الكتاب: كتاب الأذكياء المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) الناشر: مكتبة الغزالي عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الأذكياء ابن الجوزي الكتاب: كتاب الأذكياء المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) الناشر: مكتبة الغزالي عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي أحلنا محلّة الْفَهم وحلانا حلية الْعلم وملكنا عقال الْعقل وزيننا بنطق الْمنطق ونعوذ بِهِ من كدر صفاء الْفِكر وعكر ذهن الذِّهْن وَصلى الله على الْمَبْعُوث بجوامع الْكَلم إِلَى أَعقل الْأُمَم وعَلى جَمِيع أَتْبَاعه والسائرين فِي منهاج أَتْبَاعه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا أما بعد فَإِن أجل الْأَشْيَاء موهبة الْعقل فَإِنَّهُ الْآلَة فِي تَحْصِيل معرفَة الْإِلَه وَبِه تضبط الْمصَالح وتلحظ العواقب وتدرك الغوامض وَتجمع الْفَضَائِل وَلما كَانَ الْعُقَلَاء يتفاوتون فِي موهبة الْعقل ويتباينون فِي تَحْصِيل مَا يتقنه من التجارب وَالْعلم أَحْبَبْت أَن اجْمَعْ كتابا فِي أَخْبَار الأذكياء الَّذين قويت فطنتهم وتوقد ذكاؤهم لقُوَّة جوهرية عُقُولهمْ وَفِي ذَلِك ثَلَاثَة أغراض أَحدهَا معرفَة أقدارهم بِذكر أَحْوَالهم وَالثَّانِي تلقيح الْبَاب السامعين إِذا كَانَ فيهم نوع استعداد لنيل تِلْكَ الْمرتبَة وَقد ثَبت أَن رُؤْيَة الْعَاقِل ومخالطته تفِيد ذَا اللب فسماع أخباره تقوم مقَام رُؤْيَته كَمَا قَالَ الرضى (فَاتَنِي أَن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أعي الديار بسمعي) وَقد أَنبأَنَا جمَاعَة من أشياخنا قَالُوا أخبرنَا مُضر بن مُحَمَّد قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 سَمِعت يحيى بن أَكْثَم يَقُول سَمِعت الْمَأْمُون يَقُول لإِبْرَاهِيم لَا شَيْء أطيب من النّظر فِي عقول الرِّجَال وَالثَّالِث تَأْدِيب المعجب بِرَأْيهِ إِذا سمع أَخْبَار من تعسر عَلَيْهِ لحاقه وَالله الْمُوفق بَاب فِي ذكر تراجم أَبْوَاب الْكتاب وَهِي ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ بَابا الْبَاب الأول فِي ذكر فضل الْعقل الْبَاب الثَّانِي فِي ذكر مَاهِيَّة الْعقل وَمحله الْبَاب الثَّالِث فِي بَيَان معنى الذِّهْن والفهم والذكاء الْبَاب الرَّابِع فِي ذكر العلامات الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على ذكاء الذكي الْبَاب الْخَامِس فِي سِيَاق الْمَنْقُول عَن الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمين مِمَّا يدل على قُوَّة الفطنة الْبَاب السَّادِس فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْأُمَم السالفة الْبَاب السَّابِع فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَاب الثَّامِن فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن أَصْحَاب نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْبَاب التَّاسِع فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْخُلَفَاء الْبَاب الْعَاشِر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الوزراء الْبَاب الْحَادِي عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن السلاطين والأمراء والحجاب والشرطة الْبَاب الثَّانِي عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْقُضَاة الْبَاب الثَّالِث عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك من كبار عُلَمَاء هَذِه الْأمة وفقهائها الْبَاب الرَّابِع عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْعباد والزهاد الْبَاب الْخَامِس عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْعَرَب وعلماء الْعَرَبيَّة الْبَاب السَّادِس عشر فِي ذكر من احتال بذكائه لبلوغ غَرَض الْبَاب السَّابِع عشر فِيمَن احتال فانعكس عَلَيْهِ مَقْصُوده الْبَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 الثَّامِن عشر فِيمَن وَقع فِي آفَة فتخلص بالحيلة مِنْهَا الْبَاب التَّاسِع عشر فِي ذكر من اسْتعْمل بذكائه المعاريض الْبَاب الْعشْرُونَ فِي ذكر من فلج على خَصمه بِالْجَوَابِ المسكت الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِيمَن غلب من الْعَوام بذكائه كبار الرؤساء الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِي أَقْوَال وأفعال صدرت من أوساط النَّاس وعوامهم تدل على قُوَّة الذكاء الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي طرف من أَحْوَال الشُّعَرَاء والمداحين الْبَاب الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِي طرف من حيل الْمُحَاربين الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي طرف من فطن المتطببين الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي طرف من فطن المتطفلين الْبَاب الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِي طرف من فطن المتلصصين الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِي طرف من أَخْبَار فطناء الصّبيان الْبَاب الثَّلَاثُونَ فِي طرف من فطن عقلاء المجانين الْبَاب الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ فِي طرف من أَخْبَار النِّسَاء المتفطنات الْبَاب الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فِيمَا ذكر عَن الْحَيَوَان البهيم مِمَّا يشبه ذكاء الْآدَمِيّين الْبَاب الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ فِي ذكر مَا ضَربته الْعَرَب والحكماء مثلا على أَلْسِنَة الْحَيَوَان الْبَاب الأول فِي ذكر فضل الْعقل أخبرنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد والقزاز قَالَا أَنبأَنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ أَنا مُحَمَّد بن أَحْمد بن رزق قَالَ حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد الْخُلْدِيِّ قَالَ حَدثنَا الْحَرْث بن أبي أُسَامَة قَالَ حَدثنَا دَاوُد بن الْمُجبر قَالَ حَدثنَا عباد بن كثير عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَنه دخل على عَائِشَة فَقَالَ يَا أم الْمُؤمنِينَ أَرَأَيْت الرجل يقل قِيَامه وَيكثر رقاده وَآخر يكثر قِيَامه ويقل رقاده أَيهمَا أحب إِلَيْك قَالَت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا سَأَلتنِي عَنهُ فَقَالَ أحسنهما عقلا قلت يَا رَسُول الله أَسأَلك عَن عبادتهما فَقَالَ يَا عَائِشَة إِنَّمَا يسئلان عَن عقولهما فَمن كَانَ أَعقل كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 أفضل فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد قَالَ أَنبأَنَا أَبُو بكر الْخَطِيب قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب قَالَ أخبرنَا أَبُو أَحْمد الْحُسَيْن بن عَليّ النَّيْسَابُورِي قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمسيب قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا بفية قَالَ حَدثنَا عبد الله ابْن عَمْرو عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تعجبوا بِإِسْلَام امْرِئ حَتَّى تعرفوا عقدَة عقله أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ أخبرنَا عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْملك بن بشر قَالَ أخبرنَا عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ حَدثنَا القَاضِي أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن أَحْمد بن نصر قَالَ حَدثنَا جَعْفَر الفيريابي قَالَ حَدثنَا أَبُو مَرْوَان هِشَام بن خَالِد الْأَزْرَق قَالَ حَدثنَا الْحسن بن يحيى الْخُشَنِي عَن أبي عبد الله مولى بني أُميَّة عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أول شَيْء خلقه الله الْقَلَم ثمَّ خلق النود وَهِي الدواة ثمَّ قَالَ لَهُ أكتب قَالَ وَمَا أكتب قَالَ اكْتُبْ مَا يكون وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ خلق الْعقل وَقَالَ وَعِزَّتِي لأكملنك فِيمَن أَحْبَبْت ولأنقصنك مِمَّن أبغضت أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ أخبرنَا ابْن الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن الْحَرْث قَالَ حَدثنَا جدي مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم قَالَ حَدثنَا الْهَيْثَم ابْن عدي قَالَ حَدثنَا الْأَعْمَش عَن عمر وبن مرّة عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما خلق الله الْعقل قَالَ لَهُ أدبر فَأَدْبَرَ ثمَّ قَالَ لَهُ أقبل فَأقبل قَالَ وَعِزَّتِي مَا خلقت خلقا قطّ أحسن مِنْك فبك أعطي وَبِك آخذ وَبِك أعاقب أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي قَالَ أَنبأَنَا أَحْمد بن أَحْمد الْحداد قَالَ أَنبأَنَا أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ قَالَ حَدثنَا الْحَرْث عَن أبي أُسَامَة قَالَ حَدثنَا دَاوُد بن الْمُجبر قَالَ حَدثنَا عباد كثير عَن إِدْرِيس عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وهب بن مُنَبّه قَالَ إِنِّي وجدت فِيمَا انْزِلْ الله على أنبيائه أَن الشَّيْطَان لم يكابد شَيْئا أَشد عَلَيْهِ من مُؤمن عَاقل وَأَنه يكابد مائَة جَاهِل فيستجرهم حَتَّى يركب رقابهم فينقادون لَهُ حَيْثُ شَاءَ ويكابد الْمُؤمن الْعَاقِل فيتصعب عَلَيْهِ حَتَّى لَا ينَال مِنْهُ شَيْئا من حَاجته وَقَالَ وهب لإِزَالَة الْجَبَل صَخْرَة صَخْرَة وحجراً حجرا أيسر على الشَّيْطَان من مكابدة الْمُؤمن الْعَاقِل لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مُؤمنا عَاقِلا ذَا بَصِيرَة فَهُوَ أثقل على الشَّيْطَان من الْجبَال وأصعب من الْحَدِيد وَأَنه ليزاوله بِكُل حِيلَة فَإِذا لم يقدر أَن يستزله قَالَ يَا ويله مَا لَهُ وَلِهَذَا لَا طَاقَة لي بِهَذَا ويرفضه ويتحول إِلَى الْجَاهِل فيستأسره ويتمكن من قياده حَتَّى يُسلمهُ إِلَى الفضائح الَّتِي يتعجلها فِي عَاجل الدُّنْيَا كالجلد وَالرَّجم وَالْحلق وتسخيم الْوُجُوه وَالْقطع والصلب وَإِن الرجلَيْن ليستويان فِي أَعمال الْبر وَيكون بَينهمَا كَمَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب أَو أبعد إِذا كَانَ أَحدهمَا أَعقل من الآخر أَنبأَنَا يحيى بن ثَابت عَن بنْدَار قَالَ أخبرنَا أبي قَالَ أخبرنَا أبي على بن دَوْمًا قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ أخبرنَا الْحسن بن عَليّ الْقطَّان قَالَ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عِيسَى الْعَطَّار قَالَ أَنبأَنَا إِسْحَاق بن بشر الْقرشِي قَالَ أخبرنَا إِدْرِيس عَن جده وهب بن مُنَبّه أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ يَا بني اعقل عَن الله عز وَجل فَإِن أَعقل النَّاس عَن الله عز وَجل أحْسنهم عملا وَإِن الشَّيْطَان ليفر من الْعَاقِل وَمَا يَسْتَطِيع أَن يكابده يَا بني مَا عبد الله بِشَيْء أفضل من الْعقل أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن أَحْمد قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا عبيد الله بن مُحَمَّد العيشي قَالَ حَدثنَا وهيب قَالَ أخبرنَا الْجريرِي عَن أبي الْعَلَاء عَن مطرف أَنه قَالَ مَا أُوتِيَ عبد بعد الْإِيمَان أفضل من الْعقل أخبرنَا مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَحْمد قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الله قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن بن الطُّفَيْل قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي السرى قَالَ حَدثنَا دَاوُد عَن خُلَيْد بن دعْلج قَالَ سَمِعت مُعَاوِيَة بن قُرَّة يَقُول إِن الْقَوْم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون وَيصلونَ وَيَصُومُونَ وَمَا يُعْطون يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا على قدر عُقُولهمْ أخبرنَا أَبُو المعمر الْأنْصَارِيّ قَالَ أخبرنَا صاعد بن سيار قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن سهل الفروجي قَالَ أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَافِظ إجَازَة قَالَ أخبرنَا الْحسن بن أَحْمد الْفَقِيه قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْمسيب قَالَ أخبرنَا عبد الله بن حبيق قَالَ حَدثنَا عبد الله بن ضريس عَن أبي زَكَرِيَّا قَالَ إِن الرجل ليتلذذ فِي الْجنَّة بِقدر عقله الْبَاب الثَّانِي فِي ذكر مَاهِيَّة الْعقل وَمحله نقل إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ الْعقل غريزة وَمثله عَن الْحَرْب المحاسبي وروى عَن المحاسبي أَيْضا أَنه قَالَ هُوَ نور وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ قُوَّة يفصل بهَا بَين حقائق المعلومات وَقَالَ قوم هُوَ نوع من الْعُلُوم الضرورية وَهُوَ الْعلم بِجَوَاز الجائزات واستحالة المستحيلات وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ جَوْهَر بسيط وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ جسم شفاف وَسُئِلَ إعرابي عَن الْعقل فَقَالَ لب اغتنمته بتجريب وَاعْلَم أَن التَّحْقِيق فِي هَذَا أَن يُقَال هُنَا الِاسْم أعنى الْعقل ينْطَلق بالاشتراك على أَرْبَعَة معَان أَحدهَا الْوَصْف الَّذِي يُفَارق بِهِ الْإِنْسَان الْبَهَائِم وَهُوَ الَّذِي استعد لقبُول الْعُلُوم النظرية وتدبير الصناعات الْخفية الفكرية وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ من قَالَ غريزة وَكَأَنَّهُ نور يقذف فِي الْقلب يستعد بِهِ لإدراك الْأَشْيَاء وَالثَّانِي مَا وضع فِي الطباع من الْعلم بِجَوَاز الجائزات واستحالة المستحيلات وَالثَّالِث عُلُوم تستفاد من التجارب تسمى عقلا وَالرَّابِع أَن مُنْتَهى قوته الغريزية إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 أَن نقمع الشَّهْوَة الداعية إِلَى اللَّذَّة العاجلة وَالنَّاس يتفاوتون فِي هَذِه الْأَحْوَال إِلَّا فِي الْقسم الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْعلم الضَّرُورِيّ وَقد شرحنا هَذَا وَذكرنَا فَضَائِل الْعقل فِي كتَابنَا الْمُسَمّى بمنهاج القاصدين وَهَذِه الْإِشَارَة تَكْفِي هَهُنَا فصل وَمَا اشتقاق هَذَا الِاسْم أَعنِي الْعقل فَقَالَ ثَعْلَب أَصله الِامْتِنَاع يُقَال عقلت النَّاقة إِذا منعتها من السّير وعقل بطن الرجل إِذا أحبس فصل وَأما مَحَله فَنقل الْفضل بن زِيَاد عَن أَحْمد أَن مَحَله الدِّمَاغ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَذهب جمَاعَة من أَصْحَابنَا إِلَى أَنه فِي الْقلب كَمَا يرْوى عَن الشَّافِعِي وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى {فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا} وَقَوله تَعَالَى {لمن كَانَ لَهُ قلب} أَي عقل فَعبر بِالْقَلْبِ عَنهُ لِأَنَّهُ مَحَله الْبَاب الثَّالِث فِي بَيَان معنى الذِّهْن والفهم والذكاء حد الذِّهْن قُوَّة النَّفس المهيأة المستعدة لِاكْتِسَابِ الآراء وحد الْفَهم جودة التهيء لهَذِهِ الْقُوَّة وحد الذكاء جودة حدس من هَذِه الْقُوَّة تقع فِي زمَان قصير غير ممهل فَيعلم الذكي معنى القَوْل عِنْد سَمَاعه وَقَالَ بَعضهم حد الذكاء سرعَة الْفَهم وحدته والبلادة جموده وَقَالَ الزّجاج الذكاء فِي اللُّغَة تَمام الشَّيْء وَمِنْه الذكاء فِي السن وَهُوَ تَمام السن وَمِنْه الذكاء فِي الْفَهم وَهُوَ أَن يكون فهما تَاما سريع القبولِ وذكيت النَّار إِذا أتممت إشعالها أخبرنَا أَبُو غَالب أَحْمد ابْن الْحسن بن الْبناء وَحدثنَا عَنهُ الْمُبَارك بن عَليّ قَالَ أخبرنَا القَاضِي أَبُو يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن قَالَ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن سُوَيْد قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر بن الأنياري قَالَ قَوْلهم فلَان ذكي مَعْنَاهُ كَامِل الفطنة تامها من قَول الْعَرَب قد ذكت النَّار تذكو إِذا تمّ وقودها وَيُقَال أذكيتها إِنَّا إِذا أتممت وقودها وَيُقَال مسك ذكي إِذا كَانَ تَامّ الطّيب كَامِل نَفاذ الرِّبْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 قَالَ جميل (صادت فُؤَادِي بعينيها ومبتسم ... كَأَنَّهُ حِين أبدته لنا برد) (عذب كَانَ ذكي الْمسك خالطه ... والزنجبيل وَمَاء المزن والشهد) وَيُقَال قد ذكيت الشَّاة إِذا أتممت ذَبحهَا وَبَلغت الْحَد الْوَاجِب فِيهِ قَالَ الشَّاعِر (نعم هُوَ ذكاها وَأَنت أضعتها ... والهاك عَنْهَا خرفة وفطيم) وَالْعرب تَقول جرى المذكيات غلاب أَي جرى المسان مغالبة وَذَلِكَ أَن المذكية من الْخَيل وَهِي الَّتِي تمت قوتها وشبابها تحمل على الخشن من الأَرْض للثقة بقوتها وصلابتها وَأَنَّهَا لَيست كالجذاع وَالصغَار الَّتِي تطلب لَهَا الرخاوة من الأَرْض لِضعْفِهَا وصغرها فَإِنَّهَا لَا تثبت ثبات المذكيات وَبَعْضهمْ يَقُول جرى المذكيات غلاء والغلاء جمع غلوة وَهُوَ مدى الرمقة قَالَ الشَّاعِر فِي الَّذِي الذكاء مَعْنَاهُ تَمام الفطنة (سهم الْفُؤَاد ذكاؤه مَا مثله ... عِنْد الْعَزِيمَة فِي الْأَنَام ذكاء) وَقَالَ زُهَيْر فِي الذكاء الَّذِي مَعْنَاهُ تَمام السن (ويفضلها إِذا اجتهدت عَلَيْهِ ... تَمام السن مِنْهُ والذكاء) والذكاء فِي هذَيْن الْمَعْنيين مَمْدُود والذكا تَمام اتقاد النَّار مَقْصُور يكْتب بِالْألف قَالَ الشَّاعِر (وتضرم فِي الْقلب اضطراماً كَأَنَّهُ ... ذكا النَّار ترفيه الرِّيَاح النوافخ) وَيُقَال مسك ذكي ومسك ذكية وَالَّذِي يذكر الْمسك يذكر وَالَّذِي يؤنث يَقُول ذهبت إِلَى الرَّائِحَة أنشدنا أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء (لقد عاجلتني بالسباب وثوبها ... جَدِيد وَمن أثوابها الْمسك تنفح) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَقد أَرَادَ بِهِ رَائِحَة الْمسك قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي أَخْبرنِي أبي قَالَ أخبرنَا أَبُو عَفَّان المهزمي قَالَ الْمسك والعنبر يؤنثان ويذكران الْبَاب الرَّابِع فِي ذكر العلامات الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على عقل الْعَاقِل وذكاء الذكي قَالَ مؤلف الْكتاب هَذِه العلامات تَنْقَسِم قسمَيْنِ أَحدهَا من حَيْثُ الصُّورَة وَالثَّانِي من حَيْثُ الْمَعْنى وَالْأَحْوَال وَالْأَفْعَال ذكر الْقسم الأول قَالَ الْحُكَمَاء الْخلق المعتدل والبنية المتناسبة دَلِيل على قُوَّة الْعقل وجودة الفطنة وَإِذا غلظت الرَّقَبَة دلّت على قُوَّة الدِّمَاغ ووفوره وَمن كَانَت عينه تتحرك بِسُرْعَة وحدة فَهُوَ مكار محتال لص وَأحمد الْعُيُون الشهل وَإِذا لم تكن الشهلاء شَدِيدَة البريق وَلَا يظْهر عَلَيْهَا صفرَة وَلَا حمرَة دلّت على طبع جيد وَإِذا كَانَت الْعين صَغِيرَة غائرة فصاحبها مكار حسود وَمن كَانَ نحيف الْوَجْه فَهُوَ فهم مهتم بالأمور واللطف فِي التحاف الْقصار أظهرُوا المعتدلون فِي الطول صالحو الْحَال أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن أَحْمد قَالَ أخبرنَا أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله الْأَصْفَهَانِي قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ حَدثنَا الْحُسَيْن بن عَليّ بن نصر قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم قَالَ حَدثنَا الْهَيْثَم بن عدي قَالَ حَدثنَا ابْن عَيَّاش قَالَ حَدثنَا الشّعبِيّ قَالَ حَدثنِي عجلاً قَالَ لي زِيَاد ادخل على رجلا عَاقِلا قلت لَا أعرف من تَعْنِي قَالَ لَا يخفى الْعَاقِل فِي وَجهه وقده فَخرجت فَإِذا أَنا بِرَجُل حسن الْوَجْه مديد الْقَامَة فصيح اللِّسَان قلت ادخل فَدخل فَقَالَ زِيَاد يَا هَذَا إِنِّي قد أردْت مشاورتك فِي أَمر فَمَا عنْدك قَالَ أَنِّي حاقن وَلَا رَأْي لحاقن قَالَ يَا عجلَان أدخلهُ المتوضأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 فَلَمَّا خرج قَالَ إِنِّي جَائِع وَلَا رَأْي لجائع قَالَ يَا عجلَان أئته بِالطَّعَامِ فَأتى بِهِ فَطَعِمَ ثمَّ قَالَ سل عَمَّا بدا لَك فَمَا سَأَلَهُ عَن شئ إِلَّا وجد عِنْده بعض مَا يُرِيد أخبرنَا المحمد أَن ابْن نَاصِر وَابْن عبد الْبَاقِي قَالَا أخبرنَا حمد بن أَحْمد قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى قَالَ سَمِعت يُوسُف بن الْحُسَيْن يَقُول سَمِعت ذَا النُّون يَقُول من وجدت فِيهِ خمس خِصَال رجيت لَهُ السَّعَادَة وَلَو قبل مَوته بساعتين قيل مَا هِيَ قَالَ اسْتِوَاء الْخلق وخفة الرّوح وغزارة الْعقل وصفاء التَّوْحِيد وَطيب المولد ذكر الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الِاسْتِدْلَال على عقل الْعَاقِل بالأفعال والأقوال قَالَ الْمُؤلف يسْتَدلّ على عقل الْعَاقِل بسكوته وسكونه وخفض بَصَره وحركاته فِي أماكنها اللائقة بهَا ومراقبته للعواقب فَلَا تستفزه شَهْوَة عاجلة عقباها ضَرَر وتراه ينظر فِي الفضاء فَيتَخَيَّر الْأَعْلَى والأحمد عَاقِبَة من مطعم ومشرب وملبس وَقَول وَفعل وَيتْرك مَا يخَاف ضَرَره ويستعد لما يجوز وُقُوعه أَنبأَنَا يحيى بن ثَابت بن بنْدَار قَالَ أخبرنَا أبي قَالَ أخبرنَا الْحسن بن الْحُسَيْن دَوْمًا قَالَ أخبرنَا مخلد بن جفعر قَالَ أخبرنَا الْحسن بن عَليّ الْقطَّان قَالَ أخبرنَا إِسْمَعِيل بن عِيسَى الْعَطَّار قَالَ أخبرنَا أَبُو حُذَيْفَة إِسْحَق ابْن بشر الْقرشِي قَالَ أخبرنَا جَعْفَر بن الْحَرْث عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء أَلا أنبئكم بعلامة الْعَاقِل يتواضع لمن فَوْقه وَلَا يزدري من دونه يمسك الْفضل من منْطقَة يخالق النَّاس بأخلاقهم ويحتجر الْإِيمَان فِيمَا بَينه وَبَين ربه عز وَجل فَهُوَ يمشي فِي الدُّنْيَا بالتقية والكتمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 قَالَ الْقرشِي وَأَخْبرنِي إِدْرِيس عَن جده وهب بن مُنَبّه أَن لُقْمَان قَالَ لِابْنِهِ يَا بني مَا يتم عقل امْرِئ حَتَّى يكون فِيهِ عشر خِصَال الْكبر مِنْهُ مَأْمُون والرشد فِيهِ مأمول يُصِيب من الدُّنْيَا الْقُوت وَفضل مَاله مبذول التَّوَاضُع أحب إِلَيْهِ من الشّرف والذل أحب إِلَيْهِ من الْعِزّ لَا يسام من طلب الْفِقْه طول دهره وَلَا يتبرم من طلب الْحَوَائِج من قبله يستكثر قَلِيل الْمَعْرُوف من غَيره ويستقل كثير الْمَعْرُوف من نَفسه والخصلة الْعَاشِرَة الَّتِي بهَا مجده وَأَعْلَى ذكره أَن يرى جَمِيع أهل الدُّنْيَا خيرا مِنْهُ وَأَنه شرهم وَإِن رأى خيرا مِنْهُ سره ذَلِك وَتمنى أَن يلْحق بِهِ وَأَن رأى شرا مِنْهُ قَالَ لَعَلَّ هَذَا ينجو وَأهْلك أَنا فهنالك حِين اسْتكْمل الْعقل قَالَ الْقرشِي وَأَخْبرنِي عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن مَكْحُول أَن لُقْمَان قَالَ لِابْنِهِ غَايَة الشّرف والسؤود حسن الْعقل وَمن حسن عقله غطى ذَلِك جَمِيع ذنُوبه واصلح ذَلِك مساويه ورضى عَنهُ مَوْلَاهُ أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَحْمد عَليّ بن ثَابت قَالَ أَخْبرنِي أَبُو الْوَلِيد الْحسن بن مُحَمَّد الدربندي قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْوراق قَالَ حَدثنَا أَبُو أَحْمد عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمروزِي قَالَ حَدثنَا شهَاب بن الْحسن العكبري قَالَ سَمِعت الْأَصْمَعِي يَقُول سَمِعت إبان بن جرير يَقُول قَالَ الملهب بن أبي صفرَة يُعجبنِي أَن أرى عقل الْكَرِيم زَائِدا على لِسَانه وَلَا يُعجبنِي أَن أرى لِسَانه زَائِدا على عقله الْبَاب الْخَامِس فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمين مِمَّا يدل على قُوَّة الفطنة مَعْلُوم أَن فطن الْأَنْبِيَاء فَوق الفطن وَلَكنَّا أحببنا أَن لَا نخلى كتَابنَا هَذَا من شَيْء عَنْهُم فَمن الْمَنْقُول عَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ أخبرنَا أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الْحُسَيْن بن زرقويه قَالَ أخبرنَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق قَالَ أخبرنَا الْحسن بن عَليّ الْقطَّان قَالَ أخبرنَا إِسْمَعِيل بن عِيسَى قَالَ أخبرنَا أَبُو حُذَيْفَة اسحق بن بشر عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما رَأَتْ سارة إِبْرَاهِيم قد شغف بِأم إِسْمَاعِيل غارت غيرَة شَدِيدَة وَحلفت لتقطعن عضوا من أَعْضَاء هَاجر فَبلغ ذَلِك هَاجر فَلبِست درعا وَجَرت ذيلها فَهِيَ أول نسَاء الْعَالمين جرت الذيل وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك لتعفى أَثَرهَا فِي الطَّرِيق على سارة فَقَالَ إِبْرَاهِيم هَل لَك فِي خير أَن تعفى عَنْهَا وترضى بِقَضَاء الله عز وَجل قَالَت وَكَيف لي بِمَا قد حَلَفت قَالَ اخفضيها فَتكون سنة النِّسَاء وتبر يَمِينك قَالَت افْعَل فخفضتها فمضت السّنة للنِّسَاء بالخفض مِنْهَا أخبرنَا عبد الأول قَالَ أَنبأَنَا الداوودي قَالَ أخبرنَا ابْن أعين قَالَ حَدثنَا الفريري قَالَ حَدثنَا البُخَارِيّ قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا معمر عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَكثير بن كثير بن الْمطلب بن أبي ودَاعَة يزِيد أَحدهمَا على الآخر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس لما شب إِسْمَاعِيل تزوج امْرَأَة من جرهم فجَاء إِبْرَاهِيم فَلم يجد إِسْمَاعِيل فَسَأَلَ امْرَأَته فَقَالَت خرج يَبْتَغِي لنا ثمَّ سَأَلَهَا عَن عيشهم فَقَالَت نَحن بشر فِي ضيق وَشدَّة وَشَكتْ إِلَيْهِ فَقَالَ فَإِذا جَاءَ زَوجك فاقرئي عَلَيْهِ السَّلَام وَقَوْلِي لَهُ يُغير عتبَة بَابه فَلَمَّا جَاءَ فَأَخْبَرته قَالَ ذَاك أبي وَقد أَمرنِي أَن أُفَارِقك الْحق بأهلك قَالَ الْمُؤلف وَهَذَا الحَدِيث يدل على فطنة إِسْمَاعِيل أَيْضا وَمن الْمَنْقُول عَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا الْحسن بن عَليّ بن الْمَذْهَب قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر بن مَالك قَالَ أخبرنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا يُونُس قَالَ حَدثنَا لَيْث عَن مُحَمَّد بن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلّم أَنه قَالَ خرجت امْرَأَتَانِ ومعهما صبيان فَعدا الذِّئْب على أَحدهمَا فأخذتا يختصمان فِي الصَّبِي الْبَاقِي فاختصما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقضى بِهِ للكبرى مِنْهُمَا فمرتا على سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مَا أمركما فقصتا عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ ائْتُونِي بالسكين اشق الْغُلَام بَيْنكُمَا فَقَالَت الصُّغْرَى أتشقه قَالَ نعم قَالَت لَا تفعل حظي مِنْهُ لَهَا فَقَالَ هُوَ ابْنك فَقضى بِهِ لَهَا أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن أَحْمد الْحداد قَالَ أَنبأَنَا أَبُو نعيم أَحْمد بن عبد الله قَالَ حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن سِنَان قَالَ حَدثنَا وهب بن جرير قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ سَمِعت عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر يَقُول بعث سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى مَا روى من مَرَدَة الْجِنّ فَأتى بِهِ فَلَمَّا كَانَ على بَاب سُلَيْمَان أَخذ عودا فذرعه بذراعه وَرمى بِهِ وَرَاء الْحَائِط فَوَقع بَين يَدي سُلَيْمَان فَقَالَ مَا هَذَا فَأخْبر بِمَا صنع المارد قَالَ أَتَدْرُونَ مَا أَرَادَ قَالُوا لَا قَالَ يَقُول اصْنَع مَا شِئْت فَإنَّك تصير إِلَى مثل هَذَا من الأَرْض أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي أخبرنَا أَحْمد بن أَحْمد قَالَ حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن أَحْمد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن هرون بن بكار الدِّمَشْقِي قَالَ حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن مَكْحُول قَالَ أَبُو هُرَيْرَة بَينا سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يسْعَى فِي موكبه إِذْ مر بِامْرَأَة تصيح بابنها يالدين فَوقف سُلَيْمَان وَقَالَ إِن دين الله ظَاهر فَأرْسل إِلَى الْمَرْأَة فَسَأَلَهَا فَقَالَت أَن زَوجهَا سَافر وَله شريك فَزعم شَرِيكه إِنَّه مَاتَ وَأوصى إِن ولدت غُلَاما أَن أُسَمِّيهِ يالادين فَأرْسل إِلَى الشَّرِيك فاعترف أَنه قَتله فَقتله سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام حَدثنَا مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ جَاءَ رجل إِلَى سُلَيْمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلّم فَقَالَ يَا نَبِي الله إِن لي جيرانا يسرقون أوزي فَنَادَى الصَّلَاة جَامِعَة ثمَّ خطبهم فَقَالَ فِي خطبَته وأحدكم يسرق أوز جَاره ثمَّ يدْخل الْمَسْجِد والريش على رَأسه فَمسح رجل بِرَأْسِهِ فَقَالَ سُلَيْمَان خذوه فَإِنَّهُ صَاحبكُم وَمن الْمَنْقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَن إِبْلِيس جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ السِّت تزْعم أَنه لَا يصيبك إِلَّا مَا كتب الله لَك قَالَ بلَى قَالَ فارم بِنَفْسِك من هَذَا الْجَبَل فَإِنَّهُ إِن قدر لَك السَّلامَة تسلم فَقَالَ لَهُ يَا مَلْعُون إِن الله عز وَجل إِن يختبر عباده وَلَيْسَ للْعَبد أَن يختبر ربه عز وَجل الْبَاب السَّادِس فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْأُمَم السالفة فَمن الْمَنْقُول عَن لُقْمَان حَدثنَا مَكْحُول أَن لُقْمَان الْحَكِيم كَانَ عبدا نوبيا أسود وَكَانَ قد أعطَاهُ الله تَعَالَى الْحِكْمَة وَكَانَ لرجل من بني إِسْرَائِيل اشْتَرَاهُ بِثَلَاثِينَ مِثْقَالا ونش يعْنى نصف مِثْقَال وَكَانَ يعْمل لَهُ وَكَانَ مَوْلَاهُ يلْعَب بالنرد يقامر عَلَيْهِ وَكَانَ على بَابه نهر جَار فلعب يَوْمًا بالنرد على أَن من قمر صَاحبه شرب المَاء الَّذِي فِي النَّهر كُله أَو افتدي مِنْهُ وَإِن هُوَ قمر صَاحبه فعل بِهِ مثل ذَلِك قَالَ فقمر سيد لُقْمَان فَقَالَ لَهُ القامر أشْرب مَا فِي النَّهر وَإِلَّا فافتد مِنْهُ قَالَ فسلني الْفِدَاء قَالَ عَيْنَيْك أفقؤهما أَو جَمِيع مَا تملك قَالَ أمهلني يومي هَذَا قَالَ لَك ذَلِك قَالَ فأمسى كئيباً حَزينًا إِذْ جَاءَهُ لُقْمَان وَقد حمل حزمة على ظَهره فَسلم على سَيّده ثمَّ وضع مَا مَعَه وَرجع إِلَى سَيّده وَكَانَ سَيّده إِذا رَآهُ عَبث بِهِ وَيسمع مِنْهُ الْكَلِمَة الحكيمة فيعجب مِنْهُ فَلَمَّا جلس إِلَيْهِ قَالَ لسَيِّده مَا لي أَرَاك كئيباً حَزينًا فاعرض عَنهُ فَقَالَ لَهُ الثَّانِيَة مثل ذَلِك فاعرض عَنهُ ثمَّ قَالَ لَهُ الثَّالِثَة مثل ذَلِك فاعرض عَنهُ فَقَالَ لَهُ أَخْبرنِي فَلَعَلَّ لَك عِنْدِي فرجا فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ لَهُ لُقْمَان لَا تغتم فَإِن لَك عِنْدِي فرجا قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ إِذا أَتَاك الرجل فَقَالَ لَك اشرب مَا فِي النَّهر فَقل لَهُ اشرب مَا بَين ضفتي النَّهر أَو الْمَدّ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَك اشرب مَا بَين الضفتين فَإِذا قَالَ لَك ذَلِك فَقل لَهُ احْبِسْ عني الْمَدّ حَتَّى اشرب مَا بَين الضفتين فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يحبس عَنْك الْمَدّ وَتَكون قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 خرجت مِمَّا ضمنت لَهُ فَعرف سَيّده أَنه قد صدق فطابت نَفسه فَلَمَّا أصبح جَاءَهُ الرجل فَقَالَ لَهُ فولي بشرطي قَالَ لَهُ نعم اشرب مَا بَين الضفتين أَو الْمَدّ قَالَ لَا بل مَا بَين الضفتين قَالَ فاحبس عني الْمَدّ قَالَ كَيفَ أَسْتَطِيع قَالَ فخصمه قَالَ فاعتقه مَوْلَاهُ حَدثنَا مُحَمَّد بن اسحق قَالَ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ يَا بني إِذا أردْت أَن تؤاخي رجلا فأغضبه قبل ذَلِك فَإِن أنصفك عِنْد غَضَبه وَإِلَّا فاحذره وَمن ذَلِك مَا نقل عَن عبد الله بن عَامر الْأَزْدِيّ فِي الاحتيال للسلامة من سيل العرم حَدثنَا الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس لقد كَانَ لسبأ فِي مساكنهم آيَة قَالَ كَانَت لَا تَنْقَطِع عَنْهُم جنتهم شتاء وَلَا صيفاً فَكَفرُوا مَا أنعم الله عَلَيْهِم فَأرْسل عَلَيْهِم سيل العرم فَسلط على الرَّدْم الَّذِي بنوه على غير شربهم جرذاً لَهُ مخاليب وأنياب من حَدِيد فَأول من علم بذلك عبد الله بن عَامر الْأَزْدِيّ فَانْطَلق نَحْو الرَّدْم فَرَأى الجرذ يحْفر بمخاليب من حَدِيد ويقرض بأنياب من حَدِيد فَانْصَرف إِلَى أَهله فَأخْبر امْرَأَته وأراها ذَلِك وَأرْسل إِلَى بنيه فَقَالَ هَل ترَوْنَ مَا رَأينَا قَالُوا نعم قَالَ فَإِن هَذَا الْأَمر لَيْسَ لنا إِلَيْهِ سَبِيل اضمحلت الْحِيَل فِيهِ لِأَن الْأَمر لله وَقد أذن فِي هَلَاكه فَأتى بهرة والجرذ يحْفر وَلَا يكترث بالهرة فَلَمَّا رَأَتْ الْهِرَّة ذَلِك ولت هاربة فَقَالَ عبد الله احْتَالُوا لأنفسكم قَالُوا يَا أَبَت كَيفَ نحتال قَالَ إِنِّي محتال لكم بحيلة قَالَ فَدَعَا أَصْغَر بنيه ثمَّ قَالَ لَهُ إِذا جَلَست الْيَوْم فِي الْمجْلس وَكَانَ النَّاس يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ وينتهون إِلَى رَأْيه فَإِذا اجْتَمعُوا أمرت أصغركم بِأَمْر فليغفل عَنهُ فَإِذا شتمته فليهم إِلَى فليلطمني وَلَا تتغيروا أَنْتُم عَلَيْهِ فَإِذا رأى الجلساء أَنكُمْ لم تتغيروا على أخيكم لم يَجْسُر أحد مِنْهُم أَن يتَغَيَّر عَلَيْهِ فاحلف أَنا عِنْد ذَلِك يَمِينا لَا كَفَّارَة لَهَا إِن لَا أقيم بَين أظهر قوم قَامَ إِلَى أَصْغَر بني فلطمني فَلم يتغيروا عَلَيْهِ لذَلِك قَالُوا نَفْعل فَلَمَّا رَاح النَّاس إِلَيْهِ أَمر ابْنه بِبَعْض أمره فلهى عَنهُ ثمَّ أمره فلهى عَنهُ فشتمه فَقَامَ إِلَيْهِ فلطم وَجهه فعجبوا من جرْأَة ابْنه فنكسوا رؤوسهم وظنوا أَن وَلَده يتغيرون عَلَيْهِ فَلَمَّا لم يتَغَيَّر أحد مِنْهُم قَامَ الشَّيْخ فَحلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أَن يتَحَوَّل عَنْهُم ويستبدلوا بداره فَلَا يُقيم بَين أظهر قوم لم يتغيروا على ابْنه فَقَامَ الْقَوْم معتذرين وَقَالُوا إِمَّا كُنَّا ظننا أَن ولدك لَا يتغيرون فَذَلِك الَّذِي منعنَا قَالَ قد سبق منى مَا ترَوْنَ وَلَيْسَ إِلَى غير التَّحْوِيل سَبِيل فَعرض ضيَاعه على البيع وَكَانَ النَّاس يتنافسون فِيهَا وَاحْتمل بثقله وَعِيَاله فتحول عَنْهُم فَلم يلبث الْقَوْم إِلَّا قَلِيلا حَتَّى أَتَى الجرذ على الرَّدْم فاستأصله فَلم يفاجئ الْقَوْم لَيْلَة بَعْدَمَا هدأت الْعُيُون إِذا هم بالسيل قد اقبل فَاحْتمل أنعامهم وَأَمْوَالهمْ وَخرب دِيَارهمْ وَقد جَاءَت أَخْبَار عَن القدماء ستراها فِي أَبْوَابهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْبَاب السَّابِع فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَات تدل على قُوَّة الفطنة الفطرية فَأَما مَا حصل لَهُ بتلقي الْوَحْي وتثقيفه فَذَلِك كثير وَلَيْسَ هُوَ مرادنا هَهُنَا إِنَّمَا المُرَاد الْقسم الأول أخبرنَا حَارِثَة بن مضرب عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لما سَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بدر وجدنَا عِنْدهَا رجلَيْنِ رجلا من قُرَيْش وَمولى لعقبة بن أبي معيط فَأَما الْقرشِي فَأَفلَت وَأما مولى عقبَة فأخذناه فَجعلنَا نقُول لَهُ كم الْقَوْم فَيَقُول هم وَالله كثير عَددهمْ شَدِيد باسهم فَجعل الْمُسلمُونَ إِذا قَالَ ذَلِك ضربوه حَتَّى انْتَهوا بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ كم الْقَوْم فَقَالَ هم وَالله كثير عَددهمْ شَدِيد باسهم فجهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُخبرهُ كم هم فَأبى ثمَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَهُ كم ينحرون من الجزر فَقَالَ عشرا لكل يَوْم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَوْم ألف كل جزور لمِائَة وتبعها أخبرنَا كَعْب بن مَالك قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلما يُرِيد غزَاة يغزوها الأورى بغَيْرهَا أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أخبرنَا أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَا أَيهَا النَّاس إِن الله عز وَجل يعرض بِالْخمرِ سينزل فِيهَا أمرا فَمن كَانَ عِنْده مِنْهَا شَيْء فليبعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فلينتفع بِهِ قَالَ فَمَا لبثنا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله عز وَجل حرم الْخمر فَمن أَدْرَكته هَذِه الْآيَة وَعِنْده مِنْهَا شَيْء فَلَا يشربه وَلَا يَبِيع فَاسْتقْبل النَّاس بِمَا كَانَ عِنْدهم مِنْهَا طرق الْمَدِينَة فسفكوها انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم أخبرنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا أحدث أحدكُم فِي الصَّلَاة فليأخذ بِأَنْفِهِ ثمَّ لينصرف حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَن لي جَار يُؤْذِينِي فَقَالَ انْطلق واخرج متاعك إِلَى الطَّرِيق فَانْطَلق فَأخْرج مَتَاعه فَاجْتمع النَّاس عَلَيْهِ فَقَالُوا مَا شَأْنك قَالَ لي جَار يُؤْذِينِي فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ انْطلق واخرج متاعك إِلَى الطَّرِيق فَجعلُوا يَقُولُونَ اللَّهُمَّ العنه اللَّهُمَّ أخزه فَبَلغهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ ارْجع إِلَى مَنْزِلك فوَاللَّه لَا أؤذيك حَدثنَا زيد بن أسلم أَن رجلا قَالَ لِحُذَيْفَة يَا حُذَيْفَة نشكو إِلَى الله صحبتكم رَسُول الله أدركتموه وَلم ندركه ورأيتموه وَلم نره فَقَالَ حُذَيْفَة وَنحن نشكو إِلَى الله إيمَانكُمْ بِهِ وَلم تروه وَالله مَا تَدْرِي يَا ابْن أخي لَو أَدْرَكته كَيفَ كنت تكون لقد رَأَيْتنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الخَنْدَق فِي لَيْلَة بَارِدَة مظْلمَة مطيرة وَقد نزل أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه بالعرصة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رجل يذهب فَيعلم لنا علم الْقَوْم أدخلهُ الله الْجنَّة فَمَا قَامَ منا أحد ثمَّ قَالَ من رجل يذهب فَيعلم لنا علم الْقَوْم جعله الله رَفِيق إِبْرَاهِيم يَوْم الْقِيَامَة فوَاللَّه مَا قَامَ منا أحد فَقَالَ من رجل يذهب فَيعلم لنا علم الْقَوْم جعله الله رفيقي يَوْم الْقِيَامَة فوَاللَّه مَا قَامَ أحد منا فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله ابْعَثْ حُذَيْفَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا حُذَيْفَة فَقلت لبيْك يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي فَقَالَ هَل أَنْت ذَاهِب فَقلت وَالله مَا بِي أَن أقتل ولكنني أخْشَى أَن أؤسر فَقَالَ أَنَّك لن تؤسر فَقلت مرني يَا رَسُول الله بِمَا شِئْت فَقَالَ اذْهَبْ حَتَّى تدخل بَين ظهراني الْقَوْم فَاتَ قُريْشًا فَقل يَا معشر قُرَيْش إِنَّمَا يُرِيد النَّاس إِذا كَانَ غَدا أَن يَقُولُوا أَيْن قُرَيْش أَيْن قادة النَّاس أَيْن رُؤُوس النَّاس فيقدمونكم فتصلون الْقِتَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 فَيكون الْقَتْل بكم ثمَّ ائْتِ قيسا فَقل يَا معشر قيس إِنَّمَا يُرِيد النَّاس إِذا كَانَ غَدا أَن يَقُولُوا أَيْن أحلاس الْخَيل أَيْن الفرسان فيقدمونكم فتصلون الْقِتَال فَيكون الْقَتْل بكم فَانْطَلَقت حَتَّى دخلت بَين ظهراني الْقَوْم فَجعلت اصطلي مَعَهم على نيرانهم وَجعلت أبث ذَلِك الحَدِيث الَّذِي أَمرنِي بِهِ حَتَّى إِذا كَانَ وَجَاء السحر قَامَ أَبُو سُفْيَان فَدَعَا اللات والعزي وأشرك ثمَّ قَالَ لينْظر كل رجل من جليسه وَمَعِي رجل مِنْهُم يصطلي على النَّار فَوَثَبت عَلَيْهِ فَأخذت بِيَدِهِ مَخَافَة أَن يأخذني فَقلت من أَنْت فَقَالَ أَنا فلَان بن فلَان فَقلت أولى فَلَمَّا دنا الصُّبْح نادوا أَيْن قُرَيْش أَيْن رُؤُوس النَّاس فَقَالُوا هَات الَّذِي أَتَيْتنَا بِهِ البارحة أَيْن بَنو كنَانَة أَيْن الرُّمَاة فَقَالُوا هَات الَّذِي أَتَيْتنَا بِهِ البارحة فتخاذلوا وَبعث الله عَلَيْهِم تِلْكَ اللَّيْلَة الرّيح فَمَا تركت لَهُم بِنَاء إِلَّا هدمته وَلَا إِنَاء إِلَّا أكفاته حَتَّى لقد رَأَيْت أَبَا سُفْيَان وثب على جمل لَهُ مَعْقُول فَجعل يسحبه وَلَا يَسْتَطِيع أَن يقوم فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعلت أخبرهُ عَن أبي سُفْيَان فَجعل يضْحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه وَجعلت انْظُر إِلَى أنيابه عَن عَاصِم الْأَحول عَن الْحسن أَن رجلا أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل قد قتل حميماً لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتأخذ الدِّيَة قَالَ لَا قَالَ أفتعفو قَالَ لَا قَالَ اذْهَبْ فاقتله فَلَمَّا جاوزه الرجل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن قَتله فَهُوَ مثله قَالَ فلحق الرجل رجل فَقَالَ لَهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَذَا فَتَركه وَهُوَ يجر نسعه فِي عُنُقه قَالَ ابْن قُتَيْبَة لم يرد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مثل فِي المأثم واستيجاب النَّار أَن قَتله وَكَيف يُرِيد هَذَا وَقد أَبَاحَ الله عز وَجل قَتله بِالْقصاصِ وَلَكِن كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْتَصّ وَاجِب لَهُ الْعَفو فَعرض تعريضاً أَوْهَمهُ بِهِ أَنه إِن قَتله كَانَ مثله فِي الْإِثْم ليعفو عَنهُ وَكَانَ مُرَاده أَنه يقتل نفسا كَمَا قتل الأول نفسا فَهَذَا قَاتل وَهَذَا قَاتل فقد اسْتَويَا فِي قَاتل وَقَاتل إِلَّا أَن الأول ظَالِم وَالْآخر مقتص قَالَ مؤلف الْكتاب وَفِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذَا كثير خُصُوصا فِي المعاريض فلنقتصر على هَذِه النبذة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الْبَاب الثَّانِي فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن أَصْحَاب نَبيا رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ فَمن الْمَنْقُول عَن أبي بكر الصّديق رضى الله عَنهُ حَدثنَا ثَابت عَن أنس قَالَ لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يركب وَأَبُو بكر رديفه وَكَانَ أَبُو بكر يعرف الطَّرِيق لاختلافه إِلَى الشَّام فَكَانَ يمر بالقوم فَيَقُولُونَ من هَذَا بَين يَديك يَا أَبَا بكر فَيَقُول هاد يهديني حَدثنَا الْحسن قَالَ لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر من الْغَار لم يستقبلهما أحد يعرف أَبَا بكر إِلَّا قَالَ لَهُ من هَذَا مَعَك يَا أَبَا بكر فَيَقُول دَلِيل يدلني الطَّرِيق وَصدق وَالله أَبُو بكر حَدثنَا الْحسن قَالَ لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر النَّاس فَقَالَ إِن الله خير عبدا بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ ذَلِك العَبْد مَا عِنْد الله عز وَجل قَالَ فَبكى أَبُو بكر فعجبنا من بكائه أَن خبر رَسُول الله عَن عبد خير فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْمُخَير وَكَانَ أَبُو بكر أعلمنَا بِهِ وَمن الْمَنْقُول عَن عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ حَدثنَا اسْلَمْ عَن أَبِيه قَالَ قدمت على عمر بن الْخطاب حلل من الْيمن فَقَسمهَا بَين النَّاس فَرَأى فِيهَا حلَّة رَدِيئَة فَقَالَ كَيفَ أصنع بِهَذِهِ إِذا أعطيتهَا أحد لم يقبلهَا إِذا رأى هَذَا الْعَيْب فِيهَا قَالَ فَأَخذهَا فطواها فَجَعلهَا تَحت مَجْلِسه واخرج طرفها وَوضع الْحلَل بَين يَدَيْهِ فَجعل يقسم بَين النَّاس قَالَ فَدخل الزبير بن الْعَوام وَهُوَ تِلْكَ الْحَال قَالَ فَجعل ينظر إِلَى تِلْكَ الْحلَّة فَقَالَ لَهُ مَا هَذِه الْحلَّة قَالَ عمر دع هَذِه عَنْك قَالَ مَا هيه مَا هيه مَا شَأْنهَا قَالَ دعها عَنْك قَالَ فأعطينيها قَالَ إِنَّك لَا ترضاها قَالَ بلَى قد رضيتها فَلَمَّا توثق مِنْهُ وَاشْترط عَلَيْهِ أَن يقبلهَا وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 يردهَا رمى بهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا أَخذهَا الزبير وَنظر إِلَيْهَا إِذا هِيَ رَدِيئَة فَقَالَ لَا أريدها فَقَالَ عمر أيهات قد فرغت مِنْهَا فأجازها عَلَيْهِ وأبى أَن يقبلهَا مِنْهُ حَدثنَا بريد بن جرير عَن أَبِيه عَن عمر قَالَ لَهُ وَالنَّاس يتحامون الْعرَاق وقتال الْأَعَاجِم سر بقومك فَمَا قد غلبت عَلَيْهِ فلك ربعه فَلَمَّا جمعت الْغَنَائِم غَنَائِم جلولاً ادّعى جرير أَن لَهُ ربع ذَلِك كُله فَكتب سعد إِلَى عمر بذلك فَكتب عمر صدق جرير قد قلت ذَلِك لَهُ فَإِن شَاءَ أَن يكون قَاتل هُوَ وَقَومه على جعل فَأَعْطوهُ جعله وَإِن يكن إِنَّمَا قَاتل لله ولدينه ولحبيبه فَهُوَ رجل من الْمُسلمين لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم فَلَمَّا قدم الْكتاب على سعد أخبر جرير بذلك فَقَالَ جرير صدق أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا حَاجَة لي بِهِ بل أَنا رجل من الْمُسلمين أخبرنَا نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ بَيْنَمَا عمر رضى الله عَنهُ جَالس إِذْ رأى رجلا فَقَالَ قد كنت مرّة ذَا فراسة وَلَيْسَ لي رَأْي إِن لم يكن هَذَا الرجل ينظر وَيَقُول فِي الكهانة شيا أَدْعُوهُ لي فَدَعوهُ فَقَالَ هَل كنت تنظر وَتقول فِي الكهانة شيا قَالَ نعم وَقد روينَا عَن عمر رضى الله عَنهُ أَنه خرج يعس الْمَدِينَة بِاللَّيْلِ فَرَأى نَارا موقدة فِي خباء فَوقف وَقَالَ يَا أهل الضَّوْء وَكره أَن يَقُول يَا أهل النَّار وَهَذَا من غَايَة الذكاء وروينا عَنهُ أَنه قَالَ لرجل عرس هَل كَانَ فَقَالَ لَا أَطَالَ الله بقاك فَقَالَ عمر قد علمْتُم فَلم تتعلموا هلا قلت لَا وَأطَال الله بقاك وَمن الْمَنْقُول عَن عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام عَن أبي البخْترِي قَالَ جَاءَ رجل إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فأطراه وَكَانَ بغضه فَقَالَ لَهُ أَنِّي لَيْسَ كَمَا تَقول وَإِنَّا فَوق مَا فِي نَفسك حَدثنَا عبد الله بن سَلمَة قَالَ سَمِعت عليا يَقُول بمسكن لَا أغسل رَأْسِي بِغسْل حَتَّى أُتِي الْبَصْرَة وأحرقها وأسوق النَّاس بعصاي إِلَى مصر قَالَ فَأتيت أَبَا مَسْعُود البدري فَأَخْبَرته أَن عليا يُورد الْأُمُور مواردها لَا يحسنون يصدرونها على رجل أصلع إِنَّمَا رَأسه مثل الطست إِنَّمَا حوله زغيبات أَو قَالَ شعيرات أخبرنَا سماك بن حَرْب عَن خنبش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 بن الْمُعْتَمِر أَن رجلَيْنِ أَتَيَا امْرَأَة من قُرَيْش فاستودعاها مائَة دِينَار وَقَالا لَا تدفعيها إِلَى وَاحِد منا دون صَاحبه حَتَّى نَجْتَمِع فلبثا حولا فجَاء أَحدهمَا إِلَيْهَا فَقَالَ إِن صَاحِبي قد مَاتَ فادفعي إِلَيّ الدَّنَانِير فَأَبت وَقَالَت إنَّكُمَا قلتما لَا تدفعيها إِلَى وَاحِد منا دون صَاحبه فلست بدافعتها إِلَيْك فثقل عَلَيْهَا بِأَهْلِهَا وجيرانها فَلم يزَالُوا بهَا حَتَّى دفعتها إِلَيْهِ ثمَّ لَبِثت حولا فجَاء الآخر فَقَالَ ادفعي إِلَيّ الدَّنَانِير فَقَالَت إِن صَاحبك جَاءَنِي فَزعم أَنَّك مت فدفعتها إِلَيْهِ فاختصما إِلَى عمر بن الْخطاب فَأَرَادَ أَن يقْضِي عَلَيْهَا فَقَالَت أنْشدك الله أَن تقضي بَيْننَا ارفعنا إِلَى عَليّ فرفعهما إِلَى عَليّ وَعرف أَنَّهُمَا قد مكرا بهَا فَقَالَ أَلَيْسَ قد قلتما لَا تدفعيها إِلَى وَاحِد منا دون صَاحبه قَالَ بلَى قَالَ فَإِن مَالك عندنَا فَاذْهَبْ فجيء بصاحبك حَتَّى ندفعهما إلَيْكُمَا أخبرنَا مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عَليّ أَنه جِيءَ بِرَجُل حلف فَقَالَ امْرَأَته طَالِق ثَلَاثًا إِن لم يَطَأهَا فِي شهر رَمَضَان نَهَارا فَقل تُسَافِر بهَا ثمَّ لتجامعها نَهَارا وَمن الْمَنْقُول عَن الْحسن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ مؤلف الْكتاب قَرَأت بِخَط أبي الْوَفَاء بن عقيل قَالَ لما جِيءَ بِابْن ملجم إِلَى الْحسن قَالَ لَهُ أُرِيد أَن أسارك بِكَلِمَة فَأبى الْحسن وَقَالَ إِنَّه يُرِيد أَن يعَض أُذُنِي فَقَالَ ابْن ملجم وَالله لَو مكنني مِنْهَا لأخذتها من صماخة قَالَ ابْن عقيل انْظُر إِلَى حسن رأى هَذَا السَّيِّد الَّذِي قد نزل بِهِ من الْمُصِيبَة الفادحة مَا يذهل الْخلق وتقصيه إِلَى هَذَا الْحَد وَانْظُر إِلَى ذَلِك اللعين كَيفَ لم يشْغلهُ حَاله عَن اسْتِرْدَاد غشه وَمن الْمَنْقُول عَن الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن ريَاح الْموصِلِي قَالَ يروي أَن رجلا ادّعى على الْحُسَيْن بن عَليّ مَالا وَقدمه إِلَى القَاضِي فَقَالَ الْحُسَيْن ليحلف على مَا ادّعى وَيَأْخُذهُ فَقَالَ الرجل وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَقَالَ قل وَالله وَالله وَالله إِن هَذَا الَّذِي تدعيه لَك قبلي فَفعل الرجل وَقَامَ فاختلفت رِجْلَاهُ وَسقط مَيتا فَقيل للحسين فِي ذَلِك فَقَالَ كرهت أَن يمجد الله فيحلم عَنهُ وَمن الْمَنْقُول عَن الْعَبَّاس عَلَيْهِ السَّلَام أخبرنَا أَبُو رزين قَالَ سُئِلَ الْعَبَّاس أَنْت أكبر أم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 فَقَالَ هُوَ أكبر مني وَأَنا ولدت قبله أخبرنَا عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين فرغ من بدر عَلَيْك العير لَيْسَ دونهَا شَيْء فناداه الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَهُوَ أَسِير فِي وثَاقه إِنَّه لَا يصلح لَك قَالَ وَلم قَالَ لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا وَعدك إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقد أَعْطَاك مَا وَعدك أخبرنَا مُجَاهِد قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَصْحَابه إِذْ وجد ريحًا فَقَالَ ليقمْ صَاحب هَذِه الرّيح فَليَتَوَضَّأ فاستحيا الرجل ثمَّ قَالَ ليقمْ صَاحب هَذِه الرّيح فَليَتَوَضَّأ فَإِن الله لَا يستحي من الْحق فَقَالَ الْعَبَّاس إِلَّا نقوم يَا رَسُول الله فَليَتَوَضَّأ فَإِن الله لَا يستحي من الْحق فَقَالَ الْعَبَّاس إِلَّا نقوم مُرْسلا وَوَصله عَنهُ مُحَمَّد بن مُصعب القرساني فَقَالَ عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس وَقد جرى مثل هَذِه الْقَضِيَّة عِنْد عمر رضى الله عَنهُ عَن الشّعبِيّ أَن عمر كَانَ فِي بَيت وَمَعَهُ جرير بن عبد الله فَوجدَ عمر ريحًا فَقَالَ عزمت على صَاحب هَذِه الرّيح أَن قَامَ فَتَوَضَّأ فَقَالَ جرير يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَو يتَوَضَّأ الْقَوْم جَمِيعًا فَقَالَ عمر رَحِمك الله نعم السَّيِّد كنت فِي الْجَاهِلِيَّة وَنعم السَّيِّد أَنْت فِي الْإِسْلَام وَمن الْمَنْقُول عَن عبد الله بن جَعْفَر أخبرنَا أَبُو مليك قَالَ قَالَ ابْن الزبير لِابْنِ جَعْفَر أَتَذكر إِذْ تلقينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وَأَنت وَابْن عَبَّاس فَقَالَ نعم فحملنا وتركك أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقد روى لنا هَذَا بِالْعَكْسِ عَن عبد الله ابْن أبي مليكَة قَالَ قَالَ عبد الله بن جَعْفَر لِابْنِ الزبير أَتَذكر إِذْ تلقينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وَأَنت وَابْن عَبَّاس قَالَ نعم فحملنا وتركك انْفَرد بِإِخْرَاج هَذَا مُسلم قَالَ مؤلف الْكتاب وَالظَّاهِر أَنه انْقَلب على الرَّاوِي وعَلى هَذَا تكون الْغِبْطَة لِابْنِ الزبير وَمن الْمَنْقُول عَن عبد الله بن رَوَاحَة حَدثنَا عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس أَن عبد الله بن رَوَاحَة كَانَ مُضْطَجعا إِلَى جنب امْرَأَة فَخرج إِلَى الْحُجْرَة فواقع جَارِيَة لَهُ فاستنبهت الْمَرْأَة فَلم تره فَخرجت فَإِذا هُوَ على بطن الْجَارِيَة فَرَجَعت فَأخذت شفرة فلقيها وَمَعَهَا الشَّفْرَة فَقَالَ لَهَا مَهيم فَقَالَت مَهيم أما أَنِّي لَو وَجَدْتُك حَيْثُ كنت لوجأتك بهَا قَالَ وَأَيْنَ قَالَت على بطن الْجَارِيَة قَالَ مَا كنت قَالَت بلَى قَالَ فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 أَن يقْرَأ أَحَدنَا الْقُرْآن وَهُوَ جنب فَقَالَت اقْرَأ فَقَالَ (أَتَانَا رَسُول الله يَتْلُو كِتَابه ... كَمَا لَاحَ منشور من الصُّبْح سَاطِع) (أرانا الْهدى بعد الْعَمى فَقُلُوبنَا ... بِهِ مُوقِنَات أَن مَا قَالَ وَاقع) (بِبَيْت يُجَافِي جنبه على فرَاشه ... إِذا استثقلت بالكافرين الْمضَاجِع) قَالَت آمَنت بِاللَّه وكذبت بَصرِي قَالَ فَغَدَوْت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَضَحِك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه وَمن الْمَنْقُول عَن مُحَمَّد بن مسلمة عَن عَمْرو بن دِينَار سمع جَابِرا يَقُول قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لكعب بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ قد أَذَى الله وَرَسُوله فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن مسلمة أَتُحِبُّ أَن أَقتلهُ يَا رَسُول الله قَالَ نعم قَالَ إِنَّا لَهُ يَا رَسُول الله فائذن لي أَن أَقُول قَالَ قل فَأَتَاهُ مُحَمَّد بن مسلمة فَقَالَ إِن هَذَا الرجل قد أَخذنَا بِالصَّدَقَةِ وَقد عنانا وَقد مللنا مِنْهُ قَالَ الْخَبيث لما سَمعهَا وَالله لتملنه أَو لتملن مِنْهُ وَقد علمت أَن أَمركُم سيصير إِلَى هَذَا قَالَ أَنا لَا نستطيع أَن نسلمه حَتَّى نَنْظُر مَا يفعل وَأَنا نكره بعد أَن تَبِعْنَاهُ حَتَّى نَنْظُر إِلَى أَي شَيْء يصير أمره وَقد جِئْت لتسلفني تَمرا قَالَ نعم على أَن ترهنوني نِسَائِكُم قَالَ مُحَمَّد أنرهنك نِسَاءَنَا وَأَنت أجمل الْعَرَب قَالَ فأولادكم قَالَ فيعير النَّاس أَوْلَادنَا بِأَنا رهناهم بوسق أَو وسقين وَرُبمَا قَالَ فيسب ابْن أَحَدنَا فَيُقَال برهن وسق أَو وسقين قَالَ فَأَي شَيْء ترهنوني قَالَ نرهنك اللامة يَعْنِي السِّلَاح قَالَ نعم فواعده أَن يَأْتِيهِ فَرجع مُحَمَّد إِلَى أَصْحَابه فاقبل وَأَقْبل مَعَه أَبُو نائلة وَهُوَ أَخُو كَعْب من الرضَاعَة وَجَاء مَعَه برجلَيْن آخَرين فَقَالَ أَنِّي مستمكن من رمته فَإِذا أدخلت يَدي فِي رَأسه فدونكم الرجل فجاؤوه لَيْلًا فَأمر أَصْحَابه فَقَامُوا فِي ظلّ النّخل وَأَتَاهُ مُحَمَّد فناداه فَقَالَت امْرَأَته أَيْن يخرج هَذِه السَّاعَة قَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّد بن مسلمة وَأخي أَبُو نائلة فَنزل إِلَيْهِ ملتحفاً فِي ثوب وَاحِد وينفح مِنْهُ ريح الطّيب فَقَالَ مُحَمَّد مَا أحسن جسدك وَأطيب رِيحك قَالَ إِن عِنْدِي ابْنة فلَان وَهِي أعطر الْعَرَب قَالَ أفتأذن لي أَن أشمه قَالَ نعم قَالَ فَأدْخل مُحَمَّد يَده فِي رَأسه فشمه ثمَّ قَالَ أتأذن لي أَن أشمه أَصْحَابِي قَالَ نعم فَأدْخلهَا فِي رَأسه ثمَّ شَبكَ يَده فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 رَأسه قبضا ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه دونكم عَدو الله فَخَرجُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ ثمَّ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ وَعَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من أَصْحَابه إِلَى رجل من الْيَهُود ليَقْتُلهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي لن أَسْتَطِيع ذَلِك إِلَّا أَن تَأذن لي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْحَرْب خدعة فَاصْنَعْ مَا تُرِيدُ قَالَ مؤلف الْكتاب قلت وَقد روينَا عَن الضَّحَّاك فِي اغتيالهم أَبَا رَافع الْيَهُودِيّ مَا يُقَارب هَذِه الْقِصَّة فَلم نر التَّطْوِيل بذكرها وَمن الْمَنْقُول عَن سويبط بن سعد بن حَرْمَلَة وَقد شهد بَدْرًا عَن وهب بن عبد الله بن زَمعَة قَالَ أخبرتنا أم سَلمَة قَالَت خرج أَبُو بكر فِي تِجَارَة إِلَى بصرى قبل موت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعام وَمَعَهُ نعيمان وسويبط بن حَرْمَلَة وَكَانَا قد شَهدا بَدْرًا وَكَانَ نعيمان على الزَّاد وَكَانَ سويبط رجلا مزاحا فَقَالَ النعيمان أَطْعمنِي قَالَ حَتَّى يَجِيء أَبُو بكر قَالَ أما لأغيظنك قَالَ فَمروا بِقوم فَقَالَ لَهُم سويبط أتشترون مني عبدا لي قَالُوا نعم قَالَ إِنَّه عبد لَهُ كَلَام وَهُوَ قَائِل لكم أَنِّي حر فَإِن كُنْتُم إِذا قَالَ لكم هَذِه الْمقَالة تَرَكْتُمُوهُ فَلَا تفسدوا على عَبدِي قَالُوا لَا بل نشتريه مِنْك قَالَ فاشتروه بِعشر قَلَائِص قَالَ ثمَّ أَتَوْهُ فوضعوا فِي عُنُقه عِمَامَة أَو حبلاً فَقَالَ نعيمان إِن هَذَا يستهزئ بكم إِنِّي حر وَلست بِعَبْد فَقَالُوا أخبرنَا بخبرك فَانْطَلقُوا بِهِ فجَاء أَبُو بكر فَأخْبرهُ بذلك فَاتبع الْقَوْم فَرد عَلَيْهِ القلائص وَأخذ نعيمان فَلَمَّا قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَخْبرُوهُ فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مِنْهُ حولا وَمن الْمَنْقُول عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أخبرنَا الْمَدَائِنِي عَن ربيعَة ابْن ناجد قَالَ قيل لمعاوية بن أبي سُفْيَان مَا بلغ من عقلك قَالَ مَا وثقت بِأحد قطّ وَقَالَ ثَعْلَب نظر مُعَاوِيَة يَوْم صفّين إِلَى إِحْدَى جنبتي عسكره وَقد مَالَتْ فلمحها فاستوت ثمَّ نظر إِلَى الجنبة الْأُخْرَى وَقد مَالَتْ فلمحها فاستوت فَقَالَ لَهُ رجل من أَصْحَابه أَهَذا كنت دَبرته من زمن عُثْمَان فَقَالَ هَذَا وَالله كنت دَبرته مُنْذُ زمن عمر رضى الله عَنْهُم قَالَ مؤلف الْكتاب وبلغنا أَن رجلا جَاءَ إِلَى حَاجِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ قل لَهُ على الْبَاب أَخُوك لأَبِيك وأمك ثمَّ قَالَ لَهُ مَا أعرف هَذَا ثمَّ قَالَ أئذن لَهُ فَدخل فَقَالَ لَهُ أَي الْأُخوة أَنْت فَقَالَ ابْن آدم وحواء فَقَالَ يَا غُلَام أعْطه درهما فَقَالَ تُعْطى أَخَاك لأَبِيك وأمك درهما فَقَالَ لَو أَعْطَيْت كل أَخ لي من آدم وحواء مَا بلغ إِلَيْك هَذَا وَمن الْمَنْقُول عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان حَدثنَا كَعْب الْقرظِيّ قَالَ قَالَ فَتى منا لِحُذَيْفَة رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعم قَالَ وَالله لَو أدركناه مَا تَرَكْنَاهُ يمشي على الأَرْض قَالَ حُذَيْفَة دَعَاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن بالخندق قَالَ اذْهَبْ فاجلس فِي الْقَوْم فَانْظُر مَاذَا يَفْعَلُونَ فَذَهَبت فَدخلت فِي الْقَوْم وَالرِّيح تفعل فِي جنود الله عز وَجل مَا تفعل لَا تقر لَهُم قدرا وَلَا نَارا وَلَا مَاء فَقَامَ أَبُو سُفْيَان ابْن حَرْب فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش لينْظر كل امْرِئ من يُجَالس فَقَالَ حُذَيْفَة فَأخذت بيد الرجل الَّذِي إِلَى جَنْبي فَقلت لَهُ من أَنْت فَقَالَ أَنا فلَان بن فلَان وَمن الْمَنْقُول عَن الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْخَلِيل قَالَ أخبرنَا عَليّ قَالَ كَانَ للْمُغِيرَة رمح فَكُنَّا إِذا خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة خرج بِهِ مَعَه فيركزه فيمر النَّاس عَلَيْهِ فيحملونه فَقلت لَئِن أتيت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأخبرنه فَقَالَ إِنَّك إِن فعلت لم ترفع ضَالَّة حَدثنَا زيد بن أسلم عَن أَبِيه أَن عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ اسْتعْمل الْمُغيرَة بن شُعْبَة على الْبَحْرين فكرهوه وأبغضوه قَالَ فعزل عَنْهُم قَالَ فخافوا أَن يرد عَلَيْهِم فَقَالَ دهقانهم إِن فَعلْتُمْ مَا أَمركُم لم يرد علينا قَالُوا أمرنَا بِأَمْرك قَالَ تجمعون مائَة ألف دِرْهَم حَتَّى أذهب بهَا إِلَى عمر وَأَقُول إِن الْمُغيرَة أخْتَار هَذَا فَدفعهُ إِلَيّ قَالَ فَجمعُوا لَهُ مائَة ألف دِرْهَم قَالَ فَأتى عمر فَقَالَ إِن الْمُغيرَة اخْتَار هَذَا وَدفعه إِلَيّ قَالَ فَدَعَا عمر الْمُغيرَة فَقَالَ مَا يَقُول هَذَا قَالَ كذب أصلحك الله إِنَّمَا كَانَت مِائَتي ألف قَالَ فَمَا حملك على ذَلِك قَالَ الْعِيَال وَالْحَاجة قَالَ فَقَالَ عمر للعلج مَا تَقول قَالَ لَا وَالله لأصدقنك أصلحك الله وَالله مَا دفع إِلَيّ قَلِيلا وَلَا كثيرا قَالَ فَقَالَ عمر للْمُغِيرَة مَا أردْت إِلَى هَذَا العلج قَالَ الْخَبيث كذب عَليّ فَأَحْبَبْت أَن أخزيه حَدثنَا مُسلم ابْن صبيح الْكُوفِي قَالَ سَمِعت أبي يَقُول خطب الْمُغيرَة بن شُعْبَة وفتى من الْعَرَب امْرَأَة وَكَانَ الْفَتى طريراً جميلا فَأرْسلت إِلَيْهِمَا الْمَرْأَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 فَقَالَت إنَّكُمَا قد خطبتماني وَلست أُجِيب أحد مِنْكُمَا دون أَن أرَاهُ وأسمع كَلَامه فأحضرا إِن شئتما فحضرا فأجلستهما بِحَيْثُ تراهما وَتسمع كَلَامهمَا فَلَمَّا رَآهُ الْمُغيرَة وَنظر إِلَى جماله وشبابه وهيئته يئس مِنْهَا وَعلم أَنَّهَا لن تؤثره عَلَيْهِ فَأقبل على الْفَتى فَقَالَ لَهُ لقد أُوتيت جمالا وحسنا وبياناً فَهَل عنْدك سوى ذَلِك قَالَ نعم فعدد محاسنه ثمَّ سكت فَقَالَ لَهُ الْمُغيرَة كَيفَ حِسَابك قَالَ مَا يسْقط على مِنْهُ شَيْء وَإِنِّي لاستدرك مِنْهُ أدق من الخردلة فَقَالَ لَهُ الْمُغيرَة لكنني أَضَع البدرة فِي زَاوِيَة الْبَيْت فينفقها أَهلِي على مَا يُرِيدُونَ فَمَا أعلم بنفادها حَتَّى يَسْأَلُونِي غَيرهَا فَقَالَت الْمَرْأَة وَالله لهَذَا الشَّيْخ الَّذِي لَا يحاسبني أحب إِلَيّ من هَذَا الَّذِي يحصي عَليّ مثل صَغِير الْخَرْدَل فَتزوّجت الْمُغيرَة وَمن الْمَنْقُول عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ لما فتح عَمْرو بن الْعَاصِ قيسارية سَار حَتَّى نزل على غَزَّة فَبعث إِلَيْهِ علجها أَن أرسل إِلَى رجلا من أَصْحَابك ُأكَلِّمهُ ففكر عَمْرو فَقَالَ مَا لهَذَا العلج أحد غَيْرِي فَقَامَ حَتَّى دخل على العلج فَكَلمهُ فَسمع كلَاما لم يسمع مثله قطّ فَقَالَ لَهُ العلج حَدثنِي هَل من أَصْحَابك أحد مثلك قَالَ لَا تسْأَل عَن هواني عِنْدهم إِذْ بعثوني إِلَيْك وعرضوني لما عرضوني فَلَا يَدْرُونَ مَا تصنع بِي قَالَ فَأمر لَهُ بجائزة وَكِسْوَة وَبعث إِلَى البواب إِذا مر بك فَاضْرب عُنُقه وَخذ مَا مَعَه فَمر بِرَجُل من النَّصَارَى من غَسَّان فَعرفهُ فَقَالَ يَا عَمْرو قد أَحْسَنت الدُّخُول فَأحْسن الْخُرُوج فَرجع فَقَالَ لَهُ الْملك مَا ردك إِلَيْنَا قَالَ نظرت فِيمَا أَعْطَيْتنِي فَلم أجد ذَلِك ليسع بني عمي فَأَرَدْت أَن آتِيك بِعشْرَة مِنْهُم تعطيهم هَذِه الْعَطِيَّة فَيكون مَعْرُوفك عِنْد عشرَة خيرا من أَن يكون عِنْد وَاحِد قَالَ صدقت أعجل بهم وَبعث إِلَى البواب خل سَبيله فَخرج عَمْرو وَهُوَ يلْتَفت حَتَّى إِذا أَمن قَالَ لَا عدت لمثلهَا أبدا فَلَمَّا صَالحه عَمْرو وَدخل عَلَيْهِ العلج فَقَالَ لَهُ أَنْت هُوَ قَالَ على مَا كَانَ من غدرك وَمن الْمَنْقُول عَن خُزَيْمَة بن ثَابت عَن الزُّهْرِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قَالَ أخبرنَا عمَارَة بن خُزَيْمَة الْأنْصَارِيّ أَن عَمه حَدثهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْتَاعَ فرسا من أَعْرَابِي فاستتبعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَشْي وَأَبْطَأ الْأَعرَابِي فَطَفِقَ رجال يعترضون الْأَعرَابِي فيساومون الْفرس لَا يَشْعُرُونَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتاعه حَتَّى زَاد بَعضهم للإعرابي فِي السّوم على ثمن الْفرس الَّذِي ابتاعه بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَادَى الْأَعرَابِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن كنت مبتاعاً هَذَا الْفرس فابتعه وَإِلَّا بِعته فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَلَيْسَ قد ابتعته مِنْك قَالَ لَا فَطَفِقَ النَّاس يلوذون بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والأعرابي وهما يتراجعان فَطَفِقَ الإعرابي يَقُول هَلُمَّ شَهِيدا يشْهد أَنِّي قد بَايَعْتُك فَمن جَاءَ من الْمُسلمين قَالَ للإعرابي وَيلك إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَقُول إِلَّا حَقًا حَتَّى جَاءَ خُزَيْمَة فاستمع لمراجعة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومراجعة الإعرابي فَطَفِقَ الإعرابي يَقُول هَلُمَّ شَهِيدا يشْهد أَنِّي قد بَايَعْتُك فَقَالَ خُزَيْمَة أَنا اشْهَدْ أَنَّك قد بايعته فَأقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على خُزَيْمَة فَقَالَ بِمَ تشهد فَقَالَ بتصديقك يَا رَسُول الله فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَهَادَة خُزَيْمَة بِشَهَادَة رجلَيْنِ وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لخزيمة لم تشهد وَلم تكن مَعنا قَالَ يَا رَسُول الله أَنا أصدقك بِخَبَر السَّمَاء أَفلا أصدقك بِمَا تَقول وَمن الْمَنْقُول عَن الْحجَّاج بن علاط عَن معمر عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ حَدثنَا أنس بن مَالك رَضِي الله عَنْهُم قَالَ لما افْتتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر قَالَ الْحجَّاج بن علاط يَا رَسُول الله إِن لي بِمَكَّة مَالا وَإِن لي بهَا أَهلا وَإِنِّي أُرِيد أَن آتيهم فَأَنا فِي حل إِن أَنا نلْت مِنْك أَو قلت شَيْئا فَأذن لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَقُول مَا شَاءَ فَأتى امْرَأَته حِين قدم فَقَالَ اجمعي لي مَا كَانَ عنْدك فَإِنِّي أُرِيد أَن أَشْتَرِي من غَنَائِم مُحَمَّد وَأَصْحَابه فَإِنَّهُم قد استبيحوا وَأُصِيبَتْ أَمْوَالهم وَفَشَا ذَلِك بِمَكَّة فانقمع الْمُسلمُونَ وَأظْهر الْمُشْركُونَ سُرُورًا وفرحاً قَالَ وَبلغ الْخَبَر الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فعقر وَجعل لَا يَسْتَطِيع أَن يقوم قَالَ معمر وَأَخْبرنِي عُثْمَان الْجَزرِي عَن مقسم قَالَ فَأخذ أبنا لَهُ كَانَ يشبه برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ قُم واستلقي فَوَضعه على صَدره وَجعل يَقُول حبي قثم ذِي الْأنف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الأشم ثمَّ أرسل غُلَاما لَهُ إِلَى الْحجَّاج بن علاط فَقَالَ لَهُ وَيلك مَاذَا جِئْت بِهِ وماذا تَقول مَا وعد الله خير مِمَّا جِئْت بِهِ قَالَ فَقَالَ الْحجَّاج بن علاط اقْرَأ على أبي الْفضل السَّلَام وَقل لَهُ ليخل لي فِي بعض بيوته لأتيه فَإِن الْخَبَر على مَا يسره قَالَ فجَاء غُلَامه فَلَمَّا بلغ الْبَاب قَالَ اُبْشُرْ يَا أَبَا الْفضل قَالَ فَوَثَبَ الْعَبَّاس فَرحا حَتَّى قبل بَين عَيْنَيْهِ فَأخْبرهُ مَا قَالَ الْحجَّاج فاعتقه قَالَ ثمَّ جَاءَ الْحجَّاج فَأخْبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد افْتتح خَيْبَر وغنم أَمْوَالهم وَجَرت سِهَام الله فِي أَمْوَالهم وَاصْطفى صَفِيَّة بنت حييّ واتخذها لنَفسِهِ وَخَيرهَا أَن يعتقها وَتَكون زَوْجَة أَو تلْحق بِأَهْلِهَا فَاخْتَارَتْ أَن يعتقها وَتَكون زَوْجَة وَلَكِنِّي جِئْت لما لي كَانَ هَهُنَا أردْت أَن أجمعه فَاذْهَبْ بِهِ فاستأذنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذن لي أَن أَقُول مَا شِئْت فأخف عني ثَلَاثًا ثمَّ أذكر مَا بدا لَك قَالَ فَجمعت امْرَأَته مَا كَانَ عِنْدهَا من حلي ومتاع فَدَفَعته إِلَيْهِ ثمَّ انشمر بِهِ فَلَمَّا كَانَ بعد ثَلَاث أَتَى الْعَبَّاس امْرَأَة الْحجَّاج فَقَالَ مَا فعل زَوجك فَأَخْبَرته أَن قد ذهب يَوْم كَذَا وَكَذَا وَقَالَت لَا يحزنك الله يَا أَبَا الْفضل لقد شقّ علينا الَّذِي بلغك قَالَ أجل لَا يحزنني الله وَلم يكن بِحَمْد الله إِلَّا مَا أحببنا فتح الله خَيْبَر على رَسُوله وَجَرت سِهَام الله فِي أَمْوَالهم وَاصْطفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة لنَفسِهِ فَإِن كَانَ لَك حَاجَة فِي زَوجك فالحقي بِهِ قَالَت أَظُنك وَالله صَادِقا قَالَ فَإِنِّي وَالله صَادِق وَالْأَمر على مَا أَخْبَرتك قَالَ ثمَّ ذهب حَتَّى أَتَى مجَالِس قُرَيْش وهم يَقُولُونَ إِذا مر بهم لَا يصيبك إِلَّا خير يَا أَبَا الْفضل قَالَ لم يُصِبْنِي إِلَّا خير بِحَمْد الله لقد أَخْبرنِي الْحجَّاج بن علاط أَن خَيْبَر فتحهَا الله على رَسُوله وَجَرت سِهَام الله فيهم وَاصْطفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة لنَفسِهِ وَقد سَأَلَني أَن أُخْفِي عَنهُ ثَلَاثًا وَإِنَّمَا جَاءَ ليَأْخُذ مَاله وَمَا كَانَ لَهُ من شَيْء هَهُنَا ثمَّ يذهب فَرد الله الكآبة الَّتِي كَانَت بِالْمُسْلِمين على الْمُشْركين وَخرج المسلون مِمَّن كَانَ دخل بَيته مكتئباً حَتَّى دخل أَبُو الْفضل الْعَبَّاس فَأخْبرهُم الْخَبَر فسر الْمُسلمُونَ ورد الله تَعَالَى مَا كَانَ من كآبة أَو غيظ أَو حزن على الْمُشْركين وَمن الْمَنْقُول عَن نعيم بن مَسْعُود قَالَ أخبرنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ابْن إِسْحَاق قَالَ بَيْنَمَا النَّاس على خوفهم يَوْم الْأَحْزَاب أَتَى نعيم بن مَسْعُود رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَدثني رجل عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك قَالَ جَاءَ نعيم بن مَسْعُود إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي قد أسلمت وَلم يعلم بِي أحد من قومِي مرني أَمرك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أَنْت منا رجل وَاحِد فَحدث عَنَّا مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّمَا الْحَرْب خدعة فَانْطَلق نعيم حَتَّى أَتَى بني قُرَيْظَة فَقَالَ لَهُم يَا معشر قُرَيْظَة وَكَانَ لَهُم نديماً فِي الْجَاهِلِيَّة إِنِّي لكم نديم وصديق قد عَرَفْتُمْ ذَلِك قَالُوا صدقت قَالَ تعلمُونَ وَالله مَا أَنْتُم وقريش وغَطَفَان من مُحَمَّد بِمَنْزِلَة وَاحِدَة إِن الْبَلَد لبلدكم بِهِ أَمْوَالكُم ونساءكم وأبناءكم وَإِن قُريْشًا وغَطَفَان بِلَادهمْ غَيرهَا وَإِنَّمَا جاؤوا حَتَّى نزلُوا مَعكُمْ فَإِن رَأَوْا فرْصَة انتهزوها وَإِن رَأَوْا غير ذَلِك رجعُوا إِلَى بِلَادهمْ وَأَمْوَالهمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وخلوا بَيْنكُم وَبَين الرجل فَلَا طَاقَة لكم بِهِ فَإِن هم فعلوا ذَلِك فَلَا تقاتلوا مَعَهم حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُم رهنا من أَشْرَافهم تستوثقون بِهِ وَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى تناجزوا مُحَمَّد فَقَالُوا لقد أَشرت بِرَأْي ونصح ثمَّ ذهب إِلَى قُرَيْش فَأتى أَبَا سُفْيَان وأشراف قُرَيْش فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش إِنَّكُم قد عَرَفْتُمْ ودي إيَّاكُمْ وفراقي مُحَمَّد أَو دينه وَإِنِّي قد جِئتُكُمْ بنصيحة فاكتموا عَليّ فَقَالُوا نَفْعل مَا أَنْت عندنَا بمتهم فَقَالَ تعلمُونَ أَن بني قُرَيْظَة من يهود قد ندموا على مَا صَنَعُوا فِيمَا بَينهم وَبَين مُحَمَّد فبعثوا إِلَيْهِ إِلَّا يرضيك أَن نَأْخُذ لَك من الْقَوْم رهنا من أَشْرَافهم فندفعهم إِلَيْك فَنَضْرِب أَعْنَاقهم ثمَّ نَكُون مَعَك حَتَّى نخرجهم من بلادك فَقَالَ بلَى فَإِن بعثوا إِلَيْكُم يسألونكم نَفرا من رجالكم فَلَا تعطوهم رجلا وَاحِدًا فاحذروا ثمَّ جَاءَ غطفان فَقَالَ يَا معشر غطفان قد علمْتُم أَنِّي رجل مِنْكُم قَالُوا صدقت فَقَالَ لَهُم كَمَا قَالَ لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش فَلَمَّا أَصْبحُوا بعث إِلَيْهِم أَبُو سُفْيَان عِكْرِمَة بن أبي جهل فِي نفر من قُرَيْش أَن أَبَا سُفْيَان يَقُول لكم يَا معشر يهود إِن الكراع والخف قد هلكا إِنَّا لسنا بدار مقَام فاخرجوا إِلَى مُحَمَّد حَتَّى نناجزه فبعثوا إِلَيْهِ أَن الْيَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 السبت وَهُوَ يَوْم لَا نعمل فِيهِ شَيْئا ولسنا مَعَ ذَلِك بالذين نُقَاتِل مَعكُمْ حَتَّى تعطونا رهنا من رجالكم نستوثق بهم لَا تذْهبُوا وتدعونا حَتَّى نُنَاجِز مُحَمَّدًا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان قد وَللَّه حذرنا نعيم فَبعث إِلَيْهِم أَبُو سُفْيَان أَنا لَا نعطيكم رجلا وَاحِدًا فَإِن شِئْتُم أَن تخْرجُوا فتقاتلوا وَإِن شِئْتُم فاقعدوا فَقَالَت يهود هَذَا وَللَّه الَّذِي قَالَ لنا نعيم وَالله مَا أَرَادَ الْقَوْم إِلَّا أَن يقاتلوا مُحَمَّدًا فَإِن أَصَابُوا فرْصَة انتهزوها وَإِلَّا مضوا إِلَى بِلَادهمْ وخلوا بَيْننَا وَبَين الرجل فبعثوا إِلَيْهِم إِنَّا وَالله لَا نُقَاتِل مَعكُمْ حَتَّى تعطونا رهنا فَأَبَوا فَبعث الله تَعَالَى الرّيح على أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه وغَطَفَان فخذلهم الله عز وَجل وَمن الْمَنْقُول عَن الْأَشْعَث بن قيس عَن الْهَيْثَم بن عدي قَالَ أخبرنَا ابْن عَبَّاس قَالَ خطب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب على الْحسن ابْنة أم عمرَان بنت سعيد بن قيس الْهَمدَانِي فَقَالَ فوقى أَمِير ذُو إمرة يعْنى أمهَا فَقَالَ قُم فوامرها فَخرج من عِنْده ولقيه الْأَشْعَث بن قيس بِالْبَابِ فَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ مَا تُرِيدُ إِلَى الْحسن يفخر عَلَيْهَا وَلَا ينصفها ويسيء إِلَيْهَا فَيَقُول ابْن رَسُول الله وَابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَكِن هَل لَك فِي ابْن عَمها فَهِيَ لَهُ وَهُوَ لَهَا قَالَ وَمن ذَلِك قَالَ مُحَمَّد بن الْأَشْعَث قَالَ قد زَوجته وَدخل الْأَشْعَث على أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خطبت على الْحسن ابْنة سعيد قَالَ نعم قَالَ فَهَل لَك فِي أشرف مِنْهَا بَيْتا وَأكْرم مِنْهَا حسباً وَأتم مِنْهَا جمالاً وَأكْثر مَالا قَالَ وَمن هِيَ قَالَ جعدة بنت الْأَشْعَث بن قيس قَالَ قد قاولنا رجلا قَالَ لَيْسَ إِلَى ذَلِك الَّذِي قاولته سَبِيل قَالَ إِنَّه قد فارقني ليوامر أمهَا فَقَالَ قد زَوجهَا من مُحَمَّد بن الْأَشْعَث قَالَ مَتى قَالَ السَّاعَة بِالْبَابِ قَالَ فزوج الْحسن جعدة فَلَمَّا لَقِي سعيد الاشعث قَالَ يَا أَعور خدعتني قَالَ أَنْت أَعور خَبِيث حَيْثُ تستشيرني فِي ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلَسْت أَحمَق ثمَّ جَاءَ الْأَشْعَث إِلَى الْحسن فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد أَلا تزور أهلك فَلَمَّا أَرَادَ ذَلِك قَالَ لَا تمشي وَالله إِلَّا على اردية قومِي فَقدمت لَهُ كِنْدَة سماطين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَجعلت لَهُ أرديتها بسطا من بَابه إِلَى بَاب الْأَشْعَث وَمن الْمَنْقُول عَن وَحشِي بن حَرْب عَن عبد الله بن الْفضل عَن سُلَيْمَان بن يسَار قَالَ حَدثنَا جَعْفَر بن عمر والضمري قَالَ خرجت مَعَ عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار فَقَالَ لي هَل لَك فِي وَحشِي فَجِئْنَا حَتَّى وقفنا عَلَيْهِ فسلمنا فَرد السَّلَام وَعبيد الله معتجر بعمامته مَا يرى وَحشِي إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرجلَيْهِ فَقَالَ عبد الله يَا وَحشِي أتعرفني فَنظر إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَا وَالله إِلَّا أَنِّي أعلم أَن عدي بن الْخِيَار تزوج امْرَأَة فَولدت لَهُ غُلَاما فاسترضعه فَحملت ذَلِك الْغُلَام مَعَ أمه فناولتها إِيَّاه فَكَأَنِّي نظرت إِلَى قَدَمَيْهِ الْبَاب التَّاسِع فِي سياحة الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْخُلَفَاء رَضِي الله عَنْهُم قَالَ مؤلف الْكتاب قد ذكرنَا طرفا عَن أبي بكر الصّديق وَعمر وَعلي وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَمُعَاوِيَة وَابْن الزبير وَنحن نذْكر طرفا مِمَّا نقل إِلَيْنَا عَمَّن بعدهمْ من الْخُلَفَاء وَالله الْمُوفق فَمن الْمَنْقُول عَن عبد الْملك بن مَرْوَان أخبرنَا ابْن أخي الْأَصْمَعِي عَن عَمه قَالَ وَجه عبد الْملك بن مَرْوَان عَامر الشّعبِيّ إِلَى ملك الرّوم فِي بعض الْأَمر لَهُ فَاسْتَكْثر الشّعبِيّ فَقَالَ لَهُ من أهل بَيت الْملك أنتَ قَالَ لَا فَلَمَّا أَرَادَ الرُّجُوع إِلَى عبد الْملك حمله رقْعَة لَطِيفَة وَقَالَ إِذا رجعت إِلَى صَاحبك فأبلغته جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَى مَعْرفَته من ناحيتنا فادفع إِلَيْهِ هَذِه الرقعة فَلَمَّا صَار الشّعبِيّ إِلَى عبد الْملك ذكر مَا أحتاج إِلَى ذكره ونهض من عِنْده فَلَمَّا خرج ذكر الرقعة فَرجع فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنه حَملَنِي إِلَيْك رقْعَة نسيتهَا حَتَّى خرجت وَكَانَت فِي آخر مَا حَملَنِي فَدَفعهَا إِلَيْهِ ونهض فقرأها عبد الْملك قَالَ فَأمر برده فَقَالَ أعلمت مَا فِي هَذِه الرقعة قَالَ فِيهَا عجبت من الْعَرَب كَيفَ ملكت غير هَذَا أفتدري لم كتب إِلَيّ بِمثل هَذَا فَقَالَ لَا فَقَالَ حسدني عَلَيْك فَأَرَادَ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 يغريني بقتلك فَقَالَ الشّعبِيّ لَو كَانَ رآك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا استكثرني فَبلغ ذَلِك ملك الرّوم ففكر فِي عبد الْملك فَقَالَ لله أَبوهُ وَالله مَا أردْت إِلَّا ذَلِك وَمن الْمَنْقُول عَن هِشَام بن عبد الْملك قَالَ هِشَام لمؤدب وَلَده إِذا سَمِعت مِنْهُ الْكَلِمَة العوراء فِي الْمجْلس بَين جمَاعَة فَلَا تؤنبه لتخجله وَعَسَى أَن ينصر خطاه فَيكون نصر للخطأ أقبح من ابْتِدَائه بِهِ وَلَكِن احفظها عَلَيْهِ فَإِذا خلا فَرده عَنْهَا وَمن الْمَنْقُول عَن السفاح أخبرنَا سعيد الْبَاهِلِيّ عَن أَبِيه قَالَ حَدثنِي من حضر مجْلِس السفاح وَهُوَ أحسد مَا كَانَ لبني هَاشم والشيعة ووجوه النَّاس فَدخل عبد الله بن حُسَيْن بن حسن وَمَعَهُ مصحف فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعطنا حَقنا الَّذِي جعله الله لنا فِي هَذَا الْمُصحف فأشفق النَّاس أَن يَجْعَل السفاح بِشَيْء إِلَيْهِ وَلَا يُرِيدُونَ ذَلِك فِي شيخ بنى هَاشم أَو يعيا لجوابه فَيكون ذَلِك نقصا عَلَيْهِ وعارا فَأقبل إِلَيْهِ غير مغضب وَلَا منزعج فَقَالَ أَن جدك عليا كَانَ خيرا مني وَأَعْدل ولي هَذَا الْأَمر فَأعْطى جديك الْحسن وَالْحُسَيْن وَكَانَا خيرا مِنْك شيا وَكَانَ الْوَاجِب أَن أُعْطِيك مثله فَإِن كنت فعلت فقد أنصفتك وَإِن كنت زدتك فَمَا هَذَا جزائي مِنْك فَمَا رد عبد الله إِلَيْهِ جَوَابا وَانْصَرف وَالنَّاس يعْجبُونَ من جَوَابه لَهُ وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ أول خطْبَة خطبهَا السفاح فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا العباسية فَلَمَّا صَار إِلَى مَوضِع الشَّهَادَة من الْخطْبَة قَالَ رجل من آل أبي طَالب فِي عُنُقه مصحف فَقَالَ أذكرك الله الَّذِي ذكرته إِلَّا أنصفتني من خصمي وحكمت بيني وَبَينه بِمَا فِي هَذَا الْمُصحف فَقَالَ لَهُ وَمن ظلمك قَالَ أَبُو بكر الَّذِي منع فَاطِمَة فدكا قَالَ وَهل كَانَ بعده أحد قَالَ نعم من قَالَ عمر قَالَ على ظلمكم قَالَ نعم قَالَ وَهل كَانَ بعده أحد قَالَ نعم قَالَ من قَالَ عُثْمَان قَالَ وَأقَام على ظلمكم قَالَ نعم قَالَ وَهل كَانَ بعده أحد قَالَ نعم قَالَ عَليّ قَالَ وَأقَام على ظلمكم قَالَ فأسكت الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَجعل يلْتَفت إِلَى وَرَائه يطْلب مخلصاً فَقَالَ لَهُ وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَوْلَا أَنه أول مقَام قمته ثمَّ لم أكن تقدّمت إِلَيْك فِي هَذَا قبل لأخذت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك أقعد وَأَقْبل على الْخطْبَة وَمن الْمَنْقُول عَن الْمَنْصُور قَالَ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد قَالَ دخل ابْن هرمة على أبي جَعْفَر فانشده فَقَالَ سل حَاجَتك قَالَ تكْتب إِلَى عاملك بِالْمَدِينَةِ مَتى وجدني سَكرَان لَا يحدني قَالَ هَذَا حد وَلَا سَبِيل إِلَى إِبْطَاله قَالَ مَالِي حَاجَة غير ذَلِك قَالَ أكتب إِلَى عاملنا بِالْمَدِينَةِ من أَتَاك بِابْن هرمة وَهُوَ سَكرَان فاجلده ثَمَانِينَ واجلد الَّذِي جَاءَ بِهِ مائَة قَالَ فَكَانَ الشرطة يَمرونَ بِهِ وَهُوَ سَكرَان فَيَقُولُونَ من يَشْتَرِي ثَمَانِينَ بِمِائَة فيمرون ويتركونه وبلغنا عَن الْمَنْصُور أَنه جلس فِي إِحْدَى قباب مدينته فَرَأى رجلا ملهوفاً مهموماً يجول فِي الطرقات فَأرْسل من أَتَاهُ بِهِ فَسَأَلَهُ عَن حَاله فَأخْبرهُ الرجل أَنه خرج فِي تِجَارَة فَأفَاد مَالا وَأَنه رَجَعَ بِالْمَالِ إِلَى منزله فَدفعهُ إِلَى أَهله فَذكرت امْرَأَته أَن المَال سرق من بَيتهَا وَلم تَرَ نقباً وَلَا تسليقاً فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور مُنْذُ كم تَزَوَّجتهَا قَالَ مُنْذُ سنة قَالَ أفبكروا تَزَوَّجتهَا قَالَ لَا قَالَ فلهَا ولد من سواك قَالَ لَا قَالَ فشبابة هِيَ أم مُسِنَّة قَالَ بل حَدِيثَة فَدَعَا لَهُ الْمَنْصُور بقارورة طيب كَانَ يَتَّخِذهُ لَهُ حاد الرَّائِحَة غَرِيب النَّوْع فَدَفعهَا إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ تطيب من هَذَا الطّيب فَإِنَّهُ يذهب همك فَلَمَّا خرج الرجل من عِنْد الْمَنْصُور قَالَ الْمَنْصُور لأربعة من ثقاته ليقعد على كل بَاب من أَبْوَاب الْمَدِينَة وَاحِد مِنْكُم فَمن مر بكم فشممتم مِنْهُ رَائِحَة هَذَا الطّيب وأشمهم مِنْهُ فَليَأْتِنِي بِهِ وَخرج الرجل بالطيب فَدفعهُ إِلَى امْرَأَته وَقَالَ لَهَا وهبه لي أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا شمته بعثت إِلَى رجل كَانَت تحبه وَقد كَانَت دفعت المَال إِلَيْهِ فَقَالَت لَهُ تطيب من هَذَا الطّيب فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ وهبه لزوجي فتطيب مِنْهُ الرجل وَمر مجتازاً بِبَعْض أَبْوَاب الْمَدِينَة فشم الْمُوكل بِالْبَابِ رَائِحَة الطّيب مِنْهُ فَأَخذه فَأتى بِهِ الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور من أَيْن اسْتَفَدْت هَذَا الطّيب فَإِن رَائِحَته غَرِيبَة معجبة قَالَ اشْتَرَيْته قَالَ أخبرنَا مِمَّن اشْتَرَيْته فتلجلج الرجل وخلط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 كَلَامه فَدَعَا الْمَنْصُور صَاحب شرطته فَقَالَ لَهُ خُذ هَذَا الرجل إِلَيْك فَإِن أحضر كَذَا وَكَذَا من الدَّنَانِير فخله يذهب حَيْثُ شَاءَ وَأَن امْتنع فَاضْرِبْهُ ألف سَوط من غير مُؤَامَرَة فَلَمَّا خرج من عِنْده دَعَا صَاحب شرطته فَقَالَ هول عَلَيْهِ وجرده وَلَا تقدمن بضربه حَتَّى تؤامرني فَخرج صَاحب شرطته فَلَمَّا جرده وسجنه أذعن برد الدَّنَانِير وأحضرها بهيئتها فَاعْلَم الْمَنْصُور بذلك فَدَعَا صَاحب الدَّنَانِير فَقَالَ لَهُ رَأَيْتُك إِن رددت عَلَيْك الدَّنَانِير بهيئتها أتحكمني فِي امْرَأَتك قَالَ نعم قَالَ فَهَذِهِ دنانيرك وَقد طلقت الْمَرْأَة عَلَيْك وَخَبره خَبَرهَا عَن يَعْقُوب بن جَعْفَر أَنه قَالَ وَمِمَّا يعرف ويؤثر من ذكاء الْمَنْصُور أَنه دخل مَدِينَة فَقَالَ للربيع اطلب لي رجلا يعرفنِي دور النَّاس فَإِنِّي أحب أَن أعرف ذَلِك فجَاء بِرَجُل يعرفهُ إِلَّا أَنه لَا يبدؤه حَتَّى يسْأَله الْمَنْصُور فَلَمَّا فَارقه أَمر لَهُ بِأَلف دِرْهَم فطالب بهَا الرجل الرّبيع فَقَالَ مَا قَالَ لي شَيْئا وَأَنا أهب لَك ألفا من عِنْدِي وسيركب فأذكره فَركب مَعَه فَجعل يعرفهُ الدّور وَلَا يرى موضعا للْكَلَام فَلَمَّا أَرَادَ الْمَنْصُور أَن يُفَارِقهُ قَالَ لَهُ الرجل شعر (واراك تفعل مَا تَقول وَبَعْضهمْ ... مدق اللِّسَان يَقُول مَا لَا يفعل) ثمَّ إِنَّه أَرَادَ الْإِمْضَاء فَضَحِك وَقَالَ يَا ربيع أعْطه الْألف دِرْهَم الَّذِي وعدته وألفاً آخر وَعَن مبارك الطَّبَرِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا عبيد الله يَقُول خلا أَبُو جَعْفَر يَوْمًا مَعَ يزِيد بن أبي أسيد فَقَالَ يَا يزِيد مَا ترى فِي قتل أبي مُسلم فَقَالَ أرى أَن تقتله وتقرب إِلَى الله بَدَنَة فوَاللَّه لَا يصفو ملكك وَلَا تهنأ بعيش مَا بَقِي فنفر مني بقرة ظَنَنْت أَنه سَيَأْتِي على ثمَّ قَالَ قطع الله لسَانك واشمت بك عَدوك أتشير عَليّ بقتل انصر النَّاس لنا وأثقلهم على عدونا أما وَالله لَوْلَا حفظي لما سلف مِنْك وَأَن أعدهَا هفوة من هفواتك لضَرَبْت عُنُقك قُم لَا أَقَامَ الله رجليك قَالَ فَقُمْت وَقد أظلم بَصرِي وتمنيت أَن تسيخ الأَرْض بِي فَلَمَّا كَانَ بعد قَتله قَالَ لي يَا يزِيد أَتَذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 يَوْم شاورتك قلت نعم قَالَ فوَاللَّه لقد كَانَ ذَلِك رَأيا وَمَا لَا أَشك فِيهِ وَلَكِن خشيت أَن يظْهر مِنْك فتفسد مكيدتي وَمن الْمَنْقُول عَن الْمهْدي عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن خَلاد عَن عَليّ بن صَالح قَالَ كنت عِنْد الْمهْدي وَدخل عَلَيْهِ شريك بن عبد الله القَاضِي فَأَرَادَ أَن يبخره فَقَالَ الْخَادِم بِالْعودِ الَّذِي يلهى بِهِ فَوَضعه فِي حجر شريك فَقَالَ شريك مَا هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَذَا أَخذه صَاحب العسس البارحة فَأَحْبَبْت أَن يكون كَسره على يَد القَاضِي فَقَالَ جَزَاك الله خيرا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَكَسرهُ ثمَّ أفاضوا فِي حَدِيث حَتَّى نسى الْأَمر ثمَّ قَالَ الْمهْدي لِشَرِيك مَا تَقول فِي رجل أَمر وَكيلا لَهُ أَن يَأْتِي بِشَيْء بِعَيْنِه فَأتى بِغَيْرِهِ فَتلف ذَلِك الشَّيْء فَقَالَ يضمن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ للخادم أضمن مَا تلف بقضيته وَمن الْمَنْقُول عَن مُحَمَّد بن الْفضل قَالَ أخبرنَا بعض أهل الْأَدَب عَن حسن الوصيف قَالَ قعد الْمهْدي قعُودا عَاما للنَّاس فَدخل رجل وَفِي يَده نعل ملفوفة فِي منديل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه نعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَهْدَيْتهَا لَك فَقَالَ هَاتِهَا فَدَفعهَا إِلَيْهِ فَقبل بَاطِنهَا ووضعها على عَيْنَيْهِ وَأمر للرجل بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَلَمَّا أَخذهَا وَانْصَرف قَالَ لجلسائه أَتَرَوْنَ أَنِّي لم أعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يرهَا فضلا عَن أَن يكون لبسهَا وَلَو كذبناه قَالَ للنَّاس أتيت أَمِير الْمُؤمنِينَ بنعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَردهَا على وَكَانَ من يصدقهُ أَكثر مِمَّن يدْفع خَبره إِذْ كَانَ من شَأْن الْعَامَّة ميلها إِلَى أشكالها والنصرة للضعيف على القوى وَإِن كَانَ ظَالِما اشترينا لِسَانه وَقَبلنَا هديته وصدقنا قَوْله ورأينا الَّذِي فعلنَا انجح وارجح وَمن الْمَنْقُول عَن الْمَأْمُون رَحمَه الله قَالَ الْمبرد حَدثنِي عمَارَة بن عقيل قَالَ ابْن أبي حَفْصَة الشَّاعِر أعلمت أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ يعْنى الْمَأْمُون لَا يبصر الشّعْر فَقلت من ذَا يكون أَفرس مِنْهُ وَإِنَّا لننشد أول الْبَيْت فَيَسْبق آخِره من غير أَن يكون سَمعه قَالَ فَإِنِّي أنشدته بَيْتا أَجدت فِيهِ فَلم أره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 تحرّك لَهُ وَهَذَا الْبَيْت فاسمعه (أضحى إِمَام الْهدى الْمَأْمُون مشتغلا ... بِالدّينِ وَالنَّاس بالدنيا مشاغيل) فَقلت لَهُ مَا زِدْته على أَن جعلته عجوزا فِي مِحْرَابهَا فِي يَدهَا مسبحة فَمن يقوم بِأَمْر الدُّنْيَا إِذا كَانَ مَشْغُولًا عَنْهَا وَهُوَ المطوق لَهَا إِلَّا قلت كَمَا قَالَ عمك جرير لعبد الْعَزِيز بن الْوَلِيد (فَلَا هُوَ فِي الدُّنْيَا مضيع نصِيبه ... وَلَا عرض الدُّنْيَا عَن الدّين شاغله) قَالَ مؤلف الْكتاب وبلغنا أَن حسنا اللؤْلُؤِي كَانَ يحدث الْمَأْمُون والمأمون يَوْمئِذٍ أَمِير فنعس الْمَأْمُون فَقَالَ لَهُ اللؤْلُؤِي نمت أَيهَا الْأَمِير فَاسْتَيْقَظَ الْمَأْمُون وَقَالَ سوقى وَالله يَا غُلَام خُذ بِيَدِهِ قَالَ مؤلف الْكتاب قلت وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن هَؤُلَاءِ إِنَّمَا يُرِيدُونَ الحَدِيث ليناموا عَلَيْهِ فَكَانَ إيقاظه غَفلَة عَمَّا يُرَاد من الحَدِيث وَسُوء أدب وَمن الْمَنْقُول عَن المعتضد بِاللَّه عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن حمدون قَالَ لي المعتضد بِاللَّه لَيْلَة وَقد قدم لَهُ عشَاء لقمني وَكَانَ الَّذِي قدم لَهُ فراريج ودراريج فلقمته من صدر فروج فَقَالَ لَا لقمني من فَخذه فلقمته لقماً ثمَّ قَالَ هَات من الدراريج فلقمته من أفخاذها فَقَالَ وَيلك هوذا نتنادر عَليّ هَات من صدورها فَقلت يَا مولَايَ ركبت الْقيَاس فَضَحِك فَقلت إِلَى كم أضْحكك وَلَا تضحكني قَالَ فشل المطرح وَخذ مَا تَحْتَهُ قَالَ فشلته فَإِذا دِينَار وَاحِد فَقلت آخذها قَالَ نعم فَقلت بِاللَّه هوذا تتنادر أَنْت السَّاعَة على خَليفَة يُجِيز نديمه بِدِينَار فَقَالَ وَيلك لَا أجد لَك فِي بَيت المَال حَقًا أَكثر من هَذَا وَلَا تسمح نَفسِي أَن أُعْطِيك من مَالِي شيا وَلَكِن هوذا احتال لَك بحيلة تَأْخُذ فِيهَا خَمْسَة آلَاف دِينَار فَقبلت يَده فَقَالَ إِذا كَانَ غَد وَجَاءَنِي الْقَاسِم يَعْنِي ابْن عبيد الله فهوذا إسارك خبر تقع عَيْني عَلَيْهِ سراراً طَويلا الْتفت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 فِيهِ إِلَيْك كالمغضب وَانْظُر أَنْت إِلَيْهِ فِي خلال ذَلِك كالمتخالس لي نظر المترائي لَهُ فَإِذا انْقَطع السرَار فَاخْرُج وَلَا تَبْرَح من الدهليز أَو يخرج فَإِذا خرجت خاطبك بخطاب جميل وأخذك إِلَى دَعوته ويسألك عَن حالك فاشك الْفقر والخلة وَقلة حظك مني وَثقل ظهرك بِالدّينِ والعيال وَخذ مَا يعطيك واطلب كل مَا تقع عَيْنك عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يمنعك حَتَّى تستوفي الْخَمْسَة آلَاف دِينَار فَإِذا أَخَذتهَا فيسألك عَمَّا جرى بَيْننَا فاصدقه وَإِيَّاك أَن تكذبه وعرفه أَن ذَاك حِيلَة مني عَلَيْهِ حَتَّى وصل إِلَيْك هَذَا وحدثه كُله بِالْحَدِيثِ كُله على شَرحه وَليكن أخبارك إِيَّاه بذلك بعد امْتنَاع شَدِيد وإخلاف مِنْهُ بِالطَّلَاق وَالْعتاق أَن تصدقه وَبعد أَن تخرج من دَاره كل مَا يعطيك إِيَّاه تَجْعَلهُ فِي بَيْتك فَلَمَّا كَانَ الْغَد حضر الْقَاسِم فحين رَآهُ ابْتَدَأَ يسارني وَجَرت الْقِصَّة على مَا وضعني عَلَيْهِ فَخرجت فَإِذا الْقَاسِم فِي الدهليز ينتظرني فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد مَا هَذَا الْجفَاء لَا تجيئني وَلَا تزورني وَلَا تَسْأَلنِي حَاجَة فاعتذرت إِلَيْهِ باتصال الْخدمَة عَليّ فَقَالَ مَا يقنعني إِلَّا أَن تزورني الْيَوْم وتتفرج فَقلت أَنا خَادِم الْوَزير فأخذني إِلَى طيارة وَجعل يسألني عَن حَالي وأخباري وأشكو إِلَيْهِ الْخلَّة وَالْإِضَافَة وَالدّين وَالْبَنَات وجفاء الْخَلِيفَة وإمساك يَده ويتوجع وَيَقُول يَا هَذَا مَالِي لَك وَلنْ نضيق عَلَيْك مَا يَتَّسِع على أَن نجاوزك نعْمَة حصلت لي لَو عَرفتنِي لعاونتك على إِزَالَة هَذَا كُله عَنْك فشكرته وبلغنا دَاره فَصَعدَ وَلم ينظر فِي شَيْء وَقَالَ هَذَا يَوْم احْتَاجَ أَن اخْتصَّ فِيهِ بالسرور بِأبي مُحَمَّد فَلَا يقطعني أحد عَنهُ وَأمر كِتَابه بالتشاغل بِالْأَعْمَالِ وخلا بِي فِي دَار الْخلْوَة وَجعل يحادثني ويبسطني وقدمت الْفَاكِهَة فَجعل يلقمني بِيَدِهِ وَجَاء الطَّعَام فَكَانَ هَذَا سَبيله فَلَمَّا جلس للشُّرْب وَقع لي بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار فأخذتها للْوَقْت وأحضر ثيابًا وطيبا ومركوبا فَأخذت ذَلِك كُله وَكَانَ بَين يَدي صينية فضَّة فِيهَا مغسل فضَّة وخردادي بلور وكوز وقدح بلور فَأمر بِحمْلِهِ إِلَى طيارتي وَأَقْبَلت كلما رَأَيْت شيا حسنا لَهُ قيمَة وافرة طلبته وَحمل إِلَى فرشا نفيسا وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 هَذَا للبنات فَلَمَّا تقوض أهل الْمجْلس خلا بِي وَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد أَنْت عَالم بِحُقُوق أبي عَلَيْك ومودتي لَك فَقلت أَنا خَادِم الْوَزير فَقَالَ أُرِيد أَن أَسأَلك عَن شَيْء وتحلف لي أَنَّك تصدقني عَنهُ فَقلت السّمع وَالطَّاعَة فأحلفني بِاللَّه وبالطلاق وَالْعتاق على الصدْق ثمَّ قَالَ لي بِأَيّ شَيْء سارك الْخَلِيفَة الْيَوْم فِي أَمْرِي فصدقته عَن كل مَا جرى حرفا بِحرف فَقَالَ فرجت عني وَلَكِن هَذَا هَكَذَا مَعَ سَلامَة نِيَّته أسهل على فشكرته وانصرفت إِلَى بَيْتِي فَلَمَّا كَانَ من الْغَد باكرت المعتضد بِاللَّه فَقَالَ هَات حَدِيثك فسقته عَلَيْهِ فَقَالَ احفظ الدَّنَانِير وَلَا يَقع لَك أَنِّي أعمل مثلهَا بِسُرْعَة أَنبأَنَا أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي عَن الْقَاسِم عَليّ بن المحسن عَن أَبِيه قَالَ بَلغنِي أَن المعتضد بِاللَّه كَانَ يَوْمًا جَالِسا فِي بَيت يبْنى لَهُ يُشَاهد الصناع فَرَأى فِي جُمْلَتهمْ غُلَاما أسود مُنكر الْخلقَة شَدِيد المزح يصعد على السلاليم مرقاتين مرقاتين وَيحمل ضعف مَا يحملونه فَأنْكر أمره فَأحْضرهُ وَسَأَلَهُ عَن سَبَب ذَلِك فلجلج فَقَالَ لِابْنِ حمدون وَكَانَ حَاضرا أَي شَيْء يَقع لَك فِي أمره فَقَالَ وَمن هَذَا حَتَّى صرفت فكرك إِلَيْهِ وَلَعَلَّه لَا عِيَال لَهُ فَهُوَ خَالِي الْقلب قَالَ وَيحك قد خمنت فِي أمره تخميناً مَا أَحْسبهُ بَاطِلا إِمَّا أَن يكون مَعَه دَنَانِير قد ظفر بهَا دفْعَة من غير وَجههَا أَو يكون لصا يتستر بِالْعَمَلِ فِي الطين فلاحاه ابْن حمدون فِي ذَلِك فَقَالَ عَليّ بالأسود فأحضر وَقَالَ مقارع فَضَربهُ نَحْو مائَة مقرعة وَقَررهُ وَحلف أَن لم يصدقهُ ضرب عُنُقه وأحضر السَّيْف والنطع فَقَالَ الْأسود لي الْأمان فَقَالَ لَك الْأمان إِلَّا مَا يجب عَلَيْك فِيهِ من حد فَلم يفهم مَا قَالَ لَهُ وَظن أَنه قد أَمنه فَقَالَ أَنا كنت أعمل فِي اتاتين الْآجر سِنِين وَكنت مُنْذُ شهور هُنَاكَ جَالِسا فاجتاز بِي رجل فِي وَسطه هميان فَتَبِعَهُ فجَاء إِلَى بعض الأتاتين فَجَلَسَ وَهُوَ لَا يعلم مَكَاني فَحل الْهِمْيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وَأخرج مِنْهُ دِينَارا فتأملته فَإِذا كُله دَنَانِير فثاورته وكتفته وسددت فَاه وَأخذت الْهِمْيَان وَحَمَلته على كَتِفي وطرحته فِي نقرة الأتون وطينته فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك أخرجت عِظَامه فطرحتها فِي دجلة وَالدَّنَانِير معي يُقَوي بهَا قلبِي فَأمر المعتضد من أحضر الدَّنَانِير من منزله وَإِذا على الْهِمْيَان مَكْتُوب لفُلَان بن فلَان فَنُوديَ فِي الْبَلدة باسمه فَجَاءَت امْرَأَة قَالَت هَذَا زَوجي ولي مِنْهُ هَذَا الطِّفْل خرج فِي وَقت كَذَا وَمَعَهُ هميان فِيهِ ألف دِينَار فَغَاب إِلَى الْآن فَسلم الدَّنَانِير إِلَيْهَا وأمرها أَن تَعْتَد وَضرب عنق الْأسود وَأمر أَن تحمل جثته إِلَى الأتون قَالَ المحسن وَبَلغنِي أَن المعتضد بِاللَّه قَامَ فِي اللَّيْل لحَاجَة فَرَأى بعض الغلمان المردان قد نَهَضَ من ظهر غُلَام أَمْرَد ودب على أربعته حَتَّى اندس بَين الغلمان فجَاء المعتضد فَجعل يضع يَده على فؤاد وَاحِد بعد وَاحِد إِلَى أَن وضع يَده على فؤاد ذَلِك الْفَاعِل فَإِذا بِهِ يخْفق خفقاناً شَدِيدا فركزه بِرجلِهِ فَقعدَ واستدعى آلَات الْعقُوبَة فاقر فَقتله قَالَ المحسن وبلغنا عَن المعتضد بِاللَّه أَن خَادِمًا من خدمه جَاءَ يَوْمًا فَأخْبرهُ أَنه كَانَ قَائِما على شاطئ الدجلة فِي دَار الْخَلِيفَة فَرَأى صياداً وَقد طرح شبكته فَثقلَتْ بِشَيْء فجذبها فأخرجها فَإِذا فِيهَا جراب وَأَنه قدره مَالا فَأَخذه وفتحه فَإِذا فِيهِ آجر وَبَين الْآجر كف مخضوبة بحناء قَالَ فأحضر الجراب والكف وَالْأَجْر فهال المعتضد ذَلِك وَقَالَ قل للصياد يعاود طرح الشبكة فَوق الْموضع وأسفله وَمَا قاربه قَالَ فَفعل فَخرج جراب آخر فِيهِ رجل قَالَ فطلبوا فَلم يخرج شَيْء آخر فَاغْتَمَّ المعتضد فَقَالَ معي فِي الْبَلَد من يقتل إنْسَانا وَيقطع أعضاؤه ويفرقه وَلَا أعرف بِهِ مَا هَذَا ملك قَالَ وَأقَام يَوْمه كُله مَا طعم طَعَاما فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أحضر ثِقَة لَهُ وَأَعْطَاهُ الجراب فَارغًا وَقَالَ لَهُ طف بِهِ على كل من يعْمل الجرب بِبَغْدَاد فَإِن عرفه مِنْهُم رجل فسله على من بَاعه فَإِذا دلك عَلَيْهِ فسل المُشْتَرِي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَلَا تقر على خَبره أحدا قَالَ فَغَاب الرجل وجاءه بعد ثَلَاثَة أَيَّام فَزعم أَنه لم يزل يتطلب فِي الدباغين وَأَصْحَاب الجرب إِلَى أَن عرف صانعه وَسَأَلَ عَنهُ فَذكر أَنه بَاعه على عطار بسوق يحيى وَأَنه مضى إِلَى الْعَطَّار وَعرضه عَلَيْهِ فَقَالَ وَيحك كَيفَ وَقع هَذَا الجراب فِي يدك فَقلت أوتعرفه قَالَ نعم اشْترى منى فلَان الْهَاشِمِي مُنْذُ ثَلَاثَة أَيَّام عشرَة جرب لَا أَدْرِي لأي شَيْء أرادها وَهَذَا مِنْهَا فَقلت لَهُ وَمن فلَان الْهَاشِمِي فَقَالَ رجل من ولد على بن ريطه من ولد الْمهْدي يُقَال لَهُ فلَان عَظِيم إِلَّا أَنه شَرّ النَّاس وأظلمهم وأفسدهم لحرم الْمُسلمين وأشدهم تشوقاً إِلَى مكايدهم وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا من يُنْهِي خَبره إِلَى المعتضد خوفًا من شَره ولفرط تمكنه من الدولة وَالْمَال وَلم يزل يحدثني وَأَنا أسمع أَحَادِيث لَهُ قبيحة إِلَى أَن قَالَ فحسبك أَنه كَانَ يعشق مُنْذُ سِنِين فُلَانَة الْمُغنيَة جَارِيَة فُلَانَة الْمُغنيَة وَكَانَت كالدينار المنقوش وكالقمر الطالع فِي غَايَة حسن الْغناء فساوم مولاتها فِيهَا فَلم تقاربه فَلَمَّا كَانَ مُنْذُ أَيَّام بلغه أَن سيدتها تُرِيدُ بيعهَا على مُشْتَر قد حضر بذل فِيهَا أُلُوف دَنَانِير فَوجه إِلَيْهَا لَا أقل من أَن تنفذيها إِلَى لتودعني فأنفذتها إِلَيْهِ بعد أَن أنفذ إِلَيْهَا حذرها لثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا انْقَضتْ الْأَيَّام الثَّلَاثَة غصبهَا عَلَيْهَا وغيبها عَنْهَا فَمَا يعرف لَهَا خبر وَادّعى أَنَّهَا هربت من دَاره وَقَالَت الْجِيرَان أَنه قَتلهَا وَقَالَ قوم لَا بل هِيَ عِنْده وَقد أَقَامَت سيدتها عَلَيْهَا المأتم وَجَاءَت وصاحت على بَابه وسودت وَجههَا فَلم ينفعها شَيْء فَلَمَّا سمع المعتضد سجد شكرا لله تَعَالَى على انكشاف الْأَمر لَهُ وَبعث فِي الْحَال من كبس على الْهَاشِمِي وأحضر الْمُغنيَة وَأخرج الْيَد وَالرجل إِلَى الْهَاشِمِي فَلَمَّا رآهما انتقع لَونه وأيقن بِالْهَلَاكِ واعترف فَأمر المعتضد بِدفع ثمن الْجَارِيَة إِلَى مولاتها من بَيت المَال وصرفها ثمَّ حبس الْهَاشِمِي فَيُقَال أَنه قَتله وَيُقَال مَاتَ فِي الْحَبْس قَالَ عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن حمدون قَالَ كنت قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 حَلَفت وعاهدت الله أَن لَا أعقد مَالا من الْقمَار وَأَنه لَا يَقع فِي يَدي مِنْهُ شَيْء إِلَّا صرفته فِي ثمن شمع يَحْتَرِق أَو نَبِيذ يشرب أَو جذر مغنيه فَجَلَست يَوْمًا ألاعب المعتضد فقمرته بسبعين ألف دِرْهَم فَنَهَضَ المعتضد يُصَلِّي قبل الْعَصْر رَكْعَتَانِ من قبل أَن يَأْمر لي بهَا فَجَلَست أفكر وأندم على مَا حَلَفت عَلَيْهِ وَقلت كم اشْترى من هَذِه السّبْعين ألف شمعاً وَشَرَابًا وَكم أجذر وَمَا كَانَت هَذِه العجلة فِي الْيَمين وَلَو لم أكن حَلَفت كنت الْآن قد اشْتريت بهَا ضَيْعَة وَكَانَت الْيَمين بِالطَّلَاق وَالْعتاق وَصدقَة الْملك فَلَمَّا سلم من السُّجُود قَالَ لي فِي أَي شَيْء تفكرت فَقلت خير فَقَالَ بحياتي أصدقني فصدقته فَقَالَ وعندك أَنِّي أُرِيد أَن أُعْطِيك سبعين ألفا فِي الْقمَار فَقلت أفتصغر قَالَ نعم قد صغرت قُم وَلَا تفكر فِي هَذَا قَالَ وَدخل فِي صَلَاة الْفَرْض فلحقني الْغم أعظم من الأول وندمت على فَوت المَال وَجعلت ألوم نَفسِي لم صدقته فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ لي يَا أَبَا عبد الله بحياتي أصدقني عَن هَذَا الْفِكر الثَّانِي فصدقته فَقَالَ أما الْقمَار فقد قلت أَنِّي صغرت وَلَكِنِّي أهب لَك سبعين ألفا من مَالِي وَلَا يكون عَليّ إِثْم فِي دَفعهَا إِلَيْك وَلَا عَلَيْك إِثْم فِي أَخذهَا وَتخرج من يَمِينك فتشتري بهَا ضَيْعَة حَلَالا فَقبلت يَده وَأخذت المَال فاعتقدت بِهِ ضَيْعَة وَالله أعلم الْبَاب الْعَاشِر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الوزراء قَالَ ابْن الْموصِلِي حَدثنِي أبي قَالَ أتيت يحيي بن خَالِد بن برمك فشكوت إِلَيْهِ ضيقَة الْيَد فَقَالَ وَيحك وَمَا أصنع بك لَيْسَ عندنَا فِي هَذَا الْوَقْت شَيْء وَلَكِن عَلَيْك هَهُنَا أَمر أدلك عَلَيْهِ فتكن فِيهِ رجلا قد جَاءَنِي خَليفَة صَاحب مصر يسألني أَن أستهدي صَاحبه شَيْئا وَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 أَبيت ذَلِك فألح عَليّ وَقد بَلغنِي أَنَّك قد أَعْطَيْت بجاريتك فُلَانَة آلَاف دَنَانِير فَهُوَ ذَا استهديه إِيَّاهَا وَأخْبرهُ أَنَّهَا قد أعجبتني وَإِيَّاك أَن تنقصها من ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَانْظُر كَيفَ يكون قَالَ فوَاللَّه مَا شَعرت إِلَّا بِالرجلِ قد واتاني فساومني الْجَارِيَة فَقلت لَا أنقصها من ثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَلم يزل يساومني حَتَّى بذل لي عشْرين ألف دِينَار فَلَمَّا سَمعتهَا ضعف قلبِي عَن ردهَا فبعتها وقبضت الْعشْرين ألفا ثمَّ صرت إِلَى يحيى بن خَالِد فَقَالَ لي كَيفَ صنعت فِي بيعك الْجَارِيَة فَأَخْبَرته فَقلت وَالله مَا ملكت نَفسِي أَن أجبْت إِلَى الْعشْرين ألفا حِين سَمعتهَا فَقَالَ إِنَّك لخسيس وَهَذَا خَليفَة صَاحب فَارس قد جَاءَنِي فِي مثل هَذَا فَخذ جاريتك فَإِذا ساومك فَلَا تنقصها من خمسين ألف دِينَار فَإِنَّهُ لَا بُد أَن يَشْتَرِيهَا مِنْك بذلك قَالَ فَجَاءَنِي الرجل فاستمت عَلَيْهِ خمسين ألف دِينَار فَلم يزل يساومني حَتَّى أَعْطَانِي ثَلَاثِينَ ألف دِينَار فضعف قلبِي عَن ردهَا وَلم أصدق بهَا فأوجبتها لَهُ بهَا ثمَّ صرت إِلَى يحيى ابْن خَالِد فَقَالَ لي بكم بِعْت الْجَارِيَة فَأَخْبَرته فَقَالَ لي وَيحك ألم تؤدبك الأولى عَن الثَّانِيَة قلت ضعفت وَالله عَن رد شَيْء لم أطمع فِيهِ فَقَالَ هَذِه جاريتك فَخذهَا إِلَيْك قَالَ فَقلت جَارِيَة أفدت بهَا خمسين ألف دِينَار ثمَّ أملكهَا أشهدك أَنَّهَا حرَّة وَأَنِّي قد تَزَوَّجتهَا أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن يحيى النديم قَالَ قَالَ يحيى بن خَالِد ثَلَاثَة أَشْيَاء تدل على عقول أَرْبَابهَا الْهَدِيَّة وَالْكتاب وَالرَّسُول وبلغنا أَن الْمَنْصُور كَانَ يعجب بِيَحْيَى بن خَالِد ويجود رَأْيه وَكَانَ يَقُول ولد الْآبَاء أَبنَاء وَولد خَالِد ابْن برمك آبَاء وَكَانَ يحيى يَقُول لِابْنِهِ جَعْفَر يَا بني خُذ من كل أدب طرفا فَإِنَّهُ من جهل شَيْئا عَادَاهُ وَأَنا أكره أَن تكون عَدو الشَّيْء من الْأَدَب وَكَانَ يَقُول من بلغ رتبه فتاه فِيهَا أخبر أَن مَحَله دونهَا وَقَالَ لَهُ رجل وَالله لانت أحلم من الْأَحْنَف فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 مَا نقرب إِلَى من أَعْطَانِي فَوق حَقي وبلغنا عَن الرشيد أَنه رأى يَوْمًا فِي دَاره حزمة خيزران فَقَالَ لوزيره الْفضل بن الرّبيع مَا هَذِه فَقَالَ عروق الرماح يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلم يرد أَن يَقُول الخيزران لموافقته اسْم أم الرشيد وَقَالَ الْفضل إيَّاكُمْ ومخاطبة الْمُلُوك بِمَا يَقْتَضِي الْجَواب فَإِنَّهُم أَن أجابوكم شقّ عَلَيْهِم وَأَن لم يجيبوكم شقّ عَلَيْكُم قَالَ ثَعْلَب قلت لِلْحسنِ بن سهل وَقد كثر عطاؤه على اختلال حَاله لَيْسَ فِي السَّرف خير فَقَالَ بل لَيْسَ فِي الْخَيْر سرف فَرد اللَّفْظ وَاسْتوْفى الْمَعْنى وَرَأى الْفَتْح بن خاقَان فِي لحية المتَوَكل شَيْئا فَلم يمسهُ بِيَدِهِ وَلَا قَالَ لَهُ شَيْئا وَلكنه نَادَى يَا غُلَام مرْآة أَمِير الْمُؤمنِينَ فجيء بهَا فَقَالَ بل بهَا وَجه حَتَّى أَخذ ذَلِك الشئ بِيَدِهِ حَدثنَا أَبُو عَليّ بن مقلة قَالَ كنت أكتب لأبي الْحسن بن الْفُرَات أخدم بَين يَدَيْهِ فَأول شئ برزق عشرَة دَنَانِير فِي كل شهر وَهُوَ يخلف أَخَاهُ فِي ديوَان السوَاد ثمَّ زَادَت حَاله فرقاني إِلَى ثَلَاثِينَ دِينَارا فِي كل شهر فَكنت كَذَلِك مَعَه إِلَى أَن تقلد الوزارة الأولى فَحصل رِزْقِي خَمْسمِائَة دِينَار فِي كل شهر ثمَّ أَمر بِقَبض مَا فِي دور الْمُخَالفين الَّذين بَايعُوا ابْن المعتز وَكَانَت أمتعتهم تقبض وَتحمل إِلَيْهِ فيراها وينفذها إِلَى خَزَائِن المقتدر فجاؤوه يَوْمًا بصندوقين فَقَالُوا لَهُ هَذَانِ وجدناهما فِي دَار ابْن المعتز فَقَالَ أفعلمتم مَا فيهمَا قَالُوا نعم جرائد من بَايعه من النَّاس بِأَسْمَائِهِمْ وأنسابهم فَقَالَ لَا تفتح ثمَّ قَالَ يَا غلْمَان هاتوا نَارا فجَاء الفراشون بفحم وَأمرهمْ فأججوا النَّار وَأَقْبل عَليّ وعَلى من كَانَ حَاضرا فَقَالَ وَالله لَو رَأَيْت من هذَيْن الصندوقين ورقة وَاحِدَة لظن كل من لَهُ فِيهَا اسْم أَنِّي قد عَرفته فتفسد نيات الْعَالم كلهم عَليّ وعَلى الْخَلِيفَة وَمَا هَذَا رَأْي حرقوهما قَالَ فطرحا بأقفالهما فِي النَّار فَلَمَّا احترقا بِحَضْرَتِهِ أقبل عَليّ فَقَالَ يَا أَبَا عَليّ قد أمنت كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 من جنى وَبَايع ابْن المعتز وَأَمرَنِي الْخَلِيفَة بأمانة فَاكْتُبْ للنَّاس الْأمان مني وَلَا يلْتَمس مِنْك أحد أَمَانًا كَائِنا من كَانَ إِلَّا كتبته لَهُ وجئني بِهِ لأوقع فِيهِ فقد أفردتك لهَذَا الْعَمَل ثمَّ قَالَ لمن حضر أشيعوا مَا قلته حَتَّى يأنس المستترون بِأبي عَليّ ويكاتبونه فِي طلب الْأمان فشكرناه ودعت الْجَمَاعَة لَهُ وشاع الْخَبَر وكتبت الْأَمَانَات فَكتب فِي ذَلِك مائَة ألف أَو نَحْوهَا حَدثنَا ابْن المحسن عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْحسن بن عَليّ بن مقلة يَقُول كَانَ أَبُو عَليّ بن مقلة يَوْمًا يَأْكُل فَلَمَّا رفعت الْمَائِدَة وَغسل يَده رأى على ثَوْبه نقطة صفراء من الْحَلْوَى الَّتِي كَانَ يأكلها فَفتح الدواة واستمد مِنْهَا نقطة على الصُّفْرَة حَتَّى لم يبْق لَهَا أثر وَقَالَ ذَاك أثر شَهْوَة وَهَذَا أثر صناعتي ثمَّ أنْشد (إِنَّمَا الزَّعْفَرَان عطر العذارى ... ومداد الدواة عطر الرِّجَال) قَالَ أَبُو بكر الصولي قَالَ لي المكتفي بِاللَّه وَقد أنشدته أَنْت أشعر من فلَان فَقلت لأنعامك على ترى ذَلِك وَإِلَّا ففلان أشعر مني فَلَمَّا خرجنَا قَالَ لي الْقَاسِم بن عبيد الله رددت على أَمِير الْمُؤمنِينَ لِأَنَّهُ قَالَ شَيْئا فَقلت لَا فَقلت من أَيْن لي هَذَا الْفَهم وَذكر أَن ملكا كَانَت أسراره تظهر كثيرا إِلَى عدوه فَيبْطل تَدْبيره على الْعَدو فَبلغ ذَلِك مِنْهُ فَشَكا إِلَى أحد نصائحه وَقَالَ لَهُ أَن جمَاعَة يطلعون على أسرار لي لَا بُد من إظهارها لَهُم وَلست أَدْرِي أَيهمْ يظهرها وأكره أَن أنال البريء مِنْهُم بِمَا يسْتَحق الخائن فَدَعَا بِكِتَاب فَكتب فِيهِ أَخْبَارًا من أَخْبَار المملكة وَجعلهَا كذبا كلهَا ثمَّ دَعَا بِرَجُل رجل كل وَاحِد دون صَاحبه مِمَّن كَانَ يفشي الْملك إِلَيْهِ سره فَقَالَ للْملك أخبر كل وَاحِد مِنْهُم بِخَبَر على حِدة لَا يظْهر عَلَيْهِ سَائِر أَصْحَابه وَأمر كل وَاحِد بستر مَا أسررت إِلَيْهِ وأكتب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 كل خبر اسْم صَاحبه فَلم يلبث أَن أظهر الخونة مَا أفشى إِلَيْهِم وانكتمت أَخْبَار الناصحين فَعرف الْملك من يفشي سره فحذره قيل رفعت إِلَى فَخر الْملك وَزِير السُّلْطَان قصَّة رجل سعى بِرَجُل فَكتب عَلَيْهَا السّعَايَة قبيحة وَإِن كَانَت نصيحة فَإِن كنت أخرجتها بالنصح فخسرانك فِيهَا أَكثر من الرِّبْح وَأَنا لَا أَدخل فِي مَحْظُور وَلَا أسمع قَول مهتوك فِي مَسْتُور وَلَوْلَا أَنَّك فِي خفارة شيبتك لقابلتك على جريرتك مُقَابلَة تشبه أفعالك وتردع أمثالك فاستر على نَفسك هَذَا الْعَيْب وَاتَّقِ من يعلم الْغَيْب فَإِن الله للصالح والطالح بالمرصاد وَقَالَ الْوَزير أَبُو مَنْصُور بن جهير يَوْمًا لولد أبي نصر بن الصناع استعل بآداب وَإِلَّا كنت صناعًا بغراب الْبَاب الْحَادِي عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن السلاطين والأمراء والحجاب والشرطة قَالَ الْمُؤلف بَلغنِي أَن رجلا قدم إِلَى بَغْدَاد لِلْحَجِّ وَكَانَ مَعَه عقد من الْحبّ يُسَاوِي ألف دِينَار فاجتهد فِي بَيْعه فَلم ينْفق فجَاء إِلَى عطار مَوْصُوف بِالْخَيرِ فأودعه إِيَّاه ثمَّ حج وَعَاد فَأَتَاهُ بهدية فَقَالَ لَهُ الْعَطَّار من أَنْت وَمَا هَذَا فَقَالَ أَنا صَاحب العقد الَّذِي أودعتك فَمَا كَلمه حَتَّى رفسه رفسة رَمَاه عَن دكانه وَقَالَ تَدعِي عَليّ مثل هَذِه الدَّعْوَى فَاجْتمع النَّاس وَقَالُوا للحاجي وَيلك هَذَا رجل خير مَا لحقت من تَدعِي عَلَيْهِ إِلَّا هَذَا فتحير الحاجي وَتردد إِلَيْهِ فَمَا زَاده إِلَّا شتماً وَضَربا فَقيل لَهُ لَو ذهبت إِلَى عضد الدولة فَلهُ فِي هَذِه الْأَشْيَاء فراسة فَكتب قصَّته وَجعلهَا على قَصَبَة ورفعها لعضد الدولة فصاح بِهِ فجَاء فَسَأَلَهُ عَن حَاله فَأخْبرهُ بالقصة فَقَالَ اذْهَبْ إِلَى الْعَطَّار غَدا واقعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 على دكانه فَإِن مَنعك فَاقْعُدْ على دكان تقابله من الصُّبْح إِلَى الْمغرب وَلَا تكَلمه وَافْعل هَكَذَا ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنِّي أَمر عَلَيْك فِي الْيَوْم الرَّابِع وأقف وَأسلم عَلَيْك فَلَا تقم لي وَلَا تزدني على رد السَّلَام وَجَوَاب مَا أَسأَلك عَنهُ فَإِذا انصرفت فأعد عَلَيْهِ ذكر العقد ثمَّ أعلمني مَا يَقُول لَك فَإِن أعطاكه فجيء بِهِ إِلَيّ قَالَ فجَاء إِلَى دكان الْعَطَّار ليجلس فَمَنعه فَجَلَسَ بمقابلته ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع اجتاز عضد الدولة فِي موكبه الْعَظِيم فَلَمَّا رأى الْخُرَاسَانِي وقف وَقَالَ سَلام عَلَيْكُم فَقَالَ الخرساني وَلم يَتَحَرَّك وَعَلَيْكُم السَّلَام فَقَالَ يَا أخي تقدم فَلَا تَأتي إِلَيْنَا وَلَا تعرض حوائجك علينا فَقَالَ كَمَا اتّفق وَلم يشبعه الْكَلَام وعضد الدولة يسْأَله ويستخفي وَقد وقف ووقف الْعَسْكَر كُله والعطار قد أُغمي عَلَيْهِ من الْخَوْف فَلَمَّا انْصَرف الْتفت الْعَطَّار إِلَى الحاجي فَقَالَ وَيحك مَتى أودعتني هَذَا العقد وَفِي أَي شَيْء كَانَ ملفوفاً فذكرني لعَلي أذكرهُ فَقَالَ من صفته كَذَا وَكَذَا فَقَامَ وفتش ثمَّ نقض جرة عِنْده فَوضع العقد فَقَالَ قد كنت نسيت وَلَو لم تذكرني الْحَال مَا ذكرت فَأخذ العقد ثمَّ قَالَ وَأي فَائِدَة لي فِي أَن أعلم عضد الدولة ثمَّ قَالَ فِي نَفسه لَعَلَّه يُرِيد أَن يَشْتَرِيهِ فَذهب إِلَيْهِ فَأعلمهُ فَبعث بِهِ مَعَ الْحَاجِب إِلَى دكان الْعَطَّار فعلق العقد فِي عنق الْعَطَّار وصلبه بِبَاب الدّكان وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من استودع فَجحد فَلَمَّا ذهب النِّهَايَة أَخذ الْحَاجِب العقد فسلمه إِلَى الحاجي وَقَالَ اذْهَبْ وَقَالَ الْمُؤلف أَيْضا بَلغنِي عَن عضد الدولة أَنه كَانَ فِي بعض أمرائه شَاب تركي وَكَانَ يقف عِنْد روزنة ينظر إِلَى امْرَأَة فِيهَا فَقَالَت الْمَرْأَة لزَوجهَا قد حرم عَليّ هَذَا التركي أَن أتطلع فِي الروزنة فَإِنَّهُ طول النَّهَار ينظر إِلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهَا أحد فَلَا يشك النَّاس أَن لي مَعَه حَدِيثا وَمَا أَدْرِي كَيفَ أصنع فَقَالَ زَوجهَا أكتبي إِلَيْهِ رقْعَة وَقَوْلِي فِيهَا لَا معنى لوقوفك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 فتعال إِلَيّ بعد الْعشَاء إِذا غفل النَّاس فِي الظلمَة فَإِنِّي خلف الْبَاب ثمَّ قَامَ وحفر حُفْرَة طَوِيلَة خلف الْبَاب ووقف لَهُ فَلَمَّا جَاءَ التركي فتح لَهُ الْبَاب فَدخل فَدفعهُ الرجل فَوَقع فِي الحفرة وطموا عَلَيْهِ وَبَقِي أَيَّامًا لَا يدْرِي مَا خَبره فَسَأَلَ عَنهُ عضد الدولة فَقيل لَهُ مَا لنا فِيهِ خبر فَمَا زَالَ يعْمل فكره إِلَى أَن بعث يطْلب مُؤذن الْمَسْجِد المجاور لتِلْك الدَّار فَأَخذه أخذا عنيفاً فِي الظَّاهِر ثمَّ قَالَ لَهُ هَذِه مائَة دِينَار خُذْهَا وامتثل مَا آمُرك إِذا رجعت إِلَى مسجدك فَإِذن اللَّيْلَة واقعد فِي الْمَسْجِد فَأول من يدْخل عَلَيْك ويسألك عَن سَبَب أنفاذي إِلَيْك فَأَعْلمنِي بِهِ فَقَالَ نعم فَفعل ذَلِك فَكَانَ أول من دخل ذَلِك الشَّيْخ فَقَالَ لَهُ قلبِي إِلَيْك ولاي شَيْء أَرَادَ مِنْك عضد الدولة فَقَالَ مَا أَرَادَ مني شَيْئا وَمَا كَانَ إِلَّا الْخَبَر فَلَمَّا أصبح أخبر عضد الدولة بِالْحَال فَبعث إِلَى الشَّيْخ فَأحْضرهُ ثمَّ قَالَ لَهُ مَا فعل التركي فَقَالَ صدقك لي امْرَأَة ستيرة مستحسنة كَانَ يراصدها وَيقف تَحت روزنتها فضجت من خوف الفضيحة بوقوفه فَفعلت بِهِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ اذْهَبْ فِي دعة الله فَمَا سمع النَّاس وَلَا قُلْنَا وَذكر مُحَمَّد بن عبد الْملك الْهَمدَانِي فِي تَارِيخه أَنه بلغ إِلَى عضد الدولة خبر قوم من الأكراد يقطعون الطَّرِيق ويقيمون فِي جبال شاقة فَلَا يقدر عَلَيْهِم فاستدعى أحد التُّجَّار وَدفع إِلَيْهِ بغلاً عَلَيْهِ صندوقان فيهمَا حلوى قد شيبت بالسم وَأكْثر طيبها وَترك فِي الظروف الفاخرة وَأَعْطَاهُ دَنَانِير وَأمره أَن يسير مَعَ الْقَافِلَة وَيظْهر أَن هَذِه هَدِيَّة لإحدى نسَاء أُمَرَاء الْأَطْرَاف فَفعل التَّاجِر ذَلِك وَسَار أَمَام الْقَافِلَة فَنزل الْقَوْم وَأخذُوا الْأَمْتِعَة وَالْأَمْوَال وَانْفَرَدَ أحدهم بالبغل وَصعد بِهِ مَعَ جَمَاعَتهمْ إِلَى الْجَبَل وَبَقِي المسافرون عُرَاة فَلَمَّا فتح الصندوقين وجد الْحَلْوَى يضوع طيبها ويدهش منظرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ويعجب رِيحهَا وَعلم أَنه لَا يُمكنهُ الاستبداد بهَا فَدَعَا أَصْحَابه فَرَأَوْا مَا لم يروه أبدا قبل ذَلِك فأمعنوا فِي الْأكل عقيب مجاعَة فانقلبوا فهلكوا عَن آخِرهم فبادر التُّجَّار إِلَى أَخذ أَمْوَالهم وأمتعتهم وسلاحهم واستردوا الْمَأْخُوذ عَن آخِره فَلم أسمع بِأَعْجَب من هَذِه المكيدة محت أثر العاتين وحصدت شَوْكَة المفسدين وَقَالَ مؤلف الْكتاب وَحدثت أَن بعض التُّجَّار قدم من خُرَاسَان ليحج فتأهب لِلْحَجِّ وَبَقِي مَعَه من مَاله ألف دِينَار لَا يحْتَاج إِلَيْهَا فَقَالَ أَن حملتها خاطرت بهَا وَأَن أودعتها خفت جحد الْمُودع فَمضى إِلَى الصَّحرَاء فَرَأى شَجَرَة خروع فحفر تحتهَا ودفنها وَلم يره أحد ثمَّ خرج إِلَى الْحَج وَعَاد فحفر الْمَكَان فَلم يجد شَيْئا فَجعل يبكي ويلطم وَجهه فَإِذا سُئِلَ عَن حَاله قَالَ الأَرْض سرقت مَالِي فَلَمَّا كثر ذَلِك مِنْهُ قيل لَهُ لَو قصدت عضد الدولة فَإِن لَهُ فطنة فَقَالَ أويعلم الْغَيْب فَقيل لَهُ لَا بَأْس بِقَصْدِهِ فَأخْبرهُ بِقِصَّتِهِ فَجمع الْأَطِبَّاء وَقَالَ لَهُم هَل دوايتم فِي هَذِه السّنة أحدا بعروق الخروع فَقَالَ أحدهم أَنا داويت فلَانا وَهُوَ من خواصك فَقَالَ عَليّ بِهِ فجَاء فَقَالَ لَهُ هَل تداويت فِي هَذِه السّنة بعروق الخروع قَالَ نعم قَالَ من جَاءَك بِهِ قَالَ فلَان الْفراش قَالَ عَليّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ من أَيْن أخذت عروق الخروع فَقَالَ من الْمَكَان الْفُلَانِيّ فَقَالَ اذْهَبْ بِهَذَا مَعَك فأره الْمَكَان الَّذِي أخذت مِنْهُ فَذهب مَعَه بِصَاحِب المَال إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة وَقَالَ من هَذِه الشَّجَرَة أخذت فَقَالَ الرجل هَهُنَا وَالله تركت مَالِي فَرجع إِلَى عضد الدولة فَأخْبرهُ فَقَالَ للْفراش هَلُمَّ بِالْمَالِ فَتَلَكَّأَ فأوعده فأحضر المَال وروى أَبُو الْحسن بن هِلَال بن المحسن الصابي قَالَ حكى السلَامِي الشَّاعِر قَالَ دخلت على عضد الدولة فمدحته فأجزل عطيتي من الثِّيَاب وَالدَّنَانِير وَبَين يَدَيْهِ حسام خرواني فرآني ألحظه فَرمى بِهِ إِلَيّ وَقَالَ خُذْهُ فَقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وكل خير عندنَا من عِنْده فَقَالَ عضد الدولة ذَاك أَبوك فَبَقيت متحير لَا أَدْرِي مَا أَرَادَ فَجئْت أستاذي فشرحت لَهُ الْحَال فَقَالَ وَيحك قد أَخْطَأت عَظِيمَة لِأَن هَذِه الْكَلِمَة لأبي نواس يصف كَلْبا حَيْثُ يَقُول (أَنعَت كَلْبا أَهله فِي كده ... قد سعدت جدودهم بجده) (وكل خيرعنده من عِنْده ... ) قَالَ فعدت متوشحاً بكساء فوقفت بَين يَدي الْملك فَقَالَ مَالك فَقلت حممت السَّاعَة فَقَالَ هَل تعرف سَبَب حماك قلت نظرت فِي ديوَان أبي نواس فَقَالَ لَا تخف لَا بَأْس عَلَيْك من هَذِه الحما فسجدت بَين يَدَيْهِ وانصرفت وروى أَبُو الْحسن بن هِلَال ابْن المحسن الصابي فِي تَارِيخه قَالَ حَدثنِي بعض التُّجَّار وَقَالَ كنت فِي المعسكر وَاتفقَ أَن ركب السُّلْطَان جلال الدولة يَوْمًا إِلَى الصَّيْد على عَادَته فَلَقِيَهُ سوَادِي يبكي فَقَالَ مَالك فَقَالَ لَقِيَنِي ثَلَاثَة غلْمَان أخذُوا حمل بطيخ كَانَ معي وَهُوَ بضاعتي فَقَالَ امْضِ إِلَى المعسكر فهناك قبَّة حَمْرَاء فَاقْعُدْ عِنْدهَا وَلَا تَبْرَح إِلَى آخر النَّهَار فَأَنا أرجع وَأُعْطِيك مَا يُغْنِيك فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان قَالَ لبَعض شِرَائِهِ قد اشْتهيت بطيخاً ففتش الْعَسْكَر وخيمهم على شَيْء مِنْهُ فَفعل وأحضر الْبِطِّيخ فَقَالَ عِنْد من رَأَيْتُمُوهُ فَقيل فِي خيمة فلَان الْحَاجِب فَقَالَ أحضروه فَقَالَ لَهُ من أَيْن هَذَا الْبِطِّيخ فَقَالَ الغلمان جاؤوا بِهِ فَقَالَ أريدهم السَّاعَة فَمضى وَقد أحس بِالشَّرِّ فهرب الغلمان خوفًا من أَن يقتلُوا وَعَاد فَقَالَ قد هربوا لما علمُوا بِطَلَب السُّلْطَان لَهُم فَقَالَ أحضروا السوادي فأحضر فَقَالَ لَهُ هَذَا بطيخك الَّذِي أَخذ مِنْك قَالَ نعم قَالَ فَخذه وَهَذَا الْحَاجِب مَمْلُوك لي وَقد سلمته إِلَيْك ووهبته لَك حَتَّى يحضر الَّذين أخذُوا مِنْك الْبِطِّيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَوَاللَّه لَئِن أخليته لَأَضرِبَن رقبتك فَأخذ السوادي بيد الْحَاجِب فَأخْرجهُ فَاشْترى الْحَاجِب نَفسه بثلاثمائة دِينَار فَعَاد السوادي إِلَى السُّلْطَان وَقَالَ يَا سُلْطَان قد بِعْت الْمَمْلُوك الَّذِي وهبته لي بثلاثمائة دِينَار فَقَالَ قد رضيت بذلك قَالَ نعم قَالَ اقبضها وامض مصاحباً السَّلامَة قَالَ الصابي وَحكى لي من كَانَ حَاضرا باصفهان قَالَ جَاءَ إِلَيْهِ تركماني قد لزم يَد تركماني فَلَمَّا دخلا إِلَيْهِ قَالَ هَذَا وجدته قد ابتنى بِابْنَتي وَأُرِيد أَن أَقتلهُ بعد إعلامك بِهِ قَالَ لَا بل تزَوجهَا بِهِ ونعطي الْمهْر من خزائننا فَقَالَ لَا أقنع إِلَّا بقتْله فَقَالَ هاتوا السَّيْف فجيء بِهِ فسله وَقَالَ للْأَب تعال فَلَمَّا قرب مِنْهُ أعطَاهُ السَّيْف وَأمْسك بِيَدِهِ الجفن وَأمره أَن يُعِيد السَّيْف إِلَى الجفن فَكلما رام الرجل ذَاك قلب السُّلْطَان الجفن وَلم يُمكنهُ من إِدْخَال السَّيْف فَقَالَ يَا سُلْطَان مَا تدعني فَقَالَ كَذَلِك ابْنَتك لَو لم ترد مَا فعل بهَا هَذَا فَإِن كنت تُرِيدُ قَتله لأجل فعله فاقتلهما جَمِيعًا ثمَّ أحضر من زوجه بهَا وَأَعْطَاهُ الْمهْر من خزانته حَدثنَا الْأَصْمَعِي قَالَ وَفد فلَان بن أبي بردة على عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ بحاضرة فَلَزِمَ سَارِيَة من الْمَسْجِد يُصَلِّي إِلَيْهَا بِحسن الرُّكُوع والخشوع وَعمر بن عبد الْعَزِيز ينظر إِلَيْهِ فَقَالَ عمر للعلاء بن الْمُغيرَة وَكَانَ خصيصاً بعمر أَن يكن سر هَذَا كعلانيته فَهُوَ فعل أهل الْعرَاق غير مدافع عَن فضل فَقَالَ لَهُ الْعَلَاء بن الْمُغيرَة أَنا آتِيك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بِخَبَرِهِ فَأَتَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي بَين الْمغرب وَالْعشَاء فَقَالَ لَهُ اشفع صَلَاتك فَإِن لي حَاجَة فَلَمَّا سلم من صلَاته قَالَ لَهُ الْعَلَاء تعرف منزلتي وَمَوْضِعِي من أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي إِن أَشرت عَلَيْك أَن يوليك الْعرَاق مَا تجْعَل لي قَالَ عمالتي سنة وَكَانَ مبلغها عشْرين وَمِائَة ألف قَالَ فَاكْتُبْ لي على ذَلِك خطا فَقَامَ من وقته فَكتب لَهُ خطا بذلك فَحمل ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الْخط إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فَلَمَّا قَرَأَهُ كتب إِلَى عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب وَكَانَ والياً على الْكُوفَة أما بعد فَإِن بِلَالًا غرنا بِاللَّه فكدنا نغتر بِهِ ثمَّ سبكناه فوجدناه حبثاً كُله قَالَ مؤلف الْكتاب وبلغنا أَن رجلا وعظ أَمِيرا فأنفذ إِلَيْهِ الْأَمِير مَالا قبله فَلَمَّا عَاد الرَّسُول قَالَ الْأَمِير كلنا صياد وَلَكِن الشباك تخْتَلف وَقيل لما خطب السفاح يَوْم بُويِعَ سَقَطت الْعَصَا من يَده فتضير من ذَلِك فَقَامَ بعض أَصْحَابه فَأَخذهَا ومسحها وَدفعهَا إِلَيْهِ ثمَّ أنْشد (فَأَلْقَت عصاها واستقرث بهَا النَّوَى ... كَمَا قر عينا بالأياب الْمُسَافِر) فسر بذلك وسرى عَنهُ وأكرمه نزل أَمِير بقرية فَاحْتَاجَ إِلَى المزين يمسح شعره فجَاء الْأَمِير وَحده إِلَيْهِ وَقَالَ أَنا حَاجِب هَذَا الْأَمِير الَّذِي قد نزل بكم فامسح شعري فَإِن كنت حاذقاً جَاءَ الْأَمِير فمسحت شعره وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لِئَلَّا يعلم أَنه الْأَمِير فينزعج فيجرحه حَدثنِي عمر بن عُثْمَان قَالَ دخل الْمَنْصُور أَمِير الْمُؤمنِينَ قصراً فَرَأى فِي جِدَاره كِتَابَة (وَمَالِي لَا أبْكِي بِعَين حزينة ... وَقد قربت للظاعنين حمول) وَتَحْته مَكْتُوب ايه ايه قَالَ أَبُو عمر وَيرى أه أه فَقَالَ الْمَنْصُور أَي شَيْء ايه ايه فَقَالَ لَهُ الرّبيع وَهُوَ إِذْ ذَاك تَحت يَدي أبي الخصيب الْحَاجِب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه لما كتب الْبَيْت أحب أَن يخبر أَنه يبكي فَقَالَ لَهُ الله مَا كَانَ أظرفه فَكَانَ هَذَا أول مَا ارْتَفع بِهِ الرّبيع قَالَ الْمُؤلف نقلت من خطّ أبي الْوَفَاء بن عقيل قَالَ دخل هاشمي على الْمَنْصُور فاستدناه ودعا بغدائه وَقَالَ أدنه فَقَالَ قد تغديت فَكف عَنهُ فَلَمَّا خرج دفع الرّبيع فِي قَفاهُ فوافقه الْحجاب فَدخل عمومته فشكو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 إِلَى الْمَنْصُور فَقَالَ الرّبيع هَذَا الْفَتى كَانَ يسلم من بعيد وينصرف فأدناه أَمِير الْمُؤمنِينَ واستجلسه ثمَّ أذن لَهُ فِي الْغَدَاء فَقَالَ لَهُ قد تغديت قَول من يظنّ أَن الْغَدَاء عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا يصلح إِلَّا لسد الْخلَّة وَمثل هَذَا لَا يكون أدبه بالْقَوْل وَلَكِن بِالْفِعْلِ حَدثنَا المدايني عَن غياث بن إِبْرَاهِيم أَن معن بن زَائِدَة دخل على أبي جَعْفَر أَمِير الْمُؤمنِينَ فقارب فِي خطوه فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَر كَبرت سنك يَا معن فَقَالَ فِي طَاعَتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ وَأَنَّك لجلد قَالَ على أعدائك قَالَ وَإِن فِيك لبَقيَّة قَالَ هِيَ لَك حَدثنَا أَبُو الْفضل الربعِي قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ قَالَ الْمَأْمُون لعبد الله بن طَاهِر أَيّمَا أطيب مجلسي أَو مَنْزِلك قَالَ مَا عدلت بِهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لَيْسَ لي إِلَى هَذَا إِنَّمَا ذهبت إِلَى الْمُوَافقَة فِي الْعَيْش واللذة قَالَ منزلي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ وَلم ذَلِك قَالَ لِأَنِّي فِيهِ مَالك وَأَنا هَهُنَا مَمْلُوك وَذكر مُحَمَّد بن عبد الْملك الْهَمدَانِي أَن أَحْمد بن طولون جلس يَوْمًا فِي متنزه لَهُ يَأْكُل فَرَأى سَائِلًا فِي ثوب خلق فَوضع يَده فِي رغيف ودجاجة وفرخ وَقطع لحم وَقطعَة فالوذج وَأمر بعض الغلمان بمناولته فَرجع الْغُلَام وَذكر أَنه مَا هش لَهُ فَقَالَ ابْن طولون للغلام جئني بِهِ فَمثل بِهِ بَين يَدَيْهِ فاستنطقه فَأحْسن الْجَواب وَلم يضطرب من هيبته فَقَالَ لَهُ أحضرني الْكتب الَّتِي مَعَك واصدقني عَمَّن بعث بك فقد صَحَّ عِنْدِي أَنَّك صَاحب خبر واستحضر السِّيَاط فاعترف لَهُ بذلك فَقَالَ بعض من حضر هَذَا وَالله السحر فَقَالَ أَحْمد مَا هُوَ بِسحر وَلكنه قِيَاس صَحِيح رَأَيْت سوء حَال هَذَا فوجهت إِلَيْهِ بِطَعَام يسر إِلَى أكله الشبعان فَمَا هش لَهُ وَلَا مد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 يَده فأحضرته فتلقاني بِقُوَّة جأش فَلَمَّا رَأَيْت رثائة حَاله وَقُوَّة جنابه علمت أَنه صَاحب خبر وَرَأى ابْن طولون يَوْمًا حمالاً يحمل صندوقاً وَهُوَ يضطرب تَحْتَهُ فَقَالَ لَو كَانَ هَذَا الِاضْطِرَاب من ثقل الْمَحْمُول لغاصت عُنُقه وَأَنا أرى عُنُقه بارزة وَمَا هَذَا إِلَّا من خوف مَا يحمل فَأمر بحط الصندوق فَوجدَ فِيهِ جَارِيَة قد قتلت وَقطعت فَقَالَ أصدقني عَن حَالهَا فَقَالَ أَرْبَعَة نفر فِي الدَّار الْفُلَانِيَّة أعطوني هَذِه الدَّنَانِير وأمروني بِحمْل هَذِه المقتولة فَضرب الْحمال مِائَتي ضَرْبَة بعصا وَأمر بقتل الْأَرْبَعَة وَكَانَ ابْن طولون يبكر وَيخرج فَيسمع قِرَاءَة الْأَئِمَّة فِي المحاريب فَدَعَا بعض أَصْحَابه يَوْمًا وَقَالَ امْضِ إِلَى الْمَسْجِد الْفُلَانِيّ وَأعْطِ أَمَامه هَذِه الدَّنَانِير قَالَ فمضيت فَجَلَست مَعَ الإِمَام وباسطته حَتَّى شكا أَن زَوجته ضربهَا الطلق وَلم يكن مَعَه مَا يصلح بِهِ شَأْنهَا وَأَنه صلى لغلط مرَارًا فِي الْقِرَاءَة فعدت إِلَى ابْن طولون فَأَخْبَرته فَقَالَ صدق لقد وقفت أمس فرأيته يغلط كثيرا علمت شغل قبله حَدثنَا سهل بن مُحَمَّد السجسْتانِي قَالَ وَفد علينا عَامل من أهل الْكُوفَة لم أر فِي عُمَّال السُّلْطَان بِالْبَصْرَةِ أبرع مِنْهُ فَدخلت مُسلما عَلَيْهِ فَقَالَ يَا سجستاني من أعلمكُم بِالْبَصْرَةِ قَالَ الزيَادي أعلمنَا بِعلم الْأَصْمَعِي والمازني أعلمنَا بالنحو وهلال الرَّأْي أفقهنا والشادكوني أعلمنَا بِالْحَدِيثِ وَأَنا رَحِمك الله أنسب إِلَى علم الْقُرْآن وَابْن الْكَلْبِيّ من أكتبنا للشروط قَالَ فَقَالَ لكَاتبه إِذا كَانَ غَد فاجمعهم إِلَيّ قَالَ فجمعنا قَالَ أَيّكُم الْمَازِني قَالَ أَبُو عُثْمَان هَا أنذا يَرْحَمك الله قَالَ هَل يجزى فِي الظهاري عتق عبد أَعور فَقَالَ الْمَازِني لست صَاحب فقه أَنا صَاحب عَرَبِيَّة فَقَالَ يَا زيادي كَيفَ تكْتب بَين بعل وَامْرَأَة خَالعهَا زَوجهَا على الثُّلُث من صَدَاقهَا قَالَ لَيْسَ هَذَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 علمي هَذَا من علم هِلَال الرَّأْي قَالَ يَا هِلَال كم أسْند ابْن عون عَن الْحسن قَالَ لَيْسَ هَذَا من علمي هَذَا من علم الشادكوني قَالَ يَا شادكوني من قَرَأَ أَلا أَنهم يثنون صُدُورهمْ قَالَ لَيْسَ هَذَا من علمي هَذَا من علم أبي حَاتِم فَقَالَ يَا أَبَا حَاتِم كَيفَ تكْتب كتابا إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ تصف فِيهِ خصَاصَة أهل الْبَصْرَة وَمَا أَصَابَهُم فِي الثَّمَرَة وتسأله لَهُم النّظر بِالْبَصْرَةِ قَالَ لست رَحِمك الله صَاحب بِدعَة وَكِتَابَة أَنا صَاحب قُرْآن قَالَ مَا اقبح بِالرجلِ يتعاطى بِالْعلمِ خمسين سنة لَا يعرف إِلَّا فَنًّا وَاحِدًا حَتَّى إِذا سُئِلَ من غَيره لم يجل فِيهِ وَلم يمر لَكِن عالمنا بِالْكُوفَةِ الْكسَائي لَو سُئِلَ عَن هَذَا كُله لأجاب نظر بعض الْعمَّال فِي ديوانه إِلَى رجل يصغي إِلَى سرة فَأمر بضربه وحبسه فَقَالَ كَاتب الْحَبْس كَيفَ اكْتُبْ قصَّته قَالَ اكْتُبْ اسْترق السّمع فَاتبعهُ شهَاب ثاقب وَوجد أعمى مَعَ عمياء فَلم يدر الْكَاتِب كَيفَ يكْتب قصتهما فَقَالَ صَاحب الرّبع أكتب ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض قَالَ الْحُسَيْن بن الْحسن بن أَحْمد بن يحيى الواثقي قَالَ كَانَ جدي يتقلد شرطة بَغْدَاد للمكتفي بِاللَّه فَعمل اللُّصُوص فِي أَيَّامه عملة عَظِيمَة فَاجْتمع التُّجَّار وتظلموا إِلَى المكتفي بِاللَّه فألزمه بإحضار اللُّصُوص أَو غَرَامَة المَال فتحير حَتَّى كَانَ يركب وَحده وَيَطوف بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار إِلَى أَن اجتاز يَوْمًا فِي زقاق خَال فِي بعض أَطْرَاف بَغْدَاد فدخله فَوجدَ فِيهِ مُنْكرا وَوجد فِيهِ زقاقاً لَا ينفذ فدخله فَرَأى على بعض أَبْوَاب دور الزقاق شوك سَمَكَة كَبِيرَة وَعظم الصلب وَتَقْدِير ذَاك أَن تكون السَّمَكَة فِيهَا مائَة وَعِشْرُونَ رطلا فَقَالَ لوَاحِد من أَصْحَاب المسالخ وَيحك مَا ترى عِظَام هَذِه السَّمَكَة كم تقدر ثمنهَا قَالَ دِينَار فَقَالَ أهل هَذَا الزقاق لَا تحمل أَحْوَالهم شِرَاء مثل هَذِه السَّمَكَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 لِأَنَّهُ زقاق بَين الاحتلال إِلَى جَانب الصَّحرَاء لَا ينزله من مَعَه شَيْء يخافه أَو لَهُ مَال ينْفق مِنْهُ مثل هَذِه النَّفَقَة وَمَا هِيَ إِلَّا بلية يجب أَن يكْشف عَنْهَا فاستبعد الرجل هَذَا وَقَالَ هَذَا فكر بعيد فَقَالَ اطْلُبُوا امْرَأَة من الدَّرْب أكلمها فدق بَابا غير الْبَاب الَّذِي عَلَيْهِ الشوك واستسقى مَاء فَخرجت عَجُوز ضَعِيفَة فَمَا زَالَ يطْلب شربة بعد شربة وَهِي تسقيهم والواثقي فِي خلال ذَلِك يسْأَل عَن الدَّرْب وَأَهله وَهِي تخبره غير عارفة بعواقب ذَلِك إِلَى أَن قَالَ لَهَا فَهَذِهِ الدَّار من يسكنهَا وَأَوْمَأَ إِلَى الَّتِي عَلَيْهَا عِظَام السّمك فَقَالَت وَالله مَا نَدْرِي على الْحَقِيقَة من سكانها إِلَّا أَن فِيهَا خَمْسَة شباب أعفار كَأَنَّهُمْ تجار قد نزلُوا مُنْذُ شهر لَا نراهم يخرجُون نَهَارا إِلَّا كل مُدَّة طَوِيلَة وَأَنا نرى الْوَاحِد مِنْهُم يخرج فِي الْحَاجة وَيعود سَرِيعا وهم طول النَّهَار يَجْتَمعُونَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ ويلعبون بالشطرنج والنرد وَلَهُم صبي يخدمهم وَإِذا كَانَ اللَّيْل انصرفوا إِلَى دَار لَهُم فِي الكرخ وَيدعونَ الصَّبِي فِي الدَّار يحفظها فَإِذا كَانَ سحرًا بلَيْل جاؤوا وَنحن نيام لَا نعقل بهم وَقت مجيئهم قَالَ فَقطع الْوَالِي استسقاء المَاء وَدخلت الْعَجُوز وَقَالَ للرجل هَذِه صفة لصوص أم لَا فَقَالَ توكلوا بحوالي الدَّار ودعوني على بَابهَا قَالَ وأنفذ فِي الْحَال واستدعى عشرَة من الرِّجَال وأدخلهم إِلَى سطوح الْجِيرَان ودق هُوَ الْبَاب فجَاء الصَّبِي فَفتح فَدخل وَالرِّجَال مَعَه فَمَا فاتهم من الْقَوْم أحد وَحَملهمْ إِلَى مجْلِس الشرطة وقررهم فَكَانُوا هم أَصْحَاب الْخِيَانَة بِعَينهَا ودلوا على بَاقِي أَصْحَابهم فَتَبِعهُمْ الواثقي وَكَانَ يفتخر بِهَذِهِ الْقِصَّة قَالَ مؤلف الْكتاب وبلغنا عَن بعض وُلَاة مصر أَنه كَانَ يلْعَب بالحمام فتسابق هُوَ وخادم لَهُ فسبقه الْخَادِم فَبعث الْأَمِير إِلَى وزيره ليعلم الْحَال فكره الْوَزير أَن يكْتب إِلَيْهِ أَنَّك قد سبقت وَلم يدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 كَيفَ يكنى عَن ذَلِك فَكَانَ ثمَّ كَاتب فَقَالَ أَن رَأَيْت أَن تكْتب شعرًا (يَا أَيهَا الْملك الَّذِي جده ... لكل جد قاهر غَالب) (طائرك السَّابِق لكنه ... أَتَى وَفِي خدمته حَاجِب) فَاسْتحْسن ذَلِك وَأمر لَهُ بجائزة وَكتب بِهِ قَالَ الشَّيْخ حَدثنِي أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ الْمقري قَالَ كَانَ حَاجِب بَاب ابْن النسوي ذكياً فَسمع فِي بعض ليَالِي الشتَاء صَوت برادة فَأمر بكبس الدَّار فأخرجوا رجلا وَامْرَأَة فَقيل لَهُ من أَيْن علمت هَذَا قَالَ فِي الشتَاء لَا يبرد المَاء وَإِنَّمَا هَذِه عَلامَة بَين هذَيْن وَبِه حَدثنِي أَبُو حَكِيم إِبْرَاهِيم بن دِينَار الْفَقِيه قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ جِيءَ إِلَى ابْن النسوي برجلَيْن قد اتهما بِالسَّرقَةِ فأقامهما بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ شربة مَاء فجَاء بهَا فَأخذ يشرب ثمَّ أَلْقَاهَا من يَده عمدا فَوَقَعت فَانْكَسَرت فانزعج أحد الرجلَيْن لانكسارها وَثَبت الآخر فَقَالَ للمنزعج اذْهَبْ أَنْت وَقَالَ للْآخر رد مَا أخذت فَقيل لَهُ من أَيْن علمت فَقَالَ اللص قوي الْقلب لَا ينزعج وَهَذَا المنزعج بَرِيء لِأَنَّهُ لَو تحركت فِي الْبَيْت فَأْرَة لأزعجته ومنعته أَن يسرق وَبِه ذكر بعض مَشَايِخنَا أَن رجلا من جيران ابْن النسوي كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ دخل على ابْن النسوي فِي شَفَاعَة وَبَين يَدَيْهِ صحن فِيهِ قطايف فَقَالَ لَهُ ابْن النسوي كل فَامْتنعَ فَقَالَ كأنني بك وَأَنت تَقول من أَيْن لِابْنِ النسوي شَيْء حَلَال وَلَكِن كل فَمَا أكلت قطّ أحل من هَذَا فَقَالَ بِحكم المداعبة من أَيْن لَك شَيْء لَا يكون فِيهِ شُبْهَة فَقَالَ إِن أَخْبَرتك تَأْكُل قَالَ نعم فَقَالَ كنت مُنْذُ لَيَال فِي مثل هَذَا الْوَقْت فَإِذا الْبَاب يدق فَقَالَت الْجَارِيَة من فَقَالَت امْرَأَة تستأذن فَإِذن لَهَا فَدخلت فأكبت على قدمي تقبلهَا فَقلت مَا حَاجَتك قَالَت لي زوج ولي مِنْهُ ابنتان لوَاحِدَة اثْنَتَا عشرَة سنة وللأخرى أَربع عشرَة سنة وَقد تزوج عَليّ وَمَا يقربنِي وَالْأَوْلَاد يطلبونه فيضيق صَدْرِي لأجلهم وَأُرِيد أَن يَجْعَل لَيْلَة لي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ولتلك لَيْلَة فَقلت لَهَا مَا صناعته فَقَالَت خباز قلت وَأَيْنَ دكانه قَالَت بالكرخ وَيعرف بفلان بن فلَان فَقلت وَأَنت بنت من فَقَالَت بنت فلَان قلت فَمَا اسْم بناتك قَالَت فُلَانَة وفلانة قلت أَنا أرده إِلَيْك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَقَالَت هَذِه شقة قد غزلتها أَنا وابنتاي وَأَنت فِي حل مِنْهَا قلت خذي شقتك وانصرفي فمضت فَبعث إِلَيْهِ اثْنَيْنِ وَقلت أحضراه وَلَا تزعجاه فأحضراه وَقد طَار عقله فَقلت لَا بَأْس عَلَيْك