الكتاب: المدهش المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) المحقق: الدكتور مروان قباني الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان الطبعة: الثانية، 1405هـ - 1985م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- المدهش ابن الجوزي الكتاب: المدهش المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) المحقق: الدكتور مروان قباني الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان الطبعة: الثانية، 1405هـ - 1985م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب عونك قَالَ شيخ الْأمة وَعلم الْأَئِمَّة نَاصِر السّنة نجم الْإِسْلَام جمال الدّين زين الْأَنَام أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حمادي ابْن الْجَوْزِيّ رَحمَه الله تَعَالَى الْحَمد لله الَّذِي لَا مُنْتَهى لعطاياه ومنحه حمدا يقوم بِالْوَاجِبِ من شكره ومدحه وَصلى الله على أشرف نَبِي وانصحه وعَلى أَصْحَابه وأزواجه مَا اسْتنَّ طرف فِي مرحه أما بعد فَإِنِّي قُمْت بِحَمْد الله فِي علم الْوَعْظ بأصحه وأملحه وآثرت أَن أنتقي فِي هَذَا الْكتاب من ملحه وَالله الْمُوفق فِي كل عمل لأصلحه وَقد قسمته خَمْسَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي ذكر عُلُوم الْقُرْآن الْعَزِيز الْبَاب الثَّانِي فِي تصريف اللُّغَة وموافقة الْقُرْآن لَهَا الْبَاب الثَّالِث فِي عُلُوم الحَدِيث الْبَاب الرَّابِع فِي عُيُون التواريخ الْبَاب الْخَامِس فِي ذكر الْوَعْظ وَهَذَا الْبَاب مقسم قسم يذكر فِيهِ الْقَصَص وَقسم يذكر فِيهِ المواعظ مُطلقًا وَالله الْمُوفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الْبَاب الأول فِي عُلُوم الْقُرْآن فصل فِي ذكر الْخطاب بِالْقُرْآنِ الْخطاب فِي الْقُرْآن على خَمْسَة عشر وَجها 1 - خطاب عَام {خَلقكُم} 2 - وخطاب خَاص {أكفرتم} 3 - وخطاب الْجِنْس {يَا أَيهَا النَّاس} 4 - وخطاب النَّوْع {يَا بني آدم} 5 - وخطاب الْعين {يَا آدم} 6 - وخطاب الْمَدْح {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} 7 - وخطاب الذَّم {يَا أَيهَا الَّذين كفرُوا} 8 - وخطاب الْكَرَامَة {يَا أَيهَا النَّبِي} 9 - وخطاب التودد {قَالَ ابْن أم إِن الْقَوْم} 10 - وخطاب الْجمع بِلَفْظ الْوَاحِد {يَا أَيهَا الْإِنْسَان مَا غَرَّك} 11 - وخطاب الْوَاحِد بِلَفْظ الْجمع {وَإِن عَاقَبْتُمْ} 12 - وخطاب الْوَاحِد بِلَفْظ الِاثْنَيْنِ {ألقيا فِي جَهَنَّم} 13 - وخطاب الِاثْنَيْنِ بِلَفْظ الْوَاحِد {فَمن رَبكُمَا يَا مُوسَى} 14 - وخطاب الْعين وَالْمرَاد بِهِ الْغَيْر {فَإِن كنت فِي شكّ} 15 - وخطاب التلو وَهُوَ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن يُخَاطب ثمَّ يخبر {حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم برِيح} {وَمَا آتيتم من زَكَاة تُرِيدُونَ وَجه الله فَأُولَئِك هم المضعفون} {وَكره إِلَيْكُم الْكفْر والفسوق والعصيان أُولَئِكَ هم الراشدون} وَالثَّانِي أَن يخبر ثمَّ يُخَاطب {فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم أكفرتم} {وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا إِن هَذَا كَانَ لكم جَزَاء وَكَانَ سعيكم مشكورا} الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وَالثَّالِث أَن يُخَاطب عينا ثمَّ يصرف الْخطاب إِلَى الْغَيْر {إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله} وَهَذَا على قِرَاءَة ابْن كثير وَأبي عَمْرو فانهما قرءا بِالْيَاءِ فصل فِي ذكر أَمْثَال الْقُرْآن فِي الْقُرْآن ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ مثلا فِي الْبَقَرَة {كَمثل الَّذِي استوقد نَارا} {أَو كصيب} {أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة} {وَمثل الَّذين كفرُوا} {مثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله} {فَمثله كَمثل صَفْوَان} و {وَمثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم ابْتِغَاء مرضات الله} {لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان} وَفِي آل عَامر {وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار} {مثل مَا يُنْفقُونَ} وَفِي الْأَنْعَام {كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين} وَفِي الْأَعْرَاف {فَمثله كَمثل الْكَلْب} وَفِي يُونُس {إِنَّمَا مثل الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَفِي هود {مثل الْفَرِيقَيْنِ} وَفِي الرَّعْد {إِلَّا كباسط كفيه إِلَى المَاء} {أنزل من السَّمَاء مَاء فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} {مثل الْجنَّة} وَفِي ابراهيم {مثل الَّذين كفرُوا برَبهمْ} {كَيفَ ضرب الله مثلا} و {وَمثل كلمة خبيثة} وَفِي النَّحْل {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا} {وَضرب الله مثلا رجلَيْنِ} {وَضرب الله مثلا قَرْيَة} وَفِي الْكَهْف {وَاضْرِبْ لَهُم مثلا رجلَيْنِ} {وَاضْرِبْ لَهُم مثل الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَفِي الْحَج {فَكَأَنَّمَا خر من السَّمَاء} {ضرب مثل} وَفِي النُّور {مثل نوره} {أَعْمَالهم كسراب بقيعة} وَفِي العنكبوت {مثل الَّذين اتَّخذُوا من دون الله أَوْلِيَاء كَمثل العنكبوت} وَفِي الرّوم {ضرب لكم مثلا من أَنفسكُم} وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 يس {وَضرب لنا مثلا} وَفِي الزمر {ضرب الله مثلا رجلا} وَفِي سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {نظر المغشي عَلَيْهِ من الْمَوْت} {مثل الْجنَّة} وَفِي الْفَتْح {ذَلِك مثلهم فِي التَّوْرَاة وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل} وَفِي الْحَشْر {كَمثل الَّذين من قبلهم} {كَمثل الشَّيْطَان} وَفِي الْجُمُعَة {مثل الَّذين حملُوا التَّوْرَاة} وَفِي التَّحْرِيم {ضرب الله مثلا للَّذين كفرُوا} {وَضرب الله مثلا للَّذين آمنُوا} وَكم من كلمة تَدور على الألسن مثلا جَاءَ الْقُرْآن بالخص مِنْهَا وَأحسن فَمن ذَلِك قَوْلهم الْقَتْل أنفى للْقَتْل مَذْكُور فِي قَوْله {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} وَقَوْلهمْ لَيْسَ الْمخبر كالمعاين مَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} وَقَوْلهمْ مَا تزرع تحصد مَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} وَقَوْلهمْ للحيطان آذان مَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَفِيكُمْ سماعون لَهُم} وَقَوْلهمْ الحمية رَأس الدَّوَاء مَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وكلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا} وَقَوْلهمْ احذر شَرّ من أَحْسَنت إِلَيْهِ مَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله} وَقَوْلهمْ من جهل شَيْئا عَادَاهُ مَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ} {وَإِذ لم يهتدوا بِهِ فسيقولون هَذَا إفْك قديم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وَقَوْلهمْ خير الْأُمُور أوساطها مَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك وَلَا تبسطها كل الْبسط} وَقَوْلهمْ من أعَان ظَالِما سلطه الله عَلَيْهِ مَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {كتب عَلَيْهِ أَنه من تولاه فَأَنَّهُ يضله} وَقَوْلهمْ لما انضج رمد مَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَأعْطى قَلِيلا وأكدى} وَقَوْلهمْ لَا تَلد الْحَيَّة إِلَّا حَيَّة مَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا يلدوا إِلَّا فَاجِرًا كفَّارًا} فُصُول فِي عُيُون الْمُتَشَابه فصل فِي الْحُرُوف المبدلات فِي الْبَقَرَة {فسواهن سبع سماوات} وَفِي حم السَّجْدَة {فقضاهن} فِي الْبَقَرَة {وَقُلْنَا يَا آدم اسكن} وَفِي الْأَعْرَاف {يَا آدم اسكن} وَفِي الْبَقَرَة {وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام} وَفِي الْأَعْرَاف {وظللنا عَلَيْهِم الْغَمَام} فِي الْبَقَرَة {فانفجرت مِنْهُ} وَفِي الْأَعْرَاف {فانبجست} فِي الْبَقَرَة {بعد الَّذِي جَاءَك من الْعلم} وَفِي الرَّعْد {بعد مَا جَاءَك من الْعلم} فِي الْبَقَرَة {للطائفين والعاكفين} وَفِي الْحجر {والقائمين} فِي الْبَقَرَة {وَمَا أنزل إِلَيْنَا} وَفِي آل عمرَان {علينا} فِي الْبَقَرَة {أَو لَو كَانَ آباؤهم لَا يعلمُونَ شَيْئا} وَفِي الْمَائِدَة {لَا يعلمُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فِي آل عمرَان {لكيلا تحزنوا} وَفِي الْحَدِيد {لكَي لَا تأسوا} فِي سُورَة النِّسَاء {وَخلق مِنْهَا زَوجهَا} وَفِي الْأَعْرَاف {وَجعل} فِي سُورَة النِّسَاء {إِن تبدوا خيرا} وَفِي الْأَحْزَاب {شَيْئا} فِي الْأَنْعَام {من إملاق} وَفِي بني اسرائيل {خشيَة إملاق} فِي الْأَعْرَاف {فَأرْسل معي بني إِسْرَائِيل} وَفِي طه {مَعنا} فِي الْأَعْرَاف {وَأرْسل فِي الْمَدَائِن حاشرين} وَفِي الشُّعَرَاء {وَابعث} فِي الْأَعْرَاف {ثمَّ لأصلبنكم} وَفِي طه {ولأصلبنكم} فِي التَّوْبَة {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا} وَفِي الصَّفّ {ليطفئوا} فِي يُونُس {فأتبعهم فِرْعَوْن وَجُنُوده} وَفِي طه {بجُنُوده} فِي هود {وأمطرنا عَلَيْهَا} وَفِي الْحجر {عَلَيْهِم} فِي الْحجر {وَمَا يَأْتِيهم من رَسُول} وَفِي الزخرف {من نَبِي} فِي الْحجر {كَذَلِك نسلكه} وَفِي الشُّعَرَاء {سلكناه} فِي الْكَهْف {وَلَئِن رددت} وَفِي حم السَّجْدَة {وَلَئِن رجعت} فِي الْكَهْف {فَأَعْرض عَنْهَا} وَفِي السَّجْدَة {ثمَّ أعرض عَنْهَا} فِي طه {وسلك لكم فِيهَا سبلا} وَفِي الزخرف {وَجعل} فِي الْأَنْبِيَاء {وَأَرَادُوا بِهِ كيدا فجعلناهم الأخسرين} وَفِي الصافات {فأرادوا بِهِ كيدا فجعلناهم الأسفلين} فِي الْأَنْبِيَاء {وتقطعوا أَمرهم بَينهم} وَفِي الْمُؤْمِنُونَ {فتقطعوا} فِي النَّمْل {فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات} وَفِي الزمر {فَصعِقَ} فِي الْقَصَص {وَمَا أُوتِيتُمْ} وَفِي عسق {فَمَا أُوتِيتُمْ} فِي العنكبوت {وَلَقَد تركنَا مِنْهَا آيَة} وَفِي الْقَمَر {وَلَقَد تركناها آيَة} فِي حم السَّجْدَة {ثمَّ كَفرْتُمْ بِهِ} وَفِي الْأَحْقَاف {وكفرتم بِهِ} فِي المدثر {كلا إِنَّه تذكرة} وَفِي عبس {كلا إِنَّهَا تذكرة} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 فصل فِي الْحُرُوف الزَّوَائِد والنواقص فِي الْبَقَرَة {فَأتوا بِسُورَة من مثله} وَفِي يُونُس {بِسُورَة مثله} فِي الْبَقَرَة {إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر} وَفِي ص {إِلَّا إِبْلِيس استكبر} فِي الْبَقَرَة {فَمن تبع هُدَايَ} وَفِي طه {فَمن اتبع} فِي الْبَقَرَة {وَإِذ نجيناكم} وَفِي الْأَعْرَاف {وَإِذ أنجيناكم} فِي الْبَقَرَة {يذبحون أبناءكم} وَفِي ابراهيم {ويذبحون} فِي الْبَقَرَة {حَيْثُ شِئْتُم رغدا} وَفِي الْأَعْرَاف {حَيْثُ شِئْتُم} فِي الْبَقَرَة {وسنزيد الْمُحْسِنِينَ} وَفِي الْأَعْرَاف {سنزيد} فِي الْبَقَرَة {فبدل الَّذين ظلمُوا قولا} وَفِي الْأَعْرَاف {مِنْهُم قولا} فِي الْبَقَرَة {وَذي الْقُرْبَى} وَفِي النِّسَاء {وبذي الْقُرْبَى} فِي الْبَقَرَة {وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ} وَفِي آل عمرَان {والنبيون} فِي الْبَقَرَة {وَيكون الدّين لله} وَفِي الْأَنْفَال {كُله لله} فِي آل عمرَان {من آمن تَبْغُونَهَا عوجا} وَفِي الْأَعْرَاف {من آمن بِهِ وتبغونها} فِي آل عمرَان {إِلَّا بشرى لكم ولتطمئن} وَفِي الْأَنْفَال {إِلَّا بشرى ولتطمئن بِهِ} فِي سُورَة النِّسَاء {فَاحِشَة ومقتا وساء سَبِيلا} وَفِي بني اسرائيل {فَاحِشَة وساء سَبِيلا} فِي الْأَنْعَام {مَا لم ينزل بِهِ عَلَيْكُم سُلْطَانا} وَفِي بَاقِي الْقُرْآن {مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا} فِي الْأَنْعَام {وَلَا أَقُول لكم إِنِّي ملك} وَفِي هود {وَلَا أَقُول إِنِّي ملك} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فِي الْأَحْزَاب {يُرِيد أَن يخرجكم من أَرْضكُم} وَفِي الشُّعَرَاء {بسحره} فِي الْأَعْرَاف {وَإِنَّكُمْ لمن المقربين} وَفِي الشُّعَرَاء {وَإِنَّكُمْ إِذا} فِي الْأَعْرَاف {قَالَ ألقوا} وَفِي طه {قَالَ بل ألقوا} فِي الْأَعْرَاف {قَالَ ابْن أم} وَفِي طه {قَالَ يَا ابْن أم} فِي التَّوْبَة {وَلَا تضروه} وَفِي هود {وَلَا تضرونه} فِي هود {وَلما جَاءَت رسلنَا} وَفِي العنكبوت {وَلما أَن جَاءَت} فِي يُوسُف {وَلما بلغ أشده آتيناه حكما} وَفِي الْقَصَص {واستوى} فِي النَّحْل {لكَي لَا يعلم بعد علم شَيْئا} وَفِي الْحَج {من بعد علم} فِي النَّحْل {وبنعمة الله هم يكفرون} وَفِي العنكبوت {وبنعمة الله يكفرون} فِي النَّحْل {وَلَا تَكُ فِي ضيق مِمَّا يمكرون} وَفِي النَّمْل {وَلَا تكن} فِي الْحَج {كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم أعيدوا فِيهَا} وَفِي ألم السَّجْدَة {أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا} فِي الْحَج {وَأَن مَا يدعونَ من دونه هُوَ الْبَاطِل} وَفِي لُقْمَان {من دونه الْبَاطِل} فِي الشُّعَرَاء {مَا تَعْبدُونَ} وَفِي الصافات {مَاذَا تَعْبدُونَ} فِي النَّمْل {وَمن شكر} وَفِي لُقْمَان {وَمن يشْكر} فِي الْقَصَص {وَيقدر} وَفِي العنكبوت {وَيقدر لَهُ} فِي النازعات {يَوْم يتَذَكَّر الْإِنْسَان} وَفِي الْفجْر {يَوْمئِذٍ يتَذَكَّر} فصل فِي الْمُقدم والمؤخر فِي الْبَقَرَة {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة} وَفِي الْأَعْرَاف {وَقُولُوا حطة وادخلوا الْبَاب سجدا} فِي الْبَقَرَة {وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} وَفِي الْحَج {وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 فِي الْبَقَرَة والأنعام {قل إِن هدى الله هُوَ الْهدى} وَفِي آل عمرَان {قل إِن الْهدى هدى الله} فِي الْبَقَرَة {وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا} وَفِي الْحَج {شَهِيدا عَلَيْكُم} فِي الْبَقَرَة {وَمَا أهل بِهِ لغير الله} وَفِي بَاقِي الْقُرْآن {لغير الله بِهِ} فِي الْبَقَرَة {لَا يقدرُونَ على شَيْء مِمَّا كسبوا} وَفِي ابراهيم {مِمَّا كسبوا على شَيْء} فِي آل عمرَان {ولتطمئن قُلُوبكُمْ بِهِ} وَفِي الْأَنْفَال {بِهِ قُلُوبكُمْ} فِي سُورَة النِّسَاء {كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله} وَفِي الْمَائِدَة {كونُوا قوامين لله شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} فِي الْأَنْعَام {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ خَالق كل شَيْء} وَفِي حم الْمُؤمن {خَالق كل شَيْء لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} فِي الْأَنْعَام {نَحن نرزقكم وإياهم} وَفِي بني اسرائيل {نَحن نرزقهم وَإِيَّاكُم} فِي النَّحْل {وَترى الْفلك مواخر فِيهِ} وَفِي فاطر {فِيهِ مواخر} فِي بني اسرائيل {وَلَقَد صرفنَا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن} وَفِي الْكَهْف {فِي هَذَا الْقُرْآن للنَّاس} فِي بني اسرائيل {قل كفى بِاللَّه شَهِيدا بيني وَبَيْنكُم} وَفِي العنكبوت {بيني وَبَيْنكُم شَهِيدا} فِي الْمُؤْمِنُونَ {لقد وعدنا نَحن وآباؤنا هَذَا من قبل} وَفِي النَّمْل {لقد وعدنا هَذَا نَحن وآباؤنا} فِي الْقَصَص {وَجَاء رجل من أقْصَى الْمَدِينَة} وَفِي يس {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 أَبْوَاب منتخبة من الْوُجُوه والنظائر بَاب أَو تكون بِمَعْنى التخييرة ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة وَتَكون بِمَعْنى الْوَاو أَو الحوايا أَو مَا اخْتَلَط بِعظم وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا وَتَكون بِمَعْنى بل لَبِثت يَوْمًا أَو بعض يَوْم الا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى وَتَكون للإبهام أَو كصيب أَو يزِيدُونَ بَاب أدنى تكون بِمَعْنى اجدر وَأدنى أَلا ترتابوا ذَلِك ادنى أَلا تعولُوا ذَلِك أدنى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ وَتَكون بِمَعْنى أقرب من الْعَذَاب الْأَدْنَى قاب قوسين أَو أدنى وَتَكون بِمَعْنى أقل وَلَا أدنى من ذَلِك وَلَا أَكثر وَتَكون بِمَعْنى أدون أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بَاب الْإِنْزَال تكون بِمَعْنى الْحَط من علو ينزل الْغَيْث وَبِمَعْنى الْخلق أَرَأَيْتُم مَا أنزل الله لكم من رزق وَأنزل لكم من الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزوَاج وأنزلنا الْحَدِيد وَتَكون بِمَعْنى القَوْل سَأُنْزِلُ مثل مَا أنزل الله وَبِمَعْنى الْبسط وَلَكِن ينزل بِقدر مَا يَشَاء بَاب الأَرْض الأَرْض تذكر وَيُرَاد بهَا أَرض الْأُرْدُن وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وَيُرَاد بهَا الْقَبْر لَو تسوى بهم الأَرْض وَيُرَاد بهَا أَرض مَكَّة كُنَّا مستضعفين فِي الأَرْض وَيُرَاد بهَا أَرض الْمَدِينَة ألم تكن أَرض الله وَاسِعَة وَيُرَاد بهَا أَرض الْإِسْلَام ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا وَيُرَاد بهَا أَرض التيه يتيهون فِي الأَرْض وَيُرَاد بهَا الأرضون السَّبع وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض وَيُرَاد بهَا أَرض مصر اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض وَيُرَاد بهَا أَرض الْحجر فذروها تَأْكُل فِي أَرض الله وَيُرَاد بهَا الْقلب فيمكث فِي الأَرْض وَيُرَاد بهَا أَرض الغرب مفسدين فِي الأَرْض وَيُرَاد بهَا الْجنَّة إِن الأَرْض يَرِثهَا وَيُرَاد بهَا أَرض الرّوم فِي أدنى الأَرْض وَيُرَاد بهَا أَرض بني قُرَيْظَة وأورثكم أَرضهم وَيُرَاد بهَا أَرض فَارس وأرضا لم تطئوها وَيُرَاد بهَا أَرض الْقِيَامَة وأشرقت الأَرْض بَاب الْأَمر الْأَمر يذكر وَيُرَاد بِهِ قتل بني قُرَيْظَة وجلاء النَّضِير فاعفوا واصفحوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره وَيُرَاد بِهِ النَّصْر هَل لنا من الْأَمر من شئ وَيُرَاد بِهِ استدعاء الْفِعْل ويأمركم أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات وَيُرَاد بِهِ الخصب أَو أَمر من عِنْده وَيُرَاد بِهِ الذَّنب ليذوق وبال أمره وَيُرَاد بِهِ المشورة فَمَاذَا تأمرون وَيُرَاد بِهِ قتل كفار مَكَّة ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَيُرَاد بِهِ فتح مَكَّة فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره وَيُرَاد بِهِ الحذر قد أَخذنَا أمرنَا من قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وَيُرَاد بِهِ الْقَضَاء يدبر الْأَمر وَيُرَاد بِهِ القَوْل فَلَمَّا جَاءَ أمرنَا وَيُرَاد بِهِ الْغَرق لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله وَيُرَاد بِهِ الْعَذَاب وَقضي الْأَمر وَيُرَاد بِهِ الشَّأْن وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد وَيُرَاد بِهِ الْقِيَامَة أَتَى أَمر الله بَاب الْإِنْسَان الْإِنْسَان يذكر وَيُرَاد بِهِ أَبُو حُذَيْفَة بن عبد الله وَإِذا مس الْإِنْسَان الضّر وَيُرَاد بِهِ عتبَة بن ربيعَة وَلَئِن أذقنا الْإِنْسَان منا رَحْمَة وَيُرَاد بِهِ النَّضر بن الْحَارِث وَيَدْعُو الانسان بِالشَّرِّ وَيُرَاد بِهِ النَّضر بن الْحَارِث وَيَدْعُو الانسان بِالشَّرِّ وَيُرَاد بِهِ آدم وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة وَيُرَاد بِهِ سعد بن أبي وَقاص وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حَملته أمه وَهنا وَيُرَاد بِهِ عَيَّاش بن أبي ربيعَة وَوَصينَا الْإِنْسَان حسنا بِوَالِديهِ وَإِن جَاهَدَاك لتشرك وَيُرَاد بِهِ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ إحسانا حَملته أمه كرها وَيُرَاد بِهِ عقبَة بن أبي معيط وَكَانَ الشَّيْطَان للْإنْسَان خذولا وَيُرَاد بِهِ بَنو آدم وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان ونعلم وَيُرَاد بِهِ برصيصا إِذْ قَالَ للْإنْسَان اكفر وَيُرَاد بِهِ الْأَخْنَس بن شريق إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وَيُرَاد بِهِ عدي بن أبي ربيعَة أيحسب الْإِنْسَان أَن لن نجمع عِظَامه وَيُرَاد بِهِ أُميَّة بن خلف فَأَما الْإِنْسَان إِذا مَا ابتلاه وَيُرَاد بِهِ الْحَارِث بن عَمْرو لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي كبد وَيُرَاد بِهِ الْأسود بن عبد الْأسد يَا أَيهَا الْإِنْسَان إِنَّك كَادِح وَيُرَاد بِهِ كلدة بن أسيد يَا أَيهَا الْإِنْسَان مَا غَرَّك وَيُرَاد بِهِ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي أحسن تَقْوِيم وَيُرَاد بِهِ أَبُو طَالب بن عبد الْمطلب فَلْينْظر الْإِنْسَان مِم خلق وَيُرَاد بِهِ عتبَة بن أبي لَهب فَلْينْظر الْإِنْسَان إِلَى طَعَامه وَيُرَاد بِهِ قرط بن عبد الله إِن الْإِنْسَان لرَبه لكنود وَيُرَاد بِهِ أَبُو جهل إِن الْإِنْسَان ليطْغى وَيُرَاد بِهِ أَبُو لَهب إِن الْإِنْسَان لفي خسر وَيُرَاد بِهِ الْكَافِر وَقَالَ الْإِنْسَان مَا لَهَا بَاب الْبَاء الْبَاء وَتَكون بِمَعْنى وَإِذ فرقنا بكم الْبَحْر وَبِمَعْنى عِنْد والمستغفرين بالأسحار وَبِمَعْنى فِي بِيَدِك الْخَيْر وَبِمَعْنى بعد فأثابكم غما بغم وَبِمَعْنى على لَو تسوي بهم الأَرْض وَتَكون صلَة فامسحوا بوجوهكم وَبِمَعْنى المصاحبة وَقد دخلُوا بالْكفْر وهم قد خَرجُوا بِهِ وبمنى إِلَى مَا سبقكم بهَا وَبِمَعْنى السَّبَب الَّذِي هم بِهِ مشركون أَي من أَجله وَبِمَعْنى عَن فاسأل بِهِ خَبِيرا وَبِمَعْنى مَعَ فَتَوَلّى بركنه أَي مَعَ جنده وَبِمَعْنى من عينا يشرب بهَا عباد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 بَاب الْحق الْحق يَأْتِي بِمَعْنى الجرم وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق وَبِمَعْنى الْبَيَان الْآن جِئْت بِالْحَقِّ وَبِمَعْنى المَال وليملل الَّذِي عَلَيْهِ الْحق وَبِمَعْنى الْقُرْآن بل كذبُوا بِالْحَقِّ وَبِمَعْنى الصدْق قَوْله الْحق وَبِمَعْنى الْعدْل وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ وَبِمَعْنى الْإِسْلَام فيحق الْحق وَبِمَعْنى الْمُنجز وَعدا عَلَيْهِ حَقًا وَبِمَعْنى الْحَاجة مَا لنا فِي بناتك من حق وَبِمَعْنى لَا إِلَه إِلَّا الله لَهُ دَعْوَة الْحق وَيُرَاد بِهِ الله عز وَجل وَلَو اتبع الْحق أهوائهم وَبِمَعْنى التَّوْحِيد وَأَكْثَرهم للحق كَارِهُون وَبِمَعْنى الْحَظ وَالَّذين فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم بَاب الْخَيْر الْخَيْر يذكر وَيُرَاد بِهِ الْقُرْآن أَن ينزل عَلَيْكُم من خير من ربكُم وَيُرَاد بِهِ الأنفع نأت بِخَير مِنْهَا وَيُرَاد بِهِ المَال إِن ترك خيرا وَيُرَاد بِهِ ضد للشر بِيَدِك الْخَيْر وَيُرَاد بِهِ الْإِصْلَاح يدعونَ إِلَى الْخَيْر وَيُرَاد بِهِ الْوَلَد الصَّالح وَيجْعَل الله فِيهِ خيرا كثيرا وَيُرَاد بِهِ الْعَافِيَة وَإِن يمسسك بِخَير وَيكون بِمَعْنى النافع لاستكثرت من الْخَيْر وَبِمَعْنى الْإِيمَان وَلَو علم الله فيهم خيرا وَبِمَعْنى رخص الأسعار إِنِّي أَرَاكُم بِخَير وَبِمَعْنى النَّوَافِل وأوحينا إِلَيْهِم فعل الْخيرَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وَبِمَعْنى الْأجر لكم فِيهَا خير وَبِمَعْنى الْأَفْضَل وَأَنت خير الرَّاحِمِينَ وَبِمَعْنى الْعِفَّة ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا وَبِمَعْنى الصّلاح إِن علمْتُم فيهم خيرا وَبِمَعْنى الطَّعَام إِنِّي لما أنزلت إِلَى من خير فَقير وَبِمَعْنى الظفر لم ينالوا خيرا وَبِمَعْنى الْخَيل أَحْبَبْت حب الْخَيْر وَبِمَعْنى الْقُوَّة أهم خير وَبِمَعْنى حسن الْأَدَب لَكَانَ خيرا لَهُم وَبِمَعْنى حب الدُّنْيَا إِنَّه لحب الْخَيْر لشديد بَاب الدّين الدّين يذكر وَيُرَاد بِهِ الْجَزَاء مَالك يَوْم الدّين وَيُرَاد بِهِ الْإِسْلَام بِالْهدى وَدين الْحق وَيُرَاد بِهِ الْعَذَاب ذَلِك الدّين الْقيم وَيُرَاد بِهِ الطَّاعَة وَلَا يدينون دين الْحق وَيُرَاد بِهِ التَّوْحِيد مُخلصين لَهُ الدّين وَيُرَاد بِهِ الحكم مَا كَانَ ليَأْخُذ آخاه فِي دين الْملك وَيُرَاد بِهِ الْحَد وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله وَيُرَاد بِهِ الْحساب يَوْمئِذٍ يوفيهم الله دينهم الْحق وَيُرَاد بِهِ الْعِبَادَة قل أتعلمون الله بدينكم وَيُرَاد بِهِ الْملَّة: ذَلِك دين الْقيمَة بَاب الذّكر الذّكر يذكر وَيُرَاد بِهِ ذكر اللِّسَان فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم وَيُرَاد بِهِ الْحِفْظ فاذكروا مَا فِيهِ وَيُرَاد بِهِ الطَّاعَة فاذكروني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وَيُرَاد بِهِ الصَّلَوَات الْخمس فَإِذا أمنتم فاذكروا الله وَيُرَاد بِهِ ذكر الْقلب ذكرُوا الله فاستغفروا وَيُرَاد بِهِ الْبَيَان أَو عجبتم إِن جَاءَكُم ذكر وَيُرَاد بِهِ الْخَيْر قل سأتلو عَلَيْكُم مِنْهُ ذكرا وَيُرَاد بِهِ التَّوْحِيد وَمن أعرض عَن ذكري وَيُرَاد بِهِ الْقُرْآن مَا يَأْتِيهم من ذكر وَيُرَاد بِهِ الشّرف فِيهِ ذكركُمْ وَأَنه لذكر لَك وَيُرَاد بِهِ الْعَيْب أَهَذا الَّذِي يذكر آلِهَتكُم وَيُرَاد بِهِ صَلَاة الْعَصْر عَن ذكر رَبِّي وَيُرَاد بِهِ صَلَاة الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله بَاب الرّوح الرّوح يذكر وَيُرَاد بِهِ الْأَمر وروح مِنْهُ وَيُرَاد بِهِ جِبْرِيل فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا وَيُرَاد بِهِ الرّيح فنفخنا فِيهَا من رُوحنَا وَيُرَاد بِهِ روح الْحَيَوَان ويسألونك عَن الرّوح وَيُرَاد بِهِ الْحَيَاة فَروح وَرَيْحَان على قِرَاءَة من ضم بَاب الصلوة الصلوة تذكر وَيُرَاد بهَا الصَّلَوَات الْخمس يُقِيمُونَ الصلوة وَيُرَاد بهَا صَلَاة الْعَصْر تحبسونهما من بعد الصلوة وَيُرَاد بهَا صَلَاة الْجِنَازَة وَلَا تصل على أحد مِنْهُم وَيُرَاد بهَا الدُّعَاء وصل عَلَيْهِم وَيُرَاد بهَا الدّين اصلوتك تأمرك وَيُرَاد بهَا الْقِرَاءَة وَلَا تجْهر بصلاتك وَيُرَاد بهَا مَوضِع الصلوة وصلوات ومساجد وَيُرَاد بهَا الْمَغْفِرَة وَالِاسْتِغْفَار إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي فَصَلَاة الله تَعَالَى الْمَغْفِرَة وَصَلَاة الْمَلَائِكَة الاسْتِغْفَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وَيُرَاد بهَا الْجُمُعَة إِذا نُودي للصلوة بَاب عَن ترد صلَة يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال وَتَكون بِمَعْنى الْبَاء بتاركي آلِهَتنَا عَن قَوْلك وَبِمَعْنى من يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَبِمَعْنى على فَإِنَّمَا يبخل عَن نَفسه وَبِمَعْنى بعد لتركبن طبقًا عَن طبق بَاب الْفِتْنَة تذكر وَيُرَاد بهَا الشّرك حَتَّى لَا تكون فتْنَة وَيُرَاد بهَا الْقَتْل أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا وَيُرَاد بهَا المعذرة ثمَّ لم تكن فتنتهم وَيُرَاد بهَا الضلال وَمن يرد الله فتنته وَيُرَاد بهَا الْقَضَاء إِن هِيَ إِلَّا فتنتك وَيُرَاد بهَا الْإِثْم الا فِي الْفِتْنَة سقطوا وَيُرَاد بهَا الْمَرَض يفتنون فِي كل عَام وَيُرَاد بهَا الْعبْرَة تجعلنا فتْنَة وَيُرَاد بهَا الْعقُوبَة إِن تصيبهم فتْنَة وَيُرَاد بهَا الإختيار وَلَقَد فتنا الَّذين من قبلهم وَيُرَاد بهَا الْعَذَاب جعل فتْنَة النَّاس وَيُرَاد بهَا الاحراق يَوْم هم على النَّار يفتنون وَيُرَاد بهَا الْجُنُون بايكم المفتنون بَاب فِي تكون بِمَعْنى الظّرْف لَا ريب فِيهِ وَبِمَعْنى نَحْو قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء وَبِمَعْنى الْبَاء فِي ظلل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَبِمَعْنى إِلَى فتهاجروا فِيهَا وَبِمَعْنى مَعَ ادخُلُوا فِي أُمَم وَبِمَعْنى عِنْد وَإِنَّا لنراك فِينَا ضَعِيفا وَبِمَعْنى عَن أتجادلونني فِي أَسمَاء وَبِمَعْنى على فِي جُذُوع النّخل وَبِمَعْنى اللَّام وَجَاهدُوا فِي الله وَبِمَعْنى من يخرج الخبء فِي السَّمَوَات بَاب الْقرْيَة تذكر وَيُرَاد بهَا اريحاء ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة وَيُرَاد بهَا دير هِرقل مر على قَرْيَة وَيُرَاد بهَا ايليا واسألهم عَن الْقرْيَة وَيُرَاد بهَا مصر واسأل الْقرْيَة وَيُرَاد بهَا مَكَّة قَرْيَة كَانَت آمِنَة وَيُرَاد بهَا مَكَّة والطائف على رجل من القريتين عَظِيم وَيُرَاد بهَا جمع الْقرى وَإِن من قَرْيَة إِلَّا نَحن مهلكوها وَيُرَاد بهَا قَرْيَة لوط وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة وَيُرَاد بهَا انطاكيا وَاضْرِبْ لَهُم مثلا أَصْحَاب الْقرْيَة بَاب كَانَ ترد بِمَعْنى وجد وَمن كَانَ ذُو عسرة وَبِمَعْنى الْمَاضِي كَانَ حلا وَبِمَعْنى يَنْبَغِي مَا كَانَ لبشر وصلَة وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما وَبِمَعْنى هُوَ من كَانَ فِي المهد صَبيا وَبِمَعْنى صَار فَكَانَت هباء منبثا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 بَاب كلا هِيَ فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن أَحدهمَا بِمَعْنى لَا وَمِنْه فِي مَرْيَم {اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا كلا} {ليكونوا لَهُم عزا كلا} وَفِي الْمُؤمنِينَ {لعَلي أعمل صَالحا فِيمَا تركت كلا} وَفِي الشُّعَرَاء {فَأَخَاف أَن يقتلُون قَالَ كلا} {إِنَّا لمدركون قَالَ كلا} وَفِي سبأ {ألحقتم بِهِ شُرَكَاء كلا} وَفِي سَأَلَ سَائل {ثمَّ ينجيه كلا} {أَن يدْخل جنَّة نعيم كلا} وَفِي المدثر {أَن أَزِيد كلا} {أَن يُؤْتى صحفا منشرة كلا} وَفِي الْقِيَامَة {أَيْن المفر كلا} وَفِي المطففين {قَالَ أساطير الْأَوَّلين كلا} وَفِي الْفجْر {فَيَقُول رَبِّي أهانن كلا} وَفِي الْهمزَة {أخلده كلا} فَهَذِهِ أَرْبَعَة عشر موضعا يحسن الْوُقُوف عَلَيْهَا وَالثَّانِي بِمَعْنى حَقًا وَمِنْه فِي المدثر {كلا وَالْقَمَر} {كلا إِنَّه تذكرة} وَفِي الْقِيَامَة {كلا بل تحبون العاجلة} {كلا إِذا بلغت التراقي} وَفِي النبأ {كلا سيعلمون ثمَّ كلا سيعلمون} وَفِي عبس {كلا إِنَّهَا تذكرة} {كلا لما يقْض مَا أمره} وَفِي الإنفطار {كلا بل تكذبون بِالدّينِ} وَفِي المطففين {كلا إِن كتاب الْفجار} {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم} {كلا إِن كتاب الْأَبْرَار} وَفِي الْفجْر {كلا إِذا دكت الأَرْض دكا} وَفِي الْقَلَم {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى} {كلا لَئِن لم ينْتَه} {كلا لَا تطعه} وَفِي التكاثر {كلا سَوف تعلمُونَ ثمَّ كلا سَوف تعلمُونَ كلا لَو تعلمُونَ} فَهَذِهِ تِسْعَة عشر موضعا لَا يحسن الْوَقْف عَلَيْهَا وَجُمْلَة مَا فِي الْقُرْآن ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ موضعا هِيَ هَذِه وَلَيْسَ فِي النّصْف الأول مِنْهَا شئ وَقَالَ ثَعْلَب لَا يُوقف على كلا فِي جمع الْقُرْآن بَاب اللَّام اللَّام فِي الْقُرْآن على ضَرْبَيْنِ مَكْسُورَة ومفتوحة فالمفتوحة ترد بِمَعْنى التوكيد إِن ابراهيم لحليم وَبِمَعْنى الْقسم ليَقُولن مَا يحْبسهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وزائدة ردف لكم والمكسورة ترد بِمَعْنى الْملك لله مَا فِي السَّمَوَات وَبِمَعْنى ان ليطلعكم على الْغَيْب وَبِمَعْنى إِلَى هدَانَا لهَذَا وَبِمَعْنى كي ليجزي الَّذين آمنُوا وَبِمَعْنى على دَعَانَا لجنبه وصلَة ان كُنْتُم للرؤيا تعبرون وَبِمَعْنى عِنْد وخشعت الْأَصْوَات للرحمن وَبِمَعْنى الْأَمر لِيَسْتَأْذِنكُم وَبِمَعْنى الْعَاقِبَة ليَكُون لَهُم عدوا وَبِمَعْنى فِي لأوّل الْحَشْر وَبِمَعْنى السَّبَب وَالْعلَّة إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله بَاب لَوْلَا وَهِي فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن أحداهما امْتنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره وَهُوَ ثَلَاثُونَ موضعا فِي الْبَقَرَة {فلولا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته} {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس} وَفِي سُورَة النِّسَاء {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم} {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْك} وَفِي الْأَنْفَال {لَوْلَا كتاب من الله سبق} وَفِي يُونُس وَهود وطه وحم السَّجْدَة وعسق {وَلَوْلَا كلمة سبقت} وَفِي يُوسُف {وَلَوْلَا دفع الله} وَفِي النُّور {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته وَأَن الله تواب حَكِيم} {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته وَأَن الله رؤوف رَحِيم} {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكا} وَفِي الْفرْقَان {لَوْلَا أَن صَبرنَا عَلَيْهَا} {لَوْلَا دعاؤكم} وَفِي الْقَصَص {لَوْلَا أَن ربطنا} {وَلَوْلَا أَن تصيبهم مُصِيبَة} {لَوْلَا أَن من الله علينا} وَفِي العنكبوت {وَلَوْلَا أجل مُسَمّى} وَفِي سبأ {لَوْلَا أَنْتُم} وَفِي الصافات {وَلَوْلَا نعْمَة رَبِّي} {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} وَفِي عسق {وَلَوْلَا كلمة الْفَصْل} وَفِي الزخرف {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس} وَفِي الْفَتْح {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وَفِي الْحَشْر {وَلَوْلَا أَن كتب الله عَلَيْهِم الْجلاء} وَفِي ن {لَوْلَا أَن تَدَارُكه} وَالْوَجْه الثَّانِي بِمَعْنى هلا وَهُوَ أَرْبَعُونَ موضعا فِي الْبَقَرَة {لَوْلَا يُكَلِّمنَا الله} وَفِي النِّسَاء {لَوْلَا أخرتنا} وَفِي الْمَائِدَة {لَوْلَا ينهاهم الربانيون} وَفِي الْأَنْعَام {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَة} {فلولا إِذْ جَاءَهُم بأسنا} وَفِي الْأَعْرَاف {لَوْلَا اجتبيتها} وَفِي يُونُس {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَة من ربه} {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت} وَفِي هود {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ كنز} {فلولا كَانَ من الْقُرُون} وَفِي الرَّعْد {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَة من ربه} وَفِي الْكَهْف {لَوْلَا يأْتونَ عَلَيْهِم} و {لَوْلَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا} وَفِي النُّور {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ} وَفِي الْفرْقَان {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} {لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة} {لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة} وَفِي النَّمْل {لَوْلَا تستغفرون الله} وَفِي الْقَصَص {لَوْلَا أرْسلت} {لَوْلَا أُوتِيَ} وَفِي العنكبوت {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَات من ربه} وَفِي سَجْدَة الْمُؤمن {لَوْلَا فصلت آيَاته} وَفِي الزخرف {لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن} {فلولا ألقِي عَلَيْهِ أسورة} وَفِي الْأَحْقَاف {فلولا نَصرهم الَّذين اتَّخذُوا} وَفِي سُورَة مُحَمَّد {لَوْلَا نزلت سُورَة} وَفِي الْوَاقِعَة {فلولا تصدقُونَ} {فلولا تذكرُونَ} {فلولا تشكرون} {فلولا إِذا بلغت الْحُلْقُوم} {فلولا إِن كُنْتُم} وَفِي المجادلة {لَوْلَا يعذبنا الله} وَفِي الْمُنَافِقين {لَوْلَا أخرتني} وَفِي ن {لَوْلَا تسبحون} بَاب من تكون صلَة من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ وَبِمَعْنى التَّبْعِيض من طَيّبَات مَا كسبتم وَبِمَعْنى عَن فتحسسوا من يُوسُف وَبِمَعْنى الْبَاء يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله ولبيان الْجِنْس من أساور وَبِمَعْنى على ونصرناه من الْقَوْم وَبِمَعْنى فِي مَاذَا خلقُوا من الأَرْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 بَاب الْوَاو قَالَ ابْن فَارس لَا تكون الْوَاو زَائِدَة أَولا وَقد تزاد ثَانِيَة نَحْو كوثر وثالثة نَحْو جدول ورابعة نَحْو قرنوة وَهُوَ نبت يدبغ بِهِ الْأَدِيم وخامسة نَحْو قمحدوة وَالْوَاو فِي الْقُرْآن تكون بِمَعْنى إِذْ وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم وَبِمَعْنى الْجمع وَأَيْدِيكُمْ وَبِمَعْنى الْقسم وَالله رَبنَا وَتَكون مضمرة لتحملهم قلت الْمَعْنى آتوك وَقلت وصلَة {إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم} وَبِمَعْنى الْعَطف أَو أباؤنا بَاب الْهدى يكون بِمَعْنى الثَّبَات اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَبِمَعْنى الْبَيَان على هدى من رَبهم وَبِمَعْنى الرَّسُول فَأَما يَأْتينكُمْ مني هدى وَبِمَعْنى السّنة فبهداهم اقتده وَبِمَعْنى الْإِصْلَاح لَا يهدي كيد الخائنين وَبِمَعْنى الدُّعَاء وَلكُل قوم هاد وَبِمَعْنى الْقُرْآن إِذْ جَاءَهُم الْهدى وَبِمَعْنى الْإِيمَان وزدناهم هدى وَبِمَعْنى الإلهام ثمَّ هدى وَبِمَعْنى التَّوْحِيد أَن نتبع الْهدى وَبِمَعْنى التَّوْرَاة وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْهدى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الْبَاب الثَّانِي فصل فِي تصريف اللُّغَة وموافقة الْقُرْآن لَهَا لما كَانَت اللُّغَة تَنْقَسِم قسمَيْنِ أَحدهمَا الظَّاهِر الَّذِي لَا يخفى على سامعيه وَلَا يحْتَمل غير ظَاهره وَالثَّانِي الْمُشْتَمل على الْكِنَايَات والإشارات والتجوزات وَكَانَ هَذَا الْقسم هُوَ المستحلى عِنْد الْعَرَب نزل الْقُرْآن بالقسمين ليتَحَقَّق عجزهم عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عارضوه بِأَيّ الْقسمَيْنِ شِئْتُم وَلَو نزل كُله وَاضحا لقالوا هلا نزل بالقسم المستحلى عندنَا وَمَتى وَقع فِي الْكَلَام اشارة أَو كِنَايَة أَو اسْتِعَارَة أَو تَعْرِيض أَو تَشْبِيه كَانَ أحلى وَأحسن قَالَ امْرُؤ الْقَيْس (وَمَا ذرفت عَيْنَاك إِلَّا لتقدحي ... بسهميك فِي أعشار قلب مقتل) فَشبه المنظر بِالسَّهْمِ فحلى هَذَا عِنْد السَّامع وَقَالَ أَيْضا (فَقلت لَهُ لما تخطى يجوزه ... وَأَرْدَفَ اعجازا وناء بكلكل) فَجعل اللَّيْل صلبا وصدرا على جِهَة التَّشْبِيه وَقَالَ الآخر (من كميت أجادها طابخاها ... لم تمت كل مَوتهَا فِي الْقُدُور) أَرَادَ بالطابخين اللَّيْل وَالنَّهَار فَنزل الْقُرْآن على عَادَة الْعَرَب فِي كَلَامهم فَمن عَادَتهم التَّجَوُّز وَفِي الْقُرْآن فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ يُرِيد أَن ينْقض وَمن عاداتهم الْكِنَايَة وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وابتغاء الْفضل بِالنَّهَارِ وَمثله {وتعزروه وتوقروه وتسبحوه} فالتعزيز والتوقير للرسول وَالتَّسْبِيح لله عز وَجل وَقد يكنون عَن شَيْء وَلم يجر لَهُ ذكر حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب وَقد يصلونَ الْكِنَايَة بالشَّيْء وَهِي لغيره وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مكين وَمن عاداتهم الِاسْتِعَارَة فِي كل وَاد يهيمون فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض وَمن عاداتهم الْحَذف الْحَج أشهر مَعْلُومَات وَاضْرِبْ بعصاك الْبَحْر فانفلق واسأل الْقرْيَة وَمن عاداتهم زِيَادَة الْكَلِمَة فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق وَيزِيدُونَ الْحَرْف تنْبت بالدهن ويقدمون ويؤخرون وَلم يَجْعَل لَهُ عوجا قيمًا ويذكرون عَاما ويريدون بِهِ الْخَاص الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس يُرِيد نعيم بن مَسْعُود وخاصا يُرِيدُونَ بِهِ الْعَام يَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله وواحدا يُرِيدُونَ بِهِ الْجمع هَؤُلَاءِ ضيفى ثمَّ يخرجكم طفْلا وجمعا يُرِيدُونَ بِهِ الْوَاحِد أَن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم نعذب طَائِفَة وينسبون الْفِعْل إِلَى اثْنَيْنِ وَهُوَ لاحدهما نسيا حوتهما يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ وينسبون الْفِعْل إِلَى أحد اثْنَيْنِ وَهُوَ لَهما وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه انْفَضُّوا إِلَيْهَا وينسبون الْفِعْل إِلَى جمَاعَة وَهُوَ لوَاحِد وَإِذ قتلتم نفسا ويأتون بِالْفِعْلِ بِلَفْظ الْمَاضِي وَهُوَ مُسْتَقْبل أَتَى أَمر الله ويأتون بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل وَهُوَ مَاض فَلم تقتلون أَنْبيَاء الله ويأتون بِلَفْظ فَاعل فِي معنى مفعول لَا عَاصِم الْيَوْم من مَاء دافق فِي عيشة راضية ويأتون بِلَفْظ مفعول بِمَعْنى فَاعل وَكَانَ وعده مأتيا حِجَابا مَسْتُورا يَا مُوسَى مسحورا ويضمرون الْأَشْيَاء وَمَا منا الاله مقَام مَعْلُوم أَي من لَهُ ويضمرون الْأَفْعَال فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا أَي فضربوه ويضمرون الْحُرُوف سنعيدها سيرتها وَمن عاداتهم تَكْرِير الْكَلَام وَفِي الْقُرْآن فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ وَقد يُرِيدُونَ تَكْرِير الْكَلِمَة ويكرهون إِعَادَة اللَّفْظ فيغيرون بعض الْحُرُوف وَذَلِكَ يُسمى الِاتِّبَاع فَيَقُولُونَ اسوان اتوان أَي حَزِين وَشَيْء تافه نافه وانه لثقف لقف وجايع نايع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وَجل وبل وحياك الله وبياك وحقير نقير وَعين جدرة بدرة أَي عَظِيمَة ونضر مُضر وسمج لمج وسيغ ليغ وشكس لكس وَشَيْطَان ليطان وترقوا شذر مذر وشغر بغر وَيَوْم عك لَك إِذا كَانَ حارا وعطشان نطشان وعفريت نفريت وَكثير بثير وكزلز وَكن أَن وحار جَار يار وقبيح لقيح شقيح وثقة تقة نقة وَهُوَ أشق أمق حبق للطويل وَحسن بسن قسن وَفعلت ذَلِك على رغمه ودغمه وشغمه ومررت بهم أَجْمَعِينَ اكتعين أبصعين فصل وَقد تَأتي بِكَلِمَة إِلَى جَانب كلمة كَأَنَّهَا مَعهَا وَهِي غير مُتَّصِلَة بهَا فِي الْقُرْآن يُرِيد أَن يخرجكم من أَرْضكُم هَذَا قَول الملا فَقَالَ فِرْعَوْن فَمَاذَا تأمرون وَمثله أَنا راودته عَن نَفسه وَإنَّهُ لمن الصَّادِقين فَقَالَ يُوسُف ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ وَمثله إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة انْتهى قَول بلقيس فَقَالَ الله عز وَجل وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ وَمثله من بعثنَا من مرقدنا انْتهى قَول الْكفَّار فَقَالَت الْمَلَائِكَة هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ فصل وَقد تجمع الْعَرَب شَيْئَيْنِ فِي كَلَام فَيرد كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى مَا يَلِيق بِهِ وَفِي الْقُرْآن {حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين آمنُوا مَعَه مَتى نصر الله أَلا إِن نصر الله قريب} وَالْمعْنَى يَقُول الْمُؤْمِنُونَ مَتى نصر الله فَيَقُول الرَّسُول إِلَّا إِن نصر الله قريب وَمثله {وَمن رَحمته جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار لتسكنوا فِيهِ ولتبتغوا من فَضله} فالسكون بِاللَّيْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فصل وَقد يحْتَاج بعض الْكَلَام إِلَى بَيَان فيبينونه مُتَّصِلا بالْكلَام تَارَة ومنفصلا أُخْرَى وَجَاء الْقُرْآن على ذَلِك فَمن الْمُتَّصِل بَيَانه يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم قل أحل لكم الطَّيِّبَات وَأما الْمُنْفَصِل فَتَارَة يكون فِي السُّورَة كَقَوْلِه فِي بَرَاءَة {قد نبأنا الله من أخباركم} بَيَانه فِيهَا عِنْد قَوْله {لَو خَرجُوا فِيكُم مَا زادوكم إِلَّا خبالا} وَتارَة يكون فِي غير السُّورَة كَقَوْلِه فِي الْبَقَرَة {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} بَيَانه فِي الْمَائِدَة {لَئِن أقمتم الصَّلَاة وَآتَيْتُم الزَّكَاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ} وَفِي سُورَة النِّسَاء {يخادعون الله وَهُوَ خادعهم} بَيَانه فِي الْحَدِيد {قيل ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا} وَفِي الْأَعْرَاف {وشهدوا على أنفسهم أَنهم كَانُوا كَافِرين} بَيَانه فِي تبَارك {قد جَاءَنَا نَذِير فكذبنا} وَفِي الْأَعْرَاف {أُولَئِكَ ينالهم نصِيبهم من الْكتاب} بَيَان النَّصِيب فِي الزمر {وَيَوْم الْقِيَامَة ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة} وَفِي الْأَعْرَاف {وتمت كلمة رَبك الْحسنى على بني إِسْرَائِيل بِمَا صَبَرُوا} بَيَانهَا فِي الْقَصَص {ونريد أَن نمن} وَفِي بَرَاءَة {إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه} بَيَانهَا فِي مَرْيَم {سأستغفر لَك رَبِّي} وَفِي يُونُس {وتذكيري بآيَات الله} بَيَانهَا فِي نوح {ألم تروا كَيفَ خلق الله سبع سماوات طباقا} وَفِي يُونُس {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} وَبَيَانه فِي حم السَّجْدَة {تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة أَلا تخافوا وَلَا تحزنوا} وَفِي ابراهيم {أولم تَكُونُوا أقسمتم من قبل مَا لكم من زَوَال} بَيَانه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 النَّحْل {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت بلَى} وَفِي ابراهيم {وَتبين لكم كَيفَ فعلنَا بهم} بَيَانه فِي العنكبوت {فَمنهمْ من أرسلنَا عَلَيْهِ حاصبا وَمِنْهُم من أَخَذته الصَّيْحَة} وَفِي النَّحْل {وعَلى الَّذين هادوا حرمنا مَا قَصَصنَا عَلَيْك من قبل} بَيَانه فِي الْأَنْعَام {حرمنا كل ذِي ظفر} وَفِي بني اسرائيل {ويدع الْإِنْسَان بِالشَّرِّ} بَيَانه فِي الْأَنْفَال {فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء} وَفِي بني اسرائيل {لأحتنكن ذُريَّته إِلَّا قَلِيلا} بَيَانه فِي الْحجر {إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} وَفِي مَرْيَم {ألم تَرَ أَنا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين} بَيَانه فِي بني اسرائيل {واستفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم} وَفِي طه {فقولا لَهُ قولا لينًا} بَيَانه فِي النازعات {هَل لَك إِلَى أَن تزكّى} وَفِي طه {وَلم ترقب قولي} بَيَانه فِي الْأَعْرَاف {اخلفني فِي قومِي} وَفِي النَّمْل {فَإِذا هم فريقان يختصمون} بَيَان خصومتهم فِي الْأَعْرَاف {أَن صَالحا مُرْسل من ربه} وَفِي الْأَحْزَاب {هَذَا مَا وعدنا الله وَرَسُوله} بَيَان الْوَعْد فِي آل عمرَان {أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم} وَفِي الصافات {وَلَقَد نادانا نوح} بَيَانه فِي الْقَمَر {أَنِّي مغلوب فانتصر} وَفِي الصافات {فَحق علينا قَول رَبنَا} بَيَانه فِي ص {لأملأن جَهَنَّم} وَفِي الصافات {وَلَقَد سبقت كلمتنا} بَيَانه فِي المجادلة {لأغلبن أَنا ورسلي} وَفِي الْمُؤمن {أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} بَيَانه فِي الْبَقَرَة {وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ} وَفِي الْمُؤمن {يَوْم التناد} بَيَانه فِي الْأَعْرَاف {ونادى أَصْحَاب الْجنَّة} {ونادى أَصْحَاب النَّار} وَفِي المجادلة {فَيحلفُونَ لَهُ كَمَا يحلفُونَ لكم} بَيَانه فِي الْأَنْعَام {وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} وَفِي ن {إِذْ نَادَى وَهُوَ مكظوم} بَيَانه فِي الْأَنْبِيَاء {أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت} فصل وَقد تذكر الْعَرَب جَوَاب الْكَلَام مُقَارنًا لَهُ وَقد تذكره بَعيدا عَنهُ وعَلى هَذَا ورد الْقُرْآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 فَأَما الْمُقَارن من الْجَواب فَقَوله {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس} {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} وَأما الْبعيد فَتَارَة يكون فِي السُّورَة كَقَوْلِه فِي الْفرْقَان {مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق} جَوَابه فِيهَا {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا إِنَّهُم ليأكلون الطَّعَام ويمشون فِي الْأَسْوَاق} وَتارَة يكون فِي غير السُّورَة كَقَوْلِه تَعَالَى فِي الْأَنْفَال {لَو نشَاء لقلنا مثل هَذَا} جَوَابه فِي بني اسرائيل {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ} فِي الرَّعْد {وَيَقُول الَّذين كفرُوا لست مُرْسلا} جَوَابه فِي يس {إِنَّك لمن الْمُرْسلين} فِي الْحجر {إِنَّك لمَجْنُون} جَوَابه فِي ن {مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون} فِي بني اسرائيل {أَو تسْقط السَّمَاء كَمَا زعمت علينا كسفا} جَوَابه فِي سبأ {إِن نَشأ نخسف بهم الأَرْض أَو نسقط عَلَيْهِم كسفا من السَّمَاء} فِي الْفرْقَان {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن} جَوَابه الرَّحْمَن علم الْقُرْآن فِي ص {واصبروا على آلِهَتكُم} جَوَابه فِي حم السَّجْدَة {فَإِن يصبروا فَالنَّار مثوى لَهُم} فِي الْمُؤمن {وَمَا أهديكم إِلَّا سَبِيل الرشاد} جَوَابه فِي هود {وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد} فِي الزخرف {لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} جَوَابه فِي الْقَصَص {وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة} فِي الدُّخان {رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب} جَوَابه فِي الْمُؤمنِينَ {وَلَو رحمناهم وكشفنا مَا بهم من ضرّ} فِي الْقَمَر {أم يَقُولُونَ نَحن جَمِيع منتصر} جَوَابه فِي الصافات {مَا لكم لَا تناصرون} فِي الطّور {أم يَقُولُونَ تَقوله} جَوَابه فِي الحاقة {وَلَو تَقول علينا بعض الْأَقَاوِيل} فصل وَاعْلَم أَن لُغَة الْعَرَب وَاسِعَة وَلَهُم التَّصَرُّف الْكثير فتراهم يتصرفون فِي اللَّفْظَة الْوَاحِدَة بالحركات فيجعلون لكل حَرَكَة معنى كالحمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَالْحمل وَالروح وَالروح وَتارَة باعجام كالنضح والنضخ والقبضة والبقصة والمضمضة والمصمصة وَتارَة يقلبون حرفا من كلمة وَلَا يتَغَيَّر عِنْدهم مَعْنَاهَا كَقَوْلِهِم صَاعِقَة وصاقعة وجبذ وجذب وَمَا أطيبه وأيطبه وربض ورضب وانبض فِي الْقوس وانضب ولعمري ورعملي واضمحل وامضحل وعميق ومعيق وَسبب وبسبس ولبكت الشَّيْء وبلكته وأسير مكلب ومكبل وسحاب مكفهر ومكرهف وناقة ضمرز وضرزم إِذا كَانَت مُسِنَّة وَطَرِيق طامس وطاسم قفا الْأَثر وقاف الْأَثر وقاع الْبَعِير النَّاقة وقعاها وقوس عطل وعلط لَا وتر عَلَيْهَا وحارية قتين وقنيت قَليلَة الدّرّ وشرخ الشَّبَاب وشخره أَوله وَلحم خنز وخزن وعاث يعيث وعثى يعثى إِذا أفسد وتنح عَن لقم الطَّرِيق ولمق الطَّرِيق وبطيخ وطبيخ وَمَاء سلسال ولسلاس ومسلسل وملساس إِذا كَانَ صافيا ودقم فَاه بِالْحجرِ دمقه إِذا ضربه وفثأت الْقدر وثفأتها إِذا سكنت غليانها وكبكبت الشَّيْء وبكبكته إِذا طرحت بعضه على بعض فصل وَمن سَعَة اللُّغَة وَحسن تصرفها أَن الْعَرَب تضع للشَّيْء الْوَاحِد أَسمَاء من غير تغير يَعْتَرِيه فَيَقُولُونَ السَّيْف والمهند والصارم ويغيرون الِاسْم بِتَغَيُّر يعتري فَيَقُولُونَ لمن نزل بالركي يمْلَأ الدَّلْو مايح وللمستقي من أَعْلَاهَا ماتح فالتاء الْمُعْجَمَة من فَوق لمن فَوق وَالْيَاء الْمُعْجَمَة من تَحت لمن تَحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وتضع الْعَرَب للشَّيْء الْوَاحِد أَسمَاء تخْتَلف باخْتلَاف محاله فَيَقُولُونَ لمن انحسر الشّعْر من جَانِبي جَبهته انْزعْ فَإِذا زَاد قَلِيلا قَالُوا اجلح فَإِذا بلغ الانحسار نصف رَأسه قَالُوا اجلى وأجله فَإِذا زَاد قَالُوا أصلع فَإِذا ذهب الشّعْر كُله قَالُوا أحص والصلع عِنْدهم ذهَاب الشّعْر والقرع ذهَاب الْبشرَة وَيَقُولُونَ شفة الْإِنْسَان ويسمونها من ذَوَات الْخُف المشفر وَمن ذَوَات الظلْف المقمة وَمن ذَوَات الْحَافِر الحجفلة وَمن السبَاع الخطم وَمن ذَوَات الْجنَاح غير الصايد المنقار وَمن الصايد المنسر وَمن الْخِنْزِير الفنطسة وَيَقُولُونَ صدر الْإِنْسَان ويسمونه من الْبَعِير الكركرة وَمن الْأسد الزُّور وَمن الشاه القص وَمن الطَّائِر الجؤجؤ وَمن الجرادة الجوشن والثدي للْمَرْأَة وللرجل ثندؤة وَهُوَ من ذَوَات الْخُف الْخلف وَمن ذَوَات الظلْف الضَّرع وَمن ذَوَات الْحَافِر وَالسِّبَاع الطبي وَالظفر للْإنْسَان وَهُوَ من ذَوَات الْخُف المنسم وَمن ذَوَات الظلْف الظلْف وَمن ذَوَات الْحَافِر الْحَافِر وَمن السبَاع والصائد من الطير المخلب وَمن الطير غير الصَّائِد وَالْكلاب وَنَحْوهَا البرثن وَيجوز البرثن فِي السبَاع كلهَا والمعدة للْإنْسَان بِمَنْزِلَة الكرش للأنعام والحوصلة للطائر فصل وتفرق الْعَرَب فِي الشَّهَوَات فَيَقُولُونَ جَائِع فِي الْخبز قرم إِلَى اللَّحْم عطشان إِلَى المَاء عيمان إِلَى اللَّبن قرد إِلَى التَّمْر جعم إِلَى الْفَاكِهَة شبق إِلَى النِّكَاح وَيَقُولُونَ الْبيض للطائر والمكن للضباب والمازن للنمل والسرو للجراد والصؤاب للقمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ويفرقون فِي الْمنَازل فَإِن كَانَ من مدر قَالُوا بَيت وَإِن كَانَ من وبر قَالُوا بجاد وَإِن كَانَ من صوف قَالُوا خباء وَإِن كَانَ من الشّعْر قَالُوا فسطاط وَإِن كَانَ من غزل قَالُوا خيمة وَإِن كَانَ من جُلُود قَالُوا فشع ويفرقون فِي الأوطان فَيَقُولُونَ وَطن الْإِنْسَان وعطن الْبَعِير وعرين الْأسد ووجار الذِّئْب والضبع وكناس الظبي وعش الطَّائِر وقرية النَّمْل وكور الزنابير ونافقاء اليربوع وَيَقُولُونَ لما يَضَعهُ الطَّائِر على الشّجر وكر فَإِن كَانَ على جبل أَو جِدَار فَهُوَ وَكن وَإِذا كَانَ فِي كن فَهُوَ عش وَإِذا كَانَ على وَجه الأَرْض فَهُوَ افحوص والأدحى للنعام خَاصَّة وَيَقُولُونَ عدا الْإِنْسَان واحضر الْفرس وارقل الْبَعِير وَعسل الذِّئْب ومزع الظبي وزف النعام وَيَقُولُونَ طفر الْإِنْسَان وضبر الْفرس ووثب الْبَعِير وقفز العصفور وطمر البرغوث ويفرقون فِي أَسمَاء الْأَوْلَاد فَيَقُولُونَ لولد كل سبع جرو ولولد كل ذِي ريش فرخ ولولد كل وحشية طِفْل ولولد الْفرس مهر وفلو ولولد الْحمار جحش وعفو ولولد الْبَقَرَة عجل ولولد الْأسد شبْل ولولد الظبية خشف ولولد الْفِيل دَغْفَل ولولد النَّاقة حوار ولولد الثَّعْلَب هجرس ولولد الضَّب حسل ولولد الأرنب خرنق ولولد النعام رأل ولولد الدب ديسم ولولد الْخِنْزِير خنوص ولولد اليربوع والفأرة درص ولولد الْحَيَّة حريش ويفرقون فِي الضَّرْب فَيَقُولُونَ للضرب بِالرَّاحِ على مقدم الرَّأْس صقع وعَلى الْقَفَا صفع وعَلى الْوَجْه صك وعَلى الخد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ببسط الْكَفّ لطم وبقبضها لكم وبكلتا الْيَدَيْنِ لدم وعَلى الذقن والحنك وهز وعَلى الْجنب وخز وعَلى الصَّدْر والبطن بالكف وكز وبالركبة زبن وَبِالرجلِ ركل وكل ضَارب بمؤخره من الحشرات كلهَا كالعقارب تلسع وكل ضَارب مِنْهَا بِفِيهِ يلْدغ ويفرقون فِي الْكَشْف عَن الشَّيْء من الْبدن فَيَقُولُونَ حسر عَن رَأسه وسفر عَن وَجهه وافتر عَن نابه وكشر عَن أَسْنَانه وَأبْدى عَن ذِرَاعَيْهِ وكشف عَن سَاقيه وهتك عَن عَوْرَته ويفرقون فِي الْجَمَاعَات فَيَقُولُونَ موكب من الفرسان وكبكبة من الرِّجَال وجوقة من الغلمان ولمة من النِّسَاء ورعيل من الْخَيل وصرمة من الْإِبِل وقطيع من الْغنم وسرب من الظباء وعرجلة من السبَاع وعصابة من الطير وَرجل من الْجَرَاد وخشرم من النَّحْل ويفرقون فِي الامتلاء فَيَقُولُونَ بَحر طام ونهر طافح وَعين ثرة وإناء مفعم ومجلس غاص بأَهْله ويفرقون فِي اسْم الشَّيْء اللين فَيَقُولُونَ ثوب لين ورمح لدن وَلحم رخص وريح رخاء وفراش وثير وَأَرْض دمثة ويفرقون فِي تغير الطَّعَام وَغَيره فَيَقُولُونَ أروح اللَّحْم وأسن المَاء وخنز الطَّعَام وسنخ السّمن وزنخ الدّهن وقنم الْجَوْز ودخن الشَّرَاب وصدى الْحَدِيد ونغل الْأَدِيم وَيَقُولُونَ يَدي من اللَّحْم غمرة وَمن الشَّحْم زهمة وَمن الْبيض زهكة وَمن الْحَدِيد سهكة وَمن السّمك صمرة وَمن اللَّبن والزبد شترة وَمن الثَّرِيد مرّة وَمن الزَّيْت قنمه وَمن الدّهن زنخة وَمن الْخلّ خمطة وَمن الْعَمَل لزقة وَمن الْفَاكِهَة لزجة وَمن الزَّعْفَرَان ردغة وَمن الطين ودغة وَمن الْعَجِين ودخة وَمن الطّيب عبقة وَمن الدَّم ضرجة وسطلة وسلطة وَمن الوحل لثقة وَمن المَاء بللة وَمن الحمأة ثئطة وَمن الْبرد صردة وَمن الأشنان قضضة وَمن المداد وَجدّة وَمن البزر والنفط نمشة ونثمة وَمن الْبَوْل قتمة وَمن الْعذرَة طفسة وَمن الْوَسخ درنة وَمن الْعَمَل مجلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ويفرقون فِي الْوَسخ فَإِذا كَانَ فِي الْعين قَالُوا رمص فَإِذا جف قَالُوا غمص فَإِذا كَانَ فِي الْأَسْنَان قَالُوا حفر فَإِذا كَانَ فِي الْأذن فَهُوَ اف وَإِذا كَانَ فِي الْأَظْفَار فَهُوَ تف وَإِذا كَانَ فِي الرَّأْس قَالُوا حزاز وَهُوَ فِي بَاقِي الْبدن درن وَيَقُولُونَ فِي الرِّيَاح فَإِذا وَقعت الرّيح بَين ريحين فَهِيَ نكباء فَإِذا وَقعت بَين الْجنُوب وَالصبَا فَهِيَ الجربياء فَإِذا هبت من جِهَات مُخْتَلفَة فَهِيَ المتناوحة فَإِذا جَاءَت بِنَفس ضَعِيف فَهِيَ النسيم فَإِذا كَانَت شَدِيدَة فَهِيَ العاصف فَإِذا قويت حَتَّى قلعت الْخيام فَهِيَ الهجوم فَإِذا حركت الْأَشْجَار تحريكا شَدِيدا وقلعتها فَهِيَ الزعزع فَإِذا جَاءَت بالحصباء فَهِيَ الحاصب فَإِذا هبت من الأَرْض كالعمود نَحْو السَّمَاء فَهِيَ الإعصار فاذا جَاءَت بالغبرة فَهِيَ الهبوة فَإِذا كَانَت بَارِدَة فَهِيَ الحرجف والصرصر فَإِذا كَانَ مَعَ بردهَا ندى فَهِيَ البليل فَإِذا كَانَت حارة فَهِيَ السمُوم فَإذْ لم تلقح وَلم تحمل مَطَرا فَهِيَ الْعَقِيم ويفرقون فِي الْمَطَر فأوله رش ثمَّ طش ثمَّ طل ورذاذ ثمَّ نضخ ثمَّ هضل وتهتان ثمَّ وابل وجود فَإِذا أحيى الأَرْض بعد مَوتهَا فَهِيَ الْحيَاء فَإِذا جَاءَ عقيب الْمحل أَو عِنْد الْحَاجة فَهُوَ الْغَيْث وَإِن كَانَ صغَار الْقطر فَهُوَ القطقط فَإِذا دَامَ مَعَ سُكُون فَهُوَ الديمة فَإِذا كَانَ عَاما فَهُوَ الجداء وَإِذا روى كل شَيْء فَهُوَ الْجُود فَإِذا كَانَ كثير الْقطر فَهُوَ الهطل والتهتان فَإِذا كَانَ ضخم الْقطر شَدِيد الوقع فَهُوَ الوبل وَيَقُولُونَ هجهجت بالسبع وشايعت بِالْإِبِلِ ونعقت بالغنم وسأسأت بالحمار وهأهأت بِالْإِبِلِ إِذا دعوتها للعلف وجأجأت بهَا إِذا دعوتها للشُّرْب واشليت الْكَلْب دَعوته وأسدته أَرْسلتهُ ويفرقون فِي الْأَصْوَات فَيَقُولُونَ رغا الْبَعِير وجرجر وهدر وقبقب واطت النَّاقة وصهل الْفرس وحمحم ونهم الْفِيل ونهق الْحمار وسحل وشحج الْبَغْل وخارت الْبَقَرَة وجأرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وثاجت النعجة وثغت الشاه ويعرت وبغم الظبي ونزب ووعوع الذِّئْب وضبح الثَّعْلَب وضغت الأرنب وعوى الْكَلْب ونبح وصأت السنونو وضأت الْفَأْرَة وفحت الأفعى ونعق الْغُرَاب ونعب وزقا الديك وسقع وصفر النسْر وهدر الْحمام وهدل وغرد المكاء وقبع الْخِنْزِير ونقت الْعَقْرَب وَانْقَضَت الضفادع ونقت أَيْضا وعزفت الْجِنّ فصل وَتقول الْعَرَب فِي الْأَمر وَهن وَفِي الثَّوْب وهى وَفِي الْحساب غلت وَفِي غَيره غلط وَمن الطَّعَام بشم وَمن المَاء بغر وحلا الشَّيْء فِي فمي وحلى فِي عَيْني فصل الْمُرَاهق من الغلمان بِمَنْزِلَة المعصر من الْجَوَارِي والحزور من الصّبيان بِمَنْزِلَة الكاعب والكهل من الرِّجَال بِمَنْزِلَة النّصْف من النِّسَاء والقارح من الْخَيل بِمَنْزِلَة البازل من الْإِبِل والعجل من الْبَقر والشادن من الظباء كالناهض من الْفِرَاخ وَالْبكْر من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الْفَتى والقلوص بِمَنْزِلَة الْجَارِيَة والجمل بِمَنْزِلَة الرجل والناقة بِمَنْزِلَة الْمَرْأَة وَالْبَعِير بِمَنْزِلَة الْإِنْسَان والغرز للجمل كالركاب للْفرس والغدة للبعير كالطاعون للْإنْسَان والهالة من الْقَمَر كالدارة من الشَّمْس والبصيرة فِي الْقلب كالبصر فِي الْعين والأسباط فِي بني اسحق كالقبائل فِي بني إِسْمَاعِيل وأرداف الْمُلُوك فِي الْجَاهِلِيَّة كالوزراء فِي الْإِسْلَام والأقيال لحمير كالبطارق للروم والقواد للْعَرَب فصل وللعرب خَاص وعام فالبغض عَام والفرك بَين الزَّوْجَيْنِ خَاص وَالنَّظَر إِلَى الْأَشْيَاء عَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 والشيم إِلَى الْبَرْق خَاص الصُّرَاخ عَام والواعية على الْمَيِّت خَاص الذَّنب للحيوان والبهائم عَام والذنابي للْفرس خَاص السّير عَام وَالسري بِاللَّيْلِ خَاص الْهَرَب عَام والأباق للعبيد خَاص الرَّائِحَة عَام والقتار للشواء خَاص فصل وَمن جملَة الْمُسلم للْعَرَب أَنهم لَا يَقُولُونَ مائدة إِلَّا إِذا كَانَ عَلَيْهَا طَعَام وَإِلَّا فَهِيَ خوان وَلَا للعظم عرق إِلَّا مَا دَامَ عَلَيْهِ لحم وَلَا كأس إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ شراب وَإِلَّا فَهِيَ زجاجة وَلَا كوز إِلَّا اذا كَانَت لَهُ عُرْوَة وَإِلَّا فَهُوَ كوب وَلَا رضاب إِلَّا إِذا كَانَ فِي الْفَم وَإِلَّا فَهُوَ بصاق وَلَا أريكة الا للسرير اذا كَانَ عَلَيْهِ قبَّة فان لم يكن عَلَيْهِ قبَّة فَهُوَ سَرِير وَلَا ربطة إِلَّا إِذا كَانَت لفقتين وَإِلَّا فَهِيَ ملاءة وَلَا خدر إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ امْرَأَة وَإِلَّا فَهُوَ ستر وَلَا للْمَرْأَة ظَعِينَة إِلَّا إِذا كَانَت فِي الهودج وَلَا قلم إِلَّا إِذا كَانَ مبريا وَإِلَّا فَهُوَ أنبوب وَلَا عهن إِلَّا إِذا كَانَ مصبوغا وَإِلَّا فَهُوَ صوف وَلَا وقود إِلَّا إِذا اتقدت فِيهِ النَّار وَإِلَّا فَهُوَ حطب وَلَا ركية إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ مَاء وَإِلَّا فَهِيَ بِئْر وَلَا للابل رأوية إِلَّا مَا دَامَ عَلَيْهَا المَاء وَلَا للدلو سجل إِلَّا مَا دَامَ فِيهَا المَاء وَلَا ذنُوب إِلَّا مَا دَامَت ملأى وَلَا نفق إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ منفذ وَإِلَّا فَهُوَ سرب وَلَا لسرير نعش إِلَّا مَا دَامَ عَلَيْهِ الْمَيِّت وَلَا للخاتم خَاتم إِلَّا إِذا كَانَ عَلَيْهِ فص وَلَا رمح إِلَّا إِذا كَانَ لَهُ زوج وَسنَان وَإِلَّا فَهُوَ أنبوب وقناة وَلَا لطيعة إِلَّا لِلْإِبِلِ الَّتِي تحمل الطّيب والبز خَاصَّة وَلَا حمولة إِلَّا للَّتِي تحمل الْأَمْتِعَة خَاصَّة وَلَا بَدَنَة إِلَّا للَّتِي تجْعَل للنحر وَلَا ركب إِلَّا لركبان الْإِبِل وَلَا هضبة إِلَّا إِذا كَانَت حَمْرَاء وَلَا يُقَال غيث إِلَّا إِذا جَاءَ فِي أبانه وَإِلَّا فَهُوَ مطر وَلَا يُقَال عش حَتَّى يكون عيدانا مَجْمُوعَة فَإِذا كَانَ نقبا فِي جبل أَو حَائِط فَهُوَ وكر ووكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الْبَاب الثَّالِث فِي عُلُوم الحَدِيث فصل فِي ذكر نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر نسبه هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي ابْن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر ابْن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان بن اد بن ادد بن زيد بن يقدر بن يقدم بن الهميسع بن النبت ابْن قيذار بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن تارخ بن ناحور بن سارغ بن ارغوة ابْن فالغ بن عَابِر بن شالخ بن ارفخشد بن سَام بن نوح بن لمك بن متوشلخ ابْن اخنوخ بن يزدْ بن مهلايل بن قينان بن أنوش بن شيت بن آدم وَأمه آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب ذكر أَسْمَائِهِ هُوَ مُحَمَّد وَأحمد والماحي والحاشر وَالْعَاقِب والمقفي وَنَبِي الرَّحْمَة وَنَبِي التَّوْبَة وَنَبِي الْمَلَاحِم وَالشَّاهِد والبشير والنذير والضحوك والقتال والمتوكل والفاتح والخاتم والمصطفى وَالرَّسُول وَالنَّبِيّ والأمي والقثم فالعاقب آخر الْأَنْبِيَاء والمقفي تبع الْأَنْبِيَاء والضحوك صفته فِي التَّوْرَاة لِأَنَّهُ كَانَ طيب النَّفس فكها والقثم من القثم وَهُوَ الْإِعْطَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ذكر عمومته الْحَارِث وَالزُّبَيْر وَأَبُو طَالب وَحَمْزَة وَأَبُو لَهب والغيداق والمقوم وَضِرَار وَالْعَبَّاس وَقثم وحجل واسْمه الْمُغيرَة ذكر عماته أم حَكِيم وَهِي الْبَيْضَاء وبرة وعاتكة وَصفِيَّة واروى وَأُمَيْمَة وَأسْلمت صَفِيَّة وَاخْتلف فِي عَاتِكَة وأروى وَأُمَيْمَة ذكر أَزوَاجه تزوج خَدِيجَة ثمَّ سَوْدَة ثمَّ عَائِشَة ثمَّ حَفْصَة ثمَّ أم سَلمَة ثمَّ جوَيْرِية ثمَّ زَيْنَب بنت حجش ثمَّ زَيْنَب بنت خُزَيْمَة ثمَّ أم حَبِيبَة ثمَّ صَفِيَّة ثمَّ مَيْمُونَة فَمَاتَتْ خَدِيجَة وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة فِي حَيَاته وَتوفى عَن التسع البواق ذكر أَوْلَاده الْقَاسِم وَعبد الله وَهُوَ الطّيب والطاهر وَإِبْرَاهِيم وَفَاطِمَة وَزَيْنَب ورقية وَأم كُلْثُوم ذكر موَالِيه أسلم ويكنى أَبَا رَافع أَبُو رَافع آخر وَالِد الْبَهِي أَحْمَر آنسة أُسَامَة أَفْلح ثَوْبَان ذكْوَان رَافع رَبَاح زيد بن حَارِثَة سلمَان سَالم سليم سَابق سعيد شقران واسْمه صَالح ضميرَة عبيد الله عبيد فضَالة كيسَان مهْرَان وَهُوَ سفينة وَقيل اسْمه سفينة وَقيل رُومَان وَقيل عبس مدعم نَافِع نفيع وَهُوَ أَبُو بكر بنيه وَاقد وردان هِشَام يسَار أَبُو اثيلة أَبُو الْحَمْرَاء أَبُو ضميرَة أَبُو عبيد أَبُو مويهبة أَبُو وَاقد أَبُو لبَابَة أَبُو لَقِيط أَبُو هِنْد سَابُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ذكر مؤذنيه بِلَال وَسعد وَابْن أم مَكْتُوم وَأَبُو مَحْذُورَة ذكر كِتَابه أَبُو بكر عمر عُثْمَان عَليّ أبي زيد مُعَاوِيَة حَنْظَلَة خَالِد بن سعد ابان بن سعيد الْعلَا بن الْحَضْرَمِيّ وَكَانَ المداوم على الْكِتَابَة زيد وَمُعَاوِيَة ذكر نقباء الْأَنْصَار أسعد بن زُرَارَة أسيد بن خضير الْبَراء بن معْرور رَافع بن مَالك سعد ابْن خَيْثَمَة سعد بن الرّبيع عبد الله بن رَوَاحَة عبد الله ابْن عَمْرو بن حزَام عبَادَة بن الصَّامِت سعد بن عبَادَة الْمُنْذر بن عَمْرو أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان ونقب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النُّقَبَاء اسعدا تَسْمِيَة من جمع الْقُرْآن حفظا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَان بن عَفَّان أبي معَاذ بن جبل أَبُو الدَّرْدَاء زيد بن ثَابت أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ قَالَ ابْن سِيرِين وَتَمِيم الدَّارِيّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وَعبادَة بن الصَّامِت وَأَبُو أَيُّوب تَسْمِيَة من كَانَ يُفْتى على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبوبكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَابْن مَسْعُود وَأبي ومعاذ وعمار وَحُذَيْفَة وَزيد بن ثَابت وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو مُوسَى وسلمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 تَسْمِيَة من تَأَخّر مَوته من الصَّحَابَة آخر من مَاتَ من أهل الْعقبَة جَابر بن عبد الله بن عَمْرو وَمن أهل بدر أَبُو الْيُسْر وَمن الْمُهَاجِرين سعد ابْن أبي وَقاص وَهُوَ آخر الْعشْرَة موتا وَآخر من مَاتَ بِمَكَّة من الصَّحَابَة ابْن عمر وبالمدينة سهل بن سعد بن معَاذ وبالكوفة عبد الله بن أبي اوفى وبالبصرة انس بن مَالك وبمصر عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء وبالشام عبد الله بن يسر وبخراسان بُرَيْدَة وَآخر الناظرين إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موتا أَبُو الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة تَسْمِيَة فُقَهَاء الْمَدِينَة السَّبْعَة سعيد بن الْمسيب وَالْقسم وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن وخارجة وَعبيد الله بن عبد الله وَعُرْوَة وَسليمَان بن يسَار منتخب من ذكر الْأَوَائِل أول من خلق الله الْقَلَم أول جبل وضع فِي الأَرْض أَبُو قبيس أول مَسْجِد وضع فِي الأَرْض الْمَسْجِد الْحَرَام أول ولد آدم قابيل أول من خطّ وخاط ادريس أول من اختن وضاف إِبْرَاهِيم أول من ركب الْخَيل وَتكلم بِالْعَرَبِيَّةِ اسماعيل أول من عمل الْقَرَاطِيس يُوسُف أول من سرد الدروع وَقَالَ أما بعد دَاوُد أول من صبغ بِالسَّوَادِ فِرْعَوْن أول من دخل الْحمام وَعمل الصابون سُلَيْمَان أول من طبخ الْآجر هامان فصل أول من سيب السوايب عَمْرو بن لحي أول من سنّ الدِّيَة مائَة من الْإِبِل عبد الْمطلب أول من قطع فِي السّرقَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَقضى بالقسامة وخلع نَعْلَيْه عِنْد دُخُول الْكَعْبَة الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أول من قضى فِي الْخُنْثَى من حَيْثُ يَبُول عَامر بن الظرب أول عَرَبِيّ قسم الذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ عَامر بن جشم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 فصل أول مَا نزل من الْقُرْآن {اقْرَأ باسم رَبك} أول آيَة نزلت فِي الْقِتَال {أذن للَّذين يُقَاتلُون} أول من أسلم من الرِّجَال أَبُو بكر وَمن الصّبيان عَليّ وَمن الموَالِي زيد وَمن النِّسَاء خَدِيجَة وَمن الْأَنْصَار جَابر بن عبد الله بن ربَاب أول من هَاجر إِلَى الْحَبَشَة حَاطِب بن عَمْرو وَإِلَى الْمَدِينَة مُصعب بن عميرَة وَمن النِّسَاء أم كُلْثُوم بنت عتبَة أول من بَايع لَيْلَة الْعقبَة أسعد بن زُرَارَة أول من بَايع بيعَة الرضْوَان أَبُو سِنَان الْأَسدي أول من أذن بِلَال أول من بنى مَسْجِدا فِي الْإِسْلَام عمار أول من سل سَيْفا فِي الْإِسْلَام الزبير أول من عدا بِهِ فرسه فِي سَبِيل الله عبد الله بن جحش وَهُوَ أول من دَعَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أول شَهِيد فِي الْإِسْلَام سميَّة فصل أول ظِهَار كَانَ فِي الْإِسْلَام ظِهَار أَوْس بن الصَّامِت من المجادلة أول خلع كَانَ فِي الْإِسْلَام خلع حَبِيبَة بنت سهل بن ثَابت بن قيس أول لعان كَانَ فِي الْإِسْلَام لعان هِلَال بن أُميَّة مَعَ زَوجته أول مرجوم كَانَ فِي الْإِسْلَام مَاعِز أول من سنّ الصَّلَاة عِنْد الْقَتْل خبيب أول من أوصى بِثلث مَاله الْبَراء ابْن معْرور أول من دفن بِالبَقِيعِ عُثْمَان ابْن مَظْعُون فصل أول من جمع الْقُرْآن أَبُو بكر أول من قصّ تَمِيم أول من وضع النَّحْو أَبُو الْأسود أول من نقط الْمُصحف يحيى بن يعمر فصل أول مَا يرفع من النَّاس الْخُشُوع أول مَا تَفْقِدُونَ من دينكُمْ الْأَمَانَة أول الْآيَات طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا أول من تَنْشَق عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الأَرْض نَبينَا وَهُوَ أول من يقرع بَاب الْجنَّة وَأول شَافِع وَأول مُشَفع أول من يكسي إِبْرَاهِيم أول مَا يُحَاسب العَبْد بِهِ الصلوة أول أمة تدخل الْجنَّة أمة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منتخب فِي ذكر المنسوبين إِلَى غير آبَائِهِم فَمن المنسوبين إِلَى أمهاتهم بِلَال بن حمامة وَاسم أَبِيه رَبَاح ابْن أم مَكْتُوم وَاسم أَبِيه عَمْرو بشير ابْن الخصاصية وَاسم أَبِيه معبد الْحَارِث ابْن البرصاء وَاسم أَبِيه مَالك حفاف ابْن ندبة وَاسم أَبِيه عُمَيْر سعد ابْن جنبة وَاسم أَبِيه بحير شُرَحْبِيل ابْن حَسَنَة وَاسم أَبِيه عبد الله عبد الله ابْن بُحَيْنَة وَاسم أَبِيه مَالك مَالك ابْن نميلَة وَاسم أَبِيه ثَابت معَاذ ومعوذ ابْنا عفراء وَاسم أَبِيهِمَا الْحَارِث يعلى ابْن سيابة وَاسم أَبِيه مرّة يعلى ابْن منيه وَاسم أَبِيه أُميَّة وَهَؤُلَاء كلهم صحابة وَمن الْعلمَاء بعدهمْ إِسْمَاعِيل ابْن علية وَاسم أَبِيه إِبْرَاهِيم مَنْصُور ابْن صَفِيَّة وَاسم أَبِيه عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد ابْن عَائِشَة وَاسم أَبِيه حَفْص إِبْرَاهِيم بن اهراسة وَاسم أَبِيه سَلمَة مُحَمَّد ابْن عَثْمَة وَاسم أَبِيه خَالِد فصل فِي ذكر أَسمَاء تساوى فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء فَمن ذَلِك مَا تساوى فِيهِ الِاسْم وَالنّسب أُميَّة بن أبي الصَّلْت قَالَ فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَاد أُميَّة يسلم أُميَّة بنت أبي الصَّلْت روى حَدِيثهَا ابْن اسحاق أُميَّة بن عبد الله حدث عَن ابْن عمر أُميَّة بنت عبد الله تروي عَن عَائِشَة عمَارَة بن حَمْزَة من ولد عِكْرِمَة عمَارَة بنت حَمْزَة وَهِي الَّتِي اخْتصم فِيهَا عَليّ وجعفر وَزيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فضَالة بن الْفضل حدث عَن أبي بكر بن عَيَّاش فضَالة بنت الْفضل روى عَنْهَا عبد الرَّحْمَن بن جبلة طَلْحَة بن أبي سعيد الْمصْرِيّ روى عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد طَلْحَة بنت أبي سعيد روى عَنْهَا ابْن أبي جبلة أَيْضا هِنْد بن الْمُهلب روى عَنهُ مُحَمَّد بن الزبْرِقَان هِنْد بنت الْمُهلب حدثت عَن أَبِيهَا هبة بن أَحْمد شَيخنَا هبة بنت أَحْمد حدثت عَن أَحْمد بن مَحْمُود فصل وَمن ذَلِك مَا يتشابه فِي الْخط ويتباين فِي اللَّفْظ مَعَ تَسَاوِي اسْم الْأَب بسرة بنت صَفْوَان صحابية يسرة بن صَفْوَان حدث عَن إِبْرَاهِيم ابْن سعد حَمْزَة بن عبد الله جمَاعَة جَمْرَة بنت عبد الله صحابية خَيْثَمَة بن عبد الرَّحْمَن روى عَن ابْن عمر حنتمة بنت عبد الرَّحْمَن أُخْت أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن الْفَقِيه فصل وَمن الْأَسْمَاء الَّتِي تساوى فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء دون أنسابهم اسْما ابْن حَارِثَة واسما بن ربَاب صحابيان أَسمَاء بنت أبي بكر واسما بنت عُمَيْس صحابيتان بركَة أم يمن مولاة رَسُول الله بركَة أم عطا ابْن أبي رَبَاح وَمن الرِّجَال بركَة بن الْوَلِيد روى عَن ابْن عَبَّاس وبركة بن نشيط روى عَن عُثْمَان ابْن أبي شيبَة بُرَيْدَة بن الْحصيب صَحَابِيّ بُرَيْدَة بنت بشر صحابية جوَيْرِية بن مسْهر يروي عَن عَليّ جوَيْرِية بن بشير يروي عَن الْحسن جوَيْرِية بن أَسمَاء عَن نَافِع جوَيْرِية بن الْحجَّاج شَاعِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وَمن النِّسَاء جوَيْرِية أم الْمُؤمنِينَ جوَيْرِية بنت زِيَاد جوَيْرِية بنت عَلْقَمَة حميضة بن رقيم صَحَابِيّ حميضة ابْن الشمردل تَابِعِيّ حميضة بن قيس شَاعِر وَمن النِّسَاء حميضة بنت يَاسر حميضة بنت أبي كثير الربَاب بنت الْبَراء بن معْرور الربَاب بنت كَعْب أم حُذَيْفَة الربَاب بنت النُّعْمَان عمَّة سعد بن معَاذ الربَاب زَوْجَة الْحُسَيْن بن عَليّ وَفِي الرِّجَال تَابِعِيّ يُقَال لَهُ ربَاب سمع من ابْن عَبَّاس زيد فِي الرِّجَال كثير وَزيد بنت مَالك بن عميت عصيمة حَلِيف للْأَنْصَار من بني أَسد عصيمة حَلِيف لَهُم من أَشْجَع كِلَاهُمَا شَهدا بَدْرًا وَمن النِّسَاء عصيمة بنت حبار عصيمة بنت أبي الْأَفْلَح مبايعتان علية بن زيد صَحَابِيّ وَمن النِّسَاء علية بنت شُرَيْح أم السايب ابْن أُخْت نمر وَعَلِيهِ بنت الْمهْدي عميرَة بن يثربي قَاضِي الْبَصْرَة لعمر بن الْخطاب عميرَة بن سعد يروي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عميرَة بن زِيَاد عَن ابْن مَسْعُود وَمن النِّسَاء عميرَة بنت سهل عميرَة بنت ظهير عميرَة بنت ثَابت صحابيات فصل وَمِمَّا يَقع الْإِشْكَال فِيهِ اسحاق الْأَزْرَق واسحاق ابْن الْأَزْرَق فَالْأول مصري روى عَنهُ اللَّيْث بن سعد وَالثَّانِي يروي عَن الثَّوْريّ عَيَّاش ابْن الْأَزْرَق وعباس الْأَزْرَق فَالْأول بالشين الْمُعْجَمَة روى عَنهُ جَعْفَر الْفِرْيَانِيُّ وَالثَّانِي بِالسِّين الْمُهْملَة روى عَنهُ حَمَّاد هَاشم ابْن الْبَرِيد وهَاشِم الْبَرِيد فَالْأول كُوفِي حدث عَن أبي اسحاق السبيعِي وَالثَّانِي بَصرِي روى عَنهُ عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 منتخب من الْأَسْمَاء المفردة أَحْمد بن عجيان أَثَال أثان أرطيان أسفع أيقع أفلت أكيل أخيل بحبح يسمين بلهط بلج بيحرة ثهلان جاحل جيب جحدل خنفر خرباق ديسم رعيان زنيح ركيح زبيد سرق سياك شبيب شُتَيْر شنيف شويس شييم صحار صمصم ضريك طَيْسَلَة عتريس عذافر عَرْزَب عرعره عسعس عباق فصافص فنج قحذم قريع كركره كهدل لبي لبطه لمازه مراجم مشرح معقس مِقْلَاص مليل هلقام المنقع منجل ياسم نَبْتَل نسطاس نوسجان وقدان هبيب هجنع هداج هرماس هصان ينحس يعفر هيطان منتخب من مشتبه الْأَسْمَاء أَحْمد كثير أَحْمد بن عجيان شهد فتح مصر أنس كثير واتش جد مُحَمَّد بن الْحسن بن اتش الصَّنْعَانِيّ بسر كثير وَبسر ابْن أبي أَرْطَاة صَحَابِيّ وَنشر هُوَ مُحَمَّد بن نشر الْكُوفِي روى عَن ابْن الْحَنَفِيَّة وَيسر أَبُو الْيُسْر صَحَابِيّ وَيسر ابْن أنس مُتَأَخّر ونسر جد يحيى ابْن أبي بكير قَاضِي كرمان بَيَان كثير وبنان بن مُحَمَّد الزَّاهِد وبنان بن يَعْقُوب وبتان هُوَ سعيد بن بتان الْأَيْلِي يزِيد كثير وبريد بن اصرم يروي عَن عَليّ وتزيد بن جشم فِي نسب الْأَنْصَار وبرند هُوَ عرْعرة بن البرند حَمَّاد كثير وَحَمَّاد بن أَيُّوب روى عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان جرير كثير وَجَرِير هُوَ عبد الله بن جرير وحريز بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 عُثْمَان وحرير أم الْحَرِير تروي عَن طَلْحَة بن مَالك وجريز بن صَدَقَة الجريز يروي عَن شُعْبَة جماز هُوَ الْهَيْثَم بن جماز وحبِيب بن حماز ونعيم بن خمار وعياض بن حمَار وحماز يروي عَن ابْن مَسْعُود خباب صَحَابِيّ وجباب بن الْمُنْذر صَحَابِيّ وجناب بن الخشخاش يروي عَن أبي كلدة وجباب بن صَالح وحتات بن يحيى خبيب كثير حبيب صَحَابِيّ وخبيب صَحَابِيّ وجبيب ابْن النُّعْمَان بن يحيى وجبيب أَخُو حَمْزَة الزيات خُنَيْس بن حذافة صَحَابِيّ وهب بن حنبش صَحَابِيّ حُبَيْش ابْن خلد صَحَابِيّ حبيس بن عايد مصري نعيم كثير يغنم بن سَالم يروي عَن أنس فصل من مشتبه النِّسْبَة الْحسن الْبَصْرِيّ طَلْحَة بن عَمْرو النصري الْحُسَيْن بن الْحسن النضري سُفْيَان الثَّوْريّ مُحَمَّد بن الصَّلْت التوزي مُحَمَّد بن عَمْرو البوري أَبُو الْحُسَيْن النوري أَبُو بكر الْخياط فطر بن خَليفَة الحتاط مُسلم الخباط وَقد جمع مُسلم هَذِه الصِّفَات الثَّلَاث الخزاز جمَاعَة وَعبد الله ابْن عون الخراز وَعِيسَى بن يُونُس الحزاز وَيحيى ابْن الجزاز أَبُو عمر الشَّيْبَانِيّ أَيُّوب بن سُوَيْد السيباني الْفضل بن مُوسَى السينَانِي فرقد السبخي سُلَيْمَان بن معبد السنجي أَبُو بكر السبحي بدر الشيحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 عَامر الشّعبِيّ مُعَاوِيَة بن حَفْص الشّعبِيّ زَكَرِيَّا بن عِيسَى الشغبي حُذَيْفَة بن الْيَمَان الْعَبْسِي عمار بن يَاسر الْعَنسِي صعق بن حزن العيسي وَتَقَع النِّسْبَة فِي الْمُحدثين إِلَى هَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة قَالَ الْحسن ابْن سُفْيَان النسوي كلما ورد فِي الحَدِيث عبسي فَهُوَ كُوفِي وعنسي فَهُوَ بَصرِي وَعِيسَى فَهُوَ مصري إِبْرَاهِيم بن يزِيد الخوزي مُحَمَّد بن يزِيد الْحَوْزِيِّ مُحَمَّد بن يزْدَاد الْجُورِي عبد الرَّحْمَن بن عَليّ الْجَوْزِيّ بَيَان أَحَادِيث أهمل فِيهَا تَبْيِين الْأَسْمَاء المشتبهة حَدِيث روى أَبُو قلَابَة عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله تَعَالَى وضع عَن الْمُسَافِر شطر الصلوة وَعَن الْحَامِل والمرضع يَعْنِي الصّيام أنس هَذَا هُوَ ابْن مَالك الْقشيرِي أَحَادِيث روى عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ فِي كل صَلَاة قِرَاءَة فَمَا أسمعنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسمعناكم وَمَا أخْفى علينا أخفينا عَلَيْكُم وروى عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لايجتمع حب هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة إِلَّا فِي قلب مُؤمن أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وروى عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وروى عَطاء عَن ابي هُرَيْرَة إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي إقرأ باسم رَبك وروى عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مضى ثلث اللَّيْل يَقُول الله الا دَاع يُجَاب عَطاء الأول هُوَ بن أبي رَبَاح وَالثَّانِي الْخُرَاسَانِي وَالثَّالِث بن يسَار وَالرَّابِع ابْن ميناء وَالْخَامِس مولى أم صبية أَحَادِيث رَوَت عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَت لَو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى مَا أحدث النِّسَاء بعده لمنعهن الْمَسْجِد كَمَا منع نسَاء بني اسرائيل وروت عمْرَة أَنَّهَا دخلت مَعَ أمهَا على عَائِشَة فسألتها مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الْفِرَار من الطَّاعُون قَالَت سمعته يَقُول كالفرار من الزَّحْف وروت عمْرَة قَالَت خرجت مَعَ عَائِشَة سنة قتل عُثْمَان إِلَى مَكَّة فمررنا بِالْمَدِينَةِ ورأينا الْمُصحف الَّذِي قتل وَهُوَ فِي حجره فَكَانَت أول قَطْرَة قطرت على هَذِه الْآيَة فَسَيَكْفِيكَهُم الله قَالَت عمْرَة فَمَا مَاتَ مِنْهُم رجل سويا وروت عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنْهِي عَن الْوِصَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 عمْرَة الأولى هِيَ بنت عبد الرَّحْمَن الْأَنْصَارِيَّة وَالثَّانيَِة بنت قيس العدوية وَالثَّالِثَة بنت أَرْطَاة وَالرَّابِعَة يُقَال لَهَا الطاخية أَحَادِيث روى حَمَّاد عَن ثَابت عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع فِي النّخل صَوتا فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ يوبرون النّخل فَذكر الحَدِيث وروى حَمَّاد عَن ثَابت عَن أنس قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عبد الرَّحْمَن صفرَة فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ تزوجت قَالَ أولم روى حَمَّاد عَن ثَابت عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل أمتِي مثل الْمَطَر حَمَّاد الأول ابْن سَلمَة وَالثَّانِي ابْن زيد وَالثَّالِث الْأَبَح وَاعْلَم أَن مثل هَذِه الْأَسْمَاء المشتبهة إِذا لم يُصَرح فِي الحَدِيث ببيانها لم يفرق بَينهَا إِلَّا النَّاقِد المجود وَفِي الْفرق بَينهَا فَائِدَة عَظِيمَة وَهِي أَن بعض الروَاة ثِقَة ومشبهه فِي الِاسْم يكون ضَعِيفا فيطلب الْفرق لذَلِك مِثَاله أَن يروي قَتَادَة عَن عِكْرِمَة وَهُوَ يروي عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وَذَاكَ ثِقَة وَعَن عِكْرِمَة بن خَالِد وَهُوَ ضَعِيف وَكَذَا قَول وَكِيع حَدثنَا النَّضر عَن عِكْرِمَة وَهُوَ يروي عَن النَّضر بن عَرَبِيّ وَهُوَ ثِقَة وَعَن النَّضر بن عبد الرَّحْمَن وَهُوَ ضَعِيف وَمثله قَول حَفْص بن غياث بن أَشْعَث عَن الْحسن وَهُوَ يروي عَن أَشْعَث بن عبد الْملك وَهُوَ ثِقَة وَعَن أَشْعَث بن سوار وَهُوَ ضَعِيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 منتخب من الْمُتَّفق والمفترق أنس بن مَالك خَمْسَة اثْنَان من الصَّحَابَة أَبُو حَمْزَة الْأنْصَارِيّ وَأَبُو أُميَّة الكعبي وَالثَّالِث أَبُو مَالك الْفَقِيه وَالرَّابِع كُوفِي وَالْخَامِس حمصي أُسَامَة بن زيد سِتَّة أحدهم مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالثَّانِي تنوخي وَالثَّالِث ليثي وَالرَّابِع كَلْبِي وَالْخَامِس شيرازي وَالسَّادِس مولى لعمر أَحْمد بن جَعْفَر بن حمدَان أَرْبَعَة فِي طبقَة وَاحِدَة أحدهم دينوري وَالثَّانِي طرسوسي وَالثَّالِث قطيعي وَالرَّابِع سقطي جَابر بن عبد الله سَبْعَة أحدهم ابْن عَمْرو وَالثَّانِي ابْن رِئَاب صحابيان وَالثَّالِث سلمى وَالرَّابِع محاربي وَالْخَامِس غطفاني وَالسَّادِس مصري وَالسَّابِع بَصرِي الْخَلِيل بن أَحْمد خَمْسَة ثَلَاثَة بصريون وَالرَّابِع أصبهاني وَالْخَامِس سجزي سعيد بن الْمسيب ثَلَاثَة أحدهم مدنِي وَالثَّانِي بلوي وَالثَّالِث شيرازي عبد الله بن الْمُبَارك سِتَّة أحدهم مروزي وَالثَّانِي خراساني وَالثَّالِث بخاري وَالرَّابِع جوهري والباقيان من أهل بَغْدَاد عمر بن الْخطاب سَبْعَة أحدهم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالثَّانِي كُوفِي وَالثَّالِث بَصرِي وَالرَّابِع اسكندراني وَالْخَامِس سجستاني وَالسَّادِس راسبي وَالسَّابِع عنبري عُثْمَان بن عَفَّان اثْنَان أَحدهمَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالثَّانِي سجزي عَليّ بن أبي طَالب ثَمَانِيَة أحدهم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالثَّانِي بَصرِي وَالثَّالِث جرجاني وَالرَّابِع اسْتُرْ اباذي وَالْخَامِس تنوخي وَالسَّادِس بكر اباذي وَالسَّابِع بغدادي وَالثَّامِن يُقَال لَهُ الدهان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 عمر بن حُصَيْن أَرْبَعَة أحدهم صَحَابِيّ وَالثَّانِي ضبي وَالثَّالِث بَصرِي وَالرَّابِع اصبهاني فُضَيْل بن عِيَاض اثْنَان أَحدهمَا مصري وَالثَّانِي مكي يحيى بن معَاذ ثَلَاثَة أحدهم نيسابوري وَالثَّانِي رازي وَالثَّالِث تستري يُوسُف بن اسباط ثَلَاثَة أحدهم كُوفِي وَالثَّانِي حمصي وَالثَّالِث سلمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الْبَاب الرَّابِع فِي ذكر عُيُون التواريخ روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ خلق الله تَعَالَى التربة يَوْم السبت وَخلق الْجبَال فِيهَا يَوْم الْأَحَد وَخلق الشّجر فِيهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ وَخلق الْمَكْرُوه يَوْم الثُّلَاثَاء وَخلق النُّور يَوْم الْأَرْبَعَاء وَبث فِيهَا الدَّوَابّ يَوْم الْخَمِيس وَخلق آدم يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر قَالَ عُلَمَاء التَّارِيخ الأَرْض كلهَا على صَخْرَة والصخرة على مَنْكِبي ملك وَالْملك على الْحُوت والحوت على المَاء وَالْمَاء على متن الرّيح فصل أقاليم الأَرْض سَبْعَة فالإقليم الأول الْهِنْد وَالثَّانِي إقليم الْحجاز وَالثَّالِث إقليم مصر وَالرَّابِع إقليم بابل وَالْخَامِس إقليم الرّوم وَالشَّام وَالسَّادِس بِلَاد التّرْك وَالسَّابِع بِلَاد الصين وأوسط الأقاليم إقليم بابل وَهُوَ أعمرها وَفِيه جَزِيرَة الْعَرَب وَفِيه الْعرَاق الَّذِي هُوَ سرة الدُّنْيَا وبغداد فِي أَوسط هَذَا الإقليم فلاعتداله اعتدلت ألوان أَهله فَسَلمُوا من شقرة الرّوم وَسَوَاد الْحَبَش وَغلظ التّرْك وجفاء أهل الْجبَال ودمامة أهل الصين وكما اعتدلوا فِي الْخلقَة لطفوا فِي الفطنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 فصل قَالَ عُلَمَاء التواريخ جَمِيع مَا عرف فِي الأَرْض من الْجبَال مائَة وَثَمَانِية وَتسْعُونَ من أعجبها جبل سرنديب وَطوله مِائَتَان ونيف وَسِتُّونَ ميلًا وَفِيه أثر قدم آدم حِين أهبط وَعَلِيهِ سنا الْبَرْق لَا يذهب صيفا وَحَوله ياقوت وَفِي وادية الماس الَّذِي يقطع الصخور ويثقب اللُّؤْلُؤ وَفِيه الْعود والفلفل ودأبه الْمسك ودابة الزباد وجبل الرَّد الَّذِي فِيهِ السد طوله سَبْعمِائة فَرسَخ وَيَنْتَهِي إِلَى الْبَحْر المظلم فصل قَالُوا فِي الأَرْض سَبْعمِائة مَعْدن وَلَا ينْعَقد الْملح إِلَّا فِي السبخ وَلَا الجص إِلَّا فِي الرمل والحصى وَالْبَحْر الْأَعْظَم مُحِيط بالدنيا والبحار تستمد مِنْهُ فصل قَالُوا وعاش آدم ألف سنة وَولدت لَهُ حَوَّاء أَرْبَعِينَ ولدا فِي كل بطن ذكر وَأُنْثَى فأولهم قابيل وتوأمته قليما وَلم يمت آدم حَتَّى رأى من وَلَده وَولد وَلَده أَرْبَعِينَ ألفا وانقرض نسلهم غير نسل شيت ثمَّ انقرض النَّسْل وَبَقِي أَوْلَاد نوح وهم سَام وَحَام وَيَافث فسام أَبُو الْعَرَب وَحَام أَبُو الزنج وَيَافث أَبُو الرّوم وَالتّرْك ويأجوج وَمَأْجُوج نوع من التّرْك فصل فِي تَسْمِيَة الحواريين شَمْعُون الصَّفَا وشمعون القناني وَيَعْقُوب بن زندي وَيَعْقُوب ابْن حلقي وقولوس ومارقوس واندراوس وبرثملا ويوحنا ولوقا وتوما وَمَتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فصل كَانَ أول مُلُوك الْفرس دَارا ملك نَحوا من مِائَتي سنة ثمَّ ملك بعده خَمْسَة وَعِشْرُونَ مِنْهُم امْرَأَتَانِ وَكَانَ آخر الْقَوْم يزدجرد هلك فِي زمَان عُثْمَان وَكَانَ ملكهم خَمْسمِائَة سنة وكسرا وَكَانَ أظرفهم ولَايَة ذُو الأكتاف فَإِنَّهُ لَا يعرف من ملك وَهُوَ فِي بطن أمه غَيره لِأَن أَبَاهُ كَانَ قد مَاتَ وَلَا ولد لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا حملا فَقَالَ المنجمون هَذَا الْحمل يملك الأَرْض فَوضع التَّاج على بطن الْأُم وَكتب مِنْهُ إِلَى الْآفَاق وَهُوَ جَنِين وَسمي سابورا وَإِنَّمَا لقب بِذِي الأكتاف لِأَنَّهُ حِين ملك كَانَ ينْزع أكتاف مخالفيه وَهُوَ الَّذِي بنى الإيوان وَبنى نيسابور وسجستان والسوس وَمَا زَالَ الْملك ينْتَقل بعده فيهم حَتَّى ملك انشروان وَكَانَ أحزمهم وَكَانَ لَهُ اثْنَا عشر ألف امْرَأَة وَجَارِيَة وَخَمْسُونَ ألف دَابَّة وَألف فيل إِلَّا وَاحِدًا وَفِي زَمَانه ولد نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَات لثمان سِنِين مَضَت من مولد نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلما دخل الْمُسلمُونَ الْمَدَائِن أحرقوا ستر بَاب الإيوان فأخرجوا مِنْهُ ألف ألف مِثْقَال ذَهَبا فصل أَرْبَعَة تَنَاسَلُوا رَأَوْا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو قُحَافَة وَابْنه أَبُو بكر وَابْنه عبد الرَّحْمَن وَابْنه مُحَمَّد ويكنى أَبَا عَتيق أَرْبَعَة أخوة كَانَ بَين كل وَاحِد مِنْهُم وَوَاحِد عشر سِنِين أَوْلَاد أبي طَالب طَالب وَعقيل وجعفر وَعلي فَكَانَ طَالب أسن من عقيل عشر سِنِين وَعقيل أسن من جَعْفَر بِعشر سِنِين وجعفر أسن من عَليّ بِعشر وَلَا يعرف أَخَوان تباعدا فِي السن مثل مُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي وأخيه عبد الله بن عُبَيْدَة فَإِن عبد الله أسن من مُوسَى بِثَمَانِينَ سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وَمن الْعَجَائِب ثَلَاث أخوة ولدُوا فِي سنة وَاحِدَة وَقتلُوا فِي سنة وَاحِدَة وَكَانَت أعمارهم ثَمَانِي وَأَرْبَعين سنة يزِيد وَزِيَاد ومدرك بَنو الْمُهلب ابْن أبي صفرَة وَمن الْعَجَائِب أَرْبَعَة أنفس رزق كل وَاحِد مِنْهُم مائَة ولد أنس ابْن مَالك وَعبد الله بن عمر اللَّيْثِيّ وَخَلِيفَة السَّعْدِيّ وجعفر بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي وَمن الْعَجَائِب ثَلَاثَة بَنو أعمام كلهم كَانُوا فِي زمَان وَاحِد كل وَاحِد مِنْهُم اسْمه عَليّ وَلَهُم ثَلَاثَة أَوْلَاد كل وَاحِد مِنْهُم اسْمه مُحَمَّد والآباء وَالْأَبْنَاء عُلَمَاء أَشْرَاف وهم عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ ابْن أبي طَالب وَعلي بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَعلي بن عبد الله بن جَعْفَر وَمن الْعَجَائِب أَنه فِي لَيْلَة السبت لأَرْبَع عشرَة بَقينَ من ربيع الأول سنة تسعين وَمِائَة مَاتَ الْهَادِي واستخلف الرشيد وَولد الْمَأْمُون وَمن الْعَجَائِب أَنه سلم على الرشيد بالخلافة عَمه سُلَيْمَان بن الْمَنْصُور وَعم أَبِيه الْمهْدي وَهُوَ الْعَبَّاس بن مُحَمَّد وَعم جده الْمَنْصُور وَهُوَ عبد الصَّمد بن عَليّ وَقَالَ لَهُ عبد الصَّمد يَوْمًا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا مجْلِس فِيهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَعم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَعم عَم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَعم عَم عَمه وَذَلِكَ أَن سُلَيْمَان بن أبي جَعْفَر عَم الرشيد وَالْعَبَّاس عَم سُلَيْمَان وَعبد الصَّمد عَم الْعَبَّاس وَمن الْعَجَائِب أَن عبد الصَّمد حج بِالنَّاسِ سنة خمسين وَمِائَة وَقد حج قبله يزِيد بن مُعَاوِيَة سنة خمسين وهما فِي النّسَب إِلَى عبد منَاف سَوَاء لِأَن يزِيد هُوَ ابْن مُعَاوِيَة بن صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف وَعبد الصَّمد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فصل وَقد سلم على المتَوَكل بالخلافة ثَمَانِيَة كلهم ابْن خَليفَة الْمُنْتَصر ابْنه وَمُحَمّد ابْن الواثق وَأحمد بن المعتصم ومُوسَى بن الْمَأْمُون وَعبد الله بن الْأَمِير وَأَبُو أَحْمد بن الرشيد وَأَبُو الْعَبَّاس بن الْهَادِي والمنصور بن الْمهْدي فصل وَقد ولي الْخلَافَة أَخَوان وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة فَأَما الأخوان فالسفاح والمنصور وَالْهَادِي والرشيد والواثق والمتوكل ابْنا المعتصم والمسترشد والمقتفي وَأما الثَّلَاثَة فالأمين والمأمون والمعتصم بَنو الرشيد والمتكفي والمقتدر والقاهر بَنو المعتضد والراضي والمتقي والمطيع بَنو المقتدر وَأما الْأَرْبَعَة فَلم يَكُونُوا إِلَّا بني عبد الْملك فصل وَمن الْعَجَائِب الْمُتَعَلّقَة بِالنسَاء من ذَلِك أَن امْرَأَة شهد لَهَا بَدْرًا سَبْعَة بَنِينَ مُسلمين وَهِي عفراء بنت عبيد تزَوجهَا الْحَارِث بن رِفَاعَة فَولدت لَهُ معَاذًا ومعوذا ثمَّ تزَوجهَا بكير فَولدت لَهُ إياسا وخالدا وعاقلا وعامرا ثمَّ رجعت إِلَى الْحَارِث فَولدت لَهُ عوفا فَشَهِدُوا كلهم بَدْرًا وَيخرج من هَذَا جَوَاب الْمسَائِل هَل تعرفُون أَرْبَعَة أخوة لأَب وَأم شهدُوا بَدْرًا مُسلمين وَمن هَذَا الْجِنْس امْرَأَة كَانَ لَهَا أَرْبَعَة أخوة وعمان شهدُوا بَدْرًا فأخوان وَعم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَخَوَانِ وَعم مَعَ الْمُشْركين وَهِي هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة فالأخوان المسلمان أَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة وَمصْعَب بن عُمَيْر وَالْعم الْمُسلم معمر بن الْحَارِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 والأخوان المشركان الْوَلِيد بن عتبَة وَأَبُو عَزِيز وَالْعم الْمُشرك شيبَة ابْن ربيعَة وَمن الْعَجَائِب أَن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان كَانَ لَهُ أَربع بَنَات عَبدة وَعَائِشَة وَأم سعيد ورقية تزوجهن أَرْبَعَة من الْخُلَفَاء تزوج عَبدة الْوَلِيد بن عبد الْملك وَعَائِشَة سُلَيْمَان وَأم سعيد يزِيد بن عبد الْملك ورقية هِشَام وَكَانَ لهَذَا الرجل أَعنِي عبد الله بن عَمْرو ولد اسْمه مُحَمَّد كَانَ يُقَال لَهُ الديباج لحسنه وَكَانَ لمُحَمد بنت اسْمهَا حَفْصَة لَا يعرف امْرَأَة وَلَدهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَالْحُسَيْن وَابْن عمر سواهَا أما ولادَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهَا فَإِن أم أَبِيهَا فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن بن عَليّ وَأم الْحُسَيْن فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن طَرِيق الْحُسَيْن بن عَليّ وِلَادَته لَهَا وولادة عَليّ لَهَا وَأما ولادَة أبي بكر لَهَا فَإِن أمهَا خَدِيجَة بنت عُثْمَان بن عُرْوَة بن الزبير وَأم عُرْوَة أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق وَمن طَرِيق عُرْوَة وَلَدهَا الزبير وَأما ولادَة عمر لَهَا فَإِن أم جدها عبد الله زَيْنَب بنت عبد الله بن عمر بن الْخطاب فَمن هَذِه الطَّرِيق ولادَة عمر لَهَا وَأما ولادَة عُثْمَان لَهَا فَمن طَرِيق أَبِيهَا وَأما ولادَة طَلْحَة فَإِن جدَّتهَا من قبل أَبِيهَا هِيَ أم إِسْحَاق بنت طَلْحَة بن عبيد الله وَمن الْعَجَائِب امْرَأَة ولدت خليفتين وَهن ثَلَاث الأولى ولادَة بنت الْعَبَّاس العبسية تزَوجهَا عبد الْملك بن مَرْوَان فَولدت لَهُ الْوَلِيد وَسليمَان فوليا الْخلَافَة وَالثَّانيَِة شاهفرند بنت فَيْرُوز بن يزدجرد تزَوجهَا الْوَلِيد بن عبد الْملك فَولدت لَهُ يزِيد وَإِبْرَاهِيم فوليا الْخلَافَة وَالثَّالِثَة الخيزران ولدت للمهدي الْهَادِي والرشيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 فصل فِي الجدوب وَعُمُوم الْمَوْت أجدبت الأَرْض فِي سنة ثَمَانِي عشرَة فَكَانَت الرّيح تسفي تُرَابا كالرماد فَسُمي عَام الرَّمَادَة وَجعلت الوحوش تأوي إِلَى الْأنس فآلى عمر أَلا يَذُوق سمنا وَلَا لَبَنًا وَلَا لَحْمًا حَتَّى يحيى النَّاس واستسقى بِالْعَبَّاسِ فسقوا وفيهَا كَانَ طاعون عمواس مَاتَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدَة ومعاذ وَأنس وَفِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَقع طاعون بِالْبَصْرَةِ وَمَاتَتْ أم أَمِيرهمْ فَمَا وجدوا من يحملهَا وَفِي سنة سِتّ وَتِسْعين كَانَ طاعون الجارف هلك فِي ثَلَاث أَيَّام سَبْعُونَ ألفا وَمَات فِيهِ لأنس ثَمَانُون ولدا وَكَانَ يَمُوت أهل الدَّار فيطين الْبَاب عَلَيْهِم وَفِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة مَاتَ أول يَوْم فِي الطَّاعُون سَبْعُونَ ألفا وَفِي الثَّانِي نَيف وَسَبْعُونَ ألفا وَفِي الْيَوْم الثَّالِث خمد النَّاس وَفِي سنة تسع عشرَة وَثَلَاث مائَة كثر الْمَوْت وَكَانَ يدْفن فِي الْقَبْر الْوَاحِد جمَاعَة وَفِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة ذبح الْأَطْفَال وأكلت الْجِيَف وَبيع الْعقار برغيفان وَاشْترى لمعز الدولة كرّ دَقِيق بِعشْرين ألف دِرْهَم وَفِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة عَمت الْأَمْرَاض الْبِلَاد فَكَانَ يَمُوت أهل الدَّار كلهم وَفِي سنة ثَمَان وَسبعين وثلاثمائة أصَاب أهل الْبَصْرَة حر فَكَانُوا يتساقطون موتى فِي الطرقات وَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة عَم الْقَحْط فَأكلت الْميتَة وَبلغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 المكوك من بزر البقلة سبع دَنَانِير والسفرجلة والرمانة دِينَارا والخيارة واللينوفرة دِينَارا وَورد الْخَبَر من مصر بِأَن ثَلَاثَة من اللُّصُوص نقبوا دَارا فوجدوا عِنْد الصَّباح موتى أحدهم على بَاب النقب وَالثَّانِي على رَأس الدرجَة وَالثَّالِث على الثِّيَاب المكورة وَفِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا وَقع وباء فَكَانَ تحفر زبية لعشرين وَثَلَاثِينَ فيلقون فِيهَا وَتَابَ النَّاس كلهم وأراقوا الْخُمُور ولزموا الْمَسَاجِد وَفِي سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَقع الوباء وَبلغ الرطل من التَّمْر الْهِنْدِيّ أَرْبَعَة دَنَانِير وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة اشْتَدَّ الْجُوع والوباء بِمصْر حَتَّى أكل النَّاس بَعضهم بَعْضًا وَبيع اللوز وَالسكر بِوَزْن الدَّرَاهِم والبيضة بِعشْرَة قراريط وَخرج وَزِير صَاحب مصر إِلَيْهِ فَنزل عَن بغلته فَأَخذهَا ثَلَاثَة فأكلوها فصلبوا فَأصْبح النَّاس لَا يرَوْنَ إِلَّا عظامهم تَحت خشبهم وَقد أكلُوا وَفِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقع الْمَوْت فِي الدَّوَابّ حَتَّى أَن رَاعيا قَامَ إِلَى الْغنم وَقت الصَّباح ليسوقها فَوَجَدَهَا كلهَا موتى فصل فِي الزلازل والآيات زلزلت الأَرْض على عهد عمر فِي سنة عشْرين ودامت الزلازل فِي سنة أَربع وَتِسْعين أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقعت الابنية الشاهقة وتهدمت إنطاكية وَفِي سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ زلزلت فرغانة فَمَاتَ فِيهَا خَمْسَة عشر ألفا وَفِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا رجفت الأهواز وتصدعت الْجبَال وهرب أهل الْبَلَد إِلَى الْبَحْر والسفن ودامت سِتَّة عشر يَوْمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَفِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا مطر أهل تيما مَطَرا وبردا كالبيض فَقتل بهَا ثَلَاثمِائَة وَسبعين إنْسَانا وَسمع فِي ذَلِك صَوت يَقُول ارْحَمْ عِبَادك اعْفُ عَن عِبَادك ونظروا إِلَى أثر قدم طولهَا ذِرَاع بِلَا أَصَابِع وعرضها شبر وَمن الخطوة إِلَى الخطوة خَمْسَة أَذْرع أَو سِتّ فاتبعوا الصَّوْت فَجعلُوا يسمعُونَ صَوتا وَلَا يرَوْنَ شخصا وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ رجفت دمشق رَجْفَة حَتَّى انْقَضتْ مِنْهَا الْبيُوت وَسَقَطت على من فِيهَا فَمَاتَ خلق كثير وانكفأت قَرْيَة فِي الغوطة على أَهلهَا فَلم ينج مِنْهُم إِلَّا رجل وَاحِد وزلزلت انطاكيا فَمَاتَ مِنْهَا عشرُون ألفا وَفِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا هبت ريح شَدِيدَة لم يعْهَد مثلهَا فاتصلت نيفا وَخمسين يَوْمًا وشملت بَغْدَاد وَالْبَصْرَة والكوفة وواسط وعبادان والأهواز ثمَّ ذهبت إِلَى هَمدَان فأحرقت الزَّرْع ثمَّ ذهبت إِلَى الْموصل فمنعت النَّاس من السَّعْي فتعطلت الْأَسْوَاق وزلزلت