الكتاب: العاقبة في ذكر الموت المؤلف: عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن سعيد إبراهيم الأزدي، الأندلسي الأشبيلي، المعروف بابن الخراط (المتوفى: 581هـ) المحقق: خضر محمد خضر الناشر: مكتبة دار الأقصى - الكويت الطبعة: الأولى، 1406 - 1986 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- العاقبة في ذكر الموت عبد الحق الأشبيلي الكتاب: العاقبة في ذكر الموت المؤلف: عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن سعيد إبراهيم الأزدي، الأندلسي الأشبيلي، المعروف بابن الخراط (المتوفى: 581هـ) المحقق: خضر محمد خضر الناشر: مكتبة دار الأقصى - الكويت الطبعة: الأولى، 1406 - 1986 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه ثقتي قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الأوحد الزَّاهِد أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الله الْأَزْدِيّ الإشبيلي الْمَالِكِي رَضِي الله عَنهُ الْحَمد لله الَّذِي أذلّ بِالْمَوْتِ رِقَاب الْجَبَابِرَة وَكسر بصدمته ظُهُور الأكاسرة وَقصر ببغتته أمال القياصرة الَّذِي أدَار عَلَيْهِم حلقته الدائرة وَأَخذهم بِيَدِهِ الْقَاهِرَة فقذفهم فِي ظلمات الحافرة وصيرهم بهَا رهنا إِلَى وَقْفَة الساهرة فَأَصْبحُوا قد خسروا الدُّنْيَا وَلم يحصلوا على شَيْء من الْآخِرَة مصيبتهم وَالله لَا يجْبر مصابها وَلَا يتجرع صابها وَلَا تَنْقَضِي آلامها وَلَا أوصابها لم يمنعهُم مَا حصنوه من المعاقل والحصون وَلَا حرسهم مَا بعثوه من الحرس والعيون وَلَا فداهم من ريب الْمنون مَا ادخروه من علق مصون وَذهب مخزون بل صدمهم بركنه الشَّديد وصبحهم بجيشه المديد وأنفذ فيهم مَا كتب عَلَيْهِم من الْوَعيد نقلهم من لين المهود إِلَى خشونة اللحود وصيرهم بَين حجرها المنضود وجندلها الْمَعْقُود أكلا للهوام وطعما للدود نظر إِلَيْهِم بِعَيْنِه الشوساء وَأرْسل عَلَيْهِم كتيبته الخرساء فأذل عزتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 القعساء وأبدل من نعمتهم بؤسا وأنطق بالعويل أَلْسِنَة خرسا وصيرهم حَدِيثا يذكر على مر الزَّمَان وَلَا ينسى نزلُوا عَن الأرائك والكلال والأسرة والحجال إِلَى الْحِجَارَة والرمال والأراقم والصلال وشظف الْعَيْش وضيق المجال وحلوا بِربع غير محلال بِحَيْثُ لَا زَوَال وَلَا انْتِقَال وَلَا عَثْرَة تقال وَلَا يسمع فِيهَا مقَال وَلَا يلْتَفت عِنْدهَا إِلَى من قَالَ أرسل عَلَيْهِم رَبك جُنُوده العاتية وَأَخذهم أَخَذته الرابية وسلك بهم مَسْلَك الْأُمَم الخالية والقرون الْمَاضِيَة فَهَل تحس مِنْهُم من أحد أَو هَل ترى لَهُم من بَاقِيَة وَفِيهِمْ قيل وَفِي أمثالهم حدث حَدِيث الْقَوْم من فَارس ... وَمن بني قبط ويونان وَمن بني الْأَصْفَر أعجب بهم ... وَسيد الأتراك خاقَان والأقدمين الأعظمين الألى ... من حمير أَبنَاء قحطان من تبع الْعَرَب وَمن قَيْصر ... الرّوم وكسرى آل ساسان من كل قرم شامخ أَنفه ... وكل فِرْعَوْن وهامان وَإِن نسيت الْيَوْم شَيْئا فَلَا ... تنس نبطا أُخْت كلدان وَاذْكُر مُلُوك الأَرْض من بعدهمْ ... من عرب صيد وعجمان من كل مَنْصُور اللوا أروع ... سليل أطواق وتيجان مُجْتَمع الشمل على عزة ... شيدت بأساس وأركان قد زلزل الأَرْض وراع الورى ... من جَيْشه الضخم بطوفان وذلل الْخلق بسلطانه ... كَأَنَّهُ رب لَهُم ثَان انْظُر إِلَيْهِم هَل ترى مِنْهُم ... غير أَحَادِيث بأفنان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وَانْظُر إِلَى الْمَوْت وأعماله ... فيهم ترى الهلك ببرهان وَأبْصر الْقَوْم وماذا لقوا ... بِالْمَوْتِ من ذل وخسران قد صفعتهم يَده صفعة ... خروا لآناف وأذقان ودك فِي الأَرْض بيتجانهم ... وألبسوا تيجان صمان من حجر صلد ورخو وَمن ... ترب وحصباء وصيدان وأنزلوا بطن الثرى بَعْدَمَا ... كَانُوا قعُودا فَوق كيوان واطعم الديدان لَحْمًا نهم ... ويالك من لحم وديدان فكم هُنَاكُم من فَتى ناعم ... وَمن فتاة ذَات أردان وَمن هزبر مرح فِي الوغى ... وظبية تسرح فِي بَان كَانُوا كَذَا ثمَّ اغتدوا عِبْرَة ... لنازح الدَّار وللدان وَلم يدافع عَنْهُم جحفل ... قد طبق الأَرْض بفرسان وَلَا بيُوت ملئت كلهَا ... من لُؤْلُؤ بحت وعقيان بل مر ذاكم كُله مسرعا ... كَالرِّيحِ مرت بَين قضبان وَأصْبح الْملك لمن ملكه ... بَاقٍ وكل غَيره فان فسبحان من تفرد بِالْعِزَّةِ والكبرياء وتوحد بالديمومة والبقاء وطوق عباده بطوق الفناء وفرقهم بِمَا كتب عَلَيْهِ من السَّعَادَة والشقاء وَجعل الْمَوْت مخلصا لأوليائه السُّعَدَاء وهلكا لأعدائه الأشقياء خلق خذلانا وَقدر تَوْفِيقًا وأنهج سَبِيلا وأوضح طَرِيقا فهدى إِلَيْهِ فريقا وأضل عَنهُ فريقا لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون فسبحان الَّذِي بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء وَإِلَيْهِ ترجعون وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة من وفْق لَهَا فِي الْأَزَل وَكتب لَهُ بهَا فِي الْقسم الأول فَفتح لَهَا كل بَاب وهتك دونهَا كل حجاب وخلصها من الشُّبْهَة والارتياب وَظَهَرت عَلَيْهِ فِيهَا نعْمَة الْعَزِيز الْوَهَّاب الغفور التواب ملك الْمُلُوك وَرب الأرباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 2 - وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَرْفُوع عَلَيْهِ علم التَّحْقِيق الْمُخْتَص بخصائص التَّوْفِيق الدَّاعِي إِلَى أنهج سَبِيل وأوضح طَرِيق صلى الله عَلَيْهِ صَلَاة تزيده شرفا وترفعه زلفى وتوردنا مورده الَّذِي عذب وَصفا وعَلى آله الطيبين وصحابته الأكرمين وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين وَسلم وكرم وَشرف وَعظم أما بعد فَإِن الْمَوْت أَمر كبار لمن أنجد وأغار وكأس تدار فِيمَن أَقَامَ أَو سَار وَبَاب تسوقك إِلَيْهِ يَد الأقدار ويزعجك فِيهِ حكم الِاضْطِرَار وَيخرج بك إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار خبر علم الله يصم الأسماع ويغير الطباع وَيكثر من الآلام والأوجاع وَاعْلَمُوا أَنه لَو لم يكن فِي الْمَوْت إِلَّا الإعدام وانحلال الْأَجْسَام ونسيانك أُخْرَى اللَّيَالِي وَالْأَيَّام لَكَانَ وَالله لأهل اللَّذَّات مكدرا ولأصحاب النَّعيم مغيرا و 2 لأرباب الْعُقُول عَن الرَّغْبَة فِي هَذِه الدَّار زاجرا ومنفرا كَمَا قَالَ مطرف بن عبد الله بن الشخير إِن هَذَا الْمَوْت نغص على أهل النَّعيم نعيمهم فَاطْلُبُوا نعيما لَا موت فِيهِ فَكيف ووراءه يَوْم يعْدم فِيهِ الْجَواب وتدهش فِيهِ الْأَلْبَاب وتفنى فِي شَرحه الأقلام وَالْكتاب وَيتْرك النّظر فِيهِ والاهتمام بِهِ الْأَوْلِيَاء والأحباب وَاعْلَمُوا رحمكم الله أَن النَّاس فِي ذكر الْمَوْت على ضروب فَمنهمْ المنهمك فِي لذاته المثابر على شهواته المضيع فِيهَا مَالا يرجع من أوقاته لَا يخْطر الْمَوْت لَهُ على بَال وَلَا يحدث نَفسه بِزَوَال قد أطرح أخراه واكب على دُنْيَاهُ وَاتخذ إلهه هَوَاهُ فأصمه ذَلِك وأعماه وأهلكه وأرداه فَإِن ذكر لَهُ الْمَوْت نفر وشرد وَإِن وعظ أنف وَبعد وَقَامَ فِي أمره الأول وَقعد قد حاد عَن سَوَاء نهجه ونكب عَن طَرِيق فلجه وَأَقْبل على بَطْنه وفرجه تبت يَدَاهُ وخاب مسعاه وَكَأَنَّهُ لم يسمع قَول الله عز وَجل {كل نفس} الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ذائقة الْمَوْت وَلَا سمع قَول الْقَائِل فِيهِ وَفِي أَمْثَاله حَيْثُ قَالَ يَا رَاكب الروع للذاته ... كَأَنَّهُ فِي أتن عير وآكلا كل الَّذِي يَشْتَهِي ... كَأَنَّهُ فِي كلأ ثَوْر وناهضا إِن يدع دَاعِي الْهوى ... كَأَنَّهُ من خفَّة طير وكل مَا يسمع أَو مَا يرى ... كَأَنَّمَا يعْنى بِهِ الْغَيْر إِن كؤوس الْمَوْت بَين الورى ... دَائِرَة قد حثها السّير وَقد تيقنت وَإِن أَبْطَأت ... أَن سَوف يَأْتِيك بهَا الدّور وَمن يكن فِي سيره جائرا ... تالله مَا فِي سَيرهَا جور ثمَّ رُبمَا أخطر الْمَوْت بخاطره وَجعله من بعض خواطره فَلَا يهيج مِنْهُ إِلَّا غما وَلَا يثير من قلبه إِلَّا حزنا مَخَافَة أَن يقطعهُ عَمَّا يؤمل أَو يفطمه عَن لَذَّة فِي الْمُسْتَقْبل وَرُبمَا فر بفكره مِنْهُ وَدفع ذَلِك الخاطر عَنهُ وَيَا ويحه كَأَنَّهُ لم يسمع قَول الله عز وَجل {قل إِن الْمَوْت الَّذِي تفرون مِنْهُ فَإِنَّهُ ملاقيكم} وَلَا قَول الْقَائِل فر من الْمَوْت أَو اثْبتْ لَهُ ... لَا بُد من أَنَّك تَلقاهُ واكتب بهذي الدَّار مَا شئته ... فَإِن فِي تِلْكَ ستقراه وَكَذَلِكَ من كَانَ قلبه مُتَعَلقا بالدنيا وهمه فِيهَا وَنَظره مصروفا إِلَيْهَا وسعيه كُله لَهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِك من طلابها المحرومين وأبنائها المكدودين لم ينل مِنْهَا حظا وَلَا رقى مِنْهَا مرقى وَلَا نجح لَهُ فِيهَا مسعى إِن ذكر لَهُ الْمَوْت تصامم عَن ذكره وَلم يُمكنهُ من فكره وَتَمَادَى على أول أمره رَجَاء أَن يبلغ مَا أمل أَو يدْرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 بعض مَا تخيل فعمره ينقص وحرصه يزِيد وجسمه يخلق وأمله جَدِيد وحتفه قريب ومطلبه بعيد يحرص حرص مُقيم ويسير إِلَى الْآخِرَة سير مجد كَأَن الدُّنْيَا حق الْيَقِين وَالْآخِرَة ظن من الظنون وَفِي مثل هَذَا قيل أتحرص يَا ابْن آدم حرص بَاقٍ ... وَأَنت تمر وَيحك كل حِين وتعمل طول دهرك فِي ظنون ... وَأَنت من الْمنون على يَقِين وَهَذَا إِذا ذكر الْمَوْت أَو ذكر بِهِ لم يخف أَن يقطع عَلَيْهِ مهما من الْأَغْرَاض قد كَانَ حصله وَلَا عَظِيما من الآمال فِي نَفسه قد كَانَ أدْركهُ لِأَنَّهُ لم يصل إِلَيْهِ وَلَا قدر عَلَيْهِ لكنه يخَاف أَن يقطعهُ فِي الْمُسْتَقْبل عَن بُلُوغ أمل يحدث بِهِ نَفسه ويخدع بِهِ حسه وَهُوَ يرى فِيهِ يَوْمه كَمَا قد رأى فِيهِ أمسه قد مَلأ قلبه بِتِلْكَ الْأَحَادِيث المشغلة والأماني المرذلة والوساوس المتلفة قد جعلهَا ديدنه وَدينه وإيمانه ويقينه وَرُبمَا ضَاقَ ذرعه بالدنيا وَطَالَ همه فِيهَا من تعذر مُرَاده عَلَيْهِ وَقلة تَأتيه لَهُ فتمنى الْمَوْت إِذْ ذَاك ليستريح بِزَعْمِهِ وَهَذَا من جَهله بِالْمَوْتِ وَبِمَا بعد الْمَوْت وَالَّذِي يستريح بِالْمَوْتِ غَيره وَالَّذِي يفرح بِهِ سواهُ إِنَّمَا الْفَرح من وَرَاء الصِّرَاط والراحة بعد الْمَغْفِرَة توفيت امْرَأَة كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمازحونها وَيضْحَكُونَ مَعهَا فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لقد استراحت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا يستريح من غفر لَهُ ذكره أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده فَلَا يزَال هَذَا البائس يتَحَمَّل من الدُّنْيَا بؤسها ويتلقى نحوسها ويلبس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 لكل شدَّة لبوسها وَهُوَ يتعلل بعسى وَلَعَلَّ وَيرى جنده الأفل وَحزبه الْأَقَل وناصره الْأَذَل فَلَا يرعوي وَلَا يزدجر وَلَا يفكر وَلَا يعْتَبر وَلَا ينظر وَلَا يستبصر حَتَّى إِذا وَقعت رايته وَقَامَت قِيَامَته وهجمت عَلَيْهِ منيته وأحاطت بِهِ خطيئته فانكشف لَهُ الغطاء وتبدت لَهُ موارد الشَّقَاء صَاح واخيبتاه واثكل أُمَّاهُ واسوء منقلباه هَيْهَات هَيْهَات نَدم وَالله حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ النَّدَم وَأَرَادَ التثبيت بَعْدَمَا زلت بِهِ الْقدَم فَخر صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ إِلَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم فنعوذ بِاللَّه من الحرمان وَمن ضحك الْعَدو وشماتة الشَّيْطَان وَهَذَا وَالَّذِي قبله إِن لم يكن لَهما عناية أزلية وسابقة أولية فَيمسك عَلَيْهِمَا الْإِيمَان وَيخْتم لَهما بِالْإِسْلَامِ وَإِلَّا فقد هلكا كل الْهَلَاك ووقعا بِحَيْثُ لَا دراك وَلَا مخلص وَلَا إنفكاك فنعوذ بِاللَّه من سوء الْقَضَاء ودرك الشَّقَاء بفضله وَرَحمته وَرجل أخر وَقَلِيل مَا هم من أزيل من عينه قذاها وكشف عَن بصيرته عماها وَعرضت عَلَيْهِ الْحَقِيقَة فرآها وَأبْصر نَفسه وهواها فزجرها ونهاها وأبغضها وقلاها فلبى الْمُنَادِي وَأجَاب الدَّاعِي وشمر لتلافي مَا فَاتَ وَالنَّظَر فِيمَا هُوَ آتٍ وتأهب لهجوم الْمَمَات وحلول الشتات والانتقال إِلَى محلّة الْأَمْوَات وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ يكره الْمَوْت أَن يشْهد وقائعه أَو يرى طلائعه أَو يكون ذَاكِرًا حَدِيثه أَو سامعه وَلَيْسَ يكره الْمَوْت لذاته وَلَا لِأَنَّهُ هَادِم لذاته وَلَكِن يخَاف أَن يقطعهُ عَن الاستعداد ليَوْم الْمعَاد والاكتساب ليَوْم الْحساب وَيكرهُ أَن تطوى صحيفَة عمله قبل بُلُوغ أمله وَأَن يُبَادر بأجله قبل إصْلَاح خلله وتدارك زلله فَهُوَ يُرِيد الْبَقَاء فِي هَذِه الدَّار لقَضَاء هَذِه الأوطار وَالْإِقَامَة بِهَذِهِ الْمحلة بِسَبَب هَذِه الْعلَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 كَمَا روى عَن بعض الْعَالمين وَقد بَكَى عِنْد الْمَوْت فَقيل لَهُ مَا يبكيك فَقَالَ وَالله مَا أبكى لفراق هَذِه الدَّار حرصا على غرس الْأَشْجَار وإجراء الْأَنْهَار لَكِن على مَا يفوتني من الادخار ليَوْم الافتقار والاكتساب ليَوْم الْحساب قَالَ فِي هَذَا أَو مَعْنَاهُ أَهْون بداركم الدُّنْيَا وأهليها ... وَاضْرِبْ بهَا صفحات من محبيها الله يعلم أَنِّي لست وامقها ... وَلَا أُرِيد بَقَاء سَاعَة فِيهَا لَكِن تمرغت فِي أدناسها حقبا ... وَبت أنشرها حينا وأطويها أَيَّام أسحب ذيلي فِي ملاعبها ... جهلا وأهدم من ديني وأبنيها وَكم تحملت فِيهَا غير مكترث ... من شامخات ذنُوب لست أحصيها فَقلت أبقى لعَلي أهدم مَا ... بنيت مِنْهَا وأدناسي أنقيها وَمن ورائي عِقَاب لست أقطعها ... حَتَّى أخفف أحمالي وألقيها يَا ويلتي وبحار الْعَفو زاخرة ... إِن لم تصبني برش فِي تثنيها وَهَذَا إِذا مَاتَ فيالله دره من ميت مَا أفضل حَيَاته وَأطيب مماته وَأعظم سعادته وَأكْرم وفادته وَأتم سروره وأكمل حبوره وَاعْلَم أَن هَذَا لَا يدْخل تَحت قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من كره لِقَاء الله كره الله لقاءه لِأَن هَذَا لم يكره لِقَاء الله تَعَالَى لذات اللِّقَاء إِنَّمَا كره أَن يقدم على الله عز وَجل متدنسا بأوضاره ثقيل الظّهْر بأوزاره ملأن من عاره وشناره فَأَرَادَ أَن يتطيب للقاء ويستعد لفصل الْقَضَاء قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي قلت لأم هَارُون العابدة أتحبين أَن تموتي قَالَت لَا قلت وَلم قَالَت وَالله لَو عصيت مخلوقا لكرهت لقاءه فَكيف بالخالق جلّ جَلَاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَقَالَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك لأبي حَازِم يَا أَبَا حَازِم مَا لنا نكره الْمَوْت فَقَالَ لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فَأنْتم تَكْرَهُونَ النقلَة من الْعمرَان إِلَى الخراب قَالَ كَيفَ الْقدوم على الله عز وَجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما المحسن فكالغائب يَأْتِي أَهله فَرحا مَسْرُورا وَأما الْمُسِيء فكالعبد الابق يَأْتِي مَوْلَاهُ خَائفًا مَحْزُونا قَالَ أَبُو بكر الكتاني كَانَ رجل يُحَاسب نَفسه فَحسب يَوْمًا سنيه فَوَجَدَهَا سِتِّينَ سنة فَحسب أَيَّامهَا فَوَجَدَهَا وَاحِدًا وَعشْرين ألف يَوْم وَخَمْسمِائة يَوْم فَصَرَخَ صرخة وخر مغشيا عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق قَالَ يَا ويلتاه أَنا آتِي رَبِّي بِوَاحِد وَعشْرين ألف ذَنْب وَخَمْسمِائة ذَنْب يَقُول هَذَا لَو كَانَ ذَنْب وَاحِد فِي كل يَوْم فَكيف بذنوب كَثِيرَة لَا تحصى ثمَّ قَالَ: آه عَليّ عمرت دنياي وَخَربَتْ أخراي وعصيت مولَايَ ثمَّ لَا أشتهي النقلَة من الْعمرَان إِلَى الخراب وَكَيف أشتهي النقلَة إِلَى دَار الْكتاب والحساب والعتاب وَالْعَذَاب بِلَا عمل وَلَا ثَوَاب وَأنْشد منَازِل دنياك شيدتها ... وَخَربَتْ دَارك فِي الْآخِرَة فَأَصْبَحت تكرهها للخراب ... وترغب فِي دَارك العامرة ثمَّ شهق شهقة عَظِيمَة فحركوه فَإِذا هُوَ ميت على أَن هَذَا الحَدِيث من كره لِقَاء الله كره الله لقاءه قد جَاءَ مُفَسرًا فَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه فَقلت يَا نَبِي الله أكراهية الْمَوْت فكلنا نكره الْمَوْت قَالَ لَيْسَ كَذَلِك وَلَكِن الْمُؤمن إِذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لِقَاء الله فَأحب الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 لقاءه وَإِن الْكَافِر إِذا بشر بِعَذَاب الله وَسخطه وعقوبته كره لِقَاء الله فكره الله لقاءه ذكره مُسلم بن الْحجَّاج وَقَالَ البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث وَلَكِن الْمُؤمن إِذا حَضَره الْمَوْت بشر برضوان الله وكرامته فَلَيْسَ شَيْء أحب إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامه فَأحب لِقَاء الله فَأحب الله لقاءه وَإِن الْكَافِر إِذا حَضَره الْمَوْت بشر بِعَذَاب الله وعقوبته فَلَيْسَ شَيْء أكره إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامه فكره لِقَاء الله فكره الله لقاءه وَرجل أخر هُوَ من الْقَلِيل قَلِيل قد عرف الله تَعَالَى بأسمائه الْحسنى وَصِفَاته الْعلَا وَشَاهد مَا شَاهد من كَمَال الربوبية وجمال الحضرة الإلهية فملأت عينه وَقَلبه وأطاشت عقله ولبه فَهُوَ يحن إِلَى ذَلِك المشهد ويحوم على ذَلِك المورد ويستعجل إنجاز ذَلِك الْموعد وَقد علم أَن الْحَيَاة حجاب بَينه وَبَين محبوبه وَستر مسدل بَينه وَبَين مَطْلُوبه وَبَاب مغلق يمنعهُ من الْوُصُول إِلَى مرغوبه فَلَو أصَاب سَبِيلا إِلَى هتك ذَلِك الْحجاب هتكه أَو رفع ذَلِك السّتْر رَفعه أَو كسر ذَلِك الْبَاب حطمه وكسره فعذابه فِي الْحَيَاة وراحته فِي الْمَمَات كَمَا يرْوى أَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ لما نزل بِهِ الْمَوْت قَالَ حبيب جَاءَ على فاقة وَقد قيل إِن الْمَوْت جسر يُوصل الحبيب إِلَى الحبيب وَأنْشد بَعضهم يَا حبذا الْمَوْت وأهواله ... وسكرة مِنْهُ تلِي سكره وزفرة فِي أَثَرهَا زفرَة ... كَأَنَّهَا فِي كَبِدِي جمره وروعة تقطع مني الحشا ... كَأَنَّهَا فِي أضلعي شفره يَا حبذا يَا حبذا كل مَا ... لاقيت من ضرّ وَمن عسره أَهْون بِهِ ثمت أَهْون بِهِ ... وَلَو غَدا مثل الْحَصَى كثره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 إِذْ كَانَ ذاكم معقبي نظرة ... فِي وَجه ذِي الْعِزّ وَذي الْقُدْرَة يَا لأماني تمنيتها ... تفقد نَفسِي دونهَا حسرة وَالْمَوْت جسر للقاء المنى ... فليعمل الغافل مَا سره ويروى عَن عَليّ بن الْفَتْح أَنه رأى النَّاس فِي يَوْم عيد يَتَقَرَّبُون بقرابينهم يَعْنِي بضحاياهم فَقَالَ يَا رب وَأَنا أَتَقَرَّب إِلَيْك بأحزاني ثمَّ غشي عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق قَالَ إلهي إِلَى كم ترددني فِي هَذِه الدُّنْيَا فَمَاتَ من سَاعَته ومقدمات هَذَا وَأَمْثَاله تدل على مَا وَرَاءَهَا من الْوِصَال والاتصال والأنس بذلك الْجلَال وَالْجمال وَآخر قد شَاهد مَا شَاهد ذَلِك وَرُبمَا زَاد عَلَيْهِ وَلكنه فوض الْأَمر إِلَى خالقه وَسلم الحكم لبارئه فَلم يرض إِلَّا مَا رَضِي لَهُ وَلم يرد إِلَّا مَا أُرِيد بِهِ وَلَا اخْتَار إِلَّا مَا حكم فِيهِ ان أبقاه فِي هَذِه الدَّار أبقاه وان أَخذه إِلَيْهِ أَخذه قَالَ أَحْمد بن أبي الْحوَاري قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي النَّاس رجلَانِ رجل أحب الله تَعَالَى فَأحب الْمَوْت شوقا إِلَى لِقَاء الله وَرجل أحب الْبَقَاء لإِقَامَة حق الله تَعَالَى قَالَ فَوَثَبَ إِلَيْهِ غُلَام لم يَحْتَلِم فَقَالَ وَرجل ثَالِث أَو قَالَ وَرجل آخر فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان وَمن هُوَ يَا بني قَالَ من لم يخْتَر هَذَا وَلَا هَذَا اخْتَار مَا اخْتَار الله عز وَجل لَهُ فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان احتفظوا بالغلام فانه صديق وَاجْتمعَ يَوْمًا وهيب بن الْورْد وسُفْيَان الثَّوْريّ ويوسف بن أَسْبَاط رَحِمهم الله تَعَالَى فَقَالَ الثَّوْريّ كنت أكره موت الْفجأَة ووددت الْيَوْم أَنِّي مت فَقَالَ لَهُ يُوسُف بن أَسْبَاط لم قَالَ لما أَتَخَوَّف من الْفِتْنَة فِي الدّين فَقَالَ يُوسُف لكني أحب الْحَيَاة وَطول الْبَقَاء فَقَالَ لَهُ سُفْيَان لم قَالَ لعَلي أَن أصادف يَوْمًا أَتُوب فِيهِ وأعمل صَالحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فَقيل لوهيب أَي شَيْء تَقول أَنْت فَقَالَ أَنا لَا أخْتَار شَيْئا أحب ذَلِك الي أحبه إِلَى الله عز وَجل فَقبل الثَّوْريّ بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ روحانية وَرب الْكَعْبَة وَقَالَ عَليّ بن جَهْضَم عَن عَليّ بن عُثْمَان بن سهل دخلت على عَمْرو بن عُثْمَان وَهُوَ فِي علته الَّتِي توفّي فِيهَا فَقلت لَهُ كَيفَ تجدك فَقَالَ أجد سري وَاقِفًا مثل المَاء لَا يخْتَار النقلَة وَلَا الْمقَام يَعْنِي مثل المَاء فِي الْإِنَاء أَو الْقَرار من الأَرْض يَقُول لَا يخْتَار الْحَيَاة وَلَا الْمَوْت وَقَالَ الْقَائِل فِي هَذَا الْمَعْنى الْمَعْنى كل مَا يفعل الحبيب حبيب ... وَالَّذِي شَاءَ بِي فشيء عَجِيب إِن سُكُون أَرَادَ بِي فَسُكُون ... أَو وحيب اراد بِي فوجيب وَإِذا مَا أَرَادَ موتِي فموتي ... أَو حَياتِي لكل ذَاك أُجِيب كل مَا كَانَ من قَضَاء فيحلو ... بفؤادي نُزُوله ويطيب فَهَذَا إِذا مَاتَ لَا يسْأَل عَن حَاله وَلَا يُقَال مَا فعل بِهِ وَمِنْهُم من يتَمَنَّى الْمَوْت ويشتهيه ويسأله ربه تَعَالَى ويرغب إِلَيْهِ فِيهِ وَقد علم أَن وَرَاءه يَوْمًا ثقيلا وحبسا طَويلا ومقاما يقوم فِيهِ ذليلا لَكِن لما رأى نَفسه مَنْصُوبًا للمحن معرضًا للفتن مرتهنا بِمَا هُوَ بِهِ مُرْتَهن وَأبْصر تفريطه فِي الزَّاد ليَوْم الْمعَاد وَفِي الاستعداد ليَوْم الْإِشْهَاد وَخَافَ أَن يقتطع عَن سَبِيل الْمُؤمنِينَ ويختلج عَن طَرِيق الْمُسلمين تمنى الْمَوْت لينجو من هَذَا الْخطر وَيسلم من هَذَا الْغرَر وَأَن يقدم على الله عز وَجل بِالْإِيمَان كَائِنا مِنْهُ بعد ذَلِك مَا كَانَ وَهَذَا إِن شَاءَ الله إِذا مَاتَ خرجت لَهُ الْبُشْرَى بالأمان وَأَن يحتل فِي جوَار الرَّحْمَن حَيْثُ شَاءَ من دَار الْكَرَامَة والرضوان وَاعْلَم أَن هَذَا لَا يدْخل تَحت قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت لضر نزل بِهِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا أَرَادَ الضَّرَر الدنيوي الَّذِي ينزل بالإنسان من محن الدُّنْيَا فِي النَّفس والأهل وَالْمَال وَهَذَا إِنَّمَا تمناه مَخَافَة أَن ينزل بِهِ الضَّرَر الأخروي وَأَن يقتطع بِالْمَعَاصِي عَن الله وَأَن يصد بالفتن عَن سَبِيل الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَبِالْجُمْلَةِ فالموت طَرِيق نجاة يركبهَا الْمُؤْمِنُونَ ومورد سَلامَة يردهَا الْمُسلمُونَ لقوا فِيهِ مَا لقوا وَسقوا مِنْهُ مَا سقوا كل ذَلِك يهون لما يُفْضِي بهم إِلَيْهِ من السَّعَادَة الأبدية والحياة السرمدية نسْأَل الله جميل الخاتمة وَحسن الْعَاقِبَة ومردا غير مخز وَلَا فاضح برحمته لَا رب سواهُ وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِي النَّهْي عَن تمني الْمَوْت صَحِيحَة مَشْهُورَة ذكر مُسلم بن الْحجَّاج رَحمَه الله من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت لضر نزل بِهِ فَإِن كَانَ لَا بُد متمنيا فَلْيقل اللَّهُمَّ أحيني مَا كَانَت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني إِذا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت وَلَا يدع بِهِ من قبل أَن يَأْتِيهِ إِنَّه إِذا مَاتَ أحدكُم انْقَطع عمله وَإنَّهُ لَا يزِيد الْمُؤمن عمره إِلَّا خيرا وَذكر البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت إِمَّا محسنا فَلَعَلَّهُ أَن يزْدَاد وَإِمَّا مسيئا فَلَعَلَّهُ أَن يستعتب وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَتَمَنَّوْا الْمَوْت فَإِن هول المطلع شَدِيد وَإِن من السَّعَادَة أَن يطول عمر العَبْد حَتَّى يرزقه الله الْإِنَابَة وسأذكر لَك إِن شَاءَ الله جملَة كَافِيَة مِمَّا ورد فِي الْمَوْت وَمِمَّا يعين على ذكره والفكرة فِيهِ وَذكر الصَّالِحين لَهُ وَكَلَامهم عِنْد نُزُوله مَعَ كَلَام غَيرهم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 المغترين والجهلة المخدوعين وَمَا وَرَاءه من السُّؤَال والحساب وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم ولعلك تظن بِقَوْلِي هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ فالموت طَرِيق نجاة يركبهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكَلَام إِلَى آخِره إِنِّي إِنَّمَا أردْت بذلك تهوين الْمَوْت وتسهيل كربه وتحقير خطبه والازدراء بِشَأْنِهِ وَقلة المبالاة بِهِ كلا وَمن كتبه على الْبشر وَجعله عِبْرَة من العبر وَإِحْدَى آيَاته الْكبر مَا قلت ذَلِك لهَذَا وَإِنَّمَا قلته للحالة الَّتِي يؤول الْمُؤْمِنُونَ إِلَيْهَا ويقيمون عَلَيْهَا ويكرمون بهَا ويخلدون فِيهَا فَذَلِك يهون الْمَوْت وَمَا هُوَ أعظم من الْمَوْت بل الْإِقَامَة فِي سكراته وتجرع مراراته آلافا من السنين وأضعاف مَا تعده مئين وَإِلَّا فالموت هُوَ الْخطب الأفظع وَالْأَمر الأشنع والكأس الَّتِي طعمها أكره وأبشع وَإنَّهُ الْحَادِث الهادم للذات والأقطع للراحات والأجلب للكريهات وَإِن أمرا يقطع أوصالك وَيفرق أعضاءك ويفتت أعضادك ويهد أركانك لَهو الْأَمر الْعَظِيم والخطب الجسيم وَإِن يَوْمه لَهو الْيَوْم الْعَقِيم وَمَا ظَنك رَحِمك الله بنازل ينزل بك فَيذْهب رونقك وبهاءك ويغير منظرك ورواءك ويمحو صُورَة جمالك وَيمْنَع من اجتماعك واتصالك ويردك بعد النِّعْمَة والنضرة والسطوة وَالْقُدْرَة والنخوة والعزة إِلَى حَالَة يُبَادر فِيهَا أحب النَّاس لَك وأرحمهم بك وأعطفهم عَلَيْك فيقذفك فِي حُفْرَة من الأَرْض قريبَة أنحاؤها مظْلمَة أرجاؤها مُحكم عَلَيْك حجرها وصيدانها متحكم فِيك هوامها وديدانها ثمَّ بعد ذَلِك يتَمَكَّن مِنْك الإعدام وتختلط بالرغام وَتصير تُرَابا تطؤه الْأَقْدَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَرُبمَا ضرب مِنْك إِنَاء فخار أَو أحكم مِنْك بِنَاء جِدَار أَو طلي مِنْك محبس مَاء أَو موقد نَار كَمَا رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه أَتَى بِإِنَاء مَاء ليشْرب مِنْهُ فَأَخذه بِيَدِهِ وَنظر إِلَيْهِ وَقَالَ كم فِيك من عين كحيل وخد أسيل وَكَانَ بقرطبة امْرَأَة صَالِحَة مَذْكُورَة بِالْخَيرِ مَعْرُوفَة اسْمهَا عزيزة بنت القلفيطي وَكَانَت لَهَا رُؤْيا صَادِقَة فرأت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنَّهَا خَارِجَة على بَاب الضاغط بقرطبة عَن يسَار الْخَارِج بنيانا من أَعْضَاء بني آدم وشعورهم وَلَهُم صياح وضجيج وَرجل طَوِيل وَاقِف وَعَلِيهِ ثِيَاب خضرَة نيرة ويداه على عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَقُول عَيْنَايَ يَا قوم فِي الْحَائِط فَأخْبرت بِهَذَا الرُّؤْيَا أَبَا بكر بن مُؤمن رَحمَه الله تَعَالَى فَخرج إِلَى الْموضع فَوجدَ فِيهِ مَسْجِدا ودورا قد بنيت فِي طرف مَقْبرَة كَانَت هُنَالك تعرف بمقبرة عَبَّاس وبنيت تِلْكَ الدّور وَالْمَسْجِد لمصْلحَة رأى الْجِيرَان فِي ذَلِك ذَلِك حَدثنِي بِهَذِهِ الْحِكَايَة صاحبنا الْوَجِيه أَبُو الْحسن بن أبي بكر بن مُؤمن عَن أَبِيه وَعَن الْمَرْأَة أَيْضا وَقد سَمِعت أَيْضا الْحِكَايَة قبل هَذَا من أبي الْحسن بن كَامِل الصُّوفِي وَمن غَيره من أَصْحَابه ويحكى أَن رجلَيْنِ تنَازعا وتخاصما فِي أَرض فانطق الله عز وَجل لبنة فِي حَائِط من تِلْكَ الأَرْض فَقَالَت يَا هَذَانِ إِنِّي كنت ملكا من الْمُلُوك ملكت كَذَا وَكَذَا سنة ثمَّ مت وصرت تُرَابا فَبَقيت كَذَلِك ألف سنة ثمَّ أَخَذَنِي خزاف يَعْنِي فخارا فَعمل مني إناءا فاستعملت حَتَّى تَكَسَّرَتْ ثمَّ عدت تُرَابا فَبَقيت ألف سنة ثمَّ أَخَذَنِي رجل فَضرب مني لبنة فجعلني فِي هَذَا الْحَائِط فَفِيمَ تنازعكما وفيم تخاصمكما وَهَذَا التَّغْيِير إِنَّمَا يحل بجسدك وَينزل ببدنك لَا بروحك لِأَن الرّوح لَهَا حكم آخر وَمَا مضى مِنْك فَغير مضاع وتفرقه لَا يمنعهُ من الِاجْتِمَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 قَالَ الله تَعَالَى {قد علمنَا مَا تنقص الأَرْض مِنْهُم وَعِنْدنَا كتاب حفيظ} والحكايات فِي هَذَا الْبَاب أَكثر من هَذَا وَالْكَلَام فِيهِ متسع وَقد دونت فِي الْمَوْت الْأَخْبَار وصيغت فِيهِ الْأَشْعَار وَضربت بشدته الْأَمْثَال وَكثر فِيهِ القيل والقال وعملت بِسَبَبِهِ أَعمال وأعمال قَالَ بَعضهم قَالُوا صف الْمَوْت يَا هَذَا وشدته ... فَقلت وامتد مني عِنْدهَا الصَّوْت يكفيكم مِنْهُ أَن النَّاس إِن عجزوا ... عَن وصف ضَربهمْ قَالُوا هُوَ الْمَوْت وَقد أَمر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِذكر الْمَوْت وَأعَاد القَوْل فِيهِ تهويلا لأَمره وتعظيما لشأنه ذكر النَّسَائِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا ذكر هَادِم اللَّذَّات الْمَوْت وَهَذَا كَلَام مُخْتَصر وجيز وَقد جمع التَّذْكِرَة وأبلغ فِي الموعظة فَإِن من ذكر الْمَوْت حَقِيقَة ذكره نغص عَلَيْهِ لذته الْحَاضِرَة وَمنعه من تمنيها فِي الْمُسْتَقْبل وزهده فِيمَا كَانَ مِنْهَا يؤمل وَلَكِن النُّفُوس الراكدة والقلوب الغافلة تحْتَاج إِلَى تَطْوِيل الوعاظ وتزويق الْأَلْفَاظ وَإِلَّا فَفِيمَا ذكر من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَكْثرُوا من ذكر هَادِم اللَّذَّات الْمَوْت مَا يَكْفِي السَّامع لَهُ ويشغل النَّاظر فِيهِ ويروى عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي أَنه قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَجْلِس قد ارْتَفع فِيهِ الضحك فَقَالَ شوبوا مجلسكم بِذكر مكدر اللَّذَّات قَالُوا وَمَا مكدر اللَّذَّات قَالَ الْمَوْت وَخرج يَوْمًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا قوم يتحدثون وَيضْحَكُونَ فَقَالَ اذْكروا الْمَوْت أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَعَن ابْن عمر قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاشر عشرَة فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار يَا رَسُول الله من أَكيس النَّاس قَالَ أَكْثَرهم للْمَوْت ذكرا وَأَحْسَنهمْ لَهُ اسْتِعْدَادًا قبل أَن ينزل بِهِ أُولَئِكَ الأكياس ذَهَبُوا بشرف الدُّنْيَا وكرم الْآخِرَة وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنا النذير وَالْمَوْت المغير والساعة الْموعد ويروى عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ تركت فِيكُم واعظين ناطقا وصامتا فالناطق الْقُرْآن والصامت الْمَوْت ويروى أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عش مَا شِئْت فَإنَّك ميت وأحبب من شِئْت فَإنَّك مفارقه واعمل مَا شِئْت فَإنَّك مَجْزِي بِهِ وَهَذِه الْأَحَادِيث رويتها من طَرِيق أبي بكر الْبَزَّار وَالْقَاضِي أبي الْحسن بن صَخْر وَأبي عَليّ الغساني وَغَيرهم وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء من أَكثر ذكر الْمَوْت قل فرحه وَقل حسده وَقَالَ بعض أَصْحَاب الْحسن كُنَّا ندخل على الْحسن فَمَا هُوَ إِلَّا النَّار وَالْقِيَامَة وَالْآخِرَة وَذكر الْمَوْت وَكَانَ ابْن سِيرِين إِذا ذكر عِنْده الْمَوْت مَاتَ كل عُضْو مِنْهُ على حِدته وَقَالَ التَّيْمِيّ رَحمَه الله شَيْئَانِ قطعا عني لذاذة الدُّنْيَا ذكر الْمَوْت وَذكر الْوُقُوف بَين يَدي الله عز وَجل وَقَالَ مطرف بن عبد الله رَأَيْت فِي مَا يرى النَّائِم كَأَن قَائِلا يَقُول فِي وسط جَامع الْبَصْرَة قطع ذكر الْمَوْت قُلُوب الْخَائِفِينَ فوَاللَّه مَا تراهم إِلَّا والهين محزونين وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله لَو فَارق ذكر الْمَوْت قلبِي ساع ة لفسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وَقَالَ لعتبة أَكثر ذكر الْمَوْت فَإِن كنت وَاسع الْعَيْش ضيقه عَلَيْك وَإِن كنت ضيق الْعَيْش وَسعه عَلَيْك وَكَانَ يزِيد الرقاشِي يَقُول لنَفسِهِ وَيحك يَا يزِيد من ذَا الَّذِي يُصَلِّي عَنْك بعد الْمَوْت من ذَا الَّذِي يَصُوم عَنْك بعد الْمَوْت من ذَا الَّذِي يُرْضِي عَنْك رَبك بعد الْمَوْت ثمَّ يَقُول أَيهَا النَّاس أَلا تَبْكُونَ وتنوحون على أَنفسكُم بَاقِي حَيَاتكُم وَيَا من الْمَوْت موعده والقبر بَيته وَالثَّرَى فرَاشه والدود أنيسه وَهُوَ مَعَ هَذَا ينْتَظر الْفَزع الْأَكْبَر كَيفَ يكون حَاله ثمَّ يبكي حَتَّى يسْقط مغشيا عَلَيْهِ ويروى أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا ذكر عِنْده الْمَوْت وَالْقِيَامَة يقطر جسده دَمًا وَعَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ إِذا ذكر عِنْده الْمَوْت وَالْقِيَامَة بَكَى حَتَّى تنخلع أوصاله فَإِذا ذكرت الرَّحْمَة رجعت وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله يجمع الْفُقَهَاء فيتذاكرون الْمَوْت وَالْقِيَامَة وَالْآخِرَة فيبكون حَتَّى كَأَن بَين أَيْديهم جَنَازَة وَأنْشد بَعضهم يَا باكيا من خيفة الْمَوْت ... أصبت فارفع من مدى الصَّوْت وناد يَا لهفي على فسحة ... فِي الْعُمر فَاتَت أَيّمَا فَوت ضيعتها ظَالِم نَفسِي وَلم ... أصغ إِلَى موت وَلَا ميت يَا ليتها عَادَتْ وهيهات أَن ... يعود مَا قد فَاتَ يَا لَيْت فَخَل عَن هذي الْأَمَانِي ودع ... خوضك فِي هَات وَفِي هيت وبادر الْأَمر فَمَا غَائِب ... أسْرع إتيانا من الْمَوْت كم شائد بَيْتا ليغنى بِهِ ... مَاتَ وَلم يفرغ من الْبَيْت وَأعلم أَن كَثْرَة الْمَوْت تردع عَن الْمعاصِي وتلين الْقلب القاسي وَتذهب الْفَرح بالدنيا وتهون المصائب فِيهَا وَإِن من لم يخفه فِي هَذِه الدَّار رُبمَا تمناه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الْآخِرَة فَلَا يؤتاه وَسَأَلَ فِيهِ وَلَا يعطاه وَكتب رجل إِلَى بعض إخوانه يَا أخي احذر الْمَوْت فِي هَذِه الدَّار من قبل أَن تصير إِلَى دَار تتمنى الْمَوْت فِيهَا فَلَا يُوجد وَيطْلب فِيهَا فَلَا يدْرك ويروى أَن امْرَأَة شكت إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قساوة فِي قَلبهَا فَقَالَت لَهَا اكثري من ذكر الْمَوْت يرق قَلْبك فَفعلت فرق قَلبهَا فَجَاءَت تشكر عَائِشَة وَقَالَ الْحسن فَضَح الدُّنْيَا وَالله هَذَا الْمَوْت فَلم يتْرك فِيهَا لذِي لب فَرحا وَقَالَ مَا رَأَيْت عَاقِلا قطّ إِلَّا وجدته حذرا من الْمَوْت حَزينًا من أَجله وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار من ذكر الْمَوْت هَانَتْ عَلَيْهِ المصائب وَقَالَ حَامِد اللفاف وَيْح ابْن أَدَم إِن أَمَامه ثَلَاثَة أَشْيَاء موت كريه المذاق ونار أليمة الْعَذَاب وجنة عَظِيمَة الثَّوَاب وَأعلم أَن الْمَوْت لن يمنعهُ مِنْك مَانع وَلَا يَدْفَعهُ عَنْك دَافع وَإِن فِيهِ لزجرا للبيب وشغلا للأريب ومنبهة للنائم وتنشيطا للمستيقظ وانه للطَّالِب الْمدْرك والمتبع اللَّاحِق والمغير الَّذِي يبْعَث الطليعة ويعجل الرّجْعَة ويسبق النذير الْعُرْيَان لَا يردهُ الْبَاب الشَّديد وَلَا البرج المشيد وَلَا اللجب العرمرم وَلَا الْبَلَد الْبعيد وروى خَيْثَمَة عَن سُلَيْمَان بن مهْرَان الْأَعْمَش قَالَ وَحدث بِهِ غَيره أَيْضا إِن رجلا كَانَ جَالِسا مَعَ نَبِي الله سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَدخل عَلَيْهِ دَاخل فَجعل ينظر إِلَى الرجل الْجَالِس مَعَ سُلَيْمَان ويديم النّظر إِلَيْهِ فَلَمَّا خرج قَالَ لَهُ الرجل يَا نَبِي الله من هَذَا الرجل الدَّاخِل عَلَيْك قَالَ ملك الْمَوْت قَالَ يَا نَبِي الله لقد رَأَيْته يديم النّظر إِلَيّ ويشخص فِي وَإِنِّي لأظنه يُرِيدنِي قَالَ فَمَا تُرِيدُ قَالَ يَا نَبِي الله أُرِيد أَن تَأمر الرّيح فتأخذني فتلقيني فِي أبعد جزائر الْبَحْر فَإِنَّهُ قد أطاش عَقْلِي وأذهب لبي وَنقض كل عُضْو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 فِي بدني فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيّ سُلَيْمَان أَو ألْقى فِي نَفسه أَن يفعل ذَلِك فَأمر الرّيح فَأَخَذته فألقته حَيْثُ أَرَادَ فَمَا اسْتَقر بِالْأَرْضِ حَتَّى نزل عَلَيْهِ ملك الْمَوْت فَقبض روحه ثمَّ رَجَعَ إِلَى سُلَيْمَان فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان رَأَيْتُك تديم النّظر إِلَى جليسي قَالَ نعم كنت أتعجب مِنْهُ لِأَنِّي أمرت بِقَبض روحه فِي أبعد بِلَاد الْهِنْد فِي سَاعَة قريبَة من الْوَقْت الَّذِي كَانَ عنْدك فَمَا هُوَ إِلَّا أَن خرجت قيل لي انْزِلْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بهَا فَنزلت عَلَيْهِ فَوَجَدته بهَا فقبضت روحه وَأنْشد بَعضهم مَا أَنْت والرشأ الأحوى تغازله ... والركب تسْأَل عَنهُ بانة الواد وَقد أظلك جَيش للردى لجب ... كالبحر يُوصل أمدادا بأمداد من كل داهية لَو أَنَّهَا مثلت ... شخصا لأظلم مِنْهَا كل وقاد لَا يمْنَع الْمَرْء مِنْهَا رَأس شاهقة ... وَلَا يرد شباها نسج زراد وَأَنت غاد على ظهر الطَّرِيق وَمَا ... لديك من نَاصِر يُرْجَى وَلَا فاد كأنني بك مصروعا لوطأته ... هَذَا أَو أَن مغار الْفَارِس الْعَاد قُم قد أتيت وَلَا منجي وَلَا وزر ... للويل أَصبَحت من ركض وإنشاد صَحَّ بالندى وبالقصر المشيد عَسى ... هَيْهَات هَيْهَات كَانَ الْقصر والناد يَا رَاقِدًا وعيون الْمَوْت ساهرة ... لقد أعرت لأمر غير رقاد وَأعلم أَن فِي النّظر إِلَى الْمَيِّت ومشاهدة حَاله وَسَكَرَاته ونزعاته وَتَأمل صورته بعد مماته مَا يقطع عَن النُّفُوس لذاتها ويطرد عَن الْقُلُوب مسراتها وَيمْنَع الأجفان من النّوم والأبدان من الرَّاحَة وَيبْعَث على الْعَمَل وَيزِيد فِي الِاجْتِهَاد والتعب يرْوى أَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله دخل على مَرِيض يعودهُ فَوَجَدَهُ فِي سَكَرَات الْمَوْت فَنظر إِلَى كربه وعلته وَشدَّة مَا نزل بِهِ فَرجع إِلَى أَهله بِغَيْر اللَّوْن الَّذِي خرج بِهِ من عِنْدهم فَقَالُوا لَهُ الطَّعَام يَرْحَمك الله أتأكل فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 يَا أهلاه عَلَيْكُم بطعامكم وشرابكم فوَاللَّه لقد رَأَيْت مصرعا لَا أَزَال أعمل لَهُ حَتَّى أَلْقَاهُ وَقَالَ بعض الْعلمَاء أَي عَيْش يطيب وَلَيْسَ للْمَوْت طَبِيب وَقَالَ بعد الزهاد لنا من كل ميت عظة بِحَالهِ وعبرة بِمَالِه وَقَالَ ابْن مَسْعُود كفى بِالْمَوْتِ واعظا وباليقين غنى وبالعبادة شغلا وَاعْلَم أَن الْمَوْت وَإِن كَانَ هُوَ الْمُصِيبَة الْعُظْمَى والرزية الْكُبْرَى فأعظم مِنْهُ الْغَفْلَة عَنهُ والإعراض عَن ذكره وَقلة التفكر فِيهِ وَترك الْعَمَل لَهُ وَإِن فِيهِ وَحده لعبرة لمن اعْتبر وفكرة لمن تفكر وَفِي خبر مَرْوِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن الْبَهَائِم تعلم من الْمَوْت مَا تعلمُونَ مَا أكلْتُم مِنْهَا سمينا ويروى أَن رجلا من الْأَغْنِيَاء نزل بِهِ دَاء فِي وَجهه فعجز أطباء بِلَاده عَن معالجته وَلم يَجدوا سَبِيلا إِلَى شفائه فَخرج يضْرب فِي الأَرْض ويخترق الْبِلَاد وَيطْلب علاجا لدائه وفرجا لبلائه فَدلَّ على طَبِيب حاذق بِبِلَاد الْهِنْد فَقطع إِلَيْهَا المفاوز الْبَعِيدَة وَركب إِلَيْهِ الْبحار الخطرة واللجج الهائلة حَتَّى وصل إِلَيْهِ بَعْدَمَا كَاد أَن يهْلك فَدخل عَلَيْهِ فَوجدَ رجلا ملقى على فرَاشه جلده على عظم فَسلم عَلَيْهِ فَأحْسن الرَّد وَأظْهر الْبشر وَسَأَلَهُ عَن حَاله وَمن أَي الْبِلَاد هُوَ وَمَا الَّذِي جَاءَ بِهِ فَأخْبرهُ خَبره وَأَنه إِنَّمَا جَاءَ يلْتَمس معالجة دائه فَقَالَ لَهُ كم مَعَك من المَال وَمَا جِئْت بِهِ من البضاعة فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ أَخذ مِنْك نصف مَا مَعَك وأعالجك حَتَّى تستريح فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَدفع إِلَيْهِ نصف مَا عِنْده فعالجه ولاطفه حَتَّى ذهب عَنهُ الْأَلَم وَجَمِيع مَا كَانَ بِوَجْهِهِ وَلم يبْق بِهِ شَيْء إِلَّا أَن مَوضِع الدَّاء بَقِي أسود دون ألم يجده فِيهِ فَقَالَ لَهُ لقد بَرِيء داؤك وَذَهَبت علتك وَقد اسْتَوْجَبت مَا أَخَذته مِنْك فَقَالَ لَهُ أَيهَا الْفَاضِل أَو مَا ترى الْموضع قد بَقِي أسود مُخَالفا لَونه لوني وَكَيف يكون هَذَا الْبُرْء وَكَيف تكون هَذِه الصِّحَّة وَكَيف تستوجب مَا أَخَذته مني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 فَقَالَ لَهُ لم أشارطك على نقاء اللَّوْن وَبَيَاض الْبشرَة وَإِنَّمَا شارطتك على ذهَاب الْأَلَم وحسم الدَّاء وَلست أنظر لَك فِيمَا تريده من إِزَالَة هَذَا السوَاد إِلَّا بِأَن تدفع إِلَيّ النّصْف الثَّانِي من مَالك فَقَالَ لَهُ أَيهَا الْفَاضِل أَنا رجل غَرِيب بعيد الدَّار ناء عَن الْأَهْل وَإِذا دفعت لَك النّصْف الثَّانِي بقيت مُنْقَطِعًا بِي عَن أَهلِي ووطني فَقِيرا بِأَرْض غربَة عَالَة على من لَا يعرفنِي فَقَالَ لَهُ لَا بُد لَك من أَن تُعْطِينِي مَا قلت لَك وَإِلَّا لم أنظر لَك فِي شَيْء مِمَّا تُرِيدُ فَلَمَّا رأى الرجل أَنه لَا يجِيبه إِلَى معالجته وَالنَّظَر فِي أمره حَتَّى يُعْطِيهِ مَا سَأَلَ أَجَابَهُ إِلَى مَا أَرَادَ وَدفع إِلَيْهِ النّصْف الثَّانِي فعالجه حَتَّى ذهب عَنهُ سوَاده فَلَمَّا بَرِيء قَالَ لَهُ أُبْقِي لَك شَيْء فَقَالَ لَا قَالَ فاستوجبت مَا أَخَذته مِنْك قَالَ نعم فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا إِنِّي لم آخذ مَالك رَغْبَة فِيهِ وَلَا لأستأثر بِهِ دُونك وَلَكِن أردْت أَن أَدْرِي مِقْدَار نَفسك عنْدك وَأيهمَا أحب إِلَيْك المَال أم هِيَ فقد رَأَيْت وَهَذَا مَالك كُله مَرْدُود عَلَيْك لَا وَالله لَا آخذ مِنْهُ درهما وَاحِدًا فَرده عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ مَا نحلتكم الَّتِي تنتحلون وَمَا شريعتكم الَّتِي بهَا تتشرعون فَقَالَ لَهُ نَحن مُسلمُونَ فَقَالَ وَمَا مُسلمُونَ فَقَالَ نَحن أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَمَا مُحَمَّد قَالَ رجل من الْعَرَب ثمَّ من قُرَيْش بَعثه الله تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولا وَاخْتَارَهُ صفيا أَمينا فَبلغ الرسَالَة وَأدّى الْأَمَانَة وَذكر لنا أَن بَين أَيْدِينَا يَوْمًا يبْعَث فِيهِ الْأَمْوَات ويجازي فِيهِ بالسيئات والحسنات فَقَالَ لَهُ وَكَيف انتم فِي اتِّبَاعه قَالَ إِنَّا لنسلك فِي غير هَدْيه ونترك كثيرا من أمره قَالَ وَالله يَا هَذَا مَا أَقُول بِمَا تَقولُونَ وَمَا ردني كَمَا ترى جلدَة على عظم إِلَّا الفكرة فِي الْمَوْت خَاصَّة وَفِيمَا هُوَ فَكيف لَو قلت بِمَا تَقولُونَ مِمَّا بعد الْمَوْت من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الْحساب وَالْعِقَاب وَالْجَزَاء وَالثَّوَاب مَا رَأَيْت أقل عقولا مِنْكُم ثمَّ دفع إِلَيْهِ مَاله وَانْصَرف حَدثنِي بِهَذِهِ الْحِكَايَة أَبُو عَمْرو الشريف رَحمَه الله تَعَالَى وَهَذَا الْكَلَام الْأَخير مِنْهَا فِي ذكر الْمَوْت وَغَيره شَككت هَل ذكره فِي الْحِكَايَة أم لَا وَلَكِنِّي قد سمعته من غَيره ويروى أَن أَعْرَابِيًا كَانَ يسير على جمل لَهُ فَخر الْجمل مَيتا فَنزل الْأَعرَابِي عَنهُ وَجعل يطوف بِهِ ويتفكر فِيهِ وَيَقُول مَا لَك لَا تقوم مَالك لَا تنبعث هَذِه أعضاؤك كَامِلَة وجوارحك سَالِمَة مَا شَأْنك مَا الَّذِي كَانَ يحملك مَا الَّذِي كَانَ يَبْعَثك مَا الَّذِي صرعك مَا الَّذِي عَن الْحَرَكَة مَنعك ثمَّ تَركه وَانْصَرف متفكرا فِي شَأْنه مُتَعَجِّبا من أمره وأنشدوا فِي هَذَا الْمَعْنى ومجرر خطية يَوْم الوغى ... منسابة من خَلفه كالأرقم تتضاءل الْأَبْطَال سَاعَة ذكره ... وتبيت مِنْهُ فِي إباءة ضيغم شرس المقادة لَا يزَال ربيئة ... فَمَتَى يحس بِنَار حَرْب يقدم تقع الفريسة مِنْهُ فِي فوهاء إِن ... يطْرَح بهَا صم الْحِجَارَة يحطم ظمآن للدم لَا يقوم بريه ... إِلَّا المروق فِي الجسوم من الدَّم جَاءَتْهُ من قبل الْمنون إِشَارَة ... فهوى صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ وَرمى بمحكم درعه وبرمحه ... وامتد ملقى كالفنيق الْأَعْظَم لَا يستجيب لصارخ إِن يَدعه ... أبدا وَلَا يُرْجَى لخطب مُعظم ذهبت بسالته وَمر غرامه ... لما رأى خيل الْمنية ترتم يَا ويحه من فَارس مَا باله ... ذهبت فروسته وَلما يكلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 هذي يَدَاهُ وَهَذِه أعضاؤه ... مَا مِنْهُ من عُضْو غَدا بمثلم هَيْهَات مَا خيل الردى محتاجة ... للمشرفي وَلَا السنان اللهذم هِيَ وَيحكم أَمر الْإِلَه وَحكمه ... وَالله يقْضِي بِالْقضَاءِ الْمُحكم يَا حسرة لَو كَانَ يقدر قدرهَا ... ومصيبة عظمت وَلما تعظم خبر علمنَا كلنا بمكانه ... وكأننا فِي حَالنَا لم نعلم فَكيف إِذا أضَاف إِلَى الفكرة فِي الْمَوْت الفكرة فِيمَا بعد الْمَوْت وَفِي حَال الْمَيِّت ومآله وَمَا يجازي بِهِ من أَقْوَال وأفعال وَفِي أَي متجرفاته وَأي بضَاعَة فرط فِيهَا وَأي علق نَفِيس من الْعُمر ضيعه هُنَالك تطيش الْأَلْبَاب وتذهل الْعُقُول وتخرس الألسن وتنبذ الدُّنْيَا بالعراء وتطرح بِجَمِيعِ مَا فِيهَا بالوراء وَقَالَ ابْن السماك رَحمَه الله تَعَالَى إِن الْمَوْتَى لم يبكوا من الْمَوْت وَلَكنهُمْ يَبْكُونَ من حسرة الْفَوْت فَاتَتْهُمْ وَالله دَار لم يتزودوا مِنْهَا ودخلوا دَارا لم يتزودوا لَهَا فأية سَاعَة مرت على من مضى وأية سَاعَة بقيت علينا وَالله إِن المتفكر فِي هَذَا لجدير أَن يتْرك الأوطان ويهجر الخلان ويدع مَا عز وَمَا هان ويروى أَن ملكا من مُلُوك بني إِسْرَائِيل كَانَ كلما ولد لَهُ ولد فَبلغ مبلغ الرِّجَال وعقل مَا يعقله الرِّجَال لبس مسوحه وَتعلق برؤوس الْجبَال وسلك بطُون الأودية يعبد الله عز وَجل فَلم يزل ذَلِك دأبه حَتَّى ولد لَهُ ولد فشب إِلَى أَن ولد لَهُ ولد فَجمع رِجَاله وخاصته وَقَالَ تعلمُونَ مَا كَانَ من أَمر بني وَأَنه لَيْسَ مِنْهُم وَاحِد بَقِي معي وَلَا الْتفت إِلَيّ وَإنَّهُ لَيْسَ يصلح لكم وَلَا يَسْتَقِيم أَمركُم إِلَّا بِأَن يليكم وَاحِد من وَلَدي وَإِنِّي أَخَاف إِن لم يكن ذَلِك أَن تهلكوا أبهلاكي فَخُذُوا وَلَدي هَذَا فربوه وَقومُوا بأَمْره فَإِذا شب وعقل فزينوا لَهُ الدُّنْيَا وعظموا قدرهَا عِنْده ثمَّ أَمر فَبنِي لَهُ قصر عَظِيم فرسخا فِي فَرسَخ وَجمع لَهُ المراضع وَأكْثر لَهُ من الحواضن ووكل بِهِ رجَالًا من عقلاء أَصْحَابه ووجوه دولته وَأمر إِذا فهم وعقل أَن لَا يخرج من ذَلِك الْقصر وَلَا يذكر عِنْده الْمَوْت وَلَا يبصر مَيتا فِي مَوضِع يكون فِيهِ مَخَافَة أَن يسمع بِالْمَوْتِ أَو يرى مَيتا فَيسْأَل عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 فيفسر لَهُ فتتنغص عَلَيْهِ لذته وتتكدر عَلَيْهِ حَيَاته ويزهد فِي الْملك ويسلك مَسْلَك إخْوَته وَيلْحق بهم ويحذو حذوهم فَبَقيَ الْغُلَام على ذَلِك لَا يذكرُونَ عِنْده موتا وَلَا يسمعونه حَدِيث ميت وَلَا يطلعونه عَلَيْهِ وَلَا يذكر عِنْده إِلَّا الدُّنْيَا وتعظيمها والفرح بهَا والإقبال عَلَيْهَا وتعظيم آبَائِهِ الْمُلُوك وأجداده العظماء وَالتَّرْغِيب فِي الِاقْتِدَاء بهم وَالْمَشْي على طريقهم والاستنان بسنتهم إِلَى ان شب الْغُلَام وعقل مَا يعقله النَّاس فَمشى ذَات يَوْم فِي ذَلِك الْقصر وَطَاف فِي أرجائه وَقد أحدق بِهِ خاصته والموكلون بِهِ فَانْتهى إِلَى سور الْقصر فَقَالَ مَا وَرَاء هَذَا السُّور وَمَا خلف هَذَا الْحَائِط فَقَالُوا لَهُ وَرَاءه الأَرْض الواسعة والبلاد الْكَثِيرَة والجم الْغَفِير من النَّاس وكل ذَلِك لَك وللملك أَبِيك فَقَالَ أَخْرجُونِي حَتَّى أنظر وَأرى فَأَبَوا حَتَّى يشاوروا أَبَاهُ فشاوروه وَأَخْبرُوهُ بِأَنَّهُ يُرِيد أَن يخرج وَيرى النَّاس وظنوا أَنه يحكمهم فَأذن لَهُم فأخرجوه فرأي وَنظر فَأول مَا وَقع بَصَره من النَّاس على شيخ كَبِير قد سَالَ لعابه من فِيهِ وَسقط حاجباه على عَيْنَيْهِ من الْكبر فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا شيخ كَبِير فَقَالَ وَمَا شيخ كَبِير قَالُوا كَانَ شَابًّا فعمر وعاش حَتَّى أَصَابَهُ الْهَرم فَعمل بِهِ مَا ترى قَالَ وَمَا الْهَرم قَالُوا الْكبر وَطول الْعُمر يعِيش إِلَى أَن تقل طاقته وتضعف حركته حَتَّى لَا يقدر أَن يمسك لعابه فِي فِيهِ مَعَ علل أخر تعتريه من طول الْحَيَاة قَالَ أَو يُصِيبكُم هَذَا أَو هُوَ شَيْء يُصِيب قوما دون قوم قَالُوا هُوَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِأحد دون أحد بل يُصِيب كل من طَال عمره قَالَ ويصيبني أَنا مَعَ مَا أَنا فِيهِ من النَّعيم وضروب اللَّذَّات وبلوغ الشَّهَوَات قَالُوا نعم ويصيبك أَنْت إِن طَالَتْ بك الْحَيَاة فَقَالَ أُفٍّ لعيش يكون آخِره هَذَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى قصره وَقد تكدر عَلَيْهِ بعض نعيمه وتنغص عَلَيْهِ بعض مَا كَانَ فِيهِ فعالجوه بِكُل لَهو وكل بَاطِل حَتَّى اسْتخْرجُوا من قلبه مَا كَانَ وَقع فِيهِ من أَمر الْهَرم وَالْكبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 فَأَقَامَ عَاما ثمَّ أَمرهم أَن يخرجوه ثَانِيَة فَأَبَوا عَلَيْهِ وخافوا من أَبِيه ثمَّ إِنَّه عزم عَلَيْهِم فأخرجوه فَأول من رأى من النَّاس شَاب بِهِ جذام أَو غَيره من الأدواء فَقَالَ مَا هَذَا ومم يكون فَقَالُوا هَذَا فَسَاد فِي المزاج وتحريك فِي الأخلاط فيتولد عَنهُ هَذَا وَغَيره قَالَ أَهَذا وَحده أَصْحَابه أم كلكُمْ يخَاف أَن يُصِيبهُ هَذَا الدَّاء قَالُوا مَا عِنْد أحد أَمَان كل أحد خَائِف من هَذَا الدَّاء وَمن غَيره فَإِن الدُّنْيَا دَار أمراض وأسقام ورزايا وبلايا قَالَ وَأَنا أَخَاف قَالُوا وَأَنت قد أخبرناك أَنه لَيْسَ لأحد أَمَان على نَفسه قَالَ فَأَصَابَهُ من الْغم أَكثر مِمَّا أَصَابَهُ فِي الْمرة الأولى فَرجع وَرَجَعُوا وَلم يزَالُوا يشغلونه بضروب المحاب وأصناف الملاذ حَتَّى أخرجُوا من قلبه مَا كَانَ وَقع فِيهِ أَو كَادُوا وَأقَام كَذَلِك حولا ثمَّ قَالَ أَخْرجُونِي فأخرجوه فَنظر فَإِذا بِرَجُل ميت يحمل قَالَ مَا هَذَا قَالُوا ميت قَالَ وَمَا ميت قَالُوا رجل مثلنَا نزل بِهِ قَضَاء إلهي وحادث سماوي فأطفأ شرارته أَحْمد حرارته ورده حجرا من الْحِجَارَة وجمادا من الجمادات فَقَالَ عَليّ بِهِ حَتَّى أرَاهُ فَجَاءُوا بِهِ وكشف لَهُ عَنهُ فَقَالَ كَلمُوهُ فَقَالُوا إِنَّه لَا يتَكَلَّم فَقَالَ أجلسوه فَقَالُوا إِنَّه لَا يجلس فَجعل ينظر إِلَيْهِ ويتفكر فِيهِ ثمَّ قَالَ وَهَذَا وَحده خص بِهَذَا الْحَادِث أَو انتم كلكُمْ ينزل بكم مثل مَا نزل بِهَذَا قَالُوا كلنا فِيهِ سَوَاء وكلنَا ينزل بِهِ هَذَا الْحَادِث قَالَ وَأَنا قَالُوا وَأَنت وَقد أخبرناك قَالَ لَا يدْفع عني أبي قَالُوا وَلَا يدْفع عَنْك أَبوك وَلَا يدْفع عَن نَفسه فَقَالَ إِن نعيما يصير أَخّرهُ إِلَى هَذَا لجدير أَن يتكدر وَإِن قلبا يخْطر بِهِ ذكر هَذَا لحقيق أَن يتفطر قَالَ وَمَا تَصْنَعُونَ بِهِ قَالُوا نحفر لَهُ حُفْرَة فِي الأَرْض ونرد عَلَيْهِ التُّرَاب إِلَى يَوْم النشور وَالْعرض قَالَ وَمَا النشور وَالْعرض قَالُوا هُوَ يَوْم يعبث فِيهِ الْأَمْوَات وَتظهر فِيهِ المحبآت وَيكون وَيكون قَالَ وَلَا بُد مِنْهُ قَالُوا لَا بُد مِنْهُ فَقَالَ وَهَذِه أَشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فَعمل الْكَلَام فِي نَفسه عمله وَأخذ الْكَلَام فِي قلبه مأخذه فَتغير وَجهه وَضعف جِسْمه وشحب لَونه وأقصر عَمَّا كَانَ فِيهِ من تِلْكَ الراحات وَتلك البطالات فَأخْبر أَبوهُ بِخَبَرِهِ وَوصف لَهُ حَدِيثه فَقَالَ أَو قد فعلهَا قَالُوا نعم فداراه أَبوهُ بِكُل شَيْء فَلم ينفع فِيهِ شَيْء وهون عَلَيْهِ الْأَمر فَلم يهن وَسَلاهُ فَلم يتسل فَقَالَ لَهُ أَبوهُ لَا جرم وَالله لأدعنك تلْحق بإخوتك فَبعث إِلَيْهِ ثِيَابه من المسوح فلبسها وَخرج فِي جَوف اللَّيْل فَتعلق بالجبال وَلحق بإخوته فتعبد مَعَهم وَكَانَ يَقُول فِي مناجاته اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك أمرا لَيْسَ إِلَيّ قد سبقت بِهِ الْمَقَادِير لَوَدِدْت أَنِّي كنت الطير فِي الْهَوَاء أَو السّمك فِي المَاء وَلم أك شَيْئا مَذْكُورا مَخَافَة الْحساب وَالْعِقَاب وَاعْلَم رَحِمك الله أَن كَثْرَة الِاشْتِغَال بالدنيا وإفراغ المجهود فِيهَا والميل بالكلبة إِلَيْهَا وحلاوة أحاديثها وَلَذَّة أمانيها تمنع حرارة ذكر الْمَوْت أَن ترد على الْقلب وَأَن تلج فِيهِ لِأَن الْقلب إِذا امْتَلَأَ بِشَيْء لم يكن لشَيْء آخر فِيهِ مدْخل وَلَا لسواه فِيهِ مجَال أَلا ترى أَن الْإِنَاء إِذا ملأته بِشَيْء لم يمكنك أَن تدخل عَلَيْهِ شَيْئا أخر ووجهك إِذا صرفته إِلَى مَوضِع صرفته عَن مَوضِع آخر وَمَتى دَامَ الْقلب على هَذَا لم يكن لذكر الْمَوْت فِيهِ تَأْثِير وَلَا لترداده عَلَيْهِ حلاوة وَكَيف يُؤثر فِيهِ وَهُوَ لَا يجد مَكَانا ينزل فِيهِ وَلَا موضعا يتَعَلَّق بِهِ قد ملأَهُ حب الشَّهَوَات الفانية وَاللَّذَّات المنصرمة فَهُوَ شبعان رَيَّان حيران سَكرَان أَصمّ أعمى إِن عرض عَلَيْهِ طَرِيق هدى لم يره أَو نُودي باجتناب رَدِيء لم يسمع فَإِذا اراد صَاحب هَذَا الْقلب سَماع الْحِكْمَة وَالِانْتِفَاع بِالْمَوْعِظَةِ لم يكن لَهُ بُد من تفريغه ليجد التَّذَكُّر فِيهِ منزلا وتلقى الموعظ فِيهِ محلا قَابلا فَلَا يزَال يتهاهد ويتفقده بالأذكار والأفكار وَالنَّظَر وَالِاعْتِبَار آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار لِئَلَّا يرجع إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الرين وَيعود إِلَى حَالَته الأولى من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الْغَيْن وَإِن لم يقدر على تفريغه بِمرَّة فرغ مِنْهُ مَا أمكن وَجعل مَكَان مَا أزاله ضِدّه فَيجْعَل مَكَان الْغَفْلَة ذكرا وَكَانَ الْفَرح حزنا وَمَكَان الِاغْتِبَاط ندما وَمَكَان السَّهْو تيقظا وَلَا يزَال هَكَذَا يزِيل شَيْئا وَيجْعَل مَكَانَهُ ضِدّه ويستعين بِجعْل هَذَا على إِزَالَة هَذَا وبإزالة هَذَا على جعل هَذَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى يستعان على كل مَا يحاول وبمنه وتيسيره سُبْحَانَهُ يتَنَاوَل كل مَا يتَنَاوَل لَا رب غَيره وَلَا معبود سواهُ وَاعْلَم رَحِمك الله أَن مِمَّا يعينك على الفكرة فِي الْمَوْت ويفرغك لَهُ وَيكثر اشتغالك بِهِ تذكر من مضى من إخوانك وخلانك وَأَصْحَابك واقرانك الَّذين مضوا قبلك وتقدموا أمامك كَانُوا يحرصون حرصك ويسعون سعيك ويأملون أملك ويعملون فِي هَذِه الدُّنْيَا عَمَلك وقصت الْمنون أَعْنَاقهم وقلعت أعراقهم وقصمت أصلابهم وفجعت فيهم أَهْليهمْ وأحباءهم فَأَصْبحُوا آيَة للمتوسمين وعبرة للمعتبرين ويروى عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا هُرَيْرَة أَلا أريك الدُّنْيَا جَمْعَاء قلت بلَى يَا رَسُول الله قَالَ فَأخذ بيَدي وَأتي بِي وَاديا من أَوديَة الْمَدِينَة فَإِذا مزبلة فِيهَا رُؤُوس وَعِظَام وخرق بالية وعذرات فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة هَذِه الرؤوس كَانَت تحرص كحرصكم وَتَأمل كأملكم ثمَّ هِيَ الْيَوْم عِظَام لَا جلد عَلَيْهَا ثمَّ هِيَ صائرة رَمَادا وَهَذِه العذرات ألوان أطعمتهم اكتسبوها من حَيْثُ اكتسبوها ثمَّ قذفوها من بطونهم فَأَصْبَحت وَالنَّاس يتحامونها وَهَذِه الْخرق البالية كَانَت رياشهم فَأَصْبَحت والرياح تصفقها وَهَذِه الْعِظَام عِظَام دوابهم الَّتِي كَانُوا ينتجعون عَلَيْهَا أَطْرَاف الْبِلَاد فَمن كَانَ باكيا على الدُّنْيَا فليبك قَالَ فَمَا برحنا حَتَّى اشْتَدَّ بكاؤنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 رويت هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أَسد بن مُوسَى ويتذكر أَيْضا مَا كَانُوا عَلَيْهِ من حِدة الجلباب ونضرة الإهاب وَمَا كَانُوا يسحبونه من أردية الشَّبَاب وَأَنَّهُمْ كَانُوا فِي ظلال النَّعيم يَتَقَلَّبُونَ وعَلى أسرة السرُور يتكئون وَبِمَا شَاءُوا من محابهم يتنعمون وَفِي أمانيهم يقومُونَ ويقعدون لَا يتحدثون بِزَوَال وَلَا يهمون بانتقال وَلَا يخْطر الْمَوْت لَهُم ببال قد خدعتهم الدُّنْيَا بزخرفها وخلبتهم برونقها وحدثتهم بأحاديثها الكاذبة ووعدتهم بمواعيدها المخلفة لم تزل تقرب لَهُم بعيدها وترفع لَهُم مشيدها وتلبسهم غضها وجديدها حَتَّى إِذا تمكنت مِنْهُم علائقها وتحكمت فيهم رواشقها وتكشفت لَهُم حقائقها ورمقتهم من الْمنية روامقها فَوَثَبت عَلَيْهِم وثبة الحنق وأغصتهم غُصَّة الشرق وقتلتهم قتلة المختنق فكم عَلَيْهِم من عُيُون باكية ودموع جَارِيَة وخدود دامية وَقُلُوب من الْفَرح وَالسُّرُور لفقدهم خَالِيَة وانشدوا فِي هَذَا الْمَعْنى وريان من مَاء الشَّبَاب إِذا مَشى ... يمِيل على حكم الصِّبَا ويميد تعلق من دُنْيَاهُ إِذْ عرضت لَهُ ... خلوبا ألباء الرِّجَال تصيد فَأصْبح مِنْهَا فِي حصيد وقائم ... وللمرء مِنْهَا قَائِم حصيد خلا بالأماني واستطاب حَدِيثهَا ... فينقص من أطماعه وَيزِيد وأدنت لَهُ أَشْيَاء وَهِي بعيدَة ... وَتفعل تدني الشَّيْء وَهُوَ بعيد أتيحت لَهُ من جَانب الْمَوْت رمية ... فراح بهَا المغرر وَهُوَ حصيد وَصَارَ هشيما بعد أَن كَانَ يانعا ... وَعَاد حَدِيثا يقْضِي ويبيد كَانَ لم ينل يَوْمًا من الدَّهْر لَذَّة ... وَلَا طلعت فِيهِ عَلَيْهِ سعود ليبكي عَلَيْهِ زهوه وشبابه ... وتدمي جفون إثره وخدود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 تبَارك من يجْرِي على الْخلق حكمه ... فَلَيْسَ لشَيْء مِنْهُ عَنهُ محيد يَا لله مصرعهم كم فيهم من مجرر ذيل إعجابه متطاول على أَصْحَابه متعاظم على أقرانه وأترابه تجمع لَهُ الْأَمَانِي وترتاح إِلَى وَصله الغواني إِن بصر لَا يستبصر وَإِن أَمر لَا يأتمر وَإِن زجر لَا يكف وَلَا ينزجر لَا يسمع إِلَّا دَاعِي الْهوى وَلَا يستجيب إِلَّا لمن إِلَيْهِ دَعَا يلهو ويفرح ويمزح ويمرح ويبيت من دُنْيَاهُ مثل مَا كَانَ أصبح قد أبدأ فِي أمره وَأعَاد وَأحكم غيه فأجاد وأشاد من أمله مَا أشاد حَتَّى إِذا نَالَ مُرَاده أَو كَاد صاحت بِهِ الْمنية صَيْحَة الغضبان وصدمته صدمة اللهفان فهدت أَرْكَانه وَكسرت أعضانه وَفرقت أنصاره وأعوانه فَأصْبح قد بَاعَ النفيس بالدون وَأعْطى الثمين بالمثمون وَمضى يعَض بنانه المغبون لم يرح بنائل وَلَا حصل على طائل فنعوذ بِاللَّه من سوء الأقدار وسيء الِاخْتِيَار وأنشدوا جر ذيل التيه والغي ... وَقَالَ من مثلي فِي الْحَيّ وَمر يرتاح إِلَى وَصله ... مَا شَاءَ من زَيْنَب أَو مي لَا ينثني عَن خوف شَيْء وَلَا ... يسمع إِلَّا دَاعِي الغي وَبَات من دُنْيَاهُ فِي مثل مَا ... أصبح من نشر وَمن طي حَتَّى إِذا مَا نَالَ أَو كَاد أَن ... ينَال مِنْهَا جرعة الرّيّ صِيحَ بِهِ فِي سربه صَيْحَة ... ضعضع مِنْهُ كل مَا شي وإنفذ الْأَمر على رغمه ... وأنجز الْوَعْد بِلَا لي وَلم يرح من ذَاك إِلَّا بِمَا ... رَاح الَّذِي يقبض فِي الفي تبَارك الله وسبحانه ... مَا أقرب الْمَوْت من الْحَيّ وَيَا لله كم هُنَالك من ملك طوة يل النجاد رفيع الْعِمَاد عَظِيم الأجناد كثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الأمداد قد ملك الْبِلَاد وقهر الْعباد وَوصل من دُنْيَاهُ إِلَى كثير مِمَّا أَرَادَ قعد ونهض وأبرم وَنقض وَجعل أمره المفترض وَحكمه الَّذِي لَا يرد وَلَا ينْقض وطالما حرق وَهدم وَكسر وحطم وزلزل ودمدم واسترحم فَلم يرحم وَمضى على مَا شَاءَ من رَأْيه وصمم بنى الْمَدَائِن والحصون وَأكْثر من مَاله المخزون واستعد لما قد يكون أَو لَا يكون حَتَّى إِذا استحكمت لَهُ الْأُمُور وَأطَال الْفَرح وَالسُّرُور وزخرف الدساكر والقصور وَظن أَن قد ساعده فِيمَا بَقِي من أمله الْمَقْدُور قلبت لَهُ الدُّنْيَا ظهر الْمِجَن وكسته من خطبهَا مَا أجن وسقته من كربها مَا يسكر بِهِ ويجن نظرت بِعَينهَا الشوساء إِلَيْهِ وقبضت مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ وَأَتَتْ بُنْيَانه من قَوَاعِده فألقته عَلَيْهِ فَأصْبح وَقد هدم ذَلِك الْبُنيان وَسقط ذَلِك الإيوان وتبددت تِلْكَ الْمُقَاتلَة والفرسان وَتَفَرَّقُوا شذر مذر بِكُل مَكَان وَأصْبح كل مَا كَانَ كَأَنَّهُ مَا كَانَ وَقيل ملك فِي سالف الزَّمَان ملك يُقَال لَهُ فلَان بن فلَان لم يحصل مِمَّا ملك من الْبِلَاد وَلَا مَا ادخر من المَال وَأعد من العتاد إِلَّا على حنوط وكفن وحفرة ضيقَة العطن يحتبس فِيهَا ويرتهن بِكُل مَا عمل من قَبِيح أَو حسن وأنشدوا يَا باني الْقصر الْكَبِير ... بَين الدساكر والقصور وَمُجَرَّد الْجَيْش الَّذِي ... مَلأ البسيطة والصدور ومدوخ الأَرْض الَّتِي ... أعيت على مر الدهور أما فزعت فَلَا تدع ... بُنيان قبرك فِي الْقُبُور وَانْظُر إِلَيْهِ ترَاهُ كي ... ف إِلَيْك مُعْتَرضًا يُشِير وَاذْكُر رقادك وَسطه ... تَحت الجنادل والصخور قد بددت تِلْكَ الجيو ... ش وغيرت تِلْكَ الْأُمُور واعتضت من لين الحري ... ر خشونة الْحجر الْكَبِير الْأُمُور وَتركت مرتهنا بِهِ ... لَا مَال ويك وَلَا عشير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 حيران تعلن بالأسى ... لهفان تَدْعُو بالثبور ودعيت بِاسْمِك بَعْدَمَا ... قد كنت تدعى بالأمير ولأنت أَهْون فِيهِ من ... جعل على نَتن يَدُور إِن لم يجد بِالْعَفو من ... يعْفُو عَن الذَّنب الْكَبِير هَذَا هُوَ الْحق اليقي ... ن وكل ذَاك هُوَ الْغرُور وأنشدوا أَيْضا أباد ذَا الدَّهْر أملاكا وَمَا ملكوا ... وَدَار مستعقبا عَلَيْهِم الْفلك أدَار دورته فِي أَرضهم فغدت ... كالراح لَيْسَ بهَا لناظر نبك رمى بهم حَيْثُ لَا قيعان تمسكهم ... وَلَا مرَارًا بهَا المرمي يمتسك هوت هوي ثقيل الصخر أمّهم ... فَلَا حسيس وَلَا ركز وَلَا حرك غَدَتْ رؤوسهم من تَحت أَرجُلهم ... وزلزلت بهم الأطباق والدرك يَا بطشة من حَكِيم مَا بهَا مهل ... وغضبة من عَزِيز مَا لَهَا دَرك جروا إِلَى اللَّهْو ملأى من أعنتهم ... حَتَّى إِذا مَا رَأَوْا خيل الردى بركوا حطوا بدار البلى فِي منزل حرج ... وليتهم ويحهم فِيهِنَّ لَو تركُوا لطال مَا نقضوا ملكا وَمَا هدموا ... عزا وَمَا هتكوا سترا وَمَا فتكوا مروا وَمَا بلغُوا كل الَّذِي طلبُوا ... وَلَا قضوا وطرا من كل مَا تركُوا أضحاهم الْيَوْم صرف الدَّهْر إِذْ هَلَكُوا ... كَمَا أضلهم بالْأَمْس إِذْ ملكوا وانشدوا أَيْضا أَفَاضَ على الْملك سرياله ... وجرر فِي الْعِزّ أذياله وَصَاح فوافاه مَا شَاءَ من ... هزبر يُعلل أشباله وزلزلت الأَرْض من أَجله ... وَقَالَ فَكَانَ الَّذِي قَالَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وَلَا بُد يَوْمًا لَهُ أَن يَصِيح ... ويبدي شجاه وأعواله وَلَا أحد مستجيب لَهُ ... وَلَا أحد كاشف حَاله وتأتيه فِي سربه روعة ... تقطع بِالْمَوْتِ أوصاله ويطرح فَرد بدار البلى ... وَيتْرك فِيهَا وأعماله فكم قَائِل عَنهُ لَا يبعدن ... وَكم قَائِل فِيهِ أولى لَهُ فَقل للَّذي شاد سُلْطَانه ... وَطول مَا شَاءَ آماله تأهب لتصدع صدع الزّجاج ... وتلحق هَذَا وَأَمْثَاله وَتحمل مِمَّا جمعت الأجاج ... ونترك للنَّاس سلساله وَإِن مَا نسيت فَلَا تنسين ... ن يَوْم الْحساب وأهواله هُنَالك تعلم عُقبى الذُّنُوب وشؤم الْخلاف وأنكاله يَا بؤس الدُّنْيَا شدما عَن ثديها فطمتهم وَمن سمها أطعمتهم وبيدها الباطشة لطمتهم وَفِي ظلمات الأَرْض وغيابات الثرى طرحتهم فقلبت قَائِم تِلْكَ الْأَعْيَان وطمست تِلْكَ الْوُجُوه الحسان وأعمت تِلْكَ الْأَبْصَار وأصمت تِلْكَ الآذان وأسالت الأحداق على الخدود والوجنات وغسلت بالصديد جميل القسمات وملأت بِالتُّرَابِ اللهازم واللهوات وَكسرت تِلْكَ الضواحك والرباعيات وعبثت بجسوم أُولَئِكَ الفتيان والفتيات لطالما أغربوا ضاحكين وتقلبوا فاكهين وَبَاتُوا على سررهم مُطْمَئِنين آمِنين فكم بهَا من لِسَان فصيح فصيح لطال مَا أنْشد وخطب وأرهب وَرغب ومدح فأطنب وَكم بهَا الْآن من فصيح لِسَان وعظيم بَيَان أخرسه الْحدثَان وتحكمت فِيهِ الْهَوَام والديدان وأنشدوا وَذي بَيَان إِذا مَا قَالَ أَو خطبا ... أَتَى بِسحر يزين القَوْل والخطبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 أَتَى بسهل من الْأَلْفَاظ مُمْتَنع ... جزل يُصِيب الْمعَانِي آيَة عجبا فَلَو تميع أضحى مشربا سلسا ... وَلَو تجسد أضحى خَالِصا ذَهَبا رمته هذي المنايا وَهِي صائبه ... سَهْما فَمَا هُوَ إِلَّا أَن رمته كبا فأخرسته فَمَا يُبْدِي بِضَاحِكَةٍ ... وَلَا يرد جَوَابا هان أَو صعبا وَبَات مطرحا فِي قَعْر موحشة ... غبراء مصطفق الأحشاء مستلبا أعْطى يَدَيْهِ لدنياه بِمَا طلبت ... إِذْ أدْرك الدُّود من جَنْبَيْهِ مَا طلبا وَكم هُنَاكُم من مسعر حَرْب قد لبس أَوزَارهَا وأضرم نارها وأوصل إِلَى الْقُلُوب أوراها وَأقَام سوقها وَرفع غبارها كم أغار من غَارة شعواء وفتك من فتكة شنعاء وأثار من فتْنَة عمياء وصال بجنان وَطعن بسنان وركض بحصان وَلعب بفرسان وفرسان وَقَالَ خُذْهَا وَأَنا فلَان بن فلَان هَا هُوَ الْيَوْم قد بل جنانه وتكسر سنانه وأكب بِهِ حصانه لأمه الويل وحسرة سَوْدَاء مثل اللَّيْل وأنشدوا ومقدام على الْأَهْوَال صدق ... لَدَى الفتكات وَالْأَمر الْكَبِير تبيت لذكره الْأَبْطَال سكرى ... وتضحي مِنْهُ ضيقَة الصُّدُور يرض فرائص الفرسان رضَا ... ويحطمهن كالأسد الهصور طموح السَّيْف لَا يثنيه شَيْء ... جهول بالبشير وبالنذير أَشَارَ الْمَوْت من بعد إِلَيْهِ ... فَخر موسدا إِحْدَى الصخور وكب حصانه ونبا شباه ... وأعلن نادبوه بالثبور وأنسى أَن يُقيم لِوَاء روع ... بروعات أَتَتْهُ من الْقُبُور وَأَن أَنْت أطلت اعتبارك وأمعنت استبصارك فكم بهَا من غادة قد هضم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وشاحها وَنور مصباحها ومليء فتْنَة غدوها ورواحها قد فتكت بذلك الْأسد الهصور واقتنصت ذَلِك الْفَارِس الْمَذْكُور أدلت إدلالها وَجَرت أذيالها وَأرْسلت جمَالهَا فَعمِلت أَعمالهَا وسلبت الْمُلُوك قلوبها وأموالها مَا كَانَ بأوشك من أَن صَارَت جيفة من الْجِيَف تبعد وَتصرف وتنكر وَلَا تعرف أحسن أحوالها أَن تلف فِي سربالها وتدفع لحمالها فتطرح فِي شقّ من الأَرْض قريب الطول وَالْعرض مظلم القعر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة والحشر قَضَاء الله النَّازِل من سمائه وَحكمه فِي عبيده وإماءه وَأنْشد بَعضهم عرج على الْقَبْر بدار البلى ... حَيْثُ منى نَفسِي مقبور حَيْثُ هوى بدر الدجى سَاقِطا ... قد زَالَ عَن صفحتيه النُّور وَحَيْثُ حلت داعيات الْهوى ... أجمع مسموع ومنظور يَا ظَبْيَة بطن الثرى أسكنت ... وبيتها فِي الْقصر معمور حَقًا تمطيت على رضمة ... جَنْبك مِنْهَا الْيَوْم مكسور وَطَالَ مَا بت على سندس ... بِالذَّهَب الإبريز مضفور وجسمك الناعم حَقًا بِهِ ... للترب تشقيق وتفطير وَطَالَ مَا أثر من قبل ذَا ... فِي لينه هم وتفكير وثغرك العذب وَيَا ويلتي ... فِيهِ من الديدان جُمْهُور وَلَو بِهِ عل قَتِيل الْهوى ... قبل لاضحى وَهُوَ منشور وشعرك الجثل وعهدي بِهِ ... فِيهِ فتيت الْمسك منثور قد عششت فِيهِ بَنَات الثرى ... فَفِيهِ تشعيث وتغيير يَا حسرتا ثمت يَا حسرتا ... لَو كَانَ يُغني الْيَوْم تحسير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ياتا الَّتِي أعجبها عطفها ... قبرك فِي الأقبر محفور وكلنَا ذَاك ولكننا ... كل بهذي الدَّار مسحور فَأَنت إِذا تذكرت بِهَذِهِ الْأَذْكَار وأطلت لَهَا الترداد والتكرار وأعملت فِيهَا النّظر وَالِاعْتِبَار وَرَأَيْت أَنَّك وَاحِد من الْمَذْكُورين ملك أَو غير ذَلِك من أَصْنَاف النَّاس وَرَأَيْت خلقك كخلقهم وصفتك كصفتهم وَأَنه لَا بُد ان يصيبك من الْمَوْت مَا أَصَابَهُم وَينزل بك مِنْهُ مَا نزل بهم وَأَنت تشاهد بِهَذِهِ الدَّار أَنْوَاع المصيبات وأجناس البليات وضروبا من المهلكات وَأَن الْمَوْت وَاحِد وأسبابه كَثِيرَة فَمن رجل بَاشر الكفاح فتخللته الرماح وتمكنت من رقبته الصفاح وَرُبمَا كَانَ هَذَا أسهلهم مماتا وَأكْرمهمْ وَفَاة وثان قد طرح فِي أَيدي أعدائه وَأسلم لبلائه فقطعوه إربا إربا وفصلوه عضوا عضوا وثالث ردوا مشارع الْعقَاب إِلَيْهِ وَصبُّوا الْعَذَاب عَلَيْهِ وَمَا مَاتَ حَتَّى كَانَ الْمَوْت أحب عَائِد إِلَيْهِ وَأكْرم قادم يقدم عَلَيْهِ ورابع قد أَمْسَى أكيلة حوت فِي ظلمات الْبحار وخامس فريسة أَسد فِي موحشات القفار إِلَى غير ذَلِك من الْأَمْرَاض الصعبة والآلام الشاقة وَمَا تظنه وَمَا لَا تظنه حَتَّى إِن الرجل ليغص بِالطَّعَامِ ويشرق بِالشرابِ فَيكون فِي ذَلِك حتفه وَتذهب فِيهِ نَفسه كَمَا قَالَ الْقَائِل وَمَا طَرِيق الْمَوْت فِي ذَا الورى ... وَاحِدَة بل جمة لاجبه وَرُبمَا لذ لامريء شربة ... فَانْقَلَبت وَهِي لَهُ شَاربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وَأَسْبَاب الْمَوْت أَكثر من أَن أحصيها لَك وأعدها عَلَيْك وَلَا تَدْرِي مَا السَّبَب الْوَاصِل إِلَيْك مِنْهَا وَلَا النَّصِيب الَّذِي قسم لَك من جُمْلَتهَا وَإنَّك لَا تَدْرِي مَتى يهجم عَلَيْك الْمَوْت فيقصمك وَلَا مَتى ينزل بك فيحطمك وَلَعَلَّه لَا يمهلك حَتَّى يَنْقَضِي نَفسك فَأَنت إِذا واظبت على هَذَا تمكن ذكر الْمَوْت من قَلْبك وملكت القياد من نَفسك وَنظرت بعون الله عز وَجل فِي أَمرك ومهدت المضجع من قبرك وأعددت بِهِ الأنيس ليَوْم حشرك وَإِلَّا فقد نبه من حذر وأعذر من أنذر وَلَا لوم إِلَّا على المقصر وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم ولعلك تَقول يَا هَذَا قد أرعدت فِي ذكر الْمَوْت وأبرقت وطولت فِيهِ وَعرضت وَعرضت فِي كلامك بِمن عرضت وَأمرت بالتفكير فِيهِ والاشتغال بِذكرِهِ وَجمع الهمم لَهُ وتقصير الأمل وَالْخَوْف من انْقِضَاء الْأَجَل وَأي فَائِدَة فِي ذكر الْمَوْت وأنواعه وضيق الْعُمر واتساعه وَهَذَا أَمر قد فرغ مِنْهُ وأعجزت الْحِيلَة فِيهِ وكما تَقول لي لَا تكْثر الِاشْتِغَال بِأَمْر الرزق وَلَا تغتم لَهُ وَلَا تتفكر فِيهِ فَإِنَّهُ مُقَدّر مفروغ مِنْهُ وَمَا ترزق يَأْتِيك فَكَذَلِك الْمَوْت أَيْضا وأسبابه والعمر ومدته وكل ذَلِك أَمر مُقَدّر مفروغ مِنْهُ مَا قدر عَليّ يُصِيبنِي وَمَا كتب عَليّ يأتيني فَأَقُول نعم كِلَاهُمَا قد سبق فِي الْأَزَل وَكتب فِي الْقسم الأول وَالسَّبَب الَّذِي كتب عَلَيْك فِي الْمَوْت لن تتعداه والعمر الَّذِي قسم لَك لن تتخطاه وَلَكِن بَين الْأَمريْنِ فِي الِاشْتِغَال بهما فرقان وَذَلِكَ أَن الرزق الْمُقدر المفروغ مِنْهُ لَا يزِيد فِيهِ حرصك وَكَذَا لَا ينقص مِنْهُ كسلك وعجزك وَإِن كَانَت لَهُ أَسبَاب ولطلبه أَبْوَاب فقد تتَعَلَّق بأسبابه وتأتيه فِي الظَّاهِر من أبوابه فَتكون أحد المحرومين والمجتهدين والمجدودين فَهَذَا أَمر قد شوهد بالعيان وَعلم بِهِ كل إِنْسَان فَلَا يفيدك الطّلب إِلَّا العناء والتعب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وَلست بمأجور فِي ألم الْحِرْص وَلَا فِيمَا تتحمل من مشقة الطّلب لاكثر مِمَّا تحْتَاج إِلَيْهِ وَرُبمَا تبرمت فِي الْحَال وَلم تنظر فِي الْمَآل وسخطت قَضَاء الله وَقدره عَلَيْك وَحكمه فِيك وإرادته لَك من أَفعَال الْخَيْر وأعمال الْبر وَفِي هَذَا مَا فِيهِ وَقد تؤجر فِيمَا يصيبك من ألم الْمَشَقَّة فِي طلب أَكثر مِمَّا تحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَ لَك فِيهِ نِيَّة صَالِحَة من صَدَقَة أَو صلَة رحم أَو غير ذَلِك من أَفعَال الْخَيْر وأعمال الْبر وَأما إِن كَانَ سعيك ذَلِك للتكاثر والتفاخر ومحبة فِي المَال فَلَا والحول وَالْقُوَّة لله وَحده وَأما ذكر الْمَوْت والتفكر فِيهِ فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ أمرا مُقَدرا مفروغا مِنْهُ فَإِنَّهُ يكسبك بِتَوْفِيق الله سُبْحَانَهُ التَّجَافِي عَن دَار الْغرُور والإنابة إِلَى دَار الخلود والاستعداد للْمَوْت وَالنَّظَر فِيمَا تقدم عَلَيْهِ وَفِيمَا يصير أَمرك إِلَيْهِ ويهون عَلَيْك مصائب الدُّنْيَا ويصغر عنْدك نوائبها فَإِن كَانَ سَبَب موتك سهلا وَأمره قَرِيبا هينا فَهُوَ ذَاك وَإِن كَانَت الْأُخْرَى كنت مأجورا فِيمَا تقاسيه مثابا على مَا تتحمله وَاعْلَم أَن ذكر الْمَوْت وَغَيره من الْأَذْكَار إِنَّمَا يكون بِالْقَلْبِ وإقبالك على مَا تذكره وإي فَائِدَة لَك رَحِمك الله فِي تَحْرِيك لسَانك إِذا لم يخْطر بجنانك وَإِنَّمَا مثل ذَلِك مثل من يكون فِي بعض أَعْضَائِهِ جِرَاحَة فيريد أَن يداويها فَيجْعَل الدَّوَاء على عُضْو آخر صَحِيح ويدع الْعُضْو الْمَرِيض لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء فَانْظُر كَيفَ يستريح هَذَا بِهَذَا التَّدَاوِي وَمَتى يستريح إِلَّا أَن يَأْتِيهِ الْبُرْء من بارئه والشفاء من خالقه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَو مثل من يُرِيد أَن يوقظ نَائِما فيدعه فِي غمرة نَومه ويوقظ غَيره فَانْظُر كَيفَ يَسْتَيْقِظ لَهُ ذَلِك الَّذِي أَرَادَ إيقاظه بإيقاظ هَذَا الآخر أَو مَتى يَسْتَيْقِظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وَإِنَّمَا سنة الله تَعَالَى الْجَارِيَة أَن يقْصد الْعُضْو الْمَرِيض بدوائه والنائم بِمَا يوقظ بِهِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون فِي إيقاظ هَذَا النَّائِم حَرَكَة عَظِيمَة ومعالجة كَثِيرَة تتعدى إِلَى ذَلِك النَّائِم الآخر فيستيقظ فَيكون إِذن كَأَنَّهُ قَصده بالإيقاظ مَعَ صَاحبه وَإِمَّا إِن كَانَت حركته لَا تتعداه فَإِن النَّائِم الآخر يبْقى بِحَالهِ وَفِي غَمَرَات نَومه حَتَّى يوقظه الَّذِي أنامه ويحركه الَّذِي أسْكنهُ تبَارك وَتَعَالَى وَإِنَّمَا مثل الذّكر الَّذِي يعقب التَّنْبِيه وَيكون لَهُ مَعَه الْبُرْء من السقم والإيقاظ من النّوم أَن تحضر الْمَذْكُور قَلْبك وَتجمع لَهُ ذهنك وتجعله نصب عَيْنَيْك ومثالا حَاضرا بَين يَديك وَأَن تنظر إِلَى كل مَا تحبه من الدُّنْيَا من ولد أَو أهل أَو جاه أَو غير ذَلِك فتعلم أَنه لَا بُد لَك من مُفَارقَته إِمَّا فِي الْحَيَاة أَو فِي الْمَمَات سنة الله الْجَارِيَة وَحكمه المطرد وتشعر هَذَا قَلْبك وتفرغ لَهُ نَفسك فتمنعها بذلك عَن الْميل إِلَى ذَلِك المحبوب والتعلق بِهِ والهلكة بِسَبَبِهِ كَمَا قيل يَا ابْن آدم لَا تعلق قَلْبك بِمَا يَأْخُذهُ مِنْك الْفَوْت أَو يأخذك أَنْت عَنهُ الْمَوْت وَنظر رجل إِلَى بني لَهُ صَغِير يمشي بَين يَدَيْهِ فأعجبه حسنه وألهته حركته فَقَالَ يَا بني وَلَوْلَا الْمَوْت لعلقت قلبِي بك ولأكثرت من حبي لَك وَنظر ابْن مُطِيع يَوْمًا إِلَى دَاره فأعجبه حسنها فَبكى ثمَّ قَالَ وَالله لَوْلَا الْمَوْت لَكُنْت بك مَسْرُورا ولوا مَا أصير إِلَيْهِ من ضيق الْقَبْر لقرت عَيْني بك ثمَّ بَكَى حَتَّى ارْتَفع بكاؤه وَعلا نحيبه وَاعْلَم أَن طول الأمل دَاء عضال وَمرض مزمن وَمَتى تمكن من الْقلب فسد مزاجه وَاشْتَدَّ علاجه وَلم يُفَارِقهُ دَاء وَلَا نجع فِيهِ دَوَاء بل أعيا الْأَطِبَّاء ويئس من برئه الْحُكَمَاء وَالْعُلَمَاء وَقد روى فِي طول الأمل وذمه وَفِي التحريض على الْعَمَل وَالتَّرْغِيب فِيهِ مَا فِي بعضه الْكِفَايَة وَمَا بِأَقَلّ مِنْهُ يُوصل إِلَى الْمَقْصُود بعون الله تَعَالَى قَالَ الله تَعَالَى {ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فَسَوف يعلمُونَ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يزَال قلب الشَّيْخ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ حب الدُّنْيَا وَطول الأمل ذكره البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا وَذكر أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ خطّ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطا مربعًا وَقَالَ هَذَا الْأَجَل وَخط فِي وَسطه خطا وَقَالَ هَذَا الْإِنْسَان وَخط فِي عرضه يَعْنِي فِي جَانِبه خُطُوطًا فَقَالَ هَذِه الْأَعْرَاض وَخط خطا خَارِجا وَقَالَ هَذَا الأمل قَالَ فالأعراض تنهشه وعينه إِلَى الأمل يُرِيد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن الْإِنْسَان قد أحَاط بِهِ أَجله وَأَنه دائر بِهِ فَحَيْثُمَا توجه لقِيه وَأَن فتن الدُّنْيَا ومحنها تعترضه وتنهشه وتتلقاه وتستقبله وَهُوَ مَعَ ذَلِك بعيد الأمل مَصْرُوف النّظر إِلَيْهِ ويروى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ عودا فغرزه بَين يَدَيْهِ وغرز عودا آخر إِلَى جنبه قَرِيبا مِنْهُ ثمَّ أَخذ عودا ثَالِثا فغرزه بَعيدا مِنْهُ ثمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا هَذَا قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم فَقَالَ هَذَا الانسان وَأَشَارَ إِلَى الْعود الَّذِي بَين يَدَيْهِ وَهَذَا الْأَجَل وَأَشَارَ إِلَى الْعود الَّذِي إِلَى جنبه ثمَّ قَالَ وَذَلِكَ الأمل وَأَشَارَ إِلَى الْعود الثَّالِث الْبعيد فالإنسان يتعاطى الأمل ويختلجه قبل ذَلِك الْأَجَل ويروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اطلع ذَات يَوْم على النَّاس فَقَالَ أَلا تستحيون من الله قَالُوا وَمَا ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ تجمعون مَا لَا تَأْكُلُونَ وتأملون مَالا تدركون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وروى عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ اشْترى أُسَامَة بن زيد من زيد بن ثَابت وليدة بِمِائَة دِينَار إِلَى شهر فَسمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَلا تعْجبُونَ من أُسَامَة المُشْتَرِي إِلَى شهر إِن أُسَامَة لطويل الأمل وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا طرفت عَيْني إِلَّا ظَنَنْت أَن شفري لَا يَلْتَقِيَانِ حَتَّى تقبض روحي وَلَا طعمت لقْمَة إِلَّا ظَنَنْت أَنِّي لَا أسيغها حَتَّى أغص بهَا من الْمَوْت ثمَّ قَالَ يَا بني آدم إِن كُنْتُم تعقلون فعدوا أَنفسكُم من الْمَوْتَى فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِن مَا توعدون لآت وَمَا أَنْتُم بمعجزين وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهريق المَاء فيتيمم بِالتُّرَابِ فَأَقُول يَا رَسُول الله إِن المَاء مِنْك قريب فَيَقُول مَا يدريني لعَلي لَا أبلغه ذكره الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده وروى عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ نجا أول هَذِه الْأمة بِالْيَقِينِ والزهد وَيهْلك آخرهَا بالبخل والأمل وَمن كَلَام بَعضهم أَيهَا الْجَارِي فِي أمله رويدك فَإِن الزَّمَان يفتل قيدك وَرُبمَا صرعك قبل أَن تنَال مَا بِهِ خدعك وقتلك قبل أَن تستوفي أملك فأوردك منهل رداك وأشمت بك عداك وأخذك بِمَا كسبت يداك وَرُبمَا أدْركْت مَا طلبت واستوفيت مَا أملت فأخذك أَخْذَة أَسف قبل فل عرشك وَهدم حوضك وأطبق سماءك وزلزل أَرْضك وَرمى بك حَيْثُ لَا يرْعَى لَك ذمَّة وَلَا تدركك رَحْمَة وَلَا تنكشف عَنْك كربَة وَلَا تنجلي عَنْك غمَّة وأنشدوا أمل من دُنْيَاهُ مَا أملا ... وَقَالَ مَا قَالَ لِأَن يفعلا وصال فِي هَذَا الورى صولة ... بز بهَا الآخر والأولا وطبق الأَرْض بفرسانه ... وهد مِنْهَا شعفات الفلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَقَالَ هذي ثَمَرَات المنى ... فليجنها الْأَفْضَل والأفضلا فَمن حَرِيم فض ختامه ... وَمن مليك فِي الثرى جندلا حَتَّى إِذا بَات على عَرْشه ... مُسْتَوْفيا كل الَّذِي أملا صَاح بِهِ صرف الردى صَيْحَة ... ألْقى بِأَعْلَى عَرْشه أسفلا ودك فِي الأَرْض بإيوانه ... وزلزلت أرجاء ذَاك الملا وَمر لَا ينعش من عَثْرَة ... إِلَّا إِلَى ثمت إِلَّا إِلَى فَلَا سقت مصرعه مزنة ... وَلَا انجلت كربته لَا وَلَا وخطب عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ أَلا وَإِن الدُّنْيَا قد أَدْبَرت وآذنت بوداع وان الْآخِرَة قد أَقبلت وآذنت باطلاع أَلا وَإِن الْمِضْمَار الْيَوْم والسباق غَدا أَلا وَإِن السبقة الْجنَّة والغاية الْمَوْت أَلا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّام مهل وَمن وَرَائه أجل يحثه عجل فَمن عمل فِي أَيَّام مهله قبل حُضُور أَجله نَفعه عمله وَلم يضرّهُ أمله وَمن لم يعْمل فِي أَيَّام مهله قبل حُضُور أَجله ضره أمله وساءه عمله وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَلا وَإِن الدُّنْيَا قد ارتحلت مُدبرَة وَإِن الْآخِرَة قد أشرفت مقبلة وَإِن لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا بَنِينَ فكونوا من أَبنَاء الْآخِرَة وَلَا تَكُونُوا من أَبنَاء الدُّنْيَا أَلا وَإِن الْيَوْم عمل بِلَا حِسَاب وَغدا حِسَاب بِلَا عمل أَلا وَإِن من أَشد مَا أَخَاف عَلَيْكُم خَصْلَتَيْنِ طول الأمل وَاتِّبَاع الْهوى أما طول الأمل فَإِنَّهُ ينسي الْآخِرَة وَأما اتِّبَاع الْهوى فَإِنَّهُ يصد عَن سَبِيل الله وَقَالَ سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ ثَلَاث أعجبتني حَتَّى أضحكتني وَثَلَاث أحزنتني حَتَّى أبكتني أما الثَّلَاث الأول فمؤمل دنيا وَالْمَوْت يَطْلُبهُ وغافل وَلَيْسَ بمغفول عَنهُ وضاحك ملْء فِيهِ وَلَا يدْرِي أساخط عَلَيْهِ رب الْعَالمين أم رَاض عَنهُ أما الثَّلَاث الَّتِي أحزنتني حَتَّى أبكتني ففراق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفراق الْأَحِبَّة أَصْحَابه وَالْوُقُوف بَين يَدي الله تَعَالَى وَلَا أَدْرِي أيؤمر بِي إِلَى الْجنَّة أم إِلَى النَّار وَقَالَ أَبُو بكر زَكَرِيَّا التَّيْمِيّ بَيْنَمَا هِشَام بن عبد الْملك فِي الْمَسْجِد الْحَرَام إِذْ أَتَى بِحجر مَكْتُوب فِيهِ بِاللِّسَانِ العجمي فَطلب من يَقْرَؤُهُ لَهُ فَأتى بوهب بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 مُنَبّه رَحمَه الله فقرأه فَإِذا فِيهِ يَا ابْن آدم لَو رَأَيْت قرب مَا بَقِي من أَجلك لزهدت فِي طول أملك ولرغبت فِي الزِّيَادَة من عَمَلك ولقصرت من حرصك وحيلك وَإِنَّمَا يلقاك ندمك لَو قد زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك ففارقك الْوَلَد والقريب ورفضك الْوَالِد والنسيب فَلَا أَنْت لدنياك عَائِد وَلَا فِي حَسَنَاتك زَائِد فاعمل ليَوْم الْقِيَامَة يَوْم الْحَسْرَة والندامة وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله كَانَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام قبل أَن يخطيء الْخَطِيئَة أمله خلف ظَهره وَالْمَوْت نصب عَيْنَيْهِ فَلَمَّا أصَاب الْخَطِيئَة تحول أمله فَصَارَ بَين عَيْنَيْهِ وَصَارَ أَجله خلف ظَهره وَقَالَ الْحسن مَا أَطَالَ عبد الأمل إِلَّا نسي الْعَمَل ويروى عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ أَنه قَامَ على درج مَسْجِد دمشق فَقَالَ يَا أهل دمشق أَلا تَسْمَعُونَ من أَخ لكم نَاصح إِن من كَانَ قبلكُمْ كَانُوا يجمعُونَ كثيرا ويبنون مشيدا ويأملون بَعيدا فَأصْبح جمعهم بورا وبنيانهم قبورا وأملهم غرُورًا هَذِه عَاد قد مَلَأت الْبِلَاد أَهلا ومالا وخيلا ورجالا فَمن يَشْتَرِي مني الْيَوْم تَركتهم بِدِرْهَمَيْنِ وَقيل لبَعض الزهاد بِالْبَصْرَةِ أَلَك حَاجَة بِبَغْدَاد فَقَالَ مَا أحب أَن أبسط أملي حَتَّى تمْضِي إِلَى بَغْدَاد وتجيء وأنشدوا يَا ذَا المؤمل آمالا وَإِن بَعدت ... عَنهُ وَيَزْعُم أَن يحظى بأقصاها أَنى تفوز بِمَا ترجوه ويك وَمَا ... أَصبَحت فِي ثِقَة من نيل أدناها وأنشدوا أَيْضا مَا الْأَمر أَمرك فِي حل وَلَا ظعن ... تجول فِي جلد جذلان ومنفسح ردَّتْ أوائلها بِالْمَوْتِ فانقبضت ... وَالْمَوْت يقبض ذَا الأحزان والفرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وبادر الْأَمر مَا أَصبَحت فِي مهل ... من المشيب وَمن مداك فِي فسح فَرُبمَا سكنت فِي الْحَال عَاصِفَة ... وَعَاد غور مياه الْقَوْم للنضح وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء الأمل كالسراب غر من رَآهُ وَخيَّب من رجاه وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز يَوْمًا فَقَالَ أَلا إِن لكل سفر زادا فتزودوا التَّقْوَى لسفركم من الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة وَكُونُوا كمن عاين مَا أعد الله من ثَوَابه وعقابه وَلَا يطولن عَلَيْكُم الأمد فتقسو قُلُوبكُمْ وتنقادوا لعدوكم وَإنَّهُ وَالله مَا بسط الأمل من لَا يدْرِي لَعَلَّه لَا يصبح بعد مسائه وَلَا يُمْسِي بعد صباحه وَبَين ذَلِك خطفات المنايا وهجمات الْمنون وَإِنَّمَا تقرعين من وثق بالنجاة من عَذَاب الله تَعَالَى وَإِنَّمَا يفرح من أَمن من أهوال يَوْم الْقِيَامَة وَأما من لَا يداوي جرحا إِلَّا أَصَابَهُ جارح من نَاحيَة أُخْرَى فَكيف يفرح أعوذ بِاللَّه أَن آمركُم بِمَا أنهى عَنهُ نَفسِي فتخسر صفقتي وَتظهر غباوتي إِنَّكُم قد عنيت بِأَمْر لَو عيت بِهِ النُّجُوم لَا نكدرت أَو الْجبَال لذابت أَو الأَرْض لتشققت أما تعلمُونَ أَن لَيْسَ بَين الْجنَّة وَالنَّار منزل وأنكم صائرون إِلَى أَحدهمَا وروى عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه قَالَ بَيْنَمَا نَحن نصلح خصا لنا إِذْ مر بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا هَذَا فَقُلْنَا يَا رَسُول الله قد وهى فَنحْن نصلحه فَقَالَ مَا أرى الْأَمر إِلَّا أعجل من ذَلِك ذكره التِّرْمِذِيّ والخص بَيت من قصب يُرِيد عَلَيْهِ السَّلَام تَعْجِيل الْأَمر وتقريبه وَخَوف بغتته والحذر من فجأته وَقيل لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى يَا أَبَا سعيد أَلا تغسل قَمِيصك فَقَالَ الْأَمر أعجل من ذَلِك وَكَانَ الْحسن رَحمَه الله تَعَالَى قصير الأمل طَوِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الْخَوْف وَكَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ الأحيان يظنّ الظَّان أَن الْمَوْت قد نزل بِهِ وَأَنه فِي سِيَاقه من كَثْرَة تفكره فِيهِ وتخيله لَهُ وَقَالَ دَاوُد الطَّائِي رَحمَه الله تَعَالَى لَو أملت أَن أعيش شهرا لرأيت أَنِّي قد أتيت عَظِيما وَكَيف آمل ذَلِك وَأَنا أرى الفجائع تنزل بالخلائق آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار وَقيل للربيع بن خَيْثَم رَحمَه الله تَعَالَى كَيفَ أَصبَحت فَقَالَ كَيفَ يصبح رجل إِذا أصبح لَا يدْرِي أَنه يُمْسِي وَإِذا أَمْسَى لَا يدْرِي أَنه يصبح امتثل الرّبيع رَحمَه الله الحَدِيث الْمَرْوِيّ عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنكبي وَقَالَ كن فِي الدُّنْيَا كَأَنَّك غَرِيب أَو عَابِر سَبِيل وعد نَفسك من أهل الْقُبُور فَإِذا أَصبَحت فَلَا تحدث نَفسك بالمساء وَإِذا أمسيت فَلَا تحدث نَفسك بالصباح وَخذ من حياتك لموتك وَمن غناك لفقرك وَمن صحتك لسقمك فَإنَّك لَا تَدْرِي يَا عبد الله مَا اسْمك غَدا وَقَوله إِذا أَصبَحت الْكَلَام إِلَى آخِره أَكثر مَا يرْوى من قَول عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا ذكر الحَدِيث التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَقَالَ آحر ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَا انتفعت وَلَا اتعظت بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثل كتاب كتبه إِلَيّ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أما بعد فَإِن الْإِنْسَان يسره دَرك مَا لم يكن ليفوته ويسوؤه فَوت مَا لم يكن ليدركه فَلَا تكن بِمَا نلْت من دنياك فَرحا وَلَا بِمَا فاتك مِنْهَا ترحا وَلَا تكن مِمَّن يَرْجُو الْآخِرَة بِغَيْر عمل وَيُؤَخر التَّوْبَة لطول الأمل فَكَأَن قد نزل بك الْأَجَل وَالسَّلَام وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء فِي موعظة لَهُ كلنا نتيقن الْمَوْت وَمَا نرى لَهُ منا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 مستعدا وكلنَا نتيقن الْجنَّة وَمَا نرى لَهَا منا عَاملا وكلنَا نتيقن النَّار وَمَا نرى لَهَا منا خَائفًا فعلام تعرجون وَمَا عَسى تنتظرون وماذا ترجون أَو مَاذَا تأملون الْمَوْت أول قادم يقدم عَلَيْكُم بِخَير أَو شَرّ فيا إخوتا سِيرُوا سيرا جميلا وَقَالَ آخر الْعَاقِل يعْتَمد على عمله وَالْجَاهِل يعْتَمد على أمله وَقَالَ آخر بطول الأمل تقسو الْقُلُوب وبإخلاص النِّيَّة تقل الذُّنُوب ويروى عَن شَقِيق الْبَلْخِي أَنه جَاءَ إِلَى أستاذ لَهُ يُقَال لَهُ أَبُو هِشَام وَفِي طرف كسائه شَيْء مصرور فَضرب عَلَيْهِ الْبَاب فَخرج إِلَيْهِ فَرَأى مَا فِي كسائه فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا الَّذِي فِي كسائك فَقَالَ يَا أستاذ دفع إِلَيّ أَخ لي لويزات وَقَالَ أحب أَن تفطر عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ يَا شَقِيق وَأَنت تحدث نَفسك أَن تعيش إِلَى اللَّيْل لَا أُكَلِّمك ثمَّ أغلق الْبَاب فِي وَجهه وَدخل ويروى عَن الْحسن أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكلكم يحب أَن يدْخل الْجنَّة قَالُوا نعم يَا رَسُول الله قَالَ فقصروا آمالكم وثبتوا آجالكم بَين أبصاركم واستحيوا من الله حق الْحيَاء وَقَالَ بَعضهم رَأَيْت زُرَارَة بن أبي أوفي فِي الْمَنَام بعد مَوته فَقلت لَهُ أَي الْأَعْمَال أبلغ عنْدكُمْ قَالَ التَّوَكُّل وَقصر الأمل وَقَالَ بَعضهم فِي موعظة لَهُ أَيهَا النَّاس حسنوا أَعمالكُم وَقصرُوا آمالكم وَاعْلَمُوا أَن الْمَوْت مَعْقُود بنواصيكم وَأَن الدُّنْيَا تطوى من وَرَائِكُمْ وأنشدوا عقد الْمَوْت مِنْكُم بالنواصي ... ودفعتم مِنْهُ لهول الْقصاص ففرارا ولات حِين فرار ... ومناصا ولات حِين مناص قد طوتكم صروف هذي اللَّيَالِي ... عَن كَمَال فعدتم لانتقاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 أحكمت أسركم وَمَا من أَسِير ... فِي يَديهَا يُرْجَى لَهُ من خلاص كم ركضتم وَرَاءَهَا من جِيَاد ... وامتطيتم بإثرها من قلاص وانتضيتم لحربها من نصال ... ولبستم لذاكم من دلاص ونزلتم مساريا وغياضا ... وعلوتم شوائقها وصياصي وَإِلَى ذَا فَمَا وجدْتُم نجاة ... من ترد لكم بهَا والتحاص رحتم مثخنين جرحا وقتلا ... كقنيص بايتتهم القناص فاطلبوها بِمَا لكم من قصاص ... ومحال أَن تسعفوا بقصاص فذروها ذميمة دَار دنيا ... أخلصت عيشها لذِي الْإِخْلَاص وَإِذا امتدت الْأَمَانِي فِيهَا ... وأشادت بوصلها المتعاص فَاقْطَعُوا ذكرهَا بِذكر مقَام ... هام من ذكره مُطِيع وعاصي وَإِن ارتاع من حَدِيث فُؤَادِي ... فلذاكم يشيب سود النواصي وَقَالَ الثَّوْريّ الزّهْد فِي الدُّنْيَا قصر الأمل وَلَيْسَ أكل الخشن وَلبس العباءة وَصدق الثَّوْريّ رَحمَه الله فَإِن من قصر أمله لم يتأنق فِي المأكولات والمطعومات وَلَا يتفنن بالملبوسات وَأخذ من الدُّنْيَا مَا تيَسّر واجتزأ مِنْهَا بِمَا يبلغهُ وَفِي بعض الْخطب أَيهَا النَّاس إِن سِهَام الْمَوْت قد فوقت إِلَيْكُم فانظروها وحبالة الأمل قد نصبت بَين أَيْدِيكُم فاحذروها وَفتن الدُّنْيَا قد أحاطت بكم من كل جَانب فاتقوها وَلَا تغتروا بِمَا أَنْتُم فِيهِ من حسن الْحَال فَإِنَّهُ إِلَى زَوَال ومقيمه إِلَى ارتحال وممتده إِلَى تقلص واضمحلال أما تَسْمَعُونَ أَيهَا النَّاس لما بِهِ توعظون أما تعتبرون بِمَا إِلَيْهِ تنْظرُون أما تفكرون فِيمَا عَنهُ تزولون وَفِيمَا إِلَيْهِ ترجعون وَعَلِيهِ تقدمون أَيْن من تقدمكم وَكَانَ قبلكُمْ مِمَّن أمل أَملكُم وسعى سعيكم وَعمل عَمَلكُمْ أَيْن الَّذين بنوا الْمَدَائِن وملأوا الخزائن واستعدوا لما هُوَ عِنْدهم كَائِن أَيْن الَّذين غرسوا فِي رَوْضَة الْملك ونظموا الآمال فِي سلك وهتكوا حجبها أَيّمَا هتك وَكَانُوا فِي ظَاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 أَعْمَالهم فِي ريب من الزَّمَان وَفِي شكّ انْظُرُوا إِلَيْهِم كَيفَ نضبت لَهُم تِلْكَ الْمِيَاه وذبلت مِنْهُم تِلْكَ الشفاه وتكسرت عِنْد سقوطهم تِلْكَ الوجنات وتثلمت تِلْكَ الجباه وتغيرت الْأَحْوَال وانكمشت الآمال وَبقيت شاهدة عَلَيْهِم تِلْكَ الرسوم والأطلال رفعت عرشك فِي الدُّنْيَا وتهت بِهِ ... وَمَا بهَا للبيب ترفع الْعَرْش وَبت فِيهَا على فرش ملينة ... وَلَو عقلت لما لانت لَك الْفرش وظلت تسْعَى لآمال وتفرشها ... وللمواريث مَا تسْعَى وتفترش كم كَانَ قبلك من مأسور رغبته ... بالحرص تلدغ جنباه وتنتهش يُمْسِي وَيُصْبِح فِي حل وَفِي ظعن ... يضم هَذَا إِلَى هَذَا ويحتوش عطشان لِلْمَالِ محماة جوانحه ... ألْقى على صَدره لِسَانه الْعَطش حَتَّى إِذا قيل قد تمت مطالبه ... وَطَاف من حوله أهلوه واحتوشوا مدت إِلَيْهِ يَد للْمَوْت باطشة ... خشناء لَا دهش فِيهَا وَلَا رعش فقصعته وقدما كَانَ ذَا جيد ... واجهشته وَلما يدر مَا الجهش فَبَاتَ مستلبا وَبَات وَارثه ... وَقد تغطوا بِذَاكَ المَال وافترشوا أما سَمِعت بأملاك مضوا قدما ... شم الأنوف بروض الْملك قد عرشوا إِن دوفعوا دفعُوا أَو زوحموا زحموا ... أَو غولبوا غلبوا أَو بوطشوا بطشوا جَاءَتْهُم وجنود الله غالبة ... كتائب للمنايا كلهَا حبش فضعضعت جنبات عزهم ورمت ... منارهم بظلام مَا بِهِ غبش لطال مَا أكلُوا وَطَالَ مَا تسربوا ... وَطَالَ مَا رفعوا الآجام واعترشوا مروا فَلَا أثر مِنْهُم بدارهم ... وَلَا حسيس وَلَا ركز وَلَا وقش قد كَانَ للْقَوْم آمال مبسطة ... فَأَصْبحُوا قبضوا الآمال وانكمشوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 ويروى أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي رَحمَه الله تَعَالَى نَام لَيْلَة ونساؤه حوله فانتبهن لبكائه فَقُلْنَ لَهُ مَا شَأْنك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ مَا رأيتن الشَّيْخ قُلْنَ لَا وَالله مَا رَأينَا أحدا فَقَالَ دخل عَليّ شيخ وَأَنا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان وَالله لَو كَانَ بَين ألف رجل لعرفته فأنشدني كَأَنِّي بِهَذَا الْقصر قد باد أَهله ... وأوحش مِنْهُ رُكْنه ومنازله وَصَارَ عميد الْقصر من بعد بهجة ... وَملك إِلَى قبر عَلَيْهِ جنادله وَلم يبْق إِلَّا ذكره وَحَدِيثه ... يُنَادي بويل معولات حلائله فَقُلْنَ لَهُ أضغاث أَحْلَام خيرا رَأَيْت فوَاللَّه مَا أَتَت عَلَيْهِ سابعة حَتَّى مَاتَ وَأعلم ان النَّاس فِي قصر الأمل وَطوله مُخْتَلفُونَ وَفِي درجاته متفاوتون فَمنهمْ من يؤمل أَن يعِيش أقْصَى مَا يعيشه إِنْسَان مِمَّن شَاهد أَو سمع بِهِ فِي زَمَانه وَلَو كَانَ الِاخْتِيَار إِلَيْهِ لما مَاتَ أبدا حبا مِنْهُ للدنيا وكلفا بهَا وتلذذا بِالْبَقَاءِ فِيهَا وهيهات لَيْسَ للْإنْسَان مَا تمنى وَلَا أَن يدْرك كل مَا فِيهِ تعنى وَغَايَة هَذَا أَن يتَمَنَّى طول الْعُمر وَيَوَد أَن لَو يبْقى الأحقاب الْكَثِيرَة من الدَّهْر قَالَ الله تَعَالَى فِي قوم كَانُوا كَذَلِك {يود أحدهم لَو يعمر ألف سنة} وَيُمكن أَن يكون هَؤُلَاءِ تمنوا طول الْبَقَاء لأَنهم كَانُوا لم يتَحَقَّق فِي الْآخِرَة لَهُم رَجَاء لكفرهم بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتكذيبهم لَهُ مَعَ صِحَة نبوته عِنْدهم لَكِن حملهمْ بغيهم وحسدهم لَهُ على الْكفْر بِهِ وَالْإِنْكَار لدعوته وَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّهُم يدْخلُونَ النَّار ثمَّ يخرجُون مِنْهَا فيتمنون لذَلِك طول الْعُمر وَهَذِه الْآيَة نزلت فِي الْيَهُود وَمِنْهُم من يؤمل أَن يعِيش سِتِّينَ سنة وَسبعين سنة وَأكْثر من ذَلِك وَمِنْهُم من يؤمل أَن يعِيش فَوق ذَلِك وَدون ذَلِك حَتَّى إِن مِنْهُم من لَا يُجَاوز أمله يَوْمه وَرُبمَا كَانَ أمله أقصر من ذَلِك بل مِنْهُم من يكون الْمَوْت نصب عَيْنَيْهِ يتوقعه مَعَ الأنفاس أَن يثب عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 يذكر عَن الْأسود الحبشي أَنه كَانَ يلْتَفت يَمِينا وَشمَالًا فَقيل لَهُ مَا هَذَا الِالْتِفَات قَالَ انْظُر ملك الْمَوْت من أَيْن يأتيني وَأنْشد بَعضهم من كلمة وألبس لهَذَا الْمَوْت جُبَّة خَائِف ... قد ضَاقَ عَنهُ مَسْلَك ومقام لَا نأمنن عَلَيْك من إقدامه ... فَلهُ على هَذَا الورى إقدام وأكحل جفونك بالرقاد لأَجله ... فالسهد حل والمنام حرَام إِلَّا غرارا كالغذاء تناله ... لَوْلَا الضَّرُورَة مَا وجدت تنام وَمن الْعَجَائِب أَن ترَاهُ نَائِما ... من طالبوه ساهرون ينَام وَكَانَ بعض الصَّالِحين يَقُول مَا أحسبني إِلَّا رجلا قد أقعد ليقْتل وجرد السَّيْف عَلَيْهِ ومدت عُنُقه فَهُوَ ينْتَظر أَن يضْرب فَيلقى رَأسه بَين يَدَيْهِ فشتان مَا بَين الرجلَيْن وَآخر قد مد فِي عمره وَطول فِي أمله فازداد فِي كسله وَدخل الوهن فِي عمله وَرجل آخر قد جعل التَّقْوَى بضاعته وَالْعِبَادَة صناعته وَلم يتَجَاوَز بأمله سَاعَته بل جعل الْمَوْت نصب عَيْنَيْهِ ومثالا قَائِما بَين يَدَيْهِ وسيفا مُصْلِتًا عَلَيْهِ فَهُوَ مرتقب لَهُ مستعد لنزوله لَا يشْغلهُ عَن ارتقابه شاغل وَلَا يصرفهُ عَن الاستعداد لَهُ صَارف قد مَلأ قلبه وجلا وعمره عملا وعد يَوْمًا وَاحِدًا يعيشه بَقَاء ومهلا وغنيمة تملأ نَفسه سُرُورًا وجذلا لازدياده فِيهِ من الْخَيْر وادخاره فِيهِ من الْأجر واكتسابه عِنْد الله عز وَجل من جميل الذّكر وَمثل هَذَا قد رفع التَّوْفِيق عَلَيْهِ لِوَاءُهُ وَألبسهُ رِدَاءَهُ وَأَعْطَاهُ جماله وبهاءه فَانْظُر رَحِمك الله تَعَالَى أَي الرجلَيْن تُرِيدُ أَن تكون وَأي العملين تُرِيدُ أَن تعْمل وَبِأَيِّ الرداءين تُرِيدُ أَن تشْتَمل وبأيهما تُرِيدُ أَن تتزين وتتجمل فلست تلبس هُنَاكَ إِلَّا مَا لبسته هُنَا وَلَا تحْشر هُنَاكَ إِلَّا فِيمَا كنت فِيهِ هُنَا إِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 صَلَاح فصلاح وَإِن فجور ففجور وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ تَأْوِيل الْخَبَر الْمَرْوِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يبْعَث الْمَيِّت فِي ثِيَابه الَّتِي مَاتَ فِيهَا لِأَنَّهُ قد صَحَّ أَن النَّاس يبعثون حُفَاة عُرَاة وَهَذَا الْخَبَر ذكره أَبُو دَاوُد فِي السّنَن وَأنْشد قد طواك الزَّمَان شَيْئا فَشَيْئًا ... وبرتك الخطوب جُزْءا فجزءا ورمت مِنْك حادثات اللَّيَالِي ... حَبَّة الْقلب فأدن بعد أَو انأى كَانَ مَا كَانَ وَانْقَضَت مُدَّة الْعم ... ر وَولى الشَّبَاب خَبرا ومرأى وقديما قد أعلمتك اللَّيَالِي ... أَن أدواءها تفوتك برءا فادرك مِنْهَا فائتا بمتاب ... بل بِإِيمَان انشىء الْيَوْم نشئا وَاتخذ للهيام وَيحك ريا ... وَاتخذ للسهوم وَيلك فَيْئا وإاذ مَا خرقت بِالدّينِ خرقا ... فارفينه بالإنابة رفئا وَإِذا مَا وَردت مورد دنيا ... فَلْيَكُن مَا وَردت من ذَاك ظمئا ولتدعها تحيلا وأماني ... ألبست قَلْبك الْمُغَفَّل صدأ وَإِذا مَا الْحمام جَاءَك يَوْمًا ... لم تَجِد من جَمِيع ذَلِك شَيْئا وَاعْلَم أَن طول الأمل حجاب على قَلْبك يمنعك من رُؤْيَة الْمَوْت ومشاهدته وَوقر فِي أذنيك يمنعك من سَماع وجبته ودوي وقعته وبقدر مَا يرفع لَك من الْحجاب ترى وبقدر مَا يُخَفف عَن أذنيك من الوقر تسمع فَانْظُر رَحِمك الله نظر من رفع الْحجاب وَفتح بَابه واستمع سَماع من أزيل وقره وخوطب سره وبادر قبل أَن يُبَادر بك وَينزل عَلَيْك وَينفذ حكم الله فِيك فتطوى صحيفَة عَمَلك وَيخْتم على مَا فِي يَديك وَيُقَال لَك اجن مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 غرست واحصد مَا زرعت وأقرأ كتابك الَّذِي كتبت كفى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حسيبا وبربك تبَارك وَتَعَالَى شَهِيدا ورقيبا قَالَ مَالك بن دِينَار رَحمَه الله رَأَيْت فِي الْبَادِيَة فِي يَوْم شَدِيد الْبرد شَابًّا عَلَيْهِ ثَوْبَان خلقان وَعَلِيهِ آثَار الدُّعَاء وأنوار الْإِجَابَة فعرفته وَكنت قبل ذَلِك عهدته فِي الْبَصْرَة ذَا ثروة وَحسن حَال وَكَانَ ذَا مَال وآمال قَالَ فَبَكَيْت لما رَأَيْته على تِلْكَ الْحَال فَلَمَّا رَآنِي بَكَى وبدأني بِالسَّلَامِ وَقَالَ لي يَا مَالك بن دِينَار مَا تَقول فِي عبد أبق من مَوْلَاهُ فَبَكَيْت لقَوْله بكاء شَدِيدا وَقلت لَهُ وَهل يَسْتَطِيع الْمِسْكِين ذَلِك الْبِلَاد بِلَاده والعباد عباده فَأَيْنَ يهرب الْمِسْكِين فَقَالَ يَا مَالك سَمِعت قَارِئًا يقْرَأ {يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية} فأحسست فِي الْحَال بِنَار وَقعت بَين ضلوعي فَلَا تخمد وَلَا تهدأ من ذَلِك الْيَوْم يَا مَالك أَترَانِي أرْحم وتطفأ هَذِه الْجَمْرَة من قلبِي فَقلت لَهُ أحسن الظَّن بمولاك فَإِنَّهُ غَفُور رَحِيم ثمَّ قلت لَهُ إِلَى أَيْن قَالَ إِلَى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى لعَلي أَن أكون مِمَّن إِذا التجأ إِلَى الْحرم اسْتحق مُرَاعَاة الذمم قَالَ مَالك ففارقني وَمضى فتعجبت من وُقُوع الموعظة مِنْهُ موقعها وَمَا تأجج بَين جَنْبَيْهِ من نَار التيقظ والإنابة وَمَا حصل عَلَيْهِ من صدق الْقبُول وَحسن الِاسْتِمَاع وَاعْلَم أَن الأمل يكسل عَن الْعَمَل وَيُورث التَّرَاخِي والتواني ويعقب التشاغل والتقاعس ويخلد إِلَى الأَرْض ويميل إِلَى الْهوى وَهَذَا أَمر قد شوهد بالعيان فَلَا يحْتَاج إِلَى بَيَان وَلَا يطْلب صَاحبه ببرهان كَمَا أَن قصره يبْعَث على الْعَمَل وَيحمل على الْمُبَادرَة ويحث على الْمُسَابقَة وسأضرب لَك فِي ذَلِك مثلا مثل ملك من الْمُلُوك كتب إِلَى رجل يَقُول لَهُ افْعَل كَذَا وَكَذَا وَانْظُر فِي كَذَا وَكَذَا وَأصْلح كَذَا وَكَذَا وانتظر رَسُولي فلَانا فَإِنِّي سأبعثه إِلَيْك ليأتيني بك وَإِيَّاك ثمَّ إياك أَن يَأْتِيك إِلَّا وَقد فرغت من أشغالك وتخلصت من أعمالك وَنظرت فِي زادك وَأخذت مَا تحْتَاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 إِلَيْهِ فِي سفرك وَإِلَّا أحللت بك عقابي وأنزلت عَلَيْك سخطي وأمرته أَن يأتيني بك مغلولة يداك مُقَيّدَة رجلاك مشمتا بك عداك مسحوبا على وَجهك إِلَى دَار خزيي وهواني وَمَا أعددته لمن عَصَانِي وَإِن هُوَ وَجدك قد فرغت من أعمالك وقضيت جَمِيع أشغالك أُتِي بك مكرما مرفعا مرفها إِلَى دَار رِضْوَانِي وكرامتي وَمَا أعددته لمن امتثل أَمْرِي وَعمل بطاعتي وَاحْذَرْ أَن يخدعك فلَان أَو فُلَانَة عَن امْتِثَال أَمْرِي والاشتغال بعملي وَكتب إِلَى رجل آخر بِمثل ذَلِك الْكتاب فَأَما الرجل الأول فَقَالَ هَذَا كتاب الْملك جَاءَ يَأْمُرنِي فِيهِ بِكَذَا وَكَذَا وَذكر لي أَن رَسُوله يأتيني ليحملني إِلَيْهِ وَأَنا لَا أمضي إِلَيْهِ حَتَّى يأتيني رَسُوله وَلَعَلَّ رَسُوله لَا يأتيني إِلَّا إِلَى خمسين سنة أَو أَكثر فَأَنا على مهلة وسأنظر فِيمَا أَمرنِي بِهِ وَلم يَقع الْكتاب مِنْهُ بذلك الْموقع وَلم ينزله من نَفسه بِتِلْكَ الْمنزلَة وَقَالَ وَالله لقد أَتَى كِتَابه إِلَى خلق كثير بِمثل مَا أَتَانِي وَلم يَأْتهمْ رَسُوله إِلَّا بعد السنين الْكَثِيرَة والمدد الطَّوِيلَة وَأَنا وَاحِد مِنْهُم وَلَعَلَّ رَسُوله يتَأَخَّر عني كَمَا تَأَخّر عَنْهُم وَجعل الْغَالِب على ظَنّه أَن الرَّسُول لَا يَأْتِيهِ إِلَّا إِلَى خمسين سنة كَمَا ظن أَو أَكثر أَو إِلَى الْمدَّة الَّتِي جعل لنَفسِهِ بِزَعْمِهِ ثمَّ أقبل على اشغال نَفسه مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَمِمَّا كَانَ غَنِيا عَنهُ وَترك أوَامِر الْملك والشغل الَّذِي كلفه النّظر فِيهَا والاشتغال بِهِ فَكلما دخلت عَلَيْهِ سنة قَالَ أَنا مَشْغُول فِي هَذِه السّنة وسأنظر فِي السّنة الْمُقبلَة والمسافة أَمَامِي طَوِيلَة والمهل بعيد وَهَكَذَا كلما دخلت سنة قَالَ أَنا فِي هَذِه مَشْغُول وسأنظر فِي الْأُخْرَى أَو سَأَنْظُرُ فِي نصف السّنة أَو فِي الشَّهْر الثَّانِي مِنْهَا أَو سَأَنْظُرُ غَدا ذ فَبَيْنَمَا هُوَ على ذَلِك من تسويفه واغتراره إِذْ جَاءَهُ رَسُول الْملك فَكسر بَابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وهتك حجابه وَحصل مَعَه فِي قَعْر بَيته وَقَالَ لَهُ أجب الْملك فَقَالَ وَالله لقد جَاءَنِي كِتَابه يَأْمُرنِي فِيهِ بأعمال أعملها وأشغال انْظُر لَهُ فِيهَا وَمَا قضيت مِنْهَا شغلا وَلَا عملت مِنْهَا حَتَّى الْآن شَيْئا فَقَالَ لَهُ الرَّسُول وَيلك وَمَا الَّذِي أبطأك عَنْهَا وَمَا الَّذِي حَبسك عَن الِاشْتِغَال بهَا وَالنَّظَر فِيهَا فَقَالَ لم أكن أَظن أَنَّك تَأتِينِي فِي هَذَا الْوَقْت فَقَالَ لَهُ وَيلك وَمن أَيْن كَانَ لَك هَذَا الظَّن وَمن أخْبرك بِهِ وَمن أعلمك بِأَنِّي لَا آتِيك إِلَّا فِي الْوَقْت الَّذِي تظن قَالَ ظَنَنْت وطمعت وسولت لي نَفسِي ومنتني وخدعني الشَّيْطَان وغرني فَقَالَ لَهُ ألم يحذرك الْملك فِي كِتَابه مِنْهُمَا وأمرك أَلا تسمع لَهما قَالَ بلَى وَالله لقد فعل وَلَقَد جَاءَنِي هَذَا فِي كِتَابه وَلَكِنِّي خدعت فانخدعت وفتنت فافتتنت وارتبت فِي وَقت مجيئك فتربصت فَقَالَ لَهُ وَيلك غَرَّك الْغرُور وخدعك المخادع أجب الْملك لَا أم لَك قَالَ أنْشدك بِحَق الْملك إِلَّا مَا تَرَكتنِي حَتَّى أنظر فِيمَا أَمرنِي بِهِ أَو فِي بعضه أَو فِيمَا تيَسّر مِنْهُ حَتَّى لَا أقدم عَلَيْهِ فِي جملَة المفرطين وعصابة الْمُقَصِّرِينَ وَهَذَا مَال قد كنت جمعته لنَفْسي وأعددته لمؤنة زماني فاتركني حَتَّى آخذ مِنْهُ زادا أتزوده ودابة أركبها فَإِن الطَّرِيق شاقة والمفازة صعبة والعقبة كؤود والمنزل لَيْسَ فِيهِ مَاء قَالَ أتركك حَتَّى أكون عَاصِيا مثلك ثمَّ دَفعه دفْعَة أَلْقَاهُ على وَجهه ثمَّ جمع يَدَيْهِ إِلَى عُنُقه وَانْطَلق بِهِ يجره من خَلفه خزيان ندمان جوعان عطشان وَهُوَ ينشد بِلِسَان الْحَال لَا كحزني إِذا لقِيت حَزينًا ... جلّ خطبي فديتكم أَن يهونا ضَاقَ صَدْرِي عَن بعضه واحتمالي ... فاسلكوا بِي حَيْثُ ألْقى المنونا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 مَا تُرِيدُ العداة مني وَإِنِّي ... لبحال يرق لي المبغضونا زفرات هتكن خلب فُؤَادِي ... وهموم قطعن مني الوتينا خُنْت عهد المليك قولا وفعلا ... واتخذت الْخلاف شرعا ودينا غرست فِي الْحَيَاة كفي شرا ... فاجتنيت الْعقَاب مِنْهُ فنونا لَيْتَني لم أكن وَأَيْنَ لمثلي ... ظَالِم نَفسه بِأَن لَا يَكُونَا يَا خليلي وَلَا خَلِيل لي اليو ... م سوى حسرة تديم الأنينا ربح الرابحون وَانْقَضَت السو ... ق وخلوا بغبنه المغبونا فابكني إِن يكن بكاك مُفِيدا ... أَو فَدَعْنِي وعصبة يبكونا وَأما الآخر الَّذِي كتب إِلَيْهِ الْملك بِمثل مَا كتب بِهِ إِلَى هَذَا فَإِنَّهُ أَخذ كتاب الْملك وَقَبله وقرأه وتصفحه وتدبره وَقَالَ أرى الْملك قد كتب إِلَيّ بِأَن أعمل لَهُ كَذَا وَكَذَا وأقضي لَهُ كَذَا وَكَذَا وَأنْظر لَهُ فِي كَذَا وَكَذَا وَمن أَيْن سبقت لي هَذِه السَّابِقَة عِنْد الْملك وَمن الَّذِي عني بِي عِنْده وَمن الَّذِي أنزلني مِنْهُ بِهَذِهِ الْمنزلَة حَتَّى جعلني من بعض خُدَّامه والقائمين بأَمْره والناظرين فِي أَعماله وَالله إِن هَذِه لسعادة وَالله إِن هَذِه لعناية الْحَمد لله رب الْعَالمين ثمَّ نظر فِي الْكتاب وَقَالَ أسمع الْملك وَقد قَالَ لي فِي كِتَابه وانتظر رَسُولي فَإِنِّي سأبعثه إِلَيْك ليأتيني بك وَأرَاهُ لم يحد لي الْوَقْت الَّذِي يبْعَث فِيهِ الرَّسُول إِلَيّ وَلَا سَمَّاهُ لي ولعلي لَا أفرغ من قِرَاءَة كِتَابه إِلَّا وَرَسُوله قد أَتَانِي وَنزل عَليّ وَالله لَا قدمت شغلا على شغل الْملك وَلَا نظرت فِي شَيْء إِلَّا بعد فراغي مِمَّا أَمرنِي بِهِ الْملك وإعدادي زادا أتزوده ومركوبا أركبه إِذا جَاءَنِي رَسُوله وحملني إِلَيْهِ فتعرض لَهُ رجل وَقَالَ لَهُ لم هَذِه المسارعة كلهَا وفيم هَذِه الْمُبَادرَة كلهَا فَقَالَ لَهُ وَيحك أما ترى كتاب الْملك بِمَا جَاءَنِي أما تسمع مَا فِيهِ أما تصدقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 أما تؤمن بِهِ قَالَ بلَى سَمِعت وَآمَنت وصدقت وَلَكِن لم يقل لَك فِيهِ إِن رَسُوله يَأْتِيك الْيَوْم وَلَا غَدا وَلَا وقتا مَعْلُوما وَلكنه سيأتيك وَقد جَاءَ كِتَابه إِلَى فلَان بِهَذَا الَّذِي قد جَاءَك أَنْت بِهِ وَقد بَقِي منتظرا لرَسُوله أَكثر من سبعين سنة وَإِلَى الْآن مَا أَتَاهُ وَبعد زمَان طَوِيل مَا جَاءَهُ وَفُلَان أَتَاهُ بعد ثَمَانِينَ سنة وَفُلَان أَتَاهُ بعد مائَة سنة وَأكْثر وَفُلَان كَاد أَن لَا يَأْتِيهِ وَأَنت وَاحِد من المرسول إِلَيْهِم فَلم هَذِه العجلة وفيم هَذَا الْإِسْرَاع فَقَالَ وَيحك أما ترى أَنْت فلَانا قد جَاءَهُ كتاب الْملك بِهَذَا الَّذِي جَاءَنِي وجاءه الرَّسُول فِي إِثْر مَجِيء الْكتاب وَفُلَان كَذَلِك وَفُلَان جَاءَهُ بعد سنة وَفُلَان كَذَا فَقَالَ لَهُ بلَى وَلَكِن لَا تنظر إِلَى هَؤُلَاءِ خَاصَّة وَانْظُر إِلَى الَّذين قلت لَك مِمَّن تَأَخّر عَنهُ مَجِيء الرَّسُول فَقَالَ لَهُ دَعْنِي يَا هَذَا فقد شغلتني وَالله وَإِنِّي لأخاف أَن يأتيني الرَّسُول وَأَنا أُكَلِّمك ثمَّ أقبل على مَا أمره بِهِ الْملك فامتثله وَنظر فِيمَا حد لَهُ واشتغل بِمَا يجب أَن يشْتَغل بِهِ وَأخذ الزَّاد لسفره وَأخذ الأهبة لطريقه وَجعل ينْتَظر الرَّسُول أَن يَأْتِيهِ وَأَقْبل يلْتَفت يَمِينا وَشمَالًا من أَيْن يَأْتِيهِ وَمن أَيْن يقبل عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك وَإِذا برَسُول الْملك قد أَتَاهُ فَقَالَ أجب الْملك قَالَ نعم قَالَ السَّاعَة قَالَ السَّاعَة قَالَ وفرغت مِمَّا أَمرك بِهِ وعملت مَا حد لَك أَن تعمله قَالَ نعم قَالَ فَانْطَلق قَالَ بِسم الله فَخلع عَلَيْهِ خلعة الْأَوْلِيَاء وكساه كسْوَة الأصفياء وَأَعْطَاهُ مركوبا يَلِيق بِهِ ويجمل بِمثلِهِ وَانْطَلق بِهِ فِي حبور وسرور وَهُوَ ينشد بِلِسَان الْحَال هنئوني بغبطتي وسروري ... فجدير بِأَن يهنأ مثلي ربحت صفقتي وزكي سعيي ... وارتقى للإله قولي وفعلي كَيفَ لي أَن أعبر الْيَوْم عني ... بمقال يبين وصف محلي ضَاقَتْ الْكتب أَن تضم حَدِيثي ... بل تلاشت عَن بعض مَا أَنا أملي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 قد بلغت المنى وزدت عَلَيْهَا ... وتملأت بالمسرة كلي لَيْت قومِي لَو يعلمُونَ بِمَا لله ... من نعْمَة عَليّ وَفضل طَابَ عيشي وقر فِيهِ قراري ... وتقلبت بَين مَاء وظل أَنا ذاكم حَقِيقا أم هُوَ غَيْرِي ... اعذروني فقد تدله عَقْلِي فَبَان لَك بِهَذَا الْمثل وَبِغَيْرِهِ فَضِيلَة قصر الأمل وفضيلة الْمُبَادرَة إِلَى الْعَمَل والاستعداد للْمَوْت قبل نُزُوله والانتظار لَهُ قبل حُلُوله وَقد كثر الحض على هَذَا وَكَثُرت الْأَقَاوِيل فِيهِ وَلم يزل المذكرون يذكرُونَ والمنبهون ينبهون لَو يَجدونَ سمعا واعيا وَقَلْبًا حَافِظًا ومحلا قَابلا والحول حول الله وَالْأَمر كُله بيد الله ويروى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لرجل وَهُوَ يعظه اغتنم خمْسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعمتان مغبون فيهمَا كثير من النَّاس الصِّحَّة والفراغ ذكر البُخَارِيّ وَقَالَ الْقَائِل إِن فِي الْمَوْت والمعاد لشغلا ... وادكارا لذِي النهى وبلاغا فاغتنم نعمتين قبل المنايا ... صِحَة الْجِسْم يَا أخي والفراغا وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مَا ينْتَظر أحدكُم من الدُّنْيَا إِلَّا غنى مطغيا أَو فقرا منسيا أَو هرما مفندا أَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 مَرضا مُفْسِدا أَو موتا مجهزا أَو الدَّجَّال والدجال شَرّ غَائِب ينْتَظر أَو السَّاعَة والساعة أدهى وَأمر وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من خَافَ أدْلج وَمن أدْلج بلغ الْمنزل أَلا إِن سلْعَة الله غَالِيَة أَلا إِن سلْعَة الله الْجنَّة وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا النذير وَالْمَوْت المغير والساعة الْموعد ذكره القَاضِي أَبُو الْحسن بن صَخْر فِي الْفَوَائِد وَقَالَ جَابر بن عبد الله كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خطب رفع صَوته واحمرت عَيناهُ كَأَنَّهُ مُنْذر جَيش يَقُول صبحكم ومساكم وَيَقُول بعثت أَنا والساعة كهاتين ويقرن بَين أصبعيه السبابَة وَالْوُسْطَى ذكره مُسلم بن الْحجَّاج يُرِيد عَلَيْهِ السَّلَام تقريب الْأَمر وَسُرْعَة نُزُوله وكل آتٍ قريب وكل مَا هُوَ كَائِن سَيكون قَالَ ابْن مَسْعُود قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ فَقَالَ إِن النُّور إِذا دخل الْقلب اِنْفَسَحَ فَقيل يَا رَسُول الله هَل لذَلِك من عَلامَة تعرف قَالَ نعم التَّجَافِي عَن دَار الْغرُور والإنابة إِلَى دَار الخلود والاستعداد للْمَوْت قبل نُزُوله وَمن كَلَام بَعضهم أما تَسْمَعُونَ أَيهَا النَّاس دَاعِي الْمَوْت يدعوكم وحاديه يحدوكم أما ترَوْنَ صرعاه فِي مَنَازِلكُمْ وقتلاه بَين أَيْدِيكُم فَفِيمَ هَذَا التصامم عَن الدَّاعِي والتشاغل عَن الْحَادِي والتعامي عَن مصَارِع الْقَتْلَى والتغافل عَن مُشَاهدَة الهلكى فرحم الله امْرأ أيقظ نَفسه فِي مهلة الْحَيَاة قبل أَن توقظه روعة الْمَمَات واستعد لما هُوَ آتٍ قبل الانبتات وحلول الْفَوات وَكَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الحكم قد وَقع وَالْخطاب قد ارْتَفع أعرض من أعرض وَسمع من سمع وانشدوا قطعت زماني حينا فحينا ... أدير من اللَّهْو فِيهِ فنونا وأهملت نَفسِي وَمَا أهملت ... وهونت من ذَاك مَا لم يهونا وَرب سرُور شفى غلَّة ... وَولى فأعقب حزنا رصينا وَكم آكل سَاعَة مَا يُرِيد ... يكابد مَا أورثته سنينا وَمَا كَانَ أغْنى الْفَتى عَن نعيم ... يعود عَلَيْهِ عذَابا مهينا وَكم وعظتني عظات الزَّمَان ... لَو أَنِّي أصيخ إِلَى الواعظينا وَكم قد دَعَاني دَاعِي الْمنون ... وأسمع لَو كنت فِي السامعيا وماذا أُؤَمِّل أَو أرتجيه ... وَقد جزت سبعا على الأربعينا فَلَو كَانَ عَقْلِي معي حَاضرا ... سَمِعت لعمري مِنْهُ أنينا وَلنْ يبرح الْمَرْء فِي رقدة ... يغط إِلَى أَن يوافي المنونا فتوقظه عِنْدهَا روعة ... تقطع مِنْهُ هُنَاكَ الوتينا وَإِذ ذَاك يدْرِي بِمَا كَانَ فِيهِ ... وتجلو الْحَقَائِق مِنْهُ الظنونا وَقَالَ أنس فِي قَول الله عز وَجل {الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} قَالَ أَكْثَرَكُم للْمَوْت ذكرا وَأحسن اسْتِعْدَادًا وَأَشد مِنْهُ خوفًا وحذرا وَقَالَ حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ مَا من صباح وَلَا مسَاء إِلَّا ومناد يُنَادي أَيهَا النَّاس الرحيل الرحيل وَقَالَ بَعضهم أَيهَا الْإِنْسَان إِنَّمَا أَنْت نَازل من الدُّنْيَا فِي منزل تعمره أَيَّام عمرك ثمَّ تخليه عِنْد موتك لمن ينزله من بعْدك وانشدوا أخل لمن ينزل ذَا الْمنزل ... وارحل فقد آن أَن ترحل وارحل بِمَا قد كنت جمعته ... واحمله إِن خليت أَن تحمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 هَيْهَات لَا تخرج مِنْهُ بِشَيْء ... فافعلن مَا شِئْت أَن تفعل واقعد من الغيظ وَإِلَّا فَقُمْ ... واطلع إِلَى الْكَوْكَب أَو فَانْزِل فلست بالخارج إِلَّا بِمَا ... جِئْت فَسلم ويك واستبسل وخل عَن هذي الْأَمَانِي فَمَا ... تثمر إِلَّا شَرّ مَا يُؤْكَل كم من فَتى طول آماله ... فقصرت دُنْيَاهُ مَا طول فَجَاءَهُ الْمَوْت على غرَّة ... فَمَاتَ من قبل الَّذِي أمل فيا إلهي وَالَّذِي جوده ... قد غمر الآخر وَالْأول رحماك يَا رَحْمَن فِي فتية ... لَيْسَ لَهُم دُونك من مُؤَمل قد حَجَبتهَا عَنْك آثامها ... وأنزلتها شَرّ مَا منزل وَلَيْسَ إِلَّا عفوك المرتجى ... أَو دلها مَاذَا الَّذِي تعْمل وَقَالَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم جَلَست إِلَى عَامر بن عبد الله وَهُوَ يُصَلِّي فجوز فِي صلَاته فَقَالَ أَخْبرنِي بِمَا جِئْت لَهُ فَإِنِّي أبادر فَقلت لَهُ وَمَا تبادر قَالَ ملك الْمَوْت رَحِمك الله فَإِنِّي أَخَاف أَن ينزل بِي فَقُمْت عَنهُ وَقَامَ إِلَى صلَاته وَمر دَاوُد الطَّائِي رَحمَه الله فَسَأَلَهُ رجل غَرِيب عَن حَدِيث فَقَالَ دَعْنِي فَإِنِّي أبادر خُرُوج نَفسِي وَقَالَ الرّبيع بن خثيم رَحمَه الله من خَافَ الْوَعيد قرب عَلَيْهِ الْبعيد وَمن طَال أمله سَاءَ عمله وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ التؤدة خير فِي كل شَيْء إِلَّا فِي أَمر الْآخِرَة والتؤدة هِيَ التثبت والتأني وَكَانَ الْحسن رَحمَه الله يَقُول فِي موعظته الْمُبَادرَة الْمُبَادرَة فَإِنَّمَا هِيَ الأنفاس لَو حبست انْقَطَعت عَنْكُم الْأَعْمَال الَّتِي تتقربون بهَا إِلَى الله عز وَجل رحم الله امْرأ نظر لنَفسِهِ وَبكى على ذَنبه ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة إِنَّمَا نعد لَهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 عدا يَعْنِي الأنفاس آخر الْعدَد خُرُوج نَفسك وفراق أهلك وَقَالَ بعض الصلحاء اغتنم تنفس الْأَجَل وَإِمْكَان الْعَمَل واقتطع ذكر المعاذير والعلل فَإنَّك فِي أجل مَحْدُود وَنَفس مَعْدُود وَعمر غير مَمْدُود وَقَالَ غَيره أعمل عمل المرتحل فَإِن حادي الْمَوْت يحدوك ليَوْم لَيْسَ يعدوك فيطرحك فِي حُفْرَة لَا يخافك فِيهَا أحد وَلَا يرجوك وَكتب رجل إِلَى بعض إخوانه أما بعد فَإِن الدُّنْيَا حلم وَالْآخِرَة يقظة وَالْمَوْت متوسط بَينهمَا وَنحن فِي أضغاث أَحْلَام وَالسَّلَام وَكتب مُحَمَّد بن يُوسُف رَحمَه الله إِلَى أَخ لَهُ سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَإِنِّي محذرك من دَار منقلبك إِلَى دَار إقامتك وَجَزَاء أعمالك فَتَصِير فِي بَاطِن الأَرْض بعد ظهرهَا فيأتيك مُنكر وَنَكِير فيقعدانك وينتهرانك فَإِن يكن الله مَعَك فَلَا فاقه وَلَا بَأْس وَلَا وَحْشَة وَإِن يكن غير ذَلِك فأعاذني الله وَإِيَّاك يَا أخي من سوء مصرع وضيق مَضْجَع ثمَّ تبلغك صَيْحَة النشور ونفخة الصُّور وَقيام الْخَلَائق لفصل الْقَضَاء وامتلأت الأَرْض بِأَهْلِهَا وَالسَّمَوَات بسكانها فباحث الْأَسْرَار وسعرت النَّار وَوضعت الموازين ونشرت الدَّوَاوِين وَجِيء بالنبيين وَالشُّهَدَاء وَقضي بَينهم بِالْحَقِّ وَقيل الْحَمد لله رب الْعَالمين فكم من مفتضح ومستور ومعذب ومرحوم وَكم من هَالك وناج فيا لَيْت شعري مَا حَالي وحالك يَوْمئِذٍ فَإِن فِي هَذَا مَا هدم اللَّذَّات وسلى عَن الشَّهَوَات وَقصر من الأمل وَأَيْقَظَ النَّائِم وَنبهَ الغافل أعاننا الله وَإِيَّاك على هَذَا الْخطر الْعَظِيم وأوقع الدُّنْيَا من قَلْبك وقلبي موقعها من قُلُوب الْمُتَّقِينَ فَإِنَّمَا نَحن لَهُ وَبِه وَالسَّلَام وَأنْشد بَعضهم مرادك أَن يتم لَك المُرَاد ... وتركض فِي مطالبك الْجِيَاد وتمضي فِي أوامرك اللَّيَالِي ... فَلَا يعْصى هَوَاك وَلَا يكَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 لقد ملكت مضلات الْأَمَانِي ... قيادك فاعتديت بهَا تقاد ألم تسمع بِذِي أمل بعيد وآمال الْفَتى مِنْهَا بعاد رَمَاه الْمَوْت فانقبضت إِلَيْهِ ... أمانيه بِشَيْء لَا يُرَاد ويلقاه بإثر الْمَوْت يَوْم ... تميد لهوله السَّبع الشداد تصم لِوَقْعِهِ الآذان صمًّا ... وينطق من زلازله الجماد فكم سَالَتْ هُنَالك من دموع ... يغيرهن من دَمه الْفُؤَاد وَكم شَاهَت هُنَالك من وُجُوه ... على صفحاتها طلي الْحداد وماذا الكرب يشبه مَا عهدنا ... وأنى يشبه الْبَحْر الثماد وَمَا الْأَسْمَاء تعطيك اتِّفَاقًا ... على معنى يتم لَك المُرَاد وَلَكِن رُبمَا كَانَ اشْتِبَاه ... قَلِيل لَا يحس وَلَا يكَاد يُسمى الْبَحْر ذُو الْأَهْوَال بحرا ... وبحر مثله الْفرس الْجواد وَفِي بعض الْخطب المروية أَيهَا النَّاس إِن لكم معالم فَانْتَهوا إِلَى معالمكم وَإِن لكم نِهَايَة فَانْتَهوا إِلَى نهايتكم وَإِن الْمُؤمن بَين مخافتين بَين أجل قد مضى لَا يدْرِي مَا الله صانع فِيهِ وَأجل بَقِي لَا يدْرِي مَا الله قَاض فِيهِ فليتزود العَبْد من نَفسه لنَفسِهِ وَمن دُنْيَاهُ لآخرته وَمن الْحَيَاة قبل الْمَوْت فَإِن الدُّنْيَا خلقت لكم وخلقتم أَنْتُم للآخرة وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا بعد الْمَوْت من مستعتب وَمَا بعد الدُّنْيَا دَار إِلَّا الْجنَّة أَو النَّار وخطب عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّكُم لم تخلقوا عَبَثا وَلنْ تتركوا سدى وَإِن لكم معادا يجمعكم الله فِيهِ للفصل وللحكم فِيمَا بَيْنكُم فخاب وشقي عبد أخرجه الله من رَحمته الَّتِي وسعت كل شَيْء وجنة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِنَّمَا يكون الْأمان غَدا لمن خَافَ وَاتَّقَى وَبَاعَ قَلِيلا بِكَثِير وفانيا بباق وشقاء بسعادة إِلَّا ترَوْنَ أَيهَا النَّاس أَنكُمْ فِي أصلاب الهالكين ويستخلف بعدكم البَاقِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 أَلا ترَوْنَ أَيهَا النَّاس أَنكُمْ تشيعون غاديا ورائحا إِلَى الله عز وَجل قد قضى نحبه وَانْقطع عمله وأمله فتضعونه فِي بطن قاع من الأَرْض غير ممهد وَلَا موسد قد قطع الْأَسْبَاب وَفَارق الأحباب وواجه الْحساب وأيم الله إِنِّي لأقول مَقَالَتي هَذِه وَلَا أعلم عِنْد أحدكُم من الذُّنُوب أَكثر مِمَّا عِنْدِي وَلكنهَا سنَن من الله عادلة أَمر فِيهَا بِطَاعَتِهِ وَنهى فِيهَا عَن مَعْصِيَته ثمَّ اسْتغْفر الله تَعَالَى وَوضع كمه على وَجهه وَبكى حَتَّى بلت دُمُوعه لحيته وَمَا عَاد إِلَى مَجْلِسه ذَلِك حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله وَمِمَّا يرْوى من خطبه أَيْضا أَنه قَالَ أَيهَا النَّاس إِن الدُّنْيَا لَيست بدار قراركم وَلَا مَحل إقامتكم دَار كتب الله عَلَيْهَا الفناء وَأوجب مِنْهَا على أَهلهَا الرحيل فكم من عَامر مؤنق عَمَّا قَلِيل ستخرب عِمَارَته وَكم من مُقيم مغتبط عَمَّا قَلِيل سيرحل فَأحْسنُوا رحمكم الله مِنْهَا الرحلة واحملوا خير مَا يحضركم للنقلة وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى إِن الدُّنْيَا كظل قلص فَذهب بَيْنَمَا ابْن آدم فِيهَا ينافس وَعَلَيْهَا يضارب إِذْ دَعَاهُ الله بِقَدرِهِ ووافاه يَوْم حتفه فسلبه آثاره ودنياه وصير للآخرين مصانعه ومغناه إِن الدُّنْيَا مَا تسر بِمِقْدَار مَا تضر إِنَّهَا تسر قَلِيلا وتحزن حزنا طَويلا وخطب الْمَأْمُون يَوْمًا فَقَالَ عباد الله اتَّقوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وَكُونُوا قوما صِيحَ بهم فانتبهوا وَعَلمُوا أَن الدُّنْيَا لَيست لَهُم بدار فاستبدلوا بهَا وتعوضوا عَنْهَا أَيهَا النَّاس اسْتَعدوا للْمَوْت فقد أظلكم وترحلوا فقد جد بكم وَإِن غَايَة تنقصها اللحظة وتهدمها السَّاعَة لجديرة بقصر الْمدَّة وَإِن غَائِبا يحدوه الجديدان لجدير بِسُرْعَة الأوبة وَإِن قادما يقدم بالفوز أَو بالشقوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 لمستحق بِأَفْضَل الْعدة اتَّقى عبد ربه نصح نَفسه وَغلب شَهْوَته وَقدم تَوْبَته فَإِن أَجله مَسْتُور عَنهُ وأمله خَادع لَهُ والشيطان مُوكل بِهِ يمنيه التَّوْبَة ليسوفها ويزين لَهَا الْمعْصِيَة ليرْكبَهَا حَتَّى تهجم عَلَيْهِ منيته أغفل مَا يكون عَنْهَا وأنسى مَا يكون لَهَا وَإِن مَا بَين أحدكُم وَبَين الْجنَّة وَالنَّار إِلَّا الْمَوْت أَن ينزل بِهِ فيالها من حسرة على ذِي غَفلَة أَن يكون عمره عَلَيْهِ حجَّة أَو أَن تؤدبه أَيَّامه إِلَى شقوة جعلنَا الله وَإِيَّاكُم مِمَّن لَا تبطره نعْمَة وَلَا تقصر بِهِ عَن الطَّاعَة مَعْصِيّة وَلَا تحل بِهِ بعد الْمَوْت حسرة إِنَّه سميع الدُّعَاء فعال لما يَشَاء وَمن كَلَام بَعضهم يَا ابْن آدم إِنَّك لَو رَأَيْت مَا حل بك وَمَا أحَاط بأرجائك لبقيت مصروعا لما بك مذهولا عَن أهليك وَأَصْحَابك يَا ابْن آدم أما علمت أَن بَين يَديك يَوْمًا يصم سَمَاعه الآذان وتشيب لروعه الْولدَان وَيتْرك مَا عز وَهَان ويهجر لَهُ الأهلون والأوطان يَا ابْن آدم أما ترى مسير الْأَيَّام بجسمك وذهابها بعمرك وإخراجها لَك من سَعَة قصرك إِلَى ضيق قبرك وَبعد ذَلِك مَا لذكر بعضه تتصدع الْقُلُوب وتنضج لَهُ الجوانح وتذوب ويفر الْمَرْء على وَجهه فَلَا يرجع وَلَا يؤوب وأنشدوا لأمر مَا تصدعت الْقُلُوب ... وباح بسرها دمع سكيب وباتت فِي الجوانح نَار ذكرى ... لَهَا من خَارج أثر عَجِيب وَمَا خف اللبيب لغير شَيْء ... وَلَا أعيا بمنطقه الأريب ذراه لائماه فَلَا تلوما ... فربت لائم فِيهِ يحوب رأى الْأَيَّام قد مرت عَلَيْهِ ... مُرُور الرّيح تدفعها الهبوب وَمَا نفس يمر عَلَيْهِ إِلَّا ... وَمن جثمانه فِيهِ نصيب وَبَين يَدَيْهِ لَو يدْرِي مقَام ... بِهِ الْولدَان من روع تشيب وَهَذَا الْمَوْت يُدْنِيه إِلَيْهِ ... كَمَا يدنى إِلَى الْهَرم المشيب مقَام تستلذ بِهِ المنايا ... وتدعى فِيهِ لَو كَانَت تجيب وماذا الْوَصْف بالغه وَلَكِن ... هِيَ الْأَمْثَال يفهمها اللبيب وخطب الْحجَّاج يَوْمًا فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِن الله كتب على الدُّنْيَا الفناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وعَلى الْآخِرَة الْبَقَاء فَلَا فنَاء لما كتب الله عَلَيْهِ الْبَقَاء وَلَا بَقَاء لما كتب الله عَلَيْهِ الفناء فَلَا يَغُرنكُمْ شَاهد الدُّنْيَا من غَائِب الْآخِرَة واقهروا طول الأمل بقصر الْأَجَل وَفِي بعض الْخطب المروية أَيهَا النَّاس إِن الآمال تطوى والأعمار تفنى والأبدان تَحت التُّرَاب تبلى وَإِن اللَّيْل وَالنَّهَار يتراكضان كتراكض الْبَرِيد يقربان كل بعيد ويبليان كل جَدِيد وَفِي ذَلِك عباد الله مَا يلهي عَن الشَّهَوَات ويسلي عَن اللَّذَّات ويرغب فِي الْبَاقِيَات الصَّالِحَات وَفِي بعض الْخطب أَيْضا أَكْثرُوا من ذكر هَادِم اللَّذَّات الْمَوْت فَإِنَّكُم إِن ذكرتموه فِي ضيق وَسعه عَلَيْكُم فرضيتم بِهِ فأجرتم وَإِن ذكرتموه فِي غنى نغصه عَلَيْكُم فجدتم بِهِ فأثبتم إِن المنايا قاطعات الآمال والليالي مدنيات الْآجَال وَإِن الْمُؤمن بَين يَوْمَيْنِ يَوْم قد مضى أحصى فِيهِ عمله فختم عَلَيْهِ وَيَوْم قد بَقِي لَعَلَّه لَا يصل إِلَيْهِ إِن العَبْد عِنْد خُرُوج نَفسه وحلول رمسه يرى جَزَاء مَا أسلف وَقلة غناء مَا خلف وَلَعَلَّه من بَاطِل جمعه أَو من حق مَنعه وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء إِن للْبَاقِي بالماضي مُعْتَبرا وَللْآخر بِالْأولِ مزدجرا والسعيد لَا يغتر بالطمع وَلَا يركن إِلَى الخدع وَمن ذكر الْمنية نسي الأمنية وَمن أَطَالَ الأمل نسي الْعَمَل وغفل عَن الْأَجَل وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَول الله عز وَجل فتنتم أَنفسكُم قَالَ بالشهوات وَاللَّذَّات وتربصتم قَالَ بِالتَّوْبَةِ وارتبتم قَالَ شَكَكْتُمْ حَتَّى جَاءَ أَمر الله قَالَ الْمَوْت وغركم بِاللَّه الْغرُور قَالَ الشَّيْطَان وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله إِلَى يزِيد بن عبد الْملك إياك أَن تدركك الصرعة عِنْد الْغرَّة فَلَا تقال العثرة وَلَا تمكن من الرّجْعَة وَلَا يحمدك من خلفت على مَا تركت وَلَا يعذرك من تقدم عَلَيْهِ بِمَا بِهِ اشتغلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَقَالَ بعض البلغاء لَا تبت على غير وَصِيَّة وَإِن كنت من جسمك فِي صِحَة وَمن عمرك فِي فسحة فَإِن الدَّهْر خائن وكل مَا هُوَ كَائِن كَائِن وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَهُوَ ضيف وَمَاله عَارِية فالضيف مرتحل وَالْعَارِية مَرْدُودَة وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله يَا عجبا لقوم أمروا بالزاد وَنُودِيَ فيهم بالرحيل وَحشر أَوَّلهمْ على آخِرهم وهم مَعَ ذَلِك قعُود يَلْعَبُونَ وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء لَيْسَ من الدّين عوض وَلَا من الْإِيمَان بدل وَلَا من الْجَسَد خلف وَمن كَانَت مطيته اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِنَّهُ يسَار بِهِ وَإِن لم يسر وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَيهَا النَّاس اتَّقوا الله الَّذِي إِن قُلْتُمْ سمع وَإِن أضمرتم علم وَبَادرُوا الْمَوْت الَّذِي إِن قُمْتُم أخذكم وَإِن هربتم أدرككم وَكَانَ عبد الله بن ثَعْلَبَة يَقُول فِي موعظته تضحك يَا هَذَا وَلَعَلَّ أكفانك عِنْد الْقصار وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء كل يجْرِي من عمره إِلَى غَايَة تَنْتَهِي إِلَيْهَا مُدَّة أَجله وتنطوي عَلَيْهَا صحيفَة عمله فَخذ من نَفسك لنَفسك وَقس يَوْمك بأمسك وَكَيف عَن سيئاتك وزد فِي حَسَنَاتك قبل أَن تستوفي مُدَّة الْأَجَل وتقصر عَن الزِّيَادَة فِي السَّعْي وَالْعَمَل وَفِي كَلَام بَعضهم أعلم رَحِمك الله أَن أمانيك سترد عَلَيْك وَترجع خائبة إِلَيْك وان السَّاعَات تهدم فِي جسدك وَرُبمَا عاجلتك الْمنية فِي ساعتك أَو فِي يَوْمك أَو فِي غدك فأوقفتك على غشك وظلمك وأطالت فِي كربك وزادت فِي غمك وأرتك مَا لم تعهد وأشهدتك مشهدا مَا مثله مشْهد وَأنْشد مرادك لَا يَصح وَلَا يتم ... إِذا مَا كنت للدنيا تدم وَمَا فرقت مِنْهَا من أَمَان ... فلست وَإِن أصبت لَهَا تضم وَمَا تبنيه فِي دنياك هذي ... ستلقاه من الْأَيَّام هدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وجسمك ويك اسرعه انهداما ... وَهل يبْقى مَعَ السَّاعَات جسم وَمن تتبعه تَابِعَة المنايا ... محَال أَن تبقي مِنْهُ رسم وليتك لم تكن إِلَّا منون ... يُضَاعف بَينهَا كرب وغم وَلَكِن بعْدهَا يَوْم عصيب ... طَوِيل الكرب ذكرَاهُ تصم وَمَا تِلْكَ الكروب كَمَا عهدنا ... وَلَا هِيَ مَا يعبر عَنهُ فهم فَلَا تغتر بالأسماء جهلا ... فربت مَعْنيين عَلَيْهِمَا اسْم يُسمى الْكَوْكَب الدُّرِّي نجما ... ومنبسط النَّبَات كَذَاك نجم وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة النَّاجِي رَحمَه الله دَخَلنَا على الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله فِي يَوْمه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ مرْحَبًا بكم وَأهلا وحياكم الله بِالسَّلَامِ وأحلنا وَإِيَّاكُم دَار الْمقَام هَذِه عَلَانيَة حَسَنَة إِن صَدقْتُمْ وصبرتم فَلَا يكونن حظكم من هَذَا الْأَمر أَن تسمعوه بِهَذِهِ الآذان وتخرجوه من هَذِه الأفواه فَإِن من رأى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَآهُ غاديا ورائحا لم يضع لبنة على لبنة وَلَا قَصَبَة على قَصَبَة وَلَكِن رفع لَهُ علم فشمر إِلَيْهِ الْوَحْي الْوَحْي النَّجَاء النَّجَاء علام تعرجون ارتبتم وَرب الْكَعْبَة كأنكم وَالْأَمر مَعًا رحم الله امْرأ جعل الْعَيْش عَيْشًا وَاحِدًا فَأكل كسرة وَلبس خلقا ولصق بِالْأَرْضِ واجتهد فِي الْعِبَادَة وَبكى على الْخَطِيئَة وفر من الْعقُوبَة وَطلب الرَّحْمَة حَتَّى يَأْتِيهِ أَجله وَهُوَ على ذَلِك وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الزَّاهِد خرجنَا فِي جَنَازَة بِالْكُوفَةِ وَخرج فِيهَا دَاوُد الطَّائِي رَحمَه الله فانتبذ وَقعد نَاحيَة وَهِي تدفن فَجِئْته فَقَعَدت إِلَيْهِ قَرِيبا مِنْهُ فَتكلم فَقَالَ من خَافَ الْوَعيد قصر عَلَيْهِ الْبعيد وَمن طَال أمله ضعف عمله وكل مَا هُوَ آتٍ قريب وَاعْلَم يَا أخي أَن كل شَيْء شغلك عَن الله فَهُوَ عَلَيْك مشؤوم وَأعلم أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 أهل الْقُبُور إِنَّمَا يندمون على مَا يتركون ويفرحون بِمَا يقدمُونَ فَمَا عَلَيْهِ أهل الْقُبُور يندمون أهل الدُّنْيَا عَلَيْهِ يقتتلون وَفِيه يتنافسون وَعَلِيهِ يتزاحمون وَقَالَ مُحَمَّد بن أبي تَوْبَة رَحمَه الله أَقَامَ مَعْرُوف الْكَرْخِي رَحمَه الله الصَّلَاة ثمَّ قَالَ لي تقدم فَقلت إِن صليت لكم هَذِه الصَّلَاة لم أصل لكم غَيرهَا فَقَالَ لي أَرَاك تحدث نَفسك أَنَّك تعيش حَتَّى تصلي صَلَاة أُخْرَى أعوذ بِاللَّه من طول الأمل فَإِنَّهُ يمْنَع من خير الْعَمَل وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ويل لمن كَانَت الدُّنْيَا أمله والخطايا عمله عَظِيم بطنته قَلِيل فطنته عَالم بِأَمْر دُنْيَاهُ جَاهِل بِأَمْر آخرته وَقَالَ الْعَلَاء بن زِيَاد رَحمَه الله تَعَالَى لينزل أحدكُم نَفسه أَنه قد حَضَره الْمَوْت وَأَنه استقال ربه فأقاله فليعمل بِطَاعَة الله وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء عجبت مِمَّن يحزن على نُقْصَان مَاله وَلَا يحزن على نُقْصَان عمره وَعَجِبت مِمَّن الدُّنْيَا مُدبرَة عَنهُ وَالْآخِرَة مقبلة عَلَيْهِ كَيفَ يشْتَغل بالمدبرة ويعرض عَن الْمُقبلَة وَقَالَ بَعضهم أَيهَا النَّاس إِن لكم معالم تستبقون إِلَيْهَا وَإِن لكم موارد تردون عَلَيْهَا وَإِن الجديدين يسيران بكم وَإِن لم تسيروا ويسرعان بكم وَإِن لم تسرعوا وَإِن قصاراكم الْمَوْت وَإِن بعد الشأو وامتدت الْغَايَة وَطَالَ المدى فرحم الله امْرأ أضمر نَفسه للسباق وساقها إِلَى الْغَايَة أَشد مساق واستعد للْمَوْت قبل هجومه واخذ حذره مِنْهُ قبل قدومه وانفد دُمُوعه على مَا تقدم قبل أَن تزل بِهِ الْقدَم وَيُؤْخَذ بِمَا علم وَبِمَا لم يعلم وَأنْشد بَعضهم من كلمة لَهُ لمن وَرْقَاء بالوادي المريع ... تشب بِهِ تباريح الضلوع على فينانة خضراء يصفو ... على أعطافها وشي الرّبيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 تردد صَوت باكية عَلَيْهَا ... رَمَاهَا الدَّهْر فِي الْأَهْل الْجَمِيع فشتت شملها وأدال مِنْهُ ... غراما عاث فِي قلب صريع عجبت لَهَا تكلم وَهِي خرسا ... وتبكي وَهِي جامدة الدُّمُوع فهمت حَدِيثهَا وفهمت أَنِّي ... من الخسران فِي أَمر شنيع أَتَبْكِي تِلْكَ إِن فقدت أنيسا ... وتشرب مِنْهُ بالكأس الفظيع وَهَا أَنا لست أبْكِي فقد نَفسِي ... وتضييعي الْحَيَاة مَعَ المضيع وَلَو أَنِّي عقلت الْيَوْم أَمْرِي ... لأرسلت المدامع بالنجيع إِلَّا يَا صَاح والشكوى ضروب ... وَذكر الْمَوْت يذهب بالهجوع لَعَلَّك أَن تعير أَخَاك دمعا ... فَمَا فِي مقلتيه من دموع وَقَالَ بِلَال بن سعد رَحمَه الله يُقَال لِأَحَدِنَا تُرِيدُ أَن تَمُوت فَيَقُول لَا فَيُقَال لَهُ لم فَيَقُول حَتَّى أَتُوب وأعمل صَالحا فَيُقَال لَهُ اعْمَلْ فَيَقُول سَوف أعمل فَلَا يحب أَن يَمُوت وَلَا يحب أَن يعْمل فيؤخر عمل الله تَعَالَى وَلَا يُؤَخر عمل الدُّنْيَا وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء السعيد من صرف الله أمله إِلَى مَا يبْقى وقطعه عَمَّا يفنى وأعانه فِي دَار الفناء على عمَارَة دَار الْبَقَاء وَالْوَيْل الطَّوِيل وَالْحَسْرَة الَّتِي لَا تَزُول لمن أعرض ونأى وَلم ينْه نَفسه عَن الْهوى وَإِن كَانَ الْكل من الله عز وَجل فاللوم مُتَوَجّه على المقصر وَقد بَدَت عَلَيْهِ عَلامَة الْبعد وَظَهَرت من أَفعاله أَمارَة الطَّرْد وَقَالَ عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام عجبت لثَلَاثَة لغافل وَلَيْسَ بمغفول عَنهُ ومؤمل دنيا وَالْمَوْت يَطْلُبهُ وَبَان قصرا والقبر مَسْكَنه وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء مَا انْقَضتْ سَاعَة من يَوْمك إِلَّا بِقِطْعَة من عمرك وَنصِيب من جسمك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وَقَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ يَا بني أَمر لَا تَدْرِي مَتى يلقاك استعد لَهُ قبل أَن يفجأك وَقَالَ الْحسن رَحمَه الله مَا رَأَيْت يَقِينا أشبه بِالشَّكِّ من يَقِين النَّاس بِالْمَوْتِ مَعَ غفلتهم عَنهُ وَمَا رَأَيْت صدقا أشبه بِالْكَذِبِ من قَوْلهم إِنَّا نطلب الْجنَّة مَعَ عجزهم عَنْهَا وتفريطهم فِي طلبَهَا وَقَالَ بَعضهم أَيهَا النَّاس إِن الحكم قد وَجب وَإِن الْمَوْت قد اقْترب والعمر قد ذهب فكم من آسَف عَلَيْهِ وناظر بِعَين الشَّفَقَة إِلَيْهِ وَإِن فِي تلاشي الْعُمر مَا يقصر عَن أمل الأريب وَيجمع من هم اللبيب وَيُرْسل من عبرات الكئيب فرحم الله امْرأ بَكَى على نَفسه فَلَيْسَ يبكي عَلَيْهَا غَيره وَنظر إِلَيْهَا فَلَيْسَ ينظر إِلَيْهَا سواهُ وأنشدوا لبيْك على الشبيبة من بكاها ... كَمَا أبْكِي عَلَيْهَا ملْء جفني وَمن يَك بَات ذَا حزن عَلَيْهَا ... فمثلي فليبت فِي فرط حزن وَمن يَك ساليا يَوْمًا فَإِنِّي ... قطعت علائق السلوان عني عجبت لمن يبكي رسم دَار ... عفت أبياتها أَو سير ظعن وَيتْرك نَفسه يبكي عَلَيْهَا ... وَقد جبلت على ضعف ووهن وَقد صَاح الْحمام بهَا أجيبي ... إلام وفيم وَيلك ذَا التأن وَمن بعد الْحمام لَهُ حَدِيث ... يرِيه من الْعَجَائِب كل فن حَدِيث مَا حَدِيث مَا حَدِيث ... يبين لَهُ الْيَقِين من التظني وَعمر يَنْقَضِي فِي غير شَيْء ... وَلَكِن فِي الْمحَال من التَّمَنِّي ويعذلني إِذا أرْسلت دمعا ... على وجنات ذِي خسر وغبن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 أَلا يَا صَاح والبلوى ضروب ... ودعتك للَّذي تهوى فَدَعْنِي إِذا أَنا لم أبك ذهَاب عمري ... فَمن هَذَا الَّذِي يبكيه عني ولعلك أَن تَقول لَو أَنِّي قصرت أملي كَمَا تريده مني وَقصر ذَلِك أمله وَذَاكَ أمله وَقصر النَّاس آمالهم وَتركُوا صناعاتهم وَأَسْبَاب معيشتهم لخربت الأَرْض وَهلك النَّاس وَفَسَد هَذَا الْعَالم فَأَقُول نعم صدقت لَو قصر النَّاس آمالهم بِحَيْثُ يتركون صناعاتهم وَالنَّظَر فِي معيشتهم وَعمارَة دنياهم وَأَجْمعُوا على ذَلِك لَكَانَ مَا قلت وَلَكنهُمْ لَا يَفْعَلُونَ وَلَيْسَ بتقصيرك أَنْت أملك يقصر النَّاس آمالهم وَلَا بزمدك أَنْت فِي الدُّنْيَا يزهد النَّاس كلهم فِيهَا فَلَا تبك يَا هَذَا وَلَا تشغل نَفسك بِهِ وَلَا يمنعك ذَلِك من تَقْصِير أملك وَلَا من زهدك وَإِصْلَاح عَمَلك وَعَلَيْك بِنَفْسِك فعنها تسْأَل وبالواجب عَلَيْهَا تطلب وَلَيْسَ تقصيرك أملك بِالَّذِي يمنعك أَن تطلب رزقك وَإِن تشتغل بإصلاح نَفسك ومعيشتك وتربية ولدك إِلَى غير ذَلِك من جَمِيع منافعك بل تقدر أَن تجمع بَينهمَا وَذَلِكَ أَن تنظر بمعونة الله عز وَجل لَك وتثبيته إياك إِلَى غير ذَلِك من سَبَب معيشتك فَإِن كَانَ مِمَّا يتَكَرَّر كل يَوْم عملت فِيهِ يَوْمك وَأخذت مِنْهُ قوتك وَلم تعول على أَنَّك تعيش غَدا فَإِن أَصبَحت غَدا عملت كَذَلِك أَيْضا وَكَذَلِكَ إِن كَانَ سببك مِمَّا يتم بعد أَيَّام كَثِيرَة أَو يكون مِمَّا ينظر فِيهِ السّنة كلهَا كالزراعة وَغَيرهَا نظرت فِيهِ على كَمَاله وَلم تعول على أَن تدْرك إبانه وَأَن تبلغ وقته وأوانه فَإِن بلغته كَانَ الَّذِي أردْت وَإِن اخترمتك الْمنية دونه كَانَ مَا عملت مِنْهُ مَعُونَة لغيرك وتسهيلا لمن يَأْتِي من بعْدك وتقدر أَن تعْمل السَّبَب الَّذِي يكون فِيهِ معيشتك كَمَا وصفت لَك وتقصر أملك عَن تَمَامه سَوَاء كَانَ السَّبَب مِمَّا تعْمل فِيهِ سنة أَو يَوْمًا أَو أقل وَكَذَلِكَ سَائِر النَّاس لَو كَانُوا هَكَذَا لما هَلَكُوا وَلَا خربَتْ الأَرْض وَلَا فسد هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الْعَالم كَمَا قلت لكنه كَانَ يقل فَرَحهمْ بالدنيا وسعيهم لَهَا واغتباطهم بهَا وَكَانُوا يتركون تشييد الْبُنيان وتنضيده وزخرفته وتنجيده وَيدعونَ التأنق فِي ملابسهم ومراكبهم إِلَى غير ذَلِك من جَمِيع أُمُورهم ويجتزئون من الدُّنْيَا بِمَا أمكن وَيَأْخُذُونَ مِنْهَا مَا تيَسّر ويقتصرون على مَا يبلغ فتقل تبعتهم ويهون حسابهم وَيخرجُونَ من الدُّنْيَا خفافا يقدرُونَ على قطع عقبات الْآخِرَة وسلوك طرقها الضيقة وسبلها الشاقة ويسهل عَلَيْهِم الْأَمر هُنَالك وَأما قصر الأمل حَتَّى تتْرك الصانعات وَأَسْبَاب الْمَعيشَة فَإِنَّمَا يَصح فِي بعض الْأَشْخَاص وَفِي الْقَلِيل من النَّاس بمؤنته وَنظر لَهُ سواهُ فِي معيشته سنة الله عز وَجل مَعَ المتوكلين وعادته مَعَ المنقطعين وَيبقى أُولَئِكَ مَعَ آمالهم وَالنَّظَر فِي أَعْمَالهم فَإِن الأمل رَحْمَة من الله تَعَالَى تنتظم بِهِ أَسبَاب المعاش وتستحكم بِهِ أُمُور النَّاس ويتقوى بِهِ الصَّانِع على صناعته وَالْعَابِد على عِبَادَته وَإِنَّمَا يذم من الأمل مَا امْتَدَّ وَطَالَ حَتَّى أنسى الْعَاقِبَة والمآل وثبط عَن صَالح الْأَعْمَال يرْوى أَن الله عز وَجل لما مسح ظهر آدم عَلَيْهِ السَّلَام فاستخرج ذُريَّته قَالَت الْمَلَائِكَة رب لَا تسعهم الأَرْض قَالَ الله عز وَجل إِنِّي جَاعل موتا قَالَت الْمَلَائِكَة لَا يهنأهم الْعَيْش قَالَ إِنِّي جَاعل أملا وَقَالَ الثَّوْريّ رَحمَه الله بَلغنِي أَن الْإِنْسَان خلق أَحمَق وَلَوْلَا ذَلِك مَا هنأه الْعَيْش ويروى أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ جَالِسا وَبَين يَدَيْهِ شيخ يعْمل بمسحاة فِي أَرض لَهُ فَنظر إِلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ انْزعْ الأمل من قلبه فَطرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 الشَّيْخ المسحاة فِي الأَرْض وَقعد فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام اللَّهُمَّ رد عَلَيْهِ أمله فَقَامَ الشَّيْخ إِلَى مسحاته وَرجع إِلَى عمله فَدَعَاهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ أَيهَا الشَّيْخ لم طرحت مسحاتك ثمَّ رجعت إِلَيْهَا فَقَالَ يَا روح الله بَيْنَمَا أَنا أعمل بمسحاتي إِذْ قلت فِي نَفسِي وَإِلَى مَتى هَذَا الْعَمَل وَإِلَى مَتى هَذَا التَّعَب وَلَعَلَّ الْمَوْت يأتيني فِي هَذِه السَّاعَة فطرحت المسحاة وَقَعَدت فَبَيْنَمَا أَنا قَاعد إِذْ تفكرت فِي نَفسِي وَقلت لَعَلَّ الْمَوْت لَا يأتيني فِي هَذَا الْوَقْت وَأَنا مُحْتَاج إِلَى قوت يقيمني وغذاء يمسك بنيتي وَلَا بُد من الْعَمَل فَقُمْت إِلَى مسحاتي وَرجعت إِلَى عَمَلي وَقَالَ مطرف بن عبد الله رَحمَه الله لَو علمت مَتى أحلي لَخَشِيت ذهَاب عَقْلِي وَلَكِن الله من على عباده بالغفلة عَن الْمَوْت وَلَوْلَا الْغَفْلَة عَنهُ مَا تهنأوا بعيش وَلَا قَامَت الْأَسْوَاق وَقَالَ الْحسن رَحمَه الله الْغَفْلَة والأمل نعمتان عظيمتان على ابْن آدم ولولاهما مَا مَشى الْمُسلمُونَ فِي الطّرق يُرِيد لَو كَانُوا من التيقظ وَقصر الأمل وَخَوف الْمَوْت بِحَيْثُ لَا ينظرُونَ فِي مَعَايشهمْ وَمَا يكون سَببا لحياتهم لهلكوا وَكَذَلِكَ أَرَادَ مطرف رَحمَه الله ويروى أَن الْمفضل بن فضَالة رَحمَه الله تَعَالَى سَأَلَ ربه أَن يرفع عَنهُ الأمل فَاسْتَجَاب لَهُ فَترك الْأكل وَالشرب وَلم تستقم لَهُ عبَادَة فَدَعَا ربه أَن يرد عَلَيْهِ أمله فَرده عَلَيْهِ فَرجع إِلَى طَعَامه وَشَرَابه وَقَالَ ابْن الْمهْدي رَحمَه الله من قوى أمله قل عمله وَمن أَتَاهُ أَجله لم يَنْفَعهُ أمله غير أَنه لَا بُد من أُمْنِية وأمل تحيا بهما النَّفس وَيُقَوِّي بهما الْقلب وتعمر بهما الدُّنْيَا وَقَالَ سعيد بن عبد الرَّحْمَن إِنَّمَا عمرت الدُّنْيَا بقلة عقول أَهلهَا يُرِيد أَنهم بقلة عُقُولهمْ انصرفت هممهم عَن الْآخِرَة وَأَقْبَلت على الدُّنْيَا فعمروها وَاشْتَغلُوا بهَا وأنشدوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 خُذ من الآمال مَا احتجت إِلَيْهِ ... ففضول الْمَرْء مَحْسُوب عَلَيْهِ كَانَ مَالا أَو كلَاما أَو هوى ... أَو فآمال مشت بَين يَدَيْهِ ولدنياك فويه شبم ... وقديما شاقنا ذَاك الفويه ولأخراك وَإِن طَال المدى ... موقف يسْلك إِحْدَى جهتيه وَإِذا لم تَكُ أَعدَدْت لَهُ ... نلْت مَا تكرههُ من عدتيه وصروف الدَّهْر تخبر قبل ذَا ... بِأُمُور ركبت فِي طيتيه وَرَأى الْإِنْسَان طرفا لَهما ... فَمضى يعْمل فِيهِ صفتيه وَإِلَى كم أَنْت فِي سكر الْهوى ... وَإِلَى كم أَنْت مأسور لَدَيْهِ وكلا الدَّاريْنِ تحْتَاج لَهُ ... وَيَمِين الْمَرْء أقوى عضديه فلتبادر مَا هُوَ الأولى بِمن ... صرفت عَامله الرّيح لَدَيْهِ وَرَآهُ الْمَوْت فانقض لَهُ ... كعقاب خر من جو عَلَيْهِ وَاعْلَم رَحِمك الله أَن تَقْصِير الأمل مَعَ حب الدُّنْيَا مُتَعَذر وانتظار الْمَوْت مَعَ الإكباب عَلَيْهَا غير متيسر فَإِن حب الدُّنْيَا هُوَ سَبَب طول الأمل فِيهَا والإكباب عَلَيْهَا يمْنَع من الفكرة فِي الْخُرُوج مِنْهَا وَالْجهل بغوائلها وعواقبها يحمل على الْإِرَادَة لَهَا والازدياد مِنْهَا لِأَن من أحب شَيْئا أحب الْكَوْن مَعَه والازدياد مِنْهُ وَمن كَانَ مشغوفا بالدنيا محبا لَهَا حَرِيصًا عَلَيْهَا قد خدعته بزخرفها وأمالته برونقها وسحرته بزينتها كَيفَ يُرِيد مفارقتها أم كَيفَ يحب مزايلتها هَذَا أَمر لم تجر الْعَادة بِهِ وَلَا حَدثنَا عَنهُ بل تَجِد من كَانَ على هَذِه الصّفة أعمى عَن طَرِيق الْخَيْر أَصمّ عَن دَاعِي الرشد قَلِيل الرَّأْي سيء النّظر ضَعِيف الْإِيمَان لم تتْرك لَهُ الدُّنْيَا مَا يسمع بِهِ وَلَا مَا يرى الْحَقَائِق بواسطته إِنَّمَا دينه وشغله وَحَدِيثه دُنْيَاهُ لَهَا ينظر وَلها يسمع وَلها يُعْطي وَلها يَأْخُذ قد مَلَأت عينه وَقَلبه وَأذنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 كَمَا قَالَ الْقَائِل مَلَأت قلبه غرُورًا وفتنه ... واصمت عَن الْحَقِيقَة أُذُنه ورمت عينه ببرقة سحر ... طمستها فَمَا يرى مَا أجنه لم تدع فِيهِ مطمعا لسواها ... فهواها لَدَيْهِ فرض وَسنة أَي خداعة تعلق مِنْهَا ... إِنَّهَا إِنَّهَا وَإنَّهُ إِنَّه فأطرحها فَمَا إخالك إِلَّا ... مثله فَالْكَلَام شعر وجنة فتجده قد طول أمله وَمد الْمسَافَة بَين يَدَيْهِ فَإِن كَانَ شَابًّا قَالَ أَنا صَغِير وَالْأَيَّام بَين يَدي وَأَيْنَ حَتَّى أبلغ سِتِّينَ سنة أَو سبعين سنة وَأَنا مُحْتَاج إِلَى الزَّوْجَة وَالزَّوْجَة تحْتَاج إِلَى كَذَا وَكَذَا وَإِذا كَانَت الزَّوْجَة كَانَ الْوَلَد وَكَانَت الْبِنْت وَاحْتَاجَ الْوَلَد إِلَى كَذَا وَكَذَا واحتاجت الْبِنْت أَيْضا إِلَى كَذَا وَكَذَا وَهَذَا كُله إِنَّمَا يكون بِالْمَالِ وَإِن لم يكن لي مَال لم أصل إِلَى مَرْغُوب وَلم أظفر بمطلوب وَإِن قعدت عَن الطّلب احتجت إِلَى النَّاس فَإِذا احتجت إِلَى النَّاس احتقرت واستخف بِي وَجَهل قدري كَمَا قَالَ الْقَائِل والمرء لَا يصغر مِقْدَاره ... إِلَّا إِذا احْتَاجَ إِلَى النَّاس وَترى فلَانا قد اكْتسب وَجمع وَتزَوج وتمتع وظفر بالمراد وَوصل إِلَى مَا أَرَادَ وَفُلَان كَذَلِك وَلَا يَقُول ترى فلَانا كَانَ شَابًّا مثلي وَأَرَادَ مَا أردْت وسعى فِيمَا سعيت فَمَاتَ قبل أَن يصل إِلَى إِرَادَته واختطف قبل أَن يحصل على مطلبه وَلَا يَقُول ترى فلَانا طلب واجتهد فَلَمَّا اجْتمع لَهُ مَا اجْتمع سرق مِنْهُ أَو اعْتدى عَلَيْهِ فاغتصب أَو عطب فِي رُجُوعه إِلَى بَلَده وانصرافه إِلَى وَطنه فَمَاتَ فِي عطبته وَهلك فِي نكبته أَو ترى فلَانا خرج مَحْزُونا مسلوبا فَقِيرا حسيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وَترى فلَانا كَذَلِك وَفُلَانًا كَذَلِك إِنَّمَا يعرض على نَفسه ويجرى على خاطره من بلغ إِلَى إِرَادَته وصل إِلَى أمْنِيته لِأَن ذَلِك هُوَ الَّذِي غلب على قلبه وشغف بحَديثه فتراه يسْعَى ويرغب ويحرص وَيطْلب ويزفر ويكد فِي حدور وصعود وطلوع وهبوط آنَاء اللَّيْل وآناء النَّهَار وَلَا يقر بِهِ قَرَار وَلَا تضمه فِي أَكثر الْأَوْقَات دَار وَكلما فرغ من شغل أَخذ فِي آخر مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ بل لَا يفرغ من شغل إِلَّا وَقد عرضت لَهُ أشغال وَلَا يصل إِلَى أمل إِلَّا انْبَعَثَ لَهُ آمال فيمني نَفسه بالأماني الْبَاطِلَة ويحدثها بالأحاديث الكاذبة فَإِن وصل إِلَى حَظّ من المَال وَنصِيب وافر من الْكسْب مِمَّا يُمكن أَن يعِيش بِهِ عمره كُله أَو طعن فِي السن وَقيل لَهُ يَا فلَان أرح نَفسك ودع جسمك فَهَذَا الَّذِي عنْدك يَكْفِيك قَالَ يَا أخي لَا تقل هَذَا اللَّيْل وَالنَّهَار بَين يَدي وَلَا يكفيهما قَلِيل وَلنْ يدوما على أحد إِلَّا أذهبا مَا فِي يَده وأخذا مَا كَانَ عِنْده وَلَا يدْرِي مَا يكون والآفات كَثِيرَة والإمراض متوقعة وَالْحَاجة إِلَى النَّاس صعبة لَا سِيمَا مَعَ الْكبر وَلَا سِيمَا إِن كَانَ الْأَهْل وَالْولد فيقيم الْعذر لنَفسِهِ وَيطْلب لَهَا الْحجَّة وَيُوجد لَهَا الدَّلِيل ويصحح لَهَا بِزَعْمِهِ التَّأْوِيل فَإِن ذكر بِالْمَوْتِ أَو حدث بِمَوْت إِنْسَان قَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَالله إِنِّي لفي غَفلَة وَالله إِنِّي لفي غرور وَالله إِن هَذِه لمصيبة لَا يدْرِي الْإِنْسَان مَتى يخترم وَلَا مَتى يختطف وَلَا مَتى تفجؤه الْمنية وَتحل بِهِ هَذِه الرزية وتنزل بِهِ هَذِه الْمُصِيبَة هَكَذَا قولا بِلَا فعل وكلاما بِلَا نِيَّة وَلَو كَانَ عَن صدق نِيَّة وَصِحَّة طوية لظهر ذَلِك عَلَيْهِ وبدت مخايله مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَرُبمَا وعد نَفسه ومناها وطمعها فِي التَّوْبَة ورجاها وَقَالَ لَو جِئْت من هَذِه السفرة أَو لَو بنيت هَذِه الدَّار أَو لَو جمعت مَا كَانَ لي مُتَفَرقًا أَو لَو جهزت هَذِه الْبِنْت أَو هَذَا الْوَلَد وأدخلته بَيته وَنظرت لَهُ فِيمَا يعِيش بِهِ لتفرغت للنَّظَر لنَفْسي وقدمت مَا أَجِدهُ فِي رمسي وَكنت من دَاري إِلَى مَسْجِدي وَمن مَسْجِدي إِلَى دَاري وَلَا أنظر فِي شَيْء وَلَا اشْتغل فِي شَيْء فَإِن جَاءَ من سفرته تجهز لغَيْرهَا وَإِن فرغ من بُنيان دَاره نظر فِيمَا يصلح لَهَا وَإِن جمع مَاله نظر فِي تفريقه فِي الْوَجْه الَّذِي ينميه وَيزِيد فِيهِ وَإِن جهز ولدا بَقِي لَهُ آخر وَإِن لم يكن لَهُ آخر قَالَ مَا تُرِيدُ تُرِيدُ أَن آكل مَا عِنْدِي وأرجع إِلَى وَلَدي حَتَّى يطعمني وَيَكْسُونِي ويعولني لَا يكون هَذَا أبدا الْمَوْت فِي القفار ولجج الْبحار أَهْون عَليّ من هَذَا فَهُوَ هَكَذَا أبدا لَا مَعَ المَال وَلَا دون المَال وَلَا مَعَ الْوَلَد وَلَا دون الْوَلَد يحدث النَّاس عَن الْأَمْوَات وَلَا يحدث نَفسه أَنه يَمُوت ويشيع جنائزهم وَلَا يتخيل أَن جنَازَته تشيع وَيقدر لنَفسِهِ الْعَيْش الطَّوِيل وَلَا يقدر لَهَا الْمَوْت الْقَرِيب قد غلب عَلَيْهِ السَّهْو وأطبقه الْجَهْل وسدت عَلَيْهِ الْغَفْلَة طرق الْإِنَابَة وصرفته عَن أَسبَاب الفكرة كم رأى من إِنْسَان قد أعد ثوبا ليلبسه فَكَانَ كَفنه وَكم رأى مِمَّن يَبْنِي دَارا ليسكنها فَكَانَت قَبره وَكم رأى من آخر كَانَ يحب الْوَلَد ويشتهيه ويتضرع إِلَى الله عز وَجل ويرغب إِلَيْهِ فِيهِ فَلَمَّا أعْطِيه وَمن عَلَيْهِ بن جمع عَلَيْهِ الرِّجَال وَأنْفق عَلَيْهِ الْأَمْوَال وَقَالَ الْعَقِيقَة سنة وَالنَّفقَة فِيهَا حَسَنَة وَرُبمَا كَانَت إِلَى الْإِسْرَاف أقرب وَإِلَى التبذير أميل وَرُبمَا كَانَت نَفَقَته سَببا للمناكر وسلما لبَعض الْمعاصِي على روية مِنْهُ ومشاهدة لذَلِك كَمَا جرت الْعَادة فِي الأعراس والولائم والاجتماعات فَيجْعَل الْإِسْرَاف شكرا لتِلْك النِّعْمَة وَالْمَعْصِيَة جَزَاء لتِلْك الْمِنَّة وَلَعَلَّ الْوَلَد يَمُوت بعد ذَلِك بأيام أَو بأشهر أَو بأعوام أَو يعِيش فَيرى فِيهِ من الْأَمْرَاض والأسقام وأنواع الِابْتِلَاء والامتحان مَا يود مَعَه أَنه هُوَ لم يكن فَكيف وَلَده هَذَا أَمر مشَاهد فِي العيان مَوْجُود بالبرهان وَلَعَلَّه إِن شب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وَبلغ فِيهِ الأمل ورأي لَهُ من الْعُمر ذَاك الَّذِي كَانَ أمل صَار لَهُ أعدى الْأَعْدَاء وَكَانَ مِنْهُ أبعد الْبعدَاء كَمَا قد سمع بِجَمَاعَة قَتلهمْ أَوْلَادهم ليستعجلوا ميراثهم أَو ليصير لَهُم الْملك بعدهمْ ونعوذ بِاللَّه من أَمر لَا يستخار الله فِيهِ وَلَا يرد إِلَيْهِ عِنْد تمنيه وَكَذَلِكَ إِن كَانَ صَاحب تِجَارَة فِي سوقه وملتزما فِي دكانه إِنَّمَا هُوَ من الْحَانُوت إِلَى الدَّار وَمن الدَّار إِلَى الْحَانُوت وَمن الصَّباح إِلَى الْمِصْبَاح وَمن البكرة إِلَى آخر الرواح وَإِن كَانَ مِمَّن يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد وَيكثر التعاهد لَهُ قل مَا يَخْلُو فِيهِ مَعَ ربه ويتنصل من ذَنبه إِنَّمَا هُوَ فِي الحَدِيث مَعَ فلَان والضحك مَعَ فلَان وَالسُّؤَال عَن أَحْوَال الإخوان وَمَا جرى فِي الْبلدَانِ وَمَا اتّفق فِي الْقَدِيم من الْأَزْمَان وَرُبمَا أخرجه ذَلِك إِلَى الْغَيْبَة وَكثير من الْبُهْتَان وَكَذَلِكَ صَاحب الصَّنْعَة والضعيف من الحرفة إِنَّمَا هُوَ فِي كد وعناء وتعب وشقاء وَنصب وبلاء وكده وجهده ولذته وأمنيته أَن يكسو ظَهره ويشبع بَطْنه أَو يقوم على عِيَال أَو يَغْدُو على أَطْفَال مَعَ شكايته لرَبه وتسخطه لحكمه وتبرم بِقَضَائِهِ وَقلة صبره على بلائه وَلَا يحدث نَفسه بِمَوْت وَلَا يخْطر بِبَالِهِ زَوَال وَلَعَلَّه إِن ذكر الْمَوْت إِنَّمَا يذكرهُ متمنيا لَهُ ليريحه من ذَلِك الْعَذَاب العاجل الَّذِي عذب بِهِ وَذَلِكَ الْبلَاء النَّازِل الَّذِي نزل عَلَيْهِ قد شغله مَا لَقِي فِي الْحَال عَن النّظر فِي الْمَآل وَعَن التزود من صَالح الْأَعْمَال فَلَا هُوَ من أَبنَاء الدُّنْيَا المنعمين وَلَا من طلابها المدركين ولامع الصابرين الراضين الحامدين الشَّاكِرِينَ وَلَا يزَال كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ على حَاله مواظبا وَلما هُوَ فِيهِ ملازما حَتَّى يَمُوت على مَا هُوَ عَلَيْهِ ثمَّ يبْقى فِي البرزخ على مَا كَانَ عَلَيْهِ ثمَّ يبْعَث على مَا بَقِي عَلَيْهِ فِي البرزخ أَو تتغمده الرَّحْمَة وتغشاه الْمِنَّة فيستنقذه ربه تَعَالَى من هَذِه الغمرات وَيَأْخُذ بِيَدِهِ من هَذِه الهلكات وَيجْعَل لَهُ نورا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 يمشي بِهِ فِي الظُّلُمَات على مَا يُرْجَى من منته وفضله لَا رب غَيره وَلَا معبود سواهُ وَرُبمَا كَانَ الرجل مبخوتا من أول عمره إِلَى آخِره فيولد فِي نعْمَة ويتربى فِي نعْمَة وينشأ فِي نعْمَة تمد عَلَيْهِ ظلالها وتطول من خَلفه أذيالها ويجدد عَلَيْهِ فِي كل حِين إسعادها وإقبالها قد صَار لوَالِديهِ دينا وَدُنْيا فَلهُ يقومان وَله يقعدان وَله يهتمان وَله يجمعان وبعينيه ينْظرَانِ وبأذنيه يسمعان ثمَّ يموتان ويسلمان لَهُ تِلْكَ النِّعْمَة بكمالها ويتركانها لَهُ على حَالهَا لم يسمع لَهُ فِيهَا أَنِين وَلَا عرق لَهُ فِيهَا جبين فَيبقى هُوَ على مَا كَانَ عَلَيْهِ يمد فِي تِلْكَ النِّعْمَة يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَيفتح لَهَا عَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ فَمَا شَاءَ من لَذَّة نَالَ فِي الْحَال وَأُخْرَى تنْتَظر فِي الْمَآل كلما نَالَ لَذَّة سعى فِي الْأُخْرَى وَكلما وصل إِلَى مَطْلُوب نظر فِي غَيره لم يصحب إِلَّا شكله وَلَا يسمع إِلَّا قَوْله وَلَا رأى إِلَّا عمله وَفعله فَإِن ذكر بِالتَّوْبَةِ أَو خوف بِالْمَوْتِ قَالَ دَعْنَا من هَذَا وَحدثنَا فِي غير هَذَا هَذِه سنوات الصِّبَا وَأَيَّام الشَّبَاب ومنازل اللَّذَّات ومرتع الأحباب كَمَا قَالَ الْقَائِل فِيهِ وَفِي أَمْثَاله نَالَ أمورا خَابَ من نالها ... ثمَّ سعى يطْلب أَمْثَالهَا وواقع الذَّنب فَمَا هاله ... والباذخات الشم قد هالها وَقَالَ هذي سنوات الصِّبَا ... فاسحب على رسلك أذيالها وقم إِلَى خَاتم جريالها ... ففضه واستف جريالها وَمن يقل فِي شَأْننَا قولة ... فخلها فِي فَم من قَالَهَا أما ترى القضبان ميالة ... فامدد على رَأسك ميالها وَمر يستهتر فِي عصبَة ... من شكله تصْحَب أشكالها أولى لَهُ ثمت أولى لَهُ ... وتلكم الْعصبَة أولى لَهَا يَا ويحه من غافل يَا لَهُ ... وتلكم يَا ويحها يَا لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَأما أَكثر الشَّبَاب فَيَقُول إِذا كَبرت تبت والطلق ممتد والميدان عريض وَلَا يرى هَذَا البائس أَنه قد شيع إِلَى الْآخِرَة من كَانَ اصغر مِنْهُ سنا وأحدث مِنْهُ بالرحم عهدا قد غرته الشبيبة وخدعته الصِّحَّة وتمكنت مِنْهُ الْغرَّة بِمَا عِنْده من الثروة وَالْقُوَّة يَقُول أَنا صَحِيح وَمَتى أمرض وَمَتى أَمُوت وَلَا يرى الْمِسْكِين أَن الْمَوْت فِي الشَّبَاب أَكثر وحادثه إِلَيْهِم فِيهِ أسْرع وَأَن الَّذِي يَمُوت فِي الْهَرم قَلِيل وَأَن الْإِنْسَان يَمُوت بَغْتَة وَإِن لم يمت بَغْتَة مرض بَغْتَة ثمَّ مَاتَ كَمَا يرْوى أَن الْحسن قيل لَهُ إِن فلَانا مَاتَ بَغْتَة فَقَالَ مَا تعجبكم من ذَلِك إِنَّه لَو لم يمت بَغْتَة لمَرض بَغْتَة ثمَّ مَاتَ أما يعلم هَذَا الْمِسْكِين الْمَغْرُور ان الأَرْض كلهَا مَكَان للْمَوْت وَأَن الزَّمَان كُله وَقت للْمَوْت لَا يخْتَص من الأَرْض بمَكَان دون مَكَان وَلَا من الزَّمَان بِوَقْت دون وَقت فَلَا يزَال هَذَا الْمَغْرُور منكبا على شَهْوَته مثابرا على لذته غافلا عَن يَوْم صرعته حَتَّى يُؤْخَذ بِمَا تَأَخّر وَمَا تقدم ويلقى صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ والفم إِلَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم تبكيه بواك طَال مَا من حبها أضحكته وتندبه نوادب طَال مَا قبل ذَلِك غنته وَفِي مثل ذَلِك قيل تندبه نادبة طَال مَا ... غنته من قبل وغنى لَهَا وَلم يكن يخْطر ذَا باله ... وَلم تكن تخطر ذَا بالها فَانْظُر رَحِمك الله كَيفَ يقصر مَعَ هَذِه الْأَحْوَال أمل أَو يَسْتَقِيم مَعهَا عمل أَو كَيفَ يطْمع مَعَ هَذِه الْمَوَانِع أَن يخرج حب الدُّنْيَا من الْقلب أَو يقطع علائقها عَن النَّفس أَو يخْطر بالخاطر ذكر الْمَوْت كلا حب الدُّنْيَا فِي الْقلب أرسخ وإخراجها مِنْهُ أصعب وَالنَّفس إِلَيْهَا أميل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَهِي بهَا أشغف وَفِي طلبَهَا أهلك وأتلف وَعَن طَرِيق الرشد أبعد وأصرف وَإِن حب الدُّنْيَا لَهو الدَّاء العضال الَّذِي أهلك الرِّجَال وأفسد كثيرا من الْأَعْمَال إِلَّا أَن تَأتي الْعِنَايَة الإلهية والشفاعة الربانية فتصرف الْإِنْسَان إِلَى النّظر الصَّحِيح وتحمله على الطَّرِيق الْمُسْتَقيم فَيرى بِعَين الْحَقِيقَة وصحيح البصيرة أَنه لَا بُد من الْمَوْت وَإِن طَال المدى وامتد الطلق وبعدت الْغَايَة وَأَنه يدْفن تَحت أطباق الثرى وَيَرْمِي بِهِ فِي ظلمات الأَرْض ويسلط الدُّود على جسده والهوام على بدنه فتأخذه من قرنه إِلَى قدمه وَقد عدم الطَّبِيب وأسلمه الْقَرِيب وَتَركه الْوَلِيّ والحبيب وَعرض عَلَيْهِ عَذَاب السعير وَأَتَاهُ مُنكر وَنَكِير وَلم يجد هُنَالك أنيسا إِلَّا عمله وَلَا صاحبا إِلَّا فعله الَّذِي فعله كَمَا قَالَ الْقَائِل أسلمني الْأَهْل بِبَطن الثرى ... وَانْصَرفُوا عني فيا وحشتا وغادروني معدما يائسا ... مَا بيَدي الْيَوْم إِلَّا البكا وكل مَا كَانَ كَأَن لم يكن ... وَكَانَ مَا حاذرته قد أَتَى وذاكم الْمَجْمُوع والمقتنى ... قد صَار فِي كفي مثل الهبا وَلم أجد لي مؤنسا هَاهُنَا ... غير فجور كَانَ لي أَو تقى فَلَو تراني أَو ترى حالتي ... بَكَيْت لي يَا صَاح مِمَّا ترى وَأما الدُّنْيَا فَينْظر إِلَيْهَا فَإِن كَانَ ملكا نظر إِلَى من تقدمه من الْمُلُوك وَمَا فعل الدَّهْر بهم كَيفَ فرق جموعهم وشتت جَمِيعهم واقفرت مِنْهُم قصورهم وعمرت بهم حفرهم وقبورهم وَينظر إِلَى أَيَّام ملكه هَل يَخْلُو من عَدو يكابده أَو مُنَازع يكايده أَو قتال يكافحه أَو مرض يهجم عَلَيْهِ أَو خلط سوء يثور مَعَه وَأَنه كَمَا قيل تَمْرَة بجمرة إِن نَالَ لَذَّة تجرع بعْدهَا غُصَّة وَإِن أَتَتْهُ فرحة غَشيته فِي أَثَرهَا ترحة بل رُبمَا كَانَت الترحات أَكثر من الفرحات والداهية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 أَكثر من الْعَافِيَة وَكلما عظم ملكه عظمت همته وامتد أمله وَأَرَادَ مَا لَا يُمكن وَطلب مَالا يجد وَقد يَأْتِيهِ النكد من حَيْثُ لَا يظنّ وَيدخل مَعَه الْهم من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَلَو من جَارِيَة يُحِبهَا أَو امْرَأَة يشغف بهَا فيجعلها قبلته ويصفي لَهَا مودته ويخلص لَهَا محبته وَيُرِيد مِنْهَا مثل ذَلِك والقلوب قد تتنافر والمزاج رُبمَا يخْتَلف والطباع قد لَا تتفق فَيرى مِنْهَا خلاف الَّذِي يُرِيد ويجد عِنْدهَا غير الَّذِي يطْلب وَلَا يقدر على معاقبتها لِأَنَّهُ إِن عاقبها إِنَّمَا يُعَاقب نَفسه وَإِن آلمها إِنَّمَا يؤلم قلبه فتجده يتَحَمَّل مِنْهَا مَالا يتَحَمَّل من بعض رَعيته فَبَيْنَمَا هُوَ ملك إِذْ قد صَار مَمْلُوكا وبينما هُوَ رَئِيس إِذْ قد عَاد مرؤوسا كَمَا قد سمع وَتحقّق عَن بعض الْمُلُوك حَتَّى قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ هَارُون الرشيد وقصته مَشْهُورَة ملك الثَّلَاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبِي بِكُل مَكَان مَالِي تطاوعني الْبَريَّة كلهَا ... وأطيعهن وَهن فِي عصيان مَا ذَاك إِلَّا أَن سُلْطَان الْهوى ... وَبِه قوين أعز من سلطاني وَقد تكون صَادِقَة فِي محبتها مخلصة فِي مودتها فيتهمها فِي ودادها وَلَا يصدقها فِي إخلاصها لشدَّة كلفه بهَا وفرط محبته لَهَا لِأَنَّهُ يتخيل أَن عيشه لَا يطيب وسروره لَا يتم وفرحه لَا يكون إِلَّا بِأَن تخلص لَهُ الْمَوَدَّة من قَلبهَا وتحبه من ذَات نَفسهَا وَقد تكون لَهُ كَمَا يُرِيد فيخلع عنانه مَعهَا وَيَسْتَوِي سروره بهَا فيصاب فِيهَا بِمَرَض أَو يفجع فِيهَا بِمَوْت فَيَعُود الْفَرح حزنا وَالسُّرُور هما كَمَا يرْوى فِي قصَّة يزِيد بن عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنه كَانَ مشغوفا بِجَارِيَة يُقَال لَهَا حبابة وَكَانَت قد مَلَأت قلبه وأطاشت عقله وأذهبت لبه وَنزلت من نَفسه حَيْثُ أَرَادَت وحلت مِنْهُ بِالْمحل الَّذِي شَاءَت وَكَانَ قد نزل مِنْهَا بِالْمَكَانِ الَّذِي نزلت مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 فَقَالَ يَوْمًا لحاجبه لَا تَأذن الْيَوْم عَليّ لأحد وَلَا تُخبرنِي بِخَبَر وَلَو كَانَ فِيهِ ذهَاب ملكي وخلا بِجَارِيَتِهِ تِلْكَ فِي مجْلِس أنسه وَمَكَان سروره وَمَعَهُ من الدُّنْيَا مَا يكون مَعَ مثله فَبَيْنَمَا هما على مَا اشتهيا إِذْ أخذت حَبَّة رمان فأدخلتها فِي فِيهَا فشرقت بهَا فتخبطت حَتَّى خرجت روحها بَين يَدَيْهِ فَلَا تسْأَل عَن حَال يزِيد وَمَا طَرَأَ عَلَيْهِ وَمَا حل بِهِ فقد الصَّبْر وَالْعقل وتوله وتحير وتدله وَأكْثر الصُّرَاخ والبكاء والصياح والعجيج والضجيج وَمنع من دَفنهَا وَصد عَن مواراتها وأقامت على ذَلِك الْحَال أَيَّامًا حَتَّى تَغَيَّرت وأنتنت فَاجْتمع إِلَيْهِ بَنو أُميَّة وَعَزوه فِيهَا وصبروه عَنْهَا وسألوه فِي دَفنهَا وَقَالُوا لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه فضيحة بِنَا وسبة علينا وَأي فَائِدَة لَك فِي تَركهَا وَكم عَسى أَن تبقى على هَذِه الْحَالة وَكم عَسى أَن تدوم على هَذِه الصّفة فَلم يزَالُوا بِهِ حَتَّى كَلمه النِّسَاء مِمَّن يكرم عَلَيْهِ من أَهله وسراريه إِلَى أَن أَمر بدفنها وَخرج فِي جنازتها على رجلَيْهِ فَلَمَّا دفنت تمثل على قبرها ببيتين لكثير وَإِن تسل عَنْك النَّفس أَو تدع الْهوى ... فباليأس تسلو عَنْك لَا بالتجلد وكل خَلِيل زارني فَهُوَ قَائِل ... من أَجلك هَذَا هَامة الْيَوْم أَو غَد ثمَّ أخرجهَا من قبرها بعد شهر وَجعل يعانقها ويقبلها فَاجْتمع عَلَيْهِ أَهله وَبَنُو عَمه من بني أُميَّة وَقَالُوا لَهُ مَا هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالله لَئِن سمع بِهَذَا لتخلعن من ملكك ولينقضن عَلَيْك أَمرك وليقومن فِي مقامك هَذَا غَيْرك فأقصر عَن هَذَا الهيمان وَسكن من ذَلِك الهيجان ثمَّ لم يزل واجدا عَلَيْهَا مَحْزُونا بموتها إِلَى أَن مَاتَ وَلم يَعش بعْدهَا إِلَّا يَسِيرا وَكَذَلِكَ غَيره وَغَيره ويروى أَنه مَا عَاشَ من بعْدهَا إِلَّا تِسْعَة أَيَّام أَو نَحْوهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ويروى أَن الْهَادِي أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ لَهُ جَارِيَة تسمى غادر وَكَانَت أحظى من عِنْده وأغلبهم على قلبه وأملكهم لنَفسِهِ وَكَانَت من أحسن النَّاس وَجها وأطيبهم غناء كَانَ إِبْرَاهِيم الْموصِلِي هُوَ الَّذِي رباها وأدبها وَعلمهَا وباعها بِعشْرَة آلَاف دِينَار فَبَيْنَمَا الْهَادِي يَوْمًا يشرب مَعَ ندمائه وَهِي تغنيهم من وَرَاء الستارة إِذْ عرض لَهُ فكر وسهو وَتغَير لون وَقطع الشَّرَاب فَقَالَ لَهُ ندماؤه مَالك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ وَقع فِي فكري أَنِّي أَمُوت وَأَن أخي هَارُون يَلِي الْخلَافَة بعدِي ويتزوج جاريتي غادر هَذِه فَقَالُوا لَهُ نعيذك بِاللَّه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ويطيل الله بَقَاءَك ونتقدم نَحن وَهُوَ بَين يَديك وَنَمُوت قبلك فَقَالَ لَهُم لَيْسَ هَذَا مِمَّا يزِيل مَا فِي نَفسِي ثمَّ أَمر أَن يُؤْتى بِرَأْس هَارُون ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك وَأمر بإحضاره فَعرفهُ بِمَا خطر بِبَالِهِ فاستعطفه هَارُون وَجعل يكلمهُ بِمَا يُوجب زَوَال مَا فِي نَفسه ويخضع لَهُ ويتذلل فَلم يقنع بذلك وَقَالَ لَا أرْضى حَتَّى تحلف لي بِكُل مَا أحلفك بِهِ أَنِّي إِذا مت لم تتَزَوَّج جاريتي هَذِه غادر قَالَ افْعَل فأحلفه بِكُل يَمِين يحلف بهَا النَّاس من طَلَاق وعتاق وَحج رَاجِلا وَغير ذَلِك من الْأَيْمَان الْمُؤَكّدَة أَنه لَا يَتَزَوَّجهَا أبدا فَحلف لَهُ بِجَمِيعِ ذَلِك فَرضِي وَسكن ذَلِك الخاطر عَنهُ ثمَّ قَامَ إِلَى الْجَارِيَة وَدخل عَلَيْهَا السّتْر فأحلفها بالأيمان الْمُؤَكّدَة من الْحَج وَالْعِتْق وَالصَّدَََقَة وَمَا يحلف بِهِ النِّسَاء أَنَّهَا لَا تتزوجه أبدا قَالَ فَلم يلبث بعْدهَا إِلَّا شهرا أَو نَحوه حَتَّى مَاتَ وَولى هَارُون الْخلَافَة بعده فَلَمَّا ولي بعث إِلَى الْجَارِيَة فَخَطَبَهَا فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ بأيماني وأيمانك قَالَ اكفر عَن أيماني وأيمانك وأحج راحلا فَفعل وَتَزَوجهَا فَوَقَعت من قلبه ألطف موقع وشغف بهَا اشد من شغف أَخِيه الْهَادِي حَتَّى كَانَت تسكر وتنام فِي حجره فَلَا يَتَحَرَّك وَلَا يَنْقَلِب حَتَّى تنتبه فَبَيْنَمَا هِيَ لَيْلَة نَائِمَة فِي حجره إِذْ انْتَبَهت فزعة مرعوبة فَقَالَ لَهَا مَالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فديتك فَقَالَت لَهُ رَأَيْت أَخَاك الْهَادِي السَّاعَة فِي النّوم فأنشدني أخلفت وعدي بعد مَا ... جَاوَرت سكان الْمَقَابِر ونسيتني وحنثت فِي ... أيمانك الْكَذِب الفواجر وحللت فِي أهل البلى ... وغدوت فِي الْحور الغرائر ونكحت غادرة أخي ... صدق الَّذِي سماك غادر لَا يهنك الإلف الجدي ... د وَلَا تدر عَنْك الدَّوَائِر وَلَحِقت بِي قبل الصِّبَا ... ح وصرت حَيْثُ غَدَوْت صائر قَالَت ثمَّ ولى عني ولكأنها مَكْتُوبَة فِي قلبِي مَا نسيت مِنْهَا كلمة فَقَالَ لَهَا هَارُون هَذِه أَحْلَام الشَّيْطَان فَقَالَت كلا وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ اضْطَرَبَتْ بَين يَدَيْهِ وتخبطت حَتَّى خرجت روحها تِلْكَ السَّاعَة وَلَا تسل عَن هَارُون وَمَا لَقِي عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ إِن لم يكن ملكا وَكَانَ وزيرا أَو غير ذَلِك من أَصْنَاف النَّاس وصفاتهم فِي تقلب الدُّنْيَا بهم مَعْلُومَة وأحوالهم فِيهَا مَشْهُورَة وكل وَاحِد منا يعلم هَذَا من نَفسه وَيَرَاهُ من غَيره وَأَنه لَيْسَ من إِنْسَان إِلَّا وَله شرب من الكدر وَنصِيب من الْهم يقل عِنْد إِنْسَان وَيكثر عِنْد آخر فَإِذا أَخذ نَفسه بِهَذِهِ الأفكار وَعرض عَلَيْهَا هَذَا الِاعْتِبَار أعرض عَن الدُّنْيَا وَلم يلْتَفت إِلَيْهَا وَلَا شغل نَفسه بهَا وتذكر الْمَوْت وَخَافَ فجأته وَلم يَأْمَن بغتته وَلم يسمع إِلَّا وجبته وَلَا رأى إِلَّا صدمته وصرعته وَالله تَعَالَى ولي التَّوْفِيق بفضله وَطوله لَا رب غَيره وَلَا معبود سواهُ وأنشدوا سجعت هَذِه الْحَمَامَة سجعا ... فتذكرت أَنْت إلفا وربعا لَا لشَيْء إِلَّا لِأَنَّك نَاس ... مصرعا قد تقدّمت فِيهِ صرعى وحديثا من بعده وحديثا ... وحديثا يجْرِي فُؤَادك دمعا يَا جهولا وغافلا وظلوما ... كل هذي جمعن عنْدك جمعا مَا لآمالي انتجعت سناها ... حَيْثُ لاحت بروقها حَيْثُ تسْعَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 خلب أبرد المناهل مَاء ... مهمل أجذب المراتع مرعى شغلت نَفسك اللجوج وأعمت ... مِنْك عينا وأثقلت مِنْك سمعا فتخطيت بالدواء أساة ... لم يرَوا للدواء عنْدك نجعا ومحال بِأَن يرى فِيك شَحم ... لانتجاع وَأَنت جسمك ترعى وَاعْلَم رَحِمك الله أَنه من كَانَ منتظرا لعقاب أَن ينزل بِهِ من أَمِير بلدته أَو عَظِيم قريته فَإِنَّهُ لَا يزَال متألم الْقلب مَشْغُول النَّفس وبحسب النَّوْع الَّذِي يخَاف من الْعقَاب يكون ألم قلبه وشغل نَفسه بهَا فَإِنَّهُ من توعده الْأَمِير بِأَن يضْربهُ مائَة سَوط فَإِنَّهُ أشغل سرا مِمَّن توعده أَن يضْربهُ عشرَة أسواط وَمن توعده أَن يقطع جارحة من جوارحه كَانَ أَكثر توجعا مِمَّن توعده بِأَن يضْربهُ مائَة سَوط وَمن توعده بِأَن يضْرب عُنُقه كَانَ أَشد خوفًا مِمَّن وعده بِأَن يقطع بعض جوارحه وَكَذَلِكَ من توعده بِأَن يَجْعَل عَلَيْهِ أَنْوَاع الْعَذَاب ويعاقبه بضروب من الْعقَاب حَتَّى يَمُوت تحتهَا وَتخرج نَفسه بهَا كَانَ أعظم جزعا مِمَّن توعده بِضَرْب عُنُقه هَذَا هُوَ الْمُتَعَارف فَإِن وجد إِنْسَان يخْتَار تَطْوِيل الْعَذَاب ويهون عَلَيْهِ رَغْبَة مِنْهُ فِي الْحَيَاة مَا بَين مَوته بِالْعَذَابِ وَسُرْعَة مَوته بِالسَّيْفِ فَهَذَا رجل قد غلب عَلَيْهِ الْجزع وَملك قلبه الْهَلَع فأطاش لبه وأزال عقله حَتَّى مَنعه من حسن النّظر وأوقعه فِي سيء الِاخْتِيَار وَمَا منا أحد إِلَّا وَقد توعد بِالْقَتْلِ لِأَن الْمَوْت قتل فِي الْبَاطِن أَلا ترى أَنه يُقَال قتل فلَان فلَانا فَيُقَال بِمَ قَتله فَيُقَال بِسيف أَو بسكين أَو بخنجر أَو خنقه أَو غرقه أَو بِغَيْر ذَلِك من أَنْوَاع الْقَتْل وَالْمَوْت كالخنق فَهُوَ إِذن قتلة من القتلات وَإِنَّمَا جرت الْعَادة بِأَن يُقَال قتل فلَان إِذا قَتله مَخْلُوق وَقد يُقَال قتل الله فلَانا وَهُوَ قد مَاتَ من عِلّة أَو مَاتَ بَغْتَة وَلم يكن لمخلوق فِي ذَلِك فعل فقد بَان لَك إِذن أَن كل وَاحِد منا ينْتَظر الْقَتْل وَلَا فرق بَين أَن يثب عَلَيْك إِنْسَان بِسيف أَو سكين أَو خنجر أَو بِغَيْر ذَلِك فيقتلك أَو يثب عَلَيْك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ملك الْمَوْت فَيقبض روحك فَلَو كشف للنَّاس عَن أَبْصَارهم فرأوه حِين يثب عَلَيْك وشاهدوه فِي الْبَاطِن حِين يَأْخُذ روحك لما كَانَ بَينه وَبَين إِنْسَان يقتلك فِي الظَّاهِر فرق إِلَّا أَن الْإِنْسَان يحْتَاج إِلَى آلَة يقتل بهَا من سيف أَو سكين أَو غير ذَلِك وَالْملك لَا يحْتَاج إِلَى شَيْء من ذَلِك فَإِن أخذك إِنْسَان وروعك وحبسك للْقَتْل وهددك ثمَّ قَتلك فَاجْعَلْ ذَلِك الْأَلَم الَّذِي تَجدهُ من حَبسه وترويعه وتهديده كَالَّذي يصيبك من الْمَرَض أَو مِمَّا كَانَ من الْعِلَل قبل الْمَوْت ثمَّ تَمُوت وَمَعْلُوم أَن من الْأَمْرَاض مَا يقوم ألمه مقَام التهديد والوعيد بل مِنْهَا مَا هُوَ أَشد وأشق كوجع الاحتقان ووجع الْحَصَى وَغَيرهمَا وَقد شوهد من النَّاس من مَاتَ من وجع الْحَصَى ووجع الاحتقان وَلَيْسَ الْقَتْل الَّذِي هُوَ الضَّرْب بِشَيْء على يَد مَخْلُوق وَلَا مَا يكون على يَد غير الْمَخْلُوق كالهدم وَالْغَرق والحرق وَغير ذَلِك مِمَّا يزِيد فِي شدَّة الْمَوْت وَيكثر من ألمه ووجعه لِأَن هَذِه كلهَا أَسبَاب للْمَوْت وَالْمَوْت شَيْء آخر وَهُوَ أَمر إلهي ينزل بِالروحِ لَا يعلم حَقِيقَته إِلَّا الَّذِي ينزل بِهِ قَالَ أَبُو حَامِد رَحمَه الله اعْلَم أَن شدَّة الْأَلَم فِي سَكَرَات الْمَوْت لَا يعرفهَا على الْحَقِيقَة إِلَّا من ذاقها وَمن لم يذقها فَإِنَّمَا يعرفهَا إِمَّا بِالْقِيَاسِ على الآلام الَّتِي أدْركهَا وَإِمَّا بالاستدلال بأحوال النَّاس فِي النزع على شدَّة مَا هم فِيهِ فَأَما الْقيَاس الَّذِي يشْهد لَهُ فَهُوَ أَن كل عُضْو لَا روح فِيهِ لَا يحس بالألم فَإِذا كَانَ فِيهِ الرّوح أحس فالمدرك للألم هُوَ الرّوح فمهما أصَاب الْعُضْو جرح أَو حريق سرى الْأَثر إِلَى الرّوح فبقدر مَا يسري إِلَى الرّوح يتألم والمؤلم يتفرق على اللَّحْم وَالدَّم وَسَائِر الْأَجْزَاء فَلَا يُصِيب الرّوح إِلَّا بعض الْأَثر فَإِن كَانَ فِي الْأَلَم مَا يُبَاشر نفس الرّوح وَلَا يلاقي غَيره فَمَا أعظم ذَلِك الْأَلَم وَمَا أشده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 والنزع عبارَة عَن مؤلم نزل بِنَفس الرّوح فاستغرق جَمِيع أَجْزَائِهِ حَتَّى لم يبْق جُزْء من أَجزَاء الرّوح الْمُنْتَشِر فِي أعماق الْبدن إِلَّا وَقد حل بِهِ الْأَلَم فَلَو أَصَابَته شَوْكَة فالألم الَّذِي يجده فِي جُزْء من الرّوح يلاقي ذَلِك الْموضع الَّذِي أَصَابَته الشَّوْكَة وَإِنَّمَا يعظم أثر الاحتراق لِأَن أَجزَاء النَّار تغوص فِي سَائِر أَجزَاء الْبدن فَلَا يبْقى جُزْء من الْعُضْو المحرق ظَاهرا وَلَا بَاطِنا إِلَّا وتصيبه النَّار فيحس بِهِ فِي الْأَجْزَاء الروحانية المنتشرة فِي سَائِر أَجزَاء اللَّحْم وَأما الْجراحَة فَإِنَّهَا تصيب الْموضع الَّذِي يمسهُ الْحَدِيد فَقَط فَكَانَ لذَلِك ألم الْجرْح دون ألم النَّار فألم النزع يهجم على نفس الرّوح فيستغرق جَمِيع أَجْزَائِهِ فَإِنَّهُ المنزوع والمجذوب من كل عرق من الْعُرُوق وَعصب من الأعصاب وجزء من الْأَجْزَاء ومفصل من المفاصل وَمن أصل كل شَعْرَة وبشرة من الْقرن إِلَى الْقدَم فَلَا تسْأَل عَن كربه وألمه حَتَّى قَالُوا إِن الْمَوْت أَشد من ضرب بِالسَّيْفِ وَنشر بالمناشير وقرض بِالْمَقَارِيضِ لِأَن قطع الْبدن بِالسَّيْفِ إِنَّمَا يؤلم لتَعَلُّقه بِالروحِ فَكيف إِذا كَانَ المتناول الْمُبَاشر نفس الرّوح وَإِنَّمَا يستغيث الْمَضْرُوب ويصيح لبَقَاء قُوَّة فِي قلبه وَفِي لِسَانه وَإِنَّمَا انْقَطع صَوت الْمَيِّت وصياحه من شدَّة ألمه وكربه لِأَن الكرب قد بَالغ فِيهِ وتصاعد على قلبه شدَّة ألمه وَغلب على كل مَوضِع مِنْهُ فَهد كل جُزْء وأضعف كل جارحة فَلم يتْرك لَهُ قُوَّة الاستغاثة أما الْعقل فقد غشيه وشوشه وَأما اللِّسَان فقد أبكمه وَأما الْأَطْرَاف فقد أضعفها وَيَوَد أَن لَو قدر على الاسْتِرَاحَة بالأنين والصياح والاستغاثة وَلكنه لَا يقدر على ذَلِك فَإِن بقيت فِيهِ قُوَّة سَمِعت لَهُ عِنْد نزع الرّوح وجذبه خوارا وغرغرة من حلقه وصدره وَقد تغير لَونه وأربد حَتَّى كَأَنَّهُ ظهر مِنْهُ التُّرَاب الَّذِي هُوَ أصل خلقته وَقد جذب مِنْهُ كل عرق على حياله فالألم منتشر فِي دَاخله وخارجه حَتَّى ترْتَفع الحدقتان إِلَى أَعلَى جفونه ويتقلص اللِّسَان إِلَى أَصله وترتفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الأنثيان إِلَى أعالي موضعهما وتخضر أنامله فَلَا تسْأَل عَن بدن يجذب مِنْهُ كل عرق من عروقه وَلَو كَانَ المجذوب عرقا وَاحِدًا لَكَانَ ألمه عَظِيما فَكيف والمجذوب نفس الرّوح المتألم وَلَيْسَ هُوَ من عرق وَاحِد بل من الْعُرُوق كلهَا ثمَّ يَمُوت كل عُضْو من أَعْضَائِهِ تدريجا فتبرد أَولا قدماه ثمَّ ساقاه ثمَّ فخذاه وَلكُل عُضْو سكرة بعد سكرة وكربة بعد كربَة حَتَّى يبلغ بهَا الْحُلْقُوم فَعِنْدَ ذَلِك يَنْقَطِع نظره عَن الدُّنْيَا وَأَهْلهَا وينغلق دونه بَاب التَّوْبَة وتحيط بِهِ الندامة وَالْحَسْرَة ويروى أَن العَبْد يَقُول لملك الْمَوْت عِنْد الْمَوْت يَا ملك الْمَوْت أخرني يَوْمًا استعتب فِيهِ وَأَتُوب إِلَى رَبِّي وأعمل صَالحا فَيَقُول لَهُ فنيت الْأَيَّام فَلَا يَوْم فَيَقُول أخرني سَاعَة فَيَقُول فنيت السَّاعَات فَلَا سَاعَة فتبلغ الرّوح الْحُلْقُوم فَيُؤْخَذ بكظمه عِنْد الغرغرة فيغلق بَاب التَّوْبَة دونه ويحجب عَنْهَا وتنقطع الْأَعْمَال وتطوى الصُّحُف وتتم الْأَوْقَات ويبقي عدد الأنفاس يشْهد فِيهَا المعاينة عِنْد كشف الغطاء فَيحد بَصَره فَإِذا كَانَ فِي آخر نفس يُدْرِكهُ مَا سبق لَهُ من السَّعَادَة فَتخرج روحه على الْإِيمَان فَذَلِك حسن الخاتمة أَو يُدْرِكهُ مَا سبق لَهُ من الشقاوة فَتخرج روحه على الْكفْر أَو الشَّك وَذَلِكَ سوء الخاتمة ونعوذ بِاللَّه ثمَّ نَعُوذ بِاللَّه وَأنْشد بَعضهم كَأَنِّي بنفسي على ضعفها ... تجرع رغما كؤوس الردى وَقد كشف الله عَنْهَا الغطا ... فحنت هُنَاكَ لكشف الغطا ومدت إِلَيْهَا يَد فظة ... لفظ غليظ شَدِيد القوى فَمَا شِئْت من نفس ضيق ... وجذب عروق وَقطع الحشا وَنَفس تساق أَشد مساق ... فتضغط فِي لَهَوَات الْفَتى وَلَا دَافع يرتجى دَفعه ... وَلَا قَائِل مَا بِهِ يفتدى وَمَالِي انتصار وَلَا لي قَرَار ... وَمَالِي من حِيلَة ترتجى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فَدَعْنِي ويومي أبْكِي لَهُ ... فَحق ليومي بطول البكا وأنشدوا أَيْضا يَا ندما أندمه لَيْسَ فِي ... ذَلِك من ريب وَلَا شكّ إِذا أرسي الْمَوْت على لبتي ... وَحَال بَين الفك والفك وَلم يكن لي عَنهُ من مخلص ... وَلم أكن عَنهُ بمنفك وحشرجت نَفسِي فِي صدرها ... كَأَنَّهَا تمخض فِي مسك وكل مَا تدريه من نخوة ... فِي وَمن عجب وَمن فتك قد عَاد ذاكم كُله ذلة ... يظل مِنْهَا شامتي يبكي وذاكم المَال الَّذِي كنت قد ... جمعته من زور وَمن إفْك قد حيل مَا بيني وَمَا بَينه ... وَزَالَ عَن حكمي وَعَن ملكي غير تبعات تحملتها ... تكْثر من همي وَمن معكي فَكيف لَا أندم أَو كَيفَ لَا ... ملْء جفوني بِدَم أبْكِي فيا إلهي وَالَّذِي جوده ... سَالَ لذِي الْإِخْلَاص وَالشَّكّ رحماك فِي واهي القوى بائس ... فِي عيشه من حَالَة ضنك قد حَجَبته عَنْك آثامه ... ورد عَن بابك بالصك إِن لم ينله عفوك المرتجى ... وتحتويه سَعَة الْملك فَاعْفُ إلهي عَنهُ واغفر لَهُ ... واعدل بِهِ عَن هوة الهلك أَولا فَمن ذَا جوده يرتجى ... غَيْرك أَو عَن فَضله نحكي ويروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على مَرِيض فَقَالَ إِنِّي لأعْلم مَا يلقى مَا فِيهِ عرق إِلَّا ويألم للْمَوْت على حِدته وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يحرض على الْقِتَال وَيَقُول إِن لم تقتلُوا تَمُوتُوا وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لِأَلف ضَرْبَة بِالسَّيْفِ أَهْون من موت على فرَاش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَقَالَ شَدَّاد بن أَوْس الْمَوْت أفظع هول فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة على الْمُؤمن وَهُوَ أَشد من نشر المناشير وقرض المقاريض وغلي فِي الْقُدُور وَلَو أَن الْمَيِّت نشر فَأخْبر أهل الدُّنْيَا بألم الْمَوْت لما انتفعوا بعيش وَلَا التذوا بنوم وَدخل الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله على رجل مَرِيض فَوَجَدَهُ فِي سَكَرَات الْمَوْت فَنظر إِلَيْهِ وَقَالَ إِن أمرا هَذَا أَوله يَنْبَغِي أَن يتقى آخِره وَإِن أمرا هَذَا آخِره يَنْبَغِي أَن يزهد فِي أَوله ويروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عِنْده قدح من مَاء عِنْدَمَا نزل بِهِ الْمَوْت فَجعل يدْخل يَده فِي الْقدح ثمَّ يمسح وَجهه وَيَقُول اللَّهُمَّ أَعنِي على سَكَرَات الْمَوْت وروى يدْخل يَده فِي الْإِنَاء وَيمْسَح بهَا وَجهه وَيَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله إِن للْمَوْت سَكَرَات وَفَاطِمَة ابْنَتَيْهِ رَضِي الله عَنْهَا تَقول واكرباه لكربك يَا أبتاه وَهُوَ يَقُول لَا كرب على أَبِيك بعد الْيَوْم ذكره البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا ذكر كل وَاحِد مِنْهُم أَشْيَاء لم يذكرهَا صَاحب على وَعَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ يَا معشر الحواريين ادعوا الله لي أَن يهون عَليّ هَذِه السكرة يَعْنِي الْمَوْت فقد خفت من الْمَوْت مَخَافَة أوقعني خوفي من الْمَوْت على الْمَوْت وَعَن أسلم مولى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِذا بَقِي على الْمُؤمن نم ذنُوبه شَيْء لم يبلغهُ بِعَمَلِهِ شدد عَلَيْهِ الْمَوْت ليبلغ بسكرات الْمَوْت وشدائده دَرَجَته فِي الْجنَّة وَإِن الْكَافِر إِذا كَانَ قد عمل مَعْرُوفا فِي الدُّنْيَا هون عَلَيْهِ الْمَوْت ليستكمل ثَوَاب معروفه فِي الدُّنْيَا ثمَّ يصير إِلَى النَّار وَكَانَ عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ يَقُول لَوَدِدْت أَنِّي رَأَيْت رجلا لبيبا حازما قد نزل بِهِ الْمَوْت فيخبرني عَن الْمَوْت فَلم نزل بِهِ الْمَوْت قيل لَهُ يَا أَبَا عبد الله قد كنت تَقول فِي حياتك وددت أَنِّي رَأَيْت رجلا لبيبا حازما قد نزل بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الْمَوْت يُخْبِرنِي عَن الْمَوْت وَأَنت ذَلِك الرجل اللبيب الحازم وَقد نزل بك الْمَوْت فَأخْبرنَا عَنهُ فَقَالَ أجد كَأَن السَّمَوَات أطبقت على الأَرْض وَأَنا بَينهمَا وَكَأن نَفسِي يخرج من ثقب إبره وَكَأن غُصْن شوك يجر من هامتي إِلَى قدمي ويروى عَن مَكْحُول رَحمَه الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَو أَن شَعْرَة من شَعرَات الْمَيِّت وضعت على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض لماتوا بِإِذن الله تَعَالَى لِأَن فِي كل شَعْرَة من الْمَيِّت الْمَوْت وَلَا يَقع الْمَوْت على شَيْء إِلَّا مَاتَ وأنشدوا مَاذَا تؤمل وَالْأَيَّام ذَاهِبَة ... وَمن ورائك للآمال قطاع وصيحة لهجوم الْمَوْت مُنكرَة ... صمت لوقعتها الشنعاء أسماع وغصة بكؤوس أَنْت شاربها ... لَهَا بقلبك آلام وأوجاع يَا غافلا وَهُوَ مَطْلُوب ومتبع ... أَتَاك سيل من الفرسان دفاع خُذْهَا إِلَيْك طعانا فِيك نَافِذَة ... تعدِي الجليس وَأمر لَيْسَ يسطاع إِن الْمنية لَو تلقى على جبل ... لأصبح الصخر مِنْهُ وَهُوَ مياع ويروى أَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام لما مَاتَ قَالَ الله عز وَجل لَهُ كَيفَ وجدت الْمَوْت قَالَ كسفود جعل فِي النَّار ثمَّ أَدخل فِي صوف رطب ثمَّ جذب فَقَالَ الله تَعَالَى أما إِنَّا لقد هوناه عَلَيْك يَا إِبْرَاهِيم ويروى عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنه لما صَارَت روحه إِلَى الله تَعَالَى قَالَ لَهُ يَا مُوسَى كَيفَ وجدت الْمَوْت فَقَالَ وجدت نَفسِي كالعصفور حِين يلقى فِي المقلى لَا يَمُوت فيستريح وَلَا ينجو فيطير ويروى عَنهُ أَنه قَالَ وجدت نَفسِي كشاة حَيَّة بيد القصاب تسلخ وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لكعب الْأَحْبَار يَا كَعْب حَدثنَا عَن الْمَوْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 فَقَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كغصن كثير الشوك أَدخل فِي جَوف رجل فَأخذت كل شَوْكَة بعرق ثمَّ جذبه رجل شَدِيد الجذب فَأخذ مَا أَخذ وَأبقى مَا أبقى وَذكر أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُسْنده من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تحدثُوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج فَإِنَّهُم كَانَت فيهم أَعَاجِيب ثمَّ أنشأ يحدث قَالَ خرجت طَائِفَة فَأتوا مَقْبرَة من مقابرهم فَقَالُوا لَو صلينَا رَكْعَتَيْنِ ودعونا الله تَعَالَى أَن يخرج لنا بعض الْأَمْوَات فيخبرنا عَن الْمَوْت قَالَ فَفَعَلُوا فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ أطلع رجل رَأسه من قبر وَبَين عَيْنَيْهِ أثر السُّجُود فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ مَا أردتم إِلَيّ فوَاللَّه لقد مت مُنْذُ مائَة سنة وَمَا سكنت عني حرارة الْمَوْت حَتَّى الْآن فَادعوا الله أَن يُعِيدنِي كَمَا كنت وَفِي الْخَبَر أَن العَبْد الصَّالح ليعالج سَكَرَات الْمَوْت وكروبه وَإِن مفاصله ليسلم بَعْضهَا على بعض يَقُول عَلَيْك السَّلَام لَا نَجْتَمِع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأما مُشَاهدَة صُورَة ملك الْمَوْت وَمَا يدْخل فِي الْقلب مِنْهُ من الروع والفزع فَهُوَ أَمر لَا يعبر عَنهُ لعظم هوله وفظاعة رُؤْيَته وَلَا يعلم حَقِيقَة ذَلِك إِلَّا الَّذِي يُشَاهِدهُ ويطلع عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ أَمْثَال تضرب وحكايات تحكى يرْوى أَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لملك الْمَوْت هَل تَسْتَطِيع أَن تريني الصُّورَة الَّتِي تقبض بهَا روح الْفَاجِر فَقَالَ لَا تطِيق ذَلِك قَالَ بلَى قَالَ فَأَعْرض عني فرض عَنهُ ثمَّ الْتفت فَإِذا هُوَ بِرَجُل أسود الثِّيَاب قَائِم الشّعْر منتن الرّيح يخرج من فِيهِ ومناخره لَهب النَّار وَالدُّخَان قَالَ فَغشيَ على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ أَفَاق وَقد عَاد ملك الْمَوْت إِلَى صورته الأولى فَقَالَ يَا ملك الْمَوْت لَو لم يلق الْفَاجِر عِنْد مَوته إِلَّا رُؤْيَة وَجهك لَكَانَ ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 حَسبه وَنظر إِبْرَاهِيم الزيات رَحمَه الله إِلَى أنَاس يترحمون على ميت فَقَالَ لَو تترحمون على أَنفسكُم لَكَانَ خيرا لكم إِن ميتكم قد نجا من أهوال ثَلَاثَة وَجه ملك الْمَوْت وَقد رَآهُ ومرارة الْمَوْت وَقد ذاقها وَخَوف الخاتمة وَقد أمنها ويروى عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ إِذا قبض ملك الْمَوْت روح العَبْد قَامَ على عتبَة بَابه وَلأَهل الْبَيْت ضجة فَمنهمْ الضاربة وَجههَا وَمِنْهُم الناشرة شعرهَا وَمِنْهُم الداعية يَا وَيْلَهَا فَيَقُول ملك الْمَوْت فيمَ هَذَا الْجزع فوَاللَّه مَا انتقصت لأحد مِنْكُم عمرا وَلَا أخذت لأحد مِنْكُم رزقا وَلَا ظلمت أحدا مِنْكُم حَقًا فَإِن كَانَت شكايتكم وتسخطكم عَليّ فَإِنِّي وَالله مَأْمُور وَإِن كَانَت على ميتكم فَإِنَّهُ مقهور وَإِن كَانَت من ربكُم فَأنْتم بِهِ كفرة ولي فِيكُم عودة ثمَّ عودة حَتَّى لَا أُبْقِي مِنْكُم أحدا قَالَ فَلَو سمعُوا كَلَامه وَرَأَوا مَكَانَهُ لشغلوا عَن ميتهم وَبكوا على أنفسهم وَأنْشد بَعضهم بَكَى لِأَن مَاتَ ميت من عشيرته ... وَقَالَ واحربا وَصَاح يَا هربا وَبَات فَوق حشاه للأسى لَهب ... إِذا أَرَادَ خبوا فار والتهبا وَلَو رأى بِصَحِيح الْعقل حِين رأى ... وكشف الله عَنهُ للهوى حجبا لما رأى الدَّهْر مَيتا أَو أحس بِهِ ... إِلَّا بَكَى نَفسه الْمِسْكِين وانتحبا وَمن رأى السمر فِي جَنْبَيْهِ شارعة ... أَنى يَرَاهَا بِجنب ناء أَو قربا وطلعة الْمَوْت أَن تطلع على أحد ... أرته فِي نَفسه من هولها عجبا ولعلك تَقول قد ذكرت من هول الْمَوْت وشدته وكربه وغصته وَأَنه أَشد من نشر بالمناشير وقرض بِالْمَقَارِيضِ وَأَن هُوَ أَنه وَقد شاهدنا من بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الْأَمْوَات مَا يدل على أَن الْمَوْت لَيْسَ كَمَا وصفت وَأَنه إِنَّمَا هُوَ كأس يسهل على إِنْسَان ويصعب على آخر وَقد رَأينَا من الْأَمْوَات من يتحدث فيوصي وَيشْهد بِمَالِه وَبِمَا عَلَيْهِ وَنَفسه تخرج من قَدَمَيْهِ إِلَى صَدره أَو إِلَى حلقه وَهُوَ على حَاله فِي وَصيته وإشهاده وَرُبمَا ظن من رَآهُ فَجْأَة أَنه لَا بَأْس عَلَيْهِ وَلَا موت عِنْده ثمَّ يَمُوت كَذَلِك وَمَا هَذِه صفة من ينشر بالمناشير ويقرض بِالْمَقَارِيضِ وَيفْعل بِهِ وَيفْعل بِهِ وَلَو كَانَ كَذَلِك لمَنعه ألم النشر ووجع الْقَرْض وكرب الْمَوْت عَن الْكَلَام وَالْإِشْهَاد وَعَن الْوَصِيَّة بِأَن يدْفن فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا وَأَن يُكفن فِي ثوب كَذَا وَكَذَا وَلَو كَانَ كَمَا قلت فقد رَأينَا من سرعَة خُرُوج بعض الْأَرْوَاح مَا لَو كَانَ فِي الْمَيِّت أَضْعَاف مَا قلت من الشدَّة لما كَانَ يُبَالِي فِي ذَلِك لسرعة خُرُوج روحه وعجلة استلابها نعم للْمَوْت عِنْد الْأَكْثَر مُقَدمَات من الآلام والأمراض والأسقام يبلغ مِنْهُ المبالغ قبل الْمَوْت ثمَّ يَمُوت وَقد تنزل تِلْكَ الْأَمْرَاض والإسقام بآخر فتشرف بِهِ على الْيَقِين وتريه الْمنون قبل الْمنون ثمَّ تقلع عَنهُ فَلَا يبْقى لَهَا أثر وَكَأَنَّهُ مَا سمع لَهَا بِخَبَر فَأَقُول صدقت وَالْأَمر كَمَا قلت وَقد شوهد فِي بعض الْأَمْوَات مَا ذكرت وَقد علم أَن الْمَوْت يهون على بعض النَّاس ويسهل عَلَيْهِ وَبَعْضهمْ أَو أَكْثَرهم يشدد عَلَيْهِ ويغص بِهِ فَمن أَي الْفَرِيقَيْنِ أَنْت مِمَّن يهون عَلَيْهِ أَو مِمَّن يصعب عَلَيْهِ فَلَا بُد لَك من أَن تشرب بِأحد الكأسين وترمى بِأحد السهمين لَا بُد لَك من ذَلِك فَمَا الَّذِي يُؤمنك أَن تطعم أضره وتسقى أمره وتصلى أشقه وأحره مَا الَّذِي أمنك من هَذَا وكيفما كَانَ فالموت شربه كريه وكأس مرّة حَتَّى إِن الْإِنْسَان لَو عرض عَلَيْهِ مَقْعَده من الْجنَّة وَقيل لَهُ تَمُوت ثمَّ تصير إِلَيْهِ رُبمَا انقبض عَن ذَلِك وان جمع عِنْدَمَا يذكر لَهُ الْمَوْت كَمَا روى عَن سهل بن عبد الله التسترِي رَحمَه الله أَن وليا من أَوْلِيَاء الله عز وَجل تبدي لَهُ ملك الْمَوْت فَأخْبرهُ بِرِضا الله عز وَجل عَنهُ وبشره بِالْجنَّةِ وَأَنه يَمُوت فِي وَقت قريب حَده لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 قَالَ سهل فَقلت لَهُ كَيفَ وجدت نَفسك عِنْد ذكر الْمَوْت فَقَالَ أصابتني قشعريرة ثمَّ مَاتَ الرجل فِي الْوَقْت الَّذِي حد لَهُ وَقد تقدم لَك أَن النَّبِي كَانَ عِنْد الْمَوْت يدْخل يَده فِي قدح فِيهِ مَاء وَيمْسَح بِهِ وَجهه وَيَقُول اللَّهُمَّ هون عَليّ سَكَرَات الْمَوْت وَقَالَ عمر بن صبيح السعيدي رَأَيْت عبد الْعَزِيز بن سُلَيْمَان العابد فِي مَنَامِي بعد مَوته وَعَلِيهِ ثِيَاب خضر على رَأسه إكليل من لُؤْلُؤ فَقلت لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّد كَيفَ كنت بَعدنَا وَكَيف وجدت طعم الْمَوْت وَكَيف وجدت الْأَمر هُنَاكَ فَقَالَ أما الْمَوْت فَلَا تسْأَل عَن شدَّة كربه وغمه وَلَكِن رَحْمَة الله تَعَالَى سترت منا كل عيب وَمَا نلتها إِلَّا بفضله وَأَيْضًا فَإنَّك لَا تَدْرِي بِمَا تسمع نَغمَة الْملك الْوَارِد عَلَيْك من رَبك وَلَا بِمَاذَا يبشرك وَلَا بُد لَك من إِحْدَى البشريين والإعلام بمنزلك الَّذِي كتب لَك من إِحْدَى الدَّاريْنِ وَلَا بُد لَك من أَن يقرع سَمعك قَوْله إِمَّا يَا ولي الله أبشر بِالْجنَّةِ وَإِمَّا يَا عَدو الله أبشر بالنَّار وَهَذَا هُوَ الَّذِي قطع قُلُوب الْخَائِفِينَ وأسال عبرات التائبين وأسهر ليَالِي العابدين وَإِن كنت من جملَة الخاطئين وَأَصْحَاب الْكَبَائِر من الْمُسلمين فَلَا بُد أَن يفتح لَك الْبَاب الَّذِي تلج مِنْهُ وَيظْهر لَك الْعَمَل الَّذِي تسْأَل عَنهُ وَقد تقدم الحَدِيث الصَّحِيح عَن الله عز وَجل إِذا أحب عَبدِي لقائي أَحْبَبْت لقاءه وَإِذا كره عَبدِي لقائي كرهت لقاءه وَإِن هَذِه الْمحبَّة وَهَذِه الْكَرَاهِيَة لَا تكون إِلَّا عِنْد الْمَوْت ذكرت ذَلِك عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَهَذَا مَوضِع ذكرى تتفتت لَهَا الأعضاد وتتصدع لَهَا الأكباد وسأذكر لَك جملَة من كَلَام المرضى والمحتضرين من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الصَّالِحين وَغَيرهم من المغترين والجهلة المخدوعين لَعَلَّه يُحَرك مِنْك سَاكِنا ويخوف مِنْك آمنا ويشغلك بعون الله ظَاهرا وَبَاطنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ويروى عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه مرض فَقيل لَهُ أَلا نَدْعُو لَك طَبِيبا فَقَالَ قد رَآنِي فَقَالُوا وَأي شَيْء قَالَ لَك قَالَ قَالَ إِنِّي فعال لما أُرِيد وَمرض أَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ فَقَالُوا لَهُ أَي شَيْء تشْتَهي قَالَ الْجنَّة قَالُوا نَدْعُو لَك طَبِيبا قَالَ الطَّبِيب أَمْرَضَنِي فَقَالَ لَهُ رجل من أَصْحَابه يَا أَبَا الدَّرْدَاء أتشتهي أَن أسامرك اللَّيْلَة فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء أَنْت معافى وَأَنا مبتلى فالعافية لَا تدعك أَن تسهر وَالْبَلَاء لَا يدعني أَن أَنَام أسأَل الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أَن يهب لأهل الْعَافِيَة الشُّكْر وَلأَهل الْبلَاء الصَّبْر وَلما اشْتَدَّ الْمَرَض على عمر بن عبد الْعَزِيز جَاءُوهُ بطبيب فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ وَرَآهُ قَالَ إِنَّه قد سقِِي السم وَلَا آمن عَلَيْهِ الْمَوْت فَرفع بَصَره عمر وَقَالَ لَا يُؤمن أَيْضا الْمَوْت على من لم يسق السم فَقَالَ الطَّبِيب وَهل أحسست بذلك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ نعم عرفت ذَلِك حِين وَقع فِي بَطْني قَالَ تعالج يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي أَخَاف أَن تذْهب نَفسك فَقَالَ عمر رَبِّي تبَارك وَتَعَالَى خير مذهوب إِلَيْهِ وَالله لَو علمت أَن شفائي عِنْد شحمة أُذُنِي مَا رفعت إِلَيْهِ يَدي اللَّهُمَّ خر لعمر فِي لقائك فَلم يلبث إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل حَتَّى مَاتَ رَضِي الله عَنهُ وَمرض الرّبيع بن خثيم رَضِي الله عَنهُ فَقَالُوا لَهُ أَلا نَدْعُو لَك طَبِيبا فتفكر وَقَالَ أَيْن عَاد وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس وقرون بَين ذَلِك كثير قد كَانَت فيهم الأدواء والأطباء فَلَا أرى المداوي بَقِي وَلَا المداوي كل قد قضى وَمضى وَالله لَا أَدْعُو لي طَبِيبا أبدا وَذكر ابْن جَهْضَم فِي كِتَابه عَن أبي يَعْقُوب يُوسُف بن أَحْمد قَالَ خرجت إِلَى مَكَّة على طَرِيق الْبَصْرَة وَمَعِي جمَاعَة فُقَرَاء وَفِيهِمْ شَاب كنت أميل إِلَيْهِ لحسن سمته ومراعاة حَاله واشتهاره بِذكر ربه وَكَثْرَة مناجاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وتملقه فَلَمَّا وصلنا إِلَى الْمَدِينَة شرفها الله تَعَالَى مرض مَرضا شَدِيدا وَانْفَرَدَ عَنَّا فسرت إِلَيْهِ مَعَ جمَاعَة من أَصْحَابنَا نتعرف خَبره فَلَمَّا رَأينَا شدَّة مَا بِهِ قَالَ بَعْضنَا لَو أحضرنا لَهُ طَبِيبا ينظر إِلَيْهِ وَيرى علته فَلَعَلَّهُ يكون عِنْده دَوَاء فاستمع الشَّاب مقَالَته فَتَبَسَّمَ من ذَلِك وَقَالَ يَا مشايخي وَيَا أحبابي مَا أقبح الْمُخَالفَة بعد الْمُوَافقَة من أَرَادَ الله لَهُ حَالا وَأَرَادَ هُوَ غَيرهَا أَلَيْسَ قد خَالف الله فِي إِرَادَته قَالَ أَبُو يَعْقُوب فخجلنا من كَلَامه فَنظر إِلَيْنَا وَقَالَ لَو علمْتُم دَاء الْقَتِيل لطلبتم لدائه دَوَاء إِن الْأَمْرَاض والأسقام فِيهَا تَطْهِير وتكفير وتذكير ودواء الْقَتِيل مُشَاهدَة النَّفس وموافقة الْهوى ثمَّ أنشأ يَقُول بيد الله دوائي ... وبعلم الله دائي إِنَّمَا أظلم نَفسِي ... باتباعي لهوائي كلما داويت دائي ... غلب الدَّاء دوائي فقمنا من عِنْده وَتَرَكْنَاهُ يُرِيد بقوله دَاء الْقَتِيل الدَّاء الَّذِي يقتل صَاحبه وَهُوَ اتِّبَاع الْهوى وَقيل لحسان بن أبي سِنَان فِي مَرضه كَيفَ تجدك قَالَ أجدني بِخَير إِن نجوت من النَّار وَقَالَ بعض الصَّالِحين دَخَلنَا على مُغيرَة الخراز وَهُوَ مَرِيض فَقُلْنَا لَهُ كَيفَ تجدك فَقَالَ أجدني موقرا بالآثام فَقُلْنَا لَهُ فَمَا تَشْتَكِي قَالَ الْحَسْرَة على طول الْغَفْلَة قُلْنَا فَمَا تشْتَهي قَالَ الْإِنَابَة إِلَى مَا عِنْد الله والنقلة عَمَّا يكرههُ الله قَالَ فَبكى الْقَوْم جَمِيعًا وَدخل الْحسن الْبَصْرِيّ على عَطاء السّلمِيّ وَهُوَ مَرِيض فَوَجَدَهُ قد علاهُ الْغُبَار والصفار فَقَالَ يَا عَطاء لَو خرجت إِلَى صحن الدَّار فَكَانَ يَضْرِبك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الْهَوَاء فتجد لَهُ رَاحَة فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا سعيد وَبِهَذَا تَأْمُرنِي إِنِّي لأَسْتَحي من الله عز وَجل أَن أخطو خطْوَة فِي رَاحَة بدني وَقَالَ مَنْصُور دخلت على عَطاء السّلمِيّ بعد هَذَا أعوده وَهُوَ مَرِيض فرأيته يتبسم فعجبت من ذَلِك فَكَأَنَّهُ فهم عني فَقَالَ أتعجب يَا ابْن أخي فَقلت وَكَيف لَا أعجب فَقَالَ وَكَيف لَا اضحك وَقد دنا فراقي مِمَّن كنت أخافه وأحذره ودنا قدومي على خَالق كنت أرجوه وآمله أَتجْعَلُ مقَامي مَعَ مَخْلُوق أخافه كقدومي على خَالق أرجوه قَالَ هَذَا قبل أَن يحضرهُ وَينزل بِهِ الْمَوْت قَالَ أَحْمد بن أبي الْحوَاري دخلت على بعض المتعبدين وَهُوَ مَرِيض فَقلت كَيفَ تجدك فَقَالَ بِحَال شريفة أَسِير كريم حبيس جواد مَعَ أعوان صدق وَالله لَو لم يكن لي مِمَّا ترَوْنَ عوضا إِلَّا مَا أودع قلبِي من محبته لَكُنْت خليقا أَن أدوم على الرضى عَنهُ وَمَا الدُّنْيَا وَمَا غَايَة الْبلَاء فِيهَا هَل هُوَ إِلَّا مَا ترَوْنَ من هَذِه الْعلَّة ويوشك إِن اشْتَدَّ بِي الْأَمر أَن يدخلني إِلَى سَيِّدي ولنعمت الْعلَّة رحلت بمحب إِلَى مَحْبُوب قد أحزنه طول التَّخَلُّف عَنهُ ويروى أَن مَالك بن دِينَار رَحمَه الله دخل على شَاب يعودهُ فَوَجَدَهُ خيالا على فرَاشه كالشن الْبَالِي فَسَأَلَهُ عَن حَاله فَلم يسْتَطع الْجَواب بِلِسَانِهِ فَأَشَارَ بطرفه فَبَيْنَمَا نَحن كَذَلِك إِذا بِصَوْت الْمُؤَذّن فسمعناه يَقُول كَمَا يَقُول الْمُؤَذّن وَيُشِير بِأُصْبُعِهِ عِنْد الشَّهَادَتَيْنِ ثمَّ أَمر وَلَده فوضاه ثمَّ أمره أَن يوجهه إِلَى الْقبْلَة ليُصَلِّي رَاقِدًا بِالْإِيمَاءِ ثمَّ قَالَ يَا مَالك الْبلَاء مِنْهُ سُبْحَانَهُ رَاحَة مَعَ بَقَاء الْإِيمَان يَا مَالك نعمه لَا تعد وبلاؤه وَاحِد قَالَ مَالك فتعجبت من يقينه وَصَبره وَصدق وفائه وخالص محبته فَلم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله وَقَالَ عبد الله بن عتبَة عدت رجلا مَرِيضا فَلَمَّا قعدت عِنْده قلت لَهُ كَيفَ تجدك فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 خرجت من الدُّنْيَا وَقَامَت قيامتي ... غَدَاة أقل الحاملون جنازتي وَعجل أَهلِي حفر قَبْرِي وصيروا ... خروجي وتعجيلي أجل كَرَامَتِي كَأَنَّهُمْ لم يعرفوا قطّ صُورَتي ... غَدَاة أَتَى يومي عَليّ وساعتي وَلما احْتضرَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ جَاءَتْهُ ابْنَته عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا فَلَمَّا رَأَتْهُ تمثلت بِهَذَا الْبَيْت لعمرك مَا يُغني الثراء عَن الْفَتى ... إِذا حشرجت يَوْمًا وضاق بهَا الصَّدْر فكشف أَبُو بكر عَن وَجهه وَقَالَ لَيْسَ كَذَلِك وَلَكِن قولي وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد ثمَّ قَالَ فِي كم كفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة فَقَالَ أَبُو بكر خُذُوا هَذَا الثَّوْب لثوب كَانَ عَلَيْهِ قد أَصَابَهُ مسك أَو زعفران فاغسلوه ثمَّ كفنوني فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرين وَكَانَ ثوبا خلقا فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا هَذَا تُرِيدُ أَنه خلق فَقَالَ أَبُو بكر الْحَيّ أحْوج إِلَى الْجَدِيد من الْمَيِّت إِنَّمَا هَذِه للمهل يُرِيد الصديد والقيح ثمَّ سمع منشدا فِي الْبَيْت ينشد وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل فَالْتَفت إِلَيْهِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ ذَاك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصدق أَبُو بكر فَهَذَا الْبَيْت قَالَه أَبُو طَالب عَم رَسُول الله فِي قصيدته الَّتِي مدح بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ فِيهَا وَمَا ترك قوم لَا أبالك سيدا ... يحوط الذمار غير ذرب مواكل وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 يلوذ بِهِ الْهَلَاك من آل هَاشم ... فهم عِنْده فِي رَحْمَة وفواضل كَذَا قَالَ أَبُو طَالب يلوذ بِهِ الْهَلَاك من آل هَاشم وَلم يدر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلوذ بِهِ الْهَلَاك من بني آدم ويروى عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لما احْتضرَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي لله عَنهُ أَتَاهُ نَاس من أَصْحَابه فَقَالُوا لَهُ يَا خَليفَة رَسُول الله إِنَّا نرَاك ألم بك فأوصنا بِوَصِيَّة وزودنا مِنْك بموعظة فَقَالَ من قَالَ هَذِه الْكَلِمَات ثمَّ مَاتَ جعل الله روحه فِي الْأُفق الْمُبين فَقَالُوا وَمَا الْأُفق الْمُبين قَالَ قاع بَين يَدي الْعَرْش فِيهِ رياض وأشجار وانهار فَمن قَالَ هَذَا القَوْل جعله الله فِي ذَلِك الْمَكَان اللَّهُمَّ إِنَّك ابتدأت الْخلق من غير حَاجَة بك إِلَيْهِم ثمَّ جعلتهم فريقا للنعيم وفريقا للسعير فَاجْعَلْنِي للنعيم وَلَا تجعلني للسعير اللَّهُمَّ إِنَّك خلقتهمْ وميزتهم قبل أَن تخلقهم فَجعلت مِنْهُم شقيا وسعيدا وغويا ورشيدا فَلَا تشقني بمعاصيك اللَّهُمَّ إِنَّك علمت مَا تكسب كل نفس قبل أَن تخلقها وَلَا محيص لَهُم مِمَّا علمت فَاجْعَلْنِي مِمَّن تستعمله بطاعتك اللَّهُمَّ إِن أحدا لَا يَشَاء إِلَّا مَا تشَاء فَاجْعَلْ مشيئتي أَن أَشَاء مَا يقربنِي إِلَيْك اللَّهُمَّ إِنَّك قدرت حركات الْعباد فَلَا يَتَحَرَّك شَيْء إِلَّا بإذنك فَاجْعَلْ حركاتي فِي تقواك اللَّهُمَّ إِنَّك خلقت الْخَيْر وَالشَّر وَجعلت لكل وَاحِد مِنْهُمَا عَاملا يعْمل بِهِ فَاجْعَلْنِي من خير الْقسمَيْنِ اللَّهُمَّ إِنَّك خلقت الْجنَّة وَالنَّار وَجعلت لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا أَهلا فَاجْعَلْنِي من سَاكِني جنتك اللَّهُمَّ إِنَّك أردْت الضلال بِقوم وضيقت بِهِ صُدُورهمْ فاشرح صَدْرِي للْإيمَان وزينه فِي قلبِي اللَّهُمَّ إِنَّك دبرت الْأُمُور فَجعلت مصيرها إِلَيْك فأحيني حَيَاة طيبَة وقربني إِلَيْك زلفى اللَّهُمَّ من أصبح وَأمسى ثقته ورجاؤه غَيْرك فَأَنت ثقتي ورجائي وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك قَالَ أَبُو بكر وَهَذَا كُله فِي كتاب الله عز وَجل وَقَالَ الشّعبِيّ رَحمَه الله لما طعن عمر رَضِي الله عَنهُ أُتِي بِلَبن فَشرب مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فَخرج اللَّبن من طعنته فَقَالَ الله أكبر وَعلم أَنه يَمُوت فَجعل جُلَسَاؤُهُ يثنون عَلَيْهِ خيرا فَقَالَ وددت أَن أخرج من الدُّنْيَا كفافا كَمَا دخلت لَا عَليّ وَلَا لي وَالله لَو كَانَ لي الْيَوْم مَا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس لافتديت بِهِ من هول المطلع وَلما احْتضرَ غشي عَلَيْهِ وَرَأسه فِي الأَرْض فَوضع ابْنه عبد الله رَأسه فِي حجره فَلَمَّا أَفَاق قَالَ لَهُ ضع رَأْسِي على الأَرْض كَمَا أَمرتك فَقَالَ لَهُ ابْنه يَا أَبَت وَهل الأَرْض وحجري إِلَّا سَوَاء قَالَ ضع رَأْسِي على الأَرْض كَمَا أَمرتك فَوَضعه قَالَ فَمسح خديه بِالتُّرَابِ ثمَّ قَالَ ويل لعمر ويل لعمر ويل لأم عمر إِن لم يغْفر الله لعمر فَإِذا قضيت فَأَسْرعُوا بِي إِلَى حفرتي فَإِنَّمَا هُوَ خير تقدمونني إِلَيْهِ أَو شَرّ تضعونه عَن رِقَابكُمْ وَلما احْتضرَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ جعل يَقُول وَدَمه يسيل لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين اللَّهُمَّ إِنِّي أستعين بك على أموري وَأَسْأَلك الصَّبْر على بلائي وَلما احْتضرَ سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ بَكَى فَقيل لَهُ مَا يبكيك قَالَ وَالله مَا أبْكِي جزعا من الْمَوْت وَلَا حرصا على الدُّنْيَا وَلَكِن عهد عَهده إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليكن بَلَاغ أحدكُم من الدُّنْيَا كزاد الرَّاكِب فَلَمَّا مَاتَ نظر فِي جَمِيع مَا ترك فَإِذا قِيمَته ثَلَاثُونَ درهما وَقد كَانَ أَمِيرا على الْمَدَائِن مَدَائِن كسْرَى ويروى أَن امْرَأَته قَالَت وَهُوَ فِي الْمَوْت واحزناه فَقَالَ سلمَان بل واطرباه غَدا نلقى الْأَحِبَّة مُحَمَّدًا وَحزبه وَمثل هَذَا الققول يرولاى أَيْضا عَن بِلَال رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ عِنْد مَوته غَدا نرى الْأَحِبَّة مُحَمَّدًا وَحزبه ويروى أَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ لما دنا مِنْهُ الْمَوْت دَعَا بحرسه وَرِجَاله فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ قَالَ هَل تغنون عني من الله شَيْئا قَالُوا لَا قَالَ فافترقوا عني ثمَّ دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ قَالَ احْمِلُونِي إِلَى الْمَسْجِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 فَفَعَلُوا فَقَالَ استقبلوا بِي الْقبْلَة فَفَعَلُوا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك أَمرتنِي فعصيت وائتمنتني فخنت وحددت لي فتعديت اللَّهُمَّ لَا بَرِيء فأعتذر وَلَا قوي فأنتصر بل مذنب مُسْتَغْفِر لَا مصر وَلَا مستكبر ثمَّ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين فَلم يزل يُرَدِّدهَا حَتَّى مَاتَ وَقَوله لحرسه وَرِجَاله هَل تغنون عني من الله شَيْئا إِنَّمَا فعل ذَلِك تصغيرا لنَفسِهِ وتحقيرا وليريها رُؤْيَة مُشَاهدَة أَن الَّذين كَانُوا يغنون عَنهُ فِي الدُّنْيَا لَا يغنون عَنهُ عِنْد نزُول الْمَوْت شَيْئا ويروى أَن ابْنه عبد الله قَالَ لَهُ يَا أَبَت مَا كنت أَظن أَن ينزل بك أَمر من الله إِلَّا صبرت عَلَيْهِ فَقَالَ يَا بني نزل بأبيك ثَلَاث خِصَال فِرَاق أحبته وَانْقِطَاع أمله وَالثَّالِثَة هول المطلع ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك أمرت فتوانيت ونهيت فعصيت اللَّهُمَّ من شيمتك الْعَفو والتجاوز وَلما حضرت مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان الْوَفَاة رَضِي الله عَنهُ قَالَ أقعدوني فأقعدوه فَجعل يذكر الله تَعَالَى ويسبحه ويقدسه ثمَّ قَالَ الْآن تذكر رَبك يَا مُعَاوِيَة بعد الانحطام والانهدام أَلا كَانَ ذَلِك وغصن الشَّبَاب نضير رَيَّان وَبكى حَتَّى علا بكاؤه ثمَّ قَالَ هُوَ الْمَوْت لَا منجى من الْمَوْت وَالَّذِي ... أحاذر بعد الْمَوْت أدهى وأفظع ثمَّ قَالَ يَا رب ارْحَمْ الشَّيْخ العَاصِي ذَا الْقلب القاسي اللَّهُمَّ أقل العثرة واغفر الزلة وجد بِحِلْمِك على من لم يرج غَيْرك وَلَا وثق بِأحد سواك ثمَّ قَالَ لِابْنِهِ يزِيد يَا بني إِذا وفى أَجلي فاعمد إِلَى المنديل الَّذِي فِي الخزانة فَإِن فِيهِ ثوبا من أَثوَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقراضة من شعره وأظفاره فَاجْعَلْ الثَّوْب مِمَّا يَلِي جَسَدِي وَاجعَل أكفاني فَوْقه وَاجعَل القراضة فِي فمي وأنفي وعيني فَإِن نَفَعَنِي شَيْء فَهَذَا فَإِذا جعلتموني فِي قَبْرِي فَخلوا مُعَاوِيَة وأرحم الرَّاحِمِينَ ويروى أَنه قَالَ فِي جملَة مَا قَالَ يَا لَيْتَني كنت رجلا من سَائِر قُرَيْش بِذِي طوى وَلم أل من هَذَا الْأَمر شَيْئا وَلما حضرت أَبَا هُرَيْرَة الْوَفَاة بَكَى فَقيل لَهُ مَا يبكيك فَقَالَ يبكيني بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الْمَفَازَة وَقلة الزَّاد وَضعف الْيَقِين والعقبة الكؤود الَّتِي المهبط مِنْهَا إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار وَلما حضرت حُذَيْفَة بن الْيَمَان الْوَفَاة قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي كنت أخافك وَأَنا الْيَوْم أرجوك اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي لم أكن أحب الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا لجري الْأَنْهَار وَلَا لغرس الْأَشْجَار وَلَكِن لظمأ الهواجر وَقيام اللَّيْل ومكابدة السَّاعَات ومزاحمة الْعلمَاء فِي حلق الذّكر وَلما اشْتَدَّ بِهِ النزع جعل كلما أَفَاق من غمرة فتح عَيْنَيْهِ وَقَالَ يَا رب شدّ شداتك واخنق خنقاتك فوعزتك إِنَّك لتعلم أَنِّي أحبك وَمثل هَذَا يرْوى عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر رَضِي الله عَنهُ أَنه لما نزل بِهِ الْمَوْت بَكَى فَقيل لَهُ مَا يبكيك فَقَالَ مَا أبْكِي حرصا على الدُّنْيَا وَلَا جزعا من الْمَوْت وَلَكِن أبْكِي على مَا يفوتني من ظمأ الهواجر وَقيام ليَالِي الشتَاء وَكَذَلِكَ يرْوى عَن عَامر بن قيس وَقَالَ أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ لما حضر وَقد نزل بِهِ الْمَوْت ليعاين النَّاس غَدا من عَفْو الله وسعة رَحمته مَا لم يخْطر على قلب بشر كشف لَهُ رَضِي الله عَنهُ عَن سَعَة رَحْمَة الله وَكَثْرَة عَفوه وَعظم تجاوزه مَا أوجب أَن قَالَ هَذَا وَلما دنت الْوَفَاة من عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله بَكَى فَقيل لَهُ مَا يبكيك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أبشر فقد أَحْيَا الله تبَارك وَتَعَالَى بك سنة وَأظْهر عدلا فَبكى ثمَّ قَالَ أَلَيْسَ أوقف ثمَّ أسأَل عَن هَذَا الْخلق وَالله لَو عدلت فيهم لخفت أَن لَا تقوم نَفسِي بحجتها عِنْد الله تَعَالَى إِلَّا أَن يلقنها حجتها ويثبتها فَكيف بِكَثِير مِمَّا ضيعت ثمَّ بَكَى ويروى عَن فَاطِمَة بنت عبد الْملك بن مَرْوَان امْرَأَة عمر بن عبد الْعَزِيز هَذَا أَنَّهَا قَالَت كنت أسمع عمر بن عبد الْعَزِيز فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُول اللَّهُمَّ أخف عَلَيْهِم موتِي وَلَو سَاعَة من نَهَار فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ خرجت من عِنْده فَجَلَست فِي بَيت قريب مِنْهُ بيني وَبَينه بَاب فَسَمعته يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} ثمَّ بعد ذَلِك هدأ فَلم أسمع لَهُ حَرَكَة وَلَا كلَاما فَقلت لَو صيف لنا انْظُر إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا صنع فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ صَاح فأسرعت إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ ميت رَحمَه الله ويروى أَنه لما قرب مَوته قَالَ أجلسوني فَلَمَّا أجلسوه قَالَ اللَّهُمَّ أَنا الَّذِي أَمرتنِي فقصرت ونهيتني فعصيت قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات فَإِن عَفَوْت فقد مننت وَإِن عَاقَبت فَمَا ظلمت ثمَّ قَالَ لَكِن أَرْجُو خيرا بِقَوْلِي لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله ثمَّ أحد النّظر فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ أرى حَضْرَة مَا هم بإنس وَلَا جَان ثمَّ خرج من كَانَ عِنْده فَلم يلبث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى مَاتَ رَضِي الله عَنهُ ويروى أَنه قيل لَهُ وَقد اشْتَدَّ مَرضه أوصنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ أحذركم هول مصرعي هَذَا ويروى أَنه دخل عَلَيْهِ قبل أَن يَمُوت بأيام ابْن أبي زَكَرِيَّا أَو أحد الْفُقَهَاء فتذاكرا الْآخِرَة فَبكى عمر وَبكى الرجل ثمَّ دعوا الله جَمِيعًا وسألاه أَن يقبضهما إِلَيْهِ جَمِيعًا فجَاء ابْن صَغِير لعمر يدب فَقَالَ عمر وَهَذَا مَعنا فَإِنِّي أحبه فماتوا ثَلَاثَتهمْ قَرِيبا أَو فِي جُمُعَة وَاحِدَة ويروى عَن عبد الْملك بن مَرْوَان أَنه لما حَضَره الْمَوْت نظر فِي مَوضِع لَهُ مشرف إِلَى رجل وَبِيَدِهِ ثوب وَهُوَ يضْرب بِهِ المغسلة فَقَالَ يَا لَيْتَني كنت مثل هَذَا الرجل أعيش من كسب يَدي يَوْمًا بِيَوْم وَلم أل من هَذَا الْأَمر شَيْئا وَقَالَ لَهُ رجل كَيفَ تجدك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ تجدني كَمَا قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة وتركتم مَا خولناكم وَرَاء ظهوركم} ويروى أَنه قَالَ عِنْد مَوته أَيْضا يذم الدُّنْيَا إِن طويلك لقصير وَإِن كبيرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 لصغير وَإِن كُنَّا مِنْك لفي غرور وَلما حضرت الْوَفَاة أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور أَمِير الْمُؤمنِينَ تمثل بِهَذِهِ الأبيات الْمَرْء يأمل أَن يعي ... ش وَطول عَيْش قد يضرّهُ تبلى بشاشته ويب ... قى بعد حُلْو الْعَيْش مره وتحزنه الْأَيَّام حت ... ى لَا يرى شَيْئا يسره كم شامت بِي أَن هلك ... ت وَقَائِل لله دره ثمَّ قَالَ للربيع هَذَا السُّلْطَان لَا سُلْطَان من يَمُوت ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي ارتكبت الجرائم من الذُّنُوب جرْأَة عَلَيْك وأطعتك فِي أحب الْأَشْيَاء إِلَيْك شَهَادَة إِن لَا إِلَه إِلَّا الله منا مِنْك لَا منا عَلَيْك اللَّهُمَّ اجْعَل ذَلِك قربَة لي عنْدك ثمَّ مَاتَ من سَاعَته وَعَن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ قَالَ دخلت على عبد الله بن طَاهِر وَهُوَ فِي سَكَرَات الْمَوْت فَقلت السَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْأَمِير فَقَالَ لَا تسمني أَمِيرا وسمني أَسِيرًا وَلَكِن أكتب عني بَيْتَيْنِ مَا أراهما إِلَّا آخر بَيْتَيْنِ أقولهما ثمَّ أنشأ يَقُول: بَادر فقد أسمعك الصَّوْت ... إِن لم تبادر فَهُوَ الْفَوْت من لم تزل نعْمَته قبله ... زَالَ عَن النِّعْمَة بِالْمَوْتِ وَلما نزل الْمَوْت بِهِشَام بن عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ نظر إِلَى أَوْلَاده وَأَهله يَبْكُونَ حوله فَقَالَ لَهُم جاد لكم هِشَام بالدنيا وجدْتُم عَلَيْهِ بالبكاء وَترك لكم هِشَام مَا جمع وتركتم عَلَيْهِ مَا اكْتسب مَا أعظم مُنْقَلب هِشَام وَمَا أسوأه إِن لم يغْفر الله لَهُ وَكَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ هَارُون الرشيد ينتقي أَكْفَانه بِيَدِهِ وَينظر إِلَيْهَا وَيَقُول مَا أُغني عني ماليه هلك عني سلطانيه ويروى عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ دخلت على هَارُون الرشيد فرأيته ينظر فِي الْكتاب ودموعه تسيل على خديه فوقفت حَتَّى سكن وحانت مِنْهُ التفاتة فَنظر إِلَيّ وَقَالَ اجْلِسْ ثمَّ رمى بالقرطاس إِلَيّ فَإِذا فِيهِ شعر لأبي الْعَتَاهِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الْخلق مُخْتَلف جواهره ... ولقل مَا تزكو سرائره ولقل من تصفو إِرَادَته ... وَصَحَّ بَاطِنه وَظَاهره النَّاس فِي الدُّنْيَا ذَوُو ثِقَة ... والدهر مسرعة دوائره وَالْمَوْت لَو صَحَّ الْيَقِين بِهِ ... لم ينْتَفع بالعيش ذاكره لَا خير فِي الدُّنْيَا لذِي بصر ... عميت لما فِيهَا نواظره وسبيلنا فِي الْمَوْت وَاحِدَة ... يَتْلُو أكابره أصاغره من كَانَ للصالحات مدخرا ... فستستبين غَدا ذخائره يَا من يُرِيد الْمَوْت مهجته ... لَا شكّ مَالك لَا تبادره هَل أَنْت مُعْتَبر بِمن خربَتْ ... مِنْهُ العداة مَعًا دساكره وبمن أذلّ الدَّهْر مصرعه ... فتبرأت مِنْهُ عشائره وبمن خلت مِنْهُ أسرته ... وبمن خلت مِنْهُ منابره درست محَاسِن وَجهه وَنفى ... عَنهُ النَّعيم ثرى يباشره أَيْن الْمُلُوك وَأَيْنَ غَيرهم ... صَارُوا مصيرا أَنْت صائره يَا مُؤثر الدُّنْيَا للذته ... والمستعد لمن يفاخره نل مَا بدا لَك أَن تنَال من الد ... نيا فَإِن الْمَوْت آخِره ثمَّ قَالَ الرشيد وَالله لكَأَنِّي الْمُخَاطب بِهَذَا دون النَّاس قَالَ فَلم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى مَاتَ وَقَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن المَسْعُودِيّ رَحمَه الله لما اشتدت عِلّة هَارُون الرشيد وَسَار إِلَى طوس هون الْأَطِبَّاء عَلَيْهِ علته وحقروا أمرهَا فَأرْسل مَاءَهُ فِي قَارُورَة مَعَ جملَة قَوَارِير فعرضت على متطبب فَارسي كَانَ هُنَاكَ فَجعل ينظر إِلَيْهَا قَارُورَة قَارُورَة وَيَقُول مَا يَقُول حَتَّى أَتَى على القارورة الَّتِي فِيهَا مَاء هَارُون الرشيد فَنظر فِيهَا فَقَالَ عرفُوا صَاحب هَذَا المَاء أَنه هَالك بعد ثَلَاث فَمُرُوهُ فليوص فَأَنَّهُ لَا برْء لَهُ من علته هَذِه فَأتى الْغُلَام هَارُون فَقَالَ لَهُ مَا قَالَ لَك فجمجم الْغُلَام وَلم يبين فعزم عَلَيْهِ فَأخْبرهُ بِمَا قَالَ وَقَالَ قَالَ عرفُوا صَاحب هَذَا المَاء أَنه هَالك بعد ثَلَاث فَبكى هَارُون بكاء شَدِيدا وتمايل على فرَاشه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَجعل ينشد إِن الطَّبِيب بطبه ودوائه ... لَا يَسْتَطِيع دفاع مَقْدُور القضا مَا للطبيب يَمُوت بالداء الَّذِي ... قد كَانَ يبرىء مثله فِيمَا مضى ذهب المداوي والمداوي وَالَّذِي ... جلب الدَّوَاء وَبَاعه وَمن اشْترى وَاشْتَدَّ ضعفه عِنْدَمَا سمع كَلَام الطَّبِيب وأرجف النَّاس بِمَوْتِهِ فَلَمَّا بلغه ذَلِك دَعَا بِحِمَار ليركبه فَلَمَّا صَار عَلَيْهِ سقط وَلم يقدر أَن يثبت على السرج فَقَالَ صدق المرجفون ثمَّ دَعَا بأكفان فنشرت بَين يَدَيْهِ فَجعل يخْتَار مِنْهَا مَا يصلح ثمَّ أَمر بقبره فحفر فَلَمَّا اطلع عَلَيْهِ جعل يَقُول مَا أغْنى عني ماليه هلك عني سلطانيه وَمثل هَذَا القَوْل مَرْوِيّ عَن أبي شُجَاع فناخسرو بن عضد الدولة يرْوى أَنه لما نزل بِهِ الْمَوْت لم يسمع مِنْهُ إِلَّا قَوْله مَا أغْنى عني ماليه هلك عني سلطانيه ويروى أَنه قَالَ قبل ذَلِك شعرًا يمدح بِهِ نَفسه مِنْهُ قَوْله لَيْسَ شرب الراح إِلَّا فِي الْمَطَر ... وغناء من جوَار فِي السحر غالبات سالبات للنهى ... ناعمات فِي تضاعيف الْوتر مبرزات الكأس من مطْلعهَا ... ساقيات الراح من فاق الْبشر عضد الدولة وَابْن ركنها ... ملك الْأَمْلَاك غلاب الْقدر قَالَ أَبُو مَنْصُور الثعالبي لم يفلح بعد هَذَا الْبَيْت يَعْنِي قَوْله عضد الدولة الخ وَلما حضرت أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَأْمُون الْوَفَاة أَمر بجل دَابَّته ففرش لَهُ فاصطجع عَلَيْهِ وَوضع الرماد على رَأسه وَجعل يَقُول يَا من لَا يَزُول ملكه ارْحَمْ الْيَوْم من قد زَالَ ملكه ويروى أَنه قيل لَهُ فِي صباه إِنَّك تَمُوت فِي أَرض يُقَال لَهَا مد رجلك فَلَمَّا ولي الْخلَافَة وَأقَام مَا أَقَامَ غزا بِلَاد الرّوم فَلَمَّا انْصَرف من غزاته نزل بِموضع فِيهِ عين مَاء عَظِيمَة لَهَا قَعْر عميق فَاطلع فِيهَا فَرَأى فِي قعرها حوتا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 كَبِيرا فَأمر بِهِ فَأخْرج وَجعل بَين يَدَيْهِ فانتفض الْحُوت انتفاضة فرشه بِمَا كَانَ عَلَيْهِ من المَاء فَأَخَذته قشعريرة وحم فَسَأَلَ عَن اسْم الْموضع الَّذِي هُوَ فِيهِ فَذكر لَهُ اسْم أعجمي قَالَ فسروه ففسروه مد رجلك فَلَمَّا سمع ذَلِك تفكر فِيمَا قيل لَهُ فأيقن بِالْمَوْتِ فَأمر بجل دَابَّته ففرش لَهُ فاضطجع عَلَيْهِ وَأمر أَن يُطَاف بِهِ على هَذِه الْحَالة وَأمر الْمُنَادِي أَن يَقُول هَذَا القَوْل يَا من لَا يَزُول ملكه ارْحَمْ الْيَوْم من قد زَالَ ملكه وَكَانَ المعتصم أَخُوهُ يَقُول عِنْد مَوته وَكَانَ قد ولي بعده لَو علمت أَن عمري هَكَذَا قصير مَا عملت مَا عملت وَجعل يَقُولهَا ويبكي وَلما حضرت الْمُنْتَصر الْوَفَاة جعل يضطرب فَقَالُوا لَا بَأْس عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ تَقولُونَ هَكَذَا لَا بَأْس عَلَيْك ذهبت عني الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وتقولون لَا بَأْس عَلَيْك وَلما حضرت أُميَّة بن أبي الصَّلْت الْوَفَاة أُغمي عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق وَجعل يَقُول لبيكما لبيكما ... هَا أنذا لديكما لَا برىء فأعتذر وَلَا قوى فأنتصر ثمَّ أغمى عَلَيْهِ وأفاق فَجعل يَقُول إِن تغْفر الله تغْفر جما ... وَأي عبد لَك لَا ألما ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ وأفاق فَأَنْشَأَ يَقُول كل عَيْش وَإِن تطاول دهرا ... فمصيره إِلَى أَن يزولا لَيْتَني كنت قبل مَا قد بدا لي ... فِي رُؤُوس الْجبَال أرعى الوعولا وَلما حضرت عبد الله بن عَليّ الْوَفَاة قَالَ مَا إغفلني أمس عَن مصرعي الْيَوْم وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي دَخَلنَا على عَابِد وَقد حَضَره الْمَوْت وَهُوَ يبكي فَقُلْنَا لَهُ مَا يبكيك رَحِمك الله فَأَنْشَأَ يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وَحقّ لمثلي بالبكا عِنْد مَوته ... وَمَالِي لَا أبْكِي وموتي قد اقْترب ولي عمل فِي اللَّوْح أَحْصَاهُ خالقي ... فَإِن لم يجد بِالْعَفو صرت إِلَى العطب وَقَالَ عبد الله بن الْعَلَاء شهِدت أَعْرَابِيًا قد نزل بِهِ الْمَوْت فشخص ببصره ثمَّ قَالَ كل آتٍ فَإِنَّهُ سَوف يَأْتِي ... أَنْت يَا يَمُوت هاذم اللَّذَّات يرحم الله أعظما باليات ... أَصبَحت فِي عَسَاكِر الْأَمْوَات ويروى أَن ابْن الْمُنْكَدر رَحمَه الله عِنْدَمَا نزل بِهِ الْمَوْت بَكَى فَقيل لَهُ مَا يبكيك فَقَالَ وَالله مَا أبْكِي لذنب أعلم أَنِّي أَتَيْته وَلَكِنِّي أَخَاف أَن أكون قد أذنبت ذَنبا حسبته هينا وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم وَقد روى عَنهُ كَلَام آخر يدل على علو مَنْزِلَته وارتفاع دَرَجَته وَقيل لجَابِر بن زيد عِنْد مَوته مَا تشْتَهي فَقَالَ نظرة إِلَى الْحسن فجَاء الْحسن فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قيل لَهُ هَذَا الْحسن فَرفع طرفه وَقَالَ يَا إخوتاه السَّاعَة أفارقكم إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار وَقَالَ الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ عِنْد مَوته اللَّهُمَّ اغْفِر لي فَإِنَّهُم يَزْعمُونَ أَنَّك لَا تفعل فَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز تعجبه هَذِه الْكَلِمَة وَذكر ذَلِك لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ فَقَالَ أقالها قَالُوا نعم قَالَ عَسى وَقَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ دخلت على بعض أَصْحَابنَا وَهُوَ فِي الْمَوْت فَرَأَيْت من جزعه مَا سَاءَنِي فَقلت هَذَا الْجزع كُله لماذا وَقد كنت تحمد الله على كَذَا يَعْنِي على حَالَة صَالِحَة فَقَالَ وَمَالِي لَا أجزع وَمن أَحَق مني بالجزع وَالله لَو أَتَتْنِي الْمَغْفِرَة من الله عز وَجل لأهمني الْحيَاء مِنْهُ فِيمَا أفضيت بِهِ إِلَيْهِ وَقَالَ بعض الصَّالِحين لغلامه وَقد حَضَره الْمَوْت يَا غُلَام شدّ كتافي وعفر بِالتُّرَابِ خدي فَفعل الْغُلَام ثمَّ قَالَ دنا الرحيل اللَّهُمَّ لَا بَرَاءَة لي من ذَنْب وَلَا عذر لي فأعتذر بِهِ وَلَا قُوَّة فانتصر بهَا ثمَّ قَالَ أَنْت لي ثَلَاثًا ثمَّ صَاح صَيْحَة وَمَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فَسَمِعُوا صَوتا يَقُول فِي الْبَيْت استكان العَبْد لمَوْلَاهُ فَقبله وَأَدْنَاهُ وَلما حضرت مُحَمَّد بن سِيرِين الْوَفَاة بَكَى فَقيل لَهُ مَا يبكيك فَقَالَ أبْكِي لتفريطي فِي الْأَيَّام الخالية وَقلة عَمَلي للجنة الْعَالِيَة وَمَا ينجيني من النَّار الحامية وَلما حضرت إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ الْوَفَاة بَكَى فَقيل لَهُ مَا يبكيك فَقَالَ انْتظر رَسُولا من رَبِّي يبشرني بالنَّار أَو بِالْجنَّةِ وَقَالَ حَمَّاد بن سعيد بن أبي عَطِيَّة الْمَذْبُوح لما حضر أَبَا عَطِيَّة الْمَوْت جزع فَقَالُوا لَهُ أتجزع من الْمَوْت فَقَالَ وَمَا لي لَا أجزع وَإِنَّمَا هِيَ سَاعَة فَلَا أَدْرِي أَيْن يسْلك بِي وَلما حضرت الْوَفَاة فُضَيْل بن عِيَاض رَحمَه الله غشي عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق وَقَالَ يَا بعد سَفَرِي وَقلة زادي وَكَانَ عَامر بن قيس يُصَلِّي كل يَوْم وَلَيْلَة ألف رَكْعَة فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت بَكَى فَقيل لَهُ مَا يبكيك قَالَ أبْكِي لقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ} وَقد تقدم عَنهُ كَلَام آخر قَالَه عِنْد الْمَوْت أَيْضا وَلما نزل الْمَوْت بِسُلَيْمَان التَّيْمِيّ قيل لَهُ أبشر فقد كنت مُجْتَهدا فِي طَاعَة الله تَعَالَى فَقَالَ لَا تَقولُوا هَكَذَا فَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا يَبْدُو لي من الله عز وَجل فَإِنَّهُ يَقُول سُبْحَانَهُ وبدا لَهُم من الله مَا لم يَكُونُوا يحتسبون قَالَ بَعضهم عمِلُوا أعمالا كَانُوا يظنون أَنَّهَا حَسَنَات فوجدوها سيئات وَكَانَ الْجُنَيْد يقْرَأ القرأن وَهُوَ فِي سِيَاق الْمَوْت وَيُصلي فختم فَقيل لَهُ فِي مثل هَذِه الْحَال يَا أَبَا عَليّ فَقَالَ وَمن أَحَق مني بذلك وَهَا هُوَ ذَا تطوى صحيفَة عَمَلي ثمَّ كبر وَمَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَقيل لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ مَا نَسِيته فأذكره وَلما نزل الْمَوْت ببشر الحافي وَكَانَ على عليائه من الْعِبَادَة والزهادة شقّ عَلَيْهِ وساءه ذَلِك فَقيل لَهُ أَتُحِبُّ الْحَيَاة يَا فلَان فَقَالَ يَا قوم الْقدوم على الله شَدِيد وَلما حضر أَبَا سُلَيْمَان الدَّارَانِي الْمَوْت قَالَ لَهُ أَصْحَابه أبشر فَإنَّك تقدم على رب غَفُور رَحِيم فَقَالَ لَهُم أَلا تَقولُونَ تقدم على رب يحاسبك بالصغير ويعاقبك بالكبير فَأَبُو سُلَيْمَان هَذَا غلب عَلَيْهِ الْخَوْف فِي هَذِه الْحَالة فَتكلم عَن حَاله وَقيل لرويم عِنْد الْمَوْت قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ مَا أحسن غَيرهَا وَكَانَ رُوَيْم هَذَا من الصَّالِحين ويروى أَنه كَانَ يَدْعُو الطير فتجيبه واحتضر بعض الصَّالِحين فَبَكَتْ امْرَأَته فَقَالَ مَا يبكيك قَالَت عَلَيْك أبْكِي قَالَ إِن كنت باكية فابكي على نَفسك فَأَما أَنا فقد بَكَيْت على هَذَا الْيَوْم مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة وَلما حضرت أَبَا عَليّ الرُّوذَبَارِي الْوَفَاة وَكَانَ رَأسه فِي حجر ابْنَته فَاطِمَة فَفتح عَيْنَيْهِ ثمَّ قَالَ هَذِه أَبْوَاب السَّمَاء قد فتحت وَهَذِه الْجنان قد زخرفت وَهَذَا قَائِل يَقُول يَا أَبَا عَليّ قد بلغناك الرُّتْبَة القصوى وَإِن لم تردها ثمَّ قَالَ وحقك لانظرت إِلَى سواك ... بِعَين مَوَدَّة حَتَّى أَرَاك أَرَاك معذبي بفتور لحظ ... وبالخد المورد من حياك أَرَاك منعمي بجميل ظن ... وبالأمن المكرم من رضاك فَلَو قطعتني فِي الْحبّ إربا ... لما نظر الْفُؤَاد إِلَى سواك وَكَانَ أَبُو عَليّ هَذَا مِمَّن يعبد الله لذاته وَكَانَ يَقُول لَا أُرِيد الْجنَّة وَنَعِيمهَا إِنَّمَا أريدك يَا رب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَكَذَلِكَ كَانَ ممشاد الدينَوَرِي لما نزل بِهِ الْمَوْت جعل بعض الْمَشَايِخ يَدْعُو لَهُ فَضَحِك وَقَالَ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة تعرض عَليّ الْجنَّة بِمَا فِيهَا فَمَا نظرت إِلَيْهَا ويروى أَن بعض الصَّالِحين ضحك عِنْد مَوته وَقَالَ صَادِق يَا وَفِي وفيت لي وَمَا وفيت لَك ويروى عَن عبد الله بن الْمُبَارك أَنه لما احْتضرَ نظر إِلَى السَّمَاء فَضَحِك ثمَّ قَالَ لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ وَمثل هَذَا يرْوى عَن بعض أَصْحَاب ابْن فورك وَكَانَ من الصَّالِحين الْكِبَار الْمُجْتَهدين أَنه لما نزل بِهِ الْمَوْت شخص ببصره إِلَى السَّمَاء ثمَّ قَالَ يَا ابْن فورك لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ وَفتح ابْن بنان عَيْنَيْهِ عِنْد الْمَوْت فَقَالَ ارتع فَهَذَا مرتع الأحباب وَخرجت روحه وَلما نزل الْمَوْت بِأبي يَعْقُوب النهرجوري رَحمَه الله قَالَ لَهُ أَبُو الْحسن المزين قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَتَبَسَّمَ أَبُو يَعْقُوب وَقَالَ إيَّايَ تَعْنِي وَعزة من لَا يَذُوق الْمَوْت مَا بيني وَبَينه إِلَّا حجاب الْعِزَّة ثمَّ خرجت روحه من سَاعَته وَكَانَ أَبُو الْحسن يَأْخُذ بلحية نَفسه وَيَقُول يَا حجام مثلك يلقن أَوْلِيَاء الله الشَّهَادَة وَكَانَ إِذا ذكر هَذِه الْقِصَّة بَكَى وَقَالَ الْجُنَيْد دخلت على سري السَّقطِي رَحمَه الله تَعَالَى عِنْد الْمَوْت وَكَانَ مِمَّن أحرق قلبه الْخَوْف فَقلت لَهُ كَيفَ تجدك فَقَالَ كَيفَ أَشْكُو إِلَى طبيبي مَا بِي وَالَّذِي قد أصابني من طبيبي قَالَ الْجُنَيْد فَأخذت المروحة لأروح عَلَيْهِ فَقَالَ كَيفَ يجد روح المروحة من قلبه يَحْتَرِق ثمَّ أنْشد الْقلب محترق والدمع مستبق ... وَالْكرب مُجْتَمع وَالصَّبْر مفترق كَيفَ الْقَرار على من لَا قَرَار لَهُ ... مِمَّا جناه الأسى والشوق والقلق ثمَّ ذكر الله تَعَالَى وَمَات رَحمَه الله وَقيل لذِي النُّون عِنْد مَوته مَا تشْتَهي فَقَالَ أشتهي أَن أعرفهُ تبَارك وَتَعَالَى قبل موتِي بلحظة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 لم يقل هَذَا القَوْل ذُو النُّون الْمصْرِيّ رَحمَه الله لجهله بِاللَّه تَعَالَى لكنه كَانَ يسْتَقلّ مَعْرفَته وَصدق فِي هَذَا فشأن الله أجل وَأعظم من أَن يحاط بمعرفته أَو يبلغ كنه وَصفه ويروى عَن عبد الله بن شبْرمَة أَنه قَالَ دخلت مَعَ عَامر الشّعبِيّ على مَرِيض نعوده فَوَجَدنَا لما بِهِ وَرجل يلقنه الشَّهَادَة وَيَقُول لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله وَهُوَ يكثر عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الشّعبِيّ ارْفُقْ بِهِ فَتكلم الْمَرِيض وَقَالَ إِن يلقني أَو لَا يلقني فَإِنِّي لَا أدعها ثمَّ قَرَأَ {وألزمهم كلمة التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا} فَقَالَ الشّعبِيّ الْحَمد لله الَّذِي نجى صاحبنا وَحكى أَن قوما من أَصْحَاب الشبلي قَالُوا لَهُ عِنْد مَوته قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَأَنْشد إِن بَيْتا أَنْت ساكنه ... غير مُحْتَاج إِلَى السرج وعليلا أَنْت زَائِره ... قد أَتَاهُ الله بالفرج وَجهك المأمول حجتنا ... يَوْم تَأتي النَّاس بالحجج لَا أتاح الله لي فرجا ... يَوْم أَدْعُو مِنْك بالفرج يُرِيد الشبلي أَن الْقلب إِذا امْتَلَأَ واشتغل بعظمة الله وجلاله لم يحْتَج إِلَى مُنَبّه ينبهه وَلَا إِلَى مُذَكّر يذكرهُ ويروى أَن الْجُنَيْد بن مُحَمَّد دخل على بعض الْمَشَايِخ فَوَجَدَهُ فِي سِيَاق الْمَوْت فَقَالَ لَهُ الْجُنَيْد قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَنظر إِلَيْهِ الشَّيْخ شزارا فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْجُنَيْد فَلم يقلها فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَلم يتَكَلَّم فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ يَا جُنَيْد تذكرني بِالتَّوْحِيدِ وَأَنا مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة أبْكِي عَلَيْهِ وَلَا أسلو عَنهُ يَا جُنَيْد إِنِّي مشَاهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 حَبِيبِي ومستأنس بِهِ ويروى أَن إِبْرَاهِيم بن أدهم دخل على بعض الْعباد يعودهُ فَوَجَدَهُ فِي الْمَوْت أَو فِي مُقَدمَات الْمَوْت فَجعل العابد يتنفس ويتأسف فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم علام تتأسف رَحِمك الله فَقَالَ مَا تأسفي على النقلَة من دَار الدُّنْيَا دَار الأحزان والأسقام والخطايا والذنُوب وَلَكِن أسفي على يَوْم أفطرته أَو لَيْلَة نمتها أَو سَاعَة غفلت عَن ذكر الله فِيهَا وَلَكِن يَا أخي إِن وَقع فِي هَذَا تَقْصِير فَلم يَقع فِي التَّوْحِيد تَقْصِير مَا عبدت سواهُ وَلَا وحدت غَيره وَلَا سكن فِي قلبِي محبَّة شَيْء إِلَّا محبته وَدخل الْمُزنِيّ على الشَّافِعِي رحمهمَا الله فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ كَيفَ أَصبَحت يَا أَبَا عبد الله فَقَالَ أَصبَحت من الدُّنْيَا راحلا وللإخوان مفارقا ولسيء عَمَلي ملاقيا ولكأس الْمنية شاربا وعَلى رَبِّي تبَارك وَتَعَالَى واردا وَلَا أَدْرِي روحي للجنة فأهنيها أَو للنار فأعزيها ثمَّ أنْشد وَلما قسا قلبِي وَضَاقَتْ مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذَنبي فَلَمَّا قرنته ... بعفوك رَبِّي كَانَ عفوك أعظما فَمَا زلت ذَا عَفْو عَن الذَّنب لم تزل ... تجود وَتَعْفُو مِنْهُ وتكرما فلولاك لم يغو بإبليس عايد ... وَكَيف وَقد أغوى صفيك آدما وَقَالَ عَطاء بن يسَار رَحمَه الله تَعَالَى تبدى إِبْلِيس لَعنه الله لعابد عِنْد الْمَوْت فَقَالَ لَهُ نجوت يَا هَذَا فَقَالَ مَا أمنتك بعد وَلما حضرت الْحسن بن هَانِئ الْوَفَاة أنْشد دب فِي السقام سفلا وعلوا ... وَأرَانِي أَمُوت عضوا فعضوا لَيْسَ من سَاعَة مَضَت بِي إِلَّا ... نَقَصْتنِي بمرها بِي جزوا لهف نَفسِي على لَيَال وأيا ... م قضيتهن لعبا ولهوا قد أَسَأْت كل الْإِسَاءَة فال ... لَهُم صفحا وغفرانا وعفوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَلما حضرت الْوَفَاة أَحْمد بن خضرويه سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فَقَالَ يَا بني بَاب أدقه مُنْذُ خمس وَسبعين سنة وَهَا هُوَ ذَا يفتح لي السَّاعَة وَلَا أَدْرِي بِمَا يفتح لي بالسعادة أم بالشقاوة فآن لي أَوَان الْجَواب ويروى عَن مَالك بن دِينَار أَنه دخل على جَار لَهُ وَقد نزل بِهِ الْمَوْت فَقَالَ لَهُ الرجل يَا مَالك إِنِّي أرى جبلين من نَار وَأَنا أكلف الصعُود عَلَيْهِمَا قَالَ مَالك فَسَأَلت امْرَأَته عَن حَاله فَقَالَت كَانَ لَهُ مكيالان يَأْخُذ بِأَحَدِهِمَا وَيُعْطِي بِالْآخرِ قَالَ فدعوت بهما فَضربت أَحدهمَا بِالْآخرِ فكسرتهما ثمَّ قلت لَهُ مَا ترى قَالَ مَا أرى الْأَمر يزْدَاد إِلَّا شدَّة وروى أَن رجلا نزل بِهِ الْمَوْت وَعند رَأسه صندوق فِيهِ مَال فَجعل يُشِير إِلَيْهِ وَيَقُول النَّار فِي الصندوق النَّار فِي الصندوق ويروى أَن طَلْحَة بن عبيد الله الْقرشِي عَاد مَرِيضا فَوَجَدَهُ فِي الْمَوْت فَسمع صَوتا وَهُوَ يَقُول نَاد رب الدَّار ذَا المَال الَّذِي ... جمع المَال بحرص مَا فعل فَأَجَابَهُ آخر كَانَ فِي دَار سواهَا نَائِما ... عللته بالمنى ثمَّ انْتقل ويروى أَنه مَا من ميت يَمُوت إِلَّا ويكلمه ملكاه اللَّذَان يكتبان عمله فِي الدُّنْيَا فَإِن كَانَ مُطيعًا قَالَا لَهُ جَزَاك الله من صَاحب خيرا فَرب كَلَام حسن قد أسمعتناه وَرب مجْلِس خير قد أجلستناه وَرب عمل صَالح قد أحضرتناه فَنحْن لَك الْيَوْم على مَا تحب وَإِن كَانَ فَاجِرًا قَالَا لَهُ جَزَاك الله من صَاحب شرا فَرب كَلَام قَبِيح قد أسمعتناه وَرب مجْلِس سوء قد أجلستناه وَرب عمل سوء قد أحضرتناه فَنحْن لَك الْيَوْم على مَا تكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الْبَاب الأول من أَخْبَار الْأَمْوَات عِنْد الْمَوْت ذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ ملك الْمَوْت إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ أجب رَبك فلطم مُوسَى عين ملك الْمَوْت ففقأها فَرجع الْملك إِلَى الله عز وَجل فَقَالَ إِنَّك أرسلتني إِلَى عبد لَك لَا يُرِيد الْمَوْت وَقد فَقَأَ عَيْني قَالَ فَرد الله عَلَيْهِ عينه وَقَالَ ارْجع إِلَى عَبدِي فَقل لَهُ الْحَيَاة تُرِيدُ فَإِن كنت تُرِيدُ الْحَيَاة فضع يدك على متن ثَوْر فَمَا وارت يدك من شَعْرَة فَإنَّك تعيش بهَا سنة قَالَ ثمَّ مَه قَالَ ثمَّ تَمُوت قَالَ فَالْآن من قريب رب أدنني من الأَرْض المقدسة رمية حجر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَاللَّه لَو أَنِّي عِنْده لَأَرَيْتُكُمْ قَبره إِلَى جنب الطَّرِيق عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر وروى أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مر بِرَأْس ميت فَضَربهُ بِرجلِهِ وَقَالَ تكلم بِإِذن الله تَعَالَى فَتكلم وَقَالَ يَا روح الله أَنا ملك زمَان كَذَا وَكَذَا بَينا أَنا جَالس على سَرِير ملكي عَليّ تاجي وحولي حشمي وخدمي وجندي إِذْ تبدى لي ملك الْمَوْت فَزَالَ مني كل عُضْو على حياله وَخرجت نَفسِي إِلَيْهِ فيا لَيْت مَا كَانَ من تِلْكَ الجموع كَانَ فرقة وَيَا لَيْت مَا كَانَ من ذَلِك الْأنس وَحْشَة ويروى عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام رجلا غيورا وَكَانَ إِذا خرج غلق الْأَبْوَاب فغلق ذَات يَوْم أبوابه وَخرج فَأَشْرَفت امْرَأَته فَإِذا بِرَجُل فِي الدَّار فَقَالَت من ادخل هَذَا دَارنَا لَئِن جَاءَ دَاوُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 فَرَآهُ ليلقين مِنْهُ عنتا فجَاء دَاوُد فَرَآهُ فَقَالَ من أَنْت فَقَالَ أَنا الَّذِي لَا أهاب الْمُلُوك وَلَا يَمْنعنِي الْحجاب قَالَ فَأَنت إِذن وَالله ملك الْمَوْت ثمَّ قبض روحه ويروى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام غيورا وَكَانَ لَهُ بَيت يتعبد فِيهِ فَإِذا خرج أغلقه فَخرج ذَات يَوْم بَعْدَمَا أغلق بَابه فَإِذا هُوَ بِرَجُل فِي جَوف الْبَيْت فَقَالَ لَهُ من أدْخلك دَارنَا قَالَ ادخلنيها رَبهَا فَقَالَ أَنا رَبهَا قَالَ ادخلنيها من هُوَ أملك لَهَا مِنْك فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم من أَنْت من الْمَلَائِكَة قَالَ ملك الْمَوْت فَقَالَ لَهُ هَل تَسْتَطِيع أَن تريني الصُّورَة الَّتِي تقبض فِيهَا روح الْمُؤمن قَالَ نعم فَأَعْرض عني فَأَعْرض عَنهُ فَإِذا هُوَ بشاب فَذكر من حسن وَجهه وَطيب رِيحه فَقَالَ يَا ملك الْمَوْت لَو لم يلق الْمُؤمن عِنْد الْمَوْت إِلَّا صُورَتك لَكَانَ حَسبه ثمَّ قبض روحه قَالَ وهب بن مُنَبّه كَانَ ملك من الْمُلُوك أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى أَرض لَهُ فَلبس أحسن ثِيَابه وَركب إفره دوابه وَخرج فِي خاصته وَجُنُوده وَرِجَاله فَنفخ الشَّيْطَان فِيهِ نفخة ملأَهُ كبرا وعجبا فَكَانَ يمشي وَلَا يلْتَفت إِلَى أحد من النَّاس كبرا وإعجابا بِنَفسِهِ فتصدى لَهُ رجل رث الْهَيْئَة فَسلم عَلَيْهِ فَلم يرد عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا الْتفت إِلَيْهِ فَأخذ بلجام دَابَّته فَقَالَ لَهُ وَيلك لقد تعاطيت أمرا عَظِيما كف يدك عَن اللجام فَقَالَ لَهُ أَنا ملك الْمَوْت فَتغير لون الْملك ودهش واضطرب لِسَانه وَقَالَ سَأَلتك إِلَّا مَا تَرَكتنِي حَتَّى أرجع إِلَى أَهلِي وأودعهم وأقضي حَاجَتي مِنْهُم فَقَالَ لَا وَالله لَا رَأَيْت أهلك أبدا وَقبض روحه فَخر كخشبة ملقاة ثمَّ لَقِي آخر فِي مثل حَاله إِلَّا أَنه كَانَ متواضعا فتعرض لَهُ فَسلم عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ إِن لي إِلَيْك حَاجَة وَأُرِيد أَن أذكرها لَك فِي أُذُنك فَقَالَ هَات فَأعْطَاهُ أُذُنه قَالَ أَنا ملك الْمَوْت فَقَالَ لَهُ مرْحَبًا بِمن طَالَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 غيبته عَليّ فوَاللَّه مَا كَانَ غَائِب أحب إِلَيّ من أَن أَلْقَاهُ مِنْك فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت اقْضِ حَاجَتك الَّتِي خرجت إِلَيْهَا قَالَ لَا هَذِه الْحَاجة أهم حوائجي وَمَالِي حَاجَة أهم عَليّ وَلَا أحب إِلَيّ من لِقَاء الله عز وَجل قَالَ فاختر على أَي حَالَة تُرِيدُ أَن أَقبض روحك قَالَ وتقدر على ذَلِك قَالَ بذلك أمرت قَالَ فَدَعْنِي حَتَّى أتوضأ وأصلي وَتقبل روحي وَأَنا ساجد قَالَ نعم فَتَوَضَّأ وَصلى ثمَّ قبض روحه فِي سُجُوده وَقَالَ بكر بن عبد الله جمع رجل من بني إِسْرَائِيل مَالا فَلَمَّا أشرف على الْمَوْت قَالَ لِبَنِيهِ أروني أَصْنَاف أَمْوَالِي الَّتِي جمعت فَأتي بِشَيْء كثير فَلَمَّا رَآهُ بَكَى تحسرا فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت مَا يبكيك فوَاللَّه مَا أَنا بِخَارِج من مَنْزِلك حَتَّى أفرق بَين روحك وبدنك فَقَالَ لَهُ أمهلني حَتَّى أفرقه قَالَ هَيْهَات انْقَطَعت المهلة فَهَلا كَانَ هَذَا قبل حُضُور أَجلك ثمَّ قبض روحه ويروى أَن رجلا جمع مَالا فأوعى وَلم يدع صنفا من أَصْنَاف المَال إِلَّا اتَّخذهُ ثمَّ ابتنى قصرا وَجعل عَلَيْهِ حِجَابا وحراسا ثمَّ جمع أَهله وَعِيَاله وصنع لَهُم طَعَاما وَقعد على سَرِيره وَوضع إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى وهم يَأْكُلُون ثمَّ قَالَ يَا نَفسِي تنعمي سِنِين فقد جمعت لَك مَا يَكْفِيك فَمَا فرغ من كَلَامه حَتَّى أقبل ملك الْمَوْت فِي هَيْئَة رجل عَلَيْهِ خلقان من الثِّيَاب فقرع الْبَاب بِشدَّة عَظِيمَة فَوَثَبَ إِلَيْهِ الغلمان فَقَالُوا لَهُ وَيلك مَا شَأْنك وَمن أَنْت فَقَالَ ادعوا إِلَيّ مولاكم قَالُوا إِلَى مثلك يخرج مَوْلَانَا قَالَ نعم فَأخْبرُوا مَوْلَاهُم فَقَالَ هلا فَعلْتُمْ بِهِ وفعلتم فقرع الْبَاب قرعَة أَشد من الأولى فَوَثَبَ إِلَيْهِ الحرس فَقَالَ أَخْبرُوهُ أَنِّي ملك الْمَوْت فَلَمَّا سَمِعُوهُ ألْقى عَلَيْهِم الرعب وَوَقع على مَوْلَاهُم الذل والخشوع فَقَالَ قُولُوا لَهُ يدْخل وَقُولُوا لَهُ قولا لينًا فَدخل فَقَالَ لَهُ اصْنَع بِمَالك مَا أَنْت صانع فَإِنِّي لست بِخَارِج عَنْك حَتَّى أخرج بِنَفْسِك فَأمر بِمَالِه فَجمع فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لعنك الله من مَال فَأَنت شغلتني عَن عبَادَة رَبِّي ومنعتني عَن النّظر لنَفْسي فأنطق الله عز وَجل المَال فَقَالَ لم تسبني وَبِي جَلَست مجَالِس الْمُلُوك وَبِي نكحت المتنعمات وَبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 فعلت وَفعلت وَكنت تنفقني فِي سَبِيل الشَّرّ فَلَا أمتنع مِنْك وَلَو أنفقتني فِي سَبِيل الْخَيْر وَطَرِيق الْبر لنفعتك الْيَوْم ثمَّ قبض ملك الْمَوْت روحه فَسقط مَيتا وَقَالَ يزِيد الرقاشِي بَيْنَمَا جَبَّار من جبابرة بني إِسْرَائِيل فِي منزلَة قد خلا بِبَعْض أَهله إِذْ رأى شخصا قد دخل عَلَيْهِ من بَاب بَيته فَوَثَبَ عَلَيْهِ مغضبا فَقَالَ لَهُ وَيلك من أَنْت وَمن أدْخلك دَاري وَمَا حملك على الهجوم عَليّ فِي بَيْتِي فَقَالَ لَهُ أما الَّذِي أدخلني الدَّار فربها أَنا الَّذِي لَا يَمْنعنِي الْحجاب وَلَا اسْتَأْذن على الْمُلُوك وَلَا أَخَاف صولة السلاطين فأسقط فِي يَد الْجَبَّار وأرعد حَتَّى سقط منكبا على وَجهه ثمَّ رفع رَأسه إِلَيْهِ مستخذيا متذللا فَقَالَ لَهُ فَأَنت إِذن ملك الْمَوْت قَالَ أَنا هُوَ قَالَ فَهَل أَنْت ممهلني حَتَّى أحدث عهدا قَالَ هَيْهَات انْقَطَعت مدتك وَانْقَضَت أنفاسك ونفدت ساعاتك فَلَيْسَ إِلَى إمهالك سَبِيل قَالَ فَإلَى أَيْن أذهب قَالَ إِلَى عَمَلك الصَّالح الَّذِي قدمت وَإِلَى بَيْتك الْحسن الَّذِي مهدت قَالَ فَإِنِّي لم أقدم عملا صَالحا وَلَا مهدت بَيْتا حسنا قَالَ فَإلَى لظى نزاعه للشوى ثمَّ قبض روح فَسقط بَين أَهله فَمن صارخة تصرخ وباكية تبْكي قَالَ يزِيد وَلَو يعلمُونَ سوء المنقلب لَكَانَ العويل أعظم والبكاء أَكثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الْبَاب الثَّانِي مَا يسْتَحبّ من أَحْوَال الْمَيِّت عِنْد الْمَوْت وَفِي تلقين الشَّهَادَتَيْنِ للْمُسلمِ وَغَيره وَمَا يسْتَحبّ للْمُسلمِ من الرَّجَاء وَحسن الظَّن بِاللَّه عِنْد الْمَوْت اعْلَم رَحِمك الله أَن المحبوب من حَال الْمَيِّت عِنْد الْمَوْت أَن يعلوه الهدوء والسكون وَمن لِسَانه الْكَلِمَة بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمن قلبه حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بُرَيْدَة بن حصيب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْمُؤمن يَمُوت بعرق الجبين ويروى فِي خبر أَنه قَالَ ارقبوا الْمَيِّت عِنْد ثَلَاث إِذا رشح جَبينه وَإِذا ذرفت عَيناهُ ويبست شفتاه فَذَلِك من رَحمَه الله نزلت بِهِ وَإِذا غط غطيط المخنوق واحمر لَونه واربدت شفتاه فَهُوَ من عَذَاب الله نزل بِهِ وَأما انطلاق لِسَانه بِالشَّهَادَتَيْنِ فَهُوَ عَلامَة الْخَيْر وَدَلِيل السَّعَادَة وأمارة الِاتِّصَال بالحضرة الإلهية وَذكر أَبُو دَاوُد من حَدِيث معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَذكر أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 يعلم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَذكر أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله وَذكر مُسلم من حَدِيث عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَمن غير كتاب مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حضر ملك الْمَوْت رجلا فَنظر فِي عمله فَلم يجد لَهُ شَيْئا ففك لحييْهِ فَوجدَ طرف لِسَانه لاصقا بحنكه يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فغفر الله لَهُ بِكَلِمَة الْإِخْلَاص وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ احضروا مَوْتَاكُم ولقنوهم لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهُم يرَوْنَ مَا لَا ترَوْنَ وَذكر مُسلم من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه قَالَ لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة جَاءَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ عِنْده أَبَا جهل بن هِشَام وَعبد الله بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَم قل لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة أشهد لَك بهَا عِنْد الله فَقَالَ أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة يَا أَبَا طَالب أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب فَلم يزل رَسُول الله يعرضهَا عَلَيْهِ ويعيدان لَهُ تِلْكَ الْمقَالة حَتَّى قَالَ أَبُو طَالب آخر مَا كَلمهمْ بِهِ هُوَ على مِلَّة عبد الْمطلب وأبى أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما وَالله لأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لم أَنه عَنْك فَأنْزل الله عز وَجل مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين وَلَو كَانُوا أولي قربى من بعد مَا تبين لَهُم أَنهم أَصْحَاب الْجَحِيم وَأنزل الله فِي أبي طَالب فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ويروى عَن أنس بن مَالك أَن غُلَاما من الْيَهُود كَانَ يخْدم النَّبِي فَمَرض فَأَتَاهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودهُ فَقعدَ عِنْد رَأسه فَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَقَالَ لَهُ أسلم فَنظر الْغُلَام إِلَى أَبِيه وَهُوَ عِنْده فَقَالَ لَهُ أَبوهُ أطع أَبَا الْقَاسِم فَأسلم فَقَامَ النَّبِي وَهُوَ يَقُول الْحَمد لله الَّذِي أنقذه بِي من النَّار ذكر هَذَا الحَدِيث البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا وَيَنْبَغِي أَن لَا يلح على الْمَيِّت بتلقين الشَّهَادَتَيْنِ قَالَ ابْن الْمُبَارك لقنوا الْمَيِّت لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِن قَالَهَا فَدَعوهُ وَلِأَنَّهُ يخَاف عَلَيْهِ إِذا ألح عَلَيْهِ بهَا أَن يبرم ويضجر ويثقلها الشَّيْطَان عَلَيْهِ فَيكون ذَلِك سَببا لسوء الخاتمة ذكر أَبُو بكر الدينَوَرِي فِي كتاب المجالسة عَن الْحسن بن عِيسَى قَالَ لما حضرت ابْن الْمُبَارك الْوَفَاة قَالَ لنصر مَوْلَاهُ أجعَل رَأْسِي على التُّرَاب قَالَ فَبكى نصر فَقَالَ مَا يبكيك قَالَ ذكرت مَا كنت فِيهِ من النَّعيم وَأَنت هَذَا تَمُوت فَقِيرا غَرِيبا فَقَالَ اسْكُتْ فَإِنِّي سَأَلت الله أَن يحييني حَيَاة السُّعَدَاء ويميتني ميتَة الْفُقَرَاء ثمَّ قَالَ لقني الشَّهَادَة وَلَا تعد عَليّ إِلَّا أَن أَتكَلّم بِكَلَام ثَان وَالْمَقْصُود أَن يَمُوت الرجل وَلَا يكون فِي قلبه إِلَّا الله وَحده لِأَن الْمدَار على الْقلب وَعمل الْقلب هُوَ الَّذِي ينظر فِيهِ وَتَكون النجَاة بِسَبَبِهِ وَأما حَرَكَة اللِّسَان دون أَن تكون تَرْجَمَة عَمَّا فِي الْقلب فَلَا فَائِدَة فِيهَا وَلَا خير عِنْدهَا وَأما حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى عِنْد الْمَوْت فَوَاجِب قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى ذكره مُسلم وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره لَا يحسن أحدكُم الظَّن بِاللَّه إِلَّا أعطَاهُ الله ظَنّه وَذَلِكَ أَن الْخَيْر بِيَدِهِ وَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس إِذا رَأَيْتُمْ الرجل قد نزل بِهِ الْمَوْت فبشروه حَتَّى يلقى ربه وَهُوَ حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى وَإِذا كَانَ حَيا فخوفوه بربه واذْكُرُوا لَهُ شدَّة عِقَابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَقَالَ الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان قَالَ لي أبي عِنْد مَوته يَا مُعْتَمر حَدثنِي بالرخص لعَلي أَن ألْقى الله تَعَالَى وَأَنا حسن الظَّن بِهِ وَكَانُوا يستعجبون أَن يذكرُوا العَبْد بمحاسن عمله عِنْد مَوته كي يحسن الظَّن بربه وَقَالَ الفضيل بن عِيَاض مَا دمت حَيا فَلَا يكن شَيْء عنْدك أخوف من الله عز وَجل وَإِذا نزل بك الْمَوْت فَلَا يكن عنْدك شَيْء أَرْجَى من الله عز وَجل ويروى أَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان لما نزل بِهِ الْمَوْت قَالَ حبيب جَاءَ على فاقة قد كنت قبل الْيَوْم أخشاك وَأما الْيَوْم أرجوك ويروى عَن الْحسن بن اللَّيْث قَالَ رَأَيْت مُحَمَّد بن مُحَمَّد الرَّازِيّ فِي الْمَنَام فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي قلت بِمَ قَالَ برجائي لَهُ مُنْذُ ثَمَانِينَ سنة وَدخل وَاثِلَة بن الْأَسْقَع على رجل فَوَجَدَهُ فِي الْمَوْت فَقَالَ اخبرني كَيفَ ظَنك بِاللَّه تَعَالَى فَقَالَ الرجل اغرقتني ذُنُوبِي وأشرفت بِي على الهلكة وَلَكِن أَرْجُو رَحْمَة الله تَعَالَى فَكبر وَاثِلَة وَكبر أهل الْبَيْت لتكبيره وَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قَالَ الله تَعَالَى أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي فليظن بِي خيرا مَا شَاءَ ويروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على شَاب وَهُوَ فِي الْمَوْت فَقَالَ لَهُ كَيفَ تجدك قَالَ أَرْجُو الله وأخاف ذُنُوبِي فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قلب عبد فِي مثل هَذَا الموطن إِلَّا أعطَاهُ الله مَا يَرْجُو وأمنه الَّذِي يخَاف أخرجه التِّرْمِذِيّ وَرَأى بعض الصَّالِحين الْحسن بن هَانِيء بعد مَوته فِي النّوم فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي قَالَ بِمَاذَا قَالَ بأَرْبعَة أَبْيَات قلتهن فِي طي فِرَاشِي فَمشى الرجل إِلَى دَار الْحسن فالتمسها فَوَجَدَهَا وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 يَا رب إِن عظمت ذُنُوبِي كَثْرَة ... فَلَقَد علمت بِأَن عفوك أعظم أَدْعُوك رب كَمَا أمرت تضرعا ... فَإِذا رددت يَدي فَمن ذَا يرحم إِن كَانَ لَا يرجوك إِلَّا محسن ... فَمن الَّذِي يَرْجُو الْمُسِيء المجرم مَالِي إِلَيْك وَسِيلَة إِلَّا الرجا ... وَجَمِيل ظَنِّي ثمَّ أَنِّي مُسلم وَقَالَ ثَابت الْبنانِيّ كَانَ شَاب بِهِ حِدة وَكَانَت أمه تعظه وَتقول لَهُ يَا بني إِن لَك يَوْمًا فاذكر يَوْمك وَإِن لَك مصرعا فاذكر مصرعك فَلَمَّا نزل بِهِ أَمر الله تَعَالَى اكبت عَلَيْهِ أمه فَجعلت تَقول أَي بني قد كنت أحذرك مصرعك هَذَا فَقَالَ لَهَا يَا أمة إِن لي رَبًّا كثير الْمَعْرُوف وَإِنِّي لأرجو أَن لَا يُعَذِّبنِي بكرمه وَرَحمته قَالَ ثَابت فرحمه الله عز وَجل بحس ظَنّه بربه أخبر بذلك فِي النّوم أَو أخبر بِهِ عَنهُ وَقَالَ جَابر بن عبد الله كَانَ شَاب بِهِ زهو فَنزل بِهِ الْمَوْت فَقَالَت أمه يَا بني توصي بِشَيْء قَالَ نعم خَاتمِي ادفنيني بِهِ فَإِن فِيهِ ذكر الله تَعَالَى فَلَعَلَّهُ يرحمني فَلَمَّا دفن رئي فِي الْمَنَام فَقَالَ اخبروا أُمِّي أَن الله قد غفر لي وَقَالَ ذُو النُّون الْمصْرِيّ رَحمَه الله كَانَ فِي جواري شَاب مُسْرِف على نَفسه كثير الْخَطَايَا فَمَرض فَدخلت عَلَيْهِ أعوده فَإِذا هُوَ قد مَاتَ وَأوصى أَن يكْتب على قَبره شَيْء فرأيته فِي مَنَامِي فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي فَقلت بِمَاذَا قَالَ فَكرت فِي جُرْمِي وَفِي عَفوه فَرَأَيْت عَفوه أَكثر من جُرْمِي قَالَ ذُو النُّون فَلَمَّا أَصبَحت جِئْت إِلَى قَبره فَإِذا عَلَيْهِ مَكْتُوب حسن ظَنِّي بك يَا ... رب جرأني عَلَيْك فَارْحَمْ اللَّهُمَّ عبدا ... صَار رهنا فِي يَديك ويروى عَن بعض الصَّالِحين قَالَ قَالَ مَالك بن دِينَار رَأَيْت مُسلم بن يسَار فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 النّوم بعد مَوته بِسنة فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ السَّلَام فَقلت لَهُ لم لَا ترد عَليّ السَّلَام قَالَ وَكَيف أرد عَلَيْك وَأَنا ميت فَقلت لَهُ وماذا لقِيت بعد الْمَوْت قَالَ ودمعت عينا مَا لَك عِنْد هَذَا القَوْل لقِيت أهوالا وزلازل وعظائم وشدائد قَالَ مَالك فَقلت لَهُ فَمَا كَانَ بعد ذَلِك قَالَ وَمَا ترَاهُ يكون من الْكَرِيم إِلَّا الْكَرم قبل منا الْحَسَنَات وَغفر لنا السَّيِّئَات وَضمن عَنَّا التَّبعَات كَمَا كَانَ حسن ظَنِّي بِهِ قَالَ ثمَّ شهق مَا لَك شهقته خر مغشيا عَلَيْهِ فَلبث فِي غَشيته أَيَّامًا مَرِيضا ثمَّ مَاتَ من مَرضه ذَلِك وَكَانَ يُقَال إِن قلبه انصدع وَلَوْلَا حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى لهلك الْخلق وَقَالَ عبد الْوَاحِد بن زيد وَمَا كَانَ سَبَب موت مَالك بن دِينَار إِلَّا هَذِه الرُّؤْيَا سَأَلته عَنْهَا فَقَصَّهَا عَليّ فَجعل يشهق ويضطرب حَتَّى ظَنَنْت أَن كبده تقطعت فِي جَوْفه ثمَّ هدأ فحملناه إِلَى منزله فَلم يزل مَرِيضا مِنْهَا يُعَاد حَتَّى مَاتَ وَقَالَ أَبُو عمر الضَّرِير حَدثنِي سُهَيْل أَخُو حَازِم قَالَ رَأَيْت مَالك بن دِينَار فِي النّوم بعد مَوته بِسنة فَقلت لَهُ يَا أَبَا يحيى مَاذَا فعل الله بك وماذا قدمت بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ قدمت عَلَيْهِ بذنوب كَثِيرَة فمحاها حسن ظَنِّي بِهِ تبَارك وَتَعَالَى وَقَالَ عمار بن سيف رَأَيْت الْحسن بن صَالح فِي مَنَامِي بعد مَوته فَقلت لَهُ لقد كنت متمنيا