الكتاب: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ) المحقق: محمد محي الدين عبد الحميد الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ابن حبان الكتاب: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ) المحقق: محمد محي الدين عبد الحميد الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية المتعزز بعظمة الربوبية القائم على نفوس العالم بآجالها والعالم بتقلبها وأحوالها المان عليهم بتواتر آلائه المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير فمضت فيهم بقدرته مشيئته ونفذت فيهم بعزته إرادته فألهمهم حسن الإطلاق وركب فيهم تشعب الأخلاق فهم على طبقات أقدارهم يمشون وعلى تشعب أخلاقهم يدورون وفيما قضى وقدر عليهم يهيمون و (23 53 {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ) وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السموات العلا ومنشيء الأرضين والثرى لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه (21 23 {لا يُسْأَلُ عما يفعل وهم يسألون} ) وأشهد أن محمدا عبده المجتبى ورسوله المرتضى بعثه بالنور المضي والأمر المرضي على حين فترة من الرسل ودروس من السبل فدمغ به الطغيان وأكمل به الإيمان وأظهره على كل الأديان وقمع به أهل الأوثان ف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دار في السماء فلك وما سبح في الملكوت ملك وعلى آله أجمعين 0 أما بعد فإن الزمان قد تبين للعاقل تغيره ولاح للبيب تبدله حيث يبس ضرعه بعد الغزارة وذبل فرعه بعد النضارة ونحل عوده بعد الرطوبة وبشع مذاقه بعد العذوبة فنبع فيه أقوام يدعون التمكن من العقل باستعمال ضد مَا يوجب العقل من شهوات صدورهم وترك مَا يوجبه نفس العقل بهجسات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 قلوبهم جعلوا أساس العقل الذي يعقدون عَلَيْهِ عند المعضلات النفاق والمداهنة وفروعه عند ورود النائبات حسن اللباس والفصاحة وزعموا أن من أحكم هذه الأشياء الأربع فهو العاقل الذي يجب الاقتداء به ومن تخلف عَن إحكامها فهو الأنوك الذي يجب الإزورار عنه 0 فلما رأيت الرعاع من العالم يغترون بأفعالهم والهمج من الناس يقتدون بأمثالهم دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف يشتمل متضمنه على معنى لطيف مما يحتاج إليه العقلاء في أيامهم من معرفة الأحوال في أوقاتهم ليكون كالتذكرة لدوي الحجى عند حضرتهم وكالمعين لأولى النهى عند غيبتهم يفوق العالم به أقارنه والحافظ له أترابه يكون النديم الصادق للعاقل في الخلوات والمؤنس الحافظ له في الفلوات إن خص به من يجب من إخوانه لم يفتقده من ديوانه وإن استبد به دون أوليائه فاق به على نظرائه 0 أبين فيه مَا يحسن للعاقل استعماله من الخصال المحمودة ويقبح به إتيانه من الخلال المذمومة مع القصد في لزوم الاقتصار وترك الإمعان في الإكثار ليخف على حامله وتعيه أذن مستمعه لأن فنون الأخبار وأنواع الأشعار إذا استقصى المجتهد في إطالتها فليس يرجو النهاية إلى غايتها ومن لم يرج التمكن من الكمال في الإكثار كان حقيقا أن يقنع بالاختصار 0 والله الموفق للسداد والهادي إلى الرشاد وإياه أسأل إصلاح بالأسرار وترك المعاقبة على الأوزار إنه جواد كريم رءوف رحيم 0 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ذكر الحث على لزوم العقل وصفة العاقل اللبيب حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا قال أَبُو حاتم لست أحفظ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم خبرا صحيحا في العقل لأن أبان بن أبي عياش وسلمة بْن وردان وعمير بن عمران وعلي ابن زيد والحسن بْن دينار وعباد بن كثير ومسيرة بن عبد ربه وداود ابن المحبر ومنصور بن صفر وذويهم ليسوا ممن أحتج بأخبارهم فأخرج مَا عندهم من الأحاديث في العقل 0 وإن محبة المرء المكارم من الأخلاق وكراهته سفسافها هو نفس العقل 0 فالعقل به يكون الحظ ويؤنس الغربة وينفي الفاقة ولا مال أفضل منه ولا يتم دين أحد حتى يتم عقله 0 والعقل اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب والعلم باجتناب الخطأ فإذا كان المرء في أول درجته يسمى أديبا ثم أريبا ثم لبيبا ثم عاقلا كما أن الرجل إذا دخل في أول حد الدهاء قِيلَ له شيطان فإذا عتا في الطغيان قِيلَ مارد فإذا زاد على ذلك قِيلَ عبقري فإذا جمع إلى خبثه شدة شر قِيلَ عفريت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وكذلك الجاهل يقال له في أول درجته المائق ثم الرقيع ثم الأنوك ثم الأحمق 0 وأفضل مواهب اللَّه لعباده العقل ولقد أحسن الذي يقول ... وأفضل قسم اللَّه للمرء عقله ... فليس من الخيرات شيء يقاربه إذا أكمل الرحمن للمرء عقله ... فقد كملت أخلاقه ومآربه يعيش الفتى في الناس بالعقل إنه ... على العقل يجري علمه وتجاربه يزيد الفتى في الناس جودة عقله ... وإن كان محظورا عَلَيْهِ مكاسبه ... أخبرنا مُحَمَّد بْن سليمان بْن فارس حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سيار حَدَّثَنَا حبيب الجلاب قَالَ قِيلَ لابن المبارك مَا خير مَا أعطى الرجل قَالَ غريزة عقل قِيلَ فإن لم يكن قَالَ أدب حسن قِيلَ فإن لم يكن قَالَ أخ صالح يستشيره قِيلَ فإن لم يكن قَالَ صمت طويل قِيلَ فإن لم يكن قَالَ موت عاجل أخبرنا مُحَمَّد بْن داود الرازي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حميد حَدَّثَنَا ابن المبارك قَالَ سئل عقيل مَا أفضل مَا أعطي العبد قَالَ غريزة عقل قَالَ فإن لم يكن قَالَ فأدب حسن قَالَ فإن لم يكن قَالَ فأخ شقيق يستشيره قال فإن لم يكون فطول الصمت قَالَ فإن لم يكن قَالَ فموت عاجل قال أَبُو حاتم العقل نوعان مطبوع ومسموع فالمطبوع منهما كالأرض والمسموع كالبذر والماء ولا سبيل للعقل المطبوع أن يخلص له عمل محصول دون أن يرد عَلَيْهِ العقل المسموع فينبهه من رقدته ويطلقه من مكامنه يستخرج البذر والماء مَا في قعور الأرض من كثرة الربع فالعقل الطبيعي من باطن الإنسان بموضع عروق الشجرة من الأرض والعقل المسموع من ظاهره كتدلي ثمرة الشجرة من فروعها 0 أنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب الواسطي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 .. رأيت العقل نوعين ... فمطبوع ومسموع ولا ينفع المسموع ... إذا لم يك مطبوع كما لا تنفع الشمس ... وضوء العين ممنوع ... أخبرنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا موسى بْن مروان حَدَّثَنَا بقية عَن عَبْد اللَّه بْن حسان حدثني ابن عامر قَالَ قلت لعطاء بْن أَبِي رباح يا أبا مُحَمَّد مَا أفضل مَا أعطي العبد قَالَ العقل عَن الله أنشدني أحمد بن عبد الله الصنعاني لعبد اللَّه بْن عكراش ... يزين الفتى في الناس صحة عقله ... وإن كان محظورا عَلَيْهِ مكاسبه يشين الفتى في الناس خفة عقله ... وإن كرمت أعراقه ومناسبه ... قال أَبُو حاتم فالواجب على العاقل أن يكون بما أحيا عقله من الحكمة أكلف منه بما أحيا جسده من القوت لأن قوت الأجساد المطاعم وقوت العقل الحكم فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب وكذلك العقول إذا فقدت قوتها من الحكمة ماتت 0 والتقلب في الأمصار والاعتبار بخلق اللَّه مما يزيد المرء عقلا وإن عدم المال في تقلبه 0 أنشدني عَبْد الرحمن بْن مُحَمَّد المقاتلي ... إن ذا العقل يرى غنما له ... عدم المال إذا مَا العقل صح ما على المرء بعدم سبة ... إن وفا العقل وإن دين صلح ... أخبرنا مُحَمَّد بْن المسيب حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل المدني قَالَ سمعت حاتم ابن إِسْمَاعِيل يقول مَا استودع اللَّه عقلا عبدا إلا استنقذه به يوما مَا قال أَبُو حاتم العقل دواء القلوب ومطية المجتهدين وبذر حراثة الآخرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وتاج المؤمن في الدنيا وعدته في وقوع النوائب ومن عدم العقل لم يزده السلطان عزا ولا المال يرفعه قدرا ولا عقل لمن أغفله عَن أخراه مَا يجد من لذة دنياه فكما أن أشد الزمانة الجهل كذلك أشد الفاقة عدم العقل والعقل والهوى متعاديان فالواجب على المرء أن يكون لرأيه مسعفا ولهواه مسوفا فإذ اشتبه عَلَيْهِ أمران اجتنب أقربهما من هواه لأن في مجانبته الهوى إصلاح السرائر وبالعقل تصلح الضمائر 0 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ ثَنَا ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبيد الله الجشمى حدثنا المداينى قَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ عَمَّرَ دَهْرًا أَخْبِرْنِي بِأَحْسَنِ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ قَالَ عَقْلٌ طُلِبَ بِهِ مُرُوءَةٌ مَعَ تَقْوَى اللَّهِ وَطَلَبِ الآخِرَةِ وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... إذا تم عقل المرء تمت أموره ... وتمت أياديه وتم بناوه فإن لم يكن عقل تبين نقصه ... ولو كان ذا مال كثيرا عطاؤه ... أخبرنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا أَبُو كامل الجحدري حَدَّثَنَا عمران بْن خالد الخزاعي قَالَ سمعت الحسن يقول مَا تم دين عَبْد قط حتى يتم عقله قال أَبُو حاتم أفضل ذوي العقول منزلة أدومهم لنفسه محاسبة وأقلهم عنها فترة فبالعقل تعمر القلوب كما أن بالعلم تستخرج الأحلام وعمود السعادة العقل ورأس الاختيار ولو صور العقل صورة لأظلمت معه الشمس لنوره فقرب العاقل مرجو خيره على كل حال كما أن قرب الجاهل مخوف شره على كل حال 0 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ولا يجب للعاقل أن يغتم لأن الغم لا ينفع وكثرته تزري بالعقل ولا أن يحزن لأن الحزن لا يرد المرزئة ودوامه ينقص العقل والعاقل يحسم الداء قبل أن يبتلى به ويدفع الأمر قبل أن يقع فيه فإذا وقع فيه رَضِيَ وصبر والعاقل لا يخيف أحدا أبدا مَا استطاع ولا يقيم على خوف وهو يجد منه مذهبا وإذا خاف على نفسه الهوان طابت نفسه عما يملك من الطارف والتالد مع لزوم العفاف إذ هو قطب شعب العقل أنشدني المنتصر بْن بلال بْن المنتصر الأنصاري ... أولست تأمر بالعفاف وبالتقى ... وإليه آل الأمر حين يؤول فإن استطعت فخذ بعقلك فضله ... إن العقول يرى لها تفضيل ... أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَصْبَهَانِيُّ بِالْكَرَجِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّاحِيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْخَزَّازُ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا مُفَضَّلُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ عَلِيٌّ لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ أَتَاهُ جَبْرِيلُ فَقَالَ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُخَيِّرَكَ في ثلاثة فَاخْتَرْ وَاحِدَةً وَدَعِ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ آدم وما الثلاث فقال الْحَيَاءُ وَالدِّينُ وَالْعَقْلُ فَقَالَ آدَمُ فَإِنِّي قَدِ اخْتَرْتُ الْعَقْلَ قَالَ فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلْحَيَاءِ وَالدِّينِ انْصَرِفَا وَدَعَاهُ فَقَالا إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الْعَقْلِ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ عَرَجَ جِبْرِيلُ وَقَالَ شَأْنَكُمْ قال أَبُو حاتم من حسن عقله وقبح وجهه فقد أفقد فضائل نفسه قبائح وجهه ومن حسن وجهه وقل عقله فقد أذهب محاسن وجهه نقائص نفسه فلا يجب للعاقل أن يغتم إذا كان معدما لأن العاقل قد يرجى له الغنى ولا يوثق للجاهل المكثر ببقاء ماله ومال العاقل عقله وما قدم من صالح عمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وآفة العقل الصلف والبلاء المردي والرخاء المفرط لأن البلايا إذا تواترت عَلَيْهِ أهلكت عقله والرخاء إذا تواتر عَلَيْهِ أبطره والعدو العاقل خير للمرء من الصديق الجاهل 0 أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... عدوك ذو العقل أبقى عليك ... من الجاهل الوامق الأحمق وذو العقل يأتي جميل الأمور ويقصد للأرشد الأرفق ... أخبرنا مُحَمَّد بْن الحسين بْن قتيبة بعسقلان حَدَّثَنَا ابن أَبِي السري حَدَّثَنَا داود بْن الجراح وضمرة بْن ربيعة عَن خليد بْن دعلج قال سمعت معاوية ابن قرة يقول إن القوم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون ويصومون وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم سمعت مُحَمَّد بْن محمود بن عدي النسائي يقول سمعت علي بْن خشرم يقول سمعت حفص بْن حميد الأكاف يقول العاقل لا يغبن والورع لا يغبن قال أَبُو حاتم هذه لفظة جامعة تشتمل على معان شتى فكما لا ينفع الاجتهاد بغير توفيق ولا الجمال بغير حلاوة ولا السرور بغير أمن كذلك لا ينفع العقل بغير ورع ولا الحفظ بغير عمل وكما أن السرور تبع للأمن والقرابة تبع للمودة كذلك المروءات كلها تبع للعقل وعقول كل قوم على قدر زمانهم فالعاقل يختار من العمر أحسنه وإن قل فإنه خير من الحياة النكدة وإن طالت والعقل الموعى غير المنتفع به كالأرض الطيبة الخراب 0 والعاقل لا يبتدىء الكلام إلا أن يسأل ولا يكثر التماري إلا عند القبول ولا يسرع الجواب إلا عند التثبت 0 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 والعاقل لا يستحقر أحدا لأن من استحقر السلطان أفسد دنياه ومن استحقر الأتقياء أهلك دينه ومن استحقر الإخوان أفنى مروءته ومن استحقر العام أذهب صيانته 0 والعاقل لا يخفى عَلَيْهِ عيب نفسه لأن من خفي عَلَيْهِ عيب نفسه خفيت عَلَيْهِ محاسن غيره وإن من أشد العقوبة للمرء أن يخفى عَلَيْهِ عيبه لأنه ليس بمقلع عَن عيبه من لم يعرفه وليس بنائل محاسن الناس من لم يعرفها وما أنفع التجارب للمبتدى 0 أنشدني المنتصر بْن بلال بْن المنتصر الأنصاري ... ألم تر أن العقل زين لأهله ... وأن كمال العقل طول التجارب وقد وعظ الماضي من الدهر ذا النهى ... ويزداد في أيامه بالتجارب ... أخبرنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا عثمان بْن أبى شيبة حَدَّثَنَا جرير عن الحكم ابن عَبْد اللَّه قَالَ كانت العرب تقول العقل التجارب والحزم سوء الظن قال أَبُو حاتم لا يكون المرء بالمصيب في الأشياء حتى تكون له خبرة بالتجارب والعاقل يكون حسن المأخذ في صغره صحيح الاعتبار في صباه حسن العفة عند إدراكه رَضِيَ الشمائل في شبابه ذا الرأي والحزم في كهولته يضع نفسه دون غايته برتوة ثم يجعل لنفسه غاية يقف عندها لأن من جاوز الغاية في كل شئ صار إلى النقص 0 ولا ينفع العقل إلا بالاستعمال كما لا تنفع الأعوان إلا عند الفرصة ولا ينفع الرأي إلا بالإنتخال كما لا تتم الفرصة إلا بحضور الأعوان 0 ومن لم يكن عقله أغلب خصال الخير عَلَيْهِ أخاف أن يكون حتفه في أقرب الأشياء إليه 0 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ورأس العقل المعرفة بما يمكن كونه قبل أن يكون والواجب على العاقل أن يجتنب أشياء ثلاثة فإنها أسرع في إفساد العقل من النار في يبيس العوسج الاستغراق في الضحك وكثرة التمني وسوء التثبت لأن العاقل لا يتكلف مالا يطيق ولا يسعى إلا لما يدرك ولا يعد إلا بما يقدر عَلَيْهِ ولا ينفق إلا بقدر مَا يستفيد ولا يطلب من الجزاء إلا بقدر مَا عنده من الغناء ولا يفرح بما نال إلا بما أجدى عَلَيْهِ نفعه منه 0 والعاقل يبذل لصديقه نفسه وماله ولمعرفته رفده ومحضره ولعدوه عدله وبره وللعامة بشره وتحيته ولا يستعين إلا بمن يحب أن يظفر بحاجته ولا يحدث إلا من يرى حديثه مغنما إلا أن يغلبه الاضطرار عَلَيْهِ ولا يدعي مَا يحسن من العلم لأن فضائل الرجال ليست مَا ادعوها ولكن مَا نسبها الناس إليهم ولا يبالي مَا فاته من حطام الدنيا مع مَا رزق من الحظ في العقل 0 أنشدني عَبْد الرحمن بْن مُحَمَّد المقاتلي ... فمن كان ذا عقل ولم يك ذا غنى ... يكون كذي رجل وليست له نعل ومن كان ذا مال ولم يك ذا حجى ... يكون كذي نعل وليست له رجل ... قال أَبُو حاتم كفى بالعاقل فضلا وإن عدم المال بأن تصرف مساوى أعماله إلى المحاسن فتجعل البلادة منه حلما والمكر عقلا والهذر بلاغة والحدة ذكاء والعي صمتا والعقوبة تأديبا والجرأة عزما والجبن تأنيا والإسراف جودا والإمساك تقديرا فلا تكاد ترى عاقلا إلا موقرا للرؤساء ناصحا للأقران مواتيا للإخوان متحرزا من الأعداء غير حاسد للأصحاب ولا مخادع للأحباب ولا يتحرش بالأشرار ولا يبخل في الغنى ولا يشره في الفاقه ولا ينقاد للهوى ولا يجمح في الغضب ولا يمرح في الولاية ولا يتمنى مالا يجد ولا يكتنز إذا وجد ولا يدخل في دعوى ولا يشارك في مراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا ولا يشكو الوجع إلا عند من يرجو عنده البرء ولا يمدح أحدا إلا بما فيه لأن من مدح رجلا بما ليس فيه فقد بالغ في هجائه ومن قبل المدح بما لم يفعله فقد استهدف للسخرية 0 والعاقل يكرم على غير مال كالأسد يهاب وإن كان رابضا وكلام العاقل يعتدل كاعتدال جسد الصحيح وكلام الجاهل يتناقض كاختلاط جسد المريض وكلام العاقل وإن كان نزرا حظوة عظيمة كما أن مقارفة المأثم وإن كان نزرا مصيبة جليلة ومن العقل التثبت في كل عمل قبل الدخول فيه وآفة العقل العجب بل على العاقل أن يوطن نفسه على الصبر على جار السوء وعشير السوء وجليس السوء فإن ذلك مما لا يخطيه على ممر الأيام 0 ولا يجب للعاقل أن يحب أن يسمى به لأن من عرف بالدهاء حذر ومن عقل العاقل دفن عقله مَا استطاع لأن البذر وإن خفي في الأرض أياما فإنه لا بد ظاهر في أوانه وكذلك العاقل لا يخفى عقله وإن أخفى ذلك جهده 0 وأول تمكن المرء من مكارم الأخلاق هو لزوم العقل أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... إن المكارم أبواب مصنفة ... فالعقل أولها والصمت ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها ... والجود خامسها والصدق ساديها والصبر سابعها والشكر ثامنها ... واللين تاسعها والصدق عاشيها ... أخبرنا عمر بْن عَبْد اللَّه بن عمر الهجرى بالأبلة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن خبيق حَدَّثَنَا موسى بْن طريف قَالَ شعيب بْن حرب قَالَ لي شعبة عقولنا قليلة فإذا جلسنا مع من هو أقل عقلا منا ذهب ذلك القليل وإني لأرى الرجل يجلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 مع من هو أقل عقلا منه فأمقته قال أَبُو حاتم أول خصال الخير للمرء في الدنيا العقل وهو من أفضل مَا وهب اللَّه لعباده فلا يجب أن يدنس نعمة اللَّه بمجالسة من هو بضدها قائم والواجب على العاقل أن يكون حسن السمت طويل الصمت فإن ذلك من أخلاق الأنبياء كما أن سوء السمت وترك الصمت من شيم الأشقياء 0 والعاقل لا يطول أمله لأن من قوى أمله ضعف عمله ومن أتاه أجله لم ينفعه أمله والعاقل لا يقاتل من غير عدة ولا يخاصم بغير حجة ولا يصارع بغير قوة لأن بالعقل تحيا النفوس وتنور القلوب وتمضي الأمور وتعمر الدنيا والعاقل يقيس مَا لم ير من الدنيا بما قد رأى ويضيف مالم يسمع منها إلى مَا قد سمع وما لم يصب منها إلى مَا قد أصاب وما بقي من عمره بما فني وما لم ينل منها بما قد أوتي ولا يتكل على المال وإن كان في تمام الحال لأن المال يحل ويرتحل والعقل يقيم ولا يبرح ولو أن العقل شجرة لكانت من أحسن الشجر كما أن الصبر لو كان ثمرة لكان من أكرم الثمر 0 والذي يزداد به العاقل من نماء عقله هو التقرب من أشكاله والتباعد من أضداده 0 ولقد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا أَبُو جعفر ابن ابنة أَبِي سَعِيد الثعلبي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أبى مالك الغزي قَالَ سمعت أَبِي يقول جالسوا الألباء أصدقاء كانوا أو أعداء فإن العقول تلقح العقول قال أَبُو حاتم مجالسة العقلاء لا تخلو من أحد معنيين إما تذكر الحالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 التي يحتاج العاقل إلى الانتباه لها أو الإفادة بالشيء الخطير الذي يحتاج الجاهل الى معرفتها 0 فقرب العاقل غنم لأشكاله وعبرة لأضداده على الأحوال كلها ولا يجب لمن تسمى به أن يتدلل إلا على من يحتمل دلاله ويقبل إلا على من يحب إقباله ولو كان للعقل أبوان لكان أحدهما الصبر والأخر التثبت 0 جعلنا اللَّه ممن ركب فيه حسن وجود العقل فسلك بتمام النعم مسلك الخصال التي تقربه الى ربه في داري الأمد والأبد إنه الفعال لما يريد 0 ذكر إصلاح السرائر للزوم تقوى الله أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ بِتُسْتَرَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حدثنا مؤمل ابن إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَرِهَ اللَّهُ مِنْكَ شَيْئًا فَلَا تَفْعَلْهُ إِذَا خَلَوْتَ قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل الحازم أن يعلم أن للعقل شعبا من المأمورات والمزجورات لا بد له من معرفتها واستعمالها في أوقاتها لمباينة العام وأوباش الناس بها 0 وإني ذاكر في هذا الكتاب إن اللَّه قضى ذلك وشاءه خمسين شعبة من شعب العقل من المأمورات والمزجورات ليكون الكتاب مشتملا على خمسين بابا بناء كل باب منها على سنة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ثم نتكلم في عقيب كل سنة منها بحسب مَا يمن اللَّه به من التوفيق لذلك إن شاء اللَّه 0 فأول شعب العقل هو لزوم تقوى اللَّه وإصلاح السريرة لأن من صلح جوانيه أصلح اللَّه برانيه ومن فسد جوانيه أفسد اللَّه برانيه 0 ولقد أحسن الذي يقول ... إذا مَا خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن اللَّه يغفل ساعة ... ولا أن مَا يخفى عَلَيْهِ يغيب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 .. ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب ... وأن غدا للناظرين قريب ... أخبرنا عَبْد اللَّه بْن محمود بْن سليمان السعدي حَدَّثَنَا شعبة بْن هبيرة حَدَّثَنَا جعفر بْن سليمان عَن مالك بْن دينار قَالَ اتخذ طاعة اللَّه تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة 0 قال أَبُو حاتم قطب الطاعات للمرء في الدنيا هو إصلاح السرائر وترك إفساد الضمائر والواجب على العاقل الاهتمام بإصلاح سريرته والقيام بحراسة قلبه عند إقباله وإدباره وحركته وسكونه لأن تكدر الأوقات وتنغص اللذات لا يكون إلا عند فساده ولو لم يكن لإصلاح السرائر سبب يؤدي العاقل إلى استعماله إلا إظهار اللَّه عَلَيْهِ كيفية سريرته خيرا كان أو شرا لكان الواجب عَلَيْهِ قلة الإغضاء عَن تعاهدها أنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... يلبس اللَّه في العلانية العبد ... الذي كان يختفي في السريره حسنا كان أو قبيحا سيبدى ... كل مَا كان ثم من كل سيره فاستح اللَّه أن ترائى للناس ... فإن الرياء بئس الذخيره ... أخبرنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا شريح بْن يونس حَدَّثَنَا عبيدة بْن حميد عَن منصور عَن عطاء بْن أبى رباح عَن أبيه قَالَ قَالَ كعب والذي فلق البحر لبني إسرائيل إني لأجد في التوراة مكتوبا يا بن آدم اتق ربك وصل رحمك وبر والديك يمد لك في عمرك وييسرلك يسرك ويصرف عنك عسرك 0 حدثنا مُحَمَّد بْن سليمان بْن فارس حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن علي الشقيقي حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا جعفر بْن سليمان الضبعي عَن مالك بْن دينار قَالَ إن القلب إذا لم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فيه حزن خرب كما يخرب البيت إذا لم يكن فيه ساكن وإن قلوب الأبرار تغلي بأعمال البر وإن قلوب الفجار تغلي بأعمال الفجور والله يرى همومكم فانظروا مَا همومكم رحمكم الله 0 أنشدني محمد بن مبد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... وإذا أعلنت أمرا حسنا ... فليكن أحسن منه مَا تسر فمسر الخير موسوم به ... ومسر الشر موسوم بشر ... أخبرنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا شريح بْن يونس حَدَّثَنَا أَبُو معاوية عَن الأعمش عَن إِبْرَاهِيم قَالَ إن الرجل ليتكلم بالكلام ينوي فيه الخير فيلقي اللَّه في قلوب العباد حتى يقولوا مَا أراد بكلامه هذا إلا الخير وإن الرجل ليتكلم بالكلام الشر لا ينوى فيه الخير فيلقى اللَّه في قلوب الناس حتى يقولوا مَا أراد بكلامه هذا إلا الشر 0 حدثنا محمد بن عمر الهمداني حدثنا القطواني حدثنا سيار حَدَّثَنَا حماد بْن زيد عَن أيوب قَالَ سمعت الحسن يقول إنكم وقوف ها هنا تنتظرون آجالكم وعند الموت تلقون الخبر فخذوا مما عندكم لما بعدكم قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل أن يأخذ مما عنده لما بعده من التقوى والعمل الصالح بإصلاح السريرة ونفي الفساد عَن خلل الطاعات عند إجابة القلب وإبائه فإذا كان صحة السبيل في إقباله موجودا أنفذه بأعضائه وإن كان عدم وجوده موجودا كبحه عنها لأن بصفاء القلب تصفو الأعضاء 0 وأنشدني المنتصر بْن بلال بْن المنتصر الأنصاري ... وإن امرأ لم يصف لله قلبه ... لفي وحشة من كل نظرة ناظر وإن امرأ لم يرتحل ببضاعة ... إلى داره الأخرى فليس بتاجر وإن امرأ ابتاع دنيا بدينه ... لمنقلب منها بصفقة خاسر ... أخبرنا أَحْمَد بْن الحسين بْن عَبْد الجبار الصوفي ببغداد حَدَّثَنَا أَبُو نصر التمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 حَدَّثَنَا أَبُو الأشهب عَن خالد الربعي قَالَ كان لقمان عبدا حبشيا نجارا فأمره سيده أن يذبح شاة فذبح شاة فقال ائتني بأطيب مضغتين في الشاة فأتاه باللسان والقلب ثم مكث أياما فقال اذبح شاة فذبح شاة فقال ائتنى بأخبث مضغتين في الشاة فألقى إليه اللسان والقلب فقال له سيده قلت لك حين ذبحت ائتنى بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب ثم قلت لك الآن حين ذبحت الشاة أئتنى بأخبث مضغتين في الشاة فألقيت اللسان والقلب فقال إنه لا أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... وما المرء إلا قلبه ولسانه ... إذا حصلت أخباره ومداخله إذا مَا رداء المرء لم يك طاهرا ... فهيهات أن ينقيه بالماء غاسله وما كل من تخشى ينالك شره ... وما كل مَا أملته أنت نائله ... أخبرنا أَحْمَد بْن عيسى بن السكبن بواسط حَدَّثَنَا عَبْد الحميد بْن مُحَمَّد بْن مستام حَدَّثَنَا مخلد بْن يزيد حَدَّثَنَا صالح بْن حسان المؤذن قَالَ دخلت على عمر ابن عَبْد العزيز فسمعته يقول لا يتقي اللَّه عَبْد حتى يجد طعم الذل قال أَبُو حاتم العاقل يفتش قلبه في ورود الأوقات ويكبح نفسه عَن جميع المزجورات ويأخذها بالقيام في أنواع المأمورات ولزوم الانتباه عند ورود الفترة في الحالات ولا يكون المرء يشاهد مَا قلنا قائما حتى يوجد منه صحة التثبت في الأفعال 0 أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... وإذا بحثت عَن التقي وجدته ... رجلا يصدق قوله بفعال وإذا اتقى اللَّه امرؤ وأطاعه ... فيداه بين مكارم ومعال وعلى التقي إذا تراسخ في التقى ... تاجان تاج سكينة وجمال وإذا تناسبت الرجال فما أرى ... نسبا يكون كصالح الأعمال ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 أخبرنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن رومي البزاز عَن أبيه قَالَ قلما دخلت على إِسْحَاق بْن أَبِي ربعي الرافقي إلا وهو يتمثل بهذا البيت ... خير من المال والأيام مقبلة ... جيب نقي من الآثام والدنس ... أخبرنا محمد بن عبد الله بْن الجنيد حَدَّثَنَا عَبْد الوارث بْن عُبَيْد اللَّه عَن عَبْد اللَّه أَخْبَرَنَا الربيع عَن الحسن قَالَ أفضل العمل الورع والتفكر 0 قال أَبُو حاتم العاقل يدبر أحواله بصخة الورع ويمضى لسانه بلزوم التقوى لأن ذلك أول شعب العقل وليس إليه سبيل إلا بصلاح القلب ومثل قلب العاقل إذا لزم رعاية العقل على مَا نذكرها في كتابنا هذا إن اللَّه قضى ذلك وشاءه كأن قلبه شرح بسكاكين التقية ثم ملح بملح الخشية ثم جفف برياح العظمة ثم أحيي بماء القربة فلا يوجد فيه إلا مَا يرضي المولى جل وعلا ولا يبالي المرء إذا كان بهذا النعت أن يتضع عند الناس ومحال أن يكون ذلك أبدا 0 سمعت أَحْمَد بن موسى بواسط يقول وجد (ت) على خف عطاء السلمي مكتوبا وكان حائكا ... ألا إنما التقوى هو العز والكرم ... وفخرك بالدنيا هو الذل والعدم وليس على عَبْد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم ... أخبرنا مُحَمَّد بْن زنجويه القشيري حَدَّثَنَا عمرو بْن علي حَدَّثَنَا طريف بْن سَعِيد حَدَّثَنَا القاسم بْن عَبْد اللَّه الأنصاري عَن مُحَمَّد بْن علي بْن حسين قَالَ إذا بلغ الرجل أربعين سنة ناداه مناد من السماء دنا الرحيل فأعد زادا 0 وأنشدني عَبْد العزيز بن سليمان الأبراش ... إذا انتسب الناس كان التقي ... بتقواه أفضل من ينتسب ومن يتقى اللَّه يكسب به ... من الحظ أفضل مَا يكتسب ومن يتخذ سببا للنجاة ... فإن تقى اللَّه خير السبب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وأنشدني أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الصنعاني لابن عكراش ... ومهما يسر المرء يبد لربه ... وما ينسه الإنسان لا ينسى كاتبه ومن كان غلابا بجهد ونجدة ... فذو الحظ في أمر المعيشة غالبه ... وأنشدني أَبُو بدر أَحْمَد بْن خالد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الملك بحران ... يا نفس مَا هو إلا صبر أيام ... كأن لذاتها أضغاث أحلام يا نفس جوزي عَن الدنيا مبادرة ... وخل عنها فإن العيش قدامي ... أخبرنا الحسين بْن إدريس الأنصاري أَخْبَرَنَا سويد بْن نصر أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه أَخْبَرَنَا سُفْيَان عَن معن قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه إن لهذه القلوب شهوة وإقبالا وإن لها فترة وإدبارا فخذوها عند شهوتها وإقبالها ودعوها عند فترتها وإدبارها 0 قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل أن لا ينسى تعاهد قلبه بترك ورود السبب الذي يورث القساوة له عَلَيْهِ لأن بصلاح الملك تصلح الجنود وبفساده تفسد الجنود فإذا اهتم بإحدى الخصلتين تجنب أقربهما من هواه وتوخى أبعدهما من الردى 0 ولقد أحسن الذي يقول ... وإذا تشاجر في فؤادك مرة ... أمران فاعمد للأعف الأجمل وإذا هممت بأمر سوء فتئد ... وإذا هممت بأمر خير فافعل ... أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الطَّاحِيُّ بِالْبَصْرَةِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن عزرة الشامى عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَالِسُوا التَّوَّابِينَ فَإِنَّهُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً 0 أخبرنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمرو بْن جبلة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مروان حَدَّثَنَا عطاء الأزرق قَالَ قَالَ رجل للحسن يا أبا سَعِيد كيف أنت وكيف حالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 قَالَ كيف حال من أمسى وأصبح ينتظر الموت ولا يدري مَا يصنع به وأنشدني منصور بن محمد الكريزى ... تتخير قرينا من فعالك إنما ... يزين الفتى في القبر مَا كان يفعل فإن كنت مشغولا بشيء فلا تكن ... بغير الذي يرضى به الله تشغل فلا بد بعد القبر من أن تعده ... ليوم ينادى المرء فيه فيسأل فلن يصحب الإنسان من قبل موته ... ولا بعده إلا الذي كان يعمل ألا نما الإنسان ضيف لأهله ... يقيم قليلا بينهم ثم يرحل ... أخبرنا علي بْن سَعِيد العسكري حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن زياد قَالَ قدم علينا عَبْد العزيز بْن سليمان عبادان في بعض قدماته فأتيناه نسلم عَلَيْهِ فقال لنا صفوا للمنعم قلوبكم يكفكم المؤن عند همكم ثم قَالَ لو خدمت مخلوقا فأطلت خدمته ألم يكن يرعى لخدمتك حرمة فكيف بمن ينعم عليك وأنت مسيء إلى نفسك تتقلب في نعمه وتتعرض لغضبه هيهات هيهات همة البطالين ليس لهذا خلقتم ولا بذا أمرتم الك الكيس رحمك اللَّه وكان يفطر على ماء البحر قال أَبُو حاتم لن تضفو القلوب من وجود الدرن فيها حتى تكون الهمم في اللَّه هما واحدا فإذا كان كذلك كفي الهم في الهموم إلا الهم الذي يؤول متعقبه إلى رضا الباري جل وعز بلزوم تقوى الله في الخلوة والملاء إذ هو أفضل راد العقلاء في داريهم وأجل مطية الحكماء في حاليهم وأنشدني مُحَمَّد بن إسحاق بن حبيب الوسطى ... عليك بتقوى اللَّه في كل أمره ... تجد غبه يوم الحساب المطول ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 .. ألا إن تقوى اللَّه خير مغبة ... وأفضل زاد الطاعن المترحل ... قال أَبُو حاتم قد ذكرت هذا الباب بكماله بالعلل والحكايات في كتاب محجة المبتدئين بما أرجو الغنية للناظر إذا ماتأملها فأغنى ذلك عن تكراره في هذا الكتاب 0 ذكر الحث على لزوم العلم والمداومة على طلبه أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ أَتَيْتُ صَفْوَانَ بن عسال المرادى فَقَالَ مَا جَاءَ بِكَ قُلْتُ جِئْتُ أَنْبُطُ الْعِلْمَ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ يَطْلُبُ الْعِلْمَ إِلا وَضَعَتْ لَهُ الْمَلائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا بِمَا يَصْنَعُ قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل إذا فرغ من إصلاح سريرته أن يثني بطلب العلم والمداومة عَلَيْهِ إذ لا وصول للمرء إلى صفاء شيء من أسباب الدنيا إلا بصفاء العلم فيه وحكم العاقل أن لا يقصر في سلوك حالة توجب له بسط الملائكة أجنحتها رضا بصنيعه ذلك 0 ولا يجب أن يكون متأملا في سعيه الدنو من السلاطين أو نوال الدنيا به فما أقبح بالعالم التذلل لأهل الدنيا حدثنا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الخالدي حَدَّثَنَا داود بْن أَحْمَد الدمياطي حَدَّثَنَا عَبْد الرحمن بْن عفان قَالَ سمعت الفضيل بْن عياض يقول مَا أقبح بالعالم يؤتى الى منزله فيقال أين العالم فيقال عند الأمير أين العالم فيقال عند القاضي مَا للعالم وما للقاضي وما للعالم وما للأمير ينبغي للعالم أن يكون في مسجده يقرأ في مصحفه 0 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 حدثنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا غسان بْن الربيع حَدَّثَنَا سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال ياطلاب العلم لا تطلبوا العلم بسفاهة وطيش اطلبوه بسكينة ووقار وتؤدة وأنشدني محمد بن عبد الله بْن زنجي البغدادي ... وفي العلم والإسلام للمرء وازع ... وفي ترك طاعات الفؤاء المتيم بصائر رشد للفتى مستبينة ... وإخلاص صدق علمها بالتعلم ... أخبرنا إِبْرَاهِيم بْن نصر حَدَّثَنَا عَبْد بْن حميد حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عامر عَن حميد بْن الأسود عَن عيسى بن أَبِي عيسى الخياط قَالَ قَالَ الشعبي إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان العقل والنسك فإن كان عاقلا ولم يك ناسكا قِيلَ هذا أمر لا يناله إلا النساك فلم يطلبه وإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قِيلَ هذا أمر لا يناله إلا العقلاء فلم يطلبه قَالَ الشعبي فلقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليس فيه واحدة منهما لا عقل ولا نسك قال أَبُو حاتم العاقل لا يبيع حظ آخرته بما قصد في العلم لما يناله من حطام هذه الدنيا لأن العلم ليس القصد فيه نفسه دون غيره لأن المتبغي من الأشياء كلها نفعها لا نفسها والعلم ونفس العلم شيئان فمن أعضى عَن نفعه لم ينتفع بنفسه وكان كالذي يأكل ولا يشبع والعلم له أول وآخر 0 كما حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن علي بْن المثنى حَدَّثَنَا عمرو الناقد حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن اليمان قَالَ سمعت سُفْيَان يقول أول العلم الإنصات ثم الاستماع ثم الحفظ ثم العمل به ثم النشر وأنشدني الأبرش ... تعلم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عَلَيْهِ المحافل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالْقَانِيُّ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لا تَكُونُ عَالِمًا حَتَّى تَكُونَ مُتَعَلِّمًا وَلا تَكُونُ بِالْعِلْمِ عَالِمًا حَتَّى تَكُونَ بِهِ عَامِلا قال أَبُو حاتم العاقل لا يشتغل في طلب العلم إلا وقصده العمل به لأن من سعى فيه لغير مَا وصفنا ازداد فخرا وتجبرا وللعمل تركا وتضييعا فيكون فساده في المتأسين به فيه أكثر من فساده في نفسه ويكون مثله كما قَالَ اللَّه تعالى 8 وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ألا ساء ما يزرون 8 أخبرنا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الخالدي حَدَّثَنَا داود بْن أَحْمَد حَدَّثَنَا عبد الرحمن ابن عفان قَالَ سمعت الفضيل بْن عياض يقول في جهنم أرحية تطحن العلماء طحنا فقيل من هؤلاء قَالَ قوم علموا فلم يعملوا 0 أخبرنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد السعدي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن النضر بْن مساور حَدَّثَنَا جعفر ابن سليمان عَن مالك بْن دينار قَالَ إذا طلب الرجل العلم ليعمل به سره علمه وإذا طلب العلم لغير أن يعمل به زاده علمه فخرا أخبرنا محمد بن عمر بْن سليمان حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رافع حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بشر حدثني سلمة بْن الخطاب عَن عَبْد الحميد بْن أبى جعفر الفراء قَالَ قَالَ الحسن من أحب الدنيا وسرته ذهب خوف الآخرة من قلبه ومن أراد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من اللَّه إلا حدا ولم يزدد من اللَّه إلا بغضا 0 أخبرنا مُحَمَّد بْن المنذر بْن سَعِيد حدثني أَحْمَد بْن إبراهيم الحدثى حدثنى إسماعيل ابن الحارث حدثني مُحَمَّد بْن الحسن المديني حَدَّثَنَا أَبُو العوام أن إِبْرَاهِيم سمع صوت هاتف وهو يقول ... يا طالب العلم باشر الورعا ... وباين النوم واهجر الشبعا ماضر عبدا صحت إرادته ... أجاع يوما في الله أو شبعا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 .. ماضر عبدا صحت عزائمه ... أين من الأرض أينما صقعا ما طمعت نفس عابد فنوى ... سؤال قوم إلا لهم خضعا يا أيها الناس مَا لعالمكم ... في بحر ماء الملوك قد كرعا يا أيها الناس أنتم زرع ... يحصده الموت كلما طلعا ... أخبرنا ابن سالم حَدَّثَنَا الحسين بْن عَبْد الرحمن الاحتياطي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن اليمان العجلي عَن سُفْيَان الثوري قَالَ العالم طبيب الدين والدرهم داء الدين فإذا اجتر الطبيب الداء إلى نفسه فمتى يداوي غيره 0 أنشدني أَحْمَد بْن مُحَمَّد الصنعاني أنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه العراقي ... عنوا يطلبون العلم في كل بلدة ... شبابا فلما حصلوه وحشروا وصح لهم إسناده وأصوله ... وصاروا شيوخا ضيعوه وأدبروا ومالوا على الدنيا فهم يحلبونها ... بأخلافها مفتوحها لا يصرر فيا علماء السوء أين عقولكم ... وأين الحديث المسند المتخير ... أخبرنا جعفر بْن مُحَمَّد الهمداني بصور حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البعلبكي قَالَ سمعت عمي مُحَمَّد بْن زيد قَالَ كنت مع ابن المبارك ببغداد فرأى إِسْمَاعِيل ابن علية راكبا بغله على باب السلطان فأنشأ يقول ... يا جاعل الدين له بازيا ... يصطاد أموال السلاطين لا تبع الدين بدنيا كما ... بفعل ضلال الرهابين احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين وصرت مجنونا بها بعدما ... كنت دواء للمجانين ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 .. ففكر الناس جميعا بأن ... زل حمار العلم في الطين ... أخبرنا عَبْد العزيز بْن الحسن البرذعي حَدَّثَنَا زكريا بْن يَحْيَى حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه التستري قَالَ لما ولي ابن علية صدقات الإبل والغنم بالبصرة كتب إليه ابن المبارك كتابا وكتب في أسفله ... يا جاعل الدين له بازيا ... يصطاد أموال المساكين احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين يا فاضح العلم ومن كان ذا ... لب ومن عاب السلاطين ... أين رواياتك في سردها ... عَن ابن عون وابن سيرين ... وزاد غير أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه ... إن قلت أكرهت فماذا كذا ... زل حمار العلم في الطين ... فلما قرأ ابن علية الكتاب بكى ثم كتب جوابه وكتب في أسفله ... أف لدنيا أبت تواتيني ... إلا بنقضي لها عرى ديني عيني لحيني تدير مقلتها ... تطلب مَا سرها لترديني ... أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ بِالْبَصْرَةِ حدثنا العباس بن الوليد النرسي حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قَلابَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَقَبْضُهُ أَنْ يَذْهَبَ أَصْحَابُهُ وَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَقْوَامًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَتَى يفتقر أو يفتقر إليه عِنْدَهُ وَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ وَإِيَّاكُمْ وَالْبِدَعَ وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ 0 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زنجويه القشيري حَدَّثَنَا عمرو بْن عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 فرة بن خالد عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرَّوِايَةِ إِنَّمَا الْعِلْمُ الْخَشْيَةُ حدثني إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم القاضي حَدَّثَنَا الحارث بْن مسكين حَدَّثَنَا ابن القاسم قال سمعت مالكا يقول ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم الخشية قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل مجانبة مَا يدنس علمه من أسباب هذه الدنيا مع القصد في لزوم العمل بما قدر عَلَيْهِ ولو استعمال خمسة أحاديث من كل مائتي حديث فيكون كأنه قد أدى زكاة العلم فمن عجز عَن العمل بما جمع من العلم فلا يجب أن يعجز عَن حفظه 0 ولقد أَنْبَأَنَا ابن قحطبة حَدَّثَنَا حسين بْن مُحَمَّد الكوفي قال سمعت محمد ابن بشير الخزاعي يقول ... أما لو أعي كل مَا أسمع ... وأحفظ من ذاك مَا أجمع ولم أستفد غير مَا قد جمعت ... لقيل هو العالم المقنع ولكن نفس إلى كل شيء ... من العلم تسمعه تنزع وأحضر بالجهل في مجلسي ... وعلمي في الكتب مستودع فلا أنا أحفظ مَا قد جمعت ... ولا أنا من جمعه أشبع ومن يك في علمه هكذا ... يكن دهره القهقري يرجع إذا لم تكن حافظا واعيا ... فجمعك للكتب لا ينفع ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه المؤدب ... جامع العلم تراه أبدا ... غير ذي حفظ ولكن ذا غلط وتراه حسن الخط إذا ... كتب الخط بصيرا بالنقط فإذا فتشته عَن علمه ... قَالَ علمي يا خليلي في السفط ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 .. في كراريس جياد أحكمت ... وبخط أي خط أي خط فإذا قلت له هات لنا ... حك لحيته جميعا وامتخط ... أخبرنا مُحَمَّد بْن يعقوب الخطيب بالأهواز حَدَّثَنَا حفص بْن عمرو الربالي حَدَّثَنَا الحجاج بْن نصير حَدَّثَنَا عَبْد القدوس قال سمعت وهيب بن منيه يقول من تعلم علما في حق وسنة لم يذهب اللَّه بعقله أبدا حدثنا عَبْد اللَّه بْن قحطبة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الأعلى حَدَّثَنَا المعتمر بْن سليمان قَالَ كتب إلي أَبِي وأنا بالكوفة اشتر الصحف واكتب العلم فإن المال يفنى والعلم يبقى حدثنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا حبان بْن موسى أَنْبَأَنَا عَبْد اللَّه بْن المبارك قَالَ كتب حكيم من الحكماء ثلاثين صحفية حكم فأوحى اللَّه إليه إنك قد ملأت الأرض نفاقا وإن الله لم يتقبل شيئا من نفاقك قال أَبُو حاتم اقتناء المرء عمره بكثرة الأسفار ومباينة الأهل والأوطان في طلب العلم دون العمل به أو الحفظ له ليس من شيم العقلاء ولا من زي الألباء وإن من أجرد مَا يستعين المرء به على الحفظ الطبع الجيد مع الهمة واجتناب المعاصي وأنشدني الأبرش ... نعم عون الفتى الطلوب لعلم ... أو لبعض العقول صحة طبع فإذا الطبع فاته بطل العلم ... وصار العناء في غير نفع ... سمعت إِبْرَاهِيم بْن نصر العنبري يقول سمعت علي بْن خشرم يقول سمعت وكيعا يقول استعينوا على الحفظ بترك المعصية قال أَبُو حاتم يجب على العاقل أن لا يطلب من العلم إلا أفضله لأن الازدياد من العلم آثر عند العاقل من الذكر بالعلم والعلم زين في الرخاء ومنجاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 في الشدة ومن تعلم ازداد كما أن من حلم ساد وفضل العلم في غير خير مهلكة كما أن كثرة الأدب في غير رضوان اللَّه موبقة والعاقل لا يسعى في فنونه إلا بما أجدى عَلَيْهِ نفعا في الدارين معا وإذا رزق منه الحظ لا يبخل بالإفادة لأن أول بركة العلم الإفادة وما رأيت أحدا قط بخل بالعلم إلا لم ينتفع بعلمه وكما لا ينتفع بالماء الساكن تحت الأرض مَا لم ينبع ولا بالذهب الأحمر مَا لم يستخرج من معدنه ولا باللؤلؤ النفيس مَا لم يخرج من بحره كذلك لا ينتفع بالعلم مَا دام مكنونا لا ينشر ولا يفاد أنبأنا أَحْمَد بْن مضر الرباطي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سهيل بْن عسكر حَدَّثَنَا أَبُو صالح الفراء قَالَ سمعت ابن المبارك يقول من بخل بالحديث يبتلى بإحدى ثلاث إما أن يموت فيذهب علمه أو ينسى أو يبتلى بالسلطان حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بُرْدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ ابن مُوسَى قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ النَّاسُ عَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ وَلا خَيْرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وأنشدني الكريزي ... أفد العلم ولا تبخل به ... وإلى علمك علما فاستفد استفد مَا استطعت من علم وكن ... عاملا بالعلم والناس أفد من يفدهم يجزه اللَّه به ... وسيغني اللَّه عمن لم يفد ليس من نافس فيه عاجزا ... إنما العاجز من لا يجتهد ... حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا عمر بْن حفص الشيباني حدثنا حماد ابن واقد عَن هشام بْن حسان عَن الحسن قَالَ لأن يتعلم الرجل بابا من العلم فيعبد به ربه فهو خير له من أن لو كانت الدنيا من أولها إلى آخرها له فوضعها في الآخرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 قال أَبُو حاتم قد ذكرت أسباب المتعلمين وأخلاق العلماء بعللها في كتاب العالم والمتعلم بما أرجو أن يكون فيه غنية لمن أراد الوقوف على معرفتها فأغنى ذلك عن التكرار لأنا شرطنا في هذا الكتاب الاختصار كراهية سلوك التطويل والإشارة إلى قصد نفس التحصيل ذكر الحث على لزوم الصمت وحفظ اللسان أَخْبَرَنَا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شعيب البلحي بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليوم والآخر فيلقل خيرا أو ليسكت قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل إذا ذكر المطيتين اللتين ذكرتهما قبل إصلاح السريرة ولزوم العلم أن يبلغ مجهوده حينئذ في حفظ اللسان حتى يستقيم له إذ اللسان هو المورد للمرء موارد العطب والصمت يكسب المحبة والوقار ومن حفظ لسانه أراح نفسه والرجوع من الصمت أحسن من الرجوع عَن الكلام والصمت منام العقل والمنطق يقظته حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حدثنا عماد بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ لُقْمَانَ قَالَ إِنَّ مِنَ الْحِكَمِ الصَّمْتَ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ وأنشدني الكريزي ... أقلل كلامك واستعذ من شره ... إن البلاء ببعضه مقرون واحفظ لسانك واحتفظ من غيه ... حتى يكون كأنه مسجون وكل فؤادك باللسان وقل له ... إن الكلام عليكما موزون فزناه وليك محكما ذا قلة ... إن البلاغة في القليل تكون ... أَخْبَرَنَا ابْنُ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ نُوحٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ كُلُّ شَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِفَضْلِهِ إِلا الْكَلامَ فَإِنَّ فَضْلَهُ يَضُرُّ أَخْبَرَنَا الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عن سعيد ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لا خَيْرَ فِي الْحَيَاةِ إِلا لأَحَدِ رَجُلَيْنِ مُنْصِتٌ وَاعٍ أَوْ مُتَكَلِّمٌ عَالِمٌ قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل أن لا يغالب الناس على كلامهم ولا يعترض عليهم فيه لأن الكلام وإن كان في وقته حظوة جليلة فإن الصمت في وقته مرتبة عالية ومن جهل بالصمت عي بالمنطق والإنسان إما هو صورة ممثلة أو صالة مهملة لولا اللسان والله جل وعز رفع جارحة اللسان على سائر الجوارح فليس منها شيء أعظم أجرا منه إذا أطاع ولا أعظم ذنبا منه إذا جنى وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... لئن كان يجني اللوم مَا أنت قائل ... ولم يك منه النفع فالصمت أيسر فلا تبد قولا من لسانك لم يرض ... مواقعه من قبل ذاك التفكر ... أخبرنا ابن قتيبة حَدَّثَنَا هرون بن محمد البكار قَالَ سمعت أبا مسهر ينشد هذا البيت ... قد أرى كثرة الكلام قبيحا ... كل قول يشنه الإكثار ... أخبرنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حدثني مُحَمَّد بْن داود بْن سليمان الرملي حَدَّثَنَا المسيب بْن واضح قَالَ سمعت ابن المبارك يقول ... تعاهد لسانك إن اللسان ... سريع إلى المرء في قتله وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 أخبرنا مُحَمَّد بْن سليمان بْن فارس حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن علي الشقيقي أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيم بْن الأشعث قَالَ سمعت الفضيل بْن عياض يقول شيئان يقسيان القلب كثرة الكلام وكثرة الأكل أخبرنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا عمرو بْن مُحَمَّد الناقد قَالَ سمعت يَحْيَى بْن اليمان يقول قال سُفْيَان الثوري أول العبادة الصمت ثم طلب العلم ثم العمل به ثم حفظه ثم نشره حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا العتبي عَن علي بْن جرير عَن أبيه قَالَ قَالَ الأحنف بْن قيس الصمت أمان من تحريف اللفظ وعصمة من زيغ المنطق وسلامة من فضول القول وهيبة لصاحبه قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه التكلم فما أكثر من ندم إذا نطق وأقل من يندم إذا سكت وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء من ابتلى بلسان مطلق وفؤاء مطبق واللسان فيه عشر خصال يجب على العاقل أن يعرفها ويضع كل خصلة منها في موضعها هو أداة يظهر بها البيان وشاهد يخبر عَن الضمير وناطق يرد به الجواب وحاكم يفصل به الخطاب وشافع تدرك به الحاجات وواصف تعرف به الأشياء وحاصد تذهب الضغينة ونازع يجذب المودة ومسل يذكي القلوب ومعز ترد به الأحزان ولقد أحسن الذي يقول ... إن كان يعجبك السكوت فإنه ... قد كان يعجب قلبك الأخيارا ولئن ندمت على سكوت مرة ... فلقد ندمت على الكلام مرارا إن السكوت سلامة ولربما زرع الكلام عداوة وضرارا وإذا تقرب خاسر من خاسر ... زادا بذاك خسارة وتبارا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 أخبرنا مُحَمَّد بْن المنذر بْن سَعِيد حَدَّثَنَا كثير بْن عَبْد اللَّه التيمي حَدَّثَنَا العلاء ابن سَعِيد الكندي حدثني أَبُو حية قَالَ كنت أماشي إِسْمَاعِيل بْن سهل وكان أحد الحكماء فقال لي ألا أخبرك ببيت شعر خير لك من عشرة آلاف درهم قال نعم قَالَ أيما أحب إليك نفسك أو عشرة آلاف درهم قَالَ قلت نفسي فأنشىء يقول ... أخفض الصوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل المقال ... قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل أن يكون ناطقا كعيي وعالما كجاهل وساكتا كناطق لأن الكلام لا بد له من الجواب والجواب لو جعل له جواب لم يكن للقول نهاية وخرج المرء إلى ما ليس له غاية والمتكلم لا يسلم من أن ينسب إليه الصلف والتكلف والصامت لا يليق به إلا الوقار وحسن الصمت ولقد أحسن الذي يقول ... حتف امرىء لسانه ... في جده أو لعبه بين اللها مقتله ... ركب في مركبه ... أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عائشة حدثنا دريد ابن مُجَاشِعٍ عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا أَحْنَفُ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وأنشدني الأبرش ... ما ذل ذو صمت وما من مكثر ... إلا يزل وما يعاب صموت إن كان منطق ناطق من فضة ... فالصمت در زانه الياقوت ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 أنبأنا ابن قتيبة حَدَّثَنَا المسيب بْن واضح قَالَ سمعت علي بْن بكار يقول جعل اللَّه لكل شيء بابين وجعل للسان أربعة الشفتين مصراعين والأسنان مصراعين أَنْبَأَنَا بَكْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الطَّاحِيُّ بِالْبَصْرَةِ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيًّ الْجَهْضَمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ أَنَّ شَابًّا كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَيُحْسِنُ الِاسْتِمَاعَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَفَطِنَ لَهُ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ إِنَّكَ تَحْضُرُ مَجْلِسَنَا وُتُحْسِنُ الِاسْتِمَاعَ ثُمَّ تَنْصَرِفُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فقال الشَّابُّ إِنِّي أَحْضُرُ فَأَتَوَقَّى وَأَتَنَقَّى وَأَصْمُتُ فَأَسْلَمُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن ينصف أذنيه من فيه ويعلم أنه إنما جعلت له أذنان وفم واحد ليسمع أكثر مما يقول لأنه إذا قَالَ ربما ندم وإن لم يقل لم يندم وهو على رد مَا لم يقل أقدر منه على رد مَا قَالَ والكلمة إذا تكلم بها ملكته وإن لم يتكلم بها ملكها والعجب ممن يتكلم بالكلمة إن هي رفعت ربما ضرته وإن لم ترفع لم تضره كيف لا يصمت ورب كلمة سلبت نعمة أخبرنا أَحْمَد بْن قريش بْن عَبْد العزيز حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن علي الذهلي قَالَ أنشدني رجل من ربيعة ... لعمرك مَا شيء علمت مكانه ... أحق بسجن من لسان مذلل على فيك مما ليس يعنيك شأنه ... بقفل وثيق مَا استطعت فأقفل فرب كلام قد جرى من ممازح ... فساق إليه سهم حتف معجل وللصمت خير من كلام بمأثم ... فكن صامتا تسلم وإن قلت فاعدل ... أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ بُرْدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ ابن مُوسَى قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ كفى بك ظالما أن لا تَزَالَ مُخَاصِمًا وَكَفَى بِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 آثما أن لا تَزَالَ مُمَارِيًا وَكَفَى بِكَ كَاذِبًا أن لا تَزَالَ مُحَدِّثًا إِلَّا حَدِيثًا فِي ذَاتِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا مَعْرُوفُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِنَانِيُّ حَدَّثَنَا كثير ابن هِشَامٍ عَنْ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ كَعْبٍ قَالَ الْعَافِيَةُ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي السُّكُوتِ أخبرنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا أحمد بن إبراهيم الدوريقي حَدَّثَنَا يَحْيَى القطان عَن شعبة قَالَ من الناس من عقله بفنائه ومنهم من عقله معه ومنهم من لا عقل له فأما الذي عقله معه فالذي يبصر مَا يخرج منه قبل أن يتكلم وأما الذي عقله بفنائه فالذي يبصر مَا يخرج بعد أن يتكلم ومنهم من لا عقل له فحدثت به عَبْد الرحمن بْن مهدي بعد مَا رجعنا من عند يَحْيَى فقال هذه صفتنا يعني الذي عقله بفنائه واستحسن الكلام وقال لا ينبغي أن يكون هذا من كلام شعبة لعله سمعه من غيره وأنشدني البغدادي محمد بن عبد الله بْن زنجي ... أنت من الصمت آمن الزلل ... ومن كثير الكلام في وجل لا تقل القول ثم تتبعه ... ياليت مَا كنت قلت لم أقل ... سمعت مُحَمَّد بْن المسيب يقول سمعت العباس بْن الوليد بْن زيد يقول سمعت أَبِي يقول سمعت الأوزاعي يقول مَا بلي أحد في دينه ببلاء أضر عَلَيْهِ من طلاقة لسانه سمعت مُحَمَّد بْن محمود النسائي يقول سمعت أبا أَحْمَد بْن أَبِي قديد يقول سمعت العباس بْن عَبْد العظيم يقول سمعت عارما يقول سمعت خالد بْن الحارث يقول السكوت زين للعاقل وشين للجاهل قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لو لم يكن في الصمت خصلة تحمد إلا تزين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 العاقل وتشين الجاهل به لكان الواجب على المرء أن لا يفارقه الصمت مَا وجد إليه سبيلا ومن أحب السلامة من الآثام فليقل مَا يقبل منه وليقل مما يقبل منه لأنه لا يجتريء على الكلام الكثير إلا فائق أو مائق وقد ترك جماعة من أهل العلم حيث أقوام أكثروا الكلام فيما لا يليق بهم من ذلك ما حَدَّثَنَا أمية بْن خالد عَن سعيد قال قلت للحكم مالك لا تكتب عَن زاذان قَالَ كان كثير الكلام قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لسان العاقل يكون وراء قلبه فإذا أراد القول رجع إلى القلب فإن كان له قَالَ وإلا فلا والجاهل قلبه في طرف لسانه مَا أتى على لسانه تكلم به وما عقل دينه من لم يحفظ لسانه واللسان إذا صلح تبين ذلك على الأعضاء وإذا فسد فكذلك أخبرنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن الجنيد حَدَّثَنَا عَبْد الوارث بْن عُبَيْد اللَّه عَن عَبْد اللَّه أَنْبَأَنَا سُفْيَان عَن رجل قَالَ أني لأكذب الكذبة فأعرفها في عملي أنبأنا أَبُو عوانه يعقوب بْن إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا الفضل بْن عَبْد الجبار حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق الطالقاني عَن الوليد بْن مسلم قَالَ قَالَ الأوزاعي عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير أنه قَالَ مَا صلح منطق رجل إلا عرف ذلك في سائر عمله قال أبوحاتم رَضِيَ اللَّه عنه والعاقل لا يبتديء الكلام إلا أن يسأل ولا يقول إلا لمن يقبل ولا يجيب