هراة فَوَقَعت الدّور وَفِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَجه طَاهِر بن عبد الله إِلَى المتَوَكل حجرا سقط بِنَاحِيَة طبرستان وَزنه ثَمَانمِائَة وَأَرْبَعُونَ درهما أَبيض فِيهِ صدع وَذكروا أَنه سمع لسقوطه هدة أَربع فراسخ فِي مثلهَا وَأَنه ساخ فِي الأَرْض خَمْسَة أَذْرع وَفِي سنة اربعين وَمِائَتَيْنِ خرجت ريح من بِلَاد التّرْك فمرت بمرو فقتلت خلقا كثيرا بالزكام ثمَّ صَارَت إِلَى نيسابور وَإِلَى الرّيّ ثمَّ إِلَى همذان وحلوان ثمَّ إِلَى الْعرَاق فَأصَاب أهل بَغْدَاد وسر من رأى حمى وسعال وزكام وَجَاءَت كتب من الْمغرب أَن ثَلَاث عشرَة قَرْيَة من قرى القيروان خسف بهَا فَلم ينج من أَهلهَا إِلَّا اثْنَان وَأَرْبَعُونَ رجلا سود الْوُجُوه فَأتوا القيروان فَأخْرجهُمْ أَهلهَا وَقَالُوا أَنْتُم مسخوط عَلَيْكُم فَبنى لَهُم الْعَامِل حَظِيرَة خَارج الْمَدِينَة فنزلوها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وَفِي سنة احدى وَأَرْبَعين ماجت النُّجُوم فِي السَّمَاء وَجعلت تتطاير شرقا وغربا كالجراد من قبل غرُوب الشَّمْس إِلَى الْفجْر وَلم يكن مثل هَذَا إِلَّا عِنْد ظُهُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا رجمت قَرْيَة يُقَال لَهَا السويدا نَاحيَة مصر بِخَمْسَة أَحْجَار فَوَقع حجر مِنْهَا على خيمة أَعْرَابِي فاحترقت وَوزن مِنْهَا حجر فَكَانَ فِيهِ عشرَة أَرْطَال وزلزلت الرّيّ وجرجان وطبرستان ونيسابور وأصبهان وقم وقاشان كلهَا فِي وَقت وَاحِد وزلزلت الدامغان فَهَلَك من أَهلهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا وتقطعت جبال ودنا بَعْضهَا من بعض وَسمع للسماء وَالْأَرْض أصوات عالية فَهَلَك من أَهلهَا وَسَار جبل بِالْيمن عَلَيْهِ مزارع حَتَّى أَتَى مزارع قوم آخَرين وَوَقع طَائِر أَبيض دون الرخمة وَفَوق الْغُرَاب على دلبة بحلب لسبع مضين من رَمَضَان فصاح يَا معشر النَّاس اتَّقوا الله الله الله حَتَّى صَاح أَرْبَعِينَ صَوتا ثمَّ طَار وَجَاء من الْغَد فصاح أَرْبَعِينَ صَوتا ثمَّ طَار فَكتب صَاحب الْبَرِيد بذلك وَأشْهد خَمْسمِائَة إِنْسَان سَمِعُوهُ وَمَات رجل فِي بعض كور الأهواز فَسقط طَائِر أَبيض على جنَازَته فصاح بِالْفَارِسِيَّةِ والخورية إِن الله قد غفر لهَذَا الْمَيِّت وَلمن شهده وَفِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ زلزلت أنطاكية فَسقط مِنْهَا ألف وَخَمْسمِائة دَار وَوَقع من سورها نَيف وَتسْعُونَ برجا وَسمع أَهلهَا أصواتا هائلة من كوى الْمنَازل وَسمع أهل تنيس صَيْحَة هائلة دَامَت فَمَاتَ مِنْهَا خلق كثير وَذَهَبت جيلة بِأَهْلِهَا وَفِي سنة خمسين وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ مطرَت قَرْيَة حِجَارَة بَيْضَاء وسوداء وَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ زلزلت دنبل فِي اللَّيْل فاصبحوا وَلم يبْق من الْمَدِينَة إِلَّا الْيَسِير فَأخْرج من تَحت الْهدم خَمْسُونَ وَمِائَة ألف ميت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وَفِي سنة تسع عشرَة وثلاثمائة عدل الْحَاج عَن الجادة خوفًا من الْعَرَب فَرَأَوْا فِي الْبَريَّة صور النَّاس من حِجَارَة وَرَأَوا امْرَأَة قَائِمَة على تنور وَهِي من حِجَارَة وَالْخبْز الَّذِي فِي التَّنور من حِجَارَة وَفِي سنة ثَمَان وَسبعين وثلاثمائة هبت ريح بِفَم الصُّلْح شبت بالتنين خرقت دجلة حَتَّى ذكر أَنَّهَا باتت أرْضهَا وَهَلَكت خلقا كثيرا واحتملت زورقا منحدرا وَفِيه دَوَاب فَطَرَحته فِي أَرض جوخى وَفِي سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة جَاءَ برد هائل وَوَقعت بردة حزرت بِمِائَة وَخمسين رطلا فَكَانَت كالثور النَّائِم وَفِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ زلزلت تبريز فهدم سورها وقلعتها وَهلك تَحت الْهدم خَمْسُونَ الْفَا وَفِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة كَانَت بِأَذربِيجَان زلازل انْقَطَعت مِنْهَا الْحِيطَان فَحكى من يعْتَمد على قَوْله أَنه كَانَ قَاعِدا فِي إيوَان فانفرج حَتَّى رأى السَّمَاء من وَسطه ثمَّ عَاد وَفِي سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة كَانَت زَلْزَلَة بفلسطين هلك فِيهَا خَمْسَة عشر ألفا وانشقت صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس ثمَّ عَادَتْ فالتأمت وَغَابَ الْحر مسيرَة يَوْم فساخ فِي الأَرْض فَدخل النَّاس يلتقطون فَرجع عَلَيْهِم فَأهْلك خلقا كثيرا مِنْهُم وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ خسف بأيلة وَفِي سنة سِتّ وَخَمْسمِائة سمع بِبَغْدَاد صَوت هده عَظِيمَة فِي أقطار بَغْدَاد فِي الْجَانِبَيْنِ قَالَ شَيخنَا أَبُو بكر ابْن عبد الْبَاقِي أَنا سَمعتهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 فَظَنَنْت حَائِطا قد وَقع وَلم يعلم مَا ذَاك وَلم يكن فِي السَّمَاء غيم فَيُقَال رعد وَفِي سنة سبع وَقعت زَلْزَلَة بِنَاحِيَة الشَّام فَوَقع من سور الرها ثَلَاثَة عشر برجا وَخسف بسميساط وقلب بِنصْف القلعة وَفِي سنة إِحْدَى عشرَة زلزلت الأَرْض بِبَغْدَاد يَوْم عَرَفَة فَكَانَت الْحِيطَان تمر وتجيء وَفِي سنة خمس عشرَة وَقع الثَّلج بِبَغْدَاد فامتلأت مِنْهُ الشوارع والدروب وَلم يسمع قبله بِمثلِهِ وَفِي سنة ثلث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة كَانَت زَلْزَلَة بجنزة أَتَت على مِائَتي ألف وَثَلَاثِينَ ألفا فاهلكتهم وَكَانَت فِي مِقْدَار عشرَة فراسخ فِي مثلهَا وَفِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا خسف بجنزة وَصَارَ مَكَان الْبَلَد مَاء أسود وَقدم التُّجَّار من أَهلهَا فلزموا الْمَقَابِر يَبْكُونَ على أَهْليهمْ وزلزلت حلوان فتقطع الْجَبَل وَهلك خلق كثير وَفِي سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وَخَمْسمِائة كَانَت زلازل بِالشَّام فِي ثَلَاثَة عشر بَلَدا من بِلَاد الْإِسْلَام فَمِنْهَا مَا هلك كُله وَمِنْهَا مَا هلك بعضه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الْبَاب الْخَامِس فِي ذكر المواعظ وَهَذَا الْبَاب يَنْقَسِم قسمَيْنِ الْقسم الأول يخْتَص بِذكر الْقَصَص وَالْقسم الثَّانِي فِيهِ المواعظ والإشارات مُطلقًا الْقسم الأول وَهُوَ الْمُخْتَص بِذكر الْقَصَص وَفِيه سِتّ وَعِشْرُونَ قصَّة الْفَصْل الأول فِي قصَّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام اعلموا أَن الله تَعَالَى خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام آخر الْخلق لِأَنَّهُ مهد الدَّار قبل السَّاكِن وَأقَام عذره قبل الزلل بقوله {فِي الأَرْض} فظنت الْمَلَائِكَة أَن تفضيله بِنَفسِهِ فضنت بِالْفَضْلِ عَلَيْهِ فَقَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا} فقوبلوا بِلَفْظ {إِنِّي أعلم} فَلَمَّا صوره أَلْقَاهُ كاللقا فَلَمَّا عاين إِبْلِيس تِلْكَ الصُّورَة بَات من الْهم فِي سُورَة فَلَمَّا نفخ فِيهِ الرّوح بَات الْحَاسِد ينوح ثمَّ نُودي فِي نَادِي الْمَلَائِكَة {اسجدوا لآدَم} فتطهروا من غَدِير {لَا علم لنا} وغودر الغادر بخسا بكبرياء {أَنا خير} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ثمَّ حام الْعَدو حول حمى المحمى فلولا سَابق الْقدر مَا قدر عَلَيْهِ فَلَمَّا نزل إِلَى الأَرْض خدخد الْفَرح بدمع التَّرَحِ حَتَّى أقلق الْوُجُود فجَاء جِبْرِيل فَقَالَ مَا هَذَا الْجهد فصاح لِسَان الوجد للخفاجي (مَا رحلت الْعَيْش عَن أَرْضكُم ... فرأت عَيْنَايَ شَيْئا حسنا) (هَل لنا نحوكم من عودة ... وَمن التَّعْلِيل قولي هَل لنا) يَا آدم لَا تجزع من كأس خطإ كَانَ سَبَب كيسك فَلَقَد استخرج مِنْك دَاء الْعجب وألبسك رِدَاء النّسك لَو لم تذنبوا للمتنبي (لَعَلَّ عتبك مَحْمُود عواقبه ... فَرُبمَا صحت الْأَجْسَام بالعلل) لَا تحزن لقولي لَك {فاهبط مِنْهَا} فلك خاتمتها وَلَكِن اخْرُج مِنْهَا إِلَى مزرعة المجاهدة وسق من دمعك ساقية لشَجَرَة ندمك فَإِذا عَاد الْعود أَخْضَر فعد للبحتري (إِن جرى بَيْننَا وَبَيْنك عتب ... أَو تنأت منا ومنك الديار) (فالغليل الَّذِي عهِدت مُقيم ... والدموع الَّتِي شهِدت غزار) مَا زَالَت زلَّة الآكلة تعاده حَتَّى استولى داؤه على أَوْلَاده فَنمت هينمة الْمَلَائِكَة بِعِبَارَة نظر الْعَاقِبَة فنشروا مطوى {أَتجْعَلُ} قرعوا بعصي الدعاوي ظُهُور العصاة فَقيل لَهُم لَو كُنْتُم بَين أفاعي الْهوى وعقارب اللَّذَّات لبات سليمكم سليما فَأَبَوا للجرأة أَلا جرجرير الدعاوي وَحَدثُوا أنفسهم بالتقى بالتقاوي فَقيل نقبوا عَن خِيَار نقبائكم وانتقوا ملك الملكوت فَمَا رَأَوْا فِيمَا رَأَوْهُ لمثلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 مثل هاروت وماروت فَأبى لسفر الْبلَاء بالبلية فَمَا نزلا حَتَّى نزلا من مقَام الْعِصْمَة فَنزلَا منزل الدَّعْوَى فركبا مركب البشرية فمرت على المرئيين امْرَأَة يُقَال لَهَا الزهرة بِيَدِهَا مزهر زهرَة الشَّهْوَة فغنت الغانية بغنة اغن فرأت قيان الْهوى فهوى الصَّوْت فِي صوب قلب قلبيهما فقلبهما عَن تقوى التَّقْوِيم فانهار بِنَاء عزم هاروت وَمَا رهم حزم ماروت فأراداها على الردى فراوداها وَمَا قتل الْهوى نفسا فوداها فبسطت نطع التنطع على تَحت التَّخْيِير إِمَّا أَن تشركا وَإِمَّا أَن تقتلا وَإِمَّا أَن تشربا فظنا سهولة الْأَمر فِي الْخمر وَمَا فطنا فَلَمَّا امْتَدَّ ساعد الْخلاف فسقى فسقا فدخلا سِكَك السكر فزلا فِي مزالق الزِّنَا فرآهما مَعَ الشخصية شخص فشخصا إِلَيْهِ فقتلا فكشت فتنتهما فِي فِئَة الْمَلَائِكَة فاتخذوا لتِلْك الْوَارِدَة وردا من تضرع {وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الْفَصْل الثَّانِي فِي بِنَاء الْكَعْبَة لما علا كَعْب الْكَعْبَة على سَائِر الْبِقَاع بقاع الْعلم أبرزتها كف الإيجاد كالكاعب قبل وجود الأَرْض وَكَانَ آدم أول من سَاس الأساس ثمَّ بَيت للبيت البيات طواف الطوفان فَحل مَا حل أزرار حلل الْحلَل فَلَمَّا هَاجر الْخَلِيل بهاجر وَابْنهَا أوضع بهما فوضعهما هُنَالك وَتَوَلَّى رَاضِيا بِمن تولاه يَوْم حرقوه فَقَالَت هَاجر الله أَمرك بِهَذَا قَالَ نعم فَرَجَعت متوكئة على منسأة التَّوَكُّل على من لَا ينسى فَجعلت تشرب مَا مَعهَا من مَاء وترضع لَبنهَا ابْنهَا فَلَمَّا نفدا جعل إِسْمَاعِيل يتلوى على رمض رَمَضَان الصَّوْم فَانْطَلَقت لتبذل الجهود فِي مَأْمُور {فامشوا فِي مناكبها} فَصَعدت بأقدام الصَّفَا على الصَّفَا فَلَمَّا أطلت الطلة على الطلل توكفت طل روح ينقع الْغلَّة ثمَّ جدت فجدت الجدد بالجد هابطة فَلَمَّا طرف طرف سَيرهَا طرف طرف الْوَادي رفعت طرف ذراعها ثمَّ وسعت خطاها وسعت للجهد بِجهْد ذراعها ثمَّ أَتَت الْمَرْأَة الْمَرْوَة وعادت إِلَى الصَّفَا سبعا فَلذَلِك أَمر الْمُكَلف أَن يسْعَى لِأَنَّهُ أثر قدم مِقْدَام لتصيب الْأَقْدَام نَصِيبا من مواطي {فبهداهم اقتده} فَسمِعت صَوتا من صوب فَنزل الْملك ليزيل النَّازِلَة فهيا نزل النزيه فزمزم مَاء زَمْزَم ونزا نَزْوًا لانز فحصحص المَاء فِي صحصح الْحَصَى فامتدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 كف الْحِرْص فلفقت كالحوض فَقيل لَهَا لَيْسَ هَذَا المَاء من كيس كسبك فَمَا هَذَا المذق من حرص فعلك وَلَو تركت زَمْزَم لكَانَتْ عينا معينا فمرت رفْقَة من جرهم جرهم سُؤال {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس} فأقاموا واشتاق الْخَلِيل إِلَى ابْنه فاستاق رَاحِلَة الرحيل فَاشْترط لِسَان غيرَة سارة أَن لَا تزل عَن مكانة {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} فَقدمت زَوْجَة إِسْمَاعِيل إِلَيْهِ الْمقَام فقدت فِيهِ قدمه وَغَابَتْ رجل الرجل فحولته إِلَى يسارة قسرت إِلَيْهِ الْيُسْرَى فهيت دَلِيل الْإِرْشَاد بالقاصدين {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} فَلَمَّا أمرا بِبِنَاء الْبَيْت حَار من لَا يعلم مُرَاد الْآمِر فَإِذا سَحَابَة تسحب ذيل الدَّلِيل قد قدها المهندس القدري على قدر الْبَيْت فوقفت فنادت يَا إِبْرَاهِيم علم على ظِلِّي فَلَمَّا علم كَمَا علم هبت فَذَهَبت فسر بِمَا فسر لَهُ من مُشكل الشكل فَذَلِك سر {وَإِذ بوأنا} فَجعلَا مَكَان استراحة الْبناء الْمَعْنى {رَبنَا تقبل منا} فَلَمَّا فرغا فغرا فَم السُّؤَال يرتشفان ضرع الضراعة {وأرنا مناسكنا} فَلَمَّا شرفت الْكَعْبَة بِإِضَافَة {أَن طهرا بَيْتِي} قَصدهَا فَوْج الْفِيل فَقيل مُرَادهم لما باتوا على مَا بيتوا أقبل الطير الَّذِي رمى كالغمام فَكَانَت قطراته للحصاد لَا للبذر فاصبح لزرع الأجساد كالمنجل الهاشم ليَكُون معجزا لظُهُور نَبِي بني هَاشم فأمسوا فِي بيدر الدياس {كعصف مَأْكُول} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الْفَصْل الثَّالِث فِي قصَّة نوح عَلَيْهِ السَّلَام لما عَم أهل الأَرْض الْعَمى عَمَّا خلقُوا لَهُ بعث نوح بجلاء أبصار البصائر فَمَكثَ يداويهم {ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما} فكلهم أبْصر وَلَكِن عَن المحجة تَعَالَى فلاح لللاحي عدم فلاحهم فولاهم الصلا يأسا من صَلَاحهمْ وَبعث شكاية الْأَذَى فِي {مسطور} {إِنَّهُم عصوني} فَأذن مُؤذن الطَّرْد على بَاب دَار إهدار دِمَائِهِمْ {أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن} فَقَامَ نوح فِي محراب {لَا تذر} فَأَتَتْهُ رِسَالَة {أَن اصْنَع} ونادى بريد الْإِعْلَام بِالْغَضَبِ {وَلَا تخاطبني} فَلَمَّا أَن هال كئيب الْإِمْهَال وَانْقطع سلك التَّأْخِير غربت شمس الِانْتِظَار فادلهمت عِقَاب الْعقَاب فَلَمَّا انسدلت الظلمَة وَفَاتَ النُّور {وفار التَّنور} فَقيل يَا نوح قد حَان حِين الْحِين فاحمل {فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} فَتخلف خلف نوح خلف من وَلَده فَمد يَد الحنو ليَأْخُذ بِيَدِهِ {يَا بني اركب مَعنا} فَأجَاب عَن ضمير خايض فِي مسَاء الْمسَاوِي {سآوي} فَرد عَلَيْهِ لِسَان الْوَعيد {لَا عَاصِم} فَلَمَّا انتقم من العصاة بِمَا يَكْفِي كفت كف النجَاة كفة الأَرْض بقسر {ابلعي} وَقلع جذع جزع السَّمَاء فِي وكف دمعها بظفر {أقلعي} ونوديت نجوة الجودي جودي بانجاء غرقى السّير وزود الهالكون فِي سفر الطَّرْد زَاد {وَقيل بعدا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الْفَصْل الرَّابِع فِي قصَّة عَاد لما تجبر قوم عَاد فِي ظلّ ظلل ضلالهم حِين أمْلى الأمل وَطول الْبَقَاء وزوى ذكر زوالهم ومروا فِي مشارع عَذَاب الملاهي ناسين من عَذَابهَا رافلين فِي حلل الْغَفْلَة بالأمنية عَن الْمنية وآدابها أقبل هود يهْدِيهم ويناديهم فِي ناديهم {اعبدوا الله} فبرزوا فِي عتو {من أَشد منا قُوَّة} فسحب سَحَاب الْعَذَاب ذيل الأدبار بإقباله إِلَى قبالتهم فظنوه لما اعْترض عَارض مطر فتهادوا تباشير الْبشَارَة بتهادي بِشَارَة {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} فصاح بلبل البلبال فبلبل {بل هُوَ مَا استعجلتم بِهِ} فَكَانَ كلما دنا وترامى ترى مَا كَانَ كَأَن لم يكن فحنظلت شجرات مشاجرتهم هودا فجنى من جنى من جنا مَا جنى فِي مغنى {فَمَا أغْنى عَنْهُم سمعهم} فراحت ريح الدبور لكَي تسم الأدبار بَكَى الأدبار فعجوا مِنْهَا عجيج الأدبر فَلم تزل تكوى تكوينهم بميسم الْعَدَم وتلوي تلوينهم إِلَى حِيَاض دم النَّدَم وتكفأ عَلَيْهِم الرمال فتكفي تكفينهم وتبرزهم إِلَى البرَاز عَن صون حصون كن يَقِينا يقينهم فَإِذا أَصبَحت أخذت تنْزع فِي قَوس {تنْزع النَّاس} وَإِذا أمست أوقعت عريضهم فِي عرض {كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل} فَمَا بَرحت بارحهم عَن براحهم حَتَّى بَرحت بهم وَلَا أقلعت حَتَّى قلعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 قلوع قلاعهم فدامت عَلَيْهِم أفة وداء لَا تقبل فدَاء {سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما} فحسوا مَا آذاقهم من سوء مَا حسوا ونسفوا فِي قفر {أَلا بعدا} إِلَى يم {وَاتبعُوا} فَلَو عبرت فِي معبر الِاعْتِبَار لترى مَا آل إِلَيْهِ مآلهم لرأيت التوى كَيفَ التوى عَلَيْهِم وكف النَّوَى كَيفَ نوى الدنو إِلَيْهِم فَانْظُر إِلَى عواقب الْخلاف فَإِنَّهُ شاف كَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الْفَصْل الْخَامِس فِي قصَّة ثَمُود لما أَعرَضت ثَمُود عَن كل فعل صَالح بعث إِلَيْهِم للإصلاح صَالح فتعنت عَلَيْهِ نَاقَة أهوائهم بِطَلَب نَاقَة فَخرجت من صَخْرَة صماء تقبقب ثمَّ فصل عَنْهَا فصيل يرغو فارتعت حول نهي نهيهم عَنْهَا فِي حمى حماية {وَلَا تمسوها} فاحتاجت إِلَى المَاء وَهُوَ قَلِيل عِنْدهم فَقَالَ حَاكم الْوَحْي {لَهَا شرب} فَكَانَت يَوْم وردهَا تقضي دين المَاء بِمَاء درها فَاجْتمعُوا فِي حلَّة الْحِيلَة على شاطئ غديرالغدر فدار قدار حول عطن {فتعاطى} فصاب عَلَيْهِم صيب صاب صَاع صَاعِقَة الْعَذَاب الْهون فحين دنا وديدن دمغهم دمار فدمدم فَأَصْبَحت الْمنَازل لهول ذَلِك النَّازِل {كَأَن لم تغن بالْأَمْس} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الْفَصْل السَّادِس فِي قصَّة الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ الكهنة قد حذرت نمْرُود وجود محَارب غَالب فَفرق بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَحمل بِهِ على رغم أنف اجْتِهَاده فَلَمَّا خَاضَ الْمَخَاض فِي خضم أم إِبْرَاهِيم وَجعلت بَين خيف الْخَوْف وحيز التحيز تهيم فَوَضَعته فِي نهر قد يبس وسترته بالحلفاء ليلتبس وَكَانَت تخْتَلف لرضاعه وَقد سبقها رضَاع {وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رشده من قبل} فَلَمَّا بلغ سبع سِنِين رأى قومه فِي هزل {وجدنَا آبَاءَنَا} فجادلهم فجدلهم فجدلهم وابرز نور الْهدى فِي حجَّة {رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت} فقابله نمْرُود بسهى السَّهْو فِي ظلام {أَنا أحيي} فَأَلْقَاهُ كاللقا على عجز الْعَجز بآفات {فأت بهَا من الْمغرب فبهت} ثمَّ دخل دَار الْفَرَاغ {فرَاغ عَلَيْهِم} فجردوه من برد برد الْعدْل إِلَى حر حرقوه فبنوا لسفح دَمه بنيانا إِلَى سفح جبل فاحتطبوا لَهُ على عجل الْعجل فوضعوه فِي كفة المنجنيق فاعترضه جِبْرِيل فِي عرض الطَّرِيق فناداه وَهُوَ يهوي فِي ذَلِك الفلا أَلَك حَاجَة قَالَ أما إِلَيْك فَلَا فَسبق بريد الْوَحْي إِلَى النَّار بِلِسَان التفهيم {كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الْفَصْل السَّابِع فِي قصَّة الذَّبِيح عَلَيْهِ السَّلَام لما ابتلى الْخَلِيل بالنمرود فَسلم وبالنار فَسلم امْتَدَّ ساعد الْبلَاء إِلَى الْوَلَد المساعد فظهرت عِنْد الْمُشَاورَة نجابة {افْعَل مَا تُؤمر} وآب يُوصي الْأَب أشدد باطي ليمتنع ظاهري من التزلزل كَمَا سكن قلبِي مسكن السّكُون واكفف ثِيَابك عَن دمي لِئَلَّا يصبغها عندمي فتحزن لرُؤْيَته أُمِّي واقر السَّلَام عَلَيْهَا مني فَقَالَ نعم العون أَنْت يَا بنى ثمَّ أَمر السكين على مريئي الْمَرْء فَمَا مرت غير أَن حسرات الْفِرَاق للعيش أمرت فطعن بهَا فِي الْحلق مَرَّات فنبت لَكِن حب حب الرِّضَا فِي حَبَّة الْقلب نبت يَا إِبْرَاهِيم من عَادَة السكين أَن تقطع وَمن عَادَة الصَّبِي أَن يجزع فَلَمَّا نسخ الذَّبِيح نُسْخَة الصَّبْر ومحا سطور الْجزع قلبنا عَادَة الْحَدِيد فَمَا مر وَلَا قطع وَلَيْسَ المُرَاد من الِابْتِلَاء أَن نعذب وَلَكنَّا نبتلي لنهذب أَيْن المعتبرون بقصتهما فِي غصتهما لقد حصحص الْأجر فِي حصتهما لما جعلا الطَّاعَة إِلَى الرِّضَا سلما سل مَا يُؤْذِي فسلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَكلما كلما حَاجِب كلم كل مَا بِهِ تذبحان فصد مَا بِهِ صدما بَينا هما على تل {وتله} جَاءَ بشير {قد صدقت الرُّؤْيَا} فَارْتَد أعمى الْحزن بَصيرًا بقميص {وفديناه} لَيْسَ الْعجب أَمر الْخَلِيل بِذبح وَلَده وَإِنَّمَا الْعجب مُبَاشرَة الذّبْح بِيَدِهِ وَلَوْلَا استغراق حب الامر لما هان مثل هَذَا الْمَأْمُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الْفَصْل الثَّامِن فِي قصَّة ذِي القرنين قطع ذِي القرنين الأَرْض واقطعها فَمر سالكا مسلكا مَا فت سبسبه فَتى {فأتبع سَببا} فشمر مشمرا مَا تلفت حَتَّى لفت شملة جمع شَمله بالشمس فِي عين حمئه فَلَمَّا أفرغ غرب الغرب على غارب الغربة مَشى نَحْو الْمَشَارِق وَلم يزل يحوز الْكُنُوز وَيجوز إِلَى قتل من يجوز إِلَى أَن طلعت طلايعه الطلعة على مطلع الشَّمْس فابرز نير عدله الْمشرق فِي الْمشرق ثمَّ رأى بَاقِي عرضه فِي دَمه مِقْدَار مقدرته كَالدّين فسلك بَين السدين فَلَمَّا حشى حَشا الجبلين بالزبر ولج المفسدون قسر قصراهم على مضض {فَمَا اسْتَطَاعُوا} عجبا لَهُ كم اقتنى من أصقع وأقنف وَكم أسعف باغشى وأسعف وَكم لطى لَهُ من لطيم واخيف وَكم سعى بِهِ من اكسع وقفز بِهِ من اقفز وَمَشى بِهِ فِي محجة الْمشرق محجل وطرق بِهِ طَرِيق الْمغرب مغرب كم صَحبه من سايف ونابل وسالح كم تبعه من مدجج ورام ورامح كم تقدم فِي مقدمته من مقنع مقتنع كم تبعه من فِي السِّلَاح كَافِر غير شَاك فِي الصّلاح وَلَا كَافِر فَمَا دَرأ عَنهُ الاد المودى لَهُ مود وَلَا دارى عَن دَاره الدَّوَائِر دارع وَلَا رد عَنهُ ورد وَلَا كميت إِذْ ورد عَلَيْهِ مَا تَركه كميت وَلَا فر بِهِ من منيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 سَابق وَلَا سكيت فَكَأَنَّهُ إِذا مَاتَ مَا تحرّك على حارك فرس وَلَا شَاك شاكلته بشولحة عقب بل مر كَأَنَّهُ لم يكن وذل للْمَوْت وَقبلهَا لم يهن فتلمح آخر الدُّنْيَا إِن كنت تَدْرِي وَانْظُر فِي أَي بَحر إِلَى الْهَلَاك تجْرِي واصخ لخطاب الخطوب وافهم مَا يجْرِي وَكن على أهبة فهذي الركاب تسري للشريف الرضي (أَو مَا رَأَيْت وقائع الدَّهْر ... أَفلا تسيء الظَّن بالعمر) (بَينا الْفَتى كالطود تَمنعهُ ... هضباته والعصب ذِي الْأَثر) (يَأْبَى الدنية فِي عشيرته ... ويجاذب الْأَيْدِي على الْفَخر) (وَإِذا أَشَارَ إِلَى قبائله ... حشدت عَلَيْهِ بأوجه غر) (زل الزَّمَان بِوَطْء أَخْمُصُهُ ... ومواطئ الْأَقْدَام للعثر) (نزع الإباء وَكَانَ شملته ... واقر اقرارا على صغر) (صدع الردى أعيى تلاحمه ... من ألحم الصدفين بالقطر) (جر الْجِيَاد على الوجى وَمضى ... أمما يدق السهل بالوعر) (حَتَّى التقى بالشمس مغمده ... فِي قَعْر مُنْقَطع من الْبَحْر) (ثمَّ انْثَنَتْ كف الْمنون بِهِ ... كالضغث بَين الناب وَالظفر) (لم تشتجر عَنهُ الرماح وَلَا ... رد الْقَضَاء بِمَالِه الدثر) (جمع الْجنُود وَرَاءه فَكَأَنَّمَا ... لاقته وَهُوَ مضيع الظّهْر) (وَبنى الْحُصُون ممتعا فَكَأَنَّمَا ... أَمْسَى بمضيعة وَلَا يدْرِي) (وَيرى المعابل للعدى فَكَأَنَّمَا ... لحمامه كَانَ الَّذِي يبرى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 (أودى وَمَا أودت مناقبه ... وَمن الرِّجَال معمر الذّكر) (إِن التوقي فضل معْجزَة ... فدع الْقَضَاء يقد أَو يفري) (نحمي المطاعم للبقاء وَذي ... الْآجَال ملؤ فروجها تحزي) (لَو كَانَ حفظ النَّفس ينفعها ... كَانَ الطَّبِيب أَحَق بالعمر) (الدَّاء دَاء لَا دَوَاء لَهُ ... سيان مَا يوبي وَمَا يمري) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الْفَصْل التَّاسِع فِي قصَّة قوم لوط لما تهاوى قوم لوط فِي هوة أهوائهم وتنادوا فِي جِهَات جهلهم {أخرجُوا آل لوط} بعثت الْأَمْلَاك لانتزاع ملاك الْحَيَاة من أَيْديهم فنزلوا من منزل لوط منزل النزيل وهم فِي أفسح بَيت بنى من الْكَرم غير أَن حارس حذره يُنَادي {وضاق بهم ذرعا} فخاف من قومه آذاهم فَإِذا هم {يهرعون} فَأخذ يدافع تَارَة بمشورة {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} وَتارَة بتقاة {فَاتَّقُوا الله} وَتارَة بسؤال {وَلَا تخزون} وَتارَة بتوبيخ {أَلَيْسَ مِنْكُم} فَلَمَّا كل كل سلاحه وأعيته جِهَات جهاده أَن برمز {لَو أَن لي بكم قُوَّة} فحجبهم جِبْرِيل بحجاب {فطمسنا} وانتاشه من أسر الْغم بِلَفْظ {فَأسر} فَلَمَّا علم أَن الْمَلأ مَلَائِكَة تشوق إِلَى تَعْجِيل التعذيب فنادت عواطف الْحلم {أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب} فَسَار بأَهْله على اعجاز نَجَائِب النجَاة إِلَّا عَجُوز الْعَجز عَن عرفان المعجز فَإِنَّهَا لحقت بالعجزة فَلَمَّا لَاحَ مِصْبَاح الصَّباح احْتمل جِبْرِيل قرى من جنى على قرى جنَاحه فَلم ينكسر فِي وَقت رفعهم أناء وَلم يرق فِي صعُود صعودهم مَاء فَلَمَّا سمع أهل السَّمَاء نباح كلابهم أسرعت كف القلى بهم فِي انقلابهم فتفكروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 بِالْقَلْبِ كَيفَ جوزوا على قلب الْحِكْمَة بِالْقَلْبِ ثمَّ بعث إِلَيْهِم سَحَاب فشصا بالشصائص واحزال ثمَّ آل إِلَيْهِم فاكفهرت بِالْغَضَبِ أرجاؤه واحومت بالسخط أرجاؤه وابذعرت فعرت بوارقه وارتتقت فِي جو الجوى جوبه واستقلت على قلل قلاقل الردى أردافه فارتجز بأرجوزة الرجز قبل أَن يهمي فهمهم فِي دوى بأدواء فِي دو دورانه فاظلم وركد كَيده فَلم تكد قلوعه تقلع حَتَّى قلعهم حِينه حِين اثجم فَمَا أرك وَلَا دث وَلَا بغش بل قطقط فافرط وَعم عميمه حِين اغمط فتقاطر على قطرهم من قَطْرَة قطر الْحِجَارَة وبغتهم فِي غرَّة غرتهم بالغرور حِين شن الْغَارة تالله لقد ضكضك الْعَذَاب فضعضعهم فتضعضعوا وانقض بقضه وقضيضه فقضقض عِظَام عظامهم وقطعها فتقطعوا وَسَار بهم على طرفسان عِقَاب الْعقَاب إِلَى عوطب العطب فاهرمعوا وَكَانُوا فِي كن صافي الصفاة فَمروا إِلَى مر الملق فانفرنقعوا وهمس هميسعهم وَهل لمثلهم إِلَّا الوهل والوهى ولات حِين مناص فادرنقعوا وبرقط المخر نَشُمُّ بعد أَن بهنس وبلطط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فبلطح وحزن المبرنشق بعد أَن زهزق فبلسم وكلح فاجيل على ذَلِك الجيل سجل السجيل فَمَا برح حَتَّى برح وَدَار هَاتِف الْعبْرَة على دارس دَارهم يُنَادي {وَلَقَد تركنَا مِنْهَا آيَة} فليحذر العازمون على طروق طريقهم من وَعِيد {وَمَا هِيَ من الظَّالِمين بِبَعِيد} قبل غصص الجرض والم الحرض عِنْد حُلُول الْمَرَض حِين يعتقل اللِّسَان ويتحير الْإِنْسَان وتسيل الأجفان وَيَزُول الْعرْفَان وتنشر الأكفان فيا عجبا كَيفَ ألفى لَذَّة الْعَيْش الفاني أَلفَانِ وَقد مر فَأمر كل مَا كَانَ {كل من عَلَيْهَا فان} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الْفَصْل الْعَاشِر فِي قصَّة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لما تمكن الْحَسَد من قُلُوب أخوة يُوسُف ارى الظَّالِم مَال الظَّالِم فِي مرْآة {إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكبا} فتلطفوا بخداع {مَا لَك لَا تأمنا} وشوقوا يُوسُف إِلَى رياض {يرتع ويلعب} فَلَمَّا أصحروا أظهرُوا المقت لَهُ ورموا بِسَهْم الْعدوان مَقْتَله ففسخ نَهَار رفقهم بِهِ ليل انتهارهم لَهُ فصاح يهودا فِي بقايا شفق الشَّفَقَة واغباش غيابة الْحبّ {لَا تقتلُوا يُوسُف وألقوه فِي غيابة الْجب} فَلَمَّا ألقوه وَقَالُوا هلك جَاءَ ملك من عِنْد ملك يَقُول ستبلغ أملك {لتنبئنهم} فعادوا عَمَّن عَادوا كالأعشى {عشَاء يَبْكُونَ} ولطخوا قَمِيصه الصَّحِيح {بِدَم كذب} فلاحت عَلامَة سَلامَة الْقَمِيص كي يظْهر كيدهم فَقَالَ حَاكم الفراسة {بل سَوَّلت} فَلَمَّا ورد وَارِد السيارة باعوا الصدفة وَلم يتلمحوا الدرة وَاعجَبا لقمر قومر بِهِ فَلَمَّا وصل إِلَى مصر تفرس فِيهِ الْعَزِيز فأجلسه على اعزاز {أكرمي} فشغف قلب سيدته وفرى فراودته فَسَار بأقدام الطَّبْع فِي فلاة غفلات {هَمت بِهِ وهم بهَا} رد {لَوْلَا أَن رأى} فانقذ قوى الْفِرَار وَمَا استبقى {واستبقا} فانبسطت يَد الْعدوان وامتدت {وقدت} فَلَمَّا بَانَتْ حجَّته فِي ابان {وَشهد شَاهد} أخذت تزكي مصراة الْإِصْرَار بِيَمِين يَمِين {وَلَئِن لم يفعل} فَاخْتَارَتْ درة فهمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 صدفة الْحَبْس لجهل النَّاقِد {رب السجْن أحب إِلَيّ} فَلَمَّا ضَاقَ قفص الْحصْر على بلبل الطَّبْع ترنم بِصَوْت {اذْكُرْنِي} فَعُوقِبَ بإيثاق بَاب {فَلبث فِي السجْن} فَلَمَّا آن أَوَان الْفرج خرج إِلَى الْملك هَذَا وَيَعْقُوب مفترش فرَاش الأسى على حزن الْحزن لَا يستلذ نوما وَلَا سنة ثَمَانِينَ سنة حَتَّى نحل الْبدن وَذهب الْبَصَر (لم يبْق لي بعدكم رسم وَلَا طلل ... إِلَّا وللشوق فِي حَافَّاته عمل) (إِذا شممت نسيما من بِلَادكُمْ ... فقدت عَقْلِي كَأَنِّي شَارِب ثمل) فَلَمَّا عَم عَام الْقَحْط أَرض كنعان خرج أخوته لطلب الْميرَة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِي ظلام ظلمهم فَرَآهُمْ الْمَظْلُوم بِعَين {لتنبئنهم} وخفى عَلَيْهِم نعْمَة {اقْتُلُوا يُوسُف} فاقبل عَلَيْهِم سَائِلًا وَاقْبَلْ الدمع سايلا وتقلقل تقلقل الْوَاجِد ليسمع أَخْبَار الْوَالِد (أيه أَحَادِيث نعْمَان وساكنه ... إِن الحَدِيث عَن الأحباب أسمار) (أفتش الرّيح عَنْكُم كلما نفحت ... من نَحْو أَرْضكُم نكباء معطار) فَقَالُوا جِئْنَا من أَرض كنعان وَلنَا شيخ يُقَال لَهُ يَعْقُوب وَهُوَ يقْرَأ عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا سمع رِسَالَة أَبِيه انتفض طَائِر الوجد لذكر الحبيب (وداع دَعَا إِذْ نَحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الْفُؤَاد وَمَا يدْرِي) فَرد السَّلَام قلبه قبل لِسَانه وشغله وكف شانه عَن شانه وَقَالَ مقول إبدائه بِعِبَارَة صعدائه (خذي نَفسِي يَا ريح من جَانب الْحمى ... فلاقي بِهِ لَيْلًا نسيم ربى نجد) (فَإِن بِذَاكَ الجو حبا عهدته ... وبالرغم مني أَن يطول بِهِ عهدي) ثمَّ انه طلب آخاه فاحتالو بِحجَّة منع منا الْكَيْل فَلَمَّا حملُوا حَال بَينهم وَبَينه بحيلة {جعل السِّقَايَة} فَلَمَّا دخل وَقت التُّهْمَة {أذن مُؤذن} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 فعادوا إِلَى أَبِيهِم بشجى على شجن وقرح على جرح وعقر على عقر فِي عقر فَقَامَ وَقد تقوس وَعَسَى على بَاب {عَسى} ثمَّ بَعثه لطف {لَا تقنطوا} على أَن بَعثهمْ برسالة {فتحسسوا} فَلَمَّا رجعُوا دخلُوا من قفر الْفقر فاستلقوا فِي ساحة الضّر ينادون على غليل عليل الذل {وَتصدق علينا} تالله لقد جوزيت أيد مدها تغشرم {وشروه} أَن مدت فِي طَرِيق ذل {وَتصدق علينا} فَلَمَّا عرفوه اعْتَرَفُوا فمحى مَا اقترفوا بكف {لَا تَثْرِيب} فَرفع من مَوَائِد تِلْكَ الْفَوَائِد نصيب الْوَالِد {اذْهَبُوا بقميصي} فَهبت نسايم الْفَرح فتوغلت فِي خياشيم مَرِيض كالفرخ من فرج الْفرج فَخر ركام الزُّكَام عَن منخر الضّر فَنَادَى مدنف الوجد {إِنِّي لأجد} (نشدتك الله يَا نسيم ... مَا فعلت بَعدنَا الرسوم) (هَل استهلت بهَا الغوادي ... ونمقت روضها الغيوم) (وَهل بهَا من عهِدت فِيهَا ... بعد على حَاله مُقيم) (علل بِروح الْوِصَال صبا ... أنفاسه للجري سموم) (وعد فَسلم على أنَاس ... مَا أَنا من بعدهمْ سليم) (واشرح لَهُم حَال مستهام ... أَنْت بأشواقه عليم) (وَقل غَرِيب ثوى بِأَرْض ... فِي غَيرهَا قلبه يهيم) (يكابد الشوق حِين يُمْسِي ... وتعتري قلبه الهموم) (أحبابنا تَنْقَضِي اللَّيَالِي ... وَمَا انْقَضتْ تلكم الكلوم) (ذَاك اللديغ الَّذِي عهدتم ... بعد على حَاله سقيم) (أصبح من فقركم وحيدا ... فَلَا خَلِيل وَلَا حميم) (لم تجر ذكر الْفِرَاق إِلَّا ... حن كَمَا حنت الرزوم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 فَلَمَّا كشف يَعْقُوب فدام الوجد بكف {إِنِّي لأجد} احدقت بِهِ عواذل {تالله تفتأ} تالله لَو وجدوا مَا وجد مَا انكروا مَا عرف للمهيار (هَل لَكمَا من علم ... بالطارق الملم) (سرى على الدياجي ... سرى أَخِيه النَّجْم) (يشق نجدا عرضا ... من شخصه بِسَهْم) (فنور اللَّيْل وَلَيْسَت ... من ليَالِي التم) (خُذ يَا نسيم عني ... تحيتي ولثمي) (وهنهم بوجدهم ... من الْكرَى وعدمي) (قَالُوا هجرت أَرضهم ... أهجرها برغمي) (قد وصلت إِلَى الحشا ... رسلكُمْ بِالسقمِ) (فَلم تدع وَاسِطَة ... بَين دمي ولحمي) (عج كي ترى رسوما ... ثَلَاثَة فِي رسم) (سوى النحول بَيْننَا ... تعرفنا بالوهم) (خطّ هِلَال لَيْلَة ... ودارهم وجسمي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي قصَّة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام جمع لأيوب بَين كَثْرَة المَال وَحسن الْأَعْمَال فملا مدحه بالوفاق الْآفَاق فأثارت تِلْكَ الْآثَار حسدا من ابليس قد تقادم مُنْذُ آدم فَقَالَ يَا رب إِن سَلطنِي عَلَيْهِ القيته فِي الْفِتْنَة فالفيته فِي الفئة المفتونين فَقيل قد سلطناك على مَاله من مَال فَمَال إِلَى جَمِيع عفاريته ففرقهم فِي تمزيق مَاله وَتَوَلَّى هُوَ رمي بَيته على بنيه ثمَّ أَتَى فِي صُورَة معلمهم يُعلمهُ فَرَأى ذَلِك لَا يؤلمه انصت الْعَدو ليسمع عربدة السكر فَإِذا أَيُّوب يَتْلُو آيَات الشُّكْر فصاح بِلِسَان حسده سَلطنِي على جسده فَسَلَّطَهُ وَقد سبقه الصبرفتقطع الْجِسْم وداد وَمَا تقطع رسم الوداد فَأخْرجهُ أهل قريته لقرح قرحه إِلَى قرواح كناسَة فَرَمَوْهُ كسيرا كالكسرة وَكسَاء كساده عِنْدهم أَعلَى عندنَا من أغْلى كسْوَة كسْرَى فَلم يزل مَا نزل بِهِ حَتَّى بدا حجاب بَطْنه وَكَانَ يبصر عِظَامه ومعاه مَعًا للمهيار (مَا اخْتصَّ مني السقام جارحة ... كل جهاتي أغراض منتبل) (إِذا لحاظي لجسمي امتعضت ... من الضنا قَالَ قلبِي احْتمل) فدام هَذَا الْبلَاء عَلَيْهِ سِنِين وفدام الصمت عَن الشكوى على فِيهِ تبين وَلم يبْق غير اللِّسَان للذّكر وَالْقلب للفكر فَلَو أصغى إِلَى نطق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 حَاله سمع فهم أَو سَأَلَهُ عَن وجده رب قلب لسمع من الذماء الذما يُنَاجِي بِهِ الْحق للشريف الرضي (محا بعدكم تِلْكَ الْعُيُون بكاؤها ... وغال بكم تِلْكَ الأضالع غولها) (فَمن نَاظر لم تبْق إِلَّا دُمُوعه ... وَمن مهجة لم يبْق إِلَّا غليلها) (دعوا لي قلبا بالغرام أذيبه ... عَلَيْكُم وعينا فِي الطلول أجيلها) فَلَمَّا كع ابليس لَقِي زَوجته فِي صُورَة متطبب فَقَالَ عِنْدِي دواؤه بِشَرْط أَن يَقُول بشفتيه شفيتني فَجَاءَت تدب وَقد أَنْسَاهَا طول الْبلَاء تدبر الْمَعْنى فَأخْبرت من قد خبر عَدو الْعَدو فَغَضب الْمُؤَدب على تلميذ مَا يقوم بطول الصُّحْبَة فَحلف لَئِن شفي ليجلدنها مئة فَبينا الْمَرْء يكابد المر مر بِهِ صديقان لَهُ فَقَالَا لَو علم الله من هَذَا خيرا مَا بلغ بِهِ هَذَا الْأَمر فَمَا شدّ على سَمعه أَشد من ذَلِك فَخر على عتبَة {فَلَا تشمت} واستغاث بِلَفْظ {مسني} وَصَاح بادلال لَو أقسم فجَاء جِبْرِيل برسالة {اركض} وَلَيْسَ الْعجب لَو ركض جِبْرِيل إِنَّمَا الْعجب أَن يرْكض العليل فركضت خيل النعم عِنْد ركضته فَردَّتْ وَمَا غَار المَاء مَا أغير عَلَيْهِ من نعْمَته فنسى بنسيم الْعَافِيَة مَا ألم من ألم وَردت يَد الْمِنَّة كل مَا مر مِنْهُ وَذهب وَكَانَ نثار الرِّضَا على وادية بعد أَن جرى وَادي جرادى من ذهب واقبلت زَوجته وَعَلِيهِ يَمِين ضربهَا وَمَا كَانَ يحسن فِي مُقَابلَة صبرها فاقبل لِسَان الْوَحْي يَتْلُو فَتْوَى الرَّحْمَة ويراعي مَا سبق من مُرَاعَاة رَحْمَة {وَخذ بِيَدِك ضغثا} تالله مَا ضره مَا أكل من جسده الدُّود لما اختال فِي ثوب مودود واصبح مصطحبا شراب السرُور من جود الْجُود فرنت قيان الْفَرح إِذْ غنت السّنة الْمَدْح لَا بِعُود وفاح عبير الثَّنَاء فَزَاد نشره على كل عود {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العَبْد} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي قصَّة شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام لما رأى شُعَيْب شعب شعاب قومه قد امْتَلَأت بالجور صعد مِنْبَر التَّذْكِير بالأنعام وَلَكِن بَين الْأَنْعَام فخوفهم من قحم قحل الْقَحْط فِي اشارة {إِنِّي أَرَاكُم بِخَير} فتلقوه باستهزاء {أصلاتك} ومدوا نَحوه بَاعَ النخوة {لنخرجنك} وتعللوا بِحجَّة {مَا نفقه} وانتهوا إِلَى عتو {فأسقط علينا} فَلَمَّا اسمهر ظلام ظلمهم اسحنكك ليل ادبارهم واسلنطح نَهَار هلاكهم فحقحق إِلَيْهِم مَا حق عَلَيْهِم من محقهم فَاضل على ظلل ضلالهم عَذَاب {الظلة} فارتجت أرجاء بُيُوتهم برج الرجفة وشدت عَلَيْهِم شدَّة الْحر فَهَرَبُوا إِلَى الْبر فَإِذا سَحَابَة تسحب ذيل برد الْبرد فَتَنَادَوْا هلموا إِلَى رَاحَة الرّوح فَلَمَّا تمّ اجْتِمَاعهم فِي قصر الْحصْر وظنوا أَنَّهَا من حر وقتهم وقتهم نزلت بهم نَار فَأَحْرَقَتْهُمْ فَسَارُوا إِلَى جَهَنَّم فِي أسر أدبارهم وَسَار بعد بعدهمْ فِي ادبارهم نَذِير التحذير من تبديرهم وعابهم فِي عِقَاب عقابهم {أَلا بعدا لمدين} فليحذر العصاة مثل أَفْعَى أفعالهم وليتق أعمى البصيرة شبه أَعْمَالهم وليخف المطففون من أَخذ التطفيف فِي مكيالهم وليسمعوا نَذِير الْعبْرَة فقد أوحى إِلَيْهِم بشرح أَعْمَالهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي ذكر بداية مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَت الكهنة قد أخْبرت فِرْعَوْن بِوُجُود مُوسَى فاطلق الموسى فِي ذبح الْأَطْفَال فَلَمَّا اتهمت أم مُوسَى بِالْوَضْعِ أوضع الحرس إِلَى بَيتهَا بِالطَّلَبِ فأدركها عِنْد الْعلم الدهش فألقته فِي التَّنور إِلْقَاء الْحَطب فَلَمَّا عَادَتْ فرأته قد سلم شاهدت فِي ضمن مَا صنعت أثر {واصطنعتك} فَكَانَت سَلَامَته من النَّار نَقْدا لأجل احْتمل لأَجله وَعدا لنجاة يَوْم اليم لما سعت بتابوته إِلَى الْبَحْر ارتعشت يَد التَّسْلِيم فَأَمْسكهَا فصاح شُجَاع الشجَاعَة بملء فِيهِ أَن اقذفيه فِيهِ فصدرت بعد إلقائه بصدر قد لوى بِهِ لواعج الاشتياق لَا يعلم قدر مَا بِهِ إِلَّا من قد رمي بِهِ فتلقاها بالبشر بشير {إِنَّا رادوه} فَلم تزل أمواج اليم تيَمّم بِهِ مسالك الْقدر إِلَى أَن خبت بِهِ خيل النّيل فشرعت فِي تنَاوله مشرعة دَار فِرْعَوْن فألقته فِي بَريَّة {فالتقطه} فَلَمَّا فتحُوا التابوت أَسْفر عَن مُسَافر على نجيب النجابة قد جعل زَاده فِي مزود {ولتصنع} ووشح قلادة الْحبّ قد رصعت بدر {وألقيت} فَقَامَ فِرْعَوْن على أَقْدَام الْأَقْدَام على قَتله فَخرجت آسِيَة من كمين اتِّبَاعه تنطق عَن لِسَان {سبقت} لَهُم وتنادي فِي مخدع خديعة الْحَرْب {قُرَّة عين لي وَلَك} وَتجمع فِي كَلَامهَا مَا هُوَ فَرد فِي لُغَة الْغدر {عَسى أَن ينفعنا} فَلم يزل فِرْعَوْن فِي أغباش غرور يذبح حَتَّى طلع غرر صبح {ونريد أَن نمن} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 فَلَمَّا قصّ شوق أمه جنَاح صبرها قَالَت لأخته {قصيه فبصرت بِهِ} فِي حَرِيم {وحرمنا} فدنت فدندنت حول حلَّة الْحِيلَة بحول {هَل أدلكم} فَلَمَّا حفظت بَاب الْمَكْر بحارس {يكفلونه لكم} دخل طفيلي الوجد من بَاب {وهم لَهُ ناصحون} فَجَاءَت بأمها يؤمها دَلِيل الطَّرب فَكَادَتْ إِذْ حضرت تحضر فِي ميدان {لتبدي بِهِ} فكبحها لجام {لَوْلَا أَن ربطنا} فخافت لِسَان جهرها لما خَافت فسل من أَيْديهم إِلَى سلم تَسْلِيمهَا فقر فِي حجر {كي تقر عينهَا} وترنمت بلابل الْوِصَال فاخرست بلابل الْفِرَاق فربي مُوسَى فِي ربى فِرْعَوْن ونمى بَين نمارقه إِلَى أَن آن أَوَان مشاجرته فَجرى الْقدر بقتل القبطي ليَكُون سَببا فِي سر سير {وَلما توجه} فسعى على أرجاء رَجَاء {عَسى رَبِّي} فتزود مزود {وَلما ورد} فتجمع شَمل الصهر بِوَاسِطَة {إِن أبي} فَبَقيَ ضَمَان الْوَفَاء إِلَى أَمَانَة {فَلَمَّا قضى مُوسَى الْأَجَل} فتلمح معنى {قَالَ لأَهله امكثوا} فيبدو فِي بادية الْحيرَة أنيس {إِنِّي آنست} فترامى كف الطمع إِلَى مرامي {لعَلي آتيكم} فأطل على طلل الطّلب أَقْدَام {فَلَمَّا أَتَاهَا} فتلقط ثمار التَّكَلُّم من غير كلفة {وهزي} تساقط من جني جنَّات التجلي {إِنِّي أَنا الله} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 الْفَصْل الرَّابِع عشر فِي تكليم الله عز وَجل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لما خرج مُوسَى بأَهْله من مَدِينَة مَدين انْطلق طلق الطلق بِزَوْجَتِهِ فَمَا زَالَ يكادح المقادح فَلم تور لِأَن عروس نَار الطّور لما هَمت بالتجلي نوديت النيرَان بِلِسَان الْغيرَة من الْمُشَاركَة {قضى} فَقَامَ على أَقْدَام التحيرة فَهَتَفَ بِهِ أنيس {آنس} فأنس (يَا حَار إِن الركب قد حاروا ... فَاذْهَبْ تجسس لمن النَّار) (تبدو وتخبو إِن خبت وقفُوا ... وَإِن أَضَاءَت لَهُم سَارُوا) فشمر مُوسَى عَن سَاق الْقَصْد وسَاق فَلَمَّا أَتَى النادي {نُودي} فحين ذاق لَذَّة التكليم جرح قلبه نصل الشوق فَلم يداوه إِلَّا طَبِيب {وواعدنا} (ليالينا بِذِي الأثلاث عودي ... ليورق فِي ربى الا ثَلَاث عودي) (فَإِن نسيم ذَاك الشيح أذكى ... لدي من انتشاقي نشر عود) (وَإِن حديثكم فِي الْقلب أحلى ... وأغيب نَغمَة من صَوت عود) فَبعث فِي حَرْب فِرْعَوْن فَلم يزل مَشْغُولًا بِالْجِهَادِ إِلَى أَن قبر الْقَتِيل فِي لحد اليم فَطلب قومه كتابا يضْبط شاردهم وَيرد نادهم فَأمره الله أَن يَصُوم ثَلَاثِينَ لَيْلَة نَهَاره وليله فَأمْسك على مسك الْإِمْسَاك بكف الْكَفّ فِي الْوِصَال فدام فدام فِيهِ فِيهِ عَن مطمع الْمطعم فقيد فقيد قوت الْوَقْت فَصَارَ فِي قيء ذكر الْوَعْد فَمَا انْقَضتْ اللَّيَالِي حَتَّى انْقَضتْ ظهر الْبَصَر فَقَامَ لتراى جلال الْوَفَاء بِالْأَمر فلاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فِي مطلع فلاح الْقَصْد فبادر يسْعَى على أَقْدَام الْحبّ إِلَى زِيَادَة ربع الْحبّ فكاد يقلهُ قلقلة الوجد فَوجدَ الْهَوَاء متغير الرّيح فِي عرضة الْفَم فصاح بِهِ فصيح لِسَان الحزم من وَرَاء رَأْي الْعَزْم يَا مُوسَى غير أثرا لَازم فَتَنَاول مُضْغَة من النَّبَات فمضغها فَقيل لَهُ أَيهَا الصَّائِم عَن أمرنَا لم افطرت بِرَأْيِك فَقَالَ وجدت لفمي خلوفا وَمَا أردْت بفعلي خلافًا فَقيل مَا علمت أَن فَور فورة الخلوف من قدر الْإِمْسَاك أطيب عندنَا من فارة فارة الْمسك إِنَّا لنَنْظُر إِلَى قصد الْفَاعِل لَا إِلَى صُورَة الْفِعْل الدَّم نجس مجتنب لكنه فِي حق الشَّهِيد شهي (زملوهم بكلومهم وَدِمَائِهِمْ) فَرجع مُوسَى عاكفا على معتكف كف كَفه {فتم مِيقَات ربه} واحضر حَظِيرَة الْقُدس فنسي الْأنس مِمَّا آنس من الْأنس (فَكل شَيْء رَآهُ ظَنّه قدحا ... وكل شخص رَآهُ ظَنّه الساقي) فَلَمَّا دارت فِي دَائِرَة دَار الْحبّ كؤوس للقرب وَسمع النداء وسط النادي بِلَا وَاسِطَة وسيط لَهُ من وسيط أقداح المنى فِي الْمُنَاجَاة بِلَا وسيط طَابَ لَهُ شراب الْوِصَال من أوطاب الْخطاب فِي أواني سَماع الْكَلَام فناداه توق شوقه (أَوَان أَنْت فِي هَذَا الأوان ... عَن الراح المروق فِي الْأَوَانِي) رأى على الْغَوْر وميضا فاشتاق مَا أجلب الْبَرْق لدمع الأماق فصاح لِسَان الوجد {أَرِنِي} فَرد شارد شحذان الشوق على الطوى بطوق {لن تراني} إِلَّا أَن جزع الْفِطَام سكن شعلة بتعلة {وَلَكِن} فَلَمَّا تجلى جلّ جَلَاله للجبل مر فَخر مُوسَى فِي بَحر الصَّعق فرقا فرقي فرقه ذرْوَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 {سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك} مَا انبسط مُوسَى بقول أَرِنِي إِلَّا ببسط سلني وَلَو ملح عجينك وَلَو تَركه مَعَ رعيه الْغنم فِي شعب شُعَيْب لما جال فِي ظَنّه ذَلِك الطمع وَلكنه استدعاه بالنداء وأنسه بالتقريب وباسطه بالتكليم (فَلَمَّا عاين الْحيرَة ... حادى جملي حارا) كَانَ مُوسَى يطوف فِي بني اسرائيل وَيَقُول من يحملني رِسَالَة إِلَى رَبِّي مَا كَانَ مُرَاده إِلَّا أَن يطول الحَدِيث مَعَ الحبيب (فَقلت لَهُ رد الحَدِيث الَّذِي انْقَضى ... وذكراك من ذَاك الحَدِيث أُرِيد) (يحدد تذكار الحَدِيث مودتي ... فذكرك عِنْدِي والْحَدِيث جَدِيد) (أناشده أَلا أعَاد حَدِيثه ... كَأَنِّي بطئ الْفَهم حِين يُعِيد) مَاتَ مُوسَى قَتِيل شوق {أَرِنِي} فَلَمَّا جَازَ عَلَيْهِ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْمِعْرَاج ردده فِي الصَّلَوَات ليسعد بِرُؤْيَة من قد رأى (وَإِنِّي لآتي أَرْضكُم لَا لحَاجَة ... لعَلي أَرَاكُم أَو أرى من يراكم) (أَن تشق عَيْني فطالما سعدت ... عين رَسُولي وفاز بِالنّظرِ) (وَكلما جَاءَنِي الرَّسُول لَهُم ... رددت شوقا فِي طرفه نَظَرِي) (تظهر فِي طرفه محاسنهم ... قد أثرت فِيهِ أحسن الْأَثر) (خُذ مقلتي يَا رَسُول عَارِية ... فَانْظُر بهَا واحتكم على بَصرِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الْفَصْل الْخَامِس عشر فِي قصَّة الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام لما علا شرف الكليم بالتكليم كل شرف قَالَ لَهُ قومه أَي النَّاس أعلم فَقَالَ أَنا وَلم يقل فِيمَا أعلم فَابْتلى فِيمَا أخبر بِهِ وَاعْلَم فَقَامَ بَين يَدي الْخضر كَمَا يقوم بَين يَدي السَّلِيم الأعلم فابتدأ بسؤال {هَل أتبعك} فَتَلقاهُ برد {لن} وَكم أَن مُوسَى من لن أَمر قومه بِالْإِيمَان فَقَالُوا {لن نؤمن} وَقَعُوا فِي التيه فَقَالُوا {لن نصبر} ندبوا إِلَى الْجِهَاد فصاحوا {لن ندْخلهَا} طرق بَاب أَرِنِي فَرده حَاجِب {لن} دنا إِلَى الْخضر للتعلم فلفظه بِلَفْظ {لن} ثمَّ زَاده من زَاد الرَّد بكف {وَكَيف تصبر} فَلَمَّا سامحه على نوبَة السَّفِينَة وواجهه بالعتاب فِي كرة الْغُلَام أراق مَاء الصُّحْبَة فِي جِدَال الْجِدَار {هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك} ثمَّ فسر لَهُ سر الْمُشكل فَجعل يشْرَح الْقَصَص فصلا فصلا بمقول قَائِل يَقُول فصلا وَكلما ذكره أصلا أصلى لم يبْق لمُوسَى عين ترَاهُ أصلا وَكلما سل من حر للعتاب نصلا صَاح لِسَان حَال مُوسَى كم نصلى فَألْقى تَفْسِير الْأُمُور على الكليم وأملى وَالْقدر يَقُول أهوَ أعلم أم لَا فَعلم مُوسَى ويوشع أَي عبد أما مُنْذُ ابْتَدَأَ بالشرح بأما ثمَّ أَخذ لِسَان العتاب يذكر منسى مُوسَى أتنكر خرق سفينة لظَاهِر افساد تضمن ضمنه صَلَاح {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} أَو تنكر إِتْلَاف شخص دنى لإبقاء دين شَخْصَيْنِ أَو كرهت إِقَامَة الْجِدَار لشح أهل الْقرْيَة بالقرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أفاردت من الأصفياء مُعَاملَة البخلاء بالبخل أما تلمحت سر صل من قَطعك لقد أنْكرت مَا جرى لَك مثله حذرت يَوْم السَّفِينَة من الْغَرق فَصحت بانكار {أخرقتها} أنسيت يَوْم {فألقيه فِي اليم} أنْكرت قتل نفس بِغَيْر نفس أنسيت يَوْم لَو كره نهيت عَن عمل بِلَا أجر أنسيت يَوْم {فسقى لَهما} فَلَمَّا بَان الْبَيَان خرج الْخضر من بَاب دَار الدَّعْوَى وَأخرج يَده من ملك التَّصَرُّف وأحال الْحَال على الْغَيْر {وَمَا فعلته عَن أَمْرِي} وَهَذِه الْقِصَّة قد حرضت على جمع رَحل الرحيل فِي طلب الْعلم وَعلمت كَيْفيَّة الْأَدَب فِي كف كف الِاعْتِرَاض على الْعَالم وَصَاح فصيح نصيحها بِذِي اللب دع دعواك فعلى دَعْوَى الكليم ليم وَفَوق كل ذِي علم عليم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الْفَصْل السَّادِس عشر فِي قصَّة بلعام ومُوسَى أَيهَا المتعبد خف من الْفِتَن وَلَا تأمن كم قد أَخذ آمن من مأمن أَنه لم ينج من غطامط بَحر الْفِتَن الْأَعْظَم حَافظ الِاسْم الْأَعْظَم بل عَام بلعام رفل فِي حلل النعم كالنعم غافلا يتعامى عَن النعم وَكَانَت بنية نِيَّة تَعب تعبده على رمل الريا فجرت تحتهَا أَنهَار التجربة فانهار بنيانها فتخرب كَانَ على دِينَار دينه ورقة رقة فأعجب نضره نواظر الناظرين فَلَمَّا حكه المنتقد على حجر الْحجر افتضح بَين أهل الحجى وَكَانَ ظَاهره لثقا بالتقى وباطنه باطية لخمر الْهوى فَلَقَد خبأ الخبايث فِي طي الطويات فَلَمَّا أَرَادَ الْمُقدر تَنْبِيه جَاره على جوره تقدم إِلَى الْقدر بهتك ستره فآتاه وَهُوَ فِي عقر عقار الْهوى يعاقر عقار الريا وَقد رفعت عقيرتها عَاقِر الْفَهم إِلَى أَن عقر بعقر قلبه فَعَاد عقيرا فَدَعْهُ الْقدر إِلَى صف صفصف الدَّعْوَى وَأرْسل عَلَيْهِ لاصراره صَرْصَر الْعجب فمزقت جِلْبَاب التَّعَبُّد فصيره عصفها عصفا فانكشف عوار عَوْرَته فعوى فَإِذا بِهِ كلب عقور وقصة إقصائه أَن الْقدر سَاق الكليم إِلَى محاربة فساق بلدته فَقَالُوا لَهُ اشحذ مُوسَى الدُّعَاء على مُوسَى فمج فوه مجمجمة التمنع فخوفوه بنحت خَشَبَة فخشته خشيَة الْخلق فَخرج حَتَّى أَتَى على اتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 فَلَمَّا قفا وقفت ليقف سير عزمه فضرى بضربها حَتَّى أضربها فَقَامَتْ فِي المحجة تَتَكَلَّم بِالْحجَّةِ عَلَيْهِ لم تضربني وَهَذِه نَار تمنع الْمَاشِيَة الْمَشْي فَرجع إِلَى ملكهم فَأخْبرهُ خَبره وَمَا نقل العتب الْمَقْصُود وَلَا خَبره فلجأ الْملك صلب عزمه إِلَى أَمر صلب أما الدُّعَاء عَلَيْهِم وَأما الصلب فَخرج فَاتبعهُ الشَّيْطَان فَمَا كَانَ إِلَّا أَن بلغ الْمَكَان {فَكَانَ من الغاوين} تالله مَا عدا عَلَيْهِ الْعَدو إِلَّا بعد أَن تولى عَنهُ الْوَلِيّ فَلَا تَظنن أَن الشَّيْطَان غلب وَإِنَّمَا العاصم أعرض وَإِن شَككت فاسمع هَاتِف الْقدر مخبرا عَن عزة الْقَادِر {وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الْفَصْل السَّابِع عشر فِي قصَّة قَارون كَانَ قَارون غَايَة فِي فقهه وفهمه وَكَانَ فِي النّسَب إِلَى مُوسَى ابْن عَمه فَلَمَّا فاضت الدُّنْيَا عَلَيْهِ فاضت نفس علمه وَكَانَت مقاليد خزاين خزاياه وقرستين بغلا غير أَن الَّذِي فَاتَهُ بِمَا ناله أَعلَى وأغلى سحب ذيل {فبغى} فَقَامَ قومه قومة بزجر {لَا تفرح} والقوا إِلَيْهِ نصائح {وابتغ} {وَلَا تنس} {وَأحسن} {وَلَا تَبْغِ} فَركب يَوْمًا فِي وَقت اقتداره فِي أَرْبَعَة آلَاف مقَاتل وسم الْهوى يعْمل فِي الْمقَاتل وَركب مَعَه فِي معمعته ثَلَاثمِائَة جَارِيَة وَقد أنساه سفه الأمل أَن سفينة الْأَجَل جَارِيَة فَلَمَّا غلا وَعلا حط إِلَى حضيض {فَخَسَفْنَا بِهِ} فَقَالَ الجاهلون إِنَّمَا بَادر مُوسَى بادرته لأخذ بدرة بيدارة فَقَالَ حَاكم الْغَيْب لإِزَالَة الريب {وَبِدَارِهِ} فَقَالَ مُوسَى يَا أَرض خذيه فاستخذت لأَمره فسرت بسريره فَنَاشَدَهُ قَارون بالرحم فَمَا رحم فَأَخَذته لتقدمه حَتَّى غيبت قدمه فَمَا زَالَ يردد القَوْل حَتَّى غَابَ الغبي الْغَنِيّ وَأَنه ليخشف بِهِ كل يَوْم قدر قامة فَلَا تَظنن أَن ذمّ الْجَزَاء قد رقي مَه أَن الدُّنْيَا إِذا طلعت على الطغام تطغى وَإِذا بغى نِكَاحهَا على العفاف تبغى ثمَّ أَنَّهَا تقصد هلك محبها وتبغى وَكم عذلت فِي فتكها بالفتى الفتي وتلغي أما دردرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فغرت فَلَمَّا فرغت فغرت فاها فرغت للظعن أما سحبت قُرُون قَارون مَعَ أقرانه إِلَى الْقُرْآن فِي قرن أما كفكفت كف مكفوف محبها فارتك فن مَا يكون فِيك فِي كفن تالله لقد لَقِي الغبي الْغَنِيّ غب غبواته فَلَمَّا انجلى غيهب غيمه رأى الْغبن والغبن نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الْفَصْل الثَّامِن عشر فِي قصَّة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لما حلي دَاوُد حلية النُّبُوَّة ولقن فصل فصل الْخطاب أطرب شدو شكره سمع الْقبُول فمتعه اقطاع {يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير} فَأَعْجَبتهُ سَلامَة الْعِصْمَة فتجهز للإجهاز على جرحى الزلل فَرَمَاهُمْ بِسَهْم لَا نغفر للخطائين وَالْقدر قد أترع لَهُ مِمَّا سيعض لَهُ الأنامل ملْء الْإِنَاء فَابْتلى بالذنب حَتَّى نكس رَأس الرياسة على عتبَة الذل ودب إِلَى دَاوُد الْمعاصِي دَبِيب الدبا من حَيْثُ مَا دبر رَمَاه سهم ليَالِي الْقَضَاء فِي درع ليَالِي الْفِتَن فَقضى عَلَيْهِ فَمَا قدر على رده وَقدر فِي السرد (وَإِذا رامي الْمَقَادِير رمى ... فدروع الْمَرْء أعوان النصال) ظن لقُوَّة لقُوَّة عصمته لِقَاء قرن الْهوى فلاحت لَهُ فِي حمى دَعْوَاهُ حمامة من ذهب فَذهب يصيدها فَوَقع فِي عين شرك عينه للمهيار (ظن غَدَاة الْخيف أَن قد سلبها ... لما رمى سَهْما وَمَا أجْرى دَمًا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 (فَعَاد يستقري حشاه فَإِذا ... فُؤَاده من بَينهَا قد عدما) (لم يدر من أَيْن أُصِيب قلبه ... وَإِنَّمَا الرَّامِي درى كَيفَ رمى) طَاف على بَابه طَبِيب الألطاف فَأَرَادَ اسْتِخْرَاج النصل من بَاطِن الشغاف فَجَثَا على عتبَة عتابه باعتوبة {خصمان} فَقضى على نَفسه فِي صَرِيح {لقد ظلمك} فَبينا هُوَ يُلَاحظ لفظ الْقَضِيَّة المعا مَعًا مَعَاني الْمعاصِي فَفطن ففت بالفتى الفاتن فتن فتياه {وَظن دَاوُد أَنما فتناه} فَنزل عَن مركب الْعِزّ إِلَى مس مَسْجِد الذل وافترش فرَاش من قد اسا فِي دَار الأسا وخلع خلع الْفَرح لجلباب الْحزن وزر زرزر مانقة الْخَوْف على شعار القلق فاسكت الحمايم بنوحه وشغلها عَن صدحها بِصَوْتِهِ فَبَالغ حريق النَّدَم فِي سويدا قلبه واقلق الأفئدة بشجى شجنه وَمَات خلق كثير من الْحلق بترنم شجوه وصوته وَشرب عرق العشب من عين عينه وحشى سَبْعَة فرش رَمَادا ثمَّ رمى دَاء الحشا بعد أَن فرشها فرشها وَكَانَ يَقُول فِي مناجاته الهي خرجت أسأَل أطباء عِبَادك أَن يداووا لي جرح خطيئتي فكلهم عَلَيْك يدلني الهي أمدد عَيْني بالدموع وضعفي بِالْقُوَّةِ حَتَّى ابلغ رضاك عني (يَا من تجنب صبري من تجنبه ... هَب لي من الدمع مَا أبْكِي عَلَيْك بِهِ) (حَتَّى مَتى زفراتي فِي تصاعدها ... إِلَى الْمَمَات ودمعي فِي تصوبه) (ولي فؤاد إِذا لج الغرام بِهِ ... هام اشتياقا إِلَى مقيا معذبه) مازال يغسل الْعين من عين الْعين ولسان العتاب يَقُول يَا بعد اللقا وَكلما رفع قصَّة غُصَّة جَاءَ الْجَواب بِزِيَادَة الجوى وَهُوَ يستغيث وينادي حَتَّى أقلق الْحَاضِر والبادي (إِن شفيعي إِلَيْك مني ... دموع عَيْني وَحسن ظَنِّي) (فبالذي قادني دَلِيلا ... إِلَيْك الا عَفَوْت عني) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الْفَصْل التَّاسِع عشر فِي قصَّة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مَعَ بلقيس ركب سُلَيْمَان يَوْمًا مركب الرّيح فراحت بوادره على وَادي النَّمْل فندت نملة فنادت أخواتها بِنِدَاء {لَا يحطمنكم} ثمَّ قَامَت فأقامت لعدله عذر {وهم لَا يَشْعُرُونَ} فَحَملته أريحية سكر الشُّكْر على طرب {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا} وَذَلِكَ أَنَّهَا بِلَفْظَة {يَا} نادت {أَيهَا} نبهت {النَّمْل} عينت {ادخُلُوا} أمرت {مَسَاكِنكُمْ} نصت {لَا يحطمنكم} حذرت {سُلَيْمَان} خصت {وَجُنُوده} عَمت {وهم لَا يَشْعُرُونَ} عذرت فَلَمَّا فصل طالوت ملكه بالجنود عَن وَادي النَّمْل وَقع فِي مفازة لَا يرى فِيهَا على مَاء علما فَجَاشَ جاش الْجَيْش لفقرهم فِي القفر إِلَى المَاء الما وَكَانَ الهدهد يدلهم على المَاء فَغَاب فتواعده بِلَفْظ {لأعذبنه} فجَاء ببهت ذكي {أحطت بِمَا لم تحط بِهِ} فَحَمله كتابا فَأَلْقَاهُ من قاره بمنقاره فرأت اليقظى بيقظان فهمها كتابا مَخْتُومًا كلَاما عجيبا وحاملا غَرِيبا فصادها الْعقل والفهم فصاداها فاستشارت قَومهَا فاوموا إِلَى الْحَرْب بِلَفْظ {نَحن أولُوا قُوَّة} فَعلمت أَن من جنده الطير لَا يُقَاوم وَبعثت مَا يفرق بِهِ بَين الدعْوَة وَالدَّعْوَى {وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية} وَاعجَبا لِلذَّهَبِ إِذا ذهب سَهْمه لَا يخطى وللرشا إِذا رَشَّتْ مزالق أَقْدَام الْعُقُول لَا تبطي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 (لَا يغرنك من الْمَرْء ... إِزَار رقعه) (وقميص فَوق كَعْب ... السَّاق مِنْهُ رَفعه) (وجبين لَاحَ فِيهِ ... أثر قد خلعه) (أره الدِّرْهَم تعرف ... غيه أم ورعه) فَلَمَّا بَدَت هوادي هديتها صَاح سُلَيْمَان بعز {أتمدونن بِمَال} فَلَمَّا صَحَّ عِنْدهَا مَا يدعوا إِلَيْهِ وَثَبت وَثَبت على أَقْدَام الطّلب وَهَيَّأْت مراكب الْقَصْد ورحلت فِي هجير شمس الْهدى على نَجَائِب الْهِجْرَة فَلَمَّا سمع سُلَيْمَان برحيلها أَرَادَ تَقْوِيَة دليلها فَنَادَى فِي نَادِي عفاريته مستعرضا جند بطشها {أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا} فَلَمَّا جئ بِهِ ستره بقرام {نكروا} ثمَّ ابتلاها ليرى ذكاها {أهكذا عرشك} ثمَّ صرح بِلَفْظ {ادخلي الصرح} فَشبه لَهَا لِضعْفِهَا عَن لطافة كاس سَاقيهَا فَكشفت عَن سَاقيهَا فَلَمَّا وصلت وسلمت أسلمت فَسلمت وحلت قبل أَن حلت نطاق النُّطْق فَنثرَتْ خَرَزَات نظامه على نظم الْعذر {إِنِّي ظلمت نَفسِي وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الْفَصْل الْعشْرُونَ فِي قصَّة مَرْيَم وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام كَانَت أم مَرْيَم حنة قد حنت إِلَى ولد فَكبر عَلَيْهَا امْتِنَاعه وَاسْتولى الْكبر فرأت يَوْمًا طائرا يغذو فرخا فَرحا فرجى أملهَا اليؤوس فرجا فرجا فَسَأَلت عِنْد هَذِه الْقَضِيَّة ولديها ولدا فَلَمَّا علمت بِالْحملِ أكسبها السرُور وَلها فَوَهَبته بِلِسَان النّذر لمن وهبه لَهَا فَقَالَ الْقدر يَا ملك التَّصْوِير صور الْحمل أُنْثَى ليبين أثر الْكَرم فِي قبُول النَّاقِص فَلَمَّا وَضَعتهَا وَضَعتهَا بأنامل الانكسار عَن سَرِير السرُور فَإِن لِسَان التلهف لما ألْقى على الفايت {إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى} فجبر كسرهَا جَابر {فتقبلها} وسَاق عنان اللطف إِلَى سَاق زَرعهَا فربا فِي رَبِّي {وأنبتها} فَانْطَلَقت بهَا الْأُم تأم بَيت الْمُقَدّس فَلبس الْقَوْم لامهم فِي حَرْب {يلقون أقلامهم} فَثَبت قلم زَكَرِيَّا إِذا وَثَبت الأقلام فكفتها وكفلها فَأرَاهُ الْمُسَبّب غناها عَن السَّبَب بأية {وجد عِنْدهَا رزقا} فرباها من رَبهَا فَنَشَأَتْ لَا ترى إِلَّا رَبهَا فانتبذت يَوْمًا من أَهلهَا فَأقبل نَحْو ذَلِك الْبري الْبري بريد {فَأَرْسَلنَا} فتحصنت الحصان بحصن {إِنِّي أعوذ} فانزوى إِلَى زَاوِيَة {إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك} واخبرها بالتحفة فِي لفظ {لأهب} فأقيمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 فأقيمت فِي مهب ريح الرّوح فتنفست الْكَلِمَة من كمين الْأَمر فَنفخ جِبْرِيل فِي جنب الدرْع جيب فمرت الْمَرْأَة حَامِلا فِي الْوَقْت فَلَمَّا علمت ألمت بِمَا حمل عَلَيْهَا الْحمل فأخرجها الْحيَاء الْحَيّ عَن الْحَيّ فَلَمَّا فاجأها وَقت الْوَضع فاجأها الْمَخَاض إِلَى الْجذع تحيرت من وجود ولد وَمَا فجرت فجرت عين الدمع فصاح لِسَان الخفر بِلَفْظ النّدب {يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا} فأجابها الْملك عَن أَمر من ملك {أَلا تحزني} وأجرى لَهَا فِي أواني الأوان سرى كَمَا وهب لَهَا من الغلمان سرى فسرى عَن سرها وجود الظُّهُور وَأنس الظَّاهِر فسرا وأريت أَيَّة تدل على من قدر الْقُدْرَة فِي مقَام {وهزي} فهزت جذم جذع مايل مثل الْحَطب فتساقط عَلَيْهَا فِي الْحَال رطب الرطب فَأَخذهَا الجوى فِي إعداد الْجَواب فَقيل لَهَا {كلي} كل الْكل إِلَى من لَهُ الْكل كنت بمعزل من وجود الْوَلَد فكوني بمعزل من إِقَامَة الْعذر فَالَّذِي تولى إيجاده يُقيم عذر العذرا لَا تعجبي من وجود حمل سَافر عَن أَرض الْقُدْرَة فَلم يصلح أَن ينزل إِلَّا بمنزل أَرْكَانه على عمد {إِن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك} فَلَمَّا سكتت وسكنت بعد أَن قعدت وَقَامَت أَقَامَت أَيَّام النّفاس فانقضت وفاتت {فَأَتَت بِهِ قَومهَا تحمله} فَنَادوا من أندية التوبيخ إِذْ مَا شاهدوا قطّ أُخْتهَا {يَا أُخْت هَارُون} فاضجروا مَرِيضا قد ضنى من أَنِين {إِنِّي} على فرَاش {يَا لَيْتَني مت} فَلَمَّا شارت أرى الرَّأْي أشارت إِلَيْهِ فَأخذت أَلْسِنَة تعجبهم تعج بهم {كَيفَ نُكَلِّم} فَكَأَنَّهَا قَالَت لَهُم أَنا طَرِيق وَهَذَا مر بِي وَالْمُسَافر يسْأَل عَن الطَّرِيق لَا الطَّرِيق عَن الْمُسَافِر فَقَامَ عِيسَى يمخض أوطاب الْخطاب على مِنْبَر الخطابة فأبرز بالمخض مَحْض إبريز الْإِقْرَار {إِنِّي عبد الله} وأومى إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وجوده من غير أَب فِي إِشَارَة {وَبرا بوالدتي} وَكَانَت وَاسِطَة عقده {وَمُبشرا برَسُول} فَلَمَّا تمّ لَهُ سنّ الشَّبَاب جلس على بَاب المعجزة يُعْطي الْعَافِيَة الْعَافِيَة وَيُبرئ الأكمة والأبرص فَرُبمَا الفى بِبَابِهِ خمسين ألفا يؤمونه فِي كل يَوْم وَلَقَد فرك الدُّنْيَا فَطلقهَا أَي تطليق وأبغضها وَلَا كبغض الرافضي الصّديق فَغَزَاهَا بجند الزّهْد بَين مسرح وملجم وفتك بهَا كَمَا فتك بالتقى ابْن ملجم مَا الْتفت إِلَيْهَا قطّ وَجه عزمه وَلَا صافحها يَوْمًا كف قلبه وَلَا غازلها يَوْمًا لِسَان فكره فَلم يعرف حَقِيقَة مَا حوى سوى الحواريين فشمروا عَن سَاق العزائم فِي سوق بدن الْأَبدَان إِلَى منى المنى تحن بِلَفْظ {نَحن أنصار الله} وَكَتَبُوا فِي عقد العقايد {آمنا بِاللَّه} فعدلوا بهَا إِلَى عدل {واشهد بِأَنا مُسلمُونَ} ثمَّ أَن الْيَهُود اجْتَمعُوا فِي بَيت {ومكروا} فزلزل عَلَيْهِم بيد {ومكر الله} فَدخل عِيسَى خوخة فَدخل خَلفه ذُو دخل فَألْقى عَلَيْهِ شبهه فحاق بِالْمَرْءِ مر مُرَاده وَصَاح فِيهِ حَاكم الْقدر جود مراقيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الْفَصْل الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي قصَّة يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام لما قَامَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام بِإِقَامَة الْإِقَامَة لِمَرْيَم رأى وَكيل الْغَيْب يسْبقهُ بالإنفاذ على يَد الْقُدْرَة فِي كن كن وَكَانَ إِذا خرج ثمَّ جَاءَ فاجأ ثمَّ الثِّمَار قد نمت فكم قد ألفى ألفاف الْفَاكِهَة الفايقة لَا فِي حينها فتلمح بِعَين زرقاء الْفَهم فَرَأى نَفَقَة الْجَارِيَة جَارِيَة وكيس الْأَسْبَاب على خَتمه فصاح لِسَان الدهش {أَنى لَك هَذَا} فأحالت الْحَال على الْمُسَبّب {هُوَ من عِنْد الله} فنبهت هَذِه الْآيَة رَاقِد طمعه بعد أَن أَطَالَ وسنه سبعين سنة فسن على سنة وَجهه مَاء رَجَاء مَاء آسن مِمَّا لم يتسنه وَقَامَ الدردح بعد أَن تقعوس وتسعسع وَعَسَى على بَاب عَسى فِي محراب {دَعَا زَكَرِيَّا ربه} فسرى بسره سرا لِئَلَّا ينْسب إِلَى فن من أفن وَكتب قصَّة {لَا تذرني فَردا} وشكا مَا شيك بِهِ مِمَّا حل من حل التَّرْكِيب وشيكا فِي كَلِمَات هن {وَهن الْعظم مني} فَلَمَّا أورد فِي قصَّته مَا يُرِيد حملهَا بريد الرَّجَاء إِلَى من عود الْعود الْعود فكشف الجوى فِي الْجَواب لله دره خدم حَتَّى شَاب ثمَّ طلب نايبا على الْبَاب فَأصْبح ميت أمله بِوُجُود يحيي فَمشى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 لمشاهدة وَجه الْقُدْرَة وَقد حَال بَينهمَا سفر الْعَادَات إِلَى أَن لفظ بِلَفْظ {إِنِّي} وهتف بِهِ هَاتِف {هُوَ عَليّ هَين} فَسَأَلَ علما على مَا يعلم بِهِ وجود الْحمل لحمل نَفسه على الشُّكْر فوعد بسجن اللِّسَان مَعَ سَلامَة اللِّسَان إِلَّا عَن ذكر الرَّحْمَن ليَكُون حج نطقه مُفردا فَلَمَّا ولد لَهُ يحيى لم يبلغ مبلغ يافع إِلَّا وَهُوَ ولد نَافِع كَانَ صبا الصِّبَا تميل بالصبيان وَلَا تهزه فَإِذا قَالُوا لَهُ هَلُمَّ بِنَا فلنلعب قَالَ إِنَّمَا خلقنَا للتعب لَا للعب فَقَط لَهُ الْقدر قطا من عِصَام الْعِصْمَة مَا قطّ لأحد فَمَا خطا إِلَى خطأ وَلَا هم وَلَقَد رمى الدُّنْيَا عَن يَد التَّمَسُّك وَعلا عَن فضولها على قلل التقلل فَكَانَ عَيْش عيشه العشب واقتنع بمسوك الْحَيَوَان عَن السب والشف والمشبرق وشغله عَن رقش نقش القشيب والدمقس مَا لف مِمَّا لفق وَلَقَد دوى فِي دو فُؤَاده غيم الْغم فغدا الغدق يدق إِلَى أَن فاض قليب قلبه فَانْقَلَبت عَيناهُ بقلب كالعيون حَتَّى فرت فحفرت فِي أخدُود الخدود مجْرى وَلم يزل معول دمعه يحْفر ركية خَدّه حَتَّى بَدَت فِيهِ أضراس فِيهِ يَا عجبا من بكاء من مَا عصى وَلَا هم وَضحك من كِتَابه بِالذنُوبِ قد إدلهم فَلَمَّا قَارب الْوَفَاة وَفَاتَ الْعَدو علم من آفَات النَّقْل فِي المواطن الْمَخْصُوصَة بوحش الوحشة فتخلص فِيهَا من أَسد الْبلَاء كَمَا حمى من ذَنْب الذَّنب {يَوْم ولد وَيَوْم يَمُوت وَيَوْم يبْعَث حَيا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الْفَصْل الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِي قصَّة أهل الْكَهْف كَانَ رقم {كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان} قد علا على كَهْف قُلُوب أهل الْكَهْف فَلَمَّا نصب ملكهم شرك الشّرك بِأَن لَهُم خيط الفخ فَفرُّوا وَخَرجُوا من ضيق حصر الْحَبْس إِلَى الفضاء فضاء لَهُم فَمَا راعهم فِي الطَّرِيق إِلَّا رَاع وافقهم فرافقهم كَلْبه فَأخذُوا فِي ضربه لكَوْنهم لَيْسُوا من ضربه فصاح لسلط حَاله لَا تطردوني لمباينتي جنسكم فَإِن معبودكم لَيْسَ من جنسكم أَنا فِي قَبْضَة إيثاركم أَسِير أَسِير إِن سِرْتُمْ وأحرس إِن نمتم فَلَمَّا دخلُوا دَار ضِيَافَة الْعُزْلَة اضطجعوا على رَاحَة الرَّاحَة من أَرْبَاب الْكفْر فغلب النّوم الْقَوْم {ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادوا تسعا} وَكَانَت الشَّمْس تحول عَن حلتهم لحراسة حلتهم من بلَاء بلي وأعينهم مَفْتُوحَة لِئَلَّا تذوب بأطباق الأطباق وَيَد اللطف تقلب أَجْسَادهم لتسلم من أفن عفن وَجَرت الْحَال فِي كلبهم على مَا جرت بهم فَكَأَنَّهُ فِي شرك نومهم قد صيد {بالوصيد} فَخرج الْملك بجم جمعه فِي طلابهم فَإِذا بهم فسد الْبَاب وَمَا وعى على وعَاء مسك فأضاع حَتَّى ضَاعَ بيد الْملك فِي بيد الهلك فانساب رَاع إِلَى سبسبهم فَفتح بَاب الْكَهْف ليحوز الْغنم فَهَب الْهَوَاء الراقد فترنم أحدهم بِلَفْظ {كم لبثتم} فَأَجَابَهُ الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 {يَوْمًا} ثمَّ رأى بَقِيَّة الشَّمْس نقية فاتقى بالورع ورطات الْكَذِب فَعَاد يتبع اوب {أَو بعض يَوْم} فَلَمَّا قَفَلُوا من سفر النّوم إِلَى ديار الْعَادة زَاد تقاضي الطَّبْع بالزاد فَخرج رئيسهم فِي ثوب متنكر فضلت مَعْرفَته الْمعَاهد فاقبل يتهم الْيَقَظَة فَمد إِلَى بَايع الطَّعَام بَاعه فَمَا بَاعه وَظن أَنه قد وجد كنزا وَلَقَد وجد كنز {وزدناهم هدى} فَحَمله الْقَوْم إِلَى الْوَالِي فَقَالَ إِنَّه لمالي فَمَا لكم وَمَالِي كُنَّا فتية أكرهنا على فتْنَة فخرجنا عَشِيَّة أمس فنمنا فِي بَاطِن كَهْف فَلَمَّا انتبهنا خرجت لابتاع لِلِاتِّبَاعِ قوت الْوَقْت فَسَار الْقَوْم مَعَه فِي عَسْكَر التَّعَجُّب فَسمع اخوانه جلبة الْخَيل فِي حلبة الطّلب فتجاوبوا بِأَصْوَات التوديع وَقَامُوا إِلَى صَلَاة مُودع فَدخل تمليخا فَقص عَلَيْهِم نبأهم فعادوا إِلَى مَوَاضِع الْمضَاجِع فوافتهم الْوَفَاة وَفَاتَ لقاؤهم وسدلت عَلَيْهِم حجاب الرعب كف {لَو اطَّلَعت} اخواني لَيْسَ الْعجب من نَائِم لم يعرف قدر مَا مر من يَوْمه وَإِنَّمَا الْعجب من نَائِم فِي يقظة عمره (أما وَالله لَو عرف الْأَنَام ... لما خلقُوا لما غفلوا وناموا) (لقد خلقُوا لما لَو أبصرته ... عُيُون قُلُوبهم ساحوا وهاموا) (ممات ثمَّ قبر ثمَّ حشر ... وتوبيخ وأهوال عِظَام) (ليَوْم الْحَشْر قد خلقت رجال ... فصلوا من مخافته وصاموا) (وَنحن إِذا أمرنَا أَو نهينَا ... كَأَهل الْكَهْف أيقاظ نيام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الْفَصْل الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي بداية أَمر نَبينَا ورضاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أرْضى الأَرْض أَرضًا وأصفى الْأَوْصَاف وَصفا وصين آباؤه من زلل الزِّنَا إِلَى أَن صدفت بِتِلْكَ الدرة صدفة آمِنَة فَوَثَبت لرضاعه ثويبة ثمَّ قَضَت بَاقِي الدّين حليمة فَقَامَ نَبَاته مستعلجا على سوقه مستعجلا قيام سوقه فَنَشَأَ فِي حجر الْكَمَال كَمَا نَشأ فشأى من شأى منشأ قدمت حليمة والجدب عَام فِي الْعَام فَعرض على المرضعات فأبين لليتم فراحت بِهِ حليمة إِلَى حلتها فَثَابَ لَبنهَا وَلبن راحلتها فَبَاتُوا الْبركَة رُوَائِهِ رواء وهب على مباركهم نسيم نسمَة مباركة فَلَمَّا ظعنت الظعاين أَتَت اتانها تؤم أَمَام الركب فَلَمَّا حلوا حللهم كَانَت الرعاء تسرح فيعفرها سرحان الجدب وراعي حليمة يُعِيد الْغنم بالغنم فَبينا الصَّبِي مَعَ الصّبيان هبت صبا الْجَبْر بِجِبْرِيل فَجَاءَهُ فَجْأَة فشق عَن الْقلب ثمَّ شقَّه وَمَا شقّ عَلَيْهِ فعلق بِيَدِهِ من باطية بَاطِنه علقَة فَقَالَ هَذَا حَظّ الشَّيْطَان وَقد قَطعنَا علقه ثمَّ أعَاد قلبه بعد أَن قلبه وَمَا بِهِ قلبة فَبَقيَ أثر الْمخيط فِي صَدره بَاقِي عمره لإِظْهَار سُورَة {ألم نشرح} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فَلَمَّا بلغ سِتّ سِنِين ألوى الْمَوْت بالوالدة فجد فِي كفَالَته الْجد ثمَّ طلب الْمَوْت عبد الْمطلب فَمَا أَبى الطَّالِب وَلَا اشْتغل بأوصابه حَتَّى أوصى بِهِ أَبَا طَالب فَخرج بِهِ وَقد زانه كالتاج تَاجِرًا فَتَيَمم باليتيم منزل تيماء فَرَآهُ بحيراء ببحرته فَقَرَأَ سمات النُّبُوَّة من شمايل {يعرفونه} فَشَام برق فَضله فلاح من شِيمَة شامته فَقَالَ لِعَمِّهِ احفظ هَذِه الشامة من شامت وَمَا زَالَ نشره يضوع وَلَا يضيع إِلَى أَن تمخضت حَامِل النُّبُوَّة فِي ابان التَّمام وآثر الطلق طَلَاق الْخلق فتحرى غَار حراء للفراغ فرَاغ إِلَيْهِ الْملك فَأَغَارَ حَبل الْوِصَال فِي ذَلِك الْغَار فَأَفَاضَ عَلَيْهِ حلَّة {اقْرَأ} فَأَفَاضَ إِلَى حلَّة زَمِّلُونِي فسكنت خَدِيجَة غَلَّته بعلة إِنَّك لتصل الرَّحِم ثمَّ انْطَلَقت بِهِ إِلَى ورقة فَقَرَأَ من ورقة سيماه نقش فَضله فتيقظ لفهم أمره إِذْ نَامُوا فَقَالَ هَذَا الناموس الَّذِي نزل على مُوسَى وَلَقَد عرفه الْأَحْبَار فِي الكنايس والرهبان فِي الصوامع وانذر بِهِ الرئى وَأخْبر بِهِ التَّابِع فَكَانَت تسلم عَلَيْهِ قبل النُّبُوَّة الْأَحْجَار وتبشره بِمَا أولاه مَوْلَاهُ الْأَشْجَار وَكَانَ خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ وسرايا الرعب تتْرك كسْرَى كالكسرة بَين يَدَيْهِ ألبس أهاب الهيبة وتوج تَاج السِّيَادَة وضمخ بأذكى خلوق أزكى الْأَخْلَاق واحل دَار المدراة واجلس على صفحة الصفح ولقم لقم لُقْمَان الْحَكِيم وَوضعت لَهُ أكواب التَّوَاضُع وأديرت عَلَيْهِ كؤوس الْكيس متضمنة حلاوة الْحلم ختامها مسك النّسك واعطى لقطع مفازة الدُّنْيَا جواد الْجُود ونوول قلم الْعِزّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 فَوَقع على صَحَائِف الكد كل عمل لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد كَانَ يعود الْمَرِيض ويجيب دَعْوَة الْمَمْلُوك وَيجْلس على الأَرْض ويلبس الخشن وَيَأْكُل البشع ويبيت اللَّيَالِي طاويا يتقلب فِي قَعْر الْفقر ولسان الْحَال يُنَادِيه يَا مُحَمَّد نَحن نضن بك عَن الدُّنْيَا لَا بهَا عَنْك وَلَقَد شَارك الانبياء فِي فضائلهم وَزَاد أَيْن سطوة {لَا تذر} من حلم {اهد قومِي} أَيْن انْشِقَاق الْبَحْر من انْشِقَاق الْقَمَر أَيْن انفجار الْحجر من نبع المَاء من بَين الْأَصَابِع أَيْن التكليم عِنْد الطّور من قاب قوسين أَيْن تَسْبِيح الْجبَال فِي أماكنها من تقديس الْحَصَى فِي الْكَفّ أَيْن علو سُلَيْمَان بِالرِّيحِ من لَيْلَة الْمِعْرَاج أَيْن إحْيَاء عِيسَى الْأَمْوَات من تكليم الذِّرَاع كل الْأَنْبِيَاء ذهبت معجزاتهم بموتهم ومعجزة نَبينَا الْأَكْبَر قَائِمَة على منار {لأنذركم بِهِ وَمن بلغ} تنادي {فَأتوا بِسُورَة من مثله} وَلَقَد أعرب عَن تقدمه من تقدمه آدم وَمن دونه تَحت لِوَائِي لَو كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حيين مَا وسعهما إِلَّا اتباعي فَإِذا نزل عِيسَى صلى مَأْمُوما لِئَلَّا يدنس بغبار الشُّبْهَة وَجه لَا نَبِي بعدِي فَهُوَ أول النَّاس خُرُوجًا إِذا بعثوا وخطيب الْخَلَائق إِذا وفدوا ومبشر الْقَوْم إِذا يأسوا الْأَنْبِيَاء قد سكتوا لنطقه والأملاك قد اعْتَرَفُوا بِحقِّهِ وَالْجنَّة وَالنَّار تَحت أمره والخزان داخلون فِي دَائِرَة حكمه وَكَلَام غَيره قبل قَوْله لَا ينفع وَجَوَاب الحبيب لَهُ قل تسمع فسبحان من فض لَهُ من الْفَضَائِل مَا فَضله وَكسب من حلل الْفَخر الجم مَا جمله جمع الله بَيْننَا وَبَينه فِي جنته وَأَحْيَانا على كِتَابه وسنته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الْفَصْل الرَّابِع وَالْعشْرُونَ قصَّة الْغَار وَالصديق لما أغارت قُرَيْش خيل الْحِيَل على الرَّسُول خرج إِلَى غَار لَو دخله غَيره كَانَ غررا فغريت قُرَيْش بِالطَّلَبِ فَنَبَتَتْ شَجَرَة لم تكن قبل قبل الْبَاب فأظلت الْمَطْلُوب وأضلت الطَّالِب وَجَاءَت عنكبوت فَسدتْ فَسدتْ بَاب الطّلب حاكت وَجه الْغَار فحاكت ثوب نسجها فحاكت سترا ثمَّ حمى اللطف الحمن بحمامتين فَمَا كَانَ إِلَّا أَن سكنتا من الْغَار فَمَا فَمَا بَان الْمُسْتَتر فاتخذتا عشا فغشى مَا غشى من غشاء العشا على أبصار المقتفين فصاروا كالأعشى فرَاغ الاعداء نَحْو تِلْكَ النَّاحِيَة فَرَأَوْا دَلِيل فرَاغ الْغَار الْغَار فعادوا عَن من عَادوا عودا بحتا بِلَا بخت فَقَالَ الصّديق عَن حر الوجد لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرنَا فَقَالَ مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما فَلَمَّا رحلا لحقهما سراقَة فسرقت الأَرْض قوايم فرسه فَلَمَّا رأى أَرضًا صَلدًا قد فرست الْفرس فرست إِلَى بَطنهَا بِبَطْنِهَا أشربت نَفسه علم الْيَقِين بظنها فَأخذ يعرض المَال على من قد رد مَفَاتِيح الْكُنُوز وَيقدم الزَّاد إِلَى شبعان أَبيت عِنْد رَبِّي فجازا على خيمة أم معبد فاصحت شَاتِهَا وأصبحت تشهد فوصلا إِلَى يثرب على نَجَائِب السَّلامَة وَفَاتَ الْخَيْر مَكَّة وفاءت الْمَدِينَة بالكرامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 الْفَصْل الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي قصَّة أهل بدر لما بَادر بدر الشَّرِيعَة بِالْخرُوجِ إِلَى بدر رأى فِي أَصْحَابه قلَّة فارتقى قلَّة {وشاورهم} فَقَامَ الْمِقْدَاد عَن قَوْله قومة لحق مُتَابعَة الْمُبَايعَة فَقَالَ لَو سرت إِلَى برك الغماد لتابعناك فَمَا لبث الرَّسُول أَن صَار يطْلب بِالْخِطَابِ الْأَنْصَار فَفطن لسعادته سعد بن معَاذ فَقَالَ لَو خضت الْبَحْر لخضنا فَرَأى الْمُصْطَفى فِي الْأَعْدَاء الْعدَد وَالْعدة والتفت إِلَى الْمُسلمين فَوجدَ إِذْ مَا وجد فَاسْتقْبل قبْلَة الطّلب وَاقْتضى كَرِيمًا مَا ماطل فَانْتدبَ مدد العون بِلَا عون فاقبلت سَحَابَة تسحب ذيل النَّصْر فَسمع الْمُشْركُونَ مِنْهَا حَمْحَمَة الْخَيل فحموا وانقلبت قُلُوبهم من يحمومها حما فَنزلت الْمَلَائِكَة مَعَ الْأَلفَيْنِ جِبْرِيل فِي أَلفَيْنِ وَمِيكَائِيل فِي أَلفَيْنِ وَأسرى اسرافيل فِي ألف مرد مُردفِينَ فعدلوا كالغمايم قد سدلوا العمايم وَأرْسلت قُرَيْش رايدا فَعَاد بتأثير سالقي فحذر الْقَوْم الْعَزْل سِهَام العزايم فأثر عَتبه فِي عتبَة وَكَانَ يشيب خوفًا شيبَة وَأحكم حزَام الحزم حَكِيم بن حزَام وأبى للْجَهْل أَبُو جهل (فلزهم الطراد إِلَى قتال ... أحد سِلَاحهمْ فِيهِ الْفِرَار) (مضوا متسابقي الْأَعْضَاء فِيهِ ... لأرجلهم بأرؤسهم عثار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 فَلَمَّا قلبوا إِلَى القليب قَامَ الرَّسُول على رَأس الرس يُنَادي الرؤساء حِين رسوا بِلِسَان {فانتقمنا} عَن جَوَاب {إِن تستفتحوا} لتصديق {وينصرك الله} فِي مَضْمُون {هَل ثوب} يَا فلَان وَيَا فلَان هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا ذكر من شهد بَدْرًا على الْحُرُوف حرف الْألف أبي بن كَعْب أبي بن ثَابت أَوْس بن ثَابت أَوْس بن خولي أَوْس بن الصَّامِت أسعد بن يزِيد أنس بن معَاذ الأرقم أَرْبَد أسيرة انسة اياس حرف الْبَاء بشير بن الْبَراء بشير بن سعيد بِلَال بحاث بسبس حرف التَّاء تَمِيم بن يعار تَمِيم مولى خرَاش تَمِيم مولى بني غنم حرف الثَّاء ثَابت بن أَرقم ثَابت بن ثَعْلَبَة ثَابت بن خلد ثَابت بن عَمْرو ثَابت بن هزال ثَعْلَبَة بن حَاطِب ثَعْلَبَة بن عَمْرو ثَعْلَبَة بن غنمة ثَقِيف حرف الْجِيم جَابر بن خَالِد جَابر بن عبد الله بن رِئَاب جَبَّار جُبَير جبر حرف الْحَاء الْحَارِث بن أنس الْحَارِث بن أَوْس الْحَارِث بن خزمة الْحَارِث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ابْن ظَالِم الْحَارِث قيس الْحَارِث بن النُّعْمَان حَارِثَة بن الْحمير حَارِثَة بن سراقَة حَارِثَة بن النُّعْمَان بن رَافع حَارِثَة بن النُّعْمَان بن نفيع حَاطِب بن أبي بلتعة حَاطِب بن عَمْرو الْحباب حبيب حرَام حُرَيْث حُصَيْن حَمْزَة حرف الْخَاء خَالِد بن البكير خَالِد بن زيد خَالِد بن قيس خَلاد بن رَافع خَلاد بن سُوَيْد خَلاد بن عَمْرو خُلَيْد خباب بن الأرث خباب مولى عتبَة خبيب بن يسَاف خَارِجَة خَليفَة خُنَيْس خولي حرف الدَّال لَيْسَ فِيهِ أحد حرف الذَّال ذكْوَان ذُو الشمالين حرف الرَّاء رَافع بن الْحَارِث رَافع بن عنجدة رَافع بن الْمُعَلَّى رِفَاعَة بن رَافع رِفَاعَة بن عبد الْمُنْذر رِفَاعَة بن عَمْرو الرّبيع ربيعَة ربعي رجيلة حرف الزَّاي زيد بن اسْلَمْ زيد بن حَارِثَة زيد بن الْخطاب زيد بن سهل زيد بن وَدِيعَة زِيَاد بن كَعْب زِيَاد بن لبيد الزبير حرف السِّين سعد بن خَوْلَة سعد بن الرّبيع سعد بن سهل سعد بن عُثْمَان سعد بن مَالك سعد بن معَاذ سعد الْقَارِي سعيد بن قيس سهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 ابْن حنيف سُهَيْل بن رَافع سُهَيْل بن عتِيك سهل بن عدي سهل ابْن قيس سُهَيْل بن بَيْضَاء سليم بن الْحَارِث سليم بن عَمْرو سليم ابْن قيس سليم بن ملْحَان سليم أَبُو كَبْشَة سَلمَة بن اسْلَمْ سَلمَة ابْن ثَابت سَلمَة بن سَلامَة سَالم بن عُمَيْر سَالم مولى أبي حُذَيْفَة سراقَة بن عَمْرو سراقَة بن كَعْب سماك بن خَرشَة سماك بن سعد سِنَان بن صَيْفِي سِنَان بن أبي سِنَان سويبط سَواد بن رزين سَواد بن غرية السايب سبيع سفين سليط حرف الشين شُجَاع شماس حرف الصَّاد صَالح صَفْوَان حرف الضَّاد ضَمرَة الضَّحَّاك حرف الطَّاء الطُّفَيْل بن الْحَارِث الطُّفَيْل بن مَالك الطُّفَيْل بن النُّعْمَان حرف الظَّاء لَيْسَ فِيهَا أحد حرف الْعين عبد الله أَبُو بكر الصّديق عمر بن الْخطاب عَليّ بن أبي طَالب عبد الله بن مَسْعُود عبد الله أَبُو سَلمَة عبد الله أنيس عبد الله بن ثَعْلَبَة عبد الله بن جُبَير عبد الله بن جحش عبد الله بن الْجد عبد الله بن الرّبيع عبد الله بن رَوَاحَة عبد الله بن زيد عبد الله بن سراقَة عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 ابْن سَلمَة عبد الله بن سهل عبد الله بن سُهَيْل عبد الله بن طَارق عبد الله بن عبيد الله بن أبي عبد الله بن عبد منَاف عبد الله بن عبس عبد الله ابْن عرفطة عبد الله بن عَمْرو عبد الله بن عُمَيْر عبد الله بن قيس ابْن خلدَة عبد الله بن قيس بن صَخْر عبد الله بن مخرمَة عبد الله بن مَظْعُون عبد الله بن النُّعْمَان عبد الرَّحْمَن بن جبر عبد الرَّحْمَن بن عبد الله عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عبيد بن أَوْس عبيد بن زيد عبيد بن أبي عبيد عُبَيْدَة بن الْحَارِث عباد بن بشر عباد بن قيس عباد بن الخشخاش عبد ربه عتبَة بن أبي ربيعَة عتبَة بن زيد عتبَة ابْن غَزوَان عتبَة بن عبد الله عقبَة بن عَامر عقبَة بن وهب بن ربيعَة عقبَة بن وهب بن كلدة عمر بن اياس عَمْرو بن ثَعْلَبَة عَمْرو بن سراقَة عَمْرو بن طلق عمر بن معَاذ عمر بن أبي سرح عُمَيْر بن الْحَارِث عُمَيْر بن الْحمام عُمَيْر بن عَامر عُمَيْر بن عَوْف عُمَيْر بن مَالك عُمَيْر بن معبد عمار عمَارَة عَامر بن أُميَّة عَامر بن البكير عَامر بن الْجراح عَامر بن ربيعَة عَامر بن سَلمَة عَامر بن فهَيْرَة عَامر بن مخلد عَاصِم بن ثَابت عَاصِم بن العكير عَامر بن قيس عصيمة الْأَشْجَعِيّ عصيمة الْأنْصَارِيّ عَوْف بن أَثَاثَة عَوْف بن عفرا عَاقل عايذ عبس عدي عنترة عويم عِيَاض عُثْمَان بن مَظْعُون حرف الْغَيْن غَنَّام حرف الْفَاء الْفَاكِه وفروة حرف الْقَاف قيس بن أبي صعصعة قيس بن عَمْرو قيس بن مُحصن قيس بن مخلد قَتَادَة قدامَة قُطْبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 حرف الْكَاف كَعْب بن حماز كَعْب بن زيد كَعْب بن عَمْرو كناز حرف اللَّام لَيْسَ فِيهِ أحد حرف الْمِيم مَالك بن التيهَان مَالك بن ثَابت مَالك بن الدخشم مَالك بن ربيعَة مَالك بن عَمْرو أَبُو حَبَّة مَالك بن عَمْرو أَخُو ثَقِيف مَالك ابْن عَمْرو بن خثيمَةَ ملك بن قدامَة ملك بن مَسْعُود مَسْعُود بن خلدَة مَسْعُود بن الرّبيع مَسْعُود بن سعد الْحَارِثِيّ مَسْعُود بن سعد الزرقي معَاذ بن جبل معَاذ بن عفراء معَاذ بن ماعص الْمُنْذر بن عَمْرو الْمُنْذر بن قدامَة الْمُنْذر بن مُحَمَّد معتب بن حَمْرَاء معتب ابْن عَبدة معتب بن قُشَيْر معبد بن عبَادَة معبد بن قيس مُحرز ابْن عَامر مُحرز بن نَضْلَة معوذ بن عفراء معوذ بن عَمْرو مُبشر المحذر مُحَمَّد بن مسلمة مدلاج مرْثَد مُصعب معقل معمر معن الْمِقْدَاد مليل مهجع حرف النُّون النُّعْمَان بن ثَابت النُّعْمَان بن سِنَان النُّعْمَان بن عَمْرو النُّعْمَان ابْن عبد عَمْرو النُّعْمَان بن عصر النُّعْمَان بن مَالك النُّعْمَان بن أبي خزمة نصر نَوْفَل حرف الْوَاو وهب بن سعد وهب بن مُحصن وَافد وَدِيعَة وذقة حرف الْهَاء هاني هِشَام هِلَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 حرف الْيَاء يزِيد بن الْحَارِث يزِيد بن رُقَيْش يزِيد بن عَامر يزِيد بن المزين يزِيد بن الْمُنْذر وَمِمَّنْ يعرف بكنيته وَلَا يعرف باسمه أَبُو الْحَمْرَاء أَبُو خُزَيْمَة أَبُو سُبْرَة أَبُو مليل وَامْتنع من شُهُود بدر ثَمَانِيَة لأعذار فَضرب لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِهَامهمْ وأجورهم فَكَانُوا كمن شَهِدَهَا عُثْمَان وَطَلْحَة وَسَعِيد والْحَارث بن حَاطِب والْحَارث ابْن الصمَّة وخوات وَعَاصِم بن عدي وَأَبُو لبَابَة فَهَؤُلَاءِ البدريون بجملتهم حشرنا الله فِي زمرتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الْفَصْل السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي تَزْوِيج عَليّ بفاطمة عَلَيْهِمَا السَّلَام كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَنَات فضلتهن فَاطِمَة وزوجات سبقنهن عَائِشَة وَذَلِكَ أَن اخْتِيَار الْقدر لَا يحابي فِي التَّسَاوِي تسقى بِمَاء وَاحِد {ونفضل بَعْضهَا على بعض فِي الْأكل} لما نَهَضَ عَليّ لخطبتها طرق بأنامل رجائه أرجاء بَاب الْخطْبَة فَمشى إِلَيْهِ الْآذِن بِالْإِذْنِ على عجل الْعجل فنقد صدق الرَّغْبَة قبل نقد الصَدَاق فعقد العقد على درع لينبه على جِهَاد الْهوى وجهزت بالإيجهاز على عَدو الزّهْد وَلم يرض لَهَا جهاز الدُّنْيَا لموافقة الْبضْعَة الَّتِي هِيَ مِنْهُ فحلاها الرَّسُول بحلية فَاطِمَة بضعَة مني وَعقد لَهَا عقدا خَرَزَات نظامه إِن الله يغْضب لغضبك ويرضى لرضاك وَبعث بَين يَديهَا وصايف غضوا أبصاركم وَنصب لَهَا سدة أَلا ترْضينَ أَن تَكُونِي سيدة نسَاء هَذِه الْأمة وأدخلها على الزَّوْج فِي حلل الحالية عَلَيْهَا قناع القناعة تسْعَى فِي فضاء الْفَضَائِل إِلَى خلْوَة الْخلَّة حَتَّى أجلست على منصة النَّص فَأمر الله تَعَالَى لَيْلَة عرسها شجر الْجنان فَحملت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 حللا وحليا فنثرته على الْمَلَائِكَة وَلَيْسَ المُرَاد بذلك الْملك وَلَكِن ليعلم رضى الْملك يَا عجبا نثرت الْحلَل لأجل من فرَاشه جلد كَبْش هلا حلت لَهُ مِنْهَا حلَّة كلا مركب الْملك أحلى من أَن يحلى فَدخل عَلَيْهَا الرَّسُول فاستدعى بأناء من مَاء فَدَعَا فِيهِ بِالْبركَةِ ثمَّ رش على حبيبين بِلَا غش فَلَمَّا طَابَ لعَلي ذَلِك الْوَقْت سَأَلَ الرَّسُول سُؤال سَكرَان من شراب الْوَصْل يَا رَسُول الله أَنا أحب إِلَيْك أم هِيَ ففصل الْحَاكِم بَين خصوم الْحبّ فَقَالَ هِيَ أحب إِلَيّ مِنْك وَأَنت أعز عَليّ مِنْهَا فَلَمَّا حازت بِمَا حازت قناطر الْفضل صين وَجه الْكَمَال بخال الْخلَل فِي الْعَيْش فأقوى على الْأَقْوَى ففر الْفقر فصيح خطاب الشَّرْع يَا عَليّ قُم لكسب قوت الْوَقْت فَخرج يسْعَى على أَرض الرِّضَا بَين أَعْلَام الصَّبْر فَبَاتَ يسْقِي نخلا إِلَى الْفجْر بِشَيْء من الشّعير على وَجه الْأجر فَلَمَّا جَاءَ بِهِ وَأصْلح للْأَكْل قَامَ سايل على بَاب الْبَذْل فَنَادَى ياأهل نَادِي الندى وَالْفضل اطعمونا أطْعمكُم الله من الْفضل فثارت ريَاح الارتياح للايثار فأثارت سحابا يقطر من قطرته قطر جور الْجُود فَسَأَلَ سيله بِقدر وَادي الود فَلَمَّا تروت بِالْمَاءِ أَشجَار الْأنس صدحت على وَرقهَا ورق الْقُدس وأغنى عَن غرايب صدح الْمَدْح {ويطعمون الطَّعَام على حبه} ثمَّ أخبر الْحق عَن مَضْمُون الْقَصْد {إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله} فَلَو رَأَيْت الْقَوْم يَوْم الْقِيَامَة فِي ظلّ {فوقاهم الله} وَقد اكتست أجساد وكست بكسا الضنك غضارة الْعَيْش على حلل الْخَفْض واستراحت أيد تفرق أيدها من طحن الرَّجَاء وَنزع الدَّلْو {متكئين فِيهَا} هَذَا من حصاد بذر النّذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وَلَقَد عجب الْعلمَاء من شرح هَذَا الْأجر واستظرفوا عدم ذكر الْحور فِي هَذَا الذّكر فبقوا متحيرين فِي جير الْفِكر فنودوا من بطْنَان وَادي الْفضل بِأَن ذَلِك لفضل فضل زهراء الْأنس غير عَلَيْهَا من ذكر الْغَيْر وَإِنَّمَا أثرا على الطفلين لِأَنَّهُمَا غصنان من شَجَرَة ابيت يطعمني رَبِّي وَبَعض من جملَة هِيَ بضعَة مني وفرخ البط سابح وذكاة الْجَنِين كذكرة أمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الْقسم الثَّانِي من المواعظ وَهُوَ الْمُشْتَمل على المواعظ والإرشادات مُطلقًا وَهُوَ مائَة فصل الْفَصْل الأول فِي قَوْله تَعَالَى {هُوَ الأول وَالْآخر} يذكر فِيهِ التَّوْحِيد أول لَيْسَ لَهُ مبدأ آخر جلّ عَن مُنْتَهى ظَاهر بِالدَّلِيلِ بَاطِن بالحجاب يُثبتهُ الْعقل وَلَا يُدْرِكهُ الْحس كل مَخْلُوق مَحْصُور بِحَدّ مأسور فِي سور قطر والخالق بَائِن مباين يعرف بِعَدَمِ مألوف التَّعْرِيف ارْتَفَعت لعدم للشبه الشّبَه وَإِنَّمَا يَقع الأشكال فِي وصف من لَهُ أشكال وَإِنَّمَا تضرب الْأَمْثَال لمن لَهُ أَمْثَال فَأَما من لم يزل وَلَا يزَال فَمَا للحس مَعَه مجَال عَظمته عظمت عَن نيل كف الخيال كَيفَ يُقَال لَهُ كَيفَ والكيف فِي حَقه محَال أَنى تتخايله الأوهام وَهِي صنعه كَيفَ تحده الْعُقُول وَهِي فعله كَيفَ تحويه الْأَمَاكِن وَهِي وَضعه انْقَطع سير الْفِكر وقف سلوك الذِّهْن بطلت إِشَارَة الْوَهم عجز لطف الْوَصْف عشيت عين الْعقل خرس لِسَان الْحس لَا طور للقدم فِي طور الْقدَم عز المرقى فيأس المرتقى بَحر لَا يتَمَكَّن مِنْهُ غايص ليل لَا يبين للعين فِيهِ كَوْكَب (مرام شط مرمى الْعقل فِيهِ ... فدون مداه بيد لَا تبيد) جادة التَّسْلِيم سليمَة وادى النَّقْل بِلَا نقع انْزِلْ عَن علو غلو التَّشْبِيه وَلَا تعل قلل أباطيل التعطيل فالوادي بَين جبلين الْمُشبه متلوث بفرث التجسيم والمعطل نجس بِدَم الْجُحُود وَنصِيب المحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 لبن خَالص هُوَ التَّنْزِيه تخمر فِي نفوس الْكفَّار حب الْأَصْنَام فجَاء مُحَمَّد فمحا ذَلِك بِالتَّوْحِيدِ وتخمر فِي قُلُوب المشبهة حب صُورَة وشكل حييت فمحوتها بالتنزيه وَالْعُلَمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء مَا عرفه من كيفه وَلَا وَحده من مثله وَلَا عَبده من شبهه الْمُشبه أعشى والمعطل أعمى فَمَا ينزه عَنهُ فَم فِيمَا يجب نَفْيه بثم جلّ وجوب وجوده عَن رجم لَعَلَّ سبق الزَّمَان فَلَا يُقَال كَانَ إِذْ تمجد فِي وحدانيته عَن زحام مَعَ تفرد بالإنشاء فَلَا يستفهم عَن الصَّانِع بِمن أبرز عرايس الْمَخْلُوقَات من كن كن بَث الْحلم فَلم يُعَارض بلم تَعَالَى عَن بعضية من وتقدس عَن ظرفية فِي وتنزه عَن شبه كَانَ وتعظم عَن نقص لَو أَن وَعز عَن عيب أَلا أَن وسما كَمَاله عَن تدارك لَكِن إِن وقف ذهن بوصفه صَاح الْعِزّ جز إِن سَار فكر نَحوه قَالَت الهيبة عد إِن قعد اللِّسَان عَن ذكره قَالَ الْقلب قُم أَن تجبر متكبر قَالَ الْقَهْر شم أَن سَأَلَ مُحْتَاج قَالَ الْأَنْعَام رش أَن تعرض فَقير قَالَ الوفر فر أَن سكت مذنب حَيا قَالَ الْحلم قل أَن بعد ذُو خطاء نَادَى اللطف إب نثر عجايب النعم وَقَالَ للْكُلّ خُذ من بَيَان عَظمته {رفيع الدَّرَجَات} من أثر قسره {تسبح لَهُ السَّمَاوَات} توقيع أمره {يَأْمر بِالْعَدْلِ} وَاقع زَجره {وَينْهى عَن الْفَحْشَاء} يُنَادي على بَاب عزته {لَا يسْأَل} يصاح على محجة حجَّته {لمن الأَرْض وَمن فِيهَا} ينذر جاسوس علمه {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة} يَقُول جهبذ طوله {وَإِن تعدوا نعْمَة الله} يترنم منشد فَضله {لَا تقنطوا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 سُبْحَانَ من أَقَامَ من كل مَوْجُود دَلِيلا على عزته وَنصب علم الْهدى على بَاب حجَّته الأكوان كلهَا تنطق بِالدَّلِيلِ على وحدانيته وكل مُوَافق ومخالف يمشي تَحت مَشِيئَته إِن رفعت بصر الْفِكر ترى دَائِرَة الْفلك فِي قَبضته وتبصر شمس النَّهَار وَبدر الدجى يجريان فِي بَحر قدرته وَالْكَوَاكِب قد اصطفت كالمواكب على مناكب تسخير سطوته فَمِنْهَا رجوم للشياطين ترميهم فترميهم عَن حمى حمايته وَمِنْهَا سطور فِي المهامه يقْرؤهَا الْمُسَافِر فِي سفر سفرته وَإِن خفضت الْبَصَر رَأَيْت الأَرْض ممسكة بحكمة حكمته كل قطر مِنْهَا محروس باطواده عَن حركته فَإِذا ضجت عطائها ثار السَّحَاب من بركَة بركته وَنفخ فِي صور الرَّعْد لإحياء صور النَّبَات من حفرته فيبدو نور النُّور يَهْتَز طَربا بخزامى رَحمته فَإِذا اسْتَوَى على سوقه زَادَت فِي سوقه نعامى نعْمَته ويفتق يَد الإيجاد بأنامل الْقُدْرَة أكمام النَّبَات عَن صَنْعَة صبغته فيرفل فِي حلى حلل الْحَال الحالية إِلَى معبر عبرته وتصدح الْوَرق على الْوَرق كل بتبليغ لغته وَالْأَشْجَار معتنقة ومفترقة على مِقْدَار إِرَادَته صنْوَان وَغير صنْوَان هَذَا بعض صَنعته {ويسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته} نظر بِعَين الإختيار إِلَى آدم فحظى بسجود مَلَائكَته وَإِلَى ابْنه شِيث فأقامه فِي مَنْزِلَته وَإِلَى ادريس فاحتال بالهامه على جنته وَإِلَى نوح فنجا من الْغَرق بسفينته وَإِلَى هود فَعَاد على عَاد شُؤْم مُخَالفَته وَإِلَى صَالح فتمخضت صَخْرَة بناقته وَإِلَى ابراهيم فتبختر فِي حلَّة خلته وَإِلَى إِسْمَاعِيل فَأَعَانَ الْخَلِيل فِي بِنَاء كعبته وَإِلَى اسحق فافتكه بِالْفِدَاءِ من ضجعته وَإِلَى لوط فَنَجَّاهُ وَأَهله من عشيرته وَإِلَى شُعَيْب فَأعْطَاهُ الفصاحة فِي خطبَته وَإِلَى يَعْقُوب فَرد حَبِيبه مَعَ حبيبته وَإِلَى يُوسُف فَأرَاهُ الْبُرْهَان فِي همته وَإِلَى مُوسَى فخطر فِي ثوب مكالمته وَإِلَى الْيَأْس فاليأس للنَّاس من حَالَته وَإِلَى دَاوُد فالان الْحَدِيد لَهُ على حِدته وَإِلَى سُلَيْمَان فراحت الرّيح من فِي مَمْلَكَته وَإِلَى أَيُّوب فيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 طُوبَى لركضته وَإِلَى يُونُس فَسمع نداه فِي ظلمته وَإِلَى زَكَرِيَّا فقرن سُؤَاله ببشارته وَإِلَى يحيى فتلمح حَصِير الحصور على سدة سيادته وَإِلَى عِيسَى فكم أَقَامَ مَيتا من حفرته وَإِلَى مُحَمَّد فخصه لَيْلَة الْمِعْرَاج بِرُؤْيَتِهِ واعرض عَن ابليس فخزي ببعده ولعنته وَعَن قابيل فَقلب قلبه إِلَى مَعْصِيَته وَعَن نمْرُود فَقَالَ أَنا أحيي الْمَوْتَى ببلاهته وَعَن فِرْعَوْن فَادّعى الربوبية على جرأته وَعَن هامان فَأَيْنَ رَأْيه يَوْم أَلِيم فِي وزارته وَعَن قَارون فَخرج على قومه فِي زينته وَعَن بلعام فَهَلَك بل عَام فِي بَحر شقوته وَعَن برصيصا فَلم تَنْفَعهُ سَابق عِبَادَته وَعَن أبي جهل فشقي مَعَ سَعَادَة أمه وَابْنه وَابْنَته هَكَذَا جرى تَقْدِيره من يَوْم لَا أُبَالِي فِي قسمته {ويسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الْفَصْل الثَّانِي فِي قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق} نذْكر فِيهِ فضل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل ذكر نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منشورا وَهُوَ فِي طي الْعَدَم توسل بِهِ آدم وَأخذ لَهُ مِيثَاق الْأَنْبِيَاء على تَصْدِيقه فِي بعض درسه علم ادريس فِي ضمن وجده حزن يَعْقُوب فِي سر جده صَبر أَيُّوب فِي طي خَوفه بكاء دَاوُد بعض غنى نَفسه يزِيد على ملك سُلَيْمَان غير بعيد خل خلاله خلة الْخَلِيل ونال تكليم مُوسَى واسترجح لَهُ النّظر عِنْد قاب قوسين فَهُوَ جملَة الْجمال وكل الْكَمَال وواسطة العقد وزينة الدَّهْر يزِيد على الْأَنْبِيَاء زِيَادَة الشَّمْس على الْبَدْر وَالْبَحْر على الْقطر فَهُوَ أصدرهم وبدرهم وَعَلِيهِ يَدُور أَمرهم قطب فلكهم عين كتيبتهم وَاسِطَة قلادتهم نقش فصهم بَيت قصيدتهم حاتمهم خاتمهم (شمس ضحاها هِلَال لَيْلَتهَا ... در تقاصيرها زبرجدها) لما رأى تَخْلِيط قُرَيْش فِي دَعْوَى الشّرك فر فِي بادية الْهَرَب فتحرى غَار حراء فِي الْفِرَار للفراغ فرَاغ إِلَيْهِ فجَاء مُزَاحم {اقْرَأ} يَا رَاهِب الصمت تكلم قَالَ لِسَان الْعَجز البشري لست بقارئ فَحم لما حم فزمزم بِلَفْظ زَمِّلُونِي فصاح الْملك {يَا أَيهَا المزمل} يَا أطيب ثماركن يَا مَحْمُولا عَلَيْهِ ثقل قل {قُم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 لما بعث الْملك الْملك إِلَى نَبينَا برسالة {اقْرَأ} فتر الْوَحْي بعْدهَا مُدَّة مَاتَ قَوس الشوق فرمت الكبداء الكبد بكبد أعجز المكابدة فَكَانَ يهم لما يلقِي بإلقاء نَفسه من ذرْوَة الْجَبَل فَإِذا بدا لَهُ جِبْرِيل بُد لَهُ ثمَّ رميت الشَّيَاطِين عِنْد مبعثه بأسهم الشهب عَن قَوس {ويقذفون من كل جَانب} فَمروا إِلَى المغارب وَمَشوا إِلَى الْمَشَارِق ليقطعوا سبسب السَّبَب فجرت ريح التَّوْفِيق بمراكب بَعضهم إِلَى تهَامَة فصادفوه فِي الصلوة فصادفوه قُلُوب الْقَوْم فصاحت أَلْسِنَة الوجد {إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا} تحركت لتعظيمه السواكن فحن إِلَيْهِ الْجذع وَسبح الْحَصَى وتزلزل الْجَبَل وَتكلم الذيب كل كنى عَن شوقه بلغاته فمرضت قُرَيْش بداء الْحَسَد فَقَالُوا مَجْنُون يَا مُحَمَّد هَذَا نقش يرقانهم لَا لون وَجهك لما أَخذ فِي سفر {أسرى} فَنقل إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى برز إِلَيْهِ عباد الْأَنْبِيَاء من صوامعهم فاقتدوا بِصَلَاة رَاهِب الْوُجُود ثمَّ خرج فعرج فعرضت عَلَيْهِ الْجنَّة وَالنَّار حَتَّى عرف الطَّبِيب عقاقير الْأَدْوِيَة قبل تركيب الْأَدْوِيَة يَا لَهَا من لَيْلَة فل عزب حد سيف {أَتجْعَلُ فِيهَا} ظنت الْمَلَائِكَة أَن الْآيَات تخْتَص بالسماء فَإِذا آيَة الأَرْض قد علت أَقبلت رُؤَسَاء الْأَمْلَاك تحيي الرئيس الْأَكْبَر فَرَأى فِي الْقَوْم ملكا نصفه من ثلج وَنصفه من نَار فَعجب لِاجْتِمَاع الضدين فَقيل لَا تعجب فعندك أعجب مِنْهُ لَو وزن خوف الْمُؤمن ورجاؤه لاعتدلا كَانَ جِبْرِيل دَلِيل الْبَادِيَة فَلَمَّا وصل إِلَى مفازة لَيْسَ فِيهَا علم يعرفهُ علم ابْن أَجود أَن الصدْق أَجود فَقَالَ هَا أَنْت وَرَبك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فَإِذا قَامَت الْقِيَامَة فموسى صَاحبه وَعِيسَى حَاجِبه والخليل فِي عسكره وآدَم يُنَادي بِلِسَان حَاله يَا ولد صُورَتي وَيَا وَالِد معناي مَا صعد من بحور الأكوان أشرف من درة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرة غرته أحسن من جمال يُوسُف لعاب فِيهِ اشفى من الْبُرْء شمس شَرعه لَا يُدْرِكهَا كسوف نَاسخ قمر دينه لَا يدْخل فِي محاق كل الْأَنْبِيَاء فِي الْقِيَامَة تَقول نَفسِي نَفسِي وَهُوَ يَقُول أمتِي أمتِي فَإِذا سجد قيل ارْفَعْ رَأسك وَقل تسمع كم بَين ذل محب وادلال مَحْبُوب الْحَيَوَانَات تذل فِي طلب الْقُوت والفيلة تتملق حَتَّى تَأْكُل يَا من هُوَ فِي جملَة جنود هَذَا الشجاع أيحسن بك كل يَوْم هزيمَة لَوْلَا جد أَصْحَابه فِي جهادهم وشجاعتهم فِي صُفُوف قِتَالهمْ لافتضح الْمُتَأَخّرُونَ فَالْحَمْد لله على اليزل كَانُوا بِاللَّيْلِ رهبانا وبالنهار فُرْسَانًا قطع الرَّسُول طمع من طمع فِي لحاقهم بحسام مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه وَكَيف تنَال مرتبَة السَّابِق بِشَيْء وقر فِي صَدره أَو منقبة المهيب والعدو يفرق من ظله أَو مقَام الوقور فالملائكة تَسْتَحي مِنْهُ أَو فَضِيلَة مُزَاحم النَّفس فِي منزلَة كهرون من مُوسَى يأس وَالله الكهول من مُقَارنَة سَيِّدي كهول أهل الْجنَّة كَمَا لم تطمع الشَّبَاب فِي مزاحمة سَيِّدي شباب أهل الْجنَّة مَتى التهبت فِي صحابة الْأَنْبِيَاء عَزِيمَة كحمرة جَمْرَة حَمْزَة أَو علا على الْعَلَاء عَليّ كعلاء عَليّ لقد فَازَ بلقب الصدْق طَلْحَة الْجُود كَمَا سعد بِالْفَضْلِ وحوارى الزبير وسما بصلوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه ابْن عَوْف كَمَا قرت بِلَفْظ فدَاك أبي وَأمي عين سعد وَنَجَا بِالشَّهَادَةِ لَهُ بِالْجنَّةِ سعيد كَمَا عز ابْن الْجراح بلقب الْأمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَلم يذكر باسمه بِالْقُرْآنِ غير زيد وَأَيْنَ فِي الموَالِي مثل سَالم وسلمان وَمن فِي الزهاد كمصعب وَابْن مَظْعُون وَأَنه لمسعود عبد الله ابْن مَسْعُود وطوبى ثمَّ طُوبَى لخباب وصهيب وَيَا شرف المؤذنين بِصَوْت بِلَال وَيَكْفِي فخرا كوني بردا لعمَّار وَأي بَيت يشبه بَيت أبي أَيُّوب وَمن زين الْقُرَّاء الا ابي بن كَعْب وَمن فِي النُّقَبَاء كَابْن زُرَارَة وَابْن الرّبيع وَأَنِّي للفقهاء مثل معَاذ وَمن لَهُ زهد كزهد أبي ذَر وَالْفَخْر لبني هَاشم بِالْعَبَّاسِ وَكفى للبصراء قائدا ابْن أم مَكْتُوم وَأَنه لقدوة المؤثرين أَبُو الدحداح وَمن فِي قوام اللَّيْل مثل تَمِيم وَمن صَبر على الْقَتْل صَبر خبيب كلهم أخيار وجميعهم أبرار وَلَا مثل صَاحب الْغَار وَأَيْنَ نَظِير فتاح الْأَمْصَار وَمن يشبه قَتِيل الدَّار وَلَقَد افتقروا إِلَى الْمُجَاهِد بِذِي الفقار بحب هَؤُلَاءِ ترجى الْجنَّة وتتقي النَّار إِن الله تَعَالَى لما حلى مُحَمَّد حلية التَّنَزُّه خلع عَلَيْهِ خلعة هِيَ الْإِسْلَام وَأَعْطَاهُ منشورا هُوَ الْقُرْآن ولواء هُوَ النَّصْر فَأَبُو بكر صدق النُّبُوَّة وَعمر أظهر الرسَالَة وَعُثْمَان جمع المنشور وَعلي حمل السَّيْف لما جلا الرَّسُول عروس الْإِسْلَام لم يكن بُد من نثار نثر عمر نصف مَاله فَرمي أَبُو بكر بِالْكُلِّ فَقَامَ عُثْمَان يُجهز جَيش الْعسرَة بوليمة الْعرس فَعلم على حَال الْغيرَة فَبت طَلَاق الضرة ثمَّ رأى بعض جهاز الدُّنْيَا الْمُطلقَة عِنْده وَهُوَ الْخَاتم فَسلم وَمَا سلم (خطوا وأقلامهم خطية سلب ... فهم على الْخَيل أُمِّيُّونَ كتاب) (أَن احسنوا كلما واخلو لقوا ذمما ... وَاخْشَوْشنُوا شيما فالقوم أَعْرَاب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الْفَصْل الثَّالِث فِي قَوْله تَعَالَى {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} لما تَكَامل بِنَاء الْبَيْت أرسل الله تَعَالَى إِلَى خَلِيله أد رِسَالَة {وَأذن} فعلا على أبي قبيس ونادى فِي جَمِيع الْوُجُوه أَن ربكُم قد بنى لكم بَيْتا فحجوه فَأجَاب من جرى الْقدر بحجه لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك فَكَانَ ذَلِك الْيَوْم أَخا ليَوْم {أَلَسْت بربكم} (لما رَأَيْت مناديهم ألم بِنَا ... شددت ميزر إحرامي ولبيت) (وَقلت للنَّفس جدي الْآن واجتهدي ... وساعديني كَهَذا مَا تمنيت) (لَو جِئتُكُمْ زَائِرًا أسعى على بَصرِي ... لم أقض حَقًا وَأي الْحق أدّيت) قطع الْقَوْم بيد السّفر {بشق الْأَنْفس} فوافقتهم الركاب {وعَلى كل ضامر} (دع المطايا تنسم الجنوبا ... إِن لَهَا لنبأ عجيبا) (حنينها وَمَا اشتكت لوبا ... يَشْهَدَانِ قد فَارَقت حبيبا) (مَا حملت إِلَّا فَتى كئيبا ... يسر مِمَّا أعلنت نَصِيبا) (لَو غادر الشوق لنا قلوبا ... إِذن لأثرنا بِهن النيبا) (إِن الغربيب يسْعد الغريبا ... ) وَاعجَبا من حنين النوق كَأَنَّهَا قد علمت وجد الركاب تَارَة تَجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فِي السّير وَتارَة تتَوَقَّف وَتارَة تذل وتطأطئ الْأَعْنَاق وَتارَة تمرح كَأَنَّهَا قد استعارت أَحْوَال العارفين (اذكراها فِي سراها مَا عراها ... فغدت تنفخ شوقا فِي براها) (تقطع الْبر وتنسى مَا جنى ... سَيرهَا وَالسير أَمر قد براها) (كلما ظنت مني قد قربت ... وتدانت دارها طَار كراها) (أسعداها يَا خليلي على ... مَا دَعَاهَا فِي الْهوى أَو فَدَعَاهَا) (ذكرا