد ضَالَّتهَا المنشودة، وجبر لقطفته الْمَعْرُوفَة المشهودة، وود أمتك المودودة، فقد اسْتحقَّهَا وارثك الأرضي، وسيفك الأمضى، وقاضي دينك، وقرة عَيْنك، مستنقذ دَارك من يَد غاصبها، ورد رتبك إِلَى مناصبها، وعامر المثوى الْكَرِيم، وَستر الْأَهْل والحريم، مولَايَ هَذِه تلمسان قد طاعت، وأخبار الْفَتْح على ولدك الحبيب قد شاعت، والأمم إِلَى هنائه قد تداعت، وعدوك وعدوه قد شردته المخافة، وانضاف إِلَى عرب الصحرا، فخفضته بِالْإِضَافَة، وَعَن قريب تتحكم فِيهِ يَد احتكامه، وتسلمه السَّلامَة إِلَى حمامه. فلتطب يَا مولَايَ نَفسك، وليستبشر رمسك، فقد نمت سر بركتك وزكا عزمك، نسل الله أَن يُورد على ضريحك من أنباء نَصره مَا تفتح لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء قبولا، ويترادف إِلَيْك مدَدا مَوْصُولا، وعدوا آخرته لَك خير من الأولى، ويعرفه بركَة رضاك عَنهُ ضمنا وحلولا، ويضفي عَلَيْهِ مِنْهُ سترا مسدولا. وَلم يقنع العَبْد بِخِدْمَة النثر حَتَّى أجهد القريحة الَّتِي ركضها الدَّهْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 فأنضاها، واستشفها الْحَادِث الجلل وتقاضاها، فلفق من خدمَة النظوم، مَا يتغمده حلم تَقْصِيره، وَيكون إغضاؤكم، إِذا لَقِي معرة العتب، وليه ونصيره، وإحالة مولَايَ على الله فِي نفس حترها، ووسيلة عرفهَا، مجده فَمَا أنكرها، وَحُرْمَة بضريح مولَايَ وَالِده شكرها، ويطلع العَبْد مِنْهُ على كَمَال أمله، ونجح عمله، وتسويغ مقترحه، وتتميم جذله، وَالسَّلَام الْكَرِيم على مقامكم الْأَعْلَى، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ السُّلْطَان أَبَا زيان عِنْدَمَا تمّ لَهُ الْأَمر وَولى ملك الْمغرب، رَحْمَة الله عَلَيْهِ (يَا ابْن الخلائف يَا سمى مُحَمَّد ... يَا من علاهُ لَيْسَ يحصر حاصر) (أبشر فَأَنت ممجد الْملك الَّذِي لولاك ... اصبح وَهُوَ رسم داثر) (من ذَا يعاند مِنْك وَارثه الَّذِي ... بسعوده فلك الْمَشِيئَة دائر) (أَلْقَت إِلَيْك يَد الْخلَافَة أمرهَا ... إِذْ كنت أَنْت لَهَا الْوَلِيّ النَّاصِر) (هَذَا وَبَيْنك للضريح وَبَينهَا ... حَرْب مضرسة وبحر زاخر) (من كَانَ هَذَا الصنع أول أمره ... حسنت لَهُ العقبى وَعز الآخر) (مولَايَ عِنْدِي فِي علاك محبَّة ... وَالله يعلم مَا تكن ضمائر) (قلبِي يحدثني بأنك جَابر كسْرَى ... وحظي مِنْك حَظّ وافر) (بثرى جدودك قد حططت حقيبتي ... فوسيلتي لعلاك نور باهر) (وبذلت وسعي واجتهادي مثل مَا ... يلقى لَا كل سيف أَمرك عَامر) (وَهُوَ الْوَلِيّ لَك الَّذِي اقتحم الردى ... وَقضى الْعَزِيمَة وَهُوَ سيف باقر) (وَولى جدك فِي الشدائد عِنْدَمَا ... خذلت علاهُ قبائل وعشائر) (فاستمد مِنْهُ النجح وَاعْلَم أَنه ... فِي كل معضلة طَبِيب ماهر) (إِن كنت قد عجلت بعض مدائحي ... فَهِيَ الرياض وللرياض بواكر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 مَوْلَانَا، وعصمة ديننَا ودنيانا، الَّذِي سخر الله الْبر وَالْبَحْر بأَمْره، وَحكم فَوق السَّمَوَات السَّبع بعز نَصره، وأغنى يَوْم سعده عَن سل السِّلَاح وشهره، وفتق عَن زهر الصَّنِيع الْجَمِيل كمامة تَسْلِيمه وَصَبره، وقيض لَهُ فِي علم غيبه، وزيرا مذخورا لشد أزره، وقود الْملك إِلَيْهِ فِي حَال عصره، الْخَلِيفَة الإِمَام، الَّذِي استبشر بِهِ الْإِسْلَام، وخفقت لعزه الْأَعْلَام، ولاح بدر محياه فافتضح الإظلام، الْمُقْتَدِي بِالنَّبِيِّ الْكَرِيم، سميه فِي المراشد الَّتِي تألق مِنْهَا الصُّبْح، والمقاصد الَّتِي لازمها النجح، والتمحيص الَّذِي تبع مِنْهُ الْمنح، حَتَّى فِي الْهِجْرَة الَّتِي جَاءَ بعْدهَا الْفَتْح، أَبُو زيان ابْن مَوْلَانَا السُّلْطَان، ولي الْعَهْد ترشيحا ومآلا، ومؤمل الْإِسْلَام تقلدا للْمَذْهَب الصَّرِيح وانتحالا، وأمير الْمُسلمين لَو أوسعه الْقدر إمهالا، ووسطى عقد الْبَنِينَ، خلائق مُتعَدِّدَة وخلالا، المتحف بالسعادة، وَلم يعرف بدره هلالا، المعوض بِمَا عِنْد الله سَعَادَة ألبسته سربالا، وأبلغته من رضوَان الله آمالا، أَبى عبد الله ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين، كَبِير الْخُلَفَاء، وعنصر الصَّبْر وَالْوَفَاء، وَستر الله المسدول على الضُّعَفَاء، والمجاهد فِي سَبِيل الله بِنَفسِهِ وَمَاله المنيف على مراكز النُّجُوم بهمه وآماله، الْمُقَدّس أبي الْحسن، ابْن موالينا الْخُلَفَاء الطاهرين، وَالْأَئِمَّة المرتضين، من قبيل بني مرين، وصفوة الله فِي هَذَا الْمغرب الْأَقْصَى من أوليائه الْمُؤمنِينَ، وزينة الدُّنْيَا، وعمدة الدّين، هنأه الله مَا أورثه من سَرِير الْملك الْأَصِيل، وخوله من سَعَادَة الدُّنْيَا وَالدّين على الْإِجْمَال وَالتَّفْصِيل، وَتوجه من تَاج الْعِزَّة القعساء عِنْد اشْتِبَاه السَّبِيل، وعوضه من قبيل المليكة، عِنْد تشَتت الْقَبِيل، وَجعل قدمه الراسخة، وآيته الناسخة، وربوته السامية الباذخة، وَعزة نَصره الشامخة، وأوزعه شكر آلائه فِي الْخَلَاص من ملكه أعدائه، وخطر الْبَحْر وعدوان مَا بِهِ، وغول السّفر، وارتكاب الْغرَر، وثبات أَقْدَام أوليائه الَّذين مَا بدلُوا تبديلا، وَلَا ارتضوا لقبلة طَاعَته، بعد أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 ولوا وُجُوههم شطرها تحويلا، بل صَبَرُوا صبرا جميلا، وَبَاعُوا نُفُوسهم تتميما لعقدة إِيمَانهم وتكميلا. يسلم على مقامكم الَّذِي وسم السعد مشرق جَبينه، وذخرت قبل الطَّاعَة ليمينه، وَأقسم الدَّهْر بمظاهرة أمره السعيد، فبر وَالشُّكْر لله فِي يَمِينه، عبدكم، الَّذِي اعتلق مِنْكُم بالوسيلة الْكُبْرَى، وقر بملككم عينا، وَشرح صَدرا، وبذل الْجهد، وَإِن جلّ قدرَة وَقدرا، وَالْتمس لكم الدُّعَاء علنا وسرا، ابْن الْخَطِيب الَّذِي حط رَحل انْتِظَاره بِتُرَاب الْمُلُوك الْكِرَام من جدودكم، محاريب بركم، وَأَسْبَاب وجودكم وإبائكم، الَّذين فِي مظاهرتهم ورعيهم، تظهر للنَّاس مخائل هدَاهُم، وتدر سحائب جودكم، ملتحفا مُنْذُ سِنِين [بِأَسْتَارِ قُبُورهم وثيابها، مستظلا بأقيلتها المعظمة وقبابها، ممرغا خَدّه بترابها، مواصلا الصُّرَاخ بآل مرين وبآل يَعْقُوب، متطارحا على أَبْوَابهَا. فَلم يتح الله لَهُ نصْرَة ترعى الضَّعِيف، وتحمى الدخيل، أَو حمية ترفع الضيم، وتشفي الغليل إِلَّا على يديكم يَا الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم، وَبَطل الميدان فِي موقف الهول الْعَظِيم، الْمَنْصُوب للمظلوم وإنصاف الْغَرِيم، وإجالة أَقْلَام الْفَتْح، لفتح الأقاليم، كتبه مهنيا بِمَا سناه الله، لملككم من الصنع الَّذِي خرق حجاب الْمُعْتَاد، وَأرى أَنْوَاع الْيمن والإسعاد، معجلا ذَلِك بَين يَدي المبادئ إِلَى لثم بساطكم الَّذِي تصرف إِلَيْهِ الْوُجُوه، وتخشاه الْأَمْلَاك الْجَبَابِرَة، وترجوه مُؤديا الْوَاجِب من الْقيام بمنظوم ثنائه فِي الحفل الْمَشْهُود وإبلاغ لِسَان الْحَمد وسع المجهود، وإلقاء مَا عِنْد العَبْد من خلوص وجنوح وَحب وضح أَي وضوح، فولى دعوتكم الشَّيْخ ابْن ثَابت أعزه الله، يقرره وَيبين مجمله ويفسره، وَالْعَبْد واثق بِفضل الله على يديكم، وملتمس النّظر إِلَيْكُم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وقاطع أَن طلبته بكم تتسنى، وأنكم سَبَب عَاقِبَة الْحسنى، إِمَّا بالظهور على الوطن الَّذِي تجرأ التغلب بِهِ على ملككم، وَمد الْيَد إِلَى نثر مسككم، وَنقض أثر سلفكم الْمُسلم الْمُحَرر، وزلزل وطنكم المؤسس على الطَّاعَة، بكم الْمُقَرّر، وأضرم النَّار فِي بسائطكم وحيالكم، وَأطلق يَد الْفِتْنَة على بيُوت أَمْوَالكُم، مكثرا عَلَيْكُم بالقلة، متعززا بالذلة، جَان على داركم بِمَا لَا تبيحه الْملَّة، أَو بالشفاعة الجازمة، إِن لم يتأذن الله [فِي الِانْصِرَاف] وَالله يَجْعَل الظُّهُور لكم من الْأَوْصَاف، ويعينكم على جبر الكسير، وتيسير الأمل العسير، ويهنيكم منحة الْملك الْكَبِير وَيبقى كَلمته فِي عقبكم تخلد التَّعْمِير. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وخاطبنا السُّلْطَان أَبَا زيان الْمَذْكُور رَحْمَة الله عَلَيْهِ الْمقَام الَّذِي طوف المنن، وَأَحْيَا السّنَن، وَأنْبت حبه فِي حب الْقُلُوب النَّبَات الْحسن. مقَام الْمولى ناظم كلمة الدّين بعد انتارها، ومقيل عثارها، وَالْأَخْذ بثارها، والمخلد لآثارها. السُّلْطَان الكذا. أبقاه الله عالي الْقدَم، مَنْصُور الْعلم، ث ظَاهرا على الْأُمَم، مَقْصُود الْحمى كالركن والملتزم، عبد مقامكم الَّذِي أويتموه غَرِيبا، وأنستموه مريبا، وأنلتموه على عَدو الدَّهْر نصرا عَزِيزًا، وفتحا قَرِيبا، فَلم يخْش دركا وَلَا تثريبا، وَلَا عدم حظوة وَلَا شَفَقَة وَلَا نعْمَة وَلَا تَقْرِيبًا، ابْن الْخَطِيب مؤكدا عَن ثَنَا يعطر الْآفَاق، ويرقم الأوراق ووجاس اشتهاره الشَّام وَالْعراق، ويطالع العَبْد مَحل مَوْلَاهُ الَّذِي خلف بِبَابِهِ مَاله وَولده، وَصَبره وَجلده، وصير وَطنه الْحَقِيقِيّ وبلده. أَنه لما قدم على مَحل أَخِيه، [المعتد بِمَا] أودع الله من الْخلال السّريَّة فِيهِ، مولَايَ ابْن مولَايَ أبي عبد الله، كافأ الله جميل رعيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 وكرم عَهده، وَحكم بإعلاء جده، ومضاء حَده، رعى الْوَسِيلَة، وَهدى المخيلة، وجلا عِنْد اجتلا مخاطبتكم أسارير الْفَضِيلَة، فَلم يدع حَقًا إِلَّا صرفه، وَلَا نكرَة إِلَّا أظهر شَأْنهَا وعرفه، وَلَا نعْمَة إِلَّا سكبها، وَلَا مزية إِلَّا أوجبهَا، وَلَا رُتْبَة، إِلَّا أَعْلَاهَا، وَلَا نعْمَة إِلَّا أولاها، وَمَا ذَلِك يَا مولَايَ، وَإِن تعدّدت الْوَسَائِل والأذمة، وَذكرت الْقرْبَة بعد أمة، إِلَّا بوصاتكم الَّتِي لَا تهمل، وحرمتكم الَّتِي لَا تجْهَل، وَعطف مقامكم الَّذِي اشْتهر، واعتنائكم بعبدكم الَّذِي راق وبهر. وَالْعَبْد عبدكم بِكُل اعْتِبَار، وخديمكم بَين يَدَيْهِ، وَإِن نأت الدَّار، ومحسوب على نعْمَة مقامكم الرفيع الْمِقْدَار، والأمل فِي مقامكم غير مُنْقَطع السَّبَب، والأهل وَالْولد تَحت كنف مقامكم الْأَصِيل الْحسب، حَتَّى يمن الله بِحَجّ بَيته، وزيارة رَسُوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، بَين يديكم، وَيكون قَضَاء هَذَا الوطر مَنْسُوب إِلَيْكُم، وَبعد يسْتَقرّ الْقَرار حَيْثُ يختاره من يخلق مَا يَشَاء ويختار بحول الله. وَالْعَبْد يذكر مَوْلَاهُ بِمَا نثره بَين يَدي وداعه، وبمرأى وزيره السعيد واستماعه من انجلاء الْحَرَكَة عَن عزه وظهوره، ونجاح أَحْوَاله، واستقامة أُمُوره، ويهنيه [بِصدق] الْوَعْد، وإمطار الرَّعْد، وَظُهُور السعد، وَهِي وَسِيلَة إِذا عددت الْوَسَائِل، وروعيت الذمم الجلائل، وَمثل مولَايَ من رعى وَأبقى، وسلك الَّتِي هِيَ أبر وَأتقى، وَمَا قصر عَنهُ الْقَلَم من حق مولَايَ، فالرسول أعزه الله متممه، وَمَا قصر عَنهُ الرَّسُول فَالله يُعلمهُ، وَهُوَ جلّ وَعلا، يديم أَيَّام مولَايَ ويثني سعده. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ مَوْلَانَا السُّلْطَان أَبَا عبد الله بن نصر عِنْدَمَا وصل إِلَيْهِ وَلَده من الأندلس إِلَى فاس (الدَّهْر أضيق فسحة من أَن يرى ... بالحزن والكمد المضاعف يقطع) (وَإِذا قطعت زمانة فِي كربَة ... ضيعت فِي الأوهام مَا لَا يرجع) (واقنع بِمَا أَعْطَاك دهرك واغتنم ... مِنْهُ السرُور وخل مَالا ينفع) مولَايَ الَّذِي لَهُ المنن والخلق الْجَمِيل، والخلق الْحسن، وَالْمجد الَّذِي وضح مِنْهُ السّنَن، كتبه عبد نِعْمَتك مهنأ بنعم الله الَّتِي أفاضها عَلَيْك، وجلبها إِلَيْك، من اجْتِمَاع شملك بنجلك، وَقَضَاء دينك من قُرَّة عَيْنك، إِلَى مَا تقدم من إفلاته وسلامة ذاتك، وتمزق أعدائك، وانفرادك باودائك، وَالزَّمَان سَاعَة وَأكْثر، لَا بل كلمح الْبَصَر، وَكَأن بالبساط قد طوى وَالتُّرَاب على الْكل قد سوى، فَلَا تبقى غِبْطَة وَلَا حسرة، وَلَا كربَة وَلَا مَسَرَّة. وَإِذا نظرت، مَا كنت فِيهِ تجدك لَا تنَال مِنْهُ إِلَّا إكلة وفراشا، وَكُنَّا ورياشا، مَعَ توقع الوقائع، وارتقاب الفجائع ودعا الْمَظْلُوم، وصداع الجائع، فقد حصل مَا كَانَ عَلَيْهِ التَّعَب، وَأمر الذَّهَب، ووضح الْأجر الْمَذْهَب، وَالْقُدْرَة بَاقِيَة، والأدعية راقية، وَمَا تَدْرِي مَا تحكم بِهِ الأقدار، ويتمخض عَنهُ اللَّيْل وَالنَّهَار. وَأَنت الْيَوْم على زَمَانك بِالْخِيَارِ، فَإِن اعْتبرت الْحَال، واجتنبت الْمحَال، لم يخف عَنْك أَنَّك الْيَوْم خير مِنْك أمس، من غير شكّ وَلَا لبس، وَكَانَ أمْلى التَّوَجُّه لرؤية ولدك، لَكِن عارضتني مَوَانِع وَلَا نَدْرِي فِي الْكَوْن مَا الله صانع، فاستنبت هَذِه فِي تَقْبِيل قدمه، والهناء بمقدمه وَالسَّلَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وخاطبته لما بَلغنِي مَا كَانَ من صنع الله لَهُ، وعودته إِلَى سُلْطَانه (هَنِيئًا مَا خولت من رفْعَة الشان ... وَإِن كره الْبَاغِي وَإِن رغم الشاني) (وَإِن خصك الله جلّ جَلَاله ... بمعجزة منسوبة لِسُلَيْمَان) (أغار على كرسيه بعض جنه ... فَأَلْقَت لَهُ الدُّنْيَا مقادة إذعان) (فَلَمَّا رَآهَا فتْنَة خر سَاجِدا ... وَقَالَ إلهي اُمْنُنْ عَليّ بغفران) (وهب لي ملكا بعْدهَا لَيْسَ يَنْبَغِي ... تقلده بعدِي لإنس وَلَا جَان) (فَأَتَاهُ لما أَن أجَاب دعاءه ... من الْعِزّ مَا لم يُؤْت يَوْمًا لإِنْسَان) (وَإِن كَانَ هَذَا الْأَمر فِي الدَّهْر مُفردا ... فَأَتَت لَهُ لما اقتديت بِهِ الثان) (فقابل صَنِيع الله بالشكر واستعن ... بِهِ واجز إِحْسَان الْإِلَه بِإِحْسَان) (وَحقّ الَّذِي سماك باسم مُحَمَّد ... لَو أَن الصِّبَا قد عَاد مِنْهُ بريعان) (لما بلغ النعمى على سروره ... ألية واف لَا ألية خوان) (إِذا كنت فِي عز وَملك وغبطة ... فقد نلْت أوطاري وراجعت أوطان) مولَايَ الَّذِي شَأْنه عجب، وَالْإِيمَان بِهِ بعناية الله قد وَجب، وعزه أظهره فِي برداء الْعِزَّة احتجب، إِذا كَانَت الغابة لَا تدْرك، فَأولى أَن تسلم وتترك، ومنة الله عَلَيْك لَيْسَ مِمَّا تشرح، قد عقل الْعقل فَمَا يبرح، وَقيد اللِّسَان فِيمَا يرتقب فِي مجَال الْعبارَة وَلَا يسرح. اللَّهُمَّ ألهمنا على هَذِه النِّعْمَة شكرا ترضاه، وإمداد من لَدُنْك تتقاضاه، بِاللَّه بِاللَّه. سعود أنارت بعد أفول شهابها، وحياة كرت بعد ذهابها، وأحباب اجْتمعت بعد فراقها، وأوطان دنت بعد دنت بعد شامها [من عراقها] وأعداء أذهب الله رسم نعيمهم ومحاه، وبغاة أدَار عَلَيْهِم الدَّهْر رحاه، وَعباد من من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 كشف الْغم مَا سَأَلُوهُ، ونازحون لَو سئلوا فِي إتاحة الْقرب بَاقِي أرماقهم لبذلوه. وَسُبْحَان الَّذِي يَقُول وَلَو أَنا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم، واخرجوا من دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ. فليهن الْإِسْلَام ببياض وَجهه بعد اسوداده، وتغلب إيالة من لَا يُؤمن بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر على بِلَاده، وعودة الْملك الْمَظْلُوم إِلَى معتاده، واستواء الْحق الفاني جنبه فَوق مهاده، ورد الْإِرْث الْمَغْصُوب إِلَى مُسْتَحقّه عَن آبَائِهِ وأجداده. وَالْحَمْد لله الَّذِي غسل عَن وَجه الْملَّة الحنيفيه الْعَار، وأنقذ عهدتها، وَقد ملكهَا الذعار، فَرد المعار. وأعيد الشعار. نحمدك الله حمدا يَلِيق بقدسك، بل لَا نحصى ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك. وَالْعَبْد يَا مولَايَ قد بهرته آلَاء الله قبلك: بالفكر جائل، وَاللِّسَان سَاكِت، وَالْعقل ذاهل، والطرف باهت، فَإِن أَقَامَ رسما للمخاطبة، فقلم مرح وركض، وطرس هز جنَاح الارتياح ونفض، لَيْسَ هَذَا المرام مِمَّا يرام، وَلَا هَذِه الْعِنَايَة الَّتِي تحار فِيهَا الأقلام، مِمَّا تصمى عرضة السِّهَام. نسْأَل الله أَن يَجْعَل مولَايَ من الشَّاكِرِينَ، وبأحلام تقلبات الْأَيَّام من المعتبرين، حَتَّى لَا يغره السراب الخادع [والدهر المرغم للأنوف الجادع] وَلَا يرى فِي الْوُجُود غير الله من صانع، وَلَا معط وَلَا مَانع، ويمتعه بالعز الْجَدِيد، ويوفقه للنَّظَر السديد، ويلهمه الشُّكْر، فَهُوَ مِفْتَاح الْمَزِيد. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا خاطبته بِهِ على لِسَان وَلَده أسعده الله عِنْدَمَا حللنا بمالقة حرسها الله مولَايَ الَّذِي رضَا الله مقترن بِرِضَاهُ، والنجح مسبب عَن نِيَّته الصَّالِحَة وَدعَاهُ، وطاعته مرتبطة بِطَاعَة الله. أبقى الله على بكم ظلّ حماه، وغمام نعماه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 وَزَادَنِي من مواهب هدايته فِي تَوْفِيَة حَقه الْكَبِير، فَإِن الْهدى هدى الله. يقبل مواطىء رجلكم الَّتِي ثراها شرف الجدود. وفخر الجباه، ويقرر من عبوديته مَا يسجل الْحق مُقْتَضَاهُ، وَيسلم على مثابة رحمتكم السَّلَام الَّذِي يُحِبهُ الله ويرضاه ولدكم وعبدكم يُوسُف من منزل تأييدكم بِظَاهِر مالقة حرسها الله، وللوجود ألسن بِالْعِزَّةِ لله ناطقة، وللأعلام وَالشَّجر ألوية بالسعد خافقة، وأنواع التَّوْفِيق مُوَافقَة وصنائع اللَّطِيف الْخَبِير مصاحبة مرافقة. وَقد وصل يَا مولَايَ لعبدكم المفتخر بالعبودية لكم، مَا بعث بِهِ على مقامكم، وجادت بِهِ سحائب إنعامكم، وَلمن تَحت حجبة سركم المسدول، وَفِي ظلّ اهتمامكم الْمَوْصُول، وَلمن ارتسم بِخِدْمَة أبوابكم الشَّرِيفَة من الخدام، وَأولى المراقبة والالتزام. مَا تضيق عَنهُ بَيَان الْعبارَة، وتفتضح فِيهِ لِسَان القَوْل وَالْإِشَارَة من عنايات سنية، وَنعم باطنة وجلية، وملاحظة مولوية، ومقاصد ملكية. فَمَا شِئْت من قباب مذهبَة، وملابس منتخبة، وأسرة مرتبَة، ومحاسن لَا مستورة وَلَا محجبة. واللوا الَّذِي نشرتم على عبدكم ظله الظليل، ومددتم عَلَيْهِ جنَاح الْعِزّ الْكَفِيل، جعله الله أسعد لِوَاء فِي خدمكتم، وَمد عَليّ وَعَلِيهِ لِوَاء حرمتكم، حَتَّى يكون لجهادي بَين يديكم شَاهدا وبالنصر الْعَزِيز، وَالْفَتْح الْمُبين عَلَيْكُم عَائِدًا، ولطابعة الخلوص لأمركم قائدا، ولأولياء مَا بكم هاديا، ولأعدائكم كائدا. وَاتفقَ يَا مولَايَ، أَن كَانَ عبدكم قد ركب مغتنما أبرد الْيَوْم. ومؤثرا للرياضة عقب النّوم، والتفت عَلَيْهِ الخدام، والأولياء الْكِرَام، فَلَمَّا عدنا تعرضت تِلْكَ العنايات المجلوة الصُّور، المتلوة السرر، وَقد حشر النَّاس، وَحَضَرت الْأَجْنَاس، فعلا الدُّعَاء، وانتشر الثَّنَاء وراقت الْأَبْصَار للهمة الْعليا، فنسل الله يَا مولَايَ أَن يكافىء مقدمكم بالعز الَّذِي لَا يتبدل، والنصر الَّذِي يسْتَأْنف وَيسْتَقْبل، والسعد الَّذِي حكمه لَا يتَأَوَّل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 وَالْعَبْد وَمن لَهُ على حَال اشتياق للورود على بَابَكُمْ الرفيع الْمِقْدَار [وارتياح لقرب المزار] . (وأبرح مَا يكون الشوق يَوْمًا ... إِذا دنت الديار من الديار) وَالْعَمَل على تسيير الْحَرَكَة مُتَّصِل، والدهر لأوامر سعدكم محتفل، بِفضل الله. وَالسَّلَام على مقَام مولَايَ وَرَحْمَة الله. وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ عَن السُّلْطَان رَضِي الله عَنهُ للْوَلِيّ أبي الْعَبَّاس السبتي بمراكش وَنحن مستقرون بفاس [ (يَا ولي الْإِلَه أَنْت جواد ... وقصدنا إِلَى حماك المنيع) (رَاعنا الدَّهْر بالخطوب فحينا ... نرتجي من علاك حسن الصَّنِيع ... ) (فمددنا لَك الأكف نرجي ... دَعْوَة الْعِزّ تَحت شَمل جَمِيع) (قد جعلنَا وسيله، تربك الزاكي ... وزلفى إِلَى الْعَلِيم السَّمِيع ... ) (كم غَرِيب أسرى إِلَيْك فوافي ... برضى عَاجل وَخير سريع) ] يَا ولي الله الَّذِي جعل جاهه سَببا لقَضَاء الْحَاجَات، وَرفع الأزمات، وتصريفا بَاقِيا بعد الْمَمَات وَصدق نقل الحكايات ظُهُور الْآيَات، نَفَعَنِي الله بنيتي فِي بركَة قربك، وَأظْهر على أثر توسلي بك إِلَى الله رَبك، مزق شملي، وَفرق بيني وَبَين أَهلِي، وتعدى على، وصرفت وُجُوه المكايد إِلَيّ، حَتَّى أخرجت من وطني وبلدي، وَمَالِي وَوَلَدي وَمحل جهادي، وحقي الَّذِي صَار لي طَوْعًا عَن آبَائِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وأجدادي، عَن بيعَة لم يحل عقدتها الدّين، وَلَا ثُبُوت جرمة تشين. وَأَنا قد قرعت بَاب الله بتأميلك، فالتمس لي قبُوله بقبولك، وردني إِلَى وطني على أفضل حَال، وَأظْهر على كرماتك الَّتِي تشد إِلَيْهَا الرّحال. فقد جعلت وسيلتي إِلَيْك رَسُول الْحق إِلَى جَمِيع الْخلق [[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] . وَالسَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْمولى الْكَرِيم الَّذِي يَأْمَن بِهِ الْخَائِف، وينتصف بِهِ الْغَرِيم، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْوَزير المتغلب على دولة الْمُلُوك بالمغرب عَامر بن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن عَليّ (لَا ترج إِلَّا الله فِي شدَّة ... وثق بِهِ فَهُوَ الَّذِي أيدك) (حاشا لَهُ أَن ترجو إِلَّا الَّذِي ... فِي ظلمَة الأحشاء قد أوجدك) (فاشكره بِالرَّحْمَةِ فِي خلقه ... ووجهك أبسط بِالرِّضَا أَو يدك) (وَالله لَا تهمل ألفافه ... [قلادة الْحق] الَّذِي قلدك) (مَا أسعد الْملك الَّذِي سسته ... يَا عمر الْعدْل وَمَا أسعدك) تخص الْوَزير الَّذِي بهر سعده، وَحمد فِي المضاء قَصده، وعول على الشيم الَّذِي اقتضاها مجده، وأورثه إِيَّاهَا أَبوهُ وجده، الشَّيْخ الكذا ابْن فلَان. أبقاه الله ثَابت الْقدَم. خافق الْعلم، شهيرا حَدِيث سعده فِي الْأُمَم، مثلا خبر بسالته وجلالته فِي الْعَرَب والعجم. تَحِيَّة مجده الْكَبِير، الْمُسْتَند إِلَى عَهده الوثيق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وحسيه الشهير، المسرور بِمَا سناه الله لَهُ من نجح التَّدْبِير، والنصر الْقَدِيم النظير وإنجاده إِيَّاه عِنْد إِسْلَام النصير، وفراق الْقَبِيل والعشير، ابْن الْخَطِيب من سلا، حرسها الله، وَالْيَد ممدودة إِلَى الله، فِي صلَة سعد الْوَزير، أبقاه الله، ودوام عصمته، وَاللِّسَان يطنب ويسهب فِي شكر نعْمَته، والأمل مُتَعَلق بأسبابه الْكَرِيمَة وأذمته. وَقد كَانَ شيعته مَعَ الشَّفَقَة الَّتِي أذابت الْفُؤَاد، وألزمت الأرق والسهاد، على علم بِأَن عناية الله عَلَيْهِ عاكفة، وديم الآلاء لَدَيْهِ واكفة، وَأَن الَّذِي أقدره وأيده وَنَصره، وأنفذت مَشِيئَة مَا دبره، كَفِيل بإمداده، وملبى بإسعاده، ومرجى بإصلاح دُنْيَاهُ ومعاده. وَفِي أثْنَاء هَذِه الأراجيف استولى على مُعظم وزارته الْجزع، وتعاورته الأفكار تَأْخُذهُ وَتَدَع. فَإِنِّي كَمَا يعلم الْوَزير، أعزه الله، مُنْقَطع الْأَسْبَاب مستوحش من الْجِهَة الأندلسية على بعد الجناب، ومستعدا عَليّ لكوني من الْمَعْدُودين فِيمَن لَهُ من الخلصان والأحباب، فشرعت فِي نظر، أحصل مِنْهُ على زَوَال اللّبْس، وأمان النَّفس، واللحاق بمأمن يرعاني برعي الْوَزير، بخلال مَا يدبر الْأَمر من لَهُ التَّدْبِير. فَفِي أَثْنَائِهِ، وتمهيد أساس بنائِهِ، ورد البشير بِمَا سناه الله لسيدي وَجَابِر كسْرَى، ومنصفي بِفضل الله من دهري، من الصنع الَّذِي بهر، وراق نوره وَظهر. فآمنت، وَإِن لم أكن مِمَّن جنا، وجفتني المسرات بَين أَفْرَاد وثنى، وانشرح بِفضل الله صَدْرِي، وزارتني النعم والتهاني من حَيْثُ أَدْرِي وَلَا أَدْرِي. ووجهت الْوَلَد، الَّذِي شملته نعْمَة الْوَزير وإحسانه، وَسبق إِلَيْهِ امتنانه، نَائِبا عني فِي تَقْبِيل يَده، وشكر بره، وَالْوُقُوف بِبَابِهِ، والتمسك بأسبابه. آثَرته بذلك لأمور، مِنْهَا المزار فِيمَا كَانَ يلْزَمنِي من إخْوَته الأصاغر، وتدريه على خدمَة الْجلَال الباهر، ولعائق ضعف عَن الْحَرَكَة وإفراد لَهُ بِالْبركَةِ. وَبعد ذَلِك أشرع بِفضل الله فِي الْعَمَل على تَجْدِيد الْعَهْد بِبَاب الوزارة الْعلية، عارضا من ثنائها مَا يكون وفْق الأمنية، وَرب عمل أغْنى عَنهُ فضل النِّيَّة، وَالسَّلَام الْكَرِيم على سَيِّدي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 وخاطبت الْوَزير الْمَذْكُور على أثر الْفَتْح الَّذِي تكيف لَهُ سَيِّدي الذ أسر بسعادته، وَظُهُور عناية الله بِهِ فِي إبدائه وإعادته، وَأعلم كرم مجادته، وأعترف بسيادته الْوَزير الميمون الطَّائِر، الْجَارِي حَدِيث سعده مجري الْمثل السائر الكذا ابْن الكذا، أبقا الله عَزِيز الْأَنْصَار، جَارِيَة بيمن نقيبته حَرَكَة الْفلك الدوار، مَعْصُوما من المكاره بعظمة الْوَاحِد القهار، مُعظم سيادته الرفيعة الْجَانِب، وموقر وزارته الشهيرة الْمُنَاسب، الدَّاعِي إِلَى الله بطول بَقَائِهِ فِي عز وَاضح الْمذَاهب، وصنع واكف السحائب. فلَان. من كَذَا عَن الَّذِي يعلم سَيِّدي من لِسَان طلق بالثنا، وَيَد ممدودة إِلَى الله بِالدُّعَاءِ، والتماس لما يعد من جزيل النعماء وَالْفَتْح الَّذِي تفتح لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء. وَقد اتَّصل مَا سناه الله لَهُ من النَّصْر والظهور، والصنع البادي السفور، لما التقى الْجَمْعَانِ، وتهوديت أكواس الطعان، وَتبين الشجاع من الجبان، وَظهر من كَرَامَة سَيِّدي وبسالته مَا تَتَحَدَّث بِهِ أَلْسِنَة الركْبَان، حَتَّى كَانَت الطائلة لحربه، وَظَهَرت عَلَيْهِ عناية ربه فَقلت الْحَمد لله الَّذِي سعد عمادي مُتَّصِل الْآيَات، بعيد الغايات، وصنع الله باهر الْآيَات، وَاضح الْغرَر والشيات، وَقد كنت بعثت أهنيه بِمَا تقدم من صنع جميل، وبلوغ تأميل، فَقلت اللَّهُمَّ أفد علينا التهاني تتزين، وَاجعَل الْكُبْرَى من نعمك الصُّغْرَى، واجمع لَهُ بَين نعيم الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى. وَالنَّاس أبقى الله سَيِّدي لَهُم مَعَ الِاسْتِنَاد إِلَيْك جِهَات، وَأُمُور مُشْتَبهَات، إِلَّا الْمُحب المتشيع بجهتك هِيَ الَّتِي أنست الغربة، وفرجت الْكُرْبَة، ووعدت بِالْخَيرِ، وضمنت عَاقِبَة الصَّبْر. وَأَنا أرتقب وُرُود التَّعْرِيف المولوى على عبيده، بِهَذِهِ الْمَدِينَة، وآمل إِن شَاءَ الله إِلَى مُبَاشرَة الهنا، وقرة الْعين بمشاهدة الالاء. وَالله يديم سَيِّدي الَّذِي هُوَ كَهْف موديه، حَتَّى يطفره الله بِمن يناويه ويعاديه وَالسَّلَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة الْوَزير الْمَذْكُور وَأَنا سَاكن بسلا (أيا عمر الْعدْل الَّذِي مطر الندا ... بوعد الْهدى حَتَّى وفيت بِدِينِهِ) (وَيَا صارم الْملك الَّذِي يستعده ... لدفع عداهُ أَو لمجلس زينه) (سنت عَيْنك اليقظى من الله عصمَة ... كفت وَجه دين الله موقع شانه) (وَهل أَنْت إِلَّا الْملك وَالدّين والدنا ... وَلَا يلبس الْحق الْمُبين بمينه) الْوَزير الَّذِي هُوَ للدّين الْوزر الواقي، وَالْعلم السَّامِي، المراقب والمراقي، والحلى الْمُقَلّد فَوق الترائب والتراقي، والكنز المؤمل والذخر الْبَاقِي، حجب الله الْعُيُون عَن كمالك، وصير الْفلك الدوار مَطِيَّة آمالك، وَجعل اتِّفَاق الْيمن مَقْرُونا بيمنك، وانتظام الشمل معقودا بشمالك. أعلم أَن مُطلق الثنا على مجدك، والمستضيء على الْبعد بِنور سعدك، والمعقود الرجا بِعُرْوَة وَعدك. لَا يزَال فِي كل سَاعَة يسحب فِيهِ ذيلها، ويعاقب يَوْمهَا وليلها، مصغى الْأذن إِلَى نبإ يهدي عَنْك الله دفاعا، أَو يمد فِي ميدان سعدك باعا، وَأَنت الْيَوْم النصير على الدَّهْر للمظلوم، وأسى الكلوم، وَذُو الْمقَام الْمَعْلُوم، فتعرفت أَن بعض مَا يتلاعب بِهِ بَين أَيدي السَّادة الخدام، وتتفكه بِهِ المناقبة والإقدام، من كرة مُرْسلَة الشهَاب، أَو نارنجة ظهر عَلَيْهَا من صبغها الالتهاب، حومت حول عَيْنك، لَا كدر صفاؤها، وَلَا عدم فَوق مهاد الدعة والأمن إغفاؤها، فرعت حول حماها، وَرَأَتْ أَن تصيب فجنب الله مرماها (ترى السوء مِمَّا يتقى مِنْهَا بِهِ ... وَمَا لَا نرى مِمَّا يقي الله أَكثر) فَقلت مَكْرُوه أَخطَأ سَهْمه، وتنبيه من الله قبل عقله وفهمه، ودفاع قَامَ دَلِيله، وَسعد أشرف تليله، وَأَيَّام أعربت عَن إقبالها، وعصمة غطت بسربالها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وجوارح جعل الله المليكة تحرسها، فَلَا تغتاله الْحَوَادِث وَلَا تفترسها، والفطن تشعر بالشَّيْء وَإِن جهلت أَسبَابه، والصوفي يسمع من الْكَوْن جَوَابه، فبادرت أهنيه تهنئة من يرى تِلْكَ الْجَوَارِح الْكَرِيمَة أعز عَلَيْهِ من جوارحه، وَيُرْسل طير الشُّكْر لله فِي مساقط اللطف الْخَفي ومسارحه، وَسَأَلته سُبْحَانَهُ أَن يجعلك عَن النوائب [حجرا] لَا يقرب، وربعك ربعا لَا يخرب، مَا سبحت الْحُوت ودبت الْعَقْرَب. ثمَّ إِنِّي شفعت الثَّنَاء ووترته، وأظهرت السرُور فَمَا سترته، بِمَا سنا الله لتدبيرك من مسالمة تكذب الإرجاف، وتغنى عَن الإيجاف، وتخصب الآمال الْعِجَاف، وتريح من كيد، وتفرع إِلَى محاولة عَمْرو وَزيد. وَكَأن بسعدك قد سدل الْأمان، وَعدل للزمان، واصلح الْفَاسِد، ونفق الكاسد، وقرع الروع المستأسد، وسر الحبيب، وساء الْحَاسِد. وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة عَامر بن مُحَمَّد (تَقول فِي الأظعان والشوق فِي الحشى ... لَهُ الحكم يمْضِي بَين ناه وآمر) (إِذا جبل التَّوْحِيد أصبح قارعا ... فخيم قرير الْعين فِي دَار عَامر) (وزر تربة المرحوم إِن مزارها ... هُوَ الْحَج يقْضِي نَحوه كل ضامر) (ستلقى بمثوى عَامر بن مُحَمَّد ... ثغور الْأَمَانِي من ثنايا البشائر) (فَللَّه مَا تبلوه من سعد وجهة ... وَللَّه مَا تَلقاهُ من يمن طَائِر) (وتستعمل الْأَمْثَال فِي الدَّهْر مِنْكُمَا ... بِخَير مزور أَو بأغبط زائر) لم يكن همي أبقاك الله، مَعَ فرَاغ البال، وإسعاف الآمال، ومساعدة الْأَيَّام والليال، إِذْ الشمل جَمِيع، والزمن كُله ربيع، والدهر مُطِيع سميع، إِلَّا زيارتك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 فِي جبلك، الَّذِي يعْصم من الطوفان، ويواصل أَمنه بَين النّوم والأجفان، وَأَن أرى الْأُفق الَّذِي طلعت مِنْهُ الْهِدَايَة، وَكَانَت إِلَيْهِ العودة وَمِنْه الْبِدَايَة، فَلَمَّا حم الْوَاقِع، وَعجز عَن خرق الدولة الأندلسية الرافع، وأصبحت ديار الأندلس وَهِي بَلَاقِع، وَحسنت من استدعائك إيَّايَ المواقع، قوي الْعَزْم وَإِن لم يكن ضَعِيفا، وَعرضت على نَفسِي السّفر فَوَجَدته خَفِيفا، والتمست الْإِذْن حَتَّى لَا نرى فِي قبْلَة السداد تحريفا، واستقبلتك بصدر مشروح، وزند للعزم مقدوح، وَالله يُحَقّق الشُّمُول، [ويسهل بمثوى الأماثل] المثول، ويهيء من قبله الْقبُول وَالسَّلَام. وخاطبته معزيا عَن أَخِيه عبد الْعَزِيز (أَبَا ثَابت كن فِي الشدائد ثَابتا ... أُعِيذك أَن يلقى حسودك شامتا) (عزاؤك عَن عبد الْعَزِيز هُوَ الَّذِي ... يَلِيق بعز مِنْك أعجز ناعتا) (فدوحتك الْغِنَا طَالَتْ ذوابها ... وسرحتك الشما طابت منابتا) (لقد هد أَرْكَان الْوُجُود مصابه ... وأنطق منا الشجو مَا كَانَ صامتا) (فَمن نفس حرى أوثق الْحزن كظمها ... وَمن نفس بالوجد أصبح خافتا) (هُوَ الْمَوْت بالإنسان فصل لحده ... وَكَيف نرجى أَن نصاحب فائتا) اتَّصل بِي أَيهَا الْهمام، وَبدر الْمجد الَّذِي لَا يُفَارِقهُ التَّمام، مَا جنته على عليائكم الْأَيَّام، وَمَا اسْتَأْثر بِهِ الْحمام، فَلم تغن الذمام، من وَفَاة صنوك الْكَرِيم الصِّفَات، وهلاله وسطى الأسلاك، وَبدر الأحلاك، ومحير الْأَمْلَاك، وَذَهَاب السَّمْح الْوَهَّاب. وَأَنا لديغ صل الْفِرَاق، الَّذِي لَا يفِيق بِأَلف راق، وجريح سهم الْبَين ومحارب [سهم الْعُيُون] الْجَارِيَة بدمع الْعين، نقصد أنيس سد على مضض النكبة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 ونحى لَيْث الْخطب من فريستي بعد صدق الوثبة، وانسنى فِي الاغتراب وصحبي إِلَى مُنْقَطع التُّرَاب، وكفل أصاغري خير الْكفَالَة، وعاملني من حسن الْعشْرَة بِمَا سجل عقد الْوكَالَة. انتزعه الدَّهْر من يَدي حَيْثُ لَا أهل وَلَا وَطن، والاغتراب قد ألْقى بِعَطَن، وَذَات الْيَد يعلم حَالهَا، من يعلم مَا ظهر وَمَا بطن، وَرَأَيْت من تطارح الأصاغر على شلو الْغَرِيب النازح عَن النسيب والقريب، مَا حَملَنِي على أَن جعلت الْبَيْت لَهُ ضريحا، ومدفنا صَرِيحًا، لأخدع من يرى أَنه لم يزل مُقيما لَدَيْهِ، وَإِن ظلّ شفقته مسجيا عَلَيْهِ، ناعيا مصابي عِنْد ذَلِك السَّرْح، وَأعظم الظمأ البرح، ونكأ الْقرح، إِذْ كَانَ ركنا قد بنته لي يَد معرفتك، ومتصفا فِي الْبر والرعى لصاغيتي بكريم صِفَتك فوالهفي عَلَيْهِ من حسام وغر سَام، وأيادي جسام، وشهرة بَين بني حام وسام، إِلَى جمال خلق، وَوجه للقاصد طلق، وشيم تطمح للمعالي بِحَق، وَأي عضد لَك يَا سَيِّدي الْأَعْلَى لَا يهين إِذا سَطَا، وَلَا يقهر إِذا خطا، يُوجب لَك على تجليه بالتنبيه، مَا توجبه النُّبُوَّة من الهيبة، وَيرد ضيفك آمنا من الخيبة، ويسد ثغرك عِنْد الْغَيْبَة. وكما قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام للْأَنْصَار، أَنْتُم الكرس والعيبة. ذهبت إِلَى الْجذع، فَرَأَيْت مصابه أكبر، ودعوت بِالصبرِ فولى وَأدبر، واستنجدت الدمع فنضب، واستصرخت الرَّجَاء فَأنْكر مَا روى وانتضب. وَبِأَيِّ حزن يلقى فقد عبد الْعَزِيز، وَقد جلّ فَقده، أَو يطفى لاعجه وَقد عظم وقده اللَّهُمَّ لَو بَكَى بندى أياديه، أَو بغمام عواديه، أَبُو بعباب واديه. وَهِي الْأَيَّام أَي شامخ لم تهده، أوجديد لم تبله، وَإِن طَالَتْ الْمدَّة. فرقت بَين التيجان والمفارق، والخدود والنمارق، والطلا وَالْقعُود، والكاس وَابْنه العنقود، والتعلل بالفان، وَإِنَّمَا هِيَ إغْفَاءَة أجفان، والتشبث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 بالحائل، وَإِنَّمَا هُوَ ظلّ زائل، وَالصَّبْر على المصائب، وَوُقُوع سهمها الصائب، أولى مَا اعْتمد طلابا، وَرجع إِلَيْهِ طَوْعًا أَو غلابا. وَأَنا يَا سَيِّدي أقيم التَّعْزِيَة، وَإِن بوت بالمضاعف المرزية، وَلَا عتب على الْقدر فِي الْورْد من الصَّدْر، وَلَوْلَا أَن هَذَا الْوَاقِع مِمَّا لَا يجدي فِيهِ الخلصان، وَلَا يُغني فِيهِ الراع مَعَ الحرصان، لَا بل جهده من أقرضتموه مَعْرُوفا، أَو كَانَ بالتشيع إِلَى تِلْكَ الهضبة مَعْرُوفا، لَكِنَّهَا سوق، لَا تتفق فِيهَا إِلَّا سلْعَة التَّسْلِيم للحكيم الْعَلِيم، وطى الجوانح على المضض الْأَلِيم. ولعمري لقد خلد لهَذَا الفقيد، وَإِن طمس الْحمام محاسنه الوضاحة لما لبس مِنْهُ الساحة. صحفا منشرة، وثغورا بِالْحَمْد مُؤثرَة، يفخر بهَا بنوه، ويستلكثر بهَا مكتتبو الْحَمد ومقتنوه، وانتم عماد الفازة، وَعلم الْمَفَازَة، وقطب الْمدَار، وعامر الدَّار، وَأسد الأجمة، وَبَطل الكتيبة الملجمة، وكافل الْبَيْت، والستر على الْحَيّ وَالْمَيِّت، وَمثلك لَا يهدي إِلَى لجج لاحب، وَلَا ترشد أنواره بَنو الحباحب، وَلَا يُنَبه على سنَن بني كريم أَو صَاحب، قدرك أَعلَى، وفضلك أجلى، وَأَنت صدر الزَّمَان بِلَا مدافع، وَخير معد لأعلام الْفضل رَافع. وَأَنا وَإِن اخْتَرْت غَرَض العزا، لما خصني من الْمُصَاب، ونالتني من الأوصاب، وَنزل بِي من جور الزَّمَان الغصاب، مِمَّن يقبل عذره الْكَرم، ويسعه الْحرم الْمُحْتَرَم. وَالله سُبْحَانَهُ الْكَفِيل لسيدي وعمادي ببقا يكفل بِهِ الْأَبْنَاء ويعلى لِقَوْمِهِ رتب الْعِزّ سامية الْبَنَّا، حَتَّى لَا يوحش مَكَان فقيد مَعَ وجوده، وَلَا يحس بعض زمَان مَعَ جوده، ويقر عينه فِي وَلَده وَولد وَلَده، وَيجْعَل أَيدي مناوية تَحت يَده وَالسَّلَام. وخاطبته أَيْضا سَيِّدي الَّذِي هُوَ رجل الْمغرب كُله، وَالْمجْمَع على فَضله وطهارة بَيته، وزكا أَصله، علم أهل الْمجد وَالدّين، وَبَقِيَّة كبار الْمُوَحِّدين. بعد السَّلَام على تِلْكَ الْجَلالَة الراسخة الْقَوَاعِد، السامية المصاعد، والدعا لله أَن يفتح لَك فِي مضيقات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 هَذِه الْأَحْوَال مسالك التَّوْفِيق، ويعلقك فِي عصمته بِالسَّبَبِ الوثيق. أعرفك أَن جبلك الْيَوْم، وَقد عظم الرجفان، وفار التَّنور، وطغى الطوفان، تومل النُّفُوس الغرقى جودى جوده، وترجو التَّمَسُّك بالموجود مَعَ وجوده. وَالله العلق الَّتِي يجب لَهَا الِالْتِزَام. مَا وَقع على غير قصدك الاعتزام، وَالله يمدك بإعانته على تحمل القصاد، وَيبقى مجدك رفيع الْعِمَاد، كثير الرماد، وَجعل أَبَا يحيى خلفا مِنْك بعد عمر النِّهَايَة، الْبعيد الآماد، وَيبقى كلمة التَّوْحِيد بَاقِيَة فِيكُم إِلَى يَوْم التناد، وحامله الْقَائِد الكذا، بَيته مَعْرُوف النباهة وَالْجهَاد، وَمحله لَا يُنكر فِي القواد، لما اشتبهت السبل، والتبس القَوْل وَالْعَمَل، لم أجد أنجى من الركون إِلَى جنابك، والانتظام فِي سلك خواصك وأحبابك، حَتَّى ينبلج الصُّبْح وَيظْهر النجح، وَيكون بعد هجرته الْفَتْح. ومثلكم من قصد وأمل، وانضى الله المطى وأعمل. وَأما الَّذِي عِنْدِي من الْقيام بِحَق تِلْكَ الذَّات الشَّرِيفَة، وَالْقَوْل بمناقبها المنيفة، فَهُوَ شَيْء لَا تفي بِهِ الْعبارَة، وَلَا تُؤَدِّيه الْأَلْفَاظ المستعارة. وَالسَّلَام. وخاطبت شيخ الدولة يحيى بن رحو بِقَوْلِي: سَيِّدي الَّذِي لَهُ المزية الْعُظْمَى، وَالْمحل الأسمى، شيخ قبيل بني مرين، وقطب مدَار الْأَحْرَار على الْإِجْمَال وَالتَّعْيِين، والمتميز بالدهاء والوجاهة، والمعرفة الفسيحة الساحة، وَالصَّدَََقَة الْمُبَاحَة، وشروط الصُّوفِيَّة من ترك الْأَذَى وَوُجُود الرَّاحَة، أسلم على ذاتك الطاهرة الَّتِي بخلت الْأَزْمَان وَللَّه أَن يَأْتِي بنظيرها، وتنافست الدول فِي تكبيرها، وسارت الْكَوَاكِب الملكية بمسيرها، وأثنت الألسن بفضلها وَخَيرهَا، وأقرر لَدَيْهَا أنني أَعدَدْت من مَعْرفَتهَا بالأندلس كنزا، لم أنْفق مِنْهُ إِلَى الْيَوْم وزنا إعدادا لَهُ وحزنا، إِذْ لَا يخرج العتاد الْكَبِير، إِلَّا عَن حَاجَة وفاقة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 وَلَا ترد الْيَد إِلَى الذَّخِيرَة إِلَّا فِي إِضَافَة وَعجز طَاقَة. وَمَا كَانَت الوصلة بِمثلِهِ ليهملها مثلى جهلا بِقِيمَتِهَا الْعَالِيَة وازدراء بجهتها الكافية. لَكِن نابت عَن يَدهَا أيد، وأعفا عَن ابتذالها مَا كَيفَ الله من عَمْرو وَزيد، والآن أَنى قد كَادَت حَاجَتي إِلَى ذَلِك القتاد [أَن تتمخض، وزبدته أَن تمحض، إِذْ هُوَ حظى من رعى ذَلِك الْقَبِيل] الَّذِي قصرت عَلَيْهِ رياسته، والوزير الَّذِي من رَأْيه تستمد سياسته، وَإِذا وَفد خاصته أهل هَذِه الْمَدِينَة مهنين، وبشكر الإيالة الْكَرِيمَة مثنين، فجهته ظلى الظليل، ومشاركته معتمدي فِي الْكثير، فَكيف لَا وَالْغَرَض إِلَّا فِي الْقَلِيل. وَعِنْدِي أَن رعيه لمثلى لَا يفْتَقر إِلَى وَسِيلَة تجلب، وَلَا ذمام يحْسب، فَمثله من قدر قدر الهنا، وسد أَعْلَام الْحَمد سامية الْبَنَّا، وَعلم أَن الدُّنْيَا على الله أَحْقَر الْأَشْيَاء وَقد رفعت أَمْرِي، بعد الله، إِلَى رَأْيك، وغنيت عَن سعي لنَفسك بجميل سعيك. وَالسَّلَام. وخاطبت الشَّيْخ أَبَا الْحسن بن بدر الدّين رَحمَه الله (يَا جملَة الْفضل والوفا ... مَا بمعاليك من خفا) (عِنْدِي فِي الود فِيك عقد صَححهُ الدَّهْر بكتفا) (مَا كنت أقضى علاك حَقًا ... لَو جِئْت مدحا بِكُل فا) (فَأول وَجه الْقبُول عُذْري ... وجنب الشَّك فِي صفا) سَيِّدي الَّذِي هُوَ فصل جنسه، ومزية يَوْمه على أمسه، فَإِن افتخر الدّين من أَبِيه ببدره، افتخر مِنْهُ بشمسه. رحلت عَن المنشإ والقرارة، فَلم تتَعَلَّق نَفسِي بذخيرة، ولاعهد جيرة خيرة، كتعلقها بِتِلْكَ الذَّات، الَّتِي لطفت لطافة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 الراح واشتملت بالمجد الصراح، شَفَقَة أَن يُصِيبهَا معرة، وَالله يَقِيهَا ويحفظها ويبقيها، إِذْ الْفَضَائِل فِي الْأَزْمَان الرذلة عوامل، والصد عَن الضِّدّ منحرف بالطبع ومائل. فَلَمَّا تعرفت خلاص سَيِّدي من ذَلِك الوطن، وألقاه، وَرَاء الفرضة بالعطن، لم تبْق لي تعلة، وَلَا أحرضني لَهُ عِلّة، وَلَا أُوتى جمعي من قلَّة، فَكتبت أهنىء نَفسِي الثَّانِيَة بعْدهَا بهنا نَفسِي الأولى، وأعترف للزمان بِالْيَدِ الطولي. وَالْحَمْد لله الَّذِي جمع الشمل بعد شتاته، وَأَحْيَا الْأنس بعد مماته، سُبْحَانَهُ لَا مبدل لكلماته، وإياه أسل أَن يَجْعَل الْعِصْمَة حَظّ سَيِّدي ونصيبه، فَلَا يَسْتَطِيع أحد أَن يُصِيبهُ، وَأَنا أخرج لَهُ عَن بَث كمين، ونصح إنائه قمين، بعد أَن أَسِير غوره، وَأخْبر طوره، وأرصد فوره، فَإِن كَانَ لَهُ فِي التَّشْرِيق أمل، وَفِي ركب الْحجاز نَاقَة وجمل، والرأي قد نجحت مِنْهُ نِيَّة وَعمل، فقد غنى عَن عَوْف والبقرات، فِي زكى الثمرات، وإطفاء الحمران برمى الجمرات، وتأنس بوصال السّري وَوصل السرات، وأناله إِن رضيني أرْضى مُوَافق، ولواء عزى بِهِ خافق، وَإِن كَانَ عَليّ السّكُون بِنَاؤُه، فَأمر لَهُ مَا بعده، وَالله يحفظ من الْغَيْر سعده، وَالْحق إِن تحذف الأبهة وتختصر، ويحفظ اللِّسَان ويغض الْبَصَر، وينخرط فِي الغمار، ويخلى على الْمِضْمَار، وَيجْعَل من الْمَحْظُور، مُلَاحظَة مِمَّن لَا خلاق لَهُ، مِمَّن لَا يقبل الله قَوْله وَلَا عمله، فَلَا يكتم سرا، وَلَا يتطوق زرا، ورفض الصُّحْبَة زِمَام السَّلامَة، وَترك الْعَلامَة على النجَاة عَلامَة. وَأما حَالي مِمَّا علمْتُم ملازم كن، ومبهوظ تجربة وَسن، أَرْجَى الْأَيَّام، وأروم بعد التَّفَرُّق الألتئام، خَالِي الْيَد، ملىء الْقلب والخلد، بِفضل الله الْوَاحِد الصَّمد، عَامل على الرحلة الحجازية الَّتِي أختارها لكم ولنقسى، وأصل فِي التمَاس الْإِعَانَة عَلَيْهَا يومي وأمسي، أوجب مَا ذكرته لكم مَا أَنْتُم أعلم بِهِ، من ود قَرّرته الْأَيَّام والشهور، والخلوص الْمَشْهُور. وَمَا أطلت فِي شَيْء عِنْد قدومي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 على هَذَا الْبَاب الْكَرِيم، إطالتي فِيمَا يخْتَص بكم من مُوالَاة، وبذل مجهود القَوْل وَالْعَمَل على مرضاته، وَأما ذكرهم فِي هَذِه الأوضاع، فَهُوَ مِمَّا يقر عين المجادة والوظيفة، الَّتِي ينافس فِيهَا أولو السِّيَادَة. وَالله يصل بقاءكم، وييسر لقاءكم، وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة شيخ الْعَرَب مبارك ابْن إِبْرَاهِيم (عرصات دَارك للضياف مبارك ... وبضوء نَار قراك يهدي السالك) (ونوالك المبذول قد شَمل الورى ... طرا وفضلك [لَيْسَ لَهُ حسام فاتك] ) (والجود لَيْسَ لَهُ غمام هاطل ... وَالْمجد لَيْسَ لَهُ سَنَام هاتك) (جمع السماحة والرجاجة والندى ... والبأس والرأي الْأَصِيل مبارك) (للدّين وَالدُّنْيَا وللشيم العلى ... والجود إِن صَحَّ الْغَمَام الماسك) (ورت الْجَلالَة عَن أَبِيه وجده ... فكأنهم مَا غَابَ عَنْهُم هَالك) (فجياده للآملين مراكب ... وخيامه للقاصدين أرائك) (فَإِذا الْمَعَالِي أَصبَحت مَمْلُوكَة ... أعناقها بِالْحَقِّ فَهُوَ الْمَالِك) (يَا فَارس الْعَرَب الَّذِي من بَيته ... حرم لَهَا حج بهَا ومناسك) (يَا من يبشر باسمه قصاده ... وَلَهُم إِلَيْهِ مسارب ومسالك) (أَنْت الَّذِي استأثرت فِيك بغبطتي ... وَسوَاك فِيهِ ماخذ ومتارك) (لَا زلت نورا يَهْتَدِي بضيائه ... من جنه للروع ليل حالك) (ويخص مجدك من سلامي عاطر ... كَمَا لمسك صاك بِهِ الغوالي صائك) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 الْحَمد لله الَّذِي جعل بَيْتك شهيرا، وجعلك للْعَرَب أَمِيرا، وَجعل اسْمك فالا، ووجهك جمالا، وقربك جاها ومالا، قَالَ رَسُول الله إِلَى أَلا أسلم عَلَيْك يَا أَمِير الْعَرَب، وَابْن أمرائها، وقطب سادتها وكبرائها، وأهنيك بِمَا منحك الله من شهرة تبقى، ومكرمة لَا يضل المتصف بهَا وَلَا يشقى، إِذْ جعل خيمتك فِي هَذَا الْمغرب على اتساعه وَاخْتِلَاف أشياعه مأمنا للخائف، على قِيَاس الْمذَاهب والطوائف وَصرف الْأَلْسِنَة إِلَى مدحك، والقلوب إِلَى حبك، وَمَا ذَاك إِلَّا لسريرة لَك عِنْد رَبك. وَلَقَد كنت أَيَّام تجمعني وَإِيَّاك الْمجَالِس السُّلْطَانِيَّة، على معرفتك متهالكا، وطوع الأمل مَالِكًا لما يلوح على وَجهك من سِيمَا الْمجد والحيا، والشيم الدَّالَّة على الْعليا، وَزَكَاة الْأُصُول وكريم الإباء. وَكَانَ وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى عين للقاء خَال السُّلْطَان قريبكم، لما توجه فِي الرسَالَة إِلَى الأندلس نَائِبا فِي تأنيسه عَن مخدومه، ومنوها حَيْثُ حل بقدومه، واتصلت بعد ذَلِك بَينهمَا المهاداة والمعرفة، والرسائل الْمُخْتَلفَة، فَعظم لأجل هَذِه الْوَسَائِل شوقي إِلَى التشرف بزيارة ذَلِك الجناب الَّذِي حُلُوله شرف وفخر، وَمَعْرِفَة كنز وَذخر. فَلَمَّا ظهر الْآن لمحل أخي الْقَائِد الكذا فلَان اللحاق بك، والتعلق بسببك، رَأَيْت أَنه قد اتَّصل بِهَذَا الْغَرَض المؤمل بعض، وَالله ييسر فِي الْبَعْض عِنْد تَقْرِير الْأَمْن، وهدنة الأَرْض. وَهَذَا الْفَاضِل بركَة حَيْثُ حل لكَونه من بَيت أَصَالَة وَجِهَاد، وَمَا جد وَابْن أمجاد، وَمثلك لَا يوصى بِحسن جواره، وَلَا يُنَبه على إيثاره، وقبيلك فِي الحَدِيث من الْعَرَب وَالْقَدِيم، وَهُوَ أوجب لَهُ مزية التَّقْدِيم، لم يفتخر قطّ بِذَهَب يجمع، وَلَا ذخر يرفع، وَلَا قصر يَبْنِي، وَلَا غرس يجنى، إِنَّمَا فخرها عَدو يغلب، وثناء يجتلب، وجزور ينْحَر، وَحَدِيث يذكر، وجود على الْفَاقَة، وسماحة بِجهْد الطَّاقَة. فَلَقَد ذهب الذَّهَب، وَبَقِي النشب، وتمزقت الأثواب، وَهَلَكت الْخَيل العراب، وكل الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 فَوق التُّرَاب تُرَاب، وَبقيت المحاسن تروى وتنقل، والأغراض تجلى وتصقل. وَللَّه در الشَّاعِر حَيْثُ يَقُول: (وَإِنَّمَا الْمَرْء حَدِيث بعده ... فَكُن حَدِيثا حسنا لمن وعا) هَذِه مُقَدّمَة لن يسنى الله بعْدهَا، إِنَّمَا الْأَمِير فيجلى اللِّسَان عَمَّا فِي الضَّمِير. (ومدحى على الْأَمْلَاك مدح إِنَّنِي ... رَأَيْتُك مِنْهَا فامتدحت على رسم) وَمَا كنت بالمهدي لغيرك مدحتي ... وَلَو أَنه قد حل فِي مفرق النَّجْم) وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ شيخ الدولة الإبراهيمية من طَرِيق الْقدوم على ملك الْمغرب مفلتا من النكبة بِسَبَب شَفَاعَته سَيِّدي الَّذِي إِلَيْهِ انقطاعي وانحياشي، وملجئي الَّذِي يسر خلاصي، وسني انتياشي، ومنعمي الَّذِي جبر جناحي وَأنْبت رياشي، وَمولى هَذَا الصِّنْف العلمي وَلَا أحاشي، كتبه صَنِيع نعمتكم الْخَالِصَة الْحرَّة، ومسترف فَضلكُمْ الَّذِي تألقت مِنْهُ فِي ليل الخطوب الْغرَّة، ابْن الْخَطِيب، لطف الله بِهِ، من مربلة، والعزم قد أبلغت فِيهِ النَّفس عذرها، وعمرت بالمثول بَين يديكم سرها وجهرها [وَقد سر إِلَى إبلاغ] النَّفس عذرها فِي مُبَاشرَة تَقْبِيل الْيَد الَّتِي لَهَا الْيَد الْعُظْمَى، والسمية الرحمى، وجبال النعم قد أثقلت الْأَكفاء، والأيادي الجمة، قد خلفت الوطن وَالْمَال والعتاد. فَبِأَي لِسَان أَو بِأَيّ بَيَان، وَلَا أثر بعد عيان، تقَابل نعْمَة تداركت الرمق، وَقد أشفى، وأبقت الذما، والشروع فِي استئصالها لَا يخفى، فيالك من فَرد هزم ألفا، ووعد نصر لم يعرف خلفا، وَنِيَّة خَالِصَة تتقرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 إِلَى الله زلفى. فقد صدع بهَا مولَايَ غَرِيبَة فِي الزَّمن، بَالغا حسن صنيعها صنعاء الْيمن، مترفعة عَن الثّمن، إِن لم يقم بهَا مثله، وَإِلَّا فليهن سَيِّدي مَا صاغ لمجده بهَا من فَخر، وَمَا قدم ليَوْم تزل فِيهِ الْأَقْدَام من ذخر، وَمَا جلب للمقام الْعلي من طيب ذكر، واستفاضة حمد وشكر. لقد ارْتهن دُعَاء الحافي والناعل، وَالدَّال على الْخَيْر شريك الْفَاعِل، وَالَّذِي أَحْيَا النَّفس جدير برد جدَّتهَا، وإنجاز عدتهَا. وَأَنا قد قويت بجاهكم، وَإِن كنت ضَعِيفا، واستشعرت سَعْدا جَدِيدا، وَقدرا منيفا، وأيقنت أَن الله عز وَجل كَانَ بِي لطيفا، إِذْ هيأ لي من رَحْمَة ذَلِك الْمقَام المولوي على يدكم نصرا عَزِيزًا، وَقد استأسدت الْأَعْدَاء، وأعضل الدَّاء وأعمل الاعتداء، وَعز الْفِدَاء، فانفرج الضّيق، وتيسرت للخير الطَّرِيق، وساغ ... . وَنَجَا الغريق، غَرِيبَة لَا تمثل إِلَّا فِي الْحلم، ولطيفة فِيهَا اعْتِبَار لأولى الْعلم. اللَّهُمَّ جَازَ بهَا سَيِّدي فِي نَفسه وَولده، وحاله وبلده، ومعاده بعد طول عمره، وانفساح أمده، وَكن لَهُ نَصِيرًا أحْوج مَا يكون إِلَى نَصره، وَاجعَل لَهُ سَعَة فِي كل حصر، واقصر عَلَيْهِ جاه كل نصر، كَمَا جعلت ذَاته فَوق كل ذَات. وعصره فَوق كل عصر، وليعلم سَيِّدي أَن من أرادني مُنَافَسَة وحسدا، وزأر على أسدا، لما اسْتَقل على الْكُرْسِيّ جسدا، من غير ذَنْب تبين، وَلَا حد تعين، أَصَابَهُ من خلاصي الْمُقِيم المقعد، ووعد النَّفس بِأَجل أخلف مِنْهُ الْموعد، لما استنقذني الله برحمته، من بَين ظفره ونابه، وغطاني بستر جنابه، وكثرني فِي الْعُيُون على قلَّة، وأعزني بعز نَصره على حَال ذلة، لم يدع حِيلَة إِلَّا نصبها أماني، ليحبط بذلك الْمقَام الْكَرِيم زمامي، ويكدر حماحي، وَزعم أَن بِيَدِهِ على الْبعد زمامي، ويأبي ذَلِك من يفرق بَين الْحق وضده، وَعدل لَا يخرج الشَّيْء عَن حَده، فبهت سَيِّدي خوفًا أَن نتجه حِيلَة، أَو تنفس وَسِيلَة، وَأَنا قادم بالأهل وَالْولد، والجلدة المستسنة على الْجلد، ليعْمَل رب الصنيعة على شاكلة الْمجد الَّذِي هُوَ لَهُ أهل، فَمَا نما افتدى بِهِ جهل، وَلَا يخْتَلف فِي عظم مَا أسداه غر وَلَا كهل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وَلَا يَلِيهِ مثله عَن تتميم، وإجزال فضل عميم، ومؤانسة غَرِيب، وصلَة نصر عَزِيز، وَفتح قريب بحول الله. وخاطبته أَيْضا بِمَا نَصه فِيمَا يظْهر من الْغَرَض (راش زماني وبرى نبله ... فَكنت لي من وقعها جنَّة) (وَلَو قهرت الْمَوْت أمنتني ... مِنْهُ وأدخلتني الْجنَّة) (فَكيف لَا أنشرها منَّة ... قد عرفتها الْإِنْس وَالْجنَّة) مَاذَا أخاطب بِهِ تِلْكَ الْجَلالَة فيتيسر الْخطاب، وَتحصل الدّلَالَة بسيدي، ويشركني فِيهِ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، فَفِيهِ أم بِروح حَياتِي، ومقدم مَاهِيَّة ذاتي، وذخري الْكَبِير لَا بل فلكي الْأَثِير، وَهُوَ تضييق على الْوَلَد والأهل، وتعزى الْمَرَاتِب المحدودة من الْجَمِيل، فَلم تبْق إِلَّا الْإِشَارَة الْخَارِجَة عَن وظائف اللِّسَان، وَهِي بعض دلالات الْإِنْسَان، أفدت الْأَسير، وجبرت الكسير، وَرويت عَن ابْن الْعَلَاء التَّيْسِير، وعمرت بِالْكَرمِ، وَأمن حمام الْحرم الظعن والمسير، فَمن رام شكر بعض أياديك، فَلَقَد شدّ حقائب الرّحال إِلَى كل الْمحَال. وَالْحق أَن نكل جزاءك للَّذي جعل الْمجد اعتزاك، وَتَوَلَّى شكرك وثناءك، إِلَى من عمر بِمَا يرضيه من الرِّفْق بالخلق وَإِقَامَة الْحق إناءك، وندعو مِنْك بِالْبَقَاءِ إِلَى الرَّوْض المجود، وغمام الْجُود، وَإِمَام الركع وَالسُّجُود، لَا بل لنُور الله الْمشرق على التهائم والنجود، وَرَحمته المبثوثة أثْنَاء هَذَا الْوُجُود. وليعلم سَيِّدي أَن النَّفس طماعة جمَاعَة، وسراب آمالها تِجَارَة لماعة، وَلَا تفيق من كد، وَلَا تقف عِنْد حد، سِيمَا إِذا لم يهذبها السلوك والتجديد، وَلَا يسر مِنْهَا فِي عَالم الْغَيْب اليريد، وَلَا تجلت لَهَا السَّعَادَة الَّتِي تحذب بهَا المُرَاد، ويشمر لَهَا المريد، إِلَى أَن يَتَأَتَّى عَمَّا دون الْحق الْمجِيد، وَيصِح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 التَّوْحِيد. وَقد مثلت لي الْآن خصما يُوسع ظهر استظهارة ... . قضتها ... وَتقول المَال عديلي عِنْد النقيمة، وطبيبي فِي الْأَحْوَال السقيمة، وَهُوَ نتيجة كدي عِنْد الأقيسة العقيمة، وَمن استخلصني على شرفي إِذا تفاضلت الْجَوَاهِر، وتبينت للحق الْمظَاهر، وتعينت الْمَرَاتِب الَّتِي تعتقدها على رَأْي الإبراهيمية، النُّور الْأَصْفَر والنور القاهر، فخلاص المَال طوع يَدَيْهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الله أَهْون عَلَيْهِ ... حَتَّى تبين معاطفها وأخادعها، حَتَّى تلوى أخادعها، وَأَقُول قد وَقع الْوَعْد، وأشرق السعد، ولان الْجهد، وَسكن الرَّعْد، وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد ... الْعُمر الْمَنَام، وَأَيَّام الجاه وَالْقُدْرَة، يحِق لَهَا الاغتنام، وهم الغافل إِلَى وقته الْحَاضِر مَصْرُوف إِذا لم يغبر حَائِط مثل مَعْرُوف. وَفِي الْوَقْت زبون يُرْجَى بِهِ استخلاص الْحُقُوق ويستبعد وُقُوع العقوق، فَإِن رأى مولَايَ أَن يشفع الْمِنَّة، ويقرع بَابا ثَانِيًا من أَبْوَاب الْجنَّة، قبل أَن يشغل شاغل، أَو يكدر الشّرْب وَالْأكل وارش أَو واغل إِذْ يَنُوب للمتعدى نظر فِي النجاح، أَو يدس لَهُ مَا يحملهُ على الِاحْتِجَاج متسع مناطها، تبيح استنباطها، كثير مياطها وسياطها، فَهُوَ تَمام صنيعتها الَّتِي لم ينسج على منوالها الْأَحْرَار، وَلَا اهتدت إِلَى حسناتها الْأَبْرَار، وَلَا عرف بدر فجرها السرَار، فإليه كَانَ الْفِرَار، وَالله تمّ لَهُ خلوص الإضطرار، ويستقر تَحت دخيله الْقَرار، وتطمين الدَّار، فَإِن مَا ابتدا بِهِ من عز ضرب على الْأَيْدِي العادية من حكم الْحُكَّام، وفارع الهضاب والآكام، على ملإ وَمجمع، ومرأى من الْخلق ومسمع يقتضى اضطراد قِيَاس الْعِزَّة القعساء، وسعادة الصَّباح والمساء، وَظُهُور دَرَجَات الرِّجَال على النِّسَاء. فَهُوَ جاه حَارِث فِيهِ الأوهام، وَهَذِه أذياله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وَمن ركب حَقِيقَة أمرهَا هان عَلَيْهِ خياله، وَالْمَال مَاله، والعيال عِيَاله، وَالْمَوْجُود سريع زياله، وَالْجَزَاء عِنْد الله مكياله، وعروض الْمَغْصُوب بَاقِيَة الْأَعْيَان، مُسْتَقلَّة السحر قَائِمَة الْبُنيان، تمنع عَن شرابها عقائد الْأَدْيَان، وَغَيرهَا من مَكِيل وموزون بَين مَأْكُول ومخزون، والكتب ملقاة بالقاع، مطرحة بأخبث الْبِقَاع، فَإِن تَأتي الْجَبْر، وَإِلَّا فالصبر، على أَن وعد عمادي لَا يُفَارِقهُ الإنجاز. ومكرمته الَّتِي طوقها قد بلغت الشَّام والحجاز، وَحَقِيقَة الْتِزَامه، تبَاين الْمجَاز، وآيات مجده تستصحب الأحجاز. وَللَّه در إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي يُخَاطب الْمَأْمُون لما أكذب فِي الْعَفو عِنْد الظنون: " وهبت مَالِي وَلم تبخل على بِهِ، وَقبل ذَلِك مَا أَن قد وهبت دمى " وَقد كَانَت هَذِه المنقبة غَرِيبَة، فعززتها بأختها الْكُبْرَى وفريدة، فَجئْت باخرى، وشفعت وترا. أبقاك الله لتخليد المناقب، وإعلاء المراقب، وَجعل أخص نعلك تاجا للنجم الثاقب، وتكفل لَك بِالنَّفسِ وَالْولد بِحسن العواقب آمين. آمين، لَا أرْضى بِوَاحِدَة، حَتَّى أضيف لَهَا ألف آمينا. وَأما تَنْبِيه سَيِّدي على اسناء رزق، وَتَقْرِير رفد ورفق، فَلَا أنبه حاتما وكعبا أَن يملآ قَعْبًا، لمن خَاضَ بحرا، وَركب صعبا. هَذَا أَمر كَفَانِيهِ الْكَافِي، ودواءه ذهب الشافي وَالسَّلَام. وخاطبته وَقد اسْتَقل من مرض (لَا أعدم الله دَار الْملك مِنْك سنا ... يجلى بِهِ الحالكان الظُّلم وَالظُّلم) (وأنشدتك اللَّيَالِي وَهِي صَادِقَة ... الْمجد عوفي إِذْ عوفيت وَالْكَرم) من علم، أَعلَى الله قدرك، أَن الْمجد جواد أَنْت شياته، لَا بل الْملك بدر أَنْت آيَاته، لَا بل الْإِسْلَام جسم أَنْت حَيَاته، دعامتك بِالْبَقَاءِ لمجد يروق مِنْك جَبينه، وَملك تنيره وتزينه، وَلدين تعامل الله بإعزازه وتدينه، فَلَقَد ألمت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 نفوس الْمُسلمين لآلامك، ووجم الْإِسْلَام لتوقع إسقامك، وخففت الْأَعْلَام لتأخر إطرافك بمصالح الْملك وإعلامك، فَإِنَّمَا أنامل الدُّنْيَا متشبثة باذيال أيامك، ورحال الأمل مخيمة بَين خلالك وخيامك، فَإِذا قابلت الْأَشْرَاف نعم الله بشكر، ورمت الْغَفْلَة عَن ذَلِك بنكر. فاشكره جلّ وَعلا بملء لسَانك وجنانك، وَأجر فِي ميدان حَمده مُطلقًا جيادك، على مَا طرقك من استرقاق حر، وإفاضة أياد غر، واقتناء عسجد من الْحَمد ودر، وإتاحة نفع وَدفع ضرّ، وإذالة حُلْو من مر، وَكن على ثِقَة من مدافعة الله عَن حماك، وَعز تبلغ ذؤابته السماك، ورزق يحده منتماك بزمامك، وحظوة الْخلَافَة فاستحقها بوسائلك القويمة وذمامك، ومحاسن الدولة فاجلها عَن منصة أيامك، ورسوم الْبر فاغربها عين اهتمامك، وذروة الْمِنْبَر فَامْضِ بهَا طُنب جسامك ... زهر الأيادي الْبيض من أكمامك أمامك، فياعز دولة بك، يَا جملَة الْكَمَال قد استظهرت، وعذبت المعاند وقهرت، وبإعمال آرائك اشتهرت، فراقت الْفَضَائِل مِنْهَا وبهرت، جزالة كَمَا شقّ الجو جارح، ولطافة كَمَا طارح نغم التَّأْلِيف متطارح، وفكر فِي الْغَيْب سارح، وَدين لغوامض الْعدْل والحلم شَارِح، وَمَكَارِم آثَار البرامك سحت، وحلت عُقُود أَخْبَار الأجواد فِي الْأَمْصَار وفسخت، فَلم تدع لفضل الْفضل ذكرا، وَتركت مَعْرُوف خَالِد بن يحيى نكرا، لَا بل لم تبْق لكعب من علو كَعْب، وأنست دَعْوَة حَاتِم بِأبي ماح وَحَام قصاراه سي جوارا، وَمنع صوار، وعقرب نَاب، عِنْد اقشعرار جناب، وَأَيْنَ يَقع من كبر، مذ توبع عَن الْكبر، وجود خضب الْأَيْدِي بحناء التبر، وعق اسْتِخْدَام الأسل الطوَال، بيراع أقل من الشبر، وحقن الدِّمَاء المواقة نجيع الحبر، وَفك العقال، وَرفع النوب الثقال، وراعى الذّرة والمثقال، وعثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 الزَّمَان فأقال، وَوجد لِسَان الصدْق فَقَالَ، أقسم ببارىء النسم، وَهُوَ أبر الْقسم، مَا فازت بمثلك الدول، وَلَا ظَفرت بشبهك الْمُلُوك الْأَوَاخِر وَالْأول، وَلَو تقدّمت لم يضْرب إِلَّا بك الْمثل، وَلم يَقع إِلَّا بسنتك وكتابك الْإِجْمَاع المنعقد على أدائك الْعَمَل، كتب مشيدا بالهناء، ومذيعا مَا يجب من الْحَمد لله وَالثنَاء [والمملوك لما سَام مَالِكه برق الْعَافِيَة، وتدرع بالألطاف الخافية] وشاكرا مَاله بِوُجُودِهِ من الاعتناء وَقد بَادر ركن الدّين بِالْبِنَاءِ، وَأبقى السّتْر والْمنَّة على الْآبَاء وَالْأَبْنَاء، فنسل الله أَن يمتع مِنْك بإيثار الْمُلُوك، ووسطى السلوك، وسلالات أَرْبَاب المقامات والسلوك، ويبقيك، وَصِحَّة الصِّحَّة وافرة، وَعزة الْعِزّ سافرة، وَعَادَة عَادَة السَّعَادَة غير نافرة، وكتيبة الأمل فِي مقامك السعيد غانمة ظافرة، مَا زحفت للصباح شهب المواكب. وتفتحت بشط نهر المجرة أزهار الْكَوَاكِب وَالسَّلَام. وخاطبته أَيْضا بِمَا نَصه سَيِّدي وعمادي، كشف قناع النَّصِيحَة من وظائف صديق أَو خديم لصيق، وأنى بكلا الْجِهَتَيْنِ حقيق، ويتلجلج فِي صَدْرِي كَلَام أَنا إِلَى نفثه ذُو احْتِيَاج، وَلَو فِي سَبِيل هياج، وخرق سياج، وخوض دياج. وَقد أَصبَحت سعادتي عَن اصل سعادتك فرعا، يُوجب النصح طبعا وَشرعا. فَليعلم سَيِّدي أَن الجاه ورطة، ولاستفراق فِي تيار الدول غلطة، وبمقدار الْعُلُوّ إِلَّا أَن يقي الله السقطة. وَأَنه وَالله يعصمه من الْحَوَادِث، ويقيه من الخطوب الكوارث، وَإِن بعد الْجمع فَهُوَ مُفْرد، وبسهام الْحَسَد مقصد، وَأَن الَّذِي يقبل يَده يضمر حسده، وَمَا من يَوْم إِلَّا والعلل تستشري، والحيال تريش وتبرى، وسموم المكائد تسرى، وَالْعين الساهرة تطرق الْعين الناعسة من حَيْثُ تَدْرِي وَلَا تَدْرِي. وَهَذَا الْبَاب الْكَرِيم مَخْصُوص بِالزِّيَادَةِ وَالْبركَة وخصوصا فِي مثل هَذِه الْحَرَكَة، فثم ظواهر تخَالف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 السرائر. وحيل تصيب فِي الجو الطَّائِر، وَمَا عَسى أَن يتحفظ الْمَحْسُود وَقد عويت الْكلاب، وزأرت الْأسود. وَإِن ظن سَيِّدي أَن الخطة الدِّينِيَّة تذب عَن نَفسهَا، أَو تَنْفَع مَعَ غير جِنْسهَا، فَقِيَاس غير صَحِيح، وهبوب ريح، وَإِنَّمَا هِيَ دَرَجَة فَوق الوزارة والحجابة، ودهر يدعى فيبادر بالإجابة، وجاه يحِق على الْقَبِيل والأذيال، وَيُعِيد الْعِزّ وَالْمَال، بَحر هال، وصدور تحمل الْجبَال، وَإِن قطع بالأمان من جِهَة السُّلْطَان، لم يومن أَن يَقع فِيهِ، وَالله يَقِيه، ويمتع بِهِ ويبقيه. مَا الْيُسْر بصدده، والحي يجْرِي إِلَى أمده، فيستظهر الْغَيْب بقبيل، وَيجْرِي من التغلب على سَبِيل، وَيبقى سَيِّدي، وَالله يعصمه، طائرا بِلَا جنَاح، ومحاربا دون سلَاح، يُنَادي بِمن كَانَ يَثِق يوده فِي طلل، ويقرع سنّ النادم، وَالْأَمر جلل، وَمثله بَين غير صنفه مِمَّن لَا يَتَّصِف بظرف، وَلَا يلْتَفت إِلَى الإنسانية بِطرف، وَلَا يعبد الله وَلَو على حرف، مَحْمُول عَلَيْهِ من حَيْثُ الصنفية، متعمد بالعداوة الْخفية، وَإِن ظن غير هَذَا فَهُوَ مخدوع مسحور، مفتون مغرور، وبالفكر فِي الْخَلَاص تفاضلت النُّفُوس، واستدفع الْبُؤْس، وَله وُجُوه متعذرة الْحُصُول، دونه بيض النصول، إِلَّا مَا كَانَ من الْغَرَض الَّذِي بَان فِيهِ من بعد الْجد الفتور، وَعدل عَنهُ وَقد أَخذ الدستور، وتيسرت الْأُمُور، وتقررت الْإِيمَان وَالنُّذُور، فَإِنَّهُ عرض قريب، وسفر قَاصد، ومسعى لَا ينْفق فِيهِ لسيدي من مَاله دِرْهَم وَاحِد، ووطن بحركة راصد، لَا يمْتَنع عَلَيْهِ أمله، وَلَا يستصعب سهله. وأميره، جبره الله يتطارح فِي يمينكم لاقْتِضَائه، وإحكام آرائه وتأمين خائفه، واستقدام أضيافه وطوائفه، ويتحركون حَرَكَة الْعِزّ والتنويه، وَالْقدر النبيه، لَا يعوزكم مِمَّن وَرَائِكُمْ مطلب، وَلَا يلفي عَن مخالفتكم مَذْهَب، وَلَا يكدر لكم مشرب. وتمر أَيَّام وشهور، وَتظهر بطُون للدهر وَظُهُور، وتفتح أَبْوَاب، وتسبب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 أَسبَاب، من رُجُوع يَتَأَتَّى بعده السّكُون والفتور، وَقد سكنت الخواطر وتنوعت الْأُمُور، أَو مقَام تمهد بِهِ الْبِلَاد، وَيعْمل فِي تَرْتِيب السّير وَالِاجْتِهَاد، ويستغرق فِي هَذَا الْغَرَض الآماد، ويتأتى أَن حدث الِاسْتِقْلَال والاستبداد، وَأما اخْتِصَاص بمعقل حريز ومتبوأ عَزِيز، تهنأ فِيهِ الْأَعْمَار، وَيكون لمن يسْتَقلّ بِهِ على [الغرب والشرق] الْخِيَار، أَو التحكم فِي ذخيرة سما مِنْهَا الْمِقْدَار، وَذهل عِنْد مشاهدتها الِاعْتِبَار، وخزانة الْكتب بجملتها وفيهَا الْأُمَّهَات الْكِبَار، قد تخَافت عَنْهَا الْحَاجة وَعدم إِلَيْهَا الِاضْطِرَار، وَالرَّفْع الَّذِي يسوغ بِالشَّرْعِ وَالْعَقار. فَهَذَا كُله حَاصِل، ثمَّ ضَامِن لَا يتهم وكافل، عهود صبغها غير ناصل، وَبِالْجُمْلَةِ فالوطن لأغراض الْملك جَامع، ولمقاصده من الْإِقَامَة والانتقال مُطِيع وسامع. وَإِن توقع إثارة فتْنَة، وارتكاب إحْنَة، فَالْأَمْر أقرب، وإحالة التَّيْسِير أعرب، وَهَذِه الْحجَّة فِي تلمسان غير مُعْتَبرَة، وأجوبتها مقررة. وَقد روسل الطاغية، وأعانته تحصل فِي الْغَالِب على هَذِه المطالب، وَبِالْجُمْلَةِ فالدنيا قد اختلت، والأقدام قد زلت، وَالْأَمْوَال قد قلت، وشبيبة الدَّهْر ولت. وَذَلِكَ الْقطر على علاته، أحكم لمن يروم الجاه وَأَمْنَع، وأجدى بِكُل اعْتِبَار وأنضع. وَقد حضرت لاستخلاصكم إِيَّاه الْآلَة الَّتِي لَا تتأتى فِي كل زمَان. وتهيأ الْمَكَان، واقتضيت إِيمَان، وَعرضت سلع تغل لَهَا، وارتهنت ألوفا مروآت وأديان، وَتحقّق بذلك الْقطر الْفساد الَّذِي اشْتهر بِهِ مأموره وأميره والنكر الَّذِي يجب على كل مُسلم تَغْيِيره. فَإِن شِئْت شرعا فَالْحكم ظَاهر، أَو طَمَعا، فالطمع حَاضر، وَمَا ثمَّ عازل، بل عاذر، والمؤنة الَّتِي تلْزم ... من أَن تكون ثمن بعض الْحُصُون، وَمَا يستهلك فِي هَذَا الْغَرَض شَيْء لَهُ خطر، وَلَا يستنفد من الصَّحِيفَة سطر، وَالْيَد محكمَة، فَكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 أَو شطر، وَمَا يخص الْمُلُوك من هَذَا الْأَمر إِلَّا استنفاد نشب، واستخلاص مزيل بَين موروث ومكتسب، وبعيد أَن لَا ينصر فِي زمن من الْأَزْمَان، فَلَا بُد فِي كل وَقت من أَعْيَان، ومروات وأحساب وأديان. وَالله سُبْحَانَهُ يَقُول: {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} وَأما خدمَة دولة فَهِيَ على حرَام، وَلَا ينجح لي فِيهَا إِن اعتمدتها مرام، وكأنني بالمشرق لَاحق، ولأنفاسه الزكية ناشق، فَمَا هِيَ إِلَّا أطماع سرابها لماع، فَإِذا انْقَطَعت انفسحت الدُّنْيَا واتسعت ... . . معاش فِي غمار، أَو عكوف فِي تمكسر دَار، لمداومة استقالة واستغفار. وَوَاللَّه مَا توهم أحد، أَن من قبلك الْبِلَاد يستنصر بغاته عَلَيْكُم، ويحتقر مَا لديكم، فقد ظهر الكامن وتطابق الْمخبر والمعاين. فسبحان من يُقَوي الضَّعِيف، ويهين المخيف، وَيجْرِي يَد المشروف على الشريف، والهمم بيد الله. ينجدها ويخذلها، وَالْأَرْض فِي قَبضته يرعاها ويهملها. هَذَا بَث لَا يَتَّسِع إفشاؤه، وسر إِن لم يطو سقط بهَا على السرحان عشاؤه، وَفِيه مَا يُنكر الْأَمر، وتتعلق بِهِ الظنون وتعمل الخواطر، فتدبروه واعتبروه، وبعقلكم فاسبروه، ثمَّ غطوه بالأحداق واستروه. وَالله يرشدكم للَّذي هِيَ أسعد، ويحملكم على مَا فِيهِ الْعِزّ السرمد، وَالْفَخْر الَّذِي لَا ينْفد. وَالسَّلَام. وخاطبته أَيْضا بِقَوْلِي سَيِّدي، بل مالكي، بل شَافِعِيّ، ومنشلي من الهفوة ورافعي، وعاصمي عِنْد تجويد حروب الصَّنَائِع ونافعي، الَّذِي بجاهه أجزلت الْمنَازل قراي، ووصلت أولاي والْمنَّة لله أخراي، وأصبحت وَقَول الْحسن هجيراي: (علقت بِحَبل من حبال مُحَمَّد ... أمنت بِهِ من طَارق الْحدثَان) (تغطيت من دهر بِظِل جنَاحه ... [فعيني ترى دهري وَلَيْسَ يران] ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 (فَلَو تسل الْأَيَّام مَا اسمى مَا درت ... وَأَيْنَ مَكَاني مَا عرفن مَكَان) وصلت مكناسة حرسها الله تَحت غيث [حذا بِي حَذْو] نداك، وسحائب لَوْلَا الْخِصَال المبرة قلت يداك، وَكَانَ الوطن لاغتباطه بِجوَارِي، وَمَا رَآهُ من انبتات زمارى، أوعز إِلَى بهت بِقطع الطَّرِيق، وَأطلق يَده على التَّفْرِيق، وإشراق القوافل مَعَ كَثْرَة المَاء بالريق، فَلم يسع إِلَّا الْمقَام أَيَّامًا، قعُودا فِي الْبر وقياما، واختيارا فِي حروب الْأنس واغتناما، وَرَأَيْت بَلْدَة معارفها أَعْلَام، وهواؤها برد وَسَلام، ومحاسنها تعْمل فِيهَا أَلْسِنَة وَأَقْلَام، فَحَيَّا الله سَيِّدي، فلكم من فضل أَفَادَ، وَأنس أَحْيَا، وَقد باد، وَحفظ مِنْهُ على الْأَيَّام الذخر والعتاد، كَمَا ملكه زِمَام الْكَمَال فاقتاد، وَأَنا أتطارح عَلَيْهِ فِي صلَة تفقده، وموالاة يَده، بِأَن يسهمني فِي فرض مخاطبته، مهمى خَاطب مُعْتَبرا بِهَذِهِ الْجِهَات، وتصحبني من أنبائه صُحْبَة بكؤوس مَسَرَّة، يعْمل فِيهَا هاك وهات فالعز بعده مَفْقُود، والسعد بِوُجُودِهِ مَوْجُود، أبقاه الله بَقَاء الدَّهْر، وَجعل حبه وَظِيفَة السِّرّ، وحمده وَظِيفَة الْجَهْر، وَحفظ على الْأَيَّام من زَمَنه زمن الزهر، وَوصل لنا بإيالته، الْعَام بِالْعَام، والشهر بالشهر، آمين. آمين وَالسَّلَام. وخاطبته أَيْضا فِي غَرَض الشَّفَاعَة يَا سَيِّدي أبقاكم الله محط الآمال، وقبلة الْوُجُوه، وَبلغ سيادتكم مَا تَأمله من فضل الله وترجوه، وكلأ بِعَين حفظه ذاتكم الفاخرة، وَجعل عز الدُّنْيَا، مُتَّصِلا بعز الْآخِرَة، بعد تَقْبِيل يديكم الَّتِي يَدهَا لَا تزَال تشكر، وحسنتها عِنْد الله تذكر، أنهى إِلَى مقامكم أَن الشَّيْخ الكذا أَبَا فلَان، مَعَ كَونه مُسْتَحقّ التجلة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 تهجرة إِلَى أبوابكم الْكَرِيمَة قدمت، ووسائل أَصَالَة وحشمة كرمت، وَفضل ووقار، وتنويه للولاية إِن كَانَت ذَا احتقار، وَسن اقْتضى الْفضل بره، وأدب شكر الِاخْتِيَار علنه وسره، لَهُ بِمَعْرِِفَة سلفكم الأرضى وَسِيلَة مرعية، وَفِي الِاعْتِرَاف بنعمتكم مقامات مرضية، وَتوجه إِلَى بَابَكُمْ، والتمسك بأسبابكم. والمؤمل من سَيِّدي ستره بجناح رعيه فِي حَال الكبرة ولحظه بطرِيق المبرة، إِمَّا فِي اسْتِعْمَال يَلِيق بِذِي الاحتشام، أَو سكن تَحت رعى واهتمام، وإعانة على عمل صَالح، فَيكون مسكه ختام، وَهُوَ أَحَق الفرضين بِالْتِزَام، وإحالة سَيِّدي فِي حفظ رسم مثله على الله الَّذِي يجزى المحسنون بفضله، وَمِنْه نسل أَن يديم الْمجْلس العلمي محروسا من النوائب، فَبلغ الآمال والمآرب. والمملوك قرر شَأْنه فِي إسعاف الْمَقَاصِد المأمولة من الشَّفَاعَة إِلَيْكُم، والتحبب فِي هَذِه الْأَبْوَاب عَلَيْكُم، وتغليب الْقُلُوب بيد الله، الَّذِي يُعْطي وَيمْنَع، وَيملك الْأمة أجمع، وَالسَّلَام. وخاطبته مقررا للوسيلة والشفاعة سَيِّدي الْأَعْظَم، وملاذي الأعصم، وَعُرْوَة عزي الوثقى الَّتِي لَا تفصم، أبقاك الله بَقَاء ... . يَأْمر الدَّهْر فيأتمر، ويلبي بثنائك الطَّائِف والمعتمر، بِأَيّ لِسَان أثنى على فواضلك، وَهِي أُمَّهَات المنن، وطوف الشَّام واليمن، ومقامات بديع الزَّمن، والتحف المترفعة عَن الثّمن، فحسبي دَعَا أردده وأواليه، وأطلب مَطْلُوب الْإِجَابَة من مقدمه وتاليه، وَإِن تشوف الْمُنعم للْحَال الْمَوْقُوف، جبرها بِمَشِيئَة الله على جميل سَعْيه، الموسدة على وطاء لطفه، المفشاة بغطاء رعيه، فَقلب خافق يجاوبه وسواس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 مُنَافِق، وَقد تجَاوز مُوسَى مجمع الْبَحْرين، وَأصْبح سرى إيابه سرى الْقَيْن. وَلَقَد كَانَت مراسل الرُّسُل قَصِيرَة قبل أَن يكسبها رحلى ثقل الْحَرَكَة، ويخلط خاصمي فِي وظائفها الْمُشْتَركَة. وليت أَمْرِي برز إِلَى طرف، وأفضى إِلَى منصرف، وَرُبمَا ظهر أنس بِمَا يرجوه، وبرز المحبوب من الْمَكْرُوه، وَالله لَا يفضح جاه الْكتاب الَّذِي أَحْيَا وأنثر، وَحيا وَبشر، وَأعْطى صَحِيفَته بِالْيَمِينِ، وَقد جمعت مثابتكم الْمَحْشَر. وموصل كتابي يَنُوب فِي تَقْبِيل الْيَد العلمية منابي، وليعلم سَيِّدي أَن هَذَا الْقطر على شهرته، وتألق مُشْتَرِيه وزهرته، إِذا انتحل كَرَامَة، وعهد الْفضل لم يبْق إِلَّا انصرامه، فَهُوَ [لبابه المتخير] وزلاله الَّذِي لَا يتَغَيَّر، أَصَالَة مَعْرُوفَة، وهمة إِلَى الإيثار مصروفة، ونبلا عَن السن والكبرة، ورجولة خَلِيقَة بصلَة الْخدمَة والمبرة، والوسيلة لَا تطرح، وَالْمعْنَى الَّذِي لَا يعبر لوضوحه وَلَا يشْرَح، هُوَ انتماؤه إِلَى جناب سَيِّدي حَدِيثا وقديما، واعترافه بنعمته، مديرا لَهَا وخديما. وَالله يوفر من إِيثَار سَيِّدي حَظه، ويحدد لَدَيْهِ رعيه ولحظه، حَتَّى يعود خافقا علم إقباله، معلما برد اهتباله، مَسْرُورا ببلوغ آماله. فلعمري أَن مَحل ولَايَته يَكْفِي، وَأَن عمر أَمَانَته لوفي، وَأَن عَامل جده لظَاهِر وخفي، وَمَا يَفْعَله سَيِّدي من رعيه، وإنجاح سَعْيه، مَحْسُوب فِي جملَة مذاهبه، ومعدود فِي فضل مكارمه ومواهبه. وَالله يبقيه، وَيَضَع الْبركَة فِيهِ. وَالسَّلَام الْكَرِيم يَخُصُّهُ كثيرا أثيرا. وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ للْقَاضِي خَالِد ابْن عِيسَى بن أبي خَالِد فِيمَا يظْهر مِنْهَا وصل الله عزة الْفَقِيه النبيه، العديم النظير والشبيه، وَارِث الْعَدَالَة عَن عَمه وَابْن عَمه وَأَبِيهِ، فِي عزة تظلله، وَولَايَة تتوج جاهه وتكلله، وَمَعْرِفَة تسوغ لَهُ مَا ضَاقَ فِيهِ سَبِيل المعاش وتحلله، وَلَا زَالَ غاصا بمثوب اللطائف حَتَّى من أحواز مَكَّة والطائف منزله. أفاتح ذَلِك الْمجْلس القَاضِي بالتحية، الكفيلة بإنشاء الأريحية، تَحِيَّة الْإِسْلَام الْبَريَّة من الملام، وَلَوْلَا الِالْتِزَام للسّنة لمدت إِلَى تَحِيَّة كسْرَى أَيدي الْمِنَّة، وأشاهد بالتخيل جمال تِلْكَ الْعمة، قبل إِعْمَال ذَوَات الأزمة، وأتنعم على الْبعد بِسَمَاع تِلْكَ الْأَلْفَاظ المشرقية، قبل ذهَاب الْبَقِيَّة، وألاحظ بِعَين الْبَصَر لطافة الخطة، بعد خطوَات كخطوات البطة، ونزعات أودعتها فِي ثرى الطَّبْع النَّبِيل، مياه النّيل، وآداب سرت فِي الْقدر الْجَلِيل من بَرَكَات الْمُقَدّس والخليل، وَأَسْتَغْفِر الله من أَيَّام أقشعت سحابها، وَبت استصحابها، وَلم تعلم بمكاتبة الْمجْلس القاضوي برودها، وَلَا حليت بحلى آدابه وودها وَلَا قضي فِي موارد فَضله وُرُودهَا. أما عُذْري فِي عدم استنزاله واستسقاء غزاله، فَرُبمَا تبين، ويسفر مِنْهُ الجبين، لما استولى على النَّفس من كسل، وراعها للشيب من نصول أسل، وسامها من شراب النحلى ومغتسل. فمذ ثنيت الأعنة من بعد الاغتراب. لم يغرها لمع السراب، وَلَا موصلة الأتراب، وَلَا عولت إِلَّا على التُّرَاب، وَكفى بعبير القَاضِي عِبْرَة، لَا بل خبْرَة، وَهِي هَدِيَّة الطّيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 ومديلة الابتسام من التقطيب، وَقد تضَاعف باصطفائه إِيَّاهَا الشذا، وَكفى فِي مثلهَا من صدقَات الصَّدَقَة، الْمَنّ والأذى. فلولا أَن الْبَاعِث على مخاطبته هَذِه حَال غالبة، ومقدمة للتماسك سالبة، لتناولها عُمُوم حكم الأمساك، حَتَّى عَن مداخلة النساك. وَأما القَاضِي، أعزه الله، فَمَا الَّذِي يمنعهُ عَمَّا يَقُوله أَو يصنعه. نفس نشيطة، وَخلق بَين الْجد الصراح، والهزل الْمُبَاح، وسبطة، ويراع طائع، تسرح تَحت عَصَاهُ من الْبَيَان مطامع، والعذر فِي مثلهَا أدعى مَتى نسب، ومستحق مَتى اكْتسب. وَلما رَابَنِي من ذَلِك مَا حَقه أَن يريب، وينكر مثله، من أَعمال الاستقراء والتجريب، بحثت عَن سَببه، وَعلة منقلبه، والزهد فِيهِ من بعد طلبه، فَذكر لي أَن جو وده غير معاف، وميزان عمله لَيْسَ بِذِي اتصاف بإنصاف، وَأَنه يحقد على الْمُحب، فلتة دعابة وفكاهة، لم تفض وَالْحَمْد لله إِلَى سفاهة، وَلَا خلى طبعها من حلاوة أَو تفاهة، وأعرضت عَن عرض تستبيحه، أَو هجو ينعى على الْفُضَلَاء قبيحه، وولعت بظريف مجَاز، وهيئات حجاز، وقررت نسب الْأَدَب، ووصلت السَّبَب بِالسَّبَبِ. ثمَّ توالى بعْدهَا السَّعْي والكدح، واتصل الْحَمد والمدح، وَرفعت للمنصب الرَّايَات، وسببت الولايات والجرايات، وَوَقع التوافق فِي الأسعار، والتجادل فِي ميدان الاسْتِغْفَار، فهبها سَيِّئَة، فقد محتها الْحَسَنَات، أَو شُبْهَة، فقد نسختها للفخر الْآيَات الْبَينَات، أَو دخلا فقد تحصلت من الْفَوَائِد الْكَثِيرَة الدِّيات ثمَّ الدِّيات، وَلَو كَانَ الِاعْتِقَاد رديا أَو نبأ تِلْكَ الهنات عاديا، لأجهز اللاسب، واعقب السِّيرَة الْمُنَاسب، فَكيف، وَلم يبد بعْدهَا إِلَّا رزق دَار، وَعمل سَار، وَذكر جميل، وتتميم للأغراض وتكميل، ودرج يرتقي، وولايات تخْتَار وتنتقى، ولسان بالعناية يعلن، واغتباط يُغني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 ويسمن، " وَإِن يكن الْفِعْل الَّذِي سَاءَ وَاحِدًا، فأفعاله اللائي سررن أُلُوف ". وَلم يعْتَبر هَذَا المظنون، حَتَّى انْتَشَر من بعد الكمون، وَأخْبر عَن القَاضِي بعض أصدقائه ببثه إِيَّاه وإلقائه، وإبراز يَرْبُوع النِّفَاق، من نافقائه، فَوَجَبَ استقراء هَذَا الْقُرْء، وَتَحْقِيق هَذَا ... وَأَن يكر على العتب بالمحق، وينسخ ثمله بالصحو. فالخواطر محتاجة إِلَى إِزَالَة الشوب، والأعمال الْفَاسِدَة مفتقرة إِلَى التوب، وَالله غَافِر الْحُوب، وأهون بهَا من جِنَايَة لم تثل من عرش، وَلَا افْتَقَرت إِلَى أرش والحقد من شيم النُّفُوس الجاهلة، وسجايا الْعُقُول الساهية عَن الْحق الذاهلة، وليعلم القَاضِي أعزه الله أَنى لم يحملني على استعتابه وَإِيجَاب مثابي أَو مثابة، وإصدار كِتَابه، استكثارا من هَذِه الأقلام، [إيثارا للغو] بالْكلَام. إِنَّمَا هُوَ تَخْفيف منصرف، وتجلة معترف، أَو هَوَاء زمن خرف، وَالله اسل أَن يطهر الْقُلُوب، ويبلغ الْمَطْلُوب، ويستأصل الْهوى المغلوب. وَالسَّلَام. وخاطبت وَالِي درعة أَبَا مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد لما كنت مستوطنا مَدِينَة سلا حرسها الله (وَالِي الْوُلَاة وَوَاحِد الزَّمن الَّذِي ... تبأى الْمُلُوك لمثله وتفاخر) (صيرت حَاتِم طبى يزرى بِهِ ... زار ويسخر إِن تذكر ساخر) (إِن كَانَ طلا أَنْت جود ساجم ... أَو كَانَ نهر أَنْت بَحر زاخر) (وَإِذا الزَّمَان الأول استعلى بأهليه ... استناف بك الزَّمَان الآخر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 كتبت إِلَى سَيِّدي والخجل قد صبغ وَجه يُرَاعِي، وعقم مِيلَاد إنشائي واختراعي، لمكارمه الَّتِي أعيت مِنْهُ ذراعي، وَعجز فِي خوض بحرها سفينتي وشراعي. وَلَو كَانَ فَضله فَنًّا محصورا، لَكُنْت على الشُّكْر معانا منصورا، أَو على غَرَض مَقْصُورا لزأرت أسدا هصورا، وَلم ير فكري عَن عقائل الْبَيَان حصورا، لكنه مجد تألق بِكُل ثنية، وَمَكَارِم رمت عَن كل حنية، وَفضل سبق إِلَى كل أُمْنِية، وأياد ببلوغ غايات الْكَمَال مغنية، فحسبي الْإِلْقَاء بِالْيَدِ لغَلَبَة تِلْكَ الأيادي، وَإِسْلَام قيادي إِلَى ذَلِك الْمجد السيادي، وإعفاء يُرَاعى ومدادي، فَإِن كَانَت الْغَايَة لَا تدْرك، فَالْأولى أَن يلغى الْكل وَيتْرك، وَلَا يعرج على الإدعاء، وَيصرف القَوْل من بَاب الْخَيْر إِلَى بَاب الدُّعَاء، وَقد وصلني كتاب سَيِّدي مُخْتَصر الحجم جَامعا بَين الثريا والنجم، قريب عهد من يَمِينه بمجاورة الْمَطَر التجم، فَقلت اللَّهُمَّ كَاف سَيِّدي واجزه [وَمن مد] يَده بالضر فاخزه، وَللَّه در الْمثل، أشبه امْرُؤ بعض بزه كَمَال واختصار، وَرَيْحَان أنوف، وأثمد أبصار، أعلق بالرعى الَّذِي لَا يقر بعد الدَّار من شيمته، وَلَا يقْدَح اخْتِلَاف الْعرُوض والأقطار فِي ديمته. إِنَّمَا نَفسه الْكَرِيمَة وَالله يَقِيهَا، وَإِلَى معارج السَّعَادَة يرقيها، قانون يلْحق أدنى الْفَضَائِل بأقصاها، وَكتاب لَا يُغَادر [صَغِيرَة وَلَا] كَبِيرَة إِلَّا أحصاها، وَإِنِّي وَإِن عجزت عَمَّا خصني من عمومها، وأحسنى من جمومها، لمخلد ذكرا يبْقى وَتذهب اللها، ويعلى مَعَاني الْمجد تجَاوز ذوابتها السها، ويذيع بمخائل الْملك فَمَا دونهَا، ممادح يهوى الْمسك أَن يكونها، وَتعطف لَهُ الرَّوْض المجود غصونها، وتكحل بِهِ الْحور الْعين عيونها، وتودي مِنْهُ الْأَيَّام المتربة ديونها. وَإِن تشوف سَيِّدي بعد على حَمده وشكرا، واستنفاد الوسع فِي إطالة حَمده، وإطابة ذكره إِلَى الْحَال، ففلان حفظه الله يشْرَح مِنْهَا الْمُجْمل، وَيبين من عواملها الملغى والمعمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 وَأما اعتناء سَيِّدي بِالْوَلَدِ المكفن بحرمته، فَلَيْسَ ببدع فِي بعد صيته، وعلو همته، على من تمسك بأذمته، وفضله أكبر من أَن يُقيد بِقصَّة، وَبدر كَمَاله أجل من أَن يعدل بوسط أَو حِصَّة، وَالله تَعَالَى يحفظ مِنْهُ فِي الولا وَإِلَى الْقبْلَة، وَولى المكارم بِالْكَسْبِ والجبلة، وَيجْعَل جَيش ثنائه لَا يُؤْتى من الْقلَّة بفضله وَكَرمه. وَالسَّلَام الْكَرِيم عَلَيْهِ وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَكتب فِي كَذَا من التَّارِيخ. وكتبت إِلَى صَاحب القصبة بمراكش مَسْعُود بن يُوسُف بن فتح الله (أمسعود بن يُوسُف طير قلبِي ... على شجو الْكِرَام لَهُ وُقُوع) (وَفِي علياك كنز اعْتِقَاد ... على أَمْثَاله تطوى الضلوع) (إِذا نفس امرىء ولعت بِشَيْء ... فَمَا بسوى كمالك لي ولوع) سَيِّدي أبقاك الله عالي الْقدر، منشرح الصَّدْر، حَالا من منَازِل السَّعَادَة منزلَة الْبَدْر، فخلت الأماجد فَوقف على تفضيلك اخْتِيَاري، وَإِن لم يتَّجه لنأى وَلَا قرب جواري، لَكِن السماع، وَمَتى رد حكم أَصله الْإِجْمَاع والاختبار وَالِاعْتِبَار، فَلَمَّا أتاح الدَّهْر لِقَاء على ظهر طَرِيق، وانحفاز فريق، هَمَمْت أَن أَشك فِي اعتقادي، وأبعث بِعقد ودادي، فضاقت الوقفة، وَلم تكمل الصَّفْقَة، وانصرفت انصراف الظمآن شَارف العذب الزلَال، فَلم يشرب، والمحب تمنى سَاعَة اللِّقَاء فَمَا أبان وَلَا أعرب، وَخفت أَن يجريه سَيِّدي مجْرى الهذر الَّذِي هُوَ صرف الأشواق، والمعاملة، بِهِ على الْإِطْلَاق، حَيْثُ لَا خلاق، بل هُوَ وَالله الْحق الَّذِي وضح محياه، والبارق الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 أغدق سقياه، والْحَدِيث الَّذِي أخجل الْمسك رياه، لم تحمل عَلَيْهِ المطامع، وَلَا الشَّرَاب اللامع. فليثن سَيِّدي من المعتز بِمُوجب حَقه، الْعَلِيم بسبقه، وَالْقَائِل بِأَنَّهُ وحيد عصره، وحسنة دهره، إِلَى أَن يمن الله بلقاء للشرح الْمُضمر ويبينه، حَتَّى تخفق رايته، وينتشر كمينه. وَالله يديم سعد سَيِّدي وعلاه، ويحفظه ويتولاه. وَالسَّلَام وخاطبت الشَّيْخ أَبَا عبد الله بن أبي مَدين أهنيه بتقليد الخطة (تعود الْأَمَانِي بعد انصراف ... ويعتدل الشَّيْء بعد انحراف) (فَإِن كَانَ دهرك يَوْمًا جنى ... فقد جَاءَ ذَا خجل واعتراف) طلع الْبشر أبقاك الله بِقبُول الْخلَافَة المرينية، والإمامة السّنيَّة، خصها الله بنيل الأمنية على تِلْكَ الذَّات الَّتِي طابت أرومتها، وزكت، وتأوهت الْعليا لتذكر عهدها وبكت، وَكَاد السرُور يَنْقَطِع لَوْلَا أَنَّهَا تركت مِنْهَا الْوَارِث الَّذِي تركت. وَلَوْلَا الْعذر الَّذِي تأكدت ضَرُورَته، وَالْمَانِع الَّذِي رُبمَا تقررت لكم صورته، لَكُنْت أول مشافه بالهناء، ومصارف لهَذَا الاعتناء، الوثيق إِلَيْنَا، لنعود الْحَمد لله والثنا. وَهِي طَوِيلَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الرئيس أَبَا زيد بن خلدون لما ارتحل من بَحر المرية، وَاسْتقر بِبَلَدِهِ بسكرة، عِنْد رييسها الْعَبَّاس بن مزنى صُحْبَة رِسَالَة خطها أَخُوهُ أَبُو زَكَرِيَّا وَقد تقلد كِتَابَة صَاحب تلمسان وَوصل مِنْهُ من إنشائه (بنفسي وَمَا نَفسِي على بهينة ... فينزلني عَنْهَا المكاس بأثمان) (حبيب نأى عني وصم لأنني ... وراش سِهَام الْبَين عمدا وأهمان) (وَقد كَانَ هم الشيب لَا كَانَ كَافِيا ... فقد عادني لما ترحل همان) (شرعت لَهُ من دمع عَيْني موردا ... وكدر شربي بالفراق وأخمان) (وأرعيته من حسن عهد حميمه ... فأجدب آمالي وَسكن أزمان) (حَلَفت على مَا عِنْده لي من رضَا ... قِيَاسا بِمَا عِنْدِي فأحنث إِيمَان) (وَإِنِّي على مَا نالني مِنْهُ من قلى ... لأشتاق من لقيَاهُ نغبة ظمآن) (سَأَلت جنوني فِيهِ تقريب عَرْشه ... فقست بجن الشوق جن سُلَيْمَان) (إِذا مَا دَعَا دَاع من الْقَوْم باسمى ... وَثَبت وَمَا استتبت شِيمَة هيمان) (وتا الله مَا أصغيت فِيهِ لعاذل ... تحاميته حَتَّى ارعوى وتحامان) (وَلَا استشعرت نَفسِي برحمة عَائِد ... تظلل يَوْمًا مثله عبد رحمان) (وَلَا شَعرت من قبله بتشوق ... تخَلّل مِنْهَا بَين روح وجثمان) أما الشوق فَحدث عَن الْبَحْر وَلَا حرج، وَأما الصَّبْر فاسأل بِهِ أَيَّة درج، بعد أَن تجَاوز اللوى والمنعرج. لَكِن الشدَّة تعشق الْفرج، وَالْمُؤمن ينسق من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 روح الله الأرج، وَإِنِّي بِالصبرِ على أبر الدبر، لَا بل الضَّرْب الهبر، ومطاولة الْيَوْم والشهر، تَحت حكم الْقَهْر. وَهل للعين أَن تسلو سلو المقصر عَن إنسانها المبصر أَو تذهل ذُهُول الزَّاهِد عَن سرها للراني والمشاهد، وَفِي الْجَسَد بضعَة تصلح إِذا صلحت، فَكيف حَاله إِن رحلت عَنهُ ونزحت. وَإِذا كَانَ الْفِرَاق هُوَ الْحمام الأول، فعلام الْمعول، أعيت مراوضة الْفِرَاق على الراق، وكادت لوعة الاشتياق أَن تفضى إِلَى السِّيَاق: (تركتموني بعد تشييعكم ... أوسع أَمر الصَّبْر عصيانا) (أَقرع سنى ندما تَارَة ... وأستميح الدمع أَحْيَانًا) وَرُبمَا تعللت بغشيان الْمعَاهد الخالية، وجددت رسوم الأسى بمباكرة الرسوم البالية، أسل نون الناي عَن أَهله، وَمِيم الموقد الهجور عَن مصطليه، وثاء الأثافي الْمُثَلَّثَة عَن منَازِل الْمُوَحِّدين، وأحار بَين تِلْكَ الأطلال حيرة الْمُلْحِدِينَ لقد ضللت إِذا، وَمَا أَنا من المهتدين، كلفت لعمر الله بسال عَن جفوني المؤرقة، ونائم عَن همومي المجتمعة المتفرقة، ظعن عَن سلال لَا متبرما مني بشر خلال وكدر الْوَصْل بعد صفائه، وضرج النصل بعد عهد وَفَاته: (أقل اشتياقا أَيهَا الْقلب رُبمَا ... رَأَيْتُك تصفى الود من لَيْسَ جازيا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 فها أَنا أبْكِي عَلَيْهِ بِدَم أساله، وأنهل فِيهِ أسا لَهُ، وأعلل بذكراه قلبا صدعه، وأودعه من الوجد مَا أودعهُ لما خدعه ثمَّ فلاه وودعه، وأنشق