إذا شوتم ولا يجازي إذا أسمع لأن الابتداء بالصمت وإن كان حسنا فإن السكوت عند القبيح أحسن منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وأنشدني المنتصر بْن بلال بْن المنتصر الأنصاري ... الصمت عند القبيح يسمعه ... صاحب صدق لكل مصطحب فآثر الصمت مَا استطعت فقد ... يؤثر قول الحكيم في الكتب لو كان بعض الكلام من ورق ... لكان جل السكوت من ذهب ... أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بن فصاله عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ الْهُجَيْمِيِّ عن أسير ابن جَابِرٍ قَالَ مَا رَضَّعْتُ عَنْزًا قَطُّ وَلَوْ قُلْتُ لا أُرَضِّعُهَا خِفْتُ أَنْ يَصِيرَ بِي الْبَلاءُ إِلَى أَنْ أُرَضِّعَهَا إِنَّ الْبَلَاءَ موكل بالقول أنشدني الكريزي ... استر العي مَا استطعت بصمت ... إن في الصمت راحة للصموت واجعل الصمت إن عييت جوابا ... رب قول جوابه في السكوت ... وأنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ حدثنا عبد الرحمن ابن مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ عَنْ عِيسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا شَيْءٌ أَحَقُّ بِطُولِ سِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يحفظ أحواله من ورود الخلل عليها في الأوقات وإن من أعظم الخلل المفسد لصحة السرائر والمذهب لصلاح الضمائر الإكثار من الكلام وإن أبيح له كثرة النطق ولا سبيل للمرء إلى رعاية الصمت إلا بترك مَا أبيح له من النطق كما أَنْبَأَنَا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا حبان بْن موسى حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه عَن سُفْيَان عَن نسير بْن دعلوق عَن إِبْرَاهِيم التيمي أخبرني من صحب الربيع بْن خيثم عشرين عاما فلم يسمع منه كلمة تعاب أنبأنا الجنيدي عَبْد الوارث بْن عُبَيْد اللَّه عَن عَبْد اللَّه أَنْبَأَنَا سُفْيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 عَن أَبِي طعمة عَن رجل من الحي قَالَ أتيت الربيع بْن خيثم بنعي الحسين وقالوا اليوم يتكلم مقاله فتأوه ومد بها صوته ثم قَالَ اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك بالحق فيما كانوا فيه يختلفون أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عمرو بْن حبيب حَدَّثَنَا الأصمعي قال بينما أنا أطوف بالبادية إذا أنا بأعرابية تمشي وحدها على بعير لها فقلت يا أمة الجبار من تطلبين فقالت من يهد اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له قَالَ فعلمت أنها قد أضلت أصحابها فقلت لها كأنك قد أضللت أصحابك قالت {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتينا حكما وعلما} فقلت لها يا هذه من أين أنت قالت {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي باركنا حوله} فعلمت أنها مقدسية فقلت لها كيف لا تتكلمين فقالت {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رقيب عتيد} فقال بعض أصحابي ينبغي أن تكون هذه من الخوارج فقالت {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولا} فبينما نحن نماشيها إذ رفعت لنا قباب وخيم فقالت وَعَلامَاتٍ {وَبِالنَّجْمِ هم يهتدون} قَالَ فلم أفطن لقولها فقلت ما تقولين فقالت وَعَلامَاتٍ {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} قَالَ فلم أفطن لقولها فقلت مَا تقولين فقالت {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يا بشرى هذا غلام} قلت بمن أصوت وبمن أدعو فقالت {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} {يا زكريا إنا نبشرك} {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً في الأرض} قَالَ فإذا نحن بثلاثة أخوة كاللآلىء فقالوا أمنا ورب الكعبة أضللناها منذ ثلاث فقالت {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لغفور شكور} فأومأت إلى أحدهم فقالت {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ برزق منه} فقلت إنها أمرتهم أن يرودونا فجاؤا بخبز وكعك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 فقلت لا حاجة لنا في ذلك فقلت للفتية من هذه منكم قالوا هذه أمنا مَا تكلمت منذ أربعين سنة إلا من كتاب الله مخافة الكذب فدنوت منها فقلت يا أمة الله أوصني فقالت {لا أسألكم عَلَيْهِ أجرا إلا المودة في القربى} فعلمت أنها شيعية فانصرفت قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد ذكرت مَا شاكل هذه الحكايات في كتاب حفظ اللسان فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب فالواجب على العاقل أن يروض نفسه على ترك مَا أبيح له من النطق لئلا يقع في المزجورات فيكون حتفه فيما يخرج منه لأن الكلام إذا كثر منه أورث صاحبه التلذذ بضد الطاعات فإذا لم يوفق العبد لاستعمال اللسان فيما يجدي عَلَيْهِ نفعه في الآخرة كان وجود الإمساك عَن السوء أولى به وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... ولن يهلك الإنسان إلا إذا أتى ... من الأمر مَا لم يرضه نصحاؤه وأقلل إذا مَا قلت قولا فإنه ... إذا قل قول المرء قل خطاؤه ... أنبأنا مُحَمَّد بْن الحسين بْن الخليل حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي زياد القطواني حَدَّثَنَا سيار حَدَّثَنَا جعفر بْن سليمان حَدَّثَنَا المعلى بْن زياد قَالَ قَالَ مؤرق العجلي أمر أنا في طلبه منذ عشر سنين ولست بتارك طلبه قال وما هو يا أبا المعتمر قَالَ الصمت عما لا يعنيني أنبأنا إِبْرَاهِيم بْن نصر العنبري حَدَّثَنَا علي بْن الأزهر الرازي حدثنا إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ابن رستم قَالَ سمعت خارجة يقول صحبت عَبْد اللَّه بْن عون خمس عشرة سنة فما أظن الملائكة كتبت عليه شيئا ذكر الحث على لزوم الصدق ومجانبة الكذب أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ محمد بن حبيب الجنيدي قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ حَدَّثَنَا مَحَاسِنُ بْنُ الْمُوَدِّعِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن اللَّه جل وعلا فضل اللسان على سائر الجوارح ورفع درجته وأبان فضيلته بأن أنطقه من بين سائر الجوارح بتوحيده فلا يجب للعاقل أن يعود آلة خلقها اللَّه للنطق بتوحيده بالكذب بل يجب عَلَيْهِ المداومة برعايته بلزوم الصدق وما يعود عَلَيْهِ نفعه في داريه لأن اللسان يقتضي مَا عود إن صدقا فصدقا وإن كذبا فكذبا ولقد أحسن الذي يقول ... عود لسانك قول الخير تحظ به ... إن اللسان لما عودت معتاد موكل بتقاضي مَا سننت له ... فاختر لنفسك وانظر كيف ترتاد ... أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا الفضل بْن العباس البغدادي حَدَّثَنَا الهيثم بْن خارجة حَدَّثَنَا الهيثم بْن عمران قَالَ سمعت إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْد اللَّه يقول كان عَبْد الملك بْن مراون يأمرني أن أجنب بنيه السمن وكان يأمرني أن لا أطعم طعاما حتى يخرجوا إلى البراز وكان يقول علم بني الصدق كما تعلمهم القرآن وجنبهم الكذب وإن فيه كذا وكذا يعني القتل وأنشدني الأبرش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 .. الكذب مرديك وإن لم تخف ... والصدق منجيك على كل حال فانطق بما شئت تجد غبه ... لم تبتخس وزنة مثقال ... أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا أَبُو خُيَثْمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُلَيْمُ ابن حَيَّانَ عَن قَتَادَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَامَ فِينَا عَامَ أَوَّلَ فَقَالَ إِنَّهُ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ النَّاسِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ الْمُعَافَاةِ بَعْدَ الْيَقِينِ أَلا إِنَّ الصِّدْقَ وَالْبِرَّ فِي الْجَنَّةِ أَلا وَإِنَّ الْكَذِبَ وَالْفُجُورَ فِي النَّارِ أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي طَيْسَلَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَهْدَلِيُّ قَالَ كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ يَوْمًا فِي أُصُولِ الأَرَاكِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُ الرجل يا ابن الْمُنَافِقُ قَالَ الْمُنَافِقُ وَيْحَكَ الَّذِي إِذَا حَدَّثَ كَذِبَ وَإِذَا وَعَدَ لَمْ يُنْجِزْ وَإِذَا اؤْتُمِنَ لَمْ يُؤَدِّ سمعت أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الأزهر يقول سمعت مُحَمَّد بْن خلف بْن أَبِي الأزهر يقول سمعت الفضيل بْن عياض يقول ما من مصغة أحب إلى اللَّه من لسان صدوق وما من مضغة أبغض إلى اللَّه من لسان كذوب قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه كل شيء يستعار ليتجمل به سهل وجوده خلا اللسان فإنه لا ينبىء إلا عما عود والصدق ينجي والكذب يردي ومن غلب لسانه أمره قومه ومن أكثر الكذب لم يترك لنفسه شيئا يصدق به ولا يكذب إلا من هانت عَلَيْهِ نفسه حدثنا أَحْمَد بن محمد بن زنجوية حَدَّثَنَا جعفر بْن أَبِي عثمان الطيالسي حَدَّثَنَا سَعِيد بْن سليمان حَدَّثَنَا أَنَس بْن عياض عَن صالح بْن حسان عَن مُحَمَّد بْن كعب القرظي قَالَ إنما يكذب الكاذب من مهانة نفسه وأنشدني الكريزي ... كذبت ومن يكذب فإن جزاءه ... إذا مَا أتى بالصدق أن لا يصدقا إذا عرف الكذاب بالكذب لم يزل ... لدى الناس كذابا وإن كان صادقا ومن آفة الكذاب نسيان كذبه ... وتلقاه إذا فقه إذا كان حاذقا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 قال أَبُو حاتم لو لم يكن للكذب من الشين إلا إنزاله صاحبه بحيث إن صدق لم يصدق لكان الواجب على الخلق كافة لزوم التثبت بالصدق الدائم وإن من آفة الكذب أن يكون صاحبه نسيا فإذا كان كذلك كان كالمنادى على نفسه بالخزي في كل لحظة وطرفة سمعت أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الأزهر يقول سمعت نصر بْن علي الجهضمي يقول إن اللَّه أعاننا على الكذابين بالنسيان وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... إذا مَا المرء أخطأه ثلاث ... فبعه ولو بكف من رماد سلامة صدره والصدق منه ... وكتمان السرائر في الفؤاد ... أنبأنا بكر بْن أَحْمَد الطاحي بالبصرة حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عزرة حَدَّثَنَا سفيان ابن عيينة عن معمر قَالَ الزهري لو رأيت طاووسا لعلمت أنه لا يكذب قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه اللسان سبع عقور إن ضبطه صاحبه سلم وإن خلى عنه عقره وبفمه يفتضح الكذوب فالعاقل لايشتغل بالخوض فيما لا يعلم فيتهم فيما يعلم لأن رأس الذنوب الكذب وهو يبدي الفضائح ويكتم المحاسن ولا يجب على المرء إذا سمع شيئا يعيبه أن يحدث به لأن من حدث عَن كل شيء أزرى برأيه وأفسد صدقه وَقَدْ أَنْبَأَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَسْبُ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ أنبأنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا حبان بْن موسى أَنْبَأَنَا عَبْد اللَّه أَنْبَأَنَا سُفْيَان عَن منصور عَن سالم بْن أَبِي الجعد قال قال عيسى بن مريم عَلَيْهِ السلام طوبى لمن خزن لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته أنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... وإذا الأمور تزاوجت ... فالصدق أكرمها نتاجا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 .. الصدق يعقد فوق رأس ... حليفه بالصدق تاجا والصدق يقدح زنده ... في كل ناحية سراجا ... أنبأنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا نوح بْن حبيب حَدَّثَنَا وكيع حَدَّثَنَا سُفْيَان عَن منصور عَن ربعي قالوا من ذكرت يا أبا سُفْيَان قَالَ ذكرت ربعيا وتدرون من كان ربعي كان رجلا من أشجع زعم قومه أنه لم يكذب قط فسعى به ساع إلى الحجاج فقال هاهنا رجل من أشجع زعم قومه أنه لم يكذب قط وأنه يكذب لك اليوم فإنك ضربت على ابنيه البعث فعصيا وهما في البيت وكان عقوبة الحجاج للعاصي ضرب السيف قَالَ فدعاه فإذا شيخ منحن فقال له أنت ربعي قَالَ نعم قَالَ مَا فعل ابناك قَالَ ها هما ذان في البيت قَالَ فحمله وكساه وأوصى به خيرا أَنْبَأَنَا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِمِنًى فعطش فانتهى الى بحور فَاسْتَسْقَاهَا مَاءً فَقَالَتْ مَا عِنْدَنَا فقال لبنا فَقَالَتْ مَا عِنْدَنَا فَبَدَرَتْ جَارِيَةٌ فقالت لها تكذبين وَمَا تَسْتَحِينَ ثُمَّ قَالَتْ لِعُمَرَ هَذَا السِّقَاءُ فِيهِ لَبَنٌ فَسَأَلَ عُمَرُ عَنِ الْجَارِيَةِ فَإِذَا أَبُوهَا ثَقَفِيٌّ فَخَطَبَهَا عَلَى عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ فَوَلَدَ لَهُ مِنْهَا أُمَّ عَاصِمٍ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ فَوَلَدَتْ لَهُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الصدق يرفع المرء في الدارين كما أن الكذب يهوي به في الحالين ولو لم يكن الصدق خصلة تحمد إلا أن المرء إذا عرف به قبل كذبه وصار صدقا عند من يسمعه لكان الواجب على العاقل أن يبلغ مجهوده في رياضة لسانه حتى يستقيم له على الصدق ومجانبة الكذب والعي في بعض الأوقات خير من النطق لأن كل كلام أخطأ صاحبه موضعه فالعي خير منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 أنشدني المنتصر بن بلال ... تحدث بصدق إن تحدثت وليكن ... لكل حديث من حديثك حين فما القول إلا كالثياب فبعضها ... عليك وبعض في التخوت مصون ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... كم من حسيب كريم كان ذا شرف ... قد شانه الكذب وسط الحي إن عمدا وآخر كان صعلوكا فشرفه ... صدق الحديث وقول جانب الفندا فصار هذا شريفا فوق صاحبه ... وصار هذا وضيعا تحته أبدا ... أَنْبَأَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ أَبِى شَبِيبٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ لا يَجِدُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَدَعَ المرء وَهُوَ مُحِقٌّ وَيَدَعَ الْكَذِبَ فِي الْمِزَاحِ وُهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَغَلَبَ أَنْبَأَنَا ابْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ ذَرْ مَا لَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ وَلا تَنْطِقْ فِيمَا لا يَعْنِيكَ وَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ دَرَاهِمَكَ وأنشدني مُحَمَّد بْن المنذر بن سعيد الهروي ... القول كاللبن المحلوب ليس له ... رد وكيف يرد الحالب اللبن في ضرعه وكذاك القول ليس له ... في الجوف رد قبيحا كان أو حسنا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل ترك الإغضاء عَن تعهد اللسان لأن من كثر كلامه كثر سقطه والسقط ربما تعدى غيره فيهلكه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 في ورطة لا حيلة له في التخلص منها لأن اللسان لا يندمل جرحه ولا يلتئم مَا قطع به وكلم القول إذا وصل إلى القلب لم ينزع إلا بعد مدة طويلة ولم يستخرج إلا بعد حيلة شديدة ومن الناس من لا يكرم إلا للسانه ولا يهان إلا به فالواجب على العاقل أن لا يكون ممن يهان به أنبأنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الأنماطي الهمداني حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمير حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن الحسين العقيلي حَدَّثَنَا أَبُو سلمة الخزاعي حَدَّثَنَا شبيب بْن شبة قَالَ سمعت ابن سيرين يقول الكلام أوسع من أن يكذب فيه ظريف ذكر الحث على لزوم الحياء وترك القحة أَنْبَأَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل لزوم الحياء لأنه أصل العقل وبذر الخير وتركه أصل الجهل وبذر الشر والحياء يدل على العقل كما أن عدمه دال على الجهل ومن لم ينصف الناس منه حياؤه لم ينصفه منهم قحته ولقد أحسن الذي يقول ... وليس بمنسوب إلى العلم والنهى ... فتى لا ترى فيه خلائق أربع فواحدة تقوى الإله التي بها ... ينال جسيم الخير والفضل أجمع وثانية صدق الحياء فإنه ... طباع عَلَيْهِ ذو المرؤة يطبع وثالثة حلم إذا الجهل أطلعت ... إليه خبايا من فجور تسرع ورابعة جود بملك يمينه ... إذا نابه الحق الذي ليس يدفع ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 .. إذا قل ماء الوجه قل حياؤه ... فلا خير في وجه إذا قل ماؤه حياءك فاحفظه عليك فإنما ... يدل على وجه الكريم حياؤه ... أَنْبَأَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَلأَمُ شَيْءٍ فيِ الْمُؤْمِنِ الْفُحْشُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الحياء اسم يشتمل على مجانبة المكروه من الخصال والحياء حيا آن أحدهما استحياء العبد من اللَّه جل وعلا عند الاهتمام بمباشرة ما خطر عليه والثاني استحياء من المخلوقين عند الدخول فيما يكرهون من القول والفعل معا والحيا آن جميعا محمودان إلا أن أحدهما فرض والآخر فضل فلزوم الحياء عند مجانبة مَا نهى اللَّه عنه فرض ولزوم الحياء عند مقارفة مَا كره الناس فضل وأنشدني مُحَمَّد بْن المنذر بْن سَعِيد عَن مُحَمَّد بْن خلف التيمي قَالَ أنشدني رجل من خزاعة ... إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فاصنع مَا تشاء فلا والله مَا في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء ... يعيش المرء مَا استحيا بخير ... ويبقى العود مَا بقي اللحاء ... حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا بكر الصديق قَالَ يَوْمًا وَهُوَ يَخْطُبُ أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ لِحَاجَةٍ مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ الْغَائِطَ إِلا وَأَنَا مُقَنِّعٌ رَأْسِي حَيَاءً مِنَ اللَّهِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الحياء من الإيمان والمؤمن في الجنة والبذاء من الجفاء والجافي في النار إلا أن يتفضل اللَّه عَلَيْهِ برحمته فيخلصه منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فإذا لزم المرء الحياء كانت أسباب الخير منه موجودة كما أن الواقح إذا لزم البذاء كان وجود الخير منه معدوما وتواتر الشر منه موجودا لأن الحياء هو الحائل بين المرء وبين المزجورات كلها فبقوة الحياء يضعف ارتكابه إياها وبضعف الحياء تقوى مباشرته إياها ولقد أحسن الذي يقول ... ورب قبيحة مَا حال بيني ... وبين ركوبها إلا الحياء فكان هو الدواء لها ولكن ... إذا ذهب الحياء فلا دواء ... وَأْنَبَأَنا مُحَمَّد بْن المنذر بْن سَعِيد حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنَا عبد الأعلى ابن عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ مَنْ لا يَسْتَحْيِ مِنَ النَّاسِ لا يَسْتِحْيِ مِنَ اللَّهِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يعود نفسه لزوم الحياء من الناس وإن من أعظم بركته تعويد النفس ركوب الخصال المحمودة ومجانبتها الخلال المذمومة كما أن من أعظم بركة الحياء من اللَّه الفوز من النار بلزوم الحياء عند مجانبة مَا نهى اللَّه عنه لأن ابن آدم مطبوع على الكرم واللؤم معا في المعاملة بينه وبين اللَّه والعشرة بينه وبين المخلوقين وإذا قوى حياؤه قوى كرمه وضعف لؤمه وإذا ضعف حياؤه قوى لؤمه وضعف كرمه ولقد أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... إذا رزق الفتى وجها وقاحا ... تقلب في الأمور كما يشاء ولم يك للدواء ولا لشيء ... يعالجه به فيه غناء فما لك في معاتبة الذي لا ... حياء لوجهه إلا العناء ... قال أَبُو حاتم إن المرء إذا اشتد حياؤه صان عرضه ودفن مساويه ونشر محاسنه ومن ذهب حياؤه ذهب سروره ومن ذهب سروره هان على الناس ومقت من مقت أوذي ومن أوذي حزن ومن حزن فقد عقله ومن أصيب في عقله كان أكثر قوله عَلَيْهِ لا له ولا دواء لمن لا حياء له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ولا حياء لمن لا وفاء له ولا وفاء لمن لا إخاء له ومن قل حياؤه صنع مَا شاء وقال مَا أحب وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا ... وتستحي مخلوقا فما شئت فاصنع إذا كنت تأتي المرء تعظم حقه ... ويجهل منك الحق فالصرم أوسع ... أنبأنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حدثني عَبْد اللَّه بْن مسعود الثعلبي باليمن حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن زيد بْن السكن الجندي عَن سُفْيَان بْن عيينه قَالَ قَالَ يَحْيَى بْن جعدة إذا رأيت الرجل قليل الحياء فاعلم أنه مدخول في نسبه ذكر الحث على لزوم التواضع ومجانبة الكبر أَنْبَأَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَلا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا وَلا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لمكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره والتواضع تواضعان أحدهما محمود والآخر مذموم والتواضع المحمود ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم والتواضع المذموم هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها ولقد أَنْبَأَنَا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ عَجْلانَ عَن بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ عُمَرَ بن الخطاب قَالَ إِنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الرَّجُلَ إِذَا تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَ اللَّهُ حِكْمَتَهُ وَقَالَ انْتَعِشْ نَعَشَكَ اللَّهُ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ صَغِيرٌ وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ كَبِيرٌ وَإِذَا تَكَبَّرَ الْعَبْدُ وَعَدَا طَوْرَهُ وَهَصَهُ اللَّهُ إِلَى الأَرْضِ وَقَالَ اخْسَأْ أَخْسَأَكَ اللَّهُ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ صَغِيرٌ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه التواضع يرفع المرء قدرا ويعظم له خطرا ويزيده نبلا والتواضع لله جل وعز على ضربين أحدهما تواضع العبد لربه عندما يأتي من الطاعات غير معجب بفعله ولا راء له عنده حالة بوجب بها أسباب الولاية إلا أن يكون المولى جل وعز هو الذي يتفضل عَلَيْهِ بذلك وهذا التواضع هو السبب الدافع لنفس العجب عَن الطاعات والتواضع الآخر هو ازدراء المرء نفسه واستحقاره إياها عند ذكره مَا قارف من المآثم حتى لا يرى أحدا من العالم إلا ويرى نفسه دونه في الطاعات وفوقه في الجنايات كما أَنْبَأَنَا أَحْمَد بْن الحسن بْن عَبْد الجبار الصوفي ببغداد حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن معين حَدَّثَنَا عَبْد الصمد بْن عَبْد الوارث عَن عَبْد اللَّه بْن بكر بْن عَبْد الله المزني قال قال أَبِي يا بني لو لم أحضر الموسم لرجوت أن يغفر لهم أنبأنا عَبْد الرحمن بْن يحيى بن معاذ البزاز حَدَّثَنَا هشام بْن عمار حَدَّثَنَا ابن صميع حَدَّثَنَا زهير بْن مُحَمَّد عَن ابن جريج عَن مجاهد في قوله كانوا لنا خاشعين قَالَ متواضعين قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يلزم مجانبة التكبر لما فيه من الخصال المذمومه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 إحداهما أنه لا يتكبر على أحد حتى يعجب بنفسه ويرى لها على غيرها الفضل والثانية ازدراءه بالعالم لأن من لم يستحقر الناس لم يتكبر عليهم وكفى بالمستحقر لمن أكرمه اللَّه بالإيمان طغيانا والثالثة منازعة اللَّه جل وعلا في صفاته إذ الكبرياء والعظمة من صفات اللَّه جل وعلا فمن نازعه إحداهما ألقاه في النار إلا أن يتفضل عَلَيْهِ بعفوه ولقد أحسن الذي يقول ... التيه مفسدة للدين منقصة ... للعقل مهتكة للعرض فانتبه لا تشرهن فإن الذل في الشره ... والعز في الحلم لا في البطش والسفه ... سمعت مُحَمَّد بْن محمود النسائي يقول سمعت أبا داود السنجي يقول سمعت الأصمعي يقول سمعت يَحْيَى بْن خالد البرمكي يقول الشريف إذا تقرأ تواضع والدنيء إذا تقرأ تكبر قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يمتنع من التواضع أحد والتواضع يكسب السلامة ويورث الألفة ويرفع الحقد ويذهب الصد وثمرة التواضع المحبة كما أن ثمرة القناعة الراحة وإن تواضع الشريف يزيد في شرفه كما أن تكبر الوضيع يزيد في ضعته وكيف لا يتواضع من خلق من نطفة مذرة وآخره يعود جيفة قذرة وهو بينهما يحمل العذرة سمعت أبا يعلى يقول سمعت إِسْحَاق بْن أَبِي إسرائيل يقول سمعت ابن عيينة يقول لو قِيلَ أخرجوا خيار هذه القرية لأخرجوا من لا نعرف وأنشدني الكريزي ... ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا ... فكم تحتها قوم هم منك أرفع فإن كنت في عز وخير ومنعة ... فكم مات من قوم هم منك أمنع ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 أنشدنا أَبُو عروبة أو ابن قتيبة أنشدنا المسيب بْن واضح عَن يُوسُف بْن أسباط ... وكفى بملتمس التواضع رفعة ... وكفى بملتمس العلو سفالا ... أَنْبَأَنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَجَّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَشْرَ حِجَجٍ مَاشِيًا وَنُجُبُهُ تُقَادُ إِلَى جَنْبِهِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أفضل الناس من تواضع عَن رفعة وزهد عَن قدرة وأنصف عَن قوة ولا يترك المرء المتواضع إلا عند استحكام التكبر فلا يتكبر على الناس أحد إلا بإعجابه بنفسه وعجب المرء بنفسه أحد حماد عقله وما رأيت أحد تكبر على من دونه إلا ابتلاه اللَّه بالذلة لمن فوقه وأنشدني مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي ... ودع التيه والعبوس على الناس ... فإن العبوس رأس الحماقة كلما شئت أن تعادي عاديت ... صديقا وقد تغر الصداقة ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه مَا استجلبت البغضة بمثل التكبر ولا اكتسبت المحبة بمثل التواضع ومن استطال على الإخوان فلا يثقن منهم بالصفاء ولا يجب لصاحب الكبر أن يطمع في حسن الثناء ولا تكاد ترى تائها إلا وضيعا فالعاقل إذا رأى من هو أكبر سنا منه تواضع له وقال سبقني إلى الإسلام وإذا رأى من هو أصغر سنا تواضع له وقال سبقته بالذنوب وإذا رأى من هو مثله عده أخا فكيف يحسن تكبر المرء على أخيه ولا يجب استحقار أحد لأن العود المنبوذ ربما انتفع به فحك الرجل به أذنه أخبرنا مُحَمَّد بْن المسيب بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا العباس بْن الوليد بْن مزيد قَالَ سمعت مُحَمَّد بْن شعيب بْن شابور يقول دخل رجل الحمام وزيد بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 أَبِي حبيب فيه وكان أسود فقال له يا أسود قم فاغسل رأسي قال فقام فشد عَلَيْهِ إزاره فغسل رأسه ودلك جسده فلما فرغ قَالَ له الرجل كثر اللَّه في السودان مثلك قَالَ أحببت أن يكثر من يخدمك أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن زنجويه القشيري حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَائِنِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَدَكَّ اللَّهُ الْبَاغِيَ مِنْهُمَا أنبأنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا نصر بْن علي حَدَّثَنَا نوح بْن قيس عَن أخيه عَن قَتَادَة قَالَ مَا نسيت شيئا قط ثم قَالَ لغلامه ناولني نعلي قَالَ نعلك في رجلك أنبأنا عَبْد اللَّه بْن محمد بن عمر أنبأنا عل بْن خشرم قَالَ سمعت الفضل بْن موسى يقول كان مالك ينسى فقال لقهرمانه اشتر لي غلاما وسمه باسم خفيف حتى لا أنساه قَالَ فاشتري له غلاما وأدخله عَلَيْهِ فقال اشتريت لك هذا الغلام وسميته باسم خفيف قَالَ مَا سميته قَالَ فرقد قَالَ فنظر إلى الغلام وقال اجلس يا واقد ذكر استحباب التحبب إلى الناس من غير مقارفة المأثم أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن معين حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو الأَزْدِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَحْرُمُ عَلَى الَّنارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق وترك سوء الخلق لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد وإن الخلق السيء ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها وخلق سيء فيفسد الخلق السيء الأخلاق الصالحة كلها وأنشدني البغدادي ... خالق الناس بخلق حسن ... لا تكن كلبا على الناس يهر والقهم منك ببشر ثم صن ... عنهم عرضك عَن كل قذر ... أَنْبَأَنَا حَامِدُ بْنُ شُعَيْبٍ الْبَلْخِيُّ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّحِمَ تُقْطَعُ وَإِنَّ النِّعَمَ تُكْفَرُ وَلَمْ أَرَ مِثْلَ تَقَارُبِ الْقُلُوبِ أنبأنا الخلادي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن المغيرة النوفلي حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بْن منيب حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الأشعث قَالَ سمعت الفضيل بْن عياض يقول إذا خالطت فخالط حسن الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى خير وصاحبه منه في راحة ولا تخالط سيء الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر وصاحبه منه في عناء ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قاريء سيء الخلق إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله وخف على الناس وأحبوه وإن العابد إذا كان سيء الخلق ثقل على الناس ومقتوه وأنشدني مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل أنشدني مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم اليعمري ... حافظ على الخلق الجميل ومز به ... مَا بالجميل وبالقبيح خفاء إن ضاق مالك عَن صديقك فألقه ... بالبشر منك إذا يحين لقاء ... أنبأنا الحسين بْن إِسْحَاق الأصبهاني حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن حكيم المقومي حَدَّثَنَا الخليل بْن عَبْد العزيز قَالَ سمعت حماد بْن سلمة يقول الصوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 في البستان من الثقل قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه حسن الخلق بذر اكتساب المحبة كما أن سوء الخلق بذر استجلاب البغضة ومن حسن خلقه صان عرضه ومن ساء خلقه هتك عرضه لأن سوء الخلق يورث الضغائن والضغائن إذا تمكنت في القلوب أورثت العداوة والعداوة إذا ظهرت من غير صاحب الدين أهوت صاحبها إلى النار إلا أن يتداركه المولى بتفضل منه وعفو أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو حاتم الرازي حَدَّثَنَا أَبُو عمير النخاس حَدَّثَنَا ضمرة عَن رجاء بْن أَبِي سلمة عَن الزهري قَالَ وهل ينتفع من السيء الخلق بشيء وأنشدني عَبْد العزيز بن سليمان الأبراش ... للخير أهل لا تزال ... وجوههم تدعو إليه طوبى لمن جرت الأمور ... الصالحات على يديه مالم يضق خلق الفتى ... فالأرض واسعة عَلَيْهِ ... أنبأنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أسماء حَدَّثَنَا مهدي بْن ميمون عَن موسى بْن عُبَيْد عَن ميمون بْن مهران قَالَ التودد إلى الناس نصف العقل وحسن المسألة نصف العلم واقتصادك في معيشتك يلقي عنك نصف المؤونه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه التحبب إلى الناس أسهل مَا يكون وجها وأظهر مَا يكون بشرا وأخصر مَا يكون أمرا وأرفق مَا يكون بهيا وأحسن مَا يكون خلقا وألين مَا يكون كنفا وأوسع مَا يكون يدا وأدفع مَا يكون أذى وأعظم مَا يكون احتمالا فإذا كان المرء بهذا النعت لا يحزن من يحبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 ولا يفرح من يحسده لأن من جعل رضاه تبعا لرضا الناس وعاشرهم من حيث هم استحق الكمال بالسؤدد وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... أعاشر معشري في كل أمر ... بأحسن مَا أريت وما رأيت وأجتنب المقابح حيث كانت ... واترك مَا هويت وما فريت ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه حاجة المرء إلى الناس مع محبتهم إياه خير من غناه عنهم مع بغضهم إياه والسبب الداعي إلى صد محبتهم له هو التضايق في الأخلاق وسوء الخلق لأن من ضاق خلقه سئمه أهله وجيرانه واستثقله إخوانه فحينئذ تمنوا الخلاص منه ودعوا بالهلاك عَلَيْهِ سمعت عمر بْن سَعِيد بْن سنان الطائي يقول سمعت أبا الحسن الزهاوي يقول سمعت يزيد بْن هارون يقول ... فقدت ثقال الناس في كل بلدة ... فيارب لا تغفر لكل ثقيل ... أنبأنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحسن البلخي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إدريس الحافظ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن إِسْمَاعِيل قَالَ سمعت عمرو بْن الحارث يقول تسخين العين النظر إلى من تكره قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الاستثقال من الناس يكون سببه شيئين أحدهما مقارفة المرء مَا نهى اللَّه عنه من المآثم لأن من تعدى حرمات اللَّه أبغضه اللَّه ومن أبغضه اللَّه أبغضته الملائكة ثم يوضع له البغض في الأرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فلا يكاد يراه أحد إلا استثقله وأبغضه والسبب الآخر هو استعمال المرء من الخصال مَا يكره الناس منه فإذا كان كذلك استحق الاستثقال منهم وأنشدني الكريزي ... ليتني كنت ساعة ملك الموت فأفنى الثقال حتى يبدوا ولو أني وأنت في جنة الخلد لقت الخروج منها أريد لدخول الجحيم أهون من جنة خلد أراك فيها ترود ... أنبأنا عمر بْن حفص البزاز بجند يسابور حدثنا اسحق بْن الضيف حَدَّثَنَا أَبُو مسهر حَدَّثَنَا هشام بْن يَحْيَى قَالَ كان نقش خاتم أبيك يعني أبا أَبِي مسهر أبرمت فقم قال فكان إذا جلس إليه الرجل فتثاقل حرك خاتمه وقال اقرأ نقش خاتمي وكان إذا قرأ قام أنبأنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحسن حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إدريس حَدَّثَنَا موسى بْن إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا موسى بْن رباح قَالَ سمعت مخلدا أبا أَبِي عاصم يقول إذا أبغضت الرجل أبغضت شقي الذي يليه سمعت مُحَمَّد بْن السري البغدادي يقول سمعت أبا بكر المروروذي يقول سألت أحمد بْن حنبل عَن الثقلاء فقال سألت عنهم بشرا الحافي فقال النظر إليهم سخنة العين قلت لأحمد من الثقلاء قَالَ أهل البدع قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه هذا الذي قَالَ أَحْمَد بْن حنبل رحمة اللَّه عليه هو استثقال الخاص إذا عرف أحدهم من بعض الناس ثلما في السنة أبغضه على بدعته فأما العام فلا يكادون يعادون ويوالون إلا على المحبوب من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الخصال والمكروه من الفعال ألا ترى المقنع الكندي حيث يقول لبعض من صحبه ... ألا يا مركب المقت الذي أرسى فلا يبرح ويا من سكرات الموت ... من طلعته أروح لقد صورت في فكري ... فلا أدري لما تصلح فلا تصلح أن تهجى ... ولا تصلح أن تمدح بلى تصلح أن تقتل أو تصلب أو تذبح ... سمعت أحمد بْن مُحَمَّد البلخي الذهبي يقول قَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي الورد قَالَ يَحْيَى ابن ماسويه النظر إلى الثقيل حمى تعتري بين الجلدين حدثنا أحمد بن عمر بْن يزيد يقول سمعت سلمة بْن شبيب يقول سمعت أبا أسامة يقول ائتوني بمستمل خفيف على الفؤاد وإياي والثقلاء وإياي والثقلاء أنبأنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحسن حَدَّثَنَا عباس بْن أبي طالب حدثنا ابراهيم ابن المنذر حَدَّثَنَا حماد بْن زيد عَن أيوب عَن ابن سيرين قَالَ سمعت رجلا من أهل البادية يقول نظرت إلى ثقيل مرة فغشى علي وأنشدني المنتصر بْن بلال ... وأنت على مودتنا حريص ... ولكن لا تخف على الفؤاد وأثقل من رحا بزر علينا ... كأنك من بقايا قوم عاد ... حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُضَرَ بْنِ عَنْبَرَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا اسْتَثْقَلَ جَلِيسًا لَهُ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ وَأَرِحْنَا مَنْهُ فِي عَافِيَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل مجانبة الخصال التي تورثه استثقال الناس إياه وملازمة الخصال التي تؤديه إلى محبتهم إياه ومن أعظم مَا يتوسل به إلى الناس ويستجلب به محبتهم البذل لهم مما يملك المرء من حطام هذه الدنيا واحتماله عنهم مَا يكول منهم من الأذى فلو أن المرء صحبه طائفتان إحداهما تحبه والأخرى تبغضه فأحسن الى التي تبغضه وأساء إلى التي تحبه ثم أصابته نكبة فاحتاج إليهما لكان أسرعهما الى خذلانه وأبعدها عَن نصرته الطائفة التي كانت تحبه وأسرعهما إلى نصرته وأبعدهما عَن خذلانه الطائفة التي كانت تبغضه لأن الكلب إذا شبع قوي وإذا قوي أمل وإذا أمل تبع المأمول وإذا جاع ضعف وإذا ضعف أيس وإذا أيس ولى عَن المتبوع فمن عدم المال فليبسط وجهه للناس فإن ذلك يقوم مقام بذل المعروف إذ هو أحد طرفيه أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا هارون بْن عَبْد الخالق المازني قَالَ سئل ابن المبارك عَن حسن الخلق فقال هو بسط الوجه وبذل المعروف أنبأنا الحسن بن سفيان حدثنا أبوعمار الحسين بْن حريث حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القاسم الأسدي عَن منحة بْن عمرو قَالَ خرج غلام لنا بقمامة الدار أو بكناسة الدار عريان وسعيد بْن جبير على الباب فقال يا خبيث ارفع إزراك أنبأنا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البدوري بالبصرة حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن بشار الرمادي حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عيينة عَن ابن أَبِي نجيح عَن مجاهد قَالَ إذا لقي المسلم أخاه فصافحه وكشر في وجهه تحاتت ذنوبه كما تحات العذق من النخلة فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 رجل لمجاهد يا أبا الحجاج إن هذا من العمل اليسير فقال مجاهد (8 62) {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} أفيسير هذا ذكر استعمال لزوم المداراة وترك المداهنة مع الناس أنبأنا محمد بْنِ قُتَيْبَةَ اللَّخْمِيُّ بِعَسْقَلانَ وَعُمَرُ بْن سَعِيد بْن سنان الطائي بِمَنْبَجَ قَالا حَدَّثَنَا ابْنُ وَاضِحٍ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطَ حَدَّثَنَا سفيان عن محمد ابن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَارَاةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة من غير مقارفة المداهنة إذ المداراة من المداري صدقة له والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عَلَيْهِ والفصل بين المداراة والمداهنة هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات فمتى مَا تخلق المرء بخلق شابه بعض مَا كره اللَّه منه في تخلقه فهذا هو المداهنة لأن عاقبتها تصير إلى قل ويلازم المداراة لأنها تدعو إلى صلاح أحواله ومن لم يدار الناس ملوه كما أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... دار من الناس ملالاتهم ... من لم يدار الناس ملوه ومكرم الناس حبيب لهم ... من أكرم الناس أحبوه ... أنبأنا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي عون المرياني حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن منيع حَدَّثَنَا ابن المبارك عَن الحسن بْن عمرو عَن منذر الثوري عَن ابن الحنفية قَالَ ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يأتيه اللَّه منه بالفرج أو المخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يداري الناس مداراة الرجل السابح في الماء الجاري ومن ذهب إلى عشرة الناس من حيث هو كدر على نفسه عيشه ولم تصف له مودته لأن وداد الناس لا يستجلب إلا بمساعدتهم على مَا هم عَلَيْهِ إلا أن يكون مأثما فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة والبشر قد ركب فيهم أهواء مختلفة وطبائع متباينة فكما يشق عليك ترك مَا جبلت عَلَيْهِ فكذلك يشق على غيرك مجانبة مثله فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلا بمعاشرتهم من حيث هم والإغضاء عَن مخالفتهم في الأوقات أنشدني الأبرش ... قالت وهزت رأسها وتضاحكت ... على الوتجفى أم على العهد توصل فقلت فلم أفعل فقالت تريده ... فقلت فلم أفعل فقالت ستفعل ... أنبأنا ابن قحطبة حَدَّثَنَا أَحْمَد بن المقدام حدثنا حرم قال سمعت حبيب ابن الشهيد يقول سمعت الحسن يقول يا ابن آدم اصحب الناس بأي خلق شئت يصحبوك عَلَيْهِ وأنشدني الكريزي ... تجنى علي بما قد جنى ... ويغلظ في القول إن لنت له ويسبق بالعذل لي ظلما ... كأن الصواب له لا ليه كما قَالَ في مثل عالم ... خذ اللص بالذنب لا تغفله ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من التمس رضا جميع الناس التمس مالا يدرك ولكن يقصد العاقل رضا من لا يجد من معاشرته بدا وإن دفعه الوقت إلى استحسان أشياء من العادات كان يستقبحها واستقباح أشياء كان يستحسنها مَا لم يكن مأثما فإن ذلك من المداراة وما أكثر من دارى فلم يسلم فكيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 توجد السلامة لمن لا يداري أنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد الله البغدادي ... ياذا الذي أصبح لا والد ... له على الأرض ولا والده قد مات من قبلهما آدم ... فأي نفس بعده خالده إن جئت أرضا أهلها كلهم ... عور فغمض عينك الواحده ... أنبأنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أسماء حَدَّثَنَا مهدي بْن ميمون حَدَّثَنَا معاذ بْن سعد الأعور قَالَ كنت جالسا عند عطاء بْن أَبِي رباح فحدث رجل بحديث فعرض رجل من القوم في حديثه قَالَ فغضب وقال مَا هذه الطباع إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به فأريه كأني لا أحسن منه شيئا أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنَا محمد بْنُ مُحَمَّدِ الصَّيْدَاوِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن اسحق عن المدائن قَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ لَوْ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ شَعْرَةٌ مَا انْقَطَعَتْ قِيلَ وَكَيْفَ قَالَ لأَنَّهُمْ إن مدوها حليها وإن خلو مَدَدْتُهَا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه وترك التوقع لما يأتون من المحبوب كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه إلى أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء ومن لم يدار صديق السوء كما يداري صديق الصدق ليس بحازم ولقد أحسن الذي يقول ... تجنب صديق السوء واصرم حباله ... وإن لم تجد عنه محيصا فداره وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه ... تنل منه صفو الود مَا لم تماره ... أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سفيان حدثنا إبراهيم الْحَوْرَانِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لأُمِّ الدَّرْدَاءِ إِذَا غَضِبْتُ فرضيني وإذا غضبت رضيتك فإذا لم نكن هكذا ما أَسْرَعَ مَا نَفتَرِقُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل إذا دفعه الوقت إلى صحبة من لا يثق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 بصداقته أو صداقة من يثق بأخوته فرأى من أحدهما زلة فرفضه لزلته بقي وحيدا لا يجد من يعاشر فريدا لا يجد من يخادن بل يغضي على الأخ الصادق زلاته ولا يناقش الصديق السيء على عثراته لأن المناقشة تلزمه في تصحيح أصل الوداد أكثر مما تلزمه في فرعه ومن أنواع المداراة مَا حدثني الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا عَبْد الله بن أحمد ابن شبويه حَدَّثَنَا الحسن بْن واقع حَدَّثَنَا ضمرة عَن ابن شوذب قال كانت لرجل جارية فوطئها سرا فقال لأهله إن مريم كانت تغتسل في هذه الليلة فاغتسلوا فاغتسل هو واغتسل أهله قَالَ ابن شوذب وكانت مريم تغتسلا في كل ليلة وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... أغمض عيني عن صديقي كأنني ... لديه بما يأتي من القبح جاهل وما بي جهل غير أن خليقتي ... تطيق احتمال الكره فيما أحاول متى ما يريني مفصل فقطعته ... بقيت ومالي في نهوضي مفاصل ولكن أداريه وإن صح شدني ... فإن هو أعيا كان فيه تحامل ... أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْخَلادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الذُّهْلِيُّ عَنْ أَبِي السَّائِبِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ لا تُعَامِلْ بِالْخَدِيعَةِ فَإِنَّهَا خُلُقُ اللِّئَامِ وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ حَسَنَةً كَانَتْ أَمْ قَبَيحَةً وَسُاعِدْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَزُلْ مَعَهُ حَيْثُ زَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 ذكر استحباب إفشاء السلام وإظهار البشر والتبسم أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سهل الأعرج حدثنا محمد ابن جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّ السَّلامَ اسْمٌ مِنْ أسماء الله وضعه فِي الأَرْضِ فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ إِذَا مَرَّ بِالْقَوْمِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ بِتَذْكِيرِهِ إِيَّاهُمْ بِالسَّلامِ فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ} قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يلزم إفشاء السلام على العام لأن من سلم على عشرة كان له عتق رقبة والسلام مما يذهب إمشاؤه بالمكتن من الشحناء وما في الخلد من البغضاء ويقطع الهجران ويصافي الإخوان والباديء بالسلام بين حسنتين إحداهما تفضيل الله عز وجل إياه على المسلم عَلَيْهِ بفضل درجه لتذكيره إياهم بالسلام وبين رد الملائكة عَلَيْهِ عند غفلتهم عن الرد ولقد أَنْبَأَنَا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا شعيب بْن واقد حَدَّثَنَا جرير قَالَ قَالَ زبيد اليامي إن أجود الناس من أعطى مالا لا يريد جزاءه وإن أحسن الناس عفوا من عفا بعد قدرة وإن أفضل الناس من وصل من قطعه وإن أبخل الناس من بخل بالسلام أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 صِلَةَ بْنِ زُفَرَ الْعَبْسِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ قَالَ ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ جَمَعَ الإِيمَانَ الإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ وَالإِنْصَافُ مِنَ نفسك وَبَذْلُ السَّلامِ لِلْعَالِمِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على المسلم إذا لقي أخاه المسلم أن يسلم عَلَيْهِ متبسما إليه فإن من فعل ذلك تحات عنهما خطاياهما كما تحات ورق الشجر في الشتاء إذا يبس وقد استحق المحبة من أعطاهم بشر وجهه ولقد أخبرني مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عَبْد السلام العنبري حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الجوهري حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن حماد عَن سَعِيد بْن الخمس قَالَ قِيلَ له مَا أبشك قَالَ إنه يقوم على برخيص وأنشدني الأبرش ... أخو البشر محبوب على حسن بشره ... ولن يعدم البغضاء من كان عابسا ويسرع بخل المرء في هتك عرضه ... ولم أر مثل الجود للمرء حارسا ... قال أَبُو حاتم البشاشة إدام العلماء وسجية الحكماء لأن البشر يطفيء نار المعاندة ويحرق هيجان المباغضة وفيه تحصين من الباغي ومنجاة من الساعي ومن بش للناس وجها لم يكن عندهم بدون الباذل لهم مَا يملك أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد العبادي حَدَّثَنَا سويد عَن علي بْن مسهر عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه قَالَ أخبرت أنه مكتوب في الحكمة يا بني ليكن وجهك بسطا ولتكن كلمتك طيبة تكن أحب إلى الناس من أن تعطيهم العطاء وأنشدني الخلادي أنشدنا أَحْمَد بْن بكر بْن خالد اليزيدي لسعيد بْن عُبَيْد الطائي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 .. الق بالبشر من لقيت من الناس ... جميعا ولاقهم بالطلاقه تجن منهم حنى ثمار فخذها ... طيبا طعمه لذيذ المذاقه ... أخبرنا مُحَمَّد بْن صالح الطبري حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حميد حَدَّثَنَا حكام بْن مسلم عَن سَعِيد بْن عَبْد الرحمن الزبيدي قَالَ يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك فأما من تلقاه يبشر ويلقاك بعبوس يمن عليك بعمله فلا أكثر اللَّه في القراء ضرب هذا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب على العاقل إذا رزق السلوك في ميدان طاعة من الطاعات إذا رأى من قصر في سلوك قصده أن يعبس عَلَيْهِ بعمله وجهه بل يظهر البشر والبشاشة له فلعله في سابق علم اللَّه أن يرجع إلى صحة الأوبة الى قصده مع ما يجب عَلَيْهِ من الحمد لله والشكر له على مَا وفقه لخدمته وحرم غيره مثله أخبرنا مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي أخبرني مُحَمَّد بْن موسى السمري أن حماد ابن إِسْحَاق أنشدهم ... فتى مثل صفو الماء أما لقاؤه ... فبشر وأما وعده فجميل يسرك مفترا ويشرق وجهه ... إذا اعتل مذموم الفعال بخيل عيي عَن الفحشاء أما لسانه ... فعف وأما طرفه فكليل ... وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... لن تستتم جميلا أنت فاعله ... إلا وأنت طليق الوجه بهلول ما أوسط الخير فابسط راحتيك به ... وكن كأنك دون الشر مغلول ... أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا الدارمي حَدَّثَنَا موسى بْن إِسْمَاعِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 حَدَّثَنَا أَبُو عوانة عَن إِسْمَاعِيل بْن سالم عَن حبيب بْن أَبِي ثابت قَالَ من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو يبتسم ذكر مَا أبيح من المزاح للمرء وما كره له منه أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا هَدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ خَادِمٌ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ وكان حسن الصوت فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَنْجَشَةُ لا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي ضَعَفَةُ النِّسَاءِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يستميل قلوب الناس إليه بالمزاح وترك التعبس والمزاح على ضربين فمزاح محمود ومزاح مذموم فأما المزاح المحمود فهو الذي لا يشوبه مَا كره اللَّه عز وجل ولا يكون بإثم ولا قطيعة رحم وأما المزاح المذموم فالذي يثير العداوة ويذهب البهاء ويقطع الصداقه ويجريء الدنيء عليه ويحقد الشريف به أخبرنا مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الرقى حَدَّثَنَا أَبُو موسى الأنصاري حَدَّثَنَا بكر بْن سليم قَالَ سمعت ربيعة يقول إياكم والمزاح فإنه يفسد المودة ويغل الصدر أنبأنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا الفضيل بْن الخضر التميمي حدثنا عبد الله ابن حبيق قَالَ كان يقال لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا تمازح الوضيع فيجتريء عليك أنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 .. أكرم جليسك لا تمازح بالأذى ... إن المزاح ترى به الأضغان كم من مزاح جذ حبل قرينه ... فتجذمت من أجله الأقران ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه المزاح في غير طاعة اللَّه مسلبة للبهاء مقطعة للصداقة يورث الضغن وينبت الغل وإنما سمي المزاح مزاحا لأنه زاح عَن الحق وكم من افتراق بين أخوين وهجران بين متآلفين كان أول ذلك المزاح أنبأنا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الحسين القرشي حَدَّثَنَا الأسود بْن عامر عَن أَبِي إسرائيل عَن الحكم قَالَ كان يقال لاتمار صديقك ولا تمازحه فإن مجاهدا كان له صديق فمازحه فأعرض كل واحد منهما عَن صاحبه فما زاده عَن السلام حتى مات قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه وإن من المزاح مَا يكون سببا لتهييج المراء والواجب على العاقل اجتنابه لأن المراء مذموم في الأحوال كلها ولا يخلو المماري من أن يفوته أحد رجلين في المراء إما رجل هو أعلم منه فكيف يجادل من هو دونه في العلم أو يكون ذلك أعلم منه فكيف يماري من هو أعلم منه ولقد سمعت حفص بن عمر البزار يقول سمعت إِسْحَاق بْن الضيف يقول سمعت جعفر بْن عون يقول سمعت مسعر بْن كدام يقول لابنه كدام ... إني نخلتك ياكدام نصيحتي ... فاسمع مقال أب عليك شفيق ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 .. أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمحاور جارا ولا لشفيق والجهل يزري بالفتى في قومه ... وعروقه في الناس أي عروق ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه المراء أخو الشنآن كما أن المناقشة أخت العداوة والمرء قليل نفعه كثير شره ومنه يكون السباب ومن السباب يكون القتال ومن القتال يكون هراقة الدم وما مارى أحد أحدا إلا وقد غير المراء قلبيهما وقد أحسن الذي يقول ... وإياك من حلو المزاح ومره ... ومن أن يراك الناس فيه مماريا وإن مراء المرء يخلق وجهه ... وإن مزاح المرء يبدي التشانيا دعاه مزاح أو مراء إلى التي ... بها صار مقلي الإخاء وقاليا ... أخبرني مُحَمَّد بْن المنذر حدثني كثير بْن عَبْد اللَّه التميمي حدثني إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الطلحي حَدَّثَنَا أَبُو الأخفش الكناني أنه قَالَ لابن له ... أبني لا تك ماحييت مماريا ... ودع السفاهة إنها لا تنفع لا تحملن ضغينة لقرابة ... إن الضغينة للقرابة تقطع لا تحسبن الحلم منك مذلة ... إن الحليم هو الأعز الأمنع ... أخبرنا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الخالدي الهروي حَدَّثَنَا العباس بْن الوليد بْن مزيد قَالَ سمعت أَبِي عَن الأوزاعي قَالَ قَالَ بلال بْن سعد إذا رأيت الرجل لجوجا مماريا معجبا برأيه فقد تمت خسارته قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه المزاح إذا كان فيه إثم فهو يسود الوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ويدمي القلب ويورث البغضاء ويحيي الضغينه وإذا كان من غير معصية يسلى الهم ويرقع الخلة ويحيي النفوس ويذهب الحشمة فالواجب على العاقل أن يستعمل من المزاح مَا ينسب بفعله إلى الحلاوة ولا ينوي به أذى أحد ولا سرور أحد بمساءة أحد أخبرنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عائذ كان بهراة حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الله ابن حكيم العرياناني قرية من قرى مرو حَدَّثَنَا سهل بْن يَحْيَى عَن أبيه عَن الأعمش عَن إِبْرَاهِيم قَالَ لا يمازحك إلا من يحبك أخبرنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد حَدَّثَنَا الصلت بْن مسعود حدثني ابن عيينة قَالَ أظنني سمعته من داود بْن شابور عَن مُحَمَّد ابن المنكدر قَالَ قالت لي أمي وأنا غلام لا تمازح الغلمان فتهون عليهم أو يجترئوا عليك حَدَّثَنَا عَمْرُو حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ حَدَّثَنَا دُرَيْدُ بْنُ مُجَاشِعٍ عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ قَالَ عمر بن الخطاب مَنْ كَثُرَ ضَحِكُهُ قَلَّتْ هَيْبَتُهُ وَمَنْ مَزَحَ اسْتُخِفَّ بِهِ وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ أَنْبَأَنَا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا أَبُو الدرداء حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق الطالقاني عَن مبشر بْن إِسْمَاعِيل عَن راشد بْن أَبِي قبال قَالَ استسقى سَعِيد بْن جبير فأتيته بسويق محلى فقال يا راشد شكر أزد ست شيرين قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من مازح رجلا من غير جنسه هان عَلَيْهِ واجترأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 عَلَيْهِ وإن كان المزاح حقا لأن كل شيء لا يجب أن يسلك به غير مسلكه ولا يظهر إلا عند أهله على أني أكره استعمال المزاح بحضرة العام كما أكره تركه عند حضور الأشكال ولقد أَخْبَرَنَا كامل بْن مكرم حَدَّثَنَا ربيعة بْن الحارث الجيلاني حدثنا عبد الله ابن عبد الجبار الجبابري قَالَ قَالَ أَبُو عَبْد الرحمن الأعرج كان إِبْرَاهِيم بْن أدهم يحدثنا ويضاحكنا وإذا رأى غيرنا قَالَ هذا جاسوس ذكر استحباب الاعتزال من الناس عاما أَنْبَأَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سَلْمٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ الَّليْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ رَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل لزوم الاعتزال عَن الناس عاما مع توقي مخالطتهم إذ الاعتزال من الناس لو لم يكن فيه خصلة تحمد إلا السلامة من مقارفة المأثم لكان حقيقا بالمرء أن لا يكدر وجود السلامة بلزوم السبب المؤدي إلى المناقشة وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَان حَدَّثَنَا حبان بْن موسى أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عمر بن الخطاب قَالَ خُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنَ الْعُزْلَةِ أنبأنا عمرو بْن سَعِيد بْن سنان الطائي حَدَّثَنَا حامد بْن يَحْيَى البلخي قَالَ سمعت سُفْيَان بْن عيينة يقول رأيت الثوري في المنام فقلت له أوصني فقال أقل معرفة الناس أقل معرفة الناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 أنبأنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا المروروذي قَالَ سمعت أَحْمَد بْن حنبل يقول رأيت ابن السماك يكتب إلى أخ له أن استطعت أن لا تكون لغير اللَّه عبدا مَا وجدت من العبودية بدا فافعل قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يستعبد نفسه لأمثاله بالقيام في رعاية حقوقهم والتصبر على ورود الأذى منهم مَا وجد إلى ترك الدخول فيه سبيلا لأنه إذا حسم عن نفسه ترك الاختلاط بالعالم والمخالطة بهم تمكن من صفاء القلب وعدم تكدر الأوقات في الطاعات ولقد استعمل العزلة حماعة من المتقدمين مع العام والخاص معا كما أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الخالدي حَدَّثَنَا داود بْن أَحْمَد بْن سليمان الدمياطي حَدَّثَنَا عَبْد الرحمن بْن عفان قَالَ سمعت ابن المبارك يقول عاد فضيل داود الطائي فأغلق داود الباب وجلس فضيل خارج الباب يبكي وداود داخل البيت يبكي أنبأنا الحسين بْن مُحَمَّد السنجي حَدَّثَنَا علي بْن المنذر حَدَّثَنَا الحسن بْن مالك قَالَ سمعت بكر مُحَمَّد العابد يقول قَالَ لي داود الطائي يا بكر استوحش من الناس كما تستوحش من السبع أنبأنا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الفرج البغدادي بالأبلة حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن حماد بْن زياد حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بْن الخطاب قال رؤى إلى جنب مالك بْن دينار كلب عظيم ضخم أسود رابض فقيل له يا أبا يَحْيَى ألا ترى هذا الكلب إلى جنبك قَالَ هذا خير من جليس السوء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه هذا الذي ذهب إليه داود الطائي وضرباؤه من القراء من لزوم الاعتزال من الخاص كما يلزمهم ذلك من العام أرادوا بذلك عند رياضة الأنفس على التصبر على الوحدة وإيثار ضد الخلطة على المعاشرة فإن المرء متى لم يأخذ نفسه بترك مَا أبيح له فأنا خائف عَلَيْهِ الوقوع فما حظر عَلَيْهِ وأما السبب الذي يوجب الاعتزال عَن العالم كافة فهو مَا عرفتهم به من وجود دفن الخير ونشر الشر يدفنون الحسنة ويظهرون السيئة فإن كان المرء عالما يدعوه وإن كان جاهلا عيروه وإن كان فوقهم حسدوه وإن كان دونهم حقروه وإن نطق قالوا مهذار وإن سكت قالوا عيي وإن قدر قالوا مقتر وإن سمح قالوا مبذر فالنادم في العواقب المحطوط عَن المراتب من اغتر بقوم هذا نعتهم وغره ناس هذه صفتهم ولقد أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بكر الأبناوي عَن داود بْن رشيد قال حدثني إِبْرَاهِيم بْن شماس قَالَ قَالَ لي الأكاف حفص بْن حميد صاحب ابن المبارك بمرو يا إِبْرَاهِيم صحبت الناس خمسين سنة فلم أجد أحدا ستر لي عورة ولا وصلني إذا قطعته ولا أمنته إذا غضب فالاشتغال بهؤلاء حمق كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وأنشدني مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل لعلي بْن حجر السعدي ... زمانك ذا زمان دخول بيت ... وحفظ للسان وخفض صوت فقد مرجت عهود الناس إلا ... أقلهم فبادر قبل فوت فما يبقى على الأيام شيء ... وما خلق امرؤ إلا لموت ... أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ وَفِيمَا قَرَأْتُ عَلَى نَافِعٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أنه بلغه عن أبي ذرقال كَانَ النَّاسُ وَرَقًا لا شَوْكَ فِيهِ فَهُمُ الْيَوْمَ شَوْكٌ لا وَرَقَ فِيهِ أنبأنا مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي حَدَّثَنَا جنيد بْن حكيم الدقاق حَدَّثَنَا سليمان ابن أَبِي شيخ قَالَ كان القحذمي ينشد كثيرا ... ذهب الحسن والجمال من الناس ... ومات الذين كانوا ملاحا وبقى الأسمجون من كل صنف ... إن في الموت من أولئك راحا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يعلم أن البشر مجبولون على أخلاق متباينة وشيم مختلفة فكل واحد يحب اتباع مساعدته وترك مباعدته فمتى رام من أخيه ضد مَا وطن نفسه عَلَيْهِ قلاه وإذا تبين له منه خلاف مَا أضمر عَلَيْهِ قلبه مله ومن الملال يكون الاستثقال ومن الاستثقال يكون البغض ومن البغض تهيج العداوة فالآشتغال هذا بمن نعته للعاقل حمق ولقد أحسن النباجي حيث يقول ... أرفض الناس وكل مشغله ... قد بخل الناس بمثل خردله لا تسأل الناس وسل من أنت له ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وأنشدني ابن أَبِي علي قَالَ أنشدني مُحَمَّد بْن يعقوب العبدي ... إذا قلت هذا صاحب قد رضيته ... وقرت به عيناي بدلت آخرا وذلك أني لا أصاحب صاحبا ... من الناس إلا خانني وتغيرا ... أخبرنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مسلم حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أَبِي الحواري حَدَّثَنَا أَبُو مسهر عَن سَعِيد بْن عَبْد العزيز قَالَ قَالَ مكحول إن كان في مخالطة الناس خير فالعزلة أسلم أنبأنا علي بْن سَعِيد العسكري حَدَّثَنَا شعيب بْن يَحْيَى حَدَّثَنَا أَحْمَد النسائي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَبْد الأعلى أن مالك بْن دينار كان يقول من لم يأنس بحديث اللَّه عَن حديث المخلوقين فقد قل علمه وعمي قلبه وضيع عمره أنبأنا القطان حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أَبِي الحواري حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن روح قَالَ سمعت إِبْرَاهِيم البخاري يقول دخلت المسجد الحرام بعد المغرب فإذا فضيل جالس فجئت فجلست إليه فقال من هذا فقلت إِبْرَاهِيم قَالَ مَا جاء بك قلت رأيتك وحدك فجلست إليك قَالَ تحب أن تغتاب أو تتزين أو ترائي قلت لا قَالَ قم عني ذكر استحباب المؤاخاة للمرء مع الخاص أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى بِالْمَوْصِلِ حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الَّلُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَآخَى بَيْنَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَبَيْنَ الصَّعْبِ بْن جَثَّامَةَ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن لا يغفل عَن مؤاخاة الإخوان وإعداده إياهم للنوائب والحدثان لأن من تعزى عَن موضع سلوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 بأخيه عند الهموم والغموم كان عقله إلى التقديح أقرب ومن النماء أنقص ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا الفضل بْن عَبْد الصمد الأصبهاني حَدَّثَنَا يزيد بْن خالد الرملي حَدَّثَنَا سهيل أَبُو عمرو قَالَ قَالَ مُحَمَّد بْن واسع لم يبق من العيش إلا ثلاث الصلاة في الجماعة ترزق فضلها وتكفي سهوها وكفاف من معاش ليست لأحد من الناس عليك فيه منة ولا لله عليك فيه تبعة وأخ محسن العشرة زغت قومك أنبأنا عَبْد الرحمن بْن عَبْد المحسن بجرجان حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه القصار أَنْبَأَنَا عَبْد الرزاق عَن ابن المقفع قَالَ ثلاث من اللذات محادثة الإخوان وأكل القديد وحك الجرب أنبأنا مُحَمَّد بْن أَبِي علي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن هريم الشيباني أنشدنا محمد بن عمران الضيى ... وما المرء إلا بإخوانه ... كما نقبض الكف بالمعصم ولا خير في الكف مقطوعة ... ولا خير في الساعد الأجذم ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن لا يعد في الأدواء إخاء من لم يواته الضراء ولم يشاركه في السراء ورب أخي إخاء خير من أخي ولادة ومن أتم حفاظ الأخوة تفقد الرجل أمور من يوده والود الصحيح هو الذي لا يميل إلى نفع ولا يفسده منع والمودة أمن كما أن البغضاء خوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 والعاقل لا يواخي إلا من خالفه على الهوى وأعانه على الرأي ووافق سره علانيته لأن خير الإخوان من لم يناقش كما أن خير الثناء مَا كان على أفواه الأخيار والمستوخم لا يؤلف كما أن غير الثقة لا يود فمتى مَا آخى المرء من لم يصافه بالوفاء يجب الاستظهار عَلَيْهِ بمن يسليه عنه لأن التودد ممن لا يود يعد ملقا ولا يفوت الإنسان في الأخوة أحد رجلين إما أريب قصر في حقوقه فاغتاله بمكر وإما جاهل لم يصافه فيؤذيه بسوء معاشرته وصيانة الأخوة ليست إلا في الاستغناء عَن الإخوان ولقد أحسن العباس بْن عُبَيْد بْن يعيش حيث يقول ... كم من أخ لك لم يلده أبوكا ... وأخ أبوه أبوك قد يجفوكا صاف الكرام إذا أردت إخاءهم ... وأعلم بأن أخا الحفاظ أخوكا كم إخوة لك لم يلدك أبوهم ... وكأنما آباءهم ولدوكا لو كنت تحملهم على مكروهة ... تخشى الحتوف بها لما خذلوكا وأقارب لو أبصروك معلقا ... بنياط قلبك ثم مَا نصروكا الناس ما استغنيت كنت أخالهم ... وإذا افتقرت إليهم فضحوكا ... أخبرنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل السني حَدَّثَنَا عَبْد الرزاق عَن معمر قَالَ دخلت على قَتَادَة وأنا ظمآن وفي الحجرة حب ماء فقلت أشرب من مائكم هذا قَالَ أنت لنا صديق قال أَحْمَد قَالَ عَبْد الرزاق يتأول القرآن (أَوْ صَدِيقِكُمْ) يقول لا يستأذن أنبأنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا علان بْن المغيرة البصري حَدَّثَنَا عمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الناقد حَدَّثَنَا ابن عيينة عَن أيوب السختياني أنه قَالَ يزيدني حرصا على الحج لقاء إخوان لي لا ألقاهم بغير الموسم قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يعلم أن الغرض من المؤاخاة ليس الاجتماع والمؤاكلة والمشاربة والسراق يداخلون الرجال على التقارف ولا يزدادون بذلك مودة ولكن من أسباب المؤاخاة التي يجب على المرء لزومها مشي القصد وخفض الصوت وقلة الإعجاب ولزوم التواضع وترك الخلاف ولا يجب للمرء أن يكثر على إخوانه المؤونات فيبرمهم لأن المرضع إذا كثر مصه ربما ضجرت أمه فتلقيه ولا ينبغي لمن قدر أن يمنع أخاه شيئا يحتاج إليه ليجبر به مصيبته أو يفرج به كربته والعاقل لا يؤاخي لئيما لأن اللئيم كالحية الصماء لا يوجد عندها إلا اللدغ والسم ولا يصل اللئيم ولا يؤاخي إلا عَن رغبة أو رهبة والكريم يود الكريم على لقية واحدة ولو لم يلتقيا بعدها أبدا ولقد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن يونس حدثنا إسماعيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ابن محمود عَن ابن المبارك عَن سُفْيَان عَن يونس بْن عُبَيْد أنه أصيب بمصيبة فقيل له ابن عوف لم يأتك فقال إنا إذا وثقنا بمودة أخينا لم يضره أن لا يأتينا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يتفقد ترك الجفاء مع الإخوان ويراعي محوها إن بدت منه ولا يجب أن يستضعف الجفوة اليسيرة لأن من استصغر الصغير يوشك أن يجمع إليه صغيرا فإذا الصغير كبير بل يبلغ مجهوده في محوها لأنه لا خير في الصدق إلا مع الوفاء كما لا خير في الفقه إلا مع الورع وإن من أخرق الخرق التماس المرء الإخوان بغير وفاء وطلب الأجر بالرياء ولا شيء أضيع من مودة تمنح من لا وفاء له وصنيعة تصطنع عند من لا يشكرها وأنشدني الخلادي قَالَ أنشدني مُحَمَّد بْن مُحَمَّد البكري ... أحذر مودة ماذق ... خلط المرارة بالحلاوة يحصي الذنوب عليك ... أيام الصداقة للعداوه ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم البصري بصور لنفسه ... لا يغرنك صديق أبدا ... لك في المنظر حتى تخبره كم صديق كنت منه في عمى ... غرني منه زمانا منظره كان يلقاني بوجه طلق ... وكلام كاللآلي ينثره فإذا فتشته عَن غيبه ... لم أجد ذاك لود يضمره فدع الإخوان إلا كل من ... يضمر الود كما قد يظهره فإذا فزت بمن يجمع ذا ... فاجعلنه لك ذخرا تذخره ... أَنْبَأَنَا الْقَطَّانُ بِالرَّقَّةِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْمَكِّيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 رضى الله عنه للناس ثمانية عشر كَلِمَةً كَلُّهَا حِكَمٌ قَالَ مَا كَافَأْتَ مَنْ يَعْصِي اللَّهَ فِيكَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ وَضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُكَ وَلا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ مُسْلِمٍ شَرًّا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلا وَمَنْ تَعَرَّضَ لِلتُّهْمَةِ فَلا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ وَمَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتِ الْخِيَرَةُ فِي يَدَيْهِ وَعَلَيْكَ بإخوان الصدق فعش فِي أَكْنَافِهِمْ فَإِنَّهُمْ زِينَةٌ فِي الرَّخَاءِ وَعُدَّةٌ فِي الْبَلاءِ وَعَلَيْكَ بِالصِّدْقِ وَإِنْ قَتَلَكَ الصِّدْقُ وَلا تَعْرِضْ لِمَا لا يَعْنِيكَ وَلا تَسْأَلْ عَمَّا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ فِيمَا كَانَ شُغْلا عَمَّا لَمْ يَكُنْ وَلا تَطْلُبَنَّ حَاجَتَكَ إِلَى مَنْ لا يُحِبُّ لَكَ نَجَاحَهَا وَلا تَصْحَبَنَّ الْفَاجِرَ فَتَعْلَمَ فُجُورَهُ وَاعْتَزِلْ عَدُّوَكَ وَاحْذَرْ صَدِيقَكَ إِلا الأَمِينَ وَلا أَمِينَ إِلا مَنْ خشي الله وتخشع عند القول وَذَلَّ عِنْدَ الطَّاعَةِ وَاعْتَصَمَ عِنْدَ المعصية واستشر في أمرك الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ (35 38) {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يواخي إلا ذا فضل في الرأي والدين والعلم والأخلاق الحسنة ذا عقل نشأ مع الصالحين لأن صحبة بليد نشأ مع العقلاء خير من صحبة لبيب نشأ مع الجهال ورأس المودة الاسترسال وآفتها الملالة ومن أضاع تعهد الود من إخوانه حرم ثمرة إخائهم وآيس الإخوان من نفسه ومن ترك الإخوان مخافة تعاهد الود بوشك أن يبقى بغير أخ كما أن من ترك نزع الماء إشفاقا على رشائه يوشك أن يموت عطشا والعاقل يستخبر أمور إخوانه قبل أن يؤاخيهم ومن أصح الخبرة للمرء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وجود حالته بعد هيجان الغضب أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن الضحاك الهدادي حَدَّثَنَا هشام بْن مُحَمَّد عَن عوانة بْن الحكم قَالَ قَالَ لقمان لابنه يا بني إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه قبل ذلك فإن أنصفك عند غضبه وإلا فدعه أنبأنا مُحَمَّد بْن صالح الطبري حَدَّثَنَا أَبُو هشام الرفاعي حَدَّثَنَا داود بْن يَحْيَى ابن اليمان عَن أبيه عَن سُفْيَان قَالَ اصحب من شئت ثم أغضبه ثم دس إليه من يسأله عنك قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من لم ينصفك عند غضبه لم تودك أيامه وليس الصديق كالمرأة يطلقها المرء إذا شاء والجارية يبيعها متى أحب لكنه عرضه ومروءته فالتثبت والاتئاد أولى به من التهاجر والانقطاع ومن غاب عنه أخوه فلا يغب عما يجب له عَلَيْهِ وليكثر منهم عدة للشدائد لأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الشعر مع دقته إذا جمع عمل منه الحبل الغليظ الذي يقهر الفيل المغتلم ولا يصلح أن يكون رفيقا من لم يزدرد ريقا وأنشدني الخلادي قَالَ أنشدني مُحَمَّد بْن مُحَمَّد البكري لصالح بْن عَبْد القدوس ... إذا كان ود المرء ليس بزائد ... على مرحبا أو كيف أنت وحالكا أو القول إني وامق لك حافظ ... وأفعاله تبدي لنا غير ذلكا ولم يك إلا كاشرا أو محدثا ... فأف لود ليس إلا كذلكا ولكن إخاء المرء من كان دائما ... لذي الود منه حيثما كان سالكا ... أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَنْتُمْ جَلاءُ حَزَنِي أخبرني مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا هلال بْن العلاء حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الضيف عَن شيبة بْن أَبِي مسهر عَن الحكم بْن هشام قَالَ خالد بْن صفوان لم يبق من لذات الدينا إلا ثلاث مجالسة النسوان وشم الولدان ولقي الإخوان حدثنا مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا مسعدة بْن حازم المصري حَدَّثَنَا خالي هارون ابن سعيد حدثنا خالد بن بزار حَدَّثَنَا سُفْيَان عَن موسى بْن عقبة قَالَ إن كنت لألقى الأخ من إخواني فأكون بلقيه عاقلا أياما قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد ذكرت مَا يشاكل هذه الحكايات في كتاب مراعاة العشرة فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب فالواجب على العاقل أن يعلم أنه ليس من السرور شيء يعدل صحبة الإخوان ولا غم يعدل غم فقدهم ثم يتنوقى جهده مفاسدة من صافاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ولا يسترسل إليه فيما يشينه وخير الإخوان من إذا عظمته صانك ولا يعيب أخاه على الزلة فإنه شريكه في الطبيعة بل يصفح ويتنكب محاسدة الإخوان لأن الحسد للصديق من سقم المودة كما أن الجود بالمودة أعظم البذل لأنه لا يظهر ود صحيح من قلب سقيم وليحذر المرء في إخائه ألم التثقيل على أخيه لأن من ثقل على صديقه خف على عدوه وإن من أعظم المعونة على تسلية الهم الرضا بالقضاء ولقي الإخوان أنبأنا مُحَمَّد بْن هلال العقبي حدثني يونس بن إبراهيم العزي حدثنا إبراهيم ابن عَبْد اللَّه العدني عَن سُفْيَان أنه قِيلَ له مَا ماء العيش قَالَ لقاء الإخوان حدثنا الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الحواري حَدَّثَنَا المسيب بْن واضح عَن ابن المبارك قَالَ قَالَ سُفْيَان لربما لقيت الأخ من إخواني فأقيم شهرا عاقلا بلقائه وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... ستكثرن من الإخوان إنهم ... خير لكانزهم كنزا من الذهب كم من أخ لك لو نابتك نائبة ... وجدته لك خيرا من أخي النسب ... وأنشدني الكريزي ... من خير مَا حزته ود لذي كرم ... يجزيك مَا عشت بالإحسان إحسانا تلقى بشاشته في قربه وإذا ... أنال نالك منه البر مَا كانا ... أنبأنا القطان حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ سمعت أبا سليمان يقول كنت أنظر إلى أخ من إخواني بالعراق فأعمل على رؤيته شهرا حدثنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا سويد بْن سَعِيد حَدَّثَنَا مسلم بْن عُبَيْد أَبُو فراس قَالَ قَالَ ربيعة المروءة مروءتان فللسفر مروءة وللحضر مروءة فأما مروءة السفر فبذل الزاد وقلة الخلاف على أصحابك وكثرة المزاح في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 غير مساخط اللَّه وأما مروءة الحضر فالإدمان إلى المساجد وكثرة الإخوان في اللَّه وتلاوة القرآن ذكر كراهية المعاداة للناس أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْدِ السَّلامِ بِبَيْرُوتَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ وَحَدَّثَنِي ابْنُ الْمُبَارَكِ عَن عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم قال أَوَّلَ شَيْءٍ نَهَانِي عَنْهُ رَبِّي بعد عبادة الأوثان لعن الحمير وَمُلاحَاةِ الرِّجَالِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يعلم أن من يوده لم يحسده ومن لم يحسده لم يعاده فيكون للعدو المكاتم أشد حذرا منه للعدو المبارز ومن وجد عنده مغترا وكان ممن لا يعفو ثم لا ينتصف منه أصابته الندامة والرأي إذا كان من الأريب كان أبلغ في هلاك العدو من العدد الكثير من الجنود وترك العداوة على الأحوال كلها أحوط للعاقل من الخوض في سلوكها أَنْبَأَنَا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا حبان بْن موسى أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن هارون هو الأعور عَن إِسْمَاعِيل قَالَ لا تشترين عداوة رجل بمودة ألف رجل وأنشدني عمرو بْن مُحَمَّد قَالَ حدثنا الغلابي قال أنشدني مهدي ابن سابق ... تكثر من الإخوان مَا استطعت إنهم ... عماد إذا استنجدتهم وظهور وليس كثيرا ألف خل لصاحب ... وإن عدوا واحدا لكثير ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب على العاقل أن يكافيء الشر بمثله وأن يتخذ اللعن والشتم على عدوه سلاحا إذ لا يستعان على العدو بمثل إصلاح العيوب وتحصين العورات حتى لا يحد العدو إليه سبيلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 والعاقل لا يرحم من يخافه ولا يترك إحصاء معائب العدو ويتفقد عثراتهم مع السكوت عَن ثلبه ولا يستضعف عدوا بحيلة فإن من استضعف الأعداء اغتر ومن اغتر لم يسلم اللهم إلا أن يكون العدو ذليلا فإذا كان كذلك عطف عَلَيْهِ بالإغضاء لأن العدو الذليل أهل أن يرحم كما أن المستجير الخائف أهل أن يؤمن والمماداة للعاقل خير من المصافاة للجاهل وأنشدني الخلادي أنشدني أَحْمَد بْن مُحَمَّد البكري ... وولمن يعادي عاقلا خير له ... من أن يكون له صديق أحمق فارغب بنفسك أن تصادق أحمقا ... إن الصديق على الصديق مصدق ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا أبصر لرجلك قبل الخطو موضعها ... فمن علا قلة عَن غرة زلجا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يبصر موضع خطواته قبل أن يضعها ثم يقارب عدوه بعض المقاربة لينال حاجته ولا يقاربه كل المقاربة فيجترأ عَلَيْهِ والعاقل لا يعادي مَا وجد إلى المحبة سبيلا ولا يعادي من ليس له منه بد ولا العدو الحنق الذي لا يطاق فإنه ليس له حيلة إلا الهرب منه وحيلة السبيل إلى القدرة على العدو وجود الغرة فيه وأن يرى العدو أنه لا يتخذه عدوا ثم يصادق أصدقاءه فيدخل بينه وبينهم وأحزم الأمور في أمر العدو أن لا يذكره بسوء إلا عند الفرصة وإن من أيسر الظفر بالأعداء اشتغال بعضهم ببعض وإن مما يستعين به المرء على عدوه مجانبة من يعاشره ويصحب عدوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أخبرني مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حدثني أَحْمَد بْن زهير بْن حرب قَالَ سمعت يَحْيَى بْن معين يقول قَالَ ابن السماك لا تخف ممن تحذر ولكن احذر ممن تأمن وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... تمنيت أن أبقى معافى وأن أرى ... على من يناويني تدور الدوائر فيصبح مخذولا وأمسي سالما ... إلى اللَّه داع بالكفاية ناصر ... سمعت مُحَمَّد بْن محمود يقول سمعت علي بْن خشرم يقول سمعت الفضل ابن موسى الشيباني يقول كان صياد يصطاد العصافير في يوم ريح قَالَ فجعلت الرياح تدخل في عينيه الغبار فتذرفان فكلما صاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في ناموسه فقال عصفور لصاحبه مَا أرقه علينا ألا ترى إلى دموع عينيه فقال له الآخر لا تنظر إلى دموع عينيه ولكن انظر إلى عمل يديه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يأمن عدوه على كل حال إن كان بعيدا لم يأمن مغادرته وإن كان قريبا لم يأمن مواثبته والعاقل لا يخاطر بنفسه في الانتقام من عدوه لأنه إن هلك في قصده قِيلَ أضاع نفسه وإن ظفر قِيلَ القضاء فعله والمعاداة بعد الخلة فاحشة عظيمة لا تليق بالعاقل ارتكابها فإن دفعه الوقت إلى ركوبها ترك للصلح موضعا وأنشدني بعض أهل الأدب لأبي الأسود الدؤلي ... وأحبب إذا أحببت حنا مقاربا ... فإنك لا تدري متى أنت نازع ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 .. وأبغض إذا أبغضت غير مجانب ... فإنك لا تدري متى أنت راجع وكن معنا للحلم واصفح عن الأذى ... فإنك لاراء مَا عملت وسامع ... وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... إذا أنت عاديت أمرءا بعد خلة ... فدع في غد للعود والصلح موضعا فإنك إن نابذت من زل زلة ... ظللت وحيدا لم تجد لك مفزعا ... أنبأنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الثقفي حَدَّثَنَا أَبُو همام حَدَّثَنَا ابن وهب أخبرني يونس ابن يزيد عَن ابن شهاب قَالَ اجتمع مروان بْن الحكم وابن الزبير يوما عند عائشة فجلسا في حجرتها وبينها وبينهما الحجاب فسألا عائشة شعرا وحديثا ثم قَالَ مروان ... ومن يشإ الرحمن يخفض بقدره ... وليس لمن لم يرفع اللَّه رافع ... وقال ابن الزبير ... وفوض إلى اللَّه الأمور إذا اعترت ... وبالله لا بالأقربين تدافع ... وقال مروان ... وداو ضمير القلب بالبر والتقى ... ولا يستوي قلبان قاس وخاشع ... وقال ابن الزبير ... ولا يستوي عبدان عَبْد مكلم ... عتل لأرحام الأقارب قاطع ... وقال مروان ... وعبد يجافي جنبه عَن فراشه ... يبيت يناجي ربه وهو راكع ... وقال ابن الزبير ... وللخير أهل يعرفون بهديهم ... إذا اجتمعت عند الخطوب المجامع ... وقال مروان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 .. وللشر أهل يعرفون بشكلهم ... تشير إليهم بالفجور الأصابع ... قال فسكت ابن الزبير فلم يجب مروان بشيء فقالت عائشة يا عَبْد اللَّه مالك لم تجب صاحبك والله مَا سمعت تجاوب رجلين تجاولا نحو مَا تجاولتما فيه أعجب إلي من مجاولتكما قال ابن الزبير اني خفت عول القول فكففت فقالت عائشة إن لمروان في الشعر مَا ليس لك أنبأنا مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا عصام بْن الفضل الداري حدثني الزبير بْن بكار عَن مُحَمَّد بْن حرب قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه بْن حسن لابنه مُحَمَّد إياك ومعاداة الرجال فإنها لا تعدمك مكر حليم أو مباذاة جاهل قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يعادي على الحالات كلها لأن العداوة لا تخلو من أن تكون لأحد رجلين إما حليم لا يؤمن مكره أو جاهل لا يؤمن شتمه ولا يجب على العاقل إذا عادى أن يغره إحسانه الى عدوه ما يرى من سكونه إليه فإن الماء وإن أطيل إسخانه ليس بمانعه ذلك من إطفاء النار إذا صب عليها ولا يجب أن يعظم عَلَيْهِ حمله عدوه على عاتقه إذا وثق بحسن عاقبته لأن اللين والمكر أنكى في العدو من الفظاظة والمكابرة ألا ترى النار مع حرها لا تحرق من الشجر إلا مَا ظهر والماء مع برده ولينه يستأصلها ومجانبة المرء عدوه في العشرة أحد الأعوان عليه عند الفرصة كما أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا العتبي عَن أبيه قَالَ قَالَ الأحنف بْن قيس من جالس عدوه حفظ عَلَيْهِ عيوبه وأنشدني الأبرش ... لا تخافن إن رماك عدو ... بعيوب إذا تكون بريا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 .. إنما العيب أن يكون محقا ... في الذي قاله ولست نقيا فإذا كان كاذبا كنت بالصدق ... على العائب الكذوب جريا ولقد يلزق العدو بجنب ... السمراء عيبا تخاله مكويا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يغيره إلزاق العدو به العيوب والقبائح لأن ذلك لا يكون له وقع ولا لكثرته ثبات ولا يلتذ المرء مَا كان عدوه باقيا كما لا يجد السقيم طعم النور والطعام حتى يبرأ وأشد مكيدة العدو وما يعمل فيك من سبيل مأمنك والغالب بالشر مغلوب وإن من أعظم الأعوان على الأعداء تعاهد المرء ولده وعياله وخدمه وتوقيه إياهم على المعائب والزلات أنبأنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الصباح حَدَّثَنَا الوليد عَن الأوزاعي عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير قَالَ قَالَ سليمان بْن داود لابنه يا بني إذا أردت أن تغيظ عدوك فلا ترفع عَن ابنك العصا ذكر الحث على صحبة الأخيار والزجر عَن عشرة الأشرار حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَائِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مِثْلُ الْعَطَّارِ إِنْ لَمْ يَنَلْكَ مِنْهُ أَصَابَكَ من ريحه ومثل جليس السُّوءِ مِثْلُ الْقَيْنِ إِنْ لَمْ تصبك نَارُهُ أَصَابَكَ شَرَرُهُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يلزم صحبة الأخيار ويفارق صحبة الأشرار لأن مودة الأخيار سريع اتصالها بطيء انقطاعها ومودة الأشرار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 سريع انقطاعها بطيء اتصالها وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب لئلا يكون مريبا فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشر وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... عليك بإخوان الثقات فإنهم ... قليل فصلهم دون من كنت تصحب ونفسك أكرمها وصنها فإنها ... متى مَا تجالس سفلة الناس تغضب ... سمعت أبا يعلى يقول سمعت إِسْحَاق بْن أَبِي إسرائيل يقول سمعت سُفْيَان ابن عيينة يقول من أحب رجلا صالحا فإنما يحب اللَّه تبارك وتعالى أنبأنا مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن الصقر السكري حَدَّثَنَا وهب بْن مُحَمَّد بْن منبه البناني قَالَ سمعت الحارث بْن وجيه يقول سمعت مالك بْن دينار يقول إنك أن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الخبيص مع الفجار قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يدنس عرضه ولا يعود نفسه أسباب الشر بلزوم صحبة الأشرار ولا يغضي عَن صيانة عرضه ورياضة نفسه بصحبة الأخيار على أن الناس عند الخبرة يتبين منهم أشياء ضد الظاهر منها أنشدني علي بْن محمد البسامي ... وقل ما احلولي كلام امريء ... ولان إلا كان مر الفعال وربما احلولي كلام الفتى ... وكان محمودا على كل حال فكل هذا أنت راء إذا ... تصاحب الناس وتبلوا الرجال ... حدثنا بكر بْن أَحْمَد بْن سَعِيد الطاحي حَدَّثَنَا نصر بن علي أنبأنا نوح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ابن قيس حَدَّثَنَا حوشب عَن الحسن في قوله (25 63) {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يمشون على الأرض هونا} قَالَ حلماء علماء صبر ثبت إن ظلموا لم يظلموا وإن بغي عليهم لم يبغوا قد براهم الخوف كأنهم القداح أنبأنا حامد بْن مُحَمَّد بْن شعيب البلخي حَدَّثَنَا سريج بْن يونس حَدَّثَنَا شجاع بْن أَبِي نصر أَبُو نعيم القاري عَن أَبِي عمرو بْن العلاء قَالَ رآني سعيد ابن جبير وأنا جالس مع الشباب قال مَا يجلسك مع الشباب عليك بالشيوخ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْمُحَجَّلِ عَنِ ابْنِ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لصاحب صالح خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ وَالْوَحْدَةُ خَيْرٌ من صاحب السُّوءِ وَمُمْلِي الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنَ السَّاكِتِ وَالسَّاكِتُ خَيْرٌ مِنْ مُمْلِي الشَّرِّ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يصاحب الأشرار لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار تعقب الضغائن لا يستقيم وده ولا يفي بعهده وإن من سعادة المرء خصالا أربعا أن تكون زوجته موافقة وولده أبرارا وإخوانه صالحين وأن يكون رزقه في بلده وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيرا تكون مجالسة الكلب خيرا من عشرته ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم كما أن من يدخل مداخل السوء يتهم وما أشبه صحبة الأشرار إلا بما أنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... فلو كان منه الخير إذ كان شره ... عتيدا ضربت الخير يوما مع الشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 .. ولو كان لا خيرا ولا شر عنده ... رضيت لعمري بالكفاف مع الأجر ولكنه شر ولا خير عنده ... وليس على شر إذا طال من صبر ... أخبرنا إسحاق بن إبرهيم القاضي حَدَّثَنَا الحسن بْن مُحَمَّد بْن الصباح حَدَّثَنَا ابن علية عَن يونس عَن الحسن قَالَ أيها الرجل إن أشد الناس عليك فقدا لرجل إذا فزعت إليه وجدت عنده رأيا ووجدت عنده نصيحة بينا أنت كذلك إذ فقدته فالتمست منه خلفا فلم تجده أنبأنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا خطاب بْن عَبْد الرحمن الجندي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن سليمان قَالَ قَالَ جعفر بْن مُحَمَّد من كان فيه ثلاث فقد وجب له على الناس أربع إذا خالطهم لم يظلمهم وإذا حدثهم لم يكذبهم وإذا وعدهم لم يخلفهم وعلى الناس أن يظهروا عدله وأن تكمل فيهم مروءته وأن يجب عليهم أخوته وأن يحرم عليهم غيبته وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب الواسطي ... اصحب خيار الناس أين لقيتهم ... خير الصحابة من يكون ظريفا والناس مثل دراهم ميزتها ... فرأيت فيها فضة وزيوفا ... أخبرنا ابن قحطبة حَدَّثَنَا عباس بْن عَبْد العظيم حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الكريم حَدَّثَنَا عَبْد الصمد بْن معقل أنه سمع وهبا يقول إن اللَّه ليحفظ بالعبد الصالح القبيل من الناس قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يستعيذ بالله من صحبة من إذا ذكر اللَّه لم يعنه وإن نسي لم يذكره وإن غفل حرضه على ترك الذكر ومن كان أصدقاؤه أشرارا كان هو شرهم وكما أن الخير لا يصحب إلا البررة كذلك الردى لا يصحب إلا الفجرة فإن المرء إذا اضطره الأمر فليصحب أهل المروءات لأن مُحَمَّد بن عثمان العقبي قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن داود البصري حَدَّثَنَا ابن عائشة قَالَ قَالَ عَبْد الواحد بْن زيد جالسوا أهل الدين من أهل الدنيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 ولا تجالسوا غيرهم فإن كنتم لابد فاعلين فجالسوا أهل المروءات فإنهم لا يرفثون في مجالسهم ذكر كراهية التلون في الوداد بين المتآخين أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قتيبة بعسقلان حدثنا ابراهيم الحوارني حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لا يَرَى لَكَ مِنَ الْحَقِّ مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل إذا رزقه الله ود امريء مسلم صحيح الوداد محافظ عَلَيْهِ أن يتمسك به ثم يوطن نفسه على صلته إن صرمه وعلى الإقبال عَلَيْهِ إن صد عنه وعلى البذل له إن حرمه وعلى الدنو منه إن باعده حتى كأنه ركن من أركانه وإن من أعظم عيب المرء تلونه في الوداد وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... وكم من صديق وده بلسانه ... خؤون بظهر الغيب لا يتندم يضاحكني كرها لكيما أوده ... وتتبعني منه إذا غبت أسهم ... أخبرنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حدثني ابن أَبِي شيبة قَالَ قَالَ الأصمعي قال رجل من الأعراب من أعجز الناس من قصر عَن طلب الإخوان وأعجز منه من ظفر بذلك منهم فأضاع مودتهم وإنما يحسن الاختيار لغيره من أحسن الاختيار لنفسه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يقصر في تعاهد الوداد ولا يكون ذا لونين وذا قلبين بل يوافق سره علانيته وقوله فعله ولا خير في متآخيين ينمو بينهما الخلل ويزيد في حاليهما الدغل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 كما أنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... لحا اللَّه من لا ينفع الود عنده ... ومن حبله إن مد غير متين ومن هو ذو لونين ليس بدائم ... على الوصل خوان لكل أمين ومن هو ذو قلبين أما لقاؤه ... فحلو وأما غيبه فظنين ومن هو إن تحدث له العين نظرة ... يقطع بها أسباب كل قرين ... وأنشدني عمرو بْن مُحَمَّد النسائي لابن الأعرابي ... العين تبدي الذي في نفس صاحبها ... من الشناءة أو ود إذا كانا إن البغيض له عين يصد بها ... لا يستطيع لما في الصدر كتمانا العين تنطق والأفواه ساكنة ... حتى ترى من ضمير القلب تبيانا ... وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... وجار لا تزال تزور منه ... قوارص لا تنام ولا تنيم قريب الدار نائي الود منه ... معاندة أبت لا تستقيم يبادر بالسلام إذا التقينا ... وتحت ضلوعه قلب سقيم ... أنبأنا مُحَمَّد بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْخَلادِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بكر الأنباوي عَن هشام بْن عَبْد الملك اليزني قَالَ المقنع الكندي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 .. أبل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسمن أمورهم وتفقد فإذا ظفرت بذي اللبابة والتقى ... فبه اليدين قرير عين فاشدد ومتى يزل ولا محالة زلة ... فعلى أخيك بفضل رأيك فاردد وإذا الخنا نقض الحبى في موضع ... ورأيت أهل الطيش قاموا فاقعد ... أخبرنا عَبْد اللَّه بْن قحطبة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الصباح حَدَّثَنَا الوليد عَن الأوزاعي عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير قَالَ قَالَ سليمان بْن داود لابنه يا بني عليك بالحبيب الأول فإن الآخر لا يعدله أنبأنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن بكر بْن سيف حدثني محمد ابن حسين قَالَ كان أعرابي بالكوفة وكان له صديق وكان يظهر له مودة ونصيحة فاتخذه الأعرابي من عدده للشدائد إذ حزب الأعرابي أمر فأتاه فوجده بعيدا مما كان يظهر للأعرابي فأنشأ يقول ... إذا كان ود المرء ليس بزائد ... على مرحبا أو كيف أنت وحالكا ولم يك إلا كاشرا أو محدثا ... فأف لود ليس إلا كذلكا لسانك معسول ونفسك بشة ... وعند الثريا من صديقك مالكا وأنت إذا همت بمينك مرة ... لتفعل خيرا قاتلتها شمالكا ... سمعت مُحَمَّد بْن المنذر يقول سمعت عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه يقول قَالَ مُحَمَّد بْن حازم ... وإن من الإخوان كشرة ... وإخوان حياك الإله ومرحبا وإخوان كيف الحال والأهل كله ... وذلك لا يسوى نقيرا متربا جواد إذا استغنيت عنه بماله يقول إلي القرض والقرض فاطلبا فإن أنت حاولت الذي خلف ظهره ... وجدت الثريا منه في البعد أقربا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يصادق المتلون ولا يؤاخي المتقلب ولا يظهر من الوداد إلا مثل مَا يضمر ولا يضمر إلا فوق مَا يظهر ولا يكون في النوائب عند القيام بها إلا ككونه قبل إحداثها والدخول فيها لأنه لا يحمد من الإخاء مَا لم يكن كذلك وأنشدني محمد بن المنذر وأنشدني مُحَمَّد بْن خلف التيمي أنشدني رجل من خزاعة ... وليس أخي من ودني بلسانه ... ولكن أخي من ودني في النوائب ومن ماله مالي إذا كنت معدما ... ومالي له إن عض دهر بغارب فلا تحمدن عند الرخاء مؤاخيا ... فقد تنكر الإخوان عند المصائب وما هو إلا كيف أنت ومرحبا ... وبالبيض رواغ كروغ الثعالب ... أخبرنا ابن قحطبة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الصباح حَدَّثَنَا أَبُو معاوية عَن هشام ابن عروة عَن أبيه قَالَ مكتوب في الحكمة أحبب خليلك وخليل أبيك قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن من أعظم الأمارات على معرفة صحة الوداد وسقمه ملاحظة العين إذا لحظت فإنها لا تكاد تبدي إلا مَا يضمر القلب من الود ولا يكاد يخفى ما يجنه الضمير من الصد فالعاقل يعتبر الود بقلبه وعين أخيه ويجعل له بينهما مسلكا لا يرده عَن معرفة صحته شيء تخيله ولقد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الذُّهْلِيُّ حَدَّثَنَا علي بْن مُحَمَّد المذهبي عَن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم العباسي عَن عَبْد اللَّه بْن الحجاج مولى المهدي وعن إِبْرَاهِيم بْن شكلة قَالَ اعلم أن من أظهر مَا تحب أو مَا تكره فإنما لك أن تقيس مَا أضمر قلبه بالذي أظهر لسانه وليس لك أن تعرف مَا أسر ضميره فعامله على نحو مَا يبدي لك لسانه وفي ذلك أقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 .. ليس المسيء إذا تغيب سوءه ... عني بمنزلة المسيء المعلن من كان يظهر مَا أحب فإنه ... عندي بمنزلة الأمين المحسن والله أعلم بالقلوب وإنما ... لك مَا بدا لك منهم بالألسن ولقد يقال خلاف ذلك إنما ... لك مَا بدا لك منهم بالأعين ... غير أن خالي خالفني في ذلك وزعم أن الأعين أبين شهادة على مَا في القلوب من الألسن وكتب في ذلك رسالة أما بعد فقد بدا لي من صدك مَا آيسني من ودك ولم يزل يخبرني لحظك مَا تضمر لي من بغضك وكتب في أسفل ذلك ... وما أحب إذا أحببت مكتتما ... يبدي العداوة أحيانا ويخفيها تظل في قلبه البغضاء كامنة ... فالقلب يكتمها والعين تبديها والنفس تعرف في عيني محدثها ... من كان من سلمها أو من أعاديها عيناك قد دلتا عيني منك على ... أشياء لولاهما مَا كنت أدريها ... 4 أخبرنا الخلادي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الصوفي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن صالح البغدادي قَالَ سمعت إِبْرَاهِيم الحجني يقول دلائل الحب تعرف في المحب وإن لم ينطق لسانه ذكر ائتلاف الناس واختلافهم أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُجَاشِعٍ السَّخْتِيَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سفيان الثوري عن حبيب ابن أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه سبب ائتلاف الناس وافتراقهم بعد القضاء السابق هو تعارف الروحين وتناكر الروحين فإذا تعارف الروحان وجدت الألفة بين نفسيهما وإذا تناكر الروحان وجدت الفرقة بين جسميهما وَلَقَدْ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مهران حدثنا يوسف ابن يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلا فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَيُحِبُّنِي قَالُوا وَمَا عِلْمُكَ قَالَ إِنِّي لأُحِبُّهُ وَالأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تناكر منها اختلف أنشدني مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي أنشدني أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بكر الأبناوي ... إن القلوب لأجناد مجندة ... لله في الأرض بالأهواء تعترف فما تعارف منها فهو مؤتلف ... وما تناكر منها فهو مختلف ... أنبأنا ابن مكرم بالبصرة حَدَّثَنَا بشر بن الوليد حدثنا الحكم ابن عَبْد الملك عَن قَتَادَة في قول اللَّه تعالى (11 12) {إِلا مَنْ رحم ربك ولذلك خلقهم} قال للرحمة والطاعة فأما أهل طاعة اللَّه فقلوبهم وأهواؤهم مجتمعة وإن تفرقت ديارهم وأهل معصية اللَّه قلوبهم مختلفة وإن اجتمعت ديارهم وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... فما تبصر العينان والقلب آلف ... ولا القلب والعينان منطبقان ولكن هما روحان تعرض ذي لذى ... فيعرف هذا ذي فيلتقيان ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن من أعظم الدلائل على معرفة مَا فيه المرء من تقلبه وسكونه هو الأعتبار بمن يحادثه ويوده لأن المرء على دين خليله وطير السماء على أشكالها تقع وما رأيت شيئا أدل على شيء ولا الدخان على النار مثل الصاحب على الصاحب وأنشدني الأبرش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 .. يقاس المرء بالمرء ... إذا مَا هو مَا شاه وذو العر إذا احتك ... ذا الصحة أعداه وللشيء من الشيء ... مقاييس وأشباه وللروح على الروح ... دليل حين يلقاه ... حدثنا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثير العبدي أَنْبَأَنَا سُفْيَان عَن أَبِي إِسْحَاق عَن هبيرة قَالَ اعتبر الناس بأخدانهم أنبأنا مُحَمَّد بْنُ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ موسى الأخباري حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن صالح العدوي حَدَّثَنَا الحسين بْن جعفر بْن سليمان الضبعي قَالَ سمعت أَبِي يقول سمعت مالكا يقول الناس أشكال كأجناس الطير الحمام مع الحمام والغراب مع الغراب والبط مع البط والصعو مع الصعو وكل إنسان مع شكله وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... يزين الفتى في قومه ويشينه ... وفي غيرهم أخدانه ومداخله لكل امريء شكل من الناس مثله ... وكل امريء يهوى إلى من يشاكله ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... إن كنت حلت وبي استبدلت مطرحا ... ودا فلم تأت مكروها ولا بدعا فكل طير إلى الأشكال موقعها ... والفرع يجري إلى الأعراق منتزعا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يجتنب مماشاة المريب في نفسه ويفارق صحبة المتهم في دينه لأن من صحب قوما عرف بهم ومن عاشر أمرأ نسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 إليه والرجل لا يصاحب إلا مثله أو شكله فإذا لم يجد المرء بدا من صحبة الناس تحرى صحبة من زانه إذا صحبه ولم يشنه إذا عرف به وإن رأى منه حسنة عدها وإن رأى منه سيئة سترها وإن سكت عنه ابتدأه وإن سأله أعطاه فأما اليوم فأكثر أحوال الناس تكون ظواهرها بخلاف بواطنها وما أشبه عشرتهم إلا بما أخبرني مُحَمَّد بْن يعقوب البغلاني حدثني عَبْد الصمد ابن الفضل حَدَّثَنَا الحسين بْن سهل التياس عَن أَبِي عبيدة قَالَ تكلم عصفور في بني إسرائيل مع فخ فقال العصفور انحناؤك لماذا قَالَ من العبادة قَالَ دفنك في التراب لماذا قَالَ من التواضع قَالَ فما هذا الشعر قَالَ هذا لباسي قَالَ مَا هذا الطعام قَالَ هذا أعددته لعابر السبيل قال فتأذن لي فيه قَالَ نعم قَالَ فنقر العصفور نقرة فأخذ بعنقه فجعل العصفور يقول شغ شغ شغ وقال والله لا يغرني قارئ بعدك أبدا وأنشدني مُحَمَّد بْن أَبِي علي لابن أَبِي اللقيش ... إن كنت تبغي العلم أو نحوه ... أو شاهدا يخبر عَن غائب فاعتبر الأرض بأسمائها ... واعتبر الصاحب بالصاحب ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب الواسطي ... تعارف أرواح الرجال إذا التقوا ... فمنهم عدو يتقى وخليل كذاك أمور الناس والناس منهم ... خفيف إذا صاحبته وثقيل ... وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري ... اجعل قرينك من رضيت فعاله ... واحذر مقارنة القرين الشائن كم من قرين شائن لقرينه ... ومهجن منه لكل محاسن ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن من الناس من إذا رآه المرء يعجب به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فإذا ازداد به علما ازاد به عجبا ومنهم من يبغضه حين يراه ثم لا يزداد به علما إلا ازداه له مقتا فاتفاقهما يكون باتفاق الروحين قديما وافتراقهما يكون بافتراقهما وإذا ائتلفا ثم افترقا فراق حياة من غير بغض حادث أو فراق ممات فهنالك الموت الفظيع والأسف الوجيع ولا يكون موقف أطول غمة وأظهر حسرة وأدوم كآبة وأشد تأسفا وأكثر تلهفا من موقف الفراق بين المتواخيين وما ذاق ذائق طعما أمر من فراق الخلين وانصرام القرنين حدثنا مُحَمَّد بْن يعقوب الخطيب قَالَ سمعت معمر بْن سهل يقول سمعت جعفر بْن عون يقول سمعت مسعر بْن كدام يقول ... لن يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهم ونهار ... أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد بْن حماد البربري حَدَّثَنَا الزبير بْن بكار حدثني مُحَمَّد بْن موسى أَبُو غزية قَالَ كان أَبُو العتاهية إذا قدم المدينة يجلس إلي فأراد مرة الخروج فودعني وقال ... إن نعش نجتمع وإلا فما ... أشغل من مات عن جميع الأنام ... حدثنا مُحَمَّد بْن أَبِي علي قَالَ أنشدنا مُحَمَّد بْن موسى السمري أنشدنا أَحْمَد بن عبد الأعلى الشيباني ... فياعجبا ممن يمد يمينه ... إلى إلفه عند الفراق فيسرع ... ضعفت عَن التوديع لما رأيته ... فصافحته بالقلب والعين تدمع ... وأنشدني ابن فياض للبحتري ... الله جارك في انطلاقك ... تلقاه شامك أو عراقك لا تعذلني في مسيري ... حيث سرت ولم ألاقك إني خشيت مواقفا ... للبين تفسح غرب ماقك ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 .. وعلمت مَا يخشى المودع ... عند ضمك واعتناقك فتركت ذاك تعمدا ... وخرجت أهرب من فراقك ... وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... أفي كل يوم حية البين تقرع ... وعيني لبين من ذوي الود تدمع فلا النفس من تهيامها مستفيقة ... ولا بالذي يأتي به الدهر تقنع ... وأنشدني مُحَمَّد بْن بندار بْن أصرم ... أيا قلب لا تجزع من البين واصطبر ... فليس لما يقضى عليك بدافع توكل على الرحمن إن كنت مؤمنا ... يجرك ودعني من نحوس الطوالع وكل الذي قد قدر اللَّه واقع ... وما لم يقدره فليس بواقع ... وأنشدني عَبْد الرحمن بْن يَحْيَى بْن حبيب الأندلسي لنفسه ... نطقت مدامعه بما في قلبه ... وعن الجواب لسانه لا ينطق فكأنه مما يقاسي قلبه ... دنف مريض أو أسير موثق وكأنما الأشجان في أحشائه ... لفراق أهل الود نار تحرق كيف السلو وهل له من سلوة ... من بان عَن أحبابه يتفرق ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه السبب المؤدي إلى إظهار الجزع عند فراق المتواخين هو ترك الرضا بما يوجب القضاء ثم ورود الشيء على مضمر الحشا بعدما انطوى عَلَيْهِ قديما فمن وطن نفسه في ابتداء المعاشرة على ورود ضد الجميل عليها من صحبته وتأمل ورود المكروه منه على غفلته لا يظهر الجزع عند الفراق ولا يشكو الأسف والاحتراق إلا بمقدار مَا يوجب العلم إظهاره ولقد أولع بجماعه الفراق حتى إنهم خرجوا إلى ثلب الطيور ومدح الدمن وتأولوا لعن نوح عَلَيْهِ السلام الغراب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 أنبأنا جعفر بْن أَحْمَد بْن سنان القطان بواسط حَدَّثَنَا عمرو بْن مُحَمَّد بْن عيسى الضبعي حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأعلى حَدَّثَنَا الجريري عَن أَبِي السليل عن أبي مراوح قَالَ بعث نوح الغراب والحمامة حيث استقرت السفينة على الجودي يلتمسان له الجد يعني الأرض فأما الغراب فرأى جيفة فوقع عليها فأكل منها وأما الحمامة فجاءت عاضة على غصن شجرة بطين أحمر قَالَ فدعا للحمامة بالبركة وأما الغراب فلعنه وقال له قولا شديدا أنبأنا مُحَمَّد بْن جعفر بْن الحسن البغدادي حدثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحسين البغوي قَالَ قَالَ سليم بن منصور أمرت لبنى فاشتري لها أربعة غربان فلما رأتهن صرخت وبكت وكتفتهن وجعلت تضربهن بالسوط حتى قتلتهن جميعا وأنشأت تقول ... لقد نادى الغراب ببين لبنى ... فطار القلب من حذر الغراب وقال غدا تباين دار لبنى ... وتنأى بعد ود واقتراب فقلت تعست ويحك من غراب ... أكل الدهر سعيك في تباب لقد أولعت لا لقيت خيرا ... بتفريق المحب عَن الحباب ... وأنشدني إبراهيم بن على الطرفي قَالَ أنشدني علي بْن إِسْحَاق ... غراب البين ويحك صح بقرب ... كما قد صحت ويحك بالبعاد تنادي بالتفرق كل يوم ... فمالك بالتواصل لا تنادي أراني اللَّه ريشك عَن قريب ... تمرطه البزاة بكل وادي كما أسخنت يوم البين عيني ... وألقيت الحزازة في فؤادي ... أنبأنا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بن يعقوب بهمذان حَدَّثَنَا عَبْد الكبير بْن مُحَمَّد الأنسي حَدَّثَنَا بعض أصحابنا قَالَ مررت بالبصرة على باب دار فإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 بصوت غراب يجلد فدنوت من الدار فإذا صاحبة الدار وبين يديها جوار وهي تأمر بجلده فقلت أما تتقون اللَّه في هذا الغراب فقلن لي هذا الغراب الذي قيل فيه ... ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع ... فقلت ليس هذا ذاك الغراب فقالت والله ما نراك تأخذ البريء بالسقيم حتى تظفر بذلك الغراب قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد ذكرت مَا شاكل هذه الحكايات والأشعار على التقصي في كتاب الوداع والفراق فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب إذ شرطنا فيه الإشارة إلى الشيء المحصول والإيماء إلى الشيء المقول ذكر الحث على زيارة الإخوان وإكرامهم أَنْبَأَنَا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ الْيَشْكُرِيُّ حَدَّثَنَا حماد ابن سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ فَقَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَقَالَ هَلْ لَهُ عَلَيْكَ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لا إِلا أَنِّي أُحِبُّهُ فِي اللَّهِ قَالَ إِنِّي رَسُولُ الله اليك إن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَبَّكَ كَمَا أحببته قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل تعاهد الزيارة للإخوان وتفقد أحوالهم لأن الزائر في قصده الزيارة يشتمل على مصادفة معنيين أحدهما استكمال الذخر في الآجل بفعله ذلك وقد قَالَ بعض القدماء إن الرجل إذا زار أخا له في اللَّه لم يبق في السماء ملك إلا حياه بتحية مستأنفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 لا يحييه ملك مثله لم تبق شجرة من شجر الجنة إلا نادت صاحبتها ألا إن فلان ابن فلان زار أخا في اللَّه والآخر التلذذ بالمؤانسة بالأخ المزور مع الانقلاب بغنيمتين معا ولقد أَنْبَأَنَا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن رجاء الغداني قَالَ كان عتبة الغلام يأوي المقابر والصحاري ثم يخرج إلى السواحل فيقيم بها فإذا كان يوم الجمعة دخل البصرة فشهد الجمعه ورأى إخوانه فسلم عليهم حدثنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبة حَدَّثَنَا عفان حَدَّثَنَا جعفر بْن سليمان حدثني بعض مشيختنا قال قال عامر بن قيس إنما أجدني أسف على البصرة لأربع خصال تجاوب مؤذنيها وظماء الهواجر ولأن بها إخواني ولأن بها وطني أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بشر الخطابي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سهل التميمي قَالَ سمعت الفريابي يقول جاءني وكيع بْن الجراح من بيت المقدس وهو محرم بعمرة فقال يا أبا مُحَمَّد لم يكن طريقي عليك ولكن أحببت أن أزورك وأقيم عندك فأقام عندي ليلة وجاءني ابن المبارك وقد أحرم بعمرة من بيت المقدس فأقام عندي ثلاثا فقلت يا أبا عَبْد الرحمن أقم عندي عشرة أيام قَالَ لا الضيافة ثلاثة أيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الناس في الزيارة على ضربين فمنهم من صحح الحال بينه وبين أخيه وتعرى عَن وجود الخلل وورود البغض فيه فإذا كان بهذا النعت أحببت له الإكثار من الزيارة والإفراط في الاجتماع لأن الإكثار من الزيارة بين من هذا نعته لا يورث الملالة والإفراط في الاجتماع بين من هذه صفته يزيد في المؤانسة والضرب الآخر لم يستحكم الود بينه وبين من يواخيه ولا أداهما الحال إلى ارتفاع الحشمة بينهما فيما يبتذلان لمهنتيهما فإذا كان بهذا النعت أحببت له الإقلال من الزيارة لأن الإكثار منها بينهما يؤدي إلى الملالة وكل مبذول مملول وكل ممنوع ملذوذ وقد روي عَن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبار كثيرة تصرح بنفي الإكثار من الزيارة حيث يقول زر غبا تزدد حبا إلا أنه لا يصح منها خبر من جهة النقل فتنكبنا عَن ذكرها وإخراجها في الكتاب وإليها ذهب بعض الناس حتى ذكروها في أشعارهم من ذلك مَا أنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... وقد قَالَ النَّبِيّ وكان برا ... إذا زرت الحبيب فزره غبا وأقلل زور من تهواه تزدد ... إلى من زرته مقة وحبا ... وأنشدني مُحَمَّد بْن أَبِي علي ... إني رأيتك لي محبا ... وإلى حين أغيب صبا فقعدت لا لملالة ... حدثت ولا استحدثت ذنبا إلا لقول نبينا ... زوروا على الأيام غبا ... أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا خالد بْن أَحْمَد الشيباني حَدَّثَنَا سعيد ابن عنبسة حَدَّثَنَا حميد بْن عَبْد الرحمن الرؤاسي قَالَ سمعت الحسن بْن صالح يقول كل مودة لا تزداد إلا بالالتقاء مدخولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من صحح الحال بينه وبين الإخوان لم يضره قلة الاجتماع لاستحكام الحال بينهما والمودة إذا أضر بها قلة الالتقاء تكون مدخولة وأما من لم يحل في نفس صحة الحال ولم يستحكم أسباب الوداد فالتوقي من الإكثار في الزيارة أولى به لئلا يستثقل ويمل وانشدني الخلادي أنشدني أَحْمَد بْن مُحَمَّد الصيداوي ... عليك بإقلال الزيارة إنها ... تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكا فإني رأيت القطر يسأم دائبا ... ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا وأنشدني الكريزي ... أقلل زيارتك ... الحبيب تكون كالثوب استجده إن الصديق يمله ... أن لا يزال يراك عنده ... وأنشدني أوس بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد لأبي تمام ... وطول مقام المرء في الحي مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدد فإني رأيت الشمس زيدت محبة ... إلى الخلق إذ ليست عليهم بسرمد ... أَنْبَأَنَا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَكْرَمُ النَّاسِ عَلِيَّ جَلِيسِي الَّذِي يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى يَجْلِسَ إِلَيَّ أنبأنا مكحول ببيروت حَدَّثَنَا عُبَيْد بْن مُحَمَّد بْن هارون حَدَّثَنَا عمرو بْن أَبِي سلمة عَن سَعِيد بْن بشير عَن قَتَادَة في قوله تعالى (42 26) {وَيَسْتَجِيبُ الذين آمنوا وعملوا الصالحات} قَالَ يشفعون في إخوانهم وَيَزِيدُهُمْ من فضله قَالَ يشفعون في إخوان إخوانهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ذكر صفة الإحمق والجاهل أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّنْجِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ شُبَيْلِ بْنِ عَزْرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مِثْلُ الْعَطَّارِ إِنْ لَمْ يُعْطِكَ شَيْئًا يُصِبْكَ مِنْ عِطْرِهِ وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ مِثْلُ الْقَيْنِ إِنْ لَمْ يَحْرِقْ ثَوْبَكَ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ قال أَبُو حاتم رضى الله عنه شبيل بْن عزرة هذا من أفاضل أهل البصرة وقرائهم ولكنه لم يحفظ إسناد هذا الخبر لأن أَنَس بْن مالك سمع هذا الخبر من أَبِي موسى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فقصر به شبيل ولم يحفظه والواجب على العاقل ترك صحبة الأحمق ومجانبة معاشرة النؤلى كما يجب عَلَيْهِ لزوم صحبة العاقل الأريب وعشرة الفطن اللبيب لأن العاقل وإن لم يصبك الحظ من عقله أصابك من الاعتبار به والأحمق إن لم يعدك حمقه تدنست بعشرته وقد أنبأنا الحسين بْن مُحَمَّد السنجي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن أَبِي داود البرسلي حَدَّثَنَا زهير بْن عباد حَدَّثَنَا شهاب بْن خراش عَن أبيه عَن يسير بْن عمرو وكان قد أدرك الصحابة قَالَ اهجر الأحمق فليس للأحمق خير من هجرانه أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المهاجر المعدل حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْقُوبَ الرَّبَعِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابن إِسْحَاقَ الْخَشَّابُ عَنِ الأِصْمَعِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ بِلالٍ قَالَ كَانَ فتى يعجب على ابن أبي طالب فَرَآهُ يَوْمًا وَهُوَ يُمَاشِي رَجُلا متهما فقال له ... لا تصحب الجاهل ... إياك وَإِيَّاهُ فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى ... حَلِيمًا حِينَ آخَاهُ يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ ... إِذَا مَا هُوَ مَاشَاهُ ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 .. وللشيء من الشَّيْءِ ... مَقَايِيسٌ وَأَشْبَاهُ وَلِلْقَلْبِ عَلَى الْقَلْبِ ... دَلِيلٌ حِينَ يَلْقَاهُ ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... اختر ذوي التمييز واستبقهم ... وجانب النوكي وأهل الريب فصحبة العاقل زين الفتى ... وصحبة الأنوك أخذ السبب ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من علامات الحمق التي يجب للعاقل تفقدها ممن خفى عَلَيْهِ أمره سرعة الجواب وترك التثبت والإفراط في الضحك وكثرة الالتفات والوقيعة في الأخيار والاختلاط بالأشرار والأحمق إذا أعرضت عنه اغتم وإن أقبلت عَلَيْهِ اغتر وإن حلمت عنه جهل عليك وإن جهلت عَلَيْهِ حلم عنك وإن أسأت إليه أحسن إليك وإن أحسنت إليه أساء إليك وإذا ظلمته انتصفت منه ويظلمك إذا أنصفته وما أشبه عشرة الحمقى إلا بما أنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... لي صديق يرى حقوقي عَلَيْهِ ... نافلات وحقه كان فرضا لو قطعت الجبال طولا إليه ... ثم من بعد طولها سرت عرضا لرأى مَا صنعت غير كبير ... واشتهى ... واشتهى أن أزيد في الأرض أرضا ... حدثنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد قَالَ قَالَ لي أَبُو طاهر ابن السرح قَالَ حدثني خالي أَبُو رجاء عَبْد الرحمن بْن عَبْد الحميد عن سعيد ابن أَبِي أيوب قَالَ لا تصاحب صاحب السوء فإنه قطعة من النار لا يستقيم وده ولا يفي بعهده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... لن يسمع الأحمق من واعظ ... في رفعه الصوت وفي همه لن تبلغ الأعداء من جاهل ... مَا يبلغ الجاهل من نفسه والحمق داء ماله حيلة ... ترجى كبعد النجم في لمسه ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أظلم الظلمات الحمق كما أن أنفذ البصائر العقل فإذا امتحن المرء بعشرة الأحمق كان الواجب عَلَيْهِ اللزوم لأخلاق نفسه والمباينة لأخلاقه مع الإكثار من الحمد لله على مَا وهب له من الانتباه لما حرم غيره التوفيق له فإن جرى الأحمق في صحبته ميدانه في عشرته فالواجب على العاقل لزوم السكوت حينئذ في أوقاته لأن أبا حمزة مُحَمَّد بْن عمر بْن يُوسُف أَنْبَأَنَا بنسا حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيًّ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنَا ابن داود قَالَ سمعت الأعمش يقول السكوت للأحمق جواب قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه وإن من الحمقى من لا يصده عَن سلوكه السكوت عنه ولا يدفعه عَن دخول المكامن الإغضاء عنه ولا ينفعه فالعاقل إذا امتحن بعشرة من هذا نعته تكلف بعض التجاهل في الأحايين لأن بعض الحلم إذعان كما أن استعماله في بعض الحالات قطب العقل ولقد أنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج ولي فرس للحلم بالحلم ملجم ... ولي فرس للجهل بالجهل مسرج فمن شاء تقويمي فإني مقوم ... ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدنا ولا أخا ... ولكنني أرضى به حين أحرج فإن قَالَ بعض الناس فيه سماجة ... فقد صدقوا والذل بالحر أسمج ... وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 .. لن ترضى الرذل إلا حين تسخطه ... وليس يسخط إلا حين ترضيه ولا يسوءك إلا حين تكرمه ... ولا يسرك إلا حين تقصيه ... حدثنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا سريج بْن يونس حَدَّثَنَا أَبُو سيفان المعمري عَن سُفْيَان الثوري قَالَ ابن آدم لم يخلق إلا أحمق ولولا ذلك لم ينفعه عيشه حدثنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا عصام بْن الفضل الرازي حَدَّثَنَا الزبير بْن بكار عَن مُحَمَّد بْن حرب قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه بْن حسن لابنه يا بني احذر الجاهل وإن كان لك ناصحا كما تحذر العاقل إذا كان لك عدوا فيوشك الجاهل أن يورطك بمشورته في بعض اغترارك فيسبق إليك مكر العاقل قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه ومن شيم الأحمق العجلة والخفة والعجز والفجور والجهل والمقت والوهن والمهابة والتعرض والتحاسد والظلم والخيانة والغفلة والسهو والغي والفحش والفخر والخيلاء والعدوان والبغضاء وإن من أعظم أمارات الحمق في الأحمق لسانه فإنه يكون قلبه في طرف لسانه مَا خطر على قلبه نطق به لسانه والأحمق يتكلم في ساعة بكلام يعجز عنه سحبان وائل ويتكلم في الساعة الأخرى بكلام لا يعجز عنه باقل والعاقل يجب عَلَيْهِ مجانبة من هذا نعته ومخالطة من هذه صفته فإنهم يجترئون على من عاشرهم ألا ترى الزط ليسوا هم بأشجع الناس ولكنهم يجترئون على الأسد لكثرة مَا يرونها وأنشدني مُحَمَّد بْن يُوسُف بْن أيوب الأرمني ... ولمن يعادي عاقلا خير له ... من أن يكون له صديق أحمق فارغب بنفسك أن تصادق أحمقا ... إن الصديق على الصديق مصدق ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي أنشدني أَبِي لصالح بْن عَبْد القدوس ... احذر الأحمق أن تصحبه ... إنما الأحمق كالثوب الخلق كلما رقعته من جانب ... حركته الريح وهنا فانخرق أو كصدع في زجاج فاحش ... هل ترى صدع زجاج يلتصق كحمار السوء إن أقضمته ... رمح الناس وإن جاع نهق وإذا جالسته في مجلس ... أفسد المجلس منه بالخرق وإذا نهنهته كي يرعوي ... زاد شرا وتمادى في الحمق عجبا للناس في أرزاقهم ... ذاك عطشان وهذا قد غرق ... أنبأنا يعقوب بْن إِسْحَاق القاضي حدثنا أبو هاني عَبْد الحميد بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَنَا عَبْد المنعم عَن أبيه عَن وهب بْن منبه قَالَ الأحمق كالثوب الخلق إن رفأته من جانب انخرق من جانب آخر مثل الفخار المكسور لا يرقع ولا يشعب ولا يعاد طينا فهذا مثل الأحمق إن صحبته عناك وإن اعتزلته شتمك وإن أعطاك من عليك وإن أعطيته كفرك وإن أسر إليك اتهمك وإن أسررت إليه خانك وإن كان فوقك حقرك وإن كان دونك غمرك وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... اعلم بأن من الرجال بهيمة ... في صورة الرجل السميع المبصر فطنا بكل مصيبة في ماله ... وإذا يصاب بدينه لم يشعر ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... وإن عناء أن تفهم جاهلا ... فيحسب جهلا أنه منك أعلم وتشخص أبصار الرعاع تعجبا ... إليه وقالوا إنه منك أفهم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الأحمق يتوهم أنه أعقل من ركب فيه الروح وأن الحمق قسم على العالم غيره والأحمق مبغض في الناس مجهول في الدنيا غير مرضى العمل ولا محمود الأمر عند اللَّه وعند الصالحين كما أن العاقل محب إلى الناس مسود في الدنيا مرضى العمل عند اللَّه في الآخرة وعند الصالحين في الدنيا أنبأنا مُحَمَّد بْن المنذر بْن سَعِيد حَدَّثَنَا خطاب بْن عَبْد الرحمن الجندي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن سليمان قَالَ كان الحسن يقول أنا للعاقل المدبر أرجى مني للأحمق المقبل وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... وما الغي إلا أن تصاحب غاويا ... وما الرشد إلا أن تصاحب من رشد ولن يصحب الإنسان إلا نظيره ... وإن لم يكونا من قبيل ولا بلد ... وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... لنا جليس تارك للأب ... جليسه من نوكه في تعب يغضب جهلا عند حال الرضا ... عمدا ويرضى عند حال الغضب فنحن منه كلما جاءنا ... في عجب قد جاز حد العجب كأنه من سوء تأديبه ... أسلم في كتاب سوء الأدب ... أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الرَّبَعِيُّ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن موسى البصري حَدَّثَنَا العتبي قَالَ سمعت أعرابيا يقول العاقل بخشونة العيش مع العقلاء أسر منه بلين العيش مع السفهاء قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه وإن من شيم العاقل الحلم والصمت والوقار والسكينة والوفاء والبذل والحكمة والعلم والورع والعدل والقوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 والحزم والكياسة والتمييز والسمت والتواضع والعفو والإغضاء والتعفف والإحسان فإذا وفق المرء لصحبة العاقل فليشد يديه به ولا يزايله على الأحوال كلها والواجب على العاقل أن لا يصحب بحيلة من لا يستفيد منه خيرا ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن محمود بْن عدي النسوي حَدَّثَنَا علي بْن سَعِيد بْن جرير قَالَ سمعت أَحْمَد بْن حنبل يقول أخبرت عَن مالك بْن دينار أنه قَالَ مررت براهب في صومعته فناديته فأشرف علي فكلمني وكلمته فقال لي فيما يقول إذا استطعت أن تجعل فيما بينك وبين الدنيا حائطا فافعل وإياك وكل جليس لا تستفيد منه خيرا فلا تجالسه قريبا كان أو بعيدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ذكر الزجر عن التجسس وسوء الظن حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّقَّامُ بِتَسْتُرَ حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّان عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا} حدثنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا جعفر بْن مُحَمَّد بْن الحجاج الرقي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حاتم الجرجرائي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن المبارك عَن يونس بْن نافع عَن كثير بْن زياد قَالَ سمعت الحسن يقول لا تسأل عَن عمل أخيك الحسن والسيء فإنه من التجسس قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عَن عيوب الناس مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه فإن من اشتغل بعيوبه عَن عيوب غيره أراح بدنه ولم يتعب قلبه فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عَلَيْهِ مَا يرى مثله من أخيه وإن من اشتغل بعيوب الناس عَن عيوب نفسه عمى قلبه وتعب بدنه وتعذر عَلَيْهِ ترك عيوب نفسه وإن من أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم وأعجز منه من عابهم بما فيه من عاب الناس عابوه ولقد أحسن الذي يقول ... إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا ... عليك وأبدوا منك مَا كان يستر وقد قَالَ في بعض الأقاويل قائل ... له منطق فيه كلام محبر إذا مَا ذكرت الناس فاترك عيوبهم ... فلا عيب إلا دون ما منك يذكر فإن عبت قوما بالذي ليس فيهم ... فذلك عند اللَّه والناس أكبر وإن عبت قوما بالذي فيك مثله ... فكيف يعيب العور من هو أعور وكيف يعيب الناس من عيب نفسه ... أشد إذا عد العيوب وأنكر متى تلتمس للناس عيبا تجد لهم ... عيوبا ولكن الذي فيك أكثر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 .. فسالمهم بالكف عنهم فإنهم ... بعيبك من عينيك أهدى وأبصر ... حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا هارون بْن صدقة القاضي حَدَّثَنَا سعيد ابن مسلمة الإيادي قَالَ ادعت امرأة على رجل حمارا لها فقدمته إلى القاضي فسألها البينة فأحضرت أبا دلامة ورجلا آخر فقال لها القاضي أما شاهدك هذا فقد قبلنا شهادته فأتنا بشاهد آخر فأتت أبا دلامة فأخبرته فصار إلى القاضي وأنشأ يقول ... إن الناس عطوني تغطيت عنهم ... وإن بحثوا عني ففيهم مباحث وإن حفروا بئري حفرت بئارهم ... ليعلم يوما كيف تلك النبائث ... فقال القاضي للمرأة كم ثمن حمارك قالت ثلاثمائة قال قد احتملناها لك من مالي وأنشدني الكريزي ... أرى كل إنسان يرى عيب غيره ... ويعمى عَن العيب الذي هو فيه وما خير من تخفى عَلَيْهِ عيوبه ... ويبدو له العيب الذي لأخيه ... حدثنا مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا الليث بْن عبدة المصري حَدَّثَنَا الحسن بْن واقع حَدَّثَنَا ضمرة عَن الشيباني قَالَ في الكتب مكتوب كما تدين تدان وبالكأس الذي تسقي به تشرب وزيادة لأن الباديء لا بدله من أن يزاد قال أَبُو حاتم رضى الله عنه التجسس من شعب النفاق كما أن حسن الظن من شعب الإيمان والعاقل يحسن الظن بإخوانه وينفرد بغمومه وأحزانه كما أن الجاهل يسيء الظن بإخوانه ولا يفكر في جناياته وأشجانه ولقد أحسن الذي يقول ... ما يستريح المسيء ظنا ... من طول غم وما يريح وقل وجه يضيق إلا ... ودونه مذهب فسيح من خفف الله عن هبت ... من كل وجه إليه ريح ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 .. والجسم حيث استقر هاد ... والروح جوالة تسيح كم تذبح الأرض من بنيها ... كل بنيها لها ذبيح لن يهلك المرء من سماح ... وقلما يفلح الشحيح ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه سوء الظن على ضربين أحدهما منهي عنه بحكم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم والضرب الآخر مستحب واما الذي نهي عنه فهو استعمال سوء الظن بالمسلمين كافة على ما تقدم ذكرنا له الذي يستحب من سوء الظن فهو كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا يخاف على نفسه مكره فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره لئلا يصادفه على غرة بمكره فيهلكه وفي ذلك أنشدني الأبرش ... وحسن الظن يحسن في أمور ... ويمكن في عواقبه ندامه ... وسوء الظن يسمج في وجوه ... وفيه من سماجته حزامه ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إسحاق الواسطي ... ماينبغي لأخي ود وتجربة ... أن يترك الدهر سوء الظن بالناس حتى يكون قريبا في تباعده ... عنا ويدفع ضر الحرص بالياس ... حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن هانيء حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيد بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ مَنْ تجر فجر وَمَنْ حَفَرَ حُفْرَةَ سُوءٍ لِصَاحِبِهِ وَقَعَ فِيهَا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل مباينة العام في الأخلاق والأفعال بلزوم ترك التجسس عَن عيوب الناس لأن من بحث عَن مكنون غيره بحث عَن مكنون نفسه وربما طم مكنونه على مَا بحث من مكنون غيره وكيف يستحسن مسلم ثلب مسلم بالشيء الذي هو فيه وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... لا تلتمس من مساوي الناس ماستروا ... فيهتك الناس سترا من مساويكا واذكر محاسن مَا فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدا عيبا بما فيكا ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... إذا مَا اتقيت الأمر من حيث يتقى ... وأبصرت مَا تأتي فأنت لبيب ولاتك كالناهي عَن الذنب غيره ... وفي كفه مما يذم نصيب يعيب فعال السوء من فعل غيره ... ويفعل أفعال الذين يعيب ... حدثنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن موسى السمري حَدَّثَنَا حماد بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم عَن أبيه قَالَ وحدثني عزيز عَن الزبير بْن موسى المخزومي قَالَ قالت ابنة عَبْد اللَّه بْن مطيع الأسود وهي زوجة طلحة بْن عَبْد اللَّه بْن عوف لزوجها مَا رأيت أحدا قط الأم من أصحابك قَالَ مه لا تقولي ذاك فيهم وما رأيت من لومهم قالت أمرا والله بينا قَالَ وما هو قالت إذا أيسرت لزموك وإذا أعسرت جانبوك قَالَ مازدت على أن وصفتهم بمكارم الأخلاق قالت وما هذا من مكارم الأخلاق قَالَ يأتوننا في حال القوة منا عليهم ويفارقوننا في حال الضعف منا عليهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ذكر الحث على مجانبة الحرص للعاقل حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا بشر بن معاذ العقد حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ وَالْحَسَدُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه ركب اللَّه جل وعز في البشر الحرص والرغبة في الدنيا الفانية لئلا تخرب إذ هي دار الأبرار ومكسب الأتقياء وموضع زاد المؤمنين واستجلاب الميرة للصالحين ولو تعرى الناس عَن الحرص فيها بطلت وخربت فلم يجد المرء مَا يستعين به على أداء فرائض اللَّه فضلا عَن اكتساب مَا يجدي عَلَيْهِ النفع في الآخرة نفلا والإفراط في الحرص مذموم كما أنشدني علي بْن محمد البسامي ... ليس عندي إلا الرضا بقضاء اللَّه ... فيما أحببته أو كرهته لو إلى الأمور أختار منها ... خيرها لي عواقبا مَا عرفته ولو أني حرصت جهدي أن أدفع ... أمرا مقدار مَا دفعته فأرى أن أرد ذاك إلى من ... عنده علم كل مَا قد جهلته ... وأنشدني مُحَمَّد بْن نصر المديني ... يا كثير الحرص مشغولا ... بدنيا ليس تبقى مارأيت الحرص أدنى ... من حريص قط رزقا لا ولكن في قضاء الله ... أن يعيا ويشقى تعرف الحق ولكن ... لا ترى للحق حقا ... أنبأنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد القيسي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الوليد بْن أبان حَدَّثَنَا نعيم بْن حماد عَن ابن المبارك قال سخاء الناس عما في أيدي الناس أكثر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 سخاء البذل ومروءة القناعة أكثر من مروءة الإعطاء أنشدنا أَبُو يعلى قَالَ أنشدونا منذ دهر للشافعي ... قدر اللَّه واقع ... حيث يقضى وروده قد مضى فيك حكمه ... وانقضى مَا يريده وأخو الحرص حرصه ... ليس مما يزيده فأرد مَا يكون إذ ... لم يكن مَا تريده ... أنبأنا عَبْد اللَّه بْن عروة حَدَّثَنَا يعقوب الدورقي حَدَّثَنَا ابن علية عَن أيوب عَن ابن سيرين قَالَ إذا لم يكون مَا تريد فأرد مَا يكون قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أغنى الأغنياء من لم يكن للحرص أسيرا وأفقر الفقراء من كان الحرص عَلَيْهِ أميرا لأن الحرص سبب لإضاعة الموجود عَن مواضعه والحرص محرمة كما أن الجبن مقتلة ولو لم يكن في الحرص خصلة تذم إلا طول المناقشة بالحساب في القيامة على مَا جمع لكان الواجب على العاقل ترك الإفراط في الحرص وقد كان بعض أصحابنا كثيرا ما ينشد ... تجانب الحرص ودع عنك الحسد ... ففيهما الذل وإتعاب الجسد ... وأنشدني الكريزي ... وأرقني طول التفكر إنني ... عجبت لدهر مَا تقضى عجائبه فكم عاجز يدعى جليدا لغشمه ... ولو كلف التقوى لكلت مضاربه وعف يسمى عاجزا لعفافه ... ولولا التقى مَا أعجزته مذاهبه فليس بحرص المرء أدركه الغنى ... ولا باحتيال أدرك المال كاسبه ولكنه قبض الإله وبسطه ... فلا ذا يجاريه ولا ذا يغالبه ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الحرص غير زائد في الرزق وأهون مَا يعاقب الحريص بحرصه أن يمنع الاستمتاع بما عنده من محصوله فيتعب في طلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 ما لا يدري أيلحقه أم يحول الموت بينه وبينه ولو لزم الحريص ترك الإفراط فيه واتكل على خالق السماء لأتحفه المولى جل وعز بإدراك مَا لا يسعى فيه والظفر بما لو سعى فيه وهو حريص عسى لتعذر عَلَيْهِ وجوده وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... ألا رب باغ حاجة لا ينالها ... وآخر قد تقضى له وهو آيس يحاولها هذا وتقضى لغيره ... وتأتي الذي تقضى له وهو جالس ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... وكم من أكلة منعت أخاها ... بلذة ساعة أكلات دهر وكم من طالب يسعى لشيء ... وفيه هلاكه لو كان يدري ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الحرص علامة الفقر كما أن البخل جلباب المسكنة والبخل لقاح الحرص كما أن الحمية لقاح الجهل والمنع أخو الحرص كما أن الأنفة توأم السفه وأنشدني عمر بْن مُحَمَّد قَالَ أنشدني الغلابي ... لا تأتين نذالة لمنالة ... فليأتينك رزقك المقدور واعلم بأنك آخذ كل الذي ... لك في الكتاب محبر مسطور والله ما زاد امرءا في رزقه ... حرص ولا أزرى به التقصير ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... وارض من العيش في الدنيا بأيسره ... ولا ترومن مَا إن رمته صعبا إن الغني هو الراضي بعيشته ... لا من يظل على مَا فات مكتئبا ... أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى بْن حميد الطويل حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرحمن العتبي حدثني أَبِي قَالَ اختصمت بنو إسرائيل في القدر خمسمائة عام ثم تحاكموا إلى عالم من علمائهم فقالوا له أَخْبَرَنَا عَن القدر وقصر وبين لتفهمه عنك العوام فقال حرمان عاقل وحظ جاهل قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لاحظ في الراحة لمن أطاع الحرص إذ الحرص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 سائق البلايا فالواجب على العاقل أن لا يكون بالمفرط في الحرص في الدنيا فيكون مذموما في الدارين بل يكون قصده لإقامة فرائض اللَّه ويكون لبغيته نهاية يرجع إليها لأن من لم يكن لقصده منها نهاية آذى نفسه وأتعب بدنه فمن كان بهذا النعت فهو من الحرص الذي يحمد وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... الحرص عون للزمان على الفتى ... والصبر نعم القرن للأزمان لا تخضعن فإن دهرك إن رأى ... منك الخضوع أمده بهوان وإذا رآك وقد قصدت لصرفه ... بالصبر لاقى الصبر بالإذعان ... وأنشدني منصور بْن محمد الكريزي حدثني شعيب بْن أَحْمَد لأبي العتاهية ... لا تخضعن لمخلوق على طمع ... فإن ذاك مضر منك بالدين ... وأنشدني الكريزى أيضا أنشدني شعيب بْن أَحْمَد لأبي العتاهية ... قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب إن الحريص على الدنيا لفي تعب مالي أراني إذا حاولت منزلة ... فنلتها طمحت نفسي إلى رتب لو كان ينفعني علمى وتجربتي ... لم أشف غيظي من الدنيا ولا كلبي ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد ذكرت مَا يشاكل هذه الحكايات بعللها في كتاب الثقة بالله بما أرجو أن يكون فيه غنية لمن أراد الوقوف على معرفتها فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب ذكر الزجر عَن التحاسد والبغضاء أنبأنا مُحَمَّد بْن الحسين بْن مُكْرَمٍ الْبَزَّازُ بِالْبَصْرَةِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلاسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَبَاغَضُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَلا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل مجانبة الحسد على الأحوال كلها فإن أهون خصال الحسد هو ترك الرضا بالقضاء وإرادة ضد مَا حكم اللَّه جل وعلا لعباده ثم انطواء الضمير على إرادة زوال النعم عَن المسلم والحاسد لا تهدأ روحه ولا يستريح بدنه إلا عند رؤية زوال النعمة عَن أخيه وهيهات أن يساعد القضاء مَا للحساد في الأحشاء وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب الواسطي ... أعذر حسودك فيما قد خصصت به ... إن العلي حسن في مثله الحسد إن يحسدوني فإني لا ألومهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام لي ولهم مَا بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظا بما يجد أنا الذي وجدوني في صدورهم ... لا أرتقي صدرا منهم ولا أرد ... أنبأنا أَبُو خليفة حَدَّثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَن أَبِي إِسْحَاق عَن عمرو بْن ميمون قَالَ رأى موسى رجلا عند العرش فغبطه بمكانه فسأله عنه فقال ألا أخبرك بعمله كان لا يحسد الناس على مَا آتاهم اللَّه من فضله ولا يعق والديه قَالَ وكيف يعق والديه قال يستثب لهما حتى يسبا ولا يمشي بالنميمة أنشدني ابن بلال الأنصاري ... عين الحسود عليك الدهر حارسة ... تبدى مساويك والإحسان يخفها فاحذر حراستها واحذر تكشفها ... وكن على قدر مَا توليك توليها ... أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْكِنَانِيُّ بِالأَبْلَهِ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الضَّرِيرُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ كَعْبِ بن علقمة قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا مِنْ أحد عنده نِعْمَةٌ إِلا وَجَدْتَ لَهُ حَاسِدًا وَلَوْ كَانَ الْمَرْءُ أَقْوَمَ مِنَ الْقَدَحِ لَوَجَدْتَ لَهُ غَامِزًا وَمَا ضَرَّتْ كَلِمَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَوَاطِبُ وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... حسدوا الفتى إذا لم ينالوا سعيه ... فالقوم أنداد له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغيا إنه لدميم وترى اللبيب محسدا لم يجتلب ... شتم الرجال وعرضه مشتوم ... أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن حرب حَدَّثَنَا غسان بْن المفضل أخبرني مُحَمَّد بْن يزيد عَن يونس بْن عُبَيْد قَالَ قَالَ ابن سيرين مَا حسدت أحدا على شيء من الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصير إلى الجنة وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصير إلى النار عنه الحسد من أخلاق اللئام وتركه من أفعال الكرام ولكل حريق مطفيء ونار الحسد لا تطفأ ومن الحسد يتولد الحقد والحقد أصل الشر ومن أضمر الشر في قلبه أنبت له نباتا مرا مذاقه نماؤه الغيظ وثمرته الندم والحسد هو اسم يقع على إرادة زوال النعم عَن غيره وحلولها فيه فأما من رأى الخير في أخيه وتمنى التوفيق لمثله أو الظفر بحاله وهو غير مريد لزوال مَا فيه أخوه فليس هذا بالحسد الذي ذم ونهي عنه ولا يكاد يوجد الحسد إلا لمن عظمت نعمة اللَّه عَلَيْهِ فكلما أتحفه الله بترداد النعم ازداد الحاسدون له بالمكروه والنقم وقد كان داود بْن علي رحمة اللَّه عَلَيْهِ ينشد كثيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 .. إني نشأت وحسادي ذوو عدد ... ياذا المعارج لا تنقص لهم عددا إن يحسدوني على مَا كان من حسن ... فمثل خلقي فيهم جر لي حسدا ... حدثنا عمرو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا مهدي بْن سابق أَخْبَرَنَا عباد بْن عباد المهلبي قَالَ قَالَ أَبُو جعفر المنصور لسفيان بْن معاوية مَا أسرع الناس إلى قدمتك المدينة فقال يا أمير المؤمنين ... إن العرانين تلقاها محسدة ... ولن ترى للئام الناس حساد ... وأنشدني الكريزي أنشدني مُحَمَّد بْن الحسين العمي ... حسدوا النعمة لما ظهرت ... فرموها بأباطيل الكلم وإذا مَا اللَّه أبدى نعمة ... لم يضرها قول حساد النعم ... سمعت أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الأزهر يقول سمعت أَحْمَد بْن سَعِيد الدار يقول سمعت أبا إِسْحَاق الطالقاني يقول كنا نتعلم في الكتاب كما نتعلم أَبُو جاد جهل نيسابوري وبخل مروزي وحسد هروي وطرم بلخي أنبأنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا عمران بْن موسى بْن أيوب حدثني أَبِي عَن مخلد بْن الحسين عَن هشام عَن ابن سيرين قَالَ مَا حسدت أحدا على دين ولا دنيا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يوجد من الحسود أمان أحرز من البعد منه لأنه مَا دام مشرفا على مَا خصصت به دونه لم يزده ذلك إلا وحشة وسوء ظن بالله ونماء للحسد فيه فالعاقل يكون على إماتة الحسد بما قدر عَلَيْهِ أحرص منه على تربيته ولا يجد لإماتته دواء أنفع من البعاد فإن الحاسد ليس يحسدك على عيب فيك ولا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 خيانة ظهرت منك ولكن يحسدك بما ركب فيه من ضد الرضا بالقضاء كما قال العتبي ... أفكر مَا ذنبي إليك فلا أرى ... لنفسي جرما غير أنك حاسد ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... ليس للحاسد إلا مَا حسد ... وله البغضاء من كل أحد وأرى الوحدة خيرا للفتى ... من جليس السوء فانهض إن قعد ... وأنشدني مُحَمَّد بْن نصر المديني لحبيب بْن أوس ... وإذا أراد اللَّه نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ... مَا كان يعرف طيب عرف العود لولا التخوف للعواقب لم تزل ... للحاسد النعمى على المحسود ... أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طالب حَدَّثَنَا روح بْن عبادة حَدَّثَنَا حماد عَن حميد قَالَ قلت للحسن يا أبا سَعِيد هل يحسد المؤمن قال مَا أنساك بني يعقوب لا أبالك حيث حسدوا يُوسُف ولكن غم الحسد في صدرك فإنه لا يضرك مَا لم يعد لسانك وتعمل به يدك قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل إذا خطر بباله ضرب من الحسد لأخيه أبلغ المجهود في كتمانه وترك إبداء مَا خطر بباله وأكثر مَا يوجد الحسد بين الأقران أو من تقارب الشكل لأن الكتبة لا يحسدها إلا الكتبة كما أن الحجبة لا يحسدها إلا الحجبة ولن يبلغ المرء مرتبة من مراتب هذه الدنيا إلا وجد فيها من يبغضه عليها أو يحسده فيها والحاسد خصم معاند لا يجب للعاقل أن يجعله حكما عند نائبة تحدث فإنه إن حكم لم يحكم إلا عَلَيْهِ وإن قصد لم يقصد إلا له وإن حرم لم يحرم إلا حظه وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 أعطى أعطى غيره وإن قعد لم يقعد إلا عنه وإن نهض لم ينهض إلا إليه وليس للمحسود عنده ذنب إلا النعم التي عنده فليحذر المرء مَا وصفت من أشكاله وأقرانه وجيرانه وبنى أعمامه وقد أَنْبَأَنَا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا العباس بْن بكار قَالَ قَالَ رجل لشبيب بْن شبه إني لأحبك قَالَ صدقت قَالَ وما علمك قَالَ لأنك لست بجار ولا ابن عم وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... أنت امرؤ قصرت عنه مروءته ... إلا من الغش للإخوان والحسد أأن تراني خيرا منك تحسدني ... إن الفضيلة لا تخلو من الحسد ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه بئس الشعار للمرء الحسد لأنه يورث الكمد ويورث الحزن وهو داء لا شفاء له والحاسد إذا رأى بأخيه نعمة بهت وإن رأى به عثرة شمت ودليل مَا في قلبه كمين على وجهه مبين وما رأيت حاسدا سالم أحدا والحسد داعية إلى النكد ألا ترى إبليس حسد آدم فكان حسده نكدا على نفسه فصار لعينا بعدما كان مكينا ويسهل على المرء ترضي كل ساخط في الدنيا حتى يرضى إلا الحسود فإنه لا يرضيه إلا زوال النعمة التي حسد من أجلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ولقد حدثني مُحَمَّد بْن عثمان العقدي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زكريا الغلابي حَدَّثَنَا ابن عائشة قَالَ قَالَ بعض الحكماء ألزم الناس للكآبة أربعة رجل حديد ورجل حسود وخليط للأدباء وهو غير أديب وحكيم محتقر للأقوام وأبعد الناس من الدخول في دين الحق والنصيحة لأهله جاهل ورث الضلالة عن أهله ورأ س أهل ملته حظى فيهم بفضل الضلالة ومعظم للدنيا يرى بهجتها دائمة محبوبة ويرى مَا رجي من خيرها قريبا وما صرف من شرها بعيدا ليس يعقد قلبه على الإيمان ورجل خالط النساك فانصرف عنهم لحرصه وشرهه ودامجهم على مكر وخديعه ذكر الحث على مجانبة الغضب وكراهية العجلة أَنْبَأَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الْبَزَّارُ بِحُنْدَيْسَابُورَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الزِّيَادِيُّ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ جَابِرًا قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَلِّمْنِي شَيْئًا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَلا تُكْثِرْ عَلِيَّ لَعَلِّي أَعْقِلُ قَالَ لا تَغْضَبْ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أحسن الناس عقلا من لم يحرد وأحضر الناس جوابا من لم يغضب وسرعة الغضب أنكى في العاقل من النار في يبس العوسج لأن من غضب زايله عقله فقال مَا سولت له نفسه وعمل ما شأنه وأرداهأ ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عثمان العقدي حدثنا إسحاق بن زكريا البناني حَدَّثَنَا عَبْد الصمد بْن حسان حدثني وهيب قَالَ مكتوب في الإنجيل ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق وإذا ظلمت فلا تنتصر فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وأنشدني الكريزي ... ولم أر فضلا تم إلا بشيمة ... ولم أر عقلا صح إلا على الأدب ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم ... عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب ... قال أَبُو حاتم رضى الله عنه سرعة الغضب من شيم الحمقى كما أن مجانبته من ري العقلاء والغضب بذر الندم فالمرء على تركه قبل أن يغضب أقدر على إصلاح مَا أفسد به بعد الغضب ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الثقفي حَدَّثَنَا حاتم بْن الليث الجوهري حَدَّثَنَا بكار بْن مُحَمَّد قَالَ كان ابن عون لا يغضب فإذا أغضبه إنسان قَالَ بارك اللَّه فيك وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب الواسطي ... لم يأكل الناس شيئا من مآكلهم ... أحلى وأحمد عقباه من الغضب ولا تلحف إنسان بملحفة ... أبهى وأزين من دين ومن أدب ... أنبأنا كامل بْن مكرم حَدَّثَنَا الربيع بْن سليمان حَدَّثَنَا أسد بْن موسى حَدَّثَنَا ضمرة عَن أَبِي سَعِيد قَالَ كان عون بْن عَبْد اللَّه بْن عتبة إذا غضب على غلامه قَالَ مَا أشبهك بمولاك أنت تعصيني وأنا أعصي اللَّه فإذا شتد غضبه قَالَ أنت حر لوجه اللَّهِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل إذا ورد عَلَيْهِ شيء بضد مَا تهواه نفسه أن يذكر كثرة عصيانه ربه وتواتر حلم اللَّه عنه ثم يسكن غضبه ولا يزري بفعله الخروج الى مالا يليق بالعقلاء في أحوالهم مع تأمل وفور الثواب في العقبى بالاحتمال ونفي الغضب وأنشدني الأنصاري ... وكظمي الغيظ أولى من محاولتي ... غيظ العدو بإضراري بإيماني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 .. لا خير في الأمر ترديني مغبته ... يوم الحساب إذا مانص ميزاني ... أنبأنا مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا عمر بْن علي بْن زياد العنبري قَالَ سمعت سالم ابن ميمون الخواص يقول ... إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السكوت سكت عَن السفيه فظن أني ... عييت عَن الجواب وما عييت شرار الناس لو كانوا جميعا ... قذى في جوف عيني مَا قذيت فلست مجاوبا أبدا سفيها ... خزيت لمن يجافيه خزيت ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... تأن في أمرك وافهم عني ... فليس شيء يعدل التأني تأن فيه ثم قل فإني أرجو لك الإرشاد بالتأني ... أخبرني مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن جعفر الزبيري عَن سَعِيد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن طلحة قَالَ أنشدني يونس بْن إِبْرَاهِيم بْن محمد أبن طلحة لمحمد بْن عيسى بْن طلحة بْن عُبَيْد اللَّه ... فلا تعجل على أحد بظلم ... فإن الظلم مرتعه وخيم ولا تفحش وإن مليت غيظا ... على أحد فإن الفحش لوم ولا تقطع أخا لك عند ذنب ... وإن الذنب يغفره الكريم ولكن داري عوراه برفق ... كما قد يرقع الخلق القديم ولا تجزع لريب الدهر واصبر ... فإن الصبر في العقبى سليم فما جزع بمغن عنك شيئا ... ولا مافات ترجعه الهموم ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لو لم يكن في الغضب خصلة تذم إلا إجماع الحكماء قاطبة على أن الغضبان لا رأي له لكان الواجب عَلَيْهِ الاحتيال لمفارقته بكل سبب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 والغضبان لا يعذره أحد في طلاق ولا عتاق ومن الفقهاء من عذر السكران في الطلاق والعتاق والخلق مجبولون على الغضب والحلم معا فمن غضب وحلم في نفس الغضب فإن ذلك ليس بمذموم مَا لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل على أن مفارقته في الأحوال كلها أَحْمَد ولقد أَنْبَأَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا مهدي بْن سابق عَن عطاء قَالَ قَالَ عَبْد الملك بْن مروان إذا لم يغضب الرجل لم يحلم لأن الحليم لا يعرف إلا عند الغضب ذكر الزجر عَن الطمع إلى الناس أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ بِالْمَصَّيْصَةِ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عَمَلا إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ فَقَالَ ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل ترك الطمع إلى الناس كافة بكماله الإياس عنهم إذ الطمع فيما لا يشك في وجوده فقر حاضر فكيف بما أنت شاك في وجوده أو عدمه ولقد أحسن الذي يقول ... لأجعلن سبيل اليأس لي سبلا ... مَا عشت منك ودار الهم أوطانا والصبر أجعله غرما أنال به ... في الناس قربا وعند اللَّه رضوانا فالنفس قانعة والأرض واسعة ... والدار جامعة مثنى ووحدانا ... وأنشدني عمرو بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه النسائي قَالَ أنشدني الحسين بن أحمد ابن عثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 .. اليأس أدبني ورفع همتي ... واليأس خير مؤدب للناس إني رأيت مواضع الطمع الذي ... يضع الشريف مواضع الأخساس ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... فأجمعت يأسا لا لبانة بعده ... ولليأس أدنى للعفاف من الطمع والنفس تطمع هشة إن أطمعت ... وتنال باليأس السلو فتقنع ... أنبأنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا يزيد بْن عَبْد الصمد حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن صالح حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَبْد العزيز عَن سعد بن عمارة أنه لما قَالَ لابنه يا بني أظهر اليأس فإنه غنى وإياك والطمع فإنه فقر حاضر قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أشرف المنى ترك الطمع إلى الناس إذ لا غنى لذي طمع وتارك الطمع يجمع به غاية الشرف فطوبى لمن كان شعار قلبه الورع ولم يعم بصره الطمع ومن أحب أن يكون حرا فلا يهوى مَا ليس له لأن الطمع فقر كما أن اليأس غنى ومن طمع ذل وخضع كما أن من قنع عف واستغنى ولقد أنشدني الكريزي ... لا خير في عزم بغير روية ... والشك عجز إن أردت سراحا واليأس مما فات يعقب راحة ... ولرب مطمعة تعود ذباحا ... وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... فكنت لي أملا دهلا أطالبه ... فغيرته صروف الدهر أطوارا صرفت باليأس عنه النفس فانصرفت ... فما أبالى أقام الدهر أم سار ... أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي شيبة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مروان حدثنا محمد بن هانيء الطائي قَالَ بعث أَبُو الأسود الديلي الى جار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 يقترض منه فلم يقرضه واعتل عَلَيْهِ وكان حسن الظن به فقال أبو الأسود ... لاتشعرن النفس يأسا فإنما ... يعيش بجد عاجز وجليد ولا تطمعن في مال جار لقربه ... فكل قريب لا ينال بعيد وفوض إلى الله الأمور فإنما ... يروح بأرزاق العباد جدود ... أنبأنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا المروزي قَالَ سمعت أَحْمَد بْن حنبل يقول سمعت ابن السماك يقول الرجاء حبل في قلبك وقيد في رجلك فأخرج الرجاء من قلبك ينفك القيد من رجلك قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الطمع غدة من قلب المرء له طرفان أحدهما القيد في رجليه والآخر الطبع على لسانه فما دامت العقدة فائمة لا تنفك رجلاه ولا ينطق لسانه فإذا أخرج الطمع من قلبه انفك القيد من رجليه وزال الطبع عَن لسانه فسعى إلى مَا شاء وقال مَا أحب ودواء زوال الطمع عَن القلب هو رؤية الأشياء من مكونها بدوام الخلوة وترك الناس كما أنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... كن اقعر البيت حلسا ... وارض بالوحدة أنا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 .. لست بالواجد حرا ... أو ترد اليوم أمسا فاغرس اليأس بأرض الزهد ... ما عمرت غرسا وليكن يأسك دون الطمع ... الكاذب ترسا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يجتنب الطمع الى الأصدقاء فإنه مذلة ويلزم اليأس عَن الأعداء فإنه منجاة وتركه مهلكة والإياس هو بذر الراحة والعز كما أن الطمع هو بذر بالتعب والذل فكم من طامع تعب وذل ولم ينل بغيته وكم من آيس استراح وتعزز وقد أتاه مَا أمل وما لم يأمل وأنشدني الأبرش ... يعرى ويغرث من أمسى على طمع ... من المكارم وهو الطاعم الكاسي إن المطامع ذل للرقاب ولو ... أمسى أخوها مكان السيد الراس ... وأنشدني محمد بن اسحق الواسطي ... ألم تعلمي أني إذا النفس أشرفت ... على طمع لم أَنَس أن أتكرما ولست بلوام على الأمر بعد مَا ... يفوت ولكن على أن أتقدما ... أنبأنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا الفضيل بْن يُوسُف الكوفي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه ابن جبلة الكناني عَن معاوية بْن عمار عَن أَبِي جعفر قَالَ اليأس عما في أيدي الناس عز ثم قَالَ أما سمعت قول حاتم الطائي ... إذا مَا عزمت اليأس ألفيته الغنى ... إذا عرفته النفس والطمع الفقر ... ذكر الحث على مجانبة المسألة وكراهيتها حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ خَالِدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ بِالْبَصْرَةِ حَدَّثَنَا عبد الواحد ابن غِيَاثٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَنْ يَأْخُذَ أحدكم حبلا فيأتي بحزمة حَطَبٍ فَيَبِيعَهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل مجانبة المسألة على الأحوال كلها ولزوم ترك التعرض لأن الإفكار في العزم على السؤال يورث المرء مهانة في نفسه ويحطه رتوة عَن مرتبته وترك العزم على الإفكار في السؤال يورث المرء عزا في نفسه ويرفعه درجة عَن مرتبته ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا الفيض بْن الخضر التميمي حدثني عَبْد اللَّه ابن خبيق قَالَ قَالَ موسى بْن طريف إن الحاجة تعرض لي إلى الرجل فيخرج عزي من قلبي قطع الحاجة من ناحيته فيرجع عزي إلى قلبي وأنشدني الكريزي قَالَ أنشدنا الحسن بْن أَحْمَد لعلي بْن الجهم ... هي النفس مَا حملتها تتحمل ... وللدهر أيام تجور وتعدل وعاقبة الصبر الجميل جميلة ... وأفضل أخلاق الرجال التفضل فلا غار إن زالت عَن الحر نعمة ... ولكن عارا أن يزول التجمل ... أخبرنا زكريا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ ابن عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عمر بن الخطاب قَالَ مَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ مَالَهُ فَإِنَّمَا هُوَ رَضْفٌ مِنَ النَّارِ يَلْقُمُهُ فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ الدَّلالُ حَدَّثَنَا الحسن بْن مُحَمَّد بْن الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبَّادٍ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَوْصَى بَنِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ يَا بَنِيَّ إِيَّاكُمْ وَمَسْأَلَةَ النَّاسِ فَإِنَّهَا آخِرُ كَسْبِ الرَّجُلِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا يسأل الناس شيئا فيردوه ولا يلحف في المسألة فيحرموه ويلزم التعفف والتكرم ولا يطلب الأمر مدبرا ولا يتركه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 مقبلا لأن فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها وإن من يسأل غير المستحق حاجة حط لنفسه مرتبتين ورفع المسؤول فوق قدره أخبرني مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مؤمل المصري قَالَ سمعت حامد بْن يَحْيَى يقول سمعت سُفْيَان بْن عيينه يقول من يسأل نذلا حاجة فقد رفعه عَن قدره أنشدني ابن زنجي البغدادي ... ذل السؤال شجى في الحلق معترض ... من دونه شرف من خلفه جرض ما ماء كفك إن جادت وإن بخلت ... من ماء وجهي إذا أفنيته عوض ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه المؤدب ... ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... عوضا وإن نال الغنى بسؤال وإذا السؤال مع النوال وزنته ... رجح السؤال وخف كل نوال وإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله للمتكرم المفضال ... أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا أَبُو جعفر ابن ابنة أَبِي سَعِيد التغلبي الدمشقي حَدَّثَنَا حاجب بْن أَبِي علقمة العطاردي قَالَ سمعت أَبِي يقول قَالَ مطرف بْن عَبْد اللَّه بْن الشخير لابن أخيه يا بني أخي إذا كانت لك حاجة الى فاكتب بها في رقعة فإني أصون وجهك عن ذل السؤال وأنشدني ذلك ... يا أيها المتعب بذل السؤال ... وطالب الحاجات من ذوي النوال لا تحسبن الموت موت البلى ... فإنما الموت سؤال الرجال كلاهما موت ولكن ذا ... أعظم من ذاك لذل السؤال ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أعظم المصائب سوء الخلف والمسألة من الناس والهم بالسؤال نصف الهرم فكيف المباشرة بالسؤال ومن عزت عَلَيْهِ نفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 صغرت الدنيا في عينيه ولا ينبل الرجل حتى يعف عما في أيدي الناس ويتجاوز عما يكون منهم والسؤال من الإخوان ملال ومن غيرهم ضد النوال وأنشدني الأبرش ... أنبل بنفسك أن تكون حريصة ... إن الحريص إذا يلح يهان من يكثر التسآل من إخوانه ... يستثقلوه وحظه الحرمان ... وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... أتيت أبا عمرو أرجي عطاءه ... فزاد أَبُو عمرو على حزني حزنا فكنت كباغي القرن أسلم أذنه ... فبات بلا أذن ولم يستفد قرنا ... حدثنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا خطاب بْن عَبْد الرحمن الجندي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن سليمان قَالَ كان أكثم بْن صيفي يقول السؤال وإن قل أثمن من النوال وإن جل قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب للعاقل أن يبذل وجهه لمن يكرم عَلَيْهِ قدره ويعظم عنده خطره فكيف بمن يهون عَلَيْهِ رده ولا يكرم عَلَيْهِ قدره وأبعد اللقاء الموت وأشد منه الحاجة إلى الناس دون السؤال وأشد منه التكلف بالسؤال لأن السؤال إذا كان بجناح الحاجة مقرونا لم يخل من أن يكون فيه ذل السؤال وإذا الحاجة لم تقض كان فيه ذلان موجودان ذل السؤال وذل الرد وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... لا يحس الصديق منك بفقر ... لا ولا والد ولا مولود ذاك ذل إذا سألت بخيلا ... أو سألت الذي عليك يجود ... أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِنَّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 طَلَبِ الرَّجُلِ الْحَاجَةَ إِلَى أَخِيهِ فِتْنَةً إِذَا أَعْطَاهُ حَمِدَ غَيْرَ الَّذِي أَعْطَاهُ وَإِنْ مَنَعَهُ ذَمَّ غَيْرَ الَّذِي مَنَعَهُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لو لم يكن في السؤال خصلة تذم إلا وجود التذلل في النفس عند الاهتمام بالسؤال وإبدائه لكان الواجب على العاقل أن لو اضطره الأمر إلى أن يستف الرمل ويمص النوى أن لا يتعرض للسؤال أبدا مَا وجد إليه سبيلا فأما من دفعه الوقت إلى ذلك فسأل من يعلم أنه يقضي حاجته أو ذا سلطان لم يحرج في فعله ذلك كما لم يحرج في القبول إذا أعطي من غير مسألة ومن استغنى بالله أغناه الله ومن تعزز بالله لم يفقره كما أن من أعتز بالعبيد أذله ولقد أَنْبَأَنَا سَعِيد بْن مُحَمَّد القزاز حَدَّثَنَا أَبُو الهيثم الرازي حَدَّثَنَا خالد بْن يزيد حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن موسى حَدَّثَنَا هشام بْن يُوسُف عَن معمر قَالَ قَالَ أَبُو معاوية رجل من ولد كعب بْن مالك لقد رأيتني أنضح أول النهار وأضرب آخر النهار على بطني بالمعول في المعدن قَالَ قلت لقد لقيت مؤونة قَالَ أجل إنا طلبنا الدراهم من أيدي الرجال ومن الحجارة فوجدناها من الحجارة أسهل علينا ذكر الحث على لزوم القناعة حدثنا حسن بْنُ سُفْيَانَ الشَّيْبَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ حَدَّثَنَا محمد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد مكثت برهة من الدهر متوهما أن الأعمش لم يسمع هذا الخبر من ليث بْن أَبِي سليم فدلسه حتى رأيت علي بْن المديني حدث بهذا الخبر عَن الطفاوي عَن الأعمش قَالَ حدثني مجاهد فعلمت حينئذ أن الخبر صحيح لا شك فيه ولا امتراء في صحته فقد أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ابن عمر في هذا الخبر أن يكون في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل فكأنه أمره بالقناعة باليسير من الدنيا إذ الغريب وعابر السبيل لا يقصدان في الغيبة الإكثار من الثروة بل القناعة إليهما أقرب من الإكثار من الدنيا ولقد أخبرني مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حدثني جعفر بْن سنيد بْن داود حدثني أَبِي حدثني حجاج حَدَّثَنَا عتبة بْن سالم قَالَ قَالَ أكثم بْن صيفي لابنه يا بني من لم يأس على مَا فاته ودع بدنه ومن قنع بما هو فيه قرت عينه وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... من تمام العيش مَا قرت به ... عين ذي النعمة أثرى أو أقل وقليل أنت مسرور به ... لك خير من كثيرفي دغل ... وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... أقول للنفس صبرا عند نائبة ... فعسر يومك موصول بيسر غد ما سرني أن نفسي غير قانعه ... وأن أرزق هذا الخلق تحت يدي ... أَنْبَأَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَرْبَعُ قَدْ فُرِغَ مِنْهَا الْخَلْقُ وَالْخُلُقُ وَالرِّزْقُ وَالأَجَلُ وَلَيْسَ أَحَدٌ بِأَكْسَبَ مِنْ أَحَدٍ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من أكثر مواهب اللَّه لعباده وأعظمها خطرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 القناعة وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضاء والثقه بالقسم ولو لم يكن في القناعة خصلة تحمد إلا الراحة وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل لكان الواجب على العاقل ألا يفارق القناعة على حالة من الأحوال ولقد أَنْبَأَنَا عمر بْن حفص بْن عمرو البزار حَدَّثَنَا أَبُو مسعود حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عقيل حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم المدني حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن مُحَمَّد بْن المنكدر عَن أبيه قَالَ القناعة مال لا ينفذ سمعت مُحَمَّد بْن المنذر يقول سمعت عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه يقول قَالَ مُحَمَّد بن حميد الأكاف ... تقنع بالكفاف تعش رخيا ... ولا تبغ الفضول من الكفاف ففي خبز القفار بغير أدم ... وفي ماء الفرات عني وكاف وفي الثوب المرقع مَا يغطى ... به من كل عري وانكشاف وكل تزين بالمرء زين ... وأزينه التزين بالعفاف ... وأنشدني الكريزي ... لعمرك مَا طول التعطل ضائري ... ولا كل شغل فيه للمرء منعفه إذا كانت أرزاق في القرب والنوى ... عليك سواء فاغتنم راحة الدعه وإن ضقت فاصبر يفرج اللَّه مَا ترى ... ألا رب ضيق في عواقبه سعه ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... الحمد لله حمدا دائما أبدا ... لقد تزين أهل الحرص والشين لا زين إلا لراض في تقلله ... إن القنوع لثوب العز والدين ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يعلم أن الإنسان لم يوضع على قدر الأحظاء وإن من عدم القناعة لم يزده المال غنى فتمكن المرء بالمال القليل مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 قلة الهم أهنا من الكثير ذي التبعة والعاقل ينتقم من الحرص بالقنوع كما ينتصر من العدو بالقصاص لأن السبب المانع رزق العاقل هو السبب الجالب رزق الجاهل وأنشدني مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز أنشدنا مُحَمَّد بْن خلف التيمي أنشدني رجل من خزاعة ... رأيت الغنى والفقر حظين فسما ... فأحرم محتال وذو العي كاسب فهذا ملح دائب غير رابح ... وهذا مريح رابح غير دائب ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... إذا المرء لم يقنع بعيش فإنه ... وإن كان ذا مال من الفقر موقر إذا كان فضل الناس يغنيك بينهم ... فأنت بفضل اللَّه أغنى وأيسر ... أخبرنا أَحْمَد بْن سَعِيد القيسي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الوليد بْن أبان حدثنا نعيم بن حماد فال سمعت ابن المبارك يقول مروءة القناعة أفضل من من مروءة الإعطاء قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه القناعة تكون بالقلب فمن غني قلبه غنيت يداه ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه ومن قنع لم يتسخط وعاش آمنا مطمئنا ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته والجد والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد ولقد أحسن الذي يقول ... فما كل مَا حاز الفتى من تلاده ... بكيس ولا مَا فاته بتوان فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه ... سيكفيكه جدان يصطرعان ... حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عبيد الله الجثمي عَن المديني قَالَ كان يقال مروءة الصبر عند الحاجة والفاقة بالتعفف والغنى أكثر من مروءة الإعطاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وأنشدني عمرو بن محمد أنشدنا الغلابي أنشدنا ابن عائشة ... غنى النفس يغني النفس حتى يعفها ... وإن مسها حتى بها يضر الفقر وما شدة فاصبر لها إن لقيتها ... بدائمة إلا سيتبعها يسر ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد الله بن زنجي البغدادي ... فيارب كره جاء من حيث لم تخف ... ومسرور أمر بالذي أنت خائف ارى الناس مَا لم تبل إخوان ظاهر ... وإن تبل تنكر جل مَا أنت عارف ... أنبأنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مهدي الأبلي حدثني مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن أَبِي عمر قَالَ سمعت سُفْيَان بْن عيينة وذكر عنده الفضل ابن الربيع وضرباؤه فأنشأ سُفْيَان يقول ... كم من قوي قوي في تقلبه ... مهذب الرأي عنه الرزق منحرف ومن ضعيف ضعيف العقل مختلط ... كأنه من خليج البحر يغترف ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من نازعته نفسه إلى القنوع ثم حسد الناس على مَا في أيديهم فليس ذلك لقناعة ولا لسخاوة بل لعجز وفشل فمثله كمثل حمار السوء الذي يعرج بخفة حمله ويحزن إذا رأى العلف يؤثر به ذو القوة والحمل الثقيل فالقانع الكريم أراح قلبه وبدنه والشره اللئيم أتعب قلبه وجسمه والكرام أصبر نفوسا واللئام أصبر أجسادا وأنشدني عمرو بن محمد أنشدنا الغلابي ... لعمرك مَا الأرزاق من حيلة الفتى ... ولا سبب في ساحة الحي ثاقب ولكنها الأرزاق تقسم بينهم ... فما لك منها غير مَا أنت شارب ... وأنشدني مُحَمَّد بن سعيد أنشدني هلال بْن العلاء الباهلي ... تجمل إذا مَا الدهر أولاك غلظة ... فإن الغنى في النفس لا في التمول يزين لئيم القوم كثرة ماله ... وما زين الأقوام مثل التجمل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 حدثنا الحسين بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بْن منيب حَدَّثَنَا بْن يَحْيَى الصائغ قَالَ قَالَ الخليل بْن أَحْمَد ... إن لم يكن لك لحم ... كفاك خل وزيت إن لا يكن ذا وهذا ... فكسرة وبييت تظل فيه وتأوي ... حتى يجيئك موت هذا لعمري كفاف ... فلا يغرك ليت ... أنبأنا كامل بْن مكرم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مروان البيروتي حَدَّثَنَا أَبُو مسهر حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَبْد العزيز عَن مُحَمَّد بْن كعب القرظي في قوله تعالى {فلنحيينه حياة طيبة} قال القناعة ذكر الحث على لزوم التوكل على من ضمن الأرزاق أَنْبَأَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرحمن الساجي بالبصرة أنبأنا أبو الربيع الزهراني حدثنا المقريء حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ وَابْنُ لهيعة قالا حدثنا أبو هاني حميد بن هاني الْخَوْلانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرحمن الحبلول سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل لزوم التوكل على من تكفل بالأرزاق إذ التوكل هو نظام الإيمان وقرين التوحيد وهو السبب المؤدي إلى نفي الفقر ووجود الراحة وما توكل أحد على اللَّه جل وعلا من صحة قلبه حتى كان اللَّه جل وعلا بما تضمن من الكفالة أوثق عنده بما حوته يده إلا لم يكله اللَّه إلى عباده وآتاه رزقه من حيث لم يحتسب وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... توكل على الرحمن في كل حاجة ... أردت فإن اللَّه يقضي ويقدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 متى مَا يرد ذو العرش أمرا بعبده ... يصبه وما للعبد مَا يتخير وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه ... وينجو بإذن اللَّه من حيث يحذر ... وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... أحسن الظن بمن قد عودك ... كل إحسان وسوى أودك إن من قد كان يكفيك الذي ... كان بالأمس سيكفيك غدك ... أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ بِعَسْقَلانَ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الأَزْرَق حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنِ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أجله أنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... لو كان في صخرة في البحر راسية ... صماء ملمومة ملس حواليها رزق لعبد براه الله لا نفلقت ... حتى تؤدي إليه كل مَا فيها أو كان بين طباق السبع مطلبه ... يوما لسهل في المرقى مراقيها حتى ينال الذي في اللوح خط له ... إن هو أتاه وإلا فهو آتيها ... وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي أنشدني مُحَمَّد بن الحسين العمي ... سل الحاجات من سيد ... ليس له ستر ولا حاجب يعطى عطاياه إذا شاءها ... من غير توقيع إلى كاتب ... حدثنا مُحَمَّد بْن الحسين بْن الخليل بنسا حَدَّثَنَا القطواني حَدَّثَنَا سنان حَدَّثَنَا رياح القيسي قَالَ إن لله ملائكة موكلين بأرزاق بني آدم يحملون أرزاقهم على درجاتهم ثم قَالَ أيما عَبْد من عبادي جعل همه هما واحدا فضمنوا السموات والأرضين وبنى آدم رزقه وأي عَبْد طلب رزقه أعطوه رزقه حيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أراده فإن تحرى مكاسبه بالعدل فطيبوا له رزقه وإن تعدى إلى الحرام فليأخذه من هواه إلى غاية درجته التي ليس فوقها ثم حولوا بينه وبين سائر الدنيا فلا يأخذن من حلالها ولا من حرامها فوق الدرجة التي كتبت له قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يعلم أن الأرزاق قد فرغ منها وتضمنها العلي الوفي على أن يوفرها على عباده في وقت حاجتهم إليها والاشتغال بالسعي لما تضمن وتكفل ليس من أخلاق أهل الحزم إلا مع انطواء صحة الضمير على أنه وإن لم يسع في قصده أتاه رزقه من حيث لم يحتسب وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب الواسطي ... لما رأيتك قاعدا مستقبلي ... أيقنت أنك للهموم قرين فارفض لها وتعر عَن أثوابها ... إن كان عندك للقضاء يقين هون عليك وكن بربك واثقا ... فأخو التوكل شأنه التهوين طرح الأذى عَن نفسه في أمره ... من كان يعلم أنه مضمون ... حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ جَاءَ سَائِلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ تَمْرَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاكَ لَوْ لَمْ تَأْتِهَا أَتَتْكَ وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... فنحن بتوفيق الإله وأمره ... على كل حال أمرنا متوسع عطاء مليك لا يمن عطاؤه ... خبير بما تحنى عَلَيْهِ الأضالع ... أنبأنا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الشافعي حَدَّثَنَا داود بْن أَحْمَد الدمياطي حَدَّثَنَا عَبْد الرحمن بْن عفان قَالَ سمعت الفضيل بْن عياض يقول ما أهتممت برزق قَطُّ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يعلم أن السبب الذي يدرك به العاجز حاجته هو الذي يحول بين الحازم وبين مصادفته فلا يجب أن يحزن العاقل لما يهوى وليس بكائن ولا لما لا يهوى وهو لا محالة كائن فما كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 من هذه الدنيا أتى المرء من غير تعب فيه وما كان عَلَيْهِ لم يدفعه بقوته ولا يدرك بالطلب المحروم كما لا يحرم بالقعود المرزوق ولقد أحسن الذي يقول ... ينال الغنى من ليس يسعى إلى الغنى ... ويحرم من يسعى له ويداوم وما العجز يحرمه ولا الحرص جالب ... وما هو إلا حظوة ومقاسم ... وأنشدني عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري أنشدنا الغلابي أنشدنا العتبي ... ورزق الخلق مقسوم عليهم ... مقادير يقدرها الجليل فلا ذو المال يرزقه بعقل ... ولا بالمال تقتسم العقول ... أنبأنا الهيثم بْن خلف الدوري ببغداد قَالَ سمعت إِسْحَاق بْن موسى الأنصاري يقول سمعت يمان النجراني وكان لا يدخر شيئا يقول مررت براهب في قارعة فلاة من الأرض وأنا جائع فقلت يا راهب هل عندك من فضل فأدلى إلي زنبيلا فيه فلق من خبز فأكلت منها ورميت إليه الباقي فقال تزوده قلت الذي أطعمني في هذا الموضع وليس فيه إنسى يطعمني إذا جعت ولا يكون معي شيء وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... لا تتهم ربك فيما قضى ... وهون الأمر وطب نفسا لكل هم فرج عاجل ... يأتي عل المصبح والممسي ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه التوكل هو قطع القلب عَن العلائق برفض الخلائق وإضافته بالافتقار إلى محول الأحوال وقد يكون المرء موسرا في ذات الدنيا وهو متوكل صادق في توكله إذا كان العدم والوجود عنده سيين لا فرق عنده بينهما يشكر عند الوجود ويرضى عند العدم وقد يكون المرء لا يملك شيئا من الدنيا بحيلة من الحيل وهو غير متوكل إذا كان الوجود أحب إليه من العدم فلا هو في العدم يرضى حالته ولا عند الوجود يشكر مرتبته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وانشدني الكريزي ... فلو كانت الدنيا تنال بفطنة ... وفضل عقول نلت أعلى المراتب ولكنما الأرزاق حظ وقسمة ... بملك مليك لا بحيلة طالب ... وأنشدنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري أنشدنا الغلابي أنشدنا مهدي بْن سابق ... ألا ترى الدهر لا تفنى عجائبه ... والدهر يخلط ميسورا بمعسور وليس للهو إلا كل صافية ... كأنها دمعة من عين مهجور ... أنبأنا علي بْن سَعِيد العسكري حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد حَدَّثَنَا سهل بْن عاصم حَدَّثَنَا نافع بْن خالد قَالَ دخلنا على رابعة العدوية فذكرنا أسباب الرزق فخضنا فيه وهي ساكتة فلما فرغنا قالت رابعة العدوية خيبة لمن يدعي حبه ثم يتهمه في رزقه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد ذكرت هذا الباب بالعلل والحكايات على التقصي في كتاب التوكل فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب ذكر الحث على لزوم الرضا بالشدائد والصبر عليها أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى بِالْمَوْصِلِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جميل الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنْبَأَنَا عُمَرُ بْنُ حَبِيبٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَكَتَبَ مَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يوقن أن الأشياء كلها قد فرغ منها فمنها مَا هو كائن لا محالة ومالا يكون فلا حيلة للخلق في تكوينه فإن دفعه الوقت إلى حال شدة يجب أن يتزر بإزار له طرفان أحدهما الصبر والآخر الرضا ليستوفي كمال الأجر لفعله ذلك فكم من شدة قد صعبت وتعذر زوالها على العالم بأسره ثم فرج عنها السهل في أقل من لحظة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ولقد أنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب الواسطي ... كم من أمر قد تضايقت به ... فأتاني الله منه بالفرج ولعبد مؤيس قربه ... قدر الله فعاد بالنهج فله الحمد على ذي سرمدا ... مَا أضاء الصبح يوما وبلج وكذاك اللَّه رب قادر ... يصلح الأمر الذي فيه عوج وله الحمد على آلائه ... يستديم اليسر منه والفلج ... حدثنا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَن أَبِي الحجاج الأزدي قَالَ سألنا سلمان مَا الإيمان بالقدر قَالَ إذا علم العبد أن مَا أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأنشدني الأبرش ... هون على نفسك من سعيها ... فليس مَا قدر مردود وارض بحكم اللَّه في خلقه ... كل قضاء الله محمود ... أنبأنا عَبْد اللَّه بْن قحطبة الطرحي حَدَّثَنَا منصور بْن قدامة الواسطي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن كثير عَن معمر قَالَ لما حاصر الحجاج ابن الزبير بمكة جعلت الحجارة تضرب الحائط فقيل له لا نأمن عليك أن يصيبك منها حجر فقال ابن الزبير ... هون عليك فإن الأمور ... بكف الإله مقاديرها فليس بآتيك منهيها ... ولا قاصر عنك مأمورها ... أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن بشار الرمادي حَدَّثَنَا سُفْيَان عَن مسعر أن رجلا ركب البحر فكسر به فوقع في جزيرة من جزائر البحر فمكث فيها ثلاثا لا يرى أحدا ولا يأكل طعاما ولا يشرب شرابا فأيس من الحياة فتمثل ... إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار كاللبن الحليب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 فأجابه مجيب يقول ... عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب ... فنظر فإذا سفينة في البحر فلوح لهم فأتوه فحملوه وأصاب معهم خيرا ورجع إلى أهله سالما وأنشدني مُحَمَّد بْن جعفر الهمذاني بصور على ساحل بحر الروم ... لاتضيقن في الأمور فقد تكشف ... غماؤها بغير اختيال ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... عسى فرج يأتي به اللَّه إنه له كل يوم في خليقته أمر عسى ما ترى أن لا يدوم وأن ترى ... له فرجا مما ألح به العسر إذا اشتد عسرفارج يسرا فإنه ... قضى اللَّه أن العسر يتبعه اليسر ... أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الطَّبَرِيُّ بِالصَّيْمَرَةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِيُّ قَالَ لَمَّا حَدَّثَ شَرِيكٌ بِحَدِيثِ الأَعْمَشِ عن سلمان عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اسْتَقِيمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَإِذَا خَالَفُوكُمْ فَضَعُوا سُيُوفَكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ فأببيدوا خَضْرَاءَهُمْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَكُونُوا زَرَّاعِينَ أَشْقِيَاءَ فسعى به إلى المهدي فبعث إلى شريك فأتاه فقال حدثت بها قَالَ قلت نعم قال عمن رويتها قلت عَن الأعمش قَالَ ويلي عَلَيْهِ لو عرفت مكان قبره لأخرجته فأحرقته بالنار قلت إن كان لمأمونا على مَا روى قال يا زنديق لأقتلنك قلت الزنديق من يشرب الخمر ويسفك الدم قَالَ والله لأقتلنك قلت أو يكفي اللَّه قَالَ فخرجنا من عنده فاستقبلني الفضل بْن الربيع فقال ليس لك موضع تهرب إليه قلت بلى قَالَ فإنه قد أمر بقتلك قَالَ فخرجت إلى جبل فخرجت يوما أتجسس الخبر فأقبل ملاح من بغداد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 فاستقبله ملاح آخر من البصرة فسأله مَا الخبر قَالَ مات أمير المؤمنين قلت يا ملاح قرب فقرب وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... تجري المقادير إن عسرا وإن يسرا ... وللمقادير أسباب وأبواب ما اشتد عسر ولا انسدت مذاهبه ... إلا تفتح من مسروره باب ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... ألا رب عسر قد أتى اليسر بعده ... وغمرة كرب فرجت لكظيم هو الدهر يوم يوم بؤس وشدة ... ويوم سرور للفتى ونعيم ... أنبأنا أَبُو عوانة يعقوب بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الوهاب النيسابوري حَدَّثَنَا بشر بْن عَبْد الحكم عَن علي بْن عثام قَالَ رئي إِبْرَاهِيم بْن أدهم متنفط الرجلين رافعهما على ميل وهو يقول {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} أنبأنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بْن عمير عَن عطاء الأزرق عَن عَبْد الواحد بْن زيد قَالَ قلت للحسن يا أبا سَعِيد من أين أتي هذا الخلق قَالَ من قلة الرضا عَن اللَّه قلت ومن أين أوتى قلة الرضا عَن اللَّه قَالَ من قلة المعرقة بالله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه يجب على العاقل إذا كان مبتدئا أن يلزم عند ورود الشدة عَلَيْهِ سلوك الصبر فإذا تمكن منه حينئذ يرتقي من درجة الصبر إلى درجة الرضا فإن لم يرزق صبرا فليلزم التصبر لأنه أول مراتب الرضا ولو كان الصبر من الرجال لكان رجلا كريما إذ هو بذر الخير وأساس الطاعات ولقد أخبرني مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا طاهر بْن الفضل بْن سَعِيد حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عبينه قَالَ سمعت رجلا من أهل الكتاب أسلم قَالَ أوحى اللَّه إلى داود يا داود اصبر على المؤنة تأتك مني المعونة وأنشدني عَبْد اللَّه بْن الأحوص بْن عمار القاضي ... صبرا جميلا على مَا ناب من حدث ... والصبر ينفع أحيانا إذا صبروا الصبر أفضل شيء تستعين به ... على الزمان إذا مامسك الضرر ... وأنشدني إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بن سهل أنشدني أَبُو يعلى الموصلي ... إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر وقل من جد في شيء يحاوله ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... أتاك الروح والفرج القريب ... وساعدك القضاء فلا تخيب صبرت فنلت عقبى كل خير ... كذاك لكل مصطبر عقيب ... أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن علي قَالَ سمعت مضر أبا سَعِيد يقول قَالَ عَبْد الواحد بْن زيد مَا أحببت أن شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا ولا أعلم درجة أشرف ولا أرفع من الرضا وهو رأس المحبة قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الصبر جماع الأمر ونظام الحزم ودعامة العقل وبذر الخير وحيلة من لا حيلة له وأول درجته الاهتمام ثم التيقظ ثم التثبت ثم التصبر ثم الصبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ثم الرضا وهو النهاية في الحالات ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا شعيب بْن عَبْد اللَّه البزار حَدَّثَنَا غيلان عَن معبد عَن أَبِي المليح عَن ميمون بْن مهران قَالَ مَا نال عَبْد شيئا من جسم الخير من نبي أو غيره إلا بالصبر وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... فما شدة يوما وإن جل خطبها ... بنازلة إلا سيتبعها يسر وإن عسرت يوما على المرء حاجة ... وضاقت عَلَيْهِ كان مفتاحها الصبر ... وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... تعز فإن الصبر بالحر أجمل ... وليس على ريب الزمان معول فإن تكن الأيام فينا تبدلت ... بنعمى وبؤسى والحوادث تفعل فما لينت منا قناة صليبة ... ولا ذللتنا للذي ليس يجمل ولكن رحلناها نفوسا كريمة ... تحمل مالا تستطيع فتحمل ... وأنشدنا عمرو بْن محمد الأنصاري أنشدنا الغلابي ... إني رأيت الخير في الصبر مسرعا ... وحسبك من صبر تحوز به أجرا عليك بتقوى اللَّه في كل حالة ... فإنك إن تفعل تصيب به ذخرا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الصبر على ضروب ثلاثة فالصبر عَن المعاصي والصبر على الطاعات والصبر عند الشدائد المصيبات فأفضلها الصبر عَن المعاصي فالعاقل يدبر أحواله بالتثبت عند الأحوال الثلاثة التي ذكرناها بلزوم الصبر على المراتب التي وصفناها قبل حتى يرتقي بها إلى درجة الرضا عَن اللَّه جل وعلا في حال العسر واليسر معا أسأل اللَّه الوصول إلى تلك الدرجة بمنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وأنشدني عَبْد اللَّه بْن الأحوص ... تعز بحسن الصبر عَن كل هالك ... ففي الصبر مسلاة الهموم اللوازم إذا أنت لم تسل اصطبارا وخشية ... سلوت على الأيام مثل البهائم وليس يذود النفس عَن شهواتها ... من الناس إلا كل ماضي العزائم ... وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... غاية الصبر لذيذ طعمها ... وبدي الصبر منه كالصبر إن في الصبر لفضلا بينا ... فاحمل النفس عَلَيْهِ تصطبر ... وأنشدني الكريزي ... صبرت ومن يصبر يجد غب صبره ... ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم ومن لا يطب نفسا ويستبق صاحبا ... ويغفر لأهل الود يضرم ويصرم ... أنبأنا مُحَمَّد بْن زنجويه القشيري حدثنا عبد الأعلى عن حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة عَن ثابت البناني عَن معاذة امرأة صلة بْن أشيم قالت لما أتاها نعي زوجها وابنها جاءها النساء فقالت إن كنتن جئتن لتهنئتنا بما أكرمنا اللَّه به وإلا فارجعن قال ثابت وكان صلة يأكل يوما فأتاه رجل فقال مات أخوك قَالَ هيهات قد نعى الى اجلس فكل قَالَ الرجل مَا سبقني إليك أحد فقال قَالَ اللَّه {إنك ميت وإنهم ميتون} حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا ابن عائشة قَالَ كتب بعض الحكماء إلى أخ له يعزيه عَن ابن له يقال له محمد ... اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد وإذا ذكرت محمدا ومصابه ... فاذكر مصابك بالنبي مُحَمَّد ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 .. يعزي المعزي ثم يمضي لشأنه ... ويبقى المعزى في أحر من الجمر ويرمى المعزي بعد ذاك بسلوة ... ويثوي المعزي عنه في وحشة القبر ... وأنشدني المنتصر بْن بلال ... من يسبق السلوة بالصبر ... فاز بفضل الحمد والأجر يا عجبي من هلع جازع ... يصبح بين الذم والوزر مصيبة الإنسان في دينه ... أعظم من جائحة الدهر ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... تجري المقادير إن عسرا وإن يسرا ... حاذرت واقعها أو لم تكن حذرا والعسر عَن قدر يجري إلى يسر ... والصبر أفضل شيء وافق الظفرا ... سمعت إِسْحَاق بْن أَحْمَد القطان البغدادي بتستر يقول كان لنا جار ببغداد كنا نسميه طبيب القراء وكان يتفقد الصالحين ويتعاهدهم فقال لي دخلت يوما على أَحْمَد بْن حنبل فإذا هو مغموم مكروب فقلت مَا لك يا أبا عَبْد اللَّه قَالَ خير قلت وما الخير قَالَ امتحنت بتلك المحنة حتى ضربت ثم عالجوني وبرأت إلا أنه بقي في صلبي موضع يوجعني هو أشد علي من ذلك الضرب قَالَ قلت اكشف لي عَن صلبك قَالَ فكشف لي فلم أر فيه إلا أثر الضرب فقط فقلت ليس لي بذي معرفة ولكن سأستخبر عَن هذا قَالَ فخرجت من عنده حتى أتيت صاحب الحبس وكان بيني وبينه فضل معرفة فقلت له أدخل الحبس في حاجة قَالَ ادخل فدخلت وجمعت فتيانهم وكان معي دريهمات فرقتها عليهم وجعلت أحدثهم حتى أنسوا بي ثم قلت من منكم ضرب أكثر قَالَ فأخذوا يتفاخرون حتى اتفقوا على واحد منهم أنه أكثرهم ضربا وأشدهم صبرا قَالَ فقلت له أسألك عَن شيء فقال هات فقلت شيخ ضعيف ليس صناعته كصناعتكم ضرب على الجوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 للقتل سياطا يسيرة إلا أنه لم يمت وعالجوه وبرأ إلا أن موضعا في صلبه يوجعه وجعا ليس له عَلَيْهِ صبر قال فضحك فقلت مالك قَالَ الذي عالجه كان حائكا قلت أيش الخبر قَالَ ترك في صلبه قطعة لحم ميتة لم يقلعها قلت فما الحيلة قَالَ يبط صلبه وتؤخذ تلك القطعة ويرمى بها وإن تركت بلغت إلى فؤاده فقتلته قَالَ فخرجت من الحبس فدخلت على أحمد ابن حنبل فوجدته على حالته فقصصت عَلَيْهِ القصة قَالَ ومن يبطه قلت أنا قَالَ أو تفعل قلت نعم قَالَ فقام فدخل البيت ثم خرج وبيده مخدتان وعلى كتفه فوطة فوضع إحداهما لي والأخرى له ثم قعد عليها وقال استخر اللَّه فكشفت الفوطة عَن صلبه وقلت أرني موضع الوجع فقال ضع إصبعك عَلَيْهِ فإني أخبرك به فوضعت إصبعي وقلت ها هنا موضع الوجع قَالَ ههنا أَحْمَد الله على العافيه فقلت ها هنا قَالَ هاهنا أَحْمَد اللَّه على العافية فقلت هاهنا قَالَ هاهنا أسأل اللَّه العافية قَالَ فعلمت انه موضع الوجع فال فوضعت المبضع عَلَيْهِ فلما أحس بحرارة المبضع وضع يده على رأسه وجعل يقول اللهم اغفر للمعتصم حتى بططته فأخذت القطعه الميتة ورميت بها وشددت العصابة عَلَيْهِ وهو لا يزيد على قوله اللهم اغفر للمعتصم قَالَ ثم هدأ وسكن ثم قَالَ كأني كنت معلقا فأصدرت قلت يا أبا عَبْد اللَّه إن الناس إذا امتحنوا محنة دعوا على من ظلمهم ورأيتك تدعو للمعتصم قَالَ إني أفكرت فيما تقول وهو ابن عم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكرهت أن آتي يوم القيامة وبيني وبين أحد من قرابته خصومة هو مني في حل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 ذكر الحث على العفو عَن الجاني حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ بِالْبَصْرَةِ حَدَّثَنَا القعنبي حدثنا عبد العزيز ابن مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قرابة أصلهم ويقطعوني وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلا يَزَالُ مِنَ الله معك ظهير ما زالت عَلَى ذَلِكَ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل توطين النفس على لزوم العفو عَن الناس كافة وترك الخروج لمجازاة الإساءة إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسن من الإحسان ولا سبب لنماء الإساءة وتهييجها أشد من الاستعمال بمثلها ولقد أنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... سألزم نفسي الصفح عَن كل مذنب ... وإن كثرت منه إلي الجرائم فما الناس إلا واحد من ثلاثة ... شريف ومشروف ومثل مقاوم فأما الذي فوقي فأعرف فضله ... وأتبع فيه الحق والحق لازم وأما الذي دوني فإن قَالَ صنت عَن ... إجابته عرضي وإن لام لائم وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا ... تفضلت إن الحلم للفضل حاكم ... أنبأنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عامر الأنطاكي حَدَّثَنَا ابن توبة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مهاجر عَن يونس بْن ميسرة بْن جليس قَالَ ثلاثة يحبهم اللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 من كره سوءا يأتيه إلى أخيه وصاحبه فذلك قمن أن يستحي من اللَّه ومن كان ذا رفعة من الناس فتواضع لله فذلك الذي عرف عظمة اللَّه فيخاف مقته ومن كان عفوه قريبا من إساءته فذلك تقوم به الدنيا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من أراد الثواب الجزيل واسترهان الود الأصيل وتوقع الذكر الجميل فليتحمل من ورود ثقل الردى ويتجرع مرارة مخالفة الهوى باستعمال السنة التي ذكرناها في الصلة عند القطع والإعطاء عند المنع والحلم عند الجهل والعفو عند الظلم لأنه من أفضل أخلاق أهل الدين والدنيا ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن المهاجر حَدَّثَنَا ابن أَبِي شيبة حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن ميمون عَن داود بْن الزبرقان قَالَ قَالَ أيوب لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان العفة عما في أيدي الناس والتجاوز عنهم وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... وإذا مذنب أتاه به الحق ... فغطاه عفوه في ستوره راجيا للثواب في كل زرء ... من خفي الأمور أو مشهوره فهو في عاجل الحياة كريم ومن الفائزين يوم نشوره خصلة جزلة بها خصه اللَّه ... لزين الدنيا ويوم كروره ... أنبأنا مُحَمَّد بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا عمر بْن حفص الشيباني حَدَّثَنَا سُفْيَان عَن رجل قَالَ سمعت عمر بْن عَبْد العزيز يقول أحب الأمور إلى اللَّه ثلاثة العفو في القدرة والقصد في الجدة والرفق في العبادة وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق اللَّه به يوم القيامة أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عائشة قَالَ كتب الحجاج إلى عَبْد الملك إنك أعز مَا تكون أحوج مَا تكون إلى اللَّه فإذا تعززت بالله فاعف فإنك به تعز وإليه ترجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل لزوم الصفح عند ورود الإساءة عَلَيْهِ من العالم بأسرهم رجاء عفو اللَّه جل وعلا عَن جناياته التي ارتكبها في سالف أيامه لأن صاحب الصفح إنما يتكلف الصفح بإيثاره الجزاء وصاحب العقاب وإن انتقم كان إلى الندم أقرب فأما من له أخ يوده فإنه يحتمل عنه الدهر كله زلاته ولقد أخبرني مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن داود التمار قَالَ سمعت مردويه الصائغ يقول سمعت الفضيل بْن عياض يقول احتمل لأخيك إلى سبعين زلة قِيلَ له وكيف ذلك يا أبا علي قَالَ لأن الأخ الذي آخيته في اللَّه ليس يزل سبعين زلة أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... إذا لم تجاوز عَن أخ لك عثرة ... فلست غدا من عثرتي متجاوزا وكيف يرجيك البعيد لنفعه ... إذا كان عَن مولاك برك عاجزا ... أنبأنا مُحَمَّد بْن صالح الطبري حَدَّثَنَا الرمادي حَدَّثَنَا الجعفي يَحْيَى بْن سليمان حَدَّثَنَا ابن أبجر حدثني أَبِي قَالَ أقبل الشعبي يوما فإذا هو برجلين من قومه من وراء جدار قصير قَالَ فاستمع عليهما فإذا هما يقعان فيه ويشتمانه وينتقصانه حتى أكثرا فلما أطالا أشرف عليهما الشعبي فقال ... هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا مَا استحلت ... فقالا والله يا أبا عمرو لا نقع فيك بعد اليوم وأنشدني بعض أهل العلم ... ولربما ابتسم الوقور من الأذى ... وضميره من حره بتأوه ولربما خزن الحليم لسانه ... حذر الجواب وإنه لمفوه ... وأنبأنا أَبُو عوانه يعقوب بْن إِبْرَاهِيم أنبأنا عبد الله بن الحسين المصيصي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 أَنْبَأَنَا يعقوب بْن أَبِي عباد قَالَ قَالَ الفضيل بْن عياض من طلب أخا بلا عيب بقي بلا أخ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أغنى الناس عَن الحقد من عظم عَن المجازاة وأجل الناس مرتبة من صد الجهل بالحلم وما الفضل إلا لمن يحسن إلى من أساء إليه فأما مجازاة الإحسان إحسانا فهو المساواة في الأخلاق فلربما استعملها البهائم في الأوقات ولو لم يكن في الصفح وترك الإساءة خصلة تحمد إلا راحة النفس ووداع القلب لكان الواجب على العاقل أن لا يكدر وقته بالدخول في أخلاق البهائم بالمجازاة على الإساءة إساءة ومن جازى بالإساءة إساءة فهو المسيء وإن لم يكن بادئا كما أنشدني الكريزي ... أسأت وأنكرت أني أسأت ... فأفضل ولا تك عين المسي لك الفضل بالعفو عما عفوت ... وإلا فأنت القرين السوي ... وعفوك مقتدرا نعمة ... وعفو المندد غير الهني ... سمعت مُحَمَّد بْن عثمان العقبي قَالَ سمعت هلال بْن العلاء الباهلي يقول جعلت على نفسي منذ أكثر من عشرين سنة أن لا أكافيء أحدا بسوء وذهبت إلى هذه الأبيات ... لما عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت قلبي من غم العداوات إني أحيى عدوي عند رؤيته ... لأدفع الشر عني بالتحيات وأظهر البشر للإنسان أبغضه ... كأنما قد حشي قلبي محبات ... أنبأنا ابن قتيبة حَدَّثَنَا ابن أَبِي السري قَالَ سمعت أبا عمر الصنعاني يقول حَدَّثَنَا زيد بْن أسلم قَالَ قَالَ لقمان لابنه كذب من قَالَ إن الشر يطفيء الشر فإن كان صادقا فليوقد نارا إلى جنب نار فلينظر هل تطفيء إحداهما الأخرى وإلا فإن الخير يطفيء الشر كما يطفيء الماء النار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 حدثني مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خلف البسامي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الداري حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران الضبي قَالَ قَالَ ابن السماك لن لمن يجفو فقل من يصفو وأنشدني الأبرش ... توخ من السبل أوساطها ... وعد عَن الحائر المشتبه وسمعك صن عَن سماع القبيح ... كصون اللسان عَن النطق به فإنك عند استماع القبيح ... شريك لقائله فانتبه فكم أزعج الحرص من طالب ... فوافى المنية في مطلبه ... أنبأنا عمر بْن جفص البزاز بجنديسابور حَدَّثَنَا جعفر بْن مُحَمَّد بْن حبيب الذراع حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن رشيد حَدَّثَنَا مجاعة بْن الزبير قَالَ قَالَ لقمان لابنه أي بني أي شيء أقل وأي شيء أكثر وأي شيء أحلى وأي شيء أبرد وأي شيء آنس وأي شيء أوحش وأي شيء أقرب وأي شيء أبعد قال أما أقل شيء فاليقين وأما أي شيء أكثر فالشك وأما أي شيء أحلى فروح اللَّه بين العباد يتحابون بها وأما أي شيء أبرد فعفو اللَّه عَن عباده وعفو الناس بعضهم عَن بعض وأي شيء آنس حبيبك إذا أغلق عليك وعليه باب واحد وأي شيء أوحش جسد إذا مات فليس شيء أوحش منه وأي شيء أقرب فالآخرة من الدنيا وأي شيء أبعد فالدنيا من الآخرة قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يحسن عند الجفوة ويغضي عَن المجازاة عليها بمثلها وقد قِيلَ إن من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة وهو عندي والله أعلم غضب لا يخرجه إلى المعاصي ولا إلى الانتقام من الجاني كأنه في نفسه يعلم محل الجفوة منه كما يعقل ورود النعمة عَلَيْهِ وما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 أقبح قدرة اللئيم إذا قدر ومن أساء سمعا أساء إجابة ومن أتى المكروه إلى أحد فبنفسه بدأ لأن الشرور تبدو صغارا ثم تعود كبارا ولقد أنبأنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إدريس الرازي حَدَّثَنَا عَبْد الرحمن بْن يَحْيَى وإسماعيل بْن عُبَيْد اللَّه المخزومي قالا حدثنا عبد الأعلى ابن مسهر عَن سَعِيد بْن عَبْد العزيز قَالَ سمعت إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْد اللَّه يقول لبنيه يا بني أكرموا من أكرمكم وإن كان عبدا حبشيا وأهينوا من أهانكم وإن كان رجلا قرشيا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه هذا الذي قال إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ أَبِي المهاجر إن استعمله العاقل في الأحوال كلها مع الجاهل فلا ضير فأما من ارتفع عَن حد الجهال واتضع عَن حد العقلاء فالإغضاء عَن مثله في الأوقات أَحْمَد مخافة الازدياد منه ولأن يصبر المرء على حرارة الجفاء ومرارتها أولى من الانتقام مما يستجلب عَلَيْهِ بما هو أحر وأمر مما مضى لأن من الكلام مَا هو أشد من الحجر وأنفذ من الإبر وأمر من الصبر ولقد أحسن الذي يقول ... لقد أسمع القول الذي كاد كلما ... تذكرنيه النفس قلبي تصدع فأبدي لمن أبداه منى بشاشة ... كأني مسرور بما منه أسمع وما ذاك عَن عجز به غير أنني ... أرى أن ترك الشر للشر أقطع ... أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْنُ صَالِحٍ الطَّبَرِيُّ بِالصَّيْمَرَةِ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مقدام العجلي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه عَن أَبِي عمرو في هذه الآية (7 199) {خذ العفو وأمر بالعرف} قَالَ أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بالعفو عَن أخلاق الناس ذكر صفة الكريم واللئيم أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ بِنَسَا حَدَّثَنَا أَبُو كريب حدثنا عبدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ابن سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ يا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ قَالَ أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونَنِي قَالُوا نَعَمْ قَالَ خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أكرم الناس من اتقى اللَّه والكريم التقي والتقوى هي العزم على إتيان المأمورات والانزجار عَن جميع المزجورات فمن صح عزمه على هاتين الخصلتين فهو التقي الذي يستحق اسم الكرم ومن ترى عن استعمالها أو أحدهما أو شعبة من شعبهما فقد نقص من كرمه مثله ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ الأَزْدِيُّ عَنْ أَبِيهِ عن المدائني قال قَالَ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ثَلاثُ خِصَالٍ لا تَجْتَمِعُ إِلا فِي كَرِيمٍ حُسْنُ الْمَحْضَرِ وَاحْتِمَالُ الزَّلَّةِ وَقِلَّةُ الْمَلالَةِ وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... رأيت الحق يعرفه الكريم ... لصاحبه وينكره اللئيم إذا كان الفتى حسنا كريما ... فكل فعاله حسن كريم إذا ألفيته سمحا لئيما ... فكل فعاله سمج لئيم ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الكريم لا يكون حقودا ولا حسودا ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 شامتا ولا باغيا ولا ساهيا ولا لاهيا ولا فاجرا ولا فخورا ولا كاذبا ولا ملولا ولا يقطع إلفه ولا يؤذي إخوانه ولا يضيع الحفاظ ولا يجفو في الوداد يعطي من لا يرجو ويؤمن من لا يخاف ويعفو عَن قدرة ويصل عَن قطيعة أخبرني مُحَمَّد بْن أَبِي عَلِيٍّ الْخَلادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن الحسن الذهلي عَن علي بْن مُحَمَّد المرحبي عَن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم العباسي عَن عَبْد اللَّه بْن الحجاج مولى المهدي عَن إِبْرَاهِيم بْن شكلة قَالَ إن لكل شيء حياة وموتا وإن مما يَحْيَى الكرم مواصلة الكرماء وإن مما يحيى اللؤم معاشرة اللئام وأنشدني الكريزي ... وما بال قوم لئام ليس عندهم ... عهد وليس لهم دين إذا ائتمنوا إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... منا وما سمعوا من صالح دفنوا صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسو إذا ألطف والكريم يجل الكرام ولا يهين اللئام ولا يؤذي العاقل ولا يمازح الأحمق ولا يعاشر الفاجر مؤثرا إخوانه على نفسه باذلا لهم مَا ملك إذا اطلع على رغبة من أخ لم يدع مكافأتها وإذا عرف منه مودة لم ينظر في قلق العداوة وإذا أعطاه من نفسه الإخاء لم يقطعه بشيء من الأشياء كما أنشدني الخلادي أنشدنا أَحْمَد بْن أَبِي علي القاضي قَالَ أنشدنا مُحَمَّد بْن مقيس الأزدي ... فإن الذي بيني وبين عشيرتي ... وبين بني عمي لمختلف جدا إذا قدحوا لي نار حرب بزندهم ... قدحت لهم في كل مكرمة زندا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا وأعطيهم مالي إذا كنت واجدا ... وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا ... أنبأنا ابن حوصا حَدَّثَنَا النحاسي حَدَّثَنَا ضمرة عَن إِبْرَاهِيم بن أبي علية قَالَ رأيت سالم بْن عَبْد اللَّه ومحمد بْن عَبْد العزيز يتسايران بأرض الروم فأبال أحدهما دابته فأمسك عَلَيْهِ الآخر حتى لحقه أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أَبِي بكر بْن خالد اليزيدي عَن قطبة ابن العلاء بْن المنهال قَالَ سمعت المبارك بْن سَعِيد يقول سمعت الأعمش يقول قَالَ الشعبي إن كرام الناس أسرعهم مودة وأبطؤهم عداوة مثل الكوب من الفضة يبطيء الانكسار ويسرع الانجبار وإن لئام الناس أبطؤهم مودة وأسرعهم عداوة مثل الكوب من الفخار يسرع الإنكسار ويبطيء الانجبار قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الكريم من أعطاه شكره ومن منعه عذره ومن قطعه وصله ومن وصله فضله ومن سأله أعطاه ومن لم يسأله ابتدأه وإذا استضعف أحدا رحمه وإذا استضعفه أحد رأى الموت أكرم له منه واللئيم بضد مَا وصفنا من الخصال كلها ولقد أَنْبَأَنَا أَحْمَد بْن قريش بْن عَبْد العزيز حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الذهلي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الخليل حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أيوب عَن أَبِي عيسى قال كان إبراهيم ابن أدهم كريم النفس يخالط الناس بأخلاقهم ويأكل معهم قَالَ فربما اتخد لهم الشواء والجواذبات والخبيص وربما خلا وأصحابه الذين يأنس بهم فيتصارعون قَالَ وكان يعمل عمل رجلين وكان إذا صار إلى نفسه أكل عجينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أجمع أهل التجارب للدهر وأهل الفضل في الدين والراغبون في الجميل على أن أفضل مَا اقتنى الرجل لنفسه في الدنيا وأجل مَا يدخر لها في العقبى هو لزوم الكرم ومعاشرة الكرام لأن الكرم يحسن الذكر ويشرف القدر وهو طباع ركبها اللَّه في بني آدم فمن الناس من يكون أكرم من أبيه وربما كان الأب أكرم من ابنه وربما كان المملوك أكرم من مولاه ورب مولى أكرم من مملوكه ولقد أحسن الذي يقول ... رب مملوك إذا كشفته ... كان من مولاه أولى بالكرم فهو ممدوح على أحواله ... وترى مولاه يهجى ويذم وتراه كيف يعلو دائما ... وترى مولاه من تحت القدم وفتى تلقى أباه دونه ... وأبا تلقاه أعلى وأتم من بنيه ثم لا يعتل إن ... طلب المعروف منه بالصمم وكذلك الناس فاعلم ربنا ... قدر الأخلاق فيهم وقسم ... وأنشدني الأبرش ... رأيت اللين لا يرضى بضيم ... لأن الضيم يسخطه الكريم وإن اللين أكرم كل شيء ... فليس يحيه خلق لئيم فإن نزل الأذى واللين قلبا ... فإن اللين يرحل لا يقيم ويبقى للأذى في القلب صحب ... من البغضاء يلبث لا يريم ... حدثنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ سمعت أَبِي يقول مَا من أحد إلا وله توبة إلا سيء الخلق فإنه لا يتوب من ذنب إلا دخل في شر منه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الكريم محمود الأثر في الدنيا مرضى العمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 في العقبى يحبه القريب والقاصي ويألفه المتسخط والراضي يفارقه الأعداء واللئام ويصحبه العقلاء والكرام وما رأيت شيئا أكثر عملا في نقص كرم الكريم من الفقر سواء كان ذلك بالقلب أو بالموجود ولقد أنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... لعمرك إن المال قد يجعل الفتى ... نسيبا وإن الفقر بالمرء قد يزري ولا رفع النفس الدنية كالغنى ... ولا وضع النفس الكريمة كالفقر ... حَدَّثَنَا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ جَالِسُوا الْكُبَرَاءَ وَخَالِطُوا الْحُكَمَاءَ وَسَائِلُوا الْعُلَمَاءَ ذكر الزجر عَن قبول قول الوشاة أَنْبَأَنَا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أسماء حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونَ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلا يَنُمُّ الْحَدِيثَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على الناس كافة مجانبة الإفكار في السبب الذي يؤدي إلى البغضاء والمشاحنة بين الناس والسعي فيما يفرق جمعهم ويشتت شملهم والعاقل لا يخوض في الإفكار فيما ذكرنا ولا يقبل سعاية الواشي بحيلة من الحيل لعلمه بما يرتكب الواشي من الإثم في العقبى بفعله ذلك ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا عباس بْن الوليد بْن مزيد عَن أبيه عَن الأوزاعي عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير قَالَ قَالَ سليمان بْن داود لابنه يا بني إياك والنميمة فإنها أحد من السيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وأنشدني الكريزي ... من نم في الناس لم تؤمن عقاربه ... على الصديق ولم تؤمن أفاعيه كالسيل بالليل لا يدري به أحد ... من أين جاء ولا من أين يأتيه فالويل للعهد منه كيف ينقضه ... والويل للود منه كيف يفتيه ... أخبرنا أَحْمَد بْن إِسْحَاق الناقد بواسط حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الجبار حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن عياش عَن أَبِي إِسْحَاق عَن عمرو بْن ميمون قَالَ لما تعجل موسى ابن عمران إلى ربه رأى رجلا تحت العرش فغبطه بمكانه فسأل ربه أن يخبره باسمه قَالَ لكنني أخبرك من عمله بثلاث خصال كان لا يحسد الناس على مَا آتاهم اللَّه من فضله ولا يعق والديه ولا يمشي بالنميمة أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يعقوب الربعي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إدريس المعدل عَن العتبي قَالَ سمعت أعرابية توصي ابنا لها فقالت عليك بحفظ السر وإياك والنميمة فإنها لا تترك مودة إلا أفسدتها ولا ضغينة إلا أوقدتها ثم لا بد لمن عرف بها ونسب إلى مقارفتها من أن يحترس من مجالسته وأن لا يوثق بمودته وأن يزهد في مواصلته ومعاشرته ولذلك يقول أخو ربيعة ... تمشيت فينا بالنميم وإنما ... تفرق بين الأصفياء النمائم وما زلت منسوبا إلى كل آفة ... وما زال منسوبا إليك الملائم لأنك لم تندم لشر فعلته ... وما تأت من خير فإنك نادم ... أَنْبَأَنَا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الجشمي حَدَّثَنَا علي بْن مُحَمَّد المدائني قَالَ وشى واش بعبد اللَّه بْن همام السلولي إلى زياد قَالَ فبعث زياد إلى ابن همام فجاء فأدخل الرجل بيتا فقال له زياد يا ابن همام بلغني أنك هجوتني فقال له كلا أصلحك اللَّه مَا فعلت وما أنت لذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 أهل قَالَ فإن هذا أخبرني وأخرج الرجل فأطرق ابن همام هنيهة ثم أقبل على الرجل فقال ... وأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليا ... فخنت وإما قلت قولا بلا علم فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم ... قال فأعجب زياد بجوابه وأدناه وأقصى الساعي ولم يقبل منه وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... يمشون في الناس يبغون العيوب لمن ... لا عيب فيه لكي يستشرف العطب إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا ... أخبرني مُحَمَّد بْن أَبِي علي حَدَّثَنَا ابن أَبِي شيبه أَبُو جعفر حَدَّثَنَا الحسن بْن صالح قال سمعت حجين بْن المثنى يقول سعى رجل بالليث بْن سعد إلى والي مصر فبعث إليه فدعاه فلما دخل عَلَيْهِ قَالَ له يا أبا الحارث إن هذا أبلغني عنك كذا وكذا فقال له الليث سله أصلح اللَّه الأمير عما أبلغك أهو شيء ائتمناه عَلَيْهِ فخاننا فيه فما ينبغي لك أن تقبل من خائن أو شيء كذب علينا فيه فما ينبغي لك أن تقبل من كاذب فقال الوالي صدقت يا أبا الحارث أخبرنا ابن حوصا حدثنا عبد الله بن هانيء بْن عَبْد الرحمن عَن ابن ابي علية عَن أبيه عَن عمه إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عبلة قَالَ كنت جالسا مع أم الدرداء فأتاها آت فقال يا أم الدرداء إن رجلا نال منك عند عَبْد الملك بْن مروان فقالت إن نؤبن بما ليس فينا فطالما زكينا بما ليس فينا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل لزوم الإغضاء عما ينقل الوشاة وصرف جميعها إلى الإحسان وترك الخروج الى مالا يليق بأهل العقل مع ترك الإفكار فيما يزري بالعقل لأن من وشى بالشيء إلى إنسان بعينه يكون قصده إلى المخبر أكثر من قصده إلى المخبر به لمشافهته إياه بالشيء الذي يشق عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 علمه وسماعه ولقد أحسن الذي يقول ... من يخبرك بشتم عَن أخ ... فهو الشاتم لا من شتمك ذاك شيء لم يشافهك به ... إنما اللوم على من أعلمك كيف لم ينصرك إن كان أخا ... ذا وفاء عند من قد ظلمك إنما رام بإبلاغ الذي ... نم فيه فاعلمن أن يرغمك فأهنه إنه من لؤمه ... إن تهنه بهوان أكرمك لكن الحر إذا أكرمته ... لم يصغرك ولكن فخمك ... أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن عَبْد اللَّه السويدي قَالَ سمعت العباس ابن ميمون يقول شيع المأمون الحسن بْن سهل ذا الوزارتين فلما بلغا غاية التشييع قَالَ له المأمون يا حسن ألك حاجة قَالَ نعم يا أمير المؤمنين تحفظ علي من قلبك مالا أستطيع إدراكه إلا بك ويكون بيني وبينك قول كثير عزة ... وكوني على الواشين لداء شغبة ... كما أنا للواشي ألد شغوب ... أخبرنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خزيمه البصري حَدَّثَنَا حذيفة حَدَّثَنَا عكرمة بْن عمار عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير قَالَ الذي يعمله النمام في ساعة لا يعمله الساحر في شهر أخبرنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسن الهلالي حَدَّثَنَا أَبُو عوانة البصري حَدَّثَنَا داود بْن شبيب حَدَّثَنَا حماد بْن سلمة قَالَ باع رجل من رجل غلاما له وقال أبرأ إليك من النميمة فاشتراه على ذلك فجاء إلى مولاته فقال إن زوجك ليس يحبك وهو يتسرى عليك ويتزوج أفتر يدين أن يعطف عليك قالت نعم قَالَ خذي موسى فاحلقي به شعرات من باطن لحيته وبخريه بها وجاء إلى الرجل فقال إن امرأتك تبغي وتصادق وهي قاتلتك أفتريد أن يبين لك ذلك قَالَ نعم قَالَ تناوم لها قَالَ فتناوم لها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فجاءت بموسى تحلق الشعر فأخذها فقتلها فأخذه أولياؤها فقتلوه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه هذا وأمثاله من ثمرة النميمة لأنها تهتك الأستار وتفشي الأسرار وتورث الضغائن وترفع المودة وتجدد العداوة وتبدد الجماعة وتهيج الحقد وتزيد الصد فمن وشى إليه عَن أخ كان الواجب عَلَيْهِ معاتبته على الهفوة إن كانت وقبول العذر إذا اعتذر وترك الإكثار من العتب مع توطين النفس على الشكر عند الحفاظ وعلى الصبر عند الضياع وعلى المعاتبة عند الإساءة وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... كاف الخليل على المودة مثلها ... وإذا أساء فكافه بعتابه وإذا عتبت على امريء أحببته ... فتوق ظاهر عيبه وسبابه وألن جناحك مَا استلان لوده ... وأجب أخاك إذا دعا بجوابه ... وأنشدني على بْن مُحَمَّد البسامي ... أعاتب إخواني وأبقي عليهم ... ولست لهم بعد العتاب بقاطع وأغفر ذنب المرء إن زل زلة ... إذا مَا أتاها كارها غير طائع وأجزع من لوم الحليم وعذله ... وما أنا من جهل الجهول بجازع ... أخبرني مُحَمَّد بْن علي الخلادي أخبرني مُحَمَّد بْن يزيد النحوي عَن العتبي عَن أبيه قَالَ عتب ابن الزبير على معاوية في شيء فدخل عَلَيْهِ فقال يا أمير المؤمنين اسمع ابياتا أعتبتك فيها قَالَ هات فأنشده ... لعمرك مَا أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول وإني على أشياء منك تريبني ... كثيرا لذو صفح على ذاك مجمل إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران لو كان يعقل ... فقال له معاويه لقد شعرت بعدي يا أبا بكر فدخل عَلَيْهِ معن بْن أوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 المزني بعد ذلك فقال له معاوية هل أحدثت بعدنا شيئا قَالَ نعم ثم أنشده ... لعمرك مَا أدري وإني لأوجل ... فقال علي بابن الزبير فقال أليس هذا لك فيما زعمت قَالَ أنا ألفت المعنى وهو ألف القوافي وهو بعد ظئري ومهما قَالَ من شيء فأنا قلته فضحك معاوية وكان معن بْن أوس مسترضعا في مزينة سمعت الحسين بْن إِسْحَاق الأصفهاني يقول كتب علي بْن حجر السعدي إلى بعض إخوانه ... أحن إلى عتابك غير أني ... أجلك عَن عتاب في كتاب ونحن إذا التقينا قبل موت ... شفيت غليل صدري من عتابي وإن سبقت بنا أيدي المنايا ... فكم من عاتب تحت التراب ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... صحائف عندي للعتاب طويتها ... ستنشر يوما والعتاب يطول كتاب لعمري لا بنان يخطه ... وسوف يؤديه إليك رَسُول سأكتب إن لم يجمع اللَّه بيننا ... وإن نجتمع يوما فسوف أقول ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن لا يقصر عَن معاتبة أخيه على زلته لأن من لم يعاتب على الزلة لم يكن بحافظ للخلة ومن أعتب لم يذنب كما أن من اغتفر لم يعاقب وظاهر العتاب خير من مكتوم الحقد ورب عتب أنفع من صفح ولذلك أنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... إذا مَا امرؤ ساءتك منه خليقة ... فكاتمته فالوهن في ذاك تركب لعلك لو عاتبته ثم لمته ... لسرك حتى لم تكن تتعتب ... وأنشدني الكريزي ... فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا ... وحق لها التعبى لدينا وقلت ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وإن تكن الأخرى فإن وراءنا ... مفاوز لو سارت بها العيس كلت ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب على العاقل أن يناقش على تصحيح الإعتاب بالإكثار مخافة أن يعود المعاتب إلى مَا عوتب عَلَيْهِ لأن من عاتب على كل ذنب أخاه فحقيق أن يمله ويقلاه وإن من سوء الأدب كثرة العتاب كما أن من أعظم الجفاء ترك العتاب والإكثار في المعاتبة يقطع الود ويورث الصد ولقد أنشدني عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد النقيب البغدادي لابن المعتز ... معاتبة الإلفين تحسن مرة ... فإن أكثروا إدمانها أفسد الحبا إذا شئت أن تقلى فزر متتابعا ... وإن شئت أن تزداد حبا فزر غبا ... وأنشدني مُحَمَّد بْن أَبِي علي الصيداوي ... إذا كنت في كل الأمور معابتا ... خليلك لم تلق الذي لا تعاتبه فعش واحد أو صل أخاك فإنه ... مقارف ذنب مرة ومجانبه إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه ... أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الذُّهْلِيُّ عَنْ أَبِي السَّائِبِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا تُكْثِرِ الْعِتَابَ فَإِنَّ الْعِتَابَ يُورِثُ الضَّغِينَةَ وَالْبَغْضَةَ وَكَثْرَتُهُ مِنْ سُوءِ الأَدَبِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد ذكرت مَا يشاكل هذه الحكايات في كتاب مراعاة الإخوان فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب ذكر استحباب قبول الاعتذار من المعتذر أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بِنَصِيبِينَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِينَا عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 جَوْدَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ فَلَمْ يَقْبَلْ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أنا خائف أن يكون ابن جريج رحمه اللَّه ورضوانه عَلَيْهِ دلس هذا الخبر بأن سمعه من العباس بْن عَبْد الرحمن فهو حديث حسن فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى أو لتقصير سبق أن يقبل عذره ويجعله كمن لم يذنب لأن من تنصل إليه فلم يقبل أخاف أن لا يرد الحوض على المطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ومن فرط منه تقصير في سبب من الأسباب يجب عَلَيْهِ الاعتذار في تقصيره إلى أخيه ولقد أنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... إذا اعتذر الصديق إليك يوما ... من التقصير عذر أخ مقر فصنه عَن جفائك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... شفيع من أسلمه جرمه ... إقراره بالجرم والذنب وتوبة المذنب من ذنبه ... إعتاب من أصبح ذا عتب ... أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا ابن عائشة قَالَ غضب سليمان بْن عَبْد الملك على خالد بْن عَبْد اللَّه فلما دخل عَلَيْهِ قَالَ يا أمير المؤمنين القدرة تذهب الحفيظة وأنت تجل عَن العقوبة فإن تعف فأهل ذاك أنت وإن تعاقب فأهل ذاك أنا فال فعفا عنه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب للمرء أن يعتذر بحيلة إلى من لا يحب أن يجد له عذرا ولا يجب أن يكثر من الاعتذار إلى أخيه فإن الإكثار من الاعتذار هو السبب المؤدي إلى التهمة وإني أستحب الإقلال من الاعتذار على الأحوال كلها لعلمي أن المعاذير يعتريها الكذب وقل ما رأيت أحدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 اعتذر إلا شاب اعتذاره بالكذب ومن اعترف بالزلة استحق الصفح عنها لأن ذل الاعتذار عَن الزلة يوجب تسكين الغضب عنها والمعتذر إذا كان محقا خضع في قوله وذل في فعله كما أنشدني المنتصر بن بلال ... أيارب قد أحسنت عودا وبدأة ... إلي فلم ينهض بإحسانك الشكر فمن كان ذا عذر إليك وحجة ... فعذري إقراري بأن ليس لي عذر ... وأنشدني الكريزي ... وإني وإن أظهرت لي منك جفوة ... وألزمتني ذنبا وإن كنت مجرما لراض لنفسي مَا رضيت لها به ... أراك بها مني أبر وأرحما ... أنبأنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا الفيض بْن الجهم التميمي حدثنا عبد الله ابن خبيق قَالَ كان يقال احتمل من دل عليك واقبل ممن اعتذر إليك أنبأنا بكر بْن محمد بن الوهاب القزاز بالبصرة حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم أَبُو بشر قَالَ سمعت أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا مبارك بْن فضالة عَن حميد الطويل عَن أَبِي قلابة قَالَ إذا بلغك عَن أخيك شيء تكرهه فالتمس له عذرا فإن لم تجد له عذرا فقل لعل له عذرا لا أعلمه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب للمرء أن يعلن عقوبة من لم يعلن ذنبه ولا يخلو المعتذر في اعتذاره من أحد رجلين إما أن يكون صادقا في اعتذاره أو كاذبا فإن كان صادقا فقد استحق العفو لأن شر الناس من لم يقل العثرات ولا يستر الزلات وإن كان كاذبا فالواجب على المرء إذا علم من المعتذر إثم الكذب وريبته وخضوع الاعتذار وذلته أن لا يعاقبه على الذنب السالف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 بل يشكر له الإحسان المحدث الذي جاء به في اعتذاره وليس يعيب المعتذر أن ذل وخضع في اعتذاره إلى أخيه وأنشدني الأبرش ... هبني أسأت كما زعمت فأين عاطفة الأخوه أو إن أسأت كما أسأت ... فأين فضلك والمروه ... وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... هبني مسيئا كالذي قلت ظالما ... فعفو جميل كي يكون لك الفضل فإن لم أكن للعفو منك لسوء مَا ... أتيت به أهلا فأنت له أهل ... وأنشدني مُحَمَّد بْن أَبِي علي أنشدنا الربعي عَن الأصمعي ... أتيتك تائبا من كل ذنب ... وخير الناس من أخطأ فتابا أليس اللَّه يستعفى فيعفو ... وقد ملك العقوبة والثوابا ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... عصيت وتبت كما قد عصى ... وتاب إلى ربه آدم فقل قول يُوسُف لا تثربا ... لكم يغفر الغافر الراحم ... أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الجرزي عن حميد ابن سنان الخالدي وكان نديما لأبي دلف قَالَ دخلت على أَبِي دلف يوما وبين يديه كتاب وهو يضحك فقال هذا كتاب عَبْد اللَّه بْن طاهر وفيه أبيات أحب أن أنشدك إياها وذلك أني كنت استبطأته في بعض المؤامرات فكتبت إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 أرى ودكم كالورد ليس بدائم ... ولا خير فيمن لا يدوم له عهد وودي بكم كالآس حسنا وبهجة ... له نضرة تبقى إذا فني الورد ... فكتب إلي بهذه الأبيات ... شبهت ودي الورد فهو مشاكلي ... وهل زهر إلا وسيدها الورد وشبهت منك الود بالآس في البقا ... ولم تخلف التشبيه فيك ولم تعد فودك كالآس المرير مذاقه ... وليس له في الريح قبل ولا بعد ... أخبرنا عَبْد الكبير بْن عمر الخطابي بالبصرة حَدَّثَنَا أَبُو حاتم السجستاني عَن الأصمعي قَالَ حَدَّثَنَا عيسى بْن عمر قَالَ كان لأبي الأسود الدؤلي صديق فرأى منه بعض مَا يكره فقال أبو الأسود ... رأيت امرءا لم أكن أبله ... أتاني فقال اتخذني خليلا فخاللته ثم صافيته ... فلم ينقص الود منه فتيلا فراجعته ثم عاتبته ... عتابا رفيقا وقولا جميلا فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر اللَّه إلا قليلا ألست حقيقا بتوديعه ... وأتبع ذلك هجرا طويلا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الاعتذار يذهب الهموم ويجلي الأحزان ويدفع الحقد ويذهب الصد والإقلال منه تستغرق فيه الجنايات العظيمه والذنوب الكثيرة والإكثار منه يؤدي إلى الاتهام وسوء الرأي فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفى التعجب عَن النفس في الحال لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة ولقد أنشدني الكريزي ... فانظر إلي بطرف غير ذي مرض ... فطال ما صح لي من طرفك النظر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 أدرك بفضلك عظما كنت تجبره ... واجمع برفقك مَا قد كاد ينتشر ... أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مهدي بْن سابق حَدَّثَنَا عطاء بْن مصعب قَالَ قدم عَبْد الرحمن بْن عنبسة بْن سَعِيد على معن بْن زائدة باليمن وكانت بينهما عداوة فلما رآه قَالَ له يا عَبْد الرحمن بأي وجه أتيتني ولأي خير أملتني قَالَ أصلح اللَّه الأمير اسمع مني حتى أنشدك بيتين قالهما نصيب في عَبْد العزيز بْن مروان قَالَ وما هما فأنشده ... لو كان فوق الأرض حي فعاله ... كفعلك أو للفعل منك مقارب لقلت له هذا ولكن تعذرت ... سواك على المستعتبين المذاهب ... فقال أقم فإني لا أواخذك فيما مضى ولا أعنفك فيما بقى أنبأنا الخلادي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن موسى السمري عَن حماد بْن إِسْحَاق قَالَ ابن السماك لمحمد بْن سليمان أو حماد بْن موسى لكاتبه ورآه كالمعرض عنه مالي أراك كالمعرض عني قَالَ بلغني عنك شيء كرهته قال إذا لا أبالي قَالَ ولم قَالَ لأنه إن كان ذنبا غفرته وإن كان باطلا لم تقبله قَالَ فعاد إلى المؤانسة قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد ذكرت ما يشا كل هذه الحكايات في كتاب مراعاة العشرة فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب ذكر الحث على لزوم كتمان السر أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ الدَّلالُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا الهيثم بن أيوب العطار السلمي حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ أَبِي غَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعِينُوا عَلَى الحوائج بكتمان السر فَإِنَّ لِكُلِّ نِعْمَةٍ حَاسِدًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه هذا إساند حسن وطريق غريب إن كان عروة هذا هو ابن الزبير بْن العوام وسعيد بْن سلام مَا أرى حفظ حديثه فلذلك تنكبت عَن ذكره فالواجب على من سلك سبيل ذوي الحجى لزوم مَا انطوى عَلَيْهِ الضمير بتركه إبداء المكنون فيه لا إلى ثقة ولا إلى غيره فإن الدهر لا بد من أن يضرب ضرباته فيوقع ضد الوصل بينهما بحالة من الأحوال فيخرجه وجود ضد مَا انطوى عَلَيْهِ قديما من وفائه إلى صحة الخروج بالكلية إلى جفائه بإبداء مكتوماته والكشف عَن مخبآته وَلَقَدْ أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حدثني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ عَجِبْتُ مِنَ الرَّجُلِ يَفِرُّ مِنَ الْقَدَرِ وَهُوَ مُوَاقِعُهُ وَمِنَ الرَّجُلِ يَرَى الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ وَيَدَعُ الْجِذْعَ في عينه ومن الرجل يحرج الضِّغْنَ مِنْ مَوْضِعٍ وَيَدَعُ الضِّغْنَ فِي نَفْسِهِ وَمَا نَدِمْتُ عَلَى أَمْرٍ قَطُّ فَلُمْتُ نَفْسِي عَلَى تَنَدُّمِي عَلَيْهِ وَمَا وَضَعْتُ سِرِّي عِنْدَ أَحَدٍ فَلُمْتُهُ عَلَى أَنْ يفشيه كيف ألومه وقد حنقت بِهِ وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... تبيح بسرك ضيقا به ... وتبغي لسرك من يكتم وكتمانك السر ممن تخاف ... ومن لا تخافنه أحزم إذا ذاع سرك من مخبر ... فأنت وإن لمته ألوم ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان ... إذا ضاق صدر المرء عَن بعض سره ... فألقاه في صدري فصدري أضيق ومن لامني في أن أضيع سره ... وضيعه قبلي فذو السر أخرق ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الصَّيْدَاوِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ المدائني قَالَ كان يقال أصبر الناس الذي لا يفشي سره إلى صديقه مخافة أن يقع بينهما شيء فيفشيه وأنشدني البغدادي ... صن السر بالكتمان يرضيك غبه ... فقد يظهر المرء المضيع فيندم فلا تلجئن سرا إلى غير حرزه ... فيظهر حرز السوء مَا كنت تكتم ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... إذا المرء لم يحفظ سريرة نفسه ... وكان لسر الأخ غير كتوم فبعدا له من ذي أخ ومودة ... وليس على ود له بمقيم ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من حصن بالكتمان سره تم له تدبيره وكان له الظفر بما يريد والسلامه من العيب والضرر وإن أخطأه التمكن والظفر والحازم يجعل سره في وعاء ويكتمه عَن كل مستودع فإن اضطره الأمر وغلبه أودعه العاقل الناصح له لأن السر أمانة وإفشاؤه خيانة والقلب له وعاؤه فمن الأوعية مَا يضيق بما يودع ومنها مَا يتسع لما استودع وأنشدني الكريزي ... اجعل لسرك من فؤادك منزلا ... لا يستطيع له اللسان دخولا إن اللسان إذا استطاع إلى الذي ... كتم الفؤاد من الشئون وصولا ألفيت سرك في الصديق وغيره ... من ذي العداوة فاشيا مبذولا ... وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... سأكتمه سري وأكتم سره ... ولا غرني أني عَلَيْهِ كريم حليم فيفشي أو جهول يذيعه ... وما الناس إلا جاهل وحليم ... أخبرني مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد حدثني علي بْن عيسى عن محمد عن ابن الأعرابي قَالَ كان يقال العاقل من حذر صديقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وأنشدني بعض إخواننا ... لعمرك كتمان الفتى سر مَا نوى ... أعف وأدنى للرشاد وأكرم وأجمل في بث الحديث مقالة ... وأحسن في الأخلاق دوما وأحزم ... وأنشدني الكريزي ... إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرها ... فأنت إذا حملته الناس أضيع ويضحك في وجهي إذا ما لقيته ... وينهشني بالغيب يوما ويلسع ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الإفراط في الاسترسال بالأسرار عجز وما كتمه المرء من عدوه فلا يجب أن يظهره لصديقه وكفى لذوي الألباب عبرا مَا جربوا ومن استودع حديثا فليستر ولا يكن مهتاكا ولا مشياعا لأن السر إنما سمي سرا لأنه لا يفشى فيجب على العاقل أن يكون صدره أوسع لسره من صدر غيره بأن لا يفشيه ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن يعقوب الأعلم