مَا زَالَ من عهد الصبى ... خلياها وَالصبَا فَهُوَ رِضَاهَا) (غنها يَا أَيهَا الْحَادِي لَهَا ... بالحمى أَو بالنقا وَانْظُر سراها) (نح عَنْهَا السَّوْط يَكْفِي شوقها ... قد رَأَتْ فِي نَفسهَا مَا قد كفاها) (بَاعهَا الوجد بكثبان النقي ... عجبا إِذا بَاعهَا كَيفَ اشْتَرَاهَا) (أتراها علمت من حملت ... ليتها قد عرفت من فِي ذراها) (أَنْت إِن لاحت لَك الْأَعْلَام قف ... فَهِيَ الْمَقْصُود لَا شَيْء سواهَا) (قف على الْوَادي وسل عَن كَبِدِي ... كَبِدِي واكبدي مَاذَا دهاها) (يَا رفيقي اهدياني دَارهم ... وَدَعَانِي وَدَعَانِي وثراها) (أَنا مقتول بِسَهْم غرب ... قوسه خيف مني أَو مَا زماها) (حرم الصَّيْد على من حجه ... فانظرا إِلَى مهجتي من قد رَمَاهَا) (اكتبا فِي لوح قَبْرِي عشتما ... مهجة مَاتَت وَمَا هالت مناها) أَمر المحرمون بالتعري ليدخلوا بزِي الْفُقَرَاء فيبين أثر {وَمَا أَمْوَالكُم} (من أعلم السايق العنيف بهم ... بِأَن روحي تساق مَعَ أبله) (وَأَن دمعي يروي ركايبهم ... لَوْلَا دم فِي انسكاب منهمله) تالله لقد جمعُوا الْخَيْر لَيْلَة جمع ونالوا المنى إِذْ دخلُوا منى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 (لله در منى وَمَا جمعت ... وبكا الْأَحِبَّة لَيْلَة النَّفر) (ثمَّ اغتدوا فرقا هُنَا وَهنا ... يتلاحظون بأعين الذّكر) (مَا للمضاجع لَا تلايمني ... وَكَأن قلبِي لَيْسَ فِي صَدْرِي) حج جَعْفَر الصَّادِق فَأَرَادَ أَن يُلَبِّي فَتغير وَجهه فَقيل مَالك يَا ابْن رَسُول الله فَقَالَ أُرِيد أَن ألبي فَأَخَاف أَن أسمع غير الْجَواب وقف مطرف وَبكر فَقَالَ مطرف اللَّهُمَّ لَا تردهم من أَجلي وَقَالَ بكر مَا أشرفه من مقَام لَوْلَا أَنِّي فيهم وَقَامَ الفضيل بِعَرَفَة فَشَغلهُ الْبكاء عَن الدُّعَاء فَلَمَّا كَادَت الشَّمْس تغرب قَالَ واسؤتاه مِنْك وَأَن عَفَوْت وقف بعض الْخَائِفِينَ على قدم الأطراق وَالْحيَاء فَقيل لَهُ لم لَا تَدْعُو فَقَالَ ثمَّ وَحْشَة قيل فَهَذَا يَوْم الْعَفو عَن الذُّنُوب فَبسط يَده فَوَقع مَيتا (وَأنزل الْوَادي بأيمنه ... أَنه بالدمع ملأآن) (وارم بالطرف العقيق فلي ... ثمَّ أوطار وأوطان) (وَأنْشد الْقلب المشوق عَسى ... يرجع الْمَفْقُود نشدان) (وابك عني مَا اسْتَطَعْت إِذا ... مَا بدا للطرف نعْمَان) (واقره عني السَّلَام فَكَأَن ... قلبِي فِيهِ سكان) (لَا تزدني يَا عذول جوى ... أَنا بالأشواق سَكرَان) حج الشبلي فَلَمَّا رأى مَكَّة قَالَ (أبطحاء مَكَّة هَذَا الَّذِي ... أرَاهُ عيَانًا وَهَذَا أَنا) ثمَّ غشى عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق قَالَ (هَذِه دَارهم وَأَنت محب ... مَا بَقَاء الدُّمُوع فِي الأماق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 حج قوم من الْعباد فيهم عابدة فَجعلت تَقول أَيْن بَيت رَبِّي أَيْن بَيت رَبِّي فَيَقُولُونَ أَلا ترينه (إِذا دنت الْمنَازل زَاد شوقي ... وَلَا سِيمَا إِذا دنت الْخيام) فَلَمَّا لَاحَ الْبَيْت قَالُوا هَذَا بَيت رَبك فَخرجت تشتد وَتقول بَيت رَبِّي بَيت رَبِّي حَتَّى وضعت جبهتها على الْبَيْت فَمَا رفعت الا ميتَة (هاتيك دَارهم وَهَذَا ماؤهم ... فاحبس ورد وشرقت إِن لم تَسْقِنِي) أودعت اقرارك يَوْم السبت الْحجر الْأسود وأمرتك بِالْحَجِّ لتستحي بالتذكير من نقض الْعَهْد الْحجر صندوق أسرار المواثيق مستمل لما أمْلى الْمعَاهد مُشْتَمل على حفظ الْعَهْد فاستلم الْمُسْتَمْلِي الْمُشْتَمل ليعلم أَن اقرارك لَا عَن اكراه لَا تنس عهدي فَإِنِّي لَا أنساك (فَلَا تحسبوا أَنِّي نسيت ودادكم ... فَإِنِّي وَإِن طَال المدى لست أنساكم) (حفظنا وضيعتم ودادا وَحُرْمَة ... فَلَا كَانَ من فِي هجرنا الْيَوْم أغراكم) كم شخص أشخصه الوجد إِلَى الْحَج فكاد نشابة المواثيق قبل تقبيله تقتله فَلَمَّا قضى الناسك الْمَنَاسِك وَرجع بَقِي سهم الشوق إِلَيْهِ فِي قلب منى المنى (يكَاد يمسِكهُ عرفان رَاحَته ... ركن الْحطيم إِذا مَا جَاءَ يسْتَلم) أخواني ذكر تِلْكَ الْأَمَاكِن يعْمل فِي الْقلب قبل السّمع كَأَنَّهَا قد خلقت من طين الطَّبْع لسلع سلع لسع لَيْسَ لعسل لعس للمهيار (هَل مجاب يَدْعُو مبدد أوطاري ... بِجمع يرد أَيَّام جمع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 (أَو أَمِين القوى أحملهُ هما ... ثقيلا يحطه دون سلع) (فافرجا لي عَن نفحة من صباه ... طَال مدى لَهَا الصليف ورفعي) (إِن ذَاك النسيم يجْرِي على أَرض ... ثراها فِي الرّيح رقية لسع) (كم زفير علمت مِنْهُ حمام ... الدوح مَا كَانَ من حنين وسجع) وآخجل المتخلف وآسف المسوف أَيْن حسرات الْبعد أَيْن لذعات الوجد للخفاجي (أتظن الْوَرق فِي الأيك تغني ... أَنَّهَا تضمر حزنا مثل حزني) (لَا أَرَاك الله نجدا بعْدهَا ... أَيهَا الْحَادِي بِنَا إِن لم تجبني) (هَل تباريني إِلَى بَث الجوى ... فِي ديار الْحَيّ نشوي ذَات غُصْن) (هَب لَهَا السَّبق وَلَكِن زادنا ... أننا نبكي عَلَيْهَا وتغني) (يَا زمَان الْخيف هَل من عودة ... يسمح الدَّهْر بهَا من بعد ضن) (أرضينا بثنيات اللوى ... عَن زرود يَا لَهَا صَفْقَة غبن) (سل أَرَاك الْجزع هَل مرت بِهِ ... مزنة رَوَت ثراه غير جفني) (وَأَحَادِيث الغضا هَل علمت ... أَنَّهَا تملك قلبِي قبل أُذُنِي) يَا عجبا لمن يقطع المفاوز ليرى الْبَيْت فيشاهد آثَار الْأَنْبِيَاء كَيفَ لَا يقطع نَفسه عَن هَوَاهُ ليصل إِلَى قلبه فَيرى آثَار ويسعني لمُحَمد بن أَحْمد الشِّيرَازِيّ (إِلَيْك قصدي لَا للبيت والأثر ... وَلَا طوافي بأركان وَلَا حجر) (صفاء دمعي الصفالي حِين أعبره ... وزمزمي دمعة تجْرِي من الْبَصَر) (عرفانكم عرفاتي إِذْ مني منن ... وموقفي وَقْفَة فِي الْخَوْف والحذر) (وفيك سعيي وتعميري ومزدلفي ... وَالْهدى جسمي الَّذِي يُغني عَن الجزر) (وَمَسْجِد الْخيف خوفي من تباعدكم ... ومشعري ومقامي دونكم خطري) (زادي رجائي لكم والشوق رَاحِلَتي ... وَالْمَاء من عبراتي والهوى سَفَرِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الْفَصْل الرَّابِع إخْوَانِي قد نمى إِلَيْكُم أَمر من نما وسامي وصال الوسام وسما وافتخر بِالنّسَبِ والنشب وانتمى كَيفَ بارزه من أبرزه عَن الْحمى فَبَاتَ بعد الرّيّ يشكو الظما وَقد رَأَيْتُمْ مَا جرى فانتظروا مثل مَا لِابْنِ المعتز (يَا نفس وَيحك طَال مَا ... أَبْصرت موعظة وَمَا) (نفعتك فاخشى وانْتهى ... وَعَلَيْك بالتقوى كَمَا) (فعل الأناس الصالحون ... وبادري فلربما) (سلم المبادر واحذري ... يَا نفس من سَوف فَمَا) (خدع الشقي بِمِثْلِهَا ... إياك مِنْهَا كلما) (ناجت مكايدها ضميرك ... إِنَّمَا هِيَ إِنَّمَا) (خطرت وَكم قتلت ... وأهلكت النُّفُوس وقلما) (تغني أمانيها إِذا ... حضر الردى فَكَأَنَّمَا) (لم يحيي من لَاقَى منيته ... فيا عجبا أما) (فِي ذَاك مُعْتَبر وَلَا ... شاف يبصر من عمى) (يَا ذَا المنى يَا ذَا المنى ... عش مَا بدا لَك ثمَّ مَا) يَا سَكرَان الْهوى أما آن الصحو يَا ساطرا قبح الْخلاف أما حَان المحو أَيْن الراحلون كَانُوا بالْأَمْس صحت حجَّة الْمَوْت فبطلت حجَّة النَّفس واعتقلهم حَاكم البلى على دين الرمس وكف أكف الْحس بعد تصرف آلَة الْخمس واستوعر عَلَيْهِم الْحصْر واستطال الْحَبْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وأصبحت مَنَازِلهمْ {كَأَن لم تغن بالْأَمْس} يَا قَلِيل اللّّبْث خل الْعَبَث كم حدث جدث فِي حدث يَا موقنا بالرحيل وَمَا اكترث أقبل نصحي ورم الشعث (إِذا نلْت من دنياك خيرا ففز بِهِ ... فَإِن لجمع الدَّهْر من صرفه شتا) (فكم من مشت لم يصيف بأَهْله ... وَآخر لم يُدْرِكهُ صيف إِذا شَتَّى) إنتهب نثار الْخَيْر فِي مَكَان الْإِمْكَان قبل أَن تدخل فِي خبر كَانَ قبل مُعَاينَة الهول الْمخوف الفظيع وتلهف المجدب على زمَان الرّبيع إِنَّمَا أهل هَذِه الدَّار سفر لَا يحلونَ عقد الركاب إِلَّا فِي غَيرهَا فاعجبوا لدار قد أَدْبَرت والنفوس عَلَيْهَا والهة ولأخرى قد أَقبلت والقلوب عَنْهَا غافلة (وَالله لَو كَانَت الدُّنْيَا بأجمعها ... تبقى علينا وَيَأْتِي رزقها رغدا) (مَا كَانَ من حق حر أَن يذل لَهَا ... فَكيف وَهِي مَتَاع يضمحل غَدا) يَا مكرما بحلية الْإِيمَان بعد حلَّة الإيجاد وَهُوَ يخلقها فِي مُخَالفَة الْخَالِق كم من نعْمَة نعْمَة فِي ترف ترف وَمَا يخف عَلَيْك ذكر شكر يَا عبد السوء مَا تساوى قدر قدرتك لَا كَانَت دَابَّة لَا تعْمل بعلفها إِلَى مَتى يخدعك المنى ويغرك الأمل وَيحك إفتح عَيْنك مَتى رَأَيْت الْعقل يوثر الفاني على الْبَاقِي فَاعْلَم أَنه قد مسخ مازالت الدُّنْيَا مرّة فِي الْعبْرَة وَلَكِن قد مرض ذوقك لِسَان قَلْبك فِي عقلة غَفلَة وَسمع فهمك مسدود عَن الفطنة بقطنة وبصر بصيرتك مَحْجُوب بعشا عمى ومزاج تقواك منحرف عَن الصِّحَّة وَأما نبض الْهوى فشديد الخفقان سَارَتْ اخلاط الأمل فِي أَعْضَاء الكسل فتثبطت عَن البدار وَقد صَارَت المفاصل فِي منافذ الفهوم سددا وَمَا يسهل عَلَيْك شرب مسهل وَيحك إجتنب حلواء الشره فَإِنَّهَا سَبَب حمى الرّوح خل خل الْبُخْل فَإِنَّهُ يُؤْذِي عصب المرؤة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 إِن عولجت أمراضك فعولجت وَإِلَّا ملكت فأهلكت لَو احتميت عَن اخلاط الْخَطَايَا لم تحتج إِلَى طَبِيب من ركب ظهر التَّفْرِيط نزل بِهِ دَار الندامة ألم تسمع أَن دَاوُد كَانَ قد أعْطى نعْمَة نَغمَة كَانَ يقف لَهَا المَاء فَلَا يسير وَالطير وقُوف الْأَسير فامتدت يَد الْغَفْلَة فقدت قَمِيص الْعِصْمَة فأثر زلله حَتَّى فِي التِّلَاوَة أعرض المعمار عَن المراعاة فتشعب منزل الصَّفَا وانقطعت جامكية الْعَسْكَر فتفرقت جنود {أوبي} كَانَ يُؤْتى بِالْإِنَاءِ نَاقِصا فيتمه بالدموع للمهيار (مَا لي شَرقَتْ بِمَاء ذِي الأثل ... هَل كدر الوراد من قبلي) (أم بَان سكان فاملح لي ... مَا كنت قبل الْبَين أستحلي) (مَا ابيض لي فِي الدَّار بعدهمْ ... يَوْم وَهل دَار بِلَا أهل) (رحلوا بأيامي الرقَاق على ... آثَارهم وبعيشي السهل) كَانَ عَيْش عيشة خضرًا فأحالت الْحَال سنة الهجر فَكَأَن أَيَّام الْوِصَال كَانَت سنة وَكَاد يقطع باليأس لَوْلَا التقاء الْخضر باليأس (أرقي قد رق لي من أرقي ... ورثى لي قلقي من قلقي) (وبكائي من بُكَائِي قد بكا ... وتشكت حرقي من حرقي) كَانَ دَاوُد إِذا أَرَادَ النِّيَاحَة نَادَى مناديه فِي أندية المحزونين فيجتمعون فِي مآتم الندوب فتزداد الحرق بالتعاون للْعَبَّاس بن الْأَحْنَف (يَا بعيد الدَّار عَن وَطنه ... مُفردا يبكي على شجنه) (كلما جد النحيب بِهِ ... زَادَت الأسقام فِي بدنه) (وَلَقَد زَاد الْفُؤَاد شجى ... هَاتِف يبكي على فننه) (شاقه مَا شاقني فَبكى ... كلنا يبكي على سكنه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 يَا مذنبين مُصِيبَتنَا فِي التَّفْرِيط وَاحِدَة وكل غَرِيب للغريب نسيب يَا مُتَرَافِقين فِي سفر الطَّرْد إنزلوا للنياحة فِي ساحة اندبوا طيب أوطان الْوَصْل واستغيثوا من هجير الهجر لَعَلَّ الْغم يَنْقَلِب غمامة تظل من لفخ الكرب للْمُصَنف (أَيْن فُؤَادِي إِذا بِهِ الْبعد ... وَأَيْنَ قلبِي أما صَحا بعد) (حدا بِذكر العقيق سايقه ... فطار شوقا بلبه الوجد) (جسم بِبَغْدَاد لَيْسَ تصحبه ... روح وروح يضمها نجد) (يَا لفؤاد مَا يستريح من الكرب ... لَهُ كل لَحْظَة وَقد) (آه لعيش قد كنت أَصْحَبهُ ... لَو كَانَ يَوْمًا لفايت رد) (أروح فِي حبكم ووا قلقي ... وَهَكَذَا اشْتَكَى إِذا اغدوا) (كل زماني جزر عَن الْوَصْل أشكوه ... فَهَلا تناوب الْمَدّ) (يَا سعد زِدْنِي جوى بذكرهم ... يَا سعد قل لي فديت يَا سعد) (بَلغهُمْ مَا أجن من حرق ... وَقل وَحدث بِبَعْض مَا يدو) (وَقل رَأَيْت الْأَسير فِي قلق ... وَقَالَ لي حُرْمَة ولي عهد) (ثمَّ فَسلم وَالْأَمر أَمرهم ... يَقُول مولى ويصمت العَبْد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الْفَصْل الْخَامِس أيتها النَّفس تدبري أَمرك وتأملي ومثلي بَين مَا يفنى وَلَا تعجلِي لقد ضللت طَرِيق الْهدى فقفي واسألي وآثرت وَهنا مَا يؤرث وَهنا لَا تفعلي يَا غمرة من الشقا مَا أَرَاهَا تنجلي اتبع الْهوى والهوى عَليّ وَلَيْسَ لي أُرِيد حَيَاة نَفسِي وَنَفْسِي تُرِيدُ مقتلي يَا جسدا قد بلَى بِمَا قد بلَى (نخطو وَمَا خطونا إِلَّا إِلَى الْأَجَل ... وننقضي وَكَأن الْعُمر لم يطلّ) (والعيش يوذننا بِالْمَوْتِ أَوله ... وَنحن نرغب فِي الْأَيَّام والدول) (يَأْتِي الْحمام فينسى الْمَرْء منيته ... ونستقر وَقد أمسكن بالطول) (لَا تحسب الْعَيْش ذَا طول فتتبعه ... يَا قرب مَا بَين عنق الْمَرْء والكفل) (سلى عَن الْعَيْش إِنَّا لَا ندوم لَهُ ... وهون الْمَوْت مَا نلقى من الْعِلَل) (لنا بِمَا يَنْقَضِي من عمرنا شغل ... وكلنَا علق الأحشاء بالغزل) (ونستلذ الْأَمَانِي وَهِي مردية ... كشارب السم ممزوجا مَعَ الْعَسَل) أخواني أوقدوا أدهان الأذهان فِي ليل الْفِكر صابروا سني الجدب لعام الخصب تعصروا فَمن أدْلج فِي غياهب ليل العلى على نجايب الصَّبْر صبح منزل السرُور فِي السِّرّ وَمن نَام على فرَاش الكسل سَالَ بِهِ سيل التَّمَادِي إِلَى وَادي الأسف الرجولية قُوَّة معجونة فِي طين الطَّبْع والأنوثية رخاوة ولد السَّبع عَزِيز الهمة وَابْن الذِّئْب غدار وكل إِلَى طبعه عايد الْجد كُله حَرَكَة والكسل كُله سُكُون إِذا أردْت أَن تعرف الديك من الدَّجَاجَة حِين يخرج من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الْبَيْضَة فعلقه بمنقاره فَإِن تحرّك فديك وَإِلَّا فدجاجة فتورك عَن السَّعْي فِي طلب الْفَضَائِل دَلِيل على تَأْنِيث الْعَزْم يَا من قد بلغ أَرْبَعِينَ سنة وكل عمره نوم وَسنة يَا متعبا فِي جمع المَال بدنه ثمَّ لَا يدْرِي لمن قد أخزنه اعْلَم هَذِه النَّفس الممتحنة إِنَّهَا بكسبها مرتهنة أَلا يعْتَبر الْمَغْرُور بِمن قد دَفنه كم رأى جبارا فَارق مَسْكَنه ثمَّ سكن مسكن مسكنة أيا راحلين بِالْإِقَامَةِ يَا هالكين بالسلامة أَيْن من أَخذ صفو مَا أَنْتُم فِي كدره أما وعظكم فِي سيره بسيره بلَى قد حمل بريد الْإِنْذَار أخبارهم وأراكم تصفح الْآثَار آثَارهم (وحدثتك اللَّيَالِي ان شيمتها ... تَفْرِيق مَا جمعته فاسمع الخبرا) (وَكن على حذر مِنْهَا فقد نصحت ... وَانْظُر إِلَيْهَا تَرَ الْآيَات والعبرا) (فَهَل رَأَيْت جَدِيدا لم يعد خلقا ... وَهل سَمِعت بصفو لم يعد كدرا) حبال الدُّنْيَا خيال تغر الغر المتمسك بهَا يلْعَب بلعاب الشَّمْس الدُّنْيَا كالمرآة الْفَاجِرَة لَا تثبت مَعَ زوج فَلذَلِك عنت طلابها (ميزت بَين جمَالهَا وفعالها ... فَإِذا الملاحة بالقباحة لَا تفي) (حَلَفت لنا أَن لَا تخون عهودها ... فَكَأَنَّمَا حَلَفت لنا أَن لَا تفي) محبَّة الدُّنْيَا محنة عيونها بابلية كم تفتح بَاب بلية وَلَا حِيلَة كحيلة من عين كحيلة كم أفردت من أرفدت كم أخمدت من أخدمت كم فللت من ألفت من أفقرت من أرفقت كم فَارَقت من رافقت كم قطعت من أقطعت فعلهَا فِي التكدير كُله هَكَذَا فَإِن آثرت الصَّفَا فَمَا فِي الزّهْد أَذَى وَإِن أردْت القذى فالق ذَا للمهيار (تعجب من صبري على ألوانها ... فِي وَصلهَا طورا وَفِي هجرانها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 (ورهاء من كلفها وَثِيقَة ... كلفها مَا لَيْسَ من أديانها) (تسلط الْبلوى على عشاقها ... تسلط الْحِنْث على إيمَانهَا) (الود فِي الْقلب وَدَعوى ودها ... لَا يتَعَدَّى طرفِي لسانها) (فَكَمَا أعطتك فِي محبَّة ... زِيَادَة فاقطع على نقصانها) (وقفت اسْترْجع يَوْم بَينهَا ... قلبا شعاعا طاح فِي أظعانها) (وَلم يكن مني إِلَّا ضلة ... نشدان شَيْء وَهُوَ فِي ضَمَانهَا) يَا من إِذا أصبح طلب بالمعاش الشَّهَوَات وَإِذا أَمْسَى إنقلب إِلَى فرَاش الغفلات أَيْن أَنْت من أَقوام نصبوا الْآخِرَة نصب أَعينهم فنصبوا فوفر النصب نصِيبهم {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} قَالَ بعض السّلف لقِيت رجلا فِي بَريَّة فَقلت من أَيْن فَقَالَ من عِنْد قوم {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله} قلت وَإِلَى أَيْن قَالَ إِلَى قوم {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} (بنفسي من غَدَاة نايت عَنْهُم ... تركت الْقلب عِنْدهم رهينا) (أما لَك أَيهَا الْقلب اعْتِبَار ... بِمَا فعل الْهوى بالعاشقينا) ملأوا مراكب الْقُلُوب مَتَاعا لَا ينْفق إِلَّا على الْملك فَلَمَّا هبت ريَاح الدجى دفعت المراكب لأبي اسحق الْغَزِّي (إِذا الصِّبَا سحبت أذيالها سحرًا ... على العقيق وقرت فِي ربى اضم) (وحرشت بَين بَان الْجزع ظالمة ... وشيحه وَجَرت فِي الضال وَالسّلم) (تنفس الوجد وارتاح المشوق وعاش ... الرّوح بِالروحِ بعد الْأَخْذ بالكظم) يَا سوق الْأكل أَيْن أَرْبَاب الصّيام يَا فرش النّوم أَيْن حراس الظلام درست وَالله المعالم وَوَقعت الْخيام قف بِنَا على الأطلال نخصها بِالسَّلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 للمهيار (أَيْن سكانك لَا أَيْن هم ... أحجازا سلوكها أم شئاما) (قد وقفنا بعدهمْ فِي ربعهم ... فنهبناه استلاما والتزاما) أَتَرَى أَي طَرِيق سلكوا أَتَرَى أَي شعب أخذُوا (حمامة الواديين مَا الْخَبَر ... اعرسوا بالفرات أَن عبروا) مَا وصل الْقَوْم إِلَى الْمنزل إِلَّا بعد طول السرى مَا نالوا حلاوة الرَّاحَة إِلَّا بعد مرَارَة التَّعَب لصردر (لَو قرب الدّرّ على جلابه ... مَا لجج الخايص فِي طلابه) (وَلَو أَقَامَ لَازِما أصدافه ... لم تكن التيجان فِي حسابه) (مَا لُؤْلُؤ الْبَحْر وَلَا مرجانه ... إِلَّا وَرَاء الهول من عبابه) (من يعشق العلياء يلق عِنْدهَا ... مَا لَقِي الْمُحب من أحبابه) مَا حظي الدِّينَار بنقش إسم الْملك حَتَّى صبرت سبيكته على التَّرَدُّد إِلَى النَّار فنفت عَنْهَا كل كدر ثمَّ صبرت على تقطيعها دَنَانِير ثمَّ صبرت على ضربهَا على السِّكَّة فَحِينَئِذٍ ظهر عَلَيْهَا رقم النقش {كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان} (كم أحمل فِي هَوَاك ذلا وعنا ... كم اصبر فِيك تَحت سقم وضنا) (لَا تطردني فَلَيْسَ لي عَنْك غنا ... هَذَا نَفسِي إِذا أردْت الثمنا) من طلب الْأَنْفس هجر الألذ من اهتم بالجوهر نسي الْعرض يَا صفراء يَا بَيْضَاء غرى غَيْرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 (من أجل هواكم عشقت العشقا ... قلبِي كلف ودمعتي مَا ترقا) (فِي حبكم يهون مَا قد ألْقى ... مَا يحصل بالنعيم من لَا يشقى) يَا معشر التائبين {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا} مكابدة الْبَادِيَة تهون عِنْد ذكر منى المضحى فِي بوادي الْجُوع والمعشى بوادي السهر إِلَى أَن تلوح بوادي الْقبُول إِن ونت فِي السّير ركائبكم فأقيموا حداة الْعَزْم تدلج (الْبَين يَا أَيدي المطايا البينا ... لاتتشكى شوطك البطينا) (يَا حادييها من نمير عَامر ... خذا بهَا عَن حاجر يَمِينا) (حلا على وَادي الغضى نسوعها ... وأرخيا برامة الوضينا) (ردا بهَا مَاء العذيب عِلّة ... يشفى ويطفى داءها الدفينا) (واستخبرا بالجزع أنفاس الصِّبَا ... أَيْن اسْتَقل الجيرة الغادونا) يَا مطرودا عَن صُحْبَة الصَّالِحين إمش فِي أَعْرَاض الركب وناشد حادي الْقَوْم لَعَلَّه يتَوَقَّف لَك (يَا حادي العيس اصخ لمدنف ... متيم لج بِهِ الغرام) (إِذا وقفت فِي ثنيات اللوى ... وَلَا الديار والخيام) (وافترت الرياض عَن أزهارها ... عقيب مَا قد رَحل الْغَمَام) (وهبت الرّيح فَهَب شيحها ... وانتبه الحوذان والثمام) (فقف قَلِيلا نتزود نظرة ... تحيى بهَا الْأَرْوَاح وَالسَّلَام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الْفَصْل السَّادِس أخواني إنتبهوا من رقدات الأغمار وانتهبوا لحظات الْأَعْمَار وقاطعوا الكسل فقد قطع الْأَعْذَار واسمعوا زواجر الزَّمن فَمَا داجى الدجى وَلَقَد بهر النَّهَار وخذوا بالحزم فقد شقي تلف من رَضِي بشفا جرف هار للشريف الرضى (تفوز بِنَا الْمنون وتستبد ... ويأخذنا الزَّمَان وَلَا يرد) (وَانْظُر مَاضِيا فِي أثر مَاض ... لقد أيقنت أَن الْأَمر جد) (رويدا بالفرار من المنايا ... فَلَيْسَ يفوتها الساري الْمجد) (فَأَيْنَ مُلُوكنَا الماضون قدما ... اعدوا للنوائب واستعدوا) (أعارهم الزَّمَان نعيم عَيْش ... فيا سرعَان مَا استلبوا وردوا) (هم فرط لنا فِي كل يَوْم ... نمدهم وَإِن لم يستمدوا) الْعُمر يسير وَهُوَ يسير فاقصروا عَن التَّقْصِير فِي الْقصير أما دراك دراك قبل امْتنَاع الفكاك حذار حذار قبل قدوم الْقَرار أما يُحَرك سوق الرهب سوق الْهَرَب أما يحث التَّعْلِيم على الدأب الْأَدَب أَلَيْسَ الزَّمَان يعير ثمَّ يُغير وهب إِنَّه وهب أما ضرب الدَّهْر فاستحال الضَّرْب مر الْعُمر والغمر مَشْغُول عَمَّا ذهب بِالذَّهَب كم فَارق من رافق فسلا من سلا بالسلب أَيْن الْفَهم فقد الْمَعْنى الْمَعْنى وعج الْعجب أَيْن الثَّمَرَة أيتها فِي الغرب حَالَتْ غمايم الْهوى بَيْنكُم وَبَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 شمس الْهدى وَغدا مَا فِي يومكم ينسيكم غَدا حَتَّى كَأَن الرحيل حَدِيث خرافة أَو كَأَن الزَّاد يفضل عَن الْمسَافَة أَيهَا الشُّيُوخ آن الْحَصاد أَيهَا الكهول قرب الجداد أَيهَا الشَّبَاب كم جرد الزَّرْع جَراد (يَا ابْن آدم لَا تغررك عَافِيَة ... عَلَيْك شَامِلَة فالعمر مَعْدُود) (مَا أَنْت إِلَّا كزرع عِنْد خضرته ... بِكُل شَيْء من الْأَوْقَات مَقْصُود) (فَإِن سلمت من الْآفَات اجمعها ... فَأَنت عِنْد كَمَال الْأَمر محصود) وَاعجَبا يتَأَمَّل الْحَيَوَان البهيم العواقب وَأَنت لَا ترى إِلَّا الْحَاضِر مَا تكَاد تهتم بمؤنة الشتَاء حَتَّى يقوى الْبرد وَلَا بمؤنة الصَّيف حَتَّى يشْتَد الْحر وَمن هَذِه صفته فِي أُمُور الدُّنْيَا {فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى وأضل سَبِيلا} هَذَا الطَّائِر إِذا علم أَن الْأُنْثَى قد حملت أَخذ ينْقل العيدان لبِنَاء العش قبل الْوَضع أفتراك مَا علمت قرب رحيلك إِلَى الْقَبْر فَهَلا بعثت لَك فرَاش تقوى {فلأنفسهم يمهدون} هَذَا اليربوع لَا يتَّخذ بَيْتا إِلَّا فِي مَوضِع طيب مُرْتَفع ليسلم من سيل أَو حافر ثمَّ لَا يَجعله إِلَّا عِنْد أكمة أَو صَخْرَة لِئَلَّا يضل عَنهُ إِذا عَاد إِلَيْهِ ثمَّ يَجْعَل لَهُ أبوابا ويرقق بَعْضهَا فَإِذا أَتَى من بَاب دفع بِرَأْسِهِ مارق وَخرج اسْمَع يَا من قد ضيق على نَفسه الخناق فِي فعل الْمعاصِي فَمَا أبقى لعذر موضعا يَا مقهورا بِغَلَبَة النَّفس صل عَلَيْهَا بِسَوْط الْعَزْم فَإِنَّهَا إِن علمت جدك استأسرت لَك امنعها ملذوذ مباحها ليَقَع الصُّلْح على ترك الْحَرَام فَإِذا ضجت لطلب الْمُبَاح {فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء} الدُّنْيَا والشيطان خارجيان خارجان عَلَيْك خارجان عَنْك فَالنَّفْس عَدو مباطن وَمن آدَاب الْجِهَاد {قَاتلُوا الَّذين يلونكم} لَيْسَ من بارز بالمحاربة كمن كمن مَا دَامَت النَّفس حَيَّة تسْعَى فَهِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 حَيَّة تسْعَى أقل فعل لَهَا تمزيق الْعُمر بكف التبذير كالخرقاء وجدت صُوفًا أخل بهَا فِي بَيت الْفِكر سَاعَة وَانْظُر هَل هِيَ مَعَك أَو عَلَيْك نادها بِلِسَان التَّذْكِرَة يَا نفس ذهب عرش بلقيس وبلى جمال شيرين وتمزق فرش بوران وَبَقِي نسك رَابِعَة يَا نفس صابري عَطش الهجير يحصل الصَّوْم وتحزمي تحزم الْأَجِير فَإِنَّمَا هُوَ يَوْم (جد فِي الْجد قد تولى الْعُمر ... كم ذَا التَّفْرِيط قد تدانى الْأَمر) (اقبل فَعَسَى يقبل مِنْك الْعذر ... كم تبنى وَكم تنقض كم ذَا الْغدر) يَا هَذَا ذرات الْوُجُود تستدعيك إِلَى الموجد ورسايل العتاب على انقطاعك مُتَّصِلَة فَمَا هَذَا التَّوَقُّف (كم كم ذَا الهجر وافتراق الأحباب ... هَل بعد الْبعد للَّذي غَابَ إياب) (كم قد خطت إِلَيْكُم الْكَفّ كتاب ... خلوا العتب ثمَّ مَا جَاءَ جَوَاب) يَا هَذَا دبر دينك كَمَا دبرت دنياك لَو علق بثوبك مِسْمَار رجعت إِلَى وَرَاء لتخلصه هَذَا مِسْمَار الأضرار قد تشبث بقلبك فَلَو عدت إِلَى النَّدَم خطوتين تخلصت هَيْهَات صبي الْغَفْلَة كلما حرك نَام يَا مَجْنُون الْهوى أما مارستان الْعُزْلَة وَقيد الحمية ومعالجة سلاسل التَّقْوَى ومرافقة بشر ومعروف وَإِلَّا فمارستان جَهَنَّم فِي انكال الْعقُوبَة وصحبة ابليس لَا بُد من جرم عزم يُؤْخَذ بالحزم لينتصر من عايث الشره سُلْطَان الازم من رق لبكاء الطِّفْل لم يقدر على فطامه كل يَوْم تحضر الْمجْلس يقف لَك الشَّيْطَان على الْبَاب فَإِذا خرجت كَمَا دخلت قَالَ فديت من لَا يفلح وأسفي كم تطلب الْخضر وَمَا ترى إِلَّا الْيَأْس وَيحك أعرف مَا ضَاعَ مِنْك وابك بكاء من يدْرِي قيمَة الفايت وَصَحَّ فِي السحر (إِن كَانَ عهود وصلكم قد درست ... فالروح إِلَى سواكم مَا أنست) (أَغْصَان هواكم بقلبي غرست ... منوا بلقائكم وَإِلَّا يَبِسَتْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 واستنشقت ريح الأسحار لآفاق قَلْبك المخمور وتخايلت قرب الأحباب أَقمت المآتم على بعْدك (مَا اشوقني إِلَى نسيم الرند ... يشفي سقمي إِذا أَتَى من نجد) (والشيح فَإِنَّهُ مثير الوجد ... شوقي شوقي لَهُ ووجدي وجدي) كَانَ بعض السّلف يَقُول فِي مناجاته إلهي إِنَّمَا أبْكِي لما قسمت الْأَقْسَام جعلت التَّفْرِيط حظى فَأَنا أبْكِي على بخْتِي (قد كنت من قبل النَّوَى ... مِمَّا أُلَاقِي جزعا) (تركتموني بعدكم ... اشرب دمعي جرعا) أخواني تَعَالَوْا نرق دمع تأسفنا على قبح تخلفنا ونبعث مَعَ قاصدي الحبيب رِسَالَة محصر لَعَلَّنَا نفوز بِأَجْر الْمُصَاب إِن لم يرجع الْمَفْقُود يَا أَرْبَاب الْقُلُوب الضايعة {اذْهَبُوا فتحسسوا من يُوسُف} (هذي معالمهم وَمَا ... لي مُنْذُ بَان الْقَوْم عهد) (واها لعيش بالحمى ... لَو كَانَ لي يَوْمًا يرد) (ويلي أحظي كُله ... من حبكم هجر وَصد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الْفَصْل السَّابِع أخواني ذهبت الْأَيَّام وكتبت الآثام وَإِنَّمَا ينفع الملام متيقظا وَالسَّلَام (وعظتنا بمرها الْأَيَّام ... وأرتنا مصيرنا الأرجام) (ودعتنا الْمنون فِي سنة الْغَفْلَة ... هبوا واستيقظوا يَا أَنَام) (لَيْت شعري مَا يَتَّقِي الْمَرْء والرامي ... لَهُ الْمَوْت والخطوب سِهَام) (منهل وَاحِد شرايعه شَتَّى ... عَلَيْهِ للواردين ازدحام) (نتحاماه مَا استطعنا وتحدونا ... إِلَيْهِ الشُّهُور والأعوام) (وَإِذا رَاعنا فقيد نسيناه ... تناسى مَا راعهن السوام) (أوقوفا على غرور وَقد زلت ... بِمن كَانَ قبلنَا الْأَقْدَام) (ووراء الْمصير فِي هَذِه الأجداث ... دَار يكون فِيهَا الْمقَام) يَا من صَحِيفَته بِالذنُوبِ قد خفت وموازينه لِكَثْرَة الْعُيُوب قد حفت يَا مستوطنا والمزعجات قد ذفت لَا تغتر بأغصان المنى وَإِن أورقت ورفت فكأنك بهَا قد صوحت وجفت أما رَأَيْت أكفا عَن مطالبها قد كفت أما شاهدت عرايس الأجساد إِلَى الالحاد زفت أما عَايَنت سطور الْأَجْسَام فِي كتب الأرجام قد أدرجت ولفت أما أَبْصرت قُبُور الْقَوْم فِي رقاع بقاع القاع قد صفت من عرف تصرف الْأَيَّام لم يغْفل الإستعداد إِن قرب الْمنية ليضحك من بعد الأمنية مَا جرى عبد فِي عنان أمله إِلَّا عثر فِي الطَّرِيق بأجله أخواني خلقنَا نتقلب فِي سِتَّة أسفار إِلَى أَن يسْتَقرّ بِنَا الْمنزل السّفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الأول سفر السلالة من الطين وَالثَّانِي سفر النُّطْفَة من الصلب وَالثَّالِث من الْبُطُون إِلَى الدُّنْيَا وَالرَّابِع من الدُّنْيَا إِلَى الْقُبُور وَالْخَامِس من الْقُبُور إِلَى الْعرض وَالسَّادِس إِلَى منزل الْإِقَامَة فقد قَطعنَا نصف الطَّرِيق وَمَا بعد أصعب أخواني السنون مراحل والشهور فراسخ وَالْأَيَّام أَمْيَال والأنفاس خطوَات والطاعات رُؤْس أَمْوَال والمعاصي قطاع الطَّرِيق وَالرِّبْح الْجنَّة والخسران النَّار لهَذَا الْخطب شمر المتقون عَن سوق الْجد فِي سوق الْمُعَامَلَة كلما رَأَوْا مراكب الْحَيَاة تخطف فِي بَحر الْعُمر شغلهمْ هول مَا هم فِيهِ عَن التَّنَزُّه فِي عجائب الْبَحْر فَمَا كَانَ إِلَّا قَلِيل حَتَّى قدمُوا من السّفر فاعتنقتهم الرَّاحَة فِي طَرِيق التلقي فَدَخَلُوا بلد الْوَصْل وَقد حازوا ربح الدَّهْر المهيار (زمو المطايا فدمع الْعين منطلق ... وَالْقلب عان وَرَاء الْخَوْف مأسور) (فَلم يهبهب بِأولى الزّجر سائقهم ... حَتَّى تشابك مهتوك ومستور) (فغلسوا من زرود وَجه يومهم ... وحطهم لظلال البان تهجير) (وضمنوا اللَّيْل سلعا إِذْ رَأَوْهُ وَقد ... غنت على فتنى سلع العصافير) أملهم أقصر من فتر مَنَازِلهمْ أفقر من قبر نومهم أعز من الْوَفَاء السهر عِنْدهم أحلى من رقدة الْفجْر أخبارهم أرق من نسيم السحر آماقهم بالدموع الدائمة دامية والهموم على الجوانح جوانح لأَنْفُسِهِمْ أنفاس من مثلهَا يهيج البهيج روض رياضتهم مطلول الخمايل يحدث ريا ريه عَنْهُم فالرايحة رائجة بالْخبر للمهيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 (يَا سايق الأظعان إِن مَعَ الصِّبَا ... خَبرا لَو أَنَّك للصبا تتَوَقَّف) (هبت بعارفة تَسوق من الْحمى ... أرجا بريا أَهله يتعرف) خُذ حَدِيث الْقَوْم جملَة واقنع بالعنوان كواكب هممهم فِي بروج عزائمهم سيارة لَيْسَ فِيهَا زحل نَامُوا فِي الدجى على مهاد القلق فَلَمَّا جن اللَّيْل جن الجذر فَاسْتَيْقَظت عين مَا تهنأت بطعم الرقاد (كفى سائقا بالشوق بَين الأضالع ... لهيب اشتياق ثمَّ فيض مدامع) فَرَكبُوا عيس الْقَصْد وركبوا الجادة فَلَمَّا غنت الحداة رنت الفلاة فأعربت أَبْيَات الشّعْر عَن أَبْيَات الشّعْر فعصفت ريَاح الزفرات من قلب المشوق فانقلع شكر الدمع فَلَو رَأَيْت وكف شؤونهم قلت قد انْقَطع شريان الْغَمَام هَذَا يُعَاتب نَفسه على التَّقْصِير وَهَذَا يتفكر فِي هول الْمصير وَهَذَا يخَاف من ناقد بَصِير منَازِل تعبدهم متناوحة وَفِي كل بَيت مِنْهُم نايحة تائبهم أبكى من متمم ومحبهم أتيم من مرقش ومشتاقهم أقلق من قيس وَكلهمْ قد بَات بلَيْل النَّابِغَة التائب يَقُول أَنا الْمقر على نَفسِي بالخيانة أَنا الشَّاهِد عَلَيْهَا بِالْجِنَايَةِ (اعْفُ عني واقلني عثرتي ... يَا عتادي لملمات الزَّمن) (لَا تعاقبني فقد عاقبني ... نَدم اقلق روحي فِي الْبدن) (لَا تطير وسنا عَن مقلتي ... أَنْت أهديت لَهَا حُلْو الوسن) (يَا حَبِيبِي بِلِسَان الْعَرَبِيّ ... ولسان الْفَارِسِي يَا دوست من) والمتعبد يبكي على الفتور بكاء الثكلى بَين الْقُبُور وَينْدب زمَان الْوِصَال ويتأسف على تغير الْحَال (قد كَانَ لي مشرب يصفو برؤيتكم ... فكدرته يَد الْأَيَّام حِين صفا) والخائف يُنَادي لَيْت شعري مَا الَّذِي أسقطني من عَيْنك أقلت {هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 (لاية عِلّة ولأي حَال ... صرمت حبال وصلك عَن حبالي) (وعوضت البعاد من التداني ... وَمر الهجر من حُلْو الْوِصَال) (فَإِن اك قد جنيت عَلَيْك ذَنبا ... وَلم أشعر بقول أَو فعال) (فعاقبني عَلَيْهِ بِأَيّ شَيْء ... أردْت سوى الصدود فَمَا أُبَالِي) وصريع الْمحبَّة يستغيث وينادي حَتَّى أقلق الْحَاضِر والبادي (تحمل أَصْحَابِي وَلم يَجدوا وجدي ... وَلِلنَّاسِ أشجان ولي شجن وحدي) (أحبكم مَا دمت حَيا وَإِن مت ... فواكبدي من ذَا يحبكم بعدِي) وقتيل الشوق يتَعَلَّق بِمَا يرى ويتشبث بِمَا يسمع يرتاح إِلَى السهر ومقصوده غَيره وَإِلَى الشّجر ومغنين طيره للمهيار (أيابانة الْغَوْر عطفا شفيت ... وَإِن كنت أكني وأعني سواك) (أحبك من أجل من تعلمين ... لَو أَنِّي أرَاهُ كَمَا قد أَرَاك) (ذكرت وَيَا لهفي هَل نسيت ... ليَالِي أسمرها فِي ذراك) (كفى الوجد أَنِّي إِذا مَا استرحت ... إِلَى اسْمك عميته بالأراك) (إِذا الصد أرضاك فَهُوَ الْوِصَال ... فَإِنِّي فعلت فأهلا بِذَاكَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الْفَصْل الثَّامِن الشَّهَوَات تغر وتعر وتمر عَيْش العواقب وتمر وتبكي عين النَّدَم أَضْعَاف مَا تسر أَلا يقظ إِلَّا حذر الا حر (هَل الدَّهْر إِلَّا مَا عرفنَا وأدركنا ... فجايعه تبقى ولذاته تفنى) (إِذا أمكنت فِيهِ مَسَرَّة سَاعَة ... تولت كمر الطّرف واستخلفت حزنا) (إِلَى تبعات فِي الْمعَاد وموقف ... نود لَدَيْهِ أننا لم نَكُنْ كُنَّا) (حصلنا على هم واثم وحسرة ... وَفَاتَ الَّذِي كُنَّا نلذ بِهِ عَنَّا) (كَأَن الَّذِي كُنَّا نسر بِكَوْنِهِ ... إِذا حققته النَّفس لفظ بِلَا معنى) إِن المواعظ قد أفصحت وأعربت غير أَن الزخارف للواحظ قد أدهشت وأعجبت وَإِنَّمَا تقطع مراحل الْجد بالعزم وَالصَّبْر وَنظر اللبيب الْمجد إِلَى آخر الْأَمر أَو لَيْسَ الصَّحِيح بِعرْض عَارض الأسقام والأوصاب أوما المسرور بِالْعرضِ كالغرض لسهام الْمُصَاب أَو مَا يَكْفِي من الزواجر كف كف الْأَحْدَاث مَبْسُوط الأمل أما يشفى من الْبَيَان عيان الْأَعْيَان فِي الأجداث خالين بِالْعَمَلِ أَيْن من فاق قمم الشّرف فعزل وَولى أما ذاق ألم المنصرف فَنزل وَولى أَيْن من نَشأ فِي عَليّ وَنهى وندى سلب وَلم يَشَأْ حلى ولهى وجدى أَيْن المسرور بشهوات أمسه حزن أَيْن الْمَغْرُور بلذات نَفسه غبن (فيا آملا أَن يخلد الدَّهْر كُله ... سل الدَّهْر عَن عَاد وَعَن أُخْتهَا أرم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 (إِذا مَا رَأَيْت الشَّيْء يبليه عمره ... ويفنيه أَن يبْقى فَفِي دائه عقم) (يروح وَيَغْدُو وَهُوَ من موت غِبْطَة ... وَمَوْت فنَاء بَين فكين من جلم) (تحد لنا أَيدي الزَّمَان شفاره ... ونرتع فِي أكلائه رتعة النعم) (نراع إِذا مَا الْمَوْت صَاح فنرعوي ... وَإِن لم يَصح يَوْمًا براتعنا خضم) (أَلا إِن بالأبصار عَن عِبْرَة عمى ... أَلا إِن بالأسماع عَن عظة صمم) (سيكشف عَن قلب الغبي غطاؤه ... إِذا حتفه يَوْمًا على صَدره جثم) يَا مُعْتَقدًا دَار القلعة قلعة أما ترَاهَا تميد بسكانها وَالشَّاهِد مَا يُشَاهد عواصف الْحَوَادِث تنسف جبال المقتنى ومعاول الزَّمَان تهدم مشيد المبتنى وَكلما ارْتَفع كثيب أمل وهال أنهال يَا مهْلكا نَفسه الَّتِي لَا قيمَة لَهَا لأجل دينا لَا وَقع لَهَا إِلَى كم هَذَا الْحِرْص وَمَا تنَال غير الْمَقْدُور أما رَأَيْت مرزوقا لَا يتعب ومتعبا لَا يرْزق هَذَا مُوسَى فِي تقلقل {أَرِنِي} وَمَا أرى وَمُحَمّد يزعج عَن مَنَامه وَمَا طلب قَضَاهَا لغيري وابتلاني بحبها وَاعجَبا يطْلب مُوسَى التجلي فَيمْنَع ويرزق الْجَبَل (أَرَاك الْحمى قل لي بِأَيّ وَسِيلَة ... توسلت حَتَّى قبلتك ثغورها) لقد أنضى الْحِرْص مَطِيَّة عمرك وَمَا وصلت بلد الأمل لَو قنعت الذبابة بِطرف ظرف الْعَسَل مَا تلفت لَو عرفت قيمَة نَفسهَا رخصت أَو غلت مَا أوغلت شقايق اللَّذَّة تروق بصر الْحس وَسن العواقب تضحك من الْمَغْرُور يَا دني الهمة أعجبتك خضرَة على مزبلة فَكيف لَو رَأَيْت فردوس الْملك قنعت بخسايس الحشايش والرياض معشبة بَين يَديك تقدم بالرياضة خطوَات وَقد وصلت (الْغَوْر يَا رِكَابنَا الْغَوْر إِذن ... إِن صدق الرايد فِي هَذَا الْخَبَر) (وَإِن حننت للحمى وروضه ... فبالغضا مَاء وروضات أخر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الهمم تَتَفَاوَت فِي جَمِيع الْحَيَوَانَات العنكبوت من حِين يُولد ينسج لنَفسِهِ بَيْتا وَلَا يقبل منَّة الْأُم والحية تطلب مَا حفره غَيرهَا إِذْ طبعها الظُّلم الْغُرَاب يتبع الْجِيَف والأسد لَا يَأْكُل البايت الْكَلْب ينضنض لترمى لَهُ لقْمَة والفيل يتملق حَتَّى يَأْكُل للصَّيْد كلاب وللمدبغة كلاب أَيْن الإنفة النَّحْل يغْضب فيترضى من لجاج والخنفساء تطرد فتعود الأختبار يظْهر جَوَاهِر الرِّجَال بعثت بلقيس إِلَى سُلَيْمَان هَدِيَّة لتسبر بهَا قدر همته فَإِن رأتها قَاصِرَة علمت أَنَّهَا لَا تصلح للمعاشرة وَإِن رأتها عالية تطلب مَا هُوَ أَعلَى تيقنت أَنه يصلح يَا هَذَا الدُّنْيَا هَدِيَّة بلقيس فَهَل تقبلهَا أَو تطلب مَا هُوَ أنفس وَيحك أحسن مَا فِي الدُّنْيَا قَبِيح لِأَنَّهُ يشغل عَمَّا هُوَ أحسن مِنْهُ أَتَرَى لَو ابتليناك بترك عَظِيم كَيفَ كنت تفعل إِنَّمَا رددناك عَن دنس ومنعناك من كدر ثمَّ مَا علمت أَن الثَّوَاب على قدر الْمَشَقَّة وَيحك إِن الأرباح الْكَثِيرَة فِي الْأَسْفَار الْبَعِيدَة الصَّبْر والهوى ضرتان فاختر إِحْدَى الضرتين فَمَا يُمكن الْجمع من دَامَ بِهِ الْخمار فِي ديار الْهوى لم يفتح عَيْنَيْهِ إِلَّا فِي منَازِل البلى من غرق بنهر الْمُعَلَّى طفا تَحت الْبَلَد وَاعجَبا أعدم نظر الْعقل بِمرَّة أَو بِعَيْنِه رمد لَو قيل لَك ارْمِ ثَوْبك على هدف مرمى لم تفعل إشفاقا عَلَيْهِ وَهَذَا دينك فِي عرض عرضك قد تمزق من نبل الْهوى لَو قيل زد فِي النفقه خفت على المَال وَقد حفت فِي إِنْفَاق الْعُمر على معشوق البطالة رميت يُوسُف قَلْبك فِي جب الْهوى وَجئْت على قَمِيص الْأَمَانَة بِدَم كذب وَيحك كلما أوغلت فِي الْهوى زَاد التعرقل وَيحك مَا يُسَاوِي النّصاب الْمَسْرُوق قطع الْيَد مَجْلِسنَا بَحر والفكر غواص يسْتَخْرج الدّرّ ومراكب الْقُلُوب تسير إِلَى بلد الْوَصْل وَأَنت تقف على السَّاحِل {وَترى الْفلك مواخر فِيهِ} إِن قَعْر جَهَنَّم لبعيد وَلَكِن همتك أَسْفَل مِنْهُ خنقنا دُخان التخويف افتحوا للرواح (إِلَى كم عتاب يسد الفضا ... سَلام عَلَيْكُم مضى مَا مضى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الْفَصْل التَّاسِع الزَّمَان أنصح المؤدبين وأفصح المؤذنين فانتبهوا بايقاظه واعتبروا بألفاظه (فكم هَذَا التصامم والتعامي ... وَكم هَذَا التغافل والتواني) (لَو أَنا قد فهمنا عَن خراب ... الديار مقالها لم يبن بَان) (ويجني الْعَيْش كل أَذَى ويهوى ... فيا للعيش يعشق وَهُوَ جَان) (فَللَّه الأولى درجوا جَمِيعًا ... وَزَادَهُمْ النَّجَاء من الهوان) (وَمَا عَلقُوا من الدُّنْيَا بِشَيْء ... سوى بلغ بأطراف البنان) (وَلما أَن رَضوا شعث النواصي ... تَقِيّ وهبوا التصنع للغواني) لله در العارفين بزمانهم إِذْ باعوا مَا شانهم بإصلاح شَأْنهمْ مَا أقل مَا تعبوا وَمَا ايسر مَا نصبوا وَمَا زَالُوا حَتَّى نالوا مَا طلبوه شمروا عَن سوق الْجد فِي سوق العزائم وَرَأَوا مطلوبهم دون غَيره ضَرْبَة لَازم وجادوا مُخلصين فَرَبِحُوا إِذْ خسر حَاتِم وَأَصْبحُوا منزل النجَاة وَأَنت فِي اللَّهْو نايم مَتى تسلك طريقهم يَا ذَا المآثم مَتى تندب الذُّنُوب ندب المآتم يَا رجَالًا مَا بَانَتْ رجوليتهم إِلَّا بالعمايم يَا أَخَوان الأمل قد بَقِي الْقَلِيل وتفنى المواسم أَيْن أَنْت من الْقَوْم مَا قَاعد كقائم للمهيار (صحب الله راكبين إِلَى الْعِزّ ... طَرِيقا من المخافة وعرا) (شربوا الْمَوْت فِي الكريهة حلوا ... خوف أَن يشْربُوا من الضيم مرا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 أنف الْقَوْم من مزاحمة الْخلق فِي سوق الْهوى وَقَوي كرب شوقهم فَلم يحتملوا حصر الدُّنْيَا فَخَرجُوا إِلَى فضاء الْعِزّ فِي صحراء التَّقْوَى وضربوا مخيم الْجد فِي ساحة الْهدى وتخيروا شواطي أَنهَار الصدْق فشرعوا فِيهَا مشارع البكا وانفردوا بقلقهم فساعدهم ريم الفلا وترنمت بلابل بلباهم فِي ظلام الدجا فَلَو رَأَيْت حزينهم لطلب الرِّضَا على جمر الغضا فيا مَحْبُوسًا عَنْهُم فِي سجن الْحِرْص والمنى إِن خرجت يَوْمًا من سجنك لترويح شجنك من غم الْبلوى عرج بِذَاكَ الْوَادي للشريف الرضي (عارضا بِي ركب الْحجاز أسائله ... مَتى عَهده بأيام سلع) (واستملا حَدِيث من سكن الْخيف ... وَلَا تكتباه إِلَّا بدمعي) (فَاتَنِي أَن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أعي الديار بسمعي) (كلما سل من فُؤَادِي سهم ... عَاد سهم لَهُم مضيض الوقع) (من معيد أَيَّام جمع على مَا ... كَانَ مِنْهَا وَأَيْنَ أَيَّام جمع) (طَالب بالعراق ينشد هَيْهَات ... زَمَانا أضلّهُ بالجزع) يَا معوقا عَنْهُم بِكَثْرَة الْحَوَادِث خلص المَاء من ضيق الأنابيب وَانْظُر كَيفَ يسْرع إِلَى مَتى تألف عش الصِّبَا سَافر مَعَ الرِّجَال لَو عبرت بطن النجف لاستنشقت ريح الْحجاز حدث نَفسك بِأَرْض نجد يهن عَلَيْهَا عبور الْعقبَة ذكرهَا قرب منى وَقد درجت المدرج للمهيار (من بمنى وَأَيْنَ جيران منى ... كَانَت ثَلَاثًا لَا تكون أَرْبعا) (سلمبتوني كبدا صَحِيحَة ... أمس فردوها عَليّ قطعا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 (عدمت صبري فَجَزِعت بعدكم ... ثمَّ ذهلت فعدمت الجزعا) (ارتجعوا إِلَى لَيْلَة بحاجر ... إِن تمّ فِي الفايت أَن يرتجعا) (وغفلة سرقتها من زمني ... بلعلع سقى الْغَمَام لعلعا) يَا صبيان التَّوْبَة هلالكم خفى فدوموا على الْمُعَامَلَة يصر بَدْرًا لَا بُد من ضيف ولنبلونكم الطَّبْع يحن إِلَى المألوف وَالْولد يطْلب مَا يَشْتَهِي وَالزَّوْجَة تروم سَعَة النَّفَقَة والورع يخْتم كيس التَّصَرُّف {هُنَالك ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وزلزلوا زلزالا شَدِيدا} أَيدي صبيان التَّوْبَة فِي أَفْوَاههم بعد طعم الرضاء بَينا ليل زللهم قد عسعس إِذْ صبح يَوْم تَوْبَتهمْ قد تنفس فَكلما احترقت قُلُوبهم بالخوف تعرضوا بنسمات الرَّجَاء للعفو (لَا عدا الرّوح من تهَامَة أنفاسا ... إِذا استروحت تمنيت نجدا) يَا صبيان التَّوْبَة طبيبكم متلطف تَارَة بالتشويق وَتارَة بالتخويف هَذِه الطير إِذا انْشَقَّ بيضها عَن الْفِرَاخ علم الْأَب وَالأُم إِن حوصلة الفرخ لَا تحْتَمل الْغذَاء فينفخان الرّيح فِي حلقه لتسْع الحوصلة ثمَّ يعلمَانِ أَن الحوصلة تفْتَقر إِلَى دبغ وتقوية فيأكلان من صاروج الْحِيطَان وَهُوَ شَيْء فِيهِ ملوحة كالسبخ ثمَّ يزقانه إِيَّاه فَإِذا اشتدت الحوصلة زقياه الْحبّ فَإِذا علما أَنه قد أطَاق اللقط منعاه بعض الْمَنْع فَإِذا جَاع لقط فَإِذا رأياه قد اسْتَقل باللقط ضرباه بالأجنحة إِذا سَأَلَهُمَا الزق فتأملوا تدبيري لكم فِي المواعظ الطِّفْل لَا يصبر عَن الرَّضَاع سَاعَة فَإِذا صَار رجلا صَبر عَن الطَّعَام يَوْمَيْنِ إِنَّمَا تقع الكلفة بِقدر الطَّاقَة لما كَانَ الطاير يحْتَاج أَن يزق فرخه لم يحمل عَلَيْهِ إِلَّا تَدْبِير بيضتين وَلما كَانَت الدَّجَاجَة تحضن وَلَا تزق كَانَ بيضها أَكثر وَلما كَانَت الضبة لَا تحضن وَلَا تزق صَارَت تبيض سِتِّينَ بَيْضَة وتحفر لَهُنَّ وتترك التُّرَاب عَلَيْهِنَّ وَبعد أَيَّام تنبشهن فيخرجن كلما قوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الْحَامِل زيد فِي الْحمل فِي أول مقَام يَقُول {يحب التوابين} وَفِي أوسطه بعيني مَا يتَحَمَّل المتحملون وَفِي الْمقَام الْأَعْلَى كذب من من ادّعى محبتي فَإِذا جنه اللَّيْل نَام عني كَانَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي يبكي حَتَّى ينْبت الرّيع من عَيْنَيْهِ وَكَانَ عَطاء السلمى يبكي حَتَّى لَا يقدر أَن يبكي (يَا منفذا مَاء الجفون ... وَكنت أنفقهُ عَلَيْهِ) (إِن لم تكن عَيْني فَأَنت ... أعز من نظرت إِلَيْهِ) كَانُوا إِذا ضيق الْخَوْف عَلَيْهِم الخناق نفسوه بالرجاء فَكَانَ أَبُو سُلَيْمَان يَقُول إلهي إِن طالبتني بذنوبي طالبتك بكرمك وَإِن أسكنتني النَّار بَين أعدائك لأخبرنهم إِنِّي كنت أحبك وَكَانَ يحيى ابْن معَاذ يَقُول إِن قَالَ لي يَوْم الْقِيَامَة عَبدِي مَا غَرَّك بِي قلت الهي برك بِي (تجاسرت فكاشفتك ... لما غلب الصَّبْر) (فَإِن عنفني النَّاس ... فَفِي وَجهك لي عذر) (لَان الْبَدْر مُحْتَاج ... إِلَى وَجهك يَا بدر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الْفَصْل الْعَاشِر أخواني الدُّنْيَا غرارة غدارة خداعة مكارة تظن مُقِيمَة وَهِي سيارة وَمُصَالَحَة وَقد شنت الْغَارة (نح نفسا عَن الْقَبِيح وصنها ... وتوق الدُّنْيَا وَلَا تأمننها) (لَا تثق بالدني فَمَا أبقت الدُّنْيَا ... لحى وَدِيعَة لم تخنها) (إِنَّمَا جِئْتهَا لتستقبل الْمَوْت ... واسكنتها لتخرج عَنْهَا) (ستخلى الدُّنْيَا وَمَا لَك إِلَّا ... مَا تبلغت أَو تزودت مِنْهَا) (وسيبقى الحَدِيث بعْدك فَانْظُر ... خير أحدوثة تكون فكنها) كَأَنَّك بِالْمَوْتِ وَقد خطف ثمَّ عَاد إِلَى الْبَاقِي وَعطف تنبه لنَفسك يَا ابْن النطف فقد حَاذَى الرَّامِي الهدف إِلَى كم تسير فِي سرف لَيْت هَذَا الْعَزْم وقف تُؤخر الصلوة ثمَّ تسيئها كالبرق إِذا خطف أتجمع سوء كيلة مَعَ حشف الْجَسَد أَتَى وَالْقلب انْصَرف يَا من بَاعَ الدّرّ وَاشْترى الخزف أبسط بِسَاط الْحزن على رماد الأسف عَلَيْك حَافظ وصابط لَيْسَ بناس وَلَا غالط يكْتب الْأَلْفَاظ السواقط وَأَنت فِي ليل الظلام خابط يَا من شَاب إِلَى كم تغالط إبك مَا مضى وَيَكْفِي الفارط مَا للعيون قد أخلفت أنواؤها وَكثر نظرها إِلَى الْحَرَام فَقل بكاؤها مَا للقلوب الْمَرِيضَة قد عز شفاؤها سأكتب ضَمَان الآمال وَأَيْنَ وفاؤها آه لأمراض نفوس قد يئس طبيبها ولأصوات مواعظ قد خرس مجيبها هبت وَالله دبور الذُّنُوب فَتركت الْأَجْسَام بِلَا قُلُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 أَيْن الْفَهم والتأمل إِن لم يكن جميل فَلْيَكُن تجمل أخواني قد دنا الترحل لَا بُد وشيكا من التَّحَوُّل رقيبكم يَا غافلين لَا يغْفل أتذكرون الذُّنُوب بِلَا تململ يَا من يعد بِالتَّوْبَةِ كم تمطل يَا ملازما للهوى كم تعدل الْمعاصِي سم والقليل مِنْهُ يقتل يَا هَذَا الدُّنْيَا وَرَاءَك وَالْأُخْرَى أمامك والطلب لما وَرَاءَك هزيمَة إِنَّمَا يعجب بالدنيا من لَا فهم لَهُ كَمَا أَن أضغاث الأحلام تسر النَّائِم لعب الخيال يحسبها الطِّفْل حَقِيقَة فَأَما الْعقل فَيعلم مَا وَرَاء السّتْر (رَأَيْت خيال الظل أكبر عِبْرَة ... لمن هُوَ فِي علم الْحَقِيقَة راق) (شخوص وأشباح تمر وتنقضي ... جَمِيعًا وتفنى والمحرك بَاقٍ) كم أتلفت الدُّنْيَا بيد حبها فِي بيد طلبَهَا كم ساع سعى إِلَيْهَا سعي الرخ ردته معكوسا رد الفرازين الدُّنْيَا نهر طالوت والفضائل تنادي {فَمن شرب مِنْهُ فَلَيْسَ مني} فَإِذا قَامَت الْفَاقَة مقَام ابْن أم مَكْتُوم أبيحت لَهَا رخصَة {إِلَّا من اغترف} فَأَما أهل الْغَفْلَة فارتووا فَلَمَّا قَامَت حَرْب الْهوى ثبطتهم البطنة فَنَادوا بألسنة الْعَجز {لَا طَاقَة لنا} وَأَقْبل مضمن الْجد فحاز قصب السَّبق كل الشَّرّ فِي الشره واللذة خناق من عسل من تبصر تصبر الحزم مَطِيَّة النجح الطمع مركب التّلف التواني أَبُو الْفقر البطالة أم الخسران التَّفْرِيط أَخُو النَّدَم الكسل إِبْنِ عَم الْحَسْرَة مَا يحصل برد الْعَيْش إِلَّا بَحر التَّعَب مَا الْعِزّ إِلَّا تَحت ثوب الكد على قدر الإجتهاد تعلو الرتب لما صابر النضو مشقة السّير معرضًا عَن أَعْرَاض المطاعم زين بالجلال يَوْم الْعِيد وَلما تكاسلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 البخاتي ميلًا إِلَى كَثْرَة الْعلف وَقع ببختها الذّبْح سَابق الطير مكرم والديك الحاذق بالصياح مُطلق إِذا صب فِي الْقنْدِيل مَاء ثمَّ صب عَلَيْهِ زَيْت صعد الزَّيْت فَوق المَاء فَيَقُول المَاء أَنا ربيت شجرتك فَأَيْنَ الْأَدَب لم ترْتَفع على فَيَقُول الزَّيْت أَنْت فِي رَضْرَاض الْأَنْهَار تجْرِي على طَرِيق السَّلامَة وَأَنا صبرت على الْعَصْر وطحن الرحا وبالصبر يرْتَفع الْقدر فَيَقُول المَاء أَلا أَنِّي أَنا الأَصْل فَيَقُول الزَّيْت إستر عيبك فَإنَّك لَو قارنت الْمِصْبَاح انطفأ يَا بَعيدا عَن المجاهدة قد اقتسم الرعيل الأول النَّفْل أما ترى اسلاب الْهوى كَيفَ يَبِيعهَا أَرْبَابهَا فِي سوق الإفتخار بالنض {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} يَا من قد انحرف عَن جادتهم كم أحركك بِسَوْط الشوق فِي شوط السُّوق سهم عزمك بِلَا ريش إِنَّمَا يَقع وَقت الرمى بَين يَديك يَا مخنث الْعَزِيمَة أقل مَا أبقى فِي الرقعة البيذق فَلَمَّا نَهَضَ تفرزن رأى بعض الْحُكَمَاء برذونا يَسْتَقِي عَلَيْهِ فَقَالَ لَو هملج هَذَا لركب مَتى هَمت أَقْدَام الْعِزّ بالسلوك إندفع من بَين يَديهَا مَا يسد القواطع وَمَتى هاب الغايص موج الْبَحْر لم يطمح لَهُ فِي نيل الدّرّ يَا من عقد عزمه بأنشوطة والهوى يمدها للْحلّ إِن عزفت من عزيمتك الثُّبُوت فِي صف المجاهدة وَإِلَّا فاحذر هتكة الْهَزِيمَة كَانَ ذُو البجادين يَتِيما فَلَمَّا عَمه الْفقر كفله عَمه فنازعته النَّفس إِلَى الْإِسْلَام فهم بالنهوض فَإِذا بَقِيَّة الْمَرَض مَانِعَة فَقعدَ على انْتِظَار الْعم فَانْتهى الْمَرَض فَصَارَت الهمة عَزِيمَة فنفذ الصَّبْر فناداه صدق الوجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 للمهيار (إِلَى كم حَبسهَا تَشْكُو المضيقا ... إثْرهَا رُبمَا وجدت طَرِيقا) (أجلهَا تطلب القصوى ودعها ... سدى يَرْمِي الْغُرُوب بهَا الشروقا) (أتعقلها وتقنع بالهوينا ... تكون إِذن بذلتها خليقا) (وَلم يشفق على حسب غُلَام ... يكون على ركائبه شفيقا) فَقَالَ يَا عَم كَيفَ انْتظر سلامتك بِإِسْلَامِك وَمَا أرى زمن زمنك ينشط فَقَالَ وَالله لَئِن أسلمت لانتزعن كل مَا أَعطيتك فصاح لِسَان الشوق نظرة من مُحَمَّد أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا هَذَا مَذْهَب المحبين إِجْمَاعًا من غير خلاف (وَلَو قيل للمجنون ليلى وَوَصلهَا ... تُرِيدُ أم أم الدُّنْيَا وَمَا فِي خباياها) (لقَالَ تُرَاب من غُبَار نعالها ... ألذ إِلَى نَفسِي وأشفى لبلواها) فَلَمَّا تجرد لطلب الثَّوَاب جرده الْعم من الثِّيَاب فناولته الْأُم بجادا فَقَطعه لسفر الْوَصْل فائتزر وارتدى وَغدا فِي هَيْئَة رب أَشْعَث أغبر (سنة الأحباب وَاحِدَة ... فَإِذا أَحْبَبْت فاستنن) فَنَادَى صائح الْجِهَاد فِي جَيش الْعسرَة فتبع ساقة الأحباب على سَاق والمحب لَا يرى طول الطَّرِيق إِنَّمَا يتلمح الْمَقْصد (أَلا أبلغ الله الْحمى من يُريدهُ ... وَبلغ أكناف الْحمى من يريدها) فَحمل جلدَة فَوق جلده إِلَى أَن نزل منزل التّلف فَنزل الرَّسُول فِي حفرته يمهد لَهُ اللَّحْد لمأمور إِذا رَأَيْت لي طَالبا فَكُن لَهُ خَادِمًا وَجعل يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أمسيت رَاضِيا عَنهُ فارض عَنهُ فصاح ابْن مَسْعُود لَيْتَني كنت صَاحب الحفرة (كَذَاك الْفَخر يَا همم الرِّجَال ... تَعَالَى فانظري كَيفَ التعالي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الْفَصْل الْحَادِي عشر أيتها النَّفس إقلعي عَن الْجنَاح وتوبي وراجعي إِلَى الصّلاح وأوبي أيتها النَّفس قد شان شاني عيوبي أيتها الجاهلة تكفيني ذُنُوبِي (يَا وَيْح نَفسِي من تتَابع حوبتي ... لَو قد دَعَاني لِلْحسابِ حسيبي) (فاستيقظي يَا نفس وَيحك واحذري ... حذرا يهيج عبرتي ونحيبي) (واستدركي مَا فَاتَ مِنْك وسأبقى ... سطوات موت للنفوس طلوب) (وابكي بكاء المستغيث واعولي ... أعوال عان فِي الوثاق غَرِيب) (هَذَا الشَّبَاب قد اعتللت بلهوه ... أفليس ذَا يَا نفس حِين مشيبي) (هَذَا النَّهَار يكر وَيحك دائبا ... يجْرِي بِصَرْف حوادث وخطوب) (هَذَا رَقِيب لَيْسَ عني غافلا ... يحصي عَليّ وَلَو غفلت ذُنُوبِي) (أوليس من جهل بِأَنِّي نَائِم ... نوم السَّفِيه وَمَا ينَام رقيبي) آه لنَفْسي تركت يقينها وتبعت آمالها مَا لَهَا جهلت مَا عَلَيْهَا وَمَا لَهَا أما ضربت العبر بِأخذ أَمْثَالهَا أَمْثَالهَا من لَهَا إِذا نازلها الْمَوْت فغالها وَأخذ مِنْهَا مَا نالها وَقد أَنى لَهَا ليتها تفقدت أمورها أَو شهِدت أحوالها تحضر الْمجْلس بنية فَإِذا قَامَت بدا لَهَا ويحها لَو ترى اجزآءا من مَالهَا لهالها لِأَبْنِ المعتز (وَكم دهى الْمَرْء من نَفسه ... فَلَا تؤكلن بأنيابها) (وَإِن مكنت فرْصَة فِي الْعَدو ... فَلَا تبدو فعلك إِلَّا بهَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 قَالَ أَبُو يزِيد رَأَيْت الْحق فِي الْمَنَام فَقلت يَا رب كَيفَ أجدك قَالَ فَارق نَفسك وتعال جَاءَ رجل إِلَى أبي عَليّ الدقاق فَقَالَ قد قطعت إِلَيْك مَسَافَة فَقَالَ لَيْسَ هَذَا الْأَمر بِقطع المسافات فَارق نَفسك بخطوة وَقد حصل لَك مَقْصُود لَو عرفت مِنْك نَفسك التَّحْقِيق لَسَارَتْ مَعَك فِي أصعب مضيق لَكِنَّهَا ألفت التفاتك فَلَمَّا طلبت قهرها فاتك هلا شددت الحيازم وَقمت قيام حَازِم وَفعلت فعل عازم وَقطعت على أَمر جازم تقصد الْخَيْر وَلَكِن مَا تلازم (وَيعرف أَخْلَاق الجبان جَوَاده ... فَيجْهد كرا ويرهبه ذعرا) (وَمن يحل تطلاب الْمَعَالِي بصدره ... بِحَدّ حُلْو مَا يعطاه من غير هامرا) حَرِيم الْعَزْم الصَّادِق حرَام على المتردد مَتى تحزم الْعَزْم هزم لَو رَأَيْت صَاحب الْعَزْم وَقد سرى حِين رقدت السراحين بهمة تحل فَوق الفرقد فلنفسه نفاسة ولإنفه إنفة سهم الشهم مفوق فَوق عرضة الْغَرَض كَانَ الفضيل مَيتا بِالذنُوبِ وَابْن أدهم مقتولا بِالْكبرِ والسبتي هَالكا بِالْملكِ والجنيد من جيد الْجند فَنفخ فِي صور المواعظ فدبت أَرْوَاح الْهدى فِي موتى الْهوى فانشقت عَنْهُم قُبُور الْغَفْلَة وَصَاح اسرافيل الإعتبار {كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى} إِنَّمَا سمع الفضيل آيَة فذلت نَفسه لَهَا واستكانت وَهِي كَانَت إِنَّمَا زجر ابْن أدهم بِكَلِمَة كلمت قلبه فَانْقَلَبَ هايف عاتبه وَلَام أخرجه من بَلخ إِلَى الشَّام كَانَت عقدَة قُلُوبهم بأنشوطة ومسد قَلْبك كُله عقد لاحت للْقَوْم جادة السلوك {قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 هَيْهَات مِنْك غُبَار ذَاك الموكب ركبُوا سفين الْعَزْم فَهبت لَهُم ريَاح العون فَقطعُوا بِالْعلمِ لجج الْجَهْل فوصلوا إِلَى إقليم أَرض الْفَهم فأرسلوا على سَاحل بلد الْوَصْل إِذا استصلح الْقدر أَرض قلب قَلبهَا بمحراث الْخَوْف وبذر فِيهَا حب الْمحبَّة وأدار لَهَا دولاب الْعين وَأقَام ناطور المراقبة فتربى زرع التقى على سوقه أصفهم عِنْد من انثر الدّرّ على دمن (بلغ سلامي بالغوير جيرة ... قلبِي وَإِن حالوا إِلَيْهِم تائق) (فَارَقْتهمْ كرها وليت أنني ... للروح من دونهم مفارق) (وَلست انساهم وَإِن تقطعت ... بالبعد فِيمَا بَيْننَا علايق) يَا نفس عِنْد ذكر الصَّالِحين تبكين وَعند شرح جدهم تأنين وَإِذا تصورت طيب عيشهم تحنين فَإِذا عرفت قيامهم بِالْخدمَةِ تنكبين للمهيار (أَمن خفوق الْبَرْق ترزمينا ... حني فَمَا أمنعك الحنينا) (سيري يَمِينا وسراك شأمة ... فضلَة مَا تتلفتينا) (نعم تشاقين واشتاق لَهُ ... ونعلن الوجد وتكتمينا) (فَأَيْنَ منا الْيَوْم أَو مِنْك الْهوى ... وَأَيْنَ نجد والمغورينا) لما اشْتغل الْقَوْم بإصلاح قُلُوبهم أَعرضُوا عَن إصْلَاح أبدانهم عرى اويس حَتَّى جلس فِي قوصرة وَقدم بشر من عبادان وَهُوَ متشح بحصير للسموءل (إِذا الْمَرْء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فَكل رِدَاء يرتديه جميل) (وَإِن هُوَ لم يحمل على النَّفس ضيمها ... فَلَيْسَ إِلَى حسن الثَّنَاء سَبِيل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 كَانَ اويس يلتقط النَّوَى فيبيعه بِمَا يفْطر عَلَيْهِ فَإِذا أصَاب حَشَفَة أدخرها لإفطاره وَيجمع الْخرق من الْمَزَابِل فيغسلها فِي الْفُرَات ويرقعها ليستر عَوْرَته ويفر من النَّاس فَلَا يجالسهم فَقَالُوا مَجْنُون لَا تصح الْمحبَّة حَتَّى يمحي الإسم الْمَعْرُوف باسم متجدد فَإِن إسم قيس نسي وَعرف بالمجنون (لَوْلَا جنوني فِيك مَا ... قعد العواذل لي وَقَامُوا) (أولى يلوم العاذلون ... وَلَيْسَ لي قلب يلام) بنى أهل اويس لَهُ بَيْتا على بَاب دَارهم فَكَانَت تَأتي عَلَيْهِ السنون لَا يرَوْنَ لَهُ وَجها وَكَانَ إِذا خرج يمشي ضرب الصّبيان عَقِبَيْهِ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تدمي وَهُوَ سَاكِت ولسان حَاله يَقُول (وَلَقِيت فِي حبيك مَا لم يلقه ... فِي حب ليلى قيسها الْمَجْنُون) (لكنني لم أتبع وَحش الفلا ... كفعال قيس وَالْجُنُون فنون) لَقِي بعض الْجند إِبْرَاهِيم بن أدهم فِي الْبَريَّة فَقَالَ لَهُ أَيْن الْعمرَان فَأومى بِيَدِهِ إِلَى الْمَقَابِر فَضَربهُ فشج رَأسه فَقيل لَهُ هَذَا ابْن أدهم فَرجع يعْتَذر إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم الرَّأْس الَّذِي يحْتَاج إِلَى اعتذارك تركته ببلخ (عزى ذلي وصحتي فِي سقمي ... يَا قوم رضيت بالهوى سفك دمي) (عذالي كفوا فَمن ملامي ألمي ... من بَات على وعد اللقا لم ينم) مر رجل بِابْن أدهم وَهُوَ ينظر كرما فَقَالَ ناولني من هَذَا الْعِنَب فَقَالَ مَا أذن لي صَاحبه فَقلب السَّوْط وَضرب رَأسه فَجعل يُطَأْطِئ رَأسه وَيَقُول إضرب رَأْسا طالما عصى الله (من أَجلك قد جعلت خدي أَرضًا ... للشامت والحسود حَتَّى ترْضى) (مولَايَ إِلَى مَتى بِهَذَا احظى ... عمري يفنى وحاجتي مَا تقضى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 (لَو قطعني الغرام إربا اربا ... مَا ازددت على الملام إِلَّا حبا) (لَا زلت بكم أَسِير وجد صبا ... حَتَّى أقضى على هواكم نحبا) كَانَ ابْن أدهم يستغيث من كرب وجده ويبول الدَّم من كَثْرَة خَوفه فَطلب يَوْمًا سكونا من قلقه فَقَالَ يَا رب إِن كنت وهبت لأحد من المحبين لَك مَا يستريح بِهِ فَهَب لي فَقيل لَهُ فِي نَومه وَهل يسكن محب بِغَيْر حَبِيبه (الْجِسْم يذيبه الأسى والسهد ... وَالْقلب ينوبه الجوى والكمد) (هم قد وجدوا وَهَكَذَا مَا وجدوا ... مَا جن بهم مثل جنوني أحد) (شوق وجوى ونار وجد تقد ... مَالِي جلد ضعفت مَا لي جلد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الْفَصْل الثَّانِي عشر عجبا لذاكر الْمَوْت كَيفَ يلهو ولخائف الْفَوْت وَهُوَ يسهو ولمتيقن حُلُول البلى ثمَّ يزهو وَإِذا ذكرت لَهُ الآخر مر يَلْغُو لأبي الْعَتَاهِيَة (إِنِّي أرقت وَذكر الْمَوْت أرقني ... فَقلت للدمع أسعدني فأسعدني) (إِن لم أبك لنَفْسي مشعرا حزنا ... قبل الْمَمَات وَلم آسَف لَهَا فَمن) (يَا من يَمُوت وَلم تحزنه موتته ... وَمن يَمُوت فَمَا أولاه بالحزن) (لمن أثمر أَمْوَالِي واجمعها ... لمن أروح لمن أغدو لمن لمن) (لمن سيرفع بِي نعشي ويتركني ... فِي حفرتي ترب الْخَدين والذقن) يَا غافلا عَن الْمَوْت وَقد لدغه أَخذ قرينه فَقتله ودمغه تَأمل صنع الدَّهْر بِالرَّأْسِ إِذْ صبغه بِأَيّ حَدِيث ترعوي أَو بِأَيّ لُغَة كم رَأَيْت مغرورا قبلك كم شاهدت مَنْقُولًا مثلك من أباد أقرانك وَمن أهلك أهلك لقد نَادَى الْمَوْت وَقَالَ مَا أَنا بِالَّذِي إِذا سُئِلَ أقَال أَنا الَّذِي إِذا مَال على الْقوي أمال أَخَذْتُم أماني يَا أهل الْأَمَانِي والآمال أَيْن من كَانَ فِي روح وسعة نقلته إِلَى مَكَان مَا وَسعه أَيْن من كَانَ على نِسَائِهِ شَدِيد الْغيرَة أما رَحل عَنْهُن فاخترن غَيره أَيْن من كَانَ يسري آمنا فِي سربه أما قيل للتلف خُذْهُ وسر بِهِ أما عاقبه الألفة فرقة أما آخر جرعة اللَّذَّة شرقة أما ختام الْفَرح قلق وحرقة أما زَاد ذِي المَال إِلَى الْقَبْر خرقَة أعر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 سَمعك الْأَصْوَات فَهَل تسمع إِلَّا فلَانا مَاتَ أجل بَصرك فِي الفلوات فَهَل ترى إِلَّا الْقُبُور الدارسات (قوض الْمَوْت طود عزهم الشامخ ... قسرا والدهر ذُو حدثان) (واسترد الَّذِي أعَار وللايام ... ظهرا خشونة وليان) (واذا صَاح صايح الْمَوْت فِي قوم ... غدوا كل وَاحِد فِي مَكَان) يَا سَاكِنا مسكن من قد أزعج يَا شاربا فضلَة من شَرق تصحو فِي الْمجْلس سَاعَة من خمار الْهوى ثمَّ تسليك حميا الكاس هَيْهَات لَيْسَ فِي الْبَرْق اللامع مستمتع لمن يَخُوض الظلمَة كم أعطف عطفك بلجام العظة إِلَى عطفة الْيَقَظَة فَإِذا انْقَضى الْمجْلس عَاد الطَّبْع ثَانِي عطفه وتأبى الطباع على النَّاقِل يَا من قد لجج فِي لجة الْهوى قَارب السَّاحِل فِي قَارب دنا رحيل الرّفْقَة وَمَا اشْتريت للمير قوت لَيْلَة كلما جد اللّعب فتر النشاط فِي الْجد صحّح نقدة عَمَلك فقد انقرضت أَيَّام الْأُسْبُوع جود غزل عزمك فلربما لم تسَامح وَقت الْوَزْن صابر غبش الْعَيْش فقد دنا فجر الْأجر إنتبه الإغتنام عمرك فكم يعِيش الْحَيَوَان مد بَحر الْقُدْرَة فَجرى بمراكب الصُّور فرست على سَاحل إقليم الدُّنْيَا فعاملت فِي موسم الْحَيَاة مُدَّة الجزر ثمَّ عَاد الْمَدّ فَرد الى برزخ الترب فقذف محَاسِن الْأَبْنِيَة فِي حفر اللحود وَسَيَأْتِي طوفان الْبَعْث عَن قرب فاحذر أَن تدفع دُونك سفينة النجَاة فتستغيث وَقت الْفَوْت وَلَا عَاصِم كَأَنَّك بك فِي قبرك على فرَاش النَّدَم وَأَنه وَالله لأخشن من الجندل فازرع فِي ربيع حياتك قبل جدوبة أَرض شخصك وادخر من وَقت قدرتك لزمان عجزك وَاعْتبر رحلك قل رحيلك مُخَالفَة الْفقر فِي الْقَبْر إِلَى لَازم الْأَخْذ أَن تَقول نفس يَا حسرتا يَا هَذَا مثل لنَفسك صرعة الْمَوْت وَمَا قد عزمت أَن تفعل حِينَئِذٍ وَقت الْأسر فافعله وَقت الْإِطْلَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 (لقيس بن ذريح) (أَتَبْكِي على لبنى وَأَنت تركتهَا ... فَكنت كات حتفه وَهُوَ طائع) (فيا قلب خبرني اذا شطت النَّوَى ... بلبنى وَبَانَتْ عَنْك مَا أَنْت صانع) كَأَنَّك بِحَرب التّلف قد قَامَت على سَاق وانهزمت جيوش الأمل وَإِذا بِملك الْمَوْت قد بارز الرّوح يجتذبها بخطاطيف الشدائد من تيار أوتار الْعُرُوق وَقد أوثق كتاف الذَّبِيح وحار الْبَصَر لشدَّة الهول وملائكة الرَّحْمَة عَن الْيَمين قد فتحُوا أَبْوَاب الْجنَّة وملائكة الْعَذَاب عَن الشمَال قد فتحُوا أَبْوَاب النَّار وَجَمِيع الْمَخْلُوقَات تستوكف الْخَبَر والكون كُله قد قَامَ على صَيْحَة إِمَّا أَن يُقَال سعد فلَان أَو شقي فلَان فَحِينَئِذٍ تتجلى أبصار الَّذين كَانَت أَعينهم فِي غطاء عَن ذكرى وَيحك تهَيَّأ لتِلْك السَّاعَة حصل زادا قبل العوز (للصمة الْقشيرِي) (تمتّع من شميم عرار نجد ... فَمَا بعد العشية من عرار) وَا أسفاه من حَيَاة على غرور وَمَوْت على غَفلَة ومنقلب إِلَى حسرة ووقوف يَوْم الْحساب بِلَا حجَّة يَا هَذَا مثل نَفسك فِي زَاوِيَة من زَوَايَا جَهَنَّم وَأَنت تبْكي أبدا وأبوابها مغلقة وسقوفها مطبقة وَهِي سَوْدَاء مظْلمَة لَا رَفِيق تأنس بِهِ وَلَا صديق تَشْكُو إِلَيْهِ وَلَا نوم برِيح وَلَا نفس قَالَ كَعْب أَن أهل النَّار ليأكلون أَيْديهم إِلَى المناكب من الندامة على تفريطهم وَمَا يَشْعُرُونَ بذلك يَا مطرودا عَن الْبَاب يَا مَضْرُوبا بِسَوْط الْحجاب لَو وفيت بعهودنا مَا رميناك بصدودنا لَو كاتبتنا بدمع الأسف لعفونا عَن كل مَا سلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 (وَلَو أَنهم عِنْد كشف القناع ... وَحل الْعُقُود وَنقض العهود) (وخلعهم لعذار الْحيَاء ... ولبسهم لبرود الصدود) (أناخوا بأبوابنا سَاعَة ... وأجروا مدامعهم فِي الخدود) (لعدنا سرَاعًا إِلَى وصلهم ... وَقُلْنَا قُلُوب المحبين عودي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الْفَصْل الثَّالِث عشر كم أخرج الْمَوْت نفسا من دارها لم يدارها وَكم أنزل أجسادا بجارها لم يجارها وَكم نقل ذاتا ذَات خطاء بأوزارها وَكم أجْرى عيُونا كالعيون بعد بعد مزارها (يَا مغرما بوصال عَيْش ناعم ... ستصد عَنهُ طَائِعا أَو كَارِهًا) (إِن الْمنية تزعج الْأَحْرَار عَن ... أوطانهم وَالطير عَن أوكارها) أخواني قد حام الْحمام حول حماكم وَصَاح بكم إِذْ خلا النادي وناداكم وأولاكم من النصح حقكم فَمَا أحقكم بالتدبر وأولاكم وَهُوَ عازم على اقتناصكم وَمَا الْمَقْصُود سواكم كم أخلى الْمَوْت دَارا فدارا أما اسْتَلَبَ كسْرَى بن دَارا أدارى لما أَخذ دَارا أما ترك العامر قفارا أما أذاق الْغصَص المر مرَارًا لقد جال يَمِينا ويسارا فَمَا حابى فقرا وَلَا يسارا يَا هَذَا مطايا الْعُمر قد اعنقت وَأَنت فِي مسامرة الأمل معاول السَّاعَات تهدم حايط الْأَجَل فرايس المهج فِي مضابث أَسد المنايا أسنة القنا مشرعة وَلَا درع عقارب الخدع دائمة للسلع غير أَن خدران الْغَفْلَة يمْنَع الإحساس بسريان السم آه من مثاقف مَا يَنْتَهِي عَن الْقَتْل النَّاس فِي الدُّنْيَا ككيزان الدولاب فالشاب مثل الممتلي والكهل قد فرغ بعضه وَالشَّيْخ لم يبْق فِيهِ شَيْء الشَّاب المتقي فِي مقَام {يُحِبهُمْ} والكهل المنحط فِي مرتبَة {خلطوا عملا صَالحا} وَالشَّيْخ فِي حيّز تجدني عِنْد المنكسرة قُلُوبهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 يَا من قد انطوى برد شبابه وخبيت خلغ تلفه وَبَلغت سفينته سَاحل سَفَره قف على ثنية الْوَدَاع فَلم تبْق إِلَّا سَاعَة تتغنم لَو فتحت عين الْيَقَظَة لرأيت حيطان الْعُمر قد تهدمت فَبَكَيْت على خراب دَار الْأَجَل صَاح ديك الإيقاظ فِي سحر ليل العبر فَمَا تيقظت فستنتبه إِذا نعق غراب الْبَين بَين الْبَين (ومشتت العزمات ينْفق عمره ... حيران لَا ظفر وَلَا اخفاق) لَا فِي الشَّبَاب وَافَقت وَلَا فِي الكهولة رافقت وَلَا فِي الشيب افقت وَلَا من العتاب أشفقت فكأنك مَا أمنت بالمعاد وَلَا صدقت يَا مُقيما على الْهوى وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيم يَا مبذرا فِي بضَاعَة الْعُمر مَتى يؤنس مِنْك رشد يَا أكمة الْبَصَر لَا حِيلَة فِيهِ لعيسى يَا طَوِيل الرقاد وَلَا نوم أهل الْكَهْف كَيفَ يفلح من هُوَ والكسل كندمائي جذيمة الدُّنْيَا مضمار سباق وليل سرى وَطلب الرَّاحَة تَحنث (فَلَا تحسبوا أَن الْمَعَالِي رخيصة ... وَلَا أَن ادراك العلى هَين سهل) (فَمَا كل من يسْعَى إِلَى الْمجد ناله ... وَلَا كل من يهوى الْعلَا نَفسه تعلو) من تذكر حلاوة الْعَاقِبَة نسي مرَارَة الصَّبْر الرجولية بالهمة لَا بالصورة نزُول همة الكساح حطه فِي بِئْر الأنجاس قنديل الْفِكر فِي محراب قَلْبك مظلم فاطلب لَهُ زَيْت خلْوَة وفتيلة عزم بَيْنك وَبَين الْمُتَّقِينَ حَبل الْهوى نزلُوا بَين يَدَيْهِ وَنزلت خَلفه فاطو فضل منزل تلْحق لَو عَلَوْت نشز الْجد بَانَتْ بانة الْوَادي للمهيار (إِن كنت مِمَّن يطلع الْوَادي فسل ... بَين الْبيُوت عَن فوادي مَا فعل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 (عز هَوَاك فأذل جلدي ... وَالْحب مَا رق لَهُ الْجلد وذل) (أَيْن ليالينا على الْخيف وَهل ... يرد عَيْشًا فائتا قَوْلك هَل) يَا مُقَيّدا بقيود الطَّرْد إلق نَفسك فِي الدجى على بَاب الذل وَقل إلهي كم لَك سواي وَمَالِي سواك فبفقري إِلَيْك وعناك عني إِلَّا عَفَوْت عني (إيا منعما لم يزل محسنا ... بَرى جَسَدِي سخطك الدَّائِم) (إِلَى النَّحْر مني مَضْمُومَة ... يداي كَمَا يفعل النادم) (يزل الْحَلِيم ويكبو الْجواد ... وينبو عَن الضَّرْبَة الصارم) يَا هَذَا لَيْسَ فِي الْمِيَاه مَا يقْلع آثَار الذَّنب من ثوب الْقلب إِلَّا الدُّمُوع فَإِن نضبت وَلم يزل الْأَثر فَعَلَيْك بالإغتراف من بَحر الإعتراف (ودعت قلبِي حِين ودعتهم ... وَقلت يَا قلبِي عَلَيْك السَّلَام) (وَصحت بِالنَّوْمِ انْصَرف راشدا ... فَإِن عَيْني بعدهمْ لَا تنام) أحضر نَادِي المتهجدين ونادهم طُوبَى لكم وجدْتُم قُلُوبكُمْ فارحموا من لَا يجد (إِذا وصلتم إِلَى وَادي العقيق سلوا ... عَن حَال مُنْقَطع أودى بِهِ السهر) (وفتشوا عَن فؤاد هائم قلق ... قد ضَاعَ مني فَلَا عين وَلَا أثر) أنجع الوسايل الذل وأبلغ الْأَسْبَاب فِي الْعَفو الْبكاء والعي عَن تَرْتِيب الْعذر بلاغة المنكسر (يَا من أَشْكُو إِلَيْهِ مَا يُعلمهُ ... والدمع يذيع كلما اكتمه) (هَذَا الْمِسْكِين من ترى يرحمه ... قد هان عَلَيْهِ كلما يؤلمه) (بالجسم من السقام مَا يحرضه ... وَالْقلب يذوب من جوى يمرضه) (مَا قد حكم الْإِلَه من ينْقضه ... قد أعوزني الصَّبْر فَمن يقْرضهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الْفَصْل الرَّابِع عشر لقد خوفنا الْمَوْت بِمن أَخذ منا ونعلم هجومه علينا وَقد آمنا مَا اذكرتنا المواعظ مآلنا فَمَا لنا مَا لنا (لَا ترقدن لعينك السهر ... وَانْظُر إِلَى مَا تصنع العبر) (انْظُر إِلَى عبر مصرفة ... مَا دَامَ يُمكن طرفك النّظر) (فَإِذا جهلت وَلم تَجِد أحدا ... فسل الزَّمَان فَعنده الْخَبَر) (فَإِذا نظرت تُرِيدُ مُعْتَبرا ... فَانْظُر إِلَيْك ففيك مُعْتَبر) (أَنْت الَّذِي تنعاه خلقته ... ينعاه مِنْهُ الشّعْر والبشر) (يَا من يؤمل أَنْت منتظر ... أملا يطول وَلست تنْتَظر) (مَاذَا تَقول وَأَنت فِي غصص ... مَاذَا تَقول وفوقك الْمدر) (مَاذَا تَقول وَقد لحقت بِمَا ... يجرى عَلَيْهِ الرّيح والمطر) (كم قد عفت عين لَهَا أثر ... درست ويدرس بعْدهَا الْأَثر) يَا من يشيع بِبدنِهِ الْمَيِّت فَأَما قلبه فَفِي الْبَيْت أتخلى بَين المودود والدود وتعود إِلَى الْمعاصِي حِين تعود هلا أجلت بالبال ذكر الْبَالِي وَقلت للنَّفس الجاهلة هَذَا لي من زار الْقُبُور وَالْقلب غافل وسعى بَين الأجداث والفكر ذاهل وشغله عَن الإعتبار لَهو شاغل فَهُوَ قَتِيل قد أسكره الْقَاتِل (وَمَا أعْطى الصبابة مَا اسْتحقَّت ... عَلَيْهِ وَلَا قضى حق الْمنَازل) (ملاحظها بِعَين غير عبرى ... وزايرها بجسم غير ناحل) شيع الْحسن جَنَازَة فَجَلَسَ على شَفير الْقَبْر فَقَالَ إِن أمرا هَذَا آخِره لحقيق أَن يزهد فِي أَوله وَأَن أمرا هَذَا أَوله لحقيق أَن يخَاف آخِره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 إخْوَانِي كَيفَ الْأَمْن وَهَذَا الْفَارُوق يَقُول لَو أَن لي طلاع الأَرْض ذَهَبا وَفِضة لافتديت بهَا كَيفَ الْأَمْن من هول مَا أَمَامِي قبل أَن أعلم مَا الْخَبَر لما طعن عمر قَالَ لِابْنِهِ ضع خدي على التُّرَاب فَوَضعه فبكا حَتَّى لصق الطين بِعَيْنيهِ وَجعل يَقُول ويلي وويل أُمِّي إِن لم يرحمني رَبِّي وَدخل عَلَيْهِ كَعْب وَكَانَ قد قَالَ لَهُ أَنَّك ميت إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا رَآهُ أنْشد (وواعدني كَعْب ثَلَاثًا يعدها ... وَلَا شكّ أَن القَوْل مَا قَالَه كَعْب) (وَمَا بِي حذار الْمَوْت أَنِّي لمَيت ... وَلَكِن حذار الذَّنب يتبعهُ الذَّنب) وَاعجَبا من خوف عمر مَعَ كَمَاله وأمنك مَعَ نقصانك قيل لِابْنِ عَبَّاس أَي رجل كَانَ عمر فَقَالَ كَانَ الطَّائِر الحذر الَّذِي كَانَ لَهُ بِكُل طَرِيق شركا يَا مسدود الْفَهم بِكَثْرَة الشواغل احضر قَلْبك لَحْظَة للعظة يَا جَامِدا على وضع طبعه تحرّك إِلَى قطر التَّذْكِرَة يَا عبد الطمع طالع ديار الْأَحْرَار مَا أطول غشية غفلتك فَلِمَنْ نُحدث قَلْبك فِي غلاف غَفلَة وفطنتك فِي غشاوة غباوة وحبل عزمك الْجَدِيد حَدِيد لَو خرج عقلك من سُلْطَان هَوَاك عَادَتْ الدولة عادلة لَو صَحَّ مزاج فطرتك حلا طعم النصح فِي فمك الْمَفْرُوض عنْدك مرفوض وَكَلَام النصيح صَوت الرّيح يَا تلميذ الْهوى اخْرُج من وصف التّبعِيَّة يَا مُقَيّد الْوُجُود فِي فنَاء الفناء قَامَت قِيَامَة الْمَلَامَة وَمَا تسمع لقد ضحل صَوت النصيح وَلَكِن صلخ صماخ السّمع مَانع يَا هَذَا لَو وقف مرضك رجونا لَك الْبُرْء وَلَكِن الْمَرَض يزِيد وَقُوَّة الْعَزْم تضعف (مَتى يلتقي الآلاف والعيس كلما ... تصعد من وَاد هبطن إِلَى وَاد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 يَا مُقبلا على الْمعاصِي أَدْبَرت وَيحك إِذا أخرجت من يَديك فَمن يحصل كم تعد بِالتَّوْبَةِ وَلَا تفي وَيحك إِن اللَّذَّة بالعقوبة لَا تفي ضمانك عقيم وَوَعدك عَاقِر إِذا أَقمت بِنَاء تَوْبَة أكتريت ألف نقاض وَيحك لَا تفعل فَإِنَّهُ مَا سحب أحد ذيل الْهوى إِلَّا وتعثر اكْتُبْ قصَّة النَّدَم بمداد الدمع وَفِي الْحَال تصل (سَأَلت ودمع الْعين سايل ... ودعت وداعي الْبَين شاغل) (فَأجَاب دمعي وَهُوَ فِي ... صفق الأسى سحبان وَائِل) (أَعرَضت عَنْك فَمن تروم ... وَبنت مِنْك فَمن تواصل) (لم يبْق من سنَن الْهوى ... إِلَّا الْوُقُوف على الْمنَازل) يَا مشردا عَن الأوطان إِلَى مَتى ترْضى بالتمردك للقطاة افحوص وَلابْن آوى مأوى مُنْذُ خمسين سنة تجدف فِي العبور إِلَى سَاحل التَّوْبَة وَمَا تلْحق الشط قُوَّة الأمل عقدَة فِي وَجه منشار الْجد الرِّيَاء عيب فِي رئة الْإِيمَان يسل الْمَرَض إِلَى السل شدَّة الْحِرْص على الفاني سدة فِي كبد الْيَقِين وَمن صَبر على مرَارَة الدَّوَاء عوفي (السقم على الْجِسْم لَهُ ترداد ... وَالصَّبْر يقل والهوى يزْدَاد) (مَا ابعد شقتي وَمَا لي زَاد ... مَا أَكثر بهرجي وَمَالِي نقاد) يَا أَرْبَاب الدنس يَا أوساخ الذُّنُوب {هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} لَا تقنعوا بصب مَاء التَّوْبَة على الظَّاهِر بلوا الشّعْر وانقوا الْبشرَة مَا لم تسبح بدمع عَيْنَيْك لم تأت بِسنة الْغسْل (فَلَو داواك كل طَبِيب دَاء ... بِغَيْر كَلَام ليلى مَا شفاكا) أبلغ المراهم لجراح الذُّنُوب النَّدَم وأوطأ فرَاش المعتذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 القلق وأسرع الْأَوْقَات إِجَابَة السحر فاطرد عَن عَيْنَيْك لَذَّة النّوم وناد فِي نَادِي الأسى مَعَ الْقَوْم (يَا من بسهامه لقلبي جرحا ... صل مشتاقا بغيركم مَا فَرحا) (مَا ناح لَهُ مطوق أَو صدحا ... إِلَّا شرب الدمع وعاف القدحا) يَا نَائِما طول اللَّيْل مَا تحس برد السحر لقد نم النسيم على الزهر ودلت أغاريد الْحمام على دنو الْفجْر صَاح الديك فَلم تنتبه وَأعَاد فَلم تفق فقوى ضرب الجناحين لطما على غفلتك (صفق أما ارتياحه لسنا الْفجْر ... وَأما على الدجا أسفا) (يَا مطولا بِالْقيامِ ... مستلذا بالمنام) (قُم فقد فاتك يَا ... مغبون أرباح الْكِرَام) (وخلوا دُونك بالمولى ... وفازوا بالمرام) (وَكَذَا تسبقك الْقَوْم ... إِلَى دَار السَّلَام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الْفَصْل الْخَامِس عشر أخواني الدُّنْيَا دَار الْآفَات الْإِثْم بقى والإلتذاذ فَاتَ بَينا نرى فِيهَا الْغُصْن خضرًا متمايلا أصبح ذابلا ذابلي (يَا أيهذا الَّذِي قد غره الأمل ... وَدون مَا يأمل التنغيص وَالْأَجَل) (أَلا ترى إِنَّمَا الدُّنْيَا وَزينتهَا ... كمنزل الركب حلوا ثمت ارتحلوا) (حتوفها رصد وعيشها نكد ... وصفوها كدر وملكها دوَل) (تظل تفزع بالروعات ساكنها ... فَمَا يسوغ لَهُ عَيْش وَلَا جذل) (كَأَنَّهُ للمنايا والردى غَرَض ... تظل فِيهِ سِهَام الدَّهْر تنتضل) (وَالنَّفس هاربة وَالْمَوْت يتبعهَا ... وكل عَثْرَة رجل عِنْدهَا جلل) (والمرء يسْعَى بِمَا يسْعَى لوَارِثه ... والقبر وَارِث مَا يسْعَى لَهُ الرجل) أخواني ألبسوا للدنيا جنَّة الهجر واسمعوا فِيهَا من مواعظ لزجر واحسبوها يَوْمًا صمتموه لِلْأجرِ وَصَابِرُوا ليل البلى فَمَا أسْرع إتْيَان الْفجْر فَلَا تَبِيعُوا الْيَقِين بِالظَّنِّ فَحَرَام بيع المجر لقد أَبْصرت عُيُون الفطن فِي نَهَار المشيب سبل الرحيل وَسمعت آذان الْفِكر بقعقعة الصلب الصلب أَذَان التخويل لله در أَقوام بَادرُوا أيامهم وحاذروا آثامهم جعلُوا الصَّوْم طعامهم والصمت كَلَامهم فالأبدان بَين أهل الدُّنْيَا تسْعَى والقلوب فِي رياض الملكوت ترعى قَامُوا لخوف الْقِيَامَة بالأوامر ووقفوا أنفسهم على الْخَيْر مَا توقفوا كالموامر هجروا بالصيام لذيذ الْهوى فِي الهواجر وَصمت اللِّسَان كَأَنَّهُ مَقْطُوع فِي الْحَنَاجِر بالخناجر وَجرى الدمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 واصبا حَتَّى قد محا المحاجر مَتى تطرق طريقهم قبل طروق الطوارق هَذَا ذِئْب السقام قد عوى للعوائق يَا من أَعماله فِيمَا خلا لِلْخَلَائِقِ كم داواك الطَّبِيب وَكم رقا بالرقايق أَيْن من رَبًّا فِي الربى ونما بَين النمارق أبرزهم حادي الْمَوْت لما حدا من الحدايق وأمال مستقيمهم فالتوى فَهَل من هَذَا التوى أَنْت واثق وَيحك إِن الدُّنْيَا سراب مخلف فَإِن وجد شراب اعطش أزدهت فدهت على أَنَّهَا تذم وتضم كم عقدت لمحبها عقد عهد فَلَمَّا حلت عِنْده حلت إِنَّهَا لعجوز وَهِي فِي عَيْنك كَالْقَمَرِ وَقد قمر هَواهَا قَلْبك فَمَا أبقى مِنْهُ إِلَّا قلب قمر للشريف الرضى (شرت الْفُؤَاد رخيصة أعلاقه ... وَمضى يعَض بنانه المغبون) أفنيت عمرك فِي طلبَهَا وَمَا حصل بِيَدِك مِنْهَا إِلَّا مَا حصل بيد قيس من ليلى (صَحا كل عُذْري الغرام عَن الْهوى ... وَأَنت على حكم الصبابة نَازل) ول الدُّنْيَا ظهرك تنص الْآخِرَة لَك نقابها تعر عَن الدُّنْيَا تعز وَخذ قدر الْبلْغَة وجز تفز إِلَى مَتى زنبيل حرصك على كَاهِل همتك وَأَنت تسْعَى فِي مزابل طمعك تحش وقود الحطام لنار هَوَاك وَقد أَقمت موقدا من الشره لَا يفتر أما علمت أَنه كلما ترقى دُخان أتون الْهوى فِي برابخ الْحس سود وَجه الْقلب أَنْت فِي جمع الحطام نَظِير الزبال وَفِي فعل الْخَيْر غُلَام الخبال عَالم الهمم مُخْتَلف الْأَجْنَاس هَذَا الشفنين لَا يقرب غير زَوجته أبدا فَإِن مَاتَت لم يتَزَوَّج أبدا وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى والدجاجة مَعَ أَي ديك كَانَ كَلَامي يَدُور حول ستور سَمعك وموانع الْهوى تحجبه أَن لَا يصل فَلَو قد وصل إِلَى الْقلب أثر عضت رجلا حَيَّة فَلم يعلم أَنَّهَا حَيَّة فَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 يتَغَيَّر فَلَمَّا أخبر أَنَّهَا حَيَّة مَاتَ لِأَنَّهُ حِين أخبر انفتحت مسامه فوصل السم إِلَى الْقلب يَا أطروش الْهوى صَاحب من يسمع يَا عمى البصيرة إمش مَعَ من يبصر تشبه بالصالحين تعد فِي الْجُمْلَة هَذَا الطاووس يحب الْبَسَاتِين فَهُوَ يُوَافق الْأَشْجَار إِذا أَلْقَت وَرقهَا ألْقى ريشه فَإِذا اكتست اكتسى لَو سرت فِي حزب الْمُتَّقِينَ خطوَات لعرفوا لَك حق الصُّحْبَة يَا من كَانَ لَهُم رَفِيقًا فَأصْبح لَا يعرف لَهُم طَرِيقا إطلب الْيَوْم أخبارهم وَاتبع فِي السلوك آثَارهم فَإِن وَقعت ببعضهم حملك إِلَى أَرضهم للْمُصَنف (فِي شغل عَن الرقاد شاغل ... من هاجه الْبَرْق بسفح عَاقل) (يَا صَاحِبي هذي ريَاح ربعهم ... قد أخْبرت شمائل الشَّمَائِل) (نسيمهم سحيري الرّيح فَمَا ... تشبهه روايح الأصائل) (مَا للصبا مولعة بِذِي الصِّبَا ... أَو الصِّبَا فَوق الغرام الْقَاتِل) (مَا للهوى العذري فِي دِيَارنَا ... أَيْن العذيب من قُصُور بابل) (لَا تَطْلُبُوا ثارا بِنَا يَا قَومنَا ... دماؤنا فِي أَذْرع الرَّوَاحِل) (لله در الْعَيْش فِي ظلالهم ... ولي وَكم أسار فِي المفاصل) (واطربي إِذا رَأَيْت أَرضهم ... هَذَا وفيهَا دميت مقاتلي) (يَا طرة الشيح سقيت أدمعي ... وَلَا ابْتليت فِي الْهوى بِمَا بلَى) (ميلك عَن زهو وميلي عَن أسا ... مَا طرب المخمور مثل الثاكل) يَا من قد كثر تردده إِلَى الْمجْلس وَلم تزل قسوة قلبه لَا تضجر فللدوام أثر جَالس البكائين يَتَعَدَّ إِلَيْك حزنهمْ فتأثير الصُّحْبَة لَا يخفى أما ترى دون البقل أَخْضَر يَا من يُشَاهد مَا يجْرِي على الْخَائِفِينَ وَلَا ينزعج أقل الْأَقْسَام أَن يبكي رَحْمَة لَهُم إِذا رَأَيْت الثكلى تتقلقل فَلَا بُد من رَحْمَة الْجِنْس للمهيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 (وَلما وقفنا فِي الديار تشابهت ... جسوم براهن البلى وطلول) (فباك بداء بَين جَنْبَيْهِ عَارِف ... وَبَاكٍ بِمَا جر الْفِرَاق جهول) كَانَ العاصمي قَتِيل عشق الدُّنْيَا فكشف لَهُ بالمخوفات نقاب المحبوبة فسلا ثمَّ جليت عَلَيْهِ بالمشوقات محَاسِن الْآخِرَة فَمَال الْجيد إِلَى الْجيد (ألفيتها وللحدا تغريد ... برامة إِن ذكرت زرود) (ولاح برق بثنيات الْحمى ... تشيمه للأعين الرعود) (فمالت الْأَعْنَاق مِنْهَا طَربا ... كَمَا يمِيل الناشد المنشود) (هَيْهَات يخفي مَا بِهِ متيم ... دُمُوعه بوجده شُهُود) أَتَدْرُونَ مَا أوجب اصفرار هَذَا التائب وَمن أَي شراب سكر هَذَا الشَّارِب وَأي كتاب أقدم هَذَا الْغَائِب (كلما زَاد كربه ... فِي هوى من يُحِبهُ) (طَار نَحْو الحبيب من ... شدَّة الشوق قلبه) (دنف كَاد يَنْقَضِي ... بيد الْبَين نحبه) (خبرونا عَن العقيق ... مَتى سَار رَكبه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 الْفَصْل السَّادِس عشر يَا من نسبه معرق فِي الْمَوْتَى وَقد وعظوه وَإِن لم يسمع صَوتا أدْرك أَمرك فَمَا تأمن فوتا لأبي نواس (أَلا كل حَيّ هَالك وَابْن هَالك ... وَذُو نسب فِي الهالكين عريق) (فَقل لغريب الدَّار أَنَّك راحل ... إِلَى منزل نأى الْمحل سحيق) (وَمَا تعدم الدُّنْيَا الدنبة أَهلهَا ... شواظ حريق أَو دُخان حريق) (تجرع فِيهَا هَالكا فقد هَالك ... وتشجى فريقا مِنْهُم بفريق) (فَلَا تحسب الدُّنْيَا إِذا مَا سكنتها ... قرارا فَمَا دنياك غير طَرِيق) (إِذا امتحن الدُّنْيَا لَبِيب تكشفت لَهُ ... عَن عَدو فِي ثِيَاب صديق) (عَلَيْك بدار لَا يزَال ظلالها ... وَلَا يتَأَذَّى أَهلهَا بمضيق) (فَمَا يبلغ الراضي رِضَاهُ ببلغة ... وَلَا ينفع الصادي صداه بريق) يَا رَاقِدًا وَقد أُوذِنَ بالرحيل يَا مشيد الْبُنيان فِي مدارج السُّيُول بَادر الْعَمَل قبل انْقِضَاء الْعُمر لَا تنس من يعد الأنفاس للقائك (وَمَا هِيَ إِلَّا لَيْلَة ثمَّ يَوْمهَا ... وَيَوْم إِلَى يَوْم وَشهر إِلَى شهر) (مطايا يقربن الْجَدِيد إِلَى البلى ... ويدنين أشلاء الصَّحِيح إِلَى الْقَبْر) (ويتركن أَزوَاج الغيور لغيره ... ويقسمن مَا يحوي الشحيح من الوفر) يَا عجبا أما تعلم مَا أمامك فتهيأ للرحيل واصلح خيامك وتأهب للردى واقطع قطع المدى مدامك واجتهد أَن ينشر الْإِخْلَاص فِي الْمحل الْأَعْلَى أعلامك واحضر قَلْبك وسمعك وَإِن ملا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 من لامك وَإِيَّاك والفتور فَإِنِّي أرى الدَّوَاء دوامك إطلب مَا شِئْت بالعزم وَأَنا زعيم لَك بالظفر من عزم على أَمر هيأ آلاته لما كَانَ شغل الْغُرَاب النّدب على الأحباب لبس السوَاد قبل النوح (انفت شقة المهامة أَن تقطع ... إِلَّا بالشد والترحال) (وأبى الْمجد أَن ينَال بِغَيْر الْجد ... فلتنتبه عقول الرِّجَال) إِذا وَقعت عَزِيمَة الْإِنَابَة فِي قلب من {سبقت لَهُم منا الْحسنى} قلعت قَوَاعِد الْهوى من مسناة الأمل ركب ابْن أدهم يَوْمًا للصَّيْد وَقد نصب لَهُ فخ {يهْدِيهم رَبهم} حوله حب {يُحِبهُمْ} فصيد قبل أَن يصيد سمع هاتفا يَقُول مَا لهَذَا خلقت وَلَا بِهَذَا أمرت فَكَانَت تِلْكَ العظة شربة نقضت قولنج الْهوى يَا لَهُ من سهم أَلْقَاهُ عَن قربوسه وبوسه كَانَ رَاقِد الْفَهم فِي ليل الْغَفْلَة مَشْغُولًا بأحلام المنى فصيح بِهِ قُم فَقَامَ فَقيل لَهُ سر فاستقام للشريف الرضى (رأى على الْغَوْر وميضا فاشتاق ... مَا أجلب الْبَرْق لماء الأماق) وعظه خطيب الْيَقَظَة فوصلت ملامته إِلَى سمع الأنفة فَنَهَضت حمية الرجولية يَا ابْن أدهم مبارزة الصَّيْد أول مَرَاتِب الشجَاعَة أفترضى أَن تستأسر لثعلب الْهوى يَا ابْن أدهم قَتلك حب الدُّنْيَا فثر لأخذ الثأر إِن كَانَت لَك عَزِيمَة يَا ابْن أدهم فَهَذَا الْكُمَيْت وَهَذَا الأدهم فصادف التحريض حريضا فَنَهَضَ للشريف الرضى (ذكرتماني طلب الْفَضَائِل ... أيقظتما مني غير غافل) (قوما فقد مللت من إقامتي ... وَالْبيض أولى بِي من المعاقل) (شنا بِي الغارات كل لَيْلَة ... وعوداني طرف العوامل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 (إِن كَانَ لَا بُد من الْمَوْت فمت ... تَحت ظلال الأسل الذوابل) هتف بِهِ متقاضي الشوق يَا ابْن أدهم دخلت شهور الْحَج فَمَا قعودك ببلخ فَرَحل الرَّاحِلَة وَرَاح لاحت لَهُ نَار الْهدى فصاح فِي جنود الْهوى {إِنِّي آنست} فتجلى لَهُ أنيس تجدني فَغَاب عَن وجوده فَلَمَّا أَفَاق من صعقة وجده وَقد دك ظور نَفسه صَاح لِسَان الْإِنَابَة {تبت إِلَيْك} (رويدا أَيهَا الْحَادِي ... سقيت الرايح الغادي) (فَتلك الدَّار قد لاحت ... وَهَذَا الرّبع والوادي) فَلَمَّا خرج عَن ديار الْغَفْلَة أَوْمَأت الْيَقَظَة إِلَى البطالة لِابْنِ المعتز (سَلام على اللَّذَّات وَاللَّهْو والصبى ... سَلام وداع لَا سَلام قدوم) يَا ابْن أدهم لَو عدت إِلَى قصرك فعبدت فِيهِ قَالَ الْعَزْم كلا لَيْسَ للمبتوتة نَفَقَة وَلَا سُكْنى (أحن إِلَى الرمل الْيَمَانِيّ صبَابَة ... وَهَذَا لعمري لَو رضيت كئيب) (وَلَو أَن مَا بِي بالحصى فلق الْحَصَى ... وبالريح لم يسمع لَهُنَّ هبوب) أمرضه التخم فاستلذ طعم الْجُوع وَحمل جلده على ضعف جلده خشونة الصُّوف (حملتم جبال الْحبّ فَوقِي وأنني ... لأعجز عَن حمل الْقَمِيص واضعف) لَاحَ لَهُ جمال الْآخِرَة فتثبتت فِي النّظر عين الْيَقِين فَتمكن الْحبّ من حَبَّة الْقلب فَقَامَ يسْعَى فِي جمع الْمهْر من كسب الْفقر طَال عَلَيْهِ انْتِظَار اللقا فَصَارَ ناطور الْبَسَاتِين تقاضته الْمحبَّة بَاقِي دينهَا فَسلم الرّوح فِي الغربة هَذَا ثمن الْوَصْل فَتَأَخر يَا مُفلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 (دون الْمَعَالِي مرتقى شَاهِق ... فطر إِلَى ذروته أوقع) (من لم يخض غمرتها لم يشد ... قَوَاعِد الْمجد وَلم يرفع) كَانَ ابراهيم إسكندري الهمة فاحتقر قصير بَلخ فِي جنب مَا أمل فانتخب سوابق الْعَزْم وَسَار فِي جند الْجد حَتَّى قطع ظلمات الطَّبْع بلغ إِلَى مطلع شمس لَا تغرب شكا إِلَيْهِ صفاء الْقلب من يَأْجُوج وساوس النَّفس فاستغاث بحامي الْمسكن فَقيل لَهُ شدّ سد الْعَزْم فاستظهر بعد الزبر بالقطر ثمَّ انْفَرد من جند جوارحه فَوَقع بِعَين الحيوة فِي السِّرّ فَعَاشَ بالتوفيق أَبَد الدَّهْر (أما تقومون كَذَا أَو فاقعدوا ... مَا كل من رام السَّمَاء يصعد) (نَام على الْهون الذَّلِيل ودرى ... جفن الْعَزِيز لم بَات يسهد) (أخفهم سعيا إِلَى سودده ... أحقهم بِأَن يُقَال سيد) (عَن تَعب أَو رد سَاق أَو لَا ... ومسحت غرَّة سباق يَد) (لَو شرف الْإِنْسَان وَهُوَ وادع ... لقطع الصمصام وَهُوَ مغمد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الْفَصْل السَّابِع عشر الدُّنْيَا دَار المحن ودائرة الْفِتَن ساكنها بِلَا وَطن واللبيب قد فطن للْمُصَنف (من مَال إِلَى الدُّنْيَا وصبا ... قد أمعن فِي الفاني طلبا) (خُذ مَا يبْقى كَيْلا تشقى ... وَاتبع حَقًا ودع اللعبا) (وذر الدُّنْيَا فلكم قتلت ... مكرا بسهام هوى وصبا) (برت ورعت فَإِذا اجْتمعت ... خدعت حَتَّى قطعب إربا) (يَا عاشقها كم قد نصبت ... لهلاكك فاحذرها سَببا) (يَا آمنها كم قد سلبت ... ولدا برا أما وَأَبا) (أفأين الْجَار أما قد جَار ... فجارته حَتَّى ذَهَبا) (أم أَيْن التُّرَاب أما تربت ... خداه أما سكن التربا) (كم خدت خدا فِي الْأُخْدُود ... وقدت قدا منتصبا) (كم ثغر ملتثم ثلمت ... قد كَانَ لراشفه ضربا) (فسقته المر لَدَى جدث ... وكذاك الدَّهْر إِذا ضربا) (وَأَتَتْ قصرا يحوي نصرا ... فغدا وقصاراه خربا) (ومليكا فِي صولة دولته ... اضحى فِي الحفرة مغتربا) (عرج بامدار على الْآثَار ... وسل طللا أَمْسَى شجبا) (ينبيك بِأَنَّهُم رحلوا ... وثوى من بعدهمْ الغربا) (بَينا الْإِنْسَان يرى رَأْسا ... فهوى رَأْسا فغدا ذَنبا) (فَتَأمل عَاقِبَة الدُّنْيَا ... فلعلك تصبح مجتنبا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 (وتدبر مَا صنعت فَلَقَد ... أبدت بصنايعها عجبا) (ينساك الْأَهْل إِذا رجعُوا ... عَن قبرك لَا تسمع كذبا) (تركوك أَسِيرًا إِذْ ذَهَبُوا ... بِتُرَاب ضريحك محتجبا) (وغدوا فرحين بِمَا أخذُوا ... وغدوت باتمك محتقبا) (وَترى أعمالك قد حضرت ... فتنكس رَأسك مكتئبا) (فكر فِي الذَّنب وَمَا احتقبت ... كَفاك عَلَيْك وَمَا اكتسبا) (كم بت على ذَنْب فَرحا ... وغدوت على ذَنْب طَربا) (وَعلمت بِأَن الله يرى ... فأسأت وَلم تحسن أدبا) (فأعد الزَّاد فَمَا سفر ... كالموت ترى فِيهِ نصبا) (وَافق والعمر بِهِ رَمق ... فَكَأَن قد فَاتَ وَقد ذَهَبا) يَا كثير الدَّرن والدنس يَا من كلما قيل أقبل انتكس يَا من أَمر بترك مَا يفنى لما يبْقى فعكس جَاءَ الْأَجَل وَحَدِيث الأمل هوس يَا مؤثرا على الصَّوَاب عين الْغَلَط يَا جَارِيا فِي أمره على أقبح نمط يَا مضيعا وقته المغتم الْمُلْتَقط أَي شَيْء بَقِي بعد الشمط أتنسى مَا سلف لَك وفرط وَأَبُوك بزلة وَاحِدَة هَبَط مَا عنْدك من التَّوْبَة خبر وَلَا لَهَا فِيك أثر تنوب من الذَّنب فَإِذا بدا لَك بدا لَك من علم أَن عندنَا حسن المآب آب من خَافَ الْجَزَاء بِمَا فِي الْكتاب تَابَ من حذر أَلِيم الْعَذَاب ذاب من سَار فِي طَرِيق الْإِيجَاب انجاب من ذكر فعل الْمَوْت بِالْأَبِ وَالْجد جد من تفكر فِي مرَارَة الكأس كاس وَيحك دع محبَّة الدُّنْيَا فعابر السَّبِيل لَا يتوطن وَاعجَبا تضيع مِنْك حَبَّة فتبكي وَقد ضَاعَ عمرك وَأَنت تضحك تستوفي مكيال هَوَاك وتطفف فِي كيل صَلَاتك {أَلا بعدا لمدين} تقف ببدنك فِي الْمِحْرَاب ووجهك ملتفت للجراب مَا يصلح مثلك فِي الجرب أَنْت تفضح صف الْجِهَاد مَا تحسن الزردية على مخنث خمسين سنة فِي مكتب التَّعْلِيم وَمَا حذقت أَبَا جاد غَدا توبخ وَقت عرض أَلْوَاح {أولم نُعَمِّركُمْ} بضاعتك أَيَّام عمرك وَقد انتهبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 قطاع الطَّرِيق وَرجعت إِلَى بَيت الأسف بأعدال فارغة فَانْظُر لَعَلَّه تخلف فِيهَا شَيْء تعامل بِهِ فبقية عمر الْمُؤمن لَا قيمَة لَهُ (سقيا لزماننا الَّذِي كَانَ لنا ... وافقرى أبعد ذَا الْفقر غنى) (مر أسْرع مَا توقع الْبَين بِنَا ... واقرب منيتي وَمَا نلْت مني) كَانَ فضَالة بن صَيْفِي كثير الْبكاء فَدخل عَلَيْهِ رجل وَهُوَ يبكي فَقَالَ لزوجته مَا شَأْنه قَالَت زعم أَنه يُرِيد سفرا بَعيدا وَمَاله زَاد يَا هَذَا الْآخِرَة دَار سكانها الْأَخْلَاق الجميلة فصادقوا الْيَوْم سكانها لتنزلوا عَلَيْهِم يَوْم الْقدوم فَإِن من قدم إِلَى بلد لَا صديق لَهُ بِهِ نزل بالعراء يَا هَذَا فنى الْعُمر فِي خدمَة الْبدن وحوائج الْقلب كلهَا واقفة إنهض إِلَى التلافي قبل التّلف الكلف يداوي قبل أَن يصير بهقا والبهق يلاطف قبل أَن يعود برصا أما سَمِعت فِي بداية الزلل {إِذا مسهم طائف} وَفِي وَسطه {كلا بل ران على قُلُوبهم} وَفِي آخِره {أم على قُلُوب أقفالها} أَتَبْكِي على مَعَاصِيك والاصرار يضْحك أتخادع التَّوْبَة وَإِنَّمَا تَمْكُر بِدينِك (رَأَيْت النَّاس خداعا ... إِلَى جَانب خداع) (يعيشون مَعَ الذِّئْب ... ويبكون مَعَ الرَّاعِي) وَيحك حصل كبريت عَزِيمَة قبع أَن تقدح نَار تَوْبَة وَقبل نزُول الْحَرْب تملأ الكمائن وَيحك لَا تطمع أَن تخرج إِلَى فضاء قَلْبك حَتَّى تتخلص من ربقات نَفسك كَيفَ لَا يفْتَقر إِلَى الرياضة لإِزَالَة الكدر من أول غذائه دم الطمث إبك على ظلام قَلْبك يضيء إِذا بَكت السَّحَاب إِلَى الربى تنسمت يَا هَذَا تسمع بالكيمياء وَمَا رَأَيْته صَحَّ قطّ إجمع عقاقير التَّوْبَة فِي بوتقة الْعَزْم وأوقد تحتهَا نَار الأسى على مَا سلف فَإِن تصعد مِنْهَا نفس أَسف صَار نُحَاس نحوسك ذهب سَعَادَة أَتَرَى فِي بستاننا الْيَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 آثمر قد توجه صَلَاحه كَأَنِّي أَشمّ ريح كبد محترقة أَي قلب قد لفحته نَار الوجد ففاح نسيمه أحسن منظوم فِي سلك الإعتذار خرز الذل أحلى نطق يلج سمع الْقبُول الإستغفار أطرب كَلَام يُحَرك قلب الرَّحْمَة التملق (يَا من بصدودهم لقلبي جرحوا ... وازداد بِي الغرام لما نزحوا) (مَا جدت بهم وهم بهجري سمحوا ... هَذَا الْمَطْرُوح كم ترى يطْرَح) قَالَ عبد الله بن مَرْزُوق لغلامه عِنْد الْمَوْت إحملني فاطرحني على تِلْكَ المزبلة لعَلي أَمُوت عَلَيْهَا فَيرى ذلي فيرحمني (عودوا وتعطفوا على قلب كئيب ... لَو جيب لبان فِيهِ حزن ووجيب) (يدعى للْمَوْت فِي هواكم فيجيب ... من أمل مثل فَضلكُمْ كَيفَ يخيب) المذنب يأوي إِلَى الذل والبكا كَمَا يأوي الطِّفْل إِلَى الْأَبَوَيْنِ بَكَى أبوكم آدم على تفريطه حَتَّى جرت الأودية من دُمُوعه كَانَ كلما ذكر الْجنَّة قلق وَكلما رأى الْمَلَائِكَة تصعد يَحْتَرِق تذكر الْمعَاهد فحن (وَالَّذِي بالبين والبعد بلاني ... مَا جرى ذكر الْحمى إِلَّا شجاني) (حبذا أهل الْحمى من سَاكن ... شفني الشوق إِلَيْهِم وبراني) (كلما رمت سلوا عَنْهُم ... جذب الشوق إِلَيْهِم بعناني) (أحسد الطير إِذا طارت إِلَى ... أَرضهم أَو أقلعت للطيران) (أَتَمَنَّى أنني أصحبها ... نحوهم لَو أنني أعْطى الْأَمَانِي) (لَا تزيدوني غراما بعدكم ... خل بِي من بعدكم مَا قد كفاني) (ذهب الْعُمر وَلم أحظ بكم ... وتقضي فِي تمنيكم زماني) (يَا خليلي احفظا عهدي الَّذِي ... كنتما قبل النَّوَى عاهدتماني) (واذكراني مثل ذكري لَكمَا ... فَمن الْإِنْصَاف أَن لَا تنسياني) (وسلا من أَنا أهواه على ... أَي جرم صد عني وجفاني) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الْفَصْل الثَّامِن عشر أَيهَا المشغول باللذات الفانيات مَتى تستعد لملمات الْمَمَات مَتى تستدرك هفوات الْفَوات أتطمع مَعَ حب الوسادات فِي لحاق السادات وأنى تجعلك مثلهم أَنى وهيهات (يَا مدمن اللَّذَّات نَاس غدرها ... اذكر تهجم هَادِم اللَّذَّات) (احذر مكايده فهن كوامن ... فِي كرك الأنفاس واللحظات) (تمْضِي حلاوة مَا احتقبت وَبعده ... تبقى عَلَيْك مرَارَة التَّبعَات) (يَا حسرة العاصين يَوْم معادهم ... وَلَو أَنهم سيقوا إِلَى الجنات) (لَو لم يكن إِلَّا الْحيَاء من الَّذِي ... ستر الذُّنُوب لأكثروا الحسرات) يَا عَظِيم الجرأة يَا كثير الإنبساط مَا تخَاف عواقب هَذَا الإفراط يَا مُؤثر الفاني على الْبَاقِي غلطة لَا كالأغلاط أَلَك صَبر يُقَاوم ألم السِّيَاط أَلَك قدم يصلح للمشي على الصِّرَاط أيعجبك لِبَاس الصِّحَّة كلا وثوب البلا يخاط دَاء الْمُتُون دَاء أعيى على بقراط كم رَحل الْمَوْت على غارب اغتراب كم ألحق تربا بالأتراب فِي سفر التُّرَاب إِنَّمَا الْمَوْت مخرنبق ليقول ومجرمز ليغول (وَكم من فَتى يُمْسِي وَيُصْبِح آمنا ... وَقد نسجت أَكْفَانه وَهُوَ لَا يدْرِي) يَا شدَّة الوجل عِنْد حُضُور الْأَجَل يَا حسرة الْفَوْت عِنْد حُضُور الْمَوْت يَا خجلة العاصين يَا أَسف الْمُقَصِّرِينَ للحجاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 (إِلَى حتفي سعى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي) (فَمَا أَنْفك من نَدم ... وَهَان دمي فها ندمي) إستلب زَمَانك يَا مسلوب وغالب الْهوى يَا مغلوب وحاسب نَفسك فالعمر مَحْسُوب وامح قبيحك فالقبيح مَكْتُوب وَاعجَبا لنائم وَهُوَ مَطْلُوب ولضاحك وَعَلِيهِ ذنُوب (أَلا ذكراني قبل أَن يَأْتِي الْمَوْت ... وَيَبْنِي لجثماني بدار البلى بَيت) (وعرفني رَبِّي طَرِيق سلامتي ... وبصرني لكنني قد تعاميت) (وَقَالُوا مشيت الرَّأْس يَحْدُو إِلَى البلى ... فَقلت أَرَانِي قد قربت فأدنيت) أَيْن الدُّمُوع السواجم قبل المنايا الهواجم أَيْن القلق الدَّائِم للذنوب القدايم أَتَرَى اثرت الملاوم فِي هَذِه الأقاوم أَيهَا الْقَاعِد وَالْمَوْت قَائِم أنائم أَنْت عَن حديثنا أم متناوم لَا بُد وَالله من ضَرْبَة لَازم تقرع لَهَا سنّ نادم لَا بُد من موج هول متلاطم يُنَادي فِيهِ نوح الأسى لَا عَاصِم لَا بُد من سقم السَّالِم ينسى فِيهِ يَا أم سَالم (يَا من سينأى عَن بنيه ... كَمَا نأى عَنهُ أَبوهُ) (مثل لنَفسك قَوْلهم ... جَاءَ الْيَقِين فوجهوه) (وتحللوا من ظلمه ... قبل الْمَمَات وحللوه) يَا مُؤَخرا تَوْبَته بمطل التسويف {لأي يَوْم أجلت} كنت تَقول إِذا شِئْت تبت فهذي شهور الصَّيف عناقد انْقَضتْ قدر أَن الْمَوْت لَا يَأْتِي إِلَّا بَغْتَة أَلَيْسَ مرض الْمَوْت يبغت وَيحك قد نفذ السليط فاستدرك ذبالة الْمِصْبَاح فِي كل يَوْم تضع قَاعِدَة إنابة وَلَكِن على شفا جرف هار كم تعزم على طَاعَة وتوبة يَا ليلى الْهوى مَا تبصر تَوْبَة تبيت من الْعَزْم فِي شعار أويس فَإِذا أَصبَحت أخذت طَرِيق قيس تنقض عرى العزايم عُرْوَة عُرْوَة كل صريع فِي الْهوى رَفِيق عُرْوَة كم تدفن كثيرا من الأعزة وَمَا يرجع كثير عَن حب عزة (جنونك مَجْنُون وَلست بواجد ... طَبِيبا يداوي من جُنُون جُنُون) خلق قَلْبك صافيا فِي الأَصْل وَإِنَّمَا كدرته الْخَطَايَا وَفِي الْخلْوَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 يركد الكدر تلمح سَبَب هَذَا التكدير فَمَا يخفى الْحَال على متلمح كنت مُقيما فِي دَار الْإِنَابَة نظيفا فسافرت فِي الْهوى فعلاك وسخ أَفلا تحن إِلَى النَّظَافَة أَلا يُحَرك البدوي ذكر نجد طَال مرضك وَالْيَوْم بحران أَتَدْرِي مَا البحران تَجْتَمِع الْقُوَّة وَالْمَرَض فيختصمان فَإِن تحلبته جَاءَت الْعَافِيَة وَإِن تحلبها فالهلاك هَذِه سَاعَة بحرانك وَالْعقل يُقَاوم الْهوى فَانْظُر من يغلب وَاعجَبا كَيفَ يستأسر أَسد لثعلب يَا مستهانا فِي خدمَة النَّفس أخرج إِلَى ديار الْقلب تعز الفيلة فِي الْهِنْد عوامل تنقل رجال الْقَوْم وتخدمهم فَإِذا خرجت إِلَى من يعرف قدرهَا أكرمت الْعود فِي بِلَاده خشب فَإِذا سوفر بِهِ إِلَى طَالب الطّيب أعز تفاح اصبهان فِي بَلَده فَاكِهَة فَإِذا جِيءَ بِهِ إِلَى الْعرَاق دلّ على الطباع اللطيفة بريحه الفهد فِي الصَّحرَاء بَهِيمَة فَإِذا وَقع بيد من يعرفهُ غضب فيترضى الْبَازِي فِي الْبَريَّة طَائِر فَإِذا صيد فسريره كف الْملك يَا مُخْتَار الْكَوْن وَمَا يعرف قدر نَفسه أما أسجدت الْمَلَائِكَة بالْأَمْس لَك وجعلتهم الْيَوْم فِي خدمتك لما تكبر عَلَيْك إِبْلِيس وَقد عبدني سِنِين طردته أفتصافيه على خلافي {أفتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني} أَنا الْقَائِل قبل وجود أَبِيك للْمَلَائكَة {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} اطلعوا من خوخات تعبدكم فانظروا مَا أصنع أخذت قَبْضَة من تُرَاب فَصَبَبْت عَلَيْهَا قطرات من مَاء {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ} قَالَ التُّرَاب وَالْمَاء وَأي قدر لنا فَنزل دَار تواضعهما عَزِيز {ونفخت فِيهِ من روحي} فانضم صدف بَحر الْبدن على در الْقلب فانعقد فَصَارَ عرشا لصفة ويسعني خلا المثقف بالطفل دَاخل الْبَيْت فسطر فِي لوح سره الْعلم {كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان} وَأخرجه يَوْم التَّخْيِير وَقد حذق الْمَكْتُوب فَقَالَ {أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ} ثمَّ قيل لَهُ لَا يحْتَمل مَوضِع الْخلْع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وجود ذَر الْبذر فَاخْرُج إِلَى عَالم الطَّبْع أكلت يَا دودة القز فاذهبي إِلَى الْغَزل وتشاغلي بالنسج فَنزل إِلَى دَار المجاهدة فَظهر من ثَمَرَة شجرته صَبر الْخَلِيل وَثُبُوت الذَّبِيح وَجِهَاد يُوسُف وَكَمَال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جَاءَ أَوْلِيَاء فِي هَذِه الدولة فخجلت عِنْد وهدهم الرهبة لَا بل سبقوا تعبد الْمَلَائِكَة قَالَ سري مافاتني وردقط فقدرت على إِعَادَته وَذَاكَ أَن الزَّمَان الَّذِي مضى فِيهِ وَظِيفَة أُخْرَى (مَا لي شغل سواهُ مَا لي شغل ... مَا يصرف عَن هَوَاهُ قلبِي عذل) (مَا اصْنَع أَن جَفا وخاب الأمل ... مني بدل وَمِنْه مَا لي بدل) كَانَت رَابِعَة العابدة تقوم من أول اللَّيْل وَتقول (قَامَ الْمُحب إِلَى المؤمل قومه ... كَاد الْفُؤَاد من السرُور يطير) فَإِذا انْقَضى اللَّيْل صاحت واحرباه واسلباه (ذهب الظلام بأنسه وبالفه ... لَيْت الظلام بأنسه يَتَجَدَّد) دخلُوا على زجلة العابدة فكلموها فِي الرِّفْق بِنَفسِهَا فَقَالَت وَالله لأصلين لله مَا أقلتني جوارحي ولأصومن لَهُ أَيَّام حَياتِي ولأبكين مَا حملت المَاء عَيْنَايَ (لَا أقبل نصحكم فَخلوا عذلي ... مَا أعذب فِي الغرام طعم الْقَتْل) (إِن طل دمي فكم محب مثلي ... قد ضرج باللحاظ لَا بِالنَّبلِ) أَيْن أَنْت والأحباب كم بَين القشور واللباب لصردر (هَل مُدْلِج عِنْده من مبكر خبر ... وَكَيف يعلم حَال الرَّائِح الغادي) يَا معجبا بتعبده تَأمل فَضَائِل السَّابِقين وَقد هدرت شقاشق كبرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 النّظر فِي سيرهم قرظ يجفف عفن الرعونة مضى وَالله هَل الْمعَانِي وتخلف أَرْبَاب الدعاوي (هاتيك ربوعهم وفيهَا كَانُوا ... بانوا عَنْهَا فليتهم مَا بانوا) (ناديت وَفِي حشاشتي نيران ... يَا قوم مَتى تحول السكان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الْفَصْل التَّاسِع عشر عجبا لراحل مَاتَ وَمَا تزَود للرحلة ولمسافر ماج وَمَا جمع للسَّفر رحْلَة ولمنتقل إِلَى قَبره لم يتأهب للنقلة ولمفرط فِي أمره لم يستشر عقله لصردر (لَا مرية فِي الردى وَلَا جدل ... الْعُمر دين قَضَاؤُهُ الْأَجَل) (للمرء فِي حتف أَنفه شغل ... فَمَا تُرِيدُ السيوف والأسل) (يفرى الدجى وَالضُّحَى بأسلحة ... سيان فِيهَا الدروع وَالْحلَل) (كأس أديرت على لذاذتها ... عدل فِيهَا الزعاف وَالْعَسَل) (كل إِلَى غَايَة يصير وَلَا ... تَمْيِيز إِلَّا الْإِسْرَاع والمهل) (وَالنَّاس ركب يهوون حثهم ... وَلَا يسرون أَنهم نزل) (وسوف تطوى مَسَافَة ذملت ... بقاطعيها ركائب ذلل) (كَيفَ يعد الدُّنْيَا لَهُ وطنا ... من هُوَ عَنْهَا ينأى وينتقل) (نسخو بأعمارنا ونبخل بِالْمَالِ ... فتب السخاء وَالْبخل) (أضاع راقي الدَّاء العضال كَمَا ... ضيع فِي سمع عاشق عدل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 (وَلَو نجا الهائب الجبان من ... الْمَوْت نجا فِي أقدامه البطل) (مَا أَسْلمُوا هَذِه النُّفُوس إِلَى ... الأجداث إِلَّا إِذْ ضَاقَتْ الْحِيَل) (ضَرُورَة ذلت القروم لَهَا ... وَقد تقود المصاعب الجدل) (وَمن حذار تبوأ الكدية الضَّب ... وأوفى الشواهق الوعل) (يُقَاد