رياه أنف ارتياح قد جدعه، وأستعديه على ظلم ابتدعه. (خليلي هَل ابصرتما أَو سمعتما ... قَتِيلا بَكَى من حب قَاتله قبلي) فلولا عَسى الرَّجَاء، وَلَعَلَّه لَا بل شَفَاعَة الْمحل الَّذِي حلّه، لمزجت الحنين بالعتب، وبثثت كِتَابه كمنا فِي شعاب الْكتب، تهز من الألفات رماحا خزر الأسنة، وتؤثر من النونات أَمْثَال القسى المرنة، وتقود من مَجْمُوع الطرس وَالنَّفس، بلقا تردى فِي الأعنة، لكنه أدّى إِلَى الْحرم الْأمين، وتفيأ ظلال الْجوَار الْمُؤمن من معرة الغوار عَن الشمَال وَالْيَمِين، حرم الْخلال المزنية، والظلال اليزنية، والهمم السّنيَّة، والشيم الَّتِي لَا ترْضى بالدون وَلَا بالدنية، حَيْثُ الرفد الممنوح، وَالطير الميامن، يزْجر لَهَا السنوح، والمثوى الَّذِي إِلَيْهِ مهمى تقارع الْكِرَام على الضيفان حول جوابي الجفان الجنوح: (نسب كَأَن عَلَيْهِ من شمس الضُّحَى ... نورا، وَمن فلق الصَّباح عمودا) وَمن حل بِتِلْكَ المثابة، فقد اطْمَأَن جنبه، وتغمد بِالْعَفو ذَنبه وَللَّه در الْقَائِل: (فوحقه لقد انتدبت لوصفه ... بالبخل لَوْلَا أَن حمصا دَاره) (بلد مَتى اذكره تهتج لوعتي ... وَإِذا قدحت الزند طَار شراره) اللَّهُمَّ غفرا، وَأَيْنَ قرارة النخيل من مثوى الأقلف الْبَخِيل، ومكذبة المخيل، وَأَيْنَ ثَانِيَة هجر من متبوأ من الْجد وفجر: (من أنكر غيثا منشأه ... فِي الأَرْض وَلَيْسَ بمخلفها) (فبنان بني مزني مزن ... تنهل بلطف مصرفها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 (مزن مذحل ببسكرة ... يَوْمًا نطقت بمصحفها) (شكرت حَتَّى بعبارتها ... وبمعناها وبأحرفها) (ضحِكت بأبى الْعَبَّاس من ... الْأَيَّام ثنايا زخرفها) (وتنكرت الدُّنْيَا حَتَّى ... عرفت مِنْهُ بمعرفتها) بل نقُول يَا مَحل الْوَلَد، لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد، وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد، لقد حل بَيْنك عرى الْجلد، وخلد الشوق بعْدك، يَا ابْن خلدون، فِي الصميم من الْخلد. فَحَيَّا الله زَمنا شفيت برقى قربك زمانته، واجتليت فِي صدف مجدك جمانته، ويامن لمشوق لم تقض من طول خلتك لبانته، وَأهلا بروض أظلت أشتات معارفك بانته، [فحمائمه بعْدك لَا تندب] فيساعدها الجندب، ونواسمه ترق فتتعاشى، وعشياته تتخافت وتتلاشى، ومزنه باك، ودوحه [فِي ارتباك، وحمائمه] فِي مأتم ذِي اشتباك، كَأَن لم تكن قمرها هالات قبابه، وَلم يكن أنسك شَارِع بَابه إِلَى صفوة الظّرْف ولبابه، وَلم يسبح إِنْسَان عَيْنك فِي مَاء شبابه. فلهفي عَلَيْك من درة اختلستها يَد النَّوَى، ومطل بردهَا الدَّهْر ولوى، ونعق الْغُرَاب ببينها فِي ربوع الْهوى، ونطق بالزجر، فَمَا نطق عَن الْهوى، وَأي شَيْء تعتاض مِنْك أيتها الرياض، بعد أَن طما نهرك الْفَيَّاض، وفهقت الْحِيَاض، وَلَا كَانَ الشانيء المثنوء والجرف المهنوء من قطع ليل، أغار على الصُّبْح فَاحْتمل، وشارك فِي الذَّم النَّاقة والجمل، واستأثر جنحه ببدر النادي لما كمل نشر الشراع فراع، وأعمل الْإِسْرَاع كَأَنَّمَا هُوَ تمساح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 النّيل، ضايق الأحباب فِي البرهة، واختطف لَهُم من الشط نزهة الْعين، وَعين النزهة، ونجج بهَا والعيون تنظر، والغمر على الِاتِّبَاع يحظر، فَلم يقدر إِلَّا على الأسف [والتماح] الْأَثر المنتسف، وَالرُّجُوع بملء العيبة من الخيبة، وَوقر الجسرة من الْحَسْرَة. إِنَّمَا أَشْكُو إِلَى الله البث والحزن، ونستبطر من عبراتنا المزن، وبسيف الرجا نصول، إِذا شرعت لليأس النصول: (مَا أقدر الله أَن يدني على شحط ... من دَاره الْحزن مِمَّن دَاره صول) فَإِن كَانَ كظم الْفِرَاق رغيبا، لما نَوَيْت مغيبا، وجللت الْوَقْت الهنى تشغيبا، فَلَعَلَّ الْمُلْتَقى يكون قَرِيبا، وَحَدِيثه يرْوى صَحِيحا غَرِيبا، إيه، شقة النَّفس، كَيفَ حَال تِلْكَ الشَّمَائِل المزهرة الخمائل، والشيم الهامية الديم، هَل يمر ببالها من راعت بالبعد باله، وأخمدت بعاصف الْبَين ذباله، أَو ترثى لشون شَأْنهَا، سكب لَا يفتر، وشوق يبت حبال الصَّبْر ويبتر، وضنا تقصر عَن حلله الفاقعة صنعاء وتستر، وَالْأَمر أعظم، وَالله يستر، وَمَا الَّذِي يضيرك صين من لفح السمُوم نضيرك، بعد أَن أضرمت وأشعلت، وَأوقدت وَجعلت، وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت، أَن تترفق بذما، أَو ترد بنغبة مَاء إرماق ظما، وتتعاهد الْمعَاهد بِتَحِيَّة يشم عَلَيْهَا شذا أنفاسك، أَو تنظر إِلَيْنَا على الْبعد بمقلة حوراء من بَيَاض قرطاسك، وَسَوَاد أنفاسك، فَرُبمَا قنعت الْأَنْفس الْمحبَّة بخيال زور، وتعللت بنوال منزور، ورضيت لما لم تصد العنقاء بزرزور: (يَا من ترحل والنسيم لأَجله ... يشتاق أَن هبت شذا رياها) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 (تحيي النُّفُوس إِذا بعثت تَحِيَّة ... فَإِذا عزمت اقْرَأ وَمن أَحْيَاهَا) وَلَئِن أَحييت بهَا فِيمَا سلف نفوسا تفديك، وَالله إِلَى الْخَيْر يهديك، فَنحْن نقُول معشر موديك، ثن وَلَا تجعلها بَيْضَة الديك. وعذرا فإنني لم اجتر على خطابك بالفقر الفقيرة، وأذللت لَدَى حجراتك بِرَفْع العقيرة، عَن نشاط بعث مرموسه، وَلَا اغتباط بالأدب تغرى بسياسته سوسه، وانبساط أوحى إِلَى على الفترة ناموسه، وَإِنَّمَا هُوَ اتِّفَاق جرته نفثه المصدور، وَهنا الجرب المجدور، وخارق لَا مُخَارق، فثم قِيَاس فَارق، أَو لحن غنى بِهِ بعد الْمَمَات مُخَارق، وَالَّذِي سَببه، وسوغ مِنْهُ الْمَكْرُوه وحببه، مَا اقْتَضَاهُ الصنو يحيي مد الله حَيَاته، وحرس من الْحَوَادِث ذَاته، من خطاب ارتشف بِهِ لهَذِهِ القريحة بلالتها، بعد أَن رضى علالتها، وَرشح إِلَى الصهر الْحَضْرَمِيّ سلالتها، فَلم يسع إِلَّا إسعافه بِمَا أعافه، فأمليت مجيبا مَالا يعد فِي يَوْم من الزَّمَان نجيبا، وأسمعت وجيبا، لما ساجلت بِهَذِهِ الترهات سحرًا عجيبا، حَتَّى ألف الْقَلَم الْعُرْيَان سبحه، وَجمع برذون الغزارة فَلم أطق كبحه، لم أفق من غمرة غلوه، وموقف متلوه، إِلَّا وَقد تحيز إِلَى فِئَتك مفترا بل مغترا، واستقبلها ضَاحِكا مفترا، وهش لَهَا برا، وَإِن كَانَ لَونه من الوجل مصفراً. وَلَيْسَ بِأول من هجر فِي التمَاس الْوَصْل مِمَّن هجر أَو بعث التَّمْر إِلَى هجر، وَأي نسب بينى الْيَوْم وَبَين زخرف الْكَلَام، وإحالة جِيَاد الأقلام، فِي محاورة الْأَعْلَام، بعد أَن جال الجريض وَدون القريض، وشغل الْمَرِيض عَن التَّعْرِيض، وَاسْتولى الكسل، ونصلت الشعرات الْبيض كَأَنَّهَا الأسل، تروع برقط الْحَيَّات سرب الْحَيَاة، وتطرق ندوات الْغرَر والشيات عِنْد البيات، والشيب الْمَوْت العاجل. وَإِذا أَبيض زرع صبحته المناجل، وَالْمُعْتَبر الآجل، وَإِذا اشْتغل الشَّيْخ بِغَيْر معاده، حكم فِي الظَّاهِر بإبعاده، وأسره فِي ملكه عَاده، فاغض أبقاك الله، واسمح لمن قصر عَن المطمح، وبالعين الكليلة فالمح، واغتنم لِبَاس ثوب الثَّوَاب، واشف بعض الجوى بِالْجَوَابِ، تولاك الله فِيمَا استضفت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وملكت، وَلَا بَعدت، وَلَا هَلَكت، وَكَانَ لَك أَيَّة سلكت، ووسمك من السَّعَادَة بأوضح السمات، وأتاح لقاك من قبل الْمَمَات، وَالسَّلَام الْكَرِيم يعْتَمد خلال وَلَدي، وَسَاكن خلدي، بل أخي وَإِن اتَّقَيْت عَتبه وسيدي، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته [من محبَّة المشتاق إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْخَطِيب، فِي الرَّابِع عشر من ربيع الثَّانِي، من عَام سبعين وَسَبْعمائة] . وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْفَقِيه أَبَا زَكَرِيَّا ابْن خلدون، لما ولى الْكِتَابَة عَن السُّلْطَان أبي حمو مُوسَى بن زيان، واقترن بذلك نصر وصنع غبطته بِهِ [وقصدت بذلك تنفيقه] وَأَنَّهَا ضد لَدَيْهِ نخص الحبيب الَّذِي هُوَ فِي الِاسْتِظْهَار بِهِ أَخ، وَفِي الشَّفَقَة عَلَيْهِ ولد، وَالْوَلِيّ الَّذِي مَا بعد قرب مثله أمل، وَلَا على بعده جلد، والفاضل الَّذِي لَا يُخَالف فِي فَضله سَاكن وَلَا بلد، أبقاه الله، وفاز فوزه، وعصمته، لَهَا من توفيق الله عمد، ومورد سعادته المسوغ لعادته غمر لَا ثَمد، ومدى إمداده من خَزَائِن إلهام الله وسداده لَيْسَ لَهُ أمد، وَحمى فَرح قلبه بمواهب ربه لَا يطرقه كمد، تَحِيَّة محلّة من صميم قلبه بمحله المنشئ رواق الشَّفَقَة مَرْفُوعا بعمد الْمحبَّة والمقة، فَوق ظعنه وحله، موثرة ومجلة، المعتنى بدق أمره وجله. فلَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 من الحضرة الجهادية غرناطة، صان الله خلالها، وَوقى هجير هجر الغيوم ظلالها، وَعمر بأسود الله أغيالها، كَمَا أغرى من كفر بِاللَّه حيالها، وَلَا زايد إِلَّا منن الله تصوب، وَقُوَّة يسْتَردّ بهَا الْمَغْصُوب، وتخفض الصَّلِيب الْمَنْصُوب. وَالْحَمْد لله الَّذِي بِحَمْدِهِ ينَال الْمَطْلُوب، وبذكره تطمئِن الْقُلُوب. ومودتكم الْمَوَدَّة الَّتِي غذتها ثدي الخلوص بلبانها، واحلتها حلائل الْمُحَافظَة بَين أعينها وأجفانها، ومهدت موَات إخوتها الْكُبْرَى أساس بنيانها، واستحقت مِيرَاثهَا مَعَ اسْتِصْحَاب حَال الْحَيَاة [إِن شَاءَ الله] واتصال زمانها، واقتضاء عهود الْأَيَّام بيمنها وأمانها وَالله در الْقَائِل: (فَإِن لم يكنها أَو تكنه فَإِنَّهُ ... أَخُوهَا غذته أمه بلبانها) وضل الله ذَلِك من أَجله وَفِي ذَاته، وَجعله وَسِيلَة إِلَى مرضاته، وقربة تَنْفَع عِنْد اعْتِبَار مَا روعي من سنَن الْجَبَّار ومفترضاته. وَقد وصل كتابكُمْ الَّذِي فاتح بالريحان وَالروح، وَحل من مرسوم الحيا مَحل الْبَسْمَلَة من اللَّوْح، وَأذن لنوافح السفا بالفوح، يشْهد عدله بِأَن الْبَيَان يَا آل خلدون سكن مثواكم دَار خُلُود وقدح زندا غير صلود، واستأثر من محابركم السيالة، وقضب رماحكم الميادة الميالة، بأب منجب وَأم ولود، يقضو شافيه غير المشنو، ونصيله غير الجرب وَلَا المهنو من الْخطاب السلطاني سفينة ستوح إِن لم نقل سفينة نوح. ماشيت من آمال أَزوَاج وزمر من الْفضل أَفْوَاج، وأمواج كرم يطفو فَوق أمواج وفنون بشائر وأهطاع قبائل وعشائر، وَضرب للمسرات أعيا السامر. فَللَّه من قلم رَاعى نسب الْغنى فوصل الرَّحِم، وأنجد الوشيج الملتحم، وسَاق بعصاه من الْبَيَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 الذود المزدحم، وأخاف من شَذَّ عَن الطَّاعَة مَعَ الِاسْتِطَاعَة، فَقَالَ: {" لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من من رحم "} ، وَلَو لم يُوجب الْحق برقه ورعده ووعيده ووعده لأوجبه بمنه وسعده، فَلَقَد ظَهرت مخائل نجحه [علاوة على] نصحه، ووضحت محَاسِن صبحه فِي وَحْشَة الْموقف الصعب وقبحه، وصل الله عوائد منحه وَجعله إقليدا كلما اسْتقْبل بَاب أمل وَكله الله بفتحه. أما مَا قَرَّرَهُ ولاؤكم من حب زكا عَن حَبَّة الْقلب حبه، وأنبته النَّبَات الْحسن ربه، وساعده من الْغَمَام سكبه، وَمن النسيم اللدن مهبه، فرسم ثَبت عِنْد الْمولى نَظِيره، من غير معَارض يضيره، وَرُبمَا أربى بتذييل مزِيد، وَشَهَادَة ثَابت وَيزِيد. وَلم لَا يكون ذَلِك، وللقلب على الْقلب شَاهد، وَكَونهَا أجنادا مجندة لَا يحْتَاج تَقْرِيره إِلَى شَاهد أَو جهد جَاهد، ومودة الْأُخوة سَبِيلهَا لاحب، ودليلها للدعوى الصادقة مصاحب، إِلَى مَا سبق من فضل ولقا، ومصاقبة سقا، واعتقاد لَا يراع سربه بذيب الانتقاد، واجتلاء شهَاب وقاد، لَا يحوج إِلَى إيقاد، إِنَّمَا عَاق عَن مُوَاصلَة ذَلِك نوى شط مِنْهُ الشطن، وتشذيب لم يتَعَيَّن مَعَه الوطن، فَلَمَّا تعين تعين، وَكَاد الصُّبْح أَن يتَبَيَّن، عَاد الوميض ديجورا، والمواد بحرا مسحورا إِلَى أَن أعلق الله مِنْكُم الْيَد بِالسَّبَبِ الوثيق، وأحلكم بمنجى نبق لَا يخَاف من منجنيق، وَجعل يراعكم لسعادة مُوسَى معْجزَة تأتى على الْخَبَر لقيان - فتخر لثعبانها سحرة الْبَيَان. (أيحيى سقى حَيْثُ الحت الجنا ... فَنعم الشعاب وَنعم الوكول ... ) (وَحيا يراعك من آيَة فقد ... حرك الْقَوْم بعد السّكُون) (دَعَوْت لخدمة مُوسَى عَصَاهُ ... فَجَاءَت تلقف مَا يأفكون) (فأذعن من يَدعِي السحر رغما ... وَأسلم من أجلهَا الْمُشْركُونَ) (وساعدك الشُّعُور فِيمَا أردْت ... فَكَانَ كَمَا يَنْبَغِي أَن يكون) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وَأَنْتُم أولى الأصدقاء بصلَة السَّبَب، ورعى الْوَسَائِل والقرب، أبقاكم الله، وأيدي الْغِبْطَة بكم مَالِيَّة، وأحوال تِلْكَ الْجِهَات بدرركم حَالية، وديم المسرات من إنعامكم المبرات، على مَعْهُود المبرات مُتَوَالِيَة. وأماما تشوفتم إِلَيْهِ من حَال وَلِيكُم فأمل متقلص الظل، وارتقاب لهجوم جَيش الْأَجَل المطل، ومقام على مساورة الصل، وَعمل يكذب الدَّعْوَى، وطمأنينة تنْتَظر الْغَارة الشعوا، وَيَد بالمذخور تفتح، وَأُخْرَى تجهد وتمنح، وَمرض يزور فيثقل، وَضعف عَن الْوَاجِب يعقل. إِلَّا أَن اللطائف تستروح، وَالْقلب من بَاب الرجا لَا يبرح، وَرُبمَا ظفر البائس، وَلم تطرد المقابس، تداركنا الله بعفوه، وأوردنا من منهل الرِّضَا وَالْقَبُول على صَفوه، وَأذن لهَذَا الْخرق فِي رفوه. وَأما مَا طلبتم من انتساخ ديوَان، وإعمال بنان، فِي الإتحاف بِبَيَان، فَتلك عهود لدي مهجورة، ومعاهدة لَا متعهدة وَلَا مزورة، شغل عَن ذَلِك، خوض يَعْلُو لجبه، وحوض يفضى من لغط الماتح عجبه، وهول جِهَاد تساوى جمادياه ورجبه، فلولا التمَاس أجر، وتعلل بِرِبْح تجر، لَقلت أَهلا بِذَات النحيين، فَلَهُنَّ شكت وبذلت المصون بِسَبَب مَا أَمْسَكت، فَلَقَد ضحِكت فِي الْبَاطِن ضعف مَا بَكت. ونستغفر الله من سوء انتحال، وإيثار المزاح بِكُل حَال، وَمَا الَّذِي ينْتَظر مثلي مِمَّن عرف المآخذ والمتارك، وجرب لما بلَى الْمُبَارك، وَخبر مساءة الدُّنْيَا الفارك. هَذَا أَيهَا الحبيب مَا وَسعه الْوَقْت الضّيق، وَقد ذهب الشَّبَاب الرِّيق، فليسمح فِيهِ مَعْهُود كمالك، جعل الله مطاوعة آمالك مطاوعة يَمِينك لشمالك، ووطأ لَك موطأ الْعِزّ بِبَاب كل مَالك، وَقرن النجح بأعمالك. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ صَاحب الْعَلامَة بالمغرب أَبَا الْقَاسِم بن رضوَان بِمَا يظْهر من الْغَرَض (قد كنت أجهد فِي التمَاس صَنِيعَة ... نفسا شهَاب ذكايها وقاد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 (وَأَقُول لَو كَانَ الْمُخَاطب غَيْركُمْ ... عِنْد الشدائد تذْهب الأحقاد) سَيِّدي، أبقاكم الله علم فضل وإنصاف، ومجموع كَمَال أَوْصَاف، كَلَام النيات قصير، وَالله لحسنات الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال بَصِير، وَإِلَيْهِ بعد هَذَا الْحفاظ كُله رجعى منا ومصير، وَلَيْسَ لنا إِلَّا هُوَ مولى ونصير، وَهَذَا الرجل سَيِّدي الْخَطِيب أَبُو عبد الله بن مَرْزُوق، جبره الله، بالْأَمْس كُنَّا نقف بِبَابِهِ، ونتمسك بأسبابه، ونتوسل إِلَى الدُّنْيَا بِهِ، فَإِن كُنَّا قد عرفنَا خيرا وَجَبت الْمُشَاركَة، أَو كفافا تعيّنت المتاركة، أَو شرا [اهتبلت غرَّة] الْهوى الْأَنْفس الْمُبَارَكَة، واتصفت بِصفة، من يعْصى فيسمح، وَيسْأل فيمنح، وَيعود على الْقَبِيح بالستر الْجَمِيل، ويحسب يَد التأميل، وَمَعَ هَذَا فَلم ندر إِلَّا خيرا كرم مِنْهُ المورد والمصرف، وَمن عرف حجَّة على من لم يعرف، وَأَنْتُم فِي الْوَقْت سراج علم لَا يخبو سناه، ومجموع تخلق عرفنَا مِنْهُ مَا عَرفْنَاهُ، وَهَذِه هِيَ الشُّهْرَة الَّتِي تغتنم إِذا سفرت، والْمنَّة الَّتِي تجبر عَلَيْهَا دَابَّة النَّفس إِذا نفرت، حَتَّى لَا يجد بعون الله عارضا يعوقها عَن الْخَيْر وَالْأَجْر فِي اسْتِيفَاء كتاب الشَّفَاعَة، وتحري الْمَقَاصِد النفاعة، وتنفيق البضاعة قد ضمنه من وعد بِقِيَام السَّاعَة، وَالْجَزَاء على الطَّاعَة، فَكيف وَالله يرى عَمَلكُمْ وعملي، والمتروك حقير، والوجود إِلَى رَحْمَة من رحمات الله فَقير وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا كتبت إِلَى الشَّيْخ الْخَطِيب أَبى عبد الله بن مَرْزُوق جَوَابا عَن كِتَابه وَقد اسْتَقر خطيب السُّلْطَان بتونس حرسها الله، وأعزه (وَلما أَن نأت مِنْكُم دياري ... وَحَال الْبعد بَيْنكُم وبيني) (بعثت لكم سوادا فِي بَيَاض ... لأنظركم بِشَيْء مثل عَيْني) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 بِمَ أفاتحك يَا سَيِّدي، وَأجل عددي سَلاما. فَلَا أحذر ملاما، أَو انتخب لَك كلَاما، فَلَا أجد لتبعة التَّقْصِير فِي حَقك الْكَبِير إيلاما. وان قلت تَحِيَّة كسْرَى فِي السنا وَتبع، فكلمة فِي مربع العجنة تربع، وَلها المصيف فِيهِ والمربع، وَالْحَمِيم والمنبع، فتروى مَتى شَاءَت وتشبع، وَإِن قلت إِذا الْعَارِض خطر، وهمي أَو قطر، سَلام الله يَا مطر، فَهُوَ فِي الشَّرِيعَة بطر، ومركبه خطر، وَلَا يرْعَى بِهِ وَطن، وَلَا يقتضى بِهِ وطر، وَإِنَّمَا الْعرف الأوشج، وَلَا يَسْتَوِي البان والبنفسج، والعوسج والعرفج. (سَلام وَتَسْلِيم وروح وَرَحْمَة ... عَلَيْك وممدود من الظل سَجْسَج) وَمَا كَانَ فضلك ليمنعني الْكفْر أَن أشكره، وَلَا ينسيني الشَّيْطَان أَن أذكرهُ، فأتخذ فِي الْبَحْر سَببا، أَو أسلك غير الوفا مذهبا - تأبى ذَلِك والْمنَّة لَك طباع، لَهَا فِي مجَال الرعى بَاعَ، وَتَحْقِيق وإشباع، وسوائم من الْإِنْصَاف، ترعى فِي رياض الِاعْتِرَاف. فَلَا يطرقها ارتياع. وَلَا تخيفها أَسْبَاع، وَكَيف تجحد تِلْكَ الْحُقُوق، وَهِي شمس ظهيرة، وآذان عقيرة جهيرة، فَوق مئذنة شهيرة، أدَّت الأكتاد لَهَا ديونا تستغرق الذمم، وتسترق حَتَّى الرمم، فَإِن قضيت فِي الْحَيَاة، فَهِيَ الخطة الَّتِي ترتضيها، وَلَا تقنع من عَامل الدَّهْر المساعد، إِلَّا أَن ينفذ مراسيها ويمضيها. فَإِن قطع الْأَجَل، فالغني الحميد من خزانه الَّتِي لَا تبيد يَقْضِيهَا، ويرضى من يقتضيها، وَحيا الله أَيهَا الْعلم السامى الْجلَال، زَمنا بمعرفتك المبرة على الآمال بر وأتحف، وَإِن أَسَاءَ بِفِرَاقِك وأجحف، وأظفر بالبتيمة المذخورة للشدائد والمزاين، ثمَّ أوحش مِنْهَا لصونه هَذِه الخزائن، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 فآب حنين الأمل بخفيه، وَأصْبح الْمغرب غَرِيبا يقلب كفيه. نَسْتَغْفِر الله من هَذِه الغفلات، ونستهديه دَلِيلا فِي مثل هَذِه الفلوات. وأى ذَنْب فِي الْفِرَاق للزمن أَو [الْغُرَاب الدمن] أَو للرواحل المدلجة مَا بَين الشَّام إِلَى الْيمن، وَمَا مِنْهَا إِلَّا عبد مقهور، وَفِي رقة الْقدر مبهور، عقد وَالْحَمْد لله مَشْهُور، وَحجَّة لَهَا على النَّفس اللوامة ظُهُور، جعلنَا الله مِمَّن ذكر الْمُسَبّب فِي الْأَسْبَاب، وتذكره، وَمَا يتَذَكَّر إِلَّا أولو الْأَلْبَاب، قبل غلق الرَّهْن وسد الْبَاب. وَبِالْجُمْلَةِ فالفراق ذاتي ووعده ماتي، فَإِن يكن، فَكَانَ قد، مَا أقرب الْيَوْم من الْغَد، والمرء فِي الْوُجُوب غَرِيب، وكل آتٍ قريب، وَمَا من مقَام إِلَّا لزيال من غير احتيال، والأعمال مراحل وَالْأَيَّام أَمْيَال. (نصيبك فِي حياتك من حبيب ... نصيبك فِي مَنَامك من خيال) جعل الله الْأَدَب مَعَ الْحق شَأْننَا، وَأبْعد عَنَّا الْفرق الَّذِي شاننا. وَأَنِّي لأسر لسيدي بِأَن رعى الله [فِيهِ صَلَاح] سلفه، وتداركه بالتلافي فِي تلفه، وخلص بدر سعادته من كلفه، وأجله من الْأَمْن فِي كنفه، وعَلى قدر مَا تصاب الْعليا، وَأَشد النَّاس بلَاء الأنبيا، ثمَّ الأوليا، هَذَا وَالْخَيْر وَالشَّر فِي هَذِه الدَّار المؤسسة على الأكدار، ظلان مضمحلان، فَإِذا ارْتَفع مَا ضرّ أَو مَا نفع، وَفَارق الْمَكَان، فَكَأَنَّهُ مَا كَانَ. وَمن كَلِمَات الْمَمْلُوك الْبعيد عَن السلوك، إِلَى أَن يَشَاء ملك الْمُلُوك: (خُذ من زَمَانك مَا تيَسّر ... واترك بجهدك مَا تعسر) (ولرب مُجمل حَالَة ترْضى ... بِهِ مَا لم يُفَسر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 (والدهر لَيْسَ بدائم لَا بُد ... أَن سيسوء إِن سر) (واكتم حَدِيثك جاهدا ... شمت الْمُحدث أم تحسر) (وَالنَّاس آنِية الزّجاج ... إِذا عثرت بِهِ تكسر) (لَا تعدم التَّقْوَى فَمن عدم ... التَّقْوَى فِي النَّاس أعْسر) (وَإِذا امْرُؤ خسر الْإِلَه ... فَلَيْسَ خلق مِنْهُ أخسر) وَإِن لله فِي رعيك لسرا، ولطفا مستمرا، إِذْ أَلْقَاك اليم إِلَى السَّاحِل، فَأخذ بِيَدِك من ورطة الواحل، وحرك مِنْك عَزِيمَة الراحل إِلَى الْملك الحلاحل، فأدالك من إبراهيميك سميا وعرفك بعد وسميا، ونقلك من عناية إِلَى عناية، وَهُوَ الَّذِي يَقُول، وَقَوله الْحق: {مَا ننسخ من آيَة} ، الْآيَة. وَقد وصل كتاب سَيِّدي، يحمد، وَالْحَمْد لله العواقب، ويصف المراقي الَّتِي حلهَا والمراقب، وينشر المفاخر الحفصية والمناقب، وَيذكر مَا هيأه الله لَهُ، من إقبال ورخاء بَال، وخصيصي اشْتِمَال، ونشوز آمال، وَأَنه اغتبط وارتبط، وَألقى العصى بعد مَا خبط، وَمثل تِلْكَ الْخلَافَة الْعلية من تزن الذوات الْمَخْصُوصَة من الله، بشريف الأدوات، بميزان تمييزها، وتفرق شبه الْمَعَادِن وإبريزها، وَشبه الشَّيْء مثل مَعْرُوف، وَلَقَد أَخطَأ من قَالَ النَّاس ظروف، إِنَّمَا هم شجرات ريع فِي بقْعَة ماحلة، وإبل مائَة لَا تَجِد فِيهَا رَاحِلَة، وَمَا هُوَ إِلَّا اتِّفَاق، ونجح للْملك وإخفاق، وقلما كذب إِجْمَاع وإصفاق، والجليس الصَّالح لرب السياسة أمل مَطْلُوب، وحظ إِلَيْهِ مجلوب، إِن سُئِلَ أطرف، وَعمر الْوَقْت ببصاعة أشرف، وسرق الطباع، وَمد فِي الحسات الباع، وسلا فِي الخطوب، وأضحك فِي الْيَوْم القطوب، وَهدى إِلَى أقوم الطّرق، وأعان على نَوَائِب الْحق، وَزرع لَهُ الْمَوَدَّة فِي قُلُوب الْخلق، زَاد الله سَيِّدي لَدَيْهَا قربا أثيرا، وَجعل فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 للْجَمِيع خيرا كثيرا، بفضله وَكَرمه، ولعلمي أبقاه الله، أَنه يقبل نصحي، وَلَا يرتاب فِي صدق صبحي، أغبطه بمثواه، وأنشده مَا حضر البديهة فِي مسرته هَذِه ونجواه: (بمقام إِبْرَاهِيم عذ واصرف بِهِ ... نكرا تروق عَن بواعث تفتر) (بجواره حرم الله وَأَن حمامة ... وَرْقَاء والأغصان عود الْمِنْبَر) (فَلَقَد أمنت من الزَّمَان وريبه ... وَهُوَ المروع للمسيء وللبر) وَإِن تشوف سيدى للْحَال فلعمر وليه لَو كَانَ الْمَطْلُوب دينا لوَجَبَ وُقُوع الاجتزاء والاغتباط بِمَا تحصل فِي هَذِه الجذور الْمَبِيعَة فِي حَانُوت الزُّور، من السِّهَام الوافرة الْأَجْزَاء. فالسلطان، رعاه الله، يُوجب مَا فَوق مزية التَّعْلِيم، وَالْولد، هدَاهُم الله، قد أخذُوا بِخَط قل أَن ينالوه بِغَيْر هَذَا الإقليم، والخاصة والعامة تعامل بِحَسب مَا بلته من نصح سليم، وَترك لما بِالْأَيْدِي وَتَسْلِيم، وتدبير عَاد على عدوه بِالْعَذَابِ الْأَلِيم، إِلَّا من أبدى السَّلامَة وَهُوَ من أبطال الْجَسَد بِحَال السَّلِيم، وَلَا يُنكر ذَلِك فِي الحَدِيث وَلَا فِي الْقَدِيم، لَكِن النَّفس منصرفة عَن هَذَا الْغَرَض، نافضة يَدهَا من الْعرض، قد فوتت الْحَاصِل، ووصلت فِي الله الْقَاطِع، وَقطعت الْوَاصِل، وصدقت لما نصح الفود الناصل، وتأهبت للقاء الْحمام الْوَاصِل: (أنظر إِلَى الشيب قد نصلا ... وزاير الْأنس بعده انفصلا) (ومطلبي وَالَّذِي كلفت بِهِ ... حاولت تَحْصِيله فَمَا حصلا) (لَا أمل مسعف وَلَا عمل ... وَنحن فِي ذَا وَالْمَوْت قد وهلا) وَالْوَقْت إِلَى الْإِمْدَاد مِنْكُم بِالدُّعَاءِ فِي الأصائل والأسحار، إِلَى مقيل العثار، شَدِيد الافتقار، وَالله عز وَجل يصل لسيدي رعى جوانبه، ويتولى تيسير آماله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 من فَضله العميم ومآربه، من التَّحِيَّة المحملة، من فَوق رحال الأريحيات أزكاها، مَا أوجع الْبَرْق الْغَمَام فأبكاها، وَحمد الرَّوْض جمال النُّجُوم الزواهر فقاسها بمياسم الأزاهر وحكاها، وَاصْطفى هرم اللَّيْل عِنْد الْميل عَصا الجوزاء وتوكأها، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا صدر عني مِمَّا أجبْت بِهِ عَن كتاب بَعثه إِلَى الْفَقِيه الْكَاتِب عَن سُلْطَان تلمسان أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف الْقَيْسِي (حَيا تلمسان الحيا فربوعها ... صدف يجود بدرها الْمكنون) (مَا شيت من فضل عميم إِن سقى ... أروى وَمن لَيْسَ بالممنون) (أَو شيت من دين إِذا قدح الْهدى ... أورى وَدُنْيا لم تكن بالدون) (ورد النسيم لَهَا بنشر حديقة ... قد أزهرت أفنانها بفنون) (وَإِذا حَبِيبَة أم يحيى أنجبت ... فلهَا الشفوف على عُيُون العون) مَا هَذَا النشر، والصف الْحَشْر، واللف والنشر، وَالْفَجْر والليالي الْعشْر، شذا كَمَا تنفست دارين، وحلل رقم حللها التزيين، وَبَيَان قَامَ على إبداعه الْبُرْهَان الْمُبين، وَنقش وشى بِهِ طرس فجَاء كَأَنَّهُ الْعُيُون الْعين، لَا بل مَا هَذِه الْكَتَائِب الكتبية، الَّتِي أطلقت علينا الأعنة، وأشرعت إِلَيْنَا الأسنة، وراعت الْإِنْس وَالْجنَّة، فأقسم بالرحمن لَوْلَا أَنَّهَا رفعت شعار الْأمان، وحيت بِتَحِيَّة الْإِيمَان، لراعت السرب، وعاقت الذود أَن يرد الشّرْب، أظنها مدد الْجِهَاد قدم، وشارد الْعَرَب اسْتعْمل فِي سَبِيل الله واستخدم، والمتأخر على مَا فَاتَهُ نَدم، والعزم وجد بعد مَا عدم. نَسْتَغْفِر الله إِنَّمَا هِيَ رقاع رقاع، وصلات صلات لَيْسَ فِيهَا سَهْو وَلَا إرقاع، وَبَطل لَهَا بَطل الطباع [الْكَرِيمَة اشفاع] وألحان بَيَان يعضدها إِيقَاع، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 ودر منسوق، وَرطب نخلها بسوق، وَللَّه در الْقَائِل، الْملك سوق. وَمن يصبر للشَّيْخ على كَتِيبَة تتبعها كَتِيبَة، واقتضاء وجيبة، من ذِي غيلَة غير نجيبة. بَيناهُ يكابد من مُرَاجعَة الْحَيّ من حَضرمَوْت الْمَوْت، وَلَا يكَاد يرجع الصَّوْت إِذْ صبحته قيس، وَهِي الَّتِي شذت عَن الْقيَاس، وأحجمت عَن مبارزتها أسود الأخياس، فلولا امْتِثَال أَمر، وصبر على جمر، لأعاد مَا حكى فِي مبارزة الْوَحْي عَن عَمْرو، فتحرج من الخطل، وَبَين عذر الْمُكْره عَن مفاخرة البطل ألم يدر قَابل رعيلها، وزائر عيلها، أَنى أمت بِذِمَّة من عَهده لَا تخفر، وَأَن ذَنْب إضافتي لَهُ لَا تغْفر، وَحقه الْحق الَّذِي لَا يجْحَد وَلَا يُنكر. (لما رَأَتْ راية الْقَيْسِي زاحفة ... إِلَى ريعت وَقَالَت لي وَمَا الْعَمَل) (قلت الوغى لَيْسَ من رَأْيِي وَلَا عملى ... لَا نَاقَة لي فِي هَذَا وَلَا جمل) (قد كَانَ ذَلِك ورثاث الصميل ضحى ... يهز عطفي كَأَنِّي شَارِب ثمل) (والآن قد صوح المرعى وقوضت ... الخيمات والركب بعد اللَّيْث مُحْتَمل) (قَالَت أَلَسْت شهَاب الْحَرْب تضرمها ... حاشى العلى أَن يُقَال استنوق الْجمل) (وَإِن أحسن من هَذَا وَذَا وزر ... بِمثلِهِ فِي الدَّوَاهِي يبلغ الأمل) (هَذَا الْحمى لابي حمو استبحرن فَفِيهِ ... الْأَمْن منسدل وَالْفضل مكتمل) (وَالله لَو أهمل الرَّاعِي النفاد بِهِ ... مَا خَافَ من أَسد حنقان بِهِ همل) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 (تكون من قوم مُوسَى إِن قضوا عدلوا ... وَإِن تقاعد دهر جَائِر حمل) (فَقلت كَانَ لَك الرَّحْمَن يعدى مَا ... سواهُ مُعْتَمد والرأي معتمل) (فها أَنا تَحت ظلّ مِنْهُ يلحفني ... والشمل منى بستر الْعِزّ يشْتَمل) (فعل لقيس لقد خَابَ الْقيَاس فَلَا ... بُد الصَّاع وَتَحْت اللَّيْل فَاحْتمل) (دَامَت لَهُ ديم النعماء مساجلة ... يمناه تنهمل الْيُمْنَى فتنهمل) (وَأمنت شمس علياه الأفول إِلَى ... طي الْوُجُود فَلَا شمس وَلَا حمل) وَلَو أخوى والعوذ بِاللَّه نجم هَذَا المقات، وَلم يَتَّصِف السَّبَب وحاشاه بالاتصال وَلَا بالانبتات، فمرعى الْعدْل مكفول، وَسبب الرِّفْق مَوْصُول، وَإِن استجرت نصول، والهرب تأبى الْأَبْطَال التنزل إِلَى نزاله، والناسك التائب يدين ضرب الغارات باعتزاله، إِلَّا من أعزق فِي مَذْهَب الخارجين الأخرق، نَافِع بن الْأَزْرَق، وحسبي، وَقد سَاءَ كسبي أَن أترك الْحَظْر لراكبه، وأخلى الطَّرِيق لمن يَبْنِي الْمنَار بِهِ ونسير بسير أمثالي من الضُّعَفَاء، ونكف، فَهُوَ زمن الانكفاء، ونسلم مخطوبة هَذَا الْفَنّ إِلَى الْأَكفاء، ونقول بالبنين والرفاء، فقد ذهب الزَّمن الْمَذْهَب، وَتبين الْمَذْهَب، وشاخ الْبَازِي الْأَشْهب، وعتاد الْعُمر ينهب، ومرهب الْفَوْت من فَوق الْفَرد يرقب. اللَّهُمَّ ألهم هَذِه الْأَنْفس رشدها واذكرها للسكرات وَمَا بعْدهَا، إيه أخي وَالْفضل وصفك ونعتك، والزيف يبهرجه بختك، وسهام البراعة انْفَرد بهَا بريك ونحتك. وصلتني رِسَالَتك الْبرة، لَا بل غمامتك الثرة، وحبتني ثغور فضلك المفترة، فعظمت بورودها المسرة، جددت الْعَهْد بمحبوب لقائك، وأنهلت طامي الاستطلاع فِي سقائك واقتضت تَجْدِيد الدُّعَاء ببقائك، إِلَّا أَنَّهَا رُبمَا ذهلت عِنْد وداعك، أَو بهر عقلهَا نور إبداعك، فَلم تلقن الْوَصِيَّة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 وسلكت المسالك القصية، وأبعدت من التطوف، وَجَاءَت تبتغي من أسرار التصوف وَمَتى تقرن هَيْبَة السَّبع الشداد بحانوت الْحداد، أَو تنظر أَحْكَام الِاعْتِكَاف بدكان الإسكاف، أَو يتَعَلَّم طبع الشغال بحانوت الْبَقَّال، وَالظَّن الْغَالِب، وَقد تَلْتَبِس المطالب، أَنكُمْ أمرتموها لما أصدرتموها بأعمال التشوف، عَن مقاصدي فِي أغراض التففل والتسوف، فَطُرِدَتْ بِحكم الْإِبْدَال غابته عَمَّا يلْزم من الْجِدَال، وَسمعت السِّين صادا وَلم تلف لإشراك الْمطلب مضادا، وَلَا لزرع الْوَصِيَّة حصادا، وَالله يَجْعَل الْمُحب عِنْد ظن من نظر بمرآته أَو وصف بِبَعْض صِفَاته، وَهِي تذلق عَن صِفَاته. فالتصوف أشرف، وظلاله أورف من أَن يَنَالهُ كلف بباطل، أَو مغرور بسراب ماطل، لَا ير بَاب هاطل، ومفتون بِحَال حَال أَو عاطل، وَمن قَالَ وَلم يَتَّصِف بمقاله، فعقله لم يرم عَن عقاله وخيال أثقاله مَانِعَة لَهُ عَن انْتِقَاله، وعَلى ذَلِك، وَبعد تَقْرِير هَذِه المسالك، فقد غمرت يداها كي لَا تعود بهَا صفرا بعد إِعْمَال السّفر، أَو ترى أَنَّهَا قد طولبت بذنب الْغَلَط المغتفر، وأصبحت الْمُرَاجَعَة بِمَجْلِس وعظ، فتحت بِهِ بَاب الْفَرح، إِلَى إِنْكَار الإِمَام أبي الْفَرح، وفن الْوَعْظ لما سَأَلَ الْأَخ، هُوَ الصّديق المسعد، والمبرق قبل غمامة رَحمته والمرعد، وَللَّه در الْقَائِل، لست بِهِ وَلم تبعد، والاعتراض بعد لَازم، لَكِن الْإِسْعَاف لقصده لَازم، وعامله عِنْد الاعتلال بالعذر جازم، وإعضاؤه ملتمس وفضله لَا يخبو مِنْهُ قبس. وعذرا أَيهَا الْفَاضِل وَبعد الِاعْتِذَار عَن الْقَلَم المهذار، وإغفال الْجِدَار، اقْرَأ عَلَيْهِ من طيب السَّلَام، مَا يخجل أزهار الكمام، عقب الْغَمَام، وَرَحْمَة الله من ممليه على الْكَاتِب، ولعلها تغتر من عتب العائب فلَان، فَإِنِّي كتبت وَاللَّيْل دامس، وبحر الظلام طامس، وَعَادَة الكسل طبع خَامِس، والنابح بشكوى الْبرد هامس، والذبال النادم خَافت، لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ الْفراش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 المتهافت، يقوم وَيقْعد، ويفيق ثمَّ يرعد، ويزخر ثمَّ يخمد، ويتحرك ويحمد، وَرُبمَا صَار ورقة آس، ومبضع راس، وَرُبمَا أشبه العاشق فِي البوح بِمَا يخفيه، وظهوره من فِيهِ، [فتمليه الآمال وتلويه] وتميته النواسم الهبابة، بعد مَا تحييه، والمطر قد تعذر مِنْهُ الوطر، وشرفه الْخطر، وَفعل فِي الْبيُوت المتداعية مَالا يَفْعَله التّرْك والتطر، والنشاط قد طوى مِنْهُ الْبسَاط، والجوارح بالكلال تعتذر، ووظائف الْغَد تنْتَظر، والفكر فِي الْأُمُور السُّلْطَانِيَّة جائل، وَهِي بَحر هائل، ومثلى مَفْتُوح مِنْهُ باليسير، ومعذور فِي قصر الباع، وَضعف الْمسير. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك فِي مُرَاجعَة عَن نَفسِي للسُّلْطَان بتونس أبي إِسْحَق ابْن السُّلْطَان أبي يحيى أعزه الله الْمقَام الإمامي الإبراهيمي، المولوى، المستنصري، الحفصي، الَّذِي كرم فرعا وأصلا وَشرف جِنْسا وفصلا وتملأ فِي ظلّ رِعَايَة الْمجد من لدن المهد كرما وخصلا، وصرفت متجردة الأقلام إِلَى مثابة خِلَافَته، المنصورة الْأَعْلَام، وُجُوه عمادة الْكَلَام، فاتخذوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى. مقَام مولى أَمر الْمُسلمين، الْخَلِيفَة الإِمَام أبي يحيى أبي بكر ابْن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين. أبقاه الله تهوى إِلَيْهِ الأفئدة كلما انتشت بِذكرِهِ، وتتنافس الْأَلْسِنَة فِي إِحْرَاز غَايَة حَمده وشكره، وتتكفل الأقدار بإنفاذ نَهْيه وَأمره، ونغري عوامل عوامله بِحَذْف زيد عدوه وعمروه، ويتبرع أسمر اللَّيْل وأبيض النَّهَار رَبًّا بإعمال بيضه وسمره، وَلَا زَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 حسامه الْمَاضِي يفنى يَوْمه عَن شهره، وَالرَّوْض يحييه بمباسم زهره، وَيرْفَع إِلَيْهِ رفع الْحَمد ببنان قضبه، الناشئة من معصم نهره، وَولى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، يمتعه بهما بعد الْإِعَانَة على سهره، يقبل بساطه المعود الاستلام بصفحات الخدود، الرافع عماده ظلّ الْعدْل الْمَمْدُود، عِنْد مقَامه الْمَحْمُود، ووارد غمر إنعامه غير المنزور، وَلَا المثمود، الْمثنى على مننه العميمة ومنحه الجسيمة، ثَنَاء الرَّوْض المجود على العهود فلَان. من بَاب الْمولى مُوجب حَقه، المتأكد الْفُرُوض، الثَّابِت الْعُقُود، الممتد مِنْهُ بالود الْجَامِع الرسوم وَالْحُدُود، وَالْفضل المتوارث عَن الْآبَاء والجدود، يسلم على مثابتها سَلام مثلى على مثلهَا، إِن وجد الْمثل فِي الثَّانِي، ويعوذ كَمَا لَهَا بالسبع المثاني، وَيَدْعُو الله لسلطانها بتشييد المباني، وتيسير الْأَمَانِي، وَينْهى إِلَى عُلُوم تِلْكَ الْخُلَاصَة الفاروقية المقدسة بمناسب التَّوْحِيد، المستولية من مدارك الآمال على الأمد الْبعيد، أَن مخاطبتها المولوية، تأدت إِلَى الْمَمْلُوك فارعة للعلا من عفرَة الْحلَل والحلا، ذهبية المجتلا، تفِيد الْعِزّ المكين، وَالدُّنْيَا وَالدّين، وترعى فِي الأنباء الْبَنِينَ، على مر السنين، {صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين} ، قد حملت من مدرجها الْكَرِيم مَا أخْفى للملوك من قُرَّة عين، ودرة زين، جَنِين الشّرف الوضاح، ومستوجب الْحق على مثله من الْخلق بِالنّسَبِ الصراح، وَالْغرر الأوضاح والأرج الفواح. فاقتنى دره النفيس، وَوجد للدوح من جَانب الْخلَافَة التَّنْفِيس، وَقواهُ لما قراه التَّعْظِيم وَالتَّقْدِيس، وَقَالَ {يَا أَيهَا الْمَلأ إِنِّي ألقِي إِلَيّ كتاب كريم} ، وَإِن لم يكن بلقيس أَعلَى الله تِلْكَ الْيَد مطوقة الأيادي، ومحجلة الْغَمَام والغوادي، وأبقاها عامرة النوادي، غالبة الأعادي، وَجعل سيفها السفاح، ورأيها الرشيق، وَعلمهَا الْهَادِي، وَوصل مَا ألطف بِهِ من أشتات بر بلغت، وموارد فضل سوغت مِنْهَا الإلهية مَا سوغت، أمدتها سَعَادَة الْمولى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 بمدد لم يضر مَعَه الْبَحْر الهائل، وَلَا الْعَدو الغائل، وَأقَام أودها عِنْد الشدائد للفلك الْمسَائِل، لَا بل الْملك الَّذِي لَهُ إِلَى الله الْوَسَائِل، وَحسب الجفن رسالتكم الْكَرِيمَة لحظا بصار وَأكْرم، وعوذة فتعوذ بهَا وَتحرم، وَتَوَلَّى الْمَمْلُوك تَنْفِيقِ عروضها بانشراح صَدره، وعَلى قدره، فَوَقَعت الْموقع الَّذِي لم يقعه سواهَا، فَأَما الْخَيل فَأكْرم مثواها، وَجعلت جنَّات الصون مأواها، وَلَو كُسِيت الرّبيع الزهر حللا، وأوردت فِي نهر المجرة علا ونهلا، وقلدت النُّجُوم العواتم حلا، ومسحت أعطافها بمنديل النسيم، وألحفت بأردية الصَّباح الوسيم، وافترشت لمرابطها الحشايا، وأقضمت حبات الْقُلُوب بالعصايا، لَكَانَ بعض مَا يجب لحقها الَّذِي لَا يجْحَد فَضله، وَلَا يحتجب، وَمَا عَداهَا من الرَّقِيق والفتيان، رُعَاة ذَلِك الْفَرِيق، يكتنفه الِاسْتِحْسَان، ولطنب الِاعْتِقَاد وَإِن قصر اللِّسَان، تولى الله تِلْكَ الْخلَافَة بالشكر الَّذِي يحْسب العطا، وَالْحِفْظ الَّذِي يسبل الغطا، والصنع الَّذِي ييسر من مطى الآمال الامتطا. وَأما مَا يخْتَص بالمملوك فقد خصّه بقبوله تبركا بِتِلْكَ الْمَقَاصِد الَّتِي سددها الدّين وعددها الْفضل الْمُبين، وَأنْشد الْخلَافَة الَّتِي راق من مجدها الجبين: (قلدتني بفوائد أخرجتها من ... بَحر جودك وَهُوَ ملتطم البثج) (ورعيت نسبتها فَإِن سبيكة ... مِمَّا يلائم لَوْنهَا قطع السبج) والمملوك بِهَذَا الْبَاب النصري أعزه الله، مَا أنسى الْأَجَل على قدم خدمه، وقائم بشكر منَّة لكم ونعمه، وحاضر فِي جملَة الْأَوْلِيَاء بدعائه وحبه، ويتوسل فِي بَقَاء أيامكم، [وَنصر أعلامكم] إِلَى ربه، وَإِن بعد بجسمه فَلم يبعد بِقَلْبِه. وَالسَّلَام الْكَرِيم الطّيب الْبر العميم يَخُصهَا دَائِما مُتَّصِلا، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أَبَا عبد الله بن عمر التّونسِيّ سَيِّدي الَّذِي عَهده لَا ينسى، وَذكره يصبح فِي ترديده (بالجميل) ويمسي أبقاكم الله [تجلوه] من السَّعَادَة شمسا وتصرفون فِي طَاعَته لِسَانا فَردا وبنانا خمْسا. وصلني كتابكُمْ الْأَشْعَث الأغبر، ومقتضبكم الَّذِي أضفاثه لَا تعْتَبر شاهدة بِعَدَمِ الاعتنا أوضاعه، مَعْدُوما إمتاعه، قَصِيرا فِي التَّعْرِيف بِالْحَال المتشوف إِلَيْهَا بَاعه متضمنا الإحالة على حلى من مَعْنَاهَا، غير متلبس بموحدها وَلَا مثناها. سَأَلته كَمَا يسْأَل الْمَرِيض عَمَّا عِنْد الطَّبِيب، ويحرص الحبيب على تعرف أَحْوَال الحبيب، يذكر أَنه لم يتَحَمَّل غير تِلْكَ السحاة المفنية فِي الِاخْتِصَار، المجمعة بخطى الإسماع والإبصار، فهممت بالعتب على الْبُخْل بالكتب، ثمَّ عذرت سَيِّدي بِمَا [يعْتَذر بِهِ] مثله من شواغل تطرق، وخواطر تُومِضْ وتبرق، وَإِذا كَانَ آمنا سربه، مهنأ شربه، فَهُوَ الأمل، ونقيع هَذَا الْمُجْمل، وَإِن كَانَ التَّفْسِير هُوَ الْأَكْمَل، وَمَا تمّ مَا يعْمل ووده فِي كل حَال وده، وَالله بالتوفيق يمده، وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الشَّيْخ الْفَقِيه الْخَطِيب أَبَا عبد الله بن مَرْزُوق وَقد بَلغنِي إيابه من زِيَارَة الصلحاء بريف باريس ضجرا لحمل الدولة متراوغا عَنْهَا سَيِّدي أبقاك الله، تعرج على البقع المزورة ركاب الْجَلالَة، وتورث مراقى الْمَقَابِر لَا عَن كَلَالَة، وتتبجج فِي صميم الْعَمَل الصَّالح بَين السّلف والسلالة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 كَانَت لي آمال أرى لقاك أجلهَا وعمدة الاشتهار الْأَيَّام وأدرجتها، وَعَفا رسمها لما نسجتها، وَالدُّنْيَا حَلُوب خلوب، ومغالب الْقدر مغلوب، وبيد الله أَفْئِدَة وَقُلُوب، وَإِن ساءت ظنون، فثم الْكَاف وَالنُّون، ومؤلف الضَّب وَالنُّون، وَمَا الدَّهْر إِلَّا منجنون أرضانا الله بمصارف الْقدر، وعوضنا مِنْهُ بالحظ المبتدر، وفرغنا للورد الْبعيد والصدر، فَأَنا الْيَوْم لَا آمل إِلَّا لقاءك الَّذِي هُوَ الْحَظ، وَإِن فتك الزَّمن الْفظ، وللنصير لما سَاءَ الْمصير، والكهف لما عظم اللهف، وَكَيف لَا [ورعبك] استخرج من الرَّكية، وَسمع على الْبعد صَوت الشكية، وجودك أعطا وأمطا، وجادك فرش وغطا، فَإِن ذوت أَغْصَان الصَّنَائِع، فلقح جحود، وأصبحت الْأَيَّام الْبيض من الغمد فِي لحود، وأغصان صنائعك قبلنَا قد زهت بحبها وأبها، وحيتها نواسم الْقبُول من مهبها، وأياديك لَدَى أَحيَاء عِنْد رَبهَا، نَسْأَلهُ جلت قدرته الْقَدِيمَة، ووسعت كل شَيْء رَحمته الَّتِي هَمت مِنْهَا الديمة، أَن يجعك جَاهِل فِي الشُّمُول جنس الْأَجْنَاس، وربعك ميدان جِيَاد السرُور والإيناس، ويعصمك يَا مُحَمَّد الْحَمد من النَّاس، وَيجْعَل سعيك مشكورا، وفخرك مَذْكُورا، وقصدك مأجورا، وبابك لَا غفلا وَلَا مَهْجُورًا، ومقامك حجا عَن النوائب مَحْجُورا. وَإِنِّي لما طرق النبأ بوجهتك فِي سَبِيل الْبر والفضائل الغر، وتجدد عَهْدك بِزِيَادَة أولى الْفَضَائِل الباهرة الْآيَة، والمشايخ أشباه سلفك فِي تعدد الْولَايَة، قلت هَذَا حنين لفصيله، وجذب عَن أَسبَاب اصليه، وتحويم على شَرِيعَة ومقدمة أبوة سريعة. مهلا مهلا، فَلم يدع الْعلم جهلا، وَأهلا بمقامك الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 أقامك الله فِيهِ وسهلا، وَلَو زرت طيفورا أَو سهلا، كف الأكف العادية، وَبث المراشد الرايحة والغادية، وَخِلَافَة الْهِدَايَة الهادية، وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم حجَّة بادية، وَمن وَاقع فَليدع نَادِيه، وَللَّه در رَابِعَة، وَقد شغلت بالحي عَن الْمَيِّت، وبالمشكاة عَن الزَّيْت، فَقَالَت النَّاس يطوفون بِالْبَيْتِ وَإِن [شوق] ارتياض ومران، وَكَاد يلفي بمعطن التَّجْرِيد خوان فَلَيْسَ يحمد قبل النَّضْح بحران، وَعلم السياسة قلب، وود إخْوَان الخوان بارقة خلب، وَفرع دوحتك الَّذِي فِي هضبة الْمِنْبَر الإمامي قد غرسته، وديوان النشأة الطاهرة قد درسته، تعاهده بِالْكَفَالَةِ حَتَّى يشبح، ويرقب دوحه وينتسج، وَلَا توحش منابعه الْمُبَارَكَة بأغباب شمسك، ومتعه وأخويك، بنعيم ملكك، إِذا لَا قدمة لنَفسك، على رد أمسك، وَإِذا ذكر الْقدر فَأمْسك، وَهوى مماليك سَيِّدي، أَن لَا يَقع تعويض، وَلَا يعْدم للمدبر الْحَكِيم تَسْلِيم وتفويض. فَالَّذِي دبره فِي الأحشاء، وَحكم فِي صورته الْحَسَنَة، يَد الْإِنْشَاء، حَيْثُ لَا سَبَب يعْمل، وَلَا فكر فِيمَا يلقى، وَلَا فِيمَا يعْمل، وَلَا حِيلَة بِحكم الْقُوَّة العاجزة وَاللِّسَان الأبكم هُوَ الْكَفِيل لَك بِحِفْظ المنصب، وصون الجناب المخصب، حَتَّى نستوفي عمر: [النِّهَايَة حلْس] وِسَادك فائزا بنعيم الدَّار على رغم حسادك، وتطرب إِذا قرعت المنابر المفضلة، عصيات حفدتك وأولادك، تَحت كفالتك وإرفادك. وسيدي شيخ زَاوِيَة الْخلَافَة، فَلَا أقفر مِنْهُ مِحْرَابهَا، وَلَا أغفلت من غرر صنائعه الْبيض عرابها، وَلَا استوحش من حسام رَأْيه السديد قرابها. وعندما ورد البشير بِرُجُوع نفرك الْأَعْظَم إِلَى بَيت شرفه، واستحثاث بريد الْخلَافَة ركاب مُنْصَرفه، قلت اللَّهُمَّ اكْتُبْ خطاه وأجره، واربح فِي مُعَاملَة أوليائك تجره، وغبطه بعد بالْمقَام فِي الْمقَام الَّذِي فِيهِ أفمته، وأرغمت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 الْبَاطِل ووقمته، وهنه الإياب الَّذِي أزحت بِهِ الارتياب، وَالْقَبُول الَّذِي كفيت بِهِ آمالنا الأفول وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مِمَّا خاطبت بِهِ أحد الجلة بِمَا نَصه: أبقى الله أَيَّام الْمجْلس العلمي العملي، يانعة بِالْفَضْلِ أدواحه، مؤيدة بِروح الله أرواحه، وَلَا زَالَ نور علمه مشرقا صباحه ونسيم ثنائه شهرا غدوه، وشهرا رَوَاحه، بِمَا أثنى على شمائله الَّتِي لَو كَانَت الشَّمَائِل أفكارا، لكَانَتْ حجازا، أَو كَانَت ألفاظا، لكَانَتْ حَقِيقَة لَا مجَازًا، أَكَانَت مواعيد، لكَانَتْ إنجازا، أَو كَانَت آيَات، لكَانَتْ إعجازا، أَو أكافىء بعض فضائله الَّتِي لَو كَانَت غيثا مَا خص بَلَدا، أَو شَفَقَة مَا، أثرت أَهلا وَلَا ولدا، أَو قُوَّة نفسانية، لشعرت النُّفُوس بِمَا تكسب غَدا، أَو أراجع بَيَانه الَّذِي إمداده فلكي وإلهامه ملكي، إِلَّا لَو أَنِّي استعرت لمحة من بلاغته الَّتِي بِحَق مَا كَانَت لَهَا المنابر مَوْضُوعَة، والخواطر فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع مَجْمُوعَة، والمبادرة إِلَى التمَاس بركتها مَشْرُوعَة، والأكف فِي أعقابها للاستسقاء بسحابها مَرْفُوعَة. فلعمري لقد كنت أوفى حَقًا، وأشيم من أفق الرِّضَا عَن نَفسِي برقا، لَكِن حسبي نِيَّة أبلغ من الْعَمَل، وعزم مول وَجهه شطر بُلُوغ هَذَا الأمل. وَلم تزل ترد من لدن الْمجْلس العلمي نواسم قدس، وتحييني من تلقائه مباسم أنس حظرت على بُلُوغ الخواطر، فَعَاشَتْ، وتجلت لجبال الْوُجُود فتلاشت، وطش وبلها بساحات الْعُقُول فطاشت. وَمن لخطاب الْمجْلس العالي بمواد تلِيق بصوره، أَو لبات تحمل بذوره، أَو وُجُوه يرضاها الْحق لغرره، أَو افهام تقبض أيديها قَبْضَة من أَثَره. فلولا أَن الْعدْل من شيمه، وَالْمجد من خيمه، وَالْفضل من ديمه، مَا كَانَ من حَقي أَن ألوذ بِغَيْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 الْقُصُور، وَمن لي بمساورة الْأسد الهصور، ومقابلة الْعلم الْمَنْصُور، على أَنِّي أَقف على شكر الْمجْلس لِسَانا لَو ملكت غَيره لوقفته، وَأنْفق على حَمده بَيَانا لَو ظَفرت يَدي بِأَعْلَى مِنْهُ لأنفقته، وَأنْفق فِي الثنا عَلَيْهِ سَببا لَوْلَا اعتمادى يعلى إغصائه مَا لفقته، وَإِذا كَانَ الْعذر لَا يلتبس طَرِيقه، ظهر بِالْقبُولِ فريقه، وساغ للخجل رِيقه. وليعلم سَيِّدي أَن مشرفته وَجههَا إِلَى الْأَمِير أبي الْحسن أثيره صُحْبَة هَدِيَّة تشْتَمل على فذلكة الطّيب. وفلذات الْعود الرطيب، فعجبت من انتماء ذَلِك الأرج حسا وَمعنى إِلَى دارينه، وتذكرت قَوْلهم، عَن الْمَرْء لَا تسل، وسل عَن قرينه. وَقد كَانَ عِنْدِي أثيرا، فَهُوَ الْيَوْم لوصاتكم فلك أثير ومحترما، وَإِن رعيه الْيَوْم لكثير، فَمن أدّى عني بعض بركم، فَكَأَنَّمَا حمل عني فرضا، وَأحسن قرضا، وَعرض على الآمال عرضا، وَقَالَ خُذ حَتَّى ترْضى، وسيدي يسمح فِيمَا حمل عَلَيْهِ الإدلال من جَوَابه وَيجْعَل إغضاء مثابته حَسْبَمَا يلْتَمس من ثَوَابه، فَلَا يخفى عَن عين فَضله مَا منيت بِهِ من شغل متشغب، ومرام للْخدمَة متصعب، بِحَيْثُ يشغلني عَن شأني، ويضايق فِي خطرة الذّكر نامور جناني، فلولا أَنِّي اختلست هَذِه النفثة فِي كَفه، ونسجت لمصليها موقعا فِي صفه، لما وجدت إِلَى بعثها سَبِيلا، وَلَا ألفيت لأملي الضاحي فِي كنف الْمُرَاجَعَة مقيلا. وَالله تَعَالَى يضفي للمجلس العلمي، موارد عرفانه، ويحفظ مِنْهُ على هَذَا الْوُجُود إِنْسَان عينه وَعين إنسانه وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك ماخاطبت بِهِ الْوَزير المتغلب على الدولة بالمغرب فراجعني صَاحب الْعَلامَة، فَكتبت إِلَيْهِ أبقى الله سَيِّدي للعشى والنوابغ، وَالْحكم البوالغ، وَالنعَم السوابغ، وَلَا زَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 يَنُوب عَن أنس الْعِزّ، فَيحسن المناب، ويحمى خوزة الْمجد فيصون الجناب، وَثَبت لَهُ الضرائر النابتة فيرفع بالعذر مَا نَاب، وَلَا زَالَت مَنَابِر بلاغته للكرامات العمرية مظْهرا ومناسك مبراته لحاج الْحَمد وَالشُّكْر حجا ومعتمرا، وَلَا بَرحت أقلامه تأسو الْكَلَام، وَتَنصر الْأَخ كَانَ الظَّالِم على تَأْوِيله أَو الظلوم، وتنشر الْعُلُوم والحلوم، وفقت من الْمُرَاجَعَة الوزارية بِخَط الْيَد الْبَيْضَاء، المستمدة من جيب الْحلم والإغضاء، المقلمة الظفر مَعَ المضاء، الصادعة بِحجَّة سر الِاخْتِيَار والارتضاء فِي غيب الْقَضَاء، ساكبة غمام الرحمات على الرمضاء، فَقلت اللَّهُمَّ بَارك لذِي الْخلق الْحسن فِيمَا وهبت، وأمتعهم مِنْهَا بِمَا قضيت وَمَا كتبت، فنعمت الحضة الصَّادِر بهَا منشور أَمرك لزيدك وعمرك، صفة أنبيائك، وأجياد عُقُود ثنائك، وإمارات اختصاصك، فِي عَالم الْغَيْب واعتنائك. مَا الَّذِي اشْتَمَل عَلَيْهِ ذَلِك الْمَكْتُوب، وَالْعلم الْمَوْهُوب، من أسرار وَخلق أبرار، وأحلا غطى على أمرار، وتنبيه بِحكم انجرار، واعتدال دَار فلكه على قطب دَار قَرَار. فَللَّه تِلْكَ الذَّات العمرية، مَا ألطف شمائلها، وأورف خصائلها، لعمري إِن السعد لمتوليها، ومظهر ثأرها بِفضل الله ومعليها، زَادهَا الله من فَضله أضعافا، وَلَا قطع عَنْهَا إسعادا وإسعافا، وَجعل سِنَان نصرها رعافا، وقوى ضدها موتا زعافا، وشيمة مجدها عدلا وإنصافا، وتخلقا بالجميل واتصافا، غير أَن النَّفس كالصبى والغلام الغبي، إِذا تسومح فِي زَجره وأدبه، جرى من التَّمَادِي على مذْهبه، فشرهها كثير، ولجاجها لنكير الْحق مثير. جعلنَا الله مِمَّن شدّ خطامها، وَأحكم عَن رضَاع ثدي العوائد فطامها، طمحت للمراجعة فِي عنان الهور، ومشت قطوفا بَين مهاوي العور، فَقلت وبماذا يُجيب من انْقَطع، وَكَيف بلبل الشَّك وَالْحق قد سَطَعَ، إِذْ كَانَ خيالك لليلى الأخيلية، فقد قطع حجاج الْحجَّة لِسَانه، بِأَن أَفَاضَ عَلَيْهِ إحسانه، وَإِن كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 جفاؤك اخْتِيَارا، فقد أظهر مُعَاوِيَة الْحلم شَأْنه وَمَا عابه ذَلِك. مَا كَانَ أَبُو سُفْيَان يَبْغِي مِنْهَا وَلَا شَأْنه وَرَاءَك، قبح الله افتراءك، أَنا علمت أَن الطماح من سيء الْأَخْلَاق، وَأَن كَثْرَة المجاوية مِفْتَاح الطَّلَاق، هبك صمت وَقلت وَجَبت وجلت وجزيت وبلت، مَا الْفَائِدَة، وَبَعض الصّديق كالأصبع الزَّائِدَة، وَلما أعيتني مداراتها عَاقبَتهَا على بعض الْفُصُول، وركضتها خطوَات على سَبِيل الفضول، وسامحتها فِي الْجَواب عَن فصلين، إقناعا لطماعها، واستدفاعا لجماحها، لَا وَالله بل لجماجها، أَحدهَا إِنْكَار توهم الْوَرع وزوره المخترع، فِيمَا يخْتَص بِجِهَة الْمُجيب وَالْكَاتِب، والمعتب أبقاه الله والعاتب، وحسبك من مُرَاجعَة نَكِير فِي وَجه الْوَرع بزخرفها المخترع، هَذَا والورع من المقامات السّنيَّة، والنازل الَّتِي يسري بهَا السالك إِلَى رب هَذِه البلية، الْمَسْأَلَة الأولى الْعَزْم على التَّجَافِي عَن أنعام الْوَزير ورفده الغزير، إِذا حط بِبَاب الرحل، وارتبط الْفَحْل، وَحفظ الْأَزَل وَالْمحل، فَأَنا أستقبل من تِلْكَ الخطة الصعبة مشهدا، وَأمر عَن تِلْكَ الخطة مُجْتَهدا، وأنسب تِلْكَ الْحَال الغالية بَين بيوى الفئة الْمُطَالبَة، وَللَّه در الْقَائِل: (دَعَوْت عَلَيْك لما عيل صبري ... وقلبي قَائِل يَا رب لالا) وَالثَّانِي الإنحاء على رفد بني زيان بِكَوْنِهِ حَرَامًا، ومغرما يجر غراما، ويورد ضراما، والاستعادة من إرفاد يتَحَمَّل الْمُشبه، أَو مصارفة تقبل الشبة، وَنحن فِي هَذَا الْقطر نَأْكُل البقل، وَلَا نسل عَن المبقلة، ونتحمل النَّقْل وَلَا نَنْظُر من نَقله، وللضرائر فِي الشَّرْع أَحْكَام تبيح غير الدكى، ومقاصد لَا تخفى على الدكى. وَهَذَا الْعذر مِمَّا ظهر انحلال أوأخيه، فَإِن ضَاقَ عَنَّا طيفور الْحَلَال رَضِينَا بأَخيه، وَالْحرَام إِذا تحيز وَتعين، فمصرفه فِي الْجِهَاد وَالصَّدَََقَة على مَا تبين، وَهَذِه حجَّة يشفق مِنْهَا الْخصم على خَصمه، ويسامحه إِقَامَة لرسمه. وَبِالْجُمْلَةِ فَنحْن بِهَذَا الْيَد إِلَى من بِيَدِهِ النوال الْغمر، وَله الْخلق وَالْأَمر، أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 يُعِيد الْأَحْوَال إِلَى معتادها أمنا وصلاحا وشفاء للصدور بتمهيد الْإِسْلَام وانشراحا. وَقد رضيناه بالأعذار، نمتك عظامها، والآمال نلمس أوضامها، والإعانة نشكر حلالها وحرامها. وَلَوْلَا الْأَدَب لقمنا وَلم نبل بالإصابة من غيرَة الْإِصَابَة، اللَّهُمَّ أَن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة، حَال الجريض دون القريض، وضاق الْوَقْت عَن التَّعْرِيض، عَدو مجاور، وتنين مساور، ومادة ناصبة، وتفوس يقرعها الْحق فترتد مغاضبة، وَسَائِر الْفُصُول، أبقى الله سَيِّدي بَين عُمُوم وخصوص، ومخرج ومنصوص، قد وَسعه التَّسْلِيم، وَسمع الشُّكْر عَلَيْهِ السَّمِيع الْعَلِيم. والمسؤول من سَيِّدي أَن يجيل اللِّسَان الرطب، فِي شكر تِلْكَ الوزارة، نَائِبا عَن صَنِيعَة خلالها، ولسان ثنائها، ومستدعى فضل الله لَهَا ولأبنائها، بِمَا أحسن بَيَانه المناب عَن فُصُول اعتنائها، فَهُوَ الملي بِمثل هَذَا الْمطلب الْعَزِيز، وَجَائِز الْوَقْت فِي التبريز بِمثل هَذَا الإبريز. وَمِمَّا يجب عَلَيْهِ التَّنْبِيه، ويطرب بِهِ الْمحل الوزارى النبيه، إِذْ كَانَ الْمَمْلُوك قد اسْتقْرض للجبل رفد طَعَام، فَاسْتعْمل النّظر فِيهِ وخد نعام، من الْحَيَوَان الْغَرِيب الصُّور. الهضوم الزُّور، رزاة الْحمير، وصواعق المطامير، وهضمة الْحَدِيد وبلعة المسامير، كَمَا شَككت أَن لفظ الطَّعَام طرقه التَّصْحِيف أَو التحريف، فتنكر من مَقْصُود التَّعْرِيف وَكَثِيرًا مَا بليت بِهِ الطا، وأبلى ظهرهَا ذَلِك الأمطاء. قَالَ الشَّاعِر: (هن المطايا عوضت من طابها ... يَوْم النَّوَى نونا لكل عميد) فَإِن كَانَ الْجَزَاء مَقْصُودا سلمنَا، وَإِن كَانَ غير ذَلِك فقد نبهنا وتكلمنا، وعرفنا وَأَعْلَمنَا، وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن، نَسْتَغْفِر الله مَا ثمَّ إِلَّا نعم ونعام، وخيل وإنعام، وَنصر إِن شَاءَ الله وَطَعَام، وَإِن مطل شهر وعام، ووزارة وسع مِنْهَا الكنف، وارتفع الحيف، تُؤْخَذ الدُّيُون على وعدها، وتهدد الخطوب بسعدها، وَالصَّبْر ضمين الظفر، وَلَا ييأس من روح الله إِلَّا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 كفر، وَالله عز وَجل يبقيه علما ساميا، وغماما للفضل هاميا، وَيجْعَل سعده ناميا، وَحده من ثعر المحمد فِي سَبِيل الْمجد وَالْخَيْر دَائِما. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ قَاضِي الْقُضَاة بِمصْر حَسْبَمَا يظْهر من الْغَرَض أبقى الله أَيَّام الْمجْلس العلمي القاضوي السيادي وجانبه بالتعظيم مُعْتَمد، وفسحة سعده لَيْسَ لَهَا حد وَلَا أمد، وساحة سروره لَا يعين عَلَيْهَا كمد، ومورد فَضله غمر لَا ثَمد، وَلَا زَالَ عين الْإِسْلَام الَّتِي لَا يشوبها مرض وَلَا يُصِيبهَا رمد، ودام فسطاط الْإِسْلَام ثقله من عناية الله على عمد. مَا الَّذِي يفاتح بِهِ الْمَمْلُوك مجْلِس قَاضِي الْقُضَاة وَهُوَ الأوج، والمثابة الَّتِي يتزاحم فِي استلامها الفوج وَالْبَحْر الَّذِي أبحاثه هِيَ الموج، والديوان الَّذِي عجز عَن حصر أَسبَاب مجده الْفَرد وَالزَّوْج. تالله لَو أمد لساني طبع الْفَاضِل البيساني، بل المدد الحساني، لَا بل الْعقل الإنساني، لتوقعت خمول شاني، وأنفت لدسته الْعَرَبِيّ من لغط حبشاني، وخشيت لهول الهيبة أَن يَغْشَانِي فلج مِقْدَاره، وَإِن رغم الشاني، لَا يتعاطاه مثل هَذَا الشاني، فَكيف مَعَ الْقُصُور، والأمد المحصور، بمساورة الْأسد الهصور، وموافقة الْعلم الْمَنْصُور، وأنى للمغربي بعنصر النُّور. وَمن يسبح بعد فَور التَّنور، لَكِن فضل الْمجْلس العالي للمقصرين شَفِيع، وَإِن اتضع قدر المنشور على خطابه، فَعلمه رفيع، والمتطفل قل أَن يخيبه فِي بَاب مثله صَنِيع، والمستفيد بحرمه، قد كنفه جناب وسيع والموارد يقتحمها العير والجواد، والمسارح الْكَرِيمَة، يقصدها الرواد، والكعبة يعج إِلَيْهَا من الْبِلَاد السوَاد، فَلَو تنخل المستأهل من غَيره أَو عومل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 السَّائِل على مِقْدَار سيره وبركته وخيره، لَكَانَ المطرود أَكثر مِمَّن يصلح لَهُ الْوُرُود، ونقع غَلَّته البرود. لَكِن الرَّحْمَة تَشْمَل، والضعيف لَا يهمل، والإغضاء أجمل. وَإِن الْمَمْلُوك مَا زَالَ يتلَقَّى من محامد الْمجْلس العلمي، نوافج طيب ونوافح روض رطيب، وملامح بشر تذْهب بِمَا للزمن من تقطيب، ونقمات مطيل فِي النَّعيم مُطيب، وتعشق النُّفُوس لَيْسَ بمقصور على مُشَاهدَة طرف، وَلَا مُبَاشرَة حسن وَلَا ظرف، أَو شم عرف، وَالْعدْل يمْنَع أَن تقَابل هَذِه الْحجَّة بِصَرْف، أَو يعبد الله فِي إنكارها على حزف. فَمن الْمَشْهُور، والذائع بَين الْجُمْهُور: (يَا قوم عَيْني لبَعض الْحَيّ عاشقة ... وَالْأُذن تعشق قبل الْعين أَحْيَانًا) وَقَوله: وعشق الْفَتى بِالسَّمْعِ مرتبَة أُخْرَى. . وَلَيْسَ فِي هَذِه الدَّعْوَى عناد، وَلها استناد إِلَى قَوْله، الْأَرْوَاح أجناد، فَلَو تركني الدَّهْر وَمَا أسر من التَّشَيُّع لمثابته للبيت دَاعِي شوقي بإجابته، وَإِن تجاسرت على خرق حجاب مهابته، شَأْن المحبين كلما خَانَهُمْ الصَّبْر، وَلم يتل مواجد كلومهم السبر، لكنه سد المسالك، فاستنبنا الْمَالِك، وأساء الماكد، فاستعدينا عَلَيْهِ الْمَالِك، وَبعثت سبحاتي هَذِه، متوسلة بوسيلة الْحبّ الصَّرِيح، عادلة عَن التَّعْرِيض إِلَى التَّصْرِيح، والبوح المريح، تلطفه فِي المثول بِبَاب إيوانه، والاستشراف على شعب بوانه، مُتَعَلقَة بأردان أَصْغَر أعوانه، فأرجو أَن تبلغ النِّيَّة هديها إِلَى مَحَله، وتفديها سَعَادَة الْجد على مَحَله. والمرغوب من تِلْكَ المثابة الَّتِي تعشو إِلَى نورها الْعُيُون، وتقضى من صدقَات طولهَا الدُّيُون، أَن تحسب هَذَا الْمُحب المادح، مِمَّن سعد بحبه، وَصدق مِنْهُ التوسل فِي لِقَائِه إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 ربه، وَأَن يَنْتَظِم فِي ذَوي ولايه، وشيعة علايه، فَإِن قضي اللِّقَاء حصل الْكَمَال، واستوفيت الآمال، وتضافرت النيات والأعمال، وارتفع عَن سوء الْقَصْد الإهمال، وَإِن كَانَ غير ذَلِك نَفَعت النِّيَّة، وللذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ المزية. وَلما تحققت من مَكَارِم السَّيِّد الْعِمَاد قَاضِي الْقُضَاة، أبقاه الله، أَن يلْتَمس مَا فِي يَدَيْهِ أحظى المتوسلين إِلَيْهِ، افتتحت تعريضي بسؤاله، ومددت يَدي إِلَى نواله، ورغبت مِنْهُ أَن يسم مغفلا، وَيفتح إِلَى الْعِنَايَة بَابا مقفلا، وَيَأْذَن فِي الرِّوَايَة عَن مقَامه المخدوم، بَين الْوِفَادَة على مَحَله والقدوم، وإيجاد الشّرف الْمَعْدُوم لصرحا ملكته، ونسبا عبوديته، وكغلاء ظلاله، ونبهاء مباسم خلاله، أَوْلَاد مُوجب حَقه المحتوم، ومعظم مقَامه الْمَعْلُوم، وهم فلَان وَفُلَان، مطوفا نعْمَته، لإسعاف من يعرف قدرهَا الْعلي فِي الأقدار، ويرقى الْأَهِلّة بإمدادها إِلَى مَرَاتِب الأبدار، وَهُوَ الْكَفِيل بإجابة السَّائِل، وإحساب الْعَامِل، وَللَّه در الْقَائِل: (وَلم يممتهم فِي الْحَشْر تجدّد ... لَا عطوك الَّذِي صلوا وصاموا) والمملوك يطالع الْعُلُوم الشَّرِيفَة بَين جلال تنبض، وهيبة أسودها تربض، وإدلال عروقه تنبض، أَنه وَجه إِلَى تِلْكَ الْمحَال الشَّرِيفَة بهرجا زائفا، ومترقبا خَائفًا، مِمَّا صدر عَن طبع قَاصِر، ووطن دَار بنطاقه لِلْعَدو حاصر، وَلَيْسَ إِلَّا الله نَاصِر، فَإِن أحظاه الْجد بالمثول بناديه، وضفت على طارقه الضاحي ظلال أياديه، والمسئول من شفقته الإغضا عَن معترف، والتجاوز عَن خطل زمن خرف، ويشكر الله الَّذِي كمله، إِذا وقف على النَّقْص وتأمله، ويخفض الْجنَاح لمن أمله، ويعامل بالشفقة من أم لَهُ، وَمن لَهُ، بالوصول إِلَى مجْلِس الْملك، وَإِلَى الله تجلته، كَمَا أعز بنظره مِلَّته، إِنَّمَا هُوَ فرض يفْرض، وآمال على النَّفس تعرض. ونسل الله لمثابة الْمجْلس العالي بقا يمتع الْمُسلمين بمواهب الْعدْل الْمَشْهُور، وَالدّين تجلت شمسه فِي مظَاهر الظُّهُور، وَالْعلم الَّذِي يجلو غياهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 الديجور، والمتكفل من الله بإنماء الأجور، وَالسَّلَام الْكَرِيم، الطّيب العميم، يعْتَمد سَيِّدي عودا على بَدْء، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. من خَاطب شرف وداده، وملتمس مواهب الله فِي إعانته وسداده، فلَان. وَمن ذَلِك فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء بِمَا نَصه، وَهُوَ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الله بن ولى الله يَعْقُوب البادسي رَحمَه الله. (حفيد ولى الله ذِي الرُّتْبَة الْعليا ... وَمن نَالَ فِي الْأُخْرَى السمو وَفِي الدُّنْيَا) (أعدت لي الْأَيَّام سهلا ومرحبا ... وأحييت أنسي بعد مَا مَاتَ يَا يحيا) (وَمَا كنت إِلَّا ظاميا لَك ضاحيا ... فأنشأت لي ظلا وأعذبت لي سقيا) (وسوغت لي الْفضل الَّذِي أَنْت أَهله ... وَلم تبْق فِي التسويغ شرطا وَلَا ثنيا) (إِذا مَا أجلت الْفِكر فِي فضلك الَّذِي ... يسلم فِيهِ للْبَيَان إِذا أعيا) (أَقُول سقى باديس منسجم الحيا ... وأوسع رعى الله أرجاءها رعيا) (وحاكت لَهَا كف السحائب حلَّة ... ترى مَذْهَب النوار فِي جيدها حليا) ( [لمغنى] أبي يَعْقُوب رهن ضريحه ... يحِق لأجل الله أَن نعمل السعيا) (غياث من استعدى وَنور من اهْتَدَى ... وملجأ من أذته داهية دهيا) (جعلتك يَا يحيى إِلَيْهِ وَسِيلَة عَلَيْهَا ... اعْتِمَاد فِي الْمَمَات وَفِي الْمحيا) مَا كنت أَيهَا الْوَارِث، والحسام الفارث، أَظن الدَّهْر يبْقى مَوضِع صلح، وَلَا اللَّيَالِي تسمح بصبح، وَلَا الزَّمن يرجع عَن تفويق سهم واشراع رمح، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وَلَا الْأَيَّام تسنح بالْحسنِ، مَا سفرت عَنهُ من قبح، حَتَّى ظَفرت يَدي بودك فأثرت، وقدحت زناد حظي فأورت، وشفيت الْعِلَل واستشرت، ورحلت البوس بَعْدَمَا اسْتَقَرَّتْ، رحب ساحة، وتأنق سماحة، وندى رَاحَة، ورأم جِرَاحَة، وَطيب نفس إِلَى الْفضل مرتاحة، وخواطر لَهَا فِي بَحر الْمعرفَة، أَي سباحة، فَأَنا وَللَّه الْمِنَّة رائد اغتبط فَارْتَبَطَ، ووال تحكم على الدَّهْر فَاشْترط، لَا بل عَفا عَمَّا فرط، فمذ أَفَادَ قربك قد غفرت جِنَايَته، وشكرت عنايته، وَحمل على أفْصح المحامل إفصاحه وكنايته [فقد يشم الْبَرْق ووضحت الْفرق] وَعَاد الْجمع، وارتفع الْفرق، وَحل العقال فَأمكن الغرب والشرق، وَمن الله اسل أَن يمتع بك، كَمَا وصل سَبَب وليه بسببك، ويفردك بمقامه ويشفيك وإيانا من علل الْحس وأسقامه، ويؤوينا جَمِيعًا إِلَى يقطينة رَحمته، بعد ابتلاع حوت الْوُجُود والتقامه، فَمَا هُوَ إِلَّا أَوْهَام استحكمت، ومألوفات ازدحمت، وعوائد سوء جارت إِذْ حكمت، حَتَّى إِذا شمس الْحق تجلت، حَالَتْ صبغتها واضمحلت، وَأَلْقَتْ الأَرْض مَا فِيهَا وتخلت، وأدبرت شياطينها، الَّتِي اقتضاها طينها وَوَلَّتْ، فاتسع المجال، وَذَهَبت الأوجال، وَارْتَفَعت الحجال، وحمدت سراها عِنْد الصَّباح الرِّجَال، واللطف مَعْرُوف، وَالْمعْنَى معنى، وَمَا سواهُ حُرُوف، وأواني وظروف. وَالسَّلَام على سَيِّدي، وعَلى الْأَصْحَاب كافأ الله تأنيسهم، وَشَمل بالرعي مرؤوسهم وَرَئِيسهمْ، ورو 1 ذحا بخمرة التَّحْقِيق نُفُوسهم، وأطلع لَهُم من ذواتهم، أقمارهم وشموسهم، من محبهم الرَّاغِب فِي اجْتِمَاع الشمل اللَّيْلَة بهم. فلَان. وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وَمن ذَلِك مَا كتبت بِهِ إِلَى رَئِيس ديوَان الإنشاد الشريف شمس الدّين أبي عبد الله بن أبي ركب [أعزه الله تَعَالَى] أبقى الله أَيَّام الْمجْلس العالي ظلا على العشائر والفضائل، أجمة للأسد الغر الصَّائِل، مفضضة الغدوات، مذهبَة الأصائل، من أمثالهم الَّتِي كلفت بهَا الألسن، الموثرة لما يحسن، لَوْلَا الحمقاء لخربت الدُّنْيَا، وَالَّذِي يشْرَح بِهِ هَذَا الْمُضمر، إِنَّهَا بهم تعمر، فَيعْمل الصَّائِف للشاتي، ويخلف الذَّاهِب الْآتِي، وَمن الْأَدِلَّة، والبراهين المستقلة عِنْد الجلة، مُخَاطبَة الْمَمْلُوك ذَلِك الْمجْلس العلمي مَعَ قُصُور النّسَب الَّتِي قدمت للْعُذْر وتمهد، بل مَعَ وفور مَا يرغب ويزهد، أما بِاعْتِبَار الإيالة والخلافة العباسية أصل، وَمَا سواهَا فرع، حجَّة يعضدها طبع وَشرع، وَلَا يَتَّسِع فِي ردهَا ذرع. وَأما بِاعْتِبَار الْقطر فايز الْقدَم من المفرق، وَأَيْنَ الغرب من الْمشرق، تشهد بذلك الشعار الْخمس، وَالْيَوْم والأمس، لَا بل الشَّمْس، فَهَذَا ننصب فِيهِ منصتها، وتشهر قصَّتهَا، وَهَذَا تتبلع فِيهِ فرصتها، وتجترع غصتها. وَأما بِاعْتِبَار الذوات، فَلَو لم يكن إِلَّا النّسَب الْقرشِي (لَكَانَ] مُوجبا للتقديم، مسوغا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح مزية التَّقْدِيم، فَإلَى أَيْن يذهب مُخَاطب الْمجْلس العلمي، وَقد سدت الْمذَاهب، وتباينت الْأَنْوَار والغياهب، وَالله الْوَاهِب، وَلَقَد أحس الْمَمْلُوك عِنْد تعَاطِي هَذِه الذريعة الَّتِي تزل فِيهَا الْأَقْدَام، وينتصح الْإِقْدَام، وتخل الدَّعْوَى بصاحبها. كَمَا يفعل الدام، خورا فِي الطباع، وقصرا فِي الباع، وكلالا فِي الأداة، وسهوا فِي فَرِيضَة الْبَيَان المؤداة. أما الْفِكر ففر، وَأما البراع فنحل واصفر، وَأما الطرس فخفق فُؤَاده، وَأما النَّفس فحال سوَاده، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 مهلا عَلَيْك، وَإِلَيْك عني إِلَيْك. الْجَهْل لوم، والأوزان الْأَعْيَان حلوم، وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم، ومتعدى طوره ظلوم، قد علم كل أنَاس شربهم، فليعملوا إِلَى الْإِنْصَاف مهربهم، وَلَا تجود يَد إِلَّا بِمَا تَجِد مثل مَعْرُوف، وَإِذا لم تكن إبل فمعرى، لمثل هَذَا الْغَرَض مَصْرُوف، وَرب حفيرة أَجدت، وَنَفس حر إِلَى الْموقع اللَّطِيف تهدت، وَقد أَهْدَت القبرة إِلَى سُلَيْمَان جَرَادَة، فَقبل مَا أَهْدَت، والمجلس العلمي تولى الله إطالة مدَّته، يجرى الْمَمْلُوك فِي الإدلال على مدَّته مجْرى العاطش، ورد المَاء فاقتحمه غير مبال بِمن زحمه ... . . الَّذِي وَقع على الْحَمِيم فأسام، وَمَا سَالَ وَلَا سَام، وَلَا بالي بِنَبِي حام - وسام. والمحب أمكنه الْوَصْل، فَمَا راعه النصل، وطالما قبض الْعَنَان، وزجر البنان، وَعلل بالجذع الْجنان، وَأما أَن يكون اللِّقَاء، وَيَقَع بالمشاهفة الْإِلْقَاء، ويتأتى إِلَى الْأُفق الْأَعْلَى الارتقاء، وتكبر عَن أَن تصاد العنقاء، فعرج على طلل الصَّبْر، ويمم، وَلم يجد إِلَّا الصَّعِيد فَتَيَمم، فأصدر هَذِه المفاتحة، لتمثل بِبَاب الْمجْلس العلمي حاطة رَأسهَا، رابطة بالعناء الْمُقَدّس أفراسها، مصدقة افتراضها وافتراسها، جانية غراسها، لائمة ركن الْمجد الَّذِي يشْهد بمجده الرُّكْن المستلم، والنقا وَالْعلم، والمسعى والملتزم وأريس وزمزم، مودية من الشوق الَّذِي شب عمروه مَا لَوْلَا ندا الْمجْلس العلمي لخيف تعديه، وَظُهُور مَا يكنيه زنده الواري ويبديه، وَمن الِاعْتِدَاد أصفى مَا تأزره الآمال وترتديه، وَمن التَّحِيَّة الطّيبَة [وَالْبركَة الصبية] أطيب مَا يتحفه النسيم اللدن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 ويهديه، ومقررة أَنه بِالنَّفسِ يفْدِيه، وعَلى الشوق الحثيث يستعديه. وَكَانَ الأمل أَن يُشَاهد غرَّة السِّيَادَة من المرقب الْغَرِيب، ويقتني غرائب إفادته الَّتِي لَا غرو أَن تحن على الْغَرِيب، وَيَقْضِي الأمل بلقائه ممطول دينه، ويزيل المنافسة الَّتِي وَقعت من جراء كَمَاله بَين أذن الْمَمْلُوك وعينه، لَكِن الِاخْتِيَار لمن بِيَدِهِ المقاد، وَأَن لَا فعل لسواه هُوَ الِاعْتِقَاد، وَغير ذَلِك خطة الانتقاد. وَعَسَى أَن لَا يخيب هَذِه السحاة من لثم يَمِينه، واجتلاء نور جَبينه، فأجدر بِمن ركب الْفلك، وخاض اللجج الحلك، إِلَى بَاب من كرم انتماؤه، وزينت بنجوم الْحسب المنيف سماؤه، أَن لَا يعْدم مشفعا، وَلَا يكون قَصده مخفقا. واقرأ على الْمجْلس العلمي من طيب السَّلَام، مَا يخجل رَوْضَة الْحسن عقب المزن، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أَبَا الْقَاسِم الشريف: (أخذت وأمواج الردى متلاطمة ... بضبعي يَا نجل الْوَصِيّ وَفَاطِمَة) (وسكنت ريح الْخطب بعد هبوبها ... ولولاك كَانَت موجها لي حاطمة) (وَقَامَ بأَمْري مِنْك أروع ماجد ... برد حُرُوف الدَّهْر عني راغمة) (سللت لنصري من علاك مهندا ... كَفَفْت بِهِ كفا من الْبَغي ظالمة) (أَبَا قَاسم لَا زلت للفضل قاسما ... ظباه لظهر الْجور وَالظُّلم قاصمة) (سجاياك تفضى أَنَّك ابْن مُحَمَّد ... أيمجد حق وَالشَّهَادَة قَائِمَة) (ألنت لي الدَّهْر الظلوم فَأَصْبَحت ... لياليه من بعد التعسف خادمة) (فقد كظم الغيظ الشَّديد بعزمة ... سرت لَك من عهد العقيق وكاظمة) (فيا ملبسي من فَضله قرشيته ... أتيح لَهَا من كَفه أَي راقمة) (بِأَيّ لِسَان أَو بِأَيّ بلاغة أَقْْضِي ... حقوقا من فروضك لَازِمَة) (فدم وَاحِد الْآحَاد فِي كل غِبْطَة ... وَلَا بَرحت عين الردى عَنْك نَائِمَة) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 فِي علم سَيِّدي وذخري أَن الغايات يؤمل دركها، ويسفر عَن الْغنم وَالظفر معتركها، ويرام مفردها ومشتركها، إِلَّا مَا كَانَ من تَوْفِيَة حَقه، فَإِنَّهَا الْغَايَة الَّتِي تتْرك إِذْ لَا تدْرك، وتتعدى إِذْ لوازمها لَا تُؤدِّي، فسيان الإطالة والاختصار، والاسترسال والإقصار، فحياها الله من ذَات تحذر على عين كمالها الْعين، وأخلاق كَمَا سبك اللجين. وحسبك بمجد توارثه عَن الرَّسُول الْكَرِيم، وَلَده الْحُسَيْن. لَكِن الْمَرْء مَطْلُوب بِجهْدِهِ، وَمن عهد لزمَه الْوَفَاء بعهده. فحسبي، أبقى الله سَيِّدي، أَن أقصر عَلَيْك الثنا وَإِن كَانَ قَصِيرا، وَألقى قَمِيصه على وَجه القريحة فيرتد بَصيرًا، وأستعين الله عَلَيْهِ وأتولاه، وَكفى بِاللَّه وليا، وَكفى بِاللَّه نَصِيرًا: (حَتَّى يعود الدَّهْر رب شَرِيعَة ... بعلاك وَالْأَيَّام أهل كتاب) وَقد كَانَ ظَنِّي أَن مَطِيَّة الدَّهْر غير ركُوب لكل منكوب، وَمَا الْحَيَاة غير شروب لكل محروب، والأحرار فِي أَرض الله غياث، لمن نَالَ سعادته التياث، وأركان لمن نبا بِهِ مَكَان، فَالْحَمْد لله الَّذِي كذب الْقيَاس، وَبَطلَت النتيجة، وأقصرت فِي يَد الدَّعْوَى الوشيجة، وَجَرت بِالْحَقِّ الْوَسِيلَة المرعية والوليجة. وَمَا أعز هَذَا الْبَيْت الْمُتَعَلّق بأذيالك يَا كَبِير أهل الْبَيْت، النَّاجِي بسببك الوثيق، من بعد الكيت والكيت، [وأسراح الْكُمَيْت] ألادجنا أخرج من إيالة الْكفْر وفريسته استخلصت من بَين الناب وَالظفر، والآمال بعد فِي سَيِّدي، فسيحة كعلاه، والمطامع لَا تحصر، كأوصافه الْكَرِيمَة وحلاه، لله در الْقَائِل فَمَا أحلاه: (تَمُوت مَعَ الْمَرْء حاجاته ... وَيبقى لَهُ حَاجَة مَا بقى) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 انصرم عمر هَذِه المراحل، وكل شَيْء إِلَى تَمام، وزادت الْعشْرَة ذماما إِلَى ذمام، فَلَو أَن فلاحا، توسل إِلَيْهِ زرعه، أَو أَهله ذكره بالذمام فَرعه، لذكرت سَيِّدي بِعُود راشه، وجاه مسح من غير الخمول وَجهه، وَكَفاهُ قحة، الدَّهْر ونجهه، وحرصت على استخلاص جدة غصب سفينتها الْملك الغصاب، وَذمَّة عظمت لأَجلهَا الأوصاب، وَجل لفقدها الْمُصَاب، فَأَصْبَحت النَّفس بَهِيمَة يروعها القصاب، ومصادرة يشد عَلَيْهَا الدَّهْر الغصاب. وَإِذا أحكم سَيِّدي أَسبَاب التعاطف، سهلت ببركة جده الشَّفِيع الشَّفَاعَة، وصدرت الْعَزِيمَة النفاعة، وَعين سَعَادَة الْمَطْلُوب والطالب وَالْوَقْت والساعة، فارتفع كل، وتأتى للْمَالِك نهل وعل، وَسعد بمحالفة الركاب الْهَاشِمِي ظعن وَحل، وَالله يُعينهُ على الْعَجز الَّذِي يخْطب مثله علمه وَدينه، وشرفه الَّذِي ثبتَتْ براهينه، وينجده على العتاد الَّذِي يجده. وَمثله من سلالة خَاتم النَّبِيين من أحسن الختام، وَرفع عَن وَجه الصنيعة القتام. وَأما تمهيد جرايه أَو عقد رايه، فَلَا يُنَبه كَعْب أَو حَاتِم على من طرقها، وَاللَّيْل عاتم، وَوَاللَّه مَا أجد لَدَى أَدَاة تجلى فِي ميدان، وَلَا لى بالكفاية المرضية يدان، وَإِنَّمَا حمل يخت انسدل ستره، وَسعد امْتَدَّ بره، وشفع وتره، فَإِن هبت رِيحه من بعد الخمود، أَو نجمت مِنْهُ زهرَة بعد جفاف الْعود، فمعجزة إِلَى بركَة سَيِّدي منسوبة، وَفِي كرامات أهل بَيته محسوبة، وَإِلَّا فدهر تحرّك ثمَّ استكان، وَشَيْء رد إِلَى اصله، وَالْأَصْل بقا مَا كَانَ على مَا كَانَ. وَالله أسل أَن يديم النِّعْمَة على سَيِّدي، من شرِيف اقتعد الْفضل مَطِيَّة، وَتَهْنَأ الْكَمَال هبة من الله وعطية، ويبقيه ناجح الْأَعْمَال، مبلغ الآمال، ويقيه عين الْكَمَال، وَالسَّلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْفَاضِل أَبَا عبد الله الفشتالي بِمَا نَصه: (من ذَا يعد فَضَائِل الفشتالي ... والدهر كَاتب أَيهَا والتالي) (علم إِذا التمسوا الْفُنُون فَعلمه ... مرعى الْحَمِيم ونجعة المتكال) (نَالَ الَّتِي لَا فَوْقهَا من رفْعَة ... مَا أملتها حِيلَة الْمُحْتَال) (وَقضى قِيَاس تراثه عَن جده ... إِن الْمُقدم فِيهِ غير التال) قَاضِي الْقُضَاة بِمَا أثنى على جلالك المرتضاه، أبقديمك الْمُوجب لتقديمك، أم ذَا بحديثك الدَّاعِي لتجمل حَدِيثك، وَكِلَاهُمَا بعد غَايَة بعد مرماها، وتحامي التسور حماها، والضالع لَا يسام سَيْفا، والمنبت لَا أَرضًا قطع، وَلَا ظهرا أبقى، وَمَا الظَّن بأصالة تعترف بهَا الْآثَار وَتشهد، وأبوة صَالِحَة كَانَت فِي غير الْحق تزهد، وَفِي نيل الِاتِّصَال بِهِ تجهد، ومعارف تقرر قَوَاعِد الْحَقَائِق وتمهد، وتهزم الشّبَه إِذا تنهد. وَقد علم الله أَن جوارك، لم يبْق على الدَّهْر جورا، ولاحت من غصني وَرقا وَلَا نورا. هَذَا وَقد زأر على أسدا، وَحمل ثورا. فقد أَصبَحت فِي ظلّ الدولة الَّتِي وقف على سَيِّدي اخْتِيَارهَا، وَأظْهر خلوص إبريزه معيارها تَحت كنف، وَعز مؤتنف، وَجوَار أبي دلف، وعَلى ثِقَة من الله خلف. وَمَا منع من انتياب مَا لَدَيْهِ من الْفَضَائِل إِلَّا رحْلَة لم يبرك بعد جملها، وَلَا فرغ عَملهَا، وأوحال حَال بيني وَبَين مسور الْبَلَد الْقَدِيم مهملها. وَلَوْلَا ذَاك لاغتبط الرائد، واقتنيت الْفَوَائِد. وَالله يُطِيل بقاه تتأكد الْقرْبَة الَّتِي تنسى بهَا الغربة، وتعظم الْوَسِيلَة الَّتِي لَا تذكر مَعهَا الْفَضِيلَة. وَأما مَا أَشَارَ بِهِ من تَقْيِيد القصيدة الَّتِي نفق سوقها استحسانه وَأنس باستظرافها إحسانه، فقد أعمل وَمَا أهمل، والقصور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 باد إِذا تومل، والإغضاء أولى مَا أمل، فَإِنَّمَا هِيَ فكرة أخمدت نارها الْأَيَّام وغيرت آثارها اللئام وَكَانَ الْحق إجلال سَيِّدي عَن مطالعة خللها، وتنزيه رجله عَن تَقْبِيل مرتجلها، لَكِن أمره ممتثل، وأتى [من الْمجد] أَمر لَا مرد لَهُ مثل. وَالسَّلَام على سَيِّدي من مُعظم قدره، وملتزم بره ابْن الْخَطِيب وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء (تعرفت أمرا سَاءَنِي ثمَّ سرني ... وَفِي صِحَة الْأَيَّام لَا بُد من مرض) (تعمدك المحبوب بِالذَّاتِ بَعْدَمَا ... جرى ضِدّه وَالله يَكْفِيك بالغرض) فِي مثلهَا أبقى الله سَيِّدي يجمل الِاخْتِصَار، وَيقصر الْأَنْصَار، وتطرق الْأَبْصَار، إِذا لم يتَعَيَّن ظَالِم، وَلم يتَبَيَّن يقظ وَلَا حالم. وَإِنَّمَا هِيَ هَدِيَّة أجر، وَحَقِيقَة وصل عقب بحار هجر، وجرح جَبَّار، وَأمر لَيْسَ بِهِ اعْتِبَار، ووقيعة لم يكن فِيهَا إِلَّا غُبَار، وعثرة الْقدَم لَا تنكر، وَالله يحمد فِي كل حَال ويشكر. وَإِذا كَانَ اعْتِقَاد الْخلَافَة لم يشبه سائب، وَحسن الْولَايَة لم يعبه عائب، والراعي دائب، والجاني تائب، فَمَا هُوَ إِلَّا الدَّهْر الحسود لمن يسود. خمس بيد قَائِم سترهَا، وَرمى عَن قَوس مَا أصلحها وَالْحَمْد لله، وَلَا أوترها. إِنَّمَا بَاء بشينه، وجنا من مزِيد الْعِنَايَة، سخنة عينه. وَلَا اعْتِرَاض على قدر أعقب بحظ مبتدر، وَورد نغص يكدر، ثمَّ أنس بأكرم صدر. وحسبنا أَن نجهد الدفاع من الله والذب، وَلَا نقُول مَعَ الكظم إِلَّا مَا يُرْضِي الرب. وَإِذا تسابق أَوْلِيَاء سَيِّدي فِي مضمار، وحماية ذمار، واستباق إِلَى ندا وابتدار، بِجهْد اقتدار، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 فَأَنا، وَلَا فَخر متناول القصبة، وَصَاحب الدّين من بَين الْعصبَة، لما بلوت من بر أوجبه الْحسب، وَالْفضل الْمَوْرُوث والمكتسب، ونصح وضح مِنْهُ الْمَذْهَب، وتنفيق رَأْي من الرِّدَاء الْمَذْهَب. هَذَا مُجمل بَيَانه عَن وَقت الْحَاجة مُؤخر، ونبذة سهر لتعجيلها يراع مسخر. وَالله يعلم مَا انطوى عَلَيْهِ لسيدي، من إِيجَاب الْحق، وَالسير من إجلاله على أوضح الطّرق. وَالسَّلَام الْكَرِيم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مُخَاطبَة صَاحب قلم الْإِنْشَاء أبي زيد بن خلدون ورد البشير بالإبلال، مُقَارنًا بِخَبَر الاعتلال، وتألم ذَلِك الْجلَال، فَكَانَت رَحْمَة لقِيت عذَابا، وعقبى نسخت عتابا، وذنبا من الدَّهْر أتبعه مثابا، فَالْحَمْد لله الَّذِي اقال، وَفك من الوعك العقال، وأدر من الرَّحْمَة السحائب الثقال، وَأقر الْحَال وَقد عرف الِانْتِقَال. وَهل أَنْت أعزّك الله إِلَّا عين تألمها عَزِيز، وَلها على الْجَوَارِح بِالْفَضْلِ تَمْيِيز، فَالله عز وَجل يعقب الْقُوَّة والنشاط، والتمتع والاغتباط. وَللَّه در الشَّاعِر: (فَإِذا مَرضت وَلَا مَرضت فَإِنَّهُ ... مرض الرِّيَاح يطيب فِيهِ ثناها) ولحين تعرفي هَذَا النبأ لم أطْعم النّوم هنيا، وَلَا اقتطعت الأمل جنيا، ولازلت بتحقيق الْأَعْمَال معنيا، حَتَّى ثَبت سَنَده، واستقام أوده. وَكثر من روايه عدده، فَكتبت أمني نَفسِي بسلامة سقتها، ومظنة مقتها، وَحفظ ثمالها، وحراسة رَأس مَالهَا، وَلَو تمثلت لي القوى الطبيعية فِي الْخَارِج لعرفت عقدي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 ورابها فِي سوء التَّصَرُّف نقدي، أَو نسي التَّيْسِير لعتبتها، أَو الهضبة الْمُبَارَكَة، لقررتها بنظري ورتبتها، لَكِن أَحْوَال تشذ عَن الِاسْتِطَاعَة، وَلَا تدين فِي غير سَبِيل البخت والاتفاق بِالطَّاعَةِ، فلنسل الله خير مَا لَدَيْهِ، ونتق بِهِ فِي حفظ ذَلِك الْجلَال ونتوكل عَلَيْهِ، وَقد كنت تعرفت أَن سَيِّدي، زَاد عِنْده مَوْلُود مبارك، فبادرت بِمَا يصله، فَإِن كَانَ الْخَبَر حَقًا لم يكن مني إغفال، وَإِن كَانَ منتظرا فَهُوَ فأل وَالسَّلَام. (هَنِيئًا أَبَا الْفضل وَالرِّضَا وَأَبا زيد ... وَأمنت من بغي يخَاف وَمن كيد) (بطالع يمن طَال فِي السعد شأوه ... فَمَا هُوَ من عمر الرِّجَال وَلَا زيد) (وَقيد بشكر الله أنعمه الَّتِي أوابد ... هَا تأبى سوى الشُّكْر من قيد) أَهلا بدرى الْكَاتِب وصدري المراقب، وعتبى الزَّمَان العاتب، وفكر المُشْتَرِي وَالْكَاتِب. ومرحبا بالطالع فِي أسعد الْمطَالع، والثاقب فِي أَعلَى الْمَرَاتِب وسهلا بغنى البشير، وَعزة الْأَهْل والعشير، وتاج الْفَخر الَّذِي يقصر عَنهُ كسْرَى وأزدشير. الْآن اعتضدت الْخلَّة الحضرمية بالفارس، وَأمن السارح فِي حمى الحارس، وسعدت بالنير الْكَبِير أفلاك التدمين من حلقات الْمدَارِس، وقرت بالجنى الْكَرِيم عين الْفَارِس، واحتقرت أنظار الآبلى وأبحاث ابْن الدارس، وَقيل للمشكلات طالما ألفت الْخمْرَة، وأمضت على الأذهان الإمرة، فتأهبي للغارة المبيحة لحماك، وتحيزي إِلَى فِئَة البطل المستأثر برشف لماك. وَللَّه من نصبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 احتفى فِيهَا المُشْتَرِي واحتفل، وَكفى الْغمر سنى ترتيبها وكفل، واختال عُطَارِد فِي حلل الجذل لَهَا ورفل، واتضحت الْحُدُود، وتهللت الْوُجُوه [وتنافست لآلىء كَانَت تؤمل الْمظهر وترجوه] وَنبهَ الْبَيْت على واجبه، وَأَشَارَ لحظ الشّرف بحاجبه، وأسرع نير التَّوْبَة فِي الأوبة، قَائِما بالاعتذار مقَام التَّوْبَة، واستأثر بالبروج المولدة، بَيت الْبَنِينَ، وتخطت خطى الْغمر رَأس الْجَوْهَر وذنب التنين، وساوى مِنْهَا بِحكم الأَصْل حذرك النَّعْل بالنعل، تَحْويل السنين، وحقق هَذَا الْمَوْلُود نير الموالد، نِسْبَة عمر الْوَالِد، فَتَجَاوز دَرَجَة الْمُبين، واقترن بعاشره السعدان اقتران الْجَسَد، وَثَبت بدقيقة من كرّ قلب الْأسد، وسرق من بَيت أعدائه، خرثى الغل والجسد، ونطقت طرق التَّيْسِير، كَمَا يفعل بَين يَدي السَّادة عِنْد الْمسير، وَسقط الشَّيْخ البهم من الدوح فِي البير، وَدفع الْمقَاتل إِلَى وبال كَبِير: (لم لَا تنَال العلى أَو يعْقد التَّاج ... وَالْمُشْتَرِي طالع وَالشَّمْس هيلاج) (والسعد يرْكض فِي ميدانها مرحا ... جذلان والفلك الدوار هملاج) كَأَن بِهِ وَالله بَقِيَّة، قد انْتقل من مهد التَّقْوِيم، إِلَى النهج القويم، وَمن أريكة الذِّرَاع، إِلَى تصريف اليراع، وَمن كتد الداية، إِلَى مقَام الْهِدَايَة، والغاية المختطفة الْبِدَايَة، جعل الله وقايته عَلَيْهِ عودة، وَقسم حَسَدْته قسْمَة محرم اللَّحْم بَين منخنقة ونطيحة، ومتردية، وموقوذة، وَحفظ هلاله فِي البدار إِلَى تمه، وَبعد تمه، وَأقر عين أَبِيه فِيهِ وَأمه، غير أنني وَالله يغْفر لسيدي، بيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 أَنِّي رَاكِع فِي سَبِيل الشُّكْر وَسَاجِد، وَأَنا عَاتب وواجد، إِذْ كَانَ ظَنِّي أَن الْبَرِيد إِلَى بِهَذَا الْخَبَر يعْمل، وَأَن إتحافي بِهِ لَا يهمل، فانعكست الْقَضِيَّة، وَرَأَيْت الْحَال المرضية، وفضلته الْأُمُور الذاتية لَا العرضية، وَالْحكم جازم، وَأحد الْأَمريْنِ لَازم. أما عدم السوية، ويعارضه اعتنا سَببه معار، وعهدة سلم لم تدْخلهَا جِزْيَة وَلَا صغَار، أَو جهل بِمِقْدَار الْهِبَة، ويعارضه علم بِمِقْدَار الْحُقُوق، ورضا منَاف للعقوق، فَوَقع الْإِشْكَال، وَرُبمَا لطف عذر كَانَ عَلَيْهِ الاتكال. وَإِذا لم يبشر مثلى بمنيحة الله قبل تِلْكَ الذَّات السّريَّة، الخليقة بِالنعَم الْحُرِّيَّة، فَمن الَّذِي يبشر، أَو على من تعرض برهَا وينشر، وَهِي الَّتِي واصلت التفقد وبهرجت الْمُعَامَلَة وأبت أَن تنقد، وأنست الغربة، وجرحها غير مندمل، ونفست الْكُرْبَة، وجنحها على الجوانح مُشْتَمل، فَمَتَى فرض نِسْيَان الْحُقُوق لم يتأن فرض، وَلَا شهِدت بِهِ لاعلى سَمَاء وَلَا أَرض. وَإِن قصر فِيمَا يجب لسيدي عمل، لم يقصر رَجَاء وَلَا أمل، ولى فِي شرح حَمده نَاقَة وجمل، وَمِنْه جلّ وَعلا نسل أَن يرِيه قُرَّة الْعين فِي نَفسه وبنيه، وَيجْعَل أكبر عطايا الهيالج اصغر سنيه، ويقلد عوائق الْكَوَاكِب اليابانية حمائل أمانيه. وَإِن تشوف سَيِّدي لحَال وليه، فَحَمَلُوهُ طيبَة وَرَحْمَة من جناب الله صيبة، وبرق يشام، فَيُقَال حدث مَا وَرَاءَك يَا هِشَام. وَللَّه در شَيخنَا إِذْ يَقُول: (لَا بَارك الله فِي إِن لم ... اصرف النَّفس فِي الأهم) (وَكثر الله فِي همومي إِن ... كَانَ غير الْخَلَاص همي) وَإِن أنعم سَيِّدي بالإلماع بِحَالهِ، وأحوال الْوَلَد الْمُبَارك، فَذَلِك من غرر إحسانه، ومنزلته فِي لحظ لحظى بِمَنْزِلَة أنسانه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مُخَاطبَة ابْن رضوَان (مَرضت فأيامي لذاك مَرِيضَة ... وبرءك مقرون ببرء اعتلالها) (فَلَا رَاع تِلْكَ الذَّات للضر رائع ... وَلَا وسمت بِالسقمِ غر خلالها) وَردت على من فئتي الَّتِي إِلَيْهَا فِي معرك الدَّهْر أتحيز، وبفضل فَضلهَا فِي الأقدار الْمُشْتَركَة أتميز، سحاءة سرت وَسَاءَتْ، وَبَلغت من القصدين مَا شَاءَت، أطلع بهَا سَيِّدي صَنِيعَة وده من شكواه على كل عابث فِي السويداء، مُوجب اقتحام الْبَيْدَاء، مضرم نَار الشَّفَقَة فِي فؤاد لم يبْق من صبره إِلَّا الْقَلِيل، وَلَا من إفصاح لِسَانه إِلَّا الأنين والأليل، وَنوى مدت لغير ضَرُورَة يرضاها الْخَلِيل، فَلَا تسل عَن ضنين تطرقت الْيَد إِلَى رَأس مَاله، أَو عَابِد يوزع متقبل أَعماله، أَو أمل ضويق فِي فذلكة آماله، لكنني رجحت دَلِيل الْمَفْهُوم على دَلِيل الْمَنْطُوق وعاوضت الْقَوَاعِد الموحشة بالفروق، وَرَأَيْت الْحَظ يبهر وَالْحَمْد لله ويروق، وَاللَّفْظ الْحسن تُومِضْ فِي حبره للمعنى الْأَصِيل بروق، فَقلت ارْتَفع الوصب، ورد من الصِّحَّة المغتصب، وَآلَة الْحس وَالْحَرَكَة هُوَ العصب. وَإِذا أشرق سراج الْإِدْرَاك، دلّ على سَلامَة سليطه، وَالروح خليط الْبدن، والمرء بخليطه. وَمَعَ ذَلِك فبليد احتياطي لَا يقنعه إِلَّا الشَّرْح، فِيهِ يسكن الظمأ البرح، وعذرا على التَّكْلِيف فَهُوَ مَحل الِاسْتِقْصَاء والاستفسار، والإطناب والإكثار، وزند القلق فِي مثلهَا أورى، والشفق بِسوء الظَّن مغرى، وسيدي هُوَ الْعُمْدَة الَّتِي سلمت لي الْأَيَّام فِيهَا، وَقَالَت حسب آمالك ويكفيها، فَكيف لَا أشْفق، وَمن أنْفق من عينه، فَأَنا من عَيْني لَا أنْفق، وَالله لَا يحبط سعيى فِي سُؤال عصمتها وَلَا يخْفق، ويرشد إِلَى شكره على مَا وهب مِنْهَا ويوفق. وَالسَّلَام الْكَرِيم على سَيِّدي، الْبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 الْوُصُول، الَّذِي زكتْ مِنْهُ الْفُرُوع، لما طابت الْأُصُول، وخلص من دره لِابْنِ الْخَطِيب الْمَحْصُول وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ صَاحب الْعَلامَة أَبَا الْحسن بن السُّعُود بِمَا نَصه (أَبيت إِلَّا كرما دلّ عَلَيْهِ العزما ... يَا ابْن السُّعُود دمت صبا بالمعالي