للقائك فَمَاذَا عنْدك أخبرنَا فَقَالَ لم أر شَيْئا مثل حسن الظَّن بِهِ تبَارك وَتَعَالَى وأنشدوا أحسن الظَّن بِرَبّ لم يزل ... دَائِم الْإِحْسَان برا لم يمل من غَدَتْ نعماؤه فِي ذَا الورى ... جملا ترفق فِي إِثْر جمل وسع الْعَالم فضلا وجدا ... مُرْسل العزلاء سجا مُتَّصِل وَإِذا لم تحسن الظَّن بِهِ ... فِيمَن تحسن إِن خطب نزل وَإِذا لم ترجه من يرتجى ... وَإِذا لم تسألنه من ذَا تسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 فلتطلب نفسا عَلَيْهِ وَله ال ... مثل الْأَعْلَى والأسنى الْأَجَل وَقَالُوا أَيْضا احسن الظَّن مَا اسْتَطَعْت بِرَبِّك ... فالأماني جمعن فِي حسن ظَنك وَإِذا مَا أصبت يَوْمًا بضر ... فإليه اللجا فِي كشف ضرك وَإِذا مَا انتحاك أَمر عسير ... فَهُوَ المرتجى لتيسير أَمرك وذنوب خبأتهن قَدِيما ... وحديثا كسرت عظم ظهرك تب إِلَيْهِ والجأ مِنْهَا إِلَيْهِ ... فَهُوَ أدنى إِلَيْك من ذَات نَفسك ودموع الحزين لَا تمسكنها ... ولتدعها مساربا تَحت نحرك وَاقد حن فِي الضلوع نَار متاب ... فعساها تميت نيران روعك وَإِذا مَا تعاظمتك ذنُوب ... فاعتقاد الْقُلُوب أعظم ذَنْبك وَمرض أَعْرَابِي فَقيل لَهُ إِنَّك تَمُوت فَقَالَ فَإِذا مت أَيْن يذهب بِي قيل إِلَى الله تَعَالَى قَالَ مَا أكره أَن يذهب بِي إِلَى من لَا يرى الْخَيْر إِلَّا عِنْده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الْبَاب الثَّالِث فِي الْجَنَائِز وَفضل اتباعها ذكر البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تبع جَنَازَة مُسلم إِيمَانًا واحتسابا وَكَانَ مَعَه حَتَّى يصلى عَلَيْهَا ويفرغ من دَفنهَا فَإِنَّهُ يرجع من الْأجر بقراطين كل قِيرَاط مثل أحد وَمن صلى عَلَيْهَا ثمَّ رَجَعَ قبل الدّفن فَإِنَّهُ يرجع بقيراط وَذكر مُسلم عَن ثَوْبَان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط فَإِن شهد دَفنهَا فَلهُ قيراطان القيراط مثل أحد وَاعْلَم رَحِمك الله أَن فِي الْجَنَائِز عِبْرَة للمعتبرين وفكرة للمتفكرين وتنبيها للغافلين وإيقاظا للنائمين بَيْنَمَا الْإِنْسَان فِي قيام وقعود ونزول وصعود وَخذ هَذَا ودع هَذَا وَابْن هَذَا واهدم هَذَا وَقد كَانَ وَمَا كَانَ وَأَيْنَ ذهب فلَان وَمن أَيْن جَاءَ فلَان إِذْ جَاءَهُ أَمر إلهي وحادث سماوي وَحكم رباني فسكن حركته وأطفأ شعلته وأذهب نضرته وَتَركه كالخشبة الملقاة وَالْحجر المرمي إِن صِيحَ بِهِ لم يسمع وَإِن دعِي لم يجب وَإِن قطع أَو أحرق لم يتَكَلَّم إِن رَبك على مَا يَشَاء قدير وَلَكِن حب الدُّنْيَا وحجاب الْهوى الَّذِي غطى الْقُلُوب وأعشى البصائر يمْنَع الفكرة فِي الْجَنَائِز وَالِاعْتِبَار بهَا فَصَارَت لَا تزيد رؤيتها إِلَّا غَفلَة وَلَا مشاهدتها إِلَّا قسوة حَتَّى كَأَن الْمَيِّت إِنَّمَا هُوَ نَائِم يَسْتَيْقِظ بعد سَاعَة ويهب عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 قريب أَو كَأَن الَّذِي يَرَاهَا لَا يكون مثلهَا وَلَا يدْخل مدخلها وَكَأن ذَلِك الْمَيِّت نزل بِهِ ملك الْمَوْت وَحده وإياه قصد خَاصَّة نعم يعلم الْإِنْسَان منا أَن سيموت كَمَا مَاتَ هَذَا وتشيع جنَازَته كَمَا شيعت جَنَازَة هَذَا وَرُبمَا مَاتَ بِحَيْثُ لَا تشيع جنَازَته وَلَا توارى لَهُ جثة وَلَكِن لَا يظنّ ذَلِك عَن قريب وَلَا يحْسب أَنه مِنْهُ غير بعيد قد فسح لنَفسِهِ فِي الْمدَّة وَمد لَهَا فِي المهلة وَحكم أَنه لَا يَمُوت إِلَّا بعد سِنِين وَإِن قَالَ رُبمَا أَمُوت الْيَوْم أَو غَدا فَقَوْل ضَعِيف لَا يَتَحَرَّك مِنْهُ بِسَبَبِهِ سَاكن وَلَا يظْهر عَلَيْهِ مِنْهُ أثر نَازل لِأَنَّهُ عِنْد رُؤْيَة الْجِنَازَة كَمَا كَانَ قبل أَن يَرَاهَا وَرُبمَا يحدث بحَديثه الَّذِي كَانَ يتحدث وَالْمَيِّت يدْفن أَو هُوَ وَرَاءه يشيعه إِلَى قَبره وَإِن جَاءَهُ ضحك ضحك وَإِن حَضَره نَادِر من لَغْو الْكَلَام تكلم بِهِ وأودعه صَحِيفَته وَبعث بِهِ إِلَى ربه وقلما يبكى على الْجِنَازَة إِلَّا أَهلهَا تألما لفراقها لَا لنَفس الْمَوْت كبكاء الصَّبِي وَالْمَرْأَة اللَّذين لَا يعقلان وَلَا يعلمَانِ وَلَو كَانُوا يعلمُونَ لَكَانَ بكاؤهم على أنفسهم لَا على ميتهم لِأَن ميتهم قد مَاتَ وهم ينتظرون الْمَوْت وأنشدوا أعاذل حَتَّى مَا تعذليني ... إِن لم تعينيني فاتركيني لومي بِمَا شِئْت من ملام ... ووبخيني وفنديني وَلَا تظني بِأَن حزني ... وسقم جسمي وَمَا تريني أثار ذاكم إِن مَاتَ ميت ... قد كَانَ دنياي ذَا وَدين تركته فِي الْقُبُور فَردا ... وحييت فِي دمعه الحزين لَا وَالَّذِي جوده يُرْجَى ... كل أَوَان وكل حِين مَا أَنا باك إِلَّا لنَفْسي ... لَا لقريب وَلَا خدين ومصرع للمنون ضيق ... أتل فِيهِ على الجبين أؤخذ فِيهِ من كل أفق ... أَخذ شَدِيد القوى متين فَمن أَمَامِي وَمن ورائي ... وَعَن شمَالي وَعَن يَمِيني وَفَوق رَأْسِي مَعًا وتحتي ... من حَيْثُ مَا رحت يلتقيني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وَلَا احتيال وَلَا افتداء ... لَا برفيع وَلَا بِدُونِ فخلني عاذلي وشأني ... فَلَيْسَ شأني من ذِي الشئون وَاعْلَم أَن الْجِنَازَة تمر بالإنسان وَلَا يدْرِي حَالهَا وَلَا يتَبَيَّن حَقِيقَة مصيرها وَإِنَّمَا يُرْجَى لَهَا بِحَسب مَا ظهر مِنْهَا من الطَّاعَات وَيخَاف عَلَيْهَا بِحَسب مَا بدا مِنْهَا من المخالفات وَإِن لَهَا كلَاما لَو سَمعه الْإِنْسَان لَا نصدع لَهُ حجاب قلبه وشغله عَن بنيه وَأَهله بل أذهله عَن النّظر فِي خَاصَّة نَفسه ذكر البُخَارِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا وضعت الْجِنَازَة فاحتملها الرِّجَال على أَعْنَاقهم فَإِن كَانَت صَالِحَة قَالَت قدموني قدموني وَإِن كَانَت غير صَالِحَة قَالَت يَا ويلتي أَيْن تذهبون بِي يسمع صَوتهَا كل شَيْء إِلَّا الْإِنْسَان وَلَو سَمعهَا الْإِنْسَان لصعق وهما ميتان فميت يستريح من تَعب هَذِه الدَّار ويفضي إِلَى رَاحَة دَار الْقَرار وميت يستريح مِنْهُ الْبِلَاد والعباد ويفضي إِلَى سوء الْمصير وَبئسَ المهاد ذكر أَبُو قَتَادَة قَالَ مر على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجنَازَة فَقَالَ مستريح أَو مستراح مِنْهُ فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا المستريح وَمَا المستراح مِنْهُ قَالَ العَبْد الْمُؤمن يستريح من نصب الدُّنْيَا وإيذائها إِلَى رَحْمَة الله وَالْعَبْد الْفَاجِر يستريح مِنْهُ الْعباد والبلاد وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَذكر هَذَا الحَدِيث مُسلم بن الْحجَّاج وَغَيره وَرُبمَا يكون منا من يَهْتَز عِنْد رُؤْيَة الْجِنَازَة ويرتاع عِنْد مشاهدتها ثمَّ لَا يلبث أَن يعود إِلَى حَاله إِلَّا بِمِقْدَار مَا يكون بَين يَدَيْهِ أَو سَاعَة تمر عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء جَلَست إِلَى جرير وَهُوَ يملي على كَاتبه شعرًا فاطلعت جَنَازَة فَأمْسك وَقَالَ شيبتني وَالله هَذِه الْجَنَائِز وَأَنْشَأَ يَقُول تروعنا الْجَنَائِز مقبلات ... ونلهو حِين تذْهب مدبرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 كروعة ثلة لمغار ذِئْب ... فَلَمَّا غَابَ عَادَتْ راتعات وَكَأن هَذَا البائس الغافل لم يسمع بِرَجُل قد شيع جَنَازَة ثمَّ مَاتَ المشيع بعد جُمُعَة وَرُبمَا كَانَ بعد يَوْم وَاحِد أَو أقل من يَوْم أَو كَأَنَّهُ لم يعلم أَن هَذَا الْمَيِّت كَانَ طَوِيل الأمل ممتد الرَّجَاء يطْمع فِي الْعَيْش ويحرص على الْبَقَاء حَتَّى هجم عَلَيْهِ ملك الْمَوْت فِي الْوَقْت الَّذِي لم يكن يظنّ بِهِ وَقَامَ مَعَه من الْمَكَان الَّذِي لم يكن يحسبه فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَقد كَانَ السّلف الصَّالح رَضِي الله عَنْهُم بِخِلَاف هَذَا كَانُوا إِذا رَأَوْا الْجَنَائِز نظرُوا إِلَيْهَا نظر المعتبرين وَتَكَلَّمُوا عِنْدهَا بِكَلَام الموفقين وَكَانُوا يَقُولُونَ القَوْل ويعملون بِمُقْتَضَاهُ وسأذكر لَك من كَلَامهم وأحكي لَك من أَقْوَالهم مَا أمكنني لَعَلَّه يُحَرك مِنْك سَاكِنا ويوقظ مِنْك نَائِما وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه سُبْحَانَهُ ويروى عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ إِذا رأى جَنَازَة قَالَ امْضِ وَنحن على أثرك وَكَانَ مَكْحُول الدِّمَشْقِي رَحمَه الله إِذا رأى جَنَازَة قَالَ اغْدُ فَإنَّا رائحون موعظة بليغة وغفلة سريعة يذهب الأول وَالْآخر لَا عقل لَهُ وَمَرَّتْ بالْحسنِ الْبَصْرِيّ رَحمَه الله جَنَازَة فَقَالَ يَا لَهَا موعظة مَا أبلغهَا وأسرع نسيانها يَا لَهَا موعظة لَو وَافَقت من الْقُلُوب حَيَاة ثمَّ قَالَ يَا غَفلَة شَامِلَة للْقَوْم كَأَنَّهُمْ يرونها فِي النّوم ميت غَد يدْفن ميت الْيَوْم وَقَالَ أسيد بن حضير مَا شهِدت جَنَازَة وَحدثت نَفسِي بِشَيْء سوى مَا يفعل بِالْمَيتِ وَمَا هُوَ صائر إِلَيْهِ وَلما مَاتَ أَخُو مَالك بن دِينَار خرج مَالك فِي جنَازَته فَوقف على قَبره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَبكى ثمَّ قَالَ وَالله يَا أخي لَا تقر عَيْني بعْدك حَتَّى أعلم إِلَى مَا صرت إِلَيْهِ وَلَا وَالله لَا أعلم ذَلِك مَا دمت حَيا وَقَالَ الْأَعْمَش كُنَّا نشْهد الْجِنَازَة وَلَا نَدْرِي من المعزى فِيهَا لِكَثْرَة الباكين وَإِنَّمَا بكاؤهم على أنفسهم لَا على الْمَيِّت وَقَالَ ثَابت الْبنانِيّ كُنَّا نشْهد الْجِنَازَة فَلَا نرى إِلَّا باكيا وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانُوا يشْهدُونَ الْجِنَازَة فَيرى فيهم ذَلِك أَيَّامًا كَأَن فيهم الفكرة فِي حَال الْمَوْت وَفِي حَال الْمَيِّت وَقَالَ مطرف بن عبد الله بن الشخير عَن أَبِيه أَنه كَانَ يلقى الرجل فِي الْجِنَازَة من خَاصَّة إخوانه قد بعد عَهده بِهِ فَلَا يزِيدهُ على السَّلَام حَتَّى يظنّ الرجل أَن فِي صَدره عَلَيْهِ موجدة كل ذَلِك لانشغاله بالجنازة وتفكره فِيهَا وَفِي مصيرها حَتَّى إِذا فرغ من الْجِنَازَة لقِيه وَسَأَلَهُ ولاطفه وَكَانَ مِنْهُ أحسن مَا عهد وَرَأى عبد الله بن مَسْعُود صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يضْحك فِي جَنَازَة فَقَالَ أتضحك وَأَنت فِي جَنَازَة وَالله لَا أُكَلِّمك أبدا وَفِي الْخَبَر أَن الله يكره لكم ثَلَاثًا الْعَبَث فِي الصَّلَاة والرفث فِي الصَّوْم والضحك عِنْد الْمَقَابِر وَلما مَاتَ ذَر بن عمر بن ذَر وَوضع فِي قَبره قَالَ أَبوهُ عمر يَا ذَر لقد شغلنا الْحزن لَك عَن الْحزن عَلَيْك فليت شعري مَاذَا قلت وماذا قيل لَك ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِن هَذَا وَلَدي ذَر متعتني بِهِ مَا متعتني ووفيته أَجله ورزقه وَلم تنقصه حَقه اللَّهُمَّ وَقد كنت ألزمته طَاعَتك وطاعتي وَإِنِّي قد وهبت لَهُ مَا فرط فِيهِ من طَاعَتي فَهَب لَهُ مَا فرط فِيهِ من طَاعَتك اللَّهُمَّ وَمَا وَعَدتنِي عَلَيْهِ من الْأجر فِي مصيبتي فقد وهبت ذَلِك لَهُ فَهَب لي عَذَابه وَلَا تعذبه وَأَنت أَجود الأجودين وَأكْرم الأكرمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 قَالَ فأبكى النَّاس ثمَّ قَالَ عِنْد انْصِرَافه يَا ذَر مَا علينا بعْدك من خصَاصَة وَمَا بِنَا مَعَ الله إِلَى إِنْسَان من حَاجَة ياذر مضينا وتركناك وَلَو أَقَمْنَا عنْدك مَا نفعناك أَلا ترى إِلَى هَذَا لم يشْغلهُ الْحزن على وَلَده وَثَمَرَة كبده عَن الْحزن بِمَا قَالَ وَبِمَا قيل لَهُ لأَنهم إِنَّمَا كَانُوا يقدمُونَ الأهم فالأهم ويبدأون بالأعظم فالأعظم يرْوى عَن الْأَصْمَعِي قَالَ حجت امْرَأَة من الْعَرَب وَمَعَهَا ابْن لَهَا فأصيبت بِهِ فَلَمَّا دفن قَامَت على قَبره وَهِي موجعة فَقَالَت يَا بني وَالله لقد غذوتك رضيعا وفقدتك سَرِيعا وَكَأن لم يكن بَين الْحَالَتَيْنِ مُدَّة ألتذ فِيهَا بعيشك وأتمتع فِيهَا بِالنّظرِ إِلَى وَجهك وَبقيت مُدَّة أتذكرك فِيهَا وأذوب فِيهَا بالحزن عَلَيْك ثمَّ قَالَت اللَّهُمَّ مِنْك الْعدْل وَمن خلقك الْجُود اللَّهُمَّ وهبتني قُرَّة عَيْني فَلم تمتعني بِهِ كثيرا بل سلبتنيه وشيكا ثمَّ أَمرتنِي بِالصبرِ عَلَيْهِ ووعدتني الْأجر فصدقت وَعدك ورضيت قضاءك اللَّهُمَّ ارْحَمْ غربته واستر عَوْرَته يَوْم تنكشف العورات وَتظهر السوآت فرحم الله من ترحم على من استودعته الرَّدْم ووسدته الثرى فَلَمَّا أَرَادَت الْخُرُوج إِلَى أَهلهَا وقفت على قَبره وَقَالَت أَي بني قد تزودت لسفري من الدُّنْيَا فليت شعري مَا زادك لسفرك وَيَوْم معادك اللَّهُمَّ أَسأَلك الرضى لَهُ برضاي عَنهُ ثمَّ قَالَت استودعك من استودعنيك جَنِينا فِي الأحشاء وأذاقني عَلَيْهِ غُصَّة الثكلى واثكل الولدات مَا أقل أنسهن وَأَشد وحشتهن وصلت عِنْد قَبره رَكْعَتَيْنِ وانصرفت ولعلك يَا هَذَا مِمَّن يلبس النعش الثِّيَاب الملونة وَيجْعَل عَلَيْهِ الأردية المصبغة ويحليه الْحِلْية المبيضة ويخرجه كالفتاة المحلاة والعروس المجلاة وَلَا يتفكر فِي ميته هَل كسي أَثوَاب الْحَرِير أَو قطران السعير وَإنَّهُ لموْضِع الفكرة وإرسال الْعبْرَة وإطالة العويل وَالْحَسْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وأنشدوا وألبسوا النعش أثوابا ملونة ... مثل الْعَرُوس تُقَام عِنْد جلوتها مثل الْعَرُوس تنص فِي منصتها ... لتستميل قلوبا بزينتها وَفِيه ميت أَزَال الله نضرته ... كالأرض قد زَالَ عَنْهَا ثوب نضرتها وشيعوه جماعات تَطوف بِهِ ... تعشى الْعُيُون بمرآها وَكَثْرَتهَا من بَين باك يكف فيض دمعته ... وَبَين صارخة تعدِي بصرختها حَتَّى أَتَوا حفرا إزاء بلدتهم ... فغادروه بهَا رهين وحشتها وَمَا دروا هَل تَلَقَّتْهُ بنفحتها ... دَار المقامة أَو لظى بلفحتها ثمَّ انثنوا نَحْو أَمْوَال قد أحرزها ... للنائبات فحازوا بجملتها وذاكم البائس الْمَغْرُور مَا دفعت ... عَنهُ الْقَضَاء وَلَا استشفى بلذتها لَكِن تحمل مِنْهَا كل فادحة ... من الْكَبَائِر لَا يقوى لعدتها وَمن ترفعه الدُّنْيَا وتسعفه ... فَهُوَ المحير مغمور بحسرتها فَمَا بكته السَّمَاء وَالْأَرْض حِين مضى ... وَلَا الرياض نضت أَثوَاب زهرتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الْبَاب الرَّابِع فِي الثَّنَاء الْحسن على الْمَيِّت وَالثنَاء السوء ذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ مر بِجنَازَة فأثني عَلَيْهَا خيرا فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَبت وَجَبت وَجَبت وَمر بِجنَازَة فأثني عَلَيْهَا شرا فَقَالَ وَجَبت وَجَبت وَجَبت وَجَبت فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فدَاك أبي وَأمي مر بِجنَازَة فأثني عَلَيْهَا خيرا فَقلت وَجَبت وَمر بِجنَازَة فأثني عَلَيْهَا شرا فَقلت وَجَبت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أثنيتم عَلَيْهِ خيرا وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن أثنيتم عَلَيْهِ شرا وَجَبت لَهُ النَّار وَأَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ فَقيل يَا رَسُول الله قلت لهَذَا وَجَبت وَلِهَذَا وَجَبت قَالَ شَهَادَة الْقَوْم الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاء الله فِي الأَرْض وَعَن عمر بن الْخطاب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من شهد لَهُ أَرْبَعَة بِخَير أدخلهُ الله الْجنَّة قُلْنَا وَثَلَاثَة قَالَ وَثَلَاثَة قُلْنَا وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ ثمَّ لم نَسْأَلهُ عَن الْوَاحِد وَهَذَا الحَدِيث مَخْصُوص وَالله أعلم وَالَّذِي قبله يُعْطي الْعُمُوم وَإِن من كثرت شُهُوده وَانْطَلَقت أَلْسِنَة الْمُسلمين فِيهِ بِالْخَيرِ وَالثنَاء الصَّالح كَانَت لَهُ الْجنَّة وَالله أعلم وَغير مستكثر إِذا أحب الله عبدا أَن يلقِي على أَلْسِنَة الْمُسلمين الثَّنَاء عَلَيْهِ وَفِي قُلُوبهم الْمحبَّة لَهُ قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أحب الله عبدا دَعَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فَقَالَ إِن الله يحب فلَانا فَأَحبُّوهُ قَالَ فَيُحِبهُ أهل السَّمَاء ثمَّ يوضع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض وَذكر فِي البغض مثل ذَلِك وَهَذَا حَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم بن الْحجَّاج وَغَيره وَقد شهد رجال من الْمُسلمين عُلَمَاء وصالحون كثر الثَّنَاء عَلَيْهِم وصرفت الْقُلُوب إِلَيْهِم فِي حياتهم وَبعد مماتهم وَمِنْهُم من كثر المشيعون والحاملون لجنازته والمشتغلون بِهِ وَرُبمَا كثر الله الْخلق بِمَا شَاءَ من الْجِنّ وَالْإِنْس وَغَيرهم مِمَّا يَشَاء يكونُونَ فِي صور النَّاس ذكر قَاسم بن أصبغ قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد الرِّفَاعِي قَالَ مَاتَ عَمْرو بن قيس الملاي بِنَاحِيَة فَارس فَاجْتمع بجنازته مَالا يُحْصى عَددهمْ من الْخلق فَلَمَّا دفن نظرُوا فَلم يرَوا أحدا قَالَ الرِّفَاعِي سَمِعت هَذَا مِمَّن لَا أحصي كَثْرَة وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يتبرك بِالنّظرِ إِلَى عَمْرو بن قيس هَذَا وَلما مَاتَ أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ صلى عَلَيْهِ من الْمُسلمين مَا لَا يُحْصى فَأمر المتَوَكل أَن يمسح مَوضِع الصَّلَاة عَلَيْهِ من الأَرْض فوجدوا موقف ألفي ألف وثلاثمائة ألف أَو نَحْوهَا وَلما انْتَشَر خبر مَوته أقبل النَّاس من الْبِلَاد يصلونَ على قَبره فصلى عَلَيْهِ مَالا يُحْصى وَلما مَاتَ الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ اجْتمع للصَّلَاة عَلَيْهِ خلق لَا يُحْصى ويروى أَنه أسلم ذَلِك الْيَوْم من أهل الذِّمَّة الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحْو ثَلَاثِينَ ألفا لما رَأَوْا من كَثْرَة الْخَلَائق على الْجِنَازَة وَلما رَأَوْا من الْعجب ذَلِك الْيَوْم وَلما مَاتَ سهل بن عبد الله التسترِي رَحمَه الله انكب النَّاس على جنَازَته وحضرها من الْخلق مَالا يُعلمهُ إِلَّا الله وَكَانَ فِي الْبَلَد ضجة فَسمع بهَا يَهُودِيّ شيخ كَبِير فَخرج فَلَمَّا رأى الْجِنَازَة صَاح وَقَالَ هَل ترَوْنَ مَا أرى قَالُوا وَمَا ترى قَالَ أرى قوما ينزلون من السَّمَاء يتمسحون بالجنازة ثمَّ أسلم وَحسن إِسْلَامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وَيُقَال إِن الْكَعْبَة لم تخل من طائف يطوف إِلَّا يَوْم مَاتَ الْمُغيرَة بن حَكِيم فَإِنَّهَا خلت لانحشار النَّاس بجنازته تبركا بهَا ورغبة فِي الصَّلَاة عَلَيْهَا وَقد شوهد من جنائز الصَّالِحين من تشيعها الطير وتسير مَعهَا حَيْثُ سَارَتْ حدث بذلك الثِّقَات وَذكر أَبُو الْحسن بن جَهْضَم قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر أَبُو الْحسن سَاكن دمشق قَالَ سَمِعت أَبَا بكر الْمصْرِيّ يَقُول لما مَاتَ أَبُو الْفَيْض ذُو النُّون الْمصْرِيّ بالجيزة حمل فِي قَارب مَخَافَة أَن تتقطع الجسور من كَثْرَة من شيع جنَازَته من النَّاس وَكنت قَائِما مَعَ النَّاس على كوم أنظر فَلَمَّا أخرج من القارب وَوضع على الْجِنَازَة يَعْنِي النعش وَحمله الرِّجَال على أَعْنَاقهم رَأَيْت طيورا خضرًا قد اكتنفت الْجِنَازَة ترفرف عَلَيْهَا حَتَّى عطف بِهِ إِلَى حمام المغار وَغَابَ عني قَالَ أَبُو بكر فَحدثت بِهِ خَالِي الْحسن بن يحيى فَقَالَ قد رَأَيْت مثل هَذِه الطُّيُور على جَنَازَة أبي إِبْرَاهِيم الْمُزنِيّ وَذكر مرثاة رثى بهَا فَقَالَ مِنْهَا وَرَأَيْت أعجب مَا رَأَيْت وَلم أكن ... من قبل ذَاك رَأَيْته لمشيع طيرا ترفرف نعشه وتحفه ... حَتَّى توارى فِي حجاب المضجع قد احْتَجِبْنَ عَن الْعُيُون وَلم أحط ... علما بكنه مسيره فِي الْمرجع وأظنها رسل الاله تنزلت ... وَالله أعلم فَوق ذَاك الشرجع وَيجب أَلا يحتقر أحد من الْمُسلمين وَإِن كَانَ ظَاهر الفسوق فَلَعَلَّ لَهُ بطانة من خير وخبيئة من عمل صَالح وَلِأَنَّهُ أَيْضا قد صَار إِلَى أرْحم الرَّاحِمِينَ وَحكى أَن رجلا من المنهمكين فِي الْفساد مَاتَ فِي نواحي الْبَصْرَة فَلم تَجِد امْرَأَته من يعينها على حمل جنَازَته إِذْ لم يدر بهَا أحد من جِيرَانه لِكَثْرَة فسقه وتحامي النَّاس لَهُ فاستأجرت امْرَأَته حمالين يحملونه إِلَى الْمصلى فَمَا صلى عَلَيْهِ أحد فَحَمَلُوهُ إِلَى الصَّحرَاء ليدفنوه بهَا وَكَانَ بِالْقربِ من الْموضع جبل فِيهِ رجل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الزهاد الْكِبَار فَنزل ذَلِك الزَّاهِد للصَّلَاة عَلَيْهِ فانتشر الْخَبَر فِي الْبَلَد وَقَالُوا نزل فلَان ليُصَلِّي على فلَان فَخرج النَّاس فصلوا عَلَيْهِ مَعَ الزَّاهِد وَجعلُوا يتعجبون من صلَاته عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم إِنِّي قيل لي فِي الْمَنَام انْزِلْ إِلَى الْموضع الْفُلَانِيّ ترى فِيهِ جَنَازَة رجل لَيْسَ مَعهَا أحد إِلَّا امْرَأَته فصل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مغْفُور لَهُ فَزَاد تعجب النَّاس فاستدعى الزَّاهِد زَوجته فَسَأَلَهَا عَن ذَلِك وَكَيف كَانَت سيرته فَقَالَت كَانَ كَمَا سَمِعت كَانَ طول النَّهَار فِي الماخور مشتغلا بِشرب الْخمر فَقَالَ انظري هَل تعرفين لَهُ شَيْئا من أَفعَال الْخَيْر قَالَت لَا وَالله إِلَّا أَنه كَانَ يفِيق فِي كل يَوْم من سكره عِنْد صَلَاة الصُّبْح فيبدل ثِيَابه وَيتَوَضَّأ وَيُصلي الصُّبْح ثمَّ يعود إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فيشتغل بشربه ولهوه وَكَانَ لَا يَخْلُو بَيته من يَتِيم أَو يتيمين يفضله على وَلَده وَكَانَ يفِيق فِي أثْنَاء سكره فيبكي وَيَقُول إلهي أَي زَاوِيَة من زَوَايَا جَهَنَّم تُرِيدُ أَن تملأها بِهَذَا الْخَبيث يَعْنِي نَفسه وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْمَيِّت مَنْبُوذًا أَو مطروحا لَا يعرف أَو لَا يحضرهُ أحد فَلَا تحتقره وَلَا تنظر إِلَى الظَّاهِر من حَاله يرْوى عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ رب أَشْعَث مَدْفُوع بالأبواب لَو أقسم على الله لَأَبَره ذكره مُسلم بن الْحجَّاج وَمن غير كتاب مُسلم رب أَشْعَث أغبر ذِي طمرين لَا يؤبه لَهُ لَو أقسم على الله لَأَبَره ويروى عَن عمر بن عُثْمَان بن شُعْبَة قَالَ رَأَيْت فِي بعض اللَّيَالِي فِي الْمَنَام كَأَن قَائِلا يَقُول لي إِذا كَانَ غَدا فأت مصلى خولان فصل على ولي لنا قَالَ فَخرجت قبل طُلُوع الْفجْر خوف أَن يفوتني ثمَّ قعدت إِلَى قريب من غرُوب الشَّمْس فَلم يُؤْت بميت إِلَى ذَلِك الْمصلى قَالَ فَانْصَرَفت فَبَيْنَمَا أَنا بَين الآكام إِذا أَنا بميت على رَأس حمال على فَرد بَاب وَعَلِيهِ عباءة فَقَالَ لي الْحمال يَا هَذَا إِن هَذَا الْمَيِّت رجل غَرِيب فَهَل لَك أَن تصلي عَلَيْهِ فَقلت فِي نَفسِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أَنا قَاعد لَهُ مُنْذُ الْيَوْم قَالَ فَصليت عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لي الْحمال ادخل معي حَتَّى نواريه فَنزلت فِي قَبره فصوبه عَليّ فأضجعته وحللت الْعقْدَة من عِنْد رَأسه فَالْتَفت الْمَيِّت إِلَيّ وَقَالَ سَوف أشكرك عِنْد الله غَدا يَا عمر ثمَّ عَاد كَمَا كَانَ ويروى عَن أبي عَليّ الرُّوذَبَارِي قَالَ قدم علينا فَقير فَمَاتَ فدفناه فَكشفت عَن خَدّه فَجَعَلته على التُّرَاب ليرحم الله غربته فَفتح عَيْنَيْهِ وَقَالَ يَا أَبَا عَليّ أتذللني بَين يَدي من يدللني فَقلت يَا سَيِّدي أحياة بعد الْمَوْت فَقَالَ بلَى أَنا محب لله وكل محب لله فَهُوَ حَيّ يَا روذباري لأنصرنك غَدا لجاهي عِنْده وَقَالَ أَبُو سعيد الخراز كنت بِمَكَّة فجزت على بَاب بني شَيْبه فَرَأَيْت بِهِ شَابًّا حسن الْوَجْه مَيتا فَنَظَرت فِي وَجهه فَتَبَسَّمَ فِي وَجْهي وَقَالَ يَا ابا سعيد أما علمت أَن الأحباء أَحيَاء وَإِن مَاتُوا فَإِنَّمَا ينقلون من دَار إِلَى دَار وَاعْلَم رَحِمك الله أَن الْمَيِّت وَإِن كَانَ لَا يتَكَلَّم فقد يسمع الله تَعَالَى كلَاما مِنْهُ ويريه على صُورَة حَيَاة بِشَارَة لَهُ بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ وَدَفنه إِيَّاه واشتغاله بِهِ وَقد حَدثنِي الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن يحيى الْقرشِي قَالَ لما مَاتَ أبي غسله المقريء أَبُو الْحسن بن عَطِيَّة فَقَالَ لي أَبُو الْحسن لما كشفت الثَّوْب عَن وَجهه لأغسله ضحك فِي وَجْهي لَا أَشك فِي ذَلِك وَلَا أرتاب وَإِذا جَازَ الْخَبَر الأول جَازَ هَذَا أَيْضا فَأَبُو الْقَاسِم وَأَبُو الْحسن صادقان عَدْلَانِ من أهل الْمعرفَة والذكاء وَذكر الْوَلِيد بن عُثْمَان وَكَانَ من الصَّالِحين قَالَ قدم علينا فِي إشبيليه رجل أسود فَأَقَامَ فِي الْمَسْجِد الَّذِي كنت فِيهِ ثمَّ انْتقل عَنهُ لعِلَّة أَصَابَته فَأَقَامَ فِي فرن يرقد فِيهِ على الْحَطب وَيتَصَدَّق عَلَيْهِ ثمَّ إِنَّه مَاتَ فنقلته إِلَى دَاري لأغسله فَكشفت عَنهُ الثَّوْب لأغسله فَبَيْنَمَا أَنا أغسله إِذْ رَأَيْت وَجهه قد ابيض بَيَاضًا شَدِيدا وَصَارَ مثل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر حسنا وَعم الْبيَاض وَجهه وعنقه خَاصَّة دون سَائِر جسده فراعني مَا رَأَيْت وأرعدت وأصابني دهش عَظِيم فَرددت الرِّدَاء على وَجهه وَخرجت فأنذرت جمَاعَة من أَصْحَابِي وَجئْت بهم معي وأعلمتهم قصَّته فَلَمَّا كشفوا الرِّدَاء عَن وَجهه راعهم حسنه وجماله وابيضاضه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وَسَائِر جسده أسود كَمَا كَانَ وتسامع النَّاس بِهِ فَمَا كدنا نبلغ قَبره إِلَى اللَّيْل من كَثْرَة الزحام على نعشه وَكَثْرَة من حضر جنَازَته رَحمَه الله ذكر هَذِه الْقِصَّة ابْن مغيث فِي كتاب التَّهَجُّد وَذكرهَا غَيره أَيْضا وَذكر عمر بن ذَر أَنه مَاتَ رجل من جِيرَانه وَكَانَ مُسْرِفًا على نَفسه فتحامى كثير من النَّاس جنَازَته فَلم يحضرها وحضرها عمر فَلَمَّا دفن وقف على قَبره فَقَالَ يَرْحَمك الله فَلَقَد عِشْت عمرك بِالتَّوْحِيدِ وعفرت وَجهك بِالسُّجُود وَإِن قَالُوا مذنب وَذُو خَطَايَا فَمن منا غير مذنب وَذي خَطَايَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الْبَاب الْخَامِس مَا يُقَال عِنْد حُضُور الْمَيِّت وَمَا جَاءَ فِي الْبكاء عَلَيْهِ ذكر مُسلم بن الْحجَّاج عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حضرتم الْمَرِيض أَو الْمَيِّت فَقولُوا خيرا فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ على مَا تَقولُونَ قَالَت فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلمَة أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله إِن أَبَا سَلمَة قد مَاتَ قَالَ قولي اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَله واعقبني مِنْهُ عُقبى حَسَنَة قَالَت فَفعلت فأعقبني الله من هُوَ خير لي مِنْهُ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعنها قَالَت دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي سَلمَة وَقد شقّ بَصَره فأغمضه ثمَّ قَالَ لي إِن الرّوح إِذا قبض تبعه الْبَصَر فَضَجَّ نَاس من أَهله فَقَالَ لَا تدعوا على أَنفسكُم إِلَّا بِخَير فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ على مَا تَقولُونَ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لأبي سَلمَة وارفع دَرَجَته فِي المهديين واخلفه فِي عقبه فِي الغابرين واغفر لنا وَله يَا رب الْعَالمين وافسح لَهُ فِي قَبره وَنور لَهُ فِيهِ وَأَبُو سَلمَة هَذَا كَانَ زوج أم سَلمَة وَعَن أم سَلمَة قَالَت لما مَاتَ أَبُو سَلمَة قلت غَرِيب وَفِي أَرض غربَة لأبكينه بكاء يتحدث بِهِ عَنهُ فَكنت قد تهيأت للبكاء عَلَيْهِ إِذْ أَقبلت امْرَأَة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الصَّعِيد تُرِيدُ أَن تسعدني فَاسْتَقْبلهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَن يدْخل الشَّيْطَان بَيْتا أخرجه الله مِنْهُ مرَّتَيْنِ قَالَ فكففت عَن الْبكاء فَلم أبك وَعَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما طعن عمر أُغمي عَلَيْهِ فصيح عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق قَالَ أما علمْتُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء الْحَيّ وَعَن عمر أَيْضا فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمعول عَلَيْهِ يعذب وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما مَاتَ عمر ذكرت ذَلِك لعَائِشَة يَعْنِي قَول عمر عَن رَسُول الله فِي الْبكاء على الْمَيِّت فَقَالَت يرحم الله عمر وَالله مَا حدث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطّ أَن الْمَيِّت يعب ببكاء أحد وَلكنه قَالَ إِن الله يزِيد الْكَافِر عذَابا ببكاء أَهله عَلَيْهِ وَقَالَت عَائِشَة حَسبك الْقُرْآن لَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى قَالَ وَقَالَ ابْن عَبَّاس عِنْد ذَلِك وَالله أضْحك وأبكي وَعَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ ذكر لعَائِشَة أَن ابْن عمر يرفع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمَيِّت يعذب فِي قَبره ببكاء أَهله فَقَالَت إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله إِنَّه ليعذب بخطيئته أَو بِذَنبِهِ وَإِن أَهله ليبكون عَلَيْهِ الْآن وَعَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن أَنَّهَا سَمِعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقد ذكر لَهَا أَن عبد الله بن عمر يَقُول إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء الْحَيّ فَقَالَت عَائِشَة يغْفر الله لأبي عبد الرَّحْمَن أما أَنه لم يكذب وَلكنه نسي أَو أَخطَأ إِنَّمَا مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيهوديه يبكى عَلَيْهَا فَقَالَ إِنَّهُم ليبكون عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لتعذب فِي قبرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 قد صَحَّ حَدِيث عمر وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي تَعْذِيب الْمَيِّت ببكاء الْحَيّ من حَدِيثهمَا وَصَحَّ أَيْضا من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من نيح عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يعذب بِمَا نيح عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِنَّمَا حدثت بِمَا سَمِعت وَأنْكرت مَا لم تسمع وَقَالَ بعض الْعلمَاء أَو أَكْثَرهم إِنَّمَا يعذب الْمَيِّت ببكاء الْحَيّ عَلَيْهِ إِذا كَانَ الْبكاء من سنة الْمَيِّت واختياره أَو يكون قد وَصِيّ بِهِ وَقد روى مَا يدل على أَن الْمَيِّت يُصِيبهُ عَذَاب مَا ببكاء الْحَيّ وَإِن لم يكن من سنته وَلَا من اخْتِيَاره وَلَا مِمَّا أوصى بِهِ ذكر ابْن أبي خَيْثَمَة من حَدِيث قيلة بنت مخرمَة وَذكرت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولدا لَهَا مَاتَ ثمَّ بَكت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيغلب أحدكُم أَن يصاحب صويحبه فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا فَإِذا حَال بَينه وَبَينه من هُوَ أولى بِهِ مِنْهُ اسْترْجع ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أثبني فِيمَا أمضيت وأعني على مَا أبقيت فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِن أحدكُم ليبكي فيستعبر إِلَيْهِ صويحبه فيا عباد الله لَا تعذبوا إخْوَانكُمْ وَإِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ ومساق هَذَا الحَدِيث يدل على أَن بكاء هَذِه لم يكن من اخْتِيَار ابْنهَا لِأَن ابْنهَا صَاحب من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا كَانَ هَذَا الْبكاء الْمَعْرُوف فِي الْجَاهِلِيَّة الَّذِي كَانَ من اخْتِيَار الْمَيِّت وَمِمَّا يُوصي بِهِ ذكر البُخَارِيّ من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير قَالَ أُغمي على عبد الله بن رَوَاحَة فَجعلت أُخْته تبْكي وَتقول واجبلاه واكذا واكذا تعدد عَلَيْهِ فَقَالَ حِين أَفَاق مَا قلت شَيْئا إِلَّا قيل لي أَأَنْت كَذَلِك فَلَمَّا مَاتَ لم تبك عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضا لم يكن من سنة عبد الله بن رَوَاحَة وَلَا من اخْتِيَاره وَلَا مِمَّا أوصى بِهِ لِأَن منصبه فِي الدّين أجل وَأَرْفَع من أَن كَانَ يَأْمر بِهَذَا أَو يُوصي بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَفِي هَذَا الْبَاب حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمَيِّت يعذب ببكاء الْحَيّ عَلَيْهِ إِذا قَالَت النائحة واعضداه واناصراه واكاسباه جذب الْمَيِّت وَقيل لَهُ أَأَنْت عضدها أَأَنْت ناصرها أَأَنْت كاسبها ذكره أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي الاستذكار وَأَيْضًا فَإِن الْبكاء عِنْد الْعَرَب يكون الْبكاء الْمَعْرُوف وَتَكون النِّيَاحَة وَقد يكون مَعهَا الصياح وَضرب الخدود وشق الْجُيُوب وَلَا أعلم خلافًا أَن ذَلِك حرَام وَقد ورد الْوَعيد على هَذَا كُله ذكر مُسلم بن الْحجَّاج رَحمَه الله من حَدِيث أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ وجع أَبُو مُوسَى وجعا فَغشيَ عَلَيْهِ وَرَأسه فِي حجر امْرَأَة من أَهله فصاحت امْرَأَة من أَهله فَلم يسْتَطع أَن يرد عَلَيْهَا شَيْئا فَلَمَّا أَفَاق قَالَ أَنا بَرِيء مِمَّن بَرِيء مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن رَسُول الله بَرِيء من الصالقة والحالقة والشاقة وَفِي لفظ آخر عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد وَأبي بردة قَالَا أُغمي على أبي مُوسَى فَأَقْبَلت امْرَأَته أم عبد الله تصيح برنة ثمَّ أَفَاق فَقَالَ ألم تعلمي وَكَانَ يحدثها أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ انابريء مِمَّن حلق وصلق وخرق الصالقة هِيَ الَّتِي ترفع صَوتهَا بالعويل عِنْد الْمُصِيبَة والحالقة الَّتِي تحلق شعرهَا عِنْد الْمُصِيبَة والشاقة الَّتِي تشق ثوبها كل ذَلِك عِنْد الْمُصِيبَة ذكر مُسلم أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ منا من ضرب الخدود وشق الْجُيُوب ودعا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَعَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اثْنَتَانِ فِي النَّاس هما بهم كفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الطعْن فِي النّسَب والنياحة على الْمَيِّت وَعَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَربع فِي أمتِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة لَا يتركوهن الْفَخر فِي الاحساب والطعن فِي الْأَنْسَاب وَالِاسْتِسْقَاء بالنجوم والنياحة على الْمَيِّت وَقَالَ النائحة على الْمَيِّت إِذا لم تتب قبل مَوتهَا تُقَام يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَيْهَا سربال من قطران وَدرع من جرب وَأما الْبكاء من غير نياحة فقد ورد فِيهِ الْإِبَاحَة وَهُوَ بكاء الرَّحْمَة والرأفة الَّتِي لَا يكَاد يَخْلُو مِنْهَا الْبشر وَلَا يُوجد قلب إِلَّا وَبِه مِنْهَا أثر وَقد قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ دَعْهُنَّ يبْكين على أبي سُلَيْمَان مَا لم يكن نقع أَو لقلقه وَالنَّقْع ارْتِفَاع الصَّوْت وَاللَّقْلَقَة تتَابع ذَلِك وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة قَالَ بَعضهم يُرِيد عمر بالنقع وضع التُّرَاب على الرَّأْس قَالَ أَبُو عبيد وَلَيْسَ النَّقْع عِنْدِي فِي هَذَا الحَدِيث إِلَّا الصَّوْت الشَّديد وَاللَّقْلَقَة رفع الصَّوْت وَأما حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْبَاب فِي إِبَاحَة الْبكاء من غير نياحة وَلَا صياح فَصَحِيح مَشْهُور ذكر مُسلم بن الْحجَّاج عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسلت إِلَيْهِ إِحْدَى بَنَاته تَدعُوهُ وَتُخْبِرهُ أَن صَبيا أَو ابْنا لَهَا فِي الْمَوْت فَقَالَ للرسول ارْجع إِلَيْهَا فَأَخْبرهَا أَن لله مَا أَخذ وَله مَا أعْطى وكل شَيْء عِنْده بِمِقْدَار بِأَجل الْمُسَمّى فَمُرْهَا فَلتَصْبِر ولتحتسب فَعَاد الرَّسُول فَقَالَ إِنَّهَا قد أَقْسَمت لَتَأْتِيَنَّهَا قَالَ فَقَامَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَ مَعَه سعد بن عبَادَة ومعاذ بن جبل وَأبي بن كَعْب وَزيد بن ثَابت وَرِجَال وَانْطَلَقت مَعَهم فَرفع إِلَيْهِ الصَّبِي وَنَفسه تقَعْقع كَأَنَّهَا شن فَفَاضَتْ عَيناهُ فَقَالَ لَهُ سعد بن عبَادَة مَا هَذَا يَا رَسُول الله قَالَ هَذِه رَحْمَة جعلهَا الله فِي قُلُوب الْعباد وَإِنَّمَا يرحم الله من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 عباده الرُّحَمَاء وَعَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولد لي اللَّيْلَة غُلَام سميته باسم أبي إِبْرَاهِيم وَذكر الحَدِيث وَفِيه فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّبِيِّ فضمه إِلَيْهِ وَقَالَ مَا شَاءَ الله أَن يَقُول قَالَ أنس لقد رَأَيْته وَهُوَ يكيد بِنَفسِهِ بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَمَعَتْ عينا رَسُول الله فَقَالَ تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب وَلَا نقُول إِلَّا مَا يُرْضِي رَبنَا وَالله يَا إِبْرَاهِيم إِنَّا بك لَمَحْزُونُونَ قَوْله يكيد بِنَفسِهِ يَعْنِي يَمُوت وَعَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ اشْتَكَى سعد بن عبَادَة شكوى لَهُ فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودهُ مَعَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن مَسْعُود فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ وجده فِي غشية فَقَالَ أوقد قضى قَالُوا لَا يَا رَسُول الله قَالَ فَبكى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رأى الْقَوْم بكاءه بكوا فَقَالَ أَلا تَسْمَعُونَ إِن الله عز وَجل لَا يعذب بدمع الْعين وَلَا بحزن الْقلب وَإِنَّمَا يعذب بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه أَو يرحم وَذكر أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ مَاتَ رجل من آل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاجْتمع النِّسَاء يبْكين عَلَيْهِ فَقَامَ عمر ينهاهن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعْهُنَّ يَا عمر فَإِن الْعين دامعة والفؤاد مصاب والعهد قريب وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَ قتل أبي يَوْم أحد فَجعلت أكشف الثَّوْب عَن وَجهه وأبكي وَجعل النَّاس ينهونني وَرَسُول الله لم ينهني وَجعلت عَمَّتي تبكيه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبكيه أَو لَا تبكيه مَا زَالَت الْمَلَائِكَة تظله بأجنحتها حَتَّى رفعتموه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ويروى عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لما مَاتَ عُثْمَان بن مَظْعُون كشف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّوْب عَن وَجهه وَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَبكى بكاء طَويلا فَلَمَّا رفع على السرير قَالَ طُوبَى لَك يَا عُثْمَان لم تلبسك الدُّنْيَا وَلم تلبسها وبكاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عُثْمَان بن مَظْعُون مَشْهُور وَذكره أَبُو دَاوُد وَغَيره وَأما نعي الْمَيِّت والإعلام بِمَوْتِهِ إِذا قصد بذلك اجْتِمَاع النَّاس للصَّلَاة عَلَيْهِ لما يَنَالهُ من دُعَائِهِمْ لَهُ واستغفارهم ورغبتهم إِلَى الله تَعَالَى فِيهِ وسؤالهم وَلما ينالون أَيْضا من ثَوَاب الصَّلَاة عَلَيْهِ فَمِنْهُ مَفْرُوض ومندوب إِلَيْهِ وَمِنْه غير جَائِر وَقد نعى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّجَاشِيّ للنَّاس فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَقَالَ اسْتَغْفرُوا لأخيكم وَخرج بِالنَّاسِ إِلَى الْمصلى فَصف بهم وَصلى عَلَيْهِ وَكبر أَربع تَكْبِيرَات وَكَانَ موت النَّجَاشِيّ بِبَلَد بعيد عَن مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر نعي النَّجَاشِيّ وَالصَّلَاة عَلَيْهِ مُسلم بن الْحجَّاج وَغَيره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره وَقد نعى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زيد بن حَارِثَة وجعفر بن أبي طَالب وَعبد الله بن رَوَاحَة نعاهم قبل أَن يَجِيء خبرهم وَعَيناهُ تَذْرِفَانِ وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَمُوت فِيكُم ميت إِلَّا أعلمتموني بِهِ فَأمر بِأَن يعلم بِكُل ميت من الْمُسلمين ليُصَلِّي عَلَيْهِ لما فِي صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْبركَة وَالرَّحْمَة ولإقامة سنته أَيْضا فِي الصَّلَاة على موتى الْمُسلمين وَفِي صَلَاة الْمُسلمين بَعضهم على بعض وَدُعَاء بَعضهم لبَعض وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صليتم على الْمَيِّت فأخلصوا لَهُ الدُّعَاء ذكره أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام من صلى على جَنَازَة وَلم يتبعهَا فَلهُ قِيرَاط فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 تبعها فَلهُ قيراطان قيل وَمَا القيراط قَالَ أصغرهما مثل أحد يُرِيد مثل جبل أحد ذكره مُسلم وَغَيره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره وَأما إِذا كَانَ نعي الْمَيِّت والإعلام بِمَوْتِهِ ليجمع النَّاس عَلَيْهِ على معنى التَّعْظِيم لَهُ والمصيبة بفقده والتفاخر بِمَا يجْتَمع لَهُ من النَّاس ويحضره من الْأَشْرَاف فَهَذَا لَا يجوز وعَلى هَذَا يخرج نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النعي ذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ إِذا مت فَلَا تؤذنوا بِي أحدا إِنِّي أَخَاف أَن يكون نعيا فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن النعي وَأما الْمَفْرُوض من هَذَا الْبَاب فَهُوَ ان يدعى للصَّلَاة على الْمَيِّت من تقوم بِهِ سنة الصَّلَاة عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الْبَاب السَّادِس مَا يحذر من سوء الخاتمة وَمَا سبق من ذَلِك لأكْثر الْخلق فِي السَّابِقَة اعْلَم رَحِمك الله أَن هَذَا أَمر إِذا ذكر حَقِيقَة ذكره انفطرت لَهُ الْقُلُوب وتشققت وانصدعت لَهُ الأكباد وتقطعت وَلَوْلَا أَن الْآجَال محدودة والأنفاس مَعْدُودَة فَلَا يتَجَاوَز ذَلِك الْمَحْدُود وَلَا يُزَاد على ذَلِك الْمَعْدُود لزهقت الْأَنْفس عِنْد أول ذكره زهوقا لَا تَجِد لسرعته طعم وَفَاة بل تكَاد تنعدم مَعَه انعداما لَا تعود مَعَه إِلَى وجود وَلَا حَيَاة وَلكنهَا مربوية مُدبرَة مقهورة مصرفة تخرج إِذا أذن لَهَا فِي الْخُرُوج وتلج إِذا أذن لَهَا فِي الولوج وَقد كتب عَلَيْهَا الْوُجُود والبقاء فَلَا انعدام وَلَا مطمع لَهَا فِي ذَلِك وَلَا مرام وَمَا يمْنَع الْقُلُوب رَحِمك الله من الانشقاق والانصداع والانفطار والانقطاع وَالَّذِي يلقى الْمَخْتُوم لَهُ بِهَذِهِ الخاتمة عَذَاب لَا تقوم السَّمَوَات وَالْأَرْض لِشِدَّتِهِ وَلَا آخر لمدته وَمَا منا أحد إِلَّا وَيخَاف أَن يكون هُوَ وَمَا الَّذِي أَمنه مِنْهُ وَمَا الَّذِي حاد بِهِ عَنهُ والخاتمة مغيبة وَالْعَاقبَة مستورة والأقدار غالبة وَالنَّفس كَمَا تَدْرِي والشيطان مِنْهَا بِحَيْثُ تَدْرِي وَهِي مصغية إِلَيْهِ ملتفتة نَحوه مقبلة عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وأنشدوا فِي هَذَا الْمَعْنى هِيَ النَّفس إِن تنظر إِلَى الْحق نظرة ... فَإِن لَهَا فِي غَيره نظرات وَإِن نهضت يَوْمًا إِلَى الله نهضة ... فَإِن لَهَا عَنهُ غَدا نهضات إِلَى الله أشكوها فبالله حولهَا ... وَبِاللَّهِ تمْضِي فِي الْأُمُور وَتَأْتِي كَذَا جرت الأقلام وانبرمت الْأَحْكَام فقسم الْخلق إِلَى قسمَيْنِ وفرقهم إِلَى فريقين شقي وَسَعِيد غوي ورشيد قريب وبعيد ذميم وَحميد ارْتِفَاع واتضاع واتصال وَانْقِطَاع إِجَابَة وَامْتِنَاع وانت يَا هَذَا مَا تَدْرِي بِمَا جرى سهمك وَلَا كَيفَ ثَبت فِي هَذِه الْأَسْمَاء اسْمك قد حكم الله بِمَا شَاءَ من ... وضع لمن شَاءَ وإعلاء وَقدر الْأَمر على مَا يرى ... من منع أَقوام وَإِعْطَاء وأبرمت أَحْكَامه فِي الورى ... من قبل بإسعاد وإشقاء وَأَنت لَا تَدْرِي بِمَاذَا جرت ... طيرك فِي مُحكم الأجواء هَل بشفاء أَو بِسَعْد وَهل ... مرت برشد أَو بإغواء فاقدح زناد الْخَوْف بَين الحشا ... واقنع من النّوم بإغفاء وابك على نَفسك حَتَّى ترى ... مَا اسْمك فِي مُثبت الْأَسْمَاء ورد فِي الْخَبَر الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الرجل ليعْمَل عمل أهل الْجنَّة فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَهُوَ من أهل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل عمل أهل النَّار فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَهُوَ من أهل الْجنَّة وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بالخواتيم وَرُوِيَ أَيْضا من طَرِيق آخر لَيْسَ فِيهِ فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَصَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ جف الْقَلَم بِمَا أَنْت لَاق وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفعت الأقلام وجفت الصُّحُف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ذكر هَذِه الْأَحَادِيث مُسلم وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَعند أحدهم مَا لَيْسَ عِنْد الآخر وَأنْشد بَعضهم قد جرت الأقلام فِي ذَا الورى ... بالختم من أَمر الْعَلِيم الْحَكِيم وخطت الشَّيْء على حكمه ... فِي علمه السَّابِق مِنْهُ الْقَدِيم فَمن سعيد وشقي وَمن ... مثر من المَال وعار عديم وَمن عَزِيز رَأسه فِي السهى ... وَمن ذليل وَجهه فِي التخوم وَمن صَحِيح شدت أَرْكَانه ... وَآخر واهي المباني سقيم كل على منهاجه سالك ... ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم فَانْظُر رَحِمك الله كَيفَ تقرعين عَاقل فِي هَذِه الدَّار وَكَيف يسْتَقرّ بِهِ فِيهَا قَرَار مَعَ هَذِه الْحَال وتوقع هَذَا الْمَآل واشتغال هَذَا الخاطر وتقسم هَذَا البال كلا لَا حُلُول لَهُ وَلَا قَرَار وَلَا ريع وَلَا دَار وَلَا قلب إِلَّا مستطار وَلَا نوم ينامه إِلَّا غرار حَتَّى يدْرِي أَيْن مسْقط رَأسه ومحط رجله وَمَا المورد والمنهل وَفِي أَي الْمحَال يحل وَفِي أَي الْمنَازل بعد الْمَوْت ينزل كَمَا قَالَ الأول وَكَيف تنام الْعين وَهِي قريرة ... وَلم تدر فِي أَي الْمنَازل تنزل وَقَالَ غَيره وَكَيف بِالنَّوْمِ على زأرة ... من أَسد تكشر أنيابه وانت فِي ذَا غير مستعتب ... فِي منزل قد كسرت أبوابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وثلمت بالروع حيطانه ... وَفرقت بالخوف حجابه لَكِن حجاب الْغَفْلَة الَّذِي غطى الْقُلُوب كثيف فَلَا يرى مَا وَرَاءه والوقر الَّذِي فِي الآذان عَظِيم فَلَا يسمع من نَاصح دعاءه روى فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يجاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار فَيُقَال يَا أهل الْجنَّة هَل تعرفُون هَذَا قَالَ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نعم هَذَا الْمَوْت ثمَّ يُقَال يَا أهل النَّار هَل تعرفُون هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نعم هَذَا الْمَوْت فَيذْبَح ثمَّ يُقَال يَا أهل الْجنَّة خُلُود فَلَا موت وَيَا أهل النَّار خُلُود فَلَا موت ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قضي الْأَمر وهم فِي غَفلَة وهم لَا يُؤمنُونَ} وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا وَقَالَ البُخَارِيّ {وهم فِي غَفلَة} وَهَؤُلَاء فِي غَفلَة أهل الدُّنْيَا وهم لَا يُؤمنُونَ فَانْظُر رَحِمك الله إِلَى عَظِيم هَذِه الْغَفْلَة وكثافة حجابها وَكَيف منعت من النّظر فِي هَذَا الحَدِيث والفكرة فِيهِ وَالْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ وَقد بَكَى أولو الْأَلْبَاب على هَذَا فَأَكْثرُوا وسهروا من أَجله اللَّيَالِي الطَّوِيلَة وأسهروا ورام عاذلوهم كفهم عَمَّا هم فِيهِ فَلم يقدروا وكلموهم فِي الإقصار فَلم يقصروا وَلم يسمعوا وَلم يبصروا وَذَلِكَ للْعلم الَّذِي لَاحَ لَهُم والتأييد الَّذِي شملهم والتوفيق الَّذِي قطع عَنْهُم مَا صدهم عَن طَرِيق الله عز وَجل وشغلهم وَرُبمَا هبت عَلَيْهِم نفحات الرَّجَاء فاستبشروا وَسَكنُوا من ذَلِك الهيجان وفتروا ثمَّ ذكرُوا مَا هم معرضون لَهُ فعادوا لما كَانُوا عَلَيْهِ من الِاجْتِهَاد وَرُبمَا زادوا عَلَيْهِ وَأَكْثرُوا وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُم لشدَّة خوفهم وَكَثْرَة جزعهم يحسبون كل صَيْحَة عَلَيْهِم ويظنون كل إِشَارَة إِنَّمَا يشار بهَا إِلَيْهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 كَمَا روى أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ سمع قَارِئًا يقْرَأ {وَالطور وَكتاب مسطور} قَالَ هَذَا قسم حق فَلَمَّا بلغ القاريء إِلَى قَوْله عز وَجل {إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع} ظن أَن الْعَذَاب قد وَقع بِهِ فَغشيَ عَلَيْهِ وَسمع آخر قَارِئًا يقْرَأ {خذوه فغلوه} أَو آيَة نَحْوهَا فَغشيَ عَلَيْهِ وَمر آخر على رجل يَبِيع الْخِيَار وَهُوَ يَقُول الْخِيَار عشرَة بدانق فَغشيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق قيل لَهُ مِم غشي عَلَيْك فَقَالَ أوما سمعته يَقُول الْخِيَار الْعشْرَة بدانق وَإِذا كَانَت قيمَة الْخِيَار هَذِه فكم تكون قيمتي وَقِيمَة أمثالي فَانْظُر إِلَى هَذَا لم يلق باله إِلَى أَنه الْخِيَار الْمَأْكُول لشدَّة خَوفه وَسُوء ظَنّه بِنَفسِهِ وَالْأَخْبَار فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة فلتسلك رَحِمك الله على منهاج هَؤُلَاءِ الْعُقَلَاء ولتمش على آثَار هَؤُلَاءِ الْفُضَلَاء ولتتزين بزينة هَؤُلَاءِ الْحُكَمَاء وأدم حسرتك وأطل زفرتك وامزج بِدَم الْفُؤَاد عبرتك وابك ثمَّ ابك وصل الْبكاء بالبكاء والأسى بالأسى حَتَّى تنكشف لَك هَذِه الغشاوة وتنجلي عَنْك هَذِه العماية كَمَا قَالَ الأول وَقد دعِي إِلَى الْخلَافَة وَكَانَ قد تعرض لَهُ متعرض دونهَا رويدك حَتَّى تنظري عَم تنجلي ... عماية هَذَا الْعَارِض المتألق وَبكى سُفْيَان الثَّوْريّ لَيْلَة إِلَى الصَّباح فَقيل لَهُ أبكاؤك هَذَا على الذُّنُوب فَأخذ تبنة من الأَرْض وَقَالَ الذُّنُوب أَهْون من هَذِه إِنَّمَا أبْكِي خوف الخاتمة وَبكى سُفْيَان وَغير سُفْيَان لِأَنَّهُ الْأَمر الَّذِي يبكى عَلَيْهِ وَيصرف الاهتمام كُله إِلَيْهِ وَقَالَ الْقَائِل وَالَّذِي أبكى الجفون دَمًا ... فغدت من ذَاك فِي غدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 سَابق لم يدر كَيفَ جرى ... فِي الْقَضَاء الحتم وَالْقدر وَأُمُور فِي الورى خفيت ... عَن ذَوي الْأَلْبَاب وَالنَّظَر فدع الأنفاس صاعدة ... ودموع الْعين تنحدر وابك لَا جَفتْ دموعك مَا ... ضَاعَ من أيامك الْغرَر وَقد قيل لَا تكف دمعك حَتَّى ترى فِي الْمعَاد ربعك وَقيل لَا تكحل عَيْنك بنوم حَتَّى ترى حالك بعد الْيَوْم وَقيل لَا تبت وَأَنت مسرور حَتَّى تعلم عَاقِبَة الْأُمُور وَقيل لَا يخصب لَك الجناب وَلَا تأنس بكعاب حَتَّى ترى مَا خطّ لَك فِي أم الْكتاب وتستبين الْعَاقِبَة والمآب وَأنْشد حاسب النَّفس قبل يَوْم الْحساب ... وأذقها الْعَذَاب قبل الْعَذَاب وأصبها من الأسى بشواظ ... ينضج اللَّحْم قبل نضج الإهاب وَإِذا مَا بَكَيْت يَوْمًا بدمع ... فبدمع من الْفُؤَاد مشاب وحذار حذار أَن تتهنا ... بِطَعَام تناله أَو شراب أَو مَنَام تنام بِاللَّيْلِ حَتَّى ... تستبين الْمَآل يَوْم المآب وَقيل يَا ابْن آدم الأقلام عَلَيْك تجْرِي وَأَنت فِي غَفلَة لَا تَدْرِي يَا ابْن آدم دع المغاني والأوطار والمنازل والديار والتنافس فِي هَذِه الدَّار حَتَّى ترى مَا فعلت فِي أَمرك الأقدار وَسمع بعض الصَّالِحين منشدا ينشد أيا راهبي نَجْرَان مَا فعلت هِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 فَبكى ليلته كلهَا فَلَمَّا أصبح قيل لَهُ مَا كَانَ شَأْنك البارحة وَمَا الَّذِي أبكاك فَقَالَ سَمِعت منشدا ينشد ايا راهبي نَجْرَان مَا فعلت هِنْد فَقلت فِي نَفسِي مَا فعلت الأقدار فِي وماذا جرت بِهِ عَليّ وَقد علمت رَحِمك الله أَن النَّاس صنفان صنف مقرب مصان وَآخر مبعد مهان صنف نصبت لَهُ الأسرة والحجال وجمعت لَهُم الرغائب والآمال والأرائك والكلال وَآخَرُونَ أعدت لَهُم الأراقم والصلال والمقامع والأغلال وضروب الْأَهْوَال والأنكال وَأَنت لَا تعلم من أَيهمَا أَنْت وَلَا فِي أَي الْفَرِيقَيْنِ كتبت وأنشدوا نزلُوا بِمَكَّة من قبائل نَوْفَل ... وَنزلت بِالْبَيْدَاءِ أبعد منزل وتقلبوا فرحين تَحت ظلالهم ... وطرحت بالصحراء غير مظلل وَسقوا من الصافي الْمُعْتق رَبهم ... وسقيت دمعة واله متململ يَا قسْمَة قسمت وَلم يعلم بهَا ... وَقَضِيَّة ثبتَتْ لأمر الأول هَل فِيك للْملك الْمُهَيْمِن نظرة ... فتزيل من دَاء البعاد المعضل فَأجَاب يسمع نَفسه عَن نَفسه ... وَالْعقل يسْمعهَا إِذا لم تعقل هَيْهَات قد سبق الْقَضَاء بِمَا ترى ... فَاكْفُفْ سؤالك بعد ذَا أَو فاسأل الْبَيْت الأول قديم وَقيل من قعد بِهِ جده لم ينْهض بِهِ جده قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي كَانَ أَبُو عَليّ الدقاق كثيرا مَا ينشد مَا حيلتي تفعل الأقدار مَا أمرت ... وَالنَّاس مَا بَين ذِي غي وَذي رشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وَقَالَ إِذا كَانَ الرِّضَا وَالْغَضَب صفة أزلية فَمَا تَنْفَع الأذيال المقصرة والأقدام المورمة وَالْوُجُوه المصفرة وَقيل يَا ابْن آدم أَي شَيْء يمنعك وَأي مَكَان يَعْصِمك إِذا كَانَت الأقدار تطلبك وَمر على بعض الصَّالِحين بِيَهُودِيٍّ ميت قد أوصى أَن يدْفن بِبَيْت الْمُقَدّس فَقَالَ أيكابر هَؤُلَاءِ الأقدار أما علمُوا أَنهم لَو دفنُوا فِي الفردوس الْأَعْلَى لجاءت لظى بأنكالها حَتَّى تَأْخُذهُ إِلَيْهَا وتنطلق بِهِ مَعهَا وَقَالَ آخر من حكم لَهُ بالسعادة لَا يشقى أبدا وَإِن ألح غاويه وَكثر معاديه وأحيط بِهِ من جَمِيع نواحيه وَمن حكم لَهُ بالشقاوة لَا يسْعد أبدا وَإِن عمر نَادِيه وأخصب واديه وَحسنت أواخره ومباديه كم من عَابِد ظَهرت عَلَيْهِ أنوار الْعِبَادَة وآثار الْإِرَادَة وبدت مِنْهُ مخايل السَّعَادَة وارتفع صيته وانتشر فِي الْآفَاق ذكره وَعظم فِي النَّاس شَأْنه وَقدره جمحت الأقدار بِهِ جمحة ردته على عَقِبَيْهِ وسلبته مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ وَأخذت بناءه من قَوَاعِده فألقته عَلَيْهِ فنعوذ بِاللَّه من دَرك الشَّقَاء وَجهد الْبلَاء وشماتة الْأَعْدَاء برحمته وَأعلم رَحِمك الله أَن لسوء الخاتمة أعاذنا الله مِنْهَا أسبابا وَلها طرق وأبواب أعظمها الإكباب على الدُّنْيَا والإعراض عَن الْأُخْرَى والإقدام بالمعصية على الله تَعَالَى وَرُبمَا غلب على الْإِنْسَان ضرب من الْخَطِيئَة وَنَوع من الْمعْصِيَة وجانب من الْإِعْرَاض وَنصِيب من الافتراء فَملك قلبه وسبى عقله وأطفأ نوره وَأرْسل عَلَيْهِ حجبه فَلم تَنْفَع فِيهِ تذكرة وَلَا نجعت فِيهِ موعظة فَرُبمَا جَاءَهُ الْمَوْت على ذَلِك فَسمع النداء من مَكَان بعيد فَلم يتَبَيَّن المُرَاد وَلَا علم مَا أَرَادَ وان أعَاد عَلَيْهِ وَأعَاد يرْوى أَن بعض رجال النَّاصِر بن علناس نزل بِهِ الْمَوْت فَجعل ابْنه يَقُول لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ النَّاصِر يَا مولَايَ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَأَعَادَ هُوَ ثمَّ أَصَابَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 غشية فَلَمَّا أَفَاق قَالَ النَّاصِر أمولاي ثمَّ قَالَ لِابْنِهِ يَا فلَان النَّاصِر إِنَّمَا يعرفك بسيفك فالقتل ثمَّ الْقَتْل ثمَّ مَاتَ وَقيل لآخر وَقد نزل بِهِ الْمَوْت قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ الدَّار الْفُلَانِيَّة أصلحوا فِيهَا كَذَا والجنان الْفُلَانِيّ افعلوا فِيهِ كَذَا هَذَا فِيمَا حدثت عَنهُ وَلم أشهده وَفِيمَا أذن لي أَبُو طَاهِر السلَفِي أَن أخطه فِي الدِّيوَان الَّذِي وَقع فِيهِ هَذَا الحَدِيث أَن رجلا نزل بِهِ الْمَوْت فَقيل لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَجعل يَقُول بِالْفَارِسِيَّةِ ده يازده دوازده تَفْسِيره عشرَة أحد عشر اثْنَا عشر كَانَ هَذَا الرجل من أهل الْعَمَل والديوان فغلب عَلَيْهِ الْحساب وَالْمِيزَان كَمَا رُوِيَ ان رجلا نزل بِهِ الْمَوْت فَقيل لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَجعل يَقُول أَيْن الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب وَهَذَا الْكَلَام فِيهِ قصَّة وَذَلِكَ أَن رجلا كَانَ وَاقِفًا على بَاب دَاره وَكَانَ بَابهَا يسبه بَاب حمام فمرت بِهِ جَارِيَة لَهَا منظر وَهِي تَقول أَيْن الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب فَقَالَ لَهَا هَذَا حمام منْجَاب وَأَشَارَ إِلَى دَاره فَدخلت الدَّار فَدخل وَرَاءَهَا فَلَمَّا رَأَتْ نَفسهَا مَعَه فِي دَاره وَلَيْسَت بحمام علمت أَنه خدعها فأظهرت لَهُ الْبشر والفرح باجتماعها مَعَه على تِلْكَ الْخلْوَة فِي تِلْكَ الدَّار وَقَالَت لَهُ يصلح أَن يكون عندنَا مَا يطيب بِهِ عيشنا وتقر بِهِ عيوننا فَقَالَ لَهَا السَّاعَة آتِيك بِكُل مَا تريدين وَبِكُل مَا تشتهين وَخرج فَتَركهَا فِي الدَّار وَلم يغلقها وَتركهَا مَفْتُوحَة على حَالهَا وَمضى فَأخذ مَا يصلح لَهما وَرجع وَدخل الدَّار فَوَجَدَهَا قد خرجت وَذَهَبت وَلم يجد لَهَا أثرا فهام الرجل بهَا وَأكْثر الذّكر لَهَا والجزع عَلَيْهَا وَجعل يمشي فِي الطّرق والأزقة وَهُوَ يَقُول يَا رب قائلة يَوْمًا إِذا بلغت ... أَيْن الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب وَبعد اشهر مر فِي بعض الْأَزِقَّة وَهُوَ ينشد هَذَا الْبَيْت وَإِذا بِجَارِيَة تجاوبه من طاق وَهِي تَقول هلا جعلت لَهَا إِذْ ظَفرت بهَا ... حرْزا على الدَّار أَو قفلا على الْبَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فَزَاد هيمانه وَاشْتَدَّ هيجانه وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى كَانَ من أمره مَا ذكر فنعوذ بِاللَّه من المحن والفتن ويروى أَن رجلا عشق شخصا وَاشْتَدَّ كلفه بِهِ وَتمكن حبه من قلبه حَتَّى وَقع لما بِهِ وَلزِمَ الْفراش من أَجله وتمنع ذَلِك الشَّخْص وَاشْتَدَّ نفاره عَنهُ فَلم تزل الوسائط تمشي بَينهمَا حَتَّى وعد بِأَن يعودهُ فَأخْبر بذلك البائس ففرح وَاشْتَدَّ سروره وانجلى غمه وَجعل ينْتَظر الميعاد الَّذِي ضرب لَهُ فَبَيْنَمَا هُوَ على ذَلِك إِذْ جَاءَهُ الْمَاشِي بَينهمَا وَقَالَ إِنَّه وصل معي إِلَى بعض الطَّرِيق وَرجع فرغبت إِلَيْهِ وكلمته فِي إنجاز وعده وَالْوَفَاء بعهده فَقَالَ إِنِّي أَخَاف الفضيحة وَلَا أَدخل مدَاخِل السوء والريب وَلَا أعرض نَفسِي لمواقع التهم وَسَأَلته فَأبى وَانْصَرف فَلَمَّا سمع اليائس هَذَا سقط فِي يَده وَعَاد إِلَى أَشد مِمَّا كَانَ بِهِ وبدت علائم الْمَوْت وأماراته عَلَيْهِ قَالَ الرَّاوِي فَسَمعته يَقُول وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَال سَلام يَا رَاحَة العليل ... وبرء دَاء المدنف النحيل لقاك اشهى إِلَى فُؤَادِي ... من رَحْمَة الْخَالِق الْجَلِيل قَالَ فَقلت لَهُ يَا فلَان اتَّقِ الله فَقَالَ قد كَانَ فَقُمْت عَنهُ فَمَا جَاوَزت بَاب دَاره حَتَّى سَمِعت صَيْحَة الْمَوْت قد قَامَت عَلَيْهِ فنعوذ بِاللَّه من سوء الْعَاقِبَة وشؤم الخاتمة بكرمه وَاعْلَم أَن سوء الخاتمة أعاذنا الله مِنْهَا لَا يكون لمن استقام ظَاهره وَصلح بَاطِنه وَإِنَّمَا يكون ذَلِك لمن كَانَ لَهُ فَسَاد فِي الْعقل وإصرار على الْكَبَائِر وإقدام على العظائم فَرُبمَا غلب ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى ينزل بِهِ الْمَوْت قبل التَّوْبَة ويثب عَلَيْهِ قبل الْإِنَابَة وَيَأْخُذهُ قبل إصْلَاح الطوية فيصطلمه الشَّيْطَان عِنْد تِلْكَ الصدمة ويختطفه عِنْد تِلْكَ الدهشة وَالْعِيَاذ بِاللَّه ثمَّ العياذ بِاللَّه أَن يكون لمن كَانَ مُسْتَقِيمًا لم يتَغَيَّر عَن حَاله وَيخرج عَن سنته وَيَأْخُذ فِي غير طَرِيقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 فَيكون ذَلِك سَببا لسوء الخاتمة وشؤم الْعَاقِبَة وَالْعِيَاذ بِاللَّه إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم سوءا فَلَا مرد لَهُ وَمَا لَهُم من دونه من وَال وَقد سَمِعت بِقصَّة بلعام بن باعوراء وَمَا كَانَ آتَاهُ الله من آيَاته وأطلعه عَلَيْهِ من بيناته وَمَا أرَاهُ من عجائب ملكوته أخلد إِلَى الأَرْض وَاتبع هَوَاهُ فسلبه الله سُبْحَانَهُ جَمِيع مَا أعطَاهُ وَتَركه مَعَ من استماله وأغواه ويروى أَنه كَانَ بِمصْر رجل يلْزم مَسْجِدا للأذان وَالصَّلَاة فِيهِ وَعَلِيهِ بهاء الطَّاعَة وأنوار الْعِبَادَة فرقي يَوْمًا المنارة على عَادَته للأذان وَكَانَ تَحت المنارة دَار لذِمِّيّ نَصْرَانِيّ فَاطلع فِيهَا فَرَأى ابْنة صَاحب الدَّار فَافْتتنَ بهَا فَترك الْأَذَان وَنزل إِلَيْهَا وَدخل الدَّار عَلَيْهَا فَقَالَت لَهُ مَا شَأْنك وَمَا تُرِيدُ فَقَالَ أَنْت أُرِيد قَالَت لماذا قَالَ لَهَا قد سلبت لبي وَأخذت بِمَجَامِع قلبِي قَالَت لَهُ لَا أجيبك إِلَى رِيبَة قَالَ لَهَا أتزوجك قَالَت أَنْت مُسلم وَأَنا نَصْرَانِيَّة وَأبي لَا يزوجني مِنْك قَالَ لَهَا أتنصر قَالَت إِن فعلت أفعل فَتَنَصَّرَ الرجل ليتزوجها وَأقَام مَعَهم فِي الدَّار فَلَمَّا كَانَ فِي أثْنَاء ذَلِك الْيَوْم رقى إِلَى سطح كَانَ فِي الدَّار فَسقط مِنْهُ فَمَاتَ فَلَا هُوَ بهَا اتَّصل وَلَا هُوَ بِدِينِهِ حصل فنعوذ بِاللَّه ثمَّ نَعُوذ بِاللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الْبَاب السَّابِع تلقين الْمَيِّت بعد الدّفن وَالدُّعَاء لَهُ وَقِرَاءَة الْقُرْآن عِنْده وَذكر محاسنه وَالسُّكُوت عَن مساوئه يرْوى عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ أحدكُم فسويتم التُّرَاب عَلَيْهِ فَليقمْ أحدكُم على رَأس قَبره ثمَّ يَقُول يَا فلَان ابْن فُلَانَة فَإِنَّهُ يسمع وَلَا يُجيب ثمَّ ليقل يَا فلَان ابْن فُلَانَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يَسْتَوِي جَالِسا ثمَّ ليقل يَا فلَان ابْن فُلَانَة فَإِنَّهُ يَقُول أرشدنا يَرْحَمك الله وَلَكِنَّكُمْ لَا تَسْمَعُونَ فَيَقُول اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من دَار الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنَّك رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا فَإِن مُنْكرا ونكيرا يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بيد صَاحبه وَيَقُول انْطلق بِنَا مَا يقعدنا عِنْد هَذَا وَقد لقن حجَّته وَيكون الله حجيجهما دونه فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله فَإِن لم تعرف أمه قَالَ ينْسبهُ إِلَى أمه حَوَّاء ويروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه حضر جَنَازَة رجل فَلَمَّا دفن قَالَ سلوا الله لأخيكم التثبيت فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل وَعَن بعض الصَّالِحين أَنه قَالَ مَاتَ أَخ لي فرأيته فِي النّوم فَقلت يَا أخي مَا كَانَ حالك حِين وضعت فِي قبرك قَالَ أَتَانِي آتٍ بشهاب من نَار فلولا أَن دَاعيا دَعَا لي لهلكت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 قَالَ شبيب بن أبي شيبَة أوصتني أُمِّي عِنْد مَوتهَا فَقَالَت لي يَا بني إِذا دفنتني فَقُمْ عِنْد قَبْرِي وَقل يَا أم شيبَة قولي لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فَلَمَّا دفنتها قُمْت عِنْد قبرها فَقلت يَا أم شيبَة قولي لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ انصرفت فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل رَأَيْتهَا فِي الْمَنَام فَقَالَت لي يَا بني كدت أَن أهلك لَوْلَا أَن تداركني لَا إِلَه إِلَّا الله فَلَقَد حفظت وصيتي يَا بني وروى أَن رجلا قَالَ رَأَيْت رجلا وَقد ذكر رجلا مَعْرُوفا قَالَ رَأَيْته فِي النّوم وَكَأَنَّهُ قد مَاتَ وَحمل إِلَى قَبره وَكنت مِمَّن شهده فرأيته قد وضع فِي قَبره فَرَأَيْت بَابا قد فتح فِي جَانب الْقَبْر كَأَنَّهُ بَاب مغارة وَهِي مَمْلُوءَة ظلمَة فَخرج من ذَلِك الْبَاب أسدودان مهيبا المنظر فأخذا ذَلِك الْمَيِّت وَجعلا يجذبانه إِلَى المغارة وَالْمَيِّت سَاكِت فَبَيْنَمَا هما كَذَلِك إِذْ أقبل رجل كَانَ مَشْهُورا بِالْعبَادَة وَكَانَ ذَلِك الْمَيِّت يحسن إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ الْمَيِّت اسْتَغَاثَ بِهِ يَا فلَان فَقَالَ ذَلِك الرجل سَلام لَا بَأْس وَأخذ بِيَدِهِ واستنقذه الرجل ذَلِك الْمَيِّت ثمَّ صعد بِهِ إِلَى السَّمَاء قَالَ الرَّاوِي فَاسْتَيْقَظت فَوجدت ذَلِك الرجل المجذوب قد مَاتَ وَكنت مِمَّن شهد جنَازَته فَأول أهل الْعلم بالتأويل ان ذَلِك الجذب الَّذِي كَانَ النَّاس يجذبون ذَلِك الْمَيِّت دعاؤهم لَهُ ورغبتهم إِلَى الله فِيهِ وَأخذ ذَلِك الرجل بيد الْمَيِّت هُوَ دعاؤه لَهُ وثواب الْخَيْر الَّذِي كَانَ يعْمل مَعَه وروى مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن شماسَة الْمهْدي قَالَ حَضَرنَا عمر بن الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاق الْمَوْت فَبكى طَويلا ثمَّ حول وَجهه إِلَى الْجَار فَجعل ابْنه يَقُول مَا يبكيك يَا أبتاه أما بشرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكَذَا أما بشرك بِكَذَا قَالَ فَأقبل بِوَجْهِهِ وَقَالَ إِن أفضل مَا نعد شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله إِنِّي كنت على أطباق ثَلَاثَة لقد رَأَيْتنِي وَمَا أحد أَشد بغضا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني وَلَا أحب إِلَيّ أَن أكون قد تمكنت مِنْهُ فَقتلته فَلَو مت على تِلْكَ الْحَال لَكُنْت من أهل النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فَلَمَّا جعل الله الْإِسْلَام فِي قلبِي أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت ابْسُطْ يَمِينك أُبَايِعك فَبسط يَمِينه فقبضت يَدي قَالَ مَالك يَا عَمْرو قلت أردْت أَن اشْترط قَالَ تشْتَرط مَاذَا قلت أَن يغْفر لي قَالَ أما علمت أَن الْإِسْلَام يهدم مَا كَانَ قبله وَأَن الْهِجْرَة تهدم مَا كَانَ قبلهَا وَأَن الْحَج يهدم مَا كَانَ قبله وَمَا كَانَ أحد أحب إِلَيّ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أجل فِي عَيْني مِنْهُ وَمَا كنت أُطِيق أَن أملأ عَيْني مِنْهُ إجلالا لَهُ فَلَو سُئِلت أَن أصفه لم أطق ذَلِك لِأَنِّي لم أكن أملأ عَيْني مِنْهُ إجلالا لَهُ فَلَو مت على تِلْكَ الْحَال لرجوت أَن أكون من أهل الْجنَّة ثمَّ ولينا أَشْيَاء وَمَا أَدْرِي مَا حَالي فِيهَا فَإِذا أَنا مت فَلَا تصحبني نائحة وَلَا نَار فَإِذا دفنتموني فَشُنُّوا عَليّ التُّرَاب شنا ثمَّ أقِيمُوا حول قَبْرِي قد مَا ينْحَر جزور وَيقسم لَحمهَا حَتَّى أستأنس بكم وَانْظُر مَاذَا أراجع بِهِ رسل رَبِّي قَوْله حَتَّى استأنس بكم يُرِيد أَن يسْتَأْنس بدعائهم لَهُ وبذكرهم الله عز وَجل عِنْده وروى أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ من حَدِيث معقل بن يسَار الْمُزنِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اقرأوا يس على مَوْتَاكُم فَيحْتَمل أَن تكون هَذِه الْقِرَاءَة عِنْد مَوته وَيحْتَمل أَن تكون عِنْد قَبره ويروى عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه أَمر أَن يقْرَأ عِنْد قَبره سُورَة الْبَقَرَة وَقد روى إِبَاحَة الْقِرَاءَة عِنْد الْقَبْر الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن ويروى أَيْضا أَن أَحْمد بن حَنْبَل رَجَعَ إِلَى هَذَا بَعْدَمَا كَانَ يُنكره وَذكر أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اذْكروا محَاسِن مَوْتَاكُم وَكفوا عَن مساوئهم وَعَن عَائِشَة أَيْضا قَالَت ذكر عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَالك بِسوء فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَذكرُوا هلكاكم إِلَّا بِخَير وروى البُخَارِيّ عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تسبوا الْأَمْوَات فَإِنَّهُم قد أفضوا إِلَى مَا قدمُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الْبَاب الثَّامِن ذكر الْقُبُور اعْلَم رَحِمك الله أَن فِي الْقَبْر وظلمته وضيقه ووحشته وَطرح الْمَيِّت فِيهِ غير موسد وَلَا ممهد قد بَاشر الثرى وواجه البلى وَترك دُنْيَاهُ للورى ونبذ مِنْهَا مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ بالعراء مَعَ حبيب تَركه وَقَرِيب أسلمه ونصير أفرده وَترك مَا كَانَ عَهده مَا يفطم النُّفُوس عَن الشَّهَوَات وَإِن كَانَت صعبة الْفِطَام ويقطعها عَن اللَّذَّات وَإِن كَانَ قطعهَا بعيد المرام إِذا بحث عَن الْحَقِيقَة وَنظر بِعَين البصيرة وَسمع النداء من قريب بَيْنَمَا الْمَرْء فِي بلهنية مرتكضا فِي أمْنِيته غافلا عَن يَوْم صرعته ومنيته قد فتح للهو بَابه وَأرْسل عَلَيْهِ حجابه وَلم يبال بِمن لامه فِي ذَلِك أَو عابه إِذْ هجمت عَلَيْهِ الْمنية فهتكت أستاره وكسفت أنواره وطمست أَعْلَامه وآثاره فَأَخْرَجته من ذَلِك الْقصر المشيد والمنزل المنجد وَالْمَتَاع المزخرف المنضد إِلَى حُفْرَة من الأَرْض سَوْدَاء ضيقَة الجوانب والأرجاء مَمْلُوءَة من القرع والرعب مَا شَاءَ فحذار رَحِمك الله حذار أَن تنْزع هَذَا المنزع وبدار عصمك الله بدار أَن تصرع هَذَا المصرع فيفت فِي عضدك وَيسْقط فِي يدك وَيَرْمِي بك عَن أهلك وولدك فِي مهواة تزدحم فِيهَا الْأَهْوَال وتنقطع فِيهَا الآمال قد جمعت فِيهَا جمعا ورصعت فِيهَا رصعا وَتركت للهوام والدود طعما ومرعى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وأنشدوا يَا نَائِما والمنون يقْضى ... وغائبا وَالْحمام أوفى جَاءَك أَمر وَأي أَمر ... طم على غَيره وَعفى هَل بعد هَذَا المشيب شَيْء ... غير تُرَاب عَلَيْك يحفى فَلَيْسَ ذَا الْأَمر بالهويني ... وَلَا بِشَيْء عَلَيْك يخفى من بَعْدَمَا الْمَرْء فِي براح ... يَهْتَز تيها بِهِ وظرفا سَاكن نفس قرير عين ... يرشف ثغر النَّعيم رشفا إِذْ عصفت فِي ذراه ري ... ح تقصف كل الظُّهُور قصفا فَبَاتَ فِي أَهله حصيدا ... قد جعفته الْمنون جعفا فَعَاد ذَاك النَّعيم بؤسا ... وَصَارَ ذَاك السّكُون رجفا وسيق سوقا إِلَى ضريح ... يرصف بالرغم فِيهِ رصفا وَبَات للدود فِيهِ طعما ... وللهوام العطاش رشفا وليته لم يكن رهينا ... بِكُل مَا قد هفا وأهفا ولعلك قد كنت فِي الدُّنْيَا مِمَّن يشكو تَبْدِيل الْمنَازل وَإِن كَانَت حسانا وَيكثر فِيهِ تلونا وافتنانا وَلَا ترى لِرَبِّك عز وَجل فِيهَا تفضلا وَلَا امتنانا فَانْظُر الْآن كم بَين المنزلتين وَكم قدر مَا بَين الوحشتين إِلَّا أَن يدركك فيض الرَّحْمَة وتغشاك رَوَائِح الْمِنَّة فتتسع من الْقَبْر أقطاره وتمتد أنواره وَيكثر مؤنسوه وزواره وأنشدوا فِي هَذَا الْمَعْنى من كَانَ يوحشه تَبْدِيل منزله ... وَأَن يُبدل مِنْهَا منزلا حسنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 مَاذَا يَقُول إِذا ضمت جوانبها ... عَلَيْهِ وَاجْتمعت من هَا هُنَا وَهنا مَاذَا يَقُول إِذا أَمْسَى بحفرته ... فَردا وَقد فَارق الأهلين والسكنا هُنَاكَ يعلم قدر الوحشتين وَمَا ... يلقاه من بَات باللذات مرتهنا يَا غَفلَة ورماح الْمَوْت شارعة ... والشيب ألْقى برأسي نَحوه الرسنا وَلم أعد مَكَانا للنزولا وَلَا ... أَعدَدْت زادا وَلَكِن غرَّة وَمنى إِن لم يجد من توالى جوده أبدا ... ويعف من عَفوه من طالبيه دنا فيا إلهي ومزن الْجُود واكفة ... سَحا فتمطرنا الأفضال والمننا آنس هُنَالك يَا رَحْمَن وحشتنا ... والطف بِنَا وترفق عِنْد ذَاك بِنَا نَحن العصاة وانت الله ملجؤنا ... وَأَنت مقصدنا الأسني ومطلبنا فَكُن لنا عِنْد بأساها وشدتها ... أولى فَمن ذَا الَّذِي بهَا يكون لنا وَكَانَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ إِذا وقف على قبر بَكَى حَتَّى يبل لحيته فَقيل لَهُ تذكر الْجنَّة وَالنَّار فَلَا تبْكي وتبكي من هَذَا فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْقَبْر أول منزل من منَازِل الْآخِرَة فَإِن نجا مِنْهُ صَاحبه فَمَا بعده أيسر مِنْهُ وَإِن لم ينبح مِنْهُ فَمَا بعده أَشد مِنْهُ وَسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا رَأَيْت منظر قطّ إِلَّا والقبر أفظع مِنْهُ ذكره التِّرْمِذِيّ وَذكر التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصَلَّاهُ فَرَأى أُنَاسًا كَأَنَّهُمْ يكثرون فَقَالَ أما أَنكُمْ لَو أَكثرْتُم ذكر هَادِم اللَّذَّات لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أرى أَكْثرُوا ذكر هَادِم اللَّذَّات الْمَوْت فَإِنَّهُ لم يَأْتِ على الْقَبْر يَوْم إِلَّا تكلم فِيهِ فَيَقُول أَنا بَيت الغربة أَنا بَيت الْوحدَة أَنا بَيت التُّرَاب أَنا بَيت الدُّود والهوام فَإِذا دفن العَبْد الْمُؤمن قَالَ لَهُ الْقَبْر مرْحَبًا وَأهلا أما إِن كنت لأحب من يمشي على ظَهْري إِلَيّ فإد وليتك الْيَوْم وصرت إِلَيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 فسترى صنعي بك قَالَ فيفسح لَهُ مد بَصَره وَيفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة وَإِذا دفن العَبْد الْفَاجِر أَو الْكَافِر قَالَ لَهُ الْقَبْر لَا مرْحَبًا وَلَا أَهلا أما إِن كنت لمن أبْغض من يمشي على ظَهْري إِلَيّ فَإِذا وليتك الْيَوْم وصرت إِلَيّ فسترى صنعي بك قَالَ فيلتئم عَلَيْهِ حَتَّى يلتقي عَلَيْهِ وتختلف أضلاعه قَالَ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأصابع يَدَيْهِ فَأدْخل بَعْضهَا فِي بعض وَقَالَ ويقيض الله لَهُ سبعين تنينا لَو أَن وَاحِدًا مِنْهَا نفخ فِي الأَرْض مَا أنبتت شَيْئا مَا بقيت الدُّنْيَا فتنهشه وتخدشه حَتَّى يبْعَث إِلَى الْحساب قَالَ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْقَبْر رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَو حُفْرَة من حفر النَّار وروى أَبُو الْحجَّاج الثمالِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْقَبْر للْمَيت إِذا وضع فِيهِ وَيحك يَا ابْن آدم مَا غَرَّك بِي ألم تعلم أَنِّي بَيت الْفِتْنَة وَبَيت الظلمَة وَبَيت الْوحدَة وَبَيت الدُّود وَمَا غَرَّك بِي إِذْ كنت تمر بِي فدادا قَالَ فَإِن كَانَ مصلحا أجَاب عَنهُ مُجيب الْقَبْر فَيَقُول أَرَأَيْت إِن كَانَ مِمَّن يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر قَالَ فَيَقُول الْقَبْر فَإِنِّي إِذن أَعُود عَلَيْهِ خضرًا وَيعود جسده نورا ويصعد روحه إِلَى رب الْعَالمين ذكر هَذَا الحَدِيث أَبُو أَحْمد الْحَاكِم فِي كتاب الكنى وَذكره أَيْضا قَاسم بن أصبغ قيل لأبي الْحجَّاج مَا الفداد قَالَ الَّذِي يقدم رجلا وَيُؤَخر أُخْرَى يَعْنِي الَّذِي يمشي مشْيَة المتبختر وَقَالَ مُجَاهِد أول مَا يكلم ابْن آدم حفرته تَقول أَنا بَيت الدُّود وَبَيت الْوحدَة وَبَيت الوحشة وَبَيت الظلمَة وَبَيت الغربة هَذَا مَا أَعدَدْت لَك يَا ابْن آدم فَمَاذَا أَعدَدْت لي وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء أَرْبَعَة أبحر لأربعة الْمَوْت بَحر الْحَيَاة وَالنَّفس بَحر الشَّهَوَات والقبر بَحر الندامات وعفو الله بَحر الخطيئات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء أَلا أخْبركُم بِيَوْم فقري يَوْم أنزل قَبْرِي وَكَانَ جَعْفَر بن مُحَمَّد يَأْتِي الْقُبُور لَيْلًا وَيَقُول يَا أهل الْقُبُور مالكم إِذا دعوتكم لَا تُجِيبُونِي ثمَّ يَقُول حيل بَينهم وَالله وَبَين الْجَواب وَكَأَنِّي أكون مثلهم وَأدْخل فِي جُمْلَتهمْ ثمَّ يسْتَقْبل الْقبْلَة وَيُصلي حَتَّى يطلع الْفجْر وأنشدوا يَا نَائِما بالضريح هبا ... هاك نسيم الصَّباح هبا وكل من نَام قد تشفى ... وَقَامَ من نَومه وهبا قُم تروحه النَّهَار طلقا ... وصدره للأنام رحبا وَالنَّاس كل إِلَى هَوَاهُ ... حرك طرفا وسل عضبا قُم ويك طَال ذَا هجوع ... وَطَالَ حزني لَهُ وأربي كم ذَا أنادي وَلَا مُجيب ... يُجيب دامي الْفُؤَاد صبا وَلَو أنادي جماد صَخْر ... لرق لي لوعة ولبى فَقَالَ لي ينْطق اعْتِبَارا ... تفهمه الْفتية الألبا يَمْنعنِي أَن أُجِيب خطب ... صير سلم الخطوب حَربًا أخرس مني أَلد خصما ... وقاد مني أَشمّ صعبا فَخَل عني وَعَن جوابي ... فبحر همي يعب عبا ولتبك إِن كنت ذَا بكاء ... نَفسك ذَنبا أَتَت فذنبا فيا إلهي وَمن إِلَيْهِ ... مددت كفي رهبا ورغبا بدد لحمي ورض عظمي ... وردني للهوام نهبا وروعة للنشور عظمى ... قدت فُؤَادِي خوفًا ورعبا رحماك فِي بائس فَقير ... قد طَاف شرقا وَطَاف غربا فَلم يجد حَاجَة تقضي ... وَلَا رأى دَعْوَة تلبى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 إِلَّا وَمن أفقكم حياها ... تسكب فَوق الْأَنَام سكبا فَاغْفِر إلهي ذنُوب عبد ... تبت يَدَاهُ بِهن تَبًّا إِن لم ينل من رضاك حظا ... وَلم يصب من جداك شربا فَالْحَمْد فِي ذاكم وَفِي ذَا ... نَالَ أجاجا أَو نَالَ عذبا قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لبَعض جُلَسَائِهِ يَا فلَان لقد أرقت البارحة تفكرا فِي الْقَبْر وساكنه أَنَّك لَو رَأَيْت الْمَيِّت فِي قَبره بعد ثَلَاث لاستوحشت مِنْهُ بعد طول الْأنس بِهِ ولرأيت بَيْتا تجول فِيهِ الْهَوَام وَيجْرِي فِيهِ الصديد وتخترقه الديدان مَعَ تغير الرّيح وتقطع الأكفان وَكَانَ ذَلِك بعد حسن الْهَيْئَة وَطيب الرّيح ونقاء الثَّوْب ثمَّ شهق شهقة ثمَّ خر مغشيا عَلَيْهِ حَدثنَا سُلَيْمَان بن أَحْمد قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا العلائي قَالَ أخبرنَا معدي بن سَابق البهدلي قَالَ بلغنَا أَن عمر بن عبد الْعَزِيز شيع جَنَازَة فَلَمَّا انصرفوا تَأَخّر عمر عَنْهَا وَأَصْحَابه فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت لم تَأَخَّرت عَنْهَا وتركتها فَقَالَ نعم ناداني الْقَبْر من خَلْفي يَا عمر بن عبد الْعَزِيز ألم تَسْأَلنِي مَا صنعت بالأحبة قلت بلَى قَالَ خرقت الأكفان ومزقت الْأَبدَان ومصصت الدَّم وأكلت اللَّحْم أَلا تَسْأَلنِي مَا صنعت بالأوصال قلت بلَى قَالَ نزعت الْكَفَّيْنِ من الكوعين وَكَذَلِكَ الفخذين من الرُّكْبَتَيْنِ والركبتين من السَّاقَيْن والساقين من الْقَدَمَيْنِ ثمَّ بَكَى عمر وَقَالَ أَلا إِن الدُّنْيَا بَقَاؤُهَا قَلِيل وعزيزها ذليل وغنيها فَقير شابها يهرم وحيها يَمُوت وَلَا يغركم إقبالها مَعَ معرفتكم بِسُرْعَة إدبارها والمغرور من اغْترَّ بهَا أَيْن سكانها الَّذين بنوا مرابعها وشققوا أنهارها وغرسوا أشجارها وَأَقَامُوا فِيهَا أَيَّامًا يسيرَة وغرتهم بصحبتهم وغروا بنشاطهم فَرَكبُوا الْمعاصِي إِنَّهُم كَانُوا وَالله فِي الدُّنْيَا مغبوطين بِالْمَالِ على كَثْرَة الْمَنْع عَلَيْهِ محسودين على جمعه مَا صنع التُّرَاب بأبدانهم والرمل بأجسامهم والديدان بعظامهم وأوصالهم وَإِذا مَرَرْت فنادهم إِن كنت مناديا وادعهم إِن كنت لَا بُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 دَاعيا وَمر بعسكرهم وَانْظُر إِلَى تقَارب مَنَازِلهمْ وسل غنيهم مَا بَقِي من غناهُ وسل فقيرهم مَا بَقِي من فقره وأسألهم عَن الألسن الَّتِي كَانُوا بهَا يَتَكَلَّمُونَ وَعَن الْأَعْين الَّتِي كَانُوا بهَا ينظرُونَ وسلهم عَن الْأَعْضَاء الرقيقة وَالْوُجُوه الْحَسَنَة والأجساد الناعمة مَا صنعت بهَا الديدان محت الألوات وأكلت اللحمان وعفرت الْوُجُوه ومحت المحاسن وَكسرت الفقار وأبانت الْأَعْضَاء ومزقت الأشلاء قد حيل بَينهم وَبَين الْعَمَل وفارقوا الْأَحِبَّة فكم من ناعم وناعمة أَصبَحت وُجُوههم بالية وأجسادهم من أَعْنَاقهم بَائِنَة وأوصالهم متمزقة وَقد سَالَتْ الحدق على الوجنات وامتلأت الأفواه دَمًا وصديدا ودبت دَوَاب الأَرْض فِي أجسامهم وَتَفَرَّقَتْ أعضاؤهم ثمَّ لم يَلْبَثُوا وَالله إِلَّا يَسِيرا حَتَّى عَادَتْ الْعِظَام رميما قد فارقوا الحدائق فصاروا بعد السعَة إِلَى المضايق قد تزوجت نِسَاؤُهُم وترددت فِي الطّرق أبناؤهم فَمنهمْ وَالله الموسع لَهُ فِي قَبره الغض الناعم فِيهِ المتنعم بلذته فيا سَاكن الْقَبْر مَا الَّذِي غَرَّك فِي الدُّنْيَا هَل تظن أَنَّك تبقى أَو تبقى لَك أَيْن دَارك الفيحاء نهرك المطرد وَأَيْنَ ثمرتك الْحَاضِر ينعها وَأَيْنَ رقاق ثِيَابك وَأَيْنَ كسوتك لصيفك وشتائك هَيْهَات هَيْهَات يَا مغمض الْوَالِد وَالْأَخ وغاسله يَا مكفن الْمَيِّت وحامله يَا مدليه فِي قَبره وراحل عَنهُ لَيْت شعري كَيفَ نمت على خشونة الثرى يَا لَيْت شعري بِأَيّ خديك بَدَأَ البلى يَا مجاور الهلكى صرت فِي محلّة الْمَوْتَى لَيْت شعري مَا الَّذِي يلقاني بِهِ ملك الْمَوْت عِنْد خروجي من الدُّنْيَا وَمَا يأتيني بِهِ من رِسَالَة رَبِّي ثمَّ أنْشد تغر بِمَا يفني وتشغل بالصبا ... لقد غر باللذات فِي النّوم حالم نهارك يَا مغرور سَهْو وغفلة ... وليلك نوم والردى لَك لَازم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وتعمل فِيمَا سَوف تكره حبه ... كَذَلِك فِي الدُّنْيَا تعيش الْبَهَائِم ثمَّ انْصَرف فَمَا بَقِي بعد ذَلِك إِلَّا جُمُعَة حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْحَضْرَمِيّ قَالَ أخبرنَا أَسد بن زيد قَالَ كُنَّا مَعَ عمر بن عبد الْعَزِيز فِي جَنَازَة فَلَمَّا أَن دفن الْمَيِّت ركب بغلة لَهُ صَغِيرَة ثمَّ جَاءَ إِلَى قبر فَرَكزَ عَلَيْهِ المقرعة فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا صَاحب الْقَبْر قَالَ عمر فناداني مُنَاد من خَلْفي عَلَيْك السَّلَام يَا عمر بن عبد الْعَزِيز عَم تسْأَل فَقلت عَن ساكنك وجارك قَالَ أما الْبدن فعندي وَأما الرّوح فعرج بِهِ إِلَى الله عزوجل وَمَا أَدْرِي أَي شَيْء حَاله قلت أَسأَلك عَن ساكنك وجارك قَالَ أسلت المقلتين على الْخَدين ومزقت الأكفان وأكلت الْأَبدَان ثمَّ ذكر نَحوه وَزَاد فَلَمَّا ذهبت أقفي ناداني ياعمر عَلَيْك بكفن لَا يبْلى قلت وَمَا كفن لَا يبْلى قَالَ اتقاء الله وَالْعَمَل الصَّالح وَفِي بعض الْخطب المروية يَا ابْن آدم لَا يغرنك ارْتِفَاع ذكرك ونفاذ أَمرك وتشييد قصرك مَعَ مَا جمعت فِيهِ من الظباء الشرد والأوانس النهد وَالْمَتَاع المزخرف المنجد فَإنَّك تخرج مِنْهُ بالرغم وَالْأَمر الْجَزْم إِلَى بَيت الْحِجَارَة والرضم فتغتسل فِيهِ بصديدك وتأنس فِيهِ بحشراتك ودودك إِلَى أَن تبلغك الرجفة لهلاك هَذَا الْمَعْمُور ثمَّ الصَّيْحَة ليَوْم النشور وبعثرة الْقُبُور فَتخرج بِالْأَمر الْكِبَار إِلَى دَارك دَار الْقَرار إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار وَأنْشد بَعضهم من كَانَ مَسْكَنه قصرا يشيده ... فَإِن مَسْكَنه من بعد ذَا جدث وَمن تكن فرشه فِيهَا مرقشة ... ففرشه فِي ضريح بعْدهَا الرثث وَمن تكن آنسوه خردا لعبا ... فآنسوه هُنَاكَ الدُّود والعثث وَمن غَدا وسط نَار شعره جزل ... فَإِن آخِره التمزيق والشعث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وليته مَعَ هَذَا لَو أَقَامَ غَدا ... لكنه لمهول بعد ينبعث وَلَيْسَ ذَا الْأَمر مِمَّا يُسْتَطَاع لَهُ ... وصف وَلكنهَا الْأَمْثَال تعترث فالبحر مضربه لذِي الندى مثل ... وَالنَّار تذكرها إِذْ يذكر الغرث وَقيل لبَعض الزهاد مَا أبلغ العظات فَقَالَ النّظر إِلَى محلّة الْأَمْوَات يرْوى أَن الاسكندر مر بِمَدِينَة قد ملكهَا عدَّة مُلُوك وبادوا فَقَالَ هَل بَقِي من نسل هَؤُلَاءِ الْمُلُوك أحد فَقيل لَهُ مَا بَقِي مِنْهُم إِلَّا رجل وَاحِد يكون فِي هَذَا الْمَقَابِر فَدَعَا بِهِ فَلَمَّا حضر قَالَ لَهُ مَا الَّذِي حملك على لُزُوم الْمَقَابِر قَالَ أردْت أَن أميز عِظَام الْمُلُوك من عِظَام عبيدهم فَوجدت الْكل سَوَاء فَقَالَ لَهُ الاسكندر هَل لَك أَن تتبعني فأحيي بك شرف أبائك إِن كَانَت لَك همة فَقَالَ إِن لي همة عَظِيمَة فَإِن كَانَ بغيتي عنْدك تبعتك قَالَ مَا بغيتك قَالَ حَيَاة لَا موت فِيهَا وشباب لَيْسَ مَعَه هرم وغنى لَيْسَ مَعَه فقر وسرور لَيْسَ مَعَه مَكْرُوه قَالَ لَيْسَ ذَلِك عِنْدِي فَقَالَ وَأي خير أرجوه عنْدك إِن لم يكن عنْدك هَذِه الْأَشْيَاء فَامْضِ لشأنك وَدعنِي أطلب ذَلِك مِمَّن يملكهُ وَمِمَّنْ هُوَ عِنْده ثمَّ عَاد إِلَى مَكَانَهُ وَمر رجل مُسَافر بِغُلَام فِي صحراء فَقَالَ لَهُ يَا غُلَام أَيْن الْعمرَان فَقَالَ لَهُ اصْعَدْ الرابية تشرف على الْعمرَان فَصَعدَ فَأَشْرَف على قُبُور فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ سَأَلتك عَن الْعمرَان فدللتني على الْقُبُور فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت أهل هَذِه الدُّنْيَا ينقلون إِلَى تِلْكَ وَلم أر أحدا من تِلْكَ ينْقل إِلَى هَذِه وَإِنَّمَا ينْتَقل من الخراب إِلَى الْعمرَان وَلَو سَأَلتنِي عَمَّا يواريك ويواري دابتك لدللتك عَلَيْهِ وَكَانَ يزِيد الرقاشِي رَحمَه الله يَقُول أَيهَا المقبور فِي حفرته المستخلي فِي الْقَبْر بوحدته المستأنس فِي بطن الأَرْض بِعَمَلِهِ لَيْت شعري بِأَيّ أعمالك استبشرت وَبِأَيِّ أحوالك اغتبطت ثمَّ يبكي حَتَّى يبل عباءته ثمَّ يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 استبشر وَالله بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَة واغتبط بإخوانه المعاونين لَهُ على طَاعَة الله عز وَجل وَكَانَ إِذا رأى الْقُبُور يخور كَمَا يخور الثور وَمر دَاوُد الطَّائِي رَحمَه الله بِامْرَأَة تبْكي على قبر وَهِي تَقول عدمت الْحَيَاة فَلَا نلتها ... إِذا أَنْت فِي الْقَبْر قد وسدوكا وَكَيف ألذ بطعم الْكرَى ... وَهَا أَنْت فِي الْقَبْر قد أفردوكا ثمَّ قَالَت يَا أبناه بِأَيّ خديك بَدَأَ الدُّود أَولا قَالَ فَخر دَاوُد مغشيا عَلَيْهِ وَقَالَ حَاتِم الْأَصَم من مر بِفنَاء الْقُبُور وَلم يتفكر فِي نَفسه وَلم يدع لَهُم فقد خَان نَفسه وخانهم وَعَن صلَة بن أَشْيَم أَنه دفن أَخا لَهُ ثمَّ وقف على قَبره وَقَالَ فَإِن تنج مِنْهُ تنج من ذِي عَظِيمَة ... وَإِلَّا فَإِنِّي لَا أخالك ناجيا وَكَانَ بكر العابد يَقُول لأمه يَا أُمَّاهُ ليتك كنت بِي عقيما وَإِن لابنك فِي الْقَبْر حبسا طَويلا وَإِن لَهُ من بعد ذَلِك رحيلا وَقَالَ يحيى بن معَاذ رَحمَه الله يَا ابْن آدم دعَاك رَبك إِلَى دَار السَّلَام فَانْظُر من أَيْن تجيبه إِن أَجَبْته من دنياك دَخَلتهَا وَإِن أَجَبْته من قبرك منعتها وَكَانَ الْحسن بن صَالح إِذا أشرف على الْقُبُور قَالَ مَا أحسن ظواهرك إِنَّمَا الدَّوَاهِي فِي بواطنك وَكَانَ عَطاء السّلمِيّ إِذا جن اللَّيْل يخرج إِلَى الْقُبُور فَيَقُول يَا أهل الْقُبُور متم فواماتاه وعاينتم أَعمالكُم فواعملاه ثمَّ يَقُول غَدا يكون عَطاء فِي الْقُبُور فَلَا يزَال ذَلِك دأبه إِلَى الصُّبْح وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله من أَكثر ذكر الْقَبْر وجده رَوْضَة من رياض الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وَمن غفل عَن ذكره وجده حُفْرَة من حفر النَّار وَقَالَ أَحْمد بن حَرْب رَحمَه الله تتعجب الأَرْض مِمَّن يمهد مضجعه وَيُسَوِّي فرَاشه للنوم تَقول يَا ابْن آدم أَلا تذكر طول رقادك فِي جوفي وَمَا بيني وَبَيْنك شَيْء وَأنْشد بَعضهم يَا لَيْتَني والأماني غير طائلة ... إِلَّا تعلل مشغوف بهَا شغلا علمت أَي بِلَاد الله مضطجعي ... إِذا تبَاين عني الرّوح وانفصلا لعلني أَن أشوب أدمعي بدمي ... فِيهِ واشرح من حزني بِهِ جملا وَأَن أسوي من تربائه بيَدي ... حَتَّى يكون وثير الْمس معتدلا هَيْهَات هَيْهَات مَا للقبر تَسْوِيَة ... إِلَّا الْيَقِين وَإِلَّا القَوْل والعملا وَمر عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ بالمقابر فَوقف عَلَيْهَا فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة أَنْتُم لنا سلف وَنحن لكم تبع وبكم عَمَّا قَلِيل لاحقون اللَّهُمَّ اغْفِر لنا وَلَهُم وتجازو عَنَّا وعنهم طُوبَى لمن ذكر الْمعَاد وَعمل لِلْحسابِ وقنع بالكفاف وَرَضي فِي جَمِيع أَحْوَاله عَن الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ يَا أهل الْقُبُور أما الزَّوْجَات فقد نكحت وَأما الديار فقد سكنت وَأما الْأَمْوَال فقد قسمت هَذَا خير مَا عندنَا فَمَا خير مَا عنْدكُمْ ثمَّ الْتفت إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ أما أَنهم لَو تكلمُوا لقالوا وجدنَا خير الزَّاد التَّقْوَى ويروى أَن رجلا دخل على عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ فَرَآهُ قد تغير لَونه من كَثْرَة الْعِبَادَة واستحالت صفته فَجعل يتعجب من تغير لَونه فَقَالَ لَهُ عمر يَا ابْن أخي وَمَا تعجبك مني فَكيف لَو رَأَيْتنِي بعد دُخُول قَبْرِي بِثَلَاث وَقد خرجت الحدقتان فسالتا على الْخَدين وتقلصت الشفتان عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الْأَسْنَان وَخرج الصديد والدود من المناخر والفم وانتفخ الْبَطن فعلا على الصَّدْر وَخرج الصلب عَن الدبر لرأيت إِذْ ذَاك مني أعجب مِمَّا رَأَيْت الْآن وَاعْلَم رَحِمك الله أَنه من أَقَامَ هَذَا الخيال نصب عَيْنَيْهِ وتفكر فِي الْمَيِّت وَمَا يؤول إِلَيْهِ ثمَّ نظر فِيمَا يقدم بعد ذَلِك عَلَيْهِ وَعلم أَن جِسْمه الغض وبدنه اللين سيطرح فِي حُفْرَة تقطع أوصاله وَتغَير أَحْوَاله ثمَّ يتَبَيَّن بعد ذَلِك مآله وَيطْلب بِكُل مَا عمله وَقَالَهُ لم يشغل بميت باله وَلم يبك إِلَّا لنَفسِهِ لَا لَهُ وأنشدوا لمن جدث أبصرته فشجاني ... وَأرْسل فِي شجو الهموم عناني سفكت عَلَيْهِ أدمعي فسقيته ... كَمَا هُوَ من كأس الشجون سقاني وقفت بِهِ حيران وَقْفَة هائم ... أعالج قلبا دَائِم الخفقان وَمَا بِي من فِي الْقَبْر لَكِن رَأَيْته ... على حَالَة فِيهَا وشيك أَرَانِي وأنشدوا أَيْضا لمن الأقبر فِي تِلْكَ الربى ... مَلَأت صَدْرِي شجوا وأسى لمن الْأَوْجه فِيهَا كسفت ... بعد حسن وجمال وضيا لمن الْأَجْسَام فِيهَا بليت ... بعد زهو وشباب وانتشا وَمن الفرسان فِيهَا قد نسوا ... روعة الْحَرْب بروعات الثرى ورموا إِذْ هتف الْمَوْت بهم ... بسيوف الْهِنْد رعْبًا والقنا وَمن الخرد فِيهَا شدّ مَا ... فتكت قبل بآساد الشرى نظر الْمَوْت إِلَيْهَا فغدت ... تنفر الْأَنْفس مِنْهَا إِذْ ترى لمن الأقبر فِي تِلْكَ الربى ... ألبست جسمي أَثوَاب الضنا يَا جفونا أرْسلت أدمعها ... مَا بذا بَأْس لَو ارسلت الدما صَاح يَا صَاح ونيران الجوى ... علقت مني بأثناء الحشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 لَا تَظنن بُكَائِي لَهُم ... لَيْسَ وَالله لَهُم هَذَا البكا إِنَّمَا أبْكِي لنَفْسي لَا لَهُم ... فَكَأَنِّي الْيَوْم فيهم أَو غَدا هامد الْجَمْرَة موهون القوى ... دَائِم الْحَسْرَة مَقْطُوع العرى رب يَا رب يَا رب الورى ... مَا ترى فِي عبد سوء مَا ترى كفر الأحسان قدما وبغى ... وطغى ثمَّ طَغى ثمَّ طَغى مَا ترى فِي أمره يَا من ترى ... كل شَيْء وَهُوَ رب لَا يرى لَيْسَ إِلَّا عفوك المرجو أَو ... دفْعَة تنزله قَعْر لظى وعياذا بك يَا مولَايَ أَن ... يلتوي فِي يَده حَبل الرجا وَإِذا اسلمته رب فَمن ... يقْصد الْيَوْم لَهُ أَو يرتجى ولعلك يَا هَذَا الباكي على ميته لَا تفرغ من بكائك عَلَيْهِ حَتَّى ينزل بك مَا نزل بِهِ فَتكون قد ضيعت وقتك بِسَبَبِهِ وَلم تشف صدرك من وصبه وَلَا قضيت ببكائك جَمِيع أربه كَمَا روى عَن عبد الْملك بن قريب الْأَصْمَعِي قَالَ رَأَيْت بالبادية امْرَأَة على رَاحِلَة تَطوف حول قبر تبْكي وتنشد وَتقول يَا من بمقلته زها الدَّهْر ... قد كَانَ مِنْك تطاول الْأَمر زَعَمُوا قتلت وَمَا لَهُم خبر ... كذبُوا وقبرك مَا لَهُم عذر يَا قبر سيدنَا الْمِجَن سماحة ... صلى الْإِلَه عَلَيْك يَا قبر مَا ضرّ لحدا أَنْت ساكنه ... أَلا يمر بأرضه الْقطر فلينبعن سماح جودك فِي الثرى ... وليورقن بقبرك الصخر وَإِذا غضِبت تصدعت فرقا ... مِنْك الْجبَال وخافك الذعر وَإِذا رقدت فَأَنت منتبه ... وَإِذا انْتَبَهت فوجهك الْبَدْر وَالله لَو بك لم أدع أحدا ... إِلَّا قتلت لفاتني الْوتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 قَالَ الْأَصْمَعِي فَأَعْجَبَنِي شعرهَا فدنوت مِنْهَا لأكلمها وأسألها عَن أمرهَا فَإِذا هِيَ قد سَقَطت ميتَة وَقَالَ مَيْمُون بن مهْرَان رَحمَه الله خرجت مَعَ عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى الْمَقَابِر فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا بَكَى ثمَّ قَالَ وَأَقْبل عَليّ يَا مَيْمُون هَذِه قُبُور آبَائِي بني أُميَّة كَأَن لم يشاركوا أهل الدُّنْيَا فِي لذاتهم وَطيب عيشهم أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم فيهم البلى وأصابت الْهَوَام فِي أجسامهم مقيلا ثمَّ بَكَى وَقَالَ وَالله لَا أعلم أحدا أنعم مِمَّن صَار إِلَى هَذِه الْقُبُور وَقد أَمن من عَذَاب الله عز وَجل وَقَالَ ثَابت الْبنانِيّ دخلت الْمَقَابِر فَلَمَّا أردْت الْخُرُوج مِنْهَا إِذا بِصَوْت يَقُول يَا ثَابت لَا يغرنك صموت أَهلهَا فكم من نفس معذبة فِيهَا ويروى أَن فَاطِمَة بنت الْحسن بن عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنْهُم نظرت إِلَى جَنَازَة الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَت وَكَانُوا رَجَاء ثمَّ عَادوا رزية ... لقد عظمت تِلْكَ الرزايا وجلت ثمَّ ضربت على قَبره فسطاطا وأقامت عَلَيْهِ سنة فَلَمَّا مَضَت السّنة قلعوا الْفسْطَاط ليدخدلوا الْمَدِينَة فَسَمِعُوا صَوتا من جَانب البقيع يَعْنِي الْمَقَابِر يَقُول هَل وجدوا مَا طلبُوا فَسَمِعُوا صَوتا من الْجَانِب الآخر يجاوبه بل يئسوا فانقلبوا ويروى أَن بعض المتعبدين أَتَى قبرا كَانَ يألف صَاحبه فَأَنْشَأَ يَقُول مَالِي مَرَرْت على الْقُبُور مُسلما ... قبر الحبيب فَلَا يرد جوابي فأجبت مَالك لَا تجيب مناديا ... أمللت بعدِي خلة الْأَصْحَاب أكل التُّرَاب محاسني فنسيتكم ... وحجبت عَن أَهلِي وَعَن أحبابي قَالَ فَهَتَفَ بِي هَاتِف يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 قَالَ الحبيب وَكَيف لي بجوابكم ... وَأَنا رهين جنادل وتراب فَعَلَيْكُم مني السَّلَام تقطعت ... مني ومنكم عقدَة الْأَسْبَاب وَقَالَ أَبُو مُوسَى التَّيْمِيّ توفيت النوار امْرَأَة الفرزدق فَخرج فِي جنازتها وُجُوه أهل الْبَصْرَة وقراؤها وَفِيهِمْ الْحسن بن أبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ فَقَالَ الْحسن للفرزدق يَا أَبَا فراس مَا أَعدَدْت لهَذَا الْيَوْم فَقَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُنْذُ سِتِّينَ سنة وَخمْس نَجَائِب لَا يدركن يَعْنِي الصَّلَوَات الْخمس فَلَمَّا دفنت النوار قَامَ الفرزدق على قبرها وَقَالَ أَخَاف وَرَاء الْقَبْر إِن لم يعافني ... أَشد من الْقَبْر التهابا وأضيقا إِذا قادني يَوْم الْقِيَامَة قَائِد ... عنيف وسواق يَسُوق الفرزدقا لقد خَابَ من أَوْلَاد آدم من مَشى ... إِلَى النَّار مغلول القلادة أزرقا يساق إِلَى نَار الْجَحِيم مسربلا ... سرابيل قطران لبوسا محرقا إِذا شربوا فِيهَا الْحَمِيم رَأَيْتهمْ ... يذوبون من حر الْجَحِيم تمزقا وَقَالَ مَالك بن دِينَار أتيت الْقُبُور يَوْمًا فَقلت فِيهَا بَيْتَيْنِ أتيت الْقُبُور فناديتها ... وَأَيْنَ الْمُعظم والمحتقر وَأَيْنَ المدل بسلطانه ... واين الْعَزِيز إِذا مَا افتخر قَالَ فنوديت من بَينهَا أسمع صَوتا وَلَا أرى شخصا وَهُوَ يَقُول تفانوا جَمِيعًا فَلَا مخبر ... وماتوا جَمِيعًا وَمَات الْخَبَر وصاروا إِلَى مَالك قاهر ... عَزِيز مُطَاع إِذا مَا أَمر تروح وتغدو بَنَات الثرى ... وتمحو محَاسِن تِلْكَ الصُّور فيا سائلي عَن أنَاس مضوا ... أمالك فِيمَا ترى مُعْتَبر لقد قلد الْقَوْم مَا قدمُوا ... فإمَّا نعيم وَإِمَّا سقر قَالَ مَالك فَرَجَعت وَأَنا أبْكِي وَأنْشد بَعضهم قف بالقبور بأكباد مصدعة ... ودمعة من سَواد الْقلب تنبعث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وسل بهَا عَن أنَاس طالما رشفوا ... ثغر النَّعيم وَمَا فِي ظله مَكَثُوا مَاذَا لقوا فِي خباياها وَمَا قدمُوا ... عَلَيْهِ فِيهَا وَمَا من أَجله ارتبثوا وَعَن محاسنهم إِن كَانَ غَيرهَا ... طول الْمقَام بِبَطن الأَرْض واللبث وَمَا لَهُم حشرات الأَرْض تنهشهم ... نهشا تَزُول لَهُ الْأَعْضَاء والنجث وتلكم الفتيات إِذْ طرحن بهَا ... هَل كَانَ فِيهِنَّ ذَا التَّغْيِير والشعث فَإِن يجبك على لأي مجيبهم ... وَلنْ يُجيب وأنى ينْطق الجدث فَانْظُر مَكَانك فِي أفناء ساحتهم ... فَإِنَّهُ الْجد لَا هزل وَلَا عَبث واعمل لمصرع يَوْم هال أَوله ... وَمن أمامك فِيهِ الروع والجأث ولعك أَيْضا مِمَّن يرفع قبر وليه ويزخرفه ويشيده ويشتغل بِظَاهِرِهِ ويغفل عَن بَاطِنه وَلَا يدْرِي هَل أَبيض على من فِيهِ أَو أسود وَهل انفرج لَهُ أَو انسد وَمَا ساكنه اشقي أم سعيد غوي أَو رشيد وَأحسن عِنْده أَن يتَصَدَّق بِتِلْكَ النَّفَقَة عَنهُ لِيَزْدَادَ بهَا حَسَنَة أَو يحط عَنهُ بهَا سَيِّئَة وأنشدوا لَيْت شعري سَاكن الْقَبْر المشيد ... هَل وجدت الْيَوْم فِيهِ من مزِيد وَهل الْبَاطِن فِيهِ مثل مَا ... هُوَ فِي الظَّاهِر تزويقا وشيد وَهل الْأَركان مِنْهُ بالتقى ... نيرات أَو بأعمالك سود وَهل المضجع فِيهِ لين ... أَو سعير مَا لَهَا فِيهِ خمود لَيْت شعري سَاكن الْقَبْر المشيد ... أشقي أَنْت فِيهِ أم سعيد أَقَرِيب أَنْت من رَحْمَة من ... وسع الْعَالم إحسانا وجود أم بعيد أَنْت مِنْهَا فَلَقَد ... طرقت دَارك بِالْوَيْلِ الْبعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وَلَقَد حل بأرجائك مَا ... ضَاقَ عَنهُ كل مَا فِي ذَا الْوُجُود أَيهَا الغافل مثلي وَإِلَى ... كم تعامى وتلوى وتحيد ادن فاقرأ فَوق رَأْسِي أحرفا ... خرجت وَيحك من قلب عميد صرعته فكرة صَادِقَة ... وهموم كلما تمْضِي تعود وندامات لأيام مَضَت ... هُوَ مِنْهَا فِي قيام وقعود وَغدا ترجع مثلي فاتعظ ... بِي وَإِلَّا فَامْضِ واعمل مَا تُرِيدُ قد نصحناك فَإِن لم تره ... سيراه بصر مِنْك حَدِيد وَاعْلَم رَحِمك الله أَن الشَّيْء الْمُمكن وجوده لَا يعرف مِقْدَاره على الْحَقِيقَة إِلَّا إِذا عدم وفقد وَطلب فَلم يُوجد كَمَا قَالَ الْقَائِل مر الشَّبَاب وَلم أقدر أراجعه ... وَلم أحييه إِلَّا بَعْدَمَا انصرفا والمرء يجهل قدر الشَّيْء يُمكنهُ ... حَتَّى إِذا فَاتَهُ إِمْكَانه عرفا أَلا ترى رَحِمك الله أَن الصِّحَّة لَا يعرف مقدارها على الْحَقِيقَة إِلَّا المرضى والعافية لَا يعرف مقدارها إِلَّا الْمُبْتَلى فَكَذَلِك الْحَيَاة لَا يعرف مقدارها إِلَّا الْمَوْتَى لأَنهم قد ظَهرت لَهُم الْأُمُور وانكشفت لَهُم الْحَقَائِق وتبدت لَهُم الْمنَازل وَعَلمُوا مِقْدَار الْأَعْمَال الصَّالِحَة إِذْ لَيْسَ ينْفق هُنَاكَ إِلَّا عمل صَالح زكي وَلَا يرْتَفع هُنَاكَ إِلَّا عبد تَقِيّ وَكلما ازْدَادَ هُنَا عملا صَالحا كَانَ هُنَاكَ أرفع دَرَجَة واشرف رُتْبَة وَأكْثر وجاهة وَكلما ازْدَادَ فِي الدُّنْيَا فَضِيلَة كَانَ أقرب إِلَى الله وَسِيلَة فَلَمَّا استبان لَهُم ذَلِك وَعَلمُوا مِقْدَار مَا ضيعوا وَقِيمَة مَا فِيهِ فرطوا ندموا وأسفوا وودوا لَو أَنهم إِلَى الدُّنْيَا رجعُوا وَإِلَى حالتهم الاولى ردوا وكل على حَاله فَالَّذِي عمل صَالحا يود أَن لَو رَجَعَ إِلَى الدُّنْيَا فازداد من عمله الصَّالح وَأكْثر من متجره الرابح والمقصر يود لَو رد فاستدرك مَا فَاتَ وَنظر فِيمَا فرط فِيهِ فالمفرط المهمل بِالْجُمْلَةِ يكون تمنيه الرُّجُوع أَكثر وحرصه على الْإِقَالَة أَشد كل يتَكَلَّم عَن حَاله ويخبر عَمَّا هُوَ فِيهِ حَتَّى قَالَ الشَّهِيد الَّذِي قتل فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 سَبِيل الله لما قيل لَهُ مَا تشْتَهي قَالَ أُرِيد أَن أرجع إِلَى الدُّنْيَا فأقاتل فأقتل مرّة أُخْرَى وَذَلِكَ لما يرى من فضل الشَّهَادَة وازدحام الْحور الْعين عَلَيْهِ حَال قَتله وَقَالَ غَيره رب ارْجِعُونِ لعَلي أعمل صَالحا فِيمَا تركت وَقَالُوا يَا ليتنا نرد فنعمل غير الَّذِي كُنَّا نعمل وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من أحد يَمُوت إِلَّا نَدم قَالُوا وَمَا ندامته يَا رَسُول الله قَالَ إِن كَانَ محسنا نَدم أَن لَا يكون ازْدَادَ وَإِن كَانَ مسيئا نَدم أَن لَا يكون نزع أخرجه التِّرْمِذِيّ ويروى أَن رجلا جَاءَ إِلَى الْقُبُور وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ اضْطجع على شقَّه فَنَامَ فَرَأى صَاحب الْقَبْر فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا إِنَّكُم تَعْمَلُونَ وَلَا تعلمُونَ وَنحن نعلم وَلَا نعمل وَلِأَن تكون ركعتاك فِي صحيفتي أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَقَالَ بعض الصَّالِحين مَاتَ أَخ لي فِي الله فرأيته فِي النّوم فَقلت لَهُ يَا فلَان مَا فعل الله بك عِشْت الْحَمد لله رب الْعَالمين قَالَ لي لِأَن أقدر يَعْنِي عَليّ أَن أَقُول الْحَمد لله رب الْعَالمين أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثمَّ قَالَ ألم تَرَ حَيْثُ كَانُوا يدفنونني فَإِن فلَانا جَاءَ فصلى رَكْعَتَيْنِ لِأَن أكون أقدر على أَن أصليهما أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أَلا ترى رَحِمك الله إِلَى ندمهم على تفريطهم وتأسفهم على تضييعهم ندموا وَالله حَيْثُ لَا ينفع النَّدَم وطلبوا مَالا يُمكن وسألوا فِيمَا لَا يجوز فتركوا على حَالهم وَلم يسعفوا فِي سُؤَالهمْ وَبَقِي كل وَاحِد مِنْهُم فِيمَا هُوَ فِيهِ وَلما أشرف بَعضهم على الْآخِرَة وَأخذ فِي الانحدار إِلَى أَوديتهَا والتدلي فِي مهاويها وَأَرَادَ التَّمَسُّك فَلم يُمكنهُ ذَلِك وَأَرَادَ التثبيت فَلم يقدر عَلَيْهِ وَالرُّجُوع فَلم يجد إِلَيْهِ سَبِيلا أَمر أَن يكْتب على قَبره كَذَا ويرسم عَلَيْهِ كَذَا ليَكُون تذكرة لمن رَآهُ وموعظة لمن مر بِهِ كَمَا قَالَ الْقَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 أَيهَا الْمَاشِي بَين الْقُبُور ... غافلا عَن حَقِيقَة المقبور أَنا ميت كَمَا تراني طريح ... بَين أطباق رضمة وصخور ادن مني أنبيك عني ... وَلَا ينبيك عني مثل خَبِير أَنا فِي بَيت غربَة وانفراد ... مَعَ قربي من جيرتي وعشيرتي لَيْسَ لي فِيهِ مؤنس غير سعي ... من صَلَاح سعيته أَو فجور وَكَذَا أَنْت فاتعظ بِي وَإِلَّا ... فعذيري مِنْك الْغَدَاة عذير فَمن رأى قبرا فَإِنَّمَا رأى واعظا يعظه ومذكرا يذكرهُ فَإِن كَانَ الْقَبْر ساكتا فَإِنَّهُ نَاطِق بِلِسَان الْحَال ومفصح بِمَا يكون مِنْك فِي الْمَآل فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا يخاطبك إِنْسَان وَيبين لَك عاقبتك وَيَقُول لَك يَا هَذَا كنت حَيا مثلك وَقد مت وَكَذَلِكَ أَنْت تَمُوت فضيعت أَمر رَبِّي وندمت وَكَذَلِكَ إِن ضيعت أَمر رَبك ستندم كَمَا قَالَ الْقَائِل أَلا قل لماش على قبرنا ... غفول عَن أَشْيَاء حلت بِنَا سيندم يَوْمًا لتَفْرِيطه ... كَمَا قد ندمنا لتفريطنا فويحك كف خطام الْهوى ... وَقدم جميلا تفز بالمنى والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ والشقي من وعظ بِنَفسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ سَاعَة وَاحِدَة وَإِن طَال المدى وامتد الْعُمر واتصلت الْأَيَّام كَمَا قَالَ الْقَائِل وَإِنَّمَا عمرك المرجى ... هَذَا الَّذِي نلته كساعة وَقَالَ الْأَصْمَعِي أُصِيب حَصِير حول الْحيرَة أجرد فِيهِ رجل عَلَيْهِ خلقان وَعند رَأسه لوح مَكْتُوب فِيهِ أَنا عبد الْمَسِيح بن حَيَّان بن نفيلة حلبت الدَّهْر أشطره حَياتِي ... ونلت من المنى فَوق الْمَزِيد وكافحت الْأُمُور وكافحتني ... فَلم أخضع لمعضلة كؤود وكدت أنال بالشرف الثريا ... وَلَكِن لَا سَبِيل إِلَى الخلود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وحَدثني أَبُو الطَّاهِر السلَفِي نزيل الْإسْكَنْدَريَّة فِيمَا أذن لي أَن أحدث بِهِ عَنهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى وهب بن مُنَبّه قَالَ أُصِيب على قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل مَكْتُوبًا خَلفه على حجر ألهى جهولا أمله ... يَمُوت من جَاءَ أَجله وَكَيف يبْقى آخر ... قد مَاتَ عَنهُ أَوله وَمن دنا من حتفه ... لم تغن عَنهُ حيله وَوَقع فِي كتاب المجالسة لأبي بكر أَحْمد بن مَرْوَان الْمَالِكِي الدينَوَرِي وَوجد على قَبره مَكْتُوبًا يَا أَيهَا النَّاس كَانَ لي أمل ... قصر بِي عَن بُلُوغه الْأَجَل فليتق الله ربه رجل ... أمكنه فِي حَيَاته الْعَمَل مَا أَنا وحدي نقلت حَيْثُ تروا ... كل إِلَى مثله سينتقل وعَلى آخر مَكْتُوبًا تناجيك أجداث وَهن سكُوت ... وسكانها تَحت التُّرَاب خفوت أيا جَامع الدُّنْيَا لغير بلاغه ... لمن تجمع الدُّنْيَا وَأَنت تَمُوت وَوجد على آخر مَكْتُوب وقفت على الْأَحِبَّة حِين صفت ... قُبُورهم كأفراس الرِّهَان فَلَمَّا أَن بَكَيْت وفاض دمعي ... رَأَتْ عَيْنَايَ بَينهم مَكَان وَمِمَّا يذكر أَنه وجد شعر قديم بِالشَّام مَكْتُوبًا على قبر وَقيل إِنَّه على قصر من قُصُور الْيمن مَاتُوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرِّجَال فَلم تمنعهم القلل واستنزلوا بعد عز من معاقلهم ... وأنزلوا حُفْرَة يَا بئس مَا نزلُوا ناداهم صارخ من بعد مَا دفنُوا ... أَيْن الأسرة والتيجان وَالْحلَل أَيْن الْوُجُوه الَّتِي كَانَت منعمة ... من دونهَا تضرب الأستار والكلل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 فأفصح الْقَبْر عَنْهُم حِين سَاءَ لَهُم ... تِلْكَ الْوُجُوه عَلَيْهَا الدُّود يقتتل لطال مَا أكلُوا دهرا وَمَا نعموا ... فَأَصْبحُوا بعد طول الْأكل قد أكلُوا قَالَ أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن سعد رَأَيْت قبرا فِي بُسْتَان كثير النّخل وَالرُّمَّان وأصناف الشّجر وَعَلِيهِ مَكْتُوب كم سَاكن فِي حُفْرَة ... يبْلى جَدِيد جماله ترك الْأَحِبَّة بعده ... يتلذذون بِمَالِه وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد الْمُسْتَمْلِي عَن أَبِيه قَرَأت على قبر مَا حَال من سكن الثرى مَا حَاله ... أَمْسَى وَقد صرمت هُنَاكَ حباله أَمْسَى وَلَا روح الْحَيَاة يُصِيبهُ ... يَوْمًا وَلَا لطف الحبيب يَنَالهُ أضحى وحيدا موحشا متفردا ... متشتتا بعد الْجَمِيع عِيَاله أَمْسَى وَقد درست محَاسِن وَجهه ... وَتَفَرَّقَتْ فِي قَبره أوصاله واستبدلت مِنْهُ الْمجَالِس غَيره ... وتقسمت من بعده أَمْوَاله هَل من قبيل تعلمُونَ مَكَانَهُ ... سلمت على حدث الزَّمَان رِجَاله قَالَ وقرأت على قبر أَيْضا يَا باكي الْمَيِّت على قَبره ... امْضِ ودعه سَوف تسلاه من عاين الْمَوْت فَذَاك الَّذِي ... لم تَرَ مثل الْمَوْت عَيناهُ كم من شَقِيق لم يجد غير أَن ... أغمض من يهوى وسجاه وَكم محب لحبيب إِذا ... سوى عَلَيْهِ اللَّحْد خلاه وَوجد على قبر مَكْتُوبًا الْمَوْت أخرجني من بَيت مملكتي ... والترب مضطجعي من بعد تشريف لله عبد رآى قَبْرِي فأعبره ... وَخَافَ من دهره ريب التصاريف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 هَذَا مصير بني الدُّنْيَا وَإِن نعموا ... فِيهَا وغرهم طول التساويف اسْتغْفر الله من جُرْمِي وَمن زللي ... وأسأل الله فوزا يَوْم تَوْقِيف وَوجد على آخر مَكْتُوبًا قف وَاعْتبر فَكَأَن قد ... حللت هَذَا المحلا هَذَا مَكَان يُسَاوِي ... فِيهِ الْأَعَز الأذلا مَا كَانَ لي من صديق ... إِلَّا جفاني وملا وَمَا جفاني وَلَكِن ... طَال المدى فتسلى وعَلى قبر أبي عَامر بن شَهِيد مَكْتُوب وَهُوَ مدفون بِإِزَاءِ صَاحبه أبي مَرْوَان الرِّجَال وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا يخاطبه وَقد دفنا فِي بُسْتَان كَانَا كثيرا مَا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ يَا صَاحِبي قُم فقد أطلنا ... أَنَحْنُ طول المدى هجود فَقَالَ لي لن نقوم مِنْهَا ... مَا دَامَ من فَوْقنَا الصَّعِيد تذكر كم لَيْلَة نعمنا ... فِي ظلها إِذْ الزَّمَان عيد وَكم سرُور همى علينا ... سحابه ثرة يجود كل كَأَن لم يكن تقضى ... وشؤمه حَاضر عتيد حصله كَاتب حفيظ ... وضمه صَادِق شَهِيد يَا حسرتا إِن نكبتنا ... رَحْمَة من بطشه شَدِيد يَا رب عفوا فَأَنت مولى ... قصر فِي حَقه العبيد وَرَأَيْت على قبر أحد بني حبيب بإشبيلية مَكْتُوبًا فِي لوح رُخَام عمرت خمسين واثنتين ... فِي حَالَة لم تقر عَيْني أطيع دنيا دفعت عَنْهَا ... إِلَى الَّتِي آذَنت بحيني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 تركت فِي الْحَيّ أصفيائي ... وحيل مَا بَينهم وبيني قد بنت عَنْهُم أُخْرَى اللَّيَالِي ... لَيْسَ كبين الْحَيَاة بيني وسوف ينسونني وشيكا ... من بعد خمسين واثنتين إِن كَانَ دين الْحَيَاة ديني ... فسرني أَن قضيت ديني وَمِمَّا وجد على قبر مَكْتُوبًا إِن الحبيب من الأحباب مختلس ... لَا يمْنَع الْمَوْت حجاب وَلَا حرس وَكَيف تفرح بالدنيا ولذتها ... يَا من عَلَيْهِ يعد اللَّفْظ وَالنَّفس أَصبَحت يَا غافلا فِي النَّقْص منغمسا ... وَأَنت دهرك فِي اللَّذَّات تنغمس لَا يرحم الْمَوْت ذَا جهل لغرته ... وَلَا الَّذِي كَانَ مِنْهُ الْعلم يقتبس كم أخرس الْمَوْت من قبر وقفت بِهِ ... عَن الْجَواب لِسَانا مَا بِهِ خرس قد كَانَ قصرك معمورا لَهُ شرف ... فقبرك الْيَوْم فِي الأجداث مندرس وَأمر أَبُو الْعَلَاء بن زُهَيْر وَكَانَ طَبِيب عصره أَن يكْتب على قَبره ترحم بِفَضْلِك يَا وَاقِفًا ... وَأبْصر مَكَانا دفعنَا إِلَيْهِ تُرَاب الضريح على صفحتي ... كَأَنِّي لم أَمْشِي يَوْمًا عَلَيْهِ أداوي الْأَنَام حذار الْمنون ... فها أَنا قد صرت رهنا لَدَيْهِ وَوجد على قبر مَكْتُوبًا أَنا مَشْغُول بذنبي ... عَن ذنُوب العالمينا وخطايا موبقات ... تركت قلبِي حَزينًا وَلَقَد كنت جَلِيلًا ... فِي عُيُون الناظرينا صرت فِي ظلمَة قَبْرِي ... خَالِيا فِيهِ رهينا فِي ثرى الأَرْض وحيدا ... فِي جوَار الهالكينا وَتركت الْأَهْل والما ... ل لعمري والبنينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ذ وَلَقَد عمرت دهرا ... بعد أحقاب سنينا فِي نعيم وسرور ... فَوق وصف الواصفينا وملكت الشرق والغر ... ب وَكَانَ الْملك فِينَا وَفتحت المدن قهرا ... وغلبت الغالبينا فَأتى الْمَوْت علينا ... بعد هَذَا ففنينا أَيهَا الْمَغْرُور بَادر ... لثواب الصالحينا كل حَيّ سَوف يفنى ... غير محيي الميتينا وَوجد على قبر مَكْتُوبًا هذي منَازِل أَقوام عهدتهم ... فِي ظلّ عَيْش عَجِيب مَا لَهُ خطر صاحت بهم حادثات الدَّهْر فانقلبوا ... إِلَى الْقُبُور فَلَا عين وَلَا أثر وَمِمَّا يذكر أَنه وجد على قبر بطليلطلة إِذْ كَانَت للْمُسلمين مَكْتُوبًا كَأَنَّك قد رحلت عَن المباني ... ووارتك الجنادل والصعيد وناداك الحبيب فَلم تجبه ... وقربك مِنْهُ فِي الدُّنْيَا بعيد وَأصْبح مَالك الْمَجْمُوع نهبا ... وعطل بعْدك الْقصر المشيد وَصَارَ بنوك أيتاما صغَارًا ... وَعَانَقَ عرسك البعل الْجَدِيد وأكبر مِنْهُ أَنَّك لست تَدْرِي ... شقي أَنْت وَيحك أم سعيد وَوجد على بَاب مَقْبرَة مَكْتُوبًا سَلام على أهل الْقُبُور الدوارس ... كَأَنَّهُمْ لم يجلسوا فِي الْمجَالِس وَلم يشْربُوا من بَارِد المَاء شربة ... وَلم يطعموا من كل رطب يَابِس وَلم يَك مِنْهُم فِي الْحَيَاة منافس ... طَوِيل المنى فِيهَا كثير الوساوس أَلا لَيْت شعري أَيْن قبر خليلكم ... وقبر الْعَزِيز الشامخ المتشارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 لقد صرت فِي غَايَة الترب وَاحِدًا ... فهاهم بهَا مَا بَين راج ويائس وَلَو عقل الْمَرْء المنافس فِي الَّذِي ... تركْتُم من الدُّنْيَا لَهُ لم ينافس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الْبَاب التَّاسِع فِي زِيَارَة الْقُبُور والبكاء عِنْدهَا وَمَا جَاءَ أَن الْمَيِّت يعرف من زَارَهُ ويبلغه دُعَاء من دَعَا لَهُ وَسَلام من سلم عَلَيْهِ وَفِي إِبَاحَة زِيَارَة قبر الْوَالِدين الْمُشْركين وَمَا جَاءَ أَن الْمَوْتَى يسْأَلُون عَن الْأَحْيَاء ويعرفون أَحْوَالهم وأعمالهم ذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ زار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبر أمه فَبكى وأبكى النَّاس من حوله وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَأْذَنت رَبِّي فِي أَن أسْتَغْفر لَهَا فَلم يَأْذَن لي واستأذنته فِي أَن أَزور قبرها فَأذن لي فزوروا الْقُبُور فَإِنَّهَا تذكر بِالْمَوْتِ وَذكر أَبُو دَاوُد من حَدِيث بُرَيْدَة بن حصيب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزورها فَإِن فِي زيارتها تذكرة وَذكر النَّسَائِيّ عَن بُرَيْدَة أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَرَادَ أَن يزور قبرا فليزره وَلَا تَقولُوا هجرا وَذكر أَبُو عمر بن عبد الْبر من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مَا من رجل يزور قبر أَخِيه الْمُؤمن كَانَ يعرفهُ وَيسلم عَلَيْهِ إِلَّا عرفه ورد عَلَيْهِ السَّلَام ويروى من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من رجل يزور قبر أَخِيه فيجلس عِنْده إِلَّا استأنس بِهِ حَتَّى يقوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وَذكر النَّسَائِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله مَلَائِكَة سياحين يبلغونني من أمتِي السَّلَام وَذكر أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من أحد يسلم عَليّ إِلَّا رد الله عَليّ روحي حَتَّى أرد عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ سُلَيْمَان بن نعيم رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقلت يَا رَسُول الله هَؤُلَاءِ الَّذين يأتونك ويسلمون عَلَيْك أتفقه مِنْهُم قَالَ نعم وأرد عَلَيْهِم وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَى الْمَقَابِر قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون أَنْتُم لنا فرط وَنحن لكم تبع أسأَل الله لنا وَلكم الْعَافِيَة وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يعلمهُمْ مثل هَذَا أَن يقولوه إِذا دخلُوا الْمَقَابِر وَهَذَا يدل على أَن الْمَيِّت يعرف سَلام من يسلم عَلَيْهِ وَدُعَاء من دَعَا لَهُ ويروى أَن الْفضل بن موفق قَالَ كنت آتِي قبر أبي الْمرة بعد الْمرة وَأكْثر من ذَلِك فَشَهِدت يَوْمًا جَنَازَة فِي الْمقْبرَة الَّتِي دفن فِيهَا فتعجلت بحاجتي وَلم آته فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل رَأَيْته فِي الْمَنَام فَقَالَ لي يَا بني لم لَا تَأتِينِي فَقلت لَهُ يَا أَبَت وَإنَّك لتعلم بِي إِذا أَتَيْتُك قَالَ أَي وَالله يَا بني وَإنَّك لتَأْتِيني فَمَا أَزَال أنظر إِلَيْك حَتَّى تطلع من القنطرة حَتَّى تصل إِلَيّ وتقعد عِنْدِي ثمَّ تقوم فَلَا أَزَال أنظر إِلَيْك حَتَّى تجوز القنطرة وَكَذَلِكَ أبيحت زِيَارَة الْقُبُور للنِّسَاء كَمَا أبيحت للرِّجَال وأبيح لَهُنَّ الْبكاء عِنْد الْقُبُور كَمَا أُبِيح للرِّجَال مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِامْرَأَة تبْكي عِنْد قبر صبي لَهَا فَقَالَ لَهَا اتقِي الله واصبري فَقَالَت إِلَيْك عني فَإنَّك لم تصب بمصيبتي وَلم تعرفه فَلَمَّا ذهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 قيل لَهَا إِنَّه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخذهَا مثل الْمَوْت فَأَتَت بَابه فَلم تَجِد على بَابه بوابين فَقَالَت يَا رَسُول الله لم أعرفك فَقَالَ إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد الصدمة الأولى والْحَدِيث صَحِيح مَشْهُور ذكره مُسلم وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا وَلَو كَانَ بكاء النِّسَاء عِنْد الْقُبُور وزيارتهن لَهَا حَرَامًا لنهاها صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولزجرها زجرا يزْجر بِمثلِهِ من أَتَى محرما وارتكب مَنْهِيّا وَمَا رُوِيَ من النَّهْي عَن زِيَارَة الْقُبُور للنِّسَاء فَغير صَحِيح وَالصَّحِيح مَا ذكرت لَك من الْإِبَاحَة إِلَّا أَن عمل النِّسَاء فِي خروجهن مَا لَا يجوز لَهُنَّ من تبرج أَو كَلَام أَو غَيره فَذَلِك هُوَ الْمنْهِي عَنهُ وَقد أُبِيح لَك أَن تبْكي على قبر ميتك حزنا عَلَيْهِ أَو رَحْمَة لَهُ مِمَّا بَين يَدَيْهِ فَإِن وجدت لَك بكاء فإبك وَمَعَ بكائك على ميتك فَلَا تغفل عَن بكائك على نَفسك وَعَن الفكرة فِيمَا عملته فِي يَوْمك وَأمْسك وَفِي مآلك عِنْد حُلُول رمسك بل لَو أمكنك أَن تجْعَل بكاءك كُله عَلَيْك كَانَ الأولى بك والأحمد لَك وأنشدوا لمن جدث لَدَى بَاب البنود ... صدعت عَلَيْهِ أكباد العميد نظرت إِلَيْهِ منتبذا بَعيدا ... فذكرني بمنتبذ بعيد مَرَرْت بِهِ فحادثني حَدِيثا ... أعَاد عَليّ أحزاني وَعِيد وأبكاني وأبكاني وأبكى ... ومثلي من بَكَى عِنْد اللحود وَمَا بِي من ثوى فِيهَا وَلَكِن ... غَدَاة غَد سأدخل فِي العديد وَفِي هَذَا الْمَعْنى وَلما حللنا من بجاية جانبا ... تصان بِهِ هذي الجسوم وتكرم وجدت لَهَا طيبا وروحا وراحة ... كَأَنِّي لأنفاس الصِّبَا اتنسم فَقلت لصحبي مَا الَّذِي أمرجت لَهُ ... مَقَابِر مِنْهَا لاطيء ومسنم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 فأوهمتهم أَنِّي جهلت وأنني ... لأدري بِذَاكَ الْأَمر مِنْهُم وَأفهم فَقَالُوا طلبنا علم ذَاك فَلم نجد ... سوى رمم مِمَّن تحب وتعظم تضوع بطن الأَرْض مِنْهَا كَأَنَّمَا ... تفتق من دارين مسك مختم فَفَاضَتْ دموعي عِنْد ذَاك وَرُبمَا ... تشهر بالدمع السرَار المكتم خليلي مَا بالي وبال نَوَائِب ... يراع لذكراها فُؤَادِي ويكلم وَمِمَّا شجاني وَهُوَ أعظم أنني ... قذفت بِهِ مسودة الْجوف تلطم وَلم أدر مَا كَانَت تَحِيَّة خَصمه ... لَهُ هَل ببشرى أم بشنعاء تقصم وَأعظم مِنْهَا موقعا وأشده ... وَمَا خصني أدهى عَليّ وَأعظم بِأَنِّي فِي تِلْكَ المسالك سالك ... أساق إِلَيْهَا أَن أَبيت وأرغم وَمَا أَنا أَدْرِي مَا أُلَاقِي وَمَا الَّذِي ... عَلَيْهِ إِذا مَا كَانَ ذَلِك أقدم فَهَل من دم أبكيه صرفا فَإِنَّمَا ... يبكى على هَذَا من المقلة الدَّم وَقد تقدم أَن الْمَيِّت يتَأَذَّى ببكاء أَهله عَلَيْهِ وَفِيه حَدِيث ابْن أبي شيبَة يَقُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عباد الله لَا تعذبوا أمواتكم وَرُبمَا يتَأَذَّى كَذَلِك أَو أَكثر من ذَلِك ببكاء غير أَهله وَيعْتَبر ذَلِك بالحي إِذا بَكَى عِنْده من لَيْسَ لَهُ غَرَض فِي بكائه وَلَا إِرَادَة فِي عويله يرْوى عَن أبي بكر بن اللباد قَالَ حَدَّثتنِي عَائِشَة الأندلسية وَكَانَت عَائِشَة هَذِه من الصَّالِحَات قَالَت توفّي لي ولد بِمصْر فَقدمت القيروان فَكنت أخرج إِلَى الْمَقَابِر فِي بَاب سلم فأجلس عِنْد قبر وأبكي فَرَأَيْت ذَات لَيْلَة كَأَنِّي خرجت إِلَى بَاب سلم على عادتي وَإِذا أهل الْقُبُور قعُود على أفنية قُبُورهم الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان فَلَمَّا أَقبلت إِلَى الْموضع الَّذِي كنت أبْكِي عِنْده سَمِعت أهل الْقُبُور يَقُولُونَ قد جَاءَت هَذِه الْمَرْأَة ألها عندنَا قبر تبْكي عَلَيْهِ قَالُوا لَا قَالُوا فَلم تؤذينا ببكائها قَالَت ثمَّ لطمني مِنْهُم ميت فِي خدي الْأَيْمن قَالَت فَقلت لَهُم أتلطمون خدي وَقد مسست بِهِ الرُّكْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وَالْحجر الْأسود فَقَالُوا لي قبرك بِمصْر وتؤذينا أَنْت هَا هُنَا قَالَت فانتبهت وَأثر اللَّطْمَة فِي خدي قَالَ أَبُو بكر وكشفت لي عَن وَجههَا فَرَأَيْت أثر اللَّطْمَة سوادا أَقَامَ نَحوا من أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ تقشر وَذهب فَيَنْبَغِي لمن زار الْقُبُور أَن يسلم على أَهلهَا وَأَن يَدْعُو لَهُم وَيسْأل الله عز وَجل فيهم وَيتْرك الْكَلَام عِنْدهم بِمَا لَا يحل والْحَدِيث على رؤوسهم بِمَا لَا يحب فَإِن كَانَ الْمُتَكَلّم لَا يدْرِي مِقْدَار مَا يَقُول فَإِن الْمَيِّت يدْرِي مِقْدَاره ويتحقق موقعه ويتبين ضَرَره فَوَاجِب عَلَيْك أَلا تؤذيه بِسَمَاع مَا لَا يُرِيد سَمَاعه وَألا تدخل عَلَيْهِ مَا لَا يُرِيد إِدْخَاله وَإِلَّا فَرُبمَا لم يَفِ لَك خير زيارتك إِيَّاه بشر مَا تنْقَلب بِهِ من عِنْده كَانَ بقرطبة رجل من الزهاد المحتسبين يكنى بِأبي مَرْوَان وَكَانَ دينا فَاضلا طلب الْعلم وروى الحَدِيث وَسمع من مُحَمَّد بن وضاح وَسكن عِنْده إِلَى أَن مَاتَ وَصلى عَلَيْهِ ابْن وضاح وَدَفنه بمقبرة تعرف بمقبرة خلال وتعرف أَيْضا بمقبرة الْمَسَاكِين وَكَانَ ابْن وضاح بعد ذَلِك مَتى حضر جَنَازَة فِي تِلْكَ الْمقْبرَة مَشى إِلَى قبر أبي مَرْوَان هَذَا فَوقف بِهِ وَسلم عَلَيْهِ ودعا لَهُ فَحَضَرَ جَنَازَة فِي بعض الْأَيَّام فِي تِلْكَ الْمقْبرَة وأعجله أَمر عَن الْمَشْي إِلَيْهِ على عَادَته للسلام عَلَيْهِ وَالدُّعَاء لَهُ قَالَ ابْن وضاح فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة المقبله رَأَيْت أَبَا مَرْوَان فِي نومي وَكَأَنَّهُ يَقُول لي يَا أَبَا عبد الله كن إِذا دخلت هَذِه الْمقْبرَة وقفت بِي وسلمت عَليّ ودعوت لي فأنست بك وفرحت بدعائك وَدخلت الْيَوْم فَلم تفعل شَيْئا من ذَلِك فَقلت لَهُ يَا أَبَا مَرْوَان وَإِنَّكُمْ لتعرفون من يقف بكم وَيسلم عَلَيْكُم فَقَالَ نعم وَلَقَد قعد ابْنك مُحَمَّد على قَبْرِي الْيَوْم مَعَ رجل مَا هُوَ إِلَّا يَهُودِيّ وَتكلم بِكَلَام مَا هُوَ إِلَّا كفر وَلَقَد تأذيت بقعودهما وكلامهما قَالَ ابْن وضاح فَلَمَّا أَصبَحت دَعَوْت ابْني مُحَمَّدًا فَقلت لَهُ أَيْن قعدت أمس إِذْ حَضَرنَا جَنَازَة فلَان قَالَ عِنْد قبر أبي مَرْوَان الزَّاهِد فَقلت مَعَ من قعدت فكتمني فَقلت لَهُ مَعَ من قعدت وعزمت عَلَيْهِ فَقَالَ لي مَعَ فلَان وأعلمني بالقاعد مَعَه فعرفته وَكَانَ ذَلِك الرجل مُولَعا بِبَعْض الْكَلَام وَقلت لَهُ فيمَ تكلمتم وفيم خضتم فَقَالَ تكلمنا فِي الْبَارِي تبَارك وَتَعَالَى وَفِي الْقُرْآن وَغير ذَلِك فَقلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 لَهُ إياك أَن تقاعده أَو تَتَكَلَّم مَعَه أَو مَعَ غَيره فِي شَيْء من هَذَا فَإِن أَبَا مَرْوَان أَتَانِي البارحة فِي نومي فَأَعْلمنِي بِكَذَا وَكَذَا وَهَذِه حِكَايَة صَحِيحَة عَن ابْن وضاح وَفِي بعض طرقها ان ابْنه قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي جعل أَبَا مَرْوَان وَكيلا علينا فِي حَيَاته وَبعد مماته وكما يتَأَذَّى الْمَيِّت رَحِمك الله بِمَا يسمع من الْكفْر فَكَذَلِك يتَأَذَّى بِمَا يسمع من الْفُحْش والهجر وَلكنه أَذَى دون أَذَى فَوَاجِب عَلَيْك أَلا تؤذيه بِقَلِيل وَلَا كثير وَإِن لم تَنْفَعهُ فَلَا تضره وَاعْلَم أَن الْمَيِّت كالحي فِيمَا يعطاه وَيهْدِي إِلَيْهِ بل الْمَيِّت أَكثر وَأكْثر لِأَن الْحَيّ قد يسْتَقلّ بِمَا يهدى إِلَيْهِ ويستحقر مَا يتحف بِهِ وَالْمَيِّت لَا يستحقر شَيْئا من ذَلِك وَلَو كَانَ مِقْدَار جنَاح بعوضة أَو وزن مِثْقَال ذرة لِأَنَّهُ يعلم قِيمَته وَقد كَانَ يقدر عَلَيْهِ فضيعه وَمِمَّا يدلك على صِحَة وُصُول مَا يهدي الْحَيّ إِلَى الْمَيِّت قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ الْإِنْسَان انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ فدعاء الْوَلَد يصل إِلَى وَالِده وَينْتَفع بِهِ وَكَذَلِكَ أمره عَلَيْهِ السَّلَام بِالسَّلَامِ على أهل الْقُبُور وَالدُّعَاء لَهُم مَا ذَاك إِلَّا لكَون الدُّعَاء لَهُم وَالسَّلَام عَلَيْهِم يصل إِلَيْهِم ويأتيهم وَالله أعلم ويروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمَيِّت كالغريق فِي قَبره ينْتَظر دَعْوَة تلْحقهُ من ابْنه أَو أَخِيه أَو صديق لَهُ فَإِذا لحقته كَانَت أحب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَالْأَخْبَار فِي هَذَا كَثِيرَة قَالَ بشر بن مَنْصُور كَانَ رجل زمن الطَّاعُون يخْتَلف إِلَى الْمَقَابِر ثمَّ يسْتَقْبل الْقُبُور فَيَقُول أَمن الله روعتكم آنس الله وحشتكم رحم الله غربتكم تقبل الله حسناتكم تجَاوز الله عَن سَيِّئَاتكُمْ لَا يزِيد على هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات قَالَ الرجل فَانْصَرَفت ذَات يَوْم وَلم أدع فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم خلقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 كثيرا قد جَاءُونِي فَقلت لَهُم من أَنْتُم قَالُوا أهل الْمَقَابِر قلت وَمَا حَاجَتكُمْ قَالُوا إِنَّك قد عودتنا مِنْك هَدِيَّة تهديها إِلَيْنَا عِنْد انصرافك قلت وَمَا هِيَ قَالُوا الدَّعْوَات الَّتِي كنت تَدْعُو بهَا لنا قلت فَإِنِّي أَعُود لما كنت أَدْعُو بِهِ قَالَ فَمَا تركت ذَلِك بعد وَقَالَ بشار بن غَالب رَأَيْت رَابِعَة العدوية يَعْنِي العابدة فِي الْمَنَام وَكنت كثير الدُّعَاء لَهَا فَقَالَت يَا بشاء هديتك تَأْتِينَا فِي أطباق من نور عَلَيْهَا مناديل حَرِير وَهَكَذَا يَا بشار دُعَاء الْمُؤمنِينَ الْأَحْيَاء إِذا دعوا لأخوانهم الْمَوْتَى فاستجيب لَهُم يُقَال هَذِه هَدِيَّة فلَان إِلَيْك وَرَأَيْت لبَعض من يوثق بِهِ قَالَ مَاتَت لي امْرَأَة فَقَرَأت فِي بعض اللَّيَالِي آيَات من الْقُرْآن فأهديتها لَهَا ودعوت الله عز وَجل واستغفرت وَسَأَلت فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي حَدَّثتنِي امْرَأَة تعرفنِي وتعرفها قَالَت لي رَأَيْت البارحة فُلَانَة فِي النّوم تَعْنِي الْميتَة الْمَذْكُورَة فِي مجْلِس حسن فِي دَار حَسَنَة وَقد أخرجت لي أطباقا من تَحت سَرِير كَانَ فِي الْبَيْت والأطباق مَمْلُوءَة قَوَارِير فَقَالَت لي يَا فُلَانَة هَذَا أهداه لي صَاحب بَيْتِي قَالَ وَمَا كنت أعلمت بِمَا أهديت من ذَلِك أحدا وَقَالَ أَبُو قلَابَة أَقبلت من الشَّام إِلَى الْبَصْرَة فمررت على مَقَابِر فَنزلت الخَنْدَق فَتَوَضَّأت وَصليت رَكْعَتَيْنِ ثمَّ وضعت رَأْسِي على قبر فَنمت فَإِذا بِصَاحِب الْقَبْر فِي الْمَنَام قد وقف بِي ثمَّ قَالَ يَا هَذَا لقد آذيتني مُنْذُ اللَّيْلَة يَعْنِي بِوَضْع رَأسه على قَبره ثمَّ قَالَ جزى الله أهل الدُّنْيَا خيرا فَإِنَّهُم لَا يزَال يدْخل علينا من دُعَائِهِمْ أَمْثَال الْجبَال فأقرئهم مني السَّلَام وحَدثني من أَثِق بِهِ قَالَ رأى فلَان وسمى رجلا موثوقا بِهِ فِي النّوم فُلَانَة وَكَانَت ميتَة قَالَ فَقَالَت لي يَا هَذَا إمض إِلَى ابْنَتي فُلَانَة الفاعلة الصانعة تسبها وَقل لَهَا أَهَذا من الصَّوَاب أَو من الْبر أَن أقعد مَعَ النِّسَاء فتأتيهن الطّرف والهدايا من عِنْد بناتهن وأخوانهن وأهليهن وأتطلع وَأَنا أنظر يَمِينا وَشمَالًا رَجَاء أَن يأتيني مِنْهَا شَيْء فَلَا يَأْتِي فأبقى خجلة عِنْد النِّسَاء خزيانة بَينهُنَّ وَقل لَهَا أَو لفلانة تمْضِي إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا فَإِن فِيهِ دَنَانِير مدفونة فتفعل بهَا كَذَا وَكَذَا قَالَ فَوجدت الدَّنَانِير كَمَا قَالَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وَالْأَخْبَار فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة قَدِيما وحديثا فَيَنْبَغِي لمن دخل الْمَقَابِر أَن يتخيل أَنه ميت وَأَنه قد لحق بهم وَدخل فِي معسكرهم وَأَنه مُحْتَاج إِلَى مَا هم إِلَيْهِ محتاجون وراغب فِيمَا هم فِيهِ راغبون فليأت إِلَيْهِم بِمَا يحب أَن يُؤْتِي بِهِ إِلَيْهِ وليتحفهم بِمَا يحب أَن يتحف بِهِ وليتفكر فِي تَغْيِير أَحْوَالهم وألوانهم وتقطع أبدانهم وتنكر أَحْوَالهم وَكَيف صَارُوا بعد الْأنس بهم والتسلي بِحَدِيثِهِمْ إِلَى النفار من رُؤْيَتهمْ والوحشة من مشاهدتهم ويتفكر أَيْضا فِي انْشِقَاق الأَرْض وبعثرة الْقُبُور وَخُرُوج الْمَوْتَى وقيامهم بِمرَّة وَاحِدَة حُفَاة عُرَاة غرلًا مهطعين إِلَى الدَّاعِي مُسْرِعين إِلَى الْمُنَادِي قَالَ مطرف بن أبي بكر الْهُذلِيّ كَانَت عَجُوز متعبدة فِي بني عبد قيس وَكَانَت إِذا جَاءَ اللَّيْل قَامَت فِي مِحْرَابهَا فَإِذا جَاءَ النَّهَار خرجت إِلَى الْقُبُور فعوتبت فِي كَثْرَة إتيانها إِلَى الْقُبُور فَقَالَت إِن الْقلب إِذا قسا وعتا لم يلينه إِلَّا زِيَارَة الْمَوْتَى وَالْوُقُوف على رسوم البلى فَإِنِّي لآتي الْقُبُور فأقف عَلَيْهَا وَأنْظر إِلَيْهَا وأعتبر بهَا وأتفكر فِيهَا فَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِم وَقد خَرجُوا من بَين أطباقها وانبعثوا من تَحت أحجارها فيا لَهَا من نظرة لَو أشربها الْعباد قُلُوبهم مَا أَشد نهكتها فِي الْأَجْسَام وَأعظم مرارتها فِي الْأَنْفس وَأعلم أَن قُبُور الصَّالِحين لَا تَخْلُو من بركَة وَأَن زائرها وَالْمُسلم عَلَيْهَا والقاريء عِنْدهَا والداعي لمن فِيهَا لَا يَنْقَلِب إِلَّا بِخَير وَلَا يرجع إِلَّا بِأَجْر وَقد يُوجد لذَلِك أَمارَة ويبدو مِنْهَا بِشَارَة روى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزل يالمأزمين قَالَ لَهُ أَصْحَابه يَا رَسُول الله إِنَّا نجد هَاهُنَا ريح مسك فَقَالَ وَمَا يمنعكم وَهَا هُنَا قبر أبي مُعَاوِيَة وَأَبُو مُعَاوِيَة هُوَ عبَادَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل يَوْم بدر شَهِيدا وَكَانَ خرج ذَلِك الْيَوْم وَمَات هُنَاكَ شَهِيدا رَضِي الله عَنهُ وروى يحيى بن سعيد عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج قَالَ فتن النَّاس بِقَبْر عبد الله بن غَالب كَانَ يُوجد ريح الْمسك مِنْهُ قَالَ مَالك بن دِينَار رَحمَه الله ذهبت إِلَى قبر عبد الله بن غَالب رَضِي الله عَنهُ فَأخذت من ترابه فَإِذا هُوَ مسك أَو كَأَنَّهُ مسك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَقَالَ حَمَّاد بن زيد حَدثنِي سعيد بن زيد قَالَ أدخلت يَدي فِي قبر عبد الله بن غَالب إِلَى الْمرْفق فأخرجت مِنْهُ تُرَابا فَإِذا رِيحه ريح مسك وقصة هَذَا الْقَبْر صَحِيحَة مَشْهُورَة وَلما خيف على النَّاس مِنْهُ الْفِتْنَة سوي حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن افرند وَكَانَ هُوَ وَأَبوهُ صالحين معروفين قَالَ قَالَ أَبُو الْوَلِيد مَاتَ أبي رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَحَدثني بعض إخوانه مِمَّن يوثق بِهِ وبحديثه نسيت أَنا اسْمه قَالَ لي زرت قبر أَبِيك فَقَرَأت عَلَيْهِ حزبا من الْقُرْآن ثمَّ قلت لَهُ يَا فلَان هَذَا أهديته لَك فَمَاذَا لي قَالَ فَهبت عَليّ نفحة مسك غشيتني وأقامت معي سَاعَة ثمَّ انصرفت وَهِي معي فَمَا فارقتني إِلَّا وَقد مشيت نصف الطَّرِيق وروى أَبُو مُحَمَّد عبد الله الْكُبْرَى وَيعرف بالمغاور وَكَانَ من الصَّالِحين وَالله أعلم مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْخَيْر قَالَ زرت قبر الزبير بن الْعَوام صَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقرابته وَهُوَ أحد الْعشْرَة وقبره بِأَرْض الْبَصْرَة قَالَ فَبَيْنَمَا أَنا على قَبره إِذْ رَأَيْتنِي قد صب عَليّ مَاء ورد من الجو فبلني حَتَّى بل مرقعتي رَأَيْت ذَلِك وَأَنا حَاضر الذِّهْن مَفْتُوح الْعين وَغير بعيد أَن يخلق الله على رَأسه مَاء ورد يبله بل يبل الأَرْض كلهَا إِذا شَاءَ كَرَامَة لصَاحب نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبشرى لهَذَا بزيارته إِيَّاه وَلَا يلْزم أَن يكون هَذَا لكل زائر وَلَا عِنْد كل مزور بل يكون الزائر أفضل من هَذَا والمزور أفضل من ذَلِك وَلَا يكون شَيْء من هَذَا وللكلام على هَذَا مَوضِع آخر وَذكر ابْن إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي يزِيد بن رُومَان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لما مَاتَ النَّجَاشِيّ كَانَ يتحدث أَنه لَا يزَال يرى على قَبره نور وَيسْتَحب لَك رَحِمك الله أَن تقصد بميتك قُبُور الصَّالِحين ومدافن أهل الْخَيْر فتدفنه مَعَهم وتنزله بإزائهم وتسكنه فِي جوارهم تبركا بهم وتوسلا إِلَى الله تَعَالَى بقربهم وَأَن تجتنب بِهِ قُبُور من سواهُم مِمَّن يخَاف التأذي بمجاورته والتألم بمشاهدته فقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الْمَيِّت يتَأَذَّى بالجار السوء كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 يتَأَذَّى بِهِ الْحَيّ يرْوى أَنه دفنت امْرَأَة بقرطبة فَأَتَت أَهلهَا فِي النّوم فَجعلت تعاتبهم وتشكوهم وَتقول مَا وجدْتُم أَن تدفنوني إِلَّا إِلَى بَيت فرن جير فَبَحَثُوا وسألوا عَمَّن كَانَ مَدْفُونا بإزائها فوجدوه رجلا سيافا كَانَ لِابْنِ عَامر وقبره إِلَى قبرها فأخرجوها من جواره وَالله تَعَالَى أعلم بِحَقِيقَة حَال المقبور وَإِنَّمَا لنا مَا ظهر خَاصَّة وَللَّه عز وَجل مَا ظهر وَمَا بطن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الْبَاب الْعَاشِر ذكر منامات رئيت لبَعض الصَّالِحين تدل على مَا هم فِيهِ من الْخَيْر وَحسن الْعَاقِبَة قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرسَالَة والنبوة قد انْقَطَعت فَلَا رَسُول بعدِي وَلَا نَبِي قَالَ فشق ذَلِك على النَّاس فَقَالَ لَكِن الْمُبَشِّرَات قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا الْمُبَشِّرَات قَالَ رُؤْيا الْمُسلم وَهِي جُزْء من أَجزَاء النُّبُوَّة وَقد فسر قَوْله تبَارك وَتَعَالَى لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا أَنَّهَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم أَو ترى لَهُ ذكر الْحَدِيثين التِّرْمِذِيّ وروى مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة بشرى من الله وَمن حَدِيث ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء من سبعين جُزْءا من النُّبُوَّة ذكر هَذَا الحَدِيث مُسلم وَغَيره وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُؤْيا الْمُؤمن جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة وَإِذا ثَبت صَلَاح العَبْد صدقت رُؤْيَاهُ وَإِلَّا فَهِيَ تسر وَلَا تضر وَالله أعلم بِمن يثبت صَلَاحه وبمن يصدق كل مَا يرَاهُ وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع الْكَلَام وسأذكر لَك جملا من هَذِه الْأَخْبَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وَذكر البُخَارِيّ من حَدِيث أم الْعَلَاء وَكَانَت مِمَّن بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت طَار لنا عُثْمَان بن مَظْعُون فِي السُّكْنَى حِين أقرعت الْأَنْصَار على سُكْنى الْمُهَاجِرين فاشتكى فمرضناه حَتَّى توفّي ثمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أثوابه فَدخل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت رَحْمَة الله عَلَيْك أَبَا السَّائِب شهادتي عَلَيْك لقد أكرمك الله فَقَالَ وَمَا يدْريك أَن الله أكْرمه قلت لَا أَدْرِي وَالله قَالَ أما هُوَ فقد جَاءَهُ الْيَقِين إِنِّي لأرجو لَهُ الْخَيْر من الله وَالله مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله مَا يفعل بِي وَلَا بكم قَالَت فوَاللَّه لَا أزكي أحدا بعده قَالَت وأحزنني ذَلِك فَنمت فَرَأَيْت لعُثْمَان بن مَظْعُون فِي النّوم عينا تجْرِي فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ ذَلِك عمله يجْرِي لَهُ ويروى عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم أَنه قَالَ رَأَيْت معَاذ بن جبل بعد وَفَاته بِثَلَاث على فرس أبلق وَخَلفه كرجال أهل منى رجال بيض وَعَلَيْهِم ثِيَاب خضر على خيل بلق وَهُوَ قدامهم وَهُوَ يَقُول يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ بِمَا غفر لي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكرمين ثمَّ الْتفت يَمِينه وشماله يَقُول يَا ابْن رَوَاحَة يَا ابْن مَظْعُون الْحَمد لله الَّذِي صدقنا وعده وأورثنا الأَرْض نتبوأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء فَنعم أجر العاملين قَالَ ثمَّ صَافَحَنِي وَسلم عَليّ معَاذ بن جبل وَعُثْمَان بن مَظْعُون وَعبد الله بن رَوَاحَة رَضِي الله عَنْهُم تشهد لَهُم صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا هم فِيهِ من الْخَيْر وَبِمَا صَارُوا إِلَيْهِ من الْكَرَامَة وَلَا يحْتَاج لَهُم إِلَى رُؤْيا وَلَكِن أردْت أَلا أخلي هَذَا الْبَاب من ذكر بعض الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم قَالَ صَالح بن بشير المري رَأَيْت عَطاء السّلمِيّ فِي النّوم بعد مَوته فَقلت لَهُ يَرْحَمك الله لقد كنت طَوِيل الْحزن فِي الدُّنْيَا فَقَالَ أما وَالله لقد أعقبني ذَلِك فَرحا طَويلا وسرورا دَائِما فَقلت فِي أَي الدَّرَجَات أَنْت قَالَ مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَلما مَاتَ سُفْيَان الثَّوْريّ رئي فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ وضعت أول قدم على الصِّرَاط وَالثَّانِي فِي الْجنَّة وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن إِيَاس رَأَيْت سُفْيَان الثَّوْريّ فِي النّوم فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ أَنا مَعَ السفرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 قلت وَمَا السفرة قَالَ الْكِرَام البررة وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك رَأَيْت الثَّوْريّ فِي الْمَنَام فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ لقِيت مُحَمَّدًا وَحزبه وَقَالَ صَخْر بن رَاشد رَأَيْت عبد الله بن الْمُبَارك فِي النّوم بعد مَوته فَقلت لَهُ أَلَيْسَ قد مت قَالَ بلَى قلت فَمَا صنع الله بك قَالَ غفر لي مغْفرَة أحاطت بِكُل ذَنْب قلت فسفيان الثَّوْريّ قَالَ بخ بخ ذَلِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا وَعَن قبيصَة بن سُفْيَان قَالَ رَأَيْت سُفْيَان الثَّوْريّ فِي النّوم بعد مَوته فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ نظرت إِلَى رَبِّي عيَانًا فَقَالَ لي ... هينئا رضائي عَنْك يَا ابْن سعيد لقد كنت قواما إِذا لِليْل قد دجا ... بعبرة محزون وقلب عميد فدونك فاختر أَي قصر تريده ... وزرني فَإِنِّي مِنْك عير بعيد وَعَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ رَأَيْت سُفْيَان الثَّوْريّ فِي النّوم وَقد مَاتَ كَأَنَّهُ يطير فِي الْجنَّة من شَجَرَة إِلَى نَخْلَة وَمن نَخْلَة إِلَى شَجَرَة وَهُوَ يَقُول لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ فَقيل لَهُ بِمَ دخلت الْجنَّة قَالَ بالورع فَقيل لَهُ فَمَا فعل عَليّ بن عَاصِم قَالَ مَا نرَاهُ إِلَّا مثل الْكَوْكَب وَكَانَ شُعْبَة بن الْحجَّاج ومسعر بن كدام رحمهمَا الله رجلَيْنِ فاضلين جليلين وَكَانَا من ثِقَات الْمُحدثين وحفاظهم وَكَانَ شُعْبَة أكبر وَأجل فماتا قَالَ أَبُو أَحْمد اليزيدي فرأيتهما فِي النّوم وَكنت إِلَى شُعْبَة أميل مني إِلَى مسعر فَقلت لَهُ يَا أَبَا بسطَام مَا فعل الله بك قَالَ وفقك الله يَا بني لحفظ مَا أَقُول ثمَّ أنْشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 حباني إلهي فِي الْجنان بقبة ... لَهَا ألف بَاب من لجين مجوهرا وَقَالَ لي الْجَبَّار يَا شُعْبَة الَّذِي ... تبحر فِي جمع الْعُلُوم فأكثرا تنعم بقربي إِنَّنِي عَنْك ذُو رضَا ... وَعَن عَبدِي القوام فِي اللَّيْل مسعرا كفى مسعرا عزا بِأَن سيزورني ... وأكشف عَن وَجْهي وَيَدْنُو لينظرا فهذي فعالي بِالَّذِي تنسكوا ... وَلم يألفوا فِي سالف الدَّهْر مُنْكرا وَذكر أَبُو الْحسن بن جَهْضَم عَن أبي بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحجَّاج قَالَ حَدثنِي رجل من أهل طرسوس قَالَ دَعَوْت الله عز وَجل أَن يريني أهل الْقُبُور حَتَّى أسألهم عَن أَحْمد بن حَنْبَل مَا فعل الله بِهِ فَرَأَيْت بعد عشر سِنِين فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن أهل الْقُبُور قد قَامُوا على قُبُورهم فبادروني بالْكلَام وَقَالُوا يَا هَذَا كم تَدْعُو الله أَن يُرِيك إيانا تسألنا عَن رجل لم يزل مُنْذُ فارقكم تحفه الْمَلَائِكَة تَحت شَجَرَة طُوبَى وَهَذَا الْكَلَام من أهل الْقُبُور إِنَّمَا هُوَ عبارَة عَن علو دَرَجَة أَحْمد بن حَنْبَل وارتفاع مكانته وَعظم مَنْزِلَته فَلم يقدروا أَن يعبروا عَن صفة حَاله وَعَما هُوَ فِيهِ إِلَّا بِهَذَا أَو بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ مُحَمَّد بن أَحْمد الْكِنْدِيّ رَأَيْت أَحْمد بن حَنْبَل فِي النّوم فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله مَا فعل الله بك فَقَالَ غفر لي ثمَّ قَالَ لي يَا أَحْمد ضربت فِي سِتِّينَ سَوْطًا قلت نعم يَا رب قَالَ هَذَا وَجْهي قد أبحتك فَانْظُر إِلَيْهِ ويروى عَن عَبدة العابدة قَالَت لما حضرت الْوَفَاة رَابِعَة العدوية قَالَت لي يَا عَبدة لَا تؤذني بموتي أحدا وكفنيني فِي جبتي هَذِه وَهِي جُبَّة من شعر كَانَت تصلي بِاللَّيْلِ فِيهَا قَالَت فكفناها فِي تِلْكَ الْجُبَّة وَفِي خمار من صوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 كَانَت تلبسه قَالَت عَبدة فرأيتها فِي مَنَامِي بعد دَفنهَا وَعَلَيْهَا حلَّة استبرق خضراء وخمار من سندس أَخْضَر لم أر قطّ شَيْئا أحسن مِنْهُمَا قَالَت فَقلت لَهَا يَا رَابِعَة مَا فعلت تِلْكَ الْجُبَّة الَّتِي كُنَّا كفناك فِيهَا والخمار الصُّوف قَالَت إِنَّمَا وَالله نزعا مني واستبدلت بهما هَذَا الَّذِي تَرين عَليّ وطويا وَختم عَلَيْهِمَا ورفعا فِي عليين ليكمل ثوابهما إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قلت لَهَا فَمَا فعلت عُبَيْدَة بنت أبي كلاب قَالَت هَيْهَات هَيْهَات سبقتنا وَالله إِلَى الدَّرَجَات العلى قلت لَهَا وَبِمَ وَقد كنت أَنْت عِنْد النَّاس أكبر مِنْهَا قَالَت إِنَّهَا لم تكن تبالي على أَي حَال أَصبَحت من الدُّنْيَا وَلَا أمست قلت فَمَا فعل ضيغم بن مَالك قَالَت يزور الله عز وَجل مَتى شَاءَ قلت فَمَا فعل بشر بن مَنْصُور قَالَت بخ بخ أعطي وَالله فَوق مَا كَانَ يأمل قَالَت فَقلت لَهَا فيمَ تأمرينني أَن أَتَقَرَّب إِلَى الله عز وَجل فَقَالَت عَلَيْك بِذكر الله فيوشك أَن تغتبطي بذلك فِي قبرك وَقَالَ بعض الصَّالِحين رَأَيْت بشر بن مَنْصُور فِي النّوم بعد مَوته فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك فَأَعْرض عني فَقلت لَهُ فضيغم بن مَالك قَالَ ركب إِلَى الله السَّاعَة وَقَالَ ابْن ثَعْلَبَة العابد رَأَيْت ضيغم بن مَالك فِي النّوم بعد وَفَاته فَقَالَ لي يَا ابْن ثَعْلَبَة أما صليت عَليّ فَذكرت لَهُ شَيْئا مَنَعَنِي فَقَالَ أما أَنَّك لَو صليت عَليّ لربحت رَأسك يَقُول لنجوت وَغفر لَك وَقَالَ أَبُو جَعْفَر السقاء صَاحب بشر بن الْحَارِث رَأَيْت بشر بن الْحَارِث ومعروفا الْكَرْخِي رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا وهما جائيان وكأنهما فِي قبَّة أَو كَمَا قَالَ فَقلت من أَيْن قَالَا من جنَّة الفردوس زرنا كليم الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَلما احْتضرَ حجاج الزَّاهِد قيل لَهُ مَا تشْتَهي قَالَ الله ثمَّ خرجت نَفسه فَرَآهُ بعض إخوانه فِي النّوم يمشي على حَائِط قَالَ فَرفعت رَأْسِي إِلَيْهِ وَأَنا أَمْشِي بِالْأَرْضِ فَقلت لَهُ أَبَا يُوسُف كَيفَ حالك وَكَيف أَنْت وعلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 قدمت قَالَ فَضَحِك وَقَالَ مَا الْأَمر إِلَّا سهل مَا رَأَيْت شَيْئا مِمَّا كنت أخافه وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَعَن سعيد بن أَسد أَن رجلا كَانَ من دُعَائِهِ اللَّهُمَّ سهل عَليّ الْمَوْت وَيسر عَليّ الْحساب وَبَارك لي فِي اللِّقَاء وأعذني من جهد الْبلَاء فَمَاتَ فَرُئِيَ فِي النّوم فَقيل لَهُ مَا فعلت فَقَالَ لقِيت خيرا وكل شَيْء سَأَلت الله أَن يعطينيه أعطانيه وَقَالَ بعض الصَّالِحين رَأَيْت بشر بن الْحَارِث فِي النّوم وَمَا كنت رَأَيْته فِي الْيَقَظَة وَلَا كَلمته قطّ فَرَأَيْت كَأَنِّي وَاقِف بَين يَدي الله عز وَجل أسمع كلَاما وَلَا أرى أحدا وَهُوَ يَقُول يَا بشر قد قبلناك وَقَبلنَا مَا كَانَ مِنْك فَسمِعت بشرا يَقُول وَمن تَبِعنِي يَا رب قَالَ قد غفرت لَهُم وَقَالَ عَاصِم الْجَزرِي رَأَيْت فِي النّوم كَأَنِّي لقِيت بشر بن الْحَارِث فَقلت من أَيْن يَا أَبَا نصر فَقَالَ من عليين قَالَ فَقلت لَهُ مَا فعل أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ تركته السَّاعَة مَعَ عبد الْوَهَّاب الْوراق بَين يَدي الله تَعَالَى يأكلان ويشربان قلت لَهُ فَأَنت قَالَ علم الله قلَّة رغبتي فِي الطَّعَام فأباحني النّظر إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَر السقاء رَأَيْت بشر بن الْحَارِث فِي النّوم بعد مَوته فَقلت لَهُ يَا أَبَا نصر مَا فعل الله بك فَقَالَ ألطفني ورحمني وَقَالَ لي يَا بشر لَو سجدت لي فِي الدُّنْيَا على الْجَمْر مَا أدّيت شكر مَا حشوت قُلُوب عبَادي مِنْك وأباح لي نصف الْجنَّة فأسرح فِيهَا حَيْثُ شِئْت ووعدني أَن يغْفر لمن تبع جنازتي فَقلت لَهُ مَا فعل أَبُو نصر التمار قَالَ ذَاك فَوق النَّاس لِصَبْرِهِ على بلائه وَفَقره لَعَلَّه أَرَادَ بقوله أَبَاحَ لي نصف الْجنَّة نصف نعيم الْجنَّة لِأَن نعيم الْجنَّة نِصْفَانِ نصف روحاني وَنصف جسماني فيتنعمون أَولا بالروحاني ثمَّ إِذا ردَّتْ الْأَرْوَاح إِلَى الأجساد أضيف لَهُم النَّعيم الجسماني إِلَى النَّعيم الروحاني وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَذكر بعض الصَّالِحين قَالَ رئي بشر بن الْحَارِث فِي النّوم وَهُوَ يُهَرْوِل وَيَقُول السَّاعَة انطلقنا من السجْن وَقَالَ أَبُو الْحسن الْمَالِكِي صَحِبت خيرا النساج سِنِين كَثِيرَة فَقَالَ لي قبل مَوته بِثمَانِيَة أَيَّام أَنا أَمُوت يَوْم الْخَمِيس قبل الْمغرب وأدفن يَوْم الْجُمُعَة قبل الصَّلَاة وستنسى هَذَا فَلَا تنس قَالَ فَنسيته إِلَى يَوْم الْجُمُعَة فَلَقِيت من أَخْبرنِي بِمَوْتِهِ فَخرجت لأحضر جنَازَته فوحدت النَّاس قد أخرجُوا جنَازَته قبل الصَّلَاة كَمَا قَالَ فَسَأَلت من حضر وَفَاته فَقَالَ إِنَّه غشي عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق فَالْتَفت إِلَى نَاحيَة الْبَيْت وَقَالَ قف عافاك الله فَإِنَّمَا أَنْت عبد مَأْمُور وَأَنا عبد مَأْمُور وَالَّذِي أمرت بِهِ أَنْت لَا يفوتك وَالَّذِي أمرت بِهِ أَنا يفوتني ثمَّ دَعَا بِمَاء فجدد الْوضُوء ثمَّ صلى ثمَّ تمدد وغمض عَيْنَيْهِ وَمَات رَحمَه الله فَرُئِيَ فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ كَيفَ حالك فَقَالَ لَا تسْأَل وَلَكِنِّي تخلصت من دنياكم الوضرة وَكَانَ من دُعَاء بعض الصَّالِحين اللَّهُمَّ يَا سَيِّدي حبست من شِئْت عَن خدمتك وأطلقت لَهَا من أَحْبَبْت من خلقك غير ظَالِم وَلَا مسئول عَن فعلك وَقد تقدّمت لي فِيك آمال فَلَا تجمع عَليّ الْمَنْع من الطَّاعَة وخيبة الأمل فِيك يَا كريم فَكَانَ هَذَا خَاتِمَة دُعَائِهِ فَلَمَّا مَاتَ رئي فِي الْمَنَام فِي الْجنَّة فَقيل لَهُ بِمَ نلْت هَذَا قَالَ بذلك التضرع والاستغاثة فِي الأسحار قيل ورئي عَلَيْهِ حلَّة قَالَ الرَّائِي فَمَا رَأَيْت شبها لَهَا وَعَلَيْهَا مَكْتُوب بِالذَّهَب انْعمْ فقد نلْت الأمل فَقلت لَهُ مَا هَذَا الْكتاب على ثِيَابك قَالَ هَذَا خَاتِمَة تضرعي وأملي الَّذِي كنت أؤمله من سَيِّدي وَقَالَ بعض الصَّالِحين رَأَيْت أَبَا بكر الشبلي رَحمَه الله فِي الْمَنَام وَكَأَنِّي قَاعد فِي مجْلِس الرصافة بالموضع الَّذِي كَانَ يقْعد فِيهِ وَإِذا بِهِ قد أقبل وَعَلِيهِ ثِيَاب حسان قَالَ فَقُمْت إِلَيْهِ وسلمت عَلَيْهِ وَجَلَست بَين يَدَيْهِ فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي من أقرب أَصْحَابك إِلَيْك فَقَالَ مسرعا ألهجهم بِذكر الله وأقومهم بِحَق الله وأسرعهم مبادرة فِي مرضاة الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن الساحلي رَأَيْت ميسرَة بن سلم فِي الْمَنَام بعد مَوته فَقلت لَهُ أصلحك الله طَالَتْ غَيْبَتِك فَقَالَ السّفر طَوِيل قلت فَمَا الَّذِي قدمت عَلَيْهِ فَقَالَ رخص لنا لأننا كُنَّا نفتي بالرخص فَقلت لَهُ فَمَا تَأْمُرنِي بِهِ فَقَالَ اتِّبَاع الْآثَار وصحبة الأخيار ينجيان من النَّار ويقربان من الْجَبَّار وَرُوِيَ عَن شُعَيْب بن حَرْب قَالَ كَانَت بِمَكَّة امْرَأَة من الصَّالِحَات من أهل الْقُرْآن فرأت فِيمَا يرى النَّائِم حول الْكَعْبَة وصائف بأيديهن الرياحين وعليهن المعصفرات فَقَالَت سُبْحَانَ الله أَحول الْكَعْبَة يكون هَذَا فَقيل لَهَا أما علمت أَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد تزوج اللَّيْلَة قَالَت فَاسْتَيْقَظت فَإِذا عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قد مَاتَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة قَالَ بعض الصَّالِحين رَأَيْت فِي النّوم كَأَنِّي فِي السَّمَاء وَلأَهل السَّمَاء ضجيج وحركة وهم يَقُولُونَ جَاءَ المحسن جَعْفَر بن الزبير فانتبهت فمشيت إِلَى منزله فَوَجَدته قد مَاتَ ويروى عَن أبي جَعْفَر الضَّرِير أَنه قَالَ رَأَيْت عِيسَى بن زادان فِي النّوم بعد مَوته فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك فَأَنْشَأَ يَقُول لَو رَأَيْت الحسان فِي الْخلد حَولي ... وأكاويبها بصافي الشَّرَاب يترنمن بِالْقُرْآنِ جَمِيعًا ... يتمشين مسبلات الثِّيَاب وَقَالَ عبود الْمعلم وَكَانَ يعرف بِوَجْه الْجنَّة رَأَيْت أَبَا عبد الله الْفَزارِيّ الْمعلم فِي النّوم بعد مَوته فَقلت لَهُ كَيفَ وجدت الْأَمر قَالَ أسهل مِمَّا تذكرُونَ وأصعب مِمَّا تصفون فَقلت لَهُ صَاحبك سهل الْوراق أَمَعَك هُوَ قَالَ يَدي فِي يَده وَيَده فِي يَدي يَعْنِي فِي الْجنَّة وَلكنه أطول مني قامة وَقَوله أطول مني قامة يُرِيد أرفع مني مرتبَة وَكَانَ قد رَآهُ بعد مَوته ويروى عَن معوذ بن دَاوُد الباكرتي وَكَانَ من الصَّالِحين أَنه قَالَ رَأَيْت أَبَا حَفْص عمر بن عبادل الرعيني الزَّاهِد بعد مَوته فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فَقَالَ لَو كنت أعلم الْغَيْب لاستكثرت من الْخَيْر وَهَذَا يدل على أَنه فعل مَعَه خير فَأَرَادَ الزِّيَادَة مِنْهُ وَعَن يعلي بن عبيد قَالَ جَاءَ رجل إِلَى سُفْيَان الثَّوْريّ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عبد الله رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن ملكا نزل من السَّمَاء إِلَى الشَّام فاقتلع رَيْحَانَة ثمَّ صعد بهَا إِلَى السَّمَاء فَقَالَ لَهُ سُفْيَان إِن صدقت رُؤْيَاك فقد مَاتَ الْأَوْزَاعِيّ فحفظ ذَلِك الْيَوْم فجَاء نعيه أَنه مَاتَ فِيهِ ويروى عَن حَمَّاد بن زيد عَن هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة قَالَت كَانَ مَرْوَان المحلمي لنا جارا وَكَانَ عابدا مُجْتَهدا فَمَاتَ فحزنت عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا فرأيته فِي النّوم فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله مَا صنع بك رَبك قَالَ أدخلني الْجنَّة قلت ثمَّ مَاذَا قَالَ رفعت إِلَى أَصْحَاب الْيَمين قلت ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ رفعت إِلَى المقربين قلت فَمن رَأَيْت ثمَّ من أَصْحَابك قَالَ رَأَيْت الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَمَيْمُون بن سياه قَالَ حَمَّاد قَالَ هِشَام فحدثتني أم عبد الله وَكَانَت من خِيَار نسَاء أهل الْبَصْرَة قَالَت رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي دخلت بستانا فَذكرت من حسنه مَا شَاءَ الله أَن تذكر فَإِذا أَنا بِرَجُل متكيء على سَرِير من ذهب وَحَوله الوصائف بأيديهن الأكاويب قَالَت فَأَنا متعجبة من حسن مَا أرى إِذْ أَتَى ذَلِك الرجل فَقيل لَهُ هَذَا مَرْوَان المحلمي قد أقبل فَوَثَبَ فَاسْتَوَى جَالِسا على سَرِيره قَالَت فَاسْتَيْقَظت من مَنَامِي فَإِذا بِجنَازَة مَرْوَان المحلمي قد مر بهَا على بَابي تِلْكَ السَّاعَة ويروى عَن عبد الْوَاحِد بن زيد وَكَانَ من الصَّالِحين قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام لَيْلَة مَاتَ الْحسن الْبَصْرِيّ كَأَن أَبْوَاب السَّمَاء قد فتحت وَكَأن الْمَلَائِكَة صُفُوف فَقلت مَا هَذَا إِلَّا لأمر عَظِيم فَسمِعت مناديا يُنَادي أَلا إِن الْحسن بن أبي الْحسن قدم على الله وَهُوَ عَنهُ رَاض ويروى أَن امْرَأَة قَالَت لِابْنِ سِيرِين وَهُوَ يَأْكُل رَأَيْت كَأَن شَجَرَة ياسمين قلعت من الأَرْض وَرفعت إِلَى السَّمَاء وَكَأن الثريا سَقَطت من السَّمَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 فِي دَارك قَالَ فَرفع ابْن سِيرِين يَده من الطَّعَام وَقَالَ أعظم الله أجري فِي نَفسِي وَإِن كثر الْبَقَاء فَإلَى سبع فَكَانَ كَذَلِك ويروى عَن عَمْرو بن عمر بن صَفْوَان عَن بعض مشيخته قَالَ رَأَيْت فِي النّوم كَأَنِّي جِئْت إِلَى هَذِه الْمقْبرَة الَّتِي بِمَكَّة فَرَأَيْت على عامتها سرادقات وَرَأَيْت مِنْهَا قبرا عَلَيْهِ سرادق وفسطاط وسدرة فَجئْت حَتَّى دخلت وَإِذا مُسلم بن خَالِد الزنْجِي فَسلمت عَلَيْهِ وَقلت يَا أَبَا خَالِد مَا بَال هَذِه الْقُبُور عَلَيْهَا سرادق وقبرك عَلَيْهِ سرادق وفسطاط وَفِيه سِدْرَة فَقَالَ إِنِّي كنت كثير الصّيام فَقلت لَهُ يَا أَبَا خَالِد أَيْن قبر ابْن جريج دلَّنِي عَلَيْهِ فقد كنت أجالسه وَأَنا أحب أَن أسلم عَلَيْهِ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ هَيْهَات وأدار أُصْبُعه السبابَة وَقَالَ وَأَيْنَ قبر ابْن جريج رفعت صَحِيفَته فِي عليين ويروى عَن بعض الصَّالِحين قَالَ رَأَيْت بعض جيراني فِي النّوم فَقلت لَهُ مَا حالك فَذكر شَيْئا قلت فَمَا حَال عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ ذَلِك مَشْهُور فِي الْجنَّة ورئي حَمَّاد بن سَلمَة فِي النّوم فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ أوقفني بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لي طَال مَا كددت نَفسك فِي الدُّنْيَا فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعبين وَعَن أسلم بن زرْعَة الْعَبادَانِي قَالَ كَانَ عندنَا بالسَّاحل رجل لَهُ فضل بارع كَانَ يعذب لَهُ المَاء المالح قَالَ قَالَ لي يَوْمًا رَأَيْت البارحة فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن رجلا يَقُول لي قد فَرغْنَا من بِنَاء دَارك وَلَو رَأَيْتهَا لقرت عَيْنَاك وَقد أمرنَا أَن ننجزها لَك والفراغ مِنْهَا إِلَى سَبْعَة أَيَّام وَاسْمهَا السرُور فأبشر بِخَير قَالَ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم السَّابِع بكر للْوُضُوء وَنزل للنهر وَقد هدأ فزلق فغرق فَمَاتَ فأخرجناه فدفناه قَالَ فأريته بعد ثَالِثَة وَهُوَ يكبر وَعَلِيهِ حلل خضر فَقَالَ لي يَا أَبَا الرضى أنزلني الْكَرِيم دَار السرُور وماذا أعد لي فِيهَا فَقلت صف لي هَذَا فَقَالَ هَيْهَات يعجز الواصفون أَن تنطق ألسنتهم بِمَا فِيهَا فيا لَيْت عيالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 يعلمُونَ أَنه قد هيء لَهُم منَازِل معي فِيهَا كل مَا اشتهت أنفسهم ولذت أَعينهم نعم وإخواني وَأَنت مَعَهم إِن شَاءَ الله قَالَ ثمَّ انْتَبَهت وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد اللباد الْفَقِيه رَحمَه الله رَأَيْت ربيعا الْعَطَّار فِي الْمَنَام فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ فِي الْجنَّة فَقلت وَكَيف حالكم فِيهَا قَالَ تَارَة تزخرف لنا الْجنان وَتارَة تشرف علينا الْحور الْعين وَتارَة تصطك لنا الْحجب قَالَ فَقلت لَهُ فَمن أَعلَى منزلَة أَنْت أم فلَان وَسمي لَهُ رجلا مَعْرُوفا عِنْدهم قَالَ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ كلنا جَمعنَا فِي حديقة وَاحِدَة يَعْنِي فِي جنَّة وَاحِدَة وَرَأى بعض من يوثق بِهِ رجلا كَانَ يعرف بِالْخَيرِ والعفاف بعد مَوته وَعَلِيهِ عِمَامَة خَز فأنكرها عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أتلبسها ولباس الْخَزّ مَكْرُوه فَقَالَ لَهُ هُوَ عندنَا فِي هَذِه الدَّار مُبَاح ورئي غَيره شَابًّا وَكَانَ فِي الدُّنْيَا أشيب فَقيل لَهُ نرَاك دون شيب فَقَالَ لَا يشيب أحد فِي هَذِه الدَّار وَقَالَ بعض الصَّالِحين كَانَ لي ولد فاستشهد فرأيته فِي النّوم لَيْلَة مَاتَ عمر بن عبد الْعَزِيز فَقلت لَهُ يَا بني أَلَسْت مَيتا قَالَ لَا وَلَكِنِّي حَيّ أرزق فَقلت فَمَا جَاءَ بك قَالَ نُودي فِي أهل السَّمَاء لَا يبْقى نَبِي وَلَا صديق وَلَا شَهِيد إِلَّا ويحضر الصَّلَاة على عمر بن عبد العزيز فَحَضَرت ثمَّ جِئْت لأسلم عَلَيْكُم وأراكم وَالْأَخْبَار فِي هَذَا الْبَاب لَا تحصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الْبَاب الْحَادِي عشر ذكر منامات رئيت لرجال تدل على مَا هم فِيهِ من سوء الْحَال روى عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت مؤاخيا لأبي لَهب فَلَمَّا مَاتَ أخبر الله عَنهُ بِمَا أخبر وحزنت عَلَيْهِ وأهمني أمره فَسَأَلت الله حولا كَامِلا أَن يرينيه فِي الْمَنَام قَالَ فرأيته يلتهب نَارا فَسَأَلته عَن حَاله فَقَالَ صرت إِلَى النَّار وَالْعَذَاب لَا يُخَفف عني وَلَا يروح إِلَّا لَيْلَة الِاثْنَيْنِ فِي كل اللَّيَالِي وَالْأَيَّام قلت وَكَيف ذَلِك قَالَ ولد فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجاءتني أُمَيْمَة فبشرتني بِوِلَادَة أمه إِيَّاه فَفَرِحت وأعتقت وليدة فَرحا بِهِ فأثابني الله بذلك أَن يرفع عني الْعَذَاب فِي كل لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ويروى أَيْضا أَن أَبَا لَهب كَانَ قد أعتق أمة لَهُ يُقَال لَهَا ثويبة وَكَانَت ثويبة قد أرضعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهب أريه بعض أَهله فِي مَنَامه بشر خيبة أَي بشر حَال فَقَالَ لَهُ مَاذَا لقِيت فَقَالَ لم ألق بعدكم خيرا غير أَنِّي سقيت فِي هَذِه لعتاقتي ثويبة وَمعنى سقيت فِي هَذِه يُرِيد النقرة الَّتِي بَين الْإِبْهَام والسبابة ذكر هَذِه الْحِكَايَة البُخَارِيّ أَبُو لَهب كَانَ عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ كثير الإذاية للرسول بَعْدَمَا جَاءَتْهُ النُّبُوَّة شَدِيد الْعَدَاوَة لَهُ ويروى عَن طَارق بن عبد الله الْمحَاربي قَالَ رَأَيْت بسوق عكاظ رجلا شَابًّا جميل الْوَجْه يَقُول أَيهَا النَّاس قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله تُفْلِحُوا ووراءه رجل أَعور قَبِيح يَقُول أَيهَا النَّاس لَا تُصَدِّقُوهُ فَإِنَّهُ كَذَّاب وَقد رمى كعبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وعرقوبيه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أدماه فَقلت من هَذَا الشَّاب قَالُوا هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب يزْعم أَن الله أرْسلهُ قلت وَمن هَذَا الآخر وَرَاءه قَالُوا عَمه أَبُو لَهب وَسُوء حَال أبي لَهب أوضح من أَن يحْتَاج فِيهِ إِلَى شَاهد وَلَكِنِّي أردْت إِلَّا أخلي هَذَا الْبَاب من ذكره أَو ذكر مثله وليعلم أَيْضا أَن الْكَافِر لَا يُغني عَنهُ من الله شَيْء وَأَنه لَيْسَ لَهُ من دون الله ولي وَلَا نصير وَهَذَا التَّخْفِيف الَّذِي ذكر إِن كَانَ فَإِنَّمَا هُوَ فِي البرزخ وَأما فِي الْآخِرَة فَلَا تَخْفيف وَلَا تفتير وَلَا رَاحَة نَعُوذ بِاللَّه من عَذَابه يرْوى عَن بعض الصَّالِحين من أهل القيروان قَالَ كَانَ لي جَار يذكر أَنه لَيْسَ بِمُسلم فَمَاتَ فَرَأَيْت فِي النّوم حجرا ململما يتدحرج حَتَّى وصل إِلَى بَاب ذَلِك الرجل فدنوت مِنْهُ فَإِذا بِالْحجرِ قد انفرج فَخرج مِنْهُ رجل هُوَ ذَلِك الرجل فَقلت لَهُ مَا هَذَا فَقَالَ هَكَذَا نَحن نعذب وَذكر سوء حَاله فَقلت لَعَلَّ الله أَن يغْفر لَك قَالَ وَكَيف يغْفر لي وَأَنا قد مت على غير الْإِسْلَام ويروى عَن هِشَام بن حسان قَالَ قَالَ مَاتَ ابْن لي شَاب فرأيته فِي النّوم وَهُوَ أشيب فَقلت لَهُ يَا بني مَا هَذَا الشيب قَالَ قدم فلَان فزفرت جَهَنَّم لقدومه زفرَة لم يبْق منا أحد إِلَّا شَاب ويروى أَن رجلا رئي فِي الْمَنَام شاحب اللَّوْن متغير الْوَجْه وَقد غلت يَدَاهُ إِلَى عُنُقه فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك فَأَنْشَأَ يَقُول تولى زمَان لعبنا بِهِ ... وَهَذَا زمَان بِنَا يلْعَب ويروى أَن دلف بن أبي دلف الْعجلِيّ رأى أَبَاهُ فِي النّوم وَكَأَنَّهُ فِي بَيت مظلم حيطانه وسقفه مسودة من الدُّخان وَهُوَ جَالس فِي صدر الْبَيْت فَقَالَ لَهُ يَا أَبَت كَيفَ حالك فَقَالَ يَا بني الْأَمر صَعب والحساب دَقِيق ثمَّ أنشأ يَقُول وَلَو أَنا إِذا متْنا تركنَا ... لَكَانَ الْمَوْت رَاحَة كل حَيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَلَكنَّا إلذا متْنا بعثنَا ... ونسأل بعده عَن كل شي وَفِي رُؤْيا عمر بن عبد الْعَزِيز فَذكر الْقِيَامَة والبعث وَجمع النَّاس لفصل الْقَضَاء وَكَيف نُودي الْخُلَفَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد وحسابهم وكل وَاحِد مِنْهُم على مَنْزِلَته ثمَّ نَادَى الْمُنَادِي أَيْن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ فتصببت عرقا ثمَّ أخذت الْمَلَائِكَة بيَدي فأوقفتني بَين يَدي الله تَعَالَى فَسَأَلَنِي عَن الفتيل والنقير والقطمير وَعَن كل قَضِيَّة قضيتها حَتَّى ظَنَنْت أَنِّي لست بناج ثمَّ إِنَّه تفضل عَليّ برحمة مِنْهُ فغفر لي وَأمر بِي ذَات الْيَمين إِلَى الْجنَّة فمررت بجيفة ملقاة فَقلت للْمَلَائكَة من هَذَا قَالُوا كَلمه يكلمك فوكزته برجلي فَرفع رَأسه وَفتح عَيْنَيْهِ فَإِذا بِرَجُل أفطس أثرم شَدِيد الأدمة وَحش المنظر فَقَالَ لي من أَنْت فَقلت عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ مَا فعل الله بك فَقلت تفضل عَليّ برحمته فغفر لي وَأمر بِي ذَات الْيَمين إِلَى الْجنَّة قَالَ فَمَا فعل أَصْحَابك الْخُلَفَاء الَّذين مَعَك قلت أما الْأَرْبَعَة فغفر الله لَهُم وَأمر بهم ذَات الْيَمين إِلَى الْجنَّة وَأما الْبَاقُونَ فَلَا أَدْرِي مَا فعل الله بهم قَالَ وأخذني الْبكاء ثمَّ قَالَ هَنَّأَك الله بِمَا صرت إِلَيْهِ قلت من تكون قَالَ أَنا الْحجَّاج بن يُوسُف قدمت على رَبِّي فَوَجَدته شَدِيد الْعقَاب قتلني بِكُل قَتِيل قتلته قتلة وَهَا أنذا مَوْقُوف بَين يَدَيْهِ أنْتَظر مَا ينْتَظر الموجودون وَالْأَخْبَار فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة أَيْضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الْبَاب الثَّانِي عشر ذكر الْأَرْوَاح أَيْن يذهب بهَا وَمَا جَاءَ فِي عَذَاب الْقَبْر وَالسُّؤَال فِيهِ ذكر أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْمُؤمن إِذا احْتضرَ أَتَتْهُ الْمَلَائِكَة بحريرة فِيهَا مسك وضبائر ريحَان فتسل روحه كَمَا تسل الشعرة من الْعَجِين وَيُقَال أيتها النَّفس المطمئنة اخْرُجِي راضية مرضيا عَنْك إِلَى روح الله وكرامته فَإِذا خرج روحه وضع على ذَلِك الْمسك وَالريحَان وطويت عَلَيْهِ الحريرة وَذهب بِهِ إِلَى عليين وَإِن الْكَافِر إِذا احْتضرَ أَتَتْهُ الْمَلَائِكَة بمسح فِيهِ جَمْرَة فتنزع روحه انتزاعا شَدِيدا وَيُقَال أيتها النَّفس الخبيثة اخْرُجِي ساخطة مسخوطا عَلَيْك إِلَى هوان الله وعذابه فَإِذا خرجت روحه وضع على تِلْكَ الْجَمْرَة ويطوى عَلَيْهِ الْمسْح وَيذْهب بهَا إِلَى سِجِّين وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْمُؤمن إِذا حضر أَتَتْهُ الْمَلَائِكَة بحريرة بَيْضَاء فَيَقُولُونَ اخْرُجِي راضية مرضيا عَنْك إِلَى روح الله وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان فَتخرج كأطيب ريح مسك حَتَّى أَنه ليناوله بَعضهم بَعْضًا يشمونه حَتَّى يَأْتُوا بِهِ بَاب السَّمَاء فَيَقُولُونَ مَا أطيب هَذِه الرّيح الَّتِي جاءتكم من الأَرْض فَكلما أَتَوا سَمَاء قَالُوا لَهُم مثل ذَلِك حَتَّى يَأْتُوا بِهِ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَلهم أفرح بِهِ من أحدكُم بغائبه إِذا قدم فَيَقُولُونَ مَا فعل فلَان فَيَقُولُونَ دَعوه حَتَّى يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي غم الدِّينَا فَإِذا أصبح واستراح قَالَ لَهُم أما أَتَاكُم فَإِنَّهُ قد مَاتَ فَيَقُولُونَ ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وَأما الْكَافِر فَإِن مَلَائِكَة الْعَذَاب تَأتيه بمسح من شعر فَيَقُولُونَ اخْرُجِي ساخطة مسخوطا عَلَيْك إِلَى عَذَاب الله وَسخطه فَتخرج كأنتن ريح جيفة فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى بَاب الأَرْض فَيَقُولُونَ مَا أنتن هَذِه الرّيح كلما أَتَوا على أَرض قَالُوا ذَلِك حَتَّى يَأْتُوا بِهِ أَرْوَاح الْكفَّار ذكره قَاسم بن أصبغ وَغَيره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا وَذكر مَالك فِي الْمُوَطَّأ من حَدِيث كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة حَتَّى يرجعه الله إِلَى جسده يَوْم يَبْعَثهُ وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت عَمْرو بن لحي بن قمعة بن خندف أخابني كَعْب وَهُوَ يجر قصبه فِي النَّار الْقصب الأمعاء وَذكر مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ قَالَ أَبُو سعيد وَلم أشهده من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن حَدَّثَنِيهِ زيد بن ثَابت قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَائِط لبني النجار على بغلة وَنحن مَعَه إِذْ حادت بِهِ فَكَادَتْ تلقيه وَإِذا أقبر سِتَّة أَو خَمْسَة أَو أَرْبَعَة فَقَالَ من يعرف أَصْحَاب هَذِه الأقبر فَقَالَ رجل أَنا قَالَ فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ قَالَ مَاتُوا فِي الْإِشْرَاك فَقَالَ إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها فلولا أَن لَا تدافنوا لَدَعَوْت الله أَن يسمعكم من عَذَاب الْقَبْر الَّذِي أسمع مِنْهُ ثمَّ أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ تعوذوا بِاللَّه من عَذَاب النَّار فَقَالُوا نَعُوذ بِاللَّه من عَذَاب النَّار قَالَ تعوذوا بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر فَقَالُوا نَعُوذ بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر قَالَ تعوذوا بِاللَّه من الْفِتَن مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن قَالُوا نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن قَالَ تعوذوا بِاللَّه من فتْنَة الدَّجَّال قَالُوا نَعُوذ بِاللَّه من فتْنَة الدَّجَّال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وَعَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَمَا غربت الشَّمْس فَسمع صَوتا فَقَالَ يهود تعذب فِي قبورها وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْدِي امْرَأَة من الْيَهُود وَهِي تَقول هَل شَعرت أَنكُمْ تفتنون فِي الْقُبُور قَالَت فارتاع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ إِنَّمَا تفتن يهود قَالَت عَائِشَة فلبثنا ليَالِي ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل شَعرت أَنه أُوحِي إِلَيّ أَنكُمْ تفتنون فِي الْقُبُور قَالَت عَائِشَة فَسَمعته بعد يستعيذ بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر وَعَن عَائِشَة أَيْضا قَالَت دخلت عَليّ عجوزان من عجز يهود الْمَدِينَة فَقَالَتَا إِن أهل الْقُبُور يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم قَالَت فكذبتهما وَلم أنعم أَن أصدقهما فخرجتا وَدخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهُ يَا رَسُول الله إِن عجوزين من عجز يهود الْمَدِينَة دخلتا عَليّ فزعمتا أَن أهل الْقُبُور يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم فَقَالَ صدقتا إِنَّهُم يُعَذبُونَ عذَابا تسمعه الْبَهَائِم ثمَّ مَا رَأَيْته بعد فِي صلَاته إِلَّا يتَعَوَّذ بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر وَفِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة كَثِيرَة تَجِيء بعد إِن إشاء الله وَذكر أَبُو دَاوُد من حَدِيث عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا فرغ من دفن الْمَيِّت وقف عَلَيْهِ فَقَالَ اسْتَغْفرُوا لأخيكم واسألوا الله لَهُ التثبيت فَإِنَّهُ الْآن يسْأَل وَقد تقدم وَذكر مُسلم من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت قَالَ نزلت فِي عَذَاب الْقَبْر يُقَال لَهُ من رَبك فَيَقُول رَبِّي الله ونبيي مُحَمَّد فَذَلِك قَوْله عز وَجل يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وَعَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ قد أُوحِي إِلَيّ أَنكُمْ تفتنون فِي الْقُبُور قَرِيبا أَو مثل فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال لَا أَدْرِي أَي ذَلِك قَالَت أَسمَاء فَيُؤتى أحدكُم فَيُقَال لَهُ مَا علمك بِهَذَا الرجل فَأَما الْمُؤمن الموقن لَا أَدْرِي أَي ذَلِك قَالَت أَسمَاء فَيَقُول هُوَ مُحَمَّد هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهدى فأجبنا وأطعنا ثَلَاث مَرَّات فَيُقَال لَهُ نم قد كُنَّا نعلم أَنَّك لمُؤْمِن بِهِ فنم صَالحا وَأما الْمُنَافِق أَو المرتاب لَا أَدْرِي أَي ذَلِك قَالَت أَسمَاء فَيَقُول لَا أَدْرِي سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فَقلت وَذكر النَّسَائِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن العَبْد إِذا وضع فِي قَبره وتولي عَنهُ أَصْحَابه إِنَّه يسمع قرع نعَالهمْ أَتَاهُ ملكان فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل مُحَمَّد فَأَما الْمُؤمن فَيَقُول أشهد أَنه عبد الله وَرَسُوله فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَقْعَدك من النَّار قد أبدلك الله بِهِ مقْعدا من الْجنَّة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا وَأما الْكَافِر أَو الْمُنَافِق فَيُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أَدْرِي كنت أَقُول كَمَا يَقُول النَّاس فَيُقَال لَهُ لَا دَريت وَلَا تليت ثمَّ يضْرب ضَرْبَة بَين أُذُنَيْهِ فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا من يَلِيهِ غير الثقلَيْن ذكره البُخَارِيّ وَقَالَ وَيضْرب بِمِطْرَقَةٍ من حَدِيد ضَرْبَة بَين أُذُنَيْهِ فَيَصِيح وَذكر بَاقِي الحَدِيث وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قبر الْمَيِّت أَو قَالَ أحدكُم أَتَاهُ ملكان أسودان أزرقان يُقَال لأَحَدهمَا الْمُنكر وَللْآخر النكير فَيَقُولَانِ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول مَا كَانَ يَقُول هُوَ عبد الله وَرَسُوله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 فَيَقُولَانِ قد كُنَّا نعلم أَنَّك تَقول هَذَا ثمَّ يفسح لَهُ فِي قَبره سَبْعُونَ ذِرَاعا فِي سبعين ثمَّ ينور لَهُ فِيهِ ثمَّ يُقَال لَهُ نم فَيَقُول أرجع إِلَى أَهلِي فَأخْبرهُم فَيَقُولَانِ نم كنومة الْعَرُوس الَّذِي لَا يوقظه إِلَّا أحب أَهله إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثهُ الله تَعَالَى من مضجعه ذَلِك وَإِن كَانَ منافقا قَالَ سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فَقلت مثله لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ قد كُنَّا نعلم أَنَّك تَقول ذَلِك فَيُقَال للْأَرْض التئمي عَلَيْهِ فتلتئم عَلَيْهِ فتختلف فِيهَا أضلاعه فَلَا يزَال فِيهَا معذبا حَتَّى يَبْعَثهُ الله عز وَجل من مضجعه ذَلِك وَذكر عبد بن حميد من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت جَاءَت يَهُودِيَّة فاستطعمت على بَابي فَقَالَت أَطْعمُونِي أعاذكم الله من فتْنَة عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الدَّجَّال فَلم أزل أحبسها حَتَّى جَاءَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله مَا تَقول هَذِه الْيَهُودِيَّة فَقَالَ وَمَا تَقول قلت تَقول أعاذكم الله من فتْنَة عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الدَّجَّال قَالَت عَائِشَة فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع يَده مدا يستعيذ بِاللَّه من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر قَالَت ثمَّ قَالَ أما فتْنَة الدَّجَّال فَإِنَّهُ لم يكن نَبِي إِلَّا وَقد حذر أمته وسأحذركموه تحذيرا لم يحذرهُ نَبِي أمته إِنَّه أَعور وَإِن الله لَيْسَ بأعور بَين عَيْنَيْهِ مَكْتُوب كَافِر يَقْرَؤُهُ كل مُؤمن وَأما فتْنَة الْقَبْر فَفِي تفتنون وعني تسْأَلُون فَإِذا كَانَ الرجل الصَّالح أَجْلِس فِي قَبره غير فزع وَلَا مشعوف فَيُقَال لَهُ فيمَ كنت فَيَقُول فِي الْإِسْلَام فَيُقَال لَهُ مَا هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم فَيَقُول مُحَمَّد رَسُول الله جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ من عِنْد الله رَبنَا فَآمَنا بِهِ وصدقناه قَالَ فَيُقَال لَهُ هَل رَأَيْت الله فَيَقُول مَا يَنْبَغِي لأحد أَن يرى الله فيفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَا وقاك الله ثمَّ يفرج لَهُ فُرْجَة أُخْرَى قبل الْجنَّة فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا فَيُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا وَيُقَال لَهُ على الْيَقِين كنت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله وَإِذا كَانَ الرجل السوء أَجْلِس فِي قَبره فَزعًا مشعوفا فَيُقَال لَهُ فيمَ كنت فَيَقُول لَا أَدْرِي فَيُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 لَهُ مَا هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم فَيَقُول سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ قولا فَقلت كَمَا قَالُوا فيفرج لَهُ فُرْجَة قبل الْجنَّة فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَا صرف الله عَنْك ثمَّ يفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا فَيُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك على الشَّك كنت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله ثمَّ يعذب وَقَالَ عبد بن حميد أَيْضا عَن ابْن أبي ذِئْب قَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو فَحَدثني سعيد بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمَيِّت تحضره الْمَلَائِكَة فَإِذا كَانَ الرجل الصَّالح قَالُوا اخْرُجِي أيتها الرّوح الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب اخْرُجِي حميدة وَأَبْشِرِي بِروح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تخرج ويعرج بهَا إِلَى السَّمَاء فيستفتح لَهَا فَيُقَال من هَذَا فَيُقَال فلَان فَيَقُولُونَ مرْحَبًا بِالروحِ الطّيبَة كَانَت فِي الْجَسَد الطّيب ادخلي حميدة وَأَبْشِرِي بِروح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا عليون وَإِذا كَانَ الرجل السوء قيل اخْرُجِي أيتها النَّفس الخبيثة كَانَت فِي الْجَسَد الْخَبيث اخْرُجِي ذميمة وَأَبْشِرِي بحميم وغساق وَآخر من شكله أَزوَاج فَلَا يزَال يُقَال لَهَا ذَلِك حَتَّى تخرج ويعرج بهَا إِلَى السَّمَاء فَيُقَال من هَذَا فَيُقَال فلَان فَيُقَال لَا مرْحَبًا بِالنَّفسِ الخبيثة كَانَت فِي الْجَسَد الْخَبيث ارجعي ذميمة فَإنَّك لَا تفتح لَك أَبْوَاب السَّمَاء فَيُرْسل من السَّمَاء ثمَّ يصير إِلَى الْقَبْر فيجلس الرجل الصَّالح فَيُقَال لَهُ فَيرد بِمَا فِي حَدِيث عَائِشَة سَوَاء وَقد تقدم وَيجْلس الرجل السوء فَيُقَال لَهُ فَيرد بِمَا فِي حَدِيث عَائِشَة سَوَاء قَالَ عبد وَأَخْبرنِي عَمْرو بن عون أخبرنَا أَبُو عوَانَة عَن الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن زادان أبي عمر عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْر وَلما يلْحد فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَلَسْنَا حوله كَأَنَّمَا على رؤوسنا الطير قَالَ فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 بَصَره إِلَى السَّمَاء وينكت فِي الأَرْض وَيحدث نَفسه ثمَّ قَالَ تعوذوا بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ إِن الرجل إِذا كَانَ فِي قبل من الْآخِرَة وَانْقِطَاع من الدُّنْيَا أَتَاهُ ملك الْمَوْت فَجَلَسَ عِنْد رَأسه فَإِن كَانَ مُسلما قَالَ اخْرُجِي أيتها النَّفس المطمئنة إِلَى مغْفرَة من الله ورضوان قَالَ فَتخرج نَفسه تسيل كَمَا تسيل قَطْرَة السقاء وتنزل الْمَلَائِكَة من السَّمَاء بيض الْوُجُوه كَأَن وُجُوههم الشَّمْس مَعَهم أكفان من أكفان الْجنَّة وحنوط من حنوط الْجنَّة فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مد الْبَصَر فَإِذا أَخذهَا قَامُوا إِلَيْهِ فَلم يتركوها فِي يَده طرفَة عين فَذَلِك قَوْله عز وَجل حَتَّى إِذا جَاءَ أحدكُم الْمَوْت توفته رسلنَا وهم لَا يفرطون قَالَ فَتخرج مِنْهُ مثل أطيب ريح وجدت على وَجه الأَرْض قَالَ فيصعدون بِهِ فَلَا يَمرونَ على جند من الْمَلَائِكَة فِيمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَّا قَالُوا مَا هَذِه الرّوح الطّيبَة فَيَقُولُونَ هَذَا فلَان بِأَحْسَن أَسْمَائِهِ قَالَ فتفتح لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء ويشيعه من كل سَمَاء مقربوها حَتَّى ينْتَهوا بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة قَالَ فَيُقَال اكتبوا كِتَابه فِي عليين وَمَا أَدْرَاك مَا عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون وأرجعوه إِلَى الأَرْض فَإِنِّي وعدتهم مِنْهَا خلقناهم وفيهَا نعيدهم وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى قَالَ فَيرجع روحه إِلَى جسده قَالَ وَيبْعَث إِلَيْهِ ملكان شَدِيدا الِانْتِهَار فيجلسانه وينتهرانه ويقولان لَهُ من رَبك فَيَقُول رَبِّي الله فَيَقُولَانِ مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول رَسُول الله فَيَقُولَانِ لَهُ وَمَا يدْريك فَيَقُول قَرَأت كتاب الله فآمنت بِهِ وصدقت بِهِ فَذَلِك قَوْله عز وَجل يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة وينادي مُنَاد من السَّمَاء أَن قد صدق فألبسوه من الْجنَّة وافرشوا لَهُ من الْجنَّة وأروه منزله من الْجنَّة قَالَ فيلبس من الْجنَّة ويفرش لَهُ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الْجنَّة وَيرى منزله من الْجنَّة ويفسح لَهُ فِي قَبره مد بَصَره قَالَ ويمثل لَهُ رجل حسن الْوَجْه حسن الثِّيَاب طيب الرّيح قَالَ فَيَقُول لَهُ أبشر بِمَا أعد الله لَك من الْكَرَامَة هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد قَالَ فَيَقُول لَهُ من أَنْت رَحِمك الله فوَاللَّه لوجهك الْوَجْه الَّذِي جَاءَنَا بِالْخَيرِ قَالَ فَيَقُول أَنا عَمَلك الصَّالح وَالله مَا علمت أَن كنت حَرِيصًا على طَاعَة الله بطيئا عَن مَعْصِيّة الله فجزاك الله عني خيرا قَالَ فَيَقُول رب أقِم السَّاعَة لكَي أرجع إِلَى أَهلِي وَمَالِي وَقَالَ الْأَعْمَش وَهُوَ سُلَيْمَان بن مهْرَان وحَدثني أَبُو صَالح قَالَ حَدثنِي بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يُقَال لَهُ نم فينام ألذ نومَة نامها نَائِم قطّ حَتَّى توقظه السَّاعَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيث الْبَراء بن عَازِب قَالَ وَإِن كَانَ فَاجِرًا إِذا كَانَ فِي انْقِطَاع من الدُّنْيَا وإقبال من الْآخِرَة جَاءَهُ ملك الْمَوْت فَجَلَسَ عِنْد رَأسه فَيَقُول اخْرُجِي أيتها النَّفس الخبيثة إِلَى غضب وَسخط من الله قَالَ فَيَتَفَرَّق روحه فِي جسده قَالَ فيستخرجها يقطع مَعهَا الْعُرُوق كَمَا يسْتَخْرج الصُّوف المبلول بالسفود قَالَ وَينزل مَلَائِكَة من السَّمَاء سود الْوُجُوه مَعَهم المسوح فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مد الْبَصَر فَإِذا وَقعت فِي يَد ملك الْمَوْت قَامَت إِلَيْهِ الْمَلَائِكَة فَلم يتركوها فِي يَده طرفَة عين قَالَ وَيخرج مِنْهُ مثل أنتن ريح جيفة وجدت على وَجه الأَرْض فيصعدون بِهِ فَلَا يَمرونَ على جند من الْمَلَائِكَة فِيمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرّوح الْخَبيث فَيَقُولُونَ هَذَا فلَان بِأَسْوَأ أَسْمَائِهِ قَالَ فَإِذا انتهي بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا أغلقت دونه وَلم يفتح لَهُ وينادي مُنَاد أَن اكتبوا كِتَابه فِي سِجِّين وأرجعوه إِلَى الأَرْض فَإِنِّي وعدتهم أَن مِنْهَا خلقتهمْ وفيهَا أعيدهم وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى قَالَ فَيرمى بِهِ من السَّمَاء فَذَلِك قَوْله تَعَالَى وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خر من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 قَالَ فيعاد روحه فِي جسده ويأتيه ملكان شَدِيدا الِانْتِهَار فيجلسانه وينتهرانه فَيَقُولَانِ لَهُ من رَبك فَيَقُول لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا النَّبِي الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول لَا أَدْرِي سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ ذَلِك لَا أَدْرِي قَالَ فَيَقُولَانِ لَهُ لَا دَريت قَالَ فَذَلِك قَوْله تَعَالَى ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل الله مَا يَشَاء قَالَ وينادي مُنَاد من السَّمَاء إِن قد كذب فالبسوه من النَّار وافرشوا لَهُ من النَّار وأروه منزله من النَّار قَالَ فيكسى من النَّار ويفرش لَهُ من النَّار وَيرى مِنْهَا منزله قَالَ ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف أضلاعه قَالَ ويمثل لَهُ رجل قَبِيح الْوَجْه قَبِيح المنظر قَبِيح الثِّيَاب منتن الرّيح فَيَقُول أبشر بِالَّذِي يسوؤك أبشر بغضب من الله وَسخط هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت تكذب بِهِ قَالَ فَيَقُول لَهُ وَيلك فَمن أَنْت فوَاللَّه لوجهك وَجه جَاءَ بِالشَّرِّ قَالَ فَيَقُول أَنا عَمَلك الْخَبيث وَالله مَا علمت أَن كنت لبطيئا عَن طَاعَة الله حَرِيصًا على مَعْصِيّة الله فجزاك الله عني شَرّ الْجَزَاء فَيَقُول يَا رب لَا تقم السَّاعَة مِمَّا يرى مِمَّا أعد الله لَهُ وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ شَهِدنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَنَازَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاس إِن هَذِه الْأمة تسْأَل فِي قبورها فَإِذا الْإِنْسَان دفن وتفرق عَنهُ أَصْحَابه جَاءَهُ ملك بِيَدِهِ مطراق فأقعده فَقَالَ مَا تَقول فِي هَذَا الرجل يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن كَانَ مُؤمنا قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله قَالَ فَيَقُول صدقت وَيفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار فَيَقُول هَذَا كَانَ مَنْزِلك لَو كفرت بِرَبِّك فَأَما إِذا آمَنت بِهِ فَهَذَا مَنْزِلك فَيفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فيريد أَن ينْهض إِلَيْهِ فَيَقُول لَهُ اسكن ويفسح لَهُ فِي قَبره وَإِن كَانَ كَافِرًا أَو منافقا يَقُول لَهُ مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أَدْرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فَقلت فَيَقُول لَهُ الْملك لَا دَريت وَلَا تليت وَلَا اهتديت ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فَيَقُول هَذَا مَنْزِلك لَو آمَنت بِرَبِّك فَأَما إِذْ كفرت فَإِن الله قد أبدلك بِهِ هَذَا وَيفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار ثمَّ يقمعه قمعة بالمطراق يسْمعهَا خلق الله كلهم إِلَّا الثقلَيْن فَقَالَ رجل من الْقَوْم يَا رَسُول الله مَا من أحد يقوم عَلَيْهِ ملك فِي يَده مطرقة إِلَّا تهبل عِنْد ذَلِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة ويضل الله الظَّالِمين وَيفْعل الله مَا يَشَاء وَذكر أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يُسَلط على الْكَافِر فِي قَبره تِسْعَة وَتسْعُونَ تنينا تنهشه وتلدغه حَتَّى تقوم السَّاعَة وَلَو أَن تنينا مِنْهَا نفخ فِي الأَرْض لما أنبتت خضرًا وَذكر البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قبرين فَقَالَ إنَّهُمَا ليعذبان وَمَا يعذبان فِي كَبِير أما أَحدهمَا فَكَانَ يمشي بالنميمة وَأما الآخر فَكَانَ لَا يستنثر من بَوْله قَالَ فَدَعَا بعسيب رطب فشقه بِاثْنَيْنِ ثمَّ غرس على هَذَا وَاحِدًا وعَلى هَذَا وَاحِدًا ثمَّ قَالَ لَعَلَّه أَن يُخَفف عَنْهُمَا مَا لم ييبسا وَذكر النَّسَائِيّ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذَا الَّذِي تحرّك لَهُ الْعَرْش وَفتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء وشهده سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة لقد ضم ضمة ثمَّ فرج عَنهُ وَهَذَا الَّذِي تحرّك لَهُ الْعَرْش هُوَ سعد بن معَاذ الْأنْصَارِيّ رمي بِسَهْم فِي غَزْوَة الخَنْدَق ثمَّ مَاتَ مِنْهُ بعد ذَلِك وَيَعْنِي بِالضَّمِّ ضمة الْقَبْر وَمن حَدِيث شُعْبَة بن الْحجَّاج بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن للقبر ضغطة لَو نجا مِنْهَا أحد لنجا مِنْهَا سعد بن معَاذ وَذكر مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار يُقَال هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله يَوْم الْقِيَامَة ويروى عرض على مَقْعَده وَهَذَا ضرب من الْعَذَاب كَبِير وَعِنْدنَا الْمِثَال فِي الدُّنْيَا بِمن يعرض عَلَيْهِ السَّيْف للْقَتْل أَو غَيره من آلَات الْعَذَاب أَو بِمَا يهدد بِهِ من غير أَن يرى الْآلَة ونعوذ بِاللَّه من عَذَابه وعقابه بكرمه وَرَحمته وَقد صحت الْأَحَادِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَذَاب الْقَبْر على الْجُمْلَة وَلَا مطْعن فِيهَا وَلَا معَارض لَهَا وَإِنَّمَا اخْتلف النَّاس هَل تعذب الرّوح فِي الْقَبْر قبل أَن ترد إِلَى الْجَسَد أَو تعذب فِيهِ بَعْدَمَا ترد إِلَيْهِ لِأَن الرِّوَايَة فِي رد الرّوح إِلَى الْجَسَد فِي الْقَبْر لم تصح صِحَة عَذَاب الْقَبْر من غير ذكر رد الرّوح وَحَدِيث رد الرّوح إِلَى الْجَسَد فِي الْقَبْر ذكره أَبُو دَاوُد أَيْضا وكيفما كَانَ فالعذاب محسوس والألم مَوْجُود وَالْأَمر شَدِيد وَقد ضرب بعض الْعلمَاء لتعذيب الرّوح مثلا بالنائم فَإِن روحه تتنعم أَو تتعذب والجسد لَا يحس بِشَيْء من ذَلِك فتفكر أَيهَا الْإِنْسَان فِي نَفسك وتخيل حالك عِنْد حُلُول رمسك وَهل يكون أول سعدك أَو يكون أول نحسك وَقد جَاءَ فِي الْخَبَر أَن الْقَبْر أول منزل من منَازِل الْآخِرَة فَإِن نجا مِنْهُ صَاحبه فَمَا بعده أيسر مِنْهُ وَإِن لم ينج مِنْهُ فَمَا بعده أَشد مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وَفِي الْخَبَر أَيْضا أَن الْقَبْر رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَو حُفْرَة من حفر النَّار وَقد تقدم الحديثان 2 وَأَنت أعلم بحالك وَبِمَا قدمت من أعمالك فتخيل بَين عَيْنَيْك وثوب مُنكر وَنَكِير عَلَيْك وَفِي اسميهما مَا يدل على وصفيهما وقولهما وفعلهما وَقد بدا لَك بعض مَا يعذبان بِهِ ذَلِك الممتحن وَمَا يسومان بِهِ ذَلِك البائس الْمُرْتَهن وَاعْلَم أَن عَذَاب الْقَبْر لَيْسَ مُخْتَصًّا بالكافرين وَلَا مَوْقُوفا على الْمُنَافِقين بل يشاركهم فِيهِ طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ وكل على حَاله من عمله وَمَا استوجبه بخطيئته وزلله وَإِن كَانَت تِلْكَ النُّصُوص الْمُتَقَدّمَة فِي عَذَاب الْقَبْر إِنَّمَا جَاءَت فِي الْكَافِر وَالْمُنَافِق وَمن أَيْن لَك بالأمان من تِلْكَ الصّفة المذمومة والأعمال المشئومة وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بالخواتيم وَمَا ختم لَك بِهِ فَهُوَ الْوَاجِب عَلَيْك وَاللَّازِم والطوق فِي عُنُقك الْمُقِيم الدَّائِم وَعَذَاب الْمُؤمن لَا يكون كعذاب الْكَافِر وَالْحَمْد لله قد يكون عَذَاب الْمُؤمن فِي ضمة الْقَبْر أَو ضيقه أَو صعوبة منظره أَو بِمَا يُصِيبهُ من الروعات عِنْد مُشَاهدَة تِلْكَ الزلات وبالحسرات على مَا سلف لَهُ من الجهالات وبالندامات على مَا مضى من السَّاعَات أَو بِمَا شَاءَ الله تَعَالَى فَيكون من ذَلِك مَا شَاءَ الله أَن يكون ويدوم ذَلِك مَا شَاءَ الله أَن يَدُوم فَإِن أمنت ذَلِك الْعَذَاب الْأَكْبَر فَمَا الَّذِي أمنك من هَذَا الَّذِي هُوَ بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ عَذَاب أَصْغَر فتفكر مَا دَامَ ينفعك التفكر وتخيل مَا دمت ترجو ثَمَرَة هَذَا التخيل إِذا طرحت فِي حُفْرَة من الأَرْض قَصِيرَة الطول ضيقَة الْعرض فاشتدت بهَا وحشتك واستبانت غربتك وانضمت عَلَيْك ضمة كسرت أَنْفك وشدخت رَأسك ورضت عظامك وسدت وَرَاءَك وأمامك وتحتك وفوقك وملأت ظلمَة أَرْضك وأفقك فيالك من قلب قد نكس وبدن قد هرس وَنَفس قد قصر وَحبس فَأَرَدْت أَن تَفِر فَلم تتْرك وَأَرَدْت أَن تستغيث فَلم تملك وَلَا تَدْرِي مَا يَدُوم وَلَا مَتى تدْرك أَن تقعد أَو تقوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 أتراك كنت مفتديا من هَذَا الْمقَام بِمَا كنت جمعت من حطام بل بِمَا جمعه جَمِيع الْأَنَام من حَلَال وَحرَام بل بِمَا لَا يحصر من أَضْعَاف ذَلِك وَلَا يحد وَلَا يجمع وَلَا يعد ولعلك يَا هَذَا قد كنت فِي الدُّنْيَا لَا ترْضى بمنزلك المتسع وَلَا بشملك الْمُجْتَمع وَلَا تقنع برزق رَبك المتدفق عَلَيْك المندفع فَانْظُر رَحِمك الله لنَفسك فادفع عَنْك جَوَانِب هَذِه الحفرة وَنَفس عَنْك من هَذِه الضمة وآنس من هَذِه الوحشة واعمل مَا وجدت سَبِيلا للْعَمَل وَمَا دمت فِي فسحة ومهل ومهد المضجع ووطيء لذَلِك المصرع وارغب وتوسل واضرع وتذلل فَلَعَلَّ الْإِلَه المعبود الَّذِي عَم جوده الْوُجُود وَكَرمه لَا مَحْصُور وَلَا مَعْدُود وفيض نعمه لَا مَقْطُوع وَلَا مَحْدُود سيرسل مِنْهُ قَطْرَة تغمر الْعَرْش والذرة فيصيبك مِنْهُ بِنَصِيب ويبلك مِنْهُ بذنوب ويعمك مِنْهُ بشؤبوب وَقد انْقَطع الرَّجَاء إِلَّا مِنْهُ وسدت الْأَبْوَاب إِلَّا عَنهُ جلّ وَعلا وتبارك وَتَعَالَى حَدثنِي الْفَقِيه أَبُو الحكم بن برجان وَكَانَ من أهل الْعلم وَالْعَمَل رَحمَه الله أَنهم دفنُوا مَيتا بقريتهم من شَرق إشبيلية فَلَمَّا فرغوا من دَفنه قعدوا نَاحيَة يتحدثون ودابة ترعى قَرِيبا مِنْهُم وَإِذا بالدابة قد أَقبلت مسرعة إِلَى الْقَبْر فَجعلت أذنها عَلَيْهِ كَأَنَّهَا تسمع ثمَّ ولت فارة ثمَّ عَادَتْ إِلَى الْقَبْر فَجعلت أذنيها عَلَيْهِ كَأَنَّهَا تسمع ثمَّ ولت كَذَلِك ثمَّ أعادت ذَلِك مرّة بعد أُخْرَى قَالَ أَبُو الحكم رَحمَه الله فَذكرت عَذَاب الْقَبْر وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهُم ليعذبون عذَابا تسمعه الْبَهَائِم وَالله عز وَجل أعلم بِمَا كَانَ من أَمر ذَلِك الْمَيِّت ذكر هَذِه الْحِكَايَة لما قَرَأَ القاريء هَذَا الحَدِيث فِي عَذَاب الْقَبْر وَنحن إِذْ ذَاك نسْمع عَلَيْهِ كتاب مُسلم بن الْحجَّاج رَضِي الله عَنهُ وَرُوِيَ أَن بعض النباشين نبش ذَات لَيْلَة قبرا فَلَمَّا كشف عَن الْمَيِّت إِذا بِنَار تحرق الْمَيِّت فأهوت إِلَيْهِ مِنْهَا شرارة فهرب وَتَابَ إِلَى الله عز وَجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وروى عَن أبي بكر بن أبي الدُّنْيَا عَن بعض أَصْحَابه أَنه قَالَ لنباش بعد تَوْبَته مَا سَبَب توبتك ورجوعك إِلَى الله قَالَ نبشت إنْسَانا فَوَجَدته قد سمر بمسامير فِي جَمِيع جسده ومسمار كَبِير فِي رَأسه وَآخر فِي رجلَيْهِ وَقيل لآخر مَا سَبَب توبتك قَالَ رَأَيْت جمجمة إِنْسَان قد صب فِيهَا الرصاص وَقد رُوِيَ فِي الحَدِيث من اسْتمع إِلَى حَدِيث قوم وهم لَهُ كَارِهُون أَو يسرونه عَنهُ صب فِي أُذُنَيْهِ الآنك يَوْم الْقِيَامَة ذكره البُخَارِيّ وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ مِمَّن يفعل ذَلِك وَالله أعلم بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الْبَاب الثَّالِث عشر ذكر يَوْم الْقِيَامَة وأهواله يضْحك الْمَرْء والبكاء أَمَامه ... ويروم الْبَقَاء وَالْمَوْت رامه وَيَمْشي الحَدِيث فِي كل لَغْو ... ويخلي حَدِيث يَوْم الْقِيَامَة ولأمر بكاه كل لَبِيب ... وَنفي فِي الظلام عَنهُ مَنَامه صَاح حدث حَدِيثه وَاخْتَصَرَهُ ... فمحال بِأَن تطِيق تَمَامه عجز الواصفون عَنهُ وَقَالُوا ... لم نجيء من بحاره بكظامه فلتحدثه جملَة وشتاتا ... ودع الْآن شَرحه ونظامه وَاعْلَم رَحِمك الله أَن هَذَا الْيَوْم لَيْسَ عظمه مِمَّا يُوصف وَلَا هوله مِمَّا يكيف وَلَا يجْرِي على مِقْدَار مِمَّا يعلم فِي الدُّنْيَا وَيعرف بل لَا يعلم مِقْدَار عظمه وَلَا هُوَ لَهُ إِلَّا الله تَعَالَى وَمَا ظَنك بِيَوْم عبر الله تبَارك وَتَعَالَى عَن بعض مَا يكون فِيهِ بِشَيْء عَظِيم قَالَ الله عز وَجل يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت وتضع كل ذَات حمل حملهَا وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد وماذا عَسى أَن يَقُول الْقَائِل فِيهِ وماذا عَسى أَن يصفه الواصف بِهِ الْأَمر أعظم والخطب أكبر والهول أشنع كَمَا قَالَ الْقَائِل وَمَا عَسى أَن أَقُول أَو أقوم بِهِ ... الْأَمر أعظم مِمَّا قيل أَو وَصفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وَالْأَمر مهما قد نظرت لَهُ ... ألفيته الْأَعْظَم الألفا يَوْم الْقِيَامَة وَمَا أَدْرَاك مَا يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ مَا أَدْرَاك مَا يَوْم الْقِيَامَة يَوْم الْحَسْرَة والندامة يَوْم يجد كل عَامل عمله أَمَامه يَوْم الدمدمة يَوْم الزلزلة يَوْم الصاعقة يَوْم الْوَاقِعَة يَوْم الراجفة يَوْم الرادفة يَوْم الغاشية يَوْم الداهية يَوْم الآرفة يَوْم الحاقة يَوْم الطامة يَوْم الصاخة يَوْم التلاق يَوْم الْفِرَاق يَوْم المساق يَوْم الإشفاق يَوْم الْقصاص يَوْم لات حِين مناص يَوْم التناد يَوْم الْإِشْهَاد يَوْم الميعاد يَوْم المرصاد يَوْم المساءلة يَوْم الْحساب يَوْم المناقشة يَوْم المآب يَوْم الْعَذَاب يَوْم الْقَرار إِمَّا فِي الْجنَّة وَإِمَّا فِي النَّار يَوْم الْقَضَاء يَوْم الْجَزَاء يَوْم الْبكاء يَوْم الْبلَاء يَوْم تمور السَّمَاء مورا وتسير الْجبَال سيرا يَوْم الْحَشْر يَوْم النشر يَوْم الْجمع يَوْم الْبَعْث يَوْم الْعرض يَوْم الْوزر يَوْم الْحق يَوْم الحكم يَوْم الْفَصْل يَوْم الْجَزَاء يَوْم عَظِيم يَوْم عقيم يَوْم عسير يَوْم قمطرير يَوْم النشور يَوْم الْمصير يَوْم الدّين يَوْم الْيَقِين يَوْم النفخة يَوْم الصَّيْحَة يَوْم الرجفة يَوْم الرجة يَوْم الزجرة يَوْم السكرة يَوْم الْفَزع يَوْم الْجزع يَوْم القلق يَوْم الْفرق يَوْم الْعرق يَوْم الْمِيقَات يَوْم يخرج الْأَمْوَات وَتظهر المخبآت يَوْم الانشقاق يَوْم الانكدار يَوْم الانتشار يَوْم الانفطار يَوْم الافتقار يَوْم الْوُقُوف يَوْم الْخُرُوج يَوْم الانصداع يَوْم الِانْقِطَاع يَوْم مَعْلُوم يَوْم مَوْعُود يَوْم مشهود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 يَوْم تبلى السرائر يَوْم تخرج الضمائر يَوْم لَا تغنى نفس عَن نفس شَيْئا يَوْم لَا تملك نفس لنَفس شَيْئا يَوْم يدعى فِيهِ إِلَى النَّار يَوْم يسجن فِيهِ فِي النَّار يَوْم تقلب الْوُجُوه فِيهِ فِي النَّار يَوْم البروز إِلَى الله يَوْم الصُّدُور إِلَى الله يَوْم لَا تَنْفَع المعذرة يَوْم لَا يرتجى إِلَّا من الله الْمَغْفِرَة وأهول أَسْمَائِهِ وأشنع ألقابه يَوْم الخلود وَمَا أَدْرَاك مَا يَوْم الخلود يَوْم لَا انْقِطَاع لعذابه وَلَا آخر لعقابه وَلَا يكْشف فِيهِ عَن كَافِر مَا بِهِ ونعوذ بِاللَّه ثمَّ نَعُوذ بِاللَّه من بلائه وَسُوء قَضَائِهِ بكرمه وَرَحمته وَاعْلَم أَن الْعَرَب قد تسمى الشَّيْء بأسماء كَثِيرَة وَتجْعَل لَهُ ألقابا عديدة تَعْظِيمًا لشأنه وإكثارا لأَمره وَقد سمي الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة بأسماء كَثِيرَة وَلَعَلَّه من هَذَا وَهُوَ تبَارك وَتَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 الْبَاب الرَّابِع عشر ذكر النفخ فِي الصُّور النفخة الأولى وَالثَّانيَِة قد تقدم الْكَلَام فِي ذكر الْمَوْت وغصته وكربه وشدته وَعَذَاب الْقَبْر وفتنته وضيقه وظلمته ومنكر وَنَكِير ورؤيتهما وَسَمَاع كَلَامهمَا على فظاظتهما وغلظتهما وبشاعة منظرهما وتكلف جوابهما والتوقي من مقامعهما بالأقرار بالربوبية وَالشَّهَادَة بالرسالة لمن ثبته الله تَعَالَى بالْقَوْل الثَّابِت وأمده بِنور الْإِيمَان وألهمه حجَّته وَإِن فِي ذكر هَذَا لتنبيها من الْغَفْلَة وتنشيطا من الكسل وحلا من عقال البطالة وصرفا عَن اللَّذَّات وردعا عَن نيل الشَّهَوَات بل فِيهِ مَا يذهل النُّفُوس وَيُمِيت الْقُلُوب أَن تنَال من الدُّنْيَا حظها الَّذِي يكون بِهِ حَيَاتهَا وَيكون بِهِ قوامها وَيُقِيم بِهِ رمقها فَكيف أَن ينَال مِنْهَا غير ذَلِك فَكيف بِمَا وَرَاء هَذَا من جمع الْعباد ليَوْم التناد وَيَوْم يقوم الاشهاد وَحشر الْأُمَم لذَلِك الْيَوْم الْأَعْظَم وَاعْلَم أَن الْإِنْسَان لَا يخرج من الدُّنْيَا حَتَّى يرى مَكَانَهُ من إِحْدَى الدَّاريْنِ وَصَحبه من أحد الْفَرِيقَيْنِ وَأَنه لَا تزَال نَفسه معذبة أَو منعمة إِلَى يَوْم الْجَزَاء والاجتماع لفصل الْقَضَاء وَبعد ذَلِك يَتَجَدَّد النَّعيم أَو الْعَذَاب على وَجه آخر وَصفَة أُخْرَى مِمَّا سَيَأْتِي مِمَّا أمكن ذكره مِنْهُ بعد هَذَا إِن شَاءَ الله عز وَجل وَاعْلَم أَن الله تبَارك وَتَعَالَى خلق للجنة أَهلا وَخلق للنار خلقا وهم مَعَ السَّاعَات راحلون وَمَعَ الأنفاس ظاعنون إِلَى دَار البلى ومعسكر الْمَوْتَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 ومستقر الْأَرْوَاح وكل مطلع على مَكَانَهُ الَّذِي يصير إِلَيْهِ ومشرف على منزله الَّذِي ينزل بِهِ وَبِذَلِك يكون نعيمهم وعذابهم وَبِغير ذَلِك مِمَّا شَاءَ الله عز وَجل فَلَا يزالون هَكَذَا يرحلون وينتقلون ويظعنون إِلَى أَن يفرغ الْعدَد السعيد والفريق الْمُنعم وَيبقى من الْعدَد الشقي والفريق المقصى بَقِيَّة وخروجهم من الدُّنْيَا فِي دفْعَة وَاحِدَة لَا يحصيها إِلَّا الله تَعَالَى خَالِقهَا لكِنهمْ قَلِيل بِالْإِضَافَة إِلَى مَا رَحل مِنْهُم يكون ارتحال الْبَقِيَّة إِلَى الدَّار الْآخِرَة بِمرَّة وَاحِدَة وخروجهم من الدُّنْيَا فِي دفْعَة وَاحِدَة وهم الَّذين تبعثهم الصَّيْحَة وَتقوم عَلَيْهِم السَّاعَة قَالَ الله تَعَالَى يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ مرْسَاها قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد رَبِّي لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ ثقلت فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة يرْوى عَن الشّعبِيّ قَالَ لَقِي جِبْرِيل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ عِيسَى مَتى السَّاعَة فنفض جِبْرِيل أجنحته وَقَالَ مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل ثقلت فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة وَأما تقريب وَقتهَا فَكل آتٍ قريب قَالَ تَعَالَى وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب إِن الله على كل شَيْء قدير وَقَالَ عز وَجل اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي غَفلَة معرضون وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث إِلَّا استمعوه وهم يَلْعَبُونَ لاهية قُلُوبهم وَقَالَ تَعَالَى اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر وَإِن يرَوا آيَة يعرضُوا ويقولوا سحر مُسْتَمر وكذبوا وَاتبعُوا أهواءهم وكل أَمر مُسْتَقر وَلَقَد جَاءَهُم من الأنباء مَا فِيهِ مزدجر حِكْمَة بَالِغَة فَمَا تغني النّذر وَقَالَ الله عز وَجل أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 ويروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزل عَلَيْهِ أَتَى أَمر الله وثب قَائِما فَلَمَّا نزل قَوْله فَلَا تستعجلوه جلس قَالَ بعض الْعلمَاء إِنَّمَا وثب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خوفًا مِنْهُ أَن تكون السَّاعَة قد قَامَت وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثت أَنا والساعة كهاتين وَقرن بَين أصبعيه السبابَة وَالْوُسْطَى ذكره مُسلم بن الْحجَّاج فِي كِتَابه وَذكر أَيْضا عَن النواس بن سمْعَان الْكلابِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر خُرُوج الدَّجَّال ونزول عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام وَقَتله الدَّجَّال ثمَّ خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج عَلَيْهِ ثمَّ هلاكهم ثمَّ ذكر مَا يكون من بعد ذَلِك من البركات والخيرات قَالَ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ بعث الله تَعَالَى ريحًا طيبَة فتأخذهم تَحت آباطهم فتقبض روح كل مُؤمن وكل مُسلم وَيبقى شرار النَّاس يتهارجون فِيهَا تهارج الْحمر فَعَلَيْهِم تقوم السَّاعَة وَاعْلَم أَن كل ميت مَاتَ فقد قَامَت قِيَامَته لَكِنَّهَا قِيَامَة صغرى وقيامة كبرى فالقيامة الصُّغْرَى هِيَ مَا يقوم على كل إِنْسَان فِي خاصته من خُرُوج روحه وفراق أَهله وَانْقِطَاع سَعْيه وحصوله على عمله إِن خيرا فَخير وَإِن شرا فشر وَالْقِيَامَة الْكُبْرَى هِيَ الَّتِي تعم النَّاس وتأخذهم أَخْذَة وَاحِدَة وَالدَّلِيل على أَن كل ميت يَمُوت فقد قَامَت قِيَامَته قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقوم من الْأَعْرَاب وَقد سَأَلُوهُ مَتى السَّاعَة فَنظر إِلَى أحدث إِنْسَان مِنْهُم فَقَالَ إِن يَعش هَذَا لم يُدْرِكهُ الْهَرم قَامَت عَلَيْكُم سَاعَتكُمْ ذكره مُسلم بن الْحجَّاج فِي كِتَابه وَالْقِيَامَة الَّتِي تعم الأَرْض إِنَّمَا تأتيهم بَغْتَة وتأخذهم على غَفلَة لما تقدم وَلكنهَا تقوم فِي يَوْم الْجُمُعَة فِي غير شهر مَعْرُوف وَلَا سنة مَعْرُوفَة وَالْملك الَّذِي وكل بِهَذِهِ النفخة وَجعل على يَدَيْهِ هَذِه الصعقة قد استعد لَهَا وتهيأ لإمضائها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وَذكر أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُسْنده بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبد الله بن مَسْعُود قَالَ لما كَانَ لَيْلَة أسرى برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِم السَّلَام فتذاكروا السَّاعَة مَتى هِيَ فبدأوا بإبراهيم عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَلم يكن عِنْده مِنْهَا علم فسألوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَلم يكن عِنْده مِنْهَا علم فَردُّوا الحَدِيث إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ عهد الله تَعَالَى إِلَيّ فِيمَا دون وجبتها فَأَما وجبتها فَلَا يعلمهَا إِلَّا الله وَيَعْنِي بوجبتها وقعتها قَالَ فَذكر من خُرُوج الدَّجَّال فأهبط فَأَقْتُلهُ فَيرجع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ فيستقبلهم يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدب يَنْسلونَ لَا يَمرونَ بِمَاء إِلَّا شربوه وَلَا بِشَيْء إِلَّا أفسدوه فيجأرون إِلَيّ فأدعو الله فيميتهم فَيمْلَأ الأَرْض ريحهم فيجأرون إِلَيّ فأدعو الله فَيُرْسل من السَّمَاء مَاء فَيحمل أجسامهم فيلقيهم فِي الْبَحْر ثمَّ تنسف الْجبَال وتمد الأَرْض مد الْأَدِيم فعهد الله إِلَيّ أَنه إِذا كَانَ ذَلِك فَإِن السَّاعَة من النَّاس كالحامل المتم الَّتِي لَا يدْرِي أَهلهَا مَتى تفجؤهم بولادتها لَيْلًا أَو نَهَارا قَالَ النواس فَوجدت تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله عز وَجل وَقَرَأَ حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدب يَنْسلونَ واقترب الْوَعْد الْحق وَذكر أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير يَوْم طلعت فِيهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق الله آدم وَفِيه أهبط وَفِيه تيب عَلَيْهِ وَفِيه مَاتَ وَفِيه تقوم السَّاعَة وَمَا من دَابَّة إِلَّا وَهِي مصيخة يَوْم الْجُمُعَة من حِين تصبح حَتَّى تطلع الشَّمْس شفقا من السَّاعَة إِلَّا الْجِنّ وَالْإِنْس وفيهَا سَاعَة لَا يصادفها عبد مُسلم وَهُوَ يُصَلِّي يسْأَل الله شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَذكر النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ أنعم وَصَاحب الصُّور قد الْتَقم الْقرن وحنى جَبهته وأصغى سَمعه ينْتَظر أَن يُؤمر بالنفخ فينفخ قَالُوا يَا رَسُول الله وَكَيف نقُول قَالَ قُولُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل على الله توكلنا وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا زَالَ صَاحب الصُّور مذ وكل بِهِ مستعدا ينظر نَحْو الْعَرْش أَن يُؤمر فينفخ قبل أَن يرْتَد إِلَيْهِ طرفه كَأَن عَيْنَيْهِ كوكبان دريان وَمن مُسْند الْبَزَّار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَاحب الصُّور فَقَالَ عَن يَمِينه جِبْرِيل وَعَن يسَاره مِيكَائِيل وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا الصُّور قَالَ قرن ينْفخ فِيهِ وَذكر أَبُو بشر الدولابي من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى نفخ فِي الصُّور فَقَالَ الصُّور كَهَيئَةِ الْقرن وَقَالَ بعض الْعلمَاء الصُّور أَيْضا جمع صُورَة وَذكر البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بَينهمَا مقتلة عَظِيمَة دعواهما وَاحِدَة وَحَتَّى يبْعَث دجالون كذابون قريب من ثَلَاثِينَ كل يزْعم أَنه رَسُول الله وَحَتَّى يقبض الْعلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزَّمَان وَتظهر الْفِتَن وَيكثر الْهَرج وَهُوَ الْقَتْل وَحَتَّى يكثر فِيكُم المَال فيفيض حَتَّى يهم رب المَال من يقبل صدقته وَحَتَّى يعرضه فَيَقُول الَّذِي يعرض عَلَيْهِ لَا أرب لي فِيهِ وَحَتَّى يَتَطَاوَل النَّاس فِي الْبُنيان وَحَتَّى يمر الرجل بِقَبْر الرجل فَيَقُول يَا لَيْتَني مَكَانَهُ وَحَتَّى تطلع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الشَّمْس من مغْرِبهَا فَإِذا طلعت وَرَآهَا النَّاس أمنُوا أَجْمَعُونَ فَذَلِك حِين لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد نشر الرّجلَانِ ثوبهما بَينهمَا فَلَا يتبايعانه وَلَا يطويانه وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد انْصَرف الرجل بِلَبن لقحته فَلَا يطعمهُ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَهُوَ يليط حَوْضه فَلَا يسْقِي فِيهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد رفع أَكلته إِلَى فِيهِ فَلَا يطْعمهَا وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتركون الْمَدِينَة على خير مَا كَانَت لَا يَغْشَاهَا إِلَّا العوافي يُرِيد عوافي السبَاع وَالطير ثمَّ يخرج راعيان من مزينة يُريدَان الْمَدِينَة ينعقان بغنمهما فيجدانها ملئت وحوشا حَتَّى إِذا بلغا ثنية الْوَدَاع خرا على وُجُوههمَا وَسمعت فِي تَفْسِيره أَن هذَيْن الراعيين إِنَّمَا يخران على وُجُوههمَا من صَيْحَة يَوْم الْقِيَامَة فَعِنْدَ هَذِه الصَّيْحَة تخمد الْأَصْوَات وتسكن الحركات وتخلى من أَهلهَا الأرضون وَالسَّمَاوَات إِلَى يَوْم الْخُرُوج والميقات وَالْجَزَاء بِالْحَسَنَاتِ والسيئات إِلَّا أَن الله تَعَالَى ذكر عِنْد هَذِه الصَّيْحَة اسْتثِْنَاء سَيَأْتِي مَا قيل فِيهِ بعد إِن شَاءَ الله ثمَّ ينزل الله مَطَرا فتنبت مِنْهُ الْأَجْسَام ويحيا بِهِ الرفات من الْعِظَام ويستعد لقبُول الْأَرْوَاح عِنْد النفخة الثَّانِيَة قَالَ الله تَعَالَى وَنفخ فِي الصُّور فجمعناهم جمعا وَذكر مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج الدَّجَّال فِي أمتِي فيمكث أَرْبَعِينَ لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو أَرْبَعِينَ شهرا أَو أَرْبَعِينَ عَاما الشَّك من الرَّاوِي قَالَ فيبعث الله عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام كَأَنَّهُ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ فيطلبه فيهلكه ثمَّ يمْكث النَّاس سبع سِنِين لَيْسَ بَين اثْنَيْنِ عَدَاوَة ثمَّ يُرْسل الله ريحًا بَارِدَة من قبل الشَّام فَلَا يبْقى أحد على وَجه الأَرْض فِي قلبه مِثْقَال ذرة من خير أَو إِيمَان إِلَّا قَبضته حَتَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 لَو أَن أحدكُم دخل فِي كبد جبل لدخلته عَلَيْهِ حَتَّى تقبضه قَالَ سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَيبقى شرار النَّاس فِي خفَّة الطير وأحلام السبَاع لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا وَلَا يُنكرُونَ مُنْكرا فيتمثل لَهُم الشَّيْطَان فَيَقُول لَهُم أما تستجيبون فَيَقُولُونَ فَمَا تَأْمُرنَا فيأمرهم بِعبَادة الْأَوْثَان وهم فِي ذَلِك دَار رزقهم حسن عيشهم ثمَّ ينْفخ فِي الصُّور فَلَا يسمعهُ أحد إِلَّا أصغى ليتا وَرفع ليتا قَالَ وَأول من يسمعهُ رجل يلوط حَوْض إبِله قَالَ فيصعق ويصعق النَّاس ثمَّ يُرْسل أَو قَالَ ينزل الله مَطَرا كَأَنَّهُ الطل أَو الظل الشَّك من الرَّاوِي فتنبت مِنْهُ أجساد النَّاس ثمَّ ينْفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ ثمَّ يُقَال أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى ربكُم وقفوهم إِنَّهُم مسئولون ثمَّ يُقَال أخرجُوا بعث النَّار فَيُقَال من كم فَيُقَال من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين قَالَ فَذَلِك يَوْم يَجْعَل الْولدَان شيبا وَذَلِكَ يَوْم يكْشف عَن سَاق ويروى أَن هَذَا الْمَطَر الَّذِي تنْبت مِنْهُ الأجساد أَنه كمني الرِّجَال وَقد أخبر الله أَن إنْشَاء الْأَجْسَام مثل إِخْرَاج النَّبَات من الأَرْض قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح فتثير سحابا فسقناه إِلَى بلد ميت فأحيينا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا كَذَلِك النشور أَي كَمَا ينْبت نَبَات الأَرْض بِالْمَاءِ كَذَلِك تنْبت الأجساد بِهَذَا المَاء فَبَيْنَمَا روحك فِي البرزخ مَعَ الْأَرْوَاح وكل على عمله من فَسَاد أَو صَلَاح إِذْ أَمر الله عز وَجل بهَا أَن تجمع فَتقبل أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تتلألأ نورا وأرواح الْكَافرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 تسود ظلمَة فيقبضها جَمِيعًا فيجعلها فِي الصُّور ثمَّ ينْفخ إسْرَافيل فَتخرج الْأَرْوَاح كَأَنَّهَا النَّحْل قد مَلَأت مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ويروى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي ليرجعن كل روح إِلَى جسده فَتدخل الْأَرْوَاح فِي الأَرْض إِلَى الأجساد فَتدخل الخياشيم حَتَّى تمشي مشي السم فِي اللديغ وَذكر مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَين النفختين أَرْبَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَة أَرْبَعُونَ عَاما قَالَ أَبيت قَالُوا أَرْبَعُونَ شهرا قَالَ أَبيت قَالُوا أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ أَبيت ثمَّ ينزل الله من السَّمَاء مَاء فينبتون كَمَا ينْبت البقل قَالَ وَلَيْسَ شَيْء من الْإِنْسَان إِلَّا ويبلى إِلَّا عظما وَاحِدًا وَهُوَ عجب الذَّنب وَمِنْه يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة وَذكر أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي كتاب الْبَعْث بِإِسْنَادِهِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَأْكُل التُّرَاب كل شَيْء من الْإِنْسَان إِلَّا عجب الذَّنب قيل وَمَا هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ مثل حَبَّة خَرْدَل مِنْهُ تنشأون وَذكر أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة بِإِسْنَادِهِ إِلَى لَقِيط بن عَامر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث طَوِيل قَالَ فِيهِ ثمَّ تلبثون مَا لبثتم ثمَّ تبْعَث الصَّيْحَة فلعمرو إلهك مَا تدع على ظهرهَا من شَيْء إِلَّا مَاتَ وَالْمَلَائِكَة الَّذين مَعَ رَبك فَأصْبح رَبك يطوف فِي الأَرْض وَقد خلت عَلَيْهِ الْبِلَاد فَأرْسل رَبك السَّمَاء بهضب من عِنْد الْعَرْش فلعمرو إلهك مَا تدع على ظهرهَا من مصرع قَتِيل وَلَا مدفن ميت إِلَّا شقَّتْ الْقَبْر عَنهُ حَتَّى يخلقه من قبل رَأسه وَذكر الحَدِيث وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله فَأصْبح رَبك يطوف فِي الأَرْض وَقد خلت عَلَيْهِ الْبِلَاد إِنَّمَا هُوَ تفهيم وتقريب إِلَى أَن جَمِيع من فِي الأَرْض يَمُوت وَأَن الأَرْض تبقى خَالِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 لَيْسَ يبْقى إِلَّا الله وَحده كَمَا قَالَ تَعَالَى كل من عَلَيْهَا فان وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام وَقَوله وَالْمَلَائِكَة الَّذين مَعَ رَبك فَإِنَّهُ قد جَاءَ فِي بعض التفاسير فِي قَوْله تَعَالَى وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله هُوَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك وَملك الْمَوْت ثمَّ يُؤمر ملك الْمَوْت أَن يقبض روح جِبْرِيل ثمَّ روح مِيكَائِيل ثمَّ روح إسْرَافيل ثمَّ يُؤمر ملك الْمَوْت أَن يَمُوت فَيَمُوت وَلَا يبْقى إِلَّا الَّذِي لَهُ الْبَقَاء والعزة والكبرياء وَالْملك الَّذِي أَلا يَزُول وَلَا يفنى تبَارك وَتَعَالَى فينادي جلّ جَلَاله لمن الْملك الْيَوْم فَلَا يجِيبه مُجيب وَمن ذَا يجِيبه وَلم يبْق مَوْجُود إِلَّا الْوَاحِد المعبود فيجيب نَفسه فَيَقُول سُبْحَانَهُ لله الْوَاحِد القهار ثمَّ يمْكث النَّاس فِي البرزخ أَرْبَعِينَ عَاما ثمَّ يحيى الله عز وَجل إسْرَافيل فيأمره أَن ينْفخ النفخة الثَّانِيَة فَذَلِك قَوْله عز وَجل فَإِذا هم قيام ينظرُونَ قيام على أَرجُلهم ينظرُونَ إِلَى ذَلِك الْأَمر الْعَظِيم والهول الجسيم وَاعْلَم رَحِمك الله أَنَّك إِن كنت مِمَّن لَا يُشَاهد هَذِه الصعقة الْعَامَّة الَّتِي هِيَ قيام السَّاعَة فَلَا بُد لَك من أَن تشاهد صعقة نَفسك الَّتِي تخصك وَهِي صعقة موتك وَخُرُوج روحك وَلَا بُد من إنشائك وتسويتك ورد روحك إِلَى جسدك وإخراجك من الأَرْض الَّتِي خلقت مِنْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم وَمِنْهَا نخرجكم تَارَة أُخْرَى وَقَالَ عز من قَالَ أولم ير الْإِنْسَان أَنا خلقناه من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين وَضرب لنا مثلا وَنسي خلقه قَالَ من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة وَهُوَ بِكُل خلق عليم قَالَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ وَله الْمثل الْأَعْلَى فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم وَقَوله عز وَجل وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ أَي هُوَ هَين عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْد الله شَيْء أَهْون من شَيْء بل كل عَلَيْهِ هَين وَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للكتب كَمَا بدأنا أول خلق نعيده وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَلَقَد علمْتُم النشأة الأولى فلولا تذكرُونَ وَذكر النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى كَذبَنِي ابْن آدم وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يكذبنِي وشمتني ابْن آدم وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يَشْتمنِي أما تَكْذِيبه إيَّايَ فَقَوله أَنِّي لَا أُعِيدهُ كَمَا بَدأته وَلَيْسَ آخر الْخلق بِأَعَز عَليّ من أَوله وَأما شَتمه إيَّايَ فَقَوله اتخذ الله ولدا وَأَنا الله أحد صَمد لم أَلد وَلم أولد وَلم يكن لي كفوا أحد وَقد أخرجه البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ وَالِاعْتِبَار الصَّحِيح يشْهد بِصِحَّة النشأة الْآخِرَة وَالْقُدْرَة متسعة لَهَا وَلكُل مَا شاءه الْحَكِيم الْقَدِير تبَارك وَتَعَالَى كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا وَكَانَ رَبك قَدِيرًا خلق سُبْحَانَهُ المَاء من لَا شَيْء وَأخرجه من غير شَيْء أخرجه من عدم إِلَى الْوُجُود فكونه بعد أَن لم يكن شَيْئا ثمَّ خلق مِنْهُ الْإِنْسَان فَجعله آيَة عجبا وعبرة ظَاهِرَة فِي شكله وتخطيطه وحركاته وسكناته وَمَا فِيهِ من الْحِكْمَة وَمَا أودعهُ من عجائب الصَّنْعَة مِمَّا يطول وَصفه ويتسع شَرحه فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ وأنشدوا أيا ابْن آدم والألاء سابغة ... ومزنة الْجُود لَا تنفك عَن ديم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 هَل أَنْت ذَاكر مَا أوليت من حسن ... وشاكر كل مَا خولت من نعم براك باريء هَذَا الْخلق من عدم ... بحت ولولاه لم تخرج من الْعَدَم أنشاك من حمأ وَلَا حراك بِهِ ... فَجئْت منتصبا تمشي على قدم مكمل الأدوات آيَة عجبا ... موفر الْعقل من حَظّ وَمن فهم ترى وَتسمع كلا قد حبيت بِهِ ... فضلا وتنطق بالتبيين وَالْحكم هداك بِالْعلمِ سبل الصَّالِحين لَهُ ... وَكنت من غَمَرَات الْجَهْل فِي ظلم مَاذَا عَلَيْك لَهُ من نعْمَة غمرت ... كل الْجِهَات وَلم تَبْرَح وَلم ترم غراء كَالشَّمْسِ قد أَلْقَت أشعتها ... حَتَّى ليبصرها عَلَيْك كل عمي فاشكر وَلست مطيقا شكرها أبدا ... وَلَو جهدت فسدد ويك وَالْتزم رزق وَأمن وإيمان وعافية ... مَتى تقوم بشكر هَذِه النعم هَذَا خلق الله فأروني مَاذَا خلق الَّذين من دونه إِن رَبك هُوَ الخلاق الْعَلِيم فَمن آمن بِهَذَا لم يضق صَدره عَن الْإِيمَان بالنشأة الثَّانِيَة وَكَانَ منتظرا لَهَا مشتغلا بالفكرة فِيهَا وَإِنَّهَا لموْضِع الِانْتِظَار وَمَوْضِع الِاشْتِغَال آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار لَكِن حب العاجل والاشتغال بالحاضر وَالنَّظَر إِلَى هَذَا الخيال الْقَائِم صرف وَجه الْقلب عَن اسْتِعْمَال الْحَقِيقَة فِي هَذَا الْأَمر وطمس عينه عَن النّظر إِلَيْهَا وسد مجاري فكره عَن التَّصَرُّف فِيهَا فَلَو اشْتغل وَنظر وتفكر لأذهله ذَلِك عَن الْأَهْل وَالْمَال وشغله عَن قيل وَقَالَ وَصَرفه عَن لَذَّة الْحَال إِلَى الْمَآل لكنه إِن لم ينظر الْآن فسينظر فِي وَقت لَا يَنْفَعهُ فِيهِ النّظر وَلَا يَنْقَضِي لَهُ بِهِ وطر وسيقدم فَيعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الْبَاب الْخَامِس عشر فِي انبعاث النَّاس من قُبُورهم وَصفَة الأَرْض الَّتِي يحشرون عَلَيْهَا وَكَيف يحشرون وَذكر أول من ينشق عَنهُ الْقَبْر يَوْم الْقِيَامَة وَمَا جَاءَ أَنهم يبعثون على نياتهم وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ ذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعوذ عَائِذ بِالْبَيْتِ فيبعث الله بعثا فَإِذا كَانُوا ببيداء من الأَرْض خسفت بهم قلت يَا رَسُول الله فَكيف بِمن كَانَ كَارِهًا قَالَ يخسف بِهِ مَعَهم وَلكنه يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة على نِيَّته وَعَن عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ الله بِقوم عذَابا أصَاب الْعَذَاب من كَانَ فيهم ثمَّ بعثوا على أَعْمَالهم وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يبْعَث كل عبد على مَا مَاتَ عَلَيْهِ وَأما أول من ينشق عَنهُ الْقَبْر يَوْم الْقِيَامَة فنبينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة وَأول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض وَأول شَافِع وَأول مُشَفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَذكر البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنِّي أول من يرفع رَأسه بعد النفخة الْآخِرَة فَإِذا أَنا بمُوسَى مُتَعَلق بالعرش فَلَا أَدْرِي أَكَذَلِك كَانَ أم بعد النفخة الْآخِرَة ويروى فَأَكُون أول من يفِيق وَهُوَ الْأَكْثَر وَقَالَ البُخَارِيّ أَيْضا فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث فَإِذا أَنا بمُوسَى أَخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش فَلَا أَدْرِي أَقَامَ قبلي أم جوزي بصعقة الطّور لم يكن عِنْده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم حَتَّى يُعلمهُ الله عز وَجل فقد أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أول من ينشق عَنهُ الْقَبْر وَهُوَ حَدِيث صَحِيح مَشْهُور وَاعْلَم رَحِمك الله أَنه إِن لم تشق سَمعك النفخة الأولى فِي الصُّور لهلاك هَذَا الْمَعْمُور فَلَا بُد أَن تشق سَمعك النفخة الثَّانِيَة لبعثرة الْقُبُور وَقيام الْخَلَائق ليَوْم النشور وَتَحْصِيل مَا فِي الصُّدُور إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا وأخرجت الأَرْض أثقالها وَقَالَ الْإِنْسَان مَالهَا يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا بِأَن رَبك أوحى لَهَا يَوْمئِذٍ يصدر النَّاس أشتاتا ليروا أَعْمَالهم فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة خافضة رَافِعَة إِذا رجت الأَرْض رجا وبست الْجبَال بسا فَكَانَت هباء منبثا} {فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة وَاحِدَة وحملت الأَرْض وَالْجِبَال فدكتا دكة وَاحِدَة فَيَوْمئِذٍ وَقعت الْوَاقِعَة وانشقت السَّمَاء فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية وَالْملك على أرجائها وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية} {إِذا الشَّمْس كورت وَإِذا النُّجُوم انكدرت وَإِذا الْجبَال سيرت وَإِذا العشار عطلت وَإِذا الوحوش حشرت} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 فناهيك من صَيْحَة يقوم لَهَا الاموات وتحيا بهَا الْعِظَام الرفات وحسبك من هدة تنهد لَهَا الْجبَال وتعود كالكثيب المهيل من الرمال كَمَا قَالَ عز وَجل {يَوْم ترجف الأَرْض وَالْجِبَال وَكَانَت الْجبَال كثيبا مهيلا} {يَوْم يكون النَّاس كالفراش المبثوث وَتَكون الْجبَال كالعهن المنفوش} {فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة كالدهان} وَهَذِه أهوال لَا بُد لَك من مكابدتها وأحوال لَا بُد لَك من مشاهدتها يخرج سهمك فِيهَا بِمَا خرج ويلج بك سعيك مِنْهَا فِيمَا يلج فإمَّا بنزول فِي دَرك وَإِمَّا بارتقاء فِي درج وَقد صَحَّ هَذَا عنْدك فَمَاذَا أَعدَدْت لَهُ وَثَبت فِي نَفسك فبماذا تستقبله وماذا تَقوله وماذا تَفْعَلهُ لطال مَا دعَاك الدَّاعِي فتصاممت ونصحك النصيح فتعاميت وذكرك الْمُذكر فتناسيت فقد وقفت على العيان مِمَّا كَانَ عرضه عَلَيْك بالْأَمْس الْبُرْهَان وجاءك بِهِ الرَّسُول وخاطبك بِهِ الْقُرْآن فَهَل من رَجْعَة أَو سَبِيل الْيَوْم إِلَى استعمالك تِلْكَ الدعْوَة هَيْهَات طمعت فِي غير مطمع وَسمعت مَالا يسمع إِن كنت تُرِيدُ أَن تعود إِلَى الدُّنْيَا أَو ترجع فتفكر الْآن فِي نَفسك وكونك فِي قبرك إِذا سَمِعت انْشِقَاق الأَرْض من فَوْقك وَوَقع ذَلِك الصَّوْت الهائل فِي سَمعك صَوت تتصدع لَهُ الأكباد لَو أذن لَهَا فِي الانصداع وتتقطع لَهُ الْقُلُوب لَو أذن لَهَا فِي الِانْقِطَاع قَالَ الله تَعَالَى واستمع يَوْم يُنَادي الْمُنَادِي من مَكَان قريب يَوْم يسمعُونَ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ ذَلِك يَوْم الْخُرُوج وَفِي الحَدِيث أَن هَذَا الإجتماع يكون بِالشَّام روى أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّام أَرض الْمَحْشَر والمنشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 ويروى أَن الْمُنَادِي يُنَادي على صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس أيتها الْعِظَام البالية والأوصال المتقطعة إِن الله يأمركن أَن تجتمعن لفصل الْقَضَاء وَهَذَا النداء خلاف الصَّيْحَة الْعُظْمَى فتفكر وأطل فكرك فِي عَظِيم تِلْكَ الصَّيْحَة وَشدَّة تِلْكَ النفخة وتخيل قيام النَّاس وثورانهم من قُبُورهم دفْعَة وَاحِدَة وانبعاثهم بِمرَّة وَاحِدَة وَأَنت بَينهم وَفِي جُمْلَتهمْ منكسفا وَجهك متغيرا لونك متعثرا قدمك قد مَلأ قَلْبك الْفَزع وقصم ظهرك ذَلِك المستمع وانت حيران عطشان سَكرَان شاخص الْبَصَر نَحْو النداء مستمعا إِلَى ذَلِك الدُّعَاء وَلَو وجدت مطارا لطرت ومفرا لفررت {كلا لَا وزر إِلَى رَبك يَوْمئِذٍ المستقر ينبأ الْإِنْسَان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} يَا معشر معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَاوَات وَالْأَرْض فانفذوا لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ ويروى عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن بِلَال بن سعد أَنه قَالَ إِن للنَّاس جَوْلَة يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَقُول الْإِنْسَان يَوْمئِذٍ أَيْن المفر} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت وَأخذُوا من مَكَان قريب} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم يَوْم التناد يَوْم تولون مُدبرين مَا لكم من الله من عَاصِم} وأنشدوا نَاد فِي الْقَوْم بِيَوْم التناد ... وَأعد فيهم حَدِيث الْمعَاد فَالْحَدِيث الْيَوْم فِي غير هَذَا ... مُحدث فِي الْقلب صدع الْفُؤَاد وخلو الْقلب عَن ذكر يَوْم ... ذكره أذهب طيب الرقاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 غبن فِي الرَّأْي لِلْعَقْلِ باد ... وَمن الْغبن خَفِي وباد ولأمر مَا بكاه رجال ... فِي الدياجي كبكاء العهاد أَي يَوْم ضَاقَ عَن حالتيه ... وصف وصاف بليغ وشاد مشْهد تبيض فِيهِ وُجُوه ... ووجوه قد طليت بالحداد يَجْعَل الْولدَان شيبا وَيَرْمِي ... بالجبال الشم وسط الوهاد وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم ... بسكارى غير سكر التناد فدع الدَّار وَمَا دَار فِيهَا ... من تليد كَانَ أَو من تلاد واقطع الأَرْض على ظهر طود ... نازلا مِنْهُ إِلَى بطن وَاد طَالبا كَهْف نجاة لتنجو ... رائحا فِي نيل ذاكم وغاد واقدح النَّار بجفن مروع ... جَانب الْأَمْن ولين المهاد رام أمرا فشتتته أُمُور ... وعدته عَن هَوَاهُ عواد فطوى كشحا على محرقات ... نشرت شعلاتها فِي الْبِلَاد وأفض دمعة باك حَزِين ... مزجت دمعته بالجساد وَإِذا مَا أَرَادَ ذكرى لذنب ... بَات من كربته فِي ازدياد وَقَلِيل كل هَذَا قَلِيل ... لأمور بَين أَيدي الْعباد وكروب عِنْد مَا أَنْت فِيهِ ... كالبحار السَّبع عِنْد الثماد فاجهد النَّفس وجاهد هَواهَا ... فمراد الْحق ترك المُرَاد وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى {يخَافُونَ يَوْمًا تتقلب فِيهِ الْقُلُوب والأبصار} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 أما تقلب الْقُلُوب فانتزاعها من أماكنها فتغص بهَا الْحَنَاجِر فَلَا هِيَ تخرج وَلَا هِيَ ترجع إِلَى موَاضعهَا قَالَ الله تَعَالَى {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الآزفة إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر كاظمين مَا للظالمين من حميم وَلَا شَفِيع يطاع} وَأما تقلب الْأَبْصَار فَمن الْكحل إِلَى الزرق وَمن الْبَصَر إِلَى الْعَمى قَالَ الله تَعَالَى {ونحشر الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ زرقا} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {ونحشرهم يَوْم الْقِيَامَة على وُجُوههم عميا وبكما وصما مأواهم جَهَنَّم كلما خبت زدناهم سعيرا} فتفكر فِي بهتك وحيرتك وانكسارك وذلتك وافتقارك وقلتك يَوْم لَا تَجِد إِلَّا عَمَلك الَّذِي عملت وسعيك الَّذِي سعيت قَالَ الله تَعَالَى {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضرا وَمَا عملت من سوء تود لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمدا بَعيدا ويحذركم الله نَفسه} وَأنْشد بَعضهم من قصيدة وَاذْكُر رقادك فِي الثرى ... فِي قَعْر مظْلمَة بهيم قد نحيت تِلْكَ الحلى ... واستبدلت تِلْكَ الرسوم واعتضت من حلل الْغنى ... وحلاه خلقان العديم وَتركت وَيحك مُفردا ... لَا أهل فِيهِ وَلَا حميم حيران تفزع للبكا ... لهفان تأنس بالغموم حَتَّى يُنَادى بالورى ... فتقوم أسْرع مَا تقوم عُرْيَان مصطفق الحشا ... هيمان مُجْتَمع الهموم وَالنَّاس قد رجفت بهم ... حَرْب هنالكم عقيم فِي مأزق تهفو بِهِ ... لفحات نيران السمُوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وبدت هُنَاكَ سرائر ... قد كنت قبل لَهَا كتوم وَرَأَيْت فِي محصولها ... مَا شِئْت من خسر وشوم ان لم يجد بِالْعَفو من ... يعْفُو عَن الذَّنب الْعَظِيم وَاعْلَم أَنه كلما عظم قدر رجل فِي الدُّنْيَا صغر هُنَاكَ وَكلما كثر جاهه فِي الدُّنْيَا قل هُنَاكَ إِلَّا من كَانَ شعاره التَّقْوَى فِي الدُّنْيَا وطريقته المثلى وكل مَا ترَاهُ أَو تسمع بِهِ من ملك جَبَّار أَو عَزِيز قهار قد قاد الأجناد وَأكْثر الأمداد ودوخ الْبِلَاد وأذل الْعباد فَهُوَ فِي ذَلِك الْيَوْم كالذرة فِي الرغام تطؤه الْأَقْدَام ويمحقه ذَلِك الزحام كَمَا قَالَ الْقَائِل ألم تسمع عَن النبأ الْعَظِيم ... وَعَن خطب خلقت لَهُ جسيم وزلزال يهد الأَرْض هدا ... وَيَرْمِي فِي الحضيضة بالنجوم وأهوال كأطواد رواس ... تلاطم فِي ضلوع كالهشيم فَمن رَأس يشيب وَمن فؤاد ... يذوب وَمن هموم فِي هموم وسكران وَلم يشرب حميا ... وهيمان وَلم يعلق بريم ومرضعة قد أذهلها أساها ... فَمَا تَدْرِي الرَّضِيع من الفطيم ومؤتمة تولت عَن بنيها ... وَأَلْقَتْ باليتيمة واليتيم وحبلى اسقطت ذعرا وخوفا ... فيا لله لليوم الْعَقِيم وَهَذَا مشْهد لَا بُد مِنْهُ ... وَجمع للْحَدِيث وللقديم وَمَا كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي ... وَتبع والقروم بَنو القروم بِذَاكَ الْيَوْم إِلَّا فِي مقَام ... أذلّ من التُّرَاب لذِي السَّلِيم وَمَا للمرء إِلَّا مَا سعاه ... لدار الْبُؤْس أَو دَار النَّعيم وَأَنت كَمَا علمت وَرب أَمر ... يكون أَذَاهُ أوقع بالعليم فدع عَيْنَيْك تسبح فِي معِين ... وقلبك ذره يقلب فِي جحيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وشق جُيُوب صبرك شقّ ثكلي ... تعلّقت ابْنهَا رجلا سهوم وماذا الْأَمر ذَلِكُم وَلَكِن ... تشبه بالبحار يَد الْكَرِيم وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بموعظة فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّكُم مَحْشُورُونَ إِلَى الله عز وَجل حُفَاة عُرَاة غرلًا كَمَا بدأنا أول خلق نعيده وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين أَلا وَإِن أول الْخَلَائق يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَلا وَإنَّهُ سيجاء بِرِجَال من أمتِي فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال فَأَقُول يَا رب أَصْحَابِي فَيُقَال إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك فَأَقُول كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح {وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم وَأَنت على كل شَيْء شَهِيد إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} فَيُقَال لي انهم لم يزَالُوا مُدبرين على أَعْقَابهم مُنْذُ فَارَقْتهمْ وروى شهر بن حَوْشَب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مدت الأَرْض مد الْأَدِيم ثمَّ ينقاض أهل السَّمَاء الدُّنْيَا على الأَرْض فَأهل السَّمَاء الدُّنْيَا وحدهم اكثر من جَمِيع أهل الأَرْض جنهم وإنسهم بالضعف فيفزعون إِلَيْهِم وَيَقُولُونَ أفيكم رَبنَا فَيَقُولُونَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ ثمَّ اهل السَّمَاء الثَّانِيَة فينتشرون على وَجه الارض فَأهل السَّمَاء وحدهم أَكثر من أهل السَّمَاء الدُّنْيَا وَأهل الأَرْض من جنهم وإنسهم بالضعف فيفزعون أليهم فَيَقُولُونَ أفيكم رَبنَا فَيَقُولُونَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ ثمَّ ينقاض أهل السَّمَوَات سَمَاء سَمَاء كلما انقاضت سَمَاء انْتَشَر أَهلهَا على وَجه الأَرْض فيكونون أَكثر من أهل السَّمَوَات الَّتِي تَحْتهم وَأهل الأَرْض جنهم وإنسهم بالضعف ويفزع إِلَيْهِم أهل الأَرْض فَيَقُولُونَ أفيكم رَبنَا فَيَقُولُونَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ ثمَّ ينقاض أهل السَّمَاء السَّابِعَة فينتشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 أَهلهَا على وَجه الأَرْض فَلهم وحدهم أَكثر من أهل السَّمَوَات وَمن جَمِيع أهل الأَرْض جنهم وإنسهم بالضعف وَينزل الله تبَارك وَتَعَالَى فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة فتفكر فِي هَذَا المشهد الْعَظِيم وَالْيَوْم الْعَقِيم يَوْم يجمع فِيهِ هَذَا الْخلق كلهم من الْمَلَائِكَة وَمن بني آدم من لدن آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى آخر الدُّنْيَا فتفكر فِي أَي أَرض تسعهم وَأي مَكَان يحملهم فَكيف وينضاف إِلَيْهِم جَمِيع الوحوش النافرة والهوام الشاردة إِلَى غير ذَلِك من الْمَخْلُوقَات الَّتِي ضمهَا ذَلِك الْموعد وحشرها ذَلِك المشهد فتفكر الْآن فيهم كَيفَ يساقون وَكَيف يجمعُونَ وَكَيف يحشرون من بَين مَحْمُول قد مدت ظلال الرَّحْمَة عَلَيْهِ وجمعت الْأَمَانِي فِي يَدَيْهِ وَبَين ساع على قَدَمَيْهِ وَآخر مجرور على خديه ومصروع لهول مَا بَين يَدَيْهِ كَمَا ورد فِي الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّكُم تحشرون إِلَى الله عز وَجل رجَالًا وركبانا وَتجرونَ على وُجُوهكُم ويروى ويجرون على وُجُوههم على أَرض بَيْضَاء قاع صفصف مستوية لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتا لَا ربوة يسْتَتر بهَا وَلَا وهدة يختفى فِيهَا بل هُوَ صَعِيد وَاحِد لَيْسَ فِيهِ شَيْء قَائِم وَلَا علم مُرْتَفع قَالَ الله تَعَالَى {ويسألونك عَن الْجبَال فَقل ينسفها رَبِّي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتا} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة النقي لَيْسَ فِيهَا علم لأحد وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع الله الْأَوَّلين والآخرين فِي صَعِيد وَاحِد فَيسْمعهُمْ الدَّاعِي وَينْفذهُمْ الْبَصَر ذكر الْحَدِيثين مُسلم من حَدِيث سهل وَأبي هُرَيْرَة يُرِيد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارضا مستوية لَا جبل فِيهَا وَلَا أكمة وَلَا ربوة وَلَا وهدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 أَرض بَيْضَاء نقية لم يسفك عَلَيْهَا دم وَلَا عمل عَلَيْهَا خَطِيئَة وَلَا ارْتكب فِيهَا محرم قَالَ الله تَعَالَى يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَوَات وبرزوا لله الْوَاحِد القهار وَفِي حَدِيث ثَوْبَان ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَيْن يكون النَّاس يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَوَات قَالَ هم فِي الظلمَة دون الجسر والجسر هُوَ الصِّرَاط وَفِي حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم على الصِّرَاط ذكر هذَيْن الْحَدِيثين مُسلم بن الْحجَّاج فتفكر فِي هَذَا الْمُجْتَمع وَهَذَا الهول الأشنع والخطب الأقطع الأبشع وفيمن يضرّهُ ويشهده ويعانيه ويبصره وَكَيف يقومُونَ على أَقْدَامهم ويشخصون بِأَبْصَارِهِمْ وَأَنت مَعَهم فِي ضيق مقَام وَطول قيام قد جمعُوا جمع الدَّرَاهِم فِي الصرة المشدودة والنبل فِي الكنانة المشحونة وَقد انشقت السَّمَاء فَوْقهم وذابت عَلَيْهِم وسالت على رؤوسهم وطاشت الْأَلْبَاب وذهلت الأوهام وتحيرت الْعُقُول وتلجلجت الألسن فَلم يدر قَائِل مَا يَقُول وخشعت الْأَصْوَات للرحمن فَلَا تسمع إِلَّا همسا وضعفت الحركات فَلَا تسمع للأقدام حسا فيالك من هول تنهد مِنْهُ الْجبَال فَكيف الرِّجَال ويالك من خطب تَنْشَق مِنْهُ السَّمَاء فَكيف الأحشاء فتفكر فِيمَا يشق سَمعك من ذَلِك وَمَا يخلع قَلْبك من الروع الَّذِي هُنَالك وَكَيف بك إِذا رَأَيْت الشَّمْس قد كورت فَذهب ضوؤها والنجوم قد طمست فمحي نورها وزالت عَن موَاضعهَا وفقدت فِي مطالعها وانتثرت على من تحتهَا وعَلى من كَانَ من سمتها واشتبك النَّاس بَعضهم فِي بعض وتداخل الْخلق بَعضهم فِي بعض فصاروا كالفراش المبثوث وَقَامَت الْمَلَائِكَة على أرجاء السَّمَاء وأحاطت بالخلائق من كل الأرجاء وَالنَّاس حُفَاة عُرَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 غرل كَمَا خلقُوا فيالك من يَوْم يخْتَلط فِيهِ الرِّجَال مَعَ النِّسَاء وَقد أمنُوا أَن ينظر بَعضهم إِلَى بعض أَو يحس بَعضهم بِبَعْض وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة غرلًا قلت يَا رَسُول الله النِّسَاء وَالرِّجَال جَمِيعًا ينظر بَعضهم إِلَى بعض قَالَ يَا عَائِشَة الْأَمر أَشد من أَن ينظر بَعضهم إِلَى بعض وَذكر النَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحشرون حُفَاة عُرَاة غرلًا فَقَالَت لَهُ زَوجته أَو يرى بَعْضنَا عَورَة بعض قَالَ يَا فُلَانَة لكل امرىء مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه فيا لَك من هول مَا أعظمه وَمن كرب مَا أشده وَمن خطب مَا أبشعه وَإِيَّاك أَن تستبطىء هَذَا الْيَوْم وَأَن تستبعده فَمَا سيرك إِلَيْهِ ببطيء وَمَا هُوَ مِنْك بِبَعِيد وَإِن طَال المدى وامتدت الْغَايَة فَكل آتٍ قريب وكل مَا يكون سَيكون قَالَ الله تَعَالَى {وَيَوْم يحشرهم كَأَن لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة من النَّهَار يَتَعَارَفُونَ بَينهم} وَقَالَ سُبْحَانَهُ {كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين قَالُوا لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم فاسأل العادين} وَقَالَ تَعَالَى {ونحشر الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ زرقا يتخافتون بَينهم إِن لبثتم إِلَّا عشرا نَحن أعلم بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُول أمثلهم طَريقَة إِن لبثتم إِلَّا يَوْمًا} أَي يَقُول ذَلِك بَعضهم إِلَى بعض سرا فَيَقُول أعدلهم قولا وأرجحهم عقلا ان لبثتم إِلَّا يَوْمًا أَي مَا لبثتم فِي الْقُبُور إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ويروى عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ للْكفَّار هجعة قبل يَوْم الْقِيَامَة يَجدونَ فِيهَا طعم النّوم فَإِذا بعثوا قَالُوا يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا فَيَقُول لَهُم الْمُؤْمِنُونَ هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ فَيخرج الْخَلَائق مذعورين خَائِفين وجلين وَإِذا الْمُنَادِي يُنَادي يَا عبَادي لَا خوف عَلَيْكُم الْيَوْم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ فيطمع فِي هَذَا الْمُؤْمِنُونَ والكافرون فينادي الْمُنَادِي الَّذين آمنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلمين فينكس الْكفَّار رؤوسهم وَيبقى الْمُسلمُونَ فينادي الْمُنَادِي الثَّالِثَة الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ فينكس أهل الْكَبَائِر رؤوسهم وَيبقى أهل التَّقْوَى رافعي رؤوسهم قد زَالَ عَنْهُم الْخَوْف وَذهب عَنْهُم الْحزن وغشيهم الْفَوْز والأمن ذَلِك يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيبا وَلَا ترى فِيهِ إِلَّا حَزينًا كئيبا يَوْم تشقق السَّمَاء كَأَنَّهَا السَّحَاب وتسير الْجبَال كَأَنَّهَا السراب وَاعْلَم ان النَّاس يحشرون يَوْمئِذٍ على ثَلَاثَة أَصْنَاف ركبانا وَمُشَاة وعَلى وُجُوههم كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا ونسوق الْمُجْرمين إِلَى جَهَنَّم وردا} والوفد فِي اللُّغَة الْقَوْم المكرمون يفدون من بِلَادهمْ فِي جَمَاعَتهمْ وَإِلَى ملكهم فينزلهم ويكرمهم والورد العطاش يساقون كَمَا تساق الْإِبِل وَغَيرهَا من الْأَنْعَام تسوقهم الْمَلَائِكَة بسياط من النَّار إِلَى النَّار وَقوم يَمْشُونَ على وُجُوههم ذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على ثَلَاثَة أَصْنَاف صنفا مشَاة وَصِنْفًا ركبانا وَصِنْفًا على وُجُوههم قيل يَا رَسُول الله وَكَيف يَمْشُونَ على وُجُوههم قَالَ إِن الَّذِي أَمْشَاهُم على أَقْدَامهم قَادر على أَن يُمشيهمْ على وُجُوههم أما إِنَّهُم يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كل حدب وَشَوْك وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث قَتَادَة عَن أنس بن مَالك أَن رجلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 قَالَ يَا رَسُول الله كَيفَ يحْشر الْكَافِر على وَجهه يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ على رجلَيْهِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا على أَن يمْشِيه على وَجهه يَوْم الْقِيَامَة قَالَ قَتَادَة حِين بلغه بلَى وَعزة رَبنَا قَالَ أَبُو حَامِد وَذكر هَذَا الْفَصْل فِي طبع الْآدَمِيّ إِنْكَار كل مَا لم يأنس بِهِ وَلم يُشَاهِدهُ وَلَو لم يُشَاهد الْإِنْسَان الْحَيَّة وَهِي تمشي على بَطنهَا لأنكر الْمَشْي من غير رجل وَالْمَشْي بِالرجلِ أَيْضا مستبعد عِنْد من لم يُشَاهد ذَلِك فإياك أَن تنكر شَيْئا من عجائب يَوْم الْقِيَامَة لمخالفتها قِيَاس الدُّنْيَا فَإنَّك لَو لم تكن شاهدت عجائب الدُّنْيَا ثمَّ عرضت عَلَيْك قبل الْمُشَاهدَة لَكُنْت أَشد إنكارا لَهَا فأحضر رَحِمك الله فِي قَلْبك صُورَتك وَأَنت قد وقفت عَارِيا مكشوفا ذليلا مَدْحُورًا متحيرا مبهوتا منتظر لما يجْرِي عَلَيْك من الْقَضَاء بالسعادة أَو بالشقاء ذكر أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة بِإِسْنَادِهِ إِلَى لَقِيط بن عَامر الْعقيلِيّ قَالَ خرجت أَنا وَصَاحب لي حَتَّى قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة لانسلاخ رَجَب فأتينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين انْصَرف من صَلَاة الْغَدَاة فَقَامَ فِي النَّاس خَطِيبًا فَقَالَ أَيهَا النَّاس أَلا إِنِّي قد خبأت لكم صوتي مُنْذُ أَرْبَعَة أَيَّام أَلا لأسمعكم الْيَوْم أَلا فَهَل من امرىء بَعثه قومه فَقَالُوا لَهُ اعْلَم مَا يَقُول لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا ثمَّ لَعَلَّه أَن يلهيه حَدِيث نَفسه أَو حَدِيث صَاحبه أَو يلهيه الضلال أَلا إِنِّي مسئول هَل بلغت أَلا اسمعوا تعوا أَلا اجلسوا أَلا اجلسوا فَجَلَسَ النَّاس وَقمت أَنا وصاحبي حَتَّى إِذا فرغ لنا فُؤَاده وبصره قلت يَا رَسُول الله مَا عنْدك من علم الْغَيْب قَالَ فَضَحِك لعَمْرو الله وهز رَأسه وَزعم أَنِّي ابْتغِي تسخطه فَقَالَ ضن رَبك بِخمْس من الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا الله وَأَشَارَ بِيَدِهِ قلت وَمَا هن يَا رَسُول الله قَالَ علم الْمنية قد علم مَتى منية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 أحدكُم وَلَا تعلمونه وَعلم الْمَنِيّ مَتى يكون فِي الرَّحِم قد علمه وَلَا تعلمونه وَعلم مَا فِي غَد قد علم مَا أَنْت طاعم غَدا وَلَا تعلمونه وَعلم يَوْم الْغَيْث يشرف عَلَيْكُم أزلين مشفقين فيظل يضْحك قد علم أَن غوثكم قريب قَالَ لَقِيط لم نعدم من رب يضْحك خيرا قَالَ وَعلم يَوْم السعَة قلت يَا رَسُول الله إِنِّي سَائِلك عَن حَاجَتي فَلَا تعجلني قَالَ سل عَمَّا شِئْت قلت يَا رَسُول الله علمنَا مِمَّا لم يعلم النَّاس وَمَا تعلم قَالَ تلبثون مَا لبثتم ثمَّ يتوفى نَبِيكُم ثمَّ تلبثون مَا لبثتم ثمَّ تبْعَث الصَّيْحَة فلعمرو إلهك مَا تدع على ظهرهَا من شَيْء إِلَّا مَاتَ وَالْمَلَائِكَة الَّذين مَعَ رَبك فَأصْبح رَبك يطوف فِي الأَرْض قد خلت عَلَيْهِ الْبِلَاد فَأرْسل رَبك السَّمَاء بهضب من عِنْد الْعَرْش فلعمرو إلهك مَا تدع على ظهرهَا من مصرع قَتِيل وَلَا مدفن ميت إِلَّا شقَّتْ الْقَبْر عَنهُ حَتَّى تخلقه من قبل رَأسه حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسا يَقُول رَبك مَهيم لما كَانَ فِيهِ فَيَقُول يَا رب أمتني أمس وأحييتني الْيَوْم لعهده بِالْحَيَاةِ يحسبه حَدِيثا بأَهْله فَقلت يَا رَسُول الله فَكيف يجمعنا بعد مَا تمزقنا الرِّيَاح والبلى وَالسِّبَاع قَالَ أنبئك بِمثل ذَلِك فِي إل الله الأَرْض أشرفت عَلَيْهَا وَهِي مَدَرَة بالية فَقلت لَا تحيا أبدا ثمَّ أرسل رَبك عَلَيْهَا السَّمَاء فَلم تلبث عَنْهَا إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى أشرفت عَلَيْهَا فَإِذا هِيَ شربة وَاحِدَة فلعمرو إلهك لَهو أقدر على أَن يجمعكم من المَاء على أَن يجمع نَبَات الأَرْض فتخرجون من الأضواء وَمن مصارعكم فتنظرون إِلَيْهِ سَاعَة وَينظر إِلَيْكُم قَالَ قلت يَا رَسُول الله وَنحن ملْء الأَرْض وَهُوَ شخص وَاحِد ينظر إِلَيْنَا وَنَنْظُر إِلَيْهِ قَالَ أنبئكم بِمثل ذَلِك فِي إل الله الشَّمْس وَالْقَمَر آيَة صَغِيرَة ترونهما سَاعَة وَاحِدَة ويريانكم لَا تضَامون فِي رُؤْيَتهمَا ولعمرو ألهك لَهو أقدر على أَن يراكم وترونه مِنْهُمَا أَو ترونهما ويريانكم وَلَا تضَامون فِي رُؤْيَتهمَا قلت يَا رَسُول الله فَمَا يفعل رَبنَا بِنَا إِذا لقيناه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 تعرضون عَلَيْهِ بادية صفحاتكم لَا تخفى عَلَيْهِ مِنْكُم خافية فَيَأْخُذ رَبك بِيَدِهِ غرفَة من المَاء فينضح بهَا قبلكُمْ فلعمرو إلهك مَا يخطيء وَجه وَاحِد مِنْكُم مِنْهَا قَطْرَة فَأَما الْمُسلم فتدع وَجهه مثل الريطة الْبَيْضَاء وَأما الْكَافِر فتحطمه مثل الْحَمِيم الْأسود أَلا ثمَّ ينْصَرف نَبِيكُم وَيفرق على أَثَره الصالحون فيسلكون جِسْرًا من النَّار يطَأ أحدكُم الْجَمْرَة فَتَقول حس يَقُول ربكُم أَوَانه أَلا فتطلعون على حَوْض الرَّسُول لَا يظمأ وَالله ناهله فلعمرو إلهك مَا يبسط وَاحِد مِنْكُم يَده إِلَّا وَقع عَلَيْهَا قدح يطهره من الطوف وَالْبَوْل والأذى وتحبس الشَّمْس وَالْقَمَر فَلَا ترَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا قَالَ قلت يَا رَسُول الله فَبِمَ نبصر الأَرْض قَالَ بِمثل سَاعَتكُمْ هَذِه وَذَلِكَ مَعَ طُلُوع الشَّمْس فِي يَوْم أسفرته الأَرْض وواجهته الْجبَال قَالَ قلت يَا رَسُول الله فَبِمَ نجزي من حَسَنَاتنَا أَو سيئاتنا قَالَ الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا والسيئة بِمِثْلِهَا إِلَّا أَن تغْفر قلت يَا رَسُول الله مَا الْجنَّة وَالنَّار قَالَ لعَمْرو ألهك إِن النَّار لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب مَا مِنْهَا بَابَانِ إِلَّا يسير الرَّاكِب بَينهمَا سبعين عَاما وَإِن للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب مَا مِنْهَا بَابَانِ إِلَّا يسير الرَّاكِب بَينهمَا سبعين عَاما قَالَ قلت يَا رَسُول الله فعلى مَا نطلع من الْجنَّة قَالَ على أَنهَار من عسل مصفى وأنهار من كأس مَا بهَا صداع وَلَا ندامة وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه وَمَاء غير آسن وَفَاكِهَة فلعمرو إلهك مَا تعلمُونَ وَخير من مثله مَعَه وَأَزْوَاج مطهرة قلت يَا رَسُول الله وَإِن لنا فِيهَا أَزْوَاجًا وَهن مصلحات قَالَ الصَّالِحَات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم فِي الدُّنْيَا ويلذذنكم غير إِن لَا تَوَالَدُوا وَذكر بَاقِي الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 فصل دنو الشَّمْس من النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ذكر مُسلم من حَدِيث الْمِقْدَاد بن الْأسود قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول تدنى الشَّمْس يَوْم الْقِيَامَة من الْخلق حَتَّى تكون مِنْهُم كمقدار ميل قَالَ سليم بن عَامر فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بالميل أمسافة الأَرْض أَو الْميل الَّذِي تكحل بِهِ الْعين قَالَ فَيكون النَّاس على قدر أَعْمَالهم فِي الْعرق فَمنهمْ من يكون إِلَى كعبيه وَمِنْهُم من يكون إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُم من يكون إِلَى حقْوَيْهِ وَمِنْهُم من يلجمه الْعرق الجاما وَأَشَارَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ وَعَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ تَدْنُو الشَّمْس يَوْم الْقِيَامَة على مِقْدَار ميل وَيُزَاد فِيهَا كَذَا وَكَذَا تغلى مِنْهَا الْهَوَام كَمَا تغلي الْقُدُور على الأثافي ذكره قَاسم بن أصيغ وَذكر مُسلم من حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين قَالَ يقوم أحدهم فِي رشحه إِلَى أَنْصَاف أُذُنَيْهِ وَذكر مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْعرق يَوْم الْقِيَامَة ليذْهب فِي الأَرْض سبعين باعا وَإنَّهُ ليبلغ إِلَى أَفْوَاه النَّاس أَو إِلَى آذانهم الشَّك من الرَّاوِي وروى عَن أنس أَنه قَالَ لم يلق ابْن آدم قطّ شَيْئا مُنْذُ خلقه الله أَشد عَلَيْهِ من الْمَوْت ثمَّ إِن الْمَوْت لأهون عَلَيْهِ مِمَّا بعده إِنَّهُم ليلقون من هول ذَلِك الْيَوْم وشدته حَتَّى يلجمهم الْعرق حَتَّى لَو أرْسلت فِيهِ السفن لجرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْعرق ليلزم الْمَرْء فِي الْموقف حَتَّى يَقُول يَا رب إرسالك بِي إِلَى النَّار أَهْون عَليّ مِمَّا أجد وَهُوَ يعلم مَا فِيهَا من شدَّة الْعَذَاب ثمَّ تفكر فِي ذَلِك الازدحام والانضمام والاتساق والالتصاق واجتماع الْإِنْس وَالْجِنّ وَمن يجمع من سَائِر أَصْنَاف الْحَيَوَان وانضغاطهم وتدافعهم واختلاطهم وَلَا فرار وَلَا انتصار وَلَا ملاذ وَلَا انتقاذ وَقربت الشَّمْس مِنْهُم قبل تكويرها وَكَانَت كمقدار ميل وَزيد فِي حرهَا وضوعف فِي وهجها وَلَا ظلّ إِلَّا ظلّ عرش رَبك بِمَا قَدمته من كسبك وَقد انضاف إِلَى حر الشَّمْس حر الأنفاس لتزاحم النَّاس واحتراق الْقُلُوب بِمَا غشيها من الكروب وَاشْتَدَّ الْفرق وَعظم القلق وسال من الْأَجْسَام الْعرق وانبعث من كل مَوضِع من الْجَسَد وانبثق وَكَانَ النَّاس فِيهِ على قدر أَعْمَالهم كَمَا تقدم فتفكر فِي نَفسك أَيهَا الْمِسْكِين وَقد ضَاقَ نَفسك وَزَاد قلقك وسال عرقك وَجرى من جَمِيع بدنك من قرنك إِلَى قدمك وَوصل مِنْك إِلَى حَيْثُ أوصلته بعملك إِمَّا إِلَى كعبك أَو صاعدا حَتَّى إِلَى أُذُنك فَانْظُر إِلَى هَذَا الْحَال وتفكر فِي هَذَا الوبال وَسُوء هَذَا الْمَآل وَاعْلَم رَحِمك الله أَنه لَو سَالَ عرقك فِي الدُّنْيَا طول عمرك وأضعافه فِي طَاعَة رَبك وَفِي رضَا سيدك على أَن لَا تعرق فِي ذَلِك الْيَوْم لَكَانَ ذَلِك يَسِيرا ولكنت بِهِ جَدِيرًا ولكانت سلامتك مِنْهُ غنما كثيرا وفوزا كَبِيرا وأنشدوا قدم لنَفسك نزلا ... وارفع لرأسك ظلا فِي يَوْم تضحى البرايا ... فِي شمسه تتقلى فَمن جسوم تصلى ... وَمن رُؤُوس تقلى وَلَا ملاذ هُنَاكُم ... إِلَّا سرائر تبلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وكل مَا كَانَ مخفى ... هُنَاكَ لِلْخلقِ يجلى فَمن دم فِي دموع ... تهل فِي الخد هلا وَمن جوى فِي ضلوع ... قد حل فِيهَا المحلا فيا أخي والمنايا ... تثل عرشك ثلا وَهَذِه مفزعات ... تكفيك قولا وفعلا وَإنَّهُ الْأَمر جد ... وَلَيْسَ يَا صَاح هزلا فاعمل لَهُ فِي تراخ ... للعمر من قبل أَلا وَقد نَصَحْتُك فاقبل ... واسمع لنصحي وَإِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فصل طول يَوْم الْقِيَامَة أعلم رَحِمك الله أَن يَوْم يَوْم الْقِيَامَة لَيْسَ طوله كَمَا عهِدت من طول الْأَيَّام بل هُوَ آلَاف من الأعوام ينْصَرف فِيهِ هَذَا الْأَنَام على الْوُجُوه والأقدام حَتَّى ينفذ فيهم مَا كتب لَهُم وَعَلَيْهِم من الْأَحْكَام وَلَيْسَ يكون خلاصهم دفْعَة وَاحِدَة وَلَا فراغهم فِي مرّة وَاحِدَة بل يتخلصون ويفرغون بفراغ الْيَوْم لَكِن طول ذَلِك الْيَوْم خمسين ألف سنة فيفرغون بفراغ الْيَوْم ويفرغ الْيَوْم بفراغهم وَلَيْسَ أَيْضا هَذَا الْيَوْم مثل أَيَّام الدُّنْيَا الَّتِي تكون على حكم دوران الْفلك إِذا ذهب اللَّيْل جَاءَ النَّهَار وَإِذا ذهب النَّهَار جَاءَ اللَّيْل حِكْمَة الله الَّتِي حيرت الْعُقُول وأكلت الْأَبْصَار وأخرست الألسن لَيْسَ هُنَاكَ ليل إِنَّمَا هُوَ وَقت وَاحِد على صفة وَاحِدَة وَهَذَا الَّذِي يُسمى يَوْمًا انما هُوَ مِقْدَار من ذَلِك الْوَقْت يطوله الله عز وَجل مَا شَاءَ ويقصره مَا شَاءَ ويسمي مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من