فِي عزه الخبعثنة الضاري ... ويدهي فِي ذله الْجعل) (وَهل يرد الأحباب إِن ظعنوا ... على محب أَن ينْدب الطلل) أخواني مر الأقران على مدرجة وخيول الرحيل للباقين مسرجة سَار الْقَوْم إِلَى الْقُبُور هملجة وباتت أَرْوَاح من الأشباح مستخرجة إِلَى كم هَذَا التسويف والمجمجة بضائعكم كلهَا بهرجة وطريقكم صعبة عَوْسَجَة وستعرفون الْخَبَر وَقت الحشرجة يَا من قد ساخ فِي أوساخ إِلَى كم تملى تعبت النساخ يَا من ضيع الشَّبَاب وَمَا يسمع العتاب وَقد شاخ بَادر صبَابَة القوى فاستدرك بَاقِي الطباخ وتأهب للرحيل فَمَا هَذِه الدُّنْيَا بمناخ كم بَات مزمار فِي بَيت فَأصْبح فِيهِ الصُّرَاخ أَيْن من حصن الْحُصُون واحترس وَعمر الحدائق واحترس وَنصب سَرِير الْكبر وَجلسَ وَظن بَقَاء للنَّفس فخاب الظَّن فِي نفس نازله الْمَوْت فَلَمَّا أنزلهُ عَن ظهر الْفرس فرس وَوجه وَجهه إِلَى ديار البلى فانطمس وَتَركه فِي ظلام ظلمَة بَين الْعَيْب والدنس فالعاقل من بَادر الندامة فَإِن السَّلامَة خلس لِابْنِ المعتز (إِلَّا من لقب فِي الْهوى غير منته ... وَفِي الغي مطواع وَفِي الرشد مكره) (أشاوره فِي تَوْبَة فَيَقُول لَا ... فَإِن قلت تَأتي فتْنَة قَالَ أَيْن هِيَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 سَابِقَة الْقدر قَضَت لقوم بِدَلِيل {سبقت لَهُم} وعَلى قوم بِدَلِيل {غلبت علينا} تلقيح {سبقت} نور قُلُوب الْجِنّ {فَقَالُوا إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا} وخذلان {غلبت} أعمى بصائر قُرَيْش {قَالُوا أساطير الْأَوَّلين} إِذا هزت صوارم الْقدر تقلقلت رِقَاب المقربين غضب على قوم فَلم تنفعهم الْحَسَنَات وَرَضي عَن قوم فَلم تَضُرهُمْ السَّيِّئَات مَا نَفَعت عبَادَة إِبْلِيس وَلَا ضرّ عناد السَّحَرَة هبت عواصف الأقدار فِي بيداء الأكوان فنقلت الْوُجُود وَعم الْخَبَر فَلَمَّا ركدت الرّيح إِذا أَبُو طَالب غريق فِي لجة الْهَلَاك وسلمان على سَاحل السَّلامَة والوليد بن الْمُغيرَة يقدم قومه فِي التيه وصهيب قد قدم بقافلة الرّوم وَأَبُو جهل فِي رقدة الْمُخَالفَة وبلال يُنَادي الصَّلَاة خير من النّوم لما قضيت فِي الْقدَم سَلامَة سلمَان أقبل يناظر أَبَاهُ فِي دين قد أَبَاهُ فَلم يعرف أَبوهُ جَوَابا إِلَّا الْقَيْد وَهَذَا الْجَواب المرذول قديم من يَوْم {حرقوه} فَنزل بِهِ ضيف {ولنبلونكم} فنال بإكرامه مرتبَة سلمَان منا سمع أَن ركبا على نِيَّة السّفر فَسرق نَفسه من حرز أَبِيه وَلَا قطع فَوقف نَفسه على خدمَة الأدلاء وقرف الأذلاء فَلَمَّا أحس الرهبان بِانْقِطَاع دولتهم سلمُوا إِلَيْهِ أَعْلَام الْأَعْلَام على عَلَامَات نَبينَا وَقَالُوا أَن زَمَنه قد أظل فاحذر أَن تضل وَأَنه يخرج بِأَرْض الْعَرَب ثمَّ يُهَاجر إِلَى أَرض بَين حرتين فَلَو رَأَيْتُمُوهُ قد فلى الفلا وَالدَّلِيل شوقه وخلى الوطن خلاء يزعجه توقه لأبي الْعَلَاء المعري (وأبغضت فِيك النّخل وَالنَّخْل يَانِع ... واعجبني من حبك الطلح والضال) (وأهوى لجراك السماوة والغضا ... وَلَو أَن ضيفيه وشَاة وعذال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 رَحل مَعَ رفْقَة لم يرفقوا {وشروه بِثمن بخس} فابتاعه يَهُودِيّ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا رآى الحرتين توقد خر شوقه وَمَا علم الْمنزل بوجد النَّازِل للمتنبي (أيدري الرّبع أَي دم أراقا ... وَأي قُلُوب هَذَا الركب شاقى) (لنا ولأهله أبدا قُلُوب ... تلاقي فِي جسوم مَا تلاقى) فَبينا هُوَ يكابد سَاعَات الإنتظار قدم البشير بقدوم البشير وسلمان فِي رَأس نَخْلَة فكاد القلق يلقيه لَوْلَا أَن الحزم أمْسكهُ كَمَا جرى يَوْم {إِن كَادَت لتبدي بِهِ} ثمَّ عجل النُّزُول ليلقى ركب السيارة (خليلي من نجد قفا بِي على الربى ... فقد هَب من تِلْكَ الرسوم نسيم) فصاح بِهِ الْمَالِك مَالك وَلِهَذَا إنصرف إِلَى شغلك فَأجَاب لِسَان وجده (كَيفَ انصرافي ولي فِي داركم شغل ... ) فَأخذ يضْربهُ فَأخذ لِسَان حَاله يترنم لَو سمع الأطروش (خليلي لَا وَالله مَا أَنا مِنْكُمَا ... إِذا علم من آل ليلى بداليا) فَلَمَّا لَقِي الرَّسُول عرض نُسْخَة الرهبان بِكِتَاب الأَصْل فَوَافَقَ وَوَافَقَ يَا مُحَمَّد أَنْت تُرِيدُ أَبَا طَالب وَنحن نُرِيد سلمَان أَبُو طَالب إِذا سُئِلَ عَن إسمه قَالَ عبد منَاف وَإِذا انتسب افتخر بالإباء وَإِذا ذكرت الْأَمْوَال عد الْإِبِل وسلمان إِذا سُئِلَ عَن إسمه قَالَ عبد الله وَعَن نسبه قَالَ ابْن الْإِسْلَام وَعَن لِبَاسه قَالَ التَّوَاضُع وَعَن طَعَامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 قَالَ الْجُوع وَعَن شرابه قَالَ الدُّمُوع وَعَن وساده قَالَ السهر وَعَن فخره قَالَ سلمَان منا وَعَن قَصده قَالَ {يُرِيدُونَ وَجهه} للشبلي (إِن بَيْتا أَنْت ساكنه ... غير مُحْتَاج إِلَى السرج) (وعليلا أَنْت زَائِره ... قد آتَاهُ الله بالفرج) (وَجهك المأمول حجتنا ... يَوْم يَأْتِي النَّاس بالحجج) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الْفَصْل الْعشْرُونَ يَا من يمشي على ظُهُور الْحفر وَيرى السَّابِقين إِلَى بيُوت الْمدر لَو أصغى سمع التَّدْبِير سمع العبر كفى بِالْمَوْتِ واعظا يَا عمر لأبي الْعَتَاهِيَة (وعظتك أجداث ضمت ... ونعتك أزمنة خفت) (وتكلمت عَن أعظم ... تبلى وَعَن صور شتت) (وأرتك قبرك فِي الْقُبُور ... وَأَنت حَيّ لم تمت) يَا سادرا فِي سكر سروره يَا سادلا ثوب غروره كَأَنَّك بك قد اقتعدت غارب الغربة واستبدلت بالأثواب التربة سيقسم مَالك من لَا يحمدك وستقدم على من لَا يعذرك غَدا يرجع الحبيبان عَنْك حَبِيبك من أهلك يقسم حَبِيبك من مَالك وَأَنت فِي قفر الْفقر إِلَى مَا أسلفت تبْكي على مَا خلفت بَين أنَاس كلهم أَسِير الْفرق وجميعهم على مهاد القلق (محلّة سفر كَانَ آخر زادهم ... إِلَيْهِ مَتَاع من حنوط وَمن خرق) (إِلَى منزل سوى البلى بَين أَهله ... فَلم تستبن فِيهِ الْمُلُوك من السُّوق) إِلَى مَتى تبقى بدائك أَهَذا الَّذِي تَفْعَلهُ برائك لقد حل فناؤك بفنائك وَأخْبر انْتِقَاض بنائك بنمائك وَأَن وَرَاءَك طَالبا لَا تفوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَقد نصب لَك علم لَا تجوز فَمَا أسْرع مَا يدركك الطَّالِب وَمَا أعجل مَا تبلغ الْعلم أخواني هَذَا الْمَوْت غَدا يَقُول الرحيل غَد كَيفَ بكم إِذا صَاح إسْرَافيل فِي الصُّور بالصور فاسمع الْعِظَام البالية تَحت الْمدر فاجتمعت من بطُون السبَاع وحواصل الطير فَقَامَتْ تبْكي على فَوَات الْخَيْر وَسَار الْخَلَائق كلهم حُفَاة عُرَاة كل مِنْهُم مَشْغُول بِمَا عراه وَقد رجت الأَرْض وبست الْجبَال وذهلت الْعُقُول وشاب الْأَطْفَال (أيا نفس حَقك إِن تجزعي ... وَيَا عين إياك أَن تهجعي) (وَيَا أُذُنِي إِن دعَاك الْهوى ... فإياك إياك أَن تسمعي) (وَبِاللَّهِ يَا جفن عَيْني القريح ... ضرج بفيض الدما أدمعي) (وياكل جارحة لي عَلَيْك ... حفيظ فابكي ونوحي معي) (يسير بِنَا الدَّهْر من مَوضِع ... ترحل عَنهُ إِلَى مَوضِع) (إِلَى حَيْثُ لَا الْعين فِيهِ ترى ... وَلَا الْأذن إِن خاطبوها تعي) (فيا ويلنا من طَرِيق هُنَاكَ ... طَوِيل بعيد المدى مسبع) يَا أهل الذُّنُوب والخطايا ألكم صَبر على الْعقُوبَة {كلا إِنَّهَا لظى} إِذا شاهدت من اشْترى لَذَّة سَاعَة بِعَذَاب سِنِين {تكَاد تميز من الغيظ} من أَرَادَ أَن ينجو مِنْهَا فليتب {من قبل أَن يتماسا} كَيفَ أَمن العصاة {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} كَيفَ نسوا غب الزلل {وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} أخواني مثلُوا أهل الْجنَّة {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ} و {نورهم يسْعَى بَين أَيْديهم} وَمَعَهُمْ توقيع {لَا خوف عَلَيْهِم} فَلَمَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وصلوا إِلَى الْجنان {وَفتحت أَبْوَابهَا} وبدأهم الخزنة {سَلام عَلَيْكُم طبتم} وبشروهم بِالْبَقَاءِ الدَّائِم {فادخلوها خَالِدين} وقرأت الْأَمْلَاك من سجل الْأَمْلَاك مبلغ الثّمن {بِمَا صَبَرْتُمْ} وَجَمِيع المرادات دَاخِلَة فِي إقطاع {مَا تشْتَهي أَنفسكُم} وَقد استرجح فِي الْمِيزَان {ولدينا مزِيد} وَأتم التَّمام {وَمَا هم مِنْهَا بمخرجين} (وَهَذَا السرُور بِتِلْكَ الكرب ... وَهَذَا النَّعيم بِذَاكَ التَّعَب) وَيحك ميز بعقلك وحسك بَين الدَّاريْنِ واحصر الذَّنب وَالْعِقَاب والمح العاقبتين هَذَا الْحَيَوَان البهيمي ينظر فِي العواقب الْإِبِل يَأْكُل الْحَيَّات فيشتد عطشه فيحوم حول المَاء وَلَا يشرب لعلمه أَن المَاء ينْفد السمُوم إِلَى أَمَاكِن لَا يبلغهَا الطَّعَام وَمن عَادَته أَنه يسْقط قرنه كل سنة وَهُوَ سلاحه فيختفي إِلَى أَن ينْبت هَذِه الْحَيَّة تختفي طول الشتَاء بِالْأَرْضِ فَتخرج وَقد عشى بصرها فتحكه بأصول الرازايانج لِأَنَّهُ يزِيل الغشا هَذَا الفهد إِذا سمن علم أَنه مَطْلُوب وشحمه يمنعهُ من الْهَرَب فَهُوَ يستر نَفسه إِلَى أَن ينْحل الشَّحْم هَذِه النملة تدخر فِي الصَّيف للشتاء فَإِذا خَافت عفن الْحبّ أخرجته إِلَى الْهَوَاء فَإِذا حذرت أَن ينْبت نقرت مَوضِع القطمير أسمعت يَا مَقْطُوع الْحِيلَة مَتى تدخر من صيف قوتك إِلَى شتاء عجزك هَذِه السَّمَكَة إِذا حبستها الشبكة جمزت بِكُل قوتها لتقطع الحابس لَو نهضت بِقُوَّة الْعَزْم لانخرقت شبكة الْهوى إِذا مد النَّهر إغتنمت ذَلِك الْمَدّ الزنابير فبنت مِنْهُ بُيُوتًا لِأَنَّهُ لَا يصلح لَهَا غَيره مد بَحر الشَّبَاب وَمَا بنيت بَيت جد فَحَدثني مَا الَّذِي تصنع فِي القحل إِن فاتك زمن الْمَدّ فَمد الْيَد للسؤال حِيلَة الْمُفلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 يَا محصرا عَن الْوُصُول لَا يجْزِيه الْهدى يَا مُنْقَطِعًا فِي الطَّرِيق عَن جملَة الْوَفْد تحامل إِلَى بعض خيم أهل الْوَصْل واشهد على وصيتك ذَوي عدل وناد فِي النادي بِصَوْت الذل (إِذا مَا وصلتم سَالِمين فبلغوا ... تَحِيَّة من قد ظن أَن لَا يرى نجدا) وابسط فِي الدجى يَد الطّلب فأطيب مَا أكل الرجل من كسب يَده وَقل بِلِسَان التملق (أحبابنا انا ذاكم العَبْد الَّذِي ... راعيتموه ناشئا ووليدا) (حَالَتْ بِهِ الْأَحْوَال بعد فراقكم ... فَرمي بأسرته وَجَاء فريدا) إِذا جَلَست فِي ظلام اللَّيْل بَين يَدي سيدك فَاسْتعْمل أَخْلَاق الْأَطْفَال فَإِن الطِّفْل إِذا طلب من أَبِيه شَيْئا فَلم يُعْطه يكن عَلَيْهِ (بلغ المنى من حل فِي وَادي منى ... غَيْرِي فَإِنِّي مَا بلغت مرادي) (وبكيت من ألم الْفِرَاق وشقوتي ... فَبكى الحجيج بأسره والوادي) يَا من قد نزلت بِهِ بلية الطَّرْد تروح إِلَى حَدِيث الْمُنَاجَاة وَإِن لم تسمع مِنْك وَابعث رسائل الأحزان مَعَ ريَاح الأسحار وَلَو لم تصل (يَا نسيم الشمَال بلغ خطابي ... وأشف مني الجوى بِحمْل الْجَواب) (طفت بساحات ذَلِك الرّبع واحمل ... ذرة من تُرَاب ذَاك الجناب) (قل لمولاي يَا منى الرّوح وَالْقلب ... وَمن فِيهِ ذلتي وانتحابي) (كنت أخْشَى الوشاة فِيك وَلَكِن ... جفوة الْحبّ لم تكن فِي حسابي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الْفَصْل الْحَادِي وَالْعشْرُونَ يَا ساعيا لنَفسِهِ فِي المهالك دنا الرحيل ونضو النقلَة بَارك مَتى تذكر وحشتك بعد إيناسك مَتى تقتدي من ناسك بناسك كَأَنَّك بك قد خرجت عَن أهلك وولدك وانفردت عَن عددك وعددك وقتلك سيف النَّدَم وَلم يدك ورحلت وَلم يحصل بِيَدِك إِلَّا عض يدك (كَأَنَّك لم تسمع بأخبار من مضى ... وَلم تَرَ فِي البَاقِينَ مَا يصنع الدَّهْر) (فَإِن كنت لَا تَدْرِي فَتلك دِيَارهمْ ... محاها مجَال الرّيح بعْدك والقطر) (على ذَاك مروا أَجْمَعُونَ وَهَكَذَا ... يَمرونَ حَتَّى يستردهم الْحَشْر) (فحتام لَا تصحو وَقد قرب المدى ... وحتام لَا ينجاب عَن قَلْبك السكر) (بل سَوف تصحو حِين ينْكَشف الغطا ... وتذكر قولي حِين لَا ينفع الذّكر) يَا من يُذنب وَلَا يَتُوب كم قد كتبت عَلَيْك ذنُوب خل الأمل الكذوب فَرب شروق بِلَا غرُوب وآأسفي أَيْن الْقُلُوب تَفَرَّقت بالهوى فِي شعوب ندعوك إِلَى صلاحك وَلَا تؤوب وَاعجَبا النَّاس ضروب مَتى تَنْتَهِ لخلاصك أَيهَا الناعس مَتى تطلب الْأُخْرَى يَا من على الدُّنْيَا ينافس مَتى تذكر وحدتك إِذا انْفَرَدت عَن موانس يَا من قلبه قد قسا وجفنه ناعس يَا من تحدثه الْأَمَانِي دع هَذِه الوساوس أَيْن الْجَبَابِرَة الأكاسرة الشجعان الفوارس أَيْن الْأسد الضواري والظباء الكوانس أَيْن من اعْتَادَ سَعَة الْقُصُور حبس من الْقُبُور فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أضيق المحابس أَيْن الرافل فِي أثوابه عرى فِي ترابه عَن الملابس أَيْن الغافل فِي أمله عَن أَجله سلبه كف المخالس أَيْن حارس المَال أَخذ المحروس وَقتل الحارس يَا مضمرا حب الدُّنْيَا إِضْمَار الْجمل الحقود نبعث منقاش اللوم وَمَا يصل إِلَى شظايا الْمحبَّة الدُّنْيَا جيفة قد أراحت ومزكوم الْغَفْلَة مَا يدْرِي سوق فِيهَا ضجيج الْهوى فَمن يسمع المواعظ (علمتني بهجرها الصَّبْر عَنْهَا ... فَهِيَ مشكورة على التقبيح) إِذا أردْت دَوَاء حبها فَمَا قل فِي الشربة صَبر انْفَرد فِي صومعة الزّهْد وَاحْفِرْ خَنْدَق الحذر وأقم حارس الْوَرع وَلَا تطلع من خوخة مُسَامَحَة فَإِن البغى فِي الْفَتى صناع لصردر (النَّجَاء النَّجَاء من أَرض نجد ... قبل أَن يعلق الْفُؤَاد بوجد) (كم خلى غَدا إِلَيْهِ وَأمسى ... وَهُوَ يهوى بعلوة وبهند) حصن حصن التقى بسور القناعة فَإِن لص الْحِرْص يطْلب ثلمة غَرِيم الطَّبْع متقاض ملح والشره شرك وخمار المنى دَاء قَاتل بَينا الْحِرْص يمد وتر الأمل انْقَطع هَل الْعَيْش إِلَّا كأس مشوبة بالكدر ثمَّ رسوبها الْمَوْت {فابتغوا عِنْد الله الرزق} قَالَ مُحَمَّد بن وَاسع لَو رَأَيْتُمْ رجلا فِي الْجنَّة يبكي أما كُنْتُم تعْجبُونَ قَالُوا بلَى قَالَ فاعجب مِنْهُ فِي الدُّنْيَا رجل يضْحك وَلَا يدْرِي إِلَى مَا يصير ضحك بعض الصَّالِحين يَوْمًا ثمَّ انتبه لنَفسِهِ فَقَالَ تضحكين وَمَا جزت الْعقبَة وَالله لَا ضحِكت بعْدهَا حَتَّى أعلم بِمَاذَا تقع الْوَاقِعَة (يَا نسيم الشمَال بِاللَّه بلغ ... مَا يَقُول المتيم المستهام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 (قل لأحبابنا فداكم محب ... لَيْسَ يسلو ومقلة لَا تنام) (كل عَيْش وَلَذَّة وسرور ... قبل لقياكم على حرَام) فرغ الْقَوْم قُلُوبهم من الشواغل فَضربت فِيهَا سرادقات المحبوب فأقاموا الْعُيُون تحرس تَارَة وترش الأَرْض أُخْرَى هَيْهَات هان سهر الحراس لما علمُوا أَن أَصْوَاتهم بسمع الْملك لِابْنِ المعتز (أَيهَا الْملك الَّذِي سهري فِيهِ ... كطعم الرقاد بل هُوَ أحلى) (غرضي مَا يُريدهُ بِي حَبِيبِي ... لَو سقاني مهلا لما قلت مهلا) (لست أَدْرِي أَطَالَ ليلِي أم لَا ... كَيفَ يدْرِي بِذَاكَ من يتقلى) (إِن للعاشقين فِي قصر اللَّيْل ... وَفِي طوله عَن النّوم شغلا) (لَو تفرغت لاستطالة ليلِي ... إو لرعي النُّجُوم كنت مخلا) (وغرام الْفُؤَاد مذ غبت عَنهُ ... لم يحل عَن هَوَاك حاشي وكلا) قُلُوب العارفين مملؤة بِذكر الحبيب لَيْسَ فِيهَا سَعَة لغيره (قد صِيغ قلبِي على مِقْدَار حبهم ... فَمَا لحب سواهُم فِيهِ متسع) إِن نطقوا فبذكره وَإِن تحركوا فبأمره وَإِن فرحوا فلقربه وَإِن ترحوا فلعتبه (وَالله مَا طلعت شمس وَلَا غربت ... إِلَّا وَأَنت منى قلبِي ووسواسي) (وَلَا جَلَست إِلَى قوم أحدثهم ... إِلَّا وَأَنت حَدِيثي بَين جلاسي) (وَلَا هَمَمْت بِشرب المَاء من عَطش ... إِلَّا رَأَيْت خيالا مِنْك فِي الكاس) أقواتهم ذكرى الحبيب وأوقاتهم بالمناجاة تطيب لَا يصبرون عَنهُ لَحْظَة وَلَا يَتَكَلَّمُونَ فِي غير رِضَاهُ بِلَفْظَة (حَياتِي مِنْك فِي روح الْوِصَال ... وصبري عَنْك من سلب الْمحَال) (وَكَيف الصَّبْر عَنْك وَأي صَبر ... لعطشان عَن المَاء الزلَال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 (إِذا لعب الرِّجَال بِكُل شَيْء ... رَأَيْت الْحبّ يلْعَب بِالرِّجَالِ) كم تدرس أخبارهم وَمَا تدرس لَئِن طواهم الفناء لقد نشرهم الثَّنَاء لَو سمعتهم فِي الدجا يعجون لَو رَأَيْتهمْ فِي الأسحار يضجون لَوْلَا نسايم الرَّجَاء كَانُوا ينضجون (مَا لي عَن وصلك اصطبار ... إِلَيْك من هجرك الْفِرَار) (أَصبَحت ظمآن ذَا جفون ... مياه أخلافها غزار) (أروم كتمان مَا أُلَاقِي ... وبالاماقي لَهُ اشتهار) (وَمن نسيم الصِّبَا إِذا مَا ... هبت على أَرْضكُم أغار) (آه لذكرى ديار سلمى ... لَا أجدبت تلكم الديار) (لهفي لعيش بهَا تولي ... نَظِير أَيَّامه النضار) (إِذْ أعين الدَّهْر راقدات ... وَفِي غُضُون الْهوى ثمار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الْفَصْل الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أَيهَا الحاطب على أزره وزرا وآثاما تنبه ترى الدُّنْيَا أحلى مَا كَانَت أحلاما كم نكس الْمَوْت فِيهَا أعلاما أَعلَى مَا كم أذلّ بقهره أَقْوَامًا أقوى مَا لَا كَانَ مِفْتَاح أَمْسَى لَهُ الْمَوْت ختاما (من على هَذِه الديار أَقَامَا ... أَو صفا ملبس عَلَيْهِ فداما) (عج بِنَا نندب الَّذين توَلّوا ... باقتياد الْمنون عَاما فعاما) (تركُوا كل ذرْوَة من أَشمّ ... يحسر الطّرف ثمَّ حلوا الرغاما) (يَا لحا الله مهملا حسب الدَّهْر ... نؤوم الجفون عَنهُ فَنَامَا) (هَل لنا بالغين كل مُرَاد ... غير مَا يمْلَأ الضلوع طَعَاما) (وَإِذا أعوز الْحَلَال فشل الله ... كفا جرت إِلَيْهَا حَرَامًا) التَّبعَات تبقى وَاللَّذَّات تمر وغب الأرى وَإِن حلا فَهُوَ مر وَكَأن قد عوى فِي دَار العوافي ذِئْب الضّر وَمَا يلهي شَيْء من الدُّنْيَا وَيسر إِلَّا يُؤْذِي ويضر وَقد بَانَتْ عيوبها فَلَيْسَ فِيهَا مَا يغر وَإِنَّمَا يعشقها الجهول ويأنف مِنْهَا الْحر (تذل الرِّجَال لأطماعها ... كذل العبيد لأربابها) (وَلَا تجنين ثمار المنى ... فتجنى الهوان بأعقابها) أخواني رُبمَا أورد الطمع وَلم يصدر كم شَارِب شَرق قبل الرّيّ من أخطأته سِهَام الْمنية قَيده عقال الْهَرم أَلا يتيقظ الْعَاقِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 بإضرابه أَلا ينتبه الغافل بأوصابه أيسلم والرامي تَحت ثِيَابه يَا مَرِيضا أتعب الْأَطِبَّاء مَا بِهِ كَأَنَّك بالدنيا الَّتِي تَقول مرْحَبًا قد حلت الحبى وَتَفَرَّقَتْ تفرق أَيدي سبا وَيحك أَخُوك من عذلك لَا من عذرك صديقك من صدقك لَا من صدقك وَيحك من يطربك يُطْغِيك وَمَا لَا يَعْنِيك يَعْنِيك تتوب صباحا فَإِذا أمسيت تحول وتعول وَتقول غير أَنَّك تنقض مَا تَقول وتتلون دَائِما كَمَا تتلون الغول يَا عبد الْهوى إِن دَعَا أمنت وَإِن ادّعى آمَنت كم قَالَ لَك الْهوى وَسمعت أَنا مكار وتبعت وَالله لقد افتك أَضْعَاف مَا أفدتك وَلَقَد أعذر من أنذر وَمَا قصر من بصر لما رأى المتيقظون سطوة الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا وخداع الأمل لأربابها لجأوا إِلَى حصن الزّهْد كَمَا يأوي الصَّيْد المذعور إِلَى الْحرم لَاحَ لَهُم حب المشتهي فَلَمَّا مدوا إِلَيْهِ أَيدي التَّنَاوُل بَان لأبصار البصائر خيط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر وصوتوا إِلَى الرعيل الثَّانِي {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} جمعُوا الرحل قبل الرحيل وشمروا فِي سَوَاء السَّبِيل فَالنَّاس فِي الغفلات وهم فِي قطع الفلاة {تِلْكَ أمة قد خلت} لَو رَأَيْت مطايا أجسامهم وَقد إِذا بهَا السرى فَهِيَ تحن مِمَّا تجن فتبكي الْحداد للْمُصَنف (حنت فاذكت لوعتي حنينا ... اشكو من الْبَين وتشكو البينا) (قد عاث فِي أشخاصها طول السرى ... بِقدر مَا عاث الْفِرَاق فِينَا) (فخلها تمشي الهوينا طَال مَا ... أضحت تباري الرّيح فِي البرينا) (وَكَيف لَا نأوي لَهَا وَهِي الَّتِي ... بهَا قَطعنَا السهل والحزونا) (إِن كن لم يفصحن بالشكوى لنا ... فهن بالأرزام يشتكينا) (قد اقرحت بِمَا تحن كَبِدِي ... إِن الحزين يسْعد الحزينا) (وَقد تياسرت بِهن جائرا ... عَن الْحمى فاعدل بهَا يَمِينا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 (يَقُول صحبي أَتَرَى آثَارهم ... نعم وَلَكِن لَا أرى القطينا) (لَو لم تَجِد ربوعهم كوجدنا ... للبين لم تبل كَمَا بلينا) (أكلما لَاحَ لعَيْنِي بارق ... بَكت فابدت سرى المصونا) (لَا تَأْخُذُوا قلبِي بذنب مقلتي ... وعذبوا الخائن لَا الأمينا) دارت قُلُوب الْقَوْم فِي دَائِرَة الْخَوْف دوران الكرة تَحت الصولجان فهاموا فِي فلوات القلق فَمن خايف مستجير وَمن وَاحِد يَقُول وَمن سَكرَان يبث (إِذا لعب الرِّجَال بِكُل شَيْء ... رَأَيْت الْحبّ يلْعَب بِالرِّجَالِ) طَالَتْ عَلَيْهِم بادية الرياضة ثمَّ بَدَت بعْدهَا الرياض استوطنوا فردوس الْأنس فِي قلَّة طور الطّلب (شقينا فِي الْهوى زَمنا فَلَمَّا ... تلاقينا كأنا مَا شقينا) (سخطنا عِنْدَمَا جنت اللَّيَالِي ... فَمَا زَالَت بِنَا حَتَّى رَضِينَا) (فَمن لم يحيى بعد الْمَوْت يَوْمًا ... فَإنَّا بعد مَا متْنا حيينا) وقفت على قبر بعض الصَّالِحين فَقلت يَا فلَان بِمَاذَا نلْت تردد الْأَقْدَام إِلَيْك فَقَالَ أقدمت على رد الْهوى بِلَا تردد فترددت إِلَى الْأَقْدَام كَانَ عطر إخلاصي خَالِصا فعبق نشره بالأرواح للمهيار (جرت مَعَ الرَّسْم لي محاورة ... فهمت مِنْهَا مَا قَالَه الرَّسْم) (هَل لَك بالنازلين أَرض منى ... يَا علم الشوق بَعدنَا علم) أدْلج الْقَوْم طول اللَّيْل فِي السرى وخافوا عوز المَاء فتمموا المزاد بالبكاء (سلو غير طرفِي إِن سَأَلْتُم عَن الْكرَى ... فَمَا لجفون العاشقين مَنَام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 سكن الْخَوْف قُلُوبهم فَإِذا بهَا فَإِذا بهَا فِي محلّة الْأَمْن نحلوا الْمعرفَة فتحلوا فعمر قصر الْقلب للْملك وقنعت الْحَوَاشِي فِي القاع بالخيم (وَكم ناحل بَين تِلْكَ الْخيام ... تحسبه بعض أطنابها) يَا هَذَا سرادق الْمحبَّة لَا يضْرب إِلَّا فِي قاع فارغ نزه فرغ قَلْبك من غَيْرِي اسكنه للشريف الرضى (تركُوا الدَّار فَلَمَّا ... نزلُوا الْقلب أَقَامُوا) (يَا خليلي اسقياني ... زمن الوجد مدام) (وَصفا لي قلعة الركب ... ولليل مقَام) (وَمنى أَيْن منى ... مني لقد شط المرام) (هَل على جمع نزُول ... وعَلى الْخيف خيام) بِحَق لَا بُد أَن المحبين تذوب ولسماء أَعينهم تهمي وتصوب لَو حملُوا جبال الأَرْض مَعَ كرّ الكروب كَانَ ذَلِك قَلِيلا فِي حب المحبوب لِابْنِ المعتز (رأى خضوعي فصد عني ... فازددت ذلا فزادتيها) (قلت لَهُ خَالِيا وعيني ... قد أحرق الدمع مَا يَليهَا) (هَل لي فِي الْحبّ من شَبيه ... قَالَ وأبصرت لي شَبِيها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 الْفَصْل الثَّالِث وَالْعشْرُونَ أخواني شمروا عَن سوق الدأب فِي سوق الْأَدَب واعتبروا بالراحلين وسلوا السَّلب قبل أَن يفوت الْغَرَض بِالْمرضِ إِن عرض فكأنكم بمبسوط الأمل قد انقبض وبمشيد المنى قد انْتقض (يَا سَاكن الدُّنْيَا تأهب ... وانتظر يَوْم الْفِرَاق) (وَاعد زادا للرحيل ... فَسَوف يحدى بالرفاق) (وإبك الذُّنُوب يَا دمع ... تنهل من سحب المآق) (يَا من أضاع زَمَانه ... أرضيت مَا يفني بباق) أَيْن عزائم الرِّجَال أَيْن صرائم الْأَبْطَال تَدعِي وتتوانى هَذَا محَال (اشتاقكم ويحول الْعَزْم دونكم ... فَادّعى بعدكم عني وَاعْتذر) (واشتكى خطرا بيني وَبَيْنكُم ... وَآيَة الشوق أَن يستصغر الْخطر) إِن هَمَمْت فبادر وَإِن عزمت فثابر وَاعْلَم أَنه لَا يدْرك المفاخر من رَضِي بالصف الآخر قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز خلقت لي نفس تواقة لم تزل تتوق إِلَى الْإِمَارَة فَلَمَّا نلتها تاقت إِلَى الْخلَافَة فَلَمَّا نلتها تاقت إِلَى الْجنَّة لأبي فراس (بدوت وَأَهلي حاضرون لأنني ... أرى ان دَارا لست من أَهلهَا قفر) (وَمَا حَاجَتي فِي المَال أبغي وفوره ... إِذا لم يفر عرضي فَلَا وفر الوفر) (وَقَالَ أصيحابي الْفِرَار أَو الردى ... فَقلت هما أَمْرَانِ أحلاهما مر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 (سيذكرني قومِي إِذا جد جدهم ... وَفِي اللَّيْلَة الظلماء يفتقد الْبَدْر) (وَلَو سد غَيْرِي مَا سددت اكتفوا بِهِ وَمَا كَانَ يغلو التبر لَو نفق الصَّبْر) (وَنحن أنَاس لَا توَسط عندنَا ... لنا الصَّدْر دون الْعَالمين أَو الْقَبْر) (تهون علينا فِي الْمَعَالِي نفوسنا ... وَمن خطب الْحَسْنَاء لم يغله الْمهْر) إبتليت الهمم الْعَالِيَة بعشق الْفَضَائِل شجر المكاره يُثمر المكارم مَتى لاحت الفريسة قذفت الغابة السَّبع إِذا استقام للجواد الشوط لم يحوج رَاكِبه إِلَى السَّوْط من ضرب يَوْم الوغى وَجه الْهوى بِسَهْم ضرب مَعَ الشجعان يَوْم الْقِسْمَة بِسَهْم من اشْتغل بالعمارة استغل الْخراج إِذا طلع نجم الهمة فِي ظلام ليل البطالة ثمَّ ردفه قمر الْعَزِيمَة {وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا} يَا طَالبا للبدعة أَخْطَأت الطَّرِيق عِلّة الرَّاحَة التَّعَب إِن لم تكن أسدا فِي الْعَزْم وَلَا غزالا فِي السَّبق فَلَا تتثعلب يَا هَذَا الْجد جنَاح النجَاة وكسلك مزمن من كد كد العبيد تنعم تنعم الْأَحْرَار من امتطى رَاحِلَة الشوق لي يشق عَلَيْهِ بعد السّفر (على قدر أهل الْعَزْم تَأتي العزائم ... وَتَأْتِي على قدر الْكِرَام المكارم) يَا هَذَا ركائب الرحيل قد أنيخت بالجناب وَلم تتحرج وناقد البايع قَائِم على الْبَاب ونقدك بهرج كَيفَ يلْحق السَّابِقين كسلان أعرج لَو تنقلت على عيطموس الْعَزْم وهوجاء الطّلب وبميسجور الْقَصْد وجعلباة السّير ومشمعلة الْجد ووصلت الديجور بالضحى لانقطعت الديمومة الْقَذْف وَلَكِنَّك استوطأت مهاد الكسل وإبر النَّحْل دون الْعَسَل قيل لبَعض أهل الرياضة كَيفَ غلبت نَفسك فَقَالَ قُمْت فِي صف حربها بسلاح الْجد فَخرج مرحب الْهوى بدافع فعلاه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الْعَزْم بصارم الحزم فَلم تمض سَاعَة حَتَّى ملكت خَيْبَر وَقيل لآخر كَيفَ قدرت على هَوَاك فَقَالَ خدعته حَتَّى أسرته واستلبت عوده فَكَسرته وقيدته بِقَيْد الْعُزْلَة وحفرت لَهُ مطمور الخمول فِي بَيت التَّوَاضُع وضربته بسياط الْجُوع فلَان يَا فلَان أَلَك فِي مجاهدة النَّفس نِيَّة أم النِّيَّة نِيَّة أتعبتني وَأَنت أَنْت يَا خنشليلا فِي كل دردبيس إِلَى مَتى تجول فِي طلب هجول مَا نفشت غنم الْعُيُون النواظر فِي زروع الْوُجُوه النواضر إِلَّا وأغير على السَّرْح من تعرض للعنقفير لَقِي الْأَمريْنِ المتعرض للنبلة أبله مَا عز يُوسُف إِلَّا بترك مَا ذل بِهِ مَا عز لَو ركد كدر دهن الذِّهْن سمت ذبالة الْمِصْبَاح أخواني إِلَى مَتى سكر عَن الْمَقْصُود إِلَّا صحو سَاعَة أريقوا قرقف الْهوى قبل هجوم صَاحب الشرطة إكسروا الظروف ظرفا ليعلم حسن قصدكم للتَّوْبَة وليشغلكم ذكر صَوت النأي عَن صَوت الناي والفكر فِي خراب المغاني عَن لُغَات الأغاني فكم من شَاب مَا شَاب وَكم من راج راج لَهُ أَن خَابَ مَا أسْرع افْتِرَاق الصاحبين إِذا صَاح بَين فمفترق جاران دارهما عمر مثل أهل الدُّنْيَا فِي غفلتهم وَطول آمالهم كَمثل الْحَاج نزلُوا منزلا فَقَامَ أَقوام يقطعون الصخور ويبنون الْبيُوت فَقَالَ المتيقظون وَيحكم مَا هَذَا البله الرحيل بعد سَاعَة لَو علم الْورْد قصر عمره مَا تَبَسم بَيْنَمَا هُوَ ينشر بز رِيحه فِي شمال البكور بزه الناطور فَإِذا بِهِ فِي زجاجة الزُّور فانتبه أَنْت وَلَا تغتر بزور نسيم الدجى يفتح مستغلق الجنبد وَخَوف سموم النَّهَار يُعِيد اللينوفر إِلَى المَاء إسمع يَا من لَا يحركه تشويق وَلَا يزعجه تخويف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 (إِذا الْمَرْء كَانَت لَهُ فكرة ... فَفِي كل شَيْء لَهُ عِبْرَة) تزوج صلَة بن أَشْيَم فَأدْخلهُ ابْن أَخِيه الْحمام ثمَّ ادخل إِلَى الْمَرْأَة وَقد طيب فَقَامَ يُصَلِّي فَمد الصلواة إِلَى الْفجْر فَعَاتَبَهُ إِبْنِ أَخِيه فَقَالَ إِنَّك أدخلتني أمس بَيْتا ذَكرتني بِهِ النَّار ثمَّ أدخلتني بَيْتا ذَكرتني بِهِ الْجنَّة فَمَا زَالَ فكري فيهمَا حَتَّى أَصبَحت (كفى حزنا إِن لَا أعاين بقْعَة ... من الأَرْض إِلَّا ازددت شوقا إِلَيْكُم) (وَإِنِّي مَتى مَا طَابَ لي خفض عيشة ... تذكرت أَيَّامًا مَضَت لي لديكم) مر بعض الْفُقَرَاء بِامْرَأَة فَأَعْجَبتهُ فَتَزَوجهَا فَلَمَّا دخل الْبَيْت نزعوا خلقانه وألبسوه ثيابًا جددا فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل طلب قلبه فَلم يجده فصاح خلقاني خلقاني فَأَخذهَا وَرجع للشريف الرضى (مَا ساعفتني اللَّيَالِي بعد بعدهمْ ... إِلَّا ذكرت ليالينا بِذِي سلم) (وَلَا استجد فُؤَادِي فِي الزَّمَان هوى ... إِلَّا ذكرت هوى أيامنا الْقدَم) (لَا تَطْلُبن لي الأبدال بعدهمْ ... فَإِن قلبِي لَا يرضى بغيرهم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الْفَصْل الرَّابِع وَالْعشْرُونَ يَا طَوِيل الأمل فِي قصير الْأَجَل أما رَأَيْت مستلبا وَمَا كمل أتؤخر الْإِنَابَة وتعجل الزلل (يَا من يعد غَدا لتوبته ... أَعلَى يَقِين من بُلُوغ غَد) (الْمَرْء فِي زلل على أمل ... ومنية الْإِنْسَان بالرصد) (أَيَّام عمرك كلهَا عدد ... وَلَعَلَّ يَوْمك آخر الْعدَد) يَا أخي التَّوْبَة التَّوْبَة قبل أَن تصل إِلَيْك النّوبَة الْإِنَابَة الْإِنَابَة قبل أَن يغلق بَاب الْإِجَابَة الْإِفَاقَة الْإِفَاقَة فيا قرب وَقت الْفَاقَة إِنَّمَا الدُّنْيَا سوق للتجر ومجلس وعظ للزجر وليل صيف قريب الْفجْر المكنة مزنة صيف الفرصة زورة طيف الصِّحَّة رقدة ضيف الْغرَّة نقدة زيف الدُّنْيَا معشوقة وَكَيف البدار البدار فالوقت سيف يَا غافلا عَن مصيره يَا وَاقِفًا فِي تَقْصِيره سَبَقَك أهل العزائم وَأَنت فِي الْيَقَظَة نَائِم قف على الْبَاب وقُوف نادم ونكس رَأس الذل وَقل أَنا ظَالِم وناد فِي الأسحار مذنب وواجم وتشبه بالقوم وَإِن لم تكن مِنْهُم وزاحم وَابعث برِيح الزفرات سَحَاب دمع ساجم قُم فِي الدجا نادبا وقف على الْبَاب تَائِبًا واستدرك من الْغمر ذَاهِبًا ودع اللَّهْو والهوى جانبا وَإِذا لَاحَ الْغرُور رأى رَاهِبًا وطلق الدُّنْيَا إِن كنت لِلْأُخْرَى طَالبا وَلَكِن بِلَا قلب إِلَى أَيْن أذهب يَا من قد ضَاعَ قلبه إطلبه فِي مظان انشاد الضلال الضايع إِنَّمَا ينشد فِي المجامع فاطلب قَلْبك فِي مجَالِس الذّكر أَو بَين أهل الْمَقَابِر وَرُبمَا دخلت بَيت الْفِكر فرأيته فَأَي مَوضِع غلب على ظَنك وجوده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 فَلَا تقصر فِي الْبَحْث عَنهُ هَذِه النسور والرخم على كَثَافَة طبعها إِذا رَأَتْ جَيْشًا تَبعته لما ترجو من قتال يُوجب قَتْلَى وأخداج حَامِل أفما ترجو أَنْت فِي الْمجْلس إِجَابَة دَعْوَة أَو حُضُور قلب يَا نَائِما طول اللَّيْل سَارَتْ الرّفْقَة رَحل الْقَوْم كلهم وَمَا انْتَبَهت من الرقدة وَيحك أَتَدْرِي مَا صنعت بِنَفْسِك دخلت دَار الْهوى فقامرت بعمرك كنت أمس قلب أمس فتراك تَصْحِيف ترى لاحت لَك العاجلة فهمت كَأَنَّك مَا فهمت فَلَمَّا تبدلت تبلدت أَخْبرنِي عَن تخليطك فالطبيب لَا يكذب سجيتك تعلمني فاسمع أحَدثك إستكثرت من برودات الْغَفْلَة فَقعدَ نشاط الْعَزْم فَلَو قاومتها بحرارات الحذر لقام المقعد أما تعلم أَن مطاعم المطامع تولد سددا فِي كبد الْجد المحنة الْعُظْمَى مُوَافقَة الْهوى من غير تدبر أَنْت ترى مَا تشْتَهي فَتضْرب الْحَد يَا أَسِيرًا فِي قَبْضَة الْغَفْلَة يَا صَرِيعًا فِي سكرة المهلة أما يخْطر بقلبك خطر أَمرك وَيحك قد وَهن الْعظم الْعَظِيم وَمَا شابت همة الأمل إخلق برد الحيوة وَمَا انكفت كف البطالة قربت نُوق الرحيل وَمَا فِي المزاد زَاد قدمت معابر العبور وَأَنت تلهو على السَّاحِل أَكثر الْعُمر قد مر وَأَنت تتغلغل فِي تَضْييع الغابر أترجح الفاني على الْبَاقِي تثبت فَفِي الْمِيزَان عين إِن حركك حَظّ من حَظّ فالحظ الْحَظ الأحظ وَالله لَو شغلك نيل الْجنَّة عَن الْحق لَحْظَة كَانَ فِي تدبيرك وكس وَيحك أَنا بدك اللَّازِم فَالْزَمْ بدك خَاصَمت عَنْك قبل وجودك {إِنِّي أعلم} واعتذرت عَنْك فِي زلل فدلاهما ولقنتك الْعذر {مَا غَرَّك بِرَبِّك} وواصلتك برسائل هَل من سَائل (إِذا لم يكن بيني وَبَيْنك مُرْسل ... فريح الصِّبَا مني إِلَيْك رَسُول) كَانَ بعض الْأَغْنِيَاء كثير الشُّكْر فطال عَلَيْهِ الأمد فبطر وَعصى فَمَا زَالَت نعْمَته وَلَا تَغَيَّرت حَالَته فَقَالَ يَا رب تبدلت طَاعَتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَمَا تَغَيَّرت نعمتي فَهَتَفَ بِهِ هَاتِف يَا هَذَا لأيام الْوِصَال عندنَا حُرْمَة حفظناها وضيعتها للمهيار (سل بسلع سكنا كَانَ وَكُنَّا ... لَيْت شعري مَا الَّذِي ألهاك عَنَّا) (أَهْوى أحدثته أم كاشح ... دب أم ذَنْب سرى أم تتجنى) تَابَ رجل مِمَّن كَانَ قبلكُمْ ثمَّ نقض فَهَتَفَ بِهِ هَاتِف فِي اللَّيْل (سأترك مَا بيني وَبَيْنك وَاقِفًا ... فَإِن عدت عدنا والوداد سليم) (تواصل قوما لَا وَفَاء لعهدهم ... وتترك مثلي والحفاظ قديم) يَا ناقضي العهود أنظروا لمن عاهدتم تلافوا خرق الخطاء قبل أَن يَتَّسِع (عودوا إِلَى الْعَهْد عودوا ... فالهجر صَعب شَدِيد) (تذكرونا فَمَا عهدنا ... لديكم بعيد) (هَل يرجع البان يَوْمًا ... وَهل تعود زرود) يَا هَذَا أقبل علينا تَرَ من إقبالنا عَلَيْك الْعجب إحفظ الله يحفظك إطلب الله تَجدهُ أمامك من كَانَ لنا عينا على قلبه أجرينا لَهُ جامكية أَمِين (أَنْت على الْبعد همومي إِذا ... غبت أشجاني على الْقرب) (لَا أتبع الْقلب إِلَى غَيْركُمْ ... عَيْني لكم عين وعَلى قلبِي) يَا هَذَا حفر النَّهر إِلَيْك وإجراء المَاء لَيْسَ عَلَيْك إحفر ساقية {فاذكروني} إِلَى جنب بَحر {أذكركم} فَإِذا بَالغ فِيهَا معول الكد فاضت عَلَيْك مياه الْبَحْر فَبِي يسمع وَبِي يبصر إلق بذر الْفِكر فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 أَرض الْخلْوَة وسق إِلَيْهِ ساقية من مَاء الْفِكر لَعَلَّهَا تنْبت لَك شَجَرَة أَنا جليس من ذَكرنِي للشريف الرضى (يرنحني إِلَيْك الشوق حَتَّى ... أميل من الْيَمين إِلَى الشمَال) (كَمَا مَال المعاقر عاودته ... حميا الكأس حَالا بعد حَال) (ويأخذني لذكراك ارتياح ... كَمَا نشط الاسير من العقال) (وايسر مَا أُلَاقِي أَن هما ... يغصصني بذا المَاء الزلَال) هبت ريَاح الْخَوْف فقلقلت قُلُوب الْخَائِفِينَ فَلم تتْرك ثَمَرَة دمع فِي فنن جفن إِذا نزل آب فِي الْقلب سكن آذار فِي الْعين (لاتبلني بجفا يزِيد خضوعي ... يَكْفِيك أَن النَّار بَين ضلوعي) (وحياة سقمي فِي هَوَاك فَإِنَّهُ ... قسم الْهوى ووحق فيض دموعي) (لأوكلن عَلَيْك عَيْني بالبكاء ... ولأعشقن عَلَيْك طول هلوعي) كَانَت مَعَ هِشَام بن حسان جَارِيَة فِي الدَّار فَكَانَت تَقول أَي ذَنْب عمل هَذَا من قتل هَذَا فتراه اللَّيْل كُله يبكي (تركت الْفُؤَاد عليلا يُعَاد ... وشردت نومي فَمَا لي رقاد) كَانَ فتح الْموصِلِي يبكي الدُّمُوع ثمَّ يبكي الدَّم فَقيل لَهُ على مَاذَا بَكَيْت الدَّم فَقَالَ خوفًا على الدُّمُوع أَن تكون مَا صحت لي (يَا من لفؤاد وامق مَا يصحو ... قد طَال لعظم مَا عناه الشَّرْح) (وَالْعين لَهَا دم ودمع سمح ... ذَا يكْتب شجوه وَهَذَا يمحو) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الْفَصْل الْخَامِس وَالْعشْرُونَ يَا من يعظه الدَّهْر وَلَا يقبل وينذره الْقَهْر بِمن يرحل وَيضم الْعَيْب إِلَى الشيب وَبئسَ مَا يفعل كن كَيفَ شِئْت فَإِنَّمَا تجازي بِمَا تعْمل (دَعْنِي فَإِن غَرِيم الْعقل لازمني ... وَذَا زَمَانك فامرح فِيهِ لازمني) (ولي الشَّبَاب بِمَا أَحْبَبْت من منح ... والشيب جَاءَ بِمَا أبغضت من محن) (فَمَا كرهت ثوى عِنْدِي وعنفني ... وَمَا حرصت عَلَيْهِ حِين عَن فني) يَا جايرا كلما قيل أقسط قسط يَا نازلا فسطاط الْهوى على شاطئ الشطط يَا ممهلا لَا مهملا مَا عِنْد الْمَوْت غلط كم سلب وضيعا وشريفا سلبا عنيفا وخبط أما مضغ الْأَرْوَاح فَلَمَّا طَال المضغ استرط أما يَكْفِي نذيرهم بلَى قد خوف الفرط تالله يُبَالِي حمام الْحمام أَي حب لقط أما خطّ الشيب خطّ النَّهْي عَن الخطآء لما وَخط أما آذن الشَّبَاب بالذهاب فَمَاذَا بعد الشمط (مَا أَن يطيب لذِي الرِّعَايَة للأيام ... لَا لعب وَلَا لَهو) (إِذْ كَانَ يطرب فِي مسرته ... فَيَمُوت من أجزاءه جزو) يَا مدعوا إِلَى نجاته وَهُوَ يتوانى مَا هَذَا الفتور والرحيل قد تدانى يَا مُقبلا على هفواته لَا يألو بهتانا كَأَنَّك بالدمع يجْرِي عِنْد الْمَوْت تهتانا وشغل التّلف قد أوقد من شعل الأسف نيرانا وَأَنت تبْكي تفريطك حَتَّى لقد أقرحت أجفانا وَالْعَمَل الصَّالح يُنَادي من كَانَ أجفانا إحذر زلل قدمك وخف حُلُول ندمك واغتنم وجودك قبل عدمك وَاقْبَلْ نصحي وَلَا تخاطر بدمك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 (إِذا مَا نهاك امْرُؤ نَاصح ... عَن الفاحشات انزجر وانته) (وَأما عَلَوْت إِلَى رُتْبَة ... فَكُن حذرا بعْدهَا أَن تهى) (وَأما ترى مهجة فِي الثرى ... فَلَا تغترر بالمنى أَنْت هِيَ) خَاصم نَفسك عِنْد حَاكم عقلك لَا عِنْدِي قَاضِي هَوَاك فحاكم الْعقل يدين وقاضي الْهوى يجور كَانَ أحد السّلف إِذا قهر نَفسه بترك شَهْوَة أقبل يَهْتَز اهتزاز الرَّامِي إِذا قرطس لما عرف الْقَوْم قدر الحيوة أماتوا فِيهَا الْهوى فعاشوا إنتهبوا بأكف الْجد من الزَّمن مَا نثره زمن الْبَاطِلَة (وَركب سروا وَاللَّيْل ملق رواقه ... على كل مغبر الطوالع قاتم) (حدوا عَزمَات ضَاقَتْ الأَرْض بَينهَا ... فَصَارَ سراهم فِي ظُهُور العزائم) (تريهم نُجُوم اللَّيْل مَا يبتغونه ... على عاتق الشعري وهام النعائم) (إِذا طردوا فِي معرك الْجد قصفوا ... رماح العطايا فِي صُدُور المكارم) هان عَلَيْهِم طول الطَّرِيق لعلمهم أَيْن الْمَقْصد وحلت لَهُم مرارات البلا حبا لعواقب السَّلامَة فيا بشراهم يَوْم {هَذَا يومكم} (قف بالديار فَهَذِهِ آثَارهم ... نبكي الْأَحِبَّة حسرة وتشوقا) (كم قد وقفت بهَا أسائل مخبرا ... عَن أَهلهَا أَو صَادِقا أَو مشفقا) (فَأَجَابَنِي دَاعِي الْهوى فِي رسمها ... فَارَقت من تهوى فعز الْمُلْتَقى) يَا ربوع الأحباب أَيْن سكانك يَا مَوَاطِن الْأَلْبَاب أَيْن قطانك يَا جَوَاهِر الْآدَاب أَيْن خزانك للمهيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 (يطربني للمنازل الْيَوْم مَا ... أسأر عِنْدِي أَيَّامهَا الْقدَم) (وتطبيني على فصاحة شكواي ... أليها ربوعها الْعَجم) (عَليّ يَا دَار جهد عَيْني وَمَا ... عَليّ عَار أَن تبخل الديم) (لَك الرِّضَا من جمام أدمعها ... أَو دَمهَا إِن سقِِي ثراك دم) (أما وعهد الغادين عَنْك وأشجان ... بواق لي فِيك بعدهمْ) (وَمَا أَطَالَ المنى وَأعْرض من ... عَيْش كَأَن اختلاسه حلم) (هَل هُوَ إِلَّا أَن قيل جن بهم ... نعم على كل حَالَة نعم) (بتنا وأطواقنا يَد وَيَد ... ورسل أشواقنا فَم وفم) يَا هَذَا تنزه فِي أَخْبَار المحبين إِن لم تكن مِنْهُم إِن أهل الْكُوفَة يخرجُون للتفرج على الْحَاج أقعد على جَانب وَادي السحر لَعَلَّ إبل الْقَوْم تمر بك (خذني على قطن يَمِينا ... فَعَسَى أريك بِهِ القطينا) (مني تعلمت الْحمام ... النوح وَالْإِبِل الحنينا) وآسف المتقاعد عَنْهُم واحسرة الْبعيد مِنْهُم (سلو عَن فُؤَادِي سَاكِني ذَلِك الْوَادي ... فقد مر مجتازا على يمنه الْوَادي) (مضى يطْلب الأحباب وَالْقَوْم قد سروا ... فضل ومروا مُسْرِعين مَعَ الْحَادِي) (فها أَنا ابكيهم وأبكيه بدهم ... وتطلبهم عَيْني مَعَ الرَّائِح الغادي) واحاجتنا إِلَى رُؤْيَة الْقَوْم وَيَا شدَّة إيثارهم الْبعد عَنَّا إِن رَأينَا شخصا فأعلمتنا الفراسة أَنه مِنْهُم كَانَت همته الْهَرَب منا وَمَا ذَاك إِلَّا للتباين بَين أفعالنا وأعمالهم فلنبك على هَذِه الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 (عجبت لما رأتني ... أندب الرّبع المحيلا) (وَاقِفًا فِي الدَّار أبْكِي ... لَا أرى إِلَّا الطلولا) (كَيفَ نبكي لِأُنَاس ... لَا يملون الذميلا) (كلما قلت إطمأنت ... دَارهم صاحوا الرحيلا) كَانَ بعض الصَّالِحين يتستر بِإِظْهَار الْجُنُون فَتَبِعَهُ مُرِيد فَقَالَ لَهُ وَالله مَا أَبْرَح حَتَّى تكلمني بِشَيْء يَنْفَعنِي فَإِنِّي قد عرفت تسترك فَسجدَ وَجعل يَقُول فِي سُجُوده اللَّهُمَّ سترك فَمَاتَ (أسميك سعدى فِي نسيبي تَارَة ... وآونة اسْما وآونة لبنى) (حذارا من الواشين أَن يسمعوا بِنَا ... وَإِلَّا فَمن سعدى لديك وَمن لَبَنًا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الْفَصْل السَّادِس وَالْعشْرُونَ يَا مخدوعا قد فتن يَا مغرورا قد غبن من لَك إِذا سوى عَلَيْك اللَّبن فِي بَيت قطّ مَا سكن سلب الرفيق نَذِير والعاقل فطن (أَنْت فِي دَار شتات ... فتأهب لشتاتك) (وَاجعَل الدُّنْيَا كَيَوْم ... صمته عَن شهواتك) (وَليكن فطرك عِنْد ... الله فِي يَوْم وفاتك) إياك وَالدُّنْيَا فَإِن حب لدُنْيَا مبتوت واقنع مِنْهَا باليسير فَمَا يعز الْقُوت يَا قوت النَّدَم يُغني عَن الْيَاقُوت إحذر مِنْهَا فَإِنَّهَا أَسحر من هاروت وماروت لَيْسَ للْمَاء فِي قَبْضَة مُمْسك ثُبُوت {وَإِن أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت} أَيْن من جمع المَال وملأ التخوت تَسَاوِي تَحت اللحود السادات والتحوت مَا نَفعه إِن جال فِي الْبَأْس جالوت وَلَا رد عَنهُ إِن طَال الْقَوْم طالوت وَلَا منع أَصْحَابه حُلُول التابوت لقد أخرج الْمَوْت من قَعْر أَلِيم الْحُوت قل للَّذين تديروا تدبروا أَيْن الْبيُوت جوزوا على الَّذين جوزوا فقد وعظ الخفوت كم مسئول عَن عذره فِي قَبره مبهوت لقد أنطق الْوَعْظ الصخور الصموت أما يَكْفِي زجرا أَنَّك تَمُوت بَادر عمرا فِي كل يَوْم يفوت قل أَنا تائب إِلَى كم سكُوت قد تعودت مِنْك النَّفس فِي الْمجْلس النُّطْق بِالتَّوْبَةِ فَهِيَ تسخو بالْكلَام لعلمها أَنه على غير أصل وَلَو تيقنت صدق عزمك لتوقفت عَن القَوْل هَذَا العصفور إِذا كَانَ على حَائِط فَصحت بِهِ لم يبرح فَإِذا أهويت إِلَى الأَرْض كَأَنَّك تنَاول حجرا يلمح يدك فارغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 فَلم ينفر فَإِذا وضعت يدك على حجر رأى الْجد ففر يَا هَذَا قَوْلك أَنا تائب من غير عزم نفخ فِي غير ضرم بيض التُّرَاب لَا يخرج مِنْهُ فرخ أخواني الْعُمر أنفاس تسير بل تطير الأمل مَنَام لَا ترى فِيهِ إِلَّا الأحلام هَذَا سيف الْمَوْت قد دنا فَإِن ضرب قدنا هَذَا الرحيل وَلَا زَاد عندنَا إنتبهوا من رقاد الْغَفْلَة تيقظوا من نوم العطلة عرجوا عَن طَرِيق البطالة إبعدوا عَن ديار الوحشة الفترة حيض الطباع وَوُقُوع الْعَزِيمَة رُؤْيَة النقا فَحِينَئِذٍ يتَوَجَّه الْخطاب بالتوجه إِلَى محراب الْجد أول منَازِل الْآخِرَة الْقَبْر فَمن مَاتَ فقد حط رَحل السّفر وَسَائِر الورى سَائِر من كَانَ فِي سجن التقى فالموت يُطلقهُ وَمن كَانَ هائما فِي بوادي الْهوى فالموت لَهُ حسب يوثقه موت المتعبدين عتق لَهُم من استرقاق الكد ورفق بهم من تَعب المجاهدة وَمَوْت العصاة سباء يرقون بِهِ لطول الْعَذَاب من كَانَ واثقا بالسلامة من جِنَايَة فَرح بفك بَاب السجْن لما توعد فِرْعَوْن السَّحَرَة بالصلب أنساهم أمل لِقَاء الحبيب مرَارَة الْوَعيد {إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون} يَا فِرْعَوْن غَايَة مَا تفعل أَن تحرق الْجِسْم والركب قد سرى {لَا ضير} من لاحت لَهُ منى نسي تَعب المدرج للمهيار (مَتى رفعت لَهَا بالغور نَار ... وقر بِذِي الْأَرَاك لَهَا قَرَار) (فَكل دم أراق السّير مِنْهَا ... بِحكم الشوق مطلول جَبَّار) لَا بُد للمحبوب من اختبار الْمُحب {ولنبلونكم} أسلم أَبُو جندل ابْن سُهَيْل فقيده أَبوهُ فَلَمَّا نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحُدَيْبِيَة خرج أَبُو جندل يرسف فِي قَيده فَدخل فِي الصَّحَابَة فَقَالَ سُهَيْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 هَذَا أول من أقاضيك عَلَيْهِ فاستغاث أَبُو جندل يَا معشر الْمُسلمين أأرد إِلَى الْمُشْركين فيفتنوني عَن ديني فَقَالَ الرَّسُول لَا بُد من الْوَفَاء فَرد إِلَيْهِم فقدمه يسْعَى نحوهم وَقَلبه يُجهز جيوش الْحِيَل فِي الْخَلَاص للمهيار (أنذرتني أم سعد أَن سَعْدا ... دونهَا ينهد لي بِالشَّرِّ نهدا) (وعَلى مَا صفحوا أَو نقموا ... مَا أرى لي مِنْك يَا ظيبة بدا) لما أسلم مُصعب بن عُمَيْر حَبسه أَهله فَأَفلَت إِلَى الْحَبَشَة ثمَّ قدم مَكَّة فَدخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسلت إِلَيْهِ أمه يَا عَاق أتدخل بَلَدا أَنا فِيهِ وَلَا تبدأ بِي فَقَالَ مَا كنت لأبدأ بِأحد قبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَرَادَتْ حَبسه فَقَالَ وَالله لَئِن حبستني لأحرصن على قتل من يتَعَرَّض لي فتركته (وعاذلين لحوبي فِي مودتكم ... يَا ليتهم وجدوا مثل الَّذِي أجد) (لما أطالوا عتابي فِيك قلت لَهُم ... لَا تفرطوا بعض هَذَا اللوم واقتصدوا) جمع حبس التعذيب بَين بِلَال وعمار مصادرين على بذل الدّين فزوروا نطق عمار على خطّ قلبه فَلم يغرفوا التزوير وأصر بِلَال على دَعْوَى الإفلاس فسلموه إِلَى صبيانهم فِي حَدِيدَة يصهرونه فِي حر مَكَّة ويضعون على صَدره وَقت الرمضاء صَخْرَة ولسان محبته يَقُول (بِعَيْنَيْك مَا يلقى الْفُؤَاد وَمَا لَقِي ... وللشوق مَا لم يبْق مني وَمَا بقى) وَا عجبا إيلام ذُو حس على عشق يُوسُف قدم الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي مَكَّة فَقَالَت لَهُ قُرَيْش لَا تدن من مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 فَإنَّا نَخَاف أَن يفتنك فسد أُذُنَيْهِ بقطنتين ثمَّ تفكر فَقَالَ وَالله مَا يخفى عَليّ الْحسن من الْقَبِيح فَانْطَلق فَسمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم (وَمَا كنت مِمَّن يدْخل الْعِشْق قلبه ... وَلَكِن من يبصر جفونك يعشق) قطعت قُرَيْش لحم خبيب ثمَّ حملوه إِلَى الْجذع ليصلب فَقَالُوا أَتُحِبُّ أَن مُحَمَّدًا مَكَانك فَقَالَ وَالله مَا أحب أَنِّي فِي أَهلِي وَوَلَدي وَأَن مُحَمَّدًا شيك بشوكة ثمَّ نَادَى وامحمداه (إِن فِي الْأسر لصبا ... دمعه فِي الخد صب) (هُوَ بالروم مُقيم ... وَله بِالشَّام قلب) لما بعث معَاذ إِلَى الْيمن خرج الرَّسُول يودعه ودموع معَاذ ترش طَرِيق الْوَدَاع (وَلما تزايلنا من الْجزع وانتأى ... مشرق ركب مصعد عَن مغرب) (تبينت أَن لَا دَار من بعد عالج ... تسر وَأَن لَا خلة بعد زَيْنَب) كَانَت الدُّنْيَا بمثلهم عسلا فتعلقمت بمثلكم خلت الديار من الأحباب فَلَمَّا فرغت ردم الْبَاب للنابغة (وقفت فِيهَا أصيلا كي أسائلها ... أعيت جَوَابا وَمَا بِالربعِ من أحد) (أضحت قفارا وأضحى أَهلهَا احتملوا ... أخنى عَلَيْهَا الَّذِي أخنى على لبد) حن بِبَعْض أَنْدِيَتهمْ ونادبها وابك فقد الأحباب ونادبها للبحتري (إِذا جزت بالغور الْيَمَانِيّ مغربا ... وحاذتك صحراء الشواجر يَا سعد) (فَنَادِ ديار العامرية باللوى ... سقت ربعك الأنواء مَا فعلت هِنْد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الْفَصْل السَّابِع وَالْعشْرُونَ إِن الدُّنْيَا مذ أبانت محبها أبانت حَالهَا لقد رَوَت وَمَا رَوَت فارت مآلها لقد عرف أدبارها من قد ألف إقبالها وَمَا اطمأنت أرْضهَا إِلَّا زلزلت زِلْزَالهَا (قل لمن فاخر بالدنيا وحامى ... قتلت قبلك ساما ثمَّ حاما) (ندفن الْخلّ وَمَا فِي دفننا ... بعده شكّ وَلَكِن نتعامى) (إِن قدامك يَوْمًا لَو بِهِ ... هددت شمس الضُّحَى عَادَتْ ظلاما) (فانتبه من رقدة اللَّهْو وقم ... وانف عَن عين تماديك المناما) (صَاح صَحَّ بالقبر يُخْبِرك بِمَا ... قد حوى واقرأ على الْقَوْم السلاما) (فالعظيم الْقدر لَو شاهدته ... لم تَجِد فِي قَبره إِلَّا العظاما) تالله لقد ركض الْمَوْت فاسرع فِي الركض بَث الْجنُود وطبق الأَرْض مَا حمل على كَتِيبَة إِلَّا وفض وَلَا صَاح بِجَيْش إِلَّا جاش وَارْفض وَلَا لوح إِلَى طَائِر فِي البرج إِلَّا انقض إِذا تَكَلَّمت قوسه بالنبض أسكنت النبض بَينا الحيوة تعرب بِالرَّفْع جعل الشكل الْخَفْض أَيْن مصون الْحُصُون أزعج عَنْهَا أَيْن مَقْصُور الْقُصُور اخْرُج مِنْهَا نَقله هَادِم اللَّذَّات نقلا سَرِيعا ومقله فِي بحار الْآفَات مقلا فظيعا وَفرق بَينه بالبين وَبَين بنيه وطرقه بطارق النَّقْض فأنقض مَا كَانَ يبنيه لقد ولى وَلَاء ذِي ود يَنْفَعهُ وَبَان فَبَان لباني الدُّنْيَا مصرعه هجره وَالله من هَاجر إِلَيْهِ ونسيه نسيبه وَقد كَانَ يحنو عَلَيْهِ فَلَا صديقه صدقه فِي مودته وَلَا رَفِيقه أرفقه فِي شدته حلوا وَالله بالبلاء فِي البلى وودعهم من أودعهم ثمَّ قلى وانفردوافي الْأُخْدُود بَين وَحش الفلا وسألوا الْإِقَالَة فَقيل أما هَذَا فَلَا لَو نطق الْمَوْتَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 بعد دفنهم لندموا على غيهم وافنهم ولقالوا رحلنا عَن ظلم شرورنا إِلَى ظلم قبورنا وخلونا عَن الأخلاء بترابنا فِي آفَات لَا ترى بِنَا أفترى محبنا إِذْ ظعنا بِمن اعتاض عَنَّا وَهَذَا مصيرك بعد قَلِيل فتأهب يَا مُقيم للتحويل يَا سليما يظنّ أَنه سليم جوارحك جوارحك سور تقواك كثير الثلم وأعداؤك قد أحاطوا بِالْبَلَدِ وَيحك قبل الرَّمْي تراش السِّهَام وَبَين الْعَجز والتواني ينْتج التوى يَا قالي الْقَائِل للنصايح إداؤك داؤك كَيفَ تَجْتَمِع همتك مَعَ غوغاء المنى وضوضاء الشَّهَوَات كَيفَ تتصرف فِي مصالحك والشواغل للشوي غل كم صادفت الْهوى فصدفت لقد خدع قَلْبك الْهوى فاسترق فاسترق اضرما عَلَيْك سوء تدبيرك آه للابس شعار الطَّرْد وَمَا يشْعر بِهِ وأسفا لمضروب مَا يحس صَوت الشوط عجبا لمن أُصِيب بعقله وعقله مَعَه يَا معثر الْأَقْدَام مَعَ إشراق الشَّمْس يَا فارغ الْبَيْت من الْقُوت فِي أَيَّام الْحَصاد (أملي من أملي مَا يَنْقَضِي ... وغرامي من غرامي قاتلي) (كلما أفنيت عَاما فَاسِدا ... جَاءَ عَام مثله من قَابل) (كلما أملت يَوْمًا صَالحا ... عرض الْمَقْدُور لي فِي أملي) (وَأرى الْأَيَّام لَا تدني الَّذِي ... ارتجى مِنْك وتدنى أَجلي) يَا جرحى الذُّنُوب قد عَرَفْتُمْ المراهم إخرجوا من قصر مصر الْهوى وَقد لاحت مَدِينَة مَدين إطلبوا بِئْر الشّرْب وَإِن صد الرعاء فَلَعَلَّ حُضُور مُوسَى يتَّفق مَتى استقامت لكم جادة الْبكاء فَلَا تعرجوا عَنْهَا كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَفتح الْموصِلِي يَبْكِيَانِ الدَّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 (قُولُوا لسكان الْحَيّ ... تبدل الدمع دَمًا) (وكل شهد بعدكم ... قد صَار مرا علقما) إِذا تكاثفت كُثْبَان الذُّنُوب فِي بوادي الْقُلُوب نسفها نسف أَسف فِي نفس يَا أهل الزلل قومُوا نفس أَنفسكُم فقد جمع قسر الْقَهْر بَين النَّاقِص والتام لقد تَابَ الله على الْمُؤمنِينَ {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (لست وَإِن أعرضتم ... أيأس من أَن تعطفوا) (فَلَا بَرى وجدي بكم ... وَلَا أَفَاق الشغف) (وصبر يَعْقُوب معي ... حَتَّى يرد يُوسُف) يَا من كَانَ لَهُ وَقت طيب وقلب حسن فاستحال خله خمرًا إبك على مَا فقدت فِي بَيت الأسف (لَعَلَّ انحدار الدمع يعقب رَاحَة ... من الوجدان يطفي نجى البلابل) مَا أحسن مَا كنت فتغيرت مَا أَجود جادتك فَكيف تعثرت (وَكُنَّا جَمِيعًا قبل أَن يظْهر الْهوى ... بأنعم حَالي غِبْطَة وسرور) (فَمَا برح الواشون حَتَّى بَدَت لنا ... بطُون الْهوى مَقْلُوبَة لظُهُور) الْبكاء على الفايت معول الحزين لأبي تَمام (وانجدتم من بعد اتهام داركم ... فيا دمع انجدني على سَاكِني نجد) (لعمري قد اخلقتم جدة البكا ... عَليّ وجددتم بِهِ خلق الوجد) يَا معاشر المطرودين عَن صُحْبَة أهل الدّين (تَعَالَوْا نقم مأتما للفراق ... ونندب اخواننا الظاعنينا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 هلموا نرق دمع تأسفنا على قبح تخلفنا ونبعث مَعَ الواصين رِسَالَة محْضر لَعَلَّنَا نحظى بِأَجْر الْمُصِيبَة انجع المراهم لجراحات الذُّنُوب الْبكاء هتكة الدمع ستر على الذَّنب (قد كنت أصون دمعتي فِي الأماق ... سترا للحب وَهُوَ مَا لَيْسَ يُطَاق) (حَتَّى صَاح الوجد عَن صَحِيح الأشواق ... مَا حِيلَة من بلَى بمهجر وفراق) كَانَ مُحَمَّد ابْن الْمُنْكَدر كثير الْبكاء فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ آيَة من الْقُرْآن أبكتني {وبدا لَهُم من الله مَا لم يَكُونُوا يحتسبون} كَيفَ لَا تذْهب الْعُيُون من الْبكاء وَمَا تَدْرِي مَا قد أعد لَهَا سبقت السَّعَادَة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل كَونه وَمَضَت الشقاوة لأبي جهل قبل وجوده وَخَوف العارفين من سوابق الأقدار قلقل الْأَرْوَاح هَيْبَة {لَا يسْأَل} مَعَ تحكم {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها} قوي قلق الْعلمَاء (أَتَرَى سَأَلُوا لما رحلوا ... مَاذَا فعلوا أم من قتلوا) (أحليف النّوم أقل اللوم ... فعندي الْيَوْم بهم شغل) (أدنى جزعي لم يبْق معي ... قلب فيعي مُنْذُ احتملوا) (جلدي سلبوا جَسَدِي نهبوا ... كمدي وهبوا كَبِدِي تبلوا) (لما ذرفت عَيْني وقفت ... أَتَرَى عرفت مَا بِي الأبل) (ولحا اللاحي وَهُوَ الصاحي ... وَهُوَ راحي وَأَنا الثمل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الْفَصْل الثَّامِن وَالْعشْرُونَ تيقظ لنَفسك يَا هَذَا وانتبه واحضر عقلك وميز مَا تشتبه أما هَذَا مَنْزِلك الْيَوْم وَغدا لست بِهِ (إِذا مَا انجلى الرَّأْي فاحكم بِهِ ... وَلَا تحكمن بِمَا يشْتَبه) (وَنبهَ فُؤَادك من رقدة ... فَإِن الْمُوفق من ينتبه) (وَأَن كنت لم انتبه بِالَّذِي ... وعظت بِهِ فانتبه أَنْت بِهِ) لقد أمكنت الفرصة أَيهَا الْعَاجِز وَلَقَد زَالَ الْقَاطِع وارتفع الحاجز أَيْن الهمم الْعَالِيَة وَأَيْنَ النجايز أما تخَاف هَادِم اللَّذَّات والمنى الناجز أما اعوجاج الْقَنَاة دَلِيل على الغامز أما الطَّرِيق طَوِيلَة وفيهَا المفاوز أما الْقُبُور قنطرة العبور فَمن المجاوز أما يَكْفِي فِي التنغيص حمل الجنايز أما الْعَدو محَارب فَهَل من مبارز أما الْأَمْن بعيد والهلك ناشز والقنا مشرع والطعن واخز تالله تطلب الشجَاعَة من بَين العجايز وتروم إصْلَاح فارك وتقويم ناشز إِن لم يكن سبق الصّديق فلتكن تَوْبَة مَاعِز مَا هَذِه الْغَفْلَة والبلى مصيرك وَكم هَذَا التواني فَلَقَد أودى تقصيرك أما صَاح بك فِي سلب نذيرك أَفلا تتأهب لقدساء تدبيرك إب يَا شارد الطَّبْع من سفر الْهوى وأذب جامد الدمع بنيران الأسى لَعَلَّ شَفِيع الإعتراف يسئل فِي أَسِير الإقتراف نق عَيْنَيْك من عيوبك وخلص ذنوبك من بَحر ذنوبك وصن صندوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 فمك بقفل صمتك واطو طيلسان لسَانك عَن بذلة نطقك واغمض عَيْنك عَن عيبك حفظا لدينك واكفف كفك مكتفيا بِمَا كفك وَابْن مِنْبَر التَّذْكِير لواعظ الْقلب فِي ساحة الصَّدْر وناد فِي شجعان العزائم وَرُهْبَان الْفِكر هلموا إِلَى عقد مجْلِس الذّكر وَاحْذَرْ عين الْعَدو أَن يُوقع تشتيت الْهم فِي جمع الْعَزْم فَإِن رماك الْقدر بِسَهْم الفتور عَن قَوس الْحِكْمَة من يَد لكل عَامل فَتْرَة فَاتق بجنة الإعتذار فَإِن ألْقى كرة قَلْبك إِلَى صولجان التقليب فِي بيداء الْمُؤمن مفتن فجل فِي ميدان الدل فَإِن دب ذِئْب الْهوى فعاث فِي مزرعة التقى فأقم ناطور القلق فَإِن أفلت دجال الطَّبْع فَأَقَامَ صَلِيب الزلل واطلق خِنْزِير الشره فالجأ إِلَى حرم التَّوْبَة واستغث بِعِيسَى العون لَعَلَّه ينزل من سَمَاء الألطاف فَيهْلك الدَّجَّال وَيقتل الْخِنْزِير وَيكسر الصَّلِيب إجلس لَيْلَة على مائدة السخر وذق طَعَام الْمُنَاجَاة تنسيك كل لَذَّة أَرْوَاح الأسحار لَا يستنشقها من كوم غَفلَة إِنَّهَا لتأتي بألطاف الحبيب ثمَّ تعود فيحاء تطلب رِسَالَة فَمن لم يكْتب كتابا فَمَاذَا يبْعَث لَو وقفت على جادة التَّهَجُّد لَيْلَة لرأيت ركب الأحباب لَو سرت فِي أَعْرَاض الْقَوْم لحرك قَلْبك صَوت الحداة أَقبلت ريَاح الأسحار فاحتشمت تَقْبِيل أَقْدَامهم وذكت أذيال أثوابهم للشريف الرضى (وامست الرّيح كالغيرى تجاذبنا ... على الكئيب فضول الريط واللمم) (يشي بِنَا الطّيب أَحْيَانًا وآونة ... يضيئنا الْبَرْق مجتازا على أضم) (يولع الطل بردينا وَقد نسمت ... رويحة الْفجْر بَين الضال وَالسّلم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 حَدِيث الْقَوْم مَعَ الدجى يطول يسيحون فِي فلوات خلواته يندبون أطلال الْحبّ ويرتاحون إِلَى تنسمه لشدَّة الطَّرب (وَإِنِّي لأستنشي الشمَال إِذا جرت ... حنينا إِلَى آلَاف قلبِي وأحبابي) (واهدي مَعَ الرّيح الْجنُوب إِلَيْهِم ... سلامي وشكوى طول حزني وأوصابي) وَاعجَبا الرسايل تحمل فِي الأسحار لَا يدْرِي بهَا الْفلك والأجوبة ترد إِلَى الْأَسْرَار لَا يعلمهَا الْملك (يَا حبذا رند العقيق وَبِأَنَّهُ ... سقى العقيق وَأَهله وزمانه) (راقت خمايله ورق نسيمه ... وصفت على عصبائه غدرانه) (وَشَكتْ تباريح الصبابة ورقه ... وتمايلت بيد الصِّبَا أفنانه) (يَا مُفردا فِي حسنه صل مُفردا ... فِي حزنه لعبت بِهِ أشجانه) (صبا إِذا ذكر العقيق وَأَهله ... صابت مدامعه وجن جنانه) إجتمع المحبون فِي مَسَاجِد التَّعَبُّد أول اللَّيْل فَرَمَاهُمْ الوجد فِي آخِره على قوارع الطّرق (مَشوا إِلَى الراح مَشى الرخ فانصرفوا ... والراح تهشي بهم مشي الفرازين) أَرْوَاح أزعجها الْحبّ وأقلقها الْخَوْف سُبْحَانَ من أمْسكهَا باللطف (قوم إِذا هجروا من بعد مَا وصلوا ... مَاتُوا وَإِن عَاد من يهوونه بعثوا) (ترعى المحبين صرعن فِي دِيَارهمْ ... كفتية الْكَهْف يَدْرُونَ لَا كم لَبِثُوا) (وَالله لَو حلف العشاق أَنهم ... موتى من الْحبّ أَو قَتْلَى لما حنثوا) (مَجْلِسنَا بَحر يردهُ الْفِيل والعصفور ... ) (كل أنَاس مشربهم أطيار ... ) (صناعتها فِي الجو بِالْقَلْبِ ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 فَأَيْنَ الطروب سحائب التفهيم قد هطلت بودق الْبَيَان افتراها أخضرت رياض الأذهان نَحن فِي رَوْضَة طعامنا فِيهَا الْخُشُوع وشرابنا فِيهَا الدُّمُوع ونقلنا هَذَا الْكَلَام المطبوع نداوي أمراضا أعجزت بختيشوع ونرقى الهاوي ونرقى الملسوع فليته كَانَ كل يَوْم لَا كل أُسْبُوع لصردر (يَا صَحَابِيّ وَأَيْنَ مني صحبي ... فتنتهم عُيُون ذَاك السرب) (كَلِمَات أسماؤهن استعارات ... وَمَا هن غير طعن وَضرب) (أَرِنِي ميتَة تطيب بهَا النَّفس ... وقتلا يلذ غير الْحبّ) (لَا تزل بِي عَن العقيق فَفِيهِ ... وطري إِن قَضيته أَو نحبي) (لَا رعيت السوام إِن قلت للصحبة ... خَفِي عني وللعيس هبي) وحدي أَتكَلّم وجدي يتألم أَلا مُرِيد يتَعَلَّم أَلا دموع تتسلم لِابْنِ الْمعلم (هُوَ الْحمى ومغانيه مَعَانِيه ... فاحبس وعان بليلى مَا تعانيه) (مَا فِي الصحاب أَخُو وجد تطارحه ... حَدِيث نجد وَلَا صب تجاريه) (إِلَيْك عَن كل قلب فِي أماكنه ... ساه وَعَن كل دمع فِي مآقيه) (يوهي قوى جلدي من لَا أبوح بِهِ ... ويستبيح دمي من لَا أُسَمِّيهِ) (يبْلى فَمَا فِي لساني مَا يعاتبه ... ضعفا بلَى فِي فُؤَادِي مَا يداريه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 الْفَصْل التَّاسِع وَالْعشْرُونَ أخواني تَفَكَّرُوا فِي مصَارِع الَّذين سبقوا وتدبروا مصيرهم أَيْن انْطَلقُوا وَاعْلَمُوا أَن الْقَوْم انقسموا وافترقوا قوم مِنْهُم سعدوا وَمِنْهُم قوم شَقوا (والمرء مثل هِلَال عِنْد طلعته ... يَبْدُو ضئيلا لطيفا ثمَّ يتسق) (يزْدَاد حَتَّى إِذا مَا تمّ أعقبه ... كرّ الجديدين نقصا ثمَّ ينمحق) (كَانَ الشَّبَاب رِدَاء قد بهجت بِهِ ... فقد تطاير مِنْهُ للبلى خرق) (وَبَات منشمرا يَحْدُو المشيب بِهِ ... كالليل ينْهض فِي اعجازه الفلق) (عجبت والدهر لَا تفنى عجائبه ... للراكنين إِلَى الدُّنْيَا وَقد صدقُوا) (وَطَالَ مَا نغصوا بالفجع ضاحية ... وَطَالَ بالفجع بالفجع والتنغيص مَا طرقوا) (دَار تغر بهَا الآمال مهلكة ... وَذُو التجارب فِيهَا خَائِف فرق) (يَا للرِّجَال لمخدوع بزخرفها ... بعد الْبَيَان ومغرور بهَا يَثِق) (أَقُول وَالنَّفس تَدعُونِي لباطلها ... أَيْن الْمُلُوك مُلُوك النَّاس والسوق) (أَيْن الَّذين إِلَى لذاتها ركنوا ... قد كَانَ فِيهَا لَهُم عَيْش ومرتفق) (أمست مساكنهم قفرا معطلة ... كَأَنَّهُمْ لم يَكُونُوا قبلهَا خلقُوا) (يَا أهل لذات دَار لَا بَقَاء لَهَا ... إِن اغْتِرَارًا بِظِل زايل حمق) أَيْن من كَانَ فِي سرُور وغبطة أَيْن من بسط الْيَد فِي بسيط البسطة لقد أوقعهم الْمَوْت فِي أصعب خطة جسروا على الْمعاصِي فَانْقَلَبت على الْجِيم النقطة بيناهم فِي الْخَطَأ خطا إِلَيْهِم صَاحب الشرطة هَذَا دأب الزَّمَان فَإِن صفا فغلطة كم تخون الْمَوْت منا اخوانا وَكم قرن فِي الأجداث اقرانا كم مترف أبدله الْمَوْت ديدانا وَهَذَا أَمر إِلَيْنَا قد تدانى كم معد عودا لعيده صَارَت ثِيَابه أكفانا وَمَا شاهدنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 مصرعها وَمَا كفانا كم مسرور بقصره عوض من قَبره أَعْطَانَا افترانا هَذَا الْأَمْن من أَعْطَانَا (لنمنا وَصرف الدَّهْر لَيْسَ بنائم ... خزمنا لَهُ قسرا بِغَيْر خزائم) من سعى إِلَى شهواته مستعجلا تعثر بحسك الأسف تلمح العواقب قبل الْفِعْل أَمَان من النَّدَم قد عَرَفْتُمْ عقابيل قابيل وعلمتم حسن سرابيل هابيل (الشرى يُوجد فِي أعقابه ضرب ... خير من الارى فِي أعقابه لسع) الْهوى مطمورة ضيقَة فِي حبس وعر ومذ خلق الْهوى خلق الهوان لَا يتَصَرَّف الْهوى إِلَّا بِربع قلب فارغ من الْعلم الْجَهْل خَنْدَق يحول بَين الطَّالِب وَالْمَطْلُوب وَالْعلم يدل على القنطرة كِتَابَة الْعلم فِي ليل الْجَهْل تفْتَقر إِلَى مِصْبَاح فطنة ودهن الذِّهْن غال مَا قدر لص قطّ على فطن وَمَتى نَام حارس الْفِكر انتبه لص الْهوى من ثَبت قلبه فِي حَرْب الشَّهَوَات لم يتزلزل قدمه أول مَا ينهزم من الْمَهْزُوم عقله مَا دمت فِي حَرْب الْعَدو فَلَا تبال بالجراح فَإِنَّهُ قد يصاب الشجاع إِنَّمَا المهانة دَلِيل الذل تأثيرات الذُّنُوب على مقاديرها وَقعت غلطة من يُوسُف فقد الْقَمِيص وقويت زلَّة آدم فَخرج عُريَانا من الثِّيَاب أَيْن عَزِيمَة تَوْبَة مَا عز لاعزيمة تَوْبَة أَيْن هم أويس لَا غم قيس مَا لم يكن لَك محرك من باطنك فالخلق تضرب فِي حَدِيد بَارِد لصردر (ظللت أكر عَلَيْهِ الرقي ... وتأبى عريكته أَن تلينا) وَيحك من زم جوارحه ولازم الْبَاب كَانَ على رَجَاء الْوُصُول فَكيف بِمن لَازم وَلَا لَازم طُوبَى للزهاد لقد مروا فِي الْمُطلق من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 يرافقني إِلَى ديار الْقَوْم مَا أجوز على الْبلدَانِ إِنَّمَا امضى على السماوة وَهَذِه خيام ليلى فَأَيْنَ ابْن الملوح (هذي مَنَازِلهمْ وَمَالِي ... بعد بعد الْقَوْم خبر) (ويلي احظى كُله ... من دونه صد وهجر) كَانَ سري يدافع أول اللَّيْل فَإِذا جن أَخذ فِي الْبكاء إِلَى الْفجْر (اقْطَعْ ليلى وجيش وجدي ... من عَن شمَالي وَعَن يَمِيني) (تالله لَو عادني رَسُول ... لعاد عَن مدنف حَزِين) (مَا حيلتي فِيك أغير أَنِّي ... أسرق من زفرتي أنيني) ذلوا لَهُ ليرضى فَإِذا رَأَيْتهمْ قلت مرضى للصردر (مرض بقلب مَا يُعَاد ... وقتيل حب مَا يُقَاد) (يَا آخر العشاق مَا ... ابصرت أَوَّلهمْ يذاد) (يقْضِي المتيم مِنْهُم ... نحبا وَلَو ردوا لعادوا) يأنسون فِي الدجى بالظلام ويطربون بِنوح الْحمام مرضى الْأَبدَان من طول الغرام أصحاء الْقُلُوب مَعَ السقام إِذا ذكرت حبيبهم رَأَيْت المستهام قد هام للمهيار (وَأَنت إِن كنت رَفِيقًا فأعد ... ذكر الْحمى أطيب مَا غنينا) (أعد فَمن آيَة سكان الْحمى ... وَذكرهمْ أَن يذهب الشجونا) (شجوا كشجوى يَا حمام ساعدي ... إِن الحزين يسْعد الحزينا) (كم من دموع ردهَا صوب دم ... تخلج الْبَرْق على يبرينا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 قَالَ الشبلي لقِيت جَارِيَة حبشية فَقلت من أَيْن فَقَالَت من عِنْد الحبيب قلت وَإِلَى أَيْن قَالَت إِلَى الحبيب قلت مَا الَّذِي تريدين من الحبيب قَالَت الحبيب قلت فكم تذكرين الحبيب فَقَالَت مَا يسكن لساني عَن ذكرَاهُ حَتَّى القاه (وَحُرْمَة الود مَا لي عَنْكُم عوض ... وَلَيْسَ لي فِي سواكم بعدكم غَرَض) (وَمن حَدِيثي بكم قَالُوا بِهِ مرض ... فَقلت لَا زَالَ عني ذَلِك الْمَرَض) رأى مَعْرُوف فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ تَحت الْعَرْش فَقَالَ الله عز وَجل ملائكتي من هَذَا فَقَالُوا أَنْت أعلم هَذَا مَعْرُوف قد سكن من حبك فَلَا يفِيق إِلَّا بلقائك (فداو سقما بجسم أَنْت متلفه ... وابرد غراما بقلب أَنْت مضرمه) (وَلَا تَكِلنِي على بعد الديار إِلَى ... صبري الضَّعِيف فصبري أَنْت تعلمه) (تلق قلبِي فقد أَرْسلتهُ فرقا ... إِلَى لقائك والأشواق تقدمه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الْفَصْل الثَّلَاثُونَ أخواني البدار البدار وَالْجد الْجد فالخصم معد والقصم مجد (مكر الزَّمَان علينا غير مَأْمُون ... فَلَا تَظنن أمرا غير مظنون) (بل الْمخوف علينا مكر أَنْفُسنَا ... ذَات المنى دون مكر الْبيض والجون) (إِن اللَّيَالِي وَالْأَيَّام قد كشفت ... من مكْرها كل مَسْتُور ومكنون) (وحدثتنا بآنا من فرائسها ... نواطقا بفصيح غير ملحون) (واستشهدت من مُضِيّ منا فانبانا ... عَن ذَاك كل لقى منا ومدفون) (وَأم سوء إِذا مَا رام مرتضع ... أخلافها صد عَنْهَا صد مزبون) (وَنحن فِي ذَاك نصيفها مودتنا ... تَبًّا لكل سَفِيه الرَّأْي مغبون) (نشكو إِلَى الله جهلا قد أضرّ بِنَا ... بل لَيْسَ جهلا وَلَكِن علم مفتون) (أغوى الْهوى كل ذِي عقل فلست ترى ... إِلَّا صَحِيحا لَهُ أَفعَال مَجْنُون) (حَتَّى مَتى نشتري دنيا بآخرة ... سفاهه ونبيع الفوق بالدون) (نَبْنِي المعاقل والأعداء كامنة ... فِيهَا بِكُل طرير الْحَد مسنون) (ونجمع المَال نرجو أَن يخلدنا ... وَقد أَبى قبلنَا تخليد قَارون) (نظل نستنفق الْأَعْمَار طيبَة ... عَنْهَا النُّفُوس وَلَا نسخر بِمَا عون) (وَمَا تَأَخّر حَيّ بعد ميتَة ... إِلَّا تَأَخّر نقد بعد عربون) يَا من دعى إِلَى نَفعه نبا ونشز يَا جَامعا لغيره مَا جمع وكنز يَا متثبطا فِي الْخَيْر فَإِذا لَاحَ الشَّرّ جمز كَأَنَّك بالألم وَقد ألم فنكى ونكز وكد التبار الرّوح بالتباريح وَاشْتَدَّ العلز وَأخذ النَّفس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 النَّفس فاضطرها وحفز ودارت فِي فلك الْفَوْت فَإِذا ملك الْمَوْت قد برز فسماك بالمقبور وبالمبثور قد نبز فتأهب فالسعيد منا من تأهب للخير وانتهز لقد علت سنك وانتهيت وَمَا انْتَبَهت وَلَا انْتَهَيْت اتعبت ألف رايض وَلم تُؤَد الفرايض كم ضيعت عمرا طَويلا حملت فِيهِ وزرا ثقيلا كم نصب لَك الْمَوْت دَلِيلا إِذْ سَاق الْعَزِيز ذليلا لقد حمل إِلَى الْقُبُور جيلا جيلا ونادى فِي البَاقِينَ رحيلا رحيلا لَكِن الْهوى أعَاد الطّرف كليلا وَمَا كَانَ الَّذِي رَأَيْت قَلِيلا يَا مَرضا عجيبا كم أَتعبت طَبِيبا لقد تنوع ضروبا فَأخذ كل عُضْو نَصِيبا الام يبْقى الْغُصْن رطيبا من يرد برد الصَّبِي قشيبا لقد أَمْسَى الْمَوْت قَرِيبا وستبصر يَوْمًا غَرِيبا عجبا لَك لَا الدَّهْر يعظك وَلَا الْحَوَادِث تنذرك والساعات تعد عَلَيْك والأنفاس تعد مِنْك وَأحب أمريك إِلَيْك أعودهما بِالضَّرَرِ عَلَيْك يَا هَذَا من جلا بصيرته من قذى الْهوى جلى على بَصَره عرائس الْهدى الصُّور تزاحم الْمعَانِي فَمن حلهَا حلى بمغنى الْمَعْنى فتعلم حلهَا بالتدريج كل ذرة من الْكَوْن تخبر بلغَة بليغة عَن حِكْمَة الفاطر غير أَنه لَا يفهم نطق الجوامد إِلَّا الْعقل نظر الْأَبْصَار الْيَوْم إِلَى الصَّانِع بِوَاسِطَة الْمَصْنُوع تدريج إِلَى رفع الوسايط غَدا يَا مَحْبُوسًا فِي سجن غفلته أخرج من ديار أدبارك واعبر فِي معبر اعتبارك قف على بعض بقاع قاع ترى كَيفَ نمت خضرَة حَضرته بأسرار الْخَالِق إِذْ تمت تلمح أَصْنَاف النَّبَات فِي ثِيَاب الثَّبَات قد برزت فِي عيد الرّبيع تميس طَربا بِالريِّ تَأمل مُخْتَلف الألوان فِي الْغُصْن الْوَاحِد فَإِن صباغ الْقُدْرَة صناع اسْمَع غناء الْوَرق على عيدَان العيدان لَعَلَّ مقاطع السجوع توجب رُجُوع المقاطع (وَلَقَد تَشْكُو فَمَا أفهمها ... وَلَقَد أَشْكُو فَمَا تفهمني) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 (غير أَنِّي بالجوى أعرفهَا ... وَهِي أَيْضا بالجوى تعرفنِي) الحمائم نوائح المشتاقين قد رضيت من خلعهم بجريان الدُّمُوع (ناحت سحرًا حمامة فِي غُصْن ... قد جرعها الْفِرَاق كأس الْحزن) (تبْكي شجنا تَلَقَّتْهُ مني ... مَا يبكي باك إِلَّا ويروي عني) وَا عجبا مَتى يُثمر لَك وجود الثَّمر معرفَة النعم كم تنضج الثِّمَار وتتناولها وَثَمَرَة عرفانك بعد فجة لَيْسَ حظك من النَّبَات إِلَّا الْأكل أَيْن التَّدْبِير لعجيب الصَّنْعَة والصنع يَا مؤثرا ضنك الْحس على فضاء الْعقل كَيفَ تبيع صفاء للتأمل بكدر الإهمال من الْعجب أَن ندعوك إِلَى تلمح العبر فِي الْغَيْر وَأَنت مَا تبصر نَفسك تدبر قَطْرَة قَطْرَة من مَاء صبَّتْ على ايقاد نَار الشَّهْوَة كَيفَ ظَهرت فِيهَا عَن حركات اللَّذَّة رقوم نقوش عقدتها يَد الْقُدْرَة كَمَا تظهر الصُّورَة فِي ثوب السقلاطوني عَن حركات الشد تَأمل نُطْفَة مغموسة فِي دم الْحيض ونقاش الْقُدْرَة يشق سَمعهَا وبصرها من غير مساس كَيفَ تربى فِي حرر مصون عَن مشعب بَينا هِيَ ترفل فِي ثوب نُطْفَة اكتست رِدَاء علقَة ثمَّ اكتست صفة مُضْغَة ثمَّ انقسمت إِلَى عظم وَلحم فاستترت من يَد الْأَذَى بوقاية جلد ثمَّ خرجت فِي سربال الْكَمَال تسحب مطارف الطرائف فَبينا هِيَ فِي صُورَة طِفْل درجت دَرَجَة الصَّبِي فتدرجت إِلَى النُّطْق وتشبثت بذيل الْفَهم فكم من صَوت بَين أرجل النَّقْل من تَحْرِيك جلاجل العبر فِي خلاخل الْفِكر كلما رنت غنت السن الْهدى فِي مغاني الْمعَانِي وَكَيف يسمع اطروش الْغَفْلَة هَذَا بعض وصف الظَّاهِر فَكيف لَو فهمت معنى الْبَاطِن الأدمى كتاب مسطور وشخصه رق منشور قلبه بَيت معمور همه سقف مَرْفُوع علمه بَحر مسجور من ينْتَفع بأسماعكم بعدِي وَمَا تحسن الْأَيَّام تكْتب مَا أمْلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الْفَصْل الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ يَا جَامعا المَال لغيره تَارِكًا للتزود فِي سيره أتحظى بشر كسبك وَيحصل سواك بخيره (سَابق إِلَى مَالك وراثه ... مَا الْمَرْء فِي الدُّنْيَا بلباث) (كم صَامت يخنق أكياسه ... قد صلح فِي ميزَان مِيرَاث) أَيْن جَامع الدُّنْيَا طرحها واطرح أَيْن اللاهي بهَا حزن بعد أَن فَرح جال فِي وصف الْحَرْب عَنْهَا فاغتيل وجرح وَظن الْأَمر سهلا فَإِذا الرجل قد ذبح بَينا هُوَ فِي لذاته يغتبق ويصطبح برح بِهِ أَمر مرحل فَمَا برح نزل وَالله لحدا ضيقا فَمَا ينفسح وَصمت تَحت الثرى فَكَأَنَّهُ لم ينْطق وَلم يَصح وَكتب على قَبره مَا أخر خسر وَمَا قدم ربح وَعدل إِلَى قصره بعد الدّفن فَافْتتحَ وأصبحت سِهَام الْوَارِث فِي مَاله تنتطح يَا معرضًا عَن الْهدى والأمى متضح أَو مَا حالك كَهَذا الْحَال الَّذِي شرح كَأَنَّك بك فِي ضيق خناقك تبْكي على قَبِيح أخلاقك وحبل الدُّمُوع تجْرِي فِي حلبات آماقك وَقد تحيرت عِنْد التفاف ساقك بساقك وأسرت لَا بِقَيْد عَن حركات اطلاقك وناداك تفريطك هَذَا بعض استحقاقك (لَا تكذبن فإنني ... لَك نَاصح لَا تكذبنه) (فاعمل لنَفسك مَا اسْتَطَعْت ... فَإِنَّهَا نَار وجنة) أخواني كم من حَرِيص قد جمع المَال جمع الثريا فرقته الأقدار تَفْرِيق بَنَات نعش يَا ذَا اللب حَدثنِي عَنْك اتنفق الْعُمر الشريف فِي طلب الفاني الرذيل وَيحك إِن الْهوى مرعاد مبراق بِلَا مطر الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 لَا تَسَاوِي نقل أقدامك فِي طلبَهَا أَرَأَيْت غزالا يَغْدُو خلف كلب الدُّنْيَا مجَاز وَالْأُخْرَى وَطن والأوطار فِي الأوطان أطوار ايثار مَا يفني على مَا يبْقى برسام حاد يَا أَبنَاء الدُّنْيَا إِنَّهَا مذمومة فِي كل شَرِيعَة وَالْولد عِنْد الْفُقَهَاء يتبع الْأُم يَا من هُوَ فِي حَدِيثهَا انطق من سحبان وَفِي انتقاد الدَّنَانِير أنسب من أغفل فَإِذا ذكرت الْآخِرَة فابله من بَاقِل حيلتك فِي تَحْصِيلهَا أدق من الشّعْر وَأَنت فِي تدبيرها أصنع من النَّحْل وَعين حرصك عَلَيْهَا أبْصر من الْعقَاب وبطن أملك أعطش من الرمل وفم شرهك أشْرب من الهيم تجمع فِيهَا الذَّر جمع الذَّر يَا رَفِيقًا فِي البله لدود القز مَا انتفعت بموهبة الْعقل (كدود كدود القز ينسج دَائِما ... وَيهْلك غما وسط مَا هُوَ ناسجه) وَيحك إِن سرورها أقتل من السم وَإِن شرورها أَكثر من النَّمْل إِنَّهَا فِي قَلْبك أعز من النَّفس وسنصير عِنْد الْمَوْت أَهْون من الأَرْض حرصك بعد الشيب أحر من الْجَمْر أُبْقِي عمر يَا أبرد من الثَّلج يَا من هُوَ عَن نحاته أنوم من فَهد ضيعت عمرا أنفس من الدّرّ أَنْت فِي الشَّرّ أجْرى من جواد وَفِي الْخَيْر أَبْطَأَ من أعرج تسْعَى إِلَى العاجل سعي رث وَيَمْشي فِي الْأَجَل مشي فرزان الزكوة عَلَيْك أثقل من أحد والصلوة عنْدك كنقل صَخْر على ظهر وَطَرِيق الْمَسْجِد فِي حسبان كسلك كفرسخي دير كَعْب صدرك عَن حَدِيث الدُّنْيَا أوسع من الْبَحْر وَوقت الْعِبَادَة أضيق من تسعين مَعَاصِيك أشهر من الشَّمْس وتوبتك أخْفى من السهي إِن عرضت خَطِيئَة وَثَبت وثوب النمر فَإِذا لاحت طَاعَة رغت روغان الثَّعْلَب تقدم على الظُّلم أَقْدَام السَّبع وتخطف الْأَمَانَة اختطاف الحدأة يَا أظلم من الجلندي مَا تأمنك غزلان الْحرم يَا كنعان الأمل يَا نمْرُود الْحِيَل يَا نعْمَان الزلل أَنْت فِي حب المَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 شبه الحباحب وَفِي تبذير الْعُمر رَفِيق حَاتِم تمشي فِي الأمل على طَرِيق أشعب وستندم ندامة الكسعي يَا عُذْري الْهوى فِي حب الدُّنْيَا يَا كُوفِي الْفِقْه فِي تَحْصِيلهَا يَا بَصرِي الزّهْد فِي طلب الْآخِرَة إِنَّمَا يتعب فِي تَعْلِيم الْبَازِي ليصيد مَاله قدر وَلما تعلم بازي فكرك أَرْسلتهُ على الْجِيَف وَيحك تفكر قبل سلوك طَرِيق الْهوى فِي كَثْرَة المعاثر والصدمات أوما المكروهات فِي طي المحبوبات كوامن يَا مُطلقًا نَفسه فِي مَحْظُور شهواتها أذكر الغمس فِي الرمس يَا ذَا البال الناعم فَوق الأَرْض أذكر الناعم الْبَالِي تحتهَا أتلفق وَالزَّمَان يفرق أتؤلف والحدثان يمزق أتصفي والدهر يرنق أتؤمل وَالْمَوْت معوق وَيحك إِن القاصد قاصم وَمَا للعاصي عَاصِم أَنْت فِي أَرْبَاب الذُّنُوب غريق وَفِي روم الْهوى بطرِيق فاحذر عِقَاب الأكابر يَا قَلِيل الْخِبْرَة بِالطَّرِيقِ أطلب رفْقَة إِذا لم تعرف الْقبْلَة بالعلامات فَفِي الْمَسَاجِد محاريب إِذا رَأَيْت قطار التائبين مُتَّصِلا فعلق عَلَيْهِ (أهل الغرام تجمعُوا ... فاليوم يَوْم عتابنا) (نعق الْغُرَاب ببيننا ... فغرابنا اغرى بِنَا) (إِن الَّذين نحبهمْ ... قد وكلوا بعذابنا) (قومُوا بِنَا بحياتكم ... نمضي إِلَى أحبابنا) (قوم إِذا ظفروا بِنَا ... جادوا بِعِتْق رقابنا) من مَشى إِلَيّ هرولت إِلَيْهِ دعوناك بالوسائط فَلم تحضر فَأتى الْمُرْسل ينزل إِلَى السَّمَاء النّظر متشابه والذوق مُحكم (وَلما رَأَيْت الْحبّ قد جسره ... وَنُودِيَ بالعشاق قومُوا بِنَا فاسروا) (خرجت مَعَ الأحباب كَيْمَا احوزه ... فصادفني الحرمان وَانْقطع الجسر) (ومالت بِنَا الأمواج من كل جَانب ... ونادى مُنَاد الْحبّ قد غرق الصَّبْر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الْفَصْل الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ يَا هَذَا لَو عَايَنت قصر أَجلك لزهدت فِي طول أملك وليقتلنك ندمك إِن زلت بك قدمك للمتنبي (إِلَى كم ذَا التواني فِي التواني ... وَكم هَذَا التَّمَادِي فِي التَّمَادِي) (وَمَا ماضي الشَّبَاب بمسترد ... وَلَا يَوْم يمر بمستعار) (مَتى لحظت بَيَاض الشيب عَيْني ... فقد وجدته مِنْهَا فِي السوَاد) (مَتى مَا ازددت من بعد التناهي ... فقد وَقع انتقاصي فِي ازدياد) إِلَى مَتى تحرص على الدُّنْيَا وتنسى الْقدر من الَّذِي طلب مَا لم يقدر فَقدر لقد أذاك إِذْ ذَاك النصب وأوقعك الْحِرْص فِي شرك الشّرك إِذْ نصب أتحمل على نَفسك فَوق الْجَسَد وَلَو قنعت أراحك الزّهْد فلماذا تحمل مَا آذَى وَلمن وَمن ينفعك إِن قتلت نَفسك يَا هَذَا وَمن تحمل على الْهم الْهم لآمر لَو قضى تمّ أحرصا على الدُّنْيَا لَا كَانَت أم شكا فِي عيوبها فقد بَانَتْ (رَأَيْت ظنوني بهَا كالسراب ... فأيقنت أَن سرابي سرابي) كم غرت الدُّنْيَا فرخها فعرت ثمَّ ذبحته بمدية مَا مرت إِنَّهَا لتقتل صيادها وَتقتل أَوْلَادهَا (عَزِيز على مهجتي غرني ... وَسلم لي الْوَصْل واستسلما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 (فَلَمَّا تملكني واحتوى ... على مهجتي سل مَا سلما) وَالله لَو كنت من رياشها أكسى من الْكَعْبَة لم تخرج مِنْهَا إِلَّا أعرى من الْحجر وَالْأسود قيل لراهب مَا الَّذِي حبب إِلَيْك الْخلْوَة وطرد عَنْك الفترة قَالَ وثبة الأكياس من فخ الدُّنْيَا وَقيل لآخر لم تخليت عَن الدُّنْيَا فَقَالَ خوفًا وَالله من الْآخِرَة أَن تتخلى عني من غرس فِي نَفسه شرف الهمة فنبت نبت عَن الأقذار وَمن اسْتَقر ركن عزيمته وَثَبت وَثَبت نَفسه عَن الأكدار (قد انْقَضى الْعُمر وَأَنت فِي شغل ... فاجسر على الْأَهْوَال إِن كنت رجل) يَا زمن الهمة يَا مقْعد الْعَزِيمَة يَا عليل الْفَهم يَا بعيد الذِّهْن (أما اشْتقت مغنى الْهوى حِين طَابَ ... ومنبت غُصْن الصَّبِي حِين مَالا) (أما آن من نازح أَن يحن ... وللوصل من هَاجر أَن يدالا) سَار المجدون وَتَرَكُوك وَنَجَا المخفون وخلفوك نادهم إِن سمعوك واستغث بهم إِن رحموك (أَيهَا الراحلون من بطن خيف ... وركاب النَّوَى بهم تترامى) (إِن أتيتم وَادي الْأَرَاك فاهدوا ... لحبيبي تحيتي والسلاما) (وردوا مَاء ناظري عوض الْغدر ... إِن وارعوا بَين الحشى لَا الخزامى) (واطلبوا إِلَى قلبِي وآيته إِن ... تَجدوا فِيهِ من هواهم سهاما) يَا من أبعدته الْخَطَايَا عَنْهُم أدرج مرحلة الْهوى وَقد وصلت أَنْت تتعلل للكسل بِالْقدرِ فَتَقول لَو وفقني ولكسب الشَّهَوَات بالندب إِلَى الْحَرَكَة {فامشوا فِي مناكبها} أَنْت فِي طلب الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 قدري وَفِي طلب الدّين جبري أَي مَذْهَب وَافق غرضك تمذهب بِهِ أوليس فِي الْإِجْمَاع {من عمل صَالحا فلنفسه وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا} جسدك عندنَا وقلبك فِي الْبَيْت نَحن فِي وَاد وَأَنت فِي وَاد (بكرت صبحا عواذله ... ورسيس الْحبّ قَاتله) (هوى فِي وَاد ولسن بِهِ ... والهوى عَنْهُن شاغله) (يتمنين السلو لَهُ ... ومناه من يواصله) لَا بُد وَالله من قلق وحرقة أما فِي زَاوِيَة التَّعَبُّد أَو فِي هاوية الطَّرْد إِمَّا أَن تحرق قَلْبك بِنَار النَّدَم على التَّقْصِير والشوق إِلَى لِقَاء الحبيب وَإِلَّا فَنَار جَهَنَّم أَشد حرا (شجاك الْفِرَاق فَمَا تصنع ... أتصبر للبين أم تجزع) (إِذا كنت تبْكي وهم جيرة ... فَمَاذَا تَقول إِذا ودعوا) القلق القلق يَا من سلب قلبه والبكاء الْبكاء يَا من عظم ذَنبه كَانَ الشبلي يَقُول فِي مناجاته لَيْت شعري مَا أسمي عنْدك يَا علام الغيوب وَمَا أَنْت صانع فِي ذُنُوبِي يَا غفار الذُّنُوب وَبِمَ تختم عَمَلي يَا مُقَلِّب الْقُلُوب وَكَانَ يَصِيح فِي جَوف اللَّيْل قُرَّة عَيْني وسرور قلبِي مَا الَّذِي أسقطني من عَيْنك أقلت هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك (هجرانك قاتلي سَرِيعا ... والهجر من الجيب قَاتل) (إِن كنت نسيتني فعندي ... شغل بك لَا يزَال شاغل) (قلبِي يهواك لَيْت شعري ... مَا أَنْت بذا الْمُحب فَاعل) (حَقًا قد قلت يَا حَبِيبِي قَامَ على قولي الدَّلَائِل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 (شوق وجوى ونار وجد ... تذكي بعظائم البلابل) (سَائل دمعي فجفن عني ... لَا يبرح بالبكاء سَائل) (إِن جن لي اللَّيْل يَا حَبِيبِي ... فجنة الْقلب فِي الرسائل) (أبكى مَا كَانَ من وصال ... والحزن تهيجه الْمنَازل) (هَذَا خدي على ثراكم ... لَا أبرحه وَلَا ازايل) (إِن أَنْت طردتني فويلي ... بعد الْأَعْرَاض من أواصل) (كلا والجود لي شَفِيع ... والجود مقدم الْوَسَائِل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ يَا من بَين يَدَيْهِ الْأَهْوَال والعجائب وقدما نوى لَهُ الدَّهْر النوائب أما سهم المصائب كل يَوْم صائب أحاضر فَتحمل من عتبنا كلا بل أَنْت غَائِب (وَكَيف قرت لأهل الْعلم أَعينهم ... أَو استلذوا لذيذ النّوم أَو هجعوا) (وَالْمَوْت ينذرهم جَهرا عَلَانيَة ... لَو لَيْسَ للْقَوْم اسماع لقد سمعُوا) (وَالنَّار ضاحية لَا بُد موردهم ... وَلَيْسَ يَدْرُونَ من ينجو وَمن يَقع) (قد أمست الطير والأنعام آمِنَة ... وَالنُّون فِي الْبَحْر لن يغتالها فزع) (والأدمى بِهَذَا الْكسْب مُرْتَهن ... لَهُ رَقِيب على الْأَسْرَار يطلع) (حَتَّى يوافيه يَوْم الْجمع مُنْفَردا ... وخصمه الْجلد والأبصار والسمع) (إِذْ النَّبِيُّونَ والأشهاد قَائِمَة ... وَالْجِنّ وَالْإِنْس والأملاك قد خشعوا) (وطارت الصُّحُف فِي الْأَيْدِي ... منشرة فِيهَا السرائر وَالْأَخْبَار تطلع) (فَكيف سهوك والأنباء وَاقعَة ... عَمَّا قَلِيل وَلَا تَدْرِي مِمَّا يَقع) (أَفِي الْجنان وَفَوْز لَا انْقِطَاع لَهُ ... أم الْجَحِيم فَلَا تبقى وَلَا تدع) (تهوى بساكنها طورا وترفعهم ... إِذا رجوا مخرجا من غمها قمعوا) (طَال الْبكاء فَلم يرحم تضرعهم ... هَيْهَات لَا رقة تغي وَلَا جزع) (لينفع الْعلم قبل الْمَوْت عالمه ... قد سَالَ قوم بهَا الرَّجْعِيّ فَمَا رجعُوا) يَا من عمره يقد بالساعات ويعد بالأنفاس يَا خل الأمل خل أَحَادِيث الوسواس يَا طَوِيل الرقاد إِلَى كم ذَا النعاس قد بَقِي الْقَلِيل لَا ريب وَهَذَا الشيب يقْلع الأغراس إِن فِي الْمَقَابِر إِن فِي الْمَقَابِر عبرا وَمَا أَدْرَاك مَا الأدراس تالله لَو سكن الْيَقِين الْقلب لضَرَبْت أَخْمَاسًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فِي أَسْدَاس هَل تَجِد لماضي الْعُمر لَذَّة وَالْبَاقِي على الْقيَاس مَاذَا التهول فِي الْبَوَار وجر الأذيال فِي الخسار كَأَنَّك لم تسمع بجنة وَلَا نَار لهيب حرصك مَا يطفي وَشر شرهك مَا يخفى أَتَرَى هَذَا على مَاذَا أَلَيْسَ لما إِذا قيل آذَى أَنْت فِي طلب الدُّنْيَا أحير من صب تبيت فِي عَشِقَهَا أسهر من صب أَيْن مَا حلا فِي الْفَم وحلى فِي الْعين ذهب الْكل وَأَنت تَدْرِي إِلَى أَيْن مَا أصعب السباحة فِي غَدِير التمساح مَا أشق السّير فِي الأَرْض المسبعة إِن المفروح بِهِ هُوَ المحزون عَلَيْهِ غير أَن عين الْهوى عميا طاير الطَّبْع يرى الْحبَّة لَا الشّرك ضيعت سهادك بسعادك رمتك إِلَى الْهِنْد هِنْد صيرت نهارك لَيْلًا ليلى وَيحك ربات الظُّلم ظلم كم أراق الْهوى دَمًا فِي دمن وَيحك دع سلمى وسل مَا ينفعك دعة لمثلك ترك دعد للنوى وسعادة لَك هِجْرَة لسعاد قطع الطمع من خضر الدُّنْيَا بمُوسَى الياس تجمع للقلب عزم الْخضر ومُوسَى والياس يَا معشر الْفُقَرَاء الصَّادِقين قد لبستم حلَّة الْفقر فتجملوا بحلية الكتمان اصْبِرُوا على عَطش الزّهْد وَلَا تشْربُوا من مشربَة من فالحرة تجوع وَلَا تَأْكُل بثدييها لَا تسألوا سوى مولاكم فسؤال العَبْد غير سَيّده تشنيع عَلَيْهِ إِن الْفَقِير ترك الدُّنْيَا إنفة رَآهَا قَاطعا فقاطع جَازَ على جيفة مستحيلة فسد منخر الظّرْف وأسرع الْأنف الأشم لَا يشم رذيلة بَينا هُوَ فِي قطع فيافي القناعة وَقع بكنز مَا وجده الْإِسْكَنْدَر فقلبه أغْنى من قَارون وبيته أفرغ من فؤاد أم مُوسَى كَانَ ابراهيم ابْن أدهم يُعْطي عَطاء الْأَغْنِيَاء وَهُوَ فَقير ويستدين عَلَيْهِ ثمَّ يُؤثر بِهِ للشريف الرضى (وهم ينفذون المَال فِي أول الْغنى ... ويستأنفون الصَّبْر فِي آخر الصَّبْر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 (مغاوير فِي الْجَلِيّ مغايير فِي الْحمى ... مفاريج للغمي مداريك للوتر) (وتأخذهم فِي سَاعَة الْجُود هزة ... كَمَا خايل المطراب عَن نزوة الْخمر) (فتحسبهم فِيهَا نشاوى من الْغنى ... وهم فِي جلابيب الْخَصَاصَة والفقر) (عَظِيم عَلَيْهِم أَن يمنوا بِلَا يَد ... وهين عَلَيْهِم أَن يبيتوا بِلَا وفر) (إِذا نزل الْحَيّ الْغَرِيب تقارعوا ... عَلَيْهِ فَلم يدر الْمقل من المثري) (يميلون فِي شقّ الْوَفَاء مَعَ الردى ... إِذا كَانَ مَحْبُوب الْبَقَاء مَعَ الْغدر) أحكم الْقَوْم الْعلم فَحكم عَلَيْهِم بِالْعَمَلِ فقاطعوا التسويف الَّذِي يقطع أَعمار الأغمار وانتبهوا فانتبهوا اللَّيْل وَالنَّهَار أخرجُوا قوى العزائم إِلَى الْأَفْعَال فَلَمَّا قضوا دُيُون الْجد قَضَت علومهم بالحذر من الرَّد أَقْدَامهم على أَرض التَّعَبُّد قد ألفت الصفون تعتمد على سنابك الحذر فَإِذا أثر عِنْدهَا النصب راوحت بَين أرجل الرَّجَاء قُلُوب كالذهب ذهب غشه أنفاسهم لَا تخفى نُفُوسهم تكَاد تطفى لون الْمُحب غماز دمع المشوق نمام (اخفي كمدي ودمع عَيْني ... فِي الخد على هَوَاك شَاهد) (فالجفن بلوعتي مقرّ ... للعاذل وَاللِّسَان جَاحد) إشتد الْخَوْف يَوْمًا بإبراهيم بن أدهم فَسَأَلَ الرَّاحَة فعوتب (لَو شِئْت داويت قلبا أَنْت سقمه ... وَفِي يَديك من الْبلوى سَلَامَته) (عَلامَة كتبت فِي خد عارفكم ... من كَانَ مثلي فقد قَامَت قِيَامَته) ضجت النَّاقة لثقل الْحمل رَأَتْ عظامها قد فرغت ففغرت فَم الشكوى فرغت (يَا حادي العيس قد براها ... حمل هموم لَهَا عِظَام) (رفقا بهَا أَنَّهَا جُلُود ... ملصقات على عِظَام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 (أشواقها خلفهَا وشوقي ... خلاف أشواقها أَمَامِي) تمادي فِي قلب الْعَارِف جبل الْخَوْف وجبل الْحزن فَلَمَّا وصل إسكندر الْفِكر عبربي زبر الهموم حَتَّى إِذا سَاوَى بَين الصدفين صَاح بِجُنُود الْفَهم إنفخوا فاستغاث الْوَاجِد لتراكم الكرب (أيا جبلى نعْمَان بِاللَّه خليا ... نسيم الصِّبَا يخلص إِلَى نسيمها) (أجد روحها أَو تشف مني حرارة ... على كبد لم يبْق إِلَّا صميمها) (لِأَن الصِّبَا ريح إِذا مَا تنسمت ... على نفس مكروب تجلت همومها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخواني رحيل من رَحل عَنَّا نَذِير لنا عَنَّا وَمَا جرى على من تقدمنا وعظ لنا للشريف الرضى (مَا أسْرع الْأَيَّام فِي طينا ... تمْضِي علينا ثمَّ تمْضِي بِنَا) (فِي كل يَوْم أمل قد نأى ... مرامه عَن أجل قد دنا) (انذرنا الدَّهْر وَمَا نرعوي ... كَأَنَّمَا الدَّهْر سوانا عَنَّا) (تعاشيا وَالْمَوْت فِي جده ... مَا أوضح الْأَمر وَمَا أَبينَا) (وَالنَّاس كالأجمال قد قربت ... تنْتَظر الْحَيّ لَان يظعنا) (تَدْنُو إِلَى العشب وَمن خلفهَا ... مقامر يطردها بالقنا) (أَيْن الأولى شادوا مبانيهم ... تهدموا قبل انهدام الْبَنَّا) (لَا معدم يحميه إعدامه ... وَلَا يقي نفس الْغَنِيّ الْغنى) (كَيفَ دفاع الْمَرْء احداثها ... فَردا واقران اللَّيَالِي ثنى) (حط رجال وركبنا الذرى ... وَعقبَة السّير لمن بَعدنَا) (والحازم الرَّأْي الَّذِي يغتذي ... مستقلعا ينذر مستوطنا) (لَا يَأْمَن الدَّهْر على غرَّة ... وَعز لَيْث الغاب أَن يؤمنا) (كم غارس أمل فِي غرسه ... فاعجل الْمِقْدَار أَن يجتنى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 مَا هَذَا التَّقْصِير فِي الْعُمر الْقصير مَا هَذَا الزهو يَا من إِلَى البلى يصير كم فرق الْمَوْت أميرة أَمِير كم ازار الالحاد من وَزِير وَسوى فِي الْقُبُور بَين من هجر وَزِير أَيْن الْأَبْطَال الَّذين خاطرهم خطير طَال مَا اقْتَتَلُوا حَتَّى كسروا القنا على القناطير تالله لقد أَمْسوا حَتَّى أَصبَحت خيل الْمَوْت تعثي وَتغَير ونزلوا لحدا كَبِيرا غير كَبِير وَرَأَوا كل مُنكر من مُنكر وكل نَكِير من نَكِير فهم مفترقون فِي الْقُبُور فَإِذا اجْتَمعُوا بنفخة الصُّور عَاد شراب الْفِرَاق قد أدير {فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير} يَا غافلا وَالْمَوْت يسْعَى فِي طلبه يَا مَشْغُولًا بلهوه مفتونا بلعبه يَا مُشْتَريا رَاحَة تفنى بطول تَعبه أما عللت مَرِيضا وَرَأَيْت كرب كربه أما شيعت ملكا فَرَجَعت إِلَى سلبه أما تخلى عَن مَاله وتخلى بمكتسبه انفعه غلو عزه أَو علو نسبه لقد ناجاك قَبره وناداك أمره فانتبه وَلَقَد ضره هَوَاهُ فَلَا تلهج أَنْت بِهِ لَا تغرنك السَّلامَة فَمَعَ الخواطي سهم صائب نظر شباب إِلَى شيخ ضَعِيف الْحَرَكَة فَقَالَ يَا شيخ من قيدك فَقَالَ الَّذِي خلفته يفتل قيدك (من أخطأته سِهَام الْمَوْت قَيده ... طول السنين فَلَا لَهو وَلَا غزل) (وضاق من نَفسه مَا كَانَ متسعا ... حَتَّى الرَّجَاء وَحَتَّى الْعَزْم والأمل) الشَّبَاب باكورة الحيوة والشيب رِدَاء الردى إِذا قرع الْمَرْء بَاب الكهولة فقد اسْتَأْذن على البلا يَا رهين الْإِثْم على الْعقُوبَة لَيْسَ لَك من يستفكك إِلَّا التَّوْبَة الْمُنْقَطع فِي قيد يتلَقَّى الْحَاج منكس الرَّأْس رب خجلة تمت النَّاقِص كَانَ بعض الْأَشْيَاخ يَقُول إلهي من عَادَة الْمُلُوك أَنهم إِذا كبر لَهُم مَمْلُوك أعتقوه وَقد كَبرت فأعتقني وقف أعجمي عِنْد الْكَعْبَة وَالنَّاس يدعونَ وَهُوَ سَاكِت ثمَّ أَخذ بلحيته فَرَفعهَا وَقَالَ يَا خداه شيخ كَبِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 (لما أتونا والشيب شافعهم ... وَقد توالى عَلَيْهِم الخجل) (قُلْنَا لتِلْك الصحائف انقلبي ... بيضًا فَإِن الشُّيُوخ قد عقلوا) يَا معاشر الشَّبَاب إنتبهوا القوى فِي التَّقْوَى فَلَو قد حل المشيب حل التَّرْكِيب إِذا هلك أَمِير الشَّبَاب وَقع الشتات فِي الْعَسْكَر الشَّبَاب رياض والشيب قاع قفر فاستصحبوا الزَّاد قبل دُخُول الفلاة يَا قَومنَا الْفَوَائِد فوايت كف من تبذير يوذي فَكيف ببيذر من رعونة إِذا كَانَت الْقُلُوب عقما عَن الْفِكر واتفقت عنة الْفَهم فَلَا وَجه لنسل الْفَضَائِل الْخَوْف ذكر والرجاء أُنْثَى ومخنث البطالة إِلَى الأناث أميل من زرع بذر الْعَمَل فِي أرجاء الرجا وَلم تقع عَلَيْهِ شمس الحذر جَاءَت ثماره فجة الْجَاهِل ينَام على فرَاش الْأَمْن فيثقل نَومه فتكثر أَحْلَام أمانيه والعالم يضطجع على مهاد الْخَوْف وحارس الْيَقَظَة يوقظه من فهم معنى الْوُجُود علم عزة النجَاة النَّفس طَائِر قد أرسل من عبادان التَّعَبُّد محملًا كتاب الْأَمَانَة إِلَى دَار الْملك والعدو قد نصب لَهُ صنوف الْإِشْرَاك يلوح فِي ضمنهَا الْحبّ المحبوب فَإِن تمّ كَيده فَهُوَ صَيْده وَإِن خبر الْخَبَر عبر يَا أطيار الفهوم احذري مرَاعِي الهموم فثم عقبان التّلف وَمن نجا مِنْهَا بعد الْمُحَاربَة أفلت مكسور الْجنَاح وَاعجَبا لبلبل الفطنة كَيفَ اغْترَّ بفخ الْفِتْنَة للشريف الرضى (يَا قلب كَيفَ علقت فِي اشراكهم ... وَلَقَد عهدتك تفلت الاشراكا) (لَا تشكون إِلَى وجدا بعْدهَا ... هَذَا الَّذِي جرت عَلَيْك يداكا) من حدق بَصَره إِلَى طرف الدُّنْيَا طرفت عينه من أصغى إِلَى حَدِيث الْهوى أورثه الصمم عَن النصائح خست همة فِرْعَوْن فاستعظم الحقير {أَلَيْسَ لي ملك مصر} يَا دني النَّفس حِمَارك ينهق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 من كف شعير يرَاهُ الدُّنْيَا كلهَا كجناح بعوضة فَمَا نِسْبَة مصر إِلَيْهَا صبي الْفَهم يشْغلهُ لون الصدفة والمتيقظ يرى الدرة يَا هَذَا إِذا لاحت لَك شَهْوَة فقف متدبرا عواقبها وَقد بردت حرارة الْهوى فَبين النجَاة والهلاك فوَاق وَاعجَبا أنفقت المَال الْمَسْرُوق وَبَقِي الْقطع (أبْكِي زللي واشتكي آثامي ... فِي سفك دمي تقدّمت أقدامي) (مَا ابصرت إِلَّا والبلا قدامي ... مَا أسْرع مَا أصَاب قلبِي الرَّامِي) ضرّ وَالله التَّخْلِيط آدم ونفعت الحمية يُوسُف ملك هَوَاهُ فَملك زليخا أمرضها حبه فَأَرَادَتْ تنَاول مقصودها فِي زمَان الحمية فصاح لِسَان طبه {معَاذ الله} فخلطت فِي بحران الْمَرَض {مَا جَزَاء من أَرَادَ بأهلك سوءا إِلَّا أَن يسجن} فَلَمَّا صَحَّ الذِّهْن قَالَت {الْآن حصحص الْحق} لما نظر يُوسُف فِي عواقب الذَّنب وَنِهَايَة الصَّبْر فَكف الْكَفّ اطلع بتعليم التَّأْوِيل على عواقب الرُّؤْيَا دخل الْيَوْم مُوسَى وعظى إِلَى مَدِينَة مَدين قَلْبك فَوجدَ فِيهَا رجلَيْنِ يقتتلان الْقلب والهوى فاستغاثه الَّذِي من شيعته وَهُوَ الْقلب على الَّذِي من عدوه وَهُوَ الْهوى فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ فَكَانَ قتل الْهوى سَببا لِلْخُرُوجِ من قصر مصر الْغَفْلَة إِلَى شعب شُعَيْب الْيَقَظَة فَالْآن يناديك لِسَان الْمُعَامَلَة هَل لَك فِي بُلُوغ عرضك على أَن تَأْجُرنِي فَإِن وفيت انقلبت إِلَى لذاتك مَسْرُورا واسترجح لَك التكليم على طور الْجنَّة فَإِن صَحِبت فِرْعَوْن الْهوى غرقت بعبورك يَوْم أَلِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 الْفَصْل الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ يَا هَذَا إِنَّمَا خلقت الدُّنْيَا لتجوزها لَا لتحوزها ولتعبرها لَا لتعمرها فَاقْتُلْ هَوَاك المايل إِلَيْهَا وَاقْبَلْ نصحي لَا تعول عَلَيْهَا لورقة بن نَوْفَل (لَا شَيْء فِيمَا ترى تبقى بشاشته ... يبْقى الاله وَيُؤَدِّي المَال وَالْولد) (لم تغن عَن هُرْمُز يَوْمًا خزائنه ... والخلد قد حاولت عَاد فَمَا خلدوا) (وَلَا سُلَيْمَان إِذْ تجْرِي الرِّيَاح لَهُ ... وَالْإِنْس وَالْجِنّ فِيمَا بَينهَا ترد) (أَيْن الْمُلُوك الَّتِي كَانَت نوافلها ... من كل أَوب إِلَيْهَا وَافد يفد) (حَوْض هُنَالك مورود بِلَا كذب ... لَا بُد من رده يَوْمًا كَمَا وردوا) الدُّنْيَا مزرعة النوائب ومشرعة المصائب ومفرقة المجامع ومجرية المدامع كم سلبت أَقْوَامًا أقوى مَا كَانُوا وَبَانَتْ أحلى مَا كَانَت أحلاما فبانوا ففكر فِي أهل الْقُصُور والممالك كَيفَ مزقوا بكف المهالك ثمَّ عد بِالنّظرِ فِي حالك لَعَلَّه يتجلى الْقلب الحالك إِن لذات الدُّنْيَا لفوارك وَإِن موج بلائها لمتدارك كم حج كعبتها قَاصد فَقتلته قبل الْمَنَاسِك كم علا ذروتها مغرور فَإِذا بِهِ تَحت السنابك كم غرت غرا فَمَا اسْتَقر حَتَّى صيد باشك خلها واطلب خلة ذَات سرُور وسرر وأرائك تالله مَا طيب الْعَيْش إِلَّا هُنَالك أخواني مَا قعودنا وَقد سَار الركب مَا أرى النِّيَّة الْآنِية يَا مسافرين من عزم تزَود يَا راحلين بِلَا رواحل وطنوا على الإنقطاع لَيْت المحترز نجا فَكيف المهمل يَا أَقْدَام الصَّبْر تحملي فقد بَقِي الْقَلِيل تذكري حلاوة الدعة يهن عَلَيْك مر السرى قد علمت أَيْن الْمنزل فاحدلها تسير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 للمهيار (تغن بالجرعاء يَا سائقها ... فَإِن ونت شَيْئا فزدها الأبرقا) (واغن عَن السِّيَاط فِي أرجوزة ... بحاجر تَرَ السِّهَام المرقا) (واستقبال الرّيح الصِّبَا بخطمها ... تَجِد سرى مَا وجدت منتسقا) (إِن لَهَا عِنْد الْحمى وَأَهله ... تعلقا من حبها وعلقا) (وكل مَا تزجره حداتها ... رعى الْحمى رب الْغَمَام وَسَقَى) (حواملا مِنْهَا هموما ثقلت ... وانفسا لم تبْق إِلَّا رمقا) (تحملنا وَإِن عرين قصبا ... وَإِن دمين أذرعا وأسوقا) (دَامَ عَلَيْهَا اللَّيْل حَتَّى أَصبَحت ... تحسب فجر ذَات عرق شفقا) (عرج على الْوَادي فَقل عَن كَبِدِي ... مَا شِئْت للبان الجوى والحرقا) الْجنَّة ترْضى مِنْك بالزهد وَالنَّار تنْدَفع عَنْك بترك الذَّنب والمحبة لَا تقع إِلَّا بِالروحِ (إِن سُلْطَان حبه ... قَالَ لَا أقبل الرشا) مَا سلك الْخَلِيل طَرِيقا أطيب من الفلاة الَّتِي دَخلهَا لما خرج من كَفه المنجنيق زِيَارَة تسْعَى فِيهَا أَقْدَام الرِّضَا على أَرض الشوق شابت لَيْلَة فزجني فِي النُّور وَقَالَ هَا أَنْت وَرَبك (زرناك شوقا وَلَو أَن النَّوَى بسطت ... فرش للفلا بَيْننَا جمرا لزرناك) رَآهُ جِبْرِيل وَقد ودع بلد الْعَادة فَظن ضعف أَقْدَام المتَوَكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فَعرض عَلَيْهِ زَاد أَلَك حَاجَة فَرده بأنفة أما إِلَيْك فَلَا قَالَ فسل مَوْلَاك قَالَ علمه بحالي يغنيني عَن سُؤَالِي (تملكوا واحتكموا ... وَصَارَ قلبِي لَهُم) (تصرفوا فِي ملكهم ... فَلَا يُقَال ظلمُوا) (إِن وصلوا محبهم ... أَو قطعُوا لَهُم هم) (يَا أَرض سلع اخبري ... وحدثيني عَنْهُم) (تبكيهم أَرض مني ... وتشتكيهم زَمْزَم) (يَا لَيْت شعري إِذْ غوا ... أانجدوا أم اتهموا) (مَا ضرهم حِين سروا ... لَو وقفُوا فَسَلمُوا) أبدان المحبين عنْدكُمْ وَقُلُوبهمْ عِنْد الحبيب طرق طَارق بَاب أبي يزِيد فَقَالَ هَا هُنَا أَبُو يزِيد فصاح من دَاخل الدَّار أَبُو يزِيد يطْلب أَبَا يزِيد فَمَا يجده للمهيار (وبجرعاء الْحمى قلبِي فعج ... بالحمى واقرأ على قلبِي السلاما) (وترجل وتحدث عجبا ... أَن قلبا سَار عَن جسم أَقَامَا) (قل لجيران الغضا آه على ... طيب عَيْش بالغضا لَو كَانَ داما) (حملُوا ريح الصِّبَا نشركم ... قبل أَن تحمل شيحا وتماما) (وابعثوا لي بالكرى طيفكم ... أَن أذنتم لعيوني أَن تناما) بلغت بالقوم الْمحبَّة إِلَى استحلاء البلى فوجدوا فِي التعذيب عذوبة لعلمهم أَنه مُرَاد الحبيب (ارضاء اسخط أَو ارضي تلونه ... وكل مَا يفعل المحبوب مَحْبُوب) ضنى سُوَيْد بن مثعبة على فرَاشه فَكَانَ يَقُول وَالله مَا أحب أَن الله نقصني مِنْهُ قلامة ظفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 (تعجبوا من ثمنى الْقلب مؤلمه ... وَمَا دروا أَنه خلو من الْأَلَم) أَمر الْحجَّاج بصلب مَا هان العابد فَرفع على خَشَبَة وَهُوَ يسبح ويهلل ويعقد بِيَدِهِ حَتَّى بلغ تسعا وَعشْرين فَبَقيَ شهرا بعد مَوته وَيَده على ذَلِك العقد مَضْمُومَة (لتحشرن عِظَامِي بَعْدَمَا بليت ... يَوْم الْحساب وفيهَا حبكم علق) مروا على مجذوم قد مزقه الجذام فَقَالُوا لَهُ لَو تداويت فَقَالَ لَو قطعني إربا إربا مَا ازددت لَهُ إِلَّا حبا (إِن كَانَ جيران الغضى ... رَضوا بقتلي فرضا) (وَالله لَا كنت لما ... يهوى الحبيب مبغضا) (صرت لَهُم عبدا وَمَا ... للْعَبد أَن يعترضا) (هم قلبوا قلبِي من ... الشوق على جمر الغضا) (يَا لَيْت أَيَّام الْحمى ... يعود مِنْهَا مَا مضى) (من لمريض لَا يرى ... إِلَّا الطَّبِيب الممرضا) كَانَ الشبلي يَقُول أحبك النَّاس لنعمائك وَأَنا أحبك لبلائك (من لقتيل الْحبّ لَو ... رد عَلَيْهِ الْقَاتِل) (يجرحه النبل ويهوى ... أَن يعود النابل) قلبهم الزّهْد فِي قفر الْفقر على أكف الصَّبْر فَقلع أوداج أغراضهم بسكين المسكنة وَالْبَلَاء يُنَادي أَتَصْبِرُونَ والعزم يُجيب لَا ضير سقاهم رحيق الْقرب فأورثهم حريق الْحبّ فغابوا بالسكر عَن روية النَّفس فعربدوا على رسم الْجِسْم وهاموا فِي فلوات الوجد يستأنسون بالحمام والوحش (يَا منية الْقلب مَا جيدي بمنعطف ... إِلَى سواكم وَلَا حُبْلَى بمنقاد) (لَوْلَا الْمحبَّة مَا اسْتعْملت بارقة ... وَلَا سَأَلت حمام الدوح اسعادي) (وَلَا وقفت على الْوَادي اسائله ... بالدمع حَتَّى رثى لي سَاكن الْوَادي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الْفَصْل السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ أَيهَا المغتر بالدنيا كم خدعت مَا وَاصل وَصلهَا محب إِلَّا قطعت وَلَا ناولت نوالا إِلَّا ارتجفت اخْتَبَأْت مريرها فَلَمَّا اعتقلت أَسِيرهَا جرعت مَتى رَأَيْتهَا قد توطنت فَاعْلَم أَنَّهَا قد أزمعت (يَا محب الدُّنْيَا الْغرُور اغْتِرَارًا ... رَاكِبًا فِي طلابها الأخطارا) (يَبْتَغِي وَصلهَا فتأبى عَلَيْهِ ... وَترى انسه فتبدي نفارا) (خَابَ من يَبْتَغِي الْوِصَال لَدَيْهَا ... جَارة لم تزل تسيء الجوارا) (كم محب أرته أنسا فَلَمَّا ... حاول الزُّور صيرته أزورارا) (شيب حُلْو اللَّذَّات مِنْهَا بمر ... إِن حلت مرّة أمرت مرَارًا) (فِي اكْتِسَاب الْحَلَال مِنْهَا حِسَاب ... واكتساب الْحَرَام يصلى النارا) (ولباغي الأوطار مِنْهَا عناء ... سَوف يقْضِي وَمَا قضى الأوطارا) (كل لذاتها منغصة الْعَيْش ... وارباحها تعود خسارا) (وليالي الهموم فِيهَا طوال ... وليالي السرُور تمْضِي قصارا) (وَكفى أَنَّهَا تظن وَإِن جَادَتْ ... بنزر أفنت بِهِ الأعمارا) (وَإِذا مَا سقت خمور الْأَمَانِي ... صيرت بعْدهَا المنايا خمارا) (كم مليك مسلط ذللته ... بعد عز فَمَا أطَاق انتصارا) (ونعيم قد أعقبته ببوس ... ومغان قد غادرتها قفارا) (أَيهَا الْمُسْتَعِير مِنْهَا مَتَاعا ... عَن قَلِيل تسترجع المستعارا) (عد عَن وصل من يعيرك مَا ... يفنى وَيبقى اثما ويكسب عارا) (قد ارتك الْأَمْثَال فِي سالف الدَّهْر ... وَمَا قدراتك فِيك اعْتِبَارا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 (وجدير بالعذر من قدم الْأَعْذَار ... فِيمَا جناه والأنذارا) (فتعوض مِنْهَا بخلة صدق ... وَالْتمس غير هَذِه الدَّار دَارا) (والبدار