إِنَّمَا استدعيتك لأعطيك كرّ طَعَام وعمالته تُقِيمهُ خبْزًا للرحالة فسكن روعه وَقَالَ مَا أُرِيد لَهُ عمالة قلت بلَى صديق مخسر عَدو مُبين أَنْت مني وإلي كَيفَ هِيَ زَوجتك فُلَانَة تِلْكَ بنت عمي وَكَيف بناتها فُلَانَة وفلانة فَقَالَ بِكُل خير قلت الله الله لَا أحتاج أَن أوصيك بهَا لَا تضيق صدرها فَقبل يَدي فَقلت امْضِ إِلَى دكانك وَأَن كَانَ لَك حَاجَة فالموضع بحكمك فَانْصَرف فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِه اللَّيْلَة جَاءَت الْمَرْأَة فَدخلت وَهَذَا الصحن مَعهَا وَأَقْسَمت عَليّ بِاللَّه أَن لَا أردهَا وَقَالَت قد جمعت شملي وَشَمل أَوْلَادِي وَهَذَا وَالله من ثمن غزلي فبالله لَا ترده فقبلته فَهَل هُوَ حَلَال فَقَالَ وَالله مَا فِي الدُّنْيَا أحل من هَذَا قَالَ فَكل فَأكل كَانَ لِأَحْمَد بن خصيب وَكيل لَهُ فِي ضيَاعه فَرمى إِلَيْهِ بخيانة فعزم على الْقَبْض عَلَيْهِ والإساءة إِلَيْهِ فهرب فَكتب إِلَيْهِ أَحْمد يؤنسه وَيحلف لَهُ على بطلَان مَا اتَّصل إِلَيْهِ ويأمره بِالرُّجُوعِ إِلَى عمله فَكتب إِلَيْهِ (أَنا لَك عبد سامع ومطيع ... وَإِنِّي لما تهوى إِلَيْك سريع) (وَلَكِن لي كفا أعيش بفضلها ... فَمَا أشترى إِلَّا بهَا وأبيع) (أأجعلها تَحت الرحائم أَبْتَغِي ... خلاصاً لَهَا إِنِّي إِذا لرقيع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 حَدثنَا أَبُو سهل بن زِيَاد قَالَ كَانَ شَاعِر لَهُ ضويعة فهجا عاملها وبلغه ذَلِك فَأمْسك عَنهُ فَلَمَّا كَانَ وَقت الْغلَّة ركب الْعَامِل إِلَى البيدر فَقَسمهَا وَحمل غلَّة الشَّاعِر أصلا فجَاء الشَّاعِر إِلَيْهِ يشكو فَقَالَ يَا هَذَا لَيْسَ بَيْننَا هجوتنا بالشعر وَنحن نهجوك بِالشَّعِيرِ فقد اسْتَوَت الْحَال بَيْننَا وَبَيْنك قَالَ الشَّيْخ وحَدثني ابْن شبيب المشرف بالمحرز أَنه لَقِي الْخَلِيفَة المستنجد فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة أَيْن شتيت قَالَ عنْدك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَرَادَ الْخَلِيفَة تَصْحِيف ابْن شبيب وَأَرَادَ هُوَ تَصْحِيف عَبدك كَانَ بعض الْعمَّال وَاقِفًا على رَأس أَمِير فَأَخذه الْبَوْل فَخرج فَلَمَّا جَاءَ قَالَ أَيْن كنت قَالَ أصوب الرَّأْي يَعْنِي أَنه لَا رأى لحاقن حَدثنِي بعض الشُّيُوخ قَالَ سرق من رجل خَمْسمِائَة دِينَار فَحمل المتهومين إِلَى الْوَالِي فَقَالَ الْوَالِي أَنا مَا أضْرب أحدا مِنْكُم بل عِنْدِي خيط مَمْدُود فِي بَيت مظلم فأدخلوا فليمر كل مِنْكُم يَده عَلَيْهِ من أول الْخَيط إِلَى آخِره ويلف يَده فِي كمه وَيخرج فَإِن الْخَيط يلف على يَد الَّذِي سرق وَكَانَ قد سود الْخَيط بسخام فَدَخَلُوا فكلهم جر يَده على الْخَيط فِي الظلمَة إِلَّا وَاحِد مِنْهُم فَلَمَّا خَرجُوا نظر إِلَى أَيْديهم مسودة إِلَّا وَاحِد فألزمه بِالْمَالِ فَأقر بِهِ الْبَاب الثَّانِي عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْقُضَاة حَدثنَا الشّعبِيّ قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ فَقَالَت أَشْكُو إِلَيْك خير أهل الدُّنْيَا إِلَّا رجل سبقه بِعَمَل أَو عمل مثل عمله يقوم اللَّيْل حَتَّى يصبح ويصوم النَّهَار حَتَّى يُمْسِي ثمَّ أَخذهَا الْحيَاء فَقَالَت أَقلنِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ جَزَاك الله خيرا فقد أَحْسَنت الثَّنَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 قد أقلتك فَلَمَّا ولت قَالَ كَعْب بن سور يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لقد أبلغت إِلَيْك فِي الشكوى فَقَالَ مَا اشتكت قَالَ زَوجهَا قَالَ عَليّ بِالْمَرْأَةِ وَزوجهَا فجيء بهما فَقَالَ لكعب اقْضِ بَينهمَا قَالَ أأقضي وَأَنت شَاهد قَالَ أَنَّك قد فطنت مَا لم أفطن إِلَيْهِ قَالَ فَإِن الله يَقُول {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} صم ثَلَاثَة أَيَّام وَأفْطر عِنْدهَا يَوْمًا وقم ثَلَاث لَيَال وَبت عِنْدهَا لَيْلَة فَقَالَ عمر لهَذَا أعجب إِلَيّ من الأول فرحله بِدَابَّة وَبَعثه قَاضِيا لأهل الْبَصْرَة أخبرنَا مجَالد بن سعيد قَالَ قلت لِلشَّعْبِيِّ يُقَال فِي الْمثل أَن شريحا أدهى من الثَّعْلَب وأحيل فَمَا هَذَا فَقَالَ لي فِي ذَلِك أَن شريحاً خرج أَيَّام الطَّاعُون إِلَى النجف وَكَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي يَجِيء ثَعْلَب فيقف تجاهه فيحاكيه ويخيل بَين يَدَيْهِ فيشغله عَن صلَاته فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ نزع قَمِيصه فَجعله على قَصَبَة وَأخرج كميه وَجعل قلنسوته وعمامته عَلَيْهِ فَأقبل الثَّعْلَب فَوقف على عَادَته فَأتى شُرَيْح من خَلفه فَأَخذه بَغْتَة فَلذَلِك يُقَال هُوَ أدهى من الثَّعْلَب وأحيل أخبرنَا مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ شهِدت شريحا أَو جائته امْرَأَة تخاصم رجلا فَأرْسلت عينيها فَبَكَتْ فَقلت يَا أَبَا أُميَّة مَا أَظن هَذِه البائسة إِلَّا مظلومة فَقَالَ يَا شعبي إِن أخوة يُوسُف جاؤوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ حَدثنَا شيخ من قُرَيْش قَالَ عرض شُرَيْح نَاقَة يَبِيعهَا فَقَالَ لَهُ المُشْتَرِي يَا أَبَا أُميَّة كَيفَ لَبنهَا قَالَ أحلب فِي أَي إِنَاء شِئْت قَالَ كَيفَ الْوَطْء قَالَ افرش ونم قَالَ كَيفَ نجلؤها قَالَ إِذا رَأَيْتهَا فِي الْإِبِل عرفت مَكَانهَا على سَوْطك فَقَالَ كَيفَ قوتها قَالَ احْمِلْ على الْحَائِط مَا شِئْت فاشتراها فَلم ير شَيْئا مِمَّا وصف فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ لم أر فِيهَا شَيْئا مِمَّا وصفتها بِهِ قَالَ مَا كذبتك قَالَ اقلني قَالَ نعم قَالَ الْقرشِي وحَدثني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 أَبُو الْقَاسِم السّلمِيّ عَن غير وَاحِد من أشياخه قَالَ إِن شريحاً خرج من عِنْد زِيَاد وَهُوَ مَرِيض فَأرْسل إِلَيْهِ مَسْرُوق بن الأجدع رَسُولا يسْأَله كَيفَ وجدت الْأَمِير قَالَ تركته يَأْمر وَيُنْهِي قَالَ يَأْمر بِالْوَصِيَّةِ وَيُنْهِي عَن النِّيَاحَة قَالَ الشَّيْخ وَقد روينَا أَن عدي بن أَرْطَاة أَتَى شريحاً وَهُوَ فِي مجْلِس الْقَضَاء فَقَالَ لشريح أَيْن أَنْت قَالَ بَيْنك وَبَين الْحَائِط قَالَ اسْمَع مني قَالَ لهَذَا جَلَست مجلسي قَالَ إِنِّي رجل من أهل الشَّام قَالَ الحبيب الْقَرِيب قَالَ وَتَزَوَّجت امْرَأَة من قومِي قَالَ بَارك الله لَك بالرفاء والبنين قَالَ وشرطت لأَهْلهَا أَن لَا أخرجهَا قَالَ الشَّرْط أملك قَالَ وَأُرِيد الْخُرُوج قَالَ فِي حفظ الله قَالَ اقْضِ بَيْننَا قَالَ قد فعلت حَدثنَا صَالح بن أَحْمد الْعجلِيّ قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ دخل عَليّ إِيَاس بن مُعَاوِيَة ثَلَاث نسْوَة فَقَالَ أما وَاحِدَة فمرضع وَالْأُخْرَى بكر وَالثَّالِثَة ثيب فَقيل لَهُ بِمَ علمت قَالَ أما الْمُرْضع فَإِنَّهَا لما قعدت أَمْسَكت ثديها بِيَدِهَا وَأما الْبكر فَلَمَّا دخلت لم تلْتَفت إِلَى أحد وَأما الثّيّب فَلَمَّا دخلت رمقت بِعَينهَا يَمِينا وَشمَالًا أخبرنَا أَبُو الْحسن الْقَيْسِي قَالَ استودع رجل رجلا من أَبنَاء النَّاس مَالا وَكَانَ أَمينا لإياس بِهِ وَخرج الْمُسْتَوْدع إِلَى مَكَّة فَلَمَّا رَجَعَ طلبه فجحده فَأتى أياساً فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ إِيَاس أعلم أَنَّك أتيتني قَالَ لَا قَالَ فنازعته عِنْد أحد قَالَ لَا لم يعلم أحد بِهَذَا قَالَ فَانْصَرف واكتم أَمرك ثمَّ عد إِلَيّ بعد يَوْمَيْنِ فَمضى الرجل فَدَعَا إِيَاس أَمِينه ذَلِك فَقَالَ قد حضر مَال كثير أُرِيد أَن أسلمه إِلَيْك أفحصين مَنْزِلك قَالَ نعم قَالَ فأعده موضعا لِلْمَالِ وقوماً يحملونه وَعَاد الرجل إِلَى إِيَاس فَقَالَ لَهُ انْطلق إِلَى صَاحبك فاطلب المَال فَإِن أَعْطَاك فَذَاك وَأَن جحدك فَقل لَهُ أَنِّي أخبر القَاضِي فَأتى الرجل صَاحبه فَقَالَ مَالِي وَإِلَّا أتيت القَاضِي وشكوت إِلَيْهِ وأخبرته مَا جرى فَدفع إِلَيْهِ مَاله فَرجع الرجل إِلَى إِيَاس فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 قد أَعْطَانِي المَال وَجَاء الْأمين إِلَى أياس فزبره وانتهره وَقَالَ لَا تقربني يَا خائن وَذكر الجاحظ أَن إِيَاس بن مُعَاوِيَة نظر إِلَى صدع فِي أَرض فَقَالَ تَحت هَذَا دَابَّة فنظروا فَإِذا حَيَّة فَقيل لَهُ من أَيْن علمت قَالَ رَأَيْت مَا بَين الآجرتين نديا من بَين جَمِيع تِلْكَ الرحبة فَعلمت أَن تحتهَا شَيْئا يتنفس قَالَ الجاحظ وَحج إِيَاس فَسمع نباح كلب فَقَالَ هَذَا كلب مشدود ثمَّ سمع نباحه فَقَالَ قد أرسل فانتهزوا إِلَى المَاء فَسَأَلُوهُمْ فَكَانَ كَمَا قَالَ فَقيل لَهُ من أَيْن علمت قَالَ كَانَ نباحه وَهُوَ موثق يسمع من مَكَان وَاحِد ثمَّ سمعته يقرب مرّة وَيبعد أُخْرَى وَمر إِيَاس لَيْلَة بِمَاء فَقَالَ اسْمَع صَوت كلب غَرِيب فَقيل لَهُ كَيفَ عَرفته قَالَ بخضوع صَوته وَشدَّة نباح الآخرين فسألوا فَإِذا كلب غَرِيب وَالْكلاب تنبحه حَدثنَا أَبُو سهل قَالَ لم يُشْرك فِي الْقَضَاء بَين أحد قطّ إِلَّا بَين عبد الله بن الْحسن الْعَنْبَري وَبَين عمر بن عَامر على قَضَاء الْبَصْرَة وَكَانَا يَجْتَمِعَانِ جَمِيعًا فِي الْمجْلس وَينْظرَانِ جَمِيعًا بَين النَّاس قَالَ فَتقدم إِلَيْهِمَا قوم فِي جَارِيَة لَا تثيب فَقَالَ فِيهَا عمر بن عَامر هَذِه ضئيلة وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن كل مَا خَالف مَا عَلَيْهِ الْخلقَة فَهُوَ عيب أخبرنَا يزِيد بن هرون قَالَ تقلد الْقَضَاء فِي بواسط رجل ثِقَة كثير الحَدِيث فجَاء رجل فاستودع بعض الشُّهُود كيساً مَخْتُومًا ذكر أَن فِيهِ ألف دِينَار فَلَمَّا حصل الْكيس عِنْد الشَّاهِد وطالت غيبَة الرجل قدر أَنه قد هلك فهم بإنفاق المَال ثمَّ دبر وفتق الْكيس من أَسْفَله وَأخذ الدَّنَانِير وَجعل مَكَانهَا دَرَاهِم وَأعَاد الْخياطَة كَمَا كَانَت وَقدر أَن الرجل وافى وَطلب الشَّاهِد بوديعته فَأعْطَاهُ الْكيس بختمه فَلَمَّا حصل فِي منزله فض خَتمه فصادف فِي الْكيس دَرَاهِم فَرجع إِلَى الشَّاهِد فَقَالَ لَهُ عافاك الله أردد على مَالِي فَإِنِّي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 استودعتك دَنَانِير وَالَّذِي وجدت دَرَاهِم مَكَانهَا فَأنكرهُ ذَلِك واستعدي عَلَيْهِ القَاضِي الْمُقدم ذكره فَأمر بإحضار الشَّاهِد مَعَ خَصمه فَلَمَّا حضرا سَأَلَ الْحَاكِم مُنْذُ كم أودعته هَذَا الْكيس قَالَ مُنْذُ خمس عشرَة سنة فَأخذ القَاضِي الدَّرَاهِم وَقَرَأَ سككها فَإِذا هِيَ دَرَاهِم إِلَيْهَا مَا قد ضرب مُنْذُ سنتَيْن وَثَلَاث وَنَحْوهَا فَأمره أَن يدْفع الدَّنَانِير إِلَيْهِ فَدَفعهَا إِلَيْهِ وأسقطه وَقَالَ لَهُ يَا خائن ونادى مناديه إِلَّا أَن فلَان بن فلَان القَاضِي قد أسقط فلَان بن فلَان الشَّاهِد فاعلموا ذَلِك وَلَا يغترن بِهِ أحد بعد الْيَوْم فَبَاعَ الشَّاهِد أملاكه فِي وَاسِط وَخرج عَنْهَا هَارِبا فَلم يعلم لَهُ خبر وَلَا أحس مِنْهُ أثر أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْقرشِي قَالَ استودع رجل رجلا مالاُ ثمَّ طلبه فجحده فخاصمه إِلَى إِيَاس بن مُعَاوِيَة فَقَالَ الطَّالِب إِنِّي دفعت المَال إِلَيْهِ قَالَ وَمن حضر قَالَ دَفعته فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا وَلم يحضرنا أحد قَالَ فَأَي شَيْء فِي ذَلِك الْموضع قَالَ شَجَرَة قَالَ فَانْطَلق إِلَى ذَلِك الْموضع وَانْظُر الشَّجَرَة فَلَعَلَّ الله تَعَالَى يُوضح لَك هُنَاكَ مَا يتَبَيَّن بِهِ حَقك لَعَلَّك دفنت مَالك عِنْد الشَّجَرَة ونسيت فتتذكر إِذا رَأَيْت الشَّجَرَة فَمضى الرجل قَالَ إِيَاس للمطلوب اجْلِسْ حَتَّى يرجع خصمك فَجَلَسَ واياس يقْضِي وَينظر إِلَيْهِ سَاعَة ثمَّ قَالَ لَهُ يَا هَذَا أَتَرَى صَاحبك بلغ مَوضِع الشَّجَرَة الَّتِي ذكر قَالَ لَا قَالَ يَا عَدو الله إِنَّك لخائن قَالَ أَقلنِي أقالك الله فَأمر من يحْتَفظ بِهِ حَتَّى جَاءَ الرجل فَقَالَ لَهُ إِيَاس قد أقرّ لَك بحقك فَخذه حَدثنَا ابْن السماك قَالَ اخْتصم إِلَى قَاضِي الْقُضَاة الشَّامي يَوْمًا رجلَانِ وَهُوَ بِجَامِع الْمَنْصُور فَقَالَ أَحدهمَا أَنِّي أسلمت إِلَى هَذَا عشرَة دَنَانِير فَقَالَ للأخر مَا تَقول قَالَ مَا أسلم إِلَى شَيْئا فَقَالَ للطَّالِب هَل لَك بَيِّنَة قَالَ لَا قَالَ وَلَا سلمتها إِلَيْهِ بِعَين أحد قَالَ لَا لم يكن هُنَاكَ إِلَّا الله عز وَجل قَالَ فَأَيْنَ سلمتها إِلَيْهِ قَالَ بِمَسْجِد بالكرخ فَقَالَ للمطلوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 أتحلف قَالَ نعم قَالَ للطَّالِب قُم إِلَى ذَلِك الْمَسْجِد الَّذِي سلمتها إِلَيْهِ فِيهِ وائتني بِوَرَقَة من مصحف لأحلفه بهَا فَمضى الرجل واعتقل القَاضِي الْغَرِيم فَلَمَّا مَضَت سَاعَة الْتفت القَاضِي إِلَيْهِ فَقَالَ تظن أَنه قد بلغ ذَلِك الْمَسْجِد فَقَالَ لَا مَا بلغ إِلَيْهِ فَكَانَ هَذَا كَالْإِقْرَارِ فألزمه بِالذَّهَب فَأقر بِهِ حَدثنَا أَبُو العيناء قَالَ مَا رَأَيْت فِي الدُّنْيَا أقوم على أدب من ابْن أبي دَاوُد مَا خرجت من عِنْده يَوْمًا فَقَالَ يَا غُلَام خُذ بِيَدِهِ بل كَانَ يَقُول يَا غُلَام اخْرُج مَعَه فَكنت افْتقدَ هَذِه الْكَلِمَة عَلَيْهِ فَلَا يخل بهَا وَلَا اسمعها من غَيره ذكر أَبُو عَليّ عِيسَى بن مُحَمَّد الطوماري أَنه سمع أَبَا حَازِم القَاضِي سَمِعت أبي يَقُول ولي يحيى بن أَكْثَم قَضَاء الْبَصْرَة وَسنة عشرُون أَو نَحْوهَا فَقَالَ لَهُ أحدهم كم سنو القَاضِي قَالَ فَعلم أَنه قد استصغر فَقَالَ لَهُ أَنا أكبر من عتاب بن أسيد الَّذِي وَجه بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاضِيا على أهل مَكَّة يَوْم الْفَتْح وَأَنا أكبر من معَاذ بن جبل الَّذِي وَجه بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاضِيا على أهل الْيمن وَأَنا أكبر من كَعْب بن سور الَّذِي وَجه بِهِ عمر بن الْخطاب قَاضِيا عل أهل الْبَصْرَة حَدثنَا ابْن اللَّيْث قَالَ بَاعَ رجل من أهل خُرَاسَان جمالاً بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم من مرزبان الْمَجُوسِيّ وَكيل أم جَعْفَر فمطله بِثمنِهَا وحبسه فطال ذَلِك على الرجل فَأتى بعض أَصْحَاب حَفْص بن غياث فشاوروه فَقَالَ اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقل لَهُ أَعْطِنِي ألف دِرْهَم وأحيل عَلَيْك بِالْمَالِ الْبَاقِي واخرج إِلَى خُرَاسَان فَإِذا فعل هَذَا فأتني حَتَّى أشاور عَلَيْك فَفعل الرجل فَأتى مرزبان فَأعْطَاهُ ألف دِرْهَم فَرجع إِلَى الرجل فَأخْبرهُ فَقَالَ عد إِلَيْهِ فَقل لَهُ إِذا ركبت غَدا فطريقك على القَاضِي فأحضر وأوكل رجلا بِقَبض المَال وَأخرج فَإِذا جلس إِلَى القَاضِي فَادع عَلَيْهِ بِمَا بَقِي لَك من المَال فَفعل ذَلِك فحبسه القَاضِي فَأَخْرَجته أم جَعْفَر وَقَالَت لهرون قاضيك حبس وَكيلِي فمره لَا ينظر فِي الحكم فَأمر لَهَا بِالْكتاب وَبلغ حفصاً الْخَبَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فَقَالَ للرجل أحضر لي شُهُودًا حَتَّى أسجل لَك على الْمَجُوسِيّ قبل وُرُود كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَحَضَرَ فَقَالَ للرجل مَكَانك فَلَمَّا فرغ من السّجل أَخذ الْكتاب فقرأه وَقَالَ للخادم اقْرَأ على أَمِير الْمُؤمنِينَ السَّلَام وَأخْبرهُ أَن كِتَابه ورد وَقد أنفذت الحكم حَدثنَا المدايني قَالَ كَانَ الْمطلب بن مُحَمَّد الحنظبي على قَضَاء مَكَّة وَكَانَ عِنْده امْرَأَة قد مَاتَ عِنْدهَا أَربع أَزوَاج فَمَرض مرض الْمَوْت فَجَلَست عِنْد رَأسه تبْكي وَقَالَت إِلَى من توصي بِي قَالَ إِلَى السَّادِس الشقي قَالَ الْمُؤلف وبلغنا أَن رجلا جَاءَ إِلَى أبي حَازِم فَقَالَ لَهُ أَن الشَّيْطَان يأتيني فَيَقُول إِنَّك قد طلقت زَوجتك فيشككني فَقَالَ لَهُ أوليس قد طَلقتهَا قَالَ لَا قَالَ ألم تَأتِينِي أمس فطلقتها عِنْدِي فَقَالَ وَالله مَا جئْتُك إِلَّا الْيَوْم وَلَا طَلقتهَا بِوَجْه من الْوُجُوه قَالَ فاحلف للشَّيْطَان إِذا جَاءَك كَمَا حَلَفت لي وَأَنت فِي عَافِيَة قَالَ أَبُو مُحَمَّد يحيى بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن فَهد الْأَزْدِيّ حَدثنِي من أَثِق بِهِ أَن قَاضِيا من الْقُضَاة سَأَلته زَوجته أَن يبْتَاع لَهَا جَارِيَة فَتقدم إِلَى النخاسين بذلك فحملوا إِلَيْهِ عدَّة جوَار فَاسْتحْسن أحدهن فَأَشَارَ على زَوجته بهَا قَالَ ابتاعها لَك من مَالِي فَقَالَت مَالِي إِلَيْهِ حَاجَة وَلَكِن خُذ هَذِه الدَّنَانِير فابتعها لي بهَا وأعطته مائَة دِينَار فَأَخذهَا فعزلها فِي مَكَان وَخرج فاشتراها لنَفسِهِ وَأعْطى ثمنهَا من مَاله وَكتب عهدتها باسمه وَاعْلَم الْجَارِيَة بذلك سرا واستكتمها فَكَانَت زَوجته تستخدمها فَإِذا أصَاب خلْوَة من زَوجته وطئ على الْجَارِيَة فاتفق يَوْمًا أَنَّهَا صادفته فَوْقهَا فَقَالَت لَهُ مَا هَذَا يَا شيخ سوء زَان أما تتقي الله أما أَنْت من قُضَاة الْمُسلمين فَقَالَ أما الشَّيْخ فَنعم وَأما الزِّنَا فمعاذ الله وَأخرج عُهْدَة الْجَارِيَة باسمه وَعرفهَا الْحِيلَة وَأخرج دنانيرها بختمها فَعرفت صِحَة ذَلِك وَلم تزل تداريه حَتَّى بَاعهَا أخبرنَا التنوخي عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت قَاضِي الْقُضَاة بالسائب يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 كَانَ ببلدنا هَمدَان رجل مَسْتُور فَأحب القَاضِي قبُول قَوْله فَسَأَلَ عَنهُ فزكى لَهُ سرا وجهراً فراسله فِي حُضُور الْمجْلس ليقبل قَوْله وَأمر بِأخذ خطه فِي كتب ليحضر فيقيم الشَّهَادَة فِيهَا وَجلسَ القَاضِي وَحضر الرجل مَعَ الشُّهُود فَلَمَّا أَرَادَ إِقَامَة الشَّهَادَة لم يقبله القَاضِي فَسئلَ القَاضِي عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ انْكَشَفَ لي أَنه مراء فَلم يسعني قبُول قَوْله فَقيل لَهُ وَكَيف قَالَ كَانَ يدْخل إِلَيّ فِي كل يَوْم فاعد خطواته من حَيْثُ تقع عَيْني عَلَيْهِ من دَاري إِلَى مجلسي فَلَمَّا دَعوته الْيَوْم للشَّهَادَة جَاءَ فعددت خطاه من ذَلِك الْمَكَان فَإِذا هِيَ قد زَادَت خطوتين أَو ثَلَاثًا فَعلمت أَنه متصنع فَلم أقبله قَالَ أَبُو بكر الصولي حَدثنَا أَبُو العيناء قَالَ كَانَ الأفشين يحْسد أَبَا دلف ويبغضه للفروسية والشجاعة فاحتال عَلَيْهِ حَتَّى شهد عَلَيْهِ عِنْده بخيانة وَقتل فأحضر السياف فَبلغ ابْن أبي دَاوُد فَركب مَعَ من حضر من عدوله فَدخل على الأفشين ثمَّ قَالَ أَنِّي رَسُول أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك وَقد أَمرك أَن لَا تحدث فِي الْقَاسِم بن عِيسَى حَدثا حَتَّى تحمله إِلَيْهِ مُسلما ثمَّ الْتفت إِلَى الْعُدُول فَقَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قد أدّيت الرسَالَة عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْهِ فَلم يقدم الأفشين عَلَيْهِ وَسَار ابْن أبي دَاوُد إِلَى المعتصم فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لقد أدّيت عَنْك رِسَالَة لم تقلها لي مَا أَعْتَد بِعَمَل خير خير مِنْهَا وَإِنِّي لأرجو لَك الْجنَّة بهَا ثمَّ أخبرهُ الْخَبَر فصوب رَأْيه وَوجه من أحضر الْقَاسِم فَأَطْلقهُ ووهب لَهُ وعنف الأفشين فِيمَا عزم عَلَيْهِ قَالَ ابْن قُتَيْبَة شهد الفرزدق عِنْد بعض الْقُضَاة فَقَالَ قد أجزنا شَهَادَة أبي فراس وزيدونا فَقيل لَهُ حِين انْصَرف وَالله مَا أجَاز شهادتك تقدم رجلَانِ إِلَى أبي ضَمْضَم القَاضِي فَادّعى أَحدهمَا على الآخر طنبوراً وَأنكر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي لي بَيِّنَة فجَاء برجلَيْن فشهدا فَقَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَيهَا القَاضِي سلهما عَن صناعتهما فَقَالَ أَحدهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 أَنا نباذ وَقَالَ الآخر هُوَ قواد فَالْتَفت القَاضِي إِلَى الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَتُرِيدُ على طنبور أعدل من هذَيْن قُم فأعطه طنبورا اخْتصم رجلَانِ فِي شَاة وكل وَاحِد مِنْهُمَا قد أَخذ بِإِذْنِهَا فجَاء رجل فَقَالَا قد رَضِينَا بحكمك يرجع فِيمَا أحكم بِهِ فَحَلفا فَقَالَ خلياها فخلياها فَأخذ بأذنها وساقها فَجعلَا ينْظرَانِ إِلَيْهِ وَلَا يقدران على كَلَامه قَالَ الْمُؤلف بلغنَا عَن أبي عمر القَاضِي أَنه قلد بعض الْأَعْيَان الْقَضَاء فَذكر عِنْده بأَشْيَاء لَا تلِيق بِالْقضَاءِ فَأَرَادَ صرفه فعوتب على ذَلِك وَقيل لَهُ أَن صَحَّ عنْدك مَا رمى بِهِ فأعزله فَقَالَ مَا صَحَّ عِنْدِي ولابد من صرفه قيل وَلم ذَاك قَالَ أَلَيْسَ قد احْتمل عرضه أَن يُقَال فِيهِ مثل هَذَا وتشبهت صورته بِصُورَة من إِذا رمى بِهَذَا يغار ان يشك فِيهِ وَالْقَضَاء أرق من هَذَا فَصَرفهُ دخل أَحْمد بن أبي دَاوُد على الواثق فَقَالَ لَهُ كَانَ عِنْدِي السَّاعَة مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات فذكرك بِكُل قَبِيح فَقَالَ الْحَمد لله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذِي أحوجه إِلَى الْكَذِب عَن قَول الصدْق على ورغبتي عَنهُ تقدم رجل إِلَى بعض الْقُضَاة ليشهد فِي كتاب بِمهْر فَقَالَ لَهُ القَاضِي مَا اسْمك قَالَ الْمسيب فَقَالَ الْيَوْم لَا الْبَاب الثَّالِث عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن عُلَمَاء هَذِه الْأمة وفقهائها فَمن الْمَنْقُول عَن الشّعبِيّ قَالَ مُجَاهِد دخل الشّعبِيّ الْحمام فَرَأى دَاوُد الْأَزْدِيّ بِلَا مئزر فغمض عَيْنَيْهِ فَقَالَ دَاوُد مَتى عميت يَا أَبَا عَمْرو وَقَالَ مُنْذُ هتك الله سترك وَدخل الشّعبِيّ على عبد الْملك بن مَرْوَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 قَالَ مُنْذُ هتك الله سترك وَدخل الشّعبِيّ على عبد الْملك بن مَرْوَان المَاء الْبَارِد ثمَّ قَالَ كم عطاك فَقلت ألفي دِرْهَم فَجعل يسَار أهل الشَّام وَيَقُول لحن الْعِرَاقِيّ ثمَّ قَالَ كم عطاؤك لأرد قولي فيغلطني فَقلت ألفا دِرْهَم فَقَالَ ألم تقل ألفي دِرْهَم فَقلت لحنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فلحنت لِأَنِّي كرهت أَن تكون رَاجِلا وأكون فَارِسًا فَقَالَ صدقت واستحيا من الْمَنْقُول عَن ابراهيم النَّخعِيّ قَالَ الشَّيْخ حَدثنَا المبارم بن عَليّ قَالَ حَدثنَا جرير عَن مُغيرَة قَالَ كَانَ ابراهيم إِذا طلبه إِنْسَان لَا يحب أَن يلقاه وَخرجت الْخَادِم فَقَالَت اطلبوه فِي الْمَسْجِد قَالَ الْقرشِي حَدثنِي الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم قَالَ أَتَاهُ رجل فَقَالَ إِنِّي ذكرت رجلا بِشَيْء فَبَلغهُ عني فَكيف لي أَن أعْتَذر إِلَيْهِ قَالَ تَقول وَالله إِن الله ليعلم مَا قلت من ذَلِك من شَيْء وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن هَاشم عَن رجل قد سَمَّاهُ قَالَ كُنَّا إِذا خرجنَا من عِنْد إِبْرَاهِيم يَقُول إِن سئلتم عني فَقولُوا لَا نَدْرِي أَيْن هُوَ فَإِنَّكُم إِذا أخرجتم لَا تَدْرُونَ أَيْن أكون وَمن الْمَنْقُول عَن الْأَعْمَش أخبرنَا جرير قَالَ جِئْنَا الْأَعْمَش يَوْمًا فوجدناه قَاعِدا فِي نَاحيَة فَجَلَسْنَا فِي نَاحيَة أُخْرَى وَفِي الْموضع خليج من مَاء الْمَطَر فجَاء رجل عَلَيْهِ سَواد فَلَمَّا بصر بالأعمش وَعَلِيهِ فَرْوَة حقيرة قَالَ قُم عبرني هَذَا الخليج وجذب بِيَدِهِ فأقامه وَركبهُ وَقَالَ {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} فَمضى بِهِ الْأَعْمَش حَتَّى توَسط بِهِ الخليج ثمَّ رمى بِهِ وَقَالَ {وَقل رب أنزلني منزلا مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين} ثمَّ خرج وَترك المسود يتخبط فِي المَاء حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش قَالَ كَانَ الْأَعْمَش إِذا صلى الْفجْر جَاءَهُ الْقُرَّاء فقرؤا عَلَيْهِ وَكَانَ أَبُو حُصَيْن أمامهم فَقَالَ الْأَعْمَش يَوْمًا أَن أَبَا حُصَيْن يتَعَلَّم الْقِرَاءَة منا لَا يقوم من مَجْلِسه كل يَوْم حَتَّى يفرغ ويتعلم بِغَيْر شكر ثمَّ قَالَ لرجل مِمَّن يقْرَأ عَلَيْهِ إِن أَبَا حُصَيْن يكثر أَن يقْرَأ بالصافات فِي صَلَاة الْفجْر فَإِذا كَانَ غَدا فاقرأ على الصافات واهمز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الْحُوت فَلَمَّا كَانَ من الْغَد قَرَأَ عَلَيْهِ الرجل الصافات وهمز الْحُوت وَلم يَأْخُذ عَلَيْهِ الْأَعْمَش فَلَمَّا كَانَ بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة قَرَأَ أَبُو حُصَيْن بالصافات فِي الْفجْر فَلَمَّا بلغ الْحُوت همز فَلَمَّا فرغوا من صلَاتهم وَرجع الْأَعْمَش إِلَى مَجْلِسه دخل عَلَيْهِ بعض إخوانه فَقَالَ لَهُ الْأَعْمَش يَا أَبَا فلَان لَو صليت مَعنا الْفجْر لعَلِمت مَا لفي الْحُوت من هَذَا الْمِحْرَاب فَعلم أَبُو الْحصين مَا الَّذِي فعل بِهِ فَأمر بالأعمش فسحب حَتَّى أخرج من الْمَسْجِد قَالَ وَكَانَ أَبُو حُصَيْن عَظِيم الْقدر فِي قومه من بني أَسد أخبرنَا أَبُو الْحسن المدايني قَالَ جَاءَ رجل إِلَى الْأَعْمَش فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد اكتريت حمارا بِنصْف دِرْهَم فأتيتك لأسألك عَن حَدِيث كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أَكثر بِالنِّصْفِ وارجع وَمن الْمَنْقُول عَن أبي حنيفَة رضى الله تَعَالَى عَنهُ أخبرنَا ابْن الْمُبَارك قَالَ رَأَيْت أَبَا حنيفَة فِي طَرِيق مَكَّة وشوى لَهُم فصيل ثمين فاشتهوا أَن يأكلوه بخل فَلم يَجدوا شَيْئا يصبون فِيهِ الْخلّ فتحيروا فَرَأَيْت أَبَا حنيفَة وَقد حفر فِي الرمل حُفْرَة وَبسط عَلَيْهَا السفرة وسكب الْخلّ على ذَلِك الْموضع فَأَكَلُوا الشواء بالخل فَقَالُوا لَهُ تحسن كل شَيْء فَقَالَ عَلَيْكُم بالشكر فَإِن هَذَا شَيْء ألهمته لكم فضلا من الله عَلَيْكُم حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ دخل اللُّصُوص على رجل فَأخذُوا مَتَاعه واستحلفوه بِالطَّلَاق ثَلَاثًا أَن لَا يعلم أحدا قَالَ فَأصْبح الرجل وَهُوَ يرى اللُّصُوص يبيعون مَتَاعه وَلَيْسَ يقدر أَن يتَكَلَّم من أجل يَمِينه فجَاء الرجل يشاور أَبَا حنيفَة فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة أحضرني أَمَام حيك والمؤذن والمستورين مِنْهُم فَأحْضرهُ إيَّاهُم فَقَالَ لَهُم أَبُو حنيفَة هَل تحبون أَن يرد الله على هَذَا مَتَاعه قَالُوا نعم قَالَ فاجمعوا كل ذِي فجر عنْدكُمْ وكل مُتَّهم فأدخلوهم فِي دَار أَو فِي مَسْجِد ثمَّ أخرجُوا وأحداً وَاحِدًا فَقولُوا هَذَا لصك فَإِن كَانَ لَيْسَ بلصه وَإِن كَانَ لصه فليسكت فَإِذا سكت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 فاقبضوا عَلَيْهِ فَفَعَلُوا مَا أَمرهم بِهِ أَبُو حنيفَة فَرد الله عَلَيْهِ جَمِيع مَا سرق مِنْهُ حَدثنَا حُسَيْن الْأَشْقَر قَالَ كَانَ بِالْكُوفَةِ رجل من الطالبين من خيارهم فَمر بِأبي حنيفَة فَقَالَ لَهُ أَيْن تُرِيدُ قَالَ أُرِيد ابْن أبي ليلى قَالَ فَإِذا رجعت فَأحب أَن أَرَاك وَكَانُوا يتبركون بدعائه فَمضى إِلَى ابْن أبي ليلى ثَلَاثَة أَيَّام وَإِذ رَجَعَ مر بِأبي حنيفَة فَدَعَاهُ وَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة مَا جَاءَ بك ثَلَاثَة أَيَّام إِلَى ابْن أبي ليلى فَقَالَ شَيْء كتمته النَّاس فَأَمْلَتْ أَن يكون لي عِنْده فرج فَقَالَ أَبُو حنيفَة قل مَا هُوَ قَالَ أَنِّي رجل مُوسر وَلَيْسَ لي من الدُّنْيَا إِلَّا ابْن كلما زَوجته امْرَأَة طَلقهَا وَإِن اشْتريت لَهُ جَارِيَة اعتقها قَالَ فَمَا لي مَا عِنْدِي فِي هَذَا شَيْء فَقَالَ أَبُو حنيفَة اقعد عِنْدِي حَتَّى أخرجك من ذَلِك فَقرب إِلَيْهِ مَا حضر عِنْده فتغدى عِنْده ثمَّ قَالَ لَهُ ادخل أَنْت وابنك إِلَى السُّوق فَأَي جَارِيَة أَعْجَبته ونالت يدك ثمنهَا فاشترها لنَفسك لَا تشترها لَهُ ثمَّ زَوجهَا مِنْهُ فَإِن طَلقهَا رجعت إِلَيْك وَإِن اعتقها لم يجز عتقه وَإِن ولدت ثَبت نسبه إِلَيْك قَالَ وَهَذَا جَائِز قَالَ نعم هُوَ كَمَا قلت فَمر الرجل إِلَى ابْن أبي ليلى فَأخْبرهُ فَقَالَ هُوَ كَمَا قَالَ لَك وَعَن أبي يُوسُف قَالَ دَعَا الْمَنْصُور أَبَا حنيفَة فَقَالَ الرّبيع حَاجِب الْمَنْصُور وَكَانَ يعادي أَبَا حنيفَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا أَبُو حنيفَة يُخَالف جدك كَانَ عبد الله بن عَبَّاس يَقُول إِذا حلف على الْيَمين ثمَّ اسْتثْنى بعد ذَلِك بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ جَازَ الِاسْتِثْنَاء وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز الِاسْتِثْنَاء إِلَّا مُتَّصِلا بِالْيَمِينِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الرّبيع يزْعم أَن لَيْسَ لَك فِي رِقَاب جندك بيعَة قَالَ وَكَيف قَالَ يحلفُونَ لَك ثمَّ يرجعُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ فيتثنون فَتبْطل أَيْمَانهم فَضَحِك الْمَنْصُور وَقَالَ يَا ربيع لَا تعرض لأبي حنيفَة فَلَمَّا خرج أَبُو حنيفَة قَالَ لَهُ الرّبيع أردْت أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 تشيط بدمي قَالَ لَا وَلَكِنَّك أردْت أَن تشيط بدمي فخلصتك وخلصت نَفسِي حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن غياث قَالَ كَانَ أَبُو الْعَبَّاس الطوسي سيء الرَّأْي فِي أبي حنيفَة وَكَانَ أَبُو حنيفَة يعرف ذَلِك فَأقبل عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا حنيفَة إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَدْعُو الرجل منا فيأمره بِضَرْب عنق الرجل لَا يدْرِي مَا هُوَ أيسعه أَن يضْرب عُنُقه فَقَالَ يَا أَبَا الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤمنِينَ يَأْمر بِالْحَقِّ أَو الْبَاطِل قَالَ بِالْحَقِّ قَالَ انفذ الْحق حَيْثُ كَانَ وَلَا تسْأَل عَنهُ ثمَّ قَالَ أَبُو حنيفَة لمن قرب مِنْهُ إِن هَذَا أَرَادَ أَن يوثقني فربطته حَدثنَا عَليّ بن عَاصِم قَالَ دخلت على أبي حنيفَة وَعِنْده حجام يَأْخُذ من شعره فَقَالَ للحجام تتبع مَوَاضِع الْبيَاض لَا تزد قَالَ وَلم قَالَ لِأَنَّهُ يكثر فتتبع مَوَاضِع السوَاد لَعَلَّه يكثر حَدثنَا يحيى بن جَعْفَر قَالَ سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول احتجت إِلَى مَاء بالبادية فَجَاءَنِي أَعْرَابِي وَمَعَهُ قربَة من مَاء فَأبى أَن يبيعنيها إِلَّا بِخَمْسَة دَرَاهِم فَدفعت إِلَيْهِ خَمْسَة دَرَاهِم وقبضت الْقرْبَة ثمَّ قلت يَا أَعْرَابِي مَا رَأْيك فِي السويق فَقَالَ هَات فأعطيته سويقاً ملتوتا بالزيت فَجعل يَأْكُل حَتَّى امْتَلَأَ ثمَّ عَطش فَقَالَ شربة قلت بِخَمْسَة دَرَاهِم فَلم أنقصه من خَمْسَة دَرَاهِم على قدح من مَاء فاسترددت الْخَمْسَة وَبَقِي معي المَاء حَدثنَا عبد المحسن ابْن عَليّ قَالَ ذكر أَبُو حنيفَة وفطنته فَقَالَ استودع رجل من الْحجَّاج رجلا بِالْكُوفَةِ وَدِيعَة فحج ثمَّ رَجَعَ فَطلب وديعته فَأنْكر الْمُسْتَوْدع وَجعل يحلف لَهُ فَانْطَلق الرجل إِلَى أبي حنيفَة يشاوره فَقَالَ لَا تعلم أحدا بجحوده قَالَ وَكَانَ الْمُسْتَوْدع يُجَالس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 أَبَا حنيفَة فَخَلا بِهِ وَقَالَ لَهُ أَن هَؤُلَاءِ قد بعثوا يستشيروني فِي رجل يصلح للْقَضَاء فَهَل تنشط فتمانع الرجل قَلِيلا وَأَقْبل أَبُو حنيفَة يرغبه فَانْصَرف على ذَلِك وَهُوَ طمع ثمَّ جَاءَ صَاحب الْوَدِيعَة فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة اذْهَبْ إِلَيْهِ وَقل لَهُ أحسبك نسيتي أودعتك فِي وَقت كَذَا والعلامة كَذَا قَالَ فَذهب الرجل فَقَالَ لَهُ فَدفع إِلَيْهِ الْوَدِيعَة فَلَمَّا رَجَعَ الْمُسْتَوْدع قَالَ أَبُو حنيفَة أَنِّي نظرت فِي أَمرك فَأَرَدْت أَن أرفع قدرك وَلَا اسميك حَتَّى يحضر مَا هُوَ أجل من هَذَا حَدثنَا ابْن الْوَلِيد قَالَ كَانَ فِي جوَار أبي حنيفَة فَتى يعتني مجْلِس أبي حنيفَة وَيكثر الْجُلُوس عِنْده فَقَالَ يَوْمًا لأبي حنيفَة أَنِّي أُرِيد التَّزْوِيج إِلَى فلَان من أهل الْكُوفَة وَقد خطبت إِلَيْهِم وَقد طلبُوا مني من الْمهْر فَوق وسعي وطاقتي وَقد تعلّقت نَفسِي بِالتَّزْوِيجِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة فاستخر الله تَعَالَى وأعطهم مَا يطلبونه مِنْك فأجابهم إِلَى مَا طلبوه فَلَمَّا عقدوا النِّكَاح بَينهم وَبَينه جَاءَ إِلَى أبي حنيفَة فَقَالَ لَهُ أَنِّي قد سَأَلتهمْ أَن يَأْخُذُوا مني الْبَعْض وَلَيْسَ فِي وسعي الْكل وَقد أَبَوا أَن يحملوها إِلَّا بعد وَفَاء الدّين كُله فَمَاذَا ترى قَالَ احتل وافترض حَتَّى تدخل بأهلك فَإِن الْأَمر يكون أسهل عَلَيْك من تشدد هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَفعل ذَلِك واقرضه أَبُو حنيفَة فِيمَن اقرضه فَلَمَّا دخل بأَهْله وحملت إِلَيْهِ قَالَ أَبُو حنيفَة مَا عَلَيْك أَن تظهر أَنَّك تُرِيدُ الْخُرُوج عَن هَذَا الْبَلَد إِلَى مَوضِع بعيد وَأَنَّك تُرِيدُ أَن تُسَافِر بأهلك مَعَك فاكترى الرجل جملين وَجَاء بهما وَأظْهر أَنه يُرِيد الْخُرُوج إِلَى خُرَاسَان فِي طلب المعاش وَأَنه يُرِيد حمل أَهله مَعَه فَاشْتَدَّ ذَلِك على أهل الْمَرْأَة وجاؤا إِلَى أبي حنيفَة ليسألوه ويستعينوه فِي ذَلِك فَقَالَ لَهُم أَبُو حنيفَة لَهُ أَن يُخرجهَا إِلَى حَيْثُ شَاءَ قَالُوا لَهُ مَا يمكننا أَن ندعها تخرج فَقَالَ لَهُم أَبُو حنيفَة فأرضوه بِأَن تردوا عَلَيْهِ مَا أخذتموه مِنْهُ فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك فَقَالَ أَبُو حنيفَة للفتى أَن الْقَوْم قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 سمحوا أَن يردوا عَلَيْك مَا أَخَذُوهُ مِنْك من الْمهْر ويبرؤك مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الْفَتى وَأَنا أُرِيد مِنْهُم شَيْئا آخر فَوق ذَلِك فَقَالَ أَبُو حنيفَة أَيّمَا أحب إِلَيْك أَن ترْضى بِهَذَا الَّذِي بذلوه لَك وَإِلَّا أقرَّت الْمَرْأَة لرجل بدين لَا يمكنك أَن تحملهَا وَلَا تُسَافِر بهَا حَتَّى تقضي مَا عَلَيْهَا من الدّين قَالَ فَقَالَ الرجل الله الله لَا يسمعوا بِهَذَا فَلَا آخذ مِنْهُم شَيْئا فَأجَاب إِلَى الْجُلُوس وَأخذ مَا بذلوه من الْمهْر أخبرنَا أَحْمد بن الدقاق قَالَ بَلغنِي أَن رجلا من أَصْحَاب أبي حنيفَة أَرَادَ أَن يتَزَوَّج فَقَالَ أهل الْمَرْأَة نسْأَل عَنهُ أَبَا حنيفَة فَأَوْصَاهُ أَبُو حنيفَة فَقَالَ إِذا دخلت عَليّ فضع يدك على ذكرك فَفعل ذَلِك فَلَمَّا سَأَلُوهُ عَنهُ قَالَ قد رَأَيْت فِي يَده مَا قِيمَته عشرَة آلَاف دِرْهَم وبلغنا أَن رجلا جَاءَ إِلَى أبي حنيفَة فَشَكا لَهُ أَنه دفن مَالا فِي مَوضِع وَلَا يذكر الْموضع فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ هَذَا فقهاً فاحتال لَك فِيهِ وَلَكِن اذْهَبْ فصل اللَّيْلَة إِلَى الْغَدَاة فَإنَّك ستذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَفعل الرجل ذَلِك فَلم يمض إِلَّا أقل من ربع اللَّيْل حَتَّى ذكر الْموضع فجَاء إِلَى أبي حنيفَة فَأخْبرهُ فَقَالَ قد علمت أَن الشَّيْطَان لَا يدعك تصلي حَتَّى تذكر فَهَلا أتممت ليلتك شكر الله عز وَجل وَمن الْمَنْقُول عَن ابْن عون قَالَ أَبُو بكر الْقرشِي حَدثنَا ابْن مثنى أَن ابْن عون كَانَ فِي جَيش فَخرج رجل من الْمُشْركين فَدَعَا للبراز فَخرج إِلَيْهِ ابْن عون وَهُوَ متلثم فَقتله ثمَّ اندس فجهد الْوَالِي أَن يعرفهُ فَلم يقدر عَلَيْهِ فَنَادَى مناديه أعزم على من قتل هَذَا الْمُشرك إِلَّا جَاءَنِي فَجَاءَهُ ابْن عون فَقَالَ وَمَا على الرجل أَن يَقُول أَنا قتلته وَعَن يحيى بن يزِيد قَالَ جَاءَ شرطي يطْلب رجلا من مجْلِس ابْن عون فَقَالَ يَا أَبَا عون فلَانا رَأَيْته قَالَ مَا فِي كل الْأَيَّام يأتينا فَذهب وَتَركه وَمن الْمَنْقُول عَن هِشَام بن الْكَلْبِيّ أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي السرى قَالَ قَالَ لي هِشَام بن الْكَلْبِيّ حفظت مَا لم يحفظ أحد ونسيت مَا لم ينسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 أحد كَانَ لي عَم يعاتبني على حفظ الْقُرْآن فَدخلت بَيْتا وَحلفت أَن لَا أخرج مِنْهُ حَتَّى أحفظ الْقُرْآن فحفظته فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَنظرت يَوْمًا فِي الْمرْآة فقبضت على لحيتي لآخذ من دون القبضة فَأخذت مَا فَوق القبضة وَمن الْمَنْقُول عَن عمَارَة بن حَمْزَة بلغنَا عَن عمَارَة بن حَمْزَة أَنه دخل على الْمَنْصُور فَجَلَسَ على مرتبته المرسومة لَهُ فَقَامَ رجل فَقَالَ مظلوم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ من ظلمك قَالَ عمَارَة غصبني ضيعتي فَقَالَ الْمَنْصُور قُم يَا عمَارَة فاجلس مَعَ خصمك قَالَ مَا هُوَ لي بخصم قَالَ وَكَيف وَهُوَ يتظلم مِنْك قَالَ إِن كَانَت الضَّيْعَة لَهُ لم أنازعه فِيهَا وَإِن كَانَت لي فقد تركتهَا لَهُ وَلَا أقوم من مجْلِس شرفني أَمِير الْمُؤمنِينَ بالرفعة فِيهِ فاجلس فِي أدناه بِسَبَب ضَيْعَة وَمن الْمَنْقُول عَن ابْن الْمُبَارك رضى الله عَنهُ قَالَ ابْن حميد قَالَ عطس رجل عِنْد ابْن الْمُبَارك فَلم يحمد لله فَقَالَ لَهُ ابْن الْمُبَارك أَي شَيْء يَقُول الْعَاطِس إِذا عطس قَالَ الْحَمد الله قَالَ يَرْحَمك الله وَمن الْمَنْقُول عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى حَدثنَا عَليّ بن المحسن التنوخي عَن أَبِيه قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ كَانَ عِنْد الرشيد جَارِيَة من جواريه وبحضرته عقد جَوْهَر فَأخذ يقلبه فَفَقدهُ فاتهمها فَسَأَلَهَا عَن ذَلِك فأنكرت فَحلف بِالطَّلَاق وَالْعتاق وَالْحج لتصدقنه فأقامت على الْإِنْكَار وَهُوَ مُتَّهم لَهَا وَخَافَ أَن يكون قد حنث فِي يَمِينه فاستدعى أَبَا يُوسُف وقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ أَبُو يُوسُف تخليني مَعَ الْجَارِيَة وخادم مَعنا حَتَّى أخرجك من يَمِينك فَفعل ذَلِك فَقَالَ لَهَا أَبُو يُوسُف إِذا سَأَلَك أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن العقد فأنكريه فَإِذا أعَاد عَلَيْك السُّؤَال فَقولِي قد أَخَذته فَإِذا أعَاد عَلَيْك الثَّالِثَة فأنكري وَخرج فَقَالَ للخادم لَا تقل لأمير الْمُؤمنِينَ مَا جرى وَقَالَ للرشيد سلها يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ثَلَاث دفعات مُتَوَالِيَات عَن العقد فَإِنَّهَا تصدقك فَدخل الرشيد فَسَأَلَهَا فأنكرت أول مرّة وسألها الثَّانِيَة فَقَالَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 نعم قد أَخَذته فَقَالَ أَي شَيْء تَقُولِينَ فَقَالَت وَالله مَا أَخَذته وَلَكِن هَكَذَا قَالَ لي أَبُو يُوسُف فَخرج إِلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد خرجت من يَمِينك لِأَنَّهَا أَخْبَرتك أَنَّهَا قد أَخَذته وأخبرتك أَنَّهَا لم تَأْخُذهُ فَلَا يَخْلُو أَن تكون صَادِقَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَقد خرجت أَنْت من يَمِينك فسر وَوصل أَبَا يُوسُف فَلَمَّا كَانَ بعد مُدَّة وجد العقد وبلغنا أَن الرشيد قَالَ لأبي يُوسُف مَا تَقول فِي الفالوذج واللورينج أَيهَا أطيبن فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا أَقْْضِي بَين غائبين عني فَأمر بإحضارهما فَجعل أَبُو يُوسُف يَأْكُل من هَذَا لقْمَة وَمن ذَاك أُخْرَى حَتَّى نصف جاميهما ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا رَأَيْت خصمين أجدل مِنْهُمَا كلما أردْت أَن أسجل لأَحَدهمَا أدلى الآخر بِحجَّة وَمن الْمَنْقُول عَن يزِيد بن هَارُون قَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى بن سعيد الْقطَّان قَالَ قَالَ لي يزِيد بن هَارُون أَنْت أثقل عِنْدِي من نصف رحى البزر قلت يَا أَبَا خَالِد لم لم تقل من الرَّحَى كُله فَقَالَ أَنه إِذا كَانَ صَحِيحا تدحرج وَإِذا كَانَ نصفا لم يرفع إِلَّا بِجهْد وَمن الْمَنْقُول عَن الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَدثنَا الْحسن بن الصياح قَالَ لما أَن قدم الشَّافِعِي إِلَى بَغْدَاد وأوفق عقد الرشيد للأمين والمأمون على الْعَهْد قَالَ فبكر النَّاس ليهنوا الرشيد فجلسوا فِي دَار الْعَامَّة ينتظرون الْأذن فَجعل النَّاس يَقُولُونَ كَيفَ نَدْعُو لَهما فَإنَّا إِذا فعلنَا ذَلِك كَانَ دُعَاء على الْخَلِيفَة وَإِن لم نَدْعُو لَهما كَانَ تقصيراً قَالَ فَدخل الشَّافِعِي فَجَلَسَ فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ الله الْمُوفق فَلَمَّا إِذن دخل النَّاس فَكَانَ أول مُتَكَلم الشَّافِعِي فَقَالَ (لَا قصراً عَنْهَا وَلَا بلغنها ... حَتَّى يطول على يَديك طولهَا) قَالَ عبد الْعَزِيز بن أبي رَجَاء سَمِعت الرّبيع يَقُول مرض الشَّافِعِي فَدخلت عَلَيْهِ فَقلت يَا أَبَا عبد الله قوى الله ضعفك فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد وَالله لَو قوى الله ضعْفي على قوتي أهلكني قلت يَا أَبَا عبد الله مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 أردْت إِلَّا الْخَيْر فَقَالَ لَو دَعَوْت الله مَا أردْت إِلَّا الْخَيْر فَقَالَ لَو دَعَوْت الله على لعَلِمت أَنَّك لم ترد إِلَّا الْخَيْر قَالَ الْمُؤلف من فقه الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ أَنه أَخذ بِظَاهِر اللَّفْظ فَعلم أَنه إِذا نوى الضعْف حصل الْأَذَى وَقد جَاءَنِي حَدِيث صَحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه علم رجلا دُعَاء فَقَالَ قل اللَّهُمَّ قو فِي رضاك ضعْفي إِلَّا أَن مَعْنَاهُ قوما ضعف وَفِي هَذَا نوع تجوز وَالربيع تجوز وَالشَّافِعِيّ قصد الْحَقِيقَة حَدثنَا الرّبيع قَالَ رَأَيْت الشَّافِعِي وَقد جَاءَهُ رجل يسْأَله عَن مَسْأَلَة فَقَالَ من أهل صنعاء أَنْت قَالَ نعم قَالَ فلعلك حداد قَالَ نعم حَدثنَا حَرْمَلَة بن يحيى قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي وَقد سَأَلَهُ رجل فَقَالَ حَلَفت بِالطَّلَاق أَن أكلت هَذِه الثَّمَرَة أَو رميت بهَا قَالَ تَأْكُل نصفهَا وَتَرْمِي نصفهَا قَالَ الْمُؤلف وَهَذَا الْمَنْقُول عَن الشَّافِعِي هُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَقد ذكر أَصْحَابنَا من جنس هَذِه الْمَسْأَلَة كثيرا لَا يكَاد يتَنَبَّه لَهُ فِي الْفَتْوَى إِلَّا الفطن فَتذكر مِنْهُ هَهُنَا مسَائِل لِأَن ذكر مثل هَذَا يُنَبه الفطن فَمِنْهَا إِذا قَالَ لزوجته وَهِي فِي مَاء أَن أَقمت فِي هَذَا المَاء فَأَنت طَالِق وَأَن خرجت مِنْهُ فَأَنت طَالِق فإننا نَنْظُر فَإِن كَانَ المَاء جَارِيا وَلَا نِيَّة لَهُ لم تطلق سَوَاء خرجت أَو أَقَامَت وَإِن كَانَ راكد فَالْحِيلَةُ أَن تحمل فِي الْحَال مُكْرَهَة فَإِن كَانَت على سلم فَقَالَ لَهَا إِن صعدت فِيهِ أَو نزلت أَو أَقمت أَو رميت نَفسك أَو حطك أحد فَأَنت طَالِق فَإِنَّهَا تنْتَقل إِلَى سلم آخر فَإِن أكل رطبا كثيرا ثمَّ قَالَ أَنْت طَالِق إِن لم تخبريني بِعَدَد مَا أكلت فخلاصها أَن تعد من وَاحِد إِلَى عدد يتَحَقَّق إِن مَا أكله قد دخل فِيهِ فَإِن أكل رطبا فَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِق إِن لم تميزي نوى مَا أكلت من نوى مَا أكلت وَقد اخْتَلَط فَإِنَّهَا تفرد كل نواة على حِدة فَإِن قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق أَن لم تصدقيني هَل سرقت مني أم لَا فَإِنَّهَا إِذا قَالَت سرقت مَا سرقت لم تطلق فَإِن كَانَ لَهُ ثَلَاث زَوْجَات فَاشْترى لَهُنَّ خمارين فاختصمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 عَلَيْهِمَا فَقَالَ أنتن طَوَالِق إِن لم تختمر كل وَاحِدَة مِنْكُن عشْرين يَوْمًا فِي هَذَا الشَّهْر فَالْوَجْه أَن تختمر الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى بالخمارين عشرَة أَيَّام ثمَّ تدفع الْكُبْرَى الْخمار إِلَى الصُّغْرَى وَيبقى خمار الْوُسْطَى إِلَى تَمام عشْرين يَوْمًا ثمَّ تَأْخُذ الْكُبْرَى خمار الْوُسْطَى إِلَى تَمام الشَّهْر مسئلة إِذا سَافر بالنسوة سفرا قدره ثَلَاثَة فراسخ وَمَعَهُ بغلان فاختصمن على الرّكُوب فَحلف بِالطَّلَاق لتركبن كل وَاحِدَة مِنْكُن فرسخين فتركب الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى فرسخاً ثمَّ تنزل الْوُسْطَى وتركب الْكُبْرَى مَكَانهَا وتركب الصُّغْرَى مَكَان الْوُسْطَى إِلَى تَمام الْمسَافَة وتركب الْوُسْطَى مَكَان الْكُبْرَى عِنْد تَمام الفرسخين وَالله أعلم مَسْأَلَة إِذا حمل إِلَى بَيته ثَلَاثِينَ قَارُورَة عشرَة ملأى وَعشرَة فِي كل وَاحِدَة نصفهَا وَعشرَة فرغ ثمَّ قَالَ انتن طَوَالِق إِن لم أقسمها بينكن بِالسَّوِيَّةِ من غير أَن استعين على الْقِسْمَة بميزان وَلَا مكيال فَإِنَّهُ يمْلَأ خمْسا من المنصفات بالخمس الآخر ثمَّ يدْفع إِلَى كل وَاحِدَة خَمْسَة مَمْلُوءَة وَخَمْسَة فرغا فَإِن رأى مَعَ زَوجته إِنَاء فِيهِ مَاء فَقَالَ اسقنيه فامتنعت فَحلف بِالطَّلَاق لَا شربت هَذَا المَاء وَلَا أرقتيه وَلَا تركتيه فِي الْإِنَاء وَلَا فعل غير ذَلِك فَالْحِيلَةُ أَن تطرح فِي الْإِنَاء ثوبا يشرب المَاء ثمَّ يجفف فِي الشَّمْس فَإِن حلف رجل إِن امْرَأَته بعثت إِلَيْهِ قد حرمت عَلَيْك وَتَزَوَّجت بغيرك وأوجبت عَلَيْك أَن تبْعَث لي نفقتي وَنَفَقَة زَوجي فَهَذِهِ امْرَأَة زَوجهَا أَبوهَا من مَمْلُوكه ثمَّ بعث بالمملوك فِي تِجَارَة فَمَاتَ الْأَب فَإِن الْبِنْت تَرثه وينفسخ نِكَاح العَبْد وتقضي الْعدة وتتزوج بِرَجُل فتبعث إِلَيْهِ أنفذ لي المَال الَّذِي مَعَك فَهُوَ لي فَإِن كَانَ لَهُ زوجتان أحداهما فِي الغرفة وَالْأُخْرَى فِي الدَّار فَصَعدَ فِي الدرجَة فَقَالَت كل وَاحِدَة إِلَيّ فَحلف لَا صعدت إِلَيْك وَلَا نزلت إِلَيْك وَلَا أَقمت مَكَاني سَاعَتِي هَذِه فَإِن الَّتِي فِي الدَّار تصعد وَالَّتِي فِي الغرفة تنزل وَله أَن يصعد أَو ينزل إِلَى أَيَّتهمَا شَاءَ فَإِن حلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 على زَوجته لَا أَدخل بَيْتك بَارِية وَلَا وَطئتك إِلَّا على بَارِية فَوَطِئَهَا فِي الْبَيْت وَلم يَحْنَث فوجهه أَن يحمل إِلَى بَيته قصباً وينسج لَهُ الصَّانِع بَارِية فِي الْبَيْت ويطأها عَلَيْهِ فَإِن حلف لَا بُد أَن يطَأ زَوجته نَهَار يَوْم وَلَا يغْتَسل فِيهِ من جَنَابَة مَعَ قدرته على اسْتِعْمَال المَاء وَلَا تفوته الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة مَعَ الإِمَام فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الإِمَام الْفجْر وَالظّهْر وَالْعصر وَمن يطَأ بعد الْعَصْر فَإِذا غربت الشَّمْس اغْتسل وَصلى مَعَ الإِمَام فَإِن حلف إِنِّي رَأَيْت رجلا يُصَلِّي إِمَامًا بنفسين وَهُوَ صَائِم فَالْتَفت عَن يَمِينه فَنظر إِلَى قوم يتحدثون فَحرمت عَلَيْهِ امْرَأَته وَبَطل صَوْمه وَوَجَب جلد الْمَأْمُومين وَنقض الْجَامِع فَهَذَا رجل تزوج بِامْرَأَة قد غَابَ زَوجهَا وَشهد المأمومان بوفاته وَأَنه وصّى بداره أَن تجْعَل مَسْجِدا وَكَانَ مُقيما صَائِما فَالْتَفت فَرَأى زوج الْمَرْأَة قد قدم وَالنَّاس يَقُولُونَ خرج يَوْم الصَّوْم وَجَاء يَوْم الْعِيد وَهُوَ لم يعلم بِأَن هِلَال شَوَّال قد رؤى وَرَأى إِلَى جَانِبه مَاء وعَلى ثَوْبه نَجَاسَة فَإِن الْمَرْأَة تحرم عَلَيْهِ بقدوم زَوجهَا وصومه يبطل بِكَوْن الْيَوْم عيداً وَصلَاته تبطل بِرُؤْيَة المَاء ويجلد الرّجلَانِ لِكَوْنِهِمَا شَاهِدي زور وَيجب نقض الْمَسْجِد لِأَن الْوَصِيَّة مَا صحت وَالدَّار لمَالِكهَا فَإِن كَانَ عِنْده تمر وتين وزبيب وَوزن الْجَمِيع عشرُون رطلا فَحلف أَنه بَاعَ التَّمْر كل رَطْل بِنصْف دِرْهَم والتين كل رَطْل بِدِرْهَمَيْنِ وَالزَّبِيب كل رَطْل بِثَلَاثَة دَرَاهِم فجَاء ثمن الْجَمِيع عشْرين درهما فَإِنَّهُ قد كَانَ الثَّمر أَربع عشرَة رطلا والتين خَمْسَة أَرْطَال وَالزَّبِيب رَطْل وَاحِد وَمن الْمَنْقُول عَن أبي مُحَمَّد يحيى بن الْمُبَارك اليزيدي قَالَ مُحَمَّد بن يحيى النديم حَدثنَا الْمبرد قَالَ سَأَلَ الْمَأْمُون يحيى بن الْمُبَارك عَن شَيْء فَقَالَ لَا وَجَعَلَنِي الله فدَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لله دَرك مَا وضعت وَاو قطّ موضعا أحسن مِنْهَا فِي هَذَا الْموضع وَوَصله وجمله وَمن الْمَنْقُول عَن أبي العيناء أخبرنَا مُحَمَّد بن يحيى قَالَ حَدثنَا أَبُو العيناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 قَالَ قَالَ المتَوَكل قد أردتك لمجالستي فَقلت لَا أُطِيق ذَلِك وَلَا أَقُول هَذَا جهلا بِمَالي فِي هَذَا الْمجْلس من الشّرف ولكنني مَحْجُوب والمحجوب تخْتَلف إِشَارَته وَيخْفى عَلَيْهِ الْإِيمَاء وَيجوز أَن يتَكَلَّم بِكَلَام غَضْبَان ووجهك رَاض وبكلام رَاض ووجهك غَضْبَان وَمَتى لم أميز هذَيْن هَلَكت قَالَ صدقت وَلَكِن تلزمنا فَقلت لُزُوم الْفَرْض الْوَاجِب فوصلني بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم قَالَ وروى أَن المتَوَكل قَالَ أشتهي أَن أنادم أَبَا العيناء لَوْلَا أَنه ضَرِير فَقَالَ أَبُو العيناء أَن عفاني أَمِير الْمُؤمنِينَ من رُؤْيَة الْهلَال وَنقش الْخَوَاتِم فَإِنِّي أصلح وبلغنا عَن أبي العيناء أَنه شكا تَأَخّر رزقه إِلَى عبد الله بن سُلَيْمَان فَقَالَ ألم يكن كتبنَا لَك إِلَى فلَان فَمَا فعل فِي أَمرك قَالَ جرني على شوك المطل قَالَ أَنْت اخترته قَالَ وَمَا عَليّ وَقد اخْتَار مُوسَى قومه سبعين رجلا فَمَا كَانَ فيهم رشيد فَأَخَذتهم الرجفة وَاخْتَارَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أبي سرح كَاتبا فلحق بالكفار مُرْتَدا وَاخْتَارَ على أَبَا مُوسَى فَحكم عَلَيْهِ شكا بعض الوزراء كَثْرَة الأشغال فَقَالَ أَبُو العيناء لأراني الله يَوْم فراغك وَقيل لأبي العيناء بَقِي من يلقى قَالَ نعم فِي الْبِئْر وَسَأَلَ أَبُو العيناء عَن حَمَّاد بن زيد بن دِرْهَم وَعَن حَمَّاد بن سَلمَة ابْن دِينَار فَقَالَ بَينهمَا فِي الْقدر مَا بَين أبوابهما فِي الصّرْف وَمن الْمَنْقُول عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ حَدثنَا غُلَام لِابْنِ المزوق الْبَغْدَادِيّ قَالَ كَانَ مولَايَ مكرماً لي فَاشْترى جَارِيَة وزوجنيها فأحببتها حبا شَدِيدا وأبغضتني بغضاً شَدِيدا عَظِيما وَكَانَت تنافرني دَائِما واحتملها إِلَى أَن أضجرتني يَوْمًا فَقلت لَهَا أَنْت طَالِق ثَلَاثًا أَن خاطبتيني بِشَيْء إِلَّا خاطبتك بِمثلِهِ فقد أفسدك احتمالي لَك فَقَالَت لي فِي الْحَال أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بتاتاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 قَالَ فأبلست وَلم أدر مَا أجيبها بِهِ خوفًا أَن أَقُول لَهَا مثل مَا قَالَت فَتَصِير بذلك طَالقا مني فأرشدت إِلَى أبي جَعْفَر الطَّبَرِيّ فَأَخْبَرته بِمَا جرى فَقَالَ أقِم مَعهَا بعد أَن تَقول لَهَا أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن أَنا طَلقتك فَتكون قد خاطبتها بِهِ فوفيت بيمينك وَلم تطلقها وَلَا تعاود الْإِيمَان وَمن الْمَنْقُول عَن عَليّ بن عِيسَى الربعِي أَنه كَانَ يمشي على دجلة فَرَأى الرضى والمرتضى فِي سفينة ومعهما عُثْمَان بن جنى فَقَالَ من أعجب أَحْوَال الشريفين أَن يكون عُثْمَان جَالِسا بَينهمَا وَعلي يمشي على الشط بَعيدا عَنْهُمَا وَمن الْمَنْقُول عَن أبي الْوَفَاء بن عقيل رَضِي الله عَنهُ حَدثنِي أَزْهَر بن عبد الْوَهَّاب قَالَ جَاءَ رجل إِلَى ابْن عقيل فَقَالَ إِنِّي كلما انغمس فِي النَّهر غمستين وَثَلَاثًا لَا أتيقن أَنه قد غمسني المَاء وَلَا أَنِّي قد تطهرت فَكيف أصنع قَالَ لَهُ لَا تصل فَقيل لَهُ كَيفَ قلت هَذَا قَالَ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ وَعَن النَّائِم حَتَّى ينتبه وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق وَمن ينغمس فِي النَّهر مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ويظن أَنه مَا اغْتسل فَهُوَ مَجْنُون قَالَ حَدثنِي أَبُو حَكِيم ابراهيم بن دِينَار عَن ابْن عقيل قَالَ بَلغنِي أَن السُّلْطَان مُحَمَّد بن عَليّ عزم على الْقدوم إِلَى بَغْدَاد فَخرجت متطيلساً فَجَلَست على تل فِي طَرِيقه فَلَمَّا وصل سَأَلَ عني فَقيل هَذَا ابْن عقيل فانحرف فَنزل وَجلسَ معي وَقَالَ كنت أحب أَن أَلْقَاك وسألني عَن مسَائِل فِي الطَّهَارَة ثمَّ قَالَ لِخَادِمِهِ أَي شَيْء مَعَك فَأخْرج خمسين دِينَار فَقَالَ تقبل هَذِه فَقلت لست بمحتاج فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا يحوجني إِلَى أحد وَلَا أقبلها فَلَمَّا انصرفت إِلَى الْمنزل إِذا خَادِم قد جَاءَنِي بِمَال من عِنْد الْخَلِيفَة وشكر فعلى قَالَ وَأَنا علمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 إِن ثمَّ من هُوَ عين للخليفة يُخبرهُ بِمَا جرى وَبَلغنِي عَن ابْن عقيل أَنه تعوق يَوْمًا عَن الْجُمُعَة فجاؤه يستوحشون لَهُ فَقَالَ أَنا صليت عِنْد الصناديق وَاحْتبسَ يَوْمًا فاستوحشوا لَهُ فَقَالَ أَنا صليت عِنْد المنارة وَإِنَّمَا عَنى صناديق بَيته ومنارة بَيته وَمن الْمَنْقُول عَن بعض الْفُقَهَاء إِن رجلا قَالَ لَهُ إِذا نزعت ثِيَابِي وَدخلت النَّهر اغْتسل أتوجه إِلَى الْقبْلَة أم إِلَى غَيرهَا قَالَ توجه إِلَى ثِيَابك الَّتِي نزعتها الْبَاب الرَّابِع عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْعباد والزهاد حَدثنَا جَعْفَر الْخُلْدِيِّ قَالَ سَمِعت الْجُنَيْد يَقُول سَمِعت السّري يَقُول اعتللت بطرسوس عِلّة الذرب فَدخل على هَؤُلَاءِ الْقُرَّاء يعودوني فجلسوا فَأَطَالُوا فآذاني جلوسهم ثمَّ قَالُوا إِن رَأَيْت أَن تَدْعُو الله فمددت يَدي فَقلت اللَّهُمَّ علمنَا أدب العيادة حَدثنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر الرَّازِيّ قَالَ سَمِعت يُوسُف بن الْحُسَيْن يَقُول قيل لي إِن ذَا النُّون يعرف اسْم الله الْأَعْظَم فَدخلت مصر وخدمته سنة ثمَّ قلت يَا أستاذي أَنِّي قد خدمتك وَقد وَجب حَقي عَلَيْك وَقيل لي أَنَّك تعرف اسْم الله الْأَعْظَم وَقد عَرفتنِي وَلَا تَجِد لَهُ موضعا مثلي فَأحب أَن تعلمني إِيَّاه قَالَ فَسكت عني ذُو النُّون وَلم يجبني وَكَأَنَّهُ أَوْمَأ إِلَيّ أَنه يُخْبِرنِي قَالَ فتركني بعد ذَلِك سِتَّة أشهر ثمَّ أخرج لي من بَيته طبقًا ومكبة مشدوداً فِي منديل وَكَانَ ذُو النُّون يسكن الجيزة فَقَالَ تعرف فلَانا صديقنا من الْفسْطَاط قلت نعم قَالَ فَأحب أَن تُؤدِّي هَذَا إِلَيْهِ قَالَ فَأخذت الطَّبَق وَهُوَ مشدود وَجعلت أَمْشِي طول الطَّرِيق وَأَنا متفكر فِيهِ مثل ذِي النُّون يُوَجه إِلَى فلَان بهدية ترى أَي شَيْء هِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 فَلم أَصْبِر إِلَى أَن بلغت الجسر فحللت المنديل وَرفعت المكبة فَإِذا فارة قفزت من الطَّبَق وَمَرَّتْ قَالَ فاغتظت غيظاً شَدِيدا وَقلت ذُو النُّون يسخر بِي وَيُوجه مَعَ مثلي فارة فَرَجَعت على ذَلِك الغيظ فَلَمَّا أَن رَآنِي عرف مَا فِي وَجْهي فَقَالَ يَا أَحمَق إِنَّمَا جربناك ائتمنتك على فارة فخنتني أفأتمنك على اسْم الله الْأَعْظَم مر عني فَلَا أَرَاك الْبَاب الْخَامِس عشر فِي سِيَاق الْمَنْقُول من ذَلِك عَن الْعَرَب وعلماء الْعَرَبيَّة حَدثنَا عَليّ بن الْمُغيرَة قَالَ لما حضرت نزار بن معد الْوَفَاة قسم مَاله بَين بنيه وهم أَرْبَعَة مُضر وَرَبِيعَة وإياد وأنمار فَقَالَ يَا بني هَذِه الْقبَّة الْحَمْرَاء وَهِي من آدم وَمَا أشبههَا من المَال لمضر فَسُمي مُضر الْحَمْرَاء وَهَذَا الخباء الْأسود وَمَا أشبه من المَال لِرَبِيعَة فَأخذ خيلادهما فَسمى ربيعَة الْفرس وَهَذِه الْخَادِم وَمَا أشبههَا من المَال لأياد وَكَانَت الْخَادِم شَمْطَاء فَأخذ إياد البلق وَهَذِه البدرة والمجلس لأنمار يجلس فِيهِ فَأخذ أَنْمَار مَا صَار لَهُ وَقَالَ لَهُم إِن أشكل الْأَمر عَلَيْكُم فِي ذَلِك واختلفتم فِي الْقِسْمَة فَعَلَيْكُم بالأفعى الجرهمي فَاخْتَلَفُوا فتوجهوا إِلَى الأفعى فَبَيْنَمَا هم يَسِيرُونَ إِذْ رأى مُضر كلاء قد رعى فَقَالَ إِن الْبَعِير الَّذِي رعى هَذَا لأعور فَقَالَ ربيعَة وَهُوَ أَزور وَقَالَ إياد وَهُوَ ابتر وَقَالَ أَنْمَار وَهُوَ شرود فَلم يَسِيرُوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى لَقِيَهُمْ رجل تُوضَع بِهِ رَاحِلَته فَسَأَلَهُمْ عَن الْبَعِير فَقَالَ مُضر هُوَ أَعور قَالَ نعم قَالَ ربيعَة هُوَ أَزور قَالَ نعم قَالَ إياد هُوَ ابتر قَالَ نعم قَالَ أَنْمَار هُوَ شرود قَالَ نعم هَذِه وَالله صفة بَعِيري دلوني عَلَيْهِ فَحَلَفُوا لَهُ أَنهم مَا رَأَوْهُ فلزمهم وَقَالَ كَيفَ أصدقكم وَأَنْتُم تصفون بَعِيري بِصفتِهِ فَسَارُوا حَتَّى قدمُوا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 نَجْرَان فنزلوا بالأفعى الجرهمي فَنَادَى صَاحب الْبَعِير أَصْحَاب بَعِيري وصفوا لي صفته ثمَّ قَالُوا لم نره فَقَالَ الجرهمي كَيفَ وصفتموه وَلم تروه فَقَالَ مُضر رَأَيْته يرْعَى جانباً ويدع جانباً فَعرفت أَنه أَعور وَقَالَ ربيعَة رَأَيْت إِحْدَى يَدَيْهِ ثَابِتَة الْأَثر وَالْأُخْرَى فَاسِدَة الْأَثر فَعرفت أَنه أفسدها بِشدَّة وطئته لإزوراره وَقَالَ إياد عرفت بتره باجتماع بعره وَلَو كَانَ ذيالاً لمصع بعره بِهِ وَقَالَ أَنْمَار عرفت أَنه شرود أَنه كَانَ يرْعَى فِي الْمَكَان الملتف نبته ثمَّ يجوز إِلَى مَكَان آخر أرق مِنْهُ وأخبث فَقَالَ الشَّيْخ لَيْسُوا بأصحاب بعيرك فاطلبه ثمَّ سَأَلَهُمْ من هم فأخبروه فَرَحَّبَ بهم وَقَالَ تحتاجون إِلَيّ وَأَنْتُم كَمَا أرى فَدَعَا لَهُم بِطَعَام فَأكل وأكلوا وَشرب وَشَرِبُوا فَقَالَ مُضر لم أر كَالْيَوْمِ خمرًا أَجود لَوْلَا أَنَّهَا على قبر وَقَالَ ربيعَة لم أر كَالْيَوْمِ لَحْمًا أطيب لَوْلَا أَنه رَبِّي بِلَبن كلبة وَقَالَ إياد لم أر كَالْيَوْمِ رجلا سرياً لَوْلَا أَنه لَيْسَ لِأَبِيهِ الَّذِي يَدعِي لَهُ وَقَالَ أَنْمَار لم أر كَالْيَوْمِ كلَاما أَنْفَع من حاجتنا فَلَمَّا سمع صَاحبهمْ كَلَامهم فَقَالَ مَا هَؤُلَاءِ إِلَّا شياطين فَسَأَلَ أمه فَأَخْبَرته أَنَّهَا كَانَت تَحت ملك وَلَا يُولد لَهُ ولد فَكرِهت أَن يذهب الْملك فأسكنت رجلا نزل بهم من نَفسهَا فَوَطِئَهَا وَقَالَ للقهرمان الْخمر الَّتِي شربناها مَا أمرهَا قَالَ من حَبَّة غرستها على قبر أَبِيك وَسَأَلَ الرَّاعِي عَن اللَّحْم مَا أمره فَقَالَ شَاة أرضعناها من لبن كلبة وَلم يكن ولد فِي الْغنم شَيْء غَيرهَا فَأَتَاهُم فَقَالَ قصو قصتكم فقصوا عَلَيْهِ مَا وصّى بِهِ أبوهم وَمَا كَانَ من اخْتلَافهمْ فَقَالَ مَا أشبه الْقبَّة الْحَمْرَاء من مَال فَهُوَ لمضر فَصَارَت لَهُ الدَّنَانِير وَالْإِبِل وَهن حمر فسميت مُضر الْحَمْرَاء وَمَا أشبه الخباء الْأسود من دَابَّة وَمَال فَهُوَ لِرَبِيعَة فَصَارَت لَهُ الْخَيل وَهِي دهم فَسُمي ربيعَة الْفرس وَمَا أشبه الْخَادِم وَكَانَت شَمْطَاء من مَال فِيهِ بلق فَهُوَ لإياد فَصَارَت لَهُ الْمَاشِيَة البلق من الْخَيل وَالْبَقر وَقضى لأنمار بِالدَّرَاهِمِ وَالْأَرْض فَسَارُوا من عِنْده على ذَلِك قَالَ مؤلف الْكتاب وَاعْلَم أَن الْعَرَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 تضرب الْمثل للذكي بالدهاء فَيَقُولُونَ أدهى من قيس بن زُهَيْر وَهُوَ سيد عبس وَكَانَ شَدِيد الذكاء وَمن كَلَامه أَرْبَعَة لَا يطاقون عبد ملك ونذل شبع وَأمة ورثت وقبيحة تزوجت عَن الشّعبِيّ قَالَ خرج عَمْرو بن معد يكرب يَوْمًا حَتَّى انْتهى إِلَى حَيّ فَإِذا بفرس مشدودة ورمح مركوز وَإِذا صَاحبه فِي وهدة يقْضِي حَاجته فَقلت لَهُ خُذ حذرك فَإِنِّي قَاتلك قَالَ وَمن أَنْت قلت عَمْرو بن معد يكرب قَالَ يَا أَبَا ثَوْر مَا أنصفتني أَنْت على ظهر فرسك وَأَنا فِي بِئْر فَأعْطِنِي عهدا إِنَّك لَا تقتلني حَتَّى أركب فرسي وَأخذ جذري فأعطيته عهدا أَن لَا أَقتلهُ حَتَّى يركب فرسه وَيَأْخُذ حذره فَخرج من الْموضع الَّذِي كَانَ فِيهِ حَتَّى أحتبي بِسَيْفِهِ وَجلسَ فَقلت لَهُ مَا هَذَا قَالَ مَا أَنا بِرَاكِب فرسي وَلَا مقاتلك فَإِن كنت نكثت عهدا فَأَنت أعلم فتركته ومضيت فَهَذَا أُحِيل من رَأَيْت عَن أبي حَاتِم الْأَصْمَعِي قَالَ حَدثنَا شيخ من بني العنبرة قَالَ أسرت بني شَيبَان رجلا من بني العنبر فَقَالَ لَهُم أرسل إِلَى أَهلِي ليفدوني قَالُوا وَلَا تكلم الرَّسُول إِلَّا بَين أَيْدِينَا فجاؤه برَسُول فَقَالَ لَهُ ائْتِ قومِي فَقل لَهُم أَن الشّجر قد أَوْرَق وَأَن النِّسَاء قد اشتكت ثمَّ قَالَ لَهُ أتعقل قَالَ نعم اعقل قَالَ فَمَا هَذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ قَالَ هَذَا اللَّيْل قَالَ أَرَاك تعقل انْطلق فَقل لأهلي عروا جملي الأصهب واركبوا نَاقَتي الْحَمْرَاء وسلوا حَارِثَة عَن أَمْرِي فَأَتَاهُم الرَّسُول فأرسلوا إِلَى حَارِثَة فَقص عَلَيْهِم الرَّسُول الْقِصَّة فَلَمَّا خلا مَعَهم قَالَ أما قَوْله أَن الشّجر قد أَوْرَق فَإِنَّهُ يُرِيد أَن الْقَوْم قد تسلحوا وَقَوله أَن النِّسَاء قد اشتكت فَإِنَّهُ يُرِيد أَنَّهَا قد اتَّخذت الشكا للغزور وَهِي الأسقية وَقَوله هَذَا اللَّيْل يُرِيد يأتوكم مثل اللَّيْل أَو فِي اللَّيْل وَقَوله عروا جملي الأصهب يُرِيد ارتحلوا عَن الصمان وَقَوله اركبوا نَاقَتي يُرِيد اركبوا الدهناء فَلَمَّا قَالَ لَهُم ذَلِك تحملوا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 مكانهم فَأَتَاهُم الْقَوْم فَلم يَجدوا مِنْهُم أحد قَالَ مؤلف الْكتاب وَبَلغنِي عَن أبي الْأَعرَابِي قَالَ أسرت طَيء رجلا شَابًّا من الْعَرَب فَقدم عَلَيْهِ أَبوهُ وَعَمه ليفدياه فاشتطوا عَلَيْهِمَا فِي الْفِدَاء فأعطيا بِهِ عَطِيَّة لم يرضوها فَقَالَ أَبوهُ لَا وَالَّذِي جعل الفرقدين يصبحان ويمسيان على جبل طَيئ لَا أَزِيدكُم على مَا أَعطيتكُم ثمَّ انصرفا فَقَالَ الْأَب للعم لقد ألقيت إِلَى ابْني كلمة لَئِن كَانَ فِيهِ خير لينجون فَمَا لبث أَن جَاءَ وطرد قِطْعَة من أبلهم فَذهب بهَا كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ الزم الفرقدين على جبل طَيئ فَإِنَّهُمَا طالعان عَلَيْهِ وَلَا يغيبان عَنهُ حَدثنَا ابْن الْأَعرَابِي عَن بعض مشايخه أَن رجلا من بني تَمِيم كَانَت لَهُ ابْنة جميلَة وَكَانَ غيوراً فابتنى لَهَا فِي دَاره صومعة وَجعلهَا فِيهَا وَزوجهَا من أكفائه من بني عَمها وَأَن فَتى من كنَانَة مر بالصومعة فَنظر إِلَيْهَا وَنظرت إِلَيْهِ فَاشْتَدَّ وجد كل وَاحِد مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَلم يُمكنهُ الْوُصُول إِلَيْهَا وَأَنه افتعل بَيْتا من الشّعْر ودعا غُلَاما من الْحَيّ فَعلمه الْبَيْت وَقَالَ لَهُ ادخل هَذِه الدَّار وانشد كَأَنَّك لاعب وَلَا ترفع رَأسك وَلَا تصوبه وَلَا تومئ فِي ذَلِك إِلَى أحد فَفعل الْغُلَام مَا أَمر بِهِ وَكَانَ زوج الْجَارِيَة قد أزمع على سفر بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ فَأَنْشد الْغُلَام يَقُول (لحى الله من يلحي على الْحبّ أَهله ... وَمن يمْنَع النَّفس اللجوج هَواهَا) قَالَ فَسمِعت الْجَارِيَة ففهمت فَقَالَت (إِلَّا إِنَّمَا بَين التَّفَرُّق لَيْلَة ... وتعطى نفوس العاشقين مناها) قَالَ فَسمِعت الْأُم ففهمت فأنشأت تَقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 (إِلَّا إِنَّمَا تعنون نَاقَة رحلكم ... فَمن كَانَ ذَا نُوق لَدَيْهِ رعاها) قَالَ فَسمع الْأَب فَأَنْشَأَ يَقُول (فَأَنا سنرعاها ونوثق قيدها ... ونطرد عَنْهَا الْوَحْش حِين أَتَاهَا) فَسمع الزَّوْج ففهم فَأَنْشَأَ يَقُول (سَمِعت الَّذِي قُلْتُمْ فها أَنا مُطلق ... فتاتكم مهجورة لبلاها) قَالَ فَطلقهَا الزَّوْج وخطبها ذَلِك الْفَتى وأرغبهم فِي الْمهْر فَتَزَوجهَا حَدثنَا الْعُتْبِي قَالَ اشْتَدَّ الْحر عندنَا بِالْبَصْرَةِ لَيْلَة وركدت الرّيح فَقيل لإعرابي كَيفَ هواؤكم البارحة قَالَ امسك كَأَنَّهُ يستمع حَدثنَا الرّبيع قَالَ سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول وقف إعرابي على قوم فَقَالَ رحمكم الله أَنِّي من أَبنَاء سَبِيل وأفضاء سفر فرحم الله امْرأ أعْطى من سَعَة وواسى من كفاف فَأعْطَاهُ رجل درهما فَقَالَ لَهُ آجرك الله من غير أَن يبتليك عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ قَالَ رجل من الْأَعْرَاب لِأَخِيهِ أتشرب الخازر من اللَّبن وَلَا تتنحنح فَقَالَ نعم فتجاعلا جعلا فَلَمَّا شربه أَذَاهُ فَقَالَ كَبْش أَمْلَح وَنبت أقبح وَأَنا فِيهِ أسجح فَقَالَ أَخُوهُ قد تنحنحت فَقَالَ من تنحنح فَلَا أَفْلح حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي قَالَ قدم إعرابي من أهل الْبَادِيَة على رجل من أهل الْحَضَر قَالَ فأنزله وَكَانَ عِنْده دَجَاج كثير وَله امْرَأَة وابنان وابنتان مِنْهُمَا قَالَ فَقلت لامرأتي اشوي لي دجَاجَة وقدميها لنا نتغدى بهَا فَلَمَّا حضر الْغَدَاء جلسنا جَمِيعًا أَنا وامرأتي وابناي وابنتاي والأعرابي قَالَ فدفعنا إِلَيْهِ الدَّجَاجَة فَقُلْنَا اقسمها بَيْننَا نُرِيد بذلك أَن نضحك مِنْهُ قَالَ لَا أحسن الْقِسْمَة فَإِن رَضِيتُمْ بقسمتي قسمت بَيْنكُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 قُلْنَا فَإنَّا نرضى قَالَ فَأخذ رَأس الدَّجَاجَة فَقَطعه ثمَّ ناولنيه وَقَالَ الرَّأْس للرئيس ثمَّ قطع الجناحين قَالَ والجناحان للابنين ثمَّ قطع السَّاقَيْن فَقَالَ والساقان للابنتين ثمَّ قطع الزمكي وَقَالَ الْعَجز للعجوز ثمَّ قَالَ الزُّور للزائر فَأخذ الدَّجَاجَة بأسرها فَلَمَّا كَانَ من الْغَد قلت لامرأتي أشوي لنا خمس دجاجات فَلَمَّا حضر الْغَدَاء قُلْنَا اقْسمْ بَيْننَا قَالَ أظنكم وجدْتُم من قسمتي أمس قُلْنَا لَا لم نجد فاقسم بَيْننَا فَقَالَ شفعا أَو وترا قُلْنَا وترا قَالَ نعم أَنْت وامرأتك ودجاجة ثَلَاثَة وَرمى بدجاجة ثمَّ قَالَ وابناك ودجاجة ثَلَاثَة وَرمى الثَّانِيَة ثمَّ قَالَ وابنتاك ودجاجة ثَلَاثَة ثمَّ قَالَ وَأَنا ودجاجتان ثَلَاثَة فَأخذ الدجاجتين فرآنا وَنحن نَنْظُر إِلَى دجاجتيه قَالَ مَا تنْظرُون لَعَلَّكُمْ كرهتم قسمتي الْوتر مَا تَجِيء إِلَّا هَكَذَا قُلْنَا فاقسمها شفعا قَالَ فقبضهن إِلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَنْت وابناك ودجاجة أَرْبَعَة وَرمى إِلَيْهِ بدجاجة والعجوز وابنتاها ودجاجة أَرْبَعَة وَرمى إلَيْهِنَّ بدجاجة ثمَّ قَالَ وَأَنا وَثَلَاث دجاجات أَرْبَعَة وَضم إِلَيْهِ ثَلَاث دجاجات ثمَّ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَقَالَ الْحَمد لله أَنْت فهمتها لي قَالَ قيل لأعرابي كَيفَ أَصبَحت قَالَ أَصبَحت وَأرى كل شَيْء مني فِي إدبار وإدباري فِي إقبال حَدثنِي مهْدي بن سَابق قَالَ اقبل أَعْرَابِي يُرِيد رجلا وَبَين يَدي الرجل طبق تين فَلَمَّا أبْصر الإعرابي غطى التِّين بكسائه والإعرابي يلاحظه فَجَلَسَ بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ الرجل هَل تحسن من الْقُرْآن شَيْئا قَالَ نعم فاقرأ فَقَرَأَ {وَالزَّيْتُون وطور سينين} قَالَ الرجل فَأَيْنَ التِّين قَالَ التِّين تَحت كسائك حَدثنَا عِيسَى بن عمر قَالَ ولي إعرابي الْبَحْرين فَجمع يهودها وَقَالَ مَا تَقولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم قَالُوا نَحن قَتَلْنَاهُ وصلبناه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 فَقَالَ الإعرابي لَا جرم فَهَل أديتم دِيَته فَقَالُوا لَا فَقَالَ وَالله لَا تخرجُونَ من عِنْدِي حَتَّى تُؤَدُّوا إِلَيّ دِيَته فَمَا خَرجُوا حَتَّى دفعوها لَهُ حَدثنَا ابْن قُتَيْبَة قَالَ كَانَ أَبُو العاج على حوالي الْبَصْرَة فَأتى بِرَجُل من النَّصَارَى فَقَالَ مَا اسْمك فَقَالَ بنْدَار شهر بنْدَار فَقَالَ أَنْتُم ثَلَاثَة وحزية وَاحِدَة لَا وَالله الْعَظِيم فَأخذ مِنْهُ ثَلَاث حزى قَالَ وَولى تبَالَة فَصَعدَ الْمِنْبَر فَمَا حمد الله وَلَا أثنى عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ إِن الْأَمِير ولاني بلدكم وَأَنِّي وَالله مَا أعرف من الْحق مَوضِع صوتي هَذَا وَلنْ أُوتِيَ بظالم وَلَا مظلوم إِلَّا أوجعتهما ضربا فَكَانُوا يتعاطون الْحق بَينهم وَلَا يرتفعون إِلَيْهِ قَالَ روى أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى عَمْرو بن عبيد فَقَالَ لَهُ أَن نَاقَتي سرقت فَادع الله أَن يردهَا عَليّ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَن نَاقَة هَذَا الْفَقِير سرقت وَلم ترد سرقتها اللَّهُمَّ أرددها عَلَيْهِ فَقَالَ الْأَعرَابِي يَا شيخ الْآن ذهبت نَاقَتي ويئست مِنْهَا قَالَ وَكَيف قَالَ لِأَنَّهُ إِذا أَرَادَ أَن لَا تسرق فسرقت لم آمن أَن يُرِيد رُجُوعهَا فَلَا ترجع ونهض من عِنْده منصرفاً اسْتَأْذن حَاجِب بن زُرَارَة على كسْرَى فَقَالَ لَهُ الْحَاجِب من أَنْت قَالَ أَنا رجل من الْعَرَب فَإِذن لَهُ فَلَمَّا وقف بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ من أَنْت قَالَ سيد الْعَرَب قَالَ ألم تقل للحاجب أَنا رجل مِنْهُم قَالَ بلَى ولكنني وقفت بِبَاب الْملك وَأَنا رجل مِنْهُم فَلَمَّا وصلت إِلَى الْملك سدتهم فَقَالَ كسْرَى زه أحشوا فَاه درا قَالَ الجاحظ قَالَ رجل لأعرابي أتهمز إِسْرَائِيل قَالَ أَنِّي أذن لرجل سوء قَالَ تجر فلسطين قَالَ أَنِّي إِذن لقوي قَالَ كتب أَبُو صاعد الشَّاعِر إِلَى الغنوى رقْعَة فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 (رَأَيْت فِي النّوم إِنِّي مَالك فرسا ... ولي نصيف وَفِي كفي دَنَانِير) (فَقَالَ قوم لَهُم علم وَمَعْرِفَة ... رَأَيْت خيرا وللأحلام تَفْسِير) (أقصص مَنَامك فِي دَار الْأَمِير تَجِد ... تَحْقِيق ذَاك وللفال التباشير) فَلَمَّا قَرَأَهَا كتب فِي ظهرهَا {أضغاث أَحْلَام وَمَا نَحن بِتَأْوِيل الأحلام بعالمين} قَالَ أنْشد رجل أَبَا عُثْمَان الْمَازِني شعرًا لَهُ قَالَ كَيفَ ترَاهُ قَالَ أَرَاك قد عملت عملا بِإِخْرَاج هَذَا من جوفك لِأَنَّك لَو تركته لأورثك الشَّك قيل نزل إعرابي فِي سفينة فَاحْتَاجَ إِلَى البرَاز فصاح الصَّلَاة الصَّلَاة فقربوا إِلَى الشط فَخرج فَقضى حَاجته ثمَّ رَجَعَ قَالَ ادفعوا فَعَلَيْكُم بعد وَقت وقف أَعْرَابِي على قوم فَسَأَلَهُمْ عَن أسمائهم فَقَالَ أحدهم اسْمِي وثيق وَقَالَ الآخر منيع وَقَالَ الآخر اسْمِي ثَابت وَقَالَ وَقَالَ الآخر أسمي شَدِيد فَقَالَ الْأَعرَابِي مَا أَظن الأقفال عملت إِلَّا من أسمائكم قَالَ هِشَام بن عبد الْملك يَوْمًا لأَصْحَابه من يسبني وَلَا يفحش وَهَذَا الْمطرف لَهُ وَكَانَ فيهم أَعْرَابِي فَقَالَ القه يَا أَحول فَقَالَ خُذْهُ قَاتلك الله وقف أَبُو العيناء على بَاب صاعد فَقيل لَهُ هُوَ يُصَلِّي فَانْصَرف وَعَاد فَقيل لَهُ فِي الصَّلَاة فَقَالَ لكل جَدِيد لَذَّة سُئِلَ الْحسن لأي شَيْء اسْتحبَّ صَوْم أَيَّام الْبيض فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقَالَ أَعْرَابِي فِي حلقته لكني أَدْرِي قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ لِأَن الْقَمَر لَا ينكسف إِلَّا فِيهِنَّ فَأحب الله عز وَجل أَن لَا يحدث فِي السَّمَاء أَمر أَلا حدثت لَهُ فِي الأَرْض عبَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 حضر إعرابي مائدة سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَجعل يمد يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْحَاجِب كل مِمَّا بَين يَديك فَقَالَ من أجدب انتجع فشق ذَلِك على سُلَيْمَان وَقَالَ لَا يعد إِلَيْنَا وَدخل إعرابي آخر فَمد يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْحَاجِب كل مِمَّا يليك فَقَالَ من أخصب تخير فأعجب ذَلِك سُلَيْمَان وَقضى حَوَائِجه حدث ابْن الْمُدبر قَالَ انْفَرد الرشيد وَعِيسَى بن جَعْفَر بن الْمَنْصُور وَالْفضل بن الرّبيع فِي طَرِيق الصَّيْد فَلَقوا إعرابياً فصيحاً فولع بِهِ عِيسَى إِلَى أَن قَالَ لَهُ يَا ابْن الزَّانِيَة فَقَالَ لَهُ بئْسَمَا قلت قد وَجب عَلَيْك ردهَا أَو الْعِوَض فارض بِهَذَيْنِ المليحين بحكمان بَيْننَا قَالَ عِيسَى قد رضيت فَقَالَا للأعرابي خُذ مِنْهُ دانقين عوضا من شتمك فَقَالَ هَذَا الحكم قَالَ نعم قَالَ فَهَذَا دِرْهَم خذوه وأمكم جَمِيعًا زَانِيَة وَقد أرجحت لكم بدل مَا وَجب لي عَلَيْكُم فغلب عَلَيْهِم الضحك وَمَا كَانَ لَهُم سرُور فِي ذَاك النَّهَار إِلَّا حَدِيث الْأَعرَابِي وضمه الرشيد إِلَى خاصته سمع إعرابي رجلا يروي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ من نوى حجَّة وعاقه عَنْهَا عائق كتبت لَهُ فَقَالَ الْأَعرَابِي مَا وَقع الْعَام كِرَاء أرخص من هَذَا نظر إعرابي إِلَى الْبَدْر فِي رَمَضَان فَقَالَ سمنت فأهزلتني أَرَانِي الله فِيك السبل ودعا إعرابي على عَامل فَقَالَ صب الله عَلَيْك الصادات يَعْنِي الصفع وَالصرْف والصلب وَقَالَ إعرابي اللَّهُمَّ من ظَلَمَنِي مرّة فاجزه وَمن ظَلَمَنِي مرَّتَيْنِ فأجزني وأجزه وَمن ظَلَمَنِي ثَلَاث مَرَّات فاجزني وَلَا تجزه وَقَالَ إعرابي لامْرَأَته أَيْن بلغت قدركم قَالَت قد قَامَ خطيبها تعنى الغليان وقف الْمهْدي على عَجُوز من الْعَرَب فَقَالَ لَهَا مِمَّن أَنْت فَقَالَت من طيىء فَقَالَ مَا منع طياً أَن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 فيهم آخر مثل حَاتِم فَقَالَت مسرعة الَّذِي منع الْمُلُوك أَن يكون فيهم مثلك فَعجب من سرعَة جوابها وَأمر لَهَا بصلَة وَقَالَ الْأَصْمَعِي سَأَلت إعرابية عَن وَلَدهَا كنت أعرفهُ فَقَالَت مَاتَ وَالله قد آمنني الله بفقده المصائب ثمَّ قَالَت (وَكنت أَخَاف الدَّهْر مَا كَانَ بَاقِيا ... فَلَمَّا تولى مَاتَ خوفي من الدَّهْر) سمع ابْن الإعرابي رجلا يَقُول أتوسل إِلَيْكُم بعلي وَمُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ جمعت بن ساكنين حَدثنَا مُحَمَّد بن سعد قَالَ كَانَ الهرمزان من أهل فَارس فَلَمَّا انْقَضى أَمر جلولاً خرج يزدْ جرد من حلوان إِلَى أَصْبَهَان ثمَّ أَتَى اصطخر وَوَجهه الهرمزان إِلَى بَلْدَة تستر فضبطها وتحصن فِي القلعة وحاصرهم أَبُو مُوسَى ثمَّ نزل أهل القلعة على حكم عمر فَبعث أَبُو مُوسَى بالهرمزان وَمَعَهُ اثْنَا عشر أَسِيرًا من الْعَجم عَلَيْهِم الديباج ومناطق الذَّهَب وأسورة الذَّهَب فَقدم بهم الْمَدِينَة فِي زيهم ذَلِك فَجعل النَّاس يعْجبُونَ فَأتوا بهم منزل عمر فَلم يصادفوه فَجعلُوا يطلبونه فَقَالَ الهرمزان بِالْفَارِسِيَّةِ قد ضل ملككم فَقيل لَهُم هُوَ فِي الْمَسْجِد فَدَخَلُوا فوجدوه نَائِما متوسداً رِدَاءَهُ فَقَالَ الهرمزان إِن هَذَا ملككم قَالُوا هَذَا الْخَلِيفَة قَالَ أما لَهُ حَاجِب وَلَا حارس قَالُوا الله حارسه حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِ أَجله فَقَالَ الهرمزان هَذَا الْملك الهني فَقَالَ عمر الْحَمد لله الَّذِي أذلّ هَذَا وشيعته بِالْإِسْلَامِ فَاسْتَسْقَى الهرمزان فَقَالَ عمر لَا يجمع عَلَيْك الْقَتْل والعطش فَدَعَا لَهُ بِمَاء فَأمْسك بِيَدِهِ فَقَالَ عمر اشرب لَا بَأْس عَلَيْك أَنِّي غير قَاتلك حَتَّى تشربه فَرمى بِالْإِنَاءِ من يَده فَأمر عمر بقتْله فَقَالَ أولم تؤمني قَالَ وَكَيف قَالَ قلت لي لَا بَأْس عَلَيْك فَقَالَ الزبير وَأنس وَأَبُو سعيد صدق فَقَالَ عمر قَاتله الله أَخذ أَمَانًا وَلَا أشعر ثمَّ أسلم بعد ذَلِك الهرمزان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ سَمِعت الْمُغيرَة بن شُعْبَة يَقُول مَا خدعني قطّ غير غُلَام من بني الْحَرْث بن كَعْب فَإِنِّي ذكرت امْرَأَة مِنْهُم وَعِنْدِي شَاب من بني الْحَرْث فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير أَنه لَا خير لَك فِيهَا فَقلت وَلم قَالَ رَأَيْت رجلا يقبلهَا فأقمت أَيَّامًا ثمَّ بَلغنِي أَن الْفَتى تزوج بهَا فَأرْسلت إِلَيْهِ فَقلت ألم تعلمني انك رَأَيْت رجلا يقبلهَا قَالَ بلَى رَأَيْت أَبَاهَا يقبلهَا فَإِذا ذكرت الْفَتى وَمَا صنع غمني ذَلِك قَالَ الْهَيْثَم وَأخْبرنَا الْفُرَات بن الْأَحْنَف بن مرح الْعَبْدي عَن أَبِيه أَن رجلا خطب إِلَى قوم فَقَالُوا مَا تعالج قَالَ أبيع الدَّوَابّ فَزَوجُوهُ ثمَّ سَأَلُوا عَنهُ فَإِذا هُوَ يَبِيع السنانير فخاصموه إِلَى شُرَيْح فَقَالَ السنانير دَوَاب وأنفذ تَزْوِيجه أخبرنَا الْأَصْمَعِي أَن مُحَمَّد بن الحنيفة أَرَادَ أَن يقدم الْكُوفَة أَيَّام الْمُخْتَار فَقَالَ الْمُخْتَار حِين بلغه ذَلِك أَن فِي الْمهْدي عَلامَة يضْربهُ رجل فِي السُّوق بِالسَّيْفِ فَلَا يضرّهُ فَلَمَّا بلغ ذَلِك مُحَمَّد أَقَامَ وَلم يقدم الْكُوفَة أخبرنَا دَاوُد بن الرشيد قَالَ قلت للهيثم بن عدي بِأَيّ شَيْء اسْتحق سعيد بن عُثْمَان أَن ولاه الْمهْدي الْقَضَاء وأنزله مِنْهُ تِلْكَ الْمنزلَة الرفيعة قَالَ أَن خَبره فِي اتِّصَاله بالمهدي ظريف فَإِن أَحْبَبْت شرحته لَك قَالَ قلت وَالله قد أَحْبَبْت ذَلِك قَالَ أعلم أَنه وافى الرّبيع الْحَاجِب حِين أفضت الْخلَافَة إِلَى الْمهْدي فَقَالَ اسْتَأْذن على أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ الرّبيع من أَنْت وَمَا حَاجَتك قَالَ أَنا رجل قد رَأَيْت لأمير الْمُؤمنِينَ رُؤْيا صَالِحَة وَقد أَحْبَبْت أَن تذكروني لَهُ فَقَالَ لَهُ الرّبيع يَا هَذَا أَن الْقَوْم لَا يصدقون مَا يرونه لأَنْفُسِهِمْ فَكيف مَا يرَاهُ لَهُم غَيرهم فاحتل بحيلة هِيَ أرد عَلَيْك من هَذِه فَقَالَ لَهُ إِن لم تخبره بمكاني سَأَلت من يوصلني إِلَيْهِ فَأَخْبَرته أَنِّي سَأَلتك الْأذن عَلَيْهِ فَلم تفعل فَدخل الرّبيع على الْمهْدي فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنكُمْ قد أطمعتم النَّاس فِي أَنفسكُم فقد احْتَالُوا لكم بِكُل ضرب قَالَ لَهُ هَكَذَا صنع الْمُلُوك فَمَا ذَاك قَالَ رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 بِالْبَابِ يزْعم أَنه قد رأى لأمير الْمُؤمنِينَ رُؤْيا حَسَنَة وَقد أحب أَن يقصها عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْمهْدي وَيحك يَا ربيع أَنِّي وَالله أرى الرُّؤْيَا لنَفْسي فَلَا تصح لي فَكيف إِذا ادَّعَاهَا من لعِلَّة قد افتعلها قَالَ وَالله قلت لَهُ مثل هَذَا فَلم يقبل قَالَ هَات الرجل فَأدْخل إِلَيْهِ سعيد بن عبد الرَّحْمَن وَكَانَ لَهُ رُؤْيَة وجمال ومروءة ظَاهِرَة ولحية عَظِيمَة ولسان فَقَالَ لَهُ الْمهْدي هَات بَارك الله عَلَيْك مَاذَا رَأَيْت قَالَ رَأَيْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ آتِيَا أَتَانِي فِي مَنَامِي فَقَالَ لي أخبر أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي أَنه يعِيش ثَلَاثِينَ سنة فِي الْخلَافَة وَآيَة ذَلِك أَنه يرى فِي ليلته هَذِه فِي مَنَامه كَأَنَّهُ يقلب يَوَاقِيت ثمَّ يعدها فيجدها ثَلَاثِينَ ياقوتة كَأَنَّهَا قد وهبت لَهُ فَقَالَ الْمهْدي مَا أحسن مَا رَأَيْت وَنحن نمتحن رُؤْيَاك فِي ليلتنا الْمُقبلَة على مَا أخبرتنا بِهِ فَإِن كَانَ الْأَمر على مَا ذكرته أعطيناك مَا تُرِيدُ وَإِن كَانَ الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك لعلمنا أَن الرُّؤْيَا رُبمَا صدقت وَرُبمَا اخْتلفت قَالَ لَهُ سعيد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمَا أَنا أصنع السَّاعَة إِذا صرت إِلَى منزلي وعيالي فَأَخْبَرتهمْ إِنِّي كنت عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ رجعت صفرا قَالَ لَهُ الْمهْدي فَكيف نعمل قَالَ يعجل لي أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أحب وأحلف لَهُ بِالطَّلَاق أَنِّي قد صدقت فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَأمر أَن يُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل ليحضره من غَد ذَلِك الْيَوْم فَقبض المَال وَقيل من يكفل بك فَمد عَيْنَيْهِ إِلَى خَادِم فَرَآهُ حسن الْوَجْه والزي فَقَالَ هَذَا يكفل بِي فَقَالَ لَهُ الْمهْدي أتكفل بِهِ فاحمر وخجل وَقَالَ نعم وكفله وَانْصَرف فَلَمَّا كَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة رأى الْمهْدي مَا ذكره لَهُ سعيد حرفا حرفا وَأصْبح سعيد فِي الْبَاب وَاسْتَأْذَنَ فَأذن لَهُ فَلَمَّا وَقعت عين الْمهْدي عَلَيْهِ قَالَ أَيْن مصداق مَا قلت لنا قَالَ لَهُ سعيد وَمَا رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ شَيْئا فضجع فِي جَوَابه فَقَالَ سعيد امْرَأَتي طَالِق إِن لم تكن رَأَيْت شَيْئا قَالَ لَهُ الْمهْدي وَيحك مَا أجرأك على الْحلف بِالطَّلَاق قَالَ لأنني أَحْلف على صدق قَالَ لَهُ الْمهْدي فقد وَالله رَأَيْت ذَلِك مُبينًا فَقَالَ لَهُ سعيد الله أكبر فأنجز يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 مَا وَعَدتنِي قَالَ لَهُ حبا وكرامة ثمَّ أَمر لَهُ بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَعشرَة تخوت ثِيَاب من كل صنف وَثَلَاثَة مراكب من أنفس دوابه محلاة فَأخذ ذَلِك وَانْصَرف فلحق بِهِ الْخَادِم الَّذِي كَانَ كفل بِهِ وَقَالَ لَهُ سَأَلتك بِاللَّه هَل كَانَ لهَذِهِ الرُّؤْيَا الَّتِي ذكرتها من أصل قَالَ لَهُ سعيد لَا وَالله قَالَ الْخَادِم كَيفَ وَقد رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا ذكرته لَهُ قَالَ هَذِه من المخاريق الْكِبَار الَّتِي لَا يأبه لَهَا أمثالكم وَذَلِكَ أَنِّي لما ألقيت إِلَيْهِ هَذَا الْكَلَام خطر بِبَالِهِ وَحدث بِهِ نَفسه وَأسر بِهِ قلبه وشغل بِهِ فكره فساعة نَام خيل لَهُ مَا حل فِي قلبه وَمَا كَانَ شغل بِهِ فكره فِي الْمَنَام قَالَ لَهُ الْخَادِم فقد حَلَفت بِالطَّلَاق قَالَ طلقت وَاحِدَة وَبقيت معي على ثِنْتَيْنِ فأرد فِي مهر عشرَة دَرَاهِم وأتخلص وأتحصل على عشرَة آلَاف دِرْهَم وَثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَعشرَة تخوت من أَصْنَاف الثِّيَاب وَثَلَاثَة مراكب قَالَ فبهت الْخَادِم فِي وَجهه وتعجب من ذَلِك فَقَالَ لَهُ سعيد قد صدقتك وَجعلت صدقي لَك مكافآتك على كفالتك بِي فاستر على ذَلِك فَفعل ذَلِك فَطَلَبه الْمهْدي لمنادمته فنادمه وحظي عِنْده وقلده الْقَضَاء على عَسْكَر الْمهْدي فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ الْمهْدي قَالَ مؤلف الْكتاب هَكَذَا رويت لنا هَذِه الْحِكَايَة عَن عَاصِم الْأَحول قَالَ حَدثنَا سمير أَن رجلا خطب امْرَأَة وَتَحْته أُخْرَى فَقَالُوا لَا نُزَوِّجك حَتَّى تطلق قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قد طلقت ثَلَاثًا فَزَوجُوهُ وَأقَام على امْرَأَته وَادّعى الْقَوْم الطَّلَاق فَقَالَ لَهُم كَيفَ قلت قَالُوا قُلْنَا لَا نُزَوِّجك حَتَّى تطلق ثَلَاثًا فَقلت اشْهَدُوا أَنِّي قد طلقت ثَلَاثًا فَقَالَ أما تعلمُونَ أَنه كَانَ تحتي فُلَانَة بنت فلَان فطلقتها قَالُوا بلَى قَالَ فقد طلقت ثَلَاثًا قَالُوا مَا هَذَا أردنَا فَلَمَّا وَفد شَقِيق بن ثَوْر إِلَى عُثْمَان وَقدم علينا شَقِيق أخبر أَنه سَأَلَ عُثْمَان عَن ذَلِك فَجَعلهَا نِيَّة عَن عَوْف بن مُسلم النَّحْوِيّ عَن أَبِيه قَالَ خرج عمر بن مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 صَاحب السَّنَد وَأَصْحَابه يَسِيرُونَ فِي بِلَاد الشّرك فَرَأَوْا شَيخا وَمَعَهُ غُلَام وَقد كَانَ الْعَدو ندر بهم فَهَرَبُوا فَقَالَ عمر يَا شيخ دلنا على قَوْمك وَأَنت آمن قَالَ أَخَاف إِن دللتك أَن يسْعَى بِهِ هَذَا الْغُلَام إِلَى الْملك فَيَقْتُلنِي وَلَكِن أقتل هَذَا الْغُلَام حَتَّى أدلك فَضرب عنق الْغُلَام فَقَالَ الشَّيْخ إِنَّمَا كرهت أَن لم أخْبرك أَنا أَن يُخْبِرك الْغُلَام فَالْآن قد أمنت وَالله لَو كَانُوا تَحت قدمي مَا رفعتها فَضرب عُنُقه حَدثنَا الْحسن بن عمَارَة قَالَ أتيت الزُّهْرِيّ بعد أَن ترك الحَدِيث فَقلت أما أَن تُحَدِّثنِي وَأما أَن أحَدثك فَقَالَ حَدثنِي فَقلت حَدثنِي الحكم بن عتبَة عَن يحيى بن الجزار قَالَ سَمِعت عليا عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول مَا أَخذ الله عز وَجل على أهل الْجَهْل أَن ينتظموا حَتَّى أَخذ على أهل الْعلم أَن يعلمُوا قَالَ فَحَدثني أَرْبَعِينَ حَدِيثا حَدثنَا الْحميدِي قَالَ كُنَّا عِنْد سُفْيَان بن عُيَيْنَة فحدثنا بِحَدِيث زَمْزَم أَنه لما شرب لَهُ فَقَامَ رجل من الْمجْلس ثمَّ عَاد فَقَالَ لَهُ أَبَا مُحَمَّد أَلَيْسَ الحَدِيث بِصَحِيح الَّذِي حَدثنَا بِهِ فِي زَمْزَم أَنه لما شرب لَهُ فَقَالَ سُفْيَان نعم فَقَالَ أَنِّي قد شربت الْآن دلوا من زَمْزَم على أَن تُحَدِّثنِي بِمِائَة حَدِيث فَقَالَ سُفْيَان أقعد فحدثه بِمِائَة حَدِيث حَدثنَا ابْن أبي ذَر قَالَ كَانَ الْحَاج إِذا ورد جلس سُفْيَان عُيَيْنَة بِبَاب بني هَاشم على مَوضِع عَال ليرى النَّاس فجَاء رجل من أَصْحَاب الحَدِيث فَقعدَ بَين يَدَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد حَدثنِي فحدثه أَحَادِيث فَقَالَ زِدْنِي فزاده فَقَالَ زِدْنِي فزاده فَدفعهُ فِي صَدره فَوَقع إِلَى الْوَادي فتفاشى ذَلِك فَاجْتمع الْحَاج وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة قتل رجلا من الْحَاج فَلَمَّا كثر ذَلِك أشْفق سُفْيَان فَنزل إِلَى الرجل فَترك رَأسه فِي حجره وَقَالَ مَالك أَي شَيْء أَصَابَك فَلم يزل يرْكض رجلَيْهِ وَيزِيد من فِيهِ قَالَ وَكثر الضجيج سُفْيَان بن عُيَيْنَة قتل رجلا فَقَالَ لَهُ قُم وَيلك أما ترى النَّاس يَقُولُونَ فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 لَهُ وَهُوَ يخفي صَوته لَا وَالله لَا أقوم حَتَّى تُحَدِّثنِي مائَة حَدِيث عَن الزُّهْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار فَفعل فَقَامَ قَالَ المحسن بن عَليّ التنوخي عَن أَبِيه قَالَ حججْت فِي موسم اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين فَرَأَيْت مَالا عَظِيما وثياباً كَثِيرَة تفرق فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَقلت مَا هَذَا فَقَالُوا بخراسان رجل صَالح عَظِيم النِّعْمَة وَالْمَال يُقَال لَهُ على الزراد انفذ عَام أول مَالا وثياباً إِلَى هَهُنَا مَعَ ثِقَة لَهُ وَأمره أَن يعْتَبر قُريْشًا فَمن وجده مِنْهَا حَافِظًا لِلْقُرْآنِ دفع إِلَيْهِ كَذَا وَكَذَا ثوبا قَالَ فَحَضَرَ الرجل عَام أول فَلم يجد فِي قُرَيْش الْبَتَّةَ أحدا يحفظ الْقُرْآن إِلَّا رجلا وَاحِدًا من بني هَاشم فَأعْطَاهُ قسطه وتحدث النَّاس بِالْحَدِيثِ ورد بَاقِي المَال إِلَى صَاحبه فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِه السّنة عَاد بِالْمَالِ وَالثيَاب فَوجدَ خلقا عَظِيما من جَمِيع بطُون قُرَيْش قد حفظوا الْقُرْآن وتسابقوا إِلَى تِلَاوَته بِحَضْرَتِهِ وَأخذُوا الثِّيَاب وَالدَّرَاهِم فقد فنيت وَبَقِي مِنْهُم من لم يَأْخُذ وهم يطالبونه قَالَ فَقلت لقد توصل هَذَا الرجل إِلَى رد فَضَائِل قُرَيْش عَلَيْهَا بِمَا يشكره الله سُبْحَانَهُ لَهُ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله قَالَ كنت فِي بَيت عَمَّتي وَلها بنُون فَسَأَلت عَنْهُم فَقَالُوا قد مضوا إِلَى عبد الله بن دَاوُد فابطؤا ثمَّ جاؤا يذمونه وَقَالُوا طلبناه فِي منزله فَلم نجده وَقَالُوا هُوَ فِي بستينة لَهُ فقصدناه وَسلمنَا عَلَيْهِ وسألناه أَن يحدثنا فَقَالَ متعت بكم أَنا فِي شغل عَن هَذَا هَذِه البستينة لي فِيهَا معاش وتحتاج أَن تسقى وَلَيْسَ لنا من يسقيها فَقُلْنَا نَحن ندير الدولاب ونسقيها فَقَالَ إِن حضرتكم نِيَّة فافعلوا فأدرنا الدولاب حَتَّى سقينا الْبُسْتَان ثمَّ قُلْنَا لَهُ حَدثنَا الْآن فَقَالَ متعت بكم لَيْسَ لي نِيَّة فِي أَن أحدثكُم وَأَنْتُم كَانَت لكم نِيَّة تؤجرون عَلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 أخبرنَا عَليّ بن المحسن عَن أَبِيه قَالَ أَخْبرنِي جمَاعَة من شُيُوخ بَغْدَاد أَنه كَانَ بهَا فِي طرف الجسر سائلان أعميان أَحدهمَا يتوسل بأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ وَالْآخر بِمُعَاوِيَة ويتعصب لَهما النَّاس ويجمعان الْقطع فَإِذا انصرفا فيقتسمان الْقطع وَكَانَا يحتالان بذلك على النَّاس حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد الْموصِلِي قَالَا حَدثنَا بعض فتيَان الْموصِلِي قَالَ لما قتل نَاصِر الدولة أَبَا بكر بن رايق الْموصِلِي نهب النَّاس دَاره بالموصل فَدخلت لأنهب فَوجدت كيساً فِيهِ أَكثر من ألف دِينَار فَأَخَذته وَخفت أَن أخرج وَهُوَ معي كَذَلِك فيبصرني بعض الْجند فَيَأْخذهُ مني فطفت الدَّار فَوَقَعت على المطبخ فعمدت إِلَى قدرَة كَبِيرَة فِيهَا سكباج فطرحت الْكيس فِيهَا وحملتها على يَدي فَكل من استقبلني نظر أَنِّي ضَعِيف قد حَملَنِي الْجُوع على أَخذ تِلْكَ الْقُدْرَة الَّتِي سلمت إِلَى منزلي وحَدثني أَبُو الْحسن بن عَبَّاس القَاضِي قَالَ رَأَيْت صديقا على بعض زوارق الجسر بِبَغْدَاد جَالِسا فِي يَوْم شَدِيد الرّيح وَهُوَ يكْتب رقْعَة فَقلت وَيحك فِي هَذَا الْموضع وَهَذَا الْوَقْت قَالَ أُرِيد أَن أَزور على رجل مرتعش ويدي لَا تساعدني فتعمدت الْجُلُوس هَهُنَا لتحرك الزورق بالموج فِي هَذِه الرّيح فجيء خطى مرتعشاً فَيُشبه خطه قَالَ المحسن وحَدثني أَبُو الطّيب بن عبد الْمُؤمن قَالَ خرج بعض خذاق المكيدين من بَغْدَاد إِلَى حمص وَمَعَهُ امْرَأَته فَلَمَّا حصل بهَا قَالَ أَن هَذَا بلد حَمَاقَة وَأُرِيد أَن أعمل حِيلَة فتساعديني فَقَالَت شانك قَالَ كوني بموضعك وَلَا تجتازي بِي الْبَتَّةَ فَإِذا كَانَ كل يَوْم فَخذي لي ثُلثي رَطْل زبيب وثلثي رَطْل لوزا نيا فاعجنيه واجعليه وَقت الهاجرة على آجرة جَدِيدَة نظيفة لأعرفها فِي الْمِيضَاة الْفُلَانِيَّة وَكَانَت قريبَة من الْجَامِع وَلَا تزيديني على هَذَا شَيْئا وَلَا تمري بناحيتي فَقَالَت افْعَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَجَاء هُوَ فَاخْرُج جُبَّة صوف كَانَت مَعَه فلبسها وَسَرَاويل صوف ومئزر وَجعله على رَأسه وَلزِمَ اسطوانة يمر النَّاس عَلَيْهَا فصلى نَهَاره أجمع وَلَيْلَته أجمع لَا يستريح إِلَّا فِي الْأَوْقَات الْمَحْظُور فِيهَا الصَّلَاة فَإِذا جلس فِيهَا سبح وَلم ينْطق بِلَفْظِهِ فَتنبه على مَكَانَهُ وروعى مُدَّة وَوضعت الْعُيُون عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ لَا يقطع الصَّلَاة وَلَا يَذُوق الطَّعَام فتحير أهل الْبَلَد فِي أمره وَكَانَ لَا يخرج من الْجَامِع إِلَّا فِي وَقت الهاجرة فِي كل يَوْم دفْعَة إِلَى تِلْكَ الميضا فيبول فِيهَا ويعد إِلَى الآجرة وَقد عرفهَا وَعَلَيْهَا ذَاك المعجبون وَقد صَار منحلاً وصرته صُورَة الْغَائِط فَمن يدْخل وَيخرج لَا يشك أَنه غَائِط فيأكله فيقيم أوده وَيرجع فَإِذا كَانَ وَقت صَلَاة الْعَتَمَة أَو فِي اللَّيْل شرب من المَاء قدر كِفَايَته وَأهل حمص يظنون أَنه لَا يطعم الطَّعَام وَلَا يَذُوق المَاء فَعظم شَأْنه عِنْدهم فقصدوه وكلموه فَلم يجبهم وَأَحَاطُوا بِهِ فَلم يلْتَفت واجتهدوا فِي خطابه فَلَزِمَ الصمت فَزَاد مجلة عِنْدهم حَتَّى أَنهم كَانُوا يتمسحون بمكانه وَيَأْخُذُونَ التُّرَاب من مَوْضِعه ويحملون إِلَيْهِ المرضى وَالصبيان فيمسح بِيَدِهِ عَلَيْهِم فَلَمَّا رأى مَنْزِلَته وَقد بلغت إِلَى ذَلِك وَكَانَ قد مضى على هَذَا الصمت سنة اجْتمع مَعَ امْرَأَته فِي الْمِيضَاة وَقَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة حِين يُصَلِّي النَّاس فتعالي فاعلق بِي والطمي وَجْهي وَقَوْلِي يَا عَدو الله يَا فَاسق قتلت ابْني بِبَغْدَاد وهربت إِلَى هَهُنَا تتعبد وعبادتك مَضْرُوب بهَا وَجهك وَلَا تفارقيني واظهري أَنَّك تريدين قَتْلِي بابنك فَإِن النَّاس سيجتمعون إِلَيْك وأمنعهم أَنا من أذيتك واعترف باني قتلته وتبت وَجئْت إِلَى هَهُنَا لِلْعِبَادَةِ وَالتَّوْبَة والندم على مَا كَانَ مني فاطلبي قودي بإقراري وحملي إِلَى السُّلْطَان فيعرضون عَلَيْك الدِّيَة فَلَا تقبليها حَتَّى يبذلوا لَك عشر ديات أَو مَا اسْتَوَى لَك بِحَسب مَا تَرين من زيادتهم وحرصهم فَإِذا تناهت أَعطيتهم فِي افتدائي إِلَى حد يَقع لَك أَنهم لَا يزِيدُونَ بعده شَيْئا فاقبلي الْفِدَاء مِنْهُم واجمعي المَال وخذيه واخرجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 من يَوْمك إِلَى بَغْدَاد وَلَا تقيمي بِالْبَلَدِ فَإِنِّي سأهرب وأتبعك فَلَمَّا كَانَ من الْغَد جَاءَت الْمَرْأَة فتعلقت بِهِ وَفعلت بِهِ مَا قَالَ فَقَامَ أهل الْبَلَد ليقتلوها وَقَالُوا يَا عدوة الله هَذَا من الْإِبْدَال هَذَا قوام الْعَالم هَذَا قطب الْوَقْت فَأَوْمأ إِلَيْهِم أَن اصْبِرُوا وَلَا تناولوها بشر فصبروا وأوجز فِي صلَاته ثمَّ سلم وتمرغ فِي الأَرْض طَويلا ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس هَل سَمِعْتُمْ لي كلمة مُنْذُ أَقمت عنْدكُمْ فاستبشروا بِسَمَاع كَلَامه وَارْتَفَعت ضجة عَظِيمَة وَقَالُوا لَا قَالَ إِنِّي إِنَّمَا أَقمت عنْدكُمْ تَائِبًا مِمَّا ذكرته وَقد كنت رجلا فِي دفع وخسارة فقتلت ابْن هَذِه الْمَرْأَة وتبت وَجئْت إِلَى هَهُنَا لِلْعِبَادَةِ وَكنت مُحدثا نَفسِي بِالرُّجُوعِ لَهَا لتقتلني خوفًا من أَن تكون تَوْبَتِي مَا صحت وَمَا زلت أَدْعُو الله أَن يقبل تَوْبَتِي ويمكنها مني إِلَى أَن أجيبت دَعْوَتِي باجتماعي بهَا وتمكينها من قودي فدعوها تقتلني واستودعكم الله قَالَ فارتفعت الضجة والبكاء وَهُوَ مار إِلَى وَإِلَى الْبَلَد ليَقْتُلهُ بابنها فَقَالَ الشُّيُوخ يَا قوم لقد ضللتم عَن مداواة هَذِه المحنة وحراسة بلدكم بِهَذَا العَبْد الصَّالح فارفقوا بِالْمَرْأَةِ واسألوها قبُول الدِّيَة نجمعها من أَمْوَالنَا فطافوا بهَا وسألوها فَقَالَت لَا أفعل فَقَالُوا خذي ديتين فَقَالَت شَعْرَة من ابْني بِأَلف دِيَة فَمَا زَالُوا حَتَّى بلغُوا عشر ديات فَقَالَت اجْمَعُوا المَال فَإِذا رَأَيْته وطاب قلبِي بقبوله فعلت وَإِلَّا قتلت الْقَاتِل فَجمعُوا مائَة ألف دِرْهَم وَقَالُوا خذيها فَقَالَت لَا أُرِيد إِلَّا قتل قَاتل ابْني فِي نَفسِي أثر فاقبل النَّاس يرْمونَ ثِيَابهمْ وأرديتهم وخواتيمهم وَالنِّسَاء حليهن فَأخذت ذَلِك وأبرأته من الدَّم وانصرفت وَأقَام الرجل بعد ذَلِك فِي الْجَامِع أَيَّامًا يسيرَة حَتَّى علم أَنَّهَا قد بَعدت ثمَّ هرب فِي بعض اللَّيَالِي وَطلب فَلم يُوجد وَلَا عرف لَهُ خبر حَتَّى انْكَشَفَ لَهُم أَنه كَانَ حِيلَة بعد مُدَّة طَوِيلَة قَالَ كَانَ بِالْكُوفَةِ امْرَأَة قد ضَاقَ بزوجها المعاش فَقَالَت لَهُ لَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 خرجت فَضربت فِي الْبِلَاد وَطلبت من فضل الله تَعَالَى فَخرج إِلَى الشَّام فكسب ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فَاشْترى بهَا نَاقَة فارهة وَكَانَت زعرة فأضجرته واغتاظ مِنْهَا وَمن زَوجته حَيْثُ أَمرته بِالْخرُوجِ فَحلف بِالطَّلَاق ليبيعها يَوْم يدْخل الْكُوفَة بدرهم ثمَّ نَدم وَأخْبر زَوجته فعمدت إِلَى سنور فعلقتها فِي عنق النَّاقة وَقَالَت أدخلها السُّوق وناد عَلَيْهَا من يَشْتَرِي هَذَا السنور بثلاثمائة دِرْهَم والناقة بدرهم وَلَا فرق بَينهمَا فَفعل فجَاء إعرابي يَدُور حول النَّاقة وَيَقُول مَا أحسنك مَا أفرهك لَوْلَا هَذَا السنور الَّذِي فِي عُنُقك وبلغنا عَن أبي دلامة أَنه دخل على الْمهْدي فأنشده قصيدة فَقَالَ لَهُ سلني حَاجَتك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تهب لي كَلْبا فَغَضب وَقَالَ أَقُول لَك سلني حَاجَتك فَتَقول تهب لي كَلْبا فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحَاجة لي أم لَك قَالَ لَا بل لَك قَالَ فَإِنِّي أَسأَلك أَن تهب لي كلب صيد فَأمر لَهُ بكلب فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هبني خرجت إِلَى الصَّيْد أعدو على رجْلي فَأمر لَهُ بِدَابَّة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمن يقوم عَلَيْهَا فَأمر لَهُ بِغُلَام فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فهبني قصدت صيدا وأتيت بِهِ الْمنزل فَمن يطبخه فَأمر لَهُ بِجَارِيَة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَؤُلَاءِ أَيْن يبيتُونَ فَأمر لَهُ بدار فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد صيرت فِي عنقِي كفا أَي جمعا من عِيَال فَمن أَيْن مَا يتقوت بِهِ هَؤُلَاءِ قَالَ فَإِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أقطعك ألف جريب عَامر وَألف جريب غامرا فَقَالَ أما العامر فقد عَرفته فَمَا الغامر قَالَ الخراب الَّذِي لَا شَيْء فِيهِ قَالَ فَأَنا أقطع أَمِير الْمُؤمنِينَ مائَة ألف جريب بالدو ولكنني أسأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ من ألْقى جريب جريبا وَاحِدًا عَامِرًا قَالَ من أَيْن قَالَ من بَيت المَال فَقَالَ الْمهْدي حولوا المَال وَأَعْطوهُ جريباً فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذا حولوا مِنْهُ المَال صَار غامر فَضَحِك مِنْهُ وأرضاه كَانَ نَصْرَانِيّ يخْتَلف إِلَى الضَّحَّاك بن مُزَاحم فَقَالَ لَهُ يَوْمًا لم لَا تسلم قَالَ لِأَنِّي أحب الْخمر وَلَا اصبر عَنْهَا قَالَ فَاسْلَمْ واشربها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فَاسْلَمْ فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاك إِنَّك قد أسلمت الْآن فَإِن شربت حددناك وَأَن رجعت عَن الْإِسْلَام قتلناك وروى ضَمرَة عَن شودب قَالَ كَانَ لرجل جَارِيَة فَوَطِئَهَا سرا ثمَّ قَالَ لأَهله أَن مَرْيَم كَانَت تَغْتَسِل فِي هَذِه اللَّيْلَة فاغتسلوا فاغتسل هُوَ واغتسل أَهله قَالَ الجاحظ كَانَ رجل يرقى الضرس يسخر بِالنَّاسِ ليَأْخُذ مِنْهُم شيا وَكَانَ يَقُول للَّذي يرقيه إياك أَن يخْطر على قَلْبك اللَّيْلَة ذكر القرد فيبيت وجعاً فيبكر إِلَيْهِ فَيَقُول لَعَلَّك ذكرت القرد فَيَقُول نعم فَيَقُول من ثمَّ لم تنقع الرّقية وبلغنا عَن عقبَة الْأَزْدِيّ أَنه أَتَى بِجَارِيَة قد جنت فِي اللَّيْلَة الَّتِي أَرَادَ أَهلهَا أَن يدخلوها إِلَى زَوجهَا فعزم عَلَيْهَا فَإِذا هِيَ قد سَقَطت فَقَالَ لأَهْلهَا أَخْلو بِي بهَا فَقَالَ لَهَا اصدقيني عَن نَفسك وعَلى خلاصك فَقَالَت أَنه قد كَانَ لي صديق وَأَنا فِي بَيت أَهلِي وَأَنَّهُمْ أَرَادوا أَن يدخلُوا بِي على زَوجي وَلست ببكر فَخفت الفضيحة فَهَل عنْدك حِيلَة فِي أَمْرِي فَقَالَ نعم ثمَّ خرج إِلَى أَهلهَا فَقَالَ إِن الجني قد أجابني إِلَى الْخُرُوج مِنْهَا فَاخْتَارُوا من أَي عُضْو تحبون أَن أخرجه من أعضائها وَاعْلَمُوا أَن الْعُضْو الَّذِي يخرج مِنْهُ الجني لَا بُد أَن يهْلك وَيفْسد فَإِن خرج من عينهَا عميت وَإِن خرج من أذنها صمت وَإِن خرج من فهما خرست وَإِن خرج من يَدهَا شلت وَإِن خرج من رجلهَا عرجت وَإِن خرج من فرجهَا ذهبت عذرتها فَقَالَ أَهلهَا مَا نجد شيا أَهْون من ذهَاب عذرتها فَأخْرج الشَّيْطَان من فرجهَا فأوهم أَنه قد فعل وَدخلت الْمَرْأَة على زَوجهَا لطم رجل الْأَحْنَف بن قيس فَقَالَ لَهُ لم لطمتني قَالَ جعل لي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 جعل أَن ألطم سيد بني تَمِيم قَالَ مَا صنعت شيا عَلَيْك بحارثة بن قدامَة فَإِنَّهُ سيد بني تَمِيم فَانْطَلق فَلَطَمَهُ فَقطع يَده وَذَلِكَ مَا أَرَادَهُ الْأَحْنَف قَالَ الشَّيْخ حكى لنا أَبُو مُحَمَّد الخشاب النَّحْوِيّ قَالَ حَاز بعض الحاكة على طَبِيب فَرَآهُ يصف لهَذَا النقوع وَلِهَذَا التَّمْر هندي فَقَالَ من لَا يحسن مثل هَذَا فَرجع إِلَى زَوجته فَقَالَ اجعلي عمامتي كَبِيرَة فَقَالَت وَيحك أَي شَيْء قد طَرَأَ لَك قَالَ أُرِيد أَن أكون طَبِيبا قَالَت لَا تفعل فَإنَّك تقتل النَّاس فيقتلوك قَالَ لَا بُد فَخرج أول يَوْم فَقعدَ يصف للنَّاس فَحصل قراريط فجَاء فَقَالَ لزوجته أَنا كنت أعمل كل يَوْم بِحَبَّة فانظري إيش يحصل فَقَالَت لَا تفعل قَالَ لَا بُد فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي اجتازت جَارِيَة فرأته فَقَالَت لسيدتها وَكَانَت شَدِيدَة الْمَرَض اشْتهيت هَذَا الطَّبِيب الْجَدِيد يداويك قَالَت ابعثي إِلَيْهِ فجَاء وَكَانَت الْمَرِيضَة قد انْتهى مَرضهَا وَمَعَهَا ضعف فَقَالَ عَليّ بدجاجة مطبوخة فجيء بهَا فَأكلت فَقَوِيت ثمَّ استقامت فَبلغ هَذَا إِلَى السُّلْطَان فجَاء بِهِ فَشَكا إِلَيْهِ مَرضا يشتكيه فاتفق أَنه وصف لَهُ شَيْئا أصلح بِهِ فَاجْتمع إِلَى السُّلْطَان جمَاعَة يعْرفُونَ ذَاك الحائك فَقَالُوا لَهُ هَذَا رجل حائك لَا يدْرِي شَيْئا فَقَالَ السُّلْطَان هَذَا قد صلحت على يَدَيْهِ وصلحت الْجَارِيَة على يَدَيْهِ فَلَا أقبل قَوْلكُم قَالُوا فنجربه بمسائل قَالَ افعلوا فوضعوا لَهُ مسَائِل وسألوه عَنَّا فَقَالَ أَن أجبتكم عَن هَذِه الْمسَائِل لم تعلمُوا جوابها لِأَن الْجَواب لهَذِهِ الْمسَائِل لَا يعرفهُ إِلَّا طَبِيب وَلَكِن أَلَيْسَ عنْدكُمْ مارستان قَالُوا بلَى قَالَ أَلَيْسَ فِيهِ مرضى لَهُم مُدَّة قَالُوا بلَى قَالَ فَأَنا أداويهم حَتَّى ينْهض الْكل فِي عَافِيَة فِي سَاعَة وَاحِدَة فَهَل يكون دَلِيل على علمي أقوى من ذَلِك قَالُوا لَا فجَاء إِلَى بَاب المارستان وَقَالَ اقعدوا لَا يدْخل معي أحد ثمَّ دخل وَحده وَلَيْسَ مَعَه إِلَّا قيم المارستان فَقَالَ للقيم أَنَّك وَالله إِن تحدثت بِمَا أعمل صلبتك وَإِن سكت أغنيتك قَالَ مَا انطق قَالَ فأحلفه بِالطَّلَاق ثمَّ قَالَ عنْدك فِي هَذَا المارستان زَيْت قَالَ نعم قَالَ هاته فجَاء مِنْهُ بِشَيْء كثير فَصَبَّهُ فِي قدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 كَبِير ثمَّ أوقد تَحْتَهُ فَلَمَّا اشْتَدَّ غليانه صَاح بِجَمَاعَة المرضى فَقَالَ لأَحَدهم أَنه لَا يصلح لمرضك إِلَّا أَن تنزل إِلَى هَذَا الْقدر فتقعد فِي هَذَا الزَّيْت فَقَالَ الْمَرِيض الله الله فِي أَمْرِي قَالَ لَا بُد قَالَ أَنا قد شفيت وَإِنَّمَا كَانَ بِي قَلِيل من صداع قَالَ ايش يقعدك فِي المارستان وَأَنت معافى قَالَ لَا شَيْء قَالَ فَاخْرُج وَأخْبرهمْ فَخرج وَأخْبرهمْ فَخرج يعدو وَيَقُول شفيت بإقبال هَذَا الْحَكِيم ثمَّ جَاءَ إِلَى آخر فَقَالَ لَا يصلح لمرضك إِلَّا أَن تقعد فِي هَذَا الزَّيْت فَقَالَ الله الله أَنا فِي عَافِيَة قَالَ لَا بُد قَالَ لَا تفعل فَإِنِّي من أمس أردْت أَن أخرج قَالَ فَإِن كنت فِي عَافِيَة فَاخْرُج وَأخْبر النَّاس بأنك فِي عَافِيَة فَخرج يعدو وَيَقُول شفيت ببركة الْحَكِيم وَمَا زَالَ على هَذَا الْوَصْف حَتَّى أخرج الْكل شاكرين لَهُ وَالله الْمُوفق بلغنَا أَن امْرَأَة كَانَ لَهَا عشيق فَحلف عَلَيْهَا أَن لم تحتالي حَتَّى أطأك بِمحضر من زَوجك لم أُكَلِّمك فوعدته أَن تفعل ذَلِك فواعدها يَوْمًا وَكَانَ فِي دَارهم نَخْلَة طَوِيلَة فَقَالَت لزَوجهَا أشتهي أصعد هَذِه النَّخْلَة فاجتني من رطبها بيَدي فَقَالَ افعلي فَلَمَّا صَارَت فِي رَأس النَّخْلَة أشرفت على زَوجهَا وَقَالَت يَا فَاعل من هَذِه الْمَرْأَة الَّتِي مَعَك وَيلك أما تَسْتَحي تجامعها بحضرتي وَأخذت تشتمه وتصيح وَهُوَ يحلف أَنه وَحده وَمَا مَعَه أحد فَنزلت فَجعلت تخاصمه وَيحلف بِطَلَاقِهَا أَنه مَا كَانَ إِلَّا وَحده ثمَّ قَالَ لَهَا اقعدي حَتَّى أصعد أَنا فَلَمَّا صَار فِي رَأس النَّخْلَة استدعت صَاحبهَا فَوَطِئَهَا فَأطلع الزَّوْج فَرَأى ذَلِك فَقَالَ لَهَا جعلت فدَاك لَا يكون فِي نَفسك شَيْء مِمَّا رميتيني بِهِ فَإِن كل من يصعد هَذِه النَّخْلَة يرى مثل مَا رَأَيْت وَذكر أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى أَن الفرزدق مر بِامْرَأَة وَعَلِيهِ ثوب وشي فتعرض لَهَا فَقَالَت جاريتها مَا أحسن هَذَا الْبرد فَقَالَ هَل لَك أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أقبل مولاتك وَأهب لَهَا هَذَا الْبرد فَقَالَت الْجَارِيَة لمولاتها مَاذَا يَضرك من هَذَا الإعرابي الَّذِي لَا يعرفهُ النَّاس فَأَذنت لَهُ فقبلها وَأَعْطَاهَا الْبرد ثمَّ قَالَ لِلْجَارِيَةِ اسْقِنِي مَاء فَجَاءَتْهُ الْجَارِيَة بِمَاء فِي قدح زجاج وَلما وَضعته فِي يَده أَلْقَاهُ من يَده فانكسر فَقعدَ الفرزدق مَكَانَهُ إِلَى أَن جَاءَ صَاحب الدَّار فَقَالَ يَا أَبَا فراس أَلَك حَاجَة قَالَ لَا وَلَكِنِّي اسْتَسْقَيْت من هَذِه الدَّار مَاء فَأتيت بقدح من زجاج فَوَقع الْإِنَاء من يَدي فانكسر فَأخذُوا بردي رهنا فَدخل الرجل فشتم أَهله وَقَالَ ردوا على الفرزدق برده الْبَاب السَّابِع عشر فِي ذكر من احتال فانعكس عَلَيْهِ مَقْصُوده حَدثنَا ابراهيم قَالَ لما أسن مُعَاوِيَة اعتراه أرق وَكَانَ إِذا هُوَ نَام أيقظته النواقيس فَلَمَّا أصبح ذَات يَوْم وَدخل النَّاس عَلَيْهِ قَالَ يَا معشر الْعَرَب هَل فِيكُم من يفعل مَا أمره بِهِ وأعطيه ثَلَاث ديات أعجلها لَهُ وديتين إِذا رَجَعَ فَقَامَ فَتى من غَسَّان فَقَالَ أَنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ تذْهب بكتابي إِلَى ملك الرّوم فَإِذا صرت على بساطه أَذِنت قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ فَقَط قَالَ لقد كلفت صَغِيرا وَأعْطيت كثيرا فَلَمَّا خرج وَصَارَ على بِسَاط قَيْصر أذن فحارت البطارقة واخترطوا سيوفهم فَسبق إِلَيْهِ ملك الرّوم فجثى عَلَيْهِ وَجعل يسألهم بِحَق عِيسَى وبحقه عَلَيْهِم حَتَّى كفوا ثمَّ ذهب بِهِ إِلَى سَرِيره حَتَّى صعد بِهِ ثمَّ جعله بَين رجلَيْهِ فَقَالَ يَا معشر البطارقة إِن مُعَاوِيَة قد أسن وَمن أسن أرق وَقد آذنته النواقيس فَأَرَادَ أَن يقتل هَذَا على الآذان فَيقْتل من ببلاده على ضرب النواقيس وَبِاللَّهِ ليرجعن إِلَيْهِ على خلاف مَا ظن فَكَسَاهُ وجمله فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ أوقد جئتني سالما قَالَ أما من قبلك فَلَا وَيُقَال مَا ولى الْمُسلمين أحدا لَا وَملك الرّوم مثله أَن حازماً وَأَن عَاجِزا وَكَانَ الَّذِي ملكه على عهد عمر بن الْخطاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 هُوَ الَّذِي دون لَهُم الدَّوَاوِين ودوخ لَهُم الْعَدو وَكَانَ الَّذِي على عهد مُعَاوِيَة يشبه مُعَاوِيَة فِي حزمه وَعَمله حَدثنَا رجل من الْجند قَالَ خرجت من بعض بلدان الشَّام أُرِيد قَرْيَة من قراها فَلَمَّا صرت فِي الطَّرِيق وَقد سرت عدَّة فراسخ تعبت وَكنت على دَابَّة وَعَلَيْهَا خرجي ورحلي وَقد قرب الْمسَاء فَإِذا بحصن عَظِيم وَفِيه رَاهِب فِي صومعة فَنزل إِلَيّ واستقبلني وسألني الْمبيت عِنْده وَأَن يضيفني فَفعلت فَلَمَّا دخلت الدَّيْر لم أجد فِيهِ غَيْرِي فَأخذ بدابتي وَجعل رحلي فِي بَيت وَطرح للدابة الشّعير وَجَاءَنِي بِمَاء حَار وَكَانَ الزَّمَان شَدِيد الْبرد والثلج يسْقط وأوقد بَين يَدي نَارا عَظِيمَة وَجَاء بِطَعَام طيب فَأكلت وَمَضَت قِطْعَة من اللَّيْل فَأَرَدْت النّوم فَسَأَلته عَن طَرِيق النّوم ثمَّ سَأَلته عَن طَرِيق المستراح فدلني على طَرِيقه وَكَانَ فِي غرفَة فمشيت فَلَمَّا صرت على بَاب المستراح إِذا بَارِية عَظِيمَة فَلَمَّا صَارَت رجلاي عَلَيْهَا نزلت فَإِذا أَنا فِي الصحرة وَإِذا البارية كَانَت مطروحة من غير سقف وَكَانَ الثَّلج تِلْكَ اللَّيْلَة يسْقط سقوطاً عَظِيما فَصحت فَمَا كلمني فَقُمْت وَقد تجرح بدني إِلَّا أَنِّي سَالم فَجئْت فاستظللت بطاق عِنْد بَاب الْحصن من الثَّلج فَإِذا حِجَارَة لَو جَاءَتْنِي وتمكنت من دماغي طحنته فَخرجت أعدو وأصيح فشتمني فَعلمت أَن ذَلِك من جَانِبه وطمع فِي رحلي فَلَمَّا خرجت وَقع الثَّلج على وبل ثِيَابِي وَنظرت فَإِذا أَنا تَالِف بالبرد والثلج فولد لي الْفِكر أَن طلبت حجرا فِيهِ نَحْو ثَلَاثِينَ رطلا فَوَضَعته على عَاتِقي وَأَقْبَلت أعدو فِي الصَّحرَاء شوطاً طَويلا حَتَّى أتعب فَإِذا تعبت وحميت وعرقت طرحت الْحجر وَجَلَست استريح فَإِذا سكنت وأخذني الْبرد تناولت الْحجر وسعيت كَذَلِك إِلَى الْغَدَاة فَلَمَّا كَانَ قبل طُلُوع الشَّمْس وَأَنا خلف الْحصن إِذْ سَمِعت صَوت بَاب الدَّيْر قد فتح وَإِذا أَنا بِالرَّاهِبِ قد خرج وَجَاء إِلَى الْموضع الَّذِي قد سَقَطت مِنْهُ فَلَمَّا لم يرني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 قَالَ يَا قوم مَا فعل وَأَنا أسمعهُ وَأَظنهُ المشؤم قد رأى بِقُرْبِهِ قَرْيَة فَقَامَ يمشي إِلَيْهَا كَيفَ أعمل قَالَ وَأَقْبل يمشي فخالفته أَنا إِلَى الْبَاب وَدخلت الْحصن وَقد مَشى هُوَ من ذَاك الْمَكَان يطلبني حوالي الْحصن فحصلت أَنا خلف بَاب الْحصن وَقد كَانَ فِي وسطي سكين لم يعلم بهَا الراهب فوقفت خلف الْبَاب فَطَافَ الراهب فَلَمَّا لم يقف لي على أثر عَاد وَدخل وأغلق الْبَاب فحين خفت أَن يراني ثرت إِلَيْهِ ووجأته بالسكين فصرعته وذبحته وأغلقت بَاب الصحن وصعدت إِلَى الغرفة واصطليت بِنَار كَانَت موقودة هُنَاكَ وطرحت عَليّ من تِلْكَ الثِّيَاب وَفتحت خرجي ولبست مِنْهُ ثيابًا وَأخذت كسَاء الراهب فَنمت فِيهِ فَمَا أَفَقْت إِلَّا قريب الْعَصْر ثمَّ انْتَبَهت فطفت الْحصن حَتَّى وَقعت على طَعَام فَأكلت وسكنت نَفسِي وَوَقعت بمفاتيح بيُوت الْحصن وَأَقْبَلت أفتح بَيْتا بَيْتا وَإِذا بأموال عَظِيمَة من عين وورق وأمتعة وَثيَاب وآلات ورحال قوم وأخراجهم وحمولاتهم وَإِذا الراهب على عَادَته تِلْكَ الْحَال مَعَ كل من يجتازه وحيداً ويتمكن مِنْهُ فَلم ادر كَيفَ أعمل فِي ثقل المَال فَلبِست من ثِيَاب الراهب شيا ووقفت فِي صومعته أَيَّامًا أترآى لمن يجتاز بِي فِي الْموضع من بعيد لِئَلَّا يشكوا فِي أَنِّي أَنا هُوَ فَإِذا قربوا لم أبرز لَهُم وَجْهي إِلَى أَن خَفِي خبري ثمَّ نزعت تِلْكَ الثِّيَاب وَأخذت جوالقين مِمَّا كَانَ فِي الدَّيْر من تِلْكَ الْأَمْتِعَة وملاتهما مَالا وجعلتهما على الدَّابَّة وسقتها إِلَى أقرب قَرْيَة كَانَت واكتريت فِيهَا منزلا وَلم أزل أنقل مِنْهُ الصَّامِت حَتَّى حَملته كُله ثمَّ ماخت وَكَثُرت قِيمَته حَتَّى لم أدع إِلَّا الْأَمْتِعَة الثَّقِيلَة واكتريت عدَّة أحمال وحمير ورجالة وَجئْت بهم دفْعَة وَاحِدَة وحملت كل مَا قدرت عَلَيْهِ وسرت فِي قافلة عَظِيمَة لنَفْسي بغنيمة هائلة حَتَّى قدمت بلدي وَقد حصل لي عشرَة آلَاف دِرْهَم ودنانير كَثِيرَة مَعَ قيمَة الْأَمْتِعَة وغصت فِي الأَرْض فَمَا عرف خبري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 عَن عَليّ بن الْحسن عَن أَبِيه حَدثنَا جمَاعَة من أهل جند نيسابور فيهم كتاب وتجار وَغير ذَلِك أَنه كَانَ عِنْدهم فِي سنة نَيف وَأَرْبَعين وثلثمائة شَاب من كتاب النَّصَارَى وَهُوَ ابْن أبي الطّيب القلانسي فَخرج إِلَى بعض شَأْنه فِي الرستاق فَأَخَذته الأكراد وعذبوه وطالبوه أَن يَشْتَرِي نَفسه مِنْهُم فَلم يفعل وَكتب إِلَى أَهله أنفذوا لي أَرْبَعَة دَرَاهِم أفيون وَاعْلَمُوا أَنِّي أشربها فتلحقني سكتة فَلَا تشك إِلَى الأكراد أَنِّي قد مت فيحملوني إِلَيْكُم فَإِذا حصلت عنْدكُمْ فأدخلوني الْحمام واضربوني ليحمي بدني وسوكوني بالأيارج فَأَنِّي أفِيق وَكَانَ الْفَتى متخلقاً وَقد سمع أَنه من شرب أفيوناً اسْكُتْ فَإِذا دخل الْحمام وَضرب وسوك بالايارج برِئ فَلم يعلم مِقْدَار الشربة من ذَلِك فَشرب أَرْبَعَة دَرَاهِم فَلم يشك الأكراد فِي مَوته فلفوه فِي شَيْء وأنفذوه إِلَى أَهله فَلَمَّا حصل عِنْدهم أدخلوه الْحمام وضربوه وسوكوه فَمَا تحرّك وَأقَام فِي الْحمام أَيَّامًا وَرَآهُ أهل الطِّبّ فَقَالُوا قد تلف كم شرب أفيونا قَالُوا وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم فَقَالُوا لَهُم هَذَا الوشوى فِي جَهَنَّم مَا عَاشَ إِنَّمَا يجوز أَن يفعل هَذَا بِمن شرب أَرْبَعَة دوانيق أفيونا أَو وزن دِرْهَم أَو حواليه فَأَما هَذَا فقد مَاتَ فَلم يقبل أَهله ذَلِك فَتَرَكُوهُ فِي الْحمام حَتَّى أراح وَتغَير فدفنوه وانعكست الْحِيلَة على نَفسه قَالَ المحسن وَقد روى قَدِيما مثل هَذَا أَن بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كَانَ فِي حبس الْحجَّاج وَكَانَ يعذبه وَكَانَ كل من مَاتَ من الْحَبْس رفع خَبره إِلَى الْحجَّاج فيأمر بِإِخْرَاجِهِ وتسليمه إِلَى أَهله فَقَالَ بِلَال للسجان خُذ مني عشرَة آلَاف دِرْهَم واخرج اسْمِي إِلَى الْحجَّاج فِي الْمَوْتَى فَإِذا أَمرك بتسليمي إِلَى أَهلِي هربت فِي الأَرْض فَلم يعرف الْحجَّاج خبري وَإِن شِئْت أَن تهرب معي فافعل وعَلى غناك أبدا فَأخذ السجان المَال وَرفع اسْمه فِي الْمَوْتَى فَقَالَ الْحجَّاج مثل هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 لَا يجوز أَن يخرج إِلَى أَهله حَتَّى أرَاهُ هاته فَعَاد إِلَى بِلَال فَقَالَ اعهد قَالَ وَمَا الْخَبَر قَالَ أَن الْحجَّاج قَالَ كَيْت وَكَيْت فَإِن لم أحضرك إِلَيْهِ مَيتا قتلني وَعلم أَنِّي أردْت الْحِيلَة عَلَيْهِ وَلَا بُد أَن أَقْتلك خنقاً فَبكى بِلَال وَسَأَلَهُ أَن لَا يفعل فَلم يكن إِلَى ذَلِك طَرِيق فأوصى وَصلى فَأَخذه السجان وخنقه وَأخرجه إِلَى الْحجَّاج فَلَمَّا رَآهُ مَيتا قَالَ سلمه إِلَى أَهله فَأَخَذُوهُ وَقد اشْترى الْقَتْل لنَفسِهِ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَرجعت الْحِيلَة عَلَيْهِ وَذكر ابْن جرير وَغَيره أَن الْمَنْصُور دفع عبد الله بن عَليّ إِلَى عِيسَى بن مُوسَى سرا بِاللَّيْلِ قَالَ يَا عِيسَى أَن هَذَا أَرَادَ أَن يزِيل نعمتي ونعمتك وَأَنت ولي عهدي بعد الْمهْدي والخلافة صائرة إِلَيْك فَخذه فَاضْرب عُنُقه وَإِيَّاك أَن تخور أَو تضعف ثمَّ كتب إِلَيْهِ مَا فعلت فِيمَا أَمرتك بِهِ فَكتب إِلَيْهِ قد أنفذت مَا أَمرتنِي بِهِ فَلم يشك فِي أَنه قَتله وَكَانَ عِيسَى قد أخبر كَاتبه بِالْحَال فَقَالَ إِنَّمَا أَرَادَ قَتلك وَقَتله لِأَنَّهُ أَمرك أَن تقتله سرا ثمَّ يَدعِيهِ عَلَيْك عَلَانيَة فيقيدك بِهِ قَالَ فَمَا الرَّأْي قَالَ أَن تستره فِي مَنْزِلك فَإِن طلبه مِنْك عَلَانيَة أظهرته عَلَانيَة ثمَّ إِن الْمَنْصُور دس على عمومته من يحركهم على مَسْأَلَة عَن عبد الله بن عَليّ ويطمعهم فِي أَنه سيفعل وكلموه ورافعوه فَقَالَ عَليّ بِعِيسَى بن مُوسَى فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا عِيسَى قد علمت أَنِّي دفعت إِلَيْك عبد الله بن عَليّ وَقد كلموني فِيهِ فأتني بِهِ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لم تَأْمُرنِي بقتْله ثمَّ قَالَ لعمومته قد أقرّ لكم بقتل ابْن أخيكم فَادّعى أَنِّي أَمرته بقتْله وَكذب قَالُوا فادفعه إِلَيْنَا نقيده قَالَ شَأْنكُمْ بِهِ فخرجوه إِلَى الراحبة وَاجْتمعَ النَّاس فشهر أحدهم سَيْفه وَتقدم إِلَى عِيسَى ليضربه فَقَالَ لَهُ عِيسَى أقاتلي أَنْت قَالَ أَي وَالله قَالَ ردوني إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَردُّوهُ فَقَالَ إِنَّمَا أردْت بقتْله أَن تقتلني هَذَا عمك حَتَّى سوى فَأَتَاهُ بِهِ حَدثنَا الْحَارِثِيّ قَالَ اجتزت بِبَغْدَاد فِي أَيَّام المقتدر وَأَنا حدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 مَعَ جمَاعَة من مجان أَصْحَاب الحَدِيث وَإِذا بخادم خصي جَالس على دكه فِي الطَّرِيق وَبَين يَدَيْهِ أدوية ومكاحل ومباضع وعَلى رَأسه مظلة خرق كَمَا يكون الطَّبِيب فَقلت لِأَصْحَابِنَا مَا هَذَا فَقَالُوا خَادِم طَبِيب يصف للنَّاس ويعالج وَيَأْخُذ الدَّرَاهِم وَهَذَا من عجائب بَغْدَاد فَقلت أَنا أحب أَن أخاطبه لأنظر كَيفَ فهمه فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم فهمه لَا أَدْرِي وَلَكِن نحب أَن تعبث بِهِ فَتقدم إِلَيْهِ وتغاشى وتماوت وتمارض وَقَالَ يَا أستاذ يَا أستاذ دفعات فضجر الْخَادِم وَقَالَ قولي لَا شفاك الله ايش أَصَابَك أَي طاعون ضربك قَالَ فَقَالَ لَهُ يَا أستاذ أجد ظلمَة فِي أحشاي ومغصاً فِي أَطْرَاف شعري وَمَا آكله الْيَوْم يخرج غَدا مثل الجيفة فَصف لي صفة لما أَنا فِيهِ قَالَ وَكَانَ الْخَادِم قد اعد الْجَواب فَقَالَ أما مَا تجدين من مغص فِي أَطْرَاف شعرك فاحلقي رَأسك ولحيتك حَتَّى يذهب مغصك وَأما ظلمَة فِي أحشاك فعلقي على بَاب حجرك قِنْدِيلًا يضيء مثل الساباط وَأما مَا تأكليه الْيَوْم يخرج غداء مثل الجيفة فكلي خراك واربحي النَّفَقَة قَالَ فعطعط بِنَا الْعَامَّة الْقيام وَضَحِكُوا بِنَا وانقلب الطنز الَّذِي أردنَا بالخادم وصارا طنزا بِنَا فَصَارَ أقْصَى أرادتنا الْهَرَب فهربنا حَدثنَا الْحُسَيْن بن عُثْمَان وَغَيره أَن عضد الدولة بعث القَاضِي أَبَا بكر الباقلاني فِي رِسَالَة إِلَى ملك الرّوم فَلَمَّا ورد مدينته عرف الْملك خَبره وَبَين لَهُ مَحَله من الْعلم فأفكر الْملك فِي أمره وَعلم أَنه لَا يفكر لَهُ إِذا دخل عَلَيْهِ كَمَا جرى رسم الرّعية أَن يقبل الأَرْض بَين يَدي الْملك فنتجت لَهُ الفكرة أَن يضع سَرِيره الَّذِي يجلس عَلَيْهِ وَرَاء بَاب لطيف لَا يُمكن أحد أَن يدْخل مِنْهُ إِلَّا رَاكِعا ليدْخل القَاضِي مِنْهُ على تِلْكَ الْحَال عوضا من تفكيره بَين يَدَيْهِ فَلَمَّا وصل القَاضِي إِلَى مَكَان فطن بالقصة فأدار ظَهره وحنى رَأسه وَدخل من الْبَاب وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 يمشي إِلَى خَلفه وَقد اسْتقْبل الْملك بدبره حَتَّى صَار بَين يَدَيْهِ ثمَّ رفع رَأسه وَنصب وَجهه وأدار وَجهه حِينَئِذٍ إِلَى الْملك فَعلم الْملك من فطنته وهابه وَقد روينَا أَن مزينة أسرت ثَابتا أَبَا حسان الْأنْصَارِيّ وَقَالُوا لَا نَأْخُذ فداءه إِلَّا تَيْسًا فَغَضب قومه وَقَالُوا لَا تفعل هَذَا فَأرْسل إِلَيْهِم أعطوهم مَا طلبُوا فَلَمَّا جاؤا بالتيس قَالَ أعطوهم أَخَاهُم وخذوا أَخَاكُم فسموا مزينة التيس فَصَارَ لَهُم لعباً وعبثاً كَانَ مهيار الشَّاعِر الْحَيّ والمطرز الشَّاعِر كوسجا فَمر أَبَا بِي الْحسن الجهرمي فَقَالَ (اضرط على الكوسج وَإِلَّا لحى ... وزدهما أَن غَضبا سلحاً) وَأَرَادَ أَن يتهما فَقَالَ لَهُ الْمُطَرز فَكيف وَقع لَك أَن تذكر عَليّ بن أبي عَليّ حَاجِب الْقَادِر بِاللَّه وَالْحسن بن أَحْمد صَاحب الْقَادِر بعد عَليّ بن أبي عَليّ وَكَانَ عَليّ ألحى وَالْحسن كوسجاً فانزعج الجهرمي وَخَافَ أَن يبلغهُ ذَلِك فيقابل عَلَيْهِ فَكتب إِلَى مهيار الديلمي يستعطفه (أَبَا الْحسن أصفح أَن مثلي من جنى ... وَمثلك من اعفى من الْعَدو اَوْ عَفا) (أئن طوحت بِي هفوة قلت جفوة ... وحملت سَمْعِي من عتابك مَا حفا) حَدثنِي أَبُو بكر الخطاط قَالَ كَانَ رجل فَقِيه خطه فِي غَايَة الرداءة فَكَانَ الفكهاء يعيبونه بِخَطِّهِ وَيَقُولُونَ لَا يكون خطّ أردأ من خطك فيضجر من عيبهم إِيَّاه فَمر يَوْمًا بمجلد يُبَاع فِيهِ خطّ أردأ من خطه فَبَالغ فِي ثمنه فَاشْتَرَاهُ بِدِينَار وقيراط وَجَاء بِهِ ليحتج عَلَيْهِم إِذا قرؤه فَلَمَّا حضر مَعَهم أخذُوا يذكرُونَ قبح خطه فَقَالَ لَهُم قد وجدت أقبح من خطي وبالغت فِي ثمنه حَتَّى أتخلص من عيبكم فَأخْرجهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 فتصفحوه وَإِذا فِي آخِره اسْمه وَأَنه كتبه فِي شبابه فَخَجِلَ من ذَلِك قَالَ كَانَ بِالْبَصْرَةِ مغنية حذرها خمس دَنَانِير وَكَانَت مفرطة فِي حسن الصُّورَة والغناء إِلَّا أَنَّهَا بدوية تقلب الْقَاف كافاً فَدُعِيت لبَعض أُمَرَاء الْبَصْرَة فغنت وَمَالِي لَا أبْكِي وأندب فجَاء فِي كَلَامه وأندب ناكتي فَقَالَ الْأَمِير وزنا خَمْسَة دَنَانِير فَإِذا كنت تندبيننا فَمَا نُرِيد أَن تقيمي عندنَا فصرفها وَقد خجلت وَالله أعلم الْبَاب الثَّامِن عشر فِي ذكر من وَقع فِي آفَة فتخلص مِنْهَا بالحيلة ذكر أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اسْتعْمل رجلا من قُرَيْش على عمل فَبَلغهُ أَنه قَالَ (اسْقِنِي شربة ألذ عَلَيْهَا ... واسق بِاللَّه مثلهَا ابْن هِشَام) فأشخصه إِلَيْهِ وَذكر أَنه إِنَّمَا أشخصه من أجل الْبَيْت فضم إِلَيْهِ آخر فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ قَالَ السِّت الْقَائِل (اسْقِنِي شربة ألذ عَلَيْهَا ... واسق بِاللَّه مثلهَا ابْن هِشَام) قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ (لَعَلَّه عسلاً بَارِدًا بِمَاء سَحَاب ... أنني لَا أحب شرب المدام) قَالَ الله قَالَ الله قَالَ ارْجع إِلَى عَمَلك قَالَ حَدثنِي عبيد راوية الْأَعْشَى قَالَ خرج النُّعْمَان إِلَى ظهر الْحيرَة وَكَانَ معشابا وَكَانَت الْعَرَب تسميه خد الْعَذْرَاء فِيهِ نبت الشيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 والقيصوم والخزامي والزعفران وشقائق النُّعْمَان والأقحوان فَمر بالشقائق فَأَعْجَبتهُ فَقَالَ من نزع من هَذَا شيا فانزعوا كَفه قَالَ فسميت شقائق النُّعْمَان قَالَ فَإِنَّهُ ليسير فِيهَا يَوْمًا فَانْتهى إِلَى وهدة فِي طرف النجف وَإِذا شيخ يخصف نعلا فَوقف عَلَيْهِ وَقد سبق أَصْحَابه فَقَالَ مِمَّن أَنْت يَا شيخ قَالَ من بكر بن وَائِل فَقَالَ يَا شيخ مَالك هَهُنَا قَالَ طرد النُّعْمَان الرُّعَاة فَأخذُوا يَمِينا وَشمَالًا وَوجدت وهدة خَالِيَة فنتجت الْإِبِل وَولدت الْغنم وسالت السّمن فَقَالَ أَو مَا تخَاف النُّعْمَان قَالَ وَمَا أَخَاف مِنْهُ وَالله لربما لمست بيَدي هَذِه مَا بَين سرة أمه وعانتها كَأَنَّهُ أرنب جاثم قَالَ أَنْت أَيهَا الشَّيْخ قَالَ نعم قَالَ فهاج وَجهه غَضبا وطلعت أَوَائِل خيله فَقَالُوا حييت أَبيت اللَّعْن قَالَ وحسر عَن رَأسه فَإِذا خَرَزَات ملكه فَقَالَ النُّعْمَان أَيهَا الشَّيْخ كَيفَ قلت قَالَ أَبيت اللَّعْن لَا يهولنك ذَاك وَالله لقد علمت الْعَرَب أَنه لَيْسَ بَين لأبتيها أكذب مني فَضَحِك ثمَّ مضى قَالَ طلب الْحجَّاج الحكم بن أَيُّوب بن جبر بن حبيب فخشي أَن يَجِيء بِهِ فيعاقبه فَقَالَ تركته يَتَحَرَّك رَأسه يصب فِي حلقه المَاء وَالله لَئِن حمل على سَرِير لتكونن عَورَة فَقيل لَهُ انْصَرف حَدثنَا مُحَمَّد بن قُتَيْبَة فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَنه ذكر بني إِسْرَائِيل وتحريفهم وتغييرهم وَذكر عَالما كَانَ فيهم عرضوا عَلَيْهِ كتابا اختلقوه على الله عز وَجل فَأخذُوا ورقة فِيهَا كتاب الله عز وَجل ثمَّ جعلهَا فِي قرن ثمَّ علقه فِي عُنُقه ثمَّ لبس عَلَيْهِ الثِّيَاب فَقَالُوا أتؤمن بِهَذَا قَالَ فَأَوْمأ بِيَدِهِ إِلَى صَدره وَقَالَ آمَنت بِهَذَا الْكتاب يعْنى الْكتاب الَّذِي فِي الْقرن فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت نبشوه فوجدوا الْقرن وَالْكتاب فَقَالُوا إِنَّمَا عَنى هَذَا وَعَن الْأَصْمَعِي عَن أَبِيه قَالَ أَتَى عبد الْملك بن مَرْوَان بِرَجُل كَانَ مَعَ بعض من خرج عَلَيْهِ فَقَالَ اضربوا عُنُقه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كَانَ هَذَا جزائي مِنْك قَالَ وَمَا جزاؤك قَالَ وَالله مَا خرجت مَعَ فلَان إِلَّا بِالنّظرِ لَك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَذَلِكَ أَنِّي رجل مشؤم مَا كنت مَعَ رجل قطّ إِلَّا غلب وَهزمَ وَقد بَان لَك صِحَة مَا ادعيت وَكنت لَك خيرا من مائَة ألف مَعَك فَضَحِك وخلى سَبيله قَالَ اسحق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي قَالَ شبيب بن شبة دخل خَالِد بن صَفْوَان التَّمِيمِي على أبي الْعَبَّاس وَلَيْسَ عِنْده أحد فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي وَالله مَا زلت مُنْذُ قلدك الله خِلَافَته اطلب أَن أصير إِلَى مثل هَذَا الْموقف فِي هَذِه الْخلْوَة فَإِن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَأْمر بإمساك الْبَاب حَتَّى أفرغ فعل قَالَ فَأمر الْحَاجِب بذلك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي فَكرت فِي أَمرك وأجلت الْفِكر فِيك فَلم أر أحدا لَهُ مثل قدرك اتساعاً فِي الِاسْتِمْتَاع بِالنسَاء مِنْك وَلَا بأضيق فِيهِنَّ عَيْشًا إِنَّك ملكت نَفسك امْرَأَة من نسَاء الْعَالمين واقتصرت عَلَيْهَا فَإِن مَرضت مَرضت وَإِن غَابَتْ غبت وَإِن عركت عركت وَحرمت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نَفسك من التَّلَذُّذ بأطراف الْجَوَارِي وَمَعْرِفَة اخْتِلَاف أَحْوَالهم والتلذذ بِمَا يشتهى مِنْهُنَّ أَن مِنْهُنَّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الطَّوِيلَة الَّتِي تشْتَهي لجسمها والبيضاء الَّتِي تحب لروعتها والسمراء اللعساء والصفراء العجزاء ومولدات الْمَدِينَة والطائف واليمامة ذَوَات الألسن العذبة وَالْجَوَاب الْحَاضِر وَبَنَات سَائِر الْمُلُوك وَمَا يشتهى من نظافتهن وتخلل خَالِد بِلِسَانِهِ فاطنب فِي صِفَات ضروب الْجَوَارِي وشوقه إلَيْهِنَّ فَلَمَّا فرغ قَالَ وَيحك وَالله مَا سلك مسامعي كَلَام أحسن من هَذَا فأعد على كلامك فقد وَقع مني موقعاً فَأَعَادَ عَلَيْهِ خَالِد كَلَامه بِأَحْسَن مِمَّا ابتدأه ثمَّ انْصَرف وَبَقِي أَبُو الْعَبَّاس مفكراً فَدخلت عَلَيْهِ أم سَلمَة وَكَانَ قد حلف أَن لَا يتَّخذ عَلَيْهَا ووفى فَلَمَّا رَأَتْهُ مفكراً قَالَت أَنِّي لأَذْكُرك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَهَل حدث شَيْء نكرهه وأتاك خبر أرتعت لَهُ قَالَ لَا فَلم نزل تستخبره حَتَّى أخْبرهَا بمقالة خَالِد قَالَت فَمَا قلت لِابْنِ الفاعلة فَقَالَ لَهَا ينصحني وتشتميه فَخرجت إِلَى مواليها فَأَمَرتهمْ بِضَرْب خَالِد فَخرجت من الدَّار مَسْرُورا بِمَا ألقيت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلم اشك فِي الصِّلَة فَبَيْنَمَا أَنا وَاقِف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 أَقبلُوا يسْأَلُون عني فحققت الْجَائِزَة فَقلت لَهُم هَا أَنا ذَا فَاسْتَبق إِلَى أحدهم بخشبة فغمزت برذوني ولحقني فَضرب كفله وركضت ففتهم واستخفيت فِي منزلي أَيَّامًا وَوَقع فِي قلبِي أَنِّي أتيت من قبل أم سَلمَة فَمَا أشعر إِلَّا بِقوم قد هجموا عَليّ وَقَالُوا أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَسبق إِلَى قلبِي أَنه الْمَوْت فَقلت إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون لم أردم شيخ أضيع من دمي فركبت إِلَى دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَقِيته خَالِيا فَنَظَرت فِي الْمجْلس بَينا عَلَيْهِ ستور رقاق وَسمعت حسا خلف السّتْر فَقَالَ وَيحك وصفت لأمير الْمُؤمنِينَ صفة فأعدها فَقلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلمتك أَن النِّسَاء أَكثر من وَاحِدَة الأضر وتنغص فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس لم يكن هَذَا الْعَرَب إِنَّمَا اشْتقت اسْم الضرتين من الضَّرَر وَإِن أحد لم يكن عِنْده من فِي الحَدِيث قَالَ بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأخبرتك أَن الثَّلَاث من النِّسَاء كأنهن فِي الْقدر يغلي عَلَيْهِنَّ قَالَ بَرِئت من قَرَابَتي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كنت سَمِعت هَذَا مِنْك ولأمر فِي حَدِيثك قَالَ وأخبرتك أَن الْأَرْبَع من النِّسَاء شَرّ مَجْمُوع لصَاحبه يشيبنه ويهرمنه قَالَ لَا وَالله مَا سَمِعت هَذَا مِنْك قلت بلَى وَالله قَالَ أفتكذبني قلت أفتقتلني نعم وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أبكار الْإِمَاء رجال إِلَّا أَنه لَيست لَهُنَّ خصي قَالَ خَالِد فَسمِعت ضحكاً من خلف السّتْر ثمَّ قلت نعم وَالله وأخبرتك أَن عنْدك رَيْحَانَة قُرَيْش وَأَنت تطمح بِعَيْنِك إِلَى النِّسَاء والجواري قَالَ فَقيل من وَرَاء السّتْر صدقت وَالله يَا عماه بِهَذَا حدثته وَلكنه غير حَدِيثك ونطق من لسَانك فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس مَالك قَاتلك الله قَالَ وانسللت فَبعثت إِلَى أم سَلمَة بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وبرذون وتخت ثِيَاب قَالَ حَدثنِي رجل من بني نَوْفَل بن عبد منَاف قَالَ لما أصَاب نصيب من المَال مَا أصَاب وَكَانَ عِنْده أم محجن وَكَانَت سَوْدَاء اشتاق إِلَى الْبيَاض فَتزَوج امْرَأَة سَرِيَّة بَيْضَاء فَغضِبت أم محجن وَغَارَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا وَالله يَا أم محجن مَا مثلي يغار عَلَيْهِ أَنِّي شيخ كَبِير وَمَا مثلك يغار أَنَّك لعجوز كَبِيرَة وَمَا أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 أكْرم عَليّ مِنْك وَلَا أوجب حَقًا فجوزي هَذَا الْأَمر وَلَا تكدريه على فرضيت وقرت ثمَّ قَالَ لَهَا بعد ذَلِك هَل لَك أَن أجمع إِلَيْك زَوْجَتي الجديدة فَهُوَ أصلح لذات الْبَين وألم للشعث وَأبْعد للشماتة فَقَالَت نعم أفعل وَأَعْطَاهَا دِينَار وَقَالَ لَهَا أَنِّي أكره أَن ترى بك خصَاصَة أَن تفضل عَلَيْك فاعملي لَهَا إِذا أَصبَحت عنْدك غَدا بِهَذَا الدِّينَار ثمَّ أَتَى زَوجته الجديدة فَقَالَ لَهَا إِنِّي أردْت أَن أجمعك إِلَى أم محجن غَدا وَهِي مكرمتك وأكره أَن تفضل عَلَيْك أم محجن فَخذي هَذَا الدِّينَار فاعدي لَهَا بِهِ إِذا أَصبَحت عِنْدهَا غَدا لِئَلَّا ترى بك خصَاصَة وَلَا تذكري لَهَا الدِّينَار ثمَّ أَتَى صاحباً لَهُ يستنصحه فَقَالَ إِنِّي أُرِيد أَن أجمع زَوْجَتي الجديدة إِلَى أم محجن غَدا فأتني مُسلما فَإِنِّي سأستجلسك للغداء فَإِذا تغذيت فسلني عَن أحبهما إِلَيّ فَإِنِّي سانفروا أعظم ذَلِك فَإِذا أَبيت عَلَيْك أَن لَا أخْبرك فاحلف عَليّ فَلَمَّا كَانَ الْغَد زارت زَوجته الجديدة لأم محجن وَمر بِهِ صديقه فاستجلسه فَلَمَّا تغذيا أقبل الرجل عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا محجن أحب أَن تُخبرنِي عَن أحب زوجتيك إِلَيْك فَقَالَ سُبْحَانَ الله أتسألني عَن هَذَا وهما يسمعان مَا سَأَلَ عَن مثل هَذَا أحد قَالَ فَإِنِّي أقسم عَلَيْك لتخبرني فوَاللَّه لأعذرتك وَلَا أقيل إِلَّا ذَاك قَالَ أما إِذْ فعلت فأحبهما إِلَى صَاحِبَة الدِّينَار وَالله لَا أُرِيد على هَذَا شيا فَأَعْرَضت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا تضحك ونفسها مسرورة وَهِي تظن أَنه عناها بذلك القَوْل قَالَ حَدثنِي القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن بن عتبَة قَالَ كَانَت لي ابْنة عَم موسرة وتزوجتها فَلم أوترها لشَيْء من الْجمال وَلَكِنِّي كنت استعين بمالها وأتزوج سرا فَإِذا فطنت بذلك هجرتني وطرحتني وضيقت عَليّ إِلَى أَن أطلق من تَزَوَّجتهَا ثمَّ تعود إِلَيّ فطال ذَلِك عَليّ وَتَزَوَّجت صبية حسناء مُوَافقَة لطباعي مساعدة على اخْتِيَاري فَمَكثت معي مُدَّة يسيرَة وسعي بهَا إِلَى ابْنة عمي فَأخذت فِي المناكدة والتضييق عَليّ فَلم يسهل عَليّ فِرَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 تِلْكَ الصبية فَقلت لَهَا استعيري من كل جَارة قِطْعَة من أَفْخَر ثِيَابهَا حَتَّى يتكامل لَك خلعة تَامَّة الْجمال وتبخري بالعنبر واذهبي إِلَى ابْنة عمي فابكي بَين يَديهَا واكثري من الدُّعَاء لَهَا والتضرع إِلَيْهَا إِلَى أَن تضجريها فَإِذا سَأَلتك عَن حالك فَقولِي لَهَا أَن ابْن عمي قد تزَوجنِي وَفِي كل وَقت يتَزَوَّج عَليّ وَاحِدَة وَينْفق مَالِي عَلَيْهَا وَأُرِيد أَن تسألي القَاضِي معونتي وإنصافي مِنْهُ فَإِنِّي أقدمه إِلَيْهِ فَإِنَّهَا سترفعك إِلَيّ فَفعلت فَلَمَّا دخلت عَلَيْهَا واتصل بكاؤها رحمتها وَقَالَت لَهَا فَالْقَاضِي شَرّ من زَوجك وَهَكَذَا يفعل بِي وَقَامَت فَدخلت عَليّ وَأَنا فِي مجْلِس لي وَهِي غَضبى وَيَد الصبية فِي يَدهَا فَقَالَت هَذِه المؤمنة حَالهَا مثل حَالي فاسمع مقالها وَاعْتمد إنصافها فَقلت ادخلا فدخلتا جَمِيعًا فَقلت لَهَا مَا شَأْنك قَالَت فَذكرت مَا وافقها عَلَيْهِ فَقلت لَهَا هَل اعْترف ابْن عمك بِأَنَّهُ قد تزوج عَلَيْك فَقَالَت لَا وَالله وَكَيف يعْتَرف بِمَا يعلم أَنِّي لَا أقاره عَلَيْهِ قلت فشاهدت أَنْت هَذِه الْمَرْأَة وقفت على مَكَانهَا وَصورتهَا فَقَالَت لَا وَالله فَقلت يَا هَذِه اتقِي الله وَلَا تقبلي شَيْئا سمعته فَإِن الحساد كثير والطلاب لإفساد النِّسَاء كثير والحيل والتكذيب فَهَذِهِ زَوْجَتي قد ذكر لَهَا إِنِّي تزوجت عَلَيْهَا وكل زَوْجَة لي وَرَاء هَذَا الْبَاب طَالِق ثَلَاثًا فَقَامَتْ ابْنة عمي فَقبلت رَأْسِي وَقَالَت قد علمت أَنه مَكْذُوب عَلَيْك أَيهَا القَاضِي وَلم يلْزَمنِي حنث لاجتماعهما بحضرتي حَدثنَا الْأَصْمَعِي قَالَ أَتَى الْمَنْصُور بِرَجُل ليعاقبه على شَيْء بلغه عَنهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الانتقام عدل والتجاوز فضل وَنحن نعيذ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِاللَّه أَن يرضى لنَفسِهِ بأوكس النَّصِيبَيْنِ دون أَن يبلغ أرفع الدرجتين فَعَفَا عَنهُ حَدثنَا أَبُو الْحسن المدايني أَن أَحْمد بن سميط أسر خَمْسمِائَة فَأتى بهم الْمُخْتَار فَقتل مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَحبس بَعْضًا وَمن على بعض فَكَانَ مِمَّن حبس من الأسرى سراقَة بن مرداس الْبَارِقي ثمَّ أَمر بقتْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 فَقَالَ لَا وَالله لَا تقتلني حَتَّى أنقض مَعَك دَاري حجرا حجرا قَالَ وَمَا يدْريك قَالَ الْأَخْبَار الصادقة الَّتِي جَاءَت بهَا الْكتب الناطقة فاقبل الْمُخْتَار على عبد الله بن كَامِل وعَلى أبي عمْرَة فَقَالَ من يظْهر أَسْرَارنَا فَأمر بِتَخْلِيَتِهِ فَقَالَ سراقَة أَنا قد أسرنا قوم لَا نراهم قَالَ هم هَؤُلَاءِ وهم شَرط الله قَالَ لَا وَالله لقد أسرنا قوم عَلَيْهِم عمائم حمر على خيل بلق تطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض قَالَ هَذِه الْمَلَائِكَة فَاعْلَم النَّاس ذَلِك يَا سراقَة قَالَ فَصَعدت مَنَارَة وأعلمت النَّاس وَحلفت لَهُم فخلى سبيلي حَدثنَا ابْن عِيَاض قَالَ استؤمن لعباس بن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ من مُسلم بن عقبَة يَوْم الْحرَّة فَأبى أَن يُؤمنهُ فَأتوهُ بِهِ ودعا بالغداء فَقَالَ عَبَّاس أصلح الله الْأَمِير وَالله لكأنهما جَفْنَة أَبِيك كَانَ يخرج عَلَيْهِ مطرف حرَّة حَتَّى يجلس بفنائها ثمَّ يضع حفنته بَين يَدي من حضر قَالَ صدقت كَانَ كَذَلِك أَنْت آمن فَقيل للْعَبَّاس كَانَ أَبوهُ كَمَا قلت قَالَ لَا وَالله لقد رَأَيْته فِي عناء بحرة مَا