صَاحب ذهب وَلَا فضَّة لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا إِلَّا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة صفحت لَهُ صَفَائِح من نَار فأحمي عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فيكوى بهَا جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أُعِيدَت لَهُم فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضِي بَين الْعباد فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار قيل يَا رَسُول الله فالإبل قَالَ وَلَا صَاحب إبل لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا وَمن حَقّهَا حلبها يَوْم وردهَا إِلَّا إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 كَانَ يَوْم الْقِيَامَة بطح لَهَا بقاع قرقر أوفر مَا كَانَت لَا يفقد مِنْهَا فصيلا وَاحِدًا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عَلَيْهِ أولاها رد عَلَيْهِ أخراها فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضِي بَين الْعباد فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار قيل يَا رَسُول الله فالبقر وَالْغنم قَالَ وَلَا صَاحب بقر وَلَا غنم لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا إِلَّا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة بطح لَهَا بقاع قرقر لَا يفقد مِنْهَا شَيْئا لَيْسَ فِيهَا عقصاء وَلَا جلحاء وَلَا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عَلَيْهِ أولاها رد عَلَيْهِ أخراها فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضِي بَين الْعباد فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار كَذَا روى وَإِنَّمَا هُوَ كلما مر عَلَيْهِ اخراها رد عَلَيْهِ أولاها قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ فَمَا ظَنك بِقوم قَامُوا على أَقْدَامهم مِقْدَار خمسين ألف سنة لم يَأْكُلُوا فِيهَا أَكلَة وَلم يشْربُوا فِيهَا شربة حَتَّى إِذا انْقَطَعت أَعْنَاقهم عطشا واحترقت أَجْوَافهم جوعا انْصَرف بهم إِلَى النَّار فسقوا من عين آنِية قد أَنى حرهَا وَاشْتَدَّ نضجها وَاعْلَم أَن هَذَا الْيَوْم يَتلون ألوانا ويستحيل حَال النَّاس فِيهِ أحوالا فينبعثون فِيهِ من قُبُورهم ويساقون فِيهِ إِلَى مَحْشَرهمْ وَمَكَان الْقَضَاء فيهم ويقفون فِيهِ مَا شَاءَ الله أَن يقفوا شاخصة أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء مبهوتين سكارى حيارى من عَظِيم مَا أَصَابَهُم وهول مَا نزل بهم ثمَّ يموج بَعضهم فِي بعض وَيدخل بَعضهم فِي بعض ويمشون من نَبِي إِلَى نَبِي يطْلبُونَ الشَّفَاعَة فِي الاستعجال والانفصال والتخلص من تِلْكَ الْأَهْوَال والأنكال وَلَيْسَ كل النَّاس يكلم الْأَنْبِيَاء وَلَيْسَ كل النَّاس يمشي إِلَيْهِم وَمن النَّاس من يكون بِمَنْزِلَة الرغام تطؤه الْأَقْدَام فِي ذَلِك الزحام وضيق ذَلِك الْمقَام وَيَأْتِي فِي هَذَا الْيَوْم وَقت مِنْهُ يتَكَلَّم فِيهِ الْمُشْركُونَ فَيَقُولُونَ وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وَيَأْتِي عَلَيْهِم مِنْهُ وَقت آخر لَا يَتَكَلَّمُونَ وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون وَفِيه تكون المحاسبة والمناقشة وَفِيه يتَعَلَّق النَّاس بَعضهم بِبَعْض وَيطْلب بَعضهم بَعْضًا ويخاصم بَعضهم بَعْضًا فَمن النَّاس من يُخَفف عَلَيْهِ الْيَوْم حَتَّى لَا يجد فِيهِ مشقة طول وَلَا يرد لَهُ فِيهِ رَغْبَة وَلَا سؤل وَذكر ابْن وهب من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة مَا أطول هَذَا الْيَوْم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه ليخفف على الْمُؤمن حَتَّى يكون أخف عَلَيْهِ من صَلَاة مَكْتُوبَة كَانَ يُصليهَا فِي الدُّنْيَا فَمن النَّاس من يطول مقَامه وحبسه إِلَى آخر الْيَوْم وَمِنْهُم من يكون انْفِصَاله فِي ذَلِك الْيَوْم فِي مِقْدَار يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا وَفِي سَاعَة من ساعاته أَو فِيمَا شَاءَ الله من ذَلِك أَو يكون رائحا فِي ظلّ كَسبه وعرش ربه وَمِنْهُم من يُؤمر بِهِ إِلَى الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَلَا عَذَاب كَمَا أَن مِنْهُم من يُؤمر بِهِ إِلَى النَّار فِي أول الْأَمر من غير وقُوف وَلَا انْتِظَار أَو بعد يسير من ذَلِك النَّهَار وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ يتم ذَلِك الْيَوْم إِلَّا وَقد نزل كل إِنْسَان بداره وَاسْتقر فِي قراره من جنته أَو ناره فتفكر أَيهَا الْإِنْسَان فِي طول ذَلِك الْيَوْم وَفِي طول ذَلِك الْقيام فِيهِ مَعَ ذَلِك الْحَال الأخطر والفزع الْأَكْبَر والهول الَّذِي لَا يكيف وَلَا يقدر فاختر لنَفسك كم تُرِيدُ أَن تقف فِيهِ وَكَيف تُرِيدُ أَن تكون فِيهِ مَا دَامَ النّظر إِلَيْك وَالِاخْتِيَار بيديك مَعَ توفيق رَبك عز وَجل لَك ومعونته إياك وَأنْشد بَعضهم يَا آمن الساحة لَا يذعر ... بَين يَديك الْفَزع الْأَكْبَر وَإِنَّمَا أَنْت كمصبورة ... حم رداها وَهِي لَا تشعر والمرء مَنْصُوب لَهُ حتفه ... لَو أَنه من عَمه يبصر وَهَذِه النَّفس لَهَا حَاجَة ... والعمر عَن تَحْصِيلهَا يقصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَكلما تزجر عَن مطلب ... كَانَت بِهِ أهيم إِذْ تزجر وَإِنَّمَا تقصر مغلوبة ... كَالْمَاءِ عَن عنصره يقصر وَرُبمَا أَلْقَت معاذيرها ... لَو أَنَّهَا يَا ويحها تعذر وناظر الْمَوْت لَهَا نَاظر ... لَو أَنَّهَا تنظر إِذْ ينظر وزائر الْمَوْت لَهُ طلعة ... يبصرها الأكمه والمبصر وروعة الْمَوْت لَهَا سكرة ... مَا مثلهَا من روعة تسكر وَبَين أطباق الثرى منزل ... ينزله الْأَعْظَم والأحقر يتْرك ذُو الْفَخر بِهِ فخره ... وَصَاحب الْكبر بِهِ يصغر قد مَلَأت ارجاءه روعة ... نكيرها الْمَعْرُوف وَالْمُنكر وَبعد مَا بعد وَأعظم بِهِ ... من مشْهد مَا قدره يقدر يرجف مِنْهُ ذَا الورى رَجْفَة ... ينهد مِنْهَا الْمَلأ الْأَكْبَر وَلَيْسَ هَذَا الْوَصْف مُسْتَوْفيا ... كل الَّذِي من وَصفه يذكر وَإِنَّمَا ذَا قَطْرَة أرْسلت ... من أبحر تتبعها أبحر وَقد أَتَاك الثبت عَنهُ بِمَا ... أخْبرك الصَّادِق إِذْ يخبر فاعمل لَهُ ويك وَإِلَّا فَلَا ... عذر وَمَا مثلك من يعْذر وَاعْلَم أَنه كلما طَال قيامك فِي طَاعَة الله وانتصابك لَهُ قصر قيامك فِي ذَلِك الْيَوْم وَقل تعبك فِيهِ وَكلما كثر تصرفك فِي طَاعَة الله سُبْحَانَهُ وإقبالك وإدبارك فِي قَضَاء حَاجَة مُسلم ومشيك فِيهِ ومشاركتك لَهُ يقل مشيك فِي ذَلِك الْيَوْم ويقل تعبك فِيهِ وبقدر مَا تبذل تُعْطى وكما تدين تدان ولعلك يَا هَذَا تستطيل رَكْعَتَيْنِ تقْرَأ فيهمَا حزبا أَو حزبين تقوم بهما لِرَبِّك جلّ جَلَاله ولعلك تعجز عَن مشي ميل فِي قَضَاء حَاجَة مُسلم أَو ميلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَبَين يَديك هَذَا الْيَوْم الطَّوِيل المديد وَالْكرب الْعَظِيم الشَّديد الَّذِي لَا يقصر إِلَّا على من أَطَالَ التَّعَب لله وَلَا يسهل إِلَّا على من تحمل الشدائد فِي ذَات الله ولعلك ان صليتهما لَيْلَة عجزت عَنْهُمَا لَيْلَة أُخْرَى ولعلك ان مشيت يَوْمًا فِي حَاجَة مُسلم برمت من ذَلِك يَوْمًا آخر وضجرت مِنْهُ وكسلت عَنهُ وَرُبمَا وقفت لسَمَاع حَدِيث فارغ يكون تَقْدِيره أَكثر من حزب أَو حزبين وَرُبمَا مشيت فِي فضول الْميل والميلين وَأكْثر من ذَلِك وَلَو تدبرت فِي أَمرك وَنظرت فِيمَا يُرَاد بك لسهل عَلَيْك من أَمرك العسير وَقرب عَلَيْك فِيهِ الْبعيد فاعمل رَحِمك الله فِي أَيَّام قصار وَعمر قصير لأيام طوال وَعمر طَوِيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الْبَاب السَّادِس عشر ذكر الْحَوْض قد سَمِعت رَحِمك الله بعطش هَذَا الْيَوْم والتهابه وَمَا يصل إِلَى الْقُلُوب من أواره واحتراقه وَأَن المَاء فِي ذَلِك الْيَوْم أعز مَوْجُود وَأعظم مَفْقُود وَأَن لَا منهل مورود إِلَّا حَوْض صَاحب الْمقَام الْمَحْمُود صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا مشرب لأمته سواهُ وَلَا تبرد أكبادهم إِلَّا بِهِ وَأَن الشربة مِنْهُ تروي من الظمأ وتشفي من الصدى وَتذهب كل دَاء فَلَا يظمأ شاربها وَلَا يسقم بعْدهَا أبدا وَأَنَّهَا ترد الْعقل العازب والشباب الذَّاهِب ويؤوب مَعهَا من الزَّمن الصَّالح مَا لم يكن قبل بآيب وانه لَا يرد ذَلِك الْحَوْض إِلَّا من ورد فِي الدُّنْيَا حَوْض شرعته وَتمسك بسنته وَتُوفِّي على مِلَّته وَإِلَّا فيجلى عَنهُ وَلَا يدنو مِنْهُ وَلَا يكَاد وَيضْرب عَنهُ ضربا تتقطع لَهُ الجوانح والأكباد وَأَنا أذكر لَك من أَحَادِيث الْحَوْض مَا يسر الله عز وَجل ذكر مُسلم من حَدِيث ثَوْبَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنِّي لبعقر حَوْضِي أذود النَّاس عَنهُ لأهل الْيمن أضْرب بعصاي حَتَّى يرفض عَلَيْهِم فَسئلَ عَن عرضه فَقَالَ من مقَامي إِلَى عمان وَسُئِلَ عَن شرابه فَقَالَ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل يفت فِيهِ مِيزَابَانِ يمدانه من الْجنَّة أَحدهمَا من ذهب وَالْآخر من ورق وَعَن أبي ذَر قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا آنِية الْحَوْض قَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لآنيته أَكثر من عدد نُجُوم السَّمَاء وكواكبها فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة المصحية آنِية الْجنَّة من شرب مِنْهَا لم يظمأ آخر مَا عَلَيْهِ يشخب فِيهِ مِيزَابَانِ من الْجنَّة من شرب مِنْهُ لم يظمأ عرضه مثل طوله مَا بَين عمان إِلَى أَيْلَة مَاؤُهُ أَشد بَيَاضًا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل وَمن حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترى فِيهِ أَبَارِيق الذَّهَب وَالْفِضَّة عدد نُجُوم السَّمَاء وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن أبي سَلام الحبشي قَالَ حَدثنِي ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حَوْضِي من عدن إِلَى عمان البلقاء مَاؤُهُ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل أَكَاوِيبه عدد نُجُوم السَّمَاء من شرب مِنْهُ شربة لم يظمأ بعْدهَا أبدا أول النَّاس ورودا عَلَيْهِ فُقَرَاء الْمُهَاجِرين الشعث رؤوسا الدنس ثيابًا الَّذين لَا ينْكحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ وَلَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السدد فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز قد نكحت الْمُنَعَّمَاتِ فَاطِمَة بنت عبد الْملك وَفتحت لي أَبْوَاب السدد لَا جرم لَا إغسل رَأْسِي حَتَّى يشعث وَلَا أغسل ثوبي الَّذِي يَلِي جَسَدِي حَتَّى يتسخ وَذكر الْبَزَّار من حَدِيث أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَوْضِي من كَذَا إِلَى كَذَا فِيهِ من الْآنِية عدد النُّجُوم أطيب ريحًا من الْمسك وَأحلى من الْعَسَل وأبرد من الثَّلج وأبيض من اللَّبن من شرب مِنْهُ لم يظمأ أبدا وَمن لم يشرب لم يرو أبدا وَذكر مُسلم من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَهُوَ بَين ظهراني أَصْحَابه إِنِّي على الْحَوْض أنْتَظر من يرد عَليّ مِنْكُم فوَاللَّه ليقتطعن دوني رجال فلأقولن أَي رب مني وَمن أمتِي فَيَقُول إِنَّك لَا تَدْرِي مَا عمِلُوا بعْدك مازالوا يرجعُونَ على أَعْقَابهم وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَوْضِي مسيرَة شهر وزواياه سَوَاء وماؤه أَبيض من الْوَرق وريحه أطيب من الْمسك وكيزانه كنجوم السَّمَاء من شرب مِنْهُ فَلَا يظمأ بعْدهَا أبدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وَقَالَت أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي على الْحَوْض حَتَّى أنظر من يرد عَليّ مِنْكُم وسيؤخذ أنَاس من دوني فَأَقُول يَا رب مني وَمن أمتِي فَيُقَال أما شَعرت مَا عمِلُوا بعْدك وَالله مَا برحوا بعْدك يرجعُونَ على أَعْقَابهم قَالَ فَكَانَ ابْن أبي مليكَة يَقُول اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك أَن نرْجِع على أعقابنا أَو أَن نفتن عَن ديننَا وَعَن عبد الله بن رَافع مولى أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَيهَا النَّاس إِنِّي لكم فرط على الْحَوْض فإياي لَا يَأْتِين أحدكُم فيذب عني كَمَا يذب الْبَعِير الضال فَأَقُول فيمَ هَذَا فَيُقَال إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك فَأَقُول سحقا وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي هَذَا الحَدِيث يَا أَيهَا النَّاس بَينا أَنا على الْحَوْض إِذْ مر بكم زمرا فَيذْهب بكم الطّرق فأناديكم أَلا هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيق فينادي مُنَاد من ورائي إِنَّهُم بدلُوا بعْدك فَأَقُول أَلا سحقا سحقا وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى الْمقْبرَة فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون وددت أَنِّي رَأَيْت إِخْوَاننَا قَالُوا أولسنا أخوانك يَا رَسُول الله قَالَ بل أَنْتُم أَصْحَابِي وأخواننا الَّذين لم يَأْتُوا بعد قَالُوا كَيفَ تعرف من لم يَأْتِ بعْدك من أمتك يَا رَسُول الله قَالَ أَرَأَيْت لَو أَن رجلا لَهُ خيل غر محجلة بَين ظَهْري خيل دهم بهم أَلا يعرف خيله قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ فَإِنَّهُم يأْتونَ غرا محجلين من الْوضُوء وَأَنا فرطهم على الْحَوْض أَلا ليذادن رجال عَن حَوْضِي كَمَا يذاد الْبَعِير الضال أناديهم أَلا هَلُمَّ هَلُمَّ فَيُقَال إِنَّهُم قد بدلُوا بعْدك فَأَقُول سحقا سحقا وَذكر البُخَارِيّ من حَدِيث سهل بن سعد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي فرط لكم على الْحَوْض من مر يشرب وَمن شرب لم يظمأ أبدا ليردن أَقوام أعرفهم ويعرفونني ثمَّ يُحَال بيني وَبينهمْ زَاد أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 قَالَ فَأَقُول أمتِي فَيُقَال إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك فَأَقُول سحقا سحقا لمن غير بعدِي وَذكر من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَينا إِنَّا قَائِم إِذا زمرة حَتَّى إِذا عرفتهم خرج رجل من بيني وَبينهمْ فَقَالَ هَلُمَّ فَقلت أَيْن فَقَالَ إِلَى النَّار وَالله قلت وَمَا شَأْنهمْ قَالَ إِنَّهُم ارْتَدُّوا بعْدك الْقَهْقَرَى على أدبارهم ثمَّ إِذا زمرة حَتَّى إِذا عرفتهم خرج رجل من بيني وَبينهمْ فَقَالَ هَلُمَّ فَقلت أَيْن فَقَالَ إِلَى النَّار وَالله قلت وَمَا شَأْنهمْ قَالَ إِنَّهُم ارْتَدُّوا بعْدك على أدبارهم الْقَهْقَرَى فَلَا أرَاهُ يخلص مِنْهُم إِلَّا مثل همل النعم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينا أَنا قَائِم يُرِيد على الْحَوْض كَمَا ورد فِي حَدِيث آخر وَذكر أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُسْنده من حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي مُمْسك بِحُجزِكُمْ عَن النَّار وتغلبونني وتقتحمون فِيهَا تَقَاحم الْفراش وَالْجَنَادِب وأوشك أَن أرسل حُجُزكُمْ وأفرط لكم عَن أَو على الْحَوْض الشَّك من الرَّاوِي وتردون عَليّ مَعًا وأشتاتا فأعرفكم بأسمائكم وسيماكم كَمَا يعرف الرجل الغريبة من الْإِبِل فِي إبِله وَيذْهب بكم ذَات الشمَال وأناشد فِيكُم رب الْعَالمين فَأَقُول أَي رب رهطي أَي رب أمتِي فَيُقَال إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك إِنَّهُم كَانُوا يَمْشُونَ بعْدك الْقَهْقَرَى فلأعرفن أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يحمل شَاة لَهَا ثُغَاء يُنَادي يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَأَقُول لَا أملك لَك من الله شَيْئا قد بلغت ولأعرفن أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يحمل بَعِيرًا لَهُ رُغَاء فينادي يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَأَقُول لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 أملك لَك من الله شَيْئا قد بلغت ولأعرفن أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يحمل فرسا لَهُ حَمْحَمَة يُنَادي يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَأَقُول لَا أملك لَك من الله شَيْئا قد بلغت ولأعرفن أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يحمل قشعا من أَدَم يُنَادي يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَأَقُول لَا أملك لَك من الله شَيْئا قد بلغت وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار عَن جَابر بن عبد الله قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَنا فرط بَين أَيْدِيكُم فَإِن لم تجدوني فَإِنِّي على الْحَوْض وَسَيَأْتِي أَقوام رجال وَنسَاء ثمَّ لَا يذوقون مِنْهُ شَيْئا وَذكر ابْن السكن من حَدِيث سُوَيْد بن جبلة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتزدحمن هَذِه الْأمة على الْحَوْض ازدحام واردات الْحمر وَذكر مُسلم من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أظهرنَا ذَات يَوْم إِذْ أغفى إغفاءه ثمَّ رفع رَأسه مُبْتَسِمًا فَقُلْنَا مَا أضْحكك يَا رَسُول الله قَالَ نزلت عَليّ أنفًا سُورَة فَقَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر فصل لِرَبِّك وانحر إِن شانئك هُوَ الأبتر} ثمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَر فَقُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِنَّهُ نهر وعدنيه رَبِّي عَلَيْهِ خير كثير هُوَ حَوْض ترد عَلَيْهِ أمتِي يَوْم الْقِيَامَة آنيته عدد النُّجُوم فيختلج العَبْد فَأَقُول يَا رب إِنَّه من أمتِي فَيَقُول مَا تَدْرِي مَا أحدث بعْدك وَفِي طَرِيق آخر عَن أنس أَيْضا نهر وعدنيه رَبِّي فِي الْجنَّة عَلَيْهِ حَوْضِي ويروى عَلَيْهِ حَوْض وَفِي حَدِيث لَقِيط وَذكر الْبَعْث قَالَ تسلكون جِسْرًا من النَّار يطَأ أحدكُم الْجَمْرَة فَيَقُول حس أَلا فتطلعون على حَوْض الرَّسُول لَا يظمأ وَالله ناهله فلعمرو إلهك مَا يبسط وَاحِد مِنْكُم يَده إِلَّا وَقع عَلَيْهَا قدح يطهره من الطوف وَالْبَوْل والأذى رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وَذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْحَوْض بعد الجسر وَمَا تقدم فِي الْحَوْض من الْأَحَادِيث الَّتِي لم يحد لَهُ فِيهَا مَوضِع هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لكل نَبِي حوضا وَإِنَّهُم يتباهون أَيهمْ أَكثر وَارِدَة وَإِنِّي لأرجو أَن أكون أَكْثَرهم وَارِدَة وَهَذَا يرْوى عَن الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لي حوضا مَا بَين بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة أَبيض من اللَّبن فِيهِ عدد الْكَوَاكِب أنية وَأَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض وَلكُل نَبِي حَوْض وكل نَبِي يَدْعُو أمته فَمنهمْ من يرد عَلَيْهِ فِئَام من النَّاس وَمِنْهُم من يرد عَلَيْهِ مَا هُوَ دون ذَلِك وَمِنْهُم من ترد عَلَيْهِ الْعِصَابَة وَمِنْهُم من يرد عَلَيْهِ الرّجلَانِ وَالرجل وَفِيهِمْ من لَا يرد عَلَيْهِ أحد فَيَقُول اللَّهُمَّ قد بلغت ثَلَاثًا وَذكر بَاقِي الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الْبَاب السَّابِع عشر ذكر الشَّفَاعَة الأولى الَّتِي تكون لفصل الْقَضَاء بَين النَّاس وَهِي المختصة بنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تكون إِلَّا لَهُ وَلَا يشركهُ فِيهَا أحد غَيره ذكر البُخَارِيّ من حَدِيث آدم بن عَليّ قَالَ سَمِعت ابْن عمر يَقُول ان النَّاس يصيرون يَوْم الْقِيَامَة جثى كل أمة تتبع نبيها يَقُولُونَ يَا فلَان اشفع لنا يَا فلَان اشفع حَتَّى تَنْتَهِي الشَّفَاعَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك يَوْم يَبْعَثهُ الله الْمقَام الْمَحْمُود رَوَاهُ حَمْزَة بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَعْوَة فَدفع إِلَيْهِ الذِّرَاع وَكَانَت تعجبه فنهش مِنْهَا نهشة ثمَّ قَالَ أَنا سيد النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وَهل تَدْرُونَ مِم ذَاك يجمع الله الْأَوَّلين والآخرين فِي صَعِيد وَاحِد فَيسْمعهُمْ الدَّاعِي وَينْفذهُمْ الْبَصَر وتدنو الشَّمْس فَيبلغ النَّاس من الْغم وَالْكرب مَالا يُطِيقُونَ وَلَا يحْتَملُونَ فَيَقُول النَّاس أَلا ترَوْنَ إِلَى مَا قد بَلغَكُمْ أَلا تنْظرُون من يشفع لكم إِلَى ربكُم فَيَقُول بعض النَّاس لبَعض عَلَيْكُم بِآدَم فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْت أَبُو الْبشر خلقك الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيك من روحه وَأمر الْمَلَائِكَة فسجدوا لَك اشفع لنا إِلَى رَبك أَلا ترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ أَلا ترى مَا قد بلغ بِنَا فَيَقُول آدم إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب مثله قبله وَلنْ يغْضب مثله بعده وَإنَّهُ قد نهاني عَن الشَّجَرَة فعصيته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 نَفسِي نَفسِي نَفسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نوح فَيَأْتُونَ نوحًا فَيَقُولُونَ يَا نوح إِنَّك أَنْت أول الرُّسُل إِلَى أهل الأَرْض وَقد سماك الله عبدا شكُورًا أشفع لنا إِلَى رَبك أَلا ترى مَا نَحن فِيهِ فَيَقُول إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب مثله قبله وَلنْ يغْضب بعده مثله وَإنَّهُ قد كَانَت لي دَعْوَة دعوتها على قومِي نَفسِي نَفسِي نَفسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيم فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيم أَنْت نَبِي الله وخليله من أهل الأَرْض اشفع لنا إِلَى رَبك الا ترى مَا نَحن فِيهِ فَيَقُول لَهُم إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب مثله قبله وَلنْ يغْضب بعده مثله وَإِنِّي قد كنت كذبت ثَلَاث كذبات فَذَكرهنَّ أَبُو حَيَّان فِي الحَدِيث نَفسِي نَفسِي نَفسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْت رَسُول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على النَّاس اشفع لنا إِلَى رَبك أَلا ترى مَا نَحن فِيهِ فَيَقُول إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله وَلنْ يغْضب بعده مثله وَإِنِّي قد قتلت نفسا وَلم أُؤمر بقتلها نَفسِي نَفسِي نَفسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْت رَسُول الله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ وَكلمت النَّاس فِي المهد اشفع لنا إِلَى رَبك أَلا ترى مَا نَحن فِيهِ فَيَقُول عِيسَى إِن رَبِّي قد غضب الْيَوْم غَضبا لم يغْضب قبله مثله وَلنْ يغْضب بعده مثله وَلم يذكر ذَنبا نَفسِي نَفسِي نَفسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّد فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّد أَنْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَاتم الْأَنْبِيَاء وَقد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر اشفع لنا إِلَى رَبك ألاترى إِلَى مَا نَحن فِيهِ فَانْطَلق فَآتي تَحت الْعَرْش فأقع سَاجِدا لرَبي ثمَّ يفتح الله عَليّ من محامده وَحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ شَيْئا لم يَفْتَحهُ على أحد قبلي ثمَّ يُقَال يَا مُحَمَّد ارْفَعْ رَأسك سل تعطه وَاشْفَعْ تشفع فأرفع رَأْسِي فَأَقُول أمتِي يَا رب أمتِي يَا رب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 ثَلَاثًا فَيُقَال يَا مُحَمَّد أَدخل من أمتك من لَا حِسَاب عَلَيْهِ من الْبَاب الْأَيْمن من أَبْوَاب الْجنَّة وهم شُرَكَاء النَّاس فِيمَا سوى ذَلِك من الْأَبْوَاب ثمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن مَا بَين مصراعين من مصاريع الْجنَّة كَمَا بَين مَكَّة وحمير أَو كَمَا بَين مَكَّة وَبصرى أَو كَمَا بَين مَكَّة وهجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 الْبَاب الثَّامِن عشر المساءلة والتقرير والمحاسبة وَالْقصاص قَالَ الله تَعَالَى فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَوضع الْكتاب فترى الْمُجْرمين مشفقين مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا ويلتنا مَا لهَذَا الْكتاب لَا يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أحصاها ووجدوا مَا عمِلُوا حَاضرا وَلَا يظلم رَبك أحدا وَقَالَ جلّ جَلَاله وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا وَوضع الْكتاب وَجِيء بالنبيين وَالشُّهَدَاء وَقضي بَينهم بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ ووفيت كل نفس مَا عملت وَهُوَ أعلم بِمَا يَفْعَلُونَ ذكر قَاسم بن أصبغ من حَدِيث سعيد بن عبد الله عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَزُول قدما عبد يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يسْأَل عَن أَربع عَن عمره فِيمَا أفناه وَعَن علمه مَا عمل بِهِ وَعَن مَاله من أَيْن اكْتَسبهُ وفيم أنفقهُ وَعَن جِسْمه فِيمَا أبلاه ذكره التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَذكر مُسلم من حَدِيث صَفْوَان بن مُحرز قَالَ قَالَ رجل لِابْنِ عمر كَيفَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي النَّجْوَى قَالَ سمعته يَقُول يدنى الْمُؤمن يَوْم الْقِيَامَة من ربه تَعَالَى حَتَّى يضع عَلَيْهِ كنفه فيقرره بذنوبه فَيَقُول هَل تعرف ذَنْب كَذَا وَكَذَا فَيَقُول رب أعرف قَالَ فَإِنِّي سترتها عَلَيْك فِي الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وَإِنِّي أغفرها لَك الْيَوْم ثمَّ تطوى صحيفَة حَسَنَاته وَأما الْكفَّار والمنافقون فينادى بهم على رُؤُوس الْخَلَائق هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم أَلا لعنة الله على الظَّالِمين وَذكر مُسلم أَيْضا من حَدِيث ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حُوسِبَ يَوْم الْقِيَامَة عذب فَقلت أَلَيْسَ قد قَالَ الله تَعَالَى فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا قَالَ لَيْسَ ذَلِك الْحساب وَإِنَّمَا ذَلِك الْعرض من نُوقِشَ الْحساب يَوْم الْقِيَامَة عذب وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ يخرج لِابْنِ آدم يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة دواوين ديوَان فِيهِ الْعَمَل الصَّالح وديوان فِيهِ ذنُوبه وديوان فِيهِ النعم الَّتِي من الله عَلَيْهِ فَيَقُول الله تَعَالَى لأصغر نعْمَة أَحْسبهُ قَالَ فِي ديوَان النَّعيم خذي ثمنك من عمله الصَّالح فتستوعب عمله الصَّالح ثمَّ تتنحى فَتَقول وَعزَّتك مَا استوفيت وَتبقى الذُّنُوب وَالنعَم وَقد ذهب الْعَمَل فَإِذا أَرَادَ الله أَن يرحم عَبده قَالَ يَا عَبدِي قد ضاعفت لَك حَسَنَاتك وتجاوزت عَن سيئاتك وَأَحْسبهُ قَالَ ووهبت لَك نعمي وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُؤْتى بالمالك والمملوك وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة حَتَّى يُقَال للرجل شربت يَوْم كَذَا وَكَذَا على لَذَّة وَيُقَال للزَّوْج خطبت يَوْم كَذَا فُلَانَة مَعَ خطاب فزوجتكها وتركتهم وَفِي الْخَبَر الْمَشْهُور أَن أَبَا بكر الصّديق وَعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا أكلا تَمرا وبسرا ورطبا ثمَّ أكلا خبْزًا وَلَحْمًا أطعمهما رجل من الْأَنْصَار وأكلاه على جوع فَقَالَ لَهما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتسألن عَن هَذَا النَّعيم يَوْم الْقِيَامَة والْحَدِيث ذكره مُسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه قَالَ لما نزلت ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون قَالَ الزبير يَا رَسُول الله أتكرر علينا الْخُصُومَة بعد الَّذِي كَانَ بَيْننَا فِي الدُّنْيَا قَالَ نعم قَالَ إِن الْأَمر إِذن لشديد وَذكر النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أسلم العَبْد فَحسن إِسْلَامه كتب الله عز وَجل لَهُ كل حَسَنَة كَانَ أزلفها ومحيت عَنهُ كل سَيِّئَة كَانَ أزلفها ثمَّ كَانَ بعد ذَلِك الْقصاص الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف والسيئة بِمِثْلِهَا إِلَّا أَن يتَجَاوَز الله عَنْهَا وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْمُفلس قَالُوا الْمُفلس فِينَا من لَا دِرْهَم لَهُ وَلَا مَتَاع فَقَالَ إِن الْمُفلس من أمتِي من يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة وَيَأْتِي قد شتم هَذَا وَقذف هَذَا وَأكل مَال هَذَا وَسَفك دم هَذَا وَضرب هَذَا فيعطي هَذَا من حَسَنَاته وَهَذَا من حَسَنَاته فَإِن فنيت حَسَنَاته قبل أَن يقْضِي مَا عَلَيْهِ أَخذ من خطاياهم فطرحت عَلَيْهِ ثمَّ طرح فِي النَّار وَذكر البُخَارِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخلص الْمُؤْمِنُونَ من النَّار فَيَجْلِسُونَ على قنطرة بَين الْجنَّة وَالنَّار فيقتص لبَعْضهِم من بعض مظالم كَانَت بَينهم فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذا هذبوا ونقوا أذن لَهُم فِي دُخُول الْجنَّة فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لأَحَدهم أهْدى لمنزله فِي الْجنَّة مِنْهُ بمنزله الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لتؤدن الْحُقُوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 إِلَى أَهلهَا يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يُقَاد للشاة الجلحاء من الشَّاة القرناء وَذكر أَبُو بكر الشَّافِعِي من حَدِيث أبي ذَر قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاتين تنتطحان فَقَالَ يَا أَبَا ذَر هَل تَدْرِي فيمَ تنتطحان قلت لَا أَدْرِي قَالَ لَكِن الله يدْرِي وَيَقْضِي بَينهمَا يَوْم الْقِيَامَة وَذكر البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَت عِنْده مظْلمَة لِأَخِيهِ فليتحلله مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثمَّ دِينَار وَلَا دِرْهَم من قبل أَن يُؤْخَذ لِأَخِيهِ من حَسَنَاته فَإِن لم يكن لَهُ حَسَنَات أَخذ من سيئات أَخِيه فطرحت عَلَيْهِ وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظُّلم ثَلَاثَة فظلم لَا يغفره الله وظلم يغفره وظلم لَا يتْركهُ فاما الظُّلم الَّذِي لَا يغفره فالشرك قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى إِن الشّرك لظلم عَظِيم وَأما الظُّلم الَّذِي يغفره فظلم الْعباد لأَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَأما الظُّلم الَّذِي لَا يتْركهُ الله فظلم الْعباد بَعضهم بَعْضًا حَتَّى يدين بَعضهم من بعض وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأعْلم آخر أهل الْجنَّة دُخُولا الْجنَّة وَآخر أهل النَّار خُرُوجًا مِنْهَا رجل يُؤْتى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال اعرضوا عَلَيْهِ صغَار ذنُوبه وارفعوه عَنهُ كِبَارهَا فَيعرض عَلَيْهِ صغَار ذنُوبه فَيُقَال أعملت يَوْم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فَيَقُول نعم لَا يَسْتَطِيع أَن يُنكر وَهُوَ مُشفق من كبار ذنُوبه أَن تعرض عَلَيْهِ فَيُقَال لَهُ فَإِن لَك مَكَان كل سَيِّئَة حَسَنَة فَيَقُول رب قد عملت أَشْيَاء لَا أَرَاهَا هَا هُنَا فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يجاء بِابْن آدم يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ بذج فَيُوقف بَين يَدي الله عز وَجل فَيَقُول الله لَهُ أَعطيتك وخولتك وأنعمت عَلَيْك فَمَاذَا صنعت فَيَقُول يَا رب جمعته وثمرته فتركته أَكثر مَا كَانَ فارجعني آتِك بِهِ فَيَقُول لَهُ أَرِنِي مَا قدمت فَيَقُول يَا رب جمعته وثمرته وَتركته أَكثر مَا كَانَ فارجعني آتِك بِهِ فَإِذا عبد لم يقدم خيرا فيمضى بِهِ إِلَى النَّار فتفكر أَيهَا الْمِسْكِين فِي نَفسك بَيْنَمَا أَنْت فِي هَذَا الْيَوْم الَّذِي وصف لَك وَفِي هَذَا الْحَال الَّذِي حدثت عَنهُ وَقد جيىء بجهنم كَمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيح تقاد بسبعين ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها حَتَّى تكون بمرأى من الْخلق ومسمع يرَوْنَ لهيبها ويسمعون زفيرها اذ أَخذ بضبعيك وَقبض على عضديك وَجِيء بك تَتَخَطَّى الرّقاب وتخترق الصُّفُوف وَالْخَلَائِق ينظرُونَ إِلَيْك حَتَّى إِذا وقفت بَين يَدي الله تَعَالَى فَسُئِلت عَن الْقَلِيل وَالْكثير والنقير والقطمير وَلَا تَجِد أحدا يُجَاوب عَنْك بِلَفْظَة وَلَا يعينك بِكَلِمَة وَلَا يرد عَنْك جَوَابا فِي مَسْأَلَة وَأَنت قد شاهدت من عظم الْأَمر وجلالة الْقدر وهيبة الحضرة مَا أذهب بيانك وأخرس لسَانك وأذهل جنانك وَنظرت يَمِينا وَشمَالًا وَبَين يَديك فَلم تَرَ إِلَّا النَّار وعملك الَّذِي كنت تعْمل وكلمك رب الْعِزَّة جلّ جَلَاله بِغَيْر حجاب يحجبك وَلَا ترجمان يترجم لَك كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر الصَّحِيح وسئلت عَن كل شَيْء كَانَ مِنْك فِي حق نَفسك وَحقّ غَيْرك وَقيل لَك مَالك من أَيْن اكتسبته وَمن أَيْن جمعته وفيم أنفقته فَمَا ظَنك بِنَفْسِك فِي ذَلِك الْيَوْم وَكَيف يكون فزعك وجزعك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَكَيف تكون حيرتك ودهشتك إِذا قيل لَك عاملت فلَانا يَوْم كَذَا وَكَذَا فِي كَذَا وَكَذَا وَأخذت مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وغبنته فِي كَذَا وَكَذَا وَتركت نصيحته فِي كَذَا وَكَذَا وَفِي هَذِه السّلْعَة وَلم تبين لَهُ هَذَا الْعَيْب أَو غصبت فلَانا أَو ظلمت فلَانا أَو غششت فلَانا أَو قتلت فلَانا أَو فعلت كَذَا وَكَذَا وَقيل لَك أدل بِحجَّة قُم بِبَيِّنَة ائْتِ ببرهان انفذ بسُلْطَان فَأَرَدْت الْكَلَام فَلم تبين وَجئْت بِعُذْر فَلم يستبن هَيْهَات أَنى لَك الْكَلَام وَلم تنقحه وأنى لَك بالعذر وَفِي الدُّنْيَا لم تصححه قَالَ الله تَعَالَى يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا من أذن لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابا ذَلِك الْيَوْم الْحق فَمن شَاءَ اتخذ إِلَى ربه مآبا إِنَّا أنذرناكم عذَابا قَرِيبا يَوْم ينظر الْمَرْء مَا قدمت يَدَاهُ وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كنت تُرَابا وَقَالَ الْحَارِث بن أَسد المحاسبي فِي موعظة لَهُ أحذرك يَا أخي وَنَفْسِي يَوْمًا إِلَى الله فِيهِ على نَفسه أَلا يتْرك عبدا أمره فِي الدُّنْيَا وَنَهَاهُ حَتَّى يسْأَله عَن عمله كُله دقيقه وجليله سره وعلانيته فَانْظُر بِأَيّ بدن تقف بَين يَدَيْهِ وَبِأَيِّ لِسَان تجيبه فأعد للسؤال جَوَابا وللجواب صَوَابا فتفكر الْآن وَانْظُر بِأَيّ قدم تقف فِي ذَلِك الْمقَام وَبِأَيِّ أذن تسمع ذَلِك الْكَلَام فَمَا شِئْت من قلب يخلع وكبد تصدع ولسان يتلجلج وأحشاء تتموج وَنَفس تُرِيدُ أَن تخرج فَلَا تتْرك أَن تخرج فَانْظُر مَا أشأم تِلْكَ الأرباح الَّتِي ربحتها وأخسر تِلْكَ الْمُعَامَلَات الَّتِي عاملت بهَا انْظُر كَيفَ ذهبت عَنْك مسراتها وَبقيت حسراتها والشهوات الَّتِي فِي ظلم الْعباد انفدتها كَيفَ ذهب عَنْك الْفَرح بهَا وَبقيت تبعتها وَانْظُر الْآن بكم تَفْتَدِي من ذَلِك الْموقف وبكم تتخلص من ذَلِك السُّؤَال أَتَقول لَو كَانَ لَك نصف الدُّنْيَا أَكنت تعطيه فِي التَّخَلُّص من ذَلِك الْمقَام أَي لعَمْرو الله وَالدُّنْيَا وأضعافها مَرَّات فَكيف وَلم يحصل لَك من عمرك الا دريهمات يسيرَة أنفقتها فِي أَيَّام يسيرَة وَرُبمَا لم تنفقها ولعلك كنت أَنْت جَامعهَا والمتعب فِيهَا وَكَانَ الْمُنفق لَهَا سواك والمتلذذ بهَا غَيْرك إِمَّا زوج ابْنَتك أَو زَوْجَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 ابْنك أَو غَيرهمَا من وَرثتك وَأَنت إِنَّمَا حصل لَك مِنْهَا مَا أنفقته فِي الْحَال لَا مَا اعددته للمآل وَتركت ذَلِك لمن لَا يحمدك وَلَا يشكرك وَلَعَلَّه ينفقها فِي مَعْصِيّة فَتكون أَنْت السَّبَب فِيهَا وَيكون مَالك العون عَلَيْهَا أَو ينفقها فِي طَاعَة فترى مَالك فِي ميزَان غَيْرك تشقى أَنْت بِهِ وينعم بِهِ سواك وان كنت قد أنفقتها فِي مَعْصِيّة رَبك وَمُخَالفَة مَوْلَاك وَاتِّبَاع هَوَاك واطلقت فِيهَا شهوتك وَأرْسلت فِيهَا لذتك فيا وَيلك ثمَّ يَا وَيلك من أَسِير شدّ خناقه وَأحكم وثَاقه وَثبتت على عُنُقه أرباقه وطولب بِمَا جناه وَأخذ بِمَا كسبت يَدَاهُ وَقيل لَهُ لَا تلم فِيمَا أنضج من جسمك وطبخ فيداك اوكتا وفوك نفخ وَلَا تبك من سهم أنفذك وأصماك فطرفك أَشَارَ إِلَيْك وساعدك رماك وَإِن أخذت ذَلِك بِالْغَصْبِ وَالظُّلم وَسَائِر أَنْوَاع الْمُحرمَات والأمور الْمَحْظُورَات فقد علمت مَا أعد الله للظالمين وَمَا تواعدهم فِي كِتَابه الْمُبين وَأعلم أَن فِي هَذَا الْيَوْم يصدق الله تَعَالَى قَوْله فلنسألن الَّذين أرسل اليهم ولنسألن الْمُرْسلين فلنقصن عَلَيْهِم بِعلم وَمَا كُنَّا غائبين فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ فَيبْدَأ بالأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام فَيَقُول مَاذَا أجبتم قيل فِي تَفْسِيرهَا كَانُوا قد علمُوا وَلَكِن ذهبت عُقُولهمْ وعزبت أفهامهم ونسوا من شدَّة الهول وَعظم الْخطب وصعوبة الْأَمر فَقَالُوا لَا علم لنا إِنَّك أَنْت علام الغيوب ثمَّ يقربهُمْ الله عز وَجل فيدعى نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَذكر البُخَارِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدعى نوح عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول لبيْك وَسَعْديك يَا رب فَيَقُول هَل بلغت فَيَقُول نعم فَيَقُول لأمته هَل بَلغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا أَتَانَا من نَذِير فَيَقُول من يشْهد لَك فَيَقُول مُحَمَّد وَأمته فَيَشْهَدُونَ أَنه بلغ وَيكون الرَّسُول عَلَيْهِم شَهِيدا فَذَلِك قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا وَالْوسط الْعدْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وروى ابْن أنعم عَن حبَان بن أبي جبلة قَالَ أول من يدعى يَوْم الْقِيَامَة إسْرَافيل فَيَقُول الله جلّ ثَنَاؤُهُ هَل بلغت عهدي فَيَقُول نعم يَا رب قد بلغته جِبْرِيل فيدعى جِبْرِيل فَيُقَال هَل بلغت إسْرَافيل عهدي فَيَقُول نعم يَا رب فيخلي عَن إسْرَافيل وَيَقُول لجبريل مَا صنعت بعهدي فَيَقُول بلغته الرُّسُل فيدعى الرُّسُل فَيَقُول هَل بَلغَكُمْ جِبْرِيل عهدي فَيَقُولُونَ نعم فيخلى عَن جِبْرِيل وَيُقَال للرسل هَل بَلغْتُمْ عهدي فَيَقُولُونَ نعم قد بلغناه الْأُمَم فَتُدْعَى الْأُمَم فَيُقَال لَهُم هَل بَلغَكُمْ الرُّسُل عهدي فمصدق ومكذب فَتَقول الرُّسُل لنا عَلَيْهِم شُهَدَاء فَيَقُول تبَارك وَتَعَالَى من فَيَقُولُونَ أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُقَال لَهُم أتشهدون أَن الرُّسُل قد بلغت الْأُمَم فَيَقُولُونَ نعم فَتَقول الْأُمَم يَا رب كَيفَ يشْهد علينا من لم يدركنا فَيَقُول الله تَعَالَى كَيفَ تَشْهَدُون عَلَيْهِم وَلم تدركوهم فَيَقُولُونَ يَا رَبنَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا وأنزلت علينا كتابا فقصصت علينا فِيهِ أَن قد بلغُوا قَالَ فَذَلِك قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا وَالْوسط الْعدْل ثمَّ يدعى غَيره من الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ ثمَّ يُنَادي كل انسان باسمه وَاحِدًا وَاحِدًا ويسألون وَاحِدًا وَاحِدًا وَتعرض أَعْمَالهم على رب الْعِزَّة جلّ جَلَاله قليلها وكثيرها حسنها وقبيحها وَفِي بعض الْأَخْبَار يتَمَنَّى رجال أَن يبْعَث بهم إِلَى النَّار وَلَا تعرض قبائحهم على الله تَعَالَى وَلَا تكشف مساوئهم على رُؤُوس الْخَلَائق فَمَا ظَنك بِهَذَا الْمقَام وَبِهَذَا السُّؤَال وَبِهَذَا النكال والوبال وَمَا ظَنك بِنَفْسِك وق جييء بجهنم على الْوَصْف الَّذِي تقدم وَقد دنت من الْخَلَائق وشهقت وزفرت وثارت وَفَارَتْ وانتهض خزانها والموكلون بهَا والمعدون لتعذيب أَهلهَا متسارعين إِلَى أَخذ مَا أمروا بِأَخْذِهِ ساحبين لَهُ على بَطْنه وحر وَجهه سَامِعين مُطِيعِينَ لَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون فتمثل حالك وَكَيف أَنْت وَقد امْتَلَأت الْقُلُوب خوفًا وجزعا ورعبا وفزعا وارتعدت الفرائص وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر واصطفقت الأحشاء وتقطعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 الأمعاء وطلبوا الْفِرَار فَلَا فرار وطاروا لَو يصادفون مطارا وجثت الْأُمَم على الركب وأيقن المذنبون بِالْهَلَاكِ والعطب وَسُوء المنقلب وينادي الْأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقُونَ والأولياء نَفسِي نَفسِي كل نفس قد أفردت لشأنها وَتركت لما بهَا وَظن كل إِنْسَان أَنه هُوَ الْمَأْخُوذ وَأَنه هُوَ الْمَقْصُود وذهلت الْعُقُول وطاشت الْأَلْبَاب وتحيرت الأذهان وفر الْمَرْء من أَخِيه وَأمه وَأَبِيهِ وصاحبته وبنيه واشتغل بِشَأْنِهِ الَّذِي يُغْنِيه وَسُئِلَ عَن جَمِيع أمره سره وجهره دقيقه وجليله كَثِيره وقليله وَسُئِلَ عَن أَعْضَائِهِ عضوا عضوا وجارحة جارحة وَعَن شكره عَلَيْهَا وَعَن أَدَاء حق الله فِيهَا وَظَهَرت القبائح وَكَثُرت الفضائح وبدت المخازي واشتهرت الْمسَاوِي وتركك الْأَهْل وَالْأَقْرَبُونَ وَلم ينفعك مَال وَلَا بنُون وَأَقْبَلت تجَادل عَن نَفسك وتخاصم عَنْهَا وتطلب المعاذير لَهَا وَقد أسلمت وأفردت واشتغل كل إِنْسَان عَنْك بِنَفسِهِ وَترك مَا حل بك لما حل بِهِ وأنشدوا خليلي مَا أَقْْضِي وَمَا أَنا قَائِل ... إِذا جِئْت عَن نَفسِي بنفسي اجادل وَقد وضع الرَّحْمَن فِي الْخلق عدله ... وسيق جَمِيع النَّاس وَالْيَوْم باسل وجيىء بجرم النَّار خاضعة لَهُ ... وثلت عروش عِنْدهَا ومجادل فيا لَيْت شعري ذَلِك الْيَوْم هَل أَنا ... أأغفر أم أجزى بِمَا أَنا فَاعل فَإِن أك مجزيا فَعدل وَحجَّة ... وان يَك غفران ففضل ونائل وَأعلم أَنه بِقدر مَا تيسسر على أَخِيك الْمُسلم فِي الدُّنْيَا ييسر عَلَيْك فِي ذَلِك الْيَوْم وبحسب مَا تلتمس لَهُ الْعذر فِي الدُّنْيَا يلْتَمس لَك الْعذر فِي ذَلِك الْيَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وهبك يَا ابْن آدم أَنه قد غفر لَك وَستر عَلَيْك ألم تقم هَذَا الْمقَام وتشاهد هَذَا المشهد وقرع سَمعك هَذَا النداء وخلع قَلْبك هَذَا الروع أَقَامَ خوفك هَذَا بأمنك فِي الدُّنْيَا أَقَامَ حزنك هَذَا بفرحك فِي الدُّنْيَا أَقَامَ ذَلِك هَذَا بعزك فِي الدُّنْيَا أَيْن يَقع هَذَا مِنْهُ أَيْن يبلغ هَذَا مِنْهُ أيقوم تَعْظِيم الْخلق لَك فِي الدُّنْيَا باحتقار الله لَك فِي ذَلِك الْيَوْم أتقوم نِعْمَتك فِي الدُّنْيَا ببؤسك فِي ذَلِك الْيَوْم فَكيف إِن نوقشت الْحساب وَوَجَب عَلَيْك الْعَذَاب وَضرب بَيْنك وَبَين رَبك عز وَجل بحجاب وسد بَيْنك وَبَين رَحمته بِبَاب لَيْسَ كالأبواب هُنَاكَ لَا دُعَاء يسمع وَلَا شَفَاعَة تَنْفَع وَلَا عَذَاب عَن البائس الْمُرْتَهن يرفع إِلَّا أَن تكون مِمَّن سبقت لَهُ الْعِنَايَة بِالْإِيمَان عِنْد الْمَوْت وتداركته الرَّحْمَة بِهِ قبل الْفَوْت فَإِن الشَّفَاعَة ستخلصك من ذَلِك الاسار وتستخرجك من سوء ذَلِك الْقَرار يكون مِنْك قبل ذَلِك مَا كَانَ ويدور عَلَيْك قبل ذَلِك مَا دَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 فصل ذكر أول مَا يحكم فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة وَأول من يدعى للخصومة ذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا يقْضى بَين النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي الدِّمَاء ويروى عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أَنا أول من يجثو يَوْم الْقِيَامَة بَين يَدي الرَّحْمَن للخصومة يُرِيد قصَّته ومبارزته هُوَ وصاحباه مَعَ الثَّلَاثَة من كفار قُرَيْش وَذَلِكَ أَن عَليّ بن أبي طَالب وَحَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعبيدَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنْهُم بارزوا يَوْم بدر من كفار قُرَيْش ثَلَاثَة شيبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة فبارز عَليّ الْوَلِيد فَقتله وبارز حَمْزَة شيبَة فَقتله وَاخْتلف بَين عُبَيْدَة وَبَين عتبَة ضربتان أثبت كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فكر حَمْزَة وَعلي على عتبَة فأتما عَلَيْهِ واحتملا عُبَيْدَة فَمَاتَ من ضَربته فِي طَرِيق الْمَدِينَة فِي رُجُوع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غزوته تِلْكَ وَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا وَالْخَبَر بهَا مَشْهُور صَحِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 فصل الْخُصُومَة بَين الْمُسلمين ورد الْمَظَالِم والانتصاف مِنْهَا بِالْحَسَنَاتِ والسيئات روى من حَدِيث عبد الله بن أنيس رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يحْشر الْعباد أَو قَالَ النَّاس وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام حُفَاة عُرَاة غرلًا بهما قُلْنَا مَا بهما قَالَ لَيْسَ مَعَهم شَيْء فيناديهم بِصَوْت يسمعهُ من بعد ويسمعه من قرب أَنا الْملك أَنا الديَّان لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل النَّار أَن يدْخل النَّار وَأحد من أهل الْجنَّة يَطْلُبهُ بمظلمة حَتَّى اللَّطْمَة قُلْنَا كَيفَ وَإِنَّمَا نأتي الله حُفَاة عُرَاة غرلًا قَالَ بِالْحَسَنَاتِ والسيئات ذكره الْحَارِث بن أبي أُسَامَة وَقَوله غرلًا يُرِيد بِهِ غير مختونين وَأما مُطَالبَة الْكَافِر الْمُؤمن فَإِنَّمَا تكون لمن ظلم من أهل الذِّمَّة والعهد أَو تكون فِيمَا لم يَأْذَن الله بِهِ من غَيرهم وَالله أعلم قد تقدم لَك ذكر هول يَوْم الْموقف وخطره وغرره وَإنَّك لَا تَدْرِي إِلَى مَا تصدر عَنهُ وَلَا إِلَى أَي مَكَان تسير مِنْهُ فتفكر فِيهِ وأطل الفكرة فقد وجدت مَكَان التفكر ذَا سَعَة ومجال الْفَزع ممتدا وميدان الْخَوْف عريضا ثمَّ تفكر فِيك بَيْنَمَا أَنْت وَاقِف فِي تِلْكَ الْحَال الَّتِي حدثت عَنْهَا وَتقدم لَك ذكرهَا إِذْ وثب عَلَيْك خصماؤك وهجم عَلَيْك طالبوك وَأَحَاطُوا بك ومدوا أَيْديهم إِلَيْك فَهَذَا يَأْخُذ بِيَدِك وَهَذَا بشعرك وَهَذَا بِمَا أمكنه مِمَّا أذن الله تَعَالَى لَهُ أَن يَأْخُذهُ مِنْك فواحد يَقُول يَا رب هَذَا ضَرَبَنِي وثان يَقُول يَا رب هَذَا شَتَمَنِي وثالث يَقُول يَا رب هَذَا اغتابني هَذَا احتقرني هَذَا غصبني حَقي وظلمني هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 قتلني هَذَا عاملني فغشني وَلم ينصحني هَذَا رَآنِي مَظْلُوما وَقدر على نصرتي فَلم ينصرني هَذَا علم أَنِّي جَائِع وَكَانَ قَدِيرًا على أَن يطعمني فَلم يطعمني وَكَيف مَا كَانَت معاملتك مَعَ النَّاس وَكَيف مَا كَانَت معاشرتك لَهُم فَبينا أَنْت كَذَلِك لَا تَدْرِي مَا تَقول وَلَا تَدْرِي مَا تعْمل وَلَا تَدْرِي إِلَى أَيْن تَفِر وَلَا كَيفَ تتخلص وَقد أبهتك الْأَمر وأدهشك الْحَال إِذْ سَمِعت نِدَاء الْمُنَادِي الْيَوْم تجزي كل نفس بِمَا كسبت لَا ظلم الْيَوْم إِن الله سريع الْحساب فَلَا تسْأَل عَن انخلاع قَلْبك واضطراب صدرك وَقلة أنصارك وَعدم الدافعين عَنْك فَمَا شِئْت من ضلوع تنخرق وأكباد تحترق وأحشاء تَصْطَفِق وهموم تنبعث عَلَيْك وتندفق وَقد علمت أَن الْأَذَى لَا يرفع عَن نَفسك هُنَاكَ بالدينار وَلَا بالدرهم وَإِنَّمَا هِيَ حَسَنَاتك الَّتِي تعبت فِيهَا فِي الدُّنْيَا إِن كَانَت قد قبلت مِنْك تُعْطى مِنْك لخصمك وتدفع لمطالبيك وَإِن لم يكن لَك حَسَنَات أَخذ من سيئاتهم فَحملت عَلَيْك وألقيت على كاهلك ولعلك جرأت مُسلما على مَعْصِيّة أَو حَملته على ارْتِكَاب خَطِيئَة أَو كنت لَهُ سَببا فِي ترك سنة واعتقاد بِدعَة فيجتمع ذَلِك كُله لَك ويناط بك وَيحمل على ظهرك قَالَ تَعَالَى وليحملن أثقالهم وأثقالامع أثقالهم فَانْظُر وتدبر كَيفَ يكون حالك وَقد أضيفت إِلَى سيئاتك سيئات أخر وَإِلَى أوزارك أوزار أخر فاجتمعت عَلَيْك السَّيِّئَات وأحاطت بك الخطيئات وانكسر ظهرك من ثقلهَا وَلم تستطع النهوض بِسَبَبِهَا واستغثت فَلَا مغيث واستعنت فَلَا معِين وَإِلَى الله نرغب فِي المعونة فالتوفيق بِيَدِهِ وَالْفضل فَضله وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله لَا رب غَيره وَلَا معبود سواهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 فصل فِي الموازين والكتب أصلح بهذي الدَّار ميزانكا ... وَليكن الْعدْل بِهِ شانكا فَإِن فِيهِ ربحك المرتجى ... فِي تلكمو الدَّار وخسرانكا وَلَيْسَ خسرانك مَالا وَلَا ... اهلا فيضني السقم جثمانكا لَكِنَّهَا نَفسك فَانْظُر لَهَا ... واجمع على ذَلِك أعوانكا من عَزمَات صادقات وَمن ... صَبر يشد الْيَوْم إيمانكا وَإِنَّمَا أَصبَحت فِي مهلة ... فاجمع إِلَى فرضك إحسانكا واحم على قَلْبك نَار الأسى ... واغسل بِمَاء الدمع أجفانكا فَرُبمَا أضْحك طول البكا ... وَبَردت نارك نيرانكا ذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يشفع لي يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ أَنا فَاعل إِن شَاءَ الله قلت فَأَيْنَ أطلبك قَالَ أول مَا تطلبني على الصِّرَاط قلت فَإِن لم ألقك على الصِّرَاط قَالَ فاطلبني عِنْد الْمِيزَان قلت فَإِن لم ألقك عِنْد الْمِيزَان قَالَ فاطلبني عَن الْحَوْض فَإِنِّي لَا أخطىء هَذِه الثَّلَاثَة مَوَاطِن قَالَ حدث حسن غَرِيب وَذكر التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله سيخلص رجلا من أمتِي على رُؤُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة فينشر عَلَيْهِ تِسْعَة وَتِسْعين سجلا كل سجل مثل مد الْبَصَر ثمَّ يَقُول أتنكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 من هَذَا شَيْئا أظلمك كتبتي الحافظون فَيَقُول لَا يَا رب فَيَقُول أَفَلَك عذر فَيَقُول لَا يَا رب فَيَقُول الله تَعَالَى بلَى إِن لَك عندنَا حَسَنَة فَإِنَّهُ لَا ظلم عَلَيْك الْيَوْم فَتخرج بطاقة فِيهَا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُول احضر وزنك فَيَقُول يَا رب مَا هَذِه البطاقة مَعَ هَذِه السجلات فَيَقُول إِنَّك لَا تظلم قَالَ فتوضع السجلات فِي كفة والبطاقة فِي كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة وَلَا يثقل مَعَ اسْم الله شَيْء وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ملك مُوكل بالميزان فَيُؤتى بِابْن آدم فَيُوقف بَين كفتي الْمِيزَان فَإِن ثقل مِيزَانه نَادَى ملك بِصَوْت يسمع الْخَلَائق سعد فلَان سَعَادَة لَا يشقى بعْدهَا أبدا وَإِن خف مِيزَانه نَادَى ملك بِصَوْت يسمع الْخَلَائق شقي فلَان شقاوة لَا يسْعد بعْدهَا أبدا وروى عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يعرض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاث عرضات فَأَما عرضتان فجدال ومعاريض وَأما الثَّالِثَة فَعِنْدَ ذَلِك تطير الصُّحُف فِي الْأَيْدِي فآخذ بِيَمِينِهِ وآخذ بِشمَالِهِ ذكره أَبُو بكر الْبَزَّار أَيْضا وَقَالَ التِّرْمِذِيّ جِدَال ومعاذير رَوَاهُ من حَدِيث الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة وَذكر أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ من حَدِيث نعيم بن سَالم عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْكتب كلهَا تَحت الْعَرْش فَإِذا كَانَ الْموقف بعث الله ريحًا فتطيرها بالأيمان وَالشَّمَائِل أول خطّ فِيهَا أَقرَأ كتابك كفى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حسيبا وَذكر أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت ذكرت النَّار فَبَكَيْت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يبكيك قلت ذكرت النَّار فَبَكَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فَهَل تذكرُونَ أهليكم يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن فَلَا يذكر أحد أحدا عِنْد الْمِيزَان حَتَّى يعلم أيخف مِيزَانه أم يثقل وَعند تطاير الصُّحُف حَتَّى يعلم أَيْن يَقع كِتَابه فِي يَمِينه أم فِي شِمَاله أم من وَرَاء ظَهره وَعند الصِّرَاط إِذا وضع بَين ظَهْري جَهَنَّم حَتَّى يجوز وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى يَوْم نَدْعُو كل أنَاس بإمامهم قَالَ يدعى أحدهم فَيعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ ويمد لَهُ فِي جِسْمه سِتُّونَ ذِرَاعا ويبيض وَجهه وَيجْعَل على رَأسه تَاج من لُؤْلُؤ يتلألأ فَينْطَلق إِلَى أَصْحَابه فيرونه من بعيد فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ ائتنا بِهَذَا وَبَارك لنا فِي هَذَا فيأتيهم فَيَقُول أَبْشِرُوا لكل رجل مُسلم مثل هَذَا قَالَ وَأما الْكَافِر فيسود وَجهه ويمد فِي جسده سِتُّونَ ذِرَاعا على صُورَة آدم فيلبس تاجا من نَار فيراه أَصْحَابه فَيَقُولُونَ نَعُوذ بِاللَّه من شَرّ هَذَا اللَّهُمَّ لَا تأتنا بِهَذَا قَالَ فيأتيهم فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ أَخّرهُ فَيَقُول أبعدكم الله فَإِن لكل رجل مِنْكُم مثل هَذَا وَقد تقدم تَقْرِير الْمُؤمن بذنوبه وتعريفه بهَا وأنشدوا أمدد يَمِينك من دنياك آخذة ... كتاب فوزك إِذْ تحتل أخراك فلست تدْرك مَا هُنَاكَ من أمل ... إِلَّا بِوَاسِطَة من دَار دنياك فَإِن تكاسلت أَو قصرت فِي طلب ... كنت المخيب وَالْمَطْلُوب إِذْ ذَاك يَا نَائِم الْقلب عَن أَمر يُرَاد بِهِ ... نبهه وَيحك إِن الْأَمر حاذاك وَاشْدُدْ حزيمك واكشف ساعديك لَهُ ... فَرُبمَا حمدت بالجد عقباك كم رابح بِكِتَاب كَانَ أملاه ... هُنَا بِمَا شَاءَ برا أوآفاك فظل مرتقبا أدراج مكرمَة ... فِي عدن أَو نازلا فِي النَّار ادراكا وطلعة الْمَوْت تبدي عَن حَقِيقَة مَا ... تملي فإياك ان تنساه إياك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 فصل ذكر مَا يتَكَلَّم من الْإِنْسَان وَمَا جَاءَ فِي شَهَادَة جوارح ابْن آدم عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة ذكر أَبُو بكر بن أبي شيبَة من حَدِيث مُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تجيئون يَوْم الْقِيَامَة على أَفْوَاهكُم الْفِدَام فَأول مَا يتَكَلَّم من الْإِنْسَان فَخذه وكفه وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالُوا يَا رَسُول الله هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس فِي الظهيرة لَيست فِي سَحَابَة قَالُوا لَا قَالَ فَهَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لَيْسَ فِي سَحَابَة قَالُوا لَا قَالَ فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة ربكُم إِلَّا كَمَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة أَحدهمَا قَالَ فَيلقى العَبْد فَيَقُول أَي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لَك الْخَيل وَالْإِبِل وأذرك ترأس وترتع فَيَقُول بلَى فَيَقُول أفظننت أَنَّك ملاقي فَيَقُول لَا فَيَقُول إِنِّي أنساك كَمَا نسيتني ثمَّ يلقى الثَّانِي فَيَقُول أَي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لَك الْخَيل وَالْإِبِل وأذرك ترأس وترتع فَيَقُول بلَى يَا رب فَيَقُول أفظننت أَنَّك ملاقي فَيَقُول لَا فَيَقُول إِنِّي أنساك كَمَا نسيتني ثمَّ يلقى الثَّالِث فَيَقُول لَهُ مثل ذَلِك فَيَقُول يَا رب آمَنت بك وبكتابك وبرسلك وَصليت وَصمت وتصدقت ويثني بِخَير مَا اسْتَطَاعَ فَيَقُول هَا هُنَا إِذا قَالَ ثمَّ يُقَال لَهُ الْآن نبعث شاهدنا عَلَيْك فيتفكر فِي نَفسه من ذَا الَّذِي يشْهد عَلَيْهِ فيختم على فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وَيُقَال لفخذه ولحمه وعظامه انْطِقِي فَتَنْطِق فَخذه ولحمه وعظامه بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ ليعذر من نَفسه وَذَلِكَ الْمُنَافِق وَذَلِكَ الَّذِي يسْخط الله عَلَيْهِ وَذكر مُسلم من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَحِك فَقَالَ هَل تَدْرُونَ مِم أضْحك فَقُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ من مُخَاطبَة العَبْد ربه يَقُول يَا رب ألم تُجِرْنِي من الظُّلم قَالَ يَقُول بلَى قَالَ فَيَقُول فَإِنِّي لَا أُجِيز على نَفسِي إِلَّا شَاهدا مني قَالَ فَيَقُول كفى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك شَهِيدا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبين شُهُودًا قَالَ فيختم على فِيهِ وَيُقَال لِأَرْكَانِهِ انْطِقِي قَالَ فَتَنْطِق بِأَعْمَالِهِ قَالَ ثمَّ يخلى بَينه وَبَين الْكَلَام قَالَ فَيَقُول بعدا لَكِن وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كنت أُنَاضِل وَذكر أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُسْنده عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَنِّي لأعْلم آخر رجل من أمتِي يجوز الصِّرَاط رجل يتلوى على الصِّرَاط كالغلام حِين يضْربهُ أَبوهُ تزل يَده مرّة فتصيبها النَّار وتزل رجله مرّة فتصيبها النَّار قَالَ فَتَقول لَهُ الْمَلَائِكَة أَرَأَيْت إِن بَعثك الله من مقامك هَذَا فمشيت سويا أتخبرنا بِكُل عمل عملته فَيَقُول أَي وعزته لَا أكتمكم من عَمَلي شَيْئا قَالَ فَيَقُولُونَ لَهُ قُم فامش سويا فَيقوم فَيَمْشِي حَتَّى يُجَاوز الصِّرَاط فَيَقُولُونَ لَهُ أخبرنَا بأعمالك الَّتِي عملت فَيَقُول فِي نَفسه إِن أَخْبَرتهم بِمَا عملت ردوني إِلَى مَكَاني فَيَقُول لَا وعزته مَا أذنبت ذَنبا قطّ فَيَقُولُونَ لَهُ إِن لنا عَلَيْك شُهُودًا قَالَ فيلتفت يَمِينا وَشمَالًا هَل يرى من الْآدَمِيّين أحدا مِمَّن كَانَ يشْهد عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَلَا يرى فَيَقُول هاتوا بينتكم فيختم الله على فِيهِ وتنطق يَدَاهُ وَرجلَاهُ وفخذاه بِعَمَلِهِ فَيَقُول أَي وَعزَّتك لقد عملتها وَإِن عِنْدِي للعظائم الْمُضْمرَات قَالَ فَيَقُول الله تَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فقد غفرتها لَك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 فصل ذكر الصِّرَاط ودرجات النَّاس فِي الْمُرُور عَلَيْهِ ذكر أَبُو بكر بن أبي شيبَة من حَدِيث عَائِشَة قَالَت قلت يَا رَسُول الله أتذكرون أهاليكم يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أما عِنْد ثَلَاث فَلَا عِنْد الْكتاب وَعند الْمِيزَان وَعند الصِّرَاط وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة قَالَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع الله النَّاس فَيقوم الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تزلف لَهُم الْجنَّة فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ يَا أَبَانَا استفتح لنا الْجنَّة فَيَقُول وَهل أخرجكم من الْجنَّة إِلَّا خَطِيئَة أبيكم آدم لست بِصَاحِب ذَلِك اذْهَبُوا إِلَى ابْني إِبْرَاهِيم خَلِيل الله قَالَ فَيَقُول إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لست بِصَاحِب ذَلِك إِنَّمَا كنت خَلِيلًا من وَرَاء وَرَاء اعمدوا إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلمه الله تكليما فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول لست بِصَاحِب ذَلِك اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كلمة الله وروحه فَيَقُول عِيسَى لست بِصَاحِب ذَلِك قَالَ فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيقوم وَيُؤذن لَهُ وَترسل الْأَمَانَة وَالرحم فتقومان جنبتي الصِّرَاط يَمِينا وَشمَالًا فيمر أولكم كالبرق قَالَ قلت بِأبي أَنْت وَأمي أَي شَيْء كالبرق قَالَ ألم تروا إِلَى الْبَرْق كَيفَ يمر وَيرجع فِي طرفَة عين ثمَّ كمر الرّيح ثمَّ كمر الطير وَشد الرِّجَال تجْرِي بهم أَعْمَالهم ونبيكم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم على الصِّرَاط يَقُول رب سلم سلم حَتَّى تعجز أَعمال الْعباد حَتَّى يَجِيء الرجل فَلَا يَسْتَطِيع السّير إِلَّا زحفا قَالَ وَفِي حافتي الصِّرَاط كلاليب معلقَة مأمورة تَأْخُذ من أمرت بِهِ فمخدوش نَاجٍ ومكدوس فِي النَّار وَالَّذِي نفس أبي هُرَيْرَة بِيَدِهِ إِن قَعْر جَهَنَّم لسبعون خَرِيفًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر الصِّرَاط ومرور النَّاس عَلَيْهِ قَالَ فيمر الْمُؤْمِنُونَ كطرف الْعين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الْخَيل والركاب فناج مُسلم ومخدوش مُرْسل ومكدوس فِي نَار جَهَنَّم وَعَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر حَدِيث الشَّفَاعَة قَالَ وَيضْرب الصِّرَاط بَين ظهراني جَهَنَّم فَأَكُون أَنا وَأمتِي أول من يُجِيز وَلَا يتَكَلَّم يَوْمئِذٍ إِلَّا الرُّسُل وَدَعوى الرُّسُل يَوْمئِذٍ اللَّهُمَّ سلم سلم وَفِي جَهَنَّم كلاليب مثل شوك السعدان هَل رَأَيْتُمْ السعدان قَالُوا نعم يَا رَسُول الله قَالَ فَإِنَّهَا مثل شوك السعدان غير أَنه لَا يعلم قدر عظمها إِلَّا الله تخطف النَّاس بأعمالهم فَمنهمْ الموبق بِعَمَلِهِ وَمِنْهُم الْمجَازِي حَتَّى يُنجى وَذكر الحَدِيث قد سمع رَحِمك الله بِهَذَا الطَّرِيق الْحَرج والمسلك الشاق والقنطرة المضطربة الَّتِي لَا تثبت عَلَيْهَا الْأَقْدَام وَلَا تجوزها الأوهام إِلَّا قدم ثبتَتْ على التَّقْوَى وَوهم جَازَ فِي الملكوت الْأَعْلَى ولعلك تظن أَن هَذَا الطَّرِيق من طرق الدُّنْيَا الصعبة وسبلها الوعرة بل هُوَ أحد من السَّيْف وأدق من الشعرة فَمَا ظَنك بك وَقد حملت عَلَيْهِ وكلفت الْمُرُور بِهِ ومهواه جَهَنَّم تَحْتك وَقد مَلأ زفيرها أُذُنك ومنظرها الهائل قَلْبك وعينك وَأَرَدْت الْمُرُور فَلم تقدر والنهوض فَلم تستطع واضطرب بك اضطرابا والتهب ذَلِك السعير تَحْتك التهابا وَلم تَجِد إِلَى النجَاة سَبِيلا وَلَا إِلَى الْخَلَاص بَابا وَلَا ينْهض بك إِلَّا سعيك الَّذِي سعيت وَلَا جرى بك إِلَّا عَمَلك الَّذِي عملت ومركوبك الَّذِي فِي الدُّنْيَا ركبت فلتتخير الْآن أَي المراكب تركبها وَأي الْأَبْوَاب تدْخلهَا وَأي الطّرق تَأْخُذ فِيهَا وتسكلها وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم وأنشدوا اجنب جيادا من التَّقْوَى مضمرة ... للسبق يَوْم يفوز النَّاس بِالسَّبقِ تمر مر الرِّيَاح الهوج عَاصِفَة ... أَو لمحة الْبَرْق إِذْ يجتاز بالأفق واركض إِلَى الْغَايَة القصوى وخل لَهَا ... عنان صدق رمي فِي فتية صدق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 فَإِن خَلفك أعمالا مثبطة ... وَلست تنهض إِلَّا ويك بالعنق كم حل عزمك من دنيا معرجة ... بقصدك الْيَوْم عَن مسلوكة الطّرق وفاز من فَازَ لَا حزن وَلَا فرق ... وخلفوك حَلِيف الْحزن وَالْفرق يَا غافلا والمنايا مِنْهُ فِي ذكر ... وضاحكا والردى مِنْهُ على حنق قطعت عمرك فِي سَهْو وَفِي سنة ... وَمن أمامك ليل دَائِم الأرق وَرب رَأْي ترَاهُ الْيَوْم فِي سفه ... عقلا ترَاهُ غَدا فِي غَايَة الْخرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فصل مَا جَاءَ فِي أَن بعث النَّار من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ ذكر مُسلم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الله عز وَجل يَا آدم فَيَقُول لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك قَالَ يَقُول لَهُ أخرج بعث النَّار قَالَ وَمَا بعث النَّار قَالَ من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين قَالَ فَذَلِك حِين يشيب الصَّغِير وتضع كل ذَات حمل حملهَا وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد قَالَ فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِم قَالُوا يَا رَسُول الله أَيّنَا ذَلِك الرجل فَقَالَ أَبْشِرُوا فَإِن من يَأْجُوج وَمَأْجُوج ألفا ومنكم رجل قَالَ ثمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأطمع أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة فحمدنا الله عز وَجل وَكَبَّرْنَا ثمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأطمع أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة فحمدنا الله وَكَبَّرْنَا ثمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأطمع أَن تَكُونُوا شطر أهل الْجنَّة وَإِن مثلكُمْ فِي الْأُمَم كَمثل الشعرة الْبَيْضَاء فِي جلد الثور الْأسود أَو كالرقمة فِي ذِرَاع الْحمار وَفِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث من الزِّيَادَة اللَّهُمَّ قد بلغت وَفِي بعض طرقه من غير كتاب مُسلم وَذكر بعث النَّار فَقَالَ رجل وَمن النَّاجِي بعد ذَلِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أَنْتُم فِي النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فصل مَا جَاءَ فِي أهل الفترة ذكر أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن الْأسود بن سريع عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يعرض على الله تبَارك وَتَعَالَى الْأَصَم الَّذِي لَا يسمع شَيْئا والأحمق والهرم وَرجل مَاتَ فِي الفترة فَيَقُول الْأَصَم رب جَاءَ الْإِسْلَام وَمَا أسمع شَيْئا وَيَقُول الأحمق رب جَاءَ الْإِسْلَام وَمَا أَعقل شَيْئا وَيَقُول الَّذِي مَاتَ فِي الفترة رب مَا أَتَانِي لَك من رَسُول قَالَ أَبُو بكر وَذهب عني مَا قَالَ الرَّابِع قَالَ فَيَأْخُذ مواثيقهم ليطيعوه فَيُرْسل إِلَيْهِم تبَارك وَتَعَالَى ادخُلُوا النَّار فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو دخلوها لكَانَتْ عَلَيْهِم بردا وَسلَامًا قد جَاءَ هَذَا الحَدِيث وَهُوَ صَحِيح فِيمَا أعلم وَالْآخِرَة لَيست دَار تَكْلِيف وَلَا عمل وَلَكِن الله يخْتَص من شَاءَ بِمَا شَاءَ ويكلف من شَاءَ بِمَا شَاءَ وَحَيْثُ شَاءَ لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 فصل فِي سَعَة رَحْمَة الله وَأَنَّهَا تغلب غَضَبه حدث عَن الْجُود وَعَن فيضه ... فَالْأَمْر مَبْنِيّ على الْجُود وَاذْكُر لنا بعض أعاجيبه ... فلست تحصيه بتعديد هَيْهَات ماجود مليك الورى ... وخالق الْخلق بمحدود حدث عَن الْبَحْر وَمَا الْبَحْر ... فِي بعض أياديه بموجود وَمن الَّذِي أَفَاضَ هَذِه البركات وأتى بِهَذِهِ الْخيرَات وَمن بِهَذِهِ النعم الَّتِي مَلَأت مَا بَين الْأَرْضين وَالسَّمَاوَات وَمن ذَا الَّذِي يسْتَخْرج من ظلمات الْكفْر ويستنقذ من غَمَرَات الْجَهْل وَيغْفر الذُّنُوب وَيسْتر الْعُيُوب وينفس عَن المكروب ويجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ وَلَا يُبَالِي أطاعه عَبده أم عَصَاهُ من هُوَ إِلَّا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَأكْرم الأكرمين رب الْعَالمين إِلَه الْأَوَّلين والآخرين لَا إِلَه إِلَّا الله هُوَ الْملك الْحق الْمُبين ذكر مُسلم عَن سعيد بن الْمسيب أَن أَبَا هُرَيْرَة أخبرهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء فَأمْسك عِنْده تِسْعَة وَتِسْعين وَأنزل فِي الأَرْض جزأ وَاحِدًا فَمن ذَلِك الْجُزْء يتراحم الْخَلَائق حَتَّى ترفع الدَّابَّة حافرها عَن وَلَدهَا خشيَة أَن تصيبه وَلمُسلم فِي لفظ آخر كل رَحْمَة مِنْهَا طباق مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أكملها بِهَذِهِ الرَّحْمَة ذكره من حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي وَذكر مُسلم أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما خلق الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 الْخلق كتب فِي كِتَابه فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش أَن رَحْمَتي تغلب غَضَبي وَذكر الْبَزَّار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا خلق الله تَعَالَى من شَيْء إِلَّا وَقد خلق مَا يغلبه وَخلق رَحمته تغلب غَضَبه وَمن مُسْند الْبَزَّار أَيْضا عَن عمر بن الْخطاب قَالَ بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي بعض مغزيه فَبَيْنَمَا هم يَسِيرُونَ إِذْ أخذُوا فرخ طير فَأقبل أحد أَبَوَيْهِ حَتَّى سقط فِي أَيدي الَّذين أخذُوا الفرخ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا تعْجبُونَ لهَذَا الطير أَخذ فرخه فَأقبل حَتَّى سقط فِي أَيْديهم وَالله لله أرْحم بخلقه من هَذَا الطَّائِر بفرخه لَا نعلم لَهُ طَرِيقا غير هَذَا الطَّرِيق وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يخرج من النَّار أَرْبَعَة فيعرضون على الله عز وَجل فيلتفت أحدهم فَيَقُول أَي رب إِذْ أخرجتني مِنْهَا فَلَا تعدني فِيهَا قَالَ فينجيه الله تَعَالَى مِنْهَا ويروى عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلَيْنِ مِمَّن يدْخل النَّار يشْتَد صياحهما فِيهَا فَيَقُول الرب عز وَجل أخرجوهما فَلَمَّا خرجا قَالَ لَهما لأي شَيْء اشْتَدَّ صياحكما فَيَقُولَانِ فعلنَا ذَلِك لترحمنا فَيَقُول إِن رَحْمَتي إياكما أَن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حَيْثُ كنتما فِي النَّار فينطلقان فيلقي أَحدهمَا نَفسه فِي النَّار فيجعلها الله عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا وَيقوم الآخر فَلَا يلقِي نَفسه فَيَقُول لَهُ الرب تبَارك وَتَعَالَى مَا مَنعك أَن تلقي نَفسك كَمَا ألْقى صَاحبك نَفسه فَيَقُول رب إِنِّي لأرجو أَن لَا تعيدني فِيهَا بعد أَن أخرجتني مِنْهَا فَيَقُول الرب سُبْحَانَهُ لَك رجاؤك فيدخلان الْجنَّة مَعًا برحمة الله وَهَذَا الحَدِيث ذكره التِّرْمِذِيّ وَغَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو لم تذنبوا لذهب الله بكم وَجَاء بِقوم يذنبون فيستغفرون فَيغْفر لَهُم ويروى عَن إِبْرَاهِيم بن أدهم قَالَ طفت لَيْلَة بِالْبَيْتِ الْحَرَام وَكَانَت لَيْلَة مطيرة شَدِيدَة الظلمَة وَقد خلا الطّواف وَطَابَتْ نَفسِي فوقفت عِنْد الْمُلْتَزم أَدْعُو فَقلت اللَّهُمَّ اعصمني حَتَّى لَا أعصيك فَهَتَفَ بِي هَاتِف يَا إِبْرَاهِيم أَنْت تسأله الْعِصْمَة وكل عباده يسْأَله الْعِصْمَة فَإِذا عصمهم فعلى من يتفضل وَلمن يغْفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 فصل كَثْرَة أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر مُسلم بن الْحجَّاج عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أول النَّاس يشفع فِي الْجنَّة وَأَنا أَكثر الْأَنْبِيَاء تبعا وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَأْتِي معي من أمتِي يَوْم الْقِيَامَة مثل اللَّيْل والسيل فيحطم النَّاس حطمة فَتَقول الْمَلَائِكَة جَاءَ مَعَ مُحَمَّد أَكثر مِمَّا جَاءَ مَعَ سَائِر الْأَنْبِيَاء وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسند ظَهره إِلَى قبَّة أَدَم فَقَالَ أَلا لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مسلمة اللَّهُمَّ هَل بلغت اللَّهُمَّ اشْهَدْ أتحبون أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة قُلْنَا نعم يَا رَسُول الله قَالَ أتحبون أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة قُلْنَا نعم يَا رَسُول الله قَالَ فَإِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا شطر أهل الْجنَّة مَا أَنْتُم فِي أهل الشّرك إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فِي جلد الثور الْأسود أَو كالشعرة السَّوْدَاء فِي جلد الثور الْأَحْمَر وَذكر التِّرْمِذِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الْجنَّة عشرُون وَمِائَة صف ثَمَانُون من هَذِه الْأمة وَأَرْبَعُونَ من سَائِر الْأُمَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 فصل ذكر كم يدْخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب ذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عرضت عَليّ الْأُمَم فَرَأَيْت النَّبِي وَمَعَهُ الرَّهْط وَالنَّبِيّ وَمَعَهُ الرجل وَالرجلَانِ وَالنَّبِيّ لَيْسَ مَعَه أحد إِذْ رفع لي سَواد عَظِيم فَظَنَنْت أَنهم أمتِي فَقيل لي هَذَا مُوسَى وَقَومه وَلَكِن انْظُر إِلَى الْأُفق فَنَظَرت فَإِذا سَواد عَظِيم فَقيل لي انْظُر إِلَى الْأُفق الآخر فَإِذا سَواد عَظِيم فَقيل لي هَذِه أمتك وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ ألفا يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَلَا عَذَاب ثمَّ نَهَضَ فَدخل منزله فَخَاضَ النَّاس فِي أُولَئِكَ الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَلَا عَذَاب فَقَالَ بَعضهم فلعلهم الَّذين صحبوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بَعضهم فلعلهم الَّذين ولدُوا فِي الْإِسْلَام فَلم يشركوا بِاللَّه شَيْئا وَذكروا أَشْيَاء فَخرج عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا الَّذِي تخوضون فِيهِ فأخبروه فَقَالَ هم الَّذين لَا يرقون وَلَا يسْتَرقونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عكاشة بن مُحصن فَقَالَ ادْع الله ان يَجْعَلنِي مِنْهُم فَقَالَ أَنْت مِنْهُم ثمَّ قَامَ رجل آخر فَقَالَ ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم فَقَالَ سَبَقَك بهَا عكاشة وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار عَن الْحسن والْعَلَاء بن زِيَاد عَن عمرَان ابْن حُصَيْن عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ تحدثنا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة حَتَّى أكثرنا الحَدِيث ثمَّ تراجعنا إِلَى الْبيُوت فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غدونا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 عرضت عَليّ الْأَنْبِيَاء اللَّيْلَة بأتباعها من أممها فَجعل النَّبِي يمر مَعَه الثَّلَاثَة من قومه وَالنَّبِيّ وَمَعَهُ الْعِصَابَة من قومه وَالنَّبِيّ وَمَعَهُ النَّفر من قومه وَالنَّبِيّ لَيْسَ مَعَه من قومه اُحْدُ حَتَّى أَتَى عَليّ مُوسَى بن عمرَان فِي كوكبة من بني إِسْرَائِيل فَلَمَّا رَأَيْتهمْ أعجبوني فَقلت يَا رب من هَؤُلَاءِ فَقَالَ هَذَا أَخُوك مُوسَى بن عمرَان وَمن تبعه من بني إِسْرَائِيل قلت رب وَأَيْنَ أمتِي قيل انْظُر عَن يَمِينك فاذا الضراب ضراب مَكَّة قد سد بِوُجُوه الرِّجَال فَقلت يَا رب من هَؤُلَاءِ قيل لي أمتك فَقيل لي هَل رضيت فَقلت رب رضيت رب رضيت رب رضيت ثمَّ قيل لي انْظُر عَن يسارك فَإِذا الْأُفق قد سد بِوُجُوه الرِّجَال فَقلت رب من هَؤُلَاءِ قيل أمتك قَالَ فَقيل لي هَل رضيت فَقلت يَا رب رضيت ثمَّ قيل لي ان مَعَ هَؤُلَاءِ سبعين ألفا يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب فَأَنْشَأَ عكاشة بن مُحصن رجل من بني أَسد بن خُزَيْمَة فَقَالَ يَا رَسُول الله ادْع الله ان يَجْعَلنِي مِنْهُم فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُم ثمَّ أَتَى رجل آخر فَقَالَ يَا نَبِي الله ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم فَقَالَ سَبَقَك بهَا عكاشة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدى لكم أبي وَأمي إِن اسْتَطَعْتُم أَن تَكُونُوا من السّبْعين فكونوا وَإِن عجزتم أَو قصرتم فكونوا من أهل الضراب فَإِن عجزتم أَو قصرتم فكونوا من أهل الْأُفق فَإِنِّي رَأَيْت ثمَّ أُنَاسًا يتهوشون كثيرا ثمَّ قَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأرجو أَن يكون من تَبِعنِي من أمتِي ربع أهل الْجنَّة قَالَ فكبرنا ثمَّ قَالَ إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا الثُّلُث قَالَ فكبرنا ثمَّ قَالَ إِنِّي لأرجو ان تَكُونُوا الشّطْر فكبرنا فَتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلَّة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين فتراجع الْمُسلمُونَ من هَؤُلَاءِ لَا نراهم إِلَّا الَّذين ولدُوا فِي الْإِسْلَام وَلم يزَالُوا يعْملُونَ بِهِ حَتَّى مَاتُوا عَلَيْهِ قَالَ فنما حَدِيثهمْ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ كَذَا وَلَكِن هم الَّذين لَا يسْتَرقونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ وَذكر مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يدْخل الْجنَّة من أمتِي زمرة هم سَبْعُونَ ألفا تضيء وُجُوههم إضاءة الْقَمَر لَيْلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 الْبَدْر وَذكر الحَدِيث كَذَا فِي هَذَا الحَدِيث يدْخل من أمتِي زمرة وَلم يقل الْجنَّة وَقَالَ الْجنَّة فِي طَرِيق آخر وَقَالَ فِي حَدِيث سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متماسكون آخذ بَعضهم بِبَعْض لَا يدْخل أَوَّلهمْ حَتَّى يدْخل آخِرهم ووجوههم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَذكر أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث رِفَاعَة بن عرابة قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كُنَّا بِقديد جعل رجال منا يستأذنون إِلَى أَهْليهمْ فَأذن لَهُم وَحمد الله ثمَّ قَالَ مَا بَال رجال شقّ الشَّجَرَة الَّتِي تلِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْغض إِلَيْهِم من الشق الآخر فَلم ير عِنْد ذَلِك من الْقَوْم إِلَّا باكيا فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله إِن الَّذِي يستأذنك بعد هَذَا لسفيه ويروى لشقي قَالَ فَحَمدَ الله وَقَالَ خيرا وَقَالَ أشهد عِنْد الله أَن لَا يَمُوت عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صدقا من قلبه ثمَّ يسدد إِلَّا سلك فِي الْجنَّة ثمَّ قَالَ وَعَدَني رَبِّي أَن يدْخل الْجنَّة من أمتِي سبعين ألفا لَا حِسَاب عَلَيْهِم وَلَا عَذَاب وَإِنِّي لأرجو أَن لَا يدخلوها حَتَّى تبوؤا أَنْتُم وَمن صلح من أزواجكم وذرياتكم مسَاكِن الْجنَّة وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَعَدَني رَبِّي أَن يدْخل الْجنَّة من أمتِي سبعين ألفا لَا حِسَاب عَلَيْهِم وَلَا عَذَاب مَعَ كل ألف سَبْعُونَ ألفا وَثَلَاث حثيات من حثيات رَبِّي وَذكر أَبُو بكر الشَّافِعِي من حَدِيث حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ غَابَ عَنَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَلم يخرج حَتَّى ظننا أَن لن يخرج فَلَمَّا خرج سجد سَجْدَة ظننا أَن نَفسه قد قبضت فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ إِن رَبِّي عز وَجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 استشارني فِي أمتِي مَاذَا أفعل بهم قلت مَا شِئْت يَا رب هم خلقك وعبادك فاستشارني الثَّانِيَة فَقل لَهُ كَذَلِك ثمَّ استشارني الثَّالِثَة فَقلت لَهُ كَذَلِك فَقَالَ إِنِّي لم أخزك فِي أمتك وبشرني أَن أول من يدْخل الْجنَّة زمرة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا مَعَ كل ألف سَبْعُونَ ألفا لَيْسَ عَلَيْهِم حِسَاب ثمَّ أرسل إِلَيّ رَبِّي ادْع تجب وسل تعطه فَقلت لرَسُوله أَو معطي رَبِّي عز وَجل سؤلي قَالَ مَا أرسل إِلَيْك إِلَّا ليعطيك وَلَقَد أَعْطَانِي رَبِّي من غير فَخر أَنه غفر لي مَا تقدم وَمَا تَأَخّر وَشرح صَدْرِي وَأَعْطَانِي ان لَا تجوع أمتِي وَلَا تغلب وَأَنه أَعْطَانِي الْكَوْثَر نَهرا فِي الْجنَّة يسيل فِي حَوْضِي وَأَنه أَعْطَانِي الْعِزَّة والنصر والرعب وَأَنه أَعْطَانِي بِأَنِّي أول الْأَنْبِيَاء دُخُولا الْجنَّة وَطيب لي ولأمتي الْغَنِيمَة وَأحل لنا كثيرا مِمَّا شدد على من كَانَ قبلنَا وَلم يَجْعَل علينا فِي الدّين من حرج فَلم أجد شكرا إِلَّا هَذِه السَّجْدَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أَعْطَانِي أَن لَا تجوع أمتِي وَلَا تغلب أَي لَا تجوع كلهَا وَلَا تغلب كلهَا إِنَّمَا هُوَ إِن جاعت فِي أَرض شبعت فِي أُخْرَى وَإِن غلبت فِي مَوضِع غلبت فِي مَوضِع آخر وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل الْجنَّة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا مَعَ كل وَاحِد من السّبْعين ألفا سَبْعُونَ ألفا وَعَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ان رَبِّي عز وَجل أَعْطَانِي سبعين ألفا من أمتِي يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب فَقَالَ عمر بن الْخطاب فَهَلا استزدته فَقَالَ استزدته فَأَعْطَانِي مَعَ كل رجل سبعين ألفا قَالَ فَهَلا استزدته فَقَالَ أَعْطَانِي هَكَذَا وَبسط بَاعه فَقَالَ هَذَا من الله تَعَالَى لَا يدْرِي مَا عدده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 الْبَاب التَّاسِع عشر الشَّفَاعَة الثَّانِيَة فِي الْخُرُوج من النَّار وَذكر خُرُوج من يدخلهَا من الْمُوَحِّدين أعلم رَحِمك الله أَنه قد وَجب فِي الحكم الأول والقضية السَّابِقَة دُخُول النَّار على طوائف من الْمُؤمنِينَ مِمَّن أوبقتهم سيئاتهم وأحاطت بهم خطيئاتهم فَلم تمحها عَنْهُم عقوبات الدُّنْيَا وَلَا عَذَاب الْقَبْر وَلَا أهوال يَوْم الْحَشْر وكل إِنْسَان مِنْهُم تنَال مِنْهُ النَّار بِمِقْدَار عمله وَتَأْخُذ مِنْهُ إِلَى الْحَد الَّذِي أمرت بِهِ ثمَّ إِن الله تَعَالَى بفضله وَرَحمته يقبل فيهم شَفَاعَة الشافعين ورغبة الراغبين وسؤال السَّائِلين من الْأَنْبِيَاء وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاء العاملين وكل من لَهُ عِنْد الله جاه ومنزلة قد بلغَهَا بِعَمَلِهِ ونالها بِصَالح سَعْيه فَإِن لَهُ شَفَاعَة فِي أَهله وبنيه وأقربائه وأوليائه بل رُبمَا فِي الرجل كَانَ يعرفهُ فِي الدُّنْيَا وَلم يكن بَينهمَا صُحْبَة وَلَا كثير معرفَة وَاعْلَم أَن الجاه الَّذِي تكون بِهِ الشَّفَاعَة وَيقبل بِهِ السُّؤَال وتقضى بِهِ الْحَوَائِج وَتحصل بِهِ الْمنزلَة عِنْد الله تَعَالَى إِنَّمَا يكون اكتسابه فِي الدُّنْيَا وتحصيله هُنَا بِالْعَمَلِ الصَّالح على الْحَد الَّذِي حد لَهُ فِيهِ وَالطَّرِيق الَّذِي أَمر أَن يسلكه إِلَيْهِ وَمن ذَلِك الْعَمَل التَّوَاضُع للْمُسلمين ولين الْجنَاح لَهُم وَاحْتِمَال الْأَذَى مِنْهُم وَالصَّبْر عَلَيْهِم وَإِسْقَاط الْمنزلَة عِنْدهم وطلبها عِنْد خالقهم جلّ جَلَاله وَقد تقدم حَدِيث مُسلم بِإِسْنَادِهِ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أول النَّاس يشفع فِي الْجنَّة وَأَنا أَكثر الْأَنْبِيَاء تبعا وَذكر أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَفَاعَتِي لأهل الْكَبَائِر من أمتِي ويروى عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعم الرجل أَنا لشرار أمتِي قَالُوا فَكيف أَنْت لخيارها قَالَ أما خِيَارهَا فَيدْخلُونَ الْجنَّة بأعمالهم وَأما شرار أمتِي فَيدْخلُونَ الْجنَّة بشفاعتي ذكره أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَذكر أَبُو بكر بن أبي شيبَة بِإِسْنَادِهِ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَحْرُسهُ أَصْحَابه قَالَ فَقُمْت ذَات لَيْلَة فَلم أره فِي مَنَامه فأخذني مَا حدث وَمَا قدم فَقُمْت أنظر فَإِذا معَاذ بن جبل قد لَقِي مثل الَّذِي لقِيت فَسمِعت صَوتا مثل هزيز الرحاوين تجررهما فوقفا على مكانيهما فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبل الْبيُوت فَقَالَ هَل تدريان أَيْن كنت أَو فيمَ كنت قَالَا أَيْن كنت قَالَ أَتَانِي آتٍ من رَبِّي يخيرني بَين أَن يدْخل شطر أمتِي الْجنَّة وَبَين الشَّفَاعَة فاخترت الشَّفَاعَة فَقَالَا يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يجعلنا فِي شفاعتك قَالَ أَنْتُم فِي شَفَاعَتِي فَدَعَا لَهما فَأقبل وأقبلا مَعَه فَكلما لقِيه رجل سَأَلَهُ حَتَّى استقبله مُعظم النَّاس فَأخْبرهُم فَقَالُوا يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يجعلنا فِي شفاعتك قَالَ أَنْتُم فِي شَفَاعَتِي وَمن لَقِي الله لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا فَهُوَ فِي شَفَاعَتِي وَذكر التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الطُّفَيْل بن أبي عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا كَانَ يَوْم لَا الْقِيَامَة كنت إِمَام النَّبِيين وخطيبهم وَصَاحب شفاعتهم من غير فَخر وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج من حَدِيث