الكتاب: جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) المحقق: شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط الناشر: دار العروبة - الكويت الطبعة: الثانية، 1407 - 1987 عدد الأجزاء: 1 (تنبيه: الحكم على الحديث هكذا // إسناده حسن //   - مثلا - غالبا يكون من المحقق)   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- جلاء الأفهام ابن القيم الكتاب: جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) المحقق: شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط الناشر: دار العروبة - الكويت الطبعة: الثانية، 1407 - 1987 عدد الأجزاء: 1 (تنبيه: الحكم على الحديث هكذا // إسناده حسن //   - مثلا - غالبا يكون من المحقق)   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] جلاء الأفهام فِي فضل الصَّلَاة وَالسَّلَام على مُحَمَّد خير الْأَنَام لِابْنِ قيم الجوزية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة الْمُؤلف رب يسر وأعن وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله وَسلم قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب الزرعي الْحَنْبَلِيّ إِمَام الجوزية رَحمَه الله هَذَا كتاب سميته = جلاء الأفهام فِي فضل الصَّلَاة وَالسَّلَام على مُحَمَّد خير الْأَنَام وَهُوَ خَمْسَة أَبْوَاب وَهُوَ كتاب فَرد فِي مَعْنَاهُ لم يسْبق إِلَى مثله فِي كَثْرَة فَوَائده وغزارتها بَينا فِيهِ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصحيحها من حسنها ومعلولها وَبينا مَا فِي معلولها من الْعِلَل بَيَانا شافيا ثمَّ أسرار هَذَا الدُّعَاء وشرفه وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الحكم والفوائد ثمَّ فِي مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومحالَّها ثمَّ الْكَلَام فِي مِقْدَار الْوَاجِب مِنْهَا وَاخْتِلَاف أهل الْعلم فِيهِ وترجيح الرَّاجِح وتزييف المزيف ومخبر الْكتاب فَوق وَصفه وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول مَا جَاءَ فِي الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ البدري رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَتَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن فِي مجْلِس سعد بن عبَادَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ بشير بن سعد رَضِي الله عَنهُ أمرنَا الله أَن نصلي عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَلأَحْمَد فِي لفظ آخر نَحوه فَكيف نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا فِي صَلَاتنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الْكَلَام على هَذَا الْبَاب فِي فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَن روى أَحَادِيث الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ رَوَاهَا أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ البدري وَكَعب بن عجْرَة وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَطَلْحَة بن عبيد الله وَزيد بن حَارِثَة وَيُقَال ابْن خَارِجَة وَعلي بن أبي طَالب وَأَبُو هُرَيْرَة وَبُرَيْدَة بن الْحصيب وَسَهل بن سعد السَّاعِدِيّ وَابْن مَسْعُود وفضالة بن عبيد وَأَبُو طَلْحَة الْأنْصَارِيّ وَأنس بن مَالك وَعمر بن الْخطاب وعامر بن ربيعَة وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأبي بن كَعْب وَأَوْس بن أَوْس وَالْحسن وَالْحُسَيْن ابْنا عَليّ بن أبي طَالب وَفَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والبراء بن عَازِب ورويفع بن ثَابت الْأنْصَارِيّ وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو رَافع مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعبد الله بن أبي أوفى وَأَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن بشير بن مَسْعُود وَأَبُو بردة بن نيار وعمار بن يَاسر وَجَابِر بن سَمُرَة وَأَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف وَمَالك بن الْحُوَيْرِث وَعبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ وَعبد الله بن عَبَّاس وَأَبُو ذَر وواثلة بن الْأَسْقَع وَأَبُو بكر الصّديق وَعبد الله ابْن عَمْرو وَسَعِيد بن عُمَيْر الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عُمَيْر وَهُوَ من الْبَدْرِيِّينَ وحبان بن منقذ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ فَأَما حَدِيث أبي مَسْعُود فَحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 صَحِيحه عَن يحيى بن يحيى وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي كِلَاهُمَا عَن مَالك وَالتِّرْمِذِيّ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن عَن مَالك وَالنَّسَائِيّ عَن أبي سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين كِلَاهُمَا عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك عَن نعيم بن عبد الله المجمر عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد وَأما زِيَادَة أَحْمد فِيهِ إِذا نَحن صلينَا فِي صَلَاتنَا فَرَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة عَن يَعْقُوب ثَنَا أبي عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الْأنْصَارِيّ عَن أبي مَسْعُود قَالَ أقبل رجل حَتَّى جلس بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن عِنْده فَقَالَ يَا رَسُول الله أما السَّلَام عَلَيْك فقد عَرفْنَاهُ فَكيف نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا فِي صَلَاتنَا صلى الله عَلَيْك قَالَ فَصمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أحببنا أَن الرجل لم يسْأَله فَقَالَ إِذا أَنْتُم صليتم عَليّ فَقولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم وَذكر الحَدِيث وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا بِذكر هَذِه الزِّيَادَة وَقَالَ الْحَاكِم فِيهِ على شَرط مُسلم وَفِي هَذَا نوع مساهلة مِنْهُ فَإِن مُسلما لم يحْتَج بِابْن إِسْحَاق فِي الْأُصُول وَإِنَّمَا أخرج لَهُ فِي المتابعات والشواهد وَقد أعلت هَذِه الزِّيَادَة بتفرد ابْن إِسْحَاق بهَا وَمُخَالفَة سَائِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الروَاة فِي تَركهم ذكرهَا وَأجِيب عَن ذَلِك بجوابين أَحدهمَا أَن ابْن إِسْحَاق ثِقَة لم يجرح بِمَا يُوجب ترك الِاحْتِجَاج بِهِ وَقد وَثَّقَهُ كبار الْأَئِمَّة وأثنوا عَلَيْهِ بِالْحِفْظِ وَالْعَدَالَة اللَّذين هما ركنا الرِّوَايَة وَالْجَوَاب الثَّانِي أَن ابْن إِسْحَاق إِنَّمَا يخَاف من تدليسه وَهنا قد صرح بِسَمَاعِهِ للْحَدِيث من مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ فَزَالَتْ تُهْمَة تدليسه وَقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي هَذَا الحَدِيث وَقد أخرجه من هَذَا الْوَجْه كلهم ثِقَات هَذَا قَوْله فِي كتاب السّنَن وَأما فِي الْعِلَل فقد سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ يرويهِ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد عَن أبي مَسْعُود حدث بِهِ عَنهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَرَوَاهُ نعيم المجمر عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد أَيْضا وَاخْتلف عَن نعيم فَرَوَاهُ مَالك بن أنس عَن نعيم عَن مُحَمَّد عَن أبي مَسْعُود حدث بِهِ عَنهُ كَذَلِك القعْنبِي ومعن وَأَصْحَاب الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ حَمَّاد بن مسْعدَة عَن مَالك عَن نعيم فَقَالَ عَن مُحَمَّد بن زيد عَن أَبِيه وَوهم فِيهِ وَرَوَاهُ دَاوُد بن قيس الْفراء عَن نعيم عَن أبي هُرَيْرَة خَالف فِيهِ مَالِكًا وَحَدِيث مَالك أولى بِالصَّوَابِ قلت وَقد اخْتلف على ابْن إِسْحَاق فِي هَذِه الزِّيَادَة فَذكرهَا عَنهُ إِبْرَاهِيم بن سعد كَمَا تقدم وَرَوَاهُ زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن ابْن إِسْحَاق بِدُونِ ذكر الزِّيَادَة كَذَلِك قَالَ عبد بن حميد فِي مُسْنده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 عَن أَحْمد بن يُونُس وَالطَّبَرَانِيّ فِي المعجم عَن عَبَّاس بن الْفضل عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر وَالله أعلم قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن قدامَة الْمَقْدِسِي فِي نسب الْأَنْصَار أَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة البدري نزل بِمَاء بدر أَو سكنه فَسُمي البدري لذَلِك وَلم يشْهد بَدْرًا عِنْد جُمْهُور أهل الْعلم بالسير وَقد قيل إِنَّه شَهِدَهَا وَاتَّفَقُوا على أَنه شهد الْعقبَة وولاه عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَليّ الْكُوفَة لما خرج إِلَى صفّين وَكَانَ يستخلفه على ضعفة النَّاس فَيصَلي بهم الْعِيد فِي الْمَسْجِد قيل مَاتَ بعد الْأَرْبَعين وَقيل بعد السِّتين قلت ذكر أَرْبَعَة من الْأَئِمَّة أَنه شهد بَدْرًا البُخَارِيّ وَابْن إِسْحَاق وَالزهْرِيّ واما حَدِيث كَعْب بن عجْرَة فقد رَوَاهُ أهل الصَّحِيح وَأَصْحَاب السّنَن وَالْمَسَانِيد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَنهُ وَهُوَ حَدِيث لَا مغمز فِيهِ بِحَمْد الله تَعَالَى وَلَفظ الصَّحِيحَيْنِ فِيهِ عَن ابْن أبي ليلى قَالَ لَقِيَنِي كَعْب بن عجْرَة فَقَالَ أَلا أهدي لَك هَدِيَّة خرج علينا رَسُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا قد عرفنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَله حَدِيث آخر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي = الْمُسْتَدْرك = من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق هُوَ الصغاني حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم حَدثنَا مُحَمَّد بن هِلَال حَدثنِي سعد بن إِسْحَاق بن كَعْب بن عجْرَة عَن أَبِيه عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احضروا فحضرنا فَلَمَّا ارْتقى الدرجَة قَالَ آمين ثمَّ ارْتقى الدرجَة الثَّانِيَة فَقَالَ آمين ثمَّ ارْتقى الدرجَة الثَّالِثَة فَقَالَ آمين فَلَمَّا نزل عَن الْمِنْبَر قُلْنَا يَا رَسُول الله لقد سمعنَا مِنْك الْيَوْم شَيْئا مَا كُنَّا نَسْمَعهُ فَقَالَ إِن جِبْرِيل عرض لي فَقَالَ بعد من أدْرك رَمَضَان فَلم يغْفر لَهُ فَقلت آمين فَلَمَّا رقيت الثَّانِيَة قَالَ بعد من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَقلت آمين فَلَمَّا رقيت الثَّالِثَة قَالَ بعد من أدْرك أبوية الْكبر أَو أَحدهمَا فَلم يدْخل الْجنَّة فَقلت آمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 قَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد وَكَعب بن عجْرَة أَنْصَارِي سلمى كنيته فِيمَا قيل أَبُو إِسْحَاق عداده فِي بني سَالم أخي عَمْرو بن عَوْف وَهُوَ قوقل وَيعرف بنوه بالقواقلة لِأَن عوفاً هَذَا كَانَ لَهُ عز وَمنعه وَكَانَ إِذا جَاءَ خَائِف إِلَيْهِ يَقُول لَهُ قوقل حَيْثُ شِئْت أَي أنزل فَإنَّك آمن وَقَالَ ابْن عبد الْبر كَعْب بن عجْرَة بن أُميَّة بن عدي بن عبيد بن الْحَارِث البلوي ثمَّ السوادي من بني سَواد حَلِيف للْأَنْصَار قيل حَلِيف لبنى حَارِثَة بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج وَقيل حَلِيف لبنى عَوْف بن الْخَزْرَج وَقيل حَلِيف لبنى سَالم من الْأَنْصَار وَقَالَ الْوَاقِدِيّ لَيْسَ بحليف للْأَنْصَار وَلكنه من أنفسهم وَقَالَ ابْن سعد طلبت اسْمه فِي نسب الْأَنْصَار فَلم أَجِدهُ يكنى أَبَا مُحَمَّد وَفِيه نزلت {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} الْبَقَرَة 18 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 نزل الْكُوفَة وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة ثَلَاث أَو إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَهُوَ ابْن خمس وَسبعين سنة روى عَنهُ أهل الْمَدِينَة وَأهل الْكُوفَة وَأما حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ فَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي عَن مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن عَمْرو بن سليم الزرقي أَخْبرنِي أَبُو حميد السَّاعِدِيّ أَنهم قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ نصلي عَلَيْك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَرَوَاهُ مُسلم عَن ابْن نمير عَن روح بن عبَادَة وَعبد الله بن نَافِع الصَّائِغ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن ابْن السَّرْح أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الله بن عَمْرو عَن ابْن وهب وَالنَّسَائِيّ عَن الْحَارِث بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 مِسْكين عَن مُحَمَّد بن مسلمة كِلَاهُمَا عَن ابْن الْقَاسِم وَابْن ماجة عَن عمار بن طالوت عَن عبد الْملك بن الْمَاجشون خمستهم عَن مَالك كَمَا تقدم وَأَبُو حميد السَّاعِدِيّ قَالَ ابْن عبد الْبر اخْتلف فِي اسْمه فَقيل الْمُنْذر ابْن سعد بن الْمُنْذر وَقيل عبد الرَّحْمَن بن سعد بن الْمُنْذر وَقيل عبد الرَّحْمَن ابْن عَمْرو بن سعد بن الْمُنْذر وَقيل عبد الرَّحْمَن بن سعد بن مَالك وَقيل عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو بن سعد بن مَالك بن خَالِد بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج بن سَاعِدَة يعد فِي أهل الْمَدِينَة توفّي فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة روى عَنهُ من الصَّحَابَة جَابر وَمن التَّابِعين عُرْوَة بن الزبير وَالْعَبَّاس بن سهل بن سعد وَمُحَمّد بن عَمْرو بن عَطاء وخارجة بن زيد بن ثَابت وَجَمَاعَة من تَابِعِيّ أهل الْمَدِينَة وَأما حَدِيث أبي أسيد وَأبي حميد فَرَوَاهُ مُسلم عَن يحيى بن يحيى عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن عَن عبد الْملك بن سعيد بن سُوَيْد الْأنْصَارِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا حميد وَأَبا أسيد يَقُولَانِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلْيقل اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك وَإِذا خرج فَلْيقل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من فضلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وَأما حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله هَذَا السَّلَام عَلَيْك قد عَرفْنَاهُ فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم فَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث بن سعد وَعَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة عَن عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم وَعبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي ثَلَاثَتهمْ عَن ابْن الْهَاد عَن عبد الله بن خِّباب عَن أبي سعيد وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة عَن بكر بن مُضر عَن ابْن الْهَاد وَرَوَاهُ ابْن ماجة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن خَالِد بن مخلد عَن عبد الله بن جَعْفَر عَن ابْن الْهَاد وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ اسْمه سعد بن مَالك بن سِنَان وَهُوَ مَشْهُور بكنيته قَالَ ابْن عبد الْبر أول مشاهده الخَنْدَق وغزا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَتَيْ عشرَة غَزْوَة وَكَانَ مِمَّن حفظ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنناً كَثِيرَة وروى عَنهُ علما جما وَكَانَ من نجباء الْأَنْصَار وعلمائهم وفضلائهم توفّي سنة أَربع وَسبعين روى عَنهُ جمَاعَة من الصَّحَابَة وَجَمَاعَة من التَّابِعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وَأما حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله فَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر حَدثنَا مجمع بن يحيى الْأنْصَارِيّ حَدثنِي عُثْمَان بن موهب عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن أَبِيه قَالَ قلت يَا رَسُول الله كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قل اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد // إِسْنَاده صَحِيح // وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن عبيد الله بن سعد عَن عَمه يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن شريك عَن عُثْمَان بن موهب عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن أَبِيه أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كَيفَ نصلي عَلَيْك يَا نَبِي الله قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد أَخْبرنِي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أَنا مُحَمَّد بن بشر حَدثنَا مجمع بن يحيى عَن عُثْمَان بن موهب عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن أَبِيه قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَاحْتج الشَّيْخَانِ بعثمان بن عبد الله بن موهب عَن مُوسَى بن طَلْحَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 وَأما حَدِيث زيد بن خَارِجَة فَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَن عَليّ بن بَحر حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس حَدثنَا عُثْمَان بن حَكِيم حَدثنَا خَالِد بن سَلمَة أَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن دَعَا مُوسَى بن طَلْحَة حِين عرس على ابْنه فَقَالَ يَا أَبَا عِيسَى كَيفَ بلغك فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مُوسَى سَأَلت زيد بن خَارِجَة فَقَالَ أَنا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْك فَقَالَ صلوا واجتهدوا ثمَّ قُولُوا اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد // إِسْنَاده صَحِيح // وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن سعيد بن يحيى الْأمَوِي عَن أَبِيه عَن عُثْمَان بِهِ وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي فضل الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عَليّ بن عبيد الله حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة حَدثنَا عُثْمَان بن حَكِيم عَن خَالِد بن سَلمَة عَن مُوسَى بن طَلْحَة أَخْبرنِي زيد بن حَارِثَة أَخُو بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج قَالَ قلت يَا رَسُول الله قد علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَذكر نَحوه فَقَالَ زيد بن حَارِثَة وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مندة فِي كتاب الصَّحَابَة روى عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن عُثْمَان بن حَكِيم عَن خَالِد بن سَلمَة قَالَ سَمِعت مُوسَى بن طَلْحَة وَسَأَلَهُ عبد الحميد كَيفَ الصَّلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ سَأَلت زيد بن خَارِجَة الْأنْصَارِيّ فَذكره وَأما زيد بن حَارِثَة هَذَا فَهُوَ زيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك بن حَارِثَة بن زيد بن ثَعْلَبَة من بني سَلمَة وَيُقَال ابْن خَارِجَة الخزرجي الْأنْصَارِيّ ذكره ابْن مندة فِي الصَّحَابَة وَالصَّوَاب زيد بن خَارِجَة وَهُوَ ابْن أبي زُهَيْر الْأنْصَارِيّ الخزرجي شهد بَدْرًا توفّي فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ الَّذِي تكلم بعد الْمَوْت قَالَه أَبُو نعيم وَابْن مندة وَابْن عبد الْبر وَقيل بل هُوَ خَارِجَة بن زيد وَالْأول أصح وَالله أعلم وَأما حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن يحيى بن مُوسَى وَزِيَاد بن أَيُّوب حَدثنَا أَبُو عَامر الْعَقدي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عمَارَة بن غزيَّة عَن عبد الله بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن حُسَيْن بن عَليّ عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الْبَخِيل الَّذِي من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث صَحِيح غَرِيب وَفِي بعض النّسخ حَدِيث غَرِيب وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي = الْمُسْتَدْرك = وروى الْحسن بن عَرَفَة عَن الْوَلِيد بن بكير عَن سَالم الخزاز عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن الْحسن بن عَليّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من دُعَاء إِلَّا بَينه وَبَين السَّمَاء وَالْأَرْض حجاب حَتَّى يصلى على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا صلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انخرق الْحجاب واستجيب الدُّعَاء وَإِذا لم يصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يستجب الدُّعَاء وَلَكِن للْحَدِيث ثَلَاث علل إِحْدَاهَا أَنه من رِوَايَة الْحَارِث الْأَعْوَر عَن عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الْعلَّة الثَّانِيَة أَن شُعْبَة قَالَ لم يسمع أَبُو إِسْحَاق السبيعِي من الْحَارِث إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث فَعَدهَا وَلم يذكر هَذَا مِنْهَا وَقَالَهُ الْعجلِيّ أَيْضا الْعلَّة الثَّالِثَة أَن الثَّابِت عَن أبي إِسْحَاق وَقفه على عَليّ رَضِي الله عَنهُ وروى النَّسَائِيّ فِي مُسْنده عَن أبي الْأَزْهَر حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم حَدثنَا حبَان بن يسَار الْكلابِي عَن عبد الرَّحْمَن بن طَلْحَة الْخُزَاعِيّ عَن مُحَمَّد بن عَليّ عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سره أَن يكتال بالمكيال الأوفى إِذا صلى علينا أهل الْبَيْت فَلْيقل اللَّهُمَّ اجْعَل صلواتك وبركاتك على مُحَمَّد النَّبِي وأزواجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَذريته وَأهل بَيته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وحبان بن يسَار وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَقَالَ البُخَارِيّ إِنَّه اخْتَلَط فِي آخر عمره وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلَا بالمتروك وَقَالَ ابْن عدي حَدِيثه فِيهِ مَا فِيهِ لأجل الِاخْتِلَاط الَّذِي ذكر عَنهُ قلت لهَذَا الحَدِيث عِلّة وَهِي أَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي خَالف عَمْرو بن عَاصِم فِيهِ فَرَوَاهُ عَن حبَان بن يسَار حَدثنِي أَبُو الْمطرف الْخُزَاعِيّ حَدثنِي مُحَمَّد بن عَطاء الْهَاشِمِي عَن نعيم المجمر عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من سره أَن يكتال بالمكيال الأوفى فَذكره وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وَله عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن عَمْرو بن عَاصِم قَالَ أخبرنَا حبَان بن يسَار عَن عبد الرَّحْمَن بن طَلْحَة الْخُزَاعِيّ وَقَالَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عبيد الله بن طَلْحَة بن عبيد الله بن كريز وَهَكَذَا هُوَ فِي تَارِيخ البُخَارِيّ وَكتاب ابْن أبي حَاتِم والثقات لِابْنِ حبَان وتهذيب الْكَمَال لشَيْخِنَا أبي الْحجَّاج الْمزي فإمَّا أَن يكون عَمْرو بن عَاصِم وهم فِي اسْمه وَإِمَّا أَن يَكُونَا اثْنَيْنِ وَلَكِن عبد الرَّحْمَن هَذَا مَجْهُول لَا يعرف فِي غير هَذَا الحَدِيث وَلم يذكرهُ أحد من الْمُتَقَدِّمين وَعَمْرو بن عَاصِم وَإِن كَانَ روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم واحتجا بِهِ فموسى بن إِسْمَاعِيل أحفظ مِنْهُ والْحَدِيث لَهُ أصل من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة بِغَيْر هَذَا السَّنَد والمتن وَنحن نذكرهُ قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق السراج أَخْبرنِي أَبُو يحيى وَأحمد بن مُحَمَّد البرتي قَالَا أَنبأَنَا عبد الله بن مسلمة بن قعنب أَنبأَنَا دَاوُد بن قيس عَن نعيم بن عبد الله عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنهم سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت وباركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم وَهَذَا الْإِسْنَاد إِسْنَاد صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب بن مندة عَن الْخفاف عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وَقَالَ الشَّافِعِي أَنبأَنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد أخبرنَا صَفْوَان بن سليم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ يَا رَسُول كَيفَ نصلي عَلَيْك يَعْنِي فِي الصَّلَاة قَالَ تَقولُونَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم ثمَّ تسلمون عَليّ إِبْرَاهِيم هَذَا هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي يحيى الْأَسْلَمِيّ كَانَ الشَّافِعِي يرى الِاحْتِجَاج بِهِ على عُجَره وبجره وَكَانَ يَقُول لِأَن يخر إِبْرَاهِيم من السَّمَاء أحب إِلَيْهِ من أَن يكذب وَقد تكلم فِيهِ مَالك وَالنَّاس ورموه بالضعف وَالتّرْك وَصرح بتكذيبه مَالك وَأحمد وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَيحيى بن معِين وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ ابْن عقدَة الْحَافِظ نظرت فِي حَدِيث إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى كثيرا وَلَيْسَ بمنكر الحَدِيث وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي هُوَ كَمَا قَالَ ابْن عقدَة وَقد نظرت أَنا فِي حَدِيثه الْكثير فَلم أجد فِيهِ مُنْكرا إِلَّا عَن شُيُوخ يحْتَملُونَ يَعْنِي أَن يكون الضعْف مِنْهُم وَمن جهتهم ثمَّ قَالَ ابْن عدي وَقد نظرت فِي أَحَادِيثه وتبحرتها وفتشت الْكل فَلَيْسَ فِيهَا حَدِيث مُنكر وَقد وَثَّقَهُ مُحَمَّد بن سعيد الْأَصْبَهَانِيّ مَعَ الشَّافِعِي وَلأبي هُرَيْرَة أَيْضا أَحَادِيث فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا مَا رَوَاهُ العشاري من حَدِيث مُحَمَّد بن مُوسَى عَن الْأَصْمَعِي حَدثنِي مُحَمَّد بن مَرْوَان السّديّ عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 من صلى على عِنْد قَبْرِي وكلَّ الله بِهِ ملكا يبلغنِي وكفي أَمر دُنْيَاهُ وآخرته وَكنت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شَهِيدا أَو شَفِيعًا لَكِن مُحَمَّد بن مُوسَى هَذَا هُوَ مُحَمَّد بن يُونُس بن مُوسَى الْكُدَيْمِي مَتْرُوك الحَدِيث وَمِنْهَا حَدِيث صَالح مولى التَّوْأَمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا جلس قوم مَجْلِسا فَلم يذكرُوا الله تَعَالَى وَلم يصلوا على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا كَانَ مجلسهم عَلَيْهِم ترة يَوْم الْقِيَامَة إِن شَاءَ عَفا عَنْهُم وَإِن شَاءَ أَخذهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن صَالح بن أبي صَالح وَقَالَ فِيهِ حَدِيث حسن وَرَوَاهُ عَن يُوسُف بن يَعْقُوب حَدثنَا حَفْص بن عمر حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق قَالَ سَمِعت الْأَغَر أَبَا مُسلم قَالَ أشهد على أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا شَهدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر مثله وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كتاب فضل الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَدِيث مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان عَن صَالح وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من رِوَايَة سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ على شَرط مُسلم وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا من حَدِيث شُعْبَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَلَفظه مَا قعد قوم مقْعدا لَا يذكرُونَ الله فِيهِ وَيصلونَ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا كَانَ عَلَيْهِم حسرة يَوْم الْقِيَامَة وَإِن دخلُوا الْجنَّة للثَّواب وَهَذَا الْإِسْنَاد على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن الْحَارِث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَفِيمَا قَالَه نظر فَإِن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن يزِيد رِوَايَة عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 آدم بن أبي إِيَاس ضَعِيف مُتَكَلم فِيهِ وعلته أَن أَبَا إِسْحَاق الْفَزارِيّ رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة // مَوْقُوفا وَصَالح مولى التَّوْأَمَة كَانَ شُعْبَة لَا يروي عَنهُ وَيُنْهِي عَنهُ وَقَالَ مَالك لَيْسَ بِثِقَة فَلَا تأخذن عَنهُ شَيْئا وَقَالَ يحيى لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث وَقَالَ مرّة لم يكن ثِقَة وَقَالَ السَّعْدِيّ تغير وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيف قلت للحفاظ فِي صَالح هَذَا ثَلَاثَة أَقْوَال ثَالِثهَا أحْسنهَا وَهُوَ أَنه ثِقَة فِي نَفسه وَلَكِن تغير بِأخرَة فَمن سمع مِنْهُ قَدِيما فسماعه صَحِيح وَمن سمع مِنْهُ أخيراً فَفِي سَمَاعه شَيْء فَمِمَّنْ سمع مِنْهُ قَدِيما ابْن أبي ذِئْب وَابْن جريج وَزِيَاد بن سعد وأدركه مَالك وَالثَّوْري بعد اخْتِلَاطه وَهَذَا مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ مَا أعلم بَأْسا بِمن سمع مِنْهُ قَدِيما ثمَّ إِن هَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ سُلَيْمَان بن بِلَال عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَلَكِن لم يذكر فِيهِ الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَابعه ابْن أبي أويس عَن عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن سُهَيْل وَقَالَ إِسْمَاعِيل فِي كتاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا سعيد بن زيد عَن لَيْث عَن كَعْب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا عَليّ فَإِن صَلَاتكُمْ عَليّ زَكَاة لكم قَالَ واسألوا الله لي الْوَسِيلَة قَالَ فإمَّا حَدثنَا وَإِمَّا سَأَلنَا قَالَ الْوَسِيلَة أَعلَى دَرَجَة فِي الْجنَّة لَا ينالها إِلَّا رجل وَأَرْجُو أَن أكون أَنا ذَلِك الرجل // ضَعِيف // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر حَدثنَا مُعْتَمر عَن لَيْث فَذكره بِإِسْنَادِهِ وَلَفظه وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَقَالَ إِسْمَاعِيل أَيْضا حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي حَدثنَا عمر بن هَارُون عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن مُحَمَّد بن ثَابت عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صلوا على أَنْبيَاء الله وَرُسُله فَإِن الله بَعثهمْ كَمَا بَعَثَنِي صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم قلت سعيد بن زيد هَذَا هُوَ أَخُو حَمَّاد بن زيد ضعفه يحيى بن سعيد جدا وَقَالَ السَّعْدِيّ يضعفون حَدِيثه وَلَيْسَ بِحجَّة وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ وروى لَهُ مُسلم وَأما الإِمَام أَحْمد فَكَانَ حسن القَوْل فِيهِ قَالَ لَيْسَ بِهِ بَأْس وَقَالَ يحيى بن معِين ثِقَة وَقَالَ البُخَارِيّ ثِقَة وَعمر بن هَارُون ومُوسَى بن عُبَيْدَة وَمُحَمّد بن ثَابت وَإِن لم يَكُونُوا بِحجَّة فَالْحَدِيث لَهُ شَوَاهِد وَمثله يصلح للاستشهاد وَمن حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَيْضا فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الدَّوْرَقِي حَدثنَا ربعي بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّحْمَن ابْن إِسْحَاق عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رغم أنف رجل ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ وَرَغمَ أنف رجل دخل عَلَيْهِ رَمَضَان ثمَّ انْسَلَخَ قبل أَن يغْفر لَهُ وَرَغمَ أنف رجل أدْرك عِنْده أَبَوَاهُ الْكبر فَلم يدْخلَاهُ الْجنَّة // صَحِيح // قَالَ التِّرْمِذِيّ وَفِي الْبَاب عَن جَابر وَأنس وَهَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه ورِبْعِي بن إِبْرَاهِيم هُوَ أَخُو إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وَهُوَ ثِقَة وَهُوَ ابْن علية ويروى عَن بعض أهل الْعلم قَالَ إِذا صلى الرجل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة فِي الْمجْلس أَجْزَأَ عَنهُ مَا كَانَ فِي ذَلِك الْمجْلس وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَعبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق احْتج بِهِ مُسلم وَقَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل صَالح الحَدِيث وَتكلم فِيهِ بَعضهم وَقَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد ثِقَة إِلَّا أَنه قدري وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي حَدثنَا أَبُو ثَابت حَدثنَا عبد الْعَزِيز ابْن أبي حَازِم عَن كثير بن زيد عَن الْوَلِيد بن رَبَاح عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رقى الْمِنْبَر فَقَالَ آمين آمين آمين فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله مَا كنت تصنع هَذَا فَقَالَ قَالَ لي جِبْرِيل رغم أنف رجل دخل عَلَيْهِ رَمَضَان وَلم يغْفر لَهُ فَقلت آمين ثمَّ قَالَ رغم أنف عبد أدْرك أَبَوَيْهِ أَو أَحدهمَا الْكبر لم يدْخل الْجنَّة فَقلت آمين ثمَّ رغم أنف عبد ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَقلت آمين // إِسْنَاده حسن // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 كثير بن زيد وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَقَالَ أَبُو زرْعَة صَدُوق وَقد تكلم فِيهِ وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة فَذكره وَقَالَ فِيهِ من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَمَاتَ فَدخل النَّار فَأَبْعَده الله قل آمين فَقلت آمين وَمُحَمّد بن عَمْرو هَذَا أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي المتابعات وَوَثَّقَهُ ابْن معِين ويصحح لَهُ التِّرْمِذِيّ وَرَغمَ بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَي لصق بِالتُّرَابِ وَهُوَ الرغام وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي هُوَ بِفَتْح الْغَيْن وَمَعْنَاهُ ذل وَمن حَدِيثه أَيْضا مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى على وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ عشرا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث // حسن صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وَفِي بعض أَلْفَاظه من صلى على مرّة وَاحِدَة كتب لَهُ بهَا عشر حَسَنَات ذكرهَا ابْن حبَان وَمن حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَا روى ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ حَدثنَا الضَّحَّاك بن عُثْمَان حَدثنَا سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَليقل اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك فَإِذا خرج فليسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَليقل اللَّهُمَّ أجرني من الشَّيْطَان وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ بِهِ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْحسن بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن فيل صَاحب الْجُزْء الْمَعْرُوف عَن مُسلم بن عَمْرو حَدثنَا عبد الله بن نَافِع عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبوراً وَلَا تجْعَلُوا قَبْرِي عيداً وصلوا عَليّ فَإِن صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُمَا كُنْتُم // سَنَده حسن // وَمن حَدِيثه أَيْضا مَا رَوَاهُ مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا عبد السَّلَام ابْن عجلَان حَدثنَا أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله سيارة من الْمَلَائِكَة إِذا مروا بحلق الذّكر قَالَ بَعضهم لبَعض اقعدوا فَإِذا دَعَا الْقَوْم أمنُوا على دُعَائِهِمْ فَإِذا صلوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا مَعَهم حَتَّى يفرغوا ثمَّ يَقُول بَعضهم لبَعض طُوبَى لهَؤُلَاء يرجعُونَ مغفوراً لَهُم رَوَاهُ أَبُو سعيد الْقَاص فِي فَوَائده وَمن حَدِيثه أَيْضا مَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد قَالَ احْمَد حَدثنَا عبد الله بن يزِيد حَدثنَا حَيْوَة حَدثنَا أَبُو صَخْر أَن يزِيد بن عبد الله ابْن قسيط أخبرهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من مُسلم يسلم عَليّ إِلَّا رد الله إِلَيّ روحي حَتَّى أرد إِلَيْهِ السَّلَام // إِسْنَاده حسن // أَبُو صَخْر اسْمه حميد بن زِيَاد وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن عَوْف عَن عبد الله بن يزِيد الْمُقْرِئ وَقد صَحَّ إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَسَأَلت شَيخنَا عَن سَماع يزِيد بن عبد الله من أبي هُرَيْرَة فَقَالَ مَا كَأَنَّهُ أدْركهُ وَهُوَ ضَعِيف فَفِي سَمَاعه مِنْهُ نظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وَقَالَ أَبُو الشَّيْخ فِي = كتاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الْأَعْرَج حَدثنَا الْحسن بن الصَّباح حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على عِنْد قَبْرِي سمعته وَمن صلى عَليّ من بعيد أعلمته وَهَذَا الحَدِيث غَرِيب جدا وَمن حَدِيثه أَيْضا مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم عَن الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا عبيد الله بن مُحَمَّد الْعمريّ حَدثنَا أَبُو مُصعب حَدثنَا مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مُسلم يسلم عَليّ فِي شَرق وَلَا فِي غرب إِلَّا أَنا وملائكة رَبِّي نرد عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ قَائِل يَا رَسُول الله مَا بَال أهل الْمَدِينَة قَالَ وَمَا يُقَال لكريم فِي جيرته وجيرانه إِنَّه مِمَّا أَمر بِهِ من حفظ الْجوَار وَحفظ الْجِيرَان // ضَعِيف // قَالَ مُحَمَّد بن عُثْمَان الْحَافِظ هَذَا وَضعه الْعمريّ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِن هَذَا الْإِسْنَاد لَا يحْتَمل هَذَا الحَدِيث وَأما حَدِيث بُرَيْدَة بن الْحصيب فَرَوَاهُ الْحسن بن شَاذان عَن عبد الله ابْن إِسْحَاق الْخُرَاسَانِي حَدثنَا الْحسن بن مكرم حَدثنَا يزِيد بن هَارُون حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن أبي دَاوُد عَن بُرَيْدَة قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله قد علمنَا السَّلَام عَلَيْك فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ أجعَل صلواتك ورحمتك على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا جَعلتهَا على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَأَبُو دَاوُد هُوَ نفيع بن الْحَارِث الْأَعْمَى وَإِن كَانَ متروكاً مطرح الحَدِيث فالعمدة على مَا تقدم وَلَا يضر إِخْرَاج حَدِيثه فِي الشواهد دون الْأُصُول وَأما حَدِيث سهل بن سعد السَّاعِدِيّ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم عَن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة الْعُتْبِي حَدثنَا عبيد الله بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر حَدثنَا ابْن أبي فديك عَن أبي بن عَبَّاس بن سهل عَن أَبِيه عَن جده سهل بن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا صَلَاة لمن لَا وضوء لَهُ وَلَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَلَا صَلَاة لمن لم يصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا صَلَاة لمن لَا يحب الْأَنْصَار رَوَاهُ ابْن ماجة من حَدِيث عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس أخي أبيّ بن عَبَّاس فَأَما أبيّ بن عَبَّاس فقد احْتج بِهِ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَضَعفه أَحْمد وَيحيى بن معِين وَغَيرهمَا وَأما أَخُوهُ عبد الْمُهَيْمِن فمتفق على تَركه واطِّراح حَدِيثه فَإِن كَانَ عبد الْمُهَيْمِن قد سَرقه من أَخِيه فَلَا يضر الحَدِيث شَيْء وَلَا ينزل عَن دَرَجَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الحَدِيث الْحسن وَإِن كَانَ ابْن أَبى فديك أَو من دونه غلط من عبد الْمُهَيْمِن إِلَى أَخِيه أبي وَهُوَ الْأَشْبَه وَالله أعلم لِأَن الحَدِيث مَعْرُوف بِعَبْد الْمُهَيْمِن فَتلك عِلّة قَوِيَّة فِيهِ وَله حَدِيث آخر رَوَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن حبيب حَدثنَا ابْن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل بن سعد قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أَنا بِأبي طَلْحَة فَقَامَ إِلَيْهِ فَتَلقاهُ فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله إِنِّي لأرى السرُور فِي وَجهك قَالَ أجل إِنَّه أَتَانِي جِبْرِيل آنِفا فَقَالَ يَا مُحَمَّد من صلى عَلَيْك مرّة أَو قَالَ وَاحِدَة كتب الله لَهُ بهَا عشر حَسَنَات ومحا عَنهُ عشر سيئات وَرفع لَهُ بهَا عشر دَرَجَات قَالَ ابْن حبيب وَلَا أعلمهُ إِلَّا قَالَ وصلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة عشر مَرَّات وَهَذَا الحَدِيث بِمُسْنَد سهل أولى مِنْهُ بِمُسْنَد أبي طَلْحَة وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود فَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث اللَّيْث بن سعد عَن خَالِد بن يزِيد عَن سعيد بن أبي هِلَال عَن يحيى بن السباق عَن رجل من آل الْحَارِث عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا تشهد أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلْيقل اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 مُحَمَّد كَمَا صليت وباركت وترحمت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن هَكَذَا وَفِي تَصْحِيح الْحَاكِم لهَذَا الحَدِيث نظر ظَاهر فَإِن يحيى بن السباق وَشَيْخه غير معروفين بعدالة وَلَا جرح وَقد ذكر أَبُو حَاتِم بن حبَان يحيى بن السباق فِي كتاب الثِّقَات وَقد روى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد حَدثنِي مُجَاهِد حَدثنِي ابْن أبي ليلى أَو أَبُو معمر قَالَ عَلمنِي ابْن مَسْعُود التَّشَهُّد وَقَالَ علمنيه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا كَانَ يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل بَيت مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ صل علينا مَعَهم اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى أهل بَيته كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ بَارك علينا مَعَهم صلوَات الله وصلوات الْمُؤمنِينَ على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته قَالَ وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول إِذا سلم فَبلغ وعَلى عباد الله الصَّالِحين لقد سلّم على أهل السَّمَاء وَالْأَرْض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَعلة هَذَا الحَدِيث أَنه من رِوَايَة عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد وَقد ضعفه يحيى بن معِين وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهمَا وَقَالَ فِيهِ الْحَاكِم يروي عَن أَبِيه أَحَادِيث مَوْضُوعه وَله عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن ابْن مَسْعُود الْمَحْفُوظ عَنهُ فِي التَّشَهُّد إِلَى أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ رُوِيَ عَنهُ مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا فَإذْ قلت هَذَا فقد تمت صَلَاتك فَإِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ وَالْمَوْقُوف أشبه وَأَصَح وَمن حَدِيث ابْن مَسْعُود أَيْضا مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن حمدَان الْمروزِي حَدثنَا عبد الله بن خبيق حَدثنَا يُوسُف بن أَسْبَاط عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن رجل عَن زر عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يصل عَليّ فَلَا دين لَهُ وَرُوِيَ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه من حَدِيث مُوسَى بن يَعْقُوب الزمعِي عَن عبد الله بن كيسَان عَن عبد الله بن شَدَّاد عَن ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أولى النَّاس بِي يَوْم الْقِيَامَة أَكْثَرهم عَليّ صَلَاة قَالَ التِّرْمِذِيّ // حَدِيث حسن غَرِيب // وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث خَالِد بن مخلد عَن مُوسَى بن يَعْقُوب وَقَالَ فِيهِ عَن عبد الله بن شَدَّاد عَن أَبِيه عَن ابْن مَسْعُود وَهُوَ فِي مُسْند الْبَزَّار وَالتِّرْمِذِيّ عِنْده عَن ابْن شَدَّاد عَن ابْن مَسْعُود وَعند أبي حَاتِم عَن ابْن شَدَّاد عَن أَبِيه عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَغَوِيّ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا خَالِد بن مخلد حَدثنَا مُوسَى فَذكره وَقَالَ عَن ابْن شَدَّاد عَن أَبِيه عَن ابْن مَسْعُود وَقد روى ابْن ماجة فِي سنَنه من حَدِيث المَسْعُودِيّ عَن عون بن عبد الله عَن أبي فَاخِتَة عَن الْأسود بن يزِيد عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ إِذا صليتم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأحْسنُوا الصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِنَّكُم لَا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِك يعرض عَلَيْهِ قَالَ فَقَالُوا لَهُ فَعلمنَا قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ اجْعَل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد الْمُرْسلين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وَخَاتم النَّبِيين مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك إِمَام الْخَيْر وقائد الْخَيْر وَرَسُول الرَّحْمَة اللَّهُمَّ ابعثه مقَاما مَحْمُودًا يغبطه بِهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَمن حَدِيثه أَيْضا مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث سُفْيَان عَن عبد الله ابْن السَّائِب عَن زَاذَان عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن لله مَلَائِكَة سياحين يبلغوني عَن أمتِي السَّلَام وَهَذَا // إِسْنَاد صَحِيح // وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي يعلي عَن أَبى خَيْثَمَة عَن وَكِيع عَن سُفْيَان بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وَأما حَدِيث فضَالة بن عبيد رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الإِمَام أَحْمد حَدثنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ قَالَ حَدثنَا حَيْوَة بن شُرَيْح قَالَ أَخْبرنِي أَبُو هَانِئ حميد بن هَانِئ أَن أَبَا عَليّ عَمْرو بن مَالك الْجَنبي حَدثهُ أَنه سمع فضَالة بن عبيد صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يَدْعُو فِي صلَاته لم يمجد الله وَلم يصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عجل هَذَا ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَو لغيره إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتمجيد ربه وَالثنَاء عَلَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو بعد بِمَا شَاءَ فَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ // حَدِيث صَحِيح // فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن الْمُقْرِئ وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن وهب عَن حَيْوَة وَابْن خُزَيْمَة فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 صَحِيحه عَن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب عَن عَمه عَن أبي هَانِئ قَالَ أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي وأظن سقط من رِوَايَته