نَخَاف على رِكَابنَا ومتاعنا أَن يسرقه غَيره حَدثنَا دُرَيْد عَن عبد الرَّحْمَن بن أخي الْأَصْمَعِي عَن عَمه قَالَ بعث إِلَيّ الرشيد فَدخلت فَإِذا صبية فَقَالَ من هَذِه الصبية فَقلت لَا أَدْرِي قَالَ هَذِه مواسة بنت أَمِير الْمُؤمنِينَ فدعوت لَهَا وَله قَالَ نعم فَقبل رَأسهَا فَقلت إِنِّي أطعته أَدْرَكته الْغيرَة فقتلني وَإِن أَنا عصيته قتلني بِمَعْصِيَة فَوضعت كمي على رَأسهَا وَقبلت كمي فَقَالَ وَالله يَا أصمعي لَو أخطأتها لقتلتك أَعْطوهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم حَدثنَا ابْن البهلول أَن أَبَا حُذَيْفَة وَاصل بن عَطاء خرج يُرِيد سفرا فِي رَهْط فاعترضهم جَيش من الْخَوَارِج فَقَالَ وَاصل لَا ينطقن أحد ودعوني مَعَهم فقصدهم وَاصل فَلَمَّا قربوا بَدَأَ الْخَوَارِج ليوقعوا فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 كَيفَ تستحلون هَذَا وَمَا تَدْرُونَ من نَحن وَلَا لأي شَيْء جِئْنَا فَقَالُوا نعم فَمَا أَنْتُم قَالَ قوم من الْمُشْركين جئناكم لنسمع كَلَام الله قَالَ فكفوا عَنْهُم وَبَدَأَ رجل مِنْهُم يقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن فَلَمَّا امسك قَالَ وَاصل قد سمعنَا كَلَام الله فأبلغنا مأمننا حَتَّى نَنْظُر فِيهِ وَكَيف ندخل فِي الدّين فَقَالَ هَذَا وَاجِب سِيرُوا فسرنا والخوارج وَالله مَعنا يحمونا فراسخ حَتَّى قربنا إِلَى بلد لَا سُلْطَان لَهُم عَلَيْهِ فانصرفوا قَالَ أَبُو إِسْحَق الجهمي لما صرف الْحجَّاج قَالَ لغلام لَهُ تعال نتنكر وَنَنْظُر مَا لنا عِنْد النَّاس فتنكروا وخرجا فمرا على الْمطلب غُلَام أبي لَهب فَقَالَا يَا هَذَا أَي شَيْء غير الْحجَّاج قَالَ على الْحجَّاج لعنة الله قَالَا فَمَتَى يخرج قَالَ اخْرُج الله روحه من بَين جَنْبَيْهِ مَا يدريني قَالَ اتعرفني قَالَ لَا قَالَ أَنا الْحجَّاج بن يُوسُف قَالَ الْمطلب أتعرفني أَنْت قَالَ لَا قَالَ أَنا الْمطلب غُلَام أبي لَهب مَعْرُوف أصرع فِي كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام أَولهَا الْيَوْم فَتَركه وَمضى وَحكى أَبُو الْحسن بن هِلَال الصابي أَن الْحجَّاج انْفَرد يَوْمًا من عسكره فَمر ببستاني يسْقِي ضيعته فَقَالَ كَيفَ حالكم مَعَ الْحجَّاج فَقَالَ لَعنه الله المبيد الْبر الحقود عجل الله الانتقام مِنْهُ فَقَالَ لَهُ أتعرفني قَالَ لَا قَالَ أَنا الْحجَّاج فَرَأى أَن دَمه قد طاح فَرفع عَصا كَانَت مَعَه فَقَالَ أتعرفني قَالَ لَا قَالَ أَنا أَبُو ثَوْر الْمَجْنُون وَهَذَا يَوْم صرعي وأزبد وأرغى وهاج وَأَرَادَ أَن يضْرب رَأسه بالعصى فَضَحِك مِنْهُ وَانْصَرف وبلغنا أَن الْحجَّاج انْفَرد يَوْمًا عَن عسكره فلقي أَعْرَابِيًا فَقَالَ يَا وَجه الْعَرَب كَيفَ الْحجَّاج قَالَ ظَالِم غاشم قَالَ فَهَلا شكوته إِلَى عبد الْملك فَقَالَ لَعنه الله أظلم مِنْهُ وأغشم فأحاط بِهِ الْعَسْكَر فَقَالَ اركبوا البدوي فاركبوه فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا هُوَ الْحجَّاج فركض من الْفرس خَلفه وَقَالَ يَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 حجاج قَالَ مَالك قَالَ السِّرّ الَّذِي بيني وَبَيْنك لَا يطلع عَلَيْهِ أحد فَضَحِك وخلاه وَلَقي الْحجَّاج أَعْرَابِيًا بفلاة فَسَأَلَهُ عَن نَفسه وَعَن عماله وسعاته فَأخْبرهُ بِكُل مَا يكره فَقَالَ لَهُ أَنا الْحجَّاج قتلني الله إِن لم أَقْتلك قَالَ فَأَيْنَ حق الاسترسال قَالَ أولى لَك مَا أحسن مَا تخلصت وخلى سَبيله قَالَ كَانَ أَبُو الْحُسَيْن بن السماك يتَكَلَّم على النَّاس بِجَامِع الْمَدِينَة وَكَانَ لَا يحسن من الْعُلُوم شَيْئا إِلَّا مَا شَاءَ الله وَكَانَ مطبوعاً يتَكَلَّم على مَذْهَب الصُّوفِيَّة فَكتبت إِلَيْهِ رقْعَة مَا يَقُول السَّادة الْفُقَهَاء فِي رجل مَاتَ وَخلف كَذَا وَكَذَا فَفَتحهَا فتأملها فَقَرَأَ مَا تَقول السَّادة الْفُقَهَاء فِي رجل مَاتَ فَلَمَّا رَآهَا فِي الْفَرَائِض رَمَاهَا من يَده وَقَالَ أَنا أَتكَلّم على مَذَاهِب قوم إِذا مَاتُوا لم يخلفوا شيا فَعجب الْحَاضِرُونَ من حِدة خاطره ويحكى أَن مزيداً كَانَ يدْخل على بعض وُلَاة الْمَدِينَة فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ ذَات يَوْم ثمَّ جَاءَ فَقَالَ مَا أبطأك عني قَالَ جَارة لي كنت أهواها مُنْذُ حِين فظفرت بهَا لَيْلَتي وتمكنت مِنْهَا فَغَضب الْوَالِي وَقَالَ وَالله لآخذنك بِإِقْرَار فَلَمَّا رأى الْجد مِنْهُ قَالَ فاسمع تَمام حَدِيثي قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ فَلَمَّا أَصبَحت خرجت أطلب مُفَسرًا يُفَسر لي رُؤْيَايَ فَلم أقدر عَلَيْهِ إِلَى السَّاعَة قَالَ ذَلِك فِي الْمَنَام رَأَيْت قَالَ نعم فسكن غَضَبه وَقد روينَا عَن أبي الْفضل الربعِي عَن أَبِيه قَالَ قَالَ الْمَأْمُون يَوْمًا وَهُوَ مغضب لأبي دلف أَنْت الَّذِي يَقُول فِيك الشَّاعِر (إِنَّمَا الدُّنْيَا أَبُو دلف ... بَين بادية ومحتضره) (فَإِذا ولى أَبُو دلف ... ولت الدُّنْيَا على أَثَره) فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ شَهَادَة زور وَقَول عزور وملق معتاف وَطلب عرف واصدق مِنْهُ ابْن أُخْت لي حَيْثُ يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 (دعيني أجوب الأَرْض فِي طلب الْغنى ... فَلَا الكرخ الدُّنْيَا وَلَا النَّاس قَاسم) فَضَحِك الْمَأْمُون وَسكن غَضَبه وروى أَن عزة وبثينة اجتمعتا فتحدثتا فاقبل كثير فَقَالَت بثينة أتحبين أَن أبين لَك إِن كثيرا غير صَادِق فِي محبتك قَالَت نعم قَالَت ادخلي الخباء فَدخلت فَدَنَا كثير فَوقف على بثينة فَسلم عَلَيْهَا فَقَالَت لَهُ مَا تركت عزة فِيك مستمعاً لأحد فَقَالَ كثير وَالله لَو أَن عزة أمة لوهبتها لَك فَقَالَت إِن كنت صَادِقا فَقل فِي هَذَا شعرًا فَأَنْشَأَ يَقُول (رمتني على عمد بثينة بَعْدَمَا ... تولى شَبَابِي وارجحن شبابها) (بعينين نجلاوين لَو رقرقتهما ... لنؤ الثريا لاستهل سحابها) فبادرت عزة وكشفت الْحجاب وَقَالَت لَهُ يَا فَاسق قد سَمِعت الْبَيْتَيْنِ فَقَالَ لَهَا فاسمعي الثَّالِث قَالَت وَمَا هُوَ قَالَ (ولكنما ترمين نفسا سقيمة ... لعزة مِنْهَا صفوها ولبابها) فاستحسنت عذره وَذكر أَبُو هِلَال العسكري أَن رجلا كَانَت لَهُ صديقَة لَهَا زوج غَائِب وَكَانَ يَأْتِيهَا على طمأنينة فَقدم زَوجهَا فَدخل فَرَأى الرجل نَائِما فَظَنهُ الْمَرْأَة فَأخذ برجليه فَوَثَبَ إِلَى السَّيْف وَكَانَ فِي جِيرَانه مُعَاوِيَة بن ستار فَنَادَى يَا مُعَاوِيَة هَل وفيت فَتوهم الزَّوْج أَنه جعل لَهُ على مَا فعل وَعلم مُعَاوِيَة أَنه مكروب فَقَالَ نعم وتعليت فَخَلَّاهُ الزَّوْج وَحكى أَبُو الْحسن بن الصابي أَن مغنية غنت بَين يَدي الْمهْدي (مَا نقموا من بني أُميَّة إِلَّا ... أَنهم يسفهون إِذْ غضبوا) فَقيل لَهَا غَلطت فَقَالَت غلطي يذكرنِي هَذَا الْبَيْت فأصلحته بِمَا سَمِعْتُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الْبَاب التَّاسِع عشر فِي ذكر من اسْتعْمل بذكائه المعاريض أخبرنَا سعيد بن الْمسيب أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا سُئِلت هَل كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمزح قَالَت نعم كَانَ عِنْدِي عَجُوز فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت ادْع الله أَن يَجْعَلنِي من أهل الْجنَّة قَالَ إِن الْجنَّة لَا تدْخلهَا الْعَجَائِز وَسمع النداء فَخرج وَدخل وَهِي تبْكي فَقَالَ مَا لَهَا قَالُوا إِنَّك حدثتها أَن الْجنَّة لَا يدخلهَا الْعَجَائِز قَالَ إِن الله يحولهن أَبْكَارًا عربا أَتْرَابًا قَالَ وَحدثنَا الْحَرْث بن نَوْفَل أَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ يَا رَسُول الله مَا ترجوا لأبي طَالب قَالَ كل خير أَرْجُو من رَبِّي وَحدثنَا الْقرشِي قَالَ دخلت امْرَأَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ من زَوجك فَسَمتْهُ لَهُ فَقَالَ الَّذِي فِي عَيْنَيْهِ بَيَاض فَرَجَعت فَجعلت تنظر إِلَى زَوجهَا فَقَالَ مَا لَك قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوجك فلَان قلت نعم قَالَ الَّذِي فِي عَيْنَيْهِ بَيَاض قَالَ أَو لَيْسَ الْبيَاض فِي عَيْني أَكثر من السوَاد حَدثنَا أنس بن مَالك قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليستحمله قَالَ أَنا حاملك على ولد نَاقَة قَالَ يَا رَسُول الله وَمَا أصنع بِولد نَاقَة قَالَ وَهل تَلد الْإِبِل إِلَّا النوق حَدثنَا مُحَمَّد بن سلمى عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سَار إِلَى بدر نزل قَرِيبا مِنْهَا ثمَّ ركب هُوَ وَرجل من أَصْحَابه قَالَ ابْن أسحق حَدثنِي مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان أَنه وقف على شيخ فَسَأَلَهُ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 قُرَيْش وَعَن مُحَمَّد وَأَصْحَابه وَمَا بلغه عَنْهُم فَقَالَ الشَّيْخ لَا أخبركما حَتَّى تخبراني من أَنْتُمَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أخبرتنا أخبرناك قَالَ وَذَاكَ بِذَاكَ ثمَّ قَالَ الشَّيْخ إِنَّه بَلغنِي أَن مُحَمَّد وَأَصْحَابه خَرجُوا يَوْم كَذَا وَكَذَا فَإِن كَانَ صدقني الَّذِي أَخْبرنِي فهم الْيَوْم بمَكَان كَذَا وَكَذَا بِالْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبلغنا أَن قُريْشًا خَرجُوا يَوْم كَذَا وَكَذَا فَإِن كَانَ صدقني الَّذِي أَخْبرنِي فهم الْيَوْم بمَكَان كَذَا وَكَذَا بِالْمَكَانِ الَّذِي بِهِ قُرَيْش فَلَمَّا فرغ من خَبره قَالَ فَمن أَنْتُم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحن من مَاء الْعرَاق قَالَ أَحْمد بن عَليّ أَوْهَمهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ من الْعرَاق فَكَانَ الْعرَاق يُسمى مَاء وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعرَاق أَنه خلق من نُطْفَة مَاء عَن ابْن أبي الزِّنَاد قَالَ كَانَ عِنْد أَسمَاء بنت أبي بكر قَمِيص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قتل عبد الله بن الزبير ذهب الْقَمِيص فِيمَا ذهب وَفِيمَا انْتَهَت فَقَالَت أَسمَاء للقميص أَشد على من قتل عبد الله فَوجدَ الْقَمِيص عِنْد رجل من أهل الشَّام فَقَالَ لَا أرده أَو تستغفر لي أَسمَاء فَقيل لَهَا قَالَت كَيفَ أسْتَغْفر لقَاتل عبد الله قَالُوا أفليس يرد الْقَمِيص قَالَت قُولُوا لَهُ فليجيء فجَاء بالقميص وَمَعَهُ عبد الله بن عُرْوَة فَقَالَت ادْفَعْ الْقَمِيص إِلَى عبد الله فَدفعهُ فَقَالَت قبضت الْقَمِيص يَا عبد الله قَالَ نعم قَالَت غفر الله لَك يَا عبد الله وَإِنَّمَا عنت عبد الله بن عُرْوَة عَن حجر المدري قَالَ قَالَ لي عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَيفَ بك إِذا أمرت أَن تلعنني قلت أَو كَائِن ذَلِك قَالَ نعم قلت كَيفَ اصْنَع قَالَ إلعني وَلَا تتبرأ مني قَالَ فَقَامَ مُحَمَّد بن يُوسُف إِلَى جنب الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ لَهُ الْعَن عليا فَقَالَ إِن الْأَمِير أَمرنِي أَن ألعن عليا مُحَمَّد بن يُوسُف العنوه لَعنه الله فَلَقَد تفرق أهل الْمَسْجِد وَمَا فهمها إِلَّا رجل وَاحِد قَالَ قَامَت الخطباء إِلَى الْمُغيرَة بن شُعْبَة بِالْكُوفَةِ فَقَامَ صعصعة بن سرحان فَتكلم فَقَالَ الْمُغيرَة أرجوه فأقيموه على المصطبة فليلعن عليا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 فَقَالَ لعن الله من لعن الله وَلعن عَليّ بن أبي طَالب فَأخْبرهُ بذلك فَقَالَ أقسم بِاللَّه لتقيدنه فَخرج فَقَالَ إِن هَذَا يَا أبي إِلَّا عَليّ بن أبي طَالب فالعنوه ولعنه الله فَقَالَ الْمُغيرَة أَخْرجُوهُ أخرج الله نَفسه قَالَ كلم رجل عِيسَى بن مُوسَى فِي شَيْء وَعِنْده عبد الله بن شبْرمَة القَاضِي فَقَالَ عِيسَى للرجل من يعرفك قَالَ ابْن شبْرمَة قَالَ أتعرفه قَالَ إِنِّي لَا أعلم أَن لَهُ شرفاً وبيتاً وقدماً فَلَمَّا خرج ابْن شبْرمَة سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ اعْلَم أَن لَهُ أذنين مشقوقتين وَأَن لَهُ بَيْتا يأوي إِلَيْهِ وَأَن لَهُ قدماً يطَأ بهَا قَالَ ضرب الْحجَّاج عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وأقامه النَّاس وَمَعَهُ رجل يحثه وَيَقُول الْعَن عليا فَيَقُول اللَّهُمَّ الْعَن الْكَذَّابين ثمَّ يسكت وَيَقُول آه عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ يسكت ثمَّ يَقُول الْمُخْتَار بن الزبير حَدثنَا الْمُبَارك قَالَ بَيْنَمَا الْحجَّاج جَالس إِذْ أقبل رجل مقارب الْخلق أفجع ذُو غدر بَين فَلَمَّا رَآهُ الْحجَّاج قَالَ مرْحَبًا بِأبي غادية فَلم يرحب بِهِ حَتَّى أجلسه على سَرِيره ثمَّ قَالَ لَهُ أَنْت قَاتل ابْن سمنة قَالَ نعم قَالَ كَيفَ قَالَ صنعت كَذَا وَفعلت كَذَا حَتَّى قتلته قَالَ الْحجَّاج لأهل الشَّام من سره أَن ينظر إِلَى رجل عَظِيم الباع يَوْم الْقِيَامَة فَلْينْظر إِلَى هَذَا الَّذِي قتل ابْن سمنة ثمَّ ساره أَبُو غادية فَسَأَلَهُ شَيْئا فَأبى عَلَيْهِ فَقَالَ أَو غادية نعطي لَهُم الدُّنْيَا ثمَّ نسألهم مِنْهَا شيا فَلَا يعطونا وتزعم أَنه عَظِيم الباع يَوْم لقيمة قَالَ أجل وَالله إِن من كَانَ ضرسه مثل أحد وَفَخذه مثل وقان وَسَاقه الْبَيْضَاء ومجلسه مَا بَين الْمَدِينَة إِلَى الزبيد لعَظيم الباع يَوْم الْقِيَامَة وَالله لَو أَن عمار بن سمنة قَتله أهل الأَرْض لدخلوا كلهم النَّار قَالَ الْقرشِي قَالَ كَانَ مطرف بن عبد الله خرج مَعَ ابْن الْأَشْعَث فَأتى بِهِ إِلَى الْحجَّاج بعد ذَلِك فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج يَا مطرف أكفرت قَالَ لَا وَلَكِن كَانَت حيرة وَلَو نصرنَا الْحق وَأَهله كَانَ خير لنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 قَالَ الْقرشِي وَحدثنَا أَبُو جَعْفَر الْمَدِينِيّ قَالَ خرج قوم من الْخَوَارِج بِالْبَصْرَةِ فَلَقوا شَيخا أَبيض الرَّأْس واللحية فَقَالُوا لَهُ من أَنْت قَالَ أَعهد إِلَيْكُم من الْيَهُود بِشَيْء أَو بدا لكم فِي قتل أهل الدِّيَة قَالُوا اذْهَبْ عَنَّا إِلَى النَّار أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يَعْقُوب قَالَ كَانَ يحيى بن أَكْثَم يحْسد حسداً شَدِيدا وَكَانَ مفنناً فَكَانَ إِذا نظر إِلَى رجل يحفظ الْفِقْه سَأَلَهُ عَن الحَدِيث وَإِذا رَآهُ يحفظ الحَدِيث سَأَلَهُ عَن النَّحْو وَإِذا رَآهُ يعلم النَّحْو سَأَلَهُ عَن الْكَلَام ليخجله ويقطعه فَدخل إِلَيْهِ رجل من أهل خُرَاسَان ذكي حَافظ فناظره فَرَآهُ مفنناً فَقَالَ لَهُ نظرت فِي الحَدِيث قَالَ نعم قَالَ فَمَا تحفظ من الْأُصُول قَالَ احفظ حَدِيث شريك عَن أبي إِسْحَق عَن الْحَرْث إِن عليا رجل لوطياً فامسك فَلم يكلمهُ قَالَ قَالَ رجل لهشام بن عَمْرو القوطي كم تعد قَالَ من وَاحِد إِلَى ألف ألف وَأكْثر قَالَ لم أرد هَذَا قَالَ فَمَا أردْت قَالَ كم تعد من السن قَالَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة عشر من أَعلَى وَسِتَّة عشر من أَسْفَل قَالَ لم أرد هَذَا قَالَ فَمَا رَأَيْت قَالَ كم لَك من السنين قَالَ مَا لي مِنْهَا شَيْء كلهَا لله عزّ وجلّ قَالَ فَمَا سنك قَالَ عظم قَالَ فَابْن كم أَنْت قَالَ ابْن اثْنَيْنِ أَب وَأم قَالَ فكم أَتَى عَلَيْك قَالَ لَو أَتَى عَليّ شَيْء لَقَتَلَنِي قَالَ فيكف أَقُول قَالَ قل كم مضى من عمرك وثب رجلَانِ على بعض الْمُلُوك فِي زمن الْإِسْكَنْدَر فَقَالَ الْإِسْكَنْدَر أَن من قتل هَذَا عَظِيم الفعال وَلَو ظهر لنا جازيناه بِمَا يسْتَحق وَرَفَعْنَاهُ على النَّاس فَلَمَّا بلغهما ذَلِك ظهرا فَقَالَ الاسكندر إِنَّا مجازيكما بِمَا تستحقان فَمَا يسْتَحق من قتل سَيّده وَرَافِع قدره فغدر بِهِ إِلَّا الْقَتْل وَأما رفعكما على النَّاس فَإِنِّي سأصلبكما على أطول خشب يمكنني روى أَن رجلَيْنِ من آل فِرْعَوْن سعيا بِرَجُل مُؤمن إِلَى فِرْعَوْن فَأحْضرهُ فِرْعَوْن وأحضرهما وَقَالَ للساعيين من رَبكُمَا قَالَا أَنْت فَقَالَ لِلْمُؤمنِ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 رَبك قَالَ رَبِّي ربهما فَقَالَ فِرْعَوْن سعيتما بِرَجُل على ديني لأقتله فَقَتَلَهُمَا قَالُوا فَذَلِك قَوْله تَعَالَى فوقاه الله سيئات مَا مكروا وحاق بآل فِرْعَوْن سوء الْعَذَاب حَدثنَا إِسْحَق بن هَانِيء قَالَ كُنَّا عِنْد أبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ فِي منزله ومعنا الْمروزِي ومهنى بن يحيى الشَّامي فدق داق الْبَاب وَقَالَ الْمروزِي هَهُنَا فَكَانَ الْمروزِي كره أَن يعلم مَوْضِعه فَوضع مهني بن يحيى إصبعيه فِي رَاحَته وَقَالَ لَيْسَ الْمروزِي هَهُنَا فَضَحِك أَحْمد وَلم يُنكر عَلَيْهِ ذَلِك بَلغنِي عَن أبي بكر الْخلال قَالَ أَبُو بكر الْمروزِي جَاءَ مهنى بن يحيى الشَّامي إِلَى أبي عبد الله وَمَعَهُ أَحَادِيث فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله معي هَذِه الْأَحَادِيث وَأُرِيد أَن أخرج فَحَدثني بهَا فَقَالَ مَتى تُرِيدُ أَن تخرج قَالَ السَّاعَة اخْرُج فحدثه بهَا وَخرج فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أَو بعد ذَلِك جَاءَ إِلَى أبي عبد الله فَقَالَ لَهُ أَبُو عبد الله أَلَيْسَ قلت لي اخْرُج السَّاعَة قَالَ قلت لَك إِنِّي أخرج السَّاعَة من بَغْدَاد إِنَّمَا قلت اخْرُج من زقاقك عَن مُصعب الزبيرِي قَالَ أَتَى الْعُرْيَان بشاب سَكرَان فَقَالَ لَهُ من أَنْت فَقَالَ شعرًا (ترى النَّاس أَفْوَاجًا إِلَى ضوء ناره ... فَمنهمْ قيام حولهَا وقعود) فَقَالَ لبَعض شَرطه سل عَن هَذَا فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالَ هُوَ ابْن صَاحب باقلا قلت وَفِي رِوَايَة أُخْرَى زِيَادَة (ترى النَّاس أَفْوَاجًا إِلَى ضوء ناره ... فَمنهمْ قيام حولهَا وقعود) فَظَنهُ كَبِير الْقدر فخلى بِهِ فَإِذا هُوَ ابْن باقلاوى أَتَى الْحَرْث بن مِسْكين أَيَّام المحنة وَابْن دَاوُد يمْتَحن النَّاس بِخلق الْقُرْآن فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 لِلْحَارِثِ أشهد أَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَقَالَ أشهد أَن هَذِه الْأَرْبَعَة مخلوقة وَبسط أَصَابِعه الْأَرْبَع فَقَالَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان فَعرض وكنى وتخلص من الْقَتْل قَالَ شَيخنَا عبد الْوَهَّاب الْأنمَاطِي كَانَ أَحْمد بن عبد المحسن الْوَكِيل إِذا حمل إِلَيْهِ محْضر كتب فِيهِ يحل صَدره فَيكْتب فِيهِ فَقيل لَهُ كَيفَ تكْتب خلاف الأول فَقَالَ أَنا أكتب مَا ذكر صَحِيح ومقصودي نفي الصِّحَّة الْبَاب الْعشْرُونَ فِي ذكر من فلج على خَصمه فِي المناظرة بِالْجَوَابِ المسكت حَدثنَا خبيب عَن عبد الرَّحْمَن بن خبيب عَن أَبِيه عَن جده خبيب بن يسَار قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُرِيد غزواً أَنا وَرجل من قومِي وَلم نسلم فَقُلْنَا إِنَّا لنستحي أَن يشْهد قَومنَا مشهداً لَا نشهده مَعَهم قَالَ وأسلمتما قُلْنَا لَا قَالَ فَإنَّا لَا نستعين بالمشركين على الْمُشْركين قَالَ فأسلمنا وَشَهِدْنَا مَعَه فقتلت رجلا وضربني ضَرْبَة فَتزوّجت ابْنَته بعد ذَلِك فَكَانَت تَقول لَا عدمت رجلا وشحك هَذَا الوشاح فَأَقُول لَهَا لَا عدمت رجلا عجل أَبَاك إِلَى النَّار عَن إِبْرَاهِيم بن جَعْفَر بن مَحْمُود الأشْهَلِي عَن أَبِيه قَالَ كَانَ حويطب بن عبد الْعُزَّى قد بلغ مائَة وَعشْرين سنة سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَام فَلَمَّا ولي مَرْوَان بن الحكم الْمَدِينَة دخل عَلَيْهِ حويطب فَقَالَ لَهُ مَرْوَان مَا نيتك فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ تَأَخّر إسلامك أَيهَا الشَّيْخ حَتَّى سَبَقَك الْأَحْدَاث فَقَالَ وَالله لقد هَمَمْت بِالْإِسْلَامِ غير مرّة وكل ذَلِك يعوقني عَنهُ أَبوك وينهاني وَيَقُول تدع دين آبَائِك لدين مُحَمَّد فأسكت مَرْوَان وَنَدم على مَا كَانَ قَالَ مَرْوَان لحبيش بن دلجة أَظُنك أَحمَق فَقَالَ أَحمَق مَا يكون الشَّيْخ إِذا عمل بظنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 حَدثنَا مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا قَالَ حضرت مَجْلِسا فِيهِ عبيد الله بن مُحَمَّد بن عَائِشَة التَّمِيمِي وَفِيه جَعْفَر بن الْقَاسِم الْهَاشِمِي فَقَالَ لِابْنِ عَائِشَة هَهُنَا آيَة نزلت فِي بني هَاشم خُصُوصا قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ قَوْله تَعَالَى {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك} فَقَالَ ابْن عَائِشَة قومه قُرَيْش وَهِي لنا مَعكُمْ قَالَ بل هِيَ لنا خُصُوصا قَالَ فَخذ مَعهَا وَكذب بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحق قَالَ فَسكت جَعْفَر فَلم يجد جَوَابا قَالَ المُصَنّف غفر الله لَهُ وروينا أَن مُعَاوِيَة قَالَ لعبد الله ابْن عَامر أَن لي عنْدك حَاجَة تقضيها قَالَ نعم قَالَ ولي إِلَيْك حَاجَة أتقضيها قَالَ نعم قَالَ سل حَاجَتك قَالَ أُرِيد أَن تهب لي دورك وضياعك بِالطَّائِف قد فعلت فسل حَاجَتك قَالَ أَن تردها عَليّ قَالَ قد فعلت وافتخر قوم من الْيمن عِنْد هِشَام بن عبد الْملك فَقَالَ لخَالِد بن صَفْوَان أجبهم فَقَالَ هم بَين حائك برد ودابغ جلد وسايس قرد وملكتهم امْرَأَة ودلت عَلَيْهِم هدهد وغرقتهم فارة قَالَ قَالَ غيلَان لعبد الرَّحْمَن أنْشدك الله أَتَرَى الله يحب أَن يعْصى فَقَالَ ربيعَة أنْشدك الله أَتَرَى الله يعْصى قسراً فَكَانَ ربيعَة لقم غيلَان حجرا أنْشدك الله أَتَرَى الله يعْصى قسراً فَكَانَ ربيعَة ألقم عيلان حجرا قَالَ وقف رجل بَين يَدي الْمَأْمُون قد جنا جِنَايَة فَقَالَ لَهُ وَالله لأَقْتُلَنك فَقَالَ الرجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تان عَليّ فَإِن الرِّفْق نصف الْعَفو قَالَ وَكَيف أَن تَلقاهُ قَاتلا قَالَ فخلى سَبيله قَالَ الْمَنْصُور ولي يحيى بن أَكْثَم قَضَاء الْبَصْرَة وَهُوَ ابْن إِحْدَى وَعشْرين سنة قَالَ فاستزرى بِهِ النَّاس واستضعفوه فامتحنوه فَقَالُوا كم سنّ القَاضِي قَالَ سنّ عتاب بن أسيد حَيْثُ ولاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة كَانَ النظام لَا يكتم سرا فَأسر إِلَيْهِ يُونُس التمار سرا فأذاعه فلامه فَقَالَ النظام للنَّاس سلوه هَل أذعت سرا مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا فَلِمَنْ الذَّنب الْآن فَلم يرضى أَن يُشَارِكهُ فِي الذَّنب حَتَّى سَار الذَّنب كُله لصَاحب السِّرّ قَالَ كَانَ أَصْحَاب الْمبرد إِذا اجْتَمعُوا وَاسْتَأْذَنُوا يخرج الْإِذْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فَيَقُول إِن كَانَ فِيكُم أَبُو الْعَبَّاس الزّجاج وَإِلَّا انصرفوا فَحَضَرُوا مرّة وَلم يكن الزّجاج فيهم فَقَالَ لَهُم ذَلِك فانصرفوا وَثَبت رجل مِنْهُم فَقَالَ عُثْمَان للآذن قل لأبي الْعَبَّاس انْصَرف الْقَوْم كلهم إِلَّا عُثْمَان فَإِنَّهُ لَا ينْصَرف فَعَاد الْآذِن إِلَيْهِ وَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ إِن عُثْمَان إِذا كَانَ نكرَة انْصَرف وَنحن لَا نعرفك فَانْصَرف راشداً قَالَ قَالَ رجل من أهل الْحجاز لرجل من أهل الْعلم خرج من عندنَا قَالَ نعم إِلَّا أَنه لم يرجع إِلَيْكُم قَالَ تكلم شَاب يَوْمًا عِنْد الشّعبِيّ فَقَالَ الشّعبِيّ مَا سمعنَا بِهَذَا فَقَالَ الشَّاب كل الْعلم سَمِعت قَالَ لَا قَالَ فشطره قَالَ لَا قَالَ فَاجْعَلْ هَذَا فِي الشّطْر الَّذِي لم تسمعه فأفحم الشّعبِيّ وَقَالَ عبد الله بن سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث سَمِعت أبي يَقُول كَانَ هرون الْأَعْوَر يَهُودِيّا فَأسلم وَحسن إِسْلَامه وَحفظ الْقُرْآن وَضَبطه وَحفظ النَّحْو فناظره إِنْسَان يَوْمًا فِي مَسْأَلَة فغلبه هرون فَلم يدر المغلوب مَا يصنع فَقَالَ لَهُ أَنْت كنت يَهُودِيّا فَأسْلمت فَقَالَ لَهُ هرون أفبئس مَا صنعت فغلبه أَيْضا وَالله الْمُوفق قَالَ مَالك بن سُلَيْمَان كَانَ لإِبْرَاهِيم بن طهْمَان جراية من بَيت المَال فَسئلَ عَن مَسْأَلَة فِي مجْلِس الْخَلِيفَة فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقَالُوا لَهُ تَأْخُذ فِي كل شهر كَذَا وَكَذَا وَلَا تحسن مسئلة فَقَالَ إِنَّمَا آخذ على مَا أحسن وَلَو أخذت على مَا لَا أحسن لفني بَيت المَال وَلَا يفنى مَا لَا أحسن فأعجب الْخَلِيفَة جَوَابه وَأمر لَهُ بجائزة فاخرة وَزَاد فِي جرايته قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد ضاف رجل قوما فكرهوه فَقَالَ الرجل لامْرَأَته كَيفَ لنا أَن نعلم مِقْدَار مقَامه فَقَالَت ألقِ بَيْننَا شرا حَتَّى تتحاكم إِلَيْهِ ففعلا فَقَالَت للضيف بِالَّذِي يُبَارك لَك فِي غدوك غَدا أَيّنَا أظلم فَقَالَ الضَّيْف وَالَّذِي يُبَارك لي فِي مقَامي عنْدكُمْ شهرا مَا أعلم قَالَ ابْن خلف حَدثنِي بعض أَصْحَابنَا قَالَ بَلغنِي أَن الرشيد خرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 يَوْمًا متنزهاً وَانْفَرَدَ عَن عسكره وَالْفضل بن الرّبيع خَلفه فَإِذا هُوَ بشيخ قد ركب حمارا لَهُ وَفِي يَده لجام كَأَنَّهُ مبعر محشو فَنظر إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ رطب الْعَينَيْنِ فغمز الْفضل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْفضل أَيْن تُرِيدُ قَالَ حَائِطا لي قَالَ هَل لَك أَن أدلك على شَيْء تداوي بِهِ عَيْنَيْك فتذهب هَذِه الرُّطُوبَة قَالَ مَا أحوجني إِلَى ذَلِك قَالَ لَهُ خُذ عيدَان الْهَوَاء وغبار المَاء وورق الكماة فصيره فِي قشر جوزة واكتحل بِهِ فَإِنَّهُ يذهب عَنْك مَا تَجِد قَالَ فاتكأ على قربوسة فضرط ضرطة طَوِيلَة ثمَّ قَالَ تَأْخُذ هَذِه أُجْرَة لوصفتك فَإِن نفعتنا زدناك قَالَ فاستضحك الرشيد حَتَّى كَاد أَن يسْقط عَن ظهر دَابَّته قَالَ الجاحظ قَالَ الْمهْدي لِشَرِيك القَاضِي وَعِيسَى بن مُوسَى عِنْده لَو شهد عنْدك عِيسَى كنت تقبله وَأَرَادَ أَن يضْرب بَينهمَا فَقَالَ شريك من سَأَلت عَنهُ لَا يسْأَل عَن عِيسَى غير أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن زكيته قبلته فقلبها عَلَيْهِ قَالَ أَبُو بكر بن مُحَمَّد كَانَ لي أَخ يجيد الشّعْر فَقَالَ لَهُ رجل مِنْهُم وَقد حسده على شعره مَا أَدْرِي مَا معنى أعجمي يَقُول الشّعْر فَقَالَ لَهُ رجل دب إِلَى أمه عَرَبِيّ فَقَالَ لَهُ وَكَذَلِكَ يلْزم فِي قِيَاس قَوْلك إِذا لم يقل الْعَرَبِيّ شعرًا فقد دب إِلَى أمه أعجمي غضب رجل على رجل فَقَالَ لَهُ مَا أغضبك قَالَ شَيْء تنقله إِلَى الثِّقَة عَنْك فَقَالَ لَهُ لَو كَانَ ثِقَة مَا تمّ قَالَ أَبُو الْحسن بن الْمَأْمُون قَالَ قَالَ الْمَأْمُون ليحيى بن أَكْثَم من الَّذِي يَقُول وَهُوَ يعرض بِهِ (قاضٍ بَرى الْحَد فِي الزناء وَلَا ... يرى على من يلوط من باس) قَالَ أَو مَا يعرف أَمِير الْمُؤمنِينَ من قَالَه قَالَ لَا قَالَ يَقُوله الْفَاجِر أَحْمد بن أبي نسيم الَّذِي يَقُول (حاكمنا يرتشي وقاضينا ... يلوط وَالرَّأْس شَرّ مَا رَأس) (لَا أَحسب الْجور يَنْقَضِي وعَلى ... السَّلامَة وَآل من آل عَبَّاس) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 قَالَ فأفحم الْمَأْمُون وَسكت خجلا وَقَالَ يَنْبَغِي أَن ينفى أَحْمد بن أبي نعيم إِلَى السَّنَد قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن شهَاب الْعَطَّار قَالَ روى يَعْقُوب الشحام قَالَ قَالَ لي أَبُو الْهُذيْل بَلغنِي أَن رجلا يَهُودِيّا قدم الْبَصْرَة وَقد قطع وَغلب عَامَّة متكليميهم فَقلت لِعَمِّي امْضِي إِلَى هَذَا الْيَهُودِيّ كَلمه فَقَالَ يَا بني هَذَا قد غلب جمَاعَة متكلمي الْبَصْرَة فَقلت لَا بُد فَأخذ بيَدي فَدَخَلْنَا على الْيَهُودِيّ فَوَجَدته يُقرر النَّاس الَّذين يكلمونه نبوة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ يجْحَد نبوة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول نَحن على مَا اتفقنا عَلَيْهِ من نبوة مُوسَى إِلَى أَن نتفق على غَيره فَنقرَ بِهِ فَدخلت إِلَيْهِ فَقلت لَهُ أَسأَلك أَو تَسْأَلنِي فَقَالَ يَا بني أَو مَا ترى مَا أَفعلهُ بمشايخك فَقلت دع عَنْك هَذَا واختر قَالَ بل أَسأَلك أَخْبرنِي أَلَيْسَ مُوسَى نَبيا من أَنْبيَاء الله قد صحت نبوته وَثَبت دَلِيله تقر بِهَذَا أَو تجحده فتخالف صَاحبك فَقلت لَهُ أَن الَّذِي سَأَلتنِي عَنهُ من أَمر مُوسَى عِنْدِي على أَمريْن أَحدهمَا أَنِّي أقرّ بنبوة مُوسَى الَّذِي أخبر بِصِحَّة نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأمرنا باتباعه وَبشر نبوته فَإِن كَانَ عَن هَذَا تَسْأَلنِي فَأَنا مقرّ بنبوته وَإِن كَانَ الَّذِي سَأَلتنِي عَنهُ لَا يقر بنبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَأْمر باتباعه وَلَا بشر بِهِ فلست أعرفهُ وَلَا أقرّ بنبوته وَهُوَ عِنْدِي شَيْطَان مخزي فتحير مِمَّا قلت لَهُ فَقَالَ لي فَمَا تَقول فِي التَّوْرَاة فَقلت أَمر التَّوْرَاة أَيْضا عِنْدِي على وَجْهَيْن إِن كَانَت التَّوْرَاة الَّتِي أنزلت على مُوسَى الَّذِي أقرّ بنبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهِيَ التَّوْرَاة الْحق وَإِن كَانَت الَّذِي تدعيه فَبَاطِل وَأَنا غير مُصدق بهَا فَقَالَ احْتَاجَ أَن أَقُول لَك شَيْئا بيني وَبَيْنك فَظَنَنْت أَنه يَقُول شَيْئا من الْخَيْر فتقدمت إِلَيْهِ فسارني وَقَالَ أمك كَذَا وَكَذَا وَأم الَّذِي علمك لَا يكني وَقد رأى أَنِّي أثب بِهِ فَيَقُول وَثبُوا عَليّ فَأَقْبَلت على من كَانَ فِي الْمجْلس فَقلت أعزكم الله أَلَيْسَ قد أَجَبْته قَالُوا نعم فَقلت أَلَيْسَ عَلَيْهِ إِن يرد جوابي فَقَالُوا نعم فَقلت أَنه لما سَارَّنِي شَتَمَنِي بالشم الَّذِي يُوجب الْحَد وَشتم من عَلمنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَأَنه ظن أَنِّي أثب بِهِ فيدعي أَنا أثبناه وَقد عرفتكم شَأْنه فَأَخَذته الْأَيْدِي بالنعال فَخرج هَارِبا من الْبَصْرَة وَقد كَانَ لَهُ بهَا دين كثير فَتَركه وَخرج هَارِبا لما لحقه من الِانْقِطَاع قَالَ لما دخل الجماز على المتَوَكل قَالَ لَهُ إِنِّي أُرِيد أَن أستبريك فَقَالَ الجماز بِحَيْضَة أَو بحيضتين فَضَحِك الْجَمَاعَة مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الْفَتْح قد كلمت أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيك حَتَّى ولاك جَزِيرَة القرود فَقَالَ لَهُ الجماز أفلست فِي السّمع وَالطَّاعَة أصلحك الله فحصر الْفَتْح وأسكت فَأمر لَهُ المتَوَكل بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَأَخذهَا وَانْحَدَرَ فَمَاتَ فَرحا بهَا قَالَ الْعُتْبِي دخل الْوَلِيد بن زيد على هِشَام بن عبد الْملك وعَلى الْوَلِيد عِمَامَة وَشَيْء فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد بكم أخذت عمامتك قَالَ بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ هِشَام عِمَامَة بِأَلف يستكثر ذَلِك فَقَالَ الْوَلِيد إِنَّهَا لأكرم أطرافي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقد اشْتريت جَارِيَة بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم لأخس أطرافك كَانَ معن بن زَائِدَة يذكر عَنهُ قلَّة دين فَبعث إِلَى ابْن عَيَّاش بِأَلف دِينَار وَكتب إِلَيْهِ بعثت إِلَيْك بِأَلف دِينَار اشْتريت بهَا دينك فاقبض الثّمن واكتب بِالتَّسْلِيمِ فَكتب إِلَيْهِ قد قبضت وبعتك ديني مَا خلا التَّوْحِيد لعلمي بزهدك فِيهِ حَدثنَا يَمُوت بن المزرع قَالَ كَانَ أبي والجماز يمشيان وَأَنا خلفهمَا بالعشى فمررنا بِإِمَام وَهُوَ ينْتَظر من يمر عَلَيْهِ فَيصَلي مَعَه فَلَمَّا رآنا أَقَامَ الصَّلَاة مبادراً فَقَالَ لَهُ الجماز دع عَنْك هَذَا فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نهى أَن يتلَقَّى الجلب أخبرنَا ابْن الْأَعرَابِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ اجتزت فِي بعض سِكَك الْكُوفَة فَإِذا بِرَجُل قد خرج من حبس على كتفه جرة وَهُوَ ينشد وَيَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 (وَأكْرم نَفسِي أنني أَن أهنتها ... وحقك لم تكرم على أحد بعدِي) فَقلت لَهُ تكرمها بِمثل هَذَا فَقَالَ نعم واستغني عَن سفلَة مثلك إِذا سالمته يَقُول صنع الله لَك فَقلت ترَاهُ عرفني فأسرعت فصاح بِي يَا أصمعي فَالْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ (لنقل الصخر من قلل الْجبَال ... أحب إِلَيّ من منن الرِّجَال) (يَقُول النَّاس كسب فِيهِ عَار ... وكل الْعَار فِي ذل السُّؤَال) حَدثنَا أَبُو الطّيب بن هرثمة قَالَ كنت مجتازاً بِبَغْدَاد ومخنث يمشي فرأته امْرَأَة وَكَانَ حسن الْبدن فَقَالَت لَيْت عَليّ شَحم هَذَا المخنث فَقَالَ لَهَا المخنث مَعَ بغاي فشتمته فَقَالَ لَهَا كَيفَ صَار تأخذين الْجيد وتدعين الردئ وَدخل رجل إِلَى الْحمام فَرَأى مخنثاً بَين يَدي حطمي فَقَالَ الرجل أَعْطِنِي مِنْهُ قَلِيلا فَأبى فَقَالَ الرجل كل قفيز بدرهم فَقَالَ المخنث كل أَرْبَعَة أَقْفِزَة بدرهم احسب حِسَابك كم يصيبك بِلَا شَيْء قَالَ طراد بن مُحَمَّد ابْن يَهُودِيّا نَاظر مُسلما أَظُنهُ قَالَ فِي مجْلِس المرتضي فَقَالَ الْيَهُودِيّ إيش أَقُول فِي قوم سماهم الله مُدبرين يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يَوْم حنين فَقَالَ الْمُسلم فَإِذا كَانَ مُوسَى أدبر مِنْهُم قَالَ لَهُ كَيفَ قَالَ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ ولى مُدبرا وَلم يعقب وَهَؤُلَاء مَا قَالَ فيهم وَلم يعقبوا فَسكت قَالَ نصر بن سيار قلت لأعرابي هَل أتخمت قطّ فَقَالَ أما من طَعَامك وَطَعَام أَبِيك فَلَا فَيُقَال أَن نصراحم من هَذَا الْجَواب أَيَّامًا قَالَ رجل من الْيَهُود لعَلي بن أبي طَابَ مَا دفنتم نَبِيكُم حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 قَالَت الْأَنْصَار منا أَمِير ومنكم أَمِير فَقَالَ لَهُ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنْتُم مَا جَفتْ أقدامكم من مَاء الْبَحْر حَتَّى قُلْتُمْ اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة حبلت امْرَأَة يزِيد فَقَالَت لَهُ وَكَانَ قَبِيح الصُّورَة الويل لَك أَن كَانَ يشبهك فَقَالَ لَهَا وَالْوَيْل لَك إِن لم يشبهني رأى رجل من الْأَعَاجِم رجلا أَعور فَقَالَ قد حَان خُرُوج الدَّجَّال فَقَالَ إِنَّه يخرج من بِلَاد الْأَعَاجِم لَا الْعَرَب جَازَ أَبُو بكر بن قَانِع بالكرخ فِي زمن الرَّفْض فَقَالَت لَهُ امْرَأَة يَا سَيِّدي أَبَا بكر فَقَالَ لَهَا لبيْك يَا عَائِشَة فَقَالَت كَانَ اسْمِي عَائِشَة قَالَ فيقتلوني وحدي أُرِيد أَن يضْربُونَ رقابنا جَمِيعًا ظفر رجل بخصمه فِي حَرْب فَقَالَ لَهُ مَا تراني اصْنَع بك فَقَالَ مهلا فَمَا أمكنك الله مني إِلَّا لشأن حلمك قيل لأبي الْأسود اشْهَدْ مُعَاوِيَة بَدْرًا فَقَالَ نعم من ذَاك الْجَانِب كَانَ أَبُو الْحسن المتيم الصُّوفِي يسكن الرصافة وَكَانَ مطبوعاً مضاحكاً وَكَانَ يتولع بِرَجُل شَاهد فِيهِ غَفلَة يعرف بِأبي عبد الله الكيا قَالَ ابْن المتيم فَلَقِيته يَوْمًا فَسلمت عَلَيْهِ وَصحت بِهِ اشْهَدْ عَليّ فَاجْتمع النَّاس علينا فَقَالَ بِمَ أشهد فَقلت بِأَن الله إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَأَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وَأَن الْجنَّة حق وَالنَّار حق والساعة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور فَقَالَ اُبْشُرْ يَا أَبَا الْحسن سقط عَنْك الْجِزْيَة وصرت أَخا من إِخْوَاننَا فَضَحِك النَّاس وانقلب الولع بِي قَالَ الشَّيْخ سَمِعت بعض أصدقائي يَحْكِي أَن رجلا كَانَ يشرب لَيْلَة الْجُمُعَة فَنَهَاهُ بعض الْعَوام وَقَالَ لَهُ هَذِه لَيْلَة عَظِيمَة فَقَالَ لَهُ الرجل فِي مثل هَذِه اللَّيْلَة يرفع الْقَلَم فَقَالَ الْعَاميّ وَلَكِن يكْتب بصوفة قَالَ فاتعظ الرجل وَلم يرجع بعد إِلَى شرب الْخمر وقفت امْرَأَة قبيحة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 عطار ماجن فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا قَالَ {وَإِذا الوحوش حشرت} فَقَالَت {وَضرب لنا مثلا وَنسي خلقه} اسْتَأْجر رجل غُلَاما ليخدمه فَقَالَ لَهُ كم أجرتك قَالَ شبع بَطْني فَقَالَ لَهُ سامحني فَقَالَ أَصوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس شكا جمَاعَة من الصَّالِحين ضَرَر الأتراك إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُم أَنْتُم تعتقدون أَن هَذَا بِقَضَاء الله فَكيف أدفَع قَضَاء الله فَقَالَ لَهُ أحدهم صَاحب الْقَضَاء قَالَ {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض} فأفحم أَمِير الْمُؤمنِينَ الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي ذكر من غلب من الْعَوام بذكائه كبار الرؤساء حَدثنِي رجل من أهل الرقة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ أَخذ زِيَاد رجلا من الْخَوَارِج فَأَفلَت مِنْهُ فَأخذ خَاله فَقَالَ إِن جِئْت بأخيك وَإِلَّا ضربت عُنُقك قَالَ أَرَأَيْت إِن جِئْت بِكِتَاب من أَمِير الْمُؤمنِينَ تخلي سبيلي قَالَ نعم قَالَ فَأَنا آتِيك بِكِتَاب من الْعَزِيز الرَّحِيم وأقيم عَلَيْهِ شَاهِدين إِبْرَاهِيم ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام {أم لم ينبأ بِمَا فِي صحف مُوسَى وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} قَالَ زِيَاد خلوا سَبيله هَذَا رجل لقن حجَّته قَالَ يَمُوت بن المزرع قَالَ لنا الجاحظ مَا غلبني أحد قطّ إِلَّا رجل وَامْرَأَة فَأَما الرجل فَإِنِّي كنت مجتازاً فِي بعض الطّرق فَإِذا أَنا بِرَجُل قصير بطين كَبِير الهامة طَوِيل اللِّحْيَة متزر بمئزر وَبِيَدِهِ مشط يسْقِي بِهِ شقَّه ويمشطها بِهِ فَقلت فِي نَفسِي رجل قصير بطين الْحَيّ فاستزريته فَقلت أَيهَا الشَّيْخ قد قلت فِيك شعرًا فَترك الْمشْط من يَده وَقَالَ قل فَقلت (كَأَنَّك صعوة فِي أصل حش ... أصَاب الحش طش بعد رش) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 فَقَالَ لي اسْمَع جَوَاب مَا قلت فَقلت هَات فَقَالَ (كَأَنَّك كندر فِي ذَنْب كَبْش ... يدلدل هَكَذَا والكبش يمشي) وَأما الْمَرْأَة فَكنت مجتازاً بِبَعْض الطرقات فَإِذا أَنا بامرأتين وَكنت رَاكِبًا على حمارة فضرطت الحمارة فَقَالَت إِحْدَاهمَا لِلْأُخْرَى وي حمارة الشَّيْخ تضرط فغاظني قَوْلهَا فاحندت ثمَّ قلت لَهَا إِنَّه مَا حَملتنِي أُنْثَى قطّ إِلَّا وضرطت فَضربت بِيَدِهَا على كتف الْأُخْرَى وَقَالَت كَانَت أم هَذَا مِنْهُ تِسْعَة أشهر على جهد جهيد لَقِي بعض الأكاسرة فِي موكبه رجلا أَعور فحبسه فَلَمَّا نزل خلاه وَقَالَ تطيرت مِنْك قَالَ أَنْت أشام مني لِأَنَّك خرجت من مَنْزِلك ولقيتني فَمَا رَأَيْت إِلَّا خيرا وَخرجت من منزلي فلقيتك فحبستني فَلم يعد بعْدهَا يتطير عَن الْأَصْمَعِي قَالَ قَالَ الْوَلِيد بن عبد الْملك لبديح خُذ بِنَا فِي المنى فوَاللَّه لأغلبنك قَالَ لَا تغلبني قَالَ بلَى لَأَفْعَلَنَّ وَقَالَ فستعلم قَالَ الْوَلِيد فَإِنِّي أُرِيد أَتَمَنَّى ضعف مَا تتمنى أَنْت فهات قَالَ فَإِنِّي أَتَمَنَّى سبعين كفلاً من الْعَذَاب ويلعنني الله لعناً كثيرا فَقَالَ غلبتني قبحك الله قَالَ مرض مولى لسَعِيد بن الْعَاصِ وَلم يكن لَهُ من يَخْدمه وَيقوم بأَمْره فَبعث إِلَى سعيد بن الْعَاصِ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ لَيْسَ لي وَارِث غَيْرك وَهَهُنَا ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم مدفونة فَإِذا أَنا مت فَخذهَا فَقَالَ سعيد حِين خرج من عِنْده مَا أرانا إِلَّا قد أسأنا إِلَى مَوْلَانَا وقصرنا فِي تعاهده فتعاهده كل التعاهد ووكل بِهِ من يَخْدمه فَلَمَّا مَاتَ اشْترى لَهُ كفناً بثلاثمائة دِرْهَم وَشهد جنَازَته فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْبَيْت حفر الْبَيْت كُله فَلم يجد شَيْئا وَجَاء صَاحب الْكَفَن يُطَالب بِثمن الْكَفَن فَقَالَ لقد هَمَمْت أَن أنبش عَلَيْهِ وأسلبه كَفنه أَتَى الْحجَّاج بِرَجُل ليَقْتُلهُ وَبِيَدِهِ لقْمَة فَقَالَ وَالله لَا أكلتها حَتَّى أَقْتلك قَالَ أَو خير من ذَلِك تطعمنيها وَلَا تقتلني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فَتكون قد بررت فِي يَمِينك ومننت عَليّ فَقَالَ ادن مني فأطعمه إِيَّاهَا وخلاه وأتى الْحجَّاج بِرَجُل من الْخَوَارِج فَأمر بِضَرْب عُنُقه فاستنظره يَوْمًا قَالَ مَا تُرِيدُ بذلك قَالَ أُؤَمِّل عَفْو الْأَمِير مَعَ مَا تجْرِي بِهِ الْمَقَادِير فَاسْتحْسن قَوْله وخلاه وبلغنا عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه منع أَصْحَابه مَا كَانَ يصل إِلَيْهِم فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير اتخذ جنداً من حِجَارَة لَا تَأْكُل وَلَا تشرب فَقَالَ لَهُ عَمْرو أخسا أَيهَا الْكَلْب فَقَالَ لَهُ الرجل أَنا من جندك فَإِذا كنت كَلْبا فَأَنت أَمِير الْكلاب وقائدها قَالَ المتَوَكل يَوْمًا لجلسائه أَتَدْرُونَ مَا الَّذِي نقم الْمُسلمُونَ من عُثْمَان قَالُوا لَا قَالَ أَشَاء مِنْهَا أَنه قَامَ أَبُو بكر دون مقَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمرقاة ثمَّ ومقام عمر دون مقَام أبي بكر بمرقاة فَصَعدَ عُثْمَان ذرْوَة الْمِنْبَر فَقَالَ عباد مَا أحد أعظم مِنْهُ عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من عُثْمَان قَالَ وَكَيف وَيلك قَالَ لِأَنَّهُ صعد ذرْوَة الْمِنْبَر فَلَو أَنه كلما قَامَ خَليفَة نزل عَمَّن تقدمه كنت أَنْت تخطبنا من بِئْر جلولاً فَضَحِك المتَوَكل وَمن حوله قَالَ رجل لغلامه يَا فَاجر فَقَالَ الْغُلَام أتولى الْقَوْم مِنْهُم قَالَ الرّبيع كنت قَائِما على رَأس الْمَنْصُور إِذْ أَتَى بخارجي قد هزم لَهُ جيوشاً فأقامه ليضْرب عُنُقه ثمَّ قَالَ لَهُ يَا ابْن الفاعلة مثلك يهْزم الجيوش فَقَالَ لَهُ الْخَارِجِي وَيلك وسوءة لَك بيني وَبَيْنك أمس الْقَتْل وَالسيف وَالْيَوْم الْقَذْف والسب وَمَا كَانَ يُؤمنك أَن أرد عَلَيْك وَقد يئست من الْحَيَاة فَلَا تستقبلها أبدا فاستحى الْمَنْصُور وَأطْلقهُ وَقَالَ الصاحب بن عباد مَا أخجلني غير ثَلَاثَة مِنْهُم أَبُو الْحُسَيْن البهديني فَإِنَّهُ كَانَ فِي نفر من جلسائي فَقلت لَهُ وَقد أَكثر من أكل المشمش لَا تَأْكُله فَإِنَّهُ يلطخ الْمعدة فَقَالَ مَا يُعجبنِي مَا يطب النَّاس على مائدته وَآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 قَالَ لي وَقد جِئْت من دَار السُّلْطَان وَأَنا ضجر من أَمر عرض لي من أَيْن أَقبلت فَقلت من لعنة الله فَقَالَ رد الله غربتك فَأحْسن عَليّ إساءة الْأَدَب وَصبي مستحسن داعبته فَقلت لبيْك تحتي فَقَالَ مَعَ ثَلَاثَة أخر يَعْنِي فِي رفع جنازتي فأخجلني قَالَ رجل شربت البارحة فَاحْتَجت إِلَى الْقيام لإراقة المَاء كأنني جدي فَقَالَ لَهُ عَامي لم تصغر نَفسك يَا سيدنَا الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِي ذكر أَقْوَال وأفعال صدرت من أواسط النَّاس وعوامهم تدل على قُوَّة الذكاء حَدثنَا يحيى الْمروزِي قَالَ كنت آكل مَعَ الرشيد يَوْمًا فَرفع رَأسه إِلَى خَادِم فَكَلمهُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَقلت لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن كنت تُرِيدُ أَن تسر إِلَيْهِ شَيْئا فَإِنِّي أفهم بِالْفَارِسِيَّةِ فَاسْتحْسن الرشيد ذَلِك مني وَقَالَ لَيْسَ نطوي سرا قَالَ عَاد أَبُو عمر الضَّرِير رجلا من أَصْحَابه فَأخذت أمة بِيَدِهِ فَصَعدت بِهِ فَلَمَّا أَرَادَ أَن ينزل جَاءَت فَأخذت بِيَدِهِ فَقَالَ رديني إِلَى مَوْلَاك فَردته فَقَالَ إِن جاريتك أخذت بيَدي حِين صعدت وَهِي بكر ثمَّ أخذت بيَدي السَّاعَة وَهِي ثيب فَسَأَلَ عَن ذَلِك فَأخْبر أَن ابْنا للرجل افترشها قَالَ مُصعب بن عبد الله قَالَ مَالك بن أنس صلى بعض الشطار خلف رجل فَلَمَّا قَرَأَ ارتج عَلَيْهِ فَلم يدر مَا يَقُول فَجعل يَقُول أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَجعل يردد ذَلِك مرَارًا فَقَالَ الشاطر من خَلفه مَا للشَّيْطَان ذَنْب إِلَّا أَنَّك مَا تحسن تقْرَأ قَالَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن دَعَا معن مرّة أَخا لَهُ فأقعده إِلَى الْعَصْر فَلم يطعمهُ شَيْئا فَاشْتَدَّ جوعه فَأَخذه مثل الْجُنُون فَأخذ صَاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الْبَيْت الْعود وَقَالَ لَهُ بحياتي أَي صَوت تشْتَهي أَن أسمعك قَالَ صَوت المقلي أخبرنَا الجماز قَالَ سَمِعت وَاحِد يَقُول لَا آخر قد رمد بِأَيّ شَيْء تداوي عَيْنَيْك قَالَ بِالْقُرْآنِ وَدُعَاء الوالدة فَقَالَ اجْعَل مَعَهُمَا شَيْئا من أنزروت قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن هِشَام بن عبيد الله الْكَاتِب الْمَعْرُوف أَبوهُ بِأبي قِيرَاط قَالَ سَمِعت حَامِد بن الْعَبَّاس يَقُول رُبمَا انْتفع الْإِنْسَان فِي نكبته بِالرجلِ الصَّغِير أَكثر من منفعَته بِالرجلِ الْكَبِير فَمن ذَلِك أَن إِسْمَاعِيل بن بلبل لما حَبَسَنِي جعلني فِي يَد بواب كَانَ يَخْدمه فَكَانَ رجلا حرا فأحسنت إِلَيْهِ وبررته وَكَانَ ذَلِك البواب يدْخل إِلَى مجْلِس الْخَاصَّة وَلَا يُنكر عَلَيْهِ لسابق خدمته فَجَاءَنِي فِي بعض اللَّيَالِي وَقَالَ قد حرر الْوَزير عَليّ ابْن الْفُرَات وَقَالَ مَا يكسر المَال على حَامِد غَيْرك وَلَا بُد من الْجد فِي مُطَالبَته بباق مصادرته وسيدعو بك الْوَزير غَدا إِلَى حَضرته ويهددك فشغل ذَلِك قلبِي فَقلت لَهُ فَهَل عنْدك من رَأْي فَقَالَ اكْتُبْ رقْعَة إِلَى رجل من معامليك تعرف شحه وَالْتمس مِنْهُ لعاليك ألف دِرْهَم يقرضك إِيَّاهَا واسأله أَن يجيبك على ظهر الرقعة لترجع إِلَيْك لتخرجها فَإِنَّهُ لشحه يردك بِعُذْر احتفظ بالرقعة فَإِذا طالبك أخرجتها إِلَيْهِ وَقلت لَهُ قد أفضت حَالي إِلَى هَذَا فأخرجتها على غير مواطئة فَلَعَلَّ ذَلِك ينفعك فَفعلت مَا قَالَ وَجَاءَنِي الْجَواب بِالرَّدِّ كَمَا حَسبنَا فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أخرجني الْوَزير وطالبني فأخرجت الرقعة فقرأها فلَان واستحى وَكَانَ ذَلِك سَبَب خفَّة أَمْرِي وَزَوَال محنتي قَالَ عِيسَى بن مُحَمَّد الطوماري سَمِعت أَبَا عمر مُحَمَّد بن يُوسُف القَاضِي يَقُول اعتل أبي عِلّة شهوراً فانتبه ذَات لَيْلَة فَدَعَا بِي وبأخوتي وَقَالَ لنا رَأَيْت فِي النّوم كَأَن قَائِلا يَقُول كل لَا واشرب لَا فَإنَّك تَبرأ فَلم ندر تَفْسِيره وَكَانَ بِبَاب الشَّام رجل يعرف بِأبي عَليّ الْخياط حسن الْمعرفَة بِعِبَارَة الرُّؤْيَة فَجِئْنَا بِهِ فَقص عَلَيْهِ الْمَنَام فَقَالَ مَا أعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 تَفْسِيره وَلَكِنِّي أَقرَأ كل لَيْلَة نصف الْقُرْآن فأخلوني اللَّيْلَة حَتَّى أَقرَأ رسمي وأتفكر فَلَمَّا كَانَ من الْغَد جَاءَنَا فَقَالَ مَرَرْت على هَذِه الْآيَة {لَا شرقية وَلَا غربية} فَنَظَرت إِلَى لَا وَهِي تردد فِيهَا اسقوه زيتاً وأطعموه زيتاً فَفَعَلْنَا وَكَانَت سَبَب عافيته قَالَ حَدثنَا الْأَصْمَعِي قَالَ رَأَيْت رجلا قَاعِدا على قصراوس فِي الطَّاعُون يعد الْمَوْتَى فِي كوز فعد أول يَوْم عشْرين وَمِائَة ألف فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي عد خمسين وَمِائَة ألف فَمر قوم بميتهم وَهُوَ يعد فَلَمَّا رجعُوا إِذا عِنْد الْكوز غَيره فَسَأَلُوهُ عَنهُ فَقَالُوا لَهُم هُوَ فِي الْكوز حكى جَعْفَر البرني قَالَ مَرَرْت بسائل على الجسر وَهُوَ يَقُول مِسْكينا ضريراً فَدفعت إِلَيْهِ قِطْعَة وَقلت يَا هَذَا لم نصبت قَالَ فديتك بإضمار ارحموا حَدثنَا أَبُو عُثْمَان الخالدي قَالَ عملت قصيدة أمدح سيف الدولة أَبَا الْحسن أبن حمدَان وعرضتها على جمَاعَة أتعرف مَا عِنْدهم فِيهَا إِذْ حضر مخنث وَأَنا أقرؤها فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى قولي (وَأنْكرت شيبَة فِي الرَّأْس وَاحِدَة ... فَعَاد يسخطها مَا كَانَ يرضيها) قَالَ هَذَا غلط قلت مَا هُوَ قَالَ تَقول للأمير فِي الرَّأْس وَاحِدَة أَلا قلت فِي الرَّأْس طالعة أَو لائحة فعجبت من فطنته وجودة خاطره روى سعيد بن يحيى الْأمَوِي عَن أَبِيه قَالَ كَانَ فتيَان من قُرَيْش يرْمونَ فَرمى مِنْهُم من ولد أبي بكر وَطَلْحَة فقرطس فَقَالَ أَنا بن القرنين فَرمى آخر من ولد عُثْمَان فقرطس فَقَالَ أَنا ابْن الشَّهِيد وَرمى رجل من الموَالِي فقرطس فَقَالَ أَنا ابْن من سجدت لَهُ الْمَلَائِكَة فَقَالُوا لَهُ من هُوَ فَقَالَ آدم قَالَ الْمبرد قدم بعض الْبَصرِيين من أَصْحَاب أبي هُذَيْل بَغْدَاد قَالَ فَلَقِيت مخنثين فَقلت لَهما أيد منزلا وَكَانَ هَذَا الرجل فِي نِهَايَة الْقبْح فَقَالَ أَحدهمَا بِاللَّه من أَيْن أَنْت قلت من الْبَصْرَة فَأقبل على الآخر وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 لَا إِلَه إِلَّا الله تحول يَا أخنى كل شَيْء من الدُّنْيَا حَتَّى هَذَا كَانَت القرود تَجِيء من الْيمن صَارَت تَجِيء من الْبَصْرَة بلغنَا عَن أبي الْحَرْث أَنه كَانَ يهوى جَارِيَة يتعرس بطيفها فَشَكا حَاله إِلَى مُحَمَّد بن مَنْصُور فاشتراها لَهُ وأنفذها إِلَيْهِ فَلم يساعده مَا مَعَه عَلَيْهَا فبكر إِلَيْهِ فَقَالَ كَيفَ كَانَت ليلتك قَالَ شَرّ لَيْلَة صَار مَا عِنْدِي قرشياً من بني أُميَّة قَالَ كَيفَ ذَاك قَالَ صَار كَمَا قَالَ الأخطل (شمس الْعَدَاوَة حَتَّى تستفاد لَهُم ... وَأعظم النَّاس أحلاماً إِذْ قدرُوا) فَضَحِك مُحَمَّد بن مَنْصُور مضى إِلَى الْفضل وجعفر فَأَخْبرهُمَا وَكَانَ خَبره حَدِيثهمْ عَامَّة يومهم شكا أَصْحَاب هِشَام إِلَى أسلم بن الْأَحْنَف احتباس أَرْزَاقهم فَدخل على هِشَام فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَن منادياً نَادَى يَا مُفلس مَا بَقِي أحد من أَصْحَابك إِلَّا الْتفت فَضَحِك وَأمر بصلَة أَرْزَاقهم عربد هاشمي على قوم فشكوه إِلَى عَمه فَأَرَادَ عَمه أَن يتَنَاوَلهُ بالأدب فَقَالَ إِنِّي أَسَأْت وَلَيْسَ معي عَقْلِي فَلَا تسيء إِلَيّ ومعك عقلك فصفح عَنهُ قَالَ قدم وَفد من الْعرَاق على سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَقَامَ رجل مِنْهُم فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أَتَيْنَاك رَغْبَة وَلَا رهبة قَالَ فَلم جئْتُمْ قَالَ نَحن وَفد الشُّكْر أما الرَّغْبَة فقد وصلت إِلَيْنَا فِي رحالنا وَأما الرهبة فقد أمناها بعدلك وَلَقَد حببت إِلَيْنَا الْحَيَاة وهونت علينا الْمَوْت فَأَما تحبيبك إِلَيْنَا الْحَيَاة فَلَمَّا انْتَشَر من عدلك وَأما تهوينك علينا الْمَوْت فَلَمَّا نثق مِنْك فِيمَن تخلف من أعقابنا عَلَيْك فوصله وَأحسن جائزته وجوائز أَصْحَابه حَدثنَا أَبُو الْحسن المدايني قَالَ بعض الْعلمَاء كَانَ لنا صديق من أهل الْبَصْرَة وَكَانَ ظريفاً أديباً فوعدنا أَن يَدْعُونَا إِلَى منزله فَكَانَ يمر بِنَا فَكلما رَأَيْنَاهُ قُلْنَا مَتى هَذَا الْوَعْد إِن كُنْتُم صَادِقين فيسكت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 إِلَى أَن اجْتمع مَا يُريدهُ فَمر بِنَا فأعدنا عَلَيْهِ القَوْل فَقَالَ انْطَلقُوا إِلَى مَا كُنْتُم بِهِ تكذبون ذكر هِلَال بن المحسن أَن رجلا كَانَ يُقَال لَهُ أَبُو الْعجب لم ير مثله فِيمَا كَانَ يعْمل من الشعبذة دخل يَوْمًا إِلَى دَار المقتدر بِاللَّه فَرَأى خَادِمًا من خواصه يبكي على بلبل مَاتَ لَهُ فَقَالَ لَهُ مَا عَلَيْك أَيهَا الْأُسْتَاذ إِن أحييته فَقَالَ مَا تُرِيدُ فَأخذ البلبل الْمَيِّت فَأدْخلهُ كمه وَأدْخل رَأسه وَأخرج بعد سَاعَة بلبلاً حَيا فماجت الدَّار وَعجب الْحَاضِرُونَ فاستدعاه عَليّ بن عِيسَى وَقَالَ وَالله إِن لم تصدقني عَن حَقِيقَة الْأَمر لَأَضرِبَن عُنُقك فَقَالَ إِنِّي شاهدت الْخَادِم يبكي على بلبله فطمعت بِمَا آخذه مِنْهُ فمضيت فِي الْحَال إِلَى السُّوق وابتعت بلبلاً وخبأته فِي كمي وعدت إِلَى الْخَادِم فَقلت مَا قلته وَأخذت البلبل الْمَيِّت وأدخلت رَأسه فِي كمي وأكلته وأخرجت الْحَيّ فَلم يشك أَنه بلبله وَهَذَا رَأس الْمَيِّت أحضر رجل بَين يَدي الْمَأْمُون قد أذْنب فَقَالَ لَهُ أَنْت الَّذِي فعلت كَذَا وَكَذَا قَالَ نعم أَنا ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذِي أسرف على نَفسه واتكل على عفوك فَعَفَا عَنهُ قَالَ بعض الأدباء لصديق لَهُ أَنْت وَالله بُسْتَان الدُّنْيَا فَقَالَ الآخر أَنْت النَّهر الَّذِي يشرب مِنْهُ ذَلِك الْبُسْتَان تظلم أهل الْكُوفَة من عاملها إِلَى الْمَأْمُون فَقَالَ مَا علمت فِي عمالي أعدل مِنْهُ فَقَالَ رجل من الْقَوْم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فقد لزمك أَن تجْعَل لسَائِر الْبلدَانِ نَصِيبا من عدله حَتَّى تكون قد ساويت بَين رعاياك فِي حسن النّظر فَأَما نَحن فَلَا تخصنا مِنْهُ بِأَكْثَرَ من ثَلَاث سِنِين فَضَحِك الْمَأْمُون وَأمر بصرفه دَعَا بعض الظرفاء قوما فجاؤا وَمَعَهُمْ طفيلي فَفطن الرجل بِهِ وَأَرَادَ أَن يعلمهُمْ أَنه قد فطن فَقَالَ مَا أَدْرِي لمن أشكر لكم أَن دعوتكم فجئتم أَو لهَذَا الَّذِي تجشم من غيران دَعوته قَالَ يَمُوت بن المزرع قَالَ لي سهل بن صَدَقَة يَوْمًا وَكَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 بَيْننَا مداعبة ضربك الله بِاسْمِك فَقلت لَهُ مسرعاً أحوجك الله إِلَى اسْم أَبِيك مر رجل من الأذكياء بِرَجُل قَائِم فِي الطَّرِيق قَالَ مَا وقوفك قَالَ انْتظر إنْسَانا فَقَالَ يطول قيامك إِذن تقدم رجل سيء الْأَدَب إِلَى حجام فَقَالَ لَهُ تقدم يَا ابْن الفاعلة وَأصْلح شاربي فَقَالَ لَهُ إِن كَانَ خطابك للنَّاس كَذَا فَعَن قَلِيل تسترح مِنْهُ حضر خياط عِنْد بعض الأتراك ليفصل لَهُ قبَاء فَأخذ يفصل والتركي ينظر إِلَيْهِ فَلم يتهيأ لَهُ أَن يسرق مِنْهُ شيا فضرط فَضَحِك التركي حَتَّى اسْتلْقى فَأخْرج الْخياط من الثَّوْب مَا أَرَادَ فَجَلَسَ التركي وَقَالَ يَا خياط ضرطة أُخْرَى فَقَالَ لَا يجوز يضيق القباء قَالَ رجل لرجل بكم ابتعت هَذِه الشَّاة فَقَالَ أَخَذتهَا بِسِتَّة وَهِي خير من سَبْعَة وَقد أَعْطَيْت بهَا ثَمَانِيَة فَإِن كَانَت من حَاجَتك بِتِسْعَة فزن عشرَة تزوج أعمى امْرَأَة فَقَالَت لَهُ لَو رَأَيْت حسني وبياضي لعجبت فَقَالَ لَو كنت كَمَا تَقُولِينَ مَا تَركك لي البصراء قَالَ رجل لبَعض المياسير وَعَدتنِي وَعدا فأنجزه لي فَقَالَ مَا أذكر هَذَا الْوَعْد فَقَالَ صدقت أَنْت لَا تذكره لِأَن من تعد مثلي كثير وَأَنا لَا أنسى لِأَن من أسأله بمثلك قَلِيل فَقَالَ أَحْسَنت وَقضى حَاجته كَانَ رجل فِي دَاره بِأُجْرَة وَكَانَ خشب السّقف يتفرقع كثيرا فَلَمَّا جَاءَ رب الدَّار يُطَالِبهُ بِالْأُجْرَةِ قَالَ لَهُ اصلح هَذَا السّقف فَإِنَّهُ يتفرقع قَالَ لَا بَأْس عَلَيْك فَإِنَّهُ يسبح الله قَالَ أخْشَى أَن تُدْرِكهُ الرأفة فَيسْجد وقف قوم على مزِيد وَهُوَ يطْبخ قدرا فَأخذ أحدهم قِطْعَة لحم فَأكلهَا وَقَالَ يَا مزِيد تحْتَاج الْقدر إِلَى الْخلّ وَأخذ آخر قِطْعَة لحم فَأكلهَا وَقَالَ تحْتَاج الْقدر إِلَى إبزار وَأخذ آخر قِطْعَة لحم وَقَالَ يحْتَاج الْقدر إِلَى ملح فَأخذ الطباخ قِطْعَة لحم وَقَالَ تحْتَاج الْقدر إِلَى لحم فَتَضَاحَكُوا مِنْهُ وَانْصَرفُوا قَالَ رجل لأعرابي مَا اسْمك فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فرأت بن الْبَحْرين الْفَيَّاض قَالَ فَمَا كنيتك قَالَ أَبُو الْغَيْث قَالَ بِأبي أَنْت يَنْبَغِي أَن نلقي فِيك زورقاً وَإِلَّا غرقنا قَالَ سعيد بن مُسلم لبَعض جُلَسَائِهِ فِي بستانه مَا أحسن هَذَا الْبُسْتَان قَالَ أَنْت أحسن مِنْهُ لِأَنَّهُ يُؤْتى أكله كل عَام مرّة وَأَنت تؤتي أكلك كل يَوْم قَامَ رجل على رَأس ملك فَقَالَ لَهُ لم قُمْت قَالَ لأقعد فولاه دخل مخنث على الْعُرْيَان بن الْهَيْثَم وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ يَا عَدو الله أتتخنث وَأَنت شيخ فَقَالَ مَكْذُوب عَليّ كَمَا كذب على الْأَمِير أعزه الله فَاسْتَوَى جَالِسا وَقَالَ وَمَا قيل فِي قَالَ يسمونك الْعُرْيَان وَأَنت صَاحب عشْرين جُبَّة فَضَحِك وخلى سَبيله رمى رجل عصفوراً فأخطأه فَقَالَ لَهُ رجل أَحْسَنت فَغَضب وَقَالَ أتهزأ بِي قَالَ لَا وَلَكِن أَحْسَنت إِلَى العصفور قَالَ جَعْفَر بن يحيى الْبَرْمَكِي لبَعض ندمائه اشتهي وَالله أَن أرى إنْسَانا تلِيق بِهِ النِّعْمَة فَقَالَ لَهُ الرجل أَنا أريك ذَاك عيَانًا فَقَالَ هَات فَأخذ الْمرْآة فقربها من وَجهه قصّ قاص فَقَالَ إِذا مَاتَ العَبْد وَهُوَ سَكرَان دفن وَهُوَ سَكرَان وَحشر وَهُوَ سَكرَان فَقَالَ رجل فِي طرف الْحلقَة هَذَا وَالله نَبِيذ جيد يُسَاوِي الْكوز مِنْهُ عشْرين درهما نظر الْأَصْبَهَانِيّ إِلَى أبي هفان يسَار رجلا فَقَالَ فيمَ تُكَذِّبَانِ قَالَ فِي مدحك كَانَ رجل من الظراف مَعَ الرشيد فِي سَفَره إِلَى خُرَاسَان فَلَمَّا علا عقبَة ماسدان قَالَ الرشيد الْحَمد لله الَّذِي أخرجنَا من الدُّنْيَا سَالِمين اجتاز بالناشيء الْبَغْدَادِيّ قصاب يَبِيع لحم بقر هزيل وَهُوَ يَقُول أَيْن من حلف لَا يغبن فَقَالَ لَهُ الناشىء حَتَّى تحنثه قَالَ تَابَ مخنث فَلَقِيَهُ مخنث آخر فَقَالَ من أَيْن تَأْكُل قَالَ من بَقِيَّة ذَاك الْكسْب فَقَالَ لحم الْخِنْزِير طرياً أطيب مِنْهُ قديداً وَقَالَ رأى عبَادَة المخنث ثغر دَابَّة فمط ذنبها وَقَالَ هَذِه تمشي على استحياء أطْعم رجل رجلا من جدي أَرْبَعَة أَيَّام فَقَالَ لَهُ هَذَا الجدي مَوته أطول عمرا مِنْهُ فِي حَيَاته اجْتمع قوم فِي دَعْوَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَفِيهِمْ رجل لَهُ مَحْبُوب فِي الْجَمَاعَة فَلَمَّا نَامُوا قَامَ الْمُحب فأطفأ السراج وَأخذ بِيَدِهِ حَتَّى أَن رَآهُ أحد وضع المخدة تَحت رَأسه وَقَامَ فَلَمَّا بلغ إِلَى الْمَكَان خرجت جَارِيَة بشمعة فالصق المخدة بِالْحَائِطِ واتكأ عَلَيْهَا يغط فَقَالَت الْجَارِيَة وَيحك تنام وتغط قَائِما فَقَالَ لَهَا إيش عَلَيْك مني كَيْفَمَا أردْت أَن أَنَام نمت دخل رجل ذكي إِلَى الْمَسْجِد يُصَلِّي فسرقوا نَعله فتركوها فِي كَنِيسَة بجوار الْمَسْجِد فَجعل يفتش عَلَيْهَا فرآها فِي الْكَنِيسَة فَقَالَ وَيحك لما أسلمت أَنا تهودت أَنْت قَالَ بعض الأذكياء إِذا رَأَيْت رجلا من صَلَاة الْغَدَاة على بَاب دَاره وَهُوَ يَقُول {وَمَا عِنْد الله خير وَأبقى} فَاعْلَم أَن فِي جواره وَلِيمَة لم يدع إِلَيْهَا وَإِذا رَأَيْت قوما يخرجُون من مجْلِس القَاضِي وهم يَقُولُونَ {وَمَا شَهِدنَا إِلَّا بِمَا علمنَا} فَاعْلَم أَن شَهَادَتهم لم تقبل وَإِذا تزوج الرجل فَسئلَ عَن حَاله فَإِن قَالَ وَمَا رغبنا إِلَّا فِي الصّلاح فَاعْلَم أَن زَوجته قبيحة قَالَ الشَّيْخ حُكيَ لنا أَن بعض النَّاس ضاف رجلا فانتبه صَاحب الدَّار بِاللَّيْلِ فَسمع ضحك الرجل من الغرفة فصاح بِهِ فلَان قَالَ لبيْك قَالَ أَنْت كنت فِي الدَّار فَمَا الَّذِي رقاك إِلَى الغرفة قَالَ تدحرجت قَالَ النَّاس يتدحرجون من فَوق إِلَى أَسْفَل فَكيف تدحرجت أَنْت قَالَ فَمن هَذَا أضْحك قَالَ رجل لرجل إِن لطمتك لطمة لأبلغن بك الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ فَأحب إِن تردفها بِأُخْرَى لَعَلَّ الله تَعَالَى أَن يَرْزُقنِي الْحَج على يَديك قَالَ صبي ليهودي يَا عَم قف حَتَّى أصفعك قَالَ أَنا مستعجل اصفع أخي قَالَ رجل لبَعض المغنين مَا تعرف الثقيل الأول وَلَا الثقيل الثَّانِي فَقَالَ وَكَيف لَا أَعْرفهُمَا وَأَنا أعرفك وَأعرف أَبَاك نظر أَبُو الْفضل الْهَمدَانِي إِلَى رجل طَوِيل بَارِد فَقَالَ قد أقبل ليل الشتَاء رُؤِيَ فَقير فِي قَرْيَة فَقيل لَهُ مَا تصنع فَقَالَ مَا صنع مُوسَى وَالْخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام يَعْنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 استطعما أَهلهَا وَسُئِلَ بعض السوقة عَن سوقهم فَقَالَ مثل سوق الْجنَّة يَعْنِي أَنه لَا بيع فِيهِ وَلَا شِرَاء قَالَ شتم رجل رجلا من الْعَوام فَقَالَ لَهُ إيش قلت لَك فأوهمه أَنه يسْأَل أَي شَيْء قلته لَك حَتَّى تَشْتمنِي وَإِنَّمَا أَرَادَ أَي شَيْء قلته فَهُوَ لَك وَهَذَا من عَجِيب الفطنة جَاءَت جَارِيَة رجل إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْت بِشَيْء يشربه فكرهه فَقَالَت لَهُ يَا سَيِّدي غمض عَيْنَيْك وخذه فَقَالَ كَذَا افْعَل بشرى لي أَنِّي أَمُوت قَالَ رجل لرجل بِأَيّ وَجه تَلقانِي وَقد فعلت كَذَا وَكَذَا قَالَ بِالْوَجْهِ الَّذِي ألْقى بِهِ رَبِّي عز وَجل وذنوبي إِلَيْهِ أَكثر من ذُنُوبِي إِلَيْك تكلم بعض القصائص قَالَ فِي السَّمَاء ملك يَقُول كل يَوْم لدوا للْمَوْت وَابْنُوا للخراب فَقَالَ بعض الأذكياء اسْم ذَلِك الْملك أَبُو الْعَتَاهِيَة قَالَ استدعي رجل مغنيين فَلَمَّا هما بِالْغنَاءِ قَالَ أَحدهمَا للْآخر اتبعني قَالَ لَا بل أَنْت اتبعني قَالَ لَا بل أَنْت اتبعني فَلَمَّا طَال هَذَا بَينهمَا قَالَ صَاحب الْبَيْت اتبعاني جمعيا قَالَ قدم طباخ إِلَى بعض الأذكياء طبقًا وَعَلِيهِ رغيفان ثمَّ قَالَ لَهُ إيش تشْتَهي أجيئك بِهِ فَقَالَ خبْزًا وَحكى أَيْضا إِن بعض المحتسبين جَازَ يَوْمًا على رجل يُنَادي على الخبيص رطلين بِحَبَّة فَقَالَ لَهُ وَيحك الدبس يُبَاع رَطْل بِحَبَّة والشيرج رَطْل بقيراط فَكيف تبيع أَنْت الخبيص رطلين بِحَبَّة فَقَالَ يَا سيدنَا مَا فِي الخبيص شَيْء من اللَّذين ذكرت قَالَ فبع الْآن كَيفَ شِئْت وَالله الْمُوفق الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِي احترازات الأذكياء قَالَ الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ روينَا عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَنه سُئِلَ أَيّمَا أكبر أَنْت أَو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكبر وَأَنا ولدت قبله وروينا عَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 لبَعض أهل الْمَدِينَة أَنا أسن أم أَنْت فَقَالَ لَهُ لَا أذكر لَيْلَة زفت أمك الْمُبَارَكَة على أَبِيك الطّيب وَهَذَا الِاحْتِرَاز مليح لِأَنَّهُ لم يقل أمك الطّيبَة قَالَ ابْن عرابة الْمُؤَدب حُكيَ لي مُحَمَّد بن عمر الصَّبِي أَنه حفظ ابْن المعتز وَهُوَ يؤدبه والنازعات وَقَالَ لَهُ إِذا سَأَلَك أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبوك فِي أَي شَيْء أَنْت فَقل لَهُ فِي السُّورَة الَّتِي تلِي عبس وَلَا تقل أَنا فِي النازعات قَالَ فَسَأَلَهُ أَبوهُ فِي أَي شَيْء أَنْت قَالَ فِي السُّورَة الَّتِي تلِي عبس فَقَالَ من علمك هَذَا قَالَ مؤدبي قَالَ فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم قَالَ عبد الْوَاحِد بن نصر المَخْزُومِي قَالَ أَخْبرنِي من أَثِق بِهِ أَنه خرج فِي طَرِيق الشَّام مُسَافِرًا يمشي وَعَلِيهِ مرقعة وَهُوَ فِي جمَاعَة نَحْو الثَّلَاثِينَ رجلا كلهم على هَذِه الصّفة فصحبنا فِي بعض الطَّرِيق رجل شيخ حسن الْهَيْئَة مَعَه حمَار فأره يركبه وَمَعَهُ بغلان عَلَيْهِمَا رجل وقماش ومتاع فاخر فَقُلْنَا لَهُ يَا هَذَا إِنَّك لَا تفكر فِي خُرُوج الْأَعْرَاب علينا فَإِنَّهُ لَا شَيْء مَعنا يُؤْخَذ وَأَنت لَا تصلح لَك صحبتنا مَعَ مَا مَعَك فَقَالَ يكفينا الله ثمَّ سَار وَلم يقبل منا وَكَانَ إِذا نزل يَأْكُل استدعي أكثرنا فأطعمه وسقاه وَإِذا عيي الْوَاحِد منا أركبه على أحد بغليه وَكَانَت جمَاعَة تخدمه وتكرمه وتتدبر بِرَأْيهِ إِلَى أَن بلغنَا موضعا فَخرج علينا نَحْو ثَلَاثِينَ فَارِسًا من الْأَعْرَاب فتفرقنا عَلَيْهِم ومانعناهم فَقَالَ الشَّيْخ لَا تَفعلُوا فتركناهم وَنزل فَجَلَسَ وَبَين يَدَيْهِ سفرته ففرشها وَجلسَ يَأْكُل وأظلتنا الْخَيل فَلَمَّا رَأَوْا الطَّعَام دعاهم إِلَيْهِ فجلسوا يَأْكُلُون ثمَّ حل رَحْله وَأخرج مِنْهُ حلوى كَثِيرَة وَتركهَا بَين يَدي الْأَعْرَاب فَلَمَّا أكلُوا وشبعوا جمدت أَيْديهم وخدرت أَرجُلهم وَلم يتحركوا فَقَالَ لنا أَن الحلو مبنج أعددته لمثل هَذَا وَقد تمكن مِنْهُم وتمت الْحِيلَة وَلَكِن لَا يفك البنج إِلَّا أَن تصفعوهم فافعلوا فَإِنَّهُم لَا يقدرُونَ لكم على ضَرَر ونسير فَفَعَلُوا فَمَا قدرُوا على الِامْتِنَاع فَعلمنَا صدق قَوْله وأخذنا أسلحتهم وركبنا دوابهم وسرنا حواليه فِي موكب ورماحهم على أكتافنا وسلاحهم علينا فَمَا نجتاز بِقوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 إِلَّا يظنونا من أهل الْبَادِيَة فيطلبون النجا منا حَتَّى بلغنَا مَا مننا حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله ابْن عَليّ الْمقري قَالَ دفن رجل مَالا فِي مَكَان وَترك عَلَيْهِ طابقاً وتراباً كثيرا ثمَّ ترك فَوق ذَلِك خرقَة فِيهَا عشرُون دِينَارا وَترك عَلَيْهَا أَتْرَابًا كثيرا وَمضى فَلَمَّا احْتَاجَ إِلَى الذَّهَب كشف عَن الْعشْرين فَلم يجدهَا فكشف عَن الْبَاقِي فَوَجَدَهُ فَحَمدَ الله على سَلامَة مَاله وَإِنَّمَا فعل ذَلِك خوفًا أَن يكون قد رَآهُ أحد وَكَذَلِكَ كَانَ فَأَنَّهُ لما جَاءَهُ الَّذِي رَآهُ وجد الْعشْرين فَأَخذهَا وَلم يعْتَقد أَن ثمَّ شَيْئا آخر حَدثنِي بعض الْمَشَايِخ أَن رجلا يَهُودِيّا كَانَ مَعَه مَال فَاحْتَاجَ إِلَى دُخُول الْحمام وَخَافَ أَن ينكسر سبته إِن حمله مَعَه فَدخل إِلَى خزانَة الْحمام فحفر وَدَفنه ثمَّ دخل إِلَى الْحمام وَخرج فبحث عَنهُ فَلم يجده فَسكت وَلم يخبر أحدا لَا زَوجته وَلَا ولدا وَلَا صديقا فَجَاءَهُ بعد أَيَّام رجل فَقَالَ كَيفَ أَنْت من شغل قَلْبك فَلَزِمَهُ وَقَالَ رد مَالِي لي فَقَالُوا لَهُ من أَيْن علمت قَالَ رَآنِي لما دَفَنته مَخْلُوق وَلَا حدثت بِهِ مخلوقاً قَالَ إِن هَذَا أَخذه مَا قَالَ كَيفَ أَنْت من شغل قَلْبك وَقَالَ بَعضهم خرجت فِي اللَّيْل لحَاجَة فَإِذا أعمى على عَاتِقه جرة وَفِي يَده سراج فَلم يزل يمشي حَتَّى أَتَى النَّهر وملأ جرته وَانْصَرف رَاجعا فَقلت يَا هَذَا أَنْت أعمى وَاللَّيْل وَالنَّهَار عنْدك سَوَاء فَقَالَ يَا فُضُولِيّ حملتها معي لأعمى الْقلب مثلك يستضيء بهَا فَلَا يعثر بِي فِي الظلمَة فَيَقَع عَليّ فيكسر جرتي روى أَبُو الْحسن الْأَصْفَهَانِي أَن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي دخل على الرشيد وَبَين يَدَيْهِ جَارِيَة كَأَنَّهَا خوط بَان فَقَالَ لَهَا الرشيد غَنِي فغنت (توهمه قلبِي فَأصْبح خَدّه ... وَفِيه مَكَان الْوَهم من نَظَرِي أثر) (وَمر بوهمي خاطراً فجرحته ... وَلم أر جسماً قطّ يجرحه الْفِكر) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 قَالَ إِبْرَاهِيم فَذَهَبت وَالله بعقلي حَتَّى كدت أفتضح فَقلت من هَذِه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَذِه الَّتِي يَقُول فِيهَا الشَّاعِر (لَهَا قلبِي الْغَدَاة وقلبها لي ... فَنحْن كَذَاك فِي جسدين روح) ثمَّ قَالَ غَنِي يَا