مغرما) (مثلك من فرطس أغراض العلى رما ... وجدد الْعَهْد من الْمجد وَكَانَ انصرما) (والدهر قد شب بِهِ وَكَانَ يشكو الهرما ... ) أَخْبَار الأماجد كثيرا مَا تجمح أفراسها عِنْد الركض، وتتباين أحوالها فِي حلبة الْعرض، فَرُبمَا فضحت الْمُشَاهدَة وصف الواصف، أَو أقرَّت شَهَادَة المتناصف، إِلَّا مَا كَانَ من خبر فضلك، فقد تمحص إِلَى طرف الصدْق وترجح، وَبِأَيِّ ناقله وتبجح، وَمن أبلغ عذرا لمن أنجح، زجر وفال، وحزم لَا يشوبه إغفال، وبراءات تصحبها أنفال، واحتفا بالضيف واحتفال، إِلَى الْجَانِب المرهف، وَالْوَجْه الطلق، والخصال الَّتِي تذكر قَوْله عز وَجل، يزِيد فِي الْخلق، وَقد كنت على الْبعد علم الله، ترد على آثَار سَيِّدي، فاستدل على ظرف، يحسده عُطَارِد، وعقل صفت مِنْهُ الْمَوَارِد. فَأَنا الْآن فِي جوَار سَيِّدي رائد، اغتبط فَارْتَبَطَ، واستؤثر فَاسْتَكْثر، وعاطش ورد الْكَوْثَر. وَالْحَمْد لله الَّذِي أظفر جوَار سَيِّدي بِجِهَة مفضلة، وَللَّه در حساننا إِذْ يَقُول: جاور عليا وَلَا تحفل بمعضله. وَلَقَد عظمت عناية الله بالوالد وَالْولد، فِي الْقدوم على هَذَا الْبَلَد، وَهُوَ حل بِهَذَا الْبَلَد، وَقد صَبر وطاب الْجلد، فانسر ورحب، وتبسط بره وتسحب، هَدِيَّة سجية عدمت من الدَّهْر مُنْذُ زمَان، وسلعة لَيْسَ لَهَا غير الهمم الشَّرِيفَة من أَثمَان. وَالله أسل أَن يمتع من فضل سَيِّدي بالمتاع الْحسن، ويحلنا من عين كَمَاله مَحل الوسن، ويتبعه السعد سَلس القيادة والرسن، كَمَا جعل فَضله، يشذ عَن مدرك اللسن. وَأما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 شكري لهديته، الَّتِي مبتداها من العوامل، وانتسبت شواهدها إِلَى الْكَامِل، فقد أوجر، وتطيب الإطناب فأوجز، ووعد فَمَا أنْجز. وَالله يتَوَلَّى سَيِّدي بِحسن الْمُكَافَأَة، ويعين على مَا يحبب لَهُ من المصافاة. ويحجبه من الْآفَات بحجاب المعافاة، مَا اسْتَقَلت طيور الهمزات على قضبان الألفات، والتفتت عُيُون السحر الْحَلَال من خلال أدواح الِالْتِفَات. وَالسَّلَام الْكَرِيم يَخُصُّهُ من مُعظم مجده، المسرور بجواره. فلَان. وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مُخَاطبَة صَاحب الْعَلامَة أبي سعيد بن رشيد بِمَا نَصه من المنثور والمنظوم (بل الخطط الرفيعة فلتهنا ... فَإنَّك سعدها لفظا وَمعنى) (إِذْ أذكر الْعَلَاء فَأَنت أَعلَى ... وَإِن ذكر السنا فَأَنت أسنا) (محاسنك اغتدت جنَّات عدن ... لمن يرتاد إحسانا وحسنا) (فمهما حلهَا إِنْسَان عين ... فلإنسان فِيهَا مَا تمنا) (غرزت أَبَا سعيد مِنْك دوحا ... بِهِ مَا شِئْت من ظلّ ومجنا) (فَكُن حَيْثُ اقْتضى مِنْك اعتدادي ... وَشد لي من كريم الرعى مبنا) (فَتى الفتيان أَنْت بِلَا نزاع ... ومثلى من وفا بيد وأثنا) الْحَمد لله حمد من لم يفقد اللطف، وَلم يعْدم على الْبَدَل الْعَطف، وَالشُّكْر لله الَّذِي سحب السحب الوطف، وسوغ من أفنان نعمه القطف. أطالع سَيِّدي الَّذِي وسم السعد كنيته وأعلمها، وَقبل الْإِجْمَاع حجَّة فَضله وَسلمهَا، وتيمنت باسمه وَصورته ومعرفته الدولة الَّتِي خدمها، لما عجل لَهَا الْوَسِيلَة وقدمها، إِنَّنِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 لما اتَّصل بِي خبر استقلاله برياسة الْقَلَم الْأَعْلَى، والرتبة الفضلى، والدرجة الَّتِي هُوَ الأحق بهَا وَالْأولَى، ذاتا وصفاتا وقولا، قلت هَذِه فَرِيضَة لي فِيهَا حَظّ وتعصيب، وغنيمة لي فِيهَا إرضاخ وَنصِيب، وهدف لي مِنْهُ سهم مُصِيب، العروة وثقى، وَالْآخِرَة خير وَأبقى، اللَّهُمَّ أوزعنا شكر نعمك، وَلَا تقطع عَنَّا عوائد كرمك، سادة لكعوب الرمْح، فَضلهمْ أوضح من فلق الصُّبْح، كلما أفل مِنْهُم آفل أَو غَابَ كَاف كافل، أربى من أقبل على من أدبر. وَقَالَ لِسَان الْحَال هَذَا هَذَا أكبر، سِيمَا هَذَا الْفَاضِل، الَّذِي هُوَ يمن كُله، وطبعه على الْفَضَائِل يدله، ماشيب من رشد وَسعد، وَوجه سبط وَحسب جعد، وَقبل وَبعد، ومخيلة نجح لَا تخلف بوعد، ورياسة هَذَا الْقَلَم الْأَعْلَى، أبقى الله سَيِّدي مورد مثلى مِمَّن اصبح سلْعَة يتغالى فِيهَا أولُوا الذوات الفاخرة، ويتناغى الْمُتَنَافسُونَ فِي إحْيَاء الْعِظَام الناخرة، وحظ الدُّنْيَا وحظ الْآخِرَة، فَإِذا فِي الرُّتْبَة علم خفاق، وَتعين إِجْمَاع وإصفاق، فَهُوَ قِبْلَتِي الَّتِي أرضاها، ووجهتي الَّتِي عينهَا الدَّهْر واقتضاها. فهنأت أَولا نَفسِي بوفور حظها من النِّعْمَة، وفوزها بالقدح الْمُعَلَّى عِنْد الْقِسْمَة، ثمَّ هنأت الرُّتْبَة الَّتِي ظَفرت بالكفو الْكَرِيم، ولازمها الْيمن والسعد مُلَازمَة الْغَرِيم، وقدمت بَين يَدي قدومي على سَيِّدي، الَّذِي لَا محط لي إِلَّا على نَار قراه، وَلَا سير لي إِلَّا لذراه، فقد جمع لي الصَّبْر فراه، وَحمد عزمي عِنْد صبح وَجهه الْمشرق سراه، وتنبيه مثله على رعى مثلي جفوة يَسعهَا كَمَاله، ويتغمدها أفضاله، إِذْ ذَاته أشرف، وَهُوَ بِمَا توجبه طباعه الْكَرِيمَة أعرف، حفظ الله علينا مِنْهُ جملَة الْكَمَال، وقبلة الآمال، وعرفه الْيمن والإقبال، بفضله، وَالسَّلَام الْكَرِيم يَخُصُّهُ، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء بِمَا نَصه سَيِّدي شهَاب الطّلبَة الثاقب، وفخر الكتبة الْعَظِيم المناقب، أقسم بالحاشر العاقب، والغاسق الواقب، لما زلت سحاءتكم بِحَال المراقب. وصلني كتابكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 الَّذِي هَنأ وَبشر، وَأَحْيَا وأنشر، ناصحا هاديا، رائحا فِي الْوَفَاء غاديا، فأردى صاريا، وَأخذ بحظ من فَضِيلَة قَوْله، وَلَا يفطمون وَاديا. فحبذا طَعَام أشركناه زكا، ومتات توسد وانكا، ووفاء وَفَاء السموأل حكا، وأنجد لما خذل الدَّهْر الخؤون، وَالله المشتكا، وأنار الله مشكاة تِلْكَ الذوات، الَّتِي لطفت أسرارها، وتألقت أنوارها، وأعلقها بالعالم الأزلي وانتهابها فِي المورد المفيض على القطب وَالْوَلِيّ، فألفاني محتزما، ولخدمة الْمولى ابْن الْمولى مُلْتَزما، وَيحل ودي فِي مثلهَا أَن يذكر هُوَ أشهر من أَن يذكر: لَا تدعني إِلَّا بياعبدها فَإِنَّهُ أشهر أسمائي. وَأما مَا أهديتم من نبإ فَإِنَّهُ مسكوب، وَملك لملكهم مَنْسُوب، فَمن جاد بالنفوس على أعدائه، فَكيف لَا يجدد بِالْعرضِ على أوليائه، وَالله الْكَفِيل بِحسن جَزَائِهِ. وَمن أياديكم لدي، يَا مَحل وَلَدي حبا وشفقة، وَمحل أخي اعتدادا وثقة، أَن تمرغوا عَنى خدكم فِي أَخْمص رجله الْعَالِيَة، وتقبلوا بِسَاط تربه، قبلا مُتَوَالِيَة، بخلال مَا يرْتَفع إِن شَاءَ الله بالحضور حكم النِّيَابَة، وييسر الله اللحاق بِتِلْكَ المثابة. وَالسَّلَام على سَيِّدي وَأخي، وَرَحْمَة الله. وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة صَاحب قلم الإنشا أبي زيد ابْن خلدون فِي الْغَرَض الْمَذْكُور سَيِّدي الَّذِي لَهُ الْفَضَائِل الذاتية، والمزايا الحسية والمعنوية، ودرجة السَّبق فِي المكارم دون مثنوية، صُورَة مكملة، وذاتا مقلدة بالخصال الشَّرِيفَة محملة، وبيتة موصلة، ومجادة مجملة ومفصلة، كتبت أهنىء سيادتك، بِنِعْمَة الْخَلَاص من الشدَّة، واستيعاب سَعَادَة النصبة، وَطول الْمدَّة، والسلامة من التَّحَوُّل، العائدة بِسوء التقول، وَذَهَاب التمول، فَأَنت الْيَوْم غير مثلوم الوفا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وَلَا متكدر الصَّفَا، قرير الجفن بالإغفا، مَجْمُوع الشمل بِالْيَقِينِ، وَالله يجمعه بالرفا. وَكنت أتوقع أَن يذهب بك الضجر مذهبا تسوء مغبته، أَو تخلف حبته، وَأَنت الموشح، والمحلى والمرشح، والغمر جَدِيد، فعلام المرعز شَدِيد، والأمل مديد، فعلام القلق عتيد. وَإِن نافست أَرْبَاب الرتب الْعَالِيَة، فَاعْتبر مَا نلْت من رتب الْحِكْمَة، وَإِن نافست أَرْبَاب الذمم فالمعارف هِيَ وَنور الذِّمَّة. وَأنْفق فِي سوق السياسة صرفهَا من الهمة، وَلَا تغفل مُلَاحظَة الْأُمُور المهمة، ولتعلم أَنِّي وَإِن أعييت فِي بَاب الدَّالَّة عَلَيْك، أعرف الْخلق بِمَا لديك، وأهواهم إِلَيْك، فانصفني باغتفار جنايتي، وَلَا يوحشك عتبي فِي سَبِيل حبي، فَالله يعاملني فِيك بنيتي، ويبلغني من جَرَيَان أمورك على مَا يرضى أمنيتي قبل منيتي، وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مُخَاطبَة الْمَذْكُور (حللت حُلُول الْغَيْث فِي الْبَلَد الْمحل ... على الطَّائِر الميمون والرحب والسهل) (عبنا بِمن تعنو الْوُجُوه لوجهه ... من الشَّيْخ والطفل المعصب والكهل) (لقد نشأت عِنْدِي للقياك غِبْطَة ... تنسى اغتباطي بالشبيبة والأهل) (وودي لَا يحْتَاج فِيهِ لشاهد ... وتقريري الْمَعْلُوم ضرب من الْجَهْل) يَمِينا بِرَبّ حجت قُرَيْش لبيته، وقبر صرفت أزمة الْأَحْيَاء لميته، وَنور ضربت الْأَمْثَال بمشكاته وزيته، لَو خيرت أَيهَا الحبيب الَّذِي زيارته الأمنية السّنيَّة، والعارفة الوارفة، واللطيفة المطيفة، بَين رَجَعَ الشَّبَاب، يقطر مَاء ويرف نَمَاء، ويغازل عُيُون الْكَوَاكِب [فضلا عَن الكواعب] إِشَارَة وإيماء، بِحَيْثُ لَا الوحظ يلم بسياج لمته، أَو يقْدَح ذبالته فِي ظلمته، أَو يقوم حواريه فِي لمته، من الأحابش وَأمته، وزمانه روح وَرَاح، ومغدى فِي النَّعيم ومراح، وَنصب وصراح، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وانتخاب واقتراح، وصدور مَا بهَا إِلَّا انْشِرَاح، ومسرات تردفها أفراح، وَبَين قدومك خليع الرسن، ممتعا باليقظة والوسن، محكما فِي نسك الْجُنَيْد أَو فتك الْحسن، ممتعا بظرف المعارف، ماليا أكف الصيارف، مَا حَيا بأنوار الْبَرَاهِين شبه الزخارف. لما اخْتَرْت الشَّبَاب، وَإِن شاقني زَمَنه، وأعياني ثمنه، وأجرت سَحَاب دمعي دمنه. فَالْحَمْد لله الَّذِي وقى جُنُون اغترابي، وملكني أزمة أرابي، وغبطني بمائي وترابي، وَقد أغصني بلذيذ شرابي، وَوَقع على سطوره الْمُعْتَبرَة أضرابي، وعجلت هَذِه مغبطة بمناخ الطية، ومنتهى الطية، وملتقى السُّعُود غير البطية، وتهني الآمال الوثيرة الوطية، فَمَا شيت من نفوس عاطشة إِلَى ريك، متجملة بزيك، عَاقِلَة خطا مهريك، وَمولى مكارمه نشيدة أمثالك، ومطابق مثالك، وسيصدق الْخَبَر مَا هُنَالك، ويسمعني فضل مجدك، عَن التَّخَلُّف عَن الأصحار، لَا بل للقاء من وَرَاء الْبحار، وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة القَاضِي بدكالة (إِلَيْك قَلِيل نظرة إِن نظرتها ... إِلَيْك وكلا لَيْسَ مِنْك قَلِيل) وصلت أَيهَا القَاضِي رفعتك الَّتِي تَضَمَّنت الْفَوَائِد، وصلتك الَّتِي استصحبت الْعَائِد، وَشَاهد فضلك، الَّذِي بَين تصريفه الْأَصْلِيّ وَالزَّائِد، متفننة فِي ضروب لَا تجنح شمسها إِلَى غرُوب، هزت ألحانها مني عطفي طروب، وَاسْتقر قراها بَين يَدي أكول [لمثلهَا] وشروب. فَللَّه مَا تَضَمَّنت من فَوَائِد رحْلَة حجازية، لبست من حسن الحجازية، وَذكر أَعْلَام وَمَكَان استسلام، إِلَّا أَنَّهَا كَانَت كليلة الْوَصْل، مَا عابها إِلَّا الْقصر، فَلَوَدِدْت أَن لَو أمدها بسواده مني الْقلب، الْبَصَر، بخس وَزنهَا الِاخْتِصَار، لَا بل الِاقْتِصَار، وافتقرت إِلَى شرح يَقع بِهِ على متعاصى مَعَانِيهَا الِانْتِصَار، ووعد الْمجْلس القاضوي باكتتاب شَيْء من منظومه بعد اعترافه بِأَنَّهُ كثير، ومهاد وثير، فَمَا كَانَ إِلَّا الْوَعْد، والإخلاف من بعد: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 (يَا لواله الدّين عَن ميسرَة ... والضنينات، وَمَا كُنَّا لِئَامًا) وَالظَّن لسيدي أَنه عَاد عِنْد شربه من بير الْحرم، بِأَن ترفع عِنْد مُؤنَة الْكَرم، فأجيبت الدعْوَة كَمَا ورد، واستقام الْعَمَل واضطرد، فَكَانَ اللِّقَاء على مَسَافَة قَصِيرَة، وملاحظة [الْبر] بمقلة غير بَصِيرَة، والزيارة مزورة، وَأَظنهُ لاحظ بَيت شَاعِر المعرة: (لَو اختصرتم من الْإِحْسَان زرتكم ... والعذب يهجر الإفراط فِي الخصر) والقرى قد كفى القَاضِي وَالْحَمْد لله مؤونته الثَّقِيلَة، وَلم يحوج إِلَى تشويش [الْعقل، واستخدام] العقيلة، وَهَذَا الْقسم غير مَعْدُود، وَلَا تقع المشاهة إِلَّا فِي مَرْدُود، وهم يتحفه شعره. ثمَّ قَالَ بالبداء، وناداه الإنجاز، فَصم عَن الصدا فاضطرد بَاب الشُّح حسا وَمعنى، وموحدا ومثنى، حَتَّى كَأَن دكاله، شرابة لسوء، والقضاة أكالة، وبيدها لتحجير أَيْديهم وكَالَة. وَهَذِه الْحَرَكَة كَانَت المحبه حَرَكَة الْفَتْح، ووجهة الْمَنّ والمنح، فَلَو لم يَقع فِيهَا بخلة تميمه، للعقتة الْعين، وعسر الهين. وَالْقَاضِي أعزه الله كَمَال، وعيب الْكَمَال لَا يُنكر، وَالْغَالِب الْفضل، وَغير الْغَالِب لَا يذكر، وَهُوَ على التافه يشْكر، داعبته حفظه الله. مداعبة من يعْتَقد خلاف مقَالَة، وَيرجع القناطر المقنطرة بمثقاله، وَلَا يَقُول فِي حَال سيره بانتقاله، وَمَعَ الْيَوْم غَد، وَلكُل شَيْء أمد، ويرجى أَن يمتع الله مِنْهُ بِوَقْت فِيهِ اسْتِدْرَاك، ويرتفع باختصاص النُّزُول لَدَيْهِ الِاشْتِرَاك إِن شَاءَ الله. وَالسَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة الْفَقِيه أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن عَليّ بن أبي رمانة فِيمَا يظْهر من الْغَرَض (جَفا ابْن أبي رمانة وَجه مقدمي ... ونكب عني معرضًا وتحامان) (وحجب عني حبه غير جَاهِل ... بِأَنِّي ضيف والمبرة من شان) (وَلَكِن دراني مغربيا محققا ... وَأَن طَعَامي لم يكن حب رمان) زِيَارَة القَاضِي، أصلحه الله لمثلي، مِمَّن لَا يخافه وَلَا يرجوه، تحب من وُجُوه، أَولهَا كَونه ضيفا مِمَّن لَا يعد على الِاخْتِيَار زيفا، وَلَا تجر مؤانسته حيفا، فضلا أَن تشرع رمحا أَو تسل سَيْفا، وَثَانِيها أَنِّي أمت إِلَيْهِ من الطّلب بِنسَب، بَين مَوْلُود ومكتسب. وَقَاعِدَة الْفضل قد قررها الْحق وَأَصلهَا، وَالرحم كَمَا علم، تَدْعُو لمن وَصلهَا، وَثَالِثهَا المبدأ فِي هَذَا الْغَرَض، وَلَكِن الْوَاو لَا ترَتّب إِلَّا بِالْعرضِ، وَهُوَ اقتفاء سنَن الْمولى أيده الله فِي تأنيسي، وَوَصفه إيَّايَ بمغربي أَو جليسي، [وَرَابِعهَا وَهُوَ عدَّة كيسي، وهزيز خيسي] وقافية تجنيسي ومقام تلويني وتلبيسي، مَوَدَّة رَئِيس هَذَا الصِّنْف العلمي ورئيسي، فليت شعري مَا الَّذِي عَارض هَذِه الْأُصُول الْأَرْبَعَة، وَرجح مذاهبها المتبعة، إِلَّا أَن يكون عمل أهل الْمَدِينَة ينافيها، فَهَذَا [الْحسب النَّفْسِيّ] ويكفيها. وَإِن تعذر لِقَاء أَو استدعاء، وَعدم طَعَام أَو وعَاء، وَلم يَقع نِكَاح وَلَا استدعاء، فَلم يتَعَذَّر عذر يَقْتَضِيهِ الْكَرم، والمنصب الْمُحْتَرَم، فالجلة إِلَى التمَاس الْحَمد ذَات استباق، وَالْعرْف بَين الله وَالنَّاس بَاقٍ، والغيرة على منصب مثله مَفْرُوضَة، والأعمال معروضة وَالله لَا يستحي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة. وَإِن كَانَ لَدَى القَاضِي فِي ذَلِك عذر فليفده، وَأولى الْأَعْذَار بِهِ أَنه لم يَقْصِدهُ. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الشريف أَبَا عبد الله ابْن نَفِيس مِمَّا يظْهر من الْغَرَض (جزيت يَا ابْن رَسُول الله أفضل مَا ... جَزَاك الْإِلَه شرِيف الْبَيْت يَوْم جزا) (إِن أعجز الشُّكْر مني منَّة ضعفت ... عَن بعض حَقك شكر الله مَا عَجزا) سَيِّدي، أبقى الله شرفك تشهد بِهِ الطباع، إِذا بَعدت الْمعَاهد المقدسة وَالْبِقَاع، وتعترف بِهِ الْأَبْصَار والأسماع، وَإِن جحدت عارضها الْإِجْمَاع. بِأَيّ لِسَان أثني، أم أَي الأغصان أهصر وأجنى، أم الْمَقَاصِد الْكَرِيمَة، أَعنِي، أمطيت جوادك الْمُبَارك. وأسكنت دَارك، وأوسعت مَطْلِي اصطبارك، وهضمت حَقك، وبوأت جوارك، وواصلت للغرباء إيثارك. أشهد بأنك الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم لَا أَقف فِي تعدادها عِنْد حد، إِلَى خير جد، فَإِن أعَان الدَّهْر على مجازاة، وَإِن ترفع كرمك عَن موازاة، مجاجة نفس قضيت، وَأَحْكَام آمال أمضيت، وَإِن اتَّصل الْعَجز، فعين عَن القذا أغضيت، ومناصل عزم مَا انتضيت. وعَلى كل حَال فالثناء ذائع، وَالْحَمْد لله شَائِع، وَالله مُشْتَر مَا أَنْت بَائِع. وَقد وجهت من يحاول لسيدي ثمن مَا أكسبه مجده، وسفر عَنهُ حَمده، والعقيدة بعد التَّرَاضِي، وَكَمَال التقاضي، وَجَمِيل الصَّبْر وسعة التغاضي، وَكَونه الْخصم وَالْقَاضِي. إِنَّهَا هبة سوغها إنعامه، والجلة سناها إطعامه، نسل الله أَن يعلى ذكره، ويتولى شكره، وينمي مَاله وَيرْفَع قدره. وَالْولد جازه الْغَرِيب، الَّذِي برز إِلَى مقارعة الْأَيَّام عَن خبْرَة قَاصِرَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وتجربة غير منجدة على الدَّهْر وَلَا ناصرة، قد جعلت وَدِيعَة فِي كرم جواره، وأنمته فِي حجر إيثاره، فَإِن زاغ بِيَدِهِ الْعليا فِي تبصيره، ومؤاخذته بتقصيره، وَمن نبه مثله نَام، وَمن استنام إِلَيْهِ بهمه أكْرم مِمَّن إِلَيْهِ استنام، وَإِن تشوف سَيِّدي لحَال محبه، فمطلق للدنيا من عقال، ورافض أثقال، ومؤمل اعتياض لخدمة الله وانتقال. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك فِي الْغَرَض الْمَذْكُور (لم يبْق لي جود الْخلَافَة حَاجَة ... فِي الْأَمر أَو فِي الجاه أَو فِي المَال) (فقد القا ألوى الْفَضَائِل بغيتي ... وَرَأَيْت هَذَا الْفضل شَرط كَمَال) (أجملته وتشوفت ببيانه هم ... فَكنت مُفَسّر الْإِجْمَال) (وخصصت بالإلقا غَيْرك غيرَة ... وَجعلت ذكرك شَاهد الْأَعْمَال) (للبست يَا ابْن أبي الْعلَا قشب ... الملا وَتركت أهل الأَرْض فِي أسمال) (إِن دون الفضلا فضلا معلما ... فَلَقَد أتيت عَلَيْهِ بالإكمال) (تثنى عَلَيْك رعية آمالها ... فِي أَن تفوز يداك بالآمال) (أرعيتها هملا فَلم يطْرق لَهَا ... بمنيع سورك فَارق الإهمال) (من كنت وَإِلَيْهِ تولته الْعلَا ... وَمن أطرحت فَمَا لَهُ من وَال) أبقى الله سَعَادَة والى الْوُلَاة، وَعلم العلاه، وقضايا فَضله منتشرة فِي الْجِهَات، ضَرُورِيَّة بِحَسب الْوَصْف والذات، مشروفة فِي العزمات، عرفية فِي الأزمات، يطرز بهَا ابْن الْخَطِيب أوراق آيَاته الْبَينَات، فَإِن أتيت وأفردت، وأفصحت وكنيت وخطبت وبينت، فمسألة إِجْمَاع، وَنُهْبَة إبصار وإسماع، ومعقول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 أَولا، وبديهي مَا على غَيره معول، وَتَحْصِيل الْحَاصِل إِضَاعَة وَقت، وإذاعة شت، فلنصرف الْعَنَان إِلَى تأصيل الود الْأَصِيل، وتحرير الْحبّ الْغنى عَن التَّقْرِير، فأقسم بباري النسم، وَهُوَ أبر الْقسم، لقد خلق سَاعَة النمحة الطّرف، وَدلّ عَلَيْهِ قبل الْمعرفَة الْعرف، وَحكم ميذق الفراسة بِطيبَة، قبل أَن يعْمل فِي ديناره الصّرْف، إِنَّه مَدْلُول مَا ضَاعَ لَهُ من الثنا المسموع، وَتَقْرِيره ذَلِك الْمَشْرُوع، وجرثومة تِلْكَ الْفُرُوع، وبذر الْحبّ المزروع. حَتَّى إِذا قرطست السِّهَام، وارتفع الْإِبْهَام، وَكَاد يتغشى النَّفس الإلهام، وَشهد الِاسْتِفْهَام، عجبت واعتبرت، وارتجزت عِنْد الضريبة وَكَبرت، وَقلت دس عرق الْفَاقَة، وَأحكم الْكَشْف والاطلاع عمل الثقافة، وَانْحَدَرَ التَّحْلِيل عَن مقولة الْإِضَافَة، وَلم تبْق ضميمة إِلَّا انضمت، وخصت بعد مَا عَمت، وَلَا امْرَأَة مرام عَزِيز إِلَّا أمت وألمت، لما شمت النِّعْمَة الَّتِي تمت، وَلَقَد هَمت من بسالة يعرفهَا الكمي، ويشمخ بِمِثْلِهَا الْأنف الحمي، وخصل يشْهد بِهِ الْأُمِّي، وَعدل تساوى فِيهِ الرفيع وَالذِّمِّيّ، وطرف كَمَا وسم الرَّوْضَة الوسيمة الوسمي، واهتزاز إِلَى الضَّيْف يَقْتَضِيهِ الْقدر السمي، والخلق العلمي. وَفضل تَوَاتر نَقله، عَمَّن رَضِي دينه وعقله، وَسوى بغل حميمه، وجم بقله، ووقار، قصر عَنهُ كسْرَى السرير وهرقله، وندى هُوَ الْغَمَام، وَلَوْلَا التَّوَاتُر قُلْنَا رغم الْهمام، وَلم أزل لأواجه فِي الْمجَالِس ناشقا. ولجلاله عَاشِقًا، يروقني فِي حفوف المحافل وقاره وسكونه، ويشوقني جنوحه إِلَى المعارف وركونه، إِلَى أَن انْصَرف، وَلَو عرف لما تحول قبل معرفتي وانحرف، ولطرز بهَا الْمجد الَّذِي حازه والشرف، فَإِنَّهُ وَالله يَقِيه، وَإِلَى أقْصَى السَّعَادَة يرقيه، إِن عضل عقايل بره عَن إكفاء استحساني. أَو غصب حلل شيمي طرر لساني، أنكح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 هَذِه فِي جنب لفقدها الأراقم، وأفقد هَذِه عجائب وشى شكرت الراقم، فطويت، علم الله الجوانح على برح. يجل عَن الشَّرْح. ونكأت قرحا بقرح، وسمت هامات الزَّفِير بُنيان صرح، حَتَّى إِذا الْمقَام المولوي، الإمامي، كافأ الله تهممه، وشكر أنعمه، أطرفني باجتلاء هَذِه العمالة، ودرب السن الركائب عِنْد ربوع الحبايب عَن الإمالة، وَنصب مني لوصف الْبِقَاع وأربابها قسطاسا لَا يظلم مِثْقَالا وَلَا يعلم فِي غير الْإِنْصَاف عِنْد الْحلِيّ والأوصاف مقَالا، ولبيت دَاعِي الْحَرَكَة الَّتِي عَلَيْهَا جبلت، وصرفت إِلَيْك صُدُور الرِّجَال حايرة فِي الأوحال حيرة الْمُتَكَلّم فِي الْحَال، وَصَاحب سوء فسطاي فِي انتحال الْمحَال، وَكلمَة اعترضتني الرِّبَا والأكم جذبتني المعارف وَالْحكم، فَقلت فِي بَيته يُؤْتى الحكم، وَرُبمَا نثرت وَقلت، وآثرت الِاعْتِبَار وتمثلت: (أزوركم لَا أكافيكم بجفوتكم ... إِن الْمُحب إِذا لم يزر زارا) وخططته والنسوع مشدودة، والمراحل مَعْدُودَة، واللقيا مَرْدُودَة، وَالله يصدق المخيلة، فِي إيناس ذِي أَنْوَاع وأجناس، وَصدق قِيَاس، واستمتاع بحلم أحنف فِي ذكاء إِيَاس، وَإِذا كَيفَ النَّفس التشوق، ووسمها التوشح بِهِ والتطوق انتابها الخيال، وتتابع مِنْهُ الانثيال، ونشأت نشأة لَا يستطيعها الجريال، وَكَأَنِّي بمثوال قد حططت، وانشدت لما اغتبطت، وعقلت وربطت: (نادتني الْأَيَّام عِنْد لِقَائِه ... وَهِي الَّتِي لَا تغفل التنبيها) (يَا ابْن الْخَطِيب حظيت بالعزم والعلا ... فبلغت مِنْهَا الْفضل يَا ابْن أَبِيهَا) (الْوَجْه طلقا والمعارف جمة ... والجود رحبا وَالْمحل نبيها) (أثرت باشقات الْفَضَائِل كفة ... أَتَرَى ولَايَته الَّتِي يُحْيِيهَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وَمن ذَلِك مِمَّا خاطبت بِهِ الْوَالِي بمراكش وَإِلَى الْوُلَاة الَّذِي بمكارمه يضْرب الْمثل، وَشرف الْحَيَاة الَّذِي جمع لَهُ الْعلم وَالْعَمَل، أبقاكم الله، والسعادة لكم مركب، ونصبه ولايتكم لَا يُخَالف سعدها كَوْكَب، كتبته ولساني طليق، وثناي بالاقتصار على تِلْكَ الذَّات خليق. وَقد كَانَت عِنْد مكارمكم الَّتِي وقفت على أعيانها، وبحثت فِي سمع كيانها، واجتزيت بأثرها عَن عيانها، وتخطيت إجمالها إِلَى بَيَانهَا، مِمَّا يَقْتَضِي مِنْهُ الْعجب ويجلى من عرف الْجُود مَا احتجب، وأظن ذَلِك احتفالا اسْتَنْفَذَ الْقُوَّة، وحذقا ختم آي الْكَرم المتلوه، فأتيح لي استخبار الضاربين فِي الأَرْض، والواردين على الْغمر والبرض، ومتحملي العنايات والشفاعات والوسائل النفاعات، كَأبي عبد الله بن جِدَار، والشرفا ألوى المدن الْكِبَار، وسواهم على تبَاين الأقدار، إِن قَضِيَّة مكاركم مُطلقَة، وأعداد جودكم، بالثنا منْطقَة، فلعمري لقد وجدت لذَلِك خفَّة على كَبِدِي، إِذا لم أر الصنيعة الْبَعِيدَة مُخْتَصَّة بيَدي. إِنَّمَا أَنْت بَحر الْوَاهِب الزاخر، وَالْوَاحد الَّذِي افتخر بِهِ الزَّمن الآخر، ومتحمله فلَان من ذَوي الْفضل ذاتا وصحبة، ووسيلة وتربة، وَله بِصَاحِب رياسة الْإِنْشَاء تخصص وتميز، وفية وتحيز، وَالْمرَاد أَن يكون من رعى وَإِلَى الْوُلَاة بمَكَان مكين، وآويا من مجده إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين، يكون ذَلِك من جملَة مَاله من الأيادي الثرة، والفواضل المتألقة الْغرَّة، وَالله يديم سعده، ويحرس مجده، وَالسَّلَام وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة بعض الْفُضَلَاء وَقد كتبت إِلَيْهِ رقْعَة تغافل عَن جوابها فَظن القَاضِي أَنَّهَا لم تصل فَأَعَادَهَا مخاطبته بِمَا نَصه الرَّامِي، أبقى الله سَيِّدي إِذا أضلّ بعد إصماء الرَّمية سَهْمه، وَقد حكم عقله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 وفهمه، أرسل سَهْما آخر على سمته متحرجا من عوجه وأمنه، فَيجْبر ثَانِيهمَا الأول، وأظن هَذَا الْغَرَض، اعْتبر سَيِّدي وَتَأمل إِذْ أرسل سَهْمه، وَهُوَ الْمُصِيب شاكلة السداد بتفريق توفيق الإلهام والإمداد، مُخْتَصًّا بسواد المداد، ثمَّ خَفِي عَلَيْهِ موقع نصله، وعمى لَدَيْهِ خبر خصله، وَلم يقم من الْأَمر على أَصله، فَأَعَادَ، وَالْعود أَحْمد، وثنى وقصده الْبر يشْكر ويحمد، فأقسم بشيمه، وبركات ديمه، مَا رَأَيْت إغفالا سوغ أنفالا، وأكد احتفا واحتفالا، ونسيانا يَقع أَحْيَانًا، فَمَلَأ الْيَد بَيَانا وذهولا، عرف خطا مَجْهُولا، وأقطع من الفصوك حزونا وسهولا، وبلما النَّفس أملهَا، وأنجح قَوْلهَا وعملها، كإبلاغي التَّعْرِيف ببلوغ هَدْيه إِلَى مَحَله، وتبنى قراه المبرور قرى حلّه، فقد كَانَ الأول وصل والعناية تزف عروسه، والبراعة تهدل غروسه، فاستقر بَين سحر الْقبُول ونحره، مُحدثا فِي الْبر عَن بحره، إِن أجهد هَذَا الْفِكر المكدود، جهد نزوح إِلَى روضه أَو ظمى، وَقد تذوكر عهد كريم كرع فِي حَوْضه، وَلَو توهم أَن مهديه يتشوف إِلَى بَرَاءَة مؤديه، لتعين الِاجْتِهَاد وَوَقع بِقَبض ذَلِك الْبسط الْإِشْهَاد، وضمنت رُؤْيَة الْعين بِالْعينِ، وَقد تحصل حصولا بريا من المين. لَكِن تبع الرشا، [من ذَلِك السَّعْي الرشا] وَأَنْشَأَ سحائب الرَّحْمَة المترادفة ذَلِك الْإِنْشَاء، وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء ولحكمة مَا ثنيت الْجَوَارِح المصونة عَن الهوان فِي الْحَيَوَان أعداه لحسن الْخلف، ومنابا إِن وفع بمفرد مِنْهَا وُقُوع التّلف. فالمحب يماصع من رقْعَة سَيِّدي بسيفين مرهفين [ويسنو إِلَى درتين مشرقين، أطلعهما رب المشرقين مرصعين] فِي قوتهما مدافعة أَلفَيْنِ، ويصول بكفين، ويرتبط لطراد الْمعَانِي مِنْهَا أسهمين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 سليمين، وَيرجع من مذخورهما إِلَى خُفَّيْنِ محقين [ويعشوا إِلَى درين مشرقين أطلعهما رب المشرقين] وَلَقَد نبه سَيِّدي، بِمَا أظهر من الضنانة بالمكتوب الْمكنون، وإعمال الشَّفَقَة فِي شَأْنه، وترجيم الظنون، على نفاسه عروضه، وَوُجُوب فروضه، من لم يكن عَن ذَلِك ذاهلا، وَلَا فِي المبالاة بأمثاله مستأهلا، مستأهلا، فَهِيَ النفثات السحرية [وَالْحكم الْحَقِيقَة بِالْحِفْظِ الْحُرِّيَّة] والكرائم الَّتِي تبرها الْبَريَّة. وَإِذا تقرر مَا إِلَيْهِ سَيِّدي تشوف، وَأمن على نَعته مَا تخوف، فالمحب يهيده من لطائف الشُّكْر مَا يَلِيق بِمهْر الْبكر، وَالله عز وَجل يبْقى سَيِّدي صدفا لمثل هَذِه الدُّرَر، بل لمثل تِلْكَ الْكَوَاكِب الْغرَر. وَالسَّلَام عَلَيْهِ من وليه الشاكر لمواقع وليه المعتد على الزَّمَان بعليه [وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته] . وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الشَّيْخ الْوَلِيّ الْفَاضِل أَبَا مُحَمَّد بن بطْنَان فِيمَا يظْهر من الرسَالَة (لَا نَاقَة لي فِي صبري وَلَا جمل ... من يعد مَا ظعن الأحباب وَاحْتمل) (قَالُوا استقلوا بِعَين الْقطر قلت لَهُم ... مَا أعرسوا بسوى قلبِي وَلَا نزل) مَا هَذَا الاستدعاء الَّذِي نقد وبهرج، وَعطف على من اتّصف بالسعادة وعرج وَمر على الخليط الْمُنَاسب كَمَا مرت على الطَّحْن سبابة الحاسب، يقدم ويحفل، ويعلى ويسفل، وَيعلم ويغفل، ومنزلتي صفر من هَذَا التَّعْيِين، وحظى الظمأ من المورد الْمعِين. فَلَيْسَ إِلَّا الصَّبْر، إِن كَانَت الْوَسِيلَة الْمُعْتَبرَة، وَسِيلَة الْحبّ، فَمَا لوسيلتي تحفظ، وركائب استقدامي لَا ترتبط، وَفِي مثلهَا يحْسد أَو يغبط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 الصحب، وَالْمحل الرحب. بِحَيْثُ يفعم الوطب، ويدرأ الْخطب، وترفع للطارق نَار الْقرى مادتها المندل الرطب. نَسْتَغْفِر الله من الاسترابة بالود اللّبَاب، ونتوب فِي الِاعْتِذَار عَن الأحباب، وَلَو علمُوا بارتفاع النقية، والمطالبة بالبقية، لما حجبوا بروقهم، وَلَا أغفلوا مشوقهم، وَلَا منعُوا عَنهُ صبوحهم وَلَا غبوقهم. (وَعَسَى الَّذِي قدر البعاد يُزِيلهُ ... وَعَسَى الَّذِي كتب الْفِرَاق يجمع) وَلما وقفت على استدعاء صاحبنا أبي الْقَاسِم، وصل الله حفظه، وأجزل من نعمه حَظه، آثرت اعتزامه، واقتضيت بالعهد الْتِزَامه، وكافحت جَيش اعتذاره، حَتَّى رَأَيْت انهزامه، فِي أَن أشاهد ذَلِك الْجمع الْمُبَارك بعيني، وأكون غَرِيم الدَّهْر فِي اقْتِضَاء ديني، وحركت لَهُ الشوق يذهب مَعَه الوسن، ويخلع فِي طَاعَته الرسن وَكنت فِي طَاعَته كَمَا قَالَ الْحسن: (أَيهَا الرابحان باللوم لوما ... لَا أَذُوق المدام إِلَّا شميما) (جلّ حظي مِنْهَا إِذا هِيَ دارت ... أَن أَرَاهَا وَأَن أَشمّ النسيما) (نالني بالملام فِيهَا إِمَام ... لَا أرى لي خِلَافه مُسْتَقِيمًا) (فَكَأَنِّي وَمَا أزين مِنْهَا ... تعدى يزين التحكيما) (كل عَن حمله السِّلَاح إِلَى الْحَرْب ... فأفضى المطين أَن لَا يُقِيمَا) وَالله يسر براحة الشَّيْخ النُّفُوس، وَيذْهب البوس، ويضفي من الْوِقَايَة اللبوس، وَالسَّلَام الْكَرِيم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْحسن بن يحيى فِيمَا يظْهر من الرسَالَة (وسائلة عَن الْحسن بن يحيى ... وَقد جرحت مآقيها الدُّمُوع) (تَقول ترحل المفضال عَنَّا ... وَضعنَا بعده فَمَتَى الرُّجُوع) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 (وَكَأن الشَّمْس فارقنا سناه ... فأظلمت الْمعَاهد والربوع) (فَقلت كَانَ بمقدمه فَقَالَت ... بشارتك الصواهل والنجوع) (تولى الله مِنْهُ خير وَال ... نكف بِهِ الخطوب فَمَا تروع) (فَقلت لَعَلَّهَا انْفَرَدت بِهَذَا ... فَقَالَ بقولِهَا الْحَيّ الْجَمِيع) (فَكَانَت دَعْوَة صعدت ونجوى ... فقبلها الْمُجيب لَهَا السَّمِيع) (وَوَافَقَ مَا نطقت بِهِ قَضَاء ... قضى إِن الْوَسَائِل لَا تضيع) مَا كنت، أعزّك الله أَظن الْإِجْمَاع ينْعَقد على فضل وَال، وَلَا الأكف تمد فِي سَبِيل ضراعة من أَجله وسؤال، فَالنَّاس فِي الْوُلَاة على اخْتِلَاف أَحْوَال، بَين معاد وموال، ومتوقع عِقَاب ومؤمل نوال، حَتَّى خضت بَحر أهوال، وجنحت شمس ولايتك إِلَى وَقت زَوَال، فَظهر أَنه ثوب لم ينسج على منوال، وعنوان قبُول من الله متوال، وَلم يكن إِلَّا أَن أعملت الرحلة وأزمعتها، ولفقت الْعَزِيمَة وجمعتها، وشرعت فِي أَن أحقق الْأَخْبَار الَّتِي عَنْك سَمعتهَا، فنغص سروري الْوَاقِع، وأوحشتني الرسوم البلاقع، وساءتني المواقع، ثمَّ تدارك الْخرق وَالْحَمْد لله الرافع، وَبَطل بترياق الخواطر ذَلِك السم الناقع، فسكن الرَّعْد، وأنجز الْوَعْد، وسبط الْجَعْد، وساعد وجهتي السعد، وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد، ووفدت على مَنْزِلك مطلا على الْقَبِيل والعشير، مَعَ البشير، مزاحما إِيَّاه فِي ثنية الْمسير، فَلَو لم يكن لله على منَّة إِلَّا هَذِه الْمِنَّة، الَّتِي وكفت، لأحسبت وكفت، ولوت وعطفت، وحجت واعتكفت، لارتهنت أمد الْحَيَاة شكر لساني، واستدعت إدامة ذكرى لمن لَا ينساني، فَالْحَمْد لله الَّذِي نظم الشمل لما انتثر، وَأَحْيَا الرَّسْم فَمَا أمحا وَلَا دثر [وَقد روينَا الحَدِيث وحققنا الْأَثر] ، وَفِيه أَن الله أَخذ بيد الْكَرِيم كلما عثر، وَمَا زلت تسمعني الثنا الحائك، وينشقني الْحَمد رواحك وريحانك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 فَأَقُول رَبنَا مَا خلقت هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ. فَلَمَّا تجللت الْحَال، يثني عَلَيْك مثيرها وراعيها، وتعرفت آثَار عداك، تكلّف الْأَلْسِنَة بشكر مساعيها، علمت أَن الله لَا يهملك، وَأَن حلمه يحملك، وبصنعه يزينك ويحملك، حَتَّى ينجح من يؤملك، وهممت أَن أقيم حَتَّى أشافهك بهنائك، وأسرك بتعرف ثنائك، إِلَّا أَنِّي تعرفت أَن الشغب تبيت مِنْهُ تبعة، ستزول بِفضل الله وترتفع. وتنصرف بقدرته وتندفع، وَالَّذِي حفظ جَوْهَر الذَّات، يجْبر عرض المَال، وَالَّذِي أحسن فِي الْمَاضِي وَالْحَال، يحسن فِي المنال، وللإنسان حَظّ يَسْتَوْفِيه، ورزق يفضل عَنهُ أَو يَكْفِيهِ وَغدا لَا يدْرِي مَا الله صانع فِيهِ، فَرَأَيْت أَن أنصرف حَتَّى أزورك بحول الله، رَضِي البال، ناجح الانتهاز فِي فرص الْعِزّ والاهتبال، راشقا إِلَى هدى السَّعَادَة بأشد النبال، جَامِعَة ولايتك بَين السهول وَالْجِبَال، وَأحل بك وفكرك وادع، وعزك لأنف الدَّهْر جادع وأمرك بالعز صادع، فَمَا أَحْرَى دهرك أَن يضن مِنْك بالذحيرة الَّتِي أزرت بهَا كف هَذِه الْأَزْمَان الْأَخِيرَة، ليستدل على مَا ذهب من الْخيرَة، وَمَعَ الْعسر يسر، وَالْأَيَّام رطب وَبسر، وصفقة الْفضل لَا يتعقبها خسر. وَالله يتولاك ويحرس علاك ويحفظ عَلَيْك مَا أولاك، كَمَا جعل المحامد حلاك، وَالسَّلَام يخصك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مِمَّا خاطبت بِهِ الشَّيْخ أَبَا الْحسن ابْن بطان أهنيه بولده عبد الْوَاحِد (يهنيك مقدم عبد الْوَاحِد ابْنك عَن ... مطل بوعد من الْأَيَّام مرقوب) (كيوسف كَانَ فِي فعل الزَّمَان بِهِ ... وَكنت فِي البث والشكوى كيعقوب) قد علم الله، وَهُوَ الذى يعلم السِّرّ والخفى، ويميز المأذق والوفى، أننى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 أَيهَا الْفَاضِل، الَّذِي إِلَيْهِ فِي الْمجد الْإِشَارَة، وباجتماع شَمله ذاعت الْبشَارَة، من يَوْم وَقع عَلَيْك بَصرِي، وَوَجَب عَن حصر كرمك حصري، وَرَأَيْت مِنْك كَوْكَب السحر الَّذِي أَخذ أعقاب النُّجُوم، وَالصُّبْح مرتقب الهجوم، وَبَقِيَّة الْغَيْث السجوم، والزمن كثير [الفبارك] والرجوم، واسيت لفراق ابْنك، إِذْ جوانحي بالفراق جد مكلومة، وأسوار صبري بمنازلة الدَّهْر [غير الموادع] أَي مثلومة، وَنَفْسِي بالرقة المسترقة مَعْلُومَة، وَفِي الْجزع للبين غير ملومة، لم أزل أضن على الْحَوَادِث بذاتك، وأوسع الْأَيَّام ذما فِي أذاتك، وأرغب فِي بقا رسم الْمَرْوَة بِبَقَاء حياتك، وأمل جمع شملك بِعَين أهلك، وأحتقر فِي جنبه مَا أملك، وَمَا عَسى الْيَوْم أَن أملك. وَأما مَا يرجع إِلَى تخليد ذكر جميل، وتنفيق فِي مَحل تأميل، وهز الْخلَافَة إِلَى وعيك، وإحماد سعيك، فَأمر لم آل فِيهِ جهدا، فقد أوسعته حرصا لَا زهدا، ونشرت لَك بأبوابهم مِنْهُ نبدا، وجندت جندا. وَكنت عينت الشكران من أَجلك، إِذا جمع الله شملك بنجلك، فَلَمَّا تعرفت خلاص بدره من سراره، ودنو دَاره، ورجوعه بعد الْميل إِلَى مَدَاره، ثمَّ نظرت إِلَى محاسنه بِعَين نايبة عَن عَيْنك، وسرني حسن القضا، بعد أَن مطل الدَّهْر بِدينِك، شاهدت فَاضلا فِي فِرَاق مثله يحسن الْجزع، ويرفض الصَّبْر المنتزع، وابنا مزيته على الْبَنِينَ مزية سنة الْهِجْرَة على السنين، حفظ الله كَمَاله، وَبلغ كلا مِنْكُم آماله، وأعانه على تأدية حَقك الَّذِي لَا يُوسع الشَّرْع وَلَا الطَّبْع إهماله، وحمدت الله وشكرته ورحت فِي طلق المسرة وابتكرت، وعذرت ووفيت بِمَا نذرت، وَلم يقنعني إِلَّا بعث من يشافه بهنائك [فِي أحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 أبنائك] وَلَوْلَا أَنِّي ملازم حُرْمَة لَا أبرحها، ومغمور جراية لَا أرفض حُقُوقهَا، وَلَا أطرحها، وموصل آمال لَا أشرحها، لم يقنعني إِلَّا أَعمال الركاب، بدل إِعْمَال الْكتاب. فمثلي إِذا عرف مثلك الْتزم، وَقطع بِمُوجب الوفا وَجزم، وَفِي وضع موَاضعهَا حزم من حزم، وَالله أسل أَن يَجْعَل شملكم شملا مَحْفُوظًا، وبعين الْجمع على الْأَيَّام ملحوظا، ومقدما مجدودا محظوظا ويمتع الْفُرُوع بِالْأَصْلِ، وَالْأُصُول بالفروع ويجعله ريعا بالبين غير مروع، ويعين من الْبر على الْحق الْمَشْرُوع. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة الْفَقِيه أبي عبد الله الْكِنَانِي وَقد صرف عَن خطة الِاشْتِغَال إِلَى الْخدمَة (أَصبَحت سَهْما من كِنَانَته صائبا ... يمْضِي إِلَى هدف الْكَمَال ونحره) (وَأَبُو المكارم جدك الأرضى الَّذِي ... استولى على سر الْكَمَال وجهره) (مَا كَانَ يَدعِي بالمكارم كنية ... إِلَّا لكونك ثاويا فِي ظَهره) سَيِّدي الَّذِي لساني مُرْتَهن حَمده، وجناني مستودع وده، أقسم بِمن فضلك على أَبنَاء جنسك، ومنابت غرسك، وَجعل يَوْمك فِي الْفضل موفيا على أمسك، مَا من يَوْم إِلَّا ولى فِيهِ لعلاك ذكر، وَحمد وشكر، وهم بلقائك وفكر، لما استجلبت من جمال يثير الكلف، وجلال يذكر من سلف، وَلما تعرفت مَا كَانَ من الِانْصِرَاف، وتطويق الافتراف، وَتَصْحِيح الْمثل فِي الْأَطْرَاف منَازِل الْأَشْرَاف، ارتمضت وَمَا اغتمضت، ثمَّ شكرت الله على نعمه وتبينت مَوَاضِع لطفه بك وَكَرمه، كَأَنَّك وَالله يقيك عرضة لإصابة الْعين ووقعها، ونعوذ بِاللَّه لَيْسَ بالهين. وَكم بَين المشوب والمحض، وَبَعض الشَّرّ أَهْون من بعض، ويتفاضل الدَّهْر فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 العض، وَللَّه عناية ببقاع الأَرْض. فَإِن كَانَت سجلماسة قبل الْيَوْم يجلب مِنْهَا التبر إِلَى دَار الْملك، فقد رد إِلَيْهَا الذَّهَب الإبريز من بعد السبك، وَلَا بُد أَن يصول الْحق على الشَّك، فتعود الْأُمُور إِلَى معتادها، وتملك الْعليا مَحل فؤادها، فَإِنَّمَا هُوَ جميم وَرَاءه إنعام عميم، وَمن الله أسل أَن يكل لَك أَسبَاب الْعِزّ آمِنَة من الانصرام، وَلَا يقطع عَنْك عوارف الإنعام، وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مِمَّا خاطبت بِهِ الْفَقِيه الْحَكِيم الْقَاسِم ابْن دَاوُد الفخار من أهل سلا (يَا من يُعِيد الطين كل صُورَة ... عَن مثل فِي علمه محصورة) (والفلك الدوار من دواره ... وَالنَّار تمْضِي حكمه ضَرُورَة) (فَهَذِهِ تحمل طيبا طَاهِرا ... وَهَذِه تَكْفِي بهَا قاذورة) (أَوْصَاف حق فِي مقَال بَاطِل ... وَآلَة منهية مأمورة) سَيِّدي جعلك الله مِمَّن تكيف بِالْحَقِّ وتجوهر، وَعلم الْمشرق والمظهر، إِذا غلب الْفرق اشْتقت إِلَى لقائك وارتمت إِلَى الْبَرْق من تلقائك. وَإِذا غلب الْجمع، وَهُوَ ثَمَرَة المجاهدة، تمتعت بك عين الْمُشَاهدَة، إِن تشوفت إِلَى الْأَحْوَال واستشرقت، فَلم تنْتَقل عَمَّا عرفت خرقَة الْقَوْم اللبَاس، وَمن بشكاة الْحق الاقتباس وَقد ذهب الباس. ولى أمل فِي العودة إِلَى ذَلِك الْجوَار، الحقي بالدوار، والجناب المظلل بالأعناب، وَالْبَيْت الْمَعْمُور بالكليات من الْأُمُور. وَالله يبلغ المآرب، وييسر المسارب، ويعذب المشارب، وَقد نظمت كلمة تَضَمَّنت ذكر الْمعَاهد الَّتِي نشأت بهَا العلاقة، وتعذرت من سكر شكرها الْإِفَاقَة، لتنظرها بِعَين الرِّضَا الكليلة عَن الْعُيُوب، وتأذن فِي انتساخها كمن ذهب إِلَى ذَلِك من أَرْبَاب الْقُلُوب، لَعَلَّ ذكرهم بالجميل ينفع، وَفِي كثير من سيئاتي يشفع. وَالله عز وَجل، يتَوَلَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 شَأْنكُمْ أَيهَا الْحَكِيم الَّذِي لَهُ النَّفس الزكية وَالْقلب السَّلِيم، ويبلغك [كَمَا لَك] الْأَخير، فَهُوَ على كل شَيْء قدير. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْفَقِيه أَبَا جَعْفَر بن خَاتِمَة رَحمَه الله، عَن رِسَالَة كتب بهَا إِلَى (لم فِي الْهوى العذري أَو لَا تلم ... فالعذل لَا يدْخل أسماع) (شَأْنك تعنيفي وشاني الْهوى ... كل امْرِئ فِي شَأْنه ساع) أَهلا بتحفة القادم وَرَيْحَانَة المنادم، وذكرى الْهوى المتقادم، لَا يصغر الله مسراك، فَمَا أسراك، لقد جيت إِلَى من همومي لَيْلًا، وجبته خيلا ورجلا، ووفيت من صَاع الْوَفَاء كَيْلا، وظننت بِي الأسف على مَا فَاتَ فأعملت الِالْتِفَات لكيلا. فأقسم لَو أَن أَمْرِي الْيَوْم بيَدي، أَو كَانَت اللمة السَّوْدَاء من عددي، مَا أفلت أشراكي المنصوبة لأمثالك. حول الْمِيَاه وَبَين المسالك، ولعلمت مَا هُنَا لَك، لكنك طرقت حمى كسحته الْغَارة الشعواء وغيرت ربعَة الأنواء، فجمد بعد ارتجاجه، وَسكن أذين دجاجه، وتلاعبت الرِّيَاح الهوج فَوق مجاجه، وَطَالَ عَهده بالزمن الأول، وَهل عِنْد رسم دارس من معول. وَحيا الله ندبا إِلَى زيارتي ندبك، وبآدابه الحكيمة أدبك ... . [ (فَكَانَ وَقد أَفَادَ بك الْأَمَانِي ... كمن أهْدى الشفا إِلَى العليل) ] وَهِي شِيمَة بوركت من شيمه، وَهبة الله قبله من لدن المشيمة، وَمن مثله فِي صلَة رعى، وَفضل سعى، وَقَول ووعى ... ... ... . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 (فقسما بالكواكب الزهر والزهر عاتمة ... إِنَّمَا الْفضل مِلَّة ختمت بِابْن خَاتِمَة) كساني حلَّة فَضله، وَقد ذهب زمَان التجمل. ( [وحملني ناهض شكره ... وكتدى واه عَن التَّحَمُّل] ) ونظرني بِالْعينِ الكليلة، عَن، للعيب، فَهَلا أَجَاد التَّأَمُّل، واستطلع طلع بثى ووالي فِي أحرك المجرة] حثي. إِنَّمَا أَشْكُو بثي. (وَلَو ترك القطا لَيْلًا لناما) وَمَا حَال شَمل قَيده مفروق، وقاعدته فروق، وصواع بني أَبِيه مَسْرُوق، وَقَلبه قرحَة من عضة الدَّهْر دَامَ، وجمرة حسرته ذَات احتدام. هَذَا وَقد صَارَت الصُّغْرَى، الَّتِي كَانَت الْكُبْرَى لمشيب لم يرع أَن هجم، لما نجم، ثمَّ تهلل عَارضه وانسجم. (لَا تجمعي هجرا على وغربة ... فالهجر فِي تلف الْغَرِيب سريع) نظرت فَإِذا الْجنب نَاب، وَالنَّفس فريسة ظفر وناب، وَالْمَال أكيلة انتهاب، والعمر رهن ذهَاب، وَالْيَد صفر من كل اكْتِسَاب، وسوق الْمعَاد مترامية، وَالله سريع الْحساب. (وَلَو نعطى الْخِيَار لما افترقنا ... وَلَكِن لَا خِيَار مَعَ الزَّمَان) وهب أَن الْعُمر جَدِيد، وظل الْأَمْن مديد، وَرَأى الِاغْتِبَاط بالوطن سديد، فَمَا الْحجَّة لنَفْسي، إِذا مرت بمطارح جفوتها، وملاعب هفوتها، ومثاقب قناتها، وَمظَاهر [عراها وهناتها] والزمن ولود، وزناد الْكَوْن صلود. (وَإِذا امْرُؤ لدغته أَفْعَى مرّة ... تركته حِين يجر حَبل مفرق) ثمَّ إِن المرغب قد ذهب، والدهر قد اسْترْجع مَا وهب، والعارض قد اشتهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وأدات الِاكْتِسَاب مرجوحة مرفوضة، وأسماؤه على الْجوَار مخفوضة، وَالنِّيَّة مَعَ الله على الزّهْد فِيمَا بأيدي خلقه معقودة، وَالتَّوْبَة بِفضل الله عز وَجل شُرُوطهَا غير مُعْتَرضَة وَلَا منقودة، والمعاملة سامرية، ودروع الصَّبْر سابرية، والاقتصاد قد قرت الْعين بِصُحْبَتِهِ، وَالله قد عوض حب الدُّنْيَا بمحبته، فَإِذا رَاجعهَا مثلي من بعد الْفِرَاق، وَقد رقى لدغتها ألف راق، وجمعتني بهَا الْحُجْرَة، مَا الَّذِي تكون الْأُجْرَة، جلّ شأني وَإِن رضى الوامق، أَو سخط الشاني. إِنَّنِي إِلَى الله مهَاجر، وللعرض الْأَدْنَى هَاجر، ولأظعان السّري زاجر، [لأحد إنْشَاء الله وحاجر] لكني دَعَاني إِلَى الْهَدْي إِلَى الْمولى الْمُنعم هوى، خلعت نعلى الْوُجُود، وَمَا خلعته، وشوق أَمرنِي فأطعته، وغالب وَالله صبري فَمَا استطعته، وَالْحَال [وَالله] . أغلب، وَعَسَى أَن لَا يخيب الْمطلب. فَإِن يسره رِضَاهُ فأمل كمل، وراحل احْتمل، وحاد أشجى النَّاقة والجمل. وَإِن كَانَ خلاف ذَلِك، فالزمن جم الْعَوَائِق، وَالتَّسْلِيم بمقامي لَائِق: (مَا بَين طرفه عين وانتباهتها ... يقلب الْأَمر من حَال إِلَى حَال) وَأما تفضيله هَذَا الوطن على غَيره ليمن طيره وَعُمُوم خَيره وبركة جهاده وَعمْرَان رباه ووهاده، بأشلاء زهاده، حَتَّى لَا يفضله إِلَّا أحد الْحَرَمَيْنِ، فَحق بَرى من المين. لكني للحرمين جنحت، وَفِي جو الشوق إِلَيْهَا سرحت. وَقد أفضت إِلَى طَرِيق قصدي محجته، ونصرتني والْمنَّة لله حجَّته، وَقصد سَيِّدي أَسْنَى قصد، توخاه الشُّكْر وَالْحَمْد، ومعروف عرف بِهِ النكر، والآمال من فضل الله بعد تمتار، وَالله يخلق مَا يَشَاء ويختار، ودعاؤه بِظهْر الْغَيْب مدد، وعدة وَعدد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وبره حَالي الْإِقَامَة، والظعن معتمل مُعْتَمد، ومجال الْمعرفَة يفضله لَا يحصره أمد. وَالسَّلَام الْكَرِيم من محبه الْمثنى على كَمَاله. فلَان. وَمن ذَلِك فِي مُرَاجعَة قَاضِي الْجَمَاعَة عَن رِسَالَة فِي شَأْن نَخْلَة خَارج الْحَمْرَاء (مزايا النّخل يَوْم الْفَخر مِمَّا ... تساوى الشَّيْخ فِيهِ والغلام) (وَحقّ بِطيبَة للنخل طيب ... على حجرات ساكنها السَّلَام) (فيا قَاضِي الْقُضَاة فدتك نَفسِي ... أقرّ الْخصم فارتفع الْكَلَام) وَأَنت أيتها الطارقة طروق الولهان، المنافرة فِي الْفَخر إِلَى الْكُهَّان، الْمُسَابقَة يَوْم الرِّهَان، المنتصرة من امتهان غير المهان، حياك الله من أبيَّة حنيم، وبارقة غيم، وراعية جَار، ومشيدة نجار، وملحقة من قل فِي أمس وَيَوْم، وَوُجُود سوم، بسراة قوم مَعَ الْبَرَاءَة من لؤم أَو لوم، حَتَّى جزت بأنسابه الْعَرَب، وقارعة النبع بالغرب، بَين الشعوب والقبائل، والبطون والفضائل، متلفعة ببرود لبردى الْبكر والأصايل، مَتى أطلت صُحْبَة كميل، واستفدت مَا لَدَى النَّضر بن شُمَيْل، مَتى وَردت بِغَيْر ثماد، من معرفَة الْأَصْمَعِي وَحَمَّاد، حَتَّى رددت كلا إِلَى نسبه، وجبرت على اللَّقِيط لقطَة حَسبه، وَرفعت بالأصباع عَن ذهدة اللوم، وسبرت غابرة الكلوم، ورددت الْمَجْهُول إِلَى الْمَعْلُوم. وَكم مر قبلك من حَان وفاعل، فَوق ناهق وصاهل، وسهى وعد ووعيد. وطالب مرام بعيد، ومبدي فِي اللَّغْو ومعيد، وبارز إِلَى مصلى عيد، وَفَارِس صنديد، وأسراب عباديد، يمتون إِلَى تِلْكَ الغريبة. بالوسائل الْقَرِيبَة، ويعترفون لسخبها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 بِطيب الضريبة، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا مَعَ ذَلِك بالعيون المريبة، ويجتنبونها اجْتِنَاب الحريبة، وَهِي الْعمة، وَلها الْحُقُوق الجمة، وَالرَّفْع والضمة. دَعْنَا من إطراء ذَاتهَا، والامتعاض لأذاتها، وَالنَّظَر فِي آلامها ولذاتها، ولنعتبر مزية أَصْلهَا، وصعدة نصلها، وبركة فصلها، وتفد الجس إِلَى جِنْسهَا عَن فَضلهَا. أليست قسيمة آدم أبي الْبَريَّة فِي طيبَة البشرية، أَلَيْسَ جذعها الْمَخْصُوص بالمعجزة السّنيَّة لما انثال على البتول بالرطب الجنية، بِأَمْر رب هَذِه البنية، وحن إِلَى الرَّسُول الْخَاتم واهتز، وابتز الشوق من تماسكه مَا ابْتَزَّ، إِلَى مَا ورد فِي الذّكر من تَكْمِيل لبرها، وتتميم، وَتَخْصِيص من بعد تَعْمِيم، فَمَا الْعذر فِي الإغفال، وَالْتِبَاس الهوادي بالأكفال [وَعدم الاحتفاء والاحتفال وَكَاد أَن يرْضخ لَهَا من الْأَنْفَال] وَأَن تستعد لتجنبك الْأَطْفَال وتوسم بهَا الموائد الأغفال، وتحاط خزائنها إِذا كملت جرايتها بالأقفال، وينال من ضلعها التقريع والعتب السَّرِيع، وَيعلم بهَا ذَلِك الرّيع، ويستدعى لَهَا الْعَيْش المريع، ويدار بهَا سياج السَّلامَة، ويتاحف من سقيطها وَلَو بالقلامة، وَيرْفَع ببرها عَن [بني أَخِيهَا] وترتب الْمَلَامَة، وَيجْعَل لِلْأُصُولِ الغريبة كالعلامة، لَكِن رُبمَا أجَاب مِنْهُم منتدب محتسب، وجذب إِلَى الْأَنْصَار منتسب، فَقَالَ مَا لنا وللبر المضاع، والعتب الْمُقَرّر الأوضاع، وَلم يخف علم الله رحما، وَلَا أنكرناه عيصا ملحما وفوجا ملتحما فَمَا كل نسب يرْعَى وَلَا كل ولد يَرث أَبَاهُ شرعا، وَرُبمَا أنكر الأَصْل فرعا، وَمَا كالسعدان كل مرعى. وَفِي التَّفْرِقَة بَين نوح وَبَين سليله، مَا يتكفل لهَذَا الْقبُول بتعليله وتكثير قَلِيله إِذْ يَقُول سُبْحَانَهُ، وَقد جعله مِمَّن يهْلك، يَا نوح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 إِنَّه لَيْسَ من أهلك، وَهَذَا السَّبِيل الَّذِي عفم مِنْهُ النَّسْل، قيل فِي الْحَقِيقَة، وحايد عَن الطَّرِيقَة العريقة، خلع فِي السخف الرسن، وَلم ينبته الله النَّبَات الْحسن، وَأدْركَ بادس الْملك وَمَا سكن، فَمَا أطرق بتمره اللِّسَان وَلَا أطلق بفضله اللسن، أغفل الشُّكْر على الْمَعْرُوف، وَعدل عَن الْأَسْمَاء للحروف، وَنظر عَن الظّرْف المظروف، واتصف مَعَ الأَصْل الشريف بِصفة المشروف، بعد أَن أكتب من مقرّ الْعِزّ جواره، وكنفته من معقل الْملك أسواره، فَمَا عدم مَاء يَسْتَدْعِي نَمَاء وآثاره تحفظ مِنْهُ ذما، يحيا عِنْد افْتِتَاح الْبَاب ويبيا، وَينظر عَن يَمِين الْمحيا، قد رفع علما بِبَاب الشَّرِيعَة، ومنارا بهضب الرَّوْضَة المريعة، يهدي الطارق ويصافح البارق، ويشيع الغارب، وَيسْتَقْبل الشارق، فأخلف ذَلِك الْخلف الْوَعْد، وَأثر فِي الزَّمن الْبسط خلقه الْجَعْد. أما عموده فقصير، وَإِن طَال مِنْهُ الْعُمر، وَأما ثمره فمعدوم، وَإِن جَادَتْ التَّمْر، وَأما جديده فَغير نَافِع لمن يُريدهُ، قد أمكن أهل السبت من ناصيته، وأبلغ مرتادهم إِلَى قاصيته والسمح للْكَافِرِ بكفراه، فَمَا أحقه باللوم وأحراه، فاستضافة الكدبة على الغرير، ومالوا إِلَيْهِ عَن الْغَيْر، فدان بدينهم، واتسم بسمة خدينهم، وَظَهَرت عَلَيْهِ الْغلَّة، وَضربت المسكنة والذلة، وحكمهم فِي مفرقه، يعلونه بالأنامل، إِلَى أَن يبلغُوا مِنْهُ أمل الآمل، وَأما من مَكَائِد مستسر، فِي مَظَنَّة بر، إِذا أخبر العبور، والتلمود المستور، بعيد إِسْرَائِيل تهلل، وَإِن باكره التَّكْبِير، وَالذكر الْجَمِيل، تذلل، وبالصغار فِي عين الْخُشُوع تجلل. فأقسم بِمن حرم الفسوق وَوصف الطّلع والمبسوق، ونفق مِنْهَا السُّوق، إِنِّي ليغلب على ظَنِّي، وَبَعض الظَّن إِثْم، وَفَوق كل ذِي علم عليم، وعَلى أَن نواته المجتلبة على النَّوَى، والغربة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 الهادية من التخوم، الثَّابِتَة إِلَى هَذِه الْقرْبَة، كَانَ من خمرة خَبِير اكتسابها، وَفِي بني النظير أَو بني قُرَيْظَة انتسابها، وَأَن بركَة بِي الْحقيق ظَهرت على ذَلِك العذيق فَلذَلِك مَا تألفت الأشكال، وَحقّ النكال، وَإِلَّا فَمَا للنخيل وشيم الْبَخِيل وأكذاب المخيل، وَالنّسب الدخيل، إِنَّمَا هِيَ مِمَّن غل يَده العقال، وَلعن بِمَا قَالَ. فليعد ذَلِك العذق بالملامة على نَفسه فهضمه لَا يعود على جنسه، ومعرة الْيَوْم مُرْتَفعَة عَن أمسه أَمر. وعَلى ذَلِك فجواره الْقَرِيب الَّذِي لَا يهمل، وعيته بعد وصاة قَاضِي الْقُضَاة، لَا تسمل، بل تكنف إِن شَاءَ الله بالرعى وتسمل وتتلقى بِالَّتِي هِيَ أجمل، فَالله قد زكى بنظره الشُّهُود لما وفى النصح المجهود، وَأدْخل فِي الدّين الحنيف على يَده النَّصَارَى وَالْيَهُود، فَالْخَبَر يُبَارك وسيدي فِي الرَّد إِلَى الْحق يُشَارك، والقس يصلب، وَالله عز وَجل بسعيه الْقُلُوب يقلب، حَتَّى أكثرت المهاجرة وبرت الْقسم الْفَاجِرَة، وَلَعَلَّ هَذِه النَّخْلَة الإسرائيلية تكون بليته مِمَّن أسلم، وأسدى وَتعلم، وأبل بعد مَا تألم، وَانْطَلق لِسَانه بالعز وَتكلم، حَتَّى يجود غمامها وَتحمل بالرطب أكمامها. وَيعود إِلَى الْمُلَامسَة عودهَا، وتنجز بالأزهاء وعودها، ويرتفع جمودها، الَّذِي شان وخمودها، وتيأس الْيَهُود من جناها المحبور، وحماها الشاكي بالحبور، كَمَا يسر الْكفَّار من أَصْحَاب الْقُبُور، وَإِن تَمَادى الاهويا فِي مبعث أهل السبت وَوَقع عَلَيْهِ الْكتب بالكبت، فعدله أبقاه الله، يجْبر الْيَهُود على جبره، ويرعى مَا أبداه من تماسكه على دينهم وَصَبره، وبحكم التَّوْرَاة، فِي مواراة وَصله وَالزَّبُور، وليكلف الحبر أَن يعامله مُعَاملَة وَلَده لصلبه، وَإِلَّا فليجعله جذعا لصلبه، وَإِذا كَانَ كَذَلِك، فيرجى أَن تنشأ لَهُ فِي أهل الْكتاب ناشية وتتعلق بِهِ أَحَادِيث فَاشِية، وَيجْعَل الله بِرَأْسِهِ من التَّمْر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 المضفر شاشية، وَحفظ أهل الذِّمَّة، لَا يُنكر على هَذِه الْأمة. وَالله يبْقى سَيِّدي مُشِيرا للهمة بالأمور المهمة، ومحييا للرمة، وراعيا للوسائل والأذمة، بحول الله. وَمن ذَلِك وَقد تَكَرَّرت حَرَكَة السُّلْطَان أيده الله تَعَالَى إِلَى سُكْنى قَصَبَة الْمنْكب فكثرت بيني وَبَين الْأَوْلَاد والأحباب الْمُكَاتبَة (بِحَق مَا بَيْننَا يَا سَاكِني القصبة ... ردوا على حَياتِي فَهِيَ مغتصبة) (مَاذَا جنيتم على نَفسِي ببعدكم ... وَأَنْتُم الأمل والأحباب والعصبة) لمن المشتكي بالبطيحة، الَّتِي هواؤها مثل مَائِهَا أجن، وقدرها ساجن، وساكنها الْأَصْلِيّ جلال دَاجِن، وبحرها متلاعب متماجن، والمشاهق مثل جَارك الناهق، مقفر من أنيسه، فاغرة حلوق دماميسه، والأثر الماثل سَيْفا فَردا لَا بل مُفردا، ينحت جَوَانِب الْأَعْمَار، ويذود راعيه قطائع اللَّيْل وَالنَّهَار، فَلَقَد عوضتني من من النَّعيم ببوسي، وحجبت عني أقماري وشموسي، وليت شعري لمن تنافرها الحضرة من الكنهان مستعدية بِسَبَب الامتهان. أما المزية الَّتِي أحلتها هَذَا الْمَكَان حَتَّى تتْرك وَهِي المفداة، وتفضل حاضرتها مَا سكنته البداه. نَسْتَغْفِر الله، فالقبح وَالْحسن على الشَّرْع موقوفان، وَالْعقل مَعْزُول عَن هَذَا الْعرْفَان. ومولانا أبقاه الله حجَّة، وبحر إِدْرَاكه، لَا يُقَاس بِهِ لجة، وحسبنا أَن نسل الله إمتاعه بِمَا اخْتَارَهُ فَإِن يجْرِي وفْق غَرَضه أقداره، وَإِن تشوفتم إِلَى الْحَال فمقبول الْمَرَض بعد جاثم، وَالشَّيْخ فِي الشُّكْر على مَا سَاءَ وسر آثم، وَاللَّفْظ لجب، وَوجه الْحق محتجب، ففرجوا بعض الكرب برقى رقاعكم، وَبَادرُوا السَّهْو عَن مكاتبتي بأرقاعكم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وَلَا تغفلوا عَن مؤانسة من وجوده وَحْشَة لولاكم، صانكم الله وتولاكم، وشملكم بالعافية، وأوردكم فِي الْحل والترحال، مواردها الصافية. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا كتبت إِلَيْهِم فِي الْمَعْنى (يَا سَاكِني مرفا الشواني ... شوقي من بعدكم شواني) (ولاعج الشوق قد هواني ... من بعدكم وَاقْتضى هواني) (لقد كفاني لقد كفاني ... بَاقِي ذما ناهبا كفاني) (كَأَنَّهُ مَالِكًا عناني ... أنموذج من أبي عناني) (منوا على الشوق بالأمالي ... فَأنْتم جملَة الْأَمَانِي) إِلَى أَي كَاهِن أتنافر، وَفِي أَي ملعب أتجاول وأتظافر، وَبَين يَدي أَي حَاكم أتظالم، فَلَا أتفاخر، مَعَ هَذَا الْجَبَل، الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَة جمل، حف بِهِ من الدّور همل، سنامه التامك أجرد، وذنبه قد سَالَ كَأَنَّهُ مطرد وعنقه إِلَى مورد الْبَحْر يتعرج ويتعرد، وكأنما البنية بأعلاه، خدر فاتنة، أَو برق غمامة هاتنة، اسْتَأْثر غير مَا مرّة بأنسي، وَصَارَت عينه الحمئة، مغرب شمسي، حَتَّى كَانَ هَذَا للشكل من خدر وبعير، وَإِن كَانَ مجَاز مستعير، ليتضمن شكوى الْبَين، وَيفرق بَين المحبين (مَا فرق الأحباب بعد الله إِلَّا الْإِبِل ... وَالنَّاس يلحون غراب الْبَين لما جهل) (وَمَا على ظهر غراب الْبَين تقضى الرحل ... وَلَا إِذا صَاح غراب فِي الديار ارتحل) (وَمَا غراب الْبَين إِلَّا نَاقَة أَو جمل ... ) فأقسم لَوْلَا أَن الله تَعَالَى، ذكر الْإِبِل فِي الْكتاب الَّذِي أنزل، وَأعظم الْعِنَايَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 بهَا وأجزل، لسللت عَلَيْهَا سلَاح الدُّعَاء، وأغريت بهجرها نفوس الرعاء. وَقلت أَرَانِي الله إكسارك من بعير فَوق سعير، وَلَا سمحت عقبَة الأندر وَالشعِير بتبن وَلَا شعير. (دَعَوْت عَلَيْك لما عيل صبري ... وقلبي قَائِل يَا رب لَا لَا) نَسْتَغْفِر الله، وَأي ذَنْب لذِي ذَنْب شَامِل، وَلَيْث مائل، بِإِزَاءِ لج هائل يتعاوده الْوَعْد والوعيد، فَلَا يُبْدِي وَلَا يُعِيد، وتمر الْجُمُعَة والعيد، فَلَا يستزيد وَلَا يستعيد، إِنَّمَا الذَّنب لدهر يرى الْمُجْتَمع فيغار ويشن مِنْهُ على الشمل الْعَار، ونفوس على هَذَا الْغَرَض تساعده، وتعينه ليبطش ساعده، وتقاربه فِيمَا يُرِيد فَلَا تباعده: (وَلَقَد علمت فَلَا تكن متجنيا ... أَن الْفِرَاق هُوَ الْحمام الأول) (حسب الْأَحِبَّة أَن يفرق بَينهم ... رب الْمنون فَمَا لنا نستعجل) لَكِن الْمُحب حبيب ولغرض المحبوب منيب (وَيحسن الْفِعْل إِن جَاءَ مِنْكُم ... كَمَا طَابَ عرف الْعود وَهُوَ دُخان) وَقد قنعت برسالة تبلغ الأنة، وَتدْخل بعد ذَلِك الصِّرَاط الْجنَّة، ويعبر لسانها عَن شوقي من دون عقله، وَتنظر عَيْني من بَيَاض طرسها، وَسَوَاد نَفسهَا بمقلة، فَإِن كَانَ الْجَواب، فَهُوَ الْأجر وَالثَّوَاب، وَلم أر قبل شوقي من نَار تخمد بطرس، يلقى على أوارها، فَيَأْمَن عَادِية جوارها، لَكِنَّهَا نَار الْخَلِيل، رُبمَا تمسكت من المعجزة بأثر، وعثرت على آثاره مَعَ من عثر، جمع الله من الشمل بكم مَا انتثر، وأنسى بِالْعينِ الْأَثر، وحرس على الْكل من مشوق وشائق، وموحش ورائق سر الْقُلُوب، ومناخ الْهوى المجلوب، ومثار الأمل الْمَطْلُوب، وَلَا زَالَت الْعِصْمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 تنسدل فَوق مثواه قبابها، والسعود يحمد فِي أمره العالي مثابها، فالمحبوب إِلَيْهِ حبيب، وَإِن أَسَاءَ وأوحش الصَّباح والمسا: (إِن كَانَ مَا سَاءَنِي مِمَّا يسركم ... فعذبوا فقد استعدبت تعذيبي) وَالسَّلَام عَلَيْكُم مَا حن مشوق، وتأود لليراع فِي رياض الرّقاع قصب ممشوق، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك وَقد أجابني الْفَقِيه أَبُو عبد الله بن زمرك وإبناي عبد الله وعَلى، فراجعت الثَّلَاثَة بِمَا نَصه (أكْرم بهَا من بِنَا بنان ... أرسخ فِي الْفَصْل من أبان) (أجنا لَدَيْهَا الرِّضَا حنان ... من الْمعَانِي جنا جنان) (أَي جبى للأكف وَأَن ... مِمَّا للمباري بِهِ يدان) (أقسم بِالذكر والمثان ... مَالك فبمَا سَمِعت ثَان) (مدامة بزت الْأَوَانِي ... تنشط لِلْقَوْلِ كل دَان) (تَقول أوضاعها الغواني ... با الْعلم عَن زِينَة الغوان) (يارب بَارك لمن بنان ... فِي الْفِكر وَالْقلب والبنان) هَكَذَا هَكَذَا، وبعين الحسود القذا، تتناثر الدُّرَر الكامنة، وتهاج القرائح لنائمة الآمنة، وتقضى الدُّيُون من الطباع الضامنة: (أُعِيذهَا بالخمس من ولايد ... قد قلدت بنخب القلايد ... . غَيره) (أُعِيذهَا بالخمس من حبايب ... يغذين بالمراضع الأطايب ... غَيره) (أُعِيذهَا بالخمس من وُجُوه ... يصونها الله من الْمَكْرُوه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 ويامانح قلب الْقُلُوب أوريت، وَصدق مانويت، البير بيرك، وَذُو حفرت وَذُو طويت، وَمَا رميت إِذْ رميت، وَلَو علمنَا السرائر، لأعددنا لهَذَا الْمكيل الغرائر، وَلَو تحققنا إِجَابَة السُّؤَال، والنسيج على هَذَا المنوال لفسحنا الظروف لهَذَا النوال. ساجلنا الغيوث فشححنا، وبارزنا الليوث فاقتضحنا، وصلينا، وَالْحَمْد لله على السَّلامَة بِمَا قدحنا لَا بل التمسنا نقبة، وأقطعنا تنورا واقتبسنا جذوة، فأقبستنا نورا. (ملك الثَّلَاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبِي بِكُل مَكَان) (هَذَا الْهلَال وَتلك بنت المُشْتَرِي ... حسنا وهذي أُخْت غُصْن البان) مَتى كَانَ أفق الْمنْكب مطلعا لهَذَا الْكَوْكَب، وأجمة تِلْكَ السَّاحِل الماحل، من معاهد الدمر الحلاحل، ومورد الْجمل الْبَادِيَة الغر، مقاصا لمثل هَذَا الدّرّ، إِلَّا أَن يكون كنز هَذَا المرام المستدعي الكلف والغرام من مستودعات تِلْكَ الْأَهْوَاء والأهرام، دمنة الْملك الغضاب، بعد أَن قدست الأنصاب، وأقفى الْأَثر فَلَا يصاب، أَو تكون الْأَنْوَار هُنَالك تتجسم، والحظوظ تعين وتقسم، والحقائق تحد وترسم، أَو تتوالد بِتِلْكَ المغارات يوسانيا وروسم ظَنَنْت بِأَن تثور من أجم الأقلام أسود، وتعبث بالسويداوات من نتائج اليراع والدواة لحاظ سود. من قَالَ فِي الْإِنْسَان عَالما صَغِيرا فقد ظلمه، كَيفَ وَالله بالقلم علمه وَرفع فِي العوالم علمه. لقد ذرت حلمات تِلْكَ الأحلام من رسل غرير، وَمَا كَانَ فَحل تِلْكَ الأقلام بزير، وَلَا سُلْطَان تِلْكَ الطباع، المديدة الباع، ليستظهر بوزير، إِنَّمَا هِيَ مشاكي أَعمال أوقدها الله وأسرجها، وملكات فِي الْقُوَّة رَجمهَا، مُرَجّح الْقُدْرَة فأبرزها إِلَى الْعقل وأخرجها، وَأَحْرَى بهَا أَن تحط بذور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 المدارك الإلهية رِحَالهَا، وتترك إِلَى الْوَاجِب الْحق مجالها، فَتَجَاوز أوحالها مستنيرة بِمَا أُوحِي لَهَا. إيه بنية، أقسم بِرَبّ البنية. وقاسم الحظوظ السّنيَّة، لقد فزت من نجابتكم عِنْد التماح إجابتكم بالأمنية، فَمَا أُبَالِي بعد بالمنية وَقَاه الله عين الْكَمَال من كَمَال، وصان سروجه من السمال، واكتنفه بالمزيد من عز، يَمِين وشمال، كَمَا سوغ الْفَقِير مثلي إِلَى فقرها زَكَاة حجال لَا زَكَاة جمال. ولعمري، وَمَا عمري عَليّ بهين، وَلَا الْحلف فِي مقطع الْحق بمتعين، لقد زحفت مِنْهَا إِلَى ثَلَاث كتائب، قادها النَّصْر جنائب، ألفاتها العصي، ونوناتها القسي، وغاياتها المرام العصي، ورقومها الْخلق، وجيادها قد فشى فِيهَا البلق، بِحَيْثُ لَا استظهار للشَّيْخ إِلَّا بشعب، وَلَا افتراس إِلَّا لمن قد قدر، ودريد هَذَا الْفَنّ يحمل فِي خدر: (سلت على سيوفها أجفانه ... فلقيتهن من الْمُنِيب بمغفر) فلولا تقدم الْعلم بالسلم، لخيف من كلمها وُقُوع الْكَلم. أما أحداهن ذَات الْقيام والدلج بالإعتام، المستمد سوادها الْأَعْظَم من مسك الختام، فعالت فريضتها بِالزِّيَادَةِ، وعلت يَدهَا بمنشور السِّيَادَة، ورسم شنشتها الْمَعْرُوفَة أخزم، وجادها من الطَّبْع الْمعِين السماك والمرزم، وظفر أسجاعها المظفرة لُزُوم مَا لَا يلْزم: (خدم اليراع بهَا فدلجها ... وَسَأَلت مُجْتَهدا عَن الْفَرْض) (فَعلمت أَن الصُّلْح مقْصده ... لتزول بعض عَدَاوَة الربض) وَأما أُخْتهَا التالية، ولدتها الحانية، فنؤوم مكسال، رِيقهَا برود مسلسال، وَمن دونهَا موارد وكسال وذيب عَسَّال، وَإِن عالت بِنَقْض فِي النّظم، فقد أخذت من الْبَدَائِع بالكظم، وامتكت الْمَعَالِي امتكاك الْعظم. وَأما الثَّالِثَة فكاعب حسنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 بالعقول متلاعب، بنت لبون لَا بنت حَرْب زبون، حياها الله وبياها، فَمَا أعظم رياها. (تشم أنفاس نجد من ثِيَابهمْ ... عِنْد الْقدوم لقرب الْعَهْد بِالدَّار) وَلَو قصرت لتغمد تَقْصِيرهَا، وَكثر بِالْحَقِّ نصيرها فَكيف وَقد أجابت، وصابت غمامتها وجادت، وَقد شكرت على الْجُمْلَة وَالتَّفْصِيل، وَعرفت مِنْهُ الْبَاذِل وَجهد الفصيل، وطالعت مسَائِل الْبَيَان والتحصيل، وقابلت مفضض الضُّحَى بِمذهب الْأَصِيل، وأثرت يَدي، وَكَانَت إِلَى تِلْكَ الْفقر الفقيرة، ونبهت فِي عَيْني الدُّنْيَا، وَكَانَت حقيرة، ورجوت أَن لَا تعدم هَذِه الْأَسْوَاق مديرا، وَلَا تفقد هَذِه الْآفَاق رَوْضَة وغديرا، وَسَأَلت لجملتكم المحوطة الشمل الملحوظة بِعَين السّتْر الْجَمِيل، عزا أثيرا، وَخيرا كثيرا، وَأمنا تحمدون مِنْهُ فراشا وثيرا. وعذرا أَيهَا الأحباب، والصفو اللّبَاب عَن كدح سنّ وَكبره، وفل استرجاع وعبرة، استرقته ولج الشغب طام ذُو التظام، والخلق فرَاش يكبون منى على حطام. ورسل الفرنج قد غشى الْمنَازل منثالها، ونتجتها بالعشى أَمْثَالهَا، والمراجعات تَشْكُو البث، والجفاة تستشعر المكيدة والحيف. (وَلَو كَانَ هما وَاحِدًا لبكيته ... وَلكنه هم وثان وثالث) وَالله عز وَجل يمتع بأنسكم من عدم الِاسْتِمْتَاع بسواه، وتصر عَلَيْهِ متشعب هَوَاهُ، وَيبقى بركَة الْمولى الَّذِي هُوَ قطب مدَار هَذِه الأقمار والأهلة، لَا بل مَرْكَز فلك الْملَّة، وسجل حُقُوقهَا المستقلة، وَالسَّلَام عَلَيْكُم مَا حنت النيب إِلَى الفصال، وتعللت أنفس المحبين بِذكر أزمنة الْوِصَال، وكرت الْبكر على الآصال، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وَمن ذَلِك، وَقد صدرت بَين فاضلين من الْأَصْحَاب مُكَاتبَة مفتتحة بِأَبْيَات، وصرفا إِلَى التَّحْكِيم، وَجعلا لنظري التَّفْضِيل، فَكتبت: (بَارك عَلَيْهَا بِذكر الله من قصَص ... وَاذْكُر بهَا مَا أُتِي فِي سُورَة الْقَصَص) (حَيْثُ اغتدى بِسحر يلهو بالعقول وَقد ... أجال بَين حبال كبده وعص) (عقائل الْعقل وَالسحر الْحَلَال ثوت ... من كافل الصون بعد الْكَوْن حجروص) (وَأَقْبَلت تتهادى كالبدور إِذا ... سجن من فلك التدوير فِي حصص) (من للبدور وربات الْخُدُور بهَا ... الْمثل غير مُطِيع والمثال عص) (مَا قرصة الشَّمْس وَالشَّمْس المنيرة إِن ... قيست بِهن سوى من جملَة الفرص) (تالله مَا حكمهَا يَوْمًا بمنتقض ... كلا وَلَا بدورها يَوْمًا بمنتقص) (إِن قَالَ حكمى فِيهَا بالسواء فقد ... أمنت مَا يحذر القَاضِي من الْغصَص) (أَو كنت أرخصت فِي التَّرْجِيح مُجْتَهدا ... لم يقبل الْوَرع الْفتيا من الرُّخص) يَا مُدْلِج ليل التَّرْجِيح قف، فقد جفيت الْكَوَاكِب، وَيَا قافي طرق التحسين والتقبيح، تَسَاوَت وَالْحَمْد لله، المناكب، وَيَا مستوكف خبر الوقيعة، من وَرَاء قتام القيعة، تصالحت المواكب. حصحص الْحق فارتفع اللجاج، وتعارضت الْأَدِلَّة فَسقط اللجاج، وَطَاف [نحل الأقلام بأزهار الأحلام، فطاب المجاج] وَقل لفرعون الْبَيَان وَإِن تأله، وبلد الْعُقُول وبله، وَدلّ بالغرور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 ودله، أوسع الكناس نثلا، ودونك أيدا شلا، وشجرا جثلا، لاخمطا وَلَا أثلا إِن هَذَانِ لساحران يُريدَان أَن يخرجاكم من أَرْضكُم بسحرهما، ويذهبا بطريقتكم المثلى، وَإِن أثرت أدب الْحَلِيم مَعَ قصَّة الْحَكِيم، فَقل لمجيل جِيَاد التعاليم، وَوَاضِع حفر أبيار الأقاليم، أندلسنا كَمَا علمت بلد الأجم: لَا سود الْعَجم، ومداحض السُّقُوط على شوك قتاد القوط، وَلم ندر أَن مَحل ذَات العجايب والأسرار، الَّتِي تضرب بهَا أباط النجايب، فِي غير الإقليم الأول، وَهَذَا الوطن بِشَهَادَة الْقلب الْحول، إِنَّمَا هُوَ رسم دارس، لَيْسَ عَلَيْهِ من معول، فهنالك يتَكَلَّم الْجِنّ لبَعْضهِم وَيفهم، وَيرد المدد على النُّفُوس الحزينة، من مطالع الأضواء الْكُلية، فَيحدث ويلهم وعود خَازِن الأمدار على المتوسل، لوسيلة الاستعداد، فَيقطع ويسهم. وَأما أقليمنا الرَّابِع وَالْخَامِس، بعد أَن تكافأت المناظر والملابس، وتناصف اللَّيْل الدامس، وَالْيَوْم الشامس، ذاعتدال ربيعي، ومجرى طبيعي، وذكى وبليد، ومعاش وتوليد، وطريف فِي البداوة وَتَلِيدُ، لَيْسَ بِهِ مرماة وَلَا هرم، يخْدم بهَا ذرى يخترم، ويشب لغربانه ضرم، فَيُفِيد روحانيا، يتَصَرَّف، وربيا يتَعَرَّض ويتعرف، كلما استنزل صاب، وأعمل الانتصاب، وَعلم الْجَواب، وَفهم الصَّوَاب. وَلَو فَرضنَا هَذِه المدارك ذَوَات أَمْثَال أَو مسبوقة بمثال. لتلقينا منشور الفضايل بامتثال، لأننا نَخَاف أَن نَمِيل بعض الْميل، فنجنى بذلك بخس الجرى، وارضاء الزميل، [وتجر تنابح] الزُّهْرِيّ مَعَ الصميل، فَمن خير حير، وَمن حكم ازدرى بِهِ وتحكم. فَمَا سل سيوف الْخَوَارِج فِي الزَّمن الدارج إِلَّا التَّحْكِيم، حَتَّى جهل الْحَكِيم، وخلع الخطام، وَنزع الشكيم، فأضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 بالخلق نَافِع، وَذهب [الطِّفْل] لجراه واليافع، وذم الذمام، ورد الشافع، وقطر سيف قطره بِكُل نجيع طرى، وزار لشبيب الْأسد الهصور، وصلت الغزالة بِمَسْجِد الثَّقَفِيّ وَهُوَ مَحْصُور، وانتهبت المقاصير والقصور، إِلَّا أَن مستاهل الْوَظِيفَة الشَّرْعِيَّة عِنْد الضَّرُورَة تحير، والمنتدب [للبر] يجبى عِنْد الله ويحير، واجعلني على خزاين الأَرْض، وَهُوَ الْأَصَح الْأَشْهر فِيمَا بِهِ يستظهر. وَأَنا وَإِن حكت على التَّعْجِيل، فَغير مشْهد على نَفسِي بالتسجيل، إِنَّمَا هُوَ تلفيق يُرْضِي، وتطفيل يعتب عَلَيْهِ، من يصدع بِالْحَقِّ ويمضي، إِلَّا أَن يقْضِي، ورأيي فِيهَا المراضات وَإِلَّا فالسلاح، والركاب الطلاح، وَالصُّلْح خير، وَمَا استدفع بِمثل التسامح ضير، وَمن وقف عَلَيْهِ وَاعْتبر مَا لَدَيْهِ، فَليعلم أَنِّي قد صدعت وَقطعت، وَالْحق أَطَعْت. وَإِن أُرِيد إِلَّا الْإِصْلَاح مَا اسْتَطَعْت وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أَبَا الْحسن القرموني من حذام الْخَطِيب أبي عبد الله بن مَرْزُوق وَلها حِكَايَة تظهر من الرسَالَة حَملَنِي أعزّك الله على قصدك، وَتَحْقِيق رصدك، مَا حدثوا بتونس عَن يَوْم فصدك، وَأَن الْعَاقِل ود يَوْمئِذٍ أَن يكون حجاما، وَلم يعرف إسراجا فِي ابْتِغَاء الفضايل وَلَا إلجاما،، وَلَا يعرف امتيازا بالفضايل وَلَا اختصاصا إِلَى ليلاتك الَّتِي فضحت الظُّلم، وأنست ليَالِي ذِي سلم، وأضحت لشهرتها نَارا على علم، إِذْ بَانَتْ العيدان مصطفة اصطفاف الْهدى، أَخْذَة مَا بَين رَأس السرطان إِلَى رَأس الجدي، وَقلت نَفسِي لَا تدين بالإمساك، وَلَا تلِيق لوعظ النساك، لابد تَحت هَذِه السفرة من نفاضة، وحول هَذِه الزبرة من قراضة، فَلَمَّا رَأَيْتُك، رَأَيْت مخيلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 رجولة فِي طلعة مَقْبُولَة، وَعلمت أَن اخْتِصَاص سيدنَا باستعمالك وَعدم إهمالك، قبُول الشَّهَادَة مزكيك، وَبَيَان يرفع التشكيك، فاستعنت بقربك، وطعنك وضربك، وَقد بَلغنِي جميل بلائك، وَإِن كَانَ ضَعِيفا، لَكِن الله سُبْحَانَهُ وَله الْمثل الْأَعْلَى، يقبل رغيفا. وَالشُّكْر وَاجِب، وَالْعَمَل الصَّالح لَا يَحْجُبهُ عَن الرقى حَاجِب، فخاطبتك شاكرا، وبفضل مَا صدر عَنْك ذَاكِرًا وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا كتبت فِيمَا يظْهر من الرسَالَة لأحد الْفُضَلَاء بِمَا نَصه (تعرفت قرب الدَّار مِمَّن أحبه ... فَكنت أجد السّير لَوْلَا ضروره) (فأتلوا من أبي المحاسن سُورَة ... وَأبْصر من شخص المكارم صوره) كنت أبقاك الله، لاغتباطي بولائك، وسروري بلقائك، أود أَن أطوي إِلَيْك هَذِه المرحلة، وأجدد الْعُمر بلقياك المؤملة، فَمنع مَانع، وَلَا نَدْرِي فِي الْآتِي مَا الله صانع، وعَلى كل حَال فشأني قد وضح مِنْهُ سَبِيل مسلوك، وَعلمه مَالك ومملوك، واعتقادي أَكثر مِمَّا تسعه الْعبارَة والألفاظ المستعارة، وموصلها يَنُوب عني فِي شكر تِلْكَ الذَّات، المستكملة شُرُوط الوزارة، المتصفة بالعفاف وَالطَّهَارَة. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا صدر عني مِمَّا خاطبت من بعض الْفُضَلَاء (يَا حفيد الْوَلِيّ يَا وَارِث الْفضل ... الَّذِي نَالَ فِي مقَام وَحَال) (لَك يَا أَحْمد بن يُوسُف حبا ... كل ثغر يعْنى أكف الرِّجَال) أبقاك الله مثابة انْتِفَاع، ونورا على يفاع، ومتضعا على علو وارتفاع، ترى الْوتر فِي أشفاع، وتقابل الْوَهم بطراد من الْحَقِيقَة ووضاع. ان حثت على لِقَاء الْأَعْلَام، شهرتهم فلك الشُّهْرَة، وَأَنت الْعلم والشهاب الَّذِي تجلى بِهِ الظُّلم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 ورباط جدك بالمغرب الرُّكْن المستلم، فَإلَى أَيْن يذهب عَن جنابك الذَّاهِب، وَقد وضحت الْمذَاهب، وَالله الْمَانِع والواهب، وإلي من لدن اجتليت غرتك، الَّتِي تلوح عَلَيْهَا سِيمَا الْولَايَة إِرْثا واكتسابا، وانتماء إِلَى جَانب الله وانتسابا، أُؤَمِّل التوسل والتقرب، وأخطب مِنْك الْأنس الَّذِي أنسى بِهِ التغرب إِلَى أَن تهَيَّأ بِفضل الله وتيسر، وَتبين مُجمل الشوق وتفسر. وشتان مَا بَين أثرى وأعسر، وَأَنا الْآن وَالْحَمْد لله، قد حططت بمثوى الْولَايَة رحلي، وعثرت بأثر أسرار الْأَبْرَار نحلى، وَأخذت من الدَّهْر ذحلى، وحللت من رِبَاط الشَّيْخ أبي مُحَمَّد صَالح بِالْحرم الْأمين، فظفرت من ود حافده بالذخر الثمين، فيا لَيْت قومِي يعلمُونَ بِمَا غفر لي رَبِّي، وَجَعَلَنِي من الْمُكرمين، عرفتك أبقاك الله بقصدي، وحركة رصدي، لتعلم أَن هَذِه الوجهة لقاؤك أقوى دواعيها، وأنجح مساعيها [وبركة الشَّيْخ] نفع الله بِهِ، تلاحظها وتراعيها، فَمَا استبعد المرام من قصد الْكِرَام. وَمَا فقد الإيناس من أمل النَّاس، وتنخل الْأَفْرَاد، وتخطى الْأَجْنَاس، وَترك للنصر الْقيَاس، وتملك المنى لما أحرز الرياس. وسيدي بعد، وَمَا يظْهر لَهُ من تأنيس غربته، وإزاحة كربته، ووعى وسيلته وقربته، وإتحاف باجتلا حمى نزور وتربة، وَالله عز وَجل يبقيه مَقْصُودا على بعد الْمَكَان، مرجحا فِي الْفضل طرف الْإِمْكَان، مطمين الْفُؤَاد بِذكر الله، رطب اللِّسَان من رجا فِي الْوُصُول إِلَيْهِ مقَام الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَالْإِحْسَان. وَالسَّلَام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء (إِن كَانَت الْآدَاب أضحت جنَّة ... فقد غَدا جنانها الْجنان) (أقلامه الْقصب اللدان بروحها ... والزهر مَا رقمته مِنْهُ بنان) مَا كنت أَيهَا الْفَاضِل، الَّذِي زار وتفقد، وضاء كوكبه الدُّرِّي وتوقد، فأنسى سناه الفرقد، أَظن هَذَا الْبَلَد يشْتَمل على مثل درتك دَرَجَة، وَلَا يشرف بِمثل نيرك برجه، وَلَا يشمخ بِمثل بطلك سَرْجه، حَتَّى اجتليت مِنْك معارف شَتَّى وَغَايَة فضل لَا تحد بحتي، فَعلمت أَن الْبلدَانِ بخيارها، لَا بِتَعَدُّد ديارها، والأماكن بأربابها، لَا بِتَعَدُّد أَبْوَابهَا. وَقد علمت أَي ضيف، وقراي خَفِيف، لَا قديد وَلَا ضَعِيف، إِنَّمَا هُوَ أنس يبْذل، وَنَفس فِي الانقباض تعذل، ومذاكرة يهز دوجها وينشق روحها. فَإِن أردْت أَن تعدد مَا أفردت، وتعيد من دوَل الفضايل مَا أوردت، أفدت شكرا لَا يجر ذكرا، واغتنمت حمدا وشكرا. وَالسَّلَام الْكَرِيم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ قَائِد الأسطول أهنيه بِطُلُوع وَلَده أبقاك الله أَيهَا الْقَائِد الَّذِي بأسه ضرم، وشأنه شجاعة وكرم، وَمحل ولَايَته من الْعَدو حرم، لَا تسل عَن شوقي لقربك، وعكوفي على حبك، وضراعتي فِي سعادتك إِلَى الله رَبِّي وَرَبك، وَبَلغنِي الطالع لديك، والوارد من حَضْرَة الْمَوَاهِب الآلهية عَلَيْك. جعله الله أسعد مَوْلُود على وَالِد، ووقفك لما يرضيه من مقَام الشاكر الحامد، وَأقر عَيْنك مِنْهُ بالقائد بن الْقَائِد [ابْن الْقَائِد بن الْقَائِد] وَقد كنت أعدك مِنْهُ تفاؤلا واستفتاحا، وسؤالا من الله واستمناحا، فَالْحَمْد لله الَّذِي صدق الزّجر، ووضح الْفجْر. وَقد نظمت لَهُ أبياتا، إِن أَدْرَكته بعْدهَا حَياتِي، بر وشكر، أَو كَانَت الْأُخْرَى ترحم وَذكر وَهِي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 (أرفع قسى الشتات بوعده ... واستنجز النَّصْر الْعَزِيز لوعده) (وَانْظُر إِلَيْهِ تلح إِلَيْك بِوَجْهِهِ ... سمة الشجَاعَة من أَبِيه وجده) (لله من سيف لنصرك صارم ... ينساب مَاء الْحسن فَوق فرنده) (صدرت إِلَيْك بشارتي وتفاؤلي ... بِالْأَمر قبل بروزه من غمده) (يستبشر الأسطول مِنْهُ بقائد ... كالبدر تَحت شراعه أَو بنده) (وَالْبَحْر يفخر مِنْهُ يَوْم ولاده ... بملنده ابْن ملنده ابْن ملنده) وَمن ذَلِك مَا صدر عني لما استدعى مني الْإِجَازَة وكتبت مَا نَصه: أما بعد حمد الله الَّذِي جعل الْفَضَائِل بذرا تنْبت زرعا، وأصلا يخلف فرعا، فَإِن أهمل الأَصْل، فَهُوَ من الاستعادة الْفَصْل، وَإِن نرك الزَّرْع، ضَاقَ بِالْحَاجةِ الضَّرع، فحفظها لهَذَا السَّبَب، حفظ الْأَنْوَاع، وأغرى بهَا سكيمة الْفِكر وكريمة الطباع، فاضطرت الْعِنَايَة واستمرت، وانثالت وَدرت، ونجحت الْأَعْمَال، وانبعثت الآمال، وتعديت شُرُوط الْوُجُوب إِلَى شُرُوط الْكَمَال. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد رَسُوله، الَّذِي فضلت مِلَّته الْملَل، وشفت هدايته الْعِلَل، فَكَانَ مِمَّا انْفَرَدت بِهِ رِوَايَة السّلف عَن السّلف، وتلافى الْفَوَائِد من قبل التّلف، والرضى عَن آله الطيبين، وصحابته المنتخبين، فَإِنِّي لما استدعاني السَّيِّد الْكَبِير الحبر الإِمَام، صَاحب الْقَلَم الْأَعْلَى، والطريقة المثلى، والذات الفضلى رَيْحَانَة الأندلس، الَّذِي تضوع فِيهَا الْمغرب، وتغنى بِحَدِيث فَضلهَا الْحَادِي المطرب، وفخر الْأُفق الجهادي، وبيتا معمورا بالوزراء الأخيار، والصلحاء الْأَبْرَار، ونسبا فِي ذرْوَة الْأَنْصَار من بني النجار، وحسبك بخؤولة الْمُخْتَار، وعفافا طَاهِر الثَّوْب ضافى الْإِزَار إِلَى الْوَجْه المبشر بالسعادة وبيمن النقيبة، فِي الإبداء والإعادة، والمحيا الَّذِي نضر الْوَجْه. وراق الْبشرَة، والذات الَّتِي لَا تعرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 الخسرة وَالْعلم المملك من أزمة الْفُنُون، الْمُسلم لَهُ فِي الإبكار مِنْهُ والعون، أَبُو فلَان لإجازة وَلَده الأسعد الأمجد. وَارِث رتبته الشماء بعد تملي الْحَيَاة وَطول الْبَقَاء، وتتمة عين المجادة والعلياء، أبي فلَان وَابْن أَخِيه، الْفَاضِل، الصَّدْر الرفيع الْقدر أبي الْفضل، وَهُوَ الْوَلَد الأسعد أَبُو فلَان، شَمل الله الْجَمِيع بستره وعصمته، وَوصل لَهُم مَا عودهم من نعْمَته، وشغلهم بِالْعلمِ النافع وخدمته، وأعلقهم بوسائل الْعرْفَان وأذمته تضاءلت علم الله إجلالا لمحله من التبحر فِي المعارف، واستظلاله بظلها الوارف، لَكِن قدمت امتثالا وحذوت من أمره مِثَالا، وبادرت اعْتِمَادًا على إغضايه واتكالا، فَقلت أجزت للوزير الْمَذْكُور فِيمَا يَصح لي أَن أُجِيز فِيهِ من رِوَايَة أشرك هَذَا الْفَاضِل فِي بَعْضهَا، وأسهم بتافه من فَرضهَا، ونظم ونثر، هَذَا المكتتب من بعض فنيه، وتأليف يُنَبه عَلَيْهِ ككتاب " الْإِحَاطَة فِي تَارِيخ غرناطة " فِي سَبْعَة أسفار، و " عايد الصِّلَة " فِي سفرين، و " عمل من طب لمن حب " فِي سفر، و " الْكتاب اليوسفي " فِي سفرين، و " طرفَة الْعَصْر " فِي ثَلَاثَة " والصيب والجهام " فِي سفرين، و " نفاخة الجراب " فِي ثَلَاثَة، و " الأراحيز الْخمس من تطمى بِمَدِينَة سلا فِي أصُول الْفِقْه "، و " التَّارِيخ الإسلامي والسياسة "، والعلاج، والأغذية، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ بهرج، يفْتَقر إِلَى إغضاء الْعَارِف وزيف يحْتَاج إِلَى مُسَامَحَة أَمَام الصيارف إجَازَة تَامَّة على شَرطهَا الْمُعْتَبر، وسننها الْوَاضِح الْأَثر، وَالله يعدل بِنَا إِلَى مَا ينفع، ويزكى وَيرْفَع، فَلَقَد ذهب الْعُمر الأطيب فِي السَّعْي الأخيب، وَانْصَرف الزَّمن الأبدع فِي السراب الَّذِي يخدع. اللَّهُمَّ لَا تطردنا من بابك، وَلَا تقطع بِنَا عَن جنابك. وَكتب العَبْد الغافل الراجي الآمل فلَان فِي كَذَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ الْمقَام السلطاني بِمَا يظْهر من الْغَرَض (أبقاك ظلا للعباد وملجأ ... وأعانك الرَّحْمَن من سُلْطَان) (قد زين الدُّنْيَا بِنور جماله ... فَلذَلِك مَا يدعى أَبَا زيان) مولَايَ، سُلْطَان الْمُسلمين وَالْإِسْلَام، مُخْتَار الْملك العلام، المستخلص رَحْمَة لعباد الله من أَيدي عباد الْأَصْنَام، الَّذِي أحسن خلقه، وسوغه بارئه من وَرَاء الْبحار الزاخرة، والأمم الْكَافِرَة، وأورثه حَقه الْمولى الْهمام، الْخَلِيفَة الإِمَام، أَبُو زيان ابْن مَوْلَانَا، ولي الْعَهْد، وفارع هضبة الْمجد، الْمُقَدّس، المطهر، الْمعلم بشيم الْكَرم، المشهر أبي عبد الرَّحْمَن، ابْن مَوْلَانَا كَبِير الْمُلُوك وإمامها، وَعلم أعلامها، الإِمَام الْخَلِيفَة الشهير - الْمُعظم الْمُقَدّس، أبي الْحسن، ابْن موالينا الْأَئِمَّة، المهتدين، وَالْخُلَفَاء من بني مرين، أبقاه الله ممتعا بِالْملكِ، الَّذِي ألبسهُ حلته، وشفا بِهِ علته، وَجعله فِي عقبه بَاقِيا، وَكَانَ لَهُ فِيهَا حَافِظًا وافيا، عبدكم الَّذِي أَمن عدوان الدَّهْر فِي ظلكم، ونشق نسيم الرَّحْمَة من جَانب فَضلكُمْ، وتعرف من ضروب نعمكم الْكَرِيمَة، الْأَنْوَاع والأجناس، واستضاء من حبكم وطاعتكم بِنور يمشي بِهِ فِي النَّاس مَا أوجب أَن يتَمَثَّل بقول أبي نواس. (علقت بِحَبل من حبال مُحَمَّد ... أمنت بِهِ من طَارق الْحدثَان) (تغطيت من دهر بِظِل جنَاحه ... فعيني ترى دهري وَلَيْسَ يران) (فَلَو تسل الْأَيَّام مَا اسْمِي مَا درت ... وَأَيْنَ مَكَاني مَا عرفن مَكَاني) يسلم على الْمقَام المولوي سَلام الْعُبُودِيَّة الثَّابِتَة الرَّسْم، ويتطارح على تَقْبِيل ذَلِك الْبسَاط، بِالروحِ قبل الْجِسْم، ويسل الله لكم وَنور الْحَظ من السَّعَادَة وَالْقسم، ويطالع بِأَنَّهُ انْصَرف بنية الرحيل إِلَى مراكش إِلَى، وأهم الْأَغْرَاض أَن يلْتَمس الدُّعَاء بمقام الْأُبُوَّة، من الْمُشَاهدَة الْمَشْهُورَة، بِقبُول السُّؤَال، المتكفلة ببلوغ الآمال، فَلَمَّا توَسط تامسنا، شعر بالضعف عَن الْحَرَكَة، وأحس بِأَسْبَاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 الْمَرَض مُنْفَرِدَة ومشتركة، فانكفأ رَاجعا، مستعينا بِاللَّه وببركة الْمولى الَّذِي عرفت رَحمته، وغمرت فِي الظعن وَالْإِقَامَة نعْمَته، خوفًا من ألم يتحكم، أَو مرض يسري فِي هَذِه البنية الضعيفة ويلحم، وَنَرْجُو الله أَن يَقْتَضِي لكم الدُّعَاء من هَذَا الْوَلِيّ الَّذِي من الله بجواره، وَجعله من بَرَكَات هَذَا الْبَلَد وآثاره، إِلَى أَن يتيح نشاطا مستأنفا للحركة الَّتِي كَانَ قد أزمعها، وييسر الأعانة، ويسوغ مشرعها. وَقد كَانَ العَبْد عني برحلة، تصف المراحل والمنازل، وَالْحَادِي والنازل، والجاد والهازل، مطرزة باسمكم السعيد مشرقة باسمكم الحميد. حَسْبَمَا يتضمنه أفذاذ بعث العَبْد شَيْئا من فصولها وفروعها وأصولها، تقرر أَن الْحَرَكَة والسكنة بِالْخدمَةِ معمورة، وَالنَّفس مسخرة فِي التمَاس رِضَاء الْمولى أيده الله ومأمورة، وَهُوَ جلّ وَتَعَالَى الْمعِين على لَازم الْعُبُودِيَّة بجلالتكم المولوية. وَالسَّلَام الْكَرِيم الْمُبَارك العميم، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 كتب الدعابات والفكاهات فَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أَبَا زيد بن خلدون [وَقد اشْترى بكرا من بَنَات الرّوم مولدة اسْمهَا هِنْد وأعرس بهَا] (أوصيك بالشيخ أَبَا بكرَة ... لَا تأمنين فِي حَالَة مكره) (واجتنب الشَّك إِذا جِئْته ... جَنْبك الرَّحْمَن مَا تكره) سَيِّدي، لَا زلت تتصف بالوالج بَين الخلاخل والدمالج، وتركض فَوْقهَا ركض الهمالج. أَخْبرنِي كَيفَ كَانَت الْحَال، وَهل حطت بالقاع من خير الْبِقَاع الرّحال، وَأحكم بمروود المراودة الاكتحال، وارتفع بالسقيا الإمحال، وَصَحَّ الانتحال، وحصحص الْحق، فَذهب الْمحَال. وَقد طولعت بِكُل بشرى وَبشر، وزفت هِنْد مِنْك إِلَى بشر، فَللَّه من عَشِيَّة تمتعت من الرّبيع بفرش موشية، وابتذلت مِنْهَا إِلَى وساد وحشية، وَقد أقبل ظبى الكناس من الديماس، ومطوق الْحمام من الْحمام، وَقد حسنت الْوَجْه الْجَمِيل النظرية، وأزيلت عَن الْفَرْع الأثيت الأبرية، وصقلت الخدود فَهِيَ كَأَنَّهَا الأترية، وسلط الدَّلْك على الْجُلُود، وأعزيت النورة بالشعر الْمَوْلُود، وعادت الْأَعْضَاء يزنق عَنْهَا اللَّمْس، وَلَا تنالها الْبَنَات الْخمس، والسحنة يجول فِي صفحتها الفضية مَاء النَّعيم والمسراك يُلَبِّي من ثنية التَّنْعِيم، وَالْقلب يرْمى من الْكَفّ الرقيم، بالمقعد الْمُقِيم، وَينظر إِلَى نُجُوم الوشم، فَيَقُول إِنِّي سقيم، وَقد تفتح ورد الخفر، وَحكم لزنجي الظفيرة بالظفر، واتصف أَمِير الْحسن بالصدود المغتفر، ورش بِمَاء الطّيب، ثمَّ أعلق بِهِ دُخان الْعود الرطيب، وَأَقْبَلت الغادة يهديها الْيمن، وتزفها السَّعَادَة، تمشي على استحياء، وَقد ماع طيب الريا، وراق حسن الْمحيا، حَتَّى إِذا نزع الْخُف، وَقبلت الأكف وصخب الزمر، وتجاوب الدُّف، وذاع الأرج، وارتفع الْحَرج، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وتجوزوا اللوا والمنعرج. وَنزل على بشر بزيارة هِنْد الْفرج، اهتزت أرضه وربت، وعوصيت الطباع البشرية فَأَبت، وَللَّه در الْقَائِل: (وَمَرَّتْ وَقَالَت مَتى نَلْتَقِي ... فهش اشتياقا إِلَيْهَا الْخَبيث) (وَكَاد يمزق سرباله فَقلت ... إِلَيْك يساق الحَدِيث) فَلَمَّا انسدل جنح الظلام، وانتصفت من غَرِيم الْعشَاء الْأَخِيرَة فَرِيضَة الْإِسْلَام، وخاطت خيوط الْمَنَام عُيُون الْأَنَام، تأتى دنو الجلسة، ومسارقة الخلسة، ثمَّ عض النهد، وَقبلت الْفَم والخد، وارسال الْيَد من النجد إِلَى الوهد، ثمَّ كَانَت الإمالة قَلِيلا قبل الْمَدّ، ثمَّ الْإِفَاضَة فِيمَا يغبط ويرغب. ثمَّ الإماطة لما يشوش ويشغب، ثمَّ إِعْمَال الْمسير إِلَى السرير. (وسرنا إِلَى الْحسنى ورق كلامنا ... ورضت فذلت صعبة أى إذلال) فاستقرت على موطإ مَالِكهَا، وأصبهانى مسالكها، وَمُقْتَضى فذالكها بعد مُنَازعَة للأطواق يسيرَة، يَرَاهَا الغيد من السِّيرَة، ثمَّ شرع فِي حل التكة، وَنزع السِّكَّة، وتبينت الأَرْض العوار عمل السِّكَّة، ثمَّ وَقع الوحى والاستعجال، وَحمى الْوَطِيس والمجال، وعاك الْجُزْء الْخَفِيف، وتضافرت الخصور الهيف، وتشاطر الطَّبْع الْعَفِيف، ثمَّ تَوَاتر التَّقْبِيل، ثمَّ كَانَ الْأَخْذ الوبيل، وامتاز الأنوك من النَّبِيل، وَمِنْهَا جَائِر وعَلى الله قصد السَّبِيل، فيالها من نعم متداركة، ونفوس فِي سَبِيل القحة متهالكة، وَنَفس يقطع حُرُوف الْحلق، وَسُبْحَان الذى يزِيد فِي الْخلق. وعظمت الْمَانِعَة، وَكَثُرت بِالْيَدِ عَن الْموضع الْمُعْتَمد المصانعة، وَطَالَ التراوغ والتزاور [وشكى التجاور] وَاشْتَدَّ القلق والتضاور، فهنالك تخْتَلف الْأَحْوَال، وتعظم الْأَهْوَال، وتخسر أَو تربح الْأَمْوَال، فَمن عَصا عسطوس تنْقَلب ثعبانا مُبينًا، وبدنه تصير تنينا، وَبَطل لم يهله المعترك الهايل، وَالوهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 الزايل، وَلَا حَال بَينه وَبَين قَرْيَة الحايل. فتعدى فتكه السليك إِلَى فتكة الفراض وتقلد مَذْهَب الْأزَارِقَة من الْخَوَارِج فِي الأعتراض، واتصف بِصفة الساخط، وَهُوَ الراضى، ولوح فِي ميدان السرير بالحسام الطرير، ولف فِي ملعب الأوطار بالقنا الخطار، ثمَّ شقّ الصَّفّ، وَقد خضب السَّيْف والكف، بعد مَا كَاد يُصِيب البرين بطعنته، ويبوء بمقته ولعنته ... . طعنت ابْن عبد الْقَيْس طعنة ثاير لَهَا نفذ لَوْلَا الشعاع أضاها، [وهنالك هدأ الْقِتَال، وَسكن الخيال وَوَقع المتوقع فاستراح] البال، وتشوف إِلَى مَذْهَب التنويه من لم يكن ليمر لَهُ التَّوْحِيد ببال، وَكثر السُّؤَال عَن المبال بهَا فَقَالَ: (وَإِن تعدّدت اللَّذَّات واطردت ... فَلَيْسَ يعدل شَيْء لَذَّة الظفر) [وَلم يجربوا للحروب] صَرِيعًا أشْفق من صريع السرير على من صرعه، نصب الْيَد الذايل وشرعه حَتَّى أضرعه. فيكثر مَا ينشد، وَنَفسه قد خلت، وَقواهُ قد انجلت، ونظرة عَيْنَيْهِ قد اختلت: (خليلي هَل أبصرتما أَو سمعتما ... قَتِيلا بَكَى من حب قَاتله مثلى) وَيَقُول: وَقد نظر إِلَى دَمه يسيل على قدمه: (أَنى لَهُ عَن دمي المسفوك معتذر ... أَقُول حَملته فِي سفكه تعبا) وَمن سِنَان غَادَرَهُ عِنْد الْحَاجة عنانا، وشجاع صَار مدانا جَبَانًا، كلما شابته رايبة شيبَة، أَدخل يَده فِي جيبه، فانحجرت الْحَيَّة، وَمَاتَتْ الغريزة والحية [فَكَأَنَّهُ سلحفاة أغمدت ورأسها جحدت] فَكَأَنَّهُ يزِيغ الْبَصَر، ويخذل الْمُنْتَصر، وتسلم الْأجر، ويغلب الْحصْر، ويجف اللعاب، ويخفق الْفُؤَاد، ويكبو الْجواد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 ويسيل الْعرق، وتجري فِي غير مَحَله المرق، ويعظم الكرب ويشتد الأرق، وينشأ فِي مَحل الْأَمْن الْفرق، وَيدْرك فِرْعَوْن الْغَرق، وَيُقَوِّي اللجاج، ويعظم الْخرق، فَلَا يزِيد الْحَال إِلَّا شدَّة، وَلَا تعرف تِلْكَ الْجَارِحَة المومنة إِلَّا ردة: [ (إِذا لم يكن عون من الله للفتى ... فَأكْثر مَا يجني عَلَيْهِ اجْتِهَاده) فكم مُغْرِي بطول اللّّبْث، وَهُوَ من الكيد والخبث، يؤمل الكرة ليزيل المعرة، ويستنجز الْوَعْد، ليستأنف السعد، ويستنفر الخيال، وَيعْمل بِالْيَدِ الاحتيال] . (إِنَّك لَا تَشْكُو إِلَى مصمت ... فاصبر على الْحمل الثقيل أَو مت) ومكثر اللثم وَالضَّم، والعض والشم يَدْعُو فِي خلل هامد، وَيضْرب فِي حَدِيد بَارِد: (لقد ناديت لَو أسمعت حَيا ... وَلَكِن لَا حَيَاة لمن تنادي) وَكم معتذر بِمَرَض أَصَابَهُ، جرعه أوصابه، ووجع طرقه جلب أرقه، ومغضب يُقَلّد للمانعة الذَّنب، ويطوقها العتب، وخطيب أرتج عَلَيْهِ أَحْيَانًا، فَقَالَ سيحدث الله بعد عسر يسرا، وَبعد عي بَيَانا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من فضايح الْفروج، إِذْ استغلقت أقفالها، وَلم تتسم بالنسيم أغفالها، وَمن معرات الأقدار، والنكول عَن الْأَبْكَار، وَمن النُّزُول عَن الْبُطُون والسرر، والجوارح الحسان العزر، قبل ثقب الدُّرَر، وَمن سَواد الْوَجْه إِذا بكرت الْوُجُوه، ونالت النُّفُوس من إطراء العادين والمهنين مَا ترجوه، وَلَا تجعلنا مِمَّن يستحي من الْبكر بِالْغَدَاةِ، وَيعلم مِنْهُ كلال الْجد، وَضعف الأداة، هَذَا مجَال فَضَح فِيهِ رجال، وفراش تنكبت فِيهِ أوجال، وأعملت روية وارتحال. فَمن قايل: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 (أرفعه طورا على أُصْبُعِي ... وَرَأسه مُضْطَرب أَسْفَله) (كالحنش الْمَقْتُول يلقى على ... عود لكَي يطْرَح فِي مزبله) وَقَالَ: (عدمت من إيرى قوي حسه ... يَا حسرة الْمَرْء على نَفسه) (ترَاهُ قد مَال على أَصله ... كحائط خر على أسه) وَقَائِل: (أيحسدني إِبْلِيس فَأَيْنَ أصبحا ... برجلي ورأسي دملا وزكاما) (فليتهما كَانَا بِهِ وأزيده ... رخاوة أير لَا يُطيق قيَاما) (إِذا نهضت للنيك أَرْبَاب معشر ... توسد إِحْدَى خصيتيه وناما) وَقَالَ: (أَقُول لَا يرى وَهُوَ يرقب فتكه بِهِ ... خبت من أير وغالتك داهية) (إِذا لم يكن للأير بخت نعذرت ... عَلَيْهِ وُجُوه ... من كل نَاحيَة) وَقَائِل: (تعقب فَوق الخصيتين كَأَنَّهُ ... رشا إِلَى جنب الرَّكية ملتف) (كفرخ ابْن ذِي يَوْمَيْنِ يرفع رَأسه ... إِلَى أَبَوَيْهِ ثمَّ يُدْرِكهُ الضعْف) وَقَائِل: (تكرش أيري بعد مَا كَانَ أملسا ... وَكَانَ غَنِيا من قواه فأفلسا) (وَصَارَ جوابي للمها أَن مررن بِي ... مضى الْوَصْل إِلَّا منية تبْعَث الأسا) وَقَائِل: (بنفسي من حييته فاستخف بِي ... وَلم يخْطر الهجران يَوْمًا على بَال) (وقابلني بالهزء والنجه بعد مَا ... حططت بِهِ رجْلي وجردت سربال) (وَمَا ارتجى من مُوسر فَوق دكة ... عرضت لَهُ شَيْئا من الحشف البال) هموم لَا تزَال تبْكي، وَعلل على الدَّهْر تشكى، وَأَحَادِيث تقص وتحكى، فَإِن ذَلِك الْعُضْو على شهرته، وَعظم قدرته، يستمد من الْميرَة، وحركته لَا تقوم إِلَّا بالمؤن الْكَثِيرَة، من حَيا يرْتَفع، وبلادة بهَا فِي الْغَالِب ينْتَفع، وفكر يعْقد، وشبق على اصله يعْقد، ورياح تنفخ، ورطوبة ترضخ، وعضل شَدِيد، وَعمر جَدِيد، ومزاج فِي عرض الجو، طَوِيل مديد، وَهُوَ غير مُطَاوع للإرادة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وَلَا معط للقادة، خَبِيث وقاح، شامت نضاح، كم نقض من وَقت، وجلب من مقت، لَا يستصلح بالتعليم، وَلَا يرد عَن مرتكبه الذميم، بالْقَوْل الْأَلِيم، وَلَا يغلب إِلَّا بمقام الرِّضَا وَالتَّسْلِيم: (حكمُوا فَلَا أحلى من التَّسْلِيم ... وأدر رحيق فُؤَادِي الْمَخْتُوم) (مبرد بِهِ الأحشاء من نَار الجوى ... وانضح لهيب فُؤَادك المكلوم) (مَا قَابل التَّسْلِيم نَار صبَابَة ... إِلَّا إِلَّا انْثَنَتْ فِي حَال برد نعيم) فَإِن كنت أعزّك الله من النمط الأول، فقد جنيت الثَّمر، واستطبت الثَّمر، وتلوت أول وردك، اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر، فاستدع الأبواق من أقْصَى الْمَدِينَة، واخرج على قَوْمك فِي لِبَاس الزِّينَة، واستعد كرْسِي الْقعُود، والقبقاب من المدهون الْمَشْهُود، واستبشر بالوفود، وَعرف المسمع عارفة الْجُود، وتبجح بصلابة الْعود، وإنجاز الوعود، واستمتع بالشهود واجن رمان النهود، من أَغْصَان القدود، وانس من الشُّعُور السود عباسية البنود، واقتطف ببنان اللثم أفاح الثغور، وَورد الخدود. وَإِن كَانَت الْأُخْرَى، فأخف الكمد، وَارْضَ بالثمد، وانتظر الأمد، واكذب التوسم، وَاسْتعْمل التبسم واستكتم النسْوَة، وأفض فِيهِنَّ الرِّشْوَة، أَو تقلد المغالطة وارتكب، وَجِيء على قَمِيصك بِدَم كذب، واستنجد الرَّحْمَن، واستعن على أَمرك بِالْكِتْمَانِ: (لَا تظهرن لعاذل أَو عاذر ... حاليك فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء) (فلرحمة المتفجعين مرَارَة ... فِي الْقلب مثل شماتة الْأَعْدَاء) وانتشق الأرج، وارتقب من جَانب الْفرج الْفرج، فكم غمام طبق وَمَا هما، وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رما. وأملك بعْدهَا عنان نَفسك، حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 تمكنك الفرصة، وترفع إِلَيْك الغصة، وتثقب الفرصة، وَلَا تشره إِلَى عمل لَا تفي مِنْهُ بِتمَام، وَخذ عَن إِمَام، وَللَّه در عُرْوَة بن حزَام: (الله يعلم مَا تركت قِتَالهمْ ... حَتَّى رموا مهري بأشقر مُزْبِد) (وَعلمت أَنِّي إِن أقابل دونهم ... أقتل وَلَا يضرر عدوي مشْهد) (ففررت عَنْهُم والأحبة فيهم ... طَمَعا لَهُم بعقاب يَوْم مُفسد) واللبانات تلين وَتجمع، المآرب تَدْنُو وتنزح، وتخور ثمَّ تسمح. وَكم من شُجَاع خام ويقظ نَام، وَدَلِيل أَخطَأ الطَّرِيق، وأضل الْفَرِيق. وَالله عز وَجل يَجْعَلهَا خلة مَوْصُولَة، وشملا أكنافه بِالْخَيرِ مشمولة، وبنية أَرْكَانهَا لركاب الْيمن مأمولة، حَتَّى تكْثر خدم سَيِّدي وجواريه، وأسرته وسراريه، وتصفو عَلَيْهِ نعْمَة باريه، مَا طورد قنيص، واقتحم عيص، وَأدْركَ مرام عويص، وَأعْطى زاهد، وَحرم حَرِيص، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أَبَا إِسْحَاق ابْن الْحَاج على لِسَان قَاضِي الحضرة أبي الْحسن سَيِّدي، جعل الله أكوار العمائم تتضاءل لكور عمامتك، والنفوس الطامحة الهمم على اخْتِلَاف الْأُمَم، تقر بِوُجُوب إمامتك، وسر الْإِسْلَام باتصال سلامتك، وتبرأ الملا من ملامتك، وصلتني رِسَالَتك الَّتِي أخبت فِي ميدان البلاغة فأوضعت، وأخلاف الْفُنُون ارتضعت، وعَلى ارْتِفَاع الْقدر اتضعت، وَوضعت الْحِكْمَة المشرقية بنت سَاعَة وَالله أعلم بِمَا وضعت، لَكِنَّهَا تنافست الْجَوَارِح، كَمَا غصت بنعمها المسارح، وتعارض السائح والبارح والرامز والسارح فِي صلت الْإِذْن على المغنا، وأنجبت من اللَّفْظ البديع بأعذب المنا، واستولت الْعين من الْخط على الْحسن الْبعيد الشط، ونتيجة مَا أودع الْبَارِي بَين مقدمتي الْبري والقط، وعظمت حسرة الْخلق، إِذْ بَقِي بَابه مسدودا، وَأصْبح سلكه من المسالك المنافذة معدودا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وَاشْتَدَّ أَسف الضرس إِذا أَصبَحت أرْضى طواحنه عاطلة، وسحاب الدّين عَلَيْهَا غير هاطلة، ومذاهبها بَاطِلَة، ومواعيد بالمضغ ماطلة، وماضر سَيِّدي وَالله يَقِيه الضّر، ويحفظ منصبه الْحر، وبحره الَّذِي يقذف الدّرّ، أَن لَو ضَاعَت الطول، وَجمع الْفِعْل وَالْقَوْل، فَوجه من الْكَتَّان، مَا يثقل ظهر الأتان، وَمن الزَّيْت، مَا يمْلَأ ركن الْبَيْت، وَمن الدَّجَاج وَالْعَسَل المجاج، مَا يتكفل بصلاح المزاج، وَمن الأترج والليم، مَا يخل بحلم الْحَلِيم، فجانب الْوَرع عَن هَدِيَّة سَيِّدي، لَا يضيق، فَهُوَ الرفيق الشَّقِيق، وَالْعدْل الَّذِي وضح من فَضله الطَّرِيق. وَأما أَن لَا يكون حَظّ وليه إِلَّا نقر لَا تدفع فقرا، وألفاظ لَا تذْهب وقرا، وحلة يجوع من حل بهَا ويعري، وبحر لَا يجد الغائص لَهُ قعرا، فَأمر يُنكر على المجادة التميمية، والمثابة الْحكمِيَّة، مَعَ أَن الإقليم، لم تزل ترفد هَذِه الخطة كلما وصلت وَتصْلح صلَاتهَا إِذا سهت، وَلَا مرفقتها مَا أمرت وَلَا نهدت، وَلَا أكلت مَا اشتهت، فَليُرَاجع سَيِّدي عَادَة الْكَرم، وَلَا يحْسب الشَّحْم فِي الورم، وَالله يطلع من تلقائه على الأدقة، الَّتِي تضيق عَن أحمالها عراض الْأَزِقَّة، والعسول المتكفلة بالسول، وَالزَّبِيب الَّذِي يسر قلب الحبيب، والأجبان الَّتِي تشجع قلب الجبان، والجدبان الَّتِي تردي بالْخبر عَن العيان، وَالْبيض الَّذِي تشهد بالفيض، وَالزَّيْت الَّذِي يخلف حَيَاة الْمَيِّت، وَالله يبقي سَيِّدي للقضاة زيتا، وَفِي الْعلمَاء عينا، ويفضي بجودك على الدَّهْر، الَّذِي سمح بجوده دينا، وَالسَّلَام عَلَيْهِ مَا استمح جواد، وأطرف بالفكاهة فؤاد، وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مخاطبته أَيْضا إِذْ هُوَ الْيَوْم فَارس الميدان، وَصدر هَذَا الشَّأْن (يَا قَاضِي الْعدْل الَّذِي لم تزل ... تمتاز شهب الْفضل من شمسك) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 (قعدت للإنصاف بَين الورى ... فاطلب لنا بالإنصاف من نَفسك) مَا للْقَاضِي أبقاه الله، ضَاقَ ذرع عدله الرحب عَن الصحب، وصم عَن العتب، وضن على صديقه حَتَّى بالكتب، ابْن الْمُدَوَّنَة الْكُبْرَى ارْتكب هَذَا التَّخْرِيج، أم من المبسوطة ذهب إِلَى هَذَا الْأَمر المريج. أم من الْوَاضِحَة امْتنع عَن الْإِلْمَام بِرَفْع الوفا والتعريج. وَمن أمثالهم إِذا ولى أَخُوك فاقنع بعشروده، وَقد قنعنا نَحن وَالْحَمْد لله بِحَبَّة من مده، وإيثارة من دَرَجه وبده، وَسَاعَة معتدلة من زمَان بُلُوغ اشده، فَمَا باله يمطل مَعَ الْغِنَا، ويحوج إِلَى العنا مَعَ قرب الجنا، المرحلة مرحلة طالع وخامع، ومطمع طامع، ومرأى رَاء وَسمع سامع، والكنف، وَاسع وَالْمَكَان لاناء وَلَا شاسع، والضرع حافل، والذرع كَاف كافل، والقريحة وارية الزند، والإمامة خافقة البند، وهب الْبُخْل يَقع بِمَا فِي الخوان على الإخوان، فَمَا باله يَقع بالبنان، أعيذ سَيِّدي من ارْتِكَاب رَأْي ذميم، يُؤَيّد بَيت القطافي تَمِيم، ويعضد مَعْنَاهُ بتشميم، وهلا تَلا حَامِيم، وعهدي بالسيادة القاضوية، قد نَامَتْ فِي مهاد الترف، نوم أهل الْكَهْف، وَلم تبل بمدد الويل واللهف، أَو شربت لحفظ الصِّحَّة بختجا، ودقت لإعادة الشبيبة عفصا ورد وردسختجا، وغطت على الصُّبْح بِاللَّيْلِ إِذا سجا، ومدت على ضاحي الْبيَاض ظلا سجسجا، وَردت سوسن الْعَارِض بنفسجا، وَلبس بحرها الزاخر ثوبا من طحلب الْبر منشجا، وَأحكم الْعِمَامَة، وصديق الْمَرْأَة ينصح ويرشد، وَينظر فِي المحاسن وينشد، حَتَّى حسنت الدارة، وَصحت الاستدارة، وَأَعْجَبهُ الْوَجْه الْجَمِيل، وَالْقد الَّذِي يمِيل [فِي دكة الدَّار ويميل، فاعرى السِّوَاك التتميم والتكميل ووشج بَين شفري سَيِّدي الْميل] وَقيل لوضاح الْيمن خَابَ فِيك التأميل، وامتد جنَاح برنس الشرق، واحتفل الْغُصْن الرطيب فِي ناضر الْوَرق، ورش الْورْد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 مَاؤُهُ عَن رشح الْعرق، وتهيأ للمنطلق، وقرأت عَلَيْهِ نسَاء أعوانه، وكتبة ديوانه سُورَة العلق، من بعد مَا أوقف الأملين الْحجاب على أَقْدَامهم، وكفهم الخذلان عَن أَقْدَامهم، فمثلوا وَاصْطَفُّوا، وتألفوا والتفوا، [وداروا وحفوا] وَمَا تسللوا وَلَا خفوا، كَأَنَّمَا أسمعتهم صَيْحَة النشر، أَو خَرجُوا الأول الْحَشْر، فعيونهم بملتقى المصراع معقودة، وأذهانهم لمَكَان الهيبة، وحفالاتهم قبل الطّلب بهَا منقودة، فعندما فرش الوساد، وارتفع بالنفاق الكساد، وذاع الكبا، وتارج الجساد، واستقام الْكَوْن وارتفع الْفساد. وأرجعت أرداجها الأجساد، جَاءَت السِّيَادَة فَجَلَست وتنعمت الأحداق بِالنّظرِ الَّذِي اختلست، وسمحت الأكف حَتَّى أفلست، وزانت الشَّمْس ذَلِك الْفلك وجلت الْأَنْوَار الحلك، فتحت الْأَبْوَاب، وَقَالَت هيت لَك، ووقفت الْأَعْيَان سماطين، ومثلوا خُفَّيْنِ. وتشكلوا مجرة تَنْتَهِي إِلَى البطين، يعلنون بالتفدية ويجهرون، لَا يعصون الله مَا أَمرهم، ويفعلون مَا يؤمرون، من كل شهب ثاقب، وطايف غَاسِق واقب، وملاحظ مراقب، كميش الْإِزَار، بعيد المزار، حَامِل للأوزار، خصيم مُبين، ووارث سوفسطها عَن رنين، مطلع بِفقه البير وحريمها، فضلا عَن تلقين الْخُصُوم وَتَعْلِيمهَا، أسْهم العريف المقرب، والمقدم المدرب، والمشافه الْمُبَاشر، والنابح الكاشر، والمنهج الْعَاشِر، الَّذِي يَقْتَضِي خلاص العقد، وَيقطع فِي الكاي والنقد، ويزكى ويجرح ويمسك الْمُثبت أَو يطْرَح، ويجمل ويشرح، والمسيطر الَّذِي بِيَدِهِ ميزَان الْوَرق، وَجمع الْأجر المفترق، وكفه قَابِلَة رحم الدواة الفاغرة، ورشا بلالة الصُّدُور الواغرة، فَإِذا وقف الخصمان بأقصى مطرح الشعاع، وأفأى مجمع الرعاع، واعلنا الندا، وَطلب الأعدا، وصاحا جعل الله أَنْفُسنَا لَك الفدا، وَرفع الْأَمر، إِلَى مقطع الْحق، وَالْأولَى بالمثابة الأحق، أخذتهما الْأَيْدِي دفعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 فِي القفى، ورفعا لستر اللطف الْخَفي، وإمساكا بِالْحجرِ والأكمام، ومنعا للمباشرة والإلمام واستنطاقا عِنْد الْأَخْذ بالْكلَام، وإسكاتا عِنْد صريف الأقلام فَإِذا أدلى بحجته من أدلى، وسعهما دينه عدلا، وَحقّ القَوْل، وَاسْتقر الهول، وَوَجَبَت الْيَمين أَو الْأَدَاء الَّذِي يفوت لَهُ الذخر الثمين أَو الرَّهْن أَو الضمين، أَو الاعتقال، الَّذِي هُوَ على أَحدهمَا الْأمين، نهش الصل، الَّذِي سليمه لايبل ولسبت العقارب الَّذِي لَا يفلتها الهارب، وَلَا تنجى مِنْهَا المسارب. وَكم تَحت الظلام من غرارة يحملهَا غر، وحرة ريح فِيهَا صر، وسهد فِي انْتِظَار قلَّة شهد، وكبش يجر تَارَة بروقيه، وَيدْفَع بعد رفع سَاقيه، ومعزى وجدي وقلايد هدى، وسرب دَجَاج ذَوَات لجاج، يقضحن الطارق، ويشيعن المفارق، فَمَتَى يستفيق سَيِّدي مَعَ هَذَا اللَّغط، العايد بالصلة، واللهى الْمُتَّصِلَة. أَو تتفرع يَده الْبَيْضَاء لأعمال ارتياض، وَخط سَواد فِي بَيَاض، أَو حنين لدوح أَو رياض، أَو إمتاع طرف، باكتئاب حرف أَو إِعْمَال عدل لرَسُول فِي صرف، أَو حَشْو طرب يتحفه ظرف، شَأْنه أَشد استغراقا، وميوله أَكثر طراقا، من ذكر حبيب ومنزل، وَأم معزل، وَكَيف يستخدم الْقَلَم الَّذِي يصارف مَاء الحبر يذوب التبر فِي ترهات عدم جناها، وأقطع جَانب الخيبة لَفظهَا وَمَعْنَاهَا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تحصل النَّفس على كِفَايَة تختم لَهَا الصرر، وتشام من خلالها للجين الْغرَر، أَو تحن النَّفس إِلَى الفكاهة والأنس، وَينْفق لَدَيْهَا ذمام الْإِبْقَاء على الْجِنْس، فَرُبمَا تقع المخاطبة المنزورة، وتبيح هَذَا المرتكب الصعب للضَّرُورَة، والمرغوب من سَيِّدي القَاضِي أَن يذكر بؤسنا بالإغفال عِنْد نعيمه، وَلَا يخيب آمالنا الْمُتَعَلّقَة بأذيال زعيمه ويسهمنا حظا من فوايد حَظه، لَا من فوايد خطته، وَيجْعَل لنا كفلا من فضل بريته وفطنته، لَا من فضل بعره وقطته، فقد غنينا عَن الحلاوات، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 بحلاوة لَفظه، وَعَن الطّرف الْمَجْمُوعَة، بفنون حفظه، وَعَن قصب السكر، بقصب أقلامه، وَعَن جنى الدوم بداومه، وبهديه عَن جديه، وبمحاجته عَن دجاجته، وَبدر لجه عَن أترجه، وَعَن الْبر ببره، وَعَن الْحبّ بحبه، وَلَا نأمل إِلَّا طُلُوع بطاقته، وَقد رَضِينَا بِجهْد طاقته، وَإِلَّا فَلَا بُد أَن نحشد جَيش الْكَلَام إِلَى عَتبه، ونوالي الكتايب، حَتَّى يَتَّقِي بضريبة كتبه. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي سَبِيل الدعابة فِيمَن تزوج قَيْنَته كتبت أغبطك، أعزّك الله، بتسويغ اللَّذَّات، وتسنى طيب الْحَيَاة، ولباس خلع الخلاعة، وَلَو قَامَت السَّاعَة، فَإِنَّمَا الْإِنْسَان بيومه لَا بقَوْمه، وبوقته لَا بالمبالات بمقته، وأدعو الله أَن يجزك أجرتك، ويتقبل هجرتك، ويؤمن من الشُّرُوط حجرتك، ويعطف على محلك قُلُوب الفتيان، وَيَدْعُو بهم للإتيان، وَيقطع بشهرة قينتك حظوظ القيان، ويسلبك الْغيرَة الَّتِي تفْسد الْعشْرَة، وَتكشف القشرة، وَكَأَنِّي بك أعزّك الله، وَقد ظهر بِوَجْهِك سعفة النَّبِيذ، وتفطر لَهَا وَجهك تفطر الجدي الحنيذ، وأصابت أسنانك الْحَضَر، وريحك البخر، وعينك السّتْر، وشعرك الحزاز، ويدك الكزاز، وأصبحت مخمورا، مَنْهِيّا عَن عِيَالك مَأْمُورا، وَقد أغلقت عمامتك بسروالك، وسدلت القشرة الْبَيْضَاء على أسمالك، وَقَعَدت بركَة بابك، تتلقف العيادة، وتعترض السِّيَادَة، وَتعين للْوَقْت الزِّيَادَة، فَإِذا اقتضيت النَّقْد من الخرج، ودللت الفحول على المرج، وخطبت لمشاهدة الرقص والدرج، نهضت لشرامون فحولك، وَمَا يتكل بسولك، من طرواة تصقل الْعشْرَة وتنقيها، ولخلخلة يستر رَائِحَة الْإِبِط وتخفيها، وسنون يطيب الْفَم، ويوافق الشم، وضماد يشد الثدي إِذا ذبل، وبرزجة تمنع الْحمل، وحشوت جيبك أوتارا، وأعددت دستانا ثَانِيًا وَحِمَارًا، وشاركت على الْمُرَابَحَة خمارا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وَبسطت نطع الْقعُود، واعددت لإيداع الْفتُوح غشا الْعود، وترددت إِلَى الْبَاب، توقعا لإخلاف الوعود، فأقسم عَلَيْك يَا سَيِّدي أَن لَا تغفلنا من بالك، وَلَا تنسنا من حرامك الْمُصحف [أَو حلالك، وأسهمنا] فِي فضل تجارتك. وعيى جعالتك وإجارتك، وَاضْرِبْ لنا بِخَط عِنْد قسم مَا فِي طنجارتك. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة بعض الْأَطِبَّاء بِمَا يظْهر من الْغَرَض أبثك يَا أحب الأحباء، أطرف الأنباء، من حَدِيث الْأَطِبَّاء، وَذَلِكَ أَن لي أَيَّامًا ثَلَاثَة، أعاني مَا أعاني، من الْأَلَم الَّذِي شريني وأرتعاني، فَأَما قوتي فواهية، فِي دَرَجَات الضعْف متناهية، وَأما أفكاري فمتبلدة متناهية، وَأما آلام الْفُؤَاد فَمَا أدريك مَاهِيَّة، فَإِذا دخل الْقَوْم حيو وقعدوا، وصوبوا فِي الهذر وصعدوا، وَرُبمَا امتدوا طوع تعديهم، إِلَى تنَاول الرّقاع والكراريس بِأَيْدِيهِم، يدرسون أسطارها سرا، ويكفون، ويكبون عَلَيْهَا إكبابا مستمرا، فَإِذا ملوا نهضوا على جادة أُخْرَى واستقلوا، فأفاضوا فِي التَّوْرَاة وَالزَّبُور، والتلمود والعبور، وَغير ذَلِك من فُصُول الْأُمُور. وَلَقَد أتحامل الخلا، والضعف ظَاهر الاستيلا، ومجالس السهل مترادفة الولا، فيذهلون عَمَّا ألاقيه من العفا، إِلَى أَن ينتصف الْيَوْم، وبريبهم التثاؤب وَالنَّوْم، فَحِينَئِذٍ يَتَحَرَّك الْقَوْم، وَوَاللَّه مَا أعملوا فِي العلاج قولا، وَلَا نظرُوا خرا وَلَا بولا، وَلَا قعدوا وَلَا شعروا هَل أَنا مَرِيض أم لَا، وَمَا ضرّ لَو أَشَارَ مِنْهُم المشير بعلاج، أَو أخذُوا للمذاكرة فِي نتاج، حَتَّى يقيموا رسم الصِّنَاعَة، ويأنفوا لَهَا من طَرِيق الإضاعة، أَو يعدلُوا هَوَاء، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 أَو يبدلوا سَبِيلا سَوَاء، أَو يجلب أحدهم من الخزانة السُّلْطَانِيَّة دَوَاء. إِنَّمَا هِيَ عَادَة الْأَيَّام، وَعدم الاهتمام، وتعدي طرق الْكِرَام. فَإِذا وَقعت الهفوة، عتبوا وشافهوا [وَكَتَبُوا] كَأَنِّي لست مَوْضُوعا إِلَّا لشكوى دهر. وتعزير صَخْر أَو تمر أَو بكاء هم، أَو السباحة للفضول فِي يم، وَإِن قَالُوا قدرك سنىء. وَأَنت عَن نَظرنَا غنى، فَأَنا عَن الزِّيَارَة مني إِلَى العلاج وَعَن الْأَصَالَة الخارقة للسياج مني لصلاح المزاج، قدرت لَك عُذْري لتقوم فِيهِ بحجتي، وإيضاح محجتي، لَا زلت متحليا من الْإِنْصَاف، بأجمل الْأَوْصَاف، وَالسَّلَام المتعاهد بالألطاف، والرحمات الدانيات القطاف يخصك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مُخَاطبَة ابْن جبور الْوَالِي بمكناسة فِي بعض الْأَغْرَاض شاع، أعزّك الله، على أَلْسِنَة أَصْحَابك مِمَّن عرف نبله وعقله، وَصَحَّ فِي الْأَخْبَار نَقله، أَنَّك جواد الْوَقْت، الآمن المقت، وَأَنَّك مجلى التخت، ومفيد البخت، ومأوى الضَّيْف، فِي الشتَاء والصيف، وَأَنا مَا علمت ضيف الْكِرَام حَيْثُ حللت، ونزيل الأجواد مَتى نزلت، أرحل عَنْهُم، وَالثيَاب تضيق بهَا الْعباب، والجياد يجنبها القياد، والصرر قد أشرقت مِنْهَا الْغرَر، حرصا على ثَنَاء يخلد، وَمعنى يُقَلّد، ودولة تجلى بالمكارم [ومروة تحل عَلَيْهَا] ضرب المغارم، فَبت بجوارك لَيْلَتَيْنِ، أكلت فيهمَا من زادي، وشربت من مَاء الْوَادي، وَجعلت الأَرْض مهادي، وَطَالَ لأجل البراغيث سهادي. وَلَقَد سَأَلَني الْوَزير أبقاه الله عَن طريقي، ورفيقي وفريقي، وأجملت الْمُفَسّر، وألممت من الْكَذِب بِمَا تيَسّر، وَقلت علم استدعاؤك إيَّايَ، واستقدامي من مثواي، فسائر النَّاس بجملتهم هواي، وأماني الإياب، بعد أَن بدأت الْبَيْت، وأوليت مَا أوليت، فَالْأَمْر أكبر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وَالْخَبَر لَا يَفِي بِهِ الْخَبَر، فخاطبتك، أعزّك الله، مُخَاطبَة من يغار على شهرة جودك، وَالْحكم لَك بالثنا قبل وجودك. فإمَّا أَن يَقع الصُّلْح على ضريبة قريبَة، ويرتفع عَن وَجه المجادة نقاب الرِّيبَة أَو يكذب النَّقْل، وَيكون قرى ضيفك، المَاء. والبقل، اللَّهُمَّ [إِلَّا] أَن يكون قبولك خَاصّا بِمن راق خَدّه، وَحسن قده، وتبلبلت نظرته، وأخجلت البدو غرته، فحظنا لديك الخيبة، وَلَو قصدناك من قلَّة وطيبة وموصله يُقرر الْمطلب، وَيجْبر مِنْك البارق والخلب، وَالْقَصْد الْمُشَاركَة فِيمَا أَمر بِشِرَائِهِ، ومحاولة نَقله، بِمَا يستخف من كرايه، وَأَنا أرتقب وُصُوله، وأنتظر حُصُوله، وعَلى كل حَال، فشكري لشكر الْخلق فِيك تبع، وَإِن لم يَقع فِي جوارك ري وَلَا شبع، وثنائي جميل، وَإِن لم يقْض من برك نأميل، وَمَا أَلممْت بِهِ إِنَّمَا هُوَ دعابة، تخف على أهل النبل، وَمن يسْلك من التظرف أوضح السبل، وَالله يمتع بعد بلقائك، ويجلي غرر الْفضل من تلقائك. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا صدر عني مِمَّا خاطبت بِهِ الْوَزير أَبَا بكر بن الْحَكِيم. (ألام على أَخذ الْقَلِيل وَإِنَّمَا ... أعامل أَقْوَامًا أقل من الذَّر) (فَإِن أَنا لم آخذ مِنْهُم فقدته ... وَلَا بُد من شَيْء يعين على الدَّهْر) سَيِّدي: أطلق الله يدك بِمَا تملك، وفتر عَن مخنقك الْبُخْل لِئَلَّا تهْلك، كنت قد هومت، وزجرني القلق فتلومت، ونومي مَا علمت سني الْخلال، عَزِيز الْوِصَال، يمطل غَرِيمه ديني، ويعافه طيري، ورد نمر عَيْني، وَإِذا بِالْبَابِ يدق بِحجر، دقا يُنَبه عَن ضجر، وجار الْجنب يُؤْخَذ بالذنب، فَقُمْت مبادرا، وَجَزِعت، وَإِن كَانَ الْجزع مني نَادرا، واستفهمت من وَرَاء الفلق، عَن سَبَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 هَذَا القلق، واستعذت بِرَبّ الفلق، فَقَالَت امْرَأَة من سكان السوَاد، ورابطة الْفُؤَاد، يَا قوم رَسُول خير، بأيمن طير، وقرع إدلال: لَا قرع إذلال، حطو شعار الْحَرْب وَالْحَرب، وَقد ظفرتم ببلوغ الأرب، فتأخرت عَن الْإِقْدَام، وانهدت إِلَيْهِ مجن عمر ابْن أبي ربيعَة مِمَّن كَانَ بِالدَّار من الخدام، وأسفرت الوقيعة عَن سَلام وَسلم، وَلم يرزأ أحد منا بكلم. وَنظرت إِلَى رجل قرطبي الطلعة والأخلاق، جاو على الْإِطْلَاق، تنهد قبل أَن سلم، وارتمض لما ذهب من الشبيبة وتألم، شنشنة مَعْرُوفَة، وَعَن تِلْكَ الْجِهَة، معَاذ الله، مصروفة، وَقد حَملته سيادتكم من المبرة ضروبا شَتَّى، وتجاوزت فِي السراوة غَايَة حَتَّى، وَلم نذع عضوا من جسده، فضلا عَن مَنْكِبه وَيَده، إِلَّا أعلقته وعَاء ثقيلا، وناطت بِهِ زنبيلا، وصييره مضاعف الْبر، سفينة من سفن الْبر، فَأَنَاخَ كَالْجمَلِ إِذا برك، واستلقى كالكمى ترك المعترك، وعلت حوله تِلْكَ الأثقال، وتعاورها الِانْتِقَال، وَكثر بالزقاق القيل والقال. فَلَمَّا تحصلت بِالدَّار، وسترت معرتها بالجدار، وتناولها الاختبار الفاضح، وَبَان قُصُورهَا الْوَاضِح، تلاشت بعد مَا جَاشَتْ واضمحلت بعد مَا حلت، وَنظرت إِلَى قَعْب من التِّبْن المذوق، الَّذِي لَا يسْتَعْمل فِي الْبيُوت، وَلَا يُبَاع فِي السُّوق، أذكرني قَول الشَّاعِر: (تِلْكَ المكارم لَا قعبان من لبن ... شيبا بِمَاء فَعَاد أبعد أبوالا) أما زبده فَرفع، وَأما زيته فانتيت بِهِ وانتفع. وَأما من أنف من بَعثه من فضلاء الخدام فَرفع، وَكَأَنِّي بِهِ قد ألح فصفع. والتفت إِلَى قفة قد خيطت، وبعنق ذَلِك البائس قد نيطت، رمس فِيهَا أفراخ من الحمائم، وقلدت بلبته، كَمَا يتقلد بالعمائم، وَشد حبلها بمخنقه، وألزم مِنْهَا فِي العاجلة طَائِره فِي عُنُقه، هَذَا بعد مَا ذبحت، وَأما حشوتها فربحت، وَلَو سلكتم الطَّرِيقَة المثلى، لحفظتم جثتها من العفن بِمَا تحظ بِهِ جثث الْقَتْلَى، وأظنكم لم تغفلوا هَذَا الْغَرَض، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَلَا أهملتم هَذَا المهم الَّذِي عرض، فَإِنِّي رميت مِنْهَا للبر رمى المختبر، فكلح من مرَارَة الصَّبْر، وَلما أخرجتها من كفن القفة، واستدعيت لمواراتها من حضر من الْأَصْحَاب أهل الصّفة، تمثلت تمثل لَبِيب بقول حبيب: (هن الْحمام فَإِن كسرت عناقه ... من حايهين فَإِنَّهُنَّ حمام) وَلَوْلَا أَن أحد الدجاجتين لاحت عَلَيْهَا مخيلة سرو، وَكَانَت من بقايا ديوك مرو، بعث بهَا جلالك جَلَاله، وَأهْدى مِنْهَا لفساد مزاجي آله، لم يكن فِي الْهَدِيَّة مَا يذكر، ولكانت مِمَّا يُنكر، وَأَسْتَغْفِر الله، فَلَو لم تكن التُّحْفَة إِلَّا تِلْكَ الأكولة العاطرة، والغمامة الماطرة، حَتَّى أحسبت الأمل الْأَقْصَى، وتجاوزت المنن الَّتِي لَا تحصى، للَزِمَ الشُّكْر وَوَجَب، وبرز من حر الْمَدْح مَا تيَسّر واحتجب، والمكارم وَإِن تَغَيَّرت أنسابها، وَادّعى إرثها واكتسابها. إِلَيْكُم تُشِير أيديها، ولفئتكم تميل بهواديها، وبساحتكم يسيل واديها، وعَلى أَرْضكُم تسح غواديها، ومثلى أعزكم الله لَا يفض من قدر تحفكم الحافلة، وَلَا يقْعد من شكرها عَن فَرِيضَة وَلَا نَافِلَة، وَلكنهَا دعابة مُعْتَادَة، وفكاهة أصدرتها وداده، وَلَا أَشك أَنكُمْ بِمَا جبلتم عَلَيْهِ من محبتي قَدِيما وحديثا، وأثاري الَّذِي صيرتموه سمرا وحديثا، تهدرون جفاي فِي جنب وفائي وتغضون، وتتجلون، وَبقول الشَّاعِر تتمثلون (وأسمع من أَلْفَاظه اللُّغَة الَّتِي ... يلذ بهَا سَمْعِي وَإِن ضمنت شتمي) وَهِي طَوِيلَة وَمن ذَلِك مَا صدر عني مِمَّا خاطبت بهَا أَبَا عبد الله الْيَتِيم بِمَا نَصه يَا سَيِّدي الَّذِي إِذا رفعت راية ثنائه، تلقيتها باليدين، وَإِذا قسمت سِهَام وداده، على ذَوي اعْتِقَاده، كنت صَاحب الْفَرِيضَة وَالدّين، وَأم بقاؤك، لطرفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 تبديها، وغريبة تردفها بِأُخْرَى تَلِيهَا، وعقيلة بَان تجتليها، وَنَفس أَخذ الْحزن بكظمها، وكلف الدَّهْر بِشَتٍّ نظمها، تونسها وتسليها، لم أزل أعزّك الله، أَشد على بدائعك يَد الضنين، وأقتني دُرَر كلامك، ونفثات أقلامك، اقتناء الدّرّ الثمين، وَالْأَيَّام بلقاك تعد، وَلَا تسعد. وَفِي هَذِه الْأَيَّام انثالت على سماؤك بعد قحط، وتوالت لَدَى آلاؤك على شحط، وزارتني من [عقائل بنانك] ، كل فاتنة الطّرف، عاطرة الْعرف [رافلة فِي حلل الْبَيَان والطرف] لَو ضربت بيوتها بالحجاز، لأقرت لَهَا الْعَرَب العاربة بالإعجاز، ماشيت من رصف المبنى، ومطاوعة اللَّفْظ الْمَعْنى، وَطيب الأسلوب، والتشبث بالقلوب، غير أَن سَيِّدي أفرط فِي التنزل، وخلط المخاطبة بالتغزل، وراجع الِالْتِفَات، ورام اسْتِدْرَاك مَا فَاتَ، يرحم الله شَاعِر المعرة، فَلَقَد أَجَاد فِي قَوْله، وَأنكر مُنَاجَاة الشوق بعد انصرام حوله، فَقَالَ: (أبعد حول تناجى النَّفس نَاجِية ... هلا وَنحن على عشر من الْعشْر) وَقد تجاوزت فِي الأمد، وأنسيت أَخْبَار صَاحبك عبد الصَّمد، فأقسم بألفات القدود، وهمزات الجفون السود، وحاملي الْأَرْوَاح مَعَ الألواح، بِالْغُدُوِّ والرواح، لَوْلَا بعد مزارك، مَا أمنت غائلة مَا تَحت إزارك، ثمَّ إِنِّي حققت الْغَرَض، وبحثت عَن الْمُشكل الَّذِي عرض، فَقلت للخواطر انْتِقَال، وَلكُل مقَام مقَال، وتختلف الْحَوَائِج باخْتلَاف الْأَوْقَات، ثمَّ رفع اللّبْس خبر الثِّقَات، وَمِنْهَا: وتعرفت مَا كَانَ من مُرَاجعَة سَيِّدي لحرفة التكتيب والتعليم والحنين إِلَى الْعَهْد الْقَدِيم، فسررت باستقامة حَاله، وَفضل مَاله، وَإِن لاحظ الملاحظ، مَا قَالَ الجاحظ، فاعتراض لَا يرد، وَقِيَاس لَا يضطرد حبذا وَالله عَيْش أهل التَّأْدِيب، فَلَا بالضنك وَلَا بالجديب، معاهدة الْإِحْسَان، ومشاهدة الصُّور الحسان. يَمِينا إِن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 المعلمين لسادة الْمُسلمين، وَإِنِّي لأنظرهم كلما خطرت على الْمكَاتب، أُمَرَاء فَوق الْمَرَاتِب، من كل مسطر الدرة، متقطب الأسرة، متنمر للوارد تنمر الْهِرَّة، يَغْدُو إِلَى مكتبه، كالأمير فِي موكبه، حَتَّى إِذا اسْتَقر فِي فرشه، واستوى على عَرْشه، وترنم بِتِلَاوَة قالوته وورشه، أظهر لِلْخلقِ احتقارا، وأزرى بالجبال وقارا، وَرفعت إِلَيْهِ الْخُصُوم، ووقف بَين يَدَيْهِ الظَّالِم والمظلوم، فَتَقول كسْرَى فِي إيوانه أَو الرشيد فِي زَمَانه، أَو الْحجَّاج بَين أعوانه، فَإِذا استولى على الْبَدْر السرَار، وَتبين للشهر الْفِرَار تحرّك لِلْخُرُوجِ تحرّك القرد إِلَى الْفرج، اسْتغْفر الله مِمَّا يشق على سَيِّدي سَمَاعه، وتشمئز من ذكره طباعة، شيم اللِّسَان خلط الْإِسَاءَة بِالْإِحْسَانِ، والغفلة من صِفَات الْإِنْسَان، وَأي عَيْش كَهَذا الْعَيْش، وَكَيف حَال أَمِير هَذَا الْجَيْش، طَاعَة مَعْرُوفَة، ووجوه إِلَيْهِ مصروفة. فَإِن أَشَارَ بالإنصات، لتحقيق الغصات، فَكَأَنَّمَا طمس على الأفواه، ولاءم بَين الشفاه. وَإِن أَمر بالإفصاح، وتلاوة الألواح، علا الضجيج والعجيج، وحف بِهِ كَمَا حف بِالْبَيْتِ الحجيج، وَكم بَين ذَلِك من رشوة تدس، وغمرة لَا تحس، ووعد يستنجز وحاجة تستعجل وتجهز. هَنأ الله سَيِّدي مَا خوله، وأنساه بِطيب آخِره أَوله، وَقد بعثت بدعابتي هَذِه، مَعَ إجلال قدره، والثقة بسعة صَدره، فليتلقها بِيَمِينِهِ، ويفسح لَهَا فِي الْمجْلس بَينه وَبَين خدينه، ويفرغ لمراجعتها وقتا من أوقاته، عملا بِمُقْتَضى دينه، وَفضل يقينه، وَالسَّلَام الْكَرِيم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَمن ذَلِك مَا خاطبت بِهِ أحد المنتحلين لصنعة الْحجامَة يَا أَحْمد أبقاك الله لذكر تعظه. وورم تبطه، وَدم تسيله، وَرَأس سما بِهِ الْكبر تميله، حَتَّى يتَبَيَّن لديك حَال الثروة، ويجتمع بَين يَديك من الشُّعُور، مثل مَا يجْتَمع بَين الصَّفَا والمروة، مَا هَذِه الْغَيْبَة، الَّتِي أسالت من صبيتك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 القوارب، وأطالت من معامليك اللمم والشوارب، وَتركت من كَانَ يحوم على دكانك، وَينْفق سلْعَته فِي مَكَانك، كأسد السُّوق، يُعِيد الْعَهْد بالفسوق. إثن من عنانك، وألن لمن خلقك قاسي جنانك وَارِث لخدود كنت حاصد نباتها، ومتفيىء جناتها فقد طَغى بهَا الآس على الْورْد، ولبست من خلعات العذار، كل محكمَة السرد، فبلطافة شمائلك، وَطيب حمائلك، أَلا مَا أخذت فِي الإياب، وأدلجت إدلاج الذياب، فقد طَال الأمد، وَعظم على حَملتك العاشقة الكمد، واستصحب مَا رسمت لَك [من الفخار] وَغَيره، وَخذ فِي الْقدوم، وحث من سيره، وَإنَّهُ سلامي من اسْتَسْقَيْت سحب خَيره، وتيمنت [لله مَادَّة] طيره، وصل الله علاءه وأجزل لَدَيْهِ آلاءه. وَالسَّلَام وَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة أبي جَعْفَر بن سُلَيْمَان الْقرشِي وَقد عرض عَلَيْهِ عقد إِيجَابه يَا مَحل الْوَلَد، هَذَا رَأْي، مَا فِيهِ وَالْحَمْد لله وَهِي، وَنظر مُعْتَبر، يرجحه كتاب وَخبر، وحسبك بهَا من صلَة رحم، وعصابة فضل تزدحم، فَإلَى أَيْن يذهب الْمُحْتَار، عَمَّا يذب إِلَيْهِ الْمُخْتَار، كتب الله لكم السعد، حَلِيف هَذَا النَّقْد، وَلَا زَالَ نَقده وكاليه آمِنين من النَّقْد، وَجعل حُصُول الأنبا بالأبناء عَن الرفاء ورفكم فِيهِ عوارف الْيمن والأمان، وَجعل حِكْمَة سعادته مِمَّا فهمها الله - والدكم سُلَيْمَان بفضله وَكَرمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 المقامات فَمن ذَلِك مَا صدر عَنى للسُّلْطَان الْجَلِيل الْمُعظم الْكَبِير أبي عنان فَارس رَحمَه الله من سبتة بَين يَدي ركُوب الْبَحْر وَفِي كل كلمة مِنْهَا سين (سقت ساريات السحب ساحة فاس ... سواحب، تكسو السَّرْح حسن لِبَاس) (وسارت بتسليمي لسدة فَارس ... نسيم سرى للسلسبيل بكاس) مِنْهَا فِي ذكر السُّلْطَان أبي عنان: (أنست بمسرى سبتة وتأنست ... بساحته نَفسِي وأسعد نَاس) (ويسرت لليسرى وَيسر مرسلي ... وسدد سهمي واستقام قِيَاس) باسم السَّلَام أستمنح مُسبل الإسعاد، وأبلس أنفس الحساد، وبإرسال التَّسْلِيم لسَيِّد الْمُرْسلين، أَسد أسراب الْفساد، وألتمس لسفري سَلامَة النُّفُوس والأجساد، سَلام وسيم، تستعير نفس مسراه الْبَسَاتِين، ويحسده الآس والياسمين، ويستمده النرجس السَّاجِي والنسرين، يسى ر لمجلس، مستخلف القدوس السَّلَام سُبْحَانَهُ، ويستبق لسدة سُلْطَان الْمُسلمين. سل السعد حسامه، وسدد سهامه، سيف السّنة السمحاء سَحَابَة سَمَاء السخا أَسد المراس، ملبس المفسدين لِبَاس الباس، ميسر الْحَسَنَة للنَّاس، يعسوب الْخَمِيس، مسرح سوائم التسجيع والتنسيم والتجنيس سَنَد السّنة، أَسد الأسنة، الباسل السَّيِّد السّني المسدد، السَّامِي السّني، سُلْطَان السلاطين، الساطي بأسه بالساطين، مُسْتَند الْإِسْلَام، فَارس، سدلت لسيرته الْحَسَنَة الملابس، واستنار بابتسام سعده المسري العابس. حَسبك باسم ومسمى، وَنَفس نفيسة سكنت الْإِسْلَام جسما، وأسنت لسعادة الْمُسلمين قسما، ينسى السحايب الساكنة لمسنتي السنين، وتخرس ألسن محاسنه اللسنين، ويستعبد إحسانه إِحْسَان الْمُحْسِنِينَ، سما مَجْلِسه، وَسعد ملتمسه، وتسنت سَلَامَته، وحرست سبل السّنة استقامته، وسدد سَهْمه، وسنى السَّعَادَة للنَّاس بأسه وَسلمهُ، فسبحان ميسر العسير، ومسدي الكسير، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 ومسهل الإكسير، ومسنى سُلْطَانه يستوعب محَاسِن السَّبْعَة المستخلفين، اسْتِيعَاب التَّيْسِير، فسهلت المسالك العسيرة، وَحسنت السِّيرَة، ليستبين سر الِاسْتِخْلَاف، ويتيسر سَبَب الاستيلاف، ويستجد ملابس سلطنة الأسلاف، وسيطهر سَيْفه مَسَاجِد الْمُسلمين بالأندلس، سالبا دنس الناقوس، ويلبس إِبْلِيس باستنقاذها، لِبَاس الْبُؤْس، ويستفتح الْقُدس، بتيسير القدوس، رسمه بسبته حرست ساحتها، واتسعت باليسر مساحتها، مسترق إحسانه، ومستعبد سُلْطَانه السعيد السفارة والرسالة، بِسَبَبِهِ، المتوسل بالوسائل الْحَسَنَة، لحسبه سمى الرَّسُول، سليل سعيد، المنتسب لسلمان، لَيْسَ بسلمان الْفَارِسِي، حَسْبَمَا استوعبه سفر الْأَنْسَاب تيسرت لسراة الْمُسلمين برسالته الْأَسْبَاب. سطره لسلطانكم السامى، وسفر السفين تيَسّر، وسور التسهيل والتيسر تفسر، والسمراء ونسبتها استوعبها الإيساق، ولسوابق المرسى استباق، ولمحاسن السلطنة الفارسية اتساق، وسكنها مستملككم تِسْعَة بِسَبَب نسيم استباد مسراه، واستتبع سراه ينتسب لسمت الْإسْكَنْدَريَّة، ويسخر بالسفن السفرية، والساعة استعجلت السّفر مستننما سُكُون، نَفسه وسهو حرسه، واستتبتت لاستصحاب الْحَسَنَة الفارسية لساحل البلس ميسورا من سكانه يُسمى، بِحُسَيْن وينسب لسالم استنجاحا بسمته الْحسن والسلامة، سلكت للتسهيل، سَوَاء السَّبِيل وسقت النَّاس سلاف المسرة، بكأس السلسبيل، ومسترق الْمجْلس الْفَارِسِي، مجْلِس السنا والقدس، مُسَافر بالجسم، مستوطن بِالنَّفسِ وَلسَانه بإحسانكم سيف مسلول، ولنفسه بتسنى سعادتكم سَوَّلَ، فبسعادتكم يستصبح، وببسملة محاسنكم يستفتح، وسلطانكم لَيْسَ ينسى وَسِيلَة متوسل، وسبل الْحَسَنَات من سما سيرتكم مسترسل، واستوعبها سينية، وبسين اسمكم سعيدة سنية، خلسة مجْلِس، ووسع مُفلس. وسمحكم مسئول، ومستعيذ سلطانكم أسعد رَسُول، نسل السَّلَام تقدس اسْمه، بتسني سعادتكم سرُور الْمُسلمين، ويسنى بسببكم سنة سيد الْمُرْسلين، ورسم تَاسِع مستفتح سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 نحمد الله حمد معترف بِحقِّهِ، ونشكره على عوائد فَضله ورفقه، الَّذِي جعل لنا الأَرْض ذلولا، نمشي فِي مناكبها، وَنَأْكُل من رزقه، وَنُصَلِّي على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد خيرته من خَلفه، ونستوهب للمقام المولوي اليوسفي النصري، سَعْدا يتلألأ نور أفقه، ونصرا يُتْلَى، بغرب الْمَعْمُور وشرقه: (وقابلة صف لي فديتك رحْلَة ... عنيت بهَا يَا شقة الْقلب من بعد) (فَقلت خذيها من لِسَان بلاغة ... كَمَا نظم الْيَاقُوت والدر فِي عقد) لما وَقع الْعَزْم الَّذِي وَقفه الله على مصَالح هَذِه الجزيرة، وَالْقَصْد المعرب عَن كريم القصيدة، وَفضل السريرة، على تفقد بلادها وأقطارها، وتمهيد أوطانها، وتيسير أوطارها، رأى فِي قَلّدهُ الله أمورها، ووكل إِلَى حمايته ثغورها، مَوْلَانَا وعصمة ديننَا ودنيانا، أَمِير الْمُسلمين، وظل الله على الْعَالمين أَبُو الْحجَّاج، ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُسلمين وكبير الْمُلُوك الْمُجَاهدين الصَّالِحين أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل، ابْن مَوْلَانَا الْهمام الْأَعْلَى، الَّذِي تروى مفاخره وتتلى، أبي سعيد، حفظ الله مِنْهُ على الْأَيَّام بَحر الندا، وَبدر المنتدا، وسابق الْفَخر الْبعيد المدا، وشمله برواق عصمته، كلما رَاح واغتدا، أَن يُبَاشِرهَا بِنَفسِهِ، وَيجْعَل آفاقها مظلة شمسه، نظرا لِلْإِسْلَامِ وقياما بِحقِّهِ، وَعَملا على مَا يقربهُ مِمَّن اسْتَخْلَفَهُ على خَلفه، فِي وجهة حالفها الْغَمَام المستجم، ونصبة قضى لَهَا بالسعد من لَا ينجم، فَكَانَ البروز إِلَيْهَا يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر شهر محرم فاتح عَام ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة، خرجنَا وصفحة الْأُفق بالغيم متنفسة، وأدمع السحب لوداعنا منسكبة، نتبع من الرَّايَة الْحَمْرَاء دَلِيلا هاديا، ونثق بوعد الله سُبْحَانَهُ فِي قَوْله، وَلَا يقطعون وَاديا. وسلكنا جادة المَاء المفروش، نَسْرَح اللحاظ بَين تِلْكَ العروش، ونبتذل مَا نحلته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 عروس الرّبيع من تِلْكَ الفروش، وَمن لَهُ بالحضرة حرسها الله شوق حثيث، وَهوى قديم وَحَدِيث، يكثر الِالْتِفَات، ويتذكر لما فَاتَ ويبوح بشجنه، وينشر مُشِيرا إِلَى مَسْكَنه: (يَوْم أزمعت عَنْك طي البعاد ... وَعَدتنِي عَن البعاد العوادي) (قَالَ صحبي وَقد أطلت التفاني ... أَي شَيْء تركت قلت فُؤَادِي) وَرُبمَا غلبته لواعج أشواقه، وشبت زفراته عَن أطواقه، فَعبر عَن وجده، وخاطب الحضرة معربا عَن حسن عَهده: (أَلا عَم صباحا أَيهَا الرّبع واسلم ... وَدم فِي جوَار الله غير مذمم) (وَلَا عدمت أرجاؤك النُّور إِنَّهَا ... مطالع أقماري وآفاق أنجم) (إِذا نسى النَّاس العهود وأغفلوا ... فعهدك فِي قلبِي وذكرك فِي فَم) (وَإِنِّي وَإِن أزمعت عَنْك لطية ... وفوضت رحلي عَنْك دون تلوم) (فقلبي لَك الْبَيْت الْعَتِيق مقَامه ... وشوقي إحرامي ودمعي زَمْزَم) ثمَّ اسْتَقَلت بِنَا الحمول، وَكَانَ بوادي فرذش النُّزُول، منزل خصيب، وَمحل لَهُ من الْحسن نصيب، وَلما ابتسم ثغر الصَّباح، وبشرت بمقدمه نسمات الرِّيَاح، ألفينا عمل السراج إِلَى إلإسراج، وشرعنا فِي السّير الدائب، وصرفنا إِلَى وَادي أنس صروف الركائب، واجتزنا بوادي حمتها، وَقد متع النَّهَار، وتأرجت الأزهار، فشاهدنا بِهِ معالم الْأَعْلَام، وحيينا دَار حمدة بِالسَّلَامِ، وتذاكرنا عمَارَة نواديها، وتناشدنا قَوْلهَا فِي واديها: (أَبَاحَ الشوق أسراري بوادي ... لَهُ فِي الْحسن آثَار بوادي) (فَمن وَاد يطوف بِكُل روض ... وَمن روض يطوف بِكُل وَادي) (وَمن بَين الظبي مهاة تضرسبت ... قلبِي وَقد ملكت فُؤَادِي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 (لَهَا لحظ ترقده لأمر وَذَاكَ ... الْأَمر يَمْنعنِي رقادي) واستقبلنا الْبَلدة حرسها الله فِي تبريز سلب الأعياد احتفالها، وغصبها حسنها وجمالها، نَادَى بِأَهْل الْمَدِينَة، مَوْعدكُمْ يَوْم الزِّينَة، فسمحت الحجال برباتها، والقلوب بحباتها، والمقاصر بحورها، والمنازل ببدورها، فَرَأَيْنَا تزاحم الْكَوَاكِب بالمناكب، وتدافع البدور، بالصدور، بَيْضَاء كأسراب الْحمام، متنقبات، تنقب الأزهار بالكمايم، حَتَّى إِذا قضى الْقَوْم من سلامهم على إمَامهمْ فرضا، اسْتَوْفَيْنَا أعيانهم، تمييزا وعرضا، خيمنا بِبَعْض رباها المطلة، وسرحنا الْعُيُون فِي تِلْكَ العمالة المغلة، والزروع المستغلة، فحياها الله من بَلْدَة أنيقة الساحة، رحبة المساحة. نهرها مضطرد، وطائرها غرد، تبْكي السَّحَاب فيضحك نورها، ويدندن النسيم فترقص حورها: (بلد أعارته الْحَمَامَة طوقها ... وكساه ريش جنَاحه الطاؤوس) (فَكَأَنَّمَا الْأَنْهَار فِيهِ مدامة ... وَكَأن ساحات الديار كؤوس) معقلها بَادِي الجهامة، تلوح عَلَيْهِ سمة الشهامة، نفقت سوق النِّفَاق دهرا، وخطبتها الْمُلُوك، فَلم ترض إِلَّا النُّفُوس مهْرا، طالما تعرقت وتنكرت، وحجتها نعم الإيالة النصرية فأنكرت، ومسها طائف من الشَّيْطَان ثمَّ تذكرت، فَالْحَمْد الَّذِي هداها، بعد أَن ثَبت يداها، فجف من قنتها مَا نبع، وانقادت إِلَى الْحق، وَالْحق أَحَق أَن يتبع، وتنافس أَهلهَا فِي الْبر الْكَفِيل، والقرى الحقيل، فبتنا نثني على مكارمهم الوافية، ونواضلهم الكافية، وَلم نحفل بقول ابْن أبي الْعَافِيَة: (إِذا مَا مَرَرْت بوادي الأشا ... فَقل رب من لدغته مُسلم) (وَكَيف السَّلامَة فِي منزل ... عصبَة من بني الأرقم) وَلما فاض نهر الصَّباح على البطاح، ونادى مُنَادِي الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح، قمنا للرواحل لارتياد منزل، وأقمنا عَن اتِّبَاع آثارها بمعزل، نظرا للمدينة فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 مهمات الْأُمُور، وَكَانَ اللحاق بغور من بعض تِلْكَ الثغور، أتيناها والنفوس مستبشرة، والقباب لأَهْلهَا منتظرة، فحمدنا الله على كَمَال الْعَافِيَة، وَقُلْنَا فِي غَرَض تجنيس القافية: (وَلما اجتلينا من نُجُوم قبابنا ... سنى كل خفاق الرواق بغور) (زرينا على شهب السَّمَاء بشهبها ... مَتى شِئْت يَا زهر الثواقب غور) أظلتنا بهَا لَيْلَة شَاتِيَة، وألحفتنا أنواء للْأَرْض مؤاتية، فَلَمَّا شَاب مفرق اللَّيْل، وشمرت الْآفَاق من بزتها العباسية فُصُول الذيل، بكرنا نغتنم أَيَّام التَّشْرِيق، وندوس بأرجلنا حبات الطَّرِيق، وجزنا فِي كنف الْيمن وَالْقَبُول، بحصن الببول حَسَنَة الدولة اليوسفية، وَإِحْدَى اللطائف الْخفية، تكفل للرفاق بمأمنها، وفضح سَرِيَّة الْعَدو فِي مكمنها، من أَبيض كالفازة ضمن الْفَوْز فِي تِلْكَ الْمَفَازَة، فحييناه بأيمن طير، وتمثلنا عِنْده بقول زُهَيْر: (وسكنتها حَتَّى إِذا هبت الصِّبَا ... بنعمان لم تهتز فِي الأيك أغصبان) (وَلم يَك فِيهَا مقلة تعرف الْكرَى ... فَلَو زارها طيف مضى وَهُوَ غَضْبَان) وَكَانَ ملقى الحران منابت الزَّعْفَرَان بسطة حرسها الله، وَمَا يبسطه، مَحل خصيب، وبلدة لَهَا من اسْمهَا نصيب، بَحر الطَّعَام، وينبوع الْعُيُون المتعددة، بِتَعَدُّد أَيَّام الْعَام، ومعدن مَا زين للنَّاس حبه من الْحَرْث والأنعام، يَا لَهَا من عقيلة، صفحتها صقيلة، وخريدة محاسنها فريدة، وعشيقة نزعاتها رشيقة، لبست حلَّة الديباج الْمُوشى، مفضضة بلجين الضُّحَى، مذهبَة بنضار الْعشي، وسفرت عَن المنظر الْبَهِي، وتبسمت عَن الشنب الشهي، وتباهت بحصونها مباهاة الشَّجَرَة الشماء بغصونها، فَوَقع النفير، وتسابق إِلَى لقائنا الجم الْغَفِير، مثل الفرسان صفاء، وانتثر الرحل جنَاحا ملتفا، وَاخْتَلَطَ الْولدَان بالولائد، والتمائم بالرئد، فِي حفل سلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 النها، وَجمع الْبَدْر والسها، والضراغم والمها، وَألف بَين القاني والفاقع، وسد بالمحاجر كؤوس البراقع، فَلَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد وَحسن منظره الَّذِي يشفى من الكمد، لَو نظر الشَّاعِر إِلَى نوره المتألق، لآثرها بقوله فِي صفة بِلَاد جلق: (بِلَاد بهَا الْحَصْبَاء در وتربها ... عبير وأنفاس الرِّيَاح شُمُول) (تسلسل مِنْهَا مَاؤُهَا وَهُوَ مُطلق ... وَصَحَّ نسيم الرَّوْض وَهُوَ عليل) رمت إِلَى غَرَض الْفَخر بِالسَّهْمِ الْمُصِيب، وَأخذت من اقتسام الْفضل بأوفى نصيب، وكفاها بِمَسْجِد الْجنَّة دَلِيلا على الْبركَة، وبباب الْمسك عنوانا على الطّيب، يغمر من الْقرى موج كموج الْبَحْر، إِلَّا أَن الرِّيَاح لاعبتنا ملاعبة الصراع، وكدرت الْقرى بالقراع، ولقينا من الرّيح، مَا يلقاه قلب المتيم من التبريح. وَكلما شكت إِلَيْهَا الْمضَارب شكوى الجريح، تركتهَا بَين المائل والطريح. وَلما توَسط الْوَاقِع، والتقمت أنجم الْعَرَب المواقع، صدقت الرّيح الكرة، وجادتنا الْغَمَام كل عين تره، حَتَّى جهلت الْأَوْقَات، واستراب الثِّقَات. فتستر الْفجْر بنقابه، وانحجر السرحان فِي غابه، وَكَانَ أَدَاء الْوَاجِب بِحَدّ خُرُوج الْحَاجِب. وارتحلنا وَقد أذن الله للسماء فأصحت، وللغيوم فسحت، وللريح فَلَانَتْ بعد مَا ألحت، وساعد التَّيْسِير، وَكَانَ على طَرِيق قنالش الْمسير، كبرى بناتها، وشبيهتها فِي جداولها وجناتها، مَا شِئْت من أدواح توشحت بِالنورِ وتنوجت، وغدران زرع هبت عَلَيْهَا الصِّبَا فتموجت، سفربها الشَّقِيق الأرجواني. عَن خدود الغواني، فأجلنا الْعُيُون فِي رياض، وتذكرنا قَول القَاضِي عِيَاض: (انْظُر إِلَى الزَّرْع وخاماته يحْكى ... وَقد مَاس أَمَام الرِّيَاح) (كتيبته خضرًا مهزومة شقائق ... النُّعْمَان فِيهَا جراح) مثل أَهله فَسَلمُوا، وَمن عدم النُّزُول بهم تألموا، وأتينا فحص الْأَبْصَار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 فتجددت لَهُ ملابس المجادة، وتذكر عهود من حل بِهِ عِنْد الْفَتْح الأول من السَّادة، لما خَفَقت بِهِ راية سعد بن عبَادَة. وَلم تزل الركايب تغلى الفلاة فرى الْأَدِيم، وَأَهله السنابك صيرها السّير كالعرجون الْقَدِيم، حَتَّى ألحفتنا شجراته المضبر بشذاها العنبر، وراقتنا بِحسن ذَلِك المنظر، سوار مصفوفة، وأعلام خضر ملفوفة، ونخل يانعة البسوق، وعذارى كشفت حللها الْخضر عَن السُّوق، كَأَنَّهَا شمرت الأذيال لتعبر الْوَادي على عَادَة نسا الْبَوَادِي، ينساب بَينهَا الزلَال المروق، ويغني فَوْقهَا الْحمام المطوق، فتهيج الجوى، وتجدد عهود النَّوَى، صبحتنا بهَا أصوات تِلْكَ الغمارى، وأذكرتنا قَول أبي حصن الحجاري: (وَمَا رَاعى إِلَّا ابْن وَرْقَاء هَاتِف ... على فنن بَين الجزيرة وَالنّهر) (أدَار على الْيَاقُوت أجفان لُؤْلُؤ ... وصاغ على المرجان طوفا من التبر) (حدير شبا المنقار داج كَأَنَّهُ ... شبا قلم من فضَّة مد فِي تبر) (توسد من فَوق الْأَرَاك أريكة ... وَمَال على طي الْجنَاح مَعَ الصَّدْر) (وَلما رأى دمعي مراقا أرابه ... بُكَائِي فاستولى على الْغُصْن النَّضر) (وحث جناحيه وصفق طائرا ... فطار بقلبي حَيْثُ طَار وَلَا أَدْرِي) ونزلنا بِظَاهِر حصن شيرون، وَقد ترعرع شباب الْيَوْم، وطالبنا عزيم الظهيرة بمنكسر فرض للنوم، حصن أَشمّ، ومناخ لَا يذم، نزلنَا الهضبة بإزائه، وغمرنا من بره، مَا عجزنا عَن جَزَائِهِ، وعثرنا بَين الْمضَارب، بِبَعْض العقارب، سود الروس، متوجة بأذنابها فِي شكل الطاووس فتلقينا ذَلِك بسعة الصَّدْر، ومكنا الْعَقْرَب من منَازِل الْبَدْر. ودخلنا بِمثل تِلْكَ الصُّورَة، نلتحف ظلال وَادي المنصورة، سمر الأندية، وسلطان الأودية، يالها من أرائك مهدلة السجوف، وجنات دانية القطوف، ينساب بَينهَا للعذب الزلَال، أَرقم سريع الانسلال، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وصارم يغمد فِي جفون الظلال، يتلاعب بَين أَيْدِينَا شمالا ويمينا، فطورا تنْقَلب عَصَاهُ ثعبانا، وآونة تنعطف صولجانا، وَتارَة تستدير أفلاكا، وَرُبمَا نسجت مِنْهُ أَيدي الرِّيَاح شباكا، وَأم حسن فِيهِ ذَات لسن، تبْعَث فِيهِ بنغماتها لواعج الشؤون، وتقيم دين وَلَدهَا فِي الخلاعة المجون. وسرنا ودر الْحَصَى بِسَاط لأرجل رِكَابنَا، ودنانير أبي الطّيب تنشر فَوق أثوابنا، ترقب نُجُوم القلاع والحصون، من خلال سَحَاب الغصون، والنسوان إِلَى مُشَاهدَة التبريز قد خفت، وبشاطي الْوَادي قد صفت، قد أخذن السنايا، وسددن سِهَام المنايا، عَن حواجب كالحنايا، يشغلن الْفَتى عَن شئونه، ويسلبن الرَّوْض لين غصونه. هَذَا خلق الله، فأروني مَاذَا خلق الَّذين من دونه. وطالعنا برشانة حرسها الله، فحيتنا ببواكر الْورْد، ونضت عَنَّا برود الْبرد، وشملتنا بالهواء المعتدل، وأظلتنا برواقها المنسدل، بلد أَعْيَان وصدور، ومطلع نُجُوم وبدور، وقلعة سامية الْجلَال، مختمة بالكواكب، متوجة بالهلال، حللناها فِي التبريز الحفيل، والمشهد الْجَامِع بَين الذّرة والفيل، حشر أَهلهَا بَين دَان ونازح، وَمثل حاميتها من نايل ورامح، فَكَانَ [ذَاك الْمُجْتَمع عيدا وموسما سعيدا. وبتنا] فِي لَيْلَة للأنس جَامِعَة، ولداعي السرُور سامعة، حَتَّى إِذا الْفجْر تبلج، وَالصُّبْح من بَاب الْمشرق تولج، سرنا وتوفيق الله قَائِد، وَلنَا من عنايته، صلَة وعائد، تتلقى رِكَابنَا الأفواج، وتحيينا الهضاب والعجاج إِلَى قتورية، فناهيك من مرحلة قَصِيرَة كأيام الْوِصَال، قريبَة الْبكر من الآصال، كَانَ الْمبيت بِإِزَاءِ قلعتها السامية الِارْتفَاع، الشهيرة الِامْتِنَاع، وَقد برز أَهلهَا فِي العديد وَالْعدة، والاحتفال الَّذِي قدم بِهِ الْعَهْد على طول الْمدَّة، صُفُوفا بِتِلْكَ الْبقْعَة خيلا ورجلا، كشطرنج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 الرقعة، لم يتَخَلَّف ولد عَن وَالِد، وَركب قاضيها ابْن أبي خَالِد، وَقد شهرته النزعة الحجازية، وَلبس من حسن الحجازية، وأرخى من الْبيَاض طيلسانا، وصبغ لحيته بِالْحِنَّاءِ والكتم، ولاث عمَامَته واختتم، والبداوة تسمه على الخرطوم، وطبع المَاء والهواء يَقُودهُ قَود الْجمل المحظوم، فداعبته مداعبة الأديب للأديب، وَخيرته بَين خصلتي الذيب، وَقلت نظمت مقطوعتين، إِحْدَاهمَا مدح وَالْأُخْرَى قدح، فَإِن هَمت ديمتك، وكرمت شيمتك، فللذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة وَإِلَّا فالمثل الْأَدْنَى، فَقَالَ أَنْشدني لأرى على أَي الْأَمريْنِ أثب، وأفرق بَين مَا أجتنى وَمَا أجتنب فَقلت: (قَالُوا وَقد عظمت مبرة خَالِد ... قاري الضيوف بطارف فِي وبتالد) (مَاذَا تمت بِهِ فَجئْت بِحجَّة ... قطعت بِكُل مجادل ومجالد) (أَن يفْتَرق نسب يؤلف بَيْننَا ... أدب أقمناه مقَام الْوَالِد) وَأما الثَّانِيَة فيكف من البارق شعاعه، وحسبك من شَرّ سَمَاعه، ويسير التَّنْبِيه كَاف، للنبيه فَقَالَ لست إِلَى قراي بِذِي حَاجَة، وَإِذا عزمت فأصالحك على دجَاجَة، فَقلت ضريبة غَرِيبَة، ومؤتة قريبَة، عجل وَلَا تؤجل، وَإِن انصرم أمد النَّهَار فأسجل، فَلم يكن إِلَّا كلا وَلَا، وأعوانه من القلعة تنحدر، والبشير مِنْهُم بقدومها يبتدر، يزفونها كالعرس فَوق الرُّءُوس، فَمن قَالَ أمهَا البجائية، وَقَائِل أَخُوهَا الْخصي الموجه إِلَى الحضرة الْعلية، وأدنوا مربطها من المضرب، عِنْد صَلَاة الْمغرب، وألحفوا فِي السُّؤَال، وتشططوا فِي طلب النوال، فَقلت يَا بني اللكيعة، وَلَو جئْتُمْ ببازي، بِمَاذَا كنت أجازي، فانصرفوا. وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ، وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتلاومون، حَتَّى إِذا سلت لذكاتها المدا، وَبلغ من عمرها المدا، قلت يَا قوم، ظفرتم بقرة، الْعين، وابشروا باقتراب اللقا، فقد ذبحت لكم غراب الْبَين، وَكَانَت الْبِلَاد الشرقية، قد أخلفتها الغيوث، وعدت عَلَيْهَا لِلْعَدو الليوث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 فحيتنا على السجط، وَشَكتْ إِلَى سَعَادَة مقدمنا معرة الْقَحْط، فظهرت مخيلة السعد، فَأذن الله فِي إنجاز الْوَعْد، وَقربت غَرِيم الْغَمَام فِي الْمقَام أعوان الرَّعْد، فاعترف وسمح، وانقاد لحكم القضا بعد مَا جمح. وَلم يلم بكيف وَلَا حَتَّى، وقضاها الدّين فِي دفع شَتَّى، هَذَا وَإِن كَانَ إِنَّمَا كَانَ غرم، وأمده كَاد أَن ينصرم، فبمنفعته يحول الله كبرى، وَفِيه مآرب أُخْرَى، فتنفس صدر الجو وَزفر، وقطب وَجهه بعد مَا سفر، وهما الْغَمَام وانسكب، وارتكب من إيراطنا مَا ارْتكب، فَلم تَجف لَهُ قَطْرَة، وَلَا خطرت بِبَالِهِ للصحو خطرة، فسبحنا ذَلِك الْعَارِض الهطال، وسهرنا اللَّيْل وَقد طَال، وَمَا رَاعنا وَالصُّبْح قد نم من خلف الْحجاب، وَقَضيته قد انْتَقَلت من النَّفْي إِلَى الْإِيجَاب، والغمام لَا يفتر انسكابه، إِلَّا السُّلْطَان مدَار قل ركابه فضربنا بالقباب وَجه الصَّعِيد واستقبلنا طية الْغَرَض الْبعيد نهيم فِي ذَلِك الْوَادي، ونكرع من أطواقنا فِي غُدْرَان العوادي، وَقد تهدلت القروع، وخضلت بالغيث تِلْكَ الزروع، كَأَنَّمَا أخلفتها الرّيح، فترامت، وسقتها كؤوس السحب حَتَّى سكرت ونامت، والمذانب أَمْثَال الصلال [قد تفرعت] وكأنما رعناها فانسابت أمامنا وأسرعت، ومخيلة الصحو لَا تتوسم، والجو نستضحكه بشأننا فَلَا يبتسم، ومررنا بوادي المنصورة الَّتِي ينْسب الْوَادي إِلَيْهَا وَعرضت مراكب تياره بَين يَديهَا، وأطلالها بالية، وبيوتها خاوية خَالِيَة، ومسجدها بَادِي الاستكانة، خاضع للبلى على سمو المكانة، فعبرنا واعتبرنا، وأبصرنا فاستبصرنا، وَقَول أبي الطّيب تذكرنا: (أَيْن الَّذِي الهرمان من بُنْيَانه ... مَا قومه مَا يَوْمه مَا المصرع) (فَتخلف الْآثَار عَن أَصْحَابهَا ... حينا ويدركا البلى فتتبع) ثمَّ نَبَذْنَا ذَلِك الْوَادي بالعراء، واستقبلنا أَرضًا شَبيهَة بالصحراء، ملاعب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 للريح، ومنابت للسدد والشيح، سحبت علينا بهَا السحائب فضول الذيل، وطفف الْغَمَام فِي الْكَيْل، وغار النُّور، وفار التَّنور، وفاضت السَّمَاء، والتقى المَاء بالركائب تسبح سبح الأساطيل، والأرجل [تزهق زهوق] الأباطيل، وَالْمبَارك تعرى، والأدلة لَا تمتري، واللباس قد غير الطين من شكله، وَالْإِنْسَان قد رَجَعَ من المَاء والجماء إِلَى أَصله، وخيمنا من بيرة حرسها الله بالثغر الْأَقْصَى، وَمحل الرِّبَاط الَّذِي أجر ساكنه لَا يُحْصى، بَلْدَة عَددهَا متعقب، وساكنها خَائِف مترقب، مسرحة بعير، ومزرعة شعير، إِذا شكرت الوابل أنبتت حبها سبع سنابل، ونجادها بالهشم قد شابت، وزروعها قد دَعَا بهَا الْفضل فَمَا ارتابت، وندا وآنواحقه يَوْم حَصَاده أجابت، أَرحْنَا بهَا يَوْمًا، صَحا فِيهِ الجو من سكرته، وأفاق من خمرته، فَقيل للنفوس شَأْنك وذماك، وَيَا أَرض ابلعي مائك، وتجلت عقيلة الشَّمْس معتذرة عَن مغيبها، مغتنمة غَفلَة رقيبها. ورحلنا من الْغَد، وَشَمل الأنواء غير مُجْتَمع، والجو قد أنصت كَأَنَّهُ يستمع، يعد أَن تمحض الرَّأْي عَن زبدته، واستدعى من الأذلاء من وثق بنجدته، وَكثر المستشار، وَوَقع على طَرِيق ينشر الِاخْتِيَار، وانتدب من الْفَرِيق إِلَى دلَالَة تِلْكَ الطَّرِيق، رجل ذُو احتيال، يعرف بِابْن هِلَال، اسْتقْبل بِنَا شعبًا مقفلا، ومسلكا مغفلا، وسلما فِي الدرج سامي المنعرج، تزلق الذَّر فِي حَافَّاته، وتراع الْقُلُوب لآفاته، ويتمثل الصِّرَاط عِنْد صِفَاته، أَو عَار لَا يتَخَلَّص مِنْهَا الأوعال، وَلَا تغني السنابك فِيهَا وَلَا النِّعَال، قَطعنَا بَيَاض الْيَوْم فِي تُسنم جبالها، والتخبط فِي جبالها، نهوى من شَاهِق إِلَى وهد، ونخوض كل مشقة وَجهد، كأننا فِي حلم مَحْمُوم، أَو أفكار مغموم، أَو برسام بوم. وَطَالَ مرام العروج إِلَى جو السَّمَاء ذَات البروج، قلت يَا قوم انْظُرُوا لأنفسكم فِيمَا أَصْبَحْتُم فِيهِ، وَاعْلَمُوا أَن دليلكم ابْن هِلَال عزم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 على اللحاق بِأَبِيهِ. ثمَّ أَخذنَا فِي الانحدار بأسرع الابتدار، نهوى إِلَى المرقب السَّامِي الذري، ونهبط من الثريا إِلَى الثرى، ونتمثل فِي ذَلِك المسلك الواعر بقول الشَّاعِر: (بطرِيق بيرة أجبل وعقاب ... لَا يرتجى فِيهَا النجَاة عِقَاب) (فَكَأَنَّمَا الْمَاشِي عَلَيْهَا مذنب ... وكأنما تِلْكَ الْعقَاب عِقَاب) وَلما أصبح استقبلنا الفحص الأفيح، بساطه مَمْدُود الصرح، يعجز عَن وَصفه لِسَان الشَّرْح، طاردنا قنيصه على طول صحبته للأمان من حوادث الزَّمَان، يأثرنا كل ذلق المسامع ناء عَن إِدْرَاك المطامع، كثير النفار، مصطبر على سُكْنى القفار، يختال فِي الفروة اللدنة الْحَوَاشِي، وينسب إِلَى الطَّائِر والماشي، تغلبناه على نَفسه، وسلطنا عَلَيْهِ آفَة من جنسه، وحللنا مقادة كل طَوِيل الباع، رحب الذِّرَاع، بَادِي التَّحَوُّل، طَالب بِالدُّخُولِ، كَأَنَّهُ لفرط النحول، عاشق، أَو نون أجادها ماشق، أوهلال سرار، أَو حنية أسرار، رميناه مِنْهُ بأجله على عجله، وقطعنا بِهِ عَن أمله، فَأصْبح رهين هوان، مطوفا بأرجوان، ووصلنا الخطا بَين جاثم الأرانب وأفاحيص القطا، فِي سهل يتلَقَّى السائر بترحيب [واهن إِلَى اسكوذر] حللناها، وَالْيَوْم غض الشبيبة، والجو يختال من مَذْهَب سناه، فِي الحلى العجيبة. واستقبلنا ألمرية عصمها الله فِي يَوْم سطعت أشعة سعده، وتكفل للدهر بإنجاز وعده، مثل أَهلهَا بِجَمْعِهِمْ، فِي صَعِيد سعيد، ويدعوهم عيد عَهدهم بِهِ بعيد، فَلم يبْق حجاب إِلَّا رفع، وَلَا عذر إِلَّا دفع، وَلَا فَرد إِلَّا شفع، فِي يَوْم نَادَى بالجمهور، إِلَى الْموقف الْمَشْهُور، وَأذن الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 لشهره بالظهور، على مَا تقدمه من الشُّهُور، رمت الْبَلدة فِيهِ بأفلاذها، وقذفت بثباتها وأفذاذها، وبرز أَهلهَا، حَتَّى غص بهم سهلها، وَقد أَخذهم التَّرْتِيب، ونظمهم المصف العجيب، تقدمها مراكب الْأَشْيَاخ الجلة، وَالْفُقَهَاء الَّذين هم سراج الْملَّة، وخفقت أَصْنَاف البنود المطلة، واتسقت الجموع، الَّذِي لَا توتى بحول الله من الْقلَّة، وتعددت بمناكب البدور أشكال الْأَهِلّة، فِي جموع تسد مهاب الصِّبَا، وتكثر رَحل الدبا، صُفُوفا كَصُفُوف الشطرنج، على أَعْنَاقهم قسى الفرنج، وَقد نشرُوا البنود الشهيرة الألوان، واستشعروا فِي يَوْم السّلم شعار الْحَرْب الْعوَان، يتسابقون من الاحتفال إِلَى غَايَة، وَيرجع كل مِنْهُم إِلَى شعار وَإِلَى راية، وَقد أَحْسنُوا بالمشيخة الاقتدا، وَرفعُوا بِالسَّلَامِ الندا، وامتاز خدام الأساطيل المنصورة، فِي أحسن الصُّورَة، بَين أَيْديهم الطبول والأبواق، تروح أصواتها وتهول، وتألق من تجار الرّوم من استخلص الْعدْل هَوَاهُ، وتساوى سره ونجواه، فِي طروق من الْبر ابتدعوها، وأبواب من الاحتفاء شرعوها، فَرفعُوا فَوق الركاب المولوي، على عمد الساج مظلة من الديباج، كَانَت على قمر العلياء غمامة، وعَلى خصر الْمجد كمامة، فراقتنا بِحسن الْمعَانِي، وأذكرنا قَول أبي الْقَاسِم بن هاني: (وعَلى أَمِير الْمُسلمين غمامة ... نشأت تظلل تاجه تظليلا) (نهضت بعبء الدّرّ ضوعف ... نسجه وَجَرت عَلَيْهِ عسجدا محلولا) إِلَى غير ذَلِك من أروقة عقدوها، وكرامة أعدوها، وطلعت فِي سَمَاء الْبَحْر أهلة الشواني كَأَنَّهَا حواجب الغواني، دالكة الْأَدِيم، متسربلة بِاللَّيْلِ البهيم، تتزاحم وفودها على الشط، كَمَا تتداخل النونات فِي الْخط، فياله من منظر بديع الْجمال، أَخذ بعنان الْكَمَال، بكر الزَّمَان، وَآيَة من آيَات الرَّحْمَن، حَتَّى إِذا هالت الْقبَّة استدارت، وبالغمر السعد من وَجه السُّلْطَان أيده الله أنارت، مثلُوا فَسَلمُوا، وطافوا بِرُكْن مقَامه واستلموا، وأجهروا بِالتَّلْبِيَةِ، ونظروا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 وَجهه الْجَمِيل إِلَى سعد الأخبية، وتزاحم من النِّسَاء الأفواج، كَمَا تتدافع الأمواج، فَرفع الْجنَاح، وخفض الْجنَاح، ومهد لَهُنَّ سَبِيل الْعَطف، وشملهن كنف الإشفاق والعطف. وَلما أَرحْنَا وَاسْتَرَحْنَا، والعيون فِي تِلْكَ الْبَلدة سرحنا، رَأينَا قيد الْبَصَر، والمحاسن الَّتِي ترمي [اللِّسَان] بالحصر، حَضْرَة يسْتَقلّ بهَا الْملك، ومربع يلتقي بِهِ القطار والفلك، رفعت راية الشّرف الْقَدِيم، وحازت على نظراتها مزية التَّقْدِيم، مَا شِئْت من ساحة طيبَة الْأَدِيم رحيبة كصدر الْحَلِيم، متناسبة الْوَضع بِتَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم، تبرجت تبرج العقيلة، وَنظرت وَجههَا من الْبَحْر فِي الْمرْآة الصقيلة. وَركب السُّلْطَان، أيده الله ثَالِث يَوْم وُرُوده، إِلَى مُشَاهدَة قلعتها الشماء، الْمُتَعَلّقَة بعنان السَّمَاء. فقدح سكانها زناد البارق المتألق، وتلعب صبيتها على جنَاح الطَّائِر المحلق، وعَلى سمو مَكَانهَا، وجلالة شَأْنهَا، فدولابها شجي الْمِضْمَار ومياهها فِي انهمار، وخزائنها تستغرق [بطوال الْأَعْمَار] ، وعددها كفيلة بحماية الذمار، فعوذناها من كل خطب فادح، وحيينا بهَا بهو خيران، وَقصر ابْن صمادح، ونظرنا إِلَى تِلْكَ الْآثَار الْكِبَار، والمشاهد الَّتِي تغني عَن الْأَخْبَار، أشرقت الْعَدو بريقه، وسطت بفريقه، وَأخذت عَلَيْهِ فِيهَا يَد الله ثنايا طَرِيقه، وَخص الْمولى أيده الله، فأيدها بتشريفه وترفيعه، وَتَنَاول بِيَدِهِ الْكَرِيمَة من صَنِيعه، فِي مجْلِس احتفى واحتفل. وَفِي حلل الْكَمَال رفل، وَأخذت مجالسها الْخَاصَّة والكبرا، وأنشدت الشعرا، فَكَانَ مقَاما جَلِيلًا، وعَلى الهمم الْعَرَبيَّة، والشيم الملوكية دَلِيلا. وَكَانَ الرحيل عَن تِلْكَ الْمَدِينَة، لَا عَن ملال، وَلَا ذمّ خلال، وَلَكِن مقَام بلغ أمد، ورحلة انْتَهَت إِلَى أمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 (أَقَمْنَا بهَا يَوْمًا وَيَوْما وثالثا ... وَيَوْم لَهُ يَوْم الترحل خَامِس) فيالها من خَمْسَة علقها الدَّهْر تَمِيمَة على نَحره، وأثبتها معوذة فِي قرَان فخره، كَانَت لياليها معطرة النواسم، وأيامها كأيام المواسم. وثنينا الأعنة إِلَى الإياب، وصرفنا إِلَى أوطاننا صُدُور الركاب، فكم من قلب لرحيلنا وَجب، لما اسْتَقل وَوَجَب، ودمع لوداعنا عظم انسكابه لما رمت للبين ركابه، وصبر أصبح من قبيل الْمحَال، عِنْد ذمّ الرّحال، وإلف أنْشد بِلِسَان النُّطْق وَالْحَال: (وَمضى وَخلف فِي فُؤَادِي ... لوعة تركته مَوْقُوفا على أوجاعه) (لم استتم سَلَامه لقدومه ... حَتَّى ابتدأت عناقه لوداعه) وانصرفنا، وعروشها تتَعَلَّق بأذيالنا، ومخاضة واديها تعترض صُدُور رجالنا، ورياحها تتدافع عَن الْمسير، ومعاملها تقنع من إلماحنا وَلَو باليسير. واستقبلنا وَادي بجانة، وَمَا أَدْرَاك مَا هُوَ، النَّهر السيال، والغصن المياد الميال، والإفياء والظلال، الْمسك مافت فِي جنباته، والسندس مَا حاكته يَد جناته، نعمه وَاسِعَة، ومساجده جَامِعَة، أزرت بالغوطتين زياتينه وأعنابه، وسخرت بشعب بوان شعابه، بِحَيْثُ لَا تبدو للشمس أَيَّاهُ، وَلَا تتأتى للحرباء حَيَّاهُ، وَالرِّيح تلوى أعطاف غصون البان، على أردان الكثبان، وتجاذب عَن أنس الخمائل فضول الغلائل، إِلَى برشانة، وَهِي الْكَوْكَب الْأَعْلَى، والأشهب الْمحلي، والصباح إِذا تجلى، والعروس على المنصة تحلى، وَبهَا حلت الغيوم سموطها، ومدت على السَّحَاب خيوطها، وعيون المزن باكية، والمنازل من توقع فراقنا شاكية. [واستقبلنا الْوَادي نجعله دَلِيل تِلْكَ الطَّرِيق، ونتبعه فِي السعَة والمضيق. فكم مخاضة مِنْهُ عبرنا وعَلى مشقتها صَبرنَا. حَتَّى قطرت الأذيال والأردان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وَشَكتْ أَذَى المَاء الْأَبدَان، وتوفرت دواعي الضجر، لملازمة المَاء وَالْحجر، ونسينا بمعاناة ألم البعاد، وَذكرنَا بترديده وإعادته مثلهم فِي الحَدِيث الْمعَاد. اللَّهُمَّ غفرا فَضله مديد، ومنظره فِي الْحسن فريد، وَقد راق شَأْنه، وتصاف على الشط سكانه، فَرَأَيْنَا الْحور تَحت سماط الْحور، والنور فَوق بِسَاط النُّور. وَلما كَاد عمر الْيَوْم ينتصف، وَقد بلونا من بعد الْمَشَقَّة مَا لَا تصف، وتخلصنا من ذَاك الكمد، شارقنا دَار مية بالعلياء فَالسَّنَد] . واستقبلنا عبلة ولورسانة، وأنخنا الركاب بِظَاهِر فنيانة بقْعَة حظها من النعم موفور، وبلدة طيبَة وَرب غَفُور، حللناها ومنافسي العجماء يعرب، وَالشَّمْس يراودها الْمغرب، وَقد عظم الهياط والمياط، وسطا الكلال بالنشاط، وبتنا، والشيح وسائد مضاجعنا، وشكوى التَّعَب حلم هاجعنا، واستقبلنا النهج الأمثل، والسهل الَّذِي يضْرب بِهِ الْمثل، بِسَاط مَمْدُود، وَمن الْبحار الأرضية مَعْدُود. وَلم يكن إِلَّا كخطفة بارق، أَو خلسة سَارِق، حَتَّى تقلص الظل وطوى منشوره طي السّجل. واستقبلنا مَدِينَة وَادي آش حرسها الله، وَقد راجعت الِالْتِفَات، واستدركت مَا فَاتَ، فتجلت المخدرات، وقذفت من اشْتَمَلت عَلَيْهِ الجذرات، وتنافس أَهلهَا فِي الْعدة والعديد، واتخاذ شكك الْحَدِيد، فَضَاقَ رحب المجال، واختلطت النِّسَاء بِالرِّجَالِ، والتف أَرْبَاب الحجا برباب الحجال، فَلم نفرق بَين السِّلَاح والعيون الملاح، وَلَا بَين حمر البنود من حمر الخدود. وبتنا بإزائها، وَنعم الله كافلة، ونفوسنا فِي حلل السرُور رافلة، حَتَّى إِذا ظلّ اللَّيْل تقلص، وحمام الصُّبْح من مخالب غرابه قد تخلص، سرنا وعناية الله ضافية، ونعمه وافية. فنزلنا بوادي فرذش مَنَازلنَا الْمُعْتَادَة، وَقُلْنَا رَجَعَ الحَدِيث إِلَى قَتَادَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 وَبهَا تلاحقت وُفُود التهاني، وسفرت وُجُوه الْأَمَانِي، فنزلنا مِنْهُ بالمروج فتفتحت بهَا أزهار القباب الْبيض فِي بساطه العريض، وخطرت ببالي مَقْطُوعَة فِي مُخَاطبَة الْمولى، انجح الله عمله، وَيسر من فَضله أمله، أَثْبَتَت على حكم الاستعجال، وأوجفت على بيوتها خيل الارتجال: (إِذا سرت سَار النُّور حَيْثُ تعوج ... كَأَنَّك بدر والبلاد بروج) (لَك الله من بدر على أفق العلى ... يلوح وبحر بالنوال يموج) (تفقدت أَحْوَال الثغور بنية ... لَهَا نَحْو أَسبَاب السَّمَاء عروج) (وسكنتها بِالْقربِ مِنْك وَلم ... تزل تهيم هوى من قبله وتهيج) (مَرَرْت على وعد من الْغَيْث بَينهَا ... فمنظرها بعد العبوس بهيج) (فكم قلعة قد كلل النُّور تاجها ... ورف عَلَيْهَا للثبات نَسِيج) (وَلَا نجد إِلَّا رَوْضَة وحديقة ... وَلَا غور إِلَّا جدول وخليج) (أيوسف دم للدّين تَحْمِي ذماره ... إِذا كَانَ للخطب الأبي ولوج) (بفتية صدق إِن دجا ليل حَادث ... فهم سرج آفاقهن سروج) (بقيت قرير الْعين مَا ذَر شارق ... وَمَا طَاف بِالْبَيْتِ الْعَتِيق حجيج) وبتنا نتعلق بأنوار الحضرة العاطرة، ونستظل بسمايها الماطرة، ونعلق الاستبشار، وَنحن إِلَى الْأَهْل حنين العشار. (وَأقرب مَا يكون الشوق يَوْمًا ... إِذا دنت الديار من الديار) فَلَمَّا تَبَسم زنجي اللَّيْل عَن ثغر الْفجْر، وشب وليد الصَّباح عَن عقد الْحجر، ولحظتنا ذكا بطرفها الرمد، وَقد ترك اللَّيْل فِيهِ بَقِيَّة الأثمد، استقبلنا الحضرة، حرسها الله، فأنست النُّفُوس بعد اغترابها، واكتحلت الْعُيُون بإثمد ترابها، واجتلينا من فحصها الْكَرِيم، الساحة الرحباء المساحة، مَا يبهر الْعين جمالا، ويقيد الطّرف يَمِينا وَشمَالًا، أم الْبِلَاد وَالْقَوَاعِد، وملجأ الْأَقَارِب والأباعد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 قعدت مقْعد الْوَقار، وَنظرت إِلَى الأَرْض بِعَين الاحتقار، ومدت إِلَيْهَا الْبِلَاد أكف الافتقار، نصبت من الْجَبَل منصة، قعدت عَلَيْهَا وَقَامَت، وصادف الْفَرِيق فِي ذَلِك الْبسَاط بَين يَديهَا، فَمن ذَا يدانيها أَو يداريها، أَو يناهضها فِي الفخار ويجاريها، وَهِي غَابَ الْأسود، والأفق الَّذِي نشأت فِيهِ سَحَاب الْجُود، وطلعت بِهِ من الْأُمَرَاء السُّعُود أنجم السُّعُود، سيدة الْأَمْصَار وَدَار الْمُلُوك من أَبنَاء الْأَنْصَار، ومصرع الطواغيت وَالْكفَّار، والغمد الَّذِي استودع بسيوف الله دامية الشفار، وَللَّه در بعض شُيُوخنَا، فقد عبر عَنْهَا ببيانه، وَاعْتذر عَن بروها فِي أَوَانه حَيْثُ يَقُول: (رعى الله من غرناطة متبوأ ... يسر كئيبا أَو يجير طريدا) (تبرم مِنْهَا صَاحِبي عِنْد مَا رأى ... مسالكها بالبرد عدن جليدا) (هِيَ الثغر صان الله من أهلت بِهِ ... وَمَا خير ثغر لَا يكون برودا) وصلناها والجو مصقول كالفرند، وَالسَّمَاء كَأَنَّهَا لصفائها مرْآة الْهِنْد، فِي بروز أخرج الحلى من الأحقاق، وَعقد أزرار الْحلَل على الْأَعْنَاق، وأطلع أقمار الْحسن على الْآفَاق، وَأثبت فَخر الحضرة بِالْإِجْمَاع والإصفاق، على دمشق الشَّام وبغداد الْعرَاق، حَتَّى إِذا بلغنَا قُصُور الْملك، وانتهينا إِلَى وَاسِطَة السلك، وقفنا مهنئين ومسلمين، وَقُلْنَا ادخلوها بِسَلام آمِنين، وَأَلْقَتْ عصاها، واستقرت بهَا النَّوَى، كَمَا قر عينا بالإياب الْمُسَافِر. وَمن ذَلِك كَلَام فِي السرحلة لما خف عيد مقَامه صُحْبَة وَفد طَاعَته، ومقدم سنة أمره الْعَزِيز وجماعته، باذلا فِي البدار جهد استطاعته، طائرا بجناح الْحبّ الأول أَمر الْإِمْكَان وساعته، فَرَأى السرير قد اسْتَقل بِهِ عاصبه، وَالْملك قد تقررت مناصبه، فَأدى الْغَرَض، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وقرض فَأحْسن الْقَرْض، وَعرض كتائب الْمَدْح، فاستوعب الْغَرَض، وملأ بهَا الأَرْض، وَصدر قَافِلًا، فِي ثِيَاب الْعِزّ رافلا، وَاقْتضى من إِذْنه فِي زِيَارَة الْبِلَاد المراكشية مَا يُبْدِي لمن نَاب عَنهُ خلال كَمَاله، ويهني الْعباد بِتمَام الْأَمر، ونجح مآله، ويلتمس بركَة الضريح الَّذِي بِحَسب الرَّاغِب بآماله، وَظهر لَهُ أَن يدون رحْلَة، وجهته المنسوبة إِلَى عناية أمره، ويفتق كمامة فخرها عَن زهره، مستعينا بِاللَّه فِي سره وجهره. فَقَالَ خرجنَا من أم الْقرى، وَمجمع الورى، وكعبة السّير والسرى، مَدِينَة فاس، دَار الْملك الْأَصِيل، والعز المشرف الثليل، حَيْثُ الْقُصُور الْبيض، وَالْملك الطَّوِيل العريض، والأبواب المحروسة، والبساتين المغروسة، والمياه المتدفقة، والجنود المرتزقة، والمباني الْعَظِيمَة، والرباع المترفعة عَن الْقيمَة وَالدّين وَالدُّنْيَا، من غير شَرط وَلَا ثنيا، حرسها الله وكلأها، ووفر وَقد فعل ملأها، نلتفت إِلَى معاهدة السَّادة، وعلق الودادة، ومراتب أولى الْجُود والإفادة: (همو اسكنونا فِي ظلال بُيُوتهم ... ظلال بيُوت أدفأت وأكنت) (أَبَوا أَن يملونا وَلَو أَن أمنا ... تلاقى الَّذِي لَا قوه منا لملت) وشعينا مِمَّن كرم ذمامه، وَعرف بِرَفْع الْوَفَاء إلمامه، جملَة من الصُّدُور، والشموس والبدور، تذكرت عِنْد وداعهم المهيج الشكاة، والمدامع المشتبكات، قَول شَيخنَا أبي البركات: (يَا من إِذا رمت توديعه ... ودعت قلبِي قبل ذَاك الْوَدَاع) (وَبت ليلى ساهرا حائرا ... أخادع النَّفس بِبَعْض الخداع) (يَا محنة النَّفس بمألوفها ... من أَجله قد جَاءَ هَذَا الصداع) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وَكَانَ الْمبيت بدشار البوير من أحوازها، دشار نشعت الطَّرِيق بلالة أَهله، وأعدم الله الْمُرُوءَة من فتاه وكهله، وَمن الْغَد قَطعنَا للرحلة الآهلة، وَالطَّرِيق الطاعمة الناهلة، حَيْثُ السهل الْمَمْدُود، وَالْمَاء المورود، والجسور المحنية، والدشر السّنيَّة، والْآثَار المدينية إِلَى مَدِينَة مكناسة، وَمِنْهَا بعد كثير، حَتَّى إِذا الشَّمْس هَمت بتسلق الجدرات، وقادت أَهلهَا من وَرَاء الحجرات، وطفق عسجدها يذهب لجين الضحا، وَمرْسَاهَا الموشية تجلو خد الأَرْض بَعْدَمَا التحا، قمنا نستشعر التجلد للبين، وَهُوَ يفصح، ويجمل حكم الوجد، والدمع يشْرَح، فودعنا الخليط المصاحب، وسلكنا الطَّرِيق غير اللاحب. وَقد طبق ضباب لَهُ على الأَرْض، أكباب حجب الْجِهَات، ولابس بَين الْأُمَّهَات، وضللنا لَوْلَا أَن هدَانَا، وسرنا، والحفنا السَّحَاب وردانا، والنبت قد أطلع ولدانا، ونواحل الطلول قد عَادَتْ بدانا، ثمَّ إِن مرْآة الْأُفق جلت الغزالة صداها، وَأَتَتْ كل نفس هداها، فحمدت السراة مغداها. واقتحمنا الرمل الذى أقدح الله مرعاه، وَحشر غليهم فَحَضَرت مدعاه، مَا بَين خيام، ورعاة غير ليام، وبيوت شعر ومعاطن، وبقر وغنم، تملت بهَا الأَرْض، وبقر ضَاقَ بهَا الطول وَالْعرض، وعجائز يئسن من المحيص، مهدية قرب الْمَحِيض، وَقد اضْطَرَبَتْ فِي الفحص الأفيح محلّة السَّاعِي، ناجحة مِنْهُ المساعي، والأذواد تعد، والنطايع تمد، والعاملون عَلَيْهَا حجتهم لَا ترد، وَلم تكن الشَّمْس تقتعد سَنَام خطّ الزَّوَال، وتسدل من رُؤُوس القوائم ذوائب الظلال، حَتَّى نزلنَا بِعَين الشعرا، وانتبذنا عَن حصنه إِلَى العرا، حصن مثلوم مهدوم، مَوْجُود الْأنس بِهِ مَعْدُوم، إِلَّا أَنه كثير الْوُفُود، ومناخ مَقْصُود، ومعدن الْحَدِيد، وَبَاب الوطن العريض المديد، خيمنا بِظَاهِرِهِ خيفة برغوته، وَلم تخف من سباعه الَّتِي تزأر حولنا وليوثه، فَكَانَت للوقاية النادرة، وَأمنت والمن لله، البادرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وبلونا من وَإِلَيْهِ مبرة، وَمَا فَقدنَا من اللطف مِثْقَال ذرة: وَعند الصَّباح شرعنا فِي الارتحال، وَعين الشَّمْس بَحر الضباب، مفتقرة إِلَى الاكتمال، فسلكنا خندقها خَنْدَق هَارُون وفحص خواز ماز بن برَاز ومظان احْتِرَاز، إِلَى دشار مكول، وَهُوَ إِلَى الفنا موكول، وبرحل الخراب من الْأَعْرَاب موكول. وَلما رَأينَا جنابه غير مأنوس، وَقد امتاز بلبوس البوس، جزناه إِلَى ماغوس، دشار الزاوية، ومركز الحظوظ المتساوية، ومناخ الرِّفْق السارية، وحاضرة تامسنا، حَيْثُ مجْلِس قاضيها، وتشاجر ساخطها وراضيها، وحمام متوضيها، دشار كَبِير، يَأْكُل من هوى وَيشْرب من بير، فقد النضارة، وَعدم مرافق الحضارة، إِلَّا أَنه على الاختزان أَمِين، ولحفظ الْحُبُوب ضمين، مَا لم تعث شمال للْفَسَاد وَيَمِين، قد اتخذ بِهِ مَسْجِد، شان النَّقْص من مناره، لقُصُور درهمه ودنيره، فمنظره شنيع، وحماه غير منيع، بتنا بِهِ فِي كنف شَاهده الْعدْل، فَصم عَن العذل، وترفع عَن خلق الْبَدَل، وأنشدته من الْغَد: (مَاذَا لَقينَا بماغوس من اللَّفْظ ... لَيْلًا من خرس الْأَجْرَاس وَالشّرط) (وَمن رداة مَاء لَا يسوغ لنا ... شراب جرعته إِلَّا على الشطط) (وَمن لُغَات حوالينا مبربرة ... كأننا بِبِلَاد الزنج والنبط) (جرد إِلَّا شجرات نستظل بهَا ... وَلَا أنس يربح النَّفس من قنط) (منارها قعد الْبَانِي لنصبته ... فَلَا تُشِير إِلَيْهِ كف مغتبط) (كَأَنَّهُ قيشة جَاءُوا لفلقها ... بخاتن قطّ مِنْهَا النّصْف عَن غلط) (لَكِن فَاضل كتاب الشُّرُوط بهَا ... بحي أبر فَتى للفضل مشترط) (أَحْيَا بهَا الْأنس يحيى بعد وحشتها ... وناب عَن حلَّة من ذَلِك النمط) ورحلنا من الْغَد عَن شكر لقراه، وَصرف الركب إِلَى محلّة سُفْيَان سراه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 فسرنا نَؤُم حلَّة سُفْيَان وملاعب الرعيان بَين خيام قد استدارت كالرذائل، واشتملت على الولائد والعقائل، ودثر ركبت الهضاب بأخصاصها، ومالت الوهاد بنهمها وخلاصها، يسمح أَهلهَا بِاللَّبنِ الحامض بعد مَا نزع جبنه وزبده، وترجح للراغب فِيهِ زهده، وَوجدنَا الطَّاعُون فِي بُيُوتهم، قد نزل واحتجز مِنْهُم الْكثير إِلَى الْقُبُور وَاعْتَزل، وبقر وبزل، واحتجن واختزل، فَلَا تبصر إِلَّا مَيتا يخرج، وصراخا يرفع، وعويلا بِحَيْثُ لَا ينفع، فعفنا الهجوم، وألفنا الوجوم، وتراوغنا عَن الْعمرَان، وَسَأَلنَا الله السَّلامَة من معرة ذَلِك الْقرَان، وركضنا نبغي اللحاق بالفرج، حَيْثُ مخيم شيخ الْقَبِيلَة، ونروم الْمبيت بالمنزلة غير الوبيلة وَقلت: (ترى لهَذَا السّير من مُنْتَهى ... بِنَاء أَعْضَاء من بِهِ قدوها) (قَالُوا نُرِيد البرح قلت ارْجعُوا ... عَن سهوكم قد جرت براح السها) فَزَالَتْ الشَّمْس ومالت ثمَّ سَالَتْ، وانهارت فِي حجر الْمغرب وانهالت، وَبعد لأي مَا بلغنَا، وَمن الكد فَرغْنَا، ومنحة الرَّاحَة تسوغنا. ونزلنا بِإِزَاءِ خيام استدارت فِي سَنَام، قد اشتبكت حبالها، وتراصت جبالها، مَدَائِن دورها شعر، ووقودها بعر، وسورها سدر، وبقلها لَا تَخْلُو مِنْهُ قدر، قد جَاوَزت بركا ريانة، ومنازل بالأمم ملآنة، ومروجا مرقومة الطرر وبطاحا معضوضة الكور، وبادر الشَّيْخ فَرَحَّبَ، وتبسط وتسحب، رجل قد اكتمل، وعَلى الوخط اشْتَمَل، تدل مِنْهُ المنابشة على نبل تَحت جمامه، وتنشق مِنْهُ كمامه الفهامة عَن فهامة، وَلم يقصر عَن طَعَام نظيف، واحتفال مضيف. وَركب لوداعنا فِي مركب لجب، غير محجز وَلَا محتجب، وَسَأَلَ عَن الطية، ومناخ المطية، قُلْنَا الْمنزل الْأَثِير، من حلَّة أبي كثير، فَهُوَ محركات الرحلة، وأوضح مَذَاهِب تِلْكَ النحلة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 فَوكل بلحظنا عينه، وَقسم المرحلة بَيْننَا وَبَينه، وأنزلنا مرحلة مهْدي بن مُوسَى، وَقد امتدت إِلَيْهَا أنامل البوسي، فانتبذنا عَن جوارها، وأصحرنا عَن قورة دوارها، وَلم يجد صاحبنا فِيهَا مرغبا لجوده الَّذِي بذله، وَلَا قبولا لقراه الَّذِي عجله، واجتنبناه اجتنابا أخجله، وبتنا فِي وقاية ضفى جناحها، إِلَى، إِلَى أَن اشتعل فِي نجمه اللَّيْل صباحها، فركضنا تَحت رواق ضباب سَاتِر، ورذاذة متناثر، لم تزل الشَّمْس ترشقه، والرياح تستكشفه، حَتَّى تقشع، وَبَان الْأَهْل من البلقع، فتعرفنا فِي بعض طريقنا، أَن أَبَا مثوانا، وَحَام قرانا، يجمع بَيْننَا وَبَينه الطَّرِيق، ويلتقي الْفَرِيق بالفريق، لمجمع بَين الْعَرَب مَعْقُود، وَرَأى مشهود، فَقُلْنَا تَعْجِيل اجْتِمَاع، وحظ إبصار بعد حَظّ إسماع، ومزيد استكثار بِأبي كثير واستمتاع، وعَلى بريد تراءت الْخَيل تسل الأباطح بأعرافها وَتَأْخُذ الإجراء بأطرافها، وخالفت بَيْننَا بنيات الطَّرِيق باشتباهها. فنزلنا بِبَعْض الْجِهَات على مياهها، وخاطبته بِمَا نَصه: (مبارك مَا قدمت سُفْيَان رَغْبَة ... وَلَا خوف تَقْصِير وَلَا سوء سيرة) (وَمَا نظرة مني إِلَيْك أعدهَا ... سوى منَّة لله فِي ... كَثِيرَة) (وَإِن كَانَ مَا لاقيت قبلك الجما ... فَأَنت على التَّحْقِيق شمس منيرة) (وَرب صَلَاة قدم النَّفْل قبلهَا ... وتشرب من قبل الثَّرِيد حريرة) ثمَّ كَانَ النُّزُول بالزاوية قبر زِمَام وَأبي ذمام، ورعى اهتمام دشار وَجَدْنَاهُ، وَالْحَمْد لله محتويا على صِحَة، محجوبا عَن خطوب حواليه ملحة، رحب بِنَا أَهله، واسهل إِلَيْنَا رحبه وسهله، واقتدى فِينَا بِمذهب الشَّيْخ، فتاه وكهله، وَلما اصبح بكرنا محلته الآهلة، وَذكرنَا، وَالشَّيْء يذكر بضده بأَهْله، ونظرنا إِلَى خيام وحلل، وجديد وطلل، ومبارك ومعاطن، ومسكن يعرف بأصالة قاطن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 تيط أقوران، وَمَا أَدْرَاك مَا تيط، حَيْثُ الجناب الغبيط الْبشر والبسيط، وَالْبَحْر الْمُحِيط، تَفَجَّرَتْ بهَا للزلازل عين كَمَا سَالَ لجين، أَو صقل صفحة السَّيْف قين، وتسنم ذرْوَة الْبيُوت مِنْهَا قصر مشيد، أثلع مِنْهُ جيد، وأغرى بِهِ تحكيم وتنجيد، ودارت الْبيُوت، كَمَا نسج العنكبوت، واتجهت إِلَيْهِ الطّرق والسموت، ونجح بإزائه السُّوق، وَبَان من فجر ساكنها البسوق. وَقلت: (نزلنَا حلَّة الْخَلْط الْكِرَام ... بأخت الرُّكْن والبلد الْحَرَام) (وَمن يَك من ضيوف أبي كَبِير ... غَنِي بالفعال عَن الْكَلَام) (وَإِن بيوته لَكمَا سمعنَا ... بيُوت الْخَيل وَالنعَم الجسام) (تظللها الفوارس بالعوالي ... وتفرشها الولائد بِالطَّعَامِ) إِلَى غير هَذَا من الشّعْر، وَينظر فِي مَوْضِعه. وَمن ذَلِك مَا صدر عني من المقامات فِي هَذَا الْغَرَض حدث من ينظم فرائد الْأَخْبَار فِي سلك قصصه، ويدوس حبات الطّرق بأخمصه، ويطارد شوارد الْكَلَام، حَتَّى يصبح من قنصه، قَالَ: بَيْنَمَا أَنا فِي بعض الطّرق، وَقد وصلت الهاجرة، وتبرجت الْمَفَازَة الْفَاجِرَة، وَسورَة القيظ تكَاد تميز من الغيظ، وَشهر ناجر، قد أَخذ بالحناجر، وَالشَّمْس قد ركبت سَنَام خطّ الزَّوَال، ومدرجة الصِّبَا قد ضنت النوال، وصمتت عَن السُّؤَال، وَقد تشاجرت الجنادب، وَاخْتلفت لقيانها الولائم والمآدب، وَتَبَاعَدَتْ من الفضا الْأُخَر والمناكب، ومدت نَسِيج الْآل العناكب، والطية تطفف فِي الْمسير، والمطية قد سميت الذرع والتكسير، والظل مرامه من العسير، وَالْمَاء بِمَنْزِلَة الإكسير، إِذْ رفعت لي على الْبعد سرحه فِي فريدة عَن اللَّذَّات، والوشائج المولدات، فَهِيَ فِي الْمُجْمل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 علم، وللركائب ركن مستلم، نستامه كَأَنَّهَا فِي جلد اليباب شامة، فملت إِلَى سمتها وانحرفت، وثنيت الْعَنَان نَحْوهَا وصرفت، فَمَا كَانَ إِلَّا فوَاق حرف، لَا بل ارتداد طرف حَتَّى عشيت مِنْهَا عقيلة فلاة، وخدر سعلاة، ذَات عَمُود سَام، وطنب يكتنف ببني حام وسام، ظللت من الأَرْض حجرا مدحوا، ومهرقا من حُرُوف الْمهْر ممحوا، ودمثا سهلا، ورحبا وَأهلا، وشيخا وكهلا، وعلما