البدار بِالْعَمَلِ الصَّالح ... مَا دمت تَسْتَطِيع البدارا) إِلَى مَتى فِي طلبَهَا إِلَى كم الإغترار بهَا تَدور الْبِلَاد منشدا ضَالَّة المنى وَتلك ضَالَّة لَا تُوجد أبدا فسيقتلك الْحِرْص غَرِيبا وَلَكِن لَا فِي فيافي فيا طوبي للغرباء (أَظن هَواهَا تاركي بمضلة ... من الأَرْض لَا مَال لدي وَلَا أهل) (وَلَا أحد افضى إِلَيْهِ وصيتي ... وَلَا وَارِث إِلَّا المطية والرحل) أَيهَا المتعب نَفسه فِي جمع المَال عِقَاب الْوَارِث على مرقب الإنتظار أفهمت أم أشرح لَك الْعقَاب لَا تعاني الصَّيْد وَإِنَّمَا تكون على مَوضِع عَال فَأَي طَائِر صَاد صيدا انْقَضتْ عَلَيْهِ فَإِذا رَآهَا هرب وَترك الصَّيْد وَمَالك تجمع مَالك وَمَا لَك مِنْهُ إِلَّا مَا تخلف وَالزَّمَان يشتتك للذهاب وَأَنت للاذهاب تؤلف المَال إِذا وصل إِلَى الْكِرَام عَابِر سَبِيل وإكرام عَابِر السَّبِيل تَجْهِيزه للرحيل جسم الْبَخِيل كُله يعرق إِلَّا الْيَد كَفه مَكْفُوفَة مَا ينْفق مِنْهَا خرزة (تحلى بأسماء الشُّهُور فكفه ... جُمَادَى وَمَا ضمت عَلَيْهِ الْمحرم) يَا فرعوني الْكبر تفرح بِمَال سيسلب مِنْك فتستعير كلمة أَلَيْسَ لي يَا نمروذي الْجَهْل تشد أطناب الْحِيَل على الدُّنْيَا فِي أرجل نسور الأمل ثمَّ ترمي نشاب الْأَغْرَاض إِن وقف لَك غَرَض فتستغيث الأكوان من يدك وَإِن كَانَ مَكْرهمْ من فهم علم التَّوْحِيد تجرد للْوَاحِد بِقطع العلائق أما ترى كلمتى الشَّهَادَة مُجَرّدَة عَن نقط إِذا أَعرَضت عَن الدُّنْيَا أَقبلت إِلَيْك الْآخِرَة من ترك شَيْئا لله عوضه الله خيرا مِنْهُ عقر سُلَيْمَان الْخَيل فسخرنا لَهُ الرّيح لما عقدت الْخِنْصر على التَّوْحِيد ميزت على بَاقِي الْأَصَابِع بالخاتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 يَا أَطْفَال التَّوْبَة مَا أنكر حنينكم إِلَى الرَّضَاع وَلَكِن ذوقوا مطاعم الرِّجَال وَقد نسيتم شرب اللَّبن إِذا تحصن الْهوى بقلعة الطَّبْع فانصبوا مجانيق العزائم وَقد انْهَدم السُّور أَنْتُم تخرجُونَ لقتل سبع مَا أذاكم ليقال عَن أحدكُم مَا أجلده فَكيف تتركون سبع الْهوى وَقد أغار على سرح الْقُلُوب إِنَّمَا تتحف الْمُلُوك بالباكورة فافهموا يَا صبيان التَّوْبَة إِذا أهديتم فالرطب لَا الحشف يَا أطيار الشَّبَاب إِمَّا عبادان التَّعَبُّد وَإِلَّا استفراخ الْعلم وَإِلَّا فالذبح تُرِيدُونَ نيل الشَّهَوَات وَحُصُول الْمَرَاتِب وَالْجمع بَين الأضداد لَا يُمكن (هَوَاك نجد وهواي الشَّام ... وَذَا وَذَا يامي لَا يلتام) مَا زلت أعالج مِسْمَار الْهوى فِي قلب العَاصِي أميل بِهِ تَارَة إِلَى جَانب التخويف وَتارَة إِلَى نَاحيَة التشويق فَلَمَّا ضعف الماسك بإزعاجي لَهُ إتسع عَلَيْهِ المجال فجذبته أنفت لصبي اللّعب من بيع جَوْهَر الْعُمر النفيس بصدف الْهوى فشددت عَلَيْهِ فِي الْحجر ليعلم بعد الْبلُوغ أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الْفَصْل السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أخواني جدوا فقد سبقتم واستعدوا فقد لحقتم وانظروا بِمَاذَا من الْهوى علقتم وَلَا تغفلوا عَمَّا لَهُ خلقْتُمْ ذهبت الْأَيَّام وَمَا أطعتم وكتبت الآثام وَمَا أصغيتم وكأنكم بالصادقين قد وصلوا وانقطعتم أَهَذا التوبيخ لغيركم أَو مَا قد سَمِعْتُمْ لصردر (مَا ضَاعَ من ايامنا هَل يغرم ... هَيْهَات والأزمان كَيفَ تقوم) (يَوْم بأرواح يُبَاع ويشترى ... وَأَخُوهُ لَيْسَ يسام فِيهِ دِرْهَم) (لي وَقْفَة فِي الدَّار لَا رجعت بِمَا ... أَهْوى وَلَا يأسي عَلَيْهَا يقدم) (وَكَفاك أَنِّي للنوائب عَاتب ... ولصم أَحْجَار الديار أكلم) (وَمن البلادة فِي الصبابة أنني ... مستخبر عَنْهُن من لَا يفهم) (وَإِذا البليغ شكا إِلَيْهِ بثه ... عَبَثا فَمَا بَال المطايا ترزم) (كل كنى عَن شوقه بلغاته ... ولربما أبكى لفصيح الْأَعْجَم) (نرجو سلوكا فِي رسوم بَينهَا ... الأغصان سكر وَالْحمام متيم) (هذي تميل إِذا تنسمت الصِّبَا ... وَالْوَرق تذكر إلفها فترنم) آه على زمَان فَاتَ وعَلى قلب حَيّ مَاتَ كَيفَ الطمع فِيمَا مضى هَيْهَات ردا على ليَالِي الَّتِي سلفت أَيْن الزَّمَان الَّذِي بَان أتراه بَان أَيْن الْقلب الصافي كَانَ وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 (سقيا لمنزلة الْحمى وكثيبها ... إِذْ لَا أرى زَمنا كأزماني بهَا) (مَا أعرف اللَّذَّات إِلَّا ذَاكِرًا ... هَيْهَات قد خلفت أوقاتي بهَا) يَا من كَانَ لَهُ قلب فَانْقَلَبَ قيام السحر يستوحش لَك صِيَام النَّهَار يسْأَل عَنْك ليَالِي الْوِصَال تعاتبك (أَيْن أيامك والدهر ربيع ... والنوى معزولة والقرب وَال) يَا من كَانَ قَرِيبا فطرد يَا من كَانَ مشاهدا فحجب يَا عزيزي مَا ألفت الشَّقَاء فَكيف تصبر أصعب الْفقر مَا كَانَ بعد الْغنى وأوحش الذل مَا كَانَ بعد الْعِزّ وأشدهما على الْكبر يَا هَذَا بت بَيت الأخزان من قبل البيات وثب إِلَى المثيب وثبة ثبات وَلَا تجَاوز الجناب ودر حول الدَّار واستقبل قبْلَة التضرع وَقل فِي الأسحار (قد قلق الْحبّ وَطَالَ الْكرَى ... وأظلم الجو وضاق الفضا) (لَا يعطش الزَّرْع الَّذِي نبته ... بِصَوْت أنعامك قد روضا) (إِن كَانَ لي ذَنْب تجرمته ... فأستأنف الْعَفو وهب مَا مضى) (لَا تبر عودا أَنْت ريشته ... حاشى لباني الْمجد أَن يقضا) (كَيفَ لَا أبْكِي لاعراض من ... أعرض عني الدَّهْر إِذْ عرضا) (قد كنت أرجوه لنيل المنى ... فاليوم لَا أطلب إِلَّا الرِّضَا) يَا من فقد قلبه وَعدم التحيل فِي طلبه تنفس من كرب الوجد فبريد اللطف يحمل الملطفات ريح الأسحار ركابي الرسائل ونسيم الْفجْر ترجمان الْجَواب للمهيار (فيا ريح الصِّبَا اقترحي ... على الأحشاء واحتكمي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 (أَرَاك نسمت تختبرين ... مَا عهدي وَمَا ذممي) (فهذي فِي يَدي كَبِدِي ... وَذَا فِي وجنتي دمي) (سَلام كلما ذكرت ... ليالينا بِذِي سلم) أخواني صعداء الأنفاس وَاصل لَا يمْنَع لِسَان الدمع افصح من لِسَان الشكوى شجو التائب يطرب سمع الرِّضَا حزن النادم يسر قلب التَّعَبُّد قلق الْمِسْكِين مَحْبُوب الرَّحْمَة آسى من أسا فَرح الْعَفو بكاء المفرط يضْحك سنّ الْقبُول دمع المحزون مخزون لخزانة الْخَاص ريح نفس آسَف أطيب من ند ند قَطْرَة من الدمع على الخد أَنْفَع من ألف مطرة على الأَرْض (ضمنت حَالي للقصة ورفعتها ... فآتاني التوقيع يشْرَح حَاله) (فَأتيت ديوَان الْهوى فلكثرة ... العشاق لم يُنْهِي لي ايصاله) (حَتَّى إِذا أوصلتها نظرُوا إِلَى ... شخص تبقى للعيون خياله) (قلت ارحموا هَذَا الْفَقِير فَإِنَّهُ ... من حِين هجركم تمزق حَاله) يَا دَائِرَة الشَّقَاء أَيْن أولك يَا أَرض التيه مَتى آخرك يَا أَيُّوب الْبلَاء إِلَى كم على الكناسة مَتى ينْسَخ الزَّمن زمن اركض (سَمِعت حمامة هَتَفت بلَيْل ... وَقد حنت إِلَى ألف بعيد) (فازعجت الْقُلُوب واقلقتها ... فَمَا زلنا نقُول لَهَا أعيدي) (أرى مَاء وَبِي عَطش شَدِيد ... وَلَكِن لَا سَبِيل إِلَى الْوُرُود) تعلق بِاللَّيْلِ فَهُوَ شَفِيع مُشَفع تمسك بالبكاء فَهُوَ رَقِيق صَالح ادخل فِي زمرة المتهجدين على وَجه التطفل فِي فلوات الخلوات بِلِسَان التذلل (يَا رَاحِم عِبْرَة الْمُسِيء المحزون ... دمعي مبذول وحزن قلبِي مخزون) (شوقي يسْعَى إِلَيْك وَالصَّبْر حرون ... من تهجره أَنْت ترى كَيفَ يكون) أَبْوَاب الْمُلُوك لَا تطرق بِالْأَيْدِي وَلَا بِالْحِجَارَةِ بل بِنَفس مُحْتَاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 للمهيار (آه والشوق مَا تأوهت مِنْهُ ... لليال بالسفح لَو عدن أُخْرَى) (قلبوا ذَلِك الرماد تصيبوا ... فِيهِ قلبِي إِن لم تصيبوا الجمرا) يَا هَذَا اذا رَأَيْت نَفسك متخيلة لَا مَعَ المحبين وَلَا مَعَ التائبين فابسط رماد الأسف واجلس مَعَ رَفِيق اللهف وَابعث رِسَالَة القلق مَعَ بريد الصعداء لَعَلَّه يَأْتِي بِالْجَوَابِ بكشف الجوى (ولي زفرات لَو ظهرن قتلتني ... لشوق لييلاتي الَّتِي قد تولت) (إِذا قلت هذي زفرَة الْيَوْم قد مَضَت ... فَمن لي بِأُخْرَى مثل تيك أظلمت) (حَلَفت لَهُم بِاللَّه مَا أم وَاحِد ... إِذا دكرته آخر اللَّيْل أَنْت) (وَمَا وجدا عرابية قد فت بهَا ... صروف النَّوَى من حَيْثُ لم تَكُ ظنت) (تمنت أحاليب الرعاء وخيمة ... بِنَجْد فَلم يقدر لَهَا مَا تمنت) (إِذا ذكرت مَاء العذيب وطيبه ... وَبرد حصاه آخر اللَّيْل حنت) (لَهَا أنة وَقت الْعشَاء وأنة ... سحيرا فلولا أنتاها لجنت) (بِأَكْثَرَ مني لوعة غير أنني ... أجمجم أحشائي على مَا أجنت) نيران الْخَوْف فِي قُلُوب التائبين مَا تخبو وقلق المذنبين مِمَّا جنوا لَا يسكن وضجيج المحبين فِي جيوش الشوق مَا يفتر (واها لزماننا الَّذِي كَانَ صفا ... أبْكِي مرضِي وَلَيْسَ لي مِنْهُ شفا) (ذَابَتْ روحي وَمَا أرى غير جَفا ... هَذَا رمقي تسلموه بوفا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 الْفَصْل الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ أَلا يعْتَبر الْمُقِيم مِنْكُم بِمن رَحل أَلا ينْدَم من يعلم عواقب الكسل أه لغافل كلما جد الْمَوْت هزل ولعاقل كلما صعد الْعُمر نزل (أعد على فكرك أسلاف الْأُمَم ... وقف على مَا فِي الْقُبُور من رمم) (وناديهم أَيْن الْقوي مِنْكُم ... القاهر أم أَيْن الضَّعِيف المهتضم) (تفاصلت أوصالهم فَوق الثرى ... ثمَّ تَسَاوَت تَحْتَهُ كل قدم) (قبر الْبَخِيل والكريم وَاحِد ... مَا نفع الْبُخْل وَلَا ضرّ الْكَرم) (وَاعجَبا لغافل أَمَامه ... هجوم مَا لَا يَتَّقِي إِذا هجم) (إِذا تخطاه على عهد الصَّبِي ... أَو الشَّبَاب لم يفته فِي الْهَرم) (أما كفى الْإِنْسَان موت بعضه ... وَهُوَ المشيب المستطير فِي اللمم) (أَي خليلين أَقَامَا أبدا ... مَا افْتَرقَا وَأي حَبل مَا انصرم) (إِن النُّجُوم الدائرات أبدا ... تضحك من مبتسم إِذا ابتسم) أخواني بَادرُوا آجالكم وحاذروا آمالكم آمالكم عِبْرَة فِيمَن مضى آمالكم مَا هَذَا الْغرُور الَّذِي قد أمالكم ستتركون على رغم آمالكم مالكم أخواني صَدقْتُمْ الأمل فكذبكم وأطعتم الْهوى فعذبكم أما أنذركم السقم بعد الصِّحَّة والترحة بعد الفرحة فِي كل يَوْم يَمُوت من أشباحكم مَا يَكْفِي فِي نعي أرواحكم وَيحل بعقوقكم وفنائكم مَا يُخْبِركُمْ عَن شتاتكم وفنائكم فَخُذُوا حذركُمْ قبل النوائب فقد أتيتم من كل جَانب وتذكروا سهر أهل النَّار فِي النَّار واحذروا فَوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 دَار الْأَبْرَار وتخوفوا يَوْم الْفَصْل بَين الْفَرِيقَيْنِ أَن يُصِيبكُم من الْبَين الْبَين أخواني أبصاركم قَوِيَّة وبصائركم ضَعِيفَة وَمن ترائى هَوَاهُ توارى عَنهُ عقله سُبْحَانَ من ظهر لخلقه بخلقه غير أَن عَالم الْحس لَا يرونه أما قَلْبك من نُطْفَة إِلَى علقَة وَأَنت كالجماد كلما نفخ فِيك الرّوح بعث الزَّاد يساق إِلَيْك من دم الْأُم فتتناوله باجتذاب السُّرَّة إِذْ لَو طرق الْحُلْقُوم تلفت فَلَمَّا خرجت إِلَى فلاة الدُّنْيَا رَأَيْت أدواتي الثديين معلقتين لشربك وَكَانَت عمور الْأَسْنَان تَكْفِي فِي اجتذاب المشروب فَكلما اعتصرته خرج مغربلا لِئَلَّا يَقع شَرق فَلَمَّا قويت المعا وافتقرت إِلَى غذَاء فِيهِ صلابة أنبت الْأَسْنَان لتقطع والأضراس لتطحن وَمن الْعَجَائِب أَنه أخرجت غبيا لَا تعلم شَيْئا فَلَو أخرجك عَاقِلا لرأيت من أَطَم المصائب تقلبك فِي الْخرق والمصائب ثمَّ جعل بكاءك حِينَئِذٍ متقاضيا بالمصالح وَبث القوى فِي باطنك فقوة تطلب الْغذَاء وثانية تجتذبه إِلَى الكبد وثالثة تمسكه لَهَا حَتَّى تطبخه فَيصير دَمًا ورابعة تهضمه وخامسه تفرق بَين صفوة وكدره وسادسة تتولى قسمته فَلَو بعثت إِلَى الخد مَا تبْعَث إِلَى الكخذ صَار بمقداره وسابعة تدفع ثقله أفيحسن بعد تَفْرِقَة الجامكية على الْعَسْكَر أَن يثبوا فِي الْمُخَالفَة للمنعم ثمَّ انْظُر إِلَى هَذَا الْهَوَاء الَّذِي قد ملئ بِهِ الفضاء كَيفَ تنتصب مِنْهُ النَّفس إِلَى النَّفس ثمَّ هُوَ للاصوات من حَيْثُ الْمَعْنى كالقرطاس يرقم فِيهِ الْحَوَائِج ثمَّ يمتحي فَيَعُود نقيا فأقوام يرقمون فِيهِ الذّكر وَالتَّسْبِيح وَآخَرُونَ يرقمون كل قَبِيح وَكم بَين من يرقم تِلَاوَة الْقُرْآن وَبَين من يرقم أصوات العيدان ثمَّ تَأمل آلَات الْأَصْوَات ترى الرئة كالزق والحنجرة كالأنبوب فَإِذا ظهر الصفر أَخذ اللِّسَان والشفتان فِي صناعته الحانا فَهُوَ كالأصابع الْمُخْتَلفَة على فَم المزمار ثمَّ تَأمل الأَرْض كَيفَ مدها بساطا وأمسكها عَن الِاضْطِرَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 لتصبح السُّكْنَى ثمَّ يزلزلها فِي وَقت ليفطن السَّاكِن بقدرة المزعج وَجعل فِيهَا نوع رخاوة ليقبل الْحفر وَالزَّرْع وَرفع جَانب السَّمَاء لينحدر المَاء وَفرق الْمِيَاه بَين الجزائر ليرطب الْهَوَاء وأودع الْمَعَادِن كَمَا تودع الْحَاجَات فِي الخزائن وَلما بَث الطير صان عَنْهَا السنبل لِأَنَّهُ قوتك بقشور صلبة قايمات كالإبر لِئَلَّا تستفه فتموت بشماء فَيفوت الحظان ثمَّ تَأمل الرماية كَيفَ حشيت بالشحم بَين الْحبّ ليَكُون غذاءا لَهَا إِلَى وَقت عود الْمثل ثمَّ جعل كل حشوتين لفافة لِئَلَّا يتصاك فَيجْرِي المَاء ثمَّ جَاءَ بالشمس سِرَاجًا ومنضجا للثمر تجْرِي لتعمر الْأَمَاكِن ثمَّ تغيب ليسكن الْحَيَوَان وَلما كَانَت الْحَوَائِج قد تعرض بِاللَّيْلِ جعل فِي الْقَمَر خلفا وَلم يَجْعَل طلوعه فِي اللَّيْل دَائِما لِئَلَّا تنبسط النَّاس فِي أَعْمَالهم كانبساطهم بِالنَّهَارِ فيؤذي الْحَرِيص كلاله وَلما قدر غيبَة الْقَمَر فِي بعض اللَّيْل جعل أنوار الْكَوَاكِب كشعل النَّار فِي أَيدي المقتبسين وَلما كَانَت حَاجَة الْخلق إِلَى النَّار ضَرُورِيَّة أَنْشَأَهَا وَجعلهَا كالمخزون تستنهض وَقت الْحَاجة فتمسك بالمادة قدر مُرَاد الممسك ثمَّ انْظُر إِلَى الطَّائِر لما كَانَ يختلس قوته خوف اصطياده صلب منقاره لِئَلَّا ينسحج من الإلتقاط لِأَن زمَان الإنتهاب لَا يحْتَمل المضغ وَجعل لَهُ حوصلة يجمع فِيهَا الْحبّ ثمَّ يَنْقُلهُ إِلَى القانصة فِي زمَان الْأَمْن فَإِن كَانَت لَهُ أفراخ أسهمهم من الْحَاصِل فِي الحوصلة قبل النَّقْل فَإِن لم يكن لَهُ حنة على أفراخه أغنوا عَنهُ باستقلالهم من حِين انْشِقَاق الْبَيْضَة كالفراريج وَاعجَبا كَيفَ يعْصى من هَذِه نعمه وَكَيف لَا تَمُوت النَّفس حبا لمن هَذِه حكمه إِن دنت همتك فخف من عُقُوبَته وَإِن علت قَلِيلا فارغب فِي مُعَامَلَته وَإِن تناهت فَتعلق بمحبته على قدر أهل الْعَزْم تَأتي العزائم إِن قصرت همتك فآثرت قطع الشوك صحبك حمَار وَإِن رضيت سياسة الدَّوَابّ رافقك بغل وَإِن سددت بعض الثغور أَعْطَيْت فرسا فَإِن كنت تحسن السباق كَانَ عَرَبيا فَإِن عزمت على الْحَج ركبت جملا وَإِن شمخت همتك إِلَى الْملك فالفيل مركب الْمُلُوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 (رَأَيْت عليات الْأُمُور منوطة ... بمستودعات فِي بطُون الأساود) لَيْسَ كل الْخَيل للسباق وَلَا كل الطُّيُور تحمل الْكتب من النَّاس من تشغله فِي الدُّنْيَا سَوْدَاء وَمِنْهُم من لَا يلهيه فِي الْجنَّة قصر وَلَا يسليه عَن حَبِيبه نهر قوته فِي الدُّنْيَا الذّكر وَفِي الْآخِرَة النّظر (يَقُول أنَاس لَو تناسى وصالها ... وواصل أُخْرَى غَيرهَا لسلاها) (فَلَا نظرت عين تلذ بغَيْرهَا ... وَلَا بقيت نفس تحب سواهَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 الْفَصْل التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ أَيهَا الغافل فِي إِقَامَته عَن نقلته الْجَاهِل وَقد ملا بِمَا يملي بطن صَحِيفَته أَلَك زَاد لسفرك على طول مسافته (خف الله وَانْظُر فِي صحيفتك الَّتِي ... حوت كلما قَدمته من فعالكا) (فقد خطّ فِيهَا الكاتبان فاكثروا ... وَلم يبْق إِلَّا أَن يَقُولَا فذالكا) (وَالله مَا تَدْرِي إِذا مَا لقيتها ... أتوضع فِي يمناك أَو فِي شمالكا) (فَلَا تحسبن الْمَرْء يبْقى مخلدا ... فَمَا النَّاس إِلَّا هَالك فابك هَالكا) يَا من تحصى عَلَيْهِ اللَّفْظَة والنظرة مزق بيد الْجد أَثوَاب الفترة وتأهب فَمَا تَدْرِي السّير عشَاء أَو بكرَة وَاعْتبر بالقرباء فَالْعِبْرَة تبْعَث الْعبْرَة وتزود لسفرة مَا مثلهَا سفرة واقنع باليسير فالحساب عسير على الذّرة وَإِيَّاك وَالْحرَام وَانْظُر من أَيْن الكسرة قبل أَن تلقى سَاعَة حسرة وتلقى بعْدهَا فِي ظلمَة حُفْرَة (لَا يغرنك الزَّمَان بيسر ... وسرور وَلَا يرعك بعسره) (إِن مر الزَّمَان يمحق عسر الْمَرْء ... فِي لَحْظَة وَيذْهب بسره) (وَسَوَاء إِذا انْقَضى يَوْم كسْرَى ... فِي نعيم وَيَوْم صَاحب كَسره) أَتَرَى فِي عين الْعبْرَة رمد أما تبصر انسلاخ الأمد يَا دَائِم الْمعاصِي مَا غَيره الْأَبَد تصلى وَلَو التعود لم تكد الْقلب غايب إِنَّمَا جَاءَ الْجَسَد الْفِكر يجول فِي طلب الدُّنْيَا من بلد إِلَى بلد يَا معرضًا عَن بَحر برناء لَا تقنع بالتمد يَا مقتول الْهوى وَلَكِن بِلَا قَود بَين الْهوى والمنى ضَاعَ الْجلد أما يجول ذكر الْمَوْت فِي الْخلد أَرَأَيْت أحدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 من قبلك خلد رب يَوْم مَعْدُود وَلَيْسَ فِي الْعدَد إِنَّمَا الرّوح عَارِية فِي هَذَا الْجَسَد هَذَا بَحر الْغرُور يقذف بالزبد كم رَكبه جَاهِل فغرق قبل الْبَلَد هَذَا سهم الْمنون يفري حلق الزرد أخواني دنا الصَّباح فَقولُوا لمن رقد أَيْن الْوُجُوه الصَّباح مرت على جدد أَيْن الظباء الملاح اغتالها الْأسد هَذَا هُوَ الْمصير أما يرعوي أحد قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لأبي حَازِم عظني فَقَالَ اضْطجع ثمَّ اجْعَل الْمَوْت عِنْد رَأسك ثمَّ انْظُر مَا تحب أَن يكون فِيك تِلْكَ السَّاعَة فجد فِيهِ الْآن وَمَا تكره أَن يكون فِيك فَدَعْهُ الْآن أَيهَا الطَّالِب للدنيا وَمَا يجد كَيفَ تَجِد الْآخِرَة وَمَا تطلب مَا مضى من الدُّنْيَا فحلم وَمَا بَقِي فأماني سَبْعَة يظلهم الله فِي ظله مِنْهُم رجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات منصب وجمال فَقَالَ إِنِّي أخْشَى الله إسمع يَا من أجَاب عجوزا على مزبلة وَيحك إِنَّهَا سَوْدَاء وَلَكِن قد غلبت عَلَيْك عرضت على نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطحاء مَكَّة ذَهَبا فَأبى يَا مُحَمَّد مِمَّن تعلمت هَذِه القناعة قَالَ لِسَان حَاله من عجلة أبي الْحَرِيص دَائِم السرى وَمَا يحمد الصَّباح من لاهمة لَهُ سوى جمع الحطام مَعْدُود فِي الحشرات يَا أطيار الْقُلُوب إِلَى كم فِي مزبلة الْحَبْس أكسري بالعزم قفص الْحصْر واخرجي إِلَى فضاء صحراء الْقُدس روحي خماصا من الْهوى تعودي بطانا من الْهدى بَين أبي الْحَرَكَة وَأم الْقَصْد ينْتج ولد الظفر لَا ينَال الجسيم بالهومينا حمل النَّفس على حمل المشاق مدرجة إِلَى الشّرف وَاعجَبا من توقف الكالى والدر ينثر أشهود كغياب أكانون فِي آب الْحَرْب خصام قَائِم وَأَنت غُلَام نَائِم إدخل بسلامتك لابس لامتك لَيْسَ فِي سلَاح الْمُحَارب أحد من نبلة عزم أجرأ الليوث أجرهَا للصيود (لَيْسَ عزما مَا مرض الْعَزْم فِيهِ ... لَيْسَ هما مَا عَاق عَنهُ الظلام) طر بجناح الْجد من وكر الكسل تَابعا آثَار الأحباب تصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 للشريف الرضى (تلفت حَتَّى لم يبن من دِيَارهمْ ... جناب وَلَا من نارهن وقود) (وَإِن الْتِفَات الْقلب من بعد طرفه ... طوال اللَّيَالِي نحوهم ليزِيد) (وَلَو قَالَ لي الغادون مَا أَنْت مشته ... غَدَاة جزعنا الرمل قلت أَعُود) (أأصبر والوعساء بيني وَبينهمْ ... واعلام خبت أنني لجليد) يَا مخنث الْعَزْم أَيْن أَنْت وَالطَّرِيق سَبِيل نصب فِيهِ آدم وناح لأَجله نوح وَرمى فِي النَّار إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وأضجع للذبح إِسْمَعِيل وَبيع يُوسُف بِدَرَاهِم وَذَهَبت من الْبكاء عين يَعْقُوب وَنشر بِالْمِنْشَارِ زَكَرِيَّا وَذبح الحصور يحيى وضنى بالبلاء أَيُّوب وَزَاد على الْمِقْدَار بكاء دَاوُد وتنغص فِي الْملك عَيْش سُلَيْمَان وتحير برد لن مُوسَى وهام مَعَ الوحوش عِيسَى وعالج الْفقر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فيا دَارهم بالحزن إِن مزارها ... قريب وَلَكِن دون ذَلِك أهوال) أول قدم فِي الطَّرِيق بذل الرّوح هَذِه الجادة فَأَيْنَ السالك هَذَا قَمِيص يُوسُف فَأَيْنَ يَعْقُوب هَذَا طور سينا فَأَيْنَ مُوسَى يَا جُنَيْد احضر يَا شبلي إسمع (بِدَم الْمُحب يُبَاع وصلهم ... فَمن الَّذِي يبْتَاع بالسعر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الْفَصْل الْأَرْبَعُونَ أخواني إعتبروا بالذين قطنوا وخزنوا كَيفَ ظعنوا وحزنوا وانظروا إِلَى آثَارهم تعلمُوا أَنهم قد غبنوا لاحت لَهُم لذات الدُّنْيَا فاغتروا وفتنوا فَمَا انقشعت سَحَاب المنى حَتَّى مَاتُوا ودفنوا (جمعُوا فَمَا أكلُوا الَّذِي جمعُوا ... وبنوا مساكنهم فَمَا سكنوا) (فكأنهم كَانُوا بهَا ظعنا ... لما استراحوا سَاعَة ظعنوا) يَا من قد امتطى بجهله مطا المطامع لقد ملا الْوَعْظ فِي الصَّباح والمساء المسامع أَيْن الَّذين بلغُوا آمالهم فَمَا لَهُم فِي المنى مُنَازع مَا زَالَ الْمَوْت يَدُور على بدور الدّور حَتَّى طوى الطوالع صَار الجندل فراشهم بعد أَن كَانَ الْحَرِير فِيمَا مضى الْمضَاجِع ولقوا وَالله البلا فِي تِلْكَ البلاقل قَالَ شَدَّاد بن أَوْس لَو أَن الْمَيِّت نشر فَأخْبر أهل الدُّنْيَا بألم الْمَوْت مَا انتفعوا بعيش وَلَا التذوا بنوم وَقَالَ وهب ابْن مُنَبّه لَو ان ألم عرق من عروق الْمَيِّت قسم على أهل الأَرْض لوسعهم ألما وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يجمع الْفُقَهَاء كل لَيْلَة فيتذاكرون الْمَوْت وَالْقِيَامَة ثمَّ يَبْكُونَ حَتَّى كَأَن بَين أَيْديهم جَنَازَة وَقَالَ يحيى بن معَاذ لَو ضربت السَّمَاء وَالْأَرْض بالسياط الَّتِي ضرب بهَا ابْن آدم لانقادت خاشعة للْمَوْت والحساب وَالنَّار يَا هَذَا الشيب أَذَان وَالْمَوْت إِقَامَة وَلست على طَهَارَة الْعُمر صلوة والشيب تَسْلِيم يَا من قد خيم حب الْهوى فِي صحراء قلبه أقلع الْأَطْنَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 فقد ضرب بوق الرحيل أما تسمع صَوت السَّوْط فِي ظُهُور الْإِبِل أما ترى عجلة السَّلب وَقصر الْعُمر شَارف الركب بلد الْإِقَامَة فاستحث المطى يَا مُشَاهدَة مَا تمت بغيتها حَتَّى وَقع النهب فِيهَا إستلب مِنْك لَك قبل أَن تستلب الْجُمْلَة الْأَيَّام تسرع فِي تبذير مَجْمُوع صُورَتك وَأَنت تسرع فِي تبذير معانيك يَا شباب الْجَهْل يَا كهول التَّفْرِيط يَا شُيُوخ الْغَفْلَة إجلسوا مَعنا سَاعَة فِي مأتم الأسف يَا سحائب الأجفان إمطري على رباع الذُّنُوب يَا ضيف النَّدَم على الْإِسْرَاف أسكن شغف الْقُلُوب يَا أَيَّام الشيب إِنَّمَا أَنْت بَين دَاع ووداع فَهَل لماض من الزَّمَان ارتجاع (قفا ودعا نجدا وَمن حل بالحمى ... وَقل لنجد عندنَا أَن تودعا) (فَلَيْسَ عشيات الْحمى برواجع ... عَلَيْك وَلَكِن خل عَيْنَيْك تدمعا) (تلفت نَحْو الْحمى حَتَّى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا واخدعا) (وَاذْكُر أَيَّام الْحمى ثمَّ انثنى ... على كَبِدِي من خشيَة أَن تصدعا) أخواني سَكرَان الْهوى بعيد الْإِفَاقَة فَلَو تذكر إِقَامَة الْحَد طَار السكر من تحسى مرق الْهوى احترقت شفتاه من أكل من الظُّلم تَمْرَة أَدَّاهَا قوصرة وَيحك اغسل العثرة بعبرة وادفع الحوبة بتوبة مَا دَامَ فِي الْوَقْت مهلة وَفِي زمن السَّلامَة فسحة قبل أَن تَمُوت وتفوت وَتَعْلُو بعد الْخَيل على تَابُوت قبل أَن ترى السّمع وَالْبَصَر قد كلا وَتقول {رب ارْجِعُونِ} فَيُقَال كلا قبل أَن يصير دمع الأسى من جفن من أسى وَيُقَال هلا كَانَ هَذَا قبل هَذَا هلا (أتترك من تحب وَأَنت جَار ... وتطلبه إِذا بعد المزار) (وتبكي بعد نأبهم اشتياقا ... وتسأل فِي الْمنَازل أَيْن سَارُوا) (تركت سُؤَالهمْ وهم حُضُور ... وترجو أَن تخبرك الديار) (فنفسك لم وَلَا تلم المطايا ... ومت كمدا فَلَيْسَ لَك اعتذار) يَا من أَجله يذوب ذوبان الثَّلج فِي الْحر أينقشع غيم الْعُمر لَا عَن هِلَال الْهدى أتؤثر الفاني المرذول على النفيس الْبَاقِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 (أرضينا بثنيات اللوى ... عَن زرود يَا لَهَا صَفْقَة غبن) مَا يخفى عَلَامَات الإدبار عَلَيْك يفتش دَارك فَلَا يرى سواك للطَّهَارَة بلَى ملاعق الْأكل لَيْسَ فِي الْبَيْت مصحف بل تَقْوِيم أينفع وجود التَّقْوِيم يَا مهتما بِالنّظرِ فِي الطالع طالع مَا قد خبي لَك كَأَنَّك بِالْمَوْتِ قد طلع وَمَا طالع فكرك عَاقِبَة اسْمَع حسابي حَقًا وَمَا ارجم ودع لكلماتي هذي قَول الهاذي المنجم إِن ضم النَّدَم على التَّفْرِيط إِلَى الْعَزِيمَة على الْإِنَابَة فساعة سعد وَإِن اجْتمع فِي الْقلب حب الدُّنْيَا على إِيثَار الكسل فقران نحس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 الْفَصْل الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ مَا هَذَا الْحبّ للدنيا والصبابة وَإِنَّمَا يَكْفِي مِنْهَا صبَابَة فَقل للنَّفس الحريصة لقد بِعْت الْأُخْرَى رخيصة (يَا نفس مَا الدَّهْر إِلَّا مَا علمت فكم ... أَلَسْت حَدَّثتنِي أَنِّي أَتُوب فَلم) (إياك اياك من سَوف فكم خدعت ... وأهلكت أمما من قبلهَا وأمم) (توبي يكن لَك عِنْد الله جاه تقى ... وَقدمي من فعال الصَّالِحين قدم) (يَا رَاقِد للبلى حث المشيب بِهِ ... إِلَّا فَكُن خَائفًا لَا تقعدن وقم) يَا من قد أَخذ الْهوى بأزمته وَأمْسك الردى بلمته يَا رهين دُيُون تعلّقت فِي ذمَّته هَذَا أَوَان جدك إِن كنت مجدا هَذَا زمَان استعدادك أَن كنت مستعدا للشريف الرضى (يَا نفس قد عز المُرَاد فَخذي ... إِن كنت يَوْمًا تأخذين أَو ذرى) (نهزة مجد كنت فِي طلابها ... لمثلهَا ينصف ساقي مئزري) (عمر الْفَتى شبابه وَإِنَّمَا ... آونة الشيب انْقِضَاء الْعُمر) رض مهر النَّفس يتأت ركُوبه أمت زئبق الطَّبْع يُمكن اسْتِعْمَاله تلمح فجر الْأجر يهن ظلام التَّكْلِيف إحذر حَيَّة الْفَم فَإِنَّهَا بتراء إِذا خرجت من شفة غدرك لَفْظَة سفه فَلَا تلحقها بِمِثْلِهَا تلقحها ونسل الْخِصَام مَذْمُوم أوثق سبع غضبك بسلسلة حلمك فَإِنَّهُ إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 أفلت أتلف مَتى قُمْت بحدة الْغَضَب انطفى مِصْبَاح الْحلم بَحر الْهوى إِذا مد أغرق وأخوف المنافذ من الْغَرق فَتْحة الْبَصَر فَلَا يشْتَغل زمَان الزِّيَادَة إِلَّا باحكام القورح (والمرء مَا دَامَ ذَا عين يقلبها ... فِي أعين الْعين مَوْقُوف على الْخطر) (يسر مقلته مَا ضرّ مهجته ... لَا مرْحَبًا بسرور عَاد بِالضَّرَرِ) لَو حضرت مَعَ الأحباب الْبَاب لسامح النَّاقِد ببهرجك رحلت رفْقَة {تَتَجَافَى} ومطرود النّوم فِي حبس الرقاد فَمَا فك عَنهُ السجان قيد الْكرَى حَتَّى اسْتَقر بالقوم الْمنزل فَقَامَ يتلمح الْآثَار بِبَاب الْكُوفَة والأحباب قد وصلوا إِلَى الْكَعْبَة لصردر (من يطلع شرفا فَيعلم لي ... هَل روح الرعيان بِالْإِبِلِ) (أم قعقعت عمد الْخيام أم ... ارْتَفَعت قبابهم على البزل) (أم غرد الْحَادِي بقافية ... مِنْهَا غراب الْبَين يستلمي) (فضلت دموعي عَن مدى حزني ... فَبَكَيْت من قتل الْهوى قبلي) (مَا مر ذُو شجن يَكْتُمهُ ... أَلا اقول متيم مثلي) من أَرَادَ من الْعمَّال أَن يعرف قدره عِنْد السُّلْطَان فَلْينْظر مَاذَا يوليه الزهاد عين العارفين الْأَرْوَاح فِي الأشباح كالأطيار فِي الأبراج وَلَيْسَ مَا أعد للأستفراخ كَمَا هِيَ للسباق من حدق بِعَين الْفِكر إِلَى مطلع الْهدى لَاحَ لَهُ الْهلَال كم أداوي بصر بصيرتك وَمَا يتجلى مَا أَظن الضعْف إِلَّا فِي الْوَضع ضعف عين الخفاش لَيْسَ برمد وحدة نَاظر الهدهد خلقَة مصابيح الْقُلُوب الطاهرة فِي أصل الْفطْرَة منيرة قبل الشرايع {يكَاد زيتها يضيء} وحد قس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَمَا رأى الرَّسُول وَكفر ابْن أبي وَقد صلى مَعَه مَعَ الضَّب ري يَكْفِيهِ وَلَا مَاء وَكم من عطشان فِي الموجة إِذا سبق الْأَنْعَام فِي الْقدَم فَذَلِك غنى الْأَبَد لما تقدم اخْتِيَار الطين المنهبط صعد على النَّار المرتفعة وَكَانَت الْغَلَبَة لآدَم فِي حَرْب إِبْلِيس فاكتفت جَهَنَّم بِمَا جرى فَسلمت يَوْم جزيا مُؤمن سبق الْعلم بنبوة مُوسَى وإيمان آسِيَة فسيق تابوته إِلَى بَيتهَا فجَاء طِفْل مُنْفَرد عَن أم إِلَى امْرَأَة خَالِيَة عَن ولد قرينان مرتعنا وَاحِد دخل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَيت يَهُودِيّ يعودهُ فَقَالَ لَهُ أسلم فَنظر الْمَرِيض إِلَى أَبِيه فَقَالَ لَهُ أجب أَبَا الْقَاسِم فَأسلم فَكَانَ ذَلِك قَرِيبا من نسب سلمَان منا فصاحت أَلْسِنَة الْمُخَالفين مَا لمُحَمد وَلنَا وَالْقدر يَقُول مريضنا عنْدكُمْ كَيفَ انصرافي ولي فِي داركم شغل لما عَم نور النُّبُوَّة آفَاق الْهدى رَآهُ سلمَان دون الْعم قويت ظلمات الشّرك بِمَكَّة فتخبطت قُرَيْش فِي الضلال فلاح مِصْبَاح الْفَلاح من سجف دَار الخيزران فَإِذا عمر على الْبَاب وَلَقَد أنارت لإبليس شمس الْبَيَان يَوْم {أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ} غير أَن النَّهَار ليل عِنْد الْأَعْشَى رَجَعَ الخفاش إِلَى عشه فَقَالَ أوقدوا الْمِصْبَاح فقد جن اللَّيْل فَقَالُوا الْآن طلعت الشَّمْس فَقَالَ ارحموا من طُلُوع الشَّمْس عِنْده ليل فسبحان من أعْطى وَمنع وَلَا يُقَال لم صنع سلم التَّوْفِيق قريب المراقي وبئر الخذلان بِلَا قَعْر رُبمَا أدْرك الوقفة أهل مصر وفاتت أهل نَخْلَة لَا بُد وَالله من نُفُوذ الْقَضَاء فاجنح للسلم (كم بالمخصب من عليل ... هوى طريح لَا يُعلل) (وقتيل بَين بَين خيف ... مني وَجمع لَيْسَ يعقل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 كَيفَ تتقي نبال الْقدر وَالْقلب بَين إِصْبَعَيْنِ (لَا تغضبن على قوم تحبهم ... فَلَيْسَ ينجيك من أحبابك الْغَضَب) (وَلَا تخاصمهم يَوْمًا إِذا حكمُوا ... إِن الْقُضَاة إِذا مَا خوصموا غلبوا) كَانَ إِبْلِيس كالبلدة العامرة فَوَقَعت فِيهَا صَاعِقَة الطَّرْد فَهَلَك أَهلهَا {فَتلك بُيُوتهم خاوية} (من لم يكن للوصال أَهلا ... فَكل إحسانه ذنُوب) أَخذ كسَاء ترهبه فَجعل جلا لكَلْب أَصْحَاب الْكَهْف فَأخذ الْمِسْكِين فِي عَدَاوَة آدم فكم بَالغ واجتهد وأبى الله أَن يَقع فِي الْبِئْر إِلَّا من حفر وَيحك مَا ذَنْب آدم أَنْت الْجَانِي على نَفسك وَلكنه غيظ الْأَسير على الْقد لَقِي إِبْلِيس عمر بن الْخطاب فصارعه فصرعه عمر فَقَالَ بِلِسَان الْحَال أَنا مقتول بِلِسَان الخذلان قبل لقائك فإياك عني لَا يكن بك مَا بيا يَا عمر أَنْت الَّذِي كنت فِي زمَان الْخطاب لَا تعرف الْبَاب وَأَنا الَّذِي كنت فِي سدة السِّيَادَة وأتباعي الْمَلَائِكَة موصل منشور لَا يسئل فعزلني وولاك فَكُن على حذر من تحول الْحَال (فَإِن الحسام الصَّقِيل الَّذِي ... قتلت بِهِ فِي يَد الْقَاتِل) لما تمكنت معرفَة عمر بتقليب الْقُلُوب لعب القلق بِقَلْبِه خوفًا من قلبه فبادر بطرِيق بَاب الْبَرِيد بِالْعَزْلِ وَالْولَايَة يَا حُذَيْفَة يَا حُذَيْفَة الْمحبَّة الْعُظْمَى ارتباط أَمرك بِمن لَا يُبَالِي بهلاكك فكم قد أهلك قبلك مثلك كم مشارف بسفينة عمله على شاطئ النجَاة ضربهَا خرق الخذلان فغرقت وَمَا بَقِي للسلامة إِلَّا بَاعَ أَو ذِرَاع أَي تصرف بَقِي لَك فِي قَلْبك وَهُوَ بَين إِصْبَعَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 (يَا قلب إلام تطالبني ... بلقا الأحباب وَقد رحلوا) (أرسلتك فِي طلبي لَهُم ... لتعود فضعت وَمَا حصلوا) (سلم واصبر واخضع لَهُم ... كم مثلك قبلك قد قتلوا) (مَا أحسن مَا اعقلت بِهِ ... أما لَك مِنْهُم لَو فعلوا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 الْفَصْل الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ يَا من قد أسره الْهوى فَمَا يَسْتَطِيع فكاكا أفق قبل الومى وَهَا هُوَ قد أدركك إدراكا قبل أَن لَا ينفع الْبكاء الباكي وَلَا التباكي من تباكى لأبي الْعَتَاهِيَة (بليت وَمَا تبلى ثِيَاب صباكا ... كَفاك نَذِير الشيب فِيك كفاكا) (ألم تَرَ أَن الشيب قد قَامَ ناعيا ... مقَام الشَّبَاب الغض ثمَّ نعاكا) (وَلم تَرَ يَوْمًا مر إِلَّا كَأَنَّهُ ... بإهلاكه للهالكين عناكا) (أَلا أَيهَا الفاني وَقد حَان حِينه ... أتطمع أَن تبقى فلست هناكا) (تسمع ودع من أفسد الغى سَمعه ... كَأَنِّي بداع قد أَتَى فدعاكا) (وَرب أَمَان للفتى نصبت لَهُ ... الْمنية فِيمَا بَينهُنَّ شراكا) (أَرَاك وَمَا تنفك تهدي جَنَازَة ... ويوشك أَن تهدي هديت كذاكا) (ستمضي وَيبقى مَا ترَاهُ كَمَا ترى ... وينساك من خلفته هُوَ ذاكا) (أَلا لَيْت شعري كَيفَ أَنْت إِذا القوى ... وهب وَإِذا الكرب الشَّديد علاكا) (تَمُوت كَمَا مَاتَ الَّذين نسيتهم ... وتنسى ويهوى الْحَيّ بعد هواكا) (كَأَن خطوب الدَّهْر لم تجر سَاعَة ... عَلَيْك إِذا الْخطب الْجَلِيل آتاكا) (ترى الأَرْض كم فِيهَا رهون دفينة ... غلقن فَلم يقبل لَهُنَّ فكاكا) كم سكن قبلك فِي هَذِه الدَّار فحام الْمَوْت حوم حماهم وَدَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 ثمَّ ناهضهم سَرِيعا وثار كَأَنَّهُ ولي يطْلب الثأر وَقد خوفك بِأخذ الصّديق وسلب الْجَار وَمن أنذر قبل هجومه فَمَا جَار يَا هَذَا الْعُمر عمر قَلِيل وَقد مضى أَكْثَره بِالتَّعْلِيلِ وَأَنت تعرض الْبَقِيَّة للتأويل وَقد آن الْآن أَن يرحل النزيل مَا أرخص مَا يُبَاع عمرك وَمَا أغفلك عَن الشرا وَالله مَا بيع أخوة يُوسُف يُوسُف بِثمن بخس يَا عجب من بيعك نَفسك بِمَعْصِيَة سَاعَة مَتى يَنْتَهِي الْفساد مَتى يرعوي الْفُؤَاد يَا مُسَافِرًا بِلَا زَاد لَا رَاحِلَة وَلَا جواد يَا زارعا قد آن الْحَصاد يَا طائرا بِالْمَوْتِ يصاد يَا بهرج البضاعة أَيْن الْجِيَاد يَا مصاب الذُّنُوب أَيْن الْحداد لَو عرفت الْمُصَاب فرشت الرماد لَو رَأَيْت سَواد السِّرّ لبست السوَاد جسمك فِي وَاد وَأَنت فِي وَاد نثر الدّرّ لديك وَمَا تنتقي وَقربت المراقي إِلَيْك وَمَا ترتقي لقد ضيعت مَا مضى وشرعت فِي مَا بَقِي يَا وَاقِفًا فِي المَاء الْغمر وَمَا ينقى (إِن قلت قُم قَالَ رجْلي مَا تطاوعني ... أَو قلت خُذ قَالَ كفى مَا تواتيني) وَاعجَبا لنفاسة نفس رفعت بسجود الْملك لَهَا كَيفَ نزلت بالخساسة حَتَّى زاحمت كلاب الشره على مزابل الذل هَيْهَات لن تفلح الْأسد إِذا أنفقت عَلَيْهَا الميتات الفسد يَا هَذَا جسدك كالناقة يحمل رَاكب الْقلب فَلَا تجْعَل الْقلب مستخدما فِي علف الرَّاحِلَة تالله إِن جَوْهَر معناك يتظلم من سوء فعلك لِأَنَّك قد أَلقيته فِي مزابل الذل مَاء حياتك فِي ساقية عمرك قد اغدودق فَهُوَ يسيل ضايعا إِلَى مهاوي الْهوى وينسرب فِي أسراب البطالة فقد امْتَلَأت بِهِ خربات الْجَهْل ومزابل التَّفْرِيط وشربته أدغال الغفلات وَيحك أردده إِلَى مزارع التَّقْوَى لَعَلَّه يحدق نور حديقة إِلَى مَتى يَمْتَد ليلى الْغَفْلَة مَتى تَأتي تباشير الصَّباح (هَل الدَّهْر يَوْمًا بوصل يجود ... وأيامنا باللوى هَل تعود) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 (زمَان تقضي وعيش مضى ... بنفسي وَالله تِلْكَ العهود) (أَلا قل لَكَانَ وَادي الحبيب ... هَنِيئًا لكم فِي الْجنان الخلود) (أفيضوا علينا من المَاء فيضا ... فَنحْن عطاشى وَأَنْتُم وُرُود) لما سبق الِاخْتِيَار لأقوام فِي الْقدَم جذبوا بعد الزلق فِي هوة الْهوى إِلَى نجوة النجَاة يَا عمر كَيفَ كَانَت حالك قَالَ كنت مَشْغُولًا بهبل فَسمِعت هتاف {فَفرُّوا إِلَى الله} فعرجت على الْمُنَادِي فَإِذا أَنا فِي دَار الخيزران يَا فُضَيْل من أَنْت قَالَ أخذت من قطع الطَّرِيق فَأخذت فِي قطع الطَّرِيق يَا عتبَة الْغُلَام من أَنْت قَالَ كنت عبد الْهوى فَحَضَرت مجْلِس عبد الْوَاحِد فصرت عبدا للْوَاحِد يَا سبتي من أَنْت قَالَ كنت ابْن الرشيد فَعرض لي رَأْي رشيد فَإِذا عزمي قد أَخذ المر وَمر يَا ابْن أدهم من أَنْت قَالَ أَخَذَنِي حبه من منظرتي فصيرني ناطور الْبَسَاتِين يَا رَابِعَة من أَنْت قَالَت كنت أضْرب بِالْعودِ فَمَا سمع غَيْرِي (بِاللَّه يَا ريح الصِّبَا ... مري على تِلْكَ الرِّبَا) (وبلغي رِسَالَة ... يفضها أهل قب) (واحربا وَهل يرد ... فاتيا واحربا) يَا طفْلا فِي حجر الْعَادة محصورا بقماط الْهوى مَالك ومزاحمة الرِّجَال تمسكت بالدنيا تمسك الْمُرْضع بالظئر وَالْقَوْم مَا أعاروها الطّرف مَا لَك والمحبة وَأَنت أَسِير حَبَّة كم بَيْنك وَبينهمْ وَهل تَدْرِي أَيْن هم (سَلام على تِلْكَ الْمعَاهد إِنَّهَا ... شَرِيعَة وردي أَو مهب شمَالي) (ليَالِي لم نحذر حزون قطيعة ... وَلم نمش إِلَّا فِي سهول وصال) (فقد صرت أرْضى من سواكن أرْضهَا ... بخلب برق أَو بطيف خيال) سَار الْقَوْم وَرجعت ووصلوا وانقطعت وذهبوا وَبقيت فَإِن لم تلحقهم شقيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 (لبس الْبيَاض بِذَات غرق معشر ... ولبست من حزن ثِيَاب حداد) (وصلوا إِلَى عَرَفَات يَبْغُونَ الرِّضَا ... وَبقيت منكسرا بِبَطن الْوَادي) (رفعوا أكفهم وضجوا بالدعا ... وضممت من كمد يَدي بفؤادي) يَا من كلما استقام عثر يَا من كلما تقرب أبعد استسلم مَعَ الْحُرِّيَّة واستروح إِلَى دوَام الْبكاء وَصَحَّ بِصَوْت القلق على بَاب دَار الأسف (لَيْسَ لي فِيك حِيلَة ... غير صبري على القضا) (وبكائي على الْوِصَال ... الَّذِي كَانَ وانقضى) (لَيْتَني تبت تَوْبَة ... وَقضى الله مَا قضى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 الْفَصْل الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ يَا هَذَا من اجْتهد وجد وجد وَلَيْسَ من سهر كمن رقد والفضائل تحْتَاج إِلَى وثبة أَسد للمهيار (خاطر فإمَّا عيشة حرَّة ... يرغدها الْعِزّ وَإِمَّا الْحمام) (زاحم على بَاب العلى واجتهد ... لَا بُد أَن تدخل بَين الزحام) (رام بهَا اللَّيْل فَمَا يسفر ... الْمِصْبَاح إِلَّا عَن نقاب الظلام) (موارقا عَن عقل أشطانها ... مروق فَوق السهْم عَن قَوس رام) (ميز من النَّاس على ظهرهَا ... نَفسك لَا ميزة تَحت الرخام) (من طلب الْغَايَة خطوا على ... ظهر الهوينا رام صَعب المرام) لقد رضيت الْغبن والغبن وبعت عمرك بِأَقَلّ ثمن وأنفقت فِيمَا يرد بك الزَّمن وفترت فِي الصِّحَّة وَلَا فتور الزَّمن يَا مغرورا بخضراء الدمن يَا جَامعا مَانِعا قل لي لمن كَيفَ ينَال الْفَضَائِل مستريح الْبدن سلع الْمَعَالِي غاليات الثّمن وَإِن ساومتها فبزهد أويس وفقة الْحسن يَا هَذَا أوقد مِصْبَاح الْفِكر فِي بَيت الْعلم تلح لَك الْأَعْلَام من سد ثغور الْهوى بجند الْجد مَلأ عين رَاحَته من نوم الطُّمَأْنِينَة من دق صِرَاط ورعه عَن الشُّبُهَات عرض الصِّرَاط لَهُ يَوْم الْجَوَاز لله در الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 أَقوام تأملوا الْوُجُوب ففهموا الْمَقْصُود فَالنَّاس فِي رقادهم وهم فِي جمع زادهم والحلائق فِي غرورهم وعيونهم إِلَى قُبُورهم قَالَ الإِمَام أَحْمد لقد رَأَيْت أَقْوَامًا صالحين رَأَيْت عبد الله بن ادريس وَعَلِيهِ جُبَّة من لبود قد أَتَت عَلَيْهَا سنُون رَأَيْت أَبَا دَاوُد الْحَفرِي وَعَلِيهِ جُبَّة محرقة قد خرج مِنْهَا الْقطن وَهُوَ يُصَلِّي فيترجح من الْجُوع وَرَأَيْت أَيُّوب النجار وَقد خرج من كل مَا يملكهُ وَكَانَ فِي الْمَسْجِد شَاب مصفر يُقَال لَهُ الْعَوْفِيّ يقوم من أول اللَّيْل إِلَى الصَّباح يبكي (إِذا مَا الْخيام الْبيض لاحت لَدَى منى ... فعرج فَأَنا بعْدهَا بِقَلِيل) (تَرَانَا لَدَى الْأَطْنَاب صرعى من الْهوى ... نكفكف دمعا لافتقاد خَلِيل) (وَكم أَنه أردفتها بتنفس ... وَكم عِبْرَة أتبعتها بعويل) (قفوا وانظروا ذلي وَعز معذبي ... تروا عجبا من قَاتل وقتيل) علمت فِي قُلُوبهم معاول الْحزن مَعًا فانبعثت من كل ركية ركية مَاء أسي فَجرى من طرف طرفين مَاء فَجرى وسخا فَغسل وسخا (قد كنت أطوي على الوجد الضلوع وَلَا ... أبدي الْهوى وأسوم الْقلب كتمانا) (فخانني الصَّبْر إِذْ ناديته ووفت ... لي الشؤون فَعَاد السِّرّ إعلانا) (أكتم الوجد والعينان تظهره ... للحب أعظم مِمَّا رمته شانا) قَالَ أَبُو عمرَان الجوبي أرتني أُمِّي موضعا من الدَّار قد انحفر فَقَالَت هَذَا مَوضِع دموع أَبِيك وَكَانَ حسان بن أبي سِنَان يحضر مجْلِس مَالك بن دِينَار فيبكي حَتَّى يبل مَا بَين يَدَيْهِ وَلَا يسمع لَهُ صَوت للمتنبي (أجَاب دمعي وَمَا الدَّاعِي سوى طلل ... دَعَا فلباه قبل الركب وَالْإِبِل) (ظللت بَين أصيحابي أكفكفه ... فظل يسفح بَين الْعذر والعذل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 (وَمَا صبَابَة مشتاق لَهُ أمل ... من اللِّقَاء كمشتاق بِلَا أمل) دموع المحبين غُدْرَان فِي صحاري الشوق من عَادَة الْقَوْم ألف البراري وَالْجُلُوس إِلَى الشّجر فَإِن سمعُوا هتاف الْحمام استغنوا عَن نايح (شوقي إِلَيْك مجاوز وصفي ... وَظُهُور وجدي دون مَا اخفى) (مَا دَار ذكر مِنْك فِي خلدي ... إِلَّا طرفت بمدمعي طرفِي) إِذا تمكنت الْمحبَّة اسْتَحَالَ السلو تعلّقت يَد الْمحبَّة بتلابيب الْقلب فَلَا يُمكنهُ التَّخَلُّص فيدور مَعهَا فِي دَار المداراة (ليكفكم مَا فِيكُم من جوى نلقى ... فمهلا بِنَا مهلا ورفقا بِنَا رفقا) (وَحُرْمَة وجدي لَا سلوت هواكم ... وَلَا رمت مِنْهُ لَا فكاكا وَلَا عتقا) وَهل للمحب قلب هَيْهَات مزقته الْمحبَّة براثن أسود فِي شلو ضَعِيف على شدَّة جذب مَعَ وام التقليب (إِن ترحلت أَو أَقمت فعندي ... فيض دمع يجْرِي وَوجد مُقيم) (وفؤادي ذَاك الْفُؤَاد الْمَعْنى ... وغرامي ذَاك الغرام الْقَدِيم) انْكَشَفَ الْيَوْم السّتْر افتضح العَاصِي والعارف لتوبة (خليلي قد عَم الأسى وتقاسمت ... فنون البلى عشاق ليلى ودورها) وَكنت إِذا مَا جِئْت ليلى تبرقعت ... فقد رَابَنِي مِنْهَا الْغَدَاة سفورها) وَقع الْحَرِيق فِي زَوَايَا الْمجْلس رشوا عَلَيْهِ من مزاد الدمع يَا كثيف الطَّبْع بيض الْحمام يفرق من صَوت الرَّعْد وَلَا حس لَهُ أفميت أَنْت وَهَذِه الصَّوَاعِق حولك (لَو ترى العاشقين فِي مأتم الذل ... وَقد شققت جُيُوب الْوِصَال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 (لعذرت الَّذِي بلَى بِفِرَاق ... ورحمت الْمُحب فِي كل حَال) هبت الْيَوْم نسمَة من أَرض كنعان إِلَى مصر غنت حمامات اللوى فِي أَرض نجد تنفس المشتاق فانقشع غيم الهجر سعى سمسار المواعظ فِي الصُّلْح للغزي (هبت لنا وبرود اللَّيْل أسمال ... ريح لَهَا من جُيُوب الْوَصْل أذيال) (مرت بسفح اللوى وَالشح متشح ... بلؤلؤ الطل والجرباء معطال) (مَرِيضَة فِي حَوَاشِي مرْطهَا بَلل ... يهدي لكل مَرِيض مِنْهُ ابلال) (دع جَمْرَة لسويدا الْقلب محرقة ... يَا لائمي ثمَّ قل لي كَيفَ احتال) (حدثت عَن منحني الْوَادي وساكنه ... كرر حَدِيثك لَا حَالَتْ بك الْحَال) (وامزج بِمَاء المنى قلت من خبر ... فَإِن أَخْبَار ذَاك الْحَيّ جريال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 الْفَصْل الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أخواني شَحم المنى هزال وشراب الآمال سراب وَآل ولذات الدُّنْيَا مَنَام وخيال وحربها قتل بِلَا قتال (والمرء يبليه فِي الدُّنْيَا ويخلقه ... حرص طَوِيل وَعمر فِيهِ تَقْصِير) (يطوق النَّحْر بالآمال كَاذِبَة ... ولهذم الْمَوْت دون الطوق مطرور) (جذلان يبسم فِي إشراك ميتَته ... إِن أفلت الناب أردته الأظافير) تيقظ لنَفسك وَاذْكُر زوالك ودع الأمل وَلَو طوى الدُّنْيَا وزوى لَك فكأنك بِالْمَوْتِ قد حيرك وَأبْدى كلالك ونسيك الحبيب لِأَنَّهُ أرادك لَهُ لَا لَك وخلوت تبْكي خلالك فِي زمَان خلا لَك وشاهدت أمرا أفظعك وهالك تود أَن تفتديه بالدنيا لَو أَنَّهَا لَك فَتنبه من رقاد الْهوى لما هُوَ أولى لَك وَأحذر أَن أعمالك أعمى لَك وأفعالك كالأفعى لَك لَو كَانَ لَك باعث من نَفسك مَا احتجت إِلَى محرك من خَارج هَذَا الديك يَصِيح فِي أَوْقَات مَعْلُومَة من اللَّيْل لَا تخْتَلف يُؤَدِّي وظائفها بباعث الطَّبْع وَإِن لم يكن فِي الْقرْيَة ديك غَيره وَأَنت تُؤخر وظائف صلواتك وتنقص من وَاجِبَات عباداتك فَإِن بَكَيْت فِي الْمجْلس فلبكاء الْجَمَاعَة فَإِذا خلوت خلوت من محرك هَيْهَات من لم يكن لَهُ من نَفسه واعظ لم تَنْفَعهُ المواعظ إِذا لم يكن للدجاجة همة الحضن لم تَنْفَع تغطيتها بمنخل الحاضن تصابر الشَّقَاء لما تَأمل من العواقب والرعناء تكسر الْبيض قصدا الخصائص أوضاع والسوابق خَواص هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وَلَا أُبَالِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَهَؤُلَاء فِي النَّار وَلَا أُبَالِي المغناطيس يجذب الْحَدِيد بخاصية فِيهِ الظليم يبتلع الْحَصَى وَالْحِجَارَة فيذيبها حر قانصته حَتَّى يَجْعَلهَا كَالْمَاءِ الْجَارِي وَلَو طبخ ذَلِك بالنَّار لم ينخل ذَنْب الجرادة يشق الصَّخْرَة وَلَيْسَ بالقوى إبرة الْعَقْرَب تنفذ فِي الطشت خرطوم الْبَعُوضَة يغوص فِي جلد الجاموس من تعلق عَلَيْهِ برادة الْحَدِيد لم يغط فِي نَومه إِذا ترك الرصاص أَو الزيبق فِي تنور سقط الْخبز كُله فَإِن ترك الرصاص فِي قدر لم ينضج اللَّحْم إِذا كَانَ الزَّعْفَرَان فِي دَار لم تدْخلهَا وزغه إِذا دفن الْحَدِيد فِي الدَّقِيق زَالَ عَنهُ الصدا إِذا ترك سراج على شَيْء فِي نهر سكنت ضفادعه إِذا دفنت ذئبة فِي قَرْيَة لم تدْخلهَا الذئاب إِذا نظر صَاحب الثأليل إِلَى كَوْكَب ينْقض فَمسح بِيَدِهِ حِينَئِذٍ على ثأليله ذهبت إِذا عسرت الْولادَة فصاحت بِالْمَرْأَةِ بكر يَا فُلَانَة أَنا جَارِيَة عذراء وَقد ولدت وَأَنت لم تلدي ولدت فِي الْحَال للنملة فضل حسن فِي الشم تدْرك الأراييح الْبَعِيدَة لما شقّ ختام نافجة النُّبُوَّة مَلَأت رِيحهَا الأَرْض فاستنشقها أهل الْعَافِيَة فوصل إِلَى خياشم سلمَان فِي فَارس وصهيب فِي الرّوم وبلال فِي الْحَبَشَة وَكَانَ ابْن أبي مزكوما فَمَا نَفعه قرب الدَّار كم من نفر دخلت مجلسي وَهِي حَامِل جَنِين الْإِصْرَار فَلَمَّا استنشقت ريح المواعظ أسقطت أَيهَا التائب من حركك وَقد كَانَ تَحْرِيك الْجَبَل دون إزعاجك {صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء} أَتَدْرُونَ هَذَا التائب لم انزعج أما تَجِدُونَ فِي نَفسه حر وهج (صبا لنسيم الصِّبَا إِذْ نفح ... وارقه لمع برق لمح) (واذكره عيشه بالحمى ... وعهدا تقادم سرب سنخ) (فحن إِلَى السفح سفح العقيق ... فسح لَهُ دمعه وانسفح) (وَكَانَ كتوما لسر الْهوى ... وَلَكِن جرى دمعه فافتضح) (فَدَعْهُ يُنَادي طلول الْحمى ... وَيسْأل رامه عَمَّن نزح) يَا غَائِبا عَنَّا وَهُوَ حَاضر أما لَك نَاظر نَاظر أما دموع الوجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 قد مَلَأت المحاجر أُفٍّ لبدوي لَا يطربه ذكر حاجر أقل أَحْوَال الزَّمن أَن يبكي إِذا رأى المشاة أنظر إِلَى التائبين وحرقهم والتفت إِلَى العارفين وقلقهم (اسْمَع أَنِين العاشقين ... إِن اسْتَطَعْت لَهُ سَمَاعا) (رَاح الحبيب فشيعته ... مدامع تجْرِي سرَاعًا) (لَو كلف الْجَبَل الْأَصَم ... فِرَاق ألف مَا استطاعا) كلما بَكَى الخائفون أزعجوني وَكلما اسْتَغَاثَ الواجدون ألهفوني (وَإِنِّي لمجلوب لي الشوق كلما ... تنفس باك أَو تألم ذُو وجد) (تعرض رسل الشوق والركب هاجد ... فيوقظني من بَين نوامهم وحدي) يَا صبيان التَّوْبَة ارفقوا بمطايا أبدانكم فقد ألفت الترف {وَلَا تضاروهن لتضيقوا عَلَيْهِنَّ} (هَب لَهَا من النسيم رائد ... فعادها من الغرام عَائِد) (نُوق نفى عَنْهَا الْحمى طيب الْكرَى ... فَهِيَ كَمَا شَاءَ السرى سواهد) (أنحلها تَحت الدؤب اينها ... فمارت الأنساع والقلائد) (فَلَا تخالفها إِذا مَا التفتت ... شوقا إِلَى بَان الْحمى يَا قَائِد) (وَقل لَهَا لعا إِذا مَا عثرت ... فَهِيَ لحمل وجدهَا تكابد) (مذ حكم الْبَين عَلَيْهَا لم تزل ... تبْكي عَلَيْهَا البيد والفدافد) يَا صبيان التَّوْبَة للنَّفس حَظّ وَعَلَيْهَا حق {فَلَا تميلوا كل الْميل} خُذُوا مَالهَا واستوفوا مَا عَلَيْهَا {وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم} فَإِن رَأَيْتُمْ من النُّفُوس فتورا فاضربوهن بِسَوْط الهجر {فَإِن أطعنكم فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} على أَنِّي أوصِي صبيان التَّوْبَة بالرفق وبعيد أَن يقر خَائِف أَو يسمع العذل محب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 (لَيْت شعري هَل أرى فِي طريقي ... سَعَة تفسح كرب الْمضيق) (قد رماني الْحبّ فِي لج بَحر ... فَخُذُوا يَا قوم كف الغريق) (حل عِنْدِي حبكم فِي شغافي ... حل مني كل عقد وثيق) (عفت دنياي اشتياقا إِلَيْكُم ... وتساوى خامها والدبيقي) (ورفضت الْكل شغلا بوجدي ... فانجلى لي كل معنى دَقِيق) (يَا صديقي عِنْدِي الْيَوْم شغل ... فاله عني واشتغل يَا صديقي) (بيدان تذكر لي حب قلبِي ... فاعد ذكرهم يَا رفيقي) (غصني الشوق إِلَيْهِم بريقي ... واحريقي فِي الْهوى واحريقي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 الْفَصْل الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ أخواني البدار البدار فَمَا دَار الدُّنْيَا بدار إِنَّمَا هِيَ جلبة لجَرَيَان الْأَعْمَار وَكم تبقى الفريسة بَين النيوب الْأَظْفَار (مَا دَار دنيا للمقيم بدار ... وَبهَا النُّفُوس فريسة الأقدار) (مَا بَين ليل عاكف ونهاره ... نفسان مرتشفان للأعمار) (طول الحيوة إِذا مضى كقصيرها ... واليسر للانسان كالإعسار) (والعيش يعقب بالمرارة حلوه ... والصفو فِيهِ مخلف الأكدار) (وكأنما تقضي بنيات الردى ... لفنائنا وطرا من الأوطار) (ويروقنا زهر الْأَمَانِي نَضرة ... هدم الْأَمَانِي عَادَة الْمِقْدَار) (والمرء كالطيف المطيف وعمره ... كالنوم بَين الْفجْر والأسحار) (خطب تضاءلت الخطوب لهوله ... أخطاره تعلو على الأخطار) (تلقى الصوارم والرماح لهوله ... ونلوذ من حَرْب إِلَى استشعار) (إِن الَّذين بنوا مشيدا وانثنوا ... يسعون سعي الفاتك الْجَبَّار) (سلبوا النضارة وَالنَّعِيم فاصبحوا ... متوسدين وسائد الْأَحْجَار) (تركُوا دِيَارهمْ على أعدائهم ... وتوسدوا مدرا بِغَيْر دثار) (خلط الْحمام قويهم بضعيفهم ... وغنيهم سَاوَى بِذِي الأقتار) (والدهر يعجلنا على آثَارهم ... لَا بُد من صبح الْمجد الساري) (وتعاقب الملوين فِينَا ناثر ... بالكر مَا نظما من الْأَعْمَار) تالله مَا صَحَّ من يَطْلُبهُ مَرضه وَلَا سر من سير وصل حل غَرَضه وَلَا استقام غُصْن يلويه كاسره وَلَا طَابَ عَيْش الْمَوْت آخِره إِن الطمع لعذاب وَحَدِيث الأمل كَذَّاب وَفِي طَرِيق الْهوى عِقَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَآخر الْمعاصِي عِقَاب فَلَا يخدعنك ضِيَاء ضباب وَلَا يطعمنك شراب سراب فمجيء الدُّنْيَا على الْحَقِيقَة ذهَاب وَعمارَة الفاني إِن فهمت خراب وَفَرح الْغرُور ثبور واكتئاب ودنو الشيب ينْسَخ ضِيَاء الشَّبَاب وَكلما نَادَى الأمل {أبلغه مأمنه} صَاح الْأَجَل {فَضرب الرّقاب} يَا تايها فِي ظلمَة ظلمه يَا موغلا فِي مفازة تيهه يَا باحثا عَن مدية حتفه يَا حافرا زبية هلكه يَا معمقا مهواة مصرعه بئس مَا اخْتَرْت لأحب الْأَنْفس إِلَيْك وَيحك تطلب الجادة وَلست على الطَّرِيق كم فغر الزَّمَان بوعظه فَمَا سَمِعت {لينذر من كَانَ حَيا} كَيفَ تطيب الدُّنْيَا لمن لَا يَأْمَن الْمَوْت سَاعَة وَلَا يتم لَهُ سرُور يَوْم إِذا كَانَ عمرك فِي إدبار وَالْمَوْت فِي إقبال فَمَا أسْرع الْمُلْتَقى لقد نصبت لَك اشراك الْهَلَاك والأنفاس أدق الحبائل يَا مَاشِيا فِي ظلمَة ليل الْهوى لَو استضئت بمصباح الْفِكر فَمَا تأمن من بِئْر بوار الشَّهَوَات مبثوثة فِي طَرِيق الْمُتَّقِينَ وَمَا يسلم من شَرها شَره الْأَوْلِيَاء فِي حرم التَّقْوَى {وَيُتَخَطَّف النَّاس من حَولهمْ} الدُّنْيَا مثل مَنَام والعيش فِيهَا كالأحلام قيل لنوح عَلَيْهِ السَّلَام يَا أطول النَّبِيين عمرا كَيفَ وجدت الدُّنْيَا قَالَ كدار ذَات بَابَيْنِ دخلت من بَاب وَخرجت من بَاب (فَلَمَّا تفرقنا كَأَنِّي ومالكا ... لطول اجْتِمَاع لم نبت لَيْلَة مَعًا) يَا ثقيل النّوم أما تنبهك المزعجات الْجنَّة فَوْقك تزخرف وَالنَّار تَحْتك توقد والقبر إِلَى جَانِبك يحْفر وَرُبمَا يكون الْكَفَن قد غزل أيقظان أَنْت الْيَوْم أم أَنْت حالم يَا حَاضرا يرى التائبين وَهُوَ فِي عداد الغائبين (وَاقِف فِي المَاء عطشان ... وَلَكِن لَيْسَ يسْقِي) عَاتب نَفسك على هَواهَا فقد وهاها قل لَهَا ادراجي درج المدرج وَقد لاحت مني لَا يوقفنك فِي الطَّرِيق طَاقَة من أم غيلَان فالخبط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فِي الْمنزل مهيؤ لَك تلمح عواقب الْهوى يهن عَلَيْك التّرْك تفكر فِي حَال يُوسُف لَو كَانَ زل من كَانَ يكون هَل كَانَت إِلَّا لَذَّة لَحْظَة وحسرة الْأَبَد عبرت وَالله أجمال الصَّبْر سليمَة من مكس وَبقيت مديحة {إِنَّه من عبادنَا المخلصين} يَا هَذَا احسب صَبر يَوْمك سَاعَة نومك تحظ فِي غدك برغدك البدار إِلَى الشَّهَوَات والندامة فرسا رهان والتواني عَن التَّوْبَة والخيبة رضيعا لبان وَاعجَبا غرتك حَبَّة فخ فحصلت وَمَا حوصلت الْيَوْم واطربا للكاس وَغدا واحربا للإفلاس آه من حلاوة لقم أورثت مرَارَة نقم تَأمل الْعَاقِبَة لَا يحصل إِلَّا لنا قد بَصِير من تلمح إِذا تَلا {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات} وَعرف قدر مدح {فأتمهن} علم أَنه لم يبْق فِي فِيهِ شَيْئا من مرَارَة البلى مرَارَة {وَإِذ ابتلى} ضجت الْمَلَائِكَة حِين هموا بإلقائه فِي النَّار فَقَالُوا ائْذَنْ لنا حَتَّى نطفي عَنهُ فَقَالَ تَعَالَى إِن اسْتَغَاثَ بكم فأغيثوه وَإِلَّا فَدَعوهُ فَلَمَّا ألقِي عرض جِبْرِيل وَهُوَ يهوي فيى الْهَوَاء فَأَرَادَ أَن ينظر هَل للهوى فِيهِ أثر لَهُ فَقَالَ أَلَك حَاجَة قَالَ أما إِلَيْك فَلَا فَأقبل بمنشور {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} (قَالَت لطيف خيال زارها وَمضى ... بِاللَّه صفه وَلَا تنقص وَلَا تزد) (فنال خلفته لَو مَاتَ من ظماء ... وَقلت قف عَن وُرُود المَاء لم يرد) (قَالَت صدقت الوفا فِي الْحبّ عَادَته ... يَا برد ذَلِك الَّذِي قَالَت على كَبِدِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الْفَصْل السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ يَا مجتنبا من الْهدى طَرِيقا وَاضحا إفتح عين الْفِكر تَرَ الْعلم لائحا إحذر بِئْر الْغَفْلَة فكم غال سائحا وتوق بَحر الْجَهْل فكم أغرق سابحا (يَا غاديا فِي غَفلَة ورائحا ... إِلَى مَتى تستحسن القبائحا) (وَكم إِلَى كم لَا تخَاف موقفا ... يستنطق الله بِهِ الجوارحا) (يَا عجبا مِنْك وَأَنت مبصر ... كَيفَ تجنبت الطَّرِيق الواضحا) (كَيفَ تكون حِين تقْرَأ فِي غَد ... صحيفَة قد حوت الفضائحا) (وَكَيف ترْضى أَن تكون خاسرا ... يَوْم يفوز من يكون رابحا) يَا مَعْدُوما فِي الأمس فانيا فِي الْغَد عَاجِزا فِي الْحَال من أَنْت حَتَّى تغتر بسلامتك وتنسى حتفك وأملك بَين يَديك وأجلك خَلفك وكتابك قد حوى تفريطك كم نهيت عَن أَمر فَمَا كفك النَّهْي أَن تبسط كفك يَا من قد طَال زلله وتعثيره تفكر فِي عمر قد مضى كَثِيره يَا قلبا مشتتا قل نَظِيره كم هَذَا الْهوى وَلكم هوى أسيره أَيهَا الْقَاعِد عَن أعالي الْمَعَالِي سبق الْأَبْطَال والبطال مَا يُبَالِي ستعرف خبرك يَوْم عتابي وسؤالي وستقول عِنْد الْحساب مَالِي وَمَالِي أعمالك إِذا تصفحت لهواك لآلي لَو أثر فِيك وعظى ومقالي لَكُنْت لحر الحسرات على حر المقالي (إِلَى أَي حِين أَنْت فِي زِيّ محرم ... وَحَتَّى مَتى فِي شقوة وَإِلَى كم) (فالا تمت تَحت السيوف مكرما ... تمت وتقاسي الذل غير مكرم) (فثب واثقا بِاللَّه وثبة ماجد ... يرى الْمَوْت فِي الهيجا جنى النَّحْل فِي الْفَم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 وَيحك إِنَّمَا يكون الْجِهَاد بَين الْأَمْثَال وَلذَلِك منع من قتل النِّسَاء وَالصبيان فَأَي قدر للدنيا حَتَّى يحْتَاج قَلْبك إِلَى محاربة لَهَا أما علمت شهواتها جيف ملقاة أفيحسن بباشق الْملك أَن يطير عَن كَفه إِلَى ميتَة مهلا لَا تَمُدَّن عَيْنَيْك لَو علمت أَن لَذَّة قهر الْهوى أطيب من نيله لما غلبك أما ترى الْهِرَّة تتلاعب بالفأرة وَلَا تقتلها لبين أثر إقتدارها وَرُبمَا تغافلت عَنْهَا فتمعن الْفَأْرَة فِي الْهَرَب فتثب فتدركها وَلَا تقتلها إيثارا للذة الْقَهْر على لَذَّة الْأكل من ذبح حنجرة الطمع بخنجر الْيَأْس أعتق الْقلب من أسر الرّقّ من ردم خَنْدَق الْحِرْص بسكر القناعة ظفر بكيمياء السَّعَادَة من تدرع بدرع الصدْق على بدن الصَّبْر هزم عَسْكَر الْبَاطِل من حصد عشب الذُّنُوب بمنجل الْوَرع طالبت لَهُ رَوْضَة الإستقامة من قطع فضول الْكَلَام بشفرة الصمت وجد عذوبة الرَّاحَة فِي الْقلب من ركب مركب الحذر مرت بِهِ رخاء الْهدى إِلَى رَجَاء النجَاة من أرسى على سَاحل الْخَوْف لاحت لَهُ بِلَاد الْأَمْن إِلَّا عَزِيمَة عمرية إِلَّا هِجْرَة سلمانية جَاءَت بمركب عمر جنوب المجانبة للحق إِلَى دَار الخيزران فَلَمَّا فتح لَهُ الْبَاب انْقَلب شمالا مد يَده لتناول خمر الفتك فاستحالت فِي الْحَال خلا جَاءَ وَكله كدر فَلَمَّا دنا من الصَّفَا صفا كَانَ مَاء قلبه لما جنى ملحا آجنا فَلَمَّا تَلقاهُ النذير بِالْعَذَابِ عذب (يكون أجاجا دونكم فَإذْ انْتهى ... إِلَيْكُم تلقى طيبكم فيطيب) سقم قلب سلمَان من معاناة أمراض الْمَجُوس فَخرج إِلَى أَوديَة الْأَدْوِيَة فالتقطته يَد ظَالِم وَمَا عرفت فهان على يُوسُف البيع ليلقى الْعَزِيز فَبينا هُوَ فِي نَخْلَة يحترفها قدم مخبر بقدوم الرَّسُول فَنزل ليصعد وَصَاح بِهِ حَدثنِي (نزلُوا جبال تهَامَة فلأجلهم ... يهوى الْفُؤَاد تهَامَة وجبالها) (يَا صَاحِبي قفا عَليّ بِقدر ... مَا أَسْقِي يواكب عبرتي أطلالها) وَاعجَبا أطلب الشجَاعَة من حسان وأسأل عَن الْهلَال ابْن أم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 مَكْتُوم أتلو سُورَة يُوسُف على روبيل أستملي الفصاحة من بَاقِل وأنتظر الْوَفَاء من عرقوب لقد رجعت إِذن بخفى حنين يَا من نَقده مَرْدُود وعقله محلول نيتك فِي الحيرنية لَو أنضجتها نيران خوف أَو شوق لانتفعت بهَا (ولي قوادم لَو أَنِّي جذبب بهَا ... لَا نهضتني وَلَكِن أفرخي زغب) غمض عَيْنَيْك على الدَّوَاء يعْمل وافتحها لرؤية الْهدى تبصر حجر الْمعْصِيَة تطحطح إِنَاء الْقلب وضبة التَّوْبَة شعاب يَا من عزمه فِي الْإِنَابَة جزر بِلَا مد وقفت سفينة نجاتك ليل كسلك قد طبق آفَاق التَّرَدُّد وَقد طلبت فِيهِ أطيار الهمة أوكار الدعة فَلَو قد طلعت شمس الْعَزِيمَة فِي نَهَار الْيَقَظَة لانبث عَالم النشاط فِي صحراء المجاهدة يَا صبيان التَّوْبَة تزودوا للبادية تأهبوا لحاجر إنعلوا الْإِبِل قبل زرود وَلَا تنسوا وَقت تنَاول الزَّاد جما لكم (بَين العقيق والكثيب الْفَرد ... علاقَة لي من هوى وَوجد) (سل هضبات الرمل من جزع اللوى ... يَوْم النَّوَى عَن قلقي ووجدي) (واستخبر الأنجم عَن صبابتي ... بساكني نجد وَأَرْض نجد) (فَمن مجيري أَو مِمَّن استعدي ... وَلَيْسَ عِنْد عاذلي مَا عِنْدِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 الْفَصْل السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ وَاعجَبا لنَفس تدعى إِلَى الْهدى فتأبى ثمَّ ترى خطأها بِعَين الْهوى صَوَابا كم أذهبت زَمنا وَكم أفنت شبَابًا وَكم سودت فِي تبييض أغراضها كتابا (اسْتغْفر الله من نفس طغت وأبت ... أَبَت إِلَى هَذِه الدُّنْيَا فَمَا أتأبت) (جابت لي الشيب أَوْقَات الشَّبَاب فَمَا ... أجابت النصح لَكِن سَيِّئًا جلبت) (خانت فخابت وَمَا طابت وَلَا سعدت ... وَكم أرابت ورابت ثمَّ مَا رأبت) (ودأبها فِي أُمُور غير نافعة ... وَلَو توَافق أمست للنقي دابت) (هَمت بِخَير فَلم تعزم وريثها ... خطب إِذا هِيَ فِي غير التقى رتبت) (أما طَرِيق الْمَعَالِي فَهِيَ وَاضِحَة ... لكل طرف سرى عَنهُ الْكرَى لحبت) (والعالمون جَمِيعًا عالمون بهَا ... على ركائب عَن معروفها نكبت) (أَلا يسائل أَمْلَاك الورى فطن ... علام جمعت الأجناد واحتربت) (إِن الَّذِي طلبته لَا يَدُوم لَهَا ... وَلَا مَسَرَّة إِن فازت بِمَاء طلبت) (ألم يرَوا دوَل الماضين قبلهم ... كَانُوا بِأَحْسَن مَا كَانُوا بهَا ذهبت) (لَا تفرحوا بهبات من زمانهم ... ستسترد اللَّيَالِي كلما وهبت) (لَو اعلمت علمنَا الغبراء مَا ركدت ... تَحت الْأَنَام اَوْ الخضراء مَا ثقبت) (وام دفر إِذا ميزت حالتها ... كام صل إِذا مَا عضت انقلبت) (وَكَيف ترجو صلاحا من خلائقها ... كلما النَّاس فِيهِ من أَذَى جلبت) لله در أَقوام تأملوا غيبها وَمَا زَالُوا حَتَّى رَأَوْا عيبها نزلُوا من من الدنياء منزلَة الأصياف أخذُوا الزَّاد وَقَالُوا مَا زَاد إِسْرَاف وقفُوا عِنْد الهموم وَالْمُؤمن وقاف رموا فضول الدُّنْيَا من وَرَاء قَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 لَو رَأَيْتهمْ فِي الدجى يراعون النُّجُوم وخيل الفكرة قد قطعت حلبات الهموم يَشكونَ جرح الذُّنُوب ويبكون الكلوم أحرقت أحزانهم أجسامهم وَبقيت الرسوم بلغتهم البلغ ورمتك التخم فِي التخوم سَكِرُوا من مُنَاجَاة الْكَرِيم لَا من بَنَات الكروم أَصبَحت عَلَيْهِم آثَار الحبيب وَالطّيب نموم هَذِه سلع الأسحار من يَشْتَرِي من يسوم أَيْن قَلْبك الْغَائِب قل لي لمن تلوم جسمك فِي أَرض الْعرَاق وقلبك فِي أَرض الرّوم مهر الطَّبْع مَا ريض أهاب البشرية مَا دبغ فِي عين البصيرة عشا عرائس الموجودات ترفل فِي حلل مُخْتَلفَة الصَّنْعَة والصبغة والصيغة تعبر إِلَى الْمُعْتَبر فِي معبر الِاعْتِبَار فَهَل حظك حظها من النضارة أَن تحظى من النّظر بحظ وَاعجَبا لَك لَو دخلت بَيت ملك لم تزل تتعجب من رقوش نقوشه فارفع بصر التفكر واخفض عين البصيرة فَهَل أحسن من هَذَا الْكَوْن تلمح مخيم السّقف كَيفَ مد بِلَا إطناب ثمَّ زخرف نقشه برقم النُّجُوم والهلال دملوج فِي عضد السَّمَاء فَإِذا جن اللَّيْل كحلت الْعُيُون بأثمد النّوم واجتلاها أهل {تَتَجَافَى} فَإِذا جلى ركب الدجى جلا ضوء الشَّمْس عَن الْأَبْصَار رمد الظلام أنظر إِلَى الأَرْض إِذا تايمت من زوج الْقطر وَوجدت لفقد إِنْفَاقه مس الجدب كَيفَ تحد فِي ثِيَاب و {ترى الأَرْض خاشعة} طالما لازمت حبس الصَّبْر وسكنت مسكن المسكنة لَوْلَا ضجيج أَطْفَال الْبذر فَإِذا قوي فقر القفر امتدت أكف الطّلب تستعطي زَكَاة السَّحَاب فَهبت الْجنُوب من جناب اللطف فسحبت ذيل النسيم على صحصح الصَّحَارِي فتحركت جوامد الجلاميد وانتبه وَسنَان العيدان لقبُول تلقيح اللواقيح فَإِذا لبس الجو مطرفة الأدكن أرسل خيالة الْفطر شاهرة أسياف الْبَرْق وأنذر بالإقدام صَوت الرَّعْد فَقَامَ فرَاش الْهَوَاء يرش خيش النسيم فاستعار السَّحَاب جفون العشاق وأكف الأجواد فامتلأت الأودية أَنهَارًا كلما لمستها كف النسيم حكى سلسالها سلاسل الْفضة فالشمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 تسفر وتنتقب والغمام يرش وينسكب فانعقد بَين الزَّوْجَيْنِ عقد حب الْحبّ فَلَا يزَال السَّحَاب يسْقِي ذَر الْبذر بثدي الندى وَكلما احْتَاجَ إِلَى فضل قوت كرّ الرك وشط الطش ودق الودق فطم إِلَى أَن فطم الطِّفْل فَإِذا وَقعت شمس الشتَاء فِي الطِّفْل نَشأ أَطْفَال الزَّرْع فارتبع الرّبيع أَوسط بِلَاد الزَّمَان فأعار الأَرْض أَثوَاب الصِّبَا وروح كربها بنسيم الصِّبَا فانتبهت عُيُون النُّور من سنة الْكرَى فكم نهضت من الغروس عروس بَين يَديهَا الأوراق كالوصائف فصافحت رِيحهَا الخياشم ومنظرها الحدق فَكَانَ عين النرجس عين وورقه ورق فالشقايق تحكي لون الحجل والبهار يصف حَال الوجل والنيلوفر يغفي وينتبه والاغصان تعتنق وتفترق وَقد ضرب الرّبيع جلّ ناره فِي جلناره وبثت الأراييح أسرارها إِلَى النسيم فنم فَاجْتمع فِي عرس التواصل فنون القيان فعلا كل ذِي فن على فنن فتطارخت الأطيار مناظرات السجوع فأعرب كل بلغته عَن شوقه إِلَى أَلفه فالحمام يهدر والبلبل يخْطب والقمري يرجع والمكاء يغرد والأغصان تتمايل كلهَا تشكر الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح فَحِينَئِذٍ تَجِد خياشم المشوق ضَالَّة وجده (لي بِذَات ألبان أشجان ... حبذا من أجلهَا ألبان) (حبذا رياه يوقظه ... من نسيم الْفجْر ريعان) (حبذا ورق الْحمام إِذا ... رنحتها مِنْهُ أَغْصَان) (داعيات بالهديل لَهَا ... فِيهِ أسجاع وألحان) (أعجميات إِذا نطقت ... لَيْسَ إِلَّا الشوق تبيان) (كلما غنيتني هزجا ... هاجني للذّكر أحزان) (مَالِي بِي ميل الغصون بهَا ... طربي فَالْكل نشوان) (يَا حمام ألبان يجمعنا ... وجدنَا إِذْ نَحن جيران) (يحن بالشكوى إِلَى فَمَا ... بَين أهل الْحبّ كتمان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 (يتشاكى الواجدون جوى ... وَاحِدًا والوجد ألوان) (أَنا مخلوس القرين وأنتن ... أَزوَاج وأقران) (وبعيد الدَّار عَن وَطن ... شاقه للبان أوطان) (آه من دَاء أكاتمه ... والهوى سر واعلان) (لَا تزدني يَا عذول جوى ... أَنا بالأشواق سَكرَان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 الْفَصْل الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ من علم أَن هبات الدُّنْيَا هبا حل من غل ذل (الدَّهْر مستعجل يخب ... فاختم وطين الْكتاب رطب) (إِن الَّذِي أَنْت فِيهِ حلم ... وسوف تنساه إِذا تهب) (توق مكر الزَّمَان وَأحذر ... وَلَا تثق فالزمان خب) (جَمِيع أَفعاله غرور ... وكل مَا نَحن فِيهِ لعب) (وَلَيْسَ يبْقى عَلَيْهِ شَيْء ... يكرههُ الْمَرْء أَو يحب) (أسمع أَحَادِيث من تقضي ... يَا من لَهُ نَاظر وقلب) الدُّنْيَا تُعْطِي تفاريق وتسترجع جملا وترضع أفاويق وتقطع عجلا يواني خَيرهَا وَإِن واتى لمعا ثمَّ يَأْتِي شَرها حِين يَأْتِي دفعا فترى العبرات عِنْد فقدها ترقا وَلَا تراق والزفرات عِنْد سلبها تهد وَلَا تهدأ وَيحكم أَن المفروح بِهِ من الدُّنْيَا هُوَ المحزون عَلَيْهِ إخْوَانِي ذودوا هممكم عَن مرعى المنى فَإِنَّهُ يزيدها عجقا وَلَا توَلّوا الْهوى على ميدان الْأَبدَان {إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد} الْهوى وثن ينصب فِي جَاهِلِيَّة الشَّبَاب فَإِن صَحَّ إِسْلَام الْعَزْم جعل أصنام الشَّهَوَات جذاذا يَا معشر الشَّبَاب زيدوا فِي سلاسل الْهوى فَإِن شَيْطَان الْهوى مارد زنوا حلوى المشتهى بمر الْعقَاب يبن لكم التَّفَاوُت إِلَى مَتى يقودكم الْهوى إِلَى مَتى تستعبدكم الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 للشريف الرضى (كم اصطبار على ضيم ومنقصة ... وَكم على الذل اقرار وأذعان) (ثوروا لَهَا ولتهن فِيهَا نفوسكم ... إِن المناقب للأرواح أَثمَان) إِلَى مَتى جمود الْإِنَاث أَيْن الْحَرَكَة الرجولية للمهيار (قُم فانتشطها حسبها أَن تعقلا ... ودع لَهَا أيديها والأرجلا) (لَا يطْرَح الذل وَرَاء ظَهره ... إِلَّا فَتى ينضي المطايا الذللا) الْجد الْجد فالطريق طَوِيلَة دَار النَّاقة بِذكر الدَّار عللها بِصَوْت الحداة فَإِذا لَاحَ لَهَا الْمنزل فشوقها يَسُوقهَا للمهيار (ارخ لَهَا زمامها والأنسعا ... وارم بهَا من العلى مَا شسعا) (وارحل بهَا مغتربا عَن العدى ... توطك من أَرض العدى متسعا) (يَا رائد الظعن بِأَكْنَافِ اللوى ... بلغ سلامي إِن وصلت لعلعا) (مَاذَا عَلَيْهِم لَو رثوا لساهر ... لَوْلَا انْتِظَار طيفهم مَا هجعا) إخْوَانِي انبعاث الْجَوَارِح فِي الْعَمَل دَلِيل على قُوَّة الْعلم بِالْأَجْرِ فَإِذا حصل تَسْلِيم النُّفُوس فِي الْجِهَاد إِلَى الْقَتْل كَانَ النِّهَايَة فِي كَمَال الْيَقِين فَإِذا وَقع الْفَرح بِأَسْبَاب التّلف دلّ على كَمَال الْمحبَّة كَمَا قَالَ عبد الله بن جحش اللَّهُمَّ سلط على غذا عدوا يبقر بَطْني ويجدع أنفي فَإِذا لقيتك قلت هَذَا فِيك وَمن أَجلك وَطعن حرَام بن ملْحَان فنفذ فِيهِ الرمْح فَقَالَ فزت وَرب الْكَعْبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 لَو رَأَيْتهمْ والمعترك قد اعتكر وَقد تقدمُوا فِي القدموس فانبلج الْأَمر وجاش جأش الْجَيْش فِي افرة فَلم يتَمَيَّز الهلقام السرعرع من القلهزم الحنزقرة وَإِذا الغضنفر الدمكمك والقخر العلندي والضباضب الدلامر كلهم فِي مقَام أجفيل فَلَمَّا انزعجت الطباع تَذكرُوا قَبِيح الْجِنَايَة فمدوا أَيدي التَّسْلِيم للودايع فَخَضَّبَ الدِّمَاء محَاسِن وُجُوه طَال مَا صبرت على برد المَاء وَقت الأسباغ وحصدت مناجل السيوف زروع روس طَال مَا أطرفت فِي الأسحار وعادت خيولهم خلية عَنْهُم فوطئتهم بعد السنا تَحت السنابك واقتسم لحومهم عقبان السَّمَاء وسباع الأَرْض فكم من رجل رجل طالما قَامَت فصلت فصلت وَكم من يَد بِالدُّعَاءِ رفعت وَقعت وَكم من بطن حمل بالصيام مَا شقّ شقّ وَكم من عين كَانَت تعين الحزين بالفيض وَقعت فِي منقار طَائِر هَذَا حَدِيث الْأَجْسَام فَأَما الْأَرْوَاح فَفِي دَار السَّلَام وَالله مَا كَانَت إِلَّا غفوة حَتَّى أَعْطَاهُم الْعَفو عفوا عَفوه وكأنكم بأجسادهم الَّتِي تَفَرَّقت قد تلفقت وبالقبور الَّتِي جمعتهم قد تشققت وَقد قَامُوا بِالسِّلَاحِ حول الْعَرْش ينادون بِلِسَان الْحَال عَن صَاحبه حاربنا ولأجله قتلنَا وكلومهم يَوْمئِذٍ قد انفجرت فجرت اللَّوْن لن الدَّم وَالرِّيح ريح الْمسك فَليعلم الأشهاد حِينَئِذٍ أَنهم الشُّهَدَاء إسمع يَا من لَا يحارب الْهوى وَلَا سَاعَة فَلَو فاتتك الْغَنَائِم وَحدهَا قرب الْأَمر وَإِنَّمَا لقب جبان قَبِيح أَيْن أَرْبَاب العزائم القوية إمتلأت بالأبرار الْبَريَّة رحلوا عَنْهَا وفاتوا وَنحن متْنا وهم مَا مَاتُوا (خلي طرفِي والبكا إِن كنت خلي ... فالحمى اقفر من جَار وَأهل) (والح من لم يدر مَا طعم الأسى ... أَنا عَن لومك فِي اشغل شغل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 (لم يدع وقر الْهوى فِي سَمْعِي ... واعتراضات الْهوى بَابا لعذل) (غير قلبِي أَن تأسى عاشق ... للتأسي أَو تسلي للتسلي) (أثاف مَا ترى تَشْكُو الصلا ... أم قُلُوب بَين حَصْبَاء وَرمل) (هَذِه من بعدهمْ آثَارهم ... والتجافي عَن بلَى الأطلاب يبلي) (مَا وُقُوفِي فِي مَحل سَاكن ... فِي فُؤَادِي أَهله لَا فِي الْمحل) (يتَمَنَّى طيفكم صب لكم ... مستهام والمنى جهد الْمقل) (وَالَّذِي يستجلب الطيف الْكرَى ... من لعَيْنِي أَن ترى النّوم وَمن لي) (بِعْت حلمي طَائِعا لَا كَارِهًا ... بسفاهي فاشتروا عزي بذلي) (وانقضى أَكثر عمري فِي القلى ... جفوة مِنْكُم فرقوا للأقل) (حملوني الْخُف من هجركم ... وارحموا من مَا لَهُ طَاقَة ثقل) (عجبا لي ولقلب ضائع ... بَان عينى بَين بانات واثل) (سل بقلبي عَن خيام باللوى ... تاه قلبِي فِي حماها ضل عَقْلِي) (ذَات طوق مثل شجوى شجوها ... غير أَن مَا شكلها فِي الْحزن شكلي) (أَنا فِي النوح اضطرارا مثلهَا ... وَهِي فِي غير اضطرار فِيهِ مثلي) (حرم الله على البان الصِّبَا ... وحماه الْغَيْث من طل ووبل) (مَا على السَّائِق لَو حل النقى ... وأراح العيس من شدّ وَحل) (فَعَسَى تدنى المنى منى مني ... ولعلي أَن أرى الْخيف لعَلي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 الْفَصْل التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ عجبا لراحل عَن قَلِيل غافل عَن زَاد الرحيل لَا يعْتَبر بِأخذ الجيل وَإِنَّمَا هُوَ تَأْخِير وتعجيل أَيْن النزيل أزيل أَيْن القويم أميل أَيْن المطمئن اغتيل (إِن اللَّيَالِي لَا تبقى على حَال ... وَالنَّاس مَا بَين آمال وآجال) (كَيفَ السرُور باقبال وَآخره ... إِذا تأملته مقلوب إقبال) تيقظوا فالأيام دائبة وتحفظوا فالسهام صائبة واحذروا دنياكم فَمَا هِيَ مواتية واذْكُرُوا اخراكم فها هِيَ آتِيَة أما رَأَيْتُمْ الدُّنْيَا فقد أبانت خدعها ومكرها إِذا بَانَتْ من جمعهَا مكْرها أَيْن الارتياد للسلامة غَدا أَيْن الاستعداد قبل الندامة أبدا كأنكم بِالْمَسِيرِ عَن الرّبع قد أزف وبالكثير من الدمع قد نزف وبالمقيم قد أبين مِمَّا ألف وبالكريم قد أهين لما تلف (يَا طَالب الدُّنْيَا دنا فراقها ... تَزْوِيجهَا أسْرع أم إطلااقها) (وَدين من يخطها صَدَاقهَا ... ) عباد الله من تعلق قلبه بِالْجنَّةِ لَا يصلح لنا فَكيف بِمن يهوى الدُّنْيَا (أردناكم صرفا فَلَمَّا مزجتم ... بعدتم بِمِقْدَار التفاتكم عَنَّا) (وَقُلْنَا لكم لَا تسكنوا الْقلب غَيرنَا ... فأسكنتم الأغيار مَا أَنْتُم منا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 السُّلْطَان لَا يزاحم فِي دَاره لَا يسعني شَيْء وَيسْعَى قلب عَبدِي الْمُؤمن (غبتم عَن الْعين القريحة فِيكُم ... وسكنتم فِي الْقلب دَار مقَام) (وسلبتم جلدي التصبر عَنْكُم ... فالصبر أول راحل بِسَلام) خرج المريد الصَّادِق من ديار الْهوى إِلَى بادية الطّلب فجن عَلَيْهِ ليل التحير فجن فَإِذا نَار الْقرى تلوح إِن حملت رجل الرجل للمهيار (قد ابصرت حَقًا مناها فِي الْحمى ... وظنها بحاجر يَقِينا) (فبلغت أَدْعُو لَهَا وَبَلغت ... وخانني من لم يقل آمينا) كرب الْمُحب بِالنَّهَارِ يشتده لمزاحمة رقباء المخالطة فبلبل بلباله يتبلل فِي قفص الكتم فَإِذا هبت نسيم السحر وجد بِرُوحِهِ روحاه يصل من قصر مصر المنى إِلَى أَرض كنعان الأمل فَيقدم ركب الشوق يتجسس النسيم من فرج الْفرج وَله وَله فَنَهَضَ توق الشوق فَتكلم قلم الشكوى ورقم وصف الْقَوْم وَحكى مَا حاكى وكنى عَن مَا كنى (عاود الْقلب غرامه ... وجفا الجفن مَنَامه) (كلما قلت جوى الشوق ... خبا زَاد اضطرامه) (أَنا فِي أسرك والماسور ... قد يرْعَى ذمامه) (آه من عتبك فِي اللَّيْل ... إِذا جن ظلامه) (سَيِّدي هائمك الحيران ... قد زَاد هيامه) (هُوَ ميت غيران لم ... تبل فِي الترب عِظَامه) (كنهاري مُنْذُ فارقتك ... ليلى لَا أنامه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 إِذا اعترك اللَّيْل اعتكر ألهم طَال الدجى على الْأَبدَان وَقصر على الْقُلُوب (شَكَوْنَا إِلَى أحبابنا طول ليلنا ... فَقَالُوا لنا مَا اقْتصر اللَّيْل عندنَا) لَو رَأَيْت رواحل الْأَبدَان قد أنضاها طول السهر وأضناها فَلَمَّا هبت نجدية السحر مدت أَعْنَاق الشوق فَزَالَ كل الكلال لصردر (تزاورن عَن اذرعات يَمِينا ... نواشز لَيْسَ يطعن البرينا) (كلفن بِنَجْد كَأَن الرياض ... أخذن لنجد عَلَيْهَا يَمِينا) (وأقسمن يحملن إِلَّا نحيلا ... إِلَيْهِ ويبلغن إِلَّا حَزينًا) (وَلما استمعن زفير المشوق ... ونوح الْحمام تركن الحنينا) (إِذا جئتما بانة الواديين ... فأرخو النسوع وحلوا الوضينا) (فثم علائق من أجلهَا ... ملاء الدجى وَالضُّحَى قد طوينا) (وَقد أنبأتهم مياه الجفون ... بَان بقلبك دَاء دَفِينا) دموع الْخَائِفِينَ يحبسها بِالنَّهَارِ مراقبة الْخلق فَإِذا جن اللَّيْل إنفتح سكر الدُّمُوع {فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} أَرْوَاح الأسحار أقوات الْأَرْوَاح رقت فرقت حرجد الوجد وَبَلغت رسائل الْحبّ ومكروب الشوق يرتاح للرياح (يَا نسيم الرّيح هَل من وَقْفَة ... تطغي الْغلَّة أَو تشفي الأواما) (كن رَسُولا بِسَلام عَائِدًا ... نَحْو من أنقذني فِيك السلاما) (لم تثر شجوى حمامات اللوى ... بل غرامي علم الشجو الحماما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 كَانَت بردة العابدة تنادي فِي جَوف اللَّيْل غارت النُّجُوم ونامت الْعُيُون وخلا كل حبيب بحبيبه وَقد خلوت بك يَا خير مَحْبُوب أفتراك تعذبني وحبك فِي قلبِي لَا تفعل يَا حبيباه (إِن شِئْت سَأَلت دمع عَيْني عني ... يُخْبِرك بأنني أَسِير الْحزن) (مِنْك الغفران والخطايا مني ... ظَنِّي حسن فِيك فحقق ظَنِّي) يَا غافل الْقلب مَا هَذَا الْكَلَام لَك لَيْسَ على الخراب خراج لَا يعرف الْبر إِلَّا سائح وَلَا الْبَحْر إِلَّا سابح وَلَا الزِّنَاد إِلَّا قَادِح (ضمنا يَوْم تنادوا للقا ... موقف يعرفهُ من عشقا) لما عشقت اللبلابة الشّجر تقلقلت طلبا لاعتناق الرؤس ولثم الخدود فَقيل لَهَا مَعَ الكثافة لَا يُمكن فرضيت بالنحول فَالْتَفت فالتقت (حبي والوجد أورياني سقما ... هَذَا جسمي يعد عظما عظما) (دَعْنِي والشوق قد كفاني خصما ... يَا سهم الْبَين قد أصبت المرمى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الْفَصْل الْخَمْسُونَ إخْوَانِي من تفكر فِي ذنُوبه بَكَى وَمن تلمح سير السَّابِقين وانقطاعه شكا وَلَا أقلق الْقلب مثل الْحزن وَلَا نكا (عِنْد قلبِي علاقَة مَا تقضي ... وجوى كلما ذوى عَاد غضا) (وبكاء على الْمنَازل ابلتهن ... أَيدي الْأَيَّام بسطا وقبضا) (من معيد أَيَّام ذِي الأثل أَو مَا ... قل مِنْهَا دبنا عَليّ وقرضا) (سامحا بِالْقَلِيلِ من عهد نجد ... رُبمَا أقنع الْقَلِيل وأرضى) (مهديا لي من طيب أَرْوَاح نجد ... مَا يداوي نكس العليل المنضى) إخْوَانِي تَفَكَّرُوا فِي ذَنْب أبيكم ونزوله بالزلل ويكفيكم رمز إِلَى آدم بأنك عبد فِي قَوْله {إِن لَك أَلا تجوع فِيهَا وَلَا تعرى} لِأَن العَبْد لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا سد الجوعة وَستر الْعَوْرَة فجَاء إِبْلِيس يطمهه فِي الْملك فَلَمَّا خرج إِلَى الطمع خرج نَام فِي الْجنَّة فانتبه وَقد خلقت لَهُ حوى فَقَالَ مَا هَذَا قيل من يُرِيد النّوم بِخلق لَهُ ضجيج كفى بالشوق مسهرا فَلَمَّا وَقع فِي الزلل طَار النّوم (مَتى شقّ جيب الجنح بالبارق الومض ... وهبت قبُول فالسلام على الغمض) بالْأَمْس جِبْرِيل يسْجد لَهُ وَالْيَوْم يجر بناصيته للإخراج ولسان حَاله يستغيث (حداة العيس رفقا بالأسير ... ليغنم نظرة قبل الْمسير) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 (وَيَا بَان الْحمى هَل فِيك ظلّ ... فَعِنْدَ حشاي مزدحم الزَّفِير) (وَيَا ريح الشمَال بِحَق حبي ... وَصدق هَل مَرَرْت على الغدير) (وَهل سحبت على شيح ورند ... ذيولك يَا مبلبلة الضَّمِير) بَكَى على زلته ثلثمِائة عَام حَتَّى سَالَتْ الأودية من دُمُوعه إسمع يَا من يضْحك عِنْد الْمعاصِي (سلوا بعدكم وَادي الْحمى مَا أساله ... دمي ودموعي فِي هواكم أم الْقطر) (وَهل مَا أرَاهُ الْمَوْت أم حَادث النَّوَى ... وَهل هُوَ شوق فِي فُؤَادِي أم الْجَمْر) كَانَ يَقُول لوَلَده يَا بني طَال وَالله حزني على دَار أخرجت مِنْهَا فَلَو رَأَيْتهَا زهقت نَفسك (قف فَتلك الطلول ... وأبكها يَا رَسُول) (واقر عني سلامي ... من عَلَيْهَا نزُول) (رب سكان دَار ... فِي فُؤَادِي حُلُول) (فاسأل الدَّار عَنْهُم ... واستمع مَا تَقول) (لي وللبين فيهم ... شرح حَال يطول) (قد كفاني غرامي ... لَا تزد يَا عذول) (لست أَدْرِي إِذا مَا ... لمتني مَا أَقُول) (خلفوني معنى ... وَالْمعْنَى حمول) قيل لَهُ رد إقطاعنا فَحل الإقطاع بِجِنَايَة لقْمَة فَلَمَّا غسل آدم جَنَابَة الْجِنَايَة رد الإقطاع عَلَيْهِ لَوْلَا لطف {فَتلقى} لقَتله الأسف (من لي من لي بوصل حب نازح ... لَو بيع بمهجتي لَكُنْت الرابح) (صَالح من عَاشَ بالأماني صَالح ... سامح فِي النَّقْد يَا حَبِيبِي سامح) يَا من جرى عَلَيْهِ مَا جرى على أَبِيه إسلك طَرِيقه من الْبكاء (خل دمع الْعين ينهمل ... بِأَن من تهواه فاحتملوا) (كل دمع صانه كلف ... فَهُوَ يَوْم الْبَين مبتذل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 إكتب قصَّة النَّدَم بمداد الدُّمُوع وابعثها مَعَ ريح الزفرات لَعَلَّ الْجَواب يصل بِرَفْع الجوى (كَيفَ لَا أبْكِي على عَيْش مضى ... بِعْت عمري بحقير الثّمن) (كَيفَ أَرْجُو الْبُرْء من دَاء الْهوى ... وطبيبي فِي الْهوى أَمْرَضَنِي) إنتبه لنَفسك يَا من كلما تحرّك تعرقل فِيك جوهرية السباق وَلَكِن نحتاج إِلَى رائض قَلْبك مَحْبُوس فِي سجن طبعك مُقَيّد بقيود جهلك فَإِذا ترنم حاد تنفس مشتاق إِلَى الوطن فالبس لَامة عزمك وسر بحند جدك لَعَلَّك تخلص هَذَا الْمُسلم من أَيدي الفراعنة (أبالغوا يشتاق تِلْكَ النجودا ... رميت بقلبك مرمى بَعيدا) (فؤاد أَسِير وَلَا يفند لي ... وجفن قَتِيل البكا لَيْسَ بودي) لَك الحَدِيث يَا معرض أَنْت المُرَاد يَا غافل يَا مستلذا برد الْعَيْش تذكر حرقة الْفرْقَة يَا من يُسلمهُ موكلان إِلَى موكلين مَا لانبساطك وَجه إِنَّمَا تملي عَلَيْهَا رِسَالَة إِلَى رَبك وَمَا أَرَاك تمل قبح مَا تمل يَا جامد الْعين الْيَوْم غَدا تَدْنُو الشَّمْس إِلَى الرؤس فتفتح أَفْوَاه مسام الْعُرُوق فتبكي كل شَعْرَة بِعَين عروقها يبرز يُوسُف الهيبة فيقد قَمِيص الْكَوْن نفخ الرّيح الْيَوْم يُحَرك الشّجر وَنفخ الصُّور غَدا يعْمل فِي الصُّور ريح الدُّنْيَا بَين مثير لاقح تثير دفائن النَّبَات وتلقح الْأَشْجَار وتثير دفائن الْأَعْمَار وريح الْأُخْرَى تلقح الأشباح للأرواح لقِرَاءَة دفاتر الْأَعْمَار أَيْن الَّذين نصبوا الْآخِرَة بَين أَعينهم فنصبوا وندبوا أنفسهم لمحو السَّيِّئَات وندبوا كَانَ دَاوُد الطَّائِي يُنَادي بِاللَّيْلِ همك عطل على الهموم وحالف بيني وَبَين السهاد وشوقي إِلَى النّظر إِلَيْك حَال بيني وَبَين اللَّذَّات فَأَنا فِي سجنك أَيهَا الْكَرِيم مَطْلُوب (يَا مَالك مهجتي ووالي ديني ... كم ينشرني الْهوى وَكم يطويني) (هجرانك مَعَ محبتي يضنيني ... هَل تدركني بنظرة تحييني) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 إِذا جن الْغَاسِق جن العاشق (طَال ليلِي دون صحي ... سهرت عَيْني وناموا) كَانُوا يتراسلون بالمواعظ لتقع المساعدة على الْيَقَظَة كصياح الحارس بالحارس يَا نيام السّحُور للْمُصَنف (عرجوا بالرفاق نَحْو الركب ... وقفُوا وَقْفَة لأنشد قلبِي) (وخذوا لي من النَّقِيب لماظا ... أوردوا بِي إِلَى العذيب وحسبي) (فهبوب الرِّيَاح من أَرض نجد ... قوت روحي وحبذا من مهب) (يَا نسيم الصِّبَا ترنم على الدوح ... بِصَوْت يشجي وَإِن طَار لبي) (من معيد أيامنا بلوى الْجزع ... وهيهات أَيْن مني صحبي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 الْفَصْل الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ أَيْن اللاهون بالمزاح زاحوا أَيْن شاربوا الراح راحوا وَبِك ويك يَا صَاح لقد ندبوا فِي قُبُورهم على الونى وناحوا (يَا أَيهَا الْوَاقِف بالقبور ... بَين أنَاس غيب حُضُور) (قد سكنوا فِي جدث معمور ... بَين الثرى وجندل الصخور) (ينتظرون صَيْحَة النشور ... إِنَّك عَن حظك فِي غرور) أَيْن أَرْبَاب المناصب أبادهم الْمَوْت المناصب أَيْن المتجبر الْغَاصِب أذله عَذَاب واصب لفت وَالله الأكفان كالعصائب على تِلْكَ العصائب وحلت بهم آفَات المصائب إِذْ حل بلباتهم سهم صائب فيا من يَأْمَن هَذِه النوائب أحاضر أَنْت أم غَائِب كم عَاص بَات فِي ذنُوبه يتقلب على فرَاش عيوبه مزمار ومزهر ومسكر ومنكر فَجَاءَهُ الْمَوْت فَجْأَة فأنساه وَلَده ونساءه وجلب مساءه مَا سَاءَهُ فَنقل إِلَى اللَّحْد ذَمِيمًا وَلَقي من غب الْمعاصِي أمرا عَظِيما (ببنا ترَاهُ غاديا رائحا ... فِي نعم غادية رَائِحَة) (إِذا بِيَوْم طالح مخرج ... من خبئه آماله الصَّالِحَة) (كم سَالم صِحَّته مَوته ... وَقَائِل عهدي بِهِ البارحة) (أَمْسَى وأمست عِنْده قينة ... فَأَصْبَحت تندبه نائحة) (فَكُن من الدُّنْيَا على صَيْحَة ... وأينا لَيست بِهِ صائحة) (من كَانَت الدُّنْيَا بِهِ برة ... فَإِنَّهَا يَوْمًا لَهُ ذابحة) وَاعجَبا لمن رأى هَلَاك جنسه وَلم يتأهب لنَفسِهِ قَالَ الْبَازِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 للديك لَيْسَ على الأَرْض أقل فاءا مِنْك أخذك أهلك بَيْضَة فحضنوك فَلَمَّا خرجت جعلُوا مهدك حجورهم ومائدتك أكفهم حَتَّى إِذا كَبرت صرت لَا يدنو مِنْك أحد إِلَّا طرت هَا هُنَا وَهَا هُنَا وَصحت وَأَنا أخذت مسنا من الْجبَال فعلموني ثمَّ أرسلوني فَجئْت بصيدي فَقَالَ لَهُ الديك إِنَّك لم تَرَ بازيا مشويا فِي سفود وَكم رَأَيْت فِي سفود من ديك أخواني الزّهْد فِي الدُّنْيَا زبد مخض مَحْض الْفِكر حَظّ الْحَرِيص على الدُّنْيَا فِي الحضيض والقنوع فِي أَعلَى الذرى سائق الْحِرْص يضْرب ظهر الْحَرِيص بعصا التحريض فَلَو قد عصى الْهوى كفت الْعَصَا كلما زَاد على الْقُوت فَهُوَ مستخدم الكاسب يَا موغلا فِي طلب الدُّنْيَا الْحساب حبس فَإِن صَحَّ لَك الْجَواب تعوقت بِمِقْدَار التَّصْحِيح وَإِن لم يَصح فمطورة جَهَنَّم وَيحك طالع دستور عَمَلك ترى كل فعلك عَلَيْك من وقف على صِرَاط التَّقْوَى وَبِيَدِهِ ميزَان المحاسبة ومحك الْوَرع يستعرض أَعمال النَّفس وَيرد البهرج إِلَى كير التَّوْبَة سلم من رد النَّاقِد يَوْم التقبيض وَيحك سُلْطَان الشَّبَاب قد تولى وأمير الضعْف قد تولى ومعول الْكبر يعرقل حيطان دَار الْأَجَل وحسبك دَاء أَن تصح وتسلما قف على ثنية الْوَدَاع نادبا قبل الرحيل على ديار الإلفة (يَا منزلا لم تبل أطلاله ... حاشى لأطلالك أَن تبلى) (والعشق أولى مَا بكاه الْفَتى ... لَا بُد للمحزون أَن يسلى) (لم أبك أطلالك لكنني ... بَكَيْت عيشي فِيك إِذْ ولى) كَانَ ثَابت الْبنانِيّ يستوحش لفقد التَّعَبُّد بعد مَوته فَيَقُول يَا رب إِن كنت أَذِنت لأحد أَن يُصَلِّي فِي قَبره فَإِذن لي وَكَانَ يزِيد الرقاشِي يَقُول فِي بكاءه يَا يزِيد من يبكي بعْدك عَنْك من يترضى رَبك لَك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 (أحبكم مَا دمت حَيا وَإِن أمت ... فواكبدي من ذَا يحبكم من بعدِي) لما علم المحبون إِن الْمَوْت يقطع التعبدات كرهوه لتدوم الْخدمَة جَاءَ ملك الْمَوْت إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ليقبضه فلطم عينه فَإِذا قَامَت الْقِيَامَة باد إِلَى الْعَرْش طَالَتْ غيبته فاستعجل استعجال مشوق كَانُوا يحبونَ أَمَاكِن الذّكر ومواطن الْخلْوَة وَالْمُؤمن أُلُوف للمعاهد عهد عِنْد الْمُحب لَا ينساه أسكن حراء (احبسا الركب بوادي سلم ... فبذاك المنحنى طل دمي) (وانشدا قلبِي فِي سكانه ... فَمن السكان أَشْكُو ألمي) (أخذُوا قلبِي وأبقوا جَسَدِي ... فوجودي بعده كَالْعدمِ) (صل محبا جفْنه لم ينم ... وابلائي أَن خصمي حكمي) وَاعجَبا للمحب يستر ذكر الحبيب بِذكر الْمنَازل وَمَا يخفى مَقْصُوده على السَّامع أحد جبل يحبنا ونحبه (أَلا أسقني كاسات دمعي وغنني ... بِذكر سليمى والرباب وتنعم) (وَإِيَّاك وَاسم العامرية إِنَّنِي ... أغار عَلَيْهَا من فَم الْمُتَكَلّم) ريَاح الأسحار تحمل الرسائل وَترد الْجَواب للخفاجي (أَفِي نجد تحاورك الْقبُول ... أَظن الرّيح تفهم مَا نقُول) (تغنت فِي رحال الركب حَتَّى ... تشابهت الذوائب والذيول) (صَحِبنَا فِي دِيَارهمْ صباها ... يناوبها التنفس والنحول) (وأمطرنا سَحَاب الدمع حَتَّى ... حَسبنَا أَنَّهَا مهج تسيل) (وعجنا ذاهلين فَمَا علمنَا ... أَنَحْنُ السائلون أم الطلول) ديار الأحباب درياق هموم المحبين على أنني مِنْهَا اسْتَفَدْت غرامي كَانَ قيس إِذا رحلت ليلى تعلل بالأثار واستشفى بالدمن واستنشق الصِّبَا وشام برق بني عَامر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 (اقْتُل ادواء الرِّجَال الوجد ... وق نجدا فالغرام نجد) (حَيْثُ الرياض والنسيم أنف ... ودنف مَا يستفيق بعد) (إِن الصِّبَا إِذا جرت قادحة ... نَار الغرام ففؤادي الزند) (تعدى المحبين الصِّبَا كَأَنَّمَا ... لَهَا على أهل الغرام حقد) (لَا تتلق نفحة نجدية ... هزلا فهزل النفحات جد) (دع الصِّبَا فعل الْهَوَاء كالهوى ... سيان مِنْهُ قصره وَالْمدّ) (مَا كَبِدِي بعْدك إِلَّا جذوة ... لَهَا بترجيع الحنين وَقد) (يَسْتُرهَا الْجلد وَلَوْلَا أدمعي ... مَا كَانَ قطّ ستر نَار جلد) (كَيفَ ببرئي والطبيب ممرضي ... يصد والداء العضال الصد) (النَّار قلبِي والسموم نَفسِي ... وَالْمَاء طرفِي وَالتُّرَاب الخد) (قد كدت أخْفى عَن عُيُون عذلي ... كَذَا وجود العاشقين فقد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 الْفَصْل الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ الْعُزْلَة حمية الْبدن والمناجاة قوت الْقلب وَمن أنس بمولاه استوحش من سواهُ (يَا مُنْتَهى وحشتي وأنسي ... كن لي إِن لم أكن لنَفْسي) (أوهمني فِي غَد نجاتي ... حلمك عَن سيئات أمسي) خلق الْقلب طَاهِرا فِي الأَصْل فَلَمَّا خالطته شهوات الْحسن تكدر وَفِي الْعُزْلَة يرسب الكدر الْحَيَوَان الْمُمَيز على ثَلَاثَة أَقسَام فالملائكة خلقت من صفاء لَا كدر فِيهِ وَالشَّيَاطِين من كدر لَا صفاء فِيهِ والبشرى مركب من الضدين فالعجب أَن تقوى عِنْده التَّقْوَى تقديس الْمَلَائِكَة يَدُور على السّنة لَا تشتاق بالطبع إِلَى الفضول سبح تسبيحهم عُقُود مَا نظمتها كلف التَّكْلِيف تمرات زُرُوعهمْ نشأت لَا عَن تَعب سَقَاهَا سيح الْعِصْمَة فَكثر فِي زكوات تعبدهم قدر الْوَاجِب {وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض} كَانَت أقدم تعبدهم سليمَة فاستبطئوا سير زمني الْهوى فَقيل إِذا رَأَيْتُمْ أهل الْبلَاء فَسَلُوا الله الْعَافِيَة وَاعجَبا من منحدر فِي سفن التَّعَبُّد يستبطئ مصاعدا فِي الشمَال سمعُوا بِيُوسُف الْهوى وَمَا رَأَوْهُ فَأخذُوا يلومون زليخا الطَّبْع من حبس عتب {تراود فتاها} فَلَمَّا قَالَت الدُّنْيَا يَوْم هاروت وماروت {اخْرُج عَلَيْهِنَّ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 قطعُوا أكف الصَّبْر وَصَاح فِي تِلْكَ المواقف مَوَاقِف {أَتجْعَلُ فِيهَا} إِن للحرب رجَالًا خلقُوا ألهم أَنِين المذنبين أَو خلوف الصائمين أَو حرقة المحبين أما عب بَحر الْأَمَانَة يَوْم {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة} توقفت الْمَلَائِكَة على السَّاحِل ونهضت عَزِيمَة الْآدَمِيّ لسلوك سَبِيل الْخطر بلَى لاقدام الْمُحب أَقْدَام (يغلبني شوقي فأطوي السرى ... وَلم يزل ذُو الشوق مَغْلُوبًا) لَا نحتاج أَن نناظر الْمَلَائِكَة بالأنبياء بل نقُول هاتوا لنا مثل عمر كل الصَّحَابَة هَاجرُوا سرا وَعمر هَاجر جَهرا وَقَالَ للْمُشْرِكين قبل خُرُوجه هَا أَنا على عزم الْهِجْرَة فَمن أَرَادَ أَن يلقاني فليلقني فِي بطن هَذَا الْوَادي فليت رجَالًا فِيك قد نذروا دمي مذ عزم عمر على طَلَاق الْهوى أحد أَهله عَن زِينَة الدُّنْيَا (وعزمة بعثتها همة زحل ... من تحتهَا بمَكَان الترب من زحل) لما ولى عمر بن عبد الْعَزِيز خير النِّسَاء فَقَالَ من شَاءَت فلتقم وَمن شَاءَت فلتذهب فَإِنَّهُ قد جَاءَ أَمر شغلني عنكن لمهيار (أقسم بالعفة لاتيمه ... ظَبْي رنا أَو غُصْن تأودا) (وَكلما قيل لَهُ قف تسترح ... جزت المدى قَالَ وَهل نلْت المدى) للعزائم رجال لَيْسُوا فِي ثيابنا وطنوا على الْمَوْت فحصلت الْحَيَاة (إِذا مَا جررت الرمْح لم يثنني أَب ... ملح وَلَا أم تصيح ورائي) (وشيعني قلب إِذْ مَا أَمرته ... أطَاع بعزم لَا يروغ ورائي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 يَا مُخْتَار الْقدر أعرف قدر قدرك فَإِنَّمَا خلقت الأكوان كلهَا لِأَجلِك يَا خزانَة الودائع يَا وعَاء الْبَدَائِع يَا من غذي بلبان الْبر وقلب بأيدي الأيادي يَا زرعا تهمى عَلَيْهِ سحب الألطاف كل الْأَشْيَاء شَجَرَة وَأَنت الثَّمَرَة وصور وَأَنت الْمَعْنى وصدف وَأَنت الدّرّ ومخضة وَأَنت الزّبد مَكْتُوب اختيارنا لَك وَاضح لخلط غير أَن استخراجك ضَعِيف مَتى رمت طلبي فاطلبني عنْدك (سَاكن فِي الْقلب يعمره ... لست أنساه فاذكره) (غَابَ عَن سَمْعِي وَعَن بَصرِي ... فسو يدا الْقلب تبصره) وَيحك لَو عرفت قدر نَفسك مَا أهنتها بِالْمَعَاصِي إِنَّمَا أبعدنا إِبْلِيس لِأَجلِك لِأَنَّهُ لم يسْجد لَك فالعجب مِنْك كَيفَ صالحته وهجرتنا (رعى الله من نهوى وَإِن كَانَ مَا رعى ... حفظنا لَهُ الود الْقَدِيم فضيعا) (وواصلت قوما كنت أَنهَاك عَنْهُم ... وحقك مَا أبقيت للصلح موضعا) يَا جَوْهَرَة بمضيعة يَا لقطَة تداس كم فِي السَّمَوَات من ملك يسبح مَا لَهُم مرتبَة {تَتَجَافَى} لَا يعْرفُونَ طعم طَعَام وَمَا لَهُم مقَام ولخلوف أَنِين المذنبين عندنَا أَو فِي من تسبيحهم سُبْحَانَ من اختارك على الْكل وجادل عَنْك الْمَلَائِكَة قبل وجودك {إِنِّي أعلم} خلق سَبْعَة أبحر واستقرض مِنْك دمعة لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض واستقرض مِنْك حَبَّة (المَاء عنْدك مبذول لوارده ... وَلَيْسَ يرويك إِلَّا مدمع الباكي) كَانَت الْأَمْتِعَة المثمنة واللآلئ النفيسة تبَاع بِمصْر فَلَا ينظر إِلَيْهَا يُوسُف فَإِذا جَاءَت أجمال صوف من كنعان لم تحل إِلَّا بَين يَدَيْهِ لَا تسئل عَن عبَادي غَيْرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 للخفاجي (لَاحَ وَعقد اللَّيْل مسلوب ... برق بِنَار الشرق مشبوب) (اسأله عَنْكُم وَفِي طيه ... سطر من الأحباب مَكْتُوب) لَو كَانَ فِي قَلْبك محبَّة لبان أَثَرهَا على جسدك عجب رَبنَا من رجل ثار عَن وطائه ولحافه إِلَى صلَاته تلمح معنى ثار وَلم يقل قَامَ لِأَن الْقيام قد يَقع بفتور فَأَما الثوران قلا يكون إِلَّا بالإسراع حذرا من فَائت (إِذا هزنا الشوق اضطربنا لهزه ... على شعب الرحل اضطراد الأراقم) (فَمن صبوات تستقيم بمائل ... وَمن أريحيات تهب بنائم) أخواني من ناقره الوجد نافره النّوم قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ بت عِنْد الْحجَّاج ابْن الفرافصة إِحْدَى عشرَة لَيْلَة فَمَا أكل وَمَا شرب وَلَا نَام (اسْأَل عَيْني كَيفَ طعم الْكرَى ... علالة وَهُوَ سُؤال محَال) (وَكَيف بِالنَّوْمِ على الهجر لي ... وَالنَّوْم من شَرط ليَالِي الْوِصَال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الْفَصْل الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ يَا طَوِيل الأمل فِي قصير الْأَجَل يَا كثير الزلل فِي يسير الْعَمَل خلا لَك الزَّمَان وَمَا سددت الْخلَل أفما عنْدك وَجل من هجوم الْأَجَل (تجهز إِلَى الأجداث وَيحك والرمس ... جهازا من التَّقْوَى لَا طول مَا حبس) (فَإنَّك مَا تَدْرِي إِذا كنت مصبحا ... بِأَحْسَن مَا ترجو لَعَلَّك لَا تمسى) (سأتعب نَفسِي أَو أصادف رَاحَة ... فَإِن هوان النَّفس أكْرم للنَّفس) (وازهد فِي الدُّنْيَا فَإِن مقيمها ... كظاعنها مَا أشبه الْيَوْم بالْأَمْس) يَا معاشر الأصحاء اغتنموا نعمتي السَّلامَة والإمهال واحذروا خديعتي المنى والآمال قد جربتم على النَّفس تبذيرها فِي بضَاعَة الْعُمر فانتبهوا لانتهاب الْبَاقِي {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} الدُّنْيَا حلم يقظة وَيَوْم الْحساب تَفْسِير الأضغاث أَيَّام مَعْدُودَة وسيفنى الْعدَد وَطَرِيق صعبة على قلَّة الْعدَد وَقد سَار الركب ولاح الجدد أَتَرَى تظن أَن تبقى على الْأَبَد أما يعْتَبر بالوالد الْوَلَد أَيْن المتحرك فِي الْهَوَاء همد أَيْن اضطرام تِلْكَ النَّار خمد أَيْن مَاء الْأَعْرَاض الْجَارِي جمد تَسَاوِي فِي الْمَمَات الثَّعْلَب والأسد وشارك الوهى بَين الْحَدِيد والمسد وَجمع التّلف عنقاء مغرب والصرد واستقام قِيَاس النَّقْض للْكُلّ وَأطْرد أَفلا ينتبه من رقدته من قد رقد يَا شاربين من منهل أبوى شرب الهيم يَا جاعلين نَهَار الْهدى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 كالليل البهيم مقيمين على الدنس وَلَيْسَ فيهم مُقيم سَالِمين من أمراض الْبدن وَكلهمْ سليم أتعمرون ربوع النقم برتوع النعم وتستبدلون بِالْقُرْآنِ مُحرمَات النغم وَقد توطنتم ناسين تروح النزوح فَلم تَذكرُوا الْمَمَات تروح الرّوح تالله ليعودن المستوطن فِي أَهله غَرِيبا والمغتبط بفرحه مغيظا كئيبا {إِنَّهُم يرونه بَعيدا ونراه قَرِيبا} أَيْن أَرْبَاب الْبيض والسمر والمراكب الصفر والحمر والقباب والقب الضمر مَا زَالُوا يَفْعَلُونَ فعل الْغمر إِلَى أَن تُفْضِي جَمِيع الْعُمر يَا من عمره قد رَحل وَولى كَأَنَّك بك تندم وتتقلى والسمع وَالْبَصَر للْمَوْت قد كلا وَيَد التَّنَاوُل للتَّوْبَة شلا وَالْعين تجْرِي وابلا لَا طلا وعصافير النَّدَم قد أنضجها القلا وَأَنت تستغيث {رب ارْجِعُونِ} فَيُقَال كلا أَلا كَانَ هَذَا قبل هَذَا أَلا يَا ثقيل النّوم يَا بطيء الْيَقَظَة يَا عديم الْفَهم أما ينبهك الْأَذَان أما تزعجك الحداة أَتَرَى نخاطب عجما أَو نُكَلِّم صمًّا كم نريك عيب الدُّنْيَا وَلَكِن عين الْهوى عوراء كم تكشف لِلْبَصَرِ قصر الْعُمر وَلَكِن حدقة الأمل حولاء (لَيْسَ فِي الدُّنْيَا سرُور ... إِنَّمَا الدُّنْيَا غرور) (ومآتيم إِذا فَكرت ... فِيهَا وقبور) يَا من شَاب وَمَا تَابَ وَلَا أصلح يَا معرضًا إِلَى مَا يُؤْذِي عَن الْأَصْلَح لَيْت شعري بعد الشَّبَاب بِمَاذَا تفرح مَا أشنع الْخَطَايَا فِي الصِّبَا وَهِي فِي الشيب أقبح إِذْ نزل الشيب وَلم يزل الْعَيْب فبعيد أَن يبرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 للبحتري (وَإِذا تَكَامل للفتى من عمره ... خَمْسُونَ وَهُوَ إِلَى التقى لَا يجنح) (عكفت عَلَيْهِ المخزيات فَمَاله ... مُتَأَخّر عَنْهَا وَلَا متزحزح) (وَإِذا رأى الشَّيْطَان غرَّة وَجهه ... حيى وَقَالَ فديت من لَا يفلح) أخواني فتشوا أحمال الْأَعْمَال قبل الرحيل {ولتنظر نفس مَا قدمت لغد} يَا مطلقي النواظر فِي محرم المنظور {لترون الْجَحِيم} لَا يَغُرنكُمْ إمهال العصاة {إِن إِلَيْنَا إيابهم} يَا من عهدناه من يَوْم {أَلَسْت} لَا تحلن عقد الْعَهْد بأنامل الزلل فَمَا يَلِيق بشرف قدرك خِيَانَة (بِحرْمَة الود الَّذِي بَيْننَا ... لَا تفْسد الأول بِالْآخرِ) أذكر مُلَازمَة الْمُطَالبَة بِالْوَفَاءِ فِي أضيق خناق يَا مُنكر وَيَا نَكِير إنزلا إِلَى الْخَارِج من بساتين الْأَرْوَاح فانظرا هَل استصحب وردة من الْيَقِين أَو شَوْكَة من الشَّك (قفوا سائلوا بِأَن العقيق هَل الْهوى ... على مَا عهدنا فِيهِ ام حَال حَاله) استنكها فَمه الَّذِي قَالَ بِهِ {بلَى} يَوْم {أَلَسْت} هَل غير طيبه طول رقاد الْغَفْلَة هَل انجاس زلله مِمَّا يدْخل قليلها تَحت الْعَفو هَل مَعْرفَته فِي قليب قلبه يبلغ قُلَّتَيْنِ أَن مُقيم لَهُ على الْوَفَاء فِي كل حَال فَانْظُر إِلَى حَاله هَل حَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 لقيس الْمَجْنُون (أَلا حبذا نجد وَطيب ترابه ... وأرواحه إِن كَانَ نجد على الْعَهْد) (أَلا لَيْت شعري عَن عويرضتي قبا ... بطول اللَّيَالِي هَل تغيرتا بعدِي) (وَعَن علويات الرِّيَاح إِذا جرت ... برِيح الخزامى هَل تهب على نجد) الْمعرفَة غرس فِي الْقلب والتذكار مَاء وَمَتى جَفتْ الْمِيَاه عَن الغروس جَفتْ شجرات {أَلَسْت} تَسْقِي من مياه هَل من سَائل (إِذا مرضنا أَتَيْنَاكُم نزوركم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر) الْعقل مَا ينسى إِنَّمَا الْحس مُغفل سَبَب النسْيَان أمراض من التَّخْلِيط فِي مطاعم الْهوى عقدت بخارا فِي هام الْفَهم فَإِذا عالجها طَبِيب الرياضة تحللت فَذكر مَا نسي من عهد {أَلَسْت} قيل لذِي النُّون أَيْن أَنْت من يَوْم {أَلَسْت} قَالَ كَأَنَّهُ الْآن فِي أُذُنِي للمهيار (سل ابرق الحنان واحبس بِهِ ... أَيْن ليالينا على الأبرق) (وَكَيف بانات بسقط اللوى ... مَا لم يجدهَا الدمع لم تورق) (هَل حملت لَا حملت بَعدنَا ... عَنْك الصِّبَا عرفا لمستنشق) (يَا سائق الأظعان رفقا وَإِن ... لم يغن قولي للعسوف ارْفُقْ) (لَوْلَا زفيري خلف أجمالهم ... وحر أنفاسي لم تَنْشَق) (سميت لي نجدا على بعْدهَا ... يَا وَله المشئم بالمعرق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الْفَصْل الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ أَيهَا الْقَائِم على سوق الشَّهَوَات فِي سوق الشُّبُهَات نَاسِيا سوق الملمات إِلَى ساقي الْمَمَات إِلَى كم مَعَ الْخَطَأ بالخطوات إِلَى الخطيئات كم عَايَنت حَيا فَارق حَيا وكفا كفت بالكفات للشريف الرضى (مَا أقل اعتبارنا بِالزَّمَانِ ... وَأَشد اغترارنا بالأماني) (وقفات على غرور وأقدام ... على مزلق من الْحدثَان) (فِي حروب من الردى وكأنا ... الْيَوْم فِي هدنة مَعَ الْأَزْمَان) (وكفانا مذكرا بالمنايا ... علمنَا أننا من الْحَيَوَان) (كل يَوْم رزية فِي فلَان ... وَوُقُوع من الردى بفلان) (قل لهذي الهوامل استوثقي ... للسير واستبدلي عَن الأغطان) (واستقيمي قد ضمك اللقم النهج ... وغنى وَرَاءَك الحاديان) (كم محيد عَن الطَّرِيق وَقد صرح ... خلج البرى وجذب الْعَنَان) (هَل مجير بذابل أَو حسام ... أَو معِين بساعد أَو بنان) (قد مَرَرْنَا على الديار خشوعا ... ورأينا الْبَنَّا فَأَيْنَ البان) (أَيْن رب السدير والحيرة الْبَيْضَاء ... أم أَيْن صَاحب الإيوان) (وَالسُّيُوف الْحداد من آل بدر ... والقنا الصم من بنى الديَّان) (لَيْسَ يبْقى على الزَّمَان جريء ... فِي إباء وعاجز فِي هوان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 يَا عَاصِيا بالْأَمْس أَيْن الإلتذاذ يَا مطالبا بالجرم أَيْن المعاذ يَا متمسكا بالدنيا حبلها جذاذ مَا راعت من راعت من المحبين وَلَا الشذاذ بل ساوت فِي الْهَلَاك بَين الْفَقِير وكسرى بن قباذ تخلص من أسرها قبل أَن يعز الإنقاذ وَقبل أَن تجْرِي دموع الأسى