إِبْرَاهِيم فغنيت (تشرب قلبِي حبها وَمَشى بهَا ... تمشي حميا الكأس فِي جسم شَارِب) (ودب هَواهَا فِي عِظَامِي فشفها ... كَمَا دب فِي الملسوع سم العقارب) قَالَ فَفطن بتعريضي وَكَانَت غلطة مني فَأمرنِي بالانصراف وَلم يدعني شهرا ثمَّ دس إِلَيّ خَادِمًا وَمَعَهُ رقْعَة فِيهَا مَكْتُوب (قد تخوفت أَن أَمُوت من الوجد ... وَلم يدر من هويت بحالي) (يَا كتابي اقْرَأ السَّلَام على من ... لَا أسمى وَقل لَهُ يَا كتابي) (إِن كفا إِلَيْك قد كتبتني ... فِي شقاء مواصل وَعَذَاب) فَأَتَانِي الْخَادِم بالرقعة فَقلت لَهُ مَا هَذَا قَالَ رقْعَة من فُلَانَة الْجَارِيَة الَّتِي غنتك بَين يَدي أَمِير الْمُؤمنِينَ فأحسست بالقصة فشمت الْخَادِم وَقمت إِلَيْهِ فضربته ضربا شفيت مِنْهُ نَفسِي وَركبت إِلَى الرشيد من فوري فَأَخْبَرته بالقصة وأعطيته الرقعة فَضَحِك حَتَّى كَاد أَن يستلقي وَقَالَ عَليّ عمد فعلت ذَاك لامتحنك وَأعرف مذهبك وطريقتك ثمَّ دَعَا لي الْخَادِم فَخرج فَلَمَّا رَآنِي قَالَ قطع الله يَديك ورجليك وَيلك قتلتني فَقلت الْقَتْل بعض حفك لما وَردت بِهِ عَليّ وَلَكِنِّي أبقيت عَلَيْك وأخبرت أَمِير الْمُؤمنِينَ ليَأْتِي فِي عُقُوبَتك مَا تستحقه فَأمر لي الرشيد بصلَة سنية وَالله يعلم أَنِّي مَا فعلت مَا فعلته عفافاً بل خوفًا وَقعت على ابْن الْمُهلب حَيَّة فَلم يَدْفَعهَا عَن نَفسه فَقَالَ لَهُ أَبوهُ يَا بني ضيعت الْعقل من حَيْثُ حفظت الشجَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الْبَاب الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي ذكر طرف من أَحْوَال الشُّعَرَاء والمداحين قَالَ يَمُوت بن المزرع جلس الجماز يَأْكُل على مائدة بَين يَدي جَعْفَر بن الْقَاسِم وجعفر يَأْكُل على مائدة أُخْرَى وَكَانَت الصحفة ترفع من بَين يَدي جَعْفَر فتوضع بَين يَدي الجماز فَرُبمَا كَانَ عَلَيْهَا قَلِيل وَرُبمَا لم يكن شَيْء فَقَالَ الجماز أصلح الله الْأَمِير مَا نَحن الْيَوْم إِلَّا عصبَة فَرُبمَا فضل لنا بعض المَال وَرُبمَا أَخذه أهل السِّهَام وَلَا يبْقى لنا شَيْء قَالَ أَبُو الْحسن السلَامِي الشَّاعِر مدح الخالديان سيف الدولة بن حمدَان بقصيدة أَولهَا (تصدو دارها صدد ... وتوعده وَلَا تعد) (وَقد قتلته ظالمة ... فَلَا عقل وَلَا قَود) وَقَالا فِيهَا فِي مدحه (فَوجه كُله قمر ... وَسَائِر جِسْمه أَسد) فَلَمَّا أنْشدهُ إِيَّاهَا عجب بهَا سيف الدولة وَاسْتحْسن هَذَا الْبَيْت مِنْهَا وَجعل يردد إنشاده فَدخل عَلَيْهِ الشيطمي الشَّاعِر فَقَالَ لَهُ اسْمَع هَذَا الْبَيْت وأنشده إِيَّاه فَقَالَ لَهُ الشيطمي أَحْمد رَبك فقد جعلك من عجائب الْبَحْر قَالَ المُصَنّف الخالديان رجلَانِ وهما أَبُو بكر مُحَمَّد وَأَبُو عُثْمَان سعيد ابْنا هَاشم كَانَا أَخَوَيْنِ واتفقا فِي حسن الطَّبْع ورقة الشّعْر وَكَثْرَة الْأَدَب وَكَانَا يَشْتَرِكَانِ فِي الشّعْر وينفردان فَقَالَ فيهمَا أَبُو اسحق الصابي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 (أرى الشاعرين الخالدين سيرا ... قصائد يفنى الدَّهْر وَهِي تخلد) (تنَازع قوم فيهمَا وتناقضوا ... وَمر جِدَال بَينهم يتَرَدَّد) (فطائفة قَالَت سعيد مقدم ... وَطَائِفَة قَالَت لَهُم بل مُحَمَّد) (وصاروا إِلَى حكمي فأصلحت بَينهم ... وَمَا قلت إِلَّا بأنني هِيَ أرشد) (هما فِي اجْتِمَاع الْفضل روح مؤلف ... وَمَعْنَاهَا من حَيْثُ ثنيت مُفْرد) خرج طَاهِر بن الْحسن لقِتَال عِيسَى بن هامان فَخرج وَفِي كمه دَرَاهِم يفرقها على الْفُقَرَاء ثمَّ سَهَا وأسبل كمه فتبددت فتطير فَقَالَ لَهُ شَاعِر فِي ذَلِك (هَذَا تفرق جمعهم لَا غَيره ... وذهابه منا ذهَاب الْهم) (شَيْء يكون الْهم نصف حُرُوفه ... لَا خير فِي إِمْسَاكه فِي الْكمّ) أحضر عبد الْملك رجلا يرى رأى الْخَوَارِج فَأمر بقتْله فَقَالَ السِّت الْقَائِل (وَمنا سُوَيْد والبطين وقعنب ... وَمنا أَمِير الْمُؤمنِينَ شبيب) فَقَالَ إِنَّمَا قلت وَمنا أَمِير الْمُؤمنِينَ أردْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فحقن دَمه وَدَرَأَ عَن نَفسه إِذْ صرف الْأَعْرَاب عَن الْخَبَر إِلَى الْخطاب هجا بعض الشُّعَرَاء أَبَا عُثْمَان الْمَازِني فَقَالَ (وفتى من مَازِن سَاد أهل الْبَصْرَة ... أمه معرفَة وَأَبوهُ نكرَة) وَدخل عبد الْملك بن صَالح دَار الرشيد فَلَقِيَهُ إِسْمَاعِيل بن صبيح الْحَاجِب فَقَالَ اعْلَم أَنه ولد لأمير الْمُؤمنِينَ ابْنَانِ فَعَاشَ أَحدهمَا وَمَات الآخر فَيجب أَن تخاطبه بِحَسب مَا عرفتك فَلَمَّا صَار بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 يَدَيْهِ قَالَ سرك الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَا ساءك وَلَا ساءك فِيمَا سرك وَجعلهَا وَاحِدَة بِوَاحِدَة تستوجب من الله زِيَادَة الشَّاكِرِينَ وَجَزَاء الصابرين قَالَ دخل جَعْفَر الضَّبِّيّ على الْفضل بن سهل فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير اسكتي عَن أوصافك تساوى أفعالك فِي السؤدد وحيرني فِيهَا كَثْرَة عَددهَا فَلَيْسَ إِلَى ذكر جَمِيعهَا سَبِيل فَإِن أردْت وصف وَاحِدَة اعترضت أُخْتهَا فَلم تكن الأولى أَحَق بِالذكر فلست أصفها إِلَّا بِإِظْهَار الْعَجز عَن وصفهَا قَالَ دخل أَبُو دلامة على الْمَنْصُور فأنشده قصيدة فَقَالَ يَا أَبَا دلامة إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أَمر لَك بِكَذَا وَكَذَا من صله وكساك وجملك وأقطعك أَرْبَعمِائَة جريب مِائَتَان عَامر ومائتان غامر فَقل أما مَا ذكر أَمِير الْمُؤمنِينَ من الصِّلَة فقد عَرفته وَعرفت العامر فَمَا العامر قَالَ الَّذِي لَا نَبَات فِيهِ وَلَا شجر قَالَ فقد أقطعت أَمِير الْمُؤمنِينَ أَرْبَعَة آلَاف جريب غامر قَالَ وَيحك أَيْن قَالَ ليما بَين الْحيرَة والكوفة فَضَحِك مِنْهُ وسوغها إِيَّاه عامرة قَالَ المدايني دخل نصيب على عبد الْملك بن مَرْوَان فتغدي مَعَه ثمَّ قَالَ لَهُ هَل لَك فِيمَا يتنادم عَلَيْهِ فَقَالَ لوني حَائِل وشعري مفلفل وَخلقِي مُشَوه وَلم أبلغ مَا بلغت من إكرامك إيَّايَ بشرف أَب وَلَا أم وَإِنَّمَا بلغته بعقلي ولساني فأنشدك الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن تحول بيني وَبَين مَا بلغت بِهِ هَذِه الْمنزلَة فأعفاه قَالَ المدايني جلس نسَاء ظراف إِلَى بشار بن برد فَتحدث وتحدثن ثمَّ قُلْنَا لَهُ لَوَدِدْنَا أَنَّك أَبونَا قَالَ على أَنِّي على دين كسْرَى قَالَ خَالِد الْكَاتِب ارتج عَليّ وعَلى دعبل وَوَاحِد من الشُّعَرَاء قد سَمَّاهُ وَلم أحفظ اسْمه نصف بَيت قُلْنَا جَمِيعًا يَا بديع الْحسن ثمَّ قُلْنَا لَيْسَ لنا إِلَّا جعيفر أَن الموسوس فجنناه فَقَالَ مَا تبغوني فَقَالَ خَالِد جئْنَاك فِي حَاجَة فَقَالَ لَا تؤذوني فَإِنِّي جَائِع فَبَعَثنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 فاشترينا لَهُ طَعَاما فَلَمَّا شبع قَالَ حَاجَتكُمْ قُلْنَا اخْتَلَفْنَا فِي نصف بَيت فَقَالَ مَا هُوَ قُلْنَا يَا بديع الْحسن فَمَا تلعثم وَالله إِن قَالَ (يَا بديع الْحسن حاشا ... لَك من هجر بديع) فَقَالَ لَهُ دعبل زِدْنِي بَيْتا فَقَالَ (وَبِحسن الْوَجْه عوذتك ... من سوء الصَّنِيع) فَقَالَ لَهُ الَّذِي مَعنا ولي بَيت فَقَالَ نعم وعزازة وكرامة (وَمن النخوة يستعفيك ... لي ذل الخضوع) فَقلت استودعك الله فَقَالَ انتظروا أزدكم بَيْتا آخر فَقَالَ (لَا يعب بعضك بَعْضًا ... كن جميلاً فِي الْجَمِيع) وَمن الفطنة الْكَلَام الموجه الَّذِي يحْتَمل الْمَدْح والذم وَمِنْه قَول المتنبي عَدوك مَذْمُوم بِكُل لِسَان فَإِنَّهُ يحْتَمل الْمَدْح وَيحْتَمل الذَّم وَوجه الذَّم أَن يكون الْمَذْكُور دنيا وَلَا يعادي الدني إِلَّا مثله وَكَذَلِكَ قَوْله وَالله سر فِي علاك يحْتَمل الْمَدْح أَي سر لَا يطلع عَلَيْهِ فِي تَقْدِيم مثلك قَالَ شَاعِر فَأَرَادَ أَن يكثر عَلَيْهِ فَقَالَ لأهل الْبَلَد (وتشابهت سور الْقُرْآن عليكمو ... فقرنتم الْأَنْعَام بالشعراء) ومدح رجل رجلا يُقَال لَهُ (يسير فَقَالَ فِي مدحه ... وَفضل يسير فِي الْبِلَاد يسير) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 فَقيل لَهُ أَنَّك قد مدحته وَأَنه لَا يعطيك شَيْئا فَقَالَ إِن لم يُعْطِنِي شَيْئا قلت بيَدي هَكَذَا وَضم أَصَابِعه يَعْنِي أَنه قَلِيل وَبَلغنِي من هَذَا الْجِنْس قَول رجل فِي رجل (تحلى بأسماء الشُّهُور فكفه ... جُمَادَى وَمَا ضمت عَلَيْهِ الْمحرم) وَقَالَ شَاعِر آخر (وَقَائِل لي مَا الَّذِي تشْتَهي ... من الَّتِي قد ضمهَا خدرها) (أوجهها حِين بدا مُقبلا ... أم شعرهَا الْأسود أم ثغرها) (أم طرفها الأدعج أم كشحها ... أم منبت الرُّمَّان أم صدرها) (قلت لَهُ أعشق ذَا كُله ... وَنصف حران وثلثي زها) سُئِلَ جحظة عَن دَعْوَة حضرها فَقَالَ كل شَيْء كَانَ مِنْهَا بَارِد إِلَّا المَاء وقدمت إِلَى أبي يَعْقُوب الخزيمي سكباجه كَبِيرَة الْعِظَام فَقَالَ هَذِه شطرنجية وَاتَّبَعت بفالوذجة قَليلَة الْحَلَاوَة فَقيل قد عملت هَذِه قبل أَن يوحي رَبك إِلَى النَّحْل قَالَ شَاعِر لشاعر أَنا أَقُول الْبَيْت وأخاه وَأَنت تَقول الْبَيْت وَابْن عَمه قَالَ دخل بعض شعراء الْهِنْد على أَمِير فمدحه فَقَالَ لَهُ الْأَمِير تقدم يَا زوج القحبة فَقَالَ مَا زوج القحبة فَقَالَ هَذِه بلغَة الْعَرَب كِنَايَة عَمَّن لَهُ قدر جليل وَمحل كَبِير وَمَال ودواب وغلمان ومنزلة قَالَ فَأَنت وَالله أَيهَا الْأَمِير أكبر زَوْجَة قحبة فِي الدُّنْيَا فَخَجِلَ وَعلم أَن مزاحه جر عَلَيْهِ شَتمه دخل بعض الأدباء على الْمَأْمُون يسْأَله حَاجَة فَلم يقضها فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن لي شكر قَالَ وَمن يحْتَاج إِلَى شكرك فَأَنْشَأَ يَقُول (فَلَو كَانَ يَسْتَغْنِي عَن الشُّكْر مَالك ... لِكَثْرَة مَال أَو علو مَكَان) (لما ندب الله الْعباد لشكره ... وَقَالَ اشكروني أَيهَا الثَّقَلَان) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فَقَالَ أَحْسَنت وَقضى حَاجته قَالَ ابْن الهبارية (قد قلت للشَّيْخ الرئيس ... أخي السماح أبي المظفر) (ذكر معِين الْملك بِي ... قَالَ الْمُؤَنَّث لَا يذكر) روى أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن مُوسَى الموسوي قَالَ دخلت على أبي نصر بن أبي زيد وَعِنْده علوي مبرم فتأذى بطول جُلُوسه وَكَثْرَة كَلَامه فَلَمَّا نَهَضَ قَالَ لي أَبُو نصر بن عمك هَذَا خَفِيف على الْقلب فَقلت نعم فَقَالَ مَا أَظُنك فهمت ففكرت فَعلمت أَنه أَرَادَ خَفِيفا مقلوباً وَهُوَ الثقيل وَهَذَا الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَهُ أَبُو سعيد بن دوست (وأثقل مني زائري وكأنما ... يقلب فِي أجفان عَيْني وَفِي قلبِي) (فَقلت لَهُ لما برمت بِقُرْبِهِ ... أَرَاك على قلبِي خَفِيفا على الْقلب) وصف لشاعر طيب خُرَاسَان فَلَمَّا سَافر إِلَيْهَا لم تعجبه فَقَالَ (تمينا خراسانا زَمَانا ... فَلم نعط المنى وَالصَّبْر عَنْهَا) (فَلَمَّا أَن أتيناها سرَاعًا ... وجدناها بِحَذْف النّصْف مِنْهَا) حَدثنَا زِيَاد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَتَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِرَجُل من الْمُشْركين يُقَال لَهُ الهرمزان فَأسلم فَقَالَ فَإِنِّي مستشيرك فِي مغازي هَذِه فأشر عَليّ فَقَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الأَرْض مثلهَا وَمثل من فِيهَا من النَّاس من عَدو الْمُسلمين مثل طَائِر لَهُ رَأس وجناحان وَله رجلَانِ فَإِن انْكَسَرَ أحد الجناحين نهضت الرّجلَانِ بجناح وبالرأس وَإِن انْكَسَرَ الْجنَاح الآخر نهضت الرّجلَانِ وَالرَّأْس فَإِن انشنح الرَّأْس ذهبت الرّجلَانِ والجناحان فالرأس كسْرَى والجناح قَيْصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 والجناح الآخر فَارس فَمر الْمُسلمين فلينفروا إِلَى كسْرَى وَقد روينَا أَن الْإِسْكَنْدَر رأى فِي عسكره سمياً لَهُ لَا يزَال ينهزم فَقَالَ لَهُ أما أَن تغير اسْمك أَو فعلك وَخرج يَوْمًا فِي الْحَرْب من صف أَصْحَابه وَأمر منادياً فَنَادَى يَا معشر الْفرس قد علمْتُم مَا كتبنَا لكم من الْأَمَانَات فَمن كَانَ على الْوَفَاء فليعتزل عَن الْعَسْكَر وَله منا الْوَفَاء بِمَا ضمناه فاتهمت الْفرس بَعْضهَا بَعْضًا وَكَانَ أول اضْطِرَاب حدث فيهم وَفِي رِوَايَة أَنه لما صَاف 3 دَارا أَمر منادياً فِي عَسْكَر دَارا أَيهَا النَّاس أما نَحن فقد فعلنَا مَا اتفقنا عَلَيْهِ فكونوا من وَرَاء مَا ضمنتم فاستشعر دَارا أَن عسكره قد عزموا على تَسْلِيمه إِلَى الْإِسْكَنْدَر وَكَانَ ذَلِك بِسَبَب هزيمته والما شخص عَن فَارس إِلَى الْهِنْد تَلقاهُ ملكهَا فِي جمع عَظِيم وَمَعَهُ ألف فيل عَلَيْهَا السِّلَاح وَالرِّجَال وَفِي خراطيمها السيوف والأغمدة فَلم تقف لَهَا دَوَاب الْإِسْكَنْدَر فَهزمَ وَعَاد إِلَى مأمنه فَأمر باتخاذ فيلة من نُحَاس مجوفة وربط خيله بَين تِلْكَ التماثيل حَتَّى ألفتها ثمَّ أَمر فملئت نفطاً وكبريتاً وألبسها الدروع وَجَرت على الْعجل إِلَى المعركة وَبَين تمثالين مِنْهَا جمَاعَة من أَصْحَابه فَلَمَّا نشبت الْحَرْب أَمر بإشعال النَّار فِي جَوف التماثيل فَلَمَّا حميت انْكَشَفَ أَصْحَابه عَنْهَا وغشيتها الفيلة فضربتها بخراطيمها فتشيطت وَوَلَّتْ مُدبرَة رَاجِعَة على أَصْحَابهَا وَصَارَت الدائرة على ملك الْهِنْد قَالَ وَنزل مرّة على مَدِينَة حَصِينَة فتحصن أَهلهَا مِنْهُ فَأخْبر أَن عِنْدهم من الْميرَة قدر كفايتهم فَدس تجارًا متنكرين وَأمرهمْ بِدُخُول الْمَدِينَة ورحل عَنْهَا وأمدهم بِمَال ومتاع فباعوا مَا مَعَهم وابتاعوا الْميرَة فَلَمَّا اكنزوا كتب أَن أحرقوا مَا عنْدكُمْ من الْميرَة واهربوا فَفَعَلُوا فزحف إِلَى الْمَدِينَة فحاصرها أَيَّامًا يسيرَة فَأَخذهَا وَكَانَ إِذا أَرَادَ محاصرة بلد شرد من حولهَا من الْقرى فَهَرَبُوا إِلَيْهَا فيسرعون فِي أكل الْميرَة فتقل فيحاصرهم فيفتحها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وَحكى عَن كسْرَى بن هُرْمُز أَنه كَانَ بعث الأصهد إِلَى الرّوم فِي جَيش عَظِيم فَأعْطى من الظفر مَا لم يُعْطه أحد قبله وَأخذ الأصهد خَزَائِن الرّوم ووجهها على هيئتها إِلَى كسْرَى فَفطن كسْرَى أَن مَال الأصهد من الظفر وَأَن هَذَا يعيره عَلَيْهِ وَيُوجب لَهُ كبرا فَبعث إِلَيْهِ رجلا ليَقْتُلهُ وَكَانَ الْمَبْعُوث عَاقِلا فَلَمَّا رأى الأصهد وتدبيره وعقله قَالَ مَا يصلح قتل هَذَا بِغَيْر جرم ثمَّ أخبرهُ بِالَّذِي جَاءَ لَهُ فَأرْسل الأصهد إِلَى قَيْصر أَنِّي أُرِيد أَن أَلْقَاك قَالَ إِذْ شِئْت فنلتقيا فَقَالَ لَهُم إِن هَذَا الْخَبيث قد هم بقتلي وَوجه إِلَيّ رجلا بذلك وَإِنِّي أُرِيد هَلَاكه كَالَّذي أَرَادَ مني والبادي أظلم فَاجْعَلْ لي من نَفسك مَا اطمئن إِلَيْهِ وَأُعْطِيك من بيُوت أَمْوَاله مثل الَّذِي أصبت مِنْك وَمثل الَّذِي أَنْت منفقه فِي مسيرك هَذَا فَأعْطَاهُ من المواثيق مَا اطْمَأَن إِلَيْهِ وَسَار قَيْصر فِي أَرْبَعِينَ ألفا فَنزل بكسرى فَعلم كسْرَى كَيفَ جرى الْأَمر فاحتال لفض جنود قَيْصر فَدَعَا قسا متنصر فِي دينه فَقَالَ إِنِّي كَاتب مَعَك كتابا لطيفاً فِي حريرة لتبلغه الأصهد فَلَا تطلعن على ذَلِك أحدا وَأَعْطَاهُ ألف دِينَار وَقد علم كسْرَى أَن القس يُوصل كِتَابه إِلَى قَيْصر لِأَنَّهُ تَحْتَهُ هَلَاك الرّوم وَكَانَ فِي الْكتاب إِلَى الأصهد أَنِّي كتبت إِلَيْك وَقد دنا مني قَيْصر فقد أحسن الله إِلَيْنَا وَأمكن مِنْهُم تدبيرك لَا عدمت صَوَاب الرَّأْي وَقد فرقت عَلَيْهِم وَأَنا ممهله حَتَّى يقرب من الْمَدَائِن ثمَّ أغافله فِي يَوْم كَذَا فغره على من قَتلك إيَّايَ فَإِنِّي استأصلهم فَخرج القس بِالْكتاب فأوصله إِلَى قَيْصر فَقَالَ قَيْصر هَذَا الْحق وَمَا أَرَادَ إِلَّا هلاكنا فَتَوَلّى منصرفاً وَاتبعهُ كسْرَى إِيَاس بن قبيصَة الطَّائِي فَقتل أَصْحَابه وَنَجَا قَيْصر فِي شرذمة قَليلَة قَالَ هِشَام بن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه قَالَ كَانَ جذيمة بن مَالك ملكا على الْحيرَة وَمَا حولهَا من السوَاد ملك سِتِّينَ سنة وَكَانَ بِهِ وضح وَكَانَ شَدِيد السُّلْطَان يخافه الْقَرِيب ويهابه الْبعيد فنهيت الْعَرَب أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 يَقُولُوا الأبرص فَقَالُوا الأبرش فغزا مليح بن الْبُرْء وَكَانَ ملكا على الْحَضَر وَهُوَ الحاجز بَين الرّوم وَالْفرس وَهُوَ الَّذِي ذكره عدي بن زيد فِي قصيدة مِنْهَا هَذَا الْبَيْت (وأخو الْحَضَر إِذْ بناه وَإِذ ... دجلة تجبى إِلَيْهِ والخابور) فَقتله جذيمة وطرد الزباء إِلَى الشَّام فلحقت بالروم وَكَانَت عَرَبِيَّة اللِّسَان حَسَنَة الْبَيَان شَدِيدَة السُّلْطَان كَبِيرَة الهمة قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ لم يكن فِي نسَاء عصرها أجمل مِنْهَا وَكَانَ اسْمهَا فارغة وَكَانَ لَهَا شعر إِذا مشت سحبته وَرَاءَهَا وَإِذا نشرته جللها فسميت الزباء قَالَ الْكَلْبِيّ وَبعث عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام بعد قتل أَبِيهَا فبلغت بهَا همتها أَن جمعت الرِّجَال وبذلت الْأَمْوَال وعادت إِلَى ديار أَبِيهَا وملكتها فأزالت جذيمة الأبرش عَنْهَا وابتنت على الْفُرَات مدينتين متقابلتين من شَرْقي الْفُرَات وَمن غربيه وَجعلت بَينهمَا نفقاً تَحت الْفُرَات وَكَانَ إِذا راهقها الْأَعْدَاء آوت إِلَيْهِ وتحصنت بِهِ وَكَانَت قد اعتزلت الرِّجَال فَهِيَ عذراء وَكَانَ بَينهَا وَبَين جذيمة بعد الْحَرْب مهادنة فَحدث جذيمة نَفسه بخطبتها فَجمع خاصته فشاورهم فِي ذَلِك وَكَانَ لَهُ عبد يُقَال لَهُ قصير بن سعد وَكَانَ عَاقِلا لبيباً وَكَانَ خازنه وَصَاحب أمره وعميد دولته فَسكت الْقَوْم وَتكلم قصير فَقَالَ أَبيت اللَّعْن أَيهَا الْملك أَن الزباء امْرَأَة قد حرمت الرِّجَال فَهِيَ عذراء لَا ترغب فِي مَال وَلَا جمال وَلها عنْدك ثار وَالدَّم لَا ينَام وَإِنَّمَا هِيَ تاركتك رهبة وحذار دولة الحقد دَفِين فِي سويداء الْقلب لَهُ كمون ككمون النَّار فِي الْحجر إِن اقتدحته أورى وَإِن تركته توارى وللملك فِي بَنَات الْمُلُوك الْأَكفاء متسع ولهن فِيهِ منتفع وَقد رفع الله قدرك عَن الطمع فِيمَن دُونك وَعظم شَأْنك فَمَا أحد فَوْقك فَقَالَ جذيمة يَا قصير الرَّأْي مَا رَأَيْت والحزم فِيمَا قلته وَلَكِن النَّفس تواقة إِلَى مَا تحب وتهوى وَلكُل امْرِئ قدر لَا مفر لَهُ مِنْهُ وَلَا وزر فَوجه إِلَيْهَا خاطباً وَقَالَ ائْتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 الزباء فاذكر لَهَا مَا يرغبها فِيهِ وتصبو إِلَيْهِ فجاءتها خطبَته فَلَمَّا سَمِعت كَلَامه وَعرفت مُرَاده قَالَت لَهُ انْعمْ بك عينا وَبِمَا جِئْت بِهِ وَله وأظهرت لَهُ السرُور بِهِ وَالرَّغْبَة فِيهِ وأكرمت مُقَدّمَة وَرفعت مَوْضِعه وَقَالَت قد كنت أضربت عَن هَذَا الْأَمر خوفًا أَن لَا أجد كُفؤًا وَالْملك فَوق قدري وَأَنا دون قدره وَقد أجبْت إِلَى مَا سَأَلَ ورغبت فِيمَا قَالَ وَلَوْلَا أَن السَّعْي فِي مثل هَذَا الْأَمر بِالرِّجَالِ أجمل لسرت إِلَيْهِ وَنزلت عَلَيْهِ وأهدت إِلَيْهِ هَدِيَّة سنية ساقت العبيد وَالْإِمَاء والكراع وَالسِّلَاح وَالْأَمْوَال وَالْإِبِل وَالْغنم وحملت من الثِّيَاب وَالْعين وَالْوَرق فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ خَطِيبه أعجبه مَا سمع من الْجَواب وأبهجه مَا رأى من اللطف وَظن أَن ذَلِك لحُصُول رَغْبَة فَأَعْجَبتهُ نَفسه وَسَار من فوره فِيمَن يَثِق بِهِ من خاصته وَأهل مَمْلَكَته وَفِيهِمْ قصير خازنه واستحلف على مَمْلَكَته ابْن أُخْته عَمْرو بن عدي اللَّخْمِيّ وَهُوَ أول مُلُوك الْحيرَة من لخم وَكَانَ ملكه عشْرين وَمِائَة سنة وَهُوَ الَّذِي اختطفته الْجِنّ وَهُوَ صبي وردته وَقد شب ونبر فَقَالَت أمه ألبسوه الطوق فَقَالَ خَاله جذيمة شب عَمْرو عَن الطوق فَصَارَت مثلا فاستخلفه وَسَار إِلَى الزباء فَلَمَّا صَار ببقة نزل وتصيد وَأكل وَشرب واستعاد المشورة والرأي من أَصْحَابه فَسكت الْقَوْم وافتتح الْكَلَام قصير بن سعد قَالَ أَيهَا الْملك كل عزم لَا يُؤَيّد بحزم قَالَ لي أُفٍّ مَا يكون كَونه فَلَا تثق بزخرف قَول لَا حُصُول لَهُ وَلَا تعتقد الرَّأْي بالهوى فَيفْسد وَلَا الحزم بالمنى فيبعد والرأي عِنْدِي للْملك أَن يعتقب أمره بالتثبت وَيَأْخُذ حذره بالتيقظ وَلَوْلَا أَن الْأُمُور تجْرِي بالمقدور لعزمت على الْملك عزماً بتا أَن لَا يفعل فَأقبل جذيمة على الْجَمَاعَة فَقَالَ مَا عنْدكُمْ أَنْتُم فِي هَذَا الْأَمر فتكلموا بِحَسب مَا عرفُوا من رغبته فِي ذَلِك وصوبوا رَأْيه وقووا عزمه فَقَالَ جذيمة الرَّأْي للْجَمَاعَة وَالصَّوَاب مَا رَأَيْتُمْ فَقَالَ قصير أرى الْقدر يسابق الحذر وَلَا يطاع لقصير أَمر فأرسلها مثلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وَسَار جذيمة فَلَمَّا قرب من ديار الزباء نزل وَأرْسل إِلَيْهَا يعلمهَا بمجيئه فرحبت وَقربت وأظهرت السرُور بِهِ وَالرَّغْبَة فِيهِ وَأمرت أَن يحمل إِلَيْهِ الْإِنْزَال والعلوفات وَقَالَت لجندها وخاصة أهل مملكتها وَعَامة أهل دولتها ورعيتها تلقوا سيدكم وَملك دولتكم وَعَاد الرَّسُول إِلَيْهِ بِالْجَوَابِ بِمَا رأى وَسمع فَلَمَّا أَرَادَ جذيمة أَن يسير دَعَا قَصِيرا فَقَالَ أَنْت على رَأْيك قَالَ نعم قد زَادَت بصيرتي فِيهِ أفأنت على عزمك قَالَ نعم وَقد زَادَت رغبتي فِيهِ فَقَالَ قصير لَيْسَ للأمور بِصَاحِب من لم ينظر فِي العواقب وَقد يسْتَدرك الْأَمر قبل فَوَاته وَفِي يَد الْملك بغية هُوَ بهَا مسلط على اسْتِدْرَاك الصَّوَاب فَإِن وثقت بأنك ذُو ملك وعشيرة وَمَكَان فَإنَّك قد نزعت يدك من سلطانك وَفَارَقت عشيرتك ومكانك وألقيتها فِي يَدي من لست آمن عَلَيْك مكره وغدره فَإِن كنت وَلَا بُد فَاعِلا ولهواك تَابعا فَإِن الْقَوْم أَن تلقوك غَدا فرقا وَسَارُوا أمامك وَجَاء قوم وَذهب قوم فَالْأَمْر بعده فِي يدك والرأي فِيهِ إِلَيْك وَأَن تلقوك رزدقاً وَاحِدًا وَأَقَامُوا لَك صفّين حَتَّى إِذا توسطتهم انقضوا عَلَيْك من كل جَانب فأحدقوا بك فقد ملكوك وصرت فِي قبضتهم وَهَذِه الْعَصَا لَا يشق غبارها وَكَانَت لجذيمة فرس تسبق الطير وتجاري الرِّيَاح يُقَال لَهَا الْعَصَا فَإِذا كَانَ كَذَلِك فتملك ظهرهَا فَهِيَ نَاجِية بك إِن ملكت ناصيتها فَسمع جذيمة كَلَامه وَلم يرد جَوَابا وَسَار وَكَانَت الزباء لما رَجَعَ رَسُول جذيمة من عِنْدهَا قَالَت لجندها إِذا أقبل جذيمة غَدا فتلقوه بأجمعكم وَقومُوا لَهُ صفّين عَن يَمِينه وشماله فَإِذا توَسط جمعكم فتعرضوا عَلَيْهِ من كل جَانب حَتَّى تحدقوا بِهِ وَإِيَّاكُم أَن يفوتكم وَسَار جذيمة وقصير عَن يَمِينه فَلَمَّا لقِيه الْقَوْم رزدقاً وَاحِدًا أَقَامُوا لَهُ صفّين فَلَمَّا توسطهم انقضوا عَلَيْهِ من كل جَانب انقضاض الأحدل على فريسته فأحدقوا بِهِ وَعلم أَنهم قد ملكوه وَكَانَ قصير يسايره فَأقبل عَلَيْهِ وَقَالَ صدقت يَا قصير فَقَالَ قصير أَيهَا الْملك أَبْطَأت بِالْجَوَابِ حَتَّى فَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الصَّوَاب فَأرْسلهُ مثلا فَقَالَ كَيفَ الرَّأْي الْآن قَالَ هَذِه الْعَصَا فدونكها لَعَلَّك تنجو بهَا فَأَنف جذيمة من ذَلِك وسارت بِهِ الجيوش فَلَمَّا رأى قصير أَن جذيمة قد استسلم للأسر وأيقن بِالْقَتْلِ جمع نَفسه فَصَارَ على ظهر الْعَصَا وَأَعْطَاهَا عنانها وزجرها فَذَهَبت تهوي بِهِ هوى الرّيح فَنظر إِلَيْهِ جذيمة وَهِي تطاول بِهِ وأشرفت الزباء من قصرهَا فَقَالَت مَا أحسنك من عروس تجلي عليّ وتزف إليّ حَتَّى دخلُوا بِهِ إِلَى الزباء وَلم يكن مَعهَا فِي قصرهَا إِلَّا جوَار أبكار أتراب وَكَانَت جالسة على سريرها وحولها ألف وصيفة كل وَاحِدَة لَا تشبه صاحبتها فِي خلق وَلَا زِيّ وَهِي بَينهُنَّ كَأَنَّهَا قمر قد حفت بِهِ النُّجُوم تزهو فَأمرت بالإنطاع فبسطت وَقَالَت لوصائفها خُذُوا بيد سيدكن وبعل مولاتكن فأخذن بِيَدِهِ فأجلسته على الالطلاع بِحَيْثُ يَرَاهَا وتراه وَتسمع كَلَامه وَيسمع كَلَامهَا ثمَّ أمرت الْجَوَارِي فقطعن رواهشه وَوضعت الطشت تَحت يَده فَجعلت تشخب فِي الطشت فقطرت قَطْرَة على النطع فَقَالَت لجواريها أَلا تضيعوا دم الْملك فَقَالَ جذيمة لَا يحزنك دم أراقه أَهله فَلَمَّا مَاتَ قَالَت وَالله مَا وفى دمك وَلَا شفى قَتلك وَلكنه غيض من فيض ثمَّ أمرت بِهِ فَدفن وَكَانَ جذيمة قد اسْتخْلف على مَمْلَكَته ابْن أُخْته عَمْرو بن عدي وَكَانَ يخرج كل يَوْم إِلَى ظهر الْحيرَة يطْلب الْخَبَر ويقتفي الْأَثر عَن خَاله فَخرج ذَات يَوْم فَنظر إِلَى فَارس قد أقبل يهوي بِهِ فرسه هوى الرّيح فَقَالَ أما الْفرس ففرس جذيمة وَأما الرَّاكِب فكالهيمة لأمر مَا جَاءَت الْعَصَا فَأَشْرَف عَلَيْهِم قصير فَقَالُوا مَا وَرَاءَك قَالَ سعى الْمُقدر بِالْملكِ إِلَى حتفه على الرغم من انفي وَأَنْفه فاطلب بثأرك من الزباء فَقَالَ عَمْرو وَأي ثأر يطْلب من الزباء وَهِي أمنع من عِقَاب الجو فَقَالَ قصير قد علمت نصحي كَانَ لخالك وَكَانَ الْأَجَل رائده وَالله لَا أَنا عَن الطّلب بدمه مَا لَاحَ نجم وطلعت شمس أَو أدْرك بِهِ ثأراً أَو تخترم نَفسِي فاعذر ثمَّ إِنَّه عمد إِلَى أَنفه فجدعه ثمَّ لحق بالزباء على صُورَة كَأَنَّهُ هارب من عَمْرو بن عدي فَقيل لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 هَذَا قصير بن سعد عَم جذيمة وخازنه وَصَاحب أمره قد جَاءَك فَأَذنت لَهُ فَقَالَت مَا الَّذِي جَاءَك إِلَيْنَا يَا قصير وبيننا وَبَيْنك دم عَظِيم الْخطر فَقَالَ يَا ابْنة الْمُلُوك الْعِظَام لقد أتيت فِيمَا يُؤْتِي مثلك فِي مثله وَلَقَد كَانَ دم الْملك يَطْلُبهُ حَتَّى أدْركهُ وَقد جئْتُك مستجيراً بك من عَمْرو بن عدي فَإِنَّهُ اتهمني بخاله وبمشورتي عَلَيْهِ بِالْمَسِيرِ إِلَيْك فجدع أنفي وَأخذ مَالِي وَحَال بيني وَبَين عيالي وتهددني بِالْقَتْلِ وَإِنِّي خشيت على نَفسِي فهربت مِنْهُ إِلَيْك أَنا مستجير بك ومستند إِلَى كَهْف عزك فَقَالَت أَهلا وسهلاً لَك حق الْجوَار وَذمَّة المستجير وَأمرت بِهِ فَأنْزل وأجرت لَهُ الْإِنْزَال ووصلته وكسته وأخدمته وزادت فِي إكرامه وَأقَام مُدَّة لَا يكلمها وَلَا تكَلمه وَهُوَ يطْلب الْحِيلَة عَلَيْهَا وَمَوْضِع الفرصة مِنْهَا وَكَانَت ممتنعة بقصر مشيد على بَاب النفق تعتصم بِهِ فَلَا يقدر أحد عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا قصير يَوْمًا إِن لي بالعراق مَالا كثيرا وذخائر نفيسة مِمَّا يصلح للملوك وَإِن أَذِنت لي فِي الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق وأعطيتيني شَيْئا أتعلل بِهِ فِي التِّجَارَة وأجعله سَببا للوصول إِلَى مَالِي أَتَيْتُك بِمَا قدرت عَلَيْهِ من ذَلِك فَأَذنت لَهُ وأعطته مَالا فَقدم الْعرَاق وبلاد كسْرَى فأطرفها من طرائفه وزادها مَالا إِلَى مَالهَا كثيرا وَقدم عَلَيْهَا فأعجبها ذَلِك وسرها وترتب لَهُ عِنْدهَا منزلَة وَعَاد إِلَى الْعرَاق ثَانِيَة فَقدم بِأَكْثَرَ من ذَلِك طرفا من الْجَوَاهِر والبز والخز والديباج فازداد مَكَانَهُ مِنْهَا وازدادت مَنْزِلَته عِنْدهَا ورغبتها فِيهِ وَلم يزل قصير يتلطف حَتَّى عرف مَوضِع النفق الَّذِي تَحت الْفُرَات وَالطَّرِيق إِلَيْهِ ثمَّ خرج ثَالِثَة فَقدم بِأَكْثَرَ من الأولتين ظرائف ولطائف فَبلغ مَكَانَهُ مِنْهَا وموضعه عِنْدهَا إِلَى أَن كَانَت تستعين بِهِ فِي مهماتها وملماتها واسترسلت إِلَيْهِ وعولت فِي أمورها عَلَيْهِ وَكَانَ قصير رجلا حسن الْعقل وَالْوَجْه حصيناً لبيباً أديباً فَقَالَت لَهُ يَوْمًا أُرِيد أغزو الْبَلَد الْفُلَانِيّ من أَرض الشَّام فَاخْرُج إِلَى الْعرَاق فَاتَنِي بِكَذَا وَكَذَا من السِّلَاح والكراع وَالْعَبِيد وَالثيَاب فَقَالَ قصير ولي فِي بِلَاد عَمْرو بن عدي ألف بعير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وخزانة من السِّلَاح والكراع وَالْعَبِيد وَالثيَاب وفيهَا كَذَا وَكَذَا وَمَا يعلم عَمْرو بهَا وَلَو علمهَا لأخذها واستعان بهَا على حربك وَكنت أتربص بِهِ الْمنون وَأَنا أخرج متنكراً من حَيْثُ لَا يعلم فآتيك بهَا مَعَ الَّذِي سَأَلت فَأَعْطَتْهُ من المَال مَا أَرَادَ وَقَالَت يَا قصير الْملك يحسن لمثلك وعَلى يَد مثلك يصلح أمره وَلَقَد بَلغنِي أَن أَمر جذيمة كَانَ إِيرَاده واصادره إِلَيْك وَمَا تقصر يدك عَن شَيْء تناله يَدي وَلَا يقْعد بك حَال ينْهض بِي فَسمع بهَا رجل من خَاصَّة قَومهَا فَقَالَ أَسد خادر وَلَيْث ثَائِر قد تحفز للوثبة وَلما رأى قصير مَكَانَهُ مِنْهَا وتمكنه من قَلبهَا قَالَ الْآن طَابَ المصاع وَخرج من عِنْدهَا فَأتى عمر بن عدي فَقَالَ قد أصبت الفرصة من الزباء فانهض فَعجل الوثبة فَقَالَ لَهُ عمر وَقل أسمع وَمر أفعل فَأَنت طَبِيب هَذِه القرحة فَقَالَ الرِّجَال وَالْأَمْوَال قَالَ حكمك فِيمَا عندنَا مسلط فَعمد إِلَى ألفي رجل من فتيَان قومه وصناديد أهل مَمْلَكَته فحملهم على ألف بعير فِي الغرائر السود وألبسهم السِّلَاح وَالسُّيُوف والحجف وأنزلهم فِي الغرائر وَجعل رُؤُوس المسوح من أسفالها مربوطة من دَاخل وَكَانَ عَمْرو فيهم وسَاق الْخَيل وَالْعَبِيد والكراع وَالسِّلَاح وَالْإِبِل محملة فَجَاءَهَا البشير فَقَالَ قد جَاءَ قصير وَلما قرب من الْمَدِينَة حمل الرِّجَال فِي الغرائر متسلحين بِالسُّيُوفِ والحجف وَقَالَ إِذا توسطت الْإِبِل الْمَدِينَة فالإمارة بَيْننَا كَذَا وَكَذَا فاخترطوا الرَّبْط فَلَمَّا قربت العير من مَدِينَة الزباء فِي قصرهَا فرأت الْإِبِل تتهادى بأحمالها فارتابت بهَا وَقد كَانَ شَيْء بقصير إِلَيْهَا وحذرت مِنْهُ فَقَالَت للواشي بِهِ إِلَيْهِ أَن قَصِيرا الْيَوْم منا وَهُوَ ربيب هَذِه النِّعْمَة وصنيعة هَذِه الدولة وَإِنَّمَا يبعثكم على ذَلِك الْحَسَد لَيْسَ فِيكُم مثله فقدح مَا رَأَتْ من كَثْرَة الْإِبِل وَعظم أحمالها فِي نَفسهَا مَعَ مَا عِنْدهَا من قَول الواشي بِهِ إِلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 فَقَالَت (مَا للجمال مشيها وئيداً ... أجند لَا يحملن أَو حديدا) (أم صرفاناً بَارِدًا شَدِيدا ... أم الرِّجَال فِي المسوح سُودًا) ثمَّ أَقبلت على جواريها فَقَالَت أرى الْمَوْت الْأَحْمَر فِي الغرائر السود فَذَهَبت مثلا حَتَّى إِذا توسطت الْإِبِل الْمَدِينَة وتكاملت ألقوا إِلَيْهِم الْإِمَارَة فاخترطوا رُؤُوس الغرائر فَسقط إِلَى الأَرْض ألفا ذِرَاع بألفي باتر طَالب ثأر الْقَتِيل غدراً وَخرجت الزباء تمصع تُرِيدُ النفق فسبقها إِلَيْهِ قصير فحال بَينهمَا وَبَينه فَلَمَّا رَأَتْ أَن قد أحيط بهَا وملكت التقمت خَاتمًا فِي يَدهَا تَحت فصه سم سَاعَة وَقَالَت بيَدي لَا بِيَدِك يَا عَمْرو فأدركها عَمْرو وقصير فضرباها بِالسَّيْفِ حَتَّى هَلَكت وملكا مملكتها واحتويا على نعمتها وَخط قصير على جذيمة قبراً وَكتب على قَبره هَذِه الأبيات يَقُول (ملك تمتّع بالعساكر والقنا ... والمشرفية عزه مَا يُوصف) فسعت منيته إِلَى أعدائه ... وَهُوَ المتوج والحسام المرهف) وَقد روينَا أَن ملكا كَانَ يُقَال لَهُ شمر ذُو الْجنَاح سَار إِلَى سَمَرْقَنْد فحاصرها فَلم يظفر مِنْهَا بِشَيْء فَطَافَ حولهَا بالحرس فَأخذ رجلا من أَهلهَا فاستمال قلبه وَسَأَلَهُ عَن الْمَدِينَة فَقَالَ أما ملكهَا فأحمق النَّاس لَيْسَ لَهُ هم إِلَّا الشَّرَاب وَالْأكل وَالْجِمَاع وَلَكِن لَهُ بنت هِيَ الَّتِي تقضي أَمر النَّاس فَبعث مِنْهُ هَدِيَّة إِلَيْهَا وَقَالَ أخْبرهَا أَنِّي لم أجيء لالتماس المَال فَإِن معي من المَال أَرْبَعَة آلَاف تَابُوت ذَهَبا وَفِضة وَأَنا دافعها إِلَيْهَا وأمضى إِلَى الصين فَإِن كَانَت لي الأَرْض كَانَت امْرَأَتي وَإِن هَلَكت كَانَ المَال لَهَا فَلَمَّا بلغتهَا رسَالَته قَالَت قد أَجَبْته فليبعث بِالْمَالِ فَأرْسل إِلَيْهَا أَرْبَعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 آلَاف تَابُوت فِي كل تَابُوت وَجعل شمر الْعَلامَة بَينه وَبينهمْ أَن يضْرب بالجلجل فَلَمَّا صَارُوا فِي الْمَدِينَة ضرب بالجلجل فَخَرجُوا فَأخذُوا الْأَبْوَاب ونهض شمر فِي النَّاس فَدخل الْمَدِينَة فَقتل أَهلهَا وحوى مَا فِيهَا ثمَّ سَار إِلَى الصين وَقد كَانَ كسْرَى من الذكاء على غَايَة فروينا عَنهُ أَنه نم إِلَيْهِ رجل بصديق لَهُ فَكتب كسْرَى للنام قد اخترنا نصحك وذممنا صَاحبك لسوء اختباره الإخوان قَالَ منجموا كسْرَى إِنَّك تقتل فَقَالَ لأقتلن من يقتلني فَأمر بِسم فخلط فِي أدوية ثمَّ كتب عَلَيْهِ دَوَاء الْجِمَاع مجرب من أَخذ مِنْهُ وزن كَذَا جَامع كَذَا وَكَذَا مرّة فَلَمَّا قَتله ابْنه شيرويه وفتش خزائنه مر بِهِ فَقَالَ فِي نَفسه هَذَا الدَّوَاء الَّذِي كَانَ يُقَوي بِهِ على السراري فَأخذ مِنْهُ فَقتله وَهُوَ ميت رِوَايَة أَن شيرويه لما أَرَادَ قتل أَبِيه بعث إِلَيْهِ من يقْتله فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ إِنِّي أدلك على شَيْء لوُجُوب حَقك يكون فِيهِ غناك قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ الصندوق الْفُلَانِيّ فَذهب الرجل إِلَى شيرويه فَأخْبرهُ الْخَبَر فَأخْرج الصندوق وَفِيه حق فِيهِ حب وَثمّ مَكْتُوب من اخذ مِنْهُ وَاحِدَة افتض عشرَة أبكار فطمع شيرويه فِي صِحَة ذَلِك فَأَخذه وَعوض الرجل مِنْهُ ثمَّ أَخذ مِنْهُ حَبَّة فَكَانَ هَلَاكه وَكَانَ كسْرَى أول ميت أَخذ بثأره من حَيّ هزم بعض الْمُلُوك فنثر لطالبيه زجاجاً ملوناً شَبِيها بالجوهر الْأَحْمَر والأخضر ودنانير صفراً مطلية بِالذَّهَب فتشاغل طالبوه بلقطها فنجا علم بعض الْمُلُوك بسكر يَطْلُبهُ فَأخذ شَعِيرًا فطبخه بِالْمَاءِ مَعَ قضبان الدفلى ثمَّ جففه ثمَّ جربه فِي دَابَّة فَلَمَّا أَكلته نفقت من يَوْمهَا فَخرج هُوَ وَعَسْكَره نَاحيَة ونثر الشّعير والميرة فَلَمَّا سَار الْقَوْم إِلَيْهِ ترك مَا فِي مُعَسْكَره وَتَنَحَّى فجاؤوا فأطلقوا دوابهم فِي الشّعير فَهَلَكت كلهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 حَارب قوم وَمَعَهُمْ فيلة فقهروا عدوهم فَأَشَارَ على الْعَدو رجل أَن يحملوا خنزيراً وَأَن يضربوه فَلَمَّا سَمِعت الفيلة صَوته هربت جَاءَ رجل مَعَه هر تَحت حضنه وَمَشى بِسَيْفِهِ إِلَى الْفِيل فَلَمَّا دنا مِنْهُ رمى بالهر فِي وَجهه فَأَدْبَرَ الْفِيل هَارِبا وتساقط من كَانَ فَوْقه فَكبر الْمُسلمُونَ وَكَانَ سَبَب الْهَزِيمَة قيل لأسلم بن زراعة أَن انْهَزَمت من أَصْحَاب مرداس بن أدية يغْضب عَلَيْك الْأَمِير عبيد الله بن زِيَاد قَالَ يغْضب عَليّ وَأَنا حَيّ أحب من أَن يرضى عني وَأَنا ميت خرج أَمِير وَمَعَهُ رجل فِيهِ ذكاء فَبَيْنَمَا هم على الْغَدَاء قَالَ للأمير اركب فقد لحقنا الْعَدو قَالَ كَيفَ وَمَا يرى أحد قَالَ اركب عَاجلا فَإِن الْأَمر أسْرع مِمَّا تحسب فَركب وَركب النَّاس فلاحت الغبرة وطلع عَلَيْهِم سرعَان الْخَيل فَعجب الْأَمِير وَقَالَ كَيفَ علمت قَالَ أما رَأَيْت الْوَحْش مقبلة علينا وَمن شَأْن الوحوش الْهَرَب منا فَعلمت أَنَّهَا لم تدع عاداتها إِلَّا لأمر قد دهمها وَالله الْمُوفق الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي ذكر طرف من فطن المتطببين قَالَ مُحَمَّد بن عَليّ الْأمين حَدثنَا بعض الْأَطِبَّاء الثِّقَات أَن غُلَاما من بَغْدَاد قدم الرّيّ فَلحقه فِي طَرِيقه أَنه كَانَ ينفث الدَّم فاستدعى أَبَا بكر الرَّازِيّ الطَّبِيب الْمَشْهُور بالحذق فَأرَاهُ مَا ينفث وَوصف لَهُ مَا يجد فَنظر إِلَى نبضه وقارورته واستوصف حَاله فَلم يقم لَهُ دَلِيل على سل وَلَا قرحَة وَلم يعرف الْعلَّة فاستنظر العليل لينْظر فِي حَاله فَاشْتَدَّ الْأَمر على الْمَرِيض وَقَالَ هَذَا يأس لي من الْحَيَاة لحذق المتطبب وجهله بِالْعِلَّةِ فَزَاد ألمه ففكر الرَّازِيّ ثمَّ عَاد إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَن الْمِيَاه الَّتِي شرب فَقَالَ من صهاريج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ومسقفات فَثَبت فِي نفس الرَّازِيّ بحدة خاطره وجودة ذكائه أَن علقَة كَانَت فِي المَاء وَقد حصلت فِي معدته وَذَلِكَ الدَّم من فعلهَا فَقَالَ إِذا كَانَ فِي غَد عالجتك وَلَكِن بِشَرْط أَن تَأمر غلمانك أَن يطيعوني فِيك بِمَا آمُرهُم قَالَ نعم فَانْصَرف الرَّازِيّ فَجمع مركنين كبيرين من طحلب فأحضرهما فِي غَد مَعَه فَأرَاهُ إيَّاهُمَا قَالَ ابلع جَمِيع مَا فِي هذَيْن المركنين فَبَلع شَيْئا يَسِيرا ثمَّ وقف قَالَ ابلع قَالَ لَا أَسْتَطِيع فَقَالَ للغلمان خذوه فأقيموه فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِك وطرحوه على قَفاهُ وفتحوا فَاه فَأقبل الرَّازِيّ يدس الطحلب فِي حلقه ويكبسه كبساً شَدِيدا ويطالبه ببلعه ويتهدده بِأَن يضْرب إِلَى أَن بلعه كَارِهًا أحد المركنين بأسره وَالرجل يستغيث وَيَقُول السَّاعَة قذف فَزَاد الرَّازِيّ فِيمَا يسكبه فِي حلقه فذرعه الْقَيْء فَتَأمل الرَّازِيّ مَا قذف فَإِذا فِيهِ علقَة وَإِذا هِيَ لما وصل إِلَيْهَا الطحلب قربت إِلَيْهِ بالطبع وَتركت موضعهَا فَالْتَفت على الطحلب ونهض العليل معافى حَدثنَا عَليّ بن الْحسن الصيدلاني قَالَ كَانَ عندنَا غُلَام حدث من أَوْلَاد النبا فَلحقه وجع فِي معدته شَدِيد بِلَا سَبَب يعرفهُ فَكَانَت تضرب عَلَيْهِ أَكثر الْأَوْقَات ضربا عَظِيما حَتَّى يكَاد يتْلف وَقل أكله وَنحل جِسْمه فَحمل إِلَى الأهواز فعولج بِكُل شَيْء فَلم ينجح فِيهِ ورد إِلَى بَيته وَقد يئس مِنْهُ فَجَاز بعض الْأَطِبَّاء فَعرف حَاله فَقَالَ للعليل اشرح لي حالك من زمن الصِّحَّة فشرح إِلَى أَن قَالَ دخلت بستاناً فَكَانَ فِي بَيت الْبَقر رمان كثير للْبيع فَأكلت مِنْهُ كثيرا قَالَ كَيفَ كنت تَأْكُله قَالَ كنت أعض رَأس الرمانة بفمي وأرمي بِهِ وأكسرها قطعا وآكل فَقَالَ الطَّبِيب غَدا أعالجك بِإِذن الله تَعَالَى فَلَمَّا كَانَ الْغَد جَاءَ بِقدر اسفيداج قد طبخها من لحم جرو سمين فَقَالَ للعليل كل هَذَا قَالَ العليل مَا هُوَ قَالَ إِذا أكلت عرفتك فَأكل العليل فَقَالَ لَهُ امتليء مِنْهُ فَامْتَلَأَ ثمَّ قَالَ لَهُ أَتَدْرِي أَي شَيْء أكلت قَالَ لَا قَالَ لحم كلب فَانْدفع يقذف فَتَأمل الْقَذْف إِلَى أَن طرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 العليل شَيْئا أسود كالنواة يَتَحَرَّك فَأَخذه الطَّبِيب وَقَالَ ارْفَعْ رَأسك فقد برأت فَرفع رَأسه فَسَقَاهُ شَيْئا يقطع الغثيان وصب على وَجهه مَاء ورد ثمَّ أرَاهُ الَّذِي وَقع فَإِذا هُوَ قرداً فَقَالَ أَن الْموضع الَّذِي كَانَ فِيهِ الرُّمَّان كَانَ فِيهِ قردان من الْبَقر وَأَنه حصلت مِنْهُم وَاحِدَة فِي رَأس إِحْدَى الرمانات الَّتِي اقتلعت رؤوسها بفيك فَنزل القرد إِلَى حلقك وعلق بمعدتك يمتصها وَعلمت أَن القراد تهش إِلَى لحم الْكَلْب فَإِن لم يَصح الظَّن لم يَضرك مَا أكلت فصح فَلَا تدخل فمك شَيْئا لَا تَدْرِي مَا فِيهِ وَالله الْمُوفق حَدثنَا أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول مَا أَفْلح سمين قطّ إِلَّا أَن يكون مُحَمَّد بن الْحسن وَقيل لَهُ قَالَ لَا تَغْدُو الْعَاقِل إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ إِمَّا أَن يهتم لآخرته ومعاده أَو الدُّنْيَا ومعاشه والشحم مَعَ الْهم لَا ينْعَقد فَإِذا خلا من الْمَعْنيين صَار فِي حد الْبَهَائِم فانعقد الشَّحْم ثمَّ قَالَ كَانَ ملك فِي الزَّمَان الأول وَكَانَ مُثقلًا كثيرا الشَّحْم لَا ينْتَفع بِنَفسِهِ فَجمع المتطببين وَقَالَ احْتَالُوا إليّ بحيلة يخفّ عني لحمي هَذَا قَلِيلا قَالَ فَمَا قدرو لَهُ على شَيْء قَالَ فَبعث لَهُ رجل عَاقل أديب متطبب فاره فَبعث إِلَيْهِ وأشحصه فَقَالَ لَهُ عالجني وَلَك الْغنى قَالَ أصلح الله الْملك أَنا متطبب منجم دَعْنِي حَتَّى أنظر اللَّيْلَة فِي طالعك أَي دَوَاء يُوَافق طالعك فأسقيك قَالَ فغدا عَلَيْهِ فَقَالَ أَيهَا الْملك الْأمان قَالَ لَك الْأمان قَالَ رَأَيْت طالعك يدل على أَن الْبَاقِي من عمرك شهر فَإِن أَحْبَبْت عالجتك وَإِن أردْت بَيَان ذَلِك فاحبسني عنْدك فَإِن كَانَ لقولي حَقِيقَة فَخَل عني وَإِلَّا فاستقص مني قَالَ فحبسه قَالَ ثمَّ رفع الْملك الملاهي واحتجب عَن النَّاس وخلا وَحده مهتماً كلما انْسَلَخَ يَوْم ازْدَادَ غماً حَتَّى هزل وخف لَحْمه وَمضى لذَلِك ثَمَان وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَبعث إِلَيْهِ وَأخرجه فَقَالَ مَا ترى قَالَ أعز الله الْملك أَنا أَهْون على الله عزّ وجلّ من أَن أعلم الْغَيْب وَالله مَا أعرف عمري فَكيف أعرف عمرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 إِنَّه لم يكن عِنْدِي دَوَاء إِلَّا الْغم فَلم أقدر أَن أجلب إِلَيْك الْغم إِلَّا بِهَذِهِ الْعلَّة فأذاب شَحم الْكُلِّي فَأَجَازَهُ وَأحسن إِلَيْهِ حَدثنَا أَبُو الْحسن بن الْحسن بن مُحَمَّد الصَّالِحِي الْكَاتِب قَالَ رَأَيْت بِمصْر طَبِيبا كَانَ بهَا مَشْهُورا يعرف بالقطيعي وَقَالَ أَنه يكْسب فِي كل شهر ألف دِينَار من جرايات يجريها عَلَيْهِ قوم من رُؤَسَاء الْعَسْكَر وَمن السُّلْطَان وَمِمَّا يَأْخُذهُ من الْعَامَّة قَالَ وَكَانَ لَهُ دَار قد جعلهَا شبه المرستان من جملَة دَاره يأوي إِلَيْهَا الضُّعَفَاء والمرضى فيداويهم وَيقوم بأغذيتهم وأدويتهم وَخدمَتهمْ وَينْفق أَكثر كَسبه فِي ذَلِك فاتفق أَن بعض فتيَان الرؤساء بِمصْر أسكت قَالَ فَجعل إِلَيْهِ أهل الطِّبّ وَفِيهِمْ الْقطيعِي فاجمعوا على مَوته إِلَّا الْقطيعِي وَعمل أَهله على غسله وَدَفنه فَقَالَ الْقطيعِي أعَالجهُ وَلَيْسَ يلْحقهُ أَكثر من الْمَوْت الَّذِي قد أجمع هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ فَخَلَّاهُ أَهله مَعَه فَقَالَ هَات غُلَاما جلدا ومقارع فَأتى بذلك فَأمر بِهِ فَمد وضربه عشر مقارع أَشد الضَّرْب قُم مس جسده ثمَّ ضربه عشرا أخر ثمَّ جس مجسه ثمَّ ضربه عشر أخر ثمَّ جس مجسه وَقَالَ أَيكُون للْمَيت نبض قَالُوا لَا قَالَ فجسوا نبض هَذَا فجسوه فَأَجْمعُوا أَنه نبض متحرك فَضَربهُ عشر مقارع أخر ثمَّ جسوه فجسوه فَقَالُوا لقد زَاد نبضه فَضَربهُ عشرا أخر فتقلب فَضَربهُ عشرا فتأوه فَضَربهُ عشرا فصاح فَقطع عَنهُ الضَّرْب فَجَلَسَ العليل يتأوه فَقَالَ لَهُ مَا تَجِد قَالَ أَنا جَائِع فَقَالَ أطعموه فجاؤا بِمَا أكله فَرَجَعت قوته وقمنا وَقد برأَ فَقَالَ لَهُ الْأَطِبَّاء من أَيْن لَك هَذَا كنت مُسَافِرًا فِي قافلة فِيهَا أَعْرَاب يخفرونا فَسقط مِنْهُم فَارس عَن فرسه فأسكت فَقَالُوا قد مَاتَ فَعمد شيخ مِنْهُم فَضَربهُ ضربا شَدِيدا عَظِيما وَمَا رفع الضَّرْب عَنهُ حَتَّى أَفَاق فَعلمت أَن الضَّرْب جلب إِلَيْهِ حرارة أزالت سكتته فقست عَلَيْهِ أَمر هَذَا العليل قَالَ أَبُو مَنْصُور بن مَارِيَة وَكَانَ من رُؤَسَاء الْبَصْرَة قَالَ أَخْبرنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 شُيُوخنَا قَالَ كَانَ بعض أهلنا قد استسقى وَأَيِسُوا من حَيَاته فَحمل إِلَى بَغْدَاد وشاورا الْأَطِبَّاء فِيهِ فوصفوا لَهُ أدوية كبار فعرفوا أَنه قد تنَاولهَا فَلم تَنْفَع فأيسوا من حَيَاته وَقَالُوا لَا حِيلَة لنا فِي برئه فَسمع العليل فَقَالَ دَعونِي الْآن أتزود من الدُّنْيَا وآكل مَا أشتهي وَلَا تقتلوني بالحمية فَقَالُوا كل مَا تُرِيدُ فَكَانَ يجلس بِبَاب الدَّار فمهما اجتاز بِهِ اشْتَرَاهُ وَأكله فَمر بِهِ رجل يَبِيع جَرَادًا مطبوخاً فَاشْترى مِنْهُ عشرَة أَرْطَال فَأكلهَا بأسرها فانحل طبعه فَقَامَ فِي ثَلَاثَة أَيَّام أَكثر من ثَلَاثمِائَة مجْلِس وَكَاد يتْلف ثمَّ انْقَطع الْقيام وَقد زَالَ كل مَا كَانَ فِي جَوْفه وثابت قوته فبرأ خرج يتَصَرَّف فِي حَوَائِجه فَرَآهُ بعض الْأَطِبَّاء فَعجب من أمره وَسَأَلَهُ عَن الْخَبَر فَعرفهُ فَقَالَ لَيْسَ من شَأْن الْجَرَاد أَن يفعل هَذَا الْفِعْل وَلَا بُد أَن يكون فِي الْجَرَاد الَّذِي فعل هَذَا خاصية فَأحب أَن تدلني على صَاحب هَذَا الْجَرَاد الَّذِي بَاعه لَك فَمَا زَالا فِي طلبه حَتَّى علما بِهِ فَرَآهُ الطَّبِيب فَقَالَ لَهُ مِمَّن اشْتريت هَذَا الْجَرَاد فَقَالَ مَا اشْتَرَيْته أَنا أصيده وَأجْمع مِنْهُ شَيْئا كثيرا وأطبخه وأبيعه قَالَ فَمن أَيْن تصطاده فَذكر لَهُ مَكَانا على فراسخ يسيرَة من بَغْدَاد فَقَالَ لَهُ الطَّبِيب أُعْطِيك دِينَارا أَو تَجِيء معي إِلَى الْموضع الَّذِي اصطدت مِنْهُ الْجَرَاد قَالَ نعم فَخَرَجَا وَعَاد الطَّبِيب من الْغَد وَمَعَهُ من الْجَرَاد شَيْء وَمَعَهُ حشيشه فَقَالُوا لَهُ مَا هَذَا قَالَ صادفت الْجَرَاد الَّذِي يصيده هَذَا الرجل يرْعَى فِي صحراء جَمِيع نباتها حشيشة يُقَال لَهَا مازريون وَهِي من دَوَاء الاسْتِسْقَاء فَإِذا دفع إِلَى العليل مِنْهَا وزن دِرْهَم أسهله إسهالاً عَظِيما لَا يُؤمن أَن يَنْضَبِط والعلاج بهَا خطر وَلذَلِك مَا يكَاد يصفها الْأَطِبَّاء فَلَمَّا وَقع الْجَرَاد على هَذِه الحشيشة ونضجت فِي معدته ثمَّ طبخ الْجَرَاد ضعف فعلهَا بطبختين فاعتدلت بِمِقْدَار مَا أبرأت هَذَا قَالَ أَبُو بكر الجفاني دخلت يَوْمًا على القَاضِي حُسَيْن بن أبي عمر وَهُوَ مهموم حَزِين فَقلت لَا يغم الله قَاضِي الْقُضَاة أبدا وَمن يزِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 المائي حَتَّى إِذا مَاتَ يغتم عَلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاة هَذَا الْغم كُله فَقَالَ وَيحك مثلك يَقُول هَذَا فِي رجل أوحد فِي صناعته قد مَاتَ وَلَا خلف لَهُ يُقَارِبه فِي حدقه وَهل فَخر الْبَلَد إِلَّا أَن يكون رُؤَسَاء الصَّاع وحذاق أهل الْعُلُوم فِيهِ فَإِذا مضى رجل لَا مثل لَهُ فِي صناعَة لَا بُد للنَّاس مِنْهَا فَهَلا يدل هَذَا لأمر على نُقْصَان الْعلم وانحطاط الْبلدَانِ ثمَّ أَخذ يعدد فضائله والأشياء الظريفة الَّتِي عالج بهَا والعلل الصعبة الَّتِي زَالَت بتدبيره فَذكر من ذَلِك أَشْيَاء كَثِيرَة وَمِنْهَا أَنه قَالَ لقد أَخْبرنِي من مُدَّة مديدة رجل من جلة هَذَا الْبَلَد أَنه كَانَ حدث بابنة لَهُ عِلّة ظريفة فكتمتها عَنهُ اطلع عَلَيْهَا فكتمها هُوَ مُدَّة ثمَّ انْتهى أمرهَا إِلَى الْمَوْت قَالَ فَقلت لَا يسعني كتم هَذَا أَكثر من هَذَا قَالَ وَكَانَت الْعلَّة أَن فرج الصبية كَانَ يضْرب عَلَيْهَا ضرباناً عَظِيما لَا تكَاد تنام مِنْهُ اللَّيْل وَلَا تهدأ بِالنَّهَارِ وتصرخ من ذَلِك أعظم صُرَاخ وَيجْرِي فِي خلال ذَلِك مِنْهُ دم يسير كَمَاء اللَّحْم وَلَيْسَ هُنَاكَ جرح يظْهر وَلَا ورم كثير فَلَمَّا خفت المأتم ثمَّ أحضرت يزِيد فشاورته فَقَالَ تَأذن لي فِي الْكَلَام وتبسط عُذْري فِيهِ فَقلت نعم فَقَالَ أَنه لَا يمكنني أَن أصف شَيْئا دون أَن أشاهد الْموضع وأفتشه بيَدي واسأل الْمَرْأَة عَن أَسبَاب لَعَلَّهَا كَانَت الجالبة لِلْعِلَّةِ قَالَ فلعظم الصُّورَة وبلوغها حد التّلف أمكنه من ذَلِك فَأطَال مساءلتها وحديثها بِمَا لَيْسَ من جنس الْعلَّة بعد أَن حبس الْموضع حَتَّى عرف بقمة الْأَلَم حَتَّى كدت أَن أثب بِهِ ثمَّ تصبرت وَرجعت إِلَى مَا أعرفهُ من ستراه فَصَبَرت على مضض إِلَى أَن قَالَ تَأمر من يمْسِكهَا فَفعلت ثمَّ أَدخل يَده فِي الْموضع دُخُولا شَدِيدا فصاحت الصبية وأغمي عَلَيْهَا وانبعث الدَّم فَأخْرج فِي يَده حَيَوَانا أقل من الخنفساء فَرمى بِهِ فَجَلَست الِابْنَة فِي الْحَال واستترت وَقَالَت يَا أَبَت استرني فقد عوفيت قَالَ فَأخذ الْحَيَوَان فِي يَده وَخرج من الْموضع فلحقته وأجلسته وَقلت أَخْبرنِي مَا هَذَا قَالَ أَن تِلْكَ الْمَسْأَلَة الَّتِي لم أَشك أَنَّك أنكرتها إِنَّمَا كَانَت لأطلب شَيْئا أستدل بِهِ على الْعلَّة إِلَى أَن قَالَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 لي أَن يَوْمًا من الْأَيَّام جَلَست فِي بَيت دولاب الْبَقر من بُسْتَان لكم ثمَّ حدثت الْعلَّة بهَا من غير سَبَب تعرفه من بعد ذَلِك الْيَوْم فتخايلت أَنه قد دب إِلَى فرجهَا من القردان وَكلما امتص من مَوْضِعه ولد الضربان وَأَنه إِذا شبع نقط من الْفرج الَّذِي يمتص مِنْهُ إِلَى خَارج الْفرج هَذِه النقطة الْيَسِيرَة من الدَّم فَقلت أَدخل يَدي وأفتش فأدخلت يَدي فَوجدت القراد فَأَخْرَجته وَهُوَ هَذَا الْحَيَوَان وَقد كبر وتغيرت صورته لِكَثْرَة مَا يمص من الدَّم على طول الْأَيَّام قَالَ فتأملت الْحَيَوَان فَإِذا هُوَ قراد قَالَ بَرِئت الصبية قَالَ فَقَالَ لي أَبُو الْحسن القَاضِي هَل بِبَغْدَاد الْيَوْم من لَهُ صناعَة مثل هَذَا فَكيف لَا أغتم بِمن هَذَا بعض حذقه قَالَ جِبْرِيل بن بختيشوع كنت مَعَ الرشيد بالرقة وَمَعَهُ مُحَمَّد والمأمون وَكَانَ رجلا كثير الْأكل وَالشرب فَأكل يَوْمًا أَشْيَاء خلط فِيهَا وَدخل المستراح فَغشيَ عَلَيْهِ فَأخْرج وقوى الْأَمر حَتَّى لم يشكوا فِي مَوته فأحضرت وجسيت عرقه فَوجدت نبضاً خفِيا وَقد كَانَ قبل ذَلِك بأيام يشكو امتلاء وحركة الدَّم فَقلت الصَّوَاب أَن يحتجم السَّاعَة فَقَالَ كوثر الْخَادِم لما لم تقدر من أَمر الْخَلِيفَة يَا ابْن الفاعلة تَقول أحجموا رجلا مَيتا لَا نقبل قَوْلك وَلَا كَرَامَة فَقَالَ الْمَأْمُون الْأَمر قد وَقع وَلَيْسَ يضر أَن تحجمه فأحضر الْحجام وَتَقَدَّمت إِلَى جمَاعَة من الغلمان بإمساكه ومص الْحجام المحاجم فاحمر الْمَكَان فَفَرِحت ثمَّ قلت اشرطه فشرطه فَخرج الدَّم فسجدت شكرا فَكلما خرج الدَّم أَسْفر لَونه إِلَى أَن تكلم وَقَالَ أَيْن أَنا أَنا جَائِع فغديناه وعوفي فَسَأَلَ صَاحب الحرس عَن علته فَعرفهُ أَنَّهَا ألف دِرْهَم فِي كل سنة وَسَأَلَ صَاحبه فَعرفهُ أَنَّهَا خَمْسمِائَة ألف فَقَالَ يَا جِبْرِيل كم عَلَيْك قلت خَمْسُونَ ألفا قَالَ مَا أنصفناك إِذا غلات هَؤُلَاءِ وهم يحرسوني كَذَلِك وغلتك كَمَا ذكرت فَأمر بإقطاعه ألف ألف دِرْهَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 حَدثنَا أَبُو الْحسن الْمهْدي الْقزْوِينِي قَالَ كَانَ عندنَا طَبِيب يُقَال لَهُ ابْن نوح فلحقتني سكتة فَلم يشك أَهلِي فِي موتِي وغسلوني وكفنوني وحملوني على الْجِنَازَة فمرت الْجِنَازَة عَلَيْهِ وَنسَاء خَلْفي يصرخن فَقَالَ لَهُم إِن صَاحبكُم حَيّ فدعوني أعَالجهُ فصاحوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم النَّاس دَعوه يعالجه فَإِن عَاشَ وَإِلَّا فَلَا ضَرَر عَلَيْكُم فَقَالُوا نَخَاف أَن تصير فضيحة فَقَالَ عَليّ أَن لَا تصير فضيحة قَالُوا فَإِن صرنا قَالَ حكم السُّلْطَان فِي أَمْرِي وَإِن برأَ فَأَي شَيْء لي قَالُوا مَا شِئْت قَالَ دِيَته قَالُوا لَا نملك ذَلِك فَرضِي مِنْهُم بِمَال أَجَابَهُ الْوَرَثَة إِلَيْهِ وحملني فَأَدْخلنِي الْحمام وعالجني وَافَقت فِي السَّاعَة الرَّابِعَة وَالْعِشْرين من ذَلِك الْوَقْت وَوَقعت البشائر وَدفع إِلَيْهِ المَال فَقلت للطبيب بعد ذَلِك من أَيْن عرفت هَذَا فَقَالَ رَأَيْت رجليك فِي الْكَفَن منتصبة وأرجل الْمَوْتَى منبسطة وَلَا يجوز انتصابها فَعلمت انك حَيّ وخمنت أَنَّك أسكت وجربت عَلَيْك فَصحت تجربتي قَالَ أَبُو أَحْمد الْحَارِثِيّ كَانَ طَبِيب نَصْرَانِيّ يُقَال لَهُ مُوسَى بن سِنَان قد أَتَى بِرَجُل منتفخ الذّكر لَا يقدر أَن يَبُول وَهُوَ يستغيث ويصيح فَسَأَلَهُ عَن علته فَذكر أَنه لم يبل مُنْذُ أَيَّام وَرَأى ذكره منتفخاً فَنظر فِي حَاله فَلم يجد شَيْئا يُوجب عسر الْبَوْل وَلَا حَصَاة فَتَركه عِنْده يَوْمًا يسْأَله فَقَالَ لَهُ حَدثنِي أدخلت ذكرك فِي شئ لم تجر عَادَة النَّاس بِهِ فلحقك هَذَا فَسكت الرجل واستحى فَلم يزل الطَّبِيب يبسطه ويشرط لَهُ الكتمان إِلَى أَن قَالَ نكحت حمارا ذكرا فَقَالَ الطَّبِيب هاتوا مطرقة وغلمانا فجاؤه فأمسكوا الرجل وَجعل ذكره على سندان حداد وطرقه بالمطرقة مرّة وَاحِدَة وجيعة فبرزت شعيرَة وَذَاكَ أَنه خمن أَن شعيرَة من جاعرة الْحمار قد دخلت فِي ثقب الذّكر فَلَمَّا طرقها خرجت حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم الْجُهَنِيّ أَن حظية لبَعض الْخُلَفَاء أَظُنهُ الرشيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 قَامَت لتتمطى فَلَمَّا تمطت جَاءَت لنرد يَدهَا فَلم تقدر وبقيتا حافتين فصاحت وآلمها ذَلِك وَبلغ الْخَلِيفَة فَدخل وَشَاهد من أمرهَا مَا أقلته وشاور الْأَطِبَّاء فَكل قَالَ شَيْئا واستعلمه فَلم ينجح وَبقيت الْجَارِيَة على تِلْكَ الصُّورَة أَيَّامًا والخليفة قلق بهَا فَجَاءَهُ أحد الْأَطِبَّاء فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا دَوَاء لَهَا إِلَّا أَن يدْخل إِلَيْهَا رجل غَرِيب فيخلو بهَا ويمرخها مروخا بعرفه فَأَجَابَهُ الْخَلِيفَة إِلَى ذَلِك طلبا لعافيتها فأحضر الطَّبِيب رجلا وَأخرج من كمه دهناً وَقَالَ أُرِيد أَن تَأمر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بتعريتها حَتَّى أمرح جَمِيع أعضائها بِهَذَا الدّهن فشق ذَلِك عَلَيْهِ ثمَّ أَمر أَن يفعل ذَلِك وَوضع فِي نَفسه قتل الرجل وَقَالَ للخادم خُذْهُ فَأدْخلهُ عَلَيْهَا بعد أَن تعريها فعريت الْجَارِيَة وأقيمت فَلَمَّا دخل الرجل وَقرب مِنْهَا سعى إِلَيْهَا وَأَوْمَأَ إِلَى فرجهَا ليمسه فغطت الْجَارِيَة فرجهَا بِيَدِهَا ولشدة مَا داخلها من الْحيَاء والجزع حمى بدنهَا بانتشار الْحَرَارَة الغريزية فعاونتها على مَا أَرَادَت من تَغْطِيَة فرجهَا وَاسْتِعْمَال بدنهَا فِي ذَلِك فَلَمَّا غطت فرجهَا قَالَ لَهَا الرجل قد برأت فَلَا تحركي يَديك فَأَخذه الْخَادِم وَجَاء بِهِ إِلَى الرشيد وَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ لَهُ الرشيد كَيفَ تعْمل بِمن شَاهد فرج حرمتنا فجذب الطَّبِيب بِيَدِهِ لحية الرجل فَإِذا هِيَ ملصقة فانفعلت فَإِذا الشَّخْص جَارِيَة وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كنت لأبدي حرمتك للرِّجَال وَلَكِن خشيت أَنِّي أكشف لَك الْخَبَر فيتصل بالجارية فَتبْطل الْحِيلَة لِأَنِّي أردْت أَن أَدخل إِلَى قَلبهَا فَزعًا شَدِيدا بحمى طبعها ويقودها إِلَى الْحمل على يَديهَا وتحريكها وإعانة الْحَرَارَة الغريزية على ذَلِك فَلم يَقع لي غير هَذَا فأخبرتك بِهِ فأجزل الْخَلِيفَة جائزته وأصرفه قَالَ أَبُو الْقَاسِم وَلِهَذَا اسْتعْملت الْأَطِبَّاء فِي علاج اللقوة الضعيفة الصفعة الشَّدِيدَة على غَفلَة من ضد الْجَانِب الملقوا ليدْخل قلب المصفوع مَا يحميه فيحول وَجهه ضَرُورَة بالطبع إِلَى حَيْثُ صفع فترجع لقُوته روى الصَّلْت بن مُحَمَّد الجحدري قَالَ حَدثنَا بشر بن الْفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 قَالَ خرجنَا حجاجاً فمررنا بمياه من مياه الْعَرَب فوصف لنا فِيهِ ثَلَاثَة أَخَوَات بالجمال وَقيل لنا إنَّهُنَّ يتطببن ويعالجن فأحببنا أَن نراهن فعمدنا إِلَى صَاحب لنا فحككنا سَاقه بِعُود حَتَّى أدميناه ثمَّ رفعناه على أَيْدِينَا وَقُلْنَا هَذَا سليم فَهَل من راق فَخرجت أصغرهن فَإِذا جَارِيَة كَالشَّمْسِ الطالعة فَجَاءَت حَتَّى وقفت عَلَيْهِ فَقَالَت لَيْسَ سليم قُلْنَا وَكَيف قَالَت لِأَنَّهُ خدشه عود بَالَتْ عَلَيْهِ حَيَّة ذكر وَالدَّلِيل أَنه إِذا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس مَاتَ فَلَمَّا طلعت الشَّمْس مَاتَ فعجبنا من ذَلِك شكا رجل إِلَى طَبِيب وجع بَطْنه فَقَالَ مَا الَّذِي أكلت قَالَ أكلت رغيفاً محترقاً فَدَعَا الطَّبِيب ليكحله بذور فَقَالَ الرجل إِنَّمَا اشْتَكَى وجع بَطْني لَا عَيْني قَالَ قد عرفت وَلَكِن أكحلك لتبصر المحترق فَلَا تَأْكُله الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِي ذكر طرف من فطن المتطفلين قَالَ الْأَصْمَعِي الطفيلي الدَّاخِل على الْقَوْم من غير أَن يدعى مَأْخُوذ من الطِّفْل وَهُوَ إقبال اللَّيْل على النَّهَار بظلمته وَأَرَادُوا أَن أمره يظلم على الْقَوْم فَلَا يَدْرُونَ من دَعَاهُ وَلَا كَيفَ دخل عَلَيْهِم قَالَ وَقَوْلهمْ طفيلي مَنْسُوب إِلَى طفيل رجل بِالْكُوفَةِ من بني غطفان وَكَانَ يَأْتِي الولائم من غير أَن يدعى إِلَيْهَا وَكَانَ يُقَال لَهُ طفيل الأعراس والعرائس فِيهِ نظر لِأَن الْعَرَب تسمي الطفيلي الوارش والرائش وَالَّذِي يدْخل على الْقَوْم فِي شرابهم وَلم يدع إِلَيْهِ الواغل قَالَ أَبُو عبيده كَانَ رجل من بني هِلَال يُقَال لَهُ طفيل ابْن زلال إِذا سمع بِقوم عِنْدهم دَعْوَة أَتَاهُم فَأكل طعامهم فَسمى كل من فعل ذَلِك بِهِ روى ابْن مَسْعُود قَالَ كَانَ فِينَا رجل يُقَال لَهُ أَبُو شُعَيْب وَكَانَ لَهُ غُلَام لحام فَقَالَ لغلامه اجْعَل لي طَعَاما لعَلي أَدْعُو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 خَامِس خَمْسَة فَتَبِعَهُ رجل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرجل أَنَّك دعوتني خَامِس خَمْسَة وَأَن هَذَا أتبعنا فَإِن أَذِنت وَإِلَّا رَجَعَ قَالَ بل ائْذَنْ لَهُ حَدثنَا أَحْمد بن الْحسن الْمقري قَالَ مر بنان بعروس فَأَرَادَ الدُّخُول فَلم يقدر فَذهب إِلَى بقال فَوضع خَاتمه عِنْده على عشرَة أقداح عسلاً وَجَاء إِلَى بَاب الْعرس فَقَالَ يَا بواب افْتَحْ لي فَقَالَ لَهُ البواب من أَنْت قَالَ أَرَاك لَيْسَ تعرفنِي أَنا الَّذِي بعثوني أَشْتَرِي لَهُم الأقداح فَفتح لَهُ الْبَاب فَدخل فَأكل وَشرب مَعَ الْقَوْم فَلَمَّا فرغ أَخذ الأقداح فَقَالَ يَا بواب افْتَحْ لي يُرِيدُونَ ناصحيه حَتَّى أرد هَذِه فَخرج فَردهَا على الْبَقَّال وَأخذ خَاتمه قَالَ وَجَاء بنان إِلَى وَلِيمَة فأغلق الْبَاب دونه فاكترى سلما وَوَضعه على حَائِط للرجل فَأَشْرَف على عِيَال الرجل وَبنَاته فَقَالَ لَهُ الرجل يَا هَذَا أما تخَاف الله رَأَيْت أَهلِي وبناتي فَقَالَ يَا شيخ لقد علمت مَا لنا فِي بناتك من حق وَإنَّك لتعلم مَا نُرِيد فَضَحِك الرجل وَقَالَ لَهُ انْزِلْ فَكل قَالَ مُحَمَّد بن عَليّ الْجلاب جَاءَ طفيلي إِلَى عرس فَمنع من الدُّخُول وَكَانَ يعلم أَن أَخا للعروس غَائِب فَذهب فَأخذ ورقة كاغد فطواها وختمها وَلَيْسَ فِي بَطنهَا شَيْء وَجعل فِي ظَاهرهَا من الْأَخ إِلَى الْعَرُوس وَجَاء فَقَالَ معي كتاب من أخي الْعَرُوس فَأذن لَهُ فَدخل فَدفع إِلَيْهِم الْكتاب فَقَالُوا مَا رَأينَا مثل هَذَا العنوان لَيْسَ عَلَيْهِ اسْم أحد فَقَالَ واعجب من هَذَا إِنَّه لَيْسَ فِي بطن الْكتاب وَلَا حرف وَاحِد لِأَنَّهُ كَانَ مستعجلاً فضحكوا مِنْهُ وَعرفُوا أَنه احتال لدُخُوله فقبلوه قَالَ مَنْصُور بن عَليّ الْجَهْضَمِي كَانَ لي جَار طفيلي وَكَانَ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 أحسن النَّاس منْظرًا وأعذبهم منطقاً وأطيبهم رَائِحَة وأجملهم ملبوساً وَكَانَ من شَأْنه أَنِّي إِذا دعيت إِلَى دَعْوَة تَبِعنِي فيكرمه النَّاس من أَجلي ويظنون أَنه صَاحب لي فاتفق يَوْمًا أَن جَعْفَر بن الْقَاسِم الْهَاشِمِي أَمِير الْبَصْرَة أَرَادَ أَن يختن بعض أَوْلَاده فَقلت فِي نَفسِي كَأَنِّي بِرَسُولِهِ وَقد جَاءَ وَكَأَنِّي بِهَذَا الرجل قد تَبِعنِي وَالله لَئِن تَبِعنِي لأفضحنه فَأَنا على ذَلِك إِذْ جَاءَ الرَّسُول يدعوني فَمَا زِدْت على أَن لبست ثِيَابِي وَخرجت فَإِذا أَنا بالطفيلي وَاقِف على بَاب دَاره قد سبقني بالتأهب فتقدمت وتبعني فَلَمَّا دَخَلنَا دَار الْأَمِير جلسنا سَاعَة ودعي بِالطَّعَامِ وَحَضَرت الموائد وَكَانَ كل جمَاعَة على مائدة والطفيلي معي فَلَمَّا مد يَده ليتناول الطَّعَام قلت حَدثنَا درست ابْن زِيَاد عَن أبان بن طَارق عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من دخل دَار قوم بِغَيْر إذْنهمْ فَأكل طعامهم دخل سَارِقا وَخرج مغيرا فَلَمَّا سمع ذَلِك قَالَ أثبت لَك عثراً وَالله من هَذَا الكلاء فَإِنَّهُ مَا من أحد من الْجَمَاعَة إِلَّا وَهُوَ يظنّ أَنَّك تعرض بِهِ دون صَاحبه وَلَا تَسْتَحي أَن تحدث بِهَذَا الْكَلَام على مائدة سيد من أطْعم الطَّعَام وتبخل بِطَعَام غَيْرك على من سواك ثمَّ لَا تَسْتَحي أَن تحدث عَن درست بن زِيَاد وَهُوَ ضَعِيف عَن أبان بن طَارق وَهُوَ مَتْرُوك لحَدِيث يحكم بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون على خِلَافه لِأَن حكم السَّارِق الْقطع وَحكم المغير أَن يُعَزّر على مَا يرَاهُ الإِمَام وَأَيْنَ أَنْت عَن حَدِيث حَدثنَا أَبُو عَاصِم النَّبِيل عَن ابْن جريج عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَام الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَة وَطَعَام الْأَرْبَعَة يَكْفِي الثَّمَانِية وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح قَالَ مَنْصُور بن عَليّ فأفحمني فَلم يحصرني لَهُ جَوَاب فَلَمَّا خرجنَا من الْموضع للانصراف فارقني من جَانب الطَّرِيق إِلَى الْجَانِب الآخر بعد أَن كَانَ يمشي ورائي وسمعته يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 (وَمن ظن مِمَّن يلاقي الحروب ... بِأَن لَا يصاب فقد ظن عَجزا) عَن عبيد الله مُحَمَّد ن عمرَان المرزباني قَالَ كَانَ طفيلي العرائس الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ الطفيليون يُوصي ابْنه عبد الحميد بن طفيل فِي علته الَّتِي مَاتَ فِيهَا فَيَقُول لَهُ إِذا دخلت عرساً فَلَا تلْتَفت تلفت الْمُرِيب وتخير الْمجَالِس فَإِن كَانَ الْعرس كثير الزحام فَأمر وانهِ وَلَا تنظر فِي عُيُون أهل الْمَرْأَة وَلَا فِي عُيُون أهل الرجل ليظن هَؤُلَاءِ أَنَّك من هَؤُلَاءِ فَإِن كَانَ البواب غليظاً وقاحاً فابدأ بِهِ ومره وانه من غير أَن تعنف بِهِ وَعَلَيْك بِكَلَام بَين النَّصِيحَة والأدلال ثمَّ انشد وَقَالَ (لَا تجزعن من الْغَرِيب ... وَلَا من الرجل الْبعيد) (وادخل كَأَنَّك طابخ ... بيديك مغرفة الْحَدِيد) (متدلياً فَوق الطَّعَام ... تدلي الباز الصيود) (لتلف مَا فَوق الموائد ... كلهَا لف الفهود) (واطرح حياءك إِنَّمَا ... وَجه الطفيلي من حَدِيد) (لَا تلْتَفت نَحْو الْبُقُول ... وَلَا إِلَى غرف الثَّرِيد) (حَتَّى إِذا جَاءَ الطَّعَام ... ضربت فِيهِ كالشديد) (وَعَلَيْك بالفالوذجات ... فَإِنَّهَا عين القصيد) (هَذَا إِذا حررتهم ... ودعوتهم هَل من مزِيد) (والعرس لَا يَخْلُو من ... اللوزينج الرطب الفنيد) (فَإِذا أتيت بِهِ محوت ... محَاسِن الْجَام الْجَدِيد) قَالَ ثمَّ أغمى عَلَيْهِ عِنْد ذكر اللوزينج سَاعَة فَلَمَّا أَفَاق رفع رَأسه قَالَ (وتنقلن على الموائد ... فعل شَيْطَان مُرِيد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 (وَإِذا انْتَقَلت عبثت ... بالكعك المجفف والقديد) (يارب أَنْت رزقتني ... هَذَا على رغم الحسود) (وَاعْلَم أَنَّك إِن قبلت ... نعمت يَا عبد الحميد) قَالَ عَليّ بن المحسن بن عَليّ القَاضِي عَن أَبِيه قَالَ صحب طفيلي رجلا فِي سفر فَقَالَ لَهُ الرجل امضِ فاشتر لنا لَحْمًا قَالَ لَا وَالله مَا أقدر فَمضى هُوَ اشْترى ثمَّ قَالَ لَهُ قُم فاطبخ قَالَ لَا أحسن فطبخ الرجل ثمَّ قَالَ لَهُ قُم فاثرد قَالَ أَنا وَالله كسلان فثرد الرجل ثمَّ قَالَ لَهُ قُم واغرف قَالَ أخْشَى أَن يَنْقَلِب على ثِيَابِي فغرف الرجل ثمَّ قَالَ لَهُ قُم الْآن فَكل قَالَ الطفيلي قد وَللَّه استحييت من كَثْرَة خلافي لَك وَتقدم فَأكل قَالَ الجاحظ قلت لأبي سعد الطفيلي كم أَرْبَعَة فِي أَرْبَعَة قَالَ رغيفين وَقطعَة لحم وَقَالَ الْمبرد قيل لطفيلي كم اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْنِ فَقَالَ أَرْبَعَة أرغفة وَقَالَ مرّة أُخْرَى انتظرته مِقْدَار مَا يَأْكُل الْإِنْسَان رغيفاً وَقَالَ أَبُو هفان قيل لطفيلي كم أَرْبَعَة فِي أَرْبَعَة قَالَ سِتَّة عشر رغيفاً قَالَ وتطفل رجل مرّة على رجل فَقَالَ لَهُ صَاحب الْمنزل من أَنْت قَالَ أَنا الَّذِي لم أحوجك إِلَى رَسُول اجْتمع جمَاعَة على عصيدة فَأخذ بَعضهم لقْمَة وَأَلْقَاهَا فِي السّمن وَقَالَ فكبكبوا فِيهَا هم والغاوون وجر السّمن إِلَيْهِ وَقَالَ الآخر إِذا ألقوا فِيهَا سمعُوا لَهَا شهيقاً وَهِي تَفُور وجر السّمن إِلَيْهِ وَقَالَ الآخر وبئر معطلة وَقصر مشيد وجر السّمن إِلَيْهِ فَقَالَ الآخر أخرقتها لتغرق أَهلهَا لقد جِئْت شَيْئا أمرا وجر السّمن إِلَيْهِ فَقَالَ الآخر إِنَّا نسوق المَاء إِلَى الأَرْض الجرز وجر السّمن إِلَيْهِ فَقَالَ الآخر فيهمَا عينان تجريان وجر السّمن إِلَيْهِ فَقَالَ الآخر فيهمَا عينان نضاختان وجر السّمن إِلَيْهِ فَقَالَ الآخر فَالتقى المَاء على أَمر قدر وجر السّمن إِلَيْهِ فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الآخر فسقناه إِلَى بلد ميت وجر السّمن إِلَيْهِ فَقَالَ آخر وَقيل يَا أَرض ابلعي ماءك وَيَا سَمَاء أقلعي وخلط السّمن بِمَا بَقِي من العصيدة فَأَخذه كُله جَاءَ طفيلي إِلَى بَيت رجل مَعَ جمَاعَة فَقَالَ لَهُ الرجل من أَنْت فَقَالَ إِذا كنت لَا تدعونا وَنحن لَا نأتي صَار فِي هَذَا نوع جفَاء عرس طفيلي فَأَتَاهُ طفيليان فِي أول النَّاس فأدخلهما وَجَاء إِلَى غرفَة لَهُ يرتقي إِلَيْهَا بسلم فَوضع السّلم وَقَالَ اصعدا لتبعدا من الْأَذَى وأخصكما بفائق الطَّعَام فصعدا فَلَمَّا حصلا فِي الغرفة نحى السّلم وَوضع الْمَائِدَة وَأطْعم أصدقاءه وجيرانه وهما مطلعان عَلَيْهِ فَلَمَّا فرغ الْقَوْم وضع السّلم وَقَالَ انزلا فَدفع فِي إقفائهما وَقَالَ انصرفا راشدين لَا أصفر الله ممشاً كَمَا قد قضيتما حق أَخِيكُمَا دخل طفيلي على قوم فَبَيْنَمَا هُوَ يَأْكُل سمع صَوت السَّدَنَة فَأمْسك يَده عَن الطَّعَام فَقيل لَهُ لم لَا تَأْكُل قَالَ حَتَّى يسكن هَذِه الأراجيف الَّتِي أسمعها وَقيل لطفيلي مرّة مَا بالك أصفر اللَّوْن فَقَالَ من الفترة الَّتِي بَين العصارتين أَخَاف أَن يكون الطَّعَام قد فني وَقَالَ طفيلي إياك وَالْكَلَام على الطَّعَام إِلَّا أَن تَقول نعم فَإِنَّهَا مُضْغَة أوصى طفيلي غُلَامه فَقَالَ إِذا ضَاقَ بك الْموضع فَقل للَّذي إِلَى جَانِبك لعلى ضيقت عَلَيْك فَإِنَّهُ سيوسع لَك الْمَكَان كموضع رجل آخر وَقَالَ بنان حفظت الْقُرْآن كُله ثمَّ أنسيته إِلَّا حرفين اتنا غداءنا وَقَالَ بنان التَّمَكُّن على الْمَائِدَة خير لَك من زِيَادَة أَرْبَعَة ألوان وعطش رجل إِلَى جنب بنان فِي دَعْوَة فَقَالَ بنان ارْفَعْ نَفسك إِلَى فَوق وتنفس ثَلَاثًا فَإِنَّهُ ينزل مَا أَكلته من الطَّعَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الْبَاب الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِي ذكر طرف من فطن المتلصلصين أخبرنَا مُحَمَّد بن نَاصِر قَالَ أخبرنَا عبد الله الْحميدِي قَالَ أخبرنَا أَبُو غَالب مُحَمَّد بن أَحْمد بن سهل بن بَشرَان قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن بن دِينَار قَالَ أَنبأَنَا أَبُو طَالب عبيد الله ابْن أَحْمد الْأَنْبَارِي قَالَ حَدثنَا يَمُوت بن المزرع عَن الْمبرد قَالَ حَدثنِي أَحْمد بن الْمعدل الْبَصْرِيّ قَالَ كنت جَالِسا عِنْد عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَاجشون فَجَاءَهُ بعض جُلَسَائِهِ فَقَالَ أعجوبة قَالَ مَا هِيَ قَالَ خرجت إِلَى حائطي بِالْغَابَةِ فَلَمَّا أَن أصحرت وبعدت عَن الْبيُوت بيُوت الْمَدِينَة تعرض لي رجل