وجهلا، يَتَخَلَّل سَمَّاهَا الخضراء شهبان أهلة، وَتثبت بأهدابها أَسْنَان وأعنة، وتموج فِي ظلها إنس وجنة، كَأَنَّمَا ضربت الصَّخْرَة الصما بعصاها، فأطاعها العذب الْفُرَات وَمَا عصاها، وانساب بَين يَديهَا ثعبان تراع لَهُ وهاد وكثبان ينشب حصاه عَن حَصى تغلط الْعَارِف من الصيارف، وتوهم الأملياء انتهاب عقودها، لَا تَسْتَطِيع الْجَوَارِح مصابرة خصره وَلَا يماثله الشهد بمجاج معتصره، فحييت الْجمع بِأَحْسَن تحياته، واتحفت الرّوح من ذَلِك العذب البرود تحياته، وتلوت كَذَلِك، يحيى الله الْمَوْتَى ويريكم آيَاته، وَقلت حياك الله من خميلة، وفاتنة جميلَة، وتمثلت بقول ابْن قَاضِي مَيْلَة: (وقانا وقدة الرمضاء روض ... وَقَاه فضاعف الظل العميم) (فصرنا نَحوه فحنا علينا ... حنو الوالدات على الْيَتِيم) (يُرَاعى الشَّمْس أَنا قابلتنا ... فيحجبها وَيَأْذَن للنسيم) (وَسَقَانَا على ظمإ زلالا ... ألذ من الشَّرَاب مَعَ الْكَرِيم) (تردع حَصَاة حَالية الغواني ... فتلمس جَانب العقد النظيم) وَكَانَ فِي جملَة من اغتنم المقيل، واستنصر على عَدو الظمإ ذَلِك العضب الصَّقِيل، وألم بِالنَّوْمِ الْخَفِيف على الرحل الثقيل، لايث عمَّة على همة، ومستظهر بوفر وَذمَّة، ورعى أذمة، قد عَبث الوخط مِنْهُ بلمة، بَين يَدَيْهِ عتاق قَود، وَعبيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 تحسبهم أيقاظا وهم رقود، فاشرأب عِنْد سَماع إنشادي كَمَا يشرئب للريم، وهزت حميا الْأَدَب مِنْهُ عطف كريم، وَصَاح بِصَوْت جهير، يَنْبَنِي عَن منصب شهير، من هَذَا الطارق، وَمَتى أومض هَذَا البارق، وَإِنِّي لأنس مخيلة غير مخيلة، وَأنْظر إِلَى مَظَنَّة غير ذَات ظنة، ليدن مني جوارك، ويرع إِن شِئْت حوارك، ويتفتح نوارك، وتتألق أنوارك، وَلم يزل يحاجي ويسمل، ويرعى فَلَا يهمل، فَلَمَّا دَنَوْت من مهاده، وركضت فِي رَبًّا الحَدِيث ووهاده، وأصبت من زَاد طَرِيقه، وانخرطت فِي فريقه، وأطهر بني بِأَحَادِيث الغريبة وتشريقه، سفر مِنْهُ الِاخْتِيَار عَن نجار هاشمي، وكرم حاتمي، وَدَار فاسي، ومنصب رياسي، وأصل عراقي، وَفرع بَين، نَفِيس ونفيسه راقي. وَلما انخفض قرن الغزالة، ولان طبع الهوا من بعد الجزالة، وَلم يبْق من عمر الْيَوْم إِلَّا الْقَلِيل، ورقية النسيم تَتَرَدَّد على الْأَصِيل العليل، وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ، ويسلك مَسْلَك أمسه، وَالْمغْرب يبتلع قرصة شمسه، قمنا نقضي الدّين، ونقلد رقيم العذار كل أسيل الْخَدين، كريم الجدين، ونشيد المناطق على جميل كل ماضي الحدين، ونغتنم ثَانِي الأبردين، فَرفعت الرّحال من فَوق الظُّهُور، وسرنا بِنَصّ السّير على الْمَذْهَب الْمَشْهُور، وَتَركنَا البنيات إِلَى جادة الْجُمْهُور - وَقلت أَيهَا الرفيق الْبر الصَّحَابَة الْأَغَر السحابة، إِن الشقة بعيدَة، وَالْمَشَقَّة مبدية معيدة، وَلَا يستعان على المراحل إِذا اشتطت واستطالت، وليالي السرى إِذا قمطت وطالت، إِلَّا بتناوب الْأَخْبَار المنقولة، والآداب المهذبة المعقولة، فَقَالَ أثر الكامن، وأزجر الميامن، وابغ الْفلك الثَّامِن، واطلب غَرِيم الغرائب وَأَنا الضَّامِن: قلت افسح لي مجَال غرضك واشرح لي معنى جوهرك وعرضك، وطية سفرك وعودك بظفرك. فَقَالَ أَنا كَالشَّمْسِ أجوب هَذِه الْمنَازل مرّة فِي كل سنة، وأحصى كل سَيِّئَة وحسنة، وأطوى الغلاة، وأبهرج الْوُلَاة، فهم يرقبون تِلْكَ النّوبَة، ويتوقعون الأوبة، ويستعدون لخُرُوج الدَّابَّة الَّتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 تكلمهم بالإقلاع وَالتَّوْبَة، فأسعط الأنوف، وأنتزع حَتَّى الشنوف، وَأحكم لساني فِيمَن ينساني، وأجود بِظِل ينساني، من بسر إنساني، وأداول بَين إساءتي، وإحساني وأتصدى للهدية الودية، وآنف من الْعَطِيَّة غير البطية. وأوسع الْبَخِيل هجرا، وأقرط من كرم نجرا، ووضح فجرا، قَالَ لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا: (يَا أهل بَيت رَسُول الله حبكم ... فرض من الله فِي الْقُرْآن أنزلهُ) (يكفيكم من عَظِيم الْفَخر أَنكُمْ ... من لم يصل عَلَيْكُم لَا صَلَاة لَهُ) فَلَا أَزَال أطلق عنان الصولة فِي جو الجولة، مستظهرا بوسيلة الْبَيْت ومنشور الدولة، فأسلق الخامل فِي مرقة النبية، وَأحكم للشبيه بِحكم الشبيه، وَلَا أقبل عذر الْبَغي، وَلَو شغلته جَنَازَة أَبِيه، أهجم هجوم السَّيْل بالنيل، وَأجر على الْبيُوت فضول الذيل، وأتقلب تقلب الْفلك بَين الاسْتقَامَة والميل، وأزن كل بضَاعَة فأبخس فِي الْوَزْن أَو أطففه فِي الْكَيْل، وأغرر غرَّة الصَّباح بغزر الْخَيل، وَلَو على حَيّ عَامر بن طفيل، وأرحل عَن الْحلَّة وَقد همدت بعد ارتجاجها وسكنت قساطل عجاجها، وَصحت أذين دجاجها، وفليت عَن الخزين روس مجاجها، وأعود والصرة لَا يجْتَمع مغلاقها، والبدرة لَا يقلها معلاقها، والعياب يصعب مَعهَا الإياب، وتبرز من خلال أستارها الثِّيَاب، وَالْخَيْل تموج فِي الأرسان، وتختال فِي السُّرُوج المحلاة والجلال الحسان، قلت لعمري لقد اتَّسع نطاق الْكَلَام، وَطَالَ مدى التِّلَاوَة بَين الْإِمَامَة وَالسَّلَام، فَأَعْرض لي الْقَوْم عرضا، وصف لي الْمَوَارِد غمرا وبرضا، وميز الهمم سما وأرضا، وأخبط الْعضَاة بعصاك حَتَّى ترْضى، فقهقه قهقهة الشقشاق، وتأوه تأوه العشاق، وَكَأَنَّهَا كَانَت حَاجَة فِي نَفسه قَضَاهَا، وعزيمة يتجاذبها الكسل أمضاها، فسام نصاله وانتضاها، وَقَالَ خذهم بالكلاليب، وأجنبهم بِحجر الجلاليب، وعث عيث الغزالة وشبيب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 فِي كل غرفَة وسبيب، وابدأ بِمن تُرِيدُ، وَأرْسل شهَاب فكرك خلف كل شَيْطَان مُرِيد، وَمن غَابَ عَنْك فخيل الْبَرِيد. قلت الحضرة وجملتها، والمزرعة الْعُظْمَى ونباتها، وافتتح المراسم بِمُحَمد بن الْقَاسِم. فَقَالَ شيخ موقر والمنصب مَا لم يصنه مخظر، مُدع على رتب الْخدمَة، قديم الاصطناع وَالنعْمَة، مؤتمن على الْحساب، منتسب إِلَى الْأَمَانَة أتم الانتساب، نبيه الْعقار والاكتساب، مكرم لِذَوي الأحساب، قلت، ففلان، قَالَ فَارس زِمَام، ومتمسك بذمام، ومصل خلف إِمَام، يناقش ويدقق، ويعاود ويحقق، وَهُوَ عَن الصبوح يرفق، فغريمه مُتْعب مهمى عسر وصعب، واستوعب: كعصفورة فِي كف طِفْل يسومها ترود حِيَاض الْمَوْت، والطفل يلْعَب، وعَلى الرُّتْبَة الشماء، والخلق اللطيفة كَالْمَاءِ. فبينه وَبَين رَيْحَانَة الكرما، وشهاب الظلما، مَا بَين الْحُرُوف والأسما، لَا بل الأَرْض والسما: (وَقد يُسمى سما كل مُرْتَفع ... وَإِنَّمَا الْفضل حَيْثُ الشَّمْس وَالْقَمَر) قلت: قَالَ خدوم، وقاضي سدوم، مَوْجُود مَعْدُوم، يخيل بِالنَّبلِ، ويحيد عَن السبل، ويخلط أَرضًا وسما، ومسميات وَأَسْمَاء، وَنَارًا وَمَا، ويحسبه الظمآن مَا. قلت، قَالَ شختور يسبح، وَفصل يذبح، وتاجر فِي كل نفس يربح: انسحب عَلَيْهِ الْقبُول من لدن صباه، وَصَاح بِهِ الجو فلباه، شَأْنه الدَّهْر غمز وإيثاره، ونداوة وَبشَارَة، محظوظ مجدود، وَعقد حرصه مشدود، وَهُوَ فِي الْكَفَاءَة مَعْدُود، قلت، فَقَالَ، فارة، وَقَضَاء وَكَفَّارَة، وَبَقِيَّة مِمَّا ترك آل مُوسَى وَآل هرون تَحت غفاره، بعوضة فِي الْأَذَان، تغني عَن الاستيذان، ويطرق حَتَّى بهنات الْإِقَامَة وَالْأَذَان، قَادر على تلفيق الثُّبُوت، وَحمل الْيَهُود على نِسْيَان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 السبوت، يرى الْحِكْمَة خبيئة جيبه، ويشتغل بعيوب النَّاس عَن عَيبه، قلت: قَالَ أُلُوف ودود، أنوف عَن الْخبث والمكيدة صدود، مَحْسُوب من الأسرياء مَعْدُود كثير [الشنشنة] والأريحية، مبذول الْمُشَاركَة شَائِع التَّحِيَّة، بَادِي النبل والطرب، ينظم الأبيات، ويوضح من الْفضل الْغرَر والشيات. (عَلَيْك بكاتب لبق ذكي ... أديب فِي شمائله حرارة) (تُشِير لَهُ بلحظك من بعيد ... فيفهم طرفه عَنْك الْإِشَارَة) قلت، فالوالي ابْن الربيب، فَشد خيشومه، واستدفع بيمن الله شومة، ثمَّ قَالَ الرَّوْض وَالْأنف، تحْتَاج إِلَى الكنف. إعلم أَنِّي على طول تجريبي، وتشريقي وتغريبي، لم أعثر لَهُ على شَبيه، فلعنة الله عَلَيْهِ وعَلى أَبِيه، الْجَهْل والرعونة، والطلعة الملعونة، والحيا المسلوب، وَالصَّبْر الْمَهْزُوم عِنْد الشَّهَوَات المغلوب، والخيانة الَّتِي يعرفهَا الْوُجُود، وَالْيَد الَّتِي فِي غير الْخَنَا لَا تجود، نَار الجباية، الَّتِي تَأْكُل فِي اللحظة الْوَاحِدَة جبالها، وخنجر الْأَمَانَة الَّتِي يقد جبالها المارق على النكال وَالْعِقَاب، المخل بِالْأَلْقَابِ، الخامل الْبَيْت والهمة، الْكثير الذَّم، الْقَلِيل الذِّمَّة، وَالله در أبي مُحَمَّد العلكوم، ذِي الْعَارِض المركوم، حَيْثُ يَقُول: (لأبي الْفضل ابْن الربيب خِصَال ... شهِدت بالوفا وَالْفضل فِيهِ) (سَاقِط الأَصْل عاهر الْفرج مذ ... كَانَ سَفِيه قد بذ سَفِيه) (ذِي محيا من الْحيَاء عديم ... وَقفا مختل وشكل كريه) (سلحفاة قد عَمت وأجران ... فِي رِدَاء موشع يلويه) (مُجمل السرج مِنْهُ ذُو رجيع ... يعرف النَّاس ذوقه من فِيهِ) (حجر الله جوده وندا كفيه ... إِلَّا عَن أسود يشفيه) (فَهُوَ لَا يستكفه من بلَاء ... ومجابي الْبِلَاد لَا تكفيه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 (قلت للنَّاس وَالسُّؤَال شفا ... وَهُوَ قدما شَأْن النَّبِيل النبيه) (لم يدعى بِابْن الربيب فَقَالُوا ... كَانَ يَزْنِي بِأُمِّهِ ابْن أَبِيه) (أبعد الله ذَلِك الْوَجْه من ... كل مقَام بر وَقدر نبيه) (وَكَأَنِّي بِهِ وَقد بشرت مِنْهُ ... يَد الذل غلظة التنويه) (تترع الْعِزّ مِنْهُ سخطَة رب ... لم يدنه يَوْمًا يرضيه) (وأهالت مِنْهُ السِّيَاط كثيبا ... واكمت رمله ريَاح التيه) (ورست مِنْهُ فِي الأداهم رجل ... ودعتها نضارة الترفيه) (كَانَ عارا على الْوُجُود وَمن ... يبْلى بِعَارٍ كَيفَ لَا يخفيه) (عَادَة الله كلما اعتز بَاغ ... بضلال فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ) قلت، ففلان، فَقَالَ شعلة من ضرام، ودمل من أورام، وَلَا بُد لكل شَيْء من انصرام. سعيد الدّين خير من أَبِيه، وَطرح الْكَلْب خير من سعيد. قلت، ففلان. قَالَ صَاحب هدي وسمت، وَطَرِيقَة غير ذِي عوج وَلَا أمت، واشتمال من الطَّهَارَة والتفات، متقلد من مَحل ولَايَته فِي جنَّات ألفاف، مَعَ مهيب عدل وإنصاف، معتدل الْجُود، وَاضع إِيَّاه فِي ضرورات الْوُجُود، كثير الضَّيْف، مطعم فِي الشتا والصيف، أَمن جَاره من الحيف، يرْعَى الْوَسِيلَة، فَلَا ينساها، ويصل مغدى الصنيعة بممساها، فَإِذا ذكرت الْخِيَار فاذكره فِيهَا، أَو حسب الْولَايَة بِهِ فخرا ويكفيها: لَا يسمع الهجر فِي مجالسه، وَلَا تضم الْخَنَا سقائفه. قلت، وَهُوَ لعمري سَلس القياد، وحقيبة جباد، فَلم يفه ببنت شفه، لَا أدرى أم أَنفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 قلت، فمشربه، قَالَ أنهد، وَفِي غير الْكفَّار لَا تجهد، وَدعنَا من الحضيض الأوهد، فَالْأَمْر أزهد، وَلَا تعد إِلَى مثلهَا، وَالله يشْهد. قلت، مُقيم رسم، وممتاز من الشُّهْرَة بوسم، وَرجل عَاقل، وجال صفحات الْبر وصاقل، ومتماسك عَن الْغَايَة متثاقل، لَا بفصاحة سحبان، وَلَا بعي بَاقِل، يروقك لقاؤه، ويعجبك خوانه وسقاإه (؟) ، ويثنى على صلته أصدقاؤه. قلت فأخوه، قَالَ درة بَيتهمْ، وغرة كميتهم، ومصباح زيتهم، منزلَة منزع جفان، ومحط ضيفان، يركب المطية، ويمهد الأريكة ي الوطية، وَيتبع بالعذر أثر الْعَطِيَّة غير البطية، ويجدد الْعَمَل بِالْعِصَابَةِ البرمكية، وأخبارهم المحكية. قلت، قَالَ كَوْكَب سحر، وكريم قرى وَنحر، وأبهت وسحر، ماشيت من تَرْتِيب وَتَقْدِير، خليق بِالْبرِّ جدير، وَروض وغدير، وخورنق وسدير، هذب الْأَدَب خُدَّامه، وأطاب الاحتفال خبزه وإدامه، إِلَى عطا يحْسب الأمل، ويثقل النَّاقة والجمل، عضه الدَّهْر فَمَا عض من طباعه، واستأثر بِمَالِه ورباعه، وَتَركه فريسة بَين سباعه، فَمَا حط من همته، وَلَا قصر من طباعه: ... وطالما أصلى الْيَاقُوت جمر غضا، ثمَّ انطفأ الْجَمْر، والياقوت ياقوت. قلت، قَالَ، أَمِين وَذخر ثمين، وشمال للنصيحة وَيَمِين، إِلَى صدر سليم، وتعويض وَتَسْلِيم، وسرو عميم، ومرعى للفضل حميم، يقنع بالمصاصة، ويؤثر على الْخَصَاصَة، ويحافظ على القلامة والقصاصة. قلت، قَالَ بر وَفِي [يذوب حَيَاء، ويتهالك إبلاغا فِي الْبر وإعياء] . قلت، قَالَ لفظ بِلَا معنى، وَشَجر بِلَا مجنى، مروته سقيمة، وسراوته عقيمة، مَدين الحرمان لَهُ خدين، لَا يحمد قراه، وَلَا يمسك البلالة ثراه، وَإِن تسمع بالمعيدي لَا أَن ترَاهُ. قلت، قَالَ، حمول للكلفة كثير الألفة حمَار قَلِيل العلفة وطيه، وَهُوَ قعُود ذَلُول ومطية. قلت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 فَقَالَ سُورَة الْفضل والكمال، وَصُورَة الْحَلَال وَالْجمال، وَسيف الجباية وَالْمَال. وَحج العفاة وكعبة الآمال، العف الْإِزَار، ذُو الْمَوَاهِب الغزار. مَا شيت من حَيا ووقار، واهتضام للعرض الْأَدْنَى واحتقار، يهب الجزيل، وَيكرم النزيل، وَيحكم التَّنْزِيل، أقسم لَو سبق الزَّمن زَمَانه، وانتظم فِي سلك العقد المتقادم حمانه، لما كَانَ لكعب من علو كَعْب، وَلَا ساعد ابْن سعدي ذكر، وَلَا أعمل فِي مدح هرم بن سِنَان فكر، ولطوى حَاتِم طي وَلم تَأْخُذهُ يَد النشر إِلَى الْحَشْر، وَلَا أعملت فِي أخباره يَد الإضراب والبشر، فَهُوَ الْعَامِل الْعَالم، والعادل الَّذِي تكف بِهِ الْمَظَالِم، وَالْبَحْر الَّذِي من دونه بلالة والكفاية مَا سواهَا علالة. (مدحت الورى قبله كَاذِبًا ... وَمَا صدق الْفجْر حَتَّى كذب) إِن طرقت منزله هش ورحب، وتبسط جالبا للأنس وتسحب، وَحكم كَمَاله، وَألقى قبل الوسادة مَاله، فَهُوَ حَسَنَة الدولة الغرا، وطراز حلتها الشيرا: وحديثها الْمَنْقُول، وصفيحها المصقول، وَللَّه در الَّذِي يَقُول: (سلني عَن النّدب وَإِلَى الْوُلَاة ... فَإِنِّي على مدحه قَادر) (مخدرة فِي سَبِيل الحيا وَيَوْم ... الوغى أَسد خادر) وَلما بلغ إِلَى هَذَا الْحَد، كَأَنَّمَا كَانَ الحَدِيث ثوبا على جَسَد المرحلة مقدودا، وعددا مَعَ لياليها المحسوبة معدودا، أَتَى للسير مِنْهُ الْقَوَاعِد والبروق، وانتهب عمر اللَّيْل إِلَى الشروق، وَكَانَ آخِره بِبَاب المحروق، وَجعل كل وَجهه إِلَى ذره، وَعَاد إِلَى مركزه عقب مَدَاره، وعلق بقلبي كَلَامه، فاستقر فِي احتزانه، وَأَنا أزن الْقَوْم بميزانه، وَالله يتغمد مَا يُوَافقهُ العَبْد من هفوة لِسَانه، ويغطى الْإِسَاءَة بإحسانه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 من ذَلِك الْكتاب الْمُسَمّى بمعيار الِاخْتِيَار الْحَمد لله الَّذِي انْفَرَدت صِفَاته بالاشتمال على أشتات الْكَمَال، والاستقلال بأعباء الْجلَال، المنزه عَن احتلال الْحَلَال، المتصفة الْخلال بالاختلال، الْمُتَعَمد بالسؤال، لصلة النوال، جَاعل الأَرْض كسكانها مُتَغَايِرَة الْأَحْوَال، باخْتلَاف الْعرُوض والأطوال، متصفة بالمحاسن والمقابح، عِنْد اعْتِبَار الهيئات والأوضاع والصنائع والأعمال، على التَّفْصِيل والإجمال، فَمن قَامَ خَيره بشره، دخل تَحت خطّ الِاعْتِدَال، وَمن قصر خَيره عَن شَره، كَانَ أَهلا للاستعاضة بِهِ والاستبدال، وَمن أربى خَيره على شَره، وَجب إِلَيْهِ شدّ الرّحال، وَالْتمس بِقَصْدِهِ صَلَاح الْحَال، وَكَثِيرًا مَا اغتبط النَّاس بأوطانهم، فحصلوا فِي الْجبَال على دعة البال، وفازوا فِي الرمال بالآمال، حِكْمَة مِنْهُ فِي اعْتِبَار ربع الشمَال، وتضيء أكنافه عَن الْيَمين وَالشمَال، إِلَى أَن يَدْعُو بِأَهْل الأَرْض، لموقف الْعرض وَالسُّؤَال. وَيذْهل عَن الأمل عظم الْأَهْوَال. وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى، الَّذِي أنقذ بدعوته الوارفة الظلال من الضلال، وجا بِرَفْع الأغلال، وتمييز الْحَرَام من الْحَلَال، وَالرِّضَا عَمَّن لَهُ من الصحب والآل. أما بعد، ساعدك السعد، ولان الْجَعْد، فَإِن الْإِنْسَان، وَإِن اتّصف بِالْإِحْسَانِ، وأبانة اللِّسَان، لما كَانَ بعضه لبَعض فَقِيرا، نبيها كَانَ أَو حَقِيرًا، إِذْ مونه الَّتِي تصلح بهَا حَاله، وَلَا يَسعهَا انتحاله، لزم اجتماعه وائتلافه على سياسة يُؤمن مَعهَا اختلافه، واتخاذ مَدِينَة يقر بهَا قراره، وَيتَوَجَّهُ إِلَيْهَا ركونه وفراره، إِذا رابه إضراره، وتختزن فِيهَا أقواته الَّتِي بهَا حَيَاته. ويحاول مِنْهَا معاشه، الَّذِي بِهِ انتعاشه، وَإِن كَانَ اتخاذها جزَافا واتفاقا. واجتزاء بِبَعْض الْمرَافِق وارتفاقا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 تحاول خَيرهَا وشرها، وتعارض نَفعهَا وضيرها، وفضلها فِي الْغَالِب غَيرهَا، وَإِن كَانَ عَن اخْتِيَار وتحكيم معيار، وتأسيس حَكِيم، وتعويض لِلْعَقْلِ وتحكيم، تنافر إِلَى حكمهَا للنفر، وإعمال السّفر، وَكَانَت مساويها بِالنِّسْبَةِ إِلَى محاسنها تفْتَقر، إِذْ وجود المَال فاضح للآمال، وَللَّه در الْقَائِل: (وَمن ذَا الَّذِي ترْضى سجاياه كلهَا ... كفى الْمَرْء فضلا أَن تعد معايبه) وبحسب ذَلِك، حدث من يعْنى بالأخبار ينقلها، وَالْحكم يصقلها، والأسمار بنتقيها، والْآثَار يخلدها ويبغيها، والمجالس يَأْخُذ صدورها، والآفاق يشيم شموسها وبدورها، وَالْحلَل يصرف دورها، وَيَأْكُل قدورها، والطرف يهديها، والخفيات يبينها، وَقد جرى ذكر تَفْضِيل الْبلدَانِ، وَذكر القاصي والدان، ومزايا الْأَمَاكِن، وخصائص الْمنَازل والمساكن، والمقابح والمحاسن، وَالطّيب والآسن، قَالَ ضمني اللَّيْل، وَقد سدل الْمَسِيح راهبه، وَأَشْهَب قرصة الشَّمْس من يَد الأمس ناهبه، وذلفت جيوشه الحبشية وكتائبه، وَفتحت الأزهار شط المجرة كواكبه، وجنحت الطُّيُور إِلَى وَكَونهَا، وانتشرت الطوافات بعد سكونها، وعويت الذئاب فَوق هضابها، ولوحت البروق بفيض عضابها، وباحت الْكَفّ الخضيب بخضابها، وتسللت اللُّصُوص لانتهاز فرصها، وَخرجت الليوث إِلَى قسمهَا وحصصها فِي مناخ رحب المنطلق، وثيق الغلق، سامي السُّور، كَفِيل بِحِفْظ الميسور، يَأْمَن بِهِ الذعر خائفه، وتدفع معرة السما سقائفه، يشْتَمل على مأوى الطريد، ومحراب المريد، ومرابط خيل الْبَرِيد، ومكاسع الشَّيْطَان المريد، ذِي قيم، كثير البشاشة، لطيف الحشاشة، قَانِع بالمشاشة، يروح وَيَمْشي، وَيقف على رتب الْأَعْيَان، وأعيان الرتب، فَلَا يشي، بر فَأكْثر، ومهد ودثر، وأذفا ودثر، ورقى بِسوار استنزاله فأثر. فَلَمَّا أرحت الكافة واقضمت جَوَاده العلفة، وأعجبتني من رُفَقَاء الْمرْفق الألفة، رمقت فِي بعض السقائف أمنا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 زِيّ خَائِف، وشيخا طَاف مِنْهُ بِالْأَرْضِ طائف، وَسكن حَتَّى الْيَمَامَة والطائف [حنيب عكاز ومثير ركاز، قل حَظه بسلاحه لِسَان ذلو السفرة] ومثير شيب أثبت الوفرة، وقسى ضلوع توثر بالزفرة، حكم لَهُ بَيَاض الشيبة بالهيبة، وَقد دَار بذراعه للسبحة الرقطاء حَنش، كَمَا اخْتَلَط روم وحبش، وَإِلَى يَمِينه دلو فامق، وَعَن يسَاره تلميذ مراهق، وأمامه حمَار ناهق، وَهُوَ يَقُول: (هم أسكنونا فِي ظلال بُيُوتهم ... ظلال بيُوت أدفأت وأكنت) (أَبَوا أَن يملونا وَلَو أَن أمنا ... تلاقي الَّذِي لاقوه منا لملت) حَتَّى إِذا اطْمَأَن حُلُوله، وأصحب ذلوله، وتودد إِلَى قيم الحنان، زغلوله، واستكبر لما جَاءَ بِمَا يهواه رَسُوله، استجمع قوته، واستحشد، وَرفع عقيرته وَأنْشد: (أَشْكُو إِلَى الله ذهَاب الشَّبَاب ... كم حسرة أورثتني واكئياب) (سد عَن اللَّذَّات بَاب الصِّبَا ... فزادت الأشجان من كل بَاب) (وغربة طَالَتْ فَمَا تَنْتَهِي ... مَوْصُولَة الْيَوْم بِيَوْم الْحساب) (وَشر نفس كلما هملجت ... فِي الغي لم تقبل خطام المتاب) (يَا رب شفع فِي شيبي وَلَا ... تحرمني الزلفى وَحسن المآب) ثمَّ أَن، وَاللَّيْل قد جن، فَلم يبْق [فِي الْقَوْم] إِلَّا من أشْفق وحن، وَقد هزته أريحية، على الدُّنْيَا سَلام وتحية، فَلَقَد نلنا الأوطار، وحلبنا الأشطار، [وركبنا الأخطار، وأبعدنا المطار، واخترقنا الأقطار] فَقَالَ فتاه، وَقد افترت عَن الدّرّ شفتاه مستثيرا لشجونه، ومطلعا نُجُوم همه من دجونه، ومدلا عَلَيْهِ بمجونه، وماذا بلغ الشَّيْخ من أمرهَا، أَو رفع من عمرها، حَتَّى يقْضى مِنْهُ عجب، أَو يجلى مِنْهُ محتجب، فَأَخَذته حمية الْحفاظ لهَذِهِ الْأَلْفَاظ، وَقَالَ أَي بني مثلي من الأقطاب، يُخَاطب بِهَذَا الْخطاب، وأيم الله لقد عقدت الْحلق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 ولبست من الدَّهْر الْجَدِيد والخلق، وفككت العلق وأبعدت فِي الصفوة الطلق، وخضت الْمنون، وصدت الضَّب وَالنُّون، وحذقت الْفُنُون، وقهرت بعد سُلَيْمَان الْجُنُون، وقضيت الدُّيُون، ومرضت لمَرض الْعُيُون، وَركبت الهمالج، وتوسدت الرذائل والدمالج، وركضت الفاره، واقتحمت المكاره، وَجَبت الْبِلَاد، وَحَضَرت الجلاد، وأقمت الفصح والميلاد، فعدت من بِلَاد الْهِنْد والصين، بِالْعقلِ الرصين، وحذقت بدار قسنطين، علم اللطين، ودست مدارس أَصْحَاب الرواق، وَرَأَيْت غَار الْأَرْوَاح، وَشَجر الوقواق، وشريت حلل الْيمن، ببخس الثّمن، وحللت من عدن حُلُول الرّوح من الْبدن، وَنظرت إِلَى قرن الغزالة لما شَرق، وأزمعت على العراقين بسرى الْعين، وشربت من مَاء الرافدين باليدين، وَصليت بمحراب الدملى رَكْعَتَيْنِ، وَتركت الْأَثر للعين، ووقفت حَيْثُ وقف الحكمان، وتقابل التركمان، وَأخذت بالقدس، عَن الحبر الندس، وَركبت الولايا إِلَى بِلَاد العلايا، بعد أَن طفت بِالْبَيْتِ الشريف، وحصلت بِطيبَة على الخصب والريف فِي فصل الخريف، وقرأت بأخميم علم التصريف، وأشرعت فِي الانحطاط إِلَى الْفسْطَاط، والمصر الرحب الاختطاط، وسكنت مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة ثغر الرِّبَاط، وعجلت بالمرور إِلَى التكرور، فَبِعْت الظل بالحرور، ووقفت بأشبانية إِلَى الهيكل المزور [وحصلت بإفريقية على الرفد غير المنزور] وانحدرت إِلَى الْمغرب انحدار الشَّمْس إِلَى الْمغرب، وصممت تصميم الحسام الْمَاضِي المضرب، ورابطت بالأندلس ثغر الْإِسْلَام، وأعلمت بِمَا تَحت ظلال الْأَعْلَام، فآها وَالله على عمر مضى وَخلف مضضا، وزمن انْقَضى، وَشَمل قضى الله من تفرقه بِمَا قضى. ثمَّ أجهش ببكائه، وأعلن باشتكائه، وَأنْشد: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 (لبسنا فَلم نبل الزَّمَان وأبلانا ... نتابع أخرانا على الغي أولانا) (ونغتر بالآمال والعمر يَنْقَضِي ... فَمَا كَانَ بالرجعي إِلَى الله أولانا) (وماذا عَسى أَن ينظر الدَّهْر مَا عسا ... فَمَا انْقَادَ بالزجر الحثيث وَلَا لانا) (جزينا صَنِيع الله شَرّ جَزَائِهِ ... فَلم نرع مَا من سَابق الْفضل أولانا) (فيا رب عاملنا بِمَا أَنْت أَهله ... من الْعَفو واجبر صدعنا أَنْت مَوْلَانَا) ثمَّ قَالَ: (لقد مَاتَ إخْوَانِي الصالحون ... فَمَا لي صديق وَلَا لي عماد) (إِذا أقبل الصُّبْح ولى السرُور ... وَإِن أقبل اللَّيْل ولى الرقاد) فتملكتني لَهُ رقة وهزة للتماسك مسترقة، فهجمت على مضجعه هجوما أنكرهُ، وراع صَفوه وعكره، وغطى بِفضل ردنه سكره، فَقلت على رسلك أَيهَا الشَّيْخ، نَاب حنت إِلَى خوار، وغريب أنس بجوار، وحائر اهْتَدَى بِنَار، ومقرور قصد إِلَى ضوء نَار، وطارق لَا يفضح عَيْبا، وَلَا يثلم وَلَا يهمل شيبا، وَلَا بِمَنْع سيبا، ومنتاب يكسو الْحلَّة، وَيحسن الْخلَّة، ويفرغ الْغلَّة، ويملأ الْقلَّة: (أجارتنا إِنَّا غَرِيبَانِ هَاهُنَا ... وكل غَرِيب للغريب نسيب) فَلَمَّا وقم الهواجس وكبتها، وَتَأمل المخيلة واستثبتها، تَبَسم لما توهم وَسمع بعد مَا جمح، فهاج عقب مَا فتر، وَوصل مَا بتر، وَأظْهر مَا خبأ تَحت ثَوْبه وَستر، وماج مِنْهُ الْبَحْر الزاخر، وأتى بِمَا لَا تستطيعه الْأَوَائِل والأواخر، وَقَالَ، وَقد ركضى الْفُنُون وأجالها، وَعدد الحكم ورجالها، وفجر للأحاديث أنهارها، وَذكر الْبلدَانِ وأخبارها: (وَلَقَد سهمت مآربي فَكَانَ أطيبها حَدِيث ... إِلَّا الحَدِيث فَإِنَّهُ مثل اسْمه أبدا حَدِيث) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 قلت، ذهب الخجل والوجل، وَطَالَ المروى والمرتجل، وتوسط الْوَاقِع، وتشوفت للنجوم المواقع، وتوردت الخدود البواقع. قلت أَيهَا الحبر واللج الَّذِي لَا يَنَالهُ السبر: لاحجبك قبل عمر النِّهَايَة الْقَبْر، وأعقب كسر أعداد عمرك الْمُقَابلَة بِالْقبُولِ والجبر، كَأَن اللَّيْل قد أظهر لوشك الرحيل الْهَلَع، والغرب الجشع لنجومه قد ابتلع، ومفرق الأحباب، وَهُوَ الصُّبْح قد طلع، فأولني عارفة من معارفك اقتنيها، واهزز لي أفنان رحكمك اجتنبها. فَقَالَ، أمل ميسر، ومجمل يحْتَاج أَن يُفَسر، فأوضح الملغز، وأبن الطلا من البرغز، وسل عَمَّا بدا لَك، فَهُوَ أجدى لَك، وَأقسم لَا تسلنى عَن غامض، وحلو أَو حامض، إِلَّا أوسعته علما وبيانا، وأريتك الْحق عيَانًا. قلت صف لي الْبِلَاد وَصفا لَا يظلم مِثْقَالا، وَلَا يعْمل فِي غير الصدْق وخدا وَلَا أرقالا، وَإِذا قُلْتُمْ فأعدلو، وَمن أحسن من الله مقَالا. قلت انفض لي الْبِلَاد الأندلسية من أطرافها، وميز بميزان الْحق بَين اعتدالها وانحرافها، ثمَّ اتلها بالبلاد المرينية نسقا، واجل بِنور بيانك غسقا، وهات مَا تَقول فِي جبل الْفَتْح. قَالَ. فَاتِحَة الْكتاب من مصحف ذَلِك الإقليم، ولطيفة السَّمِيع الْعَلِيم، وقصص المهارق، وأفق البارق، ومتحف هَذَا الوطن المباين للْأَرْض المفارق، بِأَهْل العقيق وبارق، ومحط طارقها بِالْفَتْح طَارق، وارم الْبِلَاد الَّتِى لم يخلق مثلهَا فِيهَا، وَذُو المناقب الَّتِى لَا تحصرها الْأَلْسِنَة وَلَا توفيها، حجره الْبَحْر حَتَّى لم يبْق إِلَّا خصر، فَلَا يَنَالهُ من غير تِلْكَ الفرصة منيق وَلَا حصر. وأطل بأعلاه قصر، وأظله فتح من الله وَنصر، سَاوَى سُورَة الْبَحْر فأعياه، قد تهلل بالكلس محياه، واستقبل الثغر الْغَرِيب فحياه، واطرد صنع الله فِيهِ من عَدو يَكْفِيهِ، ولطف يخفيه، وداء عضال يشفيه، فَهُوَ خلْوَة الْعباد، ومقام العاكف والباد، ومسلحة من وَرَاءه من الْعباد، وشقة الْقُلُوب الْمسلمَة والأكباد. هَوَاهُ صَحِيح وثراه بالخزين سحيح، ونجر الرِّبَاط فِيهِ ربيح، وحماه لِلْمَالِ وَالْحرم غير مُبِيح، وَوَضعه الْحسن لَا يشان بتقبيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 إِلَّا أَنه، وَالله يَقِيه [مِمَّا يتقيه] بعيد الأقطار، هماز بالقطار، كثير الرِّيَاح والأمطار، مكتنف بالرمل المخلف، والجوار الْمُتْلف قَلِيل الْمرَافِق، مَعْدُوم المشاكل والمرافق، هزل الكراع، لعدم الأزدراع، حاسر الذِّرَاع للقراع، مرتزق من ظلّ الشراع، كورة دبر، ومعتكف أزل وصبر، وساكنه حَيّ فِي قبر: (هُوَ الْبَاب إِن كَانَ التزاور للقيا ... وغوث وغيث للضريح وللسقيا) (فَإِن تطرق الْأَيَّام فِيهِ بحادث ... وأعزز بِهِ قُلْنَا السَّلَام على الدُّنْيَا) قلت، فأسطبونه قَالَ، عَفا رسمها، وبقى اسْمهَا وَكَانَت مَظَنَّة النعم الغزيرة، قبل حَادِثَة الجزيرة. قلت فمربلة، قَالَ بلد التاذين على السرذين، وَمحل الدُّعَاء والتأمين لمطعم الْحُوت السمين، وحد ذَاتهَا مفرس الْعِنَب الْقَدِيم الْفرس إِلَى قبَّة أرين، إِلَّا أَن مرْسَاها غير أَمِين، وعقارها غير ثمين، ومعقلها تركبه الأَرْض من عَن شمال وَيَمِين. قلت، فسهيل قَالَ حصن حُصَيْن، يضيق عَن مثله هِنْد وصين، وَيَقْضِي بفضله كل ذِي عقل رصين، سَبَب عزه متين، ومادة قوته شعير وتين، قد علم أَهله مشربهم، وأمنوا مهربهم، وأسهلت بَين يَدَيْهِ قراه ماثلة بِحَيْثُ يرَاهُ، وجاد بالسمك واديه، وبالحب ثراه، وَعرف شَأْنه بِأَرْض النّوبَة وَمِنْه يظْهر سُهَيْل من كواكب الْجنُوب، إِلَّا أَن سواحله فل الْغَارة البحرية، ومهبط السّريَّة غير السّريَّة، الخليقة بالحذر الْحُرِّيَّة، مسرح السايمة الأميرية، وخدامها كَمَا علمت أُولَئِكَ هم شَرّ الْبَريَّة. قلت فمدينة مالقة، قَالَ، وَمَا القَوْل فِي الدرة الوسيطة، وفردوس هَذِه البسيطة، أشهد لَو كَانَت سُورَة، لغرقت بهَا حدقة الْإِطْعَام، أَو يَوْمًا لكَانَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 عيدا فِي الْعَام، تبِعت لَهَا بِالسَّلَامِ مَدِينَة السَّلَام، وتلقي لَهَا يَد الاستسلام محَاسِن بِلَاد الْإِسْلَام، إِلَى دَار، وقطب مدَار، وهالة إبدار، وكنز تَحت جِدَار، قصبتها مضاعفة الأسوار، مصاحبة للسنين، مُخَالفَة للأدوار، قد برزت فِي أكمل الأوضاع، وأجمل الأطوار، كرْسِي ملك عَتيق، ومدرج مسك فتيق، وإيوان أكاسرة، ومرقب عِقَاب كاسرة، ومجلى فاتنة حَاسِرَة، وصفقة غير خاسرة، فحماها منيع حريز، وديوانها ذهب إبريز وَمذهب فخار هاله على لآماكن تبريز [إِلَى مَدِينَة تبريز] وحلل بدائعها بالبدائع ذَات تطريز. اضطبنت دَار الأسطول، وساويت الْبَحْر بالطول، واسندت إِلَى جبل الرَّحْمَة ظهرهَا، واستقبلت ملعبها ونهرها، ونشقت وردهَا الأرج وزهرها، وَعرفت قدرهَا فأغلت مهرهَا، وَفتحت جفنها على الجفن غير الغضيض، والعالم الثَّانِي مَا بَين الأوج إِلَى الحضض، دَار الْعَجَائِب المصنوعة، والفواكه غير المقطوعة والممنوعة، حَيْثُ الْأَوَانِي تلقى لَهَا يَد الغلب، ضائع حلب وَالْحلَل الَّتِي تلج صنعا فِيهَا بِالطَّلَبِ، وَتَدْعُو إِلَى الجلب، إِلَى الدست الرهيف ذِي الْوَرق الهيف، وَكفى برمانها حقاق ياقوت، وأمير فَوت، وزائرا غير ممقوت، إِلَى المؤاساة، وتعددت الأساة وإطعام الجائع، والمساهمة فِي الفجائع، وَأي خلق أسرى من استخلاص الأسرى، تبرز مِنْهُم المخدرة حسرى، سامحة بسواريها، وَلَو كَانَا سواري كسْرَى، إِلَى الْمقْبرَة الَّتِي تسرح بهَا الْعين، ويستهان فِي ترويض روضاتها الْعين، إِلَى غللها المحكمة الْبُنيان، الماثلة كنجوم السما للعيان، وافتراض سكناهَا، أَوَان الْعَصْر على الْأَعْيَان، ووفور أولى المعارف والأديان: (وَأحسن الشّعْر مِمَّا أَنْت قَائِله ... بَيت يُقَال إِذا أنشدته صدقا) وعَلى ذَلِك فطينها يشقى بِهِ فطينها، وأزبالها تحيي بهَا سبالها، وسروبها يستمد) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 مِنْهَا مشروبها، فسحبها متغيرة، وكواكب أذمانها النيرة متحيرة، وأقطارها جد شاسعة، وأزقتها حرجة غير وَاسِعَة، وآبارها تفسدها أدبارها، وطعامها لَا يقبل الاختزان، وَلَا يحفظ الْوزان، وفقيرها لَا يُفَارق الأحزان، وجوعها يَنْفِي بِهِ هجوعها، تحث على الأمواج أقواتها، وَتَعْلُو على الموازين غير الْقسْط أصواتها، وأرحيتها تطرقها النوائب، وتصيب أهدافها السِّهَام الصوائب وتعدلها الجنايب، وتستخدم فِيهَا الصِّبَا والجنايب، وديارها الآهلة، قد صم بالنزائل صداها، وأصبحت بَلَاقِع بِمَا كسبت يداها، وَعين أعيانها أثر، ورسم مجادتها قد دثر، والدهر لَا يَقُول لَهَا لمن عثر، وَلَا ينظم شملا إِذا انتثر، وَكَيف لَا يتَعَلَّق الذام، بِبَلَد يكثر بِهِ الجذام، عِلّة بلواه آهلة، والنفوس بمعرة عدواه جاهلة. ثمَّ تَبَسم عَن انْشِرَاح صدر، وَذكر قصَّة الزبْرِقَان بن بدر: (تَقول هَذَا مجاج النَّحْل تمدحه ... وَإِن ذممت فَقل فيىء الزنابير) (مدح وذم وَعين الشي وَاحِدَة ... إِن الْبَيَان يرى الظلماء فِي النُّور) قلت فبلش قَالَ جادها الْمَطَر الصيب، فَنعم الْبَلَد الطّيب، حلى وَنحر، وبر وبحر، ولوز وتين، وسبت من الْأَمْن متين، وبلد أَمِين وعقار ثمين، وفواكه من عَن شمال وَيَمِين، وفلاحة مدعي إنجابها لَا يَمِين. إِلَّا أَن التشاجر بهَا أقمى من الشّجر، والقلوب أقسى من الْحجر، ونفوس أَهلهَا بَيِّنَة الْحَسَد والضجر، وشأنها غيبَة ونممة، وخبث مَا بهَا على مَا سوخ الله من آلائها ثميمة. قلت فقمارش، قَالَ مُودع الوفر، ومحط السّفر، ومزاحم الفرقد والقفر، حَيْثُ المَاء الْمعِين، والقوت الْمعِين، لَا تخامر قلب الثائر بِهِ خطْوَة وجله. إِلَّا من أَجله. طالما فزعت إِلَيْهِ النُّفُوس الْمُلُوك الأخاير بالذخاير، وَشقت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 عَلَيْهِ أكواس المرائر فِي الضرائر، وَبِه الأعناب الَّتِي راق بهَا الجناب، والزياتين، واللوز والتين، والحرث الَّذِي لَهُ التَّمْكِين، وَالْمَكَان المكين، إِلَّا أَنه عدم سهله، وَعظم جَهله، فَلَا يصلح فِيهِ إِلَّا أَهله. قلت فالمنكب قَالَ مرفأ السفن ومحطها، ومنزل عباد الْمَسِيح ومختطها بَلْدَة معقلها منيع، وبردها صقيع، ومحاسنها غير ذَات تقنيع. الْقصر المفتح الطيقان، الْمُحكم الإتقان، وَالْمَسْجِد المشرف الْمَكَان، والأثر المنبي عَن كَانَ وَكَانَ، كَأَنَّهُ مبرد وَاقِف أَو عَمُود فِي يَد مثاقف، قد أَخذ من الدَّهْر الْأمان، وتشبه بصرح هامان، وأرهفت جوانبه بالصخر المنحوت، وَكَاد أَن يصل مَا بَين الْحُوت والحوت. غصت بقصب السكر أرْضهَا، واستوعب بهَا طولهَا وعرضها، زبيبها فائق، وجنابها رائق، وقدمت إِلَيْهَا جبل الشوار، بِنسَب الْجوَار، فَنَشَأَ الأسطول، فوعدها غير ممطول، وأمده لَا يحْتَاج إِلَى الطول، إِلَّا أَن اسْمهَا مَظَنَّة طيرة تشتنف، والتنكيب عَنْهَا يوتنف، وطريقها يمْنَع شَرّ سلوكها، من تودد مُلُوكهَا، وهواؤها فَاسد، ووبأها مستأسد، وجارها حَاسِد، فَإِذا التهبت السَّمَاء، وتغيرت بالسمائم المسميات والأسماء، فأهلها من أجداث بُيُوتهم يخرجُون، وَإِلَى جبالها يعرجون، والودك إِلَيْهَا مجلوب، والقمح بَين أَهلهَا مقلوب، وَالصَّبْر إِن لم يَبْعَثهُ الْبَحْر مغلوب، وَالْحر مَا يعراها وَالْحر بِدَم الْغَرِيب مَطْلُوب. قلت فشلوبانية، قَالَ أُخْتهَا الصُّغْرَى ولدتها، الَّتِي يشغل بهَا الْمُسَافِر، ويعزى حصانه معقل، وموقب متوقل، وَغَايَة طَائِر، وممتنع ثَائِر، ومتنزه زائر، تركب برهَا الجداول المرفوعة، وتخترق وجهاتها المذانب المنفردة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 والمشفوعة، فَفِي المصيف، تلعب بِالْعقلِ الحصيف، وَفِي الخريف يسفر عَن الخصب والريف، وحوت هَذِه السواحل أغزر من رمله، تغرى القوافل إِلَى الْبِلَاد بِحمْلِهِ، إِلَى الْخضر الباكرة، وَالنعَم الحامدة للمرء الشاكرة، وَكفى بمترايل من بسيطها محلّة مَشْهُورَة، وعقيلة ممهورة، ووادعة فِي غير السهل مبهورة، جَامعهَا حافل، وَفِي حلَّة الْحسن رافل، إِلَّا أَن أرْضهَا مستخلص السُّلْطَان، بَين الأوطان، ورعيتها عديمة الْأَعْيَان، مروعة على الأحيان، وتختص شلوبانية بمزية الْبُنيان، وَلكنهَا غَابَ الْحَيَّات الحميات، غير أمينة على الافتيات، وَلَا وسيمة الفتيان والفتيات. قلت فبرجة، قَالَ تَصْحِيف وتحريف، وتغيير فِي تَعْرِيف، مَا هِيَ إِلَّا بهجة نَاظر، وشرك خاطر، ونتيجة عَارض ماطر، ودارة نفس عاطر، عقارها ثمين، وحرمها أَمِين، وحسها باد وكمين، عُقُود أعنابها قد قرطت أَذَان الميس والحور، وعقائل أدواحها، مبتسمة عَن ثغور النُّور [وبسيطها متواضع عَن النجد، مترفع عَن الْغَوْر] وعينها سلسالة، وسنابك المذانب مِنْهَا مسالة تحمل إِلَى كل جِهَة رِسَالَة، ودروها فِي العرا مبثوثة، وركائب النواسم بَينهَا محثوثة، لَا تَشْكُو بِضيق الْجوَار، واستكشاف العوار، وتزاحم الزوار، مياه وظلال، وَشَجر وحلال، وَخلق دمث كثراها، ومحاسن مُتعَدِّدَة كقراها، ولطافة كنواسمها عِنْد مسراها، وأعيان ووجوه نجل الْعُيُون، بيض الْوُجُوه، غلتهم الْحَرِير، ومجادتهم غنية عَن التَّقْرِير، إِلَّا أَن متبوأها بسيط مطروق، وقاعدتها فروق، ووتدها مطروق ومعقلها خرب، كَأَنَّهُ أحدب جرب، إِن لم ينْقل إِلَيْهِ المَاء برح بِهِ الظمأ. وَللَّه در صاحبنا إِذْ يَقُول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 (يَا بسيطا بمعاني برجة ... أصبح الْحسن بهَا مشتهرا) (لَا تحرّك بفخار مقولا ... فَلَقَد ألقمت مِنْهَا حجرا) وَالْبر بهَا ندر الْوُجُود وَاللَّحم تلوه، وهما طيبتا الْوُجُود، والحرف بهَا ذواية الْعود، والمسلك إِلَيْهَا بعيد الصعُود قلت فدلاية، قَالَ خير رِعَايَة وَولَايَة، حَرِير ترفع عَن الثّمن، وملح يُسْتَفَاد على مر الزَّمن، ومسرح مَعْرُوف، وَأَرْض ينْبت بهَا جبن وخروف، إِلَّا أَنَّهَا كسرايا الْعَدو البحري، مجر العوالي، وَمحل الفتكات على التوالي، فطريقها صور ومشاهد، والعارف بهَا زاهد. قلت فمدينة ألمرية، قَالَ ألمرية هنيَّة مرية، بحريّة بَريَّة، أصيلة سَرِيَّة، معقل الشُّيُوخ والإباية، ومعدن المَال وعنصر الجباية، وجندة الأسطول غير الْمُعَلل وَلَا الممطول، ومحط التُّجَّار وكرم النجار، ورعى الْجَار، مَا شِئْت من أَخْلَاق معسولة، وسيوف من الجفون السود مسلولة، وتكك محلولة، وحضارة تعبق طيبا، وتتأود دوحا رطيبا، ووجوه لَا تعرف تقطيبا، لم تزل مَعَ الظّرْف دَار نساك، وخلوة اعْتِكَاف وإمساك، أرْغم أَهلهَا أنف الصَّلِيب لما عجم، مِنْهَا بِالْعودِ الصَّلِيب، وَألف لامها وألفها حكم التغليب، فَانْقَلَبَ مِنْهَا آيسا عِنْد التقليب: (يسائل عَن أهل المرية سَائل ... وَكَيف ثبات الْقَوْم والردع يَاسر) (قطا دارج فِي الرمل فِي يَوْم لِدَة ... وَلَهو وَيَوْم الروع فتح كواسر) بحرها مرفأ السفن الْكِبَار، وكرسيها هُوَ الْعَزِيز عِنْد الِاعْتِبَار،، وقصبتها سلوة الحزين وفلك المتنزهين، وَهِي مَحل الفلل المجدية، والأندية المشفوعة الأردية، ولواديها المزية على الأودية، حجَّة النَّاظر الْمفْتُون، المكسو الحصور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 والمتون، بالأعناب وَالزَّيْتُون، بلد الخام والرخام، والذمم الضخام، وحمتها بديعة الْوَصْف، محكمَة الرصف، مَقْصُودَة العلاج والقصف، حرهَا شَدِيد، وَذكرهَا طَوِيل مديد، وأثرها على الْبِلَاد جَدِيد، إِلَّا أَن مغارمها ثَقيلَة، وصفحة جوها فِي المحول صقيلة، وسماؤها بخيلة، وبروقها لَا تصدق مِنْهَا مخيلة دبلالة النطية، منزورة الطية، وسعرها لَيْسَ من الأسعار الوطية، ومعشوق الْبر بهَا قَلِيل الْوِصَال، وَحمل الْبَحْر صَعب الفصال، وَهِي متوقعة إِلَّا أَن يقي الله طُلُوع النصال، دعاة النصال. قلت فطيرنش من شرقها، قَالَ حَاضِرَة الْبِلَاد الشرقية، وثنية البارقة الأفقية، ماشئت من تنجيد بَيت، وعصير وزيت، وإحياء أنس ميت، وحمام طيب، وشعاب شرفيه دَنَانِير أبي الطّيب، إِلَّا أَنَّهَا محيلة الغيوث عَادِية الليوث متحزبة بالأحزاب، شرهة الأعزاب، وَلَو شكر الْغَيْث شعيرها، أخصب الْبِلَاد عيرها. قلت فبيرة، قَالَ بَلْدَة صَافِيَة الجو، رحيبة الدو، يسرح بهَا الْبَعِير، ويحجم بهَا الشّعير، ويقصدها من مرسية وأحوازها العير، فساكنها بَين تجر، وابتغاء أجر، وواديها نيلى الفيوض والمدود، مصري التخوم وَالْحُدُود، إِن بلغ إِلَى الْحَد الْمَحْدُود، فَلَيْسَ رزقها بالمحصور وَلَا بالمعدود، إِلَّا أَنَّهَا قَليلَة الْمَطَر، مُقِيمَة على الْخطر، مثلومة الْأَعْرَاض والأسوار، مهطعة لداعي الْبَوَار، خَلِيقَة الْحسن المغلوب، معللة بِالْمَاءِ المحلوب، آخذة بأكظام الْقُلُوب، خاملة الدّور، قَليلَة الْوُجُوه والصدور، كَثِيرَة المشاجرة والشرور، برهَا أنذر من برهَا، فِي الْمُعْتَمِر والبور، وزهد أَهلهَا فِي الصَّلَاة شَائِع فِي الْجُمْهُور، وَسُوء ملكة الأسرى بهَا من الذائع بهَا وَالْمَشْهُور: (مَا قَامَ خيرك يَا زمَان بشره ... أولى لنا مَا قل مِنْك وَمَا كفا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 قلت فمحاقر، قَالَ حصن جَدِيد، وَخير مديد، وبحر مَا على إفادته مزِيد وخصب ثَابت وَيزِيد، ساكنه قد قضى الْحَج أَكْثَره، وَظهر عين الْخَيْر فِيهِ وأثره، إِلَّا أَنه لَا تلقى بِهِ للْمَاء بلالة، وَلَا يسْتَشف للجود علالة. قلت فقتورية، قَالَ يسَار يَمِينهَا، وغبار كمينها، ومعمول يَمِينهَا، يجود بهَا الْجُبْن وَالْعَسَل، وَفِي دونهَا الأسل، وَأما الْخَبَر فَلَا تسل، وَإِن كَانَت أحسن شكلا، فَأَقل شربا وأكلا، وأحما أَهلا، وآسد جملا، وأعدم علا ونهلا. وَأَهْلهَا شرار، أضلعهم بالظمإ حرار، لَا تلفى بهَا نبعة مَاء، وَلَا تعدم مشقة ظمإ، وَلَا تتوج أفقها إِلَّا فِي الندرة قرعَة سما. قلت فبرشانة، قَالَ حصن مَانع، وجناب يَانِع، أَهلهَا أولو عَدَاوَة لأخلاق البداوة، وعَلى وُجُوههم نَضرة، وَفِي أَيْديهم نداوة، يدادون بالسلافة على الْخلَافَة، [ويؤثرون لَذَّة التَّخَلُّف على لَذَّة الْخلَافَة] ، فَأصْبح ربعهم ظرفا قد ملىء ظرفا، فللمجون بهَا سوق، وللعيون ألف سوق، تشمر بِهِ الأذيال عَن سوق، وَهِي تلين بعض بَيَان من أَعْيَان، وعَلى وُجُوه نسوانها طلاقة، وَفِي ألسنتهن ذلاقة، ولهن بالسفارة من الْفُقَرَاء علاقَة، إِلَّا أَن جفنها لَيْسَ ندي، سور يَقِيه مِمَّا يتقيه، ودعدها يتَكَلَّم على فِيهِ، وحليها يشقى بالسفيه، ومحياها تسكن حَيَّة الْجور فِيهِ. قلت فأورية، قَالَ الْجُبْن وَالْعَسَل، والهوا الَّذِي يذهب بِهِ الكسل. وَأما عَن المَاء البرود فَلَا تسل، أدامه الصَّيْد الَّذِي لَا يتَعَذَّر، وقوته الشّعير الَّذِي يبذر. إِلَّا أَنه بَادِي الوحشة والانقطاع، والإجابة لداعي الْمُخَالفَة والإهطاع، وحيش الجناب عرى من شجرات النّخل وَالْأَعْنَاب، حَقِيقَة لمعرة الْعَدو بالاجتناب. قلت فبلش، قَالَ نفر قصي، وقياد على الْأمان عصي، ويتيم لَيْسَ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 غير الْعد وَصِيّ، مَاؤُهُ معِين، وصوره عين، وخلوته على النّسك وسواه تعين، وَبِه الْحمام، والعطف الجمام، ولأهله بالصيادة اهتمام، وعسله إِذا لطفت العسول إِمَام، إِلَّا أَنَّهَا بَلْدَة مُنْقَطِعَة باينة، وبأحواز الْعَدو كائنة، ولحدود لورقة، فتحهَا الله مُشَاهدَة مُعَاينَة، وبرها الزهيد الْقَلِيل يتحف بِهِ العليل، وسبيل لِأَن إِلَيْهَا غير سَبِيل، ومرعاها لسوء الْجوَار وبيل. قلت فمدينة بسطة، قَالَ، وَمَا بسطة بلد خصيب، ومدينة لَهَا من اسْمهَا نصيب، دوحها متهدل، وَطيب هوائها غير متبدل، وناهيك من بلد اخْتصَّ أَهلهَا بالمران فِي معالجة الزَّعْفَرَان، وامتازوا بِهِ عَن غَيرهم من الْجِيرَان، عَمت أرْضهَا السقيا فَلَا تخلف، وشملتها الْبركَة تخْتَص من يَشَاء الله ويزلف، يَتَخَلَّل مدينتها الْجَدْوَل المتدافع والناقح للغلال النافع، ثِيَاب أَهلهَا بالعبير تتأرج، وحورها تتجلى وتتبرج، وولدانها فِي شط أنهارها المتعددة تتفرج، وَلها الفحص الَّذِي يُسَافر فِيهِ الطّرف سعيا، وَلَا تعدم السَّائِمَة بَدْرِيًّا وَلَا رعيا. وَللَّه در الْقَائِل. (فِي بَلْدَة عودت نَفسِي بهَا ... إِذْ فِي أسماطه وَيَاسِين) (ألجأني الدَّهْر إِلَى عَالم ... يُؤْخَذ عَنهُ الْعلم وَالدّين) إِلَّا أَن تربها تفصح الْبَنَّا، فَإِن صَحبه الاعتنا، فأسواره تسْجد عِنْد الْإِقَامَة، وخندقها لإكسارها تلقامه، فَهِيَ لذَلِك غير دَار المقامة، ورياحها عَاصِفَة، ورعودها قاصفة، وحاميتها تنظر إِلَى الْهياج من خلف سياج، والعدو فِيهَا شَدِيد الفتكات معمل الحركات، وساكنها دَائِم الشكاة، وَحدهَا فليل، وأعيانها قَلِيل وعزيزها المتوقع الْمَكْرُوه ذليل. قلت فأشكر قَالَ نعم الْبَسِيط المديد، والرزق الْجَدِيد، والسقي العديد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وَالصَّيْد والقديد، تركب الجداول فحصها، ويأبى الْكَمَال نَقصهَا، ويلازم ظلّ الخصب شخصها، مسرح للبهائم، ومعدن للربيع الدَّائِم، إِلَّا أَن معقلها لَا يمْنَع، ومكانها يحوم عَلَيْهِ الْحَادِث الأشنع، ونفوس أَهلهَا مستسلمة لما الله يصنع. قلت فأندرش، قَالَ عنصر جباية، ووطن بهم أولى باية، حريرها ذهب، وتربها تبر منتهب، وماؤها سلسل، وهواؤها لَا يلفي مَعَه كسل، إِلَّا أَنَّهَا ضيقَة الأحواز والجهات، كَثِيرَة المعابر والفوهات، عديمة الْفرج والمتنزهات، كَثِيرَة المغارم، مستباحة الْمَحَارِم، أغرابها أولو استطالة، وأنباء مُتْرَفِيهَا كثير البطالة، فَلَا يعْدم ذُو الضَّرع وَالزَّرْع عُدْوانًا، وَلَا يفقد عين الشَّرّ نزقانا، وطريقها غير سوي، وشأنها ضَعِيف يشكو من قوى. قلت فقنالش، قَالَ مَعْدن حَرِير خلصت سنابكه، وأثرى بزازه وحابكه وتهدلت حجاله، وتمهدت أرائكه، وجبايته سهل اقتضاؤها، وجمت بيضاؤها، إِلَّا أَنه وَطن عدم إدامه، وبليت ظهر اهتدامه، وفقدت بِهِ حيل التعيش وأسبابه، وَمحل لَا هيم فِيهِ إِلَّا أربابه. قلت فمدينة وَادي آش، قَالَ مَدِينَة الوطن، ومناخ من غبر أَو قطن، للنَّاس مَا بدا وَالله مَا بطن، وضع سديد، وبأس شَدِيد، ومعدن حَدِيد، وَمحل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 عدَّة وعديد، وبلد لَا يعتل مِنْهُ إِلَّا النسيم، ومرأى يخجل مِنْهُ الصَّباح الوسيم، كَثِيرَة الجداول والمذانب، مخضرة الجوانب، إِلَى الْفَوَاكِه الْكَثِيرَة والكروم الأثيرة، والسقى الَّذِي يسد الْخلَّة، ويضاعف الْعلَّة، وسندها مَعْدن الْحَدِيد وَالْحَرِير، ومعقلها أهل للتاج والسرير، وَهِي دَار أَحْسَاب وإرث وإكتساب، وآداب وحساب، وماؤها مجاج الجليد، وهواؤها يذكى طبع البليد، إِلَّا أَن ضعيفها يضيق عَلَيْهِ المعاش، وتافهها يتَعَذَّر عَلَيْهِ الانتعاش، وشيخها يَسْطُو على عصبه الارتعاش، فَهِيَ ذَات برد، وَعكس وطرد، ماشئت من لحي راعد، ومقرور على الْخمر قَاعد، وَنَفس صاعد، وفتنة يعد بهَا وَاعد، وشرور تسل الخناجر، وفاخر يَسْطُو بفاجر، وكلف يُهَاجر، واغتمام تبلغ بِهِ الْقُلُوب الْحَنَاجِر، وزمهرير تجمد لَهُ الْمِيَاه، فِي شهر ناجر، وعَلى ذَلِك فدرتها أسمح للحالب، ونشيدها أقرب للطَّالِب، ومحاسنها أغلب، وَالْحكم للْغَالِب. قلت ففنيانة، قَالَ مَدِينَة، وللخير خدينة، مَا شِئْت من ظبى غزير، وَعصب طرير، وغلة حَرِير، وَمَاء نمير، ودوام للخزين وتعمير، إِلَّا أَن بردهَا كثير، ووقودها نثير، وشرارها لَهُم فِي الْخِيَار تَأْثِير. قلت فمدينة غرناطة، قَالَ حَضْرَة سنية، وَالشَّمْس عَن مدح المادح غنية، كَبرت عَن قيل وَقَالَ، وحلت عرقا من وَقَالَ، وقيدت الْعقل بعقال، وَأمنت لحَال حسنها من انْتِقَال، لَو خيرت فِي حسن الْوَضع لما زَادَت وَصفا، وَلَا أحكمت رصفا، وَلَا أخرجت أرْضهَا ريحانا وَلَا عصفا، وَلَا أخذت بأشتات الْمذَاهب وأصناف الْمَوَاهِب حدا وَالنَّبِيّ قُولُوا لَو وورولو وَلَا قصفا، كرسيها ظَاهر الإشراف، مطل على الْأَطْرَاف، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 وديوانها مَكْتُوب بآيَات الْأَنْفَال والأعراف، وهواؤها صَاف، وللأنفاس مصَاف، حجبت الْجنُوب عَنْهَا الْجبَال، فأمنت الوبا والوبال، وَأصْبح ساكنها غير مبال، وَفِي جنَّة من النبال، وانفسحت للشمال، واستوفت شُرُوط الْكَمَال، وَانْحَدَرَ مِنْهَا مجاج الجليد على الرمال، وانبسط بَين يَديهَا المرج، الَّذِي نَضرة النَّعيم لَا تُفَارِقهُ ومدرار النسيم تعلن بهَا مفارقه، ريع من واديه ثعبان مُبين، أَن لدغ ثلول شطه، ثلها للجبين، وَولد حيات المذانب عَن الشمَال وَالْيَمِين، وقلد مِنْهَا اللبات سلوكا تأتى من الْحَصْبَاء بِكُل در ثمين، وَترك الأَرْض مخضرة، تغير من خضراء السَّمَاء ضرَّة الأزهار مفترة، والحياة الدُّنْيَا بزخرفها مغترة. (أَي وَاد أَفَاضَ من عَرَفَات ... فَوق حمرائها أتم إفَاضَة) (ثمَّ لما اسْتَقل بالسهل يجْرِي ... شقّ مِنْهَا بحلة فضفاضة) (كلما انساب كَانَ غصنا صقيلا ... وَإِذا مَا اسْتَدَارَ كَانَ نفاضة) فتعددت الْقرى والجنات، وحفت بالأناث مِنْهَا الْبَنَات، ورف النَّبَات، وتدبجت الجنبات، وتقلدت اللبات، وَطَابَتْ بالنواسم الهبات، ودارت الأسوار دور السوار للمنى والمستخلصات، ونصبت للروض المنصات، وَقعد سُلْطَان الرّبيع لعرض القصات، وخطب بلبل الدوح فَوَجَبَ الْإِنْصَات، وتمرجت الأعناب، واستنجر بِكُل عذب لجنانها الجناب، وزينت السَّمَاء الدُّنْيَا من الأبراج العديدة بأبراج، ذَوَات دقائق وأدراج، وتنفست الرّيح عَن أراج، أذكرت الْجنَّة كل أمل عِنْد الله وراج، وتبرجت بحمرائها الْقُصُور مبتسمة عَن بيض الشرفات، سافرة عَن صفحات القباب المزخرافات، تقذف بِالنَّهَارِ من بعد المرتقى فيوض بحارها الرزق، وتناغى أذكار المآذن بأسحارها، نغمات الْوَرق، وَكم أطلقت من أقمار وأهلة، وربت من مُلُوك جلة، إِلَى بَحر التمدن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 الْمُحِيط الاستدارة، الصادع عَن الْأَحْكَام والإدارة، ذِي المحاسن عير المعارة، المعجزة لِسَان الْكِتَابَة والاستعارة، حَيْثُ الْمَسَاجِد العتيقة الْقَدِيمَة، والميازب الْمُحَافظَة للري المديحة، والجسور العريقة، والعوائد المقررة تَقْرِير الْفَرِيضَة، والأسواق المرقومة الإطراق، بنفائس الأذواق، وَالْوُجُوه الزهر، والبشرات الرفاق، والزي الَّذِي فاق زِيّ الأوان، وملأ قُلُوب الْمُؤمنِينَ بالإشفاق. ... (بلد جللها الله سناء وسنا ... وَأجر السعد منحل لَدَيْهَا رسنا) (قد أجرت سكرا احما وَرِزْقًا حسنا ... أعجزت عَن مُنْتَهى الْفَخر الْبعيد اللسنا) يروقك فِي أطراقها حسن الصُّورَة وجمالها. وطرف الصنايع وكمالها، والفعلة وأعمالها، حَتَّى الأطلال وانهمالها وَالسُّؤَال وأسمائها. (كل عَلَيْهِ من المحاسن لمحة ... فِي كل طور للوجود تطورا) (كالروض يعجب فِي ابتدانباته ... وَإِذا استجم بِهِ النَّبَات ونورا) (وَإِذا الْجمال الْمُطلق استشهدته ... ألغيت مَا انتحل الخيال وزورا) ثمَّ قَالَ، أَي أَمْرِي عري عَن مَخَافَة، وَأي حصافة لَا تقَابلهَا سخافة، وَلكُل شَيْء آفَة، لَكِنَّهَا وَالله بردهَا يطفىء حر الْحَيَاة، وَيمْنَع الشفاه عَن رد التَّحِيَّات، وأسعارها يشمر معيارها بالترهات، وعدوها يعاطي كؤوس الْحَرْب بهاك وهات، إِلَى السكَك الَّتِي بَان خمولها، وَلم يقبل الْمَوْضُوع محمولها، وَالْكرب الَّذِي يجده الْإِنْسَان فِيهَا صَادف إِضَافَة أَو ترفيها، والمكوس الَّتِي تطرد الْبركَة وتلقيها إِلَى سوء الْجوَار، وجفاء الزوار، ونزالة الديار، [وَغَلَاء الْخشب والجيار، وكساد المعايش عِنْد الِاضْطِرَار وامعان الْمَقَابِر وَهِي دَار الْقَرار] وَقصر الْأَعْمَار، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 وَاسْتِحْلَال الْغَيْبَة والأسحار، واحتقار أولى الْفضل وَالْوَقار، والتنافس فِي الْعقار، وَالشح فِي الدِّرْهَم وَالدِّينَار، باليم وَالنَّار، ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ غفرا، وَإِن لم نقل كفرا، إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ، وبغفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء. وَللَّه در أبي الْعَتَاهِيَة إِذْ يَقُول: (أَصبَحت الديار لنا فتْنَة ... وَالْحَمْد لله على ذلكا) (اجْتمع النَّاس على ذمها ... وَمَا نرى مِنْهُم لَهَا تَارِكًا) قلت فالحمة، قَالَ، أجل الصَّيْد والحجل وَالصِّحَّة، وَإِن كَانَ الْمُعْتَبر الْأَجَل، وتورد الخدود وَإِن لم يطرقها الخجل، والحصانة عِنْد الْهَرَب من الريب، وَالْبر كَأَنَّهُ قطع الذَّهَب، والحامة الَّتِي حَوْضهَا يفهق بالنعيم، مبذولة للخامل والزعيم، تَحت ثنيتها بِالنّسَبِ إِلَى ثنية التَّنْعِيم، قد ملأها الله اعتدالا، فَلَا تَجِد الْخلق اعتياضا وَلَا استبدالا، وأنيط صخرتها الصماء عذبا زلالا، قد اعتزل الكور اعتزالا، لَكِن مزارعها لَا ترْوِيهَا الجداول، وَلَا ينجدها إِلَّا الْجُود المزاول، فَإِن أخصب الْعَام، أعيي الطَّعَام، وَإِن أخلف الإنعام، هَلَكت النَّاس والأنعام، والفواكه يطرف بهَا الجلب، وتزر عَلَيْهَا العلب، وعصيرها لَا يَلِيق لَا بِالْأَكْلِ وَلَا يصلح للحلب، وبردها شَدِيد، وَإِن لم يقْض بِهِ المنقلب. قلت فصالحة، قَالَ. لَوْلَا أَنَّهَا مناخ لم تذكر، فَلَيْسَتْ مِمَّا يذم وَلَا يشْكر، وَإِن كَانَ مَاؤُهَا فضيا، وَوجه جوها وضيا، وعصيرها مرضيا، وَرِزْقهَا أرضيا، وفضلها ذاتيا لَا عرضيا، فَهِيَ مهب نسف، وَدَار خسف، وَأَهْلهَا بهم لَيْسَ لأحد مِنْهُم فهم. قلت فإلبيرة ومنتفريد، قَالَ بَلَدا ارتفاق بِإِجْمَاع وإصفاق، مَعْدن الْبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 الذكى، وَالصَّيْد الذكي، وهما ذَا شَاهِق، ومصرخ ناهق، ومعدن بر فائق، إِن لم يعق من عَدو القلعة عائق. قلت فلوشة قَالَ مرأى بهيج، ومنظر يروق ويهيج، ونهر سيال، وغصن مياد ميال، وجنات وعيون، ولذات لَا تمطل بهَا دُيُون، وجداول تنضح بهَا الجوانح، ومحاسن يشغل بهَا من وَكره السايح، وَنعم يذكر بهَا الْمَائِع المانح، مَا شِئْت من رحى تَدور، ونطف تشفى بهَا الصُّدُور، وصيد ووقود، وإعنات كلما زانت اللبات عُقُود، وأرانب تحسبهم أيقاظا وهم رقود، إِلَى مَعْدن الْملح، ومعصر الزَّيْت، وَالْخضر المتكلفة بخصب الْبَيْت، والمرافق الَّتِي لَا تحصر إِلَّا بعد الكيت، وَالْخَارِج الَّذِي عضد مسحة الملاحة بجدوى الفلاحة، إِلَّا أَن داخلها حرج الْأَزِقَّة، أَحول أَهلهَا مائلة إِلَى الرقة، وأزقتها قذرة، وَأَسْبَاب التَّصَرُّف فِيهَا متعذرة، ومنازلها لترامل الْجند نازلة، وعيون الْعَدو لثغرها الشنيب مغازلة. قلت فأرجدونه، قَالَ شَرّ دَار، وطلل لم يبْق مِنْهُ غير جِدَار، ومقام يرجع الْبَصَر عَنهُ إِلَيْهِ وَهُوَ حاسر، وعورة ساكنها لعدم الما مستأسر، وقومها ذُو بطر وأشر، وشيوخها تيوس فِي مسالح بشر، طغام، من يقوت مِنْهُم أَو يعول التيوس والوعول، وحرثها مقل، وخلقها حسد وغل. قلت فأنتقيرة، قَالَ، مَحل الْحَرْث والإنعام، ومبذر الطَّعَام، والمرآة الَّتِي يتجلى فِيهَا وُجُوه الْعَام، الرحب والسهل، والثبات الطِّفْل، والمنسم والكهل، والوطن والأهل. ساحتها الجداول فِي فحصها الأفيح، وسالت وانسابت حَيَاة المذانب، فِي سقيها الرحب الجوانب، وانسالت لَا تَشْكُو من نبو ساحة، وَلَا تسفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 إِلَّا عَن ملاحة، وَلَا تضاهي فِي جدوى فلاحة، إِلَّا أَنَّهَا جرداء الْخَارِج، فل مارد ومارج، وَشدَّة فرجهَا بارج، لَا تصطبنها المسلحة للاتساع، [الذرع الوساع] ، قَليلَة الْفَوَاكِه، عديمة الملاطف والفاكه، أَهلهَا أولو سرُور وغرور، وَسلَاح مَشْهُور، وقاهر ومقهور لَا تقبل غَرِيبا، وَلَا تعدم من الْعَدو تثريبا. قلت فذكوان، قَالَ، روض وغدير، وفواكه جلت عَن تَقْدِير، وخورنق وسدير، ومائدة لَا تفوتها فَائِدَة، دارت على الطَّحْن الغرير أحجارها، والتفت أشجارها، وطاب هواؤها، وخفق بالمحاسن لواؤها. إِلَّا أَنَّهَا ضَالَّة سَاقِطَة، وحية ترتقب لاقطة، لَا تدفع عَن قُرْطهَا وسوارها بأسوارها، وَلَا تمنع نزع صدارها بجدارها، قَضَت بقلة أعيانها، حَدَاثَة بنيانها. قلت فقرطمة، قَالَ: الكرك الَّذِي يُؤمن عَلَيْهِ الدَّرك، وَإِن عظم المعترك، جوها صَاف فِي مبشتى ومصطاف، وتربها للبر مصَاف، وعصيرها بِالْكَثْرَةِ ذُو اتصاف. إِلَّا أَن المَاء بمعقلها مخزون، وعتاد مَوْزُون، وَأَهْلهَا فِي الشدائد لَا يجزون، أَيْديهم بالبخل مغلولة، وسيوف تشاجرهم مسلولة. قلت فمدينة رندة، قَالَ، أم جنَّات وحصون، وشجرة ذَات غصون، وجناب خصيب وَحمى مصون، بلد زرع وضرع، وَأهل وَفرع، مخازنها بِالْبرِّ مَالِيَّة، وأقواتها جَدِيدَة وبالية، ونعمها بجوار الْجَبَل مُتَوَالِيَة، وَهُوَ بلد أَعْيَان وصدور، وشموس وبدور، ودور أَي دور، وَمَاء واديها يتَوَصَّل إِلَيْهِ فِي حدور، بِحكم مَقْدُور، وَفِي أَهلهَا فضاضة وغضاضة، مَا فِي الكلف بهَا غَضَاضَة، تلبس نساؤها الموق، على الأملد المرموق، ويسفرن عَن الخد المعشوق، وينعشن قلب المشوق، بالطيب المنشوق. إِلَّا أَن الْعَدو طوى ذيل برودها] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وغصب بنياتها وَكَيف السَّبِيل إِلَى ردهَا، وأضاق خَارِجهَا، وخفض معارجها، وَأَعْلَى طائرها ودارجها. فَلَمَّا بلغ هَذَا الْحَد، قَالَ: هَل اكتفيت، فقد شرحت صدرك وشفيت، وَبِمَا طلبت مني قد وفيت، يَا بني كَأَنِّي بالصباح السافر، وأدهم الظلام النافر قد أحفل أَمَام منتبه الوافر، وَترك من الْهلَال نعل الْحَافِر، وَنَفْسِي مطيتي، وَقد بلغت اللَّيْلَة طيتي، وأجزلت عطيتي، فلنجم بالحمض، ونلم بالغمض، وَأَنا بعد نزيلك، أَن سرني جزيلك وعديلك، أَن ضحك إِلَى منديلك وسميرك، إِن رواني نميرك، فبادرت البدرة، والصرة فافتضفتها، والعيبة فنفضتها، والمعادن فأفضتها. فَقَالَ بوركت من مراس، وَأنْشد قَول أبي نواس: (مَا من يَد فِي النَّاس وَاحِدَة ... كيد أَبُو الْعَبَّاس أولاها) (نَام الثِّقَات على مضاجعهم ... وسرى إِلَى نَفسِي فأحياها) ثمَّ قَالَ، نم فِي أَمَان من خطوب الزَّمَان، وقم فِي ضَمَان من وقاية الرَّحْمَن، فلعمري، وَمَا عمري عَليّ بهين، وَلَا الْحلف لدي بمتعين، لَو كَانَ الْجُود ثمرا لَكُنْت لبَابَة، أَو عمرا لَكُنْت شبابه، أَو منزلا لَكُنْت بَابه، فَمَا هُوَ إِلَّا أَن كحلت جفني بميل الرقاد، وَقد سَلس المقاد، وَقَامَ فيمَ الخان إِلَى عَادَة الافتقاد، وبادر سراجه الإيقاد. وَنظرت إِلَى مَضْجَع الشَّيْخ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَن يبر أطماره. وروت حِمَاره، فَخرجت لإيثاره مقتفيا لآثاره فَكَأَن العلك لفه فِي مَدَاره، أَو خسفت الأَرْض بِهِ وَبِدَارِهِ، وسرت، وَفِي قلبِي لبينة، وَذَهَاب أَثَره وعينه حرقة، وَقلت متأسيا لكل اجْتِمَاع من حبيبين فرقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 الْمجْلس الثَّانِي قَالَ الْمخبر: فَلَمَّا اندمل جرح الْفِرَاق، بعد طول، وزمان مطول، ومحى رسم التَّذَكُّر تكَرر فُصُول، ونصول خطاب وخطاب نصول، بَينا أَنا ذَات يَوْم فِي بعض أسواق الْغُبَار، أسرح طرف الِاعْتِبَار، فِي أُمَم تنسل من كل حدب، وتنتدب من كل منتدى، مَا بَين مُشْتَمل الصماء يلويها، ولائث الْعِمَامَة لَا يسويها. وصاعد من غور، ومتظلم من جور، وممسك بذنب عير أَو رفق ثَوْر يموجون، وَمن الأجداث يخرجُون، كَأَنَّهُمْ النَّمْل نشرها، وَقد برزت إِلَى الشَّمْس من منظر الأمس، يشيرون بأجنحة الأكسية، ويتساقطون على ثمار الْقلب، وأستار الأحسية، وَقد اصطف ذابحوا الْجَزُور، وَبَايَعُوا اللبوب والبذور، ولصق بالأملياء حللة العقد، وَشَهَادَة الزُّور، وَنظرت فِي ذَلِك الْمُجْتَمع الهائل الْمرَائِي والمستمع، إِلَى درسة غي، وطهاة عي، ورقاة جُنُون، بضروب من القَوْل وفنون، وَفهم كهل قد استظل بقيطون، وسل سيف الأطون، وتحدى برقية لديغ ومداواة سبطين، قد اشْتَمَل بسمل غباره، وَبَين يَدَيْهِ عيار فِي جلد فاره، وَطعن من إطْعَام كفاره، وأمامه تلميذ قد شمر الأكمام والتفت الْخلف والأمام، وَصرف لوحي لحظه الاهتمام، وَهُوَ يأسو ويجرح [ويتحكم بِلِسَان الْقَوْم ثمَّ يشْرَح] ويقيد من حَضَره بِقَيْد الْعَزِيمَة فَلَا يبرح، وَيَقُول أَيهَا البهم السارح، والحزب المسرور بِمَا لَدَيْهِ الفارح، والسرب الَّذِي تقتاته الْوُلَاة الْبَغي الْجَوَارِح، ضرفتهم غرُوب اعتنايكم لنسائكم وأبنائكم، وذهلتم عَمَّن جعلتم بفنائكم، وجعلتم تطمعون وتجمعون إِنَّمَا يستجيب الَّذين يسمعُونَ، من وَقعت عَليّ مِنْكُم عينه، فقد رأى فاتح أقفال الأسمار، ومثبت الْفِرَار، ومصمت الْإِفْك الصرار، ومقدر مياه الْآبَار بسير الْغُبَار، ومخرج الأضمار فِي الْمِضْمَار، وَمذهب الْمس، وطارد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 الْعمار، أَنا قَاطع الدما إِذا نزفت، وَكَاشف الغما إِذا انكشفت، أما الْإِبِل فَلَا تجْرِي، وأحط حول الْحمى فَلَا تَدْنُو السبَاع وَلَا تقرب، وأذخر بهَا، فَلَا تتسلل الْحَيَّة وَلَا تدب الْعَقْرَب، وَإِن تغيب الشَّمْس لوقت مَحْدُود طمس فِيهِ نورها، وَإِن وعدت الأَرْض بَرى مَحْمُود فار تنورها، وَإِن كتبت لعقد النِّكَاح انْحَلَّت، وَإِن عقدت خطى الضَّالة وقفت حَيْثُ حلت، وَإِن زجرت الْجُنُون تركت وخلت، وَإِن انتثرت الدفائن، أَلْقَت الأَرْض مَا فِيهَا وتخلت، أَنا جردت الْبَيْضَة الشُّعَرَاء، أَنا زوجت الْفَتى الشَّرْقِي من الْجَارِيَة الْعَذْرَاء، أَنا صافحت الْملك ورصدت الْفلك، ومزجت بسر الْحِكْمَة الضياء والحلك، فاحتقرت، وَمَا ملك دَعَوْت، علم الطباع فأطاع [وَقطعت شكوك الهينة بالشكل اقتطاع] وَقلت بِالْقدرِ والاستطاع، وسبقت فِي صناعَة الْبُرْهَان يَوْم الرِّهَان، ورضت صعاب الرياضيات، حَتَّى ذل قيادها، وَسَهل انقيادها، وَعدلت الْكَوَاكِب، واختبرت الْقُلُوب البابانية والمناكب، وبشرت عِنْد رُجُوع خنسها بالغيوث السواكب، ورهبت بالامتحان على صناعَة الألحان، وقرأت مَا بعد الطبيعة، وناظرت قسيس الْبيعَة، وأعملت فِي فن الْأُصُول مرهفة النصول، وأحكمت أمزجة الطباع وطبائع الْفُصُول، وامتزت بالبروع فِي الْفُرُوع [وَقمت فِي الْعَهْد الحَدِيث بِالْحَدِيثِ، وحزت فِي علم اللِّسَان دَرَجَة الْإِحْسَان] وحققت قسْمَة الْفُرُوض، وَعدلت الشّعْر بميزان الْعرُوض، وعبرت حلم النّوم، ولبست الْخِرْقَة بِشُرُوط الْقَوْم، ولزمت خلْوَة الذّكر ومعتكف الصَّوْم. وَأما معرفتي بالأخبار وذرع الأَرْض بالأشبار، مَا بَين جليقية إِلَى الأنبار، وأوصاف المدن الْكِبَار، فقد ثَبت بِالِاعْتِبَارِ. قَالَ، فأثار قديمي، وأذكرنى بنديمي، فَقلت، الله أكبر، ووضح الْخَبَر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 والمخبر، فخضت الْقُدس بيني وَبَينه، وهم بَحر زاخر، وَأول لَيْسَ لَهُ آخر، وبهم يسخر مِنْهُ الساخر، مَا بَين كَبْش مجتر، وَعجل ناخر، وَقلت، أَيهَا الحبر ضالتي قريب أمدها، ومعروف معتمدها، وعَلى ذَلِك فالشكر ممنوح والرفد طوفان نوح، فألان العريكة، وَسلم النطع والأريكة، وَقَالَ إجل أعرض، وَانْزِلْ السُّؤَال وأقرض، فَقلت، بِي إِلَى تعرف الْبلدَانِ جنوح وجنون، وَالْجُنُون فنون، وَقد ظَفرت قبلك بنقاب، وعود احتقاب وبسارب نقاب، حصل بِهِ من طلى الشُّكْر، وَبِك يتم السطر ويعظم الْخطر، فَقَالَ النَّاس مُتَّهم ومنجد، وخاذل ومنجد، وَلَا تجود يَد بِمَا تَجِد، وَالله المرشد، وَجعل ينشد: (إِذا المشكلات تصدين لي ... كشفت غوامضها بِالنّظرِ) (وَلست بائقة فِي الرِّجَال ... أسائل هَذَا وَذَا مَا الْخَبَر) (ولكنني مدرب الأصفرين ... أبين مَعَ مَا مضى مَا غبر) ثمَّ قَالَ هَات، أَمن عقدك الشُّبُهَات. قلت مَا تَقول فِي باديس، قَالَ، بدأت بحمدلة الرقعة، وبركة الْبقْعَة، ومدفن الْوَلِيّ، ومظهر النُّور الجلى، والنحر غير العاطل وَلَا الخلي من الحلى، بلد السراوة والشجاعة، والإيثار على فرض الْجَمَاعَة، والنفوس الأوابة إِلَى الله الرجاعة، حَيْثُ الْبر والحوت، والخشب الَّذِي ينشأ مِنْهَا كل منحوت، والبأس والإقدام، والفاكهة الطّيبَة والإدام، وَرب الْجبَال، وَفضل المدافعة لصب السبال، إِلَّا أَنَّهَا موحشة الْخَارِج [وعرة المعارج] مجاورة من غمارة بالمارد المارج، فهم ذُو دَبِيب فِي مدارج تِلْكَ الغرابيب، وكيدهم ببركة الشَّيْخ فِي تثبيت. قلت فمدينة سبتة، قَالَ، عروس تِلْكَ المجلى، وتنية الصَّباح الأجلى، تبرجت تبرج العقيلة، وَنظرت وَجههَا من الْبَحْر فِي الْمرْآة الصقيلة، واختص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 ميزَان حسناتها بِالْأَعْمَالِ الثَّقِيلَة، وَإِذا قَامَت بيض أسوارها [مقَام سوارها] وَكَانَ جبل بنيونس شماتة أزهارها، والمنارة مَنَارَة سوارها، كَيفَ لَا ترغب النُّفُوس فِي جوارها، وتخيم الخواطر بَين أنجادها وأغوارها، إِلَى الميناء الغالية، والمراقي الفلكية، والمركبة الزكية غير المنزورة وَلَا البكية، حَيْثُ الْوقُود الجزل، الْمعد للأزل، والقصور الْمَقْصُورَة، على الْجد والهزل، وَالْوُجُوه الزهر السحن، المضنون بهَا عَن المحن، دَار الناشية والحامية، المضرمة للحرب المناشية، والأسطول المرهوب الْمَحْذُور الألهوب، وَالسِّلَاح الْمَكْتُوب المحسوب، وَالْأَمر الْمَعْرُوف الْمَنْسُوب، كرْسِي الْأُمَرَاء والأشراف، والوسيطة لخامس أقاليم البسيطة، فَلَا حَظّ لَهَا فِي الانحراف، بصرت عُلُوم اللِّسَان، وَصَنْعَاء الْحلَل الحسان، وَثَمَرَة قَوْله، أَن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان، الأمينة على الاختزان، القويمة الميكيال وَالْمِيزَان، محشر أَنْوَاع الْحيتَان، ومحط قوافل الْعصير وَالْحَرِير والكتان، وكفاها السُّكْنَى ببنيونش فِي فُصُول الزَّمَان، وَوُجُود المساكن النبيهة بأرخص الْأَثْمَان، والمدفن الموهوم غير المزحوم، وخزانة كتب الْعُلُوم، والْآثَار المنبية عَن أَصَالَة الحلوم، إِلَّا أَنَّهَا فاغرة أَفْوَاه الْجنُوب للغيث المصبوب، عرضة للرياح ذَات الهبوب، عديمة الْحَرْث، فقيرة من الْحُبُوب، ثغر تنبو فِيهِ الْمضَاجِع بالجنوب، وناهيك من حَسَنَة تعد من الذُّنُوب، فأحوال أَهلهَا رقيقَة، وتكلفهم ظَاهر مهما عرضت وَلِيمَة أَو عقيقة، واقتصادهم لَا تَلْتَبِس مِنْهُ طَريقَة، وأنساب نفقاتهم فِي تَقْدِير الأرزاق عريقة، فهم يمحصون البلالة، مص المحاجم [بِالشَّرِّ الهاجم] [ويجعلون الْخبز فِي الولائم بِعَدَد الجماجم، وفتنتهم فِي بلدهم فتْنَة الواجم بالبشر المناجم] وراعى الْحَدث، بالمطر الساجم، فَلَا يفضلون على مدينتهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 مَدِينَة، الشَّك عِنْدِي فِي مَكَّة وَالْمَدينَة. قلت فطنجة، قَالَ، الْمَدِينَة المعادية، والبقعة الَّتِي لَيست بالخبيثة وَلَا بالردية، إِلَيْهَا بالأندلس كَانَت نِسْبَة المغاربة، وَالْكتاب الْمُحَاربَة، والرفق السابحة فِي الأَرْض الضاربة. سورها لَيْسَ بمثلوم، وساكنها غير ملوم، وفضلها مَعْلُوم، ودارها لَيست بدار لوم. ميدان أَفْرَاس كَبِير، ومعدن ضد وذكير، مثلت بَين الْمنَار والقالة، وحكماها فِي التَّفْضِيل، فأشكل الحكم وتعذرت الْمقَالة، وَلم يَصح البيع وَلَا وَجَبت الْإِقَالَة، [هذي سَمَاء بروج] وهذي أزهار مروج، وَكِلَاهُمَا مركب سرُور وسروج، [ومسمع فروج] ومطعم غَدِير ومروج. وديارها نبيهة. وعَلى الْجُمْلَة فأحوالها بأحوال جارتها شَبيهَة، لَكِن رملها يحشو الْعين بالذرور عِنْد الْمُرُور، وَيدخل الدّور، وَيفْسد الْقُدُور. ورياحها لَا تسكن إِلَّا فِي الندور، وظلمة جوها متسببة عَمَّا وراها من مغرب الشموس والبدور، وَعين فرقان أعذب عيونها مَشْهُور بتواليد الْهَرج، قُرْآن عِنْد النَّاس غير ذِي عوج. وَيذكر أَن سُلَيْمَان اختصها بسخر مَوَدَّة الْجِنّ، فيعثر على أواني ملئت ريحًا تثير تبريحا، ويسندون [لذَلِك إفكا صَحِيحا] . قلت فقصر كتامة، فَقَالَ، مغرد عندليب، وعنصر بر وحليب، ومرعى سَائِمَة غَائِبَة [ومسرح بَهِيمَة فِي الْجَحِيم هائمة، ومسقط مزنة عائمة] وديمة دائمة. وَبِه التفاح النفاح، ترتاح إِلَى شمه الْأَرْوَاح، يقذف إِلَيْهَا المسا والصباح، ويتفنن فِيهِ الْحَرَام والمباح، والسمك كَمَا جردت الصفاح، إِذا استنجز الكفاح وَطَرِيقه مَسْلَك الْقَافِلَة، وببابه الشئون الحافلة، ينسل إِلَيْهَا من غمارة، قرود وفهود، وَأمة صَالح وَهود. ذَلِك يَوْم مَجْمُوع لَهُ النَّاس وَذَلِكَ يَوْم مشهود. إِلَّا أَنه قدر قد تهدم، وَدَار الندوة لَام ملدم، ومثير الهائج الموار، وثائر الدَّم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 جثم الهوا الْخَبيث فِي بطيحته وربض، وانبسط وَمَا انقبض، وجبر ليله عَسْكَر البعوض الهاجم، دربة بمص المحاجم. وَأما وحله، فَلَا يعبر وَلَا يسبر، وَإِن أسهبت الْعبارَة وَالْأَمر أكبر. قلت فأصيلا، قَالَ، كَثِيرَة الْمرَافِق، رَافِعَة فِي الخصب اللِّوَاء الخافق، الْعصير الْأَثِير، والحوت الْكثير وَالْبر الغزير، والإدام الَّذِي يَرْمِي بِهِ من حكم عَلَيْهِ بالتعزير، والسفن المترددة، وفيهَا الملد الأبازير. إِلَّا أَن حصنها من المنعة بَرى، وساكنها بربرى، وجارها من غمارة جرى. قلت فمدينة سلا، قَالَ، العقيلة المفضلة، والبطيحة المخضلة، [وَالْقَاعِدَة الموصلة، والسدرة المفصلة] ذَات الوسامة والنضارة، والجامعة بَين البداوة والحضارة، مَعْدن الْقطن والكنان، والمدرسة والمارستان والزاوية كَأَنَّهَا الْبُسْتَان، والوادي المتعدد الأجفان [والقطر الآمن الرجفان] والعصير الْعَظِيم الشَّأْن، والأسواق المحازة حَتَّى برقيق الْحيتَان. اكتنفها المسرح وَالْخصب الَّذِي لَا يبرح، وَالْبَحْر الَّذِي يأسو ويجرح. وشقها الْوَادي يتمم محاسنها ويشرح، وقابلها الرِّبَاط الَّذِي ظهر بِهِ من الْمَنْصُور الِاغْتِبَاط، حَيْثُ القصبة والساباط، وَوَقع مِنْهُ بنظرة الاعتباط، فاتسع الْخرق، وَعظم الاشتطاط، وَبعد الْكَمَال يكون الانحطاط، إِلَى شامة مرعى الذمم، ونتيجة الهمم، وشمخ الأنوف ذَوَات الشمم، وعنوان الذمم، حَيْثُ الْحَسَنَات المكتتبة، والأرزاق الْمرتبَة، والقباب كالأزهار، مجودة بِذكر الله آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار، وطلل حسان الْمثل فِي الاشتهار. وَهِي على الْجُمْلَة من غَيرهَا أوفق، ومغارمها لاحترام الْمُلُوك الْكِرَام أرْفق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 ومقبرتها المنضدة عجب فِي الانتظام. مَعْدُودَة فِي الْمرَافِق الْعِظَام، وتتأتى بهَا للعباد الْخلْوَة، وَيُوجد عِنْدهَا للهموم الشلوة، كَمَا قَالَ ابْن الْخَطِيب: (وصلت حثيث السّير فِيمَن فَلَا الفلى ... فَلَا خاطرت لما نأى وانجلى انجلا) (وَلَا نسخت كربي بقلبي سلوة ... فَلَمَّا سرى فِيهَا نسيم سلا سلى) وَكفى بالشابل رزقا طريا، وسمكا بالتفضيل حريا، يبرز عدد قطر الديم، وَيُبَاع ببخس الْقيم، ويعم حَتَّى المجاشر النائية والديم. إِلَّا أَن ماءها لَا يرْوى بِهِ وَارِد، لَا كريم وَلَا بَارِد، وإلفها شارد، والخزين بهَا فَاسد، وبعوضها مستأسد راضع غير مفطوم [خَالع للعذار غير محطوم] وَاسع للحد والخرطوم، تصغى لرنته الْأَذَان، ويفتك بوخز اللِّسَان، كالقوس تصمى الرمايا وَهِي مرنان، وديارها فِي المَاء دَار عُثْمَان، وطواحنها عالية الْأَثْمَان، وكثبانها تلوث بيض الثِّيَاب طي العياب، وعابر واديها إِلَى مأرب أكيد فِي تنكيد، إِلَى غَلَبَة الْإِمْسَاك، وخوض النساك، وَكَثْرَة أَرْبَاب الخطط، والإغيا فِي الشطط، تذود عَن جناتها للأسد جنان، فَلَا يلتذ بقطف العنقود مِنْهَا بنان، وَفِي أَهلهَا خفَّة، وميزانها لَا تعتدل مِنْهَا كفة. قلت فانقا، قَالَ، جون الْحَط والاقلاع ومجلب السلاع، تهوى إِلَيْهَا النَّفس شارعة، وتبتدر مسارعة، تصارف برهَا الذَّهَبِيّ بِالذَّهَب الإبريز، وتراوح برهَا وتفاديه بالتبريز. (يكثر الطير حَيْثُ ينتشر ... الْحبّ وتغشى منَازِل الكرماء) وخارجها يفضل كل خَارج، وقنيصها يجمع بَين طَائِر ودارج، وفواكهها طيبَة وأمطارها صيبة، وكيلها وافر، وسعرها عَن وَجه الرخَاء سَافر، وميرتها لَا يَنْقَطِع لَهَا خف وَلَا حافر. لَكِن مَاؤُهَا وهواؤها عديما الصِّحَّة، وَالْعرب عَلَيْهَا فِي الْفِتَن ملحة، والأمراض عَلَيْهَا تعيث وتعبث، والخزين لَا يلبث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 قلت فأزمور، قَالَ جَار وَاد وريف، وعروس ربيع وخريف، وَذُو وضع شرِيف، أطلت على واديه المنارة والمراقب، كَأَنَّهُمَا النُّجُوم الثواقب، وجلت عَن خصبه المناقب، وقمين الْمرَافِق نهره المجاور وبحره المصاقب، بلد يخزن الأقوات، ويملأ اللهوات، بَاطِنه الْخَيْر، وأمامه اللَّحْم وَالطير، وساكنه رفيه، ولباسه يتَّخذ فِيهِ، ومسكنه نبيه، وصوته الشابل لَيْسَ لَهُ شَبيه، لَكِن أَهله إِنَّمَا حرثهم وحصادهم اقتصادهم، فَلَا يعْرفُونَ إرضاخا وَلَا وردا نضاحا، يترامون على حَبَّة الْخَرْدَل بالجندل، ويتضاربون بِالسُّيُوفِ على الْأَثْمَان والزيوف، بربري لسانهم، كثير حسانهم، قَلِيل إحسانهم، يكثر بَينهم بِالْعرضِ الافتخار، ويعدم ببلدهم المَاء وَالْملح والفخار. قلت فتيط، قَالَ، مَعْدن تَقْصِير، وبلد بَين مجْرى وَمَاء وعصير، للأولياء بِهِ اغتباط، ومسجدها يضيق عَنهُ المداين، منارا عَالِيا، وبقلادة الْأَحْكَام حاليا. إِلَّا أَن خَارِجهَا يروق عين الْمُقِيم وَالْمُسَافر، وَلَا يشوق بِحسن مُسَافر، ومؤمنة تشقى بصداع كَافِر، وحماه عَدو كل خف وحافر، فلولا ساكنها، لم يلبس يَوْم فَخر وَلم ينْبت أَي صَخْر. قلت فرباط آسفي، قَالَ، لطف خَفِي، وجناب حفي، ووعد وَفِي، وَدين ظَاهره مالكي، وباطنه حَنَفِيّ. الدماثة وَالْجمال، وَالصَّبْر وَالِاحْتِمَال، والزهد وَالْمَال وَالْجمال [والسذاجة والجلال] قَليلَة الإخوان، صابرة على الاختزان، وافية الْمِكْيَال وَالْمِيزَان، رَافِعَة اللِّوَاء بِصِحَّة الْهَوَاء، بلد مَوْصُوف برفيع ثِيَاب الصُّوف، وَبِه تربة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد صَالح، وَهُوَ خَاتِمَة المراحل المسورات من ذَلِك السَّاحِل. لَكِن مَاؤُهُ قَلِيل، وعزيره لغاديه من يواليه من الْأَعْرَاب ذليل. قلت فمدينة مراكش، قَالَ فتنفس الصعدا، وأسمع البعدا، وَقَالَ درج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 الحلى، وبرج النُّور الْجَلِيّ، وتربة الْوَلِيّ، وحضرة الْملك الأولى، وَصرح النَّاصِر الْوَلِيّ، ذَات المقاصر والقصور، وغابة الْأسد الهصور وسدة النَّاصِر والمنصور، بَعدت من المركز دارتها، وسحرت الْعُيُون شارتها، وَتعبد الإيماءة إشارتها، وخاضت الْبَحْر الخضم بدارتها وبشارتها. اقتعدت الْبَسِيط المديد، واستظهرت بتشييد الأسوار وأبراج الْحَدِيد، وَبكى الْجَبَل من خشيتها بعيون الْعُيُون، فسالت المذانب كصفاح القيول، وقيدت طرف النَّاظر الْمفْتُون أدواح الشّجر بهَا وغابات الزَّيْتُون. مَا شِئْت من انفساح السكَك، وامتداد الباع فِي ميدان الانطباع، وتجويد فنون المجون بِالْمدِّ والإشباع، زيتها للمزمن يعصر، وَخَيرهَا يمد وَلَا يقصر، وفواكهها لَا تحصر. فَإِذا تنافس الْحر وَالْبرد وَتَبَسم الزهر، وخجل الْورْد، وكسا غدرانها الحائرة الْخلق السرد، قلت انجز لِلْمُتقين من الْجنَّة الْوَعْد، وساعد السعد، وَمَا قلت إِلَّا بِالَّذِي عملت سعد. ومنارها الْعلم فِي الفلاة، ومنزلته فِي المآذن منزلَة والى الْوُلَاة. إِلَّا أَن هَواهَا مُحكم فِي الجباه والجنوب يحمى عَلَيْهَا بكر الْجنُوب، وحمياتها كلفة بالجسوم، طالبة ديونها بالرسوم، وعقاربها كَثِيرَة الدبيب، منغصة مضاجع الحبيب، وحزابها موحش هائل، وَبعد الأخطار عَن كثير من الأوطار بهَا مائل، وعدوها ينتهب فِي الفتق أقرانها، وجرذان الْمَقَابِر تَأْكُل أمواتها وَكَانَت أولى الْمنَازل بالأعياد، لَو أَنَّهَا الْيَوْم مَعْدُودَة فِي الْأَحْيَاء. قلت فأغمات، قَالَ، بَلْدَة لحسنها اشتهار، وجنة تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار، وشمامة تتضوع مِنْهَا الأزهار، مُتعَدِّدَة الْبَسَاتِين، طامية بحار الزياتين، كَثِيرَة الْفَوَاكِه وَالْعِنَب والتين، خَارِجهَا فسيح المذانب فِيهِ تميح، وهواؤها صَحِيح، وقبولها بالغريب شحيح، وماؤها نمير، وَمَا وردهَا ممد للبلاد وممير. إِلَّا أَن أَهلهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 يوصفون بنوك وَذُهُول، بَين شُبَّان كهول، وخرابها يهول، وعدوها تضيق لكثرته السهول، فأموالها لعدم المنعة فِي غير ضَمَان، ونفوسها لَا تعرف طعم أَمَان. قلت: فمدينة مكناسة، قَالَ، مَدِينَة أَصْلِيَّة، وَشعب للمحاسن وفصيلة، فَضلهَا الله ورعاها، وَأخرج مِنْهَا ماءها ومرعاها، فجانبها مريع، وَخَيرهَا سريع، ووضعها لَهُ فِي فقه الْفَضَائِل تَفْرِيع، عدل فِيهَا الزَّمَان، وانسدل الْأمان، وفاقت الْفَوَاكِه فواكهها، وَلَا سِيمَا الرُّمَّان، وَحفظ أقواتها الاختزان، ولطفت فِيهَا الْأَوَانِي والكيزان، واعتدل الجسوم للوزان، ودنا من الحضرة جوارها، وَكثر قصادها من الوزراء وزوارها، وَبهَا الْمدَارِس وَالْفُقَهَاء، ولقصبتها الأبهة والبهاء، والمقاصر والأبهاء. إِلَّا أَن طينها ضحضاح، لذِي الطّرف فِيهِ افتضاح، وأزقتها لَا يفارقها القذر، وأسواقها يكثر بهَا الهذر، وعقاربها لَا تبقي وَلَا تذر، ومقبرتها لَا يحْتَج عَن إهمالها وَلَا يعْتَذر. قلت، فمدينة فاس، قَالَ: رعى الله أَرضًا تربها ينْبت الفنا، وآفاقها ظلّ على النَّاس مَمْدُود، نعم العرين لأسود بني مرين، وَدَار الْعِبَادَة الَّتِي يشْهد بهَا مطرح الْجنَّة، وَمَسْجِد الصابرين، وَأم الْقرى، [ومأم السرى] وموقد نَار الدعا، ونارء القرا، ومقر الْعِزّ الَّذِي لَا يهضم، وكرسي الْخلَافَة الْأَعْظَم، والجزية الَّتِي شقها ثعبان الْوَادي، فَمَا ارتاعت، والأبية الَّتِي مَا أذعنت إذعانها للإيالة المرينية وَلَا أطاعت أَي كَاف وكلف، وَخلف عَن سلف، ومحاباة وزلف، وقضيم وعلف، إِنَّمَا الدُّنْيَا أَبُو دلف. سَأَلت عَن الْعَالم الثَّانِي، ومحراب السَّبع المثاني، وَمُغْنِي المغاني، ويرقص النادب والغاني، وأرمم المباني، ومصلى القاصي والداني، هِيَ الْحَشْر الأول، والقطب الَّذِي عَلَيْهِ الْمعول، وَالْكتاب الَّذِي لَا يتَأَوَّل، بل المدارك والمدارس، والمشايخ والفهارس، وديوان الراجل والفارس، وَالْبَاب الْجَامِع من موطإ الْمرَافِق، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 وَبَدَأَ الْملك الخافق، وتنور المَاء الدافق، ومحشر الْمُؤمن وَالْمُنَافِق [وسوق الكاسد والنافق] حَيْثُ الْبَنَّا الَّذِي نظر إِلَيْهَا عُطَارِد واستجفاها، وَخَافَ عَلَيْهَا الْوُجُود أَن يُصِيبهَا بِعَيْنِه الحسود فسترها بالغور وأخفاها، والأسواق الَّتِي ثَمَرَات كل شَيْء إِلَيْهَا قد حبيت، والموارد الَّتِي اخْتصّت بالخصر وجبلت، والمنارة المخطوبة، وصفح الحلج المشطوبة والغدر الَّتِي مِنْهَا أَبُو طوبة. (بلد أعارته الْحَمَامَة طوقها ... وكسا ريش جنَاحه الطاووس) (فَكَأَنَّمَا الْأَنْهَار فِيهِ مدامة ... وَكَأن ساحات الديار كؤوس) اجْتمع بهَا مَا أولده سَام وَحَام، وَعظم الالتآم والالتحام، فَلَا يعْدم فِي مساكنها رُخَام، فأحجارها طاحنة [ومخابزها ساخنة] وألسنتها باللغات الْمُخْتَلفَة لاحنة، ومكاتبها سابحة، ورحابها متمالحة، وأوقافها جَارِيَة، الهمم فِيهَا إِلَى الْحَسَنَات واضدادها متبارية. بلد نِكَاح وَأكل، وَضرب وركل، وامتياز من النسا بِحسن زِيّ وشكل، ينتبه بهَا للباءة، وتسل الجباه، وتوجد للأزواج الْأَشْبَاه وفور النشب، وَكَثْرَة الْخشب وَوُجُود الرفيق، وَطيب الدَّقِيق، وَإِمْكَان الإدام، وتعدد الخدام، وَعمْرَان الْمَسَاجِد والجوامع، وإدامة ذكر الله فِي المآذن والصوامع. وَأما مَدِينَة الْملك فبيضاء كالصباح، أفق للغرر الصَّباح، يحتقر لإيوانها إبوان كسْرَى، وَترجع الْعين حسرى، ومقاعد الحرس، وملاعب اللَّيْث المفترس، ومنابت الرّوح المفترس، [ومدشر من درس أَو درس، ومجالس الحكم للفصل] وسقايف الترس، والنصل، وأهداف الناشبة أولى الخصل وأواوين الْكتاب، وخزاين محمولات الإقتاب، وكراسي الْحجاب، وعنصر الْأَمر العجاب، إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 الناعورة الَّتِي ملكت من الْفلك الدوار مِثَالا، وَأوحى المَاء إِلَى كل سَمَاء مِنْهَا أمرهَا، فأجزت امتثالا، ومحبة البرود سلسالا، وألفت أكوارها الترفة والترف، فَإِذا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كسَالَى: (وقورا من قَوس الْغَمَام ابْتَغوا لَهَا ... مِثَالا أداروها عَلَيْهِ بِلَا شكّ) (قس الثريا والترا سد جرمها ... وللباك الدوار قد أَصبَحت تحك) (تصوغ لجين النَّهر فِي الرَّوْض دَائِما ... وزاهم نور قد خلص من الشَّك) (وَترسل شهباتها ذَا ذؤابة ... تبتغي استراق السّمع عَن حوزة الْملك) (تذكرت الْعَهْد الَّذِي اخترعت بِهِ ... وحنت فَمَا تنفك ساجعة تبك) إِلَّا أَن حر هَذِه الميدنة يذيب، وساكنها ذيب، ومسالكها وعرة، وظهايرها مستعرة وطينها هايل، ورخامها حَرْب وابل، إِن نَشد الجفا نَاشد، فَهِيَ ضالته المنشودة، أَو حشد إِضَافَة حاشد، فَهِيَ كتيبته المحشودة، إِلَى بعد الأقطار، وعياث الميازب أَوْقَات الأمطار، والاشتراك فِي المساكن والديار، عَن الْمُوَافقَة. وَالِاخْتِيَار، وتجهم الْوُجُوه للغريب ذِي الطّرف الْمُرِيب، وغفلة الأملس عَن الجريب، ودبيب العقارب إرْسَالًا كالقطار الغارب. وَأَهْلهَا يرَوْنَ لأَنْفُسِهِمْ مزية الْفضل، ويدينون فِي مُكَافَأَة الصَّنَائِع الْبَالِغَة بالعضل، يلقى الرجل أَبَا منواه فَلَا يَدعُوهُ لبيته، وَلَا يسمح لَهُ ببقله وَلَا زيته، فَلَا يطْرق الطيف حماهم، وَلَا يعرف اسمهم وَلَا مسامهم، إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات، وَقَلِيل مَا هم، ومقبرتهم غير نابهة، وأجداثها غير متشابهة، منشبة حَيَوَان ومشبعة جرذان غير وان. ثمَّ قَالَ فِي أَمر سلوين، قَالَ وَاد عَجِيب، وبلد لداعي الإيناع مُجيب، مخضر الوهاد والمتون، كثير شجرات الْجَوْز وَالزَّيْتُون، كنفته الْجبَال الشم، وَحنث عَلَيْهِ الطود كَمَا تحنو على الْوَلَد الْأُم، فهواؤها ملائم، وَالْعِنَب على الْفُصُول دَائِم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 إِلَّا أَن الشَّمْس لَا تطرقه سمال، وَلَا ترمقه إِلَّا وَقت زَوَال، قد بَاء بالحظ الموكوس، وانكمش تَحت إبط الظل المنكوس، فجوه عديم الطلاوة، وعنبه للبرد قَلِيل الْحَلَاوَة. قلت فسجلماسة، فَقَالَ تِلْكَ كورة. وَقَاعِدَة مَذْكُورَة، ومدينة محمودة مشكورة، كَانَت ذَات تَقْدِيم، وَدَار ملك قديم، وبلد تبر وأديم، ومنتهى تجر ومكسب عديم، مَعْدن التَّمْر، بحكمة صَاحب الْخلق وَالْأَمر، تَتَعَدَّد أَنْوَاعه، فتعيي الْحساب، وتجم بهَا فوائدها، فتحسب الاقتناء والاكتساب، قد اسْتَدَارَ بهَا لحلو السُّور وَالْأَمر العجاب، والقطر الَّذِي تحار فِي ساحته النجاب، فَيضْرب مِنْهُ على عذاريها الْحجاب، بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب، تحيط بهَا مرحلة رَاكب، ويصيرها سَمَاء مخطرة ذَات كواكب، فمنازلها لَا تنَال بهوان، وفدانها ودمنها تَحت صوان، ونخلها تطل من خَلفه الْجِدَار، وتتبوأ الْإِيمَان والديار، وحللها مبتوتة بَين الدمن، وضياعها تمتلك على مر الزَّمن، وسوائمها تالعة للسمن، مَوْجُودَة بنزر الثّمن، وفواكهها جميمة، ونعمها عميمة، وسورها يعجز عَن مثله معتصم ورشيد، وسقيها يخص دَار الْملك بحظ مَعْلُوم، وَيرجع إِلَى وَال يكف كل مظلوم. وَهِي أم الْبِلَاد الْمُجَاورَة لحدود السودَان فتقصدها بالتبر القوافل، وتهدي إِلَى مِحْرَابهَا النَّوَافِل، والرفاهة بهَا فَاشِية، وَالنِّسَاء فِي الْحلَّة ناشية. لَكِنَّهَا معركة غُبَار، وقتيل عقربها جَبَّار، ولباسها خامل، والجفا بهَا شَامِل، والجو يسفر عَن الْوَجْه القطوب، والمطر مَعْدُود من الخطوب، لبِنَاء جدرانها بالطوب، والقرع برؤوس أَهلهَا عابث، والعمش لجفونهم لابث، والحصا يصيبهم، ويتوفر مِنْهُ نصِيبهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 قلت فتازى، فَقَالَ، بلد امْتنَاع، وكشف قناع، وَمحل ربع وإيناع، ووطن طَابَ مَاؤُهُ، وَصَحَّ هواؤه، وَبَان إشرافه واعتلاؤه، وجلت فِيهِ مواهب الله وآلاؤه، عصيره مثل، وَأمر الخصب بِهِ ممتثل، وفواكهه لَا تحصى بِمَائِهَا لأقصى، وحبوبه تدوم على الخزن، وفخاره آيَة فِي لطافة الجرم وخفة الْوَزْن، إِلَّا أَن رِيحه عاصف، وبرده لَا يصف واصف، وَأَهله فِي وبال من معرة أهل الْجبَال، وليوثه مفترسة، وأخلاق أَهله شرسة. قلت فغساسة، قَالَ فريسة وأكيلة، وحشف وَشر كيلة، إِلَّا أَنَّهَا مرسى مطروق بِكُل مَا يروق، ومرفأ جَارِيَة بحريّة، ومحط جباية تجرية. ثمَّ لما وصل إِلَى هَذَا الْحَد، نظر إِلَى حَاج السُّوق، وَقد أَفَاضَ، ومزاده أعمل فِيهِ الإنفاض، وعلو الْأَصْوَات بِهِ قد صَار إِلَى الانخفاض. فَقَالَ، وَجب اعتناء بالرحيل واهتمام، وكل شَيْء فَإلَى تَمام، ومددت يَدي إِلَى الدُّعَاء فحزمته، وَإِلَى الْعين فأرقته، فَقلت لَا حكمتك من كرائم بني الأصقر فِي الْعدَد الأوفر، ماثلة فِي اللبَاس المزعفر، فَلَمَّا خضب كَفه بجنابها، وحصلت النَّفس على استغنائها، استدناني، وَشَبك بنانه ببناني، وَقَالَ لَا حَبط الله عَمَلك، وَلَا خَابَ أملك، وَلَا عدم المرعى الخصب هملك، فلنعم فعلي البضائع، وحافظ الْفضل الضائع ومقتنى الْفَوَائِد، ومعود العوائد. واستثبت مخيلته فَإِذا الشَّيْخ وتلميذه، وَحِمَاره ونبيذه، وَقد تنكر بالخضاب المموه، والزي المنوه، وعاث نخده الشّعْر المشوه. فَقلت هيه، أَبَت المعارف أَن تتنكر، والصباح أَن يجْحَد أَو يُنكر، كَيفَ الْحَال بعدِي، وَمَا اعتذارك عَن إخلاف وعدي، فَقَالَ: (خُذ من زَمَانك مَا تيَسّر ... واترك بجهدك مَا تعسر) (فلرب مُجمل حَالَة ... موصى بهَا مَا لم تفسر) (والدهر لَيْسَ بدائم ... لابد أَن سيسوء أَن سر) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 (واكتم حَدِيثك جاهدا ... شمت الْمُحدث أَو تحسر) (وَالنَّاس آنِية الزّجاج ... إِذا عثرت بِهِ تكسر) (لَا تعدم التَّقْوَى فَمن عدم ... التقى فِي النَّاس أعْسر) (وَإِذا امرء خسر الْإِلَه ... فَلَيْسَ شَيْء مِنْهُ أخسر) [ثمَّ ضرب جنب الْحمار، وَاخْتَلَطَ فِي الغمار، وَتَرَكَنِي اتقرى الْآثَار، وكل نظم فَإلَى انتثار] . وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي السياسة وَكَانَ إملاؤها فِي لَيْلَة وَاحِدَة حدث من امتاز بِاعْتِبَار الْأَخْبَار، وَحَازَ دَرَجَة الاشتهار، بِنَقْل حوادث اللَّيْل وَالنَّهَار، وولج بَين الكمائم والأزهار، وتلطف لخجل الْورْد من تَبَسم البهار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 قَالَ، سهر الرشيد لَيْلَة، وَقد مَال فِي هجر النَّبِيذ مَيْلَة، وَجهد ندماؤه فِي جلب رَاحَته، وإلمام النّوم بساحته، فشحت عهادهم، وَلم يغن اجتهادهم. فَقَالَ، اذْهَبُوا إِلَى طرق سَمَّاهَا ورسمها، وَأُمَّهَات قسمهَا، فَمن عثرتم عَلَيْهِ من طَارق ليل، أَو غثاء سيل، أَو ساحب ذيل، فبلغوه، والأمنة سوغوه، واستدعوه، وَلَا تَدعُوهُ. فطاروا عجالا، وَتَفَرَّقُوا ركبانا ورجالا، فَلم يكن إِلَّا ارتداد طرف، أَو فوَاق حرف، وَأتوا بِالْغَنِيمَةِ الَّتِي اكتسحوها، والبضاعة الَّتِي ربحوها، يتوسطهم الْأَشْعَث الأغبر، واللج الَّذِي لَا يعير، شيخ طَوِيل الْقَامَة، ظَاهر الاسْتقَامَة، سبلته مشمطة، وعَلى أَنفه من الْقبْح مطة، وَعَلِيهِ ثوب مرقوع، لطير الْخرق عَلَيْهِ وُقُوع، يهينم بِذكر مسموع، وينبي عَن وَقت مَجْمُوع. فَلَمَّا مثل سلم، وَمَا نبس بعْدهَا وَلَا تكلم. فَأَشَارَ إِلَيْهِ فَقعدَ، بعد أَن انشمر وابتعد، وَجلسَ، فَمَا اسْترق النّظر وَلَا اختلس، إِنَّمَا حَرَكَة فكره، معقودة بزمام ذكره، ولحظات اعْتِبَاره، فِي تفاصيل أخباره. فَابْتَدَرَهُ الرشيد سَائِلًا، وانحرف إِلَيْهِ مائلا، وَقَالَ مِمَّن الرجل، فَقَالَ فَارسي الأَصْل، أعجمي الْجِنْس، عَرَبِيّ الْفَصْل. قَالَ بلدك، وَأهْلك وولدك. قَالَ أما الْوَلَد، فولد الدِّيوَان، وَأما الْبَلَد، فمدينة الإيوان. قَالَ النحلة وَمَا أعملت إِلَيْهِ الرحلة، قَالَ [أما الرحلة فالاعتبار، وَأما النحلة فالأمور الْكِبَار] قَالَ، فنك، الَّذِي اشْتَمَل علية دنك، فَقَالَ، الْحِكْمَة فني الَّذِي جعلته أثيرا، وأضجعت مِنْهُ فراشا وثيرا، وَسُبْحَان الَّذِي يَقُول. وَمن يُؤْت الْحِكْمَة، فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا، وَمَا سوى ذَلِك فتبيع، ولي فِيهِ مصطاف وتربيع. قَالَ فتعاضد جذل الرشيد وتوفر، وكأنما غشى وَجهه قِطْعَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 من الصُّبْح إِذا أَسْفر، وَقَالَ، مَا رَأَيْت كالليلة أجمع لأمل شارد، وأنعم بمؤانسة وَارِد. يَا هَذَا إِنِّي سَائِلك، وَلنْ تخيب بعد وسائلك، فَأَخْبرنِي بِمَا عنْدك فِي هَذَا الْأَمر الَّذِي بلينا بِحمْل أعبائه، ومنينا بمراوضة آبَائِهِ. فَقَالَ هَذَا الْأَمر قلادة ثَقيلَة، وَمن خطة الْعَجز مستقيلة، ومفتقرة لسعة الذرع، وربط السياسة المدنية بِالشَّرْعِ، يُفْسِدهَا الْحلم فِي غير مَحَله، [وَيكون ذَرِيعَة إِلَى حلّه] ويصلحها مُقَابلَة الشكل بشكله: (وَمن لم يكن سبعا آكلا ... تداعت سِبَاع إِلَى أكله) فَقَالَ الْملك، أجملت ففصل، وبريت فنصل، [وكلت فأوصل] وانثر الْحبّ لمن يحوصل، واقسم السياسة فنونا، وَاجعَل لكل لقب قانونا، وابدأ بالرعية، وشروطها المرعية. فَقَالَ: رعيتك ودائع الله قبلك، ومرآة الْعدْل الَّذِي عَلَيْهِ جبلك، وَلَا تصل إِلَى ضبطهم [إِلَّا بإعانته] الَّتِي وهب لَك. وَأفضل مَا استدعيت بِهِ عونك فيهم، وكفايته الَّتِي تكفيهم، تَقْوِيم نَفسك عِنْد قصد تقويمهم، ورضاك بالسهر لتنويمهم، [وحراسة كهلهم ورضيعهم، والترفع عَن تضيعهم] ، وَأخذ كل طبقَة بِمَا عَلَيْهَا، وَمَالهَا، أخذا يحوط مَالهَا، ويحفظ عَلَيْهَا كمالها، وبقصر عَن غير الْوَاجِب آمالها، حَتَّى تستشعر عَلَيْهَا رأفتك وحنانك، وتعرف أوساطها فِي [النصب امتنانك] وتحذر سفلتها سنانك، وحظر على كل طبقَة مِنْهَا، أَن تتعدى طورها، أَو تخَالف دورها، أَو تجَاوز بِأَمْر طَاعَتك فورها. وسد فِيهَا سبل الذريعة، واقصر جَمِيعهَا على خدمَة الْملك بِمُوجب الشَّرِيعَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 وامنع أغنياءها من البطر والبطالة، وَالنَّظَر فِي شُبُهَات الدّين بالتمشدق والإطالة، وَليقل فِيمَا شجر بَين السّلف كَلَامهَا، وترفض مَا ينبز بِهِ أعلامها، فَإِن ذَلِك يسْقط الْحُقُوق، ويرتب العقوق. وامنعهم من فحش الْحِرْص والشره، وتعاهدهم بالمواعظ الَّتِي تجلوا البصائر من الموه، واحملهم من الِاجْتِهَاد فِي الْعِمَارَة على أحسن الْمذَاهب، وانههم عَن التحاسد على الْمَوَاهِب، ورضهم على الْإِنْفَاق بِقدر الْحَال، والتعزى عَن الْفَائِت، فَرده من الْمحَال. وحذر الْبُخْل على أهل الْيَسَار، والسخاء على أولى الْإِعْسَار. وخذهم من الشَّرِيعَة بالواضح الظَّاهِر، وامنعهم من تَأْوِيلهَا منع القاهر. وَلَا تطلق لَهُم التجمع على من أَنْكَرُوا أمره فِي نواديهم، وكف عَنْهُم أكف تعديهم. وَلَا تبح لَهُم تَغْيِير مَا كرهوه بِأَيْدِيهِم. ولتكن غايتهم فِيمَا تَوَجَّهت إِلَيْهِ إبايتهم، وَنَكَصت عَن الْمُوَافقَة عَلَيْهِ رايتهم، انهاؤه إِلَى من وكلته بمصالحهم من ثقاتك، المحافظين على أوقاتك. وَقدم مِنْهُم من أمنت عَلَيْهِم مكره، وحمدت على الْإِنْصَاف شكره، وَمن كثر حياؤه مَعَ التأنيب، وقابل الهفوة باستقالة الْمُنِيب، وَمن لَا يتخطى عنْدك مَحَله الَّذِي حلّه، فَرُبمَا عمد إِلَى المبرم فَحله. وَحسن النِّيَّة لَهُم بِجهْد الِاسْتِطَاعَة، واغتفر المكاره فِي جنب حسن الطَّاعَة. وَإِن ثار جرادهم وَاخْتلف فِي طَاعَتك مُرَادهم، فتحصن لثورتهم، واثبت لفورتهم فَإِذا سَأَلُوا وسلوا، وَتَفَرَّقُوا وانسلوا، فاحتقر كثرتهم، وَلَا تقل عثرتهم] واجعلهم لما بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم نكالا، وَلَا تتْرك لَهُم على حلمك اتكالا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 ثمَّ قَالَ: والوزير الصَّالح أفضل عددك، وأوصل مددك [فَهُوَ الَّذِي] يصونك عَن الابتذال، ومباشرة الأنذال، ويثب لَك على الفرصة، وينوب فِي تجرع الغصة، واستجلاء الْقِصَّة، ويستحضر مَا نَسِيته من أمورك، ويغلب فِيهِ الرَّأْي بموافقة مأمورك، وَلَا يَسعهُ مَا تمكنك الْمُسَامحَة فِيهِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيه. وَاحْذَرْ مصادمة تياره، والتجوز فِي اخْتِيَاره، وَقدم استخارة الله فِي إيثاره، وارسل عُيُون الملاحظة فِي آثاره، وَليكن مَعْرُوف الْإِخْلَاص لدولتك، مَعْقُود الرضاء وَالْغَضَب برضاك وصولتك، زاهدا عَمَّا فِي يَديك، مؤثرا كل مَا يزلف لديك، بعيد الهمة، رَاعيا للأذمة، كَامِل الْآلَة محيطا بالإيالة، رحب الصَّدْر، رفيع الْقدر، مَعْرُوف الْبَيْت، نبيه الْحَيّ وَالْمَيِّت، مؤثرا للعدل والإصلاح، دربا بِحمْل السِّلَاح، ذَا خبْرَة بدخل المملكة وخرجها، وظهرها وسرجها، صَحِيح العقد، متحرزا من النَّقْد، جادا عِنْد لهوك، متيقظا فِي حَال سهوك، يلين عِنْد غضبك، ويصل الإسهاب بمقتضبك، قلقا من شكره دُونك وحمده، ناسبا لَك الْأَصَالَة بعمده. وَإِن أعيا عَلَيْك وجود أَكثر هَذِه الْخلال، وَسبق إِلَى نقيضها شَيْء من الاختلال، فاطلب مِنْهُ سُكُون النَّفس وهدوئها، وَأَن لَا يرى مِنْك رُتْبَة إِلَّا رأى قدره دونهَا. وتقوى الله تفضل شرف الانتساب، وَهِي للفضائل فذلكة الْحساب، وساو فِي حفظ غيبه بَين قربه ونأيه، وَاجعَل حَظه من نِعْمَتك موازيا لحظك من حسن رَأْيه، واجتنب مِنْهُم من يرى فِي نَفسه إِلَى الْملك سَبِيلا، أَو يَقُود من عيصه للاستظهار عَلَيْك قبيلا، أَو من كاثر مَالك مَاله، أَو من تقدم لعدوك اسْتِعْمَاله، أَو من سمت لسواك آماله، أَو من يعظم عَلَيْهِ إِعْرَاض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وَجهك، ويهمه نادرة نهجك، أَو من يداخل غير أحبابك، أَو من ينافس أحدا ببابك. (وَأما الْجند) فاصرف التَّقْوِيم مِنْهُم للمقاتلة والمكايدة المخاتلة، وَاسْتَوْفِ عَلَيْهِم شَرَائِط الْخدمَة، وخذهم بالثبات للصدمة، ووف مَا أوجبت لَهُم من الجراية وَالنعْمَة، وتعاهدهم عِنْد الْغناء بالعلف والطعمة، وَلَا تكرم مِنْهُم إِلَّا من أكْرمه غناؤه، وطاب فِي الذب عَن ملتك ثَنَاؤُهُ، وَدلّ عَلَيْهِم النبهاء من خيارهم، واجتهد فِي صرفهم عَن الافتنان بأهلهم وديارهم، وَلَا توطئهم الدعة مهادا، وَقَدَّمَهُمْ على حفظك وبعوثك مَتى أردْت جهادا، وَلَا تلن لَهُم فِي الإغماض عَن حسن طَاعَتك قيادا، وعودهم حسن الْمُوَاسَاة بِأَنْفسِهِم اعتيادا، وَلَا تسمح لأحد مِنْهُم فِي إغفال شَيْء من سلَاح استظهاره، أَو عدَّة اشتهاره، وَليكن مَا فضل عَن شبعهم وريهم مصروفا إِلَى سِلَاحهمْ، وزيهم، والتزيد فِي مراكبهم وغلمانهم، من غير اعْتِبَار لأثمانهم، وامنعهم من المستغلات والمتاجر، وَمَا يتكسب مِنْهُ غير المشاجر، وَليكن من الْغَزْو اكتسابهم، وعَلى الْمَغَانِم حسابهم، كالجوارح الَّتِي تفْسد باعتيادها، أَن تطعم من غير اصطيادها. وَاعْلَم أَنَّهَا لَا تبذل نفوسها من عَالم الْإِنْسَان، إِلَّا لمن يملك قلوبها بِالْإِحْسَانِ، وَفضل اللِّسَان، وَيملك حركاتها بالتقويم، ورتبها بالميزان القويم، وَمن تثق بإشفاقها على أَوْلَادهَا، وتشتري رضَا الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 بصبرها على طَاعَته وجلادها. فَإِذا استشعرت لَهَا هَذِه الْخلال، تقدمتك إِلَى مَوَاقِف التّلف، مطيعة دواعي الكلف، واثقة مِنْك بِحسن الْخلف، واستبق إِلَى تمييزهم استباقا، وطبقهم طباقا، أَعْلَاهَا من تَأَمَّلت مِنْهُ فِي الْمُحَاربَة عَنْك إحظارا، وأبعدهم فِي مرضاتك مطارا، واضبطهم لما تَحت يدك من رجالك حزما ووقارا، واستهانة بالعظايم واحتقارا، وَأَحْسَنهمْ لمن تقلده أَمرك من الرّعية جوارا، إِذا أَجدت اخْتِيَارا، وأشدهم على مماطلة من مارسه من الْخَوَارِج عَلَيْك اصطبارا، وَمن بلَى فِي الذب عَنْك إحلاء وإمرارا، ولحقه الضّر فِي معارك الدفاع عَنْك مرَارًا. وَبعده من كَانَت محبته لَك أَكثر من نجدته، وموقع رَأْيه أصدق من موقع صعدته، وَبعده من حسن انقياده لأمرائك وإحماده لآرائك، وَمن جعل نَفسه من الْأَمر حَيْثُ جعلته، وَكَانَ صبره على مَا عراه أَكثر من اعتداده بِمَا فعله. [وَاحْذَرْ مِنْهُم من كَانَ عِنْد نَفسه أكبر من موقعه فِي الِانْتِفَاع، وَلم يستح من التزيد بأضعاف مَا بذله من الدفاع، وشكى البخس] فِيمَا تعذر عَلَيْهِ من فوائدك، وقاس بَين عوائد عَدوك وعوائدك، وتوعد بانتقاله عَنْك وارتحاله، وَأظْهر الْكَرَاهِيَة لحاله. (وَأما الْعمَّال) فانهم يبينون عَن مذهبك، وحالهم فِي الْغَالِب شَدِيدَة الشّبَه بك، فعرفهم فِي أمانتك السَّعَادَة، وألزمهم فِي رعيتك الْعَادة، وأنزلهم من كرامتك بِحَسب مَنَازِلهمْ فِي والإتصاف بِالْعَدْلِ، وأحله من الحفاية، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 بِنِسْبَة مَرَاتِبهمْ من الْأَمَانَة والكفاية، وقفهم عِنْد تَقْلِيد الأرجاء مَوَاقِف الْخَوْف والرجاء، وَقرر فِي نُفُوسهم أَن أعظم مَا بِهِ إِلَيْك تقربُوا، وَفِيه تدربوا، وَفِي سَبيله أعجموا وأعربوا، إِقَامَة حق، ودحض بَاطِل، حَتَّى لَا يشكو غَرِيم مطل ماطل، وَهُوَ آثر لديك من كل ربَاب هاطل. وكفهم من الرزق الْمُوَافق عَن التصدي لدني الْمرَافِق. واصطنع مِنْهُم من تيسرت كلفته، وقويت للرعايا ألفته، وَمن زَاد على تأميله صبره، وأربى على خَبره خَبره، وَكَانَت رغبته فِي حسن الذّكر، تشف على غَيرهَا من بَنَات الْفِكر. واجتنب مِنْهُم من غلب عَلَيْهِ التخرق فِي الْإِنْفَاق، وَعدم الإشفاق، والتنافس فِي الِاكْتِسَاب، وَسَهل عَلَيْهِ سوء الْحساب، وَكَانَت ذريعته المصانعة بالنفاية، دون التَّقَصِّي والكفاية، وَمن كَانَ منشؤه خاملا، ولأعباء الدناءة حَامِلا، وابغ من يكون الِاعْتِذَار فِي أَعماله، أوضح من الِاعْتِذَار فِي أَقْوَاله، وَلَا يفتننك من قلدته اجتلاب الْحَظ المطمع، [والتنفق بالسعي المسمع] وَمُخَالفَة السّنَن المرعية [واتباعه رضاك بسخط الرّعية] ، فانه قد غشك من حَيْثُ بلك ورشك، وَجعل من يَمِينك فِي شمالك، حَاضر مَالك. وَلَا تضمن عَاملا مَال عمله، وَحل بَينه فِيهِ وَبَين أمله، فانك تميت رسومك بمحياه، وتخرجه من خدمتك فِيهِ إِلَّا أَن تملكه إِيَّاه. وَلَا تجمع لَهُ فِي الْأَعْمَال، فَيسْقط استظهارك بِبَلَد على بلد، والاحتجاج على وَالِد بِولد، واحرص على أَن تكون فِي الْولَايَة غَرِيبا، ومتنقله مِنْك قَرِيبا، ورهينة لَا يزَال مَعهَا مريبا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 وَلَا تقبل مصالحته على شَيْء اختانه، وَاو برغيبة فتانه، فتتقبل المصانعة فِي أمانتك، وَتَكون مشاركا فِي خِيَانَتك، وَلَا [تطل مُدَّة] الْعَمَل، وتعاهد كشف الْأُمُور مِمَّن يرْعَى الهمل، ويبلغ الأمل. (وَأما الْوَلَد) فاحسن آدابهم، وَاجعَل الْخَيْر دأبهم، وخف عَلَيْهِم من إشفاقك وحنانك، أَكثر من غلظة جنانك، واكتم، عَنْهُم ميلك، وأفض عَلَيْهِم جودك ونيلك، وَلَا تستغرق بالكلف بهم يَوْمك وَلَا ليلك، وأثبهم على حسن الْجَواب [وَسبق إِلَيْهِم] خوف الْجَزَاء على رَجَاء الثَّوَاب، وعلمهم الصَّبْر على الضرائر، والمهلة عِنْد استخفاف الجرائر، [وَخذ لَهُم] بِحسن السرائر، وحبب إِلَيْهِم مراس الْأُمُور الصعبة المراس، وحصن الاصطناع والاغتراس والاستكثار من أولى الْمَرَاتِب والعلوم، والسياسات والحلوم، وَالْمقَام الْمَعْلُوم، وَكره إِلَيْهِم مجالسة الملهين، ومصاحبة الساهين، وجاهد أهواءهم عَن عُقُولهمْ، وَاحْذَرْ الْكَذِب على مقولهم، ورشحهم إِذا أنست مِنْهُم رشدا أَو هَديا، وأرضعهم من المؤازرة والمشاورة ثديا، لتمرنهم على الاعتياد، وتحملهم على الازدياد، ورضهم رياضة الْجِيَاد، وَاحْذَرْ عَلَيْهِم الشَّهَوَات فَهِيَ داؤهم، وأعدؤك فِي الْحَقِيقَة وأعداؤهم. وتدارك الْخلق الذميمة كلما نجمت، [واقذعها إِذا هجمت] ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 قبل أَن يظْهر تضعيفها، وَيُقَوِّي ضعيفها، فان أعجزتك قي صغرهم الْحِيَل، عظم الْميل. (إِن الغصون إِذا قومتها اعتدلت ... وَلنْ تلين إِذا قومتها الْخشب) وَإِذا قدرُوا على التَّدْبِير، وتشوفوا للمحل الْكَبِير، فَلَا توطنهم فِي مَكَانك [جهد إمكانك] ، وفرقهم [فِي بلدانك] ، تَفْرِيق عبدانك. واستعملهم فِي بعوث جهادك، والنيابة عَنْك فِي سَبِيل اجتهادك، فان حضرتك تشغلهم بالتحاسد، والتباري والتفاسد. وَانْظُر إِلَيْهِم بأعين الثِّقَات، فان عين الثِّقَة، تبصر مَالا تبصر عين الْمحبَّة والمقة. (وَأما الخدم) فَإِنَّهُم بِمَنْزِلَة الْجَوَارِح الَّتِي تفرق بهَا وَتجمع، وتبصر وَتسمع، فرضهم بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة، وصنهم صون الجفانة، وخذهم بِحسن الانقياد، إِلَى مَا آثَرته، والتقليل مِمَّا استكثرته. وَاحْذَرْ مِنْهُم من قويت شهواته، وَضَاقَتْ عَن هَوَاهُ لهواته، فان الشَّهَوَات تنازعك فِي استرقاقه، وتشاركك فِي اسْتِحْقَاقه. وَخَيرهمْ من ستر ذَلِك عَلَيْك بلطف الْحِيلَة، وآداب للْفَسَاد مخيلة، وأشرب قُلُوبهم أَن الْحق فِي كل مَا حاولته واستنزلته، وَأَن الْبَاطِل فِي كل مَا جانبته واعتزلته، وَأَن من تصفح مِنْهُم أمورك فقد أذْنب، وباين الْأَدَب وتجنب. وَأعْطِ من أكددته، وأضقت مِنْهُم ملكه وشددته، رَوْحَة يشْتَغل فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 بِمَا يُغْنِيه، على حسب صعوبة مَا يعانيه، تغبطهم فِيهَا بمسارحهم، وتجم كليلة جوارحهم. ولتكن عطاياك فيهم بالمقدار الَّذِي لَا يبطر أعلامهم، وَلَا يؤسف [الأصاغر فَيفْسد] أحلامهم، وَلَا ترم محسنهم بالغاية من إحسانك واترك لمزيدهم فضلَة من رفدك وَلِسَانك، وحذر عَلَيْهِم مخالفتك وَلَو فِي صلاحك بِحَدّ سِلَاحك، وامنعهم من التواثب والتشاجر، وَلَا تحمد لَهُم شيم التقاطع والتهاجر، واستخلص مِنْهُم لسرك من قلت فِي الإفشاء ذنُوبه، وَكَانَ أصبرهم على مَا ينوبه، ولودائعك من كَانَت رغبته فِي وَظِيفَة لسَانك، أَكثر من رغبته فِي إحسانك، وَضَبطه لما تقلده من وديعتك، أحب إِلَيْهِ من حسن صنيعك. وللسفارة عَنْك من حلا الصدْق فِي فَمه، وآثره وَلَو بإخطار دَمه، وَاسْتوْفى لَك وَعَلَيْك فهم مَا تحمله، وعني بِلَفْظِهِ حَتَّى لَا يهمله، [وَلمن تودعه أَعدَاء] دولتك، من كَانَ مَقْصُور الأمل، قَلِيل القَوْل صَادِق الْعَمَل، وَمن كَانَت قسوته زَائِدَة على رَحمته، وعظمه فِي مرضاتك آثر من شحمته، ورأيه فِي الحذر سديد، وتحرزه من الْحِيَل شَدِيد، ولخدمتك فِي ليلك ونهارك من لانت طباعه، وامتد فِي حسن السجية بَاعه، وآمن كَيده وغدره، وَسلم من الحقد صَدره، وَرَأى المطامع فَمَا طمع، واستثقل إِعَادَة مَا سمع، وَكَانَ بريا من الملال، والبشر عَلَيْهِ أغلب الْخلال. وَلَا تؤنسهم مِنْك بقبيح فعل وَلَا قَول، وَلَا تؤسهم من طول، وَمكن فِي نُفُوسهم أَن أقوى شفعائهم، وَأقرب إِلَى الْإِجَابَة من دُعَائِهِمْ، إِصَابَة الْغَرَض فِيمَا بِهِ وكلوا، وَعَلِيهِ شكلوا، فانك لَا تعدم بهم انتفاعا، وَلَا يعدمون لديك ارتفاعا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 (وَأما الْحرم) فهم مغارس الْوَلَد، ورياحين الْخلد، وراحة الْقلب الَّذِي أجهدته الأفكار، وَالنَّفس الَّتِي تقسمها الإحماد إِلَى المساعي وَالْإِنْكَار، فاطلب مِنْهُنَّ من غلب عَلَيْهِنَّ من حسن الشيم، المترفعة عَن الْقيم، مَا لَا يسوءك فِي خلدك، أَن يكون فِي ولدك، وَاحْذَرْ أَن تجْعَل لفكر بشر دون بصر إلَيْهِنَّ سَبِيلا، وانصب دون ذَلِك عذَابا وبيلا، وارعهن من النِّسَاء الْعَجز من فاقت فِي الدّيانَة وَالْأَمَانَة سَبيله، وقويت غيرته ونبله، وخذهن بسلامة النيات، والشيم السنيات، وَحسن الاسترسال، والخلق السلسال. وحظر عَلَيْهِنَّ التغامز والتغاير، والتنافس والتخاير، وآس بَينهُنَّ فِي الْأَغْرَاض، والتصامم عَن الْأَعْرَاض، والمحاباة بِالْإِعْرَاضِ. وأقلل من مخالطتهن، فَهُوَ أبقى لهمتك، وأسبل لحرمتك، ولتكن عشرتك لَهُنَّ عِنْد الكلال والملال، وضيق الِاحْتِمَال، بِكَثْرَة الْأَعْمَال، وَعند الْغَضَب وَالنَّوْم، والفراغ من نصب الْيَوْم. وَاجعَل مَبِيتك بَينهُنَّ تنم بركاتك، وتستقر حركاتك، وأفصل من ولدت مِنْهُنَّ إِلَى مسكن يختبر فِيهِ استقلالها، وَيعْتَبر بالتفرد خلالها، وَلَا تطلق لحُرْمَة شَفَاعَة وَلَا تدبيرا، وَلَا تنط، بهَا من الْأَمر صَغِيرا وَلَا كَبِيرا، وَاحْذَرْ أَن يظْهر على خدمهن فِي خروجهن عَن الْقُصُور وبروزهن من أجمة الْأسد الهصور، زِيّ مفارع، ولاطيب للأنوف مسارع، وأخصص بذلك من طعن فِي السن، ويئس من الْإِنْس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وَالْجِنّ، وَمن توفر النُّزُوع إِلَى الْخيرَات قبله، وَقصر عَن جمال الصُّورَة ووسم بالبله. ثمَّ لما بلغ إِلَى هَذَا الْحَد، حمى وطيس استجفاره، وَختم حزبه باستغفاره، [ثمَّ صمت مَلِيًّا] واستعاد كلَاما أوليا، ثمَّ قَالَ: وَاعْلَم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، سدد الله سهمك لأغراض خِلَافَته، وعصمك من الزَّمَان وآفته، أَنَّك فِي مجْلِس الْفَصْل، ومباشرة الْفَرْع من ملكك وَالْأَصْل، فِي طَائِفَة من عز الله، تذب عَنْك حماتها، وتدافع عَن حوزتك كماتها، فاحذر أَن يعدل بك غضبك، عَن عدل تزرى مِنْهُ ببضاعة، أَو يهجم بك رضاك على إِضَاعَة، ولتكن قدرتك وَقفا على الاتصاف بِالْعَدْلِ والإنصاف، واحكم بِالسَّوِيَّةِ، واجنح بتدبيرك إِلَى حسن الروية، وخف أَن تقعد بك أناتك عَن حزم تعين، أَو تستفزك العجلة فِي أَمر لم يتَبَيَّن. وأطع الْحجَّة مَا تَوَجَّهت عَلَيْك، وَلَا تحفل بهَا إِذا كَانَت إِلَيْك، فانقيادك أليها أحسن من ظفرك، وَالْحق أجدى من نفرك، وَلَا تردن النَّصِيحَة فِي وَجه، وَلَا تقَابل عَلَيْهَا بنجه، فتمنها إِذا استدعيتها، وتحجب عَنْك إِذا استوعيتها، وَلَا تستدعها من غير أَهلهَا، فيشغبك أولو الْأَغْرَاض بجهلها. واحرص على أَن لَا يَنْقَضِي مجْلِس جلسته، أَو زمن اختلسته، إِلَّا وَقد أحرزت فَضِيلَة زَائِدَة، أَو وثقت مِنْهُ فِي معادك بفائدة، وَلَا يزهدنك فِي المَال كثرته، فتقل فِي نَفسك أثرته، وَقس الشَّاهِد بالغائب، وَاذْكُر وُقُوع مَا لَا يحْتَسب من النوائب، فَالْمَال المصون أمنع الْحُصُون. وَمن قل مَاله قصرت آماله وتهاون بِيَمِينِهِ شِمَاله، وَالْملك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 إِذا فقد خزينه، أنحى على أهل الْجدّة الَّتِي تزينه وَعَاد على رَعيته بالإجحاف، وعَلى جبايته بالإلحاف، وساء مُعْتَاد عيشه، وَصغر فِي عُيُون جَيْشه، ومنوا عَلَيْهِ بنصره، وأنفوا من الِاقْتِصَار على قصره. وَفِي المَال قُوَّة سَمَاوِيَّة، تصرف النَّاس لصَاحبه، وتربط آمال أهل السِّلَاح بِهِ. وَالْمَال نعْمَة الله تَعَالَى، فَلَا تَجْعَلهُ ذَرِيعَة إِلَى خِلَافه، فتجمع بالشهوات بَين إتلافك وإتلافه، واستأنس بِحسن جوارها، واصرف فِي حُقُوق الله بعض أطوارها، فان فضل المَال عَن الْأَجَل فأجل، وَلم يضر مَا تلف مِنْهُ بَين يَدي الله عز وَجل. وَمَا ينْفق فِي سَبِيل الشَّرِيعَة، وسد الذريعة، مأمول خَلفه، وَمَا سواهُ فمستيقن تلفه. واستخلص لحضور نواديك الغاصة، ومجالسك الْعَامَّة والخاصة، من يَلِيق بولوج عتبها، والعروج لرتبها. أما العامية فَمن عظم عِنْد النَّاس قدره، وانشرح بِالْعلمِ صَدره، أَو ظهر يسَاره، وَكَانَ لله إخباته وانكساره، وَمن كَانَ للفتيا منتصبا، وبتاج المشورة معتصبا. وَأما الخاصية فَمن رقت طباعه، وامتد فِيمَا يَلِيق بِتِلْكَ الْمجَالِس بَاعه، وَمن تبحر فِي سير الْحُكَمَاء، وأخلاق الكرماء، وَمن لَهُ فضل سَافر، وطبع للدنية منافر، ولديه من كل مَا تستتر بِهِ الْمُلُوك عَن الْعَوام حَظّ وافر. وصف ألبابهم بمحصول خيرك، وَسكن قُلُوبهم بيمن طيرك، وأغنهم مَا قدرت عَن غَيْرك , وَاعْلَم بِأَن مواقع الْعلمَاء من ملكك، مواقع المشاعل المتألقة، والمصابيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 الْمُتَعَلّقَة، وعَلى قدر تعاهدها تبذل من الضياء، وتجلو بنورها صور الْأَشْيَاء، وفرعها لتحبير مَا يزين مدتك، وَيحسن من بعد البلى جدتك. وبعناية الْأَوَاخِر، ذكرت الْأَوَائِل، وَإِذا محيت المفاخر خربَتْ الدول. وَاعْلَم أَن بَقَاء الذّكر مَشْرُوط بعمارة الْبلدَانِ، وتخليد الْآثَار الْبَاقِيَة فِي القاصي مِنْهَا والدان. فاحرص على مَا يُوضح فِي الدَّهْر سبلك، ويحوز المزية لَك على من قبلك، وَإِن خير الْمُلُوك من ينْطق بِالْحجَّةِ، وَهُوَ قَادر على الْقَهْر، ويبذل الْإِنْصَاف فِي السِّرّ والجهر، مَعَ التَّمَكُّن من المَال وَالظّهْر. ويسار الرّعية جمال للْملك وَشرف، وفاقتهم من ذَلِك طرف، فغلب أينق الْحَالين بمحلك، وأولاهما بظعنك وحلك. وَاعْلَم أَن كَرَامَة الْجور دَائِرَة، وكرامة الْعدْل مكاثرة، وَالْغَلَبَة بِالْخَيرِ سيادة، وبالشر هوادة. وَاعْلَم أَن حسن الْقيام بالشريعة، يحسم عَنْك نكاية الْخَوَارِج، ويسمو بك إِلَى المعارج، فَإِنَّهَا تقصد أَنْوَاع الخدع، وتوري بتغيير الْبدع، واطلق على عَدوك أَيدي الأقوياء من الْأَكفاء، وألسنة اللفيف من الضُّعَفَاء، واستشعر عِنْد نكثه شعار الْوَفَاء، ولتكن ثقتك بِاللَّه أَكثر من [ثقتك بِقُوَّة] تجدها، وكتيبة تنجدها، فان الْإِخْلَاص يمنحك قوى لَا تكتسب، ويهديك مَعَ الْأَوْقَات نصرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 لَا يحْتَسب. وَالْتمس سلم من سالمك، بِنَفس مَا فِي يدك. وَفضل حَاصِل يَوْمك على منتظر غدك، فان أَبى وضحت محجتك، وَقَامَت عَلَيْهِ للنَّاس حجتك، فللنفوس على الباغين ميل، وَلها من جَانِبه نيل، واستمد كل يَوْم سيرة من يناويك، واجتهد أَن لَا يباريك فِي خير وَلَا يساويك، وأكذب بِالْخَيرِ مَا يشنعه من مساويك، وَلَا تقبل من الإطراء إِلَّا مَا كَانَ فِيك، فضل عَن إطالته، وجد يزري ببطالته وَلَا تلق المذنب بحميتك وسبك، وَذكر عِنْد حمية الْغَضَب ذنوبك إِلَى رَبك، وَلَا تنس أَن ذَنْب المذنب أجلسك مجْلِس الْفَصْل، وَجعل من قبضتك رياش النصل. وتشاغل فِي هدنة الْأَيَّام بالاستعداد، وَاعْلَم أَن التَّرَاخِي مُنْذر بالاشتداد. وَلَا تهمل عرض ديوانك، واختبار أعوانك، وتحصين معاقلك وقلاعك، وَعم إيالتك بِحسن اضطلاعك. وَلَا تشغل زمن الْهُدْنَة بلذاتك، فتجني فِي الشدَّة على ذاتك. لَا تطلق فِي دولتك أَلْسِنَة الكهانة والإرجاف، ومطاردة الآمال الْعِجَاف، فَإِنَّهُ يبْعَث سوء القَوْل، وَيفتح بَاب الغول، وحذر على المدرسين والمعلمين، وَالْعُلَمَاء والمتكلمين، حمل الأحدث على الشكوك الخالجة، والزلات الوالجة، فَإِنَّهُ يفْسد طباعهم، ويغري سباعهم، ويمد فِي مُخَالفَة الْملَّة باعهم. وسد سبل الشفاعات، فَإِنَّهَا تفْسد عَلَيْك حسن الِاخْتِيَار، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 ونفوس الْخِيَار. وابذل فِي الأسرى من حسن مَلكتك، مَا يُرْضِي من ملكك رقابها، وقلدك ثَوَابهَا وعقابها. وتلق بَدْء نهارك بِذكر الله فِي ترفعك وابتذالك، وَاخْتِمْ الْيَوْم بِمثل ذَلِك. وَاعْلَم أَنَّك مَعَ كَثْرَة حجابك، وكثافة حجابك، بِمَنْزِلَة الظَّاهِر للعيون، المطالب بالديون، لشدَّة الْبَحْث عَن أمورك، وتعرف السِّرّ الْخَفي بَين آمُرك ومأمورك، فاعمل فِي سرك مَا لَا تستقبح أَن يكون ظَاهرا، وَلَا تأنف أَن تكون بِهِ مجاهرا، واحكم بريك فِي الله ونحتك وخف من فَوْقك يخفك من تَحْتك. وَاعْلَم أَن عَدوك من أتباعك من تناسيت حسن قرضه، أَو زَادَت مؤونته على نصِيبه مِنْك وفرضه، فاصمت للحجج، وتوق اللجج، واسترب بالأمل، وَلَا يحملنك انتظام الْأُمُور على الاستهانة بِالْعَمَلِ. وَلَا تحقرن صَغِير الْفساد، فَيَأْخُذ فِي الاستئساد. واحبس الْأَلْسِنَة عَن التحالي باغتيابك، والتشبث بأذيال ثِيَابك، فان سوء الطَّاعَة، ينْتَقل من الْأَعْين الباصرة، [إِلَى الألسن القاصرة] ثمَّ إِلَى الْأَيْدِي المتناصرة. وَلَا تثق بِنَفْسِك فِي قتال عَدو ناوأك، حَتَّى تظفر بعدو غضبك وهواك، وَليكن خوفك من سوء تدبيرك، أَكثر من عَدوك السَّاعِي فِي تتبيرك. وَإِذا استنزلت ناجما، أَو أمنت ثائرا هاجما، فَلَا تقلده الْبَلَد الَّذِي فِيهِ نجم، وهما عَارضه فِيهِ وانسجم، يعظم عَلَيْك الْقدح فِي اختيارك، والغض من إيثارك، وَاحْترز من كَيده فِي حوزك ومأمك، فانك أكبر همه، وَلَيْسَ بأكبر همك، وجمل المملكة بتامين الفلوات وتسهيل الأقوات، وتجويد مَا يتعامل بِهِ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 الصّرْف فِي الْبياعَات وإجراء العوائد مَعَ الْأَيَّام والساعات، وَلَا تبخس عيار قيم البضاعات، ولتكن يدك عَن أَمْوَال النَّاس محجورة، وَفِي احترامها إِلَّا عَن الثَّلَاثَة مأجورة: مَال من عدا طوره وطور أَهله، وَتجَاوز فِي الملابس والزينة، وفضول الْمَدِينَة، يروم معارضتك بِحمْلِهِ، وَمن بَاطِن أعداك وَأمن اعتداك، وَمن أَسَاءَ جوَار رعيتك بإخساره، وبذل الإذاية فيهم بِيَمِينِهِ ويساره. وأضر مَا منيت بِهِ التعادي بَين عبدانك، أوفي بلد من بلدانك فسد فِيهِ الْبَاب، وآسأل عَن الْأَسْبَاب، وانقلهم بوساطة أولي الْأَلْبَاب، إِلَى حَالَة الأحباب، وَلَا تطوق الْأَعْلَام أطواق الْمنون، بهواجس الظنون فَهُوَ أَمر لَا يقف عِنْد حد، وَلَا يَنْتَهِي إِلَى عد، وَاجعَل ولدك فِي احتراسك، [وَصدق مراسك] ، حَتَّى لَا يطْمع فِي افتراسك. ثمَّ لما رأى اللَّيْل قد كَاد ينتصف، وعموده يُرِيد أَن ينقصف، ومجال الْوَصَايَا أَكثر مِمَّا يصف، قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، بَحر السياسة زاخر، وَعمر التَّمَتُّع بناديك الْعَزِيز مستأخر، فَإِن أَذِنت فِي فن من فنون الْأنس يجذب بالمقاد، إِلَى رَاحَة الرقاد، وَيعتق النَّفس بقدرة ذِي الْجلَال، من ملكة الكلال، فَقَالَ، أما وَالله قد استحسنا مَا سردت، فشأنك وَمَا أردْت. فاستدعى عودا فأصلحه حَتَّى أَحْمَده، وَأبْعد فِي اخْتِيَاره أمده. ثمَّ حرك فَمه، وَأطَال الْحسن ثمه، ثمَّ تغنى بِصَوْت يَسْتَدْعِي الْإِنْصَات، ويصدع الْحَصَاة، ويستفز الْحَلِيم عَن وقاره، ويستوقف الطير، ورزق بنيه فِي منقاره، وَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 (صَاح مَا أعطر الْقبُول بنمه ... أتراها أَطَالَت البث ثمه) (هِيَ دَار الْهوى منى النَّفس فِيهَا ... أَبَد الدَّهْر والأماني جمه) (إِن يكن مَا تأرج الجو مِنْهَا ... واستفاد الشذا وَإِلَّا فممه) (من بطرفي بنظرة ولأنفي ... فِي رباها وَفِي ثراها بشمه) (ذكر الْعَهْد فانتفضت كَأَنِّي ... طرقتني من الملائك لمه) (وَطن قد نضيت فِيهِ شبَابًا ... لم تدنس مِنْهُ البرود مذمه) (بنت عَنهُ وَالنَّفس من أجل من ... خلفته فِي جَلَاله مغتمه) (كَانَ حلما فويح من أمل ... الدَّهْر وأعماه جَهله وأصمه) (تَأمل الْعَيْش بعد أَن أخلق ... الْجِسْم وبنيانه عسير المرمه) (وغدت وفرة الشبيبة بالشيب ... على رغم أنفها معتمه) (فَلَقَد فَازَ مَالك جعل الله ... إِلَى الله قَصده ومأمه) (من يبت من غرور دنيا بهم ... يلْدغ الْقلب أَكثر الله همه) ثمَّ أحَال اللّحن إِلَى لون التنويم، فَأخذ كل فِي النعاس والتهويم، وَأطَال الجس فِي الثقيل، عاكفا عكوف الضاحي فِي المقيل، [فخاط عُيُون الْقَوْم بخيوط النّوم، وَعمر بهم المراقد، كَأَنَّمَا أدَار عَلَيْهِم الفراقد] ثمَّ انْصَرف، فَمَا علم بِهِ أحد وَلَا عرف. وَلما أَفَاق الرشيد جد فِي طلبه، فَلم يعلم بمنقلبه، فأسف للفراق، وَأمر بتخليد حكمه فِي بطُون الأوراق، فَهِيَ إِلَى الْيَوْم تروى وتنقل، وتجلى الْقُلُوب بهَا وتصقل. وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 وَمن ذَلِك كتاب الْإِشَارَة إِلَى أدب الوزارة فِي السياسة أما بعد حمد الله الَّذِي جلّ ملكه أَن يوازره الْوَزير، وَعز أمره أَن يدبره المدير، أَو يُؤَيّدهُ الظهير، والاستعانة بِهِ على الوظايف الَّتِي يضْطَر إِلَيْهَا، ويعتمد عَلَيْهَا فَهُوَ الْوَلِيّ النصير. وَالصَّلَاة على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد، الَّذِي لَهُ الْقدر الرفيع وَالْفَخْر الْكَبِير. وَالرِّضَا عَن آله وعشيرته، فحبذا الْآل والعشير. فان من دَعَا إِلَى الله أَيهَا الْوَزير الصَّالح السعيد بعصمة يضفي عَلَيْك لباسها، وَعزة يصدق عَلَيْك قياسها، وَأَيَّام تروض لديك شامها، وَيدْفَع بيمن نقيبتك بأسها، فَإِنَّمَا دَعَا للدولة بتأييدها، وللملة بتمهيدها، وللمملكة بتجديدها، فقد ظهر من عنايته بك اختيارك، وَمن حسن أَثَره فِي نصرك وإيثارك، وَهُوَ الْكَفِيل لَك بالمزيد من آلائه، وموصول نعمائه، وَأَنِّي لما رَأَيْت برك دينا يجب عَليّ قَضَاؤُهُ، وَلَا يجمل بِي إلقاؤه، تخيرت لَك فِي الْهَدَايَا، مَا يمْلَأ الْيَد، ويصاحب الأمد، وينجب الْعقب وَالْولد، فَلم أجد أجدى من حَدِيث الْحِكْمَة الَّتِي من أوتيها، قدف أُوتِيَ خيرا كثيرا، وَمن أمل لرتبتها السامية، فقد أحل محلا كَبِيرا. والوصاة الَّتِي تنفعك، من حَيْثُ كنت وزيرا، وَالْمَوْعِظَة الَّتِي تفيدك تبنيها من الْغَفْلَة وتذكيرا، فاخترعت لَك وضعا غَرِيبا، وغرضا قَرِيبا، أَن لقِيت مَا جمح من أخلاقك، قَوْلك وألانه، وأنهج لَك الصَّوَاب وأبانه، جانحا إِلَى الِاخْتِصَار، عادلا إِلَى الْإِكْثَار، مَنْسُوبا إِلَى بعض الْحَيَوَان، على عَادَة الأول مِمَّن صنف فِي السياسة قبلي، أَو ذهب لما ذهبت إِلَيْهِ من فعلي [فَقلت وَبِاللَّهِ العون وَالْقُوَّة وَمِنْه يلْتَمس السَّعَادَة المرجوة] . حكى من يُكَلف برعي الْآدَاب السوايم، ويعنى باستنزال الحكم الحوايم، ويقيد الْمعَانِي الساردة على أَلْسِنَة البهايم، أَن نمرا يكنى أَبَا فَرْوَة، وَيعرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 بالمرقط، كَأَنَّهُ بالنجوم منقط، شثن الْكَفَّيْنِ، بعيد مَا بعد الْعَينَيْنِ، كَأَن ذؤابة ... . ذوابة كَوْكَب أوجد مِلَّة مركب، وَكَأن المجرة أورثته غديرها، والثريا نثرت عَلَيْهِ دنانيرها، عَظِيم الْوُثُوب والطفور، حَدِيد الناب والأطفور، جن نجد وغور، وكرة حور وكور، وجرم ثَوْر فِي مسلاح سنور، استوزره ملك الوحوش، وقلده تَدْبِير الْملك، وَعرض الجيوش، فَحل من ذَلِك الْأسد مَحل الرّوح من الْجَسَد، وَكَفاهُ مَا وَرَاء بَابه، ودافع الأعدا من جنابه، ووفر من جبايته، وأجرى رسوم عزه وإبايته، وأخلص الله عقيدة نصحه، وتبرأ من شين الْغِشّ وقبحه، حَتَّى عَمت الهيبة وخصت، وشرفته الْأَعْدَاء وغصت، وَعرفت الوحوش أقدارها، وألفت السياسة مدارها، وَأمنت السبل والمسالك، وَخَافَ الْمَمْلُوك سطوة الْمَالِك، وَحسنت الْأَخْبَار عَن سيرته، وَشهِدت بِالْعَدْلِ ألسن جيرته، لما أسن واستن، فَأنْكر من قوته مَا عرف، وقارب من مدى الْعُمر الطّرف، فَمَال مزاجه وانحرف، وكع عَن الملاذ وَانْصَرف، فَأصْبح مَتنه هزيلا، وجسمه ضئيلا [ونشاطه قَلِيلا، وَرَأى عبء الوزارة ثقيلا] إِن الْحق أقوم قيلا، دخل على الْأسد خلْوَة مشورته، وَصرح لَهُ عَن ضَرُورَته، وَأقَام لَهُ الْحق فِي صورته، وَقَالَ أَيهَا الْملك السعيد، عِشْت مَا بدا لَك، وحفظت ميزَان الطبايع عَلَيْك اعتدالك، ولازلت مرهوب السطا، بِعَين الخطا، فَإِنَّمَا فِي مهاد الدعة أَمن القطا، وَهن من عَبدك الْعظم، وَضعف الافتراس وساء الهضم، وَكَاد ينثر النّظم، وَبَان فِي آلَة خدمتك، الكلال، وَاسْتولى الْهم والاضمحلال وأربأ لملكك عَن تَقْصِير يجنيه ضعْفي، وَإِن عظم لفراق سدتك لهفي، فسوغنى التفرغ لمعادي، وَالنَّظَر فِي بعد طريقي وَقلة زادي، واستكف من يقوم بهمتك، ويبوء بعبء خدمتك، فَمَا على استحثاث الْأَجَل من قَرَار، وَمَا بعد العشية من عوار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 (من عَاشَ أخلقت الْأَيَّام جدته ... وخانه نقشاه السّمع وَالْبَصَر) وَقد علم الله الَّذِي بِيَدِهِ النواصي، وَعلمه الْمُحِيط بالأداني والأقاصي، وستره قد شَمل الْمُطِيع والعاصي، أنني مَا خُنْت أَمَانَته بخون أمانتك، وَلَا آلَيْت جهدا فِي إغاثتك، وَلَا اقتحمت بِأَمْرك حدا من حُدُود ديانتك، وَلَا تَعَمّدت جلب ضرّ، وَلَا خلطت حُلْو النَّصِيحَة بمر، وَلَا استفسدت لَك قلب حر، وَلَا استأثرت لَك بِمَال، وَلَا كنت يَوْمًا لضدك بميال، وَلَا تلقيت مهمك بإهمال، وَلَا ضَاقَ لي عَن خلقك ذرع احْتِمَال، وَلَا أعملت فِي غير رضاك وطاعتك حَرَكَة يَمِين وَلَا شمال، فَقَالَ لَهُ الْأسد، أَيهَا الْوَزير الصَّالح حسن جزاؤك، كَمَا وضح للحق اعتزازك، وَلَحِقت بالعوالم الشَّرِيفَة مقوماتك المفضلة وأخلاقك. قلت صَوَابا واستوجبت منا وَمن المعبود ثَوابًا، وَلَو كَانَ شَيْء فِي وسع ملكنا جبره، لبذلنا لَك الْعَزِيز، وَهَان علينا أمره، لَكِن التَّحْلِيل على عَالم التَّرْكِيب محتوم، والمصير مَعْلُوم، والفراق وانى الألقاب والرسوم. (أسمع فقد أسمعك الصَّوْت ... إِن لم تبادر فَهُوَ الْمَوْت) (نل كلما شيت وعش نَاعِمًا ... آخر هَذَا كُله الْمَوْت) وَقد أمرنَا لولدك، ونقلنا الوزارة من يدك، ورجونا أَن لَا نعدم حسن مقصدك من ثِقَة نَفسك، وسليل جسدك. وَكَانَ النمر جرد [قد اسْتكْمل] ٍ الْوُقُوف، واتصف بالانقطاع على الْحِكْمَة والعكوف، مُخْتَار [الْأَمَانَة والفراسة] صَادِقَة فِيهِ أَحْكَام النجابة، ومخايل الفراسة، كلف بِالنّظرِ والدراسة، كريم الطَّبْع رحيب الذرع طيب الأَصْل، سامي الْفَرْع، لَا تورده المعضلات، وَلَا تواقف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 فطنته المشكلات، وَلَا تجاذبه الشَّهَوَات، وَلَا تطرق كَمَاله الهفوات، حَان على الرّعية، دَفعته لشروط السياسة المرعية، قد أفرغ فِي قوالب الْكَمَال جوهره، وتطابق مخبره ومظهره، وتفتق عَن كَمَال العفاف، وَحسن الْأَوْصَاف زهره، فَاتخذ الْملك صنيعا تفض لَهُ الْأَطْرَاف، واستقدم الْأَشْرَاف، واستدعى قومه للْجِهَاد، وَطَوَائِف النساك والزهاد، واحتفل الْوَلِيمَة، وأفاض النعم العميمة، واستحضر النمر، وَقد تحلى بحلية متماسك، وبذل فَرْوَة الْوَزير بِعُرْوَة الناسك، فأعلن فِي الْمُجْتَمع بِرِضَاهُ عَن سيرته، واعترف بنصح جيبه وَفضل سَرِيرَته وأعلن بتسويغ أوبته، وَقرب القربان بَين يَدي تَوْبَته، وحفت بِهِ أَرْبَاب الدّيانَة ونساكها، وقومة الشَّرِيعَة الَّذين فِي أَيْديهم ملاكها، فَرَفَعُوهُ على رُءُوسهم وأكتادهم حَذْو معتادهم، وجهروا حوله بصحفهم المحفوظة، وأدعيتهم الملفوظة ونسكهم المجدودة المحظوظة، حَتَّى أَتَوا بِهِ هيكل الْعِبَادَة، وَمحل أصل النّسك والزهادة، وخدمة الْكَوَاكِب السَّادة، والمتشوقين إِلَى السَّعَادَة، والمنسلخين عَن كدرات سوء الْعَادة، وقصده وَلَده، يستفتح بدعاته الْعَمَل، ويستدلى بوصاياه الأمل. فَلَمَّا فرغ النمر من اسْتِقْبَال محرابه، وَقد تجرد من العلائق تجرد السَّيْف من قرَابه، جِيءَ الْوَلَد لَدَيْهِ، ثمَّ سجد بَين يَدَيْهِ، وَقَالَ بعد مَا أطرق، وطرفه من الرقة اغرورق، أَيهَا الْمولى الَّذِي قرنت بِحَق الْبَارِي حُقُوقه، فَمَا فِي المنعمين من يفوقه، أوضحت لعِلَّة إيجادي مذهبا، وَكنت لنَفْسي الْجِزْيَة باتصال الْعقل الْكُلِّي سَببا، ثمَّ [تغلبت وكفيت] وَعند تقاصر الطباع وفيت، ثمَّ داويت من مرض الْجَهْل وشفيت وحملت على أفضل الْعَادة، وأظفرت الْيَد بِعُرْوَة السَّعَادَة. وَأَنا إِلَى وصاتك الْيَوْم فَقير، ورأيي فِي جنب رَأْيك حقير، ودعاؤك لي ولي ونصير، وللحظك فِي تصرفاتي القاصرة ناقد وبصير، فَأقبل عَلَيْهِ بِوَجْه بيضه الشيب والنسك، وأخلاق تضوع من أنفاسه الْمسك، وَتَبَسم تَبَسم الذَّهَب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 الإبريز خلصه السبك، وَقَالَ يَا وَلَدي الَّذِي رجوته لخلف شخصي، وتتميم نقصي، وَفضل الْحِكْمَة عَنى، وَستر الْجُزْء الأرضي مني، طالما ابتهلت إِلَى الله فِي سدادك، بعد تخير دُعَاء ولادك، واستدعيت حكماء الهياكل المقدسة لإرشادك، فَلَو اسْتغنى أحد عَن موعظة توقظ من نوم، أَو سداد رَأْي يعْصم من لوم، أَو استشعار مناصحة تجرثنا قوم، واستعراض تجربة تعلى من سوم، لَكُنْت بذلك خليقا، وَمن أسر الافتقار طليقا، لَكِن الْإِنْسَان لما نزيده ذُو فاقة، ومتصف بافتقار إِلَى غَيره وإضاقة، وَلَيْسَ لَهُ بالانفراد مَعَ كَونه مدنيا من طَاقَة، وَمَتى ظن بِنَفسِهِ غير ذَلِك فَهِيَ حَمَاقَة. وبحسب مَا يحاوله أَو يحاوره يكون افتقاره لمن يفاوضه أَو يشاوره. وَقد ندبت من الوزارة إِلَى منزلَة لَا تطمين بِمن نبذ طَاعَة الْحق وتقواه، وَرَضي عَن نَفسه وَاتبع هَوَاهُ، فان قهرت من الشهودة المردية عَدوك، وَبَلغت من مسكة الْهوى مرجوك، وألفت قرارك فِي ظلّ الْحِكْمَة وهدوك، تذلل لَك امتطاؤها وَتَهْنَأ لَك عطاؤها، وطاب فِيهَا خبرك، وَحسن عَلَيْهَا أثرك، وَالله يذرك، وَإِلَّا فلست بِأول من هوى، ورمد بعد مَا شوى، وَأَنا مُوصِيك وَالله يبعدك، من الخطل ويقصيك، وَيبين لَك قدر هَذِه الرُّتْبَة بَين الأقدار، ثمَّ جالت بعض شُرُوع الِاخْتِيَار ثمَّ خلص للوصاة بِحَسب الْإِمْكَان، فِي سِتَّة أَرْكَان، وأسل الْعَالم بفاقتي إِلَى سداد قَوْلك وفعلك، الْغنى عَن قدرتك وحولك، أَن يجمع لَك من مواهب توفيقه الَّتِي لَا تحصر بالعد وَلَا تنَال بالكد مَا يتكفل بِرِضَاهُ عَنْك، حَتَّى تحب مَا أحبه لَك، وَتكره ماكرهه مِنْك، وَأَن يخْتم مدتك المتناهية بِأَسْعَد مَا انْتَهَت إِلَيْهِ آمالك، وتطاول نَحوه سؤالك، فَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 بَاب بَيَان قدر رُتْبَة الوزارة فِي الأقدار وَبَعض شُرُوط الِاخْتِيَار اعْلَم يَا وَلَدي أَن هَذِه الرُّتْبَة لمن فهم وعقل، مُشْتَقَّة من الْوَزير، وَهُوَ الثّقل، لِأَنَّهَا تحمل من عبء الْملك وَثقله مَا تعجز الْجبَال عَن حمله، وَهِي الْآلَة الَّتِي بهَا يعْمل، وبحسب تباينها يتباين مِنْهَا الأنقص والأكمل، وَعَصَاهُ الَّتِي بهَا يهش، ويحتطب ويحش، ويلتقم ويمش، وَيجمع ويفش، ومخلبه الَّذِي بِهِ يزق الفرخ، ويحرس العش ومنجله الَّذِي يعرف بِهِ من يناصح وَمن يغش، ومرآته الَّتِي يرى بهَا محَاسِن وَجهه وعيوبه، وسَمعه الَّذِي يتَوَصَّل بحاسته لمعْرِفَة الْأَشْخَاص المحجوبة. وَإِذا فسد الْملك وَصلح الْوَزير، رُبمَا نَفَعت السياسة واستقام التَّدْبِير، وَصَلَاح الْأَمر بعكس هَذِه الْحَال مَحْسُوب من الْمحَال لِأَن الْوَاسِطَة الْقَرِيبَة، ونكتة السياسة الغريبة، وموقعه من الْملك موقع الْيَدَيْنِ من الْجَسَد، اللَّتَيْنِ فِي الْقَبْض والبسط عَلَيْهِمَا يعْتَمد وَقَالُوا الْملك طَبِيب والرعية مرضى، [والوزير تعرض عَلَيْهِ شكاياتهم عرضا] والنجاح مُرْتَبِط بسداد عقله، وَصِحَّة نَقله، فان اخْتَلَّ السفير بَطل التَّدْبِير. وَإِذا تقرر وجوب الْإِمَامَة ونصبها، وعقدها وعصبها، وَكَانَت ضرورتها إِلَى الوزارة هَذِه هِيَ، ومنزلتها هَذِه الصُّورَة، وَفِي الْوَاجِب شَرط، وَلَا يَسْتَقِيم لَهُ بغَيْرهَا ضبط، كَيفَ لَا يكون قدرهَا خطيرا، ومحلها أثيرا، وَقَول النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الَّذِي اصطفاه برسالته وبكلامه، واختصه بخصيصتي الْكَرَامَة مَعَ كَونه مَعْصُوما بعصمة ربه، غَنِيا بدفاعه، متأنسا بِقُرْبِهِ، وَاجعَل لي وزيرا من أَهلِي هَارُون أخي، اشْدُد بِهِ أزري، وأشركه فِي أَمْرِي، دَلِيل على محلهَا من سد الْقَوَاعِد، وإجراء العوايد، وَإِقَامَة الشواهد، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 واستدرار الفوايد، ومدافعة المكايد، إِلَى غير ذَلِك من الْآثَار المجلوة، والمحاسن المتلوة، والإشعار بِأَن المنصب منصب الْأُخوة. فصل: وَاعْلَم أَن الْأَوَّلين من حكماء يونان فِي سالف الزَّمَان، كَانُوا يعْرفُونَ وصل هَذِه ... ... ... ويجعلون تعظيمها من الشَّرَائِع وَالسّنَن، ويتحققون نجباءها فِي الْمَعَادِن الشَّرِيفَة، والبيوت العتيقة، والأحساب المنيفة، ويختبرون نصب الموالد فِي أَبنَاء أهل الترشيح، ويعنون فِيهَا بِالنّظرِ الصَّحِيح، فَمن قَامَت على صلوحه الشواهد، وَشهِدت بأهليته الموالد، عين فِي الأرزاق قسمه، وَأثبت عِنْد الثِّقَات اسْمه، ثمَّ يؤخذون بالتعليم والدراسة، ويتعاهدون بالآداب تعاهد الفراسة، ثمَّ يعرضون عِنْد الترعرع على أهل الفراسة، فَمَتَى تَأَكد القَوْل وَرجح، وَبَان فِي أحدهم الْفضل ووضح طرح ودرب ومرن وجرب، ثمَّ اسْتعْمل وَقرب. فصل: وَكَانَ الوزرا يختارون من الْجَوَارِي للمباضعة، من ظهر مِنْهَا فضل التَّمْيِيز، وأخلصها الِاخْتِيَار خلوص الذَّهَب الإبريز، وَلَا يغشوهن فِي سكر مسْقط، وَلَا فَرح مفرط، وَلَا كسل مقْعد، وَلَا حزب مُفسد، وَلَا غضب مبرق موعد. وَإِذا هم بِطَلَب الْوَلَد، استفتى الكاهن فِي اخْتِيَار الْوَقْت الرامق، فَلَا يُطلق لَهُ ذَلِك إِلَّا فِي الْأَوْقَات المختارة، وَالنّصب الخليقة بِتِلْكَ الإنارة، وَبعده إصْلَاح الْقَمَر وَالشَّمْس، وَالْكَوَاكِب الْخمس، واستحضار الهيئات النابهة، والأشكال المتنافسة المتشابهة، وتقريب القرابين بَين يَدي الْآلهَة، ثمَّ يلقى الْجَارِيَة، وَكِلَاهُمَا يَقُول قولا مَنْقُولًا عَن الصُّحُف الموصوفة، والكتب المقدسة الْمَعْرُوفَة، مَعْنَاهُ يَا من قصرت الْأَلْبَاب عَن كنهه، وعنت الْوُجُوه لوجهه، قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 اجْتَمَعنَا على مزج مواد لَا نَعْرِف مَا تحدثه مِنْهَا، وَلَا مَا تظهره عَنْهَا وتلقينا، وتلقينا توفيقك من سعينا بِمِقْدَار المجهود، وَأَنت ملاذ الْوُجُوه، ومفيض السُّجُود، وَلَيْسَ تضرعنا لَك بِالْمَسْأَلَة، وابتهالنا فِي رحمتك المستنزلة تَنْبِيها لأقدارك الْمُصِيبَة للسداد، الْجَارِيَة بمصالح الْعباد، إِنَّمَا هُوَ بِحَسب مَا نحرز بِهِ فضل الرَّغْبَة إِلَيْك، وَالسُّؤَال لما لديك، وَنحن بِحسن اختيارك أوفق منا بارائنا، وقضاؤك السَّابِق من وَرَائِنَا، فلك الْحَمد على قضائك، وَالشُّكْر على نعمائك فصل: وَكَانَ الْوَزير فيهم، يشْتَرط فِيهِ أَن يكون قديم النِّعْمَة، بعيد الهمة، مكين الرأفة وَالرَّحْمَة، كريم الْعَيْب، نقي الجيب، مُسَدّد السهْم، ثاقب الْفَهم، واثبا عِنْد الفرصة، واصفا للقصة، مريحا فِي الفصة، موفور الْأَمَانَة، أصيل الدّيانَة، قاهر للهوى، مستشعرا للتقوى، مشمرا عَن الساعد الْأَقْوَى، جليل الْقدر، رحيب الصَّدْر، مَشْهُور الْعِفَّة، معتدل الكفة، حذرا من النَّقْد، صَحِيح العقد، رَاعيا للهمل، نشطا للْعَمَل. واصلا للذمم، شاكرا للنعم، خَبِيرا بسر الْأُمَم، ذَا حنكة بالدخل والخرج، عفيف اللِّسَان والفرج، غير مغتاب وَلَا غيابة، وَلَا ملق وَلَا هيابة، مجتزئا بالبلاغ، مشتغلا عِنْد الْفَرَاغ، مؤثرا للصدق، صادعا بِالْحَقِّ، حَافِظًا للأسرار، مؤثرا للأبرار، مباينا بطبعه لخلق الأشرار، وَقد فاق قدر هَذِه الرُّتْبَة بَين الأقران، وَأعْطى وزانها، وَالْحَمْد لله، حَقه عِنْد الِاعْتِبَار. وَنحن نذْكر بعد أَرْكَان الوصاة، ونفرغ لذكر حكمهَا المحصاة، وخصولها المستقضاة. الرُّكْن الأول: وَهُوَ العقد الَّذِي عَلَيْهِ الْمعول، فِيمَا يستشعر الْوَزير بَينه وَبَين نَفسه، ويجعله هجيراه فِي يَوْمه وأمسه. وَاعْلَم أَن المملكة البشرية، الخليقة بالافتقار، الْحُرِّيَّة، لما كَانَ راعيها مركبا من أضداد مُتَغَايِرَة، وأركان متفاسدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 متضارة، ويجذبه كل مِنْهَا إِلَى طبعه أخذا برجاه، مدافعا بضبعه، لم يكمل حراسة مَا وكل إِلَيْهِ، وَلَا وفت بِضَم منتثرها آلَات حسه، فَاحْتَاجَ إِلَى وَزِير من جنسه، يَنُوب مهما غَابَ عَن شخصه، ويضطلع بتتميم نَقصه، ويتيقظ فِي سهره، ويجد عِنْد لهوه، فَيحْتَاج من اتّصف بِهَذِهِ الصّفة، إِلَى كَمَال فِي الْفضل، ورجاحة فِي الْمعرفَة، يعدل بهَا مَا عاصى الْملك من أُمُور ملكه ويوفي مَا عجز عَنهُ من نظم سلكه حَتَّى تبرز المملكة فِي أتم صورتهَا، وتبلغ الْكَمَال الْأَخير. بِمُقْتَضى ضرورتها، وتقوى الله عز وَجل أول مَا قَدمته، ثمَّ تذليل بَيْتك لمن خدمته، ومقابلة ثقته بك، بِالْوَفَاءِ الذى سددت إِن التزمته، وَحمل الْخَاصَّة والعامة على حكم الشَّرْع، فَإِن لم تبن على ذَلِك، هدمته، وَأفضل مَا وهب لَك فِيمَا قلدته من قلادة، وعودته من عَادَة وسيادة، شُمُول الْأَمْن، وَعُمُوم الرِّضَا. وَظُهُور الْأَمَانَة والصدق فِي كل غَرَض مُقْتَضى، وَحسن النِّيَّة، وطهارة الطوبة، ورعاية الْإِحْسَان، وإفاضة الرأفة فِي عَالم الْإِنْسَان، وَزِيَادَة الْكِفَايَة بِحَسب الْإِمْكَان، وَاعْلَم أَن من لَا يضْبط نَفسه، وَهِي وَاحِدَة [لَا يضْبط] أَمر الْكثير من النَّاس على تبَاين الْأَغْرَاض، وتعدد الْأَجْنَاس، فاربأ بِنَفْسِك عَمَّا تجره الشَّهَوَات من النَّقْص، وازجرها عَن كلف الْحِرْص، وألن يجانبك لمن ظهر كَمَاله، وَقصرت بِهِ عَنهُ حَاله، وَاعْلَم أَن بَقَاء النعم على كتدك مقصرون ببقائها من يدك، وجريان الْأُمُور على مذهبك، بِحَسب استقامتها بسببك، وَقل أَن يتهنأ فِي هَذَا الْعَالم عمل عَار من الْمَلَامَة أَو سَالم من التجاوز كل السَّلامَة فَلْيَكُن خطأك فِي الْإِحْسَان للْإنْسَان، لَا فِي الْإِسَاءَة بِالْفِعْلِ وَاللِّسَان، فقليل الْخَيْر رُبمَا تمازقت ثَمَرَته، وَأَتَتْ أكلهَا ضعفين شجرته. وَإِذا هَمَمْت بِزَوَال نعْمَة عَن جَان، فاذكر كم تنَال تِلْكَ النِّعْمَة من مَكَان، وفيهَا من لم يسْتَوْجب عقَابا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 وَلَا كشف فِي شَرّ نقابا، وَقد قَالُوا، الْأَشْرَاف تعاقب بالبجران، وَلَا تعاقب بالحرمان وَرُبمَا قَالَت ... ... . . حراركن إِلَيْهَا وَلم تعلم، ثمَّ تأوه لفقد معروفها وتألم، فَاجْعَلْ هَذِه الذرائع مشفعا فِي بَقَائِهَا ودواعي لإجرائها، يتكفل لَك بارئك بإحراز السَّلامَة، وَرفع الْمَلَامَة، والمثوبة فِي الْقِيَامَة. وَاسْتعْمل التَّوَاضُع فِي هبوب رِيحك [وتجاف عَن الخسة والنجمة بتعريضك وتصريحكٍ] فَرُبمَا خشن جَوَاب لَا يغسل طبعه وَلَا يُوجد من يرقعه، وَلَا يُزِيلهُ عِقَاب قابله وَلَا يرفعهُ، سِيمَا فِيمَن اسْتحق الْمَوْت أَو يتقن الْفَوْت، واصبر على ذَوي الْفَاقَة [وَأهل الْإِضَافَة] ولتسل الْإِضَافَة بِجهْد الطَّاقَة، وَإِيَّاك والضجر، فَإِنَّهُ يكدر الصفو، وَيذْهب الْعَفو، ويبقي الفلتة الشنيعة، وَيفْسد الصنيعة. وَقد ركل أَبُو عباد الْوَزير رجلا بِرجلِهِ، فَرفع إِلَى الْخَلِيفَة من أَجله: (قل للخليفة يَا ابْن عَم مُحَمَّد ... إشكل وزيرك أَنه ركال) (إشكله عَن ركل الرِّجَال وَإِن ... ترد مَالا فَعِنْدَ وزيرك الْأَمْوَال) وَتركهَا مثلا يذكر، وقلتة تنكر. فصل: وَإِذا بَاشر عيوبا فتبع عيوبه دون فصوله وأبوابه دون فصوله، وَلَا تشتغل بفروعه المتشعبة عَن أُصُوله، ثمَّ اصمد بعد إِلَيْهَا، واعطف عَلَيْهَا، وَلَا تعن بتفضيله عَن جملَته، فيضيع سائره قبل أَنَاة الْوَقْت ومهلته، وَلَا ترفض عملا عَن وَقت يسرده وينصه، فَإِن لكل وَقت عملا يَخُصُّهُ، وَأَقل مَا يلْحق من ازدحام الْأَعْمَال، تطرق الْفساد إِلَيْهَا، والاحتلال عِنْد الاستحثاث إِلَيْهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 والاستعجال وضيق المجال، وتهيب الْعَمَل مطيل الزَّمَان، منب عَن ضيق الْجنان، وَلَا تركن فِي الِاسْتِخْدَام إِلَى شَفَاعَة غير نفاعة، مَا لم تكن شَفَاعَة الْكِفَايَة وَالْأَمَانَة وَالرِّعَايَة، وَاعْلَم بِأَن من ظهر حسن صبره، على انتظام أمره، حسن صبره على شدائده فِي حوادث الدَّهْر ومكائده، فالصبر قدر مُشْتَرك فِيمَن أَخذ وَترك، وَالنَّفس لَا تنفك من معترك، وَاعْلَم أَن الرَّاحَة عِنْد الْحَاجة إِلَى الْحَرَكَة، تهدى التَّعَب الضَّرُورِيّ لمن أَخذه فِيهَا وَتَركه، وَلَا تغفلن شَيْئا تقلدته، بعد مَا حسبته من وظائفك وعددته، فيظن بك من الْخُرُوج عَن طبعك الَّذِي جبلت عَلَيْهِ، بِمِقْدَار مَا خرج إِلَيْهِ، وَلَا تحتجب عَن النَّاس، يفشو بغضك، ويضعف من السياسة فرصك، وتكتمك النَّصِيحَة سماؤك وأرضك، وَللَّه در القايل: (كم من فَتى تحمد أخلاقه ... وتسكن الْأَحْرَار فِي ذمَّته) (قد كثر الْحَاجِب أعداءه ... وسلط الذَّم على نعْمَته) وَلَا يعجبنك مَا يظنّ من مساويك، ولتكن معرفتك بِعَيْب نَفسك أوثق عنْدك من مدح أَبنَاء جنسك، وانقض عَن الْعَامَّة، وَمن يلابسها، وَامْتنع عَن التكبر بِمن يجانسها، فَفِي طباعها إهانة الملتبس بإشياعها، وتنقص من اتَّصل برعاعها. وَاعْلَم بِأَن إحسانك للْحرّ يحركه على المكافآت الْمُخْتَلفَة، وإحسانك إِلَى الوغد يحملهُ على معاودة الْمَسْأَلَة، وضع إحسانك وَلِسَانك حَيْثُ وضعهما الرَّأْي الصَّحِيح، وَالِاخْتِيَار الصَّرِيح. هَذِه أرشدك الله نقطة من يم، وقافة من جم، وحصاة من نثير، وَقَلِيل من كثير، والنبيل من قَاس الشَّيْء بنظيره، وَاسْتدلَّ على الْكثير بيسيره، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. الرُّكْن الثَّانِي: فِيمَا يستشعره الْوَزير مَعَ الْملك، ليأمن عَادِية الْأَمر المرتبك. وَإِذا خدمت ملكا زَاد رَأْيك على رَأْيه، وَفضل سعيك فِي التَّدْبِير حسن سَعْيه، فإره الِاسْتِعَانَة بِمد يدك، واقصر من إشراف جيدك، واظهر التَّعَجُّب مِمَّا فضل عَلَيْك بِهِ، وسر من الحزم على مذْهبه، وَلَا تتبجح بتجاوز مَا لأهل طبقتك، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وَإِذا أنفقت عِنْده الْكِفَايَة، فاقصد فِي نَفَقَتك، فَإِنَّهُ لَا يحسن مِنْهُ موقع قَوْلك أَو عَمَلك، وَيرى أَن تعزرك بِهِ أَكثر من تحملك، فيشرع فِي كسرك ويثيره إِلَى قسرك. وَإِذا تعَارض عنْدك الْعَجز فِي مروتك وديانتك وكفايتك وأمانتك، فبزه الْكِفَايَة عِنْده عَمَّا يُشِير، وَارْضَ بِالنَّقْصِ فِي الْمَرْوَة لَا فِي الدّين فَهُوَ عَلَيْهِ أسهل، وَفرق مَا بَين الْحَالين لَا يجمل، وَإِيَّاك أَن يأنس بك فِيهَا إخلالا، أَو يرى مِنْك فِيهَا إهمالا، وَاحْذَرْ الْإِضْرَار لَدَيْهِ بِالنَّاسِ فِي سَبِيل النَّصِيحَة، أَو التوفير عَلَيْهِ كَمَا توفر الْعَامَّة على أَنْفسهَا الشحيحة، وابتغ لَهُ قُلُوب الْخلق بمسامحتهم فِيمَا قصروا فِيهِ عَن يسير الْحق، فَإنَّك تسترخص لَهُ بذلك تملك الْأَحْرَار، وتحسين الْآثَار، واترك لشئونه الْخَاصَّة شئونك، وحرك من أَحْسَنت إِلَيْهِ على شكره دُونك، ليقف على أَن سعيك لَهُ أَكثر من سعيك لنَفسك، فِي يَوْمك وَأمْسك وَلَا حَظّ لَك فِيمَا لَا تمسك، وَإِيَّاك أَن تحيا بِمثل تحيته أَو تلقى بِمثل مَا يلقى بِهِ عِنْد رُؤْيَته، أَو ترفع بِالسَّلَامِ عَلَيْك الْأَصْوَات، أَو يسْبق النَّاس بابك قبل بَاب الْملك بالغدوات فكم جلب ذَلِك من الْآفَات، وَغير من الصِّفَات. وَإِذا دعَاك إِلَى لهوه أَو شرابه وخصك بمزيد اقترابه فَلْيَكُن الإعظام على الالتذاذ غَالِبا، والفكر للحذر مراقبا، وَاجعَل التَّحَرُّز مِنْهُ فِي أَوْقَات انبساطه إِلَيْك وَاجِبا، وَلَا تستهز من ذَلِك بِمَا لَيْسَ يبين، وَإِيَّاك أَن تنم بك اسرة وَجه، أَو نظرة عين، واجتنب لِبَاس ثَوْبه وركوب مركبه، واستخدام جَمِيع مَا يتزين بِهِ، فَمن خدم السُّلْطَان لنباهة الذّكر، ولباس الْعِزَّة، لم يضرّهُ تَقْصِير الرياش، وَلَا تعود البزة، وَمن صَحبه للذة والترف، كَانَ سريع المنصرف، مسلوب الشّرف [فصل] وَإِذا خصك بمشورته، وَطلب رَأْيك لضرورته، فَلَا تخاطبه مُخَاطبَة المرشد لمن استهداه، وأره حَاجَتك لما أبداه. وَإِذا اعْترف بخطإ يواقعه فِي بعض أنظاره، أَو أعلن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 يَوْمًا بِسوء اخْتِيَاره، فأجل فكرك فِي التمَاس عذره وتوجيه عاره، واحتل بفطنتك فِي رمه، وَاحْذَرْ أَن توافقه على ذمه، وذلل نيتك لكلامك. واصرف إِلَى ترك التجاوز جلّ اهتمامك، فَالْكَلَام إِذا طابق نِيَّة الْمُتَكَلّم حرك نِيَّة السَّامع، وَإِذا صدر عَن الْقلب، أَخذ من الْقلب بالمجامع. وَإِذا توجه إِلَيْك عَتبه لشُبْهَة فِي أَمرك عرضت أَو ظنة تعرضت، فَلَا تقبل رِضَاهُ عَنْك تمويها، مَا لم تقم حجتك فِيهَا، وَلَا تسام إِلَّا لَامة، وأره أَنَّك لَا تُؤثر الْحَيَاة دون بَرَاءَة الساحة حَتَّى ترْتَفع الظنة رَأْسا، وَلَا تخشى من تبعة الإحنة بَأْسا، وَيكون ذَلِك عِنْده شَاهدا بِفَضْلِك، وزايدا لَهُ فِي محلك، وَلنْ لَهُ إِذا غضب، وَاتَّقِ الكريهة دونه، إِن رهب، واصرف لحظك عَنهُ إِن أكل أَو شرب، وسد بَيْنك وَبَينه بَاب العتاب بالمشافهة أَو الْكتاب، وَلَا تخف من طَاعَة الْملك إِلَّا مَا وَافق من طَاعَة ربه، يضع الله تجلتك فِي ذَاته، وَاذْكُر قَول الْوَزير الْمُتَقَدّم، وَقد أمره الْملك الْمُسَلط بقتل رجل، وتلطف فَسبق لَهُ عَن ذَنبه بِمَا جر عَظِيم إِنْكَاره وقطيع عَتبه أَيهَا الْملك السعيد لَو كنت مالكي وَحدك، لأنفذت من غير مهلة أَمرك، وشرحت بالامتثال صدرك، وَلَكِنَّك تملك ظاهري وَحده، ولى من يملكهُ وَمَا بعده، وَإِذا انفذت عَهْدك، نكثت عَهده، وَإِذا خرجت من يدك، دخلت فِي يَده الَّتِي لَا تمنع، فَكيف أصنع وَله الْأَمر أجمع، وَأَنا لَك فِي طَاعَته من شِرَاك نعلك أطوع. فَبكى الْملك الْجَاهِل لصدق حجَّته وَحمل الرجلَيْن من لعفو على أوضح محجته. وَهَذَا الْقدر كَاف لأولي الْأَلْبَاب فِي هَذَا الْبَاب. الرُّكْن الثَّالِث: فِيمَا يحذرهُ من تقدم الْملك عَلَيْهِ فِي الْأَمر الَّذِي أسْند إِلَيْهِ، وَجعل زمامه فِي يَدَيْهِ. وَاعْلَم أَن من [الْعَار] بارتياضك، وسداد أغراضك أَن يتقدمك الْملك بِخلق هِيَ أولى بك، وادخل فِي حِسَابك، من الصَّبْر على الملاهي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 والانقياد للأوامر الدِّينِيَّة والنواهي، وهجر الدعة فِي الضّيق وَالسعَة، وَشدَّة الْيَقَظَة، وَالذكر الَّذِي يعْنى بِهِ الْحفظَة من ذكر إقطاع، أَو مِقْدَار ارْتِفَاع، أواسم مرتزق، أَو حصر عمل مفترق، أَو التفكير فِي مصلحَة المملكة، فَإِنَّهُ إِن رَاض ذَلِك دُونك وعلكه، ونهجه مُنْفَردا وسلكه، وتميز فِيهِ بالملكة. وسامحك فِي التَّقْصِير والباع الْقصير، وسره سبقه إياك، وتقدمه عَلَيْك فِيمَا ولاك، فَهُوَ مِمَّا يحط لَدَيْهِ أَمرك، ويوهن قدرك، وَإِن كَانَ غَرَّك وَيرى أَنه لَا موازرك فِيمَا نابه، وَلَا كَافِي فِيمَا عرا بَابه، وأمل منايه، واجتهد أَن يراك شَدِيد الْحِرْص، آنِفا من النَّقْص، وَلَا يحس مِنْك فِي وظيفتك بتقصير، وَلَا يشْعر مِنْك فِيهِ بِرَأْي قصير. فصل: وَاحْذَرْ أَن تسول لَك قدرَة الْإِمْكَان ودالة السُّلْطَان، الزِّيَادَة فِي الاستكثار من الضّيَاع وَالْعَقار، والجواهر النفيسة والأحجار، وَغير ذَلِك من الاحتجان والاحتكار، وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ جلالة الْمحل ونباهة الْمِقْدَار، فيتقسم فكرك وشغلك، ويضيع سعيك وفضلك، ويحصيه عَلَيْك من يضمر لَك الافتراس، وَلَا يمكنك من كَيده الاحتراس، مِمَّن حروم حَظه، أَو وكس مَعْنَاهُ أَو لَفظه، ومتطلع إِلَى أوفى من وزانه، متسام إِلَى مَا وَرَاء إِمْكَانه، أقصرت بِهِ السياسة عَن شانه، فأضرم الْحَسَد ناره، وأذكى إوراه، وَأعظم صغيرك وأثاره، ويتشوف إِلَى مناهضتك من كَانَ عَنْهَا مقصرا، ويجهر من كَانَ مستترا، ويستدعي الارتياب مَا جلبه الْحَظ إِلَيْك، والاستظهار بِهِ عَلَيْك، وطمع الْحَاسِد فِيمَا لديك، واحرز مَعَ الْملك السلغة الَّتِي تقيك، وتوسدك مهاد الفضلة وتنميك، وترفع كلك، وتشمل أهلك، حَتَّى يعلم أَنَّك بِقَلِيل مَا يجريه لَك الْعدْل لَدَيْهِ، أغْنى مِنْهُ بالكثير فِي يَدَيْهِ، واجتنب الانهماك فِي الاستكثار من الْوَلَد والحشم أولى الْعدَد، والأذيال الَّتِي ثبتَتْ فِي أقطار الْبَلَد، فَإِن الْحَاسِد يراهم بذخا ونعمه، وَإِنَّمَا هم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 مؤونة ونقمة، وداعية إِلَى اسْتِهْلَاك عتاد أَو تَدْبِير مُسْتَفَاد، وإثارة حساد لَهُم، ورد جاهك، وَعَلَيْك صَدره وَلَهُم نفع كدحك، وَعَلَيْك ضَرَره. والاقتصاد فِي أَمرك أدوم لسلامتك وَأَرْفَع لملامتك، واغض لطرف حاسدك، واصدق لفوائدك، وأروح لقلبك وأخلص فِيمَا بَيْنك وَبَين رَبك، وَفِيمَا عثرت عَلَيْهِ التجارب، ووضحت مِنْهُ الْمذَاهب، أَن المتقلل من الوزراء، طَوِيل عمره، ناجح أمره، مظفر بأعدائه وأضداده، قريب من الْحَال المرضية فِي معاده. ولتكن همتك مصروفة إِلَى اسْتِبْرَاء حَال المملكة واعتبارها، وَتَأمل أفكارها، وَمَا عَلَيْهِ كل جُزْء من أجزاءها، من سداد ثغورها ودفاع أعدائها، ونقصان ارتفاعها، واختلال أوضاعها، أَو تَدْبِير مصلحَة يبْقى لَك ذكرهَا وخبرها، وَيحسن بك أَثَرهَا. وخف مصَارِع الدَّالَّة، فَهِيَ أدوأ دائك، وأكبر أعدائك. وَاعْلَم أَن الاقتصاد مَعَ إِمْكَان التَّوسعَة، والتنزل مَعَ الرُّتْبَة المرتفعة، يُنبئ عَن قُوَّة رَأْيك، وَصِحَّة عزمك، واستقامة سعيك وَالرَّغْبَة فِي الترف، والميل إِلَى الشّرف، دَالَّة على غَلَبَة الْهوى على الشّرف، وَأجل مَا جملت بِهِ زَمَانك، وَرفعت شَأْنك، خدمَة الشَّرِيعَة، وإحياء رسومها، وقمع الْبدع، وَإِزَالَة شومها، يذع لَك الْحَمد ويتخلد لَك الْمجد. وتول ذَلِك مَتى أمكنك بِنَفْسِك، وَلَا تكله إِلَى غَيْرك من أَبنَاء جنسك، حَتَّى إِذا وفقت بِهِ على غميرة يجب تغييرها، وَيتَعَيَّن نكيرها فارفع إِلَى الْملك عينهَا، وقبح عِنْده شينها، ثمَّ حل بَينه وَبَينهَا، وَأظْهر للنَّاس أَن قلقه بهَا أهمك، أَكثر من قلقك، وخلقه لإنكارها مُتَقَدّمَة لخلقك، تهدي إِلَيْهِ بذلك مَا يزِيد فِي مكانتك ويغبط بأمانتك، وَيشْهد بمؤازرتك وإعانتك وحسبنا، الله وَنعم الْوَكِيل. الرُّكْن الرَّابِع: فِي تصنيف أَخْلَاق الْمُلُوك، للسير بمقتضاها والسلوك. وَاعْلَم أَن للملوك أَخْلَاقًا، يفْطن الملاطف من خدامها إِلَى اسْتِعْمَالهَا، فيجعلها أسا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 للسياسة وأحكامها، وَهِي أَن الْملك لَا يَخْلُو أَن يكون سخيا وباذلا، أَو ممسكا باخلا، وقويا على تَدْبيره أَو ضَعِيفا، يلقى المقادة إِلَى وزيره أَو سيا ظَنّه أَو من الاسترسال فِيهِ أَو حسن الْبشر عِنْد الافتراض، أَو منقبضا عَن الْأَعْرَاض. وَإِذا تركبت هَذِه الْخلال تركيبا طبيعيا، وترتبت ترتيبا وضعيا، وتقابل امتزاجها، بلغ إِلَى سِتَّة عشر ازدواجها، وَتَأْتِي للحكيم من الوزراء علاجها، وَرُبمَا انحرفت هَذِه الْخلق أَو توسطت، وَرُبمَا أفرطت، وعَلى هَذَا التَّرْتِيب ارتبطت، وَإِن كَانَ سخيا آثر درور الشُّكْر على توفير قوافل المَال، وكاف يحسن الذّكر فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَإِن كَانَ بَخِيلًا، فبضد هَذِه الْحَال، وَإِن غلبت عَلَيْهِ قُوَّة التَّدْبِير، استدعاك إِلَى الْمُشَاركَة فِي سعيك، وأحرز بذلك عَلَيْك الْحجَّة فِي رعيك وَإِن غلب عَلَيْهِ الضعْف ركن إِلَى تدبيرك، وفوض إِلَيْك الْأَمر فِي قليلك وكثيرك، وخلاك ومالا يحمد من عواقب أمورك، وَإِن كَانَ حسن الظَّن تمكنت من إحكام تدبيرك لدولته، وَبَلغت مِنْهَا أقاصي مصْلحَته، وَإِن كَانَ سيء الظَّن، شغلك عَن الْإِخْلَاص بكلف الْخَلَاص، وبإحراز الْحجَّة عَلَيْهِ عَن التفرغ الْكثير مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وَإِن كَانَ الْبشر عَلَيْهِ غَالِبا، كَانَ لنشاطك جالبا، فَاجْعَلْ هَذِه الْأَخْلَاق أصولا ورعيك لَهَا موصلوا، وَصَاحبه على خلقه وعقله، وانقل مِنْهَا بالتلطف مَا قدرت على نَقله، واعط صُورَة من تخدمة مَا ينافس تأليفها، وَيرْفَع تكليفها، وانفق مَا ينْفق عِنْدهَا وجار أخلاقه، واجتنب ضدها، يحسن أثرك، ويعظم شَأْنك، وَينفذ لَك سلطانك. الرُّكْن الْخَامِس: فِي سيرته مَعَ من يتطلع لهضبته، ويحسده على رتبته، وَاعْلَم أَنه لَا يَخْلُو من حل محلك من علو الْقدر، وَعزة الْأَمر، عَن قرين يعانده، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 لَا حَاسِد يكايده، أَو متطلع يمت إِلَى الْملك بقربى، أَو يمحل إثافه فِي اللطافة وأربى يتَوَهَّم أَن وسيلته تبلغه مَا يَتَطَاوَل إِلَيْهِ من منزلتك، وتلبسه لِبَاس تحلتك، أَو ذِي همة جامحة ولأعنان الشّرف طامحة، يرى أَن خطه منحوسا، وَأَن مثله لَا يكون مرءوسا، وَآخر ذَاك فِيهَا مفترا فِيمَا أثرت فِيهِ رضى من حكم يفضلك وَحسن الإبقا فِي المملكة يعدلك، وَاحْتمل المدافعة حسن موقعك، وجلالة محلك، فَظن تراخيك لإخلال فِي التَّدْبِير، وإساءة فِي التَّقْدِير، وَكلهمْ ينظر إِلَى الْملك من أَصْغَر جوانبه، وَيخْفى عَنهُ أَكثر مِمَّا يظْهر مذاهبه، ولطف الْمحل، والتقدم فِي الْعلم وَالْفضل، وان كَانَ يُغير من حل محلك، وناهض فضلك، لَيْسَ من الِاضْطِرَار أَن يكون لمنزلته أسبابا، وَلَا لطلبه أبوابا، وَالْحق أَن تجاهده الْجَمَاعَة، وتقمع مِنْهَا الطماعة بِالزِّيَادَةِ فِي فضائلك الذاتية، [والتحرز من مُلَابسَة الدنية] والمناصحة لمن خصك بالمزية وَلَا تكشف فِي المجادة وَجها، وَلَا تبد فيهم غيبَة وَلَا نجها، واكسر سُورَة حسدهم بإحسانك، وسوغهم الْمَعْرُوف من وَجهك وَلِسَانك واصطنع أضدادهم مِمَّن ضلع عَلَيْهِم وَمثل لديهم، تحرس مِنْهُم غيبك، وتدافع عيبك، وتجلو ريبك من غير أَن يحس مِنْك لهَذَا الْغَرَض بفاقة، وَلَا يشْعر بِإِضَافَة، فَإنَّك تنشر معايبهم المطوية، وترميهم من أشكالهم بالبلية، ثمَّ تتلقى بعد ذَلِك فوارطهم بِحسن الْإِقَالَة وتتغمد سقطاتهم بالجلالة، وتكر بكرم الْعَفو على سوآتهم السوالف، وتخليهم وَمَا بقلوبهم من الحسايف فَإِن تسلط الْجَاهِل [على نَفسه] قصر عَنهُ من عدل أَو أَخطَأ نيله من فضل، أعز على حرمانه من ظفر أعدائه، وَلَا تركن إِلَى من وترته، وَلَا إِلَى من حركت حسده وأثرته، وَخذ حاشيتك يتْرك التعالي، والتضامن لِذَوي الشّرف العالي والإقصار من المطامع وإدالتك فِي المسامع، ولتتخط الْعدْل فِي النَّاس إِلَى الْفضل، والبشر إِلَى الْبَذْل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 وَالْقَوْل الصَّالح إِلَى الْفِعْل، واختر من تصطنعه لخدمتك، وتنصبه مظْهرا لنعمتك بِنِسْبَة مَا شَرط فِي الِاخْتِيَار فِي رتبتك، فَإِن إِحْسَان الصنيعة يرد عَنْك، سوء القالة، وقبح الإدالة، ويصون عرضك من الإذالة الرُّكْن السَّادِس: فِيمَا تساس بِهِ الْخَاصَّة والبطانة، وذوو الدَّالَّة والمكانة، وَاعْلَم أَن من الْخَاصَّة مربض لشدائد الدولة ومهماتها، ومتسم من ألقاب الْغِنَا بأكرم سماتها، فَهُوَ يرى لنَفسِهِ الْيَد وَالْيَوْم والغد، وَآخر مُتَعَلق بِقرَابَة من الْملك وَحرمه، أَو وَكيد ميل وَذمَّة، ولبست حظوظهم من الْملك على حسب قُوَّة أسبابهم، وَوزن مَا فِي حسابهم فَإِن أَطَعْت فهم الْملك، ظلمت المملكة، حَقّهَا، وَإِن عدلت خَالَفت مُوَافقَة الْملك، وباينت طرقها، وَالصَّوَاب التَّمَسُّك بالترتيب على الْإِطْلَاق، وَوضع النَّاس من المملكة مَوضِع الِاسْتِحْقَاق، وَاسْتِعْمَال إرضاء الْملك فِي تَفْصِيل من أَثَره بِحسن الْعَطِيَّة، وباين بَين أَصْنَاف الشفوف، وأنواع المزية، وَاعْلَم أَن ميل الْأَعْلَام إِلَى رفْعَة الْمنزلَة. أعظم مِنْهَا إِلَى الصِّلَة، وراع أَمر الْجَمَاعَة فتمم مَا وَقع بالمستحق من التَّقْصِير، بكرم المواعيد وإلغاء المعاذير، وَأصْلح قُلُوبهم للْملك بِكُل مَا يتكفل بجبر الكسير، واجذبها إِلَى طَاعَته بِحسن أوصافك، وَصِحَّة رَأْيك فِي الْقَلِيل وَالْكثير، وانحله فضايلك من غير شوب بَاطِن وَلَا تكدير، تصف لَك سريرة صَدره، ويأتمنك على جَمِيع أمره، وَاحْذَرْ انصباب الْقَوْم عَلَيْك، وإخلالها بمراكزها من دَاره، وانصرافها إِلَيْك، والتحامها بك وتمسكها [دون الْملك] بأسبابك، اعْتِمَادًا على نصْرَة جنابك، وقيامك بأمرها وَحسن منابك، وخف وَضعهَا إياك من قلوبها وعيونها، وكافة شئونها لَا يُؤثر الْملك رِضَاهُ وَلَا يحمد مُقْتَضَاهُ، فَرُبمَا زرع لَك فِي قلبه سوء الطوية، وَأثبت لَك الحقد وخبث النِّيَّة، وخبأ لَك وَأَنت لَا تعلم أعظم البلية، ولتمكن النُّفُوس أَن رضاك بِرِضَاهُ مَعْقُود، وَأَنَّك لَا تعْمل إِلَّا مَا رَآهُ، وَلَا تُؤثر إِلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 مَا ارْتَضَاهُ، وَأَن لَك مِنْهُ منزلَة محمودة، ودرجة معقودة، من زادك عَلَيْهَا ظلمك، وجلب ألمك، وَأَن فِي قبولك لَهَا وإيثارك، مَا يزري على فضل اختبارك، وعامل الْملك فِي وَلَده بِحِفْظ الْغَيْب، والسلامة من الريب، واحفظ لَهُ الرَّسْم واستبقه. وَاجعَل حَقهم دون حَقه. وَإِذا دَعَوْت لَهُم فاشرط السَّعَادَة بخدمته وطاعته. وَاجعَل رِضَاهُ من الْوَلَد رَأس بضاعته، وَاحْذَرْ من إهمال هَذَا الْعرض وإضاعته، وَإِيَّاك أَن تفضل ولدك وَلَده، وَلَا عدتك عدده، وَلَا تناقشه فِي شَيْء قَصده، وَلَا تظهر حاشيتك على حَاشِيَته، وَلَا تتشبه غاشيتك بغاشيته، وَلَا تنازعه تجلته، وَلَا تَفْخَر مَنْزِلَته، وَلَا تحل مَحَله من جَيْشه، وَلَا تغر عَلَيْهِ فِي نباهة بناية، وَفضل عيشه، وتفقد نَفسك، فَانْزِل عَن الرقى اخْتِيَارا قبل أَن ينزلك اضطرارا. فصل: وَإِذا انصرفت إِلَيْك من إِحْدَى حرمه، رَغْبَة، أَو تأكدت فِي مُهِمّ قربه، أَو بدرت إِلَيْك شَفَاعَة أَو تَوَجَّهت فِي حَاجَة طَاعَة، فَلَا تسمع رسالتها، وَلَا تعْتَبر مقالتها، إِلَّا من لِسَان إِنْسَان مَوْصُوف عِنْد الْملك بِإِحْسَان، حَال من يقنه بمَكَان، وَاحْترز فِي محاورتها من فلتات اللِّسَان وهفواته، وراجع خطابها مُرَاجعَة الْأَخ إِلَى أكْرم إخواته، أَو الإبن الأبر أمهاته. وَلَا تصغ فِي مخاطبتها إِلَى خضوع كَلَام ورقة، تَحِيَّة وَسَلام، وانفر من ذَلِك نفرتك من السمُوم الوحية والمهالك الردية، واسدل دون الْوَلَد وَالْحرم جنَاح التقية، واكتم سره عَن أَبنَاء جنسك لَا بل عَن نَفسك وَاجعَل قَلْبك لَهُ قبرا، وأوسعه صِيَانة وصبرا فَإِن تزاحم عَلَيْك تزاحما تخَاف عَلَيْهِ معرة النسْيَان وإغفال ذكرهَا على الأحيان، فَاتخذ لَهَا رمزا يفردك بعلمها، وَلَا تبح لسواك شَيْئا من حكمهَا، وَلَا تغفل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 مَعَ الأحيان مَا جرى بِهِ رسمك من عرض كتاب وَارِد، أَو خبر وَافد، أَو بريد قَاصد واستأمره فِيمَا جرت بِهِ العوايد، وَإِن خصت لَدَيْهِ منزلتك، ولطفت مِنْهُ، محلتك، فَلَا تتْرك أَن يمر ذَلِك على سَمعه، معتنيا لرعيه، وأذقه حلاوة الاستبداد بأَمْره وَنَهْيه، واترك لَهُ منفذا [يحْتَج لَهُ بَابه] عِنْد مغيبك، كَمَا تحببه الْعدْل من نصيبك ولازم سدته مَعَ الأحيان، وَإِيَّاك أَن تَجْتَمِع مَعَه على فرَاغ، فَيبقى الْملك مضيعا بِمِقْدَار ذَلِك الزَّمَان، وَإِذا انصرفت إِلَى منزلتك، فاختل بعمالك وكتابك، وَذَوي الرَّأْي والنصيحة من أَصْحَابك، على إحكام حَال الْملك الَّذِي ناطها بك، فَإِذا أمسيت، فاشغل طايفة من ليلك بمدارسة شَيْء من حكم الدّين، وأخبار الْفُضَلَاء المهتدين، واجل صدا نَفسك بالبراهين، ومجالسة الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ، وَاخْتِمْ سعيك بِبَعْض صحف النَّبِيين، وأدعية الْمُرْسلين والمتألهين لتختم يَوْمك بِالطَّهَارَةِ والعفة، والحلم والرأفة واعتدال الكفة، وليهون عَلَيْك النصب والوصب، والعمر المغتصب، إِنَّك مهتد بِهَدي رَبك الَّذِي يرعاك وينجح مسعاك، ويثيبك على مَا إِلَيْهِ دعَاك. قَالَ فَلَمَّا استوفى النمر مقاله، وأحرز الشبل سُؤَاله، وَقرر حَاله، انْصَرف متجها إِلَى خدمته، وَصرف النمر إِلَى الْعِبَادَة وَجه همته، ثمَّ لحق بعد ذَلِك بجوار ربه وَرَحمته، وَقيد الحاكي مَا أفادته هَذِه المحاورة، لتلفى رسما يَقْتَضِي وحلما بِهِ يَهْتَدِي إِذا ذهب الْأَثر وَعَفا. وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي مفاخرة بَين مالقة وسلا مَا نَصه: سَأَلتنِي عرفك الله عوارف السعد الْمُقِيم، وحملني وَإِيَّاك على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، المفاضلة بَين مدينتي مالقة وسلا، صان الله من بهما من النسم، وحباهما من فَضله بأوفر الْقسم، بعد أَن رضيت بحكمي قَاضِيا، وبفضلي الخطة سَيْفا مَاضِيا، لاختصاصي بسكني البلدين، وتركي فيهمَا الْأَثر للعين على أَن التَّفْضِيل إِنَّمَا يَقع بَين مَا تشابه وتقارب، أَو تشاكل وتناسب وَإِلَّا فَمَتَى يَقع التَّفْضِيل بَين النَّاس والنسناس، وَالْملك والخناس، وقرد الْجبَال، وظبي الكناس مالقة، أرفع قدرا، وَأشهر ذكرا، وَأجل شَأْنًا [واعز مَكَانا] وَأكْرم نَاسا، وَأبْعد التماسا، من أَن تفاخر أَو تطاول، أَو تعَارض أَو تصاول، أَو تراجع أَو تعادل، وَلَكِنِّي سأنتهى إِلَى غرضك، وَأبين ربع مغترضك، وأباين جوهرك وعرضك، فبقول الْأُمُور الَّتِي تتفاضل بهَا الْبلدَانِ، وتتفاخر مِنْهَا بِهِ الإخوان، وتعرفه حَتَّى الولائد والولدان، هِيَ المنعة والصنعة والبقعة والشنعة، والمساكن والحضارة، والعمارة والإثارة والنضارة فإمَّا المنعة، فلمالقة حرسها الله فضل الِارْتفَاع، ومزية الِامْتِنَاع. أما مقبثها فاقتعدت الْجَبَل كرسيا، ورفعها الله مَكَانا عليا بعد، أَن ضوعفت أسوارها وأقوارها، وسما بسنام الْجَبَل الْمُبَارك منارها، وقرت أبراجها وصوعدت أدراجها، وحصنت أَبْوَابهَا، وَحسن جنابها، وَدَار ببلدها السُّور والجسور، وَالْخَنْدَق المحفور فقلهراتها مداين بذاتها، وأبوابها المغشاة بالصفايح شاهدة بمهارة بناتها، وهمم أمرائها وولاتها، كَأَنَّهَا لبست الصَّباح سربالا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 أَو غاصت فِي نهر الفلق بهاء وجمالا، أمنت من جِهَة الْبَحْر التقية، وأدار بهَا من جِهَة الْبر الحفير والسلوقية لَا تَجِد الْعين بهَا عَورَة تتقى، وَلَا ثلمًا مِنْهُ يرتقي، إِلَى الربضين، اللَّذين كل وَاحِد مِنْهُمَا مَدِينَة حافلة، وعقلية فِي حلى المحاسن رافلة، وسلا، كَمَا علمت، سور حقير وثور. إِلَى التنجيد والتشييد فَقير، إطام خاملة وللروم آملة، وقصبتها بِالْبَلَدِ مُتَّصِلَة [وَمن دَعْوَى الحصانة منتقلة] سورها مُفْرد، لَا سلوقية نقية، وبابها تقصد لَا سَاتِر تحميه وَالْمَاء بهَا مَعْدُوم وَلَيْسَ لَهُ جب مَعْلُوم، وَلَا بير بالعذوبة مَوْسُوم، وَفِي عهد قريب استباحتها الرّوم فِي الْيَوْم الشامس، وَلم ترد يَد لامس، من غير منجنيق نصب، وَلَا تَاج ملك عَلَيْهِ عصب، قلَّة سلَاح وَعدم فلاح، وخمول سور، واختلال أُمُور. وَقد سَقَطت دَعْوَى المنعة، فَلْتَرْجِعْ إِلَى قيم الصَّنْعَة فَنَقُول: [مالقة حرسها الله، طراز الديباج الْمَذْهَب، ومعدن صنايع الْجلد الْمُنْتَخب، وَمذهب الفخار المجلوب مِنْهَا إِلَى الأقطار، ومقصر الْمَتَاع المشدود، ومضرب الدست الْمَضْرُوب، وصنعا صنايع الثِّيَاب، ومحج التُّجَّار إِلَى الإياب لإفعام الْعباب، بِشَهَادَة الْحس، وَالْجِنّ وَالْإِنْس، وَلَا يُنكر طُلُوع الشَّمْس، وَأي صناعَة فِي سلا، يقْصد إِلَيْهَا ويعول عَلَيْهَا، أَو يطرف بهَا قطر بعيد أَو يتجمل بهَا فِي عيد، ومنذ سَقَطت مزية الصَّنْعَة، فلنرجع إِلَى مزية الْبقْعَة فَنَقُول، خص الله مالقة بِمَا افترق فِي سواهَا وَنشر بهَا المحاسن الَّتِي طواها، إِذْ جمعت بَين دمث الرمال، وخصب الْجبَال، وقارة الفلاحة الْمَخْصُوصَة بالاعتدال، وَالْبَحْر الْقَدِيم الصداع الميسرة مراسيه للحط والإقلاع، وَالصَّيْد العميم الِانْتِفَاع، جبالها لوز وتين، وسهلها قُصُور وبساتين، وبحرها حيتان مرتزقة فِي كل حِين ومزارعها المغلة عِنْد استبداد السنين وَكفى بفحص قافره صادع بالبرهان الْمُبين، وواديها الْكَبِير عذب فرات، وادواح مثحرات، وميدان ارتكاض بَين بَحر ورياض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 وسلا، بلد الرِّجَال، ومراعي الْجمال بطيحة لَا تنجب السنابل، وَإِن عرفت الْمَطَر الوابل جرد الْخَارِج، وبحرها مكفوف بالقتب والمدارج، وواديها ملح المذاق، مستمد من الأجاج الزلاق، قَاطع بالرفاق من الْآفَاق، إِلَى بعد الْإِنْفَاق، وتوقع الإغراق، وشابلها مَقْصُور على فصل، وَكم الشَّوْكَة من شانصل، عديمة الْفَاكِهَة والمتنزهات النابهة، وَإِذ بَان مصل النفعة فلنلم بِذكر الشنعة، وَهُوَ مِمَّا يحْتَمل فِيهِ النزاع، وَلَا تُعْطى الْأَبْصَار وتطمس الأسماع، إِذْ مالقه دَار ملك فِي الرّوم، ومثوى المصاعب والقروم، تشهد بذلك كتب الْفَتْح الْمَعْلُوم، وَذَات ملك فِي الْإِسْلَام عديد الجيوش، خافق الْأَعْلَام، غَنِي بالشهرة عَن الْإِعْلَام سكنها مُلُوك الأدارسة الْكِرَام، والصناهجة الْأَعْلَام، ثمَّ بَنو نصر، أنصار الْإِسْلَام، وجيشها الْيَوْم مَشْهُور الْإِقْدَام، مُتَعَدد المين على مر الْأَيَّام وتجارها تعقد لِوَاء خافقا، وتقيم للْجِهَاد سوقا نافقا، وتركض الْخُيُول السانحة، وتعامل الله على الصَّفْقَة الرابحة، وكفاها أَنَّهَا أم للعدة من الثغور والحصون والمدن ذَات الْحمى المصون، وشجرة الْفُرُوع الْكَثِيرَة والغصون، وَمَا مِنْهَا إِلَّا معقل سَام، وبلد بِالْخَيْلِ وَالرجل مترام وغيد حام يحتوي بهَا ملك اذخ، ونسيق فِيهَا للسُّلْطَان فَخر باذخ، واين سلامن هَذِه المزية، والشنعة الْعلية، أَيْن الْجنُود والبنود والحصون تزور مِنْهَا الْوُفُود، وَإِن كَانَ بعض الْمُلُوك اتخذها دَارا واستطانها من أجل الأندلس قرارا، فَلَقَد تمّ وَمَا، أتم وَطَلَبه تمّ، ولنقل فِي الحضارة بِمُقْتَضى الشواهد المختارة، وَلَا كالحلي وَالطّيب، وَالْحلَل الديباجية والجلاليب، والبساتين ذَات المرأى العجيب، والقصور المبتناة بسفوح الْجبَال، والجنات الوارفة الظلال والبرك الناطقة بالعذب الزلَال، والملابس المختالة فِي أفنان الْجمال، والأعراس الدَّالَّة على سَعَة الْأَحْوَال، والشروات الْمقدرَة بالآلاف من الْأَمْوَال وَأما سلا، فأحوال رقيقَة، وَثيَاب فِي غَالب الْأَمر خَلِيقَة، وذمم منحطة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 فقيرة، وقيسارية حقيرة، وزيت مجلوب، وحلى غير مَعْرُوف وَلَا مَنْسُوب، تملأ مَسْجِدهَا الْفَذ الْعدَد والأكسية، وتعدم فِيهَا أَو تقل الطيالس والأردية، وتندر البغال، وَتشهد بالسجية البربرية الْأَصْوَات واللغات والأقوال وَالْأَفْعَال، وَأما الْعِمَارَة فَأَيْنَ يذهب رايدها، وعلام يعول شَاهدهَا، وَمَا دَار عَلَيْهِ السُّور متراكم متراكب، منسحبة مبانيه كَمَا تفعل العناكب، فناديقه كَثِيرَة، ومساجده أثيرة، وأرباضه حافلة، وَفِي حلل الدوح رافلة، وسككه غاصة وأسواقه بالدكاكين متراصة، أقسم لربض من أرباضها، أعمر من مَدِينَة سلا، وَأبْعد عَن وجود الخلا، وأملي مهما ذكر الملا، بلد منخرق مُنْقَطع مفترق، ثلثه مَقْبرَة خَالِيَة وَثلثه خرب بالية، وَبَعضه أخصاص وأقفاص ومعاطن وقلاص، وأواري بقر تحلب، ومعاطن سايمة تجلب. وَأما الْإِمَارَة فمالقة الْقدح الْمُعَلَّى والتاج الْمحلى، وَهِي على كل حَال بِالْفَضْلِ أولى، حَيْثُ مناهل الْمُخْتَص، وَالْخَارِج الأفيح الفحص، وسلا لَا تَأْكُل إِلَّا من غزرة حالب، لَا من فلاحة كاسب ومالقة مجتزية بِنَفسِهَا فِي الْغَالِب، محتبسة من شرقها وغربها بِطَلَب الطَّالِب وَأما النضارة، فَمن ادّعى أَنه لَيْسَ فِي الأَرْض مَدِينَة أخطر مِنْهَا جنابا، وَلَا أغزر مِنْهَا غروسا وأعنابا، وَلَا أرج أزهارا، وَلَا أَضْوَأ أَنهَارًا، لم تكذب دَعْوَاهُ وَلَا أزرى بِهِ هَوَاهُ، انما هِيَ كلهَا روض، وجابية وحوض، بساتين قد رقمتها الْأَنْهَار وترنمت بهَا الأطيار. وسلا بلد عديم الظلال، أجرد التلال، إِذا ذهب زمن الرّبيع، وَالْخصب المريع، صَار هشيما، وأضحى مَاؤُهَا حميما، وانقلب الْفَصْل عذَابا أَلِيمًا. أما المساكن فحسبك مَا بمالقة من قُصُور بيض، وَملك طَوِيل عريض، جنَّة السَّيِّد، وَمَا أدريك بهَا من جنَّة دانية القطوف، سامية السقوف، ظَاهِرَة المزية والشفوف، إِلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 غَيرهَا مِمَّا يشذ عَن الْحصْر إِلَى هَذَا الْعَصْر، والجنات الَّتِي مَلَأت السهل والجبل، وتجاوزت الأمل، بِحَيْثُ لَا أَسد يمْنَع من الإضحار بالعشى والأسحار، وَلَا لص يسجن بِسَبَبِهِ فِي الديار. . وَأما سلا، وان كَانَ بهَا للْملك دور وقصور، وَلأَهل الْخدمَة بِنَا مَسْتُور، فَهُوَ قَلِيل، وَلَيْسَ لِلْجُمْهُورِ إِلَيْهِ سَبِيل. وَأما المساكن بمالقة بَين رَاض قيد الْحَيَاة، ومنتقل من جناتها إِلَى روضات الجنات، فأكبر بِهِ أَن يفاضل، أَو يُجَادِل فِيهِ أَو يناضل، وَلَا شَاهد، كالصلات الْبَاقِيَة المكتتبة والتواريخ المقررة الْمرتبَة، فاستشهد مغرب الْبَيَان وتاريخ ابْن حَيَّان، وتاريخ الزَّمَان، وَكتاب ابْن الفرضي وَابْن بشكوال وصلَة ابْن الزبير القَاضِي، وَمن اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الرِّجَال، وصلَة ابْن الْأَبَّار، وتاريخ ابْن عَسْكَر وَمَا فِيهِ من الْأَخْبَار، وبادر بالإماطة عَن وَجه الْإِحَاطَة، ترى الْأَعْلَام سامية، وأدواح الْفُضَلَاء نامية، وأفراد الرِّجَال، يضيق بهم رحب المجال، وسلا المسكينة لَا ترجو لعشرتها إِلَّا ابْن عشرتها، مُهْملَة الذّكر، والإشادة عاطلة من حلى تِلْكَ السِّيَادَة، وَإِن كَانَ بهَا أصل مجادة، وسالكي سَبِيل زِيَادَة، فكم بمالقة من ولي، وَذي مَكَان على، وَمن طنجالي وساحلي، وَهَذِه حجج لَا تدفع، ودلايل إنكارها لَا ينفع، فَمن شا فليوثر الْإِنْصَاف بالإنصاف، وَمن شا فليوثر الْخلاف وسجايا الأخلاف فَأَنا يعلم الله قد عدلت لما حكمت، وَدفعت لما ألمت، وَسكت عَن كثير، وجلب فضل أثير، إِذْ لم تخرج إِلَيْهِ ضَرُورَة الْفَخر، وَلَا دَاعِيَة الْقَهْر، وَلَو شيت لجليت من أَدِلَّة التَّفْضِيل، مَا لَا يدْفع فِي عقده، وَلَا سَبِيل نَقده، لَكِن الله أغْنى عَن ذَلِك، وَكفى بِهَذِهِ المسالك [بَيَانا للسالف] وفضلا بَين الْمَمْلُوك وَالْمَالِك، وَالله يَشْمَل الْجَمِيع بنعماه، ويتغمد الْحَيّ وَالْمَيِّت برحماه وَفضل الخطة أَن لمالقة المزية بجلالها وكمالها، وَحسن أشكالها [ووفور مَالهَا، وتهدل ظلالها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 وشهرة رجالها وطرق صنايعها وأعمالها، ولسلا الْفضل لَكِن] على أَمْثَالهَا ونظايرها من بِلَاد الْمغرب وأشكالها إِذْ لَا يُنكر فضل اعتدالها، وأمنها من الْفِتَن وأهوالها عِنْد زِلْزَالهَا، ومدفن الْمُلُوك الْكِرَام بجبالها، ومالقة قطر من الأقطار، ذَوَات الأقدار والأخطار، وَتَحْصِيل الأوطار، وسلا مصب الأمطار، ومرعى القطار، وبادية بِكُل اعْتِبَار، وَهنا تلقى عَصا التسيار، ونفض من عنان الْإِكْثَار وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 فَمن ذَلِك مَا صدر عني مِمَّا ثَبت فِي " كتاب التَّاج الْمحلي ومساجلة الْقدح المعلي " فِي وصف أبي جَعْفَر بن الزيات علم الْأَعْلَام، وخاتمة شُيُوخ الْإِسْلَام، تجرد لِلْعِبَادَةِ فِي ريعان شبابه، ولازم جناب الله وَأكْثر الْوُقُوف بِبَابِهِ، وَلم تزل الفتوحات القدسية، تعرض عَلَيْهِ أذواقها، والمحبة الربانية تطلع إِلَيْهِ أشواقها، وتدير لَدَيْهِ دهاقها، حَتَّى قلع لِبَاس البدنيات الدنيات، وَنزع نطاقها، وَبث أَسبَاب هَذِه الأكوان ذَوَات الألوان وأزمع فراقها، فَأصْبح فَردا تُشِير إِلَيْهِ الْأَبْصَار، وتنال ببركته الأوطار، وتجدي لرويته الأقطار، ودعى إِلَى السفارة فِي صَلَاح الْمُسلمين فَأجَاب، وسعى فِي إخماد الْفِتْنَة، فانجلى لَيْلهَا وانجاب، وأعمل فِي مرضاة الله لإقتاب، وخاض الْعباب، وَكَانَ ببلش بَلَده منتج رايد، ومعدن فرايد، وفجر الله ينابيع الْحِكْمَة على لِسَانه، وَجعل زِمَام الفصاحة طوع إحسانه، دون النّظم فِي شَتَّى الْفُنُون، وجلى أبكار المعارف، فوقد المطارف للعيون، وَكَانَ يقْعد بمسجدها الْجَامِع فيدرس ويحلق، وينعرب ويخلق، فَيَأْتِي من الْإِعْرَاب بالأغراب، وَيتَكَلَّم فِي التَّفْسِير بِغَيْر الْيَسِير، ويلمع من التَّعْلِيل لَا بِالْقَلِيلِ، وَيُشِير إِلَى فريقه برموز طَرِيقه، وَلما نَادَى بِهِ مُنَادِي فِرَاقه، وغيب الدَّهْر نور إشراقه، بَكت عَلَيْهِ هَذِه الربوع دَمًا، وَأصْبح وجودهَا عدما، وَقد أثبت من آدابه وشعره مَا يشْهد بسعة صَدره، وَيدل على قدره. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن القيجاطي أَخطب من صعد المنابر وارتقاها، وأفصح من هذب الْعبارَة وَأَلْقَاهَا، واستجادها وانتقاها، نجم ببادية الشرق، وتألق فِي أفقها تألق الْبَرْق، وَلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 تزل رتبته فِي ارْتِفَاع، وبدائعه نَار على بقاع حَتَّى استأثرت الحضرة بِهِ على مَا سواهَا، فأحرز فِيهَا الْغَايَة وحواها، وَنشر مطارف المعارف وَمَا طواها، فنفق للأدب سوقا، بسقت فروعها بسوقا، وقلد نحر الْعَصْر من عقوده درا منسوقا، ثمَّ تقدم خَطِيبًا بمسجدها الْجَامِع، فقرط بألفاظه الرائقة عاطلة المسامع، وأسال بمواعظه الْبَالِغَة دُرَر المدامع، وَهُوَ منجب الحلبة ومخرجها، وموقد الأذهان ومسرجها، خبا بوفاته للْعلم كوكبه الثاقب، ووريت بمواراته المفاخر والمناقب، وَله نظم تقطرت الْمجَالِس بجرياله وتعلقت المحاسن بأذياله، ونثر حسدت عُقُود الغانيات درره، وَغَارَتْ النُّجُوم الزهر لما اجتلت غرره، وَمن ذَلِك فِي وصف أبي إِسْحَق بن العَاصِي سَابق حلبة للْعلم وَالدّين، والمستولي على قصب السَّبق فِي تِلْكَ الميادين، أَتَت طريف مِنْهُ بطرفة رائقة، وَأغْرب مِنْهُ هَذَا الْمغرب بروض تحسد الرياض حدايقه، ورد على الحضرة، فَقَامَتْ لَهُ على رجل، وأفعمت لَهُ من المبرة كل سجل، فاتخذها دَارا، وملأ هالاتها أبدارا، وانتظم لأوّل حُلُوله فِي حلبة الْكتاب والعهد قشيب، وُفُود الْوَقْت لم يرعه للمقت مشيب، وَالرّبع آهل، وَالدَّار فِي الرفد ناهل، فتميز بخصائصه الْحسنى، وتأهل للمحل الْأَسْنَى، وَفد للجملة بعد فقد صدرها، وأفول بدرها، وحلول شمسها فِي رمسها، فخلف استاذها ابْن الزبير خير خلف، وأصمت لِسَان من أنْشد فِيهِ " إِنَّمَا الدُّنْيَا أَبُو دلف " وَصعد الْمِنْبَر، فَجلت الخطوب خطبه، وهز مِنْهُ الْجذع، فتساقطت رطبه، فأبكى الْعُيُون الجامدة، وأثار العزايم الخامدة، وَأخذ بقلوب الدهماء فاستمالها وَبلغ مِنْهُم الْغَايَة الَّتِي أَرَادَ ونالها، وَحمل نَفسه باخرة على الْجُود، والإتيان بالحاضر الْمَوْجُود، فَكَانَ للْفُقَرَاء شمالا وللمعتقين مِثَالا وللعصر زينا وجمالا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 وَمضى لسبيله رَحمَه الله، فقيدا أسَال الْغُرُوب، وهاج للأشجان الحروب، وَكَانَ لَهُ أدب أنيق الشارة، حسن الْإِشَارَة. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم بن جزي مُجْتَهد عاكف، وَروض فنون جاده، من الْعلم كل واكف، أَقَامَ رسم مجده، وَرفع عمد بَيته فِي قبَّة الْعلم ونجده فَأصْبح صدر بَلَده، وأنجب خلفين كريمين من وَلَده، وَفرغ للْعلم من جَمِيع أَعماله، وتفيأ رياض دواوينه من عَن يَمِينه وشماله، وَاقْتصر على طلب كَمَاله مَعَ وفور ضيَاعه، ونمو مَاله، فدون الْكثير وصنف، وقرظ المسامع وشنف، وترقى إِلَى المكارم، وَهِي مَا هِيَ من جلالة للرتبة، وسمو الهضبة، ففرع سنامها، وَرفع أعلامها، وغصن شبابه ناضر، [وزمن فتايه حَاضر] فَوَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق وانعقد على فَضله الْإِجْمَاع والإصفاق، وَلم يزل يسْلك طَرِيق الْمُجْتَهدين، فدون فِي الْفِقْه الدَّوَاوِين، وسفر فِي علم اللِّسَان عَن وُجُوه الْإِحْسَان، ورحل فِي علم التَّفْسِير إِلَى كل طية، وركض فِي أغراضه كل مَطِيَّة، حَتَّى أنسى الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن عَطِيَّة، وَله من الْأَدَب حَظّ وافر، وَمذهب عَن الْحسن سَافر. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي البركات البلفيقي وَاحِد الفئة، وَصدر من صُدُور هَذِه المئة، وَرجل هَذِه الْحَقِيقَة وَابْن رجالها، وَعلم هَذِه الطَّرِيقَة وَفَارِس مجالها، وتحفة الدَّهْر الَّتِي يقل لَهَا الكفا، وَبَقِيَّة السّلف الَّتِي يُقَال عِنْدهَا على آثَار من ذهب العفا، مَا شِئْت من شرف زاحم الثريا بمناكبه، ومجد خَفَقت بنود الْعلم فَوق مواكبه، وَحسب توارثه كَابر عَن كَابر، وأصالة تأصلت أدواحها بَين بطُون المحاريب وَظُهُور المنابر، ونشأة سحبت من العفاف ذيلا، وغضت الطّرف حَتَّى عَن الطيف لَيْلًا، وَمَعْرِفَة تساجل لجتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 وَلَا تراجع حجتها، ونغمة فِي تِلَاوَة الْقُرْآن، يخر لَهَا النَّاس على الأذقان، وَلما أمعن فِي المعارف كل الإمعان، ومنهومان كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام، لَا يشبعان، تشوف إِلَى الرحلة عَن بِلَاده، وزهد فِي طَرِيقه وتلاده، وَأخذ الحَدِيث عَن أَهله، وَذهب من الْعلم فِي خزنه وسهله، وَبلغ الْغَايَة، حَتَّى حط رَحْله ببجايه، وَبهَا علم الدّين وناصره، وَروض الْعلم الَّذِي أخصب جانيه وخاصره، ففاز بلقائه ونهل فِي سقايه، وَصرف فهمه الثاقب إِلَى إلقاية، واقتنى من كنوز رحْلَة مَالا يخَاف عَلَيْهِ النفاد، قدم على قراره مجده قدوم النسيم الْحِجَازِي من نجده، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ الأحداق واشرأبت إِلَى طلوعه الْأَعْنَاق، وَلم تزل بدائعه تتقلدها الصُّدُور، ومحاسنه تغار بهَا الشموس والبدور، والسعادة توافيه، والخطط الشَّرْعِيَّة تنافس فِيهِ، وخطبته الْآن خطابة قطره، وَهُوَ كفؤها وَابْن أكفائها، ومحيى رسومها بعد عفائها، فَتلقى رايتها بِيَمِينِهِ، واستحقها بسلفه وَعلمه وَدينه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر بن خَمِيس قريع بَيت صَلَاح وَعبادَة. ورضيع ثدي دين ومجادة، كَانَ بالخضراء بَلَده رَحمَه الله، صدر صدورها، وواسطة شذورها، وخطيب حفلها وَإِمَام فَرضهَا ونفلها، وباشر حصارها، وعانى على العصور إعصارها، وَله دُعَاء مستجاب وخواطر لَيْسَ بَينهَا وَبَين الْحق حجاب وبركة تظهر عَلَيْهِ سيماها، وديانته لَا تقرب الشُّبُهَات حماها وبلاغة لَا يشح ينبوعها، وَلَا تقفر من الْمعَانِي ربوعها، يَدْعُو الْفقر فيذعن عاصيها، وَينزل عصم الْمعَانِي من صياصيها، وَقضى رَحمَه الله فَتغير ذَلِك الْقطر لذهابه، وأظلم ذَلِك الْأُفق فول شهابة. فِي وصف أبي زَكَرِيَّا ابْن السراج حَامِل فنون جمة، وَصَاحب نفس بمعادها مهتمة، شمر فِي زمَان الشبيبة عَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 سَاقه واجتنى ثَمَرَة الْعلم من بَين أوراقه، وَجمع الْكثير من مختلفاته على بعد شامه من عراقه، حَتَّى اِنْفَسَحَ فِي الْمعرفَة مجاله وَشهِدت لَهُ بالإجادة شُيُوخه وَرِجَاله، وَهُوَ الْآن خطيب معقل الْجَبَل حرسها الله على طَريقَة عَرَبِيَّة، وحاله من الله قريبَة، ملازم لظل جِدَاره، منقبض فِي كن دَاره ذُو همة يحسدها النَّجْم على بعد مَدَاره، ورفعة مِقْدَاره. لَقيته وَالْحَال سقيمة، والمحلة بِظَاهِر جبل الْفَتْح مُقِيمَة، والعدو فِي الْعدوان مستبصر، والردى محلق، وحزب الْهدى مقصر، فَرَأَيْت رجلا بَادِي السكينَة وَالْوَقار، نَاظرا للدنيا بِعَين الاحتقار زاهدا فِي المَال وَالْعَقار، صَاحب دمعة مجيبة، ومجالسة عَجِيبَة، فَكَانَ لقاؤه فَائِدَة الرحلة الْعَظِيمَة العنا، وموجبا لَهَا حسن الثنا، وَله قسم من البلاغة وافر، وقسام فِي اللِّسَان سَافر. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر بن أبي خَالِد سَابق لَا تدْرك غَايَته، وَبَطل لَا تحجم رايته، وبليغ تزرى بالإفصاح كنايته،، طلع بذلك الْأُفق وَنجم، وصاب عَارض بَيَانه وانسجم، وعجم من عود البلاغة مَا عجم، فأطاعته القوافي والأسجاع، وَأَدَّاهُ إِلَى روض الإجادة الانتجاع، وَلم يزل يشحذ قريحته الوقادة ويستدعيها، وَيسمع الحكم ويعيها حَتَّى توفرت فِي البراعة أقسامه، وطبق مفاصل الْخطاب حسامه، مطرز المهارق ووشاها، ونضج أسرار البلاغة وأفشاها، وأنى من الرسائل بالأبى السَّائِل، إِلَى الدّين الَّذِي لَا تغمز قناته، والخلق الَّذِي يرضى الله حلمه وأناته، وَهَذَا الْخَطِيب وَابْن عَمه فَارِسًا رهان، ومقدمتا برهَان، وعلما بَيَان، ورضيعا لبان، لَكِن النثر أغلب على لِسَانه، والخطابة أعرق فِي نِسْبَة إحسانه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَمن ذَلِك فِي وصف أبي سعيد بن لب سَابق ركض ملئ عنانه، وشارق طلع فِي أفق أَوَانه، أورى لَهُ زند الذكا اقتراحا، وأجال فِي كل فن قداحا، فَجلى فِي ميدان الإجادة وبرز، وطوف الْمجَالِس وطرز، فَإِن نقل أوضح الْعبارَة وصقل، وَإِن نظر وَبحث، نشر رمم المعارف وَبعث، وَإِن بَين وَعلم، أقره المنازع وَسلم، إِلَى خلق أطيب من الراح، وأصفى من المَاء القراح، وَله فِي فَرِيضَة الْأَدَب سهم، وَفِي معاناة الْمعَانِي تَحْقِيق لَا يدْخلهُ وهم، وَتقدم للخطابة بِبَعْض أرباض الحضرة، فوفى الرُّتْبَة حَقّهَا، وسلك من الدّيانَة طوقها فِي وصف أبي يزِيد خَالِد بن أبي خَالِد إِمَام بادية، وصادع بِذكر الله فِي كل رَائِحَة وغادية. أنس بالوحدة والانقطاع، وتعلل بِقَلِيل الْمَتَاع، وانقبض وتقشف وَقبل ثغر الْحَقِيقَة وترشف وَأكْرم بِهِ من مَجْمُوع خصل، وضارب [فِي صرف الْقبُول] بنصل إِلَى أَخْلَاق بَيِّنَة الْحَلَاوَة، ونغمة طيبَة عِنْد التِّلَاوَة، وأدب عطر الجربال، موشى الطّور والأذيال وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله الْيَتِيم مَجْمُوع أدوات حسان من خطب ونغمة ولسان، أخلاقه روض تضوع نسماته، ونشره صبح تتألق قسماته وَلَا تخفى سماته، يقرطس أغراض الدعابة ويصميها ويفوق سِهَام الفكاهة إِلَى مراميها، فَكلما صدرت فِي عصره قصيدة هازلة، أَو أَبْيَات منحطة عَن الإجادة نازلة، خس أبياتها وذيلها، وَصرف مَعَانِيهَا وسيلها، وَتركهَا سمر الندمان وأضحوكة الزَّمَان، وَهُوَ الْآن، خطيب الْمَسْجِد الْأَعْلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 من مالقة، متحل بوقار وسكينة، حَال من أَهلهَا بمكانة مكينة، لسُهُولَة جَانِبه، وإيضاح مقاصده فِي الْخَيْر ومذاهبه، واشتغل لأوّل مرّة بالتعليم والتكتيب، وَبلغ الْغَايَة فِي الْوَقار وَالتَّرْتِيب، والشباب لم ينصل خضابه وَلَا سلت للمشيب عصابه، وَنَفسه بالمحاسن كلفة صبة، وشأنه كُله هوى ومحبة. فِي وصف أبي عبد الله الجزيري الْخياط أديب على السّنَن سالك، وبليغ لزمام القَوْل مَالك، كَانَ رَحمَه الله خَطِيبًا بثغر وبره، تولى لله جبره، وَأعَاد إِلَى ملكة الْإِسْلَام أمره، على طَريقَة مثلى وسيرة فَضلهَا يُتْلَى. أَخذ فِي فنون، ومحاضر من الْأَدَب بعيون، وَكَانَ رصافي الانتحال والحرفة، وَكم بَين الراح المشوبة والصرفة. وَلم أظفر من نظمه على كثرته، وتألق أسرته، إِلَّا بِأَبْيَات نَسَبهَا إِلَيْهِ بعض أَصْحَابه المعتنين بِنَقْل أدبه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله البدوي خطيب طلق اللِّسَان، وأديب رحب الْإِحْسَان، تشرف بالرحلة الحجازية، وَلبس من حسن الحجازية، ثمَّ أسْرع بِبَلَدِهِ فحط القتادة والرحل، وَأَقْبل عَلَيْهِ إقبال الغمامة على الْمحل، فَعظم بِهِ الِاغْتِبَاط. وتوفر إِلَى تَقْدِيمه فِي الخطابة النشاط. وَلم تثن عَن الْغَرَض فِيهِ الدعابة والانبساط. وَهُوَ الْآن خطيب بهَا. يُحَرك الْجَامِع ويقرط المسامع. وَيُرْسل من الجفون المدافع. وَله فِي الْعَرَبيَّة حَظّ وافر. وَفِي الْآدَاب قسام سَافر. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر بن فركون شيخ الْجَمَاعَة وقاضيها، ومنفذ الْأَحْكَام وممضيها، وشايم سيوفها المنتضاة ومنتضيها، كَانَ رَحمَه الله لجا لَا يساجل موجه، وفرندا لَا بتعاطي أوجه، تقدم بِذَاتِهِ وَنَفسه على أَبنَاء جنسه، وأربى فِي الْفضل يَوْمه على أمسه، فَهدر هدرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 البازل، وَتقدم فِي استنباط الْأَحْكَام وَمَعْرِفَة النَّوَازِل، إِلَى وقار تود رضوى رجاحته، وَصدر تحسد الأَرْض العريضة ساحته، ونادرة يدعوها فَلَا تتَوَقَّف، وتلقى عصاها فتتلقف. وَكَانَ لَهُ فِي الْأَدَب مُشَاركَة، وَفِي قريضة النّظم حِصَّة مباركة فِي وصف أبي جَعْفَر بن أبي حَبل فذ تثنى عَلَيْهِ الخناجر، وَصدر لَا يحصر فضايله حاصر، وقاض يريش سِهَام الْأَحْكَام ويبريها، ويزيل بنظره الشُّبْهَة الَّتِي تعتريها، ويطبق مفاصل الْفَصْل بذهنه الزلق النصل فيبريها، تولى الأقطار فازدانت، وتقلد الْأَحْكَام فلاحت المعدلة وَبَانَتْ، وَظَهَرت الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة لأَهْلهَا حَيْثُ كَانَت. وَأما الْأَدَب فَكَانَ رَحمَه الله سَابق حلبة زَمَانه ومجلسها، ومتناول رايته ومتوليها وَإِن كَانَ لغير فن من الْأَدَب مصروفا، وبالعلوم الشَّرْعِيَّة مَعْرُوفا. فِي وصف أبي بكر بن شبرين خَاتِمَة الْمُحْسِنِينَ، وقدوة الفصحاء اللسنين. قريع بَيت ترحم النُّجُوم بكاهله، وَورد من الْمجد أعذب مناهله، مَلأ الْعُيُون هَديا وسمتا، وسلك من الْوَقار طَريقَة لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتا، فَمَا شيت من فضل ذَات وبراعة أدوات. إِن خطّ نزل ابْن مقلة عَن دَرَجَته وانحط، وَإِن نظم ونثر تبِعت البلغاء ذَلِك الْأَثر، وَإِن تكلم نصت الحفل لاستماعه، وَشرع لدرره النفيسة صدف اسماعه، وَفد على الأندلس، عِنْد كائنة سبتة، وَقد طوحت النَّوَى برحاله، وظعن عَن ربعه لتوالي أمحاله، وَكَانَ مصرف الدولة ببلادها، والمستولى على طارفها وتلادها، ومعرس الْآدَاب ومقيلها، وقاعش العثرات ومقيلها، أَبُو عبد الله بن الْحَكِيم قدس الله هداه وَسَقَى منتداه، فاهتز لقدومه اهتزاز الصارم، وتلقاه تلقى الأكارم، وأنهض إِلَى الْغَايَة آماله [وَألقى لَهُ قبل الوسادة مَاله] ونظمه فِي سمط الْكتاب، وأسلاه عَن أَعمال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 الأقتاد والأقتاب، وَلم يزل زمامه يتَأَكَّد فِي هَذِه الدول، ويربى لَهُ الْآتِيَة مِنْهَا على الأول، فتصرف فِي الْقَضَاء بجاتها، ونادته الْعِنَايَة هاك وهاتها، فجد وعهد حكامها الْعُدُول من سلفه وقضاتها، وَله الْأَدَب الَّذِي تحلت بقلايده اللبات والنحور، وَقصرت عَن جواهره النحور , وَسمر من ذَلِك تضاعيف هَذَا الْمَجْمُوع مَا يشْهد بسعة درعه، ويخبر بكرم عنصره، وَطيب نبعه. فِي وصف أبي الْقَاسِم الْخضر بن أبي الْعَافِيَة فَارس ميدان الْبَيَان، وَلَيْسَ الْخَبَر كالعيان، وحامل لِوَاء الْإِحْسَان لأهل هَذَا اللِّسَان، دخل فِي حلل البدايع فسحب أذيالها، وشعشع أكواس العجايب، فأدار جريالها، واقتحم على الفحول أغيالها، وطمح إِلَى الْغَايَة الْبَعِيدَة فنالها، وتذوكرت المخترعات فَقَالَ أنالها، عكف واجتهد، وبرز إِلَى مقارعة المشكلات ونهد، فَعلم وَحصل، وَبلغ الْغَايَة وتوصل، وَتَوَلَّى الْقَضَاء، واضطلع بِأَحْكَام الشَّرْع، وبرع فِي معرفَة الأَصْل وَالْفرع، وتميز فِي الْمسَائِل بطول الباع وسعة الذِّرَاع، فَأصْبح صَدرا فِي مصره، وغرة فِي صفحة صَدره. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي إِسْحَق بن جَابر الْوَادي آشى فَحل هادر، وبليغ على الْكَلَام قَادر، اهتز لَهُ الْعَصْر على رجاحة أطواده، وَظهر لَهُ الْفضل على كَثْرَة حساده، وَلما أجلى فِي منصة الإبداع بَنَات فكره، وجاس عقايل الْحَيّ الْحَلَال ببكره، طُولِبَ بِإِثْبَات تِلْكَ الْبُنُوَّة، وَقيل هَذَا الْجمل، وَهَذِه الكوة، فخاصم حَتَّى أظهر الْحق، وتمم فَاسْتحقَّ، وذيل ووطى، وَتجَاوز الْغَايَة الْبَعِيدَة وتخطى، وَلم تزل بدائعه فِي اشتهار، وروضات آدابه ذَوَات أزهار، وَتصرف فِي الْكِتَابَة فَكَانَ صدر ناديها، وقلادة هاديها، وَولى خطة الْقَضَاء فِي هَذِه الْمدَّة، وَقد ناهز اكتهاله وَبلغ أشده فحسنت سيرته، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وأثنت عَلَيْهِ لكل عماله جيرته، وَله نفس إِلَى الْعلم مرتاحة، وخواطر تنْتج مِنْهُ كل ساحة، هام فِيهِ بِكُل مُسْتَحِيل وَجَائِز، وكلف حَتَّى بعلوم الْعَجَائِز. وشعره جزل الأسلوب، وعذب فِي الأفواه والقلوب. فِي وصف أبي عبد الله بن غَالب الطريفي طَوِيل القادمة والخافية، مُحكم لبِنَاء الْبَيْت وتأسيس القافية، صَاحب طبع معِين، وَآت من القصائد بحور عين. عكف على النّظم فِي جيله، عكوف الراهب على إنجيله، وَلم يزل يفوق إِلَى كل غَرَض سهامه، ويستسقى صيته وجهامه، ويهز ماضيه وكهامه، حَتَّى اشتهرت أبياته وحفظت بدايعه وروياته، وَتصرف فِي الْقَضَاء فاستقام أوده، وَانْطَلَقت يَده، وَكَانَ لَهُ وفادة على ملك هَذِه الدول فِي العصور الأول، نظم فِيهَا ومدح، وقدح من قريحته مَا قدح، وَتوفى بِبَلَدِهِ عَن سنّ عالية وزمانة مُتَوَالِيَة. وَلما شرع الْمُؤلف فِي تأليف هَذَا الْكتاب، بعث إِلَيْهِ بعض أهل بَلَده، مِمَّن عَنى بِحِفْظ الطروس. وإحيائها بعد الدُّرُوس بمهارق أكل الدَّهْر مِنْهَا مَا تجسم، وانتهبها الدَّهْر مَا شَاءَ وتقسم، فَأثْبت لَهُ مِنْهُ مَا ينظر فِي مَحَله إنْشَاء الله. فِي وصف أبي الْقَاسِم الْمَعْرُوف بِابْن الجقالة صدر فِي الْقُضَاة. وينبوع للخلال المرتضاة. وطابع لسيوف الْكَلم المنتضاة. نَشأ بِبَلَدِهِ رندة. حرسها الله. صدر سكانها. وفضيلة زمانها، وَعين أعيانها، وحامل لِوَاء بَيَانهَا. وَلم يزل يسْلك من الْفضل على السّنَن الْمَأْثُور. ويركض جِيَاد المنظوم والمنثور، فأغرب الغرب بآدابه، وَتعلق الْإِحْسَان بأهدابه. وَتَوَلَّى الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فأجال قداحها، وَقرر مكروهها ومباحها، وَتَنَاول الْمسَائِل فأبان صباحها، حَتَّى [فاضت فِيهِ] السرائر، وعقدت على حبه الضمائر، وَطَابَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 فِيهِ الخواطر، وتضوع من ثنائه الْمسك العاطر، وَأَقْعَدَهُ لهَذَا الْعَهْد الْكبر، وحوم عَلَيْهِ الْأَجَل المنتظر، فتعطلت لضَعْفه تِلْكَ السُّوق، وَعدم لعدم بَيَانه الدّرّ المنسوق. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحجَّاج المنتشافري حَسَنَة الدَّهْر الْكثير الْعُيُوب، وتوبة الزَّمَان الجم الذُّنُوب، ماشيت من بشر يتألق، وأدب تتفطر لَهُ السمات وتتخلق، وَنَفس كَرِيمَة الشَّمَائِل والضرائب، وقريحة يقذف بحرها بِمَاء الغرائب، إِلَى خشيَة لله تَعَالَى تحول بَين الْقُلُوب وقرارها، ومراقبة تثنى النُّفُوس عَن اغترارها، ولسان يبوح بإشراقه، وجفن يسخو بدرر آماقه، وحرص على لقا أهل الدّيانَة وَالْأَدب، ويحث عَمَّن يمت إِلَى الْعلم وَالْعِبَادَة بِسَبَب، سبق بقطرة الحلبة، وَنزع من الْأَدَب الهضبة، وَرفع الرَّايَة، وَبلغ الْغَايَة، فطارت قصائده كل المطار، وتغنى بهَا رَاكب الْفلك وحادي القطار، وتقلد خطة الْقَضَاء بِبَلَدِهِ وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْأَحْكَام بَين أَهله وَولده، فوضحت الْمذَاهب بِفضل مذْهبه، وَحسن مقْصده، وَله شِيمَة فِي الْوَفَاء يعلم مِنْهَا الآس، ومؤانسة لَا تستطيعها الأكواس. فِي وصف أبي مُحَمَّد عبد الْحق بن عَطِيَّة فرع بَيت أصيل، وَصدر معرفَة وَتَحْصِيل، نَشأ على العفاف، وتبلغ بالكفاف، وَعمل على شاكلة من لَهُ من الأسلاف، إِلَى نفس يلابسها الْحيَاء وَالْوَقار، وأدب تنم عَنهُ أخلاقه كَمَا تنم تَحت الزجاجة الْعقار، وَخط تهيم بمرقومه الْأَبْصَار، وبلاغة هدابها الأختصار، ومحاضرة تتحلى بهَا اللَّيَالِي الْقصار تقدم بقطره إِلَى الخطابة والإمامة، أطهر من مَاء الغمامة، وَأطيب من بنت الكمامة، ففرع على حَدَاثَة السن أعوادها، وَبلغ آمادها، وَأصْبح من الصُّدُور فؤادها، وَمن الْعُيُون سوادها، وَلَا يُنكر العذب فِي ينبوعه، والنور فِي مشرق طلوعه، وَقد أثبت من أدبه مَا يعرب عَن مذْهبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم الرعيني قريع فضل ومجادة، وضارب فِي هَذَا الْأَدَب بِسَهْم إجادة، كَانَ أَبوهُ رَحمَه الله خطيب مالقة، وَصدر فضلائها، وواسطة علايها، وَنَشَأ هَذَا الْفَاضِل رَحمَه الله، سالكا فِي العفاف على مسلكه، ومنتقلا فِي دَرَجَات فلكه. تولى الْقَضَاء لأوّل أمره على حَدَاثَة سنه، وَجدّة عمره، ثمَّ دعى للكتابة، فتنقل للحضرة وتحول، وعزم على الْمقَام بهَا وعول، فأجال يراعته وَشهر براعته، وَلما غصه الاغتراب، وباين وَطنه كَمَا باين السَّيْف القراب، شاقه الْأَهْل والأتراب، وَالْمَاء وَالتُّرَاب، وحن إِلَى دوحة الَّذِي بِهِ تأود، وَكَبرت عَلَيْهِ الْخدمَة، وصعب على الْإِنْسَان مالم يعود، فَرغب فِي الِانْصِرَاف إِلَى بَلَده، وَاحْتِمَال أَهله وَولده، وَهُوَ الْيَوْم قَاضِي جهاتها الغربية، ومنفذ أَحْكَامهَا الشَّرْعِيَّة. وَله أدب وَخط وبحر من الْمعرفَة لَيْسَ لَهُ شط. وَقد أثبت من شعره مَا يشيد بِذكرِهِ. فِي وصف أبي يزِيد خَالِد بن أبي خَالِد فايز من الإبداع بِكُل مَطْلُوب، ومستهل أسماع وَقُلُوب، وفصيح بأدبه، وَفِي البداوة حسن غير مجلوب، قدح قريحته الوقادة، وراض صَعب الْكَلَام فَأعْطَاهُ المقادة، فتألق بذلك الْأُفق تألق الْبَرْق، وطلع بِتِلْكَ الْجِهَة الشرقية، وَلَا يُنكر النُّور على الشرق، فشرف فِي قومه، وَأصْبح فِيهِ أمسه منافسا ليومه، إِلَى بلاغة تتحلى بهَا صفحات المهارق، وعفاف حَتَّى عَن الخيال الطارق. ورحل فِي هَذَا الْعَهْد الْقَرِيب، وَقد أصبح يحسن ضرايبه عديم الضريب، فاقتحم فرضة، الْمجَاز، إِلَى مثابة الْحجاز، فَقضى وطره من تِلْكَ الْمشَاهد، وتبرك بلقاء من بهَا من عَالم أَو زاهد، وقفل وَقد دون رحلته سَفَره، وزهى بهَا زهو الجفن بفتحه، والخد بخضره، واجتاز بالبلاد الموحدية فدعته إِلَى خدمَة بَابهَا، وقلدته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 رياسة كتابها، وأينع روضه وأثمر، وَحل بهَا لتها فأضاء وأبدر، فَلم يكن الأكلا وَحَتَّى جذب الشوق برسنه، وطار بِهِ الوجد إِلَى وَطنه، فأسرع اللحاق، وأتى على النُّور المحاق، وعَلى ذَلِك فقد ولى للحين ببلدته قضاءها، وتقلد إِنْفَاذ الْأَحْكَام وأمضاها. رَحمَه الله. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن عُبَيْدَة مَجْمُوع أدوات، وَفَارِس قلم ودوات، وَشَيخ تقع الْعين مِنْهُ على صُورَة طريفه، وهيئة ظريفه، وقريع بَيت نبيه، وأصالة لَيْسَ لَهَا من شَبيه. وَله خطّ حسن وبلاغة ولسن، تصرف فِي الْقَضَاء، فَمَا ذوى لسيرته الحميدة نور، وَلَا نسب لَهُ حيف وَلَا جور فِي وصف أبي زَكَرِيَّا القباعي شَاعِر إِذا نظم أَجَاد، وان استسقى طبعه حاد، إِلَى ديانَة سابغة الأذيال، وأخلاق مُعتقة الجريال، ومعال ألطف من طيف الخيال. وَلم أَقف من كَلَامه إِلَّا على قصيدة، معيدة فِي الْإِحْسَان بعيدَة، يُخَاطب بهَا الْوَزير أَبَا بكر بن الْحَكِيم. رحمهمَا الله. فِي وصف أبي جَعْفَر السياسي حسن الْأَغْرَاض، يقي الْجَوْهَر من مُخَالطَة الْأَعْرَاض، ذُو أدب غض كزهر الرياض، وَمَعَان كمن فِيهَا الإبداع كمون السحر فِي الجفون للمراض، وَتقدم للْقَضَاء فِي تِلْكَ الْجِهَات، فَأَقَامَ رسمه، وأنفذ حكمه، بنزاهة مأثورة وَصِحَّة مشكورة. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر بن عبد الْحق مَجْمُوع فَضَائِل، وَكَمَال لم يدع مقَالا لقَائِل، إِن ذكرت المعارف، فَهِيَ من جلابه أَو تليت سوره السِّرّ، وَكَانَ ذكره أم كِتَابه. قعد بِبَلَدِهِ يدرس الْعلم، ويحيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 قداحه، وَيُدبر أكواس الْبَيَان، ويشعشع راحه، فَأصْبح فِي دهره غرَّة، وبلبة عصره درة، إِلَى وقار تحسد الهضاب سكونه، وتهوى أَن تكونه، وإمتاع يحْسب كل سَائل، وَيُقِيم من المشكلات كل مائل، وأدب لَا تشح رهامه، وَلَا تتعدى الْغَرَض سهامه، صدر مفطمه فِي دوَل درسه، وإجناء ثَمَرَة الْعلم من غرسه، على جِهَة التَّعْلِيم والتدريب لمنتحلي الْبَيَان الْغَرِيب فِي وصف الْحَكِيم المغربي أبي عُثْمَان بن ليون مُجْتَهد مشمر منقبض متنمر، قصر على الْعلم أوقاته، وتبلغ بِالْقَلِيلِ فقاته، وَعَكَفَ على التَّقْيِيد والتدوين، واكتسب من الْأُمَّهَات كل ذخر ثمين وهلم جرا فقد اشْتهر بفوده صباح المشيب ونضا برده الزَّمن القشيب، وَمَا فتر عَن مُوَاصلَة اجْتِهَاده، وإيثار أرقه وسهاده. وَمَال إِلَى صناعَة الطِّبّ، فدون فِيهَا وشارك منتحليها، وَجعلهَا مَادَّة حَاله ومحط رحاله، وَله نظم حسن، وعارضة ولسن نظم بِهِ الْعُلُوم وَدون، وتقلب فِي شَتَّى المآخذ وتلونه، وبآخرة فَهُوَ رَوْضَة أنيقة، وخميلة وحديقة، وتقلب فِي شَتَّى المآخذ وتلون، وبآخرة فَهُوَ رَوْضَة أنيقة، وخميلة وحديقة، وضارب بِسَهْم فِي هدف كل طَرِيقه، وَقد أثبت من شعره يَسِيرا، جعلته للمحاسن إكسيرا. وَمن ذَلِك فِي وصف الْمكتب أبي عبد الله بن أبي الْقَاسِم المالقى مجود مرتل، وعابد متبتل، مشتغل بِمَا يعنيه، مثابر على مَا يزلفه من صَالح الْعَمَل ويدنيه، عكف على الْكتاب الْعَزِيز وشمر فِيهِ عَن قدم التبريز، وارتضاه الْوَزير ابْن الْحَكِيم إِمَامًا لصلاته، وَاعْتَمدهُ بجوايزه الجزيلة وَصلَاته. وَلم يزل يرفع بضبعه، حَتَّى عطف الدَّهْر بربعه، فَضَاعَ ضيَاع مِصْبَاح الصَّباح، ولعبت بِهِ الْأَيَّام كَمَا لعبت بالهشيم أَيدي الرِّيَاح، وتقلبت بِهِ أَيدي الزَّمَان وأحوجت الثَّمَانُونَ سَمعه إِلَى ترجمان، وَله أدب محتكم القوى، منيع الهضاب والصوى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن الصايغ من أهل المرية بَحر معرفَة لَا يفِيض، وَصَاحب فنون يَأْخُذ فِيهَا وَيفِيض، نَشأ بِبَلَدِهِ مشمرا عَن ساعد اجْتِهَاده، وسايرا فِي قنن الْعلم ووهاده، ومواصلا لأرقه وسهاده، حَتَّى أينع روضه، وفهق جوضه وأضاءت سَرْجه وتعطر أرجه. وَلما اسْتكْمل من المعارف مَا اسْتكْمل، وَبلغ مَا أمل أَخذ فِي إراحة ذَاته، وشام فوارق لذاته، ثمَّ سَار فِي البطالة سير الجموح، وواصل الغبوق بالصبوح، حَتَّى قضى وطره، وسيم بطره وَركب الْفلك، وخاض اللجج الحلك، وَاسْتقر بِمصْر على النِّعْمَة العريضة، بعد قَضَاء الْفَرِيضَة، وَهُوَ الْآن بمدرستها الصالحية، عمرها الله بِذكر نبيه المكانة، مَعْرُوف فِي أهل الْعلم والديانة، وصدرت عَنهُ إِلَى هَذَا الْعَهْد قصيدة نبوية، تغنى بهَا الْحَادِي المطرب، وكلف بهَا المصعد والمصوب، تدل على انفساح طباعه وامتداد بَاعه. فِي وصف أبي عبد الله بن الْحَاج البضيعة مُسَدّد الْمَقَاصِد، آخِذا للمعاني بالمراصد، وَكَاتب شُرُوط لَا يساجل فِي مضمارها، صِحَة فُصُول، وتوقيع فروع على أصُول، وَكلما طلب بالنظم القريحة، وأعمل فكرته الصَّرِيحَة، أجابت ولبت، وتسنمت ريَاح بَيَانه وهبت، وحفظت الْعَامَّة من كَلَامه لقُرْبه من أفهامها، وانتصاب غَرَضه لسهامها، فِي وصف أبي عبد الله بن عِصَام منتم إِلَى حسب ومجد، وفارع من الْأَصَالَة كل نجد، وَإِن نوزع فِيهَا بخصام، كَفاهُ قَاضِي الْقُضَاة أَبُو أُميَّة بن عِصَام، وَخَلفه الَّذِي رَأس من بعده، وَاسْتوْفى بمرسية حِصَّة سعده حَتَّى أَتَاهُ الْأَجَل لوعده، وَكَانَ هَذَا الرجل عدلا من عدُول بَلَده، وذاهبا من الْفضل إِلَى أقْصَى أمده، لَوْلَا تهور كثر وأفرط، وطيش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 تخبط فِي شركه وتورط، وَله أدب ضَعِيف المبنى، خَال من الْمَعْنى كَانَ يسهل عَلَيْهِ، وينثال بَين يَدَيْهِ فِي وصف أبي جَعْفَر بن غَالب ماطر جاد بالوابل السجم، وشاعر افْتتح بَيته إِلَى النَّجْم، وبليغ قاد الْكَلَام برسنه، وَأَيْقَظَ طرف البلاغة من وسنه، وطبق مفاصل فصل الْخطاب بلسنه، كَانَ وَابْن عَمه، رحمهمَا الله فرسي سباق، ومديري كأس اصطباح للأدب واغتباق، غير انه كَانَ أَشد انقباضا، وَأكْثر ازورارا عَن الْخدمَة وإعراضا، وَابْن عَمه القَاضِي أصح طباعا، وأفسح باعا، وَقد انتجع واسترفد، وَأصْلح بتعريضه وأفسد، حَسْبَمَا تضمنه كتابي الْمُسَمّى " بطرفة الْعَصْر فِي أَخْبَار بني نصر " وَقد أثبت من شعر أبي جَعْفَر هَذَا، مَا يشْهد بإجادته، وبنظمه فِي فرسَان الْكَلَام وقادته. فِي وصف أبي الْحسن الرقاص سَابق لَا يشق غباره، ودوح فنون لَا يغب جناه، وَلَا تذبل أزهاره، تتبع الغوامض بثاقب فهمه، وأصمى كل مشكلة بسهمه، فساوى حلبته وتقدمها، وزاول المعارف وخدمها، فترشف مِنْهَا كل رِيقه، وَلم يقْتَصر على طَرِيقه، وتفيأ كل حديقة من مجَاز وَحَقِيقَة، وَكلما أستمرطته صاب، أَو رميت بِهِ غَرضا أصَاب، حَتَّى تضوع نسيمه، وتحدث بِخَبَرِهِ رايد الْعلم ومسيمه، إِلَى نفس بعيدَة الهمم، لَطِيفَة الشَّمَائِل والشيم، وَقد ثَبت من أدبه، الَّذِي خاطبني بِهِ كل عطر النفحة، مشرق الصفحة، فِي وصف أبي عبد الله النجار متفنن مشارك، وآخذ فِي الْأَدَب غير تَارِك، برع فِي الْوَثِيقَة وأحكامها، وَنزل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 فصولها على مقتضيات أَحْكَامهَا، إِلَى نفس جبلت على حسن الْأَخْلَاق، وشمائل أعذب من الضَّرْب فِي المذاق، وإيناس يسرى فِي الْأَرْوَاح سرا الراح، ومذاكرة أشهى من العذب القراح، وَهُوَ الْآن صدر فِي عدُول بَلَده، وسابق تقف الحلبة دون أمده فِي وصف أبي عبد الله الوقشي الزبار صَنِيع الْيَدَيْنِ، فايز من سِهَام الضَّرْب بالفريضة وَالدّين، إِذا زين الطروس، ونضر أصباغها، وَأحكم فِي قوالب السحر إفراغها، حسد قزَح تلوينها، وحقرت الرياض بساتينها، إِلَى خطّ يقف عِنْده الطّرف، وَلَا يتجاوزه الظّرْف، وأدب كالروض، راق مِنْهُ المجتلى، وتأرج الْعرف، وَنَفس أرق من نسيم الْفجْر، وأخلاق أعذب من الْوَصْل فِي عقب الهجر، وَقد أثبت من كَلَامه مَا يعذب موارده، وتروق شوارده فِي وصف أبي جَعْفَر بن صَاحب الصَّلَاة محسن لَا يُنَازع إحسانه، وبليغ لَا يساجل لِسَانه، وذكى. توقد نَار فهمه، ومجيد يُصِيب كل غَرَض بسهمه، فَمَا شِئْت من إِدْرَاك ناضية نصوله، وذكاء علت فروعه وَطَابَتْ أُصُوله، وظرف كالروض لما اعتدلت فصوله، وأدب سدت معاقده، فَلَا يطْمع فِيهِ ناقده، جالسته فِي بعض التوجهات إِلَى مالقة حرسها الله فَرَأَيْت روضا تعطر وتأرج، وَمر بِهِ نسيم دارين فتأرج. فَلَمَّا ظَفرت بجناه الطّيب، وَقَعَدت تَحت غمامه الصيب، تركت خَبره لعيانه، وخطبت نبذة من بَيَانه [فأنشدني مَا يذكر] . فِي وصف أبي الْقَاسِم بن رضوَان أديب أحسن ماشا، وَفتح قليب قلبه، فَمَلَأ الدَّلْو بل الرشا، وعانى على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 حداثته الشّعْر والإنشا، وَله فِي بَلَده بَيت معمور بِفضل وَأَمَانَة، ومجد وديانة، وَنَشَأ هَذَا الْفَاضِل على أتم العفاف والصون، فَمَا مَال إِلَى فَسَاد بعد الْكَوْن، وَقد ثَبت من كَلَامه، ونفثات أقلامه، كل مُحكم الْعُقُود، زار بابنة العنقود. فِي وصف أبي بكر بن مقَاتل نَابِغَة مالقية، وَخَالف مِمَّن ترك الأدبا وَبَقِيَّة، ومغربي الوطن أخلاقه مشرقية. اشْتهر بالإجادة بَين أَصْحَابه، وتألق تألق البارق خلال سحابه، حَتَّى اشْتهر إحسانه، وَمضى عِنْد الضريبة لِسَانه، ثمَّ أزمع الرحيل إِلَى الْمشرق، مَعَ اخضرار الْعود، وَسَوَاد المفرق، وَسَهْم الْقدر لَا يخطى، وَمن استحثه الْأَجَل لَا يبطى، وَلما توسطت السَّفِينَة اللجج، وقارعت التبج، هال عَلَيْهَا الْبَحْر، فَسَقَاهَا كأس الْحمام، وأولدها قبل التَّمام، وَكَانَ رَحمَه الله فِيمَن اشْتَمَلت عَلَيْهِ أعوادها، وانضم على نوره سوادها من الطّلبَة والأدباء، وَأَبْنَاء السراة والحسباء، أصبح كل مِنْهُم مُطيعًا لداعى الردى وسميعا، وأحيوا فُرَادَى وماتوا جَمِيعًا، فملأوا الْقُلُوب حزنا، وَأرْسلت العبرات عَلَيْهِم مزنا. وَكَانَ الْبَحْر لما طمس سبل خلاصهم وسدها، وأمال هضبة سفينتهم وهدها، غَار على دررهم النفيسة فاستردها. والفقية أَبُو بكر مَعَ إكثاره، وانقياد نظامه ونثاره، لم أظفر من أدبه إِلَّا باليسير التافه بعد وداعه وانصرافه. فِي وصف الْمُؤَذّن أبي الْحجَّاج بن مَرْزُوق خير استبق إِلَى دَاعِي الْفَلاح استباقا، وانتمى إِلَى الْقَوْم الَّذين هم فِي الْآخِرَة أطول أعناقا، وَإِن كَانُوا فِي الدُّنْيَا أضيق أرزاقا. مردد أذكار ومسبح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 أسحار، وعامر مأذنة ومنار. كَانَ بِبَلَدِهِ رندة حرسها الله مُؤذنًا بجامعها. وموقتا بِأم صوامعها، ومعتبرا مِمَّن كَانَ بهَا من فضلاء السَّدَنَة، وَمِمَّنْ يَشْمَلهُ قَوْله " فَكَأَنَّمَا قرب بدنه " وَكَانَ لَهُ لِسَان مخيف، وَشعر سخيف، توشح بحليته، وَجعله وَسِيلَة كديته. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن بن الجياب صدر الصُّدُور الجلة، وَعلم أَعْلَام هَذِه الْملَّة، وَشَيخ الْكِتَابَة وبانيها، وهاصر أفنان الْبَدَائِع وجانيها، اعتمدته الرياسة فنأى بهَا على حَبل ذراعه، واستعانت بِهِ السياسة فدارت أفلاكها على قطب من شباة يراعه، فتفيأ للعناية ظلا ظليلا، وتعاقبته الدول فَلم تربه بديلا، من ندب على علوه متواضع، وَحبر لثدي المعارف راضع، لَا تمر مذاكرة فِي فن إِلَّا وَله فِيهِ التبريز، وَلَا تعرض جَوَاهِر الْكَلَام على محاكاة الأفهام، إِلَّا وَكَلَامه الإبريز، حَتَّى أصبح الدَّهْر رَاوِي إحسانه، وناطقا بِلِسَانِهِ، وَغرب ذكره وشرق، وَتجَاوز الْبَحْر الْأَخْضَر، والخليج الْأَزْرَق، إِلَى نفس هذبت الْآدَاب شمائلها، وجادت الرياضة خمائلها، ومراقبة لرَبه، وانتشاق لروح الله من مهبه، وَدين لَا يعجم عوده، وَلَا تخلف وَعوده، وَكلما ظَهرت علينا معشر بنيه من شارة تجلى بهَا الْعين أَو إِشَارَة كَمَا سبك اللجين، فَهِيَ إِلَيْهِ منسوبة، وَفِي حَسَنَاته محسوبة، إِنَّمَا هِيَ أنفس راضها بآدابه وأعلقها بأهدابه، وهذب طباعها كَالشَّمْسِ تلقى على النُّجُوم شعاعها، والصور الجميلة تتْرك فِي الْأَجْسَام الصقيلة انطباعها، وماذا عَسى أَن أَقُول فِي إِمَام الْأَئِمَّة، وَنور الدياجى المدلهمة، وَقد أثبت من عُيُون قصائده وأدبه الَّذِي علق الْإِحْسَان فِي مصائده، كل وثيق المبنى، كريم المجنى، جَامع بَين حصافة اللَّفْظ ولطافة الْمَعْنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 فِي وصف الْكَاتِب أبي عبد الله اللوشى شَاعِر مفلق، وحسيب معرق، طبق مفاصل الْكَلَام بحسام لِسَانه، وقلد نجور الْمُلُوك مَا يرزى بجواهر السلوك من إحسانه، وَنَشَأ فِي حجر الدول النصرية، راضعا ثدي إنعامها، ومستظلا بسمائها، ومفضلا على مداحها، وحائزا الْمُعَلَّى من قداحها، ولسلفه بخدمتها الِاخْتِصَاص الْقَدِيم، والمزية والتقديم، والمتات الَّذِي كرم ذمامه، وَاسْتقر فِي يَد الرعى زمامه، ونطق بالشعر قبل أَن ينْطق بالشعر خَدّه، فَأتى مِنْهُ ببحر لَا يعرف الجزر مده، وَأما الطَّرِيقَة الهزلية، فَهُوَ فَارس مجالها، وَإِمَام رجالها، وَرب رويتها وارتحالها، وَله همة تبذ من يباريها، وأخلاق تفْتَقر إِلَى من يداريها، طُولِبَ فِيمَا فرط بالحضور مَعَ الْكتاب، وملازمة خدمَة الْبَاب، فَتنحّى على عَادَته، وتوعد بِإِسْقَاط مرتبته فَلم يرغب فِي إِعَادَته، بل كبر على الْخدمَة أَرْبعا وَسلم، وَلَا ارتمض لَهَا وَلَا تألم، وَعَكَفَ على إِقَامَة أوده بانتجاع غلَّة بِظَاهِر بَلَده، بَاشَرَهَا بِنَفسِهِ وَجعلهَا معنى رَاحَته وَمعنى حسه، واتخذها وقاية لما وَجهه إِلَى أَن يحل فِي رمسه، وَهُوَ من أهل الوفا وَحفظ الْعَهْد، والمشاركة فِي الرخَاء والجهد، والانقباض عَن هَذَا الْعرض والزهد، إِلَى حسب تطرزت الدفاتر بآثاره، وتضوع الحبر مسكا بأخبار أخباره، وَشعر بلغ فِي الإجادة الْغَايَة وَرفع للمحسنين الرَّايَة، وَمن ذَلِك فِي وصف أبي بكر بن الْحَكِيم ماجد أَقَامَ رسم الْمجد بعد عفائه، وَأَيْقَظَ طرفه بعد إغفائه، مَحَله مَحل ضيفان، ومنزع جفان، ومنهل وَارِد، ومظنة ضال من الْعلَا وشارد، مثواه لَا يَخْلُو عَن قرى جزيل، لقاصد ونزيل، إِلَى غير ذَلِك من التحلي بحلية الْآدَاب، والمبادرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 إِلَى اكْتِسَاب المعلوات والانتداب. برز فِي حمل الحَدِيث وَرِوَايَته، واجتنى ثَمَرَة رحْلَة أَبِيه وَهُوَ فِي حجر دايته، وَدون الْآن الفهارس، وأحيى الْأَثر الدارس، وارتقى من الْبِدَايَة إِلَى الْمحل النبيه، وَاسْتحق رتبتها من مَحل أَبِيه، فأينع روضه وتأطر، وتأرج دوحه وتعطر. وَله شعر أنيق الْحِلْية، جَار فِي نمط الْعلية، وسيمر فِي أَثْنَائِهِ مَا يدل على قدره، وَيشْهد بسعة صَدره. وَفِي وصف أبي جَعْفَر بن صَفْوَان المالقى فَارس البلاغة الْمعلم، وَحجَّة الْأَدَب الَّتِي تسلم، والبطل الَّذِي لَا ترد شياة نَقده، وَلَا تحل مبرمات عقده، من جهبذ رَاض صعاب الْبَيَان وساسها، وميز أَنْوَاعهَا وأجناسها، وَأحكم ضروب الْعبارَة ونظم قياسها، إِلَى ذهن يَأْتِي الغوامض فتنبلج، ويقرع أَبْوَاب المعميات فيلج، وهمة يود فرقد السما وسهاها أَن تبلغ مُنْتَهَاهَا. أَخذ من الْفُنُون بِنَصِيب، وَرمى فِي أغراض التعاليم بِسَهْم مُصِيب، فركض فِي مجالها، ورحل إِلَى لِقَاء رجالها. ودعى لأوّل أمره للكتابة لما اشتهرت براعته، وأثمرت بالمعاني الغريبة يراعته، فَأجَاب وامتثل، وراش سِهَام بَيَانه ونثل، ثمَّ كرّ والدولة قد رجفت مِنْهَا الْقَوَاعِد، وأنجزت بإدالتها المواعد، فاصطنعته الدولة الإسماعيلية لجنابها، وقلدته سر كتابها، والهيجاء تَدور رحاها، والأمور لَا يتَبَيَّن منحاها، فَلَمَّا وضعت الْحَرْب أَوزَارهَا، وخفضت الْأُمُور أزارها، آثر الرُّجُوع إِلَى وَطنه، وأجرى هَوَاهُ فِي ذَلِك فضل رسنه، وضلت الْخدمَة عَنهُ فَمَا نشدها، وَقصر نَفسه على مَا يُقيم أودها، وَلم يثن بعد الْكر عنانه، وَلَا أعمل فِي خدمَة ملك بنانه، وكل مَا صدر عَنهُ من نظم تروق أسرته، وتتشوق إِلَيْهِ تيجان الْملك وأسرته، فالتصوف مجاله، وَفِي غَرَضه رويته وارتجاله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 وَفِي وصف أبي إِسْحَق بن زَكَرِيَّا حَامِل لِوَاء الْخط، وَالْمُنْفَرد بِأَحْكَام الْمشق والقط، وَمن تفْتَقر إِلَى بنانه المخاطبات السلطانيات افتقار الْمَشْرُوط إِلَى الشَّرْط. شَدِيد التحفظ، مُقَدّر الْكَلَام حِين التَّلَفُّظ، عَظِيم البشاشة وَالْبر أَمِين على السِّرّ، إِلَى نفس مجبولة على الْخَيْر، وأخلاق حَسَنَة السِّيرَة، رفيعة السّير، وحياء كثف جلبابه، وسد فِي وَجه الدنية بَابه، وكلف بِالْعلمِ وأوضاعه، والتطلع على رقاعه، ويكفيه فضلا لَا تخبو آثاره، وَلَا يخفى مناره، مَا خلد من كَلَام شيخ الْجَمَاعَة، وَعلم الصِّنَاعَة، فقد أودعهُ بطُون الأوراق، وَجمعه بعد الِافْتِرَاق، وأطلع نوره بَادِي الْإِشْرَاق، وألبس الْأَيَّام بِهِ حللا أبهى من حلل صنعا الْعرَاق، وَالشعر وَإِن كَانَ قَلِيلا مَا يعْنى بإجادة صناعته، ومعاناة بضاعته، فحظه مِنْهُ لطيف الهبوب، حسن الأسلوب، وَمن ذَلِك فِي وصف أبي إِسْحَق بن الْحَاج طلع شهابا ثاقبا، وَأصْبح بِشعرِهِ للشعرى مصاقبا، فنجم فبرع، وتمم الْمعَانِي واخترع، وكلف بالآداب، وَهُوَ غُلَام يافع، وَله من الْحسن لكل قلب شَافِع، فأترع كأسه، ونضد ريحانه وأسه، وَنبهَ للصبوح من بعد الذكرى باسه. وَلم يزل دوحه يتأرج، وعقايل بدايعه تتبرج، حَتَّى دعى للكتابة، وترشح لتِلْك المثابة، فطرز المهارق برقوم أقلامه، وشنف المسامع بدرر كَلَامه، وأزمع للرحيل، لما خَافَ على بضائعه الضّيَاع، فَركب الْفلك وَشرع الشراع، فحج وزار، وَشد للطَّواف الْإِزَار، ثمَّ هفا إِلَى الْمغرب وحوم، وقفل قفول النسيم على الرَّوْض بعد مَا تلوم، فاستقر تَحت ظلال الدولة الموحدية، فحط بهَا على نَار الْقرى وَحمد عِنْدهَا صباح السرى، ثمَّ لم يلبث أَن تنقل وَوجد الْجَحِيم فعافه وتنقل، وَهُوَ الْآن فِي جملَة كتاب الْمغرب، حساما فِي البلاغة دامي المضرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم بن قُطْبَة سَابق ركض مجلى، وشارق طلع فتجلى، وفاضل تخلق من الْخلال البارعة بِمَا تحلى، أَتَى من أدواته بالعجايب، وَأصْبح صَدرا فِي الْكتاب وَسَهْما فِي الكتايب، وَكَانَ أَبوهُ رَحمَه الله، بِهَذِهِ الْبِلَاد قطب أفلاكها، وواسطة أسلاكها ومؤتمن أملاكها، وَصدر رجالها، وَولى ربات حجالها، فَصدق يقينه ومحافظته على أَرْكَان دينه، قد نثل بنيه سَهْما سَهْما، وخبرهم براعة وفهما، وألقاه بَينهم مَاضِيا شهما، فدمر مِنْهُ نجيبا، وَدعَاهُ إِلَى الْجِهَاد، فألفى مِنْهُ سميعا مجيبا، فصحب السَّرَايَا الْمُغيرَة، وَحضر من المواقع الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة، وباشر الْحَرْب وبأسها، وَنَازع ذَلِك الشّرْب كأسها، وعَلى مصاحبة الْبعُوث وجوب السهول والوعوث فَمَا رفض البراعة للياتر، وَلَا ترك الدفاتر للزمان الفاتر. وَلم يزل يبهر بأدواته، وينتج البدايع بَين قلمه ودواته، فَإِن خطّ، فاخر ببراعة الْخط، إِلَى خلق سَلس المقادة، وَنَفس للمكارم منقادة، وأدب بديع الْمَقَاصِد، قَاعد للمعاني بالمراصد، واستأثرت بِهِ الْكِتَابَة الرفيعة السُّلْطَانِيَّة، فشعشع أكواسها وعاطاها، وَكَانَ من تِلْكَ القلادة الرفيعة وسطاها، وَله همة يحسدها فرقد الْأُفق وثرياه، وَكِتَابَة تنَازع الرَّوْض طيب رياه وَمن ذَلِك فِي وصف أبي بكر الْقرشِي قريع مجد وَحسب، مُتَقَدم على تَأَخّر زَمَانه بِذَات ومنتسب، من دوحة الشّرف الَّذِي لَا يذوي نظيرها، ونبعة الدّيانَة الَّتِي لَا يغيض نميرها، إِذا ذكر الصالحون فحيها بعمر ووالده، وَأكْرم بطارفه وتالده، أصبح لمهبة الظّرْف ناسما، فَلَا تَلقاهُ إِلَّا ضَاحِكا باسما، إِلَى حلاوة الضرايب، والشمايل، وَالْأَدب المزري بأزهار الخمايل، فَمَا شيت من مداعبة تمتزج بالنفوس، ومحاورة تزري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 بالكوؤس، وأدب عذب مذاقه، واعترف بِهِ فرسَان الْكَلَام وحذاقه، وَمَعَان جَاءَت من السهولة بِمَا تَقْتَضِيه أخلاقه، وعفاف ضفت أذياله، وظرف صفت جرياله، وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن جزى فرع مجد سبق، وثاقب طلع فَجلى الغسق، وأديب فرع من الْأَدَب كل شَاهِق، وَحدث عَمَّا بَين عَاد وبنيه، وصدغاه فِي خدى غُلَام مراهق، فبذ أقرانه وأترابه، وأجال فِي ميدان الْفُنُون عرابه، فَأصْبح نادرة أَوَانه، وواسطة عقد أخوانه، فَهُوَ النبيه، الَّذِي قل لَهُ الشبيه، والوجيه الَّذِي قصر عَن لحاقه الْوَجِيه، إِذا ذكرت الغرائب قَالَ أَنا لَهَا، وَلَو تعلّقت الغوامض بِالثُّرَيَّا لنالها، إِلَى خلق أعذب من الضَّرْب وأشهى من بُلُوغ الأرب، ونبل لَا تطيش نباله عَن غَرَض، وذكا يكْشف كل مُشكل مهما عرض، وَله أدب تود الْعُقُول محَاسِن شذوره، وتقصر الصُّدُور عَن أعجازه وصدوره، وتتضاءل أهلة الْمعَانِي عِنْد طُلُوع بدوره. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي العلى بن سماك كَاتب ماشق، وأديب لربح الْبَيَان ناشق، ذُو طبع سَائل، وكلف بالمسائل، فَلَا يفتر عَن تَقْيِيد وَنقل، وجلا للفوايد وصقل كتب مَعَ الحلبة فأحكم الْخط وأتقنه، وتلقى السجع وتلقنه، وَأنْشد الشّعْر فَأجرى بِغَيْر الخلا، وَجعل دلوه فِي الدلا، وَله بَيت معمور فِي الْقَدِيم بصدور قُضَاة، وسيوف للدّين منتضاة، وَلم يزل منتظما فِي السلك، ومرتسما فِي كِتَابَة الْملك إِلَى أَن عضه الدَّهْر بناب خطوبه، وقابله بعد البشاشة بقطوبه، فتأخرت فِي هَذِه الْأَيَّام جرايته، وَنَكَصت على الْعقب رايته، وَقد ثَبت من شعره مَا يشْهد بإجادته، وينظمه فِي فرسَان الْكَلَام وقادته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وَمن ذَلِك فِي وصف مؤلف هَذَا الْمَجْمُوع مُحَمَّد بن عبد الله بن الْخَطِيب وَفقه الله إِن خلطت العذب بالأجاج، ونظمت مخيلتي بَين دُرَر هَذَا التَّاج، فَلم أبغ تعريفا وَلَا تَنْبِيها، وَلَا اعتمدت أَن أقرظ نَفسِي وأذكيها، وَلَكِنِّي بأوت بنفسي عَن مُفَارقَة أَبنَاء جنسي، فزاحمتهم فِي أَبْوَاب هَذِه الْآدَاب، وقنعت باجتماع الشمل بهم وَلَو فِي الْكتاب، وَلما رَأَيْت حللهم الموشية الطرز، وحلاهم الْوَاضِحَة الشيات وَالْغرر، نافستهم مُنَافَسَة الْأَكفاء فِي حلَّة تزين مَنْكِبي، وَرَايَة تتقدم موكبي، فجلبت فضلا حلاني بِهِ رَئِيس الصِّنَاعَة وَإِمَام الْجَمَاعَة فِي بعض المنشورات السُّلْطَانِيَّة، ألبسني بِهِ الشّرف ضاني الأردان، وَتَرَكَنِي معلم ذَلِك الميدان وَهُوَ أظهر لَهُ أثر اعْتِقَاده الْجَمِيل فِيهِ، وَفتح لَهُ أَبْوَاب الْقبُول والتنويه، تشرع إِلَى الْعِزّ الْوَجِيه، وَالْقدر النبيه، ورعى لَهُ وسائله الَّتِي كرمت مَعَانِيهَا، وعذبت مجانيها، وتأسست على قَوَاعِد البلاغة مبانيها، فَعرف مَاله من الْأَصَالَة، حَتَّى تميز فِي أعيانها، وبراعة الْآدَاب الَّتِي أحرز خصل سباقها، وتلقى بِالْيَمِينِ راية فرسانها، وَلما اختصه بالتقريب والإيثار، وَاعْتَمدهُ بولايات ملكه الْكِبَار، وقربه فِي بِسَاط ملكه، حفاية وعناية، وأطلع من آيَات السَّعَادَة لَهُ آيَة، وابتداه بالخطط الَّتِي هِيَ لغيره غَايَة، رأى أَن يَسْتَعْمِلهُ فِيمَا هُوَ لَدَيْهِ أهم موقعا وأعز موضعا، وَأَن يجمع لَهُ بَين الكتابتين إنْشَاء وديوانا. ويطلع لَهُ وُجُوه الرِّعَايَة غرا حسانا. فحسبي مَا خلد لي بذلك من مجد، وقلدني من فَخر أشهر من نَار على نجد، وَأما شعري ونثري فقد أثبت مِنْهُ، بعد سُؤال الإغضا، وَالنَّظَر بِعَين الرِّضَا، تعلق بِالذكر، واحتجت بحجاب الضَّمِير من بَنَات الْفِكر وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر بن خَاتِمَة ناظم دُرَر الْأَلْفَاظ، ومقلد جَوَاهِر الْكَلَام نحور الروَاة ولبات الْحفاظ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 ذُو الْأَدَب الَّتِي أضحت شوارده حلم النيام وَسمر الأيقاظ، وَكَمن فِي بَيَاض طرسه، وَسَوَاد نَفسه سحر اللحاظ، رفع بقطره راية هَذَا الشان على وفور حلبته، وَفرع قنة الْبَيَان على سمو هضبته، وَفَوق سَهْمه إِلَى نحر الْإِحْسَان، فأثبته فِي لبته، فَإِن أَطَالَ، ثار الْأَبْطَال، وكاثر المنسجم الهطال، وَإِن أوجز فَضَح وأعجز، فَمن نسيب تهيج بِهِ الأشواق، وتضيق عَن زفراته الأطواق، ودعابة تقلص ذيل الْوَقار، فتزرى بأكواس الْعقار. إِلَى انتماء للمعارف، وجنوح إِلَى ظلها الوارف، وَلم تزل فضائله بتك الْبَلدة تنفسح آمادها، حَتَّى تنافس فِيهِ قوادها، فاتخذوه كَاتب أسرارهم، وترجمان أخبارهم، وَقد ثَبت من مقطوعات شعره، ونفثات سحره، مَا يستفز السَّامع، ويقرط المسامع وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن بقى مدير لأكواس الْبَيَان الْمُعْتق ولعوب بأطراف الْكَلَام المشقق انتحل لأوّل أمره الْهزْل من أصنافه فأبرز دُرَر مَعَانِيه من أصدافه وجنى ثَمَرَة الإبداع لحسين قطافه، ثمَّ تجَاوز إِلَى المعرب وتخطاه، فأدار كأسه وعاطاه، فَأصْبح لفنيه جَامعا، وَفِي فلكيه شهابا لامعا، وَله ذكا يطير شرره، وَإِدْرَاك تتبلج غرره، وذهن يكْشف الغوامض، ويسبق البارق الوامض، وعَلى ذلاقة لِسَانه، وانفساح أمد إحسانه، فشديد الضنانة بِشعرِهِ، مغال لسعره، أجَاب أحد الأحباء مِمَّن خطب ادبه واستدعاه للمراجعة وندبه. وَمن ذَلِك وصف أبي عَليّ حسن بن عبد السَّلَام فَارس براعة بارعة، ورث بديهة مسارعة لاك الْكَلَام وعلكه، وَاسْتحق الْإِحْسَان وَملكه، وأدار على قطب الإجادة فلكه، وساعده الدَّهْر فتحدى طَرِيق السرو وسلكه، وَلم يزل الْمِقْدَار يساعده، وَالتَّدْبِير ينوء بِهِ ساعده حَتَّى تحلت بِالثُّرَيَّا حَاله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 وَعظم جاهه وَمَاله، وَلما تغلبت الْفِتْنَة بدولته، وعجمت عود صولته آثر الرحيل، وَفَارق ربعه الْمُحِيل، وَاسْتقر بِحَضْرَة تونس يروم الوجهة الحجازية وَقد تَبرأ من قَول الشَّاعِر: " وَمَا أَنا إِلَّا من غزيَّة " فَأَتَاهُ بهَا حمامة، وَانْقَضَت دون أمله أَيَّامه، وَله أدب غض الجنى، أنيق اللَّفْظ وَالْمعْنَى على قصر بَاعه، وَقلة انتجاعه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن بن الصّباغ اللسن الْعَارِف، والناقد لجواهر الْمعَانِي كَمَا تفعل بالسكة الصيارف، والأديب الْمجِيد، الَّذِي تحلى بِهِ للعصر النَّحْر والجيد، إِن أجال جِيَاد براعته، فَضَح فرسَان المهارق، وأخجل من بَيَاض طرسه، وَسَوَاد نَفسه الطرر تَحت المهارق. وَإِن جلى أبكار أفكاره، وأثار طير الْبَيَان من أوكاره، سلب الرَّحِيق المعدم فضل ابتكاره، إِلَى نفس لَا يفارقها ظرف، وهمة لَا يرْتَد إِلَيْهَا طرف وإباية لَهُ لَا يفل لَهَا غرب وَلَا جرف، وَفِي هَذِه الْأَيَّام دَعَاهُ شيخ الْغُزَاة إِلَى كِتَابَة سره، وَقَامَ بِوَاجِب بره، وَله أدب غض وزهر على مجتنبه مرفض. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي إِسْحَق الطّراز رَوْضَة أدب وظرف، كَمَا شِئْت من حسن وَعرف، أشرقت ذكا ذكائه، وتضوعت آدابه تضوع الرَّوْض غب سمائه، إِلَى حلاوة الْخَلَائق والضرائب، والشيم الْحَسَنَة والمعاني الغرايب، ترتاح إِلَى مُجَالَسَته المحاضر، ويرقب من أفنان فكاهته الزهر الناضر، فَمَا شيت من توقيع رفيع، وتندير بالإصابة جدير، ولطافة الشَّمَائِل فِي كثير من الْفَضَائِل، وَله نفس تطمح إِلَى بُلُوغ الْمعَانِي، وفكر يَحْدُو حلل الْبَدَائِع فِي الطّراز العالي، وأدب كالروض باكرته السحائب، وحملت أرجه الصِّبَا والجنائب وَقد أثبت من شعره كل عطر النسيم، سَافر الْمحيا الوسيم، وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر بن دَاوُد الْوَادي آشى شيخ الْعمَّال المؤتمن على الجباية وَالْمَال، الْمُسْتَوْفى شُرُوط الْفضل على الْكَمَال، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 تواضع رَحمَه الله على الْعُلُوّ، وَلبس شعار السّكُون والهدو، وبذل المجاملة للصديق والمسالمة لِلْعَدو، ولازم مجَالِس الْملك بِحَيْثُ يضر وينفع، ويحط وَيرْفَع، فَمَا شَاب بالإساءة إحسانا، وَلَا أعمل فِي غير الْمُشَاركَة لِسَانا إِلَى غير ذَلِك من الْأَدَب الْعطر النسيم، السافر عَن الْمحيا الوسيم، واشتهر بِالْوَفَاءِ اشتهار دارين بطيبها وأياد بخطيبها، فَكَانَ حَامِل رايته، ومحرز غَايَته، وَمضى لسبيله فقيدا عَم فَقده وَخص، وهاض أَجْنِحَة الْحَاجَات وقص، وَله أدب يُصِيب شاكلة الرمى بنباله، ونظم تضحى الْمعَانِي قنايص حباله، وَمن ذَلِك وصف أبي عبد الله بن حسان كَاتب إنْشَاء وديوان، وَصدر حفل وإيوان، وَفَارِس يراعة، وَروض أدب وبراعة، يملى الرسائل فَلَا يجِف مدادها، وينظم القصائد لَا يعييه امتدادها، ويحبر الرّقاع ويوشيها، ويصور الْمعَانِي وينشيها، ويدبج برود البدايع ويطرز حواشيها إِلَى خطّ تهيم الْأَلْفَاظ بالتماح سطوره وتغار الرياض بممطوره، وأبوة ومجاده، وَبَيت أمطره الْفضل وجاده، وأنجبت مِنْهُ أبوة صَاحب الأشغال رَحمَه الله خلفا سد مسده، وَتجَاوز فِي السرو مَا حَده، وَلم تزل الأسماع تخْطب بدايعه، وأسواق الأشواق تغلى بضايعه، حَتَّى أصبح فَردا فِي أترابه، وفذا فِي أغرابه، وَله نفس عذرية الشمايل، ولسان هام بزهر الرياض وظل الخمايل، وطبع إِلَى شيم الرصافة وَالْحسن مايل وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن مصادف الرندي من شُيُوخ الطَّرِيقَة العملية ومنتحلي الصِّنَاعَة الأدبية كَانَ رَحمَه الله مَجْمُوع ظرف، ومسرح كل طرف، من خطّ بارع، وأدب إِلَى دواعي الْإِجَابَة مسارع، وَلما صَار أَمر رنده، كلأها الله، عِنْد اشتعال الْحَرْب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 وتوالى الضَّرْب على ملك الْمغرب قَلّدهُ أَعمالهَا، وَجعل إِلَى نظره حالتها، ثمَّ تنقل إِلَى بعض الولايات ببر العدوة، وَبهَا قضى نحبه، وَفَارق صَحبه، بعد معاناة خطوب، ومباشرة صروف من الدَّهْر وضروب. وَله أدب طَابَ وتأرج، وَعطف على رسوم الإجادة وعرج، وَمَعَان تتجلى تجلى العذارى وتتبرج. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي إِسْحَق بن جَعْفَر شيخ توقيعة نادرة، وفكاهة وَارِدَة وصادرة، ونظم أنيق الديباجة، لطيف الزجاجة، عطر النفخة، [عذب المجاجة] وظرف لَا يذوي دوحه، وأدب تأرج روحه، وَقضى رَحمَه الله، وَقد تخلف عقبا نجيبا، والقى من ابْنه أَبى جَعْفَر مستمعا للفضل مجيبا، حَاز فِي الْإِحْسَان طلقه، وحاسن فلقه، وَقد ثَبت من شعره مَا يقر بوقور مادته واستقامة جادته، وَمن ذَلِك فِي وصف ابْنه أبي جَعْفَر كَاتب حِسَاب، ومنتسب لأدب أَي انتساب، إِن فكر وروى، أنهل الخواطر وروى، وَإِن ابتدر وارتجل، أولد الْبَدَائِع وَانْتَحَلَ، وَله منطق يحاول الصعاب فيلينها، ويتناول الغوامض فيبينها، ويجلو كل سَاحِرَة الْأَلْبَاب تروق جبينها ويوسع المحاضرة إمتاعا ويمد فِيهَا خطوا وساعا، قَالَ الْمُؤلف وَقد حظيت من بَيَانه بِهَذَا الْمَجْمُوع، وَلم أَقف مِنْهُ عِنْد خَبره المسموع، لكني اجتزأت مِنْهُ باليسير، وقنعت بِمَا حضر، واكتفيت برايقة الْأَثِير، وأقمت قَلِيله مقَام الْكثير، وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن الْبَرْبَرِي المالقي شَاعِر ينْفق من سَعَة، وينطق وسط المجمعة، ومطبوع لَا يتَكَلَّف، ومجيد إِذا نَهَضَ البلغاء لَا يتَخَلَّف، عانى النّظم وزمنه كمثله غُلَام، ودهره تَحِيَّة وَسَلام، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 ومدح وانتفع، وشفع شعره للملوك فشفع، وَلم يزل يتَصَرَّف فِي الْأَعْمَال، ويقابل بِالْإِحْسَانِ والإجمال، وَقد أثبت من شعره كل مُحكم العقد، شَدِيد الْوَطْأَة على النَّقْد. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم بن مقَاتل المالقي من حسباء الطَّرِيقَة وصدورها، والمحاسن لترايبها العاطلة ونحورها. كَانَ رَحمَه الله هضبة وقار وسكينة، وَذَا مكانة فِي الْفضل مكينة. إِلَى صدر سلم ومجد صميم، وَخلق عَظِيم السهولة، وسمت خليق بسن الكهولة، ولسان مغرى بِالذكر، متقلب بَين الْحَمد وَالشُّكْر، وَإِلَى ذَلِك فَكَانَت لَهُ دعابة صائبة السهْم، ونادرة يتنافس فِيهَا أولو الْفَهم، ومجالسة طيبَة، وفكاهة غمامتها صيبة. وَاسْتعْمل فِي الولايات النفيسة، فحمدت سيرته، وَحسن أَثَره، وكرم خَبره وَخَبره، وأنجب عقبا جَارِيا على سنَنه، ومتخلفا من السرُور بأحسنه، وَكَانَ لَهُ أدب غض الجني، طيب اللَّفْظ وَالْمعْنَى، ومقطوعات حَسَنَة المقاطع، سافرة عَن الْحسن الساطع. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي زيد عبد الرَّحْمَن الينشتي من شُيُوخ طَريقَة الْعَمَل، المتغلبين من أحوالها بَين الصحو والثمل، المتعلقين برسومها حِين اخْتَلَط المرعى بالهمل. وَهُوَ ناضم أرجاز، ومستعمل حَقِيقَة ومجاز نظم بهَا مُخْتَصر السِّيرَة فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة، ونظم جُزْءا فِي الرجز والفال، فبذ بِهِ تِلْكَ الطَّرِيقَة بعد الإغفال. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر الْمَعْرُوف بالبغيل من أهل المرية بَقِيَّة صَالِحَة، وغرة فِي الزَّمن البهيم وَاضِحَة، أرخ وَقيد وَأحكم بِنَا الْعبارَة وشيد، ورقم الرسائل الْبَدَائِع، وحقق بِبَلَدِهِ الْأَخْبَار وَكتب الوقائع. فمجالسته عَظِيمَة الإمتاع، ومحاضرته مقرطة الْأَذَان والأسماع. وَله شعر جزل، لَا ينتكب لمعانيه غزل، وَأَلْفَاظه صقيلة، وَمَعَان تتبرج تبرج العقيلة، وأغراض لَا تطيش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 نبلها، وَلَا تطمس لاحب سبلها. وَقد أثبت مِنْهَا مَا يشْهد بإجاد ته وَيدل على كرم مجادته. وَفِي وصف أبي جَعْفَر بن جَعْفَر من مالقة أديب مجيد، وَبَطل فِي الْحساب نجيد، تقدم فِي الطَّرِيقَة العملية، وبرز وطور طروسها وطرز، وَنقد وأبرز، وعانى النّظم فأجاده، واستقى غمام الْأَدَب فجاده، وسبك الْأَلْفَاظ وخلصها، واستطرد الْمعَانِي واقتنصها، وَمَرَّتْ بِهِ النادرة فاغتنم فرصها. وَله أخلاف رفيعة، وَنَفس لكل عُذْري شَقِيقَة، وَقد أثبت من شعره مَا وَقع بيَدي، وارتسم فِي خلدي. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عَليّ حسن ابْن الْخَطِيب أبي الْحسن القيجاطي حسنى الْمَذْهَب، وهائم بِكُل عذار موشى وخد مَذْهَب، نَشأ بَين يَدي أَبِيه رَحمَه الله، وحلقة درسه مكنس أرام، ومثار صبَابَة وعزم، ومطلع الشموس الْأَهِلّة من أَبنَاء الجلة، فركض فِي الكلف ملْء عنانه وَمكن الجفون السود من سويداء جنانه وعذب عِنْده تعذيبه حَتَّى اشْتهر غزله ونسيبه، وَلما نضب عود تِلْكَ الشبيبة، وصوخ نبت تِلْكَ الرياض العجيبة، تعلق بِالْخدمَةِ العملية، فانتظم فِي أَهلهَا، وَسَار فِي حزنها وسهلها، وَظَهَرت عَلَيْهِ تبعات عبر لَهَا اللجة، وَقطع الْحجَّة. وَاسْتقر ببجاية، فارتفد وارتفق، وَعرض شعره، فعلى سعره ونفق، ثمَّ ارتحل على هَذَا الْعَهْد إِلَى أم تِلْكَ المملكة، والقايمة بحسنات تِلْكَ الْبِلَاد مقَام الفذلكة، فاستند إِلَى بَابهَا، وارتسم فِي سلك كتابها، وَقد أثبت من شعره المطبوع أَيَّام مقَامه بِهَذِهِ الربوع. وَفِي وصف أبي مُحَمَّد المرابع من أهل بلش طَوِيل القوادم والخوافي، كلف على كبر سنه بعقائل القوافي، شَاب فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 الْأَدَب وشب، ونشق ريح الْبَيَان لما هَب، فجاور رَقِيقه وجزله، وأجاد جده وَأحكم هزله، فَإِن مدح صدح، وَإِن وصف أنصف، وَإِن عصف قصف، وَإِن أنشأ وَدون، وتقلب فِي أفانين البلاغة وتفنن، أفسد مَا شَاءَ وَكَون، فَهُوَ شيخ الطَّرِيقَة الأدبية وفتاها، وخطيب محافلها كلما أَتَاهَا، لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ من أغراضها غَرَض، وَلَا يضيع لَدَيْهِ مِنْهَا مفترض، وَلم تزل بروقه تتألق، ومعانيه بأذيال الْإِحْسَان تتَعَلَّق، حَتَّى برز فِي أبطال الْكَلَام وفرسانه، وذعرت الْقُلُوب لسطوة لِسَانه، وَأَلْقَتْ إِلَيْهِ الصِّنَاعَة زمامها، ووقفت عَلَيْهِ أَحْكَامهَا فشعشع قدامتها وَنبهَ ندامها، وَأرْسل رجومها. وَعبر الْبَحْر لهَذَا الْعَهْد منتجعا لشعرة ومنفقا فِي سود الكساد من سعده، فأبرق وأرعد، وحذر وتوعد، وَبلغ جهد إِمْكَانه فِي التَّعْرِيف بمكانه، فَمَا حرك وَلَا هز، وذل فِي طلب الرفد وَقد عز، وَمَا برح أَن رَجَعَ إِلَى وَطنه الَّذِي اعتاده رُجُوع الحَدِيث إِلَى قتاده، وَقد أثبت من نزعاته، وَبَعض مخترعاته، مَا يدل على سَعَة بَاعه، ونهضة ذراعه، وألمعت بِشَيْء من سَبَب رحلته واغترابه، وعود مرهفه إِلَى قرَابه. وَفِي وصف أبي عبد الله المتأهل الْمَعْرُوف بعمامتي من أهل وَادي آش ناظم أَبْيَات، وموضح غرر وشيات، وَصَاحب توقيعات وإمارات ذَوَات إشارات، اشْتهر فِي بَلَده اشتهار الشيب فِي المفارق، وتألق بأفقه بألق البارق. وَكَانَ شَاعِرًا مكثارا، وجوادا لَا يخَاف عثارا. دخل على أَمِير بَلَده [المخلوع عَن ملكه بعد انتثار سلكه وَخُرُوج الحضرة عَن ملكه، واستقراره بوادي آش] مروع المَال متعللا بقصيات الآمال. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْمُؤلف رَحمَه الله إِن طَال الْكَلَام، وجمحت الأقلام، كنت كَمَا قيل مادح نَفسه يُقْرِئك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 السَّلَام، وَإِن أحجمت فَمَا أسديت فِي الثَّنَاء وَلَا أفحمت أضعت الْحُقُوق، وقاربت العقوق. هَذَا وَلَو زجرت طير البلاغة من أوكاره، وحييته بعيون الْكَلَام وأبكاره لما قضيت حَقه بعد، وَلَا قلت إِلَّا بِالَّذِي علمت سعد، فقد كَانَ ذمر حزم، وَرجل رَجَاء وعزم، كَانَ بِبَلَدِهِ قطبه الَّذِي عَلَيْهِ الْمدَار، وزعيمه الَّذِي لَهُ الْإِيرَاد والإصدار، وَله إِلَى الْمقَام الْعلي النصري وَسَائِل قربى، ومتات أناف وأربى. لما حل الْملك الْإِسْمَاعِيلِيّ بذلك الْقطر، ولاح بأفقه لياح هِلَال الْفطر، نزع إِلَى فريقه، وَجعل تِلْكَ الإيالة قرى طَرِيقه، وَصَحب ركابه إِلَى قرارة ملكه، ومحط فلكه، فقر بِهِ وَأَدْنَاهُ، وشيد لَهُ الْعِزّ وبناه. وَلم تزل سماؤه تجوده، وروضه يروضه جوده. واصطنعه خَلفه من بعدة إِلَى أَن دَعَاهُ الْأَجَل لوعده، فَفَقَدته بكاينة طريف جبر الله عثارها، وَعجل ثارها، حدث خطيب الْجَامِع الْأَعْظَم، وَهُوَ مَا هُوَ من وفور الْعقل، وَصِحَّة النَّقْل، قَالَ، مَرَرْت بأبيك بعد مَا تمت الكسرة وخذلت تِلْكَ الأسرة وَقد كبا بأخيك الطّرف، وَعرض عَلَيْهِ الْحمام الصّرْف، وَالشَّيْخ لم تزل قدمه، وَلَا راعه عَدمه، وَلما يئس من الْخَلَاص وطلابه صرفني، وَقَالَ أَنا أولى بِهِ فَقضى سعيدا شَهِيدا، لم يستفزه الهول وَلم يثنه، وَلَا ارتضى عَار الْفِرَار عَن ابْنه، وَكَانَت لَهُ فِي الْأَدَب فَرِيضَة، وَفِي النادرة العذبة، منادح عريضة، مَعَ قلَّة انتحاله، واشتغاله بِحَالهِ، وَمن ذَلِك فِي وصف أبي بكر البلوي من أهل ألمرية محيى لرسوم المكارم، ذُو هزة للفضائل كهزة الصارم، كَانَ رَحمَه الله بِبَلَدِهِ فِي الْإِحْسَان منزلَة الْعين من جَسَد الْإِنْسَان، والنطق من اللِّسَان والبشاشة من الصُّور الحسان. إِن ضل السماح فبيته مَأْوَاه أَو أظل الضَّيْف فَهُوَ أَبُو مثواه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 إِلَى نفس آخذة بأقاصي الْكَمَال، وشمائل ألطف من أنفاس الصِّبَا وَالشمَال، وأدب انْتهى إِلَى الْقُلُوب من الآمال، قدم على الحضرة بِأول الدولة لأَدَاء حق الطَّاعَة والانتظام فِي الْجَمَاعَة، وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن السراج طَبِيب ماهر، وَروض علم تفتحت فِيهِ للفنون أزاهر، درج من الشظف إِلَى السعَة، وتحلى بحلية الْعلم فرفعه، فَبلغ الْغَايَة الَّتِي لطف محلهَا، وَفَاء عَلَيْهِ ظلها، وتقلبت عَلَيْهِ الْأَيَّام فاعتورته صروفها، وتنكر عِنْده معروفها لما ذكرته فِي كتاب " طرفَة الْعَصْر فِي اختبار دوَل بني نصر "، ثمَّ تداركت صَلَاح حَاله ومتعته بِطيب الْقَرار بعد ارتحاله، فاستقرت دَاره، واستقام على قطب الْعِنَايَة مَدَاره، وَكَانَ رَحمَه الله كثير الدعابة، وَمَا شانه ذَلِك وَلَا عابه، وَله نظم ينخرط فِي سلك الانطباع، وتخبر بطول الباع. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي زَكَرِيَّا يحيى بن هُذَيْل التجِيبِي درة بَين النَّاس مغفلة، وخزانة على كل فَائِدَة مقفلة، وهدية من الدَّهْر الضنين لِبَنِيهِ محتفلة، أبرع من رتب التعاليم وَعلمهَا، وركض فِي الألواح قلمها، وأتقن من صور الْهَيْئَة وَمثلهَا، وَأسسَ قَوَاعِد الْبَرَاهِين وأثلها، وَأعرف من زاول شكاية، وَدفع عَن جَسَد نكاية إِلَى غير ذَلِك من الْمُشَاركَة فِي الْعُلُوم، والوصول من الْمَجْهُول إِلَى الْمَعْلُوم، والمحاضرة المستفزة للحلوم، والدعابة الَّتِي مَا خَالع الغدار فِيهَا بالملوم. فَمَا شيت من نفس عذبة الشيم، وأخلاق كالزهر من بعد الديم، ومحاضرة تتحف الْمجَالِس والمحاضر، ومذاكرة يروق النواظر زهرها الناضر، وَله أدب ذهب فِي الإجادة كل مَذْهَب وارتدى بن البلاغة بِكُل رِدَاء مَذْهَب، وَمَعَان تراودها الخواطر فتصد وتحييها النُّفُوس فَلَا ترد، وَالْأَدب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 نقطة من حَوْضه، وزهرة من أزهار روضه، وسيمر فِي هَذَا الدِّيوَان مَا يبهر الْعُقُول ويحاسن بِرِوَايَة ورائق بهائه الفرند المصقول. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عَمْرو بن عباد من أهل رنده صوفي مُحَقّق، ومريد عَن صبوح الْمحبَّة مرفق. كَانَ بِبَلَدِهِ رَحمَه الله عينا من أعيانها، وقريع بَيت من بيوتات إحسانها، شام للغرب بارقا، فَأصْبح لدنياه مفارقا، فنزح عَن بِلَاده، وَخرج عَن طريفه وتلاده، وشمر لمقارعة الْهوى وجلاده، وخاض بَحر تِلْكَ الْأَهْوَال حَتَّى صَار معدودا فِي أهل الاحوال، وَظَهَرت عَلَيْهِ سمات الحضرة، وسطعت لَهُ أنوار الْعِنَايَة الإلهية، وَلم يزل يعبر عَن وجده ويكنى بحاجره ونجده، حَتَّى حفظت أَقْوَاله، واشتهرت أَحْوَاله. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْوَلِيد بن هاني من أهل غرناطة شَاعِر ينحت من طود، وماطر صاب من الْكَلَام بجود. عدل عَن اللَّفْظ الْقَرِيب إِلَى الحوشى الْغَرِيب، وَإِذا أجهد طبعه وَوصف حيه وربعه، وَكَيف ظعن الْقطَّان، وتغيرت الأوطان، قلت حجازيا فصيحا أَو تميميا شقّ للْبَيَان ريحًا أَو نجديا شكى بثا وتبريحا. نَشأ بِبَلَدِهِ غرناطة، مطلع نور حَسبه الباهر، وروضة بَيته الأنيق الأزاهر، فشاقى حلبة الطّلب، وفاز بالغلب، واجتهد وَعَكَفَ واستمطر وابل الْعلم لما وكف حَتَّى جلى من المشكلات كل حالك، وَاسْتظْهر موطأ مَالك. ثمَّ رمى السفار بعزمته، وخاض القفار بجرفه وحزمته، وَاسْتقر بعد اعتساف المجاهل، ومزاحمة المناهل، وخوض المرار، والبشام بحماة الشَّام، واتخذها دَارا، وارتضاها لفضله مدارا. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله النمري الكفيف من أهل مالقه [ضَرِير زار نور بَصَره نور قلبه فاجتمعا، وكفيف سَارَتْ الْأَمْثَال بِذكرِهِ فَصدق مرأى مِنْهُ مستمعا] صَادِق اللهجة، سلك سَبِيل الْفضل، وانتهج نهجه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 أذهن من راو المشكلات وافترعها، وصادم الغوامض فصرعها، وَله فِي علم اللِّسَان [قدم راسخة] وَفِي أَحْكَام الْمعَانِي آيَة ناسخة، وَكَانَ معرى عصره، ووارث علمه الَّذِي يعجز عَن حصره، وَله فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة ذوق، وَإِلَى تِلْكَ الْفُنُون شوق نسبته لسببه الألسن، واستقبح مِنْهُ مَا يحسن. ونظمه دون قدره، ومعانيه تكْثر عَن نفثات صَدره. وَمن ذَلِك فِي وصف الأديب الْحَاج الرّحال أبي إِسْحَق الساحلي رَحمَه الله جَوَاب الْآفَاق، ومحالف الرفاق، ومنفق سعر الشّعْر كل النِّفَاق، رفع بِبَلَدِهِ راية للأدب لَا تحجم وَأصْبح نَسِيج وَحده فِيمَا يسدى ويلحم، فَإِن نسب، جزى كل قلب بِمَا كسب، وَإِن مدح وقدح، من أنوار فتنته مَا قدح، حرك الجامد، ونظم نظم الجمان المحامد. وَإِن أبن أَو رثا، غبر فِي وُجُوه السوابق وحثا، وَلما أنف الكساد سوقه، وضياع حُقُوقه، أَخذ بالعزم، وَأدْخل على تعلاته عَامل الْجَزْم، وَلم يزل يسْقط على الدول سُقُوط الْغَيْث، ويحتل كناس الظبي وَغَابَ اللَّيْث، ويركض النجائب، وَيتبع الْعَجَائِب، حَتَّى استضاف بِمصْر الْكِرَام، وَشَاهد البرابي والأهرام، وَرمى بعزمته الشَّام، فاحتل ثغورها المحوطة، وَدخل دمشق وتفيأ الغوطة، ثمَّ عاجلها بالفراق، وَتوجه إِلَى الْعرَاق، فَحَيَّا بِالسَّلَامِ، مَدِينَة السَّلَام، وَأورد بالرافدين رواحله، وَرَأى الْيمن وسواحله ثمَّ عدل إِلَى الْحَقِيقَة عَن الْمجَاز، وَتوجه إِلَى مثابة الْحجاز، فاستلم الرُّكْن وَالْحجر، وزار الترب الْكَرِيم لما صدر، وتعرف بِجَمِيعِ الْوُفُود بِملك السود، فغمره بإرفاده، واستصحبه إِلَى بِلَاده، وَاسْتقر بِأول أقاليم الأَرْض، وأقصى مَا يعمر من هَذَا الْعرض، فَحل بهَا مَحل الْخمر فِي القار، والنور فِي سَواد الْأَبْصَار، وتقيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 بِالْإِحْسَانِ، وَإِن كَانَ غَرِيب الْوَجْه وَالْيَد وَاللِّسَان، وَقد أثبت من شعره مَا يشْهد بجلالة آدابه، وَتعلق الْإِحْسَان بأهدابه. وَمن ذَلِك فِي وصف الْقَائِد أبي جَعْفَر أَحْمد بن خير قَائِد مليح الشيبة، ممتزج المباسطة بالهيبة، يجمع بَين الدعابة وَالْوَقار، وَيُدبر من الفكاهة كؤوسا تزري بكؤوس الْعقار، وَله أَصَالَة قَامَت على الْعلم أَرْكَانهَا، واشتهر بحمص أَعَادَهَا الله مَكَانهَا، ووسائل إِلَى السّلف الْكَرِيم عظم ذمامها، وَثبتت أَحْكَامهَا، وحظوة ظفر مِنْهَا بالأمل، وارتضع أخلافها بَين القيادة وَالْعَمَل، تنَاول خطة الْمَدِينَة فأجراها، وراش نبل الْأَحْكَام وبراها، وَبشر أبشار ألى الْفساد وفراها، وَفرق حَتَّى بَين الجفون وكراها , فكم عاشق انتجز للوصل ميعادا وارتقب للسعد إسعادا، وظفر بمثير غرامه، وموقد ضرامه فِي مجْلِس تجلت فِيهِ عروس الكاس، عَن فرش الْورْد والآس، وَعند سُجُود الإبريق، ومزج المدامة بالريق، وثب ابْن خير هَذَا وثوب اللَّيْث، وَسقط عَلَيْهِ سُقُوط الْغَيْث، فراع غزال ذَلِك الكناس، وَفرق بَين روح المدام وجسم الكاس، حَتَّى ذعرت الْقُلُوب لسطوته، وتشوفت الآذان إِلَى إحساس خطوته. كل ذَلِك بِعدْل ميزَان قَائِم، وجزالة، لَا يثنيها فِي الْحق لايم، وبسالة تشهد المواقع بمضايها، وتثنى عَلَيْهِ السيوف عِنْد انتضابها. واصطنعه هَذَا الْمقَام اليوسفي، أَعْلَاهُ الله، فارتضاه للأمانة الْعُظْمَى، وقلده حفظ أَبْوَاب معقله الأسمى، فاعطى الْقوس باريا، وقلد الخطة حساما واريا، وَهُوَ لطيف الْمحل لَدَيْهِ وحظى بَين يَدَيْهِ، يستظرف نادرته العذبة، ويبدي لَهُ الْقبُول والمحبة، وَله أدب عذب الْجَانِب سهل المذانب، لَا زَالَ ينفث بضربه ويستفز عِنْد نظمه عوائد طربه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر بن غفرون من الْجند نير مَا طلع حَتَّى أفل، وَمَا جد فِي حلل الْفضل رفل، ألطف النَّاس فِي معاشرة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 الْأَكفاء، وَثَانِي السموأل ابْن عاديا فِي الْوَفَاء، إِلَى حلم لَا يضيق لَهُ صدر، وعهد لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ لحماه نكث وَلَا غدر، وَنَفس عَظِيمَة النفاسة، وأخلاق مولعة بِذكر الحماسة. توجه مَعَ الْحصَّة إِلَى حراسة ثغر بيرة، وَقد اشتعلت نيرانه، وكلف جِيرَانه، وَكَانَت من الْمُسلمين جَوْلَة فِي بعض المواقف، ميز الله بهَا الْخَالِص من الزائف وَلم يرض صاحبنا رَحمَه الله عَار الْفِرَار أَمَام الْكفَّار، وَلم يزل يقدم إقدام الغضنفر، وَيُقِيم هامته مقَام المغفر، فَقضى سعيدا مقداما، وَشرب للحمام كأسا كَانَت لَهَا السَّعَادَة مداما، وَلم أظفر من كَلَامه إِلَّا بنزر، وَلَا حصلت من مده إِلَّا على جزر وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر الروية من أهل بلش ناظم للفقر الشاردة، ومقتنص الْمعَانِي الصادرة والواردة، وَصَاحب قريحة ملتهبة الْوقُود، وبديهة منتظمة الْعُقُود، إِلَى بَيت ينتمي إِلَى مجد، وأصالة أطيب من عرار نجد. نَشأ بِبَلَدِهِ بلش قرارة ميلاده، مُقْتَصرا على انتجاع تلاده، صان بذلك وَجهه عَن إِرَاقَة مَائه وهتك حجاب حيائه. وَلم أظفر من شعره على استرساله، وتدفق سلساله إِلَّا بقوله يهنى السُّلْطَان بِأحد أَوْلَاده وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله الْعَبدَرِي المالقي أديب نَار ذكائه يتوقد، وعارف لَا يعْتَرض كَلَامه وَلَا ينْقد. وَأما الْهزْل فَهُوَ طَرِيقَته المثلى الَّتِي ركض فِي ميدانها وجلى، وطلع فِي أفقها وتجلى فَأصْبح علم أعلامها، وعابر أحلامها، فَإِن أَخذ بهَا فِي وصف الكاس، وَذكر الْورْد والآس، وألم بِالربيعِ وفصله، والحبيب وَوَصله، وَالرَّوْض وطيبه، والغمام وتقطيبه، شقّ الْجُيُوب طَربا، وعَلى النُّفُوس أربا وَضَربا. وَإِن أشْفق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 لاعتلال العشية فِي فرش الرّبيع الموشية، ثمَّ تعداها إِلَى وصف الصبوح، وأجهز على الزق الْمَجْرُوح، وَأَشَارَ إِلَى نغمات الْوَرق يرفلن فِي الْحلَل الزرق، وَقد اشتعلت فِي عنبر اللَّيْل نَار الْبَرْق، وطلعت بنود الصَّباح فِي شرفات الشرق سلب الْحَلِيم وقاره، وَذكر الخليع كأسه وعقاره، وحرك الأشواق بعد سكونها وأخرجها من وَكَونهَا، بِلِسَان يتزاحم على مورده الخيال، ويتدفق من حَافَّاته الْأَدَب السيال، وَبَيَان يُقيم أود الْمعَانِي، ويشيد مصانع اللَّفْظ محكمَة المباني، ويكسو حلل الْإِحْسَان جسوم المثالث والمثاني، إِلَى نادرة لمثلهَا يشار، ومحاضرة يجتني بهَا الشهد ويشار. وَقد اثْبتْ من شعره، وَإِن كَانَ لَا يتعاطاه إِلَّا قَلِيلا، وَلَا يُجَاوِزهُ إِلَّا تعليلا، أبياتا لَا تَخْلُو من مسحة جمال على صفحاتها، وَهبة طيب تنم فِي نفحاتها. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم الشريف الْحسنى ماشيت من قدرَة وأيد، لَيْسَ من عَمْرو وَلَا زيد، أكْرم من عمر البلاغة مجالا [وَلعب بأطراف الْكَلَام المشقق روية وارتجالا] ، وأطوع من دَعَا أَبْيَات الْمعَانِي فَجَاءَت عجالا [وأبدع من أدَار أكواس الْبَيَان الْمُعْتق] ، وَأجل من أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّاعِر بقوله " وَخير الشّعْر أكْرمه رجَالًا " قدم على الحضرة هَذَا القَاضِي الشريف، وَقذف بدرته النفسية لَهَا الرِّيف، رَوْضَة أدب وظرف لما شيت من حسن وَعرف، يُدِير المحاضرة جريالا، ويسحب البديع الروايع أذيالا، ذَا نفس كَرِيمَة، وأخلاق كالروض غب انسكاب ديمه، وَقعد بمسجدها فدرس وَحلق، وسطع نوره فِي أفقها وتألق، واستأثرت بِهِ الْكِتَابَة السُّلْطَانِيَّة لأوّل وُرُوده، وسحبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 عَلَيْهِ من الْإِحْسَان سوابغ بروده، وتوشح بخلاله المرتضاة إِلَى قَضَاء الْقُضَاة، وَهُوَ الْآن قاضى الْجَمَاعَة وإمامها، وقيم الشَّرِيعَة، الَّتِي فِي يَدَيْهِ زمامها، بلغت بِهِ تِلْكَ الْمُتَابَعَة العدلية آمالها، واستأنفت بعد الكبرة جمَالهَا، وَقَالَت هيت لَك، فَلم تَكُ تصلح إِلَّا لَهُ، وَلم يَك يصلح إِلَّا لَهَا، وَأَلْقَتْ لَهُ الخطابة قيادها، فأنسى قسها وأيادها، ووسم بعد الإغفال بسمة الاحتفال جمعهَا وأعيادها. وَأما شعره فيناسب الرضى نسيبه فخره ونسيبه. وَمن ذَلِك فِي وصف الشريف أبي عبد الله ابْن الْحسن الحسني كريم الانتماء، مستظل بأغصان الشَّجَرَة الشماء، الممتدة الأفياء، الَّذِي أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء، من رجل سليم الضَّمِير، وَنَفس أصفى من المَاء النمير، وشهامة تثنى عَلَيْهِ الرِّجَال إِذا ضَاقَ المجال، وتقوضت الْآجَال، وَله فِي الشّعْر طبع يشْهد بعروبية أُصُوله، ومضاء نصوله، وَقد أثبت من شعره مَا ينضح فِي البلاغة سَبيله وَيشْهد بِعِتْق الْجواد صهيلة. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم ابْن الرئيس أبي زَكَرِيَّا العزفي فرع تأود من الرياسة فِي دوحة، وَتردد مَا بَين غدوه [فِي الْمجد] وروحه: نَشأ والرياسة العزفية تعله وتنهله، والدهر يسهل أمره الْأَقْصَى ويسهله، حَتَّى اتسقت أَسبَاب سعده وانتهت إِلَيْهِ رياسة سلفه من بعده، وَأَلْقَتْ إِلَيْهِ رِحَالهَا وحطته ومتعته بقربها بعد مَا شحطت وشطت، ثمَّ كلح لَهُ الدَّهْر بعد مَا تَبَسم، وَعَاد زعزعا نسيمه الَّذِي كَانَ تنسم، وعاق هلاله عَن تمه، مَا كَانَ من تغلب ابْن عَمه، وَاسْتقر بِهَذِهِ الْبِلَاد نازح الدَّار، بِحكم الأقدار، وَإِن كَانَ نبيه المكانة والمقدار، وَجَرت عَلَيْهِ جراية وَاسِعَة ورعاية متتابعة. وَله أدب الرَّوْض باكرته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 الغمايم، والزهر تفتحت عَنهُ الكمايم، رفع مِنْهُ راية خافقة، وَأقَام لَهُ سوقا نافقة، وعَلى تدفق أنهاره وَكَثْرَة نظمه واشتهاره، فَلم أظفر مِنْهُ إِلَّا باليسير التافه، بعد وداعه وانصرافه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله ابْن الشَّيْخ الْحَاجِب بتونس أبي الْحسن بن عَمْرو غذى نعْمَة هامية، ورقي رُتْبَة سامية، تقلد أَبوهُ حجابة الْخلَافَة بتونس، وَهِي مَا هِيَ من سمو الْمَكَان، ورفعة الشان، فصرفت إِلَيْهِ الْوُجُوه، وَلم يبْق إِلَّا من يخافه أَو يرجوه. وَبلغ ابْنه هَذَا مُدَّة ذَلِك الشّرف الْغَايَة فِي الترف. ثمَّ قلب لَهُم الدَّهْر ظهر الْمِجَن، وَاشْتَدَّ بهم الْخمار عِنْد فرَاغ الْيَدَيْنِ، وبزتهم الْأَيَّام بزتها، واسترجعت عزتها، وَلحق صاحبنا هَذَا بالمشرق، بعد خطوب مبيرة، وَشدَّة فِي الْبَحْر كَبِيرَة، فامتزج بسكانه وقطانه، ونال من اللَّذَّات مَا لم ينله فِي أوطانه، واكتسب الشمايل الغر الْعَذَاب، فَكَانَ كَابْن الجهم، بعث إِلَى الرصافة ليرى فذاب، ثمَّ حوم إِلَى وَطنه تحويم الطَّائِر وألم بِهَذِهِ الْبِلَاد إِلْمَام [الخيال الزائر] ، فاغتنمت مِنْهُ صَفْقَة وده لحين وُرُوده، وخطبت موالاته على انقباضه وشروده، فحصلت مِنْهُ على درة تقتنى، وحديقه طيبَة الجني، فيا لله من سَاعَات بالأنس قَطعْنَاهَا، ولذات أطاعتنا وأطعناها، مَا كَانَت إِلَّا كأحلام نايم أَو إفاقة هايم، رحلن وَمَا أبقين إِلَّا الأسى والتعلل بعسى. والفقيه أَبُو عبد الله هَذَا ذُو فهم حَدِيد، وَقصد سديد، وَبَاعَ من الْأَدَب مديد. وَلَو تفرغ للتحصيل بِمُقْتَضى طبعه الْأَصِيل، لعلت قداحه، وَكَانَ بحرا لَا يساجل ضحضاحه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن الْحَاجِب بتونس أبي عبد الله بن العشاب جواد لَا يتعاطى طلقه، وَلَا يماثل بِالْفَجْرِ فلقه. كَانَت لِأَبِيهِ رَحمَه الله من الدول التونسية منزلَة لَطِيفَة الْمحل، ومفاوضة فِي العقد والحل، وَلم تزل تسمو بِهِ قدم النجابة من الْعَمَل إِلَى الحجابة، وَنَشَأ ابْنه هَذَا مفدى بالأنفس والعيون، مقضى الدُّيُون، حَالا من الضماير مَحل الظنون. والدهر ذُو ألوان، وماذق حَرْب عوان، وَالْأَيَّام كرات تتلقف، وأحوال لَا تتَوَقَّف، فألوى بهم الدَّهْر وأنحى [وَله غمام جوه تعقب مَا أضحى] وشملهم الاعتقال، وتعاورتهم النوب الثقال. واستقرت باخرة بالمشرق ركابه، وحطت بِهِ أقتابه، فحج وَاعْتمر، واستوطن تِلْكَ الْمعَاهد وَعمر، وَعَكَفَ على كتاب الله، فجود الْحُرُوف، [وَقَرَأَ الْخلف الْمَعْرُوف] وَقيد وَأسْندَ، وتكرر إِلَى دور الحَدِيث وَتردد، وَقدم على هَذِه الْبِلَاد قدوم النسيم البليل على كبد العليل. وَلما اسْتَقر بهَا قراره، واشتمل بجفنها غراره، بادرت إِلَى موانسته، وثابرت على مُجَالَسَته، فاجتليت للسرور شخصا، وطالعت ديوَان الوفا مستقصى. وَعلمت معنى الْكَلَام تَأْوِيلا ونصا، فَحَيَّا الله زمن اقترابه، فَلَقَد جاد. وأجاد وَأفَاد. مَالا أَخَاف عَلَيْهِ النفاد. وَأما شعره فَلَيْسَ بحايد عَن الْإِحْسَان، وَلَا غفل عَن غرر الْبَيَان. وَمن ذَلِك فِي وصف صَاحب الْقَلَم الْأَعْلَى بالمغرب أبي مُحَمَّد عبد الْمُهَيْمِن الْحَضْرَمِيّ الْفَذ الَّذِي يعدل بالألوف، والبطل الْمعلم عِنْد مناجزة الصُّفُوف، والمتقدم بِذَاتِهِ تقدم الْأَسْمَاء على الْحُرُوف، نَشأ بسبتة حرسها الله، بَين علم يُقَيِّدهُ [ومجد يشيده] وطهارة يسحب مطارفها، ورياسة يتفيأ وارفها، وَأَبوهُ رَحمَه الله قطب مدارها، ومقام حَجهَا واعتمارها، فسلك الحزون من المعارف والسهول، وبذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 على حَدَاثَة سنه الكهول، وَلما تحلى من الفوايد العلمية بِمَا تحلى، وبرز فِي ميدان المعارف وجلى، واشتهر اشتهار الصَّباح إِذا تجلى، تنافست بِهِ همم الْمُلُوك الأخاير، واستأثرت بِهِ الدول على عَادَتهَا فِي الاستئثار بالذخاير، فاستقلت بسياستها ذراعه، وَأَخْدَم السيوف والذوابل يراعه. وَهُوَ الْآن عينهَا الَّذِي تبصر، ولسانها الَّذِي بِهِ تسهب وتختصر. وَقد تقدّمت لَهُ إِلَى هَذِه الْبِلَاد الْوِفَادَة، وجلت بِهِ لَدَيْهَا الإفادة، وَكتب عَن بعض مُلُوكهَا، وانتظم فِي سموطها الرفيعة وسلوكها. وَله فِي الْأَدَب الرَّايَة الخافقة، والعقود المتناسقة، فَمَا شيت من لفظ طَابَ عرفه، وَمعنى سحر الْأَلْبَاب ظرفه. وَقد أثبت من كَلَامه فِي هَذَا الْكتاب مَا تتمناه النحور بدل قلايدها، وتجعله الْحور تَمام على ولايدها. وَمن ذَلِك فِي وصف الْخَطِيب أبي عبد الله بن رشيد بَحر معارف لَا يسبر غوره، وَروض فنون تضوع مسراه وأينع نوره، وفريد زَمَانه الَّذِي لَا يَأْتِي بِمثل دوره. نَشأ بِبَلَدِهِ سبتة حرسها الله أصون من الدّرّ فِي صدفه، وأطهر من المَاء الطّهُور فِي نطفه، لَا يسرح فِي غير المطالعة طرفا، وَلَا ينتشق لغير المعارف عرفا، حَتَّى سما مِقْدَاره. وكمل فِي وَطنه أبداره، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ الْعُيُون، وطمح إِلَى الرحلة وَالزَّمَان برحاله غنى، وَبِكُل قطر روض جنى. وعالم سني، فَرَحل عَن بَلَده [رحيل الْغَمَام بعد مَا أمطر، وأقشع إقشاع الرّبيع بعد مَا أَزْهَر وَلم يزل] مطلع بِكُل ثنية. ويعشو إِلَى نَار كل فايدة سنية، وَكلما مر بفايدة فِي طَرِيقه، صرف إِلَيْهَا أَعِنَّة فريقه، حَتَّى عرس بالمثوى الْجَلِيل، واستظل بالجدار الَّذِي رفعت قَوَاعِده أكف الْخَلِيل، ونقع من مَاء زَمْزَم مُحْتَرم العليل، وسنح لَهُ بِالْيمن طيره، وأحسب رحلته بِالْحرم الْأمين، أَبُو الْيمن وَغَيره. ثمَّ صرف عنان أمله وسؤله، إِلَى زِيَارَة قبر النَّبِي وَرَسُوله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 فصلى بَين روضته الطاهرة ومحرابه، وتمتع مَا شَاءَ من لثم جِدَاره وانتشاق ترابه. وَدخل الشَّام فِي مُنْصَرفه، مستكثرا من عُيُون الْعلم وطرفه، وآب إِلَى جده. وَقد دون رحلته الْعَظِيمَة الإمتاع. وأتى مِنْهَا بِقَيْد النواظر والأسماع، وسماها " بمليء العيبة فِيمَا قيد بطول الْغَيْبَة إِلَى مَكَّة وطيبة " اسْم وَافق مُسَمَّاهُ، وَسَهْم أصَاب مرماه، وَلحق بالأندلس، فتهللت لقدومه أسرتها، واحتفنت لقراه درتها، وَأخذ عَنهُ صدورها، واستمدت من شمسه بدورها، وفعم مجالسها العلمية طيبا، وَصعد مِنْبَر الحضرة خَطِيبًا، ولطف من مدير الدولة النصرية ذِي الوزارتين ابْن الْحَكِيم مَحَله، وَفَاء عَلَيْهِ ظله لمودة بَينهمَا عقدت، ورسائل قبل الرياسة نفدت، فَإِنَّهُ كَانَ رَفِيق طَرِيقه، ومساعده على تشريقه، فَانْتَفع بِهِ لَدَيْهِ الْكثير وأنجح الآمال مَحَله الْأَثِير. وَلما محقت النكبة نوره، وَقصرت على العفاء قصوره، ضَاقَ بالخطيب رَحمَه الله الوطن ونبا بعده الموطن، فارتحل إِلَى الْمغرب، وَلم يزل بِهِ رفيع المكانة، صَدرا فِي أولى الْعلم والديانة، حَتَّى انصرم أَجله، وَانْقطع من الْحَيَاة أمله، وَكَانَ لَهُ شعر يتكلفه، وَلَا يكَاد لعدم شعوره بِالْوَزْنِ يتألفه، وَمَعَ ذَلِك، فَأعْلم أهل زَمَانه بالبديع وألقابه، وَالْكَلَام على أبوابه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن هَانِيء السبتي علم تُشِير إِلَيْهِ الأكف، وَيعْمل إِلَى لقايه الْحَافِر والخف، عمر الرّبع بِبَلَدِهِ سبتة، وَقد قوضت الرّحال، وَأقَام رسم الْعلم، وَقد حَالَتْ الْحَال، وجاد بالوابل السجم عِنْدَمَا عظم الإمحال وَرفع للعربية راية لَا تتأخر، ومرج مِنْهَا لجة تزخر، فاتسع مجَال درسه، وأثمرت أَرْوَاح غرسه [فركض فِي تِلْكَ الميادين] ومرح، وَدون وَشرح، وجلى المشكلات، وداوى المعضلات، إِلَى شمايل تملك الطّرف زمامها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 ونادرة راشت الدعاية سهامها. وَلما أَخذ الْمُسلمُونَ فِي منازلة الْجَبَل وحصاره، وَأَصَابُوا الْكفْر مِنْهُ بجارحة أبصاره، ورموا بالثكل مِنْهُ نازح أمصاره، كَانَ فِيمَن انتدب وتطوع، وَسمع الندا فأهطع، فلازمه حَتَّى نفد لأَهله الْقُوت، وَبلغ من فَتحه الْأَجَل الموقوت، فَأَقَامَ الصَّلَاة بمحرابه، وحياه، وَقد غير طول محياه، طول اغترابه، وبادره الطاغية قبل أَن يسْتَقرّ نصل الْإِسْلَام فِي قرَابَة، أَجله فلبى وأسرع. وَلما هدر عَلَيْهِ الفنيق، وركعت إِلَى قبْلَة المجانيق، أُصِيب بِحجر دوم عَلَيْهِ كالجارح المحلق، وانقض عَلَيْهِ انقضاض البارق المتألق، فاقتنصه واختطفه، وَعمد إِلَى زهره فقطفه، فَمضى إِلَى الله طوع نِيَّته، وصحبته غرابة المنازع حَتَّى فِي منيته. وَكَانَ لَهُ أدب قَاعد عَن مداه، وقاصر فِي جنب الْعلم الَّذِي اشتمله وارتداه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي على الْحسن بن تذاررت درة تحلى بهَا الدَّهْر العاطل، وعدة أنجزها للزمان الماطل، وغرة أطلعها الْعَصْر البهيم، وَفَائِدَة أنجبها الدَّهْر الْعَقِيم، ماشيت من خلق تدل على الْكَمَال مخايله، ومجد كرمت أواخره وأوايله، وأدب تحلت عذاراه وتبرجت عقايله. فَإِذا تنَاول الرّقاع ووشاها. وغشى الطروس من حلل بنانه وحلى بَيَانه بِمَا غشاها، ودت الخدود أَن تتمثل طرسا، والجفون السود أَن تكون لَهَا نفسا. ورد أَبوهُ رَحمَه الله على الْبِلَاد الأندلسية، فرحبت بمقدمه عَلَيْهَا، وجلت إِفَادَة وفادته إِلَيْهَا، وفاءت بهَا ظلال معارفه الَّتِي اغترس، ودرس فِيهَا علم الْأُصُول بعد مَا درس، وَتصرف فِي الْقَضَاء تصرف الْعَدَالَة والمضا. وَنَشَأ ابْنه هَذَا كريم النشأة والبداية، مكنوفا بِظِل الْعِنَايَة، وَتصرف فِي الْقَضَاء على حَدَاثَة سنه، وغضارة عودة، وَقرب الْعَهْد بتألق سعوده، ثمَّ حث ركاب ارتحاله، وبادر عزمه بِحل عقاله، فسعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 سَعَادَة شَبيهَة الْقَمَر عِنْد انْتِقَاله، وَهُوَ الْآن بدولة ملك الْمغرب أيده الله، جملَة من جمل الْكَمَال، ومظنة للآمال، تغرى بثناية الألسن، ويروى من أَحَادِيثه مَا يَصح وَيحسن، وَورد على هَذِه الْبِلَاد وُرُود الْكرَى على مقلة الساهر، واحتلها احتلال النسيم بَين الأزاهر، وجمعني وإياه بعض الْأَسْفَار فِي غزوات الْكفَّار، فاجتنيت مِنْهُ الفرايد بَين فُرَادَى ومثنى، واجتليت مِنْهُ المحاسن حسا وَمعنى، وَقد أثبت من أدبه، مَا يستعير النسيم العاطل عرفه، ويحشد الرَّوْض حسنه وظرفه. وَمن ذَلِك فِي وصف القَاضِي أبي الْحجَّاج الطرطوشي روض أدب لَا تعرف الذوى أزهاره، ومجموع فضل لَا تخفى آثاره. كَانَ رَحمَه الله صَدرا من صُدُور زَمَانه، وَمِمَّنْ تربى ترايب المهارق بجمانه، وتتحلى لباتها بقلايد عقيانه، إِلَى ظرف يستهوى النُّفُوس ويستميلها، وفكاهة تهز أعطاف الْوَقار وتجيلها، ودعابة تركض أَفْرَاس الطّرف وتجيلها، وَمَعْرِفَة فسيحة المدى، اتَّشَحَ بفضلها، وارتدى، وغبر فِي وَجه من رَاح بميدانها أَو غَدا. وَكَانَ فِي فنون الْأَدَب، مُطلق الأعنة، وَفِي مغازيه ماضى الظبا والأسنة، فَإِن هزل، وَإِلَى تِلْكَ الطَّرِيقَة اعتزل، أبرم فِي الْغَزل مَا غزل، وبذل من دنان رَاحَته مَا بذل، وَإِن صرف إِلَى الْمغرب غرب لِسَانه، وأعاره لمحة من لمحات إحسانه، أطاعه عاصيه، واستجمعت لَدَيْهِ أقاصيه، وَفد على الحضرة الأندلسية، وَالدُّنْيَا شَابة، وريح الْقبُول هابة، فَكتب عَن سلطانها، واجتلى محَاسِن أوطانها، ومدح بعض أملاكها، وعشا إِلَى أنوار أفلاكها. ثمَّ كرّ إِلَى وَطنه وَعطف، وأسرع اللحاق بجوه كالبرق إِذا خطف، فورد من الْعِنَايَة الْحِيَاض الفاهقة والنطف، وَحل رياض الْكَرَامَة فَبَصر ماشا وقطف. وَتصرف فِي الْقَضَاء بذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 الرِّيف سالكا من الْأَدَب على سنَنه الظريف [ومنزعه الطريف] وَتُوفِّي على هَذَا الْعَهْد عَن سنّ عالية، وبرود من الْعُمر بالية، وَقد حلب أشطر الدَّهْر وأخلافه، وارتضع سلافه، حَتَّى أَمر عِنْده من الْعَيْش كل عذب الجنا، وبذل من الشطاط بالجنى، وَبلغ من الْمقَام بِهَذِهِ الدَّار جده. والبقاء لله وَحده. وَمن ذَلِك فِي وصف الْكَاتِب أبي الْعَبَّاس بن شُعَيْب مورد ترده الهيم فتروى، وتهوى إِلَيْهِ النُّفُوس فتجد عِنْده مَا تهوى، وَصدر لَا يخفى مَكَانَهُ، وَذخر أضاعه زَمَانه، حَاز من كل فن نَصِيبا، وَرمى إِلَى كل غَرَض سَهْما مصيبا، واستمطر كل عَارض وديمة، من الْعُلُوم الحديثة والقديمة، ففرع فِي فنونها وبهر، وحذق الطِّبّ مِنْهَا وَمهر، وَبلغ فِي صَنْعَة النَّبَات دَرَجَة الْإِثْبَات، وَرَضي بالإنتماء إِلَى الْعلم والانتساب عَن الِاكْتِسَاب، فَمَا أهمه الدَّهْر بألوانه، وَلَا ثناه عَن شانه، وعانى فِي حركته وانتقاله، مشقة اعتقاله، وخلص خلوص الحسام بعد صقاله، وَهُوَ الْآن من كتاب ملك الْمغرب، تطوى عَلَيْهِ الخناصر إِذا عدوا، ويدخر لَهُ قصب السَّبق إِذا أحضروا فِي المحاضرة واشتدوا، ورد على الحضرة فِي خدمَة لبَعض الْوُلَاة تولاها، ووجهة فرى لَهَا الفلى وفداها، فرأيته رُؤْيَة لم تنهض إِلَى المحاورة وَالْكَلَام، والمخاطبة بِمَا يجب لمثله من الْإِعْلَام، لخمود هَذَا الْبَاعِث عِنْدِي فِي الْعَهْد الْمُتَقَدّم، وَلم ألبث أَن عضضت يَد المتندم أسفا على مَا ضَاعَ من لِقَائِه، واجتلاء الفوايد من تلقائه، وَله شعر تهوى الشعرى أَن تتخذه شنفا، ونثر، تود النثرة لَو تتحلى بِهِ، وَإِن شمخت أنفًا. من ذَلِك مَا خَاطب بِهِ الشَّيْخ أَبَا جَعْفَر ابْن صَفْوَان، وَقد رمى الله بقاصية هَوَاهُ، واعتده فِي رحْلَة أنفس ذخر حواه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن عمرَان التّونسِيّ كَاتب الْخلَافَة، ومشعشع الْأَدَب المزرى بالسلافة. كَانَ رَحمَه الله بَطل مجَال، وَرب روية وارتجال، قدم على هَذِه الْبِلَاد وَقد نبا وَطنه. وضاق بِبَعْض الْحَوَادِث عطنه، فَتلوم النسيم بَين الخمايل، وَحل فِيهَا مَحل الطّيب من الوشاح الجايل، ولبث مُدَّة إِقَامَته تَحت جراية وَاسِعَة، ومبرة يانعة، ثمَّ آثر قطره، فولى وَجهه شطره، واستقبله دهره بالإنابة، وقلده رياسة الْكِتَابَة، فاستقامت حَاله، وحطت رحاله. حَدثنِي من عَنى بأخباره أَيَّام مقَامه بريه، واستقراره، أَنه لَقِي بِبَاب الملعب من أَبْوَابهَا ذَات لَيْلَة ظَبْيَة من ظباء الْأنس، وفتنة من فتن هَذَا الْجِنْس، فَخَطب وصالها، وَاتَّقَى بمهجته نصالها، حَتَّى هَمت بالانقياد. وانعطفت انعطاف الْغُصْن المياد، وَأبقى على نَفسه وَأمْسك، وأنف من خلع العذار بعد مَا تنسك. وَفِي وصف أبي عبد الله بن عبد الْملك من أهل مراكش وقور أفرط حَتَّى أثقل، وقريع مجد مَسّه الِاحْتِيَاج فتنقل، رَحل من بَلَده مراكش لما جف حَوْضه، وصوح روضه، وَاتخذ ريه دَارا، واختارها قرارا، وَجَرت عَلَيْهِ جراية تبلغ بهَا، وارتفد بِسَبَبِهَا، رعيا لِأَبِيهِ، واحتراما لبيته النبيه. وَقد كَانَ أَبوهُ رَحمَه الله قَاضِيا صَدرا فِي عصره، وبدرا فِي هَالة قطره، رحب المجال، نَسِيج وَحده معرفَة بطرق الحَدِيث وَأَسْمَاء الرِّجَال، متبحرا فِي عُلُوم الْآدَاب، منتدبا لإِقَامَة رسم المعارف كل الانتداب، وَابْنه هَذَا متمسك من الْآدَاب بأذيالها، معزى بإدارة جريالها، إِلَى سرو عميم، ووفاء يثنى كل صديق لَهُ وحميم، وَلما تقلدت هَذِه الْبِلَاد بتقييد أرزاق الأجناد بادرت إِلَى تَقْدِيم واجبه، وإيثار جَانِبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 وَمن ذَلِك فِي وصف أبي إِسْحَق الحسناني من أهل تونس شَاعِر لَا ينضب طبعه، وَلَا يقفر ربعه، قصد الْمُلُوك وانتجع، وهدل فِي أفنان أمداحها وسجع، وتجرأ على افتحام دسوتها، وولوح بيوتها، وَقدم على هَذِه الْبِلَاد. فأعجب الأدباء بإكثاره، وانقياد نظامه وشاره، وتنوفس فِي إيثاره. ثمَّ استرسل طوع لذاته، وسعى فِي جلب الْمَكْرُوه إِلَى ذَاته، ونمى إِلَيْهِ قيل وَقَالَ، ناله بِهِ اعتقال. ثمَّ تكَرر على هَذِه الْبِلَاد، وَقد تبدلت تِلْكَ الدولة وخمدت تِلْكَ الصولة، فَتلقى بإقبال، وهبت لَهُ ريح اهتبال، ثمَّ حركه الشوق إِلَى بَلَده، فَبلغ نَوَاه إِلَى أمده، وَقد أثبت من شعره مَا يدل على استرسال لِسَانه، واقتداره على الْكَلَام من جَمِيع جهاته. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله المكودي من أهل فاس شَاعِر لَا يتعاطى ميدانه، ومرعى بَيَان رق غضاه وأينع سعدانه، يَدْعُو الْكَلَام فيهطع لداعيه، وَيسْعَى فِي اجتلاب الْمعَانِي فتنجح مساعيه، غير أَنه أفرط فِي الانهماك، وَهُوَ إِلَى بطن السَّمَكَة من أوج السماك. قدم على هَذِه الْبِلَاد مفلتا من رهق تلمسان حِين الْحصار، صفر الْيَمين واليسار من الْيَسَار، فل هوى أنحى على طريفه وتلاده، وَأخرجه من بِلَاده. وَلما جد بِهِ الْبَين وَحل هَذِه الحضرة بِحَال تقتحمها الْعين، وَالسيف بهزته لَا يحسن بزته، دعوناه إِلَى مجْلِس أَعَارَهُ الْبَدْر هَالة، وخلع عَلَيْهِ الأهيل غلالة، وَروض تفتح كمامه، وهما عَلَيْهِ غمامة، وكأس أنس تَدور فتتلقى نجومها البدور. وَلما ذهبت المؤانسة بخجله، وتذاكر هَوَاهُ وَيَوْم نَوَاه، حَتَّى خفنا حُلُول أَجله، جبلنا للمذاكرة زمامه، واستسقينا مِنْهَا أغمامه، فأمتع وأحسب، وَنظر وَنسب، وَتكلم فِي المسايل، وحاضر بِطرف الأبيات وعيون الرسايل، حَتَّى نشر الصَّباح رايته، وأطلع النَّهَار رايته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 وَمن ذَلِك فِي وصف الأديبة أم الْحُسَيْن بنت أَحْمد الطنجالي [من بلد] لوشة ثَالِثَة حَمده وولاده، وفاضلة جمعت الْأَدَب والمجادة، وتقلدت المحاسن قبل القلادة، وأولدت أَبْكَارًا الأفكار قبل سنّ الْولادَة. نشأت فِي بَيت أَبِيهَا، لَا يدّخر عَنْهَا تدريجا وَلَا تَنْبِيها حَتَّى نبض إِدْرَاكهَا، وَظهر فِي المعارف حراكها، ودرسها الطِّبّ ففهمت أغراضه، وَعلمت أَسبَابه وأعراضه، وَلم يزل يتعهدها بالتعليم والتخريج، وينقلها بِحسن التدريج حَتَّى نظمت الْكَلم وداوت بالسبك المعنه الْأَلَم، وَلما قدم أَبوهَا من الْمغرب، وَتكلم بخبرها الْمغرب، توجه بعض الصُّدُور إِلَى اختبارها، ومطالعة أَخْبَارهَا، فاستنبل أغراضها واستحسنها، واستظرف لسنها، وسألها عَن الْخط، وَهُوَ أكسد بضَاعَة جلبت وأشح درة حلبت فَأَنْشَدته من نظمها مَا ثَبت فِي التَّاج. انْتهى مَا تمّ اخْتِيَاره من كتاب التَّاج الْمحلى فِي مساجلة الْقدح الْمُعَلَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 وَمن ذَلِك مَا ثَبت فِي " الأكليل الزَّاهِر فِيمَن فضل عِنْد نظم التَّاج من الْجَوَاهِر " فِي وصف الْخَطِيب أبي عبد الله الساحلي الحمالقى الولى، نفع الله بِهِ عَابِد لَا يفتر عَن عِبَادَته، وَولى ظَهرت عَلَيْهِ أنوار سعادته. لم يدع وقتا من عمره إِلَّا عمره وَلَا دوحا من الذّكر إِلَّا جنى ثمره، فَضربت عَلَيْهِ الركايب أَرْبَاب السلوك، وَعظم فِي قُلُوب الْأُمَرَاء والملوك، وخطب للسفارة فِي صَلَاح ذَات الْبَين، واتصال أهل العدوتين. وَأما الخطابة فَكَانَ من فرسانها وَذَوي إحسانها، يعبر عَن الوقايع وَالْأَحْوَال. بمختلفات الْأَقْوَال فِي أسلوب جهير، ومقام شهير. وَله خلف متسم بِالْخَيرِ والعفاف، متصف من الدّيانَة بِأَحْسَن الْأَوْصَاف. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر الشاطبي الشَّيْخ القَاضِي أَبُو جَعْفَر رَحْمَة الله، شيخ طَالَتْ مصاحبته للنِّسَاء، ومصابحته للإصباح والإمساء، طالما نظر بَين قوى ومسكين، وَذبح بِغَيْر سكين. يقْضِي عمره فِي الْحُقُوق، ويهب بَين الرعود والبروق، قطع فِي ذَلِك زَمَانه، وبذ أقرانه، واكتسب مَالا، وَبلغ فِي الدَّهْر آمالا. ثمَّ أوبقته أشراك الْحمام، وكل شَيْء فَإلَى تَمام. وَله شعر تلوح عَلَيْهِ من الْحسن مسحة، وتنم عَنهُ للطرف نفحة. وَمن ذَلِك فِي وصف الْخَطِيب أبي على الْقرشِي شهَاب فِي أفق الدّين متألق، وَسَهْم على فريسة النجَاة محلق، وعارف بأخلاق الرِّجَال متخلق، كثير الانقباض، [معرض عَن الْأَعْرَاض] كلف بِمَا للْقَوْم من الْمَقَاصِد والأغراض، ملازم كسر بَيته [على ذكر] يردده، ولباس أخلاص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 على الأحيان يجدده، وَسَهْم يحث إِلَى هدف تِلْكَ الْأَسْرَار يسدده، فَإِذا تردد إِلَى الْمَسْجِد الْأَعْظَم مَحل إِمَامَته ومسحب غمامته، انثال النَّاس على أَطْرَافه فِي قَصده وانصرافه، فتسعهم بشاشة لقايه، وتحييهم بركَة دعايه. وَمضى لسبيله صَدرا من صُدُور الصَّالِحين , وعلما من أَعْلَام عباد الله المفلحين. وَكَانَت جنَازَته مثلا فِي الاحتشاد لَهَا، والاحتفال، وعنوانا على الْعِنَايَة من ذِي الْجلَال. وَمن ذَلِك فِي وصف القَاضِي أبي عَمْرو بن مَنْظُور صَاحب نظر وَبحث، ومعاطاة الأكواس الْفُنُون وحث، لَا يزَال يفري أديمها وَيجمع حَدِيثهَا وقديمها، وَهُوَ أحد أَعْلَام هَذَا الْقطر، أولى المكانة الرفيعة والخطر، ولى قَضَاء ريه غير مَا مرّة فساس وسدد، وَأسسَ ومهد، وجدد من سنَن الْفُضَلَاء مَا جدد، إِلَى مجْلِس ممتع، وَمِنْهُم إِلَى الغوامض والعلوم مسرع، ودرس بِمَا يتشوف إِلَيْهِ طَالب الْعلم مُتَبَرّع، ودعابة تنْقَلب من خلال وقاره، وتغالب على مِقْدَاره، وشعره قَلِيل جدا، لم يضْربهُ هزلا وَلَا جدا، إِلَّا أنني رَأَيْت بِخَطِّهِ أبياتا من نظمه على ظهر فهرست الْوَزير أبي بكر بن الْحَكِيم. وَمن ذَلِك فِي وصف الْخَطِيب أبي الطَّاهِر بن صَفْوَان المالقى علم من أَعْلَام هَذِه الْبقْعَة، ورخ من رخاخ هَذِه الرقعة، اقتفى أثر الصَّالِحين واقتصه، واقتدى من تولاه الله واختصه، فَلَو تمثل الْخَيْر لَكَانَ شخصه، ظَهرت عَلَيْهِ بَرَكَات مَكَّة وَالْمَدينَة، فَلبس شعار السكينَة، وتواضع على الرُّتْبَة المكينة، وَحصل من أسرار الْقَوْم على الدرة الثمينة، فَكَانَ يتَكَلَّم على مصنفاتهم، ويتصف بصفاتهم، فَيَأْتِي بالعجاب فِي فك الرموز وإيضاحها، ويتحف مِنْهَا الصَّدْر بانشراحها، حضرت مَعَه غير مَا مرّة، فراقني محضره، وبهر فِي تِلْكَ الْمعَانِي نظره. وَمن نظمه رَحمَه الله، وَكَانَ لَا ينتحل النّظم وَلَا يتعاطاه، وَلَا يحث فِيهِ خطاه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 وَمن ذَلِك فِي وصف الشَّيْخ أبي عبد الله الطرطوشي مَعْدُود فِي الصُّدُور، ومنظوم فِي الشذور، ومحسوب فِيمَن أطلعته آفَاق هَذِه الدّور، من النُّجُوم المشرقة والبدور، ينظر فِي مَعْقُول ومنقول، ويستظهر على المشكلات بفرند ذهن مصقول، إِلَى خطّ وظرف، وفكاهة كالروض فِي مرأى وَعرف، موقى من الْبر سناما، وَلَقي من الدولة النصرية إِكْرَاما، إِلَى أَن فسد مَا بَين مدبرها ابْن المحروق وَبَينه، ونحيت لَهُ عَنهُ هَنَات أوغرت صَدره، وأقدت عينه، فغربه بعد مَا قربه، وجفاه من بعد مَا اصطفاه، فجم فِي الاغتراب حِينه، وَاقْتضى فِي بعض الْبِلَاد الإفريقية دينه، وَكَانَ لَا ينتحل الشّعْر بضَاعَة، وَلَا يعول عَلَيْهِ صناعَة، وَرُبمَا رمى غَرَضه فَأصَاب، واستمطر لَهُ غمام معارفه فَأصَاب. وَمن ذَلِك فِي وصف الفقية أبي عبد الله بن الْحَاج من أهل مالقة شَاعِر اتخذ النّظم بضَاعَة، وَمَا ترك السَّعْي فِي مذاهبه سَاعَة، أجْرى فِي الملا لَا فِي الخلا، وَجعل دلوه فِي الدلا، وركض فِي حلبة النجباء والنجايب، وَرمى بَين الخواطر بِسَهْم صائب، فَخرج بهرجه ونفق، وارتفد بِسَبَبِهِ وارتفق. وَهُوَ الان قد سالمته السنون، وكأنما أَمن الْمنون، وَهُوَ رجل مكفوف الْأَذَى، حسن الْحَالة، إِلَّا إِذا هذى. وَمن ذَلِك فِي وصف الشَّيْخ الْوَزير أبي عَليّ بن غفرون شيخ خدم، فَأم لَهُ الدَّهْر فِيهَا على قدم، وَصَاحب تَعْرِيض ودهاء عريض. أَصله من حصن منتفريد حرسه الله، خدم الدولة النصرية عِنْد انتزاء أَهله، وَكَانَ مِمَّن اسْتَنْزَلَهُمْ من حزنه إِلَى سهله، وَحكم الْأَمر العلى فِي يافعه وكهله، فاكتسب حظوة أرضته، ووسيلة أرهقته وأمضته، حَتَّى عظم جاهه وَمَاله، وبسقت آماله. ثمَّ دالت الدول، وتنكرت أَيَّامه الأول، وتغلب من يجانسه، وشقي بِمن كَانَ ينافسه، فجف عوده، والتأثت سعوده، وَهلك والخمول بعله، والدهر يقوته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 من صبَابَة حرث كَانَ يستغله. وَكَانَ لَهُ شعر لم يثقفه النّظر، وَلَا وضحت مِنْهُ الْغرَر، كتب إِلَى السُّلْطَان أَمِير الْمُسلمين منفق سوق خدمته، ومتعهده بنعمته، يطْلب تَجْدِيد بعض عناياته. وَمن ذَلِك فِي وصف الْوَزير الْكَاتِب أبي عبد الله بن عِيسَى من أَعْلَام هَذَا الْفَنّ، ومشعشعى رَاح هَذَا الدن. مَجْمُوع أدوات، وَفَارِس فَلم ودوات، ظريف المنزع، أنيق المرأى والمسمع. اقتنص الرياسة، فأدار فلك إمارتها، واتسم باسم كتَابَتهَا ووزارتها، ناهضا بالأعباء، راقيا فِي درج التَّقْرِيب والاجتباء، مصانع دهره فِي رَاح وراحة، آويا إِلَى فضل وسماحة، وخصب ساحة، فَكلما فرغ من شَأْن خدمته، وَانْصَرف عَن رب نعْمَته، عقد شربا، وأطفأ من الاهتمام بِغَيْر الْأَيَّام حَربًا، وَعَكَفَ على صَوت يستعيده، وظرف يبديه ويعيده. فَلَمَّا تقلبت بالرياسة الْحَال، وقوضت مِنْهَا الرّحال، اسْتَقر بالمغرب غَرِيبا، يقلب طرفا مستريبا، وتلحظه الدُّنْيَا تبعة عَلَيْهِ وتثريبا، وَإِن كَانَ لم يعْدم من أمرايها حظوة وتقريبا. وَمَا برح ينوح بشجنه، ويرتاح إِلَى عهود وَطنه. وَمن ذَلِك فِي وصف الْكَاتِب أبي بكر بن العريف بَقِيَّة الظّرْف من كتاب ديوَان الْحساب، إِلَى نفس صَافِيَة من الكدر، وَصدر طيب الْورْد والصدر، ودوحة عهد تندى أوراقها، ومشكاة فضل يسطع إشراقها. تمسك برضاع الكأس، يرى ذَلِك من حسن عَهده، وَقسم لحظاته بَين آس الرياض وورده. فَلَمَّا حوم حمامه للوقوع، وَكَاد يقوض رَحْله عَن الربوع، وَشعر بحبايل الْمنية تعتلقه، وسرعان خيل الْأَجَل ترهقه، أقلع عَن فنه، وَأمر بسفك دنه، ولجأ إِلَى الله بأوبته، وَغفر ان حوبته. فَكَانَ ذَلِك عنوان الرِّضَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 وعلامة عَفْو الله عَمَّا مضى، دخلت عَلَيْهِ فِي مَرضه، وأشرت بِاسْتِعْمَال الدَّوَاء الْمُسَمّى بلحية التيس عِنْد الْأَطِبَّاء، وَاسْتَعْملهُ فَوجدَ بعض خفَّة، فأنشدني فِي ذَلِك من نظمه مَا ثَبت فِي الْكتاب الْمَذْكُور. وَمن ذَلِك فِي وصف للشَّيْخ أبي عبد الله المتأهل كَيفَ الْحَاشِيَة، مَعْدُود فِي جنس السايمة والماشية، تليت على الْعمَّال بِهِ سُورَة الغاشية، تولى الأشغال السُّلْطَانِيَّة، فذعرت الجباة لولايته، وَقَامَت قيامتهم لطلوع آيَته، وقنطوا كل الْقنُوط، وَقَالُوا جَاءَت الدَّابَّة تكلمنا، وَهِي إِحْدَى الشُّرُوط من رجل هايم الجفوة، بعيد عَن المصانعة والرشوة، يتَجَنَّب النَّاس، وَيَقُول عِنْد المخاطبة الأساس، وعَلى مساحته ونجهه، وتجهم وَجهه، فَكَانَ خالطا إساءته بإحسانه، مشتغلا بِشَأْنِهِ، غاضا من عنان لِسَانه، عهدي بِهِ فِي الْأَعْمَال يقدر فِيهَا وَيُدبر، ويترجم، ويعبر، ويحيط، ويبثر. وَمَعَ ذَلِك يكبر، وَيحسن من الأزمة ويقبح، وَهُوَ مَعَ ذَلِك يستح وَلما شرع فِي الْبَحْث والتنقير، والمحاسبة على القطمير والنقير، أَتَاهُ قَاطع الْأَجَل يحث ركابه، بأقصى الْعجل. وصدرت عَنهُ أَبْيَات خضم فِيهَا وقضم، وَحصل تَحت الْقدر الْمُشْتَرك مَعَ من نظم. وَفِي وصف الشَّيْخ أبي عبد الله بن ورد كودن حلبة الْآدَاب، وسنور عبد الله بيع بقيراط لما شَاب. هام بوادي الشّعْر مَعَ من هام، واستمطر مِنْهُ الجهام، فجَاء بِأَبْيَات أوهن من بَيت العنكبوت نسجا، ومقاصد لَا تبين قصدا وَلَا نهجا. وَله بَيت معمور بقضاة أكَابِر، فرسَان أَقْلَام ومحابر، وعمال قادوا الدَّهْر بأزمة أزمتهم، وقرعوا الزهر بهمتهم، وتكاثرت عَلَيْهِ رَحمَه الله الإحن، وتعاورته المحن، وَتصرف آخر عمره فِي بعض الْأَعْمَال المخزنية، فتعلل بنزر الْقُوت إِلَى الْأَجَل الموقوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 وَمن ذَلِك فِي وصف الشَّيْخ أبي عبد الله الْعِرَاقِيّ الْوَادي آشي مَعْدُود فِي وقته من أدبائه، ومحسوب فِي أَعْيَان بَلَده وحسبايه، كَانَ رَحمَه الله من أهل الْعَدَالَة وَالْخَيْر، سايرا على مَنْهَج الاسْتقَامَة، أحسن السّير، وَله أدب لَا يقصر عَن السداد، وَإِن لم يكن بطلا، فَمِمَّنْ يكثر السوَاد، وَقد أثبت لَهُ مَا عثرت عَلَيْهِ، مِمَّا ينْسب النَّاس إِلَيْهِ. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر الجوال المالقي معتر غير قَانِع، ومنتجع كل هشيم ويانع، نَشأ بِبَلَدِهِ مالقة، أبرع من أورد البراعة فِي نفس، وهز غصنها فِي رَوْضَة طرس، إِلَّا مَا كَانَ من سخافة عقله، وقعوده تَحت الْمثل أخبر تقله، لَا يرتبط إِلَى رُتْبَة، وَلَا ينتمي إِلَى عصبَة، وَلَا يتلبس بسمت، وَلَا يَسْتَقِيم من أمت، أَخْبرنِي من عني بِخَبَرِهِ، وَذكر عبره من صباه إِلَى كبره، أَنه رشح فِي بعض الدول، وَعرض لِاكْتِسَابِ الْخَيل والخول، وخلعت عَلَيْهِ كسْوَة فاخرة وشارة بزهر الرياش ساخرة، فانقاد طوع حرمانه، ونبذ صَفْقَة زَمَانه، وَحمله فرط النهم على أَن ابْتَاعَ فِي حجرها طَعَاما كثير الدسم، وَأَقْبل وأذياله مِنْهُ تقطر بِاللَّبنِ الأشطر، فطرد ونبذ، وَطرح بعد مَا حبذ، لَقيته بمالقة، وَقد تغلبت عَلَيْهِ زمانة عَيْنِيَّة، وَسقط فِي يَدَيْهِ، فانتابني بأمداحه وتعاورني بأجاجه وقراحه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن الوراد المالقي أديب نَار فكره يتوقد، وأديب لَا يعْتَرض كَلَامه وَلَا ينْقد. أما الْهزْل فَهُوَ طَرِيقَته المثلى، ركض فِي ميدانها وجلى، وطلع فِي أفقها وتجلى، فَأصْبح علم أعلامها، وعابر أحلامها. إِن أَخذ بهَا فِي وصف الكاس، وَذكر الْورْد والآس، وألم بِالربيعِ وخصله، والحبيب وَوَصله، وَالرَّوْض وطيبه، والغمام وتقطيبه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 شقّ الْجُيُوب طَربا [وعَلى النُّفُوس إربا وَضَربا، وَإِن أشْفق لاعتلال العشية، فِي فرش الرّبيع المواتية] ثمَّ تعداها إِلَى وصف الصبوح، وأجهز على الزق الْمَجْرُوح وَأَشَارَ إِلَى نغمات الْوَرق [يرفلن فِي الْحل الزرق] وَقد اشتعلت فِي غير اللَّيْل نَار الْبَرْق، وطلعت بنود الصَّباح فِي شرفات الشرق، سلب الْحَلِيم وقاره، وَذكر الخليع كأسه وعقاره، وحرك الأشواق بعد سكونها وأخرجها من وَكَونهَا بِلِسَان يتزاحم على مورد الخبال، ويتدفق من حَافَّاته الْأَدَب السيال، وَبَيَان يُقيم أود الْمعَانِي، ويشيد مصانع اللَّفْظ محكمَة المباني، ويكسو حلل الْإِحْسَان جسوم المثالث والمثاني، إِلَى نادرة لمثلهَا يشار، ومحاضرة يجنى بهَا الشهد ويثار، وَقد أثبت من شعره الْمغرب، وَإِن كَانَ لَا يتعاطاه إِلَّا قَلِيل وَلَا يجاوره إِلَّا تعليلا، أبياتا لَا تَخْلُو من مسحة جمال على صفحاتها، وَهبة طيب تنم فِي نفحاتها. وَمن ذَلِك فِي وصف الأديب أبي الْأصْبع عَزِيز بن مطرف طريف السجية، كثير الأريحية، ارتحل من لورقة فتحهَا الله، وَاتخذ المرية دَارا، وَألف بهَا استقرارا إِلَى أَن دَعَاهُ بهَا داعيه، وَقَامَ فِيهَا ناعيه، رَحمَه الله، أنشدنا الْحَكِيم أَبُو عبد الله بن حُبَيْش من شعره، قَالَ أَخَذته عَن مغن ينشده، فَقلت بِهِ الثِّقَة. وَمن ذَلِك فِي وصف الأديب أبي عبد الله بن فَضِيلَة شيخ أخلاقه لينَة، وَنَفسه كَمَا قيل فِي نفس الْمُؤمن هينة، ينظم الشّعْر عذبا مساقه، محكما اتساقه، على فاقة، وَحَال مَا لَهَا من إفاقة. أنْشد الْمقَام الْكَرِيم بِظَاهِر بَلَده قصيدة، اسْتغْرب مِنْهَا منزعها، واستعذب من مثله مشرعها. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم الورشيدي من أَئِمَّة أهل الزِّمَام، خليق برعى المتات والذمام، [ذُو خطّ كَمَا تفتح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 زهر الكمام] وأخلاق أعذب من مَاء الْغَمَام، كَانَ بِبَلَدِهِ رَحمَه الله بدار إشرافه محاسبا، ودرا فِي لجة الإغفال راسبا، صَحِيح الْعَمَل، يلبس الطروس من براعته أَسْنَى الْحلَل. وَله شعر لَا بَأْس بِهِ، وَلَا خَفَاء بِفضل مذْهبه. وَمن ذَلِك فِي وصف القَاضِي أبي بكر بن مَنْظُور عَظِيم الهشة، حسن اللقا، أعزب فِي حسن المداراة من العنقا، اسْتمرّ عمره بتسديد الحكم، وصبر على حجج الصم والبكم، وأفرط فِي هشته وهزته، وتنزل عَن نخوة الْقَضَاء وعزته. وَله سلف فِي الْقَضَاء عالي المراقب، مُزَاحم النَّجْم الثاقب، وَقد أثبت من شعره مَا تيَسّر إثْبَاته، وَنجم بروض هَذَا الْمَجْمُوع نَبَاته. وَمن ذَلِك فِي وصف القَاضِي أبي جَعْفَر بن برطال قَاض توارث كل جلالة، لَا عَن كَلَالَة، وَجمع فِي الْعلم والحسب، بَين الْمَوْرُوث والمكتسب. أشرف بجيد معم فِي الْعَشِيرَة مخول، وَأَلْقَتْ إِلَيْهِ مقاليدها من مَنْقُول ومتأول، إِلَى نزاهة لَا تعزها الْبَيْضَاء وَلَا الصَّفْرَاء، وحلم لَا تستهويه السّعَايَة، وَلَا يستفزه الإغواء، ووقار يستخف الْجبَال الراسية، وَنظر يكْشف الظُّلم الغاشية. تولى قَضَاء الحضرة، فأنفذ الْأَحْكَام وأمضاها، وسام سيوف الجزالة وامتضاها. وَلبس أَثوَاب النزاهة والانقباض، فَمَا نضاها. وسلك الطَّرِيق الَّتِي اخْتَارَهَا السّلف وارتضاها، وَاجْتمعت الْأَهْوَاء المفترقة عَلَيْهِ، وَصرف الثنا أَعِنَّة الألسن إِلَيْهِ، ثمَّ كرّ إِلَى بَلَده وَاسْتقر خَطِيبًا بقرارة أَهله وَولده. وَمن ذَلِك فِي وصف الْفَقِيه أبي عَامر بن عبد الْعَظِيم منتم إِلَى معرفَة، متصف من الذكاء بِأَحْسَن صفة، أَقرَأ بِبَلَدِهِ علم اللِّسَان، وَمَا حاد عَن الْإِحْسَان، وعانى الشّعْر فنظم قوافيه، وَمَا تكلّف فِيهِ، وعَلى غزارة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 مادته، ووضوح جادته، فشعره قَلِيل البشاشة، ذَاهِب الحشاشة، وَذُو الْإِكْثَار، كثير العثار. وَله سلف يَخُوض فِي الْحَقَائِق، وينتحل بعض الْكَلَام الرَّائِق. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عُثْمَان الغلق منتم بدين وعفة، آو إِلَى نفس بِالْعرضِ الْأَدْنَى مستخفة، مِمَّن ينْزع إِلَى سلوك ورياضة، وَيفِيض فِي طَرِيق الْقَوْم بعض إفَاضَة. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عُثْمَان بن أبي عُثْمَان مِمَّن يتشوف إِلَى المعارف والمقالات، ويرتاح إِلَى الْحَقَائِق والمحالات، ويشتمل على نفس رقيقَة، ويسير من تَعْلِيم الْقُرْآن على خير طَريقَة، ويعاني من الشّعْر مَا يشْهد بنبله، ويستظرف من مثله. وَمن ذَلِك فِي وصف الْمقري أبي الْقَاسِم الجزالي مشمر فِي الطّلب عَن سَاق، مثابر على اللحاق بدرجات الحذاق، منتحل للعربية جاد فِي إحصاء خلَافهَا، ومعاطاة سلافها. وَرُبمَا شرست فِي المذاكرة أخلاقه، إِذا بهرجت أعلاقه، ونوزع تمسكه بِالْحجَّةِ واعتلاقه، ورحل إِلَى الْمغرب فاستجدى بالشعر سُلْطَانه، ثمَّ رَاجع أوطانه. وَمن ذَلِك فِي وصف الْفَقِيه الصُّوفِي أبي جَعْفَر العاشق منتم إِلَى زهد، باذل فِي التمَاس الْخَيْر كل جهد. نظمه لَا يَخْلُو من حلاوة، ومعانيه فِي طَرِيقه عَلَيْهَا بعض طلاوة. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم الساحلي كَاتب سجلات لَا يساجل فِي صِحَة فصولها، وتوقيع فروعها على أُصُولهَا، وَكلما طلب بالنظم القريحة، وأعمل الفكرة الصَّرِيحَة، مَعَ إقلاله، وَعدم استعجاله، أجابت ولبت، وتنسمت رياحها وهبت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم عبد الله بن الطبيخ عدل، وَمِمَّنْ لَهُ وقار وَفضل، متسم بخيرية، مُشْتَمل بِصِفَات مرعية، يلم بالنظم فِي الطَّرِيقَة الصُّوفِيَّة. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن قيس مِمَّن يرْكض مركب الطيش، ويأوى بعد الْجهد إِلَى شظف الْعَيْش، منقبض عَن الْخلق، سالك من التمعش بالتعليم أفضل الطّرق، لَا يعْدم مَعَ ذَلِك حملا عَلَيْهِ، وتسببا فِي مواجدته إِلَيْهِ، قصدني وَقد نبابة الوطن، وضاق مِنْهُ للتغرب العطن، يطْلب مني شَفَاعَة إِلَى بعض الْقُضَاة مِمَّن كَانَ يَطْلُبهُ، وَيقبل فِيهِ شَهَادَة من يثلبه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن السكاك الغرناطي متسور على بيُوت القريض، فِي الطَّوِيل من الْكَلَام والعريض، جَامع مِنْهَا بَين الصَّحِيح وَالْمَرِيض، مِمَّن أطاعه براعة الْخط، وسلمت لقضب أقلامه رماح الْخط. عانى كِتَابَة الشُّرُوط لأوّل أمره وَلَحِقتهُ محنة من محن دهره. وَهُوَ الْآن يشْهد من الْأُمُور المخزنية فِي بعض الألقاب، ويلازم دَار الْحساب. وَمن ذَلِك فِي وصف الْوَزير أبي جَعْفَر بن المراني صَاحب طبع يحثه، وشجو لَا يزَال يبثه، وناطق متوقد، وفكر لزوايا الظنون متوقد. خدم فِي كبار الْأَعْمَال، وقاد أزمة الْأَمْوَال، وترقى فِي الْبسَاط السلطاني. رتبا رفيعة المنال، ولسلفه فِي الخدم الْعلية الاشتهار، والبراعة الْوَاضِحَة كَمَا وضح النَّهَار، والظرف الَّذِي تحسده الأزهار، وشعره وَاضح السهولة، جَار على المآخذ المقبولة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 وَمن ذَلِك فِي وصف الْحَاج أبي عبد الله الشَّديد شَاعِر مجيد حرك الْكَلَام، وَلَا يقصر عَن دَرَجَات الْأَعْلَام. رَحل إِلَى الْحجاز لأوّل أمره، وَجدّة عمره، فطال بالبلاد المشرقية ثواؤه، وعميت أنباؤه. وعَلى هَذَا الْعَهْد وَقعت على قصيدة بِخَطِّهِ غرضها نبيل. ومرعاها غير وبيل، تدل على نفس وَنَفس، وإضاءة قبس. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْحسن الرعيني يَخُوض فِي الْأَدَب، ويتمسك مِنْهُ بِبَعْض السَّبَب، وَعذر مثله وَاضح الْمَذْهَب وَهُوَ رجل صَالح، وَمذهب فِي الْفضل وَاضح. وَمن ذَلِك فِي وصف الْفَقِيه الْخَيْر أبي عبد الله السكان الأندرشي لبق ذكي، طبعه غير بكي، سكن الْبَادِيَة إِمَامًا، وَأقَام بهَا أعواما، وَله فِي ذَلِك مقامة جلت عَن الظّرْف مقَاما، واستوفت من الذكاء أقساما. وَمن ذَلِك فِي وصف الْعدْل أبي عبد الله الْقطَّان مِمَّن نبغ ونجب، وَحقّ لَهُ الْفَصْل بِذَاتِهِ وَوَجَب. تحلى بوقار، وشعشع للأدب كأس عقار، إِلَّا أَنه اخترم فِي اقتبال، وَأُصِيب للأجل بتبال. وَمن ذَلِك فِي وصف الْوَزير أبي عبد الله بن شلبطور مَجْمُوع شعر وَخط، وذكا عَن دَرَجَة الظرفاء غير منحط. إِلَى مجادة أثيلة الْبَيْت، شهيرة الْحَيّ وَالْمَيِّت، نَشأ فِي حجر الشّرف وَالنعْمَة، محفوفا بالمالية الجمة، فَلَمَّا عقل عَن ذَاته، وترعرع بَين لداته، ركض خُيُول لذاته، فَلم يدع مِنْهَا ربعا إِلَّا أقفره، وَلَا عقارا إِلَّا عقره، حَتَّى حط بساحلها، وَاسْتولى بسفر الأنفاق على جَمِيع مراحلها، إِلَّا أَنه خلص بِنَفس طيبَة، وسراوة سماؤها صيبة، وتمتع مَا شَاءَ من زير ويم، وَأنس لَا يعْطى القياد لَهُم، وَفِي عَفْو الله سَعَة، وليسر مَعَ التَّوَكُّل عَلَيْهِ ضعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 وَمن ذَلِك فِي وصف الْعدْل أبي عبد الله بن مُشْتَمل البلياني مِمَّن يعد ويحسب، ويمنى إِلَى الْفضل وينسب. أدواته بارعة، وخصاله فارعة، من خطّ طريف وأدب وتأليف. وَمن ذَلِك فِي وصف الْمُؤلف سلمَان انتسابي، وبالمعارف الأدبية اكتسابي، وَإِلَى الْعُلُوم مُنْذُ نشأت ارتياحي، وَفِي حلبة أَرْبَاب النّظر مغداى ومرامي، على نِهَايَة من ترف النشأة وَعز البدأة، إِلَى أَن اشْتَمَلت على الدولة النصرية اشتمالا، ونظمتني بَين بذورها الكوامل هلالا، فسموت فِي رتب اعتنائها حَالا فحالا، وتأثلت ماشيت جاها ومالا، وَجعلت مُشَاركَة الْخلق ثمالا، فَأَنا الْيَوْم وَالْحَمْد لله، ثمَّ لَهَا، عُطَارِد فلكها، وزبرقان حلكها، وَدَلِيل مسلكها، أقوم بَين يَدي سريرها. والوفود قعُود، وأجلو الْغَيْم عَن شمسها، والجو بروق ورعود، وأبادر نداءها إِن كَانَت هيعة. وَأمْسك مِنْهَا الْيَمين إِن هَمت بتجديد بيعَة. فَمن اختال فِي حلل هَذَا التشريف، غنى عَن التَّعْرِيف. وَأما شعري فِي امتداحها فَمثل سَائِر، وطائر فِي الْآفَاق مَيْمُون الطَّائِر. وَأما كتابتي عَنْهَا فأبهى من وُجُوه البشاير. وَأحلى من الشهد فِي يَد الساير نَسْتَغْفِر الله فَهَذَا مقَام من نأي عَن جنسه، وَرَضي عَن نَفسه، كم دون ذَلِك من تَقْصِير، يَبْدُو لعين ناقد وبصير. ستر الله عيوبنا، وبلغنا من كَمَال السَّعَادَة الأدبية مطلوبنا، بمنه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن سَلمَة الْكَاتِب فَارس خِصَال حميدة، وراشق إِلَى هدف الْإِصَابَة بسهام سديدة، فَإِن جلا فِي المهارق أحسانه، وأعمل فِي الرّقاع بنانه، حسد عُطَارِد طرفه، وحدق المُشْتَرِي إِلَى تِلْكَ البضاعة طرفه. دعى إِلَى الْكِتَابَة فاقتعد مطاها، وأدار كؤؤسها وعطاها. وَلم يزل. يجيل جياده فِي كل ميدان، ويبدي براعته مَا لَيْسَ لسواه بِمثلِهِ يدان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 حَتَّى تأود دوحه، وتعطر روحه. ثمَّ رمد بعد مَا سوى، وأحدث عقبه مَا نوى، وجنح إِلَى خطة الْأَشْرَاف، فجمل وَمَا أجمل، وأغفل الحزم وَمَا تَأمل، وَأحل سنَن الْأَشْرَاف فِيمَا أهمل. والجاه ضيق عطنه، إِلَى فِرَاق وَطنه، وينتحل شعرًا يسطع أرجه، ويسمو منعرجه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله الشريشي طَالب نبيل، لَا بلتبس من مذاهبه سَبِيل، أَبوهُ وراق هَذِه الأقطار، الَّذِي طَار اشتهاره كل المطار، فقلما تَجِد بَلَدا مَذْكُورا، بل بَيْتا معمورا إِلَّا وَبِه من خطه شَيْء مَعْرُوف، إِن لم تلف مِنْهُ صنوف أَو أُلُوف. وَنَشَأ ابْنه هَذَا طَالبا ذكيا، وفطنا لوذعيا، وفاضلا سريا. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله اللؤلؤة فَاضل منقبض، مضطلع بِحَبل الرِّوَايَة منتهض. رجل إِلَى الْحجاز الشريف، وَهُوَ اللؤلؤة لفظا وَمعنى، وَتحمل فِي الْعِنَايَة بالرواية وتعنى، وكلف بهَا كلف قيس بلبنى، حَتَّى هصر مِنْهَا كل عذب المجنى، وَظَهَرت عَلَيْهِ بركَة مقصدها الْأَسْنَى. وآب إِلَى بِلَاده، وَهُوَ خلق جَدِيد، وظل عفافه عريض مديد، فاجتلب من الْفَوَائِد المشرقية والطرف المأثورة عَمَّن لَقِي من الْبَقِيَّة، مَا أوجب لَهُ نيل المزية، ونبل الرحلة الحجازية. وَلم يلبث أَن هلك بحصن قمارش بلد أَهله وخبت أنوار فَضله. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن خَاتِمَة حسن السمة ظريفها، مَقْبُول النزاعة طريفها. لبيته فِي خدام الجباية شهرة ذائعة، ونباهة شائعة، فهم فرسَان الأزمة، وقوام تِلْكَ الْأُمُور المهمة، حاد عَن طريقهم، وَمَال عَن مرافقة فريقهم، وجنح إِلَى الْعَدَالَة، وأنف من الإدالة، فتحلى بالخيرية وتوشح، وترقي بِسَبَبِهَا وترشح. وَله أدب نبيل، وسمت وضح مِنْهُ فِي النزاهة سَبِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 وَفِي وصف أبي يحيى بن دَاوُد متحل من الحياد والعفاف، بِأَحْسَن الْحلِيّ والأوصاف، مستظل من فضل سلفه بِروح داني القطاف. أَبوهُ رَحمَه الله شيخ الْعمَّال الَّذِي لَا يدافع عَن منقبة جليلة، وَلَا يزاحم فِي بَاب مأثرة جميلَة. وَجَاء وَلَده هَذَا، جَارِيا على عقبه، سالكا على السَّبِيل الْأَلْيَق بِهِ، لَوْلَا أَن الْحمام اخترمه سَرِيعا وأذبل مِنْهُ غصنا مريعا. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن أبي الْبَقَاء هشوش مَقْبُول، متخلق حمول، ووعده بالمشاركة مفعول، تعرض بِالْبَابِ العلى واقتحم، وَتقدم فَمَا أحجم، وَأنْشد قصيدة أحكم إيرادها، بِصَوْت شج، ونغمة لِبَاس حسنها غير رشا وَلَا منبهج، فَوَقع عَلَيْهِ الْقبُول، وتسنى لَهُ من النِّعْمَة المأمول، واتصل لَهُ ذَلِك فصلحت حَاله، ونجحت آماله، وعَلى كَونه لَو كَانَ شَاعِرًا لَكَانَ من شَوَاهِد بَيت الْخَفِيف، أَو مثلا لَكَانَ حجَّة الأهوج على الحصيف، فَهُوَ من أهل الذكاء مَعْدُود، وَله فِي السرادة والمشاركة مَذْهَب مَحْمُود. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله الطشكري كهام الْحَد، ملغى عَن الْمعد، جهد أَن يلْحق فقصر بَاعه، وَنبت طباعه، وَلَا يَخْلُو مَعَ ذَلِك من نبل وانقباض، وذكاء فِي بعض الْأَغْرَاض. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن مشرف مِمَّن يمت بِحَسب، وَيرجع إِلَى نظم وأدب، وينتحل على ضعف الأدوات شعرًا رائقا، وبالطلبة الغر لائقا. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر أَحْمد بن رضوَان بن عبد الْعَظِيم شَاعِر مطبع، وعامر حمى من الْأَدَب وَربع، حجَّة من حجج الغرائز فِي الْعَالم الْجَائِز، يتدفق تدفق الْفُرَات، ويتتبع الْمعَانِي كَأَنَّمَا يطْلبهَا بالتراث، فَيَأْتِي بِكُل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 عَجِيبَة، وينتج الْبَدَائِع بَين طبع فَحل وفكرة نجيبة، ويتلقى دَاعِي الْبَيَان بِنَفس سميعة مجيبة، من غير اقتناء لأدواته، وَلَا اعتنا بِذَاتِهِ، إِلَّا أَنه يلابس أَرْبَاب الطّلب، فَرُبمَا حصل مِمَّا يُريدهُ على الأرب. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن هاني جملَة حسب ووقار، وبراعة تمد إِلَيْهَا المهارق أكف افتقار. نظمته الدولة اليوسفية فِي سمط كتابها، وأظلته بِظِل جنابها، وَطلب لهَذَا الْعَهْد نَفسه بالأدب، وَتمسك مِنْهُ بِالسَّبَبِ، فصدر عَنهُ من ذَلِك مَا يستطرف على الْبِدَايَة، وَيدل أَن استتب على فصل الْهِدَايَة. وَمن ذَلِك فِي وصف الْكَاتِب أبي عَمْرو بن زَكَرِيَّا يتوسل فِي الْكِتَابَة بجدين، ويكافح مِنْهَا بحدين، ويستند من الْجِهَتَيْنِ اللوشية والمرابطية إِلَى مجدين. وَأما أَبوهُ رَحمَه الله، فحظه زين الزين، بطرفة النَّفس وقرة الْعين، فَإِن نجب ونهض، فَهُوَ عرق نبض، وَإِن جنح إِلَى قُصُور، فَغير مَعْذُور. وَمن ذَلِك فِي وصف الْحَاج أبي الْعَبَّاس القراق لِسَان بالشعر يَهْتِف، وَيَد بالكدية تنتف، لَا يُبَالِي ألبس من القَوْل جَدِيدا أَو رثا، أَو كَانَ سمينا من الشّعْر أَو غثا، أَو نظم بسيطا أَو مجتثا. إِنَّمَا همته فِي قافية حَاضِرَة، وخواطر مِنْهُ خاطرة، وسما نوال ماطرة. وَمَعَ ذَلِك فخفيف الْجَانِب، سهل المذانب، يَخُوض من فروع الْفِقْه لجة، ويوضح مِنْهَا حجَّة. مدح بِهَذِهِ الْأَبْوَاب وكد، وَتعرض وتصدى، وَكتب عَن الْأُمَرَاء فَمَا حاد عَن السّنَن الْحسن وَلَا تعدى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 وَمن ذَلِك فِي وصف الْكَاتِب أبي الْحسن الملياني صَاحب الْعَلامَة بالمغرب: الْكَاتِب الفاتك، والصارم الباتك. إِلَى اضْطِرَاب ووقار، واستضام للعظايم واحتقار، وغنى فِي افتقار، وتجهم تَحْتَهُ أنس الْعقار، اتَّخذهُ ملك الْمغرب صَاحب علامته، وَتوجه بتاج كرامته. وَكَانَ يُطَالب جملَة من أَشْيَاخ مراكش بثار عَمه [ويطوقهم دَمه بِزَعْمِهِ، وَيقصر عَن الِانْتِصَار مِنْهُم بَنَات عَمه إِذْ سعوا بِهِ] حَتَّى اعتقل، ثمَّ جدوا فِي أمره حَتَّى قتل، فترصد كتابا إِلَى مراكش يتَضَمَّن أمرا جزما ويشمل من أُمُور الْملك عزما، جعل فِيهِ الْأَمر بِضَرْب رقابهم، وَسبي أسبابهم. وَلما أكدت على حامله فِي الْعجل، وضايقه تَقْدِير الْأَجَل، تأنى حَتَّى علم أَنه قد وصل، وغرضه قد حصل. وفر إِلَى تلمسان، وَهِي بِحَال حصارها، واتصل بأنصارها حَالا بَين أنوفها وأبصارها، وتعجب من فراره، وَسُوء اغتراره. ثمَّ اتَّصَلت الْأَخْبَار بِتمَام الْحِيلَة، واستيلاء الْقَتْل على أَعْلَام تِلْكَ الْقَبِيلَة، فَتَركهَا شنيعة على الْأَيَّام، وعارا فِي الأقاليم على حَملَة الأقلام، وَأقَام بتلمسان إِلَى أَن حل مخنق حصرها، وأزيل هميان الضيقة عَن خصرها، فلحق بالأندلس وَلم يعْدم برا ورعيا مستمرا حَتَّى أَتَاهُ حمامه، وانصرمت أَيَّامه. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي إِسْحَق بن سعد مَقْدُور عَلَيْهِ، محفوف بِالْحَاجةِ من خَلفه وَمن بَين يَدَيْهِ من رجل يَهْتِف باضطلاع الْعُلُوم، ويهذر بالشعر هذر المحموم. ثقل حَتَّى خف، وكثف حَتَّى شف. إِلَّا أَنه لَا ينقبض من بسط، وَلَا يلقى جعد المزاج إِلَّا بِخلق سبط، وَلم يكن خلوا من فَائِدَة يلقيها، وطرفة ينتقيها. وأفادته الرحلة الحجازية لِقَاء أَعْلَام، ومصابيح إظلام، كَانَ يطرز بمحاسنهم الْمجَالِس، ويفضح بأنوارهم النَّهَار الشامس وَله سلف صَالح، وأدب ضعفه وَاضح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 وَله فِي وصف أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْحق قدم على الأندلس عَرَبِيّ المرمى، بادسى المنتمى، يتعاطى الْأَدَب والتدوين، ويسترفد الْأُمَرَاء والسلاطين، وقصدني لأريش جنَاح أمله، وأكون ذَرِيعَة إِلَى نجح عمله، وَرفع لي كتابا فِي السياسة لَا يَخْلُو من نبل، وسلوك طرق للإتقان وسبل. وَمن ذَلِك فِي وصف الشريف أبي عبد الله العمراني كريم الانتما، مستظل بأغصان الشَّجَرَة الشما، من رجل سليم الضَّمِير، ذُو بَاطِن أصفى من المَاء النمير. لَهُ فِي الشّعْر طبع يشْهد بعروبية أُصُوله، ومضاء نصوله. وَقد أثبت من شعره مَا يَتَّضِح فِي البلاغة سَبيله وَيشْهد بِعِتْق الْجواد صهيله. وَمن ذَلِك فِي وصف أبي عبد الله بن جَابر الكفيف مَحْسُوب فِي طلبتها الجلة، ومعدود فِيمَن طلع بأفقها من الْأَهِلّة. رَحل إِلَى الْمشرق، وَقد أُصِيب ببصره، واستهان فِي جنب الاستفادة بِمَشَقَّة سَفَره. وشعره كثير. وَمن ذَلِك فِي وصف الأديب أبي إِسْحَق بن الْحَاج من أدباء المؤدبين، ونبلاء المتسرعين، إِلَى النّظم المنتدبين. لَو أدْركهُ الْحَافِظ فِي أَوَانه، لَكَانَ طرفه من طرف ديوانه. غَرِيب فِي أَحْكَامه، معتن بمده وقصره، ورومه وأشمامه، جهير النغمة عِنْد رد سَلَامه، محسن الظَّن بِمَا يصدر عَنهُ من كَلَامه، وشعره من النمط الَّذِي يُونُس فِي الأسمار وَيجْرِي من الفكاهة على مضمار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 وَمن ذَلِك فِي وصف الأديب ابْن حزب الله رَاقِم واشي، رَقِيق الجوانب والحواشي، تزهى بِخَطِّهِ المهارق والطروس وتتجلى فِي حلى إبداعه كَمَا تجلت الْعَرُوس، إِلَى خلق كثير التجمل، وَنَفس، عَظِيمَة التَّحَمُّل، وود سهل الْجَانِب، عذب المشارب. لما قضيت الوقيعة الْعُظْمَى بِظَاهِر طريف، أقَال الله عثارها، وَعجل ثارها قذف بِهِ موج ذَلِك الْبَحْر، وأفلت إفلات الْهدى المقرب للنحر، وَرمى بِهِ إِلَى رندة الْفِرَار، وَقد عرى من أثوابه كَمَا عرى العرار. فتعرف للحين بأديبها المفلق وبارقها المتألق أبي الْحجَّاج المنتشافرى، فِرَاقه يشر لِقَائِه، ونهل على الظمإ فِي سِقَايَة، وَكَانَت بَينهمَا مخاطبات أنشدنيها بعد إيابه، وَأَخْبرنِي أَنه نسي بهَا مَا كَانَ من ذهَاب زَاده، وسلب ثِيَابه. وَمن ذَلِك فِي وصف أحد الْفُضَلَاء فلَان وَإِن كَانَ أَشد النَّاس عناية بعمامة تلوى، وطيلسان يسوى، وتاج وإكليل، وزى جميل، وَكم ينَال الأَرْض كزلومة فيل. فَجَاهد فِي عدم الجناحوره، وجانبه مَعَ الْعِزّ شَوْكَة، وناورته على البأو عصبَة فجة. لَو دخل كورة النَّحْل، أَو سكن قَرْيَة النَّمْل، مستأمرا من أميرها بتقريب، أَو حَاصِلا من ريسها على حَظّ رغيب، لتلون لِأَخِيهِ، وشمخ بأنف التيه، على فصيلته الَّتِي تؤويه، سكرا من شراب لمع السراب، وأهنا بزور الْحَظ المنزور. فَإِذا أدال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 الصحو من الشملة، أَو عدم قبُول النملة، أَو طوق الدِّيوَان، تمنع بأنسه الأخوان، فَمَا أولاه باستكتاب الْقَابِل من أَمر ريح الْجنُوب بالهبوب، وَمن أذن للغمام الهتان، وَمن ينظرنا بِعَيْنِه الزَّرْقَاء يَعْنِي نوار الْكَتَّان: (رفقا بك سَيِّدي رفقا ... فالظن إِن تبرا وَإِن تشفا) (أما مزاجك فَهُوَ معتدل ... لَكِن أَظن خيالك استسقا) وَمَعَ ذَلِك فمحاضرته بَحر لَا تحصر أَجنَاس لآليه، وزهر لَا يمل منتسقه ومجتلبه، إِلَى طلعة لَا تقتحم وَلَا تزدري، وأبهة مَا كَانَ حَدِيثهَا يعتري: (وَمن ذَا الَّذِي ترْضى سجاياه كلهَا ... كفى الْمَرْء فضلا أَن تعد معايبه) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 كتب الزواجر والعظات فَمن ذَلِك فِي مُخَاطبَة ابْن مَرْزُوق سَيِّدي الَّذِي يَده الْبَيْضَاء لم تذْهب بشهرتها الْمُكَافَأَة. وَلم تخْتَلف فِي مدحها الْأَفْعَال، وَلَا تغايرت فِي حمدها الصِّفَات، وَلَا تزَال تعترف بهَا الْعِظَام الرفات، أطلقك الله من أسر الْكَوْن، كَمَا اطلقك من أسر بعضه، وزهدك فِي سمائه العاتية وأرضه، وحقر الْحَظ فِي عين بصيرتك بِمَا يحملك على رفضه، اتَّصل بِي الْخَبَر السار من تَركك لشأنك، وأجنا الله إياك ثَمَرَة إحسانك وانجياب ظلام الشدَّة الحالك، عَن أفق جلالك، فكبرت ارتياحا لانتشاق رضَا الله الطّيب الأرج، واستعبرت لتضاؤل الشدَّة بَين يَدي الْفرج، لَا بسوى ذَلِك من رضَا مَخْلُوق يُؤمر فيأتمر، ويدعوه الْقَضَاء فيبتدر، إِنَّمَا هُوَ فَيْء، وظل لَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء، ونسله جلّ تَعَالَى أَن يَجْعَلهَا آخر عَهْدك بالدنيا وبنيها، وَأول معارج نَفسك الَّتِي تَقربهَا من الْحق وتدنيها، وكأنني وَالله أحس بثقل هَذِه الدعْوَة على سَمعك، ومضادتها وَلَا حول وَلَا قُوَّة بِاللَّه لطبعك، وَأَنا أنافرك إِلَى الْعقل الَّذِي هُوَ قسطاس الله فِي عَالم الْإِنْسَان، والآلة لبث الْعدْل وَالْإِحْسَان، وَالْملك الَّذِي يبين عَنهُ ترجمان اللِّسَان، فَأَقُول لَيْت شعري مَا الَّذِي غبطك سَيِّدي بالدنيا، وَإِن بلغ من زبرجها الرُّتْبَة الْعليا، وأفرض الْمِثَال بِجلَال إقبالها، وَوصل حبالها، وخشوع جبالها، وضراعة سبالها، المتوقع الْمَكْرُوه صباح مسَاء، وارتقاب الْحِوَالَة الَّتِي تديل من النعم البأسا، وَلُزُوم المنافسة الَّتِي تعادي الْأَشْرَاف والرؤسا. لترتب الْعدْل حَتَّى على التَّقْصِير فِي الْكتب، وضغينه جَار الْجنب، وولوع الصّديق بإحصاء الذَّنب، ألنسبة وقايع الدولة إِلَيْك، وَأَنت مِنْهَا عرى إِلَّا بشهدانك للمضمار الَّتِي تنتجها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 غيرَة الْفروج والأحقاد الَّتِي تضطبنها ركبة السُّرُوج، وسرحة المروج، ونجوم السما ذَات البروج. ألتقليدك التَّقْصِير فِيمَا ضَاقَتْ عَنهُ طاقتك، وَصحت إِلَيْهِ فاقتك، من حَاجَة لَا يقتضى قَضَاهَا الْوُجُود، وَلَا يكفيها الرُّكُوع للْملك وَالسُّجُود. إلقطع الزَّمَان بَين سُلْطَان يعبد، وأفكار للغيوب تكبد، وعجاجة سر تلبد، وأقبوحة تخلد، وتؤيد، والوزير يصانع ويداري، وَذُو حجَّة صَحِيحَة يُجَادِل فِي مرضاة السُّلْطَان ويماري، وعورة لَا توارى. ألمباكرة، كل عايب حَاسِد، وعدو مستأسد، وسوق للإنصاف والشفقة كاسد، وَحَال فَاسد. أللوفود تتزاحم بسدتك. مكلفة لَك غير مَا فِي طوقك، فَإِن لم يَقع الْإِسْعَاف، قلبت عَلَيْك السَّمَاء من فَوْقك. أللجلساء ببايك لَا يقطعون زمن رجوعك وإيابك إِلَّا بقبيح اغتيابك. فالتصرفات تمقت، والقواطع النجومية توقت، والألاقي تثب، والسعايات تمت، والمساجد يشتكي فِيهَا البث، يَعْتَقِدُونَ أَن السُّلْطَان فِي يدك بِمَنْزِلَة الْحمار المدبور، واليتيم الْمَحْجُور، والأمير الْمَأْمُور، لَيْسَ لَهُ شَهْوَة وَلَا غضب، وَلَا أمل فِي الْملك وَلَا أرب، وَلَا موجدة لأحد كامنة، وللسر ضامنة، وَلَيْسَ فِي نَفسه عَن رَأْي يقره، وَلَا بِإِزَاءِ مَا لَا يقبله قدرَة، وظفره إِنَّمَا هُوَ جارحة لصيدك، وعان فِي قيدك، وإله لتصرف كيدك. وَإنَّك عِلّة حيفه. ومسلط سَيْفه. اللسرار يسملون عُيُون النَّاس بِاسْمِك، ثمَّ يمزقون بالغيبة مرق جسمك، قد تخلتم الْوُجُوه أَخبث مَا فِيهِ، واختارهم السفية فالسفية. إِذْ الْخَيْر يستره الله عَن الدول ويخفيه، ويمتعه بالغليل ويكفيه، فهم يمتاحون بك، ويولونك الْمَلَامَة، ويفتحون عَلَيْك أَبْوَاب القَوْل، ويسدون طرق السَّلامَة، وَلَيْسَ لَك فِي أثنا هَذِه إِلَّا مَا يعوزك مَعَ ارتفاعه، وَلَا يفوتك مَعَ انقشاعه، وَذَهَاب صواعه، من غذاً يشْبع، وثوب يقنع، وفراش الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 ينيم، وقديم يقْعد وتقيم. وَمَا الْفَائِدَة فِي فرش تحتهَا جمر الغضا، وَمَال من وَرَائه سوء القضا، وجاه يحلق عَلَيْهِ سيف منتضا. وَإِذا بلغت النَّفس إِلَى الالتذاذ بِمَا لَا تملك، واللجاج حول الْمسْقط الَّذِي تعلم أَنَّهَا فِيهِ تهْلك، فَكيف تنْسب إِلَى نبل، أَو تسير من السَّعَادَة فِي سبل. وَإِن وجدت فِي الْقعُود بِمَجْلِس التَّحِيَّة بعض الأريحية، فليت شعري أَي شَيْء زَادهَا، أومعنى أفادها. إِلَّا مباكرة وَجه الْحَاسِد، وذى الْقلب الْفَاسِد، ومواجهة الْعَدو المستأسد، أَو شَعرت بِبَعْض الأبناس فِي الرّكُوب بَين النَّاس، هَل التذت إِلَّا بحلم كَاذِب، أَو جذبها غير الْغرُور مجاذب. إِنَّمَا راكبك من يحدق إِلَى الْحِلْية وَالْبزَّة، ويستظل مُدَّة الْعِزَّة، ويرتاب إِذا تحدثت بخبرك، وَيتبع بِالنَّقْدِ والتجسس مواقع نظرك، ويمنعك من مسايرة أنيسك. ويحتال على فرَاغ كيسك، ويضمر الشَّرّ لَك ولرئيسك. وَأي رَاحَة لمن لَا يُبَاشر قَصده، ويسير مَتى شا وَحده. وَلَو صَحَّ فِي هَذَا الْحَال لله حَظّ، وهبه زهيدا، أَو عين للرشد عملا حميدا، لساغ الصاب، وَخفت الأوصاب، وَسَهل الْمُصَاب، لَكِن الْوَقْت أشغل، والفكر أوغل، والزمن قد عمرته الحصص الوهمية، واستنفذت مِنْهُ الكمية. أما ليله ففكر أَو نوم. وعتب، بَحر الضراس وَأما يَوْمه فتدبير وقبيل ودبير، وَأُمُور يعيى بهَا ثبير وَلَفظ لَا يدْخل فِيهِ حَكِيم كَبِير، وبلاء مبير، وَأَنا بِمثل ذَلِك خَبِير، وَوَاللَّه يَا سَيِّدي، وَمن فلق الْحبّ، وَأخرج الْأَب، وذرا مَا مَشى وَمَا دب، وَهدى وأكب، وسمى نَفسه الرب، لَو تعلق المَال الَّذِي يجرى هَذَا الكدح، ويورى سقيطه هَذَا الْقدح، بأذيال الْكَوَاكِب وزاحمت الْبَدْر بدره بالمناكب، لما وَرثهُ عقب، وَلَا خلص مِنْهُ معتقب، وَلَا فَازَ بِهِ سَافر وَلَا منتقب، وَالشَّاهِد الدول، والمشايم الأول، فَأَيْنَ الرباع المقتناة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 وَأَيْنَ الديار المبتناة، وَأَيْنَ الحوائط المغترسات، وَأَيْنَ الذَّخَائِر المختلسات، وَأَيْنَ الودائع المؤملة، والأمانات المحملة، تاذن الله بتثبيرها، وأدنا نَار التبار من دنانيرها، فقلما تلقى أَعْقَابهم إِلَّا عرى الظُّهُور، مترفقين بجرايات الشُّهُور، متعللين بالهبا المنثور، يطردون من الْأَبْوَاب، الَّتِى حجب عِنْدهَا آباؤهم، وَعرف مِنْهَا إباؤهم وشم من مقاصيرها عنبرهم وكباؤهم، لم تسامحهم الْأَيَّام إِلَّا فِي أرث مُحَرر، أَو حَلَال مُقَرر، وَرُبمَا محقه الْحَرَام، وَتعذر مِنْهُ المرام. هَذِه أعزّك الله حَال قبُولهَا المرغوب فِيهِ، وَمَالهَا مَعَ الترفيه، وعَلى فرض أَن يسْتَوْفى الْعُمر فِي الْعِزّ مستوفيه. وَأما هَذِه من عَدو يتحكم وينتقم، وحوت بغى يبتلع ويلتقم، وطبق يحجب الْهوى، ويطيل فِي الترب الثوى، وثعبان قيد يعَض السَّاق، وشؤبوب عَذَاب يمزق الإبشار الرقَاق، وغيلة يهديها الواقب الْغَاسِق، ويجرعها الْعَدو الْفَاسِق، فصرف السُّوق، وسلعته الْمُعْتَادَة الطروق، مَعَ الافول والشروق، فَهَل فِي شئ من هَذَا مغتبط لنَفس حرَّة، أَو مَا يُسَاوِي جرعة مَاء مرّة. واحسرتا للأحلام ضلت، وللأقدام زلت، وَيَا لَهَا مُصِيبَة جلت. ولسيدي أَن يَقُول، حكمت عَليّ باسنثقال الموعظة واستجفانها، ومراودة الدُّنْيَا بَين خلانها وأكفأنها، وتناسى عدم وفائها، فَأَقُول الطّيب بالعلل أدرى، والشفيق بِسوء الظَّن مغرى. وَكَيف وَأَنا أَقف على السحاءة بِخَط يَد سَيِّدي من مطارح الاعتقال، ومثاقب النوب الثقال، وخلوات الاستعداد للقاء الخطوب الشداد، ونوش الأسنة الْحداد، وَحَيْثُ يجمل بِمثلِهِ أَن لَا يصرف فِي غير الخضوع لله بنانا، وَلَا يثنى لمخلوق عنانا، وأتعرف أَنَّهَا قد مَلَأت الجو والدو، وقصدت الجماد والبو، تقتحم أكف أولى الشمات، وحفظة المذمات، وَأَعْوَان النوب الملمات، زِيَادَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 فِي الشقا، وقصدا بريا من الِاخْتِيَار والانتقا، مُشْتَمِلَة من التجاوز على أغرب من العنقا، وَمن النِّفَاق على أشهر من البلقا، فَهَذَا يُوصف بِالْإِمَامَةِ، وَهَذَا ينْسب فِي الْجُود إِلَى كَعْب بن مامة، وَهَذَا يَجْعَل من أهل الْكَرَامَة، وَهَذَا يُكَلف الدعا وَلَيْسَ من أَهله، وَهَذَا يطْلب مِنْهُ لِقَاء الصَّالِحين وَلَيْسوا من شكله، إِلَى مَا أحفظنى وَالله من الْبَحْث عَن السمُوم، وَكتب النُّجُوم، والمذموم من الْمَعْلُوم، هلا كَانَ من ينظر فِي ذَلِك قد قوطع بتاتا، وأعتقد أَن الله قد جعل من الْخَيْر وَالشَّر ميقاتا، وَإِنَّا لَا نملك موتا وَلَا نشورا وَلَا حياتا، وَأَن اللَّوْح قد حصر الْأَشْيَاء، محوا وإثباتا، فَكيف نرجو لما منع الله منالا، أَو نستطيع مِمَّا قدر الله إفلاتا، أفيدونا مَا يرجح العقيدة المتقررة فتحول إِلَيْهِ، وبينوا لنا الْحق نعول عَلَيْهِ. الله الله يَا سَيِّدي فِي النَّفس المرشحة، وللذات المحلاة بالفضائل الموشحة، وَالسَّلَف الشهير الْخَيْر، والعمر المشرف على المرحلة بعد حث السّير، ودع الدُّنْيَا لأَهْلهَا فَمَا أوكس حظوظهم، وأخس لحوظهم، وَأَقل مَتَاعهمْ، وَأعجل إسراعهم، وَأكْثر عناءهم، وأقصر إناءهم: (مَا تمّ إِلَّا مَا رَأَيْت وَرُبمَا تغنى السَّلامَة ... وَالنَّاس إِمَّا جَائِر أَو حائر يشكو ظلامه) (وَإِذا أردْت الْعِزّ لَا ترزأ بني الدُّنْيَا قلامه ... وَالله مَا احتقب الْحَرِيص سوى الذُّنُوب أَو الْمَلَامَة) (هَل ثمَّ شكّ فِي الْمعَاد الْحق أَو يَوْم الْقِيَامَة ... قُولُوا لنا مَا عنْدكُمْ أهل الخطابة والإمامة) فَإِن رميت بأحجارى، وأوجرت المر من أشجارى، فوَاللَّه مَا تلبست مِنْهَا الْيَوْم بشئ قديم وَلَا حَدِيث، وَلَا استأثرت بِطيب فضلا عَن خَبِيث، وَمَا أَنا إِلَّا عَابِر سَبِيل، وَهَاجَر مرعى وبيل، ومرتقب وَعدا قدر فِيهِ الإنجاز، وعاكف على حَقِيقَة لَا تعرف الْمجَاز، وَقد فَرَرْت من الدُّنْيَا كَمَا يفر من الْأسد، وحاولت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 قطع المداخلة حَتَّى بَين روحي والجسد، وَغسل الله قلبِي وَله الْحَمد من الطمع والحسد، فَلم أبق عَادَة إِلَّا قطعتها، وَلَا جنَّة للصبر إِلَّا ادرعتها، أما اللبَاس فالصوف، وَأما الزّهْد فِيمَا بأيدى النَّاس فمعروف، وَأما المَال العبيط فعلى الصَّدَقَة مضروف، وَوَاللَّه لَو علمت أَن حَالي هَذِه تتصل، وعراها لَا تنفصل، وترتيبي هَذَا يَدُوم، وَلَا يجيرنى الْوَعْد المحتوم وَالْوَقْت الْمَعْلُوم، لمت أسفا، وحسبي الله وكفا. وَمَعَ هَذَا يَا سَيِّدي، فالموعظة تتلقى من لِسَان الْوُجُود، وَالْحكمَة ضَالَّة الْمُؤمن ببذل المجهود. ويأخذها من غير اعْتِبَار بمحلها المذموم وَلَا الْمَحْمُود، وَلَقَد أعملت نَظَرِي فِيمَا يكافى عَنى بعض يدك، أَو ينتهى فِي الْفضل إِلَى أمدك. فَلم أر لَك الدُّنْيَا كفأ لَو كنت صَاحب دنيا، وَوجدت بذل النَّفس قَلِيلا من غير شَرط وَلَا تنيا. فَلَمَّا ألهمنى الله جلّ جَلَاله إِلَى مخاطبتك بِهَذِهِ النَّصِيحَة المفرغة فِي قوالب الجفا، لمن لَا يثبت عين الصَّفَا، وَلَا يشيم بارقة الوفا، وَلَا يعرف قاذورة الدُّنْيَا معرفَة مثلى من المتدنسين بهَا المنهمكين، وَينظر فِي عوارها الفادح بِعَين الْيَقِين، وَيعلم أَنَّهَا المومسة، الَّتِي حسنها زور، وعاشقها معزور، وسرورها شرور، تبين لى أَنِّي قد كافيت صنيعتك الْمُتَقَدّمَة، وَخرجت عَن عهدتك الملتزمة، وأمحضت لَك النصح الَّذِي يعز بعز الله ذاتك، ويطيب حياتك، وَيحيى مواتك، ويريح جوارحك من الوصب، وقلبك من النصب، ويحقر الدُّنْيَا وَأَهْلهَا فِي عَيْنك إِذا اعْتبرت، ويلاشى عظائمها لديك إِذا اختبرت، كل من تقع عَلَيْهِ عَيْنك حقير قَلِيل، وفقير ذليل، لَا يفضلك بشئ إِلَّا باقتفاء رشد أَو ترك غي. أثوابه النبيهة يجردها الْغَاسِل، وعروته يفصلها الْفَاصِل، وَمَاله الْحَاضِر الْحَاصِل، يعبث فِيهِ الحسام الناصل، وَالله يعين للخلف إِلَّا مَا تعين للسلف، وَلَا يصير الْمَجْمُوع إِلَّا للتلف. وَلَا صَحَّ من الهياط والمياط والصياح والعياط، وَجمع القيراط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 إِلَى القيراط، والاسطنان بالوزعة، والأشراط، والخبط والخباط، والاستكثار والاغتباط، والغلو والاشتطاط، وبنا الصرح وَعمل الساياط، وَرفع الْعِمَاد وإدارة الْفسْطَاط، إِلَّا ألم يذهب الْقُوَّة، وينسى الآمال المرجوة، ثمَّ نفس يصعد وسكرات تَتَرَدَّد، وحسرات لفراق الدُّنْيَا تتجدد، ولسان يثقل، وَعين تبصر الْفِرَاق الْحق وتمقل، قل هُوَ نبأ عَظِيم أَنْتُم عَنهُ معرضون. ثمَّ الْقَبْر وَمَا بعده، وَالله منجز وعده: فالإضراب الإضراب وَالتُّرَاب التُّرَاب. وَإِن اعتذر سَيِّدي بقلة الْجلد، وَكَثْرَة الْوَلَد، فَهُوَ ابْن مَرْزُوق لَا ابْن رزاق، وَبِيَدِهِ من التَّسَبُّب مَا يتكفل بإمساك أرماق. أبن النّسخ الَّذِي يتبلغ الْإِنْسَان بأجرته فِي كن حجرته، لايل السُّؤَال الَّذِي لَا عَار عِنْد الْحَاجة بمعرة السُّؤَال وَالله أقوم طَرِيقا، وألزم فريقا من يَد تمتد إِلَى حرَام، لَا يقوم بمرام، وَلَا يُؤمن من ضرام، أجريت فِيهِ الْحَال، وقلبت الْأَدْيَان والملل، وَضربت الإبشار ونحرت العشار، وَلم يصل مِنْهُ على يَد وَاسِطَة السوء المعشار، ثمَّ طلب عِنْد الشدَّة ففضح وَبَان شومه ووضح، اللَّهُمَّ طهر منا أَيْدِينَا وقلوبنا، وبلغنا من الِانْصِرَاف إِلَيْك مطلوبنا، وعرفنا بِمن لَا يعرف غَيْرك، ولايسترفد إِلَّا خيرك، يَا ألله، وحقيق على الْفُضَلَاء إِن جنح سَيِّدي مِنْهَا إِلَى إِشَارَة، وأعمل فِي اجتلابها إضباره، أَو لبس مِنْهَا شارة، أَو تشوف لخدمة إِمَارَة، أَن لَا يحسنوا ظنونهم بعْدهَا بِابْن نَاس، وَلَا يغتروا بسمة وَلَا خلق وَلَا لِبَاس، فَمَا بدا عَمَّا بدا تُفْضِي الْعُمر فِي سجن وَقيد، وَعَمْرو وَزيد، وضر وَكيد، وطراد صيد، وَسعد وَسَعِيد، وَعبد وَعبيد. فَمَتَى تظهر الْأَبْكَار، ويقر الْقَرار، وتلازم الْأَذْكَار، وتشام الْأَنْوَار، وتتجلى الْأَسْرَار، ثمَّ يَقع الشُّهُود الَّذِي يذهب مَعَه الْأَخْبَار، ثمَّ يحِق الْوُصُول الَّذِي إِلَيْهِ من كل مَا سواهُ الْفِرَار، وَعَلِيهِ الْمدَار، وَهُوَ الْحق الَّذِي مَا سواهُ فَبَاطِل، والفيض الرحماني الَّذِي ربابه لَا بُد هاطل، مَا شابت مخاطبتي هَذِه شايبة تريب. وَلَقَد محضت لَك مَا يمحضه الحبيب للحبيب، فَتحمل الَّذِي حملت عَلَيْهِ الْغيرَة، وَلَا تظن بِي غَيره، وَإِن لم يكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 قدري مكاشفة سيادتك بِهَذَا البث، فِي الأسلوب الغث، فَالْحق أقدم، وبناؤه لَا يهدم، وشأني مَعْرُوف فِي مُوَاجهَة الْجَبَابِرَة على حِين يَدي إِلَى رفدهم ممدودة، وَنَفْسِي من النُّفُوس المتهافتة عَلَيْهِم مَعْدُودَة، وشبابي فَاحم، وعَلى الشَّهَوَات مُزَاحم، فَكيف الْيَوْم مَعَ الشيب، ونصح الجيب، واستكشاف الْعَيْب، إِنَّمَا أَنا الْيَوْم على من عرفني كل ثقيل، وَسيف الْعدْل فِي كفي صقيل. أعذل أَرْبَاب الْهوى وَلَيْسَت النُّفُوس فِي الْقبُول سوا، وَلَا لكل مرض دوا، وَقد شفيت صَدْرِي، وَإِن جهلت قدري، فَاحْمِلْنِي، حملك الله على الجادة الْوَاضِحَة، وسحب عَلَيْك ستر الْأُبُوَّة الصَّالِحَة. وَالسَّلَام. وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي هَذَا الْغَرَض بِمَا نَصه: الْحَمد لله الْوَلِيّ الحميد، المبدي المعيد، الْبعيد فِي قربه من العَبْد، الْقَرِيب فِي بعده، فَهُوَ أقرب من حَبل الوريد، محيى ربوع قُلُوب العارفين بتحيات حَيَاة التَّوْحِيد، ومغنى نفوس الزاهدين بكنوز احتقار الافتقار إِلَى الْغَرَض الزهيد، ومخلص خواطر الْمُحَقِّقين من سجون حجون التَّقْيِيد، إِلَى فسح التَّجْرِيد، نحمده، وَله الْحَمد المنتظمة درره فِي سلوك الدَّوَام، وسموط التَّأْبِيد، حمد من نزه أَحْكَام وحدانيته وأعلام فردانيته عَن مرابط التَّقْلِيد فِي مخابط الطَّبْع البليد، ونشكره شكر من افْتتح بشكره أَبْوَاب الْمَزِيد، ونشهد أَنه الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، شَهَادَة تَتَخَطَّى بهَا معالم الْخلق إِلَى حَضْرَة الْحق على كيد التفريد، ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله قلادة الْجُود الْمجِيد، وهلال الْعِيد، وفذلكة الْحساب، وَبَيت القصيد، الْمَخْصُوص بمنشور الإدلال، وإقطاع الْكَمَال، مَا بَين مقَام المُرَاد، ومقام المريد، الَّذِي جعله السَّبَب الأوصل فِي تجاة النَّاجِي وسعادة السعيد، وخاطب الْخَلَائق على لِسَانه الصَّادِق، بحجتي الْوَعْد والوعيد، وَكَانَ مِمَّا أوحى بِهِ إِلَيْهِ، وَأنزل الْملك بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 عَلَيْهِ من الذّكر الحميد ليَأْخُذ بِالْحجرِ والأطواق من الْعَذَاب الشَّديد. وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان، ونعلم مَا توسوس بِهِ نَفسه، وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد، إِذْ يتلَقَّى المتلقيان عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد، مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد، وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد، وتفخ فِي الصُّور ذَلِك يَوْم الْوَعيد، وَجَاءَت كل نفس مَعهَا سَابق وشهيد، لقد كنت فِي غَفلَة من هَذَا، فكشفنا عَنْك غطاءك فبصرك الْيَوْم حَدِيد، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله صَلَاة تقوم بِبَعْض حَقه الأكيد، وتسرى إِلَى تربته الزكية من ظُهُور المواجد الْخفية على الْبَرِيد. (قعدت لتذكير وَلَو كنت منصفا ... لذكرت نَفسِي فَهِيَ أحْوج للذِّكْرَى) (إِذا لم يكن منى لنَفْسي واعظ ... فياليت شعري كَيفَ يفعل فِي أُخْرَى) آه، آه، أَي [وعظ بعد] وعظ الله يَا أحبابنا يسمع، وفيماذا وَقد تبين الرشد من الغي يطْمع، يَا من يُعْطي وَيمْنَع إِن لم تتمّ الصنيعة فَمَاذَا أصنع، أجمعنا بقلوبنا، يَا من يعرف الْقُلُوب وَيجمع، ولين حديدها بِنَار خشيتك فقد استعاذ نبيك من قلب لَا يخشع، وَمن عين لَا تَدْمَع. اعلموا يَرْحَمكُمْ الله أَن الْحِكْمَة ضَالَّة الْمُؤمن، يَأْخُذهَا من الْأَقْوَال وَالْأَحْوَال، وَمن الجماد وَالْحَيَوَان، وَالسّنة الملوان، فَإِن الْحق نور لَا يضرّهُ أَن يصدر من الخامل، وَلَا يقْتَصر بمحموله اقْتِصَار الْحَامِل، وأنكم تَدْرُونَ أَنكُمْ فِي أطوار سفر لَا يسْتَقرّ لَهَا دون الْغَايَة رَحْله، وَلَا تتأتى مَعهَا إِقَامَة وَلَا مهلة، من الأصلاب إِلَى الْأَرْحَام إِلَى الْوُجُود، إِلَى الْقُبُور، [إِلَى النشورا] إِلَى إِحْدَى دَاري الْبَقَاء أَفِي الله شكّ، فَلَو أبصرتم مُسَافِرًا فِي الْبَريَّة يَبْنِي ويعرش، ويمهد ويفرش، ألم تَكُونُوا تضحكون من جَهله، وتعجبون من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 ركاكة عقله. وَوَاللَّه مَا أَوْلَادكُم وشواغلكم عَن الله الَّتِي فِيهَا اجتهادكم الْأَبْنَاء سفر فِي قبر، وأعراس فِي ليله، نضر كأنكم بهَا مطرحة، تعثر فِيهَا الْمَوَاشِي وتنبو الْعُيُون عَن حقيرها للتلاشي، إِنَّمَا أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة، وَالله عِنْده أجر عَظِيم، مَا بعد المقيل إِلَّا الرحيل، وَمَا بعد الرحيل إِلَّا الْمنزل الْكَرِيم أَو الْمنزل الوبيل، وَإِنَّكُمْ تستقبلون أهوالا، سَكَرَات الْمَوْت، بواكر حِسَابهَا، وعتب أَبْوَابهَا، فَلَو كشف الغطا مِنْهَا عَن ذرة لذهبت الْعُقُول، وطاشت الأحلام، وَمَا كل حَقِيقَة يشرحها الْكَلَام: يَا أَيهَا النَّاس إِن وعد الله حق، فَلَا تغرنكم الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور. أَفلا أعددتم لهَذِهِ الورطة حِيلَة، أَو أظهرتم للاهتمام بهَا مخيلة. أتعويلا على عَفوه مَعَ المقاطعة، وَهُوَ الْقَائِل إِن عَذَابي لشديد. أأمنا من مكره مَعَ الْمُنَابذَة، وَلَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم الخاسرون، أطعما فِي رَحمته مَعَ الْمُخَالفَة، وَهُوَ يَقُول، فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ، أَو مشاقة ومعاندة، وَمن يُشَاقق الله، فَإِن الله شَدِيد الْعقَاب. أشكا فِيهِ، فتعالوا نعد الْحساب، ونقرر العقد، ونتصف بدعوة الْإِسْلَام أَو غَيرهَا من الْيَوْم، فتفقد مَا عقد الْعَاقِد عِنْد التساهل بالوعيد، والعامي يدهن الْأصْبع الوحيد، والعارف يضمر بهَا مبدأ العصب، هَكَذَا هَكَذَا يكون التعامي، هَكَذَا هَكَذَا يكون الْغرُور يَا حسرة على الْعباد مَا يَأْتِيهم من رَسُول إِلَّا كَانُوا بِهِ يستهزءون، وَمَا عدا عَمَّا بدا، ورسولكم الْحَرِيص عَلَيْكُم، الرءوف الرَّحِيم، يَقُول لكم، الْكيس من دَان نَفسه، وَعمل لما بعد الْمَوْت والأحمق، من أتبع نَفسه هَواهَا، وَتمنى على الله الْأَمَانِي، فعلام بعد هَذَا الْمعول، وماذا يتَأَوَّل، اتَّقوا الله فِي نفوسكم وانصحوها، واغتنموا فرص الْحَيَاة وارتجوها، إِن تَقول نفس يَا حسرتي على مَا فرطت فِي جنب الله، وَإِن كنت لمن الساخرين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 وتنادى أُخْرَى، يَا ليتنا نرد فنعمل غير الَّذِي كُنَّا نعمل، وَتقول أُخْرَى رب ارجعوه، وتستغيث أُخْرَى هَل إِلَى مرد من سَبِيل، فرحم الله من نظر لنَفسِهِ، قبل غرُوب شمسه، وَقدم لغده من أمسه، وَعلم أَن الْحَيَاة تجر إِلَى الْمَوْت، والغفلة تقود إِلَى الْفَوْت، وَالصِّحَّة مركب الْأَلَم، والشبيبة سفينة تقطع إِلَى سَاحل الْهَرم. وَإِن شَاءَ قَالَ بعد الْخطْبَة إخْوَانِي مَا هَذَا التواني، والكلف بالوجود الفاني، عَن الدَّائِم الثَّانِي، والدهر يقطع بالأماني، وهادم اللَّذَّات قد شرع فِي نقض المباني إِلَّا مُعْتَبر فِي معالم هَذِه الْمعَانِي [الْأَمر تحل عَن مَقَابِر هَذِه الْمعَانِي] : (أَلا أذن تصغي إِلَى سميعة ... أحدثها بِالصّدقِ مَا صنع الْمَوْت) (مددت لكم صوتي بأواه حسرة ... على مَا بدا مِنْكُم فَلم يسمع الصَّوْت) (هُوَ الْغَرِيب الْآتِي على كل دمنة ... فتولوا سرَاعًا قبل أَن يَقع الْفَوْت) يَا كلفا بِمَا لَا يَدُوم، يَا مفتونا بغرور الْمَوْجُود الْمَعْدُوم، يَا صريع جِدَار الْأَجَل المهدوم، يَا مشتغلا ببنيات الطَّرِيق، قد ظهر المناخ، وَقرب الْقدوم، يَا غريقا فِي بحار الأمل مَا عساك تقوم، يَا مُعَلل الطَّعَام وَالشرَاب، ولمع السراب لابد أَن يهجر المشروب، وَيتْرك المطعوم، دخل سَارِق الْأَجَل بَيت عمرك، فسلب النشاط، وَأَنت تنظر، وطوى الْبسَاط وَأَنت تكذب. واقتلع جَوَاهِر الْجَوَارِح، وَقد وَقع بك البهت، وَلم يبْق إِلَّا أَن يَجْعَل الوسادة على أَنْفك وَيفْعل: (لَو خفف الوجد عَنى دَعَوْت طَالب ثارى ... كلا إِنَّهَا كلمة هُوَ قَائِلهَا كَيفَ التَّرَاخِي) والفوت مَعَ الأنفاس يرتقب وينتظر، كَيفَ الْأمان، وهادم اللَّذَّات لَا يبْقى وَلَا يذر، كَيفَ الركون إِلَى الطمع الفاضح، وَقد صَحَّ الْخَبَر من فكر فِي كرب الْخمار، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 تنغصت عِنْده لَذَّة النَّبِيذ من أحس بلغط الحرس فَوق جِدَاره لم يصغ بسمعه إِلَى نَغمَة الْعود، من تَيَقّن نذل الغزلة هان عِنْده عز الْولَايَة. (مَا قَامَ خيرك يَا زمَان بشره ... أولى لنا مَا قل مِنْك وَمَا كفا) أوحى الله إِلَى مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ، أَن ضع يدك على متن ثَوْر، فبقدر مَا حازته من شعره تعيش سِنِين، فَقَالَ يَا رب وَبعد ذَلِك، قَالَ تَمُوت، وَقَالَ يَا رب فَالْآن. (رأى الْأَمر يُفْضِي إِلَى آخر ... فصير آخِره أَولا) إِذا شَعرت نَفسك آلي بالميل إِلَى شَيْء مَا عرض عَلَيْهَا غُصَّة فِرَاقه ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة. وَيحيى من حيى عَن بَيِّنَة، فالمفروح بِهِ، هُوَ المحزون عَلَيْهِ، أَيْن الأحباب مروا، فيالت شعري أَيْن استقروا، واستكانوا لله واضطروا، واستغاثوا بأوليائهم فَفرُّوا، وليتهم إِذْ لم ينفعوا مَا ضروا، فالمنازل من بعدهمْ خَالِيَة خاوية، والفروس ذابلة ذاوية، وَالْعِظَام من بعد التَّفَاضُل متشابهة مُتَسَاوِيَة، والمساكن تندب فِي أطلالها الذناب العادية: (صحت بِالربعِ فَلم يَسْتَجِيبُوا ... لَيْت شعري أَيْن يمْضِي الْغَرِيب) (وبجنب الدَّار قبر جَدِيد ... مِنْهُ يستسقى الْمَكَان الجديب) (غاص قلبِي فِيهِ عِنْد التماحي ... قلت هَذَا الْقَبْر فِيهِ الحبيب) (لَا تسل عَن رجعتي كَيفَ كَانَت ... إِن يَوْم الْبَين يَوْم عصيب) (باقتراب الْمَوْت عللت نَفسِي ... بعد الغي وكل آتٍ قريب) أَيْن المعمر الخالد، أَيْن الْوَلَد أَيْن الْوَالِد، أَيْن الطارف أَيْن التالد، أَيْن المجادل أَيْن المجالد، هَل تحس مِنْهُم من أحد أَو تسمع لَهُم ركزا، وُجُوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 علاها الثرى، وصحائف تقض وأعمال على الله تعرض، تحث الزهاد والعباد والعارفون والأوتاد، والأنبياء الَّذين هدى لَهُم الْعباد، عَن سَبَب الشَّقَاء الَّذِي لَا سَعَادَة بعده، فَلم يَجدوا إِلَّا الْبعد عَن الله، وَسَببه حب الدُّنْيَا، لن تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة: (هجرت حبايبي من أجل ليلى ... فَمَالِي بعد ليلى من حبيب) (وماذا أرتجي من حب ليلى ... سيجزي بالقطيعة عَن قريب) وَقَالُوا مَا أورد النَّفس الْمَوَارِد، وَفتح لَهَا بَاب الحتف إِلَّا الأمل، كلما قومتها مثاقف الْحُدُود فسح لَهَا أَرْكَان الرُّخص، كلما عقدت صَوْم الْعَزِيمَة، أهداها طرف الْغرُور فِي أطباق، حَتَّى إِذا وَلَكِن، وَرُبمَا، فأفرط الْقلب فِي تقليبها حَتَّى أبطر: (مَا أوبق الْأَنْفس إِلَّا الأمل ... وَهُوَ غرر مَا عَلَيْهِ عمل) (يفْرض مِنْهُ الشَّخْص وهما مَاله ... حَال وَلَا مَاض وَلَا مُسْتَقْبل) (مَا فَوق وَجه الأَرْض نفس حَيَّة ... إِلَّا قد انقض عَلَيْهَا الْأَجَل) (لَو أَنهم من غَيرهَا قد كونُوا ... لامتلاء السهل بهم والجبل) (مَا تمّ إِلَّا لقم قد هيئت للْمَوْت وَهُوَ الْآكِل المستعجل ... ) (والوعد حق والورى فِي غَفلَة ... قد خدعوا بعاجل وضلل) (أَيْن الَّذين شيدوا واغترسوا ... ومهدوا وافترشوا وظلل) (أَيْن ذَوُو الراحات راحت حرَّة ... إِذْ جَنبُوا إِلَى الثرى وانتقل) (لم تدفع الأحباب عَنْهُم غير أَن ... بكوا على فراقهم وأعول) (الله فِي نَفسك أولى من لَهُ ... ذخرت نصحا وعتابا يقبل) (لَا تتركها فِي عمى وحيرة ... عَن هول مَا بَين يَديهَا تغفل) (حقر لَهَا الفاني وحاول زهدها فِيهِ وشوقها لما يسْتَقْبل ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 (وَقد الى الله بهَا مضطرة ... حَتَّى ترى السّير عَلَيْهَا يسهل) (هُوَ الفنا والبقاء بعده ... وَالله عَن حكمته لَا يسْأَل) (يَا قُرَّة الْعين وَيَا حسرتها ... يَوْم يُوفى النَّاس مَا قد عمل) يَا طرداء الْمُخَالفَة إِنَّكُم مدركون، فاستبقوا بَاب التَّوْبَة، فَإِن رب تِلْكَ الدَّار يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ، فَإِذا أمنتم فاذكروا الله كَمَا هدَاكُمْ، يَا طفيلية الهمة دسوا أَنفسكُم فِي زمر التائبين. وَقد دعوا إِلَى دَعْوَة الحبيب فَإِن لم يكن أكل، فَلَا أقل من طيب الْوَلِيمَة. قَالَ بعض العارفين، إِذا عقد التائبون الصُّلْح مَعَ الله انتشرت رعايا الطَّاعَة فِي عمالة الْأَعْمَال، وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا، وَوضع الْكتاب، مَعَاني هَذَا الْمجْلس وَالْحَمْد لله نسيم سحر، إِذا انتشفه مخمور الْغَفْلَة أَفَاق بسعوط هَذَا الْوَعْظ يتفض إِن شَاءَ الله زكمة البطالة. أَن الَّذِي أنزل الدَّاء، أنزل الدَّوَاء، إكسير هَذَا العتاب، يغلب بحكمة جَابر الْقُلُوب المنكسرة. عَمَّن كَانَ لَهُ قلب، إِنَّمَا يستجيب الَّذين يسمعُونَ، والموتى يَبْعَثهُم الله. أَلا هِيَ دلها من حيرة يضل فِيهَا إِلَّا أَن هديت الدَّلِيل، وأجلها من غمره، وَكَيف أَلا بإعانتك السَّبِيل. نفوس صَدْرِي على مر الْأَيَّام، مِنْهَا الصَّقِيل، وبنا بجنوبها باعانتك السَّبِيل. نفوس صدى على مر الْأَيَّام، مِنْهَا الصَّقِيل ونبا بجنوبها عَن الْحق المقيل، وأذان أبهظها القَوْل الثقيل، وعثرات لَا يقبلهَا إِلَّا أَنْت يَا مقيل، حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل. وَمن ذَلِك إخْوَانِي، صمت الْأَذَان والنداء جهير، وَكذب العيان والمشار إِلَيْهِ شهير، أَيْن الْملك، وَأَيْنَ الظهير، أَيْن الْخَاصَّة وَأَيْنَ الجماهير، أَيْن الْقَبِيل وَأَيْنَ العشير، أَيْن كسْرَى وَأَيْنَ أزدشير، صدق الله الناعي، وَكذب البشير وَعز المستشار واتهم المشير، وسبل عَن الْكل فَأَشَارَ إِلَى التُّرَاب المشير: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 (خُذ من حياتك للمات الآت ... وبدار مَا دَامَ الزَّمَان موَات) (لَا تغترر فَهُوَ التُّرَاب بقيعة ... قد خودع الْمَاضِي بِهِ والآتي) (يَا من يؤمل واعظا ومذكرا ... يَوْمًا لينقذه من الغفلات) (هلا اعْتبرت ويالها من عِبْرَة ... بمدافن الْآبَاء والأمات) (قف بِالبَقِيعِ وناد فِي عرصاته ... فلكم بِهِ من جيرة ولدات) (درجوا وَلست بِخَالِد من بعدهمْ ... متميز عَنْهُم بِوَصْف حَيَاة) (وَالله مَا استهللت حَيا صَارِخًا ... إِلَّا وَأَنت تعد فِي الْأَمْوَات) (لَا فَوت عَن دَرك الْحمام لَهَا رب ... وَالنَّاس صرعى معرك الْآفَات) (كَيفَ الْحَيَاة لدارج متكلف ... سنة الْكرَى بمدافن الْحَيَّات) (أسفا علينا معشر الْأَمْوَات لَا ... ننفك عَن شغل بهاك وهات) (ويغرنا لمع السراب فتغتدي ... فِي غَفلَة عَن هَادِم اللَّذَّات) (وَالله مَا نصح امْرأ من غشه ... وَالْحق لَيْسَ بخافت للمشكات) يَا من غَدا وَرَاح، وَألف المراح، يَا من شرب الراح، ممزوجة بالعذب القراح، وَقعد لقيان صروف الزَّمَان، مقْعد الاقتراح، كَأَنَّك وَالله باخْتلَاف الرِّيَاح، وَسَمَاع الصياح، وهجوم غَارة الاجتياح، فأديل الخفوت من الارتياح، ونسيت أصوات الفنا برنات النياح، وعوضت غرر النوب بالقباح، من غرر الْوُجُوه الصَّباح، وتناولت الجسوم الناعمة أَيدي الاطراح، وتنوسيت العهود الْوَثِيقَة بكر المسا عَلَيْهَا والصباح، وأصبحت كماة النطاح من تَحت البطاح، وَحَملَة المهندة والرماح، ذليلة بعد الجماح: (وَلَو كَانَ هول الْمَوْت لَا شَيْء بعده ... لهان عَلَيْهَا الْأَمر واحتقر الهول) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 ( [وَلكنه حشر وَنشر وجنة ونار ... وَمَا لَا يسْتَقلّ بِهِ القَوْل] ) يَا مشتغلا بداره ورم جِدَاره، عَن إسراعه إِلَى النجَاة وَبِدَارِهِ، يَا من صَاح بإنذاره شيب عذاره، يَا من صرف عَن اعتذاره باقذايه وأقتراره، يَا من قطعه بعد مزاره، وَثقل أوزاره. يَا مُتَعَلقا ينْتَظر هموم حزاره، يَا مختلسا للأمانة يرتقب مفتش مَا تَحت إزَاره، يَا من أمعن فِي خمر الْهوى، خف من إسكاره، يَا من خَالف مولى رقّه، توق من إِنْكَاره، يَا كلفا بعارية ترد يَا مفتونا بِأَنْفَاسِ تعد، يَا معولا على الْإِقَامَة والرحال تشد، كأنني بك وَقد أوثق الشد، وألصق بالوسادة الخد، وَالرجل تقبض وَالْأُخْرَى تمد، وَاللِّسَان يَقُول يَا ليتنا نرد: (إِنَّا إِلَى الله وَإِنَّا لَهُ ... مَا أشغل الْإِنْسَان عَن شَأْنه) (يرتاح للأثواب يزهى بهَا ... وَالْخَيْط مغزول لأكفانه) (ويخزن الْفلس لوراثه ... مستنفدا مبلغ إِمْكَانه) (قوض عَن الفاني رحال أَمْرِي ... مد إِلَيْهِ كف عرفانه) (مَا تمّ إِلَّا موقف رَاهن ... قد وكل الْعدْل بميزاته) (مفرط يشقى بتفريطه ... ومحسن يَجْزِي بإحسانه) يَا هَذَا خَفِي عَلَيْك فرض اعتقادك، فَالْتبسَ الشَّحْم بالورم. جهلت قيم الْمَعَادِن فَبِعْت الشّبَه بِالذَّهَب، فسد حسن ذوقك، فتفكهت بحنظله، أَيْن حرصك من أَجلك، أَيْن قَوْلك من عَمَلك، يدركك الحيا من الطِّفْل، فتتحامى حمى الْفَاحِشَة فِي الْبَيْت بِسَبَبِهِ ثمَّ تواقعها بِعَين خَالق الْعين، ومقدر الكيف والأين تالله مَا فعل فعلك بمعبوده من قطع بِوُجُودِهِ {" مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة ... الْآيَة "} ، تعود عَلَيْك مساعي الْجَوَارِح الَّتِي سخرها لَك بالقناطير المقنطرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة، فتبخل مِنْهَا فِي سَبيله بفلس، وَأحد الْأَمريْنِ لَازم، إِمَّا التَّكْذِيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 وَإِمَّا الحماقة. وجمعك بَين الْحَالَتَيْنِ عَجِيب، يرزقك السنين العديدة من غير حق وَجب لَك، وتسيء الظَّن بِهِ يَوْم توجب الْحق، وتعتذر بالغفلة، فَمَا بالك التَّمَادِي. تعترف بالذنب فَمَا الْحجَّة مَعَ الْإِصْرَار، والبلد الطّيب يخرج نَبَاته بِإِذن ربه. وَالَّذِي خبث لَا يخرج إلاكدارا، يَا مدعى النسْيَان مَاذَا فعلت من بعد التفكير، يَا معتذرا بالغفلة أَيْن نصْرَة التَّنْبِيه، يَا من قطع بالرحيل أَيْن الزَّاد. يَا ذُبَابَة الْحِرْص الى كم تلحج فِي ورطة الشهد، يَا نايما ملْء عَيْنَيْهِ، جِدَار الْأَجَل يُرِيد أَن ينْقض، يَا ثمل الاغترار قرب خماد النَّدَم. تدعى الحذق بالصنايع، وتجهل هَذَا الْقدر. تبذل النصح لغيرك، وتغش نَفسك هَذَا الْغِشّ. اندمل جرح توبتك على عظم، قَامَ بِنَا عزيمتك على رمل نَبتَت خضراه، دعوتك على دمنه. عقدت كفك من الْحق على قَبْضَة مَا {" فَمن زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا ... . " الاية "} إِذا غام جو الْمجْلس، وابتدا رش غمام الدُّمُوع، قَالَت النَّفس الأمارة حوالينا وَلَا علينا، فوالت ريَاح الْغَفْلَة وسحاب الصَّيف جفاف كلما شدّ طِفْل الْعَزِيمَة كَفه على درة التَّوْبَة صانعته طير الشَّهْوَة على ذَلِك بعصفور. إِذا ضيق الْخَوْف فسحة الْمهل، سرق الأمل حُدُود الْجَار. قَالَ بعض الْفُضَلَاء، كَانُوا إِذا فقدوا مطلوبهم تأملوا قُلُوبهم، وَلَو صدق الْوَاعِظ الْأَثر، اللَّهُمَّ لَا أَكثر، طَبِيب يداوي النَّاس وَهُوَ عليل والتفطن قَلِيل، فَهَل إِلَى الْخَلَاص سَبِيل. اللَّهُمَّ انْظُر بِعَين رحمتك الَّتِي وسعت الْأَشْيَاء، وشملت الْأَمْوَات والأحياء، يَا دَلِيل الحائرين. دلنا يَا عَزِيز، ارْحَمْ ذلنا يَا ولي من لَا ولي لَهُ كن لنا إِن أَعرَضت عَنَّا فَمن لنا نَحن المذنبون، وَأَنت غفار الذُّنُوب، فَقلب قُلُوبنَا يَا مُقَلِّب الْقُلُوب، واستر عيوبنا يَا ستار الْعُيُوب يَا أمل الطَّالِب وَغَايَة الْمَطْلُوب، أَنْت حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 وَمن ذَلِك مَا صدر عني فِي هَذَا الْغَرَض مِمَّا خاطبت بِهِ أحد الْفُضَلَاء الْحَمد لله على نعْمَة الْإِسْلَام، وبنور النُّبُوَّة تجلو عَنَّا غياهب الظلام، ونسعى إِلَى دَار السَّلَام، حفظك الله يَا أَبَا سعيد، وأرشد سعيك وتدارك بالمرمة وهيك، قبل أَن يسمع الْمَوْت نعيك، وقفت على براءتك الطَّوِيلَة الذيل. المطفقة فِي الْكَيْل، مُشْتَمِلَة على تهويل، ومرعى وبيل، وعتاب طَوِيل، وتبجج بِأَلْفَاظ وأقاويل، لم ينجع فيا طب ابْن مقدم، وَلَا علاج ابْن عبد الْجَلِيل. مَا ثمَّ إِلَّا عوايد يشتكي من لُزُومهَا ودخز قلومها، وَبعد يتَضَرَّر من طول مداه، وَوهم يقلق من اشتباك لحْمَته بسداه، مَعَ الِاعْتِرَاف مِنْهُ بالعثور من الشَّيْخ الْوَاصِل، على الْكَنْز الْحَاصِل [ومصاحبة من يطبق بالحسام الناصل شوا كل المفاصل] إِن كَانَ الْفَتْح حَاصِلا فَمَا معنى الشكوى. أَو لم يحصل، فحتى مَتى الْبلوى، وَهَذَا الدّين الَّذِي يلوي، وغريمه مَعَ اللدد يهوى، والهوى مَعَ انصرام الْعُمر فِي هَذَا المهوى. أَيْن الثمرات يَا شجر الْحور، أَيْن الراهبي يَا جاعلي البصلة فِي أست الثور. ثناؤكم على النَّاس تَقْلِيد، وشأنكم فِي الاختبار شَأْن البليد، وعقولكم يترفع عَنْهَا عقل الْوَلِيد. ثمَّ إِن هَذِه العوايد، الَّتِي تشكى ويضحك لَهَا ثمَّ يبكي، ويتلذذ بذكرها حِين تحكى، لم تضايق الْإِيمَان، وَلَا رفعت وَالْحَمْد لله الْأمان. إِنَّمَا هِيَ بزعمكم حب دنيا لَا يُعَارض الْوَعْد، وَلَا يسابق العقد، والعوايد تعالج مَعَ بَقَائِهَا وَعمْرَان نافقاتها، بأدوية شَرْعِيَّة تنير عبوسها: وَتذهب بوسها، وتملس أديمها، وتونس عديمها، صَعب عَلَيْكُم اسْتِعْمَالهَا، وَسَهل لديكم إهمالها. ورمتم الغايات بالترهات، والحقائق بِالشُّبُهَاتِ، وَدَعوى الدَّرَجَات، مَعَ المداجاة، والشريعة لم تذْهب، والمدارس لم تخرب، والكتب لم تحرق، وسيرة النَّبِي وَالسَّلَف الصَّالح لم تختلس وَلم تسرق. أينكم من الْوَسَائِل الشَّرْعِيَّة، والذمم المرعية. أَيْن الصَّدقَات، إِذا حدقت إِلَى الأكف الحدقات، أَيْن زلف اللَّيْل، أَيْن الزَّكَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 المتوعد ممسكها بِالْوَيْلِ، أَيْن الْجِهَاد وارتباط الْخَيل، أَيْن الْحَج وركبانه، تتدافع تدافع السَّيْل، أَيْن تِلَاوَة الْقُرْآن الَّذِي تطمئِن بِهِ الْقُلُوب، أَيْن الْخلق الَّذِي لَا يَصح دونهَا الْمَطْلُوب، أَيْن الْحَظ المغلوب، أَيْن الصَّبْر والسكون، وانتظار الْفرج مِمَّن يَقُول للشَّيْء كن فَيكون، أَيْن قيدها وتوكل، أَظُنهُ أشكل، أَيْن الأنفة من الاشتهار، أَيْن الْأنس بالخلوة بَيَاض النَّهَار، عدل عَن ذَلِك كُله إِلَى الْبُخْل على الْمَسَاكِين، والسلاطة على أهل الدكاكين، وهجر الممورد الْمعِين، والتعويل على الْوُصُول إِلَى الله من خرجَة ابْن سبعين. والحرمان تتضاعف مكاسبه، والمقصد الْخَبيث يمده الشَّيْطَان بِمَا يُنَاسِبه، مقَام التَّوْبَة لم يحصل، وَسُوء الْولَايَة تفصل، وعقود العقد الصَّحِيح لم تبرم، والمحرمات بعد لم تحرم، والمواجد لم يخْطب الْمحل الأكرم، الْقَوَاعِد بعد مضاعة، وَمَعْرِفَة الله قد حفلت براعة، الْخلق لم تهذب، والنفوس فِي التمَاس الْكَمَال تعذب، ثَمَرَات الْعَمَل لم تحصد، وغاياتها فِي الحوانيت تقصد، كَانَ جُمْهُور الْمُسلمين همج مهمل، كَأَن الْأَنْبِيَاء لم تبين مَا يعْمل، كَانَ الشَّرِيعَة لَيْسَ لأوضاعها سوق، وَلَا لنخلها بسوق، كَأَن الشَّافِعِي أَو مَالك لَيْسَ بسالك، وَإِن مَا دون أشياخكم هَالك، هَذَا لَو كَانَ لكم أَشْيَاخ، أَو لمسير جيرتكم مناخ. إِنَّمَا هِيَ أَعْلَام للشهرة تنصب، وتيجان للخطوب تعصب النسي يذكر، وَالذكر ينسى، وَظُهُور الْوَلَد وَالْمَسَاكِين تعرى، والخليلي يكسى، وابدأ بِمن تعول يُوسع رسمه طمسا، والاعتدال يحكم فِيهِ الْجِدَال، بِاللَّه خلوا عَنْكُم الِاصْطِلَاح الْخَالِي، وَهَذَا التَّنْوِين الغالي مَعَ حرمَان المخالي، والقنوع بالقراغ مَعَ حرونة المراغ، والغليان الَّذِي يبغضكم إِلَى الله وَإِلَى خلقه، وهم الشُّهَدَاء فِي رقة مَعَ الْغَفْلَة عَمَّا أوضح لكم المشرع من حَقه، وتخطى الظَّاهِر الْمَضْمُون إِلَى الْمُشكل المظنون، فَلَو كَانَ سيركم مُسْتَقِيمًا، لم يكن الْقيَاس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 عقيما، عُمْيَان قد هجرت الكحال، وأملت فِي رد أبصارها الْمحَال. مَا الَّذِي رابكم، أنس الله اغترابكم، من سيرة السّلف الَّذين تجروا وكسبوا وانتموا لغنى الأكف وانتسبوا، وتصدقوا ووهبوا، وَجَاهدُوا وحجوا وَمَا انحرفوا وَلَا لجوا، وبسيرة أَعْمَالهم احْتَجُّوا، وَسعوا والتمسوا، وأكلوا الطّيب ولبسوا، وجوارحهم بميزان الشَّرِيعَة، أرْسلُوا وحبسوا، وَشهد لَهُم بالخلاص عقدهم الَّذِي حفظوا ودرسوا، لم يزمعوا لغير الضَّرُورَة طَلَاقا، وَأَشْفَقُوا من فِرَاق أَهْليهمْ إشفاقا، وَلَا حلوا لحسن الْعَهْد نطاقا، وَلَا قتلوا أَوْلَادهم إملاقا، وَلم يضرهم مَعَ الاسْتقَامَة معاشهم، وَلَا قطع بهم عَن الله أثاثهم وَلَا رياشهم، بل إِلَى فِئَة الْحق انحياشهم، وَأَنْتُم على الْحَقِيقَة، وَمن لكم بذلك أوباشهم، فَإِن قُلْتُمْ وَسعوا مَا ضَاقَ عَنهُ احتمالنا، وَلم تستطعه أَعمالنَا، فَهَلا تفطنتم وتنبهتم، وتكلفتم هديهم وتشبهتم. أتظنون أَنهم غَابَ عَنْهُم مَا أدركتم، أَو عجزوا عَمَّا إِلَيْهِ تحركتم، وهب أَن ثمَّ مقامات عالية، ولمقدمات أصل الشَّرِيعَة بزعمكم بالية، هلا استربتم إِذْ لم تدركوها، وَإِن لم تحصلوا مِنْهَا إِلَّا على أَن تحكوها، فرجعتم إِلَى الأَصْل الْمُجَرّد. وَالطَّرِيق الْمُقَرّر، فَمن ضل وَجب عَلَيْهِ أَن يعرس حَتَّى يصبح، ويبدو المهيع ويتضح، فاقتحام المفاز بِلَا دَلِيل شَأْن غير النَّبِيل، وبالانقطاع كَفِيل، وَيَا ليتكم بَلغْتُمْ دَرَجَة البله الْمَشْهُود بتوفيقهم، وَصِحَّة طريقهم، وَمن أجهده الْحزن أمْهل، وَمن تحير وَجب عَلَيْهِ أَن يسْأَل، وَيتْرك اللجاج أجمل، وَلم ير فِي الْأَمر حَتَّى يتَأَوَّل، وَمن لم يستيقن فَلَا يستعجل، وَالطَّرِيق الَّذِي احتقرتم، وَالله أهمل، وأحجكم بالشيخ عبد الْجَلِيل الَّذِي ظلمتموه، وبكشف الغيوب اتهمتموه، وبالولاية حددتموه ورسمتموه، وَهُوَ يقوم على السَّلب بيعا وشرا، واعتمارا وكرا، وَيصْلح من كرمه الَّذِي لم يعه، فَإِن قُلْتُمْ ذَلِك شيخ هِدَايَة، فقد كَانَ ذَا بداية، ومفتقرا مثلكُمْ إِلَى داية، فَلم تلح عَلَيْهِ من شَيْء مِمَّا أَنْتُم عَلَيْهِ آيَة، وَلم يُطلق زوجه مجَّانا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 وَلَا تطارح فِي مصلى الجنايز عُريَانا، وَلَا خطت مِنْهُ فِي مجَال النَّجَاسَات، رجل وَلَا دب إِلَى وَادي الجمد، كانه عجل. فعلى م عولتم فِيمَا تأولتم. الْقَدِيم مُخَالف للسمت، والْحَدِيث مُتَّهم بالعوج والأمت أَعلَى أهل السبت، وَمن حكم عَلَيْهِ بالكبت. نَسْتَغْفِر الله ذَا الْجلَال، ونستهديه من الضلال، ونبدأ إِلَيْهِ من نفوس عجل لَهَا الْعَذَاب، وغرها الأمل الْكذَّاب، وَأَظْمَأت وحولها الْمَوَارِد الْعَذَاب. فَترك الشَّرَاب، وَاتبع السراب. وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه [الْعلي الْعَظِيم] . وَأما مَا يخص حالك يَا أَبَا سعيد، والقريب الْبعيد، فمورد الْمَوَدَّة لم ينضب معينه. وَلَا الْتبس بِالشَّكِّ يقينه، وَمن أعَان مُسْتَقِيمًا فَالله يُعينهُ، وَمَا يتَّصل بكم من جفَاء فَهُوَ علم الله، تَأْدِيب وتهذيب وغيرة يجدهَا ولي حبيب، وَالله شَهِيد رَقِيب، وَلَو كَانَ بودي، لم تكن يدك مغلولة [وَلَا نيتك مسلولة، وَلَا عقيدتك معلولة وَلَا نَفسك على الشُّح مجبولة] وَلَا ولدك عَارِيا ذليلا، وَلَا الْخَيْر ببيتك المليء بالحبوب المختزنة قَلِيلا، وَلَا همتك عَن الْجِهَاد فِي سَبِيل الله كاسدة، وَلَا خبايث المصطلحات عَن حدبك ناسلة، وَلَا استعذبت على شيخك بِمَا رزأه من مَالك وذممك سَمَاعا من فمك، فَأَصْبَحت فِي أفقها، والرفض من شيمك، فتفطن لما نزل بك، وسل الله صلَة بسببك، وَاعْلَم أَنِّي بذلت لَك النَّصِيحَة مُنْذُ زمَان برسالة " الْغيرَة على أهل الْحيرَة "، وَقد علمت بمآل أَمرك وَضرب زيدك وعمرك، فَإِن قبلت مَا جبلت، وَلَو سَمِعت مَا كنت فِي الْمحَال طمعت، ولكنت معتدل التصريف مجانبا للتحريف، منفقا فِي سَبِيل الله التليد الغالي والطريف، جَارِيا من الْإِحْسَان لنَفسك وولدك على السّنَن الشريف. هَذَا جَوَاب سحاءتك المسجعة، ورسالتك القليلة الطَّحْن الْكَثِيرَة الجعجعة. وَقد أعدتنا وَالْحَمْد لله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 تِلْكَ الغزارة، وَإِن النَّفس لأمارة، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم. [وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا] . انْتهى هَذَا الْكتاب الْمُسَمّى " بريحانة الْكتاب، ونجعة المنتاب " على يَد ناسخها لنَفسِهِ تمّ لمن شَاءَ من وَلَده من بعده، عبيد الله الْمقر بِذَنبِهِ، الراجي عَفْو ربه، أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله البقني الْأنْصَارِيّ غفر الله ذنُوبه، وَستر عيوبه، بتاريخ أواسط شَوَّال عَام ثَمَانِيَة وَثَمَانِينَ وثمان مائَة، وَالْحَمْد لله، وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى. تمّ نسخه بِحَمْد الله فِي صباح يَوْم السبت الثَّامِن وَالْعِشْرين من رَجَب سنة 1399 هـ الْمُوَافق 23 يونيه سنة 1979 م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451