الكتاب: رسالة المسترشدين المؤلف: الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله (المتوفى: 243هـ) المحقق: عبد الفتاح أبو غدة الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب - سوريا الطبعة: الثانية، 1391 - 1971 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- رسالة المسترشدين الحارث المحاسبي الكتاب: رسالة المسترشدين المؤلف: الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله (المتوفى: 243هـ) المحقق: عبد الفتاح أبو غدة الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب - سوريا الطبعة: الثانية، 1391 - 1971 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الأول الْقَدِيم الْوَاحِد الْجَلِيل الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَبيه وَلَا نَظِير أَحْمَده حمدا يوافي نعمه ويبلغ مدى نعمائه وَأشْهد أَن لَا إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة عَالم بربوبيته عَارِف بوحدانيته وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اصطفاه لوحيه وَختم بِهِ أنبياءه وَجعله حجَّة على جَمِيع خلقه {ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة وَيحيى من حَيّ عَن بَيِّنَة} وَأَن الله عز وَجل اجتبى من عباده الْمُؤمنِينَ ذَوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الْأَلْبَاب الْعَالمين بِهِ وبأمره فوصفهم بِالْوَفَاءِ والأخلاق الفاضلة وَالْخَوْف والخشية فَقَالَ عز وَعلا إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الْأَلْبَاب الَّذين يُوفونَ بِعَهْد الله وَلَا ينقضون الْمِيثَاق وَالَّذين يصلونَ مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل ويخشون رَبهم وَيَخَافُونَ سوء الْحساب فَمن شرح الله صَدره وَوصل التَّصْدِيق إِلَى قلبه وَرغب فِي الْوَسِيلَة إِلَيْهِ لزم منهاج ذَوي الْأَلْبَاب برعاية حُدُود الشَّرِيعَة من كتاب الله تَعَالَى وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا اجْتمع عَلَيْهِ المهتدون من الْأَئِمَّة وَهَذَا هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ عباده فَقَالَ جلّ وَعز {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وَاعْلَم أَن فَرِيضَة كتاب الله الْعَمَل بِحكمِهِ من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَوْف والرجاء لوعده ووعيده وَالْإِيمَان بمتشابهه وَالِاعْتِبَار بقصصه وَأَمْثَاله فَإِذا أتيت بذلك فقد خرجت من ظلمات الْجَهْل إِلَى نور الْعلم وَمن عَذَاب الشَّك إِلَى روح الْيَقِين قَالَ الله جلّ ذكره {الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَإِنَّمَا يُمَيّز ذَلِك ويرغب فِيهِ أهل الْعقل عَن الله الَّذين عمِلُوا فِي إحكام الظَّاهِر وتنزهوا عَن الشّبَه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ذَلِك أُمُور مُشْتَبهَات) تَركهَا خير من أَخذهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 فافحص عَن النِّيَّة واعرف الْإِرَادَة فَإِن المجازاة بِالنِّيَّةِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 والزم تقوى الله فَإِن (الْمُسلم من سلم النَّاس من يَده وَلسَانه وَالْمُؤمن من أَمن النَّاس بوائقه) قَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ اتَّقِ الله بِطَاعَتِهِ وأطع الله بتقواه ولتخف يداك من دِمَاء الْمُسلمين وبطنك من أَمْوَالهم وَلِسَانك من أعراضهم وحاسب نَفسك فِي كل خطرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وراقب الله فِي كل نفس قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ حاسبوا أَنفسكُم قبل أَن تحاسبوا وزنوها قبل أَن توزنوا وتزينوا للعرض الْأَكْبَر يَوْم لَا تخفى مِنْكُم خافية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وخف الله فِي دينك وارجه فِي جَمِيع أمورك واصبر على مَا أَصَابَك قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ لَا تخف إِلَّا ذَنْبك وَلَا ترج إِلَّا رَبك وَلَا يستحي الَّذِي يعلم أَن يسْأَل حَتَّى يعلم وَلَا يستحي من يسْأَل عَمَّا لَا يعلم أَن يَقُول لَا أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وَاعْلَم أَن الصَّبْر من الْإِيمَان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد فَإِذا قطع الرَّأْس ذهب الْجَسَد وَإِذا سَمِعت كلمة تغضبك فِي عرضك فَاعْفُ وَاصْفَحْ فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من خَافَ الله لم بشف غيظه وَمن اتَّقَاهُ لم يصنع مَا يُرِيد وَلَوْلَا يَوْم الْقِيَامَة لَكَانَ غير مَا ترَوْنَ وراع همك واشتغل بإصلاح نَفسك عَن عيب غَيْرك فَإِنَّهُ كَانَ يُقَال كفى بِالْمَرْءِ عَيْبا أَن يستبين لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 من النَّاس مَا يخفى عَلَيْهِ من نَفسه أَو يمقت النَّاس فِيمَا يَأْتِي مثله أَو يُؤْذِي جليسه أَو يَقُول فِي النَّاس مَا لَا يعنيه وَاسْتعْمل لله عقلك بترك التَّدْبِير واستعن بِاللَّه على صرف الْمَقَادِير قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَا ابْن آدم لَا تفرح بالغنى وَلَا تقنط بالفقر وَلَا تحزن بالبلاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وَلَا تفرح بالرخاء فَإِن الذَّهَب يجرب بالنَّار وَإِن العَبْد الصَّالح يجرب بالبلاء وَإنَّك لَا تنَال مَا تُرِيدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 إِلَّا بترك مَا تشْتَهي وَلنْ تبلغ مَا تؤمل إِلَّا بِالصبرِ على مَا تكره وابذل جهدك لرعاية مَا افْترض عَلَيْك وَارْضَ بِمَا أرادك الله بِهِ قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ ارْض بِمَا قسم الله لَك تكن من أغْنى النَّاس واجتنب مَا حرم الله عَلَيْك تكن من أورع