بَين وبل ورذاذ إِذا نبذوك فِي الْقَبْر انتبذوا أَي نبذ وَأي انتباذ فَتذكر ضمة مَا نجا مِنْهَا سعد بن معَاذ أَلا يلين الْقلب أصخر أم فولاذ تَدعِي الْعَجز عَن الطَّاعَة وَفِي الْمعاصِي أستاذ وتوثر مَا يفنى على مَا يبْقى وَأَنت ابْن بَغْدَاد يَا مستلبا عَن أَهله وَمَاله يَا خَالِيا فِي الْقَبْر بِأَعْمَالِهِ ليته خلاك مَا مِنْهُ تخليت ليته ولى عَنْك أَثم مَا عَنهُ توليت وأسفا من حَالَة حيلتها لَيْت (وكل غن يتيه بِهِ غناهُ ... فمرتجع بِمَوْت أَو زَوَال) (وهب جدي زوى لي الأَرْض طيا ... أَلَيْسَ الْمَوْت يطوي مَا زوى لي) إِذا اخضر الرّبيع ناح الهزار وَندب الْقمرِي وَأَنت تعتقده غناء إِنَّمَا هُوَ بكاء على انْتِظَار التكدير لَا يغرنك صفو الْعَيْش فالرسوب فِي أَسْفَل الكاس من يسمع كَلَام الصَّامِت وَلم يسمع عبارَة الجامد فَلَيْسَ بفطن قَالَ أَحْمد ابْن أبي الْحوَاري رَأَيْت شَابًّا قد انحدر عَن مَقْبرَة فَقلت من أَيْن فَقَالَ من هَذِه الْقَافِلَة النَّازِلَة قلت وَإِلَى أَيْن قَالَ أتزود لالحقها قلت فَأَي شَيْء قَالُوا لَك وَأي شَيْء قلت لَهُم قلت مَتى ترحلون فَقَالُوا حَتَّى تقدون (وَكم من عِبْرَة أَصبَحت فِيهَا ... يلين لَهَا الْحَدِيد وَأَنت قَاس) (إِلَى كم والمعاد إِلَى قريب ... تذكر بالمعاد وَأَنت نَاس) وَيحك تلمح عاقبتك بِعَين عقلك فَإِنَّهَا سليمَة من رمد الْعقل محتسب إِذا وَقع بميزان الْهوى كسر العلاقة يَا صبيان التَّوْبَة قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 عَرَفْتُمْ شرور اعطان الْهوى فرحلتم طَالِبين ريف التقى فحتوا مطايا الْجد {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد وامضوا حَيْثُ تؤمرون} كلما شرف الْمَطْلُوب طَالَتْ طَرِيقه الْهِرَّة تحمل خمسين يَوْمًا والخنزيرة أَرْبَعَة أشهر والخف والحافرة سنة فَأَما الْفِيل فسبع سِنِين عُمُوم الشّجر يحمل فِي عَامه والصنوبر بعد ثَلَاثِينَ سنة شرف النَّسْل يُوجب الْقلَّة الشاه تَلد وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ والخنزيرة تَلد عشْرين وَأم الصَّقْر مقلات نزور يَا هَذَا يَنْبَغِي أَن تكون همتك على قدرك وَلَك قدر عَظِيم لَو عَرفته إِنَّمَا خلقت الداران لِأَجلِك أما الدُّنْيَا فلتتزود وَأما الْأُخْرَى فلتتوطن أفتراك تعرف مكانة {أذكركم} أَو قيمَة {يُحِبهُمْ} أَو مرتبَة وَإِنَّا إِلَى لقائهم أَشد شوقا تشاغلتم عَنَّا بِصُحْبَة غَيرنَا إِذا صعدت الْمَلَائِكَة عَن مجْلِس الذّكر قَالَ الْحق أَيْن كُنْتُم فَيَقُولُونَ عِنْد عباد لَك يسبحونك ويمجدونك فَيَقُول مَا الَّذِي طلبُوا وَمِمَّا استعاذوا (يَا من يسائل عني القادمين إِذا ... مَا كنت بِي هَكَذَا صبا فَكيف أَنا) يَا من كَانَ فِي رفْقَة {تَتَجَافَى} فَصَارَ الْيَوْم فِي حزب أهل النّوم للشريف الرضى (يَا ديار الأحباب كَيفَ تَغَيَّرت ... وَيَا عهد مَا الَّذِي أبلاكا) (هَل تولى الَّذين عهدي بهم فِيك ... على عَهدهم وَأَيْنَ أولاكا) (الذميل الذميل يَا ركب إِنِّي ... لضمين أَن لَا تخيب سراكا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 يَا هَذَا لَا تجزع من ذَنْب جرى فَرب زلَّة أورثت تقويما لَو لم تذنبوا (من لم يذقْ مرَارَة الْفِرَاق ... لم يدر مَا حلاوة التلاقي) مَا لم يَقع سهم فِي مقتل فالعلاج سهل إنحناء الْقوس رُكُوع لَا اعوجاج كَانَت صُحْبَة آدم للحق أَصْلِيَّة وَتعبد إِبْلِيس تكلفا والعرق نزاع {كَانَ من الْجِنّ} وَإِنَّمَا يعالج الرمد لَا الأكمة تأملوا خسة همة إِبْلِيس إِذْ رَضِي بعد الْقرب من السدة بالتقاط القمامة {إِلَّا من اسْترق السّمع} إِنَّه ليهجم على ساحة الصَّدْر فَيَأْخُذ فِي حَدِيث الوسوسة فَيَصِيح بِهِ حراس الْإِيمَان من شرفات قصر ويسعني فَيرجع بقلب الخناس فَضَائِل بني آدم خفيت على الْمَلَائِكَة يَوْم {أنبئهم} فَكيف يعرفهَا إِبْلِيس صعد إِلَى السَّمَاء منا إِدْرِيس وَعِيسَى وجال فِي مجالهم مُحَمَّد وَنزل مِنْهُم هاروت وماروت وتدير عندنَا إِبْلِيس لَو علم المتدير مَا قد خبي لَهُ من البلايا مَا سَأَلَ الأنظار كلما غلب صَاحب مَعْصِيّة وَجلسَ يقسم فِي تقواه صدرت عَن التائب نشابة نَدم فَوَقَعت فِي صدر إِبْلِيس اطم مَا على إِبْلِيس مجلسي مَا من مجْلِس أعقده إِلَّا ويقلق لما يرى من النَّفْع وَالْيَوْم يغشى عَلَيْهِ ويله مَا علم أَن الْجنَّة إقطاعنا وَإِنَّمَا أخرجنَا عَنْهَا مسافرين كتب دِيَارنَا تصل إِلَيْنَا ورسائلنا تصل إِلَيْهِم وَيَا قرب اللقا كَانَ فتح بن شخرف يَقُول قد طَال شوقي إِلَيْك فَعجل قدومي عَلَيْك للمهيار (تمد بالآذان والمناخر ... لحاجر أَنى لَهَا بحاجر) (أَرض بهَا السائغ من ربيعها ... وشوقها الْمكنون فِي الضمائر) (سَارَتْ يَمِينا والغرام شامة ... يَا سر بهَا يَا ابْن الحداة يَا سر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 الْفَصْل الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ يَا من شَاب وَمَا تَابَ أموقن أَنْت أم مرتاب من آمن بالسؤال أعد الْجَواب (فَخذ للسير إهبته وبادر ... وجود جمع رحلك للذهاب) (فقد جد الرحيل وَأَنت مِمَّن ... يسير على مُقَدّمَة الركاب) أما أنذرك بَيَاض الشمط أما يبكيك قبح مَا مِنْك فرط إِلَى مَتى تجْرِي فِي الْهوى على نمط إِلَى مَتى تضيع وقتا مثله يلتقط لقد أحَاط بك الْمنون وَهَا أَنْت فِي الْوسط واستل التّلف سَيْفه عَلَيْك سَرِيعا وَاخْتَرَطَ يَا من يهفو وينسى وَالْملك قد ضبط يَا منفقا نعم الْمولى على الْعِصْيَان هَذَا الشطط إمح باعترافك قبح اقترافك وَقد انكشط وقم فِي الدجى وَاللَّيْل قد سجى فَرب عَفْو هَبَط قد نَصَحْتُك بِمَا أسمعتك وَقد أوقعتك على النقط يَا مغمورا بِالنعَم مَعْدُوم الشُّكْر كلما لطفنا بك قابلتنا بالمخالفة إِنَّه لَا عجب من ترك الشُّكْر إِنْفَاق النعم فِي مُخَالفَة الْمُنعم هَذَا عود الْعِنَب يكون يَابسا طول السّنة فَإِذا جَاءَ الرّبيع دب فِيهِ المَاء فاخضر وَخرج الحصرم فَإِذا اعتصر النَّاس مِنْهُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ طول السّنة قلب فِي لَيْلَة خلا فبانقلابه يُوجب لِلْعَقْلِ الدهش من صنع صانعه وقدرة خالقه فَيَنْبَغِي أَن يفرغ الْعقل للتفكر فَيَأْخُذ الْجَاهِل الْعِنَب فَيَجْعَلهُ خمرًا فيغطي بِهِ الْعقل الَّذِي يَنْبَغِي أَن يحسر عَن رَأسه قناع الْغَفْلَة {وَمن يضلل الله فَمَا لَهُ من هاد} وَيحك قد أطعمتك إِيَّاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 حصرما وَعِنَبًا وزبيبا وخلا فدع الْخَامِس لي فقد سَمِعت فِي كَلَامي {فَأن لله خمسه} أَيهَا الضال فِي بادية الْهوى إحذر من بِئْر بوار وَلَيْسَ فِي كل وَقت تتفق سيارة ليل الصِّبَا مرخى السدفة وبخار الْأَمَانِي يعْقد دواخن الكسل فانهض عَن حفش الكسل واستنطق ألسن الحكم من مَوْضُوعَات المصنوعات يمل عَلَيْك كلما فِي دستوره يَا مقتولا مَاله طَالب ثأر يُرِيد الْمَوْت مُطلق الأعنة فِي طَلَبك وَمَا يخفيك حصن ثوب حياتك منسوج من طاقات أنفاسك والأنفاس تسلب ذرات ذاتك وحركات الزَّمَان قَوِيَّة فِي النسج الضَّعِيف فيا سرعَة التمزيق آن الرحيل وَمَا فِي مزادتك قَطْرَة مَاء وَلَا فِي مزود عَمَلك قَبْضَة زَاد وَقد أحلّت نَاقَتك على مَا تلقى من العشب والجدب عَام فِي الْعَام وَيحك عش وَلَا تغتر يَا رابطا مناه بخيط الأمل إِنَّه ضيف الْقَتْل صياد التّلف قد بَث الصقور وارسل العقبان وَنصب الأشراك وَقطع الْجواد فَكيف السَّلامَة تهَيَّأ لصرعة الْمَوْت وَأَشد مِنْهَا فَلت الْقلب فليت شعري إِلَى مَاذَا يؤول الْأَمر للحارثي (فوَاللَّه مَا أَدْرِي أيغلبني الْهوى ... إِذا جد جد الْبَين أم أَنا غالبه) (فَإِن استطع أغلب وَإِن يغلب الْهوى ... فَمثل الَّذِي لاقيت يغلب صَاحبه) آه من تأوه حِينَئِذٍ لَا ينفع وَمن عُيُون صَارَت كالعيون مِمَّا تَدْمَع للمهيار (وَلما خلا التوديع مِمَّا حذرته ... وَلم يبْق إِلَّا نظرة تتغنم) (بَكَيْت على الْوَادي فَحرمت مَاءَهُ ... وَكَيف يحل المَاء أَكْثَره دم) نقلة إِلَى غير مسكن وسفر من غير تزَود وقدوم إِلَى بلد ربح بِلَا بضَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 (وَلما تَيَقنا النَّوْع لم يدع لنا ... مسيل غرُوب الدمع جفنا وَلَا خدا) (فَلَا صفوة إِلَّا وَقد بدلت قذي ... وَلَا رَاحَة إِلَّا وَقد قلبت كدا) (فوَاللَّه مَا أَدْرِي وَقد كنت داريا ... أغورت الأظعان أم طلبت نجدا) يَا لساعة الْمَوْت مَا أَشدّهَا تتمنى أَن لَو لم تكن عِنْدهَا وَأعظم المحن مَا يكون بعْدهَا (وَلم أنس موقفنا للوداع ... وَقد حَان مِمَّن أحب الرحيل) (وَلم يبْق لي دمعة فِي الشؤون ... إِلَّا غَدَتْ فَوق خدي تسيل) (فَقَالَ نصيح من الْقَوْم لي ... وَقد كَاد يَأْتِي على الغليل) (تأن بدمعك لَا تفنه ... فَبين يَديك بكاء طَوِيل) تقسم الصالحون عِنْد الْمَوْت فَمنهمْ من صابر هجير الْخَوْف حَتَّى قضى نحبه كعمر كَانَ يَقُول عِنْد الرحيل الويل لعمر إِن لم يغْفر لَهُ وَمِنْهُم من أقلقه عَطش الحذر فيبرده بِمَاء الرَّجَاء كبلال كَانَت زَوجته تَقول واحرباه وَهُوَ يَصِيح واطرباه غَدا نلقى الْأَحِبَّة مُحَمَّدًا وحزبة علم بِلَال أَن الإِمَام لَا ينسى الْمُؤَذّن فمزج كرب الْمَوْت براحة الرَّجَاء فِي اللِّقَاء (بشرها دليلها وَقَالا ... غَدا تَرين الطلح والجبالا) قَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ لإبنه عِنْد الْمَوْت اقْرَأ عَليّ أَحَادِيث الرُّخص لآلقى الله وَأَنا حسن الظَّن بِهِ إِلَى مَتى تتعب الرَّوَاحِل لَا بُد من مناخ (رفقا بهَا يَا أَيهَا الزاجر ... قد لَاحَ سلع ودنا حاجر) (فخلها تخلع أرسانها ... على الربى لاراعها ذاعر) (وَاذْكُر أَحَادِيث ليَالِي منى ... لَا عدم الْمَذْكُور والذاكر) كَانَ أَبُو عُبَيْدَة الحواص يستغيث فِي الْأَسْوَاق وينادي واشوقاه إِلَى من يراني وَلَا أرَاهُ (جَاءَ بهَا قالصة عَن سَاق ... تحن والحنة للمشتاق) (مَا أولع الحنين بالنياق ... تذكري رمل النقى واشتياقي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الْفَصْل السَّادِس وَالْخَمْسُونَ يَا من أَيَّام عمره فِي حَيَاته مَعْدُودَة وجسمه بعد مماته مَعَ دودة (رَأَيْتُك فِي النُّقْصَان مذ أَنْت فِي المهد ... تقربك السَّاعَات من سَاعَة اللَّحْد) (ستضحك سنّ بعد عين تعصرت ... عَلَيْك وَإِن قَالَت بَكَيْت من الوجد) (أتطمح أَن يشجى لفقدك فَاقِد ... لَعَلَّ سرُور الفاقدين مَعَ الْفَقْد) يَا من عمره يقْضِي بالساعة والساعة يَا كثير التَّفْرِيط فِي قَلِيل البضاعة يَا شَدِيد الْإِسْرَاف يَا قوي الإضاعة كَأَنِّي بك عَن قَلِيل ترمى فِي جَوف قاعة مسلوبا لِبَاس الْقُدْرَة وبأس الِاسْتِطَاعَة وَجَاء مُنكر وَنَكِير فِي أفظع الفظاعة كَأَنَّهُمَا أَخَوان فِي الفظاظة من لبان الرضَاعَة وأمسيت تجني ثمار هذي الزِّرَاعَة وتمنيت لَو قدرت على لَحْظَة لطاعة وَقلت {رب ارْجِعُونِ} وَمَالك كلمة مطاعة يَا مُتَخَلِّفًا عَن أقرانه قد آن أَن تلْحق الْجَمَاعَة (يَا سَاهِيا لاهيا عَمَّا يُرَاد بِهِ ... آن الرحيل وَمَا قدمت من زَاد) (ترجو الْبَقَاء صَحِيحا سالما أبدا ... هَيْهَات أَنْت غَدا فِيمَن غَدا غاد) مركب الحيوة تجْرِي فِي بَحر الْبدن برخاء الأنفاس وَلَا بُد من عاصف قاصف تفككه وتغرق الركاب (حكم الْمنية فِي الْبَريَّة جَار ... مَا هَذِه الدُّنْيَا بدار قَرَار) (جبلت على كدر وَأَنت تريدها ... صفوا من الأقذار والأكدار) (فاقضوا مآربكم عجالا إِنَّمَا ... أعماركم سفر من الْأَسْفَار) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 يَا لقم الْآجَال يَا أشباه الدَّجَّال أما تَسْمَعُونَ صريف أَنْيَاب الصروف كم غافل وأكفانه عِنْد الْقصار وَلبن قَبره قد ضرب يَا سخنة عين قرت بالغرور يَا خراب قلب عمر بالمنى الْعُمر زَاد فِي بادية يوخد مِنْهُ وَلَا يطْرَح فِيهِ يَا من عمره يذوب ذوبان الثَّلج توانيك أبرد كَانَ بعض من يَبِيع الثَّلج يُنَادي عَلَيْهِ ارحموا من يذوب رَأس مَاله يَا مُؤَخرا تَوْبَته حَتَّى شَاب وَقت الِاخْتِيَار يَا ابْن السّبْعين لقد أمْهل المتقاضي البدار فنقلض الْبدن قد عرقب الأساس (وَلم يبْق من أَيَّام جمع إِلَى منى ... إِلَى موقف التجمير غير أماني) بَادر التَّوْبَة من هفواتك قبل فواتك فالمنايا بالنفوس فواتك أعجب خلائق الْخَلَائق محسن فِي شبابه فَلَمَّا لَاحَ الْفجْر فجر آه لموسم فاتك لقد مَلأ الأكياس الاكياس رجلت الرباحة فألحقهم فِي الْمنزل (وَكم وقفت وأصحابي بِمَنْزِلَة ... يبيت يقظانها ولهان وهلانا) (فهاجنا حِين حيانا النسيم بِمَا ... سقناه يَوْم النقى بالجزع أَحْيَانًا) (نبكي وتسعدنا كوم الْمطِي فَهَل ... نَحن المشوقون فِيهَا أم مطايانا) (فَلَا وَمن فطر الْأَشْيَاء مَا وجدت ... كوجدنا العيس بل رقت لبلوانا) يَا هَذَا عقلك يَحُثُّك على التَّوْبَة وهواك يمْنَع وَالْحَرب بَينهمَا فَلَو جهزت جَيش عزم فر الْعَدو تنوي قيام اللَّيْل فتنام وتحضر الْمجْلس فَلَا تبْكي ثمَّ تَقول مَا السَّبَب {قل هُوَ من عِنْد أَنفسكُم} عصيت النَّهَار فَنمت بِاللَّيْلِ أكلت الْحَرَام فاظلم قَلْبك فَلَمَّا فتح بَاب الْوُصُول للمقبولين طردت وَيحك فكر الْقلب فِي الْمُبَاحَات يحدث لَهُ ظلمَة فَكيف فِي تَدْبِير الْحَرَام إِذا غير الْمسك المَاء منع التوضوء فَكيف بِالنَّجَاسَةِ مَتى تفيق من خمار الْهوى مَتى تَنْتَهِ من رقاد الْغَفْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 للشريف الرضى (يَا قلب مَا أطول هَذَا الغرام ... يَوْم نوى الْحَيّ وَيَوْم الْمقَام) (مَتى تفيق الْيَوْم من لوعة ... وَأَنت نشوان بِغَيْر الْمدَار) أَيْن أَنْت من أَقوام كشفت عَن أبصار بصائرهم أغطية الْجَهْل فلاحت لَهُم الجادة فجدوا فِي السلوك كَانَ مَسْرُوق يُصَلِّي حَتَّى تتورم قدماه فتقعد امْرَأَته تبْكي مِمَّا ترَاهُ يصنع بِنَفسِهِ (أَمْسَى وَأصْبح من تذكاركم قلقا ... يرثي لَهَا المشفقان الْأَهْل وَالْولد) (قد خدد الدمع خدي من تذكاركم ... واعتادني المضنيان الشوق والكمد) (وَغَابَ عَن مقلتي نومي فنافرها ... وخانني المسعدان الصَّبْر وَالْجَلد) (لَا غرو للدمع أَن تجْرِي غواربه ... وَتَحْته والخافقان الْقلب والكبد) (كَأَنَّمَا مهجتي نضو ببلقعة ... يعتاده الضاريان الذِّئْب والأسد) (لم يبْق إِلَّا خفى الرّوح من جَسَدِي ... فداؤك الباقيان الرّوح والجسد) يَا هَذَا أول الطَّرِيق سهل ثمَّ يَأْتِي الْحزن فِي الْبدَاءَة إِنْفَاق الْبدن وَفِي التَّوَسُّط إِنْفَاق النَّفس فَإِذا نزل ضيف الْمحبَّة تنَاول الْقلب فأملق الْمُنفق قلق الْقَوْم بِلَا سُكُون إنزعاجهم بِلَا ثبات خلقت جفونهم على جفَاء النّوم فَلَو سَمِعت ضجيجهم فِي دياجي اللَّيْل (من لقلب يألف الفكرا ... ولعين لَا تذوق كرى) (ولصب بالغرام قضى ... مَا قضى من حبكم وطرا) احصر الْقَوْم فِي سَبِيل الْمحبَّة فأقعدتهم عَن كل مَطْلُوب {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضربا فِي الأَرْض} (رَأَيْت الْحبّ نيرانا تلظى ... قُلُوب العاشقين لَهَا وقود) (فَلَو كَانَت إِذا احترقت تفانت ... وَلَكِن كلما نَضِجَتْ تعود) لاحت نَار ليلى لَيْلًا فَنَهَضَ الْمَجْنُون فخبت فضل فَضَجَّ (ردوا الْفُؤَاد كَمَا عهِدت إِلَى الحشى ... والمقلتين إِلَى الْكرَى ثمَّ اهجروا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الْفَصْل السَّابِع وَالْخَمْسُونَ أخواني قد كفت الكفات فِي العبر وَوعظ من عبر من غبر وَقد فهم الفطن الْأَمر وَخبر وَمَا عِنْد الغافل من هَذَا خبر (يَا أَيهَا النَّاس أَيْن أولكم ... أما أَتَاكُم للذاهبين خبر) (إعتبروا فالمقدمون خلوا ... وَكلهمْ للمؤخرين عير) (تعبر بِالْمِصْرِ عابرا فَإِذا ... سَأَلت عَمَّن تود قيل عبر) (إصبر على الْعسر فِي الزَّمَان فكم ... عسر وَيسر أَتَاك ثمت مر) (وَالصَّبْر أولى بِكُل من صحب ... الْعَيْش وَمن جرب الزَّمَان صَبر) (يرفع شَأْن الْكِرَام فعلهم ... وَالْفِعْل إِن خَالف الْجَمِيل حذر) (كَادَت شخوص فِي الأَرْض بالية ... تنطق حَقًا إِذا الْمقَال غدر) (بالْأَمْس كُنَّا من الْأَنَام فَأَما ... الْيَوْم فِي تربنا فَنحْن مدر) إبك على نَفسك قبل أَن يبكى عَلَيْك وتفكر فِي سهم قد صوب إِلَيْك وَإِذا رَأَيْت جَنَازَة فاحسبها أَنْت وَإِذا عَايَنت قبرا فتوهمه قبرك وعد بَاقِي الحيوة ربحا لمتمم بن نُوَيْرَة (لقد لامني عِنْد الْقُبُور على البكا ... رفيقي لتذراف الدُّمُوع السوافك) (فَقَالَ أَتَبْكِي كل قبر رَأَيْته ... لقبر ثوى بَين اللوى فالدكادك) (فَقلت لَهُ إِن الشجا يبْعَث الشجا ... فَدَعْنِي فَهَذَا كُله قبر مَالك) يَا بعيد التيقظ وَالْمَوْت مِنْهُ قريب يَا من هُوَ عَمَّا قَلِيل فِي الْقُبُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 غَرِيب يَا رَاكِبًا عجز الْهوى وَفِي يَده جنيب يَا مارا على وَجهه قل لي مَتى تنيب أَلا تَأْخُذ قبل الْفَوْت بعض النَّصِيب أَلا تتزود ليَوْم شَره شَرّ عصيب أَلا تخرج عَن وَادي الجدب إِلَى الرّبع الخصيب أحاضر أَنْت قل لي مَا أَكثر مَا تغيب إِلَّا مَرِيض لَبِيب يقبل رأى الطَّبِيب إِن الرحيل بِلَا عدَّة فج فَكيف بِهِ على بعد الْفَج أحرم عَن الْحَرَام وَقدر أَنه حج واسكب دموع الأسى واحسبه ثج واستغث من الزلل وَمثله العج وبادر فقد تفوت الوقفة أهل وَج إقبل نصحي فَمثل نصحي لَا يمج كم فهم وعظى ذُو فطنة فهج يَا من يَقُول إِذا شِئْت تبت (الْيَوْم عهدكم فَأَيْنَ الْموعد ... هَيْهَات لَيْسَ ليَوْم عهدكم غَد) إِن خرجت الْيَوْم وَلم تتب خرجت من أولى الْفَهم (لأي مرمى تزجر إِلَّا يانقا ... إِن جَاوَزت نجدا فلست عَاشِقًا) وُقُوع الذَّنب على الْقلب كوقوع الدّهن على الثَّوْب إِن لم تعجل غسله وَإِلَّا انبسط {وَإِن مِنْكُم لمن ليبطئن} (يَدي فِي قَائِم العضب ... فَمَا الإبطاء بِالضَّرْبِ) مَا دَامَت نَفسك عِنْد التوبيخ تنكسر وعينك وَقت العتاب تَدْمَع فَفِي قَلْبك بعد حَيَاة إِنَّمَا الْمعاصِي أوجبت سكتة فانشق هَوَاك حراق التخويف وَقد عطس يَا من قد أبعدته الذُّنُوب عَن ديار لانس إبك وطر الوطن عساك ترد قَالَ بعض السّلف رَأَيْت شَابًّا فِي سفح جبل عَلَيْهِ آثَار القلق ودموعه تتحادر فَقلت من أَيْن فَقَالَ آبق من مَوْلَاهُ قلت فتعود فتعتذر فَقَالَ الْعذر يحْتَاج إِلَى حجَّة وَلَا حجَّة للمفرط قلت فتتعلق بشفيع قَالَ كل الشفعاء يخَافُونَ مِنْهُ قلت من هُوَ قَالَ مولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 رباني صَغِيرا فعصيته كَبِيرا فواحيائي من حسن صنعه وقبح فعلي ثمَّ صَاح فَمَاتَ فَخرجت عَجُوز فَقَالَت من أعَان على قتل البائس الحيران فَقلت أقيم عنْدك أعينك عَلَيْهِ فَقَالَت خله ذليلا بَين يَدي قَاتله عساه يرَاهُ بِغَيْر معِين فيرحمه (بِاللَّه عَلَيْك يَا فَتى الْأَعْرَاب ... إِن جزت على مَوَاطِن الأحباب) (فاشرح سقمي وَقل لَهُم عَمَّا بِي ... ذَاك المضني يَمُوت بالأوصاب) أَيهَا التائبون بألسنتهم وَلَا يَدْرُونَ مَا تَحت نطقهم لَا يحكم بإقراركم {حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} مَتى صدقت تَوْبَة التائب بنى بَيت التَّعَبُّد بصخور العزائم وَلم ينْتَه فِي أساسه دون المَاء مَا ضرب بِسيف الْعَزِيمَة قطّ إِلَّا قطّ التَّوْبَة الصادقة تقلع آثَار الذُّنُوب إِذا قرئَ على التائب عهد {أَلَسْت} ذكر الأقرار وَعرف الشُّهُود فَخَجِلَ من الْخِيَانَة فجرت الْعين وأطرق الرَّأْس إِن التائبين كاتبوا الله بدموعهم وهم ينتظرون الْجَواب (يَا حادي الأظعان عج متوقفا ... وَانْظُر دموع العاشقين تراق) (صَبَرُوا على ألم التهاجر والقلى ... وتجرعوا مر الْفِرَاق وذاقوا) يَا معاشر التائبين من أقامكم وأقعدنا من قربكم أبعدنا {إِن نَحن إِلَّا بشر مثلكُمْ وَلَكِن الله يمن على من يَشَاء من عباده} قفوا لأجل زمن إرحموا من قد عطب (ردوا المطايا وَإِلَّا ردهَا نَفسِي ... وأدمعي فهما سيل ونيران) (يَا سائق الظعن قلبِي فِي رحالهم ... أَمَانَة رعيها وَالْحِفْظ إِيمَان) يخيل لي أَن الْحِيطَان تبْكي مَعنا إِن النسيم قد رق لحزننا (فَلَا وَمن فطر الْأَشْيَاء مَا وجدت ... كوجدنا العيس بل رقت لبلوانا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 مَا أحسن هَؤُلَاءِ التواب مَا أذلّ وقوفهم على الْبَاب فاعتبروا {يَا أولي الْأَلْبَاب} (بِمَا بَيْننَا من حُرْمَة هَل رَأَيْتُمَا ... أرق من الشكوى وأقسى من الهجر) (وأفضح من عين الْمُحب لسره ... وَلَا سِيمَا إِن أطلقت عِبْرَة تجْرِي) وُجُوههم أَضْوَأ من الْبَدْر جباههم أنور من الشَّمْس نوحهم أفضل من التَّسْبِيح سكوتهم أبلغ من فصيح لَو علمت الأَرْض قدر خوفهم تزلزلت لَو سَمِعت الْجبَال ضجيجهم تقلقلت لِابْنِ المعتز (إسقني فاليوم نشوان ... والربى صَاد وريان) (وندامى كَالنُّجُومِ سطوا ... بالمنى والدهر جذلان) (خطروا وَالسكر ينفضهم ... وذيول الْقَوْم أردان) كلما رَأَيْت تقلقلهم تقلقل قلبِي وَإِلَّا لمحت اصفرارهم تبلبل لبي وَإِذا شاهدت دموعهم زَاد كربي وَإِذا سَمِعت حنينهم تبدد مَاء عَيْني (مَا ناح فِي البان الْحمام ... إِلَّا ورنحني الغرام) (فكأنني ثمل تمشت ... فِي مفاصله المدام) (مَالِي وبانات اللوى ... لَوْلَا الصبابة والهيام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الْفَصْل الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ مَا زَالَت الْمنون ترمي عَن أقواس حَتَّى طاحت الجسوم والأنفس وتبدلت النعم بِكَثْرَة الأبؤس واستوى فِي الْقُبُور الأذناب والأرؤس وَصَارَ الرئيس كَأَنَّهُ قطّ لم يرؤس (قل للمفرط يستعد ... مَا من وُرُود الْمَوْت بُد) (قد أخلق الدَّهْر الشَّبَاب ... وَمَا مضى لَا يسْتَردّ) (فَإلَى م يشْتَغل الْفَتى ... فِي لهوه وَالْأَمر جد) (والعمر يقصر كل يَوْم ... بِي وآمالي تمد) لقد وعظت الدُّنْيَا فأبلغت وَقَالَت وَلَقَد أخْبرت برحيلها قبل أَن يُقَال زَالَت وَمَا سَقَطت جدرانها حَتَّى أنذرت ومالت قرب الاغتراب فِي التُّرَاب ودنا سل السَّيْف من القراب كم غنت ربَاب برباب ثمَّ نادت على الْبَاب بتباب يَا من زَمَانه الَّذِي يمْضِي عَلَيْهِ عَلَيْهِ يَا طَوِيل الأمل وَهُوَ يرى الْمَوْتَى بِعَيْنيهِ يَا من ذَنبه أوجب أَن لَا يلْتَفت إِلَيْهِ قد مزجت لَك كأس كربَة وَلَا بُد وَالله من تِلْكَ الشربة يَا مَنْقُولًا بعد الْأنس إِلَى دَار غربَة يَا طين تربة وَهُوَ يطْلب فِي الدُّنْيَا رُتْبَة هَذَا مجْلِس ابْن زيد فَأَيْنَ عتبَة أتلهو برند الصِّبَا وبانه ويروقك برق الْهوى بلمعانه وتغتر بعيش فِي عنفوانه فتمد يَد الْغَفْلَة إِلَى جنى أغصانه وتنسى أَنَّك فِي حَرِيم خطره وامتحانه أما لقْمَة أَبِيك أخرجته من مَكَانَهُ أما نُودي عَلَيْهِ بِالْفطرِ فِي رمضانه أما شَأْنه شانه لَوْلَا وكف شانه أما يسْتَدلّ على نَار الْعقَاب بدخانه نزل آدم عَن مقَام المراقبة دَرَجَة فَنزل فَكَانَ يبكي بَقِيَّة عمره ديار الوفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 برد النَّفس بالهوى لَحْظَة أثمر حرارة القلق ألف سنة فاعتبروا سَالَتْ من عَيْنَيْهِ عُيُون إستحالت من الدِّمَاء دموع شغلته عَن لذات الدُّنْيَا هموم للمهيار (هَل بعد مفترق الأظعان مُجْتَمع ... أم أهل زمَان بهم قد فَاتَ مرتجع) (تحملوا تسع الْبَيْدَاء ركبهمْ ... وَيحمل الْقلب مِنْهُم فَوق مَا يسع) (اللَّيْل بعدهمْ كالهجر مُتَّصِل ... مَا شَاءَ وَالنَّوْم مثل الْوَصْل مُنْقَطع) (اشتاق نعْمَان لَا أرْضى بروضته ... دَارا وَإِن طَابَ مصطاف ومرتبع) كَانَ آدم كلما عاين الْمَلَائِكَة تنزل تذكر المرتبع فِي الرّبع فتأخذ الْعين أَعلَى فِي إِعَانَة الحزين (رأى بارقا من نَحْو نجد فراعه ... فَبَاتَ يسح الدمع وجدا على نجد) (هَل الأعصر اللَّاتِي مضين يعدن لي ... كَمَا كن لي أم لَا سَبِيل إِلَى الرَّد) مَا أَمر الْبعد بعد الْقرب مَا أَشد الهجر بعد الْوَصْل يَا مطرودا بعد التَّقْرِيب أبلغ الشافعين لَك الْبكاء للمتنبي (وَكَيف التذاذي بالأصائل وَالضُّحَى ... إِذا لم يعد ذَاك النسيم الَّذِي هبا) (ذكرت بِهِ وصلا كَأَن لم أفز بِهِ ... وعيشا كَأَنِّي كنت أقطعه وثبا) كَانَ لقوم جَارِيَة فأخرجوها إِلَى النخاس فأقامت أَيَّامًا تبْكي ثمَّ بعثت إِلَى ساداتها تَقول بِحرْمَة الصُّحْبَة ردوني فقد ألفتكم يَا هَذَا قف فِي الدياجي وامدد يَد الذل وَقل قد كَانَت لي خدمَة فَعرض تَفْرِيط أوجب الْبعد فبحرمة قديم الْوَصْل ردوني فقد ألفتكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 (عللونا بوصال نَافِع ... إننا للبعد كالشيء اللقا) (أَو خُذُوا أَرْوَاحنَا خَالِصَة ... أَو ذَروا فِي كل جسم رمقا) (وارحموا من تَنْقَضِي أَيَّامه ... غَمَرَات والليالي أرقا) (وَيْح قلبِي مَا لقلبي كلما ... خَفق الْبَرْق الْيَمَانِيّ خفقا) يَا هَذَا لَا تَبْرَح من الْبَاب وَلَو طردت وَلَا تزل عَن الجناب وَلَو أبعدت وَقل بِلِسَان التملق إِلَى من أذهب (يَا ربع إِن وصلوا وَإِن صرموا ... فهم الأولى ملكوا الْفُؤَاد هم) (شغلوا بحسنهم نواظرنا ... وعَلى الْقُلُوب بحبهم ختموا) (اتبعتهم نظرا فَعَاد جوى ... وَمن الشِّفَاء لذى الْهوى سقم) (تمحو دموعي وسم إبلهم ... وزفير أنفاسي لَهَا يسم) كَانَ الْحسن شَدِيد الْحزن طَوِيل الْبكاء سُئِلَ عَن حَاله فَقَالَ أَخَاف أَن يطرحني فِي النَّار وَلَا يُبَالِي (يعز عَليّ فراقي لكم ... وَإِن كَانَ سهلا عَلَيْكُم يَسِيرا) يَا من كَانَ لَهُ قلب فَمَاتَ يَا من كَانَ لَهُ وَقت ففات إستغث فِي بوادي القلق ردوا عَليّ ليَالِي الَّتِي سلفت أحضر فِي السحر فَإِنَّهُ وَقت الْإِذْن الْعَام واستصحب رَفِيق الْبكاء فَإِنَّهُ مساعد صبور وَابعث سَائل الصعداء فقد أقيم لَهَا من يتَنَاوَل للْمُصَنف (عبرت بريحكم الصِّبَا سحرًا ... فارتاح قلبِي المدنف الحرض) (مَا لي أَرَاك سقيمة بهم ... يَا ريح عِنْدِي لابك الْمَرَض) (أتبعتها نفسا أشيعها ... فَإِذا جروح الْقلب تنْتَقض) (قف صَاحِبي إِن كنت تسعدني ... عِنْد الْكَثِيب فثم لي غَرَض) (وانشد فُؤَادِي عِنْد كاظمة ... فِي كل ركب رَاح يعْتَرض) (أَشْكُو ومني مبتدى ألمي ... عَيْني رمت وفؤادي الْغَرَض) (فرضوا على الأجفان إِذْ هجروا ... لَا تلتقي فاصبر لما فرضوا) (كَيفَ اصْطِبَارِي بعد فرقتهم ... يَا جيرة مَا عَنْهُم عوض) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الْفَصْل التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ يَا من سيب قلبه فِي مرَاعِي الْهوى وَألقى حبله على الغارب سلم من يطول نشدانه للضلال للمهيار (دع ملامي بالحمى أَو رح وَدعنِي ... وَاقِفًا أطلب قلبا ضَاعَ مني) (مَا سَأَلت الدَّار أبغي رجعها ... رب مسئول سواهَا لم يجبني) (أَنا يَا دَار أَخُو وَحش الفلا ... فِيك من خَان فعزمي لم يخني) (وَلَئِن غال مغانيك البلى ... عَادَة الدَّهْر فشخص مِنْك يُغني) (إِن خبت نَار فهذي كَبِدِي ... أَو جَفا الْغَيْث فَهَذَا لَك جفني) أَكثر فَسَاد الْقلب من تَخْلِيط الْعين مادام بَاب الْعين موثقًا بالغض فالقلب سليم من آفَة فَإِذا فتح الْبَاب طَار طَائِر وَرُبمَا لم يعد يَا متصرفين فِي إِطْلَاق الْأَبْصَار جَاءَ توقيع الْعَزْل {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} إِطْلَاق الْبَصَر ينقش فِي الْقلب صُورَة المنظور وَالْقلب كعبة ويسعني وَمَا يُرْضِي المعبود بمزاحمة الْأَصْنَام (عَيْنَايَ أعاننا على سفك دمي ... يَا لَذَّة لَحْظَة أَطَالَت ألمي) (كم أندم حِين لَيْسَ يُغني ندمي ... ويلي ثَبت الْهوى وزلت قدمي) يَا مُطلقًا طرفَة لقد عقلك يَا مُرْسلا سبع فَمه لقد أكلك يَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 مَشْغُولًا بالهوى مهلا قَتلك بَادر رمقك فقد رمقك بِالرَّحْمَةِ من عذلك للمهيار (عثرت يَوْم العذيب فاستقل ... مَا كل ساع يحس بالزلل) (مَا سلمت قبلك الْقُلُوب على ... الْحسن وَلَا الراجمون بالمقل) (سَافر طرفِي يَوْم الظعائن بالسفح ... وَأب الْفُؤَاد الخبل) (نظرة غر جنت مقارعة ... يفتك فِيهَا الجبان بالبطل) (حصلت مِنْهَا على جراحتها ... واستأثر الظاعنون بالنفل) إِذا لاحت للتائب نظرة لَا تحل فامتدت عين الْهوى فزلزلت أَرض التقى ونهض معمار الْإِيمَان {وَألقى فِي الأَرْض رواسي أَن تميد بكم} لاحت نظرة لبَعض التائبين فصاح (حَلَفت بدين الْحبّ لاخنت عهدكم ... وَتلك يَمِين لَو علمت غموس) إِذا خيم سُلْطَان الْمعرفَة بقاع الْقلب بَث جنده فِي بقاع الْبدن فَصَارَت السباخ رياضا لرياضة سَاكن فِي الْقلب يعمره إِذا نزل الحبيب ديار الْقلب لم يبْق فِيهِ نزالة (وَكَانَ فُؤَادِي خَالِيا قبل حبكم ... وَكَانَ بِذكر الْخلق يلهو ويمرح) (فَلَمَّا دَعَا قلبِي هَوَاك أَجَابَهُ ... فلست أرَاهُ عَن فنائك يبرح) (رميت ببعد مِنْك إِن كنت كَاذِبًا ... وَإِن كنت فِي الدُّنْيَا بغيرك أفرح) (فَإِن شِئْت واصلني وَإِن شِئْت لَا تصل ... فلست أرى قلبِي لغيرك يصلح) أول منَازِل الْقَوْم عزفت نَفسِي عَن الدُّنْيَا وأوسطها لَو كشف الغطاء ونهايتها مَا رَأَيْت شَيْئا إِلَّا وَرَأَيْت الله فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 (وَمَا تطابقت الأجفان عَن سنة ... إِلَّا وَجَدْتُك بَين الجفن والحدق) (وَهل ينَام حَزِين موجع قلق ... أجفانه وكلت بالسهد والأرق) (شغلت نَفسِي عَن الدُّنْيَا ولذتها ... فَأَنت وَالروح شَيْء غير مفترق) (فَلم تعذبها بالصد يَا أملي ... ارْحَمْ بَقِيَّة مَا فِيهَا من الرمق) أَرْوَاح المحبين خرجت بالرياضة من أبدان الْعَادَات وَهِي فِي حواصل طير الشوق ترفرف على أطلال الوجد وتسرح فِي رياض الْأنس عِنْد المحبين شغل عَن الْجنَّة فَكيف يلتفتون إِلَى الدُّنْيَا مَا ترى عين المحبين إِلَّا المحبوب فَبِي يسمع وَبِي يبصر (أَنْت عين الْعين إِن نظرت ... ولسان الذّكر إِن ذكرا) (أَنْت سَمْعِي إِن سَمِعت بِهِ ... أَنْت سر السِّرّ إِن خطرا) (مَا بَقِي لي فِيك جارحة ... كلهَا يَا قاتلي أسرا) باتت قُلُوبهم يقلقها الوجد فَأَصْبَحت دموعهم يَسْتُرهَا الجفن فَإِذا سمعُوا ناطقا يَهْتِف بِذكر الحبيب أَخذ جزر الدمع فِي الْمَدّ من أقلقه الْخَوْف كَيفَ يسكن من أنطقه الْحبّ كَيفَ يسكت من ألمه الْبعد كَيفَ يصبر سل عَنْهُم اللَّيْل فَعنده الْخَبَر أَتَدْرِي كَيفَ مر عَلَيْهِم أبلغك مَا جرى لَهُم أيعلم سَالَ كَيفَ بَات المتيم افترشوا بِسَاط قيس وَبَاتُوا بلَيْل النَّابِغَة إِن ناحوا فأشجى من متيم وَإِن ندبوا فافصح من خنساء اجْتمعت أحزاب الأحزان على قلب الْخَائِف فرمت كبداء الْخَوْف الكبد فوصل نصل القلق ففلق حَبَّة الْقلب فَانْقَلَبَ فصاح الوجد من شَاءَ اقتطع فَلَو رَأَيْت فعل النِّهَايَة لرحمت المتمزق للمهيار (أَيهَا الرَّامِي وَمَا أجْرى دَمًا ... لَا تجنب قد أصبت الغرضا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 (اطْلُبُوا للعين فِي أَثْنَائِهِ ... نظرة تكحلها أَو غمضا) طَال حبس المحبين فِي الدُّنْيَا عَن الحبيب فضجت ألسن الشوق فَلَو تيقظت فِي الدجى سَمِعت أصوات أهل الحبوس للْمُصَنف (طَال ليلِي وداما ... ومنعت المناما) (وجد الوجد عِنْدِي ... مُنْذُ بانوا مقَاما) (ليتهم حِين راحوا ... ودعوا مستهاما) (سَار قلبِي وجسمي ... لم يسر بل أَقَامَا) (لست أَدْرِي فُؤَادِي ... إِذْ غذوا أَيْن هاما) (حبهم قرت قلبِي ... مُنْذُ كنت غُلَاما) (حملُوا ضعف قلبِي ... يذبلا وشماما) (كم رموني برشق ... واحدوا سهاما) (مَا لعَيْنِي تبْكي ... إِن سَمِعت حمانا) (كلما ناح رَشَّتْ ... فَظَنَنْت الغماما) (هَل نسيم لكربي ... أَيْن ريح الخزامى) (هجركم يَا حَبِيبِي ... كَانَ موتا زؤاما) (أكل اللَّحْم مني ... ثمَّ أبلى العظاما) (صَار ليلِي نَهَارا ... ونهاري ظلاما) (إِنَّمَا بت أَشْكُو ... لوعتي والغراما) (فاعذروا أَو فلوموا ... مَا أُبَالِي الملاما) (افرجوا عَن طريقي ... قد خلعت اللجاما) (ورميت سلاحي ... وكشفت اللثاما) (أسعدوني فَإِنِّي ... قد فنيت سقاما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 الْفَصْل السِّتُّونَ أخواني تَفَكَّرُوا فِي الَّذين رحلوا أَيْن نزلُوا وتذكروا أَن الْقَوْم نوقشوا وسئلوا وَاعْلَمُوا أَنكُمْ كَمَا تعذلون عذلوا وَلَقَد ودوا بعد الْفَوات لَو قبلوا لأبي الْعَتَاهِيَة (سَأَلت الدَّار تُخبرنِي ... عَن الأحباب مَا فعلوا) (فَقَالَت لي أَنَاخَ الْقَوْم ... أَيَّامًا وَقد رحلوا) (فَقلت فَأَيْنَ أطلبهم ... وَأي منَازِل نزلُوا) (فَقَالَت بالقبور وَقد ... لقوا وَالله مَا فعلوا) (أنَاس غرهم أمل ... فبادرهم بِهِ الْأَجَل) (فنوا وَبَقِي على الْأَيَّام ... مَا قَالُوا وَمَا عمِلُوا) (واثبت فِي صحائفهم ... قَبِيح الْفِعْل والزلل) (فَلَا يستعتبون وَلَا ... لَهُم ملجا وَلَا حيل) (ندامى فِي قُبُورهم ... وَمَا يُغني وَقد حصلوا) أَيْن من كَانَت الألسن تهذي بهم لتهذيبهم وأصبحت فلك الاختبار تجْرِي بهم لتجريبهم أَقَامَت قيامتهم مُنَادِي الرحيل لتغري بهم لتغرييهم فَبَاتُوا فِي الْقُبُور وحدانا لَا أنيس لغريبهم أَيْن أهل الوداد الصافي فِي التصافي أَيْن الفصيح الَّذِي إِن شَاءَ أنشأ فِي القَوْل الصافي أَيْن قصورهم الَّتِي تضمنتها مدايح الشُّعَرَاء صَار ذكر القوى فِي القوافي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 لقد نَادَى الْمَوْت أهل العوالي والقصور العوالي الطوافي تأهبوا لقدومي فكم غرثان طوى فِي طوافي رَحل ذُو المَال وَمَا أوصى فِي تَفْرِيق كدر أوصافي ولقى فِي مره أمرا مرا لَا تبلغه أوصافي ذاقوا طَعَام الأمال فَانْتزع من أَفْوَاههم يَوْم الْمَآل وَعَاد الخوى فِي الخوافي عوى فِي دِيَارهمْ ذِئْب السقام بتكذيب العوافي إنقطعت آمالهم وَصَارَ كل المنى فِي دفع الْمنَافِي تزلزل ود أحبابهم والتوى وَبت ألتوي فِي التوافي تالله لقد نَالَ الدُّود والبلى مَا أَرَادَا مِنْهُم وألفيافي الفيافي آلت قُبُورهم إِلَى الخراب أَولا فَلَا يدْرِي أَهَذا قبر الْمولى أَو لَا وهم سَوَاء فِي السوافي كم أَعرضُوا عَن نصيح وَقد رفعوا مَا تلافى التلافي كم ندموا على ضيَاع زمانهم الَّذِي خلا فِي خلافي كم رَأَيْت عاصيهم قد أعرض عني إِلَى عدوى والتجا فِي التَّجَافِي أما أَخْبَرتهم بِوَصْف النَّار إِنَّهَا {نزاعة للشوى} فِي الشوافي فَاعْتبر بحالهم فَإِنَّهُ يكف كف الْهوى وَهُوَ الْوَاعِظ الْكَافِي أَيْن الْأَبْصَار الحدائد قبل إِحْضَار الشدائد أما استلبت القلائد من ترائب الولائد لَا بُد من إزعاج هَذَا الراقد فَيَقَع الْفِرَاق بَين فريق الفراقد يَا موثقًا فِي حبالة الصَّائِد وَالله مَا كَذبك الرائد يَا عمي البصيرة وَلَا قَائِد كم أضْرب فِي حَدِيد بَارِد (أليلى وكل أصبح ابْن ملوح ... ولبنى وَمَا فِينَا سوى ابْن ذريح) ذهبت أعماركم فِي طلاب الشَّهْوَة وَالْمَوْت قد دنا فَمَا هَذِه السهوة والقلوب غافلة فالام الْقَسْوَة وَالصُّلْح معرض فختام الجفوة أَيْن رب المَال إِبْنِ ذُو الثروة أما فرس الْمَوْت ذَا الْفرس واخلى الصهوة طُوبَى للمتيقظين إِنَّهُم لقدوة علمُوا عيب الدُّنْيَا فَمَا أَمْسكُوا عُرْوَة وَأَنت فِي حبها كقيس وَعُرْوَة أيحسن بعد الشيب لَهو وصبوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 أأبقى نأي الزَّمَان طيب ناى وقهوة قربت نُوق الرحيل مسَاء وغدوة جذبت أَيدي الْمنون كرها وعنوة يَا قَلِيل التَّدْبِير وَلَا عقول النسْوَة إِلَى كم عيب وعتب أما فِيكُم نخوة وَاعجَبا لتاجر يرضى بتعب شهر ليتمتع بربحه سنة فَكيف لَا يصبر أَيَّام عمره القليلة ليلتذ بربحها أبدا يَا من يروح وَيَغْدُو فِي طلب الأرباح وَيحك إربح نَفسك يَا أَطْفَال الْهوى طَال مكثكم فِي مكتب التَّعْلِيم فَهَل فِيكُم من أَنْجَب أقرُّوا أَدِلَّة التَّوْحِيد من أَلْوَاح أشباحكم وتلقفوها من أنفاس أرواحكم قبل أَن يستلب الْمَوْت من أَيدي اللاهين أَلْوَاح الصُّور ويمحو سطور التَّرْكِيب بكف البلى وَمَا فهم الْمَكْتُوب بعد كم يلبث مِصْبَاح الحيوة على نكباء النكبات من رأى بِعَين فكره معاول النَّقْض فِي هَذَا الْمنزل ناح على السكان يَا هَذَا مشكاة بدنك فِي مهاب قواصف الْهَلَاك وزجاجة نَفسك فِي معرض الانكسار فاغتنم زمَان الصفو فأيام الْوَصْل قصار كم يلبث قنديل الْحَيَاة على عواصف الْآفَات أنفاس الْحَيّ خطاه إِلَى أَجله دَرَجَات الْفَضَائِل كَثِيرَة المراقي وَفِي الاقدام ضعف وَفِي الزَّمَان قصر فَمَتَى تنَال الْغَايَة وقف قوم على رَاهِب فَقَالُوا إِنَّا سائلوك أفمجيبنا أَنْت قَالَ سلوا وَلَا تكثروا فَإِن النَّهَار لن يرجع والعمر لن يعود والطالب حثيث فِي طلبه ذُو اجْتِهَاد قَالُوا فاوصنا قَالَ تزودوا على قدر سفركم فَإِن خير الزَّاد مَا أبلغ البغية إخْوَانِي الْأَيَّام صَحَائِف الْأَعْمَار فخلدوها أحسن الْأَعْمَال الفرص تمر مر السَّحَاب والتواني من أَخْلَاق الْخَوَالِف من استوطأ مركب الْعَجز عثر بِهِ تزوج التواني بِالْكَسَلِ فولد بَينهمَا الخسران كَانَ عمر وَعَائِشَة يسردان الصَّوْم وسرد أَبُو طَلْحَة أَرْبَعِينَ سنة وَصَامَ مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر أَرْبَعِينَ سنة وَقَامَ لَيْلهَا وَكَانَ عَامر بن عبد الله يُصَلِّي كل يَوْم ألف رَكْعَة وَختم أَبُو بكر بن عَيَّاش فِي زَاوِيَة بَيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 ثَمَانِي عشر ألف ختمة وَكَانَ لكهمش فِي كل شهر تسعون ختمة وَكَانَ عُمَيْر بن هاني يسبح كل يَوْم مائَة ألف تَسْبِيحَة (صافحوا النَّجْم على بعد المنال ... واستطابوا القيظ من برد الظلال) (واستذلوا الوعر من أخطارها ... إِنَّمَا الأخطار أَثمَان الْمَعَالِي) (كبوا الضّر إِلَيْهَا رُبمَا ... صحت الْأَجْسَام يَوْمًا بالهزال) (جروا يَوْمًا إِلَى غاياتها ... بالعوالي السمر والقب العوالي) وَكَانَ الْأسود بن يزِيد يَصُوم حَتَّى يخضر ويصفر وَكَانَ ابْن أدهم كَأَنَّهُ سفود من الْعِبَادَة وَكَانَت رَابِعَة كَأَنَّهَا شن بَال وَمَات حسان بن أبي سِنَان فَكَانَ على المغتسل كالخيط وَكَانَ مُحَمَّد بن النَّضر لوكشط جَمِيع لَحْمه لم يبلغ رطلا (جزى الله الْمسير إِلَيْهِ خيرا ... وَإِن ترك المطايا كالمزاد) أكبر دَلِيل على الْحبّ نحول الْجِسْم واصفرار اللَّوْن للحارثي (سلبت عِظَامِي كلهَا فتركتها ... مُجَرّدَة تضحي لديك وتخضر) (وأخليتها من مخها فَكَأَنَّهَا ... أنابيب فِي أجوافها الرّيح تصفر) (إِذا سَمِعت باسم الحبيب تقعقعت ... مفاصلها من خوف مَا تنْتَظر) (خذي بيَدي ثمَّ ارفعي الثَّوْب تنظري ... ضنى جَسَدِي لكنني أتستر) (وَلَيْسَ الَّذِي يجْرِي من الْعين مَاؤُهَا ... وَلكنهَا روح تذوب فتقطر) قَالَ الْجُنَيْد دخلت على سرى السَّقطِي فَمد جلده ذراعه وَقد يَبِسَتْ على الْعظم فَمَا امتدت فَقَالَ وَالله لَو شِئْت أَن أَقُول هَذَا من محبته لَقلت (وهواك مَا أبقى هَوَاك ... على فِيك وَلَا ترك) (أيلومني فِيك الَّذِي ... يزري عَليّ وَلم يَرك) (رفقا بعبدك سَيِّدي ... هَذَا عبيدك قد هلك) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 الْفَصْل الْحَادِي وَالسِّتُّونَ يَا من أَيَّامه تعظه حِين تبنيه وتنقضه يَا من صِحَّته تمرضه وسلامته تحرضه يقْرض عمره فيفنى وَمن يقْرضهُ (أرى الدَّهْر أغْنى خطبه عَن خطابه ... بوعظ شفى البابنا بلبابه) (لَهُ قلب تهدى الْقُلُوب صواديا ... إِلَيْهَا وتعمى عَن وشيك انقلابه) (هُوَ اللَّيْث إِلَّا أَنه وَهُوَ خادر ... سَطَا فأغاب اللَّيْث عَن أنس غابه) (وهيهات لم تسلم حلاوة شهده ... لصاب إِلَيْهِ من مرَارَة صابه) (مبيد مباديه تغر وَإِنَّمَا ... عواقبه مختومة بعقابه) (ألم تَرَ من سَاس الممالك قَادِرًا ... وسارت مُلُوك الأَرْض تَحت ركابه) (ودانت لَهُ الدُّنْيَا وكادت تحله ... على شهبها لَوْلَا خمود شهابه) (لقد أسلمته حصنه وحصونه ... غَدَاة غَدا عَن كَسبه باكتسابه) (فَلَا فضَّة أنجته عِنْد انفضاضه ... وَلَا ذهب أغناه عِنْد ذَهَابه) (سلا شخصه وراثه بتراثه ... وافرده أترابه بترابه) كم دارس عَلَيْك إِن الرَّابِع دارس كم واعظ نَاطِق وَآخر هامس كم غمست حبيبا فِي الثرى كف رامس كم طمس وَجها صبيحا من البلى طامس تالله مَا نجا بطبه بقراط وَلَا أرسطا طالس صَاح الْمَوْت بالقوم فَنَكس الْفَارِس أَيْن الفطن اللبيب أَيْن اليقظ القائس أتشتري أخس الخسائس يَا نفس النفائس أتؤثر لَذَّة لَحْظَة تجني حَرْب البسوس وداحس يَا مقترين من التقى بل يَا مفالس يَا منهمكين فِي الْخَطَايَا مَا تَنْفَع الملابس إشتروا نفوسكم عَن الذُّنُوب تشتروا لَهَا السنادس أخواني لَو ذكرْتُمْ أَنكُمْ تبادون مَا كُنْتُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 بِالْمَعَاصِي تبادون لقد صَوت فِيكُم الحادون وَمَا كأنكم للخير ترادون وَاعجَبا تصادون المواعظ وَلَا تصادون إِلَى مَتى تراوحون الذُّنُوب وتغادون يَا مقيمين وهم حَقًا غادون أتعادون من يَقُول إِنَّكُم تعادون كأنكم بكم تقادون إِلَى مقَام فِيهِ تقادون أما سَمِعْتُمْ كَيفَ نَادَى المنادون كل شَيْء دون المنى دون (يَا نَائِم اللَّيْل تنبه للتقى ... وانهض فقد طَال بك الْقعُود) (بَين يَديك حَادث لمثله ... يغسل عَن أجفانه الرقود) (مَا جحد الصَّامِت من نشأه ... وَمن ذَوي النُّطْق أَتَى الْجُحُود) الدَّهْر خطيب كَاف والفكر طَبِيب شاف كم قطع زرع قبل التَّمام فَمَا ظن المستحصد من عرف السِّتين أنكر نَفسه من بلغ السّبْعين اخْتلفت إِلَيْهِ رسل الْمنية عواري الزَّمَان فِي ضَمَان الارتجاع يُوسُف الْعقل ينظر فِي العواقب وزليخا الْهوى تتلمح العاجل يَا مقدمين على الْحَرَام أَنْتُم بِعَين من حرم يَنْبَغِي لمن ألبس ثوب الْعَافِيَة أَن لَا يدنسه بوسخ الزلل زرع النعم مفتقر إِلَى دوران دولاب الشُّكْر فَإِذا فتح الْقلب سكر الِاعْتِرَاف بِالْعَجزِ صَار السَّقْي سبحا هَذَا الْيَوْم يَقُول ارضني وعَلى رضَا أمس السّكُون بالبلادة أصعب من التحريك بالهوى إِذا رآك عقلك وَقد تولى حسك تدبيرك تولى وَيحك لَا تأمن حسك على عقلك فَإِنَّهُ عكس الْحِكْمَة الْعقل نور والحس ظلمَة الْحس أعشى وَالْعقل عين الهدهد الْحس طِفْل وَالْعقل بَالغ الْعقل يدْخل فِي المضائق والحس أبله الْحس لَا يرى إِلَّا الْحَاضِر وَالْعقل يتلمح الآخر الصَّبْر عَن الاغراض صَبر غير أَن الحازم يَجْعَل مراقبة العواقب تَقْوِيَة ماخلا قطّ وَجه سرُور من تعبس مَكْرُوه وَلَا سلمت كأس لَذَّة من شَائِبَة نغصة للمتنبي (فذي الدَّار أَخَوان من مومس ... واخدع من كفة الحابل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 (تفانى الرِّجَال على حبها ... وَمَا يحصلون على طائل) كل صَاف من الدُّنْيَا مقرون بكدر حَتَّى أَنه فِي الْغَيْث عيث أَتُرِيدُ أَن لَا ينعكس لَك غَرَض فَمَا هَذَا مَوْضِعه الهبات ذاهبات والليالي مناهبات الدُّنْيَا قنطرة واستيطان القناطير بله (هَل نجد إِلَّا منزل مفارق ... ووطن فِي غَيره يقْضِي الوطر) الْهم فِيهَا أَكثر من الْفَرح وَالسُّرُور أقل من الْحزن {وَإِن الدَّار الْآخِرَة لهي الْحَيَوَان} يَا مُجْتَهدا فِي طلب الدُّنْيَا اجْعَل عشر اجتهادك لِلْأُخْرَى جهزت الْبَنَات وَتَزَوَّجت الْبَنِينَ فَأَنت بِمَاذَا تجهزت للرحيل يَا متقاعدا عَن أوَامِر الرب إحذر أَن يقعدك عَن نهضاتك تزمن وَاعجَبا إِن حركت إِلَى الطَّاعَة فزحل وَإِن لَاحَ لَك الْهوى فعطارد عَيْنك قد استرقها المنظور وَلِسَانك يتَصَرَّف فِيهِ اللَّغْو ويدك يحركها الزلل وخطا أقدامك إِلَى الْخَطَأ ثمَّ قد أسكنت الْهوى قَلْبك فَأَيْنَ يكون الْملك وَهل ترك لنا عقيل من منزل وَيحك إِن الْإِنْسَان يشد فِي إصبعه خيطا يتَذَكَّر بِهِ حَاجته وَهل فِي جسدك عرق أَو شَعْرَة إِلَّا وَهِي تذكر بالخالق فَمَا وَجه هَذَا النسْيَان الْبَارِد يَا من باعنا نَفسه ثمَّ ماطل بِالتَّسْلِيمِ لَا أَنْت مِمَّن يفْسخ العقد وَلَا مِمَّن يمْضِي البيع تَدعِي الرحلة إِلَى دَار الحبيب ودهليز سرادقك إِلَى بلد الْهوى هَيْهَات لَا يدْرك علم الربانية إِلَّا من ربى فِيهِ للمهيار (يَا قلب مَا أَنْت وَأهل الْحمى ... وَإِنَّمَا هم أمسك الذَّاهِب) (دون نجد وظباء الْحمى ... أَن يقرح المنسم وَالْغَارِب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 لَا بُد فِي سلوك الطَّرِيق من مصابرة رَفِيق الْبلَاء لَهُ خلق صَعب فاصبر على مداراته البلايا ضيوف فَأحْسن قراها لترحل عَنْك إِلَى بلد الْجَزَاء مادحة لَا قادحة من حك بأظفار شكواه جلد عيشه أدْمى دينه الْبلَاء ظلمَة غبش وَيَا سرعَة طرع الْفجْر اللَّهُمَّ أعن أَطْفَال التَّوْبَة على مَا ابتلوا بِهِ من جوع شَدِيد فَإِذا أعد قرص الْإِفْطَار نزل ضيف {ويؤثرون} فزاحم فأراح {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا} (إِن هَوَاك الَّذِي بقلبي ... صيرني سَامِعًا مُطيعًا) (أخذت قلبِي وغمض عَيْني ... سلبتني النّوم والهجوعا) (فذر فُؤَادِي وَخذ رقادي ... فَقَالَ لَا بل هما جَمِيعًا) فَإِذا تمكنت قدم المريد وطاب لَهُ ارتضاع ثدي الْوِصَال قطع عَنهُ فِي اهنأ مَا كَانَ يُرَاد مِنْهُ زِيَادَة القلق فِي الحَدِيث يوحي الله تَعَالَى إِلَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام اسلب عَبدِي حلاوة مناجاتي فَإِن تضرع إِلَيّ فَردهَا فَلَو سَمِعت استغاثة المحبين لأورثتك القلق (على بعْدك لَا يصبر ... من عَادَته الْقرب) (وَلَا يقوى على حجبك ... من تيمه الْحبّ) (فمهلا إيها الساقي ... فقد يشهدك الْقلب) (فَإِن لم تتْرك الْعين ... فقد يشهدك الْقلب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 الْفَصْل الثَّانِي وَالسِّتُّونَ يَا من قد غلبته نَفسه وبطش بعقله حسه استدرك صبَابَة الْيَقَظَة وَصَحَّ فِي سمع قَلْبك بموعظة (يَا نفس توبي فَإِن الْمَوْت قد حانا ... وأعصى الْهوى فالهوى مَا زَالَ فتانا) (أما ترينا المنايا كَيفَ تلقطنا ... لقطا وتلحق أخرانا بأولادنا) (فِي كل يَوْم لنا ميت نشيعه ... نرى بمصرعه آثَار مَوتَانا) (يَا نفس مَا لي وللأموال أتركها ... خَلْفي وَأخرج من دنياي عُريَانا) (أبعد خمسين قد قضيتها لعبا ... قد آن أَن تقصري قد آن قد آنا) (مَا بالنا نتعامى عَن مصائرنا ... ننسى بغفلتنا من لَيْسَ ينسانا) (نزداد حرصا وَهَذَا الدَّهْر يزجرنا ... كَانَ زاجرنا بالحرص أغرانا) (أَيْن الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك وَمن ... كَانَت تَخِر لَهُ الأذقان إذعانا) (صاحت بهم حادثات الدَّهْر فانقلبوا ... مستبدلين من الأوطان أوطانا) (خلوا مَدَائِن كَانَ الْعِزّ مفرشها ... واستفرشوا حفرا غبرا وقيعانا) (يَا راكضا فِي ميادين الْهوى مرحا ... ورافلا فِي ثِيَاب الغي نشوانا) (مضى الزَّمَان وَولى الْعُمر فِي لعب ... يَكْفِيك مَا قد مضى قد كَانَ مَا كَانَا) أَيْن الزَّاد يَا مُسَافر أَيْن درع التَّقْوَى يَا سَافر لقد أنشب الْمَوْت فِيك الأظافر وَلَا تشكن إِنَّه ظافر هَذِه النبل فَأَيْنَ المغافر كَيفَ تصنع إِن غضب الغافر يَا مبارزا بالقبيح أمؤمن أَنْت أم كَافِر إِن قُمْت سدلت من ثِيَاب كبرك وَإِن أَقمت سدرت من شراب خمرك إصطفقت أَبْوَاب المواعظ وَمَا استفقت تقف فِي الصلوة بِغَيْر خضوع وتقرأ التخويف وَمَا ثمَّ خشوع يَا نَائِما عَن صَلَاحه كم هَذَا الهجوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 يَا دَائِم الْحُضُور عندنَا هَل عمرك إِلَّا أُسْبُوع إِن لنجم الحيوة لأفول ولشمس الْمَمَات لطلوع أَيْن أَبوك أَيْن جدك السَّيْف قطوع كَيفَ تبقى مَعَ كسر الْأُصُول ضِعَاف الْفُرُوع تعلق الدُّنْيَا بقلبك وتعتذر بِلَفْظ مَصْنُوع إصرارك كالصحيحين وإقلاعك حَدِيث مَوْضُوع مزق أملك فالعمر قصير حقق عَمَلك فالناقد بَصِير زد زَاد سفرك فالطريق بعيد ردد نظر فكرك فالحساب شَدِيد صَحَّ بِالْقَلْبِ لَعَلَّه يرعوي سلمه إِلَى الرائض عساه يَسْتَوِي يَا مُؤثر البطالة عَالم الْهوى دنس عاشق الْهوى جامد الْفِكر فَلَو ذاب مَا ذاب (سهر الْعُيُون لغير وَجهك ضائع ... وبكاؤهن لغير وصلك بَاطِل) يَا هَذَا وَجه نَاقَتك إِلَى بادية الزِّيَارَة فَإِن لَهَا بنسيم نجد معرفَة قفها على الجادة وَقد هَب لَهَا نسيم الشيح من الْحجاز إِن أعوزك فِي الطَّرِيق مَاء فتمم مزادتك بالبكاء لعَلي بن أَفْلح (دعها لَك الْخَيْر وَمَا بدا لَهَا ... من الحنين ناشطا عقالها) (وَلَا تعللها بجو بابل ... فَهُوَ أهاج بالجوى بلبالها) (وَلَا تعقها عَن عقيق رامة ... فَإِنَّهَا ذكرَاهُ قد أمالها) (نشدتك الله إِذا جِئْت الربى ... فَرد أضاها واستظل ضالها) (وناوح الْوَرق بشجو ثاكل ... أطفى لَهَا ريب الردى أطفالها) بَدَأَ آدم فِي طَرِيق ابتلائه ثلثمِائة سنة وعام نوح فِي دمعه ثَلَاثمِائَة عَام وضج دَاوُد من دائه حَتَّى ذوى كَانَ كلما هاج حر الْحزن هاج نَبَات الْفرج فحالت الْحَال دمعا فأجدب الْبَصَر وأعشب الْوَادي فَلَو وزنت دُمُوعه بدموع الْخَلَائق لرجحت للشريف الرضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 (عِنْدِي من الدمع مَا لَو كَانَ وارده ... مطي قَوْمك يَوْم الْجزع مَا نزحا) (غادرن أسوان ممطورا بعبرته ... ينحو مَعَ البارق الْعلوِي أَيْن نحا) (هَل تبلغنهم النَّفس الَّتِي تلفت ... فيهم شعاعا أَو الْقلب الَّذِي قرحا) (إِن هان سفح دمي بالبين عِنْدهم ... فَوَاجِب أَن يهون الدمع إِن سفحا) كَانَ يحيى بن زَكَرِيَّا يبكي حَتَّى رق جلدَة خَدّه وبدت أَضْرَاسه هَذَا وَقد كَانَ على الجادة فَكيف بِمن ضل وَاعجَبا من بكائه وَمَا ثمَّ مأتم فَكيف بِمن مَا أنقضى يَوْم إِلَّا ومأتم مَا تمّ يَا هَذَا إِن كَانَ قد أَصَابَك دَاء دَاوُد فنح نوح نوح تحيى حَيَاة يحيى (لَا تحسبن مَا الْعُيُون فَإِنَّهُ ... لَك يَا لديغ هواهم درياق) (شنوا الإغارة فِي الْقُلُوب بأسهم ... لَا يرتجى لأسيرها إِطْلَاق) (واستعذبوا مَاء الجفون فعذبوا ... الْأَسْرَار حَتَّى درت الأماق) كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَفتح الْموصِلِي يَبْكِيَانِ الدَّم وَقَلِيل فِي جنب مَا نطق بِهِ لِسَان الْوَعيد إِذا خلا الْفِكر بِالْيَقِينِ ثارت عجاجة الدمع فَإِذا أقرح الْحزن الْقلب استحالت الدُّمُوع دَمًا للمهيار (أجارتنا بالغور والركب مُتَّهم ... أيعلم خَال كَيفَ بَات المتيم) (بِنَا أَنْتُم من ظاعنين وخلفوا ... قلوبا أَبَت أَن تعرف الصَّبْر عَنْهُم) (وَلما انجلى التوديع عَمَّا حذرته ... وَلم يبْق إِلَّا نظرة تتغنم) (بَكَيْت على الْوَادي فَحرمت مَاءَهُ ... وَكَيف يحل الْمَرْء أَكْثَره دم) وَاعجَبا أطار حكم حَدِيث العذيب وَأَنْتُم من وَرَاء النَّهر يَا منقطعين عَن الأحباب تَعَالَوْا نمشي رفْقَة فمجمعنا مأتم الأسى موعدنا مَقَابِر الأسف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 (تعالين نعالج زفرَة ... الْبَين تعالينا) (نزود إِذْنا شكوى ... وتودع نظرة عينا) (ونبكي من يَد الْبَين ... عسانا نعطف البنيا) (فَمَا زَاد النَّوَى إِلَّا ... لجاجا مَا تباكينا) (إِلَى أَيْن أما تعلم ... يَا سائقها الأينا) (إِذا عرست بالجرعاء ... وسطا بَين مَا بَينا) (فحيى الله يبرين ... وَعين الرمل حيينا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 الْفَصْل الثَّالِث وَالسِّتُّونَ يَا هَذَا عَاتب نَفسك على تفريطها ثمَّ حَاسَبَهَا على تخليطها حدثها بِمَا بَين يَدهَا وأخبرها أشر عَلَيْهَا بمصلحتها ودبرها (إستمدي للْمَوْت يَا نفس واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد) (قد تبينت أَنه لَيْسَ للحي ... خُلُود وَلَا من الْمَوْت بُد) (أَي ملك فِي الأَرْض أَو أَي حَظّ ... لامرئ حَظه من الأَرْض لحد) (كَيفَ يهوى امْرُؤ لذاذة أَيَّام ... عَلَيْهِ الأنفاس فِيهَا تعد) آه لنفوس بغرور هَذِه الدُّنْيَا يخدعن فَإِذا فاتهن شَيْء من فان توجعن شربن من مياه الْغَفْلَة وتجرعن فَلَمَّا بَانَتْ حَبَّة الفخ أسرعن فَمَا انجلت سَاعَة التَّفْرِيط حَتَّى وقعن أما علِمْنَ أَنَّهُنَّ يحصدن مَا يزرعن أما تَيَقّن أَنَّهُنَّ فِي هلاكهن يشرعن يَا قلَّة مَا تنعمن وَيَا احتقار مَا تمتعن أما هن عَن قَلِيل فِي اللَّحْد يضجعن أَيْن تِلْكَ الْأَقْدَام المشيعة لَهُنَّ تصدعن بئس حَافظ الأجساد تُرَاب يَقُول دَعْهُنَّ لما أودعن طَال مَا كن يوترن الذُّنُوب ويشفعن فَلَو رأيتهن بعد الْمَوْت يتضرعن {رب ارْجِعُونِ} لَا وَالله لَا يرجعن يَا عجبا هَذِه الْآفَات لَهُنَّ ويهجعن وَهَذَا الْحَبْس الشَّديد ويرتعن يَا لَهَا من مواعظ فَهَل أثرن أَو نجعن يَا هَذَا أخل بِنَفْسِك فِي بَيت الْفِكر واعذلها فِي الْهوى فَإِن لم تلن فَاخْرُج بهَا على عَسْكَر الْمَقَابِر فَإِن لم ترعوي فاضربها بِسَوْط الْجُوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 يَا هَذَا الْعُزْلَة تجمع الْهم والمخالطة نهابة الْهوى مرضع كثير التَّخْلِيط فَهَذَا طِفْل قَلْبك كثير الْمَرَض عجل فطامه وَقد صَحَّ الْعُزْلَة والقناعة وَالصَّبْر والعفة والتواضع عقاقير كيمياء النجَاة يبلغن بمستعملهن مرتبَة الْغنى والحرص والشره وَالْغَضَب وَالْعجب وَالْكبر كلهم مجانين فِي مارستان الْعقل وَهُوَ الْقيم عَلَيْهِم فليتحذر الْغَفْلَة عَنْهُم فَإِنَّهُ إِن أفلت مَجْنُون حل البَاقِينَ يَا هَذَا حصن السَّلامَة الْعُزْلَة أقل مَا فِي الْخُرُوج مِنْهُ من الْأَذَى مصادمة الْهَوَاء الْمُخْتَلف المهاب فِي بادية الشَّهَوَات وَقد عقبته جنوب المجانبة للصَّوَاب فَصَارَ وباء وَإِيَّاك أَن تتعرض لهواء الوبي مغترا بِصِحَّة مزاجك فَإنَّك إِن سلمت من فضول الْفِتَن من التّلف لم تأمن زكمة وَمَتى تمكنت زكمة الهمة لم تشم الْفَضَائِل (يَا قلب الْأُم لَا يُفِيد النصح ... عمر ولى وَقد توالى الْقبْح) (جرح دَامَ وَقد تبدى جرح ... مَا تشعر بالخمار حَتَّى تصحو) لما انقشع غيم الْغَفْلَة عَن عُيُون أهل الْيَقِين لَاحَ لَهُم هِلَال الْهدى فِي صحراء الْيَقَظَة فبيتوا نِيَّة الصَّوْم عَن الْهوى على عزم عزفت نَفسِي عَن الدُّنْيَا دخل مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ على عمر بن عبد الْعَزِيز وَقد غَيره الزّهْد فَأنكرهُ فَقَالَ يَا ابْن كَعْب فَكيف لَو رَأَيْتنِي بعد ثَلَاثَة أَيَّام فِي قَبْرِي (لم تبْق فيهم حرارات الْهوى وجوى ... الأحزان غير خيالات وأشباح) (تكَاد تنكرهم عين الْخَبِير بهم ... لَوْلَا تردد أنفاس وأرواح) كَانَ وهيب بن الْورْد قد نحل من التَّعَبُّد فَكَانَت خضرَة البقل تبين تَحت جلدَة بَطْنه للمهيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 (زعمت لَا يبلي هَوَاك جَسَدِي ... بلَى وحسبي بكم لقد بلَى) (دَارك تَدْرِي أَنه لَوْلَا الْهوى ... مَا طل دمع مقلتي فِي طلل) إخْوَانِي من عرف مَا يطْلب هان عَلَيْهِ مَا يبْذل لصردر (وَكم ناحل بَين تِلْكَ الْخيام ... تحسبه بعض أطنابها) انضى الْقَوْم رواحل الْأَبدَان فِي سفر الشوق حبا لتعجيل اللِّقَاء فكم طَوَوْا منزلا على الظماء حَتَّى كل كل الْمطِي بِتِلْكَ الجعجعه ورفيق الرِّفْق يَصِيح بهم للمهيار (دَعُوهَا ترد بعد خمس شروعا ... وارخوا ازمتها والنسوعا) (وَقُولُوا دُعَاء لَهَا لَا عقرت ... وَلَا امْتَدَّ دهرك إِلَّا ربيعا) (حملن نشاوى بكأس الغرام ... فَكل غَدا لِأَخِيهِ رضيعا) (إِذا أجدبوا خصهم جد بهم ... وَإِن أخصبوا كَانَ خصبا جَمِيعًا) (طوال السواعد شم الأنوف ... فطابوا أصولا وطابوا فروعا) (أَحبُّوا فُرَادَى وَلَكنهُمْ على ... صَيْحَة الْبَين مَاتُوا جَمِيعًا) (حموا رَاحَة النّوم أجفانهم ... ولفوا على الزفرات الضلوعا) (أسكان رامة هَل من قرى ... فقد دفع اللَّيْل ضيفا قنوعا) (كَفاهُ من الزَّاد أَن تمهدوا ... لَهُ نظرا أَو حَدِيثا وسيعا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 قيل لأبي بكر النَّهْشَلِي وَهُوَ فِي الْمَوْت إشرب قَلِيلا من المَاء فَقَالَ حَتَّى تغرب الشَّمْس للمهيار (نفرها عَن وردهَا بحاجر ... شوق يعوق الدمع فِي المحاجر) (وردهَا على الطوى سواغبا ... ذل الغرام وحنين الذاكر) واشوقاه إِلَى تِلْكَ الأشباح سَلام الله على تِلْكَ الْأَرْوَاح (هَا إِنَّهَا منَازِل تعودت ... مني إِذا شارفتها التسليما) (وقفت فِيهَا سالما راد الضُّحَى ... ورحت من وجد بهَا سليما) (يَا نفحة الشمَال من تلقائها ... ردي على ذَلِك النسيما) يَا هَذَا إِن أردْت لحاق السَّادة فَخَل مخاللة الوسادة وَاجعَل جلدتك بردتك وحد عَن الْخلق والزم وحدتك أكحل عَيْنَيْك بالسهر والدمع وضع على قُرُوح الْجُوع مرهم الصَّبْر وتزود للسير زَاد الْعَزْم واقطع طَرِيق الدُّنْيَا بقدم الزّهْد واخرج إِلَى خصب الْأُخْرَى عَن ضنك الدُّنْيَا وسح فِي بوادي التقى لتنزل بوادي الْفَخر فَإِن وصلت إِلَى دوائك تناولته من يَد {يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وَإِن مت بدائك فمقابر الشُّهَدَاء {فِي مقْعد صدق} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الْفَصْل الرَّابِع وَالسِّتُّونَ يَا مَشْغُولًا بتلفيق مَاله عَن تَحْقِيق أَعماله من خطر ذكر الرحيل بِبَالِهِ قنع بالبلغ وَلم يباله (مَالك للحادثات نهب ... أَو للَّذي حازه وراثه) (أولك أَن تتخذه ذخْرا ... فَلَا تكن أعجز الثَّلَاثَهْ) لَا بُد وَالله من العبور إِلَى منزل الْقُبُور يسفي عَلَيْك الصِّبَا وَالدبور وَأَنت تَحت الأَرْض تبور آه من طول الثبور بعد طيب الحبور يَا لكسر بعيد الجبور لَا ينفع فِيهِ صَبر الصبور ينْدَم على عثرته العثور ويفترش الدُّثُور حَتَّى يثور أَيْن كسْرَى وبهرام جور أَيْن المتقلبون حجور الْفُجُور أَيْن الْحَلِيم أَيْن الضجور أَيْن الْمهْر الْعَرَبِيّ والناقة العيسجور أَيْن الظباء الكنس والأتراب الْحور كن يزين در البحور بالنحور غرق الْكل فِي يم من التّلف زخور واستوى الوضيع والفخور تَحت الصخور لَا فرق بَين ذَات الْإِيمَاء وَذَوَات الْخُدُور فِي ذَلِك المهبط الحدور لقد بَان للْكُلّ أَن الدُّنْيَا غرور وَعرفُوا فِي الْمصير شرور السرُور وتيقنوا أَن تزوير الأمل للخلد زور وتفصلت أعضاؤهم وَلَا تَفْصِيل لحم الْجَزُور ودكت بهم الأَرْض وَلَا كَمَا دك الطّور وَبَانَتْ حسباناتهم وفيهَا قُصُور وتأسفوا على مساكنة الْقُصُور فِي مسَاكِن الْقُصُور وَهَذَا الْمصير وَلَو عمرتم عمر النسور والرامي مُصِيب وَمَا يدْفع السُّور فَإِذا انْقَضتْ بعده تِلْكَ العصور وَنفخ فِي الصُّور وَخرجت أطيار الْأَرْوَاح من أعجب الوكور وباتت الأَرْض تموج وَالسَّمَاء تمور وَلَقي الكفور نَارا تلتهب وتفور إنزعج الْخَلِيل والكليم فَمن بشر وطيفور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 (كم للمنايا فِي بني آدم ... توسع مِنْهُ تضيق الصُّدُور) (فالوقت لَا تحدث ساعاته ... إِلَّا الردى الْمَحْض بوشك الْمُرُور) (أيامنا السَّبْعَة أيسارنا ... وكلنَا فِيهَا شَبيه الْجَزُور) (طهرت ثوبا واهيا ثمَّ مَا ... قَلْبك إِلَّا عادم للطهور) (لَو فطن النَّاس لدنياهم ... لَا اقتنعوا مِنْهَا اقتناع الطُّيُور) وَيحك إِن الدُّنْيَا تغر وَلَا بُد لَك مِنْهَا فَخذ قدر الْحَاجة على حذر أما ترى الطَّائِر كَيفَ يختلس قوته هَذَا العصفور يألف النَّاس فَلَا يسكن دَارا لَا أهل بهَا وَهُوَ مَعَ هَذَا الْأنس شَدِيد الحذر مِمَّن جاور هَذَا الخطاف يقطع الْبَحْر لطلب الْأنس بالأنس ثمَّ يتَّخذ وَكره فِي أحصن مَكَان من الْبَيْت وَلَا يحملهُ الْأنس بهم على ترك الحذر مِنْهُم بل يُعْطي الْأنس حَقه والحزم حَقه أما عرفت أدب الشَّرْع فِي تنَاول الْمطعم ثلث طَعَام وَثلث شراب وَثلث نفس شَره الْحِرْص يغبى بِلَا غم البلادة وَلَا يسهل شرب المسهل إِلَّا على من تأذى بحركات الاخلاط لَا يقدر على الحمية إِلَّا من تلمح الْعَافِيَة فِي الْعَاقِبَة شغل الْعقل النّظر فِي العواقب فَأَما الْهوى فإيثاره لَذَّة قَليلَة تعقب ندامة طَوِيلَة فملبس فِي قضاياه الْمُؤمن بَين حَرْب ومحراب وَكِلَاهُمَا مفتقر إِلَى جمع الْهم وَيُرِيد الْمِحْرَاب الْقيام باشراط الْوضُوء وَالدُّنْيَا فِي مقَام امْرَأَة واللمس نَاقض طَرِيق الْمُتَيَقن تفْتَقر إِلَى رواحل وابل عزائمكم كلهَا كال إِنَّمَا يصلح للْملك قلب فارغ مِمَّن سواهُ (وقلبك خَان كل يَوْم وَلَيْلَة ... يُفَارِقهُ ركب وينزله ركب) فِي كل يَوْم ترهن قَلْبك على ثمن شَهْوَة فيستعمله الْمُرْتَهن فقد اخلق أَنْت توقد نَار التَّوْبَة فِي الْمجْلس فِي الحلفاء فَإِذا أردْت مِنْهَا قبسا بعد خُرُوجك لم تَجِد تبْكي سَاعَة الْحُضُور على الْخِيَانَة والمسروق فِي جيبك يَا مظْهرا من الْخَيْر مَا لَيْسَ لَهُ لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك كم نهاك عَن نظرة وَتعلم إِنَّه بالحضره أَفلا تراقب النَّاظر برد النَّاظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وكأنك مَا تعرف أَن الْحَاضِر حَاضر وَاعجَبا لَك تعد التَّسْبِيح بسبحة فَهَلا جعلت لعد الْمعاصِي أُخْرَى يَا من يخْتَار الظلام على الضَّوْء الذُّبَاب أَعلَى همة مِنْك مَتى أظلم الْبَيْت خرج الذُّبَاب إِلَى الضَّوْء أما ترى الطِّفْل فِي القماط يناغي الْمِصْبَاح وَيحك خُذ بتلابيب نَفسك قبل أَن يجذبها ملك الْمَوْت وَقل أيتها النَّفس الحمقاء إِن كَانَ مُحَمَّد صَادِقا فالمسجد وَإِلَّا فالدير (النَّاس من الْهوى على أَصْنَاف ... هَذَا نقض الْعَهْد وَهَذَا واف) (هَيْهَات من الكدور تبغي الصافي ... لَا يصلح للحضرة قلب جَاف) يَا هَذَا أكبر دَلِيل لَك علينا إِنَّك كنت مبددا فِي ظُهُور الْأُصُول فنظمت بِالْقُدْرَةِ نظما عجيبا خَالِيا عَن الْعَبَث فَمَا تنقض إِلَّا لأمر هُوَ أعجب مِنْهُ مدت أطناب الْعُرُوق وحفرت خنادق الأعصاب وَضربت أوتاد المفاصل وأقيم عمد الصلب ثمَّ مد السرادق فنصب سَرِير الْقلب فِي الْبَاطِن للْملك ويسعني قلب عَبدِي الْمُؤمن (إِذا لم يجد صب على النأي مخبرا ... عَن الْحَيّ بعد الْبَين أَيْن أَقَامُوا) (فَعِنْدَ النسيم الرطب أَخْبَار منزل ... بِهِ لسليمى بالعقيق خيام) يَا هَذَا إِن كنت محبا فحبيبك مَعَك فِي كل حَال حَتَّى عِنْد الْمَوْت وَفِي بطن اللَّحْد للغزي (يَا حبذا العرعر النجدي والبان ... وَدَار قوم بِأَكْنَافِ الْحمى بانوا) (وَأطيب الأَرْض مَا للقلب فِيهِ هوى ... سم الْخياط مَعَ الأحباب ميدان) إِذا أقفر قَلْبك من سَاكن ويسعني فتحت النَّفس بَابا لعناكب الْغَفْلَة فَنسجَتْ فِي زواياه من لعاب الأمل طاقات المنى اللَّهُمَّ أجر الْقُلُوب من جور النُّفُوس يَا سُلْطَان الْقلب نشكو إِلَيْك النزالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الْفَصْل الْخَامِس وَالسِّتُّونَ أخواني اعرفوا الدُّنْيَا وَقد سلمتم ثمَّ اعْمَلُوا فِيهَا بِمَا عملتم لَا يَغُرنكُمْ مِنْهَا الوفر فَإِنَّكُم فِيهَا سفر أما بعد تَوْطِئَة المهاد الْحفر أتتوطن مني وتنسى النَّفر (أرى الدُّنْيَا وَمَا وصفت ببر ... مَتى أغنت فَقِيرا أرهقته) (إِذا خشيت لشر عجلته ... وَإِن رجيت لخير عوقته) (تعلقهَا ابْن جهل فِي صباه ... فهام بفارك مَا علقته) (سقته زَمَانه مقرا وصابا ... وكأس الْمَوْت آخر مَا سقته) (أبادت قصر قَيْصر ثمَّ جَازَت ... بإيوان ابْن هُرْمُز فارتقته) (أما افتتحت لَهُ فِي الأَرْض بَيْتا ... فآوته النزيل وأطبقته) (إِذا انفلت إبنها عَنْهَا بزهد ... ثنته بزخرف قد نمقته) أَتَرَى لم تَنْفَع التجارب أما ترَوْنَ الدُّنْيَا كَيفَ تحارب أَلا تلقونَ حبلها على الغارب أما سيف الْهَلَاك فِي يَد الضَّارِب تالله لقد جلا صبح الْيَقِين ظلام الغياهب الأعزم زاهد يتَوَكَّأ على عَصا رَاهِب (ودنياك إِن وهبت بِالْيَمِينِ ... يسَار الْفَتى سلبت باليسار) أخواني احْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَسحر من هاروت وماروت ذَانك يفرقان بَين الْمَرْء وزوجه وَهَذِه تفرق بَين العَبْد وربه وَكَيف لَا وَهِي الَّتِي سحرت سحرة بابل إِن أَقبلت شغلت وَإِن أَدْبَرت قتلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 (نظرت فاقصدت الفوآد بسهمها ... ثمَّ انْثَنَتْ عَنهُ فكاد يهيم) (ويلاه إِن عرضت وَإِن هِيَ أَعرَضت ... وَقع السِّهَام ونزعهن اليم) كم فِي جرع لذاتها من غصص طالبها مَعهَا فِي نغص (بَكَى عَلَيْهَا حَتَّى إِذا حصلت بَكَى ... عَلَيْهَا خوفًا من الْغَيْر) إِنَّهَا إِذا صفت حَلَالا كدرت الدّين فَكيف إِذا أخذت من حرَام إِن لحم الذَّبِيحَة ثقيل على المعاء فَكيف إِذا كَانَ ميتَة الظلمَة فِي الظلمَة يَمْشُونَ فِي جمع الحطام يُصْبِحُونَ وَيُمْسُونَ على فرَاش الأثام {فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ} من نبت جِسْمه على الْحَرَام فمكاسبه كبريت بِهِ يُوقد الْحجر الْمَغْصُوب فِي الْبناء أساس الخراب أَترَاهُم نسوا طي اللَّيَالِي سالف الجبارين وَمَا بلغُوا معشار مَا أتيناهم فَمَا هَذَا الإغترار {وَقد خلت من قبلهم المثلات} فهم ينتظرون من لَهُم إِذا طلبُوا الْعود {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} كم بَكت فِي تنعم الظَّالِم عين أرملة وأحرقت كبد يَتِيم {ولتعلمن نبأه بعد حِين} مَا ابيض لون الرَّغِيف حَتَّى اسود وَجه الضَّعِيف مَا تروقت المشارب حَتَّى ترنقت المكاسب مَا عبل جسم الظَّالِم حَتَّى ذوت ذواب ذَات قُوَّة لَا تحتقر دُعَاء الْمَظْلُوم فشرر قلبه مَحْمُول بعجيج صَوته إِلَى سقف بَيْتك نباله مُصِيب ونبله غَرِيب قوسه حرقه ووتره قلقه ومرماته هدف لأنصرنك وَسَهْم سَهْمه الْإِصَابَة وَقد رَأَيْت وَفِي الْأَيَّام تجريب كم من دَار دارت بنعم النعم دارت عَلَيْهَا دوائر النقم {فجعلناها حصيدا} كم جَار فِي حلبة المنى قد استولى طرفه على الأمد صدمه قهر عُقُوبَة فَأَلْقَاهُ أسْرع من طرف بَينا الْقَوْم ينبسطون على البسيطة كفت أكفهم بمقامع القمع لسبتهم عقارب ظلمهم نفخ عَلَيْهِم ثعبان جَوْرهمْ عقرتهم أسود بطشهم نسفتهم عواصف كبرهم وَفِي الْغَيْر عبر وَيحك إِذا كَانَت رَاحَة اللَّذَّة تعقب تَعب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 الْعقُوبَة فدع الدعة تمْضِي فِي غير الدعة وَالله مَا تَسَاوِي لَذَّة سنة غم سَاعَة فَكيف وَالْأَمر بِالْعَكْسِ كم فِي يم الْغرُور من تمساح فاحذر يَا غائض يَا من قد أمكنه الزَّمَان من حركات التَّصَرُّف فِي الْعدْل فَمَا يُؤمن من الزَّمن الزَّمن (وَمنى بلغت إِلَى الرِّئَاسَة فاستلب ... كرة العلى بصوالج الْمَعْرُوف) كَانَ عمر يخَاف مَعَ الْعدْل يَا من يَأْمَن مَعَ الْعُدُول رؤى بعد مَوته بإثنتي عشرَة سنة فَقَالَ الْآن تخلصت من حسابي وَاعجَبا أقيم أَكثر من سنى الْولَايَة أفينتبه بِهَذَا رَاقِد الْهوى أحسن شَعَائِر الشَّرَائِع الْعدْل الظُّلم ظلمَة فِي نَهَار الْولَايَة وجدب يرْعَى لُحُوم الرّعية وَالْعدْل صَوت فِي صور الحيوة يبْعَث بِهِ موتى الْجور أَيهَا الظَّالِم تذكر عِنْد جورك عدل الْحَاكِم تفكر حِين تصرفك فِي سرفك عجبا لَك تَدعِي الظّرْف وَتَأْخُذ المظروف والظرف كلا أَو فِي الظرافة رأفة ستعلم أَيهَا الْغَرِيم قدر غرامك إِذا يلتقي كل ذِي دين وماطله من لم يتبع بمنقاش الْعدْل شوك الظُّلم من أَيدي التَّصَرُّف أثر مَا لَا يُؤمن تعديه إِلَى الْقلب يَا أَرْبَاب الدول لَا تعربدوا فِي سكر الْقُدْرَة فَصَاحب الشرطة بالمرصاد سُلَيْمَان الحكم قد حبس آصف الْعقُوبَة فِي حصن {فَلَا تعجل عَلَيْهِم} وأجرى رخاء الرَّجَاء {لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة} فَلَو قد هبت سموم الْجَزَاء من مهب {وَلَئِن مستهم نفحة} قلعت سكر {أَنما نملي لَهُم} فَإِذا طوفان التّلف يُنَادي فِيهِ نوح {لَا عَاصِم} فالحذر الحذر قبل {أَن تَقول نفس يَا حسرتى} {ولات حِين مناص} وَأَنت أَيهَا الْمَظْلُوم فَتذكر من أَيْن أتيت فَإنَّك لَا تلقى كدرا إِلَّا من طَرِيق جِنَايَة {لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 كَانَ لبان يخلط المَاء بِاللَّبنِ فجَاء سيل فَذهب بالغنم فَجعل يبكي وَيَقُول اجْتمعت تِلْكَ القطرات فَصَارَت سيلا ولسان الْجَزَاء يُنَادِيه يداك أوكتا وفوك نفخ إذكر غفلتك عَن الْآمِر وَالْأَمر وَقت الْكسْب وَلَا تنسى اطراح التَّقْوَى عِنْد مُعَاملَة الْخلق فَإِذا انقض عاصف فَسمِعت صَوت سَوْطه يضْرب عقد الْكسْب جُزْء الْخِيَانَة الْعُقُود فَلَا تستطرف ذَلِك فَأَنت الْجَانِي أَولا والبادي أظلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 الْفَصْل السَّادِس وَالسِّتُّونَ يَا مَشْغُولًا بأمله عَن ذكر أَجله رَاضِيا فِي صَلَاح خلاله بخلله هَل أَتَى المساكن لكسله إِلَّا من قبله (أضحى لَك فِي قَبْضَة المطامع آمال ... ترجو دركا والردى لعمرك مغتال) (هَل أَنْت معد ليَوْم حشرك زادا ... يَوْمًا بجد الْفَوْز بِالْقيمَةِ عُمَّال) (إِن أغفلك الدَّهْر بُرْهَة فسيأتيك ... على غَفلَة بحتفك معجال) (بَادر بمتاب فَرُبمَا طرق الْمَوْت ... بِسَهْم من الْمنية قتال) (أَيْن المتحامون عَن زخارف دنيا ... إِن أوطنت الْمَرْء عقبته بترحال) (خلابة عقل بباطل متماد ... غرارة صَاد رأى المطامع كالال) (إِن شيم سَحَاب لَهَا فَذَاك جهام ... أَو ظن بهَا وابل فَذَلِك خَال) (دع عَنْك حَدِيث الركاب أَيْن تولت ... أَو ذكر ديار بهَا العفاء وإطلال) (يَا حسرة من أنْفق الْحَيَاة غرُورًا ... قد بَاعَ لَهَا الفرصة الرخيصة بالغال) (لَا تحتقر الذَّنب فالصحائف تحصى ... مَا كنت تناسيت من قبائح أَفعَال) يَا ضَاحِكا ملْء فِيهِ سُرُورًا واغتباطا وَقد ارتبطت لَهُ الْمنون خيل التّلف ارتباطا أما بسط الْإِنْذَار على بَاب الدَّار بساطا أما الْحَادِي مجد فَمَا للمنادي يتباطى أيحسن بالكبير أَن يتمرس الْهوى وَيتَعَاطَى عجبا لعالم يقرب المنايا كَيفَ لَا ينتهب التقى التقاطا ولجسد بَال جر بالعجب والرياء رياطا إِلَى كم هَذَا الْإِسْرَاع فِي الْهوى والوجيف وَبَاب الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا قد سد وجيف إِن الْأَمْن فِي طَرِيق قد أخيف رَأْي رذيل وعقل سخيف يَا من يجمع الْعَيْب إِلَى الشيب ويضيف لَا المَاء بَارِد وَلَا الْكوز نضيف إِن إِيثَار مَا يفنى على مَا يبْقى لمزيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 لَا ظريف كم أَتَى خريف وَكم أَنَاخَ ريف وَيَكْفِي من الْكل كل يَوْم رغيف أيجوع بشر الحافي ويشبع وصيف ويذل هَذَا ويخدم هَذَا مائَة وصيف وَمَا أَدْرَاك هَذَا مد هَذَا وَلَا النصيف إِلَّا اريب إِلَّا لَبِيب إِلَّا حصيف لَا يعجبنكم استقامة غُصْن الْهوى فالغصن قصيف هَا نَحن قد شتونا ولعلنا لَا نصيف (سل الْأَيَّام مَا فعلت بكسرى ... وَقَيْصَر والقصور وساكنيها) (أما استدعتهم للْمَوْت طرا ... فَلم تدع الْحَلِيم وَلَا السفيها) (دنت نَحْو الدنى بِسَهْم خطب ... فأصمته وواجهت الوجيها) (أما لَو بِيعَتْ الدُّنْيَا بفلس ... أنفت لعاقل أَن يَشْتَرِيهَا) يَا من عمره يذوب وَمَا يَتُوب إِذا خرقت ثوب دينك بالزلل فارقعه بالإستغفار فَإِن رفاء النَّدَم صناع فِي جمع المتمزق يَا هَذَا إِنَّمَا يضل الْمُسَافِر فِي سَفَره يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ يَقع على الجادة وَاعجَبا من تيه خمسين سنة يَا وَاقِفًا مَعَ الصُّور خالط عَالم الْمَعْنى أما علمت أَن تغريد الْحمام نياحة أَنْت تظن البلبل يُغني وَإِنَّمَا يبكي على أحبابه (لَيْت شعري عَن الَّذين تركنَا ... بَعدنَا بالحجاز هَل يذكرونا) (أم لَعَلَّ المدى تطاول حَتَّى ... بعد الْعَهْد بَيْننَا فنسونا) (أرجعوا حُرْمَة الْوِصَال فَإنَّا ... لَهُم فِي الْهوى كَمَا عهدونا) لَو صفت لَك فكرة كَانَ لَك فِي كل شَيْء عِبْرَة كل الْمَخْلُوقَات بَين مخوف ومشرق حر الصَّيف يذكر حر جَهَنَّم وَبرد الشتَاء محذر من زمهريرها والخريف يُنَبه على اجتناء ثمار الْأَعْمَار وَالربيع يحث على طلب الْعَيْش الصافي أَوْقَات الأسحار ربيع الْأَبْرَار وَقُوَّة الْخَوْف صيف وبرودة الرَّجَاء شتاء وساعات الدُّعَاء والطلب خريف إِذا استحر الْحر تقحم القحل فَطلق القسر الأَرْض فَلبِست سربال الجدب واحدت فِي حفش الذل فَلَمَّا طَالَتْ أَيَّام الأيمة أَوْمَأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 إِلَى الْمُرَاجَعَة الرجع فَبَكَتْ قطراته لطول الهجر فَضَحِك لِكَثْرَة بكائه روض الأَرْض فَبنى الْبناء ريع الرّبيع فَنَهَضت ماشطة الْقُدْرَة لإِخْرَاج بَنَات النَّبَات من مخدر الثرى ففرشت الْحلَل بمصبغات الْحلَل فَسمع الْورْد هتاف العندليب وحنين الدواليب فَفتح فَاه مشتاقا إِلَى مشروب فَإِذا الطل صبوح فَقَالَ أَلا منادم فَأَبت الآزهار مصاحبة من لَا يُقيم فَأَجَابَهُ بعد الْيَأْس الياسمين فَقَالَ أَنا نظيرك فِي قصر الْعُمر والموانسة فِي المجانسة فاشر أَنْت إِلَى المذنب باحمرار الخجل حَتَّى أُشير أَنا إِلَى الْخَائِف باصفرار الوجل فَرَأى البلبل طيب الإجتماع فغنى فرنت ديار اللَّهْو فَدخل الناطور والصياد فاقتطف الناطور رَأس الْورْد واختطف الصياد البلبل الوغد فذبح فِي الْحَال العصفور وَحبس الْورْد فِي قَوَارِير الزُّور وَقيل للياسمين لم اغتررت بزور {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا} فَلَمَّا بَكَى الْورْد بكاء نادم على الاغترار صلح للمتطيبين أَنِين المذنبين أحب إِلَيْنَا من زجل المسبحين فانتبه يَا مخدوع فالعمر الْورْد والزجاجة الْقَبْر وَالنَّفس البلبل والقفص اللَّحْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الْفَصْل السَّابِع وَالسِّتُّونَ أخواني المستقر يَزُول والمقيم مَنْقُول وَالْأَحْوَال تحول والعتاب على الفاني يطول وَكم نعذل وَكم نقُول (سيقطع ريب الْبَين بَين الْفَرِيقَيْنِ ... لكل اجْتِمَاع فرقة من يَد الْبَين) (وكل يقْضِي سَاعَة بعد سَاعَة ... تخاتله عَن نَفسه سَاعَة الْحِين) (وَمَا الْعَيْش إِلَّا يَوْم موت لَهُ غَد ... وَمَا الْمَوْت إِلَّا رقدة بَين يَوْمَيْنِ) (وَمَا الْحَشْر إِلَّا كالمصباح إِذا انجلى ... يقوم لَهُ الْيَقظَان من رقدة الْعين) (أيا عجبا مني وَمن طول غفلتي ... أومل أَن أبقى وأنى وَمن أَيْن) أَيْن قطان الأوطان أَيْن الْأَطْفَال والشمطان أَيْن الجائع والمبطان أَيْن حطَّان وقحطان أَيْن العبيد وَالسُّلْطَان أَيْن الْبَانِي وماطان أَيْن السقوف والحيطان أَيْن المروج والغيطان أَيْن المهاري والأشطان أَيْن الْآجَال والخيطان أَيْن الْمُحب والحبيب فِي الثرى خطان تعرف وتصدف {هَذَا من عمل الشَّيْطَان} الطَّرِيق الهادية وَاسِعَة الفجاج وَالدَّلِيل ظَاهر لَا يحْتَاج إِلَى احتجاج وَأما بَحر الْهوى فَمَا يُفَارِقهُ ارتجاج مَا فِيهِ مَاء للشُّرْب بل كُله أجاج وَالْعجب من رَاكب فِيهِ يتجر فِي الزّجاج كم مزجور عَنهُ غرفته فِي لجة لجاج يَا معاشر العصاة قد عَم الجدب أَرض الْقُلُوب وأشرفت زروع التَّقْوَى على التوى فأخرجوا من حصر الذُّنُوب إِلَى صحراء النَّدَم وحولوا أردية الْغدر عَن مناكب العهود ونكسوا رُؤْس الرياسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 على أذقان الذل لَعَلَّ غيوم الغموم على مَا تلف تأتلف أخواني قد بشر الرشاش فاثبتوا وَقد سَالَ الْوَادي (واحبس الركب علينا سَاعَة ... نندب الرّبع ونبكي الدمنا) (فَلِذَا الْموقف أعددنا البكا ... وَلذَا الْيَوْم الدُّمُوع تقتني) (زَمنا كَانَ وَكُنَّا جيرة ... يَا أعَاد الله ذَاك الزمنا) (بَيْننَا يَوْم اثيلات النقى ... كَانَ عَن غير ترَاض بَيْننَا) إِذا خرجت الْقُلُوب بِالتَّوْبَةِ من حبس الْهوى إِلَى بيداء الْإِنَابَة جرت خُيُول الدمع فِي حلبات الوجد كالمرسلات عرفا إِذا استقام زرع الْفِكر قَامَت العبرات تَسْقِي ونهضت الزفرات تحصد ودارت رَحا التحير تطحن واضطرمت نَار القلق تنضج فحصلت للقلب بلة يتقونها فِي سفر الْحبّ يَا من لم يصبر عَن الْهوى صَبر يُوسُف تعين عَلَيْك حزن يَعْقُوب فَإِن لم تطق فذل إخْوَته يَوْم {وَتصدق علينا} خوف السَّابِقَة وحذر الخاتمة قلقل قُلُوب العارفين وَزَادَهُمْ إزعاجا {يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه} كلما دخلُوا سكَّة من سِكَك السّكُون شرع بهم الْجزع فِي شَارِع من شوارع القلق لما حرك نسيم السحر أَغْصَان الشّجر أخذت ألسن قُلُوبهم فِي بَث القلق فكاد نفس النَّفس يقطع الحيازيم لَوْلَا حزم التَّمَسُّك للشريف الرضى (وَإِنِّي لأغرى بالنسيم إِذا سرى ... وتعجبني بالابرقين ربوع) (ويحني على الشوق نجدي مزنة ... وبرق بأطراف الْحجاز لموع) (وَلَا أعرف الأشجان حَتَّى تشوقني ... حمائم ورق فِي الديار وُقُوع) فِي كل اللَّيْل تهب الرِّيَاح وَلَكِن لنسيم السحر خاصية مَا أَظُنهُ تعطر إِلَّا بِأَنْفَاسِ المستغفرين لنَفس الْمُحب عطرية تنم على قدر طيبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 (أحب الثرى النجدي من أجرع الْحمى ... كَأَنِّي لمن بالاجرعين نسيب) (إِذا هَب علوي الرِّيَاح رَأَيْتنِي ... أَغضّ جفوني أَن يُقَال مريب) المحبون على شواطئ أَنهَار الدمع تَزُول فَلَو سرت عَن هَوَاك خطوَات لَاحَ لَك الْخيام (وصلوا إِلَى مَوْلَاهُم وَبَقينَا ... وتنعموا بوصاله وشقينا) (ذهبت شبيبتنا وَضاع زَمَاننَا ... وَدنت منيتنا فَمن ينجينا) (فتجمعوا أهل القطيعة والجفا ... نبكي شهورا قد مَضَت وسنينا) كَانَ بعض السّلف يَقُول اللَّهُمَّ إِن منعتني ثَوَاب الصَّالِحين فَلَا تحرمني أجر الْمُصَاب على مصيبته وَكَانَ آخر يَقُول إِن لم ترْضى عني فَاعْفُ عني كَانَ الْقَوْم زِينَة الدُّنْيَا فمذ سلبوا تسلبت خلت وَالله الديار وباد الْقَوْم وارتحل أَرْبَاب السهر وَبَقِي أهل النّوم واستبدل الزَّمَان آكِلِي الشَّهَوَات بِأَهْل الصَّوْم (كفى حزنا بالواله الصب أَن يرى ... منَازِل من يهوى معطلة قفرا) يَا من كَانَ لَهُ فِي حَدِيث الْقَوْم ذوق أَيْن أثار الوجد والشوق إِذا طَالَتْ لبث الطين فِي حافات الانهار تَكَامل ريه فَإِذا نضب المَاء عَنهُ استلبت الشَّمْس جَمِيع مَا فِيهِ من رُطُوبَة فيقوى شوقه إِلَى مَا فَارق فَلَو تركت قِطْعَة مِنْهُ على لسَانك لامسكته شوقا إِلَى مَا فَارَقت من رُطُوبَة أَشد النَّاس حبا لحَدِيث الْحجاز من سَافر (فَكَانَت بالفرات لنا لَيَال ... سرقناهن من ريب الزَّمَان) يَا هَذَا كنت تَدعِي حبنا وتؤثر الْقرب منا فَمَا هَذَا الصَّبْر الَّذِي قد عَن عَنَّا كنت تستطيب ريَاح الأسحار وَمَا تغير الْمُحب وَلَكِن دخل فصل برد الفتور وَلم تحرزه فأصابك زكام الكسل كنت فِي الرعيل الأول فَمَا الَّذِي ردك إِلَى السَّاقَة قف الْآن على جادة التأسف والزم الْبكاء على التَّخَلُّف فأحق النَّاس بالأسى من خص بالتعويق دون الرفقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 (يَا صَاحِبي أطيلا فِي موانسي ... وناشداني بخلاني وعشاقي) (وحدثاني حَدِيث الْخيف إِن لَهُ ... روحا لقلبي وتسهيلا لأخلاقي) (مَا ضرّ ريح الصِّبَا لَو ناسمت حرقي ... واستنقذت مهجتي من أسر أشواقي) (دَاء تقادم عِنْدِي من يعالجه ... ونفثة بلغت مني من الراقي) (يمْضِي الزَّمَان وآمالي مصرحة ... مِمَّن أحب على مطل وإملاق) (واضيعة الْعُمر لَا الْمَاضِي انتفعت بِهِ ... وَلَا حصلت على علم من الْبَاقِي) (بلَى علمت وَقد أيقنت يَا أسفا ... أَنِّي لكل الَّذِي قَدمته لَاق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الْفَصْل الثَّامِن وَالسِّتُّونَ أخواني من عَامل الدُّنْيَا خسر وَمن حمل فِي صف طلبَهَا كسر وَإِن خلاص محبها مِنْهَا عسر وكل عاشقيها قد قيد وَأسر {فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر} (رأى الشهد يرجع مثل الصَّبْر ... فَمَا لإبن آدم لَا يعْتَبر) (وَخَبره صَادِق فِي الحَدِيث ... فَإِن شكّ فِي ذَاك فليختبر) (ودنياك فالق بطول الهوان ... فَهَل هِيَ إِلَّا كجسر عبر) يَا طَالبا مَا لَا يدْرك تمنى الْبَقَاء وَمَا تتْرك كَأَنَّك بالحادي قد أبرك وَهل غير الْحَصاد لزرع قد أفرك (وَكَيف أشيد فِي يومي بِنَاء ... وَأعلم أَن فِي غَد عَنهُ ارتحالي) (فَلَا تنصب خيامك فِي مَحل ... فَإِن القاطنين على احْتِمَال) يَا من أَعماله رِيَاء وَسُمْعَة يَا من أعمى الْهوى بَصَره وأصم سَمعه يَا من إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة لم يخلص رَكْعَة يَا نَائِما فِي انتباهه إِلَى مَتى هَذِه الهجعة يَا غافلا عَن الْمَوْت كم قلع الْمَوْت قلعة كم دخل دَارك فَأخذ غَيْرك وَإِن لَهُ لرجعة كم شرى شخصا بِنَقْد مَرِيض وَله الْبَاقُونَ بِالشُّفْعَة كم طرق جبارا فاشت شَمله وأخرب ربعه أَفلا يتعظ البيذق بسلب شاه الرقعة يَا عَامر الدُّنْيَا إِنَّمَا الدُّنْيَا دَار قلعة كم مزقت قلبا بحبها فَرجع ألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 قِطْعَة إِن خصت بِطيب المذاق أغصت وسط الجرعة يَوْم ترحها سنة وَسنة فرحها جُمُعَة إِنَّهَا لمظلمة وَلَو أوقدت ألف شمعة وَهِي مَعَ هَذَا خَائِنَة وَلَو حَلَفت بربعة كم درست عَلَيْكُم مجلدات تَقول مَا هَذِه الْأَنْفس مخلدات أَيْن الْأَقَارِب أَيْن اللَّذَّات أَفلا روائد ذهن للْأَخْبَار منتسمات آه للقاعدين عَن طلب المكرمات آه للمستريحين لقد رَضوا بمولمات (ذهب الْعُمر وَفَاتَ ... يَا أَسِير الشَّهَوَات) (وَمضى وقتك فِي لَهو ... وسهو وسبات) (بَيْنَمَا أَنْت على غيك ... حَتَّى قيل مَاتَ) أخواني مَا لقلب الْعَزْم قد غفل ولنجم الحزم قد أفل مهلا فشمس الْعُمر فِي الطِّفْل وَمن لم يحضر الوغى لم يحرز النَّفْل (ثواني هم فَلم أقره ... أَوَائِل من عزمتي أَو ثواني) (فيا هندوان عَن المكرمات ... من لَا يساور بِالْهِنْدِ وَأَنِّي) يَا معاشر الْعلمَاء أتقنعون من الصِّفَات بالأسماء أتؤثرون الأَرْض على السَّمَاء أَفِي السكر أَنْتُم ام فِي الْإِغْمَاء أَتَرْضَوْنَ بِالثُّرَيَّا الثرى أتغمضون الْعُيُون من غير كرى أتنامون فَمن يحمد السرى أتحيدون وَفِي الْأنف البرى أتحلون عقد {إِن الله اشْترى} إِنَّكُم لأحق بالحزن فِيمَا أرى احضروا نَاحيَة لَا تكلفكم الْكرَى (يَا قَومنَا هذي الْفَوَائِد جمة ... فتخيروا قبل الندامة وانتقوا) (إِن مسكم ظمأ يَقُول نذيركم ... لَا ذَنْب لي قد قلت للْقَوْم استقوا) يَا معاشر الْعلمَاء قد كتبتم ودرستم ثمَّ إِن طَلَبكُمْ الْعلم فلستم فِي بَيت الْعَمَل ثمَّ لَو ناقشكم الْإِخْلَاص لَا فلستم شَجَرَة الْإِخْلَاص أَصْلهَا ثَابت لَا يَضرهَا زعزع {أَيْن شركائي} وَأما شَجَرَة الرِّيَاء فاجتثت عِنْد نسمَة {وقفوهم} كم متشبه بالمخلصين فِي تخشعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 ولباس وأفواه الْقُلُوب تنفر من طعم مذاقة وَا أسفي مَا أَكثر الزُّور أما الْخيام فَإِنَّهَا كخيامهم لَيْسَ كل مستدير يكون هلالا لَا لَا (وَمَا كل من أومى إِلَى الْعِزّ ناله ... وَدون العلى ضرب يدمي النواصيا) كم حول مَعْرُوف من دَفِين ذهب اسْمه كَمَا بلَى رسمه ومعروف مَعْرُوف (فَمَا كل دَار أقفرت دارة الْحمى ... وَلَا كل بَيْضَاء الترائب زَيْنَب) لريح المخلصين عطرية الْقبُول وللمرائي سموم النسيم نفاق الْمُنَافِقين صير الْمَسْجِد مزبلة {لَا تقم فِيهِ أبدا} وإخلاص المخلصين رفع قدر الْوَسخ رب أَشْعَث أغبر أَيهَا المرأى قلب من ترائية بيد من تعصيه لَا تنقش على الدِّرْهَم الزائف إسم الْملك فَمَا يتبهرج الشَّحْم بالورم الْمرَائِي يتبرطل على بَاب السُّلْطَان يَدعِي انه خَاص وَهُوَ غَرِيب أَتَدْرُونَ مَا ذَنْب الْمرَائِي دَعَا باسم ليلى غَيرهَا فيا أسفي ذهب أهل التَّحْقِيق وَبقيت بنيات الطَّرِيق خلت الْبِقَاع من الأحباب وتبدلت الْعِمَارَة بالخراب يَا ديار الأحباب عنْدك خبر المخلص يبهرج على الْخلق بستر الْحَال وببهرجته يَصح النَّقْد كَانَ فِي ثوب أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ بعض الطول لستر الْحَال وَكَانَ إِذا وعظ فرق فرق من الرِّيَاء فيمسح وَجهه وَيَقُول مَا أَشد الزُّكَام لصردر (احْبِسْ دمعي فيند شاردا ... كأنني أضبط عبدا آبقا) (وَمن محاشاة الرَّقِيب خلتني ... يَوْم الرحيل فِي الْهوى منافقا) كَانَ أَيُّوب يحيى اللَّيْل كُله فَإِذا كَانَ عِنْد الصَّباح رفع صَوته كَأَنَّهُ قَامَ تِلْكَ السَّاعَة لصردر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 (أكلف الْقلب أَن يهوى وألزمه ... صبرا وَذَلِكَ جمع بَين أضداد) (وأكتم الركب أوطاري واسأله ... حاجات نَفسِي لقد أَتعبت روادي) (هَل مُدْلِج عِنْده من مبكر خبر ... وَكَيف يعلم حَال الرَّائِح الغادي) (إِن رويت أَحَادِيث الَّذين مضوا ... فَعَن نسيم الصِّبَا والبرق اسنادي) كَانَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ إِذا قَرَأَ فِي الْمُصحف فَدخل دَاخل غطاه وَكَانَ ابْن أبي ليلى إِذا دخل دَاخل وَهُوَ يُصَلِّي إضطجع على فرَاشه (أفدى ظباء فلاة مَا عرفن بِمَا ... مضغ الْكَلَام وَلَا صِيغ الحواجيب) مرض ابْن ادهم فَجعل عِنْد رَأسه مَا يَأْكُلهُ الأصحاء لِئَلَّا يتشبه بالشاكين هَذِه وَالله بهرجة إصح من نقدك للْعَبَّاس بن الْأَحْنَف (قد سحب النَّاس أذيال الظنون بِنَا ... وَفرق النَّاس فِينَا قَوْلهم فرقا) (فكاذب قد رمى بِالظَّنِّ غَيْركُمْ ... وصادق لَيْسَ يدْرِي أَنه صدقا) اشْتهر ابْن أدهم بِبَلَد فَقيل هُوَ فِي الْبُسْتَان الْفُلَانِيّ فَدخل النَّاس يطوفون وَيَقُولُونَ أَيْن إِبْرَاهِيم بن أدهم فَجعل يطوف مَعَهم وَيَقُول أَيْن إِبْرَاهِيم بن أدهم للمهيار (ضنا بِأَن يعلم النَّاس الْهوى وَلمن ... وهبت للسر فِيهِ لَذَّة العلن) (عرض بغيري وَدعنِي فِي ظنونهم ... إِن قيل من يَك يخفي الْحق فِي الظنن) قرئَ على أَحْمد بن حَنْبَل فِي مَرضه أَن طاوسا كَانَ يكره الأنين فَمَا أَن حَتَّى مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 لصردر (تفيض نفوس بأوصابها ... وتكتم عوادها مَا بهَا) (وَمَا أنصفت مهجة تَشْتَكِي ... هَواهَا إِلَى غير أحبابها) لما هم الطَّبْع بالتأوه من الْبلَاء كشفت الْحَقَائِق سجف المحبوب فَلم يبْق لتقطيع الْأَيْدِي أثر (بدا لَهَا من بعد مَا بُد لَهَا ... روض الْحمى إِن تَشْتَكِي كلالها) رَحل وَالله أُولَئِكَ السَّادة وَبَقِي وَالله قرناء الرِّيَاء والوسادة (ذمّ الْمنَازل بعد منزلَة اللوى ... والعيش بعد أُولَئِكَ الأقوام) أسمع أصواتا بِلَا انيس وَأرى خشوعا أَصله من إِبْلِيس للمهيار (تشبهت حور الظباء بهم ... إِذا سكنت فِيك وَلَا مثل سكن) (أصامت بناطق ونافر بآنس ... وَذُو خلا بِذِي شجن) (مشتبه أعرفهُ وَإِنَّمَا ... مغالطا قلت لصحبي دَار من) (قف باكيا فِيهَا وَإِن كنت أَخا ... موانسا فبكها عَنْك وَعَن) (لم يبْق لي يَوْم الْفِرَاق فضلَة ... من دمعة أبْكِي بهَا على الدمن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 الْفَصْل التَّاسِع وَالسِّتُّونَ التفكر فِي عجائب خلق الله يَا من قد أرْخى لَهُ فِي الطول وأمهل لَهُ بِمد الْأَجَل إخل بِنَفْسِك وعاتبها وَخذ على يَدهَا وحاسبها لَعَلَّهَا تَأْخُذ عدتهَا قبل ان تستوفي مدَّتهَا (وجدت ايامي لي رواحلا ... وآن أَن ينحط عَنْهَا الراحل) (وصيح بِي عرس فقد طَال المدى ... وكل ركب فِي التُّرَاب نَازل) (تهدد الْحِين فَهَل من سامع ... وَجَاء بالنصح فَأَيْنَ الْقَابِل) (وكل شَيْء زاجر مُحدث ... يفهم مَا قَالَ الحصيف الْعَاقِل) أخواني بَادرُوا قبل الْعَوَائِق واستدركوا فَمَا كل طَالب لَاحق واشكروا نعْمَة من ستركم عَن الذُّنُوب واعرفوا فَضله فقد أَعْطَاكُم كل مَطْلُوب مَا أَعم وجوده لجَمِيع خلقه وَمَا اكثر تقصيرهم فِي حَقه عَم إحسانه الْآدَمِيّ والبهائم والمستيقظ والنائم وَالْجَاهِل والعالم والمتقي والظالم من تَأمل حسن لطفه لخليقته حيره الدهش خلق الْجَنِين فِي بطن الْأُم فَجعل وَجهه إِلَى ظهرهَا لِئَلَّا يجْرِي الطَّعَام عَلَيْهِ وَجعل أَنفه بَين رُكْبَتَيْهِ ليتنفس فِي فرَاغ وسيق قوته فِي مصران السُّرَّة وَلَيْسَ الْعجب تغذيه لِأَنَّهُ مُتَّصِل بحي إِنَّمَا الْعجب خلق الفرخ فِي الْبَيْضَة الْمُنْفَصِلَة فَإِنَّهُ من الْبيَاض يخلق وَمن المح يتغذى فقد هيأ لَهُ زَاد الطَّرِيق قبل سير الإيجاد إِذا تفقأت بَيْضَة الْغُرَاب خرج الفرخ أَبيض فتنفر عَنهُ الْأُم لمباينته إِيَّاهَا فَيبقى مَفْتُوح الْفَم لطلب الرزق فيسوق الْقدر إِلَى فِيهِ الذُّبَاب فَلَا يزَال يغتذي بِهِ حَتَّى يسود فتعود أمه إِلَيْهِ خلق الطير ذَا جؤجؤ مخدد لتجري سفينة طيرانه فِي بَحر الْهوى وَجعل فِي جنَاحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وذنبه ريشات طوال لينهض للطيران وَلما كَانَ يختلس قوته خوفًا من اصطياده جعل منقاره صلبا لِئَلَّا ينسحج وَلم يخلق لَهُ أَسْنَان لِأَن زمَان الإنتهاب لَا يحْتَمل المضغ وَجعلت لَهُ حوصلة كالمخلاة فينقل إِلَيْهَا مَا يستلب ثمَّ يَنْقُلهُ إِلَى القانصة فِي زمَان الْأَمْن فَإِن كَانَت لَهُ فراخ أسهمهم قبل النَّقْل كلما طَالَتْ سَاق الْحَيَوَان طَال عُنُقه ليمكنه تنَاول طعمه من الأَرْض هَذَا طَائِر المَاء لَا يقف إِلَّا فِي ضحضاح فيتأمل مَا يدب فِي المَاء فَإِذا رأى مَا يُرِيد خطا خطوَات على مهل فَيتَنَاوَل وَلَو كَانَ قصير القوائم كَانَ حِين يخطو يضْرب المَاء ببطنه فيهرب الصَّيْد هَذِه العنكبوت تبني بَيتهَا بصناعة يعجز عَنْهَا المهندس إِنَّهَا تطلب زَاوِيَة فَجعلت فِيهَا خيطا ووصلت بَين طرفيها بخيط آخر وتلقي اللعاب على الْجَانِبَيْنِ فَإِذا احكمت المعاقد ورتبت الْقسْط كالسدى أخذت فِي اللحمة فيظن الظَّان أَن نسجها عَبث كلا إِنَّهَا تصنع شبكة لتصيد قوتها من الذُّبَاب والبق فَإِذا أتمت النسج إنزوت إِلَى زَاوِيَة ترصد رصد الصَّائِد فَإِذا وَقع صيد قَامَت تجني ثمار كسبها فتغتذي بِهِ فَإِذا أعجزها الصَّيْد طلبت زَاوِيَة ووصلت بَين طرفيها بخيط ثمَّ علقت بِنَفسِهَا بخيط آخر وتنكست فِي الْهَوَاء تنْتَظر ذُبَابَة تمر بهَا فَإِذا دنت مِنْهَا دبت إِلَيْهَا واستعانت على قَتلهَا بلف الْخَيط على رجلهَا أفتراها علمت هَذِه الصَّنْعَة بِنَفسِهَا أَو قرأتها على بعض جِنْسهَا أَفلا ينظر إِلَى حِكْمَة من علمهَا وتثقيف من ألهمها فَإِن لم يكن لَك نظر يُعْجِبك مِنْهَا فيعجب من عدم تعجبك فَإِن أعجب أَفعَال الْقدر {وأضله الله على علم} الْقلب جَوْهَر فِي مَعْدن الْبدن فاكشف عَنهُ بمعول المجاهدة وَلَا تطينه بِتُرَاب الْغَفْلَة رميت صَخْرَة الْهوى على ينبوع الفطنة فاحتبس المَاء إنقب تحتهَا إِن لم تطق رَفعهَا لَعَلَّ الجرف ينهار (فِي قربنا نيل المنى ... فتنبهوا يَا غافلينا) (عجبا لقوم أَعرضُوا ... عَنَّا وَقوم واصلونا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 (نقضوا العهود وبارزونا ... بالصدود كاشفونا) (واستعذبوا طعم القطيعة ... والجفا حَتَّى نسونا) (يَا ويحهم لَو قد دروا ... مَا فاتهم لاستعطفونا) إلهي مَا أَكثر المعرض عَنْك والمعترض عَلَيْك وَمَا أقل المتعرضين لَك يَا روح الْقُلُوب أَيْن طلابك يَا نور السَّمَوَات أَيْن أحبابك يَا رب الأرباب أَيْن عِبَادك يَا مسبب الْأَسْبَاب أَيْن قصادك من الَّذِي عاملك بلبه فَلم يربح من الَّذِي جائك بكربه فَلم يفرح أَي صدر صدر عَن بابك وَلم يشْرَح من ذَا الَّذِي لَاذَ بحبلك فاشتهى أَن يبرح يَا معرضًا عَنهُ إِلَى من أَعرَضت يَا مَشْغُولًا بِغَيْرِهِ بِمن تعوضت (مت على من غبت عَنهُ أسفا ... لست عَنهُ بمصيب خلفا) (لن ترى قُرَّة عين أبدا ... أَو ترى نحوهم منصرفا) بِعْت قيام اللَّيْل بِفضل لقْمَة شربت كأس النعاس ففاتك الرّفْقَة ضرب على أُذُنك لَا فِي مرافقة أهل الْكَهْف تناولت خمر الرقاد فَوَقع بك صَاحب الشرطة فَعمل فِي حَقك بِمُقْتَضى قُم وانم فَجعل حدك الْحَبْس عَن لحاق المتهجدين وَالله لَو بِعْت لَحْظَة من خلْوَة بِنَا بعمر نوح فِي ملك قَارون لغبنت لَا بل بِمَا فِي الْجنان كلهَا مَا ربحت وَمن ذاق عرف أخواني إسمعوا بِحرْمَة الْوَفَاء فَمَا كل وَقت يطلع سُهَيْل فَإِذا خَرجْتُمْ من الْمجْلس فاقصدوا الْمَسَاجِد الخراب وضعُوا وُجُوهكُم على التُّرَاب وابعثوا أنفاس الأسف وَكفى بهَا شَفِيعًا فِي الزلل فَإِن وجدْتُم قُلُوبكُمْ قد حضرت فاذكروني مَعكُمْ للشريف الرضى (وَقُولُوا لجيران على الْخيف من منى ... تراكم من استبدلتم بجواريا) (وَمن ورد المَاء الَّذِي كنت واردا ... بِهِ ورعى العشب الَّذِي كنت رَاعيا) (فوا لهفتي كم لي على الْخيف شهقة ... تذوب عَلَيْهَا قِطْعَة من فؤاديا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الْفَصْل السبعون يَا تائها فِي بوادي الْهوى إنزل سَاعَة بوادي الْفِكر يُخْبِرك بِأَن اللَّذَّة قَصِيرَة وَالْعِقَاب طَوِيل وَاعجَبا لمن يَشْتَرِي شَهْوَة سَاعَة بغم الْأَبَد كَانَت الْمعْصِيَة سَاعَة لَا كَانَت فكم ذلت بعْدهَا النَّفس وَكم تصاعد لأَجلهَا النَّفس وَكم جرى لتذكارها دمع للشريف الرضى (قَضَت الْمنَازل يَوْم كاظمة ... أَن الْمطِي يطول موقفها) (سبقت مدامعنا برشتها ... من قبل أَن يومي مكفكفها) (إِن كنت انفذت الدُّمُوع بهَا ... فالوجد بعد الْيَوْم يخلفها) (لَا تنشدن الدَّار بعدهمْ ... إِنِّي على الإقواء أعرفهَا) (رفقا بقلبي لَا تعذبه ... الْعين مِنْك وَأَنت تطرفها) (فِي الْقلب مِنْك جِرَاحَة عظمت ... مَا زلت أدملها وتقرفها) (هَل يعطفنكم توجعها ... أَو يقبلن بكم تلهفها) يَا من قد هبت على قلبه جنوب المجانبة فلفقت غيم الْغَفْلَة فأظلم أفق الْمعرفَة لَا تيأس فالشمس تَحت الْغَيْم لَو تصاعد نفس أَسف دارت شمالا فتقطع السَّحَاب أَنْفَع دَوَاء أَجِدهُ لَك نقض أخلاط التخطليط بالدموع بضَاعَة المذنب دمعه رَأس مَال الْمقر حزنه رَاحَة الأواب قلقه عيشة التواب حرقه كَانَ آدم يبكي بعد هُبُوطه حَتَّى يَخُوض فِي دمعه فَكَانَ جِبْرِيل يَأْتِيهِ فَيَقُول كم هَذَا الْبكاء ولسان حَاله يُجيب للشريف الرضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 (يَا عاذل المشتاق دَعه فَإِنَّهُ ... يطوي على الزفرات غير حشاكا) (لَو كَانَ قَلْبك قلبه مَا لمته ... حاشاك مِمَّا عِنْده حاشاكا) يَا جِبْرِيل مَا تغير عَلَيْك أَمر وَأَنا نقلت من برد عَيْش إِلَى حر مَا سكنت قطّ مسكني وَلَا توطنت موطني فاقرأ على ربعي سلامي وَقل لَهُ لَا تنس أيامي للْمُصَنف (إِذا جزت بالغور عرج يَمِينا ... فقد أَخذ الشوق منا يَمِينا) (وَسلم على بانة الواديين ... فَإِن سَمِعت أوشكت أَن تبينه) (ورو ثرى أَرضهم بالدموع ... وخل الضلوع على مَا طوينا) (وَصَحَّ فِي مغانيهم أَيْن هم ... وهيهات أموا طَرِيقا شطونا) (أَرَاك يشوقك وَادي الْأَرَاك ... أالدار تبْكي أم الساكنينا) (سقى الله مرتعنا بالحمى ... وَإِن كَانَ أورث داءا دَفِينا) (وعاذلة فَوق دَاء الْمُحب ... رويدا رويدا بناقد بلينا) (فَمن تعذلين أما تعذرين ... فَلَو قد نفقت دفعت الأنينا) (إِذا غلب الْحبّ صَحَّ العتاب ... تعبت وأتعبت لَو تعلمينا) مَا زَالَ آدم يشيم برق الْعَفو فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ الزَّمَان حمل صعداء الوجد رِسَالَة شكوى مَا علمت بمضمونها الرِّيَاح (إِذا بدا الْبَرْق من نجد طربت لَهُ ... وكدت من طربي أَقْْضِي لذكرهم) (وَتحمل الرّيح إِن هبت شامية مني السَّلَام إِلَى أطلال ربعهم) (فرض عَليّ أراعيهم وأحفظهم ... على البعاد ويرعوني بفضلهم) يَا معاشر المذنبين تأسوا بابيكم فِي الْبكاء تَفَكَّرُوا كَيفَ بَاعَ دَارا قد رَبِّي فِيهَا وَضاع الثّمن لَا تَبْرَحُوا من بَاب الذل فأقرب الْخَطَّائِينَ إِلَى الْعَفو الْمُعْتَرف بالزلل مَا انْتفع آدم فِي بلية {وَعصى} بِكَمَال وَعلم وَلَا رد عَنهُ عز {اسجدوا} وَإِنَّمَا خلصه ذل {ظلمنَا} قَالَ سري بت بِبَعْض قرى الشَّام فَسمِعت طائرا على شَجَرَة يَقُول طوال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 اللَّيْل أَخْطَأت لَا أَعُود فَقلت لأهل الْقرْيَة مَا اسْم هَذَا الطَّائِر فَقَالُوا فَاقِد إلفه للمهيار (تأوهت تأوه الْأَسير ... وَرْقَاء ذَات ورق نضير) (تنطق عَن قلب لَهَا مكسور ... كَأَنَّهَا تنطق عَن ضمير) (لبيْك يَا حزينة الصفير ... إِن استجرت بِي فاستجيري) (لَك الْخِيَار انجدي أَو غوري ... وحيثما صَار هَوَاك صيري) (قصي جناحي زمن فطيري ... ) أخواني نفترق على هَذِه الْحَال غَفلَة شَامِلَة ودموع جامدة لَا بِاللَّه لَا تَفعلُوا (يَا حادي العيس لَا تعجل بِنَا وقف ... نجري دموع هواهم ثمَّ ننصرف) (فَمَا يزَال نسيم من يَمَانِية ... يَأْتِي إِلَيْنَا بريا رَوْضَة أنف) إِذا رَأَيْتُمْ باكيا فِي الْمجْلس فارحموه وَإِذا شاهدتم قلقا فاعذروه لَا تعجبوا من وَاجِد مَا لم تَجِدُوهُ لِابْنِ المعتز (دَعوه ليطفي بالدموع حرارة ... على كبد حرى دَعوه دَعوه) (سلو عاذليه يعذروه هنيهة ... فبالعذل دون الشوق قد قَتَلُوهُ) لَا تلوموا صَاحب الوجد فَمَا يرى بِحَضْرَتِهِ أحدا (ظن الْأَرَاك لَدَى واديه إظعانا ... فَمَا اسْتَطَاعَ لما أخفاه كتمانا) (فَبَان للركب مَا قد كَانَ يستره ... عَن كل مستخبر عَن حب من بانا) كَانَ أَبُو عُبَيْدَة الْخَواص يمشي فِي الطَّرِيق ويصيح واشوقاه إِلَى من يراني وَلَا أرَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 (هَذَا ولهي وَكم كتمت الولها ... صونا لحَدِيث من هوى النَّفس لَهَا) (يَا آخر محنتي وَيَا أَولهَا ... أَيَّام عناي فِيك مَا أطولها) لَيْسَ للمحب قَرَار وَلَا لَهُ من الْحبّ فرار تعرقل وَفَاتَ وخنق فَمَاتَ (ولي عبرات تستهل صبَابَة ... عَلَيْك إِذا برق الْغَمَام تألقا) (ألفت الْهوى حَتَّى حلت لي صروفه ... وَرب نعيم كَانَ جالبه شقا) (واذهل حَتَّى احسب الصد والنوى ... بمعترك الذكرى وصالا وملتقى) (فها أَنا ذُو حَالين أما تلذذي ... فحي وَأما سلوتي فلك البقا) لَو أشرفت على وَادي الدجى لرأت خيم الْقَوْم على شواطي أَنهَار الدُّمُوع خلوا وَالله بالحبيب وَطَالَ الحَدِيث عين تبْكي من المحبوب وَأُخْرَى تبْكي عَلَيْهِ لَفْظَة تَشْكُو مِنْهُ وَأُخْرَى تَشْكُو إِلَيْهِ رى تَامّ لمحبته وعطش محرق إِلَى رُؤْيَته للْمُصَنف (المَاء عِنْدِي قد طما ... وَأَنا الَّذِي أَشْكُو الظما) (جسمي معي لَكِن قلبِي ... عِنْد سكان الْحمى) (واها لَهُم لَو أَنهم ... عَادوا وجادوا لي فَمَا) (أَرْجُو نوالا مِنْهُم ... هَيْهَات هم حبي وَمَا) (ميلي إِلَى غير الأولى ... سكنوا فُؤَادِي أَنما) (أَشْكُو إِلَيْهِم مِنْهُم ... كلما يزِيد وَكلما) (هجروا تفاقم أَمرهم ... يَا ليتهم داووا كَمَا) (جرحوا فَلَو طبوا شفوا ... هَيْهَات لولاهم لما) (ذهب الزَّمَان بَان أَقُول ... عَسى وَأَرْجُو رُبمَا) (يَا أَيهَا المضنى بهم ... لم يبْق مِنْك سوى الذما) (فالذما كَانَ الْوِصَال ... فَعَاد مرا علقما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 (تركوك بعد فراقهم ... متحيرا تبْكي دَمًا) (يَا بانة الْوَادي ارحمي ... من لَا يزَال متيما) (يَا نسمَة الرّيح الشمَال ... أَلا أبلغيهم بعض مَا) (ألْقى فحر سمائم ... الانفاس يَكْفِي معلما) (نَفسِي تكابد وجدهَا ... بكم فَمَا فغرت فَمَا) (لَكِن آثَار الْمحبَّة ... لَيْسَ تخفى أَيْنَمَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 الْفَصْل الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ أخواني أَلا نَاظر لنَفسِهِ قبل الْمَوْت أَلا مُسْتَدْرك زَاد رمسه قبل الْفَوْت أَلا مزدجر بواعظ أمسه فقد أسمعهُ الصَّوْت (مَا ضرّ عبد نَفسه ... قبل خُرُوج نَفسه) (هَل يَوْمه أَو غده ... إِلَّا نَظِير أمسه) (وعله يلقى الردى ... قبل غرُوب شمسه) (كم مُدْلِج مهجر ... يسْعَى لبعل عرسه) (واكيس النَّاس امْرُؤ ... جد ليَوْم رمسه) أخواني حبال الآمال رثاث وساحر الْهوى نفاث والأماني على الْحَقِيقَة أضغاث وَالْمَال المدخر رزق الْوَارِث عجبا لأجسام ذُكُور وعقول إناث ألام الرواح فِي الْهوى والتغليس وحتام السَّعْي فِي صُحْبَة إِبْلِيس وَكم بهرجة فِي الْعَمَل وَكم تَدْلِيس أَيْن الأقران هَل لَهُم من حسيس أما تعلم أَنهم ندموا على إِيثَار الخسيس تالله لقد ودوا طَلَاق الدُّنْيَا قبل الْمَسِيس لقد أسمعك الْمَوْت وعيدك وكأنك بِهِ قد ضعضع مشيدك وأخلى مِنْك دَارك وملأ بك بِيَدِك لقد أمرضك الْهوى وَفِي عزمه أَن يزيدك هَل لذت لَذَّة الدُّنْيَا فصفت هَل عافت إِلَّا وعافت وعفت هَل تبِعت عرضا وقفت فوقفت هَل أرشفت شفة من رضابها فشفت بَينا محبها يناجيها بِأَلْفَاظ المنى خفت مَا بلغ المُرَاد مِنْهَا إِلَّا من صد عَنْهَا والتفت (عين الْمنية يُفْضِي غير مطرفة ... وطرف مطلوبها مذكان وَسنَان) (جهلا تمكن مِنْهُ حِين مولده ... فالمرء صَاح ولب الْمَرْء سَكرَان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 كم نرمي هدف سَمعك برشق كَلَام كم نلدغ أصل قَلْبك بحمة ملام لَا تَنْفَع الرياضة إِلَّا فِي نجيب لَو سقى الحنظل بِمَاء السكر لن يخرج حلوا شجر الأثل وَإِن دَامَ المَاء تَحْتَهُ لم يُثمر سَحَاب الْهدى قد طبق بيد الأكوان وأظن أَرض قَلْبك سبخا إِنَّمَا يغلب هَذَا على ظَنِّي لبعد صلاحك وَقد يَسْتَحِيل الْخمر خلا كم تحضر الْمجْلس وَتخرج وَمَا علقت بِشَيْء وَيحك هَذَا البنفسج يطْرَح فِي الشيرح فيعبق بِهِ طول السّنة وَكَذَلِكَ الْورْد فِي الأشنان (وَمن البلية عذل من لَا يرعوي ... عَن