الكتاب: التذكرة في الوعظ المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) المحقق: أحمد عبد الوهاب فتيح الناشر: دار المعرفة - بيروت الطبعة: الأولى، 1406 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- التذكرة في الوعظ ابن الجوزي الكتاب: التذكرة في الوعظ المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) المحقق: أحمد عبد الوهاب فتيح الناشر: دار المعرفة - بيروت الطبعة: الأولى، 1406 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الْمُقدمَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل سُبْحَانَ الله مَا تعاقبت اللَّيَالِي والايام وَالْحَمْد لله عدد الشُّهُور والاعوام وَلَا اله الا الله الَّذِي لَا تتَصَوَّر عَظمته والاوهام وَالله اكبر ذُو الْجلَال والاكرام والعزة الَّتِي لاترام مدهر الدَّهْر مُدبر الامر ومقدر الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَالسّنة وَالنَّهَار والعالي فَوق كل شئ بالسلطان والقهر والجلال كل معبود دون الله بَاطِل وانه وَحده دون غَيره رب الاواخر والاوائل كَيفَ يكون غير الله معبود سواهُ وكل من تَحت عَرْشه يرجوه ويخشاه أليست الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات أليست السَّمَوَات والارض وَمَا فِيهَا بِحِكْمَتِهِ مدبرات أليست الْهلَال بتسخيره على اقطارها دائرات اليست الْعُقُول فِي فلوات تيه مَعْرفَته حائرات سُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ مَا اعظم شانه سُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ مَا ادوم سُلْطَانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 عبد تولاه الاه بِنَفسِهِ وسقاه من كاس الْمحبَّة مَا فِيهَا وَمن صفا مَعَ الله صافاه وَمن آوى الى الله اواه وَمن فوض امْرَهْ الى الله كَفاهُ وَمن بَاعَ نَفسه من الله اشْتَرَاهُ وَجعل ثمنه جنَّة وَرضَاهُ وعظ صَادِق وعهد سَابق وَمن اوفى بعهده من الله لَا يزَال العَبْد خَائفًا على نَفسه حَتَّى يدْخلهُ الله حماه وَمن اراد ان يعلم هَل هُوَ من اولياء الله فَلْينْظر كَيفَ ولاه لمن اولاه وعداوة لمن عَادَاهُ من سلك سَبِيل اهل السَّلامَة سلم وَمن لم يقبل مناصحة الناصحين نَدم لَا رزية كرزية من حرم الِاقْتِدَاء بشرائع الْمُسلمين لَا بلية كبلية من مَاتَ مصرا على مُخَالفَة رب الْعَالمين الْحَيَاة كلهَا فِي ادامة الذّكر والعافية كلهَا فِي مُوَافقَة الامر والنجاة من الْهَلَاك فِي ركُوب سفينة الْكتاب وَالسّنة والفوز فوز من زحزح عَن النَّار وادخل الْجنَّة لَيْسَ الْمَيِّت من خرجت روحه من جَنْبَيْهِ وانما الْمَيِّت من لَا يفقه مَاذَا لرَبه من الْحُقُوق عَلَيْهِ الْكَرَامَة كَرَامَة التَّقْوَى والعز عز الطَّاعَة والانس انس الاحسان والوحشة وَحْشَة الاساءة وكل مُصِيبَة لَا يكون الله عَنْك فِيهَا معرضًا فَهِيَ نعْمَة الْغَفْلَة عَن الله مَا قدحنا شئ غَيره وَلَوْلَا الْجَهْل بعظمة الله مَا زغنا عَن امْرَهْ وَلَوْلَا الاغترار بِحكم الله مَا اصررنا على مَعْصِيَته وَلَوْلَا الْإِسَاءَة فِيمَا بَيْننَا وَبَين الله مَا استوحشنا من كِتَابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 كونُوا كَمَا امركم الله يكن لكم كَمَا وَعدكُم اجيبوا الله اذا دعَاكُمْ يجبكم اذا دعوتموه اعطوا الله مَا طلبه من طَاعَته يعطكم من رَحمته مَا طلبتموه مثل الْعِبَادَة بِغَيْر اخلاص مثل الحدقة بِلَا نَاظر تَسْمِيَة الله فِي ابْتِدَاء كل امْر نجاح ذَلِك الامر استهداء الله فِي كل مَسْلَك امان للسائر من الضلال ايها النَّاس من اكرم على الله مِنْكُم لَو اكرمتم انفسكم بالتقوى من اولى بِاللَّه مِنْكُم لَو احكمتم فِيمَا بَيْنكُم وَبَينه عقد الْوَلَاء من اقْربْ الى الله مِنْكُم لَو آثرتم الْقرب على النَّوَى لَو عرف الانسان قدر نَفسه مادساها بِمَعْصِيَة الله وَلَا دنس عرضه بِسوء ثَنَاء الْحفظَة عَلَيْهِ فِي حَضْرَة مَوْلَاهُ وَلَا يؤنس فِي وَحْشَة الْقَبْر الا الْعَمَل الصَّالح وَلَا يُطْفِئ لَهب النَّار إِلَّا نور الايمان وَلَا يثبت الْقدَم على الصِّرَاط إِلَّا الاسْتقَامَة فِي السلوك الرب خَالق وَالْعَبْد مَخْلُوق وَلَا نِسْبَة بَين الْخَالِق والمخلوق الا بِوَاسِطَة الارتباط عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ بكتابه الذى انزله عَلَيْهِ فاعملوا بِالْكتاب وتابعوا السّنة تتخلصوا من الْعَذَاب وتحصلوا على الْجنَّة وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الْمجْلس الأول نعم الله تستوجب شكره الْحَمد لله الَّذِي ايسر نعمه مَا يسْتَوْجب شكر الشَّاكِرِينَ وقطرة من بحار كرمه تعم جَمِيع الْعَالمين تملأ الْقُلُوب فَرحا بالموهبة الْيَسِيرَة من هباته وتحير الْقُلُوب دهشا بِالْآيَةِ اللطيفة من بَدَائِع آيَاته قتل ملك الارض كلهَا ببعوضة دخلت انفه وَأغْرقَ الَّذِي قَالَ انا ربكُم الْأَعْلَى بقطرة اوردته حتفه وَهل اغرق فِرْعَوْن من تيار ذَلِك المَاء الا قَطْرَة حَالَتْ بَينه وَبَين شم الْهَوَاء يجوع الْملك الْعَظِيم من مُلُوك الارض سَاعَة ثمَّ يلقى كسرة فتملأ قلبه سُرُورًا ويبتلي الاسد الضاري بذباب يسْقط على عينه فيظل فِي قَبضته اسيرا ويسلط الْحَيَّة الصَّغِيرَة على الْفِيل الْعَظِيم فيخر منجدلا عقيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وَمَا كَانَ الله ليعجزه من شئ فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الأَرْض إِنَّه كَانَ عليما قَدِيرًا اذا اكتنفتك عِظَام الْأُمُور وَلم تَرَ مِنْهَا عَلَيْهَا مجيرا وصيرك الْهم فِي قَبْضَة من النايبات اسيرا حسيرا هُنَالك فارج الْكَرِيم الَّذِي يصير كل عسير يسيراعليا كَبِيرا عليما قديرالطيفا خَبِيرا سميعا بصيراهو المنشئ الْخلق من قَبضته فعبدا شكُورًا وعبدا كفورا وعبدا سعيدا وعبدا غَنِيا وعبدا شقيا وعبدا فَقِيرا لَهُ الْفضل وَالْعدْل فِي حكمه فطورا حبورا وطورا ثبورا لَوْلَا الْخَالِق لم يكن الْمَخْلُوق شَيْئا مَذْكُورا وَلَوْلَا الرازق لم يملك المرزوق فتيلا وَلَا نقيرا كم من نعْمَة قد انْعمْ الله بهَا علينا وَكم من حَسَنَة قد سَاقهَا الله الينا عَافَانَا فِي ادياننا من الْكفْر وَفِي ابداننا من الضّر واخرجنا من اصلاب آبَائِنَا مُسلمين وأنشأنا بَين اخوان مُؤمنين وَجعل لساننا الَّذِي نتكلم بِهِ من افصح الْأَلْسِنَة لهجة وطريقنا الَّذِي نسلك بِهِ اليه من اوضح الطّرق محجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فَبِأَي شكر نقابل نعْمَة علينا وَبِأَيِّ جَزَاء نكافيء احسانه الينا سُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ مَا قَامَ اُحْدُ من خلقه بِحَقِيقَة شكره وَلَا اثنى عَلَيْهِ مثن من عباده كَمَا اثنى هُوَ نَفسه وَلَا قدره مَخْلُوق حق قدره لَان ذَلِك كُله مَوْقُوف على الْمعرفَة بِهِ وَهِي بَحر مَا بلغ اُحْدُ الى قَعْره سُبْحَانَهُ سُبْحَانَهُ مَا اسبغ انعمه واعدل احكامه لَو اننا شكرنا كَمَا فِي وسعنا لأوسعنا مزيدا وَلَو اتخذناه كَمَا يَنْبَغِي لَهُ رَبًّا لأصطفانا لنَفسِهِ عبيدا وَلَكنَّا لكشافه الْحجاب وقفنا مَعَ الْأَسْبَاب كم مُدع للتوحيد وَهُوَ مُشْرك بربه وَكم قَائِل انا عبد الله وَهُوَ عبد بَطْنه يَعْصِي ربه فِي اطاعة نَفسه وَيبِيع رضوَان الله بِرِضا مَخْلُوق مثله كم بَين مُتبع للهوى هوى نَفسه قد اتَّخذهُ الهه هَوَاهُ وَبَين ممتثل امْر ربه يشرى نَفسه ابْتِغَاء مرضاة الله اما يستحي الْمُدَّعِي لمحبة الْخَالِق ان يكون محبا لمخلوق احسن مِنْهُ فِي مُعَاملَة الحبيب ادبا وَأَصَح مِنْهُ فِي دَعْوَى الْمحبَّة نسبا رؤى مَجْنُون ليلى بعد مَوته فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ غفر لي وَقَالَ لي اذْهَبْ فقد جعلتك حجَّة على كل من ادّعى محبتي اهلونا لوصلهم ثمَّ صدوا ليروا صَبرنَا فَمَا ان صَبرنَا ثمَّ جاؤوا بِالْقربِ بعد بعاد ليروا شكرنا فَمَا ان شكرنا عذرونا فِي كل شئ سوى السلو عَنْهُم فاننا مَا عذرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 لَو عرفنَا حبيبنا مَا سلونا وَلَكِن قدره مَا قَدرنَا لَو سعدنا بوصله مَا شقينا لَو غنينا بفضله مَا افتقرنا لَو روينَا من حبه مَا ظمئنا لَو سلكنا فِي طَرِيقه مَا عثرنا هُوَ نعم الحبيب لكننا بئيس المجبون لم نطع اذا امرنا شعره من حنان مَا قربنا لَيْلَة فِي مرضاته مَا سمرنا لَو ذكرنَا مَا كَانَ مِنْهُ وَمنا لخزينا لكننا مَا ذكرنَا الزّهْد فِي الدُّنْيَا وَطلب الاخرة يَنْبَغِي للْعَبد الْمُؤمن بربه اذا نظر الى زهرَة الدُّنْيَا فدعته الى نَفسهَا برونقها البهيج ان يَقُول لَهَا بِلِسَان الْحَال اليك عني يَا سريعة الزَّوَال انما تصلحين للتشويق الى دَار لَيْسَ لساكنها عَنْهَا انْتِقَال انت خزف فان وَتلك جَوْهَر بَاقٍ فلتفرق بَين الدَّاريْنِ عقول الرِّجَال خل عَن منزل الزَّوَال والفناء ويمم نَحْو الجناب العالي منزل الْكَرَامَة والانس والب ر ونيل المنى ونيل النوال تِلْكَ وَالله دَار قوم شروها بنفيس النُّفُوس والاموال حِين زفت اليهم خطوبها ثمَّ ساقوا لَهَا المهور الغوالي قَاتلُوا دون خدرها فِي هَواهَا بصفاح بيض شَرّ غوالي ثمَّ حاموا عَنْهَا وحاموا عَلَيْهَا بورود الاوجال والآجال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 فامتطوا عزم معشر رَغِبُوا فِي ان يحلوا ساميات الْمَعَالِي سادة قادة حماة كماة محب مزل فحول وَرِجَال لبسوا للردى دروع اصطبار ولقوه بعزمه الابطال خشيَة أَن يفوتهُمْ مَا رجوهمن جناب الْمُهَيْمِن المتعال لم يزَالُوا فِي السّير حَتَّى اناخوا بِمحل الاكرام والاجلال مقْعد الصدْق فِي جناب مليك ذِي اقتدار وَعزة وجلال صِفَات الفائزين ايْنَ خطاب هَذِه العرائس ايْنَ طلاب هَذِه النفائس هم الَّذين مدحهم الله فِي مُحكم الْقُرْآن فِي اول سُورَة الْمُؤمنِينَ وَآخر سُورَة الْفرْقَان تِلْكَ والله صفات الفائزين بالرضوان الخالدين فِي نعيم الْجنان الحائزين زغائب الْبر ومواهب الْإِحْسَان اللَّهُمَّ بِمَا انعمت عَلَيْهِم فارزقنا مَا رزقتهم فِي الدُّنْيَا من طَاعَتك وذكرك وَفِي الاخرة من نعيم جنتك وَلَذَّة النّظر الى وَجهك والحقنا بهم وادخلنا فيهم واجعلنا مِنْهُم وَلَا تجْعَل نصيبنا مِنْك مَا عجلته لنا من مواهب الدُّنْيَا بل ادخر لنا عنْدك مَا ادخرته لأهل سَلامَة العقبى وَاجعَل الاخرة خير لنا من الاولى واذا اقررت اهل الدُّنْيَا بالدنيا فَأقر اعيننا بموجبات الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة وَالرِّضَا يَا من عَاد يمْنَع رُكْنه العائدون سُبْحَانَكَ مَا اعظم شَأْنك يَا من دَعَتْهُ الملبون سُبْحَانَكَ مَا اعظم شَأْنك يَا من مد اليهم اكفهم السائلون سُبْحَانَكَ مَا اعظم شَأْنك يَا من تقوم السَّمَاء والارض بأَمْره يَا من ينقاد السهْم الذلول بِحكمِهِ يَا من يفرق المحسن والمثنى من عدله يَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 يفْتَقر الْغَنِيّ وَالْفَقِير الى رزقك سُبْحَانَكَ مَا اعظم شَأْنك يَا من خضعت الاعناق لعزته يَا من تَوَجَّهت الْوُجُوه الى قبلته يَا من اعْترفت الخليقة بربوبيته سُبْحَانَكَ مَا اعظم شَأْنك يَا من لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات والارض كل لَهُ قانتون يَا من دَعَا الى حج بَيته على لِسَان خَلِيله فلباه فِي الاصلاب الملبون يَا من عكف على بَاب فَضله العاكفون اليه بِالدُّعَاءِ وَالسُّؤَال يجارون وبرحمته فِي الدُّنْيَا والاخرة يتعرضون وَمن مُخَالفَة امْرَهْ يَسْتَغْفِرُونَ وبأذيال عَفوه يتمسكون سُبْحَانَكَ مَا اعظم شَأْنك سُبْحَانَكَ مَا اوضح برهانك سُبْحَانَكَ مَا اقدم سلطانك سُبْحَانَكَ مَا اوسع غفرانك سبحت لَك السَّمَاوَات واملاكها والنجوم وافلاكها والارض وسكانها والبحار وحيتانها والسادات وعبيدها والامطار ورعودها والملوك ومماليكها والجيوش ومعاركها والديار واطلالها والاسود واشبالها كل معترف فانك لفطرته خَالق ولفاقته رَازِق وبناصيته آخذ وبعفوك من عقابك عَائِذ وبرضاك من سخطك لائذ الا الَّذين حقت عَلَيْهِم كلمة الْعَذَاب فالقضاء فيهم نَافِذ يَا مَالِكًا هُوَ بالنواصي آخذ وقضاؤه فِي كل شَيْء نَافِذ انا عَائِذ بك يَا كريم وَلم يخب عبد بعزك مستجير عَائِذ ارجوك يَا سؤلي فتحيا مهجتي وَالْخَوْف من عَمَلي لكبدي فالذ ان لَاذَ غَيْرِي بالانام وظلمهم فَأَنا الَّذِي بظليل ظلك لائذ فَامْنُنْ عَليّ بتوبة يمحا بهَا ذَنْب فظهري فِي الْقِيَامَة قائذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 مجَالِس الذّكر ولحظات الْقرب وساعات الغفران فِي مثل هَذِه السَّاعَة يُرْجَى الغفران ويتوقع الاحسان وَيطْلب من صَاحب الامر الامان لَو كشف عَن الابصار حوابك الانتشار لعاينتهم الرَّحْمَة تنزل فِي هَذَا الْوَقْت كالامطار الغزار كم لله فِي مجَالِس الذّكر من عين مُحرمَة على النَّار كم قد وضع فِيهَا عَن الظُّهُور من ثقل الاوزار وتنفجر فِيهَا ينابيع الرَّحْمَة ويتوفر فِيهَا على الْحَاضِرين من النِّعْمَة وَيُعْطى كل سَائل مَا سَأَلَهُ ومبلغ كل امل مَا امله من كرم ذِي الْجلَال والاكرام ومواهب من لَهُ الْفضل والانعام الَّذِي لَا يتعاظم ذَنْب غفره لجانيه وَلَا فضل وَلَا هبة لسائله فاحضروا فِي هَذِه السَّاعَة قُلُوبكُمْ واغسلوا بمياه التَّوْبَة ذنوبكم وَاسْتَغْفرُوا ربكُم فانه يغْفر ذنُوب المستغفرين وَاعْتَذَرُوا اليه من تقصيركم فانه يقبل عذر المعتذرين واستنصروه على من بغى عَلَيْكُم فَمَا اسرع نصرته الى المنتصرين من كَانَ مُقَيّد الْجَوَارِح عَن محارم الله فَهُوَ رَأس الْخَائِفِينَ وَمن كَانَ لَا يسكن بِقَلْبِه الى شَيْء سوى الله فَهُوَ سُلْطَان العارفين فارغبوا فِي الْقرب من الله لله در اقوام عكفوا بقلوبهم عَلَيْهِ وتقربوا بِذبح نُفُوسهم اليه لَا يسعون فِي محبته عذل العاذلين وَلَا يَعْتَذِرُونَ بالانفاق فِي سَبيله بنحل النحالين ابغضوا كل من سواهُ ليَكُون مِنْهُم دانيا وَخَرجُوا من كل شَيْء ليدخلوا اليه وظعنوا عَن كل شَيْء ليقدموا عَلَيْهِ وهجروا كل حبيب فِي طلب وصاله واعرضوا عَن كل قريب طَمَعا فِي اقباله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فَلَو قيل لَهُم من معبودكم لقالوا الله وَلَو سئلوا مَا مقصودكم لقالوا الله فَالله سُبْحَانَهُ هُوَ معبودهم الَّذِي يعبدونه ومقصودهم الَّذِي لَا يستقرون دونه لرَبي عباد وَحده يعبدونه يرومونه لَا يستقرون دونه هُوَ السَّنَد الاقوى استندوا بِهِ هُوَ الْقَصْد الاقصى الَّذِي يقصدونه اذا اعْتمد الْمُضْطَر فِي الْخطب غَيره فَلَيْسَ لَهُم الا هُوَ يعتمدونه اذا حسد النَّاس الْمُلُوك بملكهم فَلَيْسَ لَهُم فِي النَّاس من يحسدونه لانهم حلوا ضماير مَالك فمهما ارادوا عِنْده يجدونه محبته الْقُوت الَّذِي يقتدونه وتوحيد الْورْد الَّذِي يردونه مَتى فاتهم من وَصله قدر ذرة فبالروح زَالَ الْقدر الَّذِي يفتدونه لهَذَا اصطفاهم لِلْعِبَادَةِ دون من سواهُم فهم طوال المدى يعبدونه تولاهم دون الورى فولاؤه طراز على ثوب التقى يرتدونه دُعَاء وثناء وابتهال هَذِه سَاعَة رفيعة الْقدر منيرة الْفجْر قد اثنينا فِيهَا على الله بالابد وجلونا فِيهَا محَاسِن آلائه والرب سُبْحَانَهُ قد اشرقت علينا انوار قربه على الْقُلُوب ورجونا من سَعَة عَفوه غفران الذُّنُوب فمدوا ايديكم لنستقى سحب رَحمته الممطرة ونستكسي من رضوانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الْحلَل الفاخرة وَمن كَانَ مِنْكُم لبَعض اخوانه الْمُؤمنِينَ مصارما فَلْيَكُن من الان على مواصلته عَازِمًا وَمن كَانَ مصرا على مَكْرُوه فليقلع عَنهُ وَمن كَانَ قد اصاب ذَنبا فليتب الى الله وَمن كَانَ مشاحنا لجاره فليقصد حسن الْجوَار فَلَا حق بعد حق الْقَرَابَة اعظم من حق الْجَار وَقُولُوا بقلوب حَاضِرَة خاشعة الى كرم الله طامحة فِي نيل رِضَاهُ طامعة يَا حَيّ يَا قيوم يَا ذَا الْجلَال والاكرام يَا ارْحَمْ الرَّاحِمِينَ يَا كثير الْخَيْر يَا دَائِم الْمَعْرُوف يَا ذَا الْمَعْرُوف الَّذِي لَا يَنْقَطِع ابدا وَلَا يُحْصِيه غَيره احدا يَا محسن يَا مُجمل يَا منعم يَا مفضل نَسْأَلك مِمَّا كتبت على نَفسك من الرَّحْمَة وَمِمَّا فِي خَزَائِن فيضك ومكنون غيبك ان تضَاعف صلواتك على سيدنَا مُحَمَّد واله وَصَحبه وَسَائِر عِبَادك الصَّالِحين اللَّهُمَّ اعتقنا من رق الذُّنُوب وخلصنا من اشر النُّفُوس واذهب عَنَّا وَحْشَة الاساءة وَطَهِّرْنَا من دنس الذُّنُوب وباعد بَيْننَا وَبَين الْخَطَايَا وأجرنا من الشَّيْطَان الرَّجِيم اللَّهُمَّ طيبنَا للقائك واهلنا لولائك وادخلنا مَعَ المرحومين والحقنا بالصالحين واعنا على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك وتلاوة كتابك واجعلنا من حزبك المفلحين وأيدنا بجندك المنصورين وارزقنا مرافقة الَّذين انعمت عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 اللَّهُمَّ اغغفر لنا مَا مضى من ذنوبنا واحفظنا فِيمَا بَقِي من اعمارنا وَكلما عدنا بالمعصية فعد علينا بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا واذا ثقلت علينا الطَّاعَة فهونها علينا وَذكرنَا اذا نَسِينَا وبصرنا اذا عمينا واشركنا فِي صَالح دُعَاء الْمُؤمنِينَ واشركهم فِي صَالح دعائنا بِرَحْمَتك يَا ارْحَمْ الرَّاحِمِينَ لخالقنا الْحَمد على مَا من بِهِ من الْفضل وانعم وَله الْحَمد عدد مَا اسبغ على خلقه من النعم وَله الْحَمد كَمَا يستوجبه على جَمِيع الامم وَله الْحَمد كَمَا اثنى على نَفسه فِي الْقدَم وَله الْحَمد كَمَا اجراه على السّنة حامديه والهمهم حمدا تضيق عَنهُ الافاق وَلَا تسعه السَّبع الطباق كَمَا يحب ويرتضي يَنْقَضِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَا يَنْقَضِي لَا تحصيه السفرة الْكِرَام وَلَا تفنيه اللَّيَالِي والايام وَكَيف لَا نحمد خالقنا الَّذِي لم يُشَارِكهُ فِي خلقه اُحْدُ ورازقنا الَّذِي لَو عددنا نعمه لم يحصرها الْعدَد كُنَّا امواتا فاحيانا وفقراء فأغنانا وَهُوَ الَّذِي اطعمنا واسقانا وكفانا وآوانا وارسل الينا رَسُولا وَانْزِلْ علينا قُرْآنًا واجرى على جوارحنا طَاعَة وَكتب فِي قُلُوبنَا ايمانا فَلهُ الْحَمد على مَا اولانا ان رحمنا اَوْ عذبنا وان اسعدنا اَوْ اشقانا المتقون محبوبون فِي الدُّنْيَا فائزون فِي الاخرة السُّلْطَان الْعَادِل وجنده يُحَاربُونَ الاعداء ويفتحون الامصار ويغنمون الاموال فَيكون ذَلِك لَهُم لَذَّة فِي دنياهم ومثوبة فِي آخِرهم وَالْعُلَمَاء الَّذين يعلمُونَ النَّاس عُلُوم الدّين فهم فِي الدُّنْيَا بَين النَّاس مكرمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَفِي الْآخِرَة على هِدَايَة الْخلق الى الله مأجورون والمؤدبون اولادهم بالاداب الْحَسَنَة والعلوم النافعة فالوالد يحس حَال وَلَده فَهُوَ ابيض الْوَجْه قرير الْعين فِي الدُّنْيَا رفيع الْمنزلَة عَظِيم المثوبة فِي الاخرة والمعامل للنَّاس بِالصِّحَّةِ والسلامة فِي مجاورتهم ومعاشرتهم فَهُوَ فِي الدُّنْيَا ابيض الْوَجْه وَفِي الاخرة عَظِيم الاجر والموسع على عِيَاله من صَالح كَسبه فَهُوَ مسرور لحسن حَالهم فِي الدُّنْيَا ومأجور على احسانه اليهم فِي الاخرة والمتقربون الى الله تَعَالَى بقربان الاضاحي وَسَائِر مَا فِيهِ النَّفْع الْمُتَعَدِّي فهم لَا يزالون يسمعُونَ النَّاس حسن الثَّنَاء مَعَ مَا ادخر الله لَهُم من حسن الْجَزَاء والزاهد العابد الَّذِي قد اقبل على ربه واعرض عَن شهوات نَفسه فَهُوَ فِي الدُّنْيَا حبيب الْقُلُوب والارواح وَفِي الاخرة مَبْعُوث فِي زمرة اهل الْفَوْز وَالصَّلَاح سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه الا الله وَالله اكبر طُوبَى لعبد اذا احسن اليه ربه حمد وشكر واذا اساء الى نَفسه تَابَ واستغفر كلما قضى عَلَيْهِ بِمَعْصِيَة اغتم وحزن وَكلما وفْق لطاعة فَرح واستبشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 يَا من بِغَيْر رِضَاهُ لَا استبشر اترى بقربى من جنابك اظفر حزني على مَا فَاتَ مِنْك ملابسي اغدو بهَا بَين الورى اتبختر واذا اغتذى قلب بِطيب مطاعم فغذاء قلبِي انه لَك يذكر واذا تقرب ناسك بضحية فضحيتي اني لنَفْسي انْحَرْ يَا مَالك الرّقّ الَّذِي لغيبك حَقًا على كل الموَالِي المفخر مَالِي هجرت وَلم ازل بك عائذا اني اذا عَن الْوِصَال وأهجر وَكسرت بالاعراض مِنْك وَلم يزل قلب الكسير بِبَاب جودك يجْبر ان كنت تُعْطِي السَّائِلين لفقرهم فَأَنا الى حذوك مِنْهُم افقر اَوْ كَانَ بالجرم الْكَبِير جرمتي فَأَنا الشَّهِيد بِأَن عفوك اكبر مثلي يسامح بِالذنُوبِ لأنني من ان تؤاخذ فِي اذل وأحقر هبني أَتَيْتُك بالجرائم كلهَا أَنْت الَّذِي كل الجرائم تغْفر مُقَارنَة بَين حَال الغافلين والمستيقظين لَك الغافلين من الحمقى والشباب فِي لبس مبغضات الثِّيَاب وَتَنَاول الوان الطَّعَام وَالشرَاب وَاللَّهْو بَين الرياض والأنهار مَعَ الاخذان والاتراب وَلَك المستيقظين فِي انفاق الاعمال الصَّالِحَة لاحراز الثَّوَاب والاهتمام بِأَمْر الْعَاقِبَة لكريم المآب وانقاذ نُفُوسهم من سوء الْحساب واليم الْعَذَاب والفوز بمفاز ذِي حدائق واعناب وكواعب اتراب وَلَذَّة العارفين فِيمَا يقربهُمْ من جنَّات الْعَزِيز الْوَهَّاب لَا تهتمون بِمَا تَحت الْعَرْش وَمَا فَوق التُّرَاب لَان ذَلِك كُله مَخْلُوق والاهتمام بالخالق اوجب عِنْد اولى الالباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 اذا اعجبتك الدُّنْيَا برونق رائقها فاجعلها سَببا للشوق الى رياض الْجنَّة وحدائقها واذا بهرتك الْجنَّة بنعوت ذرابيها ونمارقها فاجعلها حَادِيًا تحدوك الى جناب خَالِقهَا رُؤْيا عَن الْجنَّة وَنَعِيمهَا رَأَيْت يَوْم جُمُعَة فِي الْمَنَام وَنحن فِي انْتِظَار الصَّلَاة قَائِلا يَقُول انما يصلح العَبْد لحضرة الله بعد ان يَجعله فِي الْجنَّة بَين حورها وولدانها وَسَائِر نعيمها ثمَّ ترَاهُ غير ملتفت الى شَيْء من ذَلِك فَحِينَئِذٍ يُرْسل جِبْرِيل فيدعوه الى الحضرة لعمري ان جنَّة عدن عَظِيمَة الْقدر وَلَكِن حَضْرَة الله اعظم مَا فِيهَا وجنة الفردوس لذيذة الوقع وَلَكِن الذ مِنْهَا النّظر الى وَجه بانيها كَمَا لَا يشبه الله تَعَالَى شَيْء من خلقه كَذَلِك لَا يَسْتَغْنِي عَنهُ بِشَيْء من رزقه قدر هَذَا الْكَلَام فَوق همة الْقَائِل وَالسَّامِع وَمَا منا الا من هُوَ نيل هَذَا الامر طامع فنعوذ بِاللَّه ان يكون طمعنا غرُورًا ونسأله الا تكون حَقِيقَة الزِّيَادَة فِي حَقنا زورا لَوْلَا رَجَاء كريم وَعدل مَا طمعنا ان نزور لَكِن وعدت وَلَيْسَ وَعدك زورا نَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم طَرِيق الخشية والتعظيم طَرِيق مَأْمُون العثار سليم فَعَظمُوا الله الْعَظِيم بمبلغ مَا تبلغه عقولكم وافهامكم واطيعوه بِقدر مَا تحتمله قُلُوبكُمْ واجسامكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 واسألوه ان يَجْعَل نعمه عَلَيْكُم عونا على طَاعَته وبلاغا الى جنته وباعثا على محبته وسابقا الى مَا اعده لاوليائه فِي دَار كرامته واشركوا الأرامل والايتام فِي مَا تصطفونه لأولادكم من شهي الطَّعَام واحسنوا مجاورة الْجِيرَان ومصاحبة الاخوان واملاوا اوقاتكم طاعات وقربا وَلَا تَتَّخِذُوا دينكُمْ لهوا وَلَعِبًا وَاعْلَمُوا ان سرُور الْمُؤمنِينَ يَوْم يعبرون القناطر ويأمنون المعاثر فَذَلِك يَوْم عيدهم وطالع شُعُورهمْ وَمَا داموا فِي دَار الْغرُور فَلَا غِبْطَة وَلَا سرُور واي سرُور لمن الْمَوْت مَعْقُود بناصيته والذنُوب راسخة فِي انيته وَالنَّفس تقوده الى هَواهَا وَالدُّنْيَا تتزين فِي عينه بمشتهاها والشيطان مستبطن فقار ظَهره لَا يفتر عَن الوسوسة فِي صَدره وَنَفسه وَمَاله بعرضه الْحَوَادِث لَا يدْرِي فِي كل نفس مَا عَلَيْهِ حَادث وَمن وَرَائه المغير ومساءلة مُنكر وَنَكِير ويوسد التُّرَاب الى يَوْم النشور وَالْقِيَام فِي يَوْم لَا يبلغ وصف اهواله وَلَا شرح احواله مَا لَا يسع الْمُؤمن بِهِ ان يسْتَقرّ لَهُ قَرَار وَلَا يخلد الى هَذِه الدَّار وَلَا يكون لَهُ هم فِي الدُّنْيَا الا التَّقَرُّب بأنواع الْقرب وَاجْتنَاب الْفَوَاحِش والريب واقامة الدّين الَّذِي فِي اقامته النجَاة وَفِي تضييعه العطب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الْمجْلس الثَّانِي ارْبَعْ من المهلكات اخواني سبح المسبحون بِحَمْد الله اللَّطِيف الْخَبِير مَا بلغُوا من تَعْظِيمه مِثْقَال ذرة واجتهد العارفون فِي الْعلم بِصِفَات الْعلي الْكَبِير وَلم يشْربُوا من بَحر مَعْرفَته مكيال قَطْرَة وشمر المجتهدون فِي طلب الْقرب من جنَّات الْعَزِيز الْحَكِيم ثمَّ مَاتُوا وَفِي قُلُوبهم من الْقرب حسرة وَكَيف تدْرك عَظمَة من لَا يحاط بِهِ علما ام كَيفَ يتناسى الْقرب من جناب من لَيْسَ لارتفاعه منتها وَلَا وَرَاءه مرمى اله انتظمت الامور بتدبيره وتقدرت الامور بتقديره ومهد بِسَاط الْمَكَان لاجسام الْعَالمين وطا وَمد رواق الزَّمَان بحركات الْعَالمين وعَاء وَصَرفه فصولا مُخْتَلفَة الطبائع ربيعا وخريفا وصيفا وشتاء اربعة اعمال قطعت اعناق الرِّجَال اولا الْكفْر اولها الْكفْر وَهُوَ قِسْمَانِ كفر الشَّك كفر فِرْعَوْن حِين قَالَ لعَلي اطلع الى اله مُوسَى واني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 لاظنه من الْكَاذِبين وَكفر السخط كفر ابليس حِين قَالَ أرأيتك هَذَا الَّذِي كرمت عَليّ وَجَمِيع اقسام الْكفْر مُشْتَقَّة من هذَيْن الْقسمَيْنِ وَكفر السخط بليته اعظم البليتين لَان الشاك قد يُؤمن اذا اتَّضَح الْيَقِين واما الساخط فعلى بَصِيرَة كفر بِرَبّ الْعَالمين ثَانِيًا الْبِدْعَة ثَانِيهَا الْبِدْعَة وَهِي قِسْمَانِ مكفرة ومضللة فَمن سلم مِنْهُمَا فقد سلم لَهُ اسلامه وهداه وَمن ابتلى بِإِحْدَاهُمَا فقد حاد عَن طَرِيق الاسلام اَوْ تاه عَن سَبِيل النجَاة ثَالِثا الْغَفْلَة ثَالِثهَا الْغَفْلَة عَن ذكر الله فَإِن الْمعْصِيَة الى الغافل اسرع من انحدار الصَّخْرَة الى الْمَكَان السافل رَابِعا حب الدُّنْيَا وَرَابِعهَا حب الدُّنْيَا فان مثل الْمُحب لَهَا وَلَو كابد الْعِبَادَة كَمثل ناشر الارز يرفع رجلا وَيَضَع اخرى وَمن مَكَانَهُ لَا يبرح وَكَذَلِكَ الَّذِي شغل بحب الدُّنْيَا قلبه وبالعبادة جوارحه ترَاهُ طول عمره يتَقرَّب الى الله بظواهره وَيبعد عَنهُ بِقَلْبِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 انت الامير على الدُّنْيَا بزهدك فِي حطامها وَطَرِيق الْحق مسلوك وانت عبد لَهَا مَا دمت تعشقها ان الْمُحب لمن يهواه مَمْلُوك زَاد المحبين إِلَى رب الْعَالمين المحبون لله قوم شغلهمْ حبه عَن حب من سواهُ فهم فِي قَبْضَة محبته اسراء وعَلى كل من دونه امراء اذا علت اصوات الْعباد اذ غلت اسعار الاقوات وجدوا من ذكره قوتا غازيا واذا مَرضت امزجة ابدانهم صادفوا من كِتَابه دَوَاء شافيا واذا خَافت السبل سلكوا اليه طَرِيقا امينا واذا انْقَطَعت الاسباب امسكوا من يقينهم حبلا متينا واشوقاه اليهم بل والهفاه عَلَيْهِم لَا تحسبوا ان عَنْكُم صَبر فالطرف باك وقلبي حشْوَة جمر وَقد بليت بِمَا لَا اشتهي الْعُمر بِاللَّه ارحموا عبرتي قد مسني الضَّرَر التضرع بِالدُّعَاءِ عِنْد نزُول الْبلَاء لَو ان بِنَا حَيَاة لأحسسنا بِمَا نَحن فِيهِ من جهد الْبلَاء وَلَو احسسنا ببلائنا لانقطعت اصواتنا من الدُّعَاء وفرجت اجفاؤنا من الْبكاء وَلَكنَّا طردنا فَمَا اُحْدُ على نَفسه حَزينًا وَنِمْنَا ملْء عيوننا وضحكنا ملْء افواهنا كَأَن لم يَأْكُل الْكَلْب لنا عجينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وَكَأن من الْوَاجِب على قوم حرمُوا لَذَّة منجاة الله وطردوا عَن مجَالِس اولياء الله ان يحثوا على رُءُوسهم التُّرَاب ويخرجوا الى الصَّعِيد يحارون فلولا اذ جَاءَهُم بأسنا تضرعوا وَلَكِن قست قُلُوبهم وزين لَهُم الشَّيْطَان مَا كَانُوا يعْملُونَ فابكوا على انفسهم بكاء طَويلا وَلَا تقيلوا مِيلَاد الْعباد فَمَا اتخذها عَاقل مقيلا (تبتلت روحي لكم فِي الْحبّ تبتيلا ... مرتلا ذكركُمْ بالمدح ترتيلا) (حَتَّى اصير بعيد الطَّرْد مَقْبُولًا ... بِاللَّه عَلَيْكُم اسمعوني نعم لم تُسْمِعُونِي لَا) الامن وَالسَّلَام فِي جناب الله وَالْخَوْف والذل فِي الْبعد عَنهُ من لم يعتز بِطَاعَة الله لم يزل ذليلا وَمن لم يسْتَشف بِكِتَاب الله لم يزل عليلا وَمن لم يسْتَغْن بالافتقار الى الله فَهُوَ الدَّهْر فَقِيرا وَمن لم يتَحَقَّق بالعبودية لله فَهُوَ لكل شَيْء عبد وَفِي قَبْضَة الله كل اسير وَمن لم يتترس التَّوَكُّل على الله اصابه كل رام وَمن لم يحتم بحماية الله لم يحمه سواهُ حام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 جفني القريح عَلَيْكُم وَاقع دامي وَالْمَاء من سحب عَيْني هامع هامي ومذ هجرتم وكنتم عزي السَّامِي غشاني الذل من خَلْفي وقدامي هَذَا جَزَاء من دعِي الى الْعَزِيز الْغفار فَمَا اجاب الدَّاعِي وَندب الى السَّعْي فِي فكاك رقبته من اسر النَّفس والشيطان فقصرت بِهِ المساعي الله يحيي الْقُلُوب الْميتَة بِذكرِهِ كَمَا يحيي الارض بغيته سُبْحَانَ من بهرت عَظمته عقول العارفين سُبْحَانَ من زهرت انواره لبصائر السالكين سُبْحَانَ من ظَهرت بدائعه لنواظر المتأملين انْظُر الى اثار رَحْمَة الله كَيفَ يحيي الارض بعد مَوتهَا وملبسها قبل ليل بهجتها بعد سلبها وفوتها كَذَلِك ينظر الى الْقُلُوب الْميتَة فيحييها والى المهج الصادقة فيرويها ينظر الله سُبْحَانَهُ الى الارض كل سنة فِي اخر فصل الشتَاء وَقد لقِيت من شدَّة الْبرد جهد الْبلَاء فعريت اشجارها وخرست اطيارها وهمد حَسِيسهَا وأوحشت آنيتها وعبست مباسمها ودرست مراسمها فيتداركها البرالرحيم بالطافه فَإِذا هِيَ قد اخضر يابستها وافتر عابسها وطفحت انهارها وصدحت اطيارها وهب نسيمها الراكد وحيي رميمها الهامد فاصغ ايها اللبيب تسمع الْفَهم والفكرة الى مَا تَقوله الناشئات بِلِسَان الْعبْرَة فانها تَقول بِلِسَان الْحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 سبحوا بِحَمْد الْكَبِير المتعال وَاسْتَدَلُّوا بقدرته على احياء الارض الْموَات انه قَادر على اخراج الاموات بعد الشتات يَا معرضًا عَن عرضه وحسابه لَا يستعد ليَوْم نشر كِتَابه متعللا بعياله وبماله متلهيا فِي اهله وصحابه متناسيا لمماته وضريحه ونشوره ووقوفه ومآبه القَوْل قَول مُصدق وَالْفِعْل فعل مكذب بثوابه وعقابه من قَالَ قولا ثمَّ خَالف قو لَهُ بفعاله ففعاله اولى بِهِ بَاب برد الْعَزِيمَة يُؤثر فِي الاعمال والنيات كَمَا يُؤثر برد الشتَاء فِي ناضر النَّبَات يلفح الْبرد مخضر الشّجر فَيصير يَابسا ويسقع مفتر الزهر فَيَعُود عَابِسا فَكَذَلِك برد الْعَزِيمَة يَجْعَل الْعَامِل عاطلا والنابه خاملا فَإِن لم يكن بُد من الفتور عَن طلب الْخيرَات فاضعف عَن السَّيِّئَات ضعفك عَن الْحَسَنَات حفظ رَأس المَال مقدم على الرِّبْح اذا فاتك الرِّبْح الَّذِي كنت ساعيا لاحرازه حَتَّى تثمر مَالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 فَكُن محرزا من رَأس مَالك اصله لَعَلَّك تنجو لَا عَلَيْك وَلَا لَك بَاب لَوْلَا التَّفْرِيط فِي حفظ الاصول لَكَانَ لكل ساع الى النجَاة وُصُول وَلكُل وَاقِف على الْبَاب دُخُول وانما الْوُصُول إحكام الْعَمَل بِأَحْكَام الْعلم الْمَنْقُول مِمَّا انزله الله فِي كِتَابه وشرعه على لِسَان الرَّسُول شَرِيعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سفينة مَأْمُونَة من اعْتصمَ بركوبها نجا ومحجة من سلك طريقها وصل الى نيل المنى لانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مؤيد بالعصمة فَمَا ينْطق عَن الْهوى شرع الرَّسُول سفينة مَأْمُونَة من يعتصم بركوبها يَوْمًا نجا ومحجه للسالكيين فَمن يسر فِيهَا على نهج الْهدى بلغ المنى شمس الظهيرة فِي نَهَار صَائِف من يستضيء بنورها فقد اهْتَدَى هَذَا وَالله مقَام الفحول الابطال ومنال اصحاب الهمم العوالي قوم سمت بهم العوارف والنهى ان يَرْغَبُوا فِي كل فان قالي قوم ابت بهم المفاخر والعلى ان يشتروا غير النفيس الغالي لما رَأَوْا ان الْمُعَجل هَهُنَا كدر المشارب مُؤذن بزوالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَرَأَوا نعيم الْخلد حَظّ نُفُوسهم والحظ لَا يَخْلُو من الاعلال كنز مَتى ظَفرت بِهِ كف امرىء لم يخْطر الاملاق مِنْهَا ببال يَا طلاب الْجنَّة اقْبَلُوا ان جناب الْجنَّة رفيع وملكها كَبِير وَلَكِن الله ارْفَعْ واكبر وَسلمنَا ان بهجة الفردوس بهية باهرة وَلَكِن بهجة حَضْرَة الله ابهى وأبهر مَا سميت همم العارفين عَن طلب الْجنَّة جهلا بِمَا فِيهَا من نعيم النُّفُوس والقلوب وَلَكِن رَأَوْا ان نعيم الحضرة احب اليهم من كل مَحْبُوب يَا طَالب الْخَيْر احذر ان يشغلك قَلْبك عَن كَبِيرَة يَا خَائِف الشَّرّ لَا يلهك صَغِيرَة عَن كَبِيرَة اسْم بهمتك الى الْمَعَالِي ونافس فِي كل نَفِيس غالي وَلَكِن احذر ان تَقول انا لَا ارغب فِي جنَّة النَّعيم وَلَا ارهب من عَذَاب الْجَحِيم وانت مِمَّن اذا اقبلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا ظلّ فَرحا مَسْرُورا واذا ادبرت عَنهُ اسف ودعا هُنَا ثبورا مَا اقبح الدَّعْوَى من الْمُدعى يعرف هَذَا كل قلب يعي الْيَسْ يَكْفِي الْمُدَّعِي انه فِي نسب الصدْق زنيم دعِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 انت تنظر الى رونق زهر البيع وبهجته وتصغي الى تَرْجِيع صَوت العندليب ونغمته فيلهيك ذَلِك عَن ذكر مَوْلَاك وتستحوذ بِهِ عَلَيْك دنياك حَتَّى تنسى اخراك فَكيف بك لَو تبرحت لَك حورية مِمَّا نعمت الله فِي كِتَابه اَوْ سعى عَلَيْك بعض الْولدَان المخلدين بأباريقه واكوابه اذا لطار قَلْبك وطاش لبك انما الشّغل بِاللَّه عَمَّا سواهُ مرتبَة العارفين فَأَما من لم يبلغ شَأْنهمْ فَالْأولى بِهِ مقَام الْخَائِفِينَ نَسْتَغْفِر الله مَا اعز جناب الله وَمَا اطهر حَضْرَة الله نَسْتَغْفِر الله نَحن قوم ضعفاء خلق الله انما تحل انفسنا بِحَيْثُ احكمنا الله عَسى الله الَّذِي اخْرُج الْوَرق من الشّجر الْيَابِس ان ينقلنا عَن الاحوال المبغوضة الى احوال رضية ويبدلنا بهم الدُّنْيَا الدنية همما علية فطالما اغاث المجدبين عِنْدَمَا قحطوا وَانْزِلْ الْغَيْث من بعد مَا قَنطُوا يَا معشر الشَّبَاب هَذَا زمَان ربيعكم فَأَيْنَ زهر علومكم يَا معشر الكهول هَذَا اوان خريفكم فَأَيْنَ ثَمَر اعمالكم يَا من قد عَاشَ فِي الاسلام بُرْهَة من الزَّمَان فِي سَماع الحَدِيث النَّبَوِيّ وَالْقرَان ايْنَ آثَار ذَلِك فِي اعمالكم واحوالكم هَذِه ارْض حرث آخرتك هامدة مَا اهتزت بالاعمال الصَّالِحَة وَلَا ربت هَذِه سيوف عزمك كلما ضربت فِي جِهَاد النَّفس والشيطان نبت اذا كَانَ الْبَلَد طيبا خرج نَبَاته بِإِذن ربه واذا جنت لَا تخرج الا نكدا يَا مكروبا لم ينفس من كربه يَا مصرا على ذَنبه قد حَال الشَّيْطَان بَين التَّوْبَة وَبَين قلبه اُصْرُخْ الى الله صُرَاخ من قد يبس عوده وهزمت جُنُوده وَقل بِلِسَان الذّكر فِي الانكسار يَا وهاب النعم الغزار يَا فالق الْحبّ والنوى يَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 منشىءالاجساد بعد البلى يَا مؤوي المنقطعين اليه يَا كَافِي المتوكلين عَلَيْهِ انْقَطع الرَّجَاء الا مِنْك وخابت الظنون الا فِيك وَضعف الِاعْتِمَاد الا عَلَيْك ووهن الِاسْتِنَاد الا اليك نَسْأَلك بِالرَّحْمَةِ الَّتِي كتبتها على نَفسك وبالكرامة الَّتِي اخفيتها لأوليائك ان تمطر مَحل قُلُوبنَا سحائب برك واحسانك وان توفقنا فِي كل حَال لموجبات رحمتك وعزائم غفرانك انك جواد كريم غَفُور رَحِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الْمجْلس الثَّالِث من فَضَائِل الْقُرْآن الْحَمد لله