النَّاس وأد مَا افْترض الله عَلَيْك تكن من أعبد النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَلَا تشك من هُوَ أرْحم بك إِلَى من لَا يَرْحَمك واستعن بِاللَّه تكن من أهل خاصته قَالَ عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ أظهر الْيَأْس مِمَّا فِي أَيدي النَّاس فَإِنَّهُ الْغنى وَإِيَّاك والطمع وَطلب الْحَاجَات فَإِنَّهُ الْفقر وَإِذا صليت فصل صَلَاة مُودع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وَاعْلَم أَنَّك لن تَجِد طعم الْإِيمَان حَتَّى تؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَكن بِالْحَقِّ عَاملا يزدك الله نورا وبصيرة وَلَا تكن مِمَّن يَأْمر بِهِ وينأى عَنهُ فيبوء بإثمه ويتعرض لمقت ربه قَالَ الله عز وَجل {كبر مقتا عِنْد الله أَن تَقولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من وعظ وَلم يتعظ وزجر وَلم ينزجر وَنهى وَلم ينْتَه فَهُوَ عِنْد الهل من الخائبين) وَلَا تخالط إِلَّا عَاقِلا تقيا وَلَا تجَالس إِلَّا عَالما بَصيرًا وَقد سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي جلسائنا خير قَالَ (من ذكركُمْ بِاللَّه رُؤْيَته وزادكم فِي علمكُم مَنْطِقه وذكركم بِالآخِرَة عمله) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وتواضع للحق واخضع لَهُ وأدم ذكر الله تنَلْ قربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (جلساء الله يَوْم الْقِيَامَة الخاضعون المتواضعون الخائفون الذاكرون الله كثيرا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وابذل النَّصِيحَة لله وَلِلْمُؤْمنِينَ وشاور فِي أَمرك الَّذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 يَخْشونَ الله قَالَ الله عز وَجل {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الدّين النَّصِيحَة) وَاعْلَم أَن من نصحك فقد أحبك وَمن داهنك فقد غشك وَمن لم يقبل نصيحتك فَلَيْسَ بِأَخ لَك قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لَا خير فِي قوم لَيْسُوا بناصحين وَلَا خير فِي قوم لَا يحبونَ الناصحين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وآثر الصدْق فِي كل موطن تغنم وَاعْتَزل الفضول تسلم فَإِن الصدْق يهدي إِلَى الْبر وَالْبر يهدي إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 رضَا الله تَعَالَى وَالْكذب يهدي إِلَى الْفُجُور والفجور يُورث سخط الله وَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لَا تَتَكَلَّم فِيمَا لَا يَعْنِيك وَلَا تمار سَفِيها وَلَا حَلِيمًا وَاذْكُر أَخَاك بِمَا تحب أَن تذكر بِهِ واعمل عمل رجل يعلم أَنه مجازى بِالْإِحْسَانِ مَأْخُوذ بالإجرام وأدم شكرك واقصر من أملك وزر الْقُبُور بهمك وَجل فِي الْحَشْر بقلبك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وَقَالَ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ اعْمَلْ كَأَنَّك ترى وعد نَفسك فِي الْمَوْتَى وَاعْلَم أَن الشَّرّ لَا ينسى وَالْخَيْر لَا يفنى وَاعْلَم أَن قَلِيلا يُغْنِيك خير من كثير يُلْهِيك وَإِيَّاك ودعوة الْمَظْلُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 ثمَّ رم جهازك وافرغ من زادك وَكن وَصِيّ نَفسك وَلَا تجْعَل الرِّجَال أوصياءك واعقل أَمرك وتيقظ من سنتك فَإنَّك مسئول عَن عمرك قَالَ أَبُو أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ لَو عقل ابْن آدم عَن ربه كَانَ خيرا لَهُ من جهاده وَاعْلَم أَن من جعل همه الْآخِرَة كَفاهُ الله امْر دُنْيَاهُ كَمَا كَمَا ذكر فِي الحَدِيث الْمَرْوِيّ (تفرغوا من هموم الدُّنْيَا مَا اسْتَطَعْتُم فَإِنَّهُ من كَانَت الدُّنْيَا اكبر همه أفشى الله عَلَيْهِ ضيعته وَجعل فقره بَين عَيْنَيْهِ وَمن كَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الْآخِرَة أكبر همه جمع الله لَهُ أمره وَجعل غناهُ فِي قلبه وَمَا أقبل عبد بِقَلْبِه إِلَى الله عز وَجل إِلَّا جعل الله قُلُوب الْمُؤمنِينَ تنقاد إِلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ والمودة) وَاحْذَرْ يَا أخي المراء فِي الْقُرْآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 والجدال فِي الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَالْكَلَام فِي التَّحْدِيد وَكن من الَّذين قَالَ الله عز وَجل فيهم (وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما) والزم الْأَدَب وَفَارق الْهوى وَالْغَضَب واعمل فِي أَسبَاب التيقظ وَاتخذ الرِّفْق حزبا والتأني صاحبا والسلامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 كهفا والفراغ غنيمَة وَالدُّنْيَا مَطِيَّة وَالْآخِرَة منزلا وَقَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل لِلْمُؤمنِ رَاحَة دون الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وَاحْذَرْ مَوَاطِن الْغَفْلَة ومخاتل الْعَدو وطربات الْهوى وضراوة الشَّهْوَة وأماني النَّفس فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 قَالَ (أعدى أعدائك نَفسك الَّتِي بَين جنبيك) وَإِنَّمَا صَارَت أعدى أعدائك لطاعتك لَهَا وكل أَمر لَاحَ لَك ضوءه بمنهاج الْحق فاعرضه على الْكتاب وَالسّنة والآداب الصَّالِحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فَإِن خَفِي عَلَيْك أَمر فَخذ فِيهِ رَأْي من ترْضى دينه وعقله وَاعْلَم أَن على الْحق شَاهدا بِقبُول النَّفس لَهُ أَلا ترى لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (استفت قَلْبك وَإِن أَفْتَاك الْمفْتُون) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وَقيد الْجَوَارِح بإحكام الْعلم وراع همك بِمَعْرِِفَة قرب الله مِنْك وقم بَين يَدَيْهِ مقَام العَبْد المستجير تَجدهُ رؤوفا رحِيما قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله عز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَجل ينزل العَبْد من نَفسه بِقدر مَنْزِلَته مِنْهُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَذَلِكَ على قدر الخشية لله وَالْعلم بِهِ والمعرفة لَهُ وَاعْلَم أَنه من آثر الله آثره وَمن أطاعه فقد أحبه وَمن ترك لَهُ شَيْئا لم يعذبه بِهِ كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك) فَإنَّك لن تَجِد فقد شَيْء تركته لله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 واحم الْقلب عَن سوء الظَّن بِحسن التَّأْوِيل وادفع الْحَسَد بقصر الأمل وانف الْكبر باستبطان الْعِزّ واترك كل فعل يضطرك إِلَى اعتذار وجانب كل حَال يرميك فِي التَّكَلُّف وصن دينك بالاقتداء واحفظ أمانتك بِطَلَب الْعلم وحصن عقلك بآداب أهل الْحلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 واستعد الصَّبْر لكل موطن والزم الْخلْوَة بِالذكر واصحب النعم بالشكر واستعن بِاللَّه فِي كل أَمر واستخر الله فِي كل حَال وَمَا أرادك الله لَهُ فاترك الِاعْتِرَاض فِيهِ وكل عمل تحب أَن تلقى الله بِهِ فألزمه نَفسك وكل أَمر تكرههُ لغيرك فاعتزله من أخلاقك وكل صَاحب لَا تزداد بِهِ خيرا فِي كل يَوْم فانبذ عَنْك صحبته وَخذ بحظك من الْعَفو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وَاعْلَم أَن الْمُؤمن يختبر صدقه فِي كل حَال مطلب نَفسه بالبلوى رَقِيب لله على نَفسه فَاثْبتْ على محجة الْحق فَإنَّك مُرَاد العون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 واصدق فِي الطّلب تَرث علم البصائر وتبد لَك عُيُون المعارف وتميز بِنَفْسِك علم مَا يرد عَلَيْك بخالص التَّوْفِيق فَإِنَّمَا السَّبق لمن عمل والخشية لمن علم والتوكل لمن وثق وَالْخَوْف لمن أَيقَن والمزيد لمن شكر وَاعْلَم أَن مَا يصل العَبْد إِلَيْهِ من الْفَهم بِقدر تَقْدِيم عقله وموجود علمه بتقواه لله وطاعته فَمن وهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الله لَهُ الْعقل وأحياه بِالْعلمِ بعد الْإِيمَان وبصره بِالْيَقِينِ عُيُوب نَفسه فقد نظمت لَهُ خِصَال الْبر فاطلب الْبر فِي التَّقْوَى وَخذ الْعلم من أهل الخشية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 واستجلب الصدْق بمباحث الصدْق فِي مَوَاطِن التفكر قَالَ الله عز وَجل {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وليكون من الموقنين} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تعلمُوا الْيَقِين فَإِنِّي أتعلمه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَاعْلَم أَن كل عقل لَا يَصْحَبهُ ثَلَاثَة أَشْيَاء فَهُوَ عقل مكار إِيثَار الطَّاعَة على الْمعْصِيَة وإيثار الْعلم على الْجَهْل وإيثار الدّين على الدُّنْيَا وكل علم لَا يَصْحَبهُ ثَلَاثَة أَشْيَاء فَهُوَ مزِيد فِي الْحجَّة كف الْأَذَى بِقطع الرَّغْبَة وَوُجُود الْعَمَل بالخشية وبذل الْإِنْصَاف بالتباذل وَالرَّحْمَة وَاعْلَم أَنه مَا تزين أحد بزينة كالعقل وَلَا لبس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ثوبا أجمل من الْعلم لِأَنَّهُ مَا عرف الله إِلَّا بِالْعقلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَلَا أطيع إِلَّا بِالْعلمِ وَاعْلَم أَن أهل الْمعرفَة بِاللَّه بنوا أصُول الْأَحْوَال على شَاهد الْعلم وتفقهوا فِي الْفُرُوع أَلا ترى لقَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من عمل بِمَا علم وَرثهُ الله علم مَا لم يعلم) وعلامة ذَلِك هُوَ تزايد الْعلم بالإشفاق ومزيد الْعلم بالاقتدار فَكلما ازْدَادَ علما ازْدَادَ خوفًا وَكلما ازْدَادَ عملا ازْدَادَ تواضعا وَالْأَصْل الَّذِي بنوا بِهِ فِي طريقهم الْتِزَام الْأَمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بِالصّدقِ وَتَقْدِيم الْعلم على حظوظ النُّفُوس والاستغناء بِاللَّه عَن جَمِيع خلقه فاطلب آثَار من زَاده الْعلم خشيَة وَالْعَمَل بَصِيرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَالْعقل معرفَة فَإِن حجبك عَن منهاجهم فقد الْأَدَب فَارْجِع بالذم على نَفسك وَلنْ يخفى على أهل الْعلم صفة المخلصين وَاعْلَم أَن فِي كل فكرة أدبا وَفِي كل إِشَارَة علما وَإِنَّمَا يُمَيّز ذَلِك من فهم عَن الله عز وَجل مُرَاده وجنى فَوَائِد الْيَقِين من خطابه وعلامة ذَلِك فِي الصَّادِق إِذا نظر اعْتبر وَإِذا صمت تفكر وَإِذا تكلم ذكر وَإِذا منع صَبر وَإِذا أعطي شكر وَإِذا ابْتُلِيَ اسْترْجع وَإِذا جهل عَلَيْهِ حلم وَإِذا علم تواضع وَإِذا علم رفق وَإِذا سُئِلَ بذل شِفَاء للقاصد وَعون للمسترشد حَلِيف صدق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وكهف بر قريب الرِّضَا فِي حق نَفسه بعيد الهمة فِي حق الله تَعَالَى نِيَّته أفضل من عمله وَعَمله أبلغ من قَوْله موطنه الْحق ومعقله الْحيَاء ومعلومه الْوَرع وَشَاهده الثِّقَة لَهُ بصائر من النُّور يبصر بهَا وحقائق من الْعلم ينْطق مِنْهَا وَدَلَائِل من الْيَقِين يعبر عَنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وَإِنَّمَا يواصل بذلك من جَاهد لله تَعَالَى نَفسه واستقامت لطاعته نِيَّته وخشي الله فِي سره وعلانيته وَقصر الأمل وشمر مئزر الحذر وأقلع برِيح النجَاة فِي بَحر الابتهال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 فأوقاته غنيمَة وأحواله سليمَة لم يغتر بزخرف دَار الْغرُور وَلم يَله ببريق سراب نسيمها عَن أهوال يَوْم النشور وَاعْلَم أَن الْعَاقِل لما صَحَّ علمه وَثَبت يقينه علم أَن لَا ينجيه من ربه إِلَّا الصدْق فسعى فِي طلبه وَبحث عَن أَخْلَاق أَهله رَغْبَة فِي أَن يحيى قبل مماته ليستعد لدار الخلود بعد وَفَاته فَبَاعَ نَفسه وَمَاله من ربه حَيْثُ سَمعه يَقُول {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة} فَعلم بعد الْجَهْل وَاسْتغْنى بعد الْفقر وَأنس بعد الوحشة وَقرب بعد الْبعد واستراح بعد التَّعَب فائتلف أمره وَاجْتمعَ همه فشعاره الثِّقَة وحاله المراقبة أَلا ترى لقَوْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك) يحسبه الْجَاهِل صميتا عييا وحكمته أصمتته ويحسبه الأحمق مهذارا والنصيحة لله أنطقته ويحسبه غَنِيا وَالتَّعَفُّف أغناه ويحسبه فَقِيرا والتواضع أدناه لَا يتَعَرَّض لما لَا يعنيه وَلَا يتَكَلَّف فَوق مَا يَكْفِيهِ وَلَا يَأْخُذ مَا لَيْسَ بمحتاج إِلَيْهِ وَلَا يدع مَا وكل بحفظه النَّاس مِنْهُ فِي رَاحَة وَهُوَ من نَفسه فِي تَعب قد أمات بالورع حرصه وحسم بالتقى طمعه وأفنى بِنور الْعلم شهواته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فَهَكَذَا فَكُن ولمثل هَؤُلَاءِ فاصحب ولآثارهم فَاتبع وبأخلاقهم فتأدب فَهَؤُلَاءِ الْكَنْز الْمَأْمُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 بائعهم بالدنيا مغبون وهم الْعدة فِي الْبلَاء والثقات من الأخلاء إِن افْتَقَرت أغنوك وَإِن دعوا الرب لم ينسوك {أُولَئِكَ حزب الله أَلا إِن حزب الله هم المفلحون} وَاعْلَم وسع الله بالفهم قَلْبك وأنار بِالْعلمِ صدرك وَجمع بِالْيَقِينِ همك أَنِّي وجدت كل بلَاء دَاخل على الْقلب ضَرُورَة من نتائج الفضول وأصل ذَلِك الدُّخُول فِي الدُّنْيَا بِالْجَهْلِ ونسيان الْمعَاد بعد الْعلم والنجاة من ذَلِك ترك كل مَجْهُول فِي الْوَرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وَأخذ كل مَعْلُوم فِي الْيَقِين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَوجدت فَسَاد الْقلب فَسَاد الدّين أَلا ترى لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَلا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله وَإِذا فَسدتْ فسد الْجَسَد كُله أَلا وَهِي الْقلب) وَمعنى الْجَسَد هَا هُنَا الدّين لِأَن بِالدّينِ صَلَاح الْجَوَارِح وفسادها وأصل فَسَاد الْقلب ترك المحاسبة للنَّفس والاغترار بطول الأمل فَإِذا أردْت صَلَاح قَلْبك فقف مَعَ الْإِرَادَة وَعند الخواطر فَخذ مَا كَانَ لله ودع مَا كَانَ لغيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 واستعن على قصر الأمل بدوام ذكر الْمَوْت وَوجدت أصُول الفضول المتحركة من الْقلب تظهر على السّمع وَالْبَصَر وَاللِّسَان والغذاء واللباس وفضول السّمع يخرج إِلَى السَّهْو والغفلة وفضول الْبَصَر يخرج إِلَى الْغَفْلَة والحيرة وفضول اللِّسَان يخرج إِلَى التزيد والبدعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وفضول الْغذَاء يخرج إِلَى الشره وَالرَّغْبَة وفضول اللبَاس يخرج إِلَى المباهاة وَالْخُيَلَاء وَاعْلَم أَن حفظ الْجَوَارِح فَرِيضَة وَترك الفضول فَضِيلَة وَالتَّوْبَة قبل ذَلِك فَرِيضَة وَقد فَرضهَا الله وَرَسُوله فَقَالَ جلّ ذكره {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا} معنى نصُوحًا ترك الْعود فِيمَا تَابَ مِنْهُ العَبْد إِلَى ربه وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا أَيهَا النَّاس تُوبُوا إِلَى ربكُم قبل أَن تَمُوتُوا وتقربوا إِلَى الله بِالْعَمَلِ الصَّالح من قبل أَن تشْغَلُوا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَلَا تصح التَّوْبَة إِلَّا بأَرْبعَة أَشْيَاء حل إِصْرَار الْقلب عَن المعاودة وَالِاسْتِغْفَار بالندم ورد التَّبعَات والمظالم وَحفظ الْجَوَارِح من الْحَواس السَّبع السّمع وَالْبَصَر وَاللِّسَان والشم وَالْيَدَانِ وَالرجلَانِ وَالْقلب وَهُوَ أميرها وَبِه صَلَاح الْجَسَد وفساده وَقد جعل الله على كل جارحة أمرا ونهيا فَرِيضَة مِنْهُ وَجعل بَينهمَا سَعَة وَإِبَاحَة تَركهَا فَضِيلَة للْعَبد فَفرض الْقلب بعد الْإِيمَان وَالتَّوْبَة إخلاص الْعَمَل لله واعتقاد حسن الظَّن عِنْد الشُّبْهَة والثقة بِاللَّه وَالْخَوْف من عَذَابه والرجاء لفضله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَقد رُوِيَ فِي معنى الْقلب أَخْبَار كَثِيرَة مِنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن من الْمُؤمنِينَ من يلين لَهُ قلبِي) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الْحق يَأْتِي وَعَلِيهِ نور فَعَلَيْكُم بسرائر الْقُلُوب) وَقَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ للقلوب شَهْوَة وإقبال وفتره وإدبار فاغتنموها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 عِنْد شهوتها وإقبالها وذروها عِنْد فترتها وإدبارها قَالَ ابْن الْمُبَارك رَحمَه الله الْقلب مثل الْمرْآة إِذا طَالَتْ فِي الْيَد صدئت وكالدابة إِذا غفل عَنْهَا عدلت وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء الْقلب مثل بَيت لَهُ سِتَّة أَبْوَاب ثمَّ قيل لَك احذر أَلا يدْخل عَلَيْك من أحد الْأَبْوَاب شَيْء فَيفْسد عَلَيْك الْبَيْت فالقلب هُوَ الْبَيْت والأبواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 العينان وَاللِّسَان والسمع وَالْبَصَر وَالْيَدَانِ وَالرجلَانِ فَمَتَى انْفَتح بَاب من هَذِه الْأَبْوَاب بِغَيْر علم ضَاعَ الْبَيْت وَفرض اللِّسَان الصدْق فِي الرِّضَا وَالْغَضَب وكف الْأَذَى فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَترك التزيد بِالْخَيرِ وَالشَّر وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من ضمن لي مَا بَين لحييْهِ وَمَا بَين رجلَيْهِ ضمنت لَهُ على الله الْجنَّة) وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ (وَهل يكب النَّاس فِي النَّار على مناخرهم إِلَّا حصائد ألسنتهم) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أنذركم فضول الْكَلَام حسب