غيه وخطاب من لَا يفهم) وَيحك إِلَى كم تعدو خلف موكب الْهوى وَمَا تربح إِلَّا الْغُبَار دع حَبل الرعونة من يَد التَّمَسُّك فَإِنَّهُ لَا مرّة لَهُ مَا قتل أحد بِأحد من سيف سيوفي ومواهب الْأَعْمَار مسترجعة بالأنفاس حَتَّى تستوفي أَلَسْت نقضت عهد {أَلَسْت} بعد عقد عقده فَكيف حل لَك الْحل (بِحرْمَة مَا قد كَانَ بيني وَبَيْنكُم ... من الْوَصْل إِلَّا مَا رجعتم إِلَى الْوَصْل) نَحن لَك على الْوَفَاء مَا زلنا وَأَنت مَا ثَبت يَوْمَيْنِ لكثير (وَكُنَّا ارتقينا فِي صعُود من الْهوى ... فَلَمَّا علوناه ثَبت وزلت) (وَكُنَّا عَقدنَا عقدَة الْوَصْل بَيْننَا ... فَلَمَّا توافينا شددت وحلت) وَاعجَبا تنبه الْحَيَوَانَات بِاللَّيْلِ فتصوت وَأَنت غافل وَيحك إِذا فتحت عَيْنَيْك فِي الدجى فصح بقلبك (قُم بِنَا يَا أخي لما نتمنى ... واطرد النّوم بالعزيمة عَنَّا) (قُم فقد صاحت الديوك وَنَادَتْ ... لَا تكون الديوك أطرب منا) أخواني مُصِيبَتنَا فِي التَّفْرِيط وَاحِدَة وَأهل الأحزان أهل (آنا ليجمعنا الْبكاء وكلنَا ... نبكي على شجن من الأشجان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 مجْلِس الذّكر مأتم الأحزان هَذَا يبكي لذنوبه وَهَذَا ينْدب لعيوبه وَهَذَا على فَوَات مَطْلُوبه وَهَذَا لاعراض محبوبه (يتشاكى الواجدون جوى ... وَاحِدًا والوجد ألوان) يَا نائح الْفِكر نضد يَا نادب الْحزن عدد يَا لائم النَّفس شدد يَا رامي الْقلب سدد يَا جَامع الدمع بدد يَا مطرب السِّرّ ردد للمهيار (نشدتك يَا بانة الأجرع ... مَتى رفع الْحَيّ من لعلع) (وَهل مر قلبِي فِي التَّابِعين ... أم حَار ضعفا فَلم يتبع) (رَأَيْت لَهُ بَين تِلْكَ الْقُلُوب ... إِذا اشتبهت أنة الموجع) (أدر يَا نديمي كأس الحَدِيث ... فكأسي بعدهمْ مدمعي) يَا مُقَيّدا عَن السّير بقيود الشواغل أيطمع فِي لحاق الطير مقصوص القوادم صَوت فِي الأسحار بالسائرين لَعَلَّ عطفا يَنْعَطِف إِلَيْك فِي عطفة رَحْمَة فقد ترق السَّاعَة لأهل الْفَاقَة للمهيار (ردوا لنا يَوْمًا وَلَو سَاعَة ... على الغضا من عيشنا الزائل) (لي ذلة السَّائِل مَا بَيْنكُم ... فَلَا تفتكم عزة الْبَاذِل) سل اللَّيْل عَن الأحباب فَعنده الْخَبَر خلا الْفِكر بِالْقَلْبِ فِي بَيت التِّلَاوَة فجرت أَوْصَاف الحبيب فَنَهَضَ قلق الشوق يضْرب بطُون الرَّوَاحِل لينهر السهر فَلَا وَجه لنوم الْقَوْم للخفاجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 (أَتَرَى طيفكم لما سرى ... أَخذ النّوم وَأعْطى السهرا) (مَا نلوم اللَّيْل بل نعدره ... إِنَّمَا طوله من قصرا) (يَا عيُونا بالغضا رَاقِدَة ... حرم الله عليكن الْكرَى) (لَو عدلتن تساهمنا جوى ... مثل مَا كُنَّا اشتراكنا نظرا) (حبذا فِيك حَدِيث بَاطِن ... فطن الدمع بِهِ فانتشرا) من لم يكن لَهُ مثل تقواهم لم يعلم مَا الَّذِي أبكاهم من لم يُشَاهد جمال يُوسُف لم يعلم مَا الَّذِي ألم قلب يَعْقُوب (من لم يبت وَالْحب حَشْو فُؤَاده ... لم يدر كَيفَ تفتت الأكباد) لَو دمت على سلوك الْبَادِيَة طابت لَك ريح الشيح (تقر لعَيْنِي أَن أرى رَملَة الْحمى ... إِذا مَا بَدَت يَوْمًا لعَيْنِي قلالها) (وَلست وَإِن أَحْبَبْت من يسكن الغضا ... بِأول راج حَاجَة لَا ينالها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 الْفَصْل الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ يَا من كَانَت لَهُ مَعنا مُعَاملَة وطالت بَيْننَا وَبَينه المواصلة ثمَّ اخْتَار الهجر والمفاصلة إِن لم يكن جميل فلتكن مجاملة تفكر تعرف قدر مَا فاتك وابك لذنب حَرمك الْفَوْز وافاتك أسكب دموع أسفك فَرب دم بالأسى سفك واندب أطلال مألفك لَعَلَّك تغاث فِي موقفك للمهيار (تظن ليالينا عودا ... على الْعَهْد من برقتي ثهمدا) (وَيَا صَاحِبي أَيْن وَجه الصَّباح ... وَأَيْنَ غَد صف لعَيْنِي غَدا) (وَخلف الضلوع زفير أَبى ... وَقد برد اللَّيْل أَن يبردا) (خليلي لي حَاجَة مَا أخف ... لرامة لَو حملت مسعدا) (أُرِيد لاكتم وَابْن الْأَرَاك ... يفضحها كلما غردا) (أحب وَإِن اخصب الْحَاضِرُونَ ... ببادية الرمل أَن اخلدا) (أرى كَبِدِي قسمت شعبتين ... مَعَ الشوق غور أَو أنجدا) (تمناك عَيْني وقلبي يراك ... بشوقي حاشاك أَن تفقدا) أللهم نور دُنْيَانَا بِنور من توفيقك واقطع أيامنا فِي الإتصال بك وانظم شتاتنا فِي سلك طَاعَتك فَأَنت أعلم بتلفيق المقترف اللَّهُمَّ قو منن أَطْفَال التَّوْبَة بلبان الصَّبْر أرْفق بمرضى الْهوى فِي مارستان الْبلَاء إفتح مسامع الأفهام لقبُول مَا ينفع سلم سيارة الأفكار من قَاطع طَرِيق إحرس طلائع المجاهدة من خديعة كمين إحفظ شجعان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 العزائم من شَرّ هزيمَة وَقع على قصَص الْإِنَابَة بقلم الْعَفو لَا تسلط جَاهِل الطَّبْع على عَالم الْقلب لَا تبدل نعيم عَيْش الرّوح بجحيم حر النَّفس لَا تمت حَيّ الْعلم فِي حَيّ الْجَهْل أخرجنَا إِلَى نور الْيَقِين من هَذَا الظلام لَا تجعلنا مِمَّن رأى الصُّبْح فَنَامَ لَا تُؤَاخِذنَا بِقدر ذنوبنا فَإنَّك قلت {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} وَاعجَبا لمن عرفك ثمَّ احب غَيْرك وَلمن سمع مناديك ثمَّ تَأَخّر عَنْك (حرَام على الْعَيْش مَا دمت غضبانا ... وَمَا لم يعد عني رضاك كَمَا كَانَا) (فَأحْسن فَإِنِّي قد أَسَأْت وَلم تزل ... تعودني عِنْد الْإِسَاءَة غفرانا) إلهي لَا تعذب نفسا قد عذبها الْخَوْف مِنْك وَلَا تخرس لِسَانا كل مَا يرْوى عَنْك وَلَا تقذ بصرا طالما يبكي لَك وَلَا تخيب رجاءا هُوَ مَنُوط بك إلهي ضع فِي ضعْفي قُوَّة من مِنْك ودع فِي كفي كفى عَن غَيْرك إرحم عِبْرَة تترقرق على مَا فاتها مِنْك برد كبدا تحترق على بعْدهَا عَنْك للشريف الرضى (أَشْكُو إِلَيْك مدامعا تكف ... بعد النَّوَى وجوانحا تَجف) (ماكان أسْرع مَا نبا زمن ... وتكدرت من ودنا نطف) (حَبل غَدا بأكفنا طرف ... مِنْهُ وَفِي أَيدي النَّوَى طرف) (لهفي على ذَاك الزَّمَان وَهل ... يثني زَمَانا مَاضِيا لهف) وَا أسفي لمنقطع دون الركب مُتَأَخّر عَن لحاق الصحب يعد السَّاعَات فِي مَتى وَلَعَلَّ ويخلو فِي عَسى وَهل لقيس الْمَجْنُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 (أعد اللَّيَالِي لَيْلَة بعد لَيْلَة ... وَقد عِشْت دهرا لَا أعد اللياليا) (وَأخرج من بَين الْبيُوت لعلني ... أحدث عَنْك النَّفس بِاللَّيْلِ خَالِيا) (يَمِينا إِذا كَانَت يَمِينا وَإِن تكن ... شمالا يُنَازعنِي الْهوى عَن شماليا) (إِلَّا يَا حمامي بطن نعْمَان هجتما ... على الْهوى لما تغنيتما ليا) (وأبكيتماني وسط صحبي وَلم أكن ... أُبَالِي بدمع الْعين لَو كنت خَالِيا) (ذكت نَار شوقي فِي فُؤَادِي فَأَصْبَحت ... لَهَا وهج مستضرم فِي فؤاديا) (خليلي مَا أَرْجُو من الْعَيْش بَعْدَمَا ... أرى حَاجَتي تشرى وَلَا تشتري ليا) (وَقد يجمع الله الشتيتين بَعْدَمَا ... يظنان كل الظَّن أَن تلاقيا) أَيهَا المتخلف فِي أعقاب الواصلين إستغث بهم علق على قطارهم فَلَعَلَّ جملك يصل (يَا صَاح والصاحب لَا يدعى بِهِ ... إِلَّا إِذا لج الغرام واعتدى) (خُذ بيَدي من سطوة الْبَين فَمَا ... أَظن أَن الْبَين أبقى لي يدا) (أَيْن ليالينا الْقصار بالحمى ... واكبدا على الْحمى واكبدا) يَا من قد مَضَت لَهُ ليَالِي مُنَاجَاة ثمَّ طبق الدستور وَقطع الْمُعَامَلَة أندب زمَان الْوِصَال لَعَلَّ حَالا حَال يعود للمهيار (يَا لَيْلَتي بحاجر ... إِن عَاد مَاض فارجعي) (بتنا على الْأَحْقَاف ... تنهال بِكُل مَضْجَع) (قَالُوا الصَّباح فانتبه ... فَقَالَ لي الطيف اسْمَع) (فَقُمْت مخلوطا أَظن ... البازل إِبْنِ الرّبع) (حيران طرفِي دائر ... أطلب مَا لَيْسَ معي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 (أرْضى باخبار الرِّيَاح ... والبروق اللمع) (وَأَيْنَ من برق الْحمى ... شائمة بلعلع) (أفرشني الْجَمْر وَقَالَ ... إِن أردْت فاهجع) ذكر الْوِصَال فِي زمَان الهجر تلف خُصُوصا إِذا لم يكن للحبيب خلف قَالَ ابْن مَسْرُوق كنت أَمْشِي مَعَ الْجُنَيْد فِي بعض دروب بَغْدَاد فَسمع منشدا يَقُول (منَازِل كنت تهواها وتألفها ... أَيَّام أَنْت على الْأَيَّام مَنْصُور) فَبكى الْجُنَيْد بكاءا شَدِيدا وَقَالَ مَا أطيب منَازِل الإلفة والأنس وأوحش مقامات الْمُخَالفَة لَا أَزَال أحن إِلَى أول بَدْء إرادتي وَجدّة سعيي للمهيار (يَا لَيْلَتي بِذَات الشيح والضال ... ومنبت البان من نعْمَان عودا لي) (وَيَا مرابع أطلالي بِذِي سلم ... لهفي على مَا مضى من عصرك الْخَالِي) (وَيَا مآرب نَفسِي وَالدّين هم ... بالوصل والهجر أعلالي وأبلالي) (قد كَانَ قلبِي بكم مأوى السرُور فمذ ... نَا يتم صَار مأوى كل بلبال) (فَلَو شربت بعمري سَاعَة سلفت ... من عيشتي مَعكُمْ مَا كَانَ بالغالي) (مَالِي أعلل نَفسِي بِالْوُقُوفِ على ... منَازِل أقفرت مِنْكُم وأطلال) (من لي بكتمان مَا أَلْقَاهُ من ألم ... وظاهري مُعرب عَن بَاطِن الْحَال) (قَالُوا تشاغل عَنَّا وَاصْطفى بَدَلا ... منا وَذَلِكَ فعل الخائن السالي) (وَكَيف أشغل قلبِي عَن محبتكم ... بِغَيْر ذكركُمْ يَا كل أشغالي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 الْفَصْل الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ واشوقاه إِلَى أَرْبَاب الْإِخْلَاص واتوقاه إِلَى رُؤْيَة تِلْكَ الْأَشْخَاص إِنِّي لأحضر ذكركُمْ فأغيب وَإِن وقتي بتذكركم ليطيب للشريف الرضى (إِذا هزنا الشوق اضطربنا لهزه ... على شعب الرحل اضْطِرَاب الأراقم) (فَمن صبوات تستقيم بمائل ... وَمن أريحيات تهب بنائم) (وأستشرف الْأَعْلَام حَتَّى يدلني ... على طيبها مر الرِّيَاح النواسم) (وَمَا أنسم الْأَرْوَاح إِلَّا لِأَنَّهَا ... تهب على تِلْكَ الربى والمعالم) الْإِخْلَاص مسك مصون فِي مسك الْقلب تنبه رِيحه على حامله الْعَمَل صُورَة وَالْإِخْلَاص روح المخلص يعد طَاعَته لاحتقاره لَهَا عرضا وقلم الْقبُول قد أثبتها فِي الْجَوْهَر خَالِصا الْإِخْلَاص الْيَسِير كثير وَوُجُود عمل الرِّيَاء عدم قراضة الْأَمَانِي لَا تقف وصحيح الشّبَه مَرْدُود خليج صَاف أَنْفَع من بَحر كدر إِذا لم تخلص فَلَا تتعب لَا يكسر الْجَوْز بالعهن أتحدو وَمَا لَك بعير أتمد الْقوس وَمَا لَهَا وتر أتتجشأ من غير شبع وَاعجَبا من وَحشِي بِلَا جبل كم بذل نَفسه مراء لتمدحه الْخلق فَذَهَبت والمدح وَلَو بذلها للحق لبقيت وَالذكر عمل الْمرَائِي بصلَة كلهَا قشور الْمرَائِي يحشو جراب الْعَمَل رملا فيثقله وَلَا يَنْفَعهُ ريح الرِّيَاء جيفة تتحاماها مسام الْقُلُوب وَمَا يخفى الْمرَائِي على مسانح الفطن لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 أَخذ دود القز ينسج أَقبلت العنكبوت تتشبه وَقَالَت لَك نسج ولي نسج فَقَالَت دودة القز وَلَكِن نسجي أردية للملوك ونسجك شبكة للذباب وَعند مس النسيجين يبين الْفرق (إِذا اشتبكت دموع فِي خدود ... تبين من بَكَى مِمَّن تباكا) شَجَرَة الصنوبر تثمر فِي ثَلَاثِينَ سنة وشجرة الدبا تصعد فِي أسبوعين فَتَقول لشَجَرَة الصنوبر إِن الطَّرِيق الَّتِي قطعتها فِي ثَلَاثِينَ سنة قد قطعتها فِي أسبوعين فَيُقَال لي شَجَرَة وَلَك شَجَرَة فتجيبها مهلا إِلَى أَن تهب ريح الخريف قَالَ الدب للآدمي أَنْت تمشي على رجلَيْنِ وَأَنا أَيْضا فَقَالَ الْآدَمِيّ وَلَكِن صدمة تردك إِلَى أَربع وَكم أصدم وَأَنا منتصف كَانَ الْأَشْيَاخ فِي قديم الزَّمَان أَصْحَاب قدم والمريدون أَصْحَاب ألم فَذهب الْقدَم والألم كَانَ المريد يسئل عَن غُصَّة وَالشَّيْخ يعرف الْقِصَّة فاليوم لَا غُصَّة وَلَا قصَّة كَانَ الزّهْد فِي بواطن الْقُلُوب فَصَارَ فِي ظواهر الثِّيَاب كَانَ الزّهْد حرقة فَصَارَ الْيَوْم خرقَة وَيحك صوف قَلْبك لَا جسمك وَأصْلح نيتك لَا مرقعتك غير زيك أَيهَا الْمرَائِي فَهُوَ يَصِيح خذوني تحملن السَّيْف وَمَا تحسن الْقِتَال سيف وَدرع لزمن هتكة ولمقعد فضيحة البهرج يتَبَيَّن عِنْد الحك إِذا كَانَ العلوى ثَابت النّسَب لم يحْتَج إِلَى ضفيرتين وَلَا يصير المخنث تركيا بِلبْس القباء وَلَا الْمرَائِي وليا بِلبْس العباء هَذِه من النكت الخفايا وَفِي الزوايا خبايا وَاعجَبا مَا للدواعي إِلَى الدعاوي الْبَاطِن ينْطق لما علم الصالحون خطر البيات أدلجوا بأحمال الْأَعْمَال فِي ليل الكتم كَانَ الْبكاء إِذا غلب أَيُّوب قَالَ مَا أَشد الزُّكَام (هبيني أستر الْبلوى ... أَلَيْسَ الدمع يفضحني) (لساني فِيك أملكهُ ... ودمع الْعين يملكني) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 صَامَ دَاوُد بن أبي هِنْد أَرْبَعِينَ سنة لم يعلم بِهِ أحد كَانَ يَأْخُذ غداه وَيخرج إِلَى الدّكان فَيتَصَدَّق بِهِ فِي الطَّرِيق فيظن أهل السُّوق أَنه قد أكل فِي الْبَيْت ويظن أَهله أَنه قد أكل فِي السُّوق لجَابِر الْجرْمِي (ومستخبر عَن سر ليلى رَددته ... فَأصْبح فِي ليلى بِغَيْر يَقِين) (يَقُولُونَ خبرنَا فَأَنت أمينها ... وَمَا أَنا إِن أَخْبَرتهم بأمين) كَانَ ابْن سِيرِين يتحدث بِالنَّهَارِ ويضحك فَإِذا جَاءَ اللَّيْل أَخذ فِي الْبكاء والعويل (نهاري نَهَار النَّاس حَتَّى إِذا بدا ... لي اللَّيْل هزتني إِلَيْك الْمضَاجِع) (أَقْْضِي نهاري بِالْحَدِيثِ وبالمنى ... ويجمعني والهم بِاللَّيْلِ جَامع) كَانَ خوفهم من الرِّيَاء يُوجب مدافعة النَّهَار فَإِذا خلوا بالحبيب لم يصبر المشوق (أحن بأطراف النَّهَار صبَابَة ... وبالليل يدعوني الْهوى فَأُجِيب) لَو قدرُوا على اسْتِدَامَة الكتمان مَا أذاعوا وَكم يقدر المشتاق أَن يكتم الوجدا إِذا جن اللَّيْل وظلامه ثار سجن الْمُحب وسقامه وَرمى الوجد فأصابت سهامه واستطلق مزاد الْعين فأنهل سجامه وَطَالَ بالحزين قعوده وقيامه (كم بذكراك ولوعي ... يَا جوى بَين الضلوع) (هجع العاذل لَكِن ... من لعَيْنِي بالهجوع) (هِيَ فِي شغل عَن النّوم ... بمرفض الدُّمُوع) (اتغني بك فِي الْحَيّ ... كورقاء سجوع) لَو أَبْصرت طلائع الصديقين فِي أَوَائِل الْقَوْم أَو شاهدت ساقة المستغفرين فِي أَوَاخِر الركب أَو سَمِعت استغاثة المحبين فِي وسط اللَّيْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 (من رأى الْبَرْق بِنَجْد إِذْ ترآى ... سلب النّوم وَأهْدى البرحاءا) (فاض فيضا كجفوني مَاؤُهُ ... والتظى وَهنا كأنفاسي التظاءا) (نَام سمار الدجى عَن ساهر ... إتخذ الْهم سميرا والبكاءا) (أسعدته أدمع تفضحه ... فَإِذا مَا أحن الدمع أساءا) إِذا رَأَيْتُمْ حَزينًا فارحموه وَإِذا شاهدتم قلقا فاعذروه وَإِذا رَأَيْتُمْ باكيا فوافقوه (الدمع يخون كل كاتم ... وَالْحب يحلل العزائم) (الْقلب بحبكم لديغ ... مَا أقلقني من الأرقام) (والوجد يغالب المقاوي ... والسالم فِيهِ من يسالم) (هَذَا ولعين فِي هواكم ... سلمت لكم فَمَا أخاصم) (سَالَتْ بكم دموع عَيْني ... والدمع بمقلتي يزاحم) (أبْكِي أثر الحبيب كرها ... والحزن تهيجه المعالم) (يَا مَانع مقلتي كراها ... مر اللَّيْل وَلست نَائِم) (قد صمت عَن الْهوى لاحظى ... فِي الْحبّ لكم بِأَجْر صَائِم) (هَل يبْذل وردكم لظام ... حيران على الْوُرُود حائم) (ناحت فزجرتها حمام ... مَا لي تزعجني الحمائم) (يرقين إِلَى ذرى غُضُون ... أَنى تحملك القوائم) (تبكين وَمَا شجاك شوق ... شكواك إِذا من العظائم) (إِن كنت صدقت فاسعديني ... لَا نسْمع لومة اللوائم) (طارت وَبقيت فِي ضماني ... لَا أَبْرَح والزعيم غَارِم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 الْفَصْل الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ أخواني سَار المتقون ورجعنا ووصلوا وانقطعنا وَأَجَابُوا الدَّاعِي وامتنعنا ونجوا من الْإِشْرَاك ووقعنا تَعَالَوْا نَنْظُر فِي آثَارهم وندرس دارس أخبارهم ونبكي على التَّفْرِيط مَا نابنا ونندب مَا لحقنا وأصابنا للْمُصَنف (ودعوا يَوْم النَّوَى واستقلوا ... لَيْت شعري بعْدهَا أَيْن حلوا) (يَا نسيم الرّيح بلغ إِلَيْهِم ... أَن عقدي مَعَهم لَا يحل) (لي من الرّيح الشمَال انتهال ... فَإِذا هبت سحيرا فعل) (عرضوا قلبِي لسقم طَوِيل ... بَاطِن يظْهر مِنْهُ الْأَقَل) (لَو بَكت عَيْني على قدر وجدي ... صَار وَادِيهمْ دَمًا لَا يحل) سَافر الْقَوْم على رواحل الصدْق فَقطعُوا أَرض الصَّبْر حَتَّى وَقَعُوا برياض الْأنس فعبقت قُلُوبهم بنشر الْقرب وتعطرت بنسيم الْوَصْل فَعَادَت سكرى من صرف سلاف الوجد وعربدت على عَالم الْجِسْم فَكلما رَبًّا الْحبّ ذاب (خذي بيَدي ثمَّ ارفعي الثَّوْب فانظري ... ضنا جَسَدِي لكنني أتكتم) حمائم أَرْوَاحهم مسجونة فِي أقفاص أشباحهم تصوت لشجو شوقها وتقلق لضيق حَبسهَا للمهيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 (بالغور دَار وبنجد هوى ... يَا لهف من غَار بِمن أنجدا) (يَا حبذا الذكرى وَإِن اسهرت ... بعْدك والدمع وَإِن أومدا) الْبكاء دأبهم والدمع شرابهم والجوع طعامهم والصمت كَلَامهم فَلَو رَأَيْتهمْ وعذالهم وَقد زادوا بالعذل أثقالهم (سلمت مِمَّا عناني فاستهنت بِهِ ... لَا يعرف الشجو إِلَّا كل بِهِ ذِي شجن) (شتان بَين خلي مُطلق وشج ... فِي ربقة الْحبّ كالمصفود فِي قرن) (أمسيت تشهب باد من ضنى جَسَدِي ... بداخل من جوى فِي الْقلب مكتمن) (إِن كَانَ يُوجب ضري رَحْمَتي فَرضِي ... بِسوء حَالي وَحل للضنى بدني) (منحتك الْقلب لَا أبغي بِهِ ثمنا ... إِلَّا رضاك ووافقري إِلَى الثّمن) أعندك من حَدِيثهمْ خبر أَلَك فِي طريقهم أثر لخَالِد الْكَاتِب (رقدت وَلم تَرث للمساهر ... وليل الْمُحب بِلَا آخر) (وَلم تدر بعد ذهَاب الرقاد ... مَا فعل الدمع بالناظر) نازلهم الْخَوْف فصاروا ولهين وفاجأهم الْفِكر فعادوا متحيرين وجن عَلَيْهِم اللَّيْل فَرَآهُمْ ساهرين وهبت ريَاح الأسحار فمالوا مستغفرين فَإِذا رجعُوا وَقت الْفجْر بِالْأَجْرِ نَادَى مُنَادِي الهجر يَا خيبة النائمين (وَلما وقفنا والرسائل بَيْننَا ... دموع نهاها الوجدان تتوقفا) (ذكرنَا اللَّيَالِي بالعتيق وظلها ... الأنيق فقطعن الْقُلُوب تأسفا) جليت أَوْصَاف الحبيب فِي حلية الْكَمَال فَقَامُوا على أَقْدَام الشوق يسبحون فِي فلوات الوجد فَلَو رأيتموهم لقلتم مجانين هَيْهَات من لَا يعرف مَنَاسِك الْحَج نسب المحرمين إِلَى الخبل النَّاس يَضْحَكُونَ وهم يَبْكُونَ ويفرحون وهم يَحْزَنُونَ وينامون وهم يسهرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 (تركت ليلى أمد من نَفسِي ... وَا أسفي للفراق وَا أسفي) لما تمكنت الْمعرفَة من قُلُوبهم أثرت شدَّة الْخَوْف فارتفع ضجيج الوجد رأى الصّديق طائرا فَقَالَ طُوبَى لَك يَا طَائِر تقع على الشّجر وتأكل من الثَّمر وَلَا حِسَاب عَلَيْك لَيْتَني كنت مثلك وَقَالَ عمر لَيْتَني كنت تبنة لَيْت أُمِّي لم تلدني وَقَالَ ابْن مَسْعُود وددت أَنِّي إِذا مت لَا أبْعث وَقَالَ عمرَان ابْن حُصَيْن لَيْتَني كنت رَمَادا وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء لَيْتَني كنت شَجَرَة تعضد وَقَالَت عَائِشَة لَيْتَني كنت نسيا منسيا ودخلوا على عَطاء السّلمِيّ وَحَوله بَلل فظنوه قد تَوَضَّأ فَقَالَت عجوزا فِي دَاره هَذِه دُمُوعه لصردر (كل سَحَاب أمْطرت أَرْضكُم ... حاملة للْمَاء من أدمعي) (وكل ريح زعزعت تربكم ... فَإِنَّهَا الزفرة من أضلعي) أَتَاهُم من الله وَعِيد وقذهم فَبَاتُوا على حرق وأكلوا على تنغيص فنومهم نوم الغرقى وأكلهم أكل المرضى عجزت أبدانهم عَمَّا حملت قُلُوبهم {فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر} قَالَ فرقد دخلت بَيت الْمُقَدّس خَمْسمِائَة عذراء لباسهن الصُّوف والمسوح فتذاكرن ثَوَاب الله وعقابه فمتن جَمِيعًا فِي مقَام وَاحِد قَالَ أَبُو طَارق شهِدت ثَلَاثِينَ رجلا دخلُوا مجَالِس الذّكر يَمْشُونَ بأرجلهم صحاحا إِلَى الْمجْلس وأجوافهم وَالله قرحَة فَلَمَّا سمعُوا الذّكر انصدعت قُلُوبهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 (قصوا على حَدِيث من قتل الْهوى ... إِن التآسي روح كل حَزِين) قَالَ عبد الْوَاحِد بن زيد لَو رَأَيْت الْحسن لَقلت قد بَث عَلَيْهِ حزن الْخَلَائق وَلَو رَأَيْت يزِيد الرقاشِي لَقلت مثكل أقبل ولد يزِيد يَوْمًا يعاتبه على كَثْرَة بكائه فَجعل يصْرخ ويبكي حَتَّى غشي عَلَيْهِ فَقَالَت أمه يَا بني مَا أردْت بِهَذَا فَقَالَ إِنَّمَا أردْت أَن أَهْون عَلَيْهِ (صِحَة الشوق أحدثت عِلّة الصَّبْر ... وَبعد المزار زَاد السهادا) (كم عذول عَلَيْكُم رام إصلاحي ... فَكَانَ الصّلاح مِنْهُ فَسَادًا) (كلما زَاد عذله زَاد وجدي ... فكلانا فِي أمره قد تَمَادى) (من لقلب أصليتموه لظى الْجَمْر ... وجنب أفرشتموه القتادا) الْمُحب إِن تذكر الرّبع حن وَإِن تفكر فِي الْبعد أَن وَإِن جن عَلَيْهِ اللَّيْل أظهر مَا أجن قطع عَلَيْهِ رضَاع الْوِصَال فَلم يتهن للْمُصَنف (يَا بريق الْحَيّ حرمت المناما ... فانقضى اللَّيْل سهادا وقياما) (أَتَرَى مَا قد أرى يَا صَاحِبي ... كَيفَ والشوق بروحي يترامى) (يَا سقى الله حماهم مزنة ... حلبت أشطرها أَيدي النعامى) (يَا نسيم الرّيح بلغ وَاعد ... أَن نَفسِي مَعَ أنفاس الخزامى) (آه لَو عَاد زماني بهم ... عِنْد جرعاء الْحمى عودا لماما) (يَا ليالينا بِذِي الاثل ارجعي ... أسفا لَو أَنه يشفي النداما) (يَا صَاحِبي بلغُوا إِن جزتم ... بنقي الرمل عَن الْجِسْم السلاما) (إِن قلبِي يَوْم طفنا باللوى ... ورحلنا عَنهُ بالوجد أَقَامَا) (يَا غرامي إِن شددت ورق وَهل ... علم الْوَرق سوى وجدي الغراما) (قلقي فِي حرقي من أرقي ... يرتقي بل ينتقي مني العظاما) (طربي فِي كربي من حَرْبِيّ ... رَجَعَ المَاء بواديهم حَرَامًا) (لوجرت عَيْني على قدر الأسى ... رَجَعَ المَاء بواديهم حَرَامًا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 الْفَصْل الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ أخواني الْخلْوَة مهر بكر الْفِكر وَسلم مِعْرَاج الهمة حَرِيم الْعُزْلَة مصون من عيب غيث عَبث إِذا خلت دَار الْخلْوَة عَن الصُّور تفرغ الْقلب لملاحظة الْمعَانِي (أوحشتني خلواتي ... بك من كل أنيس) (وتفردت فعاينتك ... بِالْغَيْبِ جليسي) (وَدَعَانِي الوجد وَالْحب ... إِلَى الْمَعْنى النفيس) (فَبَدَا لي أَن مهر الْحبّ ... أنفاس النُّفُوس) (فَكتبت الْعَهْد للحب ... على طرس الرسيس) يَا هَذَا إِذا رزقت يقظة فصنها فِي بَيت عزلة فَإِن أَيدي المعاشرة نهابة إحذر معاشرة الْجُهَّال فَإِن الطَّبْع لص لَا تصادقن فَاسِقًا فَإِن من خَان أول منعم عَلَيْهِ لَا يَفِي لَك يَا أفراخ التَّوْبَة لازموا أوكار الْخلْوَة فَإِن هر الْهوى صيود إياك والتقرب من طرف الوكر وَالْخُرُوج من بَيت الْعُزْلَة حَتَّى يتكامل نَبَات الخوافي وَإِلَّا كنت رزق الصَّائِد الْأنس بالأنس ربق المخالطة توجب التَّخْلِيط وأيسر تأثيرها تشتيت الْهم (أقل مَا فِي سُقُوط الذِّئْب فِي غنم ... إِن لم يصب بَعْضهَا أَن ينفر الْغنم) قطع العلائق أصل الْأُصُول فرغ لي بَيْتا أسْكنهُ إِن الطَّائِر إِذا كَانَ زاقا لم يُرْسل فِي كتاب تأملوا إِلَى الْفرس إِذا قدم إِلَى المَاء الصافي كَيفَ يضْرب بيدَيْهِ فِيهِ حَتَّى يتكدر أَتَدْرُونَ لم لِأَنَّهُ يرى صُورَة نَفسه فِي المَاء الصافي وَصُورَة غَيره فيكدره حَتَّى لَا تتبين فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 الصُّور فيتهنى بالشرب لَا يظْهر فِي خلْوَة المتيقظ إِلَّا الْحق كَاد أويس يهرب من النَّاس فَيَقُولُونَ مَجْنُون وصف الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه حلية حلته فقوي توق عمر وَكَانَ فِي كل عَام يسْأَل عَنهُ أهل الْيمن (أَلا أَيهَا الركب اليمانون عرجوا ... علينا فقد أَمْسَى هوانا يَمَانِيا) (نسائلكم هَل سَالَ نعْمَان بَعدنَا ... وَحب إِلَيْنَا بطن نعْمَان وَاديا) لما كَانَت آخر حجَّة حَجهَا عمر قَامَ على أبي قيس فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته أفيكم أويس للشريف الرضى (وَإِنِّي للشوق من بعدهمْ ... أراعي الْجنُوب رواحا ومغدى) (وأفرح من نَحْو أوطانهم ... بغيث يجلجل برقا ورعدا) (إِذا طلع الركب يممتهم ... أحيي الْوُجُوه كهولا ومردا) (وأسألهم عَن عقيق الْحمى ... وَعَن أَرض نجد وَمن حل نجدا) (نشدتكم الله فليخبرن ... من كَانَ أقرب بالرمل عهدا) (هَل الدَّار بالجزع مأهولة ... أنار الرّبيع عَلَيْهَا وأسدى) (وَهل جلب الْغَيْث أخلاقه ... على محْضر من زرود ومبدا) كَانَ أويس يَأْتِي الْمَزَابِل إِذا جَاع فَأَتَاهَا يَوْمًا فنبح عَلَيْهِ كلب فَقَالَ يَا كلب لَا تؤذ من لَا يُؤْذِيك كل مِمَّا يليك وآكل مِمَّا يليني فَإِن دخلت الْجنَّة فَأَنا خير مِنْك وَإِن دخلت النَّار فَأَنت خير مني (ذل الْفَتى فِي الْحبّ مكرمَة ... وخضوعه لحبيبه شرف) كَانَ الصّبيان يرمونه بِالْحِجَارَةِ والعقلاء عِنْد نُفُوسهم يَقُولُونَ مَجْنُون والمحبة تنهاه أَن يُفَسر مَا استعجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 (أبثهم وجدي وهم بِي أعلم ... وَأَرْجُو شفائي مِنْهُم وهم هم) (وَكم كدت من شوق أبين من هم ... ويمنعني من ذَاك خوفي مِنْهُم) (وَكم عذلوني فيهم غير مرّة ... فَقلت لَهُم وَالله بِالصّدقِ أعلم) (إِذا كَانَ قلبِي موثقًا فِي حبالكم ... وجسمي لديكم كَيفَ أفهم عَنْكُم) (فَإِن شِئْتُم أَن تعدلوا فتوصلوا ... إِلَى أَن يعود الْقلب ثمَّ تكلمُوا) صَاحب أهل الدّين وصافهم واستفد من أَخْلَاقهم وأوصافهم واسكن مَعَهم بالتأدب فِي دَارهم وَإِن عاتبوك فاصبر ودارهم إِن لم يكن لَك مكنة الْبذر وَلم تطق مُرَاعَاة الزَّرْع فقف فِي رفْقَة {وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى} أَنْت فِي وَقت الْغَنَائِم نَائِم وقلبك فِي شهوات الْبَهَائِم هائم إِن صدقت فِي طلابهم فانهض وبادر وَلَا تستصعب طريقهم فالمعين قَادر تعرض لمن أَعْطَاهُم وسل فمولاك مَوْلَاهُم رب كنز وَقع بِهِ فَقير وَرب فضل فَازَ بِهِ صَغِير علم الْخضر مَا خَفِي على مُوسَى وكشف لِسُلَيْمَان مَا غطى عَن دَاوُد يَا هَذَا لَا تحتقر نَفسك فالتائب حبيب والمنكسر مُسْتَقِيم إقرارك بالإفلاس غنى إعترافك بالْخَطَأ إِصَابَة تنكيس راسك بالندم رفْعَة عرضت سلْعَة الْعُبُودِيَّة فِي سوق البيع فبذلت الْمَلَائِكَة نقد {وَنحن نُسَبِّح} فَقيل مَا تُؤثر سكَّة دراهمكم فَإِن عجب الضَّارِب بِسُرْعَة الضَّرْب أوجب طمسا فِي النقش فَقَالَ آدم مَا عِنْدِي إِلَّا فلوس إفلاس نقشها {رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا} فَقيل هَذَا الَّذِي ينْفق على خزانَة الْخَاص أَنِين المذنبين أحب إِلَيْنَا من زجل المسبحين (واستعذبوا مَاء الجفون فعذبوا ... الْأَسْرَار حَتَّى درت الاماق) يَا معاشر المذنبين إِن كَانَ يَأْجُوج الطَّبْع وَمَأْجُوج الْهوى قد عاثوا فِي أَرض قُلُوبكُمْ {فَأَعِينُونِي بِقُوَّة أجعَل بَيْنكُم وَبينهمْ ردما} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 اجْمَعُوا لي عزائم قَوِيَّة تشابه زبر الْحَدِيد وتفكروا فِي خطاياكم لتثور صعداء الأسف فَلَا أحتاج أَن أَقُول {انفخوا} شيدوا بُنيان العزائم بهجر المألوف ليستحجر الْبناء فنستغني أَن نفرغ عَلَيْهِ قطرا هَكَذَا بِنَاء الْأَوْلِيَاء قبلكُمْ فجَاء الْأَعْدَاء {فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه} (لَيْسَ عزما مَا مرض الْمَرْء فِيهِ ... لَيْسَ هما مَا عَاق عَنهُ الظلام) الْجد الْجد فَمَا تحْتَمل الطَّرِيق الفتور ضَاقَتْ أَيَّام الْمَوْسِم فجعجعوا بِالْإِبِلِ كَذَا أسيد الضَّبِّيّ إِذا عوتب فِي كَثْرَة بكائه يَقُول كَيفَ لَا أبْكِي وَأَنا أَمُوت غَدا وَالله لَا أبكين فَإِن أدْركْت بالبكاء خيرا فَمن من الله عَليّ وَإِن كَانَت الْأُخْرَى فَمَا بُكَائِي فِي جنب مَا أَلْقَاهُ كَانَت عابدة لَا تنام من اللَّيْل إِلَّا يَسِيرا فوتبت فِي ذَلِك فَقَالَت كفى بطول الرقدة فِي الْقُبُور رقادا (أَيهَا العذال لَا تعذلوا ... إِنَّمَا العذل لمن يقبل) (وَأرى ليلِي لَا يَنْقَضِي ... طَال ليلِي والهوى أطول) تزوج رَبَاح الْقَيْسِي امْرَأَة فرأته نَائِما طول اللَّيْل فَقَالَت لَيْت شعري من غرني بك يَا رَبَاح (يَا عقيق الْحمى حمى الله مغناك ... وروى ثراك من مزن دمع) (من لصب يشوقه لامح الْبَرْق ... فيرتاح قلبه للجزع) (يَا خليلي مَا أَنْت لي بخليل ... ورفيق إِن لم تقف بِالربعِ) هَذِه طريقهم فَأَيْنَ السالك هَذِه صفاتهم فَأَيْنَ الطَّالِب (هذي الْمنَازل والعقيق ... فَأَيْنَ سلمى والخيام) (لم يبْق مذ صاحوا النَّوَى ... لميتم فِيهَا مقَام) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 الْفَصْل السَّادِس وَالسَّبْعُونَ أَيهَا المقصر عَن طلب المزاد كَيفَ تدْرك الْمَعَالِي بِغَيْر اجْتِهَاد أَيْن أهل السهر من أهل الرقاد أَيْن الراغبون فِي الْهوى من الزهاد رَحل المتيقظون مستظهرين بِكَثْرَة الزَّاد كل جواد لَهُم يعرف الْجواد فَسَارُوا فزاروا والكسلان عَاد للشريف الرضى (يَا قلب مَا أَنْت من نجد وساكنه ... خلفت نجدا وَرَاء المدلج الساري) (أهفوا إِلَى الركب تعلو لي ركائبهم ... من الْحمى فِي أسيحاق وإطمار) (تفوح أَرْوَاح نجد من ثِيَابهمْ ... عِنْد الْقدوم لقرب الْعَهْد بِالدَّار) (يَا راكبان قفا لي فاقضيا وطري ... وحدثاني عَن نجد بأخبار) (هَل روضت قاعة الوعساء أم مطرَت ... خميلة الطاح ذَات البان والغاري) (أم هَل أَبيت وَدَار عِنْد كاظمة ... دَاري وسمار ذَاك الْحَيّ سماري) (فَلم يَزَالَا إِلَى أَن نم بِي نَفسِي ... وَحدث الركب عني مدمعي الْجَار) لما صفت خلوات الدجى نُودي آذن الْوُصُول أقِم فلَانا وأنم فلَانا خرجت بالأسماء الجرائد وفاز الأحباب بالفوائد قَالَ أَحْمد بن أبي الْحوَاري قلت لامرأتي رَابِعَة وَقد قَامَت من أول اللَّيْل قد رَأينَا أَبَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 سُلَيْمَان وتعبدنا مَعَه مَا رَأينَا من يقوم من أول اللَّيْل فَقَالَت سُبْحَانَ الله مثلك يَقُول هَذَا أما أقوم إِذا نوديت للمتنبي (تَقُولِينَ مَا فِي النَّاس مثلك وامق ... جدي مثل من أحببته تجدي مثلي) (ذَرِينِي أنل مَا لَا ينَال من العلى ... فصعب العلى فِي الصعب والسهل) (تريدين إِدْرَاك الْمَعَالِي رخيصة ... وَلَا بُد دون الشهد من إبر النَّحْل) لما دارت كؤوس النّوم على أَفْوَاه الْعُيُون فسكرت بِالشرابِ الْأَلْبَاب فطرحت الأجساد على فرَاش {يتوفى} صاحت فصاحة الْحبّ بالمحب كل مُسكر حرَام فَلَمَّا نفخ فِي صور الإيقاظ فِي أبان {وَيُرْسل الْأُخْرَى} قَامَ أموات النّوم وَقد رَحل سفر الْوِصَال فَلم يرَوا إِلَّا آثَار الْقرب فِي مناخ الأحباب وأثا فِي {تَتَجَافَى} ستر الْقَوْم قيامهم بِاللَّيْلِ فَستر جزاءهم أَن يطلع عَلَيْهِ الْغَيْر {فَلَا تعلم نفس} فَلَو عانيتهم وَقد دارت كؤوس الْمُنَاجَاة بَين مزاهر التِّلَاوَة فأسكرت قلب الْوَاجِد ورقمت فِي صَحَائِف الوجبات تعرفهم {بِسِيمَاهُمْ} (وتمشت فِي مفاصلهم ... كتمشي الْبُرْء فِي السقم) اشْتهر بِقِيَام اللَّيْل كُله وَصَلَاة الْفجْر بِوضُوء الْعشَاء سعيد بن الْمسيب وَصَفوَان سليم وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر المدنيون وفضيل ووهب المكيان طَاوس ووهب اليمانيان وَالربيع بن خَيْثَم وَالْحكم الكوفيان وَأَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي وَأَبُو جَابر الفارسيان وَسليمَان التَّيْمِيّ وَمَالك بن دِينَار وَيزِيد الرقاشِي وحبِيب العجمي وَيحيى الْبكاء وكهمس ورابعة البصريون قَالَت أم عَمْرو بن الْمُنْكَدر يَا بني أشتهي أَرَاك نَائِما فَقَالَ يَا أُمَّاهُ إِن اللَّيْل ليرد عَليّ فيهولني فينقضي عني وَمَا قضيت مِنْهُ مأربي وَصَحب رجل رجلا شَهْرَيْن فَمَا رَآهُ نَائِما فَقَالَ مَالك لَا تنام فَقَالَ إِن عجائب الْقُرْآن أطرن نومي مَا أخرج من أعجوبة إِلَّا وَقعت فِي أُخْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 (لَا تلحه إِن كنت من سجرائه ... عذل الْمُحب يزِيد فِي إغرائه) (ودع الْهوى يقْضِي عَلَيْهِ بِحكمِهِ ... مَا شَاءَ فَهُوَ مُسلم لقضائه) (فشقاؤه فِيمَا يرَاهُ نعيمه ... ونعيمة فِي ذَاك عين شقائه) (كحلت مآقيه بطول سهاده ... وحنت أضالعه على برحائه) (دنف بِبَابِل جِسْمه وفؤاده ... بالخيف وَاعجَبا لطول بَقَائِهِ) قَالَ سُفْيَان إِن لله ريحًا تسمى الصبحية مخزونة تَحت الْعَرْش تهب عِنْد الأسحار فَتحمل الأنين وَالِاسْتِغْفَار للمهيار (يَا نسيم الرّيح من كاظمة ... شدّ مَا هجت الأسا والبرحا) (الصِّبَا إِن كَانَ لَا بُد الصِّبَا ... إِنَّهَا كَانَت لقلبي أرواحا) (أذكرونا ذكرنَا عهدكم ... رب ذكرى قربت من نزحا) (وارحموا صبا إِذا غنى بكم ... شرب الدمع وعاف القدحا) يَا طَوِيل النّوم فاتتك مِدْحَة {تَتَجَافَى} وَحرمت منحة {والمستغفرين} وَلست من أهل عتاب فَإِذا جنه اللَّيْل نَام عني لَيْسَ فِي ليل الهجر مَنَام وَمَتى رَأَيْت محبا ينَام للمتنبي (فَإِن نهاري لَيْلَة مدلهمة ... على مقلة من فقدكم فِي غياهب) (بعيدَة مَا بَين الجفون كَأَنَّمَا ... عقدتم أعالي كل هدب بحاجب) ثورت فِي اللَّيْل الحداة وعكمت أحمال الْأَعْمَال وسارت رفْقَة المتهجدين وترنم كل ذِي صَوت بشجو وَأَنت فِي الرقدة الأولى بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 (لم يخل مرجان دمع من عقيق دم ... شوق بِلَا عِبْرَة سَاق بِلَا قدم) يَا هَذَا كَيفَ تطِيق السهر مَعَ الشِّبَع كَيفَ تزاحم أهل العزائم بمناكب الكسل (دع الْهوى لِأُنَاس يعْرفُونَ بِهِ ... قد مارسوا الْحبّ حَتَّى لَان أصعبه) (بلوت نَفسك فِيمَا لست تخبره ... وَالشَّيْء صَعب على من لَا يجربه) (فاقن اصطبارا وَإِن لم تستطع جلدا ... فَرب مدرك أَمر عز مطلبه) (أحنو الضلوع على قلب يحيرني ... فِي كل يَوْم ويعييني تقلبه) (تناوح الرّيح من نجد يهيجه ... وَلَا مَعَ الْبَرْق من نعْمَان يطربه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الْفَصْل السَّابِع وَالسَّبْعُونَ إِذا هبت ريَاح المواعظ أثارت من قُلُوب المتيقظين غيم الْغم على مَا سلف وساقته إِلَى بلد الطَّبْع المنحرف برعد الْوَعيد وبرق الخشية فتترقى دموع الأحزان من بَحر قَعْر الْقلب إِلَى أوج الرَّأْس فتسيل فِي ميازيب الشئون على سطوح الوجنات فَإِذا أعشب السِّرّ إهتز فَرحا بالإنابة (محت بعدكم تِلْكَ الْعُيُون دموعها ... فَهَل من عُيُون بعْدهَا نستعيرها) (رحلنا وَفِي سر الْفُؤَاد ضمائر ... إِذا هَب نجدي الصِّبَا يستثيرها) (أتنسى رياض الْغَوْر بعد فراقها ... وَقد أَخذ الْمِيثَاق مِنْك غديرها) (يجعده مر الشمَال وَتارَة ... يغازله كرّ الصِّبَا ومرورها) (الْأَهْل إِلَى شم الخزامى وعر عر ... وشيح بوادي الأثل أَرض نسيرها) (أَلا أَيهَا الركب الْعِرَاقِيّ بلغُوا ... رِسَالَة محزون خواه سطورها) (إِذا كتبت أنفاسه بعض وجدهَا ... على صفحة الذكرى محاه زفيرها) (ترفق رفيقي هَل بَدَت نَار أَرضهم ... أم الوجد يذكي ناره ويثيرها) (عد ذكرهم فَهُوَ الشِّفَاء وَرُبمَا ... شفى النَّفس أَمر ثمَّ عَاد يضيرها) (أَلا أَيْن أزمان الْوِصَال الَّتِي خلت ... خلا مَا حلا مِنْهَا وَجَاء مريرها) (سقى الله أَيَّامًا مَضَت ولياليا ... تضوع رياها وفاح عبيرها) من تفكر فِي تفريطه أَن وَمن تذكر أَيَّام وَصله حن من سمع صَوت الْحمام ظَنّه لحسن الصَّوْت كلا بل لذكر مَا مر من الْعَيْش إِذا نظر الْأَسير إِلَى نَفسه فِي ضيق الْقد وَلم يقدر على ضك الْقَيْد قطع حزنه حيازيم الْقلب فنفسه بالأسف فِي آخر نفس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 (تهيم إِذا ريح الصِّبَا نسمت لَهَا ... وتبكي إِذا الورقاء فِي الْغُصْن غنت) (إِذا جذب الصُّبْح اللثام تأوهت ... وَإِن نشر اللَّيْل الْجنَاح أرنت) كَانَ دَاوُد يُؤْتى بِالْإِنَاءِ نَاقِصا فَلَا يشربه حَتَّى يتمه بالدموع (يَا ساقي الْقَوْم إِن دارت عَليّ فَلَا ... تمزج فَإِنِّي بدمعي مازج كأسي) كَانَ فِي خد عمر بن الْخطاب خطان أسودان من الْبكاء وَكَانَ فِي وَجه ابْن عَبَّاس كالشراكين الباليين من الدمع للمهيار (أَلا من لعين من بكاها على الْحمى ... تَجف ضروع المزن وَهِي حَلُوب) (بَكت وغدير الْحَيّ طام وأصبحت ... عَلَيْهِ العطاش الحائمات تلوب) (وَمَا كنت أَدْرِي أَن عينا ركية ... وَلَا أَن مَاء الماقيين شروب) كَانَ الْحسن يبكي حَتَّى يرحم وَكَانَ الفضيل بن عِيَاض يبكي فِي النّوم حَتَّى ينتبه أهل الدَّار ببكائه وَكَانَ عَطاء يبكي فِي غرفَة لَهُ حَتَّى تجْرِي دُمُوعه فِي الْمِيزَاب فقطرت يَوْمًا إِلَى الطَّرِيق على بعض المارين فصاح يَا أهل الدَّار اماؤكم طَاهِر فصاح عَطاء إغسله فَإِنَّهُ دمع من عصى الله (وَمن لبه مَعَ غَيره كَيفَ حَاله ... وَمن سره فِي جفْنه كَيفَ يكتم) وَقَالُوا لعطاء السّلمِيّ مَا تشْتَهي فَقَالَ أشتهي أَن أبْكِي حَتَّى لَا أقدر أَن أبْكِي (وَإِن شفائي عِبْرَة مهراقة ... فَهَل عِنْد رسم دارس من معول) كَانَ أَشْعَث الْحدانِي وحبِيب العجمي يتزاوران فيبكيان طول النَّهَار وَكَانَ حزَام وَسُهيْل وَعبد الْوَاحِد كل وَاحِد فِي بَيت يتجاوبون بالبكاء للخفاجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 (ركب هوى تجاذبوا حَدِيثه ... فاترعوا من الغرام اكؤسا) (واسبلوا من الجفون أدمعا ... ظننتها ماءا وَكَانَت أنفسا) (لقد سَمِعت فِي الرّحال أنة ... أظنها نشطة وجد حبسا) الْبكاء مُوكل بعيون الْخَائِفِينَ كلما هَمت بِفَتْح طرف لتنظر إِلَى طرف من طرف الدُّنْيَا طرفته دمعة قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام عينان لَا تمسهما النَّار عين بَكت من خشيَة الله وَعين باتت تحرس فِي سَبِيل الله قَالَ الْحسن لَو بكي عبد من خشيَة الله لرحم من حوله وَلَو كَانُوا عشْرين ألفا وَقيل لِثَابِت الْبنانِيّ عالج عَيْنَيْك وَلَا تبك فَقَالَ أَي خير فِي عين لَا تبْكي لصردر (إِذا لم أفز مِنْكُم بوعد ونظرة ... إِلَيْكُم فَمَا نفعي بسمعي وناظري) (مَتى غنت الورقاء كَانَت مدامتي ... دموعي وزفراتي حنين مزاهري) الْبكاء لأجل الذُّنُوب مقَام المريد والبكاء على المحبوب مقَام الْعَارِف (روحي إِلَيْك بكلها قد أَجمعت ... لَو كَانَ فِيك هلاكها مَا أقلعت) (تبْكي عَلَيْك بكلها عَن كلهَا ... حَتَّى يُقَال من الْبكاء تقطعت) (فَانْظُر إِلَيْهَا نظرة بتعطف ... فلطالما متعتها فتمتعت) أخواني حر الْخَوْف صيف الذوبان وبرودة الرَّجَاء شتاء الْغَفْلَة وَمن لطف بِهِ كَانَ زَمَانه كُله فصلا (عين تسر إِذا رأتك وَأُخْتهَا ... تبْكي لطول تبَاعد وفراق) (فاحفظ لوَاحِدَة دوَام سرورها ... وعد الَّتِي أبكيتها بتلاق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 سُبْحَانَ من روح أَرْوَاح الْخَائِفِينَ برِيح الرَّجَاء الضَّعِيف إِذا لم يتلاف تلف لابد للمكروب من نسيم بَارِد (بِاللَّه يَا ريح الشمَال ... إِذا عزمت على الهبوب) (فتحملي شكوى الْمُحب ... المستهام إِلَى الحبيب) (قرب الضنى من مهجتي ... لما بَعدت عَن الطَّبِيب) وقف عتبَة الْغُلَام لَيْلَة على سَاحل الْبَحْر إِلَى الصَّباح يَقُول إِن تعذبني فَإِنِّي لَك محب وَإِن ترحمني فَإِنِّي لَك محب يَا قَومنَا الْمُحب مَعَ بذل روحه يرتاح إِلَى المنى وَإِلَى لَعَلَّ لِأَنَّهُ لَا يرى مَا بذل يصلح ثمنا لما طلب (بقلبي مِنْهُم علق ... ودمعي فيهم علق) (وَبِي من حبهم حرق ... لَهَا الأحشاء تحترق) (وَمَا تركُوا سوى رمقي ... فليتهم لَهُ رمقوا) كَانَ عبد الْوَاحِد يَقُول لعتبة أرْفق بِنَفْسِك فيبكي وَيَقُول إِنَّمَا أبْكِي على تقصيري (قَالُوا تصبر فَمَا هَذَا الْجُنُون بهم ... فَقلت يَا قوم لَيْسَ الْقلب من قبلي) وَاعجَبا أَو يقدر الْمُحب على التَّصَرُّف فِي قلبه كلا دين الْمُحب الْجَبْر لأبي الشيص الْخُزَاعِيّ (وقف الْهوى بِي حَيْثُ أَنْت فَلَيْسَ لي ... مُتَأَخّر عَنهُ وَلَا مُتَقَدم) (أجد الْمَلَامَة فِي هَوَاك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمني اللوم) دخلُوا على رَابِعَة فَقَالَت لقد طَالَتْ عَليّ الْأَيَّام بالشوق إِلَى لِقَاء الله تَعَالَى ودخلوا عَلَيْهَا مرّة اخرى فَقَالُوا أتشتاقين إِلَيْهِ فَقَالَت هُوَ حَاضر معي قَالُوا يَا رَابِعَة هَذَا ضد الأول أجابت بِلِسَان الْحَال هَكَذَا تحير الْمُحب (وَمن عجب أَنِّي أحن إِلَيْهِم ... واسأل عَنْهُم من أرى وهم معي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 (وتطلبهم عَيْني وهم فِي سوادها ... ويشتاقهم قلبِي وهم بَين أضلعي) إِذا بَدَت رَابِعَة فِي الْقيمَة مختمرة وَقعت لهيبة خمارها طيالسة الْعلمَاء كَانَ سُفْيَان يتأدب لرابعة كَانَ هُوَ صَاحب مخزن الْعلم فتردد إِلَى القهرمانة لِأَن لَهَا دُخُولا أَكثر مِنْهُ رَحل الْملاك وَبَقِي المدعون أَتَرَى أَي طَرِيق سلكوا نَحن ملكنا وَالْقَوْم ملكوا للشريف الرضى وللمهيار (يَا صَاحِبي رحلي قفا ... فسائلا لي الدمنا) (وامطرا دمعكما ... ذَاك الْكَثِيب الأيمنا) (مَا الدَّار عِنْدِي سكن ... إِذا عدمت السكنا) (كَانَ فُؤَادِي وهم ... فظعنوا فظعنا) (منى لعَيْنِي أَن ترى ... تِلْكَ الثَّلَاث من منى) (وَيَوْم سلع لم يكن ... يومي بسلع هينا) (وَيَوْم ذِي البان ... تبايعنا فحزت الغبنا) (كَانَ الغرام الْمُشْتَرى ... وَكَانَ قلبِي الثمنا) (وبارق اشيمه ... كالطرف أغضى ورنا) (ذَكرنِي الأحباب ... والذكرى تهيج الحزنا) (من بطن مر والسرى ... تؤام عسفان بِنَا) (وبالعراق وطرى يَا ... بعد مَا لَاحَ لنا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 الْفَصْل الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ الْمُحب يتَعَلَّق بِكُل شَيْء ويهيم فِي كل وَاد على القلق يمشي وعَلى الحرق يُمْسِي (بقيت على الأطلال من بعدكم ملقى ... أهيم بكم غربا وأطلبكم شرقا) (واسأل أنفاس الرِّيَاح إِذا جرت ... يَمَانِية عَنْكُم واستنبؤ البرقا) كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج إِلَى حراء ويبدو إِلَى التلاع مقاساة الْخلق ظلمَة والحبيب لَا يتجلى إِلَّا فِي خلْوَة (وَأخرج من بَين الْبيُوت لعلني ... أحدث عَنْك النَّفس فِي السِّرّ خَالِيا) الْمُحب مقتول بِلَا سيف ملقى فِي منى المنى لَا عِنْد الْخيف إِذا سمع صَوت منشد قد غرد خلع لجام الصَّبْر وتشرد (وَلما غرد الْحَادِي ... وَسَار الْقَوْم فِي الْوَادي) (وَرَاح الْقلب يتبعهُم ... بِلَا مَاء وَلَا زَاد) (رَأَيْت قَتِيل بَينهم ... صَرِيعًا مَا لَهُ فاد) أول عَلَامَات الْمحبَّة دموع الْعين وأوسطها قلق الْقلب ونهايتها احتراقه لقيس ذريح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 (هَل الْحبّ إِلَّا زفرَة بعد زفرَة ... وحر على الأجساد لَيْسَ لَهُ برد) (وفيض دموع تستهل إِذا بدا ... لنا علم من أَرْضكُم لم يكن يَبْدُو) قَالَ ذُو النُّون لقِيت امْرَأَة متعبدة فوعظتني فَبَكَيْت فَقَالَت لم تبْكي قلت لَهَا أَو الْعَارِف لَا يبكي قَالَت إِذا بَكَى استراح وَلَا رَاحَة لِلْمُؤمنِ دون لِقَاء ربه (لَا وحبيك لَا أُصَافح ... بالدمع مدمعا) (من بَكَى شجوه استراح ... وَإِن كَانَ موجعا) (كَبِدِي فِي هَوَاك ... أَهْون من أَن تقطعا) (لم تدع سُورَة الضنى ... فِي للسقم موضعا) الْمحبَّة نزالة وقوتها المهج كَانَت أضلاع عمر بن عبد الْعَزِيز تعد وَكَانَ جَسَد سرى كالشن وقف أَبُو يزِيد فِي الْمِحْرَاب فَكبر فتقعقعت عِظَامه (وَإِنِّي لتعروني لذكراك روعة ... لَهَا بَين جلدي وَالْعِظَام دَبِيب) (فَمَا هُوَ إِلَّا أَن أَرَاهَا فَجْأَة ... فأبهت حَتَّى لَا أكاد أُجِيب) إِذا رَأَيْت محبا وَلم تدر لمن فضع يدك على نبضه وسم كل من تظنه المحبوب فَإِن النبض لَا ينزعج إِلَّا عِنْد ذكره {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} للمهيار (أَلا فَتى يسْأَل قلبِي مَاله ... ينزو إِذا برق الْحمى بداله) (فَهَب يَرْجُو خَبرا من الْحمى ... يسْندهُ عَنهُ فَمَا روى لَهُ) (أَرَادَ نجدا مَعَه فانتقضت ... إِرَادَة هَاجَتْ لَهُ بلباله) (وانتسم الرّيح الصِّبَا وَمن لَهُ ... بنفحة من الصِّبَا طُوبَى لَهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 الْمُحب فِي قلق لَا سُكُون وَالْعجب أَنه يتَكَلَّف الثَّبَات) (الوجد يحركه وَاللَّيْل يقلقه ... وَالصَّبْر يسكته وَالْحب ينطقه) (وَيسْتر الْحَال عَمَّن لَيْسَ يعذرهُ ... وَكَيف يستره والدمع يسْبقهُ) الْمُحب ببالغ فِي كتمان وجده غير أَن الدمع نمام (آفَة السِّرّ من جفو ... ن دوَام دوامع) (كَيفَ يخفى من الدمو ... ع الهوامى الهوامع) كَانَ أَكثر الْقَوْم إِذا جائه الْبكاء دافعه اتقاء اللاحي لَهُ فيغلبه فَلَا حِيلَة للمتنبي (حاشى الرَّقِيب فخانته ضمائره ... وغيص الدمع فانهلت بوادره) (وكاتم الْحبّ يَوْم الْبَين مفتضح ... وَصَاحب الوجد لَا تخفى سرائره) إِذا أقلقه الْحبّ ضج وَإِذا أرقه الشوق عج وَكلما حبس دمعه ثج وَإِذا استوحش من الْخلق هج فالهموم تنوبه من كل فج حشيت قُلُوب الْقَوْم بالغموم حَشْو الْورْد فِي قَوَارِير الزُّور وَكلما التهبت نَار الحذر جرت عُيُون الدمع فِي جداول الْعُيُون فرشت على الخدود مَاء مَا مَاء الْورْد عِنْده بِطيب لأبي المعتز (أسر الْقلب فأسى لَدَيْهِ ... فَهُوَ يشكوه ويشكو إِلَيْهِ) (عذب الأحباب بالهجر حينا ... فهم يَبْكُونَ بَين يَدَيْهِ) وَاعجَبا لضعف بدن الْعَارِف كم يحمل وآسفا لقلب الْمُحب كم يصبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 (نعم تحمل الأشواق والعيس ظلع ... وَيَمْشي الْهوى والناقلات قعُود) مَا أقوى جلد جلد الْقلب على نَار الْحبّ كَأَنَّهُ قد ألبس ريش السمندل على أَنه لَا بُد من لذع يبين أَثَره فِي صعُود الصعداء دلَالَة تدل على الْحَرِيق اشتط اللهيب فشاطت الْقُلُوب لَوْلَا أَن الْقَوْم على شواطي بَحر الدُّمُوع نزُول للشريف الرضي (خذي حَدِيثك فِي نفس من النَّفس ... وجد المشوق الْمَعْنى غير ملتبس) (المَاء فِي ناظري وَالنَّار فِي كَبِدِي ... إِن شِئْت فاغترفي أَو شِئْت فاقتبسي) أَشد مَا على الْمُحب من مقاساة الْحبّ سَماع اللوم وَاعجَبا من خلي يعذل ذَا شجى وَيحك خل شَأْنه وشانه (فيا حبهم زِدْنِي جوى كل لَيْلَة ... وَيَا سلوة الْأَيَّام موعدك الْحَشْر) لما أسلم سعد بن أبي وَقاص قَالَت لَهُ أمه وَالله لَا آكل وَلَا أشْرب وَلَا يُظِلنِي سقف بَيت حَتَّى تكفر بِمُحَمد فَقَالَ اسمعي يَا أُمَّاهُ وَالله لَو كَانَ لَك مائَة نفس فَخرجت وَاحِدَة بعد وَاحِدَة لم أكفر بِمُحَمد ويحها مَا خبرت خبر الْمحبَّة مَتى وَقع السلو فِي حب صَادِق للمتنبي (عذل العواذل حول قلبِي التائه ... وَهوى الْأَحِبَّة مِنْهُ فِي سودائه) (الْقلب أعلم يَا عذول بدائه ... وأحق مِنْك بجفنه وبمائه) (فومن أحب لأعصينك فِي الْهوى ... قسما بِهِ وبحسنه وبهائه) (أاحبه وَأحب فِيهِ ملامة ... إِن الْمَلَامَة فِيهِ من أعدائه) (لَا تعذل المشتاق فِي أشواقه ... حَتَّى تكون حشاك فِي أحشائه) وَاعجَبا لعاذل فِي حب مَا ذاقه وآمر بهجر حبيب مَا شاقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 (وماذا على مُفْرد بالعراق ... تذكر بالرمل عهدا فحنا) (وَإِنِّي لكل شج عاذر ... إِذا ناح من طرب أَو تغنى) كَانَت أم الرّبيع بن خَيْثَم إِذا رَأَتْ قلقه بِاللَّيْلِ قَالَت يَا بني لَعَلَّك قتلت قَتِيلا فَيَقُول يَا أُمَّاهُ قتلت نَفسِي قيل لعابد كَانَ ينتحب إِنَّك تفْسد على الْمُصَلِّين صلَاتهم بارتفاع صَوْتك فَقَالَ إِن حزن الْقِيَامَة أورثني دموعا غزارا فَأَنا أستريح إِلَى ذرفها أَحْيَانًا (مهلا عذول صليت نَار جوانحي ... وغرقت فِي تيار دمعي المسبل) (هذي حشاي لديك فَانْظُر هَل ترى ... قلبا فَإِن صادفت قلبا فاعذل) غَايَة العاذلين إِيصَال اللوم إِلَى الأسماع فَأَما الْقُلُوب فَلَا سَبِيل إِلَيْهَا (سيان إِن لاموا وَإِن عذروا ... مَا لي عَن الأحباب مصطبر) (لَا غرو إِن أغرى بحبهم ... إِذْ لَيْسَ لي فِي غَيرهم وطر) (لَا بُد لي مِنْهُم وَإِن تركُوا ... قلبِي بِنَار الهجر يستعر) (وَعلي أَن أرْضى بِمَا صَنَعُوا ... وأطيعهم فِي كل مَا أمروا) لَو رَأَيْت الْمُحب يهرب من العذل إِلَى فلوات الخلوات فَإِذا نَاوَلَهُ الوجد كأس الدُّمُوع اقترح عَلَيْهِ غناء الحمائم (ذكر الأحباب والوطنا ... وَالصبَا وَالْألف والسكنا) (فَبكى شجوا وَحقّ لَهُ ... مدنف بالشوق حلف ضنى) (أبعدت مرمى بِهِ رجمت ... من خُرَاسَان بِهِ اليمنا) (من لمشتاق تميله ... ذَات سجع ميلت فننا) (لم تعرض فِي الحنين بِمن ... مسعد إِلَّا وَقلت أَنا) (لَك يَا وَرْقَاء أُسْوَة من ... لم تذيقي طرفه الوسنا) (بك أنسي مثل أنسك بِي ... فتعالى نبد مَا كمنا) (نتشاكى مَا نجن إِذا ... بحت شكوى صحت واحزنا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 (أَنا لَا أَنْت الْبعيد هوى ... أَنا لَا أَنْت الْغَرِيب هُنَا) (أَنا فَرد يَا حمام وَهَا ... أَنْت وَالْألف القرين ثَنَا) (اسرحا رأد النَّهَار مَعًا ... واسكنا جنح الدجى غصنا) (وابكيا يَا جارتي لما ... لعبت أَيدي الْفِرَاق بِنَا) (أَيْن قلبِي مَا صنعت بِهِ ... مَا أرى صَدْرِي لَهُ وطنا) (كَانَ يَوْم النَّفر وَهُوَ معي ... فَأبى أَن يصحب البدنا) (أبه حادي الرفاق حدا ... أم لَهُ دَاعِي الْفِرَاق عَنى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 الْفَصْل التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ يَا هَذَا قد سَمِعت أَخْبَار الْمُتَّقِينَ فسر فِي سربهم وَقد عرفت جدهم فَتَنَاول من شربهم ثمَّ سل من أعانهم يعنك فَمَا كَانَ بهم لِابْنِ هندو (لَا يؤيسنك من مجد تباعده ... فَإِن للمجد تدريجا وترتيبا) (إِن الْقَنَاة الَّتِي شاهدت رفعتها ... تنمي وتنبت أنبوبا فأنبوبا) إستغنى الْقَوْم بطبيبهم عَن مدح خطيبهم فاسلك طريقهم تكن رفيقهم لِابْنِ الرُّومِي (وَسَائِل عَنْهُم مَاذَا يقدمهم ... فَقلت فضل بِهِ عَن غَيرهم بانوا) (صانوا النُّفُوس عَن الْفَحْشَاء وابتذلوا ... مِنْهُنَّ فِي سبل العلياء مَا صانوا) (المنعمون وَمَا منوا على أحد ... يَوْمًا بنعمي وَلَو منوا لما مانوا) (قوم يعزون إِن كَانَت مغالبة ... حَتَّى إِذا قدرت أَيْديهم هانوا) أطار خوف النَّار نومهم وَأطَال ذكر الْعَطش الْأَكْبَر صومهم يَحْسبهُم النَّاظر مرضى الْأَبدَان وَإِنَّمَا بهم سقام الأحزان (مكتئب ذُو كبد حوى ... تبْكي عَلَيْهِ مقلة عبرى) (يرفع يمناه إِلَى ربه ... يشكو وَفَوق الكبد الْيُسْرَى) (يبْقى إِذا حدثته باهتا ... وَنَفسه مِمَّا بِهِ سكرى) (تحسبه مستمعا ناصتا ... وَقَلبه فِي أمه أُخْرَى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 إِذا ذكرُوا الْعَفو طَابَ الْعَيْش وَإِذا تصوروا الْعَذَاب جَاءَ الطيش (أمد بِإِحْدَى مقلتي إِذا بَدَت ... إِلَيْهَا وبالأخرى أراعي رقيبها) (وَقد غفل الواشي وَلم يدر أنني ... أخذت لعَيْنِي من حَبِيبِي نصِيبهَا) قَالَ صَالح المري كَانَ عَطاء السّلمِيّ قد اجْتهد حَتَّى انْقَطع فصنعت لَهُ شربة سويق فَلم يشرب فَقَالَ إِنِّي وَالله كلما هَمَمْت بشربها ذكرت قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامًا ذَا غُصَّة} فَلم أقدر فَقلت أَنا فِي وَاد وَأَنت فِي وَاد (أطلت وعذبتني يَا عذول ... بليت فَدَعْنِي حَدِيثي يطول) (أَبيت أراقب نجم الدجى ... إِلَى الصُّبْح وجدي ودمعي يسيل) انْبَعَثَ غيوم الغموم من أَوديَة الْقُلُوب فاستتمت قبيل الصُّبْح فهطلت فلهَا مَعَ الشئون فجرت الْأَرْوَاح فِي موتى العيدان فقدحت فحرقت فارتقت ورق الشوق مَنَابِر الشدو فأطربت فصدحت بلابل الْمحبَّة بَين منثور منثورها فبلبلت (يَا نفحات الرّيح مري سحرًا ... فبلبلي طرة أَرض بابل) (صفي لأهل بابل بِلَا بلَى ... وبلغيهم فِي الْهوى رسائلي) (كم من دم طاح بِغَيْر ثَائِر ... وَكم قَتِيل كلف بالقاتل) قلب الْمُحب تَحت فَحْمَة اللَّيْل جَمْرَة كلما هَب النسيم التهبت (يمر الصِّبَا صفحا بساكن ذِي الغصنا ... ويصدع قلبِي أَن يهب هبوبها) (قريبَة عهد بالحبيب وَإِنَّمَا ... هوى كل نفس حَيْثُ حل حبيبها) سهر الْقَوْم يَقع ضَرُورَة لِأَن القلق مَانع من النّوم وَلَيْسَ لَهُم فِي تِلْكَ الشدائد رَاحَة سوى جَرَيَان الدُّمُوع للسري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 (بلاني الْحبّ فِيك بِمَا بلاني ... فشأني أَن تفيض غرُوب شاني) (أَبيت اللَّيْل مرتفقا أُنَاجِي ... بِصدق الوجد كَاذِبَة الْأَمَانِي) (فَتشهد لي على الأرق الثريا ... وَيعلم مَا أجن الفرقدان) (فيا ولع العواذل خل عني ... وَيَا كف الغرام خذي عناني) من صلى بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ شِيمَة الْمحبَّة لَا تخفى وصحائف الْوُجُوه يقْرؤهَا من لم يكْتب خذي حَدِيثك فِي نَفسِي من النَّفس قطعت نياق جدهم بادية اللَّيْل وَلم تَجِد مس تَعب الطَّرِيق إِلَى المحبوب لَا تطول (بدالها من بَعْدَمَا بدالها ... روض الْحمى أَن تَشْتَكِي كلالها) (فخلها تمرح فِي زمامها ... فَإِنَّهَا قد سمت عقالها) (اذْكُرْهَا مر النسيم سحرًا ... مراتعا تفيات ظلالها) (رنحها الشوق الممض والسرى فسحبت من وجدهَا جلالها) (تحسبها سكرى وَمَا ذَاك بهَا ... وَإِنَّمَا شوق الْحمى أمالها) يَا رب قرب أَرض كنعان من مصر فقد نفذ صَبر يَعْقُوب كَانَ أَبُو زيد يَقُول إلهي إِلَى مَتى تحبس أَعْضَاء محبيك تَحت التُّرَاب أحشرهم واجعلني جِسْرًا ليعبروا إِلَيْك واويلاه أَنا أشْرب وَأَنا أطرب يتركوني أَسِير وجدي أَسِير وحدي هلا سعت معي رجل رجل أَو أعانني ساعد مساعد أَيْن شَرط الرّفْقَة أَو مَا العزاء للْكُلّ (لَو عدلتن تساهمنا جوى ... مثل مَا كُنَّا اشتركنا نظرا) يَا حاضرين عندنَا بنية التَّنَزُّه لَسْتُم مَعنا عودوا إِلَى أوكار الكسل فالحرب طعن وَضرب يَا مودعين ارْجعُوا فقد عبرنا العذيب دَعونَا نخل بالوجد فِي صحراء نجد ستأتيكم أخبارنا عَن قريب بعد فيد وَأَنت أَيهَا الْحَادِي عرض المازمين والخيف تعلمك الدُّمُوع كَيفَ ترمي حَصى الْخذف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 (الأغنياني بالديار فإنني ... أحب زرودا مَا أَقَامَ ثراها) (وَبَين النقي والأنعمين محلّة ... حبيب لقلبي قاعها ورباها) (ونعمان يَا سقيا لنعمان مَا جرت ... عَلَيْهِ النعامى بَعدنَا وصباها) (وللقلب عِنْد المازمين وَجَمعهَا ... دُيُون ومقضى خيفها ومناها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 الْفَصْل الثَّمَانُونَ يَا مُقيما فِي دَائِرَة دَار الْغَيْر كم حضرت فِيهَا محتضر كم عَايَنت عَيْنك قبرا يحتفر لقد ألانت مواعظها كل صلد حجر عجبا لفرخها مَا عيد حَتَّى نحر (إِن فِي نأي زماني عظة ... تشغل الْعَاقِل عَن نأي زنام) (ومدام الْفِكر فِيمَن قد مضى ... مُسكر يُغْنِيك عَن شرب مدام) (عرس الْقَوْم وغربان الدجى ... إِنَّمَا صاحت بتقويض الْخيام) (وحمامات الضُّحَى صادحة ... نوحها ينذرها صرف الْحمام) (ومطايا الْخيف قد زمت لكم ... ودعوا يَا قوم وامضوا بِسَلام) (ودعوا عَنْكُم أباطيل المنى ... لَيست الدُّنْيَا لنا دَار مقَام) (أقسم الساقي بكاسات الردى ... ليدورن على كل الْأَنَام) يَا من إِذا عَامل خَان وظلم يَا من أَمر بِمَا يَنْفَعهُ فَلم هَذَا القتير فِي الرَّأْس كَالْعلمِ أُبْقِي بعد نوره يَا ظَالِم ظلم ألم يقل لَك ألم الضعْف انتبه ألم أَيْن رفيقك ادَّلَجَ وَقد عرفت الْمنْهَج والرحيل قد أزعج وَهَذَا فرس مسرج والبضاعة كلهَا بهرج وَيحك تعاهد قَلْبك فَإِذا رَأَيْته قد مَال إِلَى الْهوى فَاجْعَلْ فِي الْجَانِب الآخر ذكر الْعقَاب ليستقيم فَإِن غلبك الْهوى فاستغث بِصَاحِب الْقلب وَإِن تَأَخَّرت الْإِجَابَة فَابْعَثْ رائد الانكسار خلفهَا تجدني عِنْد المنكسرة قُلُوبهم يَا هَذَا أما علمت أَن اللطف مَعَ الضَّعِيف أَكثر لما كَانَت الدَّجَاجَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 لَا تحنو على الْوَلَد أخرج كاسيا وَلما كَانَت النملة ضَعِيفَة الْبَصَر أعينت بِقُوَّة الشم فبها تَجِد ريح المطعوم من بعيد فتطلب لما كَانَ التمساح مُخْتَلف الْأَسْنَان صَار كلما أكل حصل بَين أَسْنَانه مَا يُؤْذِيه فَيخرج إِلَى شاطئ الْبَحْر فاتحا فَاه طَالبا للراحة فَيَأْتِي طَائِر فينقر مَا بَين أَسْنَانه فَيكون ذَلِك رزقا للطائر وترويحا عَن التمساح هَذِه الْخلد دويبة عمياء قد ألهمت وَقت الْحَاجة إِلَى الْقُوت أَن تفتح فاها فَيسْقط الذُّبَاب فِيهِ فَتَنَاول مِنْهُ هَذِه الأطيار تترنم طول النَّهَار فَيُقَال للضفدع مَا لَك لَا تنطقين فَتَقول مَعَ صَوت الهزار يستبشع صوتي فَيُقَال هَذَا اللَّيْل بحكمك أَنا عِنْد المنكسرة قُلُوبهم لما خلق الْأَخْرَس لَا يقدر على الْكَلَام سلب السّمع لِئَلَّا يسمع مَا يكره وَلَا يُمكنهُ الْجَواب فَكل أخرس أطروش لما تولع الجذام بأظفار أَصْحَابه صَعب عَلَيْهِم الحك فَمنع مِنْهُم الْقمل فَلَيْسَ فِي ثِيَاب المجذومين قملة سُبْحَانَ من هَذَا لطفه سُبْحَانَ من لَا يعْطف عَنَّا عطفه ثكلت خواطر أنست بغيرك عدمت قلبا يحب سواك (لَا أذاق الله عينا أَبْصرت ... غَيْركُمْ ياقوت روحي وسنا) (لَا وَلَا كَانَت قُلُوب سكنت ... عِنْد ذكراكم وَلَا نَالَتْ منى) إلهي أدلنا من نفوسنا الَّتِي هِيَ أقرب أَعْدَائِنَا منا وأعظمهم نكاية فِينَا إلهي تلاعبت خوادع آمالنا بِبَضَائِع أعمارنا فصرنا مفاليس أغارت علينا خُيُول الْهوى فاستأسرتنا بأسرنا وأوثقتنا من أسرنا ورمتنا فِي مطامير طردنا فيا مَالك الْملك إنقذ حبيسنا وخلص أسيرنا وسير أوبتنا من بِلَاد غربتنا كم عدنا مَرِيضا وَمَا عدنا كم رَأينَا الألحاد تبنى وَمَا تبنا كم أبصرنا وَمَا أقصرنا وانتهينا وَمَا انتهينا يَا ملاذ العارفين يَا معَاذ الْخَائِفِينَ خُذ بيد من قد زلت قدم فطنته فِي مزلق فتنته أقِم من قعد بِهِ سوء عمله (كم كم أَشْكُو وَأَيْنَ نفع الشكوى ... قد قل تصبري وَحل الْبلوى) (مَا لي جلد على جفاهم يقوى ... أَهْوى قلقي إِذا جَفا من أَهْوى) يَا من أصلح السَّحَرَة فجعلهم بررة جاؤا يُحَاربُونَ وخلع الصُّلْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 قد خبيت وتيجان الرضى قد رصعت وشراب الْوِصَال يروق فمدوا أَيّدهُم إِلَى مَا اعتصروا من خمر الْهوى فَإِذا بِهِ قد اسْتَحَالَ خلا فافطروا عَلَيْهِ وَاعجَبا لسكارى من شراب الْحبّ عربدت عَلَيْهِم الْمحبَّة فصلبوا فِي جُذُوع النّخل ارْتقى سُلْطَان عزمهم إِلَى سماوات قُلُوبهم {وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا} وَاعجَبا لعزم صلب مَا هاله الصلب لَا تتعرض بِنَار الْمحبَّة إِلَّا أَن يكون لقلبك جلد السمندل أَو صَبر الْفراش يَا هَذَا الاحتراق على قدر الاشتياق لما اشْتَدَّ شوق الْفراش إِلَى النَّار تعجل احتراقه وهجم يَبْتَغِي الْوِصَال فصَال عَلَيْهِ المحبوب (لَاذَ بهم يشتكي جواه ... فَلم يجد فِي الْهوى ملاذا) (وَلم يزل ضارعا إِلَيْهِم ... تهطل أجفانه رذاذا) (فقربوه فحادثوه ... وأتلفوه فَكَانَ مَاذَا) لما علم المحبون أَن الصَّبْر مَحْبُوب شمروا لحمل الْبلَاء ثمَّ حلى لَهُم فعدوه نعْمَة (سقمي فِي الْحبّ عافيتي ... ووجودي فِي الْهوى عدمي) (وَعَذَاب ترتضون بِهِ ... فِي فمي أحلى من النعم) كَانَ الرّبيع بن خَيْثَم يَقُول فِي شدَّة مَرضه مَا أحب أَن الله نقصي مِنْهُ قلامة ظفر (مرض الْحبّ شفائي فِي الْهوى ... كلما أكربني طربني) (فبقائي من فنائي فِيكُم ... وسروري مِنْكُم فِي حزني) (وشربتم بوصال مهجتي ... وَأَنا منتظر للثّمن) (كَيفَ أَرْجُو الْبُرْء من دَاء الْهوى ... وطبيبي فِي الْهوى أَمْرَضَنِي) (وَإِذا الْبلوى أفادت قربكم ... فَمن النعمى دوَام المحن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 أخواني لسنا من رجال الْبلَاء فَسَلمُوا الله الْعَافِيَة يضيق الخناق على الْمُحب وَيمْنَع من التنفس لَئِن قلت آه لأمحونك (الْحبّ يَقُول لَا تشع أسراري ... والدمع يسيل هاتكا أستاري) (فالشوق يزيدني على الْمِقْدَار ... وأناري إِذن من الْهوى وأناري) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 الْفَصْل الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ يَا من أنفاسه عَلَيْهِ مَعْدُودَة وأبواب التقى فِي وَجهه مسدودة وأعماله بالرياء والنفاق مَرْدُودَة غير أَن محبَّة التَّفْرِيط مَعَه مولودة (حياتك أنفاس تعد فَكلما ... مضى نفس مِنْهَا انتقصت بِهِ جُزْءا) (فَتُصْبِح فِي نقص وتمسي بِمثلِهِ ... أمالك مَعْقُول تحس بِهِ رزءا) (يُمِيتك مَا يُحْيِيك فِي كل سَاعَة ... ويحدوك حاد مَا يُرِيد بك الهزءا) كم أسرعت فِيمَا يُؤْذِي دينك ودأبت كم خرقت ثوب إيمانك وَمَا رأبت كم فرقت شعب قَلْبك وَمَا شعبت كم فاتك من خير وَمَا اكتأبت يَا كاسب الْخَطَايَا بئس مَا كسبت جمعت جملَة من حَسَنَاتك ثمَّ اغتبت وحصن دينك ثلمت لما ثلبت وَأَنت الَّذِي بددت مَا حلبت إِن لَاحَ لَك أَخُوك عبته وَإِن لاحى سببته يَا عقرب الْأَذَى كم لدغت كم لسبت تعلم ان مَوْلَاك يراك وَمَا تأدبت تُؤثر مَا يفنى على مَا يبْقى مَا أصبت تصبح تَائِبًا فَإِذا أمسيت كذبت تمشي مَعَ الْيَقِين فَإِذا قاربت انقلبت تعمر مَا لَا يبْقى وَمَا يبْقى خربَتْ تأنس بالدنيا وغرورها وَقد جربت كَأَنَّك بك فِي الْقَبْر تبْكي مَا كسبت لقد حسبت حسابا كثيرا وَهَذَا مَا حسبت يَا وَادي الشيح كَيفَ يُقَال لَو أعشبت يَا هَذَا أَكثر الْأَنْعَام عَلَيْك كف كف فضول الدُّنْيَا عَنْك إِذا رَأَيْت سربال الدُّنْيَا قد تقلص فَاعْلَم أَنه قد لطف بك لِأَن الْمُنعم لم يقلصه عَلَيْك بخلا أَن يتمزق لَكِن رفقا بالماشي أَن يتعثر أحرم عَن الْحَرَام بِنَزْع مخيط الْهوى لَعَلَّ جذب الْقدر يقارن ضعف كسبك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 (إِن الْمَقَادِير إِذا ساعدت ... ألحقت الْعَاجِز بالحازم) يَا تائها فِي فلات الغفلات اعْل بأقدام الذِّهْن نشز الْفِكر تلح لَك الْبَلَد وَيحك تركب الْبحار فِي طلب الدُّنْيَا فَإِذا أمرت بِخَير قلت إِن وفقني أَصمّ الله سمع الْهوى فَمَا يسمع إِلَّا مَا يُرِيد (يَا ملولا كلما ... ثقف بالعذل التوى) (عنتا تطلب فِي ... فالوذج الْهوى نوى) مَا أحسن قَوْلك وَمَا أقبح فعلك كم يشكو حزيران نطقك من كانون عزمك وَيحك بَادر در الأرباح مَا دَامَ ينثر فسينادي عَن قَلِيل {وَيَا سَمَاء أقلعي} أتحسب تَحْصِيل الْمَعَالِي سهلا نيل سُهَيْل أسهل من أدْلج فِي ليل الصَّبْر فَاتَ المكاس يَا من يتعب فِي التَّعَبُّد وَلَا يجد لَهُ لَذَّة أَنْت بعد فِي سَواد الْبَلَد أخرج إِلَى الْبَادِيَة تَجِد نسيم نجد الإعتبار عندنَا بِالْأَعْمَالِ القلبية غلبت حرارات الْخَوْف قلب دَاوُد فَصَارَ كَفه كيرا {وألنا لَهُ الْحَدِيد} وقويت روحانية مُحَمَّد فنبع المَاء من بَين أَصَابِعه (لَوْلَا مدامع عشاق ولوعتهم ... لبان فِي النَّاس عز المَاء وَالنَّار) (فَكل نَار فَمن أنفاسهم قدحت ... وكل مَاء فَمن طرف لَهُم جَار) أَيهَا الْمُصَلِّي طهر سرك قبل الطّهُور وفتش على قَلْبك الضائع قبل الشُّرُوع حُضُور الْقلب أول منزل فَإِذا نزلته انْتَقَلت إِلَى بادية الْعَمَل فَإِذا انْتَقَلت عَنْهَا أنخت بِبَاب المناجى وَأول قرى ضيف الْيَقَظَة كشف الْحجاب لعين الْقلب وَكَيف يطْمع فِي دُخُول مَكَّة مُنْقَطع قبل الْكُوفَة همك فِي الصَّلَاة متشبث وقلبك بمساكنة الْهوى متلوث وَمن كَانَ متلطخا بالأقذار لَا يغلف أَدخل دَار الْخلْوَة لمن تناجي واحضر قَلْبك لفهم مَا تتلو فَفِي خلوات التِّلَاوَة تزف أبكار الْمعَانِي إِذا كَانَت مُشَاهدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 مَخْلُوق يَوْم {اخْرُج عَلَيْهِنَّ} استغرقت إحساس الناظرات {وقطعن أَيْدِيهنَّ} فَكيف بِالْبَابِ علقت فعقلت على الْبَاب (لَهَا بِوَجْهِك نور تستدل بِهِ ... وَمن نوالك فِي أعقابها حاد) (لَهَا أَحَادِيث من ذكراك تشغلها ... عَن الشَّرَاب وتلهيها عَن الزَّاد) لَو أَحْبَبْت المخدوم لحضر قَلْبك فِي الْخدمَة وَيحك هَذَا الْحَدِيد يعشق المغناطيس فَكيف مَا الْتفت الْتفت إِن كنت مَا رَأَيْت هَذَا الْحجر فَانْظُر إِلَى الحرابى تواجه الشَّمْس فَكيف مَالَتْ قابلتها للشريف الرضى (وَإِنِّي إِذا اصطكت رِقَاب مطيكم ... وثور حاد بالرفاق عجول) (أُخَالِف بَين الراحتين على الحشى ... وَانْظُر أَنى ملتم فأميل) قيل لعامر بن عبد قيس أما تسهو فِي صَلَاتك قَالَ أَو حَدِيث أحب إِلَيّ من الْقُرْآن حَتَّى أشتغل بِهِ هَيْهَات مُنَاجَاة الحبيب تستغرق الإحساس كَانَ مُسلم بن يسَار لَا يلْتَفت فِي صلَاته وَلَقَد انْهَدَمت نَاحيَة من الْمَسْجِد فزع لَهَا أهل السُّوق فَمَا الْتفت وَكَانَ إِذا دخل منزله سكت أهل بَيته فَإِذا قَامَ يُصَلِّي تكلمُوا وَضَحِكُوا علما مِنْهُم أَن قلبه مَشْغُول وَكَانَ يَقُول فِي مناجاته إلهي مَتى أَلْقَاك وَأَنت عني راضي (إِذا اشْتغل اللاهون عَنْك بشغلهم ... جعلت اشتغالي فِيك يَا مُنْتَهى شغلي) (فَمن لي بِأَن أَلْقَاك فِي سَاعَة الرِّضَا ... وَمن لي بِأَن ألقاء وَالْكل لي من لي) كَانَ الفضيل يَقُول أفرح بِاللَّيْلِ لمناجاة رَبِّي وأكره النَّهَار للقاء الْخلق (الْمَوْت وَلَا فِرَاق من أهواه ... هذي كَبِدِي تذوب من ذكرَاهُ) (مَا أشوقني لَهُ مَتى أَلْقَاهُ ... مَا مقصودي من المنى إِلَّا هُوَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 كَانَ أَبُو يزِيد يَقُول وددت أَن الله تَعَالَى جعل حِسَاب الْخلق عَليّ قيل لماذا قَالَ لَعَلَّه يَقُول فِي خلال ذَلِك يَا عَبدِي فَأَقُول لبيْك ثمَّ ليصنع بِي مَا شَاءَ (هَل الطّرف يُعْطي نظرة من حَبِيبه ... أم الْقلب يلقى رَوْحَة من وجيبه) (وَهل لليالي عطفة بعد نفرة ... تعود فيلهى نَاظر عَن غروبه) (أحن إِلَى نور اللوى فِي بطاحه ... واظمأ إِلَى ريا اللوى فِي هبوبه) (وَذَاكَ الْحمى يَغْدُو عليلا نسيمه ... ويمسي صَحِيحا مَاؤُهُ فِي قليبة) (هُوَ الشوق مَدْلُول على مقتل الْفَتى ... إِذا لم يعد قلبا بلقيا حَبِيبه) يَا وَاقِفًا فِي صلَاته بجسده وَالْقلب غايب مَا يصلح مَا بذلته من التَّعَبُّد مهْرا للجنة فَكيف ثمنا للجنة رَأَتْ فَأْرَة جملا فأعجبها فجرت خطامه فتبعها فَلَمَّا وصل إِلَى بَاب بَيتهَا وقف ونادى بِلِسَان الْحَال إِمَّا أَن تتخذي دَارا يَلِيق بمحبوبك أَو محبوبا يَلِيق بدارك خُذ من هَذِه إِشَارَة إِمَّا أَن تصلي صَلَاة تلِيق بمعبودك أَو تتَّخذ معبودا يَلِيق بصلاتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 الْفَصْل الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ عجبا لمن رأى فعل الْمَوْت بصحبه ثمَّ ينسى قرب نحبه واستبداله ضيق الْمَكَان بعد رحبه من لم ينتبه بوكزه فسينتبه بسحبه (مَا لبني الدُّنْيَا غدوا ... أهل ضلال وغمه) (بصيرهم من جَهله ... كَأَنَّهُ حلف كمه) (أَنْت مُقيم سَائِر ... فَلَا تقل لم ولمه) (وَلَا تكلم أحدا ... فِي غير بر كَلمه) (فَكل معطى مهل ... أوقاته منصرمه) (وَلَا تدوم للفتى ... شؤونه المنتظمه) (يَأْتِي على الأَرْض مدى ... وَمَا عَلَيْهَا نسمه) (ضَاقَ رحيب الْعُمر عَن ... حاجاتنا المزدحمه) أَيْن الأقران وَأَيْنَ سلكوا تالله لقد فنوا وهلكوا إجتمع الأضداد فِي الالحاد واشتركوا وخانهم حَبل الأمل بَعْدَمَا امتسكوا ونوقشوا على مَا خلفوا وَتركُوا وَصَارَ غَايَة الْأَمَانِي أَن لَو تركُوا تالله لقد سعد من تدبر وَسلم من الْأَذَى من تصبر وَهلك مُؤثر الحرى وَأدبر فكأنكم بالفراق يَا ركاب الْمعبر يَا نَائِما فِي لهوه وَمَا نَام الْحَافِظ لاحظ نور الْهدى فَلَا حَظّ إِلَّا للاحظ وَلَا تغتر بِبرد الْعَيْش فزمان الْحساب قائظ يَا مُدبرا أَمر دُنْيَاهُ ينسى أخراه فَخفف النداء اللافظ وعجائب الدَّهْر تغني عَن وعظ كل واعظ يَا من رَأينَا يَد التَّفْرِيط قد ولعت بِهِ فأتينا للومه ولعتبه أما مصير السّلف نَذِير الْخلف أما مهد الطِّفْل عنوان اللَّحْد يَا من لمع لَهُ سراب الأمل فبدد مَاء الإحتياط أتراك مَا علمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 أَن الْأَمَانِي قمار مد نهر الْهوى وقلبك على الشاطئ فَمر بِهِ صم مسمع الْيَقَظَة فصممت على الزلل أكل الزَّمَان {وهم بهَا} أما تقع فِي يَوْم {فاستعصم} الْوَرع عَن الذُّنُوب يُوجب قُوَّة قلبية قَالَ بعض السّلف إرتكبت صَغِيرَة فَغَضب عَليّ قلبِي فَلم يرجع إِلَيّ إِلَّا بعد سنة أخواني إِطْلَاق الْبَصَر سيف يَقع فِي الضَّارِب (يَا للرِّجَال لنظرة سفكت دَمًا ... ولحادث لم أَلفه مستسلما) (وَأرى السِّهَام تؤم من يَرْمِي بهَا ... فعلام سهم اللحظ يصمي من رمى) الْمُحرمَات حرم وَنظر الْمَمْلُوك إِلَى حرم الْمَالِك من أقبح الْخِيَانَة يَا بني آدم تلمحوا تَأْثِير {وَعصى} لقْمَة أثرت إِن عثرت فعرى المكتسي وَنزل العالي وَبكى الضاحك وَقَامَ المترفه يخْدم نَفسه فَاشْتَدَّ بكاؤه فَنزل جِبْرِيل يسليه فَزَاد بِرُؤْيَتِهِ وجده للشريف الرضى (رأى على الْغَوْر وميضا فاشتاق ... مَا أجلب الْبَرْق لماء الآماق) (مَا للوميض والفؤاد الخفاق ... قد ذاق من بَين الخليط مَا ذاق) (دَاء غرام مَا لَهُ من إفراق ... قد كل آسيه وَقد مل الراق) (قلبِي وطرفي من جوى وإملاق ... فِي غرق مَا يَنْقَضِي وإحراق) (يَا ناق أداك الْمُؤَدِّي يَا ناق ... مَاذَا الْمقَام والفوآد قد تاق) (هَل حَاجَة المأسور إِلَّا الاطلاق ... ) كَانَ آدم كلما عاين الْمَلَائِكَة تصعد إِلَى السَّمَاء وجناحه قد قصّ زَاد قلقه (وأصبحت كالبازي المنتف ريشه ... يرى حسرات كلما طَار طائرا) (يرى خارقات الجويخرقن فِي الْهوى ... فيذكر ريشا من جناحيه وافرا) (وَقد كَانَ دهرا فِي الرياض منعما ... على كل مَا يهوى من الصَّيْد قَادِرًا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 (إِلَى أَن أَصَابَته من الدَّهْر نكبة ... فَأصْبح مقصوص الجناحين حاسرا) أعظم البلايا تردد الركب إِلَى بلد الحبيب يودعون عِنْد فراقهم الزَّمن (وَلم يبْق عِنْدِي للهوى غير أنني ... إِذا الركب مروا بِي على الدَّار أشهق) (كَانَت الْمَلَائِكَة إِذا نزلت إِلَيْهِ استنشق ريح الْوِصَال من ثِيَاب الواصلين وتعرف أَخْبَار الديار من نسمات القاصدين (خبراني عَن العقيق خَبِيرا ... أَنْتُمَا بالعقيق أحدث عهدا) يَا ناقضي العهود دوموا على الْبكاء فَمن أشبه أَبَاهُ فَمَا ظلم كَانَت عابدة من أحسن النِّسَاء عينا فَأخذت فِي الْبكاء فَقيل لَهَا تذْهب عَيْنَاك فَقَالَت إِن يكن لي عِنْد الله خير فسيبدلني خيرا مِنْهُمَا وَإِن تكن الْأُخْرَى فوَاللَّه لَا أَحْزَن عَلَيْهِمَا للمتنبي (قد علم الْبَين منا الْبَين أجفانا ... تدمى وَألف فِي ذَا الْقلب أحزانا) (قد كنت أشْفق من دمعي على بَصرِي ... فاليوم كل عَزِيز بعدكم هانا) (تهدي البوارق أخلاف الْمِيَاه لكم ... وللمحب من التذْكَار نيرانا) من سعى إِلَى جناب الْعِزّ بأقدام المسكنة ووقف بِبَاب الْكَرم على أَخْمص المسئلة وَوصف ندمه على الذَّنب بِعِبَارَة الذل لم يعد بالخيبة (ملكتم قلبِي فَمَا ... لي عَنْكُم منصرف) (فودكم مِنْهُ مَكَان ... كَبِدِي أَو الطف) (فَلَا بَرى وجدي بكم ... وَلَا أَفَاق الشغف) (لست وَإِن أعرضتم ... ايأس من أَن تعطفوا) (وصبر يَعْقُوب معي ... حَتَّى يعود يُوسُف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 يَا معاشر المذنبين إسمعوا وصيتي إِذا قُمْتُم من الْمجْلس فادخلوا دَار الْخلْوَة وشاوروا نصيح الذّكر وحاسبوا شريك الْخِيَانَة وتلمحوا تَفْرِيط التواني فِي بضَاعَة الْعُمر وَيَكْفِي مَا قد مضى فليحذر الْأَعْوَر الْحجر إِذا نقى خاطر الْمُذكر من ذل هوى وصفى معِين معنى كَلَامه من كدر طمع إنكشف الغشاء عَن عينه فَرَأى بالفطنة مَوضِع قطنة مرهم الْعَافِيَة فربى حشائش الحكم وَركب فِيهَا معاجين الشِّفَاء ففتحت سدد الكسل واستفرغت أخلاط الشواغل فَأَما مجتلب الدُّنْيَا بنطقه فَإِنَّهُ كلما حفر قليب قلبه فأمعن لاستنباط معنى طم الطمع إِذا صدر الْعلم من عَامل بِهِ كَانَ كالعربية ينْطق بهَا البدوي وَأحلى أَبْيَات الشّعْر مَا خرج عَن أَبْيَات الشّعْر جمعت بَين الْكتاب وَالسّنة ففتحا لي هَذِه المغاني فَهِيَ تنادي السامعين ولدت من نِكَاح لَا من سفاح وَمن جمع بَين الْجَهْل والبدعة هذى الهذيان فَكَلَامه فِي مرتبَة ابْن زَانِيَة إِذا فتحت الوردة عينهَا رَأَتْ الشوك حولهَا فَلتَصْبِر على مجاورته قَلِيلا فوحدها تجتني وَتقبل وَاعجَبا لألفاظي وعملها بَطل السحر عِنْدهَا كل الْمَذْكُورين رجالة وَأَنا فَارس اخْرُج إِلَى الْمعَانِي فِي كمين فأصيدها لَا بأحبولة إِذا حضرت ملكت الْعُيُون وَإِذا غبت استرهنت الْقُلُوب للمهيار (طرف نجدية وظرف عراقي ... أَي كاس يديرها أَي سَاق) (سنحت والقلوب مُطلقَة ترعى ... وثابت وَكلهَا فِي وثاق) (لم تزل تخدع الْعُيُون إِلَى أَن ... علقت دمعة على كل مآق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 الْفَصْل الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ أخواني أعجب الْعَجَائِب أَن النقاد يخَافُونَ دُخُول البهرج فِي أَمْوَالهم والمبهرج آمن هَذَا الصّديق يمسك لِسَانه وَيَقُول هَذَا الَّذِي أوردني الْمَوَارِد وَهَذَا عمر يَقُول يَا حُذَيْفَة هَل أَنا مِنْهُم والمخلط على بِسَاط الْأَمْن (الناسكون يحاذرون ... وَمَا بسيئة ألموا) (وَكَانُوا إِذا راموا كلَاما ... مُطلقًا خطموا وزموا) (إِن قيلت الْفَحْشَاء أَو ... ظَهرت عموا عَنْهَا وصموا) (فَمَضَوْا وَجَاء معاشر ... بالمنكرات طموا وطموا) (ففم لطعم فاغر ... وَيَد على مَال تضم) (عدلوا عَن الْحسن الْجَمِيل ... وللخنا عَمدُوا وأموا) (وَإِذا هم أعيتهم ... شنعاؤهم كذبُوا وأموا) (فالصدر يغلي بالهواجس ... مثل مَا يغلي المحم) لله در أَقوام شغلهمْ حب مَوْلَاهُم عَن لذات دنياهم اسْمَع حَدِيثهمْ إِن كنت مَا تراهم خوفهم قد أزعج وأقلق وحذرهم قد أتلف وأحرق وحادى جدهم مجد لَا يترفق كلما رأى طول الطَّرِيق نَص وأعنق وَكَيف يحسن الفتور وأوقات السَّلامَة تسرق دموعهم فِي أَنهَار الخدود تجْرِي وتتدفق يشتاقون إِلَى الحبيب والحبيب إِلَيْهِم أشوق يَا حسنهم فِي الدجى ونورهم قد أشرق وَالْحيَاء فائض وَالرَّأْس قد أطرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 والأسير يتلظى ويترجى أَن يعْتق إِذا جَاءَ اللَّيْل تغالب النّوم والسهر وَالْخَوْف والشوق فِي مقدم عَسْكَر الْيَقَظَة والكسل والتواني فِي كَتِيبَة الْغَفْلَة فَإِذا حمل الصَّبْر حمل على الْقيام فانهزمت جنود الفتور فَمَا يطلع الْفجْر إِلَّا وَقد قسمت السهْمَان سفر اللَّيْل لَا يطيقه إِلَّا مُضْمر المجاعة النجائب فِي الأول وحاملات الزَّاد فِي الْأَخير قَامَ المتهجدون على أَقْدَام الْجد تَحت ستر الدجى يَبْكُونَ على زمَان ضَاعَ فِي غير الْوِصَال (سقوا بمياه أَعينهم ... هُنَاكَ الضال والرندا) (يَا نِفَاس كبرق فِي ... أَنِين يشبه الرعدا) إِن نَامُوا توسدوا أَذْرع الهمم وَإِن قَامُوا فعلى أَقْدَام القلق لما امْتَلَأت أسماعهم بمعاتبة كذب من ادّعى محبتي فَإِذا جنه اللَّيْل نَام عني حَلَفت أجفانهم على جفَاء النّوم (إِن كَانَ رضاكم فِي سهري ... فسلام الله على وسني) مَا زَالَت مطايا السهر تذرع بيد الدجى وعيون آمالها لَا ترى إِلَّا الْمنزل وحادي الْعَزْم يَقُول فِي إنشاده يَا رجال اللَّيْل جدوا إِلَى أَن نم النسيم بِالْفَجْرِ فَقَامَ الصَّارِخ ينعي الظلام فَلَمَّا هم اللَّيْل بالرحيل تشبثوا بذيل السحر (فاستوقف العيس لي فَإِن عَليّ ... خلب فُؤَادِي تشد أرحلها) (إِن دثرت دارها فَمَا دثرت ... منَازِل فِي الْقُلُوب تنزلها) قَالَ عَليّ بن بكار مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة مَا أحزنني إِلَّا طُلُوع الْفجْر لَو قُمْت فِي السحر لرأيت طَرِيق الْعباد قد غص بالزحام لَو وَردت مَاء مَدين وجدت عَلَيْهِ أمة من النَّاس يسقون (بانوا وخلفت أبْكِي فِي دِيَارهمْ ... قل للديار سقاك الرَّائِح الغادي) (وَقل لأظعانهم حييت من ظعن ... وَقل لواديهم حييت من وَاد) يَا بَعيدا عَنْهُم يَا من لَيْسَ مِنْهُم أَلَك نِيَّة فِي لحاقهم أَسْرج كميتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 واجرر زمامك يقف بك على المرعى يَا من يستهول أَحْوَال الْقَوْم تنقل فِي المراقي تعل قَالَ أَبُو زيد مَا زلت أسوق نَفسِي إِلَى الله وَهِي تبْكي حَتَّى سقتها وَهِي تضحك للمتنبي (مَا زلت أضْحك إبلي كلما نظرت ... إِلَى من اختضبت اخفافها بِدَم) (من اقْتضى بسوي الْهِنْدِيّ حَاجته ... أجَاب كل سُؤال عَن هَل بلم) قَالَ أَبُو زيد كنت إثنتي عشرَة سنة حداد نَفسِي وَخمسين سنة مرْآة قلبِي وَلَقَد أَحْبَبْت الله حَتَّى أبغضت نَفسِي للخفاجي (ثورها ناشطة عقالها ... قد مَلَأت من بدنهَا جلالها) (فَلم تزل أشواقه تسوقها ... حَتَّى رمت من الوجي رِحَالهَا) (مَاذَا على النَّاقة من غَرَامَة ... لَو أَنه أنصف أَو رثى لَهَا) (أَرَادَ أَن تشرب مَاء حاجر ... أريها تطلب أم كلالها) (إِن لَهَا على الْقُلُوب ذمَّة ... لِأَنَّهَا قد عرفت بلبالها) (كَانَت لَهَا على الصِّبَا تَحِيَّة ... أعجلها السَّائِق أَن تنالها) (وامتدت الفلاة دون خطوها ... كَأَنَّهَا قد كرهت زَوَالهَا) (فعللوها بِحَدِيث حاجر ... ولتصنع الفلاة مَا بدا لَهَا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 الْفَصْل الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ أخواني دنا رحيلكم وَقد بَان سبيلكم وسيهجركم خليلكم وَقد نصحكم دليلكم (يَا مقيمين ارحلوا للذهاب ... بشفير الْقُبُور حط الركاب) (نعموا الْأَوْجه الحسان ... فَمَا صونكموها إِلَّا لعفر التُّرَاب) (وَالْبَسُوا ناعم الثِّيَاب فَفِي ... الحفرة تعرون عَن جَمِيع الثِّيَاب) (قد نعتك الْأَيَّام نعيا صَحِيحا ... بِفِرَاق الأخوان وَالْأَصْحَاب) تذكر يَا من جنى ركُوب الْجِنَازَة وتصور مَا من مأوى فِي طول الْمَفَازَة ودع الدُّنْيَا مودعا للحلاوة والمزازة أَرقم من قَلْبك ذكر الْجَزَاء على جزازة كم ظَالِم تعدى وجار فَمَا رعى الْأَهْل وَلَا الْجَار حل بِهِ الْمَوْت فَحل الأزرار وَأدبر عَن الْأَوَامِر فأحاط بِهِ الأدبار وَدَار عَلَيْهِ بالدوائر فَأخْرجهُ من الدَّار وخلا بِعَمَلِهِ ثَانِي إثنين وَلَكِن لَا فِي الْغَار فانتبهوا فَإِنَّمَا هِيَ جنَّة أَو نَار (تعلّقت بآمال ... طوال أَي آمال) (واقبلت على الدُّنْيَا ... ملحا أَي إقبال) (فيا هَذَا تجْهر لفراق ... الْأَهْل وَالْمَال) (فَلَا بُد من الْمَوْت ... على حَال من الْحَال) يَا من يحدثه الأمل فيستمع ويخوفه الْأَجَل فَلَا يرتدع وصل الصالحون إِلَى المنى يَا مُنْقَطع وجوزوا على صبرهم أَي وَالله لم يضع تلمح العواقب فتلمحها لِلْعَقْلِ وضع كَأَنَّهُ مَا جَاع قطّ من شبع إِذا تلاقحت غروس المجاهدة تلاحقت ثمار المدائح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 (أَفْلح قوم إِذا دعوا وَثبُوا ... لَا يحسبون الأخطار إِن ركبُوا) (سارون لَا يسْأَلُون مَا فعل ... الْفجْر وَلَا كَيفَ مَالَتْ الشهب) (عودهم هجرهم مُطَالبَة ... الرَّاحَة أَن يظفروا بِمَا طلبُوا) اشراف الأوصال أَوْصَاف الْأَشْرَاف سَادَات الْعَادَات عادات عادات السادات أَحْرَار الشيم شيم الْأَحْرَار أقدموا على الْفَضَائِل وتأخرت وَقدمُوا الأهم وأخرت الشجاع يلبس الْقلب على الدرْع والجبان يلبس الدرْع على الْقلب للمتنبي (وتكاد الظبا لما عودوها ... تنتضي نَفسهَا إِلَى الْأَعْنَاق) (وَإِذا أشْفق الفوارس من وَقع ... القنا أشفقوا من الإشفاق) (ومعال لَو ادَّعَاهَا سواهُم ... لَزِمته جِنَايَة السراق) لوح للْقَوْم فَأَجَابُوا وَكرر الصياح بك وَمَا تلْتَفت إِذا سمعُوا موعظة غرست فِي قُلُوبهم نخيل العزائم ونبات عزمك عِنْد الزواجر كنبات الكشوثا كم بَين ثَالِثَة الأثافي وسادسة الْأَصَابِع بِعْ باعا من عيشك بفتر من حياتهم لَو صدق عزمك قذفتك ديار الكسل إِلَى بيداء الطّلب كَانَ سلمَان أعجميا فَلَمَّا سمع بِنَبِي عَرَبِيّ صَار بدوي الْقلب للمهيار (وَلَقَد أحن إِلَى زرود وطينتي ... من غير مَا فطرت عَلَيْهِ زرود) (ويشوقني عجف الْحجاز وَقد ضفا ... ريف الْعرَاق وظله الْمَمْدُود) (ويطرب الشادي وَلَيْسَ يهزني ... وينال مني السَّائِق الغريد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 أَيْن وصفك من هَذِه الْأَوْصَاف أَيْن شَجَرَة الزَّيْتُون من شجر الصفصاف صعد الْقَوْم وَنزلت وجدوا فِي الْجد وهزلت (شم العرانين فِي أنافهم أنف ... من الْقَبِيح وَفِي أَعْنَاقهم صيد) (إِن تلقهم تلق مِنْهُم فِي مجَالِسهمْ ... قوما إِذا سئلوا جادوا بِمَا وجدوا) (نالوا السَّمَاء وحطوا من نُفُوسهم ... إِن الْكِرَام إِذا انحطوا فقد صعدوا) إِن بَيْنك وَبَين الْقَوْم كَمَا بَين الْيَقَظَة وَالنَّوْم أَيْن مسك من حماة ونجور من بخار وصفوة من قذى دخلُوا على عَابِد فَقَالُوا لَهُ لَو رفقت بِنَفْسِك فَقَالَ من الرِّفْق أتيت إسمع يَا كسلان كَانُوا فِي طلب العلى يجتهدون وَلَا يرضون بِدُونِ على أَنهم يعانون فِيمَا يعانون الْقَوْم مَعَ الْحق حاضرون عَن الْخلق غائبون فَقولُوا لعاذليهم لمن تعذلون للمهيار (كثر فِيك اللوم ... فَأَيْنَ سَمْعِي مِنْهُم) (قلبِي واللوم عَلَيْك ... منجد ومتهم) (قَالُوا سهرت والعيون ... الساهرات نوم) (وَلَيْسَ من جسمك ... إِلَّا جلدَة وَأعظم) (وَمَا عَلَيْهِم سهري ... وَلَا رقادي لَهُم) (وَهل سمات الْحبّ ... إِلَّا سهر وسقم) (خُذ أَنْت فِي شَأْنك ... يَا دمعي وخل عَنْهُم) كَانَ بشر لَا ينَام اللَّيْل وَيَقُول أَخَاف أَن يَأْتِي أَمر وَأَنا نَائِم (رقد السمار وارقه ... هم للبين يرذده) (فبكاه النَّجْم ورق لَهُ ... مِمَّا يرعاه ويرصده) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 (وَغدا يقْضِي أَو بعد غَد ... هَل من نظر يتزوده) (يهوى المشتاق لقاءكم ... وصروف الدَّهْر تقيده) بَقِي بشر خمسين سنة يَشْتَهِي شَهْوَة فَمَا صفا لَهُ دِرْهَم وبضائع أعماركم كلهَا منفقة فِي الشَّهَوَات من الشُّبُهَات أَبْشِرُوا بطول الْمَرَض يَا مخلطين (واويلاه من ضيَاع كل الْعُمر ... قد مر جَمِيعه بمر الهجر) (ضَاعَت حيلي وضل عني صبري ... يَا قوم عجزت من تلافي أَمْرِي) (يَا من فاتوه وتخلف بل ثراهم من دمع الأسف ... ) (دع شَأْن عَيْنك يَا حَزِين وشأنها ... وضع الْيَدَيْنِ على الحشا وتململ) (هَذَا وَإِن فراقهم ولقل مَا ... يُغني وقوفك سَاعَة فِي الْمنزل) جز بنادي الْمحبَّة وناد بالقوم تراهم كالفراش تَحت النيرَان للشريف الرضى (يَا دَار من قتل الْهوى بعدِي ... وجدوا وَلَا مثل الَّذِي عِنْدِي) (لَو حركت ذَاك الرماد يَد ... لرأت بقايا الْجَمْر والوقد) تشتد عَلَيْهِم نَار الْخَوْف فيشرفون على التّلف لَوْلَا نسيم بذكراهم يروحني ينبسطون انبساط الْمُحب ثمَّ ينقبضون انقباض الْخَائِف هَذَا اللينوفر ينشر أَجْنِحَة الطَّرب فِي الدجى فَإِذا أحس بِالْفَجْرِ جمع نَفسه واستحى من فارط فَإِذا طلعت الشَّمْس نكس رَأسه فِي المَاء خجلا من انبساطه (أباسطه على جزع ... كشرب الطَّائِر الْفَزع) (رأى ماءا فاطمعه ... وَخَافَ عواقب الطمع) (فصادف فرْصَة فَدَنَا ... وَلم يلتذ بالجرع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 كلما جَاءَ كَلَامي صعد كلما زَادَت الْوقُود فاحت ريح الْعود أفيكم مستنشق أَو كلكُمْ مزكوم إِنِّي لآجد نفس الرَّحْمَن من قبل الْيمن باح مَجْنُون عَامر بهواه (وَمَا بحت حَتَّى أستنطق الشوق أدمعي ... واذكرني عهد الْحمى المتقادم) أتجدوني يَا أخواني مَا أجد من ريح النسيم (أَلا يَا نسيم الرّيح مَالك كلما ... تجاوزت ميلًا زَاد نشْرك طيبا) (أَظن سليمى خبرت بسقامنا ... فأعطتك رياها فَجئْت طَبِيبا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الْفَصْل الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ يَا من كل يَوْم يقدم إِلَى الْقَبْر فارط لَا تغتر بالسلامة فَرُبمَا قبض الباسط إنهض للنجاة بقلب حَاضر وجأش رابط قبل أَن يلقيك على بِسَاط الْعَجز خابط وَنَفس النَّفس تخرج من سم إبرة خائط (قل للمؤمل أَن الْمَوْت فِي أثرك ... وَلَيْسَ يخفى عَلَيْك الْأَمر من نظرك) (فِيمَن مضى لَك إِن فَكرت مُعْتَبر ... وَمن يمت كل يَوْم فَهُوَ من نذرك) (دَار تُسَافِر عَنْهَا من غَد سفرا ... فَلَا تؤب إِذا سَافَرت من سفرك) (تضحي غَدا سمرا لِلذَّاكِرِينَ كَمَا ... صَار الَّذين مضوا بالْأَمْس من سمرك) إخل بِنَفْسِك فِي دَار المعاتبة واحضرها دستور المحاسبة وارفع عَلَيْهَا سَوط المعاقبة وَإِن لم تفعل خسرت فِي الْعَاقِبَة (خلقت جسما ثريا ثمَّ زرت ثرى ... فصرت خطا وطالت مُدَّة فمحى) (قف بالمنازل من عَاد وَغَيرهم ... فَمَا ترى ثمَّ من شخص وَلَا شبح) (كل مجازى بِمَا اسداه من حسن ... وسيء فاهجر السوء آتٍ وانتزح) لقد وعظك أمس وَالْيَوْم وَأَنت من سنة إِلَى نوم أَيْن العشائر أَيْن الْقَوْم إشتراهم البلى بِلَا سوم لَا فطر عِنْدهم وَلَا صَوْم بلَى بلابل العتاب واللوم هَذَا رشاش الموج ينذر بالعوم ويخبر بالحادثات أشمامها وَالروم (إغتنم صفو اللَّيَالِي ... إِنَّمَا الْعَيْش اختلاس) (تلبس الدَّهْر وَلَكِن ... مُتْعَة ذَاك اللبَاس) يَا جَامع الحطام وَلَا يدْرِي مَا جنى كلما نقض الْوَاعِظ أصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 من حرصك بِنَا بَادر الْفَوْت فَإِن الْمَوْت قد دنا هَذَا بشير الْقبُول إياك عني النثار كثير فَمَا هَذَا الْوُقُوف والونى أمدد يَد الصدْق وَقد نلْت المنى هَذِه الْخيف وهاتيك منى أما تهزك هَذِه المواعظ أَيهَا المهزوز أما يوقظك الصَّرِيح وَلَا المرموز أما كل وَقت عود الْهَلَاك مغموز أما كل سَاعَة غُصْن مَقْطُوع ومحزوز أما تراهم بَين مَدْفُوع وموكوز كل أفعالك إِذا تَأَمَّلت مَا لَا يجوز أَيْن أَرْبَاب الْقُصُور أَيْن أَصْحَاب الْكُنُوز هلك الْقَوْم وَضاع المكنوز وحيز فِي حُفْرَة البلى من كَانَ لِلْمَالِ يحوز بَينا تغرهم الإناءة وَقعت النواة فِي الْكوز أَيْن كسْرَى أَيْن قصير أَيْن فَيْرُوز عروا عَن الأكفان وَمَا كَانُوا يرضون الخزوز وأبرز الْمَوْت أوجها عز عَلَيْهَا البروز وساوى بَين الْعَرَب والعجم والنبط والخوز وَنسخ بحسرات الرحيل لذات النيروز وكشف لَهُم نقاب الدُّنْيَا فَإِذا المعشوقة عَجُوز مَا رضيت إِلَّا قَتلهمْ وَكم تدللت بالنشوز لقد أذاقتهم برد كانون الأول فأذاهم فِي تموز وَإِنَّمَا قصدت غرورهم لتقتلهم فِي كالوز وَاعجَبا بَحر الْوُجُود قد جمع الْفُنُون الْعلمَاء جوهره والعباد عنبره والتجار حيتانه والأشرار تماسيحه والجهال على رَأسه كالزبد فيا من يجْرِي بِهِ على هَوَاهُ وَهُوَ عَلَيْهِ كالقفيا قف يَا قفيا كم تحضر مَجْلِسا وَكم تَتَرَدَّد وَكم تخوف عُقبى الذُّنُوب وَكم تهدد يَا من لَا يلين لواعظ وَإِن شدد يَا راحلا عَن قريب مَا عَلَيْهَا مخلد تلمح قبرك لَا قصرك المشيد وَتعلم أَن الْمُطلق إِذا شَاءَ قيد أَتَرَى تقع فِي شركي فَإِنِّي جِئْت أتصيد يَا من يسْأَل عَن مَرَاتِب الصَّالِحين مَالك وَلها تساوم فِي رَاحِلَة وَمَا تملك ثمن نعل تجمع من جَوَانِب الحافات خبازى وتريد أَن تطعم أَخْضَر تطلب سَهْما من الْغَنِيمَة وَمَا رَأَيْت الْحَرْب بِعَيْنِك (يحاول نيل الْمجد وَالسيف مغمد ... ويأمل إِدْرَاك العلى وَهُوَ نَائِم) البلايا تظهر جَوَاهِر الرِّجَال وَمَا أسْرع مَا يفتضح الْمُدَّعِي (تنام عَيْنَاك وتشكو الْهوى ... لَو كنت صبا لم تكن نَائِما) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 رأى فَقير فِي طَرِيق مَكَّة امْرَأَة فتبعها فَقَالَت مَالك فَقَالَ قد سلب حبك قلبِي قَالَت فَلَو رَأَيْت أُخْتِي فَالْتَفت فَلم ير أحدا فَقَالَت أَيهَا الْكَاذِب فِي دَعْوَاهُ لَو صدقت مَا الْتفت (وَالله لَو علمت روحي بِمن علقت ... قَامَت على رَأسهَا فضلا عَن الْقدَم) إِذا كنت تشتغل الْيَوْم عَنَّا بسوداء فَكيف تذكرنا إِذا أعطيناك الْحور يَا مؤثرا مَا يفنى على مَا يبْقى هَذَا رأى طبعك هلا استشرت عقلك لتسمع أصح النصائح من كَانَ دَلِيله البوم كَانَ مَأْوَاه الخراب وَيحك إعزم على مَجْنُون هَوَاك بعزيمة فَرب شَيْطَان هاب الذّكر تلمح غب الْخَطَايَا لَعَلَّه يكف الْكَفّ لَا تحتقرن يسير الطَّاعَات فالذود إِلَى الذود إبل وَرُبمَا احتبج إِلَى عُوَيْد منبوذ لَا تحتقرن يسير الذَّنب فَإِن العشب الضَّعِيف يفتل مِنْهُ الْحَبل الْقوي فيختنق بِهِ الْجمل المغتلم أَو مَا نفذت فِي سدسبا حِيلَة جرد من عرف شرف الْحَيَاة اغتنمها من علم أرباح الطَّاعَات لَزِمَهَا الْعُمر ثوب مَا كف والأنفاس تستل الطاقات كم قد غرقت فِي سيف سَوف سفينة نفس يَا هَذَا أَنْت أجِير وَعَلَيْك عمل فَإِذا انْقَضى الشّغل فألبس ثِيَاب الرَّاحَة قَالَ رجل لعامر بن عبد قيس كلمني فَقَالَ أمسك الشَّمْس دخلُوا على الْجُنَيْد عِنْد الْمَوْت وَهُوَ يُصَلِّي فَقيل لَهُ فِي هَذَا الْوَقْت فَقَالَ الْآن تطوى صحيفتي (حَشْوًا المطى فَهَذِهِ نجد ... بلغ المدى وَتجَاوز الْحَد) (يَا حبذا نجد وساكنه ... لَو كَانَ ينفع حبذا نجد) يَا ديار الأحباب أَيْن السكان يَا منَازِل العارفين أَيْن الْقطَّان يَا أطلال الوجد أَيْن أَيْن الْبُنيان (تعاهدتك العهاد يَا طلل ... خبر عَن الظاعنين مَا فعلوا) (فَقَالَ أَلا اتبعتهم أبدا ... إِن نزلُوا منزلا وَإِن رحلوا) (تركت أَيدي النَّوَى تقودهم ... وجئتني عَن حَدِيثهمْ تسل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 رَحل الْقَوْم يَا متخلف وسبقوك بالعزائم يَا مسوف فقف على الْآثَار وقُوف متلهف وَصَحَّ بالدمع سر يَا مُتَوَقف للشريف الرضى (يَا قلب جدد كمدا ... فموعد الْبَين غَدا) (لم أر فرقا بعدهمْ ... بَين الْفِرَاق والردى) (يَا زفرَة هيجها ... حاد من الْغَوْر حدا) (أرعى الحمول نَاظرا ... أَو ألزم الْقلب يدا) (وَأطْرد الطّرف على ... أثارهم مَا انطردا) (مذ أوقدوا بأضلعي ... حر الجوى مَا بردا) (ومذ إِذا أَبَوا مَاء عَيْني ... للأسى مَا جمدا) (كنت أداوي كَبِدِي ... لَو تركُوا لي كبدا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 الْفَصْل السَّادِس وَالثَّمَانُونَ أخواني المفروح بِهِ من الدُّنْيَا هُوَ المحزون عَلَيْهِ وبقدر الإلتذاذ يكون التأسف وَمن فعل مَا شَاءَ لَقِي مَا سَاءَ (مَال مَا كَانَ المنى مَا آلما ... صَار مَا أوصلته قد صَارِمًا) (بَيْنَمَا أضْحك مَسْرُورا بِهِ ... سَالَ مَاء الْعين إِذا مَا سالما) الدُّنْيَا فلاة فَلَا تأمن الفلا بل تَيَقّن أَنَّهَا مارستان بِلَا وَلَا تسكن إِلَيْهَا وَإِن أظهرت لَك الولا على أَنَّهَا تخْفض من علا فَلْينْظر الْإِنْسَان يمنة فَهَل يرى إِلَّا محنة ثمَّ ليعطف بسره فَهَل يرى إِلَّا حسرة أما الرّبع العامر فقد درس وَأما أَسد الْمَمَات ففرس وَأما الرَّاكِب فكبت بِهِ الْفرس وَأما الفصيح فاستبدل الخرس وَأما الْحَكِيم فَمَا نَفعه إِن احترس سَارُوا فِي ظلام ظلمهم مَا عِنْدهم قبس ووقفت سفينة نجاتهم لِأَن الْبَحْر يبس وانقلبت دوَل النُّفُوس كلهَا فِي نفس وَجَاء مُنكر بآخر نبأ وَنَكِير بِأول عبس أَفلا يقوم لنجاته من طَال مَا جلس آه لنَفس رفلت من الْغَفْلَة فِي أثوابها فثوى بهَا الْأَمر إِلَى عدم ثَوَابهَا آه لعيون أغشاها الأمل فسرى بهَا إِلَى سرابها آه لقلوب قَلبهَا الْهوى عَن الْقُرْآن إِلَى أَرْبَابهَا فربا بهَا آه لمرضى علم الطَّبِيب قدر مَا بهَا وَقد رمى بهَا لأبي الْعَتَاهِيَة (يَا نفس مَا هُوَ إِلَّا صَبر أَيَّام ... كَأَن مدَّتهَا أضغاث أَحْلَام) (يَا نفس جوزي عَن الدُّنْيَا مبادرة ... وخل عَنْهَا فَإِن الْعَيْش قدامي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 (يَا مغرورين بِحَبَّة الفخ ناسين خنق الشّرك تَذكرُوا فَوَات الْمُلْتَقط مَعَ حُصُول الذّبْح {فَلَا تغرنكم الْحَيَاة الدُّنْيَا} الحذر الحذر من صياد يسْبق الطير إِلَى مهابطه بفخاخ مُخْتَلفَة الْحِيَل قدرُوا أَنكُمْ لَا ترَوْنَ خيط فخه أما تشاهدون ذبائحه فِي خيط {كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة} للشريف الرضى (يَا قلب كَيفَ علقت فِي اشراكهم ... وَلَقَد عهدتك تفلت الأشراكا) (لَا تشكون إِلَى وجدا بعْدهَا ... هَذَا الَّذِي جرت عَلَيْك يداكا) أَلا يصبر طَائِر الْهوى عَن حَبَّة مَجْهُولَة الْعَاقِبَة وَإِنَّمَا هِيَ سَاعَة ويصل إِلَى برج أَمنه وَفِيه حبات (فَإِن حننت للحمى وطيبه ... فبالغضا مَاء وروضات أخر) وَاعجَبا أَن يكون حَامِل الْكتاب من الطير أقوى عَزِيمَة مِنْك لَعَلَّ وضعك على غير الإعتدال الْخلق يدل على الْخلق لَا تكون الرّوح الصافية إِلَّا فِي بدن معتدل وَلَا الهمة الوافية إِلَّا لنَفس نفيسة لَا يصلح لحمل الرسائل إِلَّا الطير الْأَخْضَر أَو الأنمر لِأَنَّهُ إِذا كَانَ أَبيض كَانَ كالغلام الصقلاني والصقلاني فطير خام لم ينضج فِي مَحل الْحمل وَإِذا كَانَ الطَّائِر أسود دلّ على مُجَاوزَة حد النضج إِلَى الإحتراق فَإِن اعتدل اللَّوْن دلّ على نفاسة النَّفس وَشرف الهمة فَحِينَئِذٍ يعرف الطَّائِر سر الْجنَاح فَيَقُول بِلِسَان الْحَال عرفوني الطَّرِيق بتدريج ثمَّ حملوني مَا شِئْتُم فَإِذا أدرج فَعرف حمل فَحمل فصابر الغربة ولازم بطُون الأودية وَسَار مَعَ الْفُرَات أَو دجلة فَإِن خفيت الطَّرِيق تنسم الرِّيَاح وتلمح قرص الشَّمْس وتراه مَعَ شدَّة جوعه يحذر الْحبّ الْملقى خوفًا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 دفينة فخ يُوجب تعرقل الْجنَاح وتضييع الْمَحْمُول فَإِذا بلغ الرسَالَة أطلق نَفسه فِي أغراضها دَاخل البرج فيا حاملي كتب الْأَمَانَة إِلَى عبادان العَبْد أَكْثَرَكُم على غير الجادة وَمَا يسْتَدلّ مِنْكُم من قد راقه حب حب فَنزل نَاسِيا مَا حمل فارتهن بفخ قد نفخ فذبح ومنكم من بَان لتعرقل جنَاحه وَمَا قَصده الذَّابِح بعد فَلَا الْحبَّة حصلت وَلَا الرسَالَة وصلت (قطاة غرها شرك فباتت ... تجاذبه وَقد علق الْجنَاح) (فَلَا فِي اغيل نَالَتْ مَا تمنت ... وَلَا فِي الصَّباح كَانَ لَهَا براح) لَو صابرتم مشقة الطَّرِيق لَا نتهى السّفر فتوطنتم مستريحين فِي جنَّات عدن فيا مهملين النّظر فِي العواقب سلفوا وَقت الرُّخص فَمَا يُؤمن تغير السّعر سلسلوا سِبَاع الألسن فَإِن انْحَلَّت افترستكم لَا ترموا بأسهم الْعُيُون ففيكم تقع رب راعي مقلة أهملها فأغير على السَّرْح من رأى الْحَقَائِق رأى عين غض طرفه عَن الدَّاريْنِ لَو حضرتم حَضْرَة الْقُدس لعقبتم بنشر الْأنس (اطْلُبُوا لأنفسكم ... مثل مَا وجدت أَنا) (قد وجدت لي سكنا ... لَيْسَ فِي هَوَاهُ عَنَّا) (إِن بَعدت قربني ... أَو قربت مِنْهُ دنا) يَا هَذَا أعرف قدر لطفنا بك وحفظنا لَك إِنَّمَا نهيناك عَن الْمعاصِي صِيَانة لَك لَا لحاجتنا إِلَى امتناعك لما عرفتنا بِالْعقلِ حرمنا الْخمر لِأَنَّهَا تستره وَمثل يُوسُف لَا يخبأ يَا متناولا للمسكر لَا تفعل يَكْفِيك سكر جهلك فَلَا تجمع بَين خليطين اجْعَل مراقبتك لمن لَا تغيب عَنهُ وشكرك لمن تعنيك نعمه وطاعتك لمن لَا ترجو خيرا إِلَّا مِنْهُ وبكائك على قدر مَا فاتك مِنْهُ وارفع إِلَيْهِ يَد الذل فِي طلب حوائج الْقلب تَأتي وَمَا تشعر يَا هَذَا عنْدك بضائع نفيسة دموع وَدِمَاء وأنفاس وحركات وكلمات ونظرات فَلَا تبذلها فِيمَا لَا قدر لَهُ أيصلح أَن تبْكي لفقد مَا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 يبْقى أَو تتنفس أسفا على مَا يفنى أَو تبذل مهجة لصورة عَن قَلِيل تمحى أَو تَتَكَلَّم فِي حُصُول مَا يشين ويتوى وَاعجَبا من مَجْنُون بِلَا ليلى وَيحك دمعة فِيك تطفي غضبنا وقطرة من دم فِي الشَّهَادَة تمحو زللك وَنَفس أَسف ينسف مَا سلف وخطوات فِي رضانا تغسل الخطيات وتسبيحة تغرس لَك أَشجَار الْخلد ونظرة بعبرة تثمر الزّهْد فِي الفاني وَلَكِن تَصْحِيح النَّقْد شَرط فِي العقد سلع {وَإِنِّي لغفار} لَا تبَاع إِلَّا بِدِينَار {لمن تَابَ} إِذا كَانَ خَارِجا من سبيكة {وآمن} عَن سكَّة {وَعمل صَالحا} من دَار ضرب {ثمَّ اهْتَدَى} يَا هَذَا لَو استشعرت زرمانقة الزّهْد تَحت مطرف رب أَشْعَث أغبر وسحت فِي بادية يدْفَعُونَ لأفضنا عَلَيْك خلع {إِذا ذكر الله} يَا هَذَا إِن لم تقد على كَثْرَة الْعَمَل فقف على بَاب الطّلب تعرض بجذبة من جذبات الْحق فَفِي لَحْظَة أَفْلح السَّحَرَة (لَا تجزعن من كل خطب عرا ... وَلَا ترى الْأَعْدَاء مَا تشمت) (يَا قوم بِالصبرِ ينَال المنى ... إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا) طَرِيق الْوُصُول صعبة وَفِي رجلك ضعف وَيحك دم على السلوك تصل أول النَّخْلَة السحوق فسيلة بداية الْآدَمِيّ الشريف مُضْغَة ثمن الْمَعَالِي جد الطّلب والفتور دَاء مزمن بلد الرياضة سحيق {لم تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق الْأَنْفس} سَحَابَة الصَّيف أثبت من قَوْلك والخط على المَاء أبقى من عَهْدك (من السلوة فِي عَيْنَيْك ... آيَات وآثار) (أَرَاهَا مِنْك بالذهن ... وَفِي الْأَلْبَاب أبصار) (إِذا مَا برد الْقلب ... فَمَا تسخنه النَّار) يَا هَذَا إِذا حضر قَلْبك فنسيم الرّيح يذكرك وَإِن غَابَ فمائة ألف نَبِي لَا يوصلون التَّذْكِرَة إِلَيْك تالله لقد ألمعنا الْمَعْنى وَمَا ألزمنا الزمنى (ولي ألف بَاب قد عرفت سَبيله ... وَلَكِن بِلَا قلب إِلَى أَيْن أذهب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 الْفَصْل السَّابِع وَالثَّمَانُونَ يَا من يرحل فِي كل لَحْظَة عَن الدُّنْيَا مرحلة وَكِتَابَة قد حوى حَتَّى قدر خردلة كن كَيفَ شِئْت فَبين يَديك الْحساب والزللة يَا عجبا من غَفلَة مُؤمن بالجزاء والمسئلة أيقين بالنجاة أم غرور وبله (تبنى وَتجمع والْآثَار تندرس ... وَتَأمل اللّّبْث والأرواح تختلس) (ذَا اللب فكر فَمَا فِي الْخلد من طمع ... لَا بُد مَا يَنْتَهِي أَمر وينعكس) (أَيْن الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك وَمن ... كَانُوا إِذا النَّاس قَامُوا هَيْبَة جَلَسُوا) (وَمن سيوفهم فِي كل معترك ... تخشى ودونهم الْحجاب والحرس) (أضحوا بمهلكة فِي وسط معركة موتى ... وماشى الورى من فَوْقهم يطس) (وعمهم حدث وضمهم جدث ... باتوا وهم جثث فِي الرمس قد حبسوا) (كَأَنَّهُمْ قطّ مَا كَانُوا وَلَا خلقُوا ... وَمَات ذكرهم بَين الورى ونسوا) (وَالله لَو نظرت عَيْنَاك مَا صنعت ... يَد البلى بهم والدود يفترس) (من أوجه ناظرات حَار ناظرها ... فِي رونق الْحسن مِنْهَا كَيفَ تنطمس) (وَأعظم باليات مَا بهَا رَمق ... وَلَيْسَ تبقى لهَذَا وَهِي تنتهس) (وَالسّن ناطقات زانها أدب ... مَا شانها شانها بالآفة الخرس) (ثلتهم السن للدهر فاغرة ... فاها فاها لَهُم إِذْ بالردى وكسوا) (عروا عَن الوشي لما ألبسوا حللا ... من الرغام على أَجْسَادهم وكسوا) (حتام يَا ذَا النَّهْي لَا ترعوي سفها ... ودمع عَيْنك لَا يهمني وينبجس) أَيهَا المطمئن إِلَى الدُّنْيَا وَهِي تطلبه بدخل قد مَرضت عين بصيرته فِيهَا فَمَا ينفع الْكحل يتبختر فِي رياضها وَمَا يصبح إِلَّا فِي الوحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 إنتبه للرحيل ثمَّ أشدد الرحل واستبدل خصب المراب عَن قحل الْمحل وتأمر على نَفسك فللنخلل فَحل (أترك الشَّرّ وَلَا تأمن بشر ... وتواضع إِنَّمَا أَنْت بشر) (هَذِه الْأَجْسَام ترب هامد ... فَمن الْجَهْل افتخار واشر) (جَسَد من أَربع يلحظها سَبْعَة ... من فَوْقهَا فِي إثني عشر) (فِي حَيَاة كخيال طَارق ... شغل الْفِكر وخلاك وَمر) تالله لقد كشفت الْغَيْر مَا انسدل فَلم يبْق مرآء وَلَا جدل هَذَا حمام الْحمام قد هدل فكم صرخَ صَوته وَكم جدل يَا جائرين احْذَرُوا مِمَّن إِذا قضى عدل وَاعْلَمُوا أَن الْآخِرَة لَيْسَ مِنْهَا بدل هَذَا هُوَ الصَّوَاب لَو أَن المزاج اعتدل يَا من عمره كزمان الْورْد إلتقط واعتصر لَا فِي زور يَا شمس الْعَصْر على الْقصر قد بلغ مركبك سَاحل الْأَجَل ووقف بعيرك على ثنية الْوَدَاع وقاربت شمس عمرك الطِّفْل وَبَقِي من ضوء الْأَجَل شفق فاستدرك بَاقِي الشعاع قبل غرُوب الشَّمْس (أينفق الْعُمر فِي الدُّنْيَا مجازفة ... وَالْمَال ينْفق فِيهَا بِالْمَوَازِينِ) البدار البدار قبل الْفَوْت الحذار الحذار قبل الْمَوْت مَا فِي الْمَقَابِر من دَفِين إِلَّا وَهُوَ متألم من سَوف يَا هَذَا مَتى تبت بلسانك وَمَا حللت عقد الْإِصْرَار من قَلْبك لم تصح التَّوْبَة كَمَا لَو سكنت الْأَمْرَاض بَغْتَة من غير استفراغ فَإِن الْمَرَض على حَاله يَا هَذَا إِذا لم يتَحَقَّق قصد الْقلب لم يُؤثر النُّطْق بِاللَّفْظِ إِن الْمُكْره على الْيَمين لَا تَنْعَقِد يَمِينه إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وقلبك كُله مَعَ الْهوى إِن فِي الْبدن مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْبدن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 وَإِذا فَسدتْ فسد الْبدن أَلا وَهِي الْقلب أَكثر الْأَمْرَاض أمراض الْهوى وَأكْثر الْقَتْلَى بِسَيْفِهِ أَرْبَاب الْهوى أَطْفَال فِي حجور الْعَادَات وَإِن شابوا انحدرت عزيمتك فِي جَرَيَان نهر الْهوى فاصبر صَبر مداد لَعَلَّك تردها وَيحك انتبه لإِصْلَاح عيوبك لَعَلَّ المُشْتَرِي يرضى