على نعمه الَّتِي لَا تحصى وايادية الَّتِي لَا تستقصى فَالْحَمْد وَالشُّكْر لمن أنعم اكرمنا بِكِتَاب جلابة عَن الابصار الْعَمى واخرج بِهِ الأسماع من الصم وانقذ بِهِ النُّفُوس من الردى وشفى بِهِ الْقُلُوب من السقم وخصنا بِنَبِي بَعثه الى الاحمر والاسود واصطفاه على الْعَرَب والعجم وفضله على كل ملك فِي حَضرته مُعرب وكل نَبِي برسالته مكرم انْزِلْ عَلَيْهِ كتابا ضمن لقارئه بِكُل حرف عشر حَسَنَات الى مائَة حَسَنَة فَإِن تدبره فَالْأَمْر اجل واعظم الْقُرْآن دَلِيل لَا يضل فِي السلوك من تَابعه وناصر لَا يخْشَى الخذلان من شائعه ومشيره لايخطئ الصَّوَاب من طاوعه اهل الْقرَان ائمة بهم اقْتدى اهل السلوك الى رضَا الْجَبَّار وبهم تخلص من نجا من نَار خزان وَحي الله لم ير غَيرهم اهلا لحفظ كَلَامه الْمُخْتَار لَكِن عَلَيْهِم ان يقومُوا بِالَّذِي فبه من الْمَشْرُوع للأبرار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 صدق واخلاص وَحسن عبَادَة وَقيام ليل مَعَ صِيَام نَهَار وتورع وتزهد وتعفف وتشبه بخلائق الأخيار وديانة وصيانة وامانة وتجنب لخلائق الاشرار واداء فرض وَاجْتنَاب محارم وادامة الْحَمد والاذكار يَا حَامِل الْقُرْآن ان تَكُ هَكَذَا فلك الهنى بفوز عُقبى الدَّار وَمَتى اضعت حُدُوده لم تنْتَفع بِحُرُوفِهِ وسكنت دَار بوار الْعَالم حذر والعارف متيقظ على قدر قرب العَبْد من الله يكون حَظه وَكلما توفر نصيب الْعَالم من الْعلم اشْتَدَّ حذره وَمن عرف مكر الله بأعدائه لم يغتر بطول الْحلم فَإِن العواقب عَنَّا مغنيات وسهام الاقضية الينا مصوبات وَمَا فعلوا لنا الا احسن الظَّن بكرم الله وَقُوَّة الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ ان رحمنا الله فبفضله وان عذبنا فبعدله حسابنا عَلَيْهِ وإنابتنا اليه فَأحْسنُوا بِاللَّه الظنون والآمال واحلموا اليه بالاعمال فَإِنَّهُ لَا يخيب آمال الآملين وَلَا يضيع اجْرِ العاملين هُوَ الْحَيّ لَا اله الا هُوَ فَادعوهُ مُخلصين لله الدّين الْحَمد لله رب الْعَالمين لَا اله الا الله يوحيدا يباين عقائد الْمُشْركين لَا اله الا الله تَنْزِيها يُنَاقض دعاوى المبطلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 لَا اله الا الله اقرارا بِمَا انكرته عقول الجاحدين لَا اله الا الله ايقانا لَا يشوبه تردد الشاكين لَا اله الا الله الْملك الْحق الْمُبين لَا اله الا الله اسلام من قَالَ لَهُ ربه اسْلَمْ قَالَ اسلمت لرب الْعَالمين لَا اله الا الله شَهَادَة ارجو بهَا مجاورة الرب الْكَرِيم فِي جنَّات النَّعيم مَعَ الَّذين انْعمْ الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ تقدست أسماؤك يَا من انْزِلْ علينا كَبِيرا تَعَالَى جدك يَا من لم يتَّخذ فِي سُلْطَانه مُشِيرا انت الَّذِي قدرت سير الشَّمْس وَالْقَمَر فِي منَازِل فُصُول السّنة تَقْديرا وَجعلت مَوَاقِيت الصَّلَاة مُؤَقَّتَة لمن اراد ان يذكر اَوْ اراد شكُورًا فطوبى لعبد اقمته فِي خدمتك اناء اللَّيْل واطراف النَّهَار رَاكِعا وساجدا وحامدا وشكورا سُبْحَانَ مقيل عثرات المذنبين سُبْحَانَ غَافِر خَطَايَا المستغفرين سُبْحَانَ من جعل الزَّمَان اوقاتا تقبل فِيهَا توبات التائبين وتقضي فِيهَا حوائج السَّائِلين فانتبه أَيهَا العَبْد الْفَقِير الضَّعِيف واغتنم شرف هَذَا الْوَقْت الشريف فكم لله فِي مثل هَذِه السَّاعَة من نعْمَة اسداها وحاجة لعبد مُضْطَر قَضَاهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ايا رَاقِد اللَّيْل انتبه من رقادك وَكن مَعَ سلاك الْمحبَّة سالكا فَهَذَا زمَان الْبَذْل والجود والندى فَقُمْ واسأل الْخيرَات تعط سَأَلَك ايا نَاسِيا عهد الْمحبَّة قَاطعا حبال حبيب وَاصل لحبالك الى كم صدودا واجتنابا وجفوة تعال نجدد عهدنا من وصالك اما ان تشتاق قرب مزارنا كَمَا نَحن مشتاقون قرب مزارك تناسيتنا حَتَّى نسيت عُهُودنَا لكننا لم ننس عهد ودادك كَأَنَّك لم تذنب اذا جِئْت تَائِبًا فتب نعفو عَمَّا كَانَ من سوء حالك تَنْبِيه الغافلين الى جنَّة رب الْعَالمين انتهز الفرصة الزَّمَان قبل تعذر الامكان قبل ان تنقل من اسْم مَا زَالَ الى خبر كَانَ فَمَا كل حِين مُمكن الْفَوْز بالمنى وَلَا كل وَقت يرفع الْحجب للْعَبد هَذِه اذا باعدتك الرّيح فادفع شراعها فيوشك ان تَأتي العواقب بِالْحَمْد فَمَا حَازِم من لم يُبَادر الى الْعلَا وَلَا نافس من لم ينافس على الْمجد هَذِه سوق المعامله قائمه فَأَيْنَ طلاب الارباح هَذِه مقصورات الْخيام بارزة فَأَيْنَ خطاب الملاح لَو ان حورا طلعت الى الدُّنْيَا لملأتها نورا وعطرا فَهَل الى مُقَارنَة هَذَا القرين الصَّالح مرتاح كَيفَ ينفزع لخطبة الْحور من هُوَ مخلد الى دَار الْغرُور ان هجرته الدُّنْيَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فَهُوَ محرور وان وصلته فَهُوَ مسرور قد خدعته اباطيل المنى وغره بِاللَّه الْغرُور ايها الرافل فِي ثوب الْغرُور ايها الغافل عَن يَوْم النشور ايْنَ مَا قدمت للقبر الذى سَوف فِيهِ تثوى مَا بَين الْقُبُور ايْنَ مَا قدمت للحشر الذى فِيهِ تَدْعُو بثبور وحبور ايْنَ مَا قدمت للْمولى الذى هُوَ عدل فِي قَضَاء لَا يجور احذر الْغَفْلَة عَنهُ فَهِيَ من اقْتُل الدَّاء وَمن شَرّ الشرور اللَّهُمَّ لَا تجعلنا عَن ذكرك غافلين وَلَا عَن امرك زائفين وادخلنا فِي عِبَادك الَّذين اصطفيتهم لوراثة كتابك وانظمنا فِي سلك من اهلته لولائك واغفر لنا بِفَضْلِك مغْفرَة عزما لَا نَخَاف بعْدهَا ظلما وَلَا هضما اللَّهُمَّ يَا من افاض خلع الايمان على الْمُؤمنِينَ وَيَا من مَلأ من عطائه اكف السَّائِلين ارزقنا ايمانا تخالط بشاشته الْقُلُوب وهب لنا عَطاء غير ممنون وَلَا مَحْسُوب اللَّهُمَّ يَا جواد يَا كريم يَا عَزِيز يَا وهاب اهد الى حَضْرَة الحبيب مُحَمَّد صَلَاتنَا وسلامنا افضل مَا هداه المحبوب الى حَضْرَة الاحباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 عَلَيْك صَلَاة الله ثمَّ سَلَامه سَلام على الايام بَاقٍ دَوَامه وجازاك الله عَنَّا افضل مَا جزى نَبيا يفرق الفرقدين مقَامه فَأَنت شَفِيع المذنبين اذا زكا سعير جحيم لَا يُطَاق ضرامه بجاهك عِنْد الله كن لي شافعا الى صَاحب الْجُود المهون غرامه فَلَا زلت من فضل الْكَرِيم منعما بِقرب مَحل لَا ينَال مرامه الطَّرِيق الى الله ان بَين العَبْد وَبَين ربه مَسَافَة لَا تقطع الا بِقطع العلائق ورفض الْعَوَائِق وعَلى مرْآة الْقلب صدأ لَا يجلوه الا نِسْيَان الْخلق فِي جنب ذكر الْخَالِق فَمن اراد ان يصل الى ربه فليتفرغ لمواصلة السرى وَمن اثر جلاء مرْآة قلبه فليتناسى ذكر الورى كَيفَ يصل الى الله من لَا يسير وَهُوَ فِي قَبْضَة الْعَوَائِق اسير الامر كُله فِي حرفين احدهما الاعراض عَمَّا سوى الله والاخر الاقبال عَلَيْهِ فَمن لم يَنْقَطِع عَمَّا سواهُ لم يمله الِاتِّصَال بِهِ وَلَا الْوُصُول اليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 يَا حسرة الغافل واللاهي لَا كَانَ مَا يلهي عَن الله اطرَح الدُّنْيَا واشغالها لَا كَانَ مَا يلهي عَن الله وَلَا تقل اهلي وَلَا عشيرتي لَا كَانَ مَا يلهي عَن الله وَلَا تقل وَلَدي وَلَا زَوْجَتي لَا كَانَ مَا يلهي عَن الله وَلَا تقل دَاري وَلَا ضيعتي لَا كَانَ مَا يلهي عَن الله وَلَا تقل ارضي وَلَا مولدِي لَا كَانَ مَا يلهي عَن الله وَلَا تقل طبعي وَلَا عادتي لَا كَانَ مَا يلهي عَن الله وَلَا تقل مَالِي وَلَا قنيتي لَا كَانَ مَا يلهي عَن الله الله يُغني عَن سواهُ وسواه لَا يُغني عَن الله الصِّحَّة والفراغ كم بَين الفارغ والمشغول كم بَين الصَّحِيح والمعلول لَيْسَ الصَّحِيح اذا مَشى كالمقعد وَفِي الحَدِيث نعمتان مغبون فيهمَا كثير من النَّاس الصِّحَّة والفراغ نَظِير الصِّحَّة قرينها وَكَذَلِكَ الشّغل نَظِير السقم وقرينه ففرغ الى الله قَلْبك فَنعم بِاللَّه بَالا وواصل الى الله مسيرك تنَلْ من الله وصالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 يَأْتِي الَّذين تجنبوا الاشعال بذلوا النُّفُوس وانفقوا الاموال تركُوا النِّسَاء كأنهن ارامل قبل الْمَمَات وايتموا الاطفال وجوعوا وتعطشوا وتضمروا طلب السباق وخففوا الاثقال فطموا عَن الدُّنْيَا نفوسا طَال مَا كَانَت تتيه على النَّعيم دلالا حَتَّى اذا بليت ضنى اجسادهم ولقوا شجونا فِي السرى وكلالا وردوا جناب مليكهم فأحلهم دَار تفوق الفرقدين منالا فِي حَيْثُ لَا يَبْغُونَ عَنهُ دهرهم حولا وَلَا يَخْشونَ زوالا سبل الانام الى دَار السَّلَام ابصر الْقَوْم قصدهم وبذلوا فِي الطّلب جهدهمْ وَعَلمُوا ان العلائق عوائق وان المخف هُوَ السَّائِق فخففوا انفسهم واظهرهم من اثقال الاشغال لعلمهم بِأَن الطَّرِيق كثير المزالق هَذِه سنة الْكِرَام فِي طلب ذِي الْجلَال والاكرام فَأَيْنَ المقتدرون هَذِه سَبِيل هداة الامام وَدَار السَّلَام فَأَيْنَ المهتدون عاقنا وَالله عَن اقتفاء اثارهم والتعلق بأذيال غبارهم فُصُول الْكَلَام وَالطَّعَام وشغل الْقلب والجوارح بكسب الحطام والاثار استفزنا فِي سَبِيل الله فثبطنا ودعينا الى الجناب العالي فأبينا ان لَهُم دنية لَا تشتاق الى العالي وَلَا تنافس فِي طلب الغالي وَلَا تأنف من الْهَوَاء وَلَا تبالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 مَالِي والتفريط مَالِي قد حَال بالتفريط حَالي كم ذَا اعلل بالمنى كم ذَا اسوف بالمحال ايْنَ التزود للرحيل فقد دنا وَقت ارتحالي يَا لَيْت احبابي الَّذين هم من الدُّنْيَا سوا لي يَرِثُونَ لي من عِلّة قد صرت بهَا كالخلال قَالَ الحبيب وَقد رأى مَا بِي من الدَّاء العضال من داؤه الهجران لَا يشفيه مِنْهُ سوى الْوِصَال الدَّاء والدواء قد ثَبت فِي الْحِكْمَة ان شِفَاء الامراض قصد اسبابها فَمن استشفى لمرضه بِغَيْر ذَلِك فقد اتى الْبيُوت من غير ابوابها فَمن كَانَ داؤه الْمعْصِيَة فشفاؤه الطَّاعَة وَمن كَانَ داؤه الْغَفْلَة فشفاؤه الْيَقَظَة وَمن كَانَ داؤه كَثْرَة الِاشْتِغَال فشفاؤه فِي تَفْرِيغ البال من تفرغ من هموم الدُّنْيَا قلبه قل تَعبه وتوفر من الْعِبَادَة نصِيبه واتصل الى الله مسيره وارتفع فِي الْجنَّة مصيره وَتمكن من الذّكر والفكر والورع والزهد والاحتراس من غوائل النَّفس ووساوس الشَّيْطَان وَمن كثر فِي الدُّنْيَا شغله اسود قلبه واظلم طَرِيقه وكثرهمه وَنصب بدنه وَصَارَ مهون الْوَقْت طائش الْعقل مَعْقُود اللِّسَان عَن الذّكر مُقَيّد الْجَوَارِح عَن الطَّاعَة من قلبه فِي كل وَاد شعبه وَمن عمره لكل شغل حِصَّة فاستعذ بِاللَّه من فضول الاعمال والهموم فَكل مَا شغل العَبْد عَن الرب فَهُوَ مشئوم وَمن فَاتَهُ الْقرب من مَوْلَاهُ فَهُوَ لَو جَازَت يَدَاهُ نعيم الْخلد محروم كل الْعَافِيَة فِي الذّكر وَالطَّاعَة وكل الْبلَاء فِي الْغَفْلَة والمخالفة وكل الشِّفَاء فِي الانابة وَالتَّوْبَة مَتى اردت ان تعلم اي الدَّاريْنِ اولى بك فَانْظُر اي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الْحَالين اغلب عَلَيْك فاذا اصحاب الطَّاعَة الْجنَّة اولى بهم واصحاب الْمعْصِيَة النَّار اولى بهم وَلَا تخادع نَفسك فِي صِحَة النّظر فجهل الانسان بِنَفسِهِ اضر الضَّرَر واعظم الْخطر وَانْظُر بِعَين التفكير وَالِاعْتِبَار لَو ان طَبِيبا نَصْرَانِيّا عَفَاك عَن شرب المَاء الْبَارِد لاجل مرض من امراض الْجَسَد لاطعته فِي ترك مَا نهاك عَنهُ وانت تعلم ان الطَّبِيب قد يصدق وَقد يكذب ويصيب ويخطىء وَينْصَح ويغش فَمَا بالك لَا تتْرك مَا نهاك عَنهُ انصح الناصحين واصدق الْقَائِلين لاجل مرض الْقلب الَّذِي اذا لم تشف مِنْهُ فَأَنت من اهلك الهالكين لَا تقدر على التَّخَلُّص من بلوى الْمعْصِيَة الا بالتخلص من سجن الْغَفْلَة وَلَا تتخلص من الْغَفْلَة الابتضمير الْبَطن وتفريغ الْقلب ومواصلة الذّكر فجوع بَطْنك وَارْفض شغلك وَاذْكُر رَبك يعتزلك شَيْطَانك ان الشَّيْطَان حَامِل على الْعِصْيَان والعصيان جُنُون وَمن لم يحضرهُ الشَّيْطَان فَلَيْسَ بمجنون طُوبَى لمن كَانَ كَلَامه مُنَاجَاة الله وَعَمله مُعَاملَة مَعَ الله وفكره فِي تدبر الله وَالِاعْتِبَار بصنع الله وَنِيَّته خَالِصَة لوجه الله يزاحم الْعلمَاء بركبتيه وَيقبض على الْعلم بكلتى يَدَيْهِ عِبَادَته مؤسسة على الْقَوَاعِد وعَلى تَصْحِيح العقائد الا رب من قد انحل الزّهْد جِسْمه كثير صَلَاة دَائِم الصَّوْم عَابِد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 يروم وصالا وَهُوَ بالطرق جَاهِل اذا جهل الْمَقْصُود قد خَابَ قَاصد قَلِيل من الاعمال بِالْعلمِ نَافِع كثير من الاعمال بِالْجَهْلِ فَاسد فضل الْعلم وَالْعُلَمَاء من احب ان يكون للانبياء وَارِثا وَفِي مَزَارِعهمْ حارثا فليتعلم الْعلم النافع وَهُوَ علم الدّين فَفِي الحَدِيث الْعلمَاء وَرَثَة الانبياء وليحضر مجَالِس الْعلمَاء فَإِنَّهَا رياض الْجنَّة وَمن احب ان يعلم مَا نصِيبه من عناية الله فَلْينْظر مَا نصِيبه من الْفِقْه فِي دين الله فَفِي الحَدِيث من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين وَمن سَأَلَ عَن طَرِيق تبلغه الْجنَّة فليمش الى مجْلِس الْعلم فَفِي الحَدِيث من سلك طَرِيقا يلْتَمس فِيهَا علما سلك الله بِهِ طَرِيقا الى الْجنَّة وَمن احب الا يَنْقَطِع عمله بعد مَوته فلينشر الْعلم بالتدوين والتعليم فَفِي الحَدِيث اذا مَاتَ الانسان انْقَطع عمله الا من ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة اَوْ علم ينْتَفع بِهِ اَوْ ولد صَالح يَدْعُو لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وَفِي الاثر عَن عَليّ بن ابي طَالب رَضِي الله عَنهُ اذا مَاتَ الْعَالم انثلم فِي الاسلام ثلمة لَا يسدها الا خلف مثله وَعَن ابي الاسود قَالَ الْمُلُوك حكام على النَّاس وَالْعُلَمَاء حكام على الْمُلُوك وَقَالَ فتح الْموصِلِي الْيَسْ الْمَرِيض اذا منع من الطَّعَام وَالشرَاب والدواء يَمُوت قيل لَهُ بلَى قَالَ فَكَذَلِك الْقلب اذا منع عَنهُ الْعلم وَالْحكمَة ثَلَاثَة ايام يَمُوت وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من حدث بِحَدِيث فَعمل بِهِ فَلهُ اجْرِ مثل ذَلِك الْعَمَل وَقَالَ الْحسن لَوْلَا الْعلمَاء لصار النَّاس امثلهم امثال الْبَهَائِم فيا من خلقه الله انسانا لَا تجْعَل نَفسك بقلة الْعلم بَهِيمَة ونافس فِي اعلاء قيمتك بِالْعلمِ من لَيْسَ لَهُ علم فَلَيْسَ لَهُ قيمَة اغتنم تعلم الْعلم واحضر مجالسه فَمن لَيْسَ بعالم وَلَا متعلم فَهُوَ بمنزله الْبَهِيمَة وَلَيْسَت فطرته سليمَة يَا طَالب الْمجد وَالْجَلالَة والرفعة والمكرمات والشرف تعلم الْعلم واحتسبه لوجه الله لَا للمعاش والحرف وخذه من فَوق فالعلوم لنا انفعه مَا روى عَن السّلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الْعلم در اذا افادك فِي الدّين وَمَا لم يُفِيد كالصدف ان جهلنا الْعلم فَمَا نَحن بجهله معذورين وان تعلمنا وَلم نعمل بِهِ كُنَّا على ذَلِك مؤاخذين وان عَملنَا وعملنا واخلصنا لم نَكُنْ بالْقَوْل واثقين فَمَا لنا عَن التنبه لهَذَا الْخطر الْعَظِيم غافلين فكأننا بصحائف اعمالنا عِنْد حُضُور اجالنا وَقد طويت ثمَّ كأننا يَوْم بهَا يَوْم الْقِيَامَة وَقد نشرت وكأننا بسوءاتنا يَوْم الْقِيَامَة وَقد كشفت فيا خجلتنا يَوْم الْوُقُوف بَين يَدي الله وَيَا حسرتنا على مَا فرطنا فِي جنب الله كفى بالمسيء جَزَاء على اساءته ان يفوتهُ بَيَاض وُجُوه الْمُحْسِنِينَ وعلو دَرَجَات المقربين فَكيف وَقد اوجب لنَفسِهِ سوء الْحساب واليم الْعَذَاب والفضيحة على رُءُوس الْخَلَائق والتوبيخ على التَّقْصِير بَين يَدي الْخَالِق واغوثاه بِاللَّه يفوتنا الْخَيْر ونحصل على الشَّرّ تدركنا الْعقُوبَة وَلَا نحصل الاجر هَذَا وَالله هُوَ الخسران الْمُبين اللَّهُمَّ يَا من لَا يرضى لنا بِدُونِ رِضَاهُ عَنَّا وَلَا يحب لنا الا مَا يُحِبهُ منا انقذنا من ورطات الهالكين واصلحنا بِمَا اصلحت بِهِ عِبَادك الصَّالِحين ونجنا بمفازات الْمُتَّقِينَ بِرَحْمَتك يَا ارْحَمْ الرَّاحِمِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الْمجْلس الرَّابِع دُعَاء اللَّهُمَّ انك افترضت علينا مَا لَا تطِيق اداءه الا بتوفيقك فوفقنا لاداء مَا افترضته وَحرمت علينا مَا لَا نمتنع من مواقعته الا بحفظك فاحفظنا عَن مواقعة مَا حرمته فَلَا نعتمد الا عَلَيْك اللَّهُمَّ ارحمنا برحمة تغنينا بهَا عَن رَحْمَة الرَّاحِمِينَ وَارْضَ عَنَّا رضى لَا تسخط علينا بعد أبدا الآبدين يَا طَالب الْخيرَات ايْنَ انت عَن بَاب الْغَنِيّ الحميد يَا خَائِف الشَّرّ هلا لجأت الى ركن الْقوي الشَّديد يَا من قد اعتكرت على قلبه الهموم لم لَا تروح بِذكر الحميد الْمجِيد استغاثة يَا من قد اخطأت وتجاوزت الْحَد استغث بِمن هُوَ اقْربْ اليك من حَبل الوريد هُوَ الَّذِي يفعل مَا يَشَاء وَيحكم بِمَا يُرِيد من حكم بشقاوته فَذَاك الشقي وَمن قضى بسعادته فَذَاك السعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 رب الاخرة والاولى لَيْسَ لَاحَدَّ سواهُ مولى اذا حكم فَلَا معقب لحكمه واذا قطع فَلَا مسبب لقطعه يقْضِي فَلَا يقْضى دَافع فَلَا مَانع وَهُوَ الصَّانِع لكل صَنْعَة وصانع كل الْوُجُوه لعز قهرك خاضع وَالْكل فِي صدقَات جودك طامع يَا معشر الْفُقَرَاء اموا بَابه فهناك فضل للبرايا وَاسع يُعْطي الْعَطاء فَلَا يمانع مَانع يقْضِي الْقَضَاء فَلَا يدافع دَافع مَا للعباد عَلَيْهِ حق وَاجِب كلا وَلَا مسعى لَدَيْهِ ضائع يَا سائلي عَن رُتْبَة الْحبّ الَّذِي من حلمنا فَهُوَ الامام البارع الزم طَرِيق الذّكر عمرك دائبا فالذكر فِي الْقلب الْمحبَّة زارع من شُرُوط الذّكر الذّكر لله لَهُ شَرْطَانِ حُضُور الْقلب فِي تحريره وبذل الْجَسَد فِي تكثيره فان احببت ان تكون فِي الراسخين الاقدام فِي هَذَا الْمقَام فحرر الذّكر على الاحسان وكثره بِقدر الامكان يَا للرِّجَال الاقنى سموا الى نيل الْعلَا لَا يزهيه مطامع قدم همام ماجد مُتَقَدم بهم جسور فاتك مسارع يغشى بصدره بنحره وَالْوَجْه مِنْهُ ابلغ مستنير سَاطِع سمع الْعَدو بِذكرِهِ فتزعزعت اركانه وعراه ذل قامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 هذي صِفَات الذَّاكِرِينَ ونيلها صَعب المرارة على النُّفُوس وشامع فتتبلوا للذّكر وانتدبوا لَهُ فالذكر درع فِي الكريهة مَانع وَمَتى عقلتم فاعلموا وتحققوا ان الْعَدو على حماكم طالع اللَّهُمَّ نور بصائرنا بِنور هدايتك حَتَّى نَنْظُر بِعَين الِاعْتِبَار فِي عجائب صنعتك فكم قد فطرت من بَدَائِع النسم وابرزت الى الْوُجُود من بَحر الْعَدَم فنشهد ان لَا اله الا انت كَمَا وحدت نَفسك فِي قديم الْقدَم وحدوا لله معشر العارفينا فلتوحيده الشواهد فِينَا وصفوه بِكُل مَا هُوَ اهل ان تَكُونُوا بِهِ واصفينا واذا مَا رجوتموه فكونوا مِنْهُ ايضا مَعَ الرجا خائفينا وبأبواب بره لَا تزالوا فَوق اقدام شكره واقفينا لِتَكُونُوا من بَحر معروفه الزاجر مهما اردتم غارقينا جَزَاء المنقطعين الى الله يلْزم العَبْد منابات عبد مثله مترددا بسعيه اليه عاكفا بخدمته عَلَيْهِ فَلَا يلبث ان يعرف حق ملازمته وبحقه بألطاف كرامته فَكيف لمن انْقَطع الى الله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَات والارض وَمَا بَينهمَا وَمَا تَحت الثرى لقد حَاز الْمُنْقَطع الى الله كنوز الْغنى وفاز الطَّالِب من الله بُلُوغ المنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 يَا سائلي عَن مطلبها من حازه حَاز المنى اسع فديتك مَا سأوضحه وضحا بَينا وجد وَلَا تشرك وَكن بِضَمَان رَبك موقنا وانقد لطاعته تقدك الى المسرة والهنا من ادخل الله على قلبه مسلاة رِضَاهُ فقد تمت افراحه وَمن ستره الله بستر التَّوْبَة النصوح فقد امن افتضاحه يَا من لَهُ النعم الغزار على الْخَلَائق لَيْسَ تحصى هَب لي رضاك فِيهَا مدى املي واقصى معرفَة الله بأصول ثَلَاثَة لَا تطلب الْحَيَاة الا بالعافية وَلَا تتمّ الْعَافِيَة الا بِالرِّضَا وانما يرضى الله على من تَابَ من مُخَالفَته من اهل مرافقته من لم يلْزم نَفسه بتقوى الله فَهُوَ لئيم وَمن لم يرض بِمَا قسم الله لَهُ فَهُوَ عديم الشَّأْن كُله فِي ان تفهم عَن الله ثَلَاثَة اصول اولها ان تعرف الله بماتعرف بِهِ اليك بِمَا هُوَ اهله وتعرف مَا فرض الله عَلَيْك مَعْرفَته من احكام شَرْعِيَّة ثَانِيهمَا ان تُطِيعهُ فِي فعل الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات ثالثهما ان تشتاق الى مَا شوق اليه وَتخَاف مَا خوف مِنْهُ فاذا أحكمت هَذِه الاصول لم يتاخر عَنْك الْوُصُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 لَان الْعَالم بِصِفَات الله واحكامه اعْلَم الْعَالمين وَالْعَامِل بِطَاعَة الله فِيمَا امْرَهْ نَهَاهُ أعمل العاملين ذهب الزاهدون بالراحة وَحصل العابدون على المثوبة وَنَجَا الورعون من المناقشة وتحضر المتقون من الْعقُوبَة وفاز المتقربون من الْقرب والقرب من الله نطام رغائب الطالبين وَغَايَة مطَالب الراغبين وَلَيْسَ للقرب من الله نِهَايَة تَنْتَهِي اليها المساعي فطالب الْقرب على قدم الْجد فِي الدُّنْيَا ساع لَا تَسْتَقِر بِهِ دَار وَلَا يقر لَهُ قَرَار كلما بلغ من الْقرب غَايَة علم بِأَن لَهُ وَرَاءَهَا عَلَيْهِ اخرى فَهُوَ سَائِر الى الله ابدا لَا يفتر اللَّهُمَّ عطشنا بالشوق الى لقائك واسلكنا فِي سلك اوليائك واعقبنا جبرا لَا يعقبه كسر واغننا غنى لَيْسَ مَعَه فقر وخر لنا واختر لنا فِي كل مَا تقضي من امْر واحفظنا فِي انفسنا واهلينا وَذُرِّيَّاتنَا واهل ملتنا من كل مَا يسوءنا واجعلنا فِي كل انواع الطَّاعَة اليك مقربين وَفِيمَا عنْدك راغبين والى مَا اعددت لأوليائك متقبلين وصل على نبيك مُحَمَّد واله وَصَحبه اجمعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الْمجْلس الْخَامِس حِكْمَة الله الْحَمد لله الَّذِي مَا زَالَت احكامه على نظام الْحِكْمَة جَارِيَة واقداره فِي جَمِيع خلقه نَافِذَة وَعَلَيْهِم قاضية مكرم من اتَّقَاهُ ومهين من عَصَاهُ ويعز من انْقَطع اليه ويذل من تمرد عَلَيْهِ يداوي كل ذِي دَاء بدوائه الَّذِي هُوَ لَهُ اوفق وَيُقِيم كل ذِي قدر فِي مقَامه الَّذِي هُوَ لَهُ اليق فَمن كَانَ السقم انفع لِقَلْبِهِ ابتلاه الله بالاسقام وَمن كَانَ الْعَدَم اصلح لحاله ارتضى لَهُ الاعدام يدبر عباده بِحكم التَّدْبِير فِي مجارى التَّقْدِير وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الارض وَلَكِن ينزل بِقدر مَا يَشَاء انه بعباده خَبِير بَصِير فَلَا تتهموا الله فِي قَضَائِهِ فَإِن قَضَاءَهُ بزمام الْحِكْمَة مزموم وسلموا لَهُ بالانقياد لأَمره فِي حُلْو الْقَضَاء ومره فَإِن الْمُسلم لَهُ لَيْسَ بمحروم وَقَابَلُوا احسانه إِلَيْكُم بدوام حَمده وشكره وانسبوا عدله عَلَيْكُم الى تقصيركم فِي الْقيام بِوَاجِب امْرَهْ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ على الدَّوَام يُعَامل عباده بإحسانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وفضله فَإِذا اسْتَغَاثُوا بإحسانه على عصيانه ادبهم بِسَوْط عدله حَتَّى لَا يزَال الْمَخْلُوق مراقبا لخالقه والمرزوق شَاكر لرازقه متأدبا فِي مُعَامَلَته مقتديا فِي السلوك الى ربه بأوليائه واهل طَاعَته فَمن رزق مَا يحب فليشكر الرازق وَمن اصابه مَا يكره فليتهم نَفسه فِي مُعَاملَة الخلاق قَالَ الله سُبْحَانَهُ تَعَالَى فِي كِتَابه الْمُبين وَلَقَد اخذنا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ وَنقص من الثمرات لَعَلَّهُم يذكرُونَ ابْتَلَاهُم الله تَعَالَى بِالْقَحْطِ ليخلعوا اردية كبريائهم ويرجعوا الى طَاعَة انبيائهم فَالْوَاجِب على كل قوم انْقَطَعت عَنْهُم متصلات الأرزاق ان يعودوا باللوم على انفسهم وَلَا يتهموا الرَّزَّاق ويستفغروا رَبهم من ارْتِكَاب مَعْصِيَته ويتوبوا اليه من الاصرار على مُخَالفَته ويتحللوا غرماءهم من اهل الْمَظَالِم ويأخذوا بالانكار على يَد السَّفِيه والظالم ويتصدقوا من فَاضل مَا انْعمْ الله عَلَيْهِم على من احوجه الله اليهم ويقيموا دين الله كَمَا امْر ويحذروا تَمام نعْمَة الله فيهم فَهُوَ حق الحذر وينكسروا بَين يَدي الله عساه يجْبر كسرهم ويبتهلوا اليه بالاستعانة والتضرع لَعَلَّه يكْشف ضرهم وَيصْلح امرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 يَا جَابر الْعظم الْكسر وَمُطلق العاني الاسير يَا منشيء الطِّفْل الصَّغِير وراحم الشَّيْخ الْكَبِير وغافر الاوزار يَا شافي الدنف السقيم ومحيي الْعظم الرميم وَوَاضِع الاصار يَا منقذ الغرقى قد اشرفوا على حد الْهَلَاك بلجة التيار يَا من يغيث العَبْد وَهُوَ فريسة فِي قَبْضَة الاسد الهرير الضاري ارْحَمْ بِفَضْلِك جهلنا وَاقْبَلْ بعف وك عذرنا يَا قَابل الاعذار وَافْتَحْ لنا ابواب رزقك شرعا ابدا وبذل عسرنا بيسرا جَزَاء الْمُخَالفين لأمر رب الْعَالمين مُخَالفَة الامر توجب سخط الْآمِر والاصرار على الْمُخَالفَة اعظم مِنْهَا مَا اسرع الْعقُوبَة الى المسارع الى الْمعْصِيَة ومت ابعد الْفَلاح عَمَّن لَا تؤدبه الْعقُوبَة كَيفَ يطْمع فِي الزِّيَادَة من هُوَ مضيع للشكر وَكَيف تدوم التَّوسعَة لقوم كلما اتسعت ارزاقهم ضيقوا على فقرائهم المستعين بِالنعَم على الْمعاصِي مستوجب السَّلب وَمن لَا يتأدب بالرزية فِي مَاله ادبته الرزية فِي نَفسه الا ترَوْنَ كَيفَ يعاتبنا رَبنَا تَعَالَى بتضييق مجاري ارزاقنا وتسليط اقويائنا على ضعفائنا فَمَا لنا لَا نعتب رَبنَا اذا عتب علينا وَلَا نجيب دَاعِيَة وَقد اششار بِطَاعَتِهِ الينا فَهَل نَنْتَظِر بعد لطيف العتاب الا عنيف الْعقَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فتوبوا الى الله مِمَّا انتم عَلَيْهِ من الْعِصْيَان تبصروا فانكم عَمَّا قريب اليه صائرون فَهَل انتم على عَذَابه صَابِرُونَ اَوْ على رفع بأسه قادرون فَاتَّقُوا الله بِفعل مَا امركم بِهِ وَترك مَا نهاكم عَنهُ وادامة الذّكر لَهُ واستشعار الخشية مِنْهُ وَلَا تَكُونُوا مِمَّن ينَام تَحت الضَّرْب وَيظْهر الْجلد فَإِنَّهُ الله اذا عاقب لم يقم لعقابه اُحْدُ غضب بعض الْمُلُوك على بعض من هُوَ تَحت يَده فَلم يحْبسهُ فِي دَار سجنه واجرى عَلَيْهِ رزقا وَاسِعًا ثمَّ سَأَلَ عَنهُ فَقيل انه متجلد غير مكترث فَأمر بنقله الى مَا هُوَ اضيق مِنْهُ واشد ثمَّ لم يزل كَذَلِك كلما اخبروه عَنهُ بقلة مبالاته بعقوبة الْملك نَقله الى مَا هُوَ اضيق مِنْهُ واشد حَتَّى امْر بقتْله فَكَذَلِك العَبْد اذا عصى ربه وَجه اليه اخف عِقَابه فَإِن هُوَ استقال واستغاث بربه اقاله وأغاثه وان هُوَ اصر على ذَنبه واستهان بعقوبته شدد الله عَلَيْهِ وزاده مِمَّا يوجهه اليه من الْعَذَاب كَذَلِك ابدا حَتَّى يكون اُحْدُ امرين إِمَّا أَن يَتُوب الى الله من مَعَاصيه واما ان يتمادى فِي طغيانه ويصر على كفره وعصيانه فَفِي الأول يعافيه الله ويصطفيه وَفِي الثَّانِي يخلده الله فِي دَار نقمته وَلَا يؤنسه فِي رَحمته الْعَذَاب مصبوب على اهل سخط الله والسخط حَال على اهل مَعْصِيّة الله وَالْمَعْصِيَة لَازِمَة لمن الشَّيْطَان لَهُ ملازم وَإِنَّمَا يلازم الشَّيْطَان من غشى عَن ذكر الله فاحذر الْغَفْلَة عَن ذكر الله فَإِنَّهَا اصل كل بلية وجالبة كل رزية احبه قلبِي لَا تخيب الامل وَهَذَا اوان اقتراب الاجل فوا اسفا وواحسرتا لقب ح اقترافي وفرط الذلل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 لقد خَابَ ظَنِّي فِيمَا رَجَوْت وسدت عَليّ وُجُوه الْحِيَل عَسى ترقمون على قصتي غفرانا لذا العَبْد ذَاك الذلل وَكنت احْمِلْ ثقل الغرام وَلم يبْق فِي عبدكم مُحْتَمل وَمَا كنت أَحسب أَن البعاديبلغ قَتْلِي فها قد قتل فبالله جودوا وَلَا تبخلوا وحاشاكموا سادتي من بخل فمعروفكم عَم كل الورى الى كل دَان وَقاص وصل فَمَالِي حرمت وَكَانَ الوصا ل عَليّ حرَام وللغير حل دُعَاء اللَّهُمَّ بعلمك بحالنا وقدرتك على اصلاحنا ورحمتك الَّتِي لم تزل تعاملنا بهَا مُنْذُ خلقنَا اتمم علينا نِعْمَتك وَأوجب لنا رضاك ورحمتك وأجزل نصيبنا من جزيل لطفك وخفي عنايتك اللَّهُمَّ وفقنا للْعَمَل بموجبات رضاك وَلَا تَحْرِمنَا عطاءك وَلَا تقطع لنا بِنَا دُونك وَلَا تخيب رجاءنا فِيك وَلَا تولنا احدا غَيْرك وَلَا تَحْرِمنَا خيرك يَا من خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي خزائنه واهل السَّمَوَات والارض مفتقرون لِرَحْمَتِهِ اللَّهُمَّ اننا ظلمنَا انفسنا وأسأنا فِي معاملتنا وغفلنا عَن التيقظ من ذنوبنا حَتَّى غلب على قُلُوبنَا رينها وَقد ندمنا على قبح مَا فعلنَا وارتكبنا وبدا لنا سيئات مَا كسبنا اللَّهُمَّ اغْفِر لنا مغْفرَة من عنْدك يحسن لنا بهَا توفيقك وَتكشف بهَا عَنَّا عذابك وتغشينا بهَا رحمتك يَا من اظهر الْجَمِيل ستر الْقَبِيح وَلم يُؤَاخذ بالجريرة وَلم يهتك السريرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 يَا حَيّ يَا قيوم بِرَحْمَتك نستغيث لَا تكلنا الى انفسنا طرفَة عين وَلَا الى اُحْدُ من خَلفك واصلح لنا شبابنا كُله بِرَحْمَتك يَا ارْحَمْ الرَّاحِمِينَ وصل على مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَصَحبه اجمعين وَسلم تَسْلِيمًا كَبِيرا الى يَوْم الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 الْمجْلس السَّادِس سُبْحَانَ الله الْحَمد لله مَا سبحت بِحَمْدِهِ أَلْسِنَة الذَّاكِرِينَ وَسُبْحَان الله مَا اشرقت انوار ذكره وُجُوه العابدين وَمَا امتدت الى عطائه اكف السَّائِلين سُبْحَانَ الله مَا حنت الى لِقَائِه قُلُوب العارفين سُبْحَانَ الله إِلَه الْأَوَّلين والآخرين وَرب الْخَلَائق اجمعين يغشى اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حثيثا وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره أَلا لَهُ الْخلق والامر تبَارك الله رب الْعَالمين انْزِلْ الينا كتابا اوضح بِهِ منَازِل السالكين وَأَيْقَظَ بِهِ عقول الغافلين انْزِلْ بِهِ الرّوح الامين على قلب مُحَمَّد سيد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وعَلى اله واصحابه وَسلم صَلَاة وَسلَامًا دَائِما بَاقِيا ابد الابدين ودهر الداهرين سُبْحَانَ من اذن لاوليائه فِي مناجاته اذا ارخى ستور اللَّيْل البهيم سُبْحَانَ من فتح اقفال الْقُلُوب بمفاتيح الذّكر الْحَكِيم سُبْحَانَ من عَاد على رحيق فصاله ان نشربها الا كل حد كريم سُبْحَانَ من اجزل نصيب اوليائه من خَالِصَة الود الْقَدِيم فَلَو شهِدت ايها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 المحروم نفاسة مَا وصلوا اليه لزهقت نَفسك حسرة عَلَيْهِ لَكِن جملت فَمَا وصلت وكل من جهل التواصل لَا يحن اليه مَا بَال ركب العارفين سروا الى مَوْلَاهُم وحظوا الْغَدَاة اليه واراك عَنْهُم بالتخلف رَاضِيا يَا نقص حظك من نوال يَدَيْهِ سهر العابدون فِي إِحْرَاز رغائب الْعِبَادَة وانت رَاقِد ونهض العارفون الى تشييد معاقل السَّعَادَة وانت قَاعد وذاب المشتاقون من توقد حرارة الصبابة وَأَنت جامد فَلَا الى مَا وصلوا اليه انت وَاصل وَلَا على مَا وفدوا عَلَيْهِ انت وَافد تأنيب للغافلين مَا الَّذِي فاتك يَا محروم من نيل مناك امت قلبا كَانَ حَيا احسن الله عزاك فَإنَّك ان ساعدك الدمع والافتباكا انما يحصد الزَّرْع من بذر البذور فَمَا انت حاصد وانما يروج الْحور من نقد المهور فَمَا انت ناقد كل امريء على مَا قدم فاقدم وَفِيمَا شيد خَالِد فَمَا الَّذِي قدمت لنَفسك يَا جَاهِلا فِي صُورَة عَاقل وغائبا فِي مظهر شَاهد اسفي وَمَا اسفي عَلَيْك لانني ضيعت من امري وَلَا تضييعك وَقَعَدت مثلك عَن عبَادَة خالقي من غفلتي وصنعت مثل صنيعك انا فديتك دَمًا لتفريطي فنح يَا صَاح وابك دَمًا على تفريطك وَاعْلَم بِأَن بكاك لَا يُغني اذا لم تمتسك بالطوع امْر مليكك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 لقد الزمك الله بكتابه الْمنزل قَاطع الْحجَّة وبحجج نبيه وَاضح المحجة تدعى الى سَاحل النجَاة وانت من الْهَلَاك فِي لجة حاسب نَفسك هَل صليت على شَرط الْقبُول صَلَاة وَاحِدَة اَوْ حججْت الى بَيته حجَّة هيا الى معشر تجافوا عَن الدُّنْيَا وخلوا حرامها والحلالا كلما اقبل الظلام عَلَيْهِم قابلوه بأوجه تتلالا اسقموا بِالْجُوعِ والسهاد أجسا دهم ليصححوا الاعمال هَذِه حَال من يروم الْمَعَالِي هَكَذَا والا فلالا مناصحة جليلة كل شهر فِي غير خدمَة الله بَاطِل وكل بداء على غير عَنَّا الله لَيْسَ لَهُ حَاصِل فنافسوا فِي اقتناء مَا يبْقى وَلَا يَزُول وفرغوا قُلُوبكُمْ من فضول اشغال الدُّنْيَا وَكلهَا فضول كَيفَ يَثِق بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْمنية رائضة الى جنبه كَيفَ يَرْجُو رَاحَة الدُّنْيَا من لاراحة لَهُ دون لِقَاء ربه وَالله لَو كَانَت الدُّنْيَا صَافِيَة المشارب من كل شائب ميسرَة المطالب لكل طَالب بَاقِيَة علينا لَا يسلبها منا سالب لَكَانَ الزّهْد فِيهَا هُوَ الْفَرْض الْوَاجِب لانها تشغل عَن الله وَالنعَم اذا شغلت عَن الْمُنعم كَانَت من المصائب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 ايا راضع الدُّنْيَا انفطم عَن فطامها فقد آن تنهاك عَنْهَا الشوائب الا عَامل فِيهَا سينفذ زاهد الا مُؤمن فِيهَا سيخلد رَاغِب الا آسَف ذُو لوعة وَتحرق الا نائح فِي مآتم الْحزن نادب الا مذنب مُسْتَغْفِر من ذنُوبه الا خَائِف من خشيَة الله رَاهِب الا خاشع خوفًا من الله خاضع الا ناحل شوقا الى الله ذائب سَتَلْقَوْنَ مَا قدمتم الْيَوْم فِي غَد وكل امرىء يجزى بِمَا هُوَ كاسب مَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل الثَّوَاب فِي الدُّنْيَا قَلِيل وَلنَا عَلَيْهَا حِسَاب طَوِيل فتهيأ للنقلة عَنْهَا قبل ان يزعجك الرحيل لَيْسَ لَك فِي سفر الْآخِرَة زَاد الا مَا قدمت ليَوْم الْمعَاد لَا تمسك عَن النَّفَقَة فِي طَاعَة الله فَمَا يَلِيق بِالْمُؤمنِ إمْسَاك لقد شهد الْقُرْآن بِأَن الممسكين عَن الْإِنْفَاق قد ألقوا بِأَيْدِيهِم إِلَى الْهَلَاك يَا اصحاب الاسماع الواعية والعقول الصاحية الله هُوَ الْمَوْجُود الَّذِي اسْتغنى عَن ايجاد موجد الله هُوَ الْوَاحِد الَّذِي لَا يفْتَقر توحيده الى تَوْحِيد موحد الله هُوَ الأول الَّذِي لَيْسَ لأوليته اول والأخر لَيْسَ لآخريته آخر الله الَّذِي كلما ظهر فَهُوَ بَاطِن وَكلما بطن فَهُوَ ظَاهر الله الاحد الَّذِي لم يكن لَهُ كفوا اُحْدُ والصمد الَّذِي كل من سواهُ اليه صَمد كل معبود تَحت عَرْشه بَاطِل وكل ظلّ تَحت ظله زائل مستغن عَمَّا سواهُ وكل مَا سواهُ اليه فَقير يجير على كل اُحْدُ وَمَا اُحْدُ يجير عَلَيْهِ هُوَ القاهر فَوق عباده اذا اراد شَيْئا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون لَا يتَأَخَّر عَن مُرَاده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 لَا تُدْرِكهُ الابصار وَلَا تحويه الاقطار وَلَا تثمله الافكار كل الْخَلَائق عَن ادراكه قاصرون وَفِي تيه مَعْرفَته حائرون لَهُ مقاليد السَّمَوَات والارض وَبِيَدِهِ الْبسط وَالْقَبْض وَالرَّفْع والخفض نصب الْجبَال فأرساها وفجر الْمِيَاه واجراها وسمك السَّمَاء واعلاها وَوضع الارض ودحاها وسخر الشَّمْس وَالْقَمَر دائبين وَجعل اللَّيْل وَالنَّهَار متعاقبين الْمَلَائِكَة من خَشيته مشفقون وَالرسل من هيبته مطرقون والجبابرة لعظمته صاغرون وَله من فِي السَّمَوَات والارض كل لَهُ قانتون سُبْحَانَ الله كَمَا هُوَ اهله تبَارك الله وَتَعَالَى جده كَيفَ يُحِيط الْمَخْلُوق بِوَصْف خالقه مَتى يقوم المرزوق بشكر رازقه تَعَالَى الله عَن قَول من يَقُول فِي الْقُرْآن فَلَا تحيط بِهِ دَائِرَة عقله ستكتب شَهَادَتهم ويسألون يَوْم لَا ينفع الظَّالِمُونَ معذرتهم وَلَا هم يستعتبون لَو اردنا