أحدكُم مَا يبلغ بِهِ حَاجته فَإِن الرجل يسْأَل عَن فضول كَلَامه كَمَا يسْأَل عَن فضول مَاله) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن الله عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 لِسَان كل قَائِل فاتقى الله امروء علم مَا يَقُول) وَفرض الْبَصَر الغض عَن الْمَحَارِم وَترك التطلع فِيمَا حجب وَستر قَالَ حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 (النّظر سهم من سِهَام إِبْلِيس فَمن تَركه من خوف الله آتَاهُ الله إِيمَانًا يجد حلاوته فِي قلبه) وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ من غض بَصَره عَن النّظر الْحَرَام زوج من الْحور الْعين حَيْثُ أحب وَمن اطلع فَوق بيُوت النَّاس حشره الله يَوْم الْقِيَامَة أعمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَقَالَ دَاوُد الطَّائِي لرجل وَقد أحد النّظر إِلَى بعض من ينظر إِلَيْهِ فَقَالَ يَا هَذَا ارْدُدْ بَصرك إِلَيْك فَإِنَّهُ بَلغنِي أَن الرجل يسْأَل عَن فضول نظره كَمَا يسْأَل عَن فضول عمله وَيُقَال لَك النظرة الأولى وَلَيْسَت لَك الْآخِرَة فَمَا هجم على النّظر فَهُوَ مَوْضُوع عَن العَبْد وَمَا استبد بِهِ النّظر بمعقول الْفَهم فَالْعَبْد مَأْخُوذ بِهِ وَفرض السّمع تبع للْكَلَام وَالنَّظَر فَكل مَا لَا يحل لَك الْكَلَام فِيهِ وَالنَّظَر إِلَيْهِ فَلَا يحل لَك استماعه وَلَا التَّلَذُّذ بِهِ والبحث عَمَّا كتم عَنْك تجسس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَسَمَاع اللَّهْو والغناء وأذى الْمُسلمين حرَام كالميتة وَالدَّم وَقَالَ عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا نهينَا عَن الْغَيْبَة وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهَا وَعَن النميمة وَالِاسْتِمَاع لَهَا وَسُئِلَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن سَماع الْغناء قَالَ إِذا ميز الله بَين الْحق وَالْبَاطِل يَوْم الْقِيَامَة أَيْن يَقع الْغناء قيل فِي حوز الْبَاطِل قَالَ فأفت نَفسك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَلَيْسَ من جارحة أَشد ضَرَرا على العَبْد بعد لِسَانه من سَمعه لِأَنَّهُ أسْرع رَسُول إِلَى الْقلب وَأقرب وقوعا فِي الْفِتْنَة وَقد ذكر عَن وَكِيع بن الْجراح قَالَ سَمِعت كلمة من مُبْتَدع مُنْذُ عشْرين سنة مَا أَسْتَطِيع إخْرَاجهَا من أُذُنِي وَكَانَ طَاوُوس إِذا أَتَاهُ مُبْتَدع سد أُذُنَيْهِ لِئَلَّا يسمع كَلَامه وَفرض الشم تبع للسمع وَالْبَصَر فَكل مَا حل استماعه وَنَظره جَازَ لَك شمه وَقد رُوِيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ أَنه أُتِي بمسك فَأمْسك عَنهُ أَنفه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ وَهل ينْتَفع مِنْهُ إِلَّا برائحته وَفرض الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ أَن لَا تبسطهما إِلَى مَحْظُور وَلَا تقبضهما عَن حق وَقَالَ مَسْرُوق مَا خطا العَبْد خطْوَة إِلَّا كتبت حَسَنَة أَو سَيِّئَة وكتبت ابْنة سُلَيْمَان إِلَى عَبدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 بنت خَالِد بن معدان زوديني فَكتبت إِلَيْهَا عَبدة أما بعد فَإِن أبي رَحمَه الله كَانَ يكره أَن يسير مسيرًا لَيْسَ هُوَ فِيهِ ضَامِنا على الله أَو يَأْكُل طَعَاما إِذا سُئِلَ عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة لم يكن عِنْده فِيهِ مخرج وَقد كرهت من ذَلِك مَا كره أبي وَالسَّلَام عَلَيْك فَإِن قَالَ قَائِل مَا السَّبِيل إِلَى الْعَمَل بذلك قيل لُزُوم منهاج الْأَئِمَّة الْمُتَّقِينَ وَالنَّظَر فِي آدَاب المسترشدين لمعْرِفَة الخطو والتيقظ بالمحاسبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وَالْعَمَل بالإنصاف والتحرز بكف الْأَذَى وبذل الْفضل بترك الْمِنَّة وَحسن السمت بِغَيْر حسد والقناعة بحب الخمول وَطول الصمت رَغْبَة فِي السَّلامَة والتواضع لِلْخلقِ بِلَا وَحْشَة والأنس بِالذكر فِي الْخلْوَة وتفرغ الْقلب للْخدمَة واجتماع الْهم بالمراقبة وَطلب النجَاة فِي طَرِيق الاسْتقَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قَالَ الله عز وَجل {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} وَقَالَ سُفْيَان بن عبد الله الثَّقَفِيّ يَا رَسُول الله حَدثنِي بِأَمْر أَعْتَصِم بِهِ قَالَ (قل آمَنت بِاللَّه ثمَّ اسْتَقِم) وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أستقاموا لله بِطَاعَتِهِ وَلم يروغوا روغان الثعالب وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة الريَاحي استقاموا أَخْلصُوا لله الدّين والدعوة وَالْعَمَل وأصل الاسْتقَامَة فِي ثَلَاثَة اتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وَلُزُوم الْجَمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَاعْلَم أَن أنجى طَرِيق للْعَبد الْعَمَل الْعلم والتحرز بالخوف والغنى بِاللَّه عز وَجل فاشتغل بإصلاح حالك وافتقر إِلَى رَبك وتنزه عَن الشُّبُهَات وأقلل حوائجك إِلَى النَّاس وَأحب واحب لَهُم مَا تحب لنَفسك واكره لَهُم مثل ذَلِك وَلَا تكشفن سترا وَلَا تحذثن نَفسك بخطيئة وَلَا تصرن على صَغِيرَة وافزع إِلَى الله عِنْد كل فاقة وافتقر إِلَيْهِ فِي كل حَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وتوكل عَلَيْهِ فِي كل أَمر وَاعْتَزل الْهوى وَلَا تقنع من نَفسك بالتربص وأخمل ذكرك وأدم لله شكرك وَأكْثر من الاسْتِغْفَار وَاعْتبر بالإفكار وَعَلَيْك بالتأني عِنْد موارد العجلة وَحسن الْأَدَب فِي المخالطة وَلَا تغْضب لنَفسك على النَّاس واغضب لله على نَفسك وَلَا تكافئن أحدا بإساءة وَاحْذَرْ المدحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 للجاهل بِنَفسِهِ وَلَا تقبلهَا