يزِيد الْفَقِير قَالَ كنت قد شغفني رَأْي من رَأْي الْخَوَارِج فخرجنا فِي عِصَابَة ذَوي عدد نُرِيد أَن نحج ثمَّ نخرج على النَّاس فمررنا بِالْمَدِينَةِ فَإِذا جَابر بن عبد الله يحدث النَّاس جَالِسا إِلَى سَارِيَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ قد ذكر الجهنميين قَالَ فَقلت يَا صَاحب رَسُول الله مَا هَذَا الَّذِي تحدثون وَالله يَقُول إِنَّك من تدخل النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 فقد أخزيته وَكلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا فَمَا هَذَا الَّذِي تحدثون قَالَ أَتَقْرَأُ الْقُرْآن قلت نعم قَالَ فَهَل سَمِعت بمقام مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي بَعثه الله عز وَجل قَالَ فَإِنَّهُ مقَام مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَحْمُود الَّذِي يخرج الله بِهِ من يخرج قَالَ ثمَّ نعت وضع الصِّرَاط وَمر النَّاس عَلَيْهِ قَالَ وأخاف أَن لَا أكون أحفظ ذَلِك إِلَّا أَنه قد زعم أَن قوما يخرجُون من النَّار بعد أَن يَكُونُوا فِيهَا قَالَ فَيخْرجُونَ كَأَنَّهُمْ عيدَان السماسم فَيدْخلُونَ نَهرا من أَنهَار الْجنَّة فَيخْرجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيس فرجعنا فَقُلْنَا وَيحكم أَتَرَوْنَ الشَّيْخ يكذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا وَالله مَا خرج منا غير رجل وَاحِد أَو كَمَا قَالَ أَرَادَ بِالرَّأْيِ الَّذِي شغفه من رَأْي الْخَوَارِج تكذيبهم بالشفاعة وَقَوْلهمْ إِنَّه من دخل النَّار من المذنبين فَلَنْ يخرج مِنْهَا وَذكر مُسلم أَيْضا عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن قوما يخرجُون من النَّار يحترقون فِيهَا إِلَّا دارت وُجُوههم حَتَّى يدخلُوا الْجنَّة وَذكر البُخَارِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يخرج قوم من النَّار بشفاعة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيدْخلُونَ الْجنَّة ويسمون الجهنميين وَعَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليصيبن أَقْوَامًا سفع من النَّار بذنوب أصابوها عُقُوبَة ثمَّ يدخلهم الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم فَيُقَال لَهُم الجهنميون وَذكر أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة بن الْيَمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليخرجن أَقوام من النَّار منتنون قد امتحشوا فَيدْخلُونَ الْجنَّة برحمة الله وشفاعة الشافعين فيسمون الجهنميين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أما أهل النَّار الَّذين هم أَهلهَا فَلَا يموتون فِيهَا وَلَا يحيون وَأما الَّذين يُرِيد الله إخراجهم فتميتهم النَّار ثمَّ يخرجُون مِنْهَا فيلقون على نهر الْحَيَاة فيرش عَلَيْهِم من مَائِهَا فينبتون كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي حميل السَّيْل ويدخلون الْجنَّة فيسميهم أهل الْجنَّة الجهنميين فَيدعونَ الله تَعَالَى فَيذْهب ذَلِك الِاسْم عَنْهُم وَذكر مُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يدْخل الله أهل الْجنَّة الْجنَّة يدْخل من يَشَاء برحمته وَيدخل أهل النَّار النَّار ثمَّ يَقُول انْظُرُوا من وجدْتُم فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة خَرْدَل من إِيمَان فأخرجوه فَيخْرجُونَ مِنْهَا حمما قد امتحشوا فيلقون فِي نهر الْحَيَاة فينبتون فِيهِ كَمَا تنْبت الْحبَّة إِلَى جَانب السَّيْل ألم تَرَوْهَا كَيفَ تخرج صفراء ملتوية وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعذب نَاس من أهل التَّوْحِيد فِي النَّار حَتَّى يَكُونُوا فِيهَا حمما ثمَّ تُدْرِكهُمْ الرَّحْمَة فَيخْرجُونَ ويطرحون على أَبْوَاب الْجنَّة قَالَ فيرش عَلَيْهِم أهل الْجنَّة المَاء فينبتون كَمَا ينْبت الغثاء فِي حمالَة السَّيْل ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة وَفِي مُسْند أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عَمْرو بن مَيْمُون أَن ابْن مَسْعُود حَدثهمْ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يكون قوم فِي النَّار مَا شَاءَ الله ثمَّ يرحمهم الله فيخرجهم فيكونون فِي أدنى الْجنَّة فيغتسلون فِي نهر الْحَيَاة يسميهم أهل الْجنَّة الجهنميين لَو أضَاف أحدهم أهل الأَرْض لأطعمهم وسقاهم وَأَحْسبهُ قَالَ وزودهم لَا ينقصهُ ذَلِك شَيْئا وَذكر أَبُو بكر الشَّافِعِي بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن من الْمُؤمنِينَ من يدْخل بِشَفَاعَتِهِ الْجنَّة أَكثر من ربيعَة وَمُضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وَذكر الْبَزَّار عَن ثَابت أَنه سمع أنس بن مَالك يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرجل ليشفع للرجلين وَالثَّلَاثَة وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن من أمتِي لمن يشفع فِي الفئام من النَّاس وَمِنْهُم من يشفع للقبيلة وَمِنْهُم من يشفع للْعصبَةِ وَمِنْهُم من يشفع للرجل وَأهل بَيته حَتَّى يدخلُوا الْجنَّة وَذكر الطَّحَاوِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله أهل الْجنَّة صُفُوفا وَأهل النَّار صُفُوفا فَينْظر الرجل من صُفُوف أهل النَّار إِلَى الرجل من صُفُوف أهل الْجنَّة فَيَقُول لَهُ يَا فلَان أَلا تذكر يَوْم اصطنعت مَعْرُوفا إِلَيْك فِي الدُّنْيَا فَيَقُول اللَّهُمَّ إِن هَذَا اصْطنع إِلَيّ مَعْرُوفا فِي الدُّنْيَا قَالَ فَيُقَال لَهُ خُذ بِيَدِهِ فَأدْخلهُ الْجنَّة برحمة الله عز وَجل قَالَ أنس أشهد أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُوله وَذكر الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَذكر حَدِيثا طَويلا من حَدِيث يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ ذكر فِيهِ شَفَاعَة الشُّهَدَاء وَقَالَ ثمَّ يَقُول الله عز وَجل أَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ انْظُرُوا فِي النَّار هَل فِيهَا من أحد عمل خيرا قطّ فيجدون فِي النَّار رجلا فَيُقَال لَهُ هَل عملت خيرا قطّ فَيَقُول لَا غير أَنِّي قد أمرت وَلَدي إِذا أنامت فاحرقوني بالنَّار ثمَّ اطحنوني حَتَّى إِذا كنت مثل الْكحل فاذهبوا بِي إِلَى الْبَحْر فاذروني فِي الرّيح فوَاللَّه لَا يقدر عَليّ رب الْعَالمين أبدا فيعاقبني إِذا عَاقَبت نَفسِي فِي الدُّنْيَا عَلَيْهِ قَالَ الله تَعَالَى لم فعلت ذَلِك قَالَ من مخافتك فَيُقَال انْظُر ملكا أعظم ملك فَإِن لَك مثله وَعشرَة أَمْثَاله وَذكر أَبُو بكر النجار من حَدِيث أبي بكرَة الثَّقَفِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 قَالَ يحمل النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على الصِّرَاط فتتقادع بهم جنبتا الصِّرَاط تقادع الْفراش فِي النَّار ثمَّ يُؤذن للْمَلَائكَة والنبيين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ فيشفعون وَيخرجُونَ من كَانَ فِي قلبه مَا يزن ذرة من إِيمَان وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن نَاسا فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا يَا رَسُول الله هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَهَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس بالظهيرة صحوا لَيْسَ مَعهَا سَحَاب وَهل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر صحوا لَيْسَ فِيهَا سَحَاب قَالُوا لَا يَا رَسُول الله قَالَ فَمَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة الله تبَارك وَتَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا كَمَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة أَحدهمَا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أذن مُؤذن لتتبع كل أمة مَا كَانَت تعبد فَلَا يبْقى أحد كَانَ يعبد غير الله من الْأَصْنَام والأنصاب إِلَّا يتساقطون فِي النَّار حَتَّى لم يبْق إِلَّا من كَانَ يعبد الله من بر وَفَاجِر وغبر أهل الْكتاب فيدعى الْيَهُود فَيُقَال لَهُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ قَالُوا كُنَّا نعْبد عَزِيزًا ابْن الله فَيُقَال كَذبْتُمْ مَا اتخذ الله من صَاحِبَة وَلَا ولد فَمَاذَا تبغون قَالُوا عطشنا يَا رب فاسقنا فيشار إِلَيْهِم أَلا تردون فيحشرون إِلَى النَّار كَأَنَّهَا سراب يحطم بَعْضهَا بَعْضًا فيتساقطون فِي النَّار ثمَّ يدعى النَّصَارَى فَيُقَال لَهُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ قَالُوا كُنَّا نعْبد الْمَسِيح ابْن الله فَيُقَال لَهُم كَذبْتُمْ مَا اتخذ الله من صَاحِبَة وَلَا ولد فَيُقَال لَهُم مَاذَا تبغون فَيَقُولُونَ عطشنا يَا رَبنَا فاسقنا فيشار إِلَيْهِم أَلا تردون فيحشرون إِلَى جَهَنَّم كَأَنَّهَا سراب يحطم بَعْضهَا بَعْضًا فيتساقطون فِي النَّار حَتَّى إِذا لم يبْق إِلَّا من كَانَ يعبد الله من بر وَفَاجِر أَتَاهُم الله فِي أدنى صُورَة من الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا قَالَ فَمَا تنْظرُون تتبع كل أمة مَا كَانَت تعبد قَالُوا يَا رَبنَا فارقنا النَّاس فِي الدُّنْيَا أفقر مَا كُنَّا إِلَيْهِم وَلم نصاحبهم فَيَقُول أَنا ربكُم فَيَقُولُونَ نَعُوذ بِاللَّه مِنْك لَا نشْرك بِاللَّه شَيْئا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا حَتَّى إِن بَعضهم ليكاد أَن يَنْقَلِب فَيَقُول هَل بَيْنكُم وَبَينه آيَة فتعرفونه بهَا فَيَقُولُونَ نعم فَيكْشف عَن سَاق فَلَا يبْقى أحد مِمَّن كَانَ يسْجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 لله من تِلْقَاء نَفسه إِلَّا أذن لَهُ بِالسُّجُود وَلَا يبْقى أحد مِمَّن كَانَ يسْجد اتقاء ورياء إِلَّا جعل الله ظَهره طبقَة وَاحِدَة كلما أَرَادَ أَن يسْجد خر على قَفاهُ ثمَّ يرفعون رؤوسهم وَقد تحول فِي صورته الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أول مرّة فَيَقُول أَنا ربكُم فَيَقُولُونَ أَنْت رَبنَا ثمَّ يضْرب الجسر على جَهَنَّم وَتحل الشَّفَاعَة وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سلم سلم قيل يَا رَسُول الله وَمَا الجسر قَالَ دحض مزلة فِيهِ خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بِنَجْد فِيهَا شويكة يُقَال لَهَا السعدان فيمر الْمُؤْمِنُونَ كطرف الْعين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الْخَيل والركاب فناج مُسلم ومخدوش مُرْسل ومكدوس فِي نَار جَهَنَّم حَتَّى إِذا خلص الْمُؤْمِنُونَ من النَّار فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من أحد مِنْكُم بأشد مناشدة لله فِي اسْتِيفَاء الْحق من الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة لإخوانهم الَّذين فِي النَّار فَيَقُولُونَ رَبنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعنا وَيصلونَ ويحجون فَيُقَال لَهُم أخرجُوا من عَرَفْتُمْ فَتحرم صورهم على النَّار فَيخْرجُونَ خلقا كثيرا قد أخذت النَّار إِلَى نصف سَاقه وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ ثمَّ يَقُولُونَ رَبنَا لم نذر فِيهَا أحدا مِمَّن أمرتنا بِهِ ثمَّ يَقُول ارْجعُوا فَمن وجدْتُم فِي قلبه مِثْقَال دِينَار من خير فأخرجوه فَيخْرجُونَ خلقا كثيرا ثمَّ يَقُولُونَ رَبنَا لم نذر فِيهَا أحدا مِمَّن أمرتنا ثمَّ يَقُول ارْجعُوا فَمن وجدْتُم فِي قلبه مِثْقَال نصف دِينَار من خير فأخرجوه فَيخْرجُونَ خلقا كثيرا ثمَّ يَقُولُونَ رَبنَا لم نذر فِيهَا مِمَّن أمرتنا أحدا ثمَّ يَقُول ارْجعُوا فَمن وجدْتُم فِي قلبه مِثْقَال ذرة من خير فأخرجوه فَيخْرجُونَ خلقا كثيرا ثمَّ يَقُولُونَ رَبنَا لم نذر فِيهَا خيرا وَكَانَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول إِن لم تصدقوني بِهَذَا الحَدِيث فاقرؤا ان شِئْتُم إِن الله لَا يظلم مِثْقَال ذرة وَإِن تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا وَيُؤْت من لَدنه أجرا عَظِيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فَيَقُول الله عز وَجل شفعت الْمَلَائِكَة وشفع النَّبِيُّونَ وشفع الْمُؤْمِنُونَ وَلم يبْق إِلَّا أرْحم الرَّاحِمِينَ فَيقبض قَبْضَة من النَّار فَيخرج مِنْهَا قوما لم يعملوا خيرا قطّ قد عَادوا حمما فيلقيهم فِي نهر فِي أَفْوَاه الْجنَّة يُقَال لَهُ نهر الْحَيَاة فَيخْرجُونَ كَمَا تخرج الْحبَّة فِي حميل السَّيْل أَلا ترونها كَيفَ تكون إِلَى الشّجر أَو الْحجر فَمَا يكون إِلَى الشَّمْس أصيفر وأخيضر وَمَا يكون مِنْهَا إِلَى الظل يكون أَبيض فَقَالُوا يَا رَسُول الله كَأَنَّك كنت ترعى بالبادية قَالَ فَيخْرجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رقابهم الخواتيم يعرفهُمْ أهل الْجنَّة هَؤُلَاءِ عُتَقَاء الله الَّذين أدخلهم الْجنَّة بِغَيْر عمل عملوه وَلَا خير قدموه ثمَّ يَقُول ادخُلُوا الْجنَّة فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لكم فَيَقُولُونَ رَبنَا أَعطيتنَا مَا لم تعط احدا من الْعَالمين فَيَقُول لكم عِنْدِي أفضل من هَذَا فَيَقُولُونَ يَا رَبنَا أَي شَيْء أفضل من هَذَا فَيَقُول رضاي فَلَا أَسخط عَلَيْكُم أبدا قَالَ مُسلم قَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ بَلغنِي أَن الجسر أدق من الشعرة وَأحد من السَّيْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وَذكر مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن نَاسا قَالُوا يَا رَسُول الله هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر قَالُوا لَا يَا رَسُول الله قَالَ هَل تضَارونَ فِي الشَّمْس لَيْسَ دونهَا سَحَاب قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّكُم تَرَوْنَهُ كَذَلِك يجمع الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه فَيتبع من كَانَ يعبد الشَّمْس الشَّمْس وَيتبع من كَانَ يعبد الْقَمَر الْقَمَر وَيتبع من كَانَ يعبد الطواغيت الطواغيت وَتبقى هَذِه الْأمة فِيهَا منافقوها وَذكر الحَدِيث قَالَ وَيضْرب الصِّرَاط بَين ظهراني جَهَنَّم فَأَكُون أَنا وَأمتِي أول من يُجِيز وَلَا يتَكَلَّم يَوْمئِذٍ إِلَّا الرُّسُل وَدَعوى الرُّسُل يَوْمئِذٍ اللَّهُمَّ سلم سلم وَفِي جَهَنَّم كلاليب مثل شوك السعدان هَل رَأَيْتُمْ السعدان قَالُوا نعم يَا رَسُول الله قَالَ فَإِنَّهَا مثل شوك السعدان غير أَنه لَا يعلم مَا قدر عظمها إِلَّا الله تخطف النَّاس بأعمالهم فَمنهمْ الموبق بِعَمَلِهِ وَمِنْهُم المجازى حَتَّى يُنجى حَتَّى إِذا فرغ الله من الْقَضَاء بَين الْعباد وَأَرَادَ أَن يخرج برحمته من أَرَادَ من أهل النَّار أَمر الْمَلَائِكَة أَن يخرجُوا من النَّار من كَانَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا مِمَّن أَرَادَ أَن يرحمه مِمَّن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فيعرفونهم فِي النَّار يعرفونهم بأثر السُّجُود تَأْكُل النَّار من ابْن آدم إِلَّا أثر السُّجُود حرم الله على النَّار أَن تَأْكُل أثر السُّجُود فَيخْرجُونَ من النَّار قد امتحشوا فَيصب عَلَيْهِم مَاء الْحَيَاة فينبتون كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي حميل السَّيْل ثمَّ يفرغ الله من الْقَضَاء بَين الْعباد وَيبقى رجل مقبل بِوَجْهِهِ على النَّار وَهُوَ آخر أهل الْجنَّة فَيَقُول أَي رب اصرف وَجْهي عَن النَّار فانه قد قشبني رِيحهَا وأحرقني ذكاؤها فيدعو الله مَا شَاءَ أَن يَدعُوهُ ثمَّ يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى هَل عَسَيْت إِن فعلت ذَلِك بك أَن تسْأَل غَيره فَيَقُول لَا أَسأَلك غَيره وَيُعْطِي ربه من عهود ومواثيق مَا شَاءَ الله فَيصْرف الله وَجهه عَن النَّار فَإِذا أقبل على الْجنَّة وَرَآهَا سكت مَا شَاءَ الله أَن يسكت ثمَّ يَقُول أَي رب قدمني إِلَى بَاب الْجنَّة فَيَقُول الله لَهُ أَلَيْسَ قد أَعْطَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 عهودك ومواثيقك أَن لَا تَسْأَلنِي غير الَّذِي أَعطيتك وَيلك يَا ابْن آدم مَا إغدرك فَيَقُول أَي رب وَيَدْعُو الله حَتَّى يَقُول لَهُ فَهَل عَسَيْت أَن أَعطيتك ذَلِك أَن تسْأَل غَيره فَيَقُول لَا وَعزَّتك فيعطي ربه مَا شَاءَ من عهود ومواثيق فَيقدمهُ إِلَى بَاب الْجنَّة فَإِذا قَامَ على بَاب الْجنَّة انفهقت لَهُ الْجنَّة فَرَأى مَا فِيهَا من الْخَيْر وَالسُّرُور فيسكت مَا شَاءَ الله أَن يسكت ثمَّ يَقُول أَي رب ادخلني الْجنَّة فَيَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى أَلَيْسَ قد أَعْطَيْت عهودك ومواثيقك أَن لَا تسْأَل غير مَا أَعْطَيْت وَيلك يَا ابْن آدم مَا أغدرك فَيَقُول أَي رب لَا أكون أَشْقَى خلقك فَلَا يزَال يَدْعُو الله حَتَّى يضْحك الله تبَارك وَتَعَالَى مِنْهُ فَإِذا ضحك الله تَعَالَى مِنْهُ قَالَ ادخل الْجنَّة فَإِذا دَخلهَا قَالَ الله لَهُ تمنه فَيسْأَل ربه ويتمنى حَتَّى أَن الله ليذكره من كَذَا وَكَذَا حَتَّى إِذا انْقَطَعت بِهِ الْأَمَانِي قَالَ الله تَعَالَى لَك ذَلِك وَمثله مَعَه قَالَ عَطاء بن يزِيد وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ مَعَ أبي هُرَيْرَة لَا يرد عَلَيْهِ من حَدِيثه شَيْئا حَتَّى إِذا حدث أَبُو هُرَيْرَة أَن الله تَعَالَى قَالَ لذَلِك الرجل وَمثله مَعَه قَالَ أَبُو سعيد وَعشرَة أَمْثَاله مَعَه يَا أَبَا هُرَيْرَة قَالَ أَبُو هُرَيْرَة مَا حفظت إِلَّا قَوْله ذَلِك لَك وَمثله مَعَه قَالَ أَبُو سعيد أشهد أَنِّي حفظت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله ذَلِك لَك وَعشرَة أَمْثَاله قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَذَلِكَ الرجل آخر أهل النَّار دُخُولا الْجنَّة وَذكر عَن عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ آخر من يدْخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الْجنَّة رجل فَهُوَ يمشي مرّة ويكبو مرّة وتسفعه النَّار مرّة فَإِذا مَا جاوزها الْتفت إِلَيْهَا وَقَالَ تبَارك الَّذِي نجاني مِنْك لقد أَعْطَانِي الله شَيْئا مَا أعطَاهُ أحدا من الْأَوَّلين والآخرين فَترفع لَهُ شَجَرَة فَيَقُول أَي رب أدنني من هَذِه الشَّجَرَة فلأستظل بظلها وأشرب من مَائِهَا فَيَقُول الله عز وَجل يَا ابْن آدم لعَلي إِن اعطيتكها سَأَلتنِي غَيرهَا فَيَقُول لَا يَا رب ويعاهده أَن لَا يسْأَله غَيرهَا وربه يعذرهُ لِأَنَّهُ يرى مَالا صَبر لَهُ عَلَيْهِ فيدنيه مِنْهَا فيستظل بظلها وَيشْرب من مَائِهَا ثمَّ ترفع لَهُ شَجَرَة هِيَ أحسن من الأولى فَيَقُول أَي رب أدنني من هَذِه فلأستظل بظلها وأشرب من مَائِهَا لَا أَسأَلك غَيرهَا فَيَقُول يَا ابْن آدم ألم تعاهدني أَن لَا تَسْأَلنِي غَيرهَا فَيَقُول لعَلي إِن أدنيتك مِنْهَا تَسْأَلنِي غَيرهَا فيعاهده أَن لَا يسْأَله غَيرهَا وربه تَعَالَى يعذرهُ لِأَنَّهُ يرى مَا لَا صَبر لَهُ عَلَيْهِ فيدنيه مِنْهَا فيستظل بظلها وَيشْرب من مَائِهَا ثمَّ ترفع لَهُ شَجَرَة عِنْد بَاب الْجنَّة وَهِي أحسن من الْأَوليين فَيَقُول أَي رب أدنني من هَذِه لأستظل بظلها وأشرب من مَائِهَا لَا أَسأَلك غَيرهَا فَيَقُول يَا ابْن آدم ألم تعاهدني أَن لَا تَسْأَلنِي غَيرهَا قَالَ بلَى يَا رب هَذِه لَا أَسأَلك غَيرهَا وربه عز وَجل يعذرهُ لِأَنَّهُ يرى مَا لَا صَبر لَهُ عَلَيْهِ فيدنيه مِنْهَا فَإِذا أدناه مِنْهَا سمع أصوات أهل الْجنَّة فَيَقُول أَي رب أدخلنيها فَيَقُول يَا ابْن آدم مَا يصريني مِنْك أيرضيك أَن أُعْطِيك الدُّنْيَا وَمثلهَا مَعهَا قَالَ يَا رب أتستهزيء بِي وَأَنت رب الْعَالمين فَضَحِك ابْن مَسْعُود وَقَالَ أَلا تَسْأَلُونِي مِم أضْحك قَالُوا مِم تضحك قَالَ هَكَذَا ضحك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا مِم تضحك يَا رَسُول الله قَالَ من ضحك رب الْعَالمين حِين قَالَ أتستهزيء بِي وَأَنت رب الْعَالمين فَيَقُول إِنِّي لَا استهزئ بك وَلَكِنِّي على كل شَيْء قدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ ويذكره الله تَعَالَى سل كَذَا وَكَذَا فَإِذا انْقَطَعت بِهِ الْأَمَانِي قَالَ الله هُوَ لَك وَعشرَة أَمْثَاله قَالَ ثمَّ يدْخل بَيته فَتدخل عَلَيْهِ زوجتاه من الْحور الْعين فتقولان الْحَمد لله الَّذِي أحياك لنا وَأَحْيَانا لَك قَالَ فَيَقُول مَا أعطي أحد مثل مَا أَعْطَيْت وَذكر مُسلم من حَدِيث معبد بن هِلَال الْعَنزي قَالَ انطلقنا إِلَى أنس ابْن مَالك وتشفعنا بِثَابِت فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي الضُّحَى فَاسْتَأْذن لنا ثَابت فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وأجلس ثَابتا مَعَه على سَرِيره فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا حَمْزَة إِن إخوانك من أهل الْبَصْرَة يَسْأَلُونَك أَن تحدثهم حَدِيث الشَّفَاعَة فَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة ماج النَّاس بَعضهم إِلَى بعض فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ اشفع لذريتك فَيَقُول لست لَهَا وَلَكِن عَلَيْكُم بإبراهيم فَإِنَّهُ خَلِيل الله فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم فَيَقُول لست لَهَا وَلَكِن عَلَيْكُم بمُوسَى فَإِنَّهُ كليم الله فَيُؤتى مُوسَى فَيَقُول لست لَهَا وَلَكِن عَلَيْكُم بِعِيسَى فَإِنَّهُ روح الله وكلمته فَيُؤتى عِيسَى فَيَقُول لست لَهَا وَلَكِن عَلَيْكُم بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأوتى فَأَقُول أَنا لَهَا ثمَّ أَنطلق فَاسْتَأْذن على رَبِّي فَيُؤذن لي فأقوم بَين يَدَيْهِ فأحمده بِمَحَامِد لَا أقدر عَلَيْهَا إِلَّا أَن يلهمنيها الله ثمَّ أخر لَهُ سَاجِدا فَيَقُول يَا مُحَمَّد ارْفَعْ رَأسك وَقل يسمع لَك وسل تعطه وَاشْفَعْ تشفع فَأَقُول يَا رب أمتِي أمتِي فَيَقُول انْطلق من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من برة أَو شعيرَة من إِيمَان فَأخْرجهُ مِنْهَا فَانْطَلق فأفعل ثمَّ أرجع إِلَى رَبِّي فأحمده بِتِلْكَ المحامد ثمَّ أخر لَهُ سَاجِدا فَيُقَال لي يَا مُحَمَّد ارْفَعْ رَأسك وَقل يسمع لَك وسل تعطه وَاشْفَعْ تشفع فَأَقُول يَا رب أمتِي أمتِي فَيُقَال لي انْطلق فَمن كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من إِيمَان فَأخْرجهُ مِنْهَا فأنطلق فأفعل ثمَّ أَعُود إِلَى رَبِّي فأحمده بِتِلْكَ المحامد ثمَّ أخر لَهُ سَاجِدا فَيُقَال لي يَا مُحَمَّد ارْفَعْ رَأسك وَقل يسمع لَك وسل تعطه وَاشْفَعْ تشفع فَأَقُول يَا رب أمتِي أمتِي فَيُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 انْطلق فَمن كَانَ فِي قلبه أدنى أدنى أدنى من مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من إِيمَان فَأخْرجهُ من النَّار فأنطلق فأفعل هَذَا حَدِيث أنس الَّذِي أَنبأَنَا بِهِ فخرجنا من عِنْده فَلَمَّا كُنَّا بِظهْر الجبان قُلْنَا لَو ملنا إِلَى الْحسن فسلمنا عَلَيْهِ وَهُوَ مستخف فِي دَار أبي خَليفَة قَالَ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فسلمنا عَلَيْهِ فَقُلْنَا يَا أَبَا سعيد جِئْنَا من عِنْد أَخِيك أبي حَمْزَة فَلم نسْمع بِمثل حَدِيث حدّثنَاهُ فِي الشَّفَاعَة قَالَ هيه فَحَدَّثنَاهُ الحَدِيث فَقَالَ هيه قُلْنَا مَا زادنا قَالَ قد حَدثنَا بِهِ مُنْذُ عشْرين سنة وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيع وَلَقَد ترك شَيْئا مَا أَدْرِي أنسي الشَّيْخ أم كره أَن يُحَدثكُمْ فتتكلوا قُلْنَا لَهُ حَدثنَا فَضَحِك وَقَالَ خلق الْإِنْسَان من عجل وَمَا ذكرت لكم هَذَا إِلَّا وَأَنا أُرِيد أَن أحدثكموه قَالَ ثمَّ أرجع إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَة فأحمده بِتِلْكَ المحامد ثمَّ أخر سَاجِدا فَيُقَال لي يَا مُحَمَّد ارْفَعْ رَأسك وَقل يسمع لَك وسل تعطه وَاشْفَعْ تشفع فَأَقُول يَا رب ائْذَنْ لي فِيمَن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فَلَيْسَ ذَلِك لَك أَو قَالَ لَيْسَ ذَلِك إِلَيْك وَلَكِن وَعِزَّتِي وكبريائي وعظمتي لأخْرجَن مِنْهَا من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فَأشْهد على الْحسن أَنه حَدثنَا بِهِ أَنه سمع أنس بن مَالك أرَاهُ قَالَ قبل عشْرين سنة وَهُوَ يَوْمئِذٍ جَمِيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 فصل ذكر من يخرج من النَّار برحمة الله من غير شَفَاعَة أحد قد تقدم حَدِيث مُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر خُرُوج من يخرج من النَّار بشفاعة الْمَلَائِكَة والنبيين وَغَيرهم قَالَ فَيَقُول الله عز وَجل قد شفعت الْمَلَائِكَة وشفع النَّبِيُّونَ وشفع الْمُؤْمِنُونَ وَلم يبْق إِلَّا أرْحم الرَّاحِمِينَ فَيقبض قَبْضَة من النَّار فَيخرج مِنْهَا قوما لم يعملوا خيرا قطّ وَذكر الحَدِيث وَقَوله عز وَجل فِي الحَدِيث قبل هَذَا وَعِزَّتِي وكبريائي وعظمتي وكبريائي لأخْرجَن من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وروى سِنَان بن حَرْب الْعَبْسِي أَنه سمع ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا ضيقها بِمَا فِيهَا من أَهلهَا وحرها وزمهريرها فغمزها فَقَالَ حس على عبَادي فَأخْرج مِنْهَا عدد الْجَرَاد والذباب ذكره أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ ذكر أَبُو بكر الْبَزَّار عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ يَأْتِي على جَهَنَّم زمَان تخفق أَبْوَابهَا لَيْسَ فِيهَا أحد يَعْنِي من الْمُوَحِّدين هَكَذَا رَوَاهُ مَوْقُوفا من قَول عبد الله بن عَمْرو وَلَيْسَ فِيهِ ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى عَن سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل الْجنَّة أحد إِلَّا بِجَوَاز بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من الله لفُلَان بن فلَان أدخلوه جنَّة عالية قطوفها دانية وروى فِي مُسْند أَحْمد بن خَالِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 فصل مَا أول طَعَام أهل الْجنَّة ذكر البُخَارِيّ من حَدِيث أنس بن مَالك أَن عبد الله بن سَلام بلغه مقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَأَتَاهُ يسْأَله عَن أَشْيَاء فَقَالَ إِنِّي سَائِلك عَن ثَلَاث لَا يعلمهُنَّ إِلَّا نَبِي مَا أول أَشْرَاط السَّاعَة وَمَا أول طَعَام يَأْكُلهُ أهل الْجنَّة وَمَا بَال الْوَلَد ينْزع إِلَى أَبِيه أَو إِلَى أمه قَالَ أَخْبرنِي جِبْرِيل بِهن آنِفا قَالَ ابْن سَلام ذَاك عَدو الْيَهُود من الْمَلَائِكَة قَالَ أما أول أَشْرَاط السَّاعَة فَنَار تَحْشُرهُمْ من الْمشرق إِلَى الْمغرب وَأما أول طَعَام يَأْكُلهُ أهل الْجنَّة فَزِيَادَة كبد الْحُوت وَأما الْوَلَد فَإِذا سبق مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة نزع الْوَلَد إِلَيْهِ وَإِذا سبق مَاء الْمَرْأَة مَاء الرجل نزع الْوَلَد إِلَيْهَا قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله قَالَ يَا رَسُول الله إِن الْيَهُود قوم بهت فسلهم عني قبل أَن يعلمُوا بِإِسْلَامِي فجَاء الْيَهُود وَدخل عبد الله الْبَيْت فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي رجل عبد الله فِيكُم قَالُوا خيرنا وَابْن خيرنا وأفضلنا وَابْن أفضلنا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَأَيْتُم إِن أسلم عبد الله بن سَلام قَالُوا أَعَاذَهُ الله من ذَلِك فَأَعَادَ عَلَيْهِم فَقَالُوا مثل ذَلِك فَخرج إِلَيْهِم عبد الله فَقَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالُوا شَرنَا وَابْن شَرنَا ونقصوه قَالَ هَذَا كنت أخافه يَا رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 الْبَاب الْعشْرُونَ فِي صفة الْجنَّة وَمَا أعد الله لأَهْلهَا قَالَ الله عز وَجل وَبشر الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أَن لَهُم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل وَأتوا بِهِ متشابها وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة وهم فِيهَا خَالدُونَ وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سندخلهم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا أبدا لَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون ادخلوها بِسَلام آمِنين وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين لَا يمسهم فِيهَا نصب وَمَا هم مِنْهَا بمخرجين {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن إِن رَبنَا لغَفُور شكور الَّذِي أحلنا دَار المقامة من فَضله لَا يمسنا فِيهَا نصب وَلَا يمسنا فِيهَا لغوب} {إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين فِي جنَّات وعيون يلبسُونَ من سندس وإستبرق مُتَقَابلين كَذَلِك وزوجناهم بحور عين يدعونَ فِيهَا بِكُل فَاكِهَة آمِنين لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى ووقاهم عَذَاب الْجَحِيم فضلا من رَبك ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون فِي جنَّات النَّعيم ثلة من الْأَوَّلين وَقَلِيل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عَلَيْهَا مُتَقَابلين يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معِين لَا يصدعون عَنْهَا وَلَا ينزفون وَفَاكِهَة مِمَّا يتخيرون وَلحم طير مِمَّا يشتهون وحور عين كأمثال اللُّؤْلُؤ الْمكنون جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا تأثيما إِلَّا قيلا سَلاما سَلاما وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين فِي سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود وَمَاء مسكوب وَفَاكِهَة كَثِيرَة لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة وفرش مَرْفُوعَة إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء فجعلناهن أَبْكَارًا عربا أَتْرَابًا لأَصْحَاب الْيَمين} ... إِن لِلْمُتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أَتْرَابًا وكأسا دهاقا لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا جَزَاء من رَبك عَطاء حسابا إِن الْأَبْرَار لفي نعيم على الأرائك ينظرُونَ تعرف فِي وُجُوههم نَضرة النَّعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بهَا المقربون وُجُوه يَوْمئِذٍ ناعمة لسعيها راضية فِي جنَّة عالية لَا تسمع فِيهَا لاغية فِيهَا عين جَارِيَة فِيهَا سرر مَرْفُوعَة وأكواب مَوْضُوعَة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة وَذكر أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خلق الله تبَارك وَتَعَالَى الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وملاطها الْمسك الأذفر وَقَالَ لَهَا تكلمي فَقَالَت قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَت الْمَلَائِكَة طُوبَى لَك منزل الْمُلُوك وَذكر الْبَزَّار أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خلق الله الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وملاطها الْمسك رَوَاهُ هناد بن السّري وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قلت يَا رَسُول الله مِم خلق الله الْخلق قَالَ من المَاء قلت وَالْجنَّة مَا بناؤها قَالَ لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وملاطها الْمسك الأذفر وحصباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوت وترابها الزَّعْفَرَان من يدخلهَا ينعم وَلَا ييأس ويخلد وَلَا يَمُوت وَلَا تبلى ثِيَابهمْ وَلَا يفنى شبابهم وَذكر مُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن ابْن صياد سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تربة الْجنَّة قَالَ درمكة بَيْضَاء مسك خَالص وَمن حَدِيثه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا بن صياد مَا تربة الْجنَّة قَالَ درمكة بَيْضَاء يَا أَبَا الْقَاسِم قَالَ صدقت وَعَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَإِذا ترابها الْمسك فِيهَا جنابذ من لُؤْلُؤ والجنابذ القباب وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ الله عز وَجل أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَالا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر مصداق ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ لَاق لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله عز وَجل أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَالا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر اقرؤوا إِن شِئْتُم فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي هَلُمَّ منقرة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَفِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا اقرؤوا إِن شِئْتُم {وظل مَمْدُود} وَمَوْضِع سَوط فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا اقرؤوا ان شِئْتُم {فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور} وَذكر مُسلم من حَدِيث سهل بن سعد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا قَالَ أَبُو حَازِم فَحدثت بِهِ النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش الزرقي فَقَالَ حَدثنِي أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب الْجواد الْمُضمر السَّرِيع مائَة عَام لَا يقطعهَا وَذكر البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة سنة واقرؤوا إِن شِئْتُم {وظل مَمْدُود} وَلَقَاب قَوس أحدكُم فِي الْجنَّة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس أَو تغرب وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا فِي الْجنَّة شَجَرَة إِلَّا وساقها من ذهب وَمن مُسْند الْبَزَّار عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة مُسْتَقلَّة على سَاق وَاحِدَة عرض سَاقهَا اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سنة وَذكر ابْن الْمُبَارك عَن سليم بن عَامر قَالَ كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ إِنَّه لينفعنا الله بالأعراب ومسائلهم أقبل أَعْرَابِي يَوْمًا فَقَالَ يَا رَسُول الله لقد ذكر الله فِي الْجنَّة شَجَرَة مؤذية وَمَا كنت أرى فِي الْجنَّة شَجَرَة تؤذي صَاحبهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا هِيَ قَالَ السدر فَإِن لَهُ شوكا مُؤْذِيًا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو لَيْسَ يَقُول الله عز وَجل {فِي سدر مخضود} خضد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 الله شوكه فَجعل مَكَان كل شَوْكَة ثَمَرَة فَإِنَّهَا لتنبت ثمرا تتفتق الثَّمر مِنْهَا على اثْنَيْنِ وَسبعين لونا من الطَّعَام مَا فِيهِ لونا يشبه الآخر وثمرا بالثاء الْمُثَلَّثَة فِيهَا كلهَا وَذكر مُسلم بِإِسْنَادِهِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله عز وَجل يَقُول لأهل الْجنَّة يَا أهل الْجنَّة فَيَقُولُونَ لبيْك رَبنَا وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك فَيَقُول هَل رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ مَا لنا لَا نرضى يَا رب وَقد أَعطيتنَا مَا لم تعط أحدا من خلقك فَيَقُول أَفلا أُعْطِيكُم أفضل من ذَلِك فَيَقُولُونَ يَا رب وَأي شَيْء أفضل من ذَلِك فَيَقُول أحل عَلَيْكُم رِضْوَانِي فَلَا أَسخط عَلَيْكُم بعده أبدا وَذكر مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أهل الْجنَّة ليتراءون أهل الغرف من فَوْقهم كَمَا تتراءون الْكَوْكَب الدُّرِّي العابر من الْأُفق من الْمشرق أَو الْمغرب لتفاضل مَا بَينهم قَالُوا يَا رَسُول الله تِلْكَ منَازِل الْأَنْبِيَاء لَا يبلغهَا غَيرهم قَالَ بلَى وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ رجال آمنُوا بِاللَّه وَصَدقُوا الْمُرْسلين وَذكر مُسلم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ إِمَّا تفاخروا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا الرِّجَال أَكثر فِي الْجنَّة من النِّسَاء فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة أَو لم يقل أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول زمرة تدخل الْجنَّة على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَالَّتِي تَلِيهَا على أَضْوَأ كَوْكَب دري فِي السَّمَاء لكل امرىء مِنْهُم زوجتان اثْنَتَانِ يرى مخ سوقهما من وَرَاء اللَّحْم وَمَا فِي الْجنَّة أعزب وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أول زمرة يدْخلُونَ الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة وضوء وُجُوههم على مِثَال ضوء الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر والزمرة الثَّانِيَة على مثل أحسن كَوْكَب دري فِي السَّمَاء لكل امريء مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 زوجتان على كل زَوْجَة سَبْعُونَ حلَّة يرى مخ سَاقهَا من وَرَائِهَا وَذكر مُسلم بن الْحجَّاج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول زمرة يدْخلُونَ الْجنَّة على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ على أَشد كَوْكَب دري فِي السَّمَاء إضاءة لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفلُونَ وَلَا يتمخطون أمشاطهم الذَّهَب ورشحهم الْمسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الْحور الْعين على خلق رجل وَاحِد على صُورَة أَبِيهِم آدم سِتُّونَ ذِرَاعا فِي السَّمَاء وَذكر مُسلم أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول زمرة تدخل الْجنَّة من أمتِي على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ على أَشد نجم فِي السَّمَاء إضاءة ثمَّ هم بعد ذَلِك منَازِل لَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يتمخطون وَلَا يبصقون أمشاطهم الذَّهَب ومجامرهم الألوة ورشحهم الْمسك أَخْلَاقهم على خلق رجل وَاحِد على طول أَبِيهِم آدم سِتُّونَ ذِرَاعا ويروى على خلق وَذكر أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أول زمره تلج الْجنَّة صورهم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لَا يبصقون فِيهَا وَلَا يتمخطون وَلَا يَتَغَوَّطُونَ آنيتهم وأمشاطهم من الذَّهَب وَالْفِضَّة ومجامرهم الألوة ورشحهم الْمسك وَلكُل وَاحِد مِنْهُم زوجتان يرى مخ سوقهما من وَرَاء اللَّحْم من الْحسن لَا اخْتِلَاف بَينهم وَلَا تباغض قُلُوبهم قلب وَاحِد يسبحون الله بكرَة وعشيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَذكر من حَدِيث جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أهل الْجنَّة يَأْكُلُون فِيهَا وَيَشْرَبُونَ لَا يَتْفلُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يتمخطون قَالُوا فَمَا بَال الطَّعَام قَالَ جشاء وَرشح كَرَشْحِ الْمسك يُلْهمُون التَّسْبِيح والتحميد كَمَا يُلْهمُون النَّفس وَذكر النَّسَائِيّ من حَدِيث زيد بن أَرقم قَالَ جَاءَ رجل من الْيَهُود إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم أتزعم أَن أهل الْجنَّة يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ فَقَالَ أَي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الرجل مِنْهُم ليُعْطى قُوَّة مائَة رجل فِي الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع والشهوة قَالَ الرجل فَإِن الَّذِي يَأْكُل وَيشْرب تكون لَهُ الْحَاجة وَلَيْسَ فِي الْجنَّة أَذَى فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاجَة أحدهم رشح يفِيض من جلده فَإِذا بَطْنه قد ضمر وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الْكَوْثَر قَالَ ذَلِك نهر أعطانيه الله يَعْنِي فِي الْجنَّة أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل فِيهِ طير أعناقها كأعناق الجزر قَالَ عمر إِن هَذِه لناعمة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آكلها أنعم مِنْهَا وَمن مُسْند الْبَزَّار عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّك لتنظر إِلَى الطير فِي الْجنَّة فتشتهيه فَيَجِيء مشويا بَين يَديك وَذكر أَبُو بكر الشَّافِعِي من حَدِيث أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يبْعَث أهل الْجنَّة على صُورَة آدم فِي مِيلَاد ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة جردا مردا مُكَحَّلِينَ ثمَّ يذهب بهم إِلَى شَجَرَة فِي الْجنَّة فيكسون مِنْهَا لَا تبلى ثِيَابهمْ وَلَا يفنى شبابهم وَذكره التِّرْمِذِيّ وَحَدِيث أبي بكر أكمل وَذكر التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من مَاتَ من أهل الْجنَّة من صَغِير أَو كَبِير يردون بني ثَلَاثِينَ فِي الْجنَّة لَا يزِيدُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 عَلَيْهَا أبدا وَكَذَا أهل النَّار كَذَا قَالَ ثَلَاثِينَ وَالْأول أحسن إِسْنَادًا وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من يدْخل الْجنَّة ينعم وَلَا يبأس وَلَا تبلى ثِيَابه وَلَا يفنى شبابه وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة يُنَادي مُنَاد إِن لكم أَن تحيوا فَلَا تَمُوتُوا أبدا وَإِن لكم أَن تصحوا فَلَا تسقموا أبدا وَإِن لكم أَن تشبوا فَلَا تهرموا أبدا وَإِن لكم أَن تنعموا فَلَا تبأسوا أبدا فَذَلِك قَوْله عز وَجل {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وَعَن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن لِلْمُؤمنِ فِي الْجنَّة لخيمة من لؤلؤة وَاحِدَة مجوفة طولهَا فِي السَّمَاء سِتُّونَ ميلًا لِلْمُؤمنِ فِيهَا أهلون يطوف عَلَيْهِم الْمُؤمن فَلَا يرى بَعضهم بَعْضًا وَذكر مُسلم حَدثنَا أَبُو عبد الصَّمد حَدثنَا أَبُو عمرَان بِهَذَا الْإِسْنَاد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضهَا سِتُّونَ ميلًا فِي كل زَاوِيَة مِنْهَا أهل مَا يرَوْنَ الآخرين يطوف عليم الْمُؤمن وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أدنى أهل الْجنَّة الَّذِي لَهُ ثَمَانُون ألف خَادِم وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَة وَينصب لَهُ قبَّة من لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد وَيَاقُوت كَمَا بَين الْجَابِيَة إِلَى صنعاء وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة لغرفا يرى ظُهُورهَا من بطونها وبطونها من ظُهُورهَا فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 فَقَالَ لمن هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ لمن أطاب الْكَلَام وَأطْعم الطَّعَام وأدام الصّيام وَصلى بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام وَعَن عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة لمن ينظر إِلَى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرَة ألف سنة وَأكْرمهمْ على الله من ينظر إِلَى وَجهه غدْوَة وعشيا ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} وَهَذَا يرْوى عَن ابْن عمر مَوْقُوفا وَذكر التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لغدوة فِي سَبِيل الله أَو روحه خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَقَاب قَوس أحدكُم أَو مَوضِع قده فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَو أَن امْرَأَة من نسَاء أهل الْجنَّة اطَّلَعت إِلَى الأَرْض لَأَضَاءَتْ الدُّنْيَا ولملأت مَا بَينهَا ريحًا ونصيفها يَعْنِي خمارها خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَعَن سعد بن أبي وَقاص أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن مَا يقل ظفرا مِمَّا فِي الْجنَّة بدا لتزخرفت لَهُ مَا بَين خوافق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَو أَن رجلا من أهل الْجنَّة اطلع فَبَدَا سواره لطمس ضوء الشَّمْس كَمَا تطمس الشَّمْس ضوء النُّجُوم وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن عَلَيْهِم التيجان إِن أدنى لؤلؤة مِنْهَا تضيء مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَذكر التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْمَرْأَة من نسَاء أهل الْجنَّة ليرى بَيَاض سَاقهَا من وَرَاء سبعين حلَّة حَتَّى يرى مخها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وَذَلِكَ أَن الله عز وَجل يَقُول كأنهن الْيَاقُوت والمرجان فَأَما الْيَاقُوت فَإِنَّهُ حجر لَو أدخلت فِيهِ سلكا ثمَّ استصفيته لرأيته من وَرَائه ويروى هَذَا عَن عبد الله بن مَسْعُود من قَوْله وَذكر مُسلم من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأعرف آخر أهل الْجنَّة خُرُوجًا من النَّار رجل يخرج مِنْهَا زحفا فَيُقَال لَهُ انْطلق فَادْخُلْ الْجنَّة قَالَ فَيذْهب فَيدْخل الْجنَّة فيجد النَّاس قد أخذُوا الْمنَازل فَيُقَال لَهُ أَتَذكر الزَّمَان الَّذِي كنت فِيهِ فَيَقُول نعم فَيُقَال لَهُ تمن فيتمنى فَيُقَال لَهُ لَك الَّذِي تمنيت وَعشرَة أَضْعَاف الدُّنْيَا فَيَقُول أَتسخر بِي وَأَنت الْملك قَالَ فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأعْلم آخر أهل النَّار خُرُوجًا مِنْهَا وَآخر أهل الْجنَّة دُخُولا الْجنَّة رجل يخرج من النَّار حبوا فَيَقُول الله لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة قَالَ فيأتيها فيخيل إِلَيْهِ أَنَّهَا ملأى فَيرجع فَيَقُول يَا رب وَجدتهَا ملأى فَيَقُول الله لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة قَالَ فيأتيها فيخيل إِلَيْهِ أَنَّهَا ملأى فَيرجع فَيَقُول يَا رب وَجدتهَا ملأى فَيَقُول الله لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة فَإِن لَك مثل الدُّنْيَا وَعشرَة أَمْثَالهَا أَو إِن لَك مثل عشرَة أَمْثَال الدُّنْيَا قَالَ فَيَقُول أَتسخر بِي وَأَنت الْملك قَالَ فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه فَكَانَ يُقَال ذَلِك أدنى أهل الْجنَّة منزلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وَذكر مُسلم أَيْضا عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَأَلَ مُوسَى ربه مَا أدنى أهل الْجنَّة منزلَة قَالَ هُوَ رجل يَجِيء بَعْدَمَا أَدخل أهل الْجنَّة الْجنَّة فَيُقَال لَهُ ادخل الْجنَّة فَيَقُول أَي رب كَيفَ وَقد نزل النَّاس مَنَازِلهمْ وَأخذُوا أخذتهم فَيُقَال لَهُ أترضى أَن يكون لَك مثل ملك ملك من مُلُوك الدُّنْيَا فَيَقُول رضيت رب فَيَقُول لَك ذَلِك وَمثله وَمثله وَمثله وَمثله فَقَالَ فِي الْخَامِسَة رضيت رَبِّي فَيَقُول هَذَا لَك وَعشرَة أَمْثَاله وَلَك مَا اشتهت نَفسك ولذت عَيْنك فَيَقُول رضيت رب قَالَ رَبِّي فأعلاهم منزلَة قَالَ أُولَئِكَ الَّذين أردْت غرست كرامتهم بيَدي وختمت عَلَيْهَا فَلم تَرَ عين وَلم تسمع أذن وَلم يخْطر على قلب بشر قَالَ ومصداقه فِي كتاب الله عز وَجل {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَذكر النَّسَائِيّ من حَدِيث أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يعْطى الْمُؤمن فِي الْجنَّة قُوَّة كَذَا وَكَذَا من الْجِمَاع قَالُوا يَا رَسُول الله أَو يُطيق ذَلِك قَالَ يعْطى قُوَّة مائَة وَذكر الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قيل يَا رَسُول الله أنفضي إِلَى نسائنا فِي الْجنَّة فَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الرجل ليفضي فِي الْيَوْم الْوَاحِد إِلَى مائَة عذراء وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أهل الْجنَّة إِذا جامعوا نِسَاءَهُمْ عَادوا أَبْكَارًا وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله هَل فِي الْجنَّة من خيل قَالَ إِن الله أدْخلك الْجنَّة فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 تشَاء أَن تحمل فِيهَا على فرس من ياقوتة حَمْرَاء تطير بك فِي الْجنَّة حَيْثُ شِئْت إِلَّا كَانَ فَقَالَ آخر هَل فِي الْجنَّة من إبل فَلم يقل لَهُ مَا قَالَ لصَاحبه فَقَالَ إِن يدْخلك الله الْجنَّة يكن لَك فِيهَا مَا اشتهت نَفسك ولذت عَيْنك وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة مَا بَين كل دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض والفردوس أَعْلَاهَا دَرَجَة وَمِنْهَا تفجر أَنهَار الْجنَّة الْأَرْبَعَة وَمن فَوْقهَا يكون الْعَرْش فَإِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس وَذكر التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة مَا بَين كل دَرَجَتَيْنِ مائَة عَام وَذكر التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة لَو أَن الْعَالمين اجْتَمعُوا فِي أحداهن لوسعتهم وَذكر الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وملاطها الْمسك رَوَاهُ هناد بن السّري عَن عُثْمَان بن زفر عَن زُهَيْر عَن مُعَاوِيَة عَن رجل وَهُوَ سعد الطَّائِي عَن أبي مُجَاهِد عَن أبي المدله عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله أخبرنَا عَن الْجنَّة مَا بناؤها قَالَ لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة ملاطها الْمسك الأذفر وحصباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوت من يدخلهَا ينعم وَلَا يبأس ويخلد وَلَا يَمُوت وَلَا يفنى شبابه وَلَا تبلى ثِيَابه وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن ابْن صباد سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تربة الْجنَّة قَالَ در مَكَّة بَيْضَاء ومسك خَالص وَمن حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَيْضا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ صياد مَا تربة الْجنَّة قَالَ درمكة بَيْضَاء ومسك خَالص يَا أَبَا الْقَاسِم قَالَ صدقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وَذكر النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَمن شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة وَمن شرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الدُّنْيَا لم يشرب بهَا فِي الْآخِرَة ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبَاس أهل الْجنَّة وشراب أهل الْجنَّة وآنية أهل الْجنَّة وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي بكر بن عبد الله بن قيس عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جنتان من فضَّة آنيتهما وَمَا فيهمَا وجنتان من ذهب آنيتهما وَمَا فيهمَا وَمَا بَين الْقَوْم وَبَين أَن ينْظرُوا إِلَى رَبهم إِلَّا رِدَاء الْكِبْرِيَاء على وَجهه فِي جنَّة عدن وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن حَكِيم بن مُعَاوِيَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة بَحر المَاء وبحر الْعَسَل وبحر اللَّبن وبحر الْخمر ثمَّ تشقق الْأَنْهَار بعد ويروى عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأنهار الْجنَّة تخرج من تلال أَو جبال مسك ذكره الْعقيلِيّ وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة لمجتمعا للحور الْعين يرفعن بِأَصْوَات لم يسمع الْخَلَائق مثلهَا يقلن نَحن الخالدات فَلَا نبيد وَنحن الناعمات فَلَا نبأس وَنحن الراضيات فَلَا نسخط طُوبَى لمن كَانَ لنا وَكُنَّا لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وَذكر البُخَارِيّ عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب مِنْهَا بَاب يُسمى الريان لَا يدْخلهُ إِلَّا الصائمون وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمُؤمن إِذا اشْتهى الْوَلَد فِي الْجنَّة كَانَ حمله وَوَضعه وسنه فِي سَاعَة وَاحِدَة كَمَا يَشْتَهِي قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اشْتهى الْمُؤمن الْوَلَد فِي الْجنَّة كَانَ فِي سَاعَة كَمَا يَشْتَهِي وَلَكِن لَا يشتهى يُرِيد أَنه لَا توالد فِي الْجنَّة كَمَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 فصل مَا جَاءَ أَن أهل الْجنَّة لَا ينامون ذكر الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن جَابر بن عبد الله قَالَ قيل يَا رَسُول الله أَيَنَامُ أهل الْجنَّة قَالَ لَا النّوم أَخُو الْمَوْت زَاد أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ وَالْجنَّة لَا موت فِيهَا ذكره من حَدِيث جَابر أَيْضا فصل مَا جَاءَ فِي زِيَارَة أهل الْجنَّة رَبهم عز وَجل ذكر التِّرْمِذِيّ عَن سعيد بن الْمسيب أَنه لَقِي أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة أسأَل الله أَن يجمع بيني وَبَيْنك فِي سوق الْجنَّة فَقَالَ سعيد أفيها سوق قَالَ نعم أَخْبرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أهل الْجنَّة إِذا دخلوها نزلُوا فِيهَا بِفضل أَعْمَالهم ثمَّ يُؤذن لَهُم فِي مِقْدَار يَوْم الْجُمُعَة من أَيَّام الدُّنْيَا فيزورون رَبهم ويبرز لَهُم عَرْشه ويتبدى لَهُم فِي رَوْضَة من رياض الْجنَّة فتوضع لَهُم مَنَابِر من نور ومنابر من لُؤْلُؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضَّة وَيجْلس أَدْنَاهُم وَمَا فيهم دني على كُثْبَان الْمسك والكافور وَمَا يرَوْنَ أَصْحَاب الكراسي بِأَفْضَل مِنْهُم مَجْلِسا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة قلت يَا رَسُول الله وَهل نرى رَبنَا قَالَ نعم هَل تتمارون فِي رُؤْيَة الشَّمْس وَالْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر قُلْنَا لَا قَالَ كَذَلِك لَا تتمارون فِي رُؤْيَة ربكُم وَلَا يبْقى فِي ذَلِك الْمجْلس رجل إِلَّا حاضره الله محاضرة حَتَّى يَقُول للرجل مِنْهُم يَا فلَان بن فلَان أَتَذكر يَوْم كَذَا وَكَذَا إِذْ قلت كَذَا وَكَذَا فيذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 بِبَعْض غدراته فِي الدُّنْيَا فَيَقُول يَا رب أفلم تغْفر لي فَيَقُول بلَى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هَذِه فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك غشيتهم سَحَابَة من فَوْقهم فأمطرت عَلَيْهِم طيبا لم يَجدوا مثل رِيحه شَيْئا قطّ وَيَقُول رَبنَا قومُوا إِلَى مَا أَعدَدْت لكم من الْكَرَامَة فَخُذُوا مَا اشتهيتم فنأتي سوقا قد حفت بِهِ الْمَلَائِكَة فِيهِ مَا لم تنظر الْعُيُون إِلَى مثله وَلم تسمع الآذان وَلم يخْطر على الْقُلُوب فَيحمل لنا مَا اشتهينا بِغَيْر بيع وَلَا شِرَاء وَفِي ذَلِك السُّوق يلقى أهل الْجنَّة بَعضهم بَعْضًا قَالَ فَيقبل الرجل ذُو الْمنزلَة المرتفعة فَيلقى من هُوَ دونه وَمَا فيهم دني فيروعه مَا يرى عَلَيْهِ من اللبَاس فَمَا يَنْقَضِي آخر حَدِيثه حَتَّى يتخيل إِلَيْهِ مَا هُوَ أحسن مِنْهُ وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ يَنْبَغِي لأحد أَن يحزن فِيهَا ثمَّ ننصرف إِلَى مَنَازلنَا فتتلقانا أَزوَاجنَا فيقلن مرْحَبًا وَأهلا لقد جِئْت وَإِن بك من الْجمال أفضل مِمَّا فارقتنا عَلَيْهِ فَنَقُول إِنَّا زرنا الْيَوْم رَبنَا الْجَبَّار جلّ جَلَاله ويحق لَهَا أَن ننقلب بِمثل مَا انقلبنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 فصل فِي رُؤْيَة أهل الْجنَّة رَبهم ذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث صُهَيْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة نَادَى مُنَاد إِن لكم عِنْد الله موعدا قَالُوا ألم يبيض وُجُوهنَا وينجنا من النَّار ويدخلنا الْجنَّة قَالُوا بلَى فَيكْشف الْحجاب قَالَ فوَاللَّه مَا أَعْطَاهُم شَيْئا أحب إِلَيْهِم من النّظر إِلَى رَبهم تبَارك وَتَعَالَى وَذكر الْبَزَّار عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينا أهل الْجنَّة فِي نعيمهم إِذْ سَطَعَ لَهُم نور فَرفعُوا رؤوسهم فَإِذا الرب تبَارك وَتَعَالَى قد أشرف عَلَيْهِم فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْجنَّة فَذَلِك قَوْله {سَلام قولا من رب رَحِيم} قَالَ فَينْظر إِلَيْهِم وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ لَا يلتفتون إِلَى شَيْء من النَّعيم وَيبقى نوره فِي دِيَارهمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 فصل مَا جَاءَ أَن فِي الْجنَّة سوقا ذكر مُسلم من حَدِيث أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة لسوقا يأتونها كل جُمُعَة فتهب ريح الشمَال فتحثو فِي وُجُوههم وثيابهم ويزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إِلَى أَهْليهمْ وَقد ازدادوا حسنا وجمالا فَيَقُول لَهُم أهلوهم وَالله لقد ازددتم بَعدنَا حسنا وجمالا فَيَقُولُونَ وَأَنْتُم وَالله لقد ازددتم بَعدنَا حسنا وجمالا وأنشدوا لمن ظلّ بجنات الخلود ... يبرد حر أنفاس العميد يرد من الصِّبَا مَا كَانَ غضا ... ويطلع فَوْقه نجم السُّعُود وَيجمع قاصيات للأماني ... شردن عَلَيْك أَيَّام الشرود وزد مَا شِئْت من أمل بعيد ... فقد أسعفت بالأمل الْبعيد لمن تِلْكَ الْقُصُور مشيدات ... وَلَيْسَ كَمَا عهِدت من المشيد قُصُور مَا قُصُور مَا قُصُور ... تريك عجائب الْملك الحميد ذهبت لوصفها فعجزت عَنهُ ... كعجز المَاء يذهب للصعود لمن تِلْكَ القباب مكللات ... يطيب الْعَيْش والعمر المديد أَمَان من تصاريف اللَّيَالِي ... وإسعاد جَدِيد فِي جَدِيد ملئن بِكُل قَاصِرَة لعوب ... تلألأ فَوق مطْلعهَا السعيد كَأَن الْحسن خص بهَا رَوَاهَا ... فَلَيْسَ على رَوَاهَا من مزِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 تماشى من شذاها فِي رياض ... وتخطر من سناها فِي برود يحار الطّرف من نظر إِلَيْهَا ... ويشخص فِي خدود أَو قدود عجبت لَهَا ولي تَدْنُو وأنأى ... وتدعوني وَأعْرض فِي صدود وَمَا هَذَا كمو إِلَّا لِأَنِّي ... نزلت بهامتي تَحت الصَّعِيد وَأعظم حسرة من ذَاك جهلي ... بخالقها وجهلي بالوعيد وَلَو أَنِّي استضأت بِنور علم ... يوفقني على الرَّأْي السديد لآثرت الْإِلَه وَلم ألاحظ ... سواهُ من طريف أَو تليد وَلَكِنِّي وَردت حِيَاض دنيا ... شرعت بِهن فِي مَاء صديد على علم وَردت بِسوء رَأْي ... وجهلي بالمقاصد والعقود فَمن لي والمنى حُلْو جناها ... ومنهلها شهي للورود بِعلم مؤيد فطن لَبِيب ... وتوبة حَازِم جلد شَدِيد تريه الْبَدْر فِي ظلم الدياجي ... وتنهضه بأثقال العهود لَعَلَّ عوارف الرَّحْمَن تصفو ... بِذَاكَ على سؤول مستزيد فتورده موارد صافيات ... كطعم الْمسك بالعذب البرود وَإِلَّا صب فِي مهوى عميق ... ودحرج من ذرى طود بعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي صفة النَّار وَصفَة أَهلهَا وَمَا أعد الله لَهُم فِيهَا قَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا بِآيَاتِنَا سَوف نصليهم نَارا كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا ليذوقوا الْعَذَاب إِن الله كَانَ عَزِيزًا حكيما} إِن الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط وَكَذَلِكَ نجزي الْمُجْرمين لَهُم من جَهَنَّم مهاد من فَوْقهم غواش وَكَذَلِكَ نجزي الظَّالِمين {لَو يعلم الَّذين كفرُوا حِين لَا يكفون عَن وُجُوههم النَّار وَلَا عَن ظُهُورهمْ وَلَا هم ينْصرُونَ بل تأتيهم بَغْتَة فتبهتهم فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ردهَا وَلَا هم ينظرُونَ} {فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار يصب من فَوق رؤوسهم الْحَمِيم يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم والجلود وَلَهُم مَقَامِع من حَدِيد كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم أعيدوا فِيهَا وذوقوا عَذَاب الْحَرِيق} {تلفح وُجُوههم النَّار وهم فِيهَا كَالِحُونَ} أُولَئِكَ الأغلال فِي أَعْنَاقهم والسلاسل يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم ثمَّ فِي النَّار يسجرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وَالَّذين كفرُوا لَهُم نَار جَهَنَّم لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا وَلَا يُخَفف عَنْهُم من عَذَابهَا كَذَلِك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فِيهَا رَبنَا أخرجنَا نعمل صَالحا غير الَّذِي كُنَّا نعمل أَو لم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر وَجَاءَكُم النذير فَذُوقُوا فَمَا للظالمين من نصير إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم كَالْمهْلِ يغلي فِي الْبُطُون كغلي الْحَمِيم خذوه فاعتلوه إِلَى سَوَاء الْجَحِيم ثمَّ صبوا فَوق رَأسه من عَذَاب الْحَمِيم ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم وَأَصْحَاب الشمَال مَا أَصْحَاب الشمَال فِي سموم وحميم وظل من يحموم لَا بَارِد وَلَا كريم {خذوه فغلوه ثمَّ الْجَحِيم صلوه ثمَّ فِي سلسلة ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسلكوه إِنَّه كَانَ لَا يُؤمن بِاللَّه الْعَظِيم وَلَا يحض على طَعَام الْمِسْكِين فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَا هُنَا حميم وَلَا طَعَام إِلَّا من غسلين لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون} {إِن لدينا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّة وَعَذَابًا أَلِيمًا} {إِن جَهَنَّم كَانَت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فِيهَا أحقابا لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا إِلَّا حميما وغساقا جَزَاء وفَاقا إِنَّهُم كَانُوا لَا يرجون حسابا وكذبوا بِآيَاتِنَا كذابا وكل شَيْء أحصيناه كتابا فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدكُمْ إِلَّا عذَابا} {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نَارا حامية تسقى من عين آنِية لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع لَا يسمن وَلَا يُغني من جوع} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما خلق الله الْجنَّة قَالَ لجبريل اذْهَبْ فَانْظُر إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعدَدْت لأَهْلهَا فِيهَا فَذهب فَنظر إِلَيْهَا فَقَالَ وَعزَّتك لَا يسمع بهَا أحد إِلَّا دَخلهَا فحفها بالمكاره فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُر إِلَيْهَا فَذهب فَنظر إِلَيْهَا ثمَّ جَاءَ فَقَالَ وَعزَّتك لقد خشيت أَن لَا يدخلهَا أحد قَالَ وَلما خلق الله النَّار قَالَ لجبريل اذْهَبْ فَانْظُر إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعدَدْت لأَهْلهَا فِيهَا فَذهب فَنظر إِلَيْهَا ثمَّ جَاءَ فَقَالَ وَعزَّتك لَا يسمع بهَا أحد فيدخلها فحفها بالشهوات فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُر إِلَيْهَا فَذهب فَنظر إِلَيْهَا فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ وَعزَّتك لقد خشيت أَن لَا يبْقى أحد إِلَّا دَخلهَا وَذكر مُسلم من حَدِيث سُفْيَان عَن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بجهنم يَوْمئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها وَمن حَدِيث مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَاركُمْ هَذِه الَّتِي توقدون جُزْء من سبعين جُزْءا من نَار جَهَنَّم قَالُوا وَالله إِن كَانَت لكَافِيَة يَا رَسُول الله قَالَ فَأَنَّهَا فضلت عَلَيْهَا بِتِسْعَة وَسِتِّينَ جُزْءا كلهَا مثل حرهَا وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاركُمْ هَذِه جُزْء من سبعين جُزْءا من نَار جَهَنَّم وَلَوْلَا أَنَّهَا ضربت بِالْمَاءِ مرَّتَيْنِ لما كَانَ لأحد فِيهَا مَنْفَعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أوقد على النَّار ألف سنة حَتَّى احْمَرَّتْ ثمَّ أوقد عَلَيْهَا ألف سنة حَتَّى ابْيَضَّتْ ثمَّ أوقد عَلَيْهَا ألف سنة حَتَّى اسودت فَهِيَ سَوْدَاء مظْلمَة وَمن حَدِيث مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ سمع وجبة فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَا هَذَا قُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ هَذَا حجر رمي بِهِ فِي النَّار مُنْذُ سبعين خَرِيفًا فَهُوَ يهوي فِي النَّار الْآن حَتَّى انْتهى إِلَى قعرها ويروى أَن لَهب النَّار يرفع أهل النَّار حَتَّى يطيروا كَمَا يطير الشرر فَإِذا رفعهم أشرفوا على الْجنَّة وَبينهمْ حجاب ونادى أَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب النَّار أَن قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل وجدْتُم مَا وعدربكم حَقًا قَالُوا نعم فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين ونادى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجنَّة أَن أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله قَالُوا إِن الله حرمهما على الْكَافرين فتردهم مَلَائِكَة الْعَذَاب بمقامع الْحَدِيد إِلَى قَعْر جَهَنَّم قَالَ بعض الْمُفَسّرين هُوَ معنى قَوْله تَعَالَى كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا وَقيل لَهُم ذوقوا عَذَاب النَّار الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون ولعلك تَقول وَكَيف يرى أهل الْجنَّة أهل النَّار وَأهل النَّار أهل الْجنَّة وَبينهمْ مَا بَينهم من الْمسَافَة أَو كَيفَ يسمع بَعضهم كَلَام بعض وَبينهمْ مَا بَينهم من الْمسَافَة وَغلظ الْحجاب فَيُقَال لَك لَا تقل هَذَا فَإِن الله تَعَالَى يُقَوي أَبْصَارهم وأسماعهم حَتَّى يرى بَعضهم بَعْضًا وَيسمع بَعضهم بَعْضًا وَهَذَا قريب فِي الْقُدْرَة جدا وَإِذا تأملته وجدته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن قَطْرَة من الزقوم قطرت فِي دَار الدُّنْيَا لأفسدت على أهل الدُّنْيَا مَعَايشهمْ فَكيف بِمن يكون طعامهم وَمن حَدِيثه أَيْضا عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلو أَن رصاصة مثل هَذِه وَأَشَارَ إِلَى مثل الجمجمة أرْسلت من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَهِي مسيرَة خَمْسمِائَة سنة لبلغت الأَرْض قبل اللَّيْل وَلَو أَنَّهَا أرْسلت من رَأس السلسلة لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا اللَّيْل وَالنَّهَار قبل أَن تبلغ أَصْلهَا أَو قعرها وَمن حَدِيث قَاسم بن أصبغ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن دلوا من غساق يهراق فِي الدُّنْيَا لأنتن أهل الدُّنْيَا وَبِهَذَا الْإِسْنَاد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ ويل وَاد فِي جَهَنَّم يهوي فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قبل أَن يبلغ قَعْره والصعود جبل من نَار يتَصَعَّد فِيهِ سبعين خَرِيفًا ثمَّ يهوي كَذَلِك أبدا قَالَ قَاسم بن أصبغ وَبِهَذَا الاسناد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن مِقْمَعًا من حَدِيد وضع على الأَرْض فَاجْتمع الثَّقَلَان مَا أَقلوهُ من الأَرْض وَبِهَذَا الْإِسْنَاد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَو ضرب بمقمع من حَدِيد الْجَبَل لتفتت فَصَارَ غبارا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج عنق من النَّار يَوْم الْقِيَامَة لَهُ عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينْطق يَقُول إِنِّي وكلت بِثَلَاثَة بِمن جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر وَبِكُل جَبَّار عنيد وبالمصورين وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى ويسقى من مَاء صديد يتجرعه وَلَا يكَاد يسيغه قَالَ يقرب إِلَى فِيهِ فيكرهه فَإِذا أدني مِنْهُ شوى وَجهه وَوَقعت فَرْوَة رَأسه فَإِذا شربه قطع أمعاءه حَتَّى يخرج من دبره يَقُول الله عز وَجل وَسقوا مَاء حميما فَقطع أمعاءهم وَيَقُول وَإِن يستغيثوا يغاثوا بِمَاء كَالْمهْلِ يشوي الْوُجُوه بئس الشَّرَاب وَسَاءَتْ مرتفقا وَذكر من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْحَمِيم ليصب على رؤوسهم فَينفذ الْحَمِيم حَتَّى يخلص إِلَى جَوْفه فيسلت مَا فِي جَوْفه حَتَّى يَمْرُق من قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصهر ثمَّ يُعَاد كَمَا كَانَ وَذكر مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت عَمْرو بن لحي بن قمعة بن خندف أخابني كَعْب يجر قصبه فِي النَّار وَقد تقدم والقصب الأمعاء وَمن حَدِيث مُسلم عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بأنعم أهل الدُّنْيَا من أهل النَّار يَوْم الْقِيَامَة فيصبغ فِي النَّار صبغة ثمَّ يُقَال لَهُ يَا ابْن آدم هَل رَأَيْت خيرا قطّ هَل مر بك نعيم قطّ فَيَقُول لَا وَالله يَا رب وَيُؤْتى بأشد النَّاس بؤسا فِي الدُّنْيَا من أهل الْجنَّة فيصبغ فِي الْجنَّة صبغة فَيُقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 لَهُ يَا ابْن آدم هَل رَأَيْت بؤسا قطّ هَل مر بك شدَّة قطّ فَيَقُول لَا وَالله يَا رب مَا مر بِي بؤس قطّ وَلَا رَأَيْت شدَّة قطّ وَذكر الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ فِي الْمَسْجِد مائَة ألف أَو يزِيدُونَ ثمَّ تنفس رجل من أهل النَّار لأحرقهم وَمن حَدِيث مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرس الْكَافِر أَو نَاب الْكَافِر مثل أحد وَغلظ جلده مسيرَة ثَلَاث وَذكر مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ قَالَ مَا بَين مَنْكِبي الْكَافِر فِي النَّار مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام للراكب المسرع وَذكر مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ قَالَ مَا بَين مَنْكِبي الْكَافِر فِي النَّار مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام للراكب المسرع وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن غلظ جلد الْكَافِر اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا وَإِن ضرسه مثل أحد وَإِن مَجْلِسه فِي جَهَنَّم كَمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلقى على أهل النَّار الْجُوع فيعدل مَا هم فِيهِ من الْعَذَاب فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَام من ضَرِيع لَا يسمن وَلَا يُغني من جوع فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ فَيُغَاثُونَ بِطَعَام ذِي غُصَّة فيتذكرون أَنهم كَانُوا يجيزون الْغصَص فِي الدُّنْيَا بِالشرابِ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشرابِ فَيدْفَع إِلَيْهِم الْحَمِيم بِكَلَالِيب الْحَدِيد فَإِذا دنت من وُجُوههم شَوَتْ وُجُوههم فَإِذا دخلت بطونهم قطعت مَا فِي بطونهم فَيَقُولُونَ ادعوا خَزَنَة جَهَنَّم عساهم يخففون عَنَّا فَيَقُولُونَ لَهُم أولم تَكُ تَأْتيكُمْ رسلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بلَى قَالُوا فَادعوا وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال فَيَقُولُونَ ادعوا مَالِكًا فَيَقُولُونَ يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك فَيُجِيبهُمْ إِنَّكُم مَاكِثُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 قَالَ سُلَيْمَان بن مهْرَان الْأَعْمَش نبئت أَن بَين دُعَائِهِمْ وَإجَابَة مَالك لَهُم مِقْدَار ألف عَام قَالَ فَيَقُولُونَ ادعوا ربكُم فَلَا أحد خير مِنْهُ فَيَقُولُونَ رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فَإنَّا ظَالِمُونَ قَالَ فَيُجِيبهُمْ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون فَعِنْدَ ذَلِك يئسوا من كل خير وَعند ذَلِك يَأْخُذُونَ فِي الزَّفِير وَالْحَسْرَة وَالْوَيْل وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْكَافِر ليسحب لِسَانه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه النَّاس ويروى عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيهَا النَّاس ابكوا فَإِن لم تبكوا فتباكوا فَإِن أهل النَّار يَبْكُونَ فِي النَّار الدُّمُوع حَتَّى تَنْقَطِع ثمَّ يَبْكُونَ الدِّمَاء حَتَّى تصير الدِّمَاء فِي خدودهم كأمثال الجداول وَلَو أجريت فِيهَا السفن لجرت ذكره التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَذكر مُسلم عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله عز وَجل لأهون أهل النَّار عذَابا لَو كَانَت لَك الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا أَكنت مفتديا بهَا فَيَقُول نعم فَيَقُول قد أردْت مِنْك أَهْون من هَذَا وَأَنت فِي صلب آدم أَن لَا تشرك أَحْسبهُ قَالَ وَلَا أدْخلك النَّار فأبيت إِلَّا الشّرك وَذكر البُخَارِيّ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله عز وَجل لأهون أهل النَّار عذَابا يَوْم الْقِيَامَة لَو أَن لَك مَا فِي الأَرْض من شَيْء أَكنت تَفْتَدِي بِهِ فَيَقُول نعم فَيَقُول قد أردْت مِنْك أَهْون من هَذَا وَأَنت فِي صلب آدم أَن لَا تشرك بِي شَيْئا فأبيت إِلَّا الشّرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 ويروى من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن جَهَنَّم لما سيق إِلَيْهَا أَهلهَا تلقتهم بعنف فلفحتهم لفحة لم تتْرك لَحْمًا على عظم إِلَّا ألقته على العرقوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 فصل ذكر أَهْون أهل النَّار عذَابا ذكر مُسلم عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَنه قَالَ يَا رَسُول الله هَل نَفَعت أَبَا طَالب بِشَيْء فَإِنَّهُ كَانَ يحوطك ويغضب لَك قَالَ نعم هُوَ فِي ضحضاح من نَار وَلَوْلَا أَنا لَكَانَ فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار وَذكر مُسلم أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن الْحَارِث قَالَ سَمِعت الْعَبَّاس يَقُول قلت يَا رَسُول الله إِن أَبَا طَالب كَانَ يحوطك وينصرك ويغضب لَك فَهَل نَفعه ذَلِك قَالَ نعم وجدته فِي غَمَرَات من النَّار فَأَخْرَجته إِلَى ضحضاح وَذكر مُسلم عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا من لَهُ نَعْلَانِ وشراكان من نَار يغلي مِنْهُمَا دماغه كَمَا يغلي الْمرجل مَا يرى أَن أحدا أَشد عذَابا مِنْهُ وَإنَّهُ لأهونهم عذَابا وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر عِنْده عَمه أَبُو طَالب فَقَالَ لَعَلَّه تَنْفَعهُ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة فَيجْعَل فِي ضحضاح من نَار يبلغ كعبيه يغلي مِنْهُ دماغه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وَذكر مُسلم أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَهْون أهل النَّار عذَابا أَبُو طَالب وَهُوَ منتعل بنعلين من نَار يغلي مِنْهُمَا دماغه وَذكر مُسلم أَيْضا من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا يَوْم الْقِيَامَة لرجل يوضع فِي أَخْمص قَدَمَيْهِ جمرتان يغلي مِنْهُمَا دماغه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 فصل ذكر من أَشد النَّاس عذَابا ذكر قَاسم بن أصبغ من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَشد النَّاس عذَابا عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة رجل قتل نَبيا أَو قَتله نَبِي أَو مُصَور يصور التماثيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 فصل أَخذ النَّار الْمُعَذَّبين على قدر أَعْمَالهم ذكر مُسلم من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن مِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى كعبيه وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى حجزته وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى عُنُقه وَعنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى كعبيه وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى حجزته وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى ترقوته وَذكر الْبَزَّار من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا رجل منتعل بنعلين من نَار يغلي مِنْهُمَا دماغه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ ذكر الخلود ذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يجمع الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي صَعِيد وَاحِد ثمَّ يطلع عَلَيْهِم رب الْعَالمين فَيَقُول أَلا ليتبع كل إِنْسَان مَا كَانَ يعبد فيتمثل لصَاحب الصَّلِيب صليبه وَلِصَاحِب التصاوير تصاويره وَلِصَاحِب النَّار ناره فيتبعون مَا كَانُوا يعْبدُونَ وَيبقى الْمُسلمُونَ فَيطلع عَلَيْهِم رب الْعَالمين فَيَقُول أَلا تتبعون النَّاس فَيَقُولُونَ نَعُوذ بِاللَّه مِنْك الله رَبنَا هَذَا مَكَاننَا حَتَّى نرى رَبنَا وَهُوَ يَأْمُرهُم ويثبتهم قَالُوا وَهل نرَاهُ يَا رَسُول الله قَالَ وَهل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر قَالُوا لَا يَا رَسُول الله قَالَ فَإِنَّكُم لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَته تِلْكَ السَّاعَة ثمَّ يتَوَارَى ثمَّ يطلع فيعرفهم نَفسه ثمَّ يَقُول أَنا ربكُم فَاتبعُوني فَيقوم الْمُسلمُونَ وَيُوضَع الصِّرَاط فيمر عَلَيْهِ مثل جِيَاد الْخَيل والركاب وَقَوْلهمْ عَلَيْهِ سلم سلم وَيبقى أهل النَّار فيطرح مِنْهُم فِيهَا فَوْج ثمَّ يُقَال لَهَا هَل امْتَلَأت فَتَقول هَل من مزِيد حَتَّى إِذا أوعبوا فِيهَا وضع الرَّحْمَن قدمه فِيهَا وأزوى بَعْضهَا إِلَى بعض ثمَّ قَالَ قطّ قَالَت قطّ قطّ فَإِذا أَدخل الله أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار أُتِي بِالْمَوْتِ ملببا فَيُوقف على السُّور الَّذِي بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار ثمَّ يُقَال يَا أهل الْجنَّة فيطلعون خَائِفين ثمَّ يُقَال يَا أهل النَّار فيطلعون مستبشرين يرجون الشَّفَاعَة فَيُقَال لأهل الْجنَّة وَأهل النَّار هَل تعرفُون هَذَا فَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء قد عَرفْنَاهُ هُوَ الْمَوْت الَّذِي وكل بِنَا فيضجع فَيذْبَح ذبحا على السُّور ثمَّ يُقَال يَا أهل الْجنَّة خُلُود لَا موت وَيَا أهل النَّار خُلُود لَا موت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وَذكر هناد بن السّري من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُوقف على الصِّرَاط فَيُقَال يَا أهل الْجنَّة فيطلعون خَائِفين أَن يخرجُوا من مكانهم الَّذِي هم فِيهِ ثمَّ يُقَال يَا أهل النَّار فيطلعون مستبشرين فرحين أَن يخرجُوا من مكانهم الَّذِي هم فِيهِ فَيُقَال هَل تعرفُون هَذَا فَيَقُولُونَ نعم رَبنَا هَذَا الْمَوْت فَيُؤْمَر بِهِ فَيذْبَح على الصِّرَاط ثمَّ يُقَال لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا خُلُود فِيمَا تَجِدُونَ لَا موت فِيهَا أبدا وَذكر مُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار فَيُقَال يَا أهل الْجنَّة هَل تعرفُون هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نعم هَذَا الْمَوْت ثمَّ يُقَال يَا أهل النَّار هَل تعرفُون هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نعم هَذَا الْمَوْت قَالَ فَيُؤْمَر بِهِ فَيذْبَح ثمَّ يُقَال يَا أهل الْجنَّة خُلُود فَلَا موت وَيَا أهل النَّار خُلُود فَلَا موت ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذا قضي الْأَمر وهم فِي غَفلَة وهم لَا يُؤمنُونَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا وَذكر مُسلم من حَدِيث نَافِع أَن عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل الله أهل الْجنَّة الْجنَّة وَيدخل أهل النَّار النَّار ثمَّ يقوم مُؤذن بَينهم فَيَقُول يَا أهل الْجنَّة لَا موت وَيَا أهل النَّار لَا موت كل خَالِد فِيمَا هُوَ فِيهِ وَذكر أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا صَار أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَصَارَ أهل النَّار إِلَى النَّار أُتِي بِالْمَوْتِ حَتَّى يَجْعَل بَين الْجنَّة وَالنَّار ثمَّ يذبح ثمَّ يُنَادي مُنَاد يَا أهل الْجنَّة لَا موت وَيَا أهل النَّار لَا موت فَيَزْدَاد أهل الْجنَّة فَرحا إِلَى فَرَحهمْ ويزداد أهل النَّار حزنا إِلَى حزنهمْ وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَفعه قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 الْقِيَامَة أُتِي بِالْمَوْتِ كالكبش الأملح فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار فَيذْبَح وهم ينظرُونَ فَلَو أَن أحدا مَاتَ فَرحا لمات أهل الْجنَّة وَلَو أَن أحدا مَاتَ حزنا لمات أهل النَّار وَذكر الْبَزَّار من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كتب عَلَيْهِ الخلود لم يخرج مِنْهَا يَعْنِي من النَّار وأنشدوا أما سَمِعت بِأَهْل النَّار فِي النَّار ... وَعَن مقاساة مَا يلقون فِي النَّار أما سَمِعت بأكباد لَهُم صدعت ... خوفًا من النَّار قد ذَابَتْ على النَّار أما سَمِعت بأغلال تناط بهم ... فيسحبون بهَا سحبا على النَّار أما سَمِعت بِضيق فِي مجَالِسهمْ ... وَفِي الْفِرَار وَلَا فرار فِي النَّار أما سَمِعت بحيات تدب بهَا ... إِلَيْهِم أم خلقت من خَالص النَّار أما سَمِعت بِأَنْفَاسِ لَهُم حبست ... عَن التنفس من حرارة النَّار أما سَمِعت بأجساد لَهُم نَضِجَتْ ... من الْعَذَاب وَمن غلي على النَّار أما سَمِعت بِمَا يكلفون بِهِ ... من ارتقاء جبال النَّار فِي النَّار حَتَّى إِذا مَا علوا على شواهقها ... صبوا بعنف إِلَى أسافل النَّار أما سَمِعت بزقوم يسوغه ... مَاء صديد وَلَا تسويغ فِي النَّار يسقون مِنْهُ كئوسا ملئت سقما ... ترمي بأمعائهم رميا على النَّار يشوي الْوُجُوه وُجُوهًا ألبست ظلما ... بئس الشَّرَاب شراب سَاكِني النَّار وَلَا ينامون إِن طَاف الْمَنَام بهم ... وَلَا مَنَام لأهل النَّار فِي النَّار إِن يستقيلوا فَلَا تقال عثرتهم ... أَو يستغيثوا فَلَا غياث فِي النَّار وَإِن أَرَادوا خُرُوجًا رد خارجهم ... بمقمع النَّار مَدْحُورًا إِلَى النَّار فهم إل النَّار مدفوعون بالنَّار ... وهم من النَّار يهرعون للنار مَا أَن يُخَفف عَنْهُم من عَذَابهمْ ... وَلَا تفتر عَنْهُم سُورَة النَّار فَهَذِهِ صدعت أكباد سامعها ... من ذِي الحجى وَمن التخليد فِي النَّار وَلَو يكون إِلَى وَقت عَذَابهمْ ... فِي النَّار هون ذاكم لفحة النَّار فيا إلهي وَمن أَحْكَامه سبقت ... فِي الْفرْقَتَيْنِ من الجنات وَالنَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 رحماك يَا رب فِي ضعْفي وَفِي ضعتي ... فَمَا وجودك لي صَبر على النَّار وَلَا على حر شمس إِن برزت لَهَا ... فَكيف أَصْبِر يَا مولَايَ للنار فَإِن تغمدني عَفْو وثقت بِهِ ... مِنْكُم وَإِلَّا فَإِنِّي طعمة النَّار وَنحن نستعيذ بِاللَّه من عَذَابه الَّذِي لَا يقوم لَهُ جَمِيع الْوُجُود فَكيف الحشرات مِنْهُ والدود وَمن غَضَبه الَّذِي لَا يُسْتَطَاع ذكره وَلَا يقدر قدره ونسأله رَحمته الَّتِي ننقلب مِنْهَا بأفعالنا ونتباعد عَنْهَا بقبيح أَعمالنَا بمنه وَطوله لَا رب غَيره وَلَا معبود سواهُ وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 جَاءَ فِي آخر نُسْخَة الْيمن الجنوبية مَا نَصه كمل كتاب الْعَاقِبَة للْإِمَام الْعَلامَة عبد الْحق الْأَزْدِيّ الْمَالِكِي الأندلسي بِحَمْد الله وَحسن عونه وتوفيقه وَوَافَقَ الْفَرَاغ مِنْهُ فِي ثَانِي شهر ربيع الآخر من شهور سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه ووارثيه وَحزبه وَمن تبعه إِلَى يَوْم الدّين وَسلم تتميم كِتَابَة هَذَا الْكتاب الْمُسَمّى كتاب الْعَاقِبَة بقلم السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الزواوي وجله مَا عدا المرقع بقلم سيدنَا الشَّيْخ الْكَبِير مُحَمَّد بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف نفع الله بهم وَجَاء فِي آخر نُسْخَة شستربتي مَا نَصه تمّ كتاب الْعَاقِبَة بِحَمْد الله تَعَالَى وفضله وعونه وتوفيقه وَمِنْه بتاريخ سلخ ربيع الآخر من شهور سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَجَاء فِي آخر نُسْخَة المكتبة الأزهرية مَا نَصه تمّ كتاب الْعَاقِبَة بِحَمْد الله تَعَالَى وعونه وَحسن توفيقه على يَد كَاتبه العَبْد المفتقر إِلَى رَحْمَة ربه الْعلي أَحْمد بن علوي بن حَمْزَة الْحَنْبَلِيّ وَوَافَقَ الْفَرَاغ مِنْهُ فِي لَيْلَة أَسْفر صباحها عَن ثامن عشر رَجَب الْفَرد سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377