واراد اغزرنا عقلا ان يصف نَفسه الَّتِي بَين جَنْبَيْهِ بِبَعْض مَا جبلها الله عَلَيْهِ لخرس لِسَانه وخر جنانه وَلم يهتد فِي وصفهَا الى صَوَاب الا ان يتَمَسَّك بِالسنةِ وَالْكتاب فليحذر الَّذين يخالفون عَن امْرَهْ ان تصيبهم فتْنَة اَوْ يصيبهم عَذَاب أَلِيم وليحذر المجادل فِي ذَات الله بِغَيْر علم يَوْمًا يسْأَل فِيهِ الْقَائِل ويجازى فِيهِ الْعَامِل قَالَ الله عز من قَائِل فوربك لنسألهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ يسْأَل الله تَعَالَى فِي ذَلِك الْيَوْم الْعود لم خدش الْعود فَكيف لَا يسْأَل الْمُخَالفين فِي معتقدات اصول الدّين عَمَّا خالفوه فِي اجماع الْمُسلمين وَالله لَو ان مُؤمنا عَاقِلا قَرَأَ سُورَة الْحَدِيد وَآخر سُورَة الْحَشْر وَآيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الْكُرْسِيّ وَسورَة الاخلاص بتفكير وتدبر لتصدع من خشيَة الله قلبه وتحير فِي عَظمَة الله لبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الْمجْلس السَّابِع فِي التَّفْسِير وفضائل الْقُرْآن وَحَمَلته قَالَ الله عز وَجل سبح لله مَا فِي السَّمَوَات والارض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم لما كَانَ الله عَزِيزًا حكيما عَزِيزًا فِي ملكه حكيما فِي امْرَهْ اسْتوْجبَ على اهل سماواته وارضه ان يقدسوه ويسبحوا بِحَمْدِهِ لَهُ ملك السَّمَوَات والارض يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَمن قدرته على كل شَيْء احياء كل ميت واماتة كل حَيّ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي لَا يَمُوت المتفرد بِالْبَقَاءِ والدوام والعزة والجبروت هُوَ الاول والاخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم اول سبق وجود كل مَوْجُود آخر يَدُوم بَقَاؤُهُ بعد كل مَفْقُود ظَاهر بعلوه وقهره فَوق كل شَيْء بَاطِن بنفوذ علمه فَلَا يشذ عَن احصائه شَيْء هُوَ الَّذِي خلق السَّمَوَات والارض فِي سِتَّة ايام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش فِي خلق السَّمَوَات والارض ايات اكبر من ان تدركها عقول المتأملين واكثر من ان يحصيها ضبط الحاصرين وَلَو لم يكن الا اختراعها على غير مِثَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 سَابق وقيامها على الدَّوَام بِلَا اضْطِرَاب وَلَا اختلال لَاحق لَكَانَ فِي ذَلِك مَا يحير ألباب الرِّجَال يعلم مَا يلج فِي الارض وَمَا يخرج مِنْهَا وَمَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا الولوج الدُّخُول اي يعلم مَا يدْخل فِي الارض من مياه امطارها وَمَا يخرج مِنْهَا من نابتة تنْبت فِيهَا من عشبها واشجارها وَمَا نزل من السَّمَاء ملك وَلَا صعد اليها الا بِعلم الرب الَّذِي لَيْسَ فِي الْوُجُود ذرة الا وَهُوَ رَقِيب عَلَيْهَا وَهُوَ مَعكُمْ اينما كُنْتُم وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير اي انه تَعَالَى مَعنا بِعِلْمِهِ وَقدرته مشَاهد لأعمالنا واقوالنا واحوالنا فَقَالَ تَعَالَى الَّذِي يراك حِين تقوم وتقلبك فِي الساجدين وَقَالَ تَعَالَى وَمَا تكون فِي شَأْن وَمَا تتلو مِنْهُ من قُرْآن وَلَا تعلمُونَ من عمل الا كُنَّا عَلَيْكُم شُهُودًا اذ تفيضون فِيهِ فَمن كَانَ موقنا ان الله سُبْحَانَهُ مَعَه ومشاهده أَيْنَمَا كَانَ يصير بِعَمَلِهِ كَائِنا مَا كَانَ استحيا من الله ان يخْطر على قلبه اَوْ يجْرِي على جوارحه مَا لَا شَرعه الرَّسُول وَلَا نزل بِهِ الْقُرْآن واستحيا أَلا يلبس مَعْصِيّة أَيْنَمَا كَانَ لَهُ ملك السَّمَوَات والارض والى الله ترجع الامور الْملك كُله لله وَهُوَ غَنِي عَنهُ والامر كُله خَيره وشره يرجع اليه يَوْم الْجَزَاء وَلم يكن شَيْء غَائِبا عَن علمه وَلَا خَارِجا عَن محكمه يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل سلط سُبْحَانَهُ اللَّيْل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 النَّهَار بإدخاله فِيهِ وانتقاصه مِنْهُ فسيترد مِنْهُ مَا سلبه وَمثله مَعَه بحكمة لَا يعلم سرها غَيره وَهُوَ عليم بِذَات الصُّدُور لَيْسَ فِي صدر مَخْلُوق خير وَلَا شَرّ الا وَالله تَعَالَى عَالم ومضطلع عَلَيْهِ وناظر اليه يعلم السِّرّ واخفى يعلم مَا تكن صُدُورهمْ وَمَا يعلنون لَا يخفى عَن علمه شَيْء فرحم الله امرىء طهر بَاطِنه مِمَّا يكره ان يطلع عَلَيْهِ خالقه وبارئه وَبعد فَهَذَا بعض مَا اقْتَضَاهُ الْكَلَام على تَفْسِير اول هَذِه السُّورَة سُورَة الْحَدِيد من تَعْظِيم الحميد الْمجِيد فالويل ثمَّ الويل لمن هُوَ عَن تَعْظِيم الله غافل وبصفاته الْعلية جَاهِل وَفِي اثواب الْمعْصِيَة رافل مصر على الْخَطَايَا غير ثَابت وَلَا آفل عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن بَين الله وَبَين الْخلق سبعين ألف حجاب واقرب الْخلق إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل واسرافيل وَبينهمْ وَبَين الله اربعة حجب حجاب من نَار وحجاب من ظلمَة وحجاب من غمام وحجاب من المَاء وَعنهُ وَعَن عبد الله بن عمر قَالَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون الله تَعَالَى سَبْعُونَ الف حجاب من نور ومظلمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وَمَا تسع من نفس شَيْئا من حسن تِلْكَ الْحجب إِلَّا زهقت فَإِن قيل مَا الْحِكْمَة فِي هَذِه الْحجب وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غَنِي عَنْهَا فَالْجَوَاب ان من بعض فوائدها رأفة الله تَعَالَى بعباده وشفقته على خلقه وَلَوْلَا احتجاب عَن عوامله إِلَّا خرقت سبحات وحهه مَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره من خلقه جلت عَظمَة الله وَتَعَالَى جده فَهُوَ سُلْطَان الله وَغلب جنده توحدت ذَات الله وتقدست أسماؤه وسبقت مقادير الله وَنفذ قَضَاؤُهُ عز جناب الله وَعز جَلَاله صدعت حجَّة الله وَصدق مقاله قَوْله الصدْق ووعده الْحق ونوره الساطع وحرزه الْمَانِع سُبْحَانَهُ أنزل كتابا أحكمت آيَاته وَأرْسل رَسُولا بهرت معجزاته فيا من أَحْيَاهُ الله على الْإِسْلَام اسْأَل أَن يتوفاك مُسلما وَيَا من سربله الله قَمِيص الْإِيمَان اجْتهد أَن يكون بالنقاء معلما وَيَا من استحفظه الله الْقُرْآن كن بمتشابهه مُؤمنا وبمحكمه عَاملا حَامِل الْقُرْآن حَامِل راية الْإِسْلَام وَفِي كل خصْلَة من خِصَال الْخَيْر لأَهْلهَا إِمَام لَا يقنع بأَدَاء الْفَرْض وَترك الْحَرَام يشْبع النَّاس وبطن حَامِل الْقُرْآن جَائِع ويضحك النَّاس وطرفه دامع قد درجت النُّبُوَّة بَين كفيه فَهُوَ نَبِي غير أَنه لَا يُوحى إِلَيْهِ مَا بَين من يقْرَأ الْكتاب وَبَين من يُوحى إِلَيْهِ سوى النُّبُوَّة وَحدهَا للأنبياء مَرَاتِب خصوا بهَا والقارئون مَرَاتِب من بعْدهَا طُوبَى لمن يرْعَى أَمَانَة ربه بِالْبرِّ وَالتَّقوى ويحفظ حَدهَا انفت من الدُّنْيَا الدنية نَفسه فَلم يَك قطّ يَوْمًا عَبدهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وسما بهمته الى الدَّار الَّتِي رب الْعباد لمن أطَاع أعدهَا لم يخلق الرَّحْمَن أحسن منْظرًا مِنْهَا سوى عبد تبوأ كلدها بَاب الْقُرْآن يقدمنا إِلَى المتاجر الرابحة وَنحن عَنْهَا متأخرون وَالْقُرْآن يزهدنا فِي الدُّنْيَا الفانية وَنحن فِيهَا راغبون مَا راعينا حق نعم الله علينا حق رعايتها وَلَا تلقيناها بِمَا لزمنا لَهَا من كرامتها هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تروى أخباره فليتنا أتبعنا وَهَذَا كتاب الله تتلى علينا آيَاته فبأيها انتفعنا يَا نعما طالما كفرناها بهَا قوينا أَن نعصى الله وَيَا نفوسا لَو أَنَّهَا رحمت لم نك فِي سهوة أطعناها وَيَا علوما مَا كَانَ أنفعها لَو أننا فِي الْهدى اتبعناها قد حفظنا الْعُلُوم متقنة لَكِن بأعمالنا أضعناها طُوبَى لنَفس بعلمها عملت واتخذته دَلِيل مسراها فنادت إِلَى أَن بربها اتَّصَلت ثمَّ أناحت بِهِ مطاياها وآثرت قربه فآثرها كَذَاك لما ارتضته أرضاها بَاب الْمُسلمُونَ قوم انقادوا لله بِالدُّخُولِ فِي دينه فَلَمَّا تمكن التَّوْحِيد من قُلُوبهم التزموا بِطَاعَتِهِ وتمكنت من قُلُوبهم وجوارحهم سلت أَرْوَاحهم عَن كل حب سوى حبه فَلَمَّا أحبوه لهجوا بِذكرِهِ وتنافسوا فِي قربه فَلَمَّا قدمُوا عَلَيْهِ حلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 عرى الترحال وألقوا عَصا السفارة لأَنهم لم يكن لَهُم سواهُ مَطْلُوب وَإِنَّمَا غَايَة الْمُحب الْوُصُول إِلَى المحبوب مَا للمحب سوى المحبوب مَطْلُوب إِذْ قلبه عَن سوى ذكرَاهُ مَحْجُوب فالصبرمنتزح والسر مفتضح وَالدَّم منسفح وَالْقلب مسلوب إِن روحته أماني الْوَصْل فقد يرتاح شَيْئا وَإِلَّا فَهُوَ مكروب بَاب إِن من أصدق الشواهد على محبَّة الْعلي الْمَاجِد مُتَابعَة رَسُوله ومواظبة تِلَاوَة تَنْزِيله فَإِن الْهَادِي الرشيد وَالْقُرْآن الْمجِيد لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله التزموا كتاب الله وتتبعوا مَا فِيهِ من الْأَمْثَال وَكُونُوا فِيهِ من أهل النّظر رحم الله عبدا عرض نَفسه وَعَمله على كتاب الله عز وَجل فَإِن وَافق مَا فِيهِ حمد الله وَسَأَلَهُ الزِّيَادَة وَإِن خَالفه استعتب ربه وَرجع إِلَيْهِ من قريب وَقَالَت أم الدَّرْدَاء سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَمَّن يدْخل الْجنَّة من قراء الْقُرْآن مَا فَضله على من لم يقرأه فَقَالَت إِن عدد دَرَجَة بِعَدَد آي الْقُرْآن فَمن دخل الْجنَّة من الْقُرَّاء فَلَيْسَ فَوْقه أحد وَإِذا لم يكن فَوْقه فِي الْجنَّة أحد فَيَنْبَغِي لَهُ ان يحسن كَلَام ربه مَعَ الْقُرْآن ويجتهد فِي الْعَمَل بِمَا فِيهِ وَإِلَّا كَانَ يَوْم القبامة من الخاسرين وَقد رُوِيَ عَن أبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي رَحمَه الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ الزَّبَانِيَة يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الْقِيَامَة أسْرع إِلَى حَملَة الْقُرْآن يعصون الله بعد قِرَاءَته مِنْهُم إِلَى عَبدة الْأَوْثَان غَضبا عَلَيْهِم حِين عصوا الله بعد الْقُرْآن وَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ رب تال لِلْقُرْآنِ وَالْقُرْآن يلعنه وَرُوِيَ فِي الحَدِيث من كَانَ فِي قلبه آيَة من كتاب الله وصب عَلَيْهَا الْخمر يحيا كل حرف مِنْهَا حَتَّى تَأْخُذ بناصيته حَتَّى يوقفه بَين يَدي الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة فيخاصمه وَمن خاصمه الْقُرْآن خصم فالويل كل الويل لمن كَانَ يقْرَأ الْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ من الْمصر على الزِّنَا وَشرب الْخمر والرياء وظلم الْعباد أكل الْحَرَام والربا وَقَالَ الفضيل بن عِيَاض حَامِل الْقُرْآن حَامِل راية الْإِسْلَام لَا يَنْبَغِي أَن يلهو مَعَ من يلهو وَلَا يَلْغُو مَعَ من يَلْغُو وَلَا يسهو مَعَ من يسهو تَعْظِيمًا لحق الْقُرْآن قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يَنْبَغِي لحامل الْقُرْآن أَن يعرف بليله إِذْ النَّاس نائمون يختالون وبصمته إِذْ النَّاس يَخُوضُونَ أهل الْقُرْآن أَئِمَّة بهم اهْتَدَى أهل السلوك إِلَى رضَا الْجَبَّار لَكِن عَلَيْهِم أَن يقومُوا بِالَّذِي فِيهِ من الْمَشْرُوع للأبرار صدق وإخلاص وَحسن عبَادَة وَقيام ليل مَعَ صِيَام نَهَار وتورع وتزهد وتعفف وتشبه بخلائق الأخيار وديانة وصيانة وَأَمَانَة وتجنب لخلائق الأشرار وَأَدَاء فرض وَاجْتنَاب محارم وإدامة الأوراد والأذكار يَا حَامِل الْقُرْآن إِن تَكُ هَكَذَا فلك الهنا بفوز عُقبى الدَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَمَتى أضعت حُدُوده لم تنْتَفع بِحُرُوفِهِ وسكنت دَار بوار اللَّهُمَّ كَمَا علمتنا كتابك فوفقنا للْعَمَل بِهِ حَتَّى يكون شَاهدا لنا عنْدك وَقَائِدًا إِلَى جنتك ومؤنسا لنا فِي وَحْشَة الألحاد ومركبا لنا يَوْم يقوم الأشهاد اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا بِالْقُرْآنِ عاملين ولأوامره متبعين ولنواهيه مجتنبين واجعلنا لَك كَمَا تحب فَإنَّك لنا كَمَا نحب اللَّهُمَّ بدل سيئاتنا حَسَنَات وَلَا ترنا أَعمالنَا حسرات وَأَقْبل بقلوبنا إِلَيْك وَلَا تخزنا يَوْم الْوُقُوف بَين يَديك بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَصلى الله وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الْمجْلس الثَّامِن مُتَابعَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَمد لله كَمَا يَلِيق بِحقِّهِ وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على مُحَمَّد خير خلقه الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْك يَا سيد الْأَنَام الصَّلَاة عَلَيْك يَا نَبِي الْإِسْلَام جَزَاك الله عَن أمتك أفضل مَا جزي نَبيا عَن أمته وَجَعَلنَا ببركة متابعتك فِي دَار كرامته أَيهَا السَّيِّد الَّذِي لَيْسَ لِلْخلقِ على غير جاهه تعويل بك نستشفع الْخلق يَوْم العر ض حَتَّى مُوسَى وَحَتَّى الْخَلِيل أَنْت لله مُرْسل وعَلى صد قك عِنْد اللبيب قَامَ الدَّلِيل لأي عذر للجاحدين وَقد دلّت عَلَيْك التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِن قلبا لم يشفه طبك المنجح من سقمه لقلب عليل لَيْسَ للطَّالِب السَّبِيل إِلَى الله سوى شرعك الحنيف سَبِيل كل من رام من سواهُ وصُولا مَا لَدَيْهِ إِلَى الْوُصُول وُصُول أَنْت بَاب الْخلق الَّذِي من يحد عَنهُ يفته إِلَى الجناب الدُّخُول كل مدح يُقَال فِيك وَإِن أطنب فِيهِ لَدَى علاك قَلِيل مَا عَسى المادحون أَن يبلغُوا من وصف معناك مَا عَسى أَن يَقُولُوا جملَة القَوْل فِيك أَنَّك لله رَسُول وصفوة وخليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وعَلى نِسْبَة الْجَلالَة والرفعة من مُرْسل يكون الرَّسُول مُحَمَّد صفوة الرَّحْمَن مَا حملت أُنْثَى وَلَا وضعت شبها لغدته مُحَمَّد خير كل الْعَالمين وَمَا بدا لنا مِنْهُ مغن عَن أدلته كل الشَّرَائِع مَنْسُوخ بشرعته وشرعه خَالِد بَاقٍ بحدته لَو قسيت الْأُمَم الماضون بِالْفَضْلِ لكانوا دون أمته إِن كاثروا اَوْ فاخروا فَخَروا يدنون فضلا وَهَذَا من فضليلته يكَاد يغْضب خزان الْعَذَاب لما يقل حظهم من أهل مِلَّته ووارد النَّار مِنْهُم بِالذنُوبِ لَهُ سِيمَا من الْحسن لَا يذرى بخلقه بَيَاض وَجه وتحجيل من الوضو لألأ نور فَوق جَبهته وَلَا يخلد فِي نَار معذبهم وَلَو أَتَى بجبال من خطيته الْخَيْر كُله فِي مُتَابعَة الرَّسُول وَالْبركَة فِي حفظ كَلَامه الْمَنْقُول مَا وعظ الواعظون بِمثل التخويف من الِانْقِطَاع عَن الْوُصُول وَلَا أطرب الحادون بِمثل التشويق إِلَى النّظر إِلَى جمال وَجه الله ومرافقة رَسُول الله وَلَا يسمع السامعون بِمثل حسرة المحجوبون يَوْم الْقِيَامَة عَن الله وَعَن شَفَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن الله هُوَ الَّذِي إِلَيْك فِي كل وَقت نَاظر وَعَلَيْك فِي كل حَال قَادر أَيْن الفارون من الله وَالْكل فِي قَبضته كَيفَ يشْكر الشاكرون من سوى الله وَالْكل على مائدته إِلَى من يلجأ الخائفون إِلَى غير الله وَالْكل مَحْفُوظ برعايته لَو علم الراقدون إِذْ نعسوا مَاذَا أضاعوا وعَلى خطّ من يَخْشونَ غير خطّ أنفسهم عَن قيام بِبَابِهِ جَلَسُوا تكلفوا عَنهُ سلوة فسألوا ثمَّ تناسوا عهودهم فنسوا كم قريب أبعده التباعد وَكم قَائِم أقعده التقاعد لَا يزَال رجال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 يتأخرون حَتَّى يؤخرهم الله يَوْم الْقِيَامَة يَنْبَغِي للحاضر أَن يكون سَامِعًا وللسامع أَن يكون واعيا وللداعي أَن يكون بِمَا دَعَا عَاملا وللعامل فِي عمله أَن يكون مخلصا وَاعْلَم يَا ابْن آدم أَنَّك مَرِيض الْقلب من جِهَتَيْنِ إِحْدَاهمَا مخالفتك أَمر الله وَالْأُخْرَى عفتك عَن ذكر الله وَلنْ تَجِد طعم الْعَافِيَة حَتَّى تكون على طَاعَة الله مُقيما وَلذكر الله مديما فعالج مرض الْمُخَالفَة بِالتَّوْبَةِ وَمرض الْغَفْلَة بالإنابة وَإِلَّا فَاعْلَم عَمَّا قَلِيل أَنَّك هَالك ومنتقل من أهلك وَمَالك إِلَى قَبْضَة ملك مَالك قدم لنَفسك فضل مَالك وامهد لَهَا قبل انتقالك خُذ للتأهب للرحيل فقد دنا وَقت إرتحالك واعمل على تَخْلِيص نَفسك من سبالة سوء حالك سُبْحَانَ من أنعم على أوليائه بالعافية من أسقامنا سُبْحَانَهُ مكن لَهُم فِي مقامهم وزحزهم من مقامنا الْإِصْرَار والغفلة مقامنا ومقامهم التَّوْبَة والإنابة أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقر وَأحسن مقيلا لَو بكينا على نفوسنا حَتَّى تجْرِي السفن فِي دموعنا مَا بلغنَا مَا يُوجِبهُ سوء صنيعنا اخترنا مَا يفنا على مَا يبْقى وَاخْتَارَ أَوْلِيَاء الله مَا يبْقى على مَا يفنا يَا طول حسرات الغافلين يَا فرط ندمات المفرطين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 يَا طول حزن الغافلينا عَن ذكر رب العالمينا يَا حسرة يطوون جمر تها حيارى نادمينا ذمّ الدُّنْيَا لَيْسَ الذاكر من قَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَقَلبه مصر على الذُّنُوب وَإِنَّمَا الذاكر من إِذا هم بِمَعْصِيَة ذكر مقَامه بَين يَدي علام الغيوب كَمَا قَالَ بعض السّلف لَيْسَ الذاكر من هَمهمْ بِلِسَانِهِ وَإِنَّمَا الذاكر من إِذا جلس فِي سوقه وَأخذ يزن بميزانه علم ان الله مطلع عَلَيْهِ فَلم يَأْخُذ إِلَّا حَقًا وَلم يُعْط إِلَّا حَقًا فَمَا يَنْبَغِي للعباد أَن ينشغلوا عَن الْمُنعم بِشَيْء من نعمه وَلَا يلتهوا عَنهُ بِشَيْء من كرمه الله أَحَق أَن نختاره على مَا سواهُ الله مَوْلَانَا وَمَا أولى بِالْخَيرِ من كَانَ الله مَوْلَاهُ يَا ليتنا عقلنا عَن الله وَلَو حرفا من خطابه يَا ليتنا قربنا من الله وَلَو عرض شعره من عَزِيز جنابه إِنَّمَا يفهم مَا أَقُول أَرْبَاب الفطن والعقول إِنَّمَا يشرب من هَذَا الشُّمُول هُوَ برداء التَّوْفِيق مشمول اسْمَع مَا أَقُول فَهُوَ جميل لَا يضر عَنهُ مَا يَقُول الجهول كل شَيْء شغول فَهُوَ للنَّفس عول عَن ذكر لمولى ملكه مَا يَزُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ملعونة هِيَ الدُّنْيَا مَلْعُون مَا فِيهَا إِلَّا ذكر الله وعالما ومتعلما كَيفَ لَا تكون الدُّنْيَا ملعونة وَهِي عَن ذكر الله شاغلة وَلمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 نظر إِلَيْهَا فاتنة وَلمن ركن إِلَيْك قاتلة استصحبها غاشة وَلمن استنصرها خاذلة الدن حب وَالْمَعْصِيَة فخ والشيطان صياد وَالْإِنْسَان طَائِر فَمَتَى أكب الْإِنْسَان على الْتِقَاط حلالها فيوشك ان يَقع فِي حرامها وَمَتى وَقع فِي حرامها فقد أستحوذ عَلَيْهِ قناصه وَتعذر عَلَيْهِ إِلَّا من جِهَة التَّوْبَة خلاصه فَكيف السَّبِيل إِلَى الْخَلَاص مِنْهَا ورضيعها لَا يُمكنهُ الْفِطَام عَنْهَا وَالْجَوَاب عَن هَذَا السُّؤَال أَن تستغيث بالكبير المتعال فالراجع إِلَى الله مستريح بِاللَّه مِمَّا سواهُ لِأَنَّهُ يستريح من الدُّنْيَا وأشغالها وَمن الشَّيَاطِين ووسواسها وَمن الأفكار وغمومها وَمن الأشغال وهمومها وَغير ذَلِك مِمَّا النَّاس بِهِ فِي هَذِه الدُّنْيَا مفتونون ومعذبون وَعَلِيهِ فِي الْآخِرَة محاسبون ومعاقبون فأريدوا وَجه الله بِكُل أَعمالكُم وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله بِأَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَقْبلُوا عَلَيْهِ يقبل عَلَيْكُم فَإِنَّهُ لَا يعرض إِلَّا عَمَّن أعرض عَنهُ وَلَا تجْعَلُوا طلب الدُّنْيَا أكبر همكم فَيطول فِيهَا همكم وَفِي الْآخِرَة يطول حسابكم على قدر مالكم قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ ذُو الدرهمين فِي الْآخِرَة أَشد حسابا من ذِي الدِّرْهَم وَفِي الحَدِيث التقى مُؤْمِنَانِ على بَاب الْجنَّة مُؤمن غنى وَمُؤمن فَقير كَانَا فِي الدُّنْيَا فَأدْخل الْفَقِير إِلَى الْجنَّة وَحبس الْغَنِيّ مَا شَاءَ الله أَن يحبس ثمَّ أَدخل الْجنَّة فَلَقِيَهُ الْفَقِير فَقَالَ يَا أخي مَا أحسبك بعدِي وَالله لقد احْتبست حَتَّى خفت عَلَيْك فَقَالَ يَا أخي وَالله لقد احْتبست بعْدك محبسا فظيعا كريها وَمَا وصلت إِلَيْك حَتَّى سَأَلَ مني الْعرق مَا لَو ورد ألف بعير كلهَا أكلت حمصا لعددت عَنهُ رواء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وَاعْمَلُوا أَن لله عبادا شغلهمْ الاهتمام بِهِ عَن الاهتمام لَهُم وَتلك مرتبَة المقربين الَّذين يتبتلون إِلَيْهِ تبتيلا وَمِنْهُم من لَا يرفع قصَّة الشكوى إِلَّا إِلَيْهِ وَذَلِكَ مقَام أَصْحَاب الْيَمين الَّذين لم يتخذوا من دونه وَكيلا اجْتهد ان تكون عَارِفًا بِاللَّه فَإِن عجزت فاجتهد أَن تكون مرِيدا من الله وَلَا تكن الثَّالِث تكن من الخائبين اجْتهد أَن تكون واصلا إِلَى الله فَإِن عجزت فَكُن سالكا إِلَى الله وَلَا تكن الثَّالِث من المنقطعين اجْتهد ان تكون واصلا فَإِن عجزت فَكُن سالكا إِلَى الله وَلَا تكن الثَّالِث تكن من الْجَاهِلين اجْتهد أَن تكون مِمَّن يُحِبهُ الصالحون فِي الله فَإِن عجزت فَكُن مِمَّن يحب الصَّالِحين فِي الله وَلَا تكن الثَّالِث تكن من الممقوتين هَذِه وَصِيَّة مناصحة من اهْتَدَى بهديها اهْتَدَى هَذِه سفينة سَلامَة من اعْتصمَ بركوبها نجا الْمُؤْمِنُونَ قوم باعوا الله أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَلم يقدموا عَلَيْهِ بسوى افتقارهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 إِلَيْهِ فعوضوا بِمَا هُوَ أعوض عَلَيْهِم وَأبقى لَهُم عاملوه رَغْبَة فِيهِ لَا فِي شَيْء سواهُ فجازاهم بجنته وَرضَاهُ وَالله لَو أَن محبا صَادِقا يسْأَل بذل روحه وَمَاله حَتَّى ينَال نظرة فِي نَومه يسخو بهَا الحبيب من خياله وجدته لنَفسِهِ مهينا لنعم باله والرب تَعَالَى يستقرض منا ربع عشر مَا خولنا من مقتنى أَمْوَاله فَلَا نجود ثمَّ نرجو حظوة لَدَيْهِ بالنعيم فِي وصاله هَذَا هُوَ الْمحَال والمحال لَا مطمع للعاقل فِي مناله إِنَّمَا امركم الله سُبْحَانَهُ بإنفاق أَمْوَالكُم فِي سَبِيل مرضاته ليمتحن مَاله فِي قُلُوبكُمْ من محبته وإجلاله وخشيته ومقامه وَالله الْغَنِيّ وَأَنْتُم الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ ثمَّ لَا يَكُونُوا أمثالكم وفقنا الله وَإِيَّاكُم لمرضاته وَوَهَبْنَا وَإِيَّاكُم من جزيل هباته وجمعنا وَإِيَّاكُم فِي دَار النَّعيم وجنبنا وَإِيَّاكُم أَفعَال أهل الْجَحِيم لإنه جواد كريم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الْمجْلس التَّاسِع تَسْبِيح وَحمد وثناء الْحَمد لله الَّذِي خلق الْإِنْسَان من نُطْفَة فَجعله سميعا بَصيرًا وألزمه الْحجَّة بإيضاح المحجة إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا فَمن شكر لأنعمه لقاه من كرمه نَضرة وسرورا وسقاه من مدام دِيمَة شرابًا طهُورا وَمن كفر أعد لَهُ سلاسل وأغلالا وسعيرا واستقبل بِهِ يَوْم حشره بعد عَذَاب قَبره يَوْمًا عبوسا قمطريرا ذَلِك أَنه اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ وابتدع من رَأْيه مَا لَيْسَ من شرائع الدّين وَترك الِاعْتِصَام بسنن الْمُرْسلين فويل لَهُ إِذا قَامَ يَوْم حشره من حفرته حاسرا حسيرا ولقى حسابا قد حَرَّره عَلَيْهِ الحاسبان تحريراوكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشورا سُبْحَانَ من تسبح بِحَمْدِهِ الحركات والسكون وَتشهد بِحِكْمَتِهِ الْحَيَاة والمنون وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ يخرجُون حُفَاة وعراة غرلًا يَرْجُو محسنهم من ثَوَابه فضلا وَيخَاف مسيئهم من عِقَابه عدلا فَيَوْمئِذٍ لَا يظْلمُونَ نقيرا وَكفى بِرَبِّك بذنوب عباده خَبِيرا بَصيرًا خضع لهيبته كل صَعب ذَلُول وافتقرإلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 توفيقه كل عَلَيْهِم وجهول إِذا حكم فبالعدل يحكم وَإِذا قَالَ فبالحق يَقُول وَإِذا سامح فَالْأَمْر يسهل وَإِذا ناقش فالحساب يطول فطوبى لمن كَانَ لَهُ من سوء الْحساب مجيرا لقد سعد سَعَادَة الْأَبَد وفاز فوزا كَبِيرا أَحْمَده وأشكره وَلم يزل بِالْحَمْد وَالشُّكْر جَدِيرًا وَأشْهد أَلا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة أشْرب بهَا من سلسبيل الْجنَّة نميرا وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ إِلَى الْخلق كلهم بشيرا وَنَذِيرا صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كَبِيرا اللَّهُمَّ اهد من صَلَاتنَا وسلامنا إِلَيْهِ وَإِلَى آله وَأَصْحَابه الَّذين جاهدوا بَين يَدَيْهِ مَا يكون حسن الْجَزَاء عنْدك خُصُوصا على الصّديق الْأَفْضَل والخليفة الأول وَالْإِمَام المبجل أبي بكر الصّديق الَّذِي سبق إِلَى الْإِسْلَام أحرارا وعبيدا وإناثا وذكورا وعَلى الْفَارُوق الْأَكْبَر الْآمِر بِالْمَعْرُوفِ والناهي عَن الْمُنكر أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب الَّذِي أصبح بِهِ الْإِسْلَام ظَاهرا وَقد كَانَ مَسْتُورا وعَلى جَامع الْأمة على الْقُرْآن بعد إختلافها والباذل نَفسه دون دينه حَتَّى أوردهَا موارد تلافها أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان الَّذِي ابتلى فِي كتاب الله وَكَانَ الْبلَاء صبورا وعَلى أبي السبطين السيدين أبي مُحَمَّد الْحسن وَأبي عبد الله الْحُسَيْن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب الْحَائِز من آيَات الْفرْقَان نَصِيبا موفورا وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا وَكَانَ رَبك قَدِيرًا وعَلى التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين وعَلى سَائِر عباد الله الصَّالِحين صَلَاة مُتَّصِلَة صباحا وَمَسَاء ورواحا وبكورا اللَّهُمَّ وَنحن من جملَة عِبَادك الْفُقَرَاء إِلَى مزِيد فضلك ودوام مدارك فَاجْعَلْ لنا من لَدُنْك سُلْطَانا نَصِيرًا حَتَّى نجاورك فِي جنَّة عرضهَا السَّمَوَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وَالْأَرْض حشوتها بِرَحْمَتك وَجعلت لِبَاس أَهلهَا حَرِيرًا متكئين فِيهَا على الأرائك لَا يرَوْنَ شمسا وَلَا زمهريرا وأشركنا فِي صَالح دُعَاء الْمُسلمين وأشرك الْمُسلمين فِي صَالح دعائنا يَا من لم يزل بِكُل شَيْء خَبِيرا وعَلى كل شَيْء قَدِيرًا تَنْبِيه الْعُقُول الْعَاقِلَة يُورث حرث الْآخِرَة على حرث العاجلة وبالاستقامة على السِّيرَة العادلة تظهر جَوَاهِر النُّفُوس الفاضلة فطالب الإستقامة مُحْتَاج إِلَى طَرِيق السَّلامَة من سلكها بَعْدَمَا عرفهَا وصل إِلَى دَار الْكَرَامَة فَمن عزم على سلوك طَرِيق الْجنَّة فليجعل دَلِيله عُلُوم الْكتاب وَالسّنة وَإِنَّمَا يَهْتَدِي بِالْعلمِ لمراد قَائِله خَبِير فَلهَذَا ألزم أَئِمَّة السلوك الِاشْتِغَال بعلوم التَّفْسِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 تَفْسِير أَوَائِل سُورَة هود بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الر كتاب أحكمت آيَاته ثمَّ فصلت من لدن حَكِيم خَبِير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الر قَالَ أَنا الله أرى وَقَالَ سعيد بن جُبَير الر حم ن هُوَ اسْم الله الرَّحْمَن وَقيل الْألف آلاؤه وَاللَّام لطفه وَالرَّاء ربوبيته وَقَوله أحكمت آيَاته أَي لم تنسخ بِكِتَاب كَمَا نسخت الْكتب الَّتِي قبله ثمَّ فصلت أَي بيّنت بِالْأَحْكَامِ والحلال وَالْحرَام وَقَوله تَعَالَى من لدن حَكِيم خَبِير أَي من عِنْد حَكِيم بتدبير الْأَشْيَاء وتقديرها خَبِير بِمَا تؤول إِلَيْهِ عواقبها ألاتعبدوا إِلَّا الله أَي لَا توحدوا وَلَا تطيعوا إِلَّا الله إِنَّنِي لكم مِنْهُ نَذِير وَبشير أَي قل يَا مُحَمَّد إِنَّنِي من عِنْد الله نَذِير أنذركم عِقَابه على مَعْصِيَته وَعبادَة الْأَصْنَام وَبشير أبشركم بِثَوَاب الله على طَاعَته وإخلاص عِبَادَته وَأَن اسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ أَي اطْلُبُوا من ربكُم مغْفرَة سالف ذنوبكم وتوبوا إِلَيْهِ بِالرُّجُوعِ عَن مُخَالفَته فِي بَقِيَّة أعماركم يمتعكم مَتَاعا حسنا إِلَى أجل مُسَمّى أَي إِذا استغفرتم ربكُم وتبتم إِلَيْهِ بسط لكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 من الأرزاق وَمد لكم فِي الْأَعْمَار إِلَى وَقت الْمَوْت وَهُوَ الْأَجَل الْمُسَمّى وَقيل الْمَتَاع الْحسن هُوَ أَن يرضيهم بِمَا أَعْطَاهُم وَقيل هُوَ استعمالهم بِطَاعَتِهِ وَمَعْرِفَة حَقه فَإِن الله يحب الشَّاكِرِينَ وَأهل الشُّكْر فِي مزِيد من الله تَعَالَى وَذَلِكَ قَضَاؤُهُ الَّذِي قضى وَذَلِكَ يَعْنِي أَنكُمْ أَيهَا الْمُسلمُونَ قد أطعتم ربكُم فِي الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة وَقد أنْجز لكم مَا وعد المستغفرين والتائبين من الْمَتَاع الْحسن فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قد عَفا عَنْكُم فِي أبدانكم ووسع لكم فِي أرزاقكم وأمنكم فِي أوطانكم وأعلاكم على عَدوكُمْ وشرفكم على أهل الْملَل وعصمكم من الرِّدَّة المحبطة للْعَمَل وستركم وجبركم وآواكم ونصركم فاعرفوا لله حق نعْمَته عَلَيْكُم وطالبوا أَنفسكُم بِوَاجِب طَاعَته وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله قَالَ الضَّحَّاك وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله من عمل سَيِّئَة كتيت عَلَيْهِ سَيِّئَة وَمن عمل حَسَنَة كتبت لَهُ عشر حَسَنَات فَإِن عُوقِبَ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي كَانَ عَملهَا فِي الدُّنْيَا بقيت لَهُ عشر حَسَنَات فَإِن لم يُعَاقب بهَا فِي الدُّنْيَا أَخذ من الْحَسَنَات الْعشْر وَاحِدَة وَبقيت لَهُ تسع حَسَنَات ثمَّ يَقُول هلك من غلب آحاده عشرات ثمَّ قَالَ تَعَالَى وَإِن توَلّوا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم كَبِير أَي وَإِن تعرضوا عَمَّا دعوتكم إِلَيْهِ من اخلاص الْعِبَادَة لله وَالِاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم كَبِير أَي كَبِير هوله وَهُوَ يَوْم الْقَامَة قَالَ مقَاتل إِن لم يتوبوا فِي الدُّنْيَا فحبس الله عَنْهُم الْمَطَر سبع سِنِين حَتَّى أكلُوا الْعِظَام وَالْميتَة وَقيل معنى قَوْله أَخَاف بِمَا يعلم وَإِنَّمَا عبر عَن الْعلم بالخوف لِأَن الْعلم يُوجد الْخَوْف وَأَشد الْعِصْمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 على قدر علم الْمَرْء يعظم خَوفه فَلَا عَالم إِلَّا من الله خَائِف فأمن مكر الله بِاللَّه جَاهِل وخائف مكر الله بِاللَّه عَارِف إِلَى الله مرجعكم وَهُوَ على كل شَيْء قدير وصف لَهُم نَفسه بِالْقُدْرَةِ حَتَّى لَا يعتقدوا بجهلهم عَجزه فيخالفوا أمره قيستوجبوا عِقَابه فأعملهم بقدرته قبل حُلُول نقمته من جملَة بره ولطفه وَقدرته ورأفته فَإِذا كَانَ هَذَا لطفه بأعدائه فَكيف يكون عطفه على أوليائه قَالَ الضَّحَّاك بن قيس رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاس اخلصوا أَعمالكُم لله فَإِن الله لَا يقبل من الْعَمَل إِلَّا مَا خلص لوجهه وَلَا تَقولُوا هَذَا لله وللرحم فَإِنَّهُ للرحم وَلَيْسَ لله مِنْهُ شَيْء وَلَا تَقولُوا هَذَا لله ووجوههم فَإِنَّهُ لوجوههم وَلَيْسَ لله مِنْهُ شَيْء وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة صَارَت أمتِي ثَلَاث فرق فرقة يعْبدُونَ الله خَالِصا وَفرْقَة يعْبدُونَ الله رِيَاء وَفرْقَة يعْبدُونَ الله ليستأكلوا بِهِ النَّاس فَإِذا جمعهم الله قَالَ للَّذي كَانَ يستأكل بِهِ النَّاس بعزتي وَجَلَالِي مَا أردْت بعبادي قَالَ بعزتك وجلالك أستأكل بهَا النَّاس قَالَ لم ينفعك شَيْء مِمَّا جمعت انْطَلقُوا بِهِ إِلَى النَّار ثمَّ يَقُول للَّذي كَانَ يعبده رِيَاء بعزتي وَجَلَالِي مَا أردْت بعبادتي قَالَ بعزتك وجلالتك أردْت بهَا رِيَاء النَّاس قَالَ لم يصعد إِلَيّ مِنْهُ شَيْء انْطَلقُوا بِهِ إِلَى النَّار ثمَّ يَقُول للَّذي كَانَ يعبد خَالِصا بعزتي وَجَلَالِي مَا أردْت بعبادتي قَالَ بعزتك وجلالتك أَنْت أعلم بذلك مني أردْت بهَا وَجهك وذكرك قَالَ صدق عَبدِي انْطَلقُوا بِهِ إِلَى الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَفِي حَدِيث معَاذ رَضِي الله عَنهُ قَالَ يَا رَسُول الله أوصني قَالَ اخلص دينك يَكْفِيك الْقَلِيل من الْعَمَل وَقَالَ يحيى بن معَاذ كونُوا عباد الله بأفعالكم كَمَا زعمتم أَنكُمْ عبيد الله بأقوالكم وَقَالَ البناجي مَا التنعم إِلَّا فِي الْإِخْلَاص وَلَا قُرَّة الْعين إِلَّا فِي التَّقْوَى وَلَا رَاحَة إِلَّا فِي التَّسْلِيم حدث الْقَوْم عَن حَقِيقَة الْأَمر فصدقوا ونظروا فِي علل الْأَعْمَال فدققوا ونصحوا لنا فِي وصاياهم وعلينا أشفقوا وتأدبوا بِالْعلمِ وَالْعَمَل فَلم أحكموه فضلوا فَإِن تقتدوا بهم تهتدوا وَأَن تسابقوهم تسبقوا أَيْن البطال من الْأَبْطَال مَتى يدْرك الْأَطْفَال مساعي الرِّجَال بلغ الرِّجَال نِهَايَة الآمال فِي سيرهم بالشد والترحال نالوا المنى لما سمت لمناله من عزمهم هم هُنَاكَ عَوَالٍ لم ينكلُوا فِي قصدهم ومسيرهم حَتَّى أناخوا بالجناب العالي هَذَا هُوَ الْأَمر الرشيد ومنتهى المرمى الْبعيد وَغَايَة الآمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 مدح التَّوَاضُع وذم الْكبر أَلا ذُو طبع كريم يسمو إِلَى هَذَا الْفضل الْعَظِيم أَلا ذُو قلب سليم يُرَاعِي حفظ الْعَهْد الْقَدِيم إِنَّمَا يقدر على الْوَفَاء بِعَهْد يَوْم الْمِيثَاق من كَانَ سليما من النِّفَاق إِنَّمَا يحن إِلَى مرافقة الرفيق الْأَعْلَى من كَانَ طبعه كَرِيمًا من نسي عهود ربه فقد استحوذ الشَّيْطَان على قلبه من خَالف سنة نبيه فقد نظمه الشَّيْطَان فِي حزبه قَالَ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله مَا اعْلَم النَّاس فِي زمَان أحْوج مِنْهُم إِلَى طلب الحَدِيث من هَذَا الزَّمَان قيل وَلم قَالَ ظَهرت بدع فَمن لم عِنْده حَدِيث وَقع فِيهَا وَقَالَ الفضيل بن عِيَاض رَحمَه الله إِن لله تَعَالَى مَلَائِكَة يطْلبُونَ حلق الذّكر فَانْظُر مَعَ من يكون مجلسك فَلَا يكون مَعَ صَاحب بِدعَة فَإِن الله لَا ينظر إِلَيْهِم وعلامة النِّفَاق أَن يقوم الرجل وَيقْعد مَعَ صَاحب بِدعَة لَو أَن المبتدع تواضع لكتاب الله وَسنة نبيه لَا أتبع مَا ابتدع وَلكنه أعجب بِرَأْيهِ فاقتدى بِمَا اخترع فالتواضع أصل كَبِير يتَفَرَّع مِنْهُ شَيْء كَبِير عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من رجل يَمُوت وَفِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من كبر تحل لَهُ الْجنَّة أَن يرِيح رِيحهَا وَلَا يَرَاهَا وَعَن فضَالة بن عبيد ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا تسْأَل عَنْهُم رجل يُنَازع الله رِدَاءَهُ الْكِبْرِيَاء وازاره الْعِزَّة وَرجل فِي شكّ من أَمر الله وَرجل يقنط من رَحْمَة الله وَعَن سُلَيْمَان بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَأَيْتُم سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا أعطَاهُ الله من الْملك فَإِنَّهُ لم يكن يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء تخشعا حَتَّى قَبضه الله وَقَالَ الْفَتْح بن شخوف رَحمَه الله رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي الْمَنَام فَسَمعته يَقُول التَّوَاضُع يرفع الْفَقِير على الْغنى وَأحسن من ذَلِك تواضع الْغَنِيّ الْفَقِير إِنَّمَا جعل ترفع الْفَقِير على الْغَنِيّ من التَّوَاضُع لِأَن الْفُقَرَاء قوم فرغ الله قُلُوبهم وَجعل رحيق محبته مشروبهم وَأطَال على بَاب خدمته وقوفهم وَجعل رِضَاهُ وقربه مطلوبهم وغضبه وَبعده مخوفهم فهم من خَشيته مشفقون وَمن هيبته مطرقون إِن تواضعوا فلرفعته وَأَن تذللوا فلعزته وَإِن طمعوا فِي صدقته وَإِن خضعوا فلعظمته إِلَى