لنَفسك من أحد وأقلل الضحك وجانب المزاح واكتم الأوجاع وَأظْهر التعفف واستبطن الثِّقَة واستشعر الْيَأْس وَحسن الْفقر واصبر على مَا اصابك وَارْضَ بِمَا قسم الله لَك وَكن من وعد الله على يَقِين وَمن آثارك فِي وَجل وَلَا تتكلفن مَا قد كفيته وَلَا تضيعن مَا وكلت بِطَلَبِهِ وافتقر إِلَى الله فِي كل عطائه وارغب فِي النجَاة مِنْهُ واعف عَمَّن ظلمك وَأعْطِ من حَرمك وصل فِي الله من قَطعك وآثر فِي الله من أحبك وابذل نَفسك وَمَالك لأخوانك وارع حُقُوق الْمولى فِي دينك وَلَا يعظمك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 كَبِير من الْمَعْرُوف تَفْعَلهُ وَلَا تحقرن صَغِيرا من الْمُنكر تَفْعَلهُ وَاحْذَرْ التزين بِالْعلمِ كَمَا تحذر الْعجب بِالْعَمَلِ وَلَا تعتقدن بَاطِنا من الْأَدَب ينْقضه عَلَيْك ظَاهر من الْعلم وأطع الله فِي مَعْصِيّة النَّاس وَلَا تُطِع النَّاس فِي مَعْصِيّة الله تَعَالَى وَلَا تدخرن من جهدك عَن الله شَيْئا وَلَا ترض من نَفسك لله عملا وقم بَين يَدَيْهِ فِي صَلَاتك جملَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وأد زَكَاة مَا افْترض الله عَلَيْك بالنشاط وَالرَّغْبَة واحفظ صومك من الْكَذِب والغيبة وارع حق الْجَار والمسكين والقريب وأدب أهلك وارفق بِمَا ملكت يَمِينك وَكن قواما بالنشاط كَمَا أَمرك وَإِذا حركت لخير فتعجله وَمَا اشْتبهَ عَلَيْك فَدَعْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 والزم الرَّحْمَة للْمُؤْمِنين وَقل الْحق حَيْثُمَا كنت وَلَا تكْثر الْأَيْمَان وَإِن كنت صَادِقا وَاحْذَرْ التَّوَسُّع فِي الْمنطق وَإِن كنت بليغا وَإِيَّاك والتكلف فِي الدّين وَإِن كنت عَالما وَقدم الْعلم قبل كل مقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 والزم الإشفاق بعد الِاجْتِهَاد وَدَار النَّاس مَا سلم لَك الدّين وَاحْذَرْ المداهنة أصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وخالق النَّاس بِخلق حسن وَلَا تستحين أَن تَقول فِيمَا لَا تعلم الله أعلم وَلَا تنشر حَدِيثك عِنْد من لَا يُريدهُ وَلَا تبذل دينك عِنْد من يبغضه إِلَيْك وَلَا تتعرض من الْبلَاء مَا لَا طَاقَة لَك بِهِ وَأكْرم نَفسك عَمَّن يهينها ونزه همتك عَن دناءة الْأَخْلَاق وَلَا تواخ إِلَّا أَمينا وَلَا تبد أسرارك لكل النَّاس وَلَا تجَاوز بِالْمَرْءِ حَاله وَلَا تخاطبه من الْعلم بِمَا لَا يحْتَملهُ عقله وَلَا تدخل فِي أَمر لم تدع إِلَيْهِ وَوقر مجَالِس الْعلمَاء واعرف قدر الْحُكَمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَلَا تدع الْمُكَافَأَة والصنائع وَأعْرض عَن الْجُهَّال واحلم عَن السُّفَهَاء وشاور فِي أَمرك الَّذين يَخْشونَ الله وانصر أَخَاك مَظْلُوما ورده إِلَى الْحق إِن كَانَ ظَالِما وابذل لَهُ حَقه مِنْك وَلَا تطالبه فِي حَقك مِنْهُ وَيسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 على الْغَرِيم وارفق بالأرملة واليتيم وَأكْرم الصابرين من الْفُقَرَاء وَارْحَمْ أهل الْبلَاء من الْأَغْنِيَاء وَلَا تحسدن أحدا على نعْمَة وَلَا تذكر أحدا بغيبة وسد على نَفسك بَاب سوء الظَّن بخوف الْمَسْأَلَة وَافْتَحْ بَاب حسن الظَّن بسعة التَّأْوِيل وأغلق بَاب الطمع بالإياس واستفتح بَاب الْغنى بالقناعة ونزه ذكر الله عَن إِضَافَة المكاره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَحصل الْأَوْقَات واعرف مَا يذهب بِهِ ليلك ونهارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وجدد فِي كل وَقت تَوْبَة وَاجعَل عمرك ثَلَاث سَاعَات سَاعَة للْعلم وَسَاعَة للْعَمَل وَسَاعَة لحقوق نَفسك وَمَا يلزمك وَاعْتبر بِمن مضى وتفكر فِي منصرف الْفَرِيقَيْنِ بَين يَدي الله تَعَالَى فريق فِي الْجنَّة بِرِضَاهُ وفريق فِي السعير بسخطه واعرف قرب الله مِنْك وَأكْرم الْحفظَة الْكَاتِبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وَتَنَاول نعم الله بالفهم وردهَا إِلَيْهِ بِحسن الثَّنَاء وَالشُّكْر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَاحْذَرْ من اتهام النَّفس بِرُؤْيَة المقامات وتسفه الْحق بغمط النَّاس فَإِنَّهُ سم قَاتل وَاعْتَزل خوف السُّقُوط من أعين النَّاس لخوف مقتهم وَخَوف الْفقر بِقرب الْأَجَل وأخف أثرك مَا اسْتَطَعْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وابذل الْجهد عِنْد المشورة وَأحب فِي الله بعزم واقطع فِي الله بحزم وَلَا تخالل إِلَّا تقيا عَالما وَلَا تخالط إِلَّا عَاقِلا بَصيرًا وَكن مقتديا بِمن قبلك من الائمة ومعلما لمن بعْدك من الْأمة إِمَامًا لِلْمُتقين كهفا للمسترشدين وَلَا تظهرن إِلَى أحد شكوى وَلَا تَأْكُل بِدينِك الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَخذ بحظك من الْعُزْلَة وَلَا تأخذن إِلَّا حَلَالا وجانب الْإِسْرَاف واقنع من الدُّنْيَا بالكفاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 واطلب الْأَدَب فِي بساتين الْعلم والأنس فِي مَوَاطِن الْخلْوَة وَالْحيَاء فِي شعاب النَّفس وَالِاعْتِبَار فِي أَوديَة التفكر وَالْحكمَة فِي رياض الْخَوْف واعرف دوَام إِحْسَان الله إِلَيْك مَعَ مخالفتك لأَمره وحلمه عَنْك مَعَ إعراضك عَن ذكره وستره عَلَيْك مَعَ قلَّة حيائك مِنْهُ وغناه عَنْك مَعَ فقرك إِلَيْهِ أَيْن عَالم بربه أَيْن خَائِف من ذَنبه أَيْن مسرور بِقُرْبِهِ أَيْن مَشْغُول بِذكرِهِ أَيْن مُشفق من بعده هُوَ ذَا مغْفُور لَهُ يَا مغرور ألم يَرك الْجَلِيل قد هتكت الستور وَاعْلَم يَا أخي أَن الذُّنُوب تورث الْغَفْلَة والغفلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 تورث الْقَسْوَة وَالْقَسْوَة تورث الْبعد من الله والبعد من الله يُورث النَّار وَإِنَّمَا يتفكر فِي هَذِه الْأَحْيَاء وَأما