قَالَ أنشدني مُحَمَّد بْن سليمان بْن سلام الجمحي لرجل من عَبْد شمس ... إذا مَا ضاق صدرك عَن حديث ... فأفشاه الرجال فمن تلوم إذا عاتبت من أفشى حديثي ... وسري عنده فأنا الظلوم وإني يوم أسأم حمل سري ... وقد ضمنته صدري سؤوم فلست محدثنا سري خليلي ... ولا نفسي إذا حضرت هموم وأطوي السر دون الناس إني ... لما استودعت من سر كتوم ... وأنشدني علي بْن حيدة الكاتب قَالَ أنشدنا عَبْد الرحمن بْن بندار لشيطان الطاق ... أمت السر بكتمان ولا ... يسمعن منك إذا استودعت سر فإذا ضقت به ذرعا فلا ... تضعن سرك إلا عند حر ... أنبأنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا الرمادي حَدَّثَنَا مسدد قَالَ سمعت ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 داود يقول سمعت الأعمش يقول يضيق صدر أحدهم بسره حتى يحدث به ثم يقول اكتمه علي وأنشدني إِبْرَاهِيم بْن علي الظفري أنشدني الحسين بْن عُبَيْد اللَّه ... لا يكتم السر إلا من له شرف ... والسر عند كرام الناس مكتوم السر عندي في بيت له غلق ... ضلت مفاتيحه والباب مختوم ... أنبأنا الخلادي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن شجاع البياضي قَالَ أنشدنا عَبْد الرحمن بْن مُحَمَّد ... وإني لأنسى السر كيما أصونه ... فيامن رأى شيئا يصان بأن ينسى مخافة أن يجري ببالي ذكره ... فيخلسه قلبي إلى منطقي خلسا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الظفر بالحزم والحزم بإجالة الرأي والرأي بتحصين الأسرار ومن كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتِ الْخِيَرَةُ فِي يده ومن أنبأ الناس بأسراره هان عليهم وأذاعوها ومن لم يكتم السر استحق الندم ومن استحق الندم صار ناقص العقل ومن دام على هذا رجع إلى الجهل فتحصين السر للعاقل أولى به من التلهف بالندم بعد خروجه منه ولقد أحسن الذي يقول ... خشيت لساني أن يكون خؤونا ... فأودعته قلبي فكان أمينا فقلت ليخفى دون شخصي وناظري ... أيا حركاتي كن في سكونا ... أنبأنا إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الأنماطي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سليمان المصيصي حَدَّثَنَا ابن عيينة عَن ابن شبرمة عَن الحسن في قوله تعالى (3 159) {وشاورهم في الأمر} قَالَ مَا كان يحتاج إليهم ولكن أحب أن يستن به من بعده قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه المستشار مؤتمن وليس بضامن والمستشير متحصن من السقط متخير للرأي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 والواجب على العاقل السالك سبيل ذوي الحجى أن يعلم أن المشاورة تفشي الأسرار فلا يستشير إلا اللبيب الناصح الودود الفاضل في دينه وإرشاد المشير المستشير قضاء حق النعمة في الرأي والمشورة لا تخلو من البركة إذا كانت مع مثل من وصفنا نعته ولقد أَنْبَأَنَا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ قَالَ قَالَ الحسن مَا حزب قوما قط أمر فاجتمعوا فتشاوروا فيه إلا أرشدهم الله لأصوبه وأنشدني الكريزي ... دبر إذا مَا رمت أمرا بفكرة ... لتعلم مَا تأتي وما تتجنب وشاور نقي الرأي عند التباسه ... لكي يضح الأمر الذي هو أصوب ... وأنشدني المنتصر بْن بلال ... لا تسبقن الناس بالرأي واتئد ... فإنك إن تعجل إلى القول تزلل ولكن تصفح رأي من كان حاضرا ... وقل بعدهم رسلا وبالحق فاعمل ... أنبأنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حدثني يحيى بن زيد بْن مُحَمَّد الأبلي حدثني إِسْمَاعِيل بْن حبيب أَبُو حميد الأبلي عن عبد الله بن الايلمي عَن وهب بْن منبه أنه قَالَ في التوراة أربعة أحرف مكتوبة من لم يشاور يندم ومن استغنى استأثر والفقر الموت الأحمر وكما تدين تدان قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا أَنَس آنس من استشارة عاقل ودود ولا وحشة أوحش من مخالفته لأن المشاورة والمناظرة بابا بركة ومفتاحا رحمة من استشير فليشر بالنصيحة وليجتهد بالرأي وليلزم الحق وقصد السبيل وليجعل المستشير كنفسه بترك الخيانة وبذل النصيحة وليكن كما أنشدني علي ابن محمد البسامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 .. ومن الرجال إذا زكت أحلامهم ... من يستشار إذا استشير فيطرق حتى يجول بكل واد قلبه ... فيرى ويعرف مَا يقول وينطق إن الحليم إذا تفكر لم يكد ... يخفى عَلَيْهِ من الأمور الأوفق ... أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن ثابت عن إياس ابن دَغْفَلٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا شَاوَرَ قَوْمٌ قَطُّ إلا هدوا الى رشدهم أخبرني مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن خالد السيرافي حَدَّثَنَا شيبان حَدَّثَنَا أَبُو الأشهب قَالَ قَالَ الحسن لا يندم من شاور مرشدا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل إذا استشير قوم هو فيهم أن يكون آخر من يشير لأنه أمكن من الفكر وأبعد من الزلل وأقرب من الحزم وأسلم من السقط ومن استشار فلينفذ الحزم بأن لا يستشير عاجزا كما أن الحازم لا يستعين كسلا وفي الاستشارة عين الهداية ومن استشار لم يعدم رشدا ومن ترك المشاورة لم يعدم غيا ولا يندم من شاور مرشدا وقد أنشدني الواسطي ... الهم مالم تمضه لسبيله ... سقم القلوب وآفة الأبدان ومعول الرجل الموفق رأيه ... عند اعتراض طوارق الأحزان وإذا الحوادث سددت أسبابه ... كان التبصر أنجد الأعوان ... وإذا أضل سبيله تدبيره ... طلب الهدى بتشاور الإخوان ... أنبأنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا مطروح بْن شاكر حَدَّثَنَا أصبغ عَن ابن وهب عَن إِبْرَاهِيم بْن نشيط عَن ابن أَبِي حسين قَالَ كان يقال مَا هلك امرؤ عَن مشورة ولا سعد بتوحد قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن من شيم العاقل عند النائبة تنوبه أن يشاور عاقلا ناصحا ذا رأي ثم يطيعه وليعترف للحق عند المشورة ولا يتمادى في الباطل بل يقبل الحق ممن جاء به ولا يحقر الرأي الجليل إذا أتاه به الرجل الحقير لأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 اللؤلؤة الخطيرة لا يشينها قلة خطر غائصها الذي استخرجها ثم ليستخر اللَّه وليمض فيما أشار عليه وقد أنشدني البغدادي ... أطع الحليم إذا الحليم عصاكا ... إن الحليم إذا عصاك هداكا وإذا استشارك من تود فقل له ... أطع الحليم إذا الحليم نهاكا ولئن أبيت لتأتين خلافه ... أربا يحوطك أو يكون هلاكا واعلم بأنك لن تسود ولن ترى ... سبل الرشاد إذا أطعت هواكا ... أنبأنا أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرحمن بْن عَبْد المؤمن بجرجان حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حميد البزاز حدثنا جرير عَن ابن المقفع عَن وزير كسرى قَالَ ثلاثة ليس لهم رأي فلا تستشيروهم صاحب الخف الضيق وحاقن البول وصاحب المرأة السوء السليطة ذكر الحث على لزوم النصيحة للمسلمين كافة أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَعْشَرٍ بِحَرَّانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ الَّليْثِيِّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قِيلَ لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل لزوم النصيحة للمسلمين كافة وترك الخيانة لهم بالإضمار والقول والفعل معا إذ المصطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم كان يشترط على من بايعه من أصحابه النصح لكل مسلم مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْخَلادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الذُّهْلِيُّ عَنْ أَبِي السَّائِبِ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا تَعْمَلْ بِالْخَدِيعَةِ فَإِنَّهَا خُلُقُ اللِّئَامِ وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً وَزُلْ مَعَهُ حَيْثُ زَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وأنشدني الكريزي ... قل للنصيح الذي أهدى نصيحته ... سرا إلينا وسامته التكاليف النصح ليس له حد فتعرفه ... والنصح مستوحش منه ومألوف حتى إذا صرحت عنا عواقبه ... كانت لنا عظة منه وتعنيف لو كان للنصح حد يستبان به ... مَا نالنا حسرة منه وتلهيف لكن له سبل شتى مخالفة ... بعض لبعض فمجهول ومعروف والناس غاو وذو رشد ومختلط ... والنصح ممضي ومردود وموقوف ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه خير الإخوان أشدهم مبالغة في النصيحة كما أن خير الأعمال أحمدها عاقبة وأحسنها إخلاصا وضرب الناصح خير من تحية الشانىء ويجب أن يكون للعاقل نصيحة مبذولة للعامة مكتوما من العام والخاص مَا قدر عَلَيْهِ وليس الناصح بأولى بالنصيحة من المنصوح له وَأَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ لَقِيَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ لَهُ إِنِّي أُشِيرُ عَلَيْكَ بِرَأْيٍ فَاقْبَلْهُ قَالَ هَاتِ قال أقر مُعَاوِيَةَ عَلَى الشَّامِ يُسْمِحْ لَكَ طَاعَتَهُ فَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَدْ ذَاقُوهُ فَاسْتَعْذَبُوهُ وَوَلِيَهُمْ عِشْرِينَ سَنَةً لم يعتبوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْتِبُوهُ فِي عِرْضٍ وَلا مَالٍ فَقَالَ وَاللَّهِ لَوْ سألني قرية ماوليته إِيِّاهَا قَالَ فَقَالَ الْمُغَيرَةُ أَرَاهُ سَيَلِي أَرَضِينَ وَقُرَيَّاتٍ أنبأنا مُحَمَّد بْن المهاجر حَدَّثَنَا ابن أَبِي شيبة حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا ابن المبارك عَن معمر عَن يَحْيَى بْن المختار عَن الحسن قال المؤمن شعبة من المؤمن وهو مرآة أخيه إن رأى منه مالا يعجبه سدده وقومه ونصحه السر والعلانية وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... أمنت على السر أمرءا غير حازم ... ولكنه في النصح غير مريب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 .. فذاع به في الناس حتى كأنما ... بعلياء نار أوقدت بثقوب فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ... وما كل مؤت نصحه بلبيب ولكن إذا مَا استجمعا عند واحد ... فحق له من طاعة بنصيب ... سمعت مُحَمَّد بْن نصر بْن نوفل المروزي يقول سمعت أبا داود السنجي يقول سمعت ابن الأعرابي يقول رجل أهديت له النصيحة فاتخذها ذنبا ورجل وسع له في مكان ضيق فجلس متربعا قال أَبُو حاتم رَضِيَ الله عنه النصيحة محاطة بالتهمة وليست النصيحة إلا لمن قبلها كما أن الدنيا ليست إلا لمن تركها ولا الآخرة إلا لمن طلبها وليس على كل ذي نصح إلا الجهد ولو لم يقبل من نصحائه مَا يثقل عَلَيْهِ لم يحمد غب رأيه ومشاورة الأصم أَحْمَد من الناصح المعرض عنه ومن بذل نصيحة لمن لا يشكر كان كالباذر في السباخ وأكثر مَا يوجد ترك قبول النصيحة من المعجب برأيه وأنشدني الأبرش ... إذا نصحت لذي عجب لترشده ... فلم يطعك فلا تنصح له أبدا فإن ذا العجب لا يعطيك طاعته ... ولا يجيب إلى إرشاده أحدا وما عليك وإن غاو غوى حقبا ... إن لم يكن لك قربى أو يكن ولدا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه النصيحة تجب على الناس كافة على مَا ذكرنا قبل ولكن إبداؤها لا يجب إلا سرا لأن من وعظ أخاه علانية فقد شانه ومن وعظه سرا فقد زانه فإبلاغ المجهود للمسلم فيما يزين أخاه أحرى من القصد فيما يشينه ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا الرمادي حَدَّثَنَا علي بْن المديني حَدَّثَنَا سُفْيَان قَالَ قلت لمسعر تحب أن يخبرك رجل بعيوبك قَالَ أما أن يجيء إنسان فيوبخني بها فلا وأما أن يجيء ناصح فنعم أخبرنا مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن المغيرة النوفلي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 علي الشقيقي حَدَّثَنَا أَبِي عَن ابن المبارك قَالَ كان الرجل إذا رأى من أخيه مَا يكره أمره في ستر ونهاه في ستر فيؤجر في ستره ويؤجر في نهيه فأما اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره أستغضب أخاه وهيتك ستره أخبرنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن منصور حدثني علي بْن المديني عَن سُفْيَان قَالَ جاء طلحة إلى عَبْد الجبار بْن وائل وعنده قوم فساره بشيء ثم انصرف فقال أتدرون مَا قَالَ لي قَالَ رأيتك التفت أمس وأنت تصلي قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه النصيحة إذا كانت على نعت مَا وصفنا تقيم الألفة وتؤدي حق الأخوة وعلامة الناصح إذا أراد زينة المنصوح له أن ينصحه سرا وعلامة من أراد شينة أن ينصحه علانية فليحذر العاقل نصحه الأعداء في السر والعلانية ولقد أنشدني ابن زنجي البغدادي ... فكم من عدو معلن لك نصحه ... علانية والغش تحت الأضالع وكم من صديق مرشد قد عصيته ... فكنت له في الرشد غير مطاوع وما الأمر إلا بالعواقب إنها ... سيبدو عليها كل سر وذائع ... وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... وصاحب غير مأمون غوائله ... يبدي لي النصح منه وهو مشتمل على خلاف الذي يبدي ويظهره ... وقد أحطت بعلمي أنه دغل عفوت عنه انتظارا أن يثوب له ... عقل إليه من الزلات ينتقل دهرا فلما بدا لي أن شيمته ... غش وليس له عَن ذاك منتقل تركته ترك قَالَ لا رجوع له ... إلى مودته ما حنت الإبل ... أخبرنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد القيراطي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يزيد الملقب يحمش حَدَّثَنَا يعلى بْن عُبَيْد حَدَّثَنَا أَبُو حيان عَن أبيه قَالَ كتب الربيع بْن خيثم وصيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 بسم اللَّه الرحمن الرحيم هذا مَا أوصى به الربيع بْن خيثم وأشهد عَلَيْهِ وكفى بالله شهيدا وجازيا لعباده الصالحين مثيبا إني رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم نبيا وأن يعبد الله من أطاعني في العابدين ويحمده في الحامدين وينصح لجماعة المسلمين وصية الخطاب بْن المعلى المخزومي ابنه أخبرني مُحَمَّد بْن المنذر بْن سَعِيد حَدَّثَنَا أَبُو حاتم مُحَمَّد بْن إدريس الحنظلي حدثني عَبْد الرحمن بْن أَبِي عطية الحمصي عَن الخطاب بْن المعلى المخزومي القرشي أنه وعظ ابنه فقال يا بني عليك بتقوى اللَّه وطاعته وتجنب محارمه باتباع سنته ومعالمه حتى تصح عيوبك وتقر عينك فإنها لا تخفى على اللَّه خافية وإني قد وسمت لك وسما ووضعت لك رسما إن أنت حفظته ووعيته وعملت به ملأت أعين الملوك وانقاد لك به الصعلوك ولم تزل مرتجى مشرفا يحتاج إليك ويرغب إلى مَا في يديك فأطع أباك واقتصر على وصية أبيك وفرغ لذلك ذهنك واشغل به قلبك ولبك واياك وهذر الكلام وكثرة الضحكك والمزا ح ومهازلة الإخوان فإن ذلك يذهب البهاء ويوقع الشحناء وعليك بالرزانة والتوقر من غير كبر يوصف منك ولا خيلاء تحكي عنك والق صديقك وعدوك بوجه الرضى وكف الأذى من غير ذلة لهم ولا هيبة منهم وكن في جميع أمورك في أوسطها فإن خير الأمور أوساطها وقلل الكلام وأفش السلام وامش متمكنا قصدا ولا تخط برجلك ولا تسحب ذيلك ولا تلو عنقك ولا ردائك ولا تنظر في عطفك ولا تكثر الالتفاف ولا تقف على الجماعات ولا تتخذ السوق مجلسا ولا الحوانيت متحدثا ولا تكثر المراء ولا تنازع السفهاء فإن تكلمت فاختصر وإن مزحت فاقتصر وإذا جلست فتربع وتحفظ من تشبيك أصابعك وتفقيعها والعبث بلحيتك وخاتمك وذؤابة سيفك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وتخليل أسنانك وإدخال يدك في أنفك وكثرة طرد الذباب عنك وكثرة التثاؤب والتمطي وأشباه ذلك مما يستخفه الناس منك ويغتمزون به فيك وليكن مجلسك هاديا وحديثك مقسوما وأصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثك بغير إظهار عجب منك ولا مسألة إعادة وغض عَن الفكاهات من المضاحك والحكايات ولا تحدث عَن إعجابك بولدك ولا جاريتك ولا عَن فرسك ولا عن سفيك وإياك وأحاديث الرؤيا فإنك إن أظهرت عجبا بشيء منها طمع فيها السفهاء فولدوا لك الأحلام واغتمزوا في عقلك ولا تصنع تصنع المرأة ولا تبذل تبذل العبد ولا تهلب لحيتك ولا تبطنها وتوق كثرة الحف ونتف الشيب وكثرة الكحل والإسراف في الدهن وليكن كحلك غبا ولا تلح في الحاجات ولا تخشع في الطلبات ولا تعلم أهلك وولدك فضلا عَن غيرهم عدد مالك فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم وإن كان كثيرا لم تبلغ به رضاهم وأخفهم في غير عنف ولن لهم قي غير ضعف ولا تهازل أمتك وإذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عَن عجلتك وتفكر في حجتك وأر الحاكم شيئا من حلمك ولا تكثر الإشارة بيدك ولا تحفز على ركبتيك وتوق حمرة الوجه وعرق الجبين وإن سفه عليك فاحلم وإذا هدأ غضبك فتكلم وأكرم عرضك وألق الفضول عنك وإن قربك سلطان فكن منه على حد السنان وإن استرسل إليك فلا تأمن من انقلابه عليك وارفق به رفقك بالصبي وكلمه بما يشتهي ولا يحملنك مَا ترى من إلطافه إياك وخاصته بك أن تدخل بينه وبين أحد من ولده وأهله وحشمه وإن كان لذلك منك مستمعا وللقول منك مطيعا فإن سقطة الداخل بين الملك وأهله صرعة لا تنهض وزلة لا تقال وإذا وعدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فحقق وإذا حدثت فاصدق ولا تجهر بمنطقك كمنازع الأصم ولا تخافت به كتخافت الأخرس وتخير محاسن القول بالحديث المقبول وإذا حدثت بسماع فانسبه إلى أهله وإياك الأحاديث العابرة المشنعه التي تنكرها القلوب وتفق لها الجلود وإياك ومضعف الكلام مثل نعم نعم ولا لا وعجل عجل وما أشبه ذلك وإذا توضأت فأجد عرك كفيك وليكن وضعك الحرض من الأشنان في فيك كفعلك بالسواك ولا تنخع في الطست وليكن طرحك الماء من فيك مترسلا ولا تمج فتنضح على أقرب جلسائك ولا تعض نصف اللقمة ثم تعيد مَا بقى منها منصبغا فإن ذلك مكروه ولا تكثر الاستسقاء على مائدة الملك ولا تعبث بالمشاش ولا تعب شيئا مما يقرب إليك على مائدة بقلة خل أو تابل أو عسل فإن السحابة قد صيرت لنفسها مهابة ولا تمسك إمساك المثبور ولا تبذر تبذير السفيه المغرور واعرف في مالك واجب الحقوق وحرمة الصديق واستغن عَن الناس يحتاجوا إليك واعلم أن الجشع يدعو إلى الطبع والرغبة كما قِيلَ تدق الرقبة ورب أكلة تمنع أكلات والتعفف مال جسيم وخلق كريم ومعرفة الرجل قدره تشرف ذكره ومن تعدى القدر هوى في بعيد القعر والصدق زين والكذب شين ولصدق يسرع عطب صاحبه أحسن عاقبة من كذب يسلم عَلَيْهِ قائله ومعاداة الحليم خير من مصادقة الأحمق ولزوم الكريم على الهوان خير من صحبة اللئيم على الإحسان ولقرب ملك جواده خير من مجاورة بحر طراد وزوجة السوء الداء العضال ونكاح العجوز يذهب بماء الوجه وطاعة النساء تزري بالعقلاء تشبه بأهل العقل تكن منهم وتصنع للشرف تدركه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وأعلم أن كل امريء حيث وضع نفسه وإنما ينسب الصانع إلى صناعته والمرء يعرف بقرينه وإياك وإخوان السوء فإنهم يخونون من رافقهم ويحزنون من صادقهم وقربهم أعدى من الجرب ورفضهم من استكمال الأدب واستخفار المستجير لؤم والعجلة شؤم وسوء التدبير وهن والإخوان اثنان فمحافظ عليك عند البلاء وصديق لك في الرخاء فاحفظ صديق البلاء وتجنب صديق العافية فإنهم أعدى الأعداء ومن اتبع الهوى مال به الردى ولا يعجبنك الجهم من الرجال ولا تحقر ضئيلا كالخلال فإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ولا ينتفع به بأكثر من أصغريه وتوق الفساد وإن كنت في بلاد الأعادي ولا تفرش عرضك لمن دونك ولا تجعل مالك أكرم عليك من عرضك ولا تكثر الكلام فتثقل على الأقوام وامنح البشر جليسك والقبول ممن لاقاك وإياك وكثرة التبريق والتزليق فإن ظاهر ذلك ينسب إلى التأنيث وإياك والتصنع لمغازلة النساء وكن متقربا متعززا منتهزا في فرصتك رفيقا في حاجتك متثبتا في حملتك والبس لكل دهر ثيابه ومع كل قوم شكلهم واحذر مَا يلزمك اللائمة في آخرتك ولا تعجل في أمر حتى تنظر في عاقبته ولا ترد حتى ترى وجه المصدر وعليك بالنورة في كل شهر مرة وإياك وحلاق الإبط بالنورة وليكن السواك من طبيعتك وإذا استكت فعرضا وعليك بالعمارة فإنها أنفع التجارة وعلاج الزرع خير من اقتناء الضرع ومنازعتك اللئيم تطمعه فيك ومن أكرم عرضه أكرمه الناس وذم الجاهل إياك أفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 من ثنائه عليك ومعرفة الحق من أخلاق الصدق والرفيق الصالح ابن عم ومن أيسر أكبر ومن افتقر احتقر قصر في المقالة مخافة الإجابة والساعي إليك غالب عليك وطول السفر ملالة وكثرة المنى ضلالة وليس للغائب صديق ولا على الميت شفيق وأدب الشيخ عناء وتأديب الغلام شقاء والفاحش أمير والوقاح وزير والحليم مطية الأحمق والحمق داء لا شفاء له والحلم خير وزير والدين أزين الأمور والسماجه سفاهة والسكران شيطان وكلامه هذيان والشعر من السحر والتهدد هجر والشح شقاء والشجاعة بقاء والهدية من الأخلاق السرية وهي تورث المحبة ومن ابتدأ المعروف صار دينا ومن المعروف ابتداء من غير مسألة وصاحب الرياء يرجع إلى السخاء ولرياء بخير خير من معالنة بشر والعرق نزاع والعادة طبيعة لازمة إن خير فخير وإن شرا فشر ومن حل عقدا احتمل حقدا ومراجعة السلطان خرق بالإنسان والفرار عار والتقدم مخاطرة وأعجل منفعه إيسار في دعة وكثرة العلل من البخل وشر الرجال الكثير الاعتلال وحسن اللقاء يذهب بالشحناء ولين الكلام من أخلاق الكرام يا بني إن زوجة الرجل سكنه ولا عيش له مع خلافها فإذا هممت بنكاح امرأة فسل عَن أهلها فإن العروق الطيبة تنبت الثمار الحلوة واعلم أن النساء أشد اختلافا من أصابع الكف فتوق منهن كل ذات بذا مجبولة على الأذى فمنهن المعجبة بنفسها المزرية ببعلها إن أكرمها رأته لفضلها عَلَيْهِ لا تشكر على جميل ولا ترضى منه بقليل لسانها عَلَيْهِ سيف صقيل قد كشفت القحة ستر الحياء عَن وجهها فلا تستحي من إعوارها ولا تستحي من جارها كلبة هرارة مهارشة عقارة فوجه زوجها مكلوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وعرضه مشتوم ولا ترعى عَلَيْهِ لدين ولا الدنيا ولا تحفظه لصحبة ولا لكثرة بنين حجابه مهتوك وستره منشور وخيره مدفون يصبح كئيبا ويمسي عاتبا شرابه مر وطعامه غيظ وولده ضياع وبيته مستهلك وثوبه وسخ ورأسه شعث إن ضحك فواهن وإن تكلم فمتكاره نهاره ليل وليله ويل تلدغه مثل الحية العقارة وتلسعه مثل العقرب الجرارة ومنهن شفشليق شعشع سلفع ذات سم منقع وإبراق واختلاق تهب مع الرياح وتطير مع كل ذي جناح إن قَالَ لا قالت نعم وإن قَالَ نعم قالت لا مولدة لمخازيه محتقرة لما في يديه تضرب له الأمثال وتقصر به دون الرجال وتنقله من حال الى حال حتى قلا بيته ومل ولده وغث عيشه وهانت عَلَيْهِ نفسه وحتى أنكره إخوانه ورحمه جيرانه ومنهن الورهاء الحمقاء ذات الدل في غير موضعها الماضغة للسانها الآخذة في غير شأنها قد قنعت بحبه ورضيت بكسبه تأكل كالحمار الراتع تنتشر الشمس ولما يسمع لها صوت ولم يكنس لها بيت طعامها بائت وإناؤها وضر وعجينها حامض وماؤها فاتر ومتاعها مزروع وماعونها ممنوع وخادمها مضروب وجارها محروب ومنهن العطوف الودود المباركة الولود المأمونة على غيبها المحبوبة في جيرانها المحمودة في سرها وإعلانها الكريمة التبعل الكثيرة التفضل الخافضة صوتا النظيفة بيتا خادمها مسمن وابنها مزين وخيرها دائم وزوجها ناعم موموقه مألوفة وبالعفاف والخيرات موصوفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 جعلك اللَّه يا بني ممن يقتدي بالهدى ويأتم بالتقى ويجتنب السخط ويحب الرضى والله خليفتي عليك والمتولي لأمرك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى اللَّه على مُحَمَّد نبي الهدى وعلى آله وسلم تسليما كثيرا ذكر الزجر عَن تهاجر المسلمين كافة حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَبَاغَضُوا وَلا تَنَافَسُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَلا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يحل التباغض ولا التنافس ولا التحاسد ولا التدابر بين المسلمين والواجب عليهم أن يكونوا إخوانا كما أمرهم اللَّه ورسوله فإذا تألم واحد منهم تألم الآخر بألمه وإذا فرح فرح الآخر بفرحه ينفي الغش والدغل مع استسلام الأنفس لله عز وجل مع الرضا بما يوجب القضاء في الأحكام كلها ولا يجب الهجران بين المسلمين عند وجود زلة من أحدهما بل يجب عليهما صرفها إلى الإحسان والعطف عَلَيْهِ بالإشفاق وترك الهجران ولقد حدثني مُحَمَّد بْن المهاجر حدثني موسى بْن مُحَمَّد الأخباري عَن النميري حدثني مُحَمَّد بْن يَحْيَى النكتاني قَالَ أنشدني أَبُو غزية لمعاوية بْن عَبْد اللَّه بْن جعفر ... لا يزهدنك في أخ ... لك أن تراه زل زله والمرء يطرحه الذين ... يلونه في شر أله ويخونه من مأمن ... أهل البطانة والدخله ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 .. والموت أعظم حادث ... مما يمر على الجبله ... أنشدني مُحَمَّد بْن الحسن بن قتيبة أنشدني حميد بْن عياش ... ولا تك في حب الأخلاء مفرطا ... فإن أنت أبغضت البغيض فأجمل فإنك لا تدري متى أنت مبغض ... حبيبك أو تهوى البغيض فاعقل ... وأنشدني عمرو بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه النسوي لثعلب ... وما صدود ذوات الدل يرمضني ... لكنما الموت عندي صد إخواني إني لأصبر من عود به جلب ... عند الملمات إلا عند هجران إذا رأيت أزورارا من أخي ثقة ... ضاقت علي برحب الأرض أوطانى ... وأنشدني الأبرش ... أبل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسمن أمورهم وتفقد فإذا ظفرت بذي اللبابة والتقى ... فبه اليدين قرير عين فاشدد فمتى يزل ولا محالة زلة ... فعلى أخيك بفضل حلمك فاردد وإذا الخنى نقض الحبى في مجلس ... ورأيت أهل الطيش قاموا فاقعد ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب للمرء أن يدخل في جملة العوام والهمج بإحداث الود لإخوانه وتكديره لهم بالخروج بالسبب الذي يؤدي إلى الهجران الذي نهى المصطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عنه بينهم بل يقصد قصده الإغضاء عَن ورود الزلات ويتحرى ترك المناقشة على الهفوات ولا سيما إذا قِيلَ في أحدهم الشيء الذي يحتمل أن يكون حقا وباطلا معا فإن الناس ليس يخلو وصلهم من رشق أسهم العذال فيه ولقد سمعت مُحَمَّد بْن عثمان العقبي يقول سمعت عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه يقول قَالَ مُحَمَّد بْن حميد ... ومن ذا من عيوب الناس ناج ... بحق قِيلَ فيه أو قراف ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 .. قبيح بي إذا خاللت خلا ... ولازم خلتي أن لا أكافي وكل مودة لا خير فيها ... إذا لم تحتمل حق المصافي فأما في الكلام فكم وفي ... ولكن في الشدائد لا يوافي إذا أحببت لم أنقض إخائي ... ولم أبن الإخاء على اعتساف ولكن أمنح الكرماء ودا ... ولا أدعو اللئام إلى العطاف متى تقطع صديقك بعد وصل ... ولا تثبت فعهدك غير واف إذا مَا المرء أدبر لم تطقه ... وصار المستقيم إلى خلاف ... سمعت مُحَمَّد بْن المنذر يقول سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد الرحمن يقول سمعت أبا عمار الحسين بْن حريث يقول قِيلَ لرجل ألك عيوب قَالَ لا قِيلَ له فلك من يلتمسها قَالَ نعم قَالَ فما أكثر عيوبك قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه السبب المؤدي إلى الهجران بين المسلمين ثلاثة أشياء إما وجود الزلة من أخيه ولا محالة يزل فلا يغضي عنها ولا يطلب لها ضدها وإبلاغ واش يقدح فيه ومشي عاذل بثلب له فيقبله ولا يطلب لتكذيبه سببا ولا لأخيه عذرا وورود ملل يدخل على أحدهما فإن الملالة تورث القطع ولا يكون لملول صديق ولقد أخبرني مُحَمَّد بْن أَبِي عَلِيٍّ الْخَلادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن إِبْرَاهِيم اليعمري حدثني عَبْد الرحمن بن إبراهيم الأصبهاني أنشدني بعض أهل الأدب ... إن الملولة وده ... مثل السراب يذم ورده أو كالسحاب الزائد البراق ... لم يصدقك وعده أو كالحسام هززته ... عند الضراب فكل حده لا تقبلن إخاءه ... فوعيده كذب ووعده بينا يودك رأى ... عينيك إذ بدا لك منه صده ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 .. وتغيرت أخلاقه ... وازور حتى مال خده ... أنبأنا مُحَمَّد بْن يعقوب الخطيب بالأهواز حَدَّثَنَا معمر بْن سهل حدثنا إبراهيم ابن بشار عَن سُفْيَان قَالَ كان لابن شبرمة أخ فجفاه فكتب إليه ... كلانا غني عَن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام فمن فعل ذلك كان مرتكبا لنهي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وخيرهما الذي يبدأ بالسلام والسابق بالسلام يكون السابق إلى الجنه ومن هجر أخاه سنة كان كسفك دمه ومن مات وهو مهاجر أخاه دخل النار إن لم يتفضل الله عَلَيْهِ بعفو منه ورحمة وغاية مَا أبيح من الهجران بين المسلمين ثلاثة أيام ولقد أنشدني عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد الأنماطي قَالَ أنشدني مُحَمَّد بْن الحسن ... يا سيدي عندك لي مظلمه ... فاستفت فيها ابن أَبِي خيثمه ... فإنه يرويه عن شيحه ... قَالَ روى الضحاك عَن عكرمه عن ابن عباس عَن المصطفى ... نبينا المبعوث بالمرحمه أن صدود الخل عَن خله ... فوق ثلاث ربنا حرمه ... وأنشدني مُحَمَّد بْن شاه الأبيوردي بالموصل ... ماودني أحد إلا بذلت له ... صفو المودة مني آخر الأبد ولا جفاني وإن كنت المحب له ... إلا دعوت له الرحمن بالرشد ولا ائتمنت على سر فبحت به ... ولا مددت إلى غير الجميل يدي ولا أخون خليلي في خليلته ... حتى أغيب في الأكفان واللحد ... أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن شجاع حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سماعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 قَالَ جئت يوما إلى أَبِي علي المصري أسلم عَلَيْهِ قَالَ فبش بي واحتملني في حجرة ثم قَالَ ... حسبي بوصلك في حياتي لذة ... ورضيت في ذاك المعاد ثوابا لو كنت رزقي مَا أردت زيادة ... ولقلت أحسن خالقي وأطابا ... ذكر الحث على لزوم الحلم عند الأذى أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا حَلِيمَ إِلا ذُو عَثْرَةٍ وَلا حليم إِلا ذُو تَجْرِبَةٍ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه هذا الخبر في الضرب الذي ذكرت في كتاب فصول السنن بأن العرب تضيف الاسم إلى الشيء للقرب من التمام وتنفي الاسم عن الشيء للنقص من الكمال فلما كان الغالب على المرء أن لا يكون حليما حتى يكون ذا عثرة نفى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم اسم الحليم عمن لم يكن بذي عثرة لنقصه عَن الكمال فالحليم عظيم الشأن رفيع المكان محمود الأمر مرضي الفعل والحلم اسم يقع على زم النفس عَن الخروج عند الورود عليها ضد مَا تحب إلى مَا نهي عنه فالحلم يشتمل على المعرفة والصبر والأناة والتثبت ولم يقرن شيء إلى شيء أحسن من عفو إلى مقدرة والحلم أجمل مَا يكون من المقتدر على الانتقام ولقد حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الحسن بْن عَبْد الجبار الصوفي ببغداد حَدَّثَنَا يَحْيَى ابن معين قَالَ حَدَّثَنَا الحسن بْن واقع عَن ضمرة قَالَ الحلم أرفع من العقل لأن اللَّه تبارك وتعالى تسمى به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن زنجي البغدادي ... ألم تر أن الحلم زين مسود ... لصاحبه والجهل للمرء شائن فكن دافنا للشر بالخير تسترح ... من الهم إن الخير للشر دافن ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب الواسطي ... إذا شئت يوما أن تسود عشيرة ... فبالحلم سد لا بالتسرع والشتم وللحلم خير فاعلمن مغبة ... من الجهل إلا أن تشر سن من الظلم ... وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... فارض بما حم من قضاء ... يصبك من ذلك الخيار وعش حميدا رخي بال ... مَا زانك الحلم والوقار ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن من نفاسة اسم الحلم وارتفاع قدره أن اللَّه جل وعلا تسمى به ثم لم يسم بالحلم في كتابه أحدا إلا إِبْرَاهِيم خليله وإسحاق ذبيحه حيث قَالَ {إن إِبْرَاهِيم لآواه حليم} وقال {فبشرناه بغلام حليم} ولو لم يكن في الحلم خصلة تحمد إلا ترك اكتساب المعاصي والدخول في المواضع الدنسة لكان الواجب على العاقل أن لا يفارق الحلم مَا وجد إلى استعماله سبيلا والحلم سجية أو تجربة أو هما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 حدثنا أَبُو حمزة مُحَمَّد بْن عمر بْن يُوسُف حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الكندي حَدَّثَنَا أَبُو أسامه عَن هشام بْن عروة عَن أبيه قَالَ سمعت معاوية بْن أَبِي سُفْيَان يقول لا حلم إلا بالتجربة وأنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... صاف الصديق بوده ... وإذا دنا شبرا فزده واحلم إذا نطق السفيه ... فمن يرد جهلا يجده ... أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ بِالْبَصْرَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ وَمَنْ يَتَوَخَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ وأنشدني الكريزي ... إذا أنا كافيت الجهول بفعله ... فهل أنا إلا مثله إذ أحاوره ولكن إذا مَا طاش بالجهل طائش ... علي فإني بالتحلم قاهره ... أنبأنا أَحْمَد بْن الحسن بْن عَبْد الجبار حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن معين حَدَّثَنَا عثمان ابن صالح حَدَّثَنَا ابن وهب عَن عمرو بْن الحارث أن رجلا كتب إلى أخ له اعلم أن الحلم لباس العلم فلا تعرين منه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يلزم الحلم عَن الناس كافة فإن صعب ذلك عَلَيْهِ فليتحالم لأنه يرتقي به إلى درجة الحلم وأول الحلم المعرفة ثم التثبت ثم العزم ثم التصبر ثم الصبر ثم الرضا ثم الصمت والإغضاء وما الفضل إلا للمحسن إلى المسيء فأما من أحسن إلى المحسن وحلم عمن لم يؤذه فليس ذلك بحلم ولا إحسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ولقد أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن زكريا حدثنا عبد الصمد ابن حسان حدثنا أو عمر المازني عَن وهب بْن منبه أنه قال يا بني لا تجادلن العلماء فتهون عليهم فيرفضوك ولا تمارين السفهاء فيجهلوا عليك ويشتموك فإنه يلحق بالعلماء من صبر ورأى رأيهم وينجو من السفهاء من صمت وسكت عنهم ولا تحسبن أنك إذا ماريت الفقيه إلا زدته غيظا دائبا ولا تحمين من قليل تسمعه فيوقعك في كثير تكرهه ولا تفضح نفسك لتشفي غيظك فإن جهل عليك جاهل فلينفعن إياك حلمك وإنك إذا لم تحسن حتى يحسن إليك فما أجرك وما فضلك على غيرك فإذا أردت الفضيلة فأحسن إلى من أساء إليك واعف عمن ظلمك وانفع من لم ينفعك وانتظر ثواب ذلك من قبل الله فإن الحسنة الكاملة التي لا يريد صاحبها عليها ثوابا في الدنيا وأنشدني مُحَمَّد بْن حبيب الواسطي ... إذا المرء لم يصرف عذابا من الأذى ... حياء ولم يغفر لأخرق مذنب فلم يصطنع إلا قليلا صديقه ... ومن يدفع العوراء بالحلم يغلب ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... احفظ لسانك إن لقيت مشاتما ... لا تجرين مع اللئيم إذا جرى من يشتري عرض اللئيم بعرضه ... يحوي الندامة حين يقبض مَا اشترى ... أنبأنا إِبْرَاهِيم بْن نصر العنبري حَدَّثَنَا علي بْن الأزهر الرازي حدثنا إبراهيم ابن رستم قَالَ سمعت ابن المبارك يقول دعانا عَبْد اللَّه بْن عون إلى طعامه فكنا نأكل فجاءت الخادم ومعها صحفة فعثرت في ثوبها فسقطت الصحفة من يدها فقال لها ابن عون مترس آزادي حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا ابن عائشة قَالَ قَالَ مُحَمَّد بْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 السعدي لابنه عروة لما ولى اليمن إذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك وإلى الأرض تحتك ثم عظم خالقهما قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل إذا غضب واحتد أن يذكر كثرة حلم اللَّه عنه مع تواتر انتهاكه محارمه وتعديه حرماته ثم يحلم ولا يخرجه غيظه إلى الدخول في أسباب المعاصي والناس على ضروب ثلاثة رجل أعز منك ورجل أنت أعز منه ورجل ساواك في العز فالتجاهل على من أنت أعز منه لؤم وعلى من هو أعز منك جنف وعلى من هو مثلك هراش كهراش الكلبين ونقار كنقار الديكين ولا يفترقان إلا عَن الخدش والعقر والهجر ولا يكاد يوجد التجاهل وترك التحالم إلا من سفيهين ولقد أحسن الذي يقول ... ما تم حلم ولا علم بلا أدب ... ولا تجاهل في قوم حليمان وما التجاهل إلا ثوب ذي دنس ... وليس يلبسه إلا سفيهان ... وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... وما شيء أسر الى لئيم ... إذا شتم الكرام من الجواب متاركة اللئيم بلا جواب ... أشد عَلَيْهِ من مر العذاب ... وأنشدني الكريزي ... تجرد مَا استطعت من السفيه ... بحسن الحلم إن العز فيه فقد يعصي السفيه مؤدبيه ... ويبرم باللجاجة منصفيه تلين له فيغلظ جانباه ... كعير السوء يرمح عالقيه ... أنبأنا مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا الحسن بْن مُحَمَّد الأزدي الكوفي حَدَّثَنَا عمر بْن حفص بْن غياث عَن أبيه قَالَ كنت جالسا عند جعفر بْن مُحَمَّد ورجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 يشكو رجلا عنده قال لي كذا وفعل لى كذا فقال له جعفر من أكرمك فأكرمه ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه مَا ضم شيء إلى شيء هو أحسن من حلم إلى علم وما عدم شيء في شيء هو أوحش من عدم الحلم في العالم ولو كان للحلم أبوان لكان أحدهما العقل والآخر الصمت وربما يدفع العاقل الى الوقت بعد الوقت إلى من لا يرضيه عنه الحلم ولا يقنعه عنه الصفح فحينئذ يحتاج إلى سفيه ينتصر له لأن ترك الحلم في بعض الأوقات من الحلم ولقد حدثني مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا يزيد بْن عَبْد الصمد حَدَّثَنَا عَبْد الرحمن ابن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا الوليد عَن سَعِيد بْن عَبْد العزيز أن رجلا استطال على سليمان بْن موسى فسكت له سليمان وانتصر له أخوه قَالَ فقال مكحول ذل من لا سفيه له حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا محمد بن عبد الرحمن ابن القاسم عَن أبيه قَالَ قَالَ أَبُو حنيفة لشيطان الطاق مَا تقول في المتعة قَالَ حلال قَالَ فيسرك أن أمك تزوجت متعة فسكت عنه ساعة ثم قَالَ يا أبا حنيفة مَا تقول في النبيذ قَالَ حلال قال وشربه وبيعه وشاؤه قَالَ نعم قَالَ فيسرك أن أمك نباذة قَالَ فسكت عنه ابو حنيفه أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... إذا كنت بين الحلم والجهل قاعدا ... وخيرت أنى شئت فالحلم أفضل ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا ... ولم يرض منك الحلم فالجهل أفضل ... وأنشدني مُحَمَّد بْن حبيب الواسطي ... إذا أمن الجهال جهلك مرة ... فعرضك للجهال غنم من الغنم فعم عَلَيْهِ الجهل والحلم والقه ... بمرتبة بين العداوة والسلم ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 .. فيرجوك تارات ويخشاك تارة ... وتأخذ فيما بين ذلك بالحزم ... حدثنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا يزيد بْن عَبْد الصمد الدمشقي حَدَّثَنَا أَبُو مسهر حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَبْد العزيز عَن مكحول قَالَ لا حلم لمن لا جاهل له وحدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مهدي بْن سابق قَالَ قَالَ المأمون يحسن بالملوك الحلم عَن كل أحد إلا عَن ثلاثة قادح في ملك أو مذيع لسر أو متعرض لحرمة قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الحلم على ضربين أحدهما مَا يرد على النفس من قضاء اللَّه من المصائب التي امتحن اللَّه بها عباده فيصبر العاقل تحت ورودها ويحلم عَن الخروج إلى مَا لا يليق بأهل العقل والآخر مَا يرد على النفس بضد مَا تشتهيه من المخلوقين فمن تعود الحلم فليس بمحتاج إلى التصبر لاستواء العدم والوجود عنده كما حدثنا أَبُو حمزة مُحَمَّد بْن يُوسُف بْن عمر بنسا حَدَّثَنَا يعقوب بْن إِبْرَاهِيم الدورقي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صالح العجلي قَالَ سمعت ابن أَبِي عتبة يقول قِيلَ للأحنف بْن قيس التميمي ممن تعلمت الحلم قَالَ من قيس بْن عاصم التميمي أتاه آت وهو محتب فقال ابن أخيك قتل ابنك قَالَ عصى ربه وفت عضده وقطع رحمه جهزوه وما حل حبوته فمنه تعلمت الحلم حدثنا مُحَمَّد بْن شاذل الهاشمي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الخليل البغدادي حَدَّثَنَا علي بن الحسين بْن شقيق أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه عَن جعفر بْن سليمان قَالَ كانت امرأة بالبصرة متعبدة تصيبها المصائب فننكر من صبرها حتى أصابتها مصيبة موجعه فصبرت فذكرت ذلك لها فقالت مَا من مصيبة تصيبني فأذكر معها النار إلا صارت في عيني مثل التراب حدثنا بَكْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الطاحي بالبصرة حَدَّثَنَا عمرو بْن إِسْحَاق بْن خلاد الجهضمي حَدَّثَنَا خالد بْن خداش حَدَّثَنَا ابن وهب عَن بكر بْن مضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 قَالَ كان أَبُو الهيثم مات ولده وبقى له بني صغير فمات فأتاه إخوانه يعزونه وهو في ناحية المسجد فقال لهم تركني حزن يوم القيامة لا آسى على شيء فاتني ولا أفرح لما أتاني حدثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الثقفي حَدَّثَنَا القاسم بْن الحسن الزبيدي حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم قَالَ مات ابن لشريح فلم يصيحوا عَلَيْهِ ولم يشعر به أحد فقيل له يا أبا آمنة كيف هو قَالَ قد سكن علزه ورجاه أهله ولم يكن منذ اشتكى أسكن منه الليلة ذكر الحث على لزوم الرفق في أمور وكراهية العجلة فيها حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الطَّبَرِيُّ بِالصَّيْمَرَةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاءِ الْعَطَّارُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ مملكة عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَنْ مُنِعَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ مُنِعَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل لزوم الرفق في الأمور كلها وترك العجله والخفة فيها إذ اللَّه تعالى يحب الرفق في الأمور كلها ومن منع الرفق منع الخير كما أن من أعطي الرفق أعطي الخير ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الذي يحب إلا بمقارنة الرفق ومفارقة العجلة وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري ... الرفق ممن سيلقى اليمن صاحبه ... والخرف منه يكون العنف والزلل والحزم أن يتأنى المرء فرصته ... والكف عنها إذا ما أمكنت فشل ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 .. والبر لله خير الأمر عاقبة ... والله للبر عون ماله مثل خير البرية قولا خيرهم عملا ... لا يصلح القول حتى يصلح العمل ... وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... الرفق أيمن شيء أنت تتبعه ... والخرق أشأم شيء يقدم الرجلا وذو التثبت من حمد إلى ظفر ... من يركب الرفق لا ليستحقب الزللا ... حدثنا مُحَمَّد بْن أَبِي عَلِيٍّ الْخَلادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خلف البسامي عن أحمد ابن موسى الأزرق أنه أنشده ... وزن الكلام إذا نطقت فإنما ... يبدي العقول أو العيوب المنطق لا ألفينك ثاويا في غربة ... إن الغريب بكل سهم يرشق لو سار ألف مدجج في حاجة ... لم يقضها إلا الذي يترفق ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يلزم الرفق في الأوقات والاعتدال في الحالات لأن الزيادة على المقدار في المبتغى عيب كما أن النقصان فيما يجب من المطلب عجز وما لم يصلحه الرفق لم يصلحه العنف ولا دليل أمهر من رفق كما لا ظهير أوثق من العقل ومن الرفق يكون الاحتراز وفي الاحتراز ترجى السلامة وفي ترك الرفق يكون الخرق وفي لزوم الخرق تخاف الهلكة ولقد أنشدني الأبرش ... عليك بوجه القصد فاسلك سبيله ... ففي الجور إهلاك وفي القصد مسلك إذا أنت لم تعرف لنفسك قدرها ... تحملها مالا تطيق فتهلك ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الرافق لا يكاد يسبق كما أن العجل لا يكاد يلحق وكما أن من سكت لا يكاد يندم كذلك من نطق لا يكاد يسلم والعجل يقول قبل أن يعلم ويجيب قبل أن يفهم ويحمد قبل أن يجرب ويذم بعد ما يحمد يعزم قبل أن يفكر ويمضي قبل أن يعزم والعجل تصحبه الندامة وتعتزله السلامة وكانت العرب تكني العجلة أم الندامات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ولقد أنشدني بعض أهل العلم ... العجز ضر وما بالحزم من ضرر ... وأحزم الحزم سوء الظن بالناس لا تترك الحزم في أمر تحاذره ... فإن أمنت فما بالحزم من باس ... أخبرنا عمرو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عمر بْن حبيب قَالَ كان يقال لا يوجد العجول محمودا ولا الغضوب مسرورا ولا الحر حريصا ولا الكريم حسودا ولا الشره غنيا ولا الملول ذا إخوان وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... إذا مَا أتيت الأمر من غير بابه ... تصعب حتى لا ترى فيه مرتقى وإن الذي يصطاده الفخ إن عتا ... على الفخ كان الفخ أعتى وأضيقا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العجلة تكون من الحدة وصاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محمودا وإن أخطأها كان مذموما والعجل لا يسير إلا مناكبا للقصد منحرفا عَن الجادة يلتمس مَا هو أنكد وأوعر وأخفى مسارا يحكم حكم الورهاء ويناسب أخلاق النساء ولقد حَدَّثَنَا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مهدي بْن سابق قَالَ قَالَ خالد بْن برمك من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به كبير مكروه العجلة واللجاجة والعجب والتواني فثمرة العجلة الندامة وثمرة اللجاجة الحيرة وثمرة العجب البغضة وثمرة التواني الذل قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العجلة موكل بها الندم وما عجل أحد إلا اكتسب ندامة واستفاد مذمة لأن الزلل مع العجل والإقدام على العمل بعد التأني فيه أحزم من الإمساك عنه بعد الإقدام عَلَيْهِ ولا يكون العجول محمودا أبدا والعاقل يعلم أن العجز في الأمور يقوم في النقص مقام الإفراط في السعي فيتجنبهما معا ويجعل لنفسه مسلكا بينهما ولقد حدثنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا أَبُو الدرداء عَبْد العزيز بْن منيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 حدثني إِبْرَاهِيم بْن عاصم قَالَ سمعت صدقة يقول سمعت الشمردل يقول نكح العجز التواني فولد الندامة قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه سبب النجاح ترك التواني ودواعي الحرمان الكسل لأن الكسل عدو المروءة وعذاب على الفتوة ومن التواني والعجز أنتجت الهلكة وكما أن الأناة بعد الفرصة أعظم الخطأ كذلك العجلة قبل الإمكان نفس الخطأ والرشيد من رشد عَن العجلة والخائب من خاب عن الأناة والعجل مخطيء أبدا كما أن المتثبت مصيب أبدا حدثني مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسن المصري حدثني نعيم ابن حماد حَدَّثَنَا ابن المبارك حَدَّثَنَا معمر قَالَ كتب عمرو إلى معاوية يعاتبه في التأني أما بعد فإن التفهم في الخير زيادة ورشد وإنه من لا ينفعه الرفق يضره الخرق ومن لا تنفعه التجارب لا يدرك المعاني أو قَالَ المعالي ولا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله وتصبره شهوته ولا يدرك ذلك إلا بقوة الحلم وأنشدني مُحَمَّد بْن حبيب الواسطي ... بني إذا مَا ساقك الضر فاتئد ... فللرفق أولى بالأريب وأحرز فلا تحمين عند الأمور تعززا ... فقد يورث الذل الطويل التعزز ... أخبرني مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا سليمان بْن حرب حَدَّثَنَا حماد عَن أيوب قَالَ قَالَ أكثم بْن صيفي مَا يسرني أني نزلت بدار معجزة فأسمنت وألبنت قِيلَ له لم قَالَ لأني أخاف أن أتخذ العجز عادة وأنشدني المنتصر بْن بلال ... وعليك في بعض الأمور صعوبة ... والرفق للمستصعبات مدان وبحسن عقل المرء يثبت حاله ... وعلى المغارس تثمر العيدان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مهدي بْن سابق عن عبد الله ابن عياش عَن أبيه قَالَ شهد أعرابي عند معاوية بشهادة فقال معاوية كذبت فقال الأعرابي إن الكاذب للمتزمل في ثيابك فقال معاوية هذا جزاء من يعجل ذكر الحث على تعلم الأدب ولزوم الفصاحة حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ الأَنْصَارِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد شبه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الخبر البيان بالسحر إذ الساحر يستميل قلب الناظر إليه بسحره وشعوذته والفصيح الذرب اللسان يستميل قلوب الناس إليه بحسن فصاحته ونظم كلامه فالأنفس تكون إليه تائقة والأعين إليه رامقة ولقد حَدَّثَنَا أَبُو خليفة حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد التوزي النحوي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صالح حَدَّثَنَا حبان بْن علي قَالَ سمعت ابن شبرمة يقول مَا رأيت لباسا على رجل أحسن من فصاحة ولا على امرأة من شحم وإن الرجل ليتكلم فيعرب فكأن عَلَيْهِ الخز الأدكن وإن الرجل ليتكلم فيلحن فكأن عَلَيْهِ أسمالا إن أحببت أن يصغر في عينك الكبير ويكبر في عينك الصغير فتعلم النحو وأنشدني الكريزي ... أكرم بذي أدب أكرم بذي حسب ... فإنما العزم في الأحساب والأدب والناس صنفان ذو عقل وذو أدب ... كمعدن الفضة البيضاء والذهب وسائر الناس من بين الورى همج ... كانوا موالي أو كانوا من العرب ... وأنشدني البسامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 .. ليس المسود بالمال سؤدده ... بل المسود من قد ساد بالأدب لأن من ساد بالأموال سؤدده ... مَا دام في جمع ذا الأموال والنشب إن قل يوما له مال يصير إلى ... هون من الأمر في ذل وفي تعب ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الفصاحة أحسن لباس يلبسه الرجل وأحسن إزار يتزر به العاقل والأدب صاحب في الغربة ومؤنس في القلة وزين في المحافل وزيادة في العقل ودليل على المروءة ومن استفاد الأدب في حداثته انتفع به في كبره لأن من غرس فسيلا يوشك أن يأكل رطبها وما يستوي عند أولي النهى ولا يكون سيان عند ذوي الحجى رجلان أحدهما يلحن والآخر لا يلحن وقد حَدَّثَنَا الحسين بْن مُحَمَّد بْن مصعب السمجي حَدَّثَنَا أَبُو داود حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن بكر بْن حبيب حَدَّثَنَا أَبِي عَن سالم بْن قتيبة قَالَ كنت عند ابن هبيرة فجرى الحديث حتى ذكروا العربيه فقال والله مَا استوى رجلان حسبهما واحد ومروءتهما واحدة أحدهما يلحن والآخر لا يحلن إلا أن أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن قَالَ فقلت أصلح اللَّه الأمير هذا أفضل في الدنيا لفضل فصاحته وعربيته أرأيت الآخرة ما باله فضل فيها قَالَ إنه يقرأ كتاب اللَّه على مَا أنزل والذي يلحن يحمله لحنه على أن يدخل في كتاب اللَّه مَا ليس فيه ويخرج منه مَا هو فيه قَالَ قلت صدق الأمير وبر وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... أيها الطالب فخرا بالنسب ... إنما الناس لأم ولأب هل تراهم خلقوا من فضة ... أو حديد أو نحاس أو ذهب أو ترى فضلهم في خلقهم ... هل سوى لحم وعظم وعصب إنما الفضل بحلم راجح ... وبأخلاق كرام وأدب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 .. ذاك من فاخر في الناس به ... فاق من فاخر منهم وغلب ... وأنشدني مُحَمَّد بْن نصر بن نوفل أنشدني عَبْد العزيز بْن أَحْمَد بْن بكار إمام مسجد مكة ... ما حلة نسجت بالدر والذهب ... إلا وأحسن منها المرء بالأدب ... حدثنا مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد المسروقي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين البرجلاني حَدَّثَنَا أَبُو عمر العمري حدثني عَبْد اللَّه بْن سلمة بْن مرداس عَن أبيه قَالَ قَالَ لي رجل من حكماء الفرس أقرب القرابة المودة الدائمة وأفضل مَا ورث الآباء الأبناء حسن الأدب قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أفضل مَا ورث أب ابنا ثناء حسن وأدب نافع والخرس عندي خير من البيان بالكذب كما أن الحصور خير من العاهر فيجب على العاقل أن يذكى قلبه بالأدب كما يذكى النار بالحطب لأن من لم يذك قلبه ران حتى يسود ومن تعلم الأدب فلا يتخذه للمماراة عدة ولا للمباراة ملجأ ولكن يقصد قصد الانتفاع بنفسه وليستعين به على مَا يقر به إلى بارئه ولقد أنشدنى عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... أدب المرء كلحم ودم ... مَا حواه رجل إلا صلح لو وزنتم رجلا ذا أدب ... بألوف من ذوي الجهل رجح ... أنبأنا أَحْمَد بْن بشر الكرجي حَدَّثَنَا محمود بْن الخطاب حَدَّثَنَا رستة عَبْد الرحمن بْن عمر قَالَ سمعت عَبْد الرحمن بْن مهدي يقول ما ندمت على شىء ندامتى أني لم أنظر في العربية سمعت إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل القاضي يقول سمعت ابن أخي الأصمعي يقول سمعت عمي يقول تعلموا النحو فإن بني إسرائيل كفروا بكلمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 واحدة كانت مشددة فخففوها قَالَ اللَّه {يا عيسى إني ولدتك} فقرأوا يا عيسى إني ولدتك مخفف فكفروا حدثنا الحسن بْن إِسْحَاق الأصبهاني حَدَّثَنَا أَبُو أمية حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صالح حَدَّثَنَا أَبُو زيد النحوي قَالَ جاء رجل إلى الحسن فقال مَا تقول في رجل ترك أبيه وأخيه فقال الحسن ترك أباه وأخاه قَالَ الرجل فما لأباه ولأخاه فقال الحسن فما لأبيه ولأخيه فقال الرجل كلما تابعتك خالفت قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا زينة أحسن من زينة الحسب كما أن من أجمل الجمال إستعمال الأدب ولا حسن لمن لا أدب له ومن كان من أهل الأدب ممن لا حسب له يبلغ به أدبه مراتب أهل الأحساب لأن حسن الأدب خلف من الحسب وليست الفصاحة إلا إصابة المعنى والقصد ولا البلاغة إلا تصحيح الأقسام واختيار الكلام ومن أَحْمَد الفصاحة الاقتدار عند البداهة والغزارة عند الإطالة وأحسن البلاغة وضوح الدلالة وحسن الإشارة ولقد سمعت مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ نَوْفَلٍ المروزي يقول سمعت أبا داود السنجي يقول سمعت الأصمعي يقول ليست البلاغة بخفة اللسان ولا كثرة الهذيان ولكن بإصابة المعنى والقصد إلى الحاجة وإن أبلغ الكلام مَا لم يكن بالقروي المجدع ولا البدوي المعرب وأنشدني الكريزي ... ولم أر فضلا تم إلا بشيمة ... ولم أر عقلا صح إلا على أدب ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم ... عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب ... حدثنا عمر بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الجشمي قَالَ قَالَ المدائني ذكر عند علي بْن عَبْد اللَّه بْن عباس بلاغة رجل فقال إني لأكره أن يكون مقدار لسانه فاضلا على مقدار علمه كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 قَالَ أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الكلام مثل اللؤلؤ الأزهر والزبرجد الأخضر والياقوت الأحمر إلا أن بعضه أفضل من بعض ومنه مَا يكون مثل الخزف والحجر والتراب والمدر وأحوج الناس إلى لزوم الأدب وتعلم الفصاحة أهل العلم لكثرة قراءتهم الأحاديث وخوضهم في أنواع العلوم وَلَقَدْ سَمِعْتُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ نَوْفَلٍ يقول سمعت أبا داود السنجي أو حدثني سهل بن هاني عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُولُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ النَّحْوَ أَنْ يَدْخُلَ فِيمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَذِبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَمْ يَكُنْ لَحَّانًا وَلَمْ يَلْحَنْ فِي حَدَيثِهِ فَمَهْمَا رَوَيْتَ عَنْهُ وَلَحَنْتَ فِيهِ كَذَبْتَ عَلَيْهِ وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... ليس الفتى كل الفتى ... إلا الفتى في أدبه وبعض أخلاق الفتى ... أولى به من نسبه حتف امريء لسانه ... في جده أو لعبه بين اللهي مقتله ... ركب في مركبه ... سمعت أَحْمَد بْن الخطاب بْن مهران بتستر يقول سمعت عثمان بْن خرزاد يقول سمعت علي بْن الجعد يقول سمعت شعبة يقول مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الدابة عليها المخلاة ليس فيها شيء ذكر إباحة جمع المال للقائم بحقوقه حدثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحسين ابن بِنْتِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاسِرْجِسَ حَدَّثَنَا جَدِّي حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا عَمْرُو نِعِمَّا الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه هذا الخبر يصرح عَن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإباحة جمع المال من حيث يجب ويحل للقائم فيه بحقوقه لأن في تقرينه الصلاح بالمال والرجل معا بيانا واضحا لأنه إنما أباح في جمع المال الذي لا يكون بمحرم على جامعه ثم يكون الجامع له قائما بحقوق اللَّه فيه ولقد ذكرت هذه المسألة بتمامها بالعلل والحكايات في كتاب الفضل بين الغنى والفقر بما أرجو الغنية فيها لمن أراد الوقوف على معرفتها فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب أنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... إذا كان مَا جمعت ليس بنافع ... فأنت وأقصى الناس فيه سواء على أن هذا خارج من أثامه ... وأنت الذي تجزي به وتساء ... أنبأنا مُحَمَّد بْن سليمان بْن فارس حَدَّثَنَا الحسن بْن مُحَمَّد بْن الصباح حَدَّثَنَا أَبُو عياد حَدَّثَنَا شعبة عَن قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْد اللَّه بْن الشخير يحدث عَنْ حَكِيمِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَوْصَى بنيه عند موته فقال عليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم ويستغنى به عَن اللئيم وإياكم وَمَسْأَلَةَ النَّاسِ فَإِنَّهَا آخِرُ كَسْبِ الرَّجُلِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن من أحسن مَا ينتفع المرء به في عمره وبعد الممات تقوى اللَّه والعمل الصالح فالواجب على العاقل أن يعمل في شبابه فيما يقيم به أوده كالشيء الذي لا يفارقه أبدا وفيما يصلح به دينه كالشيء الذي لا يجده غدا وليكن تعاهده لماله مَا يصلح به معاشه ويصون به نفسه وفي دينه مَا يقدم به لآخرته ويرضي به خالقه والفاقة خير من الغنى بالحرام والغني الذي لا مروءة له أهون من الكلب وإن هو طوق وخلخل حدثني مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا عمران بْن موسى بْن أيوب حدثني أَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 حدثني عيسى بْن يونس عَن مُحَمَّد بْن سوقة عَن مُحَمَّد بْن المنكدر قَالَ نعم العون على تقوى اللَّه الغنى وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... أرى كل ذي مال يسود بماله ... وإن كان لا أصل هناك ولا فصل وآخر منسوبا إلى الرأي خاملا ... وأنوك مجهولا له الجاه والنبل فلا ذا بفضل الرأي أدرك بلغة ... ولم أر هذا ضره النوك والجهل ... وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ليحيى بْن أكثم ... إذا قل مال المرء قل بهاؤه ... وضاقت عَلَيْهِ أرضه وسماؤه وأصبح لا يدري وإن كان حازما ... أقدامه خير له أم وراؤه ولم يمض في وجه من الأرض واسع ... من الناس إلا ضاق عنه فضاؤه وأصبح مردودا عليه مقالا وكان به قد يقتدي خطباؤه وإن يبق لم يضرر عدوا بقاؤه ... وإن يفن لم يفقد لخير فناؤه ... حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المهاجر حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد بْن حماد الْبَرْبَرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي شيخ حدثني الزُّبَيْرِيُّ قَالَ مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَهُوَ يَغْرِسُ وديا فَقَالَ مَا تَصْنَعُ يَا ابْنَ مَسْلَمَةَ قَالَ مَا تَرَى أَسْتَغْنِى عَنِ النَّاسِ كَمَا قَالَ صَاحِبُكُمْ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلاحِ ... استغن أومت فلا يغررك ذو نشب ... مِنَ ابْنِ عَمٍّ وَلا عَمٍّ وَلا خَالِ إِنِّي أَظَلُّ عَلَى الزَّوْرَاءِ أَعْمُرُهُا ... إِنَّ الْحَبِيبَ إِلَى الإِخْوَانِ ذُو الْمَالِ ... أنبأنا مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد الرحمن عَن عبدان قَالَ دخلت على عبد الله المبارك وهو يبكي فقلت له مالك يا أبا عَبْد الرحمن قَالَ بضاعة لي ذهبت قَالَ قلت أو تبكي على المال قَالَ إنما هو قوام ديني قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن من أسعد الناس من كان في غناه عفيفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وفي مسكنته قنعا لأن من نزل به الفقر لم يجد بدا من ترك الحياء والفقر يذهب العقل والمروءة ويذهب العلم والأدب وكاد الفقر أن يكون كفرا ومن عرف بالفقر صار معدنا للتهمة ومجمعا للبلايا اللهم إلا أن يرزق المرء قلبا نقيا قنعا يرى الثواب المدخر من الضجر الشديد فحينئذ لا يبالي بالعالم بأسرهم والدنيا وما فيها والفقر داعية إلى المهانة كما أن الغنى داعية إلى المهابة ولقد أحسن الذي يقول ... يغطي عيوب المرء كثرة ماله ... وصدق فيما قَالَ وهو كذوب ويزري بعقل المرء قلة ماله ... يحمقه الأقوام وهو لبيب ... أنبأنا بكر بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الطَّاحِيُّ حَدَّثَنَا النمر بْن قادم حَدَّثَنَا حماد بْن زيد عَن أيوب قَالَ قَالَ لي أَبُو قلابة يا أيوب الزم سوقك فإنك لا تزال كريما على إخوانك مَا لم تحتج إليهم وأنشدني العقبي أنشدني مُحَمَّد بْن خلف التيمي بالكوفة ... كأن مقلا حين يغدو لحاجة ... إلى كل من يلقى من الناس مذنب وكان بنو عمي يقولون مرحبا ... فلما رأوني معدما مات مرحب ... وأنشدني الكريزي ... لعمرك إن المال قد يجعل الفتى ... نسيبا وإن الفقر بالمرء قد يزري ولا رفع النفس الدنيئة كالغنى ... ولا وضع النفس الكريمة كالفقر ... حدثنا مُحَمَّد بْن يَحْيَى العمى ببغداد حَدَّثَنَا الصلت بْن مسعود حَدَّثَنَا حماد بْن زيد حَدَّثَنَا أيوب قَالَ قَالَ لي أَبُو قلابة الزم السوق فإن الغنى من العافية قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه ليس خلة هي للغنى مدح إلا وهي للفقير عيب فإن كان الفقير حليما قِيلَ بليد وإن كان عاقلا قِيلَ مكار وإن كان بليغا قِيلَ مهذار وإن كان ذكيا قِيلَ حديد وإن كان صموتا قِيلَ عيي وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 كان متأنيا قِيلَ جبان وإن كان عارما قِيلَ جريء وإن كان جوادا قيل مسرف وإن كان مقدار قِيلَ ممسك وشر المال مَا اكتسب من حيث لا يحل وأنفق فيما لا يجمل ووجوده وعدمه ليسا بتجلد ولا بكثرة حيلة ولكنه أقسام ومواهب من الخلاق العليم ولقد أنشدني الأبرش ... يشقى رجال ويشقى آخرون بهم ... ويسعد اللَّه أقواما بأقوام وليس رزق الفتى من حسن حيلته ... لكن جدود بأرزاق وأقسام كالصيد يحرمه الرامي المجيد وقد ... يرمي فيرزقه من ليس بالرامي ... حدثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا أحمد بن داود بْن موسى العطار حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن نصر العدني حَدَّثَنَا المندني قَالَ قَالَ أَبُو قيس بْن معد يكرب وكان له أحد عشر ذكرا يا بني اطلبوا هذا المال أجمل الطلب واصرفوه في أحسن مذهب صلوا به الأرحام واصطنعوا به الأقوام واجعلوه جنة لأعراضكم تحسن في الناس قالتكم فإن جمعه كمال الأدب وبذله كمال المروءة حتى إنه ليسود غير السيد ويقوي غير الأيد وحتى إنه ليكون في أنفس الناس نبيها وفي أعينهم مهيبا ومن جمع مالا فلم يصن عرضا ولم يعط سائلا بحث الناس عَن أصله فإن كان مدخولا هتكوه وإن كان صحيحا نسبوه إما إلى عرض دنية وإما إلى لوص لئيم حتى يهجنوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 حدثني مطهر بْن يَحْيَى بْن ثابت بواسط حَدَّثَنَا سنان القطان حَدَّثَنَا أَبُو معاوية عَن الأعمش عَن إِبْرَاهِيم عَن علقمة قَالَ سمع رجل صوتا في غمام اذهبي الى أرض فلان فاسقيه قَالَ فقال الرجل لآتين فلانا هذا فلأنظرن مَا يعمل في أرضه فأتاه وقد مطر فيها وهو قائم يفتح الأواعي فسلم عَلَيْهِ وقال يا عَبْد اللَّه أخبرني مَا تعمل في أرضك هذه قَالَ أنظر إلى مَا أخرج اللَّه منها فأرد فيها ثلثه وأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثه قَالَ علقمة فكان ابن مسعود يبعثني إلى أرض له بزازان أفعل فيها مثل ذَلِكَ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن شر المال مالا يخرج منه حقوقه وإن شرا منه مَا أخذ من غير حله ومنع من حقه وأنفق في غير حله واستثمار المال قوام المعاش ولا بد للمرء من إصلاح ماله وما ارتفع أحد قط عَن إصلاح ماله صالحا كان أو طالحا ولا يجب للعاقل أن يعتمد على مجاورة نعم اللَّه عنده فلا يقضي منها حقوقها لأن من أساء مجاورة نعم اللَّه أساءت مجاورته وتحولت عنه إلى غيره ولقد أنشدني ابن زنجي البغدادي ... فإن كنت في خير فلا تغترر به ... ولكن قل اللهم سلم وتمم فمن لم يصن عرضا إذا مَا استفاده ... ويشكر لأهل الخير يسلب ويذمم ... حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي أنشدنا مهدي بْن سابق ... ورب مملك مالا كثيرا ... ولكن حظه منه قليل يعيش بفضله هذا وهذا ... وقد سالت به فيه سيول له منه الذي يحيا عَلَيْهِ ... بعيشته وسائره فضول ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الحسين الحرازي بالموصل حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سنان القطان حَدَّثَنَا كثير بْنُ هِشَامٍ عَنْ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيم عَن معاوية بْن عَبْد اللَّه عَن كعب قَالَ أول من ضرب الدينار والدرهم آدم وقال لا تصلح المعيشة إلا بهما قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد ذكرت مَا شاكل هذه الحكايات في كتاب السخاء والبذل فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب ذكر الحث على إقامة المروءات حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل الْقَاضِي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سُلَيْمَانَ السَّعْدِيُّ قَالا حَدَّثَنَا عَبْد الوارث بْن عُبَيْد اللَّه الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَمُ الرَّجُلِ دِينُهُ وَمُرُوءَتُهُ عَقْلُهُ وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه صرح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم في هذا الخبر بأن المروءة هي العقل والعقل اسم يقع على العلم بسلوك الصواب واجتناب الخطأ فالواجب على العاقل أن يلزم إقامة المروءة بما قدر عَلَيْهِ من الخصال المحمودة وترك الخلال المذمومة وقد نبغت نابغة اتكلوا على آبائهم واتكلوا على أجدادهم في الذكر والمروءات وبعدوا عَن القيام بإقامتها بأنفسهم ولقد أنشدني منصور بْن مُحَمَّد في ذم من هذا نعته ... إن المروءة ليس يدركها امرؤ ... ورث المروءة عَن أب فأضاعها أمرته نفس بالدناءة والخنا ... ونهته عَن طلب العلى فأطاعها فإذا أصاب من الأمور عظيمة ... يبني الكريم بها المروءة باعها ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق ... خساسة أخلاق الرجال تشينهم ... وقل غناء عنهم النسب المحض ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 .. يصولون بالآباء في كل مشهد ... وقد غيبت آباءهم عنهم الأرض طويل تبديهم بمجد أبيهم ... وما لهم في المجد طول ولا عرض ... وأنشدني الحسين بْن أَحْمَد البغدادي ... ليس الكريم بمن يدنس عرضه ... ويرى مروءته تكون بمن مضى حتى يشيد بناءه ببنانه ... ويزين صالح مَا أتوه بما أتى ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه مَا رأيت أحدا أخسر صفقة ولا أظهر حسرة ولا أخيب قصدا ولا أقل رشدا ولا أحمق شعارا ولا أدنس دثارا من المفتخر بالآباء الكرام وأخلاقهم الجسام مع تعريه عَن سلوك أمثالهم وقصد أشباههم متوهما أنهم ارتفعوا بمن قبلهم وسادوا بمن تقدمهم وهيهات أنى يسود المرء على الحقيقة إلا بنفسه وأنى ينبل في الدارين إلا بكده ولقد أنشدني البسامي ... وكم قائل إني ابن بيت هو ابنه ... وقد هدم البيت الذي مات عامره فأودى عموداه ورثت حباله ... وأصلح أولاه وأفسد آخراه ... وأنشدني الأبرش ... فإن قلت لي آباء صدق ومنصب ... كريم وإخوان مضت وجدود صدقت ولكن أنت هدمت مَا بنوا ... بكفك عمدا والبناء جديد ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... إن لم تكن بفعال نفسك ساميا ... لم يغن عنك سمو من تسمو به ليس القديم على الحديث براجع ... إن لم تجده آخذا بنصيبه ولربما اقترب البعيد بوده ... وغدا القريب مباعدا لقريبه ... أنبأنا الحسين بْن مُحَمَّد بْن مصعب السنجي حَدَّثَنَا أَبُو داود السنجي حَدَّثَنَا عَبْد الرزاق عَن معمر عَن الحسن قَالَ لا دين إلا بمروءة قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه اختلف الناس في كيفية المروءة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فمن قائل قال المروءة ثلاثة إكرام الرجال إخوان أبيه وإصلاحه ماله وقعوده على باب داره ومن قائل قَالَ المروءة إتيان الحق وتعاهد الضعيف ومن قائل قَالَ المروءة تقوى اللَّه وإصلاح الضيعة والغداء والعشاء في الأفنية ومن قائل قَالَ المروءة إنصاف الرجل من هو دونه والسمو إلى من هو فوقه والجزاء بما أتي إليه ومن قائل قَالَ مروءة الرجل صدق لسانه واحتماله عثرات جيرانه وبذله المعروف لأهل زمانه وكفه الأذى عَن أباعده وجيرانه ومن قائل قَالَ إن المروءة التباعد من الخلق الدني فقط ومن قائل قَالَ المروءة أن يعتزل الرجل الريبة فإنه إذا كان مريبا كان ذليلا وأن يصلح ماله فإن من أفسد ماله لم يكن له المروءة والإبقاء على نفسه في مطعمه ومشربه ومن قائل قَالَ المروءة حسن العشرة وحفظ الفرج واللسان وترك المرء مَا يعاب منه ومن قائل قَالَ المروءة سخاوة النفس وحسن الخلق ومن قائل قَالَ المروءة العفة والحرفة أي يعف عما حرم اللَّه ويحترف فيما أحل اللَّه ومن قائل قَالَ المروءة كثرة المال والولد ومن قائل قَالَ المروءة إذا أعطيت شكرت وإذا ابتليت صبرت وإذا قدرت غفرت وإذا وعدت أنجزت ومن قائل قَالَ المروءة حسن الحيلة في المطالبة ورقة الظرف في المكاتبة ومن قائل قَالَ المروءة اللطافة في الأمور وجودة الفطنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ومن قائل قَالَ المروءة مجانبة الريبة فإنه لا ينبل مريب وإصلاح المال فإنه لا ينبل فقير وقيامه بحوائج أهل بيته فإنه لا ينبل من احتاج أهل بيته إلى غيره ومن قائل قَالَ المروءة النظافة وطيب الرائحة ومن قائل قَالَ المروءة الفصاحة والسماحة ومن قائل قَالَ المروءة طلب السلامة واستعطاف الناس ومن قائل قَالَ المروءة مراعاة العهود والوفاء بالعقود ومن قائل قَالَ المروءة التذلل للأحباب بالتملق ومداراة الأعداء بالترفق ومن قائل قَالَ المروءة ملاحة الحركة ورقة الطبع ومن قائل قَالَ المروءة هي المفاكهة والمباسمة حدثنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا سويد بْن سَعِيد حَدَّثَنَا مسلم بْن عُبَيْد أَبُو فراس قَالَ قال ربيعه المروءه مروئتان فللسفر مروءة وللحضر مروءة فأما مروءة السفر فبذل الزاد وقلة الخلاف على الأصحاب وكثرة المزاح في غير مساخط اللَّه وأما مروءة الحضر فالإدمان إلى المساجد وكثرة الإخوان في اللَّه وقراءة القرآن قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه اختلفت ألفاظهم في كيفية المروءة ومعاني مَا قالوا قريبة بعضها من بعض والمروءة عندي خصلتان اجتناب مَا يكره اللَّه والمسلمون من الفعال واستعمال مَا يحب اللَّه والمسلمون من الخصال وهاتان الخصلتان يأتيان على مَا ذكرنا قبل من اختلافهم واستعمالهما هو العقل نفسه كما قَالَ المصطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم إن مروءة المرء عقله ومن أحسن مَا يستعين به المرء على إقامة مروءته المال الصالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ولقد أنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... احتل لنفسك أيها المحتال ... فمن المروءة أن يرى لك مال كم ناطق وسط الرجال وإنما ... عنهم هناك تكلم الأموال ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يقيم مروءته بما قدر عَلَيْهِ ولا سبيل إلى إقامة مروءته إلا باليسار من المال فمن رزق ذلك وضن بإنفاقه في إقامة مورءته فهو الذي خسر الدنيا والآخرة ولا آمن أن تفجأه المنية فتسلبه عما ملك كريها وتودعه قبرا وحيدا ثم يرث المال بعد من يأكله ولا يحمده وينفقه ولا يشكره فأي ندامة تشبه هذه وأي حسرة تزيد عليها ولقد أنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... يا جامع المال في الدنيا لوارثه ... هل أنت بالمال قبل الموت منتفع قدم لنفسك قبل الموت في مهل ... فإن حظك بعد الموت منقطع ... أنبأنا المفضل بْن مُحَمَّد الجندي بمكة حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الطبري حدثنا أزهر عن ابن عون عَن ابن سيرين قَالَ ثلاثة ليست من المروءة الأكل في الأسواق والادهان عند العطار والنظر في مرآة الحجام حدثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الثقفي حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يعقوب الطالقاني حَدَّثَنَا هشيم عن مغيرة عَن الشعبي قَالَ ليس من المروءة النظر في مرآة الحجام حدثنا مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن الحسن العمي ببغداد حَدَّثَنَا الصلت بْن مسعود حَدَّثَنَا حماد بْن زيد حَدَّثَنَا أيوب قَالَ سمعت أبا قلابة يقول ليس من المروءة أن يربح الرجل على صديقه وأنشدني البسامي ... اعلم بأنك لا أبالك في الذي ... أصبحت تجمعه لغيرك خازن إن المنيه لا تؤامر من أتت ... في نفسه يوما ولا تستأذن ... أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا ابن عائشة عَن أبيه قَالَ كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 يقال مجالسة أهل الديانة تجلو عَن القلب صدأ الذنوب ومجالسة ذوي المروءات تدل على مكارم الأخلاق ومجالسة العلماء تذكي القلوب حدثني مُحَمَّد بْن أَبِي علي الْخَلادِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ حَمَّادٍ الْبَرْبَرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْخٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ آفَةُ الْمُرُوءَةِ إِخْوَانُ السُّوءِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه والواجب على العاقل تفقد الأسباب المستحقرة عند العوام من نفسه حتى لا يثلم مروءته فإن المحقرات من ضد المروءات تؤذي الكامل في الحال بالرجوع في القهقري إلى مراتب العوام وأوباش الناس ولقد حَدَّثَنَا جعفر بْن مُحَمَّد الهمداني بصور قَالَ سمعت طلحه بن إسحاق ابن يعقوب قَالَ سمعت موسى بْن إِسْحَاق الأنصاري يقول سمعت علي بْن حكيم الأودي يقول سمعت شريكا يقول ذل الدنيا خمسة دخول الحمام سحرا بلا كرنيب وعبور المعبر بلا قطعة وحضور مجلس العلم بلا نسخة وحاجة الشريف إلى الدني وحاجة الرجل إلى امرأته حَدَّثَنَا أَبُو شُعْبَةَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإِصْطَخْرِيُّ حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن محمد ابن مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّمْلِيُّ حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ عَن عكرمه عن ابن عباس قَالَ مِنْ قِلَّةِ مُرُوءَةِ الرَّجُلِ نَظَرُهُ فِي بَيْتِ الْحَائِكِ وَحَمْلُهُ الْفُلُوسَ فِي كُمِّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 باب الحث على لزوم السخاء ومجانبة البخل أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ بِتَسْتُرَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ بْنِ يَزِيدَ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ وَلَسَخِيٌّ جَاهِلٌ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ بَخِيلٍ عَابِدٍ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن كان حفظ سَعِيد بْن مُحَمَّد إسناد هذا الخبر فهو غريب غريب فالواجب على العاقل إذا أمكنه اللَّه تعالى من حطام هذه الدنيا الفانية وعلم زوالها عنه وانقلابها إلى غيره وأنه لا ينفعه في الآخرة إلا مَا قدم من الأعمال الصالحة أن يبلغ مجهوده في أداء الحقوق في ماله والقيام بالواجب في أسبابه مبتغيا بذلك الثواب في العقبى والذكر الجميل في الدنيا إذ السخاء محبة ومحمدة كما أن البخل مذمة ومبغضة ولا خير في المال إلا مع الجود كما لا خير في المنطق إلا مع المخبر ولقد أنشدني المنتصر بْن بلال الأنصاري ... الجود مكرمة والبخل مبغضة ... لا يستوي البخل عند اللَّه والجود والفقر فيه شخوص والغنى دعة ... والناس في المال مرزوق ومحدوده ... حدثني مُحَمَّد بْن أَبِي علي الْخَلادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الذهلي حدثنا محمد ابن يُوسُف السدوسي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن خالد القثمي حَدَّثَنَا سليمان مولى عَبْد الصمد بْن علي أن المنصور أمير المؤمنين قَالَ لابنه المهدي اعلم أن رضاء الناس غاية لا تدرك فتحبب إليهم بالإحسان جهدك وتودد إليهم بالإفضال واقصد بإفضالك موضع الحاجة منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... أعاذلتي اليوم ويحكما مهلا ... وكفا الأذى عني ولا تكثرا العذلا دعاني تجد كفى بما ملكت يدي ... سأصبح يوما أترك الجود والبخلا إذا وضعوا فوق الضريح جنادلا ... علي وخلفت المطية والرحلا فلا أنا مختار إذا مَا نزلته ... ولا أنا لاق مَا ثويت به أهلا ... أنبأنا إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الأنماطي حَدَّثَنَا لوين حَدَّثَنَا ابن أَبِي الزناد عَن هشام بْن عروة قال كان أبي يقول مال قوم قط أقاموا على ماء عذب حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عامر العتري حدثنا هشام ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مِنْكُمْ مَالا فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ وَلْيُحْسِنْ فِيهِ الضِّيَافَةَ وَلْيَفُكَّ فِيهِ الْعَانِيَ وَالأَسِيرَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالْمَسَاكِينَ وَالْفُقَرَاءَ وَالْمُجَاهِدِينَ وَلْيَصْبِرْ فِيهِ عَلَى النَّائِبَةِ فَإِنَّ بِهَذِهِ الْخِصَالِ يَنَالُ كَرَمَ الدُّنْيَا وَشَرَفَ الآخِرَةِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أجود الجود من جاد بماله وصان نفسه عَن مال غيره ومن جاد ساد كما أن من بخل رذل والجود حارس الأعراض كما أن العفو زكاة العقل ومن أتم الجود أن يتعرى عَن المنة لأن من لم يمتن بمعروفه وفره والامتنان يهدم الصنائع وإذا تعرت الصنيعة عَن إزار له طرفان أحدهما الامتنان والآخر طلب الجزاء كان من أعظم الجود وهو الجود على الحقيقة ولقد أنشدني ابن زنجي ... يا رب عاذلة في الجود قلت لها ... قلي على اللَّه فيما أنفق الخلفا هل من بخيل رأيت المال أخلده ... أم هل رأيت جوادا ميتا عجفا لما رأتني أوتي المال طالبه ... ولا أبالي تلادا كان أم طرفا عدت سماحي تبذيرا ولست أرى ... مَا يكسب الحمد تبذيرا ولا سرفا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 أنبأنا الحسين بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا حبان بْن موسى قَالَ قسم ابن المبارك يوما بين إخوانه وأصحاب الحديث ألف درهم ثم أنشأ يقول ... لا خير في المال لكنازه ... إلا جواد الكف وهابه يفعل أحيانا بزواره ... مَا تفعل الخمر بشرابه ... حدثني مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا الحسن بْن مُحَمَّد عَن ابن السماك قَالَ يا عجبي لمن يشتري المماليك بالثمن ولا يشتري الأحرار بالمعروف قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن من أحسن خصال المرء الجود من غير امتنان ولا طلب ثواب والحلم من غير ضعف ولا مهانة وأصل الجود ترك الضن بالحقوق عَن أهلها كما أن أصل تربية الجسد أن لا يحمل عَلَيْهِ في الأكل والشرب والبأه فكما لا تنفع المروءة بغير تواضع ولا الحفظ بغير كفاية كذلك لا ينفع العيش بغير مال ولا المال بغير جود وكما أن القرابة تبع للمودة كذلك المحمدة تبع للإنفاق أنبأنا أَحْمَد بْن الحسن بْن عَبْد الجبار حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن معين حدثنا المبارك ابن سَعِيد الثوري قَالَ كان يقال ثلاث هن أحسن شيء فيمن وجدت فيه تؤدة في غير ذل وجود لغير ثواب ونصب لغير الدنيا حدثنا أيو يعلي بالموصل حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الصباح الدولابي حدثنا إسماعيل ابن زكريا عَن عاصم الأحول قَالَ قلت للحسن مَا معنى قوله صَلَّى لله عَلَيْهِ وسلم اليد العليا خير من اليد السفلى قَالَ يد المعطي خير من يد المانع حدثنا أَبُو خليفة حَدَّثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَن الأعمش عَن ذكوان وعبد اللَّه بْن مرة عَن كعب قَالَ من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان وأنشدني الكريزي ليحيى بْن أكثم ... ويظهر عيب المرء في الناس نحله ... ويستره عنهم جميعا سخاؤه تغط بأثواب السخاء فإنني ... أرى كل عيب والسخاء غطاءه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وأنشدني أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه اليماني لبعض القرشيين ... سأبذل مالي كلما جاء طالب ... وأجعله وقفا على القرض والفرض فإما كريما صنت بالجود عرضه ... وإما لئيما صنت عَن لؤمه عرضي ... وأنشدني كامل بْن مكرم أبو العلاء أنشدني هلال بْن العلاء بْن عمر الباهلي ... ملأت يدي من الدنيا مرارا ... فما طمع العواذل في اقتصادي وما وجبت على زكاة مال ... وهل تجب الزكاة على الجواد ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه البخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا من تعلق بغصن من أغصانها جره إلى النار كما أن الجود شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من أغصانها جره إلى الجنة والجنة دار الأسخياء والبخيل يقال له في أول درجته البخيل فإذا عتا وطغى في الإمساك يقال له الشحيح فإذا ذم الجود والأسخياء يقال له لئيم فإذا صار يحتج للبخلاء ويعذرهم في فعالهم يقال له الملائم وما اتزر رجل بإزار أهتك لعرضه ولا أثلم لدينه من البخل ولقد أنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... لكل هم من الهموم سعه ... والبخل واللؤم لا فلاح معه قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه أقبل من الدهر مَا أتاك به ... من قر عينا بعيشه نفعه ... سمعت الخطابي بالبصرة يقول سمعت أبا حاتم السجستاني يقول سأل كسرى أي شيء أضر على ابن آدم قالوا الفقر قَالَ الشح أضر منه إن الفقير إذا وجد اتسع وإن الشحيح لا يتسع إذا وجد أنبأنا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن يعقوب حَدَّثَنَا ابن أَبِي القعقاع قَالَ قَالَ أَبُو الهذيل كنت عند يَحْيَى بْن خالد البرمكي فدخل عَلَيْهِ رجل هندي ومعه مترجم له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 فقال المترجم إن هذا رجل شاعر قد حاول مدحتك فقال يَحْيَى لينشد فقال الهندي ... أره أصره ككرا كي كره مندره ... فقال يَحْيَى للمترجم مَا يقول قَالَ يقول ... إذا المكارم في آفاقنا ذكرت ... فإنما بك فيها يضرب المثل ... قَالَ فأمر له بألف دينار وأنشدني عَبْد الرحمن بْن مُحَمَّد المقاتلي ... إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل إذا قلت لا في كل شيء سئلته ... فليس إلى حسن الثناء سبيل ... وأنشدني عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري أنشدني الغلابي أنشدني مهدي بْن سابق ... يا مانع المال كم تضن به ... تطمع بالله في الخلود معه هل حمل المال ميت معه ... أما تراه لغيره جمعه ... أنبأنا عمران بْن موسى السختياني حَدَّثَنَا سليمان بْن معبد المروزي حَدَّثَنَا عثمان بْن صالح حَدَّثَنَا ابن وهب أخبرني يَحْيَى بْن أيوب عَن أَبِي علي الغافقي سمع عامر بْن عَبْد اللَّه اليحصبي قَالَ كان ابن منبه يقول أجود الناس في الدنيا من جاد بحقوق اللَّه وإن رآه الناس بخيلا بما سوى ذلك وإن أبخل الناس في الدنيا من بخل بحقوق اللَّه وإن رآه الناس كريما جوادا بما سوى ذلك وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... رب مال سينعم الناس فيه ... وهو عَن ربه قليل الغناء كان يشقى به وينصب فيه ... ثم أضحى لمعشر غرباء ماله عندهم جزاء إذا مَا ... نعموا فيه غير سوء الثناء ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 .. رب مال يكون ذما وغما ... وغني يعد في الفقراء ... حدثنا أَحْمَد بْن الحسن بْن أَبِي الصغير المدائني حَدَّثَنَا الربيع بْن سليمان قال سمعت الشافعي يقول كان أَبُو حاتم يعني الطائي سخيا وكان يضع الأشياء مواضعها وكان حاتم مبذرا فاجتمع يوما عند أبيه أصحابه وشكا إليهم حاتما قَالَ والله مَا أدري مَا أصنع لا يأخذ شيئا إلا بذره فاجتمع رأيهم على أن لا يعطيه شيئا سنة قَالَ فأقام أبوه ولم يمكنه من شيء سنة مع مَا هو فيه من الضر فلما مضت السنة أمر له بمائة ناقة حمراء قَالَ فلما وقفت عَلَيْهِ قَالَ حاتم من أحب شيئا فهو له حتى أخذوها كلها فدعاه أبوه فقال له أي بني ماذا تصنع قَالَ والله يا أَبِي لقد بلغ الجوع مني شيئا لا يسألني أحد شيئا إلا أعطيته إياه وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان ... تجود بالمال على وارث ... ولا ترى أهلا له نفسكا قدم حسن الظن بالله من ... جاد وسوء الظن من أمسكا ... أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا ابن عائشة قَالَ كان عمر بْن عَبْد العزيز كثيرا مَا يتمثل بهذا الشعر ويعجبه ... وما تزود مما كان يجمعه ... إلا حنوطا غداة البين مع خرق وغير نفحة أعواد تشد له ... وقل ذلك من زاد لمنطلق ... أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمَقَابِرِيُّ حَدَّثَنَا حماد بْن زيد حَدَّثَنَا أيوب عَنْ نَافِعٍ قَالَ مَرِضَ ابْنُ عُمَرَ بِالْمَدِينَةِ فَاشْتَهَى عِنَبًا فِي غير زمانه قال فطلبوا فلم يجدوا إلا عند رجل فاشترى سبع حبات بدرهم فجاء سائل فأمر له به وَلَمْ يَذُقْهُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه مَا رأيت أحدا من الشرق إلى الغرب أرتدى برداء الجود واتزر بإيزار ترك الأذى إلا رأس أشكاله وأضداده وخضع له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الخاص والعام فمن أراد الرفعة العالية في العقبى والمرتبة الجليلة في الدنيا فليلزم الجود بما ملك وترك الأذى إلى الخاص والعام ومن أراد أن يهتك عرضه ويثلم دينه ويمله إخوانه ويستثقله جيرانه فليلزم البخل ولقد ذم البخل أهل العقل في الجاهلية والإسلام إلى يومنا هذا فمنه مَا أنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... كأنما نقرت كفاه من حجر ... فليس بين يديه والندى عمل يرى التيمم في بحر وفي بلد ... مخافة أن يرى في كفه بلل ... وأنشدني عمرو بْن مُحَمَّد أنشدني الغلابي أنشدنا مهدي بْن سابق ... لو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... إبرا يضيق بها فناء المنزل وأتاك يُوسُف يستعيرك إبرة ... ليخيط قد قميصه لم تفعل ... وأنشدني أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أيوب ... وكفاك لم يخلقا للندى ... ولم يك بخلهما بدعه فكف عَن الخير مقبوضة ... كما حط من مائة سبعه وأخرى ثلاثة آلافها ... وتسع مئيها لها شرعه ... سمعت مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ نَوْفَلٍ المروزي يقول سمعت مُحَمَّد بْن صالح الوركاني يقول قِيلَ للنضر بْن شميل أي بيت قالته العرب أسخى قَالَ الذي يقول ... فلو لم تكن في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق اللَّه سائله ... قَالَ وأي بيت قالته العرب أبخل فقال ... لو جعل الخردل في كفه ... مَا سقطت من كفه خردله ... قَالَ وأي بيت قالته العرب أهجى قَالَ ... العجرفيون لا يوفون مَا وعدوا ... والعجرفيات ينجزن المواعيدا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل إذا لم يعرف بالسماحة أن لا يعرف بالبخل كما لا يجب إذا لم يعرف بالشجاعة أن يعرف بالجبن ولا إذا لم يعرف بالشهامة أن يعرف بالمهانة ولا إذا لم يعرف بالأمانة أن يعرف بالخيانة إذ البخل بئس الشعار في الدنيا والآخرة وشر مَا يدخر من الأعمال في العقبى حدثنا أَحْمَد بْن عمرو بْن جابر بالرملة حَدَّثَنَا أَبُو عتبة الحمصي أَحْمَد بْن الفرج حَدَّثَنَا ضمرة حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عبلة قَالَ سمعت أم البنين أخت عمر بْن عَبْد العزيز تقول أف للبخل والله لو كان طريقا مَا سلكته ولو كان ثوبا مَا لبسته حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا العباس بْن بكار الهذلي قَالَ قَالَ الحسن من أيقن الخلف جاد بالعطية ذكر الزجر عَن ترك قبول الهدايا من الإخوان حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ الأَصْبَهَانِيُّ بِالرَّيِّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ ضُرَيْسٍ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَلا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ وَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه زجر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم في هذا الخبر عَن ترك قبول الهدايا بين المسلمين فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها ثم يثيب عليها إذا قدر ويشكر عنها وإني لأستحب للناس بعث الهدايا إلى الإخوان بينهم إذ الهدية تورث المحبة وتذهب الضغينة ولقد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن المهاجر حَدَّثَنَا الدارمي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 أَنْبَأَنَا الليث قَالَ سمعت عَبْد الملك بْن رفاعة الفهمي يقول الهدية هو السحر الظاهر حدثني إبراهيم بن أبي أميه بطرسوس حَدَّثَنَا حامد بْن يَحْيَى البلخي حَدَّثَنَا سُفْيَان قَالَ لما قعد أبو حنيفة قَالَ للناس مساور الوراق ... كنا من الدين قبل اليوم في سعة ... حتى بلينا بأصحاب المقاييس قوم إذا اجتمعوا صاحوا كأنهم ... ثعالب ضبحت بين النواويس ... قال فبلغ ذلك أبا حنيفة فبعث إليه بمال فقال مساور حين قبض المال ... إذا مَا الناس يوما قايسونا ... بآبدة من الفتيا طريفه أتيناهم بمقياس صحيح ... مصيب من طراز أَبِي حنيفه إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفه ... وأنشدني الكريزي ... إن الهدية حلوة ... كالسحر تختلب القوبا تدني البعيد من الهوى ... حتى تصيره قريبا وتعيد مضطغن العداوة ... بعد بغضته حبيبا تنفي السخيمة من ذوي الشحنا ... وتمتحق الذنوبا ... أنبأنا الحسين بْن إِسْحَاق الأصبهاني بالكرج وإبراهيم بْن مُحَمَّد الدستوائي بتستر قالا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد بْن عتبة الكندي حَدَّثَنَا بكار بْن أسود العامري حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن أبان قَالَ بلغ الحسن بْن عمارة أن الأعمش يقع فيه فبعث إليه بكسوة فلما كان بعد ذلك مدحه الأعمش فقيل له كيف تذمه ثم تمدحه قَالَ إن خيثمة حدثني عَن عَبْد اللَّه قَالَ إن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قَالَ لنا هذان الشيخان عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وأنا أهابه قَالَ والبشر مجبولون على محبة الإحسان وكراهية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الأذى واتخاذ المحسن إليهم حبيبا واتخاذ المسيء إليهم عدوا فالعاقل يستعمل مع أهل زمانه لزوم بعث الهدايا بما قدر عَلَيْهِ لاستجلاب محبتهم إياه ويفارقه تركه مخافة بغضهم ولقد أنشدني الأبرش ... هدايا الناس بعضهم لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا وتزرع في الضمير هوى وودا ... وتكسوك المهابة والجلالا ... مصايد للقلوب بغير لغب ... وتمنحك المحبة والجمالا ... حدثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن لقمان البهراني النجراني حَدَّثَنَا موسى بْن أيوب حَدَّثَنَا خداش بْن المهاجر عَن الحسن بْن دينار عَن ابن سيرين قَالَ كانوا يتهادون الدراهم في الجوالقات والأطباق قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يستعمل الأشياء على مَا يوجب الوقت ويرضي بنفاذ القضاء ولا يتمنى ضد ما زرق وإن كان عنده الشيء التافه لا يجب أن يمتنع من بذله لاستحقاره واستقلاله لأن أهون مَا فيه لزوم البخل والمنع ومن حقر شيء منعه بل يكون عنده الكثرة والقلة في الحالة سيان لأن مَا يورث الكثير من الخصال أورث الصغير بقدره من الفعال حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عمر بْن حبيب عَن الأصمعي قَالَ دخلنا على كهمس العابد فجاء بخمسة وعشرون بسرة حمراء فقال هذا الجهد من أخيكم والله المستعان وأنشدني ابن زنجي ... إن المنى عجب لله صاحبها ... لعل حتف امريء فيما تمناه فإن ترى عبرا فيهن معتبر ... يجري بها قدر فالله أجراه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 .. لاتحقرن من الإحسان محقرة ... أحسن فعاقبة الإحسان حسناه ... حدثنا مُحَمَّد بْن أيوب بْن مشكان بطبرية قصبة الأردن حَدَّثَنَا أَبُو عتبة حَدَّثَنَا سلمة بْن عَبْد الملك العرضي حَدَّثَنَا المعافى بْن عمران قَالَ سمعت ميمون يقول من رَضِيَ من خلة الإخوان بلا شيء فليواخ أهل القبور حدثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد القيسي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الوليد بْن أبان العقيلي حَدَّثَنَا نعيم بْن حماد قال أنشدني ابن المبارك ... ما ذاق طعم الغنى من لا قنوع له ... ولن ترى قانعا مَا عاش مفتقرا والعرف من يأته يحمد عواقبه ... مَا ضاع عرف ولو أوليته حجرا ... سمعت يُوسُف بْن يونس الفرغاني يقول بعث أَبُو السنور الشاعر إلى الأمير أَبِي الأشعث بطبق ورد يوم النيروز هدية وبعث إليه بهذه الأبيات ... بعثنا ببر تافه دون قدركم ... وما تبعث الألطاف للقل والكثر ولكن ظرفا أن تزيد مودة ... فهل تكرمنا بالقبول وبالعذر فلو كان بري حسب مَا أنت أهله ... أتاك إذا روحي على طبق البر ... سمعت عمر بْن مُحَمَّد الهمداني يقول سمعت وزيره بْن مُحَمَّد الغساني يقول قدم بعض الكتاب العسكر فأهدى إليه إخوانه وكان فيهم من قعدت به الحال فوجه إليه بدقة وأشنان وكتب إليه لو تمت الإرادة جعلت فداءك ببلوغ النية فيه وملكتني الجدة بسط القدرة لأتعبت السابقين إلى برك ولبرزت أمام المجتهدين في فضلك ولكن البضاعة قعدت بالهمة وقصرت عَن مساماة أهل النعمة وكرهت أن تطوى صحيفة البر وليس لي فيها ذكر فوجهت إليك بالمبتدأ به ليمنه وبركته وبالمختتم به لطيبه ونفعه مقتصرا عن ألم التقصير فيه فأما مَا سوى ذلك فالمعبر عني فيه قول الله 91 191 {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون مَا ينفقون حرج} والسلام حدثنا محمد بن يوسف الأرمني حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عَبْد العزيز الموصلي حَدَّثَنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 مُحَمَّد بْن علي بْن الفضل المديني حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن شعيب الزبيري حدثنا محمد ابن إِسْحَاق المسيبي عَن القاسم بْن المعتمر عَن حميد بْن معيوف عَن أبيه قَالَ كنت ممن شهد الحكم بْن حنطب بمنبج وهو يريد أن يموت وقد كان لقي من الموت شدة فقلت أو قَالَ رجل اللهم هون عَلَيْهِ الموت فلقد كان ولقد كان فأثنى عَلَيْهِ فأفاق من غشيته قَالَ من المتكلم قَالَ المتكلم أنا قَالَ إن ملك الموت يقول إني بكل رجل سخي رفيق قَالَ ثم كأن فتيلة أطفئت فمات فبلغ ابن هرمة الشاعر موته فأنشأ يقول ... سألا عَن المجد والمعروف أين هما ... فقلت إنهما ماتا مع الحكم ماتا مع الرجل الموفى بذمته ... يوم الحفاظ إذا لم يوف بالذمم ماذا بمنبج لو تنبش مقابرها ... من التهدم بالمعروف والكرم ... حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المهاجر حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن موسى السمري عَن حماد بْن إِسْحَاق ابن إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قِيلَ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَا بَقِيَ مِنْ لَذَّتِكَ قَالَ الإِفْضَالُ عَلَى إلإِخْوَانِ قِيلَ فَمَنْ أَحْسَنُ النَّاسِ عَيْشًا قَالَ مَنْ عَاشَ بِعَيْشِهِ غَيْرُهُ قِيلَ فَمَنْ أَسْوَأُ النَّاسِ عَيْشًا قَالَ مَنْ لا يَعِيشُ بِعَيْشِهِ أَحَدٌ ذكر استحباب التفريج عَن الناس بقضاء الحوائج حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ النَّسَائِيُّ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ حَدَّثَنَا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عنه كربة من كرب يوم الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على المسلمين كافة نصيحة المسلمين والقيام بالكشف عَن همومهم وكربهم لأن من نفس كربة من كرب الدنيا عَن مسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 نفس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن تحرى قضاء حاجته ولم يقض قضاؤها على يديه فكأنه لم يقصر في قضائها وأيسر مَا يكون في قضاء الحوائج استحقاق الثناء والإخوان يعرفون عند الحوائج كما أن الأهل تختبر عند الفقر لأن كل الناس في الرخاء أصدقاء وشر الإخوان الخاذل لإخوانه عند الشدة والحاجة كما أن شر البلاد بلدة ليس فيها خصب ولا أمن وأنشدني الكريزي ... خير أيام الفتى يوم نفع ... واصطناع العرف أبقى مصطنع مَا ينال الخير بالشر ولا ... يحصد الزارع إلا مازرع ليس كل الدهر يوما واحدا ... ربما انحط الفتى ثم ارتفع ... حدثنا مُحَمَّد بْن سليمان بْن فارس حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سَعِيد الدارمي حدثنا بشر ابن عمر حَدَّثَنَا الربيع قَالَ كان الحسن يقول قضاء حاجة أخ مسلم أحب إلي من اعتكاف شهرين وأنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... سابق إلى الخير وبادر به ... فإن من خلفك مَا تعلم وقدم الخير فكل امريء ... على الذي قدمه يقدم ... حدثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد القيسي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن موسى البصري حَدَّثَنَا الأصمعي حَدَّثَنَا أَبُو معمر شبيب بْن شيبة الخطيب قَالَ لما حضرت ابن سَعِيد ابن العاص الوفاة قَالَ لبنيه يا بني أيكم يقبل وصيتي فقال ابنه الأكبر أنا قَالَ إن فيها قضاء ديني قَالَ وما دينك يا أبت قَالَ ثمانون ألف دينار قَالَ يا أبت فيم أخذتها قَالَ يا بني في كريم سددت خلته ورجل جائني في حاجة وقد رأيت السوء في وجهه من الحياء فبدأت بحاجته قبل أن يسألها قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه حقيق على من علم الثواب أن لا يمنع مَا ملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 من جاه أو مال إن وجد السبيل إليه قبل حلول المنية فيبقى عَن الخيرات كلها ويتأسف على مَا فاته من المعروف والعاقل يعلم أن من صحب النعمة في دار الزوال لم يخل من فقدها وأن من تمام الصنائع وأهناها إذا كان ابتداء من غير سؤال حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن المهلبي قَالَ دخل أَبُو العتاهية على الرشيد فقال سل يا أبا العتاهية فقال ... إذا كان المنال ببذل وجه ... فلا قربت من ذاك المنال ... وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان ... يبقى الثناء وتنفذ الأموال ... ولكل دهر دولة ورجال ما نال محمدة الرجال وشكرهم ... إلا الصبور عليهم المفضال ... حدثني مُحَمَّد بْن عبدل بْن المهدي الشعراني حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يزيد الطرسوسي حَدَّثَنَا ابن عائشة قَالَ قَالَ أَبِي جاء رجل إلى يَحْيَى بْن طلحة بْن عُبَيْد اللَّه فقال له هب لي شيئا قَالَ يا غلام أعطه مَا معك فأعطاه عشرين ألفا فأخذها ليحملها فثقلت عَلَيْهِ فقعد يبكي فقال مَا يبكيك لعلك استقللتها فأزيدك قَالَ لا والله مَا استقللتها ولكن بكيت على مَا تأكل الأرض من كرمك فقال له يَحْيَى هذا الذي قلت لنا أكثر مما أعطيناك قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب الإلحاف عند السؤال في الحوائج لأن شدة الاجتهاد ربما كانت سببا للحرمان والمنع والطالب للفلاح كالضراب بالقداح سهم له وسهم عَلَيْهِ فإن أعطي وجب عَلَيْهِ الحمد وإن منع لزمه الرضاء بالقضاء ولا يجب أن يكون السؤال إلا في ديار القوم ومنازلهم لا في المحافل والمساجد والملأ لأن مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ النَّسَائِيُّ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ عَنْ حُنَيْفٍ الْمُؤَذِّنِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا تَسْأَلُوا النَّاسَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 فَتَفْحَشُوهُمْ وَلَكِنْ سَلُوهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ فَمَنْ أَعْطَى أَعْطَى وَمَنْ مَنَعَ مَنَعَ قال أَبُو حاتم رَضِيَ عنه الذي قاله عمر بْن الخطاب رحمة الله عليه ورضوانه إذا كان المسئول كريما فإنه إن سئل الحاجة في نادي قومه ولم يكن عنده قضاؤها تشور وخجل وأما إذا كان المسئول لئيما ودفع المرء إلى مسألته في الحاجة تقع له فإنه إن سأله في مجلسه ومسجده كان ذلك أقضى لحاجته لأن اللئيم لا يقضي الحاجة ديانة ولا مروءة وإنما يقضيها إذا قضاها طلبا للذكر والمحمدة في الناس على أني أستحب للعاقل أن لو دفعه الوقت إلى أكل القد ومص الحصى ثم صبر عَلَيْهِ لكان أحرى به من أن يسأل لئيما حاجة لأن إعطاء اللئيم شين ومنعه حتف ولقد أنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... إذا أعطى القليل فتى شريف ... فإن قليل مَا يعطيك زين وإن تكن العطية من دني ... فإن كثير مَا يعطيك شين ... أنبأنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الفضل السجستاني بدمشق حَدَّثَنَا علي بْن خشرم قَالَ سمعت سَعِيد بْن مسلم بْن قتيبة بْن مسلم الباهلي يقول خرجت حاجا فمللت المحمل فنزلت أساير القطرات فقال أتانا أعرابي فقال لي يا فتى لمن الجمال بما عليها قلت لرجل من باهلة قَالَ يا لله أن يعطى اللَّه باهليا كل مَا أرى قَالَ فأعجبني ازدراؤه بهم ومعي صرة فيها مائة دينار فرميت بها إليه فقال جزاك اللَّه خيرا وافقت مني حاجة فقلت يا أعرابي أيسرك أن تكون الجمال بما عليها لك وأنت من باهلة قَالَ لا قلت أفيسرك أن تكون من أهل الجنة وأنت باهلي قَالَ بشرط أن لا يعلم أهل الجنة أني من باهلة فقلت يا أعرابي الجمال بما عليها لي وأنا من باهلة قَالَ فرمى بالصرة إلي فقلت سبحان اللَّه ذكرت أنها وافقت منك حاجة قَالَ مَا يسرني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 أن القى اللَّه ولباهلي عندي يد فحدثت بها المأمون فجعل يتعجب ويقول ويحك ياسعيد مَا كان أصبرك عَلَيْهِ حدثنا مُحَمَّد بْن الرقام بتستر حَدَّثَنَا أو حاتم السجستاني حَدَّثَنَا الأصمعي حَدَّثَنَا هاشم بْن القاسم قَالَ سألت سالم بْن قتيبة حاجة فقضاها ثم سألته أخرى فانتهرني وقال حاجتين في حاجة أو قَالَ على الريق ثم دعا بالطعام فلما تغدى قَالَ هات حاجتك أما سمعت قول الصبيان ... إذا تغديت وطابت نفسي ... فليس في الحق غلام مثلي إلا غلام قد تغدى قبلي ... أنبأنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مهدي بْن سابق عَن عطاء بْن مصعب قَالَ قَالَ أَبُو عمرو المنذري أتيت مسلم بْن قتيبة في حاجة وكان له صديق من أهل الشام فكلمته أن يكلمه في حاجتي فجعل يقول اليوم غدا فطال علي فتراءيت له وقد كان يعرفني فدعاني فقال أبا عمرو إنك لههنا قلت نعم أطالبك بحاجة منذ كذا وكذا وسيلتي فيها فلان فضحك وقال قد كنت أراك قد احكمت الآدب لا تستعن إلى من تطلب إليه حاجة بمن له عنده طعمة فإنه لا يؤثرك على طعمته ولا تستعن بكذاب فإنه يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب ولا تستعن بأحمق فإن الأحمق يجهد لك نفسه ولا يكون عنده شيء ولا يبلغ لك مَا تريد فانصرفت فقلت يكفيني هذا قَالَ لا ولكن تقضى لك حاجتك فقضاها قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب للعاقل أن يتوسل في قضاء حاجته بالعدو ولا بالأحمق ولا بالفاسق ولا بالكذاب ولا بمن له عند المسئول طعمة ولا يجب أن يجعل حاجتين في حاجة ولا أن يجمع بين سؤال وتقاض ولا يظهر شدة الحرص في اقتضاء حاجته فإن الكريم يكفيه العلم بالحاجة دون المطالبة والاقتضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ولقد أنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... وإذا طلبت إلى كريم حاجة ... فاصبر ولا تك للمطال ملولا لا تظهرن شره الحريص ولا تكن ... عند الأمور إذا نهضت ثقيلا ... وأنشدني مُحَمَّد بن إسحاق الواسطي العرزمي ... وإذا طلبت إلى كريم حاجة ... فحضوره يكفيك والتسليم فإذا رآك مسلما عرف الذي ... حملته فكأنه ملزوم ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ الله عنه العاقل لا يتسخط مَا أعطي وإن كان تافها لأن من لم يكن له شيء فكل شيء يستفيده ربح ولا يجب أن يسأل الحاجة كل إنسان فرب مهروب منه أنفع من مستغاث إليه ولا يجب أن يكون السائل متشفعا لآخر لأن من لم يقدر على أن يسبح فلا يجب أن يحمل على عنقه آخر ومن سئل فليبذل لأن مال المرء نصفان له مَا قدم ولوارثه مَا خلف وأقرب الأشياء في الدنيا زوالا المال والولاية والتعاهد للصنيعة بالتحفظ عليها أحسن من ابتدائها ومن غرس غراسا فلا يضنن بالنفقة على تربيته فتذهب النفقة الأولى ضياعا حدثني مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي حدثني مُحَمَّد بْن أَبِي يعقوب الربعي حَدَّثَنَا عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد الموصلي حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ سمعت أبا تمام حبيب بْن أوس الطائي يقول وقفت على باب مالك بْن طوق الرحبي أشهرا فلم أصل إليه ولم يعلم بمكاني فلما أردت الانصراف قلت للحاجب أتأذن لي إليه أم أنصرف قال أما الآن فلا سبيل إليه قلت فإيصال رقعة قَالَ لا ولا يمكن هذا ولكن هو خارج اليوم الى بستان له فاكتب الرقعة وارم بها في موضع أرانيه الحاجب فكتبت ... لعمري لئن حجبتني العبيد عنك ... فلم تحجب القافيه سأرمي بها من وراء الجدار ... شنعاء تأتيك بالداهيه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 .. تصم السميع وتعمي البصير ... ومن بعدها تسأل العافيه ... فكتبت بها ورميت بها من المكان الذي أرانيه الحاجب فوقعت بين يديه فأخرجها فنظر فيها فقال علي بصاحب الرقعة فخرج الخادم فقال من صاحب الرقعة قلت أنا فأدخلت عَلَيْهِ فقال لي أنت صاحب الرقعه قلت نعم فاستنشدني فأنشدته فلما بلغت ومن بعدها تسأل العافيه قَالَ لا بل نسأل العافية من قبلها ثم قَالَ حاجتك فأنشأت أقول ... ماذا أقول إذا انصرفت وقيل لي ... ماذا أصبت من الجواد المفصل وإن قلت أغناني كذبت وإن أقل ... ضن الجواد بماله لم يجمل فاختر لنفسك مَا أقول فإنني ... لا بد أخبرهم وإن لم أسأل ... فقال إذا والله لا أختار إلا أحسنها كم أقمت ببابي قلت أربعة أشهر قَالَ يعطى بعدد أيامه ألوفا فقبضت مائة وعشرين ألف درهم سمعت مُحَمَّد بْن نصر بْن نوفل بقوقل يقول سمعت أبا داود السنجي يقول كان ببغداد رجل يقال له ابن الهفت فمر يوما على سائل واقف على الجسر وهو يقول اللهم ارزق المسلمين حتى يعطوني فقال له تسأل ربك الحوالة ذكر الحث على إعطاء السؤال وطلب المعالي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الطَّبَرِيُّ بِالصَّيْمَرَةِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمَدَانِيُّ حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لا وَلا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إني لأستحب للمرء طلب المعالي من الأخلاق مع ترك رد السؤال لأن عدم المال خير من عدم محاسن الأخلاق والندامة موكلة بترك معالجة الفرصة وإن الحر حق الحر من أعتقته الأخلاق الجميلة كما أن أسوأ العبيد من استعبدته الأخلاق الدنية ومن أفضل الزاد في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 المعاد اعتقاد المحامد الباقية ومن لزم معالي الأخلاق أنتج له سلوكها فراخا تطير بالسرور ولقد حدثني مُحَمَّد بْن سَعِيد القزاز حَدَّثَنَا هارون بْن صدقة القاضي حدثنا المسيب بن واضح يقول سمعت يُوسُف بْن أسباط يقول ما كان المال مذ كانت الدنيا أنفع منه في هذا الزمان وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... بادر هواك إذا هممت بصالح ... خوف العوائق أن تجيء فتغلب وإذا هممت بسيء فتعده ... وتجنب الأمر الذي يتجنب ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه مَا ضاع مال ورث صاحبه مجدا ولولا المتفضلون مات المتجملون وليس يستحق المرء اسم الكرم بالكف عَن الأذى إلا أن يقرنه بالإحسان إليهم فمن كثر في الخير رغبته وكان اصطناع المعروف همته قصده الراجون وتأمله المتأملون ومن كان عيشه وحده ولم يعش بعيشه غيره فهو وإن طال عمره قليل العمر والبائس من طال عمره في غير الخير ومن لم يتأس بغيره في الخير كان عاجزا كما أن من استحسن من نفسه مَا يستقبحه من غيره كان كالغاش لمن تجب عَلَيْهِ نصيحته ومن لم يكن له همة إلا بطنه وفرجه عد من البهائم والهمة تبلغ الرتبة العالية لأن الناس بهمتهم ولقد حَدَّثَنَا عمرو بْن مُحَمَّد الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عائشة قَالَ قَالَ عُبَيْد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان كان لي خال من كلب فكان يقول لي يا عُبَيْد اللَّه هم فإن الهمة نصف المروءة وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... قد بلونا الناس في أخلاقهم ... فرأيناهم لذي المال تبع وحبيب الناس من أطمعهم ... إنما الناس جميعا بالطمع ... حدثنا عمر بْن حفص البزار بجنديسابور حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الضيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 حَدَّثَنَا الحسن بْن واقع الرملي حَدَّثَنَا ضمرة بْن ربيعة قَالَ سمعت كديرا أبا سليمان الضبي يقول كان لقصر إِبْرَاهِيم الخليل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ثمانية أبواب من حيث جاء السائل أعطى حدثنا مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرقام بتستر حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الضيف حَدَّثَنَا أَبُو مسهر حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَبْد العزيز أن الحسن بْن علي بْن أَبِي طالب رضي الله عنهم سمع رجلا إلى جنبه يسأل اللَّه أن يرزقه عشرة آلاف درهم فانصرف فبعث بها إليه وأنشدني الكريزي ... لا تحقرن صنيع الخير تفعله ... ولا صغير فعال الشر من صغره فلو رأيت الذي استصغرت من حسن ... عند الثواب أطلت العجب من كبره ... سمعت أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه اليماني يقول سمعت صالح بْن آدم يقول أنشد إنسان عند عَبْد اللَّه بْن جعفر هذين البيتين ... إن الصنيعة لا تكون صنيعة ... حتى يصاب بها طريق المصنع فإذا صنعت صنيعة فاعمد بها ... لله أو لذوي القرابة أودع ... فقال عَبْد اللَّه بْن جعفر إن هذين البيتين يبخلان الناس ينبغي لمن عمل بهذا أن يدعو لمن طلب حاجة بالبينة بل تبث الصنائع ويرمى بها مواضع القطر حيث حلت وفي مثله يقول العتابي ... له في ذوي المعروف نعمى كأنه ... مواقع ماء القطر في البلد القفر إذا مَا أتاه السائلون لحاجة ... علته مصابيح الطلاقة والبشر ... حدثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد القيسي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مسروق حدثني ابن أَبِي سَعِيد عَن شيخ له قَالَ رأيت ابن المبارك يعض يد خادم له فقلت له تعض يد خادمك قَالَ كم آمره أن لا يعد الدراهم على السؤال أقول له احث لهم حثوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 حَدَّثَنَا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن القاسم عَن أبيه قَالَ قَالَ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي البلاد حدثني أخي قَالَ رأيت الحجاج بمنى في عمله على العراق وقام إليه رجال من أهل الحجاز يسألونه فقال توهمتم بنا أنا بغير بلادنا وما لكم مترك من ههنا من أهل العراق فقام إليه تجار أهل العراق فقال هل من سلف فقالوا نعم فحملوا إليه ألف ألف درهم فقسمها فلما قدم العراق ردها وأكثر ظني أنها ومثلها معها قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يبدأ بالصنائع والإحسان الأفرض فالأفرض يبدأ بأهل بيته ثم بإخوانه وجيرانه ثم الأقرب فالأقرب ويتحرى المعروف والإحسان في أهل الدين والعلم منهم ويجتنب ضد مَا قلنا لأن مثل من لم يفعل مَا أومأنا إليه كما أنشدني الحسين بْن أحمد البغدادي ... تصول على الأدنى وتجتنب العدا ... وما هكذا تبنى المكارم يا يحيى فكنت كفحل السوء ينزو بأمه ... ويترك باقي الخيل سائمة ترعى ... وأنشدني البسامي ... وكنت كمهريق الذي في سقائه ... لرقراق ماء فوق رابية صلد كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بني بطنها هذا الضلال من القصد ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل يبتديء بالصنائع قبل أن يسأل لأن الابتداء بالصنيعة أحسن من المكافأة عليها والإمساك عَن التعرض خير من البذل والصنائع إنما تحسن بإتمامها والتحافظ عليها بعدها لأن بصلاح الخواتم تزكو الأوائل والعطية بعد المنع أجمل من المنع بعد العطية والناس في الصنائع على ضربين شاكر وكافر ولقد أنشدني بعض إخواننا ... وما الناس في حسن الصنيعة عندهم ... وفي كفرهم إلا كبعض المزارع ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 .. فمزرعة طابت وأضعف ريعها ... ومزرعة أكدت على كل زارع ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... ومن يضع المعروف في غير أهله ... يكن ضائعا في غير حمد ولا أجر وحسب أمريء من كفر نعمى جحودها ... إذا وقعت عند امريء غير ذي شكر ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... لعمرك مَا المعروف في غير أهله ... وفي أهله إلا كبعض الودائع فمستودع ضاع الذي كان عنده ... ومستودع مَا عنده غير ضائع ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الهمج من الناس إذا أحسن إليه يرى ذلك استحقاقا منه له ثم يرى الفضل لنفسه على المحسن إليه فلا يحمد عند الخير ولا يشكر عند البر ويتعجب ممن يشكر ويذم من يحمد وإذا امتحن العاقل بمثل من هذا نعته استعمل معه مَا أنشدني الكريزي ... إن ذا اللؤم إذا أكرمته ... حسب الإكرام حقا لزمك فأهنه بهوان إنه ... إن تهنه بهوان أكرمك ... وأنشدني الأبرش ... إذا أوليت معروفا لئيما ... يعدك قد قتلت له قتيلا فكن من ذاك معتذرا إليه ... وقل إني أتبتك مستقيلا فإن تغفر فمجترمي عظيم ... وإن عاقبت لم تظلم فتيلا ولست بعائد أبدا لهذا ... وقد حملتني حملا ثقثيلا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أهنا الصنائع وأحسنها في الحقائق وأوقعها بالقلوب وأكثرها استدامة للنعم واستدفاعا للنقم مَا كانت خالية عَن المنن في البداءة والنهاية متعرية عن الأمتنان وهو الغاية في الصنيعة والنهاية في الإحسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 ولقد أنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه البغدادي ... أحسن من كل حسن ... في كل وقت وزمن صنيعة مربوبة خالية من المنن ... حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَدَّارِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيُّ بِالْبَصْرَةِ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زَادَوَيْهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الدَّوَاهِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... مَا أَحْسَنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالَهَا ... إِذَا أَطَاعَ اللَّهَ من نالها من لم يواس النَّاسَ مِنْ فَضْلِهَا ... عَرَّضَ للإِدْبَارِ إِقْبَالَهَا فَاحْذَرْ زَوَالَ الْفَضْلِ يَا حَائِرًا ... وَاعْطِ مِنَ الدُّنْيَا لِمَنْ سَالَهَا فَإِنَّ ذَا الْعَرْشِ سَرِيعُ الْجَزَا ... يُخْلِفُ بِالْحَبَّةِ أَمْثَالَهَا ... حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن أَحْمَد بْن النضر المعنى حدثني سَعِيد حدثني أبوك - يعني أباه أَحْمَد بْن النضر - قَالَ كان بالكوفة قوم من العرب فأصابت رجلا منهم حاجة فكان عياله يغزلون ويبيعون وكان يشركهم فقالوا لا تعود علينا بشيء وما نكسب تشركنا فيه فأنف من قولهم فخرج يؤم بغداد ولم يدخل بغداد قبل ذلك وليس له حميم ولا قريب بها فدخلها ومر على وجهه فمر على باب يعقوب بْن داود كاتب المهدي فرأى قوما جلوسا عليهم بزة فقال مَا أخلق هؤلاء دعوا إلى وليمة لو دخلت معهم لعلي أصيب شبعة فاندس معهم فخرج الإذن فقال ادخلوا فدخلوا إلى دار قوراء كبيرة وإذا بهو في صدر الدار فجلسوا في البهو يمنة ويسرة وأخلوا الصدر فجاء يعقوب فسلم عليهم وقعد ثم قَالَ يا غلام هات فجاء بصوان عليها مناديل مغطى بها وإذا فيها أكياس فقال أعطهم فوضعوا في حجر كل رجل مهم كيسا ووضعوا في حجري كيسا حتى فرغ منهم ثم قَالَ أعد عليهم فوضع في حجر كل رجل منهم كيسا ووضعوا في حجري كيسا حتى والى بين خمسة أكياس ثم قَالَ قوموا مبارك لكم وقد تعينه الخدم وليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 له عندهم اسم ولم يعرفوه فلما بلغ الدهليز ربطوه فصاح وصاحوا وسمع يعقوب الصوت فقال مَا هذا فقالوا رجل دخل مع هؤلاء القوم لا نعرفه فقال علي به فقال له يا عَبْد اللَّه مَا أدخلك هذه الدار فقص عليهم القصة والسبب الذي دخل له فقال له من أين أنت قَالَ من أهل الكوفة قَالَ من يعرفك بالكوفة قَالَ يعرفني فلان وفلان فسمى له قوما يعرفهم فقال خلوا عَن الرجل إنا كاتبون إلى هؤلاء القوم فإن كان الأمر على مَا ذكرت فتعال كل سنة في هذا الوقت ولك عندنا مثل هذا وكتب إلى القوم فسألهم فكتبوا بمعرفته فكان يجيء أيام حياته فيأخذ خسمة آلاف وينصرف ذكر الحث على الضيافة وإطعام الطعام حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ الْبَلْخِيُّ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كان يؤمن بالله واليوم والآخر فيلكرم ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إني لأستحب للعاقل المداومة على إطعام الطعام والمواظبة على قري الضيف لأن إطعام الطعام من أشرف أركان الندى ومن أعظم مراتب ذوي الحجى ومن أحسن خصال أولي النهي ومن عرف بإطعام الطعام شرف عند الشاهد والغائب وقصده الراضي والعاتب وقري الضيف يرفع المرء وإن رق نسبه إلى منتهى بغيته ونهاية محبته ويشرفه برفيع الذكر وكمال الذخر حدثنا مُحَمَّد بْن زنجويه القشيري حَدَّثَنَا أَبُو مصعب حَدَّثَنَا الدراوردي عَن يَحْيَى بْن سَعِيد أنه سمع سَعِيد بْن المسيب يقول كان إِبْرَاهِيم الخليل أول من أضاف الضيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 حدثنا الأنصاري حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عمر بْن حبيب حَدَّثَنَا الأصمعي أخبرني نافع بْن أَبِي نعيم قَالَ قَالَ رجل ممن قد أدرك الجاهلية قدمت المدينة فإذا مناد ينادي من أراد الشحم واللحم فليأت دار دليم وهو جد سعد ابن عبادة بْن دليم سيد الخزرج ثم ضرب الزمان من ضربه فقدمت المدينة فإذا مناد ينادي من أراد الشحم واللحم فليأت دار عبادة ثم ضرب الزمان من ضربه فقدمتها فإذا مناد ينادي من أراد الشحم واللحم فليأت دار سعد قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه كل من ساد في الجاهلية والإسلام حتى عرف بالسؤدد وانقاد له قومه ورحل إليه القريب والقاصي لم يكن كمال سؤدده إلا بإطعام الطعام وإكرام الضيف والعرب لم تكن تعد الجود إلا قرى الضيف وإطعام الطعام ولا تعد السخي من لم يكن فيه ذلك حتى إن أحدهم ربما سار في طلب الضيف الميل والميلين ولقد حدثني مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا علي بْن الحسن الفلسطيني حَدَّثَنَا أَبُو بكر السني حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سليمان القرشي قَالَ بينما أنا أسير في طريق اليمن إذا أنا بغلام واقف على الطريق في أذنيه قرطان وفي كل قرطة جوهرة يضيء وجهه من ضوء تلك الجوهرة وهو يمجد ربه بأبيات من شعر فسمعته يقول ... مليك في السماء به افتخاري ... عزيز القدر ليس به خفاء ... فدنوت إليه فسلمت عَلَيْهِ فقال مَا أنا براد عليك سلامك حتى تؤدي من حقي الذي يجب لي عليك قلت وما حقك قَالَ أنا غلام على مذهب إبراهيم الخليل لا أتغدى ولا أتعشى كل يوم حتى أسير الميل والميلين في طلب الضيف فأجبته إلى ذلك قَالَ فرحب بي وسرت معه حتى قربنا من خيمة شعر فلما قربنا من الخيمة صاح يا أختاه فأجابته جارية من الخيمة يا لبيكاه قَالَ قومي إلى ضيفنا هذا قَالَ فقالت الجارية أصبر حتى أبدأ بشكر المولى الذي سبب لنا هذا الضيف قَالَ فقامت وصلت ركعتين شكر لله قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 فأدخلني الخيمة فأجلسني فأخذ الغلام الشفرة وأخذ عناقا له ليذبحها فلما جلست في الخيمة نظرت إلى جارية أحسن الناس وجها فكنت أسارقها النظر ففطنت لبعض لحظاتي فقالت لي مه أما علمت أنه قد نقل إلينا عَن صاحب يثرب تعني النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم أن زنا العينين النظر أما إني مَا أردت بهذا أن أوبخك ولكني أردت أن أؤدبك لكيلا تعود لمثل هذا فلما كان وقت النوم بت أنا والغلام خارج الخيمة وباتت الجارية في الخيمة قَالَ فكنت أسمع دوي القرآن الليل كله أحسن صوت يكون وأرقه فلما أن أصبحت قلت للغلام صوت من كان ذلك قَالَ فقال تلك أختي تحيى الليل كله إلى الصباح قَالَ فقلت يا غلام أنت أحق بهذا العمل من أختك أنت رجل وهي امرأة قَالَ فتبسم ثم قَالَ ويحك يا فتى أما علمت أنه موفق ومخذول وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب الواسطي ... إذا مَا أتاك الضيف فابدأ بحقه ... قبل العيال فإن ذلك أصوب وعظم حقوق الضيف واعلم بأنه ... عليك بما توليه مثن وذاهب ... أنبأنا أَحْمَد بْن قريش بْن عَبْد العزيز حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الذهلي عَن الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاسِرْجِسَ قَالَ صحبت ابن المبارك من خراسان إلى بغداد فما رأيته أكل وحده حدثنا مُحَمَّد بْن عثمان العقبي حَدَّثَنَا أَبُو أمية حَدَّثَنَا عصام بْن عمرو أَبُو حميد الطائي حدثنا عمرة بن هانىء قَالَ كان رافع بْن عميرة بْن عمرو السنبسي فخذ من طيىء يغدي أهل ثلاثة مساجد ويعشيهم يوما بثرائد ويوما برطبه يعني الحيس وماله قميص إلا قميص هو لجمعته وهو للبيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه يجب على العاقل ابتغاء الأضياف وبذل الكسر لأن نعمة اللَّه إذا لم تصن بالقيام في حقوقها ترجع من حيث بدأت ثم لا ينفع من زالت عنه التلهف عليها ولا الإفكار في الظفر بها وإذا أدى حق اللَّه فيها استجلب النماء والزيادة واستذخر الأجر في القيامة واستقصر إطعام الطعام وعنصر قري الضيف هو ترك استحقار القليل وتقديم مَا حضر للأضياف لأن من حقر منع مع إكرام الضيف بما قدر عَلَيْهِ وترك الادخار عنه ولقد حدثني كامل بْن مكرم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يعقوب الفرجي حَدَّثَنَا الوليد ابن شجاع حَدَّثَنَا عقبة بْن علقمة ومبشر بْن إِسْمَاعِيل أنهما سألا الأوزاعي مَا إكرام الضيف قَالَ طلاقة الوجه وطيب الكلام وأنشدني الكريزي في قوم لم يكونوا يضيفون ... أقاموا الديدبان على يفاع ... وقالوا لا تنم للديدبان إذا أبصرت شخصا من بعيد ... فصفق بالبنان على البنان تراهم خشية الأضياف خرسا ... يصلون الصلاة بلا أذان ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه أبخل البخلاء من بخل بإطعام الطعام كما أن من أجود الجود بذله ومن ضن بما لا بد للجثة منه ولا تربو النفس إلا عَلَيْهِ كان بغيره أبخل وعليه أشح ومن إكرام الضيف طيب الكلام وطلاقة الوجه والخدمة بالنفس فإنه لا يذل من خدم أضيافه كما لا يعز من استخدمهم أو طلب لقراه أجرا وأنشدني كامل بْن مكرم أنشدني مُحَمَّد بْن سهيل ... وإني لطلق الوجه للمبتغي القرى ... وإن فنائي للقرى لرحيب أضاحك ضيفي عند إنزال رحله ... فيخصب عندي والمحل جديب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 .. وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب ... وأنشدني الأبرش ... لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف وإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف ... أَنْبَأَنَا الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا الْعَقَبِيُّ عَنْ أَبِي مِحْنَفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ فَمَرَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْقَيْنِ فَنَزَلَ بِهِمْ فَنَحَرَ لَهُمْ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ جَزُورًا وَأَتَاهُمْ بِهِ فَقَالَ دُونَكُمْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ نَحَرَ لَهُمْ آخَرَ ثُمَّ حَبَسَتْهُمُ السَّمَاءُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَنَحَرَ لَهُمْ مِثْلَهُ فَلَمَّا أَرَادَ قَيْسٌ أَنْ يَرْتَحِلَ وَضَعَ عِشْرِينَ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ وَأَرْبَعَةَ آلافِ دِرْهَمٍ عِنْدَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَخَرَجَ قَيْسٌ فَمَا سَارَ إِلا قَلِيلا حَتَّى أَتَاهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ عَلَى فَرَسٍ كَرِيمٍ وَرُمْحٍ طَوِيلٍ وَقُدَّامَهُ الثِّيَابُ وَالدَّرَاهِمُ فَقَالَ يَا هَؤُلاءِ خُذُوا بِضَاعَتَكُمْ عَنِّي قَالَ قَيْسٌ انْصَرِفْ أَيُّهَا الرَّجُلُ فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ لِنَأْخُذَهَا فَقَالَ الرَّجُلُ لَتَأْخُذُنَّهَا أَوْ لا يَنْفُذُ مِنْكُمْ رَجُلٌ أَوْ تَذْهب نَفْسِي فَعَجِبَ قَيْسٌ مِنْهُ وَقَالَ لِمَ لِلَّهِ أَبُوكَ أَلَمْ تُكْرِمْنَا وَتُحْسِنْ إِلَيْنَا فَكَافَأْنَاكَ مَا فِي هَذَا مِنْ بَأْسٍ فَقَالَ الرَّجُلُ إِنَّا لا نَأْخُذُ لِقِرَى ابْنِ السَّبِيلِ وَقِرَى الضَّيْفِ ثَمَنًا لا وَاللَّهِ لا أفعل أبدا قال لهم قيس أما إذ أَبَى فَخُذُوهَا مِنْهُ فَأَخَذُوهَا ثُمَّ قَالَ قَيْسٌ مَا فَضَلَنِي رَجُلٌ غير هذا حدثني أَحْمَد بْن عمرو الزنبقي بالبصرة حَدَّثَنَا الحسن بْن مدرك السدوسي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّه القرشي حَدَّثَنَا سَعِيد عَن قَتَادَة عَن سَعِيد بْن المسيب قَالَ لأن أشبع كبدا جائعة أحب إلي من حجة بعد حجة حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ أَبِي مُوسَى الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ هِشَامِ بْن عروة عَن أبيه قَالَ كان من دعاء قيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 ابن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مَالا وَفِعَالا فَإِنَّهُ لا يَصْلُحُ الفعال إلا المال ذكر الحث على المجازاة على الصنائع حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بكر بن الربيع ابن مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لا يَشْكُرِ النَّاسَ لا يَشْكُرِ اللَّهَ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على من أسدي إليه معروفا أن يشكره بأفضل منه أو مثله لأن الإفضال على المعروف في الشكر لا يقوم مقام ابتدائه وإن قل فمن لم يجد فليثن عَلَيْهِ فإن الثناء عند العدم يقوم مقام الشكر للمعروف وما استغنى أحد عَن شكر أحد ولقد أنشدني مُحَمَّد بْن زنجي البغدادي ... فلو كان يستغني عَن الشكر ماجد ... لعزة ملك أو علو مكان لما أمر اللَّه العباد بشكره ... فقال اشكروني أيها الثقلان ... وأنشدني الكريزي ... إذا المرء لم يشكر قليلا أصابه ... فليس له عند الكثير شكور ومن يشكر المخلوق يشكر لربه ... ومن يكفر المخلوق فهو كفور ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الواسطي ... حافظ على الشكر كي تستجزل القسما ... من ضيع الشكر لم يستكمل النعما الشكر لله كنز لا نفاد له ... من يلزم الشكر لم يكسب به ندما ... حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا العقبي قَالَ مر سَعِيد بْن العاص بدار رجل بالمدينة فاستسقى فسقوه ثم مر بعد ذلك بالدار ومناد ينادي عليها فيمن يزيد فقال لمولاه سل لم تباع هذه فرجع إليه فقال على صاحبها دين قَالَ فارجع إلى الدار فرجع فوجد صاحبها جالسا وغريمه معه فقال لم تبيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 دارك قَالَ لهذا علي أربعة آلاف دينار فنزل وتحدث معهما وبعث غلامه فأتاه ببدرة فدفع إلى الغريم أربعة آلاف ودفع الباقي إلى صاحب الدار وركب ومضى وأنشدني المنتصر بْن بلال ... ومن يسد معروفا إليك فكن له ... شكورا يكن معروفه غير ضائع ولا تبخلن بالشكر والقرض فاجزه ... تكن خير مصنوع إليه وصانع وأنشدني بعض أهل العلم ... فكن شاكرا للمنعمين لفضلهم ... وأفضل عليهم إذ قدرت وأنعم ومن كان ذا شكر فأهل زيادة ... وأهل لبذل العرف من كان ينعم ... وأنشدني الكريزي ... أحق الناس منك بحسن عون ... لمن سلفت لكم نعم عَلَيْهِ وأشكرهم أحقهم جميعا ... بحسن صنيعة منكم إليه ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الحر لا يكفر النعمة ولا يتسخط المصيبة بل عند النعم يشكر وعند المصائب يصبر ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقع أوشك أن لا يشكر الكثير منه والنعم لا تستجلب زيادتها ولا تدفع الآفات عنها إلا بالشكر لله جل وعلا ولمن أسداها إليه ولقد حدثني أَحْمَد بْن مُحَمَّد القيسي حدثني مُحَمَّد بْن المنذر حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم القرشي قَالَ سمعت أبا عبيدة معمر بْن المثنى يقول ماتت لعبيد بْن معمر بنت فقعد في المأتم في مسجده في سكه سبانوش فجاء عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة معزيا وإذا الأشراف قد أخذوا مواضعهم فنظر إليه رجل قد كان سبق الى مجلسه مع اتلأشراف قد عرفه فقام قائما وجعل يقول له ههنا حتى أخذ بيده فأقعده في مجلسه ثم ذهب فقعد في أخريات الناس فأمر عُبَيْد اللَّه غلاما كان معه أن يتعاهده إلى قيامه فلما قام دعا الرجل فقال أتعرفني قَالَ نعم قَالَ من أنا قَالَ أنت عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة صاحب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 قَالَ فما حملك على تركك مجلسك لي قال إجلال لولد أصحاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وما أوجب اللَّه على أمثالي خصوصا من التبجيل فقال له عُبَيْد اللَّه هل لك على أن تصحبنا إلى ضيعة نريد أن نصير إليها قَالَ نعم قَالَ فصحبه الرجل إلى تلك الضيعة في نهر مكحول ضيعة فيها ثلاثمائة جريب نخل وعلى وجه الضيعة قصر بني بآجر وجص وخشب ساج فلما دخل الضيعة أخذ عُبَيْد اللَّه بيد الرجل وجعل يدور به في تلك النخيل فقال للرجل كيف ترى هذه الضيعة قَالَ تالله مَا رأيت نخيلا أحسن منها ولا أكثر ثمرة ولا أسرى ضيعة منها قَالَ قد جعلناها لك بما فيها من الخدم والآلة نبعث إليك بصكها قَالَ فاستطار الرجل فرحا وبكاء وقال انعشتني وانعشت عيالي فقال عُبَيْد اللَّه وكم لك من العيال قَالَ ثلاثة عشر نفسا قَالَ فإني قد جعلت اسم عيالك في اسم عيالي أنفق عليهم مَا عشت فقال له عُبَيْد اللَّه من تكون له مثل هذه الضيعة يحتاج أن يكون منزله في سرة البصرة إذا صرنا إلى منزلنا فاغد علينا نأمر لك بشراء دار تشبه هذه الضيعة ورأس مال وخدم تصلح لدارك تعيش بها إن شاء اللَّه قَالَ فغدا الرجل عَلَيْهِ فأمر له بشراء دار بخمسة آلاف دينار وأعطاه عشرة آلاف دينار ودفع اليه صك الضعية وأمر له بدابة وبغل وسائس وكسوة وصرفه وأنشدني الأبرش ... الشكر يفتح أبوابا مغلقة ... لله فيها على من رامه نعم فبادر الشكر واستغلق وثائقه ... واستدفع اللَّه مَا تجري به النقم ... حدثنا أَحْمَد بْن الحسن المدائني بمصر قَالَ سمعت الربيع بْن سليمان يقول أخذ رجل بركاب الشافعي فقال يا ربيع أعطه أربعة دنانير قَالَ فأعطيته إياها وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب ... ومن يشكر العرف الصغير فإنه ... سينمي ويجتر المزيد أصاغره ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 .. ومن يشكر المعروف يحمد إلهه ... ويضعف أضعافا على الحمد شاكره ... وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... وإذا اصطنعت الى أخيك ... صنيعة فانس الصنيعة والشكر من كرم الفتى ... والكفر من لؤم الطبيعة والصبر أكرم صاحب ... فاصحبه إن نزلت فجيعه ... حدثنا أَحْمَد بْن قريش بْن بشر بْن عَبْد العزيز حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الذهلي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن خليل حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أيوب عَن أَبِي عيسى قال كان إبراهيم ابن أدهم إذا صنع إليه أحد معروفا حرص على أن يكافئه أو يتفضل عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عيسى فلقينى وأنا على حمار وأنا أريد بيت المقدس جائيا من الرملة قَالَ وقد اشترى بأربعة دوانيق تفاحا وسفرجلا وخوخا وفاكهة فقال يا أبا عيسى أحب أن تحمل هذا قَالَ وإذا عجوز يهودية في كوخ لها فقال أحب أن توصل هذا إليها فإنني مررت وأنا ممس فبيتتني عندها فأحب أن أكافئها على ذلك وأنشدني الكريزي ... يد المعروف غنم حيث تسدى ... تحملها شكور أم كفور كفى شكر الشكور لها جزاء ... وعند اللَّه مَا كفر الكفور ... وأنشدني بعض أهل العلم ... رهنت يدي للعجز عَن شكر بره ... وما فوق شكري للشكور مزيد ولو كان شيء يستطاع استطعته ... ولكن مالا يستطاع شديد ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على المرء أن يشكر النعمة ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته إن قدر فبالضعف وإلا فبالمثل وإلا فبالمعرفة بوقوع النعمة عنده مع بذل الجزاء له بالشكر وقوله جزاك اللَّه خيرا فمن قال له ذلك عند العدم فكأنه أبلغ في الثناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 ومن الناس من يكفر النعم وكفران النعم يكون من أحد رجلين إما رجل لا معرفة له بأسباب النعم والمجازاة عليها لما لم يركب فيه من التفقد لمراعاة العشرة فإذا كان كذلك وجب الإغضاء عنه وترك المناقشة على فعله والرجل الآخر أن يكون ذا عقل لم يشكر النعمة استخفافا بالمنعم واستحقارا للنعمة وتهاونا في نفسه لهما أو لأحدهما فإذا كان كذلك يجب على العاقل ترك العود إلى فعل مثله والخروج باللائمة على نفسه إذا كان له خبرة بِهِ وأنشدني علي بْن مُحَمَّد ... علامة شكر المرء إعلان حمده ... فمن كتم المعروف منهم فما شكر إذا مَا صديقي نال خيرا فخانني ... فما الذنب عندي للذي خان أو فجر ولكن إذا أكرمته بعد كفره ... فإني ملوم حيث أكرم من كفر ... وأنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب ... إذا أنا أعطيت القليل شكرتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم ... وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إني لأستحب للمرء أن يلزم الشكر للصنائع والسعي فيها من غير قضائها إذا كان المنعم من ذوي القدر فيه والاهتمام بالصنائع لأن الاهتمام ربما فاق المعروف وزاد على فعل الإحسان إذ المعروف يعمله المرء لنفسه والإحسان يصطنعه إلى الناس وهو غير مهتم به ولا مشفق عليه وربما أفعله الإنسان وهو مكاره والاهتمام لا يكون إلا من فرط عناية وفضل ود فالعاقل يشكر الاهتمام أكثر من شكره للمعروف أنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان ... لأشكرنك معروفا هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المجلوب مصروف ... وأنشدني ابن زنجي البغدادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 .. بطر النعمة من ضيعها ... ومضيع الشكر مستدعي الغير فاجعل الشكر عليها حارسا ... ربما ابتز الفتى النعمى البطر ... حدثني عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زكريا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الجشمي حَدَّثَنَا علي بْن مُحَمَّد قَالَ مر عمر بْن هبيرة لما انصرف في طريقه فسمع امرأة من قيس تقول لا والذي ينجي عمر بْن هبيرة فقال يا غلام أعطها مَا معك وأعلمها أني قد نجوت ذكر الحث على سياسة الرياسة ورعاية الرعية حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَحْطَبَةَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ ابن إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَمِيرُ رَاعٍ عَلَى رَعِيَّتِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالَ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عنه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه صرحت السنة عَن المصطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بأن كل راع مسئول عَن رعيته فالواجب على كل من كان راعيا لزوم التعاهد لرعيته فرعاة الناس العلماء وراعي الملوك العقل وراعي الصالحين تقواهم وراعي المتعلم معلمه وراعي الولد والده كما أن حارس المرأة زوجها وحارس العبد مولاه وكل راع من الناس مسئول عَن رعيته وأكثر مَا يجب تعاهد الرعية للملوك إذ هم رعاة لها وهم أرفع الرعاة لكثرة نفاذ أمورهم وعقد الأشياء وحلها من ناحيتهم فإذا لم يراعوا أوقاتهم ولم يحتاطوا لرعيتهم هلكوا وأهلكوا وربما كان هلاك عالم في فساد ملك واحد ولا يدوم ملك ملك إلا بأعوان تطيعه ولا يطيعه الأعوان إلا بوزير ولا يتم ذلك إلا أن يكون الوزير ودودا نصوحا ولا يوجد ذلك من الوزير إلا بالعفاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 والرأي لا يتم قوام هؤلاء إلا بالمال ولا يوجد المال إلا بصلاح الرعية ولا تصلح الرعية إلا بإقامة العدل فكأن ثبات الملك لا يكون إلا بلزوم العدل وزواله لا يكون إلا بمفارقته فالواجب على الملك أن يتفقد أمور عماله حتى لا يخفى عَلَيْهِ إحسان محسن ولا إساءة مسيء لأنه إذا جنى عَلَيْهِ أعمال عماله لم يكن قائما بالعدل ولقد أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... إذا أسست قوما فاجعل العدل بينهم ... وبينك تأمن كل مَا تتخوف وإن خفت من أهواء قوم تشتتا ... فبالجود فاجمع بينهم يتألفوا ... حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عمر بْن حبيب القاضي حَدَّثَنَا الأصمعي قَالَ قال ملك طخارستان لنصر بْن سيار ينبغي للأمير أن يكون له ستة أشياء وزير يثق به ويفضي إليه بسره وحصان يلجأ إليه إذا فزع أنجاه يعني فرسا وسيف إذا نازل به الأقران لم يخف أن يخونه وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة أخذها وامرأة إذا دخل إليها أذهبت همه وطباخ إذا لم يشته الطعام صنع له شيئا يشتهيه قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب للسلطان أن يفرط البشاشة والهشاشة للناس ولا أن يقل منهما فإن الإكثار منهما يؤدي إلى الخفة والسخف والإقلال منهما يؤدي إلى العجب والكبر ولا ينبغي له أن يغضب لأن قدرته من وراء حاجته ولا أن يكذب لأنه لا يقدر أحد على استكراهه ولا له أن يبخل لأنه لا عذر له في منع الأموال والجاه معا ولا له أن يحقد لأنه يجب أن يترفع عَن المجازاة فأفضل السلطان مالم يخالطه البطر وأعجزهم آخذهم بالهوينا وأقلهم نظرا في العواقب وخير السلطان من أشبه النسر حوله الجيف لا من أشبه الجيف حولها النسور ويجب عَلَيْهِ استبقاء الرياسة وما فيه من نعمه اللَّه عَلَيْهِ بلزوم تقوى اللَّه وتفقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 أمور الرعية وإنصاف بعضهم بعضا لأنه مَا من قوي في الدنيا إلا وفوقه أقوى منه فمتى مَا عرف السلطان فضل قوته على الضعفاء فغره ذلك من قوة الأقوياء كانت قوته حينا عَلَيْهِ وهلاكا له والضعيف المحترس أقرب إلى السلامة من القوي المغتر لأن صرعة الاسترسال لا تكاد تستقال ولا يجب أن يعجل في سلطانه بعقاب من يخاف أن يندم عَلَيْهِ ولا يثقن بمن عاقبه من غير جرم وما أشبه السلطان إلا بالنار إن قصرت بطل نفعها وإن جاوزت عظم ضرها فخير السلطان من أشبه الغيث في أحيائه في نفع من يليه لا من أشبه النار في أكلها مَا يليها والسلطان إذا كان عادلا خير من المطر إذا كان وابلا وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم والناس إلى عدل سلطانهم أحوج منهم إلى خصب زمانهم ولقد حَدَّثَنَا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مرجي بْن المؤمل بْن المثنى المري عَن أبيه قَالَ قَالَ الأحنف بْن قيس الولي من الرعية مكان الروح من الجسد الذي لا حياة له إلا به وموضع الرأس من أركان الجسد الذي لا بقاء له إلا معه وأنشدني ابن زنجي البغدادي للأفوه الأودي ... لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا والبيت لا يبتنى إلا بأعمدة ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد فإن تجمع أوتاد وأعمدة ... وساكن أدركوا الأمر الذي كادوا تهدى الأمور بأهل الرأي مَا صلحت ... فإن تولت فبالأشرار تنقاد ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على السلطان قبل كل شيء أن يبدأ بتقوى اللَّه وإصلاح سريرته بينه وبين خالقه ثم يتفكر فيما قلده اللَّه من أمر إخوانه ورفعه عليهم ليعلم أنه مسئول عنهم في دق الأمور وجلها ومحاسب على قليلها وكثيرها ثم يتخذ وزيرا صالحا عاقلا عفيفا نصوحا وعمالا صالحين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 بررة راشدين وأعوانا مستورين وخدما معلومين ثم يقلد عماله مالا غنى له عنهم ويشترط عليهم تقوى اللَّه وطاعته وأخذ المال من حله ويفرقه في أهله ثم يتفقد أمر بيت المال بأن لا يدخله حبة فما فوقها من قهر أو جور أو سلب أو نهب أو رشوة فإنه مسئول عَن كل ذرة منه ومحاسب على كل حبة فيه ثم لا يخرجه إلا في المواضع التي أمر اللَّه جل وعلا في سورة الأنفال ثم يتفقد أمور الحرمين وطريق الحاج ومجاوري بيت الله وقبر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثم يتفقد ثغور المسلمين ولا يولى على الثغور من عماله إلا من يعلم أن القتل في سبيل اللَّه يكون آثر عنده من البقاء في الدنيا ليغزي الناس ولا يعطل الثغر ثم يتفقد ثغور المسلمين ومراقبهم والأبرجة التي بين المسلمين وبين عدوهم بأن يعمرها ويقيم فيها أعينا من المسلمين تتجسس أخبار العدو ويجري عليهم من بيت مالهم ثم يتفقد أولاد المهاجرين والأنصار بعطاياهم ويعرف فضيلتهم وسابقة آبائهم وأنه إنما نال مَا نال بهم ثم يتفقد أمور الحكام بأن لا يولى أحدا على قضاء المسلمين إلا من يعلم منه العفاف والعلم وترك الميل إلى الهوى والحكم بغير مَا يوجبه العلم ثم يتفقد أهل العلم والقراء والمؤذنين والصالحين وضعفاء المسلمين وليكن لمن هو أصغر سنا منه أبا ولمن هو أكبر منه ابنا ولأترابه أخا فيكون في تفقد أمورهم ولصلاح أسبابهم أكثر من تفقدهم بأنفسهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 ثم يختار من الرعية أقواما أمناء يبعث بهم في كل سنة إلى المدن ليشرفوا على العمال والحكام ويتفقدوا أسبابهم وسيرهم ويخبروه بها فيعزل من استحق منهم العزل ويقر من اتبع الحق ثم يجعل لنفسه موضعا لا يمنع منه لطرح القصص ويبرز للرعية في كل يوم مرة أو في كل ثلاثة أيام أو في كل أسبوع ليرفعوا إليه حوائجهم وليجتنب الحدة وليلزم الحلم الدائم فيما يرد عليه من أسبابهم ولقد حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن قحطبة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زنبور حدثنا أبو بكر ابن عياش أن أهل الجاهلية لم يكونوا يسودون عليهم أحدا لشجاعة ولا لسخاء إنما كانوا يسودون من إذا شتم حلم وإذا سئل حاجة قضاها أو قام معهم فيها وأنشدني الأبرش ... وقد يبغض الحيات أولاد آدم ... وأبغض مَا فيها إليهم رءوسها وما ابتليت يوما بشر قبيلة ... أضر عليها من سفيه يسوسها ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يستحق أحد اسم الرياسة حتى يكون فيه ثلاثة أشياء العقل والعلم والمنطق ثم يتعرى عَن ستة أشياء عَن الحدة والعجلة والحسد والهوى والكذب وترك المشاورة ثم ليلزم في سياسته على دائم الأوقات ثلاثة أشياء الرفق في في الأمور والصبر على الأشياء وطول الصمت فمن تعرى عَن هذه الأشياء وهو ذو سلطان عمي عَلَيْهِ قلبه وتشتتت عَلَيْهِ أموره ومن لم يكن فيه خصلة من هذه الخصال نقص من ضوء بصر قلبه مثلها الخلل في أموره نحوها وإنما مثل الرئيس والرعية كمثل جماعة ليس فيهم إلا قائد واحد فإن لم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ذلك القائد أحد الناس بصرا وألطفهم نظرا كان خليقا أن يوقعهم وإياه في وهدة تندق أعناقهم وعنقه معهم والواجب على السلطان أن لا يغفل عَن الأشياء الأربعة التي صلاحه في دينه ودنياه فيها وهي مَا حَدَّثَنَا به عمرو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجُشَمِيُّ حَدَّثَنَا المدائني قَالَ خرج الزهري يوما من عند هشام بْن عَبْد الملك فقال مَا رأيت كاليوم ولا سمعت به كأربع كلمات تكلم بهن رجل آنفا عند هشام بْن عَبْد الملك فقيل له وما هن قَالَ قَالَ له رجل يا أمير المؤمنين احفظ عني أربع كلمات فيهن صلاح ملكك واستقامة رعيتك قَالَ هاتهن قَالَ لا تعدن عدة لا تثق من نفسك بإنجازها ولا يغرنك المرتقى وإن كان سهلا إذا كان المنحدر وعرا واعلم أن للأعمال جزاءا فاتق العواقب وأن للأمور بغتات فكن على حذر وأنشدني المنتصر بْن بلال ... بلاء الناس مذ كانوا ... إلى أن تأتي الساعه بحب الأمر والنهي ... وحب السمع والطاعه ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه لا يجب للعاقل طلب الإمارة لأن من أوتيها عَن مسألة وكل إليها ومن أعطيها من غير مسألة أعين عليها ومن اشتهر بالرياسة فليحترز لأن الريح الشديدة لا تحطم الكلأ وهي تحطم دوح الشجر ومشيد البنيان وليلزم المشورة فإن في المشورة صلاح الرعية ومادة الرأي وليصنع إلى الناس كافة في الوقت الذي يقدر على الصنائع والمعروف قبل أن يجيئه الوقت الذي يفقد فيه القدرة عليها وليعتبر بمن كان قبله من الملوك والأمراء والسادة والوزراء لأن من ظفر بأمر جسيم فأضاعه فاته ومن أمكنته الفرصة فأخر العمل فيها لا تكاد تعود إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 والسلطنة إنما هي قول الحق والعمل بالعدل لا التفاخر في الدنيا واستعمال البذل ولقد حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَزَّازُ حَدَّثَنَا خطاب بْن عَبْد الرحمن الجندي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن سليمان قَالَ قَالَ أَبُو عمرة بْن العلاء كانو لا يسودون إلا من تكاملت فيه ست خصال وتمامهن في الإسلام السابعة السخاء والنجدة والصبر والحلم والبيان والتواضع وتمامهن في الإسلام الحياء وأنشدني الكريزي ... إذا نلت الإمارة فاسم فيها ... إلى العلياء بالعمل الوثيق بمحض خليقة لا عيب فيها ... وليس المحض كاللبن المذيق ولا تك عندها حلوا فتحسى ... ولا مرا فتنشب في الحلوق وكل إمارة إلا قليلا ... مغيرة الصديق عن الصديق ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه من صحب السلطان فلا يجب أن يكتمه نصيحته لأن من كتم السلطان نصيحته والأطباء مرضه والإخوان بشه فقد خان نفسه ومن يصحب السلطان لا ينجو من الآثام كما أن راكب العجل لا يأمن العثار ولا يجب أن يأمن غضب السلطان إن صدقه ولا عقوبته إن كذبه ولا يجتريء عَلَيْهِ وإن أدناه لأن الحازم العاقل لا يشرب السم اتكالا على مَا عنده من الترياق والأدوية وإني لأستحب لمن امتحن بصحبة السلطان أن يعلمه لزوم تقوى اللَّه والعمل الصالح كأنه يتعلم منه ويؤدبه كأنه يتأدب به ويتقي سخطاته والسخط إذا كان من علة كان الرضا عنه موجودا وإذا كان من غير علة ينقطع حينئذ الرجاء ولا يجب أن يعلم كل مَا تأتي الملوك من أمورها لأن في معرفتهم إياها بعض الفتنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وهيهات من ذا صحب السلطان فلم يفتتن ومن اتبع الهوى فلم يعطب إن الشجرة الحسنة ربما كان سبب هلاكها طيب ثمرتها وربما كان ذنب الطاووس الذي في جماله سبب حتفه لأنه يثقله حتى يمنعه من الهرب ومن صحب السلطان لم يأمن التغيير على نفسه لأن الأنهار إنما تكون عذبة مَا لم تنصب الى البحور فإذا وقعت في البحور ملحت على أن قعود العلماء عَن أبواب الملوك زيادة في نور علمهم وكثرة غشيانهم إياهم غشاوة على قلوبهم ومن صحب الملوك لم يأمن تغيرهم ومن زايلهم لم يأمن تفقدهم وإن قطع الأمور دونهم لم يأمن فيها مخالفتهم وإن عزم على شيء لم يجد بدا من مؤامرتهم وأسمج شيء بالملوك الحدة ولقد حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الحسن بْن عَبْد الجبار الصوفي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن معين حَدَّثَنَا المبارك بْن سَعِيد الثوري قَالَ كان يقال خمس خلال هن أقبح شيء بمن كن فيه الحدة في السلطان والكبر في ذي الحسب والبخل في الغنى والحرص في العالم والفتوة في الشيخ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه رؤساء القوم أعظمهم هموما وأدومهم غموما وأشغلهم قلوبا وأشهرهم عيوبا وأكثرهم عدوا وأشدهم أحزانا وأنكاهم أشجانا وأكثرهم في القيامة حسابا وأشدهم إن لم يعف اللَّه عنهم عذابا ومن أحسن مَا يستعين به السلطان على أسبابه اتخاذ وزير عفيف ناصح على مَا تقدم ذكرنا له فإن الوزير إذا غفل الأمير ذكره وإن ذكر أعانه وإن سولت له نفسه سيئة صده وإن أراد طاعة نشطه فهو المحبب له الى الناس والمستجلب له دعائهم ولقد أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... إذا نسى الأمير قضاء حق ... فإن الذنب فيه للوزير لأن على الوزير إذا تولى ... أمور الناس تذكير الأمير ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على كل من يغشى السلطان وامتحن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 بصحبته أن لا يعد شتمه شتما ولا إغلاظه إغلاظا ولا التقصير في حقه ذنبا لأن ريح العزة بسطت لسانه ويده بالغلظة فإن أنزله الوالي منزلة رفيعة من نفسه فلا يثقن بها وليجانب معه كلام الملق والإكثار من الدعاء في كل وقت وكثرة الانبساط فرب كلمة أثارت الوحشة بل يجتهد في توقيره وتعظيمه عند الناس فإن غضب فليحتل في تسكين غضبه باللين والمداراة ولا يكون سببا لتهييجه ولقد حَدَّثَنَا عمرو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ حَدَّثَنَا ابن عائشة عَن أبيه قَالَ بعث أَبُو جعفر إلى جعفر بْن مُحَمَّد قَالَ إني أستشيرك في أمر إني قد تأنيت أهل المدينة مرة بعد أخرى فلا أراهم يرجعون ولا يعتبون وقد رأيت أن أبعث فأحرق نخلها وأغور عيونها فما ترى فسكت جعفر فقال مالك لا تكلم قَالَ إن أذنت لي تكلمت قَالَ قل قَالَ يا أمير المؤمنين إن سليمان أعطي فشكر وإن أيوب أبتلى فصبر وإن يُوسُف قدر فغفر وقد جعلك الله من النسل الذي يعفون ويصفحون قال فطفيء غضبه وسكن حدثني مُحَمَّد بْن أَبِي علي الخلادي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بن سعيد عن محمد ابن حميد بْن فروة عَن أبيه قَالَ لما استقرت للمأمون الخلافة دعا إبراهيم بن مهدي المعروف بابن شكلة فوقف بين يديه فقال أنت المتوثب عليها تدعي الخلافة فقال إِبْرَاهِيم يا أمير المؤمنين أنت ولي الثأر محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى وقد جعلك اللَّه فوق كل ذي ذنب كما جعل كل ذي ذنب دونك فإن أخذت أخذت بحق وإن عفوت عفوت بفضل ولقد حضرت أَبِي وهو جدك أتي برجل كان جرمه أعظم من جرمي فأمر الخليفة بقتله وعنده المبارك بْن فضالة فقال المبارك بْن فضالة إن رأى أمير المؤمنين أن يستأنى في أمر هذا الرجل حتى أحدثه بحديث سمعته من الحسن يحدث به عَن رَسُول اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إيه يا مبارك قَالَ حدثني الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قَالَ إذا كان يوم القيامة نادى مناد مناد من بطنان العرش الاليقم العافون من الخلفاء فلا يقوم إلا من عفا فقال الخليفة له يا مبارك قد قبلت الحديث وعفوت عنه أخرج أيها الرجل فلا سبيل لأحد عليك فقال المأمون يا عم ههنا يا عم ها هنا قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على من ملك أمور المسلمين الرجوع إلى اللَّه جل وعلا في كل لحظة وطرفة لئلا يطغيه مَا هو فيه من تسلطه بل يذكر عظمة اللَّه وقدرته وسلطانه وأنه هو المنتقم ممن ظلم والمجازي لمن أحسن فليلزم في إمرته السلوك الذي يؤديه إلى اكتساب الخير في الدارين وليعتبر بمن كان قبله من أشكاله فإنه لا محالة مسئول عَن شكر مَا هو فيه كما هو لا محالة مسئول عَن حسابه إذا المصطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قَالَ يقول اللَّه تبارك وتعالى يوم القيامة ألم أحملك على الخير ورزقتك النساء وجعلتك ترأس وتربع فيقول بلى فيقول فأين شكر ذلك وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... يدبر أسباب الرجال مؤمر ... إذا صلحت في الصدر أشفى وأبين من العقل أن تحتاط فيما وليته ... وتحسم مَا تخشاه والأمر ممكن ... ذكر الدنيا وتقلبها بأهلها حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ حَدَّثَنَا عبد الله بن هانيء بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا يَا ابْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 جُعْشُمٍ يَكْفِيكَ مِنْهَا مَا سَدَّ جَوْعَتَكَ وَوَارَى عَوْرَتَكَ فَإِنْ يَكُنْ ثَوْبًا تَلْبَسُهُ فَذَاكَ وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً تَرْكَبُهَا فَبَخٍ فِلَقُ الْخُبْزِ وما الحب وَمَا فَوْقَ الإِزَارِ حِسَابٌ عَلَيْكَ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن لا يغتر بالدنيا وزهرتها وحسنها وبهجتها فيشتغل بها عَن الآخرة الباقية والنعم الدائمة بل ينزلها حيث أنزلها اللَّه لأن عاقبتها لا محالة تصير إلى فناء يخرب عمرانها ويموت سكانها وتذهب بهجتها وتبيد خضرتها فلا يبقى رئيس متكبر مؤمر ولا فقير مسكين محتقر إلا ويجري عليهم كأس المنايا ثم يصيرون إلى التراب فيبلون حتى يرجعون إلى مَا كانوا عَلَيْهِ في البداية إلى الفناء ثم يرث الأرض ومن عليها علام الغيوب فالعاقل لا يركن إلى دار هذا نعتها ولا يطمئن إلى دنيا هذه صفتها وقد ادخر له مَا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيضن بترك هذا القليل ويرضى بفوت ذلك الكثير حدثنا مُحَمَّد بْن المسيب بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا يعقوب بْن إِبْرَاهِيم الدورقي قَالَ سمعت بشر بْن الحارث يقول ... لا تأس في الدنيا على فائت ... وعندك الإسلام والعافية إن فات أمر كنت تسعى له ... ففيهما من فائت كافيه ... وأنشدني الكريزي أنشدني شعيب بْن أَحْمَد لسليمان بْن يزيد العدوى ... ألم تر أن المرء يودي شبابه ... وأن المنايا للرجال تشعب فمن ذائق كأسا من الموت مرة ... وآخر أخرى مثلها يترقب لها منهم زاد حثيث وسائق ... وكل بكأس الموت يوما سيشرب وما وارث إلا سيورث ماله ... ولا سالب إلا وشيكا سيسلب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 .. ولا آلف إلا سيتبع إلفه ... ولا نعمة إلا تبيد وتذهب وما من معان والمصائب جمة ... يعاورها العصران إلا سيعطب أرى الناس أصنافا أقاموا بعربة ... تقلبهم أيامها وتقلبوا بدار غرور حلوة يعمرونها ... وقد عاينوا فيها زوالا وجربوا يذمون دنيا لا يريحون درها ... فلم أر كالدنيا تذم وتحلب تسرهم طورا وطورا تذيقهم ... مضيض مكاو حرها يتلهب ... حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه قَالَ عاد رجل مريضا فسمع قائلا يقول من ناحية البيت ... ناد رب الدار ذا المال الذي ... جمع الدنيا بحرص مَا فعل ... فأجابه مجيب ... كان في الدار سوها داره ... عللته بالمنى ثم انتقل لم يمتع بالذي كان حوى ... من حطام المال إذا حل الأجل إنما الدنيا كظل زائل ... طلعت شمس عَلَيْهِ فاضمحل ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه رأيت على حجر بطبرستان مكتوب ... العيش لونان فحلو ومر ... والدهر نصفان فريف وضر والنطق جزآن فبعر ودر ... والناس اثنان فنذل وحر يومك يومان فخير وشر ... نهار يزول وليل يكر وكذاك الزمان على من مضى ... وكل السنين على ذا تمر ... وأنشدني الأبرش ... إنما الدنيا نهار ... ضوئها ضوء معار بينما غصنك عض ... ناعم فيه اخضرار ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 .. إذ رماه زمناه ... فإذا فيه اصفرار وكذلك الليل يأتي ... ثم يمحوه النهار ... وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... يا لائم الدهر إذا مَا نبا ... لا تلم الدهر على غدره الدهر مأمور له آمر ... ينصرف الدهر إلى أمره كم كافر بالله أمواله ... تزداد أضعافا على كفره ومؤمن ليس له درهم ... يزداد إيمانا على فقره لا خير فيمن لم يكن عاقلا ... يبسط رجليه على قدره ... وأنشدني الكريزي ... ما الدهر إلا ليلة ويوم ... والعيش إلا يقظة ونوم يعيش قوم ويموت قوم ... والدهر قاض مَا عَلَيْهِ لوم ... أنبأنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن سلم حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أَبِي الحواري حَدَّثَنَا إِسْحَاق الموصلي قَالَ قَالَ أَبُو حازم بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثر منها في أوان كسادها فإنه لو جاء أوان نفاقها لم تصل منها لا إلى قليل ولا إلى كثير قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الدنيا بحر طفاح والناس في أمواجها يعومون وفي أمثال تضربها الأيام للأنام وما أكثر أشباهها منها لأن كل مَا يصير إلى فناء منها يشبهها فمن أوتي من الدنيا أشياء ثلاثة فقد أوتي الدنيا بحذافيرها الأمن والقوت والصحة لا يغتر بشيء منها إلا كل خداع ولا يركن إليها إلا كل مناع فالعاقل يعلم أن مَا لم يبقى لغيره عَلَيْهِ غير باق وأن مَا سلب عَن غيره لا يترك عَلَيْهِ فالقصد إلى مَا يعود بالنفع في الآخرة للعاقل من الدنيا أحرى من السلوك في قصد الضن بها والجمع لها من غير تقديم ما يقدم عَلَيْهِ في الآخرة من الأعمال الصالحة وتركك الاغترار بها والاعتبار بتقلبها بأهلها ولا شيء أعظم خطرا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الحياة ولا غبن أعظم من إفنائها لغير حياة الأبد ومن اشتهى أن يكون حرا فليجتنب الشهوات وإن كانت لذيذة وليعلم أن كل لذيذ ليس بنافع ولكن كل نافع هو الذيذ وكل الشهوات مملولة إلا الأرباح فإنها لا تمل وأعظم الأرباح الجنة والاستغناء بالله عَن الناس ولقد أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... فأعظم بصبر للزمان فإنه ... على حالة المكروه ليس بدائم تدور لنا أفلاكه بعجائب ... إذا مَا انقضت كانت كأحلام نائم سرور وهم وانتعاش وسقطة ... إلى أجل دان لذلك هادم وبالله دون الناس فاستغن واستعن ... إذا أنزلت إحدى الأمور العظائم ... وأنشدني وأنشدني المنتصر بْن بلال ... فيوم علينا ويوم لنا ... ويوما نساء ويوما نسر كذاك التقارض بين الأنام ... فخير بخير وشر بشر ... أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن الجنيد حَدَّثَنَا عَبْد الوارث بْن عَبْد اللَّه عَن عَبْد الله من مسعر عَن معن بْن عون قَالَ كم من مستقبل يوما لا يستكمله ومنتظر غدا لا يدركه لو تنظرون إلى الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه السبب المؤدي للعاقل إلى إنزاله الدنيا منزلتها ترك الركون إليها مع تقديم مَا قدر منها للعيش الدائم والنعيم المقيم هو ترك طول الأمل وراقبة ورود الموت عَلَيْهِ في كل لحظة وطرفة لأن طول الآمال قطعت أعناق الرجال كالسراب أخلف من رجاه وخاب من رآه فالعاقل يلزم تركها مع الاعتبار الدائم بمن مضى من الأمم السالفة والقرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الماضية كيف عفت آثارهم واضمحلت أنباؤهم فما بقى منهم إلا الذكر ولا من ديارهم إلا الرسم فسبحان من هو قادر على بعثهم وجمعهم للجزاء والعقاب ولقد أنشدنا عمرو بْن مُحَمَّد قال أنشدنا الغلابي قَالَ أنشدني مهدي بْن سابق ... كنا على ظهرها والعيش ذو مهل ... والدهر يجمعنا والدار والوطن ففرق الدهر ذو التصريف ألفتنا ... فاليوم يجمعنا في بطنها الكفن كذلك الدهر لا يبقى على أحد ... تأتي بأقداره الأيام والزمن ... وأنشدني مُحَمَّد بْن عَبْد الله البغدادي ... حتى متى يبقى حليف الأسى ... مستشعرا للدهر أحزانا فلا يرد الحزن شيئا ... ولا يعتب هذا الدهر إنسانا قد يقبل الدهر بسرائه ... طورا وقد يدبر أحيانا فاصبر على مَا جر من حادث ... مَا زال غدارا وخوانا وأحسن الظن بمن لم يزل ... عليك مفضالا ومنانا وأنشدني عمرو بْن مُحَمَّد قَالَ أنشدنا الغلابي لابن أَبِي عيينة المهلبي ... ما راح يوم على حي ولا ابتكرا ... إلا رأى عبرة فيها إن اعتبرا ولا أتت ساعة في الدهر فانصرفت ... حتى توثر في قوم لها غيرا إن الليالي والأيام أنفسها ... عَن غيب أنفسها لم تكتب الخبرا ... أنبأنا علي بْن سَعِيد العسكري حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد حَدَّثَنَا الحسن بْن سَعِيد الجرجاني قَالَ سمعت أبا مريم الصلت بْن كلثم يقول كانت امرأة من بني إسرائيل متعبدة وكانت تفطر كل سبت فبينما هي ذات يوم قد وضعت إفطارها بين يديها جعلت تقول محب يحب حبيبه يتشاغل بالأكل عَن خدمة محبه فيوشك أن يقدم عَلَيْهِ رَسُول حبيبه وهو متشاغل بأكله عَن خدمته فلا تقر عينه في لقائه فمكثت كذلك مدة لا تفطر قَالَ ثم وضعت إفطارها بين يديها وجعلت تقول مثل مَا كانت تقول وإذا شاب من ناحية البيت جميل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 الوجه طيب الريح فقال سلام عليك ورحمة اللَّه يا حبيبة الله أو يا ولية الله قالت وعليك السلام من أنت قَالَ أنا ملك الموت قالت يا ملك الموت أتأذن لي أن أسجد سجدة أناجي فيها ربي فإذا رأيتني قد فعلت ذلك قبضت روحي قَالَ لك ذلك قَالَ فنحت إفطارها ثم وثبت فسجدت فقبض روحها في اجتهادها رضى الله عنها ذكر الحث على لزوم ذكر الموت وتقديم الطاعات حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ ومحمود ابن غَيْلانَ قَالا حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه الواجب على العاقل أن يضم إلى رعاية مَا ذكرنا من شعب العقل في كتابنا هذا لزوم ذكر الموت على الأوقات كلها وترك الاغترار بالدنيا في الأسباب كلها إذ الموت رحى دوارة بين الخلق وكأس يدار بها عليهم لا بد لكل ذي روح أن يشربها ويذوق طعمها وهو هاذم اللذات ومنغص الشهوات ومكدر الأوقات ومزيل العاهات ولقد أنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان ... أيا هاذم اللذات ما منك مهرب ... تحازر نفسي منك ما سيصيبها أرأيت المنايا قسمت بين أنفس ... ونفسي سيأتي بعدهن نصيبها ... وأنشدني الكريزي ... إن من عاش آمنا في سرور ... قاعد من سروره في غرور ما لمن يذكر المقابر والموت ... إذا كان عاقلا من سرور ... حدثنا عمرو بن محمد الغلابي حَدَّثَنَا مهدي بْن سابق قال قرىء على قصر هذه الأبيات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 .. هذى منازل أقوام عهدتهم ... في ظل عيش عجيب ماله خطر صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا ... إلى القبور فلا عين ولا أثر ... حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمُ الْخَالِدِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد حدثني إبراهيم ابن عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ الْحَلَبِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ كَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ أَنَا وَاللَّهِ مِنْ زَرْعٍ قَدِ اسْتُحْصَدَ وَنُعِيَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنْهُ وَالآخَرُ دُونَهُ فَقَالَ ... إِذَا سَارَ من خلف امريء وَأَمَامَهُ ... وَأُفْرِدَ مِنْ إِخْوَانِهِ فَهْوَ سَائِرُ ... حدثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مصعب الشافعي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد قَالَ سمعت عُبَيْد اللَّه بْن مسلم بْن زياد الهمداني قَالَ سمعت عمر بْن ذر يقول ورث فتى من الحي دارا عَن آبائه وأجداده فهدمها ثم ابتناها وشيدها فأتى في منامه فقيل له ... إن كنت تطمع في الحياة فقد ترى ... أرباب دارك ساكنوا الأموات أني تحس من الأكرام ذكرهم ... خلت الديار وبادت الأصوات ... قال فأصبح الفتى مغتاظا قد أمسك عَن كثير مما كان يصنع وأقبل على نفسه حدثنا عمر ن حفص البزاز حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الضيف حَدَّثَنَا جعفر بْن عون قَالَ سمعت مسعرا يقول ... ومشيد دارا ليسكن داره ... سكن القبور وداره لم يسكن ... وأنشدني ابن زنجي البغدادي ... لوأنني أعطيت سؤلي لما ... سألت إلا العفو والعافيه فكم فتى قد بات في نعمة ... فسل منها الليلة الثانية ... حدثنا حمزة بْن داود بن سليان بالأبلة حدثنا ذهل بْن أَبِي شراعة القيسي قال حدثتني سكينه وكانت علامة قالت قَالَ لي أَبُو العتاهية دخلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 على هارون أمير المؤمنين فلما بصر بي قَالَ أَبُو العتاهية قلت أَبُو العتاهية قَالَ الذي يقول الشعر قلت الذي يقول الشعر قَالَ عظني بأبيات شعر وأوجز فأنشدته ... لا تأمن الموت في طرف ولا نفس ... ولو تمنعت بالحجاب والحرس واعلم بأن سهام الموت قاصدة ... لكل مدرع منا ومترس ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس ... قال فخر مغشيا عَلَيْهِ أو كما قَالَ حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا أَبُو جعفر البغدادي قَالَ قرأت على باب قصر بالسند ... نزل الموت منزلا ... سلب القوم وارتحل ... فقلت مَا هذا فقالوا مات أهل القصر كلهم فأصبحوا وهذا الكتاب على الباب لا يدري من كتبه وأنشدني البسامي ... قد يصح المريض بعد إياس ... كان منه ويهلك العواد يصاد القطا فينجو سليما ... بعد هلك ويهلك الصياد ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه العاقل لا ينسى ذكر شيء هو مترقب له ومنتظر وقوعه من قدم إلى قدم ومن لحظة إلى شزرة فكم من مكرم في أهله معظم في قومه مبجل في جيرته لا يخاف الضيق في المعيشة ولا الضنك في المصيبة إذ ورد عَلَيْهِ مذلل الملوك وقاهر الجبابرة وقاصم الطغاة فألقاه صريعا بين الأحبة وجيرانه مفارقا لأهل بيته وإخوانه لا يملكون له نفعا ولا يستطيعون عنه دفعا فكم من أمة قد أبادها الموت وبلدة قد عطلها وذات بعل قد أرملها وذي أب أيتمه وذي إخوة أفرده فالعاقل لا يغتر بحالة نهايتها تؤدي إلى مَا قلنا ولا يركن إلى عيش مغبته مَا ذكرنا ولا ينسى حالة لا محالة هو مواقعها وما لا شك يأتيه إذ الموت طالب لا يعجزه المقيم ولا ينفلت منه الهارب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 ولقد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْخَالِدِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد حدثني سلمة ابن شبيب حَدَّثَنَا سهل بْن عاصم قَالَ سمعت الوضاح بْن حسان يقول سمعت ابن السماك يحدث قَالَ بينما صياد في الدهر الأول يصطاد السمك إذ رمى بشبكة في البحر فخرج فيها جمجمة إنسان فجعل الصياد ينظر إليها ويبكي ويقول عزيز فلم تترك لعزك غني فلم تترك لغناك فقير فلم تترك لفقرك جواد فلم تترك لجودك شديد فلم تترك لشدتك عالم فلم تترك لعلمك يردد هذا الكلام ويبكي وأنشدني الكريزي ... أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها والنفس تكلف بالدنيا وقد علمت ... أن السلامة فيها ترك مَا فيها فلا الإقامة تنجي النفس من تلف ... ولا الفرار من الأحداث ينجيها وكل نفس لها زور يصبحها ... من المنية يوما أو يمسيها ... حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي قَالَ سمعت ابن واقد المديني قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد المنعم الرياحي قَالَ فقد مالك بْن دينار يوما فقالوا أين كنت يا أبا يَحْيَى قَالَ خرجت إلى الأبلة قالوا مَا أحسن مَا رأيت قَالَ مَا رأيت شيئا أعجبت به إلا أني رأيت امرأة تصلى فقالوا له يا أبا يَحْيَى فما أعجب شيء رأيت قَالَ رأيت بالبحرين قصرا مشيدا وإذا على بابه مكتوب ... طلبت العيش أسعد ناعميه ... وعشت من المعايش والنعيم فلم ألبث ورب الناس طورا ... سلبت من الأقارب والحميم ... وأنشدني الأبرش ... وللنفوس وإن كانت على وجل ... من المنية آمال تقويها والمرء يبسطها والدهر يقبضها ... والنفس تنشرها والموت يطويها ... أنبأنا حمزة بْن داود بن سليمان بالأبلة حدثنا الهاديء حَدَّثَنَا جليس الكلبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 عَن سَعِيد بْن أَبِي عروبة عَن قَتَادَة قَالَ لقيني عمران بْن حطان فقال لي يا أعمى إنني عالم بخلافك ولكنك رجل تحفظ فاحفظ عني هذه الأبيات ... حتى متى تسقى النفوس بكأسها ... ريب المنون وأنت لاه ترتع أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى ... وإلى المنية كل يوم تدفع أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع فتزودن ليوم فقرك دائبا ... واجمع لنفسك لا لغيرك تجمع ... حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ نَوْفَلٍ المروزي قَالَ سمعت أبا داود السنجي يقول خرج أَبُو معاذ النحوي يوما مع أصحابه فقال إنه قد نعيت إلى نفسي البارحة أتاني آت فقال ... يا أيها الإنسان إنك ميت ... عما قليل ثم لنفسك واقعد فكأن مَا قد كان لم يك إذ مضى ... وكأن مَا هو كائن فكأن قد ... حدثنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا حرملة بْن يَحْيَى قَالَ سمعت الشافعي كثيرا مَا ينشد ... تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد ... حدثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الشافعي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بن محمد حدثني إسماعيل ابن عَبْد اللَّه العجلي قَالَ أنشدنا رجل ونحن في المقابر ... ألا يا عسكر الأحياء ... هذا عسكر الموتى أجابوا الدعوة الصغرى ... وهم منتظروا الكبرى يحثون على الزاد ... وما زاد سوى التقوى يقولون لكم جدوا ... فهذا آخر الدنيا ... قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه إن اللَّه جل وعلا خلق آدم وذريته من الأرض فأمشاهم على ظهرها فأكلوا من ثمارها وشربوا من أنهارها ثم لا محالة تنزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 المنية بهم وتغنيهم عَن السعي والحركات مع تعطل الجثث والآلات ثم تعيدهم إلى الأرض التي منها خلقهم حتى تأكل لحومهم كما أكلوا أثمارها وتشرب دماءهم كما شربوا من أنهارها وتقطع أوصالهم كما مشوا على ظهرها فالقبر أول منزل من منازل الآخرة وآخر منزل من منازل الدنيا فطوبى لمن مهد في دنياه لقبره وقدم منها لآخرته فكم عفرت الأرض من عزيز وأفقدت الغير من أنيس حدثني مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الخالدي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد حدثني مُحَمَّد بْن عباس حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن يزيد قَالَ رأيت أعرابيا وقف على مقبرة وهو يقول ... لكل أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد وما إن ترى دارا لحي قد أقفرت ... وقبرا لميت بالفناء جديد فهم جيرة الأحياء أما محلهم ... فدان وأما المتقى فبعيد ... وأنشدني أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الكرجي لعمر بْن شبة في نفسه ... يا ابن سبعين وعشر ... وثمان كاملات غرضا للموت مشغولا ... بخد منى وهات ويك لا تعلم ماتلقى ... به بعد الممات من صغار موبقات ... وكبار مهلكات يا ابن من قد مات ... من آبائه والأمهات هل ترى من خالد ... من ذي طغاة وعتاة إن من يبتاع ... بالدين خسيسات الحياة لغبي الرأي محفوف ... بطول الحسرات ... حدثنا عمرو بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا الغلابي حَدَّثَنَا شعيب بْن واقد المري عَن عَبْد المنعم الرياحي قال سمعت صالح المري يقول دخلت المقابر يوما في شدة الحر فنظرت إلى القبور خامدة كأنهم قوم صموت فقلت يا سبحان اللَّه من يجمع بين أرواحكم وأجسامكم بعد إفتراقها ثم يحييكم وينشئكم من طول البلى قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 فناداني مناد من بين تلك الحفر يا صالح (30 25) {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} قَالَ فسقطت والله مغشيا علي قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه قد ذكرنا اليسير من الكثير من الآثار والقليل من الجسيم من الأخبار في كتابنا هذا بما نرجوا أن القاصد إلى سلوك سبيل ذوي الحجى والسالك مقصد سبيل أولي النهى يكون له فيها غنية إن تدبرها واستعملها وإن كنا تنكبنا طرق المسانيد وتخريج الحكايات وأناشيد الأشعار إلا مَا لم نجد بدا من إخراجها كالإيماء إلى الشيء والإشارة إلى القصد جعلنا اللَّه ممن دعته تباشير التوفيق الى القيام بحقائق التحقيق إنه منتهى الغاية عند رجاء المؤمنين والمان على أوليائه بمنازل المقربين وصلى اللَّه على مُحَمَّد خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين الطيبين والحمد لله رب العالمين وجد في النسخة الأصلية ما صورته فرغ من نسخه بعون الله ورحمته العبد الفقير إلى عفو ربه أحمد بن محمد ابن سالم بن جناب المنبجى بالرها المحروسة يوم الثلاثاء حادى عشر المحرم سنة ثمان وعشرين وستمائة ختم الله بخير ولوالديه ولجميع المسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289