تالله إِن المُشْتَرِي مَا يحب بطء زحل أكفف ثوب الْكَلَام بِالصَّمْتِ وَألا تنسل أطف حراق الْهوى وَإِلَّا عمل أرْفق بزجاج الْعُمر فَمَا ينشعب إِذا انْكَسَرَ وَاعجَبا الظَّاهِر غير طَاهِر وَالْبَاطِن بَاطِل الأمل بخار فَاسد الرعونة عِلّة صعبة مَنَام المنى أضغاث رائد الآمال كذوب مرعى المشتهي هشيم الْعَجز شريك الحرمان التَّفْرِيط مضَارب الكسل ديجور الْجَهْل معتم سُؤْر الْهوى مغرق روض اللَّهْو وبى غَدِير اللَّذَّات غدر (ظللت أكر عَلَيْهِ الرقى ... وتأبى عريكته أَن تلينا) كم قد لمتك وَمَا نفع كم قد نصبت لَك شركا وَمَا تقع قفل قَلْبك رومي مَا يَقع عَلَيْهِ فش يَا هَذَا المجاهدة حَرْب لَا يصلح لَهَا إِلَّا بَطل مَتى تغير من جنود عزمك على الْإِنَابَة قلب وَاحِد لم أَمن قلب الْهَزِيمَة عَلَيْك (وَإِذا كَانَ فِي الأنابيب خلف ... وَقع الطيش فِي رُؤْس الصعاد) أَيهَا المريد تلطف بِنَفْسِك فِي الرياضة تضل مشي القطا بدبير وَمَشى العصفور نقزان العنكبوت الفطن ينسج فِي زَاوِيَة والمغفل ينسج على وَجه الأَرْض كن قيمًا على جوارحك وفها الحظوظ وَاسْتَوْفِ مِنْهَا الْحُقُوق أما ترى حاضن الْبيض يقلبه بمنقاره لتأْخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 كل بَيْضَة حظها من الحضن ثمَّ أَكثر سَاعَات الحضن على الْأُنْثَى لاشتغال الذّكر بِالْكَسْبِ فَإِذا صَار الْبيض فراخا كَانَ أَكثر الزق على الْأَب {فَلَا يخرجنكما من الْجنَّة فتشقى} مَا لقِيت حَوَّاء عشر مَا لَقِي آدم لِأَنَّهَا وَإِن شاركته فِي الْعلم بفقد صُورَة النَّعيم فَهُوَ مُنْفَرد عَنْهَا بملاحظة الْمَعْنى بعد عز {اسجدوا لآدَم} يقبض جِبْرِيل على نَاصِيَة للإخراج والمدنف يَقُول أرْفق بِي (يَا سائق البكرات استبق فضلتها ... على الغوير فَظهر الْفِكر معقور) كَانَ يتَوَقَّف فِي خُرُوجه لَو ترك ويتشبث بذيل لَو نفع ولسان الأسى يَصِيح بِمن أسا (تزَود من المَاء النقاخ فَلَنْ ترى ... بوادي الغضا ماءا أنقاخا وَلَا بردا) (ونل من نسيم البان والرند نفحة ... فهيهات وَاد ينْبت البان والرندا) (وكر إِلَى نجد بطرفك إِنَّه ... مَتى تسر لَا تنظر عقيقا وَلَا نجدا) مَا زَالَ مذ نزل يرفع قصَص الْغصَص على أَيدي أنفاس الأسف فتصعد بهَا صعداء اللهف (أَلا يَا نسيم الرّيح من ارْض بابل ... تحمل إِلَى أهل الْحجاز سلامي) (وَإِنِّي لأهوى أَن أكون بأرضهم ... على أنني مِنْهَا اسْتَفَدْت سقامي) وَاعجَبا من فاق آدم بِلَا معِين على الْحزن هوَام الأَرْض لاتفهم مَا يَقُول وملائكة السَّمَاء عِنْدهَا بقايا {أَتجْعَلُ} فَهُوَ فِي كربَة وحيد بدار غربَة (أَلا رَاحِم من آل ليلى فاشتكي ... غرامي لَهُ حَتَّى يكل لسانيا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 الْفَصْل الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ أخواني أَيَّام الْعَافِيَة غنيمَة بَارِدَة وأوقات السَّلامَة لَا تشبهها فَائِدَة فَتَنَاول مَا دَامَت لديك الْمَائِدَة فَلَيْسَتْ السَّاعَات الذاهبات بعائدة (مضى أمسك الْمَاضِي شَهِيدا معدلا ... وَاتبعهُ يَوْم عَلَيْك شَهِيد) (فَإِن تَكُ بالْأَمْس اقترفت إساءة ... فبادر بِإِحْسَان وَأَنت حميد) (وَلَا تبْق فعل الصَّالِحَات إِلَى غَد ... لَعَلَّ غَدا يَأْتِي وَأَنت فقيد) (إِذا مَا المنايا أَخْطَأتك وصادفت ... حميمك فَاعْلَم أَنَّهَا ستعود) كأنكم بالقيامة قد قَامَت وبالنفس الأمارة بالسوء قد لامت وانفتحت عُيُون طَال مَا نَامَتْ وتحيرت قُلُوب العصاة وهامت (غَدا توفّي النُّفُوس مَا كسبت ... ويحصد الزارعون مَا زرعوا) (إِن أَحْسنُوا أَحْسنُوا لأَنْفُسِهِمْ ... وَإِن أساءوا فبئس مَا صَنَعُوا) شبكة الْحساب ضيقَة الْأَعْين لَا يعبرها شَيْء وَكيل الْمُطَالبَة خصم أَلد أينطق بِأَقَلّ عذرك بَين يَدي سحبان المناقشة كلا أَيقَن بالسجن يَا هَذَا إِنَّك لم تزل فِي حبس فَأول الحبوس صلب الْأَب وَالثَّانِي بطن الْأُم وَالثَّالِث القماط وَالرَّابِع الْمكتب وَالْخَامِس الكد على الْعِيَال وَالسَّادِس الْمَوْت وَالسَّابِع الْقَبْر فَإِن وَقعت فِي الثَّامِن نسيت مرَارَة كل حبس يَا هَذَا إدخل حبس التَّقْوَى باختيارك أَيَّامًا ليحصل لَك الْإِطْلَاق فِي الْأَغْرَاض على الدَّوَام وَلَا تؤثرن إِطْلَاق نَفسك فِيمَا تحب فَإِنَّهُ يُؤثر حبس الْأَبَد فِي النَّار إِلَى مَتى تسجن عقلك فِي مطمورة هَوَاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 أَو يحبس طَاوس فِي ناووس وَيحك تفكر فِيمَا بَين يَديك وَقد هان الصَّبْر عَلَيْك لما خفيت العواقب على الْمُتَّقِينَ فزعوا إِلَى القلق وَأَكْثرُوا من الْبكاء فعذلهم من يشفق عَلَيْهِم وَمَا يدْرِي العاذل إِن العذل على حمل الْحزن علاوة قيل لبَعض الْعباد لم تبْكي قَالَ إِذا لم أبك فَمَا أصنع (مَا كَانَ يقْرَأ واش سطر كتماني ... لَو أَن دمعي لم ينْطق بتبيان) (مَاء وَلكنه ذوب النُّفُوس وَهل ... مَاء تولده من حر نيران) (لَيْت النَّوَى إِذْ سقتني سم اسودها ... سدت سَبِيل امْرِئ فِي الْحبّ يلحان) (قد قلت بالجزع لما أنكر واجزعي ... مَا أبعد الصَّبْر مِمَّن شوقه دَان) (عَجنا على الرّبع نستسقي لَهُ مَطَرا ... وفاض دمعي فأرواه وأظمأني) قوي حصر الْخَوْف فَاشْتَدَّ كرب الْقَوْم فَكل مَا هَب نسيم من الرَّجَاء ولوا وُجُوههم شطره (يَا طَربا لنفحة نجدية ... اعْدِلْ حر الْقلب باستبرادها) (وَمَا الصِّبَا ريحي لَوْلَا أَنَّهَا ... إِذا جرت مرت على بلادها) عبارَة النسيم لَا يفهمها إِلَّا الأحباب وَحَدِيث البروق لَا يروق إِلَّا للمشتاق (ومرنح فطن النسيم بوجده ... غروى لَهُ خبر العذيب معرضًا) الْعَارِف غَائِب عِنْد ذكر الدُّنْيَا وحاضر عِنْد ذكر الْأُخْرَى وطائش عِنْد ذكر الحبيب يحضر الْمجْلس موثقًا بقيود الْهم فَإِذا ذكر الحبيب قطع الوجد السلَاسِل إِن مداراة قيس تمكن وَلَكِن لَا عِنْد ذكر ليلى للخفاجي (رمت بالحمى أبصارها مطمئنة ... فَلَمَّا بَدَت نجد وهبت جنوبها) (بخلنا عَلَيْهَا بالبرى فتقطعت ... وَقل لنجد لَو تفرت قلوبها) لَو برزت ليلى لَيْلًا لصار الظلام عِنْد قيس أوضح من ضحى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 (إِذا مَا ونت نَادَى بهَا الشوق فانبرت ... تَجِد وَمن نَادَى بِهِ الشوق أَسْرعَا) من سمع ذكر الحبيب وَلم يثر قلبه عَن مستقره فَهُوَ مُدع للمهيار (إِذا ذكر المحبوب عِنْد محبه ... ترنح نشوان وجن طروب) (إِذا قيل مي لما يسْعَى لذكرها ... خباء وَلم يحبس بكاي رَقِيب) كَلَامي صَحِيح المزاج خَفِيف الرّوح أَنا صايغ صانع بابلي لَفْظِي يبلبل أَنا ماشطة الْقَوْم أَنا لِسَان الْوَقْت (فَكَأَن قسا فِي عكاظ يخْطب ... وَكَأن ليلى الأخيلية تندب) (وَكثير عزة يَوْم بَين يطنب ... وَابْن المقفع فِي الْيَتِيمَة يسهب) أَنا طَبِيب لَبِيب أمزج التحذير بالتشويق للعاملين وَأَجْعَل كأس التخويف صرفا للغافلين وأجتهد فِي التلطف جهدي بالعارفين الخام يعجب البدوي وَأما الحضري فدق مصر الْأَدْوِيَة الحادة تؤذي الْأَبدَان النحيفة الزَّاهِد ملاح الشط والعارف ناتاني الْمركب الزَّاهِد مقتب والعارف فِي محمل نفس الزَّاهِد تسير بِهِ وقلب الْعَارِف يطير بِهِ الْعَارِف حَال فِي الرَّحْمَة غَرِيب فِي الوطن خلوته بمعروفه طوره مَتى تقاضاه الشوق حضر لَا عَن ميعاد إِذا وطى بِسَاط الإنبساط قَالَ {أَرِنِي} فَإِذا سمع صَاعِقَة الهيبة قَالَ {تبت إِلَيْك} (ويأبى الجوى أَن اسر الْهوى ... إِذا امْتَلَأَ الْقلب فاض اللِّسَان) إِذا رَأَيْتُمْ ناطقا بالحكمة قد طرب فاعذروه وَإنَّهُ قد صدر وَلم تردوا بعد الْعَالم الْمُحَقق قد اعتصر من كروم المعارف خندر يس الْمعَانِي فَشرب مِنْهَا حَتَّى غلب فَإِذا عربد بالطرب فَلم يعذرهُ الصاحي أَمر ساقي النُّطْق أَن يَدُور بكأس اللَّفْظ على أَرْبَاب الْأَلْبَاب فَإِذا الْقَوْم نشاوى من الثمل فَيُصْبِح حِينَئِذٍ مَوَاقِف {تراود فتاها} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 {فذلكن الَّذِي لمتنني فِيهِ} عبرناكم يَا منقطعين وعلينا أَن نرد لَا بُد للأمير أَن يقف للساقة عودوا إِلَى أوكار الكسل فَنحْن على نِيَّة دُخُول الفلاة إسمعوا وصايانا يَا مودعين إِذا جن اللَّيْل فسيروا فِي بوادي الدجى وانيخوا بوادي الذل واجلسوا فِي كسر الإنكسار فَإِذا فتح الْبَاب للواصلين دونكم فاهجموا هجوم الْكَذَّابين وابسطوا كف {وَتصدق علينا} لَعَلَّ هَاتِف الْقبُول يَقُول {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} (وَإِذ جئْتُمْ ثنيات اللوى ... فلجوا ربع الْحمى فِي خطري) (وصفوا شوقي إِلَى سكانه ... واذْكُرُوا مَا عنْدكُمْ من خبري) (واحنيني نَحْو أَيَّام مَضَت ... بالحمى لم أقض مِنْكُم وطري) (كلما اشْتقت تمنيتكم ... ضَاعَ عمري بالمنى واعمري) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 الْفَصْل التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ آه لنَفس أَقبلت على الْعَدو وَقبلت وبادرت إِلَى مَا يؤذيها من الْخَطَايَا وعجلت من لَهَا إِذا سُئِلت عَن قبيحها فخجلت وسل عَلَيْهَا سيف العتاب فقتلت (مَا لنَفْسي عَن معادي غفلت ... أتراها نسيت مَا فعلت) (أَيهَا الْمَغْرُور فِي لَهو الْهوى ... كل نفس سترى مَا علمت) (أُفٍّ للدنيا فكم تخدعنا ... كم عَزِيز فِي هَواهَا خذلت) (رب ريح لِأُنَاس عصفت ... ثمَّ مَا إِن لَبِثت أَن سكنت) (فكذاك الدَّهْر فِي تصريفه ... قدم زلت وَأُخْرَى ثبتَتْ) (أَيْن من أصبح فِي غفلته ... فِي سرُور ومرادات خلت) (أَصبَحت آماله قد خيبت ... وديار لهوه قد خربَتْ) (جز على الدَّار بقلب حَاضر ... ثمَّ قل يَا دَار مَاذَا فعلت) (أوجه كَانَت بدورا طلعا ... وشموسا طَال مَا قد أشرقت) (قَالَت الدَّار تفانوا ومضوا ... وَكَذَا كل مُقيم إِن ثَبت) (عاينوا أفعالهم فِي تربهم ... فسل الأجداث عَمَّا اسْتوْدعت) (إِنَّمَا الدُّنْيَا كظل زائل ... أَو كأحلام مَنَام ذهبت) يَا من هُوَ فِي هوة الْهوى قد هوى كم مسلوب بكف النَّوَى عَمَّا نوى أَيْن المستقر عيشه أدْركهُ التوى فالتوى أَيْن الْجَبَّار الَّذِي إِذا علق بالشوى شوى أَيْن شبعان اللَّذَّات أدْركهُ الطوى لما طوى ليته لما ذهب الأَصْل تيقظ الْفَرْع فارعوى إِلَى مَتى خلف ووعد الدُّنْيَا كُله خلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 يَا متعبا نَفسه بالحرص وَالْقدر مَا يتَغَيَّر الراضي صرفه كم غرقت سفينة مهجة فِي لجة حرص الطمع يخنق العصفور قبل الفخ لما قنعت العنكبوت بزاوية الْبَيْت سيق لَهَا الْحَرِيص وَهُوَ الذُّبَاب فَصَارَ قوتا لَهَا وَصَوت بِهِ لِسَان الْعبْرَة رب ساع لقاعد ترسل قَلْبك مَعَ كل مَطْلُوب من الْهوى ثمَّ تبْعَث وَرَاه وَقت الصَّلَاة وَلَا يلقاه الرَّسُول فَتُصَلِّي بِلَا قلب (خلفت قَلْبك فِي الأظعان إِذْ نزلت ... بالملزمين زمَان النَّفر بالنفر) (ورحت تطلب فِي أَرض الْعرَاق ضحى ... مَا ضَاعَ عِنْد منى فاعجب لذا الْخَبَر) (لما طرقنا النقي كَانَ الْفُؤَاد معي ... فضل عني بَين الضال والسمر) (يَا أرجل العيس تهنيك الرمال فَمَا ... أغدو بوجدي غَدا إِلَّا على الْأَثر) على تَفْصِيل الْأُمُور والجمل مَا يرضى للقبر بِهَذَا الْعَمَل يَا من قد حمل الْخَطَايَا وَبئسَ مَا حمل أَفِي سكر أَنْت أم فِي نمل لَو علمت أَن مكاوي الْحَدِيد قد أحميت للسمل لم تفرق من اللبَاس بَين الْجَدِيد والسمل يَا ثقيل الطَّبْع كالرمل فَمَا يطربه الثقيل وَلَا الرمل تَعْصِي ثمَّ تصر فتضيف إِلَى صفّين الْجمل يَا من قد فقد قلبه لَا تيأس من عوده (فقد يجمع الله الشتيتين بَعْدَمَا يظنان كل الظَّن أَلا تلاقيا) الْهوى قاطن وَالصَّوَاب خاطر وَقلع القاطن صَعب وإمساك الخاطر أصعب الْهوى متدير والمواعظ نزالة وَمَعَ مداراة الْجمل تصل لما تزينت زخارف الدُّنْيَا تواثبت جهال الطَّبْع لاتباع الْهوى فَبعث الْعقل كافا لَهُم فَأَقَامَ عِنْدهم موكلا بهم وَكلما زَاد فِي قيودهم فكوا السلَاسِل وَكلما تَلا عَلَيْهِم النصائح أسمعوه القبائح فواعجبا لمعْرِفَة بلَى بمقاساة أنذال مَا يزَال الْعقل يضْرب الْأَمْثَال ويشرح العواقب وَلَكِن من يسمع أحضر مَعَه فِي خلْوَة واستحضر صديق الْفِكر فَإِنَّهُ ثِقَة فَإِن خَرجْتُمْ إِلَى الْمَقَابِر قوي دَلِيل النصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 مروا بقصور المذنبين تَجدوا أخبارهم مرا وجوزوا على قُبُور الصَّالِحين فقد جوزوا فِي العاجل ذكرا إِذا مَاتَ الْمُؤمن بَكَى عَلَيْهِ مُصَلَّاهُ من الأَرْض ومصعد عمله من السَّمَاء أَرْبَعِينَ صباحا وَاعجَبا للبقاع تبْكي عَلَيْهِم وتبكي مِنْهُم (أما الْوُقُوف فقد وقفت بدارهم ... وسألتها لَو أَن دَارا تفهم) (وَإِذا رَأَيْت طلولهم أبصرتها ... طرسا يخط بِهِ البلى وينمنم) (نحلت لبينهم وَلم أك عَارِفًا ... أَن الديار بهم تصح وتسقم) يَا لَهُ من عذل لَو كَانَ للمعاتب فهم لحم منَّة وَالله لَو كَانَ فَحم للشريف الرضى (وَالْحر من حذر الهوان ... يزايل الْأَمر الجسيما) (وَالْعَاجِز المافون ... اقعد مَا يكون إِذا أقيما) الْعبارَات حَظّ النُّفُوس والإشارات قوت الْقُلُوب نزل بعض أَرْبَاب الْمعرفَة إِلَى الشط فصاح يَا ملاح تحملنِي فَقَالَ إِلَى أَيْن قَالَ إِلَى دَار الْملك فَقَالَ معي ركاب إِلَى القطيعة فصاح الْفَقِير لَا بِاللَّه لَا بِاللَّه أَنا مُنْذُ سبعين سنة أفر مِنْهَا دخل ذُو فطنة إِلَى دَار قوم فَرَأى حبا وَإِلَى جَانِبه مركن قد زرع فِيهِ صَبر فتواجد فَقَالَ حب إِلَى جَانِبه صَبر (يَا نازلين الْحمى رفقا بقلب فَتى ... إِن صَاح بالبين دَاع باح مضمره) (وَقد يمِيل إِلَى المغنى يسائله ... أَخُو الغرام وَلَكِن من يُخبرهُ) (وَمَا ذكرتكم إِلَّا وهمت جوى ... وافة المبتلي فِيكُم تذكره) (وَلَا عزمت على سلوان حبكم ... إِلَّا ويخذلني قلبِي وينصره) أَيْن الَّذين كَانُوا نُجُوم الدُّنْيَا وأقمار الْآخِرَة قيَاما كالأعلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 على جواد الْهوى تقوى بِأَنْفَاسِهِمْ نفوس أنفاس أهل التَّقْوَى يصوتون بالمنقطع ويرشدون المتحير مَا بَقِي فِي الديار ديار (نسيم الصِّبَا إِن زرت أَرض أحبتي ... فخصهم عني بِكُل سَلام) (وبلغهم أَنِّي رهين صبَابَة ... وَأَن غرامي فَوق كل غرام) (وَإِنِّي ليكفيني طروق خيالهم ... لَو أَن جفوني متعت بمنام) (وَلست أُبَالِي بالجنان وباللظى ... إِذا كَانَ فِي تِلْكَ الديار مقَامي) (وَقد صممت عَن لذات دهري كلهَا ... وَيَوْم لقاكم ذَاك فطر صيامي) رَحل الْقَوْم وتخلفنا وَبَادرُوا أيامهم وسوفنا وعرفنا طريقهم لَكنا انقطعنا فسيروا بِنَا فَإِن لحقنا وَإِلَّا تأسفنا (يَا صَاحِبي إِن كنت لي أَو معي ... فعد إِلَى روض الْحمى نرتع) (حَيّ كثيب الرمل رمل الْحمى ... وقف وَسلم لي على لعلع) (وسل عَن الْوَادي وأربابه ... وانشد فُؤَادِي فِي ربى الْمجمع) (وابك فَمَا فِي الْعين من فَضله ... ونب فدتك النَّفس عَن مدمعي) (واسمع حَدِيثا قد روته الصِّبَا ... تسنده عَن بانة الأجرع) (وَانْزِلْ على الشيح بواديهم ... واشمم عشيب الْبَلَد البلقع) (بلغ تحياتي إِلَى ربعهم ... وَقل ديار الظاعنين اسمعي) (رفقا بنضو قد براه الأسى ... يَا عاذلي لَو كَانَ قلبِي معي) (لهفي على طيب لَيَال خلت ... عودي تعودي مدنفا قد نعي) (إِذا تذكرت زَمَانا مضى ... فويح أجفاني من أدمعي) (أراجع لي وصلهم بعْدهَا ... يَا نفس إِن لم يصلوا ودعي) (يَا نفس كم أتلو حَدِيث المنى ... ضَاعَ زماني بالمنى فاقطعي) (يَا قلب لَا تسكن على بعدهمْ ... وَأَنت يَا عين فَلَا تهجعي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 الْفَصْل التِّسْعُونَ أخواني أَلا ذُو سمع وبصر يعلم أَن الْأَعْمَار فِيهَا قصر إِلَّا متلمح مَا فِي الْغَيْر من العبر إِلَّا ذَاكر بَيت التُّرَاب والمدر (تنبه فَإِن الدَّهْر ذُو فجعات ... وَشَمل جَمِيع صائر لشتات) (نخلف مأمولاتنا وكأننا ... نسير إِلَيْهَا لَا إِلَى الغمرات) (هَل الْمَرْء فِي الدُّنْيَا الدنية نَاظر ... سوى فقد حب أَو لِقَاء ممات) (وَمَا حركات الدَّهْر فِي كل طرفَة ... بلاهية عَن هَذِه الحركات) (سيسقى بَنو الدُّنْيَا كؤوس حتوفهم ... إِلَى أَن يَنَامُوا لَا مَنَام سبات) (وَمَا فرحت نفس ببلوى وَقد رَأَتْ ... عظات من الْأَيَّام بعد عظات) (إِذا بغتت أَشْيَاء قد كَانَ مثلهَا ... قَدِيما فَلَا تعتدها بغتات) (واعقب من النّوم التيقظ راشدا ... فَلَا بُد للنوام من يقظات) يَا من يجول فِي الْمعاصِي قلبه وهمه يَا مُعْتَقدًا صِحَّته فِيمَا هُوَ سقمه يَا من كلما طَال عمره زَاد إثمه أَيْن لَذَّة الْهوى رَحل المطعوم وطعمه يَا من سيجمعه اللَّحْد عَن قَلِيل ويضمه كَيفَ يوعظ من لَا بعظه عقله وَلَا فهمه كَيفَ يوقظ من قد نَام قلبه لَا عينه وَلَا جِسْمه وَيحك تدارك أَمرك قبل الْفَوْت أتنفع الإستغاثة والسم قد وصل إِلَى الْقلب إِن الدرياق يصلح قبل اللسع وَمذهب ابْن سريح يسْتَعْمل قبل الطَّلَاق لمن أحدث وَالْقلب غَائِب لمن أعاتب والفكر ذاهل وآسفا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 ضرب الْخراج على بلد خراب وَيحك أجماد أَنْت أم حَيَوَان هَذَا الفهد على خساسة خلقه يصاد بالصوت الْحسن وَمَتى وثب على الصَّيْد ثَلَاث مَرَّات وَلم يُدْرِكهُ غضب على نَفسه كم قد وَثَبت على هَوَاك مرّة فَلم تقدر عَلَيْهِ فَأَيْنَ غضبك على التَّقْصِير هَيْهَات لَيْسَ عِنْد الطاوس إِلَّا حسن الصُّورَة تفيق فِي الْمجْلس لَحْظَة ثمَّ تذكر الشَّهَوَات فيغمى عَلَيْك إِن الْغُرَاب إِذا سكر بشراب الْحِرْص تنقل بالجيف فَإِذا صَحا من خماره ندب على الطلل لما عزت نفس الببغاء زاحمت الآدمين فِي النُّطْق وَهِي تتَنَاوَل بكفها من جنس مطاعمهم وَاعجَبا لبهيم يتشبه بِالنَّاسِ ولإنسان يتشبه بالبهيم كل هَذَا سَببه الهمة لَا يطعمن البطال فِي منَازِل الْأَبْطَال إِن لَذَّة الرَّاحَة لَا تتَنَاوَل بالراحة من زرع حصد وَمن جد وجد (وَكَيف ينَال الْمجد والجسم وادع ... وَكَيف يحاز الْحَمد والوفر وافر) أَي مَطْلُوب ينَال من غير مشقة وَأي مَرْغُوب لم تبعد على مؤثره الشقة المَال لَا يحصل إِلَّا بالتعب وَالْعلم لَا يدْرك إِلَّا بِالنّصب وَاسم الْجواد لَا يَنَالهُ بخيل ولقب الشجَاعَة بعد تَعب طَوِيل للمتنبي (لَا يدْرك الْمجد إِلَّا سيد فطن ... لما يشق على السادات فعال) (لَوْلَا الْمَشَقَّة سَاد النَّاس كلهم ... الْجُود يفقر والأقدام قتال) يَا أعجمي الْفَهم مَتى تفهم يَا فَرحا بلذة عقباها جَهَنَّم ستدري مَتى تبْكي وَمَتى تندم إِذا جثا الْخَلِيل وتزلزل ابْن مَرْيَم يَا عاشق الدُّنْيَا كم قتلت متيم مَا للفلاح فِيك عَلامَة وَالله أعلم إِن كَانَ ثمَّ عذر فَقل وَتكلم غَابَ الهدهد من سُلَيْمَان سَاعَة فتواعده فيا غَائِبا عَنَّا طول عمره أما تحذر غضبنا خَالف مُوسَى الْخضر فِي طَرِيق الصُّحْبَة ثَلَاث مَرَّات فَحل عقدَة الْوَصْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 بكف {هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك} أما تخَاف يَا من لم يَفِ لنا قطّ أَن نقُول فِي بعض زلاتك {هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك} أعظم عَذَاب أهل النَّار جهلهم بالمعذب لَو صحت معرفتهم بالمالك لما اسْتَغَاثُوا يَا مَالك وَقع بَينهم شخص لَيْسَ من الْجِنْس كَانَت فِي بَاطِنه ذرة من الْمعرفَة فَكلما حملت عَلَيْهِ النَّار اتقاها بدرع يَا حنان يَا منان كَانَ مَوته فِي الْمعاصِي سكتة فقبر فِي جَهَنَّم فَلَمَّا تحرّك الرّوح فِي الْبَاطِن أخرج رأى الْأَسْبَاب بيد الْمُسَبّب فَتعلق بِالْأَصْلِ أخواني الْيَوْم رجاؤنا للرحمة قوي فَكيف نصْنَع غَدا إِن ضعف (هَذَا جزعي وَمَا خلا مغناكم ... مَا أصنع بعد بعدكم حاشاكم) (أَقْسَمت بكم لكم وحسبي ذاكم ... لَا أذكر غَيْركُمْ وَلَا أنساكم) أزعجتموني بتقلقلكم يَا تَائِبين أخرجتموني عَن الْحَد يَا خَائِفين (يَا صبا نجد ويابان الْحمى ... أرفقا بِي فِي التثني والهبوب) يتقومون بمقالي ويقومون على حر المقالي وَيخرج عاطل البطالة وَهُوَ خَالِي وَأَنا أدرى مَا حَالي {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله} (يَا غاديا نَحْو هضاب الْحمى ... بلغ رسوم الدَّار مَا عِنْدِي) (كم لي بِتِلْكَ الدَّار من وَقْفَة ... أَشْكُو من الهجران والصد) يَا ركب التَّوْبَة إِن تزودتم فالتقوى وسرتم إِلَى الله فاحملوا مَعكُمْ رِسَالَة متلهف يحتوي على حسرة محصر (يَا حادي العيس ترفق واستمع ... مني وَبلغ إِن وصلت عني) (وقف بِأَكْنَافِ الْحجاز نَاشِدًا ... قلبِي فقد ضَاعَ الْغَدَاة مني) (وَقل إِذا وصلت نَحْو أَرضهم ... ذَاك الْأَسير موثق بالحزن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 (عرض بذكرى عِنْدهم عساهم ... إِن سمعوك سائلوك عني) (قل ذَلِك الْمَحْبُوس عَن قصدكم ... معذب الْقلب بِكُل فن) (يَقُول أملت بِأَن أزوركم ... فِي جملَة الْوَفْد فخاب ظَنِّي) يَا معاشر التائبين بِحرْمَة الصُّحْبَة لَا تنسوني إِذا بعتكم أغْلى الْملك فَلَا تنسوا كَرَامَة الدَّلال أعوذ بك يَا إلهي أَن تجْعَل حظي لَفْظِي وآ اسفي أصف واصفي وَيشْرب غَيْرِي (فعندي زفير مَا ترقى إِلَى الحشى ... وَعِنْدِي دموع مَا بلغن المآقيا) واحسرتا أأكون كالقوس رفعت السهْم فَمر وَلم تَبْرَح أأصير كالإبرة تكسو غَيرهَا وَهِي عُرْيَانَة أأشبه حَال الشمعة أَضَاءَت غَيرهَا باحتراق نَفسهَا (أَتَرَى يرجع لي دهر مضى ... أَتَرَى يَنْفَعنِي قولي ترى) (ويك يَا عين أعيني قلقي ... إِن توانيت فَلَا ذقت الْكرَى) إلهي أيقظتني فِي الصِّبَا وأقمتني أدل الْخلق عَلَيْك ومزجت كأس نطقي بعذوبة وجعلتني فِي أخباري مَعْرُوفا بالأمانة فركن إِلَيّ أهل الْمُعَامَلَة وَلَو عرفُوا إفلاسي مَا عوملت إلهي طَال مَا اجتذبت العصاة بعد أَن تهافتوا فِي النَّار أفيصدرون وَارِد سَيِّدي إِن لم أصلح للرضا فالعفو الْعَفو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 الْفَصْل الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ أخواني أما يُنَبه على استعداد الزَّاد سلب الْآبَاء وَأخذ الأجداد أما يُحَرك إِلَى التيقظ وَنفي الرقاد عكس المشتهى ورد المُرَاد للشريف الرضى (لنا كل يَوْم رنة خلف ذَاهِب ... ومستهلك بَين النَّوَى والنوائب) (ونأمل من وعد المنى غير صَادِق ... ونأمن من وعد الردى غير كَاذِب) (نراع إِذا ماشيك اخمص بَعْضنَا ... وأقدامنا مَا بَين شوك العقارب) (نعم إِنَّمَا الدُّنْيَا سموم لطاعم ... وَخَوف لمطلوب وهم لطَالب) (وَإِنَّا لنهواها مَعَ الْغدر والقلى ... ونمدحها مَعَ علمنَا بالمعائب) أَي مطمئن لم يزعج أَي قاطن لم يخرج فرس الرحيل لنا سرج وَمَا جرى على الأقران أنموذج يَا مختالا فِي ثوب الصِّبَا معجبا بمرطه شَرط الْمقَام الرحيل وَقد تقاضى بِشَرْطِهِ أما لَك نبرة فِي رفع الزَّمَان وحطه أما ترى رقوم المنايا مَكْتُوبَة بِخَطِّهِ أما أعرب المسطور بشكل الْمَرَض ونقطه هلا تصور العَاصِي سَاعَة إنزاله إِلَى الْقَبْر وحطه أَفلا يتَذَكَّر الْغَنِيّ أَخذ مَاله على رغمه وَمن أصل قرطه يَا من قد قَادَهُ الْهوى بِلَا خزامة لَو قبلت مشورة الْعقل لم تتجرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 مر لَو وليت قدر إِن الزلل يخفى على الْخلق {أَلا يعلم من خلق} صور إِنَّه قد عَفا عَنْك فَأَيْنَ الْحيَاء مِمَّا جنيته (هَب الْبَعْث لم تأتنا رسله ... وجاحمة النَّار لم تضرم) (أَلَيْسَ من الْوَاجِب الْمُسْتَحق ... حَيَاء الْعباد من الْمُنعم) أقل نعمه أَن أوسع عَرصَة الْوُجُود لِئَلَّا يضيق نفس النَّفس بالحصر وأجرى مجْرى الْهَوَاء فِي جو الفضا يقتسم بمكاييل الخياشيم فيصل بِالْعَدْلِ إِلَى ذَوَات الذوات وَاعجَبا للغافلين عَن هَذَا الْمُنعم بِمَاذَا اشتغلوا أجهلا بِوُجُودِهِ فَهُوَ أوضح من ضحى أم ميلًا إِلَى الدُّنْيَا فَهِيَ أغدر من تَاء بتمتام إِن سلمت فتنت وَإِن تلفت قتلت وَقع نحل على لينوفر منتشر الْوَرق فَأحب رِيحه فَأَقَامَ فَلَمَّا تقبض الْوَرق وغاص هلك العاشق أخواني إيَّاكُمْ والذنُوب فَإِنَّهَا أذلت عَزِيز {اسجدوا} وأخرجت مقطع {اسكن} لَوْلَا لطف {فَتلقى} كَانَ الْعجب استراح آدم إِلَى بعض العناقيد فَإِذا بِهِ فِي العناقيد جَاءَهُ جِبْرِيل فَسلم عَلَيْهِ فَبكى وَبكى جِبْرِيل ثمَّ قَالَ يَا آدم مَا يبكيك قَالَ كَيفَ لَا أبْكِي وَقد حولني من دَار النَّعيم إِلَى دَار الْبُؤْس وَاعجَبا بمجيء جِبْرِيل زَاد الْمَرِيض ألما (آه لبرق لمعا ... مَاذَا بقلبي صنعا) (أيقظ مني للغرام ... مستهاما موجعا) (فَبت من إيماضه ... أسكب دمعي دفعا) (يَا برق أما تريني ... للصنيع موضعا) (فحيى عني أَرْبعا ... أكْرم بِهن أَرْبعا) (يَا نَاظرا اقْسمْ من ... بعد النَّوَى لَا هجعا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 (كبر مذ فارقهم ... على الرقاد أَرْبعا) (كم كبد قطعهَا ... بَين الحبيب قطعا) (حمل وجدي جلدي ... أَكثر مِمَّا وسعا) خرج آدم يَوْم الْكَعْبَة فَلَمَّا وصل طَاف أسبوعا فَمَا أتمه حَتَّى خَاضَ فِي دُمُوعه (دموع عَيْني مذجد بَين ... مثل الدوالي وَهِي الدوالي) فشمت بِهِ إِبْلِيس حِين نزل وَمَا علم أَن نُزُوله إِلَى دَار التَّعَبُّد صعُود كنزول الغائص خلف الدّرّ صعُود رأى فِي بدايته طينا قد صلصل وبذرا قد عفن وَنسي أَنه ستهتز طاقاته فِي ربيع {فَتلقى} وَيلك يَا إِبْلِيس مَا جرى على آدم وَهُوَ المُرَاد من وجوده لَو لم تذنبوا قدح أُرِيد كَسره فَسلم إِلَى مرتعش (فلولا غليل الشوق أَو لوعة الأسى ... لما خلقت لي أعين وجفون) لَا يهولنك قَوْله {اهبطوا مِنْهَا} فلك خلقتها وَإِنَّمَا أخرجت إِلَى مزرعة المجاهدة فَإِذا حصدت فعد إِن قيل لَك مرّة {اهبط} فَفِي كل يَوْم تنادي ألف ألف مرّة {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} إِن تَعَذَّرَتْ عَن الحضرة مرّة فزيارة الحبيب مَا تَنْقَطِع هَل من سَائل الكرة تلقى من صَاحب الصولجان بالطرد ثمَّ هُوَ يطْلبهَا (ترجو فِي الْمُحب عتق من أَنْت لَهُ ... إِن كَانَ كَذَا الْحبّ فَمَا أعدله) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 (هَيْهَات الْحبّ يَعْتَرِيه وَله ... من حكمه قضى عَلَيْهِ وَله) يَا آدم قد ذقت حلاوة الذَّنب وتطعمت مرَارَة النَّدَم فَهَل وفت بِتِلْكَ أَيْن لذاتك إِذا نزل الْمَوْت كَيفَ حسراتك إِذا وَقع الْفَوْت (مَا أسْرع مَا انْقَضى زمَان الْوَصْل ... هَل يرجع مَا مضى برد الشمل) (من لي بهم وَهل مُفِيد من لي ... يَكْفِي مَا بِي فَلَا تزد فِي عذلي) يَا صبيان التَّوْبَة اشكروا من نجاكم بالإنابة {وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار} تَذكرُوا عَظمَة من عاهدتم {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} لَا تَزْدَرُوا أَثوَاب الْفقر فعلَيْهَا أنوار المهابة {وَلكم فِيهَا جمال حِين تريحون وَحين تسرحون} لَا يصعبن على الْخَيل تضميرها فستفرح بِهِ يَوْم السباق إِن قَالَ لَك رفقاؤك إمش مَعنا سَاعَة فَقل أقعدني الْخَوْف (يَا نديمي صَحا الْقلب صَحا ... فاطردا عني الصِّبَا والمرحا) (شمرا بردى للنسك وَلَا ... تَعَجبا من فَاسد إِن صلحا) (زجر الْحلم فؤادا فارعوى ... ولحا الدَّهْر امْرَءًا فِيمَن لحا) أَيهَا التائب قل لقلبك الرَّاعِي فِي رياض الْهدى إحذر من لفتة إِلَى خضراء دمن الْهوى فمرعاك أطيب وشرابك أعذب {وَلَئِن لم يفعل مَا آمره ليسجنن} نسيم الرّيح يُقَوي الرّوح مَا لم يخْتَلط بِهِ بخار ردى كَذَلِك كَلَام المذكرين إِذا سلم من بِدعَة كَانَ قوتا للنَّفس وَإِن مازجه هوى هوى بِصَاحِبِهِ إِلَى الْعِلَل كَلَامي نهر يَأْخُذ من بَحر الْكتاب وَالسّنة صَاف مَا تغير قطّ يسْقِي قُلُوبكُمْ سيحا بِلَا كلف وَقد قنع من الْخراج بالدعا هَل فِي مجلسي نقص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 فَيُقَال لَو أَنه أَو عيب فَيُقَال إِلَّا أَنه أَو رَأَيْتُمْ مثله فَيُقَال كَأَنَّهُ آه لَو كَانَ من أعجمي وَلكنه أبلغ بلفظي منزل الْمَعْنى وَمَا طَال سفر الْعبارَة الْمعَانِي وَاسِعَة الفيافي والألفاظ ضيقَة العراص وَمَا يقدر على حَشْو الْعَرَصَة فَوق مَا تسع إِلَّا مهندس لآلئ هَذِه الْمعَانِي لطاف فَأَي سلك فهم دق إنتظمت فِيهِ وَإِنَّمَا ينظم اللُّؤْلُؤ فِي خيط لَا فِي حَبل كَلَامي ثوب فصل على قدر أسماعكم فَهُوَ لَا يصلح إِلَّا لكم لَا تنكروا مدحي لأهل بَغْدَاد فهم فهم أَلِهَذَا الْبَلَد بدل إِذا مَرضت الأفهام السليمة من وباء طَعَام الْعبارَات الرَّكِيكَة عمل لَفْظِي فِي شفائها وَلَا رقي الْهِنْد كلم تداوى كل كلم ظلم قياسها بعذوبة الظُّلم (جَوَاهِر كلهَا يَتِيم ... تُوجد مفقودة الْمِثَال) (تجنب الغائصون عَنْهَا ... عَجزا وجاشت بحارها لي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 الْفَصْل الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ يَا ديار الأحباب أقوى جديدها أَيْن أسودها أم أَيْن غيدها أَيْن ظباء الْهوى مرت وَمن يصيدها تَسَاوِي فِي الْقُبُور مواليها وعبيدها قف يَا حَبِيبِي بالرسوم وَانْظُر نسخ النسيم بالسموم وتبديل الأفراح بالغموم هَيْهَات إِن الدُّنْيَا لَا تدوم إِنَّهَا على قَتلك تحوم إِيثَار مثل هَذِه لوم للخفاجي (سل بعمدان أَيْن ساكنه أَو ... قل لنعمان أَيْن أَيْن السدير) (أَيهَا الظاعنون لَا زَالَ للغيث ... رواح عَلَيْكُم وبكور) (قد رَأينَا دِيَاركُمْ وَعَلَيْهَا ... أثر من عفائكم مهجور) (وَسَأَلنَا أطلالكم فأجابت ... وَمن الصمت واعظ ونذير) (عجبا كَيفَ لم نمت فِي مغانيها ... أسى مَا الْقُلُوب إِلَّا صخور) (يَا ديار الأحباب غَيْرك الدَّهْر ... وَكَانَت بعد الْأُمُور أُمُور) أَيهَا الباكي على أَقَاربه الْأَمْوَات إبك على نَفسك فالماضي قد فَاتَ وتأهب لنزول البلايا وحلول الْآفَات وتذكر قَول من إِذا ذكرك قَالَ مَاتَ كَأَنَّك بِمَا أَتَى الماضين قد أَتَاك وَلَقَد صَاح بك نذيرهم أَنْت غَدا كَذَاك وليخرسن الْمَوْت بسطوته فَاك إِذا وافاك إِنَّمَا الْيَوْم لهَذَا وَغدا لذاك قرئَ على قبر (أَنا فِي الْقَبْر وحيد ... قد تبرا الْأَهْل مني) (أسلموني بذنوبي ... خبت أَن لم تعف عني) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 يَا هَذَا لاحت الْغَايَة لعين الشيب فصح بخيل البدار مرحلة الشيب تحط على شَفير الْقَبْر وَقد أنجد من رأى حضنا أتحمل مشاق السّفر من وَرَاء النَّهر وتخاطر بالوقفة من نَخْلَة يَا هَذَا إِذا ركبت مركب الْهوى فَاجْعَلْ باتاني الْمركب لمحاسبة النَّفس فَإِنَّهُ يشم كل يَوْم ريح ثرى الأَرْض فَيعلم هَل هُوَ على خطا أَو صَوَاب وَمَتى لم يعلم الطَّرِيق صدمه حجر فغرق يَا من يحدث وَكَأَنَّهُ مَا يسمع مَتى لم ينصت سمع الْقلب ضَاعَ الحَدِيث أَتَرَى ينطبع فِي شمع سَمعك من هَذَا حرف تحضرون الْمجْلس فُرْجَة وتجعلون رَجَاء النَّفْع حجَّة وَلَا تسلكون إِلَى الْعَمَل محجة {وَمَا أبرئ نَفسِي} وَاعجَبا تَجْتَمِع العزائم فِي الْمجْلس اجْتِمَاع الثريا فَإِذا خرجنَا صَارَت كبنات نعش لَو تأملتم عيب الدُّنْيَا لهان طَلاقهَا (سرُور الدَّهْر مقرون بحزن ... فَكُن مِنْهُ على حذر شَدِيد) (فَفِي يمناه تَاج من نضار ... وَفِي يسراه قيد من حَدِيد) آه للدنيا ملكت الْقلب حِين ملكت وأبقت الْغم ثمَّ أبقت (تزودن منا كل قلب ومهجة ... وزودننا للوجد عض الأباهم) (كم تألفت بحلو مذاقها ثمَّ أتلفت بمر فراقها ... ) (فليت عَهْدك إِذْ لم يبْق لي أبدا ... لم يبْق عِنْدِي عقابيلا من السقم) لما كَانَ الصَّانِع غَائِبا عَن الإحساس سطرت قدرته فِي أَلْوَاح التكوين عجائب الكائنات ثمَّ وضعت الألواح فِي حجور الْعُقُول لِيَقْرَأهَا أذهان أَطْفَال الطباع فَإِذا أحذق الصّبيان وَحفظ الْمَكْتُوب محا السطور {إِذا الشَّمْس كورت وَإِذا النُّجُوم انكدرت} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 أخواني عُيُون يقينكم رمدة والفكر تبريد من أَيقَن بِالْمَوْتِ كَيفَ يفرح من علم قرب الْحساب كَيفَ يلهو من عرف تقليب الْقُلُوب كَيفَ يَأْمَن كَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ من شدَّة خَوفه يَبُول الدَّم فَحمل مَاؤُهُ إِلَى الطَّبِيب فَقَالَ هَذَا مَاء رُهْبَان هَذَا مَاء رجل قد فتت الْحزن كبده وَحمل مَاء سري إِلَى الطَّبِيب فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ قَالَ هَذَا بَوْل عاشق قَالَ حامله فَسَقَطت ثمَّ غشي عَليّ ثمَّ رجعت إِلَى سرى فَأَخْبَرته فَقَالَ قَاتله الله مَا أبصره (إِذا أَنا واجهت الصِّبَا عَاد بردهَا ... وَمن حر أنفاسي عَلَيْهِ لهيب) (وَقد أكثرت فِي الْأَطِبَّاء قَوْلهم ... وَمَالِي إِلَّا أَن أَرَاك طَبِيب) قيل لبَعض عقلاء المجانين لم سميت مَجْنُونا قَالَ لما طَال حبسي عَنهُ فِي الدُّنْيَا سميت مَجْنُونا لخوف فِرَاقه (قلبِي بحبك مَا يفِيق ... وجفن عَيْني مَا ينَام) (قد طَال فِيك اللَّيْل حَتَّى ... مَا يُقَال لَهُ انصرام) (والنجم فِيهِ راكد ... وَالْفَجْر يمنعهُ الظلام) (ليل بِغَيْر نِهَايَة ... وَلكُل مِفْتَاح ختام) (فِي وصلك الْعَيْش الهني ... وهجرك الْمَوْت الزؤام) إِن لم تكن مَعَ الْقَوْم فِي السّفر تلمح آثَار الحبيب عَلَيْهِم وَقت الضُّحَى ترى فِي صَحَائِف الْوُجُوه سطور الْقبُول بمداد الْأَنْوَار وُجُوه زهاها الْحسن أَن تتبرقعا قَالَ بعض السّلف لقِيت غُلَاما فِي طَرِيق مَكَّة فَقلت لَهُ أما تستوحش فَقَالَ إِن الْأنس بِاللَّه قطع عني كل وَحْشَة قلت فَأَيْنَ أَلْقَاك قَالَ أما فِي الدُّنْيَا فَلَا تحدث نَفسك بلقائي وَأما فِي الْآخِرَة فَإِنَّهَا مجمع الْمُتَّقِينَ قلت فَأَيْنَ أطلبك فِي الْآخِرَة قَالَ أطلبني فِي جملَة الناظرين إِلَى الله تَعَالَى قلت وَكَيف علمت قَالَ بغض طرفِي عَن كل محرم واجتنابي فِيهِ كل مُنكر ومأثم وَقد سَأَلته أَن يَجْعَل جنتي النّظر إِلَيْهِ ثمَّ صَاح وَأَقْبل يسْعَى حَتَّى غَابَ عَن بَصرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 للشريف الرضي (وَمَا تلوم جسمي عَن لقائكم ... إِلَّا وقلبي إِلَيْكُم شيق عجل) (وَكَيف يقْعد مشتاق يحركه ... إِلَيْكُم الحافزان الشوق والأمل) (فَإِن نهضت فَمَالِي غَيْركُمْ وطر ... وَإِن قعدت فَمَالِي غَيْركُمْ شغل) (وَكم تعرض لي الأقوام بعدكم ... يستأذنون على قلبِي فَمَا وصلوا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 الْفَصْل الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ سُبْحَانَ من فاوت بَين الْقُلُوب فَمِنْهَا مَا لَا يصلح إِلَّا لخدمة الدُّنْيَا وَمِنْهَا مَا لَا يصلح إِلَّا للتعبد وَمِنْهَا روحاني مَشْغُول بمحبة الْخَالِق للمتنبي (أروح وَقد ختمت على فوآدي ... بحبك أَن يحل بِهِ سواكا) (فَلَو أَنِّي اسْتَطَعْت غضضت طرفِي ... فَلم أبْصر بِهِ حَتَّى أراكا) (أحبك لَا ببعضي بل بكلي ... وَإِن لم يبْق حبك لي حراكا) (ويقبح من سواك الْفِعْل عِنْدِي ... فتفعله فَيحسن مِنْك ذاكا) (وَفِي الأحباب مُخْتَصّ بوجد ... وَآخر يَدعِي مَعَه اشتراكا) (إِذا اشتبكت دموع فِي خدود ... تبين من بَكَى مِمَّن تباكى) (فَأَما من بَكَى فيذوب شوقا ... وينطق بالهوى من قد تباكى) النَّهَار يزِيد فِي كرب الْمُحب وَاللَّيْل يروحه السحر رَوْضَة نجدية يجد فِيهَا الْمُحب ضَالَّة وجده شراب الْمُنَاجَاة يروي ظمأ العشاق لَو رَأَيْت الْمُحب فِي اللَّيْل يتقلقل ويناجي حَبِيبه ثمَّ يتململ وَكلما أزعجه الشوق تحير وتبلبل وَمَا ألذ مَا يصف حَاله ويتعمل (أحباي أما جفن عَيْني فمقروح ... وَأما فُؤَادِي فَهُوَ بالشوق مَجْرُوح) (يذكرنِي مر النسيم عهودكم ... فأزداد شوقا كلما هَب الرّيح) (أَرَانِي إِذا مَا اللَّيْل أظلم أشرقت ... بقلبي من نَار الغرام مصابيح) (أُصَلِّي بذكراكم إِذا كنت خَالِيا ... إِلَّا أَن تذكار الْأَحِبَّة تَسْبِيح) (يشح فُؤَادِي أَن يخَامر سره ... سواكم وَبَعض الشُّح فِي الْمَرْء ممدوح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 لَو لبس أحد المحبين حلَّة علم أَنه من الزهاد كَيفَ يخفي اللَّيْل بَدْرًا طالعا كم بالغوا فِي كتم الْحَال وَستر الْحبّ محَال (اسائل عَمَّن لَا أُرِيد وَإِنَّمَا ... أريدكم من بَينهم بسؤالي) (فيعثر مَا بَين الْكَلَام ورجعه ... لساني بكم حَتَّى ينم بحالي) (وأطوي على مَا تعلمُونَ جوانحي ... وَأظْهر للعذال أَنِّي سَالَ) كلما قوي حَامِل الْمحبَّة زيد فِي حمله نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء أَشد النَّاس بلاءا ثمَّ الأمثل فالأمثل فوران قدر الْقلب من قدر شدَّة الإيقاد كَانَ يسمع لصدر الْخَلِيل أزيز من بعيد خوفًا من الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي ولخوفه أزيز كأزيز الْمرجل من الْبكاء كَانَ الْوَحْي إِذا نزل عَلَيْهِ وَهُوَ على نَاقَته أثر فِيهَا فَرُبمَا وتدت بِيَدَيْهَا فِي الأَرْض وَرُبمَا بَركت لثقل الْوَحْي للشريف الرضى (أحست بناري فِي ضلوعي فَأَصْبَحت ... يخب بهَا حر الغرام وَيُوضَع) (تحنين إِلَّا أَن بِي لأبك الْهوى ... ولي لَا لَك الْألف الخليط الْمُودع) (وباتت تشكي تَحت رحلي ضامرا ... كِلَانَا إِذن يَا ناق نضو مفجع) أماعت قُلُوبهم بالخوف فهاتبهم الجوامد فالحجر يسلم على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والسكين لَا تعْمل فِي الذَّبِيح مَالك أيتها المدية وعادتك الْقطع قَالَت بِلِسَان الْحَال أخواتي تحز رِقَاب الْكفَّار وَأَنا قد ابْتليت بِقطع عنق إِسْمَعِيل فقد وقفت مدهوشة بالبلوى فعندي شغل قطع يَد زليخا يجوز فَأَما يَد يُوسُف فمشكل أتراك تحلو لَك عباراتي أَو تفهم إشاراتي كم أجلو عَلَيْك عرائس الْمحبَّة وَلست كُفؤًا وَإِنَّمَا يحل النّظر لمن يعْقد أقل أَحْوَال الْقَوْم رفض الْهوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وَهَذَا كالمستحيل عنْدك كَانُوا إِذا ابتلوا صَبَرُوا ثمَّ صَارُوا إِذا ابتلوا شكروا ثمَّ رَأَوْا فِي البلى الْمُبْتَلى فسكروا أَيْن الَّذين أصفهم مروا وعبروا (لَيْسَ بالصب من يُحَرك بالشكوى ... لِسَانا ويودع الدمع خدا) (أَيهَا الوامق الَّذِي جعل الكتمان ... بَين الوشاة وَالْحب سدا) (صَاح لَوْلَا صوني الغرام لأجريت ... دموعا توفى على الْبَحْر مدا) (قل لحي على اللوى والكثيب الْفَرد ... جاد الحيا الْكَثِيب الفردا) (قد وقفنا من بعدكم نسْأَل البان ... ضلالا عَنْكُم ونشكو الرندا) (أَيْن تبغي يَا حادي الركب أفنيت ... المطايا سيرا ذميلا ووخدا) (قف قَلِيلا فِي الرّبع وارفق فَمَا أبقيت ... مِنْهَا إِلَّا عظاما وجلدا) (فلدار الْهوى علينا حُقُوق ... إِن تركنَا أداءها كَانَ ادا) (يَا بني الْورْد وَالْوَفَاء وَمَا أسمع ... إِلَّا قولا وفاءا وودا) (لم نقضتم من غير جرم عهودا ... مَا نقضنا مِنْهَا على الرمل عهدا) كم أنشر بز الْمحبَّة وَلَا أرى إِلَّا مُفلسًا تنزهوا فِي السّلع فسهل على طي المنشور مَا أحلى ذكر الأحباب مَا أطيب حَدِيث أولى الْأَلْبَاب لصردر (أيه أَحَادِيث نعْمَان وساكنه ... إِن الحَدِيث عَن الأحباب أسمار) (أفتش الرّيح عَنْكُم كلما نفحت ... من نَحْو أَرْضكُم نكبآء معطار) تمكن الْحبّ من حبات قُلُوبهم فَأخْرجهُمْ إِلَى الوله فَلَو رأيتموهم لقلتم مجانين (قد لج بِي الغرام حَتَّى قَالُوا ... قد جن بهم وَهَكَذَا البلبال) (الْمَوْت إِذا رَضِيتُمْ سلسال ... فِي مثل هَوَاك ترخص الْآجَال) كَانَت رَابِعَة تَقول لقد طَالَتْ عَليّ الْأَيَّام والليالي بالشوق إِلَى الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 (أمرت عَنْك بصبر ... وَلَيْسَ لي عَنْك صَبر) (يَا آمري بالتسلي ... مَا لي مَعَ الشوق أَمر) قَالَ الشبلي رَأَيْت جَارِيَة حبشية فَقلت من أَيْن قَالَت من عِنْد الحبيب قلت وَإِلَى أَيْن قَالَت إِلَى الحبيب قلت مَا تريدين من الحبيب قَالَت الحبيب (وجدي بكم وصفو ودي لكم ... وَالْقلب فمذ نأيتم عنْدكُمْ) (عَيْني عين لبعدكم بعدكم ... لَو شَقوا قلبِي لما رَأَوْا غَيْركُمْ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 الْفَصْل الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ يَا هَذَا اشتغلت بفنون تعليلك عَن ذكر تحويلك وستسلب من أَخِيك وخليلك وعَلى تخبيطك وتخييلك (كَأَنَّك بالمضي إِلَى سَبِيلك ... وَقد جد المجهز فِي رحيلك) (وَجِيء بغاسل فاستعجلوه ... بقَوْلهمْ لَهُ أفرغ من غسيلك) (وَلم تحمل سوى كفن وقطن ... إِلَيْهِم من كثيرك أَو قليلك) (وَقد مد الرِّجَال إِلَيْك نعشا ... فَأَنت عَلَيْهِ مَمْدُود بطولك) (وصلوا ثمَّ أَنهم تداعوا ... لحملك فِي بكورك أَو أصيلك) (وَلما أسلموك نزلت قبرك ... وَمن لَك بالسلامة فِي نزولك) (أعانك يَوْم تدخله رَحِيم ... رؤف بالعباد على دخولك) (فَسَوف تجاور الْمَوْتَى طَويلا ... فَدَعْنِي من قصيرك أَو طويلك) (أخي إِنِّي نَصَحْتُك فاستمع لي ... وَبِاللَّهِ استعنت على قبولك) (أَلَسْت ترى المنايا كل يَوْم ... تصيبك فِي أَخِيك وَفِي خَلِيلك) أخواني مَا من الْمَوْت بُد بَاب الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا قد سد كم قد فِي الْقَبْر قد قد كم خد فِي الْأُخْدُود خد يَا من ذنُوبه لَا تحصى إِن شَككت عد يَا من أَتَى بَاب الْإِنَابَة كَاذِبًا فَرد لقد حملت على نَفسك مَا يثقلها فحسبك مَا قد مضى أتقتلها يَا طول سفرة الْمَوْت أَولهَا أَيْن جزع النَّفس أَيْن تململها كَأَنَّهَا بِالْمرضِ قد نزل يزلزلها وَبعث إِلَيْهَا رائد الأسف يستعجلها الحذر الحذر فقد فَوق السِّهَام مرسلها الدروع الدروع فقد جلى السيوف صيقلها مَا هَذِه الْخِصَال المذمومة أتؤثر الْعُقُول لَذَّة مَسْمُومَة مَا هَذَا الْحِرْص والأرزاق مقسومة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 أنسيت يَوْم تنشر الصُّحُف المختومة أما تعلم أَنَّهَا ستظهر قبائح مكتومة يَا لَهَا لوعظة بَين المواعظ كالأيام الْمَعْلُومَة أحسن من اللألئ المنثورة وأعجب من الْعُقُود الْمَنْظُومَة الْعلم وَالْعَمَل توءمان أمهما علو الهمة أَيهَا الْمعلم تثبت على المبتدى {وَقدر فِي السرد} فللعالم رسوخ وللمتعلم قلق وَيَا أَيهَا الطَّالِب تواضع فِي الطّلب فَإِن التُّرَاب بَينا هُوَ تَحت الأخمص صَار طهُور للْوَجْه السهر مرقي إِلَى أطيب مرقد (الْهون فِي طلب الهوينا كامن ... وجلالة الأخطار فِي الأخطار) قلب الْعَالم بَحر مَا للجنة قَرَار إِذا نزل غواص الْفِكر ترقى إِلَى سَاحل اللِّسَان قدر الْإِمْكَان مياه الْمعَانِي مخزونة فِي صدر الْعَالم تفتح لزرع قلبه سيحا بعد سيح ويدخر أصفاها قوتا للروح فَإِذا تكاثرت عَلَيْهِ صَاح السَّيْل الْعَالم ينْفخ فِي صور فِيهِ بِعِبَارَة التخويف فَيَمُوت هوى الْمعاصِي ثمَّ ينْفخ فِي صور التشويق فيحيي روح الْمعرفَة فَيخرج التائب من قبر غفلته فِي كفن يقظته وَقد بدلت الأَرْض غير الأَرْض فَيفتح لَهُ رضوَان الرِّضَا بَاب جنَّة الْوَصْل لَا تظنوا الْعَالم شخصا وَاحِدًا الْعَالم عَالم تصانيف الْعَالم أَوْلَاده المخلدون دون أَوْلَاده من خلق للْعلم شف جوهره من الصغر فتراه ينْفق فِي الْجد بضَاعَة الشبيبة ويسابق سائق الْعَجز يصل الكدود ليله بنهاره كدود القز فِي زمَان الشدَّة فَإِذا امْتَلَأَ وعَاء قلبه بِمَا وعى نسج الْفَهم فِي زَوَايَا الذِّهْن من الْمعَانِي المستنبطة نسج القز فَإِذا رأى عُريَانا من الْعلم فَأَرَادَ كسوته بعث الْفِكر فسل من لطائف اللطف طاقات ثمَّ أرسلها إِلَى صانع الْقُوَّة فَبَالغ فِي تحسينها وتأنق فِي تلوينها ثمَّ ينسجها اللِّسَان على منوال البلاغة فتظهر رقوم نقوشها عَن شدود عقدتها الفطن الْبَاطِنَة فَإِذا الثَّوْب نَسِيج وَحده وَمثل تِلْكَ المطارف الطرائف لَا تبتذل إِلَّا فِي عيد مجْلِس الذّكر لَيْسَ كل من ربى دود القز سلالا وَلَا كل قزاز سقلا طونيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 آه من اشْتِرَاك الْأَسْمَاء وتلقيب القصدير بِالْبيعِ لَيْسَ كل مَعْدن عرق الذَّهَب وَلَا فِي بطن كل غزال مسك لَيْسَ من عَام فِي قَرَار الْبَحْر حَتَّى وَقع بالدر الْيَتِيم كمن قعد على السَّاحِل يجمع الصدف أُمَرَاء الْعبارَات رعية لفصاحتي ويك إِنَّه كيل بِلَا ثمن سقى فصاحتي سيح فقد تضاعفت عَليّ زَكَاة الشُّكْر سَافر لَفْظِي بِبَضَائِع فكري من أَرض قلبِي إِلَى بادية فمي فَسلم سلع النُّطْق إِلَى منادى لساني هَيْهَات فواكه الْأَلْفَاظ اللذيذة فِي مذاق الأفهام السليمة لَيْسَ لَهَا ثمن فَهُوَ يعرضهَا فِي موسم النصح على تجار الْإِرَادَة فَمن مِنْكُم يَشْتَرِي حِكْمَة بِقبُول قد يرى علو مَكَاني وينسى الدرج كم قد خضت بحرا ملحا حَتَّى وَقعت بعذب كم قطعت مهمها وحدي حَتَّى سميت بِالدَّلِيلِ أنضيت مركب الْجِسْم ورفضت شهوات الْحس وواصلت اللَّيْل بِالنَّهَارِ فِي الْجد وَأوقدت فِي دجى الْهوى نَار الصَّبْر فَإِن وثقتم بأمانتي فَهَذَا تَخْيِير الشِّرَاء (شربت لأغلالي رحيقا بسلسال ... من الشاهق العالي على غير تصريد) (فَأَصْبَحت نشوانا من الشّرْب سكرانا ... وأطرب أَحْيَانًا بِلَا نَغمَة الْعود) (وَكم جبت من وَاد وسرت بِلَا حاد ... وَبت بِلَا زَاد سوى ذكر معبودي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 الْفَصْل الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ كم تنذر الدُّنْيَا وَمَا تسمع وَكم تؤنس محبها من وَصلهَا ويطمع فالعجب من فطن غره سراب يلمع (يَأْتِي على النَّاس اصباح وامساء ... وكلنَا لصروف الدَّهْر نسَاء) (خسست يَا دَار دُنْيَانَا وربتما ... يرضى الخسيسة أوباش أخساء) (إِذا تعطفت يَوْمًا كنت قاسية ... وَإِن نظرت بِعَين فَهِيَ شوساء) (وَقد نطقت بأصناف العظات لنا ... وَأَنت فِيمَا يراك النَّاس خرساء) (أَيْن الْمُلُوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك وَمن ... كَانَت لَهُم عزة فِي الْملك قعساء) (نالوا يَسِيرا من اللَّذَّات وَارْتَحَلُوا ... برغمهم فَإِذا النعماء بأساء) الدُّنْيَا دَار كدر بذلك جرى الْقدر فَإِن صفا عَيْش لَحْظَة ندر ثمَّ عَاد التَّخْلِيط فيذر الْوُرُود فِيهَا كالصدر وَدم قتيلها هدر (الْمَرْء من دُنْيَاهُ فِي كلف ... ومآله فِيهَا إِلَى التّلف) (وَلكُل شَيْء فَائت خلف ... وحياتنا فَوت بِلَا خلف) يَا لاحقا بآبائه وأمهاته لَا بُد أَن يصير الطلا إِلَى مهاته يَا من جلّ همته شغل خياطه وطهاته يغلبه الْهوى وَهُوَ غَالب دهاته إِن كَانَ لَك عذر فِي تفريطك فهاته أخواني مر الزَّمَان وعظ الْأَلْبَاب وَيَكْفِي فِي الْإِنْذَار موت الْأَصْحَاب كم ترى فِي التُّرَاب من أتراب أغمدت تِلْكَ السيوف فِي شَرّ قرَاب تناولتهم يَد البلى من كف استلاب وَيحك ضِيَاء الدُّنْيَا ضباب وشراب الْهوى سراب أترضى أَن يُقَال قد خَابَ أما لهَذَا عنْدك جَوَاب كلما دَخَلنَا من بَاب خرجت من بَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 للشريف الرضى (أذكر تصاب والمشيب نقاب ... وَغير الغواني للمشيب صِحَاب) (أومل مَا لَا يبلغ الْعُمر بعضه ... كَانَ الَّذِي بعد المشيب شباب) (وَطعم لبازي الْمَوْت لَا شكّ مهجتي ... اسف على رَأْسِي فطار غراب) (واثقل مَحْمُول على الْعين مَاؤُهَا ... إِذا بَان أحباب وَعز إياب) لله در أَقوام علمُوا قرب الرحيل فهيئوا آلَة السّفر وهونوا بالدنيا فقنعوا مِنْهَا مِمَّا حضر واستوثقوا بقفل التَّقْوَى من أَذَى النُّطْق وَالنَّظَر مَا لَك خبر بحالهم وَلَا عنْدك مِنْهُم خبر قَامُوا فِي الْجد وَقَعَدت وسهروا فِي الدجى ورقدت طالما نصبوا فِي خدمَة الْمَالِك وناقشوا أنفسهم مناقشة مماحك وآثروا بالزاد فزادوا على البرامك واختبروا بالبلى كالتبر عَن السابك هَذِه طريقهم فَأَيْنَ السالك أترضى بالتأخر عَنْهُم هَذَا برائك كَأَنَّك بهم وَقد دخلت على الملاء الملائك كل يَا من لم يَأْكُل هَذَا بذلك لما أريدوا افيدوا لما شكروا الْمُنعم زيدوا وَلَو فتروا عَن التَّعَبُّد قيدوا نَام الْعَلَاء بن زِيَاد لَيْلَة عَن ورده فجذب فِي نَومه بناصيته وَقيل لَهُ قُم إِلَى صَلَاتك فَمَا زَالَت الْأَخْبَار قَائِمَة فِي حَيَاته {نَحن جعلناها تذكرة} قَالَ أَبُو سُلَيْمَان غلبتني عَيْني فَإِذا أَنا بالحوراء قد ركضتي برجلها وَهِي تَقول أترقد عَيْنَاك وَالْملك يقظان قَالَ ونمت لَيْلَة أُخْرَى وَإِذا بهَا توقظني وَتقول أتنام وَأَنا أرتي لَك فِي الْخُدُور مُنْذُ خَمْسمِائَة عَام للنابغة الذبياني (أَقُول والنجم قد مَالَتْ أواخره ... إِلَى المغيب تبين نظرة حَار) (ألمحة من سنا برق رأى بَصرِي ... أم وَجه نعم بدالي أم سنا نَار) (أنبئت نعما على الهجران عاتبة ... سقيا ورعيا لذاك العاتب الزاري) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 قُلُوب الْقَوْم فِي الدجى قلقة وأفئدتهم من الْخَوْف محترقة والنفوس من هجر الحبيب فرقة وجفونهم من الْبكاء غرقة وعروق الْمحبَّة فِي سويدائهم علقَة وشفاههم بكأس الْمُنَاجَاة مصطحبة مغتبقة والآمال إِلَيْهِ كل وَقت منطلقة وَمَا عَادَتْ قطّ إِلَّا وَهِي بالرجاء عبقة (قل للمقيمين على وَادي الْحمى ... عني إِذا أتيتهم مُسلما) (قد صَار طيب الْعَيْش مذ فارقتكم ... على من بعدكم محرما) (وكل شهد ذقته فِي وصلكم ... قد عَاد من بعد الْفِرَاق علقما) (لَا عَيْش لي إِن غبتم عَن ناظري ... وَإِن حضرتم رُبمَا وَرُبمَا) (إِن سألوك عَن سقام قد رثى ... لي فِيهِ أهل الأَرْض مَعَ أهل السما) (فَقل لَهُم مَا يشتكي من سقم ... لِأَنَّهُ يذكر فِيهِ المسقما) واحسرة من مضوا وخلفوا لقد استبدل بالعسل الْخلّ فوه آه على عَيْش ولى وَلَا عودة وعَلى حاد سرى وَلَا وَقْفَة تالله لَو ضارت الْعين عينا مَا وفت للمهيار (يَا لنسيم سحر بحاجز ... ردَّتْ بِهِ عهد الصِّبَا ريح الصِّبَا) (سل من يدل الناشدين بالغضا ... على الطَّرِيق وَيرد السلبا) (أراجع لي والمنى هلهلة ... وطالع نجم زمَان غربا) (إِذا اطمأنت أضلعي تذكرت ... نواك فاهتزت جوى لَا طَربا) تالله مَا تعشق الْأَمَاكِن لذاتها بل لسابق لذاتها لَك يَا منَازِل فِي الْقُلُوب منَازِل للمعاهد عهد عِنْد المعاهدة كلما تذكره الصب صب الدُّمُوع للمتنبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 (وَمَا شرقى بِالْمَاءِ إِلَّا تذكرا ... لماء بِهِ أهل الحبيب نزُول) (وَمَا عِشْت من بعد الْأَحِبَّة سلوة ... ولكنني للنائبات حمول) (أما فِي النُّجُوم السائرات وَغَيرهَا ... لعَيْنِي على ضوء الصَّباح دَلِيل) أعرف النَّاس بِالطَّرِيقِ من قد سلك إِذا ذكرت منَازِل مَكَّة حن الْحَاج للمهيار (وَإِذا هَب صبا أَرْضكُم ... حملت ترب الغضى بانا ورندا) (رد لي يَوْمًا على وَادي منى ... إِن قضى الله لأمر فَاتَ ردا) (عجبا لي كَيفَ أبقى بعدهمْ ... غير أَن قد خلق الْإِنْسَان جلدا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 الْفَصْل السَّادِس وَالتِّسْعُونَ يَا من قد ملكته نَفسه وغلبه حسه وَقد دنا حَبسه وستكف خمسه وَلَقَد أنذره جنسه عَاتب نَفسك لَعَلَّهَا ترعوي وَسلمهَا إِلَى رائض الْعلم عساها تستوي أحضر دستور المحاسبة وحاسبها واندبها إِلَى الْخَيْر فَإِن أَبَت فاندبها للْمُصَنف (يَا وَيْح نفس رضيت بِالسقمِ ... وفرطت فِي عمر منصرم) (تستر باللهو وتنس حتفها ... وتؤثر الْبعد على التَّقَدُّم) (وَكلما أَصبَحت أبْكِي فعلهَا ... أضحت عنادا لي فِي تَبَسم) (تفرح بالفاني فَمَا تطلب مَا ... يبْقى لَهَا فَمن يكون حكمي) (أَقُول يَا نفس اتقِي من لم يزل ... معروفه يفوق وكف الديم) (كم من ذنُوب لَك قد سترهَا ... وَعَاد بِالْفَضْلِ وبالتكرم) (وَكم لَهُ من نعْمَة جاد بهَا ... وَكم وَكم أولاك طيب أنعم) (كم واعظ فِي كل يَوْم زاجر ... وَكم نَذِير زائر مُسلم) (وَكم يناديك لِسَان عِبْرَة ... وَأَنت عَن قَول الْهدى فِي صمم) (أَيْن الَّذين شيدوا واحترسوا ... وَأَيْنَ من كَانَ كثير النعم) (مضى الْجَمِيع هَل ترى من أثر ... لَهُم وصاروا فِي بيُوت الظُّلم) (تبدلوا بالترب تربا كلهم ... فِي قَعْر لحد ضيق منهدم) (تفصلت عظامهم وحصلت ... أَعْمَالهم واصبحوا كَالْعدمِ) (وباشروا التُّرَاب بعد ترف ... وَشرف وحجب وخدم) (وسرر ودرى وطرف ... وتحف وصولة وكرم) (وَلَذَّة فِي شَهْوَة لذيذة ... وَعزة فِي عَزمَة وهمم) (لَو قيل قُولُوا مَا مناكم طلبُوا ... حَيَاة يَوْم ليتوبوا فَاعْلَم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 (وَيحك يَا نفس أَلا تيقظ ... ينفع قبل أَن تزل قدمي) (مضى الزَّمَان فِي توان وَهوى ... فاستدركي مَا قد بَقِي واغتنمي) (انتظري الْمَوْت سَيَأْتِي بَغْتَة ... وَأَنت بَين أَسف وَنَدم) (وَحرق وَفرق وحسرة ... وفيض دمع الْعين فِي تسجم) (وترحلين عَن ديار ألفة ... فانتبهي من رقدات النّوم) (من لي إِذا نزلت لحدا مظلما ... هَذَا وَكم من نَازل لم يسلم) (من لي إِذا قَرَأت مَا أمليته ... أقبح مسطور جرى بالقلم) (من لي إِذا أزعج قلبِي حسرة ... وَهل ترى يشفى بفوزي ألمي) (كَيفَ الْخَلَاص وَالْكتاب قد حوى ... كل فعالي وَجَمِيع كلمي) (يَا نفس فَازَ الصالحون بالتقى ... فَأَبْصرُوا الرشد وقلبي قد عمي) (يَا حسنهم وَاللَّيْل قد جنهم ... ونورهم يفوق نور الأنجم) (ترنموا بِالذكر فِي ليلهم ... فعيشهم قد طَابَ بالترنم) (قُلُوبهم للذّكر قد تفرغت ... دموعهم كلؤلؤ مُنْتَظم) (أسحارهم بهم لَهُم قد أشرقت ... وخلع الغفران خير الْقسم) (سَار وأوعدت عَن طَرِيق وَاضح ... دلّ على الرشد دَلِيل الْعلم) (دَعْنِي أبْكِي مَا حييت أبدا ... فَحق لي أبْكِي فَلَا لَا تلم) يَا عجبا لَك تتسمى باسم تَاجر وتخاصم على الدِّرْهَم وتشاجر وتصابر لربح القيراط الهواجر وتغضب لأجل الْجُبَّة وتهاجر وترضى فِي أفعالك باسم فَاجر أما لَك من عقلك ناه وَلَا زاجر يَا من نَومه كثير وانتباهه نَادِر إِن دعيت إِلَى التَّوْبَة سوفتها وَإِن قُمْت إِلَى الصلوة سففتها وَإِن لَاحَ وَجه الدُّنْيَا ترشفتها أما هِيَ دَار بلغَة لضيفها تضيفتها أَو لَيْسَ قد شبت وَمَا عرفتها كم بادية فِي أرباح غير بادية تعسفتها لقد استشعرت محبتها أَي وَالله والتحفتها تالله لَو علمت جناياتها لعفتها أنسيت تِلْكَ الذُّنُوب الَّتِي أسلفتها آه لبضائع عمر بذرت فِيهَا وأتلفتها كم تعد بالإنابة وكل الوعود أخلفتها فَمَا تلين قناتك لغامز وَلَا ترى مَا تشْتَهي فَتَجَاوز وَيحك بَين يَديك أهوال وهزاهز كم تقوم وَلَا تستوي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 يُغير الغرائز إبك لما بك واندب فِي شيبك على شبابك وتأهب لسيف الْمنون فقد علق الشبابك (قد كَانَ عمرك ميلًا ... فَأصْبح الْميل شبْرًا) (وَأصْبح الشبر عقدا ... فاحفر لنَفسك قبرا) عجبا للطرف كَيفَ اغتمض ولمكلف مَا أدّى المفترض يَا من كلما بنى على أَن يلوذ بِنَا نقض يَا من إِذا أدّى حَقًا فعلى مضض يَا من إِذا لَاحَ لَهُ صيد الفاني جد وركض يَا من إِذا قدر على جيفة الْهوى جثم وربض يَا مَشْغُولًا عَن الْجَوْهَر بفاني الْعرض إِيثَار مَا يفنى على يَا يبْقى أَشد الْمَرَض (أَلا يَا غافلا تحصى عَلَيْهِ ... من الْعَمَل الصَّغِيرَة والكبيرة) (يصاح بِهِ وينذر كل يَوْم ... وَقد أنسته غفلته مصيره) (تأهب للرحيل فقد تدانى ... وأنذرك الرحيل أَخ وجيره) (وَكم ذَنْب أتيت على بصيره ... وعينك بِالَّذِي تَأتي قريره) (تحاذر أَن تراك هُنَاكَ عين ... وَإِن عَلَيْك للعين البصيره) (وَكم من مدْخل لومت فِيهِ ... لَكُنْت بِهِ نكالا فِي العشيره) (وقيت السوء وَالْمَكْرُوه مِنْهُ ... ورحت بِنِعْمَة فِيهِ ستيره) هَذَا حادي الْمَمَات قد أسْرع هَذِه سيوف الملمات تلمع هَذِه قُصُور الأقران بلقع إِن وصلت الدُّنْيَا فعلى نِيَّة أَن تقطع وَإِن بذلت فعلى عزم أَن تمنع أفيها حِيلَة أم فِي وَصلهَا مطمع يَا معرقا فِي البلى قل لي لمن تجمع إِذا خلوت وتخليت فَكيف تصنع أَتَرَى أَنْت عندنَا أَو مَا تسمع يَا مَحْبُوسًا فِي سجن هَوَاهُ مَتى تتخلص لَو عرفتنا ألفتنا لنا أحباب لَهُم ألباب هم اللّبَاب شغلهمْ على الدَّوَام الْمِحْرَاب حاضرون مَعكُمْ بالأبدان وبالقلوب غياب (وشغلت عَن فهم الحَدِيث سوى ... مَا كَانَ مِنْك فَإِنَّهُ شغلي) (وأديم نَحْو محدثي نَظَرِي ... إِنِّي قد فهمت وعندكم عَقْلِي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 مَا نَالَ الصالحون مَا نالوا إِلَّا بترك مَا نطلبه وَمَا نالوا كَانَت هممهم فِي طلب الْفَضَائِل تغلي فِي الْقُلُوب غليان مَا فِي الْقُدُور تخايل الْقَوْم لَذَّة الثَّوَاب فسهلت عَلَيْهِم مرارات الصَّبْر وتصوروا خُلُود الْأَبدَان فهان عَلَيْهِم بذل النُّفُوس جدوا فِي الْجد فَمَا سكنوا حَتَّى سكنوا الْجنَّة وراحة الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا صفر من رَاحَة فَلَو رَأَيْتهمْ فِي الْجنان يسرحون منطلقين فِي أغراضهم يمرحون لَا يَدْرُونَ بِأَيّ مَطْلُوب يفرحون أبالنجاه من النيرَان أم بالخلود فِي الْجنان أم بالخيرات الحسان أم برضى المليك الديَّان لقد نالوا بالمراد مَا لم يكن فِي الحسبان من تلمح جولان مُضْمر الصَّبْر فِي لذيذ الْعَافِيَة وفرحة الْمُفطر بعد انصاب الصَّوْم وَتَنَاول العذب بعد عَذَاب الظما وسلامة الغريق بعد الإغراق فِي أَذَى الْأَذَى وخلاص التَّجر من مصر ماصر المكس وتلاقي الأحباب على بَاب الطول بعد طول الْفِرَاق راى من قُوَّة قُرَّة الْعين مَا لَا يدْخل تَحت قِيَاس بعد أَن حدق ياس وَقد وَصفنَا مَا حصل للْقَوْم وَجُمْلَة المبذول من الثّمن {بِمَا صَبَرْتُمْ} (قف بالمحصب واسئل أَيهَا الرجل ... تِلْكَ الرسوم عَن الأحباب مَا فعلوا) (فَمَا اسائل عَن آثَارهم أحدا ... إِلَّا أجَاب غراب الْبَين قد رحلوا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 الْفَصْل السَّابِع وَالتِّسْعُونَ من ركب الْهوى هوى بِهِ وَالنَّفس إِذا اسْتعْملت التَّقْوَى تقوى بِهِ (إِن كنت يَا صَاح لبيبا حازما ... فَكُن لأسباب الْهوى مراغما) (لَا تهو دنياك فَإِن حبها ... رَأس الْخَطَايَا تكسب المآتما) (غرارة فَكل من حلت لَهُ ... لَا بُد أَن تذيقه العلاقما) (وَإِنَّمَا تخْدم من أهاتها ... كَمَا تهين من أَتَاهَا خَادِمًا) (فَكُن بهَا مثل غَرِيب مصلح ... أزواده على الرحيل عَازِمًا) (وبادر الْأَيَّام قبل فَوتهَا ... مخاصما للنَّفس أَو مسالما) (فَإِنَّمَا عمر الْفَتى سوق لَهُ ... يروح عَنْهَا خاسرا أَو غانما) يَا من يخطي على نَفسه ويقترف مَتى تندم وتعترف يَا من بحب العاجل قد كلف ستعلم غَدا جفن من يكف يَا مَحْبُوسًا فِي سجن الْهوى لَو ارعوى أنف يَا مترددا فِي التَّوْبَة سارع وَلَا تقف إِلَى مَتى أعمالك كلهَا قباح إِلَى كم فَسَاد مَتى يكون الصّلاح ستفارق هَذِه الأجساد الْأَرْوَاح أما فِي غدو وَإِمَّا فِي رواح سيفنى هَذَا الْمسَاء والصباح وسيخلو البلى بالوجوه الصَّباح أَفِي هَذَا شكّ وَالْأَمر صراح أَيْن شَارِب الراح رَاح إِلَى قبر تسفي عَلَيْهِ الرِّيَاح خلى للبلى والدود مُبَاح لَهما اغتباق بِهِ ثمَّ اصطباح عَلَيْهِ نطاق من التُّرَاب ووشاح عنوانه لَا يزَال مَفْهُومه لَا براح مَشْغُول عَمَّن بَكَى عَلَيْهِ وناح أما هَذَا لنا عَن قَلِيل إِنَّا لوقاح كَأَنَّك بِملك الْمَوْت قد صَوت بِالروحِ وَرَاح فتأهب للنقلة على غَفلَة (لم إدر بالبين حَتَّى أزمعوا ظعنا ... كل الْجمال قبيل الصُّبْح مزموم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 هَذَا حادي الرحيل قد استعجلكم فالبدار البدار خلوا كسلكم ودعوا التواني فالتواني قد قتلكم وآ أسفي سبق الصالحون فَمَاذَا شغلكم فستذكرون مَا أَقُول لكم (مَا على حادي المطايا لَو ترفق ... ريثما أسكب دمعي ثمَّ أعنق) (يَا فؤادا كلما قلت خبت ... ناره ألهبه الوجد فَأحرق) (ذَلِك الْعَيْش الَّذِي فَاتَ بِهِ ... سائق الدَّهْر فولى أَيْن يلْحق) (زَالَ إِلَّا خطرة من ذكره ... كَاد إنساني لَهَا بالدمع يشرق) (يلذع الْقلب إِذا غنى على ... فنن أَو ناح قمري مطوق) يَا معدودا مَعَ الشيب فِي الصّبيان يَا مَحْبُوسًا مَعَ البصراء فِي العميان يَا وَاقِفًا فِي المَاء وَهُوَ ظمآن يَا عَارِفًا بِالطَّرِيقِ وَهُوَ حيران أما وعظت بآي الْقُرْآن أما زجرت بناي الأقران أما تعْتَبر بصروف الزَّمَان أتعمر الْمنزل وعَلى الرحيل السكان أما يَكْفِي وعظ {كل من عَلَيْهَا فان} تُسَافِر بِبَضَائِع الْأَمَانَة وَمَا تنزل إِلَّا فِي خَان من خَان أفعالك كلهَا مَكْتُوبَة فيا لَيْت مَا كَانَ مَا كَانَ تدفن الْمَيِّت وَلَا وعظ كالعيان ثمَّ تعود غافلا يَا قرب ذَا النسْيَان وَيحك أما تَدْرِي أَن الْهوى هوان {ألم أَعهد إِلَيْكُم يَا بني آدم أَن لَا تعبدوا الشَّيْطَان} (نراع إِذا الْجَنَائِز قابلتنا ... ونسكن حِين تخفى ذاهبات) (كروعة ثلة لظُهُور ذِئْب ... فَلَمَّا غَابَ عَادَتْ راتعات) يَا مستأنسا بِظِل متقلص يَا حَرِيصًا على الْهوى وَالْمَوْت عَلَيْهِ يحرص يَا من إِذا كال فمطفف وَإِن وزن فمتلصص مَا تتخلص من معامل وَهُوَ عِنْد الله متخلص تفكر فِيمَن أصبح مَسْرُورا فأمسى وَهُوَ متنغص وَمَتى ازددت لَذَّة فاذكر قبلهَا المنغص حاسب نَفسك وَخذ على يَديهَا لَا ترخص حَائِط الْبَاطِن خراب فلماذا تجصص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 يَا بن آدم أَنْت بَين ذَنْب لَا تَدْرِي أَغفر وحسنة لَا تَدْرِي أَقبلت فَأَيْنَ الانزعاج لما سترت عَن الصَّالِحين العواقب استراحوا إِلَى الأحزان وفزعوا إِلَى الْبكاء كَانُوا يتزاورون فَلَا تجْرِي فِي خلْوَة الزِّيَارَة إِلَّا دموع الحذر كَانَ أَشْعَث الْحَرَّانِي يزور حبيب العجمي فيبكيان طول النَّهَار (باحت بسري فِي الْهوى أدمعي ... ودلت الواشي على موضعي) (يَا قوم إِن كُنْتُم على مذهبي ... فِي الوجد والحزن فنوحوا معي) (يحِق لي أبْكِي على زلتي ... فَلَا تلوموني على أدمعي) أخواني أَتَدْرُونَ مَا أقلق هَذَا التائب أعلمتم مَا أقدم هَذَا الْغَائِب (سرى نسيم الصِّبَا من حاجر فصبا ... فَبَاتَ يشكو إِلَى أنفاسه الوصبا) (مَا يبرح البارق والنجدي يذكرهُ ... نجدا ويلهيه وجدا إِذا التهبا) يحِق لمن رأى الراحلين إِلَى الحبيب وَهُوَ قَاعد أَن يبكي وَلمن سمع بأخبار الواصلين وَهُوَ متباعد أَن يقلق (أبْصر الركب على الْجزع ضحى ... فتوالى دمعه منسفحا) (يَا خليلي بجرعاء الْحمى ... سَائِلًا من حل ذَاك الأبطحا) (وخذا عني أَحَادِيث الغضا ... بخل الرَّاوِي بهَا أَو سَمحا) (واستملاها بدمعي واكتبا ... عَن أخي الشوق إِذا مَا شرحا) (وَإِذا هَب الصِّبَا قولا لَهُ ... عد فقد هيجت قلبا مَا صَحا) (يَا أهل الْحَيّ من كاظمة ... عَاد مَسْتُور الْهوى مفتضحا) إِذا رَأَيْتُمْ قلقا فارحموه وَإِذا شاهدتم باكيا فوافقوه وَإِذا عاينتم واجدا فاتركوه (خَلِّنِي من العذل ... مَا الْفُؤَاد من قبلي) (لَا تسل فَفِي كَبِدِي ... شعلة من الشعل) يَا أَطْفَال الْهوى أَيْن أَنْتُم وَالرِّجَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 (كم من حث وَمَا أرى غير بطا ... لَو حركت الْعَزْم نحونا فضل خطا) (تعصى قصدا وتدعيه غَلطا ... تصمي عمدا وتزعم الْقَتْل خطا) يَا هَذَا إِذا هَمَمْت بِخَير فبادر لِئَلَّا تغلب وَإِذا هَمَمْت بشر فَسَوف هَوَاك لَعَلَّك تغلب ثقف نَفسك بالآداب قبل صُحْبَة الْمُلُوك فَإِن سياسة الْأَخْلَاق مراقي الْمَعَالِي قَالَ بزرجمهر أخذت من كل شَيْء أحسن مَا فِيهِ حَتَّى من الْكَلْب والهر والغراب قيل مَا أخذت من الْكَلْب قَالَ ذبه عَن حريمه وإلفه لأَهله قيل فَمَا أخذت من الهر قَالَ رفقها عِنْد المسئلة ولين صياحها قيل وَمن الْغُرَاب قَالَ شدَّة حذره لَوْلَا سخط نفس أبي بكر عَلَيْهِ لمفارقة هَواهَا مَا نَالَ مرتبَة أَنا عَنْك رَاض لَوْلَا عرى أويس مَا لبس حلَّة يشفع مثل ربيعَة وَمُضر يَا كثير الذُّنُوب مَتى تقضي يَا مُقيما وَهُوَ فِي الْمَعْنى يمْضِي أترك الْهوى مَحْمُودًا قبل أَن يتركك مذموما إِن فاتتك قصبات السَّبق فِي الزّهْد فَلَا تفوتنك سَاعَات النَّدَم فِي التَّوْبَة يَا من كلما حرك إِلَى الْجد الْجد سَوف يَا من شدد عَلَيْهِ الْوَعيد وَمَا تخوف يَا مَرِيض الْهوى بل يَا مدنف إِن كنت لَا تعرف الدَّوَاء فالطبيب قد عرف هَذَا مُمكن النصائح ثمَّ أَنْت بِنَفْسِك أعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 الْفَصْل الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ أخواني من عرف مَا بَين يَدَيْهِ لم يُؤثر الْهوى وَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وَمن تفكر فِي رحيل من كَانَ لَدَيْهِ صَار النهوض للتزود مُتَعَيّنا عَلَيْهِ (رَحل الْأَحِبَّة عَن دِيَارهمْ ... أَهْون بِمَا أخذُوا وَمَا تركُوا) (وَعلمت أَيْن مضى الخليط فَمَا ... أَنا بالمبالي أَيَّة سلكوا) (ونفوسنا كحمائم وقفت ... للصائدين ودونها الشبك) (متضربات فِي حبائلها ... وَهِي جنَاح ضمه الشّرك) (أَن الْمُلُوك إِذا هم احتضروا ... ودوا هُنَالك أَنهم نسكوا) كم فَرح بِشَهْر وإهلاله متهلل لرؤية هلاله إختطفه الْمَوْت فِي خلاله كم مائل إِلَى جمع مَاله تَركه تَرِكَة وَمر باثقاله هَل رحم الْمَوْت مَرِيضا لضعف أوصاله هَل ترك كاسبا لأجل أطفاله هَل أمْهل ذَا عِيَال من جرا عِيَاله كم رَاع قصرا وَمَا رَاعى عَن ابطاله كم أشرف على شرِيف فَلم ينظر فِي خلاله كم خرق درعا نبيلا بِوَقع نباله كم أيتم طفْلا صَغِيرا وَلم يباله كم شدّ نفسا فِي سَعَة نعاماه وشماله كم بعث عليلا إِلَى البلى بعد التراقي إِلَى إبلاله فرقى روحه إِلَى التراقي وَلم ينظر فِي حَاله (أَلَيْسَ إِلَى الْآجَال نهوى وخلفنا ... من الْمَوْت حاد لَا يغب عجول) (دع الْفِكر فِي حب البقآء وَطوله ... فهمك لَا الْعُمر الْقصير يطول) (وَمن نظر الدُّنْيَا بِعَين حَقِيقَة ... تَيَقّن أَن الْعَيْش سَوف يَزُول) (وَمَا هَذِه الْأَيَّام إِلَّا فوارس ... تطاردنا والنائبات خُيُول) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 بَينا محب الدُّنْيَا فِي اختيال ومرح وَكلما جَاءَ بَابا من أَبْوَابهَا فتح وَكلما عانى أمرا من أمرهَا صلح فَبينا هُوَ لذاته يُدِير الْقدح قدح زناد الْعُمر فِي حراق الْقدح فَمن يسْتَدرك مَا فَاتَ وَمن يداوي مَا جرح (بَيْنَمَا الْمَرْء غافل إِذا أَتَاهُ ... من يَد الْمَوْت سالب لَا يصد) (فتأهب لمَاله كل نفس ... عرضة الْأسر إِنَّمَا الْأَمر جد) إِلَى كم تَعْصِي وتتمرد وأقبح من قبحك أَنَّك تتعمد يَا ردي الْعَزْم يَا سيء الْمَقْصد يَا نقي الثَّوْب وَالْقلب أسود مَا هَذَا الأمل وَلست بمخلد يَا مَسْتُورا على الْقَبِيح أم تجحد أما الطَّرِيق طَوِيلَة فَمَتَى تتزود تخلص من اسر الْهوى فَإنَّك مُقَيّد أتشتري لَذَّة سَاعَة بِعَذَاب سرمد (سَبِيلك فِي الدُّنْيَا سَبِيل مُسَافر ... وَلَا بُد من زَاد لكل مُسَافر) (وَلَا بُد للْإنْسَان من حمل عدَّة ... وَلَا سِيمَا إِن خيف صولة قاهر) يَا مدمن الذُّنُوب مُنْذُ كَانَ غُلَاما علام عولت قل لي علاما أتأمن مأتى من أَتَى حَرَامًا قد ترى مَا حل بهم إِلَيْك قد ترامى أَيْن المجتمعون على خمورهم والندامى كل الْقَوْم فِي قُبُورهم ندامى أما مَا جرى على العصاة يَكْفِي اماما لقد ضيعنا حَدِيثا طَويلا وكلاما مَا أرى إِلَّا دَاء عقاما (يَا لَيْت شعري مَا ادخرت ... ليَوْم بؤسك وافتقارك) (فلتنزلن بمنزل ... تحْتَاج فِيهِ إِلَى إدخارك) (أفنيت عمرك باغترارك ... ومناك فِيهِ بانتظارك) (ونسيت مَا لَا بُد مِنْهُ ... وَكَانَ أولى بادكارك) (وَلَو اعْتبرت بِمَا ترى ... لكفاك علما باعتبارك) (لَك سَاعَة تَأْتِيك من ... سَاعَات ليلك أَو نهارك) (فَتَصِير محتضرا بهَا ... فتهي من قبل احتضارك) (من قبل أَن تقلي وتقصي ... ثمَّ تخرج من دِيَارك) (من قبل أَن يتثاقل ... الزوار عَنْك وَعَن مزارك) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 مَتى تفيق من هَذَا الْمَرَض المراض مَتى تستدرك هَذِه الْأَوْقَات الطوَال العراض يَا عرض الْمنون كَيفَ تبقي الْأَعْرَاض أما الْأَعْمَار فِي كل يَوْم فِي انْقِرَاض لقد نبت قبل شكة السهْم صَكَّة المعراض أما ترى الراحلين مَاضِيا خلف مَاض كم بُنيان ماتم حَتَّى تمّ مأتم وَهَذَا قد استفاض إِن الْمَوْت إِلَيْك كَمَا كَانَ إِلَى أَبَوَيْك فِي ارتكاض إِن لم تقدر على مشارع الصَّالِحين فَرد بَاقِي الْحِيَاض إِن لم يكن لَك ابْن لبون فلتكن بنت مَخَاض إِلَى مَتى وَحَتَّى مَتى أَتعبت الرواض كلما بنينَا نقضت وَلَا بِنَاء مَعَ نقاض يَا من قد بَاعَ نَفسه بلذة سَاعَة بيعا عَن ترَاض لبئس مَا لبست أَتَدْرِي مَا تعتاض يَا عِلّة لَا كالعلل وَيَا مَرضا لَا كالأمراض (لقد أَخْبَرتك الحادثات نُزُولهَا ... ونادتك إِلَّا أَن تسمع ذُو وقر) (تنوح وتبكي للأحبة إِن مضوا ... ونفسك لَا تبْكي وَأَنت على الإثر) يَا مُخَالفا من نَهَاهُ وَأمره يَا مضيعا فِي البطالة عمره الزَّمَان صولجان والعمر كرة الدُّنْيَا بَحر والساحل الْمقْبرَة إحذر نوائبها فَإِن مشاربها كدرة على أَنَّهَا مزرعة يحصد كل مَا بذره فَلَا تحتقر مَعْصِيّة فَرُبمَا أحرقت شررة أما عرفت سر {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} لَو اقتنع اكْتفى وَلَكِن المحنة الشرة أخواني كل مقَاتل لَيْسَ مَعَه سلَاح عزم مغلوب إِذا برز شُجَاع الْيَقَظَة بسلاح الْجد هشم وَجه الأمل وَهزمَ جيوش الزلل إِذا استشعرت النَّفس زرمانقة الزّهْد وَدخلت مترهبنة دير العزوف وجدت أنيس أَنا جليس من ذَكرنِي الْخلْوَة شرك لصيد الموانسة فاخفى الصيادين شخصا وَأَقلهمْ حَرَكَة أَكْثَرهم التقاطا للصَّيْد مَا صَاد هر صَاح وَحل المخالطة يلْزم المتمهذب المتذهب رفع أذيال قَمِيص الدّين قيل لِلْحسنِ مَا بَال المتهجدين بِاللَّيْلِ من أحسن النَّاس وُجُوهًا قَالَ لأَنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 (أبدا نفوس الطالبين ... إِلَى طلولكم تحن) (وَكَذَا الْقُلُوب بذكركم ... بعد المخافة تطمئِن) (جنت بحبكم وَمن ... يهوى يجن وَلَا يجن) (بحياتكم يَا سادتي ... جودوا بوصلكم ومنوا) رحم الله أعظما طالما نصبت وانتصبت جن عَلَيْهَا اللَّيْل فَلَمَّا تمكن وَثَبت وَثَبت إِن ذكرت عدله رهبت وهربت وَإِن تصورت فَضله فرحت وطربت عرفت أذنبت عَن خدمته إِنَّهَا قد أذنبت هبت على قُلُوبهم عقيم الحذر فاقشعرت وندبت فَبَكَتْ عَلَيْهَا سَحَاب الرَّجَاء فاهتزت وربت حَسبك إِن قوما موتى تحيى بذكرهم النُّفُوس وَإِن قوما أَحيَاء تقسو برؤيتهم الْقُلُوب سَلام الله على تِلْكَ الْقُبُور ورضوان الله حَشْو تِلْكَ اللحود (طلول إِذا دمعي شكى الْبَين بَينهَا ... شكى غير ذِي نطق إِلَى غير ذِي فهم) أَمَاكِن تعبدهم باكية ومواطن خلواتهم لفقدهم شاكية زَالَ التَّعَب وَبَقِي الْأجر وَذهب ليل النصب وطلع الْفجْر جَاءَ فِي الحَدِيث تَحت شَجَرَة طُوبَى مستراح العابدين إِنَّمَا يطيب مَكَان الاسْتِرَاحَة بإجراء حَدِيث التَّعَب وَإِنَّمَا يلذ الظل الْبَارِد لمن تأذى بَحر الهجير أخواني مثلُوا الاسْتِرَاحَة تَحت شَجَرَة طُوبَى يهون عَلَيْكُم السّفر إدأبوا فِي السّير فقد لَاحَ الْعلم (لما وردنا الْقَادِسِيَّة ... حَيْثُ مُجْتَمع الرفاق) (وشممت من أَرض الْحجاز ... نسيم أنفاس الْعرَاق) (أيقنت لي وَلمن أحب ... بِجمع شَمل واتفاق) (وضحكت من طيب الْوِصَال ... كَمَا بَكَيْت من الْفِرَاق) (مَا بَيْننَا إِلَّا تصرم ... هَذِه السَّبع الْبَوَاقِي) (حَتَّى يطول حديثنا ... بصنوف مَا كُنَّا نلاقي) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 الْفَصْل التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ يَا هَذَا هون بِأَمْر الدُّنْيَا تهن وَقدر أَنَّهَا قطّ لم تكن واحفظ دينك من مكْرها وصن فَمَتَى وفت وَمَتى لم تخن للمتنبي (لَا تلق دهرك إِلَّا غير مكترث ... مَا دَامَ يصحب فِيهِ روحك الْبدن) (فَمَا يديم سُرُورًا مَا سررت بِهِ ... وَلَا يرد عَلَيْك الْفَائِت الْحزن) (فَمَا أضرّ بِأَهْل الْعِشْق أَنهم ... هووا وَمَا عرفُوا الدُّنْيَا وَلَا فطنوا) (تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم ... فِي أثر كل قَبِيح وَجهه حسن) (تحملوا حملتكم كل نَاحيَة ... فَكل بَين على الْيَوْم مؤتمن) (مَا فِي هوادجكم من مهجتي عوض ... إِن مت شوقا وَلَا فِيهَا لَهَا ثمن) (سهرت بعد رحيلي وَحْشَة لكم ... ثمَّ اسْتمرّ مريري وارعوى الوسن) إِنَّمَا الدُّنْيَا حلم نَائِم وقائلة رَاقِد ومعبر مُعْتَبر وضحكة مستعبر تالله مَا أعجب بمالها من نظر فِي مَالهَا وَلَا بنى قُصُورهَا من عرف غرورها وَلَا مد بَاعَ الأمل فَبَاعَ وشرى بهَا من تذكر مر شرابها إِنَّهَا إِذا طغت على الطَّعَام تطغى وَإِذا بغى نِكَاحهَا على العفاف تبغى وَكَأَنَّهَا تقصد هَلَاك محبها وتبغى وَكم عذلت فِي فتكها بالفتى الْفَتى وتلغى أما دردرها فغرت فَلَمَّا فرغت فغرت فاها فرغت للظعن أما سحبت قُرُون قَارون مَعَ أقرانه إِلَى الْقَرار فِي قرن أما كفكفت بكفها كف مكفوف حبها فأرتك فن مَا يكون فِيك فِي كفن تالله لقد لَقِي الغبي غب غباوته فَلَمَّا انجلى غيهب عيبته رأى الْغبن والغبن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 يَا أَرْبَاب اللمم الشماط الْمَوْت بكم قد أحَاط هَذَا الْعَدو منَازِل فالزموا الرِّبَاط مَا هَذِه الفتور وَمهر الْحور الْجد والنشاط إيَّاكُمْ والزلل فكم من دم أشاط أما سَمِعْتُمْ مُنَادِي {وَتلك الْقرى أهلكناهم} أما ينذركم أَعْلَام {وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك} أما يفصم عرى عزائمكم {وَكم قصمنا من قَرْيَة} أما يقصر من قصوركم {وبئر معطلة وَقصر مشيد} أما سَمِعْتُمْ هَاتِف العبر يُنَادي {فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ} إِذا رَأَيْتُمْ المبارزين بالْخَطَأ قد اتَّسع لَهُم مجَال الْإِمْهَال فَلَا تستعجل لَهُم {أَنما نملي لَهُم} بَينا الْقَوْم على غرور سرورهم {أَخَذْنَاهُم بَغْتَة} يَا سالكي سبيلهم انحرفوا عَن هَذِه الجادة يَا هَذَا ظلمك لنَفسك غَايَة فِي الْقَبِيح إِلَّا أَن ظلمك لغيرك أقبح وَيحك إِن لم تَنْفَع أَخَاك فَلَا تؤذه وَإِن لم تعطه فَلَا تَأْخُذ مِنْهُ لَا تشابهن الْحَيَّة فَإِنَّهَا تَأتي إِلَى الْموضع الَّذِي قد حفره غَيرهَا فتسكنه وَلَا تتمثلن بالعقاب فَإِنَّهُ يتكاسل عَن طلب الرزق ويصعد على مرقب عَال فَأَي طير صَاد صيدا اتبعهُ فَلَا تكون لَهُ همة إِلَّا إِلْقَاء صَيْده والنجاة بِنَفسِهِ فِي الْحَيَوَانَات أخيار وأشرار كبني آدم فالتقط خير الْخلال وخل خسيسها وَلَا تكن العصافير احسن مِنْك مروة إِذا أوذي أَحدهَا صَاح فاجتمعن لنصرته وَإِذا وَقع فرخها طرن حوله يعلمنه الطيران يَا هَذَا تخلق فِي إِعَانَة الأخوان بِخلق النملة فَإِنَّهَا قد تَجِد جَرَادَة لَا تطِيق حملهَا فتعود مستغيثة بأخواتها فترى خلفهَا كالخيط الْأسود قد جئن لإعانتها فَإِذا وصلن بالمحمول إِلَى بَيتهَا رفهنه عَلَيْهَا هَيْهَات إِن الطَّبْع الردي لَا يَلِيق بِهِ الْخَيْر هَذِه الخنفساء إِذا دفنت فِي الْورْد لم تتحرك فَإِذا أُعِيدَت إِلَى الروث رتعت وَمَا يَكْفِي الْحَيَّة أَن تشرب اللَّبن حَتَّى تمج سمها فِيهِ وكل إِلَى طبعه عَائِد إِلَّا أَن الرياضة قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 تزيل الشَّرّ جملَة وَقد تخفف كَمَا أَن غسل الْأَثر إِن لم يزله خفف إِن دمت على سلوك الجادة رجونا لَك الْوُصُول وَإِن طَال السرى يَا هَذَا الْفِيل والجمل يسبحان وَلَكِن الْفِيل مليح السباحة والجمل يسبح على جنب فيفتضح عِنْد سباحة الْفِيل ثمَّ كِلَاهُمَا يعبر إِذا لم تطق منازلة الْحَرْب فَكُن من حراس الخيم إِذا رَأَيْت الْبَاب مسدودا فِي وَجهك فارض بِالْوُقُوفِ خَارج الدَّار مَعَ السُّؤَال إِذا لم تظفرك الحروب فسالم أَتَرَى يصلح هَذَا الْقلب بعد الْفساد أَتَرَى يتبدل بالبياض هَذَا السوَاد كم أَقُول عَسى أصلح وَلَعَلَّ وَكلما اسْتَوَى قدمي زل كم تَتَغَيَّر الْأَحْوَال وَمَا أتغير كم تصح لي الطَّرِيق وأتحول (لله أَمر من الْأَيَّام أطلبه ... هَيْهَات أطلب شَيْئا غير مَطْلُوب) (وحاجة أتقاضاها وتمطلني ... كَأَنَّهَا حَاجَة فِي نفس يَعْقُوب) إِلَى كم تَقول سأتوب ألم يخجل اللِّسَان الكذوب (كلما أملت يَوْمًا صَالحا ... عرض الْمَقْدُور لي فِي أملي) (اقْطَعْ الدَّهْر بِظَنّ حسن ... واجلي غمرة مَا تنجلي) (وَأرى الْأَيَّام لَا تدني الَّذِي ... ارتجى مِنْك وتدنى أَجلي) إِذا كَانَت كرة الْقلب بِحكم صولجان التقليب بطلت الْحِيَل لما قرب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل اهتزت الْمَلَائِكَة فخرا بِقرب جِنْسهَا من جناب الْعِزَّة فَقطع من بَين أَغْصَانهَا شَجَرَة هاروت وَكسر فنن ماروت وَأخذ من لبها كرة {وَإِن عَلَيْك لَعْنَتِي} فتزودت الْمَلَائِكَة فِي سفر الْعُبُودِيَّة بزاد الحذر وقادت فِي سبل معروفها بخت التَّطَوُّع للمنقطعين {وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض} نُودي من نَادَى الأفضال {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} فسارت نَجَائِب الْأَعْمَال إِلَى بَاب الْجَزَاء فصيح بِالدَّلِيلِ {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك} فَقَالَ مَا مِنْكُم من ينجيه عمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 فيا لِسَان القلق تكلم بِعِبَارَة الدمع لَعَلَّه يَقع فِي سمع الْقبُول فمراد الممرض أَنِين المبتلي النّظر فِي هَذِه الْأُمُور قلقل الْقُلُوب العارفين فَكَانُوا يَبْكُونَ الدِّمَاء اجْتمعت اخوان الْقَوْم على قُلُوب فأوقدت نَار الحذر فَكَانَ الدمع صَاحب الْخَبَر فتم أقلقهم الْخَوْف وَالْفرق أطافت بقلوبهم الحرق لباسهم ملفقات الْخرق طعامهم مَا حضر وَاتفقَ يَا نورهم إِذا جن الغسق يَا حسن دمعهم محدقا بالحدق إنقطع السلك فسالت على نسق فَكتبت عذرها فِي الخد لَا فِي الْوَرق ذَابَتْ أجسامهم فَلم يبْق إِلَّا رَمق فلاحظهم الْعَفو لطفا بهم ورفق لَو رَأَيْتهمْ يتشبثون بذيل الظلام ويأنسون بِنوح الْحمام ويهربون إِلَى الفلوات وَغَايَة لذاتهم الخلوات نواح الْحمام مسخر للمشتاق لَا يُرِيد مِنْهُ إجرة بَينهمَا أنس ممزوج بمنافرة (إِن كنت تنوح يَا حمام البان ... للبين فَأَيْنَ شَاهد الأحزان) (أجفانك للدموع أم أجفاني ... لَا يقبل مُدع بِلَا برهَان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 الْفَصْل الْمِائَة يَا من أنفاسه مَحْفُوظَة وأعماله ملحوظة أينفق الْعُمر النفيس فِي نيل الْهوى الخسيس (جد الزَّمَان وَأَنت تلعب ... والعمر لَا فِي شَيْء يذهب) (كم كم تَقول غَدا أَتُوب ... غَدا غَدا وَالْمَوْت أقرب) أما عمرك كل يَوْم ينتهب أما الْمُعظم مِنْهُ قد ذهب فِي أَي شَيْء فِي جمع الذَّهَب تبخل بِالْمَالِ والعمر تهب يَا من إِذا خلا تفكر وَحسب فَأَما نزُول الْمَوْت فَمَا حسب لَك نوبَة لَا تشبه النوب بَين يَديك كربَة لَا كالكرب تطلب النجَاة وَلَكِن لَا من بَاب الطّلب تقف فِي الصلوة إِن صَلَاتك عجب الْجِسْم حَاضر وَالْقلب فِي شعب الْجَسَد بالعراق وَالْقلب فِي حلب الْفَهم أعجمي وَاللَّفْظ لفظ الْعَرَب أَنا أعلم بك مِنْك حب الْهوى قد غلب وَمَتى أسر الْهوى قلبا لم يفلح وَكتب (يَا آدَمِيّ أَتَدْرِي مَا منيت بِهِ ... أم دون ذهنك ستر لَيْسَ ينجاب) (يَوْم وَيَوْم ويفنى الْعُمر منطويا ... عَام جديب وعام فِيهِ اخصاب) (فَلَا تغرنك الدُّنْيَا بزخرفها ... فأريها أَن بلاها عَاقل صاب) (والحزم يجني أمورا كلهَا شرف ... والخرق يجني أمورا كلهَا عَابَ) كأنكم بالدنيا الَّتِي تولت قد تولت وبالنفوس الْكَرِيمَة قد هَانَتْ وذلت وبكؤوس الأسى قد انهلت وعلت وبحمول الظاعنين على الأسف قد اسْتَقَلت مَتى يُقَال لهَذِهِ الغمرة الَّتِي جلت قد تجلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 وَاعجَبا لنَفس مَا تنتبه وَقد زلت كلما عَقدنَا عقدَة تنفعها حلت كم مستسيقظ وَقد فَاتَ الْوَقْت ينظر إِلَى نَفسه بِعَين المقت ويصيح بنصيحه لقد ضدقت وينادي الكسل أَنْت الَّذِي عوقت فَيُجِيبهُ أَنْت من سكرك مَا أَفَقْت كم قدم إِلَى الْقُبُور قادم كلهم على فرَاش النَّدَم نادم (أطاعوا ذَا الخداع وَصَدقُوهُ ... وَكم نصح النصيح فَكَذبُوهُ) (وَلم يرْضوا بِمَا سكنوا مشيدا ... إِلَى أَن فضضوه وأذهبوه) (أَلظُّوا بالقبيح وتابعوه ... وَلَو أمروا بِهِ لتجنبوه) (نَهَاهُم عَن طلاب المَال زهد ... ونادى الْحِرْص وَيْلكُمْ اطلبوه) (فألقاها إِلَى أسماع غشر ... إِذا عرفُوا الطَّرِيق تنكبوه) (وحبل الْعَيْش منتكث ضَعِيف ... وَنعم الرأى أَن لَا تجذبوه) (حسبتم يَا بني حَوَّاء شَيْئا ... فجائكم الَّذِي لم تحسبوه) (أديل الشَّرّ مِنْكُم فَاحْذَرُوهُ ... وَمَات لخير فِيكُم فاندبوه) إِلَى كم بالهوى تغري وتلهج أنسيت أَنَّك عَن محبوبك تزعج تفكر فِي حلَّة من البلى لَك تنسج يَا من بضاعته كلهَا بهرج ضيقت على نَفسك فَلَا مخرج إنتبه سَرِيعا فالخيول تسرج (وَلم يبْق من أَيَّام جمع إِلَى منى ... إِلَى موقف التجمير غير أماني) يَا عبيد فلسه يَا عَدو نَفسه تعانق الدُّنْيَا بيد الْحِرْص عنَاق اللَّام للألف وتنزل الدِّرْهَم من الْقلب منزلَة الْبُرْء من الدنف ترش مَاء الْعَيْش حول الْحَانُوت وَتنظر إِلَى الدِّرْهَم لَا فِيهِ وتنصب ميزَان البخس ومكيال التطفيف والغدر ثَالِثَة الأثافي وَيحك أتبحث عَن حتفك بظلفك وتجدع بسيفك مارن أَنْفك مَا أكْرم نَفسه قطّ من لم يهنها فاحذرها فَكل مَا يجْرِي عَلَيْك مِنْهَا حَاسَبَهَا قبل يَوْم الْحساب وَزنهَا وخف شين شينها إِن شِئْت عزها وَزنهَا وَاحْفِرْ لَهَا زبية الْعُزْلَة وَإِن أَبَت فادفنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 واحضرها على الرغم فِي رغام مسكها ومسكنها دنها بِمَا التذت آلاتها لَا تهادنها هَذِه قصَص النجَاة قد أمليتها فعنونها هَذِه جوَار شنات المواعظ قد جمعتها فاعجنها يَا موثق الْأَقْدَام بِقَيْد الْعَوَائِق أَجود مَا للعصفور قطع السباق لَو تفكر الطَّائِر فِي الذّبْح مَا حام حول الفخ من طلب الْمَعَالِي سهر اللَّيَالِي لَوْلَا صَبر الْمُضمر على قلَّة الْعلف مَا قيل سباق (هون فِي اللَّيْل عَلَيْهَا الغررا ... إِن العلى مقيدات بالسرى) (فركبت بسوقها رؤوسها ... حَتَّى تخيلنا الحجول الغررا) (علمهَا النّوم على رباطها ... ذليلة ان تستطيب السهرا) (قد تركت مطعمها لشوقها ... تَقول كل الصَّيْد فِي جَوف الفرا) سينقشع غيم التَّعَب عَن فجر الإجر كم صَبر بشر عَن شَهْوَة حلوة حَتَّى سمع كلمة خلْوَة كل يَا من لم يَأْكُل مَا مد سجاف نعم العَبْد على قبَّة وَوَهَبْنَا لَهُ حَتَّى جرب فِي أَمَانَة {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} من لم تبك الدُّنْيَا عَلَيْهِ لم تضحك الْآخِرَة إِلَيْهِ كَانَ بعض النجارين يَبِيع الْخشب وَكَانَ عِنْده قِطْعَة أبنوس ملقاة تَحت الْخشب فاشتريت مِنْهُ فَدخل دَار الْملك بعد مُدَّة فَإِذا بهَا قد جعلت سريرا للْملك فَوقف مُتَعَجِّبا وَقَالَ لقد كنت لَا اعبأ بِهَذِهِ فَكيف وصلت إِلَى هَذَا الْمقَام فَهَتَفَ بِهِ لِسَان الْمُفْهم نَائِبا عَنْهَا كم صبرت على ضرب الفوس وَنشر المناشير حَتَّى بلغت إِلَى هَذَا الْمقَام (جِئْت أَشْكُو فاستوقفتني إِلَى أَن ... كَلَّمتنِي من قبل أَن كَلَّمتنِي) (وفدتني من السقام وَلَكِن ... انفدتني هما إِلَى أَن فدتني) لمن أصفى واصف أَفِي عزمك اتباعي فاقف اللَّيْل يضج من طول نومك وَالنَّهَار يستغيث من قبح فعلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 (يَا أَيهَا الراقد كم ترقد ... قُم يَا حَبِيبِي قد دنا الْموعد) (وَخذ من اللَّيْل وساعاته ... حظا إِذا مَا هجع الرقد) (من نَام حَتَّى يَنْقَضِي ليله ... لم يبلغ الْمنزل أَو يجْهد) (قل لِذَوي الْأَلْبَاب أهل التقى ... قنطرة الأَرْض لكم موعد) آخر الْفُصُول الْمِائَة قَالَ المنشيء وَلما أتممت الْمِائَة الَّتِي ضمنتها رَأَيْت الثَّلَاثَة الأول كالخارج عَن الوعظيات لمشابهتها الْقَصَص فغرمت هَا هُنَا ثَلَاثَة عوضهَا لتخلص مائَة وعظية وَالله الْمُوفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 الْفَصْل الأول أخواني الْمَوْت مقَاتل يقْصد الْمقَاتل فَمَا ينفعك أَن تقَاتل للمتنبي (نعد المشرفية والعوالي ... وتقتلنا الْمنون بِلَا قتال) (ونرتبط السوابق مقربات ... وَمَا ينجين من خبب اللَّيَالِي) (وَمن لم يعشق الدُّنْيَا قَدِيما ... وَلَكِن لَا سَبِيل إِلَى الْوِصَال) (نصيبك فِي حياتك من حبيب ... نصيبك فِي مَنَامك من خيال) (يدْفن بَعْضنَا بَعْضًا وتمشي ... أواخرنا على هام الأوالي) (وَكم عين مقبلة النواحي ... كحيل بالجنادل والرمال) لقد وعظ الزَّمَان وَمَا قصر وَتكلم الصَّامِت وَمَا أقصر ولاح الْهدى فَإِنَّمَا الشَّأْن فِيمَن أبْصر ونطقت المواعظ بزجر لَا يحصر هَلَكت ثمودا بصيحة وَعَاد برِيح صَرْصَر وَكسر كسْرَى وَقصر قَيْصر تالله مَا يُبَالِي ميزَان الْجَزَاء أربح أم أخسر وَلَا حَاكم الْعدْل من أفلس وأعسر هَذَا أَمر مُجمل وَفِي غَد يُفَسر أَيهَا المتحرك فِي الدُّنْيَا لَا بُد من سُكُون لَا يغرنك سهلها فَبعد السهل حزون كم سلبتك من حبيب وَبَعض الْقبْح يهون مَا فرحها مُسْتَقِيم وَلَا ترحها مَأْمُون إِنَّه لدار الْغرُور ودائر الْهون كم تلون وَلَكِن أَيْن الْعقل من مَجْنُون فَهَلا أضعنا الحَدِيث قلب هَذَا مفتون أَيهَا السَّكْرَان بالآمال ... قد حَان الرحيل) (ومشيب الرَّأْس والفو ... دين للْمَوْت دَلِيل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 (فانتبه من رقدة الْغَفْلَة ... والعمر قَلِيل) (وأطرح سَوف وَحَتَّى ... فمها دَاء دخيل) كَأَنَّك بِمَا يزعج ويروع وَقد قلع الْأُصُول وَقطع الْفُرُوع يَا نَائِما فِي انتباهه كم هَذَا الهجوع أينفعك حِين الْمَوْت جري الدُّمُوع إِذا رشق سهم التّلف فطاحت الدروع وأتى حاصد الزَّرْع وَأَيْنَ الزروع وخلت الْمنَازل وفرغت الربوع وناب غراب الْبَين عَن الورقا السجوع (قرن مضى ثمَّ نمى غَيره ... كَأَنَّهُ فِي كل عَام نَبَات) (أقل من فِي الأَرْض مستيقظ ... وَإِنَّمَا أَكْثَرهم فِي سبات) (حول خصيب أَثَره مجدب ... فاذخر من المخصب للمجدبات) أما علمت أَن الدُّنْيَا غَدا إِمَارَة أما برد لذاتها يَنْقَلِب حرارة أما ربحها على التَّحْقِيق خسارة أما ينقص الدّين كلما زَادَت عمَارَة أما قتلت أحبابها وَإِلَيْك الْإِشَارَة إِذا قَالَ محبها هِيَ لي وَمَعِي أهلكته وَقَالَت اسمعي يَا جَارة (إِنَّمَا الدُّنْيَا بلَاء ... لَيْسَ لدينا ثُبُوت) (إِنَّمَا الدُّنْيَا كبيت ... نسجته العنكبوت) (إِنَّمَا يَكْفِيك مِنْهَا ... أَيهَا الرَّاغِب قوت) يَا من عاهدنا على الطَّاعَة فِي الإعلان والإسرار كَيفَ اسْتحلَّ حل عقد التَّوْبَة وَعقد الْإِصْرَار مَتى يخرج العَاصِي من هَذِه الدَّار شيب وعيب وَنِهَايَة الإدبار ضدان بعيدان ثلج ونار كم بَيْنكُم وَبَين الْمُتَّقِينَ الْأَبْرَار ملكتم الدُّنْيَا وملكوها فالقوم أَحْرَار كَانَت لَهُم إنفة فاحتموا من الْعَار وَعرفُوا قدر الزَّمَان فانتهبوا الْأَعْمَار فَلَو مددتم أبواعكم مَا كَانَت مِنْهُم كأشبار لَو اطلعتم عَلَيْهِم فِي أَوْقَات الأسحار لرأيتم نُجُوم الْهدى لَا بل هِيَ أقمار قَامُوا جَمِيع الدجى على قدم الإعتذار ثمَّ تساندوا إِلَى رواحل الْبكاء والإستغفار وَقَوي كربهم فَهبت لَهُم نكباء لطف معطار رفعوا رسائل الجوى فَعَاد جَوَاب الْأَبْرَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 (لَا توقدوا فِي الْقلب نَار الْجَحِيم ... كفى سقامي لفؤادي غَرِيم) (مَا زلت عَن حبكم لَحْظَة ... وحقكم إِنِّي عَلَيْهِ مُقيم) (وَكلما هبت نسيم الصِّبَا ... من نحوكم عِشْت بِذَاكَ النسيم) (وأسفي مَتى رحلوا لَيْت شعري أَيْن نزلُوا ... ) (أنجدت الدَّار بهم ... واتهم الوجد معي) مَالَتْ بالقوم ريح السحر ميل الشَّجَرَة بالأغصان فهز مِنْهُم الْخَوْف أفنان الْقُلُوب فانتثرت الأفنان فاللسان يتَضَرَّع وَالْعين تَدْمَع وَالْوَقْت بُسْتَان خلوتهم بالحبيب تشغلهم عَن نعم ونعمان سورهم أساورهم والخشوع تيجان خضوعهم حلاهم فَمَا در ومرجان أخذُوا قدر الْبَلَاغ وَقَالُوا نَحن ضيفان باعوا الْحِرْص بالقناعة فَمَا ملك أنو شرْوَان رفضوا حَتَّى زِمَام الْمَبِيع وَمَا باعوا بثنيان طَالَتْ عَلَيْهِم أَيَّام الحيوة والمحب ظمآن اطلع من خوخة التيقظ بِعَين التَّأَمُّل تَرَ الْبُرْهَان أَيْن أَنْت مِنْهُم مَا نَائِم كيقظان كم بَيْنك وَبينهمْ أَيْن الشجاع من جبان مَا للمواعظ فِيك مَوضِع الْقلب بالهوى ملان يَا هَذَا قف على بَاب النجاح وَلَكِن وقُوف لهفان واركب سفين الصّلاح فَهَذَا الْمَوْت طوفان أَيكُون بعد هَذَا إِيضَاح أَو مثل هَذَا تبيان يَا لَهَا من موعظة سحبت ذيل الفصاحة فحار سُبْحَانَ بغدادية أمامية مستفتية لَا تعرف ضرب خُرَاسَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 الْفَصْل الثَّانِي أخواني أَيْن الَّذين سلبوا سلبوا طَال مَا غلبوا فغلبوا عمروا دِيَارهمْ فَلَمَّا تمت خربوا وديفت لَهُم كؤوس المنايا فأكرهوا وَشَرِبُوا (سير اللَّيَالِي إِلَى أعمارنا خبب ... فَمَا تبين وَلَا يعتاقها تَعب) (وَهل يؤمل نيل الشمل ملتئما ... سفر لَهُم كل يَوْم رحْلَة عجب) (وَمَا إقامتنا فِي منزل هَتَفت ... فِيهِ بِنَا قد سكنا ربعه النوب) (وآذنتنا وَقد تمت عِمَارَته ... بِأَنَّهُ عَن قلبل داثر خرب) (لَيست سِهَام قسى الْمَوْت طائشة ... وَهل تطيش سِهَام كلهَا صيب) (وَنحن أغراض أَنْوَاع الْبلَاء بهَا ... قبل الْمَمَات فمرمي ومرتقب) (أَيْن الَّذين تناهوا فِي ابتنائهم ... صاحت بهم نائبات الدَّهْر فانقلبوا) (أَيْن أَرْبَاب الْأَمَانِي والأمل ... أخذُوا بَين سكر الْهوى والثمل) وَالَّذِي علا على عَليّ الْعلَا نزل وَكَأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا لم يكن وَفِي الْقَبْر لم يزل كل حَيّ فقصاراه الْأَجَل ... لَيْسَ لِلْخلقِ بذا الْمَوْت قبل) (نوب أبدت لعاد قبلنَا ... إِن من ذَات الْعِمَاد المرتحل) (فانثنوا عَن ذَلِك الشّرْب الَّذِي ... صَار علا لسواهم ونهل) (ألبست قوما سواهُم حليهم ... ثمَّ بزته فعادوا بالعطل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 (فاسئل الإيوان عَن أربابه ... كَيفَ جدت بهم تِلْكَ الرحل) (نقلتهم عَن فضاء وَاسع ... يمرح الطّرف بِهِ حَتَّى يمل) (نَحن أغراض خطوب إِن رمت ... عَادَتْ الأدرع لينًا كالحلل) (وَإِذا مَا أخلفت أسهمها ... فأصابت بَطل الْقَوْم بَطل) جز على الْقُبُور بقلب حَاضر وسلها مَا فعل الْوَجْه النَّاظر ثمَّ افْتَحْ نَاظر نَاظر وَخَاصم نَفسك على التواني وناظر (ومسندون تعاقروا كأس الردى ... ودعا بسيرهم الْحمام فَأَسْرعُوا) (خرس إِذا ناديت إِلَّا أَنهم ... وعظوا بِمَا يُرْضِي اللبيب فأسمعوا) (والدهر يفتك بالنفوس حمامه ... فَلِمَنْ تعد كَرِيمَة أَو تجمع) (عجبا لمن تبقى ذخائر مَاله ... ويظل يحفظهن وَهُوَ مضيع) (ولعاقل وَيرى بِكُل ثنية ... يلقى لَهُ بطن الصفائح مَضْجَع) (أتراه يحْسب أَنهم مَا اسأروا ... من كأسهم أَضْعَاف مَا يتجرع) كم صَاح بك واعظ وَمَا تسمع وَكم حصلت مَا يَكْفِي وَمَا تقنع لقد استقرضك مَوْلَاك مَالك فمالك تجمع وَضمن أَن نبت الْحبَّة سبع مائَة وَمَا تزرع تشتغل عَن الْقُرْآن الْمنزل وتستمع من مغن يتغزل تمشي إِلَى نجاتك مشي أقزل وَتخرج إِلَى الْحَرْب وَأَنت أعزل وَيحك إِن وَالِي الْحَيَاة عَن قَلِيل يعْزل كَأَنَّك بالسماء تمور وبالأرض تزلزل تنصب وَلَا تَدْرِي أَي الكفتين أنزل إخْوَانِي غرقت السَّفِينَة وَنحن نيام أبوكم لم يسامح فِي لقمته وَدَاوُد عوتب على نظره (يَا مظهرين ضد مَا ... بِهِ الْكتاب وَارِد) (إِلَى مَتى تبهرجون ... والبصير ناقد) (كَيفَ يكون حالكم ... وَهُوَ عَلَيْكُم شَاهد) (عجبت من مستيقظ ... وَالْقلب مِنْهُ رَاقِد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 (مضيع لدينِهِ ... وللذنوب رائد) (كَأَنَّهُ على مداه ... مهمل وخَالِد) (فحسنوا أَعمالكُم ... فَهِيَ لكم قلائد) (وَلَا تضيعوا وَاجِبا ... واجتهدوا وَجَاهدُوا) إخْوَانِي أفيكم عازم على الصُّلْح أمنكم محب يضج من الهجر أفيكم ذُو وجد قلق من الْبَين الْوَقْت يقتضيك يَا عَاص مُنَادِي الْقبُول على منَازِل الْوُصُول يَقُول {وسارعوا} (الْغَيْم رطب يُنَادي ... يَا غافلين الصبوح) (فَقلت أَهلا وسهلا ... مَا دَامَ فِي الْجِسْم روح) قد قيد الطَّرْد قَدَمَيْك وغل الإبعاد يَديك أفما لَك عين تبْكي عَلَيْك (وَفِي نظر الصادي إِلَى المَاء حسرة ... إِذا كَانَ مَمْنُوعًا سَبِيل الْمَوَارِد) على نوح نحت السَّفِينَة وَأَن يَصِيح اركبوا فَمَا ذَنبه إِن تخلف كنعان إِذا وَقعت عَزِيمَة العَاصِي على فِرَاق دَار العَاصِي هيأ مركب الْقَصْد وزود سفر الْعَزْم وَقَامَ على أَقْدَام الْجد وسعى على طَرِيق الرَّجَاء خَائفًا من عَارض رد فَيَصِيح بِهِ حِينَئِذٍ هَاتِف الْقبُول لَئِن قدمت من سفرة الهجر عيسكم تلقيتها بالوصل من كل جَانب إخْوَانِي مَا قعودكم وَقد سَار الركب إلحقوهم فِي الْمنزل النَّجَاء النَّجَاء من شَرّ الْخلاف ألواحا الوحا قبل لحاق الأسلاف الحذر الحذر من خطوَات الْخَطَايَا الْهَرَب الْهَرَب قبل بَث الْأَمَانِي بالمنايا قبل أَن تنزلوا الكفات وتلحقوا الرفات وَبَين مَاذَا حل من آفَات افات إِلَّا أَن تعاينوا الْوَفَاة وَفَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 الْفَصْل الثَّالِث عباد الله إِنَّمَا الْأَيَّام طرق الْجد والساعات ركائب الْمجد وَأَيَّام الْعَافِيَة أَوْقَات تستدرك وأحيان السَّلامَة تنادي من جد أدْرك (كم للمنية من ضروب ... بَين الْحَوَادِث والخطوب) (تدع الحبيب بِلَا محب ... والمحب بِلَا حبيب) (لَا وَالَّذِي هُوَ قَاذف ... بِالْحَقِّ علام الغيوب) (وبحكمه يملي لمن ... يملي الْقَبِيح على الرَّقِيب) (مَا للنفوس مَعَ الْمنية ... فِي السَّلامَة من نصيب) (هَيْهَات أَيْن يفوتها ... لَا بُد من سهم مُصِيب) (من دب فَوق الأَرْض أصبح ... دارجا بعد الدبيب) (فَإِذا تغيب تحتهَا ... فكفاه بعدا بالمغيب) (وَلكم طَوِيل الْعُمر لَيْسَ ... لعيشه بالمستطيب) (ولربما انتزع الْقصير ... الْعُمر من سَعَة وَطيب) (لَا تيأسن من الْبعيد ... وخف مباعدة الْقَرِيب) (فلكم حملت مَعَ الْمَرِيض ... إِلَى الثرى نعش الطَّبِيب) إخْوَانِي إحذروا دنياكم فَإِنَّهَا خادعة وَانْتَظرُوا حتوفها فَهِيَ لَا ريب وَاقعَة أَيهَا العَبْد إِلَى مَتى تشتغل بهَا عَن مَوْلَاك وَهُوَ غيور وَكَيف تغتر بغرير هوى يغري ويغور وَكم عدلت عَن الْعدْل وحاضرت الْمَحْظُور أتظن الْبَقَاء وقلائد الْفِرَاق كالأطواق فِي النحور أما تعْتَبر بأقران قرنوا بقرائن أَعْمَالهم فِي الْقُبُور أما مواضعهم تضعك عل وضع الوضائع والفتور أما حلوا اللحود فحالت حلى تِلْكَ البدور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 أما مَنَازِلهمْ إِذْ نازلهم مَنَازِلهمْ زَالَ عَنْهُم السرُور أبالى بفخرهم الْمَوْت لَا بل بلبل تِلْكَ الْقُصُور أَيْن هم الْآن قل لي خلا خاليهم بالثبور مَال بهم عَن المَال مَا لَا يرد وصرفهم صرف الدهور جرى بهم وَمَا جَار كَمَا جارى الْجَار جارى الْمَقْدُور أَصبَحت وُجُوههم الصبيحة مصطحبة شراب الدُّثُور مبانيهم أبينت فَلَو أبينت لم تبن الأناث من الذُّكُور إنفصمت عرى الأوصال وحلوا بالخصال فذو الْوِصَال مِنْهُم مهجور سكنوا بعد الْوَدُود مَعَ الدُّود فِي اللحود كمأسور تكدر صافيهم فمصافيهم يجافيهم وَمَا فيهم مَعْذُور علا أعلاهم عَلَاء تُرَاب كثير موقور وَسكن المكين فِي كمين إِمْكَانه فاستكان فِي مَكَان محفور بَينا مترفهم قد اطْمَأَن و {ظن أَن لن يحور} إِذا الْأَذَى كالحذا وَكَذَا كل محتذ الْغرُور وَكم قَالَ وَاعْتذر فَلَمَّا لم يذر قيل هَذَا الهذر زور صب الصاب فِي من صبا فالصبا تسفي على منصبه وَالدبور وسيأتيك يَا فَتى مَا أَتَى من عتا حَتَّى فِي الرواح أَو فِي البكور فانتبه فَإِن الْمَوْت يَدُور على سَاكِني الدّور ويلتقط أَرْبَاب الْقُصُور بِلَا فتور وَلَا قُصُور وكأنك بِالْأَمر قد فصل {وَحصل مَا فِي الصُّدُور} فَمن جَار قنطرة الْهوى آب بِتِجَارَة لن تبور {وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور} (أَيْن أهل الديار من قوم نوح ... ثمَّ عَاد من بعدهمْ وَثَمُود) (بَيْنَمَا الْقَوْم فِي النمارق والديباج ... أفضت إِلَى التُّرَاب الخدود) (وأطباء بعدهمْ لحقوهم ... ضل عَنْهُم سعوطهم واللذود) (وصحيح أضحى يعود مَرِيضا ... وَهُوَ أدنى للْمَوْت مِمَّن يعود) يَا قَلِيل البضاعة بل يَا مُفلس ترجو النجَاة بِالْمَعَاصِي لقد وسوس أتلبس ثوب الشيب ثمَّ تلبس جَاءَ الصَّباح فنسخ حكم الحندس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وأطرق النيلوفر لما حدق النرجس يَا من يقوم من الْمجْلس كَمَا يجلس كن كَيفَ شِئْت فَإِنَّمَا تجني مَا تغرس أَلَك عذر قل لي الْبَاطِل يخرس (كَيفَ الرحيل بِلَا زاب إِلَى وَطن ... مَا ينفع الْمَرْء فِيهِ غير تقواه) (من لم يكن زَاده التَّقْوَى فَلَيْسَ لَهُ ... يَوْم الْقيمَة عذر عِنْد مَوْلَاهُ) يَا رب إِلَيْك منا نتظلم أحوالنا تنطق عَنَّا وَمَا نتكلم وقلوبنا من ذنوبنا تبْكي وتتألم وَأَنت الْعَالم الَّذِي تعلم أتتركنا للْجَهْل وأبونا مِنْك تعلم يَا من أخر مَا شَاءَ كَمَا شَاءَ وَقدم لَا تجعلنا مِمَّن إِذا رَحل تندم يَا من نبه الفضيل وَابْن أدهم قد تركتنا الذُّنُوب لَا نشترى بدرهم (يَا عمادي فِي شدتي ورجائي ... عِنْد فقري وكوكبي فِي المعامي) (سَاعَتِي إِن نأيت يَوْم ويومي ... مثل شهر والشهر مثل الْعَام) يَا صَاحب الْخَطَايَا لست مَعنا يَا مُقبلا على الْهوى مَا أَنْت عندنَا ضَاعَت حيلي فِي تَحْصِيل قَلْبك إشتدت حيرتي فِي تلافي أَمرك وَاعجَبا أخوفك عواقب الْأُمُور وَمَا تتوب وأشرح لَك أحوالي الصَّالِحين وَمَا تؤب وَمَتى سَقَطت شَهْوَة العليل دنا الْمَوْت قد أوقدت نَار المواعظ إِلَى جَانب كسلك وَنَفس عزيمتك شَدِيد الْبُرُودَة وَقد اتّفق الْأَطِبَّاء على ان النَّفس الْبَارِد فِي الْمَرَض الحاد دَلِيل الْهَلَاك (الْمَوْت فِي كل حِين ينشر الكفنا ... وَنحن فِي غَفلَة عَمَّا يُرَاد بِنَا) (كَانَ مَا قد رَأينَا فِي أحبتنا ... من الرحيل ونادى الدَّار لَيْسَ لنا) وَالله مَا فَازَ سوى الزاهدين وَلَا نَالَ الرِّبْح غير العابدين وَنِهَايَة الْكَمَال للمحبين كَانَ هم الْقَوْم طلب النجَاة وَكَانَت لذتهم فِي الْمُنَاجَاة فارتفع لَهُم الْقدر وَعلا الجاه لَو رَأَيْتهمْ فِي الأسحار وَقد حَار الْخَائِف بَين اعتذار واستغفار ولطائف يَتَخَلَّل ذَلِك دمع غزير ذارف يرمز إِلَى شوق شَدِيد متكاثف كَانَت عابدة تقوم من أول اللَّيْل وَتقول تشاغل النَّاس بلذاتهم وَقد جِئْت إِلَيْك يَا مَحْبُوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 (سروري من الدَّهْر لقياكم ... وَدَار سلامي مغناكم) (وَأَنْتُم مدى أملي مَا حييت ... وَمَا طَابَ عيشي لولاكم) (جنابكم الرحب مرعى الْكِرَام ... فَلَا صوح الدَّهْر مرعاكم) (حَشا الْبَين يَوْم رحلتم حشاي ... بِنَار الهموم وحاشاكم) (فيا لَيْت شعري وَمن لي بِأَن ... أعيش إِلَى يَوْم ألقاكم) (إِذا ازدحمت فِي فُؤَادِي الهموم ... أعلل قلبِي بذكراكم) (وأستنشق الرّيح من أَرْضكُم ... لعَلي أحظى برياكم) (فَلَا تنسوا الْعَهْد فِيمَا مضى ... فلسنا مدى الدَّهْر ننساكم) تالله لقد حصل للْقَوْم فوز الدَّاريْنِ ورضيتم أَنْتُم بالبين من الْبَين تنبهوا يَا نيام كم ضيعتم من عَام الدُّنْيَا كلهَا مَنَام وَأحلى مَا فِيهَا أَحْلَام غير أَن عقل الشَّيْخ بالهوى غُلَام علام قتل النُّفُوس علام هَل هُوَ إِلَّا ثوب وَطَعَام ثمَّ يتساوى خَز وخام ولذات طَيّبَات ووخام إِنَّمَا يعرف الفطناء لَا الطغام آه للغافل إِلَى كم يلام أما توقظك اللَّيَالِي وَالْأَيَّام أَيْن سكان الْقُصُور والخيام دارت على الْكل كأس الْحمام {وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} إِلَى مَتى مزاحمة الْأَنْعَام ردوا هَذِه الْأَنْفس بزمام ازجروا هَذِه الْقُلُوب عَن الآثام اقرؤا صَحَائِف العبر بألسنة الأفهام موت الْجِيرَان شكل وَأخذ الأقران اعجام يَا من أَجله خَلفه وأمله قُدَّام رب يَوْم لَهُ مِفْتَاح مَا لَهُ ختام يَا مُقْتَحِمًا على الْحَرَام أَي اقتحام ستعلم من يبكي فِي العقبى عُقبى الإجرام ويشارك الندامى على الندامى والمدام يَا طَوِيل الْمَرَض مَتى يبرى السقام يَا من إِن قعد فللدنيا وَكَذَا إِن قَامَ أول الدُّنْيَا هم وَآخِرهَا موت زؤام حل لَهَا الْفِرَاق وَحرم عَلَيْهَا الدَّوَام سحابها لَا يمطر وسماؤها قنام كلهَا عيب فِي عيب وذام فِي ذام أتعيبها عِنْد محبها مَتى يسمع العذل مستهام خلها واخرج عَنْهَا بِسَلام إِلَى دَار السَّلَام فالجنة رخيصة ثمَّ مَا تغلو على مستهام خُذْهَا إِلَيْك نصيحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 من طب يداوي الأسقام يضع الهناء مَوضِع النقب وَيعرف أصل الآلام ويركب المرهم عَن خبر وَيُدبر كَيفَ شَاءَ الْكَلَام مَا بعْدهَا نصيحة تَكْفِي وَالسَّلَام آخر كتاب المدهش قد بلغ التَّمام وَالنِّهَايَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543