حَيْوَة وَعَن بكر بن إِدْرِيس بن الْحجَّاج ابْن هَارُون الْمصْرِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق السراج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَأما حَدِيث أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند حَدثنَا شُرَيْح حَدثنَا أَبُو معشر عَن إِسْحَاق بن كَعْب بن عجْرَة عَن أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ قَالَ أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا طيب النَّفس يرى فِي وَجهه الْبشر قَالُوا يَا رَسُول الله أَصبَحت الْيَوْم طيب النَّفس يُرى فِي وَجهك الْبشر قَالَ أجل أَتَانِي آتٍ من رَبِّي عز وَجل فَقَالَ من صلى عَلَيْك من أمتك صَلَاة كتب الله لَهُ بهَا عشر حَسَنَات ومحا عَنهُ عشر سيئات وَرفع لَهُ عشر دَرَجَات ورد عَلَيْهِ مثلهَا // حَدِيث صَحِيح // حَدثنَا أَبُو كَامِل حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن سلمَان مولى الْحسن بن عَليّ عَن عبد الله بن أَبى طَلْحَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ ذَات يَوْم وَالسُّرُور يرى فِي وَجهه فَقَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّا لنرى السرُور فِي وَجهك فَقَالَ إِنَّه أَتَانِي الْملك فَقَالَ يَا مُحَمَّد أما يرضيك أَن رَبك عز وَجل يَقُول إِنَّه لَا يُصَلِّي عَلَيْك أحد من أمتك إِلَّا صليت عَلَيْهِ عشرا وَلَا يسلم عَلَيْك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 أحد من أمتك إِلَّا سلمت عَلَيْهِ عشرا قَالَ بلَى وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن الْمُبَارك وَعَفَّان عَن حَمَّاد وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه أَيْضا من حَدِيث حَمَّاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 وَأما حَدِيث أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْمثنى عَن أبي دَاوُد حَدثنَا أَبُو سَلمَة وَهُوَ الْمُغيرَة بن مُسلم الْخُرَاسَانِي عَن أبي إِسْحَاق عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ذكرت عِنْده فَليصل عَليّ وَمن صلى عَليّ مرّة صلى الله عَلَيْهِ عشرا حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا يحيى بن آدم حَدثنَا يُونُس بن أبي إِسْحَاق حَدثنِي بريد بن أبي مَرْيَم عَن أنس أَنه سَمعه يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ صَلَاة وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ عشر صلوَات وَحط عَنهُ بهَا عشر سيئات وَرَفعه بهَا عشر دَرَجَات // حَدِيث صَحِيح // وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند عَن أبي نعيم عَن يُونُس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْخَلِيل عَن أبي كريب عَن مُحَمَّد بن بشر الْعَبْدي عَن يُونُس وعلته مَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّسَائِيّ فِي كِتَابه الْكَبِير أَن مخلد بن يزِيد رَوَاهُ عَن يُونُس بن أبي إِسْحَاق عَن بريد بن أبي مَرْيَم عَن الْحسن عَن أنس وَهَذِه الْعلَّة لَا تقدح فِيهِ شَيْئا لِأَن الْحسن لَا شكّ فِي سَمَاعه من أنس وَقد صَحَّ سَماع بريد بن أبي مَرْيَم من أنس أَيْضا هَذَا الحَدِيث وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث يُونُس بن أبي إِسْحَاق عَن بريد بن أبي مَرْيَم قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك فَذكره وَلَعَلَّ بريدا بن أبي الْحسن ثمَّ سَمعه من أنس فَحدث بِهِ على الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ كنت أزامل الْحسن فِي مُحَمَّد فَقَالَ حَدثنَا أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره ثمَّ إِنَّه حَدثهُ بِهِ أنس فَرَوَاهُ عَنهُ كَمَا تقدم لَكِن يبْقى أَن يُقَال يحْتَمل أَن يكون هَذَا هُوَ حَدِيث أَبى طَلْحَة بِعَيْنِه أرْسلهُ أنس عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي أويس حَدثنِي أخي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عبد الله بن عمر عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ قَالَ أنس بن مَالك قَالَ أَبُو طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَلَيْهِم يَوْمًا يعْرفُونَ الْبشر فِي وَجهه فَقَالُوا إِنَّا نَعْرِف الْآن الْبشر فِي وَجهك فَذكر حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 أبي طَلْحَة الْمُتَقَدّم وَالله أعلم وروى العشاري من حَدِيث الحكم بن عَطِيَّة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على فِي يَوْم ألف مرّة لم يمت حَتَّى يرى مَقْعَده من الْجنَّة // إِسْنَاده ضَعِيف // قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي فِي كتاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أعرفهُ إِلَّا من حَدِيث الحكم بن عَطِيَّة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ حدث عَن ثَابت أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا وَقَالَ الإِمَام أَحْمد لَا بَأْس بِهِ إِلَّا أَن أَبَا دَاوُد الطَّيَالِسِيّ روى عَنهُ أَحَادِيث مُنكرَة وَقَالَ وَرُوِيَ عَن يحيى بن معِين أَنه قَالَ هُوَ ثِقَة وَقَالَ جَعْفَر الْفرْيَابِيّ حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا الْفضل ابْن دُكَيْن حَدثنَا سَلمَة بن وردان قَالَ سَمِعت أنسا يَقُول ارْتقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر فرقى دَرَجَة فَقَالَ آمين ثمَّ ارْتقى دَرَجَة فَقَالَ آمين ثمَّ ارْتقى الثَّالِثَة فَقَالَ آمين ثمَّ اسْتَوَى فَجَلَسَ فَقَالَ أَصْحَابه أَي نَبِي الله علام آمّنت فَقَالَ أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ رغم أنف امْرِئ أدْرك أبوية الْكبر أَو أَحدهمَا لم يدْخل الْجنَّة فَقلت آمين وَرَغمَ أنف امْرِئ أدْرك رَمَضَان فَلم يغْفر لَهُ قلت آمين قَالَ وَرَغمَ أنف امْرِئ ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَقلت آمين // حَدِيث صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 رَوَاهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي عَن معَاذ بن معَاذ حَدثنَا القعْنبِي حَدثنَا سَلمَة بن وردان فَذكره وَسَلَمَة هَذَا لين الحَدِيث قد تكلم فِيهِ وَلَيْسَ مِمَّن يطْرَح حَدِيثه وَلَا سِيمَا حَدِيث لَهُ شَوَاهِد وَهُوَ مَعْرُوف من حَدِيث غَيره وَمن حَدِيث أنس أَيْضا مَا رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي حَدثنَا شباب خَليفَة بن خياط حَدثنَا درست بن حَمْزَة عَن مطر الْوراق عَن قَتَادَة عَن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من عَبْدَيْنِ متحابين يسْتَقْبل أَحدهمَا صَاحبه ويصليان على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَتَفَرَّقَا حَتَّى تغْفر لَهما ذنوبهما مَا تقدم مِنْهَا وَمَا تَأَخّر وَمن حَدِيث أنس أَيْضا مَا رَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم حَدثنَا الْحسن ابْن الزار حَدثنَا شَبابَة حَدثنَا الْمُغيرَة بن مُسلم عَن أبي إِسْحَاق عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا عَليّ فَإِن الصَّلَاة عَليّ كَفَّارَة لكم فَمن صلى عَليّ صلى الله عَلَيْهِ وَمن حَدِيثه أَيْضا مَا رَوَاهُ ابْن شاهين حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْبَراء حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الدينَوَرِي حَدثنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 قُرَّة بن حبيب الْقشيرِي حَدثنَا الحكم بن عَطِيَّة عَن ثَابت عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ فِي يَوْم ألف مرّة لم يمت حَتَّى يرى مَقْعَده من الْجنَّة وَتقدم هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَأما حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق حَدثنَا عبد الله بن مسلمة حَدثنَا سَلمَة بن وردان قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك قَالَ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتبرز فَلم يجد أحدا يتبعهُ فَفَزعَ عمر فَاتبعهُ بمطهرة يَعْنِي إداوة فَوَجَدَهُ سَاجِدا فِي شربة فَتنحّى عمر فَجَلَسَ وَرَاءه حَتَّى رفع رَأسه قَالَ فَقَالَ أَحْسَنت يَا عمر حِين وجدتني سَاجِدا فتنحيت عني إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَقَالَ من صلى عَلَيْك وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ عشرا وَرَفعه عشر دَرَجَات // إِسْنَاده صَحِيح // وَهَذَا الحَدِيث يحْتَمل أَن يكون فِي مُسْند أنس وَأَن يكون فِي مُسْند عمر وَجعله فِي مُسْند عمر أظهر لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن سِيَاقه يدل على أَن أنسا لم يحضر الْقِصَّة وَأَن الَّذِي حضرها عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الثَّانِي أَن القَاضِي إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا يَعْقُوب بن حميد حَدثنِي أنس بن عِيَاض عَن سَلمَة بن وردان حَدثنِي مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتبرز فاتبعته بإداوة من مَاء فَوَجَدته سَاجِدا فِي شربة فتنحيت عَنهُ فَلَمَّا فرغ رفع رَأسه فَقَالَ أَحْسَنت يَا عمر حِين تنحيت عني إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَقَالَ من صلى عَلَيْك صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ عشرا وَرَفعه عشر دَرَجَات فَإِن قيل فَهَذَا الحَدِيث الثَّانِي عِلّة للْحَدِيث الأول لِأَن سَلمَة بن وردان أخبر أَنه سَمعه من مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان قيل لَيْسَ بعلة لَهُ فقد سَمعه سَلمَة بن وردان مِنْهُمَا قَالَ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي كتاب مُسْند عمر حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الْمُؤمن أَنبأَنَا أَبُو مُوسَى الْفَروِي حَدثنِي أَبُو ضَمرَة عَن سَلمَة بن وردان قَالَ سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عمر بن الْخطاب بإداوة وحجارة فَوَجَدَهُ قد فرغ ووجده سَاجِدا فِي شربة فَتنحّى عمر وَذكر الحَدِيث حَدثنَا عمرَان بن مُوسَى حَدثنَا ابْن كاسب حَدثنَا أنس بن عِيَاض عَن سَلمَة بن وردان حَدثنِي مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان عَن عمر وحَدثني أنس بن مَالك ثمَّ سَاقه من حَدِيث الْفضل بن دُكَيْن حَدثنَا سَلمَة بن وردان سَمِعت أنس بن مَالك وَمَالك بن أَوْس بن الْحدثَان فَذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَقَالَ ابْن شاهين حَدثنِي الْعَبَّاس بن الْعَبَّاس بن الْمُغيرَة حَدثنَا عبيد الله بن ربيعَة قَالَ سَمِعت عبد الله بن شريك عَن عَاصِم بن عبيد الله عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن عمر بن الْخطاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا فَلْيقل عبد بعد عَليّ من الصَّلَاة أَو ليكْثر وَمن حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ فِي الْبَاب مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه من حَدِيث النَّضر بن شُمَيْل عَن أبي قُرَّة الْأَسدي عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ إِن الدُّعَاء مَوْقُوف بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لَا يصعد مِنْهُ شَيْء حَتَّى تصلي على نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا رَوَاهُ مَوْقُوفا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُسْند عمر من حَدِيث النَّضر أتم من هَذَا قَالَ أَخْبرنِي الْحسن حَدثنَا مُحَمَّد بن قدامَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم قَالَا أخبرنَا النَّضر عَن أبي قُرَّة سَمِعت سعيد بن الْمسيب يَقُول قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مَا من امْرِئ مُسلم يَأْتِي فضاء من الأَرْض فَيصَلي بِهِ الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ أَصبَحت عَبدك على عَهْدك وَوَعدك خلقتني وَلم أك شَيْئا أستغفرك لذنبي فَإِنِّي قد أرهقتني ذُنُوبِي وأحاطت بِي إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 أَن تغفرها فَأغْفِر لي يَا رَحْمَن إِلَّا غفر الله لَهُ فِي ذَلِك المقعد ذَنبه وَإِن كَانَ مثل زبد الْبَحْر وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ذكر لي أَن الدُّعَاء يكون بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لَا يصعد مِنْهُ شَيْء حَتَّى تصلي على نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ذكر لي أَن الْأَعْمَال تتباهى فَتَقول الصَّدَقَة أَنا أفضلكن وَقَالَ عمر مَا من امْرِئ مُسلم يتَصَدَّق بزوجين من مَاله إِلَّا ابتدرته حجبة الْجنَّة قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ الأول فِي صَلَاة الضُّحَى مَوْقُوف وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة بزوجين من مَاله مَوْقُوف وَالْبَاقِي سَوَاء قلت يُرِيد أَن حَدِيث الصَّلَاة وَحَدِيث تباهي الْأَعْمَال يحْتَمل الرّفْع وَيحْتَمل الْوَقْف على السوَاء قلت رُوِيَ حَدِيث الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَدِيث معَاذ بن الْحَارِث عَن أبي قُرَّة مَرْفُوعا لكنه لَا يثبت وَالْمَوْقُوف أشبه وَالله أعلم وَحَدِيث أنس بن مَالك عَنهُ الْمُتَقَدّم قد رُوِيَ بطرِيق آخر قَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن بحير بِمصْر حَدثنَا عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب حَدثنِي عبيد الله بن عمر عَن الحكم بن عتيبة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الْأسود بن يزِيد عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحَاجَتِهِ فَلم يجد أحدا يتبعهُ فَفَزعَ عمر فَأَتَاهُ بمطهرة من خَلفه فَوجدَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدا فِي شربة فَتنحّى عَنهُ من خَلفه حَتَّى رفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه وَقَالَ أَحْسَنت يَا عمر حِين وجدتني سَاجِدا فتنحيت عني إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَقَالَ من صلى عَلَيْك من أمتك وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ عشرا وَرَفعه بهَا عشر دَرَجَات قَالَ الطَّبَرَانِيّ لم يروه عَن عبيد الله بن عمر إِلَّا يحيى بن أَيُّوب تفرد بِهِ عَمْرو بن طَارق // إِسْنَاده حسن // وَأما حَدِيث عَامر بن ربيعَة فَقَالَ أَحْمد فِي مُسْنده حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن عَاصِم بن عبيد الله قَالَ سَمِعت عبد الله بن عَامر بن ربيعَة يحدث عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب على الْمِنْبَر وَيَقُول من صلى عليّ صَلَاة لم تزل الْمَلَائِكَة تصلي عَلَيْهِ مَا صلى عليّ فَلْيقل عبد من ذَلِك أَو ليكْثر وَرَوَاهُ ابْن ماجة عَن بكير بن خلف عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن شُعْبَة وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن عبد الله بن عَامر عَن أَبِيه وَلَفظه من صلى على صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ فَأَكْثرُوا أَو أقلوا وَعَاصِم بن عبيد الله بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَعبد الله بن عمر الْعمريّ وَإِن كَانَ حَدِيثهمَا فِيهِ بعض الضعْف فرواية هَذَا الحَدِيث من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ الْمُخْتَلِفين يدل على أَن لَهُ أصلا وَهَذَا لَا ينزل عَن وسط دَرَجَات الْحسن وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وَأما حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده حَدثنَا أَبُو سَلمَة مَنْصُور بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ وَيُونُس قَالَا حَدثنَا لَيْث عَن يزِيد بن الْهَاد عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أبي الْحُوَيْرِث عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاتبعته حَتَّى دخل نخلا فَسجدَ فَأطَال السُّجُود حَتَّى خفت أَو خشيت أَن يكون الله قد توفاه أَو قَبضه قَالَ فَجئْت أنظر فَرفع رَأسه فَقَالَ مَا لَك يَا عبد الرَّحْمَن قَالَ فَذكرت ذَلِك لَهُ قَالَ فَقَالَ إِن جِبْرِيل قَالَ لي أَلا أُبَشِّرك إِن الله عز وَجل يَقُول من صلى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ وَمن سلم عَلَيْك سلمت عَلَيْهِ حَدثنَا أَبُو سعيد مولى بني هَاشم حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال حَدثنَا عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن عبد الْوَاحِد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَذكره وَقَالَ فِيهِ فسجدت لله شكرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عَمْرو وَقَالَ // صَحِيح الْإِسْنَاد // وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا عَن يحيى بن جَعْفَر حَدثنَا زيد بن الْحباب أَخْبرنِي مُوسَى بن عُبَيْدَة أَخْبرنِي قيس بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن جده عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ سجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَجْدَة فأطالها فَقلت لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ إِنِّي سجدت هَذِه السَّجْدَة شكرا لله عز وَجل فِيمَا أبلاني فِي أمتِي فَإِنَّهُ من صلى على صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا ومُوسَى بن عُبَيْدَة وَإِن كَانَ فِي حَدِيثه بعض الضعْف فَهُوَ شَاهد لما تقدم وَقَالَ المخلص حَدثنَا الْبَغَوِيّ حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا خَالِد ابْن مخلد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال حَدثنَا عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن عبد الرَّحْمَن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَقِيَنِي جِبْرِيل فبشرني إِن الله عز وَجل يَقُول لَك من صلى عَلَيْك صَلَاة صليت عَلَيْهِ وَمن سلم عَلَيْك سلمت عَلَيْهِ فسجدت لذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وَأما حَدِيث أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ عبد بن حميد فِي مُسْنده حَدثنَا قبيصَة بن عقبَة حَدثنَا سُفْيَان عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن الطُّفَيْل بن أبيّ عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذهب ربع اللَّيْل قَامَ فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس اذْكروا الله اذْكروا الله جَاءَت الراجفة تتبعها الرادفة جَاءَ الْمَوْت بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْت بِمَا فِيهِ قَالَ أبي بن كَعْب قلت يَا رَسُول الله إِنِّي أَكثر الصَّلَاة عَلَيْك فكم أجعَل لَك من صَلَاتي قَالَ مَا شِئْت قلت الرّبع قَالَ مَا شِئْت وَإِن زِدْت فَهُوَ خير قلت النّصْف قَالَ مَا شِئْت وَإِن زِدْت فَهُوَ خير قلت الثُّلثَيْنِ قَالَ مَا شِئْت وَإِن زِدْت فَهُوَ خير قَالَ قلت أجعَل لَك صَلَاتي كلهَا قَالَ إِذا تكفى همك وَيغْفر لَك ذَنْبك // إِسْنَاده حسن // وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن هناد عَن قبيصَة بِهِ وَأخرجه الإِمَام أَحْمد فِي = الْمسند = عَن وَكِيع عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح وَعبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 مُحَمَّد بن عقيل احْتج بِهِ الْأَئِمَّة الْكِبَار كالحميدي وَأحمد وَإِسْحَاق وَغَيرهم وَالتِّرْمِذِيّ يصحح هَذِه التَّرْجَمَة تَارَة ويحسنها تَارَة وَسُئِلَ شَيخنَا أَبُو الْعَبَّاس عَن تَفْسِير هَذَا الحَدِيث فَقَالَ كَانَ لأبي بن كَعْب دُعَاء يَدْعُو بِهِ لنَفسِهِ فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل يَجْعَل لَهُ مِنْهُ ربعه صَلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن زِدْت فَهُوَ خير لَك فَقَالَ لَهُ النّصْف فَقَالَ إِن زِدْت فَهُوَ خير لَك إِلَى أَن قَالَ أجعَل لَك صَلَاتي كلهَا أَي أجعَل دعائي كُله صَلَاة عَلَيْك قَالَ إِذا تَكْفِي همك وَيغْفر لَك ذَنْبك لِأَن من صلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا وَمن صلى الله عَلَيْهِ كَفاهُ همه وَغفر لَهُ ذَنبه هَذَا معنى كَلَامه رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَأما حَدِيث أَوْس بن أَوْس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق آدم وَفِيه قبض وَفِيه النفخة وَفِيه الصعقة فَأَكْثرُوا عليّ من الصَّلَاة فِيهِ فَإِن صَلَاتكُمْ معروضة عَليّ قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ تعرض عَلَيْك صَلَاتنَا وَقد أرمت يَعْنِي وَقد بليت فَقَالَ إِن الله عز وَجل حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء // إِسْنَاده صَحِيح // قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ الْجعْفِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر عَن أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ عَن أَوْس فَذكره وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن هَارُون بن عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وَالنَّسَائِيّ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَابْن ماجة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة ثَلَاثَتهمْ عَن حُسَيْن الْجعْفِيّ وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك أَيْضا من حَدِيث حُسَيْن الْجعْفِيّ وَقد أعله بعض الْحفاظ بِأَن حُسَيْنًا الْجعْفِيّ حدث بِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر عَن أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ عَن أَوْس بن أَوْس قَالَ وَمن تَأمل هَذَا الْإِسْنَاد لم يشك فِي صِحَّته لثقة رُوَاته وشهرتهم وَقبُول الْأَئِمَّة أَحَادِيثهم وعلته أَن حُسَيْنًا الْجعْفِيّ لم يسمع من عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر وَإِنَّمَا سمع من عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم لَا يحْتَج بِهِ فَلَمَّا حدث بِهِ حُسَيْن الْجعْفِيّ غلط فِي اسْم الْجد فَقَالَ ابْن جَابر وَقد بَين ذَلِك الْحفاظ ونبهوا عَلَيْهِ فَقَالَ البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ الْكَبِير عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم السّلمِيّ الشَّامي عَن مَكْحُول سمع مِنْهُ الْوَلِيد بن مُسلم عِنْده مَنَاكِير وَيُقَال هُوَ الَّذِي روى عَنهُ أَبُو أُسَامَة وحسين الْجعْفِيّ وَقَالا هُوَ ابْن يزِيد بن جَابر وغلطا فِي نسبه وَيزِيد بن تَمِيم أصح وَهُوَ // ضَعِيف الحَدِيث // وَقَالَ الْخَطِيب روى الْكُوفِيُّونَ أَحَادِيث عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر ووهموا فِي ذَلِك وَالْحمل عَلَيْهِم فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث وَقَالَ مُوسَى بن هَارُون الْحَافِظ روى أَبُو أُسَامَة عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر وَكَانَ ذَلِك وهما مِنْهُ هُوَ لم يلق عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر وَإِنَّمَا لَقِي عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم فَظن أَنه ابْن جَابر نَفسه ابْن تَمِيم ضَعِيف وَقد أَشَارَ غير وَاحِد من الْحفاظ إِلَى مَا ذكره هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وَجَوَاب هَذَا التَّعْلِيل من وُجُوه أَحدهَا أَن حُسَيْن بن عَليّ الْجعْفِيّ قد صرح بِسَمَاعِهِ لَهُ من عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه حَدثنَا ابْن خُزَيْمَة حَدثنَا أَبُو كريب حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر فَصرحَ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَقَوْلهمْ إِنَّه ظن أَنه ابْن جَابر وَإِنَّمَا هُوَ ابْن تَمِيم فغلط فِي اسْم جده بعيد فَإِنَّهُ لم يكن يشْتَبه على حُسَيْن هَذَا بِهَذَا مَا نَقده وَعلمه بهما وسماعه مِنْهُمَا فَإِن قيل فقد قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم فِي كتاب الْعِلَل سَمِعت أبي يَقُول عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر لَا أعلم أحدا من أهل الْعرَاق يحدث عَنهُ وَالَّذِي عِنْدِي أَن الَّذِي يروي عَنهُ أَبُو أُسَامَة وحسين الْجعْفِيّ وَاحِد وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم لِأَن أَبَا أُسَامَة روى عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة خَمْسَة أَحَادِيث أَو سِتَّة أَحَادِيث مُنكرَة لَا يحْتَمل أَن يحدث عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر مثله وَلَا أعلم أحدا من أهل الشَّام روى عَن ابْن جَابر من هَذِه الْأَحَادِيث شَيْئا وَأما حُسَيْن الْجعْفِيّ فَإِنَّهُ روى عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر عَن أبي الْأَشْعَث عَن أَوْس بن أَوْس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 يَوْم الْجُمُعَة أَنه قَالَ أفضل الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ الصعقة وَفِيه النفخة وفيد كَذَا وَهُوَ حَدِيث مُنكر لَا أعلم أحدا رَوَاهُ غير حُسَيْن الْجعْفِيّ وَأما عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم فَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر ثِقَة تمّ كَلَامه قيل قد تكلم فِي سَماع حُسَيْن الْجعْفِيّ وَأبي أُسَامَة من ابْن جَابر فَأكْثر أهل الحَدِيث أَنْكَرُوا سَماع أبي أُسَامَة مِنْهُ قَالَ شَيخنَا فِي التَّهْذِيب قَالَ ابْن نمير وَذكر أَبَا أُسَامَة فَقَالَ الَّذِي يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر نرى أَنه لَيْسَ بِابْن جَابر الْمَعْرُوف وَذكر لي أَنه رجل يُسمى باسم ابْن جَابر قَالَ يَعْقُوب صدق هُوَ عبد الرَّحْمَن بن فلَان بن تَمِيم فَدخل عَلَيْهِ أَبُو أُسَامَة فَكتب عَنهُ هَذِه الْأَحَادِيث فروى عَنهُ وَإِنَّمَا هُوَ إِنْسَان يُسمى باسم ابْن جَابر قَالَ يَعْقُوب وَكَأَنِّي رَأَيْت ابْن نمير يتهم أَبَا أُسَامَة أَنه علم ذَلِك وَعرف وَلَكِن تغافل عَن ذَلِك قَالَ وَقَالَ لي ابْن نمير أما ترى رِوَايَته لَا تشبه سَائِر حَدِيثه الصِّحَاح الَّذِي روى عَنهُ أهل الشَّام وَأَصْحَابه وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم سَأَلت مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أخي حُسَيْن الْجعْفِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد فَقَالَ قدم الْكُوفَة عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر ثمَّ قدم عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر بعد ذَلِك بدهر وَالَّذِي يحدث عَنهُ أَبُو أُسَامَة لَيْسَ هُوَ ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 جَابر هُوَ ابْن تَمِيم وَقَالَ ابْن أبي دَاوُد سمع أَبُو أُسَامَة من ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جَابر وجميعاً يحدثان عَن مَكْحُول وَابْن جَابر أَيْضا دمشقي فَلَمَّا قدم هَذَا قَالَ أَنا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد الدِّمَشْقِي وَحدث عَن مَكْحُول فَظن أَبُو أُسَامَة أَنه ابْن جَابر الَّذِي روى عَنهُ ابْن الْمُبَارك وَابْن جَابر ثِقَة مَأْمُون يجمع حَدِيثه وَابْن تَمِيم ضَعِيف وَقَالَ أَبُو دَاوُد مَتْرُوك الحَدِيث حدث عَنهُ أَبُو أُسَامَة وَغلط فِي اسْمه قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر الشَّامي وكل مَا جَاءَ عَن أُسَامَة عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد فَإِنَّمَا هُوَ ابْن تَمِيم وَأما رِوَايَة حُسَيْن الْجعْفِيّ عَن ابْن جَابر فقد ذكره شَيخنَا فِي التَّهْذِيب وَقَالَ روى عَنهُ حُسَيْن بن عَليّ الْجعْفِيّ وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة إِن كَانَ مَحْفُوظًا فَجزم بِرِوَايَة حُسَيْن عَن ابْن جَابر وَشك فِي رِوَايَة حَمَّاد فَهَذَا مَا ظهر فِي جَوَاب هَذَا التَّعْلِيل ثمَّ بعد أَن كتب ذَلِك رَأَيْت الدَّارَقُطْنِيّ قد ذكر ذَلِك أَيْضا فَقَالَ فِي كَلَامه على كتاب أبي حَاتِم فِي الضُّعَفَاء قَوْله حُسَيْن الْجعْفِيّ روى عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم خطأ الَّذِي يروي عَنهُ حُسَيْن هُوَ عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر وَأَبُو أُسَامَة يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم فيغلط فِي اسْم جده تمّ كَلَامه وَلِلْحَدِيثِ عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد لم يذكر سَمَاعه من أبي الْأَشْعَث قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ حَدثنَا الْحُسَيْن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 عَليّ بن الْجعْفِيّ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر سمعته يذكر عَن أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ عَن أَوْس بن أَوْس فَذكره وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كِتَابه حَدثنَا عَليّ بن عبد الله فَذكره وَلَيْسَت هَذِه بعلة قادحة فَإِن للْحَدِيث شَوَاهِد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي أُمَامَة وَأبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ وَأنس بن مَالك وَالْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا فَأَما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ مَالك عَن ابْن الْهَاد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير يَوْم طلعت فِيهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق آدم وَفِيه أهبط وَفِيه تيب عَلَيْهِ وَفِيه مَاتَ وَفِيه تقوم السَّاعَة وَمَا من دَابَّة إِلَّا وَهِي مصيخة يَوْم الْجُمُعَة من حِين تطلع الشَّمْس شفقاً من السَّاعَة إِلَّا الْجِنّ وَالْإِنْس وفيهَا سَاعَة لَا يصادفها عبد مُسلم وَهُوَ يُصَلِّي يسْأَل الله شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه // إِسْنَاده صَحِيح // فَهَذَا الحَدِيث الصَّحِيح مؤيد لحَدِيث أَوْس بن أَوْس دَال على مثل مَعْنَاهُ وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء فَفِي الثقفيات أخبرنَا أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن الْمُقْرِئ أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن الْحسن بن قُتَيْبَة الْعَسْقَلَانِي حَدثنَا حَرْمَلَة حَدثنَا ابْن وهب أَخْبرنِي عَمْرو بن سعيد عَن أبي هِلَال عَن زيد بن أَيمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 عَن عبَادَة بن نسي عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا الصَّلَاة عَليّ يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يَوْم مشهود تشهده الْمَلَائِكَة وَإِن أحدا لَا يُصَلِّي عَليّ إِلَّا عرضت عَليّ صلَاته حَتَّى يفرغ مِنْهَا قَالَ قلت وَبعد الْمَوْت قَالَ إِن الله حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء فنبي الله حَيّ يرْزق وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء بِإِسْنَاد آخر من الطَّبَرَانِيّ وَرَوَاهُ ابْن ماجة أَيْضا // إِسْنَاده لَا يَصح // وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ حَدثنَا عَليّ بن أَحْمد بن عَبْدَانِ أَنبأَنَا أَحْمد بن عبيد حَدثنَا الْحُسَيْن بن سعيد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن برد بن سِنَان عَن مَكْحُول الشَّامي عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا من الصَّلَاة فِي كل يَوْم جُمُعَة فَإِن صَلَاة أمتِي تعرض عَليّ فِي كل يَوْم جُمُعَة فَمن كَانَ أَكْثَرهم عَليّ صَلَاة كَانَ أقربهم مني منزلَة لَكِن لهَذَا الحَدِيث عِلَّتَانِ إِحْدَاهمَا أَن برد بن سِنَان قد تكلم فِيهِ وَقد وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَغَيره الْعلَّة الثَّانِيَة أَن مَكْحُولًا قد قيل إِنَّه لم يسمع من أبي أُمَامَة وَالله أعلم وَأما حَدِيث أنس فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ الْأَحْمَر حَدثنَا نصر بن عَليّ حَدثنَا النُّعْمَان بن عبد السَّلَام حَدثنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 أَبُو ظلال عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا الصَّلَاة عَليّ يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيل آنِفا عَن ربه عز وَجل فَقَالَ مَا على الأَرْض من مُسلم يُصَلِّي عَلَيْك مرّة وَاحِدَة إِلَّا صليت أَنا وملائكتي عَلَيْهِ عشرا وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْوراق حَدثنَا جبارَة بن مغلس حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق خازم عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا الصَّلَاة عَليّ يَوْم الْجُمُعَة فَإِن صَلَاتكُمْ تعرض عَليّ وَهَذَانِ وَإِن كَانَا ضعيفين فيصلحان للاستشهاد وَرَوَاهُ ابْن أبي السّري حَدثنَا دَاوُد بن الْجراح حَدثنَا سعيد بن بشير عَن قَتَادَة عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا الصَّلَاة عَليّ يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم يستحبون إكثار الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة قَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف العابد عَن الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب قَالَ لي ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يَا زيد بن وهب لَا تدع إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أَن تصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف مرّة تَقول اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما حَدِيث الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 فَقَالَ أَبُو يعلى فِي مُسْنده حَدثنَا مُوسَى بن مُحَمَّد حبَان حَدثنَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ حَدثنَا عبد الله بن نَافِع أخبرنَا الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن قَالَ سَمِعت الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تتخذوها قبوراً وَلَا تَتَّخِذُوا بَيْتِي عيداً صلوا عليّ وسلموا فَإِن صَلَاتكُمْ وسلامكم يبلغنِي أَيْنَمَا كُنْتُم وَعلة هَذَا الحَدِيث أَن مُسلم بن عَمْرو رَوَاهُ عَن عبد الله بن نَافِع عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تجْعَلُوا قَبْرِي عيداً وصلوا عَليّ فَإِن صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُمَا كُنْتُم وَهَذَا أشبه وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير حَدثنَا أَحْمد بن رشدين الْمصْرِيّ حَدثنَا سعيد بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر أخبرنَا حميد بن أبي زَيْنَب عَن حُسَيْن بن حسن بن عَليّ بن أَبى طَالب عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حَيْثُمَا كُنْتُم فصلوا عَليّ فَإِن صَلَاتكُمْ تبلغني وَأما حَدِيث الْحُسَيْن أَخِيه رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم حَدثنَا يُوسُف بن الحكم الضَّبِّيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن بشير الْكِنْدِيّ حَدثنَا عبيد بن حميد حَدثنِي فطر بن خَليفَة عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن عَن أَبِيه عَن جده حُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذكرت عِنْده فَخَطِئَ الصَّلَاة عَليّ خطئَ طَرِيق الْجنَّة // حَدِيث حسن // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وعلته أَن ابْن أبي عَاصِم رَوَاهُ عَن أبي بكر هُوَ ابْن أبي شيبَة حَدثنَا حَفْص بن غياث عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا وَرَوَاهُ عَمْرو بن حَفْص بن غياث عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق عَن إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج حَدثنَا وهيب عَن جَعْفَر ابْن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا وَرَوَاهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ قَالَ عَمْرو عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا ثمَّ قَالَ سُفْيَان قَالَ رجل بعد عَمْرو سَمِعت مُحَمَّد بن عَليّ يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سمى سُفْيَان الرجل فَقَالَ هُوَ بسام وَهُوَ الصَّيْرَفِي ذكره إِسْمَاعِيل عَن عَليّ وَقَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب وعارم قَالَا حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو عَن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وَله شَاهد من حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا سُلَيْمَان بن عبيد الله حَدثنَا أَبُو عَامر حَدثنَا سُلَيْمَان عَن عمَارَة بن غزيَّة عَن عبد الله بن عَليّ بن حُسَيْن عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبَخِيل من ذكرت عِنْده وَلم يصل عَليّ أَنا أَحْمد بن الْخَلِيل حَدثنَا خَالِد وَهُوَ ابْن مخلد الْقَطوَانِي حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال حَدثنِي عمَارَة بن غزيَّة بِهِ وَرَوَاهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث خَالِد بن مخلد وَالتِّرْمِذِيّ فِي جَامعه وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب وَزَاد فِي سَنَده عَن عَليّ بن أبي طَالب قلت وَله عِلّة ذكرهَا النَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكَبِير فَقَالَ رَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن عمَارَة بن غزيَّة عَن عبد الله بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْبَخِيل الَّذِي إِذا ذكرت عِنْده لم يصل عَليّ قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كِتَابه اخْتلف يحيى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الْحمانِي وَأَبُو بكر ابْن أبي أويس فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فَرَوَاهُ أَبُو بكر عَن سُلَيْمَان عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو وَرَوَاهُ الْحمانِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عمَارَة بن غزيَّة وَهَذَا حَدِيث مشتهر عَن عمَارَة بن غزيَّة وَقد رَوَاهُ عَنهُ خَمْسَة سُلَيْمَان بن بِلَال وَعَمْرو بن الْحَارِث وَعبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَعبد الله ابْن جَعْفَر وَالِد عَليّ ثمَّ سَاقهَا كلهَا وَرَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس حَدثنِي أخي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن أَبِيه فَذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وَأما حَدِيث فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الثَّقَفِيّ حَدثنَا أَبُو رَجَاء حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا عبد الْعَزِيز هُوَ ابْن مُحَمَّد عَن عبد الله بن الْحسن عَن أمه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة ابْنَته رَضِي الله عَنْهَا إِذا دخلت الْمَسْجِد فَقولِي بِسم الله وَالْحَمْد لله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَسلم اللَّهُمَّ أَغفر لي وَسَهل لي أَبْوَاب رحمتك وَإِذا خرجت من الْمَسْجِد فَقولِي كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ وَسَهل لي أَبْوَاب رزقك وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ بن حجر عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن لَيْث عَن عبد الله بن الْحُسَيْن عَن أمه فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ عَن جدَّتهَا فَاطِمَة الْكُبْرَى قَالَ إِسْمَاعِيل فَلَقِيت عبد الله بن الْحُسَيْن بِمَكَّة فَسَأَلته عَن هَذَا الحَدِيث فَحَدثني بِهِ قَالَ وَلَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهَا لم تدْرك فَاطِمَة الْكُبْرَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وَرَوَاهُ ابْن ماجة عَن أبي بكر عَن ابْن علية وَأبي مُعَاوِيَة عَن لَيْث نَحوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وَأما حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ أَحْمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم حَدثنَا يَعْقُوب بن حميد حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن مُحَمَّد بن عبيد الله عَن مولى الْبَراء بن عَازِب عَن الْبَراء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلي عَليّ كتب لَهُ عشر حَسَنَات ومحي عَنهُ بهَا عشر سيئات وَرَفعه بهَا عشر دَرَجَات وَكن لَهُ عدل عشر رِقَاب // إِسْنَاده صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وَأما حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكَبِير حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن سُوَيْد بن منجوف حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا يزِيد بن إِبْرَاهِيم التسترِي عَن أبي الزبير عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا اجْتمع قوم ثمَّ تفَرقُوا عَن غير ذكر الله عز وَجل وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا قَامُوا عَن أنتن من جيفة قَالَ أَبُو عبد الله الْمَقْدِسِي هَذَا عِنْدِي على شَرط مُسلم وَقَالَ أَحْمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم حَدثنَا أَحْمد بن عِصَام حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجعلوني كقدح الرَّاكِب إِن الرَّاكِب يمْلَأ قدحه فَإِذا فرغ وعلق معاليقه فَإِن كَانَ فِيهِ مَاء شرب مِنْهُ حَاجته أَو الْوضُوء تَوَضَّأ وَإِلَّا أهراق الْقدح فاجعلوني فِي أول الدُّعَاء وَفِي أوسطه وَلَا تجعلوني فِي آخِره لفظ ابْن أبي عَاصِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا إِسْحَاق الدبرِي أَنبأَنَا عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن جَابر فَذكر نَحوه إِلَّا أَنه قَالَ فاجعلوني فِي أول الدُّعَاء وَفِي أوسطه وَفِي آخِره // الحَدِيث ضَعِيف // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَأما حَدِيث أبي رَافع مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا نصر بن عبد الْملك السنجاري بِمَدِينَة سنجار سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَتَيْنِ حَدثنَا معمر بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي رَافع صَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حَدثنِي أبي مُحَمَّد عَن أَبِيه عبيد الله بن أبي رَافع عَن أبي رَافع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا طَنَّتْ أذن أحدكُم فَلْيذكرْنِي وَليصل عَليّ قَالَ الطَّبَرَانِيّ لَا يرْوى عَن أبي رَافع إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد تفرد بِهِ معمر بن مُحَمَّد وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة حَدثنَا أَبُو الْخطاب زِيَاد بن يحيى الحساني حَدثنَا معمر بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن عَليّ بن أبي رَافع مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَخْبرنِي أبي مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 عَن أَبِيه عبيد الله عَن أبي رَافع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا طَنَّتْ أذن أحدكُم فَلْيذكرْنِي وَليصل عَليّ وَليقل ذكر الله من ذَكرنِي بِخَير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَأما حَدِيث عبد الله بن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه حَدثنَا عَليّ بن عِيسَى بن يزِيد الْبَغْدَادِيّ حَدثنَا عبد الله بن بكر السَّهْمِي وَحدثنَا عبد الله بن مُنِير عَن عبد الله بن بكر عَن فائد بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَت لَهُ إِلَى الله حَاجَة أَو إِلَى أحد من بني آدم فَليَتَوَضَّأ فليحسن الْوضُوء ثمَّ ليصل رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ليثن على الله عز وَجل وَليصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ليقل لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم سُبْحَانَ الله رب الْعَرْش الْعَظِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين أَسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر والسلامة من كل إِثْم لَا تدع لي ذَنبا إِلَّا غفرته وَلَا هما إِلَّا فرجته وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث غَرِيب وَفِي إِسْنَاده مقَال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وفائد بن عبد الرَّحْمَن يضعف فِي الحَدِيث وفائد هُوَ أَبُو الورقاء وَقَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فائد مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ يحيى بن معِين ضَعِيف وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان كَانَ مِمَّن يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير وَيَأْتِي عَن ابْن أوفى بالمعضلات وَلَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَقَالَ إِنَّمَا أخرجته شَاهدا وفائد مُسْتَقِيم الحَدِيث كَذَا قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وَأما حَدِيث رويفع بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير حَدثنَا عبد الْملك بن يحيى بن بكير الْمصْرِيّ حَدثنَا أبي حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن بكر بن سوَادَة عَن زِيَاد بن نعيم عَن وَفَاء بن شُرَيْح الْحَضْرَمِيّ عَن رويفع بن ثَابت الْأنْصَارِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وأنزله المقعد المقرب عنْدك يَوْم الْقِيَامَة وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي // إِسْنَاده حسن // وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كِتَابه عَن يحيى حَدثنَا زيد بن الْحباب أَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة حَدثنِي بكر بن سوَادَة الْمعَافِرِي عَن زِيَاد بن نعيم الْحَضْرَمِيّ عَن ابْن شُرَيْح قَالَ حَدثنِي رويفع الْأنْصَارِيّ فَذكره // إِسْنَاده ضَعِيف // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَوْف حَدثنَا سعيد ابْن عَمْرو الْحَضْرَمِيّ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن يحيى بن الْحَارِث عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من قوم جَلَسُوا مَجْلِسا ثمَّ قَامُوا مِنْهُ وَلم يذكرُوا الله تَعَالَى وَلم يصلوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا كَانَ ذَلِك الْمجْلس عَلَيْهِم ترة // إِسْنَاده قوي // وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير حَدثنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن مُصعب الْأُشْنَانِي حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد الْمحَاربي حَدثنَا مُوسَى بن عُمَيْر عَن مَكْحُول عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على صلى الله عَلَيْهِ عشرا بهَا ملك مُوكل بهَا حَتَّى يبلغنيها وَأما حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن بشير بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كِتَابه حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن عبد الرَّحْمَن بن بشير بن مَسْعُود قَالَ قيل يَا رَسُول الله أمرتنا أَن نسلم عَلَيْك وَأَن نصلي عَلَيْك فقد علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك قَالَ تَقولُونَ اللَّهُمَّ صل على آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم اللَّهُمَّ بَارك على آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم // إِسْنَاده صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عبد الرَّحْمَن بن بشر بن مَسْعُود فَذكره حَدثنَا نصر بن عَليّ حَدثنَا