فَقَالَ اخلع ثِيَابك فَقلت وَمَا يدعوني إِلَى خلع ثِيَابِي قَالَ أَنا أولى بهَا مِنْك قلت وَمن أَيْن قَالَ لِأَنِّي أَخُوك وَأَنا عُرْيَان وَأَنت مكس قلت فالمواساة قَالَ كلا قد لبستها بُرْهَة وَأَنا أُرِيد أَن ألبسها كَمَا لبستها قلت فتعريني وتبدي عورتي قَالَ لَا بَأْس بذلك قد روينَا عَن مَالك أَنه قَالَ لَا بَأْس للرجل أَن يغْتَسل عُريَانا قلت فيلقاني النَّاس فيرون عورتي قَالَ لَو كَانَ النَّاس يرونك فِي هَذِه الطَّرِيق مَا عرضت لَك فِيهَا فَقلت أَرَاك ظريفاً فَدَعْنِي حَتَّى أمض إِلَى حائطي وانزع هَذِه الثِّيَاب فأوجه بهَا إِلَيْك قَالَ كلا أردْت أَن توجه إِلَى أَرْبَعَة من عبيدك فيحملوني إِلَى السُّلْطَان فيحبسني ويمزق جلدي ويطرح فِي رجْلي الْقَيْد قلت كلا أَحْلف لَك إِيمَانًا أَنِّي أوفي لَك بِمَا وعدتك وَلَا أسوءك قَالَ كلا إِنَّا روينَا عَن مَالك أَنه قَالَ لَا تلتزم الْأَيْمَان الَّتِي يحلف بهَا اللُّصُوص قلت فأحلف أَنِّي لَا أحتال فِي أيماني هَذِه قَالَ هَذِه يَمِين مركبة على اللُّصُوص قلت فدع المناظرة بَيْننَا فوَاللَّه لأوجهن إِلَيْك هَذِه الثِّيَاب طيبَة بهَا نَفسِي فَأَطْرَقَ ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ تَدْرِي فيمَ فَكرت قلت لَا قَالَ تصفحت أَمر اللُّصُوص من عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى وقتنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 هَذَا فَلم أجد لصاً أَخذ تسئمة وأكره أَن أبتدع فِي الْإِسْلَام بِدعَة يكون على وزرها ووزر من عمل بهَا بعدِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة اخلع ثِيَابك قَالَ فخلعتها ودفعتها إِلَيْهِ فَأَخذهَا وَانْصَرف أَنبأَنَا مُحَمَّد بن أبي طَاهِر قَالَ أَنبأَنَا عَليّ بن الْحسن التنوخي عَن أَبِيه أَن أَبَا الْقَاسِم عبيد الله بن مُحَمَّد الْخفاف حَدثهُ أَنه شَاهد لصاً قد أَخذ وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه كَانَ يفتش الأقفال فِي الدّور اللطاف الَّتِي لجيراننا فَإِذا دخل حفر فِي الدَّار حُفْرَة لَطِيفَة كَأَنَّهَا بِئْر النَّرْد وَطرح فِيهَا جوزات كَانَ إنْسَانا يلاعبه واخرج منديلاً فِيهِ نَحْو مِائَتي جوزة فَتَركه لي جَانبهَا ثمَّ حَار فكور كل مَا فِي الدَّار مِمَّا يُطيق حمله فَإِن لم يفْطن بِهِ أحد خرج من الدَّار وَحمل ذَلِك كُله وَإِن جَاءَ صَاحب الدَّار ترك عَلَيْهِ قماشه وَطلب المفالتة وَالْخُرُوج وَإِن كَانَ صَاحب الدَّار جلدا فواثبه وَمَانعه وهم بِأَخْذِهِ وَصَاح اللُّصُوص وَاجْتمعَ الْجِيرَان أقبل عَلَيْهِ وَقَالَ مَا أبردك أَنا أقامرك بالجوز مِنْك شهور قد أفقرتني وَأخذت مني كل مَا أملكهُ وأهلكتني لأفضحك بَين جيرانك لما قامرتك الْآن تصيح فَمَا يشك أحد فِي قَوْله وَأَنت تَدعِي عَليّ باللصوصية بلعب بَارِد بيني وَبَيْنك دَار الْقمَار الَّتِي تعارفنا فِيهَا قد صنعت هَذَا حَتَّى أخرج وأدع عَلَيْك قماشك وَكلما قَالَ الرجل هَذَا لص قَالَ الْجِيرَان إِنَّمَا يُرِيد أَن لَا يفضح نَفسه بالقمار فقد ادّعى عَلَيْهِ اللصوصية وَلَا يَشكونَ فِي أَنه صَادِق وان صَاحب الدَّار مقامر فيلعنوه ويحولون بَينه وَبَين اللص حَتَّى ينْصَرف وَيَأْخُذ الْجَوْز وَيفتح الْبَاب وينصرف ويفتضح الرجل بَين جِيرَانه أَنبأَنَا مُحَمَّد قَالَ أَنبأَنَا عَليّ بن المحسن قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن عمر الْمُتَكَلّم ويلقب جُنَيْد قَالَ حَدثنِي رجل من الدقاقين قَالَ أورد عَليّ رجل غَرِيب سفتجة 3 باجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 فَكَانَ يتَرَدَّد عليّ أَن حلت السفتجة ثمَّ قَالَ لي ادعها عنْدك آخذها مُتَفَرِّقَة فَكَانَ يَجِيء كل يَوْم فَيَأْخُذ بِقدر نَفَقَته إِلَى أَن نفذت فَصَارَت بَيْننَا معرفَة وَألف الْجُلُوس عِنْدِي وَكَانَ يراني أخرج من صندوق لي فأعطيته مِنْهُ فَقَالَ لي يَوْمًا أَن قفل الرجل صَاحبه فِي سَفَره وأمينه فِي حَضَره وخليفته على حفظ مَاله وَالَّذِي يَنْفِي الظنة عَن أَهله وَعِيَاله وَإِن لم يكن وثيقاً تطرقت الْحِيَل إِلَيْهِ وارى قفلك هَذَا وثيقاً فَقل لي مِمَّن ابتعته لابتاع مثله لنَفْسي فَقلت من فلَان الإقفالي قَالَ فَمَا شَعرت يَوْمًا وَقد جِئْت إِلَى دكاني فطلبت صندوقي لأخرج مِنْهُ شَيْئا من الدَّرَاهِم فَحمل إليّ ففتحه وَإِذا لَيْسَ فِيهِ شَيْء من الدَّرَاهِم وَقلت لغلامي وَكَانَ غير مُتَّهم عِنْدِي هَل انْكَسَرَ من الدراب شَيْء قَالَ لَا قلت ففتش هَل ترى فِي الدّكان نقباً ففتش فَقَالَ لَا فَقلت فَمن السّقف حِيلَة قَالَ لَا قلت فَاعْلَم أَن دراهمي قد ذهبت فقلق الْغُلَام فسكته وأقمت من نومي لَا أَدْرِي أَي شَيْء أعمل وَتَأَخر الرجل عني فاتهمته وتذكرت مَسْأَلته لي عَن القفل فَقلت للغلام أَخْبرنِي كَيفَ تفتح دكاني وتقفله قَالَ احْمِلْ الدراب من الْمَسْجِد دفعتين ثَلَاثَة فأقفلها ثمَّ هَكَذَا أفتحها قلت فعلى من تخلي الدّكان إِذا حملت الدراب قَالَ خَالِيا قلت من هَهُنَا دهيت فَذَهَبت إِلَى الصَّانِع الَّذِي ابتعت مِنْهُ القفل فَقلت لَهُ جَاءَك إِنْسَان مُنْذُ أَيَّام اشْترى مِنْك مثل هَذَا القفل قَالَ نعم وَرجل من صفته كَيْت وَكَيْت فَأَعْطَانِي صفة صَاحِبي فَعلمت أَنه احتال على الْغُلَام وَقت الْمسَاء لما انصرفت أَنا وَبَقِي الْغُلَام يحمل الدراب فَدخل هُوَ إِلَى الدّكان فَاخْتَبَأَ فِيهِ وَمَعَهُ مِفْتَاح القفل الَّذِي اشْتَرَاهُ يَقع على قفلي وَأَنه أَخذ الدَّرَاهِم وَجلسَ طول اللَّيْل خلف الدراب فَلَمَّا جَاءَ الْغُلَام فَفتح داربين وَحملهَا ليرفعها خرج وَإنَّهُ مَا فعل ذَلِك إِلَّا وَقد خرج من بَغْدَاد قَالَ فَخرجت وَمَعِي قفلي ومفتاحه فَقلت ابتدئ بِطَلَب الرجل بواسط فَلَمَّا صعدت من السميرية طلبت خَانا أنزلهُ فَصَعدت فَإِذا بقفل مثل قفلي سَوَاء على بَيت فَقلت لقيم الخان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 هَذَا الْبَيْت من ينزله قَالَ رجل قدم من الْبَصْرَة أمس قلت مَا صفته فوصف صفة صَاحِبي فَلم أَشك أَنه هُوَ وان الدَّرَاهِم فِي بَيته فاكتريت بَيْتا إِلَى جَانِبه ورصدت حَتَّى انْصَرف قيم الخان ففتحت القفل وَدخلت فَوجدت كيسي بعيد فَأَخَذته وَخرجت وأقفلت الْبَاب وَنزلت فِي الْوَقْت وانحدرت إِلَى الْبَصْرَة وَمَا أَقمت بواسط إِلَّا ساعتين من النَّهَار وَرجعت إِلَى منزلي بِمَالي بِعَيْنِه أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي قَالَ أخبرنَا عَليّ بن الْحسن عَن أَبِيه قَالَ حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد الصروي قَالَ حَدثنِي ابْن الدَّنَانِير النمار قَالَ حَدثنِي غُلَام لي قَالَ كنت ناقداً بالأبلة لرجل تَاجر فاقتضيت لَهُ من الْبَصْرَة نَحْو خَمْسمِائَة دِينَار وورقاً ولففتهما فِي فوطة وأمسيت عَن الْمسير إِلَى الأبلة فَمَا زلت أطلب ملاحاً فَلَا أجد أَن رَأَيْت ملاحاً مجتازاً فِي خيطية خَفِيفَة فارغة فَسَأَلته أَن يحملني فَخفف عَليّ الْأُجْرَة وَقَالَ أَنا أرجع إِلَى منزلي بالأبلة فَانْزِل فَنزلت وَجعلت الفوطة بَين يَدي وصرنا فَإِذا رجل ضَرِير على الشط يقْرَأ أحسن قِرَاءَة تكون فَلَمَّا رَآهُ الملاح كبر فصاح هُوَ بالملاح احملني فقد جنني اللَّيْل وأخاف على نَفسِي فشتمه الملاح فَقلت لَهُ احمله فَدخل إِلَى الشط فَحَمله فَرجع إِلَى قِرَاءَته فخلب عَقْلِي بطيبها فَلَمَّا قربنا من الأبلة قطع الْقِرَاءَة وَقَامَ ليخرج فِي بعض المشارع بالأبلة فَلم أر الفوطة فاضطربت وَصحت واستغاث الملاح وَقَالَ السَّاعَة تنْقَلب الخيطية وخاطبني خطاب من لَا يعلم حَالي فَقلت يَا هَذَا أَكَانَت بَين يَدي فوطة فِيهَا خَمْسمِائَة دِينَار فَلَمَّا سمع الملاح ذَلِك لطم وَبكى وتعرى من ثِيَابه وَقَالَ لم أَدخل الشط وَلَا لي مَوضِع أخبأ فِيهِ شَيْئا فتتهمني بِسَرِقَة ولي أَطْفَال وَأَنا ضَعِيف فَالله الله فِي أَمْرِي وَفعل الضَّرِير مثل ذَلِك وفتشت السميرية فَلم أجد فِيهَا شَيْئا فرحمتهما وَقلت هَذِه محنة لَا أَدْرِي كَيفَ التَّخَلُّص مِنْهَا وَخَرجْنَا فَعمِلت على الْهَرَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَأخذ كل وَاحِد منا طَرِيقا وَبت فِي بَيت وَلم امْضِ إِلَى صَاحِبي فَلَمَّا أَصبَحت عملت على الرُّجُوع إِلَى الْبَصْرَة لأستخفي بهَا أَيَّامًا ثمَّ أخرج إِلَى بلد شاسع فانحدرت وَخرجت فِي مشرعة بِالْبَصْرَةِ وَأَنا أَمْشِي وأتعثر وأبكي قلقاً على فِرَاق أَهلِي وَوَلَدي وَذَهَاب معيشتي وجاهي فاعترضني رجل فَقَالَ مَا لَك فَأَخْبَرته فَقَالَ أَنا أرد عَلَيْك مَالك فَقلت يَا هَذَا أَنا فِي شغل عَن طنزك بِي قَالَ مَا أَقُول إِلَّا حَقًا أمض إِلَى السجْن ببني نمير واشتر مَعَك خبْزًا كثيرا وشواء جيدا وحلواً وسل السجان أَن يوصلك إِلَى رجل مَحْبُوس هُنَاكَ يُقَال لَهُ أَبُو بكر النقاش قل لَهُ أَنا زَائِره فَإنَّك لَا تمنع فَإِن منعت فَهَب للسجان شَيْئا يَسِيرا يدْخلك إِلَيْهِ فَإِذا رَأَيْته فَسلم عَلَيْهِ وَلَا تخاطبه حَتَّى تجْعَل بَين يَدَيْهِ مَا مَعَك فَإِذا أكل وَغسل يَدَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْأَلك عَن حَاجَتك فَأخْبرهُ خبرك فَإِنَّهُ سيدلك على من أَخذ مَالك ويرتجعه لَك فَفعلت ذَلِك ووصلت إِلَى الرجل فَإِذا سيخ مكبل بالحديد فَسلمت وطرحت مَا معي بَين يَدَيْهِ فَدَعَا رُفَقَاء لَهُ فَأَكَلُوا فَلَمَّا غسل يَدَيْهِ قَالَ مَا أَنْت وَمَا حَاجَتك فشرحت لَهُ قصتي فَقَالَ امْضِ السَّاعَة إِلَى بني هِلَال فَادْخُلْ الدَّرْب الْفُلَانِيّ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى آخِره فَإنَّك تشاهد بَابا شعثاً فافتحه وادخله بِلَا اسْتِئْذَان فتجد دهليزاً طَويلا يُؤَدِّي إِلَى بَابَيْنِ فَادْخُلْ الْأَيْمن مِنْهُمَا فسيدخلك إِلَى دَار فِيهَا بَيت فِيهِ أوتاد وبواري وكل وتد إِزَار ومئزر فانزع ثِيَابك وألقها على الوتد واتزر بالمئزر واتشح بالإزار واجلس فسيجيء قوم يَفْعَلُونَ كَمَا فعلت ثمَّ يُؤْتونَ بِطَعَام فَكل مَعَهم وتعمد موافقتهم فِي سَائِر أفعالهم فَإِذا أَتَى بالنبيذ فَاشْرَبْ وَخذ قدحاً كَبِيرا واملأه وقم قَائِما وَقل هَذَا ساري لخالي أبي بكر النقاش فسيفرحون وَيَقُولُونَ أهوَ خَالك فَقل نعم فسيقومون وَيَشْرَبُونَ لي فَإِذا جَلَسُوا فَقل لَهُم خَالِي يقْرَأ عَلَيْكُم السَّلَام وَيَقُول يَا فتيَان بحياتي ردوا على ابْن أُخْتِي المئزر الَّذِي أخذتموه بالْأَمْس فِي السَّفِينَة بنهر الأبلة فَإِنَّهُم يردونه عَلَيْك فَخرجت من عِنْده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 فَفعلت مَا أَمر فَردَّتْ الفوطة بِعَينهَا وَمَا حل شدها فَلَمَّا حصلت لي قلت يَا فتيَان هَذَا الَّذِي فعلتموه معي هُوَ قَضَاء لحق خَالِي ولي أَنا حَاجَة تخصني قَالُوا مقضية قلت عرفوني كَيفَ أَخَذْتُم الفوطة فامتنعوا سَاعَة فأقسمت عَلَيْهِم بحياة أبي بكر النقاش فَقَالَ لي وَاحِد مِنْهُم أتعرفني فتأملته جدا فَإِذا هُوَ الضَّرِير الَّذِي كَانَ يقْرَأ وَإِنَّمَا كَانَ متعامياً وَأَوْمَأَ إِلَى آخر فَقَالَ أتعرف هَذَا فتأملته فَإِذا هُوَ الملاح فَقلت كَيفَ فعلتما فَقَالَ الملاح أَنا أدور المشارع فِي أول أَوْقَات الْمسَاء وَقد سبقت بِهَذَا المتعامي فأجلسته حَيْثُ رَأَيْت فَإِذا رَأَيْت من مَعَه شَيْء لَهُ قدر ناديته وأرخصت لَهُ الْأُجْرَة وَحَمَلته فَإِذا بلغت إِلَى الْقَارِي وَصَاح بِهِ شتمته حَتَّى لَا يشك الرَّاكِب فِي بَرَاءَة الساحة فَإِن حمله الركب فَذَاك وَإِلَّا رققته عَلَيْهِ حَتَّى يحملهُ فَإِذا حمله وَجلسَ يقْرَأ ذهل الرجل كَمَا ذهلت فَإِذا بلغنَا الْموضع الْفُلَانِيّ فَإِن فِيهِ رجلا متوقعاً لنا يسيح حَتَّى يلاصق السَّفِينَة وعَلى رَأسه فوصرة فَلَا يفْطن الرَّاكِب بِهِ فيسلب هَذَا المتعامي الشَّيْء بخفية فيليه إِلَى الرجل الَّذِي عَلَيْهِ القوصرة فَيَأْخذهُ ويسيح إِلَى الشط وَإِذا أَرَادَ الرَّاكِب الصعُود وافتقد مَا مَعَه عَملنَا كَمَا رَأَيْت فَلَا يتهمنا ونفترق فَإِذا كَانَ من غَدا اجْتَمَعنَا واقتسمناه فَلَمَّا جِئْت برسالة استأذنا خَالك سلمنَا إِلَيْك الفوطة قَالَ فأخذتها وَرجعت أخبرنَا مُحَمَّد بن نَاصِر قَالَ أَنبأَنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار قَالَ أَنبأَنَا الْجَوْهَرِي وَأخْبرنَا ابْن نَاصِر قَالَ أخبرنَا عبد المحسن بن مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم التنوخي قَالَ أخبرنَا بن حيوية قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد خلف قَالَ حَدثنِي لص تائب قَالَ دخلت مَدِينَة فَجعلت أطلب شَيْئا أسرقه فَوَقَعت عَيْني على صيرفي مُوسر فَمَا زلت أحتال حَتَّى سرقت كيساً لَهُ وانسللت فَمَا حزت غير بعيد إِذا أَنا بِعَجُوزٍ مَعهَا كلب قد وَقعت فِي صيري تبوسني وتلزمني وَتقول يَا بني فديتك وَالْكَلب يبصبص ويلوذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 بِي ووقف النَّاس ينظرُونَ إِلَيْنَا وَجعلت الْمَرْأَة تَقول بِاللَّه انْظُرُوا إِلَى الْكَلْب قد عرفه فَعجب النَّاس من ذَلِك وتشككت أَنا فِي نَفسِي وَقلت لَعَلَّهَا أرضعتني وَأَنا لَا أعرفهَا وَقَالَت معي إِلَى الْبَيْت أقِم عِنْدِي الْيَوْم فَلم تُفَارِقنِي حَتَّى مضيت مَعهَا إِلَى بَيتهَا وَإِذا عِنْدهَا أَحْدَاث يشربون وَبَين أَيْديهم من جَمِيع الْفَوَاكِه والرياحين فرحبوا بِي وقربوني وأجلسوني مَعَهم وَرَأَيْت لَهُم بزَّة حَسَنَة فَوضعت عَيْني عَلَيْهَا فَجعلت أسقيهم وأرفق بنفسي إِلَى أَن نَامُوا ونام كل من فِي الدَّار فَقُمْت وكورت مَا عِنْدهم وَذَهَبت أخرج فَوَثَبَ عَليّ الْكَلْب وثبة الْأسد وَصَاح وَجعل يتراجع ويفج إِلَى أَن انتبه كل نَائِم فخجلت وَاسْتَحْيَيْت فَلَمَّا كَانَ النَّهَار رفعوا مثل فعلهم أمس وَفعلت أَيْضا أَنا بهم مثل ذَلِك وَجعلت أوقع الْحِيلَة فِي أَمر الْكَلْب إِلَى اللَّيْل فَمَا أمكنني فِيهِ حِيلَة فَلَمَّا نَامُوا رمت الَّذِي رمته فَإِذا الْكَلْب عارضني بِمثل مَا عارضني بِهِ فَجعلت أحتال ثَلَاث لَيَال فَلَمَّا أَيِست طلبت الْخَلَاص مِنْهُم بإذنهم فَقلت أتأذنون لي فَإِنِّي على وفز فَقَالُوا الْأَمر إِلَى الْعَجُوز فاستأذنتها فَقَالَت هَات الَّذِي أَخَذته من الصَّيْرَفِي وامضِ حَيْثُ شِئْت وَلَا تقوم فِي هَذِه الْمَدِينَة فَإِنَّهُ لَا يتهيأ لأحد فِيهَا معي عمل فَأخذت الْكيس وأخرجتني وَوجدت مناي أَن أسلم من يَدهَا وَكَانَ قصراي أَن أطلب مِنْهَا نَفَقَة فَدفعت إليّ وَخرجت معي حَتَّى أخرجتني عَن الْمَدِينَة وَالْكَلب مَعهَا حَتَّى جزت حُدُود الْمَدِينَة ووقفت ومضيت وَالْكَلب يَتبعني حَتَّى بَعدت ثمَّ تراجع ينظر إليّ ويلتفت وَأَنا أنظر إِلَيْهِ حَتَّى غَابَ عني أَنبأَنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ أَنبأَنَا أَبُو غَالب مُحَمَّد بن الْحسن الباقلاوي قَالَ أَنبأَنَا القَاضِي أَبُو الْعَلَاء الوَاسِطِيّ قَالَ أَنبأَنَا أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْأَزْدِيّ قَالَ حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد الْقَارِي قَالَ حَدثنَا سهل الخلاطي قَالَ بَلغنِي أَن محتالين سرقا حمارا وَمضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 أَحدهمَا ليَبِيعهُ فَلَقِيَهُ رجل مَعَه طبق فِيهِ سمك فَقَالَ لَهُ تبيع هَذَا الْحمار قَالَ نعم قَالَ أمسك هَذَا الطَّبَق حَتَّى أركبه وَانْظُر إِلَيْهِ فَدفع إِلَيْهِ الطَّبَق فِيهِ السّمك فَرَكبهُ وَرجع ثمَّ رَكبه وَدخل زقاقاً ففر بِهِ فَلم يدر أَيْن ذهب قَالَ فَرجع الْمُحْتَال فَلَقِيَهُ رَفِيقه فَقَالَ مَا فعل الْحمار قَالَ بعناه بِمَا اشْتَرَيْنَاهُ وربحنا هَذَا الطَّبَق من السّمك وَقد روينَا أَن رجلا سرق حمارا فَأتى السُّوق ليَبِيعهُ فَسرق مِنْهُ فَعَاد إِلَى منزله فَقَالَت لَهُ امْرَأَته بكم بِعته قَالَ بِرَأْس مَاله أَنبأَنَا مُحَمَّد بن أبي طَاهِر قَالَ أَنبأَنَا عَليّ ابْن المحسن عَن أَبِيه قَالَ حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد الصروي قَالَ حَدثنَا بعض إِخْوَاننَا أَنه كَانَ بِبَغْدَاد رجل يطْلب التلصص فِي حداثته ثمَّ تَابَ فَصَارَ بزازاً قَالَ فَانْصَرف لَيْلَة من دكانه وَقد غلقه فجَاء لص محتال متزي بزِي صَاحب الدّكان فِي كمه شمعة صَغِيرَة ومفاتيح فصاح بالحارس فَأعْطَاهُ الشمعة فِي الظلمَة وَقَالَ أشعلها وجئني بهَا فَإِن لي اللَّيْلَة بدكاني شغلاً فَمضى الحارس يشعل الشمعة وَركب اللص على الأقفال فَفَتحهَا وَدخل الدّكان وَجَاء الحارس بالشمعة فَأَخذهَا من يَده فَجَعلهَا بَين يَدَيْهِ وَفتح سفط الْحساب وَأخرج مَا فِيهِ وَجعل ينظر الدفاتر وَيرى بِيَدِهِ أَنه يحْسب والحارس يتَرَدَّد ويطالعه وَلَا يشك فِي أَنه صَاحب الدّكان إِلَى أَن قَارب السحر فاستدعى اللص الحارس وَكَلمه من بعيد وَقَالَ اطلب لي حمالاً فجَاء بحمال فَحمل عَلَيْهِ أَربع رزم مثمنة وقفل الدّكان وَانْصَرف وَمَعَهُ الْحمال وَأعْطى الحارس دِرْهَمَيْنِ فَلَمَّا أصبح النَّاس جَاءَ صَاحب الدّكان ليفتح دكانه فَقَامَ إِلَيْهِ الحارس يَدْعُو لَهُ وَيَقُول فعل الله بك وصنع كَمَا أَعْطَيْتنِي البارحة الدرهمين فَأنْكر الرجل مَا سَمعه وَفتح دكانه فَوجدَ سيلان الشمعة وحسابه مطروحاً وفقد الْأَرْبَع رزم فاستدعى الحارس وَقَالَ لَهُ من كَانَ حمل الرزم معي من دكاني قَالَ مَا استدعيت مني حمالاً فجئتك بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 قَالَ بلَى وَلَكِن كنت ناعساً وَأُرِيد الْحمال فجئني بِهِ فَمضى الحارس فجَاء بالحمال وأغلق الرجل الدّكان وَأخذ الْحمال مَعَه وَمضى فَقَالَ لَهُ إِلَى أَيْن حملت الرزم معي البارحة فَإِنِّي كنت منقبذاً قَالَ إِلَى المشرعة الْفُلَانِيَّة واستدعيت لَك فلَانا الملاح فركبت مَعَه فقصد الرجل المشرعة وَسَأَلَ عَن الملاح فَحَضَرَ وَركب مَعَه وَقَالَ أَيْن رقيت أخي الَّذِي كَانَ مَعَه الْأَرْبَع الرزم قَالَ إِلَى المشرعة الْفُلَانِيَّة قَالَ اطرحني إِلَيْهَا فطرحه قَالَ من حملهَا مَعَه قَالَ فلَان الْحمال فَدَعَا بِهِ فَقَالَ لَهُ امشِ بَين يَدي فَمشى فَأعْطَاهُ شَيْئا واستدله بِرِفْق إِلَى الْموضع الَّذِي حمل إِلَيْهِ الرزم فجَاء بِهِ إِلَى بَاب غرفَة فِي مَوضِع بعيد من الشط قريب من الصَّحرَاء فَوجدَ الْبَاب مقفلاً فاستوقف الْحمال وفش القفل وَدخل فَوجدَ الرزم بِحَالِهَا وَإِذا فِي الْبَيْت بركان مُعَلّق على حَبل فلف الرزم فِيهِ ودعا بالحمال فحملها عَلَيْهِ وَقصد المشرعة فحين خرج من الغرفة استقبله اللص فَرَآهُ وَمَا مَعَه فابلس فَاتبعهُ إِلَى الشط فجَاء إِلَى المشرعة ودعا الملاح ليعبر فَطلب الْحمال من يحط عَنهُ فجَاء اللص فحط الكساء كَأَنَّهُ مجتاز مُتَطَوّع فَأدْخل الرزم إِلَى السَّفِينَة مَعَ صَاحبهَا وَجعل البركان على كتفه وَقَالَ لَهُ يَا أخي أستودعك الله قد ارتجعت رزمك فدع كسائي فَضَحِك وَقَالَ انْزِلْ فَلَا خوف عَلَيْك فَنزل مَعَه واستتابه ووهب لَهُ شَيْئا وَصَرفه وَلم يسئ إِلَيْهِ أَنبأَنَا مُحَمَّد بن أبي طَاهِر عَن أبي الْقَاسِم التنوخي عَن أَبِيه أَن رجلا من بني عقيل مضى ليَسْرِق دَابَّة قَالَ فَدخلت الْحَيّ فَمَا زلت أتعرف مَكَان الدَّابَّة فاحتلت حَتَّى دخلت الْبَيْت فَجَلَسَ الرجل وَامْرَأَته يأكلان فِي الظلمَة فَأَهْوَيْت بيَدي إِلَى الْقَصعَة وَكنت جائعاً فَأنْكر الرجل يَدي وَقبض عَلَيْهَا فقبضت على يَد الْمَرْأَة بيَدي الْأُخْرَى فَقَالَت الْمَرْأَة مَالك ويدي فَظن أَنه قَابض على يَد امْرَأَته فخلى يَدي فخليت يَد الْمَرْأَة وأكلنا ثمَّ أنْكرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الْمَرْأَة يَدي فقبضت عَلَيْهَا فقبضت على يَد الرجل فَقَالَ لَهَا مَالك ويدي تخليت عَن يَده ثمَّ نَام وَقمت فَأخذت الْفرس وَقد رويت هَذِه الْحِكَايَة على صفة أُخْرَى فأنبأنا مُحَمَّد بن أبي طَاهِر قَالَ أَنبأَنَا التنوخي عَن أَبِيه قَالَ حَدثنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد الْكَاتِب قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن يزمع الْعقيلِيّ أحد قوادهم ووجوههم فِي الْحَيّ وَكَانَ ورد إِلَى معز الدولة فَأكْرمه وَأحسن إِلَيْهِ قَالَ رَأَيْت رجلا من بني عقيل وظهره كُله مشرطات الْحجام إِلَّا أَنَّهَا أكبر فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ إِنِّي كنت هويت ابْنه عَم لي فخطبتها فَقَالُوا لَا نُزَوِّجك إِلَّا أَن تجْعَل فِي الصَدَاق الشبكة فرس سَابِقَة كَانَت لبَعض بني أبي بكر فتزوجتها على ذَلِك وَخرجت فِي أَن أحتال إِن اسل الْفرس من صَاحبه لأتمكن من الدُّخُول بِابْنِهِ عمي فَأتيت الْحَيّ الَّذِي فِيهِ الْفرس وَمَا زلت أداخلهم فَمرَّة أجيء إِلَى الخباء الَّذِي فِيهِ الرجل كَأَنِّي سَائل لي إِن عرفت بَيت الْفرس من الخباء الَّذِي فِيهِ الرجل وأخبئت حَتَّى دخلت من خَلفه وحصلت خلف النضد نحت وَكَانُوا تفشوه ليغزل فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْل وافى صَاحب الْبَيْت وَقد زاولت لَهُ الْمَرْأَة عشَاء وجلسا يأكلان وَقد استحكمت الظلمَة وَلَا مِصْبَاح لَهُم وَكنت جائعاً فأخرجت يَدي وأهويت إِلَى الْقَصعَة فَأكلت مَعَهُمَا وأحس الرجل بيَدي فأنكرها فَقبض عَلَيْهَا فقبضت على يَد الْمَرْأَة فَقَالَت لَهُ الْمَرْأَة مَالك ويدي فَظن أَنه قَابض على يَد امْرَأَته فخلى يَدي فخليت يَد الْمَرْأَة وأكلنا ثمَّ أنْكرت الْمَرْأَة يَدي فقبضت عَلَيْهَا فقبضت على يَد الرجل فَقَالَ لَهَا مَالك ويدي فخلت عَن يَدي فخليت عَن يَده وانقضى الطَّعَام واستلقى الرجل نَائِما فَلَمَّا استثقل وَأَنا مراصدهم وَالْفرس مُقَيّدَة فِي جَانب الْبَيْت والمفتاح تَحت رَأس الْمَرْأَة فَوَافى عبد لَهُ أسود فنبذ حَصَاة فانتبهت الْمَرْأَة فَقَامَتْ إِلَيْهِ وَتركت الْمِفْتَاح مَكَانَهُ وَخرجت من الخباء إِلَى ظَاهر الْبَيْت فَإِذا هُوَ قد علاها فَأخذت أَنا الْمِفْتَاح ففتحت القفل وَكَانَ معي لجام شعر فأجزته الْفرس وركبتها وَخرجت عَلَيْهَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 الخباء فَقَامَتْ الْمَرْأَة من تَحت العَبْد وَدخلت الخباء وصاحت وزعز الْحَيّ فأحسوا بِي وركبوا فِي طلبي وَأَنا آكِد الْفرس وَخَلْفِي خلق مِنْهُم فَأَصْبَحت وَلَيْسَ ورائي إِلَّا فَارس وَاحِد بِرُمْح فلحقني وَقد طلعت الشَّمْس وَأخذ يطعنني فَهَذِهِ آثَار طعناته فِي جَسَدِي لَا فرسه يلْحقهُ بِي حَتَّى يتَمَكَّن من طعنته إيَّايَ وَلَا فرسي ينجيني إِلَى حَيْثُ لَا يمسني الرمْح حَتَّى وافينا إِلَى نهر عَظِيم فَصحت بالفرس فوثبه وَصَاح الْفَارِس بِالَّتِي تَحْتَهُ فقصرت وَلم تثب فَلَمَّا رَأَيْته عَاجِزا عَن العبور وقفت لأريح الْفرس وأستريح فصاح بِي فَأَقْبَلت عَلَيْهِ بوجهي فَقَالَ يَا هَذَا أَنا صَاحب الْفرس الَّتِي تَحْتك وَهَذِه ابْنَتهَا وَإِذ قد ملكتها فَلَا تخدعن فِيهَا فَإِنَّهَا تَسَاوِي عشر ديات وَمَا طلبت عَلَيْهَا شَيْئا قطّ إِلَّا لحقته وَلَا طلبني عَلَيْهَا أحدا إِلَّا فته وَإِنَّمَا سميت الشبكة لِأَنَّهَا لم ترد شَيْئا إِلَّا أَدْرَكته فَكَانَت كالشبكة فِي صيدها فَقلت لَهُ إِذْ نصحتني فوَاللَّه لأنصحنك كَانَ من صُورَتي البارحة كَيْت وَكَيْت فقصصت عَلَيْهِ قصَّة امْرَأَته وَالْعَبْد وحيلتي فِي الْفرس فَأَطْرَقَ ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ مَالك لَا جَزَاك الله من طَارق خير أطلقت زَوْجَتي وَأخذت فرسي وَقتلت عَبدِي أَنبأَنَا مُحَمَّد بن أبي طَاهِر أَنبأَنَا أَبُو الْقَاسِم التنوخي عَن أَبِيه أَن رجلا نَام فِي مَسْجِد وَتَحْت رَأسه كيس فِيهِ ألف وَخَمْسمِائة دِينَار قَالَ فَمَا شَعرت إِلَّا بِإِنْسَان قد جذبه من تَحت رَأْسِي فانتبهت فَزعًا فَإِذا شَاب قد أَخذ الْكيس وَمر يعدو فَقُمْت لأعدو خَلفه فَإِذا رجْلي مشدودة بخيط قنب فِي وتد مَضْرُوب فِي آخر الْمَسْجِد أَنبأَنَا مُحَمَّد بن أبي طَاهِر قَالَ أَنبأَنَا أَبُو الْقَاسِم التنوخي عَن أَبِيه قَالَ حَدثنِي أَبُو الْحُسَيْن عبد الله بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ كَانَ بِالْبَصْرَةِ رجل من اللُّصُوص يلص بِاللَّيْلِ فاره جدا مِقْدَام يُقَال لَهُ عَبَّاس بن الْخياطَة قد غلب الْأُمَرَاء وأشجى أهل الْبَلَد فَلم يزَالُوا يحتالون عَلَيْهِ إِلَى أَن وَقع وكبل بِمِائَة رَطْل حَدِيد وَحبس فَلَمَّا كَانَ بعد سنة من حَبسه أَو أَكثر دخل قوم بالأبلة على رجل تَاجر كَانَ عِنْده جَوْهَر بعشرات أُلُوف الدَّنَانِير وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 مستيقظاً جلدا فجَاء إِلَى الْبَصْرَة يتظلم وأعانه خلق من التُّجَّار وَقَالَ للأمير أَنْت دست على جوهري وَمَا خصمي سواك فورد عَلَيْهِ أَمر عَظِيم وخلا بالبوابين وتوعدهم فاستنظروه فأنظرهم وطلبوا واجتهدوا فَمَا عرفُوا فَاعل ذَلِك فعنفهم الرجل فاستجابوا مُدَّة أُخْرَى فجَاء أحد البوابين إِلَى الْحَبْس فتخادم لِابْنِ الْخياطَة وَلَزِمَه نَحْو شهر وتذلل لَهُ فِي الْحَبْس فَقَالَ لَهُ قد وَجب حَقك عَليّ فَمَا حَاجَتك قَالَ جَوْهَر فلَان الْمَأْخُوذ بالأبلة لَا بُد أَن يكون عنْدك مِنْهُ خبر فَإِن دماءنا مرتهنة بِهِ وحدثه الحَدِيث فَرفع ذيله وَإِذا سفط الْجَوْهَر تَحْتَهُ فسلمه إِلَيْهِ وَقَالَ قد وهبته لَك فاستعظم ذَلِك وَجَاء بالسفط إِلَى الْأَمِير فَسَأَلَهُ عَن الْقِصَّة فَأخْبرهُ بهَا فَقَالَ عَليّ بعباس فجاؤا بِهِ فَأمر بالإفراج عَنهُ وَإِزَالَة قيوده وإدخاله الْحمام وخلع عَلَيْهِ وَأَجْلسهُ فِي مَجْلِسه مكرماً واستدعى الطَّعَام فواكله وبيته عِنْده فَلَمَّا كَانَ من الْغَد خلا بِهِ وَقَالَ أَنا أعلم أَنَّك لَو ضربت مائَة ألف سَوط مَا أَقرَرت كَيفَ كَانَت صُورَة أَخذ الْجَوْهَر وَقد عاملتك بالجميل ليجب حَقي عَلَيْك من طَرِيق الفتوة وَأُرِيد أَن تصدقني حَدِيث هَذَا الْجَوْهَر قَالَ على أنني وَمن عاونني عَلَيْهِ آمنون وَإنَّك لَا تطالبنا بالذين أَخَذُوهُ قَالَ نعم فاستحلفه فَقَالَ لَهُ إِن جمَاعَة اللُّصُوص جاؤوني الْحَبْس وَذكروا حَال هَذَا الْجَوْهَر وَإِن دَار هَذَا التَّاجِر لَا يجوز أَن يتَطَرَّق عَلَيْهَا نقب وَلَا تسليق وَعَلَيْهَا بَاب حَدِيد وَالرجل متيقظ وَقد راعوه سنة فَمَا أمكنهم وسألوني فساعدتهم فَدفعت إِلَى السجان مائَة دِينَار وَحلفت لَهُ بالشطارة والأيمان الغليظة أَنه إِن أطلقني عدت إِلَيْهِ من غَد وَأَنه إِن لم يفعل ذَلِك اغتلته فَقتلته فِي الْحَبْس فأطلقني فنزعنا الْحَدِيد وَتركته وَخرجت الْمغرب فوصلنا إِلَى الأبلة الْعَتَمَة وَخَرجْنَا إِلَى دَار الرجل فَإِذا هُوَ فِي الْمَسْجِد وبابه مغلق فَقلت لأَحَدهم تصدق من الْبَاب فَتصدق فَلَمَّا جاؤوا ليفتحوا قلت لَهُ أختفي فَفعل ذَلِك مَرَّات وَالْجَارِيَة تخرج فَإِذا لم تَرَ أحدا عَادَتْ إِلَى أَن خرجت من الْبَاب ومشت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 خطوَات تطلب السَّائِل فتشاغلت بِدفع الصَّدَقَة إِلَيْهِ فَدخلت أَنا إِلَى الدَّار فَإِذا فِي الدهليز بَيت فِيهِ حمَار فدخلته ووقفت تَحت الْحمار وطرحت الجل عَليّ وَعَلِيهِ وَجَاء الرجل فغلق الْأَبْوَاب وفتش ونام على سَرِير عَال والجوهر تَحْتَهُ فَلَمَّا انتصف اللَّيْل قُمْت إِلَى شَاة فِي الدَّار فعركت أذنها فصاحت فَقَالَ وَيلك أَقُول لَك افتقديها قَالَت قد فعلت قَالَ كذبت وَقَامَ بِنَفسِهِ لِيطْرَح لَهَا علفاً فَجَلَست مَكَانَهُ على السرير وَفتحت الخزانة وَأخذت السفط وعدت إِلَى موضعي وَعَاد الرجل فَنَامَ فاجتهدت أَن أجد حِيلَة أَن أنقب إِلَى دَار بعض الْجِيرَان فَأخْرج فَمَا قدرت لِأَن جَمِيع الدَّار مؤزرة بالساج ورمت صعُود السَّطْح فَمَا قدرت لِأَن الممارق مقفلة بِثَلَاثَة أقفال فَعمِلت على ذبح الرجل ثمَّ استقبحت ذَلِك وَقلت هَذَا بَين يَدي إِن لم أجد حِيلَة غَيره فَلَمَّا كَانَ السحر عدت إِلَى موضعي تَحت الْحمار وانتبه الرجل يُرِيد الْخُرُوج فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ افتحي الأقفال من الْبَاب ودعيه متربساً فَفعلت وَقربت من الْحمار فرفس فصاحت فَخرجت أَنا ففتحت المترس وَخرجت أعدو حَتَّى جِئْت إِلَى المشرعة فَنزلت فِي الخيطية وَوَقعت الصَّيْحَة فِي دَار الرجل فطالبني أَصْحَابِي أَن أعطيهم شَيْئا مِنْهُ فَقلت لَا هَذِه قصَّة عَظِيمَة وأخاف أَن يتَنَبَّه عَلَيْهَا وَلَكِن دَعوه عِنْدِي فَإِن مضى على الحَدِيث ثَلَاثَة أشهر وافتكم فصيروا إِلَيّ أُعْطِيكُم النّصْف وَإِن ظهر خفت عَلَيْكُم وعَلى نَفسِي وَجَعَلته حَقنا لدمائكم فرضوا بذلك فَأرْسل الله هَذَا البواب بليه يخدمني فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ وَخفت أَن يقتل هُوَ وَأَصْحَابه وَقد كنت وضعت فِي نَفسِي الصَّبْر على كل عَذَاب فدخلتم عليّ من طَرِيق أُخْرَى لم أستحسن فِي الفتوة مَعهَا إِلَّا الصدْق فَقَالَ لَهُ الْأَمِير جَزَاء هَذَا الْفِعْل إِن أطلقك وَلَكِن تتوب فَتَابَ وَجعله الْأَمِير من بعض أَصْحَابه وأسنى لَهُ الرزق فاستقامت طَرِيقَته قَالَ أَبُو الْحُسَيْن وحَدثني أبي عَن طالوت بن عباد الصَّيْرَفِي قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 كنت لَيْلَة نَائِما بِالْبَصْرَةِ فِي فِرَاشِي وأحراسي يحرسوني وأبوابي مقفلة فَإِذا أَنا بِابْن الْخياطَة ينبهني من فِرَاشِي فانتبهت فَزعًا فَقلت من أَنْت فَقَالَ ابْن الْخياطَة فَتلفت فَقَالَ لَا تجزع قد قمرت السَّاعَة خَمْسمِائَة دِينَار أَقْرضنِي إِيَّاهَا لأردها عَلَيْك فأخرجت خَمْسمِائَة دِينَار فدفعتها إِلَيْهِ فَقَالَ نم وَلَا تتبعني لأخرج من حَيْثُ جِئْت وَإِلَّا قتلتك قَالَ وَأَنا وَالله أسمع صَوت حراسي وَلَا أَدْرِي من حَيْثُ دخل وَلَا من أَيْن خرج وكتمت الحَدِيث خوفًا مِنْهُ وزدت فِي الحرس وَمَضَت لَيَال فَإِذا أَنا بِهِ قد أنبهني على تِلْكَ الصُّورَة فَقلت مرْحَبًا مَا تُرِيدُ قَالَ جِئْت بِتِلْكَ الدَّنَانِير تأخذها مني فَقلت أَنْت فِي حل مِنْهَا فَإِن أردْت شَيْئا آخر فَخذ فَقَالَ لَا أُرِيد من نصح التُّجَّار شاركهم فِي أَمْوَالهم وَلَو كنت أردْت أَخذ مَالك باللصوصية فعلت وَلَكِنَّك رَئِيس بلدك وَلَا أُرِيد أذيتك فَإِن ذَلِك يخرج عَن الفتوة وَلَكِن خُذْهَا فَإِن احتجت إِلَى شَيْء بعد هَذَا أخذت مِنْك فَقلت أَن عودك لَا يفزعني وَلَكِن إِذا أردْت شَيْئا فتعال إِلَيّ نَهَارا أَو رَسُولك فَقَالَ افْعَل فَأخذت الدَّنَانِير مِنْهُ وَانْصَرف وَكَانَ رَسُوله يجيئني بعلامة بعد ذَلِك فَيَأْخُذ مَا يُريدهُ بعد مُدَّة فَمَا انْكَسَرَ لي عِنْده شَيْء إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ حكى أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عَليّ بن الخشاب النَّحْوِيّ أَن رجلا اشْترى من مخاطى قِطْعَة صابون وَمضى إِلَى النَّهر لغسل ثِيَابه فَلَمَّا وصل أخرجهَا فَإِذا هِيَ قِطْعَة آجر فصعب الْأَمر عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا يَبِيع النَّاس آجراً وصابوناً فَمضى إِلَيْهِ ليردها فَلَمَّا وصل قَالَ وَيحك أتبيع النَّاس آجراً وصابوناً قَالَ كَيفَ أبيع أجرا فأخرجها من كمه فَإِذا هِيَ قِطْعَة صابون فاستحى وَرجع إِلَى النَّهر فأخرجها فَإِذا هِيَ آجر فَعَاد إِلَيْهِ ووبخه وأخرجها فَإِذا هِيَ قِطْعَة صابون مرّة أُخْرَى كَذَلِك حَتَّى ضجر فَقَالَ لَهُ المخاطر لَا يضيق صدرك فَإِن لنا ولدا قد أخرجناه نعلمهُ أَن يبط ويحتال وَإنَّك كلما مضيت فعل هَذَا فَإِذا رآك قد عدت لردها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 أَعَادَهَا فِي كمك وَأَنت لَا تعلم دخل دَار قوم فَلم يجد مَا يسرق غير دَوَاة مَكْسُورَة فَكتب على الْحَائِط عز عليّ فقركم وغناي دخل لص بَيت رجل فَأخذ مَتَاعه وَخرج فصاح الرجل مَا أنحس هَذِه اللَّيْلَة فَقَالَ اللص على كل أحد حَدثنِي بعض الإخوان أَن رجلا جَاءَ إِلَى بزاز فاستعرض مِنْهُ ثيابًا بثلثمائة دِينَار ثمَّ وَزنهَا لَهُ فَلَمَّا تسلمها قَالَ الرجل لقد غبنتني فَعَاد وَجمع الدَّنَانِير وَتركهَا فِي خرقَة وختمها وَرمى بهَا فِي كم غُلَامه ثمَّ قَالَ مَا أَنا إِلَّا مُتَرَدّد أفتأذن لي أَن أرى الثِّيَاب من اشْتَرَيْتهَا لَهُ فَإِن رَضِي وَإِلَّا رَددتهَا قَالَ نعم فَأدْخل يَده فِي كم غُلَامه فَأخْرج الْخِرْقَة فَرمى بهَا إِلَى الْبَزَّاز وَأخذ الثِّيَاب وَمضى فَفتح الْبَزَّاز الْخِرْقَة فَإِذا بهَا فلوس وَقد جعل فِي كم غُلَامه خرقَة مثلهَا وفيهَا وزن الثلثمائة حَدثنِي أَبُو الْفَتْح الْبَصْرِيّ قَالَ اجْتمع جمَاعَة من اللُّصُوص اجتاز عَلَيْهِم شيخ صيرفي مَعَه كيسه فَقَالَ أحدهم مَا تَقولُونَ فِيمَن يَأْخُذ كيس هَذَا قَالُوا كَيفَ تفعل قَالَ انْظُرُوا ثمَّ تبعه إِلَى منزله فَدخل الشَّيْخ فَرمى كيسه على الصّفة وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ أَنا حاقن فالحقيني بِمَاء فِي الغرفة وَصعد فَدخل اللص فَأخذ الْكيس وَجَاء إِلَى أَصْحَابه فَحَدثهُمْ فَقَالُوا مَا عملت شَيْئا تركته يضْرب الْجَارِيَة ويعذبها وماذا مليح قَالَ فَكيف تُرِيدُونَ قَالُوا تخلص الْجَارِيَة من الضَّرْب وَتَأْخُذ الْكيس قَالَ نعم فَمضى فطرق الْبَاب فَإِذا بِهِ يضْرب الْجَارِيَة فَقَالَ من قَالَ غُلَام جَارك فِي الدّكان فَخرج فَقَالَ مَاذَا تَقول فَقَالَ سَيِّدي يسلم عَلَيْك وَيَقُول لَك قد تَغَيَّرت ترمي كيسك فِي الدّكان وتمضي وَلَوْلَا أننا رَأَيْنَاهُ كَانَ قد أَخذ وَأخرج الْكيس وَقَالَ أَلَيْسَ هَذَا هُوَ قَالَ بلَى وَالله صدق ثمَّ أَخذه فَقَالَ لَهُ بل أعطنيه وادخل فَاكْتُبْ فِي رقْعَة قد تسلمت الْكيس حَتَّى أتخلص أَنا وَيرجع إِلَيْك مَالك فَنَاوَلَهُ إِيَّاه وَدخل ليكتب فَأَخذه وَمضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْفضل الضميري كَانَ فِي بلدنا عَجُوز صَالِحَة كَثِيرَة الصّيام وَالصَّلَاة وَكَانَ لَهَا ابْن صيرفي منهمك على الشّرْب واللعب وَكَانَ يتشاغل بدكانه أَكثر نَهَاره ثمَّ يعود إِلَى منزله فيخبأ كيسه عِنْد والدته فَدخل إِلَى الدَّار وَهُوَ لَا يعلم فَاخْتَبَأَ فِيهَا وَسلم كيسه إِلَى أمه وَخرج وَبقيت هِيَ وَحدهَا فِي الدَّار وَكَانَ لَهَا فِي دارها بَيت مؤزر بالساج عَلَيْهِ بَاب من حَدِيد تجْعَل قماشها فِيهِ والكيس فخبأت الْكيس فِيهِ خلف الْبَاب وَجَلَست فأفطرت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ اللص السَّاعَة تقفله وتنام وَأنزل وأقلع الْبَاب وآخذ الْكيس فَلَمَّا أفطرت قَامَت تصلي ومدت الصَّلَاة وَمضى نصف اللَّيْل وتحير اللص وَخَافَ أَن يُدْرِكهُ الصُّبْح فَطَافَ فِي الدَّار فَوجدَ إزاراً جَدِيدا وبخور فاتزر بالإزار وأوقد البخور وَأَقْبل ينزل على الدرجَة ويصيح بِصَوْت غليظ ليفزع الْعَجُوز وَكَانَت جلدَة ففطنت أَنه لص فَقَالَت من هَذَا بارتعاد وفزع فَقَالَ أَنا جِبْرِيل رَسُول رب الْعَالمين أَرْسلنِي إِلَى ابْنك هَذَا الْفَاسِق لأعظه وأعامله بِمَا يمنعهُ عَن ارْتِكَاب الْمعاصِي فأظهرت أَنَّهَا قد غشي عَلَيْهَا من الْفَزع وَأَقْبَلت تَقول يَا جِبْرِيل سَأَلتك إِلَّا رفقت بِهِ فَإِنَّهُ واحدي فَقَالَ اللص مَا أرْسلت لقَتله قَالَت فَبِمَ أرْسلت قَالَ لآخذ كيسه وَأَوْلَمَ قلبه بذلك فَإِذا تَابَ رَددته عَلَيْهِ فَقَالَت يَا جِبْرِيل شَأْنك وَمَا أمرت بِهِ فَقَالَ تنحي عَن بَاب الْبَيْت وَفتح هُوَ الْبَاب وَدخل ليَأْخُذ الْكيس والقماش واشتغل فِي تكويره فمشت الْعَجُوز قَلِيلا قَلِيلا وجذبت الْبَاب وَجعلت الْحلقَة فِي الرزة وَجَاءَت بقفل فقفلته فَنظر اللص إِلَى الْمَوْت ورام حِيلَة نقب أَو منقذ فَلم يجد فَقَالَ افتحي لأخرج فقد أتعظ ابْنك فَقَالَت يَا جِبْرِيل أَخَاف أَن أفتح الْبَاب فتذهب عَيْني من مُلَاحظَة نورك فَقَالَ إِنِّي أطفيء نوري حَتَّى لَا يذهب بِعَيْنَيْك فَقَالَت يَا جِبْرِيل مَا يعوزك أَن تخرج من السّقف أَو تخرق الْحَائِط بريشة من جناحك وَلَا تكلفني أَنا لتغوير بَصرِي فأحس اللص أَنَّهَا جلدَة فَأخذ يرفق بهَا وَيُدَارِيهَا ويبذل التَّوْبَة فَقَالَت دع عَنْك هَذَا لَا سَبِيل إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الْخُرُوج إِلَّا بِالنَّهَارِ وَقَامَت فصلت وَهُوَ يسْأَلهَا حَتَّى طلعت الشَّمْس وَجَاء ابْنهَا وَعرف خَبَرهَا وحدثته الحَدِيث فأحضر صَاحب الشرطة وَفتح الْبَاب وَقبض على اللص الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِي ذكر طرف من أَخْبَار فطن الصّبيان أَنبأَنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب النَّحْوِيّ قَالَ أَنبأَنَا أَبُو جَعْفَر بن الْمسلمَة قَالَ أخبرنَا أَبُو طَاهِر المخلص قَالَ أَنبأَنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد الطوسي قَالَ أخبرنَا الزبير بن بكار قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن الضَّحَّاك أَن عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ لرأس الجالوت أَو لِابْنِ رَأس الجالوت مَا عنْدكُمْ من الفراسة فِي الصّبيان قَالَ مَا عندنَا فيهم شَيْء لأَنهم يخلقون خلقا بعد خلق أغيرانا نرمقهم فَإِن سمعنَا مِنْهُم من يَقُول فِي لعبه من يكون معي رَأَيْنَاهُ ذَا همة وحنو صدق فِيهِ وَإِن سمعناه يَقُول مَعَ من أكون كرهناها مِنْهُ فَكَانَ أول مَا علم من ابْن الزبير أَنه كَانَ ذَات يَوْم يلْعَب مَعَ الصّبيان وَهُوَ صبي فَمر رجل فصاح عَلَيْهِم فَفرُّوا وَمَشى ابْن الزبير الْقَهْقَرِي وَقَالَ يَا صبيان اجعلوني أميركم وشدوا بِنَا عَلَيْهِ وَمر بِهِ عمر بن الْخطاب وَهُوَ صبي يلْعَب مَعَ الصّبيان فَفرُّوا ووقف فَقَالَ لَهُ مَالك لم تَفِر مَعَ أَصْحَابك قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لم أجرم فَأَخَاف وَلم تكن الطَّرِيق ضيقَة فأوسع لَك أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز قَالَ أَنبأَنَا الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي قَالَ أخبرنَا ابْن حيوية قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن مَعْرُوف قَالَ أَنبأَنَا الْحُسَيْن بن الْفَهم قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سعد قَالَ أَنبأَنَا حجاج بن نصر قَالَ حَدثنَا قُرَّة بن خَالِد عَن هَارُون بن زياب قَالَ حَدثنَا سِنَان بن مسلمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وَكَانَ أَمِيرا على الْبَحْرين قَالَ كُنَّا أغيلمة بِالْمَدِينَةِ فِي أصُول النّخل نلتقط البلح الَّذِي يسمونه الْخلال فَخرج إِلَيْنَا عمر بن الْخطاب فَتفرق الغلمان وَثَبت مَكَاني فَلَمَّا غشيني قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هَذَا مَا أَلْقَت الرّيح قَالَ أَرِنِي أنظر فَإِنَّهُ لَا يخفي عَليّ قَالَ فَنظر فِي حجري فَقَالَ صدقت فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ترى هَؤُلَاءِ الغلمان وَالله لَئِن انْطَلَقت لأغاروا عَليّ فانتزعوا مَا فِي يَدي قَالَ فَمشى معي حَتَّى بَلغنِي مأمني قَالَ قَالَ أَبُو مُحَمَّد التِّرْمِذِيّ كنت أؤدب الْمَأْمُون وَهُوَ فِي حجر سعيد الْجَوْهَرِي قَالَ فَأَتَيْته يَوْمًا وَهُوَ دَاخل فوجهت إِلَيْهِ بعض خُدَّامه يُعلمهُ بمكاني فَأَبْطَأَ عليّ ثمَّ وجهت آخر فَأَبْطَأَ فَقلت لسَعِيد أَن هَذَا الْفَتى رُبمَا تشاغل بالبطالة وَتَأَخر قَالَ أجل وَمَعَ هَذَا إِنَّه إِذا فارقك تعزم على خدمه ولقوا مِنْهُ أَذَى شَدِيدا فقومه بالأدب فَلَمَّا خرج أمرت بِحمْلِهِ فضربته سبع دُرَر قَالَ فَإِنَّهُ ليدلك عَيْنَيْهِ من الْبكاء إِذْ قيل جَعْفَر بن يحيى قد أقبل فَأخذ منديلاً فَمسح عَيْنَيْهِ من الْبكاء وَجمع ثِيَابه وَقَامَ إِلَى فرشه فَقعدَ عَلَيْهِ متربعاً ثمَّ قَالَ ليدْخل فَقُمْت عَن الْمجْلس وَخفت أَن يشكوني إِلَيْهِ فَألْقى مِنْهُ مَا أكره قَالَ فَأقبل بِوَجْهِهِ وحدثه حَتَّى أضحكه وَضحك إِلَيْهِ فَلَمَّا هم بالحركة دَعَا بدابته ودعا غلمانه فسعوا بَين يَدَيْهِ ثمَّ سَأَلَ عني فَجئْت فَقَالَ خُذ على بَقِيَّة حزني فَقلت أَيهَا الْأَمِير أَطَالَ الله بَقَاءَك لقد خفت أَن تشكوني إِلَى جَعْفَر بن يحيى وَلَو فعلت ذَلِك لتنكر لي فَقَالَ تراني يَا أَبَا مُحَمَّد كنت أطلع الرشيد على هَذَا فَكيف بِجَعْفَر بن يحيى حَتَّى أطلعه أنني أحتاج إِلَى أدب إِذن يغْفر الله لَك بعد الظَّن ووجيب قَلْبك خُذ فِي أَمرك فقد خطر ببالك مَا لَا ترَاهُ أبدا لَو عدت فِي كل يَوْم مائَة مرّة قَالَ الْحسن الْقزْوِينِي سَمِعت أَبَا بكر النَّحْوِيّ يَقُول من ألطف رقْعَة كتبت فِي الِاعْتِذَار رقْعَة كتبهَا الراضي إِلَى أَخِيه أبي إِسْحَاق المتقي وَقد كَانَ جرى بَينهمَا كَلَام بِحَضْرَة الْمُؤَدب وَكَانَ الْأَخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 قد تعدى على الراضي فَكتب إِلَيْهِ الراضي بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَنا معترف لَك بالعبودية فرضا وَأَنت معترف إليّ بالأخوة فضلا وَالْعَبْد يُذنب وَالْمولى يعْفُو وَقد قَالَ الشَّاعِر (يَا ذَا الَّذِي يغْضب من غير شَيْء ... أَعتب فعتباك حبيب إِلَيّ) (أَنْت على أَنَّك لي ظَالِم ... أعز خلق الله طراً عَليّ) قَالَ فَجَاءَهُ أَبُو إِسْحَاق فأكب عَلَيْهِ فَقَامَ إِلَيْهِ الراضي فتعانقا واصطلحا وَالله أعلم حَدثنَا عبيد الله بن الْمَأْمُون قَالَ غضب الْمَأْمُون على أُمِّي أم مُوسَى فقصدني لذَلِك حَتَّى كَاد يتلفني فَقلت لَهُ يَوْمًا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن كنت غَضْبَان على ابْنة عمك فعاقبها بغيري فَإِنِّي مِنْك قبلهَا وَلَك دونهَا قَالَ صدقت وَالله يَا عبيد الله إِنَّك مني قبلهَا ولي دونهَا وَالْحَمْد لله الَّذِي أظهر لي هَذَا مِنْك وَبَين لي هَذَا الْفضل فِيك لَا ترى وَالله بعد يَوْمك هَذَا مني سوأ وَلَا ترى إِلَّا مَا تحب فَكَانَ ذَلِك سَبَب رِضَاهُ عَن أُمِّي قَالَ الْأَصْمَعِي بَينا أَنا فِي بعض الْبَوَادِي إِذا أَنا بصبي أَو قَالَ صبية مَعَه قربَة قد غلبته فِيهَا مَاء وَهُوَ يُنَادي يَا أَبَت أدْرك فاها غلبني فوهاً لَا طَاقَة لي بفيها قَالَ فوَاللَّه لقد جمع الْعَرَبيَّة فِي ثَلَاث قَالَ الصولي قَالَ الجاحظ قَالَ ثُمَامَة دخلت إِلَى صديق لي أعوده وَتركت حماري على الْبَاب وَلم يكن معي غُلَام ثمَّ خرجت وَإِذا فَوْقه صبي فَقلت أتركب حماري بِغَيْر إذني قَالَ خفت أَن يذهب فحفظته لَك قلت لَو ذهب كَانَ أحب إليّ من بَقَائِهِ قَالَ فَإِن كَانَ هَذَا رَأْيك فِي الْحمار فاعمل على أَنه قد ذهب وهبه لي واربح شكري فَلم أر مَا أَقُول قَالَ رجل من أهل الشَّام قدمت الْمَدِينَة فقصدت منزل إِبْرَاهِيم بن هرمة فَإِذا بنية لَهُ صَغِيرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 تلعب بالطين فَقلت لَهَا مَا فعل أَبوك قَالَت وَفد إِلَى بعض الأجواد فَمَا لنا بِهِ علم مُنْذُ مُدَّة فَقلت انحري لنا نَاقَة فَأَنا أضيافك قَالَت وَالله مَا عندنَا قلت فشاة قَالَت وَالله مَا عندنَا قلت فدجاجة قَالَت وَالله مَا عندنَا قلت فبيضة قَالَت وَالله مَا عندنَا قلت فَبَاطِل مَا قَالَ أَبوك (كم نَاقَة قد وجأت منحرها ... بمستهل الشؤبوب أَو جمل) قَالَت فَذَاك الْفِعْل من أبي هُوَ الَّذِي أصارنا إِلَى أَن لَيْسَ عندنَا شَيْء قَالَ بشر بن الْحَرْث أتيت بَاب الْمعَافى بن عمرَان فدققت الْبَاب فَقيل لي من قلت بشر الحافي قَالَت لي بنية من دَاخل الدَّار لَو اشْتريت نعلا بدانقين ذهب عَنْك اسْم الحافي وبلغنا أَن المعتصم ركب إِلَى خاقَان يعودهُ وَالْفَتْح صبي يَوْمئِذٍ فَقَالَ لَهُ المعتصم أَيّمَا أحسن دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ أَو دَار أَبِيك قَالَ إِذا كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي دَار أبي أحسن فَأرَاهُ فصا فِي يَده فَقَالَ هَل رَأَيْت يَا فتح أحسن من هَذَا الفص فَقَالَ نعم الْيَد الَّتِي هُوَ فِيهَا قَالَ أَبُو عَليّ الْبَصِير توفّي أبي وَأَنا صَغِير فمنعت ميراثي فَقدمت منازعاً إِلَى القَاضِي فَقَالَ لي بلغت قلت نعم قَالَ وَمن يعلم بِذَاكَ قلت من انعظ عَلَيْهِ فَتَبَسَّمَ وَأمر بفك حجري بلغنَا أَن إِيَاس بن مُعَاوِيَة تقدم وَهُوَ صبي إِلَى قَاضِي دمشق وَمَعَهُ شيخ فَقَالَ أصلح الله القَاضِي هَذَا الشَّيْخ ظَلَمَنِي واعتدى عَليّ وَأخذ مَالِي فَقَالَ القَاضِي أرْفق بِهِ وَلَا تسْتَقْبل الشَّيْخ بِمثل هَذَا الْكَلَام فَقَالَ إِيَاس أصلح الله القَاضِي أَن الْحق أكبر مني وَمِنْه ومنك قَالَ اسْكُتْ قَالَ إِن سكت فَمن يقوم بحجتي قَالَ تكلم بِخَير فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ فَرفع صَاحب الْخَبَر هَذَا الْخَبَر فعزل القَاضِي وَولى إِيَاس مَكَانَهُ نظر الْمَأْمُون إِلَى ابْن صَغِير لَهُ فِي يَده دفتر فَقَالَ مَا هَذَا بِيَدِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 فَقَالَ بعض مَا تسجل بِهِ الفطنة وينبه من الْغَفْلَة وَيُؤْنس من الوحشة فَقَالَ الْمَأْمُون الْحَمد لله الَّذِي رَزَقَنِي من وَلَدي من ينظر بِعَين عقله أَكثر مَا ينظر بِعَين جِسْمه وسنه قَالَ الفرزدق لغلام حدث أَيَسُرُّك إِنِّي أَبوك قَالَ لَا وَلَكِن أُمِّي ليصيب أبي من أطايبك قعد صبي مَعَ قوم يَأْكُلُون فَبكى قَالُوا مَالك تبْكي قَالَ الطَّعَام حَار قَالُوا فَدَعْهُ حَتَّى يبرد قَالَ أَنْتُم لَا تَدعُونَهُ قَالَ الْأَصْمَعِي قلت لغلام حدث السن من أَوْلَاد الْعَرَب أَيَسُرُّك أَن يكون لَك مائَة ألف دِرْهَم وَإنَّك أَحمَق فَقَالَ لَا وَالله قلت وَلم قَالَ أَخَاف أَن يجني على حمقي جِنَايَة تذْهب مَالِي وَيبقى على حمقي بلغنَا أَن صَبيا لَقِي رجلا عَاقِلا فَقَالَ لَهُ إِلَى أَيْن تمْضِي فَقَالَ إِلَى المطبق قَالَ أوسع خطوتك ادخل على الرشيد صبي لَهُ أَربع سِنِين فَقَالَ لَهُ مَا تحب أَن أهب لَك قَالَ حسن رَأْيك الْبَاب الثَّلَاثُونَ فِي ذكر طرف من فطن عقلاء المجانين حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَالَ كَانَ عندنَا رجل من جُهَيْنَة يكنى أَبَا نصر قد ذهب عقله فَقلت لَهُ يَوْمًا مَا السخاء قَالَ جهد مقل قلت فَمَا الْخلّ قَالَ أُفٍّ وحول وَجهه فَقلت أجبني قَالَ قد أَجَبْتُك قَالَ الشبلي رَأَيْت يَوْم الْجُمُعَة معتوهاً عِنْد جَامع الرصافة قَائِما عُرْيَان وَهُوَ يَقُول أَنا مَجْنُون الله أَنا مَجْنُون الله فَقلت لَهُ لم لَا تدخل الْجَامِع وتتوارى وَتصلي فَأَنْشَأَ يَقُول (يَقُولُونَ زرنا واقضِ وَاجِب حَقنا ... وَقد أسقطت حَالي حُقُوقهم عني) (إِذا هم رَأَوْا حَالي وَلم يأنفوا لَهَا ... وَلم يأنفوا مِنْهَا أنفت لَهُم مني) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 قَالَ ابْن القصاب الصُّوفِي دخلت المارستان فَرَأَيْت فِيهِ فَتى مصاباً فولعت بِهِ وزدت فِي الولع فَأَتْبَعته فصاح وَقَالَ انْظُرُوا إِلَى شُعُور مطرزة وأجساد معطرة قد جعلُوا الولع بضَاعَة والسخف صناعَة فَقلت لَهُ من السخي قَالَ الَّذِي رزق أمثالكم وَأَنْتُم لَا تساوون قوت يَوْم قلت لَهُ من أقل النَّاس شكر فَقَالَ من عوفي من بلية ثمَّ رَآهَا فِي غَيره فَترك الشُّكْر فَانْكَسَرت بذلك وَقلت لَهُ مَا الظّرْف قَالَ خلاف مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بَلغنِي عَن بعض أَصْحَاب الْمبرد أَنه قَالَ انْصَرف من مجْلِس الْمبرد يَوْمًا فجزت بخربة فَإِذا بشيخ قد خرج مِنْهَا وَمَعَهُ حجر فهم أَن يرميني بِهِ فتترست بالمحبرة والدفتر فَقَالَ مرْحَبًا بالشيخ فَقلت وَبِك قَالَ من أَيْن أَقبلت قلت من مجْلِس الْمبرد قَالَ الْبَارِد ثمَّ قَالَ مَا الَّذِي أنْشدكُمْ فَكَانَ من عَادَته أَن يخْتم مَجْلِسه بِبَيْت أَو بَيْتَيْنِ من الشّعْر فَقلت لَهُ أنشدنا (أعَار الْغَيْث نائله ... إِذا مَا مَاؤُهُ تفذا) (وَإِن أَسد شكار جبنا ... أعَار فُؤَاده الأسدا) فَقَالَ أَخطَأ قَائِل هَذَا الشّعْر قلت كَيفَ قَالَ أَلا تعلم أَنه إِذا أعَار الْغَيْث نائله بَقِي بِلَا نائل وَإِذا عَار الْأسد فُؤَاده بَقِي بِلَا فؤاد قلت فَكيف كَانَ يَقُول فانشد (علم الْغَيْث الندى فَإِذا ... مَا وعَاء علم الْبَأْس الْأسد) (فَإِذا الْغَيْث مقرّ بالندى ... وَإِذا اللَّيْث مقرّ بِالْجلدِ) قَالَ فكتبتها وانصرفت ثمَّ مَرَرْت يَوْمًا آخر بذلك الْمَكَان فَإِذا بِهِ قد خرج وَبِيَدِهِ حجر فكاد يرميني فتترست مِنْهُ فَضَحِك وَقَالَ مرْحَبًا بالشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 فَقلت وَبِك قَالَ من مجْلِس الْمبرد قلت نعم قَالَ مَا الَّذِي أنْشدكُمْ قلت أنشدنا (إِن السماحة والمروءة والندى ... قبر يمر على الطَّرِيق الْوَاضِح) (فَإِذا مَرَرْت بقبره فاعقر بِهِ ... كوم الْجِيَاد وكل طرف سابح) فَقَالَ أَخطَأ قَائِل هَذَا الشّعْر فَقلت كَيفَ قَالَ وَيحك لَو نحرت بخت خُرَاسَان لما أبر فِي حَقه قلت كَيفَ كَانَ يَقُول فَأَنْشد (احملاني إِن لم يكن لَكمَا عقر ... إِلَى جنب قَبره فاعقراني) (وانضحا من دمي عَلَيْهِ فقد كَانَ ... دمي من نداه لَو تعلمان) قَالَ فَلَمَّا عدت إِلَى الْمبرد قصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ أتعرفه قلت لَا قَالَ ذَلِك خَالِد الْكَاتِب تَأْخُذهُ السَّوْدَاء أَيَّام الباذنجان قَالَ عَليّ بن الْحُسَيْن الرَّازِيّ مر بهْلُول بِقوم فِي أصل شَجَرَة وَكَانُوا عشرَة فَقَالَ بَعضهم لبَعض تَعَالَوْا حَتَّى نسخر ببهلول مَا قَالُوا فَجَاءَهُمْ فَقَالُوا يَا بهْلُول تصعد لنا رَأس هَذِه الشَّجَرَة وَتَأْخُذ عشرَة دَرَاهِم قَالَ نعم فَأَعْطوهُ عشرَة دَرَاهِم فصيرها فِي كمه ثمَّ الْتفت فَقَالَ هاتوا سلما فَقَالُوا لم يكن هَذَا فِي الشَّرْط فَقَالَ كَانَ فِي شرطي دون شرطكم ولد لبَعض أُمَرَاء الْكُوفَة بنت فساءه ذَلِك وَامْتنع عَن الطَّعَام فَدخل عَلَيْهِ بهْلُول فَقَالَ مَا هَذَا الْحزن أجزعت بِخلق سوي وهبه رب الْعَالمين أَيَسُرُّك أَن مَكَانهَا أَبنَاء مثلي فسرى عَنهُ وفر يَوْمًا بهْلُول من الصّبيان فالتجأ إِلَى دَار فَوجدَ بَابهَا مَفْتُوحًا فَدَخلَهَا وَصَاحب الدَّار قَائِم لَهُ ضفيرتان فصاح مَا أدْخلك دَاري فَقَالَ {يَا ذَا القرنين أَن ياجوج وماجوج مفسدون فِي الأَرْض} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَحمل عَلَيْهِ الصّبيان يَوْمًا فَدخل دَارا فَدَعَا الرجل بِالطَّعَامِ فَجعل الصّبيان يصيحون على الْبَاب وَهُوَ يَأْكُل وَيَقُول {فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب} وَسُئِلَ بهْلُول عَن رجل مَاتَ وَخلف أَبنَاء وبنتاً وَزَوْجَة وَلم يتْرك من المَال شَيْئا فَقَالَ للِابْن الْيَتِيم وللبنت الثكل وللزوجة خراب الْبَيْت وَمَا بَقِي فللعصبة قَالَ وَدخل بهْلُول وعليان على مُوسَى بن الْمهْدي فَقَالَ لعليان إيش معنى عليان فَقَالَ عليان وإيش معنى مُوسَى فَقَالَ خُذُوا بِرَجُل ابْن الفاعلة فَالْتَفت عليان إِلَى بهْلُول وَقَالَ خُذ إِلَيْك كُنَّا اثْنَيْنِ صرنا ثَلَاثَة كَانَ فِي بني أَسد مَجْنُون فَمر بِقوم من بني تيم الله فبعثوا بِهِ وعذبوه فَقَالَ يَا بني تيم الله مَا أعلم فِي الدُّنْيَا قوما خيرا مِنْكُم قَالُوا وَكَيف قَالَ بَنو أَسد لَيْسَ فيهم مَجْنُون غَيْرِي وَقد قيدوني وسلسلوني وكلكم مجانين لَيْسَ فِيكُم مُقَيّد وَمر مَجْنُون بمعتزلي يناظر فَقَالَ لَهُ الْمَجْنُون أَنْت الْقَائِل أَنَّك مُخَيّر بَين فعلين إِن شِئْت فعلت أَحدهمَا دون الآخر قَالَ نعم قَالَ فاخرء وَلَا تبل فَعجب النَّاس من قَوْله قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن عجيف مربي مَجْنُون فَقلت يَا مَجْنُون قَالَ وَأَنت عَاقل قلت نعم قَالَ كلا يَا مَجْنُون وَلَكِن جنوني مَكْشُوف وجنونك مَسْتُور قلت فسر لي قلت قَالَ أَنا أخرق الثِّيَاب وارجم وَأَنت تعمر دَار لَا بَقَاء لَهَا وتطيل أملك وَمَا حياتك بِيَدِك وتعصي وليك وتطيع عَدوك قَالَ النظام قلت لمَجْنُون اجْلِسْ هَا هُنَا حَتَّى أرجع فَقَالَ أما ترجع فَلَا أضمن لَك وَلَكِنِّي أَجْلِس إِلَى اللَّيْل ادّعى رجل النُّبُوَّة وَزعم أَنه نوح فصلب فَمر بِهِ مَجْنُون فَقَالَ يَا نوح لم تحصل من سفينتك إِلَّا على الدقل بعث هِلَال بن أبي بردة إِلَى أبي عَلْقَمَة الْمَجْنُون فَلَمَّا أَتَى بِهِ قَالَ تَدْرِي لم أحضرتك قَالَ لَا قَالَ لأضحك مِنْك قَالَ لقد ضحك أحد الْحكمَيْنِ من صَاحبه يعرض بجده أبي مُوسَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الْبَاب الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ فِي ذكر طرف من أَخْبَار النِّسَاء والمتفطنات حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله أَرَأَيْت لَو نزلت وَاديا فِيهِ شَجرا كل مِنْهَا وَوجدت شَجرا لم يُؤْكَل مِنْهَا فِي أَيهَا كنت ترتع بعيرك قَالَ فِي الَّتِي لم يرتع مِنْهَا نعني أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَزَوَّج بكرا غَيرهَا حَدثنَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج فِي سفر أَقرع بَين نِسَائِهِ فطارت الْقرعَة على عَائِشَة وَحَفْصَة فخرجتا مَعَه جَمِيعًا فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سَار بِاللَّيْلِ سَار مَعَ عَائِشَة يتحدث مَعهَا فَقَالَت حَفْصَة لعَائِشَة إِلَّا تركبين بَعِيري وأركب بعيرك فتنظرين وَانْظُر قَالَت بلَى فركبت عَائِشَة على بعير حَفْصَة وَركبت حَفْصَة على بعير عَائِشَة فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جمل عَائِشَة وَعَلِيهِ حَفْصَة فَسلم ثمَّ صَار مَعهَا حَتَّى نزلُوا ففقدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فغارت فَلَمَّا نزلت جعلت تدخل رِجْلَيْهَا بَين الاذخر وَتقول يَا رب سلط عليّ عقرباً يلدغني رَسُولك لَا أَسْتَطِيع أَن أَقُول شَيْئا عَن عبد الله بن مُصعب قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب لَا تَزِيدُوا فِي مهر النِّسَاء على أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة وَإِن كَانَت بنت ذِي الغصة يَعْنِي يزِيد بن الْحصين الصَّحَابِيّ الْحَارِثِيّ فَمن زَاد ألقيت الزِّيَادَة فِي بَيت المَال فَقَالَت امْرَأَة من صنف النِّسَاء طَوِيلَة فِي أنفها فطس مَا ذَاك لَك قَالَ وَلم قَالَت لِأَن الله عز وَجل قَالَ {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا أتأخذونه بهتاناً وإثماً مُبينًا} قَالَ عمر امْرَأَة أَصَابَت وَرجل أَخطَأ عَن مُحَمَّد بن معِين الْغِفَارِيّ قَالَ أَتَت امْرَأَة عمر بن الْخطاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 رَضِي الله عَنهُ فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن زَوجي يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَأَنا أكره أَن أشكوه وَهُوَ يعْمل بِطَاعَة الله فَقَالَ لَهَا نعم الزَّوْج زَوجك فَجعلت تكَرر عَلَيْهِ القَوْل وَهُوَ يُقرر عَلَيْهَا الْجَواب فَقَالَ لَهُ كَعْب الْأَسدي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه الْمَرْأَة تَشْكُو زَوجهَا فِي مباعدته إِيَّاهَا عَن فرَاشه فَقَالَ لَهُ عمر كَمَا فهمت كَلَامهَا فَاقْض بَينهمَا فَقَالَ كَعْب عليّ بزوجها فَأتى بِهِ فَقَالَ لَهُ أَن امْرَأَتك هَذِه تشكوك قَالَ أَفِي طَعَام أَو شرب قَالَ لَا فَقَالَت الْمَرْأَة (يَا أَيهَا القَاضِي الْحَكِيم أرشده ... إلهي خليلي عَن فِرَاشِي مَسْجده) (زهده فِي مضجعي تعبده ... نَهَاره وليله مَا يرقده) (وَلست فِي أَمر النِّسَاء أَحْمَده ... ) فَقَالَ زَوجهَا (زهدت فِي فراشها وَفِي الحجل ... إِنِّي امْرُؤ أذهلني مَا قد نزل) (فِي سُورَة النَّمْل وَفِي السَّبع الطول ... وَفِي كتاب الله تخويف جلل) فَقَالَ كَعْب (إِن لَهَا حَقًا عَلَيْك يَا رجل ... تصيبها فِي أَربع لمن عقل) (فأعطها ذَاك ودع عَنْك الْعِلَل ... ) ثمَّ قَالَ إِن الله عز وَجل قد أحل لَك من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع فلك ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن تعبد فِيهِنَّ رَبك وَلها يَوْم وَلَيْلَة فَقَالَ عمر وَالله مَا أَدْرِي من أَي أمريك أعجب أَفَمَن فهمك أمرهَا أم من حكمك بَينهمَا اذْهَبْ فقد وليتك قَضَاء الْبَصْرَة عَن عبد الله بن الزبير عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم قَالَت لما توجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَمَعَهُ أَبُو بكر حمل أَبُو بكر مَعَه جَمِيع مَاله خَمْسَة آلَاف أَو سِتَّة آلَاف دِرْهَم فَأَتَانِي جدي أَبُو قُحَافَة وَقد ذهب بَصَره فَقَالَ أرى هَذَا وَالله قد فجعكم بِمَا لَهُ مَعَ نَفسه فَقلت كلا يَا أَبَت قد ترك لنا خيرا كثيرا فعمدت إِلَى أَحْجَار جعلهَا فِي كوَّة الْبَيْت كَانَ أَبُو بكر يحصل مَاله فِيهَا وغطيت على الْأَحْجَار بِثَوْب ثمَّ جِئْت بِهِ فَأخذت بِيَدِهِ ووضعتها على الثَّوْب وَقلت ترك لنا هَذَا فَجعل يجد مس الْحِجَارَة من وَرَاء الثَّوْب فَقَالَ أما إِذا ترك لكم هَذَا فَنعم وَلَا وَالله مَا ترك لنا قَلِيلا وَلَا كثيرا قَالَ الْأَصْمَعِي أَتَت امْرَأَة حَاتِم بن عبد الله ابْن أبي بكرَة فَقَالَت لَهُ أَتَيْتُك من بِلَاد شاسعة ترفعني رَافِعَة وتخفضني خافضة لممات من الْأُمُور حللن بِي فبرين لحمي ووهن عظمي وتركتني والهة كالحريض قد ضَاقَ بِي الْبَلَد العريض هلك الْوَالِد وَغَابَ الْوَافِد وَعدم الطارف والتالد فَسَأَلت فِي حَيَاء الْعَرَب عَن المرجو سَببه الْمَحْمُود نائله الْكَرِيم شمائله فدللت عَلَيْك وَأَنا امْرَأَة من هوَازن فافعل بِي أحد ثَلَاث إِمَّا أَن تقيم أودي وَإِمَّا أَن تحسن صفدي وَإِمَّا أَن تردني إِلَى بلدي فَقَالَ بل أجمعهن إِلَيْك وحباً وكرامة قَالَ الْأَصْمَعِي مَاتَ ابْن لأعرابية فَمَا زَالَت تبْكي حَتَّى خدد الدمع خدها ثمَّ استرجعت فَقَالَت اللَّهُمَّ إِنَّك قد علمت فرط حب الْوَالِدين لولدها فَلذَلِك لم تأمرهما ببره وَعرفت قدر عقوق الْوَلَد لوَالِديهِ فَمن أجل ذَلِك حضضته على طاعتها اللَّهُمَّ إِن وَلَدي كَانَ من الْبَار بِوَالِديهِ على مَا يكون الْوَالِدَان بولدهما فأجزه مني بذلك صَلَاة وَرَحْمَة ولقه سُرُورًا ونضرة فَقَالَ لَهَا أَعْرَابِي نعم مَا دَعَوْت لَهُ لَوْلَا أَنَّك شبته من الْجزع بِمَا لَا يجدي فَقَالَت إِذا وَقعت الضرورات لم يجر عَلَيْهَا حكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 المكتسبات وجزعي على ابْني غير مُمكن فِي الطَّاقَة صرفه وَلَا فِي الْقُدْرَة مَنعه وَالله ولي عُذْري بفضله فقد قَالَ عز وَجل {فَمن اضْطر غير باغٍ وَلَا عَاد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ إِن الله غَفُور رَحِيم} قَالَ أَبُو الْحسن الْمَدَائِنِي دخل عمرَان بن حطَّان يَوْمًا على امْرَأَته وَكَانَ عمرَان قبيحاً ذَمِيمًا قَصِيرا وَقد تزينت وَكَانَت امْرَأَة حسناء فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا ازدادت فِي عينه جمالاً وحسناً فَلم يَتَمَالَك أَن يديم النّظر إِلَيْهَا فَقَالَت مَا شَأْنك قَالَ لقد أَصبَحت وَالله جميلَة فَقَالَت أبشر فَإِنِّي وَإِيَّاك فِي الْجنَّة قَالَ وَمن أَيْن علمت ذَلِك قَالَت لِأَنَّك أَعْطَيْت مثلي فَشَكَرت وابتليت سَلَامَته بمثلك فَصَبَرت والصابر والشاكر فِي الْجنَّة قَالَ المُصَنّف أدام الله سَلَامَته كَانَ عمرَان بن حطَّان أحد الْخَوَارِج وَهُوَ الْقَائِل يمدح عبد الرَّحْمَن بن ملجم على قَتله عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه بمنه وَكَرمه (يَا ضَرْبَة من تَقِيّ مَا أَرَادَ بهَا ... أَلا ليبلغ من ذِي الْعَرْش رضوانا) (إِنِّي لأذكره يَوْمًا فأحسبه ... أَو فِي الْبَريَّة عِنْد الله ميزانا) (أكْرم بِقوم بطُون الأَرْض أقبرهم ... لم يخلطوا دينهم بغياً وعدوانا) فبلغت هَذِه الأبيات القَاضِي أَبَا الطّيب الطَّبَرِيّ فَقَالَ مجيباً لَهُ على الْفَوْر (إِنِّي لأبرأ مِمَّا أَنْت قَائِله ... على ابْن ملجم الملعون بهتانا) (إِنِّي لأذكره يَوْمًا فألعنه ... دينا وألعن عمراناً وحطانا) (عَلَيْك ثمَّ عَلَيْهِ الدَّهْر مُتَّصِلا ... لعائن الله أسرار وأعلانا) (فَأنْتم من كلاب النَّار جَاءَ بِهِ ... نَص الشَّرِيعَة تبياناً وبرهانا) أَشَارَ أَبُو الطّيب إِلَى قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَوَارِج كلاب النَّار قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 اسحق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي حَدثنِي أَبُو المشيع قَالَ خرج كثير يلْتَمس عزة وَمَعَهُ شنينة فِيهَا مَاء فَأَخذه الْعَطش فَتَنَاول الشنينة فَإِذا هِيَ عظم مَا فِيهَا شَيْء من المَاء فَرفعت لَهُ نَار فأمها فَإِذا بقربها مظلة بفنائها عَجُوز فَقَالَت لَهُ من أَنْت قَالَ أَنا كثير قَالَت قد كنت أَتَمَنَّى ملاقاتك فَالْحَمْد لله الَّذِي أرانيك قَالَ وَمَا الَّذِي تلتمسينه مني قَالَت أَلَسْت الْقَائِل (إِذا مَا أَتَيْنَا خله كي نزيلها ... أَبينَا وَقُلْنَا الحاجبية أول) (سنوليك عرفا إِن أردْت وصالنا ... وَنحن لتِلْك الحاجبية أوصل) قَالَ بلَى قَالَت أَفلا قلت كَمَا قَالَ سيدك جميل (يَا رب عارضة علينا وَصلهَا ... بالجد تخلطه بقول الهازل) (فأجبتها فِي القَوْل بعد تَأمل ... حبي بثينة عَن وصالك شاغلي) (لَو كَانَ فِي قلبِي كَقدْر قلامة ... فضلا لغيرك مَا أتتك رسائلي) قلت دعِي هَذَا واسقيني قَالَت وَالله لَا أسقيك شَيْئا قلت وَيحك أَن الْعَطش قد أضرّ بِي قَالَت ثكلت بثينة إِن طعمت إِن عِنْدِي قَطْرَة مَاء فَكَانَ جهده أَن ركض رَاحِلَته وَمضى يطْلب المَاء فَمَا بلغه حَتَّى أضحى النَّهَار وَكَاد يقْتله الْعَطش قَالَ دخل ذُو الرمة الْكُوفَة فَبينا هُوَ يسير فِي شوارعها على نجيب لَهُ إِذْ رأى جَارِيَة سَوْدَاء واقفة على بَاب دَار فاستحسنها وَوَقعت بِقَلْبِه فَدَنَا إِلَيْهَا فَقَالَ يَا جَارِيَة اسْقِنِي مَاء فأخرجت إِلَيْهِ كوزاً فَشرب فَأَرَادَ أَن يمازحها ويستدعي كَلَامهَا فَقَالَ يَا جَارِيَة مَا أحر ماءك فَقلت لَو شِئْت لأقبلت على عُيُوب شعرك وَتركت حر مائي وبرده فَقَالَ لَهَا وَأي شعري لَهُ عيب فَقَالَت أَلَسْت ذَا الرمة قَالَ بلَى قَالَت (فَأَنت الَّذِي شبهت عَنْزًا بقفرة ... لَهَا ذَنْب فَوق استها أم سَالم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 (جعلت لَهَا قرنين فَوق جبينها ... وطبسين مسودين مثل المحاجم) (وساقين إِن يستمكنا مِنْك يتركا ... بجلدك يَا غيلَان مثل المآثم) (أيا ظَبْيَة الْوِعَاء بَين جلاجل ... وَبَين النقا أَأَنْت أم أم سَالم) قَالَ نشدتك بِاللَّه إِلَّا أخذت رَاحِلَتي وَمَا عَلَيْهَا وَلم تظهري هَذَا وَنزل رَاحِلَته فَدَفعهَا إِلَيْهَا فَذهب ليمضي فدفعتها إِلَيْهِ وضمنت لَهُ أَلا تذكر لأحد مَا جرى قَالَ زُهَيْر بن حسن مولى الرّبيع بن يُونُس قدم الْحجَّاج على الْوَلِيد بن عبد الْملك فصلى عِنْده رَكْعَتَيْنِ وَركب الْوَلِيد فَمشى الْحجَّاج بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد اركب يَا أَبَا مُحَمَّد فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دَعْنِي أسْتَكْثر من الْجِهَاد فَإِن ابْن الزبير وَابْن الْأَشْعَث شغلاني عَن الْجِهَاد زَمنا طَويلا فعزم عَلَيْهِ الْوَلِيد أَن يركب وَدخل فَركب مَعَ الْوَلِيد فَبينا هُوَ يتحدث وَيَقُول مَا فعلت بِأَهْل الْعرَاق وَفعلت أَقبلت جَارِيَة فنادت الْوَلِيد ثمَّ انصرفت فَقَالَ الْوَلِيد يَا أَبَا مُحَمَّد أَتَدْرِي مَا قَالَت الْجَارِيَة قَالَ لَا قَالَ قَالَت أرسلتني إِلَيْك أم الْبَنِينَ بنت عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان أَن مجالستك هَذَا الْأَعرَابِي وَهُوَ فِي سلاحه وَأَنت فِي غلاله غرر فَأرْسلت إِلَيْهَا أَنه الْحجَّاج بن يُوسُف فراعها ذَلِك وَقَالَت وَالله لِأَن يَخْلُو بك ملك الْمَوْت أحب إليّ من أَن يَخْلُو بك الْحجَّاج وَقد قتل أحباء الله لَهُ وَأهل طَاعَته ظلما وعدواناً فَقَالَ الْحجَّاج يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا الْمَرْأَة رَيْحَانَة وَلَيْسَت بقهرمانة لَا تطلعهن على سرك وَلَا تستعملهن بِأَكْثَرَ من وثبهن وَلَا تكثرن مجالستهن صغَارًا وذلائم ثمَّ نَهَضَ فَخرج وَدخل الْوَلِيد على أم الْبَنِينَ فَأَخْبرهَا بمقالته فَقَالَت إِنِّي أحب أَن تَأمره بِالتَّسْلِيمِ عَليّ فسيبلغك بِالَّذِي يكون بيني وَبَينه فغدا الْحجَّاج على الْوَلِيد فَقَالَ الْوَلِيد ائْتِ أم الْبَين فَقَالَ اعفني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فلتفعلن فَأَتَاهَا فَحَجَبَتْهُ طَويلا ثمَّ أَذِنت لَهُ ثمَّ قَالَت لَهُ يَا حجاج أَنْت تفتخر على أَمِير الْمُؤمنِينَ بقتل ابْن الزبير وَابْن الْأَشْعَث أما وَالله لَوْلَا أَن الله علم أَنَّك أَهْون خلقه عَلَيْهِ مَا ابتلاك بقتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ابْن ذَات النطاقين ابْن حوارِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَابْن الْأَشْعَث فلعمري لقد استعلى عَلَيْك حَتَّى عجعجت ووالى عَلَيْك الهرار حَتَّى عويت فلولا أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ نَادَى فِي أهل الْيمن وَأَنت فِي أضيق من الْقرن فأظلتك رماحهم وعلاك كفاحهم لَكُنْت مأسوراً قد أَخذ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك وعَلى هَذَا فَإِن نسَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ قد نفضن الْعطر عَن غدائرهن وبعنه فِي أعطية أوليائه وَأما مَا أَشرت على أَمِير الْمُؤمنِينَ من قطع لذاته وبلوغ أوطاره من نِسَائِهِ فَإِن يكن إِنَّمَا ينفرجن عَن مثل أَمِير الْمُؤمنِينَ فَغير مجيبك إِلَى ذَلِك وَإِن كن ينفرجن عَن مثل مَا انفرجت بِهِ أمك البظراء عَنْك من ضعف الغريزية وقبح المنظر فِي الْخلق والخلق يالكع فَمَا أحقه أَن يَقْتَدِي بِقَوْلِك قَاتل الله الَّذِي يَقُول (أَسد عَليّ وَفِي الحروب نعَامَة ... فتخاء تنفر من صفير الصافر) (هلا برزت إِلَى غزالة فِي الوغا ... أَو قد كَانَ قَلْبك فِي جناحي طَائِر) ثمَّ أمرت جَارِيَة لَهَا فَأَخْرَجته فَلَمَّا دخل على الْوَلِيد قَالَ مَا كنت فِيهِ يَا أَبَا مُحَمَّد فَقَالَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا سكتت حَتَّى كَانَ بطن الأَرْض أحب إِلَى من ظهرهَا قَالَ إِنَّهَا بنت عبد الْعَزِيز قَالَ ابْن السّكيت عزم مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر على الْحَج فَخرجت إِلَيْهِ جَارِيَة شاعرة فَبَكَتْ لما رَأَتْ آلَة السّفر فَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله (دمعة كَاللُّؤْلُؤِ الرطب ... على الخد الأسيل) (هطلت فِي سَاعَة الْبَين ... من الطّرف الكحيل) ثمَّ قَالَ أجيزي فَقَالَت (حِين هم الْقَمَر الباهر ... عَنَّا بالأفول) (إِنَّمَا يفتح العشاق ... فِي وَقت الرحيل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 قَالَ أَيُّوب الْوزان قَالَ الْمفضل دخلت على الرشيد وَبَين يَدَيْهِ طبق ورد