الْأَمْوَات فقد أماتوا أنفسهم بحب الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَاعْلَم أَنه كَمَا لَا يُغني ضوء النَّهَار الْأَعْمَى كَذَلِك لَا يضيء بِنور الْعلم إِلَّا أهل التقى وكما أَن الْمَيِّت لَا يَنْفَعهُ الدَّوَاء كَذَلِك لَا يُفِيد الْأَدَب فِي أهل الدَّعْوَى وكما لَا ينْبت الوابل الصَّفَا كَذَلِك لَا تثمر الْحِكْمَة بقلب محب الدُّنْيَا وَمن ألف هَوَاهُ قل أدبه وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 خَالف دلَالَة علمه كثر جَهله وَمن لم يَنْفَعهُ دواءه كَيفَ يداوي غَيره وَاعْلَم أَن أروح النَّاس أبدانا أهل الزّهْد فِي الدُّنْيَا وأتعب النَّاس قلوبا وَأَكْثَرهم شغلا أهل الاهتمام بالدنيا وأعون الْأَخْلَاق على الزّهْد قصر الأمل وَأقرب حالات أهل الْمعرفَة ذكر الْقيام لله عز وَجل قَالَ الله عز وَجل {إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا} وَاعْلَم أَنه لَا طَرِيق أقرب من الصدْق وَلَا دَلِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 أنجح من الْعلم وَلَا زَاد أبلغ من التَّقْوَى وَمَا رَأَيْت أنفى للوسواس من ترك الفضول وَلَا أنور للقلب من سَلامَة الصَّدْر وَوجدت كَرَامَة الْمُؤمن تقواه وحلمه صبره وعقله تجمله ومودته تجاوزه وعفوه وشرفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 تواضعه ورفقه وَاعْلَم أَن محبَّة الْغنى مَعَ اخْتِيَار الله لعَبْدِهِ الْفقر تسخط ومحبة الْفقر مَعَ اخْتِيَار الله لعَبْدِهِ الْغنى جور وكل ذَلِك هرب من الشُّكْر لقلَّة الْمعرفَة وتضييع للأوقات من قصر الْعلم وَذَلِكَ أَن ايمان الْغَنِيّ لَا يصلحه الْفقر إِيمَان الْفَقِير لَا يصلحه الْغنى كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر أَن الله تَعَالَى يَقُول (إِن من عبَادي من لَا يصلح إيمَانه إِلَّا الْفقر وَلَو أغنيته لأفسده ذَلِك وَإِن من عبَادي من لَا يصلح إيمَانه إِلَّا الْغنى وَلَو أفقرته لأفسده ذَلِك) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وَكَذَلِكَ فِي الصِّحَّة والسقم فَمن عرف الله لم يتهمه وَمن فهم عَن الله رَضِي بِقَضَائِهِ وَلَو لم يكن لأهل الْعلم إِلَّا هَذِه الْآيَة لكفتهم {وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة} وَاحْذَرْ أَخْلَاق الْجَاهِلين ومجالسة المذنبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 ودعاوى المعجبين ورجاء المغترين ويأس القانطين وَكن بِالْحَقِّ عَاملا وَبِاللَّهِ واثقا وبالمعروف آمرا وَعَن الْمُنكر ناهيا فَإِن من صدق الله نصحه وَمن تزين لغيره فضحه وَمن توكل عَلَيْهِ كَفاهُ وَمن وثق بِغَيْرِهِ مقته وَمن خافه أَمنه وَمن شكره زَاده وَمن أطاعه أكْرمه وَمن آثره أحبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَاحْذَرْ أَن تدين لله بِالْعقلِ وتعمل بالهوى وتترك الْحق وتبوء بِالْبَاطِلِ وتتمنى الْمَغْفِرَة وَأَنت نَاس للتَّوْبَة وَاعْلَم أَنه لَا يرضى من الْعلم وَالْعَمَل إِلَّا مَا ثَبت بِالْيَقِينِ أَصله وَعلا بِالصّدقِ فَرعه وأثمر بالورع نَبَاته وَقَامَ بالإشفاق برهانه وحجب بالخشية أستاره فَلَا ترض من نَفسك بالتواني فَإِنَّهُ لَا عذر لأحد فِي التَّفْرِيط وَلَا لأحد عَن الله غنى وَاعْلَم أَن من سَعَادَة الْمَرْء حسن النِّيَّة فِيمَا عِنْد الله تَعَالَى والتوفيق لمحابه وَمن أَرَادَ الله بِهِ خيرا وهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 لَهُ الْعقل وحبب إِلَيْهِ الْعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وحباه بالإشفاق وَاسْتَعْملهُ بالرفق وأغناه بالقناعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وبصره عَيبه وَاعْلَم رَحِمك الله أَن الصدْق وَالْإِخْلَاص أصل كل حَال فَمن الصدْق يتشعب الصَّبْر والقناعة والزهد وَالرِّضَا والأنس وَعَن الْإِخْلَاص يتشعب الْيَقِين وَالْخَوْف والمحبة والإجلال وَالْحيَاء والتعظيم وَلكُل مُؤمن فِي هَذِه المقامات موطن يعرف بِهِ حَاله فَيُقَال لَهُ خَائِف وَفِيه الرَّجَاء وراج وَفِيه الْخَوْف وصابر وَفِيه الرِّضَا ومحب وَفِيه الْحيَاء وَقُوَّة كل حَال وَضَعفه بِحَسب إِيمَان العَبْد ومعرفته وَلكُل أصل من هَذِه الْأَحْوَال ثَلَاث عَلَامَات يعرف بهَا الْحَال فالصدق فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء لَا تتمّ إِلَّا بِهِ صدق الْقلب بِالْإِيمَان تَحْقِيقا وَصدق النِّيَّة فِي الْأَعْمَال وَصدق اللَّفْظ فِي الْكَلَام وَالصَّبْر فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء لَا تتمّ إِلَّا بِهِ الصَّبْر عَن محارم الله وَالصَّبْر على اتِّبَاع أَمر الله وَالصَّبْر عِنْد المصائب احتسابا لله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 والقناعة فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء قلَّة الْغذَاء بعد وجوده وصيانة الْفقر عِنْد الْعَدَم وَقلة الْأَسْبَاب والسكون إِلَى أَوْقَات الله عز وَجل مَعَ حُلُول الْفَاقَة وللقناعة أول وَآخر فأولها ترك الفضول مَعَ وجود الاتساع وَآخِرهَا وجود الْغنى مَعَ فقد الْأَسْبَاب وَمن هَاهُنَا قَالَ بَعضهم القناعة أَعلَى من الرِّضَا وَإِنَّمَا أَرَادَ قناعة التَّمام لِأَن الراضي لَا يتَعَرَّض فِي الْمَنْع وَالعطَاء والقانع غَنِي بربه لَا يحب الزِّيَادَة مَعَه من حَظّ هُوَ لَهُ إِلَّا مِنْهُ لَهُ والزهد فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء لَا يُسمى زاهدا إِلَّا بهَا خلع الْأَيْدِي من الْأَمْلَاك ونزاهة النَّفس عَن الْحَلَال والسهو عَن الدُّنْيَا بِكَثْرَة الْأَوْقَات وَيكون الرجل متزهدا بِثَلَاثَة أخر حمية النَّفس عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ترامي الإرادات والهرب من مَوَاطِن