عبد الْأَعْلَى حَدثنَا هِشَام عَن مُحَمَّد عَن عبد الرَّحْمَن بن بشير بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ قُلْنَا أَو قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرنَا أَن نصلي عَلَيْك ونسلم فَأَما السَّلَام فقد عَرفْنَاهُ وَلَكِن كَيفَ نصلي عَلَيْك قَالَ تَقولُونَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم فَذكره بِمثلِهِ سَوَاء وَعبد الرَّحْمَن هَذَا مَعْدُود فِي الصَّحَابَة ذكره ابْن مَنْدَه وَقَالَ ابْن بشير وَقَالَ ابْن عبد الْبر ابْن بشير وَيُقَال ابْن بشر روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فضل عَليّ روى عَنهُ الشّعبِيّ وروى عَنهُ مُحَمَّد بن سِيرِين عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا يَا رَسُول الله قد عرفنَا السَّلَام عَلَيْك الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وَأما حَدِيث أبي بردة بن نيار رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ النَّسَائِيّ أَخْبرنِي زَكَرِيَّا بن يحيى حَدثنَا أَبُو كريب حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن سعيد بن سعيد بن عُمَيْر بن عقبَة بن نيار عَن عَمه أبي بردة بن نيار قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على من أمتِي صَلَاة مخلصاً من قلبه صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشر صلوَات وَرَفعه بهَا عشر دَرَجَات وَكتب لَهُ بهَا عشر حَسَنَات ومحا عَنهُ عشر سيئات لَكِن عِلّة هَذَا الحَدِيث أَن وكيعاً رَوَاهُ عَن سعيد بن سعيد عَن سعيد بن عُمَيْر الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه وَكَانَ بَدْرِيًّا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ فَذكره قَالَ النَّسَائِيّ أَنا الْحُسَيْن بن حُرَيْث حَدثنَا وَكِيع فَذكره فقد أختلف فِيهِ أَبُو أُسَامَة ووكيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 قَالَ الْحَافِظ أَبُو قُرَيْش مُحَمَّد بن جُمُعَة سَأَلت أَبَا زرْعَة يَعْنِي الرَّازِيّ عَن اخْتِلَاف هذَيْن الْحَدِيثين فَقَالَ حَدِيث أبي أُسَامَة أشبه وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير حَدثنَا عبيد بن غَنَّام حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن سعيد بن سعيد أَبى الصَّباح حَدثنَا سعيد بن عُمَيْر بن عقبَة بن نيار الْأنْصَارِيّ عَن عَمه أبي بردة بن نيار فَذكره وَرَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم فِي كتاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن أبي أُسَامَة عَن سعيد بن سعيد بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وَأما حَدِيث عمار بن يَاسر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ أَبُو الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ أَنا إِسْحَاق بن أَحْمد الْفَارِسِي حَدثنَا أَبُو كريب حَدثنَا قبيصَة عَن نعيم بن ضَمْضَم قَالَ قَالَ لي عمرَان بن حميري أَلا أحَدثك عَن خليلي عمار بن يَاسر رَضِي الله عَنهُ قلت بلَى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تبَارك وَتَعَالَى ملكا أعطَاهُ أسماع الْخَلَائق فَهُوَ قَائِم على قَبْرِي إِذا مت فَلَيْسَ أحد يُصَلِّي عَليّ صَلَاة إِلَّا قَالَ يَا مُحَمَّد صلى عَلَيْك فلَان بن فلَان قَالَ فَيصَلي الرب تبَارك وَتَعَالَى على ذَلِك الرجل بِكُل وَاحِدَة عشرا وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير حَدثنَا مُحَمَّد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا أَبُو كريب حَدثنَا قبيصَة بن عقبَة عَن نعيم بن ضَمْضَم عَن ابْن الْحِمْيَرِي قَالَ قَالَ لي عمار بن يَاسر يَا ابْن الْحِمْيَرِي أَلا أحَدثك عَن حَبِيبِي نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت بلَى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عمار إِن لله ملكا أعطَاهُ أسماع الْخَلَائق كلهَا وَهُوَ قَائِم على قَبْرِي إِذا مت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَلَيْسَ أحد من أمتِي يُصَلِّي عَليّ صَلَاة إِلَّا سَمَّاهُ باسمه وَاسم أَبِيه قَالَ يَا مُحَمَّد صلى عَلَيْك فلَان بن فلَان كَذَا وَكَذَا فَيصَلي الرب عز وَجل على ذَلِك الرجل بِكُل وَاحِدَة عشرا حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد الْمَكِّيّ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْكُوفِي حَدثنَا نعيم بن ضَمْضَم عَن خَال لَهُ يُقَال لَهُ عمرَان الْحِمْيَرِي قَالَ سَمِعت عمار بن يَاسر يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن لله ملكا أعطَاهُ سَماع الْعباد فَلَيْسَ من أحد يُصَلِّي عَليّ صَلَاة إِلَّا أبلغنيها وَإِنِّي سَأَلت رَبِّي أَن لَا يُصَلِّي عَليّ عبد صَلَاة إِلَّا صلى الله عَلَيْهِ عشر أَمْثَالهَا رَوَاهُ الرَّوْيَانِيّ فِي مُسْنده عَن أبي كريب عَن قبيصَة عَن نعيم بن ضَمْضَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الشَّافِعِي فِي مُسْنده أَخْبرنِي مطرف بن مَازِن عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف أَنه أخبرهُ رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن السّنة فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة أَن يكبر الإِمَام ثمَّ يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب بعد التَّكْبِيرَة الأولى سرا فِي نَفسه ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويخلص الدُّعَاء للجنازة فِي التَّكْبِيرَات وَلَا يقْرَأ فِي شَيْء مِنْهُنَّ ثمَّ يسلم سرا فِي نَفسه وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا عبد الْأَعْلَى حَدثنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا أُمَامَة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن الْمسيب قَالَ إِن السّنة فِي صَلَاة الْجِنَازَة أَن يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يخلص الدُّعَاء للْمَيت حَتَّى يفرغ وَلَا يقْرَأ إِلَّا مرّة وَاحِدَة ثمَّ يسلم فِي نَفسه // إِسْنَاده صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه وَهَذَا // إِسْنَاده صَحِيح // وَأَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف بن واهب الْأنْصَارِيّ من بني عَمْرو بن عَوْف بن مَالك اسْمه أسعد سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باسم جده أبي أمه أسعد بن زُرَارَة وكناه بكنيته ودعا لَهُ وبرك عَلَيْهِ وعده أَبُو عمر وَغَيره فِي الصَّحَابَة قَالَ ابْن عبد الْبر توفّي سنة مائَة وَهُوَ ابْن نَيف وَتِسْعين سنة قَالَ وروى اللَّيْث بن سعد عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ أَخْبرنِي أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف وَكَانَ مِمَّن أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكِن قد اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ مطرف بن مَازِن عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من السّنة وَقَالَ عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي أُمَامَة من السّنة وَرَوَاهُ الشَّافِعِي بِالْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا بعلة قادحة فِيهِ فَإِن جَهَالَة الصَّحَابِيّ لَا تضر وَقَول الصَّحَابِيّ من السّنة اخْتلف فِيهِ فَقيل هُوَ فِي حكم الْمَرْفُوع وَقيل لَا يقْضِي لَهُ بِالرَّفْع وَالصَّوَاب التَّفْصِيل كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي غير هَذَا الْموضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وَأما حَدِيث جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الدقيقي حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبان الْوراق الْكُوفِي حَدثنِي قيس بن الرّبيع عَن سماك بن حَرْب عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ صعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر فَقَالَ آمين آمين فَقيل يَا رَسُول الله مَا كنت تصنع هَذَا فَقَالَ قَالَ لي جِبْرِيل فَذكر الحَدِيث وَقَالَ فِيهِ يَا مُحَمَّد من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَمَاتَ فَدخل النَّار فَأَبْعَده الله قل آمين قلت آمين وَقيس بن الرّبيع صَدُوق سيئ الْحِفْظ كَانَ شُعْبَة يثني عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِم محلّة الصدْق وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقَالَ ابْن عدي عَامَّة رواياته مُسْتَقِيمَة وَهَذَا الأَصْل قد رُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَمن حَدِيث كَعْب بن عجْرَة وَمن حَدِيث ابْن عَبَّاس وَمن حَدِيث أنس وَمن حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث وَمن حَدِيث عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الزبيدِيّ وَمن حَدِيث جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنْهُم فَأَما حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَجَابِر بن سَمُرَة وَكَعب بن عجْرَة وَأنس بن مَالك فقد تقدّمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وَأما حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي فِي صَحِيحه حَدثنَا عبد الله بن صَالح الْمحَاربي بِبَغْدَاد حَدثنَا الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي حَدثنَا عمرَان بن أبان حَدثنَا ابْن الْحسن بن مَالك بن الْحُوَيْرِث عَن أَبِيه عَن جده قَالَ صعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر فَلَمَّا رقى عتبتة قَالَ آمين ثمَّ رقى عتبَة أُخْرَى فَقَالَ آمين ثمَّ رقى عتبَة ثَالِثَة وَقَالَ آمين ثمَّ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيل وَقَالَ يَا مُحَمَّد من أدْرك رَمَضَان فَلم يغْفر لَهُ فَأَبْعَده الله قلت آمين قَالَ وَمن أدْرك وَالِديهِ أَو أَحدهمَا فَدخل النَّار فَأَبْعَده الله فَقلت آمين فَقَالَ وَمن ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَأَبْعَده الله قل آمين قلت آمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَأما حَدِيث عبد الله بن جُزْء الزبيدِيّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ جَعْفَر الْفِرْيَانِيُّ حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن عبد الله بن يزِيد الصَّدَفِي عَن عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل الْمَسْجِد فَصَعدَ الْمِنْبَر فَلَمَّا صعد أول دَرَجَة قَالَ آمين ثمَّ صعد الثَّانِيَة فَقَالَ آمين ثمَّ صعد الثَّالِثَة فَقَالَ آمين فَلَمَّا نزل قيل لَهُ رَأَيْنَاك صنعت شَيْئا مَا كنت تَصنعهُ فَقَالَ إِن جِبْرِيل تبدي لي فِي أول دَرَجَة فَقَالَ يَا مُحَمَّد من أدْرك أحد وَالِديهِ فَلم يدْخلَاهُ الْجنَّة فَأَبْعَده الله ثمَّ أبعده قَالَ فَقلت آمين ثمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَة من أدْرك شهر رَمَضَان فَلم يغْفر لَهُ أبعده الله فَقلت آمين وَقَالَ فِي الثَّالِثَة من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَأَبْعَده الله ثمَّ أبعده الله فَقلت آمين // إِسْنَاده صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ حَدثنَا لَيْث بن هَارُون العكلي حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن يزِيد بن أبي زِيَاد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر إِذْ قَالَ آمين ثَلَاث مَرَّات فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَأَبْعَده الله قل آمين فَقلت آمين قَالَ وَمن أدْرك وَالِديهِ أَو أَحدهمَا فَمَاتَ وَلم يغْفر لَهُ فَأَبْعَده الله قل آمين فَقلت آمين وَمن أدْرك رَمَضَان فَلم يغْفر لَهُ فَأَبْعَده الله قل آمين فَقلت آمين وَمن حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَيْضا فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن الْهَاشِمِي حَدثنِي سُلَيْمَان بن الرّبيع حَدثنَا كَادِح بن رَحْمَة حَدثنَا نهشل بن سعيد عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على فِي كتاب لم تزل الصَّلَاة جَارِيَة لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِك الْكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وكادح هَذَا ونهشل غير ثقتين وَقد اتهما بِالْكَذِبِ لَكِن لم يرو فِي هَذَا الأَصْل إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث آخر من رِوَايَة ابْن الْجَارُود حَدثنَا مُحَمَّد بن عَاصِم حَدثنَا بشير بن عبيد حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره وَقد رُوِيَ مَوْقُوفا من كَلَام جَعْفَر بن مُحَمَّد وَهُوَ أشبه يرويهِ مُحَمَّد بن حمير عَنهُ قَالَ من صلى على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كتاب صلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة غدْوَة ورواحاً مَا دَامَ اسْم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْكتاب وَقَالَ أَحْمد بن عَطاء الرُّوذَبَارِي سَمِعت أَبَا صَالح عبد الله بن صَالح يَقُول رُؤِيَ بعض أَصْحَاب الحَدِيث فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك فَقَالَ غفر لي فَقيل بِأَيّ شَيْء فَقَالَ بصلاتي فِي كتبي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن حَدِيثه أَيْضا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه عَن عَبْدَانِ بن أَحْمد حَدثنَا جبارَة بن مغلس حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نسي الصَّلَاة عَليّ خطئَ طَرِيق الْجنَّة وَرَوَاهُ ابْن ماجة فِي سنَنه عَن جبارَة بن مغلس وجبارة هَذَا كَانَ مِمَّن وضع لَهُ الحَدِيث حدث بِهِ وَهُوَ لَا يشْعر وَهَذَا الْمَعْنى قد رُوِيَ من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة وحسين بن عَليّ وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة وَابْن عَبَّاس فَأَما حَدِيث حُسَيْن بن عَليّ وَابْن عَبَّاس فقد تقدما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 واما حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ ابْن أبي عَاصِم فِي كتاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا أَبُو بكر حَدثنَا حَفْص بن غياث عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذكرت عِنْده فنسي الصَّلَاة عَليّ خطئَ طَرِيق الْجنَّة // إِسْنَاده جيد // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ عبد الْخَالِق بن الْحسن السَّقطِي حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الْحَارِث حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث حَدثنِي أبي عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نسي الصَّلَاة عَليّ خطئَ طَرِيق الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَأما حَدِيث أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كتاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا حجاج بن الْمنْهَال حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن معبد بن هِلَال الْعَنزي قَالَ حَدثنِي رجل من أهل دمشق عَن عَوْف بن مَالك عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أبخل النَّاس من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ ابْن أبي عَاصِم فِي كتاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا عمر بن عُثْمَان حَدثنَا مُحَمَّد بن شُعَيْب بن شَابُور عَن عُثْمَان بن أبي العاتكة عَن عَليّ بن يزِيد عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجت ذَات يَوْم فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا أخْبركُم بأبخل النَّاس قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ فَذَلِك أبخل النَّاس // إِسْنَاده ضَعِيف // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَهَذَا من رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن مثله وَهَذَا الأَصْل قد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب وَابْنه الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا وَقد ذكرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَأما حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ ابْن منيع فِي مُسْنده حَدثنَا يُوسُف بن عَطِيَّة الصفار عَن الْعَلَاء بن كثير عَن مَكْحُول عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا قوم جَلَسُوا فِي مجْلِس ثمَّ تفَرقُوا قبل أَن يذكرُوا الله ويصلوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ذَلِك الْمجْلس عَلَيْهِم ترة يَوْم الْقِيَامَة يَعْنِي حسرة وَهَذَا الأَصْل قد رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَأما حَدِيث أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ ابْن شاهين حَدثنَا عبد الله بن سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن الْمكتب حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن يحيى بن عبيد الله التَّيْمِيّ حَدثنَا فطر بن خَليفَة عَن أبي الطُّفَيْل عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من صلى على كنت شفيعة يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ ابْن أبي دَاوُد أَيْضا حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن يحيى حَدثنَا فطر بن خَليفَة عَن أبي الطُّفَيْل عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع يَقُول إِن الله عز وَجل قد وهب لكم ذنوبكم عِنْد الاسْتِغْفَار فَمن اسْتغْفر بنية صَادِقَة غفر لَهُ وَمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله رجح مِيزَانه وَمن صلى عَليّ كنت شفيعة يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وَأما حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ إِبْرَاهِيم بن رشيد بن مُسلم حَدثنَا عمر بن حبيب القَاضِي حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من عبد صلى عَليّ صَلَاة إِلَّا عرج بهَا ملك حَتَّى يَجِيء بهَا وَجه الرَّحْمَن عز وَجل فَيَقُول رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى أذهبوا بهَا إِلَى قبر عَبدِي تستغفر لصَاحِبهَا وتقر بهَا عينه وَقَالَ أَبُو نعيم أخبرنَا عبد الله بن جَعْفَر أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن هَانِئ حَدثنَا أَبُو مَالك هُوَ عبد الْملك بن حُسَيْن عَن عَاصِم بن عبيد الله عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على صَلَاة صلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة مَا صلى عَليّ فليكثر عبد أَو يقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَأما حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه حَدثنَا مُحَمَّد يَعْنِي ابْن سَلمَة حَدثنَا ابْن وهب عَن ابْن لَهِيعَة وحيوة وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب عَن كَعْب بن عَلْقَمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُول ثمَّ صلوا عَليّ فَإِنَّهُ من صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ عشرا ثمَّ سلوا الله لي الْوَسِيلَة فَإِنَّهَا منزلَة فِي الْجنَّة لَا تنبغي إِلَّا لعبد من عباد الله وَأَرْجُو أَن أكون أَنا هُوَ فَمن سَأَلَ الله لي الْوَسِيلَة حلت عَلَيْهِ الشَّفَاعَة وَرَوَاهُ مُسلم عَن مُحَمَّد بن سَلمَة وَله حَدِيث آخر مَوْقُوف ذكره عبد الله بن أَحْمد حَدثنَا أبي حَدثنَا يحيى بن إِسْحَاق حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن عبد الله بن هُبَيْرَة عَن عبد الله وَفِي نُسْخَة عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح الْخَولَانِيّ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 سَمِعت أَبَا قيس مولى عَمْرو بن الْعَاصِ يَقُول سَمِعت عبد الله بن عمر يَقُول من صلى على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ وَمَلَائِكَته بهَا سبعين صَلَاة فَلْيقل من ذَلِك أَو ليكْثر كَذَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى مَوْقُوفا ذكره أَبُو نعيم عَن أَحْمد بن جَعْفَر عَن عبد الله عَن أَبِيه وَله حَدِيث آخر مَوْقُوف رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي الْعَوام عَن أَبِيه حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان أَبُو إِسْمَاعِيل الْمُؤَدب عَن سعيد بن مَعْرُوف عَن عَمْرو بن قيس أَو ابْن أبي قيس عَن أبي الجوزاء عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ من كَانَت لَهُ إِلَى الله حَاجَة فليصم الْأَرْبَعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة تطهر وَرَاح إِلَى الْمَسْجِد فَتصدق بِصَدقَة قلت أَو كثرت فَإِذا صلى الْجُمُعَة قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِاسْمِك بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم الَّذِي مَلَأت عَظمته السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي عنت لَهُ الْوُجُوه وخشعت لَهُ الْأَصْوَات ووجلت الْقُلُوب من خَشيته أَن تصلي على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن تُعْطِينِي حَاجَتي وَهِي كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ يُسْتَجَاب لَهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ وَكَانَ يُقَال لَا تعلموه سفهاءكم لِئَلَّا يدعوا بِهِ فِي مأثم أَو قطيعة رحم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن حبيب الطرائفي حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن مَيْمُون حَدثنَا سُلَيْمَان بن عبد الله الرقي حَدثنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ سَمِعت خَالِد بن معدان يحدث عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على حِين يصبح عشرا وَحين يُمْسِي عشرا أَدْرَكته شَفَاعَتِي قَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب العلاف حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب عَن خَالِد بن يزِيد عَن سعيد بن أبي هِلَال عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا الصَّلَاة عَليّ يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يَوْم مشهود تشهده الْمَلَائِكَة لَيْسَ من عبد يُصَلِّي عَليّ إِلَّا بَلغنِي صَوته حَيْثُ كَانَ قُلْنَا وَبعد وفاتك قَالَ وَبعد وفاتي إِن الله حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وَأما حَدِيث سعيد بن عُمَيْر الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عُمَيْر البدري فَقَالَ عبد الْبَاقِي بن قَانِع حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن صَالح بن شيخ بن عميرَة قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن هِشَام حَدثنَا مُحَمَّد بن ربيعَة الْكلابِي عَن أبي الصَّباح البهري حَدثنَا سعيد بن عُمَيْر عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ صَادِقا من نَفسه صلى الله عَلَيْهِ عشر صلوَات وَرَفعه عشر دَرَجَات وَكتب لَهُ بهَا عشر حَسَنَات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَرَاسِيل والموقوفات فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل فِي كِتَابه حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن وَاقد الْعَطَّار حَدثنَا هشيم حَدثنَا حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ إِن ملكا مُوكل يَوْم الْجُمُعَة من صلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن فلَانا من أمتك يُصَلِّي عَلَيْك هَذَا مَوْقُوف وَقَالَ إِسْمَاعِيل حَدثنَا مُسلم حَدثنَا مبارك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَكْثرُوا عَليّ الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج حَدثنَا وهيب عَن أَيُّوب قَالَ بَلغنِي وَالله أعلم أَن ملكا مُوكل بِكُل من صلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يبلغهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن سُهَيْل قَالَ جِئْت أسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحسن بن حُسَيْن يتعشى فِي بَيت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدعاني فَجِئْته فَقَالَ ادن فتعش قَالَ قلت لَا أريده قَالَ مَالِي رَأَيْتُك وقفت قَالَ وقفت أسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا دخلت الْمَسْجِد فَسلم عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صلوا فِي بُيُوتكُمْ وَلَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر لعن الله الْيَهُود اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد وصلوا عَليّ فَإِن صَلَاتكُمْ تبلغني حَيْثُمَا كُنْتُم // إِسْنَاده صَحِيح // حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا جرير بن حَازِم قَالَ سَمِعت الْحسن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَسب امْرِئ من الْبُخْل أَن أذكر عِنْده فَلَا يُصَلِّي عَليّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا سلم بن سُلَيْمَان الضَّبِّيّ حَدثنَا أَبُو حرَّة عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بِهِ شحا أَن يذكرنِي قوم فَلَا يصلونَ عَليّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا عَارِم حَدثنَا جرير بن حَازِم عَن الْحسن رَفعه أَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي أويس حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال عَن جَعْفَر عَن أَبِيه رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نسي الصَّلَاة عَليّ خطئَ طَرِيق الْجنَّة حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان قَالَ قَالَ عَمْرو عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نسي الصَّلَاة عَليّ خطئَ طَرِيق الْجنَّة قَالَ سُفْيَان قَالَ رجل بعد عَمْرو سَمِعت مُحَمَّد بن عَليّ يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ خطئَ طَرِيق الْجنَّة ثمَّ سمى سُفْيَان الرجل فَقَالَ هُوَ بسام وَهُوَ الصَّيْرَفِي حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب وعارم قَالَا حَدثنَا حَمَّاد بن زِيَاد عَن عَمْرو عَن مُحَمَّد بن عَليّ يرفعهُ من نسي الصَّلَاة عَليّ خطئَ طَرِيق الْجنَّة حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج حَدثنَا وهيب عَن جَعْفَر عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ فقد خطئَ طَرِيق الْجنَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر حَدثنَا عمر بن عَليّ عَن أبي بكر الْجُشَمِي عَن صَفْوَان بن سليم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على أَو سَأَلَ الله لي الْوَسِيلَة حلت عَلَيْهِ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة حَدثنَا سعيد الْجريرِي عَن يزِيد بن عبد الله أَنهم كَانُوا يستحبون أَن يَقُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي عَلَيْهِ السَّلَام حَدثنَا عَاصِم بن عَليّ حَدثنَا المَسْعُودِيّ عَن عون بن عبد الله عَن أبي فَاخِتَة عَن الْأسود عَن عبد الله أَنه قَالَ إِذا صليتم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأحْسنُوا الصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِنَّكُم لَا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِك يعرض عَلَيْهِ قَالُوا فَعلمنَا قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ أجعَل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد الْمُرْسلين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وَخَاتم النَّبِيين مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك إِمَام الْخَيْر وقائد الْخَيْر وَرَسُول الرَّحْمَة اللَّهُمَّ ابعثه مقَاما مَحْمُودًا يغبطه بِهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 حَدثنَا يحيى الْحمانِي حَدثنَا هشيم حَدثنَا أَبُو بلج حَدثنَا يُونُس مولى بني هَاشم قَالَ قلت لعبد الله بن عَمْرو أَو ابْن عمر كَيفَ الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد الْمُرْسلين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وَخَاتم النَّبِيين مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك إِمَام الْخَيْر وقائد الْخَيْر اللَّهُمَّ ابعثه يَوْم الْقِيَامَة مقَاما مَحْمُودًا يغبطه الْأَولونَ وَالْآخرُونَ وصل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم حَدثنَا مَحْمُود بن خِدَاش أخبرنَا جرير عَن مُغيرَة عَن أبي معشر عَن إِبْرَاهِيم قَالَ قَالُوا يَا رَسُول الله قد علمنَا السَّلَام عَلَيْك فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك وَأهل بَيته كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا السّري بن يحيى قَالَ سَمِعت الْحسن قَالَ لما نزلت {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الْأَحْزَاب 56 قَالُوا يَا رَسُول الله هَذَا السَّلَام قد علمنَا كَيفَ هُوَ فَكيف تَأْمُرنَا أَن نصلي عَلَيْك قَالَ تَقولُونَ اللَّهُمَّ اجْعَل صلواتك وبركاتك على آل مُحَمَّد كَمَا جَعلتهَا على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا عَمْرو بن مُسَافر حَدثنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 شيخ من أَهلِي قَالَ سَمِعت سعيد بن الْمسيب يَقُول مَا من دَعْوَة لَا يُصَلِّي عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبلهَا إِلَّا كَانَت معلقَة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث النَّضر بن شُمَيْل عَن أبي قُرَّة الْأَسدي عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن الدُّعَاء مَوْقُوف بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لَا يصعد مِنْهُ شَيْء حَتَّى تصلي على نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا وَالْمَوْقُوف أصح وروى عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّحْمَن الخزاز عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن الْحَارِث عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ مَا من دُعَاء إِلَّا بَينه وَبَين السَّمَاء حجاب حَتَّى يصلى على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا صلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انخرق الْحجاب واستجيب الدُّعَاء وَإِذا لم يصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يستجب الدُّعَاء هَذَا هُوَ الصَّوَاب مَوْقُوف وَرَفعه سَلام الخزاز وَعبد الْكَرِيم بن مَالك الخزاز عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث وَقَالَ القَاضِي إِسْمَاعِيل حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 معَاذ بن هِشَام حَدثنِي أبي عَن قَتَادَة عَن عبد الله بن الْحَارِث أَن أَبَا حليمة معَاذًا كَانَ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقُنُوت حَدثنَا معَاذ بن أَسد حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك أَنا ابْن لَهِيعَة حَدثنِي خَالِد بن يزِيد عَن سعيد بن أبي هِلَال عَن نبيه بن وهب أَن كَعْبًا دخل على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَذكرُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كَعْب مَا من فجر يطلع إِلَّا وَنزل سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة حَتَّى يحفوا بالقبر يضْربُونَ بأجنحتهم الْقَبْر وَيصلونَ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا أَمْسوا عرجوا وَهَبَطَ سَبْعُونَ ألفا حَتَّى يحفوا بالقبر يضْربُونَ بأجنحتهم فيصلون على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعُونَ ألفا بِاللَّيْلِ وَسَبْعُونَ ألفا بِالنَّهَارِ حَتَّى إِذا انشقت عَنهُ الأَرْض خرج فِي سبعين ألفا من الْمَلَائِكَة يزفون حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا هِشَام الدستوَائي حَدثنَا حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة أَن ابْن مَسْعُود وَأَبا مُوسَى وَحُذَيْفَة خرج عَلَيْهِم الْوَلِيد بن عقبَة قبل الْعِيد يَوْمًا فَقَالَ لَهُم إِن هَذَا الْعِيد قد دنا فَكيف التَّكْبِير فِيهِ قَالَ عبد الله تبدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فتكبر تَكْبِيرَة تفتتح بهَا الصَّلَاة وتحمد رَبك وَتصلي على النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تَدْعُو وتكبر وَتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تقْرَأ ثمَّ تكبر وتركع ثمَّ تقوم فتقرأ وتركع وتحمد رَبك وَتصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تَدْعُو وتكبر وَتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تركع فَقَالَ حُذَيْفَة وَأَبُو مُوسَى صدق أَبُو عبد الرَّحْمَن حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبد الله بن أبي بكر قَالَ كُنَّا بالخيف ومعنا عبد الله بن أبي عتبَة فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا بدعوات ثمَّ قَامَ فصلى بِنَا حَدثنَا يَعْقُوب بن حميد بن كاسب حَدثنَا عبد الله بن عبد الله الْأمَوِي عَن صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة قَالَ سَمِعت الْقَاسِم بن مُحَمَّد يَقُول كَانَ يسْتَحبّ للرجل إِذا فرغ من تلبيته أَن يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 حَدثنَا يحيى بن عبد الحميد حَدثنَا سيف بن عمر التَّيْمِيّ عَن سُلَيْمَان الْعَبْسِي عَن عَليّ بن حُسَيْن قَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا مررتم بالمساجد فصلوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق قَالَ سَمِعت سعيد بن ذِي حدان قَالَ قلت لعلقمة مَا أَقُول إِذا دخلت الْمَسْجِد قَالَ تَقول صلى الله وَمَلَائِكَته على مُحَمَّد السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته حَدثنَا عَارِم بن الْفضل حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك حَدثنَا زَكَرِيَّا عَن الشّعبِيّ عَن وهب بن الأجدع قَالَ سَمِعت عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول إِذا قدمتم فطوفوا بِالْبَيْتِ سبعا وصلوا عِنْد الْمقَام رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ائْتُوا الصَّفَا فَقومُوا عَلَيْهِ من حَيْثُ ترَوْنَ الْبَيْت فكبروا سبع تَكْبِيرَات بَين كل تكبيرتين حمد لله وثناء عَلَيْهِ وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَسْأَلَة لنَفسك وعَلى الْمَرْوَة مثل ذَلِك حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن وَاقد الْعَطَّار حَدثنَا هشيم أخبرنَا الْعَوام بن حَوْشَب حَدثنِي رجل من بني أَسد عَن عبد الرَّحْمَن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 عَمْرو قَالَ من صلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب الله لَهُ عشر حَسَنَات ومحا عَنهُ عشر سيئات وَرفع لَهُ عشر دَرَجَات حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان عَن يَعْقُوب بن زيد بن طَلْحَة التَّيْمِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي آتٍ من رَبِّي فَقَالَ مَا من عبد يُصَلِّي عَلَيْك صَلَاة إِلَّا صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أجعَل نصف دعائي لَك قَالَ إِن شِئْت قَالَ أجعَل ثُلثي دعائي لَك قَالَ إِن شِئْت قَالَ أجعَل دعائي كُله لَك قَالَ إِذن يَكْفِيك الله هم الدُّنْيَا وهم الْآخِرَة فَقَالَ شيخ كَانَ بِمَكَّة يُقَال لَهُ منيع سُفْيَان عَمَّن أسْندهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن وَاقد الْعَطَّار حَدثنَا هشيم حَدثنَا حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ إِن ملكا مُوكل يَوْم الْجُمُعَة بِمن صلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن فلَانا من أمتك يُصَلِّي عَلَيْك وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ حَدثنَا سُفْيَان حَدثنِي معمر عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول اللَّهُمَّ تقبل شَفَاعَة مُحَمَّد الْكُبْرَى وارفع دَرَجَته الْعليا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وأعطه سؤله فِي الْآخِرَة وَالْأولَى كَمَا آتيت إِبْرَاهِيم ومُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ إِسْمَاعِيل حَدثنَا عَاصِم بن عَليّ وَحَفْص بن عمر وَسليمَان بن حَرْب قَالُوا حَدثنَا شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن ذكْوَان عَن أبي سعيد قَالَ مَا من قوم يَقْعُدُونَ ثمَّ يقومُونَ لَا يصلونَ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا كَانَ عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة حسرة وَإِن دخلُوا الْجنَّة يرَوْنَ الثَّوَاب وَهَذَا لفظ الحوضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَيَان معنى الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّلَاة على آله وَتَفْسِير الْآل وَوجه تَشْبِيه الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّلَاةِ على إِبْرَاهِيم وَآله من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء وَختم الصَّلَاة بالاسمين الخاصين وهما الحميد الْمجِيد وَفِي بَيَان معنى السَّلَام عَلَيْهِ وَالرَّحْمَة وَالْبركَة وَمعنى اللَّهُمَّ وَمعنى اسْمه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذِهِ عشر فُصُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الْفَصْل الأول فِي افْتِتَاح صَلَاة الْمُصَلِّي بقول اللَّهُمَّ وَمعنى ذَلِك لَا خلاف أَن لَفْظَة اللَّهُمَّ مَعْنَاهَا يَا الله وَلِهَذَا لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الطّلب فَلَا يُقَال اللَّهُمَّ غَفُور رَحِيم بل يُقَال اللَّهُمَّ أَغفر لي وارحمني وَاخْتلف النُّحَاة فِي الْمِيم الْمُشَدّدَة من آخر الِاسْم فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ زيدت عوضا من حرف النداء وَلذَلِك لَا يجوز عِنْده الْجمع بَينهمَا فِي اخْتِيَار الْكَلَام فَلَا يُقَال يَا اللَّهُمَّ إِلَّا فِيمَا ندر كَقَوْل الشَّاعِر (إِنِّي إِذا مَا حدث ألما ... أَقُول يَا اللَّهُمَّ يَا اللهما) وَيُسمى مَا كَانَ من هَذَا الضَّرْب عوضا إِذْ هُوَ فِي غير مَحل الْمَحْذُوف فَإِن كَانَ فِي مَحَله سمي بَدَلا كالألف فِي قَامَ وَبَاعَ فَإِنَّهَا بدل عَن الْوَاو وَالْيَاء وَلَا يجوز عِنْده أَن يُوصف هَذَا الِاسْم أَيْضا فَلَا يُقَال يَا اللَّهُمَّ الرَّحِيم ارْحَمْنِي وَلَا يُبدل مِنْهُ والضمّة الَّتِي على الْهَاء ضمة الِاسْم المنادى الْمُفْرد وَفتحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الْمِيم لسكونها وَسُكُون الْمِيم الَّتِي قبلهَا وَهَذَا من خَصَائِص هَذَا الِاسْم كَمَا اخْتصَّ بِالتَّاءِ فِي الْقسم وبدخول حرف النداء عَلَيْهِ مَعَ لَام التَّعْرِيف وبقطع همزَة وَصله فِي النداء وتفخيم لامه وجوبا غير مسبوقة بِحرف إطباق هَذَا ملخص مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه وَقيل الْمِيم عوض عَن جملَة محذوفة وَالتَّقْدِير يَا الله أُمنا بِخَير أَي اقصدنا ثمَّ حذف الْجَار وَالْمَجْرُور وَحذف الْمَفْعُول فَبَقيَ فِي التَّقْدِير يَا الله أُم ثمَّ حذفوا الْهمزَة لِكَثْرَة دوران هَذَا الِاسْم فِي الدُّعَاء على ألسنتهم فَبَقيَ يَا اللَّهُمَّ وَهَذَا قَول الْفراء وَصَاحب هَذَا القَوْل يجوز دُخُول يَا عَلَيْهِ ويحتج بقول الشَّاعِر (وَمَا عَلَيْك أَن تقولي كلما صليت أَو سبحت ... يَا اللهما ارْدُدْ علينا شَيخنَا مُسلما) وبالبيت الْمُتَقَدّم وَغَيرهمَا ورد البصريون هَذَا بِوُجُوه أَحدهَا أَن هَذِه تقادير لَا دَلِيل عَلَيْهَا وَلَا يقتضيها الْقيَاس فَلَا يُصَار إِلَيْهَا بِغَيْر دَلِيل الثَّانِي أَن الأَصْل عدم الْحَذف فتقدير هَذِه المحذوفات الْكَثِيرَة خلاف الأَصْل الثَّالِث أَن الدَّاعِي بِهَذَا قد يَدْعُو بِالشَّرِّ على نَفسه وعَلى غَيره فَلَا يَصح هَذَا التَّقْدِير فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 تجمع بَين يَا واللهم وَلَو كَانَ أَصله مَا ذكره الْفراء لم يمْتَنع الْجمع بل كَانَ اسْتِعْمَاله فصيحا شَائِعا وَالْأَمر بِخِلَافِهِ الْخَامِس أَنه لَا يمْتَنع أَن يَقُول الدَّاعِي اللَّهُمَّ أُمنا بِخَير وَلَو كَانَ التَّقْدِير كَمَا ذكره لم يجز الْجمع بَينهمَا لما فِيهِ من الْجمع بَين الْعِوَض والمعوض السَّادِس أَن الدَّاعِي بِهَذَا الِاسْم لَا يخْطر ذَلِك بِبَالِهِ وَإِنَّمَا تكون غَايَته مُجَرّدَة إِلَى الْمَطْلُوب بعد ذكر الِاسْم السَّابِع أَنه لَو كَانَ التَّقْدِير ذَلِك لَكَانَ اللَّهُمَّ جملَة تَامَّة يحسن السُّكُوت عَلَيْهَا لاشتمالها على الِاسْم المنادى وَفعل الطّلب وَذَلِكَ بَاطِل الثَّامِن أَنه لَو كَانَ التَّقْدِير مَا ذكره لكتب فعل الْأَمر وَحده وَلم يُوصل بِالِاسْمِ المنادى كَمَا يُقَال يَا الله قه وَيَا زيد عه وَيَا عَمْرو فه لِأَن الْفِعْل لَا يُوصل بِالِاسْمِ الَّذِي قبله حَتَّى يجعلا فِي الْخط كلمة وَاحِدَة هَذَا لَا نَظِير لَهُ فِي الْخط وَفِي الِاتِّفَاق على وصل الْمِيم باسم الله دَلِيل على أَنَّهَا لَيست بِفعل مُسْتَقل التَّاسِع أَنه لَا يسوغ وَلَا يحسن فِي الدُّعَاء أَن يَقُول العَبْد اللَّهُمَّ أُمني بِكَذَا بل هَذَا مستكره اللَّفْظ وَالْمعْنَى فَإِنَّهُ لَا يُقَال اقصدني بِكَذَا إِلَّا لمن كَانَ يعرض لَهُ الْغَلَط وَالنِّسْيَان فَيَقُول لَهُ اقصدني وَأما من لَا يفعل إِلَّا بإرادته وَلَا يضل وَلَا ينسى فَلَا يُقَال اقصد كَذَا الْعَاشِر أَنه يسوغ اسْتِعْمَال هَذَا اللَّفْظ فِي مَوضِع لَا يكون بعده دُعَاء كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدُّعَاء اللَّهُمَّ لَك الْحَمد وَإِلَيْك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 المشتكى وَأَنت الْمُسْتَعَان وَبِك المستغاث وَعَلَيْك التكلان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أَصبَحت أشهدك وَأشْهد حَملَة عرشك وملائكتك وَجَمِيع خلقك أَنَّك أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك وَأَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك وَقَوله تَعَالَى {قل اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ من تشَاء} آل عمرَان 26 الْآيَة وَقَوله تَعَالَى {قل اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَين عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} الزمر 46 وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رُكُوعه وَسُجُوده سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ أَغفر لي فَهَذَا كُله لَا يسوغ فِيهِ التَّقْدِير الَّذِي ذَكرُوهُ وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَقيل زيدت الْمِيم للتعظيم والتفخيم كزيادتها فِي زرقم لشديد الزرقة وابنم فِي الابْن وَهَذَا القَوْل صَحِيح وَلَكِن يحْتَاج إِلَى تَتِمَّة وقائله لحظ معنى صَحِيحا لَا بُد من بَيَانه وَهُوَ أَن الْمِيم تدل على الْجمع وتقتضيه ومخرجها يَقْتَضِي ذَلِك وَهَذَا مطرد على أصل من أثبت الْمُنَاسبَة بَين اللَّفْظ وَالْمعْنَى كَمَا هُوَ مَذْهَب أساطين الْعَرَبيَّة وَعقد لَهُ أَبُو الْفَتْح بن جني بَابا فِي الخصائص وَذكره عَن سِيبَوَيْهٍ وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بأنواع من تناسب اللَّفْظ وَالْمعْنَى ثمَّ قَالَ وَلَقَد كنت بُرْهَة يرد عليّ اللَّفْظ لَا أعلم مَوْضُوعه وآخذ مَعْنَاهُ من قُوَّة لَفظه ومناسبة تِلْكَ الْحُرُوف لذَلِك الْمَعْنى ثمَّ أكشفه فأجده كَمَا فهمته أَو قَرِيبا مِنْهُ فحكيت لشيخ الْإِسْلَام هَذَا عَن ابْن جني فَقَالَ وَأَنا كثيرا مَا يجْرِي لي ذَلِك ثمَّ ذكر لي فصلا عَظِيم النَّفْع فِي التناسب بَين اللَّفْظ وَالْمعْنَى ومناسبة الحركات لِمَعْنى اللَّفْظ وَأَنَّهُمْ فِي الْغَالِب يجْعَلُونَ الضمة الَّتِي هِيَ أقوى الحركات للمعنى الْأَقْوَى والفتحة الْخَفِيفَة للمعنى الْخَفِيف والمتوسطة للمتوسط فَيَقُولُونَ عزَّ يعَزُّ بِفَتْح الْعين إِذا صلب وَأَرْض عزاز صلبة وَيَقُولُونَ عزَّ يعِزُّ بِكَسْرِهَا إِذا امْتنع والممتنع فَوق الصلب فقد يكون الشَّيْء صلبا وَلَا يمْتَنع على كاسره ثمَّ يَقُولُونَ عزَّه يعُزُّه إِذا غَلبه قَالَ الله تَعَالَى فِي قصَّة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} ص 23 وَالْغَلَبَة أقوى من الِامْتِنَاع إِذْ قد يكون الشَّيْء مُمْتَنعا فِي نَفسه متحصنا من عدوه وَلَا يغلب غَيره فالغالب أقوى من الْمُمْتَنع فَأَعْطوهُ أقوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الحركات والصلب أَضْعَف من الْمُمْتَنع فَأَعْطوهُ أَضْعَف الحركات والممتنع الْمُتَوَسّط بَين المرتبتين فَأَعْطوهُ حَرَكَة الْوسط وَنَظِير هَذَا قَوْلهم ذبح بِكَسْر أَوله للمحل الْمَذْبُوح وَذبح بِفَتْح أَوله لنَفس الْفِعْل وَلَا ريب أَن الْجِسْم أقوى من الْعرض فأعطوا الْحَرَكَة القوية للقوي والضعيفة للضعيف وَهُوَ مثل قَوْلهم نهب وَنهب بِالْكَسْرِ للمنهوب وبالفتح للْفِعْل وكقولهم ملْء وملء بِالْكَسْرِ لما يمْلَأ الشَّيْء وبالفتح للمصدر الَّذِي هُوَ الْفِعْل وكقولهم حِمْل وَحمل فبالكسر لما كَانَ قَوِيا مرئيا مُثقلًا لحامله على ظَهره أَو رَأسه أَو غَيرهمَا من أَعْضَائِهِ وَالْحمل بِالْفَتْح لما كَانَ خفيفه غير مثقل لحامله كحمل الْحَيَوَان وَحمل الشَّجَرَة بِهِ أشبه ففتحوه وَتَأمل كَونهم عكسوا هَذَا فِي الحِب والحُب فَجعلُوا المكسور الأول لنَفس المحبوب ومضمومه للمصدر إِيذَانًا بخفة المحبوب على قُلُوبهم ولطف موقعه فِي أنفسهم وحلاوته عِنْدهم وَثقل حمل الحُب ولزومه للمحب كَمَا يلْزم الْغَرِيم غَرِيمه وَلِهَذَا يُسمى غراما وَلِهَذَا كثر وَصفهم لتحمله بالشدة والصعوبة وإخبارهم بِأَن أعظم الْمَخْلُوقَات وأشدها من الصخر وَالْحَدِيد وَنَحْوهمَا لَو حمله لذاب وَلم يسْتَقلّ بِهِ كَمَا هُوَ كثير فِي أشعار المتقدين والمتأخرين وَكَلَامهم فَكَانَ الْأَحْسَن أَن يُعْطوا الْمصدر هُنَا الْحَرَكَة القوية والمحبوب الْحَرَكَة الَّتِي هِيَ أخف مِنْهَا وَمن هَذَا قَوْلهم قبض بِسُكُون وَسطه للْفِعْل وَقبض بتحريكه للمقبوض وَالْحَرَكَة أقوى من السّكُون والمقبوض أقوى من الْمصدر وَنَظِيره سبق بِالسُّكُونِ للْفِعْل وَسبق بِالْفَتْح لِلْمَالِ الْمَأْخُوذ فِي هَذَا العقد وَتَأمل قَوْلهم دَار دورانا وَفَارَتْ الْقدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 فورانا وغلت غليانا كَيفَ تابعوا بَين الحركات فِي هَذِه المصادر لتتابع حَرَكَة الْمُسَمّى فطابق اللَّفْظ الْمَعْنى وَتَأمل قَوْلهم حجر وهواء كَيفَ وضعُوا للمعنى الثقيل الشَّديد هَذِه الْحُرُوف الشَّدِيدَة وَوَضَعُوا للمعنى الْخَفِيف هَذِه الْحُرُوف الهوائية الَّتِي هِيَ من أخف الْحُرُوف وَهَذَا أَكثر من أَن يحاط بِهِ وَإِن مد الله فِي الْعُمر وضعت فِيهِ كتابا مُسْتقِلّا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمثل هَذِه الْمعَانِي يَسْتَدْعِي لطافة ذهن ورقة طبع وَلَا تتأتى مَعَ غلظ الْقُلُوب والرضى بأوائل مسَائِل النَّحْو والتصريف دون تأملها وتدبرها وَالنَّظَر إِلَى حِكْمَة الْوَاضِع ومطالعة مَا فِي هَذِه اللُّغَة الباهرة من الْأَسْرَار الَّتِي تدق على أَكثر الْعُقُول وَهَذَا بَاب يُنَبه الْفَاضِل على مَا وَرَاءه {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نور} النُّور 40 وَانْظُر إِلَى تسميتهم الغليظ الجافي بالعتل والجعظري والجواظ كَيفَ تَجِد هَذِه الْأَلْفَاظ تنادي على مَا تحتهَا من الْمعَانِي وَانْظُر إِلَى تسميتهم الطَّوِيل بالعشنق وَتَأمل اقْتِضَاء هَذِه الْحُرُوف ومناسبتها لِمَعْنى الطَّوِيل وتسميتهم الْقصير بالبحتر وموالاتهم بَين ثَلَاث فتحات فِي اسْم الطَّوِيل وَهُوَ العشنق وإتيانهم بِضَمَّتَيْنِ بَينهمَا سُكُون فِي البحتر كَيفَ يَقْتَضِي اللَّفْظ الأول انفتاح الْفَم وانفراج آلَات النُّطْق وامتدادها وَعدم ركُوب بَعْضهَا بَعْضًا وَفِي اسْم البحتر الْأَمر بالضد وَتَأمل قَوْلهم طَال الشَّيْء فَهُوَ طَوِيل وَكبر فَهُوَ كَبِير فَإِن زَاد طوله قَالُوا طوَالًا وكبارا فَأتوا بِالْألف الَّتِي هِيَ أَكثر مدا وأطول من الْيَاء فِي الْمَعْنى الأطول فَإِن زَاد كبر الشَّيْء وَثقل موقعه من النُّفُوس ثقلوا اسْمه فَقَالُوا كبارًا بتَشْديد الْبَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَلَو أطلقنا عنان الْقَلَم فِي ذَلِك لطال مداه واستعصى على الضَّبْط فلنرجع إِلَى مَا جرى الْكَلَام بِسَبَبِهِ فَنَقُول الْمِيم حرف شفهي يجمع النَّاطِق بِهِ شَفَتَيْه فَوَضَعته الْعَرَب علما على الْجمع فَقَالُوا للْوَاحِد أَنْت فَإِذا جاوزوه إِلَى الْجمع قَالُوا أَنْتُم وَقَالُوا للْوَاحِد الْغَائِب هُوَ فَإِذا جاوزوه إِلَى الْجمع قَالُوا هم وَكَذَلِكَ فِي الْمُتَّصِل يَقُولُونَ ضربت وضربتم وَإِيَّاك وَإِيَّاكُم وإياه وإياهم ونظائره نَحْو بِهِ وبهم وَيَقُولُونَ للشَّيْء الْأَزْرَق أَزْرَق فَإِذا اشتدت زرقته واستحكمت قَالُوا زرقم وَيَقُولُونَ للكبير الأست ستهم وَتَأمل الْأَلْفَاظ الَّتِي فِيهَا الْمِيم كَيفَ تَجِد الْجمع معقودا بهَا مثل لم الشَّيْء يلمه إِذا جمعه وَمِنْه لم الله شعثه أَي جمع مَا تفرق من أُمُوره وَمِنْه قَوْلهم دَار لمومة أَي تلم النَّاس وتجمعهم وَمِنْه {أَكْلاً لَمّاً} الْفجْر 19 جَاءَ فِي تَفْسِيرهَا يَأْكُل نصِيبه وَنصِيب صَاحبه وَأَصله من اللم وَهُوَ الْجمع كَمَا يُقَال لفه يلفه وَمِنْه ألم بالشَّيْء إِذا قَارب الِاجْتِمَاع بِهِ والوصول إِلَيْهِ وَمِنْه اللمم وَهُوَ مقاربة الِاجْتِمَاع بالكبائر وَمِنْه الملمة وَهِي النَّازِلَة الَّتِي تصيب العَبْد وَمِنْه اللُمة وَهِي الشّعْر الَّذِي قد اجْتمع وتقلص حَتَّى جَاوز شحمة الْأذن وَمِنْه تمّ الشَّيْء وَمَا تصرف مِنْهَا وَمِنْه بدر التم إِذا كمل وَاجْتمعَ نوره وَمِنْه التوأم للولدين المجتمعين فِي بطن وَمِنْه الْأُم وَأم الشَّيْء أَصله الَّذِي تفرع مِنْهُ فَهُوَ الْجَامِع لَهُ وَبِه سميت مَكَّة أم الْقرى والفاتحة أم الْقُرْآن واللوح الْمَحْفُوظ أم الْكتاب قَالَ الْجَوْهَرِي أم الشَّيْء أَصله وَمَكَّة أم الْقرى وَأم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 مثواك صَاحِبَة مَنْزِلك يَعْنِي الَّتِي تأوي إِلَيْهَا وتجتمع مَعهَا وَأم الدِّمَاغ الْجلْدَة الَّتِي تجمع الدِّمَاغ وَيُقَال لَهَا أم الرَّأْس وَقَوله تَعَالَى فِي الْآيَات المحكمات {هُنَّ أُمُ الكِتَاب} آل عمرَان 7 وَالْأمة الْجَمَاعَة المتساوية فِي الْخلقَة وَالزَّمَان قَالَ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} الْأَنْعَام 38 وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها وَمِنْه الإِمَام الَّذِي يجْتَمع المقتدون بِهِ على اتِّبَاعه وَمِنْه أم الشَّيْء يؤمه إِذا اجْتمع قَصده وهمه إِلَيْهِ وَمِنْه رم الشَّيْء يرمه إِذا أصلحه وَجمع مُتَفَرِّقَة قيل وَمِنْه سمي الرُّمَّان لِاجْتِمَاع حبه وتضامه وَمِنْه ضم الشَّيْء يضمه إِذا جمعه وَمِنْه هم الْإِنْسَان وهمومه وَهِي إِرَادَته وعزائمه الَّتِي تَجْتَمِع فِي قلبه وَمِنْه قَوْلهم للأسود أحم وللفحمة السَّوْدَاء حممة وحمم رَأسه إِذا اسود بعد حلقه كل هَذَا لِأَن السوَاد لون جَامع لِلْبَصَرِ لَا يَدعه يتفرق وَلِهَذَا يَجْعَل على عَيْني الضَّعِيف الْبَصَر لوجع أَو غَيره شَيْء أسود من شعر أَو خرقَة ليجمع عَلَيْهِ بَصَره فتقوى الْقُوَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الباصرة وَهَذَا بَاب طَوِيل فلنقتصر مِنْهُ على هَذَا الْقدر وَإِذا علم هَذَا من شَأْن الْمِيم فهم ألحقوها فِي آخر هَذَا الِاسْم الَّذِي يسْأَل الله سُبْحَانَهُ بِهِ فِي كل حَاجَة وكل حَال إِيذَانًا بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاته فالسائل إِذا قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك كَأَنَّهُ قَالَ أَدْعُو الله الَّذِي لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى وَالصِّفَات العلى بأسمائه وَصِفَاته فَأتى بِالْمِيم المؤذنة بِالْجمعِ فِي آخر هَذَا الِاسْم إِيذَانًا بسؤاله تَعَالَى بأسمائه كلهَا كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح مَا أصَاب عبدا قطّ هم وَلَا حزن فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبدك ابْن عَبدك ابْن أمتك ناصيتي بِيَدِك مَاض فِي حكمك عدل فيّ قضاؤك أَسأَلك بِكُل اسْم هُوَ لَك سميت بِهِ نَفسك أَو أنزلته فِي كتابك أَو عَلمته أحدا من خلقك أَو استأثرت بِهِ فِي علم الْغَيْب عنْدك أَن تجْعَل الْقُرْآن ربيع قلبِي وَنور صَدْرِي وجلاء حزني وَذَهَاب همي وغمي إِلَّا أذهب الله همه وغمه وأبدله مَكَانَهُ فَرحا قَالُوا يَا رَسُول الله أَفلا نتعلمهن قَالَ بلَى يَنْبَغِي لمن سمعهن أَن يتعلمهن // إِسْنَاده صَحِيح // فالداعي مَنْدُوب إِلَى أَن يسْأَل الله تَعَالَى بأسمائه وَصِفَاته كَمَا فِي الِاسْم الْأَعْظَم اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِأَن لَك الْحَمد لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الحنان المنان بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام يَا حَيّ يَا قيوم // إِسْنَاده صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَهَذِه الْكَلِمَات تَتَضَمَّن الْأَسْمَاء الْحسنى كَمَا ذكر فِي غير هَذَا الْموضع وَالدُّعَاء ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا أَن يسْأَل الله تَعَالَى بأسمائه وَصِفَاته وَهَذَا أحد التَّأْويلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بهَا} الْأَعْرَاف 180 وَالثَّانِي أَن تسأله بحاجتك وفقرك وذُلك فَتَقول أَنا العَبْد الْفَقِير الْمِسْكِين البائس الذَّلِيل المستجير وَنَحْو ذَلِك وَالثَّالِث أَن تسْأَل حَاجَتك وَلَا تذكر وَاحِدًا من الْأَمريْنِ فَالْأول أكمل من الثَّانِي وَالثَّانِي أكمل من الثَّالِث فَإِذا جمع الدُّعَاء الْأُمُور الثَّلَاثَة كَانَ أكمل وَهَذِه عَامَّة أدعية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الدُّعَاء الَّذِي علمه صديق الْأمة رَضِي الله عَنهُ ذكر الْأَقْسَام الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوله ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا وَهَذَا حَال السَّائِل ثمَّ قَالَ وَإنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت وَهَذَا حَال المسؤول ثمَّ قَالَ فَاغْفِر لي فَذكر حَاجته وَختم الدُّعَاء باسمين من الْأَسْمَاء الْحسنى تناسب الْمَطْلُوب وتقتضيه وَهَذَا القَوْل الَّذِي اخترناه جَاءَ عَن غير وَاحِد من السّلف قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ اللَّهُمَّ مجمع الدُّعَاء وَقَالَ أَبُو رَجَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 العطاردي إِن الْمِيم فِي قَوْله اللَّهُمَّ فِيهَا تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما من أَسمَاء الله تَعَالَى وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل من قَالَ اللَّهُمَّ فقد دَعَا الله بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَقد وَجه طَائِفَة هَذَا القَوْل بِأَن الْمِيم هُنَا بِمَنْزِلَة الْوَاو الدَّالَّة على الْجمع فَإِنَّهَا من مخرجها فَكَأَن الدَّاعِي بهَا يَقُول يَا الله الَّذِي اجْتمعت لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى وَالصِّفَات العلى قَالَ وَلذَلِك شددت لتَكون عوضا عَن علامتي الْجمع وَهِي الْوَاو وَالنُّون فِي مُسلمُونَ وَنَحْوه وعَلى الطَّرِيقَة الَّتِي ذَكرنَاهَا أَن نفس الْمِيم دَالَّة على الْجمع لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا يبْقى أَن يُقَال فَهَلا جمعُوا بَين يَا وَبَين هَذِه الْمِيم على الْمَذْهَب الصَّحِيح فَالْجَوَاب أَن الْقيَاس يَقْتَضِي عدم دُخُول حرف النداء على هَذَا الِاسْم لمَكَان الْألف وَاللَّام مِنْهُ وَإِنَّمَا احتملوا ذَلِك فِيهِ لِكَثْرَة استعمالهم دعاءه واضطرارهم إِلَيْهِ واستغاثتهم بِهِ فإمَّا أَن يحذفوا الْألف وَاللَّام مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يسوغ للزومهما لَهُ وَإِمَّا أَن يتوصلوا إِلَيْهِ ب أَي وَذَلِكَ لَا يسوغ لِأَنَّهَا لَا يتَوَصَّل بهَا إِلَّا إِلَى نِدَاء اسْم الْجِنْس الْمحلى بِالْألف وَاللَّام كَالرّجلِ وَالرَّسُول وَالنَّبِيّ وَأما فِي الْأَعْلَام فَلَا فخالفوا قياسهم فِي هَذَا الِاسْم لمَكَان الْحَاجة فَلَمَّا أدخلُوا الْمِيم الْمُشَدّدَة فِي آخِره عوضا عَن جَمِيع الْأَسْمَاء جعلوها عوضا عَن حرف النداء فَلم يجمعوا بَينهمَا وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 ال ْفَصْل الثَّانِي فِي بَيَان معنى الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصل هَذِه اللَّفْظَة فِي اللُّغَة يرجع إِلَى مَعْنيين أَحدهمَا الدُّعَاء والتبريك وَالثَّانِي الْعِبَادَة فَمن الأول قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم} التَّوْبَة 103 وَقَوله تَعَالَى فِي حق الْمُنَافِقين {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبره} التَّوْبَة 84 وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دعِي أحدكُم إِلَى الطَّعَام فليجب فَإِن كَانَ صَائِما فَليصل فسر بهما قيل فَليدع لَهُم بِالْبركَةِ وَقيل يُصَلِّي عِنْدهم بدل أكله وَقيل إِن الصَّلَاة فِي اللُّغَة مَعْنَاهَا الدُّعَاء وَالدُّعَاء نَوْعَانِ دُعَاء عبَادَة وَدُعَاء مَسْأَلَة وَالْعَابِد دَاع كَمَا أَن السَّائِل دَاع وَبِهِمَا فسر قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غَافِر 60 قيل أَطِيعُونِي أثبكم وَقيل سلوني أعطكم وَفسّر بهما قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} الْبَقَرَة 186 وَالصَّوَاب أَن الدُّعَاء يعم النَّوْعَيْنِ وَهَذَا لفظ متواطئ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 اشْتِرَاك فِيهِ فَمن اسْتِعْمَاله فِي دُعَاء الْعِبَادَة قَوْله تَعَالَى {قُلِ ادْعُوا الّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} سبأ 22 وَقَوله تَعَالَى {وَالَّذين يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} النَّحْل 20 وَقَوله تَعَالَى {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دعاؤكم} الْفرْقَان 77 وَالصَّحِيح من الْقَوْلَيْنِ لَوْلَا أَنكُمْ تَدعُونَهُ وتعبدونه أَي أَي شَيْء يعبأ بكم لَوْلَا عبادتكم إِيَّاه فَيكون الْمصدر مُضَافا إِلَى الْفَاعِل وَقَالَ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يحب الْمُعْتَدِينَ وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها وادعوه خوفًا وَطَمَعًا} الْأَعْرَاف 55 56 وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَن أنبيائه وَرُسُله {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رغبا ورهبا} الْأَنْبِيَاء 90 وَهَذِه الطَّرِيقَة أحسن من الطَّرِيقَة الأولى وَدَعوى الِاخْتِلَاف فِي مُسَمّى الدُّعَاء وَبِهَذَا تَزُول الإشكالات الْوَارِدَة على اسْم الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة هَل هُوَ مَنْقُول عَن مَوْضِعه فِي اللُّغَة فَيكون حَقِيقَة شَرْعِيَّة أَو مجَازًا شَرْعِيًّا فعلى هَذَا تكون الصَّلَاة بَاقِيَة على مسماها فِي اللُّغَة وَهُوَ الدُّعَاء وَالدُّعَاء دُعَاء عبَادَة وَدُعَاء مَسْأَلَة وَالْمُصَلي من حِين تكبيره إِلَى سَلَامه بَين دُعَاء الْعِبَادَة وَدُعَاء الْمَسْأَلَة فَهُوَ فِي صَلَاة حَقِيقِيَّة لَا مجَازًا وَلَا منقولة لَكِن خص اسْم الصَّلَاة بِهَذِهِ الْعِبَادَة الْمَخْصُوصَة كَسَائِر الْأَلْفَاظ الَّتِي يَخُصهَا أهل اللُّغَة وَالْعرْف بِبَعْض مسماها كالدابة وَالرَّأْس وَنَحْوهمَا فَهَذَا غَايَته تَخْصِيص اللَّفْظ وقصره على بعض مَوْضُوعه وَلِهَذَا لَا يُوجب نقلا وَلَا خُرُوجًا عَن مَوْضُوعه الْأَصْلِيّ وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فصل هَذِه صَلَاة الْآدَمِيّ وَأما صَلَاة الله سُبْحَانَهُ على عَبده فنوعان عَامَّة وخاصة أما الْعَامَّة فَهِيَ صلَاته على عباده الْمُؤمنِينَ قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} الْأَحْزَاب 43 وَمِنْه دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّلَاةِ على آحَاد الْمُؤمنِينَ كَقَوْلِه اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى وَفِي حَدِيث آخر أَن امْرَأَة قَالَت لَهُ صل عَليّ وعَلى زَوجي قَالَ صلى الله عَلَيْك وعَلى زَوجك وَسَيَأْتِي ذكر هَذَا الحَدِيث وَمَا شابهه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 النَّوْع الثَّانِي صلَاته الْخَاصَّة على أنبيائه وَرُسُله خُصُوصا على خاتمهم وَخَيرهمْ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاخْتلف النَّاس فِي معنى الصَّلَاة مِنْهُ سُبْحَانَهُ على أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا رَحمته قَالَ إِسْمَاعِيل حَدثنَا نصر بن عَليّ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَوَاء عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك قَالَ صَلَاة الله رَحمته وَصَلَاة الْمَلَائِكَة الدُّعَاء // سَنَده ضَعِيف // وَقَالَ الْمبرد أصل الصَّلَاة الرَّحِم فَهِيَ من الله رَحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة رقة واستدعاء للرحمة من الله وَهَذَا القَوْل هُوَ الْمَعْرُوف عِنْد كثير من الْمُتَأَخِّرين وَالْقَوْل الثَّانِي أَن صَلَاة الله مغفرته قَالَ إِسْمَاعِيل ثَنَا مُحَمَّد بن أبي بكر ثَنَا مُحَمَّد بن سَوَاء عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم قَالَ صَلَاة الله مغفرته وَصَلَاة الْمَلَائِكَة الدُّعَاء // ضَعِيف جدا // وَهَذَا القَوْل من جنس الَّذِي قبله وهما ضعيفان لوجوه أَحدهَا أَن الله سُبْحَانَهُ فرق بَين صلَاته على عباده وَرَحمته فَقَالَ تَعَالَى {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} الْبَقَرَة 157 فعطف الرَّحْمَة على الصَّلَاة فَاقْتضى ذَلِك تغايرهما هَذَا أصل الْعَطف وَأما قَوْلهم (وألفى قَوْلهَا كذبا ومينا ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 فَهُوَ شَاذ نَادِر لَا يحمل عَلَيْهِ أفْصح الْكَلَام مَعَ أَن المين أخص من الْكَذِب الْوَجْه الثَّانِي أَن صَلَاة الله سُبْحَانَهُ خَاصَّة بأنبيائه وَرُسُله وعباده الْمُؤمنِينَ وَأما رَحمته فوسعت كل شَيْء فَلَيْسَتْ الصَّلَاة مرادفة للرحمة لَكِن الرَّحْمَة من لَوَازِم الصَّلَاة وموجباتها وثمراتها فَمن فَسرهَا بِالرَّحْمَةِ فقد فَسرهَا بِبَعْض ثَمَرَتهَا ومقصودها وَهَذَا كثيرا مَا يَأْتِي فِي تَفْسِير أَلْفَاظ الْقُرْآن وَالرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُفَسر اللَّفْظَة بلازمها وجزء مَعْنَاهَا كتفسير الريب بِالشَّكِّ وَالشَّكّ جُزْء مُسَمّى الريب وَتَفْسِير الْمَغْفِرَة بالستر وَهُوَ جُزْء مُسَمّى الْمَغْفِرَة وَتَفْسِير الرَّحْمَة بِإِرَادَة الْإِحْسَان وَهُوَ لَازم الرَّحْمَة ونظائر ذَلِك كَثِيرَة قد ذَكرنَاهَا فِي أصُول التَّفْسِير الْوَجْه الثَّالِث أَنه لَا خلاف فِي جَوَاز الترحم على الْمُؤمنِينَ وَاخْتلف السّلف وَالْخلف فِي جَوَاز الصَّلَاة على الْأَنْبِيَاء على ثَلَاثَة أَقْوَال سنذكرها فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَعلم أَنَّهُمَا ليسَا بمترادفين الْوَجْه الرَّابِع أَنه لَو كَانَت الصَّلَاة بِمَعْنى الرَّحْمَة لقامت مقَامهَا فِي امْتِثَال الْأَمر وأسقطت الْوُجُوب عِنْد من أوجبهَا إِذا قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآل مُحَمَّد وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك الْوَجْه الْخَامِس أَنه لَا يُقَال لمن رحم غَيره ورق عَلَيْهِ فأطعمه أَو سقَاهُ أَو كَسَاه أَنه صلى عَلَيْهِ وَيُقَال إِنَّه قد رَحمَه الْوَجْه السَّادِس أَن الْإِنْسَان قد يرحم من يبغضه ويعاديه فيجد فِي قلبه لَهُ رَحْمَة وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الْوَجْه السَّابِع أَن الصَّلَاة لَا بُد فِيهَا من كَلَام فَهِيَ ثَنَاء من الْمُصَلِّي على من يُصَلِّي عَلَيْهِ وتنويه بِهِ وَإِشَارَة لمحاسنه ومناقبه وَذكره ذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ صَلَاة الله على رَسُوله ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْد الْمَلَائِكَة // سَنَده قَابل للتحسن // وَقَالَ إِسْمَاعِيل فِي كِتَابه حَدثنَا نصر بن عَليّ حَدثنَا خَالِد بن يزِيد عَن أبي جَعْفَر عَن الرّبيع بن أنس عَن أبي الْعَالِيَة {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الْأَحْزَاب 56 قَالَ صَلَاة الله عز وَجل ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَصَلَاة الْمَلَائِكَة عَلَيْهِ الدُّعَاء الْوَجْه الثَّامِن أَن الله سُبْحَانَهُ فرق بَين صلَاته وَصَلَاة مَلَائكَته وجمعهما فِي فعل وَاحِد فَقَالَ {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} وَهَذِه الصَّلَاة لَا يجوز أَن تكون هِيَ الرَّحْمَة وَإِنَّمَا هِيَ ثَنَاؤُهُ سُبْحَانَهُ وثناء مَلَائكَته عَلَيْهِ وَلَا يُقَال الصَّلَاة لفظ مُشْتَرك وَيجوز أَن يسْتَعْمل فِي معنييه مَعًا لِأَن فِي ذَلِك محاذير مُتعَدِّدَة أَحدهَا أَن الِاشْتِرَاك خلاف الأَصْل بل لَا يعلم أَنه وَقع فِي اللُّغَة من وَاضع وَاحِد كَمَا نَص على ذَلِك أَئِمَّة اللُّغَة مِنْهُم الْمبرد وَغَيره وَإِنَّمَا يَقع وقوعا عارضا اتفاقيا بِسَبَب تعدد الواضعين ثمَّ تختلط اللُّغَة فَيَقَع الِاشْتِرَاك الثَّانِي أَن الْأَكْثَرين لَا يجووزون اسْتِعْمَال اللَّفْظ الْمُشْتَرك فِي معنييه لَا بطرِيق الْحَقِيقَة وَلَا بطرِيق الْمجَاز وَمَا حُكيَ عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 الشَّافِعِي رَحمَه الله من تجويزه ذَلِك فَلَيْسَ بِصَحِيح عَنهُ وَإِنَّمَا أَخذ من قَوْله إِذا أوصى لمواليه وَله موَالٍ من فَوق وَمن أَسْفَل تنَاول جَمِيعهم فَظن من ظن أَن لفظ الْمولى مُشْتَرك بَينهمَا وَأَنه عِنْد التجرد يحمل عَلَيْهِمَا وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح فَإِن لفظ الْمولى من الْأَلْفَاظ المتواطئة فالشافعي فِي ظَاهر مذْهبه وَأحمد يَقُولَانِ بِدُخُول نَوْعي الموَالِي فِي هَذَا اللَّفْظ وَهُوَ عِنْده عَام متواطئ لَا مُشْتَرك واما مَا حُكيَ عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه قَالَ فِي مُفَاوَضَة جرت لَهُ فِي قَوْله أَوْ لامستم النِّسَاء وَقد قيل لَهُ قد يُرَاد بالملامسة المجامعة قَالَ هِيَ مَحْمُولَة على الجس بِالْيَدِ حَقِيقَة وعَلى الوقاع مجَازًا فَهَذَا لَا يَصح عَن الشَّافِعِي وَلَا هُوَ من جنس المألوف من كَلَامه وَإِنَّمَا هَذَا من كَلَام بعض الْفُقَهَاء الْمُتَأَخِّرين وَقد ذكرنَا على إبِْطَال اسْتِعْمَال اللَّفْظ الْمُشْتَرك فِي معنييه مَعًا بضعَة عشر دَلِيلا فِي مَسْأَلَة الْقُرْء فِي = كتاب التَّعْلِيق على الْأَحْكَام = فَإِذا كَانَ معنى الصَّلَاة هُوَ الثَّنَاء على الرَّسُول والعناية بِهِ وَإِظْهَار شرفه وفضله وحرمته كَمَا هُوَ الْمَعْرُوف من هَذِه اللَّفْظَة لم يكن لفظ الصَّلَاة فِي الْآيَة مُشْتَركا مَحْمُولا على معنييه بل قد يكون مُسْتَعْملا فِي معنى وَاحِد وَهَذَا هُوَ الأَصْل وسنعود إِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْكَلَام على تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الْأَحْزَاب 56 الْوَجْه التَّاسِع أَن الله سُبْحَانَهُ أَمر بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عقب إخْبَاره بِأَنَّهُ وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ وَالْمعْنَى أَنه إِذا كَانَ الله وَمَلَائِكَته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 يصلونَ على رَسُوله فصلوا أَنْتُم عَلَيْهِ فَأنْتم أَحَق بِأَن تصلوا عَلَيْهِ وتسلموا تَسْلِيمًا لما نالكم ببركة رسَالَته ويمن سفارته من شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن الْمَعْلُوم أَنه لَو عبر عَن هَذَا الْمَعْنى بِالرَّحْمَةِ لم يحسن موقعه وَلم يحسن النّظم فينقض اللَّفْظ وَالْمعْنَى فَإِن التَّقْدِير يصير إِلَى أَن الله وَمَلَائِكَته ترحم وَيَسْتَغْفِرُونَ لنَبيه فَادعوا أَنْتُم لَهُ وسلموا وَهَذَا لَيْسَ مُرَاد الْآيَة قطعا بل الصَّلَاة الْمَأْمُور بهَا فِيهَا هِيَ الطّلب من الله مَا أخبر بِهِ عَن صلَاته وَصَلَاة مَلَائكَته وَهِي ثَنَاء عَلَيْهِ وَإِظْهَار لفضله وشرفه وَإِرَادَة تكريمه وتقريبه فَهِيَ تَتَضَمَّن الْخَبَر والطلب وَسمي هَذَا السُّؤَال وَالدُّعَاء منا نَحن صَلَاة عَلَيْهِ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه يتَضَمَّن ثَنَاء الْمُصَلِّي عَلَيْهِ والإشادة بِذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة لذَلِك من الله تَعَالَى فقد تَضَمَّنت الْخَبَر والطلب وَالْوَجْه الثَّانِي أَن ذَلِك سمي منا صَلَاة لسؤالنا من الله أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فَصَلَاة الله عَلَيْهِ ثَنَاؤُهُ وإرادته لرفع ذكره وتقريبه وصلاتنا نَحن عَلَيْهِ سؤالنا الله تَعَالَى أَن يفعل ذَلِك بِهِ وضد هَذَا فِي لعنة أعدائه الشانئين لما جَاءَ بِهِ فَإِنَّهَا تُضَاف إِلَى الله وتضاف إِلَى العَبْد كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} الْبَقَرَة 159 فلعنه الله تَعَالَى لَهُم تَتَضَمَّن ذمه وإبعاده وبغضه لَهُم ولعنة العَبْد تَتَضَمَّن سُؤال الله تَعَالَى أَن يفعل ذَلِك بِمن هُوَ أهل للعنته وَإِذا ثَبت هَذَا فَمن الْمَعْلُوم أَنه لَو كَانَت الصَّلَاة هِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الرَّحْمَة لم يَصح أَن يُقَال لطالبها من الله مُصَليا وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ مسترحما لَهُ كَمَا يُقَال لطَالب الْمَغْفِرَة مُسْتَغْفِرًا لَهُ ولطالب الْعَطف مستعطفا ونظائره وَلِهَذَا لَا يُقَال لمن سَأَلَ الله الْمَغْفِرَة لغيره قد غفر لَهُ فَهُوَ غَافِر وَلَا لمن سَأَلَهُ الْعَفو عَنهُ قد عَفا عَنهُ وَهنا قد سمي العَبْد مُصَليا فَلَو كَانَت الصَّلَاة هِيَ الرَّحْمَة لَكَانَ العَبْد راحما لمن صلى عَلَيْهِ وَكَانَ قد رَحمَه برحمة وَمن رحم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة رَحمَه الله بهَا عشرا وَهَذَا مَعْلُوم الْبطلَان فَإِن قيل لَيْسَ معنى صَلَاة العَبْد عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَحمته وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا طلب الرَّحْمَة لَهُ من الله قيل هَذَا بَاطِل من وُجُوه أَحدهَا أَن طلب الرَّحْمَة مَطْلُوب لكل مُسلم وَطلب الصَّلَاة من الله يخْتَص رسله صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم عِنْد كثير من النَّاس كَمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى الثَّانِي أَنه لَو سمي طَالب الرَّحْمَة مُصَليا لسمي طَالب الْمَغْفِرَة غافرا وطالب الْعَفو عافيا وطالب الصفح صافحا وَنَحْوه فَإِن قيل فَأنْتم قد سميتم طَالب الصَّلَاة من الله مُصَليا قيل إِنَّمَا سمي مُصَليا لوُجُود حَقِيقَة الصَّلَاة مِنْهُ فَإِن حَقِيقَتهَا الثَّنَاء وَإِرَادَة الْإِكْرَام والتقريب وإعلاء الْمنزلَة وَهَذَا حَاصِل من صَلَاة العَبْد لَكِن العَبْد يُرِيد ذَلِك من الله عز وَجل وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرِيد ذَلِك من نَفسه أَن يَفْعَله بِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما على الْوَجْه الثَّانِي وَأَنه سمي مُصَليا لطلبه ذَلِك من الله فَلِأَن الصَّلَاة نوع من الْكَلَام الطلبي والخبري والإرادة وَقد وجد ذَلِك من الْمُصَلِّي بِخِلَاف الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة فَإِنَّهَا أَفعَال لَا تحصل من الطَّالِب وَإِنَّمَا تحصل من الْمَطْلُوب مِنْهُ وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الْوَجْه الْعَاشِر أَنه قد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي رَوَاهُ مُسلم أَنه من صلى عَلَيْهِ مرّة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا وَأَنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ لَهُ إِنَّه من صلى عَلَيْك من أمتك مرّة صليت عَلَيْهِ بهَا عشرا وَهَذَا مُوَافق للقاعدة المستقرة فِي الشَّرِيعَة أَن الْجَزَاء من جنس الْعَمَل فَصَلَاة الله على الْمُصَلِّي على رَسُوله جَزَاء لصلاته هُوَ عَلَيْهِ وَمَعْلُوم أَن صَلَاة العَبْد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيست هِيَ رَحْمَة من العَبْد لتَكون صَلَاة الله عَلَيْهِ من جِنْسهَا وَإِنَّمَا هِيَ ثَنَاء على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِرَادَة من الله تَعَالَى أَن يعلي ذكره ويزيده تَعْظِيمًا وتشريفا وَالْجَزَاء من جنس الْعَمَل فَمن أثنى على رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جزاه الله من جنس عمله بِأَن يثني عَلَيْهِ وَيزِيد تشريفه وتكريمه فصح ارتباط الْجَزَاء بِالْعَمَلِ ومشاكلته لَهُ ومناسبته لَهُ كَقَوْلِه من يسر على مُعسر يسر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن ستر مُسلما ستره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن نفس عَن مُؤمن كربَة من كرب الدُّنْيَا نفس الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة وَالله فِي عون العَبْد مَا كَانَ العَبْد فِي عون أَخِيه وَمن سلك طَرِيقا يلْتَمس فِيهِ علما سهل الله لَهُ طَرِيقا إِلَى الْجنَّة وَمن سُئِلَ عَن علم يُعلمهُ فكتمه ألْجم يَوْم الْقِيَامَة بلجام من نَار // حَدِيث صَحِيح // وَمن صلى عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا ونظائره كَثِيرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الْوَجْه الْحَادِي عشر أَن أحدا لَو قَالَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَحمَه الله أَو قَالَ رَسُول الله رَحمَه الله بدل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَبَادَرت الْأمة إِلَى الْإِنْكَار عَلَيْهِ وسموه مبتدعا غير موقر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا مصل عَلَيْهِ وَلَا مثن عَلَيْهِ بِمَا يسْتَحقّهُ وَلَا يسْتَحق أَن يُصَلِّي الله عَلَيْهِ بذلك عشر صلوَات وَلَو كَانَت الصَّلَاة من الله الرَّحْمَة لم يمْتَنع شَيْء من ذَلِك الْوَجْه الثَّانِي عشر أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ {لَا تجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا} النُّور 63 فَأمر سُبْحَانَهُ أَلا يدعى رَسُوله بِمَا يَدْعُو النَّاس بَعضهم بَعْضًا بل يُقَال يَا رَسُول الله وَلَا يُقَال يَا مُحَمَّد وَإِنَّمَا كَانَ يُسَمِّيه باسمه وَقت الْخطاب الْكفَّار وَأما الْمُسلمُونَ فَكَانُوا يخاطبونه يَا رَسُول الله وَإِذا كَانَ هَذَا فِي خطابه فَهَكَذَا فِي مغيبه لَا يَنْبَغِي أَن يَجْعَل مَا يدعى بِهِ لَهُ من جنس مَا يَدْعُو بِهِ بَعْضنَا لبَعض بل يدعى لَهُ بأشرف الدُّعَاء وَهُوَ الصَّلَاة عَلَيْهِ وَمَعْلُوم أَن الرَّحْمَة يدعى بهَا لكل مُسلم بل ولغير الْآدَمِيّ من الْحَيَوَانَات كَمَا فِي دُعَاء الاسْتِسْقَاء اللَّهُمَّ ارْحَمْ عِبَادك وبلادك وبهائمك الْوَجْه الثَّالِث عشر أَن هَذِه اللَّفْظَة لَا تعرف فِي اللُّغَة الْأَصْلِيَّة بِمَعْنى الرَّحْمَة أصلا وَالْمَعْرُوف عِنْد الْعَرَب من مَعْنَاهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 إِنَّمَا هُوَ الدُّعَاء والتبريك وَالثنَاء قَالَ (وَإِن ذكرت صلى عَلَيْهَا وزمزما ... ) أَي برك عَلَيْهَا ومدحها وَلَا تعرف الْعَرَب قطّ صلى عَلَيْهِ بِمَعْنى الرَّحْمَة فَالْوَاجِب حمل اللَّفْظَة على مَعْنَاهَا الْمُتَعَارف فِي اللُّغَة الْوَجْه الرَّابِع عشر أَنه يسوغ بل يسْتَحبّ لكل أحد أَن يسْأَل الله تَعَالَى أَن يرحمه فَيَقُول اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي كَمَا علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّاعِي أَن يَقُول اللَّهُمَّ أَغفر لي وارحمني وَعَافنِي وارزقني فَلَمَّا حفظهَا قَالَ أما هَذَا فقد مَلأ يَدَيْهِ من الْخَيْر وَمَعْلُوم أَنه لَا يسوغ لأحد أَن يَقُول اللَّهُمَّ صل عَليّ بل الدَّاعِي بِهَذَا مُعْتَد فِي دُعَائِهِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ بِخِلَاف سُؤال الرَّحْمَة فَإِن الله تَعَالَى يحب أَن يسْأَله عَبده مغفرته وَرَحمته فَعلم أَنه لَيْسَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا الْوَجْه الْخَامِس عشر أَن أَكثر الْمَوَاضِع الَّتِي تسْتَعْمل فِيهَا الرَّحْمَة لَا يحسن أَن تقع فِيهَا الصَّلَاة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} الْأَعْرَاف 156 وَقَوله إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وَقَوله {إِن رَحْمَة اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الْأَعْرَاف 56 وَقَوله {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} الْأَحْزَاب 43 وَقَوله {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيم} التَّوْبَة 117 وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لله أرْحم بعباده من الوالدة بِوَلَدِهَا وَقَوله ارحموا من فِي الأَرْض يَرْحَمكُمْ من فِي السَّمَاء // الحَدِيث صَحِيح // وَقَوله من لَا يرحم لَا يُرحم وَقَوله لَا تنْزع الرَّحْمَة إِلَّا من شقي // سَنَده حسن // وَقَوله وَالشَّاة إِن رحمتها رَحِمك الله // إِسْنَاده صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 فمواضع اسْتِعْمَال الرَّحْمَة فِي حق الله وَفِي حق الْعباد لَا يحسن أَن تقع الصَّلَاة فِي كثير مِنْهَا بل فِي أَكْثَرهَا فَلَا يَصح تَفْسِير الصَّلَاة بِالرَّحْمَةِ وَالله أعلم وَقد قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} قَالَ يباركون عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يُنَافِي تَفْسِيرهَا بالثناء وَإِرَادَة التكريم والتعظيم فَإِن التبريك من الله يتَضَمَّن ذَلِك وَلِهَذَا قرن بَين الصَّلَاة عَلَيْهِ والتبريك عَلَيْهِ وَقَالَت الْمَلَائِكَة لإِبْرَاهِيم {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} هود 73 وَقَالَ الْمَسِيح {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كنت} مَرْيَم 31 قَالَ غير وَاحِد من السّلف معلما للخير أَيْنَمَا كنت وَهَذَا جُزْء الْمُسَمّى فالمبارك كثير الْخَيْر فِي نَفسه الَّذِي يحصله لغيره تَعْلِيما وإقدارا وَنصحا وَإِرَادَة واجتهادا وَلِهَذَا يكون العَبْد مُبَارَكًا لِأَن الله بَارك فِيهِ وَجعله كَذَلِك وَالله تَعَالَى متبارك لِأَن الْبركَة كلهَا مِنْهُ فعبده مبارك وَهُوَ المتبارك {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} الْفرْقَان 1 وَقَوله {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ على كل شَيْء قَدِيرٌ} الْملك 1 وسنعود إِلَى هَذَا الْمَعْنى عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد رد طَائِفَة من النَّاس تَفْسِير الصَّلَاة من الله بِالرَّحْمَةِ بِأَن قَالَ الرَّحْمَة مَعْنَاهَا رقة الطَّبْع وَهِي مستحيلة فِي حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا أَن الدُّعَاء مِنْهُ سُبْحَانَهُ مُسْتَحِيل وَهَذَا الَّذِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 قَالَه هَذَا عَرق عرق جهمي ينضح من قلبه على لِسَانه وَحَقِيقَته إِنْكَار رَحْمَة الله جملَة وَكَانَ جهم يخرج إِلَى الجذمى وَيَقُول أرْحم الرَّاحِمِينَ يفعل هَذَا إنكارا لِرَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَهَذَا الَّذِي ظَنّه هَذَا الْقَائِل هُوَ شُبْهَة منكري صِفَات الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُم قَالُوا الْإِرَادَة حَرَكَة النَّفس لجلب مَا ينفعها وَدفع مَا يَضرهَا والرب تَعَالَى يتعالى عَن ذَلِك فَلَا إِرَادَة لَهُ وَالْغَضَب غليان دم الْقلب طلبا للانتقام والرب منزه عَن ذَلِك فَلَا غضب لَهُ وسلكوا هَذَا المسلك الْبَاطِل فِي حَيَاته وَكَلَامه وَسَائِر صِفَاته وَهُوَ من أبطل الْبَاطِل فَإِنَّهُ أَخذ فِي مُسَمّى الصّفة خَصَائِص الْمَخْلُوق ثمَّ نفاها جملَة عَن الْخَالِق وَهَذَا فِي غَايَة التلبيس والإضلال فَإِن الْخَاصَّة الَّتِي أَخذهَا فِي الصّفة لم يثبت لَهَا لذاتها وَإِنَّمَا يثبت لَهَا بإضافتها إِلَى الْمَخْلُوق الْمُمكن وَمَعْلُوم أَن نفي خَصَائِص صِفَات المخلوقين عَن الْخَالِق لَا يَقْتَضِي نفي أصل الصّفة عَنهُ سُبْحَانَهُ وَلَا إِثْبَات أصل الصّفة لَهُ يَقْتَضِي إِثْبَات خَصَائِص الْمَخْلُوق لَهُ كَمَا أَن مَا نفي عَن صِفَات الرب تَعَالَى من النقائص والتشبيه لَا يَقْتَضِي نَفْيه عَن صفة الْمَخْلُوق وَلَا مَا ثَبت لَهَا من الْوُجُوب والقدم والكمال يَقْتَضِي ثُبُوته للمخلوق وَلَا إِطْلَاق الصّفة على الْخَالِق والمخلوق وَهَذَا مثل الْحَيَاة وَالْعلم فَإِن حَيَاة العَبْد تعرض لَهَا الْآفَات المضادة لَهَا من الْمَرَض وَالنَّوْم وَالْمَوْت وَكَذَلِكَ علمه يعرض لَهُ النسْيَان وَالْجهل المضاد لَهُ وَهَذَا محَال فِي حَيَاة الرب وَعلمه فَمن نفى علم الرب وحياته لما يعرض فيهمَا للمخلوق فقد أبطل وَهُوَ نَظِير نفي من نفى رَحْمَة الرب وَعلمه فَمن نفى رَحْمَة الرب عَنهُ لما يعرض فِي رَحْمَة الْمَخْلُوق من رقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الطَّبْع وتوهم المتوهم أَنه لَا تعقل رَحْمَة إِلَّا هَكَذَا نَظِير توهم المتوهم أَنه لَا يعقل علم وَلَا حَيَاة وَلَا إِرَادَة إِلَّا مَعَ خَصَائِص الْمَخْلُوق وَهَذَا الْغَلَط منشؤه إِنَّمَا هُوَ توهم صفة الْمَخْلُوق الْمقيدَة بِهِ أَولا وتوهم أَن إِثْبَاتهَا لله هُوَ مَعَ هَذَا الْقَيْد وَهَذَانِ وهمان باطلان فَإِن الصّفة الثَّابِتَة لله مُضَافَة إِلَيْهِ لَا يتَوَهَّم فِيهَا شَيْء من خَصَائِص المخلوقين لَا فِي لَفظهَا وَلَا فِي ثُبُوت مَعْنَاهَا وكل من نفى عَن الرب تَعَالَى صفة من صِفَاته لهَذَا الخيال الْبَاطِل لزمَه نفي جَمِيع صِفَات كَمَاله لِأَنَّهُ لَا يعقل مِنْهَا إِلَّا صفة الْمَخْلُوق بل وَيلْزمهُ نفي ذَاته لِأَنَّهُ لَا يعقل من الذوات إِلَّا الذوات المخلوقة وَمَعْلُوم أَن الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُشبههُ شَيْء مِنْهَا وَهَذَا الْبَاطِل قد الْتَزمهُ غلاة المعطلة وَكلما أوغل النَّافِي فِي نَفْيه كَانَ قَوْله أَشد تناقضا وَأظْهر بطلانا وَلَا يسلم على محك الْعقل الصَّحِيح الَّذِي لَا يكذب إِلَّا مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم كَمَا قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} الصافات 159 فنزه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يصفه بِهِ كل أحد إِلَّا المخلصين من عباده وهم الرُّسُل وَمن تَبِعَهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لله رب الْعَالمين} الصافات 180 182 فنزه نَفسه عَمَّا يصفه بِهِ الواصفون وَسلم على الْمُرْسلين لِسَلَامَةِ مَا وصفوه بِهِ من كل نقص وعيب وَحمد نَفسه إِذْ هُوَ الْمَوْصُوف بِصِفَات الْكَمَال الَّتِي يسْتَحق لأَجلهَا الْحَمد ومنزه عَن كل نقص يُنَافِي كَمَال حَمده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 ال ْفَصْل الثَّالِث فِي معنى اسْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واشتقاقه هَذَا إِلَّا سم هُوَ أشهر أَسْمَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ اسْم مَنْقُول من الْحَمد وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم مفعول من الْحَمد وَهُوَ يتَضَمَّن الثَّنَاء على الْمَحْمُود ومحبته وإجلاله وتعظيمه هَذَا هُوَ حَقِيقَة الْحَمد وَبني على زنة مفعل مثل مُعظم ومحبب ومسود ومبجل ونظائرها لِأَن هَذَا الْبناء مَوْضُوع للتكثير فَإِن اشتق مِنْهُ اسْم فَاعل فَمَعْنَاه من كثر صُدُور الْفِعْل مِنْهُ مرّة بعد مرّة كمعلم ومفهم ومبين ومخلص ومفرج وَنَحْوهَا وَإِن اشتق مِنْهُ اسْم مفعول فَمَعْنَاه من كثر تكَرر وُقُوع الْفِعْل عَلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى إِمَّا استحقاقاً أَو وقوعاً فمحمد هُوَ كثر حمد الحامدين لَهُ مرّة بعد أُخْرَى أَو الَّذِي يسْتَحق أَن يحمد مرّة بعد أُخْرَى وَيُقَال حمد فَهُوَ مُحَمَّد كَمَا يُقَال علم فَهُوَ معلم وَهَذَا علم وَصفَة اجْتمع فِيهِ الْأَمْرَانِ فِي حَقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ علما مَحْضا فِي حق كثير مِمَّن تسمى بِهِ غَيره وَهَذَا شَأْن أَسمَاء الرب تَعَالَى وَأَسْمَاء كِتَابه وَأَسْمَاء نبيه هِيَ أَعْلَام دَالَّة على معَان هِيَ بهَا أَوْصَاف فَلَا تضَاد فِيهَا العلمية الْوَصْف بِخِلَاف غَيرهَا من أَسمَاء المخلوقين فَهُوَ الله الْخَالِق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 البارئ المصور القهار فَهَذِهِ أَسمَاء دَالَّة على معَان هِيَ صِفَاته وَكَذَلِكَ الْقُرْآن وَالْفرْقَان وَالْكتاب الْمُبين وَغير ذَلِك من أَسْمَائِهِ وَكَذَلِكَ أَسمَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد وَأحمد والماحي وَفِي حَدِيث جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن لي أَسمَاء أَنا مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد وَأَنا الماحي الَّذِي يمحو الله بِي الْكفْر فَذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْأَسْمَاء مُبينًا مَا خصّه الله بِهِ من الْفضل وَأَشَارَ إِلَى مَعَانِيهَا وَإِلَّا فَلَو كَانَت أعلاماً مَحْضَة لَا معنى لَهَا لم تدل على مدح وَلِهَذَا قَالَ حسان رَضِي الله عَنهُ (وشق لَهُ من اسْمه ليجله ... فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد) وَكَذَلِكَ أَسمَاء الرب تَعَالَى كلهَا أَسمَاء مدح وَلَو كَانَت ألفاظاً مُجَرّدَة لَا مَعَاني لَهَا لم تدل على الْمَدْح وَقد وصفهَا الله سُبْحَانَهُ بِأَنَّهَا حسنى كلهَا فَقَالَ {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يعْملُونَ} الْأَعْرَاف 18 فَهِيَ لم تكن حسنى لمُجَرّد اللَّفْظ بل لدلالتها على أَوْصَاف الْكَمَال وَلِهَذَا لما سمع بعض الْعَرَب قَارِئًا يقْرَأ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ الله} الْمَائِدَة 38 وَالله غَفُور رَحِيم قَالَ لَيْسَ هَذَا كَلَام الله تَعَالَى فَقَالَ الْقَارئ أتكذب بِكَلَام الله تَعَالَى فَقَالَ لَا وَلَكِن لَيْسَ هَذَا بِكَلَام الله فَعَاد إِلَى حفظه وَقَرَأَ {وَالله عَزِيز حَكِيم} فَقَالَ الْأَعرَابِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 صدقت عز فَحكم فَقطع وَلَو غفر ورحم لما قطع وَلِهَذَا إِذا ختمت آيَة الرَّحْمَة باسم عَذَاب أَو بِالْعَكْسِ ظهر تنافر الْكَلَام وَعدم انتظامه وَفِي السّنَن من حَدِيث أبي بن كَعْب قِرَاءَة الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف ثمَّ قَالَ لَيْسَ مِنْهُنَّ إِلَّا شاف كَاف إِن قلت سميعاً عليماً عَزِيزًا حكيماً مَا لم تختم آيَة عَذَاب برحمة أَو آيَة رَحْمَة بِعَذَاب // إِسْنَاده صَحِيح // وَلَو كَانَت هَذِه الْأَسْمَاء أعلاماً مَحْضَة لَا معنى لَهَا لم يكن فرق بَين ختم الْآيَة بِهَذَا أَو بِهَذَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُعلل أَحْكَامه وأفعاله بأسمائه وَلَو لم يكن لَهَا معنى لما كَانَ التَّعْلِيل صَحِيحا كَقَوْلِه تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} نوح 10 وَقَوله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أشهر فَإِن فاؤوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاق فَإِن الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الْبَقَرَة 226 227 فختم حكم الْفَيْء الَّذِي هُوَ الرُّجُوع وَالْعود إِلَى رضى الزَّوْجَة وَالْإِحْسَان إِلَيْهَا بِأَنَّهُ غَفُور رَحِيم يعود على عَبده بمغفرته وَرَحمته إِذا رَجَعَ إِلَيْهِ وَالْجَزَاء من جنس الْعَمَل فَكَمَا رَجَعَ إِلَى الَّتِي هِيَ أحسن رَجَعَ الله إِلَيْهِ بالمغفرة وَالرَّحْمَة {وَإِن عزموا الطَّلَاق فَإِن الله سميع عليم} فَإِن الطَّلَاق لما كَانَ لفظا يسمع وَمعنى يقْصد عقبه باسم السَّمِيع للنطق بِهِ الْعَلِيم بمضمونه وَكَقَوْلِه تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَن الله يعلم مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَن الله غَفُور حَلِيمٌ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 ) الْبَقَرَة 235 فَلَمَّا ذكر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّعْرِيض بِخطْبَة الْمَرْأَة الدَّال على أَن المعرض فِي قلبه رَغْبَة فِيهَا ومحبة لَهَا وَأَن ذَلِك يحملهُ على الْكَلَام الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ إِلَى نِكَاحهَا وَرفع الْجنَاح عَن التَّعْرِيض وانطواء الْقلب على مَا فِيهِ من الْميل والمحبة وَنفي مواعدتهن سرا فَقيل هُوَ النِّكَاح وَالْمعْنَى لَا تصرحوا لَهُنَّ بِالتَّزْوِيجِ إِلَّا أَن تعرضوا تعريضاً وَهُوَ القَوْل الْمَعْرُوف وَقيل هُوَ أَن يَتَزَوَّجهَا فِي عدتهَا سرا فَإِذا انْقَضتْ الْعدة أظهر العقد وَيدل على هَذَا قَوْله {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكتاب أَجله} وَهُوَ انْقِضَاء الْعدة وَمن رجح القَوْل الأول قَالَ دلّت الْآيَة على إِبَاحَة التَّعْرِيض بِنَفْي الْجنَاح وَتَحْرِيم التَّصْرِيح بِنَفْي المواعدة سرا وَتَحْرِيم عقد النِّكَاح قبل انْقِضَاء الْعدة فَلَو كَانَ معنى مواعدة السِّرّ هُوَ إسرار العقد كَانَ تَكْرَارا ثمَّ عقب ذَلِك بقوله {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} أَن تتعدوا مَا حد لكم فَإِنَّهُ مطلع على مَا تسرون وَمَا تعلنون ثمَّ قَالَ {وَاعْلَمُوا أَن الله غَفُور حَلِيم} لَوْلَا مغفرته وحلمه لعنتم غَايَة الْعَنَت فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مطلع عَلَيْكُم يعلم مَا فِي قُلُوبكُمْ وَيعلم مَا تَعْمَلُونَ فَإِن وَقَعْتُمْ فِي شَيْء مِمَّا نهاكم عَنهُ فبادروا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار فَإِنَّهُ الغفور الْحَلِيم وَهَذِه طَريقَة الْقُرْآن يقرن بَين أَسمَاء الرَّجَاء وَأَسْمَاء المخافة كَقَوْلِه تَعَالَى {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 ) الْمَائِدَة 98 وَقَالَ أهل الْجنَّة {الْحَمد لله الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِن رَبنَا لغَفُور شكور} سبأ 34 لما صَارُوا إِلَى كرامته بمغفرته ذنوبهم وشكره إحسانهم قَالُوا {إِن رَبنَا لغَفُور شكور} وَفِي هَذَا معنى التَّعْلِيل أَي بمغفرته وشكره وصلنا إِلَى دَار كرامته فَإِنَّهُ غفر لنا السَّيِّئَات وشكر لنا الْحَسَنَات وَقَالَ تَعَالَى {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} النِّسَاء 147 فَهَذَا جَزَاء لشكرهم أَي إِن شكرتم ربكُم شكركم وَهُوَ عليم بشكركم لَا يخفى عَلَيْهِ من شكره مِمَّن كفره وَالْقُرْآن مَمْلُوء من هَذَا وَالْمَقْصُود التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يسْتَدلّ بأسمائه على توحيده وَنفي الشّرك عَنهُ وَلَو كَانَت أَسمَاء لَا معنى لَهَا لم تدل على ذَلِك كَقَوْل هَارُون لعبدة الْعجل {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ} طه 90 وَقَوله سُبْحَانَهُ فِي الْقِصَّة {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} طه 98 وَقَوله تَعَالَى {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} الْبَقَرَة 163 وَقَوله سُبْحَانَهُ فِي آخر سُورَة الْحَشْر {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} الْحَشْر 22 23 فسبح نزه نَفسه عَن شرك الْمُشْركين بِهِ عقب تمدحه بأسمائه الْحسنى الْمُقْتَضِيَة لتوحيده واستحالة إِثْبَات شريك لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وَمن تدبر هَذَا الْمَعْنى فِي الْقُرْآن هَبَط بِهِ على رياض من الْعلم حماها الله عَن كل أفاك معرض عَن كتاب الله واقتباس الْهدى مِنْهُ وَلَو لم يكن فِي كتَابنَا هَذَا إِلَّا هَذَا الْفَصْل وَحده لكفى من لَهُ ذوق وَمَعْرِفَة وَالله الْمُوفق للصَّوَاب وَأَيْضًا فَإِن الله تَعَالَى يعلق بأسمائه المعمولات من الظروف وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَغَيرهمَا وَلَو كَانَت أعلاماً مَحْضَة لم يَصح فِيهَا ذَلِك كَقَوْلِه {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الحجرات 16 {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} الْجُمُعَة 7 {فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} آل عمرَان 63 و {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} الْفرْقَان 43 {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيم} التَّوْبَة 117 {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} آل عمرَان 189 {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} الْبَقَرَة 19 {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عليما} النِّسَاء 49 {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} الْكَهْف 45 (إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِير) هود 111 {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الحجرات 18 {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِير} الشورى 27 ونظائره كَثِيرَة وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْعَل أسماءه دَلِيلا على مَا يُنكره الجاحدون من صِفَات كَمَاله كَقَوْلِه تَعَالَى {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الْملك 14 وَقد اخْتلف النظار فِي هَذِه الْأَسْمَاء هَل هِيَ متباينة نظرا إِلَى تبَاين مَعَانِيهَا وَأَن كل اسْم يدل على غير مَا يدل عَلَيْهِ الآخر أم هِيَ مترادفة لِأَنَّهَا تدل على ذَات وَاحِدَة فمدلولها لَا تعدد فِيهِ وَهَذَا شَأْن المترادفات والنزاع لَفْظِي فِي ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَالتَّحْقِيق أَن يُقَال هِيَ مترادفة بِالنّظرِ إِلَى الذَّات متباينة بِالنّظرِ إِلَى الصِّفَات وكل اسْم مِنْهَا يدل على الذَّات الموصوفة بِتِلْكَ الصّفة بالمطابقة وعَلى أَحدهمَا وَحده بالتضمن وعَلى الصّفة الْأُخْرَى بالالتزام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 فصل إِذا ثَبت هَذَا فتسميته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا الِاسْم لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من مُسَمَّاهُ وَهُوَ الْحَمد فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَحْمُود عِنْد الله ومحمود عِنْد مَلَائكَته ومحمود عِنْد إخوانه من الْمُرْسلين ومحمود عِنْد أهل الأَرْض كلهم وَإِن كفر بِهِ بَعضهم فَإِن مَا فِيهِ من صِفَات الْكَمَال محمودة عِنْد كل عَاقل وَإِن كَابر عقله جحُودًا أَو عناداً أَو جهلا باتصافه بهَا وَلَو علم اتصافه بهَا لحمده فَإِنَّهُ يحمد من اتّصف بِصِفَات الْكَمَال ويجهل وجودهَا فِيهِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة حَامِد لَهُ وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتصَّ من مُسَمّى الْحَمد بِمَا لم يجْتَمع لغيره فَإِن اسْمه مُحَمَّد وَأحمد وَأمته الْحَمَّادُونَ يحْمَدُونَ الله على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَصَلَاة أمته مفتتحة بِالْحَمْد وخطبته مفتتحة بِالْحَمْد وَكتابه مفتتح بِالْحَمْد هَكَذَا عِنْد الله فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَن خلفاءه وَأَصْحَابه يَكْتُبُونَ الْمُصحف مفتتحاً بِالْحَمْد وَبِيَدِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِوَاء الْحَمد يَوْم الْقِيَامَة وَلما يسْجد بَين يَدي ربه عز وَجل للشفاعة وَيُؤذن لَهُ فِيهَا يحمد ربه بِمَحَامِد يفتحها عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ صَاحب الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي يغبطه بِهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ قَالَ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} الْإِسْرَاء 79 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 على معنى الْمقَام الْمَحْمُود فليقف على مَا ذكره سلف الْأمة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِيهِ فِي تَفْسِير هَذِه السُّورَة كتفسير ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير وَعبد بن حميد وَغَيرهَا من تفاسير السّلف وَإِذا قَامَ فِي الْمقَام حَمده حِينَئِذٍ أهل الْموقف كلهم مسلمهم وكافرهم أَوَّلهمْ وَآخرهمْ وَهُوَ مَحْمُود صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا مَلأ الأَرْض من الْهدى وَالْإِيمَان وَالْعلم النافع وَالْعَمَل الصَّالح وَفتح بِهِ الْقُلُوب وكشف بِهِ الظلمَة عَن أهل الأَرْض واستنقذهم من أسر الشَّيْطَان وَمن الشّرك بِاللَّه وَالْكفْر بِهِ وَالْجهل بِهِ حَتَّى نَالَ بِهِ أَتْبَاعه شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِن رسَالَته وافت أهل الأَرْض أحْوج مَا كَانُوا إِلَيْهَا فَإِنَّهُم كَانُوا بَين عباد أوثان وَعباد صلبان وَعباد نيران وَعباد الْكَوَاكِب ومغضوب عَلَيْهِم قد باؤوا بغضب من الله وحيران لَا يعرف رَبًّا يعبده وَلَا بِمَاذَا يعبده وَالنَّاس يَأْكُل بَعضهم بَعْضًا من اسْتحْسنَ شَيْئا دَعَا إِلَيْهِ وَقَاتل من خَالفه وَلَيْسَ فِي الأَرْض مَوضِع قدم مشرق بِنور الرسَالَة وَقد نظر الله سُبْحَانَهُ حِينَئِذٍ إِلَى أهل الأَرْض فمقتهم عربهم وعجمهم إِلَّا بقايا على آثَار من دين صَحِيح فأغاث الله بِهِ الْبِلَاد والعباد وكشف بِهِ تِلْكَ الظُّلم وَأَحْيَا بِهِ الخليقة بعد الْمَوْت فهدى بِهِ من الضَّلَالَة وَعلم بِهِ من الْجَهَالَة وَكثر بعد الْقلَّة وأعز بِهِ بعد الذلة وأغنى بِهِ بعد الْعيلَة وَفتح بِهِ أعيناً عميا وآذاناً صمًّا وَقُلُوبًا غلفًا فَعرف النَّاس رَبهم ومعبودهم غَايَة مَا يُمكن أَن تناله قواهم من الْمعرفَة وأبداً وَأعَاد وَاخْتصرَ وَأَطْنَبَ فِي ذكر أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وأفعاله حَتَّى تجلت مَعْرفَته سُبْحَانَهُ فِي قُلُوب عباده الْمُؤمنِينَ وانجابت سحائب الشَّك والريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 عَنْهَا كَمَا ينجاب السَّحَاب عَن الْقَمَر لَيْلَة إبداره وَلم يدع لأمته حَاجَة فِي هَذَا التَّعْرِيف لَا إِلَى من قبله وَلَا إِلَى من بعده بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عَن كل من تكلم فِي هَذَا الْبَاب {أَو لم يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} العنكبوت 51 روى أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى بيد بعض أَصْحَابه قِطْعَة من التَّوْرَاة فَقَالَ كفى بِقوم ضَلَالَة أَن يتبعوا كتابا غير كِتَابهمْ الَّذِي أنزل على نَبِيّهم فَأنْزل الله عز وَجل تَصْدِيق ذَلِك {أَو لم يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} العنكبوت 51 فَهَذَا حَال من أَخذ دينه عَن كتاب منزل على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكيف بِمن أَخذه عَن عقل فلَان وَفُلَان وَقدمه على كَلَام الله وَرَسُوله وعرفهم الطَّرِيق الْموصل لَهُم إِلَى رَبهم ورضوانه وَدَار كرامته وَلم يدع حسنا إِلَّا أَمرهم بِهِ وَلَا قبيحاً إِلَّا نهى عَنهُ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تركت من شَيْء يقربكم إِلَى الْجنَّة إِلَّا وَقد أَمرتكُم بِهِ وَلَا من شَيْء يقربكم من النَّار إِلَّا وَقد نَهَيْتُكُمْ عَنهُ قَالَ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ لقد توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا طَائِر يقلب جناحيه فِي السَّمَاء إِلَّا ذكرنَا مِنْهُ علما وعرفهم حَالهم بعد الْقدوم على رَبهم أتم تَعْرِيف فكشف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الْأَمر وأوضحه وَلم يدع بَابا من الْعلم النافع للعباد المقرب لَهُم إِلَى رَبهم إِلَّا فَتحه وَلَا مُشكلا إِلَّا بَينه وَشَرحه حَتَّى هدى الله بِهِ الْقُلُوب من ضلالها وشفاها بِهِ من أسقامها وأغاثها بِهِ من جهلها فَأَي بشر أَحَق بِأَن يحمد مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجزاه عَن أمته أفضل الْجَزَاء وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الْأَنْبِيَاء 107 أَنه على عُمُومه وَفِيه على هَذَا التَّقْدِير وَجْهَان أَحدهمَا أَن عُمُوم الْعَالمين حصل لَهُم النَّفْع برسالته أما أَتْبَاعه فنالوا بِهِ كَرَامَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأما أعداؤه فالمحاربون لَهُ عجل قَتلهمْ وموتهم خير لَهُم من حياتهم لِأَن حياتهم زِيَادَة لَهُم فِي تَغْلِيظ الْعَذَاب عَلَيْهِم فِي الدَّار الْآخِرَة وهم قد كتب عَلَيْهِم الشَّقَاء فتعجيل مَوْتهمْ خير لَهُم من طول أعمارهم فِي الْكفْر وَأما المعاهدون لَهُ فعاشوا فِي الدُّنْيَا تَحت ظله وَعَهده وذمته وهم أقل شرا بذلك الْعَهْد من الْمُحَاربين لَهُ وَأما المُنَافِقُونَ فَحصل لَهُم بِإِظْهَار الْإِيمَان بِهِ حقن دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ وأهلهم واحترامها وجريان أَحْكَام الْمُسلمين عَلَيْهِم فِي التَّوَارُث وَغَيره وَأما الْأُمَم النائية عَنهُ فَإِن الله سُبْحَانَهُ رفع برسالته الْعَذَاب الْعَام عَن أهل الأَرْض فَأصَاب كل الْعَالمين النَّفْع برسالته الْوَجْه الثَّانِي أَنه رَحْمَة لكل أحد لَكِن الْمُؤْمِنُونَ قبلوا هَذِه الرَّحْمَة فانتفعوا بهَا دنيا وَأُخْرَى وَالْكفَّار ردوهَا فَلم يخرج بذلك عَن أَن يكون رَحْمَة لَهُم لَكِن لم يقبلوها كَمَا يُقَال هَذَا دَوَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 لهَذَا الْمَرَض فَإِذا لم يَسْتَعْمِلهُ الْمَرِيض لم يخرج عَن أَن يكون دَوَاء لذَلِك الْمَرَض وَمِمَّا يحمد عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا جبله الله عَلَيْهِ من مَكَارِم الْأَخْلَاق وكرائم الشيم فَإِن من نظر فِي أخلاقه وشيمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم أَنَّهَا خير أَخْلَاق الْخلق وَأكْرم شمائل الْخلق فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أعلم الْخلق وأعظمهم أَمَانَة وأصدقهم حَدِيثا وأحلمهم وأجودهم وأسخاهم وأشدهم احْتِمَالا وأعظمهم عفوا ومغفرة وَكَانَ لَا يزِيدهُ شدَّة الْجَهْل عَلَيْهِ إِلَّا حلماً كَمَا روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ فِي صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة مُحَمَّد عَبدِي ورسولي سميته المتَوَكل لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخاب بالأسواق وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِن يعْفُو ويصفح وَلنْ أقبضهُ حَتَّى أقيم بِهِ الْملَّة العوجاء بِأَن يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وأفتح بِهِ أعيناً عميا وآذاناً صمًّا وَقُلُوبًا غلفًا وأرحم الْخلق وأرأفهم بهم وَأعظم الْخلق نفعا لَهُم فِي دينهم ودنياهم وأفصح خلق الله وَأَحْسَنهمْ تعبيراً عَن الْمعَانِي الْكَثِيرَة بالألفاظ الوجيزة الدَّالَّة على المُرَاد وأصبرهم فِي مَوَاطِن الصَّبْر وأصدقهم فِي مَوَاطِن اللِّقَاء وأوفاهم بالعهد والذمة وأعظمهم مُكَافَأَة على الْجَمِيل بأضعافه وأشدهم تواضعاً وأعظمهم إيثاراً على نَفسه وَأَشد الْخلق ذباً عَن أَصْحَابه وحماية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 لَهُم ودفاعاً عَنْهُم وأقوم الْخلق بِمَا يَأْمر بِهِ وأتركهم لما يُنْهِي عَنهُ وأوصل الْخلق لرحمه فَهُوَ أَحَق بقول الْقَائِل (برد على الْأَدْنَى ومرحمة ... وعَلى الأعادي مارن جلد) قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود النَّاس صَدرا وأصدقهم لهجة وألينهم عَرِيكَة وَأكْرمهمْ عشرَة من رَآهُ بديهة هابه وَمن خالطه معرفَة أحبه يَقُول ناعته لم أر قبله وَلَا بعده مثله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَوله كَانَ أَجود النَّاس صَدرا أَرَادَ بِهِ بر الصَّدْر وَكَثْرَة خَيره وَأَن الْخَيْر يتفجر مِنْهُ تفجيراً وَأَنه منطو على كل خلق جميل وكل خير كَمَا قَالَ بعض أهل الْعلم لَيْسَ فِي الدُّنْيَا كلهَا مَحل كَانَ أَكثر خيرا من صدر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد جمع الْخَيْر بحذافيره وأودع فِي صَدره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله أصدق النَّاس لهجة هَذَا مِمَّا أقرّ لَهُ بِهِ أعداؤه المحاربون لَهُ وَلم يجرب عَلَيْهِ أحد من أعدائه كذبة وَاحِدَة قطّ دع شَهَادَة أوليائه كلهم لَهُ بِهِ فقد حاربه أهل الأَرْض بأنواع المحاربات مشركوهم وَأهل الْكتاب مِنْهُم وَلَيْسَ أحد مِنْهُم يَوْمًا من الدَّهْر طعن فِيهِ بكذبة وَاحِدَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة قَالَ الْمسور بن مخرمَة قلت لأبي جهل وَكَانَ خَالِي يَا خَال هَل كُنْتُم تتهمون مُحَمَّدًا بِالْكَذِبِ قبل أَن يَقُول مقَالَته فَقَالَ وَالله يَا ابْن أُخْتِي لقد كَانَ مُحَمَّد وَهُوَ شَاب يدعى فِينَا الْأمين فَلَمَّا وخطه الشيب لم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ليكذب قلت يَا خَال فَلم لَا تتبعونه فَقَالَ يَا ابْن أُخْتِي تنازعنا نَحن وَبَنُو هَاشم الشّرف فأطعموا وأطعمنا وَسقوا وسقينا وأجاروا وأجرنا فَلَمَّا تجاثينا على الركب وَكُنَّا كفرسي رهان قَالُوا منا نَبِي فَمَتَى نأتيهم بِهَذِهِ أَو كَمَا قَالَ وَقَالَ تَعَالَى يسليه ويهون عَلَيْهِ قَول أعدائه {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} الْأَنْعَام 33 34 وَقَوله ألينهم عَرِيكَة يَعْنِي سهل لين قريب من النَّاس مُجيب لدَعْوَة من دَعَاهُ قَاض لحَاجَة من استقضاه جَابر لقلب من قَصده لَا يحرمه وَلَا يردهُ خائباً إِذا أَرَادَ أَصْحَابه مِنْهُ أمرا وافقهم عَلَيْهِ وتابعهم فِيهِ وَإِن عزم على أَمر لم يستبد دونهم بل يشاورهم ويؤامرهم وَكَانَ يقبل من محسنهم وَيَعْفُو عَن مسيئهم وَقَوله أكْرمهم عشرَة يَعْنِي أَنه لم يكن يعاشر جَلِيسا لَهُ إِلَّا أتم عشرَة وأحسنها وَأَكْرمهَا فَكَانَ لَا يعبس فِي وَجهه وَلَا يغلظ لَهُ فِي مقاله وَلَا يطوي عَنهُ بشره وَلَا يمسك عَلَيْهِ فلتات لِسَانه وَلَا يؤاخذه بِمَا يصدر مِنْهُ من جفوة وَنَحْوهَا بل يحسن إِلَى عشيره غَايَة الْإِحْسَان وَيحْتَمل غَايَة الِاحْتِمَال فَكَانَت عشرته لَهُم احْتِمَال أذاهم وجفوتهم جملَة لَا يُعَاقب أحدا مِنْهُم وَلَا يلومه وَلَا يباديه بِمَا يكره من خالطه يَقُول أَنا أحب النَّاس إِلَيْهِ لما يرى من لطفه بِهِ وقربه مِنْهُ وإقباله عَلَيْهِ واهتمامه بأَمْره وتضحيته لَهُ وبذل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 إحسانه إِلَيْهِ وَاحْتِمَال جفوته فَأَي عشرَة كَانَت أَو تكون أكْرم من هَذِه الْعشْرَة قَالَ الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ سَأَلت أبي عَن سيرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جُلَسَائِهِ فَقَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَائِم الْبشر سهل الْخلق لين الْجَانِب لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخاب وَلَا فحاش وَلَا عياب وَلَا مداح يتغافل عَمَّا لَا يَشْتَهِي وَلَا يؤيس مِنْهُ راجيه وَلَا يخيب فِيهِ قد ترك نَفسه من ثَلَاث المراء والإكثار وَترك مَا لَا يعنيه كَانَ لَا يذم أحدا وَلَا يعِيبهُ وَلَا يطْلب عَوْرَته وَلَا يتَكَلَّم إِلَّا فِيمَا رجا ثَوَابه وَإِذا تكلم أطرق جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا على رؤوسهم الطير فَإِذا سكت تكلمُوا لَا يتنازعون عِنْده الحَدِيث وَمن تكلم عِنْده أَنْصتُوا لَهُ حَتَّى يفرغ حَدِيثهمْ عِنْد حَدِيث أَوَّلهمْ يضْحك مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ ويتعجب مِمَّا يتعجبون مِنْهُ ويصبر للغريب على الجفوة فِي مَنْطِقه ومسألته حَتَّى إِن كَانَ أَصْحَابه ليستجلبونهم وَيَقُول إِذا رَأَيْتُمْ طَالب حَاجَة يطْلبهَا فأرفدوه وَلَا يقبل الثَّنَاء إِلَّا من مكافئ وَلَا يقطع على أحد حَدِيثه حَتَّى يجوز فيقطعه بنهي أَو قيام وَقَوله من رَآهُ بديهة هابه وَمن خالطه معرفَة أحبه وَصفه بصفتين خص الله بهما أهل الصدْق وَالْإِخْلَاص وهما الإجلال والمحبة وَكَانَ قد ألْقى عَلَيْهِ هَيْبَة مِنْهُ ومحبة فَكَانَ كل من يرَاهُ يهابه ويجله ويملأ قلبه تَعْظِيمًا وإجلالاً وَإِن كَانَ عدوا لَهُ فَإِذا خالطه وعاشره كَانَ أحب إِلَيْهِ من كل مَخْلُوق فَهُوَ المجل الْمُعظم المحبوب المكرم وَهَذَا كَمَال الْمحبَّة أَن تقرن بالتعظيم والهيبة فالمحبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 بِلَا هَيْبَة وَلَا تَعْظِيم نَاقِصَة والهيبة والتعظيم من غير محبَّة كَمَا تكون للغادر الظَّالِم نقص أَيْضا والكمال أَن تَجْتَمِع الْمحبَّة والود والتعظيم والإجلال وَهَذَا لَا يُوجد إِلَّا إِذا كَانَ فِي المحبوب صِفَات الْكَمَال الَّتِي يسْتَحق أَن يعظم لأَجلهَا وَيُحب لأَجلهَا وَلما كَانَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحَق بِهَذَا من كل أحد كَانَ الْمُسْتَحق لِأَن يعظم وَيكبر ويهاب وَيُحب وَيَوَد بِكُل جُزْء من أَجزَاء الْقلب وَلَا يَجْعَل لَهُ شريك فِي ذَلِك وَهَذَا هُوَ الشّرك الَّذِي لَا يغفره الله سُبْحَانَهُ أَن يُسَوِّي بَينه وَبَين غَيره فِي هَذَا الْحبّ قَالَ تَعَالَى {وَمن النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشد حبا لله} الْبَقَرَة 165 فَأخْبر أَن من أحب شَيْئا غير الله مثل حبه لله كَانَ قد اتَّخذهُ ندا وَقَالَ أهل النَّار فِي النَّار لمعبودهم {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} الشُّعَرَاء 97 98 وَلم تكن تسويتهم بِاللَّه فِي كَونهم خلقُوا السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَو خلقوهم أَو خلقُوا آبَاءَهُم وَإِنَّمَا سووهم بِرَبّ الْعَالمين فِي الْحبّ لَهُم كَمَا يحب الله فَإِن حَقِيقَة الْعِبَادَة هِيَ الْحبّ والذل وَهَذَا هُوَ الإجلال وَالْإِكْرَام الَّذِي وصف بِهِ نَفسه فِي قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن 78 وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك أَن الْجلَال هُوَ التَّعْظِيم وَالْإِكْرَام هُوَ الْحبّ وَهُوَ سر قَول العَبْد لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلِهَذَا جَاءَ فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أنس رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَلظُّوا بيا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام // حَدِيث صَحِيح // أَي الزموها والهجوا بهَا وَفِي مُسْند أبي يعلى الْموصِلِي عَن بعض الصَّحَابَة أَنه طلب أَن يعرف اسْم الله الْأَعْظَم فَرَأى فِي مَنَامه مَكْتُوبًا فِي السَّمَاء بالنجوم يَا بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام وكل محبَّة وتعظيم للبشر فَإِنَّمَا تجوز تبعا لمحبة الله وتعظيمه كمحبة رَسُوله وتعظيمه فَإِنَّهَا من تَمام محبَّة مرسله وتعظيمه فَإِن أمته يحبونه لحب الله لَهُ ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله لَهُ فَهِيَ محبَّة لله من مُوجبَات محبَّة الله وَكَذَلِكَ محبَّة أهل الْعلم وَالْإِيمَان ومحبة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وإجلالهم تَابع لمحبة الله وَرَسُوله لَهُم وَالْمَقْصُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألْقى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ مِنْهُ المهابة والمحبة وَلكُل مُؤمن مخلص حَظّ من ذَلِك قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله إِن الْمُؤمن رزق حلاوة ومهابة يَعْنِي يحب ويهاب ويجل بِمَا ألبسهُ الله سُبْحَانَهُ من ثوب الْإِيمَان الْمُقْتَضِي لذَلِك وَلِهَذَا لم يكن بشر أحب إِلَى بشر وَلَا أهيب وَأجل فِي صَدره من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صدر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ قبل إِسْلَامه أَنه لم يكن شخص أبْغض إِلَيّ مِنْهُ فَلَمَّا أسلم لم يكن شخص أحب إِلَيْهِ مِنْهُ وَلَا أجل فِي عينه مِنْهُ قَالَ وَلَو سُئِلت أَن أصفه لكم لما أطقت لِأَنِّي لم أكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 أملأ عَيْني مِنْهُ إجلالاً لَهُ وَقَالَ عُرْوَة بن مَسْعُود لقريش يَا قوم وَالله لقد وفدت على كسْرَى وَقَيْصَر والملوك فَمَا رَأَيْت ملكا يعظمه أَصْحَابه مَا يعظم أَصْحَاب مُحَمَّد مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله مَا يحدون النّظر إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَمَا تنخم نخامة إِلَّا وَقعت فِي كف رجل مِنْهُم فيدلك بهَا وَجهه وصدره وَإِذا تَوَضَّأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ فَلَمَّا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُشْتَمِلًا على مَا يَقْتَضِي أَن يحمد عَلَيْهِ مرّة بعد مرّة سمي مُحَمَّدًا وَهُوَ اسْم مُوَافق لمسماه وَلَفظ مُطَابق لمعناه وَالْفرق بَين لفظ أَحْمد وَمُحَمّد من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن مُحَمَّدًا هُوَ الْمَحْمُود حمداً بعد حمد فَهُوَ دَال على كَثْرَة حمد الحامدين لَهُ وَذَلِكَ يسْتَلْزم كَثْرَة مُوجبَات الْحَمد فِيهِ وَأحمد أفعل تَفْضِيل من الْحَمد يدل على أَن الْحَمد الَّذِي يسْتَحقّهُ أفضل مِمَّا يسْتَحقّهُ غَيره فمحمد زِيَادَة حمد فِي الكمية وَأحمد زِيَادَة فِي الْكَيْفِيَّة فيحمد أَكثر حمد وَأفضل حمد حَمده الْبشر وَالْوَجْه الثَّانِي أَن مُحَمَّدًا هُوَ الْمَحْمُود حمداً متكرراً كَمَا تقدم وَأحمد هُوَ الَّذِي حَمده لرَبه أفضل من حمد الحامدين غَيره فَدلَّ أحد الاسمين وَهُوَ مُحَمَّد على كَونه مَحْمُودًا وَدلّ الِاسْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الثَّانِي وَهُوَ أَحْمد على كَونه أَحْمد الحامدين لرَبه وَهَذَا هُوَ الْقيَاس فَإِن أفعل التَّفْضِيل والتعجب عِنْد جمَاعَة الْبَصرِيين لَا يبنيان إِلَّا من فعل الْفَاعِل لَا يبنيان من فعل الْمَفْعُول بِنَاء مِنْهُم على أَن أفعل التَّعَجُّب والتفضيل إِنَّمَا يصاغان من الْفِعْل اللَّازِم لَا من الْمُتَعَدِّي وَلِهَذَا يقدرُونَ نَقله من فعل وَفعل إِلَى بِنَاء فعل بِضَم الْعين قَالُوا وَالدَّلِيل على هَذَا أَنه يعدى بِالْهَمْزَةِ إِلَى الْمَفْعُول فالهمزة الَّتِي فِيهِ للتعدية نَحْو مَا أظرف زيدا وَأكْرم عمرا وأصلهما ظرف وكرم قَالُوا لِأَن المتعجب مِنْهُ فَاعل فِي الأَصْل فَوَجَبَ أَن يكون فعله غير مُتَعَدٍّ قَالُوا وَأما قَوْلهم مَا أضْرب زيدا لعَمْرو وَفعله مُتَعَدٍّ فِي الأَصْل قَالُوا فَهُوَ مَنْقُول من ضرب إِلَى وزن فعل اللَّازِم ثمَّ عدي من فعل بِهَمْزَة التَّعْدِيَة قَالُوا وَالدَّلِيل على ذَلِك مجيئهم بِاللَّامِ فَيَقُولُونَ مَا أضْرب زيدا لعَمْرو وَلَو كَانَ بَاقِيا على تعديه لقيل مَا أضْرب زيدا عمرا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِد بِنَفسِهِ وَإِلَى الآخر بِهَمْزَة التَّعْدِيَة فَلَمَّا عدي إِلَى الْمَفْعُول بِهَمْزَة التَّعْدِيَة عدي إِلَى الآخر بِاللَّامِ فَعلم أَنه لَازم فَهَذَا هُوَ الَّذِي أوجب لَهُم أَن قَالُوا لَا يصاغ ذَلِك إِلَّا من فعل الْفَاعِل لَا من الْفِعْل الْوَاقِع على الْمَفْعُول ونازعهم فِي ذَلِك آخَرُونَ وَقَالُوا يجوز بِنَاء فعل التَّعَجُّب والتفضيل من فعل الْفَاعِل وَمن الْوَاقِع على الْمَفْعُول تَقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الْعَرَب مَا أشغله بالشَّيْء وَهَذَا من شغل بِهِ على وزن سُئِلَ فالتعجب من المشغول بالشَّيْء لَا من الشاغل وَكَذَا قَوْلهم مَا أولعه بِكَذَا من أولع بِهِ مَبْنِيّ للْمَفْعُول لِأَن الْعَرَب التزمت بِنَاء هَذَا الْفِعْل للْمَفْعُول وَلم تبنه للْفَاعِل وَكَذَلِكَ قَوْلهم مَا أعجبه بِكَذَا هُوَ من أعجب بالشَّيْء وَكَذَا قَوْلهم مَا أحبه إِلَيّ هُوَ تعجب من فعل الْمَفْعُول وَكَذَا قَوْلهم مَا أبغضه إِلَيّ وأمقته إِلَيّ وَهنا مَسْأَلَة مَشْهُورَة ذكرهَا سِيبَوَيْهٍ وَهِي أَنَّك تَقول مَا أبغضني لَهُ وَمَا أَحبَّنِي لَهُ وَمَا أمقتني لَهُ إِذا كنت أَنْت الْمُبْغض الكاره والمحب الماقت فَيكون تَعَجبا من فعل الْفَاعِل وَتقول مَا أبغضني إِلَيْهِ وَمَا أمقتني إِلَيْهِ وَمَا أَحبَّنِي إِلَيْهِ إِذا كنت أَنْت الْمُبْغض الممقوت أَو المحبوب فَيكون تَعَجبا من الْفِعْل الْوَاقِع على الْمَفْعُول فَمَا كَانَ بِاللَّامِ فَهُوَ للْفَاعِل وَمَا كَانَ بإلى فَهُوَ للْمَفْعُول وَكَذَلِكَ تَقول مَا أحبه إِلَيّ إِذا كَانَ هُوَ المحبوب وَمَا أبغضه إِلَيّ إِذا كَانَ هُوَ الْمُبْغض وَأكْثر النُّحَاة لَا يعللون هَذَا وَالَّذِي يُقَال فِي علته وَالله أعلم أَن اللَّام تكون للْفَاعِل فِي الْمَعْنى نَحْو قَوْلك لمن هَذَا الْفِعْل فَتَقول لزيد فتأتي بِاللَّامِ وَأما إِلَى فَتكون للْمَفْعُول فِي الْمَعْنى لِأَنَّهُ يَقُول إِلَى من يصل هَذَا الْفِعْل فَتَقول إِلَى زيد وسر ذَلِك أَن اللَّام فِي الأَصْل للْملك أَو الِاخْتِصَاص والاستحقاق وَالْملك والاستحقاق إِنَّمَا يسْتَحقّهُ الْفَاعِل الَّذِي يملك وَيسْتَحق وَإِلَى لانْتِهَاء الْغَايَة والغاية مُنْتَهى مَا يَقْتَضِيهِ الْفِعْل فَهِيَ بالمفعول أليق لِأَنَّهُ تَمام مُقْتَضى الْفِعْل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَمن التَّعَجُّب من فعل الْمَفْعُول قَول كَعْب بن زُهَيْر فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَلَهو أخوف عِنْدِي إِذْ ُأكَلِّمهُ ... وَقيل إِنَّك مَحْبُوس ومقتول) (من ضيغم من ضراء الْأسد مخدره ... بِبَطن عثر غيل دونه غيل) فأخوف هُنَا من خيف لَا من خَافَ وَهُوَ نَظِير أَحْمد من مُحَمَّد كسئل لَا من حمد كعلم وَتقول مَا أجنه من جن فَهُوَ مَجْنُون قَالَ البصريون هَذَا كُله شَاذ لَا يعول عَلَيْهِ قَالَ الْآخرُونَ هَذَا قد كثر فِي كَلَامهم جدا وَحمله على الشذوذ غير جَائِز لِأَن الشاذ مَا خَالف استعمالهم ومطرد كَلَامهم وَهَذَا غير مُخَالف لذَلِك قَالُوا وَأما تقديركم لُزُوم الْفِعْل وَنَقله إِلَى بِنَاء فعل المضموم فمما لَا يساعد عَلَيْهِ دَلِيل وَأما مَا تمسكتم بِهِ من التَّعْدِيَة بِالْهَمْزَةِ فَلَيْسَ كَمَا ذكرْتُمْ والهمزة هُنَا لَيست للتعدية وَإِنَّمَا هِيَ للدلالة على معنى التَّعَجُّب والتفضيل كألف فَاعل وَمِيم مفعول وتاء الافتعال والمطاوعة وَنَحْوهَا من الْحُرُوف الَّتِي تلْحق الْفِعْل الثلاثي لبَيَان مَا لحقه من الزِّيَادَة على مُجَرّد مَدْلُوله فَهَذَا هُوَ السَّبَب الجالب لهَذِهِ الْألف لَا مُجَرّد تَعديَة الْفِعْل قَالُوا وَالَّذِي يدل على هَذَا أَن الْفِعْل الَّذِي يعدى بِالْهَمْزَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 يجوز أَن يعدى بِحرف الْجَرّ وبالتضعيف تَقول أجلست زيدا وجلسته وَجَلَست بِهِ وأقمته وقومته وَقمت بِهِ وأنمته ونومته ونمت بِهِ ونظائر ذَلِك وَهنا لَا يقوم مقَام الْهمزَة غَيرهَا فَبَطل أَن تكون للتعدية الثَّانِي أَنَّهَا تجامع بَاء التَّعْدِيَة فَتَقول أكْرم بِهِ وَأحسن بِهِ وَالْمعْنَى مَا أكْرمه وَمَا أحْسنه وَالْفِعْل لَا تجمع عَلَيْهِ بَين معديين مَعًا الثَّالِث أَنهم يَقُولُونَ مَا أعْطى زيدا للدراهم وَمَا أكساه للثياب وَهَذَا من أعْطى وكسا الْمُتَعَدِّي وَلَا يَصح تَقْدِير نَقله إِلَى عطو إِذا تنَاول ثمَّ أدخلت عَلَيْهِ همزَة التَّعْدِيَة كَمَا تَأَوَّلَه بَعضهم لفساد الْمَعْنى فَإِن التَّعَجُّب إِنَّمَا وَقع من إِعْطَائِهِ لَا من عطوه وَهُوَ تنَاوله والهمزة فِيهِ همزَة التَّعَجُّب والتفضيل وحذفت همزته الَّتِي فِي فعله فَلَا يَصح أَن يُقَال هِيَ للتعدية قَالُوا وَأما قَوْلكُم إِنَّه عدي بِاللَّامِ فِي قَوْلهم مَا أضربه لزيد وَلَوْلَا أَنه لَازم لما عدي بِاللَّامِ فَهَذَا لَيْسَ كَمَا ذكرْتُمْ من لُزُوم الْفِعْل وَإِنَّمَا هُوَ تَقْوِيَة لَهُ لما ضعف بِمَنْعه من الصّرْف وألزم طَريقَة وَاحِدَة خرج عَن سنَن الْأَفْعَال وَضعف عَن مُقْتَضَاهُ فقوي بِاللَّامِ وَهَذَا كَمَا يقوى بِاللَّامِ إِذا تقدم معموله عَلَيْهِ وَحصل لَهُ بتأخره نوع وَهن جبروه بِاللَّامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تعبرون} يُوسُف 43 وكما يقوى بِاللَّامِ إِذا كَانَ اسْم فَاعل كَمَا تَقول أَنا محب لَك ومكرم لزيد وَنَحْوه فَلَمَّا ضعف هَذَا الْفِعْل بِمَنْعه من الصّرْف قوي بِاللَّامِ هَذَا الْمَذْهَب هُوَ الرَّاجِح كَمَا ترَاهُ وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 فلنرجع إِلَى الْمَقْصُود وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمي مُحَمَّدًا وَأحمد لِأَنَّهُ يحمد أَكثر مِمَّا يحمد غَيره وَأفضل مِمَّا يحمد غَيره فالاسمان واقعان على الْمَفْعُول وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار وَذَلِكَ أبلغ فِي مدحه وَأتم معنى وَلَو أُرِيد بِهِ معنى الْفَاعِل لسمي الحماد وَهُوَ كثير الْحَمد كَمَا سمي مُحَمَّدًا وَهُوَ الْمَحْمُود كثيرا فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أَكثر الْخلق حمداً لرَبه فَلَو كَانَ اسْمه بِاعْتِبَار الْفَاعِل لَكَانَ الأولى أَن يُسمى حماداً كَمَا أَن اسْم أمته الْحَمَّادُونَ وَأَيْضًا فَإِن الاسمين إِنَّمَا اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة الَّتِي لأَجلهَا اسْتحق أَن يُسمى مُحَمَّدًا وَأحمد فَهُوَ الَّذِي يحمده أهل الدُّنْيَا وَأهل الْآخِرَة وَيَحْمَدهُ أهل السَّمَاء وَالْأَرْض فلكثرة خصائله المحمودة الَّتِي تفوت عد العادين سمي باسمين من أَسمَاء الْحَمد يقتضيان التَّفْضِيل وَالزِّيَادَة فِي الْقدر وَالصّفة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فصل وَقد ظن طَائِفَة مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم السُّهيْلي وَغَيره أَن تَسْمِيَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ب أَحْمد كَانَت قبل تَسْمِيَته بِمُحَمد فَقَالُوا وَلِهَذَا بشر بِهِ الْمَسِيح باسمه أَحْمد وَفِي حَدِيث طَوِيل فِي حَدِيث مُوسَى لما قَالَ لرَبه جلّ وَعلا إِنِّي أجد أمة من شَأْنهَا كَذَا وَكَذَا فاجعلهم أمتِي قَالَ تِلْكَ أمة أَحْمد يَا مُوسَى فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من أمة أَحْمد قَالُوا وَإِنَّمَا جَاءَ تَسْمِيَته بِمُحَمد فِي الْقُرْآن خَاصَّة لقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّد} مُحَمَّد 8 وَقَوله {مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله} الْفَتْح 29 وبنوا على ذَلِك أَن اسْمه أَحْمد تَفْضِيل من فعل الْفَاعِل أَي أَحْمد الحامدين لرَبه وَمُحَمّد هُوَ الْمَحْمُود الَّذِي تحمده الْخَلَائق وَإِنَّمَا يَتَرَتَّب على هَذَا الِاسْم بعد وجوده وظهوره فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ حَمده أهل السَّمَاء وَالْأَرْض وَيَوْم الْقِيَامَة يحمده أهل الْموقف فَلَمَّا ظهر إِلَى الْوُجُود وترتب على ظُهُوره من الْخيرَات مَا ترَتّب حَمده الْخَلَائق حمداً مكرراً فتأخرت تَسْمِيَته بِمُحَمد على تَسْمِيَته بِأَحْمَد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وَفِي هَذَا الْكَلَام مناقشة من وُجُوه أَحدهَا أَنه قد سمي بِمُحَمد قبل الْإِنْجِيل كَذَلِك اسْمه فِي التَّوْرَاة وَهَذَا يقر بِهِ كل عَالم من مؤمني أهل الْكتاب وَنحن نذْكر النَّص الَّذِي عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَمَا هُوَ الصَّحِيح فِي تَفْسِيره قَالَ فِي التَّوْرَاة فِي إِسْمَاعِيل قولا هَذِه حكايته وَعَن إِسْمَاعِيل سَمِعتك هَا أَنا باركته وأيمنته مِمَّا باد وَذكر هَذَا بعد أَن ذكر إِسْمَاعِيل وَأَنه سيلد اثْنَي عشر عَظِيما مِنْهُم عَظِيم يكون اسْمه مماد باد وَهَذَا عِنْد الْعلمَاء الْمُؤمنِينَ من أهل الْكتاب صَرِيح فِي اسْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد وَرَأَيْت فِي بعض شُرُوح التَّوْرَاة مَا حكايته بعد هَذَا الْمَتْن قَالَ الشَّارِح هَذَانِ الحرفان فِي موضِعين يتضمنان اسْم السَّيِّد الرَّسُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّك إِذا اعْتبرت حُرُوف اسْم مُحَمَّد وَجدتهَا فِي الحرفين الْمَذْكُورين لِأَن ميمي مُحَمَّد ودالة بِإِزَاءِ الميمين من الحرفين وَإِحْدَى الدالين وَبَقِيَّة اسْم مُحَمَّد وَهِي الْحَاء فبإزاء بَقِيَّة الحرفين وَهِي الْبَاء والألفان وَالدَّال الثَّانِيَة قلت يُرِيد بالحرفين الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ لِأَن للحاء من الْحساب ثَمَانِيَة من الْعدَد وَالْبَاء لَهَا اثْنَان وكل ألف لَهَا وَاحِد وَالدَّال بأَرْبعَة فَيصير الْمَجْمُوع ثَمَانِيَة وَهِي قسط الْحَاء من الْعدَد الْجملِي فَيكون الحرفان معنى الْكَلِمَتَيْنِ وهما مماد باد قد تضمنا بالتصريح ثَلَاثَة أَربَاع اسْم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وربعه الآخر قد دلّ عَلَيْهِ بَقِيَّة الحرفين بِالْكِتَابَةِ بِالطَّرِيقِ الَّتِي أَشرت إِلَيْهَا قَالَ الشَّارِح فَإِن قيل فَمَا مستندكم فِي هَذَا التَّأْوِيل قُلْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 مستندنا فِيهِ مُسْتَند عُلَمَاء الْيَهُود فِي تَأْوِيل أَمْثَاله من الْحُرُوف المشكلة الَّتِي جَاءَت فِي التَّوْرَاة كَقَوْلِه تَعَالَى يَا مُوسَى قل لبني إِسْرَائِيل أَن يَجْعَل كل وَاحِد مِنْهُم فِي طرف ثَوْبه خيطاً أَزْرَق لَهُ ثَمَانِيَة أرؤس ويعقد فِيهِ خمس عقد ويسميه صيصيت قَالَ عُلَمَاء الْيَهُود تَأْوِيل هَذَا وحكمته أَن كل من رأى ذَلِك الْخَيط الْأَزْرَق وَعدد أَطْرَافه الثَّمَانِية وعقده الْخمس وَذكر اسْمه ذكر مَا يجب عَلَيْهِ من فَرَائض الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَن الله تَعَالَى افْترض على بني إِسْرَائِيل سِتّمائَة وَثَلَاث عشرَة شَرِيعَة لِأَن الصادين والياءين بمائتين وَالتَّاء بأربعمائة فَيصير مَجْمُوع الِاسْم سِتّمائَة والأطراف وَالْعقد ثَلَاثَة عشر كَأَنَّهُ يَقُول بصورته واسْمه اذكر فَرَائض الله عز وَجل قَالَ هَذَا الشَّارِح وَأما قَول كثير من الْمُفَسّرين إِن المُرَاد بِهَذَيْنِ الحرفين جدا جدا لكَون لفظ ماد قد جَاءَت مُفْردَة فِي التَّوْرَاة بِمَعْنى جدا قَالَ فَهَذَا لَا يَصح لأجل الْبَاء الْمُتَّصِلَة بِهَذَا الْحَرْف فَإِنَّهُ لَيْسَ من الْكَلَام الْمُسْتَقيم قَول الْقَائِل أَنا أكرمك بجداً فَلَمَّا نقل هَذَا الْحَرْف من التَّوْرَاة الأزلية الَّتِي نزلت فِي أَلْوَاح الْجَوْهَر على الكليم بالخط الكينوني وَهَذَا الْحَرْف فِيهَا مَوْصُولا بِالْبَاء علم أَن المُرَاد غير مَا ذهب إِلَيْهِ من قَالَ هِيَ بِمَعْنى جدا إِذْ لَا تَأْوِيل يَلِيق بهَا غير هَذَا التَّفْسِير بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى فِي غير هَذَا الْموضع لإِبْرَاهِيم عَن وَلَده إِسْمَاعِيل إِنَّه يلد اثْنَي عشر شريفاً وَمن شرِيف مِنْهُم يكون شخص اسْمه مِمَّا باد فقد صرحت التَّوْرَاة أَن هذَيْن الحرفين اسْم علم لشخص شرِيف معِين من ولد إِسْمَاعِيل فَبَطل قَول من قَالَ إِنَّه بِمَعْنى الْمصدر للتوكيد فَإِن التَّصْرِيح بِكَوْنِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 اسْم عين يُنَاقض من يَدعِي أَنه اسْم معنى وَالله أعلم تمّ كَلَامه وَقَالَ غَيره لَا حَاجَة إِلَى هَذَا التعسف فِي بَيَان اسْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة بل اسْمه فِيهَا أظهر من هَذَا كُله وَذَلِكَ أَن التَّوْرَاة هِيَ باللغة العبرية وَهِي قريبَة من الْعَرَبيَّة بل هِيَ أقرب لُغَات الْأُمَم إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَكَثِيرًا مَا يكون الِاخْتِلَاف بَينهمَا فِي كَيْفيَّة أَدَاء الْحُرُوف والنطق بهَا من التفخيم والترقيق وَالضَّم وَالْفَتْح وَغير ذَلِك وَاعْتبر هَذَا بتقارب مَا بَين مُفْرَدَات اللغتين فَإِن الْعَرَب يَقُولُونَ لَا والعبرانيين تَقول لَو فيضمون اللَّام ويأتون بِالْألف بَين الْوَاو وَالْألف وَتقول الْعَرَب قدس وَيَقُول العبرانيون قدش وَتقول الْعَرَب أَنْت وَيَقُول العبرانيون أَنا وَتقول الْعَرَب يَأْتِي كَذَا وَيَقُول العبرانيون يوتى فيضمون الْيَاء ويأتون بِالْألف بعْدهَا بَين الْوَاو وَالْألف وَتقول الْعَرَب قدسك وَيَقُول العبرانيون قد شحا وَتقول الْعَرَب مِنْهُ وَيَقُول العبرانيون ممنو وَتقول الْعَرَب من يهوذا وَيَقُول العبرانيون مهوذا وَتقول الْعَرَب سَمِعتك وَيَقُول العبرانيون شمعيخا وَتقول الْعَرَب من وَيَقُول العبرانيون مي وَتقول الْعَرَب يَمِينه وَيَقُول العبرانيون مينو وَتقول الْعَرَب لَهُ وَيَقُول العبرانيون لَو بَين الْوَاو وَالْألف وَكَذَلِكَ تَقول الْعَرَب أمة وَيَقُول العبرانيون أموا وَتقول الْعَرَب أَرض وَيَقُول العبرانيون إيرص وَتقول الْعَرَب وَاحِد وَيَقُول العبرانيون إيحاد وَتقول الْعَرَب عَالم وَيَقُول العبرانيون عولام وَتقول الْعَرَب كيس وَيَقُول العبرانيون كييس وَتقول الْعَرَب يَأْكُل وَيَقُول العبرانيون يوخل وَتقول الْعَرَب تين وَيَقُول العبرانيون تيين وَتقول الْعَرَب إِلَه وَيَقُول العبرانيون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 أولوه وَتقول الْعَرَب إلهنا وَيَقُول العبرانيون ألوهينو وَتقول الْعَرَب أَبَانَا وَيَقُول العبرانيون أبوتينا وَيَقُولُونَ باصباع إلوهيم يعنون أصْبع الْإِلَه وَيَقُولُونَ مابنم يعنون الابْن وَيَقُولُونَ حاليب بِمَعْنى حَلُوب فَإِذا أَرَادوا يَقُولُونَ لَا تَأْكُل الجدي فِي حليب أمه قَالُوا لَو تدخل لذِي مَا حالوب أمو وَيَقُولُونَ لَو توخلوا أَي لَا تَأْكُلُوا وَيَقُولُونَ للكتب المشنا وَمَعْنَاهَا بلغَة الْعَرَب الْمُثَنَّاة الَّتِي تثنى أَي تقْرَأ مرّة بعد مرّة وَلَا نطيل بِأَكْثَرَ من هَذَا فِي تقَارب اللغتين وَتَحْت هَذَا سر يفهمهُ من فهم تقَارب مَا بَين الأمتين والشريعتين واقتران التَّوْرَاة بِالْقُرْآنِ فِي غير مَوضِع من الْكتاب كَقَوْلِه تَعَالَى {أَو لم يكفروا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى من قبل قَالُوا سحران تظاهرا وَقَالُوا إِنَّا بِكُل كافرون قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ من عِنْد الله هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} الْقَصَص 48 49 وَقَوله فِي سُورَة الْأَنْعَام ردا على من قَالَ {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهدى للنَّاس} الْأَنْعَام 91 ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} الْأَنْعَام 92 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَقَالَ فِي آخر السُّورَة {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الْأَنْعَام 154 155 وَقَالَ تَعَالَى فِي أول سُورَة آل عمرَان {أَلمَ اللَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ والإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ} آل عمرَان 1 4 وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وذكرا لِلْمُتقين الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ وهم من السَّاعَة مشفقون وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} الْأَنْبِيَاء 48 50 وَلِهَذَا يذكر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قصَّة مُوسَى وَيُعِيدهَا ويبديها ويسلي رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَمَا يَنَالهُ من أَذَى النَّاس لقد أوذي مُوسَى بِأَكْثَرَ من هَذَا فَصَبر وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه كَائِن فِي أمتِي مَا كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل حَتَّى لَو كَانَ فيهم من أَتَى أمه عَلَانيَة لَكَانَ فِي هَذِه الْأمة من يَفْعَله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فَتَأمل هَذَا التناسب بَين الرسولين والكتابين والشريعتين أَعنِي الشَّرِيعَة الصَّحِيحَة الَّتِي لم تبدل والأمتين واللغتين فَإِذا نظرت فِي حُرُوف مُحَمَّد وحروف مماد باد وجدت الْكَلِمَتَيْنِ كلمة وَاحِدَة فَإِن الميمين فيهمَا والهمزة والحاء من مخرج وَاحِد وَالدَّال كثيرا مَا تَجِد موضعهَا ذالاً فِي لغتهم يَقُولُونَ إيحاذ للْوَاحِد وَيَقُولُونَ قوذش فِي الْقُدس وَالدَّال والذال متقاربتان فَمن تَأمل اللغتين وَتَأمل هذَيْن الاسمين لم يشك أَنَّهُمَا وَاحِد وَلِهَذَا نَظَائِر فِي اللغتين مثل مُوسَى فَإِنَّهُ فِي اللُّغَة العبرانية موشى بالشين وَأَصله المَاء وَالشَّجر فَإِنَّهُم يَقُولُونَ للْمَاء مو وشا هُوَ الشّجر ومُوسَى التقطه آل فِرْعَوْن من بَين المَاء وَالشَّجر فالتفاوت الَّذِي بَين مُوسَى وموشى كالتفاوت بَين مُحَمَّد ومماد باد وَكَذَا إِسْمَاعِيل هُوَ فِي لغتهم يشماعيل بياء بدل الْألف وبشين بدل السِّين فالتفاوت بَينهمَا كالتفاوت بَين مُحَمَّد ومماد باد وَكَذَلِكَ الْعيص وَهُوَ أَخُو يَعْقُوب يَقُولُونَ لَهُ عِيسَى وَهُوَ عيص وَنَظِير هَذَا فِي غير الْأَعْلَام مِمَّا تقدم قَوْله يشماعون يعنون يسمعُونَ وَيَقُولُونَ آقيم بِمد الْهمزَة مَعَ ضمهَا أَي أقيم وَيَقُولُونَ مي قَارب أَي من قَارب ووسط أخيهيم أَي إِخْوَتهم وَهَذَا مِمَّا يعْتَرف بِهِ كل مُؤمن عَالم من عُلَمَاء أهل الْكتاب وَالْمَقْصُود أَن اسْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة مُحَمَّد كَمَا هُوَ فِي الْقُرْآن وَأما الْمَسِيح فَإِنَّمَا سَمَّاهُ أَحْمد كَمَا حَكَاهُ الله عَنهُ فِي الْقُرْآن فَإِذن تَسْمِيَته بِأَحْمَد وَقعت مُتَأَخِّرَة عَن تَسْمِيَته مُحَمَّدًا فِي التَّوْرَاة ومتقدمة على تَسْمِيَته مُحَمَّدًا فِي الْقُرْآن فَوَقَعت بَين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 التسميتين محفوفة بهما وَقد تقدم أَن هذَيْن الاسمين صفتان فِي الْحَقِيقَة والوصفية فيهمَا لَا تنَافِي العلمية وَأَن مَعْنَاهُمَا مَقْصُود فَعرف عِنْد كل أمة بأعرف الوصفين عِنْدهَا فمحمد مفعل من الْحَمد وَهُوَ الْكثير الْخِصَال الَّتِي يحمد عَلَيْهَا حمداً متكرراً حمداً بعد حمد وَهَذَا إِنَّمَا يعرف بعد الْعلم بخصال الْخَيْر وأنواع الْعُلُوم والمعارف والأخلاق والأوصاف وَالْأَفْعَال الَّتِي يسْتَحق تكْرَار الْحَمد عَلَيْهَا وَلَا ريب أَن بني إِسْرَائِيل هم أولو الْعلم الأول وَالْكتاب الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهِ {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} الْأَعْرَاف 45 وَلِهَذَا كَانَت أمة مُوسَى أوسع علوماً وَمَعْرِفَة من أمة الْمَسِيح وَلِهَذَا لَا تتمّ شَرِيعَة الْمَسِيح إِلَّا بِالتَّوْرَاةِ وأحكامها فَإِن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام وَأمته محالون فِي الْأَحْكَام عَلَيْهَا وَالْإِنْجِيل كَأَنَّهُ مكمل لَهَا متمم لمحاسنها وَالْقُرْآن جَامع لمحاسن الْكِتَابَيْنِ فَعرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد هَذِه الْأمة باسم مُحَمَّد الَّذِي قد جمع خِصَال الْخَيْر الَّتِي يسْتَحق أَن يحمد عَلَيْهَا حمداً بعد حمد وَعرف عِنْد أمة الْمَسِيح ب أَحْمد الَّذِي يسْتَحق أَن يحمد أفضل مِمَّا يحمد غَيره وحمده أفضل من حمد غَيره فَإِن أمة الْمَسِيح أمة لَهُم من الرياضات والأخلاق والعبادات مَا لَيْسَ لأمة مُوسَى وَلِهَذَا كَانَ غَالب كِتَابهمْ مواعظ وزهد وأخلاق وحض على الْإِحْسَان وَالِاحْتِمَال والصفح حَتَّى قيل إِن الشَّرَائِع ثَلَاثَة شَرِيعَة عدل وَهِي شَرِيعَة التَّوْرَاة فِيهَا الحكم وَالْقصاص وَشَرِيعَة فضل وَهِي شَرِيعَة الْإِنْجِيل مُشْتَمِلَة على الْعَفو وَمَكَارِم الْأَخْلَاق والصفح وَالْإِحْسَان كَقَوْلِه من أَخذ رداءك فأعطه ثَوْبك وَمن لطمك على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 خدك الْأَيْمن فأدر لَهُ خدك الْأَيْسَر وَمن سخرك ميلًا فامش مَعَه ميلين وَشَرِيعَة نَبينَا جمعت هَذَا وَهَذَا وَهِي شَرِيعَة الْقُرْآن فَإِنَّهُ يذكر الْعدْل ويوجبه وَالْفضل وَينْدب إِلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الشورى 40 فجَاء اسْمه عِنْد هَذِه الْأمة بأفعل التَّفْضِيل الدَّال على الْفضل والكمال كَمَا جَاءَت شريعتهم بِالْفَضْلِ المكمل لشريعة التَّوْرَاة وَجَاء فِي الْكتاب الْجَامِع لمحاسن الْكتب قبله بالاسمين مَعًا فَتدبر هَذَا الْفَصْل وَتبين ارتباط الْمعَانِي بأسمائها ومناسبتها لَهَا وَالْحَمْد لله المانِّ بفضله وتوفيقه وَقَول أبي الْقَاسِم إِن اسْم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا ترَتّب بعد ظُهُوره إِلَى الْوُجُود لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ حمد حمداً مكرراً فَكَذَلِك أَن يُقَال مُحَمَّد أَيْضا سَوَاء وَقَوله فِي اسْمه أَحْمد إِنَّه تقدم لكَونه أَحْمد الحامدين لرَبه وَهَذَا يقدم على حمد الْخَلَائق لَهُ فبناء مِنْهُ على أَنه تَفْضِيل من فعل الْفَاعِل وَأما على القَوْل الآخر الصَّحِيح فَلَا يَجِيء هَذَا وَقد تقدم تَقْرِير ذَلِك وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 ال ْفَصْل الرَّابِع فِي معنى الْآل واشتقاقه وَأَحْكَامه وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَن أَصله أهل ثمَّ قلبت الْهَاء همزَة فَقيل أأل ثمَّ سهلت على قِيَاس أَمْثَالهَا فَقيل آل قَالُوا وَلِهَذَا إِذا صغر رَجَعَ إِلَى أَصله فَقيل أهيل قَالُوا وَلما كَانَ فرعا عَن فرع خصوه بِبَعْض الْأَسْمَاء الْمُضَاف إِلَيْهَا فَلم يضيفوه إِلَى أَسمَاء الزَّمَان وَلَا الْمَكَان وَلَا غير الْأَعْلَام فَلَا يَقُولُونَ آل رجل وَآل امْرَأَة وَلَا يضيفونه إِلَى مُضْمر فَلَا يُقَال آله وآلي بل لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى مُعظم كَمَا أَن التَّاء لما كَانَت فِي الْقسم بَدَلا عَن الْوَاو وفرعاً عَلَيْهَا وَالْوَاو فرعا عَن فعل الْقسم خصوا التَّاء بأشرف الْأَسْمَاء وَأَعْظَمهَا وَهُوَ اسْم الله تَعَالَى وَهَذَا القَوْل ضَعِيف من وُجُوه أَحدهَا أَنه لَا دَلِيل عَلَيْهِ الثَّانِي أَنه يلْزم مِنْهُ الْقلب الشاذ من غير مُوجب مَعَ مُخَالفَة الأَصْل الثَّالِث أَن الْأَهْل تُضَاف إِلَى الْعَاقِل وَغَيره والآل لَا تُضَاف إِلَّا إِلَى عَاقل الرَّابِع أَن الْأَهْل تُضَاف إِلَى الْعلم والنكرة والآل لَا يُضَاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 إِلَّا إِلَى مُعظم من شَأْنه أَن غَيره يؤول إِلَيْهِ الْخَامِس أَن الْأَهْل تُضَاف إِلَى الظَّاهِر والمضمر والآل من النُّحَاة من منع إِضَافَته إِلَى الْمُضمر وَمن جوزها فَهِيَ شَاذَّة قَليلَة السَّادِس أَن الرجل حَيْثُ أضيف إِلَى آله دخل فِيهِ هُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب} غَافِر 46 وَقَوله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} آل عمرَان 33 وَقَوله تَعَالَى {إِلا آلَ لوط نجيناهم بِسحر} الْقَمَر 34 وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى) وَهَذَا إِذا لم يذكر مَعَه من أضيف إِلَيْهِ الْآل وَأما إِذا ذكر مَعَه فقد يُقَال ذكر مُفردا وداخلاً فِي الْآل وَقد يُقَال ذكره مُفردا أغْنى عَن ذكره مُضَافا والأهل بِخِلَاف ذَلِك فَإِذا قلت جَاءَ أهل زيد لم يدْخل فيهم وَقيل بل أَصله أول وَذكره صَاحب الصِّحَاح فِي بَاب الْهمزَة وَالْوَاو وَاللَّام قَالَ وَآل الرجل أَهله وَعِيَاله وَآله أَيْضا أَتْبَاعه وَهُوَ عِنْد هَؤُلَاءِ مُشْتَقّ من آل يؤول إِذا رَجَعَ فآل الرجل هم الَّذين يرجعُونَ إِلَيْهِ ويضافون إِلَيْهِ ويؤولهم أَي يسوسهم فَيكون مآلهم إِلَيْهِ وَمِنْه الإيالة وَهِي السياسة فآل الرجل هم الَّذين يسوسهم ويؤولهم وَنَفسه أَحَق بذلك من غَيره فَهُوَ أَحَق بِالدُّخُولِ فِي آله وَلَكِن لَا يُقَال إِنَّه مُخْتَصّ بآله بل هُوَ دَاخل فيهم وَهَذِه الْمَادَّة مَوْضُوعَة لأصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 الشَّيْء وَحَقِيقَته وَلِهَذَا سمي حَقِيقَة الشَّيْء تَأْوِيله لِأَنَّهَا حَقِيقَته الَّتِي يرجع إِلَيْهَا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبنَا بِالْحَقِّ} الْأَعْرَاف 53 فَتَأْوِيل مَا أخْبرت بِهِ الرُّسُل هُوَ مَجِيء حَقِيقَته ورؤيتها عيَانًا وَمِنْه تَأْوِيل الرُّؤْيَا وَهُوَ حَقِيقَتهَا عيَانًا وَمِنْه تَأْوِيل الرُّؤْيَا الخارجية الَّتِي ضربت للرائي فِي عَالم الْمِثَال وَمِنْه التَّأْوِيل بِمَعْنى الْعَاقِبَة كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا} النِّسَاء 59 قيل أحسن عَاقِبَة فَإِن عواقب الْأُمُور هِيَ حقائقها الَّتِي تؤول إِلَيْهَا وَمِنْه التَّأْوِيل بِمَعْنى التَّفْسِير لِأَن تَفْسِير الْكَلَام هُوَ بَيَان مَعْنَاهُ وَحَقِيقَته الَّتِي يُرَاد مِنْهُ قَالُوا وَمِنْه الأول لِأَنَّهُ أصل الْعدَد ومبناه الَّذِي يتَفَرَّع مِنْهُ وَمِنْه الْآل بِمَعْنى الشَّخْص نَفسه قَالَ أَصْحَاب هَذَا القَوْل والتزمت الْعَرَب إِضَافَته فَلَا يسْتَعْمل مُفردا إِلَّا فِي نَادِر الْكَلَام كَقَوْل الشَّاعِر (نَحن آل الله فِي بَلْدَتنَا ... لم نزل آلاً على عهد إرم) والتزموا أَيْضا إِضَافَته إِلَى الظَّاهِر فَلَا يُضَاف إِلَى مُضْمر إِلَّا قَلِيلا وعد بعض النُّحَاة إِضَافَته إِلَى الْمُضمر لحناً كَمَا قَالَ أَبُو عبد الله بن مَالك وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بلحن بل هُوَ من كَلَام الْعَرَب لكنه قَلِيل وَمِنْه قَول الشَّاعِر (أَنا الْفَارِس الحامي وَالِدي ... وآلي فَمَا يحمي حَقِيقَة آلكا) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وَقَالَ عبد الْمطلب فِي الْفِيل وَأَصْحَابه (وانصر على آل الصلي ... ب وعابديه الْيَوْم آلك) فأضافه إِلَى الْيَاء وَالْكَاف وَزعم بعض النُّحَاة أَنه لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى علم من يعقل وَهَذَا الَّذِي قَالَه هُوَ الْأَكْثَر وَقد جَاءَت إِضَافَته إِلَى غير من يعقل قَالَ الشَّاعِر (نجوت وَلم يمنن عَليّ طَلَاقه ... سوى ربد التَّقْرِيب من آل أعوجا) وأعوج علم فرس قَالُوا وَمن أَحْكَامه أَيْضا أَنه لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى متبوع مُعظم فَلَا يُقَال آل الحائك وَلَا آل الْحجام وَلَا آل رجل وَأما مَعْنَاهُ فَقَالَت طَائِفَة يُقَال آل الرجل لَهُ نَفسه وَآل الرجل لمن يتبعهُ وَآله لأَهله وأقاربه فَمن الأول قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جَاءَهُ أَبُو أوفى بِصَدَقَتِهِ اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى وَقَوله تَعَالَى {سَلام على إل ياسين} الصافات 130 وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم فآل إِبْرَاهِيم هُوَ إِبْرَاهِيم لِأَن الصَّلَاة الْمَطْلُوبَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ الصَّلَاة على إِبْرَاهِيم نَفسه وَآله تبع لَهُ فِيهَا ونازعهم فِي ذَلِك آخَرُونَ وَقَالُوا لَا يكون