الله افتقارهم وَبِاللَّهِ افتخارهم وَإِلَى الله استنادهم هُوَ كنزهم وعزهم وفخرهم وذخرهم ومعبودهم ومقصودهم وَمن كَانَ بِهَذِهِ الرُّتْبَة فَمَتَى تواضع لغير الله أخل بمركز الْأَدَب واستبدل الخزف بِالذَّهَب من كَانَ رب الْعباد مَقْصُوده فَهُوَ لكل الْعباد مَقْصُود قل للعاملين لغير الله يَا عظم خسرانكم وَقل للواقفين بِغَيْر بَاب الله يَا طول هوانكم وَقل الآملين لغير فضل الله يَا خيبة آمالكم وَقل للعاملين لغير وَجه الله يَا ضَيْعَة أَعمالكُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الْأَسْبَاب كلهَا مُنْقَطِعَة إِلَّا أَسبَابه والأبواب كلهَا مغلقة إِلَّا أبوابه جناب الله أَعلَى مرتقى تسمو إِلَيْهِ همم المرتقين لَيْسَ دونه مقنع للطالبين وَلَا وَرَاءه مَذْهَب للسالكين سَلام الله وَرَحمته وَبَرَكَاته على همم لَا يرضيها إِلَّا قرب الله ومرضاته مَا حَلَال لَهَا غير ذكره وَلَا انقادت لسوى أمره فَهِيَ الدَّهْر فِي طَاعَته وشكره على حُلْو الْعَيْش ومره وَيسر الْأَمر وعسره أَوْلِيَاء الله لَا يحبونَ وَلَا يبغضون إِلَّا فِي الله وَلَا يشتاقون وَلَا يحبونَ إِلَّا لله وَلَا يَتَوَكَّلُونَ وَلَا يعتمدون إِلَّا على الله إِذا صفا مشرب مُعَاملَة الله لم ينالوا كدر المشارب وَإِذا أينع لَهُم مَذْهَب السلوك إِلَى الله لم يهتموا لضيق الْمذَاهب وَإِذا ظنُّوا أَن الله عَنْهُم رَاض لم يكترثوا بغضب غاضب وَإِذا لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم عَاتب لم لم يشغل قُلُوبهم عتب عَاتب رضَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلامَة على رضَا مرسله وَالْعَمَل بِالْقُرْآنِ دَلِيل على الْإِيمَان بمنزله فاتلوا كتاب الله وتدبروه وعظموا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووقروه اللَّهُمَّ صل على سيدنَا مُحَمَّد وَآله الْكِرَام مَا نسخ النُّور والظلام وَاضْرِبْ سرادقات حفظك علينا وَلَا تقطع عَنَّا مواد إحسانك إِلَيْنَا واحرسنا من فَوْقنَا وَمن تحتنا وَعَن أَيْمَاننَا وَعَن شَمَائِلنَا وَمن خلفنا وَمن بَين أَيْدِينَا إفعل اللَّهُمَّ بِنَا ذَلِك وَسَائِر الْمُسلمين وَلَا تخلنا وإياهم من رَحْمَة تذكرنا بهَا يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْمجْلس الْعَاشِر غوائل الشَّيْطَان الله أكبر مَا تعاقبت الْأَيَّام والليالي الله أكبر فِي كل مقرّ وَفِي كل سافل وعَلى كل شرف عَال الله أكبر مَا أقبل عَام وَأدبر عَام الله أكبر ملْء بَيَاض النَّهَار وَسَوَاد الظلام الله أكبر فِي بطن كل وَاد وعَلى ظهر كل شرف الله أكبر تَكْبِيرا يُوجب النجَاة وينقذ من التّلف كل الْعباد إِلَى رَحمته فَقير وَفِي نعْمَته مغمور مُحْتَاج إِلَى خَفِي لطفه وخفي عنايته هَل لكم من إِلَه سواهُ يجبركسركم ويكشف ضركم ويمدكم بأموال وبنين ويحييكم على تعاقب السنين حَتَّى تبلغوا من الْعُمر غَايَة آجالكم وَقد أَرَاكُم عجائب الْآيَات فِي تصرف أحوالكم فَلَيْسَ مِنْكُم من نزل بِهِ نازلة مماته إِلَّا وَقد عرف ربه فِي تصرف حالاته فارحموا أَنفسكُم من مُتَابعَة هَواهَا ومساعدتها على نيل مشتهاها بليت بِنَفس لَا يزَال هَواهَا يَقُود إِلَى نَار تَدور رحاها وَمَال النَّفس للشَّيْطَان إِلَّا مساعد على عصمتي حَتَّى تحل عراها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَمن يحلل الشَّيْطَان عصمَة دينه هوى فِي سعير لَا يُطَاق لظاها أخي إِن أردْت النجح والفوز بالمنى فَخَالف من النَّفس الكنود هَواهَا وَلَا تتبعها فِي السلوك فَإِنَّهَا تضلل عَن نهج الْهدى بعماها مَا احترس الْإِنْسَان من غوائل الشَّيْطَان بِمثل نهي النَّفس عَن الْهوى وَلَا اسْتَعَانَ على قمع هوى النَّفس بِمثل الزّهْد فِي الدُّنْيَا مَتى أردْت أَن تعرف أَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ضرتان فَاعْتبر ذَلِك بجوارحك لأنهاأبواب دنياك فَإِن دخلت عَلَيْك من لسَانك أطلقته فِي الْبَاطِل وَفِيمَا لَيْسَ لَهُ حَاصِل وشغلتك عَن التِّلَاوَة وَالذكر وأوقعتك فِي لَغْو الْكَلَام والزور وَقَول الْفُجُور وَإِن دخلت عَلَيْك من من بَصرك أرسلنه فِي النّظر الى الْمُحرمَات المردية وشغلتك عَن النّظر فِي الْمُصحف وكل مَا فِيهِ عِبْرَة للنَّاظِر وَنور للخاطر وَإِن دخلت عَلَيْك سَمعك أمالته إِلَى سَماع كل لَهو وباطل وشغلتك عَن سَماع مَا نَفعه إِلَى الْقلب وَاصل وَإِن دخلت عَلَيْك من بَطْنك كسلت عَن الطَّاعَات وأبسطت إِلَى الشَّهَوَات وأعمت عَن الْفِكر وَالذكر بَصِيرَة قَلْبك وقادتك إِلَى كل مَا فِيهِ سخط رَبك وَإِن دخلت عَلَيْك من فرجك فَإِن كَانَ حَلَالا أوهن الْقُوَّة وبلد الفطنة وَإِن كَانَ حَرَامًا مَا زَاد على ذَلِك إِلَّا زَوَال النِّعْمَة وحلول النقمَة وَجُمْلَة القَوْل فِي ذمّ الدُّنْيَا أَنَّهَا لَا تدخل على أحد قطّ إِلَّا أدخلته بحرامها فِي عِقَاب ومنعته بحلالها عَن الثَّوَاب سُبْحَانَ الله مَا أَهْون الدنياعليه وَمَا أبغضها إِلَيْهِ أهل الدُّنْيَا بحرامها مغرورون وبخدعها مغبونون وبتحصيلها عَن الْآخِرَة مغمورون شاغلون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم عَن الْآخِرَة هم غافلون أهل المشاغل بالدنيا وَزينتهَا عَن ذكر رَبهم ساهون لاهونا لَو أَنهم قنعوا مِمَّا يبلغهم لعجلوا رَاحَة مِمَّا يقاسونا تفوت ذِي الدَّار الْأُخْرَى وَهِي فانية يَا ويل عشاقها مِمَّا يلاقونا لَا دَارهم فِي الدَّهْر بَاقِيَة كلا وَلَا هم لما فِي الدَّهْر باقونا اسباب الْغَفْلَة اغتنم مواسم الأرباح فقد فَاتَت أسواقها وداموا مَا دَامَت أَبْوَاب التَّوْبَة مفتحة فقد حَان إغلاقها وانتهزوا فرْصَة الْيَسَار فِي دَار الْقَرار ففد آن من أقمار الْأَعْمَار محاقها وَبَادرُوا هجوم الْآجَال فشمس الْمنية قد أزف إشراقها وَأَعدُّوا ليَوْم الْحساب صَوَاب الْجَواب فَإِنَّمَا يُحَاسب الخليقة خلآقها واغوثاه بِاللَّه من ثقل هَذَا الرماد مَا أخوفنا أَن تستمر غفلتنا إِلَى يَوْم التناد أعظم الْأَسْبَاب فِي توليد الْغَفْلَة أَمْرَانِ أَحدهمَا امتلاء الْبُطُون وَالْآخر معاشرة الباطلين فَعَلَيْك بِالْجُوعِ وَالْعُزْلَة إِن أردْت الْعتْق من رق الْغَفْلَة إِذا أردْت أَن يعتزلك النَّاس فاصمت عَن محادثتهم فَإِن أَكثر مواصلات النَّاس بَينهم بالْكلَام فَمن صمت عَنْهُم اعتزلوه لَا أضرّ على العَبْد أَمريْن غفلته عَن ذكر الله وَمُخَالفَة لأمر الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 الْغَفْلَة تحرم الرِّبْح وَالْمَعْصِيَة توجب الخسران الْغَفْلَة تغلق أَبْوَاب الْجنَّة وَالْمَعْصِيَة تفتح أَبْوَاب النَّار خلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجنَّة وَالنَّار لِلْأَبَد وَخلق السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَى أمد فَمن عوفي من رقاد الْغَفْلَة وسقام الْمعْصِيَة خرج من النَّار وَأدْخل الْجنَّة وَمن بَقِي برقاد غفلته فَلَيْسَ لَهُ فِي الْجنَّة ولوج وَمن بَقِي بسقام مَعْصِيَته فَلَيْسَ لَهُ من النَّار خُرُوج فَأَما السَّمَاء وَالْأَرْض فمحكوم لَهَا بالبوار وَلَيْسَ لأحد فِي وَاحِد مِنْهُمَا قَرَار فَفرُّوا إِلَى الله مِمَّا يشغل عَنهُ كل الْفِرَار واستجيروا بِهِ من الْغَفْلَة وَالْمَعْصِيَة فهما فَوَات الرِّبْح وإلحاق الخسران يَا طول حزن الغافلينا عَن ذكر رب العالمينا يَا هضمهم يَوْمًا يرَوْنَ ثَوَاب ذكر الذاكرينا ستطول حسرتهم لما كَانُوا بِهِ متشاغلينا يتحسرون على فوا ت من فعال الطائعينا هذاك حَال الغافلين فَكيف حَال الخاملينا يَا ويلهم يَوْمًا يجازي الله فِيهِ العالمينا يَا حسرة يصلونَ جم رتها خزايا نادمينا يتلهفون على فَوَات دُخُولهمْ فِي الصَّالِحين يَا سَامِعًا هَذَا الْكَلَام اسْمَع مصاب الهالكين واعمل على تَخْلِيص نَفسك من شباك القانصين نبهنا الله وَإِيَّاكُم من رقدة الغافلين ورزقنا وَإِيَّاكُم مجاورة الصَّالِحين وَنور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 بصائرنا وبصائركم بِمَا نور بِهِ بصائر الموقنين وزودنا وَإِيَّاكُم التَّقْوَى فَأن الْعَاقِبَة لِلْمُتقين ونسأله سُبْحَانَهُ أَن يُضَاعف صلواته وَسَلَامه على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الْمجْلس الْحَادِي عشر ذكر الْمَوْت اللَّهُمَّ صلى على سيدنَا مُحَمَّد الَّذِي أرْسلهُ الله بِالدّينِ القيوم الصَّوَاب واختصه الله بِالْكتاب الْمُنِير الثاقب وجباه بِالْفَضْلِ الْمُبين الرَّاتِب وأحله من منَازِل الشّرف فِي أَعلَى الْمَرَاتِب بِمُحَمد تصفو الْمَوَارِد هماء على الصماء المقارب عبد جباه ربه بنفيس مخزون الْمَوَاهِب أعطَاهُ من إحسانه فأفاق همه كل طَالب وَحمى أَبَاهُ وَأمه من كل مَا للعرض ثالب آباؤه من عهد آدم كلهم فِي الْمجد راتب يتنزهون عَن الْفَوَاحِش والمعايب والمثالب حَتَّى أَقروهُ بأشرف منصب من آل غَالب قوم لَهُم شرف يفوق الْمُنَاسب والمناصب حملت بِهِ الْبكر بطالع فِي السعد ثاقب حَتَّى إِذا مَا حَان مولده المفرج للكرائب جَاءَت بِهِ بَدْرًا أَضَاءَت لَهُ الْمَشَارِق والمغارب وجلا بطلعته المنيرة دجى الْكفْر الغياهب وتباشرت بقدومه الأفلاك حافلة الْكَوَاكِب يَا رب بلغنَا بِهِ وَلِجَمِيعِ من فِي الْخَيْر رَاغِب عفوا ومغفرة وفوزا بالمواهب والرغائب حَتَّى نرافق أَحْمد بالخلد فِي أعلا الْمَرَاتِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 سُبْحَانَ من كتب الْمَوْت على من تَحت عَرْشه سبحانة من تفرد بالوجود الأزلي والبقاء السرمدي دون خلقه سُبْحَانَ من سَاوَى بَين الْبَريَّة فِي وُرُود حِيَاض الْمنية فَلَا الْقوي يعتصم مِنْهَا بقوته وَلَا الْعَزِيز يرْتَفع عَنْهَا بعزته قَضَاء وَفضل سبقت بِهِ إِلَّا إلاهيته والأقدار وَحكم عدل حكم بِهِ من كل شَيْء عِنْده بِمِقْدَار فَمن سخط فَلهُ السخط وَمن رَضِي فَلهُ الرِّضَا لِأَن الْقَدِير إِذا طلب أدْرك وَإِذا حكم أمضى سكرة الْمَوْت لَا تحيا إِلَّا بِالْحَقِّ وَالرِّضَا بِالْحَقِّ وَاجِب على جَمِيع الْخلق إِن لملك الْمُلُوك قدرَة دائرتها مُحِيطَة لَا يخرج عَنْهَا دودوح من سكان البسيطة فَالْحَمْد لله على رَحمته فِيمَا من بِهِ من الْحَيَاة وعَلى حكمته فِيمَا حكم بِهِ من الْمَمَات وَالْحَمْد لله الَّذِي يحيينا بعد الْوَفَاة ويجمعنا بعد الشتات إِن عاملنا بِمَا نحبه فَمن خَزَائِن الرَّحْمَة وَالْفضل وَإِن فعل بِنَا مَا نكرهه فَمن بَاب الْحِكْمَة وَالْعدْل فشكره وَاجِب علينا إِذا ذكرنَا بفضله وَالرِّضَا عَنهُ لَازم لنا إِذا عاملنا بعدله وكل ذَلِك مِمَّا سطرته أقلامه وشرعته أَحْكَامه تقدس الَّذِي صنع فأتقن وَلم يكن لَهُ فِي صَنعته مشير وَخلق فَأحْسن وَلم يكن لَهُ على خلقه ظهير تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك وَهُوَ على كل شَيْء قدير الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا وهوالعزيز الغفور أما بلوى الْحَيَاة فَإِن راميها يصلح لكسب الْخَيْر وَالشَّر فكاسب الْخَيْر صابر على مصير أَهله وكاسب الشَّرّ سيجزى على فعله بِمثلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أما بلوى الْعباد فَإِذا حَضرتهمْ الْوَفَاة إنقسموا إِلَى محب وكاره للفناء وراض وساخط للْقَضَاء فَمن مَاتَ على حَال من هَذِه الْأَحْوَال ختم عمله بهَا وَألْحق بِأَهْلِهَا فَقَوله ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا مَعْنَاهُ يختبركم فَينْظر أَيّكُم لَهُ أطوع وَإِلَى رِضَاهُ أطلب وأسرع وَفِي الحَدِيث عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يَقُول إِن الله أذلّ ابْن آدم بِالْمَوْتِ وَعَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة ليَبْلُوكُمْ قَالَ أذلّ الله ابْن آدم بِالْمَوْتِ وَجعل الدُّنْيَا دَار حَيَاة وَدَار فنَاء وَجعل الْآخِرَة دَار جَزَاء وَدَار وَبَقَاء فقد اتَّضَح بِهَذَا الحَدِيث والأثر أَن فِي الْمَوْت حِكْمَة لمن أَرَادَ التدبر وعبرة لمن اعْتبر فَمن الْحِكْمَة فِي الْمَوْت وضع عماد المتكبرين وتنغيص حَيَاة المترفين وَتَكْذيب ظنون الآملين وتنبيه عقول الغافلين وإزعاج قُلُوب المطمئنين وَرفع أَيدي المتسلطين وَتَخْفِيف أثقال الْعِبَادَة عَن العاملين وَفَوْز المحبين بلقاء من كَانُوا إِلَيْهِ مشتاقين وَلَو لم يكن فِي الْمَوْت إِلَّا أَنه قَضَاء رب الْعَالمين لَكَانَ الرِّضَا بِهِ فرضا لَازِما لجَمِيع الْمُؤمنِينَ الْمَوْت انْقِطَاع عَن دارالفناء واتصال بدار الْبَقَاء وَخُرُوج من دَار الْعَمَل وَدخُول فِي دَار الْجَزَاء الْمَوْت رَاحَة الْمُسِيء والمحسن أما الْمُسِيء فَيَنْقَطِع عَنهُ اسْتِمْرَار طغيانه وَأما المحسن فيفضي إِلَى دَار الْجَزَاء على إحسانه الْمَوْت فِيهِ لِقَاء الأحباب وإحراز الثَّوَاب فَلَيْسَ يكرههُ إِلَّا مريب مرتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الْمَوْت فِيهِ تواصل الأحباب وَبِه حَيَاة الْمُؤمن الأواب يشتاقه الْبر الْمُطِيع لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى زلفى وَحسن مآب يحلو الْمَمَات لمن رجا بمماته لقيا الْكَرِيم الْمَاجِد الْوَهَّاب ويحيد مِنْهُ كَافِر أَو فَاجر قد يشرده سخطه وعقاب فامهد لنَفسك قبل موتك موقنا أَن الْمَمَات مقطع الْأَسْبَاب وَاعْلَم بأنك عَن قريب خَالِد فِي دَار خلد أَو أَلِيم عِقَاب سيصحو السَّكْرَان من سكره حِين لَا يُمكنهُ تلافي أمره سيندم المضيع على تضييعه إِذا قابله أَمر صَنِيعه سيقصر الأمل من أمله وَقت هجوم أَجله ونفاذ أكله وَتعذر الزِّيَادَة فِي عمله وَالْخُرُوج من أَهله وَمَاله هُنَالك يَسْتَحِيل حُلْو الْعَيْش مرا وينقلب عرف الْأَمر نكرا وَيعلم جَامع الحطام أَن الْبَاقِيَات الصَّالِحَات أَنْفَع ذخْرا لَيْسَ فِي ظلّ الدُّنْيَا مقيل وَلَا على هَذِه الْحَيَاة تعويل كَيفَ يطْمع فِي الْإِقَامَة فِي دَار الرحيل كَيفَ يضْحك من هُوَ محفوف بموجبات العويل أسمعنا الْغَيْر فتصاممنا وأيقظنا الْغَيْر فتناومنا ورضينا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة واشترينا مَا يفنى بِمَا لَا يفنى فَتلك إِذا صَفْقَة خاسرة أَيْن الآذان الواعية أَيْن الْأَعْين الباكية قَول بِلَا فعال وَأمر بِلَا امْتِثَال رسل ملك الْمَوْت على أَنْفُسنَا فِي كل نفس وَارِدَة وأجساد أحبتنا تَحت أطباق الثرى هامدة قد أوحشت مِنْهُم دِيَارهمْ ودرست رسومهم وآثارهم وحالت فِي اللحود أَحْوَالهم وتقطعت بالبلاء أوصالهم ومحت أَيدي الْحَوَادِث والغير والقبور محَاسِن تِلْكَ الصُّور وأطبقت عَلَيْهِم ظلمات تِلْكَ الْحفر فَلَا شمس فِيهَا وَلَا قمر وَنحن عَمَّا قريب إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ صائرون وبالكأس الَّذِي شربوا مِنْهُ شاربون ثمَّ مَعَ هَذَا الْيَقِين إِلَى دَار الْغرُور راكنون فَإِذا الذُّنُوب قد رانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 على الْقُلُوب وَقلة حَيَاء من مراقبة علام الغيوب فيا وَيْح نفس عَمَّا يُرَاد بهَا غافلة لَا تستعد لما هِيَ إِلَيْهِ صائرة وَعَلِيهِ حَاصِلَة وَلَا تزهد فِيمَا هِيَ لَهُ مُفَارقَة وَعنهُ زائلة نور العارفين إِلَى من أَشْكُو ألوم نفس شحيحة على الخيرقد أضنى فُؤَادِي علاجها إِذا سَأَلتنِي شَهْوَة منعتها أدامت سُؤَالِي واستمرت لجاجها وَإِن سمتها خيرا تفوز بنفعه غَدا نفرت مِنْهُ ودام أَمر انزعاجها فقد ضقت يَا مولَايَ ذرعا وأظلمت على الأَرْض الفضاء فجاجها فَهَب لي يَا نور السَّمَوَات فطْرَة يضيء لعَيْنِي فِي السلوك شراحها الله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض فَمن لم يستر قلبه بِاللَّه فَهُوَ فِي ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض من كثرت رُؤْيَته الآنوار فِي مَنَامه فالغالب عَلَيْهِ الذّكر وَمن كثرت رُؤْيَته المصابيح النارية فالغالب عَلَيْهِ الْفِكر أهل الذّكر يستمدون من الْعقل وَالْإِيمَان أشرف من الْعقل فمزيته عَلَيْهِ كمزية ضوء النُّور على ضوء النَّار فِي الْفضل قَالَ بعض العارفين نمت لَيْلَة وَعِنْدِي قنديل مسرج فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد جَاءَ فِي صُورَة الْمُنكر عَليّ وَهُوَ يَقُول أما علمت أَن النُّور للمحمدي وَالنَّار للموسوي ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقنْدِيل بِيَدِهِ فأطفأه فانتبهت والقنديل قد أطفيء فاشكروا الله يَا أَتبَاع مُحَمَّد الْمُصْطَفى فنوركم بمتابعة نور لَا يطفأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 جعل الله دينكُمْ أسهل الْأَدْيَان وأسمحها وَكِتَابكُمْ أوضح الْكتب وأحكمها ونبيكم أرْحم الْأَنْبِيَاء بأمته وأنصحها جعلنَا الله من أَتْبَاعه المفلحين باتباعه وَجَعَلنَا من العاملين بكتابه وحشرنا فِي جملَة أحبابه فَإِنَّهُ لَا حول وَلَا قُوَّة لنا إِلَّا بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الْمجْلس الثَّانِي عشر الْمِيثَاق فِي قَوْله تَعَالَى وَإِذا أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه قَالَءَأَقْرَرْتُم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وانا مَعكُمْ من الشَّاهِدين قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا الْمِيثَاق الْعَهْد وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ مَا بعث الله نَبيا إِلَّا أَخذ عَلَيْهِ الْعَهْد بِأَنَّهُ بعث مُحَمَّد وَهُوَ حَيّ ليُؤْمِنن بِهِ ولينصرنه قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَخذ الْمِيثَاق على النَّبِيين وأممهم فَاكْتفى ربكُم بالنبيين وَأما الإصر فَهُوَ الْعَهْد وَقَوله فَاشْهَدُوا أَي فَاشْهَدُوا على أَنفسكُم وعَلى أممكم بذلك فالمستشهدون هم الْأَنْبِيَاء وَقيل الْمَلَائِكَة فصلوات الله على صَاحب الْمقَام الْمَحْمُود الْمَأْخُوذ على الْأَنْبِيَاء بنصرته العهود وَالله وَمَلَائِكَته على ذَلِك لشهود وَهَذَا من أقوى الْبَرَاهِين على تَفْضِيل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَائِر الْأَنْبِيَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَالْمُرْسلِينَ وَمن كَانَ أفضلهم فَهُوَ أفضل الْخلق أَجْمَعِينَ زار فِي جنح الدجى طيف الخيال من بديع الْحسن فتان الْجمال زورة أحيت كئيبا شفه مضض العذل وتبريح المطال عَاشَ بالوصل وَقد كَانَ قضى وقتيل الهجر يحي الْوِصَال يَا لَهُ من زائر حل الدجا مِنْهُ إشراق جبين كالهلال مثل مَا حل بأنوار الْهدى مولد الْهَادِي دياجير الضلال أَحْمد الْمُخْتَار ذُو الْمجد الَّذِي سَاد بالعز منيفات المعال شرع الشَّرْع لنا من بعد مَا لم نك نَدْرِي حَرَامًا من حَلَال نسخت مِلَّته مَا قبلهَا وأحا لت حَال أَصْحَاب الْمحَال بِكِتَاب حيرت آيَاته بالكلا م الْفضل ألباب الرِّجَال كَانَ أهل الأَرْض فِي سجن الْعَمى من ظلام الْكفْر والداء العضال فتبدت لَهُم أنواره كَمَا الْبَدْر بدا عِنْد الْكَمَال فَلهَذَا قلت فِي مدحي لَهُ عز لَا يشبه منظوم الْهلَال زار فِي جنح الدجا طيف الخيال من بديع الْحسن فتان الْجمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الْمجْلس الثَّالِث عشر يَوْم الْوَعيد الْحَمد لله مَا انتظمت بتدبيره الْأُمُور واعتقبت بتصريفه الدهور ووسع المقترفين عَفوه وغفرانه وَعم المفترقين بفضله وإحسانه خرت لعظمته جباه العابدين فطوبى لمن عبد وَاعْتَرَفت بوحدانيته قُلُوب العارفين فويل لمن جحد لَا رائق لما فتق وَلَا فَاتق لما رتق وَلَا رَازِق لمن حرم وَلَا حارم لمن رزق فَإِذا افْتَقَرت إِلَى الرزق فَقل يَا مُغنِي المفتقرين وَإِذا ضللت فَقل يَا دَلِيل المتحيرين وَإِذا تعاظمت عَلَيْك أهوال الْقِيَامَة فَقل حسبي أرْحم الرَّاحِمِينَ الْإِيمَان بِيَوْم الْقِيَامَة يخف بِهِ النُّطْق على اللِّسَان ويثقل الْعَمَل بِهِ على الْجَوَارِح ويسهل الْإِقْرَار بِهِ على من يَدعِي الْإِيمَان ويعسر استقراره بَين الجوانح كم من مقرّ بِالْعرضِ على الديَّان وَهُوَ مرتكب للقبائح يزحف إِلَى الطَّاعَة زحفا بطيئا وَيجْرِي إِلَى الْمعْصِيَة جَريا حثيثا الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا ريب فِيهِ وَمن أصدق من الله حَدِيثا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 لَو كنت من المصدقين بِيَوْم الْقِيَامَة لَكُنْت من أهواله خَائفًا وَلَو سلكت سَبِيل طلاب السَّلامَة لم تكن لِلْأَمْرِ مُخَالفا وَلَو رغبت فِيمَا أعد الله لأوليائه من الْكَرَامَة لم تزل فِي الْخدمَة وَاقِفًا ترجو رَجَاء طيبا وتعمل عملا خبيثا الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا ريب فِيهِ وَمن أصدق من الله حَدِيثا المصدقون بِيَوْم الْقِيَامَة أكياس دانوا أنفسهم وَعمِلُوا لما بعد الْمَوْت ثبتَتْ عقائدهم فِي قُلُوبهم بِالنَّصِّ وَالْقِيَاس فشمورا خشيَة الْمَوْت أيقظوا عقوهم عُقُولهمْ من رقدة النعاس حِين أسمعهم الصَّوْت علمُوا أَن مَا بِأَيْدِيهِم من الدُّنْيَا سيصبح تراثا موروثا وهباء مبثوثا الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا ريب فِيهِ وَمن أصدق من الله حَدِيثا خليلي أما مطايا الرحيل وسيروا إِلَى الله سيرا حثيثا وَإِيَّاكُم أَن تَكُونَا كمن يُبدل بالطيبات الخبيثا وَلَا تخدعا بأماني النُّفُوس فقد صدق الناصحون الحديثا من لم يكن شغله بِأَمْر آخرته وَلَا مصلحَة دُنْيَاهُ فَشَغلهُ فضول فإياك والتفرغ لثلب أَعْرَاض النَّاس فالعاقل عَن ذكر الخاطئين مَشْغُول الْعَاقِل عَن ذكر الورى مَشْغُول قد أَيقَن أَنه غَدا مسؤول من أَيقَن ان ربه سائله فالصارم فَوق رَأسه مسلول إِذا أَحْبَبْت أَن تعلم العَبْد لَا تسمعه التفرغ لغير ذكر ربه وَنَفسه فَتَأمل أَحْوَال الْعباد يَوْم الْقِيَامَة الْكل فِي ذَلِك مهتمون بنفوسهم وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَشْغُول بربه يسْجد السَّجْدَة بعد السَّجْدَة بَين يَدَيْهِ يمْكث فِي كل سَجْدَة مَا شَاءَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 يحمده ويثني عَلَيْهِ وسادات الْمُرْسلين ينادون نَفسِي نَفسِي وَمن سواهُم مَشْغُول بكربه لَا يُعِيد وَلَا يُبْدِي كم فِي الْقُرْآن من ذكر يَوْم الْوَعيد وَلَو لم يكن إِلَّا سُورَة التكوير والإنفطار لَكَانَ كَافِيا لِذَوي الأسماع والأبصار فليت شعري هَل أَنْتُم بالقيامة مصدقون أم الْمَوْعُود بهَا قوم آخَرُونَ وَأَن عَلَيْهَا صدأ الذُّنُوب وَمن ران الذَّنب على قلبه فَهُوَ من الْآخِرَة مَحْجُوب عين جودي بدمعك المسكوب قد أمات الْقُلُوب كسب الذُّنُوب كَيفَ ترجو الْحَيَاة للقلب والعب د مصر على ارْتِكَاب الْحُوب أدعى بِاللِّسَانِ أَنِّي لآمنت وحالي تومي إِلَى تَكْذِيب أَي عذر عددت يَا نفس للموقف يَوْم الْفقر والتكريب يَوْم يجثو مُوسَى وَعِيسَى وابرا هيم من هول تِلْكَ الخطوب يظْهر الْحق ذَلِك الْيَوْم لِلْخلقِ خفايا مستودعات الْقُلُوب يومهم بارزون لَا شَيْء يخفى من بعيد مِنْهُم وَلَا من قريب كَيفَ يخفى شَيْء على الله منا وَمِنْهُم علام خافيات الغيوب يتَوَلَّى الْحساب رب البرايا غير مَسْتُور وَلَا مستنيب يَا حَيَاء الْمُقَصِّرِينَ المسيئين يَوْم فَضَح الغيوب حَسبنَا رَبنَا وَلَيْسَ سوى يُرْجَى لفاقة المرنوب إِن كنت أَيهَا العَاصِي سَاقِطا عَن غير الله فيكفيك سقوطك من عين رَبك وَإِن كنت من أهل الْكَرَامَة على الله فبقدر كرامتك عَلَيْهِ يمقتك على دينك وَإِن كنت من أهل الْقُرْبَى إشتد عَتبه عَلَيْك من أجل قربك وَإِن كنت من أهل الْبعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 اشْتَدَّ هوانك عَلَيْهِ من أجل بعْدك مَا اشْتَدَّ عَلَيْكُم فِي جفاكم عتبي إِلَّا لعلو قدركم فِي قلبِي الْحبّ حرَام عِنْد أهل الْحبّ مَا أوجع سَوط الْبعد بعد الْقُرْبَى من خَصَائِص الذّكر بِذكر الله تستنير الْقُلُوب وتحيا فَكل غافل عَن ذكر الله فَهُوَ فِي ظلام اللَّيْل أغشى وَلَو أشرقت لعَينه شموس الضُّحَى الله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض فَلهَذَا لَا تستنير إِلَّا الْقُلُوب الَّتِي هِيَ بِذكرِهِ ملأى صب تقلبه على فرش الضنا مذ غبتم عدم المسرة والهنا مَا اشْتَدَّ عَنْكُم بعد بعد مزاركم إِلَّا الصبابة والكآبة والعنا لَكِن أماني الْوَصْل تنعش قلبه فيعيش أَحْيَانًا بترويح المنى وتهب من ذكراكم لفؤاده نسمات ألطاف تفرج مَا عَنَّا فالذكر أغْنى مَا لفاقة قلبه مَا للْيَتِيم من تذكركم عَنَّا كَيفَ يستغي الْمُحب عَن ذكر الحبيب زمَان الْبعد والحجاب وَالذكر هُوَ الْعِوَض لفقد الأحباب عَمَّا فَقده من نعيم الرُّؤْيَة ولذيذ العتاب الْمُحب الصَّادِق إِمَّا أَن يكون إِلَى المحبوب نَاظرا مَا دَامَ لَهُ عَن وَجهه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 سافرا وَإِمَّا أَن يكون لَهُ ذَاكِرًا إِذا لم يكن لَهُ فِي حَضرته حَاضرا كنت من قرب دَارهم فِي نعيم وَأَنا الْيَوْم فِي الْعَذَاب الْأَلِيم أَنا أَشْكُو إِلَيْكُم حرقة الذكرى فَأَنا من وقودها فِي جحيم أجمع لكم من طَبِيب خَبِير ولبيب وناصح وَحَكِيم إِن هجر الأحباب سَوط عَذَاب وَوصل الأحباب رَأس النَّعيم عباد الله اذْكروا الله من هُوَ إِلَى وَجهه الْكَرِيم نَاظر جنابه الْعَزِيز حَاضر فَخير الذّكر مَا كنت فِيهِ غَائِبا كحاضر ومحبوبا كناظر لَو تحقق الذاكر بِمَا هُوَ لَهُ من الْأَدَب لَازم عَلَيْهِ وَاجِب لنظر إِلَى شَيْطَانه ويقذفون من كل جَانب دحورا وَلَهُم عَذَاب واصب ذَاكر الله لَا يَسْتَطِيع الشَّيْطَان فِي ذكره مقيلا ذَاكر الله لَا يجد الشَّيْطَان إِلَى إغوائه سَبِيلا ذَاكر الله لَا يزَال شَيْطَانه مَدْحُورًا ذليلا ذَاكر الله قد تكفل الله بحفظه وَكَيف يضيع من كَانَ الله يحفظه كَفِيلا اذْكروا الله بكرَة وَأَصِيلا وتبتل لذكره تبتيلا اذْكروا الله ذكر صب مشوق وَاجعَل الذّكر للوصال سَبِيلا ارْض بِاللَّه مؤنسا وجليسا واتخذه دون الْعباد وَكيلا فر مِمَّا سواهُ والجأ إِلَيْهِ واسمحه تَجدهُ برا وصُولا الزم الذّكر واتخذه تَجِد الذّكر بالوصال كَفِيلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 فضل الإستغفار الْمعاصِي سلسلة فِي عنق العَاصِي لَا يفكه مِنْهَا إِلَّا الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة والصراط كثير الِاضْطِرَاب تَحت أَقْدَام السالكين لَا يسكنهُ إِلَّا قَول رب سلم سلم وَالنَّار مسعرة الضرام لَا يُطْفِئ لهيبها إِلَّا نور الْإِيمَان والموقف شَدِيد الْحر لَا يكن مِنْهُ إِلَّا ظلّ الْعَرْش والقبر مطبق الظلمَة لَا ينوره إِلَّا مِصْبَاح الْيَقِين وَالْجنَّة مغلقة الْأَبْوَاب فِي وُجُوه طلابها لايفتحها إِلَّا كلمة الْإِخْلَاص وشفاعة الرسولبغية كل مُرِيد لَا تنَال إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ والشيطان جاثم على قلب الْإِنْسَان لَا يمشي عَنهُ إِلَّا بِالذكر اذكر الْبر الرَّحِيم كَمَا يذكر الأحباب العشاق مَسّه الشَّيْطَان لَيْسَ لَهَا غير ذكر الله ترياق يَا فرسَان ميدان ذكر الله أطْلقُوا الأعنة يَا فرسَان ميدان ذكر الله أشرعوا الأسنة وأسقطوا الأجنة لَا تطعموا فِي وجدان حلاوة الذّكر وقلوبكم مَشْغُولَة بوسواس الْفِكر كَيفَ يكون حبيب الرَّحْمَن من هُوَ للشَّيْطَان سمير كَيفَ يطْمع فِي الْوُصُول من لَا يجد فِي الْمسير لَا ينَال العلى رخي البال إِنَّمَا تِلْكَ رُتْبَة الْأَبْطَال خاطروا بالنفوس وَالْأَمْوَال هَكَذَا هَكَذَا تنَال المعال وَاعْلَمُوا أَن فِي حُدُود جنان ال خلد حورا لَهَا مُهُور غوال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ووراء السُّور سجف ستور مسبلات على قُصُور عوالي فَوق تِلْكَ الْقُصُور وَادي التجلي والكراسي مَنْصُوبَة للرجالي هم رجال لم يلههم عَن مجَالِس الذّكر شَيْء من هَذِه الأشغال فَانْفَضُّوا عَن قُلُوبكُمْ كل هم من هموم الْأَوْلَاد وَالْأَمْوَال واحملوا حَملَة الهزبر إِذا حامى حذار الردى عَن الأشبال من لَوَازِم الذّكر أول مَا يحْتَاج إِلَيْهِ العازم على ذكر الله التفرغ من الشواغل الظَّاهِرَة ثمَّ تسكين جوارح الْبدن عَن الحركات الشاغلة ثمَّ قطع الْفِكر عَن قلبه ثمَّ إِشْعَار نَفسه عَظمَة مَا قد عزم عَلَيْهِ من ذكر ربه ثمَّ استفراغ الوسع فِي تجويد الذّكر ثمَّ إطالة الْمجْلس مَا أمكنه إطالته ثمَّ التحفظ بالحالة الَّتِي استفادها قلبه من الرقة باجتناب الملهيات من حِين يقوم عَن الذّكر إِلَى أَن يعود إِلَيْهِ فَهَذِهِ الشَّرَائِط السَّبع من راعاها حق الرِّعَايَة بلغ من مُرَاد الذَّاكِرِينَ أقْصَى الْغَايَة من أحب شَيْئا أَكثر ذكره وَمن أجل أمرا أعظم قدره وَلَا حبيب أحب من الله إِلَى أهل ولَايَته وَلَا جليل أجل عِنْد الله من أهل مَعْرفَته فاذكروا الله ذكر المحبين وأجلوه إجلال العارفين لِتَشْرَبُوا كؤوسا من رحيق شرابه رحيقا مَخْتُومًا ثمَّ تلحقوا بِمن رفعهم عَن الرَّحِيق حَتَّى صَار كل شرابهم تسنيما لَعَلَّك تشْتَهي صرفا حَلَالا لَا صداع وَلَا خمارا شراب الْمُسلمين فَلَا يهود حوتها فِي الدنان وَلَا نَصَارَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 عَلَيْك بِقرب مجَالِس أهل ذكر تَجِد قوما من الذّكر سكارى تَدور عَلَيْهِم كاسات خمر من التَّوْحِيد قدس من أوزارا فزرهم لَا تخف فَلَيْسَ يشقى طوال الدَّهْر من للْقَوْم زارا عساك تصيب بَينهم نَصِيبا من الْحس إِذا مَا الكأس دَارا أهل ذكر الله وَقت صفاء الْأَوْقَات يشربون من شراب المصافاة كؤوسا مترعات ويجنون من غروس الذّكر ثمارا يانعات ويخلع عَلَيْهِم من ملابس الْقرب حلل فاخرات يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معِين لَا يصدعون عَنْهَا وَلَا ينزفون وَفَاكِهَة مِمَّا يتخيرون وَلحم طير مِمَّا يشتهون كل هَذَا يَنَالهُ أهل مجَالِس الذّكر وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِم وهم لَا يبصرون أهل ذكر الله قد يتحفونا بنوالات بهَا يكرمونا فتراهم منعمين وهم فِيمَا اشتهت أنفسهم راتعينا تعرج الْأَرْوَاح مِنْهُم إِلَى الْعَرْش وهم بَين الورى قاعدونا وَحسان الْحور تجلا على أبصا رهم وَالنَّاس لَا يبصرونا وكؤوس دائرات بهَا الْولدَان يسقون فَلَا ينزفونا وثمار يانعات بأطباق لجين هم بهَا يطوفونا والرياحين تميد اهتزازا برياض هم بهَا يمرحونا وبحار الْخمر وَالْمَاء والشهد وَمَا يفنى لواجدونا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَثيَاب السندس الْخضر عاليهم فهم فِي حسنها يرفلونا كل هَذَا وهم بعد فِي دنياهم بَين الورى يرزقونا كَيفَ لَو فارقوا هَذِه الد ار إِلَى دَار لَهَا يعملونا قوم جدوا فِي اللحاق بهم كَيفَ تحوزوا مَا هم حائزونا واذْكُرُوا الله على كل حَال وانظروا كَيفَ تذكرونا لَا يتم الذّكر حَتَّى تَكُونُوا كلما فِي وسعكم تبذلونا فأذيبوا الْأَنْفس فِي طلب الْعَيْش بدار لَا ترَوْنَ فِيهَا الْمنون والزموا ذكر الْجَلِيل فبا لذكر إِلَيْهِ وصل الواصلونا اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك يَا من جاد على عباده الصَّالِحين بِالْقُوَّةِ والمعونة حَتَّى قَامُوا لَك بِحَق الْقيام بِالطَّاعَةِ ان تمن علينا بِمَا مننت عَلَيْهِم ونسألك أَن تعيننا على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك وَأَن تجمع بَيْننَا وَبينهمْ فِي دَارك دَار النَّعيم إِنَّك جواد كريم وصل الله على مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كَبِيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الْمجْلس الرَّابِع عشر التَّقْوَى الْحَمد لله حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ يجب على العَبْد فِي عبوديته وكما يُحِبهُ الرب ويرتضيه أنعم بِمَا لَا يحصره الْحساب وَلَا يُحْصِيه وَلَا يَسعهُ الْكتاب وَلَا يحويه كم ذَنْب قد غفره وَلَوْلَا الغفران لحاق الْعَذَاب بجانبه أَحْمَده على اللَّاحِق وَالسَّابِق من أياديه حمدا يُوجب الْمَزِيد من كرم الْحق لحامديه وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ أزاحم بهَا على بَاب الْجنَّة داخليه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اصطفاه الله من خلقه فسبحان مصطفيه وارتضاه لتبليغ رسَالَته فتعالى جد مرتضيه فشمر عَن سَاق الْجد فِي مجاهدة أَعدَاء الله ومعانديه حَتَّى اتسق قمر الْإِيمَان فِي فلك الْإِسْلَام ووضح الْحق لناظريه صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه وَحزبه ومحبيه خُصُوصا على الإِمَام أبي بكر الصّديق خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أمته وَصديقه ومواليه وعَلى الإِمَام أَمِير المؤ منين عمر بن الْخطاب ولي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومصافيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وعَلى الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان صهر رَسُول الله ومواسيه وعَلى الإِمَام عَليّ بن أبي طَالب ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومواخيه وعَلى سَائِر الصَّحَابَة وتابعيه قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه أمرا لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ بالتقوى بقوله تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ جَاءَ فِي التَّفْسِير مَعْنَاهُ أَن يطاع فَلَا يعْصى وَأَن يذكر فَلَا ينسى وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لكعب الْأَحْبَار يَا كَعْب حَدثنِي عَن التَّقْوَى فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل أخذت طَرِيقا ذَا شوك قَالَ نعم قَالَ فَمَا صنعت قَالَ حذرت وشمرت قَالَ فَكَذَلِك التَّقْوَى وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبلغ العَبْد أَن يكون من الْمُتَّقِينَ حَتَّى يدع مَالا بَأْس بِهِ حذر إِلَى مَا بِهِ بَأْس لَيْسَ التَّقْوَى أحصن جنَّة يحصن بهَا الخائفون وخشية الله أوثق عُرْوَة يمسك بهَا المتمسكون وَأَدَاء فَرِيضَة الله وَاجْتنَاب محارم الله أنجح وَسِيلَة توسل بهَا إِلَى الله المتوسلون طُوبَى لمن كَانَت الْجنَّة مثابه وَهِي مثاب الْمُتَّقِينَ وشراب الرَّحِيق والتنسيم والكافور والزنجبيل شرابه وَهُوَ شراب الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وهم رفقاؤه وَأَصْحَابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 إِنَّمَا يجازي بِمثل هَذَا الْجَزَاء من هُوَ من الْمُتَّقِينَ الَّذين أَقَامُوا الدّين بشرائطه الْمَشْرُوعَة وَاقْتَدوا فِي الْملَّة الإسلامية بآياتها المتبوعة فَإِذا صلى أحضر قلبه مَعَ بدنه فِي تذكر وتدبر أذكاره وَأحسن أدبه بَين يَدي عَالم أسراره وَإِذا تصدق أخرج الطّيب من كَسبه لَا يُرِيد عَلَيْهِ جَزَاء إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه وَإِذا حج أخْلص النِّيَّة لله فِي قَصده قبل الْخُرُوج من أَهله وَأنْفق إِلَى مرجعه من طيب المَال وحله واجتنب الْحَرَام لما ورد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من حج بِمَال حرَام فَقَالَ لبيْك قَالَ الله لَهُ لَا لبيْك وَلَا سعديك وحجك مَرْدُود عَلَيْك حَتَّى ترد مَا فِي يَديك وَإِذا صَامَ صان نظره عَمَّا لَا يحل لَهُ عَلَيْهِ النّظر وصان لِسَانه عَن الْكَلَام الزُّور والهذر وصان سَمعه عَن يحرم الِاسْتِمَاع إِلَيْهِ وصان لِسَانه عَن تمزيق أَعْرَاض الْمُسلمين فكم أفسدت الْغَيْبَة من أَعمال الصَّالِحين وَكم أحبطت من أجور العاملين وَكم جلبت من سخط رب الْعَالمين فالغيبة فَاكِهَة الأرزلين وَسلَاح العاجزين مُضْغَة طالما لَفظهَا الْمُتَّقِينَ نَغمَة طالما مجها أسماع الأكرمين فرحم الله إمرءا لم يفْسد عبَادَة يهديها إِلَى حَضْرَة الْعَزِيز الرَّحِيم بلقمة حرَام تعقب طَعَام الزقوم وشراب الْحَمِيم فَهِيَ كلمة مَا استحلاها إِلَّا طبع لئيم وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يدع قَول الزُّور وَالْعَمَل بِهِ فَلَيْسَ لله فِي أَن يدع طَعَامه وَشَرَابه فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن الْعَامِل يكون بصلاح ظَاهره معمورا وَقد سقط عَن عين الله حَتَّى مَا يزن عِنْده نقيرا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة ظهر لِلْخَلَائِقِ من أمره مَا كَانَ مَسْتُورا وَظَهَرت مخبآت الصُّدُور على صفحات الْوُجُوه رقما مسطورا وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشورا لَيْت شعري مَاذَا أَقُول إِذا مَا وقفت فِي الْقَامَة مكبلا مأسورا ثمَّ قدمت لِلْحسابِ ذليلا وأتيت كتابا مسطرا منشورا وَأتي بِالْأَعْمَالِ توزن بالذر فَمَا غادروا هُنَاكَ فَقِيرا وبدا لي من فَوق وَجْهي سوء فعلي محررا مسطورا ثمَّ نُودي عَليّ هَذَا فلَان كَانَ لله عَاصِيا مَسْتُورا فضحته الْيَوْم الذُّنُوب وحساب مُحَرر تحريرا وأتى بالسعير أسمع مِنْهَا تغيظا وزفيرا مَا احتيالي فِي ذَلِك الْموقف المهول وَمن ذَا يذود عني السعيرا لَيْسَ لي غير حسن ظَنِّي بربي خَائفًا من عَذَابه مستجيرا وَتعطف بجبر كسري فقد أصبح قلبِي مِمَّا جنا مسكورا صفة جَهَنَّم روى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بحهنم يَوْم الْقِيَامَة تقاد بسبعين ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ يُؤْتى بجهنم يَوْم الْقِيَامَة وَهِي تمايل على الخزنة حَتَّى توقف عَن يَمِين الْعَرْش ويلقى عَلَيْهَا الذل فَيُوحِي الله إِلَيْهَا مَا هَذَا الذل فَتَقول يَا رب إِنِّي أَخَاف أَن يكون لَك فِي نقمة فَيُوحِي الله إِلَيْهَا إِنَّمَا خلقتك نقما وَلَيْسَ لي فِيك نقمة فتزفر زفرَة لَا تبقى دمعة فِي عين إِلَّا جرت ثمَّ تزفر أُخْرَى فَلَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل إِلَّا صعق إِلَّا نَبِيكُم نَبِي الرَّحْمَة يَقُول يَا رب أمتِي أمتِي عباد الله فاستجيروا بِاللَّه من شَرّ هَذِه النَّار الَّتِي لَا يرحم وَلَا يغاث باكيها واسألوه الْإِقَالَة من ذنوبكم قبل ان لَا يُقَال غَيره وتوبوا إِلَى الله من قريب واستحيوا مِمَّن هُوَ عَلَيْكُم رَقِيب واحذروا أَن يأتيكم الْمَوْت وَأَنْتُم على الْمعْصِيَة مصرون وَلَا تخلدوا إِلَى الدُّنْيَا فَإِنَّكُم عَنْهَا منقلبون وأنيبوا إِلَى ربكُم وَأَسْلمُوا لَهُ قبل أَن يأتيكم الْعَذَاب ثمَّ لَا تنْصرُونَ وَأَكْثرُوا من ذكر الله تَعَالَى واستغفاره واسألوه أَن يرزقكم الْفَوْز بِالْجنَّةِ والنجاة من ناره واغتنموا الْعَمَل الصَّالح فِي نَهَار الْعُمر وليله وتمسكوا بِمَا فِي أَيْدِيكُم من حَوَاشِي ذيله وتزودوا مَا أطقتم من الْبر فستجدونه يَوْم توفيه الْأجر واستحيوا من الله حق الْحيَاء فَهُوَ رَقِيب عَلَيْكُم فِي كل مَا أَنْتُم لَهُ عاملون فَإِنَّكُم على بِسَاط كرمه قَاعِدُونَ وَفِي بحار نعمه عائمون وَإِلَى دَار جَزَائِهِ صائرون ولكريم عَفوه وَجَمِيل صفحه آملون فاذكروه يذكركم واشكروه يزدكم وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون اتقوه حق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ اللَّهُمَّ يَا من لَيْسَ فِي الْوُجُود سواهُ يَا من عَلَيْهِ يعْتَمد وَمن فَضله يسْأَل وَإِلَيْهِ يسْتَند يَا أحد يَا صَمد يَا من لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد يَا كثير الْخَيْر يَا دَائِم الْمَعْرُوف يَا من الْمَلَائِكَة فِي خدمته صُفُوف وعَلى طَاعَته عكوف يَا جَار المستجير وَمن هُوَ على كل شَيْء قدير يَا غياث الملهوف يَا من بِيَدِهِ الْقَبْض والبسط وَبِيَدِهِ تقوم السَّمَوَات وَالْأَرْض يَا من امتدت لمسألته أكف السَّائِلين وخرت لعبادته وُجُوه الساجدين وعجت بتلبيته أصوات الملبين وطمحت إِلَى معروفه أبصار الآملين يَا عَالم السِّرّ والنجوى يَا من إِلَيْهِ المشتكى يَا من عنت لَهُ الْوُجُوه وخشعت لَهُ الْأَصْوَات يَا من يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات يَا من إِذا انْتَهَت الشكوى إِلَيْهِ فقد بلغت الْمُنْتَهى يَا فالق الْحبّ والنوى اللَّهُمَّ نشكو إِلَيْك مَا نَحن فِيهِ من طَاعَتك مقصرون وعَلى معصيتك مصرون وبعظمتك جاهلون وبحكمك مغترون وَعَن الْقيام بِمَا يلْزمنَا فِي حَقك عاجزون اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا من الَّذين يعاملونك بِمَا تحب وتعاملهم بِمَا يحبونَ وينصرفون عَمَّا تكره وَتصرف عَمَّا يكْرهُونَ وألحقنا بالذين وجهوا إِلَيْك وُجُوههم وَأَخْلصُوا لَك أَعْمَالهم وَلم يعتمدوا على أحد إِلَّا عَلَيْك وَلم يستندوا إِلَّا إِلَيْك رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وَاخْتِمْ لنا بِخَير وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وصل على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الْمجْلس الْخَامِس عشر جَزَاء التائبون الْحَمد لله بِجَمِيعِ مَا حمد بِهِ الحامدون على كل نعْمَة وصل إِلَيْهَا من كرامته الواصلون لَدَى خلقه كلهم من نَحن بِهِ عارفون أَو جاهلون وَمن أولى بِالْحَمْد من منعم من بَحر أنعمه أنعم المنعمون فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وعشيا وَحين تظْهرُونَ وَأشْهد أَلا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة من لم يزل عَبده وَلَا رأى إِلَّا رفده وَلَا خَافَ إِلَّا وعيده وَلَا رجا إِلَّا وعده عَسى بِكَلِمَة الْإِخْلَاص أَن نحصل على الْإِخْلَاص ولات حِين مناص إِلَّا للموحدين وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي عَبده حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين وَرَسُوله الَّذِي جَاءَ بِالْحَقِّ وَصدق الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الطيبين الطاهرين رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ خُصُوصا على الْخُلَفَاء الرَّاشِدين أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي الْأَئِمَّة الهداة المهتدين وعَلى التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان الى يَوْم الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 اللَّهُمَّ وَنحن من جملَة عِبَادك المفتقرين إِلَى نوالك الباسطين أكفهم لسؤالك منتظرين مَا تذكرنا بِهِ من إحسانك وتغمرنا بِهِ من أفضالك الْهم فأجرنا بِمَا تجير بِهِ المنكسرين واغننا بِمَا تغني بِهِ المفتقرين وأشركنا فِي دُعَاء الداعين وأشرك فِي صَالح دعائنا إِخْوَاننَا فِيك من الْمُسلمين معاشر الإخوان الْحَاضِرين بظواهر الْأَبدَان احضروا ببواطن الْقُلُوب عَسى تمطر سحائب الرضْوَان بتفسير شَيْء من الْقُرْآن نستدعي بِهِ كرم الْكَرِيم وَرَحْمَة الرَّحْمَن الرَّحِيم يَقُول الله عز وَجل فِي كِتَابه الْمُبين التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر والحافظون لحدود الله وَبشر الْمُؤمنِينَ سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة أَنه لما نزل قبلهَا إِن الله إشترى من الْمُسلمين أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة قَالَ رجل يَا رَسُول الله وَإِن زنا وَإِن شرب الْخمر وَإِن سرق وَنزل بعْدهَا التائبون فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُول الْجنَّة حَاصِلَة لِلْمُؤمنِ وَلَو أَتَى الْكَبَائِر وغشى الْفَوَاحِش وَلَكِن إِذا تَابَ لِأَن الْمُؤمن إِذا عمل الذُّنُوب فَلَا بُد لَهُ وَلَو عِنْد مَوته أَن يَتُوب وَهَذَا من كرم الله تَعَالَى بِعَبْدِهِ الْمُؤمن أَنه إِذا تَابَ إِلَيْهِ قبل مَوته قبل الله تَوْبَته كَمَا فِي الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الله يقبل تَوْبَة العَبْد مَا لم يُغَرْغر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 كريم إِذا يممت بِالصّدقِ بَابه فَإنَّك لَا تلقى على الْبَاب حاجبا وَإِن كنت ذَا ذَنْب فتب مِنْهُ وَاعْتذر كَأَنَّك لم تذنب إِذا جِئْت تَائِبًا مصير من مَاتَ على غير تَوْبَة فَأَما من مَاتَ على غير تَوْبَة من أهل الْكَبَائِر فَقل أَن يسلم من الْعقُوبَة لكنه لَا يخلد مَعَ الْكَافرين وَفِي الْجُمْلَة من دخل النَّار وَلَو سَاعَة من نَهَار فقد ذاق الْعَذَاب الْأَلِيم وليجرب العَاصِي بِنَار الدُّنْيَا فَهِيَ جُزْء من سبعين جُزْءا من نَار جَهَنَّم هَل لَهُ طَاقَة أَن يضع فِيهَا أُصْبُعه أَو شَيْئا من لَحْظَة وَاحِدَة فَالْوَاجِب على العَبْد العَاصِي أَن يُبَادر الى التَّوْبَة قبل هجوم أَجله وَانْقِطَاع أمله إِذا كنت يَا عاصي على النَّار لَا تقوى فبادر إِلَى التَّوْبَة وَاسْتعْمل القوى ونح أسفا من أجل ذَنْبك دَائِما فَمَا فِي غدي يُغني نواح وَلَا شكوى وَقد رُوِيَ فِي أثر أَن أَكثر استغاثة أهل النَّار من سَوف كَانُوا يقدمُونَ على الْمعْصِيَة ويؤخرون التَّوْبَة وَيَقُولُونَ سَوف نتوب فاحتفظهم الْمَوْت على شَرّ حَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فَألْقوا فِي نَار الْجَحِيم ونعوذ بِاللَّه مِنْهَا تَفْسِير آيَة من سُورَة التَّوْبَة قَالَ ابْن جرير فِي قَوْله تَعَالَى التائبون أَي الراجعون عَمَّا يكرههُ الله ويسخطه إِلَى مَا يُحِبهُ ويرضاه وَعَن الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى التائبون قَالَ تَابُوا إِلَى الله من الذُّنُوب كلهَا وَقيل تَابُوا من الشّرك وبرئوا من النِّفَاق والتائبون على ثَلَاث طَبَقَات فأدناهم التائبون من الْكفْر وأوسطهم التائبون من الْمعْصِيَة وَأَعْلَاهُمْ التائبون من الْغَفْلَة وَأما العابدون فَقَالَ ابْن جرير الَّذين ذلوا لله خشيَة وتواضعا لَهُ وجدوا فِي خدمته وَقَالَ قَتَادَة العابدون قوم أخذُوا من أبدانهم فِي ليلهم وعدادهم وَعَن ابْن عَبَّاس إِنَّهُم المقيمون الصَّلَاة وَقَالَ الْحسن هم الَّذين عبدُوا الله بِاتِّبَاع أمره والعابدون أَيْضا على ثَلَاث طَبَقَات أَدْنَاهُم الموحدون وأوسطهم المطيعون وَأَعْلَاهُمْ المتبتلون وَأما الحامدون فَعَن ابْن عَبَّاس إِنَّهُم الَّذين يحْمَدُونَ الله على كل حَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وَقَالَ الْحسن الحامدون على الْإِسْلَام والحامدون أَيْضا على ثَلَاث طَبَقَات أَدْنَاهُم الْقَائِم بِالْحَمْد الْوَاجِب كَقِرَاءَة سُورَة الْحَمد فِي الْمَكْتُوبَة وأوسطهم الحامد فِي كل مَوضِع يشرع فِيهِ الْحَمد كالفراغ من الْآكِل وَالشرب والعطاس وَأَعْلَاهُمْ الحامدون على كل حَال مِثْلَمَا كَانَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَسَماهُ الله عبدا شكُورًا وَأما السائحونففيهم أَرْبَعَة أَقْوَال قيل هم الْغُزَاة وَقيل الْمُهَاجِرُونَ وَقيل طلاب الْعلم وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ هم الصائمون وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السائحون هم الصائمون وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كلما ذكر فِي الْقُرْآن من السياحة فَهُوَ الصّيام وَقَالَ الْحسن الصائمون شهر رَمَضَان وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا سياحة هَذِه الْأمة الصّيام وَهُوَ مَرْوِيّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سياحة أمتِي الصّيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَأما الراكعون الساجدون فَقَالَ الْحسن هم المصلون الصَّلَوَات المكتوبات وَأما الآمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر فَقَالَ ابْن جرير الَّذين يأمرون النَّاس بِالْحَقِّ وَنَهَوْهُمْ عَن كل قَول اَوْ فعل نهى الله عَنهُ والناهون عَن الْمُنكر عَن الشّرك وَعنهُ الآمرون بِالْمَعْرُوفِ قَالَ إِمَّا انهم لم يأمروا النَّاس بحسنة حَتَّى كَانُوا من أَهلهَا والناهون عَن الْمُنكر قَالَ إِمَّا انهم لم ينهوا عَن الْمُنكر حَتَّى انْتَهوا عَنهُ وَقَالَ أَبُو الْعلية كل مَا فِي الْقُرْآن من الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَهِيَ من عبَادَة الْأَوْثَان وَالشَّيَاطِين وَقَالَ عَطاء الأمرون بِالْمَعْرُوفِ بفرائض الله وَحده وتوحيده والناهون عَن الْمُنكر ترك فَرَائض الله وحدوده وَعَن الشّرك بِهِ وَأما الحافظون لحدود الله فَقَالَ إِبْنِ عَبَّاس يَعْنِي القائمين على طَاعَة الله وَهُوَ شَرط شَرطه الله على أهل الْجِهَاد إِذْ وفوا لَهُ بِشَرْطِهِ وفى لَهُم بشرطهم أَي أَن بعض الْمُجَاهدين يرتكبون الْمُحرمَات من زنا وَشرب خمر وَغير ذَلِك فَإِذا أنكر عَلَيْهِم قَالُوا نَحن مجاهدون وَالْجهَاد يطهرنا فَردَّتْ الْآيَة عَلَيْهِم أَي كونُوا مَعَ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله حافظين لحدود الله ثمَّ قَالَ تَعَالَى وَبشر الْمُؤمنِينَ أَي المصدقين بوعد الله لَهُم وَقيل مَعْنَاهُ وَبشر من فعل التَّوْبَة وَسَائِر هَذِه الْأَفْعَال وَإِن لم يكن من الْمُجَاهدين عباد الله فصححوا الْأَعْمَال تلحقوا بِالرِّجَالِ واحذروا الرَّجَاء الْكَاذِب فَإِنَّهُ محَال أترجو أَن تكون من الرِّجَال بقول اَوْ بِفعل أَو بِحَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَأَنت من الْمَفَاسِد فِي جَمِيع الْأَوَامِر والنواهي غير خَال وَمن طلب الْوُصُول بِغَيْر سير على نهج فَذَاك من الْمحَال اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام والعزة الَّتِي لاترام يَا بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيَا من بِيَدِهِ الْقَبْض والبسط نَسْأَلك أَن تتوب علينا وعَلى العاصين وان تجعلنا من عِبَادك الْمُتَّقِينَ وان تجنبنا أَفعَال الْفَاسِقين وَأَن تختم لنا بِخَير وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الْمجْلس السَّادِس عشر صَلَاة الْقَاعِد هَذَا تَفْسِير حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته من الْأَحْكَام اتّفق على صِحَّته عُلَمَاء الْإِسْلَام وَهُوَ مَا رَوَاهُ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صَلَاة أحدكُم وَهُوَ قَاعد مثل نصف صلَاته وَهُوَ قَائِم الْقَائِم فِي الصَّلَاة لَهُ مزية على الْقَاعِد فِيهَا من سَبْعَة أوجه الأول الْمَشَقَّة لِأَن الْقَائِم يلْحقهُ من التَّعَب مَا لَا يلْحق الْقَاعِد الثَّانِي الْأَدَب لِأَن الْقَائِم فِي الْخدمَة أحسن أدبا من الْقَاعِد الثَّالِث النشاط لِأَن الْقَائِم أنشط فِي الْخدمَة وَأبْعد من الكسل وَالنُّعَاس الرَّابِع التَّمَكُّن لِأَن الْقَائِم أقدر على فصاحة الْكَلَام فِي الْمُنَاجَاة وتحسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 هيئات الْعِبَادَة الْخَامِس كَثْرَة التنوع فِي فنون الْخدمَة لِأَنَّهُ إِذا صلى قَائِما فقد عبد ربه بِالْقيامِ وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَالْقعُود وَإِذا صلى قَاعِدا فَاتَ نوع من الْأَرْبَعَة السَّادِس أَن من صلى قَائِما أَخذ نَصِيبا من ترويح الْقلب بِسَبَب تنقله من حَال إِلَى حَال أَكثر نَصِيبا من الْقَاعِد وترويح الْقلب يعين على جودة الذّكر السَّابِع أَن من صلى قَائِما فقد أطَاع الله تَعَالَى بقوله وَقومُوا لله قَانِتِينَ وَطَاعَة الْأَمر مُوجبَة الْأجر وَلَو لم تكن حكمته مَفْهُومه فَكيف وَقد ظَهرت الْحِكْمَة فِي الْقيام فِي الصَّلَاة من وُجُوه كَثِيرَة وَاعْلَم أَن وُرُود هَذَا فِي صَلَاة النَّافِلَة وَأما الْفَرِيضَة فَلَا تصح صلَاتهَا قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام وَمن صلى قَاعِدا فِي الْفَرِيضَة مَعَ قدرته على الْقيام فَهُوَ عَاص وَاخْتلف الْعلمَاء فِي كفره وَأما النَّافِلَة فَجَائِز فِيهَا الْجُلُوس مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام لَكِن الْقيام أفضل لما تقدم من الْوُجُوه وأجره نصف أجر الْقَائِم وَإِن كَانَ عَاجِزا عَن الْقيام لم ينقص أجره لِأَنَّهُ عَاجز عَن الْقيام وَأنْشد بَعضهم فِي الحض على عبَادَة الله تَعَالَى تَطَوّعا اعبدوا الله ركعا وسجودا وقياما طورا وطورا قعُودا واذكروه فِي كل حَال فَزَاد من ذكر إسمه يلقِي السعودا إِن فِي اسْم الحبيب فِي الْقلب طَمَعا من يذقه يود مِنْهُ المزيدا لَا يزَال الحبيب غيبا فَإِن أَنْت ذكرته اسْمه يرى مشهودا فترنم باسم الحبيب لأسما ع محبيه واتخذهم عبيدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الذّكر المقبول لَو جرى ذكر الْعَزِيز الْحَكِيم كَمَا يَنْبَغِي لَهُ الإجلال والتعظيم لسعى بِذكرِهِ كل سقيم وَلَكِن عز على اكثر الْخَلَائق توفيه الإجلال عِنْد ذكر اسْم الْخَالِق فَلذَلِك ترى أَكثر المتعبدين لذكر الله مديمين وَلَا تراهم إِلَى الْمَذْكُور واصلين وَلَا على وصاله بحاصلين لأَنهم يذكرُونَ بألسنتهم من لَيْسَ بقلوبهم عارفين نديم الذّكر وَالذكر عَظِيم الشَّأْن وَالْقدر وَمَا بنصر للذّكر على الذاكر من أثر وَمَا الآفة إِلَّا جهل من يذكر بِالْأَمر إِذا لم يعرف الْمَذْكُور مَا يصنع بِالذكر كل مَطْلُوب لَا يعظمه الطَّالِب لَا يبلغ مِنْهُ شرف الْمَرَاتِب عبَادَة الله حِرْفَة لَا يحدق فِيهَا إِلَّا المتبتلون إِلَيْهَا وَمَعْرِفَة الله غَايَة لَا يبلغهَا إِلَّا المقبلون بِكُل وُجُوههم عَلَيْهَا وَكَيف لاتكون سلْعَة غَالِيَة وجنة الله عالية وَإِلَيْهِ فِي كل شرف الْمُنْتَهى الَّذِي لَيْسَ وَرَاءه مرمى ابذل الرّوح إِن أردْت الْوِصَال فوصال الحبيب أغْلى وأغلى لَيْسَ من يلتقى إِذا زار بالطرد كمن يلتقي إِذا زار بأهلا وسهلا من شفيعي إِلَى الحبيب كلما رمت وَصله قَالَ كلا لَو رَآنِي أَهلا لجاد وَلَكِن مَا رَآنِي لما رمت أَهلا إِذا نفع الْوَعْظ وأسفاه كَلَام من لَا إِلَه سواهُ قل لمن مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض قل لله كتب على نَفسه الرَّحْمَة ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ريب فِيهِ الَّذين خسروا أنفسهم فهم لَا يُؤمنُونَ إِذا أعضلتكم الْحَاجة وَلم تَجدوا مُطيعًا بِهِبَة وَلَا قرض فاسألوا من لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الَّذِي كتب على نَفسه الرَّحْمَة فَهِيَ لِعِبَادِهِ على نَفسه فرضوله مَا سكن فِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم كَانَ رَسُول الله صلى الله غليه وَسلم من الحطام الفاني فارغ الْيَد وَمن كنوز الْمعرفَة مَمْلُوء الْقلب فَلَمَّا نظر الجاهلون بِاللَّه إِلَى تجرد ظَاهره ظنُّوا أَنه بحاجة دنياهم فَقَالَ لَهُم كفار مِلَّة قد علمنَا إِنَّمَا يحملك على مَا تدعونا إِلَيْهِ الْحَاجة فَنحْن نجْعَل لَك نَصِيبا فِي أَمْوَالنَا حَتَّى تكون من أغنانا رجلا وَترجع عَمَّا انت عَلَيْهِ فَنزلت هَذِه الْآيَة وَله مَا سكن فِي اللَّيْل وَالنَّهَار أَي إِذا كَانَ الَّذِي لَهُ مَا يحتوي عَلَيْهِ الزَّمَان فَكيف تكون مُحْتَاجا إِلَى عَطِيَّة إِنْسَان علمك يَا سَيِّدي بحالي أغْنى لساني عَن الْمقَال جبرت كسْرَى كشفت ضري أغنيت فقري سترت حَالي لَا تجعلني عبدا لمولا سواك يَا سيد الموَالِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 من كَلَام الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فضل الدُّعَاء وَبَعض الْأَدْعِيَة قد استنزلنا الرَّحْمَة بِتِلَاوَة شَيْء من مُحكم التَّنْزِيل فلنستدع الْبركَة بِذكر أَحَادِيث من كَلَام الرَّسُول قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرب مَا يكون العَبْد من الرب فِي جَوف اللَّيْل الآخر فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون مِمَّن يذكر الله فِي تِلْكَ السَّاعَة فَكُن مخرج فِي الصَّحِيح وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سره أَن يستجيب الله لَهُ عِنْد الشدائد وَالْكرب فليكثر الدُّعَاء فِي الرخَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وَقَالَ لِمعَاذ بن جبل يَا معَاذ لَا تدعن أَن تَقول فِي دبر كل صَلَاة اللَّهُمَّ أَعنِي على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك وَقَالَ من قَالَ حِين يأوي إِلَى فرَاشه أسْتَغْفر الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم وَأَتُوب إِلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات غفرت ذنُوبه وَإِن كَانَت عدد ورق الشّجر وَإِن كَانَت عدد رمل عالج وَإِن كَانَت عدد أَيَّام الدُّنْيَا وَقَالَ مَا من دَعْوَة أسْرع إِجَابَة من دَعْوَة غَائِب لغَائِب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وَقَالَ اتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهُ لَيْسَ بَينهَا وَبَين الله حجاب وَقَالَ ادعوا الله وَأَنْتُم موقنون بالإجابة وَاعْلَمُوا أَن الله لَا يستجيب دَعْوَة قلب غافل لاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وَقَالَ مَا من عبد يرفع يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُو بَيَاض إبطَيْهِ يسْأَل الله مَسْأَلَة إلاأتاه إِيَّاهَا مَا لم يعجل قيل يَا رَسُول الله كَيفَ تكون عجلته قَالَ يَقُول قد سَأَلت رَبِّي وَسَأَلت فَلم أعْط شَيْئا وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يسْأَل الله غضب الله عَلَيْهِ وَقَالَ ليسأل أحدكُم ربه حَاجته كلهَا حَتَّى يسْأَله الْملح لأَهله وَحَتَّى يسْأَله شسع نَعله إِذا انْقَطع وَقَالَ الدُّعَاء مخ الْعِبَادَة أَو قَالَ هُوَ الْعِبَادَة ثمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين الدُّعَاء بَاب من الْأَبْوَاب المدخلة على الْعَزِيز الْوَهَّاب وَطَرِيق من الطّرق الموصلة إِلَى ذَلِك الجناب ووسيلة من أنجح الْوَسَائِل ورسالة من العَبْد إِلَى حَضْرَة الرب من أبلغ الرسائل فَإِن كَانَ مدادها الدمع السَّائِل فَهُوَ الدُّعَاء الْوَاصِل لَا أسمع الدَّهْر عذل عازل فِي حب من مَاله مماثل يشْهد لي أنني محب دمع على الوجنتين سَائل والوجد بَين الضلوع نازك وَالنَّوْم عَن مقلتي راحل راسلهم بالدموع دهرا فَمَا أرى أغنت الرسائل وَكنت أعتاض بالطيف فِي مَنَامِي إذكان ذالك غير باخل قد حنا النّوم جفن عَيْني صَار لي الطيف غير وَاصل عساكم ترحمون صبا مَا فَازَ من قربكم بطائل لَيْسَ لَهُ حَاصِل سوى أَن عمر ولي بِغَيْر حَاصِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 حكم ومأثورات حسرة الْفَوات أَشد من سكرة الْمَوْت أوجع الْأَلَم حرقة النَّدَم أَشد الْعَذَاب فرقة الأحباب مَا طرق أسماع السامعين أقطع من اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون لَا أستر للعورات من لِبَاس التَّقْوَى وَلَا أغْنى للفاقات من القناعة وَالرِّضَا مجالسة الْعُقَلَاء تزيد فِي الْعقل ومجالسة الْجَاهِلين تزيد فِي الْجَهْل ومخالطة الْمَسَاكِين تذْهب الْكبر الترياق المجرب لُزُوم الاسْتِغْفَار وَوصل الحبيب اسْم الترياق وقربه الْأَسير البعيدإطلاق فدين لَا أدين بِهِ وَكَيف يسلوا عَن الأحباب عشاق وَكَيف يحمد بِي سلو جمالكم وبيننا فِي الْهوى عهد وميثاق قلبِي القريح عَلَيْكُم حشوه حرق ولوعة وصبابة وأسواق لَا غرو أَن كَانَ فِي قلبِي شيقا قلقا قلب الْمُحب إِلَى الأحباب تواق إِن أبعدوني فَأهل للعباد أَنا وَإِن هموا أقربوني فَإِن الْقلب مشتاق الْوَاجِب على كل عبد أبعده الْمولى عَن جنابه أَن يعْتَرف بِذَنبِهِ لرَبه ويعتقد أَن الْبعد أولى بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 من كَانَ مُؤمنا بِأَن الله هُوَ الْعلي الْحَكِيم علم أَنما أَخّرهُ الله فحقه التَّأْخِير وَمَا قدمه فحقه التَّقْدِيم فَالْحَمْد لله على كل حَال ونعوذ بِاللَّه من سوء الْمَآل ونسأله الإستقامة فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَأَن يبلغنَا بفضله أشرف الْمنَازل إِنَّه جواد مفضال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 الْمجْلس السَّابِع عشر كَلَام السّلف فِي ذكر نبذة من كَلَام السّلف الْأَعْلَام فَفِي كَلَامهم جلاء الهموم وشفاء الأسقام من أَرَادَ أَن يسلم لَهُ دينه ويستريح قلبه وبدنه فليعتزل النَّاس وَمن لم يعرف قدر النعم سلبها من حَيْثُ لَا يعلم وَمن عجز عَن أدب نَفسه كَانَ عَن أدب غَيره أعجز من قلَّة الصدْق كَثْرَة الْخَطَأ وَمن عَلامَة الإستدراج الْحمى عَن عُيُوب النَّفس وَمن تزين للنَّاس بِمَا لَيْسَ فِيهِ سقط من عين الله قُلُوب المغترين معلقَة بالسوابق وَقُلُوب الْأَبْرَار معلقَة بالخواتيم من النذالة أَن يَأْكُل الْإِنْسَان بِدِينِهِ من حاسب نَفسه استحيا الله من حسابه ثَلَاث من كن فِيهِ اسْتكْمل الايمان من إِذا غضب لم يُخرجهُ غَضَبه من الْحق وَإِذا رَضِي لم يُخرجهُ رِضَاهُ إِلَى الْبَاطِل وَإِذا قدر لم يتَنَاوَل مَا لَيْسَ لَهُ وَكَانَ بَعضهم يَقُول اللَّهُمَّ مَا عذبتني بِهِ من شَيْء فَلَا تعذبني بذل الْحجاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 احذر أَن تكون ثَنَاء منشورا وعيبا مَسْتُورا أمس أجل وَالْيَوْم عمل وَغدا أمل حرَام على قلب محب الدُّنْيَا ان يسكنهُ الْوَرع وَحرَام على عَالم لم يعْمل بِعِلْمِهِ أَن يتخذوه المتقون إِمَامًا إِلَيْك أَشْكُو بدنا غذي بنعمك ثمَّ توثب على مَعَاصِيك الْمُؤمن إِذا زَاد سخاؤه وَإِذا زَاد عمره زَاد اجْتِهَاده اجْمَعْ عقلاء كل أمة أَنه من لم يجر مَعَ الْقدر لم يهنأ بعيشه معاشر الْفُقَرَاء إِنَّمَا عَرَفْتُمْ بِاللَّه وَإِنَّمَا مكرمون لله فَإِذا خلوتم بِهِ فانظروا كَيفَ تَكُونُونَ مَعَه عَلامَة إِعْرَاض الله عَن العَبْد أَن يشْغلهُ بِمَا لَا يعنيه الطَّرِيق إِلَى الله مسدود على الْخلق إِلَّا على الْمُتَّقِينَ أول وصال العَبْد للحق هجرانه لنَفسِهِ وَأول هجران العَبْد للحق مواصلته لنَفسِهِ إِذا نزل بك أَمر من الله فَاسْتعْمل الرِّضَا فَإِن لم تَجِد إِلَى الرِّضَا سَبِيل فَاسْتعْمل الصَّبْر فَإِن لم تَجِد فَعَلَيْك بالتحمل من علم أَن الله هُوَ الضار النافع أسقط مخاوف المخلوقين اتَّقوا الناجد من الْعلمَاء وَالْجَاهِل من الْعباد فَإِنَّهُمَا فتْنَة لكل مفتون يَا عجبا لمن لم ير محسنا غير الله كَيفَ لَا يمِيل بكليتيه إِلَيْهِ إِذا بَكت عين الْخَائِفِينَ فقد بَايعُوا الله بدموعهم إِنَّمَا حملا كَلَام السّلف فِي مذاق الأسماع وعظمت فِيهِ الْبركَة وَحسن بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الِانْتِفَاع لأَنهم كَانُوا بِهِ عاملين وَفِي نشره مُخلصين اللَّهُمَّ فعمنا ببركة أَعْمَالهم الصَّالِحَة وانفعنا بمقاصدهم الصادقة فهم الْقَوْم لَا يضل من اهْتَدَى ببهداهم وَلَا يضيع من تمسك بعراهم كَيفَ ضلالي عَن سَوَاء السَّبِيل وَأَنت لي فِي طَرِيق سلاى دَلِيل يَا فرحة الْقلب وَيَا منية الصب وَيَا برد غليل الغليل وصفك لَا تبلغه مدحتي ففهمي بليد ولساني كليل كَيفَ لي بصبر جميل وَقد حجبت عَن مرآى الْمحيا الْجَمِيل مَالِي إِذا غيبت عَن ناظري غير مخيبي والبكاء والعويل جدلي وَلَو بالطيف إِن كَانَ لي إِلَى غموض الجفن يَوْمًا سَبِيل وابذل وَلَو وَعدا وَلَو نظرة فَمَا قَلِيل مِنْك لي بِالْقَلِيلِ رب الْعِزَّة اعظم فِي صُدُور العارفين من أَن يناجوه فِي مخاطبتهم بأشعار المتغزلين وَلَكِن مَا خلا قلب من حرقة وَلَا سلم مواصل من فرقة وكل مُسلم لَهُ نصيب من محبَّة مَوْلَاهُ على قدر مَعْرفَته بِمَا اولاه فَإِذا ترنم المنشد بِمَا يُنَاسب أغراض المحبين تحركت الْقُلُوب على قدر مَا فِيهَا من الشوق إِلَى لِقَاء حبيب العارفين وتحرقت النُّفُوس حزنا على التَّخَلُّف عَن مرافقة الصَّالِحين إِلَى مَتى أَنْت فِي تواني تجْرِي إِلَى اللَّهْو فِي عنان الْمَوْت حق لَا ريب فِيهِ مَالك فِي رفْعَة يدان والبعث من بعده ترَاهُ فِي غَايَة الْبعد وَهُوَ داني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 يَوْم يقوم الْعباد كل عَلَيْهِ فِي الْحَشْر شَاهِدَانِ إِلَى حِسَاب قد سطر ته الأقلام يمليه جافظان ثمَّ يضم الْعباد بعد الْحَسَد اب فِي الْحَشْر منزلان منزل خوف لَا امن فِيهِ ومنزل الْأَمْن والأمان الْإِيمَان بِيَوْم الْقِيَامَة لصدقه على أَهله عَلامَة التسارع إِلَى اكْتِسَاب الْحَسَنَات والتورع عَن ارْتِكَاب السَّيِّئَات وانسكاب العبرات ندما على مَا فَاتَ أَيهَا الْمُدَّعِي الْمحبَّة مهلا أَيْن آثَار صدق مَا تدعيه أَيْن سفح الدُّمُوع فَوق خدود حذرا ان يفوت مَا ترتجيه أَيْن وَقد الأحشاء شوقا إِلَى مَا كنت من لَذَّة التواصل فِيهِ أَيْن بذل المجهود فِي طَاعَة المجبو ب من كل فعل كلما يرتضيه تَدعِي حبه وَمَالك من دعو اك غير الْمحَال والتمويه تَدعِي الْحبّ عَارِيا عَن شُهُود حَظه مِنْهُ مَا يَقُول بغيه طالبوا أَنفسكُم بِالصّدقِ فِي دَعْوَاهَا محبَّة الله واصمدوا بِكُل وُجُوهكُم فِيمَا يوجهكم إِلَى الله كل النَّعيم فِي التَّلَذُّذ بمناجاة الله كل الرَّاحَة فِي التَّعَب بِخِدْمَة الله كل الْغنى فِي تَصْحِيح الإفتقار إِلَى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 كل مطَالب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي خَزَائِن غيب الله ومفاتيحها بأيدي رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله وَحقّ هَوَاهُ لَيْسَ لي عَنهُ مَذْهَب وَلَا لي فِيمَا دون لقيَاهُ مطلب يَقُول اجْتنب بَابي وَلَا تعش مرتعي وَهل حشد عَن روحه يتَجَنَّب إِذا لم تكن لي عِنْد غَيْرك حَاجَة فَكيف إِلَى أَبْوَاب غَيْرك أذهب وَإِذا لم أجد معط سواك بمطلبي فَكيف سوى مَعْرُوف جودك أطلب عذولي فِيهِ مَا ارى مَا رَأَيْته فيكثر من لومي عَلَيْهِ ويطنب سلكت سَبِيلا مَا أهتدي لسلوكه فأعجب مِنْهُ وَهُوَ مني يعجب وَكَيف سلوى عَن جمال محجب أياديه عَن كل الورى لَيْسَ يحجب إِذا دارت الكاسات من خمر حبه على كل اهل الْعقل فَالْكل شربوا وَإِن زَمْزَم الحادون للركب باسمه فكلهم حَتَّى الركائب تطرب يطيب ويحلو للمحبين ذكره فَلَا طيب إِلَّا وَذكره أطيب فَإِن قلت شَهدا فَهُوَ أحلا مذاقه وان قلت مَاء فَهُوَ أصفى وأعذب سَأَلتك يَا حادي الركائب حَاجَة إِذا مَا بَدَت يَوْمًا لعينك يثرب فَبلغ سلامي من حوته قبابها وشرعته فِي الْكَوْن تملى وتكتب نَبِي الْهدى شمس الضُّحَى قمر الْهدى لمنصبه فَوق السماكين منصب مُحَمَّد الْمُخْتَار والماجد الذى إِلَى فخره كل الْمُنَاسب تنْسب بنهجه كل الْأَئِمَّة تهتدي بمورده كل الْمَوَارِد تعذب هُوَ الصَّادِق الدَّاعِي إِلَى الله وَحده فَمن لم يجبهُ فَهُوَ فِي الْحَشْر ينْدب فصلوا عَلَيْهِ دَائِما فصلاتكم جزاؤكم فِيهَا على الله وَاجِب وأكثكم يَا أهل مِلَّة أَحْمد عَلَيْهِ صَلَاة مِنْهُ فِي الْحَشْر أقرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 اللَّهُمَّ صلي على سيدنَا مُحَمَّد كلما ذكره الذاكرون وَصلى عَلَيْهِ كلما تعاقبت اللَّيَالِي وَالْأَيَّام وَصلي عَلَيْهِ مَا دَامَت الشُّهُور والأعوام وعَلى صَحبه السَّادة الْكِرَام وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا لَا انْقِضَاء لَهُ وَلَا انفصام موعظة فِي تَعْلِيم الْقُرْآن الْحَمد لله الَّذِي جعل الْقُرْآن لقلوب أهل الْإِيمَان ربيعا فَكل من لَا يغذي الْقُرْآن فِي الدُّنْيَا كَانَ غذاؤه فِي الْآخِرَة ضريعا لَا يزَال الْإِنْسَان صَرِيعًا تَحت الشَّيْطَان حَتَّى يذكر الله وَيَتْلُو الْقُرْآن فَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي الْإِنْسَان قَائِما ويخر الشَّيْطَان صَرِيعًا فَمن شَاءَ ان يكون الْعَدو عَن لحاقه بطيئا فَلْيَكُن إِلَى الذّكر والتلاوة سَرِيعا استظهر بِشرب ترياق الْقُرْآن على سم أَفْعَى الشَّيْطَان قبل أَن تَمُوت لسقياه مَا زَالَ أَبُو الْبشر آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سُكْنى الجنات قي حصن حُصَيْن حَتَّى دخلت عَلَيْهِ الْجنَّة وَقد اخْتَبَأَ فِي فمها الشَّيْطَان اللعين فَخرج على آدم من شدقها ذَلِك الكمين فَضَربهُ ضَرْبَة بَقِي من حرهَا ألف سنة فِي الْبكاء والأنين ثمَّ لم يكن خلاصه وخلاص عشر الْعشْر من ذُريَّته إِلَّا بِكِتَاب الله الَّذِي جَاءَت بِهِ المرسلونوقلنا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا فإمَّا يَأْتينكُمْ منى هدى مِمَّن تبع هُدَايَ فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ مُتَابعَة الْكتاب منقذة من الْعَذَاب وتعظيم الحرمات مخرج من الظُّلُمَات ورعاية الْأَدَب رفْعَة فِي الرتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 لَوْلَا الْعلم لَكَانَ الْإِنْسَان بَهِيمَة وَلَوْلَا اللطف لكَانَتْ البلية عَظِيمَة فاسألوا الله لطفة فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَليكن تَعْظِيم الْقُرْآن مِنْكُم على بَال فبوجود اللطف وَعَدَمه سعد من سعد وشقي من شقي وبالتقصير لَقِي المقصر مَا لَقِي لَا تسألوا عبدكم مَاذَا لقى من الْبكاء والأساءة والحرق لَيْسَ عجيبا مَا لقى بعد النؤى من الأنين والبكاء والأرق بل العجيب ان من فارقكم كَيفَ حيى من بعدكم كَيفَ بَقِي إِذا تَوَجَّهت إِلَى غَيْرك تعثرت بِي قدمي فِي طرقي إِن السعيد من رجا فَضلكُمْ وَمن رجا غَيْركُمْ فَهُوَ الشقي قد كَانَ شملي كُله مجتمعا فد بعدتم آه وغرقي يَا لَيْتَني مت وَلم أبق إِلَى ان ذقت طعم الهجر والتفرق يَا لائمي لَو ذقت مَا ذقت من الحنين والأنين والتشوق وَلَو رَأَتْ عَيْنَاك مَا رَأَيْته من الْجلَال وَالْجمال المونق عذرتني فِي قلقي ولمتني على بقايا مَا بَقِي من رمقي الْعجب مِمَّن يسمح بِصفة الْجنَّة وهومخلد إِلَى الدُّنْيَا وأعجب فِيهِ من صدق نعيم الحضرة ثمَّ يعْمل لجنة المأوى وَالْعجب مِمَّن يسمع نَوَازِل الْبلوى وَهُوَ مخدر فِي دُنْيَاهُ مِنْهَا واعجب فِيهِ من خَوفه الله بغضبه عَلَيْهِ واحتجابه عَنهُ ثمَّ هُوَ يخَاف الْجَحِيم واللظى كل عَزِيز وَإِن عز وَجل فَالله أعز مِنْهُ وَأجل وكل فَائت وَإِن عظم وَكثر فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يفوت من الله أَصْغَر وَأَقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 حَتَّى مَتى ذَا الْقلب ساهي عَن كل مَا مغنيه لاهي وَالنَّفس معرضة عَن القر آن سامعة الملاهي إِن الملاهي سَوف تَرَ مي سامعها بالدواهي كم ذَا تنافس فِي الْحَط ام وَجمعه كم ذَا ساهي مَا عذر من شَاب العذار مِنْهُ وقبح سيرته كَمَا هِيَ إِن قيل دع عَنْك التكبر قَالَ أخني هدم جاهي قد خَالف الْقُرْآن فِي كل الْأَوَامِر والنواهي من كَانَ لَا ينهاه عَن فعل القبائح ذجرناهي الْعُمر مِنْهُ قد وَهِي وَالدّين أَيْضا مِنْهُ واهي فاصبر لَهُ فالأم هاوية وَمَا أَدْرَاك مَا هِيَ يَا من سلب الْملك الْكَبِير وَلم تشعر بسلبه يَا من أمره ربه بِالتَّوْبَةِ وَهُوَ مصر على ذَنبه قد خلت صَحِيفَته من الْحَسَنَات لما خلا صَدره من تَعْظِيم ربه وتخلت الْمَلَائِكَة عَن نصرته فقد استحوذ الشَّيْطَان على قلبه يَا غافلا عَن ذكر ربه يَا مغفلا لصلاح قلبه يَا من سباه عدوه يَوْمًا وَلم يسْعد بسلبه هَذَا جَزَاء مقصر جَهله فِي حق ربه من رام خِصَالًا لَا تحل فجائع الْأَعْدَاء بجنبه فليعتصم بِاللَّه وليعمل على السكن بِقُرْبِهِ الْعَارِف بِرُكْن الله فِي حصن حُصَيْن واللائذ بجناب الله فِي حرم أَمِين وَالْعَامِل بِكِتَاب الله متمسك بالعروة الوثقى وَالْحَبل المتين والمقاتل تَحت لِوَاء رَسُول الله مؤيدا بالنصر الْعَزِيز مَضْمُون لَهُ الْفَتْح الْمُبين حصن بحصن التَّقْوَى نَفسك من أَسبَاب الردى حصن التَّقْوَى غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 حُصَيْن وامتسك بِحَبل الْقُرْآن فِي الشدائد كلهَا فَكل حَبل سوى هَذَا الْحَبل فَهُوَ غير متين لله أهلون وهم جملَة أَهله وكل من لَا يكرم أهل الْقُرْآن فَهُوَ مهين احذر تهين فَقِيرا لأجل رثه هَيْئَة أَكثر مُلُوك الْجنَّة فِي هَيْئَة الْمِسْكِين مَتى أردْت أَن يَعْلُو قدرك وَتَعْلُو فِي الرتب فِي حضر الله مُعظم أهل التقا وَالدّين وَلَا يغرك ذل الْفَقِير فِي دَار الفناء دَار البقى هِيَ دَاره فِي الْعِزّ والتمكين ترى الْفَقِير فِي الدُّنْيَا كَأَنَّهُ طير حذر وَفِي الْقِيَامَة وافي قرير عين أَمِين خُذ لَك أيادي مَعَهم غَدا ترى الدولة لَهُم مقبل أحدهم وجاهه عِنْد الْملك متين لَا فَخر كالفقر هَذَا الرَّسُول بالفقراء مفخر وَهُوَ الَّذِي دَفِين فِي الطين وَمَعَ جلالة قدره دَعَا بِأَن يحيا هُنَا مِسْكين ويقبر ويحشر مَعَ الْمِسْكِين اللَّهُمَّ ارزقنا مَا رزقت أولياءك وفقراءك ومساكنك من الِاسْتِغْنَاء بك والافتقار إِلَيْك وَأَكْرمنَا بِمَا تكرمنا بِهِ من كَرَامَة أوليائك يَوْم الْقدوم عَلَيْك يَا كريم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الْمجْلس الثَّامِن عشر تَفْسِير آيَة الْحَمد لله وأنجح مَا توسل بِهِ إِلَيْهِ المتوسلون إدامة حَمده وَأقرب مَا تقرب بِهِ إِلَيْهِ المتقربون أَدَاء فَرْضه من ادى فَرَائض الله فَهُوَ عبد الله حق عَبده وَلَا يزَال عَبده يتَقرَّب إِلَيْهِ بالنوافل حَتَّى يُحِبهُ فَإِذا احبه أدخلهُ فِي حزبه وأيده بجنده فسبحان من كل الْخَيْر فِي يَده وَذَا الْفضل من عِنْده إِذا رفد فَلَا تسْأَل عَن حسن حَال عمره من رفده وَإِذا طرد فيا كسرة الْقُلُوب من ذل طرده وَإِذا حد حدا لم يسع أهل سمائه وأرضه تجَاوز حَده أَتَرَى أفوز نبيل رفده أَتَرَى أحوز كريم وعده أَتَرَى بِمن بِقُرْبِهِ من بعد بلواه يبعده يَا بهجتي بوصاله يَا ودعتا من ذكر صده أَنا عَبده ومحبه مَا شَاءَ فليصنع بِعَبْدِهِ قد دلّت الْأَدِلَّة القاطعة على ان صرخة الْبَين لأكباد المحبين قَاطِعَة وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 يحس بوجعة فِرَاق المحبون أولُوا الْأَلْبَاب وأرباب الْقُلُوب فَأَما من نور الْهدى عَن بصيرته مَحْجُوب فَكيف يعرف إِعْرَاض الرب عَن المربوب فسبحان من كل أحد من خلقه إِلَى عطفه فَقير وشكره وَاجِب على الْقَلِيل وَالْكثير والجليل والحقير كل جليل وحقير فِي قَبضته أَسِير لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير يَا وَاحِدًا مَا لَهُ نَظِير يَا قَاضِيا مَا لَهُ مشير بِذكرِهِ تشرح الصُّدُور بأَمْره تصلح الْأُمُور أحَاط علما فَلَا صَغِير يعزب عَن علمه وَلَا كَبِير مَا أحد دونه غَنِي فَكل من دونه فَقير مَا أحد دونه كَبِير فَكل من دونه صَغِير إِن نَحن نلنا رِضَاهُ يَوْمًا فَكل مَا فاتنا حقير أَحْمَده وأشكره وأحق عباده بمزيد فَضله الحامد الشكُور أرْضى بِقَضَائِهِ وأصبر على بلائه وَمَا ذاق طعم الْعَيْش إِلَّا الراضي الصبور وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله الْعلي الْكَبِير وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَى اهل السهول والوعور وَالشَّفِيع المشفع يَوْم يتَأَخَّر عَن الشَّفَاعَة كل مِقْدَام جسور صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه وكل من حَضرته حُضُور خُصُوصا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الشَّيْخَيْنِ الْإِمَامَيْنِ المفضلين والصهرين المخصصين والعمين المبجلين والسبطين الريحانين الْحسن وَالْحُسَيْن صَلَاة يتَّصل تكرارها بالرواح والبكور اللَّهُمَّ إِذا قسمت فِي عِبَادك الصَّالِحين مَا تقسمه من خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَاجْعَلْ لنا مِنْهُ الْحَظ الْأَكْبَر والنصيب الموفور وَبَارك لنا فِيمَا تحيينا لَهُ مدى اللَّيَالِي وَالْأَيَّام والشهور والأعوام إِنَّمَا فَائِدَة أقطرت البركات لمدركيها ان تغتنموا بركتها بِطَاعَة الله فِيهَا وكل من لَا يعظم حرماتنا وَلَا يراعها فقد حرم بركَة مساعيه يَوْم تعود على الْفرْقَة النَّاجِية بَرَكَات مساعيها نستفتح بركَة هَذَا الْمجْلس الْكَرِيم بتفسير آيَة من الذّكر الْحَكِيم أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الله عز وَجل فِي كتاب الْمُبين هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا وَقدره منَازِل لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب مَا خلق الله ذَلِك إِلَّا بِالْحَقِّ يفصل الْآيَات لقوم يعلمُونَ مَا من مجعول إِلَّا وَالله لَهُ جَاعل لِأَنَّهُ هُوَ الْخَالِق لكل صَنْعَة وصانع وَعمل وعامل فَلهَذَا قَالَ هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا وَقدره منازلأي هُوَ الَّذِي أَضَاء الشَّمْس فَجَعلهَا ضِيَاء بِالنَّهَارِ وَهُوَ الَّذِي انار الْقَمَر فَجعله نورا بِاللَّيْلِ فسواه ذَا منَازِل لَا تجاوزها وَلَا يقصر عَنْهَا والمنازلهي الثَّمَانِية وَالْعشْرُونَ منزلا المنقسمة عَن اثْنَي عشر برجا قدر الله سُبْحَانَهُ مسير الشَّمْس وَالْقَمَر فِي تِلْكَ البروج والمنازل لينتظم بمسير الشَّمْس فِيهَا امْر الْفُصُول اربعة وَلَوْلَا تنقل الشَّمْس فِيهَا لم يكن للْأَرْض صيف وَلَا شتاء وَلَا ربيع وَلَا خريف وَلَوْلَا اخْتلف الْهَوَاء بتعاقب هَذِه الْفُصُول لفسد نظام الْحَيَوَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 والنبات والمعادن وَلَوْلَا تنقل الْقَمَر فِيهَا لفسد نظام الشُّهُور القمرية ومطالع الْأَهِلّة والبذور والأقمار المسخرة فِي اللَّيَالِي الطوَال الشتوية الْقصار الصيفية وَكم فِي خلال تدابير ذِي الْجلَال من حكم جلية وألطاف خُفْيَة الرب أسراره خُفْيَة تعجز عَن فهمها الْبَريَّة فِي كل شَيْء مِمَّا ترَاهُ من صنعه من حكمه جلية وَدون مَا قد بدا أُمُور تخفى عَن الفطنة الذكية إِذا عجزنا عَن فهم أدنى حكمه أَجْسَادنَا الدنية فَكيف نرجو عرفان شَيْء من أَمر أَوْصَافه الْعلية قَوْله تَعَالَى لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحسابقال ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول الله تَعَالَى لَو جعلت شمسين شمسا بِالنَّهَارِ وشمسا بِاللَّيْلِ لَيْسَ فِيهَا ظلمَة وَلَا ليل لم تعلمُوا عدد السنين والحساب قَالَ الْكَلْبِيّ يَعْنِي حِسَاب السنين والشهور وَالْأَيَّام والساعات ثمَّ قَالَ تَعَالَى مَا خلق الله ذَلِك إِلَّا بالحقأي لم يخلق الشَّمْس وَالْقَمَر ومنازلهما إِلَّا بِالْعَدْلِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْحق وكل مَا جَاءَ من عِنْده فَهُوَ الْحق وَكلما صنعه وخلقه وَدبره فَهُوَ حق وَقيل مَعْنَاهُ مَا خلق الله ذَلِك إِلَّا للحق أَي لإِظْهَار قدرته الخافية عَلَيْكُم بِإِظْهَار صَنعته الْبَادِيَة لكم وَإِقَامَة الدَّلَائِل على وحدانيته عنْدكُمْ ليقطع فِي إشراككم بِهِ عذركم كلما قد بدا وَمَا هُوَ خافي فِي ثُبُوت التَّوْحِيد شاف وكافي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 أَي عذر لشرك وَجَمِيع الْكَوْن للشرك بِالدَّلِيلِ نافي ثمَّ قَالَ تَعَالَى كَذَلِك نفصل الْآيَات لقوم يعلمونأي نبين الْأَدِلَّة للمستدلين على الصَّانِع بصنعته فَإِن قيل مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الْقَمَر بِالذكر دون الشَّمْس فِي قَوْله تَعَالَى قدره منَازِل فَالْجَوَاب أَن الْقَمَر يقطع الْمنَازل فِي كل شهر وَالشَّمْس لاتقطعها إِلَّا فِي كل سنة فَلَمَّا كَانَ الْقَمَر أسْرع مِنْهَا فِي طي المراحل كَانَ أولى مِنْهَا بتخصيص الذّكر فِي تَقْدِير الْمنَازل تبتغي الْوُصُول بسير فبه تَقْصِير لَا شكّ أَنَّك فِيمَا رمت مغرور قد سَار قبلك أبطال فَمَا بلغُوا هَذَا وَفِي سيرهم جد وتشمير يَا مدعي الْحبّ فِي شراع الغرام وَقد أَقَامَ بَينه لَكِنَّهَا زور أفنيت عمرك فِي لَهو وَفِي لعب هَذَا وَأَنت بعيد الدَّار مهجور لَو كَانَ قَلْبك حَيا ذبت من كمد مَا للجراح بجسم الْمَيِّت تَأْثِير يَا من قد شغلت عَن ذكر ربه الشواغل يَا من كلما أيقظته العبر فَهُوَ غافل يَا من هُوَ فِي رُتْبَة الطَّاعَة نَاقص وَفِي مرتبَة الْمعْصِيَة كَامِل أما تَسْتَحي مِمَّن سرك إِلَيْهِ صاعد وَخَبره إِلَيْك نازلالذي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا وَقدره منَازِل أيامك تمر مر السَّحَاب وَأَنت إِلَى البطالة جَائِع لَا تضيف إِلَى الموعظة من واعظ وَلَا تقبل النَّصِيحَة من نَاصح وَأَنت عَمَّا قَلِيل من سكان الضرائح فَمَا أَنْت قَائِل لمن هُوَ لحقوقه مِنْك مطَالب وَعَن حُقُوق عباده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 سَائل الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نوراوقدره منَازِل لَو عبرت قنطرة التَّبْصِرَة والاعتبارلقطعت ثلث الطَّرِيق وَلَو اقتحمت عقبَة الخشية والفرار لخلصت من حلق الْمضيق وَلَو سلكت سَبِيل أهل اللجوء إِلَى الْعَزِيز الْغفار لوصلت مَعَ أكْرم رَفِيق إِلَى بِلَاد حسن التَّوْفِيق حَتَّى تنظر إِلَى وَجه من لَا يشاكله مشاكل وَلَا يماثله مماثل الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا وَقدره منَازِل هَذِه مزارع المؤثرين حرث الْآخِرَة على حرث الدُّنْيَا فَأَيْنَ الزارعون إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعونيا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي وَالله لَو أَن الْعباد سمعُوا هَذِه الْآيَة كَمَا يَنْبَغِي لَهُم ان يسمعوها لَو كَانَ بَينهم وَبَين الله بحار النَّار لخاضوها شوقا إِلَى مَا شوقهم مَوْلَاهُم إِلَيْهِ من لَذَّة بهجة الْقدوم عَلَيْهِ كم قد أَهْلَلْنَا من شهر شرِيف الْمِيقَات ثمَّ يَنْسَلِخ عَنَّا وَنحن من قشرنا مَا انسلخنا كم قدم علينا من موسم تغسل فِيهِ أوساخ الْقُلُوب بمياه العبرات ثمَّ يرحل عَنَّا وَمَا تطهرنا بل اتسخنا فِي مثل هَذِه الْأَوْقَات الْمُبَارَكَة يَتُوب العَاصِي ويلين الْقلب القاسي وينشط الْعَامِل وينتبه الغافل الْحَسَنَات فِيهَا مضاعفة لعامليها وأبواب الرَّحْمَة مفتحة لوالجيها وابواب الْخيرَات ميسرَة لطالبيها من قرع فِيهَا أَبْوَاب العطايا بأنامل الدُّعَاء توشك أَن تفتح فِي وَجهه وَمن استمطر سحائب النوال بأكف الإبتهال فجدير ان تسح على أرضه وَمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 رفع قصَّة السلوى إِلَى عَالم النَّجْوَى فَمَا أولى منح قَصده مثل الْأَزْمِنَة الْكَرِيمَة المحترمة عِنْد الله مثل السنين المخصصة للزارعين والليالي المقمرة للمسافرين تخسف عنادها وتقل حركتها وتكثر بركتها فَكَذَلِك الْعَامِل لله فِي الْأَوْقَات والأماكن الشَّرِيفَة تزكو أَعماله فِيهَا أَضْعَاف مَا تزكو فِيمَا سواهَا لِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اصطفاها لِعِبَادِهِ على سَائِر مَا عَداهَا يُعْطي وَيمْنَع مَا يَشَاء كَمَا يَشَاء بَاب إِن أبلغ مَا بلغه واعظ إِلَى موعوظ وأنفع مَا هُوَ بالألسنة ملفوظ وَفِي الصُّدُور مَحْفُوظ كَلَام من كل شي تَحت قدرته مقهور وبرعايته ملحوظ أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرحيمالر كتاب أَنزَلْنَاهُ إِلَيْك لتخرج النَّاس من الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذن رَبهم إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد الله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا الأَرْض وويل للَّذين كفرُوا من عَذَاب شَدِيد الَّذين يستحبون الْحَيَاة الدُّنْيَا على الْآخِرَة ويصدون عَن سَبِيل الله ويبغونها عوجا أُولَئِكَ فِي ضلال بعيد أما كتاب الله فَبين لَيْسَ فِيهِ غموض وَأما دين الله فَهُوَ متين لَا ينْهض بِهِ مَخْلُوق حق النهوض فَلم يبْق لنا عذر فِي حق الْجَهْل بمراض رب الْعَالمين وَلَا قُوَّة لنا على إِقَامَة هَذَا الدّين المتين فَالْوَاجِب علينا ان نستغيث بمراحم الْعَزِيز الرَّحِيم ونستشفع إِلَيْهِ بجاه نبيه الْكَرِيم الَّذِي أذن لَهُ فِي إِخْرَاج النَّاس من الظُّلُمَات إِلَى النُّور فَمن أجَاب دَعوته فَلهُ النظرة وَالسُّرُور وَمن تخلف عَن إجَابَته دَعَا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 قيل الظُّلُمَات والنور هما الْكفْر وَالْإِيمَان وَقيل الضلال وَالْهدى وَقيل الشَّك وَالْيَقِين وَقيل بِإِذن ربهمأي بأَمْره وَقيل بتوفيقه وَقَوله الَّذين يستحبون الْحَيَاة الدُّنْيَا على الْآخِرَة يَعْنِي الَّذين يؤثرون الفاني على الْبَاقِي لَا يبالون مَا نقص من دينهم إِذْ زَادَت دنياهم وَلَا مَا فاتهم من رضى مَوْلَاهُم إِذا أدركوامن شهوتهم أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة فَلَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب وَلَا هم ينْصرُونَ يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم عَن الْآخِرَة هم غافلون تطالبني النَّفس بالمشتهى وتنسى الْقِيَامَة والمنتهى وتسعى إحكام عهد الْهوى وَعقد دياناتها قد هوى وتترك صُحْبَة أهل النهى وتصحب من قدسها أَولهَا فَإِن دَامَ هَذَا التنادي بهَا فويل لَهَا ثمَّ ويل لَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ذكر نبذة من كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الاذكار والدعوات إِن أشفى الْكَلَام لصدور السامعين بعد كَلَام رب الْعَالمين كَلَام من كَانَ نَبيا وآدَم بَين المَاء والطين قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيهَا النَّاس إِنَّه لم يبْق من مُبَشِّرَات النُّبُوَّة إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم اَوْ ترى لَهُ وقالإذا ركع أحدكُم فَلْيقل فِي ركعته سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاث مَرَّات وَذَلِكَ أدناه وَإِذا سجد فَلْيقل سُبْحَانَ رَبِّي الاعلى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أدناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَقَالَ إِذا تشهد أحدكُم فليستعذ بِاللَّه من أَربع يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب جَهَنَّم وَمن عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات وَمن فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال وَقَالَ من سبح فِي دبر كل صَلَاة الْغَدَاة مائَة تَسْبِيحَة وَهَلل مائَة تَهْلِيلَة غفرت ذنُوبه وَإِن كَانَت مثل زبد الْبَحْر وَقَالَ لرجل إِذا انصرفت من صَلَاة الْمغرب فَقل اللَّهُمَّ أجرني من النَّار سبع مَرَّات قبل ان تكلم احدا فَإنَّك إِذا قلت ذَلِك قُمْت من ليلتك كتب لَك جوَار مِنْهَا وَقَالَ وَإِذا صليت الصُّبْح فَقل ذَلِك فَإنَّك إِن مت من يَوْمك كتب لَك جوَار مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَقَالَ من قَالَ حِين يصبح بِسم الله الَّذِي لَا يضر مَعَ اسْمه شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَهُوَ السَّمِيع العليمثلاث مراتلم يصبهُ فِي نَومه فَجْأَة بلَاء وَمن قَالَهَا حِين يُمْسِي لم يصبهُ فَجْأَة بلَاء فِي ليلته وَقَالَ من قَالَ إِذا أصبح وَإِذا أَمْسَى رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وَنَبِيًّا كَانَ حَقًا على الله أَن يرضيه يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ من قَالَ فِي دبر كل صَلَاة الصُّبْح وَهُوَ ثَان رجلَيْهِ قبل ان يتَكَلَّم لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيى وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير عشر مَرَّات كتب لَهُ عشر حَسَنَات ومحى عَنهُ عشر سيئات وَرفع عشر دَرَجَات وَكَانَ يَوْمه ذَلِك فِي حرز من كل مَكْرُوه وحرس من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَلم يَنْبغ لذنب ان يُدْرِكهُ فِي ذَلِك الْيَوْم إِلَّا الشّرك بِاللَّه عز وَجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وَقَالَ من قَالَ حِين يصبح فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وعشيا وَحين تظْهرُونَ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ تخرجُونَ أدْرك مَا فَاتَهُ فِي ليلته أَيهَا النَّاس احرصوا على دَرك مَا فَاتَ وهيهات أَن يدْرك الْفَائِت هَيْهَات كل وَقت لَهُ وَظِيفَة فَمن فَاتَتْهُ وظائف الْأَوْقَات فعمره كُله فَوَات وَنعم الله عَلَيْهِ معرضة للآفات ياخارجا عَن حمانا بِمن تعوضت عَنَّا جمع مَا شط عَنَّا قد حف بالآفات لَو كنت عَاقِلا مَا اعتضت الْبعد عَنَّا بقربنا عزى فُؤَادك فَمَاذَا يلقى من الحسرات ارْجع إِلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَوْقَات الصَّفَا من قبل أَن تتمنى يقل لَك هَيْهَات لَا فِي شهور التصافي تصفو وَلَا فِي غَيرهَا فِي أَي وَقت تصافى قد مرت الْأَوْقَات الْقلب ربع التواصل إِذا خلا من غَيرنَا قد انْقَضى الْعُمر وَالرّبع موحش العرضا مَا دَامَ سؤلك يبْذل من التواصل فاغتنم يَا رب يَوْم تسْأَل يَقُول سؤلك فَاتَ من أَقْوَال السّلف الْعُمر ثلج وَالْأَجَل شمس وَلَا يزَال حرهَا يشْتَد كلما دنت فَهِيَ تلتمس الثَّلج فَلَا عين وَلَا أثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 الْعُمر يذوب فافطني يَا نَفسِي مَا أشبه بثلجه فِي شمسي يومي يمْضِي كَمَا يقْضِي أمسي يَا رب مصبح وَقد لَا أمسي الْعجب مِمَّن يَدعِي الْعقل والتمييز وَهُوَ جَاهِل بنفاسة الْوَقْت الغزيز يفرح بِرِبْح الفانيات وَهُوَ مغبون ويعد فِي عرف أهل الدُّنْيَا عَاقِلا وَهُوَ عِنْد أهل الْآخِرَة مَجْنُون كم ورع لِلْعَقْلِ منا وَهُوَ مَجْنُون يعْتَقد الرِّبْح وَهُوَ مغبون يعد بَين الحذاق منتقدا وكل مَا فِي مَتَاعه دون مُتبع للهوى وكل هوى قد ألحقت فِي هجاءه نون ترى فِي جَمعنَا هَذَا من فطرته ذكية ترى بَيْننَا من يفهم الإشارات الْخفية ترى حفرنا شهم لَهُ همة علية تحمله الأنفة من الرِّضَا بالرتب الدنية لله ذَوُو نفوس تسمو إِلَى الرتب الْعلية قوم أَبَت لَهُم الدناة أنفس لَهُم أبيَّة لم يصمهم مَا راق غَيرهم من الدُّنْيَا الدنية رمقوا بأبصار الْقُلُوب معارج الرتب السّنيَّة فتعاهدوا عهدا تؤكده المواثق القوية لَا ينكلون عَن الْفُرَات بمرهفات مشرفية حَتَّى تخلى عَنْهُم الْعَمى وأوجههم مضية قد شرحنا بعض شَيْء من أَحْوَالهم فلنذكر شَيْئا من سديد أَقْوَالهم قَالُوا رَحِمهم الله الْفقر لَهُ حُرْمَة وحرمته ستره والغيرة عَلَيْهِ فَمن أظهره وبذله فَلَيْسَ هُوَ من أَهله الصَّبْر ترك الشكوى وَالرِّضَا استلذاذ الْبلوى من علت همته على الأكوان وصل إِلَى مكونها وَمن وقف مَعَ شَيْء سوى الْحق فَإِنَّهُ الْحق لِأَنَّهُ أعز من ان يرضى مَعَه بِشريك من ألزم نَفسه بآداب السّنة عمرالله قلبه بِنور الْمعرفَة أقرب شَيْء إِلَى مقت الله رُؤْيَة النَّفس أحوالها عَلَامَات الْوَلِيّ أَربع صِيَانة شَره فِيمَا بَينه وَبَين النَّاس وَحفظ جوارحه فِيمَا بَينه وَبَين أَمر الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وَاحْتِمَال الْأَذَى فِيمَا بَينه وَبَين خلق الله ومداراته لِلْخلقِ على قدر عُقُولهمْ من استولت عَلَيْهِ النَّفس صَار أَسِيرًا فِي سجن الشَّهَوَات محصورا فِي حكم الْهوى فَحرم الله على قلبه الْفَوَائِد الْحر عبد مَا طمع وَالْعَبْد حر مَا قنع البريء جريء والخائن خَائِف من كَانَ يسره مَا يضرّهُ مَتى يفلح إِن الله نظر إِلَى عبيد من عبيده فَلم يرهم أَهلا لمعرفته فشغلهم بخدمته إِلَّا شَارِب بكأس العارفين إِلَّا مستيقظ من رقدة الغافلين ستقدم فتعلم ويكشف الغطاء فتندم مكر بك فِي إحسانه فتناسيت وأمهلك فِي غيك فتماديت وأسقطك من عينه فَمَا دَريت وَلَا بليت يَا لَيْت شعري مَا اسْمِي عنْدك يَا علام الغيوب وَمَا انت صانع فِي ذُنُوبِي يَا غفار الذُّنُوب وَبِمَ يخْتم عَمَلي يَا مُقَلِّب الْقُلُوب من عرف الله لَا يكون لَهُ غم إِن أردْت أَن تنظر إِلَى الدُّنْيَا بحذافيرها فَانْظُر إِلَى مزبلة فَهِيَ الدُّنْيَا وَإِن أردْت أَن تنظر إِلَى نَفسك فَخذ كفا من تُرَاب فَإنَّك مِنْهُ خلقت وَفِيه تعود وَمِنْه تخرج وَإِن أردْت أَن نَنْظُر مَا فِيك فَانْظُر إِلَى مَا يخرج مِنْك فِي دخولك الْخَلَاء فَمن كَانَ حَاله كَذَلِك فَلَا يجوز لَهُ أَن يَتَطَاوَل وَلَا ان يتكبر لَيْسَ للأعمى من رُؤْيَة الْجَوْهَر إِلَّا مَسهَا وَلَيْسَ للجاهل من معرفَة الله إِلَّا ذكره بِاللِّسَانِ من نقر على النَّاس قل أصدقاؤه وَمن نقر على ذنُوبه طَال بكاؤه وَمن نقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 مطعمه طَال جوعه احذر أَن تخاصم من إِذا نمت كَانَ منتبها مَعْنَاهُ لَا تعادي أَوْلِيَاء الله فَإنَّك تنام وهم مستيقظون فَرُبمَا دعوا عَلَيْك فاستجيب فِيك وَأَنت لَا تشعر إحذر سِهَام الله حِين تنام والمظلوم ساهر يَدْعُو عَلَيْك وَأَنت فِي غمض وَرب الْعَرْش نَاظر لَو بت فِي حضن سما فِي الجو لَا يعلوه طَائِر من حوله الْأَبْطَال فِي أَيْديهم الْبيض البواتر وَعَلَيْك أدرعة الْحَدِيد وحولك الْأسد الكواسر ودعا عَلَيْك مظلوم لم يلق غير الله نَاصِر لأصاب سهم دُعَائِهِ مِنْك الْفُؤَاد وَأَنت صاغر دَعْوَة الْمَظْلُوم كثيرا مَا يستهين النَّاس بالظالم وينسون يَوْمًا يَأْخُذ فِيهِ الله من الْمَظْلُوم للظالم لاسيما الْغَيْبَة فَإِنَّهَا من الرِّبَا وأغث المطاعم هَل فِينَا من تحلل خصماه هَل فِينَا من أَرض غرماءه مَا قَدرنَا الله حق قدره وَلَا فرقنا بَين حُلْو الْعَيْش ومره كَأَنَّك بالزارع وَقد حصد زرعه فطوبى لأهل الْعِبَادَة والتقى والورع لم يزل للزارع مزدرع إِلَّا التقى والزهد والورع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وَعبادَة فِي سنة خلصت لله لَيْسَ يشوبها طمع هِيَ أَربع إِن أَنْت قُمْت بهَا خلعت عَلَيْك من الرِّضَا خلع من مهمات المطالب أَربع من مهمات المطالب لَا يَنْبَغِي أَن يهتم بغَيْرهَا الطَّالِب حَتَّى يحوزها قبل كل مُسْتَحبّ وواجب الْمطلب الأول التَّقْوَى وَهِي أَدَاء الْفَرَائِض وَاجْتنَاب الْمَحَارِم الثَّانِي الْوَرع وَهُوَ تَحْرِير مقَام التقى بترك الْمُحرمَات والمشتبهات الَّتِي تدق وتخفى الثَّالِث الزّهْد وَهُوَ ترك مَا لَيْسَ إِلَيْهِ ضَرُورَة وَلَا فِيهِ عِنْد أهل الله مصلحَة الرَّابِع الْعِبَادَة وَهِي اسْتِعْمَال الْقلب والجوارح فِي الْخدمَة فَكل طَالب طلب أَن يعد من الرِّجَال بِدُونِ إحكام هَذِه الْخِصَال فَهُوَ طامع فِي نيل مَا لَا ينَال من رجا أَن ينَال مَا لَا ينَال فحال رجاؤه وضلال لَا ينَال العلى بِغَيْر عناء من رجا نيلها براحة محَال سرت زحفا إِلَى الْمَعَالِي وَقد أرخت إِلَيْهَا الأعنة الْأَبْطَال مِنْهُم الْحَائِز المرام وَمِنْهُم من أَتَت دون قَصده الْآجَال كنت أَرْجُو بهم لحَاقًا فخانتني الْمعاصِي وخانت الآمال رب فاجبر كسري بِمَا لم تزل أَهلا لَهُ يَا جواد يَا مفضال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 حسرات المحرومين ثَلَاثَة من المحرومين حسرتهم أوجع حسرات المتحسرين عبد كَانَ يَرْجُو الْوَفَاة على الْإِسْلَام فأدركه عِنْد الْمَوْت سوء الخاتمة وَعبد كَانَ يَرْجُو التَّوْبَة وهومصر على الْخَطِيئَة وَعبد يَرْجُو اللحاق بأولياء الله فحرمته الْمَقَادِير بُلُوغ مَا رجا حرمت مقلتي طيب الرقادي وحلتم بَين خدي والوسادي أُرِيد الْقرب مِنْكُم تبعدوني وَأَنْتُم قادرون على مرادي وحقكم لقد أسلفتموني بطردى عَنْكُم شَرّ البلادي فيا حسرات مَا يلقاه قلبِي وَيَا حرقات مَا يغشى فُؤَادِي قلاكم قد شف بِالْإِسْلَامِ حمى وَخَالف بَين جفني والسهادي وشردني عَن الأوطان حَتَّى بقيت مهيما فِي كل وَادي وَكَيف يقر مهجور قضيتم عَلَيْهِ بالصدود وبالعبادي محب لم يطع فِيكُم عذولا وَلم يسمع وشايات الأعادي ويطوى سركم عَن كل حَيّ وينشر ذكركُمْ فِي كل نَادِي فَلَو حدثتموه مَا سلا عَن محبتكم إِلَى يَوْم التنادي فدتكموا اجبروا كسري وفقري وَلَو ان تمنوا باليسير من الرقادي عَسى طيف يلم فَإِن طرفِي إِلَى رؤياكم فِي النّوم صادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الْمجْلس التَّاسِع عشر تَفْسِير آيَة من سُورَة التَّوْبَة الْحَمد لله الَّذِي مَا علت أقداره عباده إِلَّا بتعظيم حرماته وشعائره وَلَا حظي بِولَايَة أهل العرفات إِلَّا بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ من ركُوب الْعِصْيَان وكبائره وصغائره فَذَلِك العَبْد هُوَ الَّذِي دلّت استقامة ظواهره على اسْتِنَارَة بواطنه وأشرقت بواطنه على صفحات ظواهره لكل ذِي نسب حسيب من شرف نسبه نصيب وَلَا كشرف أَنْسَاب الْمُتَّقِينَ وَلكُل ذِي تَقِيّ على تقواه ثَوَاب وَلَا كثواب المعظمين لحرمات الدّين يعظمون حُرْمَة الزَّمَان وَالْمَكَان وَكلما ينْسب إِلَى الْملك الْعَظِيم الشان أَحْمَده على مَا أرانا من واضحات قرب الْمَنَاسِك وانقذنا من غامضات حفر المهالك حمد معترف بِأَنَّهُ لمقاليد السَّمَوَات وَالْأَرْض مَالك لَيْسَ لَهُ فِي مِثْقَال ذرة من جَمِيع الممالك قسيم ينازعه وَلَا مشارك وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أغْلى علم يقينها عَن علم الْقيَاس وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَى الْجنَّة وَالنَّاس صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله صَلَاة تكْثر عدد الأنفاس وعَلى سَائِر عباد الله الفطن الأكياس المطهرين بمياه التقى من جَمِيع الادناس خُصُوصا على الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة الَّذين شيدوا أساس الدّين على أقوى أساس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 كم لله من عُتَقَاء كَانُوا فِي رق الذُّنُوب والإسراف فَأَصْبحُوا بعد ذل الْمعْصِيَة بعز الطَّاعَة من الْمُلُوك والأشراف أكْرمُوا مَوْلَاهُم أَن يراهم حَيْثُ أَرَاهُم فأفادهم ذَلِك التَّعْظِيم والاحترام جلالة وكرامة عِنْد ذِي الْجلَال سَلام على اهل دَار السَّلَام سَلام مشوق براه السقام يبيت يُرَاعِي نُجُوم الدجا كَأَن الرقاد عَلَيْهِ حرَام وَكَيف يلذ الْكرَى مغرم يذوب احتراقا بِنَار الغرام يظل من الدمع فِي لجة وَمن وَقد نَار الأمس فِي ضرام فَاتَ عَنهُ دَار أحبابه شموس الضُّحَى وبدور التَّمام وَقد كَانَ من حزبهم فِي حمى وَأصْبح من نَاصِر فِي حمام تَفْسِير آيَة من الْقُرْآن الْمجِيد نستكمل بهَا بركَة الْوَقْت السعيد قَوْله تَعَالَى إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ذَلِك الدّين الْقيم فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة كَمَا يقاتلونكم كَافَّة وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ كَانَ الْكفَّار بجهلهم عَن أَحْكَام الدّين وتكبرهم عَن مُتَابعَة الْمُرْسلين يتصرفون فِي شهور السّنة بتقليب أَحْكَامهَا وَتَحْوِيلهَا عَن مَكَانهَا بِتَحْرِيم حلالها وَتَحْلِيل حرامها فأعلمنا سُبْحَانَهُ أَن تصرفهم مسوق بِمَا سطرت فِي الألواح والأقلام قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 خلق اللَّيَالِي وَالْأَيَّام وهوالمراد بقوله تَعَالَى فِي كتاب اللهأي فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الإِمَام الَّذِي عِنْد الله كتبه يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وأماالأربعة الْحرم فَهِيَ ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب فَيجب على العَبْد الْمُسلم ان يكون بفضلها عَارِفًا وعَلى تعظيمها عاكفا ولمضاعفة ثَوَاب الله فِيهَا راجيا وَمن مضاعفة عِقَاب الْمعاصِي مِنْهَا خَائفًا شمروا للحرب عَن سَاق مَا لما قد حم من واقي إِن كأس الْمَوْت دَائِرَة لَيْسَ تبقى مِنْكُم بَاقِي والمنايا للفتى رصد كل حَيّ حتفه لاقي فابذلوا لله أَنفسكُم واكشفوا للحرب عَن ساقي إِنَّمَا هَذَا الْعَدو لكم كجروح فَوق أماقي لسعة الشَّيْطَان لَيْسَ لَهَا غير ذكر الله ترياقي ثمَّ قَالَ تَعَالَى وَاعْلَمُوا ان الله مَعَ الْمُتَّقِينَ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يُرِيد أَنه تَعَالَى مَعَ أوليائه الَّذين يخافونه فِيمَا كلفهم من أمره وَنَهْيه وَقَالَ الزّجاج إِنَّه تَعَالَى يُرِيد أَنه ضَامِن لَهُم النَّصْر والتأييد وهم قوم لم يزَالُوا مَعَه بِالْعبَادَة والتوحيد وَكَيف لَا يرفع الله أقدارهم وهم الَّذين لم تزل كلمة التَّوْحِيد بجهادهم مُرْتَفعَة كَيفَ لَا يُقيم الله الْوُجُود فِي خدمتهم وهم الَّذين لم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 يزَالُوا قَائِمين فِي خدمته إِن وجههم فِي أَمر توجهوا إِلَيْهِ وَإِلَّا لم يزَالُوا فِي حَضرته يحنون إِلَى لِقَائِه كَمَا يحن المشتاق إِلَى قرب الديار وينيبون إِلَى ذكره كَمَا تنيب النسور إِلَى الأوكار وَإِذا ترنم لَهُم إلحادي باسمه هتك عَن قُلُوبهم الأستار وإي محب يسمع باسم حَبِيبه ثمَّ يقر لَهُ قَرَار مشوق لَا يقر لَهُ قَرَار وَكَيف يقر وَقد يَأْتِ عَنهُ الديار إِذا ذكر اسْم من يهواه يَوْمًا يكَاد الْقلب مِنْهُ يستطار وَمَا فِي موت صب مستهام إِذا ذكر اسْم من يهواه عَار ترنم باسم من أَهْوى لسمعي جهارا فأعذب الذّكر الجهار وَبرد باسمه حرقي فَإِن اسْمه برد وحر الشوق نَار اهل الْمحبَّة لَا يزَال بَين جوانح الْمُحب لواعج الاشتياق فَإِذا ذكر اسْم الحبيب برد بعض ذَلِك الإحتراق والهجر سم قَاتل والوصل ترياق مَا يسم الهجران من ترياق غير وصل يرْوى صدى المشتاق لَو وجدنَا إِلَى الْوِصَال سَبِيلا لسقينا إِلَيْهِ بالأحداق اقْتُلُوا عبدكم فَفِي قَتله رَاحَة من لوائح الأشواق أَي عيس لمن يُفَارق إلفا ألف موت وَلَا قَلِيل فِرَاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 السالكون على قدم أهل الْمحبَّة يختارون الْمَوْت على الهجران والعاملون على طَرِيق أهل الخشية يؤثرون عَذَاب النَّار على ركُوب الْعِصْيَان وَأهل الْمعرفَة بِاللَّه بِمَا هُوَ أَهله مشغولون بِهِ عَن نصِيبهم مِنْهُ لَا يرَوْنَ الِاشْتِغَال بِشَيْء سواهُ وهم فِي ذَلِك يعظمون الحرمات والشعائر ويتقون كَبَائِر الذُّنُوب والصغائر ويوفون الْأَدَب فِي سياسة الظَّوَاهِر وحراسة السرائر وَقُلُوبهمْ معلقَة بِمن لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَلَا تكفيه البصائر لَو رق لي سكان حاجر لم تقرح الدمع المحاجر لَا غرو أَن هجر الْكرَى صبا لَهُ المحبوب يفاخر مَالِي كسرت وَأَنت يَا مولَايَ للمكسور جَابر هَب ان عَبدك قد أَتَى كل الْكَبَائِر والصغائر أَنْت الَّذِي سميت نَفسك فِي صَرِيح الذّكر غَافِر يَا مصرا على الذُّنُوب أما آن لَك أَن تتوب يَا غافلا عَن ذكر مَوْلَاهُ إِلَى مَتى أَنْت مَحْجُوب كم قد أَهلَلْت من شهر حرَام وهمله إِلَى الْحَرَام مَنْصُوب لَيْسَ فِي صدرك من خشيَة رَبك مَا يَنْبَغِي أَن يكون للرب فِي صدر المربوب روح الْقلب بِذكر الحبيب والسقمى فِيهِ من طَبِيب هُوَ انسى هُوَ رَاحَة قلبِي هُوَ روحي هُوَ مفرج الكروب هبت الرّيح جنوبا فَأَهْدَتْ لي من ذكركُمْ روح الْقُلُوب لذتني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 مِنْهُ فَلَا أَزَال الدَّهْر أرتاح لريح الْجنُوب كلما نسب إِلَى الْجُنُون فَهُوَ جُنُون وَكلما إدى إِلَى الْمَطْلُوب مَطْلُوب جَمِيع الَّذِي يعزى إِلَيْكُم وينسب على كريم وَهُوَ عِنْدِي مُجيب جنوني غرقته بانسفاح مدامعي وقلبي على جمر الخصا يتقلب إِذا كَانَ هجري مدنيا من رضاكم فهجركم عِنْدِي من الْوَصْل أطيب الرِّضَا عَن الله لَازم لكل مَخْلُوق وَلَو حمله الله مَا لَا يُطيق لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يقْضِي إِلَّا بِالْحَقِّ وَمن لَا يرضيه الْحق فَهُوَ بِالْغَصْبِ والعقوبة محقوق سخط الْمَقْدُور يزِيد فِي الْمَحْذُور ومنازعة الْقَضَاء تزيد فِي الشَّقَاء والتواضع رفْعَة واليأس رَاحَة والإساءة وَحْشَة إِذا استحوذت الْغَفْلَة فقد استحكمت الشقوة كَرَاهِيَة العَبْد لِقَاء الرب دَلِيل على أَلا خبية بَينه وَبَينه أفضل الْعباد صِحَة الْإِرَادَة أعرف الْخلق بِاللَّه أقربهم مِنْهُ وأطوعهم لَهُ أعرفهم بِهِ الْعِبَادَة بِغَيْر الْمعرفَة كسر على غير جادة لَو انْتَبَهت من رقادك لوصلت إِلَى مرادك وَلَو أيقنت بمعادك لاستكثرت من زادك أَيْن مَا أَعدَدْت من زَاد قد حدا بالأنيق الْحَادِي مَا بَقِي إِلَّا الْقَلِيل وَقد جد سير الرائد الغادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 فتأهب للمسير إِلَى دَار قوم سكن الْوَادي وارتقب من بعْدهَا سفرا ثَالِث يجدونهم حادي لَا يزَال السّير يزعجهم بَين إصدار وإيرادي فَإِذا تمّ السرى نزلُوا فِي خُلُود خلدا وأيادي هَذِه مواسم الأرباح قَائِمَة فَهَل من رابح فِيهَا رضَا مَوْلَاهُ هَذِه نعم الله سابغة فَهَل شَاكر لله على مَا أولاه كم من مُؤَمل بُلُوغ مَا بلغتموه من الصِّحَّة والفراغ والمهل قبل أَن يبلغ عرى الْعَافِيَة الانفصام ومجنح شمس الْحَيَاة إِلَى الطِّفْل وَيَقُول الْقَائِل مَالِي لَا أرى فلَانا فَيُقَال انْتقل سروري سرى واصطباري رَحل وَقد رغبتم نجم سعدي أفل وَضَاقَتْ بِي الأَرْض من بعدكم تنكر لي سهلها والجبل وَمَا كنت أَحسب أَن البعاد سلع قلبِي فها قد قتل وَكنت أُؤَمِّل لقياكم فعز عَليّ بُلُوغ الأمل فَلَا تسمعوا قَول من قد وشاكم لم أطع فِيكُم من عذل ورقوا لمن قد براه السقام فَلَا يبْق فِي عدكم مُحْتَمل وَإِن كَانَ فِي الْحبّ لي من ذَلِك فَمَا زلتموا تغفرون الزلل تَعَالَى الله وَمَا أجل ذكره فِي أسماع المحبين من علو شَأْنه فِي قُلُوبهم يزجرون نُفُوسهم عَن دَعْوَى حبه وهم يعلمُونَ أَن حبه وهم يعلمُونَ أَن حبه أقرب الْوَسَائِل المدنية من قربه وَلَكِن لمعرفتهم بِهِ علمُوا أَن مُهُور محبته غَالِيَة على قدرهم فأمسكوا عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 تعاطى الْمحبَّة وهم يعلمُونَ أَن رُتْبَة الْمُحب فَوق كل رُتْبَة حالتي تَقْتَضِي اعترافي لرَبي بذنوبي لرَبي وافتقاري سوء حَالي اقْتضى رضاي بإذني مَا عَسى أَن يجْبر الكساري أرتجي الْعَفو والوفاة على الْإِسْلَام وَالْعِتْق من عَذَاب النَّار آيستي الذُّنُوب من كل مجد وسناء ورفعة وفخار مَا لمثلي ان يَدعِي حب رَبِّي إِنَّمَا الْحبّ رُتْبَة الْأَطْهَار كَانَ ابْن الجلا رَحمَه الله عَلَيْهِ إِذا سُئِلَ عَن الْمحبَّة قَالَ مَالِي وللمحبة أَنا أُرِيد أَن أتعلم التَّوْبَة اذا ادَّعَت نَفسك محبَّة الله فطالبها بِصِفَات محبته لتعلم أصادقة هِيَ ام كَاذِبَة فِيمَا تدعيه أَن أيسر مَا يكرم الله أهل محبته أَن يظْهر محبته أَن يظْهر عَلَيْهِم خوارق العوائد ويطلعهم على أسرار الْخَلَائق حَتَّى تكون عَلَيْهَا كشاهد كَانَ جمَاعَة عِنْد الْجريرِي فَقَالَ هَل فِيكُم من إِذا أَرَادَ الله أَن يحدث فِي المملكة حَدثا أبدى علمه إِلَى وليه قبل إبدائه فِي كَونه قَالُوا لَا فَقَالَ مروا وابكوا على قُلُوب لم تَجِد من الله شَيْئا من هَذَا لما أكْرمُوا مَوْلَاهُم أَن يراهم حَيْثُ نَهَاهُم صافاهم ووالاهم ولموالاته ارتضاهم وَكَيف لَا يرتضيهم وَقد أطاعوه وَكَيف لَا يطيعونه وَقد عرفوه سُئِلَ الشلبي عَن أَي شَيْء أعجب فال قلب عرف ربه ثمَّ عَصَاهُ إِنَّمَا كَانَت مَعْصِيّة الْعَارِف من أعجب الْعجب العجيب لِأَنَّهُ من الجناب الْعَزِيز قريب وَعَلِيهِ من الله فِي كل حَال رَقِيب فَهُوَ لقُرْبه من الله كَأَنَّهُ يرَاهُ أما الْعين محجوبة وَلَكِن الْقلب يتملاه دخل على الشلبي جمَاعَة فِي دَاره وَهُوَ بهيج وَيَقُول على بعدكم لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 يصبر من عَادَته الْقرب وَلَا يقوى على حجبكم من قيمَة الْحبّ فَإِن لم ترك الْعين فقد يبصرك الْقلب لما أخلوا لَهُ الْقُلُوب مِمَّا سواهُ أَضَاءَت قُلُوبهم وَإِن كَانَت لَا ترَاهُ كَأَنَّهَا ترَاهُ وَلأَجل مَا هم فِيهِ من مقَام الْقرب واقفون وَمن عَظمَة رَبهم خائفون طالبوا بهَا النَّاس بِهِ مسامحون عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا بِلَال إلق الله فَقِيرا وَلَا تلقه غَنِيا قَالَ يَا رَسُول الله كَيفَ لي بذلك قَالَ هُوَ ذَاك وَإِلَّا فَالنَّار أَصْحَاب الْعِنَايَة مطالبون بِمَا لَا يُطَالب بِهِ المهملون والمقربون يناقشون على مَا تسَامح بِهِ المتعبدون لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ اصطنعهم