الْغنى وَأخذ الْمَعْلُوم عِنْد الْحَاجة والأنس فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء أنس بِالْعلمِ وَالذكر فِي الْخلْوَة وَأنس بِالْيَقِينِ والمعرفة مَعَ الْخلْوَة وَأنس بِاللَّه عز وَجل فِي كل حَال وَالرِّضَا نظام الْمحبَّة وَنَفس التَّوَكُّل روح الْيَقِين وَقد ذكر عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ والفضيل بن عِيَاض رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ الرِّضَا التَّوَكُّل فَهَذِهِ شعب الصدْق الْمَأْخُوذَة بأوصاف الْعلم وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله يَقُول إِذا كمل صدق الصَّادِق لم يملك مَا فِي يَدَيْهِ وَأما شعب الْإِخْلَاص فَلَا يُسمى المخلص مخلصا حَتَّى يفرد الله عز وَجل من الْأَشْبَاه والأنداد والصاحبة وَالْأَوْلَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ثمَّ إِرَادَته الله بِإِقَامَة التَّوْحِيد وَجمع الْهم لَهُ وَبِه فِي النَّفْل وَالْفَرْض وَصِحَّة الْيَقِين فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء سُكُون الْقلب إِلَى الثِّقَة بِاللَّه والانقياد لأمر الله والإشفاق والوجل من سَابق الْعلم ولليقين أول وَآخر فأوله الطُّمَأْنِينَة وَآخره إِفْرَاد الله بالكفاية لقَوْله جلّ وَعز {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} والحسب هُوَ الْكَافِي والمكتفي هُوَ العَبْد الراضي بِمَا قضى وَإِنَّمَا قُلْنَا آخر الْيَقِين من وجود أَوْصَاف العَبْد مقَام الْإِيمَان لَا فِي آخر الْيَقِين من الْعلم وَلنْ يبلغ ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أحد من خلق الله كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لن يبلغ أحد من الله كنها) قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّا بلغنَا أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يمشي على المَاء قَالَ لَو ازْدَادَ يَقِينا وخوفا لمشى فِي الْهَوَاء وَلَا يكون الْخَوْف إِلَّا بعد الْيَقِين وَهل رَأَيْت خَائفًا لما لم يستيقنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَالْخَوْف فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء خوف الْإِيمَان وعلامته مُفَارقَة الْمعاصِي والذنُوب وَهُوَ خوف المريدين وَخَوف السّلف وعلامته الخشية والإشفاق والورع وَهُوَ خوف الْعلمَاء وَخَوف الْفَوْت وعلامته بذل الْجهد فِي طلب مرضاة الله بِوُجُود الهيبة والإجلال لله عز وَجل وَهُوَ خوف الصديقين ومقام رَابِع فِي الْخَوْف خص الله بِهِ الْمَلَائِكَة والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام وَهُوَ خوف الإعظام لأَنهم آمنون فِي أنفسهم بِأَمَان الله لَهُم فخوفهم تعبدهم لله إجلالا وإعظاما والمحبة فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء لَا يُسمى محبا لله عز وَجل إِلَّا بهَا محبَّة الْمُؤمنِينَ فِي الله عز وَجل وعلامة ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 كف الْأَذَى عَنْهُم وجلب الْمَنْفَعَة إِلَيْهِم ومحبة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لله عز وَجل وعلامة ذَلِك اتِّبَاع سنته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 قَالَ الله جلّ ذكره {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} 2 ومحبة الله عز وَجل فِي إِيثَار الطَّاعَة على الْمعْصِيَة وَيُقَال ذكر النِّعْمَة يُورث الْمحبَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وللمحبة أول وَآخر فأولها محبَّة الله بالأيادي والمنن قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ جبلت الْقُلُوب على حب من أحسن إِلَيْهَا وأعلاها الْمحبَّة لوُجُوب حق الله عز وَجل قَالَ عَليّ بن الفضيل رَحْمَة الله عَلَيْهِ إِنَّمَا يحب الله عز وَجل لِأَنَّهُ هُوَ الله وَقَالَ رجل لطاووس أوصني قَالَ أوصيك أَن تحب الله حبا حَتَّى لَا يكون شَيْء أحب إِلَيْك مِنْهُ وخفه خوفًا حَتَّى لَا يكون شَيْء أخوف إِلَيْك مِنْهُ وارج الله رَجَاء يحول بَيْنك وَبَين ذَلِك الْخَوْف وَارْضَ للنَّاس مَا ترْضى لنَفسك قُم فقد جمعت لَك التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان والإجلال والتعظيم من الْحيَاء بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الَّذِي لَا غنى لأَحَدهمَا عَن صَاحبه وَإِذا استحيا العَبْد من ربه أَجله وَأفضل الْحيَاء المراقبة لله عز وَجل والمراقبة فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء مراقبة الله فِي طَاعَته بِالْعَمَلِ ومراقبة الله فِي مَعْصِيَته بِالتّرْكِ ومراقبة الله فِي الْهم والخواطر لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك) ومراقبة الْقلب لله عز وَجل أَشد تعبا على الْبدن من مكابدة قيام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار وإنفاق المَال فِي سَبِيل الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَقد ذكر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول إِن لله فِي أرضه آنِية وَإِن من آنيته فِيهَا الْقُلُوب فَلَا يقبل مِنْهَا إِلَّا مَا صفي وصلب ورق وَمعنى ذَلِك أَن يصفي الْقلب لله عز وَجل بِاتِّبَاع أمره وَنَهْيه ومشاهدة الصدْق والإشفاق وصفاه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقبُول مَا أَتَى بِهِ قولا وَعَملا وَنِيَّة وصفاه للْمُؤْمِنين بكف الْأَذَى وإيصال النَّفْع وَأما معنى قَوْله وصلب فَمَعْنَاه قوي فِي إِقَامَة الْحُدُود لله تَعَالَى وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقَوله ورق فالرقة على وَجْهَيْن رقة بالبكاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ورقة بالرأفة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183