الْآل إِلَّا الأتباع والأقارب وَمَا ذكرتموه من الْأَدِلَّة فَالْمُرَاد بهَا الْأَقَارِب وَقَوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم آل إِبْرَاهِيم هُنَا هم الْأَنْبِيَاء وَالْمَطْلُوب من الله سُبْحَانَهُ أَن يُصَلِّي على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا صلى على جَمِيع الْأَنْبِيَاء من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم لَا إِبْرَاهِيم وَحده كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي بعض الْأَلْفَاظ من قَوْله على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم وَأما قَوْله تَعَالَى {سَلامٌ على إل ياسين} الصافات 130 فَهَذِهِ فِيهَا قراءتان إِحْدَاهمَا إلياسين بِوَزْن إِسْمَاعِيل وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه اسْم ثَان للنَّبِي إلْيَاس وإلياسين كميكال وَمِيكَائِيل وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه جمع وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنه جمع إلْيَاس وَأَصله إلياسيين بيائين كعبرانيين ثمَّ خففت إِحْدَى اليائين فَقيل إلياسين وَالْمرَاد أَتْبَاعه كَمَا حكى سِيبَوَيْهٍ الأشعرون وَمثله الأعجمون وَالثَّانِي أَنه جمع إلْيَاس مَحْذُوف الْيَاء وَالْقِرَاءَة الثَّانِيَة {سَلام على إل ياسين} وَفِيه أوجه أَحدهَا أَن ياسين أسم لِأَبِيهِ فأضيف إِلَيْهِ الْآل كَمَا يُقَال آل إِبْرَاهِيم وَالثَّانِي أَن آل ياسين هُوَ إلْيَاس نَفسه فَيكون آل مُضَافَة إِلَى يس وَالْمرَاد بالآل يس نَفسه كَمَا ذكر الْأَولونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وَالثَّالِث أَنه على حذف يَاء النّسَب فَيُقَال يس وَأَصله ياسيين كَمَا تقدم وآلهم أتباعهم على دينهم وَالرَّابِع أَن يس هُوَ الْقُرْآن وَآله هم أهل الْقُرْآن وَالْخَامِس أَنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله أَقَاربه وَأَتْبَاعه كَمَا سَيَأْتِي وَهَذِه الْأَقْوَال كلهَا ضَعِيفَة وَالَّذِي حمل قَائِلهَا عَلَيْهَا استشكالهم إِضَافَة آل إِلَى يس واسْمه إلْيَاس وإلياسين ورأوها فِي الْمُصحف مفصولة وَقد قَرَأَهَا بعض الْقُرَّاء آل ياسين فَقَالَ طَائِفَة مِنْهُم لَهُ أَسمَاء يس وإلياسين وإلياس وَقَالَت طَائِفَة يس اسْم لغيره ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ الْكَلْبِيّ يس مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلم الله على آله وَقَالَت طَائِفَة هُوَ الْقُرْآن وَهَذَا كُله تعسف ظَاهر لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَالصَّوَاب وَالله أعلم فِي ذَلِك أَن أصل الْكَلِمَة آل ياسين كآل إِبْرَاهِيم فحذفت الْألف وَاللَّام من أَوله لِاجْتِمَاع الْأَمْثَال وَدلَالَة الِاسْم على مَوضِع الْمَحْذُوف وَهَذَا كثير فِي كَلَامهم إِذا اجْتمعت الْأَمْثَال كَرهُوا النُّطْق بهَا كلهَا فحذفوا مِنْهَا مَا لَا إلباس فِي حذفه وَإِن كَانُوا لَا يحذفونه فِي مَوضِع لَا تَجْتَمِع فِيهِ الْأَمْثَال وَلِهَذَا لَا يحذفون النُّون من إِنِّي وَأَنِّي وَكَأَنِّي وَلَكِنِّي وَلَا يحذفونها من لَيْتَني وَلما كَانَت اللَّام فِي لَعَلَّ شَبيهَة بالنُّون حذفوا النُّون مَعهَا وَلَا سِيمَا عَادَة الْعَرَب فِي اسْتِعْمَالهَا للاسم الأعجمي وتغييرها لَهُ فَيَقُولُونَ مرّة إلياسين وَمرَّة إلْيَاس وَمرَّة ياسين وَرُبمَا قَالُوا ياس وَيكون على إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْن قد وَقع على الْمُسلم عَلَيْهِ وعَلى الْقِرَاءَة الْأُخْرَى على آله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وعَلى هَذَا ففصل النزاع بَين أَصْحَاب الْقَوْلَيْنِ فِي الْآل أَن الْآل إِن أفرد دخل فِيهِ الْمُضَاف إِلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} غَافِر 46 وَلَا ريب فِي دُخُوله فِي آله هُنَا وَقَوله تَعَالَى {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} الْأَعْرَاف 130 ونظائره وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى وَلَا ريب فِي دُخُول أبي أوفى نَفسه فِي ذَلِك وَقَوله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم هَذِه أَكثر رِوَايَات البُخَارِيّ وَإِبْرَاهِيم هُنَا دَاخل فِي آله وَلَعَلَّ هَذَا مُرَاد من قَالَ آل الرجل نَفسه وَأما إِن ذكر الرجل ثمَّ ذكر آله لم يدْخل فيهم فَفرق بَين الْمُجَرّد والمقرون فَإِذا قلت أعْط لزيد وَآل زيد لم يكن زيد هُنَا دَاخِلا فِي آله وَإِذا قلت أعْطه لآل زيد تنَاول زيدا وَآله وَهَذَا لَهُ نَظَائِر كَثِيرَة قد ذَكرنَاهَا فِي غير هَذَا الْموضع وَهِي أَن اللَّفْظ تخْتَلف دلَالَته بالتجريد والاقتران كالفقير والمسكين هما صنفان إِذا قرن بَينهمَا وصنف وَاحِد إِذا أفرد كل مِنْهُمَا وَلِهَذَا كَانَا فِي الزَّكَاة صنفين وَفِي الْكَفَّارَات صنف وَاحِد وكالإيمان وَالْإِسْلَام وَالْبر وَالتَّقوى والفحشاء وَالْمُنكر والفسوق والعصيان ونظائر ذَلِك كَثِيرَة وَلَا سِيمَا فِي الْقُرْآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 فصل وَاخْتلف فِي آل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَرْبَعَة أَقْوَال فَقيل هم الَّذين حرمت عَلَيْهِم الصَّدَقَة وَفِيهِمْ ثَلَاثَة أَقْوَال للْعُلَمَاء أَحدهَا أَنهم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة عَنهُ وَالثَّانِي أَنهم بَنو هَاشم خَاصَّة وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد وَاخْتِيَار ابْن الْقَاسِم صَاحب مَالك وَالثَّالِث أَنهم بَنو هَاشم وَمن فَوْقهم إِلَى غَالب فَيدْخل فيهم بَنو الْمطلب وَبَنُو أُميَّة وَبَنُو نَوْفَل وَمن فَوْقهم إِلَى بني غَالب وَهَذَا اخْتِيَار أَشهب من أَصْحَاب مَالك حَكَاهُ صَاحب = الْجَوَاهِر = عَنهُ وَحَكَاهُ اللَّخْمِيّ فِي التَّبْصِرَة عَن أصبغ وَلم يحكه عَن أَشهب وَهَذَا القَوْل فِي الْآل أَعنِي أَنهم الَّذين تحرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة هُوَ مَنْصُوص الشَّافِعِي وَأحمد والأكثرين وَهُوَ اخْتِيَار جُمْهُور أَصْحَاب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَالْقَوْل الثَّانِي أَن آل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هم ذُريَّته وأزواجه خَاصَّة حَكَاهُ ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد قَالَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 بَاب عبد الله بن أبي بكر فِي شرح حَدِيث أبي أَحْمد حميد السَّاعِدِيّ اسْتدلَّ قوم بِهَذَا الحَدِيث على أَن آل مُحَمَّد هم وأزواجه وَذريته خَاصَّة لقَوْله فِي حَدِيث مَالك عَن نعيم المجمر وَفِي غير مَا حَدِيث اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَفِي هَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث أبي حميد اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته قَالُوا فَهَذَا تَفْسِير ذَلِك الحَدِيث وَيبين أَن آل مُحَمَّد هم أَزوَاجه وَذريته قَالُوا فَجَائِز أَن يَقُول الرجل لكل من كَانَ من أَزوَاج مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن ذُريَّته صلى الله عَلَيْك إِذا واجهه وَصلى الله عَلَيْهِ إِذا غَابَ عَنهُ وَلَا يجوز ذَلِك فِي غَيرهم قَالُوا والآل والأهل سَوَاء وَآل الرجل وَأَهله سَوَاء وهم الْأزْوَاج والذرية بِدَلِيل هَذَا الحَدِيث وَالْقَوْل الثَّالِث أَن آله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتْبَاعه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة حَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن بعض أهل الْعلم وأقدم من رُوِيَ عَنهُ هَذَا القَوْل جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ عَنهُ وَرَوَاهُ عَنهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَغَيره وَاخْتَارَهُ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي حَكَاهُ عَنهُ أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ فِي تعليقة وَرجحه الشَّيْخ محيي الدّين النواوي فِي شرح مُسلم وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِي وَالْقَوْل الرَّابِع أَن آله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هم الأتقياء من أمته حَكَاهُ القَاضِي حُسَيْن والراغب وَجَمَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 فصل فِي ذكر حجج هَذِه الْأَقْوَال وتبيين مَا فِيهَا من الصَّحِيح والضعيف فَأَما القَوْل الأول وَهُوَ أَن الْآل من تحرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة على مَا فيهم من الِاخْتِلَاف فحجته من وُجُوه أَحدهَا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بِالنَّخْلِ عِنْد صرامه فَيَجِيء هَذَا بتمرة وَهَذَا بتمرة حَتَّى يصير عِنْده كوم من تمر فَجعل الْحسن وَالْحُسَيْن يلعبان بذلك التَّمْر فَأخذ أَحدهمَا تَمْرَة فَجَعلهَا فِي فِيهِ فَنظر إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخرجها من فِيهِ فَقَالَ أما علمت أَن آل مُحَمَّد لَا يَأْكُلُون الصَّدَقَة وَرَوَاهُ مُسلم وَقَالَ إِنَّا لَا تحل لنا الصَّدَقَة الثَّانِي مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن زيد بن أَرقم قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا خَطِيبًا فِينَا بِمَاء يدعى خماً بَين مَكَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَالْمَدينَة فَحَمدَ الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ وَذكر وَوعظ ثمَّ قَالَ أما بعد أَلا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا أَنا بشر يُوشك أَن يأتيني رَسُول رَبِّي عز وَجل وَإِنِّي تَارِك فِيكُم ثقلين أَولهمَا كتاب الله عز وَجل فِيهِ الْهدى والنور فَخُذُوا بِكِتَاب الله واستمسكوا بِهِ فَحَث على كتاب الله وَرغب فِيهِ وَقَالَ وَأهل بَيْتِي أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي فَقَالَ حُصَيْن بن سُبْرَة وَمن أهل بَيته يَا زيد أَلَيْسَ نساؤه من أهل بَيته قَالَ إِن نِسَاءَهُ من أهل بَيته وَلَكِن أهل بَيته من حرم الصَّدَقَة بعده قَالَ وَمن هم قَالَ هم آل عَليّ وَآل عقيل وَآل جَعْفَر وَآل عَبَّاس قَالَ أكل هَؤُلَاءِ حرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة قَالَ نعم وَقد ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الصَّدَقَة لَا تحل لآل مُحَمَّد الدَّلِيل الثَّالِث مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أرْسلت إِلَى أبي بكر تسأله مِيرَاثهَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال يَعْنِي مَال الله لَيْسَ لَهُم أَن يزِيدُوا على المأكل فآله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم خَواص مِنْهَا حرمَان الصَّدَقَة وَمِنْهَا أَنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 لَا يرثونه وَمِنْهَا استحقاقهم خمس الْخمس وَمِنْهَا اختصاصهم بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِم وَقد ثَبت أَن تَحْرِيم الصَّدَقَة وَاسْتِحْقَاق خمس الْخمس وَعدم توريثهم مُخْتَصّ بِبَعْض أَقَاربه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَذَلِك الصَّلَاة على آله الدَّلِيل الرَّابِع مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن شهَاب عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل الْهَاشِمِي أَن عبد الْمطلب بن ربيعَة أخبرهُ أَن أَبَاهُ ربيعَة بن الْحَارِث قَالَ لعبد الْمطلب بن ربيعَة وللفضل بن الْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ائتيا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقولا لَهُ استعملنا يَا رَسُول الله على الصَّدقَات فَذكر الحَدِيث وَفِيه فَقَالَ لنا إِن هَذِه الصَّدقَات إِنَّمَا هِيَ أوساخ النَّاس وَإِنَّهَا لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد الدَّلِيل الْخَامِس مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بكبش أقرن يطَأ فِي سَواد ويبرك فِي سَواد وَينظر فِي سَواد فَذكر الحَدِيث وَقَالَ فِيهِ فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَبْش فأضجعه ثمَّ ذبحه ثمَّ قَالَ بِسم الله اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد وَمن أمة مُحَمَّد ثمَّ ضحى بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 هَكَذَا رَوَاهُ مُسلم بِتَمَامِهِ وَحَقِيقَة الْعَطف الْمُغَايرَة وَأمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعم من آله قَالَ أَصْحَاب هَذَا القَوْل وَتَفْسِير الْآل بِكَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى من تَفْسِيره بِكَلَام غَيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فصل وَأما القَوْل الثَّانِي أَنهم ذُريَّته وأزواجه خَاصَّة فقد تقدم احتجاج ابْن عبد الْبر لَهُ فِي حَدِيث أبي حميد اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته وَفِي غَيره من الْأَحَادِيث اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَهَذَا غَايَته أَن يكون الأول مِنْهُمَا قد فسره اللَّفْظ الآخر وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اجْعَل رزق آل مُحَمَّد قوتا وَمَعْلُوم أَن هَذِه الدعْوَة المستجابة لم تنَلْ كل بني هَاشم وَلَا بني الْمطلب لِأَنَّهُ كَانَ فيهم الْأَغْنِيَاء وَأَصْحَاب الْجدّة وَإِلَى الْآن وَأما أَزوَاجه وَذريته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ رزقهم قوتاً وَمَا كَانَ يحصل لأزواجه بعده من الْأَمْوَال كن يتصدقن بِهِ ويجعلن رزقهن قوتاً وَقد جَاءَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَال عَظِيم فقسمته كُله فِي قعدة وَاحِدَة فَقَالَت لَهَا الْجَارِيَة لَو خبأت لنا درهما نشتري بِهِ لَحْمًا فَقَالَت لَهَا لَو ذَكرتني فعلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت مَا شبع آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خبز مأدوم ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى لحق بِاللَّه عز وَجل قَالُوا وَمَعْلُوم أَن الْعَبَّاس وَأَوْلَاده وَبني الْمطلب لم يدخلُوا فِي لفظ عَائِشَة وَلَا مرادها قَالَ هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا دخل الْأزْوَاج فِي الْآل وخصوصاً أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَشْبِيها لذَلِك بِالسَّبَبِ لِأَن اتصالهن بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير مُرْتَفع وَهن مُحرمَات على غَيره فِي حَيَاته وَبعد مماته وَهن زَوْجَاته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فالسبب الَّذِي لَهُنَّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم مقَام النّسَب وَقد نَص صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّلَاة عَلَيْهِنَّ وَلِهَذَا كَانَ القَوْل الصَّحِيح وَهُوَ مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله إِن الصَّدَقَة تحرم عَلَيْهِم لِأَنَّهَا أوساخ النَّاس وَقد صان الله سُبْحَانَهُ ذَلِك الجناب الرفيع وَآله من كل أوساخ بني آدم وَيَا لله الْعجب كَيفَ يدْخل أَزوَاجه فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اجْعَل رزق آل مُحَمَّد قوتا وَقَوله فِي الْأُضْحِية اللَّهُمَّ هَذَا عَن مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد وَفِي قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا شبع آل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خبز بر وَفِي قَول الْمُصَلِّي اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 مُحَمَّد وَلَا يدخلن فِي قَوْله إِن الصَّدَقَة لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد مَعَ كَونهَا من أوساخ النَّاس فأزواج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى بالصيانة عَنْهَا والبعد مِنْهَا فَإِن قيل لَو كَانَت الصَّدَقَة حَرَامًا عَلَيْهِم لحرمت على مواليهن كَمَا أَنَّهَا لما حرمت على بني هَاشم حرمت على مواليهم وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن بَرِيرَة تصدق عَلَيْهَا بِلَحْم فأكلته وَلم يحرمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي مولاة لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قيل هَذَا هُوَ شُبْهَة من أَبَاحَهَا لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَوَاب هَذِه الشُّبْهَة أَن تَحْرِيم الصَّدَقَة على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بطرِيق الْأَصَالَة وَإِنَّمَا هُوَ تبع لتحريمها عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَّا فالصدقة حَلَال لَهُنَّ قبل اتصالهن بِهِ فهن فرع فِي هَذَا التَّحْرِيم وَالتَّحْرِيم على الْمولى فرع التَّحْرِيم على سَيّده فَلَمَّا كَانَ التَّحْرِيم على بني هَاشم أصلا استتبع ذَلِك مواليهم وَلما كَانَ التَّحْرِيم على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبعا لم يقو ذَلِك على استتباع مواليهن لِأَنَّهُ فرع عَن فرع قَالُوا وَقد قَالَ الله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله وَالْحكمَة) الْأَحْزَاب 30 34 فدخلن فِي أهل الْبَيْت لِأَن هَذَا الْخطاب كُله فِي سِيَاق ذكرهن فَلَا يجوز إخراجهن فِي شَيْء مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 فصل وَأما القَوْل الثَّالِث وَهُوَ أَن آل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته وَأَتْبَاعه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فقد احْتج لَهُ بِأَن آل الْمُعظم الْمَتْبُوع هم أَتْبَاعه على دينه وَأمره قريبهم وبعيدهم قَالُوا واشتقاق هَذِه اللَّفْظَة تدل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ من آل يؤول إِذا رَجَعَ ومرجع الأتباع إِلَى متبوعهم لِأَنَّهُ إمَامهمْ وموئلهم قَالُوا وَلِهَذَا كَانَ قَوْله تَعَالَى {إِلا آلَ لوط نجيناهم بِسحر} الْقَمَر 34 المُرَاد بِهِ أَتْبَاعه وشيعته الْمُؤْمِنُونَ بِهِ من أَقَاربه وَغَيرهم وَقَوله تَعَالَى {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب} غَافِر 46 المُرَاد بِهِ أَتْبَاعه وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا حسنا وَحسَيْنا فأجلس كل وَاحِد مِنْهُمَا على فَخذه وَأدنى فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا من حجره وَزوجهَا ثمَّ لف عَلَيْهِم ثَوْبه ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهلِي قَالَ وَاثِلَة فَقلت يَا رَسُول الله وَأَنا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أهلك فَقَالَ وَأَنت من أَهلِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ // بِإِسْنَاد جيد // قَالُوا وَمَعْلُوم أَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع من بني لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة وَإِنَّمَا هُوَ من أَتبَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 فصل وَأما أَصْحَاب القَوْل الرَّابِع أَن آله الأتقياء من أمته فاحتجوا بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه عَن جَعْفَر بن إلْيَاس بن صَدَقَة حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد حَدثنَا نوح بن أبي مَرْيَم عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من آل مُحَمَّد فَقَالَ كل تَقِيّ وتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا المتقون} الْأَنْفَال 38 قَالَ الطَّبَرَانِيّ لم يروه عَن يحيى إِلَّا نوح تفرد بِهِ نعيم وَقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا نَافِع أَبُو هُرْمُز عَن أنس فَذكره ونوح هَذَا وَنَافِع لَا يحْتَج بهما أحد من أهل الْعلم وَقد رميا بِالْكَذِبِ وَاحْتج لهَذَا القَوْل أَيْضا بِأَن الله عز وَجل قَالَ لنوح عَن ابْنه {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} هود 46 فَأخْرجهُ بشركه أَن يكون من أَهله فَعلم أَن آل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هم أَتْبَاعه وَأجَاب عَنهُ الشَّافِعِي رَحمَه الله بِجَوَاب جيد وَهُوَ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 المُرَاد أَنه لَيْسَ من أهلك الَّذين أمرنَا بحملهم ووعدناك نجاتهم لِأَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ لَهُ قبل ذَلِك {احْمِلْ فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْل} هود 40 فَلَيْسَ ابْنه من أَهله الَّذين ضمن نجاتهم قلت وَيدل على صِحَة هَذَا أَن سِيَاق الْآيَة يدل على أَن الْمُؤمنِينَ بِهِ قسم غير أَهله الَّذين هم أَهله لِأَنَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمن آمن} فَمن آمن مَعْطُوف على الْمَفْعُول بِالْحملِ وهم الْأَهْل والاثنان من كل زَوْجَيْنِ وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع الْمُتَقَدّم قَالُوا وَتَخْصِيص وَاثِلَة بذلك أقرب من تَعْمِيم الْأمة بِهِ وَكَأَنَّهُ جعل وَاثِلَة فِي حكم الْأَهْل تَشْبِيها بِمن يسْتَحق هَذَا الِاسْم فَهَذَا مَا احْتج بِهِ أَصْحَاب كل قَول من هَذِه الْأَقْوَال وَالصَّحِيح هُوَ القَوْل الأول ويليه القَوْل الثَّانِي وَأما الثَّالِث وَالرَّابِع فضعيفان لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رفع الشُّبْهَة بقوله إِن الصَّدَقَة لَا تحل لآل مُحَمَّد وَقَوله إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال وَقَوله اللَّهُمَّ اجْعَل رزق آل مُحَمَّد قوتاً وَهَذَا لَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ عُمُوم الْأمة قطعا فَأولى مَا حمل عَلَيْهِ الْآل فِي الصَّلَاة الْآل المذكورون فِي سَائِر أَلْفَاظه وَلَا يجوز الْعُدُول عَن ذَلِك وَأما تنصيصه على الْأزْوَاج والذرية فَلَا يدل على اخْتِصَاص الْآل بهم بل هُوَ حجَّة على عدم الِاخْتِصَاص بهم لما روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث نعيم المجمر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الصَّلَاة عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وأزواجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَذريته وَأهل بَيته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم فَجمع بَين الْأزْوَاج والذرية والأهل وَإِنَّمَا نَص عَلَيْهِم بتعيينهم ليبين أَنهم حقيقيون بِالدُّخُولِ فِي الْآل وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِخَارِجِينَ مِنْهُ بل هم أَحَق من دخل فِيهِ وَهَذَا كنظائره من عطف الْخَاص على الْعَام وَعَكسه تَنْبِيها على شرفه وتخصيصاً لَهُ بِالذكر من بَين النَّوْع لِأَنَّهُ من أَحَق أَفْرَاد النَّوْع بِالدُّخُولِ فِيهِ وَهنا للنَّاس طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن ذكر الْخَاص قبل الْعَام أَو بعده قرينَة تدل على أَن المُرَاد بِهِ بِالْعَام مَا عداهُ وَالطَّرِيق الثَّانِي أَن الْخَاص ذكر مرَّتَيْنِ مرّة بِخُصُوصِهِ وَمرَّة بشمول الِاسْم الْعَام لَهُ تَنْبِيها على مزِيد شرفه وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الْأَحْزَاب 7 وَقَوله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} الْبَقَرَة 98 وَأَيْضًا فَإِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق لَهُ ولآله دون سَائِر الْأمة وَلِهَذَا تجب عَلَيْهِ وعَلى آله عِنْد الشَّافِعِي رَحمَه الله وَغَيره كَمَا سَيَأْتِي وَإِن كَانَ عِنْدهم فِي الْآل اخْتِلَاف وَمن لم يُوجِبهَا فَلَا ريب أَنه يستحبها عَلَيْهِ وعَلى آله ويكرهها أَو لَا يستحبها لسَائِر الْمُؤمنِينَ أَو لَا يجوزها على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله فَمن قَالَ إِن آله فِي الصَّلَاة كل الْأمة فقد أبعد غَايَة الإبعاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وَأَيْضًا فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرع فِي التَّشَهُّد السَّلَام وَالصَّلَاة فشرع فِي السَّلَام تَسْلِيم الْمُصَلِّي على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَولا وعَلى نَفسه ثَانِيًا وعَلى سَائِر عباد الله الصَّالِحين ثَالِثا وَقد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فَإِذا قُلْتُمْ ذَلِك فقد سلمتم على كل عبد لله صَالح فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَأما الصَّلَاة فَلم يشرعها إِلَّا عَلَيْهِ وعَلى آله فَقَط فَدلَّ على أَن آله هم أَهله وأقاربه وَأَيْضًا فَإِن الله سُبْحَانَهُ أمرنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بعد ذكر حُقُوقه وَمَا خصّه بِهِ دون أمته من حل نِكَاحه لمن تهب نَفسهَا لَهُ وَمن تَحْرِيم نِكَاح أَزوَاجه على الْأمة بعده وَمن سَائِر مَا ذكر مَعَ ذَلِك من حُقُوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول الله وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} الْأَحْزَاب 53 ثمَّ ذكر رفع الْجنَاح عَن أَزوَاجه فِي تكليمهن آباءهن وأبناءهن ودخولهم عَلَيْهِنَّ وخلوتهم بِهن ثمَّ عقب ذَلِك بِمَا هُوَ حق من حُقُوقه الأكيدة على أمته وَهُوَ أَمرهم بصلاتهم عَلَيْهِ وسلامهم مستفتحاً ذَلِك الْأَمر بإخباره بِأَنَّهُ هُوَ وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ الصَّحَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَي صفة يؤدون هَذَا الْحق فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد فَالصَّلَاة على آله هِيَ من تَمام الصَّلَاة عَلَيْهِ وتوابعها لِأَن ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 مِمَّا تقر بِهِ عينه ويزيده الله بِهِ شرفاً وعلواً صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا وَأما من قَالَ إِنَّهُم الأتقياء من أمته فَهَؤُلَاءِ هم أولياؤه فَمن كَانَ مِنْهُم من أقربائه فَهُوَ من أوليائه وَمن لم يكن مِنْهُم من أقربائه فهم من أوليائه لَا من آله فقد يكون الرجل من آله وأوليائه كَأَهل بَيته وَالْمُؤمنِينَ بِهِ من أَقَاربه وَلَا يكون من آله وَلَا من أوليائه وَقد يكون من أوليائه وَإِن لم يكن من آله كخلفائه فِي أمته الداعين إِلَى سنته الذابين عَنهُ الناصرين لدينِهِ وَإِن لم يكن من أَقَاربه وَثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن آل أبي فلَان لَيْسُوا لي بأولياء إِن أوليائي المتقون أَيْن كَانُوا وَمن كَانُوا وَغلط بعض الروَاة فِي هَذَا الحَدِيث وَقَالَ إِن آل أبي بَيَاض وَالَّذِي غر هَذَا أَن فِي الصَّحِيح إِن آل أبي لَيْسُوا لي بأولياء وأخلى بَيَاضًا بَين أبي وَبَين لَيْسُوا فجَاء بعض النساخ فَكتب على ذَلِك الْموضع بَيَاض يَعْنِي أَنه كَذَا وَقع فجَاء آخر فَظن أَن بَيَاض هُوَ الْمُضَاف إِلَيْهِ فَقَالَ أبي بَيَاض وَلَا يعرف فِي الْعَرَب أَبُو بَيَاض وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يذكر ذَلِك وَإِنَّمَا سمى قَبيلَة كَبِيرَة من قبائل قُرَيْش وَالصَّوَاب لمن قَرَأَهَا فِي ذَلِك النّسخ أَن يَقْرَأها إِن آل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أبي بَيَاض بِضَم الضَّاد من بَيَاض لَا بجرها وَالْمعْنَى وَثمّ بَيَاض أَو هُنَا بَيَاض وَنَظِير هَذَا مَا وَقع فِي كتاب مُسلم فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل وَنحن يَوْم الْقِيَامَة أَي فَوق كَذَا انْظُر وَهَذِه الْأَلْفَاظ لَا معنى لَهَا هُنَا أصلا وَإِنَّمَا هِيَ من تَخْلِيط النساخ والْحَدِيث بِهَذَا السَّنَد والسياق فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد وَنحن يَوْم الْقِيَامَة على كوم أَو تل فَوق النَّاس فَاشْتَبَهَ على النَّاسِخ التل أَو الكوم وَلم يفهم مَا المُرَاد فَكتب على الْهَامِش انْظُر وَكتب هُوَ أَو غَيره كَذَا فجَاء آخر فَجمع بَين ذَلِك كُله وَأدْخلهُ فِي متن الحَدِيث سمعته من شَيخنَا أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية رَحمَه الله وَالْمَقْصُود أَن الْمُتَّقِينَ هم أَوْلِيَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأولياؤه هم أحب إِلَيْهِ من آله قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظهير} التَّحْرِيم 4 وَسُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي النَّاس أحب إِلَيْك قَالَ عَائِشَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 رَضِي الله عَنْهَا قيل من الرِّجَال قَالَ أَبوهَا رَضِي الله عَنهُ // مُتَّفق عَلَيْهِ // وَذَلِكَ أَن الْمُتَّقِينَ هم أَوْلِيَاء الله كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} يُونُس 62 63 وأولياء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْلِيَاء لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما من زعم أَن الْآل هم الأتباع فَيُقَال لَا ريب أَن الأتباع يُطلق عَلَيْهِم لفظ الْآل فِي بعض الْمَوَاضِع بِقَرِينَة وَلَا يلْزم من ذَلِك أَنه حَيْثُ وَقع لفظ الْآل يُرَاد بِهِ الأتباع لما ذكرنَا من النُّصُوص وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 فصل وَأما الْأزْوَاج فَجمع زوج وَقد يُقَال زَوْجَة وَالْأول أفْصح وَبهَا جَاءَ الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى {يَا آدم اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} الْبَقَرَة 35 وَقَالَ تَعَالَى فِي حق زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه} الْأَنْبِيَاء 90 وَمن الثَّانِي قَول ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِنَّهَا زَوْجَة نَبِيكُم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقَالَ الفرزدق (وَإِن الَّذِي يَبْغِي ليفسد زَوْجَتي ... كساع إِلَى أَسد الشرى يستبيلها) وَقد يجمع على زَوْجَات وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ جمع زَوْجَة وَإِلَّا فَجمع زوج أَزوَاج قَالَ تَعَالَى {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} يّس 56 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وَقَالَ تَعَالَى {أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} الزخرف 70 وَقد وَقع فِي الْقُرْآن الْإِخْبَار عَن أهل الْإِيمَان بِلَفْظ الزَّوْج مُفردا وجمعاً كَمَا تقدم وَقَالَ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} الْأَحْزَاب 6 وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِك} الْأَحْزَاب 59 والإخبار عَن أهل الشّرك بِلَفْظ الْمَرْأَة قَالَ تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} إِلَى قَوْله {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} المسد 1 4 وَقَالَ تَعَالَى {ضَرَبَ الله مثلا للَّذين كفرُوا امْرَأَة نوح وَامْرَأَة لوط} التَّحْرِيم 10 فَلَمَّا كَانَتَا مشركتين أوقع عَلَيْهِمَا اسْم الْمَرْأَة وَقَالَ فِي فِرْعَوْن {وَضرب الله مثلا للَّذين آمنُوا امْرَأَة فِرْعَوْن} التَّحْرِيم 11 لما كَانَ هُوَ الْمُشرك وَهِي مُؤمنَة لم يسمهَا زوجا لَهُ وَقَالَ فِي حق آدم {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزوَاجك} الْأَحْزَاب 50 وَقَالَ فِي حق الْمُؤمنِينَ {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} الْبَقَرَة 25 فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم السُّهيْلي وَغَيره إِنَّمَا لم يقل فِي حق هَؤُلَاءِ الْأزْوَاج لِأَنَّهُنَّ لسن بِأَزْوَاج لرجالهم فِي الْآخِرَة وَلِأَن التَّزْوِيج حلية شَرْعِيَّة وَهُوَ من أَمر الدّين فَجرد الْكَافِرَة مِنْهُ كَمَا جرد مِنْهَا امْرَأَة نوح وَامْرَأَة لوط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ثمَّ أورد السُّهيْلي على نَفسه قَول زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً} مَرْيَم 5 وَقَوله تَعَالَى عَن إِبْرَاهِيم {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّة} الذاريات 29 وَأجَاب بِأَن ذكر الْمَرْأَة أليق فِي هَذِه الْمَوَاضِع لِأَنَّهُ فِي سِيَاق ذكر الْحمل والولادة فَذكر الْمَرْأَة أولى بِهِ لِأَن الصّفة الَّتِي هِيَ الْأُنُوثَة هِيَ الْمُقْتَضِيَة للْحَمْل والوضع لَا من حَيْثُ كَانَت زوجا قلت وَلَو قيل إِن السِّرّ فِي ذكر الْمُؤمنِينَ وَنِسَائِهِمْ بِلَفْظ الْأزْوَاج أَن هَذَا اللَّفْظ مشْعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران كَمَا هُوَ الْمَفْهُوم من لَفظه فَإِن الزَّوْجَيْنِ هما الشيئان المتشابهان المتشاكلان أَو المتساويان وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} الصافات 22 قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَزوَاجهم أشباههم ونظراؤهم وَقَالَهُ الإِمَام أَحْمد أَيْضا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} التكوير 7 أَي قرن بَين كل شكل وشكله فِي النَّعيم وَالْعَذَاب قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي هَذِه الْآيَة الصَّالح مَعَ الصَّالح فِي الْجنَّة والفاجر مَعَ الْفَاجِر فِي النَّار وَقَالَهُ الْحسن وَقَتَادَة وَالْأَكْثَرُونَ وَقيل زوجت أنفس الْمُؤمنِينَ بالحور الْعين وأنفس الْكَافرين بالشياطين وَهُوَ رَاجع إِلَى القَوْل الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 قَالَ تَعَالَى {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} الْأَنْعَام 143 ثمَّ فَسرهَا {من الضَّأْن اثْنَيْنِ وَمن الْمعز اثْنَيْنِ} {وَمِنَ الأِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} الْأَنْعَام 143 144 فَجعل الزَّوْجَيْنِ هما الفردان من نوع وَاحِد وَمِنْه قَوْلهم زوجا خف وزوجا حمام وَنَحْوه وَلَا ريب أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قطع المشابهة والمشاكلة بَين الْكَافِر وَالْمُؤمن قَالَ تَعَالَى {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} الْحَشْر 20 وَقَالَ تَعَالَى فِي حق مؤمني أهل الْكتاب وكافرهم {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أهل الْكتاب} الْآيَة آل عمرَان 113 وَقطع الْمُقَارنَة سُبْحَانَهُ بَينهمَا فِي أَحْكَام الدُّنْيَا فَلَا يتوارثان وَلَا يتناكحان وَلَا يتَوَلَّى أَحدهمَا صَاحبه فَكَمَا انْقَطَعت الوصلة بَينهمَا فِي الْمَعْنى انْقَطَعت فِي الِاسْم فأضاف فِيهَا الْمَرْأَة بِلَفْظ الْأُنُوثَة الْمُجَرّد دون لفظ المشاكلة والمشابهة وَتَأمل هَذَا الْمَعْنى تَجدهُ أَشد مُطَابقَة لألفاظ الْقُرْآن ومعانيه وَلِهَذَا وَقع على الْمسلمَة امْرَأَة الْكَافِر وعَلى الْكَافِرَة امْرَأَة الْمُؤمن لفظ الْمَرْأَة دون الزَّوْجَة تَحْقِيقا لهَذَا الْمَعْنى وَالله أعلم وَهَذَا أولى من قَول من قَالَ إِنَّمَا سمى صَاحِبَة أبي لَهب امْرَأَته وَلم يقل لَهَا زَوجته لِأَن أنكحة الْكفَّار لَا يثبت لَهَا حكم الصِّحَّة بِخِلَاف أنكحة أهل الْإِسْلَام فَإِن هَذَا بَاطِل بِإِطْلَاقِهِ اسْم الْمَرْأَة على امْرَأَة نوح وَامْرَأَة لوط مَعَ صِحَة ذَلِك النِّكَاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَتَأمل فِي هَذَا الْمَعْنى فِي آيَة الْمَوَارِيث وتعليقه سُبْحَانَهُ التَّوَارُث بِلَفْظ الزَّوْجَة دون الْمَرْأَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكم} النِّسَاء 12 إِيذَانًا بِأَن هَذَا التَّوَارُث إِنَّمَا وَقع بِالزَّوْجِيَّةِ الْمُقْتَضِيَة للتشاكل والتناسب وَالْمُؤمن وَالْكَافِر لَا تشاكل بَينهمَا وَلَا تناسب فَلَا يَقع بَينهمَا التَّوَارُث وأسرار مُفْرَدَات الْقُرْآن ومركباته فَوق عقول الْعَالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 فصل وهذاأليق الْمَوَاضِع بِذكر أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأولاهن خَدِيجَة بنت خويلد بن أَسد بن عبد الْعزي بن قصي بن كلاب تزَوجهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَهُوَ ابْن خمس وَعشْرين سنة وَبقيت مَعَه إِلَى أَن أكْرمه الله برسالته فآمنت بِهِ ونصرته فَكَانَت لَهُ وَزِير صدق وَمَاتَتْ قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين فِي الْأَصَح وَقيل بِأَرْبَع وَقيل بِخمْس وَلها خَصَائِص رَضِي الله عَنْهَا مِنْهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَزَوَّج عَلَيْهَا غَيرهَا وَمِنْهَا أَن أَوْلَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلهم مِنْهَا إِلَّا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ من سريته مَارِيَة وَمِنْهَا أَنَّهَا خير نسَاء الْأمة وَاخْتلف فِي تفضيلها على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا على ثَلَاثَة أَقْوَال ثَالِثهَا الْوَقْف وَسَأَلت شَيخنَا ابْن تَيْمِية رَحمَه الله فَقَالَ اخْتصَّ كل وَاحِدَة مِنْهَا بِخَاصَّة فخديجة كَانَ تأثيرها فِي أول الْإِسْلَام وَكَانَت تسلي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتثبته وتسكنه وتبذل دونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 مَالهَا فأدركت عزة الْإِسْلَام واحتملت الْأَذَى فِي الله وَفِي رَسُوله وَكَانَت نصرتها للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أعظم أَوْقَات الْحَاجة فلهَا من النُّصْرَة والبذل مَا لَيْسَ لغَيْرهَا وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تأثيرها فِي آخر الْإِسْلَام فلهَا من التفقه فِي الدّين وتبليغه إِلَى الْأمة وانتفاع نبيها بِمَا أدَّت إِلَيْهِم من الْعلم مَا لَيْسَ لغَيْرهَا هَذَا معنى كَلَامه قلت وَمن خصائصها أَن الله سُبْحَانَهُ بعث إِلَيْهَا السَّلَام مَعَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فبلغها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك قَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن عمَارَة عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَتَى جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذِه خَدِيجَة قد أَتَت مَعهَا إِنَاء فِيهِ إدام أَو طَعَام أَو شراب فَإِذا هِيَ أتتك فأقرأ عَلَيْهَا السَّلَام من رَبهَا ومني وبشرها بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب وَهَذِه لعمر الله خَاصَّة لم تكن لسواها وَأما عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَإِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام سلم عَلَيْهَا على لِسَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 قَالَ البُخَارِيّ حَدثنَا يحيى بن بكير حَدثنَا اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ أَبُو سَلمَة إِن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا يَا عائش هَذَا جِبْرِيل يُقْرِئك السَّلَام فَقَالَت وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ترى مَا لَا أرى تُرِيدُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن خَواص خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا لم تسؤه قطّ وَلم تغاضبه وَلم ينلها مِنْهُ إِيلَاء وَلَا عتب قطّ وَلَا هجر وَكفى بِهِ منقبة وفضيلة وَمن خواصها أَنَّهَا أول امْرَأَة آمَنت بِاللَّه وَرَسُوله من هَذِه الْأمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 فصل فَلَمَّا توفاها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تزوج بعْدهَا سَوْدَة بني زَمعَة رَضِي الله عَنْهَا وَهِي سَوْدَة بنت زَمعَة بن قيس بن عبد شمس ابْن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسل بن عَامر بن لؤَي كَبرت عِنْده وَأَرَادَ طَلاقهَا فَوهبت يَوْمهَا لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَأَمْسكهَا وَهَذَا من خواصها أَنَّهَا آثرت بيومها حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقرباً إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحبا لَهُ وإيثاراً لمقامها مَعَه فَكَانَ يقسم لنسائه وَلَا يقسم لَهَا وَهِي راضية بذلك مُؤثرَة لرضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَضِي الله عَنْهَا وَتزَوج الصديقة بنت الصّديق عَائِشَة بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا وَهِي بنت سِتّ سِنِين قبل الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ وَقيل بِثَلَاث وَبنى بهَا بِالْمَدِينَةِ أول مقدمه فِي السّنة الأولى وَهِي بنت تسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وَمَات عَنْهَا وَهِي بنت ثَمَان عشرَة وَتوفيت بِالْمَدِينَةِ ودفنت بِالبَقِيعِ وأوصت أَن يُصَلِّي عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ سنة ثَمَان وَخمسين وَمن خصائصها أَنَّهَا كَانَت أحب أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ كَمَا ثَبت عَنهُ ذَلِك فِي البُخَارِيّ وَغَيره وَقد سُئِلَ أَي النَّاس أحب إِلَيْك قَالَ عَائِشَة قيل فَمن الرِّجَال قَالَ أَبوهَا وَمن خصائصها أَيْضا أَنه لم يتَزَوَّج امْرَأَة بكرا غَيرهَا وَمن خصائصها أَنه كَانَ ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَهُوَ فِي لحافها دون غَيرهَا وَمن خصائصها أَن الله عز وَجل لما أنزل عَلَيْهِ آيَة التَّخْيِير بَدَأَ بهَا فَخَيرهَا فَقَالَ وَلَا عَلَيْك أَن لَا تعجلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك فَقَالَت أَفِي هَذَا أَستَأْمر أَبَوي فَإِنِّي أُرِيد الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة فاستن بهَا بَقِيَّة أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقلن كَمَا قَالَت وَمن خصائصها أَن الله سُبْحَانَهُ برأها مِمَّا رَمَاهَا بِهِ أهل الْإِفْك وَأنزل فِي عذرها وبراءتها وَحيا يُتْلَى فِي محاريب الْمُسلمين وصلواتهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَشهد لَهَا بِأَنَّهَا من الطَّيِّبَات ووعدها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْمَغْفِرَة والرزق الْكَرِيم وَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن مَا قيل فِيهَا من الْإِفْك كَانَ خيرا لَهَا وَلم يكن ذَلِك الَّذِي قيل فِيهَا شرا لَهَا وَلَا عائبا لَهَا وَلَا خَافِضًا من شَأْنهَا بل رَفعهَا الله بذلك وَأَعْلَى قدرهَا وَأعظم شَأْنهَا وَصَارَ لَهَا ذكرا بالطيب والبراءة بَين أهل الأَرْض وَالسَّمَاء فيا لَهَا من منقبة مَا أجلهَا وَتَأمل هَذَا التشريف وَالْإِكْرَام النَّاشِئ عَن فرط تواضعها واستصغارها لنَفسهَا حَيْثُ قَالَت ولشأني فِي نَفسِي كَانَ أَحْقَر من أَن يتَكَلَّم الله فِي بِوَحْي يُتْلَى وَلَكِن كنت أَرْجُو أَن يرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُؤْيا يبرئني الله بهَا فَهَذِهِ صديقَة الْأمة وَأم الْمُؤمنِينَ وَحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي تعلم أَنَّهَا بريئة مظلومة وَأَن قاذفيها ظَالِمُونَ لَهَا مفترون عَلَيْهَا قد بلغ أذاهم إِلَى أَبَوَيْهَا وَإِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا كَانَ احتقارها لنَفسهَا وتصغيرها لشأنها فَمَا ظَنك بِمن صَامَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو شهرا أَو شَهْرَيْن وَقَامَ لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ فَظهر عَلَيْهِ شَيْء من الْأَحْوَال ولاحظوا بِعَين اسْتِحْقَاق الكرامات والمكاشفات والمخاطبات والمنازلات وَإجَابَة الدَّعْوَات وَأَنَّهُمْ مِمَّن يتبرك بلقائهم ويغتنم صَالح دُعَائِهِمْ وَأَنَّهُمْ يجب على النَّاس احترامهم وتعظيمهم وتعزيرهم وتوقيرهم فيتمسح بأثوابهم وَيقبل ثرى أعتابهم وَأَنَّهُمْ من الله بالمكانة الَّتِي ينْتَقم لَهُم لأَجلهَا مِمَّن تنقصهم فِي الْحَال وَأَن يُؤْخَذ مِمَّن أَسَاءَ الْأَدَب عَلَيْهِم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 غير إمهال وَأَن إساءة الْأَدَب عَلَيْهِم ذَنْب لَا يكفره شَيْء إِلَّا رضاهم وَلَو كَانَ هَذَا من وَرَاء كِفَايَة لهان وَلَكِن من وَرَاء تخلف وَهَذِه الحماقات والرعونات نتائج الْجَهْل الصميم وَالْعقل غير الْمُسْتَقيم فَإِن ذَلِك إِنَّمَا يصدر من جَاهِل معجب بِنَفسِهِ غافل عَن جرمه وذنوبه مغتر بإمهال الله تَعَالَى لَهُ عَن أَخذه بِمَا هُوَ فِيهِ من الْكبر والإزراء على من لَعَلَّه عِنْد الله عز وَجل خير مِنْهُ نسْأَل الله تَعَالَى الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيَنْبَغِي للْعَبد أَن يستعيذ بِاللَّه أَن يكون عِنْد نَفسه عَظِيما وَهُوَ عِنْد الله حقير وَمن خصائصها رَضِي الله عَنْهَا أَن الأكابر من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانَ إِذا أشكل عَلَيْهِم أَمر من الدّين استفتوها فيجدون علمه عِنْدهَا وَمن خصائصها أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي فِي بَيتهَا وَفِي يَوْمهَا وَبَين سحرها ونحرها وَدفن فِي بَيتهَا وَمن خصائصها أَن الْملك أرى صورتهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يَتَزَوَّجهَا فِي سَرقَة حَرِير فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يكن هَذَا من عِنْد الله يمضه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَمن خصائصها أَن النَّاس كَانُوا يتحرون بهداياهم يَوْمهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقرباً إِلَى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيتحفونه بِمَا يحب فِي منزل أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَضِي الله عَنْهُن أَجْمَعِينَ وتكنى أم عبد الله وروى أَنَّهَا أسقطت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سقطا وَلَا يثبت ذَلِك وَتزَوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَت قبله عِنْد خُنَيْس بن حذافة وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِمَّنْ شهد بَدْرًا توفيت سنة سبع وَقيل ثَمَان وَعشْرين وَمن خصائصها مَا ذكره الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي فِي مُخْتَصره فِي السِّيرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تراجع حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة وَإِنَّهَا زَوجتك فِي الْجنَّة وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير حَدثنَا أَحْمد بن طَاهِر بن حَرْمَلَة بن يحيى حَدثنَا جدي حَرْمَلَة حَدثنَا ابْن وهب حَدثنِي عَمْرو بن صَالح الْحَضْرَمِيّ عَن مُوسَى بن عَليّ بن رَبَاح عَن أَبِيه عَن عقبَة بن عَامر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلق حَفْصَة فَبلغ ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَوضع التُّرَاب على رَأسه وَقَالَ مَا يعبأ الله بِابْن الْخطاب بعد هَذَا فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الله يَأْمُرك أَن تراجع حَفْصَة رَحْمَة لعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَتزَوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان وَاسْمهَا رَملَة بنت صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف هَاجَرت مَعَ زَوجهَا عبيد الله بن جحش إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَتَنَصَّرَ بِالْحَبَشَةِ وَأتم الله لَهَا الْإِسْلَام وَتَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي بِأَرْض الْحَبَشَة وَأصْدقهَا عَنهُ النَّجَاشِيّ أَرْبَعمِائَة دِينَار // إِسْنَاده صَحِيح // وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي إِلَى النَّجَاشِيّ يخطبها وَولى نِكَاحهَا عُثْمَان بن عَفَّان وَقيل خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَقد روى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عِكْرِمَة بن عمار عَن أبي زميل عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ الْمُسلمُونَ لَا ينظرُونَ إِلَى أبي سُفْيَان وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث خلال أعطنيهن قَالَ نعم قَالَ عِنْدِي أحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 الْعَرَب وأجمله أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان أزَوّجكَهَا قَالَ نعم قَالَ وَمُعَاوِيَة تَجْعَلهُ كَاتبا بَين يَديك قَالَ نعم وَتُؤَمِّرنِي أَن أقَاتل الْكفَّار كَمَا كنت أقَاتل الْمُسلمين قَالَ نعم قَالَ أَبُو زميل وَلَوْلَا أَنه طلب ذَلِك من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أعطَاهُ ذَلِك لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يسْأَل شَيْئا إِلَّا قَالَ نعم وَقد أشكل هَذَا الحَدِيث على النَّاس فَإِن أم حَبِيبَة تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل إِسْلَام أبي سُفْيَان كَمَا تقدم زَوجهَا إِيَّاه النَّجَاشِيّ ثمَّ قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يسلم أَبوهَا فَكيف يَقُول بعد الْفَتْح أزَوجك أم حَبِيبَة فَقَالَت طَائِفَة هَذَا الحَدِيث كذب لَا أصل لَهُ قَالَ ابْن حزم كذبه عِكْرِمَة بن عمار وَحمل عَلَيْهِ واستعظم ذَلِك آخَرُونَ وَقَالُوا أَنى يكون فِي صَحِيح مُسلم حَدِيث مَوْضُوع وَإِنَّمَا وَجه الحَدِيث أَنه طلب من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يجدد لَهُ العقد على ابْنَته ليبقى لَهُ وَجه بَين الْمُسلمين وَهَذَا ضَعِيف فَإِن فِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعده وَهُوَ الصَّادِق الْوَعْد وَلم ينْقل أحد قطّ أَنه جدد العقد على أم حَبِيبَة وَمثل هَذَا لَو كَانَ لنقل وَلَو نقل وَاحِد عَن وَاحِد فَحَيْثُ لم يَنْقُلهُ أحد قطّ علم أَنه لم يَقع وَلم يزدْ القَاضِي عِيَاض على استشكاله فَقَالَ وَالَّذِي وَقع فِي مُسلم من هَذَا غَرِيب جدا عِنْد أهل الْخَبَر وخبرها مَعَ أبي سُفْيَان عِنْد وُرُوده إِلَى الْمَدِينَة بِسَبَب تَجْدِيد الصُّلْح ودخوله عَلَيْهَا مَشْهُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وَقَالَت طَائِفَة لَيْسَ الحَدِيث بباطل وَإِنَّمَا سَأَلَ أَبُو سُفْيَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يُزَوجهُ ابْنَته الْأُخْرَى عزة أُخْت أم حَبِيبَة قَالُوا وَلَا يبعد أَن يخفى هَذَا على أبي سُفْيَان لحداثة عَهده بِالْإِسْلَامِ وَقد خَفِي هَذَا على ابْنَته أم حَبِيبَة حَتَّى سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَتَزَوَّجهَا فَقَالَ إِنَّهَا لَا تحل لي فَأَرَادَ أَن يُزَوّج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنَته الْأُخْرَى فَاشْتَبَهَ على الرَّاوِي وَذهب وهمه إِلَى أَنَّهَا أم حَبِيبَة وَهَذِه التَّسْمِيَة من غلط بعض الروَاة لَا من قَول أبي سُفْيَان لَكِن يرد هَذَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعم وأجابه إِلَى مَا سَأَلَ فَلَو كَانَ المسؤول أَن يُزَوجهُ أُخْتهَا لقَالَ إِنَّهَا لَا تحل لي كَمَا قَالَ ذَلِك لأم حَبِيبَة وَلَوْلَا هَذَا لَكَانَ التَّأْوِيل فِي الحَدِيث من أحسن التأويلات وَقَالَت طَائِفَة لم يتَّفق أهل النَّقْل على أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج أم حَبِيبَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَهِي بِأَرْض الْحَبَشَة بل قد ذكر بَعضهم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا بِالْمَدِينَةِ بعد قدومها من الْحَبَشَة حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ وَهَذَا من أَضْعَف الْأَجْوِبَة لوجوه أَحدهَا أَن هَذَا القَوْل لَا يعرف بِهِ أثر صَحِيح وَلَا حسن وَلَا حَكَاهُ أحد مِمَّن يعْتَمد على نَقله الثَّانِي أَن قصَّة تَزْوِيج أم حَبِيبَة وَهِي بِأَرْض الْحَبَشَة قد جرت مجْرى التَّوَاتُر كتزويجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَدِيجَة بِمَكَّة وَعَائِشَة بِمَكَّة وبنائه بعائشة بِالْمَدِينَةِ وتزويجه حَفْصَة بِالْمَدِينَةِ وَصفِيَّة عَام خَيْبَر ومَيْمُونَة فِي عمْرَة الْقَضِيَّة وَمثل هَذِه الوقائع شهرتها عِنْد أهل الْعلم مُوجبَة لقطعهم بهَا فَلَو جَاءَ سَنَد ظَاهره الصِّحَّة يُخَالِفهَا عدوه غَلطا وَلم يلتفتوا إِلَيْهِ وَلَا يُمكنهُم مُكَابَرَة نُفُوسهم فِي ذَلِك الثَّالِث أَنه من الْمَعْلُوم عِنْد أهل الْعلم بسيرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وأحواله أَنه لم يتَأَخَّر نِكَاح أم حَبِيبَة إِلَى بعد فتح مَكَّة وَلَا يَقع ذَلِك فِي وهم أحد مِنْهُم أصلا الرَّابِع أَن أَبَا سُفْيَان لما قدم الْمَدِينَة دخل على ابْنَته أم حَبِيبَة فَلَمَّا ذهب ليجلس على فرَاش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طوته عَنهُ فَقَالَ يَا بنية مَا أَدْرِي أرغبت بِي عَن هَذَا الْفراش أم رغبت بِهِ عني قَالَت بل هُوَ فرَاش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالله لقد أَصَابَك يَا بنية بعدِي شَرّ وَهَذَا مَشْهُور عِنْد أهل الْمَغَازِي وَالسير الْخَامِس أَن أم حَبِيبَة كَانَت من مهاجرات الْحَبَشَة مَعَ زَوجهَا عبيد الله بن جحش ثمَّ تنصر زَوجهَا وَهلك بِأَرْض الْحَبَشَة ثمَّ قدمت هِيَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحَبَشَة وَكَانَت عِنْده وَلم تكن عِنْد أَبِيهَا وَهَذَا مِمَّا لَا يشك فِيهِ أحد من أهل النَّقْل وَمن الْمَعْلُوم أَن أَبَاهَا لم يسلم إِلَّا عَام الْفَتْح فَكيف يَقُول عِنْدِي أجمل الْعَرَب أزَوجك إِيَّاهَا وَهل كَانَت عِنْده بعد هجرتهَا وإسلامها قطّ فَإِن كَانَ قَالَ لَهُ هَذَا القَوْل قبل إِسْلَامه فَهُوَ محَال فَإِنَّهَا لم تكن عِنْده وَلم يكن لَهُ ولَايَة عَلَيْهَا أصلا وَإِن كَانَ قَالَه بعد إِسْلَامه فمحال أَيْضا لِأَن نِكَاحهَا لم يتَأَخَّر إِلَى بعد الْفَتْح فَإِن قيل بل يتَعَيَّن أَن يكون نِكَاحهَا بعد الْفَتْح لِأَن الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسلم صَحِيح وَإِسْنَاده ثِقَات حفاظ وَحَدِيث نِكَاحهَا وَهِي بِأَرْض الْحَبَشَة من رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق مُرْسلا وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِي الِاحْتِجَاج بمسانيد ابْن إِسْحَاق فَكيف بمراسيله فَكيف بهَا إِذا خَالَفت المسانيد الثَّانِيَة وَهَذِه طَريقَة لبَعض الْمُتَأَخِّرين فِي تَصْحِيح حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 فَالْجَوَاب من وُجُوه أَحدهَا أَن مَا ذكره هَذَا الْقَائِل إِنَّمَا يُمكن عِنْد تَسَاوِي النقلين فيرجح بِمَا ذكره وَأما مَعَ تَحْقِيق بطلَان أحد النقلين وتيقنه فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يعلم نزاع بَين اثْنَيْنِ من أهل الْعلم بالسير والمغازي وأحوال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن نِكَاح أم حَبِيبَة لم يتَأَخَّر إِلَى بعد الْفَتْح وَلم يقلهُ أحد مِنْهُم قطّ وَلَو قَالَه قَائِل لعلموا بطلَان قَوْله وَلم يشكوا فِيهِ الثَّانِي أَن قَوْله إِن مَرَاسِيل ابْن إِسْحَاق لَا تقاوم الصَّحِيح الْمسند وَلَا تعارضه فَجَوَابه أَن الِاعْتِمَاد فِي هَذَا لَيْسَ على رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَحده لَا مُتَّصِلَة وَلَا مُرْسلَة بل على النَّقْل الْمُتَوَاتر عِنْد أهل الْمَغَازِي وَالسير وَذكرهَا أهل الْعلم وَاحْتَجُّوا على جَوَاز الْوكَالَة فِي النِّكَاح قَالَ الشَّافِعِي فِي رِوَايَة الرّبيع فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا نكح الوليان فَالْأول أَحَق قَالَ فِيهِ دلَالَة على أَن الْوكَالَة فِي النِّكَاح جَائِزَة مَعَ تَوْكِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فَزَوجهُ أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان وَقَالَ الشَّافِعِي فِي كِتَابه الْكَبِير أَيْضا رِوَايَة الرّبيع وَلَا يكون الْكَافِر وليا لمسلمة وَإِن كَانَت بنته قد زوج ابْن سعيد بن الْعَاصِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان وَأَبُو سُفْيَان حَيّ لِأَنَّهَا كَانَت مسلمة وَابْن سعيد مُسلم وَلَا أعلم مُسلما أقرب لَهَا مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وَلم يكن لأبي سُفْيَان فِيهَا ولَايَة لِأَن الله قطع الْولَايَة بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين والمواريث وَالْعقل وَغير ذَلِك وَابْن سعيد هَذَا الَّذِي ذكره الشَّافِعِي هُوَ خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ ذكره ابْن إِسْحَاق وَغَيره وَذكر عُرْوَة وَالزهْرِيّ أَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ هُوَ الَّذِي ولي نِكَاحهَا وَكِلَاهُمَا ابْن عَم أَبِيهَا لِأَن عُثْمَان هُوَ ابْن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة وخَالِد هُوَ ابْن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة وَأَبُو سُفْيَان هُوَ ابْن حَرْب بن أُميَّة وَالْمَقْصُود أَن أَئِمَّة الْفِقْه وَالسير ذكرُوا أَن نِكَاحهَا كَانَ بِأَرْض الْحَبَشَة وَهَذَا يبطل وهم من توهم أَنه تَأَخّر إِلَى بعد الْفَتْح اغْتِرَارًا مِنْهُ بِحَدِيث عِكْرِمَة ابْن عمار الثَّالِث أَن عِكْرِمَة بن عمار رَاوِي حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا قد ضعفه كثير من أَئِمَّة الحَدِيث مِنْهُم يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ قَالَ لَيست أَحَادِيثه بصحاح وَقَالَ الإِمَام أَحْمد أَحَادِيثه ضِعَاف وَقَالَ أَبُو حَاتِم عِكْرِمَة هَذَا صَدُوق وَرُبمَا وهم وَرُبمَا دلّس وَإِذا كَانَ هَذَا حَال عِكْرِمَة فَلَعَلَّهُ دلّس هَذَا الحَدِيث عَن غير حَافظ أَو غير ثِقَة فَإِن مُسلما فِي صَحِيحه رَوَاهُ عَن عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم عَن النَّضر بن مُحَمَّد عَن عِكْرِمَة بن عمار عَن أبي زميل عَن ابْن عَبَّاس هَكَذَا مُعَنْعنًا وَلَكِن قد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه فَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد الجذوعي حَدثنَا الْعَبَّاس ابْن عبد الْعَظِيم حَدثنَا النَّضر بن مُحَمَّد حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار حَدثنَا أَبُو زميل قَالَ حَدثنِي ابْن عَبَّاس فَذكره وَقَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ وهم من بعض الروَاة لَا شكّ فِيهِ وَلَا تردد وَقد اتهموا بِهِ عِكْرِمَة بن عمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 رَاوِي الحَدِيث قَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِن هَذَا وهم لِأَن أهل التَّارِيخ أَجمعُوا على أَن أم حَبِيبَة كَانَت تَحت عبيد الله بن جحش وَولدت لَهُ وَهَاجَر بهَا وهما مسلمان إِلَى أَرض الْحَبَشَة ثمَّ تنصر وَثبتت أم حَبِيبَة على دينهَا فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّجَاشِيّ يخطبها عَلَيْهِ فَزَوجهُ إِيَّاهَا وَأصْدقهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَذَلِكَ فِي سنة سبع من الْهِجْرَة وَجَاء أَبُو سُفْيَان فِي زمن الْهُدْنَة فَدخل عَلَيْهَا فثنت بِسَاط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لَا يجلس عَلَيْهِ وَلَا خلاف أَن أَبَا سُفْيَان وَمُعَاوِيَة أسلما فِي فتح مَكَّة سنة ثَمَان وَلَا يعرف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَبَا سُفْيَان آخر كَلَامه وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَا شكّ فِي وَضعه والآفة فِيهِ من عِكْرِمَة بن عمار وَلم يخْتَلف فِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا قبل الْفَتْح بدهر وأبوها كَافِر فَإِن قيل لم ينْفَرد عِكْرِمَة بن عمار بِهَذَا الحَدِيث بل قد توبع عَلَيْهِ فَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه حَدثنَا على بن سعيد الرَّازِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن حَلِيف بن مرسال الْخَثْعَمِي قَالَ حَدثنِي عمي إِسْمَاعِيل بن مرسال عَن أبي زميل الْحَنَفِيّ قَالَ حَدثنِي ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْمُسلمُونَ لَا ينظرُونَ إِلَى أبي سُفْيَان وَلَا يفاتحونه فَقَالَ يَا رَسُول الله ثَلَاث أعطنيهن الحَدِيث فَهَذَا إِسْمَاعِيل بن مرسال قد رَوَاهُ عَن أبي زميل كَمَا رَوَاهُ عَنهُ عِكْرِمَة بن عمار فبرئ عِكْرِمَة من عُهْدَة التفرد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 قيل هَذِه الْمُتَابَعَة لَا تفيده قُوَّة فَإِن هَؤُلَاءِ مَجَاهِيل لَا يعْرفُونَ بِنَقْل الْعلم وَلَا هم مِمَّن يحْتَج بهم فضلا عَن أَن تقدم روايتهم على النَّقْل المستفيض الْمَعْلُوم عِنْد خَاصَّة أهل الْعلم وعامتهم فَهَذِهِ الْمُتَابَعَة إِن لم تزِدْه وَهنا لم تزِدْه قُوَّة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم الْبَيْهَقِيّ وَالْمُنْذِرِي رحمهمَا الله تَعَالَى يحْتَمل أَن تكون مَسْأَلَة أبي سُفْيَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يُزَوجهُ أم حَبِيبَة وَقعت فِي بعض خرجاته إِلَى الْمَدِينَة وَهُوَ كَافِر حِين سمع نعي زوج أم حَبِيبَة بِأَرْض الْحَبَشَة وَالْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وقعتا بعد إِسْلَامه فجمعها الرَّاوِي وَهَذَا أَيْضا ضَعِيف جدا فَإِن أَبَا سُفْيَان إِنَّمَا قدم الْمَدِينَة آمنا بعد الْهِجْرَة فِي زمن الْهُدْنَة قبيل الْفَتْح وَكَانَت أم حَبِيبَة إِذْ ذَاك من نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يقدم أَبُو سُفْيَان قبل ذَلِك إِلَّا مَعَ الْأَحْزَاب عَام الخَنْدَق وَلَوْلَا الْهُدْنَة وَالصُّلْح الَّذِي كَانَ بَينهم وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقدم الْمَدِينَة فَمَتَى قدم وَزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم حَبِيبَة فَهَذَا غلط ظَاهر وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يكون تَزْوِيجه إِيَّاهَا فِي حَال كفره إِذْ لَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهَا وَلَا تَأَخّر ذَلِك إِلَى بعد إِسْلَامه لما تقدم فعلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَصح قَوْله أزَوجك أم حَبِيبَة وَأَيْضًا فَإِن ظَاهر الحَدِيث يدل على أَن الْمسَائِل الثَّلَاثَة وَقعت مِنْهُ فِي وَقت وَاحِد وَأَنه قَالَ ثَلَاث أعطنيهن الحَدِيث وَمَعْلُوم أَن سُؤَاله تأميره واتخاذ مُعَاوِيَة كَاتبا إِنَّمَا يتَصَوَّر بعد إِسْلَامه فَكيف يُقَال بل سَأَلَ بعض ذَلِك فِي حَال كفره وَبَعضه وَهُوَ مُسلم وَسِيَاق الحَدِيث يردهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وَقَالَت طَائِفَة بل يُمكن حمل الحَدِيث على محمل صَحِيح يخرج بِهِ عَن كَونه مَوْضُوعا إِذْ القَوْل بِأَن فِي صَحِيح مُسلم حَدِيثا مَوْضُوعا مِمَّا لَيْسَ يسهل قَالَ وَجهه أَن يكون معنى أزَوّجكَهَا أرْضى بزواجك بهَا فَإِنَّهُ كَانَ على رغم مني وَبِدُون اخْتِيَاري وَإِن كَانَ نكاحك صَحِيحا لَكِن هَذَا أجمل وَأحسن وأكمل لما فِيهِ من تأليف الْقُلُوب قَالَ وَتَكون إِجَابَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ب نعم كَانَت تأنيسا ثمَّ أخبرهُ بعد بِصِحَّة العقد فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط رضاك وَلَا ولَايَة لَك عَلَيْهَا لاخْتِلَاف دينكما حَالَة العقد قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا يُمكن دفع احْتِمَاله وَهَذَا مِمَّا لَا يقوى أَيْضا وَلَا يخفى شدَّة بعد هَذَا التَّأْوِيل من اللَّفْظ وَعدم فهمه مِنْهُ فَإِن قَوْله عِنْدِي أجمل الْعَرَب أزَوّجكَهَا لَا يفهم مِنْهُ أحد أَن زَوجتك الَّتِي هِيَ عصمَة نكاحك أرْضى بزواجك بهَا وَلَا يُطَابق هَذَا الْمَعْنى أَن يَقُول لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَإِنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرا تكون الْإِجَابَة إِلَيْهِ من جِهَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَما رِضَاهُ بزواجه بهَا فَأمر قَائِم بِقَلْبِه هُوَ فَكيف يَطْلُبهُ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو قيل طلب مِنْهُ أَن يقره على نِكَاحه إِيَّاهَا وسمى إِقْرَاره نِكَاحا لَكَانَ مَعَ فَسَاده أقرب إِلَى اللَّفْظ وكل هَذِه تأويلات مستكرهة فِي غَايَة المنافرة للفظ ولمقصود الْكَلَام وَقَالَت طَائِفَة كَانَ أَبُو سُفْيَان يخرج إِلَى الْمَدِينَة كثيرا فَيحْتَمل أَن يكون جاءها وَهُوَ كَافِر أَو بعد إِسْلَامه حِين كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آلى من نِسَائِهِ شهرا واعتزلهن فَتوهم أَن ذَلِك الْإِيلَاء طَلَاق كَمَا توهمه عمر رَضِي الله عَنهُ فَظن وُقُوع الْفرْقَة بِهِ فَقَالَ هَذَا القَوْل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متعطفاً لَهُ ومتعرضاً لَعَلَّه يُرَاجِعهَا فَأَجَابَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ب نعم على تَقْدِير إِن امْتَدَّ الْإِيلَاء أَو وَقع طَلَاق فَلم يَقع شَيْء من ذَلِك وَهَذَا أَيْضا فِي الضعْف من جنس مَا قبله وَلَا يخفى أَن قَوْله عِنْدِي أجمل الْعَرَب وَأحسنه أزَوجك إِيَّاهَا أَنه لَا يفهم مِنْهُ مَا ذكر من شَأْن الْإِيلَاء وَوُقُوع الْفرْقَة بِهِ وَلَا يَصح أَن يُجَاب ب نعم وَلَا كَانَ أَبُو سُفْيَان حَاضرا وَقت الْإِيلَاء أصلا فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعتزل فِي مشربَة لَهُ حلف أَن لَا يدْخل على نِسَائِهِ شهرا وَجَاء عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ فِي الدُّخُول مرَارًا فَأذن لَهُ فِي الثَّالِثَة فَقَالَ أطلقت نِسَاءَك فَقَالَ لَا فَقَالَ عمر الله أكبر واشتهر عِنْد النَّاس أَنه لم يُطلق نِسَاءَهُ وَأَيْنَ كَانَ أَبُو سُفْيَان حِينَئِذٍ وَرَأَيْت للشَّيْخ محب الدّين الطَّبَرِيّ كلَاما على هَذَا الحَدِيث قَالَ فِي جملَته يحْتَمل أَن يكون أَبُو سُفْيَان قَالَ ذَلِك كُله قبل إِسْلَامه بِمدَّة تتقدم على تَارِيخ النِّكَاح كالمشترط ذَلِك فِي إِسْلَامه وَيكون التَّقْدِير ثَلَاث إِن أسلمت تعطينيهن أم حَبِيبَة أزَوّجكَهَا وَمُعَاوِيَة يسلم فَيكون كَاتبا بَين يَديك وَتُؤَمِّرنِي بعد إسلامي فأقاتل الْكفَّار كَمَا كنت أقَاتل الْمُسلمين وَهَذَا بَاطِل أَيْضا من وُجُوه أَحدهَا قَوْله كَانَ الْمُسلمُونَ لَا ينظرُونَ إِلَى أبي سُفْيَان وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ يَا نَبِي الله ثَلَاث أعضيهن فيا سُبْحَانَ الله هَذَا يكون قد صدر مِنْهُ وَهُوَ بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة أَو بعد الْهِجْرَة وَهُوَ يجمع الْأَحْزَاب لِحَرْب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو وَقت قدومه الْمَدِينَة وَأم حَبِيبَة عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا عِنْده فَمَا هَذَا التَّكَلُّف الْبَارِد وَكَيف يَقُول وَهُوَ كَافِر حَتَّى أقَاتل الْمُشْركين كَمَا كنت أقَاتل الْمُسلمين وَكَيف يُنكر جفوة الْمُسلمين لَهُ وَهُوَ جَاهد فِي قِتَالهمْ وحربهم وإطفاء نور الله وَهَذِه قصَّة إِسْلَام أبي سُفْيَان مَعْرُوفَة لَا اشْتِرَاط فِيهَا وَلَا تعرض لشَيْء من هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْوُجُوه وأمثالها مِمَّا يعلم بُطْلَانهَا واستكراهها وغثاثتها وَلَا تفِيد النَّاظر فِيهَا علما بل النّظر فِيهَا والتعرض لإبطالها من منارات الْعلم وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ فَالصَّوَاب أَن الحَدِيث غير مَحْفُوظ بل وَقع فِيهِ تَخْلِيط وَالله أعلم وَهِي الَّتِي أكرمت فرَاش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يجلس عَلَيْهِ أَبوهَا لما قدم الْمَدِينَة وَقَالَت إِنَّك مُشْرك ومنعته من الْجُلُوس عَلَيْهِ وَتزَوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب وَكَانَت قبله عِنْد أبي سَلمَة بن عبد الْأسد توفيت سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ ودفنت بِالبَقِيعِ وَهِي آخر أَزوَاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موتا وَقيل بل مَيْمُونَة وَمن خصائصها أَن جِبْرِيل دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي عِنْده فرأته فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ فَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي عُثْمَان قَالَ انبئت أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده أم سَلمَة قَالَ فَجعل يتحدث ثمَّ قَامَ فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأم سَلمَة من هَذَا أَو كَمَا قَالَ قَالَت هَذَا دحْيَة الْكَلْبِيّ قَالَت وَايْم الله مَا حسبته إِلَّا إِيَّاه حَتَّى سَمِعت خطْبَة نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخبر خبر جِبْرِيل أَو كَمَا قَالَ قَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ فَقلت لأبي عُثْمَان مِمَّن سَمِعت هَذَا الحَدِيث قَالَ من أُسَامَة بن زيد وَزوجهَا ابْنهَا عمر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَردت طَائِفَة ذَلِك بِأَن ابْنهَا لم يكن لَهُ من السن حِينَئِذٍ مَا يعقل بِهِ التَّزْوِيج ورد الإِمَام أَحْمد ذَلِك وَأنكر على من قَالَه وَيدل على صِحَة قَوْله مَا روى مُسلم فِي صَحِيحه أَن عمر بن أبي سَلمَة ابْنهَا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْقبْلَة للصَّائِم فَقَالَ سل هَذِه يَعْنِي أم سَلمَة فَأَخْبَرته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله فَقَالَ يَا رَسُول الله قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر فَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا وَالله إِنِّي أَتْقَاكُم لله واخشاكم لَهُ أَو كَمَا قَالَ وَمثل هَذَا لَا يُقَال لصغير جدا وَعمر ولد بِأَرْض الْحَبَشَة قبل الْهِجْرَة وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقَول من زعم أَنه كَانَ صَغِيرا دَعْوَى وَلم يثبت صغره بِإِسْنَاد صَحِيح وَقَول من زعم أَنه زَوجهَا الْبُنُوَّة مُقَابل بقول من قَالَ إِنَّه زَوجهَا بِأَنَّهُ كَانَ من بني أعمامها وَلم يكن لَهَا ولي هُوَ أقرب مِنْهُ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ عمر بن أبي سَلمَة بن عبد الْأسد بن هِلَال بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَأم سَلمَة هِنْد بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَقد قيل إِن الَّذِي زَوجهَا هُوَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لَا ابْنهَا لِأَن فِي غَالب الرِّوَايَات قُم يَا عمر فزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمر بن الْخطاب هُوَ كَانَ الْخَاطِب ورد بِأَن فِي النَّسَائِيّ فَقَالَت لابنها عمر قُم فزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأجَاب شَيخنَا أَبُو الْحجَّاج الْحَافِظ الْمزي بِأَن الصَّحِيح فِي هَذَا قُم يَا عمر فزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما لفظ ابْنهَا فَوَقَعت من بعض الروَاة لِأَنَّهُ لما كَانَ اسْم ابْنهَا عمر وَفِي الحَدِيث قُم يَا عمر فزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظن الرَّاوِي أَنه ابْنهَا وَأكْثر الرِّوَايَات فِي الْمسند وَغَيره قُم يَا عمر من غير ذكر ابْنهَا قَالَ وَيدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 على ذَلِك أَن ابْنهَا عمر كَانَ صَغِير السن لِأَنَّهُ قد صَحَّ عَنهُ قَالَ كنت غُلَاما فِي حجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت يَدي تطيش فِي الصحفة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا غُلَام سم الله وكل بيمينك وكل مِمَّا يليك وَهَذَا يدل على صغر سنه حِين كَانَ ربيب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله أعلم وَذكر ابْن إِسْحَاق إِن الَّذِي زَوجهَا ابْنهَا سَلمَة بن أبي سَلمَة وَالله أعلم وَتزَوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب بنت جحش من بني خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر وَهِي بنت عمته أُمَيْمَة بنت عبد الملطب وَكَانَت قبل عِنْد مَوْلَاهُ زيد بن حَارِثَة وَطَلقهَا فَزَوجهَا الله تَعَالَى اياه من فَوق سبع سماوات وَأنزل عَلَيْهِ {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} الْأَحْزَاب 37 فَقَامَ فَدخل عَلَيْهَا بِلَا اسْتِئْذَان وَكَانَت تَفْخَر بذلك على سَائِر أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فَوق سبع سماواته وَهَذَا من خصائصها توفيت بِالْمَدِينَةِ سنة عشْرين ودفنت بِالبَقِيعِ رَضِي الله عَنْهَا وَتزَوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب بنت خُزَيْمَة الْهِلَالِيَّة وَكَانَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 تَحت عبد الله بن جحش تزَوجهَا سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة وَكَانَت تسمى أم الْمَسَاكِين لِكَثْرَة إطعامها الْمَسَاكِين وَلم تلبث عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا يَسِيرا شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة وَتوفيت رَضِي الله عَنْهَا وَتزَوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جوَيْرِية بنت الْحَارِث من بني المصطلق وَكَانَت سُبيت فِي غَزْوَة بني المصطلق فَوَقَعت فِي سهم ثَابت بن قيس فكاتبها فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتَابَتهَا وَتَزَوجهَا سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَتوفيت سنة سِتّ وَخمسين وَهِي الَّتِي أعتق الْمُسلمُونَ بِسَبَبِهَا مائَة أهل بَيت من الرَّقِيق وَقَالُوا أَصْهَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ذَلِك من بركتها على قَومهَا رَضِي الله عَنْهَا // إِسْنَاده صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وَتزَوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة بنت حييّ من ولد هَارُون بن عمرَان أخي مُوسَى سنة سبع فَإِنَّهَا سبيت من خَيْبَر وَكَانَت قبله تَحت كنَانَة بن أبي الْحقيق فَقتله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفيت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَقيل سنة خمسين وَمن خصائصها أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْتقهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا قَالَ أنس أمهرها نَفسهَا وَصَارَ ذَلِك سنة للْأمة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة انه يجوز للرجل أَن يَجْعَل عتق جَارِيَته صَدَاقهَا وَتصير زَوجته على مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور وَعبد بن حميد قَالَا حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن ثَابت عَن أنس قَالَ بلغ صَفِيَّة أَن حَفْصَة قَالَت صَفِيَّة بنت يَهُودِيّ فَبَكَتْ فَدخل عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي تبْكي فَقَالَ مَا يبكيك قَالَت قَالَت لي حَفْصَة إِنِّي ابْنة يَهُودِيّ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّك لابنَة نَبِي وَإِن عمك لنَبِيّ وَإنَّك لتَحْت نَبِي فَبِمَ تَفْخَر عَلَيْك ثمَّ قَالَ اتَّقِ الله يَا حَفْصَة قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَهَذَا من خصائصها رَضِي الله عَنْهَا وَتزَوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة تزَوجهَا بسرف وَبنى بهَا بسرف وَمَاتَتْ بسرف وَهُوَ على سَبْعَة أَمْيَال من مَكَّة وَهِي آخر من تزوج من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ توفيت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَهِي خَالَة عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِن أمه أم الْفضل بنت الْحَارِث وَهِي خَالَة خَالِد بن الْوَلِيد أَيْضا وَهِي الَّتِي اخْتلفت فِي نِكَاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل نَكَحَهَا حَلَالا أَو محرما فَالصَّحِيح أَنه تزَوجهَا حَلَالا كَمَا قَالَ أَبُو رَافع السفير فِي نِكَاحهَا وَقد بيّنت وَجه غلط من قَالَ نَكَحَهَا محرما وَتَقْدِيم حَدِيث من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 قَالَ تزَوجهَا حَلَالا على عشرَة أوجه مَذْكُورَة فِي غير هَذَا الْموضع فَهَؤُلَاءِ جملَة من دخل بِهن من النِّسَاء وَهن إِحْدَى عشرَة قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمَقْدِسِي وَغَيره وَعقد على سبع وَلم يدْخل بِهن فَالصَّلَاة على أَزوَاجه تَابِعَة لاحترامهن وتحريمهن على الْأمة وأنهن نساؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَمن فَارقهَا فِي حَيَاتهَا وَلم يدْخل بهَا لَا يثبت لَهَا أَحْكَام زَوْجَاته اللَّاتِي دخل بِهن وَمَات عَنْهُن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أَزوَاجه وَذريته وَسلم تَسْلِيمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 فصل وَأما الذُّرِّيَّة فَالْكَلَام فِيهَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْمَسْأَلَة الأولى فِي لَفظهَا وفيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا من ذَرأ الله الْخلق أَي نشرهم وأظهرهم إِلَّا أَنهم تركُوا همزها استثقالا فأصلها ذريئة بِالْهَمْز فعيلة من الذرء وَهَذَا اخْتِيَار صَاحب الصِّحَاح وَغَيره وَالثَّانِي أَن أَصْلهَا من الذَّر وَهُوَ النَّمْل الصغار وَكَانَ قِيَاس هَذِه النِّسْبَة ذُرِّيَّة بِفَتْح الذَّال وبالياء لكِنهمْ ضمُّوا أَوله وهمزوا آخِره وَهَذَا من بَاب تَغْيِير النّسَب وَهَذَا القَوْل ضَعِيف من وُجُوه مِنْهَا مُخَالفَة بَاب النّسَب وَمِنْهَا إِبْدَال الرَّاء يَاء وَهُوَ غير مقيس وَمِنْهَا أَن لَا اشْتِرَاك بَين الذُّرِّيَّة والذر إِلَّا فِي الذَّال وَالرَّاء وَأما فِي الْمَعْنى فَلَيْسَ مَفْهُوم أَحدهمَا مَفْهُوم الآخر وَمِنْهَا أَن الذَّر من المضاعف والذرية من المعتل أَو المهموز فأحدهما غير الآخر وَالْقَوْل الثَّالِث أَنَّهَا من ذرا يذرو إِذا فرق من قَوْله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} الْكَهْف 45 وَأَصلهَا على هَذَا ذريوه فعلية من الذرو ثمَّ قلبت الْوَاو يَاء لسبق إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ وَالْقَوْل الأول أصح لِأَن الِاشْتِقَاق وَالْمعْنَى يَشْهَدَانِ لَهُ فَإِن أصل هَذِه الْمَادَّة من الذرء قَالَ الله تَعَالَى {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَام أَزْوَاجًا يذرؤكم فِيهِ} الشورى 11 وَفِي الحَدِيث أعوذ بِكَلِمَات الله التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا خلق وذرأ وبرأ وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} الاعراف 179 وَقَالَ تعالي {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} النَّحْل 13 فالذرية فعلية مِنْهُ بِمَعْنى مفعولة أَي مذروءة ثمَّ أبدلوا همزها فَقَالُوا ذُرِّيَّة الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي معنى هَذِه اللَّفْظَة وَلَا خلاف بَين أهل اللُّغَة أَن الذُّرِّيَّة تقال على الْأَوْلَاد الصغار وعَلى الْكِبَار أَيْضا قَالَ تَعَالَى {وَإِذ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذريتي} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ) الْبَقَرَة 124 وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا من بعض} آل عمرَان 134 وَقَالَ تَعَالَى {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الْأَنْعَام 87 وَقَالَ تَعَالَى (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لبني إِسْرَائِيل أَن لَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) الْإِسْرَاء 2 3 وَهل تقال الذُّرِّيَّة على الأباء فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنهم يسمون ذُرِّيَّة أَيْضا احْتَجُّوا على ذَلِك بقوله تَعَالَى {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} يس 41 وَأنكر ذَلِك جمَاعَة من أهل اللُّغَة وَقَالُوا لَا يجوز هَذَا فِي اللُّغَة والذرية كالنسل والعقب لَا تكون إِلَّا للعمود الْأَسْفَل وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وإخوانهم} فَذكر جِهَات النّسَب الثَّلَاث من فَوق وَمن أَسْفَل وَمن الْأَطْرَاف قَالُوا وَأما الْآيَة الَّتِي استشهدتم بهَا فَلَا دَلِيل لكم فِيهَا لِأَن الذُّرِّيَّة فِيهَا لم تضف إِلَيْهِم إِضَافَة نسل وإيلاد وَإِنَّمَا أضيفت إِلَيْهِم بِوَجْه مَا وَالْإِضَافَة تكون بِأَدْنَى مُلَابسَة واختصاص وَإِذا كَانَ الشَّاعِر قد أضَاف الْكَوْكَب فِي قَوْله (إِذا كَوْكَب الخرقاء لَاحَ بسحرة ... سُهَيْل أذاعت غزلها فِي القرائب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 فأضاف اليها الْكَوْكَب لِأَنَّهَا كَانَت تغزل إِذا لَاحَ وَظهر وَالِاسْم قد يُضَاف بِوَجْهَيْنِ مُخْتَلفين إِلَى شَيْئَيْنِ وجهة إِضَافَته إِلَى أَحدهمَا غير جِهَة إِضَافَته إِلَى الْأُخَر قَالَ أَبُو طَالب فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لقد علمُوا أَن ابننا لَا مكذب ... لدينا وَلَا يعزى لقَوْل الأباطل) فأضاف نبوته اليه بِجِهَة غير جِهَة إِضَافَته إِلَى أَبِيه عبد الله وَهَكَذَا لَفْظَة رَسُول الله فَإِن الله سُبْحَانَهُ يضيفه إِلَيْهِ تَارَة كَقَوْلِه {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا} الْمَائِدَة 15 وَتارَة إِلَى الْمُرْسل إِلَيْهِم كَقَوْلِه {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ} الْمُؤْمِنُونَ 69 فأضافه سُبْحَانَهُ إِلَيْهِ إِضَافَة رَسُول إِلَى مرسله واضافه إِلَيْهِم إِضَافَة رَسُول إِلَى مُرْسل إِلَيْهِم وَكَذَا لفظ كِتَابه فَإِنَّهُ يُضَاف إِلَيْهِ تَارَة فَيُقَال كتاب الله ويضاف إِلَى الْعباد تَارَة فَيُقَال كتَابنَا الْقُرْآن وَكِتَابنَا خير الْكتب وَهَذَا كثير فَهَكَذَا لفظ الذُّرِّيَّة أضيف إِلَيْهِم بِجِهَة غير الْجِهَة الَّتِي أضيف بهَا إِلَى آبَائِهِم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَقَالَت طَائِفَة بل المُرَاد جنس بني آدم وَلم يقْصد الْإِضَافَة إِلَى الْمَوْجُودين فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا أُرِيد ذُرِّيَّة الْجِنْس وَقَالَت طَائِفَة بل المُرَاد بالذرية نَفسهَا وَهَذَا أبلغ فِي قدرته وتعديد نعمه عَلَيْهِم أَن حمل ذُرِّيتهمْ فِي الْفلك فِي أصلاب آبَائِهِم وَالْمعْنَى أَنا حملنَا الَّذين هم ذُرِّيَّة هَؤُلَاءِ وهم نطف فِي أصلاب الْآبَاء وَقد أشبعنا الْكَلَام على ذَلِك فِي = كتاب الرّوح وَالنَّفس = إِذا ثَبت هَذَا فالذرية الْأَوْلَاد واولادهم وَهل يدْخل فِيهَا أَوْلَاد الْبَنَات فِيهِ قَولَانِ للْعُلَمَاء هما رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد إِحْدَاهمَا يدْخلُونَ وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَالثَّانيَِة لَا يدْخلُونَ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَاحْتج من قَالَ بدخولهم بِأَن الْمُسلمين مجمعون على دُخُول أَوْلَاد فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فِي ذُرِّيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَطْلُوب لَهُم من الله الصَّلَاة لِأَن أحدا من بَنَاته لم يعقب غَيرهَا فَمن انتسب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَوْلَاد ابْنَته فَإِنَّمَا هُوَ من جِهَة فَاطِمَة خَاصَّة وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحسن ابْن ابْنَته إِن ابْني هَذَا سيد فَسَماهُ ابْنه وَلما أنزل الله سُبْحَانَهُ آيَة المباهلة {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبناءنا وأبناءكم} دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة وحسناً وَحسَيْنا وَخرج للمباهلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 قَالُوا وَأَيْضًا فقد قَالَ تَعَالَى فِي حق إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام {وَمن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وإلياس} الْأَنْعَام 84 85 وَمَعْلُوم أَن عِيسَى لم ينْسب إِلَى إِبْرَاهِيم إِلَّا من جِهَة أمه مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام وَأما من قَالَ بِعَدَمِ دُخُولهمْ فحجته أَن ولد الْبَنَات إِنَّمَا ينتسبون إِلَى آبَائِهِم حَقِيقَة وَلِهَذَا إِذا ولد الْهُذلِيّ أَو التَّيْمِيّ أَو الْعَدوي هاشمية لم يكن وَلَدهَا هاشمياًً فَإِن الْوَلَد فِي النّسَب يتبع أَبَاهُ وَفِي الْحُرِّيَّة وَالرّق أمه وَفِي الدّين خيرهما دينا وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِر (بنونا بَنو أَبْنَائِنَا وبناتنا ... بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد) وَلَو وصّى أَو وقف على قَبيلَة لم يدْخل فِيهَا أَوْلَاد بناتها من غَيرهَا قَالُوا واما دُخُول أَوْلَاد فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فِي ذُرِّيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلشرف هَذَا الأَصْل الْعَظِيم وَالْوَالِد الْكَرِيم الَّذِي لَا يدانيه أحد من الْعَالمين سرى وَنفذ إِلَى أَوْلَاد الْبَنَات لقُوته وجلالته وَعظم قدره وَنحن نرى من لَا نِسْبَة لَهُ إِلَى هَذَا الجناب الْعَظِيم من العظماء والملوك وَغَيرهم تسري حُرْمَة ايالدهم وأبوتهم إِلَى أَوْلَاد بناتهم فتلحظهم الْعُيُون بلحظ أبنائهم ويكادون يضر بون عَن ذكر آبَائِهِم صفحاً فَمَا الظَّن بِهَذَا الإيلاد الْعَظِيم قدره الْجَلِيل خطره قَالُوا وَأما تمسككم بِدُخُول الْمَسِيح فِي ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 حجَّة لكم فِيهِ فَإِن الْمَسِيح لم يكن لَهُ أَب فنسبه من جِهَة الْأَب مُسْتَحِيل فَقَامَتْ أمه مقَام أَبِيه وَلِهَذَا ينْسبهُ الله سُبْحَانَهُ إِلَى امهِ كَمَا ينْسب غَيره من ذَوي الاباء إِلَى أَبِيه وَهَكَذَا كل من انْقَطع نسبه من جِهَة الْأَب إِمَّا بِلعان أَو غَيره فأمه فِي النّسَب تقوم مقَام أَبِيه وَأمه وَلِهَذَا تكون فِي هَذِه الْحَال عصبته فِي أصح الْأَقْوَال وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَات عَن الإِمَام أَحْمد وَهُوَ مُقْتَضى النُّصُوص وَقَول ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَغَيره وَالْقِيَاس يشْهد لَهُ بِالصِّحَّةِ لِأَن النّسَب فِي الأَصْل للْأَب فَإِذا انْقَطع من جِهَته عَاد إِلَى الْأُم فَلَو قدر عوده من جِهَة الْأَب رَجَعَ من الْأُم إِلَيْهِ وَهَكَذَا كَمَا اتّفق النَّاس عَلَيْهِ فِي الْوَلَاء أَنه لموَالِي الاب فَإِذا تعذر رُجُوعه إِلَيْهِم صَار لموَالِي الْأُم فَإِذا أمكن عوده إِلَيْهِم رَجَعَ من موَالِي الْأُم إِلَى معدنه وقراره وَمَعْلُوم أَن الْوَلَاء فرع على النّسَب يحتذى فِيهِ حذوه فَإِذا كَانَ عصبات الْأُم من الْوَلَاء عصبات لهَذَا الْمولى الَّذِي انْقَطع تعصيبه من جِهَة موَالِي أَبِيه فَلِأَن تكون عصبات الْأُم من النّسَب عصبات لهَذَا الْوَلَد الَّذِي انْقَطع تعصيبه من جِهَة أَبِيه بطرِيق الأولى وَإِلَّا فَكيف يثبت هَذَا الحكم فِي الْوَلَاء وَلَا يثبت فِي النّسَب الَّذِي غَايَته أَن يكون مشبهاً بِهِ مفرعا عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا يدل على أَن الْقيَاس الصَّحِيح لَا يُفَارق النَّص أصلا ويدلك على عمق علم الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وبلوغهم فِي الْعلم إِلَى غَايَة يقصر عَن نيلها السباق وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الْفَصْل الْخَامِس فِي ذكر إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا الِاسْم من النّمط الْمُتَقَدّم فَإِن إِبْرَاهِيم بالسُّرْيَانيَّة مَعْنَاهُ أَب رَحِيم وَالله سُبْحَانَهُ جعل إِبْرَاهِيم الْأَب الثَّالِث للْعَالم فَإِن أَبَانَا الأول آدم وَالْأَب الثَّانِي نوح وَأهل الأَرْض كلهم من ذُريَّته كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} الصافات 77 وَبِهَذَا يتَبَيَّن كذب المفترين من الْعَجم الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم لَا يعْرفُونَ نوحًا وَلَا وَلَده وَلَا ينسبون إِلَيْهِ وينسبون مُلُوكهمْ من آدم إِلَيْهِم وَلَا يذكرُونَ نوحًا فِي أنسابهم وَقد أكذبهم الله عز وَجل فِي ذَلِك فالأب الثَّالِث أَبُو الْآبَاء وعمود الْعَالم وَإِمَام الحنفاء الَّذِي اتَّخذهُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلِيلًا وَجعل النُّبُوَّة وَالْكتاب فِي ذُريَّته ذَاك خَلِيل الرَّحْمَن وَشَيخ الْأَنْبِيَاء كَمَا سَمَّاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَإِنَّهُ لما دخل الْكَعْبَة وجد الْمُشْركين قد صورا فِيهَا صورته وَصُورَة إِسْمَاعِيل ابْنه وهما يستقسمان بالأزلام فَقَالَ قَاتلهم الله لقد علمُوا أَن شَيخنَا لم يكن يستقسم بالأزلام وَلم يَأْمر الله سُبْحَانَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتبع مِلَّة أحد من الْأَنْبِيَاء غَيره فَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ من الْمُشْرِكِينَ} النَّحْل 123 وَأمر أمته بذلك فَقَالَ تَعَالَى {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل} الْحَج 78 وملة مَنْصُوب على إِضْمَار فعل أَي اتبعُوا والزموا مِلَّة ابيكم وَدلّ على الْمَحْذُوف مَا تقدم من قَوْله {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} الْحَج 78 وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ الإغراء وَقيل مَنْصُوب انتصاب المصادر وَالْعَامِل فِيهِ مَضْمُون مَا تقدم قبله وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوصي أَصْحَابه إِذا أَصْبحُوا إِذا أَمْسوا أَن يَقُولُوا أَصْبَحْنَا على فطْرَة الْإِسْلَام وَكلمَة الْإِخْلَاص وَدين نَبينَا مُحَمَّد وملة أَبينَا إِبْرَاهِيم حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين وَتَأمل هَذِه الْأَلْفَاظ كَيفَ جعل الْفطْرَة لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا وَكلمَة الْإِخْلَاص هِيَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَالْملَّة لإِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ صَاحب الْملَّة وَهِي التَّوْحِيد وَعبادَة الله تَعَالَى وَحده لَا شريك لَهُ ومحبته فَوق كل محبَّة وَالدّين للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ دينه الْكَامِل وشرعه التَّام الْجَامِع لذَلِك كُله وَسَماهُ سُبْحَانَهُ إِمَامًا وَأمة وقانتا وحنيفا قَالَ تَعَالَى {وَإِذ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} الْبَقَرَة 124 فَأخْبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 سُبْحَانَهُ أَنه جعله إِمَامًا للنَّاس وَأَن الظَّالِم من ذُريَّته لَا ينَال ربتة الْإِمَامَة والظالم هُوَ الْمُشرك وَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن عَهده بِالْإِمَامَةِ لَا ينَال من أشرك بِهِ وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحين} النَّحْل 120 122 فالأمة هُوَ الْقدْوَة الْمعلم للخير وَالْقَانِت الْمُطِيع لله الملازم لطاعته والحنيف الْمقبل على الله المعرض عَمَّا سواهُ وَمن فسره بالمائل فَلم يفسره بِنَفس مَوْضُوع اللَّفْظ وَإِنَّمَا فسره بِلَازِم الْمَعْنى فَإِن الحنف هُوَ الإقبال وَمن أقبل على شَيْء مَال عَن غَيره والحنف فِي الرجلَيْن هُوَ إقبال إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى وَيلْزمهُ ميلها عَن جِهَتهَا قَالَ تَعَالَى {فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} الرّوم 30 فحنيفاً هُوَ حَال مقررة لمضمون قَوْله {فأقم وَجهك للدّين} وَلِهَذَا فسرت مخلصاً فَتكون الْآيَة قد تَضَمَّنت الصدْق وَالْإِخْلَاص فَإِن إِقَامَة الْوَجْه للدّين هُوَ إِفْرَاد طلبه بِحَيْثُ لَا يبْقى فِي الْقلب إِرَادَة لغيره والحنيف الْمُفْرد لَا يُرِيد غَيره فالصدق أَن لَا يَنْقَسِم طَلَبك والافراد أَن لَا يَنْقَسِم مطلوبك الأول تَوْحِيد الطّلب وَالثَّانِي تَوْحِيد الْمَطْلُوب وَالْمَقْصُود أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ أَبونَا الثَّالِث وَهُوَ امام الحنفاء ويسميه أهل الْكتاب عَمُود الْعَالم وَجَمِيع أهل الْملَل متفقة على تَعْظِيمه وتوليه ومحبته وَكَانَ خير بنيه سيد ولد آدم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجله ويعظمه ويبجله ويحترمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث الْمُخْتَار بن فلفل عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا خير الْبَريَّة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك إِبْرَاهِيم وَسَماهُ شَيْخه كَمَا تقدم وَثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ انكم مَحْشُورُونَ حُفَاة عُرَاة غرلًا ثمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} الْأَنْبِيَاء 104 أول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشبه الْخلق بِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ قَالَ رَأَيْت إِبْرَاهِيم فَإِذا أقرب النَّاس شبها بِهِ صَاحبكُم يَعْنِي نَفسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي لفظ آخر واما إِبْرَاهِيم فانظروا إِلَى صَاحبكُم وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعوذ أَوْلَاد ابْنَته حسنا وَحسَيْنا بتعويذ إِبْرَاهِيم لإسماعيل وَإِسْحَاق فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعوذ الْحسن وَالْحُسَيْن وَيَقُول إِن أَبَاكُمَا كَانَ يعوذ بهما إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق أعوذ بِكَلِمَات الله التَّامَّة من كل شَيْطَان وَهَامة وَمن كل عين لَامة وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول من قرى الضَّيْف أول من اختتن أول من رأى الشيب فَقَالَ مَا هَذَا يَا رب قَالَ وقار قَالَ رب زِدْنِي وقارا وَتَأمل ثَنَاء الله سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ فِي اكرام ضَيفه من الْمَلَائِكَة حَيْثُ يَقُول سُبْحَانَهُ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيث ضيف إِبْرَاهِيم الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} الذاريات 23 27 فَفِي هَذَا الثَّنَاء على إِبْرَاهِيم من وُجُوه مُتعَدِّدَة أَحدهَا أَنه وصف ضَيفه بِأَنَّهُم مكرمون وَهَذَا على أحد الْقَوْلَيْنِ أَنه إكرام إِبْرَاهِيم لَهُم أَنهم المكرمون عِنْد الله وَلَا تنَافِي بَين الْقَوْلَيْنِ فالآية تدل على الْمَعْنيين الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {إِذْ دخلُوا عَلَيْهِ} فَلم يذكر استئذانهم فَفِي هَذَا دَلِيل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قد عرف بإكرام الضيفان واعتياد قراهم فَبَقيَ منزله مضيفة مطروقاً لمن ورده لَا يحْتَاج إِلَى الاسْتِئْذَان بل اسْتِئْذَان الدَّاخِل دُخُوله وَهَذَا غَايَة مَا يكون من الْكَرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الثَّالِث قَوْله لَهُم سَلام بِالرَّفْع وهم سلمُوا عَلَيْهِ بِالنّصب وَالسَّلَام بِالرَّفْع أكمل فَإِنَّهُ يدل على الْجُمْلَة الاسمية الدَّالَّة على الثُّبُوت والتجدد والمنصوب يدل على الفعلية الدَّالَّة على الْحُدُوث والتجدد فإبراهيم حياهم أحسن من تحيتهم فَإِن قَوْلهم سَلاما يدل على سلمنَا سَلاما وَقَوله سَلام أَي سَلام عَلَيْكُم الرَّابِع أَنه حذف من قَوْله {قوم منكرون} فَإِنَّهُ لما أنكرهم وَلم يعرفهُمْ احتشم من مواجهتهم بِلَفْظ ينفر الضَّيْف لَو قَالَ أَنْتُم قوم منكرون فَحذف الْمُبْتَدَأ هُنَا من ألطف الْكَلَام الْخَامِس أَنه بنى الْفِعْل للْمَفْعُول وَحذف فَاعله فَقَالَ {منكرون} وَلم يقل إِنِّي أنكركم وَهُوَ أحسن فِي هَذَا الْمقَام وَأبْعد من التنفير والمواجهة بالخشونة السَّادِس أَنه راغ إِلَى أَهله ليجيئهم بنزلهم والروغان