لنَفسِهِ وجعلهم جلساءه فِي حَضْرَة قدسه فَكيف يسامحون فِي الإخلاء بِحسن الْآدَاب وَبِحسن الْأَدَب استحقوا ساميات الرب لما استشفعت الْخَلِيفَة بسادات الْمُرْسلين يَوْم الْقِيَامَة تَأَخّر آدم بِسَبَب الشَّجَرَة الَّتِي نهى عَنْهَا وَهِي خَطِيئَة قد غفرت لَهُ وَقد تَابَ مهنا وَتَأَخر نوح بالدعوة على قومه وَمَا أَرَادَ بهَا إِلَّا هَلَاك أَعدَاء الله وتطهير الأَرْض والبلاد وأراحة الْعباد وَتَأَخر الْخَلِيل بالديات الثَّلَاث وَكلهَا كَانَت فِي ذَات الله وَطلب مرضاته وَتَأَخر الكليم بِالنَّفسِ الَّتِي قَتلهَا وَإِنَّمَا كَانَ الْمَقْتُول كَافِرًا بَاغِيا أَرَادَ كليم الله كَفه وَلم يعْتَمد قَتله وَكَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت من اهل النُّبُوَّة والرسالة وَتَأَخر الْمَسِيح خجلا مِمَّا فَقلت النَّصَارَى فِيهِ وَذَلِكَ ذَنْب مَا جناه وَلَا إرتضاه علمُوا ان مقَام الشَّفَاعَة مقَام لَا يسامح تقدمُوا إِلَيْهِ فناقش كل مِنْهُم نَفسه بأدق مَا يلْزم وَيجب عَلَيْهِ كلما بلغُوا من الْقرب والأنس مقَاما ازدادوا لله إجلالا وإعظاما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 كلما زادني اقترابا وودا زَاد قلبِي لَهُ احتراما مجدا وَإِذا زَاد بالتواصل يَوْمًا خفت أَن يعقب التواصل ضدا كم قريب قد أهمل الْخَوْف فاعتاض بإهماله من الْقرب بعدا ومدل على الْأَحِبَّة جازوه بإدلاله إنتهارا وطردا ويخافوه بعد أنس ولطف ثمَّ قدوا لَهُ من الهجر مدا أطول النَّاس حسرة وأوجعهم كسرة عبد قربه مَوْلَاهُ ولاطفه وصافاه فعزه ذَلِك الْأنس والإقتراب فأحل بِمَا يلْزمه من محَاسِن الْآدَاب فنفضته يَد الْإِنْكَار نفضة أبعاد فَأصْبح مطرودا إِلَى يَوْم التناد يَا لَهَا حسرة ليَوْم البعاد كم ترى فتتت من الأكبادي يَا لَهَا صَيْحَة أطارت فُؤَادِي كم ترى أشمتت من الحسادي بدل الْوَصْل بالصدود وَقرب الديار بالبعد والكرى والسهادي مَا لقلبي مواليا لهمومي مَا لجنسي معاديا امهادي لَيْتَني مت قبل مَا ذقت من الهجر والقلى والبعادي لَا تلمني على افتضاحي فقد باحت دموعي بِمَا أسر فُؤَادِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 صُحْبَة المعلمين أحْوج النَّاس إِلَى صُحْبَة المعلمين ثَلَاث رجال رجل يطْلب ان يكون من وزراء السلاطين وَرجل يطْلب الْعلم ليصير بِهِ من أَئِمَّة الدّين وَرجل يطْلب الْعِبَادَة ليتوصل بهَا إِلَى مقامات المقربين لآن من صحب السُّلْطَان بِغَيْر تأدب بِأَهْل ذَلِك الشَّأْن لم يَأْمَن ان يكون حتفه فِي سقطه من سقطات اللِّسَان وَمن لم يتأدب بِعِلْمِهِ بآداب الْعلمَاء لم يَأْمَن ان يكون حتفه فِي بعض أَوديَة ضلال الآراء وَمن تعبد من غير مداخلة لأولياء الله لم يَأْمَن أَن يتبع السبل فَتفرق بكم عَن سَبِيل الله من يكن شيخ نَفسه فِي الطَّرِيق لم ينل رُتْبَة من التَّحْقِيق لَا يتم السلوك فِي الطّرق إِلَّا بخفير ومرشد ورفيق قطاع الطَّرِيق على أَرْبَاب السلوك أَرْبَعَة كَافِر مُطَاع يشكك فِي الله ومبتدع يزيغك عَن سنة رَسُول الله وفاسق يجْزِيك على معاصي الله وغافل ينسيك صُحْبَة ذكر الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 إِذا مَا عزمت السّير فِي نيل متجر يكون لَهُ من صَفْقَة الرِّبْح حَاصِل فَأَرْبَعَة لَا تسلك سبيلهم كفور وبدعي وعاص وغافل هَذِه نصيحة أهديها إِلَيْك فأمكسها بكلتي يَديك وعض عَلَيْهَا بناجزيك تتمّ بهَا نعْمَة الله عَلَيْك اللَّهُمَّ وفقنا لمحابك منا وارزقنا عملا صَالحا زاكيا ترْضى بِهِ عَنَّا حَتَّى نلقاك وَأَنت رَاض عَنَّا فِي لطف مِنْك وعافية ياأرحم الرَّاحِمِينَ وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 الْمجْلس الْعشْرُونَ الْإِسْرَاء مَعْنَاهُ وأسراره الْحَمد لله غَافِر الذَّنب وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب ذِي الطول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير مثير السَّحَاب بالرياح من مثارها ومدير الأفلاك على الأقطاب فِي مدارها فَلَا تَأْثِير إِلَّا وَهُوَ مثير وَلَا دائر إِلَّا وَهُوَ لَهُ مدير دبر فأحكم التَّدْبِير وَقدر فأبرم التَّقْدِير من استرحمه فَهُوَ لَهُ رَاحِم وَمن استنصره فَهُوَ لَهُ نصير وَمن استغاثه فَهُوَ لَهُ مغيث وَمن استجاره فَهُوَ لَهُ مجير تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة ويكلأعباده باليل وَالنَّهَار وَلَا يَأْخُذهُ نوم وَلَا سنة وَيُدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض بتدبير مَا أتقنه وَأحسنه فَلهُ الْحَمد على حسن التَّدْبِير فِي مجاري الْقَدِير فِي بَابه يجْبر الْكسر وَيطْعم البائس الْفَقِير لَيْسَ عَلَيْهِ مجبر خلق وَهُوَ على قلبه جُبَير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 علم مُحِيط فَلَا صَغِير يغرب عَنهُ وَلَا كَبِير لكل أقوالنا سميع لكل أَعمالنَا بَصِير إِذا ابتلينا فَهُوَ الْمعَافي أَو نَحن خفنا فَهُوَ المجير وَإِن مرضنا فَهُوَ المداوي وان أسأنا فَهُوَ الغفور إحساننا عَائِد علينا وَهُوَ لنا مادح شكور سُبْحَانَ من يشْكر الْمُحْسِنِينَ على إحسانهم وَإِنَّمَا إحسانهم من إحسانه سُبْحَانَ من تعامله الْعباد بعصيانه ويعاملهم بغفرانه سُبْحَانَ من لَوْلَا حلمه لعاجل العَاصِي بالعقوبة قبل تَوْبَته من عصيانه وَلكنه يمهلهه مَا دَامَت الرّوح فِي جثمانه فَإِن تَابَ قبل مَوته تَلقاهُ بمغفرته وَرَحمته ورضوانه وَإِن مَاتَ مُؤمنا بربه تَلقاهُ بمغفرته وَإِن مَاتَ مُؤمنا بربه مصرا على ذَنبه أنقذه من النَّار وَلَو بمثقال ذرة من إيمَانه وَلَا يهْلك على الله إِلَّا طاغ مُسْتَمر على طغيانه لِأَنَّهُ تَعَالَى أرْحم بِعَبْدِهِ من الْوَالِد بولده فِي عطفه ولطفه وعنايته بصلاح شَأْنه أحن إِلَى رفك العقيق وبانه فَهَل عَائِد لي مَا مضى من زَمَانه ليَالِي أرعى روض وَهل سخت بِهِ يَد الدَّهْر من إحسانه وحسانه يمكنني مِمَّا أحب فأجتني ثمار مني إِمْكَانه ومكانه وأمنتني إِذْ ذَاك من روعة الورى فعشت زَمَانا واثقا بأمانه إِلَى ان قضى رَبِّي بذلي وشقوتي وكل قَضَاء مصير لأوانه فجرعت مر الْعَيْش من بعد حلوه وعوضت من إكرامه بهوانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَهَا أَنا لَا أَرْجُو سوى ان سَيِّدي يعود على فقري بِفضل امتنانه وَيجْبر مني كل كسر بنظرة أعيش بهَا طول المدى فِي حنانه تبَارك الله مَا أروم نسمات الإرتياح إِلَيْهِ وَمَا أشجى حنين المتلهفين عَلَيْهِ وَمَا أبرد مصافحة استشعار الرِّضَا عَنهُ وَمَا ألذ الْعَيْش فِي بِلَاد الدنو مِنْهُ وَكَيف لَا وَهُوَ الْمُنْتَهى فِي نعوت الْجلَال وَالْجمال وَلَيْسَ وَرَاءه مرمى فِي شَيْء من صِفَات الْكَمَال أَحْمَده على كل حَال إِن قبض وَإِن بسط وَإِن منع وَإِن أنال وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله الْكَبِير المتعال شَهَادَة مُعْتَقد ان كل معبود دونه محَال وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اختصه للنبوة وأكرمه بِالْإِرْسَال فشفى من السقم هدى من الضلال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه وَمن اتبعهم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الْمَآل خُصُوصا على الْعشْرَة وَمن جُمْلَتهمْ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَصْحَاب الهمم العوال اللَّهُمَّ افْتَحْ منا أسماعا وأبصارا وَبَارك لنا فِي حُضُور هَذَا الْمجْلس حَتَّى لَا نقوم إِلَّا وَقد غفرت لنا إِنَّك كنت غفارًا وَاجعَل لإِخْوَانِنَا نَصِيبا فِي صَالح دعائنا يَا من لم تزل نعْمَة غزارا ودائمة مدرارا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وَهِي قَوْله تَعَالَى سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام الى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي باركنا حوله لنريه من آيَاتنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْبَصِير أَكثر النَّاس يَقُولُونَ سُبْحَانَ اللهوما يعْرفُونَ مَعْنَاهَا وَهِي فِي لُغَة الْعَرَب تَعْنِي التَّنْزِيه والتعجب فقولنا سُبْحَانَ الله أَي تَنْزِيه الله من كل سوء وتبريئه من كل نقص وتعجب من وَصفه بِمَا لَا يَلِيق بِهِ من الْوَلَد والصاحبة وَالشَّرِيك وَغير ذَلِك مِمَّا برِئ مِنْهُ وَتَعَالَى عَنهُ فَقَوله أسرى بِعَبْدِهِ أَي سيره بِاللَّيْلِ والسرى لَا يكون إِلَّا بِاللَّيْلِ خَاصَّة والعبدهو مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمَسْجِد الحرامفهو مَسْجِد مَكَّة المحتوي على الْكَعْبَة وَأما الْمَسْجِد الْأَقْصَى فَهُوَ مَسْجِد الْمُقَدّس الَّذِي باركنا حوله أَي جعلنَا مَا حف بِهِ مُبَارَكًا وَذَلِكَ جَمِيع بِلَاد الشَّام رأى لَهَا مزية على غَيرهَا فِي البركات من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لنريه من آيَاتنَا أَنه هُوَ السَّمِيع الْبَصِير الْآيَات هِيَ الْعَجَائِب وَكم أطلع الله نبيه لَيْلَة الْمِعْرَاج على بِنَاء عَظِيم وَأمر عَجِيب إِنَّه هُوَ السَّمِيع البصيرهو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَي أَن الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَقيل هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي ان العَبْد الَّذِي أسرينا بِهِ هُوَ سميع لما أُوحِي إِلَيْهِ بَصِير بِمَا حكى عَلَيْهِ أَيهَا الزائر الَّذِي رام وصلا قد رَأَيْنَاك للَّذي رمت أَهلا إِلَيْهِ سمعا لما يُقَال فهدى كَلِمَات الرِّضَا على السّمع تتلى وَإِذا مَا أميطت فاحفظ حسن آدَاب مَا على الْعين تجلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 أَيهَا الصب المشتاق هَا قد بذلنا لَك مَا كنت تشْتَهي فتملا قد تجلى لَك الحبيب وَأوصى ضيه العاشقين أَن تتجلا كم محب أَرَادَ وصلنا لم يُصَادف منا سوى كن وكلا مَا لكل الرواد يفتح الْبَاب لَا وَلنْ يلتقى بأهلا وسهلا سُؤال مَا الْحِكْمَة فِي افْتِتَاح آيَة الْإِسْرَاء بِلَفْظ سُبْحَانَهُ الْجَواب إِن لَفْظَة سُبْحَانَهُ تَقُولهَا الْعَرَب عِنْد الْأَمر العجيب فافتتحت بهَا آيَة الْإِسْرَاء لما كَانَ فِيهِ من الْأَعَاجِيب سُؤال مَا الْحِكْمَة فِي قَوْله أسرى بعبدهولم يقل بِرَسُولِهِ وَلَا بِنَبِيِّهِ الْجَواب إِن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام قيل فِيهِ إِنَّه الله وَابْن الله للكرامة الَّتِي أكْرمه الله بهَا وَهِي دون كَرَامَة الْمِعْرَاج وَكَذَلِكَ قَالَت الْيَهُود فِي الْعَزِيز أَنه ابْن الله لأيسر كَرَامَة فَلَمَّا أكْرم الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهوكرامة بَالِغَة حصل لَهُ فِيهَا الدنو من ربه والقرب والرؤية الَّتِي لم يبلغهَا غَيره فوصفه بالعبودية فِي هَذَا القام حَتَّى لَا تغلو فِيهِ أمته غلو النَّصْرَانِيَّة واليهودية وأحوج مَا يكون العَبْد الى التَّوَاضُع لِعَظَمَة ربه أقرب مَا يكون من معارج قربه فاخوف مَا يكون العَبْد يَوْمًا من الإبعاد أقرب مَا يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 سُؤال مَا الْحِكْمَة فِي جعل الْمِعْرَاج بِاللَّيْلِ دون النَّهَار الْجَواب إِن اللَّيْل أفرغ للقلب وَأجْمع للهمم وأهيأ للوصل وأنظم للشمل ظلمَة اللَّيْل للتواصل أهنى من ضِيَاء النَّهَار عِنْد الْمُحب وصلهم سرهم وَمَا احوج السِّرّ إِلَى ستره بسخف الْحجب سُؤال مَا الْحِكْمَة فِي أَنه قَالَ لنريه من آياتناولم يقل لنسمعه الْجَواب لَهُ وَجْهَيْن الْوَجْه الاول أَن الْآيَات هِيَ الْأَعَاجِيب وَأكْثر اعاجيب الْمِعْرَاج كَانَت من المرئيات لَا المسموعات كسدرة الْمُنْتَهى وفراش الذَّهَب والنهرين البطنين والظاهرين وَغير ذَلِك من عوالم الملكوت الْوَجْه الثَّانِي أَن الْمِعْرَاج كَانَ فِيهِ رُؤْيَة وَجه الله تَعَالَى وَهِي أخص فَوَائده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 قَالَ لنريه وَلم يقللنسمعه إِشَارَة إِلَى أخص فَوَائِد لَيْلَة الْإِسْرَاء لِأَنَّهُ أرى فِيهَا وأسمع لَكِن كَانَ النّظر إِلَى الله سُبْحَانَهُ أخص من قسم المرئيات دون المسموعات فرجح جَانب المنظور بذلك فخصص بِالذكر لذَلِك سُؤال لماذا أضْرب عَن ذكر نظر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى وَجه ربه فِي هَذِه الْآيَة الْجَواب كلما عظم الْأَمر اسْتحق السّتْر كَمَا قَالَ بَعضهم أغار عَلَيْهِ إِن صرح باسمه فَكيف إِذا مَا لَاحَ يَوْمًا جماله ويطويه قلبِي عَن لساني صِيَانة وكل نَفِيس لَا يَلِيق ابتذاله سُؤال مَا وَجه ذكر السّمع وَالْبَصَر دون غَيرهمَا من الْأَوْصَاف فِي آخر هَذِه الْآيَة الْجَواب إِن كَانَ السَّمِيع الْبَصِير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلولا صِحَة سَمعه ونفوذ بَصَره لم يكن أَهلا أَن يُتْلَى على سَمعه مَا يُتْلَى ويجلى على بَصَره مَا يجلى وان كَانَ السَّمِيع الْبَصِير هُوَ الله تَعَالَى فلولا أَنه سميع لأقوال عباده بَصِير بأعمال خلقه لما اخْتصَّ بالاسراء إِلَى كريم حَضرته رجلا وَاحِدًا من جَمِيع بريته الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل خلقه من أرضه وسمائه فَإِذا رَأَيْت الله خصص وَاحِدًا مِنْهُم فَلَا تسلك سَبِيل عناده أفيضوا بِنَا فِي ذكر الْمُنعم فَمَا مزِيد الْخَيْر إِلَّا فِي شكره وأعيدوا علينا ذكر اسْمه فَمَا لَذَّة الْعَيْش إِلَّا فِي ذكره من تهجروه فَمَا لَهُ فِي هجره من رَاحَة إِلَّا إدامة ذكره هَب انه بِالْعينِ لَيْسَ يراكم الذّكر يجلو حسنكم فِي سره تروى لَهُ أخباركم فيراكم مِنْهَا فيهدأ من لواعج صَدره وَإِذا ترنم بِاسْمِك دَاعِي النَّوَى لمحبكم أطفى تلهب حره إِذا هتف باسم الحبيب لأسماع المحبين رَأَيْت مِنْهُم المكروبين وَمِنْهُم المرتاحين أماالمرتاحين فتلوح لَهُم من الذّكر لوائح التلاق وَأما المكروبين فتهيج مِنْهُم لواعج الأشواق وكل مِنْهُم فِي شرع الغرام مغدور وَرُبمَا اجْتمع الْأَمْرَانِ فِي وَقت وَاحِد للصف المهجور حبكم جنتي وناري قد عيل من ثقله اصطبارى ذكركُمْ تحدث ارتياحا طورا وطورا لهيب نَارِي وَالصبَا مَا بَين ذَا وَهَذَا مقلقل عادم القراري عَلَيْكُم مني بكاي إِلَيْكُم مني فراري وحقكم لَا سلوت عَنْكُم مَا جرت الْفلك فِي البحاري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 مَا لي شَفِيع إِلَى علاكم أنجح من ادمعي الغزاري فَإِن وصلتم فوا انجباري وَإِن هجرتم فوا انسكاري صدق لِسَان الْمُحب فِي طلب وصال محبوبه هُوَ الَّذِي أوصله إِلَى مَطْلُوبه وكل محب طرد إِلَى الْبَاب فَإِنَّمَا أبعده الْمُحب عَن الجناب لِأَنَّهُ فِي دَعْوَى الْمحبَّة كَذَّاب الْمحبَّة لَازِمَة لأهل الْمعرفَة والشوق لَازم لأهل الْمحبَّة والانزعاج لَازم لأهل الشوق فَلَمَّا تَكَامل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشوق تَكَامل لَهُ الانزعاج فقد أَدْرَكته رأفة الحبيب بليلة الْمِعْرَاج فَمَا زَالَ جِبْرِيل يسْلك بِهِ السبل وَيقطع بِهِ الفجاج حَتَّى سقى من عَذَاب فرات الْوَصْل مَا لَا يشوبه أجاج كل سكر يذهب الْعقل على النَّاس حرَام غير أهل الْحبّ فالسكر لَا يرام يَا نديمي قُم فقد درات على الشَّرَاب المدام دارت الكاسات أقداحا وأقوام نيام لَو دروا مَا فاتهم مَا راق للعين الْمَنَام بَابي شهم جسور مَا حد قوم همام يُؤثر النَّار على النَّار إِذا مَا يستضام لم يزل فِي السّير حَتَّى نَالَ أمرا لَا يرام جد حَتَّى أبعد الله وَالسَّلَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الْمجْلس الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي الْجِهَاد وأهميته الْحَمد لله الَّذِي جعل جِهَاد النَّفس والعدو فرضا وَاجِبا ودينا واصبا فَمَا من مُسلم عَاقل إِلَّا وَهُوَ يعلم ان مجاهدة نَفسه وعدوه حق وَاجِب عَلَيْهِ فَهُوَ يَرْجُو رَحْمَة ربه ببذل نَفسه ويرغب فِيمَا لَدَيْهِ وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَمن جَاهد بَين يَدَيْهِ تبَارك الَّذِي أحكم مباني دينه لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ وَجعل الْإِسْلَام رَأسه وَالصَّلَاة عموده وَالْجهَاد ذرْوَة سنامه فانتظمت بذلك أَحْكَام شرائع الدّين فَمن أسلم لرَبه فقد استمسك بالعروة الوثقى وَالْحَبل المتين وَمن اقام الصَّلَاة لذكره فقد أَخذ مركزه من صُفُوف العارفين وَمن جَاهد فِي سَبيله فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من مائَة دَرَجَة أعدت لِلْمُتقين الْمُجَاهدين كَانَت الْجنَّة للْإنْسَان وَقت عافيته كالبستان يسرح فِيهَا حَيْثُ يَشَاء وَجعلت الأَرْض لَهُ وَقت مَرضه كالمارستان يلْتَمس فِيهِ الشِّفَاء وَلَا شِفَاء إِلَّا بدواء وكل دَوَاء إِلَى الْمَرِيض بغيض فعالجوا أَنفسكُم من معضلات أدوائها بدوام جِهَاد أَعدَاء الله وأعدائها لقد تخصص الْجِهَاد على سَائِر الْقرب ببذل النَّفس للعطب فِي موطن يتَمَيَّز فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 الْخَوْف من الْجَوْهَر والنحاس من الذَّهَب حَتَّى مَتى أَنْت فِي لَهو وَفِي لعب تمسي وتصبح فِي عزف وَفِي طرب انهد بِجَيْش من الْأَعْدَاء منتصف وانهض بعزم إِلَى العلياء منتدب واظعن عَن الوطن المألوف مغتربا لَا يبلغ الْمجد إِلَّا كل مغترب جزائر الْهِنْد فِيهَا الْعود كالحطب وَحين غربته يبْتَاع بِالذَّهَب كم ذَا الرقاد على ظهر المهاد وَقد مد الْحمام إِلَيْكُم كف مستلب يحكموا فِيكُم وَفِي بِلَادكُمْ فالنسل للبنين وَالْأَمْوَال للسلب يَا لهف نَفسِي على قوم لَهُم همم تعلو على قمم الأفلاك والشهب يستنفذون الْأُسَارَى من عدوهم لضعف أم لَهُم محزون وَأب وَالله لَو ان سُلْطَان يفرجها كُنَّا نُسَمِّيه الفراج للسرب أَيْن أَصْحَاب النُّفُوس الأبية أَيْن أَصْحَاب الأنفة الحمية أَوْفوا بالعهد الْقَدِيم وارغبوا فِي الْأجر الْعَظِيم وقاتلوا فِي سَبِيل الله واعلوموا أَن الله هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم قُولُوا لأهل الهمم الْعلية كَيفَ يرضون بالحطة الدنية تنبهوا من رقدة الغافلين وتأهبوا لمرافقة الصَّالِحين وَإِذا عزمتم فتوكلوا على الله إِن الله يحب المتوكلين المجتهدون لله بِاللَّيْلِ هم حماة الْإِسْلَام وثناؤهم على الله مَفَاتِيح دَار السَّلَام يبيتُونَ يراوحون بَين الْحَيَاة والأقدام وَالنَّاس على فرشهم نيام فَأهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الْعباد بَيْننَا كالمقاتلين عَن المنهزمين بهم يدْفع الله الْعَذَاب عَن العاصين ويحرس الْعباد والبلاد من جيوش الكافرينولولا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض وَلَكِن الله ذُو فضل على الْعَالمين يَنْبَغِي على العازم على الدُّخُول فِي أَوْلِيَاء الله أَن يكون شحيحا ضَعِيفا قَوِيا مُطيعًا عصيا يُطِيع دَاعِي الله فِي الْعِبَادَة والتقى ويعصي دَاعِي النَّفس إِلَى اتِّبَاع الْهوى ويقوى على مجاهدة النَّفس والشيطان ويضعف عَن مُتَابعَة هَوَاهُ فِي ركُوب الْمعاصِي ويشح بِدِينِهِ وَعرضه وحسناته ويسخو بترك الدُّنْيَا الشاغلة عَن طَاعَة الله وَطلب مرضاته فَإِن الْحَسَنَة إِذا طلب بهَا وَجه الله تصير التمرة كالجبل العظيممثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله كَمثل حَبَّة أنبتت سبع سنابل فِي كل سنبلة مائَة حَبَّة وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء وَالله وَاسع عليم أَلا منفق لله من فضل يُوفى عَظِيم الْأجر من فضل مَاله أَلا موقن مرضاة مَوْلَاهُ مخلص عِبَادَته فِي قَصده وفعاله يُعَامل مَوْلَاهُ بإخلاص فِيهِ ويرغب فِي معروفه ونواله من بخل عَن الْإِنْفَاق فِي سَبِيل الله فَإِنَّمَا يبخل عَن نَفسه وَمن لم يقدس روحه بِالْأَعْمَالِ المرضية لله لم يدْخل فِي أهل قدسه وَمن لم يستوحش من كل مَا يشْغلهُ عَن الله لم يصر من أهل أنسه وَمن قصر فِي خدمَة الله جنى ثَمَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 تَقْصِيره وَقت حُلُول رمسه حِين لَا يحصد حاصد إِلَّا مَا زرعه وَلَا يجني جَان إِلَّا من غرسه كَيفَ تقبل من الْمُقَصِّرِينَ الْأَعْذَار وَقد بدلُوا نعْمَة الله كفرا وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار فإياكم أَن تَفِرُّوا من الْعَدو فكم قد كسا الْفِرَار أَهله من لِبَاس الْعَار أما سَمِعْتُمْ كَلَام من اخْتصَّ بِكَلَامِهِ صَفِيَّة المختاريا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا زحفا فَلَا تولوهم الأدبار لَو صرت مُجَاهدًا وَقت مُطَالبَة النَّفس ومحاربة الشَّيْطَان لرأيت من نصر الله الْعجب وَلَكِنَّك انقلبت يَوْم الفرارإلى حَيَاة الخزي والعار فبئست الْحَيَاة وَبئسَ المنقلب ربحت الخزف وَالْحجر وخسرت الْجَوْهَر وَالذَّهَب أما سَمِعت كَلَام الْعَزِيز الغفاريا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا زحفا فَلَا تولوهم الادبار رضيت بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة وخسرت الصَّفْقَة الرابحة وربحت الصَّفْقَة الخاسرة كَيفَ طابت نَفسك أَن تكون ظهيرا لفئة النَّفس على فِئَة الْقلب وَفِئَة الْقلب مُؤمنَة وَفِئَة النَّفس كَافِرَة كَيفَ اخْتَرْت لنَفسك ان يُقَال جبان فرار اما سَمِعت كَلَام من لَهُ الْعِزَّة والاقتداريا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا زحفا فَلَا تولوهم الأدبار الْعين مِنْهَا الدُّمُوع تنهمر والحزن باد وَالْقلب منكسر وَالدّين وَالْملك قد يضيع من ركبهما مَا يعمى بِهِ الْبَصَر لَيْسَ العجيب يعمى الْعُيُون وَقد نظرت أمرا يعمى بِهِ الْبَصَر الْملك تدعمه الحراب فَلَا يبْقى عَلَيْهِ التحدي وَلَا يذر فِي كل قطر زاحفة نَار فَلَا سدوا لَهَا شرر أَيْن تَوَجَّهت قد رَأَيْت من الْبلَاء مَالا يطيقه الْبشر مَا لجنود الْإِسْلَام قد زحفوا هَل يدْفع الْمَوْت مِنْهُم الحذر مَا لجَمِيع الْإِسْلَام مَا خَرجُوا إِلَى الْجِهَاد الَّذِي أمروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 مَالِي أرى المذنبين مَا فرغوا مَالِي أرى الراقدين مَا سهروا مَالِي أرى الْجَاهِلين مَا عرفُوا مَالِي أرى العارفين مَا اعتبروا كَيفَ يلذ الْكرَى وَقد طرقت بِلَادنَا النائبات والعبر والرب غَضْبَان والعصاة مَا كَانُوا فَلَا استغيثوا وَلَا هم اعتذروا فاستغفروا الله من صغائركم وَعَن ركُوب الْكَبَائِر اذدجروا وَانْتَظرُوا الْغَوْث من مراحمه مَا خَابَ قوم لغوثه انتظروا إِن مِمَّا قضى الله علينا فِي مُحكم كِتَابه من أنباء أنبيائه وَنَصره أوليائه على أعدائه مَا يثبت الْفُؤَاد وينبه من الرقاد قَوْله تَعَالَى وَإِذا قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكا وآتاكم مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين لما حرص الكليم على تحريض قومه على جِهَاد الْأَعْدَاء ذكرهم بِمَا لله عَلَيْهِم من النعماء حَيْثُ يأنفون على أنفسهم من الهوان بعد الْإِكْرَام وَمن ظُهُور عَبدة الْأَصْنَام على مِلَّة الْإِسْلَام فَقَالَ يَا قوم اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم فَكَأَنَّهُ يَقُول أما يأنف من أكْرمه الله بالشريعة النَّبَوِيَّة أَن يجبن من جِهَاد أعدائه وَقد استولوا على دياره وأبنائه وَهل يرضى بِهَذَا لنَفسِهِ من لَهُ أنف كلا وَالله مَا رَضِي بالهوان كريم وَلَا استسلم للأعداء لئيم أَلا شهم فَتى كريم لَهُ رَأْي سديد مُسْتَقِيم لَهُ فِي كل نَاحيَة رَقِيب على أعدائه وهم هجوم مَتى سمع الْعَدو لَهُ بِذكر عراه الذل والخزي الْمُقِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَمن يكل هَذَا فَعَلَيهِ طير بنصر رِجَاله أبدا يحوم وَإِلَّا فلينم حَتَّى يوافي عَدو وصيده الكسل النؤوم قَوْله وآتاكم مَا لم يُؤْت أحدا من العالمينيعني من عالمي ذَلِك الزَّمَان يَا قوم ادخُلُوا الأَرْض المقدسة الَّتِي كتب الله لكمقال ابْن عَبَّاس هِيَ الطّور وَمَا حوله وَقَالَ قَتَادَة الشَّام وَقيل أريحاء وَقيل دمشق وفلسطين وَبَعض الْأُرْدُن والمقدسة أَي المطهرة الْمُبَارَكَة وَقَوله كتب الله لكمأي أوجب لكم وَلَا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرينأي لَا ترجعوا مُدبرين إِلَى وَرَائِكُمْ فتنصرفوا خائبين قَالُوا يَا مُوسَى إِن فِيهَا قوما جبارينكل من لَا تكون خشيَة الله أغلب عَلَيْهِ من خشيَة الْخلق مَلأ الله قلبه مِمَّا سواهُ رعْبًا وَجعل كل شَيْء يخافه رَبًّا وَإِنَّا لن يدخلهَا حَتَّى خَرجُوا مِنْهَا فَإِن يخرجُوا مِنْهَا فَإنَّا داخلونلما جَنبُوا عَن الْقِتَال أحالوا على الْمحَال وَهُوَ طَرِيق من طرق الضلال لَا بَارك الله فِي رجال قد سلكوا سبل الضلال لَا أهل كُنَّا فِي يَوْم حَرْب وَلَا فحول يَوْم الْقِتَال قد قنعوا من حطام دنيا بِطيب عين وَجمع مَال فَلَا بُد يدنون من حَرِيم وَلَا يحامون من عِيَال لَكِن قومِي إِذا دعاهم دَاع إِلَى الْحَرْب والنزال طاروا إِلَيْهِ على متون الْجِيَاد بالذيل العوال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فتاهم عاشق الْمَعَالِي وَكلهمْ للحياة سالي جزاهم الله كل خير فِي كل وَقت وكل حَالي قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا ادخُلُوا عَلَيْهِم الْبَاب فَإِذا دخلتموه فَإِنَّكُم غالبون مَا بَين العَبْد وَبَين النَّصْر إِلَّا أَن يوطن نَفسه على الصَّبْر أمروا بِالدُّخُولِ من الْبَاب على عدوهم وَضمن لَهُم النَّصْر عقيب دُخُولهمْ فَلَو تلقوا أَمر رَبهم بِالسَّمْعِ والإطاعة لم يحولهم إِلَى الصَّبْر إِلَّا سَاعَة فَلَا قرت عُيُون الْجُبَنَاء مَاذَا فاتهم من النَّصْر والْعَلَاء لَو وطنوا أنفسهم على صَبر سَاعَة يَوْم اللِّقَاء من غديري من معشر جبناء مَا وفوا بالعهود يَوْم اللِّقَاء إِنَّمَا الْملك وَالْغنيمَة وَالْأَجْر وقهر العداء وَحسن الثَّنَاء لفتى صابر الْعَدو فَوَافى حِين وخز الرماح فِي الأحشاء إِن أردْت الثَّوَاب وَالْملك فاصبر سَاعَة الْمَوْت تَحت خَفق اللِّوَاء وعَلى الله فتوكلوا إِن كُنْتُم مؤمنينفي هَذِه الْآيَة دَلِيل على ان من ولى وَقت الزَّحْف فَلَيْسَ لَهُ نصيب فِي التَّوَكُّل وفيهَا دَلِيل على أَن من لَا يتوكل لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 فَلَا إِيمَان لَهُ لِأَن الْمَعْنى إِن كُنْتُم مُؤمنين فتوكلوا وَإِن كُنْتُم متوكلين فاثبتوا فمفهومها إِن لم تثبتوا فَمَا أَنْتُم متوكلين وَإِن لم تتوكلوا فَمَا أَنْتُم مُؤمنين أَي لَا يتم إيمانك إِلَّا بالتوكل وَلَا يصدق توكلكم إِلَّا بالثبات قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لن ندْخلهَا أبدا مَا داموا فِيهَا جرى فألهم على ألسنتهم حِين قَالُوا إِنَّا لن ندْخلهَا أبدافلم يدخلوها لِأَن الله حرمهَا عَلَيْهِم وَهَذَا جَزَاء كل من لَا يتَقَبَّل النعم بالشكر أَي يُحَال بَينه وَبَينهَا بلون سَواد بِهِ آخر الْعَهْد مِنْهَا الذَّنب لي فِيمَا ابْتليت بِهِ من رَاحَة نقلت إِلَى تَعب ورقاد عين عَاد لي سهرا ومواهب حَالَتْ إِلَى سلب وفراق أحباب نعمت بهم وبقربهم فِي سالف الحقب مَا كنت أعرف قدر مَا بذلوا حَتَّى ابْتليت بكف مستلب هَذَا جَزَاء مُقَابل نعما بدلت لَهُ إساءة الْأَدَب مَا زَالَ فِي لَهو وَفِي لعب حَتَّى دَعَا بِالْوَيْلِ وَالْحَرب فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ هَذَا كَلَام قوم جاهلين بالحكمة فِي سنة الْجِهَاد لِأَن الْجِهَاد شرع للْمُؤْمِنين تمحيصا للسيئات ورفعة فِي الدَّرَجَات فَإِذا كَانَ الْمقَاتل غَيْرك فَكيف تحصل لَك هَذِه الْفَوَائِد فِي قَوْله تَعَالَى ذَلِك وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم لَكِن ليبلو بَعْضكُم بِبَعْض وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله فَلَنْ يضل أَعْمَالهم سيهديهم وَيصْلح بالهم ويدخلهم الْجنَّة عرفهَا لهمفمن كَانَ فِي إِحْرَاز هَذِه الْخيرَات طامعا فَلْيَكُن إِلَى الْجِهَاد نَفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وعدوه مسارعا إِن كنت فِي نيل السَّعَادَة طامعا فانهض إِلَى حمل السِّلَاح مسارعا واركب جواد الْعَزْم وَاحْمَدْ حمله البطل الحلاحل حاسرا أَو دَاعيا واصبر على مضض الجلاد مراميا ومطاعنا ومسائفا ومقارعا واصدق عَدوك فِي لقائك سَاعَة لم تلق مثل الصدْق شَيْئا قَاطعا واغش السيوف فِي نحر وَجهك وَقت مَا يحمي الوغى والق الرمام شوارعا لَا تجزعن وَلَو قتلت فَإِنَّهُ لم يبلغ الْعليا من يَك جازع وترج إِحْدَى الحسنين شَهَادَة تحصنك أَو نصرا لمجدك رَافعا قَالَ رب إِنِّي لَا أملك إِلَّا نَفسِي وَأخي فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الفاسقينتبرأموسى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى ربه من عصيان قومه فعذره الله تَعَالَى وَأخْبرهُ بِمَا هُوَ معجل لَهُم الْعقَاب مَعَ حرمَان الثَّوَاب قَالَ فَإِنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ سنة يتيهون فِي الأَرْض فَلَا تأس على الْقَوْم الفاسقينفصرفوا عَنْهَا أَذِلَّة صاغرين ودخلوا فِي التيه فَلم يخرج مِنْهُم أحد حَتَّى أَتَى الْمَوْت عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ حَتَّى إِن مُوسَى وَهَارُون كَانَا فِي التيه من جملَة المتيهين وَلم يدْخل الأَرْض المقدسة من ذَلِك الْحِين أحد مِنْهُم وهم سِتّمائَة ألف فيهم الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ والأولياء وَالنِّسَاء والأطفال عمهم جَمِيعًا شوم العاصين رَضوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة فانقلبوا بالصفقة الخاسرة فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ وَمَا كَانُوا مهتدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 لَا تَبِيعُوا الدّرّ بالخزف لَيْسَ هَذَا فعل معترف واركبوا الأخطار فِي طلب الْمجد والعياء والشرف فَاطْلُبُوا الثأر الَّذِي لكم عِنْد أهل الْجور والخيف أَو فكوا حُرْمَة قنعت بِلُزُوم الْبَيْت والعلف من كَانَ مَعَ الله كَانَ الله مَعَه وَمن تكبر على الله وَضعه وَمن تواضع لله رَفعه وَمن استودع الله دينه وَنَفسه حفظه عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّي إِلَى الله مَا استودعه فكونوا بِاللَّه فِي ضَمَانه واثقين وَإِلَى الله فِيمَا عِنْده راغبينوقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة كَمَا يقاتلونكم كَافَّة وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ قل للَّذين آمنُوا بزلهم كونُوا مَعَ الْإِيمَان عاملينا إِذا أَتَاكُم مُنَاد من ربكُم فَلَا تَكُونُوا عَنهُ معرضينا قُولُوا سمعنَا وأطعنا واحذروا أَن تصبحوا لله مسخطينا من خَالف الله فقد أسخطه فَلَا تكونن مسخطينا وَجَاهدُوا أعداءكم فَإِنَّهُم قد أَصْبحُوا لكم معاندينا إيَّاكُمْ وَالظُّلم فِيمَا بَيْنكُم فَقل مَا ينصر ظالمونا واخلصوا نياتكم فالإخلاص أقوى مَا بِهِ فِي الْحَرْب تنصرونا ووطنوا النَّفس على الصَّبْر وَلَو قتلتم بِالصبرِ أجمعونا فموتنا وَلَا نرى عدونا يستأثر الْبَنَات والبنينا كم استباحوا حرما مُمْتَنعا كم هتكوا محجبا مصونا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 كم غربوا مستوطنا عَن دَاره وَكم أخافوا بَلَدا أَمينا كم أفقروا ذَا ثروة من مَاله حَتَّى غَدا مستعطيا مِسْكينا نَسْتَغْفِر الله ذنوبا سلطت أعداءنا وطمعتهم فِينَا عَسى الَّذِي أَعلَى الْعَدو فَوْقنَا عَلَيْهِم من بعْدهَا يعلينا اللَّهُمَّ يَا خير الغافرين اغْفِر لنا ذنوبنا اللَّهُمَّ يَا خير الرَّاحِمِينَ ارحمنا فِي كل شَيْء من نعمك علينا اللَّهُمَّ يَا خير الرازقين ارزقنا رضاك عَنَّا ولطفك بِنَا اللَّهُمَّ يَا خير الفاتحين افْتَحْ بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الظَّالِمين ونجنا بِرَحْمَتك من الْقَوْم الْكَافرين اللَّهُمَّ يَا خير الناصرين انصرنا على من عَادَانَا واردد لنا الكرة عَلَيْهِم وَكن لنا عَلَيْهِم ظهيرا وامدد لنا بأموال وبنين واجعلنا أَكثر نفيرا من كَانَ مَعَ الله بالإخلاص والصدق كَانَ الله مَعَه بالتأييد والنصر وَمن اعْتقد أَن لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أنزل الله عَلَيْهِ السكينَة وَالصَّبْر وَمن علم ان لَا نَاصِر إِلَّا الله لم يكله إِلَى اُحْدُ فِي شَيْء من الْأَمر وطنوا أَنفسكُم على الصَّبْر والثبات فضل سَاعَة وابذلوا فِي مصابرة الْعَدو مَا فِي وسعكم من الِاسْتِطَاعَة واحذروا ان تقدمُوا على ربكُم وَأَنْتُم لفرائضه مضيعون وَفِي أَدَاء أَمَانَته عنْدكُمْ مفرطونيا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تخونوا الله وَالرَّسُول وتخونوا اماناتكم وَأَنْتُم تعلمُونَ نقض العهود على الْكِرَام حرَام قوم عَلَيْهِم للوفاء ذمام فَإِذا لقوا صدقُوا الْعَدو وَكَيف لَهُم أصُول فِي اللِّقَاء كرام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَلَهُم عُيُون لَا تنام عَن العدى من يطْلب الْأَعْدَاء كَيفَ ينَام أصلوا نفسهم نفيرا لملتقى وعَلى حِيَاض مِنْهُ حاموا شهروا الصوارم فِي الوغى من غمدها وبغيرها فَاتَ العدى ساموا شربوا وأسقوا كأس حتف جردت لَهُم الْعَدو فلاح مِنْهُ عِظَام حام الْعَدو وحاد يَوْم لقائهم وهم غَدَاة الْمُلْتَقى مَا حاموا مَا زَالَ إِلَّا أَن دين عدوهم كفر وَدينهمْ هُوَ الْإِسْلَام قد أيقنوا ان الفناء مصير دنيا هم وَلَو دَامَت لَهُم مَا داموا من كل شهم ماجد صلى الوغى وَالْوَجْه أَبيض مَا علاهُ قتام ركبُوا رضى الْمولى وجنات العلى فأنالهم من فَضله مَا راموا مَا زَالَ يبْذل نَفسه فِي الذب عَن دين النَّبِي كَأَنَّهُ الضرغام حَتَّى سقى الأقوام كأس حمامهم وسقاه كأس حمامه الأقرام لقى الْحمام وَيَا سَعَادَة مُسلم يلقاه فِي ذَات الْإِلَه حمام نَالَ الشَّهَادَة والسعادة وانثنى وَالْعرض أَبيض مَا عَلَيْهِ ملام مَا كل من رام السَّعَادَة نالها إِن السَّعَادَة والشقاء أَقسَام سبق الْقَضَاء بِمَا هُوَ كَائِن طوى الْكتاب وجفت الأقلام اللَّهُمَّ بدوام غناك عَن كل شَيْء سواك ارْحَمْ دوَام افتقارنا إِلَيْك وَلَا تجْعَل استغاثتنا بِشَيْء دُونك وكما خلقتنا لعبادتك وفقنا لما خلقتنا وكما ضمنت لنا أرزاقنا فاجعلنا بضمانك واثقين وكما أنزلت علينا كتابك وَبعثت إِلَيْنَا رَسُولك فاجعلنا بكتابك عاملين ولرسولك متابعين ترى حَضَرنَا مَعَ من يحسن السماع قلينتقل عَمَّا هُوَ مُسْتَمر عَلَيْهِ من زمَان الرَّضَاع من سوء الْعَادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَفَسَاد الطباع وَأَدَاء من أهْدى إِلَيْهِ النصح قبله وَانْفَتح بِهِ حق الِانْتِفَاع هَل من أَخ وجد أطارحه مَا لم أزل لغفيه من بعدِي مَا زلت اكتم مَا بليت بِهِ حَتَّى عجزت فَقلت مَا عِنْدِي أَنا من مُلُوك كَانَ ملكهم يَعْلُو مُلُوك الصين والهند كَانَ الْعَدو يخَاف غائلتي ويفر من ظِلِّي على بعد فَقلت عَن تحصين مملكتي تبَاعد الْأُمَرَاء والجند فغزاني الْأَعْدَاء فانتزعوا مني الْبِلَاد وأخربوا مجدي أَمرنِي رَبِّي بِمَا فِيهِ إصْلَاح شأني ونهاني عَمَّا فِيهِ هواني وخسراني فعصيت رَبِّي وأطعت شيطاني فاحذروا ان يُصِيبكُم مَا أصابني ويدهاكم مَا دهاني كنت فِي قربهم بِكُل نعيم لَا أُبَالِي طوارق الْحدثَان فسقاني الْعَدو كأس اغترار لَيْتَني مت من قبل ان سقاني غرني باستمالة النَّفس للشهوة حَتَّى بحبها أغراني شدّ وسطي مِنْهُ بِحَبل غرور ثمَّ فِي حُفْرَة الردى دلاني والحسيب الرَّقِيب ينظر مَا أصنع حَيْثُ لَا أرَاهُ وَلَا يراني حِين مددت يَدي إِلَى شَهْوَة النَّفس الَّتِي قبل ذَاك عَنْهَا نهاني طَار تَاج الْملك الَّذِي كنت توجت وأخرجت من قُصُور الْجنان فاندبوا مصرعي ونوحوا عَلَيْهِ واحذروا بِأَن يدهاكم مَا دهاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 أَلا رجل كريم الطباع يعزم عَزمَة البطل