وَعِنْده جَارِيَة مليحة شاعرة أديبة قد أهديت إِلَيْهِ فَقَالَ يَا مفضل قل فِي هَذَا الْورْد شَيْئا تشبهها بِهِ فأنشأت أَقُول (كَأَنَّهُ خد مرموق بِقَلْبِه ... فَم الحبيب وَقد أبدى بِهِ خجلا) فَقَالَت الْجَارِيَة (كَأَنَّهُ لون خدي حِين يدفعني ... كف الرشيد لأمر يُوجب الغسلا) فَقَالَ يَا مفضل قُم فَاخْرُج فَإِن هَذِه الماجنة قد هيجتنا فَقُمْت وأرخيت الستور قَالَ الْأَصْمَعِي لما قدم الرشيد الْبَصْرَة يُرِيد الْخُرُوج إِلَى مَكَّة فَخرجت مَعَه فَلَمَّا صرنا بضرية إِذا أَنا على شَفير الْوَادي بصبية قدامها قَصْعَة لَهَا وَإِذا هِيَ تَقول (طحنتنا طواحن الأعوام ... ورمتنا نَوَائِب الْأَيَّام) (فأتينا كمو لمذ أكفا ... لفضلات زادكم وَالطَّعَام) (فَاطْلُبُوا الْأجر والمثوبة فِينَا ... أَيهَا الزائرون بَيت الْحَرَام) (من رَآنِي فقد رَآنِي ورحلي ... فارحموا غربتي وذل مقَامي) قَالَ فَرَجَعت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقلت صبية على شَفير الْوَادي وأنشدته مَا قَالَت فَعجب فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أفآتيك بهَا قَالَ لَا بل نَحن نَذْهَب إِلَيْهَا قَالَ الْأَصْمَعِي فَوقف عَلَيْهَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقلت لَهَا أنشديه مَا كنت تقولينه فَأَنْشَدته وَلم تهيه فَقَالَ يَا مسرور املأ قصعتها دَنَانِير قَالَ فملأها حَتَّى فاضت يَمِينا وَشمَالًا حَدثنَا ابْن الشيظمي قَالَ حججْت فِي سنة قحطة جدبة فَبَيْنَمَا أَنا أَطُوف بِالْكَعْبَةِ إِذْ أَبْصرت جَارِيَة من أحسن النَّاس قداً وقواماً وخلقاً وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 مُتَعَلقَة بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة تَقول إلهي وسيدي هَا أَنا أمتك الغريبة وسائلتك الفقيرة حَيْثُ لَا يخفي عَلَيْك بُكَائِي وَلَا يسْتَتر عَنْك سوء حَالي قد هتكت الْحَاجة حجابي وكشفت الْفَاقَة نقابي فَكشفت وَجها رَقِيقا عِنْد الذل وذليلاً عِنْد المسئلة طَال وَعزَّتك مَا حجبه عَنهُ مَاء الْغِنَا وصانه مَاء الْحيَاء قد جمدت عني كف المرزوقين وَضَاقَتْ بن صدود المخلوقين فَمن حرمني لم ألمه وَمن وصلني وكلته إِلَى مكافأتك ورحمتك وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ قَالَ فدنوت مِنْهَا فبررتها ثمَّ قلت لَهَا من أَنْت وَمِمَّنْ أَنْت فَقَالَت إِلَيْك عني من قل مَاله وَذهب رِجَاله كَيفَ يكون حَاله ثمَّ أنشأت تَقول (بعض بَنَات الرِّجَال أبرزها ... الدَّهْر لما قد ترى وأخرجها) (أبرزها من جليل نعمتها ... فابتزها ملكهَا وأحوجها) (وطالما كَانَت الْعُيُون إِذا ... مَا خرجت تستشف هودجها) (إِن كَانَ قد ساءها وأحزنها ... فطالما سرها وأبهجها) (الْحَمد لله رب معسرة ... قد ضمن الله أَن يفرجها) قَالَ فَسَأَلت عَنْهَا فَأخْبرت أَنَّهَا من ولد الْحُسَيْن بن عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ بلغنَا أَن كثير عزة لَقِي جميلاً فَقَالَ لَهُ مَتى عَهْدك ببثينة قَالَ مَالِي بهَا عهد مُنْذُ عَام أول وَهِي تغسل ثوبا بوادي الدوم فَقَالَ لَهُ كثير تحب أَن أعهدها لَك اللَّيْلَة قَالَ نعم فَأقبل رَاجعا إِلَى بثينة فَقَالَ لَهُ أَبوهَا يَا فلَان مَا ردك أما كنت عندنَا قبيل قَالَ بلَى وَلَكِن حضرتني أَبْيَات قلتهَا فِي عزة قَالَ وَمَا هِيَ قلت (فَقلت لَهَا يَا عز أرسل صَاحِبي ... على بَاب دَاري وَالرَّسُول مُوكل) (أما تذكرين الْعَهْد يَوْم لقيتكم ... بِأَسْفَل وَادي الدوم وَالثَّوْب يغسل) فَقَالَت بثينة اخْسَأْ فَقَالَ أَبوهَا مَا هاجك يَا بثينة قَالَت كلب لَا يزَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 يأتينا من وَرَاء الْجَبَل بِاللَّيْلِ وأنصاف النَّهَار قَالَ فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ قد وعدتك من وَرَاء هَذَا الْجَبَل بِاللَّيْلِ وأنصاف النَّهَار فالقها إِذا شِئْت قَالَ مؤلف الْكتاب قلت وَمن هَذَا الْفَنّ حُكيَ أَن أَعْرَابِيًا بعث غُلَاما لَهُ إِلَى امْرَأَة يواعدها موضعا يَأْتِيهَا فِيهِ فَذهب الْغُلَام وأبلغها الرسَالَة فَكرِهت الْمَرْأَة أَن تقر للغلام بِمَا بَينهمَا فَقَالَت وَالله لَئِن أخذتك لأعركن أُذُنك عركة تبْكي مِنْهَا وتستند إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة ويغشى عَلَيْك إِلَى وَقت الْعَتَمَة فَلم يعرف الْغُلَام معنى هَذَا الْكَلَام وَانْصَرف إِلَى صَاحبه وَحكى لَهُ فَعلم أَنَّهَا واعدته تَحت الشَّجَرَة وَقت الْعَتَمَة قَالَ الصولي سَمِعت الْمبرد يَقُول كُنَّا عِنْد الْمَازِني فَجَاءَتْهُ أعرابية كَانَت تغشاه ويهب لَهَا فَقَالَت أنعم الله صَاحبك أَبَا عُثْمَان هَل بالرمال أوشال فَقَالَ لَهَا يَجِيء الله بهَا فَقَالَت (تعلمن أَنِّي وَالَّذِي حج الْقَوْم ... لَوْلَا خيال طَارق عِنْد النّوم) (والشوق من ذكراك مَا جِئْت الْيَوْم ... ) فَقَالَ الْمَازِني قاتلها الله مَا أفطنها جَاءَتْنِي مستمنحة فَلَمَّا رَأَتْ أَن لَا شَيْء جعلت الْمَجِيء زِيَارَة تمن علينا بهَا قَالَ إِسْمَاعِيل بن حمادة بن أبي حنيفَة مَا ورد عَليّ مثل امْرَأَة تقدّمت فَقَالَت أَيهَا القَاضِي ابْن عمي زَوجنِي من هَذَا وَلم أعلم فَلَمَّا علمت رددت فَقلت لَهَا وَمَتى رددت قَالَت وَقت مَا علمت قلت وَمَتى علمت قَالَت وَقت مَا رددت فَمَا رَأَيْت مثلهَا قَالَ حَدثنَا عَليّ ابْن الْقَاسِم القَاضِي قَالَ سَمِعت أبي يَقُول كَانَ مُوسَى بن إِسْحَاق لَا يرى مُتَبَسِّمًا قطّ فَقَالَت لَهُ امْرَأَة أَيهَا القَاضِي لَا يحل أَن تحكم بَين اثْنَيْنِ وَأَنت غَضْبَان قَالَ وَلم قَالَت لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يقْضِي القَاضِي بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان فَتَبَسَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 عَن عبد الرَّحْمَن ابْن أخي الْأَصْمَعِي عَن عَمه قَالَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك يَوْمًا وَالشعرَاء عِنْده قد قلت نصف بَيت فأجيزوه قَالَ يروح إِذا راحوا ويغدوا إِذا غدوا فَلم يصنعوا شَيْئا فَدخل إِلَى جَارِيَة لَهُ فَأَخْبرهَا فَقَالَت كَيفَ قلت فأنشدها فَقَالَت وَعَما قَلِيل لَا يروح وَلَا يَغْدُو قَالَ الْأَصْمَعِي كنت عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ الرشيد إِذْ دخل رجل وَمَعَهُ جَارِيَة للْبيع فتأملها الرشيد ثمَّ قَالَ خُذ جاريتك فلولا كلف فِي وَجههَا وخنس فِي أنفها لاشتريتها فَانْطَلق بهَا فَلَمَّا بلغت السّتْر قَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ارددني إِلَيْك أنْشدك بَيْتَيْنِ حضراني فَردهَا فأنشأت تَقول (مَا سلم الظبي على حسنه ... كلا وَلَا الْبَدْر الَّذِي يُوصف) (الظبي فِيهِ خنس بَين ... والبدر فِيهِ كلف يعرف) فَأَعْجَبتهُ بلاغتها فاشتراها وَقرب منزلهَا وَكَانَت أحظى جواريه عِنْده قَالَ الجاحظ رَأَيْت بالعسكر امْرَأَة طَوِيلَة الْقَامَة جدا وَنحن على طَعَام فَأَرَدْت أَن أمازحها فَقلت انزلي حَتَّى تأكلي مَعنا قَالَت وَأَنت فاصعد حَتَّى ترى الدُّنْيَا قَالَ الجاحظ أَيْضا رَأَيْت امْرَأَة جميلَة فَقلت مَا اسْمك قَالَت مَكَّة فَقلت أَتَأْذَنِينَ لي أَن أقبل الْحجر الْأسود مِنْك قَالَت لَا إِلَّا بالزاد وَالرَّاحِلَة قَالَ مؤلف الْكتاب وَقد رويت لنا هَذِه الْحِكَايَة على وَجه آخر قَالَ الجاحظ رَأَيْت جَارِيَة بسوق النخاسين بِبَغْدَاد يُنَادي عَلَيْهَا وعَلى خدها خَال فدعوت بهَا وَجعلت أقلبها فَقلت لَهَا مَا اسْمك قَالَت مَكَّة فَقلت الله أكبر قرب الْحَج أَتَأْذَنِينَ أقبل الْحجر الْأسود قَالَت لَهُ إِلَيْك عني ألم تسمع قَول الله تَعَالَى {لم تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق الْأَنْفس} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 قَالَ الْأَصْمَعِي أُتِي الْمَنْصُور بسارق فَأمر بِقطع يَده فانشأ يَقُول (يَدي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أُعِيذهَا ... بحقويك من عَار عَلَيْهَا يشينها) (فَلَا خير فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي نعيمها ... إِذا مَا شمال فارقتها يَمِينهَا) فَقَالَ يَا غُلَام اقْطَعْ هَذَا حد من حُدُود الله وَحقّ من حُقُوقه لَا سَبِيل إِلَى تعطيله قَالَت أم الْغُلَام واحدي وكادي وكاسبي قَالَ بئس الْوَاحِد واحدك وَبئسَ الكاد كادك وَبئسَ الكاسب كاسبك يَا غُلَام اقْطَعْ فَقَالَت أم السَّارِق يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما لَك ذنُوب تستغفر الله مِنْهَا قَالَ بلَى قَالَت هبه لي وَاجعَل هَذَا من ذنوبك الَّتِي تستغفر الله مِنْهَا وَقد رويت لنا هَذِه الْحِكَايَة عَن عبد الْملك بن مَرْوَان فَإِنَّهُ أَتَى بسارق وَثبتت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة فانشد هَذَا الشّعْر وَقَالَت أمه هَذَا الْكَلَام فَقَالَ خلوا سَبيله أنشدنا ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي (وسائلة عَن ركب حسان كلهم ... ليبلغ حسان بن زيد سؤالها) قَالَ وَهِي تحب حسان فَكرِهت أَن تخصه فَسَأَلت عَن الركب جَمِيعًا حَتَّى صَارَت إِلَيْهِ قَالَ هَارُون بن عبد الْملك بن الْمَأْمُون لما عرضت الخيزران على الْمهْدي قَالَ لَهَا وَالله يَا جَارِيَة إِنَّك لعلى غَايَة المتمني وَلَكِنَّك خمشة السَّاقَيْن فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك أحْوج مَا يكون إِلَيْهِمَا لَا تراهما فَقَالَ اشتروها فحظيت عِنْده فأولدها مُوسَى وَهَارُون وَحكى أَبُو بكر الصولي أَن الْمهْدي اشْترى جَارِيَة فَاشْتَدَّ شغفه بهَا وَكَانَت بِهِ أشغف وَكَانَت تتجافاه كثير فَدس إِلَيْهَا من عرف مَا فِي نَفسهَا فَقَالَت أَخَاف أَن يملني ويدعني فأموت فَأَنا أمنع نَفسِي بعض لذتها مِنْهُ لأعيش فَقَالَ الْمهْدي (ظَفرت بِالْقَلْبِ مني ... غادة مثل الْهلَال) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 (كلما صَحَّ لَهَا ودي جَاءَت باعتلال ... ) (لَا تحب الهجر مني ... والتنائي عَن وصالي) (بل لمأمنها على ... حبي لَهَا خوف الملال) قَالَ أَبُو نواس استقبلتني امْرَأَة فأسفرت عَن وَجههَا فَكَانَت على غَايَة الْحسن فَقَالَت مَا اسْمك قلت وَجهك فَقَالَت أَنْت الْحسن إِذن حَدثنَا رجل من تغلب قَالَ كَانَ فِينَا رجل لَهُ ابْنة شَابة وَكَانَ لَهُ ابْن أَخ يهواها وتهواه فمكثا كَذَلِك دهراً ثمَّ إِن الْجَارِيَة خطبهَا بعض الْأَشْرَاف فأرغب فِي الْمهْر فأنعم أَبُو الْجَارِيَة وَاجْتمعَ الْقَوْم للخطبة فَقَالَت الْجَارِيَة لأمها يَا أُمَّاهُ مَا يمْنَع أَن يزوجني من ابْن عمي قَالَت أَمر كَانَ مقضياً قَالَت وَالله مَا أحسن رباه صَغِيرا ثمَّ تَدعُوهُ كَبِيرا ثمَّ قَالَت لَهَا يَا أُمَّاهُ إِنِّي وَالله حَامِل فَاكْتُمِي إِن شِئْت أَو نوحي فَأرْسلت الْأُم إِلَى الْأَب فَأَخْبَرته الْخَبَر فَقَالَ اكْتُمِي هَذَا الْأَمر ثمَّ خرج إِلَى الْقَوْم فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ إِنِّي كنت أجبتكم وَأَنه قد حدث أَمر رَجَوْت أَن يكون فِيهِ الْأجر وَأَنا أشهدكم أَنِّي قد زوجت ابْنَتي فُلَانَة من ابْن أخي فلَان فَلَمَّا انْقَضى ذَلِك قَالَ الشَّيْخ أدخلوها عَلَيْهِ فَقَالَت الْجَارِيَة هِيَ بالرحمن كَافِرَة إِن دخل عَلَيْهَا من سنة أَو تبين حملهَا قَالَ فَمَا دخل عَلَيْهَا إِلَّا بعد حول فَعلم أَبوهَا أَنَّهَا احتالت عَلَيْهِ قَالَ الصولي قَالَ الْعُتْبِي رَأَيْت امْرَأَة أعجبتني صورتهَا فَقلت أَلَك بعل قَالَت لَا قلت أفترغبين فِي التَّزْوِيج قَالَت نعم وَلَكِن لي خصْلَة أَظُنك لَا ترضاها قلت وَمَا هِيَ قَالَت بَيَاض برأسي قَالَ فثنيت عنان فرسي وسرت قَلِيلا فنادتني أَقْسَمت عَلَيْك لتقفن ثمَّ أَتَت مَوضِع خالٍ فَكشفت عَن شعر كَأَنَّهُ العناقيد السوناي فَقلت وَالله مَا بلغت الْعشْرين ولكنني عرفتك أَنا نكره مِنْك مَا تكره منا قَالَ فخجلت وسرت وَأَنا أَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 (فَجعلت أطلب وَصلهَا بتملق ... والشيب يغمزها بِأَن لَا تفعلي) حَدثنَا الْعُتْبِي قَالَ قَالَ رجل من ولد عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام لامْرَأَة أَمرك بِيَدِك ثمَّ نَدم فَقَالَت أما وَالله لقد كَانَ بِيَدِك عشْرين سنة فأحسنت حفظه وَصَحبه فَلَنْ أضيعه إِذا كَانَ بيَدي سَاعَة من نَهَار وَقد رَددته إِلَيْك فأعجب بذلك من قَوْلهَا وأمسكها قَالَ أَرَادَ شُعَيْب أَن يتَزَوَّج امْرَأَة فَقَالَ لَهَا إِنِّي سيء الْخلق فَقَالَت أَسْوَأ مِنْك خلقا من أحوجك أَن تكون سَيِّئًا قَالَ أَنْت امْرَأَتي قَالَ سَمِعت الْفضل بن إِبْرَاهِيم يَقُول مر شَاعِر بنسوة فأعجبه شانهن فَجعل يَقُول (إِن النِّسَاء شياطين خُلِقْنَ لنا ... نَعُوذ بِاللَّه من شَرّ الشَّيَاطِين) قَالَ فأجابته وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَجعلت تَقول (إِن النِّسَاء رياحين خُلِقْنَ لكم ... وكلكم يَشْتَهِي شم الرياحين) قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعَبَّاس اليزيدي كَانَ لرجل من الْأَعْرَاب ابْنة وَكَانَ لَهُ غُلَام فَرَاوَدَهَا عَن نَفسهَا فوعدته اللَّيْل وأعدت لَهُ شفرة وحدتها فَلَمَّا جاءها لِلْمِيعَادِ فجبته فَخرج يعوي فَسَمعهُ مَوْلَاهُ فَقَالَ من فعل بك قَالَ ابْنَتك فَدخل عَلَيْهَا فَقَالَ مَا صنعت بِهَذَا الْغُلَام فَقَالَت يَا أَبَت إِن العَبْد من نوكه يشرب من سقاء لم يوكه وَمن ورد غير مَائه صدر بِمثل دائه فَقَالَ لَهَا لَا شللاً قَالَ الشَّرْقِي بن فطامي كَانَ شن من دهاة الْعَرَب فَقَالَ وَالله لأطوفن حَتَّى أجد امْرَأَة مثلي فأتزوجها فَسَار حَتَّى لَقِي رجلا يُرِيد قَرْيَة يريدها شن فصحبه فَلَمَّا انْطَلقَا قَالَ لَهُ شن أتحملني أم أحملك فَقَالَ الرجل يَا جَاهِل كَيفَ يحمل الرَّاكِب الرَّاكِب فسارا حَتَّى رَأيا زرعا قد استحصد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 فَقَالَ شن أَتَرَى هَذَا الزَّرْع قد أكل أم لَا فَقَالَ يَا جَاهِل أما ترَاهُ قَائِما فمرا بِجنَازَة فَقَالَ أَتَرَى صَاحبهَا حَيا أَو مَيتا فَقَالَ مَا رَأَيْت أَجْهَل مِنْك أَترَاهُم حملُوا إِلَى الْقُبُور حَيا ثمَّ سَار بِهِ الرجل إِلَى منزله وَكَانَت لَهُ ابْنة تسمى طبقَة فَقص عَلَيْهَا الْقِصَّة فَقَالَت أما قَوْله أتحملني أم أحملك فَأَرَادَ تُحَدِّثنِي أم أحَدثك حَتَّى نقطع طريقنا وَأما قَوْله أَتَرَى هَذَا الزَّرْع قد أكل أم لَا فَأَرَادَ بَاعه أَهله فَأَكَلُوا ثمنه أم لَا وَأما قَوْله فِي الْمَيِّت فَإِنَّهُ أَرَادَ اترك عقبا يحيا بِهِ ذكره أم لَا فَخرج الرجل فحادثه ثمَّ أخبرهُ بقول ابْنَته فَخَطَبَهَا إِلَيْهِ فَزَوجهُ إِيَّاهَا فحملها إِلَى أَهله فَلَمَّا عرفُوا عقلهَا ودهاءها قَالُوا وَافق شن طبقَة قَالَ حَدثنِي أَبُو مُحَمَّد بن داسته أَن رجلا اعْترض جَارِيَة فِي الطَّرِيق فَقَالَ لَهَا أبيدك صَنْعَة قَالَت لَا وَلَكِن برجلي تَعْنِي أَنَّهَا رقاصة قَالَ المحسن وحَدثني أَنه سمع امْرَأَة تخاصمت مَعَ زَوجهَا فَقَالَت لَهُ طَلقنِي فَقَالَ لَهَا أَنْت حُبْلَى حَتَّى إِذا ولدت طَلقتك قَالَت مَا عَلَيْك مِنْهُ قَالَ فإيش تعملين بِهِ قَالَت اقعده على بَاب الْجنَّة فقاعي فَقلت لعجوز كَانَت تتوسط بَينهمَا إيش معنى هَذَا قَالَت تُرِيدُ أَن تشرب مَاء السداب وتتحمل سداباً عَلَيْهِ أدوية لتسقط فَيلْحق الصَّبِي بِالْجنَّةِ فَيكون كالفقاعي قَالَ أَبُو بكر ابْن الْأَزْهَر حَدثنِي بعض إخْوَانِي أَن رجلا كَانَ بالأهواز وَكَانَ لَهُ ثروة ونعمة وَأهل فَسَار إِلَى الْبَصْرَة مرّة فَتزَوج بهَا فَكَانَ يَأْتِي تِلْكَ الْمَرْأَة فِي السّنة مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَكَانَ للبصرية عَم يكاتبه فَوَقع كتاب مِنْهُ فِي يَد الأهوازية فَعمِلت الْحَال فَكتبت إِلَيْهِ من حمية الْبَصْرِيّ بِأَن امْرَأَتك قد مَاتَت فَالْحق فقرأه ثمَّ أَخذ فِي إصْلَاح أمره ليخرج فَقَالَت الأهوازية إِنِّي أَرَاك مَشْغُول الْقلب وأظن أَن لَك بِالْبَصْرَةِ امْرَأَة فَقَالَ معَاذ الله فَقَالَت لَا أقنع بِقَوْلِك دون يَمِينك فتحلف بِطَلَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 كل امْرَأَة لَك غَائِبَة أَو حَاضِرَة فَحلف لَهَا ظنا أَن تِلْكَ قد مَاتَت فَقَالَت لَهُ لَا حَاجَة لَك فِي الْخُرُوج فَإِن تِلْكَ بَانَتْ وَهِي فِي الْحَيَاة قَالَ عَليّ بن الجهم اشْتريت جَارِيَة فَقلت لَهَا مَا أحسبك إِلَّا بكرا فَقَالَت يَا سَيِّدي كثرت الْفتُوح فِي زمَان الواثق وَقلت لَهَا لَيْلَة كم بَيْننَا وَبَين الصُّبْح قَالَت عنَاق مشتاق وَنظرت إِلَى الشَّمْس كاسفة فَقَالَت احتشمت محاسني فانتقبت وَقلت لَهَا لَيْلَة نجْعَل مَجْلِسنَا اللَّيْلَة فِي الْقَمَر فَقَالَت مَا أُولَئِكَ بِالْجمعِ بَين الضرائر وَكَانَت تكره الْحلِيّ وَتقول تستر المحاسن كَمَا تغطي القبائح عرض على المتَوَكل جَارِيَة فَقَالَ لَهَا أبكراً أَنْت أم إيش فَقَالَت أم إيش يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَضَحِك وابتاعها وضع المعتضد رَأسه فِي حجر بعض جواريه فَجعلت تَحت رَأسه مخدة ونهضت فَلَمَّا انتبه قَالَ لم فعلت ذَاك وأكبره فَقَالَت كَذَا علمنَا أَن لَا يقْعد قَاعد بِحَضْرَة من ينَام وَلَا ينَام بِحَضْرَة قَاعد فَاسْتحْسن المعتضد ذَلِك مِنْهَا واستعقلها بلغنَا عَن غَرِيب وَكَانَ يُقَال إِنَّهَا ابْنة جَعْفَر بن يحيى الْبَرْمَكِي وَكَانَت مغنية ذكية شاعرة اشْتَرَاهَا المعتصم بِمِائَة ألف وأعتقها فَكتبت إِلَى بعض النَّاس أردْت وَلَوْلَا ولعلي فَكتبت تَحت أردْت لَيْت وَتَحْت لَوْلَا مَاذَا وَتَحْت لعَلي أَرْجُو فمضت إِلَيْهِ قَالَ أَبُو الْحسن بن هِلَال الصابي حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد الْحَارِثِيّ قَالَ كَانَ عندنَا بواسط رجل مُوسر يُقَال لَهُ أَبُو مُحَمَّد وَكَانَت عِنْده مغنية تغني خليلي هيا نصطبح بسواد فَقَالَ لَهَا بِاللَّه غَنِي لي خليلي هيا نصطبح بسهاد فَقَالَت لَهُ إِذا عزمت فوحدك وَقَالَ أَبُو حنيفَة خدعتني امْرَأَة أشارت إِلَى كيس مطروح فِي الطَّرِيق فتوهمت أَنه لَهَا فَحَملته إِلَيْهَا فَقَالَت احتفظ بِهِ حَتَّى يَجِيء صَاحبه لما قتل كسْرَى وزيره بزرجمهر أَرَادَ أَن يتَزَوَّج ابْنَته فَقَالَت للثقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 لَو كَانَ ملككم حازماً لما دخل بَين شعاره ودثار مأثوره قَالَ رجل لجارية أَرَادَ شراءها لَا يريبك هَذَا الشيب الَّذِي ترينه فَإِن عِنْدِي قُرَّة عين فَقَالَت الْجَارِيَة أَيَسُرُّك إِن عنْدك عجوزاً مغتلمة قَالَ ابْن الْمُبَارك بن أَحْمد خرج رجل على سَبِيل الفرجة فَقعدَ على الجسر فَأَقْبَلت امْرَأَة من جَانب الرصافة متوجهة إِلَى الْجَانِب الغربي فَاسْتَقْبلهَا شَاب فَقَالَ لَهَا رحم الله عَليّ بن الجهم فَقَالَت الْمَرْأَة فِي الْحَال رحم الله أَبَا الْعَلَاء المعري وَمَا وَقفا وَمَرا مشرقة ومغرباً فتبعت الْمَرْأَة وَقلت لَهَا إِن لم تقولي مَا قلتما وَإِلَّا فضحتك وتعلقت بك فَقَالَت قَالَ لي الشَّاب رحم الله عَليّ ابْن الجهم أَرَادَ بِهِ قَوْله (عُيُون المها بَين الرصافة والجسر ... جلبن الْهوى من حَيْثُ أَدْرِي وَلَا أَدْرِي) وَأَرَدْت أَنا بترحمي على المعري قَوْله (فيا دارها بالحزن مزارها ... قريب وَلَكِن دون ذَلِك أهوال) قَالَ ابْن الزبير لامْرَأَة من الْخَوَارِج أَخْرِجِي المَال من تَحت استك قَالَ فالتفتت إِلَى من بحضرتها وَقَالَت أنْشدكُمْ الله أَهَذا من كَلَام الْخُلَفَاء قَالُوا لَا قَالَت لِابْنِ الزبير كَيفَ ترى هَذَا الْخلْع الْخَفي قَالَ المتنبي قَالَ لي رجل من الهاشميين كتبت إِلَى امْرَأَتي وَأَنا فِي السّفر كتابا تمثلت فِيهِ بِبَيْت لَك (بِمَ التعلل لَا أهل وَلَا وَطن ... وَلَا نديم وَلَا كأس وَلَا سكن) فَكتبت إليّ وَالله مَا أَنْت كَمَا ذكرته فِي هَذَا الْبَيْت بل أَنْت كَمَا قَالَ الشَّاعِر (سهرت بعد رحيلي ووحشة لكم ... ثمَّ اسْتمرّ مريري وارعوى الوسن) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ونقلت من خطّ الشَّيْخ أبي الْوَفَاء بن عقيل قَالَ كَانَ بعض قُضَاة الحنيفة من مذْهبه أَنه إِذا ارتاب بالشهود فرقهم فَشهد عِنْده رجل وَامْرَأَتَانِ فِيمَا يشْهد فِيهِ النِّسَاء فَأَرَادَ أَن يفرق بَين الْمَرْأَتَيْنِ على عَادَته فَقَالَت إِحْدَاهمَا أَخْطَأت لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} فَإِذا فرقت زَالَ الْمَعْنى الَّذِي قَصده الشَّرْع فَأمْسك ذكر أَن رجلا دَعَا الْمبرد بِالْبَصْرَةِ مَعَ جمَاعَة فغنت جَارِيَة من وَرَاء الستار وأنشأت تَقول (وَقَالُوا لَهَا هَذَا حَبِيبك معرضًا ... فَقَالَت إِلَّا إعراضه أيسر الْخطب) (فَمَا هِيَ إِلَّا نظرة بتبسم ... فتصطك رِجْلَاهُ وَيسْقط للْجنب) فطرب كل من حضر إِلَّا الْمبرد فَقَالَ لَهُ صَاحب الْمجْلس كنت أَحَق النَّاس بالطرب فَقَالَت الْجَارِيَة دَعه يَا مولَايَ فَإِنَّهُ سمعني أَقُول هَذَا حَبِيبك معرضًا فظنني لحنت وَلم يعلم أَن ابْن مَسْعُود قَرَأَ وَهَذَا بعلي شَيخا قَالَ فطرب الْمبرد إِلَى أَن شقّ ثَوْبه قَالَ بَعضهم حضرت رفيقتين وَكَانَت إِحْدَاهمَا تعبث بِكُل من تقدر عَلَيْهِ وَالْأُخْرَى ساكتة فَقلت للساكتة رفيقتك هَذِه مَا تَسْتَقِر مَعَ وَاحِد فَقَالَت نعم وَهِي تَقول بِالسنةِ وَالْجَمَاعَة وَأَنا أَقُول بِإِثْبَات الْقدر غضب الْمَأْمُون يَوْمًا على عبد الله بن طَاهِر فَأَرَادَ طَاهِر أَن يَقْصِدهُ فورد عَلَيْهِ كتاب من صديق لَهُ مَقْصُور على السَّلَام وَفِي حَاشِيَته يَا مُوسَى فَجعل يتأمله وَلَا يعلم معنى ذَلِك فَقَالَت لَهُ جَارِيَة وَكَانَت فطنة أَرَادَ يَا مُوسَى {إِن الْمَلأ يأتمرون بك ليقتلوك} فتيقظ عَن قصد الْمَأْمُون عرض على رجل جاريتان بكر وثيب فَمَال إِلَى الْبكر فَقَالَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الثّيّب لم رغبت فِيهَا وَمَا بيني وَبَينهَا إِلَّا يَوْم فَقَالَت الْبكر {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} فأعجبتاه فاشتراهما قَالَ خَاصَمت امْرَأَة زَوجهَا فِي تضييقه عَلَيْهَا وعَلى نَفسه فَقَالَت وَالله مَا يُقيم الفأر فِي بَيْتك إِلَّا لحب الوطن وَإِلَّا فَهُوَ يسترزق من بيُوت الْجِيرَان قَالَ الجاحظ قلت لجارية بِبَغْدَاد أبكر أَنْت نَعُوذ بِاللَّه من الكساد يَعْنِي الثيوبة جَاءَت دلَالَة إِلَى قوم فَقَالَت عقدي زوج يكْتب بالحديد وَيخْتم بالزجاج فرضوا بِهِ وزوجوه فَإِذا هُوَ حجام قَالَت دلَالَة لرجل عِنْدِي امْرَأَة كَأَنَّهَا طَاقَة نرجس فَتَزَوجهَا فَإِذا هِيَ عَجُوز قبيحة فَقَالَ كذبت عليّ وغششتيني فَقَالَت لَا وَالله مَا فعلت وَإِنَّمَا شبهتها بطاقة نرجس لِأَن شعرهَا أَبيض ووجهها أصفر وساقها أَخْضَر أَعْطَتْ امْرَأَة جاريتها درهما وَقَالَت اشْترِي هريسة فَرَجَعت فَقَالَت يَا سيدتي سقط الدِّرْهَم مني فَضَاعَ فَقَالَت يَا فاعلة تكلميني بفمك كُله وتقولين ذهب الدِّرْهَم فَأَمْسَكت الْجَارِيَة نصف فمها بِيَدِهَا وَقَالَت بِالنِّصْفِ الآخر وانكسرت يَا سيدتي الزبدية كَانَ رجل يقف تَحت روشن امْرَأَة وَهِي تكره وُقُوفه قَالَت فجَاء فِي بعض الْأَيَّام وَعَلِيهِ قَمِيص ديبقي قد غسله عِنْد المطري وسقاه نشا وَتَحْته قَمِيص رومي قَالَت وَكَانَ للنَّاس أترج سوسي فِي الأترجة ثَلَاثُونَ رطلا فأخرجت بطيخة وأشارت إِلَيْهِ تعال خُذ هَذِه فجَاء فَوقف تَحت الروشن فَقَالَت أمسك حجرك صلباً حَتَّى لَا يَقع فتنكسر فَلَزِمَ حجره فأخرجت البطيخة كَأَنَّهَا ترمي بهَا وَأخذت أترجة فرصت بهَا فِي حجره فَلم يردهَا شَيْء سوى الأَرْض فَجَمعه وهرب مستحياً وَمَا عَاد بعْدهَا بَكت عَجُوز على ميت فَقيل لَهَا بِمَاذَا اسْتحق هَذَا مِنْك فَقَالَت جاورنا وَمَا فِينَا إِلَّا من تحل لَهُ الصَّدَقَة وَمَات وَمَا منا إِلَّا من تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة كَانَت جَارِيَة لبَعض الأكابر وَكَانَت عفيفة إِلَّا أَنَّهَا كَانَت تفحش فِي مجونها فَقَالَ لَهَا مَوْلَاهَا اقصري من هَذَا الْفُحْش بِمحضر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الرِّجَال فَقَالَت أفحش مِنْهُ عِنْدهم أخذك دراهمهم بسببي وَقَالَ لَهَا بعض الْحَاضِرين وَكَانَ شَيخا (يَا أحسن النَّاس وَجها ... مني عَليّ بقبلة) فأجابت مسرعة (يَا أسمج النَّاس وَجها ... وأسخن النَّاس مقله) (إِذا سمحت لما رمته ... فَإِنِّي بذله) (وَكَيف يُوجد بَين الْجمار ... والخشف وَصله) (فَلَا تطف بالغواني ... فَمَا يردنك خمله) (وكل شيخ تصابى ... على الصبايا فأبله) قَالَ رجل لجارية أَرَادَ شراءها فَسَأَلَهَا عَن ثمنهَا فَقَالَت يَا جَارِيَة كم دفعُوا فِيك فَقَالَت {وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ} قَالَ حَدثنِي أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الْكَاتِب قَالَ حَدثنِي بعض الْأَشْرَاف بِالْكُوفَةِ أَنه كَانَ بهَا رجل حسني يعرف بالأدرع شَدِيد الْقلب جدا قَالَ وَكَانَ فِي خرائب الْكُوفَة شَيْء يظْهر للمجتازين فِيهِ نَار يطول تَارَة وَيقصر أُخْرَى يَقُولُونَ هِيَ غولة يفزع مِنْهُ النَّاس فَخرج الأدرع لَيْلَة رَاكِبًا فِي بعض شَأْنه قَالَ لي الأدرع فَاعْترضَ لي السوَاد وَالنَّار فطال الشَّخْص فِي وَجْهي فأنكرته ثمَّ رجعت إِلَى نَفسِي فَقلت أما شَيْطَان وغولة فهوس وَلَيْسَ إِلَّا إنْسَانا فَذكرت الله تَعَالَى وَصليت على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجمعت عنان الْفرس وقرعته بالمقرعة وطرحته على الشَّخْص فازداد طوله وَعظم الضَّوْء فِيهِ فنفر الْفرس فقرعته فَطرح نَفسه عَلَيْهِ فقصر الشَّخْص حَتَّى عَاد على قدر قامة فَلَمَّا كَاد الْفرس يخالطه ولى هَارِبا فحركت خَلفه فَانْتهى إِلَى خربة فَدَخلَهَا فَدخلت خَلفه فَإِذا هُوَ قد نزل سرداباً فِيهَا فَنزلت عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 فرسي وشددته وَنزلت وسيفي مُجَرّد فحين حصلت فِي السرداب أحسست بحركة الشَّخْص يُرِيد الْفِرَار مني فطرحت نَفسِي عَلَيْهِ فَوَقَعت يَدي على بدن إِنْسَان فقبضت عَلَيْهِ فَأَخْرَجته فَإِذا هِيَ جَارِيَة سَوْدَاء فَقلت أَي شَيْء أَنْت وَإِلَّا قتلتك السَّاعَة قَالَت قبل كل شَيْء أَنْت إنسي أم جني فَمَا رَأَيْت أقوى قلباً مِنْك قطّ فَقلت أَي شَيْء أَنْت قَالَت أمة لآل فلَان قوم بِالْكُوفَةِ أبقت مِنْهُم سِنِين فتغربت فِي هَذِه الخربة فولد لي الْفِكر أَن أحتال بِهَذِهِ الْحِيلَة وأوهم النَّاس أَنِّي غولة حَتَّى لَا يقرب الْموضع أحد وأتعرض لَيْلًا للأحداث وَرُبمَا رمى أحدهم منديلاً أَو إزاراً فَآخذهُ فأبيعه نَهَارا وأقتات بِهِ أَيَّامًا قلت فَمَا هَذَا الشَّخْص الَّذِي يطول وَيقصر وَالنَّار الَّتِي تظهر قَالَت كسَاء معي طَوِيل أسود فَأَخْرَجته من السرداب وقضبان مهندية أَدخل بَعْضهَا فِي بعض فِي الكساء وارفعه فَيطول فَإِذا أردْت تَقْصِيره رفعت من الأنابيب وَاحِدَة وَاحِدَة فيقصر وَالنَّار فَتِيلَة شمع معي فِي يَدي لَا أخرج إِلَّا رَأسهَا مِقْدَار مَا يضيء الكساء وأرتني الشمعة والكساء والأنابيب ثمَّ قَالَت قد جَازَت هَذِه الْحِيلَة نيفاً وَعشْرين سنة واعترضت فرسَان الْكُوفَة وشجعانها وكل أحد فَمَا أقدم أحد عَليّ غَيْرك وَلَا رَأَيْت أَشد قلباً مِنْك فحملها الأدرع إِلَى الْكُوفَة فَردهَا إِلَى مواليها فَكَانَت تحدث بِهَذَا الحَدِيث وَلم ير بعد ذَلِك أثر غولة فَعلم أَن الحَدِيث حق قَالَ أَبُو حَامِد الْخُرَاسَانِي القَاضِي بنى ابْن عبد السَّلَام الْهَاشِمِي بِالْبَصْرَةِ دَارا كَبِيرَة وَلم يتم لَهُ تربيعها إِلَّا بسكن لطيف كَانَ لعجوز فِي جواره امْتنعت من بَيْعه فبذل لَهَا أَضْعَاف ثمنه فأقامت على الِامْتِنَاع فَشَكا إليّ ذَلِك فَقلت هَذَا أيسر الْأَمر أَنا أوجب عَلَيْهَا بيعَة فاضطرها إِلَى أَن تسألك وزن الثّمن ثمَّ استدعيتها فَقلت يَا هَذِه إِن قيمَة دَارك دون مَا دفع لَك وَقد ضاعفها أضعافاً فَإِن لم تقبليه حجزت عَلَيْك لِأَن هَذَا تَضْييع مِنْك فَقَالَت جعلت فدَاك فَهَلا كَانَ هَذَا الْحجر مِنْك على من يزن فِيمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 يُسَاوِي درهما عشرَة وَتركت منزلي فَمَا أخْتَار بَيْعه فَانْقَطَعت فِي يَدهَا قَالَ نزل رجل من أهل الْحجاز مللاً فَسَأَلَ أَي مَاء هَذَا فَقيل لَهُ ملل وَإِذا بَين يَدَيْهِ صبية سَوْدَاء تلفظ الْعَجم تُرِيدُ النوي فَقَالَ قَاتل الله الَّذِي يَقُول (أخذت على مَاء الشعيرة والهوى ... على ملل يَا لهف قلبِي على ملل) أَي بِأبي إِنَّه وَالله كَانَ لَهُ بهَا شجن لم يكن لَك قَالَ الْمبرد كَانَ يسَار الكواعب عبد الإناس من بني الْحَرْث بن سعد بن قُضاعة وَكَانَ رَاعيا فِي أبلهم فَبعث بِبَعْض نِسَائِهِم وَكَانَ أسود فخدعته امْرَأَة مِنْهُم وأرته إِنَّهَا قد قبلته وواعدته ليَوْم فَعلم بِهِ بعض أَصْحَابه من الرُّعَاة فَنَهَاهُ عَنْهَا وَقَالَ لَهُ يَا يسَار كل من لحم الْجوَار واشرب من لبن العشار ودع عَنْك بَنَات الْأَحْرَار فَقَالَ لَهُ يسَار إِنِّي إِذا جِئْتهَا زحكت أَرَادَ ضحِكت ولاعبتني فَأَتَاهَا فِي الْيَوْم الَّذِي واعدته فِيهِ فَقَالَت مَكَانك حَتَّى أطيبك فعمدت إِلَيْهِ فجدعت أَنفه وَأذنه فَرجع إِلَى صَاحبه الَّذِي كَانَ نَهَاهُ فَأنكرهُ فَقَالَ من أَنْت وَيلك قَالَ يسَار قَالَ فيسار كَانَ لَا أنف لَهُ وَلَا أذنين قَالَ أفما ترى وَيحك وبيض الْعَينَيْنِ فَذَهَبت مثلا وَسمي يسَار الكواعب مِمَّن ذكره جرير حِين تزوج الفرزدق إِحْدَى بني نسَاء شَيبَان وَزَاد فِي مهرهَا فَعَيَّرَهُ جرير بذلك فَقَالَ (وَإِنِّي لأخشى إِن خطبت اليهمو ... عَلَيْك الَّذِي لَاقَى يسَار الكواعب) قَالَ ابْن قُتَيْبَة جَاءَتْنِي جَارِيَة بهدية فَقلت لَهَا قد علم مَوْلَاك إِنِّي لَا أقبل الْهَدِيَّة قَالَت وَلم قلت أخْشَى أَن يستمد مني علما لأجل هديته فَقَالَت مَا استمد النَّاس من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر وَقد كَانَ يقبل الْهَدِيَّة فَقَبلتهَا فَكَانَت الْجَارِيَة أفقه مني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 قَالَ وبلغنا أَن رجلا ابتلى بمحبة امْرَأَة فَأتى أَبَا حنيفَة فَأخْبرهُ أَن مَاله قَلِيل وَأَنَّهُمْ إِن علمُوا بذلك لم يزوجوه فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة أتبيعني أحليلك بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم قَالَ لَا قَالَ فَأخْبر الْقَوْم إِنِّي أعرفك فَمضى فَخَطَبَهَا فَقَالُوا من يعرفك فَقَالَ أَبُو حنيفَة فسألوا أَبَا حنيفَة عَنهُ فَقَالَ مَا أعرفهُ إِلَّا أَنه حضر عِنْدِي يَوْمًا فسووم فِي سلْعَة لَهُ بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم فَلم يبع فَقَالُوا هَذَا يدل على أَنه ذُو مَال فَزَوجُوهُ فَلَمَّا تيقنت الْمَرْأَة حَاله قَالَت لَا يضيق صدرك وَهَذَا مَالِي بحكمك ثمَّ مَضَت إِلَى أبي حنيفَة فِي حليها وحللها فَقَالَت فَتْوَى فَدخلت فأسفرت عَن وَجههَا فَقَالَ تستري فَقَالَت مَا يُمكن قد وَقعت فِي أَمر لَا يخلصني مِنْهُ أَلا أَنْت أَنا بنت هَذَا الْبَقَّال الَّذِي على رَأس الدَّرْب وَقد بلغت عمرا واحتجت إِلَى الزَّوْج وَهُوَ لَا يزوجني وَيَقُول لمن يخطبني ابْنَتي عوراء قرعاء شلاء ثمَّ حسرت عَن وَجههَا ورأسها ويديها وَيَقُول بِنْتي زمنة وكشفت عَن سَاقيهَا وَأُرِيد أَن تدبرني فَقَالَ ترْضينَ أَن تَكُونِي لي زَوْجَة فَقبلت قَدَمَيْهِ وَقَالَت من لي بغلامك فَقَالَ امْضِي فِي دعة الله فَخرجت فأحضر الْبَقَّال وَدفع إِلَيْهِ خمسين دِينَارا وَقَالَ زَوجنِي ابْنَتك فَكتب كتابا بِمِائَة دِينَار فَقَالَ الْبَقَّال يَا سَيِّدي اسْتُرْ مَا ستر الله أَنا لي بنت أزَوجك قَالَ دع هَذَا عَنْك رضيت بابنتك القرعاء الشلاء الزمنة فَزَوجهُ على الْمِائَة وَالْخمسين وَمضى فَحدث زَوجته فَقَالَت وَالله لَا كَانَ إِلَّا يكون هَذَا إِلَّا على يَد أبي حنيفَة فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّة تِلْكَ اللَّيْلَة أَجْلِسهَا أَبوهَا فِي صن وَحملهَا بَينه وَبَين غُلَامه فَلَمَّا رَآهَا أَبُو حنيفَة قَالَ مَا هَذَا فَقَالَ الْبَقَّال اشْهَدْ على طَلَاق أمهَا إِن كَانَت لي بنت غَيرهَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ طَالِق ثَلَاثًا أعد على الْكتاب وَأَنت فِي حل من الْخمسين وَبَقِي أَبُو حنيفَة متفكر أشهراً ثمَّ جَاءَت تِلْكَ الْمَرْأَة إِلَيْهِ فَقَالَ مَا حملك على مَا فعلت فَقَالَت وَأَنت مَا حملك على أَن غررتنا بِرَجُل فَقير قَالَ أَبُو الْحسن البيبي مُؤذن المسترشد بِاللَّه قَالَ حَدثنِي بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 التُّجَّار الْمُسَافِرين قَالَ كُنَّا نَجْتَمِع من بِلَاد شَتَّى فِي جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ نتحدث فَبَيْنَمَا نَحن جُلُوس يَوْمًا نتحدث وَإِذا بِامْرَأَة بقربنا فِي أصل سَارِيَة فَقَالَ لَهَا رجل من التُّجَّار من البغداديين مَا شَأْنك فَقَالَت أَنا امْرَأَة وحيدة غَابَ عني زَوجي مُنْذُ عشر سِنِين وَلم أسمع لَهُ خَبرا فقصدت القَاضِي ليزوجني فَامْتنعَ وَمَا ترك لي زَوجي نَفَقَة وَأُرِيد رجلا غَرِيبا يشْهد لي هُوَ وَأَصْحَابه أَن زَوجي مَاتَ أَو طَلقنِي لأتزوج أَو يَقُول أَنا زَوجهَا ويطلقني عِنْد القَاضِي لأصبر مُدَّة الْعدة وأتزوج فَقَالَ لَهَا الرجل تُعْطِينِي دِينَارا حَتَّى أصير مَعَك إِلَى القَاضِي وأذكر لَهُ إِنِّي زَوجك وأطلقك فَبَكَتْ وَقَالَت وَالله مَا أملك غير هَذِه وأخرجت أَربع رباعيات فَأَخذهَا مِنْهَا وَمضى مَعهَا إِلَى القَاضِي وَأَبْطَأ علينا فَلَمَّا كَانَ من الْغَد لقيناه فَقُلْنَا مَا أبطأك فَقَالَ دَعونِي فَإِنِّي حصلت فِي أَمر ذكره فضيحة قُلْنَا أخبرنَا قَالَ حضرت مَعهَا إِلَى القَاضِي فادعت عَليّ الزَّوْجِيَّة والغيبة عشر سِنِين وَسَأَلت أَن أخلي سَبِيلهَا فصدقتها على ذَلِك فَقَالَ لَهَا القَاضِي أتبرئينه قَالَت لَا وَالله لي عَلَيْهِ صدَاق وَنَفَقَة عشر سِنِين وَأَنا أَحَق بذلك فَقَالَ لي القَاضِي أديها حَقّهَا وَلَك الْخِيَار فِي طَلاقهَا أَو إِِمْسَاكهَا فورد على مَا بليني وَلم أتجاسر أَن أحكي صُورَتي مَعهَا فَلَا أصدق فَتقدم القَاضِي بتسليمي إِلَى صَاحب الشرطة فاستقر الْأَمر على عشرَة دَنَانِير أَخَذتهَا مني وغرمت للوكلاء وَأَعْوَان القَاضِي الْأَرْبَع رباعيات الَّتِي أعطتني وَمثلهَا من عِنْدِي فضحكنا مِنْهُ فَخَجِلَ وَخرج من مصر فَلم يعرف لَهُ خبر قَالَ وَنقل من خطّ الشَّيْخ أبي الْوَفَاء بن عقيل قَالَ حُكيَ لي بعض الأصدقاء أَن امْرَأَة جَلَست على بَاب دكان بزار أعزب إِلَى أَن أمست فَلَمَّا أَرَادَ غلق الدّكان تراءت لَهُ فَقَالَ لَهَا مَا هَذَا الْمسَاء فَقَالَت وَالله مَا لي مَكَان أَبيت فِيهِ فَقَالَ لَهَا تمضين معي إِلَى الْبَيْت فَقَالَت نعم فَمضى بهَا إِلَى بَيته وَعرض عَلَيْهَا التَّزْوِيج فأجابت فَتَزَوجهَا وَبقيت عِنْده أَيَّامًا وَإِذا قد جَاءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فِي الْيَوْم الرَّابِع رجل وَمَعَهُ نسْوَة فطلبوها فأدخلهم وَأكْرمهمْ وَقَالَ من أَنْتُم مِنْهَا فَقَالُوا أقاربها ابْن عَم وَبَنَات عَم وَقد سررنا بِمَا سمعنَا من الوصلة غير أَنا نَسْأَلك أَن تتركها تَزُورنَا لعرس بعض أقاربنا فَدخل إِلَيْهَا فَقَالَت لَا تجبهمْ إِلَى ذَلِك وأحلف بطلاقي إِنَّك لَا خرجت من دَاري شهر اليمضي زمن الْعرس فَأَنَّهُ أصلح لي وَلَك وَإِلَّا أخذوني وأفسدوا قلبِي عَلَيْك فَإِنِّي كنت غَضبى وَتَزَوَّجت إِلَيْك بِغَيْر مشاورتهم وَلَا أَدْرِي من قد دلهم إِلَيْك فَخرج فَحلف كَمَا ذكرت لَهُ فَخَرجُوا مأيوسين وأغلق الْبَاب وَخرج إِلَى الدّكان وَقد علق قلبه بِالْمَرْأَةِ فَخرجت وَلم تستصحب من الدَّار شَيْئا فجَاء فَلم يجدهَا فَقَالَ قَائِل ترى مَا الَّذِي قصدت قَالَ أَبُو الْوَفَاء لَعَلَّهَا مستحلة بِهِ لأجل زوج طَلقهَا ثَلَاثًا فليتخوف الْإِنْسَان من مثل هَذَا وليطلع بِهِ على غوامض حيل النَّاس الْبَاب الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فِي مَا ذكر عَن الْحَيَوَان البهيم مِمَّا يشبه كَلَام الْآدَمِيّين أخبرنَا أَبُو سعيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي أحد جناحي الذُّبَاب دَاء وَفِي الآخر شِفَاء وَأَنه ليتقي بِالَّذِي فِيهِ الدَّاء فَإِذا وَقع فِي إِنَاء أحدكُم فليغمسه كُله ثمَّ لينزعه وَعَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا كَانَ يَبِيع الْخمر فِي سفينة وَكَانَ يشوبه بِالْمَاءِ وَكَانَ مَعَه فِي السَّفِينَة قرد فَأخذ القرد الْكيس الَّذِي فِيهِ الدَّنَانِير فَصَعدَ ذرْوَة الدقل فَفتح الْكيس فَجعل يلقِي فِي الْبَحْر دِينَارا وَفِي السَّفِينَة دِينَارا حَتَّى لم يبْق فِيهِ شَيْء قَالَ مُحَمَّد بن نَاصِر قدم رجل على بعض السلاطين وَكَانَ مَعَه عَامل إرمينية منصرفاً إِلَى منزله فَمر فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 طَرِيقه بمقبرة وَإِذا قبر عَلَيْهِ قبَّة مَبْنِيَّة مَكْتُوب عَلَيْهَا هَذَا قبر الْكَلْب فَمن أحب أَن يعلم خَبره فليمضِ إِلَى قَرْيَة كَذَا وَكَذَا فَإِن فِيهَا من يُخبرهُ فَسَأَلَ الرجل عَن الْقرْيَة فدلوه عَلَيْهَا فقصدها وَسَأَلَ أَهلهَا فدلوه على شيخ قد جَاوز الْمِائَة فَسَأَلَهُ فَقَالَ كَانَ فِي هَذِه النَّاحِيَة ملك عَظِيم الشَّأْن وَكَانَ مشتهراً بالنزهة وَالصَّيْد وَالسّفر وَكَانَ لَهُ كلب قد رباه لَا يُفَارِقهُ فَخرج يَوْمًا إِلَى بعض منتزهاته وَقَالَ لبَعض غلمانه قل للطباخ يصلح لنا ثردة لبن فقد اشتهيتها فأصلحوها وَمضى منتزهه فَوجه الطباخ فجَاء بِلَبن وصنع لَهُ ثردة عَظِيمَة وَنسي أَن يغطيها بِشَيْء واشتغل بطبخ أَشْيَاء آخر فَخرج من بعض شقوق الْحِيطَان أَفْعَى فكرع فِي ذَلِك اللَّبن وَمَج فِي الثردة من سمه وَالْكَلب رابض يرى ذَلِك كُله وَلَو كَانَ فِي الأفعى حِيلَة لدفعها وَكَانَ هُنَاكَ جَارِيَة طفلة خرساء زمنة قد رَأَتْ مَا صنع الأفعى ووافى الْملك من الصَّيْد فِي آخر النَّهَار فَقَالَ يَا غلْمَان أول مَا تقدمون إِلَى الثردة فَلَمَّا وضعت بَين يَدَيْهِ أَوْمَأت الخرساء إِلَيْهِ فَلم يفهم مَا تَقول ونبح الْكَلْب وَصَاح فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ ولج فِي الصياح فَلم يعلم مُرَاده فَأخذ وَرمى إِلَيْهِ بِمَا كَانَ يَرْمِي فِي كل يَوْم فَلم يقربهُ ولج فِي الصياح فَقَالَ للغلمان نَحوه عَنَّا فَإِن لَهُ قصَّة وَمد يَده إِلَى اللَّبن فَلَمَّا رَآهُ الْكَلْب يُرِيد أَن يَأْكُل ظفر إِلَى وسط الْمَائِدَة وَأدْخل فَمه الغضارة وكرع من اللَّبن فَسقط مَيتا وتناثر لَحْمه وَبَقِي الْملك مُتَعَجِّبا مِنْهُ وَمن فعله فأومأت الخرساء إِلَيْهِم ففهموا مرادها بِمَا صنع الْكَلْب فَقَالَ الْملك لندمائه وحاشيته أَن من فداني بِنَفسِهِ لحقيق بالمكافأة وَمَا يحملهُ ويدفنه غَيْرِي فدفنه وَبنى عَلَيْهِ قبَّة وَكتب عَلَيْهَا مَا قَرَأت قَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَدَائِنِي كَانَ فِي جوارنا بِبَغْدَاد رجل يلْعَب بالكلاب فاسحر يَوْمًا فِي حَاجَة وَمَعَهُ كلب كَانَ يخْتَص بِهِ من كلابه فَرده فَلم يرجع فَمشى حَتَّى انْتهى إِلَى قوم كَانَ بَينه وَبينهمْ عَدَاوَة فصادفوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 فقبضوا عَلَيْهِ وَالْكَلب يراهم فَخرج الْكَلْب وَقد لحقته جِرَاحَة فجَاء إِلَى بَيت صَاحبه يعوي وافتقدت أم الرجل ابْنهَا فأثبتت أَن الْجراح الَّتِي بالكلب من فعل من قتل ابْنهَا وَأَنه قد تلف فأقامت عَلَيْهِ المأتم فَطُرِدَتْ الْكلاب عَن بَابهَا فَلَزِمَ ذَلِك الْكَلْب طلب الْقَاتِل فاجتاز الْقَاتِل وَهُوَ رابض فَعرفهُ فنهشه وعلق بِهِ فاجتهد المجتازون فِي تخليصه مِنْهُ فَلم يُمكنهُم وَارْتَفَعت ضجة وَجَاء حارس الدَّرْب فَقَالَ إِنَّه لم يعلق هَذَا الْكَلْب بِالرجلِ إِلَّا وَله مَعَه قَضِيَّة وَلَعَلَّه الَّذِي جرحه وَخرجت أم الْقَتِيل فرأت الْكَلْب مُتَعَلقا بِالرجلِ وَسمعت كَلَام الحارس فَذكرت بِأَن هَذَا الرجل مِمَّا كَانَ يعادي ابْنهَا فَوَقع فِي نَفسهَا أَنه قَاتله فتعلقت وَادعت عَلَيْهِ الْقَتْل وارتفعا إِلَى صَاحب الشرطة فحبسه بعد أَن ضرب وَلم يقر وَلزِمَ الْكَلْب بَاب الْحَبْس فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام أطلق الرجل فَلَمَّا خرج علق بِهِ الْكَلْب فَفرق بَينهمَا وَمَا زَالَ يسْعَى خَلفه ويصيح إِلَى أَن دخل بَيته فَدخل خَلفه وَمَعَهُ صَاحب الشرطة من حَيْثُ لَا يعلم فكبس الدَّار فَأقبل الْكَلْب بمخاليبه مَوضِع الْقَتِيل فنبش فَوجدَ الرجل فَضرب الْمُتَّهم فَأقر على نَفسه وعَلى البَاقِينَ فَقتل وصلبوا وَحدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن شَدَّاد قَالَ رَأَيْت رجلا لَهُ كلب يقربهُ ويغطيه بديباج كَانَ عَلَيْهِ فَسَأَلته عَن السَّبَب فَقَالَ كَانَ لي رَفِيق يعاشرني فخرجنا فِي سفر وَكَانَ فِي وسطي هميان فِيهِ جملَة دَنَانِير وَمَعِي مَتَاع كثير فنزلنا فِي مَوضِع فَعمد إليّ فأوثقني كتافاً وَرمى بِي فِي وادٍ وَأخذ مَا كَانَ معي وَمضى وَقعد هَذَا الْكَلْب معي ثمَّ تركني وَمضى فَمَا كَانَ بأسرع من أَن وافاني وَمَعَهُ رغيف فطرحه بَين يَدي فأكلته وَلم أزل أحبو إِلَى مَوضِع فِيهِ مَاء فَشَرِبت مِنْهُ وَلم يزل الْكَلْب معي بَاقِي لَيْلَتي ثمَّ نمت فَفَقَدته فَمَا كَانَ بأسرع إِن وافاني وَمَعَهُ رغيف فأكلته فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث غَابَ عني فَقلت يمْضِي ويجيئني بالرغيف فجَاء وَمَعَهُ الرَّغِيف فَرمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 بِهِ فَلم أستتم أكله إِلَّا وَابْني يبكي على رَأْسِي وَقَالَ مَا تصنع هَهُنَا وَمَا قصتك وَنزل وَحل كتافي وأخرجني فَقلت لَهُ من أَيْن علمت بمكاني وَمن دلك عليّ فَقَالَ كَانَ الْكَلْب يأتينا فِي كل يَوْم فنطرح لَهُ الرَّغِيف على اسْمه فَلَا يَأْكُلهُ وَقد كَانَ مَعَك فأنكرنا رُجُوعه وَلست مَعَه وَكَانَ يحمل الرَّغِيف بفمه وَلَا يذوقه وَيَغْدُو فأنكرنا أمره فاتبعته حَتَّى وقفت عَلَيْك فَهَذَا خبري وَخبر الْكَلْب قَالَ كَانَ للحرث بن صعصعة ندماء لَا يفارقهم فعبث أحدهم بِزَوْجَتِهِ وأرسلها وَكَانَ للحرث كلب قد رباه فَخرج الْحَرْث فِي بعض منتزهاته وتخلف عَنهُ ذَلِك الرجل وَجَاء إِلَى زَوجته فَأَقَامَ عِنْدهَا فَلَمَّا جَامعهَا وثب الْكَلْب عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا فَلَمَّا رَجَعَ الْحَرْث نظر إِلَيْهِمَا فَعرف الْقِصَّة وَترك من كَانَ يعاشره وَاتخذ كَلْبه نديماً فَتحدث بِهِ الْعَرَب فَأَنْشَأَ يَقُول (فللكلب خير من خَلِيل يخونني ... وينكح عرسي بعد وَقت رحيلي) (سأجعل كَلْبِي مَا حييت منادمي ... وأمنحه ودي وصفو خليلي) وَقَالَ ابْن عُبَيْدَة خرج رجل من الْبَصْرَة فَاتبعهُ كلب فَوَثَبَ بِالرجلِ قوم فجرحوه ورموه فِي بِئْر وحثوا عَلَيْهِ التُّرَاب فَلَمَّا انصرفوا أُتِي الْكَلْب رَأس الْبِئْر فبحث حَتَّى ظهر رَأس الرجل وَفِيه نفس يتَرَدَّد فَمر قوم فأخرجوه حَيا قَالَ ابْن خلف وحَدثني بعض أصدقائي قَالَ دخلت بستاناً وَمَعِي كلبان لي قد ربيتهما فَنمت فَإِذا هما ينبحان فانتبهت فَلم أر شَيْئا أنكرهُ فعاودوا النبح فضربتهما ونمت فَإِذا بهما يحركاني بأيديهما وأرجلهما كَمَا يوقظ النَّائِم فَوَثَبت فَإِذا أسود سالح قد قرب مني وَثَبت فَقتلته فَكَانَا سَبَب سلامتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 قَالَت الْحُكَمَاء وَمن فطنة الْكَلْب أَنه إِذا عاين الظباء قريبَة كَانَت أَو بعيدَة عرف المعتلّ وَغير المعتل وَالذكر من الْأُنْثَى فَلم يقْصد الصَّيْد فِيهَا إِلَّا الذّكر وَإِن علم أَنه أَشد عدوا وَأبْعد وثبة ويدع الْأُنْثَى على نُقْصَان عدوها وَسبب ذَلِك أَنه قد علم أَن الذّكر إِذا عدا شوطاً أَو شوطين حقن ببوله وَهَكَذَا كل حَيَوَان إِذا اشْتَدَّ فزعه فَإِنَّهُ يُدْرِكهُ الحقن وَإِذا حقن الذّكر لم يسْتَطع الْبَوْل من شدَّة الْعَدو فيثقل حِينَئِذٍ عدوه وَيقصر مدى خطاه فيلحقه الْكَلْب وَإِمَّا الْأُنْثَى فَإِنَّهَا تحذف بولها لسعة السَّبِيل وسهولة الْمخْرج فَتَصِير بذلك أدوم وَمن فهم الْكَلْب أَنه إِذا خرج الجليد والثلج وَقد تراكم على الأَرْض وَالْكلاب لَا تَدْرِي حِينَئِذٍ أَيْن كناس الظبى وَأَيْنَ جُحر الأرنب فيفر الْكَلْب وَينظر إِلَى أَن يقف على تِلْكَ الجحرة وظنين مَعْرفَته أَن أنفاس الْحَيَوَانَات وبخار أجوافها يذيب مَا لَاقَى من فَم الْجُحر من الثَّلج الجامد حَتَّى يرق وَذَلِكَ خَفِي غامض لَا يَقع عَلَيْهِ إِلَّا الْكَلْب وَأَن الْكَلْب إِذا ظفر بشخص لم ينجه مِنْهُ إِلَّا أَن يقْعد بَين يَدَيْهِ ذليلا فَحِينَئِذٍ لَا ينبحه لِأَنَّهُ يرَاهُ تَحت قدرته فيسمه بميسم ذل حَدثنَا أَبُو بكر بن الحضنة عَن مؤدبه أبي طَالب الْمَعْرُوف بِابْن الدَّلْو وَكَانَ رجلا صَالحا يسكن نهر طابق أَنه كَانَ لَيْلَة من اللَّيَالِي قَاعِدا ينْسَخ قَالَ وَكنت ضيق الْيَد فَخرجت فَأْرَة كَبِيرَة فَجعلت تعدو فِي الْبَيْت ثمَّ خرجت أُخْرَى وَجعلا يلعبان بَين يَدي طاسة فكفيتها على إِحْدَاهمَا فَجَاءَت الْأُخْرَى فَجعلت تَدور حول الطاسة وَأَنا سَاكِت فَدخلت السرب فَخرجت وَفِي فِيهَا دِينَار صَحِيح وَتركته بَين يَدي فاشتغلت بالنسخ وَقَعَدت سَاعَة تنْتَظر ثمَّ رجعت فَجَاءَت بِدِينَار آخر وَقَعَدت سَاعَة إِلَى أَن جَاءَت بأَرْبعَة أَو خَمْسَة وَقَعَدت زَمَانا أطول من كل نوبَة وَرجعت فأخرجت جلدَة كَانَت فِيهَا الدَّنَانِير وتركتها فَوق الدَّنَانِير فَعرفت أَنه مَا بَقِي شَيْء فَرفعت الطاسة ففرتا فدخلتا الْبَيْت وَأخذت أَنا الدَّنَانِير قَالَ مُحَمَّد بن عجلَان مولوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 بن زِيَاد قَالَ دخل زِيَاد مَجْلِسه ذَات يَوْم فَإِذا هُوَ بهر فِي زَاوِيَة الْبَيْت فَذَهَبت أزجره فَقَالَ دَعه فَأرى مَا لَهُ ثمَّ صلى الظّهْر ثمَّ عَاد إِلَى مَجْلِسه ثمَّ صلى الْعَصْر فَعَاد إِلَى مَجْلِسه كل ذَلِك يُلَاحظ الهر فَلَمَّا كَانَ قبل غرُوب الشَّمْس خرج جرذ فَوَثَبَ عَلَيْهِ الهر فَأَخذه فَقَالَ زِيَاد من كَانَت لَهُ حَاجَة فليواظب عَلَيْهَا مواظبة الهر فَإِنَّهُ يظفر بِهِ قَالَ الْقَاسِم بن أبي طَالب التنوخي كنت مَاضِيا إِلَى الأنبار فِي رفْقَة بازيانية للسُّلْطَان فأطلقوا بازاً على دراج فطار فلحق الدراج فَانْتهى الدراج إِلَى غيضة فَدَخلَهَا فَألْقى نَفسه بَين شوك كَانَ فِيهَا وَأخذ من ذَلِك الشوك أصلين كبيرين فِي رجلَيْهِ ونام على قَفاهُ وَرفع رجلَيْهِ فاستتر بذلك من الْبَازِي فَلَمَّا قرب مِنْهُ الْبَازِي طَار فصاده الْبَازِي فَقَالُوا مَا رَأينَا دَرَّاجًا قطّ احذر من هَذَا قَالَ المُصَنّف وَالْعرب تَقول احذر من غراب وَاحْذَرْ من عقعق وَاحْذَرْ من ذِئْب ويزعمون أَن الذِّئْب يبلغ من حذره أَنه يزاوج بَين عَيْنَيْهِ إِذا نَام فَيفتح إِحْدَاهمَا لتَكون حارسه قَالَ حميد بن هِلَال فِي الذِّئْب (ينَام بِإِحْدَى مقلتيه وَيَتَّقِي ... بِأُخْرَى الأعادي فَهُوَ يقظان هاجع) قَالَ العسكري هَذَا محَال لِأَن النّوم يَأْخُذهُ جملَة الْحَيّ قَالَ مؤلف الْكتاب أَرَادوا بذلك أَن يغمض عينا عِنْد بداية النّوم وَيفتح عينا إِلَى أَن يغلب عَلَيْهِ النّوم فَيكون الْكَلَام صَحِيحا وَيَقُولُونَ احذر من ظليم وَهُوَ ذكر النعام رُوِيَ عَن ابْن الْأَعرَابِي عَن هِشَام ابْن سَالم قَالَ أكلت حَيَّة بَيْضَة مكاء فَجعل المكاء يشرشر على رَأسهَا وَيَدْنُو مِنْهَا حَتَّى إِذا فتحت فاها تريده وهمت بِهِ ألْقى فِي فِيهَا حسكة فَأخذت بحلقها حَتَّى مَاتَت وروينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 أَن الهدهد قَالَ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أُرِيد أَن تكون فِي ضيافتي قَالَ سُلَيْمَان أَنا وحدي قَالَ لَا بل الْعَسْكَر كُله فِي جَزِيرَة كَذَا فِي يَوْم كَذَا فَمضى سُلَيْمَان إِلَى هُنَاكَ فَصَعدَ الهدهد إِلَى الجو فصاد جَرَادَة وخنقها وَرمى بهَا فِي الْبَحْر وَقَالَ يَا نَبِي الله إِن كَانَ اللَّحْم قَلِيلا فالمرق كثير فَكُلُوا من فَاتَهُ اللَّحْم ناله المرق فَضَحِك سُلَيْمَان وَجُنُوده من ذَلِك حولا كَامِلا قلت من أَحْوَال الْحَيَوَان البهيم وأفعاله الدَّالَّة على الفطنة أَن العصافير لَا تقيم إِلَّا فِي دَار مسكونة فَإِن هجرها النَّاس لم تقم وَأما الْهِرَّة فَإِنَّهَا تألف الدَّار وَإِن رَحل أَهلهَا وَالْكَلب يرحل مَعَ أهل الدَّار وَلَا يلْتَفت إِلَى الدَّار وَمَتى طرقت العصافير آفَة استغاثت فأغاثها كل عُصْفُور يسمع حَتَّى أَنه قد يَقع فرخها فيستغيث فَلَا يلقى عُصْفُور يسمع إِلَّا جَاءَ فيطيرون حول الفرخ ويحركونه بأفعالهم فيحدثون لَهُ بذلك قُوَّة وحركة حَتَّى يطير مَعَهم قَالَ بعض الصيادين رُبمَا رَأَيْت العصفور على حَائِط فأومي بيَدي إِلَى الأَرْض كأنني أتناول شَيْئا فَلَا يَتَحَرَّك فَإِن مسست بيَدي حَصَاة طَار قبل أَن تتمكن مِنْهَا يَدي الْحمام إِذا علم الذّكر أَن الْأُنْثَى قد حملت اشْتغل هُوَ وَهِي بِعَمَل العش وأشخصا لَهَا حروفاً تحفظ الْبيض ثمَّ سخناها ونفيا عَنْهَا طباعها وأحدثا لَهَا طبيعة أُخْرَى مستخرجة من رَائِحَة أبدانها ثمَّ يقلبان الْبيض فِي الْأَيَّام فتأخذ الْبَيْضَة نصِيبهَا من الحضن وساعات الحضن أَكْثَرهَا على الْأُنْثَى كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تكفل الْحَضَانَة فَإِذا صَار الْبيض فراخاً كَانَ أَكثر الزق على الذّكر وَمَتى انصدع الْبيض علما أَن حواصل الْفِرَاخ لَا تتسع للغذاء فينفخان الرّيح فِي حلوقهما لتنتفخ الحوصلة وتتسع ثمَّ يعلمَانِ أَنه لَا يصلح أَن يزق الطَّعَام فيزقان اللعاب الْمُخْتَلط بقواهما وقوى الطَّعَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 كاللبا ثمَّ يعلمَانِ أَن الحوصلة تحْتَاج إِلَى دبغ وتقوية فيأكلان من سورج الْحِيطَان وَهُوَ شئ بَين الْملح الْخَالِص وَبَين التُّرَاب المالح فيزقانه فَإِذا علما أَنه قد اشْتَدَّ زقاه الْحبّ فَإِذا علما أَنه قد أطلق أَن يلقط منعاه بعض الْمَنْع ليحتاج إِلَى اللقط فيعوده فَإِذا علما أَنه قد قوي على ذَلِك ضرباه إِذا سَأَلَهُمَا الْكِفَايَة ومنعاه ثمَّ يبتدئان لغيره فيبتدئ الذّكر بِالدُّعَاءِ وتبتدئ الْأُنْثَى بالتأني والاستدعاء ثمَّ ترفق وتتشكل ثمَّ تمْتَنع فتحبب ثمَّ يتعاشقان ويتطاوعان وَيحدث لَهما من الْغَزل والتقبيل والرشف والتنين إِذا هَلَكت زَوجته لم يتَزَوَّج وَكَذَلِكَ هِيَ وَالْعَنْكَبُوت تنسج بِمَا هُوَ يسكنهَا شبكة للذباب فَإِذا تعرقلت فِيهَا صادها ويروى أَن اللَّيْث وَهُوَ صنف من العناكب يلطا بِالْأَرْضِ وَيجمع نَفسه وَيرى الذُّبَاب أَنه لاه عَنهُ ثمَّ يثب وثوب الفهد فيصيدها والثعلب إِذا أعوزه الْقُوت تماوت وَنفخ بَطْنه فيحسبه الطير مَيتا فَإِذا وَقع عَلَيْهِ وثب عَلَيْهَا والخفاش ضَعِيف الْبَصَر فَلَا يطير إِلَّا عِنْد الْغُرُوب لِأَنَّهُ وَقت لَا ضوء فِيهِ يغلب بَصَره وَلَا ظلمَة والنملة والذرة تدخر فِي الصَّيف للشتاء ثمَّ تخَاف على المدخر من الْحُبُوب العفن فتخرجه فتنشره ليضربه الْهَوَاء وَرُبمَا اخْتَارَتْ ذَلِك فِي ليَالِي الْقَمَر لِأَنَّهَا فِيهِ أبْصر فَإِن كَانَ مَكَانهَا ندياً وخافت أَن تنْبت نقرت وسط الْحبَّة كَأَنَّهَا تعلم أَنَّهَا تنْبت من ذَلِك الْمَكَان وفلقتها نِصْفَيْنِ فَإِن كَانَ كزبرة فلقتها أَربع لِأَن أَنْصَاف الكزبرة تنْبت من بَين جَمِيع الْحُبُوب فَهِيَ من الشم مَا لَيْسَ لشَيْء وَرُبمَا أكل الْإِنْسَان الْجَرَاد أَو مَا أشبهه فَتسقط من يَده الْوَاحِدَة أَو بَعْضهَا وَلَيْسَ بِقُرْبِهِ ذرة فَلَا تلبث تقبل ذرة أَو نملة قاصدة إِلَى تِلْكَ الجرادة فتحاول نقلهَا إِلَى موضعهَا فتعجز فتكر رَاجِعَة إِلَى بَيتهَا فَلَا تلبث أَن تقبل وَخَلفهَا كالخيط الْأسود فتتعاون فتحملها فَانْظُر إِلَى صدق الشم لما لَا يشمه الْإِنْسَان ثمَّ إِلَى نقد الهمة إِلَى الجرأة فِي محاولة نقل شَيْء وَزنهَا خَمْسمِائَة مرّة أَو أَكثر وَأَقل أَن تلقى أُخْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 إِلَّا وقفت مَعهَا وحدثتها وَيدل على كَلَامهَا قَوْله تَعَالَى {قَالَت نملة يَا أَيهَا النَّمْل ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ} وَمن الْحَيَّات مَا يغمس ذَنبه فِي الرمل وينتصب قَائِما نصف النَّهَار فِي شدَّة الْحر فَيَجِيء الطَّائِر فَيكْرَه الْوُقُوع على الرمل لحره فَيَقَع على رَأس الْحَيَّة على أَنَّهَا عود فتقبض عَلَيْهِ وَزعم قوم أَن الْحَيَّة فِي بِلَادهمْ تَأتي الْبَقَرَة فتنطوي على فَخذهَا وتلتقم الثدي فَلَا تَسْتَطِيع الْبَقَرَة أَن تتزمزم فتمتص اللَّبن وَمن فهم اليربوع لَا يتَّخذ حجره إِلَّا فِي كدوة وَهُوَ الْموضع الصلب ليرتفع عَن السَّيْل فَيسلم من مجاري الْمِيَاه ومدق الْحَافِر فيحفر فِي الصلابة ويعمق ثمَّ يتَّخذ فِي زَوَايَا بَيته القاصعاء والنافقاء والرامقاء والرهطاء بيُوت قد اتخذها ورق أَبْوَابهَا فَإِذا أحس شرا دفع بَعْضهَا وَخرج وَلما علم من نَفسه أَنه كثير النسْيَان لم يحْفر بَيته إِلَى عِنْد أكمة أَو صَخْرَة أَو شَجَرَة ليَكُون إِذا تبَاعد عَن حجره لطلب طعمه أَو خوف حسن اهتداؤه إِلَيْهِ والظبي لَا يدْخل كناسه إِلَّا وَهُوَ مستدير يسْتَقْبل بِعَيْنيهِ مَا يخَاف على نَفسه وخشفه والضبة تبيض سِتِّينَ بَيْضَة ثمَّ تسد عَلَيْهِنَّ بَاب حجرها ثمَّ تدعهن أَرْبَعِينَ صباحاً ثمَّ تحفر عَنْهُن وَقد انْشَقَّ الْبيض والنسر كثير الشره فَإِذا امْتَلَأَ من الْجِيَف لم يسْتَطع الطيران فيثب وثبات ويدور حول مسقطه مَرَّات ثمَّ يرفع نَفسه طبقَة طبقَة فِي الْهَوَاء حَتَّى يدْخل الرّيح تَحْتَهُ فيرفعه والسنور يرى الْفَأْرَة فِي السّقف فيحرك يَده كالمشير لَهَا بِالْعودِ فتعود ثمَّ يُشِير إِلَيْهَا بِالرُّجُوعِ فترجع وَإِنَّمَا يطْلب أَن تنزلق فَلَا يزَال يفعل ذَلِك حَتَّى تسْقط والأسد رُبمَا حبس العنز بِيَمِينِهِ وَطعن بمخلب يسَاره فِي لبته وَقد أقفاه على مؤخرة فيتلقى دَمه شاخباً فِي فِيهِ كَأَنَّهُ ينصب من فوارة حَتَّى إِذا شربه واستفرغه شقّ بَطْنه والبق يخرج لطلب الرزق فَيعرف أَن الَّذِي يعيشه الدَّم فَإِذا أبْصر الجاموس علم أَن خلف جلده غذاءه فَسقط عَلَيْهِ وَطعن بخرطومه وَهُوَ واثق بنفوذ سلاحه وَالْعِقَاب لَا تكَاد تعاني الصَّيْد بل تقف على مَوضِع عالٍ فَإِذا اصطاد بعض الطير شَيْئا انْقَضتْ عَلَيْهِ فَإِذا أبصره لم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 لَهُ همة إِلَّا الْهَرَب وَترك صَيْده فِي يَدهَا وَكَذَلِكَ الْحَيَّة لَا تحفر موضعا تسكنه وَلَا تهتم بذلك بل تَأتي إِلَى الْمَكَان الَّذِي حفره غَيرهَا فتسكنه فينفر عَن ذَلِك الْمَكَان والأيل يذهب قرنه فِي كل عَام فَإِذا علم أَنه قد هلك سلاحه لم يظْهر من مَخَافَة السَّبع فَإِذا قَامَ فِي مَوْضِعه سمن فَيعلم أَن حركته تبطيء فيزيد فِي استخفائه فَإِذا ظهر قرنه تعرض للشمس وَالرِّيح وَأكْثر الْحَرَكَة والذهاب ليذْهب شحمه ولحمه فَإِذا استقام قرنه عَاد إِلَى عَادَته الأولى وَهُوَ يَأْكُل الْحَيَّات فيعتريه عَطش شَدِيد فيدور حول المَاء وَلَا يحجزه عَن ذَلِك إِلَّا علمه بِأَن المَاء ينفذ السمُوم فيسرع هَلَاكه وبيوت الزنابير مَبْنِيَّة من زبد المدود والقنفذ وَابْن عرس إِذا ناهشا الأفعى والحيات الْكِبَار تعالجا بِأَكْل الصعتر الْبري وَالْعِقَاب إِذا اشتكت كَبِدهَا من رَفعهَا الأرنب والثعلب فِي الْهَوَاء وحطها لذَلِك مرَارًا فَإِنَّهَا لَا تَأْكُل إِلَّا من الأكباد حَتَّى يبرأ وجعها وَإِذا وضعت الْفَأْرَة وَالْعَقْرَب فِي إِنَاء زجاج قرصت الْفَأْرَة طرف إبرة الْعَقْرَب فَسلمت من شَرها ثمَّ قتلتها كَيفَ شَاءَت وَإِذا وضعت الدب الْأُنْثَى وَلَدهَا كَانَ حِينَئِذٍ كقدرة لحم غير مَفْهُوم الْجَوَارِح فخافت عَلَيْهِ الذَّر فَرَفَعته فِي الْهَوَاء أَيَّامًا وتحوله من مَوضِع إِلَى مَوضِع إِلَى أَن يشْتَد والسمك إِذا حصلت فِي الشبكة وَلم تستطع الْخُرُوج علمت أَنه لَا ينجيها إِلَّا الْوُثُوب فتتأخر قدر رمح ثمَّ تقبل واثبة نَحْو عشرَة أَذْرع فتخرق الشبكة والفهد إِذا سمن علم أَنه مَطْلُوب وَأَن حركته قد ثقلت فَهُوَ يخفي نَفسه بِجهْدِهِ حَتَّى يَنْقَضِي الزَّمَان الَّذِي يسمن فِيهِ الفهود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الْبَاب الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ فِي ذكر مَا ضَربته الْعَرَب والحكماء مثلا على أَلْسِنَة الْحَيَوَان البهيم مِمَّا يدل على الذكاء تَقول الْعَرَب احذر من غراب وَيَقُولُونَ قَالَ الْغُرَاب لِابْنِهِ إِذا رميت فتلوص أَي تلوى قَالَ يَا أَبَت إِنِّي أتلوص قبل أَن أرمي قَالَ الشّعبِيّ مرض الْأسد فعاده السبَاع مَا خلا الثَّعْلَب فَقَالَ الذِّئْب أَيهَا الْملك مَرضت فعادك السبَاع إِلَّا الثَّعْلَب قَالَ فَإِذا حضر فَأَعْلمنِي فَبلغ ذَلِك الثَّعْلَب فجَاء فَقَالَ لَهُ الْأسد يَا أَبَا الْحصين مَرضت فعادني السبَاع كلهم وَلم تعدني أَنْت قَالَ بَلغنِي مرض الْملك فَكنت فِي طلب الدَّوَاء لَهُ قَالَ فَأَي شَيْء أصبت قَالَ قَالُوا لي خرزة فِي سَاق الذِّئْب يَنْبَغِي أَن تخرج فَضرب الْأسد بمخاليبه سَاق الذِّئْب فانسل الثَّعْلَب وَخرج فَقعدَ على الطَّرِيق فَمر بِهِ الذِّئْب وَالدَّم يسيل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الثَّعْلَب يَا صَاحب الْخُف الْأَحْمَر إِذا قعدت بعد هَذَا عِنْد سُلْطَان فَانْظُر مَا يخرج من رَأسك قَالَ الشّعبِيّ أخْبرت أَن رجلا صَاد قنبرة فَلَمَّا صَارَت فِي يَده قَالَت مَا تُرِيدُ أَن تصنع بِي قَالَ أذبحك وآكلك قَالَت مَا أشفي من مرض وَلَا أشْبع من جوع وَلَكِن أعلمك ثَلَاث خِصَال خير لَك من أكلي إِمَّا وَاحِدَة أعلمك وَأَنا فِي يدك وَالثَّانيَِة على الشَّجَرَة وَالثَّالِثَة على الْجَبَل فَقَالَ هَات الْوَاحِدَة قَالَت لَا تلهفن على مَا فاتك قَالَ فَلَمَّا صَارَت على الشَّجَرَة قَالَ لَهَا هَات الثَّانِيَة قَالَت لَهُ لَا تصدق بِمَا لَا يكون أَن يكون فَلَمَّا صَارَت على الْجَبَل قَالَت لَهُ يَا شقي لَو ذبحتني أخرجت من حوصلتي ذرتين فِي كل وَاحِدَة عشرُون مِثْقَالا قَالَ فعض على شَفَتَيْه وتلهف ثمَّ قَالَ لَهَا هَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الثَّالِثَة قَالَت أَنْت قد نسيت اثْنَيْنِ فَكيف أحَدثك بالثالثة ألم أقل لَك لَا تلهفن على مَا فاتك وَلَا تصدق بِمَا لَا يكون أَن يكون أَنا وريشي ولحمي لَا أكون عشْرين مِثْقَالا قَالَ وطارت فَذَهَبت حَدثنَا عُثْمَان بن عَطاء عَن أَبِيه قَالَ نصب رجل من بني إِسْرَائِيل فخاً من نَاحيَة الطَّرِيق فجَاء عُصْفُور فَسقط ثمَّ انْطلق إِلَى الفخ فَقَالَ للفخ مَالِي أَرَاك متباعداً عَن الطَّرِيق قَالَ اعتزل شرور النَّاس قَالَ فَمَالِي أَرَاك ناحل الْجِسْم قَالَ أنحلتني الْعِبَادَة قَالَ فَمَا هَذَا الْحَبل على عطفيك قَالَ المسوح وَالشعر لبس الرهبان والزهاد قَالَ فَمَا هَذِه الْعَصَا فِي يدك قَالَ أتوكأ عَلَيْهَا قَالَ فَمَا هَذِه الْحبَّة فِي فِيك قَالَ رصدتها لِابْنِ السَّبِيل أَو مُحْتَاج قَالَ فَأَنا ابْن سَبِيل ومحتاج قَالَ فدونك قَالَ فَوضع العصفور رَأسه فِي الفخ فَأخذ بعنقه فَقَالَ العصفور سيق سيق ثمَّ قَالَ لَا غرني بعْدك قَارِئ مرائي مرّة أُخْرَى قَالَ مُجَاهِد هَذَا مثل ضربه الله عزّ وجلّ لقِرَاءَة مرائين فِي آخر الزَّمَان قَالَ مَالك بن دِينَار مثل قراء هَذَا الزَّمَان كَمثل رجل نصب فخاً وَنصب فِيهِ برة فجَاء عُصْفُور فَقَالَ مَا غيبك فِي التُّرَاب قَالَ التَّوَاضُع قَالَ لأي شَيْء انْحَلَّت قَالَ من طول الْعِبَادَة قَالَ فَمَا هَذِه الْبرة المنصوبة فِيك قَالَ أعددتها للصائمين فَقَالَ نعم الْخَبَر أَنْت فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْمغرب دنا العصفور ليأخذها فخنقه الفخ فَقَالَ العصفور الْعِبَادَة تخنق كخنقك فَلَا خير حِينَئِذٍ فِي الْعِبَادَة بعد الْيَوْم قَالَ حَدثنَا الْمعَافي ابْن زَكَرِيَّا قَالَ زَعَمُوا أَن أسداً وذئباً وثعلباً اصطحبوا فَخَرجُوا يتصيدون فصادوا حمارا وظبياً وأرنباً فَقَالَ الْأسد للذئب أقسم بَيْننَا صيدنا قَالَ الْأَمر أبين من ذَلِك الْحمار لَك والأرنب لأبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 لَهُ فَأخذ فِي التحيل فلاح لَهُ ضوء فَنقبَ فَخرج بِهِ إِلَى قَضَاء فتخلص وخلصهما قَالَ كَانَ أَبُو أَيُّوب المرزباني وَهُوَ وَزِير الْمَنْصُور إِذا دَعَاهُ يصفر ويرعد فَإِذا خرج من عِنْده عَاد لَونه فَقَالُوا لَهُ إِنَّا نرَاك مَعَ كَثْرَة دخولك إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وأنسه بك تَتَغَيَّر إِذا دخلت عَلَيْهِ فَقَالَ مثلي ومثلكم فِي هَذَا مثل بازي وديك تناظرا فَقَالَ الْبَازِي للديك مَا أعرف أقل وَفَاء مِنْك قَالَ وَكَيف قَالَ تُؤْخَذ بَيْضَة فيحضنك أهلك وَتخرج على أَيْديهم فيطعمونك بأكفهم حَتَّى إِذا كَبرت صَار لَا يدنو مِنْك أحد إِلَّا طرت هَهُنَا وَصحت هَهُنَا فَإِن عَلَوْت حَائِطا كنت فِي سِنِين طرت مِنْهَا وتركتها وصرت إِلَى غَيرهَا وَأَنا أوخذ من الْجبَال وَقد كبر سني فأطعم الشَّيْء الْيَسِير وأوثق يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ أطلق على الصَّيْد فأطير وحدي فَآخذهُ وأجيء بِهِ لصاحبي فَقَالَ لَهُ الديك ذهبت عَنْك الْحجَّة أما أَنَّك لَو رَأَيْت بازين فِي سفود مَا عدت إِلَيْهِم أبدا وَأَنا كل وَقت أرى السَّفَافِيد مَمْلُوءَة ديوكاً وأبيت مَعَهم فَأَنا أوفى مِنْك وَلَكِن لَو عَرَفْتُمْ من الْمَنْصُور مَا أعرف لكنتم أَسْوَأ حَالا مني عِنْد طلبه إيَّاكُمْ قَالُوا وَرَأَتْ الضبع ظَبْيَة على حمَار فَقَالَت أردفيني فأردفتها فَقَالَت مَا أفره حِمَارك ثمَّ سَارَتْ يَسِيرا فَقَالَت مَا أفره حِمَارك فَقَالَت الظبية انزلي قبل أَن تقولي مَا أفره حماري قَالُوا وصادت الضبع ثعلباً فَقَالَ الثَّعْلَب مني على أم عَامر فَقَالَت خيرتك خَصْلَتَيْنِ إِمَّا أَن آكلك وَإِمَّا أَن أوكلك فَقَالَ الثَّعْلَب أما تذكرين أم عَامر الَّتِي نكحت فِي دارها فَقَالَت الضبع مَتى ذَا فانفتح فوها فَأَفلَت الثَّعْلَب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 مُعَاوِيَة والظبي لي قَالَ فخبطه الْأسد فاندر رَأسه ثمَّ أقبل على الثَّعْلَب وَقَالَ قَاتله الله مَا أجهله بِالْقِسْمَةِ ثمَّ قَالَ هَات أَنْت قَالَ الثَّعْلَب يَا أَبَا الْحَارِث الْأَمر أوضح من ذَلِك الْحمار لغدائك والظبي لعشائك وتخلل بالأرنب فِي بَين ذَلِك قَالَ الْأسد وَيحك مَا أقضاك من علمك هَذِه الْقَضِيَّة قَالَ رَأس الذِّئْب النَّادِر بَين عَيْني وَذكر الْحُكَمَاء فِي أمثالهم قَالُوا قيل للذئب مَا بالك تعدو أسْرع من الْكَلْب فَقَالَ لِأَنِّي أعدو لنَفْسي وَالْكَلب يعدو لصَاحبه وَذكر أَبُو هِلَال العسكري قَالَ قَالَت الْعَرَب وجدت الضبع تَمْرَة فاختلسها الذِّئْب فلطمته لطمة فتحاكما إِلَى الضَّب فَقَالَت يَا أَبَا الخسيل قَالَ سميعاً دَعَوْت قَالَت جئْنَاك نحتكم إِلَيْك قَالَ فِي بَيته يُؤْتى الحكم قَالَت إِنِّي التقطت تَمْرَة قَالَ حلواً جنيت قَالَت إِن الثَّعْلَب أَخذهَا قَالَ حَظّ نَفسه بغى قَالَت لطمته قَالَ أشفيت والبادئ أظلم قَالَت فلطمني قَالَ حر انتصر لنَفسِهِ قَالَت اقضِ بَيْننَا قَالَ قضيت قَالُوا حدث الْمُخَاطب حديثين فَإِن لم يفهم فَأَرْبَعَة قَالَ العسكري الْمَعْنى أَن لم يفهم حديثين كَانَ مِمَّن لَا يفهم أَرْبَعَة أقرب قَالَ وَقَالَ بعض الْعلمَاء إِنَّمَا هُوَ فأربع أَي أمسك وَذَلِكَ غلط قَالُوا وصادت حدأة سَمَكَة فهمت ببلعها فَقَالَت لَا تفعلي فَإنَّك إِن أكلتيني لم أشبعك وَلَكِن استحلفيني بِمَا شِئْت إِنَّنِي آتِيك كل يَوْم بِسَمَكَةٍ ففتحت فاها لتحلفها فانسابت مِنْهَا فَقَالَت ارجعي فَقَالَت مَا رَأَيْت فِي مجيئي إِلَيْك خيرا فأعود قَالُوا وَكَانَ رجل فِي صحراء فَعرض لَهُ الْأسد فهرب مِنْهُ فَوَقع فِي بِئْر فَوَقع الْأسد خَلفه فَإِذا فِي الْبِئْر دب فَقَالَ لَهُ الْأسد مُنْذُ كم أَنْت هَهُنَا قَالَ مُنْذُ أَيَّام وَقد قتلني الْجُوع أَنا وَأَنت نَأْكُل هَذَا وَقد شبعنا فَقَالَ الدب فَإِذا عاودنا الْجُوع فَمَا نصْنَع وَإِنَّمَا الرَّأْي أَن نحلف لَهُ أننا لَا نأذيه ليحتال لخلاصنا وخلاصه فَإِنَّهُ أقدر على الْحِيلَة منا فَحَلفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 قَالُوا وَأَوْلَمَ طَائِر وَلِيمَة فَأرْسل يَدْعُو بعض إخوانه فغلط بعض رسله فجَاء إِلَى الثَّعْلَب فَقَالَ أَخُوك يَدْعُوك فَقَالَ السّمع وَالطَّاعَة فَلَمَّا رَجَعَ أخبر الطَّائِر فاضطربت الطُّيُور وَقَالُوا أهلكتنا وعرضتنا للحتف فَقَالَت القنبرة أَنا أصرفه عَنْكُم بحيلة فمضت فَقَالَت أَخُوك يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول لَك الْوَلِيمَة يَوْم الِاثْنَيْنِ فَأَيْنَ تحب أَن يكون مجلسك مَعَ الْكلاب السلوقية أَو مَعَ الْكلاب الكردية فتجرعها الثَّعْلَب وَقَالَ أبلغي أخي السَّلَام وَقَوْلِي لَهُ أَبُو سرُور يُقْرِئك السَّلَام وَلَكِن قد تقدم لي نذر مُنْذُ دهر بِصَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس قَالَ أَبُو عُمَيْر الصُّورِي مر تَيْس بزق ففر مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الزق تنفر مني مثلك كنت ومثلي تكون قَالَ أَبُو سليم الْخطابِيّ من أمثلتهم قَوْلهم لَا أُرِيد ثوابك اكْفِنِي عذابك وَمثله قَول الشَّاعِر (كفاني الله شرك يَا خليلي ... فإمَّا الْخَيْر مِنْك فقد كفاني) قَالَ أَبُو سُلَيْمَان نظيرة قَوْلهم يدك عني وَأَنا فِي عَافِيَة وأصل هَذَا فِي مَا يتَكَلَّم بِهِ النَّاس على أَلْسِنَة الْبَهَائِم أَن فَأْرَة سَقَطت من السّقف فظفرت الْهِرَّة بحملها تَقول بِسم الله عَلَيْك فَقَالَت الْفَأْرَة يدك عني وَأَنا فِي عَافِيَة قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله سَمِعت عَليّ بن الْحُسَيْن الْوَاعِظ يَحْكِي أَن عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مر على حَوَّاء يطارد حَيَّة ليأخذها فَقَالَت الْحَيَّة يَا روح الله قل لَهُ لَئِن لم يلْتَفت عني لأضربنه ضربا أقطعه قطعا فَمر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ عَاد وَإِذا الْحَيَّة فِي سلته فَقَالَ لَهَا عِيسَى أَلَسْت الْقَائِل كَذَا وَكَذَا فَكيف صرت مَعَه فَقَالَت يَا روح الله إِنَّه حلف لي فلئن غدرني فسم غدره أضرّ عَلَيْهِ من سمي وَالله الْمُوفق للصَّوَاب تمّ الْكتاب بعون الْملك الْوَهَّاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245