الشجاع يوطن نَفسه على صَبر شناعة ويبذل فِي غسل عاره بِأخذ ثأر حميد الِاسْتِطَاعَة ويكف أَلْسِنَة الشامتين بِهِ عَن هَذِه الشناعة فَلَقَد سمع بمصيبتنا مَعَ عدونا سامع الْإِنْس وَالْجِنّ إِلَى قيام السَّاعَة وَهَذَا جَزَاء من سلك طَرِيق الْمعْصِيَة وتنكب طَرِيق الطَّاعَة يَا وَيْح من نزل الْعَدو بِهِ فَلم يملك نزاعه فأزاحه عَن ارضه حَتَّى لقد اخلى رباعه وسبى الْحَرِيم بعد ان بلغ الفضيحة مِنْهُ بَاعه من كل وَجه مصونة كالبدر قد هتكوا أقناعه أَيْن الحمية والأبية والشهامة والشجاعة كل قربَة تتقرب بهَا إِلَى رَبك هِيَ قلعة من قلاع دينك والعدو مُجْتَهد فِي كل وَقت وعَلى كل حَال فِي حِصَار قلاعك بِالرِّجَالِ والحبال فَكل طَاعَة يُفْسِدهَا عَلَيْك فَهِيَ حصن من حصون دينك انتزعه من بدنك وَأَنت من استيلائه على حصونك تَقول لَا بَأْس عَليّ مَا دمت آكل وأشرب وأجيء وأذهب وَهل الْبَأْس أَلا تكون هَارِبا من عَدوك من كل مهرب قد ضيق عَلَيْك كل مَذْهَب وكدر كل مشرب كلما ضربت مَعَه رَأْسا كَانَ عَلَيْك اظهر وَلَك أغلب شرقوا وغربوا مَا من الْمَوْت مهرب كَيفَ ينجو الْمَطْلُوب بالسير وَالله يطْلب وَيَمُوت تَحت السيوف كراما أَو تغلبُوا مالرأي بَقَاء غير أَن تستعدوا وتغضبوا إِن هَذَا الْفِرَار عَار وَله الرب يغْضب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 فاثبتوا فِي صفوفكم فقبيح ان تهربوا كم جَدِيد قد أخلقوا كم مشيد قد أخربوا والعدو المخذول يَد نو إِلَيْنَا وَيقرب والسبابا غَدَتْ ينا ح عَلَيْهَا وَينْدب كم أَسِير لديهم وعَلى الْوَجْه يضْرب كَانَ بالْأَمْس سالبا فَهُوَ الْيَوْم يسلب لهف نفس على حرا ئر تسبى وتنهب يَا أسود الورى اغضبوا يَا جنود الوغى اركبوا واغسلوا الْعَار واطلبوا الثأر تعلوا وتغلبوا وأملوا الله إِن آمله لَا يخيب اللَّهُمَّ آونا إِلَيْك ودلنا عَلَيْك وَاجعَل راحتنا عِنْد لقائك ورغبتنا فِيمَا لديك وضاعف صلواتك على عَبدك وَرَسُولك مُحَمَّد وَآله وَسَائِر عِبَادك الصَّالِحين وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 الْمجْلس الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أهل الْإِيمَان وَالْيَقِين والتقى عباد الله تأهبوا للعرض على الْملك الديَّان واستبغضبوا من هَذِه السّنة فَمَا أدْرك النَّار وَسنَان أَيهَا العَبْد الْعَاجِز الْفَقِير أطلب من بَاب الْغَنِيّ الْقَدِير تبتل لسؤاله وَتعرض لنواله فَلَو انالك قَطْرَة من بحار أفضاله لأصبحت مِمَّا لَا يخْطر خوف الْفقر على باله أَلا ناهض فِي خيله وَرِجَاله بعزمه لَيْث الغاب يَوْم نزاله لِحَرْب عَدو قد تملك أَرض بإذلاله وزاه بعد دلاله ألم تعلمُوا ان الْعَدو سباكم وأوثقكم فِي قده وحباله وَقد كنتموا فِي الْعِزّ وَالْمجد لنا جوَار كريم غَافِر بنواله فأخرجكم مِنْهَا الْعَدو بكيده وصرتم إِلَى انكاله ونكاله فضجوا إِلَى الْبر الرَّحِيم يمدكم بنصر على المخذول يَوْم قِتَاله وعوذوا من الشَّيْطَان بِاللَّه إِنَّه سميع عليم فارغبوا فِي سُؤَاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 بَاب أَيهَا العَبْد المقهور المضيم استعذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم وَلَا تنس فِي ابْتِدَاء كل امْر بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَإِن أَنْت لم تَجِد لبركة اسْم الله أثرا ظَاهرا فِي جَمِيع الْأُمُور فَاعْلَم أَنَّك مقصر عِنْد التَّسْمِيَة فِي الْإِخْلَاص والحضور ذكر اسْم الله فِي ابْتِدَاء الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال أنسه من الوحشة وهداية من الضلال وحمده تَعَالَى فرض لَازم لكل أحد على كل حَال لِأَنَّهُ اهل أَن يحمد إِن ابتلى وَإِن عافى وَإِن منع وَإِن نَالَ عَم بفضله النِّسَاء وَالرِّجَال والكهول والأطفال ولطف فِي قدره وقضائه بِأَهْل أرضه وسمائه فَلم يخل من لطفه سافل وَلَا عَال يَا من لَا تمتد الْأَيْدِي بالرغبة وَالْمَسْأَلَة إِلَّا إِلَيْهِ يَا من لَا يعول فِي كشف شَدَائِد الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا عَلَيْهِ يَا من كل الرغائب لَدَيْهِ والمواهب لَدَيْهِ لَيْسَ لضرنا سواك كاشف وَلَا على ضعفنا سواك عاطف الْمعَافى من عافيته فعافنا من مُوجبَات سخطك وعقابك وَالْمهْدِي من هديته فاهدنا سَبِيل الواصلين إِلَى جنابك بِروح الْإِيمَان بِاللَّه تحيا الْقُلُوب من موت غفلاتها وينور مِصْبَاح الْيَقِين مستضيء الْأَرْوَاح فِي ظلماتها وبالتداوي يداوي بدواء التَّقْوَى فتخلص النُّفُوس من آفاتها فَمَتَى أردْت أَن تعرف عناية الله بعباده الْمُؤمنِينَ بِمَاذَا انْعمْ الله على أهل التَّقْوَى وَالْيَقِين فَاتْلُ أَربع آيَات من سُورَة الْبَقَرَة لتعلم أَن خيرة خلق الله من جَمِيع الْعَالمين أهل الْإِيمَان وَالْيَقِين والتقى الَّذين ارْتَقَوْا من معارج النُّور كل مرتقى وحصلوا على النَّعيم وتخلصوا من طول الْبَقَاء فِي دَار الشَّقَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 من خرج من دَار الْكفْر إِلَى دَار حَظِيرَة الْإِيمَان فقد أخرج من الظُّلُمَات إِلَى النُّور لِأَن الْكَافِر جَاحد كاند وَالْمُؤمن معترف شكور والشاكر بالمزيد موعور والكاند على الْبَاب مطرود فطوبى لِلْمُؤمنِ وويل للكفور وماذا عَلَيْهِ لَو آمن بربه فَكيف وَقد ختم على سَمعه وَقَلبه من قوم لَهُم من قُلُوب بهَا لَا يفقهُونَ وَلَهُم آذان بهَا لَا يسمعُونَ إِن وعظوا بِمَا فِيهِ نفعهم لَا يَنْتَفِعُونَ وَإِن تركُوا بِسوء حَالهم فهم عَن غيهم لَا يرجعونإن الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم ام لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ حَال بَينهم وَبَين الْإِيمَان سر الْقدر وَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة فَلَو شَاءَ لهداهم أَجْمَعِينَ فَكيف يعْذر من مَا عذر بِالْعَدْلِ عذب رَبنَا من عذب وبالفضل غفر لمن غفر تفضل على قوم فوجههم إِلَى الْجنَّة وَعدل على قوم فَعدل بهم إِلَى سقر فَلَو اجْتهد اهل السَّمَاء وَالْأَرْض لم يقدروا نفعهم وَكَيف يعطيهم الْخلق وَقد حكم الْخَالِق بمنعهم ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم غشاوة وَلَهُم عَذَاب عَظِيم إياك والنفاق فالمنافق لرَبه مخادع وَلَا تطمع فِي الْخَلَاص بِغَيْر إخلاص فالطمع سراب خَادع رُبمَا نفع الرِّيَاء فِي الدُّنْيَا وَلكنه فِي الْآخِرَة ضار لَا نَافِع أهل الْإِخْلَاص على طَرِيق من سلكها فقد اهْتَدَى وَأهل الضلال قوم لَا يرجعُونَ عَن الضلال إِلَى الْهدى لَا يحذرون مصَارِع السوء وَلَا يخَافُونَ عواقب الردى لقد ضرب الله لِلْفَرِيقَيْنِ فِي كِتَابه الْأَمْثَال وَلم يتركهم سدى فَأَما اهل الْحق فصبروا عَلَيْهِ وَأما اهل الْبَاطِل فطال عَلَيْهِم المدى لأولي الْأَبْصَار تضرب الْأَمْثَال وَسَمَاع من لَا روح فِيهِ محَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 أَيْن ركب المخاطر فِي السرى لم تثنه عَن عزمه الْأَهْوَال الله مَوْلَانَا وَمَالك رزقنا مَا بالنا لرضاه لَا نحتال فِي حبه يحلو الْعَذَاب وتركب الأخطار والدمع المصون يزَال وَعَلِيهِ يسخى فِي النُّفُوس وتنفق الْأَعْمَار والأرواح وَالْأَمْوَال يَا سائلي عَن نبل عالي وَصله أصدق وَكَيف علمت كَيفَ تنَال وَأعْطى العواذل فِي هَوَاهُ فَلَيْسَ فِي شرع الغرام مُطَاوع العذال لما خلق الله الْخلق ادعوا محبته كلهم فأذاقهم من رَحمته شَيْئا من حظوظ النُّفُوس فَلم يثبت مَعَه مِنْهُم شَيْء إِلَّا قَلِيل واشتغل الْأَكْثَرُونَ بِالنعْمَةِ عَن الْمُنعم ثمَّ صب على البَاقِينَ الْبلَاء والمحنة فاشتغل الْأَكْثَرُونَ بالبلاء عَن المبلي ثمَّ امتحن الْبَقِيَّة الْبَاقِيَة بِالْعبَادَة الموصلة إِلَى الْوَاصِل فأقلهم من يمْضِي بذلك الْحَمد لَيْسَ بُد للمخلوق من ان يكون خَالق لِأَن الْعُبُودِيَّة لكل سوى الله وصف لَازم لَا يجد فِيهِ بدا فَمن كَانَ على عبَادَة الله عاكفا لم يَجعله الله لغيره عبدا وَلَا بِغَيْر بَابه وَاقِفًا وَمن تكبر عَن عبَادَة مَوْلَاهُ ابتلاه بِعبَادة سواهُ حَتَّى فِرْعَوْن الَّذِي قَالَ أَنا ربكُم الْأَعْلَى كَانَ بِعبَادة غير الله مبتلا وَلِهَذَا قَالَ الملأمن قوم فِرْعَوْن أنذر مُوسَى وَقَومه ليفسدوا فِي الأَرْض ويذرك وآلهتك لما تكبر عَن عبَادَة الْحق وَادّعى أَنه إِلَه لجَمِيع الْخلق ابتلاه الله بِعبَادة الْأَصْنَام على وَجه الإهانة والإرغام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 فاعبدوا الْخَالِق معتقكم عَن عبَادَة الْمَخْلُوق وابتغوا عِنْد الله الرزق فَكل من سواهُ من فَضله مَرْزُوق أَيهَا العَبْد إِن كنت بِرَبِّك مُؤمنا فتحقق بِالْإِيمَان بِاللَّه وَكن فِي عِبَادَته وَإِلَى عِبَادَته محسنا وتدبر أَمْثَال الْقُرْآن فقد ضرب الله للنَّاس فِيهِ من كل مثل إِنَّمَا فَائِدَة ضرب الْمثل ظُهُور مَا خَفِي من حسن أَو قَبِيح فِي وصف أَو عمل ضرب الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه الْمثل بالحمار لعالم أقبل بِلِسَانِهِ على دراسة الْعُلُوم ثمَّ أعرض بِقَلْبِه عَنْهَا وبالكلبلعالم أَتَاهُ آيَاته فانسلخ مِنْهَا وبالحجارة لقساة الْقُلُوب وبالأنعام لمن همه فِي الْمَأْكُول والمشروب وبالعنكبوت فِي ضعف من اشْتَدَّ فِي عبَادَة الْمَخْلُوق مثله وبالذباب فِي عجز الْأَوْثَان عَن استنفاذ مَا سلبه بغيه أَو علق بِرجلِهِ لَو علم الْمَخْلُوق قدر نعْمَة الْخَالِق عَلَيْهِ لَو علم المرزوق بعض إِحْسَان الرازق إِلَيْهِ وَلَو لم يكن إِلَّا نطق لِسَانه وشفتيه وَسمع أُذُنَيْهِ وَنظر عَيْنَيْهِ وبطش يَدَيْهِ وسعي رجلَيْهِ إِذا يسْجد لله سَجْدَة شكر لم يرفع رَأسه مِنْهَا إِلَى يَوْم الْوُقُوف بَين يَدَيْهِ فَكيف وانتم عَن ذكره وشكره غافلون بل أَكْثَرَكُم لأَمره مخالفون يدعوكم إِلَيْهِ وَأَنْتُم فارون ويأمركم أَن تؤمنوا بِهِ وَأَنْتُم فريق مِنْكُم برَبهمْ كافرون كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون غذاكم فِي ظلمات الأحشاء كَمَا يغذي الثَّمر فِي الأغصان ثمَّ أخرجكم من الظُّلُمَات إِلَى ضوء الفضاء وسعة الأوطان ثمَّ وَعدكُم أَن ينقلكم من عتمة شقوة الدُّنْيَا إِلَى روح نعيم الْجنان كم أَنْتُم بلقائه لَا توقنون ولنعمته لَا تشكرون كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ترجعون كُنْتُم أَمْوَاتًا فِي أصلاب الْآبَاء فِي بطُون الْأُمَّهَات ثمَّ يميتكم بعد هَذَا الْمَمَات لجزاء يَوْم الْمِيقَات وَهُوَ لِلْمُتقين يَوْم الْعِيد الْأَعْظَم وَلكنه على عصاة حسرات ثمَّ يرجعكم إِلَيْهِ ويبيحكم النّظر إِلَى وَجه الْكَرِيم ويذيقكم من رَحمته لَعَلَّكُمْ تشكرون ويريكم آيَاته فَأَي آيَات الله تنكرون كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون نعم ترادف إثْرهَا نعم هَذَا هُوَ الإفصال وَالْإِكْرَام غمرت أياديه بريقه فأنار مِنْهَا الْعَرَب والعجم أَتَرَى سلكنا برحمته دَارا يَدُوم لأَهْلهَا النعم اللَّهُمَّ بلغنَا بِرَحْمَتك دَار كرامتك بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الْمجْلس الثَّالِث وَالْعشْرُونَ تَفْسِير سُورَة الْقدر الْحَمد لله الَّذِي لَهُ مقاليد السَّمَوَات وَالْأَرْض وَبِيَدِهِ النَّفْع والضر وَعِنْده مَفَاتِيح الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ وَيعلم مَا فِي الْبر وَالْبَحْر إِن أسررنا فهويعلم السِّرّ وَإِن جهرنا فَهُوَ يعلم الْجَهْر وَإِن استرزقنا فَهُوَ يبسط الرزق وَإِن استنصرنا فَهُوَ ينزل النَّصْر أرسل إِلَيْنَا رَسُولا جبر منا كل كسر وأغنى منا كل فقر وَأنزل علينا كتابا شرح منا بِهِ كل صدر وَرفع بِهِ منا كل قدر شرع لنا فِيهِ حج الْبَيْت الْحَرَام وَصِيَام شهر الصَّبْر فسبحان من خص من شَاءَ من خلقه بِمَا شَاءَ من فَضله لَا يُعَارض معَارض فِي حكمه وَلَا يسْأَله سَائل عَن فعله جَمِيع الْعَالمين بتسخيره مذللون ولتقديره مسخرون لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون كَيفَ السَّبِيل إِلَى سَعَادَة من حكم الْقَضَاء بِأَنَّهُ يشقى من كَانَت الأقدار تهبطه هَيْهَات يطْمع أَنه يرقى كَيفَ الْبَقَاء وَقد جرى قلم فِي اللَّوْح أَن الْخلق لَا يبْقى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 كل الَّذِي سبق الْقَضَاء بِهِ حتم الْوُقُوع وكائن حَقًا فاصبر لحكم الله وَارْضَ بِهِ مَا قد قضى لَا بُد أَن يلقى بَاب تبَارك الَّذِي جرت بالسوابق أقلامه وَمَضَت فِي الْخَلَائق أَحْكَامه وأوضح طَرِيق الْخَيْر وَالشَّر أمره وَنَهْيه وَحَلَاله وَحَرَامه أَحْمَده حمدا يتَّصل بِهِ أحنانه وَيتم بِهِ إنعامه وأشكره شكرا يفوق دوَام السَّمَوَات وَالْأَرْض روامه وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة لَو باشرت الْقلب انجلى واستنار ظلامه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أكمل الله ببعثه دين الْإِسْلَام وَأتم بشرعه معالم الْحَلَال وَالْحرَام فاستمر للدّين كَمَاله وَاسْتقر من الشَّرْع تَمَامه صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه صَلَاة بَاقِيَة بِبَقَاء الدَّهْر وَبَعْدَمَا تفنى لياليه وأيامه خُصُوصا على خَلِيفَته الإِمَام أبي بكر الصّديق الَّذِي رجح مَوَازِين الْأمة مِيزَانه وَسبق إسْلَامهمْ إِسْلَامه وعَلى فاروقه الإِمَام عمر بن الْخطاب الَّذِي مَا زَالَت أَيَّام الْإِسْلَام بِهِ زاهرة وَشَرَائِع الدّين ظَاهِرَة إِلَى أَن فجعنا بِهِ حمامه وعَلى ذِي النورين عُثْمَان بن عَفَّان الَّذِي كتب الْقُرْآن وأرسله إِلَى أَمْصَار الْإِسْلَام فَلَا تصح الصَّلَاة إِلَّا بِمَا احتوى عَلَيْهِ إِمَامه وعَلى أبي السبطين الإِمَام عَليّ بن ابي طَالب الَّذِي افحم الْقَائِلين كَلَامه وَهزمَ الضَّالّين إقدامه وعَلى سَائِر الْآل وَالْأَصْحَاب وَمن اتبعهم بِإِحْسَان على منهاج السّنة وَالْكتاب حَتَّى لَا يبْقى احدمن حزب الله إِلَى يَوْم المآب إِلَّا تغمده من الْعَزِيز الْوَهَّاب صلَاته وتشريفه وإكرامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 اللَّهُمَّ واهد الثَّوَاب مَا نتلوه من كتابك الْعَزِيز إِلَى أمواتنا وأموات الْمُسلمين اللَّهُمَّ نور بِالْقُرْآنِ ظلماتهم وضاعف بِثَوَاب الْقُرْآن حسناتهم وارحمنا فِيمَا بَقِي من اعمارنا وَإِذا صرنا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ أكْرم لنا نزلنَا يَوْم الْقدوم عَلَيْك يَا اكرم من تقدم الْوُفُود عَلَيْهِ افْعَل اللَّهُمَّ مَا سألناك من الْخَيْر بِنَا وبسائر الْمُسلمين واحشرنا وإياهم فِي زمرة الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا بِرَحْمَتك يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ هَذَا مجْلِس عقدته قدرَة الْعَزِيز الرَّحِيم لله علينا باجتماعنا فِيهِ خيرا كثيرا وَفضل عَظِيم لِأَنَّهُ مجْلِس عقد لذكر الله وَذكر الْآيَة لم يحضرهُ إِن شَاءَ الله إِلَّا من هُوَ ولي الله أَو محب لأوليائه فاجعلوا شكر نعْمَة الله عَلَيْكُم فَمَا يهديه من الْهدى فِي هَذَا الْمجْلس إِلَيْكُم أَن تحضروا بالقلوب كَمَا انتم بالأبدان حاضرون وتكونوا عاملين بِمَا أَنْتُم لَهُ سامعون وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين قَالُوا سمعنَا وهم لَا يسمعُونَ تَفْسِير سُورَة الْقدر نستنزل رَحْمَة الْجَلِيل بتفسير شَيْء من التَّنْزِيل أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرجيمبسم الله الرَّحْمَن الرحيمإنا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا بِإِذن رَبهم من كل أَمر سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ نزل الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة فِي لَيْلَة الْقدر إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا ثمَّ كَانَ الله ينزله على رَسُوله نجوما بعضه فِي إِثْر بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 فَذَلِك قَوْله فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم وَقيل بل كَانَ فِي كل سنة يستنسخ من اللَّوْح الْمَحْفُوظ فِي لَيْلَة الْقدر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ الْأمة فِي تِلْكَ السّنة فيكتبه السفرة فِي هَذِه اللَّيْلَة كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهَا يفرق كل امْر حَكِيم وَإِنَّمَا سميت هَذِه اللَّيْلَة لَيْلَة الْقدر لِأَن الله تَعَالَى يقدر فِيهَا امْر السّنة إِلَى السّنة الْأُخْرَى أَحْكَام بِلَاده وعباده وَكَذَلِكَ عظم الله اجرها بقوله وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر تعجيبا لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جلال قدرهَا ثمَّ نبه على شرفها وفضلها فَقَالَ لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر قَالَ مُجَاهِد قِيَامهَا وَالْعَمَل فِيهَا خير من قيام ألف شهر ثمَّ قَالَ تَعَالَى تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فيهاالروح هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يهْبط جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة إِلَى أَرض الْقدر بِإِذن رَبهم أَي بأَمْره ينزلون كَمَا قَالَ تَعَالَى عَن الْمَلَائِكَة وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك قَوْله من كل أَمر أَي ينزلون بِكُل أَمر من الْخَيْر وَالْبركَة لصوم شهر رَمَضَان وَفِي قَوْله سَلام هيأمران أَحدهمَا انها لَيْلَة سليمَة من كل آفَة وعاهة وبلاء وفتنة حَتَّى مطلع الْفجْر أَي إِلَى مطلع فجرها الثَّانِي ان الْمَلَائِكَة إِذا مروا بِمُؤْمِن أَو مُؤمنَة فِي الصَّلَاة سلمُوا عَلَيْهِ من ربه يَقُولُونَ سَلام عَلَيْك يَا مُؤمن تصيب كَذَا وَكَذَا من الْخَيْر يخبرونه بِمَا سيلقى فِي سنته حَتَّى يقولواله وَأَنت متزوج فُلَانَة وَلَا يسلمُونَ على مدمن خمر وَلَا سَاحر وَلَا كَاهِن وَلَا مصر على الزِّنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 فطوبى لعبد وفْق لموجبات الرَّحْمَة ورزق عزائم الغفران واستمرعلى فعل الْخَيْر إِلَى حِين الخاتمة ومفارقة الشَّيْطَان الْيَوْم سوق الْآخِرَة كاسر وسوق الاخرة كاسد وسوق الدُّنْيَا فِي نفاق فَلهَذَا عمل الدُّنْيَا علينا سهل وَعمل الآخر شاق فَإِذا تجلى من امْر الْآخِرَة مَا هُوَ الْيَوْم مَسْتُور عَن الْخَلَائق تمنيا أَن أَيَّام الْحَيَاة كَانَت كلهَا صياما وقياما وودنا لم يُعْط من الدُّنْيَا إِلَّا مَا كَانَ لَا بُد أَن يكون قواما فاستهينوا الْيَوْم بركوب الْأَهْوَال فِي الْحُصُول على الْوُصُول إِلَى إِحْرَاز الْوِصَال قبل أَن يفرط الْأَمر ويزجر الْبَحْر وَيخرب الْقصر ويعمر الْقَبْر ويكاد الْمقَام أَن يكون على جَمْرَة وحسرة أحر من الْجَمْرَة ويسكر سكر ندامة لَا سكر خمرة لهف عمري على انْقِضَاء الْعُمر فِي ذنُوب أنقض الْوزر ظَهْري اسْتهلّ الشَّهْر الشريف فيمضي من حَياتِي وَمَا انتفعت بشهري أَيهَا الْحَائِز الْوِصَال هنيا أَنا مَا ذقت غير طعم الهجر مَا مرادي إِلَّا وصال حَبِيبِي لَيْلَة الْوَصْل مِنْهُ لَيْلَة قدر من سفيري إِلَيْهِ فِي كشف ضري من شفيعي إِلَيْهِ فِي جبر كسري لذذ السّمع يَا سميري بِذكر اسْم حَبِيبِي فَذكره روح سري قل وَخذ مهجتي جَزَاك مني بِسم الله يجلو هموم قلبِي قاسمه راحتي وروحي وأنسي فِي حَياتِي وَفِي مماتي ونشري اسْم الحبيب الأول اسْم من لَيْسَ غَيره يعول كل مَا نَحن فِيهِ من بعض مَا خول مَا سلا عَن حبه إِلَّا حبه إِلَّا من قد استحوذ الشَّيْطَان على قلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 يَا من عَلَيْهِ فِي الخطوب معول وَبِه إِلَيْهِ تشفعي وتوسلي عذلوا عَلَيْك وَفِي الْفُؤَاد صبار يلهى المسامع عَن كَلَام العذل قَالُوا هواة قَاتل فأجبتهم لَا رَأْي لي فِي الْحبّ إِن لم أقتل يَا من يحب سوى الْجواد لمحسن الْبر الرَّحِيم الْمُنعم المتفضل فَقل فُؤَادك حَيْثُ شِئْت من الْهوى مَا الْحبّ إِلَّا للحبيب الأول أما الْقُلُوب فموقوفة عَلَيْهِ وَأما الْأَرْوَاح فمرتاحة إِلَيْهِ وأوصلوا الصَّوْم عَمَّا سواهُ لتحرزوا مِنْهُ الْوِصَال وَلَا ترى لَيْلَة أَلا لَيْلَة الإنتقال لَا يزَال ولي الله من صَوْمه عَمَّا ألهى عَن الله موثقًا فِي الْقُيُود فَإِذا مَاتَ اسْتهلّ هِلَال الْعِيد واستطلع طالع السُّعُود مَا العَبْد عِنْدِي سوى وصال لوفيتي روعة الصدود إِن نلْت مِمَّن أحب وصلا فَذَلِك الْيَوْم يَوْم عيدي الصائمون ثَلَاثَة والمعيدون ثَلَاثَة صَائِم عَن المفطرات المتناولة للبطون والفروج ومعيد إِذا أذن شهر صِيَامه بِالْخرُوجِ وصائم عَن الْمُحرمَات المحظورة فِي الْكتاب وَالسّنة ومعيد إِن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة وصائم عَن كل مَا ألهاه عَن مَوْلَاهُ ومعيد إِذا قدم عَلَيْهِ تَلقاهُ بِرِضَاهُ وتجلا لَهُ حَتَّى يرَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 فَصم هَذَا الْيَوْم بِهَذِهِ النِّيَّة فَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نَوَاه صمت دهري عَن كل شَيْء سواكم وَجعلت التعييد يَوْم أَرَاكُم لَيْسَ سؤلي سوى رضاكم فمنوا يَا احبتي برضاكم لَا نعيم إِلَّا نعيم هواكم كَمَا لَا عَذَاب إِلَّا عَذَاب قلاكم أَنا مستشفع إِلَيْكُم بذلي وخضوعي لعزكم وغلاكم بكم وَقد حَلَفت لَا زلت فِي السّير مجدا حَتَّى أحل حماكم وَلَو أَنِّي أَطَعْت أغمضت عَيْني عَن جَمِيع الْوُجُود حَتَّى تراكم إِن أنل وصلكم بِالْفَضْلِ مِنْكُم أَو أمت فِي هواكم فداكم من كَانَ فِي الله مماته كَانَ بِاللَّه حَيَاته وَمن كَانَ فِي الله هَلَاكه كَانَ الله نجاته فوجهوا الْوُجُوه إِلَيْهِ واذبحوا النُّفُوس عَلَيْهِ وَلَا تؤملوا رَاحَة دون لِقَائِه وَلَا تمدوا أَيْدِيكُم إِلَى غير عطائه فَكل من لَا يجْبرهُ الله فَهُوَ كسير وكل من لَا يُغْنِيه الله فَهُوَ فَقير لَا تنَال الْفضل إِلَّا من جود من كل الورى من فضل جوده سَائل إِلَى نداه فَقير كم لَهُ من عُتَقَاء صاروامن مُلُوك الْآخِرَة بَعْدَمَا كَانَ فِي قَبْضَة السعير السَّيِّد أَسِير يَا فقر من لم يحصل على الْغنى فَضله ذَاك الَّذِي مَاتَ عطشان وَهُوَ وسط غَدِير اطْلُبُوا حَيَاة الْقُلُوب من موت الذُّنُوب واحيوا مَا بَقِي من لياليكم فِي خدمَة علام الغيوب واغتنموا عمرا بَاقِيه لَا يبْقى وماضيه لَا يؤوب يَا من قد شَاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وَهُوَ بِالذنُوبِ مشوب يَا غيبَة احتوت على كل غيوب بَادر فالشمس قد تدلت للغروب والعمر كالثلج كلما جَاءَت يذوب غرس الله كَرَامَة أوليائه ثمَّ ختم عَلَيْهَا فَلَا أذن سَمِعت بهَا وَلَا عين نظرت إِلَيْهَا فَإِذا كَانَ يَوْم الْجَزَاء فضت تِلْكَ الختوم وَظهر السِّرّ المكتوم فندم أهل التَّقْصِير حِين لَا ينفع النَّدَم ونادى مُنَادِي الْكَرم سَيعْلَمُ اهل الْجمع الْيَوْم من أولى بِالْكَرمِ إِنَّهُم المتقون وَمَا أَدْرَاك مَا هم هم الَّذين تركُوا فِي مرضاة الله مشتهاهم وخالفوافي مُوَافقَة الْحق هواهم فَلَو قيل لَهُم تمنوا لَكَانَ الْقرب مُنَاهُمْ وَلَو قيل لَهُم ترقوا لَكَانَ إِلَى الحضرة مرتقاهم أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم وأرضاهم لِأَنَّهُ لم يفقدهم حَيْثُ أَمرهم وَلم يرهم حَيْثُ نَهَاهُم جعلنَا الله مِنْهُم وحشرنا فِي زمرتهم وبلغنا مُنَاهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 الْمجْلس الرَّابِع وَالْعشْرُونَ طلب الْوِصَال الْحَمد لله المستمر الدَّوَام والبقاء وَهُوَ اهل الْحَمد وَالشُّكْر والمدح وَالثنَاء هُوَ الرب الْوَاحِد وكل من سواهُ مربوب لَيْسَ لعاقل من دونه معبود وَلَا لعارف غَيره مَحْبُوب خلق الْخلق ليربحوا عَلَيْهِ ثمَّ شرع لَهُم مَا يقربهُمْ بِهِ إِلَيْهِ ويحظيهم بِهِ لَدَيْهِ فَالصَّلَاة نورهم وَالصَّوْم طهورهم فَمن أَقَامَ الصَّلَاة وادام الصّيام فقد حصل لَهُ بربه الِاتِّصَال وَتمّ عَلَيْهِ مِنْهُ الإنعام وَمن لَا صَلَاة لَهُ صَلَاة لَهُ وَلَا صِيَام فَهُوَ أضلّ سَبِيلا من بَهِيمَة الْأَنْعَام نصبت لَهُ مَوَائِد الْكَرم فَلم يجلس مَعَ الْكِرَام الَّذين أخمصوا بطونهم من فضول الطَّعَام وأصمتوا ألسنتهم عَن لاغيات الْكَلَام وفرغوا قُلُوبهم للمناجاة فِي جنح الظلام فارتقوا إِلَى ذرْوَة الرزق وَسقط غَيرهم فِي مهول الْحَرَام مسني الضّر من ركُوب ذنو ب أثقلتني بالوزر والآثام كم زمَان مُعظم فِيهِ ترجى تَوْبَة من ركُوب ذَنْب حرَام ثمَّ يمْضِي يومي وشهري وعامي وسقامي كَمَا عهِدت سقامي خَادِم الله لَا يمل من الْخدمَة حَتَّى يسقى بكأس الحمامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 يَا من افرح لَهُم الهجر قلبه قُم إِلَى طلب الْوِصَال وَيَا من قد أثقل الأوزار طهره اطرَح عَنْك هَذِه الأثقال رَاجع الْمَعْهُود وراع العهود واغسل بحلاوة الْوَصْل مرَارَة الصدود أقبل الْوَصْل حِين ولى الصدود فربيع الفراح غض جَدِيد ورواق الإقبال والعز والبهجة والأنس فوقتنا مَمْدُود وقميص الهجران والصد ة الْإِعْرَاض والبين والقلى مقدود قُم فقد أنْجز لَك يَا مِسْكين من تَحت تِلْكَ الوعود كَاد عود الْوِصَال ينسى فَعَاد ألما فِيهِ وأخضر ذَاك الْعود وَانْقَضَت دولة الشَّقَاء والحزن واوفى سرورنا السُّعُود إِن توفّي الأيادي وَتُوفِّي بوعود الْبُشْرَى وترعى العهود إحذر الطَّرْد بعد ذَا الصُّلْح مَا فِي كل وَقت يُصَالح المطرود تب إِلَى الله من ذنوبك فِي وقتك هَذَا فالوقت وَقت سعيد لَا تعد الذُّنُوب فالنكس فِي الإسقام بعد الْإِبْرَاء مِنْهَا شَدِيد هَذَا وَقت تَوْبَة المصرين وتشمير المعصرين وإقبال المعرضين وانتباه الغافلين فأذيبوا شحوم الشِّبَع بِنَار الْجُوع واتشحوا بِمَشَقَّة السهر رَاحَة الهجوع وقللوا حُضُور الأشواق اللعينة واعتزلوا الشواغل الملهية وأشركوا صلحاء الْفُقَرَاء فِي طَعَامكُمْ وضموا الأرامل والأياتم إِلَى عيالكم وأطيبوا المطاعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وصونوا الْجَوَارِح ونزهوا النُّفُوس وطهروا الْقُلُوب والزموا الطَّاعَة وعانقوا القناعة وأديموا الْعِبَادَة وَأَكْثرُوا الذّكر وأقلوا اللَّغْو وأنزلوا أَنفسكُم بَقِيَّة الْعُمر بِمَنْزِلَة مَرِيض بحمى أَيَّامًا قَليلَة رجا عَافِيَة الدَّهْر أَو بِمَنْزِلَة كسير يحْتَمل مشقة الرِّبَاط ليحصل لَهُ الْجَبْر قد اطلتم صدي وطردي وهجري فَمَتَى تجبرون بالوصل كسري مسني الضّر مذ هجرتم وَمَالِي غَيْركُمْ من أرجوه يكْشف ضري كم بعاد وجفوة وصدود قد فنى فِي البعاد والهجر بعدِي طَال عَنْكُم بالبعد صومي فَمَتَى تغرب شمس النؤى ويحضر قطري يَوْم عيدي إِذا انْقَضى الهجر عني أماليلة الْوَصْل فَهِيَ لَيْلَة قدري آه واقبح تفريطي فِي سا عتي ويومي وعامي وشهري من مجيري من الذُّنُوب فقد ألبس وَجْهي شَيْئا وانقض ظَهْري كلما تبت قد نقضت فَمَا أخوفني أَن ازور قَبْرِي بوزري عِنْد رب الْخَيْر الْكثير وَلَكِنِّي حرمت الْخَيْر لشري رب جد لي برحمة تغسل الْعَار وتمحو وزري وَتصْلح امري من عرف الله بِالرَّحْمَةِ رجاه وَمن عرفه بالانتقام فَحق لَهُ أَن يخشاه وَمن عرفه بِمَا هُوَ اهله من كَمَال الْجمال انْشَرَحَ برحيق هَوَاهُ عَن رجائه وخوفه حَتَّى يلقاه أَصوم لوجهه عَمَّا سواهُ فَلَا إفطار لي حَتَّى أرَاهُ وأحمي منية الدَّاريْنِ قلبِي فَمَالِي فِيهِ إِلَّا رِضَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وكل هوى يمِيل إِلَيْهِ صب عَليّ محرم إِلَّا هَوَاهُ أوالي من يواليه بجهدي وَلست بخاضع لسوى علاهُ وَلست بطالب لسوى يَدَيْهِ وَلست بخاضع لسوى علاهُ أَرْجَى الْقرب مِنْهُ وَهُوَ معط يبلغ كل ذِي امل مناه الْأَوْقَات الشراف مواسم الْأَشْرَاف يعْرفُونَ لَهَا جلال قدرهَا ويرغبون إِلَى الله فِي عَظِيم تزيد الْعَامِل نشاطا فِي الْعَمَل وَتطلق العاطل من عقال الكسل فأقيموا فِي هَذِه الْأَوْقَات الْمُبَارَكَة دين الله حق الْإِقَامَة وَلَا تهتموا بتحصيل الْغَنِيمَة إِلَّا بعد إِحْرَاز السَّلامَة فَإِن فَاعل الْخَيْر غَانِم وتارك الشَّرّ سَالم والعاقل هُوَ الَّذِي تهمه سَلَامَته من المعاطب قبل أَن يهمه تَحْصِيل المكاسب فَردُّوا الْمَظَالِم إِلَى المظلومين قبل أَن تتصدقوا على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَاجْعَلُوا عنايتكم بأوامر المفروضات والواجبات مُقَدّمَة على التَّطَوُّع بالنوافل والمستحبات وصونوا بطونكم عَن المكوس والغضوب قبل ان تصونوها عَن الْمَأْكُول والمشروب وامسكوا أَلْسِنَتكُم عَن الْكَلَام الْقَبِيح وأطلقوا بالتهليل وَالتَّسْبِيح فَإِنَّمَا ينْتَفع الْمَرِيض بِشرب الدَّوَاء بعد حمية من أَسبَاب الدَّاء فَأَما أهل التَّخْلِيط على نُفُوسهم فِي أَمر أبدانهم وأديانهم فهيهات أَن يقوم ربحهم بخسرانهم أسس الدّين بالتقا يرتقي كل مرتقى إِنَّمَا ينفع الدَّوَاء إِذا صَادف التقا كلما قلت قد مضى زمن الصَّبْر والشقا عدت فِي سجل سوء حَالي بِالْيَدِ موثقًا مذ غلبت عَن مقلتي دمعها قَطْرَة ارقا ارحموا مدنفا يذوب عَلَيْكُم تشوقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 صَوْمه مده الفاق اتى سَاعَة اللِّقَاء عيده يَوْم يصبح الْعود بالوصل مورقا العَاصِي لَا يزْدَاد بطول الْحَيَاة إِلَّا مقتا وطردا وكل صَلَاة لَا تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر لَا تزيد العَبْد من الله إِلَّا بعدا مَا عدل من خلقه الله ورزقه ثمَّ صَار لغير خالقه ورازقه عبدا يُوجب بمخالفته مقتا ويطمع أَن ينَال ودا أطلع الْغَيْب أم اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا أكذب الرَّجَاء رَجَاء أهل الْإِسَاءَة وأسوأ الْجَزَاء جَزَاء اهل الْمعْصِيَة وامقت الْخلق إِلَى الله عبد مسيء فِي عمله معجب بِنَفسِهِ من صَامَ وَأفْطر على الْحَرَام فَلَا صَامَ وَلَا افطر وَمن حج بِنَفَقَة من حرَام لم ينظر الله إِلَيْهِ وَلَا إِلَى حجه اجْتهد أَن تتوب قبل ان تَمُوت فَمَا أعْسر خلاص من لَقِي الله مصرا على ذَنبه إِذا لم يَتَيَسَّر لَك ترك جَمِيع الذُّنُوب فاترك الْكَبَائِر والمظالم فَإِن الصَّلَاة وَالصِّيَام والإستغفار تكفر مَا سوى ذَلِك من المأثم إِذا عاملت رَبك بأمرين كَفاك مَا سواهُمَا الاسلام وَالتَّوْبَة فَإِن أضفت إِلَيْهِمَا التَّمَسُّك بِالسنةِ فَأَنت من مُلُوك الْجنَّة فَإِن رزقت مَعَ ذَلِك الذّكر الْكثير الْخَالِص فَأَنت من مُلُوك أهل الحضرة نافسوا فِي اقتناء النفائس فَإِنَّمَا يجني أحدكُم مَا هُوَ الْيَوْم غارس كم من فَارس الْيَوْم وَهُوَ غَدا راحل وَكم من راحل الْيَوْم وَهُوَ غَدا فَارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 لَا إِلَه إِلَّا الله شَارِع الشَّرْع بِحِكْمَتِهِ لَا إِلَه إِلَّا الله مجازي العاملين بجنته لَا إِلَه إِلَّا الله مُخَصص العارفين بِحَضْرَتِهِ لَا إِلَه إِلَّا الله غامر الْخلق برحمته الَّذين أسهروا لَهُ الْعُيُون واخمصوا لَهُ الْبُطُون فهم طول دهرهم عَمَّا سواهُ صائمون وَفِي مَسْجِد الْخلْوَة عَلَيْهِ عاكفون جعلُوا مُدَّة الْحَيَاة صومهم ليَكُون الْمَوْت عيدهم وقنعوا أَيَّام العاجلة بالخلق ليلبسوا فِي الْآخِرَة جديدهم فَلَمَّا أنجزوا لله من أنفسهم وَعوده أنْجز لَهُم من نَفسه وَعوده فآوى طريدهم وَأدنى بعيدهم وعوضهم من شقائهم سعوده أَنهم قد جعلُوا أنفسهم عبيده فَجعل الْولدَان المخلدون عبيدهم من كَانَ لله عبدا فدَاك مَوْلَاهُ الموَالِي وَمن تولاه أضحى على الخليقة وَالِي ولي عَن الْكَوْن لما والى الجناب العالي يَا فوز عبد لَهُ الرب مكرم وموالي قد حل من قرب مَوْلَاهُ بساميات الْمَعَالِي ونال من طيب وصل الحبيب كل منالي مسربلا بسرابيل الْعِزّ والإقبال لَا يخْطر الْخَوْف من غير الله مِنْهُ ببالي يَا حسرتا ضَاعَ عمري فحال بِالْعَبدِ حَالي كم ذَا تشوف نَفسِي بِصَالح الْأَعْمَال وَإِلَى مَتى ارتجي بُلُوغ أَمر محالي لَا يبلغ الْمجد إِلَّا بالشد والترحال والزهد فِي دَار دنيا قد آذَنت بزوالي وَالصَّوْم حَتَّى يكون التعييد يَوْم وصالي جَمِيع الطَّاعَات والعبادات الَّتِي يتَقرَّب بهَا إِلَى الله المتقربون لَهَا شَرِيعَة يَرْوِيهَا الناقلون وَحَقِيقَة يفقهها العارفون وَلَا شَرِيعَة وَلَا حَقِيقَة إِلَّا وَهِي فِيمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 جَاءَنَا بِهِ عَن الله المُرْسَلُونَ فَمن عمل بِالظَّاهِرِ الْمُعْتَاد واهمل الْبَاطِن المُرَاد فَلَيْسَ هُوَ من أَوْلِيَاء الْأَلْبَاب لِأَنَّهُ اشْتغل بالقشر عَن اللّبَاب رب قَائِم لَيْسَ من قِيَامه إِلَّا السهر والتعب وَرب صَائِم لَيْسَ لَهُ من صِيَامه إِلَّا الظمأوالتعب فَأمنُوا إِلَى ظَاهر الشَّرِيعَة بَاطِن الْحَقِيقَة واسلكوا مَعَ السالكين إِلَى الله أَحْمد الطَّرِيقَة وافطموا هَذِه النُّفُوس عَن سوء الرَّضَاع فَإِنَّمَا شرعت لكم الطَّاعَات انقلكم عَن ردي الطباع إِلَى مَتى أكلا وشربا ونوما فقد آن ان تذيبوا شحوم الرَّاحَة والشبع صَلَاة وصوما فَكل مَا انتم فِيهِ عَمَّا قَلِيل زائل وَلَو كَانَ دَائِما لَا يَزُول فَهُوَ بطائل وَلَا لَهُ حَاصِل أَيْن أَنْتُم عَن مخاوف الْبر الرَّحِيم فِي جنَّات النَّعيم أَيْن أَنْتُم من لَذَّة الْمُنَاجَاة إِذا أرْخى سدوله اللَّيْل البهيم يَا لَهَا لَذَّة مَا ذاقها إِلَّا ذُو فطن هضيم وقلب سليموما يلقاها إِلَّا الَّذين صَبَرُوا وَمَا يلقاها إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم عبادتان مؤكدتان فِي عبَادَة الْإِسْلَام إِحْدَاهمَا الصَّلَاة وَالْأُخْرَى الصّيام وَمن أدمن فعلهمَا غفرت لَهُ الْإِسَاءَة وَضمن لَهُ الْإِحْسَان وسلك فِي محجة الْإِيمَان إِلَى دَار الْإِيمَان إِنَّمَا كَانَ الصَّوْم وَالصَّلَاة موجبين لغفران الذُّنُوب لما فيهمَا من تَطْهِير النُّفُوس وَإِصْلَاح الْقُلُوب فالصوم يجلو عَن مرْآة الْبَاطِن وَالصَّلَاة يجلى فِيهَا مَا هُوَ من الشَّرّ كامن فيا خيبة المحجوبين مَاذَا فاتهم من الْمُشَاهدَة لأَنهم رَضوا أَن يبيتوا وبطونهم وملأى وعيونهم رَاقِدَة ليلهم أضغاث أَحْلَام ونهارهم لَغْو الْكَلَام وَكسب الحطام فهيهات أَن يَذُوقُوا من حلاوة مُنَاجَاة الله مَا ذاق أهل الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وَالصِّيَام لَو ادمتم عَمَّا سواهُ الصياما وأطلتم جنح الظلام القياما واقمتم فِي الصَّلَاة لَهُ فطورا ركعا سجدا وطورا قيَاما لوجدتم لذاذة لم يذقها مستلذا إِلَّا الْمُلُوك الكراما حم على مَا حاموا عَلَيْهِ عَسى تكْتب مِمَّن على المكارم حاما دم على السّير مدنفا وصحيحا لم يصل غير من على السّير داما قُم على الْبَاب خاضعا وذليلا لم يلج غير من على الْبَاب راما أم ذَاك الْحمى المنيع تصير فِي خير لِلْمُتقين إِمَامًا صم عَن الغبائر إِنَّمَا ذاق طعم الْعِيد من غير الْأَحِبَّة صاما حام عَن ذَلِك الْمجد الأثيل فَلَا ماجد إِلَّا الَّذِي عَن الْمجد حاما لائمي كف كَيفَ أصفى وَفِي الْقلب من الوجد مَا يذود الملاما أَنا إِن هَمَمْت فِي هَوَاهُ فكم من ذِي حجي فِي هَوَاهُ هاما لَو درى المطرود مَا فَاتَهُ وَمن أَيْن للمطرود أَن يدْرِي لذرف دموع الأسف حَتَّى تظل على الخدود تجْرِي سرت الركاب إِلَى وصال الأحباب وركابه لَا تسري مَا شرى نَفسه ابْتِغَاء مرضاة الله وَمن النَّاس من يشرى عيل فِي حبك صبري وتحيرت بأَمْري أطلب الْوَصْل فَلَا أعْطى سوى صد وهجري مسني الضّر وَفِي قدره حَتَّى كشف ضري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 لَيْلَة أنظر فِيهَا وَجهه لَيْلَة قدري جبروني بوصال طَال بالهجران كسْرَى اللَّهُمَّ اجبر كسرنا واكشف ضرنا يَا كريم يَا رَحِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231