هُوَ الذّهاب فِي اختفاء بِحَيْثُ لَا يكَاد يشْعر بِهِ الضَّيْف وَهَذَا من كرم رب الْمنزل المضيف أَن يذهب فِي اختفاء بِحَيْثُ لَا يشْعر بِهِ الضَّيْف فَيشق عَلَيْهِ ويستحي فَلَا يشْعر بِهِ إِلَّا وَقد جَاءَهُ بِالطَّعَامِ بِخِلَاف من يسمع ضَيفه وَيَقُول لَهُ أَو لمن حضر مَكَانكُمْ حَتَّى آتيكم بِالطَّعَامِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُوجب حَيَاء الضَّيْف واحتشامه السَّابِع أَنه ذهب إِلَى أَهله فجَاء بالضيافة فَدلَّ على أَن ذَلِك كَانَ معدا عِنْدهم مهيئا للضيفان وَلم يحْتَج أَن يذهب إِلَى غَيرهم من جِيرَانه أَو غَيرهم فيشتريه أَو يستقرضه الثَّامِن قَوْله تَعَالَى {فجَاء بعجل سمين} دلّ على خدمته للضيف بِنَفسِهِ وَلم يقل فَأمر لَهُم بل هُوَ الَّذِي ذهب وَجَاء بِهِ بِنَفسِهِ وَلم يَبْعَثهُ مَعَ خادمه وَهَذَا أبلغ فِي إكرام الضَّيْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 التَّاسِع أَنه جَاءَ بعجل كَامِل وَلم يَأْتِ ببضعة مِنْهُ وَهَذَا من تَمام كرمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَاشِر إِنَّه سمين لَا هزيل وَمَعْلُوم أَن ذَلِك من أَفْخَر أَمْوَالهم وَمثله يتَّخذ للاقتناء والتربية فآثر بِهِ ضيفانه الْحَادِي عشر أَنه قربه إِلَيْهِم بِنَفسِهِ وَلم يَأْمر خادمه بذلك الثَّانِي عشر أَنه قربه وَلم يقربهُمْ إِلَيْهِ وَهَذَا أبلغ فِي الْكَرَامَة أَن يجلس الضَّيْف ثمَّ يقرب الطَّعَام إِلَيْهِ ويحمله إِلَى حَضرته وَلَا يضع الطَّعَام فِي نَاحيَة ثمَّ يَأْمر الضَّيْف بِأَن يتَقرَّب إِلَيْهِ الثَّالِث عشر أَنه قَالَ {أَلا تَأْكُلُونَ} وَهَذَا عرض وتلطف فِي القَوْل وَهُوَ أحسن من قَوْله كلوا أَو مدوا ايديكم وَهَذَا مِمَّا يعلم النَّاس بعقولهم حسنه ولطفه وَلِهَذَا يَقُولُونَ بِسم الله أَو أَلا تَتَصَدَّق أَو أَلا تجبر وَنَحْو ذَلِك الرَّابِع عشر أَنه إِنَّمَا عرض عَلَيْهِم الْأكل لِأَنَّهُ رَآهُمْ لَا يَأْكُلُون وَلم يكن ضيوفه يَحْتَاجُونَ مَعَه إِلَى الْإِذْن فِي الْأكل بل كَانَ إِذا قدم إِلَيْهِم الطَّعَام أكلُوا وَهَؤُلَاء الضيوف لما امْتَنعُوا من الْأكل قَالَ لَهُم أَلا تَأْكُلُونَ وَلِهَذَا أوجس مِنْهُم خيفة أَي أحسها وأضمرها فِي نَفسه وَلم يبدها لَهُم وَهُوَ الْوَجْه الْخَامِس عشر فَإِنَّهُم لما امْتَنعُوا من آكل طَعَامه خَافَ مِنْهُم وَلم يظْهر لَهُم ذَلِك فَلَمَّا علمت الْمَلَائِكَة مِنْهُ ذَلِك قَالُوا لَا تخف وبشروه بالغلام فقد جمعت هَذِه الْآيَة آدَاب الضِّيَافَة الَّتِي هِيَ أشرف الْآدَاب وَمَا عَداهَا من التكلفات الَّتِي هِيَ تخلف وتكلف إِنَّمَا هِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 من أوضاع النَّاس وعوائدهم وَكفى بِهَذِهِ الْآدَاب شرفاً وفخراً فصلى الله على نَبينَا وعَلى إِبْرَاهِيم وعَلى آلهما وعَلى سَائِر النَّبِيين وَقد شهد الله سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ وفى مَا أَمر بِهِ فَقَالَ تَعَالَى {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} النَّجْم 36 37 قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وفى جَمِيع شرائع الْإِسْلَام ووفى مَا أَمر بِهِ من تَبْلِيغ الرسَالَة وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} الْبَقَرَة 124 فَلَمَّا أتم مَا أَمر بِهِ من الْكَلِمَات جعله الله إِمَامًا لِلْخَلَائِقِ يأتمون بِهِ وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قيل قلبه للرحمن وَولده للقربان وبدنه للنيران وَمَاله للضيفان وَلما اتَّخذهُ ربه خَلِيلًا والخلة هِيَ كَمَال الْمحبَّة وَهِي مرتبَة لَا تقبل الْمُشَاركَة والمزاحمة وَكَانَ قد سَأَلَ ربه أَن يهب لَهُ ولدا صَالحا فوهب لَهُ إِسْمَاعِيل فَأخذ هَذَا الْوَلَد شُعْبَة من قلبه فغار الْخَلِيل على قلب خَلِيله أَن يكون فِيهِ مَكَان لغيره فامتحنه بذَبْحه ليظْهر سر الْخلَّة فِي تَقْدِيمه محبَّة خَلِيله على محبَّة وَلَده فَلَمَّا استسلم لأمر ربه وعزم على فعله وَظهر سُلْطَان الْخلَّة فِي الْإِقْدَام على ذبح الْوَلَد إيثاراً لمحبة خَلِيله على محبته نسخ الله ذَلِك عَنهُ وفداه بِالذبْحِ الْعَظِيم لِأَن الْمصلحَة فِي الذّبْح كَانَت ناشئة من الْعَزْم وتوطين النَّفس على مَا أَمر بِهِ فَلَمَّا حصلت هَذِه الْمصلحَة عَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الذّبْح مفْسدَة فنسخ فِي حَقه فَصَارَت الذَّبَائِح والقرابين من الْهَدَايَا والضحايا سنة فِي أَتْبَاعه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ الَّذِي فتح للْأمة بَاب مناظرة الْمُشْركين وَأهل الْبَاطِل وَكسر حججهم وَقد ذكر الله سُبْحَانَهُ مناظراته فِي الْقُرْآن مَعَ إِمَام المعطلين ومناظرته مَعَ قومه الْمُشْركين وَكسر حجج الطَّائِفَتَيْنِ بِأَحْسَن مناظرة وأقربها إِلَى الْفَهم وَحُصُول الْعلم قَالَ تَعَالَى {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نشَاء} الْأَنْعَام 83 قَالَ زيد بن أسلم وَغَيره بِالْحجَّةِ وَالْعلم وَلما غلب أَعدَاء الله مَعَه بِالْحجَّةِ وَظَهَرت حجَّته عَلَيْهِم وَكسر أصنامهم فَكسر حججهم ومعبودهم هموا بعقوبته وإلقائه فِي النَّار وَهَذَا شَأْن المبطلين إِذا غلبوا وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة همو بالعقوبة كَمَا قَالَ فِرْعَوْن لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقد أَقَامَ عَلَيْهِ الْحجَّة {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} الشُّعَرَاء 29 فأضرموا لَهُ النَّار وألقوه فِي المنجنيق فَكَانَت تِلْكَ السفرة من أعظم سفرة سافرها وأبركها عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَا سَافر سفرة أبرك وَلَا أعظم وَلَا أرفع لشأنه وَأقر لعَينه مِنْهَا وَفِي تِلْكَ السفرة عرض لَهُ جِبْرِيل بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم أَلَك حَاجَة قَالَ أما إِلَيْك فَلَا قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمرَان 172 قَالَهَا نَبِيكُم وَقَالَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 إِبْرَاهِيم حِين ألقِي فِي النَّار فَجعل الله سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ النَّار بردا وَسلَامًا وَقد ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أم شريك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الوزغ وَقَالَ كَانَت تنفح على إِبْرَاهِيم وَهُوَ الَّذِي بنى بَيت الله وَأذن فِي النَّاس بحجه فَكل من حجه واعتمره حصل لإِبْرَاهِيم من مزِيد ثَوَاب الله وكرامته بِعَدَد الْحجَّاج والمعتمرين قَالَ تَعَالَى {وَإِذ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} الْبَقَرَة 125 فَأمر نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته أَن يتخذوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى تَحْقِيقا للاقتداء بِهِ وإحياء آثاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَبينَا عَلَيْهِ وَسلم ومناقب هَذَا الإِمَام الْأَعْظَم وَالنَّبِيّ الاكرام أجل من أَن يُحِيط بهَا كتاب وَإِن مد الله فِي الْعُمر أفردنا كتابا فِي ذَلِك يكون قَطْرَة فِي بَحر فضائله أَو أقل جعلنَا الله مِمَّن ائتم بِهِ وَلَا جعلنَا مِمَّن عدل عَن مِلَّته بمنه وَكَرمه وَقد روى لنا عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا وَقع لنا مُتَّصِل الرِّوَايَة إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 روينَاهُ فِي كتاب التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيت إِبْرَاهِيم لَيْلَة أسرِي بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّد اقرئ امتك مني السَّلَام وَأخْبرهمْ أَن الْجنَّة طيبَة التربة عذبة المَاء وَأَنَّهَا قيعان وَأَن غراسها سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الْفَصْل السَّادِس فِي ذكر الْمَسْأَلَة الْمَشْهُورَة بَين النَّاس وَبَيَان مَا فِيهَا وَهِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من إِبْرَاهِيم فَكيف طلب لَهُ من الصَّلَاة مَا لإِبْرَاهِيم مَعَ أَن الْمُشبه بِهِ أَصله أَن يكون فَوق الْمُشبه فَكيف الْجمع بَين هذَيْن الْأَمريْنِ المتنافيين وَنحن نذْكر مَا قَالَه النَّاس فِي هَذَا وَمَا فِيهِ من صَحِيح وفاسد فَقَالَت طَائِفَة هَذِه الصَّلَاة علمهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته قبل أَن يعرف أَنه سيد ولد آدم وَلَو سكت قَائِل هَذَا لَكَانَ أولى بِهِ وَخيرا لَهُ فَإِن هَذِه هِيَ الصَّلَاة الَّتِي علمهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاهَا لما سَأَلُوهُ عَن تَفْسِير {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الْأَحْزَاب 56 فعلمهم هَذِه الصَّلَاة وَجعلهَا مَشْرُوعَة فِي صلوَات الْأمة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل أفضل ولد آدم قبل أَن يعلم بذلك وَبعده وَبعد أَن علم بذلك لم يُغير نظم الصَّلَاة الَّتِي علمهَا أمته وَلَا أبدلها بغَيْرهَا وَلَا روى عَنهُ أحد خلَافهَا فَهَذَا من أفسد جَوَاب يكون وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى هَذَا السُّؤَال والطلب شرع ليتخذه الله خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَقد اجابه الله إِلَى ذَلِك كَمَا ثَبت عَنهُ فِي الصَّحِيح أَلا وَإِن صَاحبكُم خَلِيل الرَّحْمَن يَعْنِي نَفسه وَهَذَا الْجَواب من جنس مَا قبله فَإِن مضمونه أَنه بعد أَن اتَّخذهُ الله خَلِيلًا لَا تشرع الصَّلَاة عَلَيْهِ على هَذَا الْوَجْه وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى إِنَّمَا هَذَا التَّشْبِيه رَاجع إِلَى الْمُصَلِّي فِيمَا يحصل لَهُ من ثَوَاب الصَّلَاة عَلَيْهِ فَطلب من ربه ثَوابًا وَهُوَ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ كَمَا صلى على آل إِبْرَاهِيم لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الْمَطْلُوب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّلَاة أجل وَأعظم مِمَّا هُوَ حَاصِل لغيره من الْعَالمين وَهَذَا من جنس مَا قبله وافسد فَإِن التَّشْبِيه لَيْسَ فِيمَا يحصل للْمُصَلِّي بل فِيمَا يحصل للمصلى عَلَيْهِ وَهُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن قَالَ إِن الْمَعْنى اللَّهُمَّ أَعْطِنِي من ثَوَاب صَلَاتي عَلَيْهِ كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم فقد حرف الْكَلم وأبطل فِي كَلَامه وَلَوْلَا أَن هَذِه الْوُجُوه وأمثالها قد ذكرهَا بعض الشَّرْح وسودوا بهَا الطروس وأوهموا النَّاس أَن فِيهَا تَحْقِيقا لَكَانَ الإضراب عَنْهَا صفحاً أولى من ذكرهَا فَإِن الْعَالم يستحي من التَّكَلُّم على هَذَا والاشتغال برده وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى التَّشْبِيه عَائِد إِلَى الْآل فَقَط وَتمّ الْكَلَام عِنْد قَوْله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد ثمَّ قَالَ وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 صليت على آل إِبْرَاهِيم فَالصَّلَاة الْمَطْلُوبَة لآل مُحَمَّد هِيَ المشبهة بِالصَّلَاةِ الْحَاصِلَة لآل إِبْرَاهِيم وَهَذَا نَقله العمراني عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله وَهُوَ بَاطِل عَلَيْهِ قطعا فَإِن الشَّافِعِي أجل من أَن يَقُول مثل هَذَا وَلَا يَلِيق هَذَا بِعِلْمِهِ وفصاحته فَإِن هَذَا فِي غَايَة الركاكة والضعف وَقد تقدم فِي كثير من أَحَادِيث الْبَاب اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم وَقد تقدّمت الْأَحَادِيث بذلك وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَصح من جِهَة الْعَرَبيَّة فَإِن الْعَامِل إِذا ذكر معموله وَعطف عَلَيْهِ غَيره ثمَّ قيد بظرف أَو جَار ومجرور أَو مصدر أَو صفة مصدر كَانَ ذَلِك رَاجعا إِلَى الْمَعْمُول وَمَا عطف عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي لَا تحْتَمل الْعَرَبيَّة غَيره فَإِذا قلت جَاءَنِي زيد وَعَمْرو يَوْم الْجُمُعَة كَانَ الظّرْف مُقَيّدا لمجيئهما لَا لمجيء عَمْرو وَحده وَكَذَلِكَ إِذا قلت ضربت زيدا وعمراً ضربا مؤلماً أَو أَمَام الْأَمِير أَو سلم عَليّ زيد وَعَمْرو يَوْم الْجُمُعَة وَنَحْوه فَإِن قلت هَذَا مُتَوَجّه إِذا لم يعد الْعَامِل فَأَما إِذا أُعِيد الْعَامِل حسن ذَلِك تَقول سلم على زيد وعَلى عَمْرو إِذا لَقيته لم يمْتَنع أَن يخْتَص ذَلِك بِعَمْرو وَهنا قد أُعِيد الْعَامِل فِي قَوْله وعَلى آل مُحَمَّد قيل هَذَا الْمِثَال لَيْسَ بمطابق لمسألة الصَّلَاة وَإِنَّمَا المطابق أَن تَقول سلم على زيد وعَلى عَمْرو كَمَا تسلم على الْمُؤمنِينَ وَنَحْو ذَلِك وَحِينَئِذٍ فادعاء أَن التَّشْبِيه لسلامه على عَمْرو وَحده دون زيد دَعْوَى بَاطِلَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى لَا يلْزم أَن يكون الْمُشبه بِهِ أَعلَى من الْمُشبه بل يجوز أَن يَكُونَا متماثلين وَأَن يكون الْمُشبه أَعلَى من الْمُشبه بِهِ قَالَ هَؤُلَاءِ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من وُجُوه غير الصَّلَاة وَإِن كَانَا متساويين فِي الصَّلَاة قَالُوا وَالدَّلِيل على أَن الْمُشبه قد يكون أفضل من الْمُشبه بِهِ قَول الشَّاعِر (بنونا بَنو أَبْنَائِنَا وبناتنا ... بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد) وَهَذَا القَوْل أَيْضا ضَعِيف من وُجُوه أَحدهَا أَن هَذَا خلاف الْمَعْلُوم من قَاعِدَة تَشْبِيه الشَّيْء بالشَّيْء فَإِن الْعَرَب لَا تشبه الشَّيْء إِلَّا بِمَا هُوَ فَوْقه الثَّانِي أَن الصَّلَاة من الله تَعَالَى من أجل الْمَرَاتِب وأعلاها وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْخلق فَلَا بُد أَن تكون الصَّلَاة الْحَاصِلَة لَهُ أفضل من كل صَلَاة تحصل لكل مَخْلُوق فَلَا يكون غَيره مُسَاوِيا لَهُ فِيهَا الثَّالِث أَن الله سُبْحَانَهُ أَمر فِيهَا بعد أَن أخبر أَنه وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ وَأمر بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَام عَلَيْهِ وأكده بِالتَّسْلِيمِ وَهَذَا الْخَبَر وَالْأَمر لم يثبتهما فِي الْقُرْآن لغيره من المخلوقين الرَّابِع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على معلم النَّاس الْخَيْر وَهَذَا لِأَن بتعليمهم الْخَيْر قد أنقذوهم من شَرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وتسببوا بذلك إِلَى فلاحهم وسعادتهم وَذَلِكَ سَبَب دُخُولهمْ فِي جملَة الْمُؤمنِينَ الَّذين يُصَلِّي عَلَيْهِم الله وَمَلَائِكَته فَلَمَّا تسبب معلمو الْخَيْر إِلَى صَلَاة الله وَمَلَائِكَته على من يعلم مِنْهُم صلى الله عَلَيْهِم وَمَلَائِكَته وَمن الْمَعْلُوم أَنه لَا أحد من معلمي الْخَيْر أفضل وَلَا أَكثر تَعْلِيما من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أنصح لأمته وَلَا أَصْبِر على تَعْلِيمه مِنْهُ وَلِهَذَا نَالَ أمته من تَعْلِيمه لَهُم مَا لم تنله أمة من الْأُمَم سواهُم وَحصل للْأمة من تعليمهم من الْعُلُوم النافعة والأعمال الصَّالِحَة مَا صَارَت بِهِ خير امة اخرجت للْعَالمين فَكيف تكون الصَّلَاة على هَذَا الرَّسُول الْمعلم للخير مُسَاوِيَة للصَّلَاة على من لم يماثله فِي هَذَا التَّعْلِيم وَأما استشهادهم بقول الشَّاعِر على جَوَاز كَون الْمُشبه بِهِ أفضل من الْمُشبه فَلَا يدل على ذَلِك لَان قَوْله بنونا بَنو أَبْنَائِنَا إِمَّا إِن يكون الْمُبْتَدَأ فِيهِ مُؤَخرا وَالْخَبَر مقدما وَيكون قد شبه بني أبنائه ببنيه وَجَاز تَقْدِيم الْخَبَر هُنَا لظُهُور الْمَعْنى وَعدم وُقُوع اللّبْس وعَلى هَذَا فَهُوَ جَار على أصل التَّشْبِيه وَإِمَّا أَن يكون من بَاب عكس التَّشْبِيه كَمَا يشبه الْقَمَر بِالْوَجْهِ الْكَامِل فِي حسنه وَيُشبه الْأسد بالكامل فِي شجاعته وَالْبَحْر بالكامل فِي جوده تَنْزِيلا لهَذَا الرجل منزلَة الْفَرْع الْمُشبه وَهَذَا يجوز إِذا تضمن عكس التَّشْبِيه مثل هَذَا الْمَعْنى وعَلى هَذَا فَيكون هَذَا الشَّاعِر قد نزل بني ابنائه منزلَة بنيه وَأَنَّهُمْ فَوْقهم عِنْده ثمَّ شبه بنيه بهم وَهَذَا قَول طَائِفَة من أهل الْمعَانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَن الشَّاعِر لم يرد ذَلِك وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّفْرِيق بَين بني بنيه وَبني بَنَاته فَأخْبر أَن بني بَنَاته تبع لِآبَائِهِمْ لَيْسُوا بأبناء لنا وَإِنَّمَا أَبْنَاؤُنَا بَنو ابنائنا لَا بنوا بناتنا فَلم يرد تَشْبِيه بني بنيه ببنيه وَلَا عَكسه وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا ذكرنَا من الْمَعْنى وَهَذَا ظَاهر وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ من الصَّلَاة الْخَاصَّة بِهِ الَّتِي لَا يساويها صَلَاة مَا لم يشركهُ فِيهَا أحد والمسؤول لَهُ إِنَّمَا هُوَ صَلَاة زَائِدَة على مَا أعْطِيه مُضَافا إِلَيْهِ وَيكون ذَلِك الزَّائِد مشبهاً بِالصَّلَاةِ على إِبْرَاهِيم وَلَيْسَ بمستنكر أَن يسْأَل للفاضل فَضِيلَة أعطيها الْمَفْضُول مُنْضَمًّا إِلَى مَا اخْتصَّ بِهِ هُوَ من الْفضل الَّذِي لم يحصل لغيره قَالُوا وَمِثَال ذَلِك أَن يُعْطي السُّلْطَان رجلا مَالا عَظِيما وَيُعْطِي غَيره دون ذَلِك المَال فَيسْأَل السُّلْطَان أَن يُعْطي صَاحب المَال الْكثير مثل مَا أعْطى من هُوَ دونه لينضم ذَلِك إِلَى مَا أعْطِيه فَيحصل لَهُ من مَجْمُوع العطاءين أَكثر مِمَّا يحصل من الْكثير وَحده وَهَذَا أَيْضا ضَعِيف لِأَن الله تَعَالَى أخبر أَنه وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ ثمَّ أَمر بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَا ريب أَن الْمَطْلُوب من الله هُوَ نَظِير الصَّلَاة الْمخبر بهَا لَا مَا هُوَ دونهَا وَهُوَ أكمل الصَّلَاة عَلَيْهِ وأرجحها لَا الصَّلَاة المرجوحة المفضولة وعَلى قَول هَؤُلَاءِ إِنَّمَا يكون الطّلب لصَلَاة مرجوحة لَا راجحة وَإِنَّمَا تصير راجحة بانضمامها إِلَى صَلَاة لم تطلب وَلَا ريب فِي فَسَاد ذَلِك فَإِن الصَّلَاة الَّتِي تطلبها الْأمة لَهُ من ربه هِيَ أجل صَلَاة وأفضلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى التَّشْبِيه الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ فِي أصل الصَّلَاة لَا فِي قدرهَا وَلَا فِي كيفيتها فالمسؤول إِنَّمَا هُوَ رَاجع إِلَى الْهَيْئَة لَا إِلَى قدر الْمَوْهُوب وَهَذَا كَمَا تَقول للرجل أحسن إِلَى ابْنك كَمَا أَحْسَنت إِلَى فلَان وَأَنت لَا تُرِيدُ بذلك قدر الْإِحْسَان وَإِنَّمَا تُرِيدُ بِهِ أصل الْإِحْسَان وَقد يحْتَج لذَلِك بقوله تَعَالَى {وَأَحْسِنْ كَمَا أحسن الله إِلَيْك} الْقَصَص 77 وَلَا ريب أَنه لَا يقدر أحد أَن يحسن بِقدر مَا أحسن الله إِلَيْهِ وَإِنَّمَا أُرِيد بِهِ أصل الْإِحْسَان لَا قدره وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} النِّسَاء 163 وَهَذَا التَّشْبِيه فِي أصل الْوَحْي لَا فِي قدره وَفضل الموحى بِهِ وَقَوله تَعَالَى {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} الْأَنْبِيَاء 5 إِنَّمَا مُرَادهم جنس الْآيَة لَا نظيرها وَقَوله تَعَالَى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} النُّور 55 وَمَعْلُوم أَن كَيْفيَّة الِاسْتِخْلَاف مُخْتَلفَة وَأَن مَا لهَذِهِ الْأمة أكمل مِمَّا لغَيرهم وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الْبَقَرَة 183 والتشبيه إِنَّمَا هُوَ فِي أصل الصَّوْم لَا فِي عينة وَقدره وكيفيته وَقَالَ تَعَالَى {كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} الاعراف 29 وَمَعْلُوم تفَاوت مَا بَين النشأة الأولى وَهِي المبدأ وَالثَّانيَِة وَهِي الْمعَاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} المزمل 15 وَمَعْلُوم أَن التَّشْبِيه فِي أصل الارسال لَا يَقْتَضِي تماثل الرسولين وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَنكُمْ تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كَمَا يرْزق الطير تَغْدُو خماصاً وَتَروح بطاناً فالتشبيه هُنَا فِي أصل الرزق لَا فِي قدره وَلَا كيفيته ونظائر ذَلِك وَهَذَا الْجَواب ضَعِيف أَيْضا لوجوه مِنْهَا أَن مَا ذَكرُوهُ يجوز أَن يسْتَعْمل فِي الْأَعْلَى والأدنى والمساوي فَلَو قلت أحسن إِلَى أَبِيك وَأهْلك كَمَا أَحْسَنت إِلَى مركوبك وخادمك وَنَحْوه جَازَ ذَلِك وَمن الْمَعْلُوم أَنه لَو كَانَ التَّشْبِيه فِي أصل الصَّلَاة لحسن أَن تَقول اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل أبي أوفى أَو كَمَا صليت على أحاد الْمُؤمنِينَ وَنَحْوه أَو كَمَا صليت على آدم ونوح وَهود وَلُوط فَإِن التَّشْبِيه عِنْد هَؤُلَاءِ إِنَّمَا هُوَ وَاقع فِي أصل الصَّلَاة لَا فِي قدرهَا وَلَا صفتهَا وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين كل من صلى عَلَيْهِ وَأي ميزة وفضيلة فِي ذَلِك لإِبْرَاهِيم وَآله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا الْفَائِدَة حِينَئِذٍ فِي ذكره وَذكر آله وَكَانَ الْكَافِي فِي ذَلِك أَن تَقول اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد فَقَط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 الثَّانِي أَن مَا ذَكرُوهُ من الْأَمْثِلَة لَيْسَ بنظير الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن هَذِه الْأَمْثِلَة نَوْعَانِ خبر وَطلب فَمَا كَانَ مِنْهَا خَبرا فالمقصود بالتشبيه بِهِ الِاسْتِدْلَال والتقريب إِلَى الْفَهم وَتَقْرِير ذَلِك الْخَبَر وَأَنه مِمَّا لَا يَنْبَغِي لعاقل إِنْكَاره كنظير الْمُشبه بِهِ فَكيف تنكرون الْإِعَادَة وَقد وَقع الِاعْتِرَاف بالبداءة وَهِي نظيرها وَحكم النظير وَلِهَذَا يحْتَج سُبْحَانَهُ بالمبدأ على الْمعَاد كثيرا قَالَ تَعَالَى {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} الاعراف 29 وَقَالَ تَعَالَى {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نعيده} الْأَنْبِيَاء 104 وَقَالَ تَعَالَى {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} يّس 78 79 وَهَذَا كثير فِي الْقُرْآن وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} المزمل 15 أَي كَيفَ يَقع الْإِنْكَار مِنْكُم وَقد تقدم قبلكُمْ رسل مني مبشرين ومنذرين وَقد علمْتُم حَال من عصى رُسُلِي كَيفَ أخذتهم أخذا وبيلاً وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ والنبيين} الاية النِّسَاء 163 أَي لست أول رَسُول طرق الْعَالم بل قد تقدّمت قبلك رسل أوحيت إِلَيْهِم كَمَا أوحيت إِلَيْك كَمَا قَالَ تَعَالَى {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُل} الاحقاف 9 فَهَذَا رد وإنكار على من أنكر رِسَالَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ مَجِيئه بِمثل مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل قبله من الْآيَات بل أعظم مِنْهَا فَكيف تنكر رسَالَته وَلَيْسَت من الْأُمُور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الَّتِي تطرق الْعَالم بل لم تخل الأَرْض من الرُّسُل وآثارهم فرسولكم جَاءَ على منهاج من تقدمه من الرُّسُل فِي الرسَالَة لم يكن بدعا وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قبلهم} النُّور 55 إِخْبَار عَن عَادَته سُبْحَانَهُ فِي خلقَة وحكمته الَّتِي لَا تَبْدِيل لَهَا أَن من آمن وَعمل صَالحا مكن لَهُ فِي الأَرْض واستخلفه فِيهَا وَلم يهلكه وَيقطع دابره كَمَا أهلك من كذب رسله وَخَالفهُم وَقطع دابره فَأخْبرهُم سُبْحَانَهُ عَن حكمته ومعاملته لمن آمن برسله وَصدقهمْ وَأَنه يفعل بهم كَمَا فعل بِمن قبلهم من أَتبَاع الرُّسُل وَهَكَذَا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَنكُمْ تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كَمَا يرْزق الطير إِخْبَار بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يرْزق المتوكلين عَلَيْهِ من حَيْثُ لَا يحتسبون وَأَنه لَا يخليهم من رزق قطّ كَمَا ترَوْنَ ذَلِك فِي الطير فَإِنَّهَا تَغْدُو من أوكارها خماصاً فيرزقها سُبْحَانَهُ حَتَّى ترجع بطاناً من رزقه وَأَنْتُم أكْرم على الله من الطير وَسَائِر الْحَيَوَانَات فَلَو توكلتم عَلَيْهِ لرزقكم من حَيْثُ لَا تحتسبون وَلم يمْنَع أحدا مِنْكُم رزقه هَذَا من قبيل الْإِخْبَار واما فِي قسم الطّلب وَالْأَمر فالمقصود مِنْهُ التَّنْبِيه على الْعلَّة وَأَن الْجَزَاء من جنس الْعَمَل فَإِذا قلت علم كَمَا علمك الله {وَأحسن كَمَا أحسن الله إِلَيْك} الْقَصَص 77 واعف كَمَا عَفا الله عَنْك وَنَحْوه كَانَ فِي ذَلِك تنيبه للْمَأْمُور على شكر النِّعْمَة الَّتِي أنعم الله بهَا عَلَيْهِ وَأَنه حقيق أَن يقابلها بِمِثْلِهَا ويقيدها بشكرها فَإِن جَزَاء تِلْكَ النِّعْمَة من جِنْسهَا وَمَعْلُوم أَنه يمْتَنع خطاب الرب سُبْحَانَهُ بِشَيْء من ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وَلَا يحسن فِي حَقه فَيصير ذكر التَّشْبِيه لَغوا لَا فَائِدَة فِيهِ وَهَذَا غير جَائِز الثَّالِث أَن قَوْله كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم صفة لمصدر مَحْذُوف وَتَقْدِيره صَلَاة مثل صَلَاتك على آل إِبْرَاهِيم وَهَذَا الْكَلَام حَقِيقَته أَن تكون الصَّلَاة مماثلة للصَّلَاة المشبهة بهَا فَلَا يعدل عَن حَقِيقَة الْكَلَام وَوَجهه وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى أَن هَذَا التَّشْبِيه حَاصِل بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل صَلَاة من صلوَات الْمُصَلِّين فَكل مصل صلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ الصَّلَاة فقد طلب من الله أَن يُصَلِّي على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة مثل الصَّلَاة الْحَاصِلَة لآل إِبْرَاهِيم وَلَا ريب أَنه إِذا حصل لَهُ من كل مصل طلب من الله لَهُ صَلَاة مثل صلَاته على آل إِبْرَاهِيم حصل لَهُ من ذَلِك أَضْعَاف مضاعفة من الصَّلَاة لَا تعد وَلَا تحصى وَلم يُقَارِبه فِيهَا أحد فضلا عَن أَن يُسَاوِيه أَو يفضله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَظِير هَذَا أَن يُعْطي ملك لرجل ألف دِرْهَم فيسأله كل وَاحِد من رَعيته أَن يعْطى لرجل آخر أفضل مِنْهُ نَظِير تِلْكَ الْألف فَكل وَاحِد قد سَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ ألفا فَيحصل لَهُ من الألوف بِعَدَد كل سَائل وَأورد أَصْحَاب هَذَا القَوْل على أنفسهم سؤالاً وَهُوَ أَن التَّشْبِيه حَاصِل بِالنِّسْبَةِ إِلَى أصل هَذِه الصَّلَاة الْمَطْلُوبَة وكل فَرد من أفرادها فالإشكال وَارِد كَمَا هُوَ وَتَقْرِيره أَن الْعَطِيَّة الَّتِي يعطاها الْفَاضِل لَا بُد أَن تكون أفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 من الْعَطِيَّة الَّتِي يعطاها الْمَفْضُول فَإِذا سُئِلَ لَهُ عَطِيَّة دون مَا يسْتَحقّهُ لم يكن ذَلِك لائقاً بمنصبه وَأَجَابُوا عَنهُ بِأَن هَذَا الاشكال إِنَّمَا يرد إِذا لم يكن الْأَمر للتكرار فَأَما إِذا كَانَ الْأَمر للتكرار فالمطلوب من الْأمة أَن يسْأَلُوا الله لَهُ صَلَاة بعد صَلَاة كل مِنْهَا نَظِير مَا حصل لابراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَيحصل لَهُ من الصَّلَوَات مَا لَا يُحْصى مِقْدَاره بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة الْحَاصِلَة لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا أَيْضا ضَعِيف فَإِن التَّشْبِيه هُنَا إِنَّمَا هُوَ وَاقع فِي صَلَاة الله عَلَيْهِ لَا فِي معنى صَلَاة الْمُصَلِّي وَمعنى هَذَا الدُّعَاء اللَّهُمَّ أعْطه نَظِير مَا أَعْطَيْت إِبْرَاهِيم فالمسؤول لَهُ صَلَاة مُسَاوِيَة للصَّلَاة على إِبْرَاهِيم وَكلما تكَرر هَذَا السُّؤَال كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ فَيكون كل مصل قد سَأَلَ الله أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَاة دون الَّتِي يَسْتَحِقهَا وَهَذَا السُّؤَال وَالْأَمر بِهِ متكرر فَهَل هَذَا إِلَّا تَقْوِيَة لجَانب الْإِشْكَال ثمَّ إِن التَّشْبِيه وَاقع فِي أصل الصَّلَاة وأفرادها وَلَا يُغني جوابكم عَنهُ بقضية التّكْرَار شَيْئا فَإِن التّكْرَار لَا يَجْعَل جَانب الْمُشبه بِهِ أقوى من جَانب الْمُشبه كَمَا هُوَ مُقْتَضى التَّشْبِيه فَلَو كَانَ التّكْرَار يَجعله كَذَلِك لَكَانَ الِاعْتِذَار بِهِ نَافِعًا بل التّكْرَار يقتضى زِيَادَة تَفْضِيل الْمُشبه وقوته فَكيف يشبه حِينَئِذٍ بِمَا هُوَ دونه فَظهر ضعف هَذَا الْجَواب وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى آل إِبْرَاهِيم فيهم الْأَنْبِيَاء الَّذين لَيْسَ فِي آل مُحَمَّد مثلهم فَإِذا طلب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولآله من الصَّلَاة مثل مَا لإِبْرَاهِيم وَآله وَفِيهِمْ الْأَنْبِيَاء حصل لآل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك مَا يَلِيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 بهم فَإِنَّهُم لَا يبلغون مَرَاتِب الْأَنْبِيَاء وَتبقى الزِّيَادَة الَّتِي للأنبياء وَفِيهِمْ إِبْرَاهِيم لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيحصل لَهُ بذلك من المزية مَا لم يحصل لغيره وَتَقْرِير ذَلِك أَن يَجْعَل الصَّلَاة الْحَاصِلَة لإِبْرَاهِيم ولآله وَفِيهِمْ الْأَنْبِيَاء جملَة مقسومة على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَلَا ريب أَنه لَا يحصل لآل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا حصل لآل إِبْرَاهِيم وَفِيهِمْ الْأَنْبِيَاء بل يحصل لَهُم مَا يَلِيق بهم فَيبقى قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالزِّيَادَة المتوفرة الَّتِي لم يَسْتَحِقهَا آله مُخْتَصَّة بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصير الْحَاصِل لَهُ من مَجْمُوع ذَلِك أعظم وَأفضل من الْحَاصِل لإِبْرَاهِيم وَهَذَا احسن من كل مَا تقدمه وَأحسن مِنْهُ أَن يُقَال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ من آل إِبْرَاهِيم بل هُوَ خير آل إِبْرَاهِيم كَمَا روى عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} آل عمرَان 33 قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مُحَمَّد من آل إِبْرَاهِيم وَهَذَا نَص فَإِنَّهُ إِذا دخل غَيره من الْأَنْبِيَاء الَّذين هم من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم فِي آله فدخول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى فَيكون قَوْلنَا كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم متناولاً للصَّلَاة عَلَيْهِ وعَلى سَائِر النَّبِيين من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم ثمَّ قد أمرنَا الله أَن نصلي عَلَيْهِ وعَلى آله خُصُوصا بِقدر مَا صلينَا عَلَيْهِ مَعَ سَائِر آل إِبْرَاهِيم عُمُوما وَهُوَ فيهم وَيحصل لآله من ذَلِك مَا يَلِيق بهم وَيبقى الْبَاقِي كُله لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وَتَقْرِير هَذَا أَنه يكون قد صلى عَلَيْهِ خُصُوصا وَطلب لَهُ من الصَّلَاة مَا لآل إِبْرَاهِيم وَهُوَ دَاخل مَعَهم وَلَا ريب أَن الصَّلَاة الْحَاصِلَة لآل إِبْرَاهِيم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهم أكمل من الصَّلَاة الْحَاصِلَة لَهُ دونهم فيطلب لَهُ من الصَّلَاة هَذَا الْأَمر الْعَظِيم الَّذِي هُوَ أفضل مِمَّا لإِبْرَاهِيم قطعا وَتظهر حِينَئِذٍ فَائِدَة التَّشْبِيه وجريه على أَصله وَأَن الْمَطْلُوب لَهُ من الصَّلَاة بِهَذَا اللَّفْظ أعظم من الْمَطْلُوب لَهُ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الْمَطْلُوب بِالدُّعَاءِ إِنَّمَا هُوَ مثل الْمُشبه بِهِ وَله أوفر نصيب مِنْهُ صَار لَهُ من الْمُشبه الْمَطْلُوب أَكثر مِمَّا لإِبْرَاهِيم وَغَيره وانضاف إِلَى ذَلِك مِمَّا لَهُ من الْمُشبه بِهِ من الْحصَّة الَّتِي لم تحصل لغيره فَظهر بِهَذَا من فَضله وشرفه على إِبْرَاهِيم وعَلى كل من آله وَفِيهِمْ النَّبِيُّونَ مَا هُوَ اللَّائِق بِهِ وَصَارَت هَذِه الصَّلَاة دَالَّة على هَذَا التَّفْضِيل وتابعة لَهُ وَهِي من موجباته ومقتضياته ف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله تَسْلِيمًا كثيرا وجزاه عَنَّا أفضل مَا جزى نَبيا عَن أمته اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الْفَصْل السَّابِع فِي ذكر نُكْتَة حَسَنَة فِي هَذَا الحَدِيث الْمَطْلُوب فِيهِ الصَّلَاة عَلَيْهِ وعَلى آله كَمَا صلى على إِبْرَاهِيم وعَلى آله وَهِي أَن أَكثر الْأَحَادِيث الصِّحَاح والحسان بل كلهَا مصرحة بِذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبذكر آله وَأما فِي حق الْمُشبه بِهِ وَهُوَ إِبْرَاهِيم وَآله فَإِنَّمَا جَاءَت بِذكر آل إِبْرَاهِيم فَقَط دون ذكر إِبْرَاهِيم أَو بِذكرِهِ فَقَط دون ذكر آله وَلم يَجِيء حَدِيث صَحِيح فِيهِ لفظ إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم كَمَا تظاهرت على لفظ مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد وَنحن نسوق الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك ثمَّ نذْكر مَا يسره الله تَعَالَى فِي سر ذَلِك فَنَقُول هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيح من أَرْبَعَة أوجه أشهرها حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ لَقِيَنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 كَعْب بن عجْرَة فَقَالَ أَلا أهدي لَك هَدِيَّة خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا قد عرفنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ بَارك وَفِي لفظ وَبَارك على مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وابو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأحمد بن حَنْبَل فِي = الْمسند = وَهَذَا لَفظهمْ إِلَّا التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم فَقَط وَكَذَا فِي ذكر الْبركَة وَلم يذكر الْآل وَهِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَفِي رِوَايَة كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم بِذكر الْآل فَقَط كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم بِذكرِهِ فَقَط وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى أَزوَاجه وَذريته كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد هَذَا هُوَ اللَّفْظ الْمَشْهُور وَقد رُوِيَ فِيهِ كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وكما باركت على إِبْرَاهِيم بِدُونِ لفظ الْآل فِي الْمَوْضِعَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وَفِي البُخَارِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله هَذَا السَّلَام عَلَيْك فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم وَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَتَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن فِي مجْلِس سعد بن عبَادَة فَقَالَ لَهُ بشير بن سعد أمرنَا الله أَن نصلي عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك قَالَ فَسكت رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى تمنينا أَنه لم يسْأَله ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ آخر كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وكما باركت على إِبْرَاهِيم لم يذكر الْآل فيهمَا وَفِي رِوَايَة أُخْرَى كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وكما باركت على آل إِبْرَاهِيم بِذكر إِبْرَاهِيم وَحده فِي الأولى والآل فَقَط فِي الثَّانِيَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 هَذِه هِيَ الْأَلْفَاظ الْمَشْهُورَة فِي هَذِه الاحاديث الْمَشْهُور فِي أَكْثَرهَا لفظ آل إِبْرَاهِيم فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي بَعْضهَا لفظ إِبْرَاهِيم فيهمَا وَفِي بَعْضهَا لفظ إِبْرَاهِيم فِي الأول والآل فِي الثَّانِي وَفِي بَعْضهَا عَكسه وَأما الْجمع بَين إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث يحيى بن السباق عَن رجل من بني الْحَارِث عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تشهد أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلْيقل اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآل مُحَمَّد كَمَا صليت وباركت وترحمت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق حَدثنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد بن عبد ربه عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ فَذكر الحَدِيث وَفِيه اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد ثمَّ قَالَ هَذَا إِسْنَاد حسن مُتَّصِل وَفِي النَّسَائِيّ من حَدِيث مُوسَى بن طَلْحَة عَن أَبِيه قَالَ قُلْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 يَا رَسُول الله كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَلَكِن رَوَاهُ هَكَذَا وَرَوَاهُ مُقْتَصرا فِيهِ على ذكر إِبْرَاهِيم فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقد روى ابْن ماجة حَدِيثا آخر مَوْقُوفا على ابْن مَسْعُود فِيهِ إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم قَالَ فِي السّنَن حَدثنَا الْحُسَيْن بن بَيَان حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله حَدثنَا المَسْعُودِيّ عَن عون بن عبد الله عَن أبي فَاخِتَة عَن الْأسود بن يزِيد عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِذا صليتم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأحْسنُوا الصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِنَّكُم لَا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِك يعرض عَلَيْهِ قَالَ فَقَالُوا لَهُ فَعلمنَا قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ أجعَل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد الْمُسلمين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وَخَاتم النَّبِيين مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك إِمَام الْخَيْر وقائد الْخَيْر وَرَسُول الرَّحْمَة اللَّهُمَّ ابعثه مقَاما مَحْمُودًا يغبطه بِهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَهَذَا مَوْقُوف وَعَامة الْأَحَادِيث فِي الصِّحَاح وَالسّنَن كَمَا ذكرنَا أَولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 بالاقتصار على الْآل أَو إِبْرَاهِيم فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَو الْآل فِي أَحدهمَا وَإِبْرَاهِيم فِي الآخر وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَقَدّم فِي أول الْكتاب وَغَيره من الْأَحَادِيث فَحَيْثُ جَاءَ ذكر إِبْرَاهِيم وَحده فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَلِأَنَّهُ الأَصْل فِي الصَّلَاة الْمخبر بهَا وَآله تبع لَهُ فِيهَا فَدلَّ ذكر الْمَتْبُوع على التَّابِع واندرج فِيهِ وأغنى عَن ذكره وَحَيْثُ جَاءَ ذكر آله فَقَط فَلِأَنَّهُ دَاخل فِي آله كَمَا تقدم تَقْرِيره فَيكون ذكر آل إِبْرَاهِيم مغنياً عَن ذكره وَذكر آله بلفظين وَحَيْثُ جَاءَ فِي أَحدهمَا ذكره فَقَط وَفِي الآخر ذكر آله فَقَط كَانَ ذَلِك جمعا بَين الْأَمريْنِ فَيكون قد ذكر الْمَتْبُوع الَّذِي هُوَ الأَصْل وَذكر أَتْبَاعه بِلَفْظ يدْخل هُوَ فيهم يبْقى أَن يُقَال فَلم جَاءَ ذكر مُحَمَّد بالاقتران دون الِاقْتِصَار على أَحدهمَا فِي عَامَّة الْأَحَادِيث وَجَاء الِاقْتِصَار على إِبْرَاهِيم وَآله فِي عامتها وَجَوَاب ذَلِك أَن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله ذكرت فِي مقَام الطّلب وَالدُّعَاء وَأما الصَّلَاة على إِبْرَاهِيم فَإِنَّمَا جَاءَت فِي مقَام الْخَبَر وَذكر الْوَاقِع لِأَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد جملَة طلبية وَقَوله كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم جملَة خبرية وَالْجُمْلَة الطلبية إِذا وَقعت موقع الدُّعَاء وَالسُّؤَال كَانَ بسطها وتطويلها أنسب من اختصارها وحذفها وَلِهَذَا يشرع تكرارها وإبداؤها وإعادتها فَإِنَّهَا دُعَاء وَالله يحب الملحين فِي الدُّعَاء وَلِهَذَا تَجِد كثيرا من أدعية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا من بسط الْأَلْفَاظ وَذكر كل معنى بِصَرِيح لَفظه دون الِاكْتِفَاء بِدلَالَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 اللَّفْظ الآخر عَلَيْهِ مَا يشْهد لذَلِك كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه اللَّهُمَّ أَغفر لي مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت وَمَا أسرفت وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَمَعْلُوم أَنه لَو قيل اغْفِر لي كل مَا صنعت كَانَ أوجز وَلَكِن أَلْفَاظ الحَدِيث فِي مقَام الدُّعَاء والتضرع وَإِظْهَار الْعُبُودِيَّة والافتقار واستحضار الْأَنْوَاع الَّتِي يَتُوب العَبْد مِنْهَا تَفْصِيلًا أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الحَدِيث الآخر اللَّهُمَّ أَغفر لي ذَنبي كُله دقه وجله سره وعلانيته اوله وَآخره وَفِي الحَدِيث اللَّهُمَّ أَغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذَلِك عِنْدِي وَهَذَا كثير فِي الْأَدْعِيَة المأثورة فَإِن الدُّعَاء عبودية لله تَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وافتقار إِلَيْهِ وتذلل بَين يَدَيْهِ فَكلما كثره العَبْد وَطوله وَأَعَادَهُ وأبداه وَنَوع جمله كَانَ ذَلِك أبلغ فِي عبوديته وَإِظْهَار فقره وتذلله وَحَاجته وَكَانَ ذَلِك أقرب لَهُ من ربه وَأعظم لثوابه وَهَذَا بِخِلَاف الْمَخْلُوق فَإنَّك كلما كثرت سُؤَاله وكررت حوائجك إِلَيْهِ أبرمته وثقلت عَلَيْهِ وهنت عَلَيْهِ وَكلما تركت سُؤَاله كَانَ أعظم عِنْده وَأحب إِلَيْهِ وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كلما سَأَلته كنت أقرب إِلَيْهِ وَأحب إِلَيْهِ وَكلما ألححت عَلَيْهِ فِي الدُّعَاء أحبك وَمن لم يسْأَله يغْضب عَلَيْهِ (فَالله يغْضب إِن تركت سُؤَاله ... وَبني آدم حِين يسْأَل يغْضب) فالمطلوب يزِيد بِزِيَادَة الطّلب وَينْقص بنقصانه وَأما الْخَبَر فَهُوَ خبر عَن أَمر قد وَقع وانقضى لَا يحْتَمل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَلم يكن فِي زِيَادَة اللَّفْظ فِيهِ كَبِير فَائِدَة وَلَا سِيمَا لَيْسَ الْمقَام مقَام إِيضَاح وتفهيم للمخاطب ليحسن مَعَه الْبسط والإطناب فَكَانَ الإيجاز فِيهِ والاختصار أكمل وَأحسن فَلهَذَا جَاءَ فِيهِ بِلَفْظ إِبْرَاهِيم تَارَة وبلفظه آله أُخْرَى لِأَن كلا اللَّفْظَيْنِ يدل على مَا يدل عَلَيْهِ الآخر من الْوَجْه الَّذِي قدمْنَاهُ فَكَانَ المُرَاد باللفظين وَاحِدًا مَعَ الإيجاز والاختصار وَأما فِي الطّلب فَلَو قيل صل على مُحَمَّد لم يكن فِي هَذَا مَا يدل على الصَّلَاة على آله إِذْ هُوَ طلب وَدُعَاء ينشأ بِهَذَا اللَّفْظ لَيْسَ خَبرا عَن أَمر قد وَقع وَاسْتقر وَلَو قيل صل على آل مُحَمَّد لَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا يصلى عَلَيْهِ فِي الْعُمُوم فَقيل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 فَإِنَّهُ يحصل لَهُ بذلك الصَّلَاة عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَالصَّلَاة عَلَيْهِ بِدُخُولِهِ فِي آله وَهنا للنَّاس طَرِيقَانِ فِي مثل هَذَا أَن يُقَال هُوَ دَاخل فِي آله مَعَ اقترانه بِذكرِهِ فَيكون قد ذكر مرَّتَيْنِ مرّة بِخُصُوص وَمرَّة فِي اللَّفْظ الْعَام وعَلى هَذَا فَيكون قد صلى عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ خُصُوصا وعموماً وَهَذَا على أصل من يَقُول إِن الْعَام إِذا ذكر بعد الْخَاص كَانَ متناولاً لَهُ أَيْضا وَيكون الْخَاص قد ذكر مرَّتَيْنِ مرّة بِخُصُوصِهِ وَمرَّة بِدُخُولِهِ فِي اللَّفْظ الْعَام وَكَذَلِكَ فِي ذكر الْخَاص بعد الْعَام كَقَوْلِه تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} الْبَقَرَة 98 وَكَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ} الْأَحْزَاب 7 الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن ذكره بِلَفْظ الْخَاص يدل على أَنه غير دَاخل فِي اللَّفْظ الْعَام فَيكون ذكره بِخُصُوصِهِ مغنياً عَن دُخُوله فِي اللَّفْظ الْعَام وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة فَيكون فِي ذَلِك فَوَائِد مِنْهَا أَنه لما كَانَ من أشرف النَّوْع الْعَام أفرد بِلَفْظ دَال عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ كَأَنَّهُ باين النَّوْع وتميز عَنْهُم بِمَا أوجب أَن يتَمَيَّز بِلَفْظ يَخُصُّهُ فَيكون ذَلِك تَنْبِيها على اخْتِصَاصه ومزيته عَن النَّوْع الدَّاخِل فِي اللَّفْظ الْعَام الثَّانِيَة أَنه يكون فِيهِ تَنْبِيه على أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ أصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وَالصَّلَاة على آله تبع لَهُ إِنَّمَا نالوها بتبعيتهم لَهُ الثَّالِثَة أَن إِفْرَاده بِالذكر يرفع عَنهُ توهم التَّخْصِيص وَأَنه لَا يجوز أَن يكون مَخْصُوصًا من اللَّفْظ الْعَام بل هُوَ مُرَاد قطعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 الْفَصْل الثَّامِن فِي قَوْله اللَّهم بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل محمّد وَذكر الْبركَة وحقيقتها الثُّبُوت واللزوم والاستقرار فَمِنْهُ برك الْبَعِير إِذا اسْتَقر على الأَرْض وَمِنْه المبرك لموْضِع البروك قَالَ صَاحب الصِّحَاح وكل شَيْء ثَبت وَأقَام فقد برك والبرك الْإِبِل الْكَثِيرَة وَالْبركَة بِكَسْر الْبَاء كالحوض وَالْجمع البرك ذكره الْجَوْهَرِي قَالَ وَيُقَال سميت بذلك لإِقَامَة المَاء فِيهَا والبراكاء الثَّبَات فِي الْحَرْب وَالْجد فِيهَا قَالَ الشَّاعِر (وَلَا يُنجي من الغمرات إِلَّا ... براكاء الْقِتَال أَو الْفِرَار) وَالْبركَة النَّمَاء وَالزِّيَادَة والتبريك الدُّعَاء بذلك وَيُقَال باركه الله وَبَارك فِيهِ وَبَارك عَلَيْهِ وَبَارك لَهُ وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 الْقُرْآن {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} النَّمْل 8 وَفِيه {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحَاق} الصافات 113 وَفِيه {بَارَكْنَا فِيهَا} الاعراف 37 وَفِي الحَدِيث وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت // إِسْنَاده صَحِيح // وَفِي حَدِيث سعد بَارك الله لَك فِي أهلك وَمَالك الْمُبَارك الَّذِي قد باركه الله سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} مَرْيَم 31 وَكتابه مبارك كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ} الْأَنْبِيَاء 50 وَقَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مبارك} ص 29 وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 أَحَق أَن يُسمى مُبَارَكًا من كل شَيْء لِكَثْرَة خَيره ومنافعه ووجوه الْبركَة فِيهِ والرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقَال فِي حَقه تبَارك وَلَا يُقَال مبارك ثمَّ قَالَت طَائِفَة مِنْهُم الْجَوْهَرِي إِن تبَارك بِمَعْنى بَارك مثل قَاتل وتقاتل قَالَ إِلَّا أَن فَاعل يتَعَدَّى وتفاعل لَا يتَعَدَّى وَهَذَا غلط عِنْد الْمُحَقِّقين وَإِنَّمَا تبَارك تفَاعل من الْبركَة وَهَذَا الثَّنَاء فِي حَقه تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ لوصف رَجَعَ إِلَيْهِ كتعالى فَإِنَّهُ تفَاعل من الْعُلُوّ وَلِهَذَا يقرن بَين هذَيْن اللَّفْظَيْنِ فَيُقَال تبَارك وَتَعَالَى وَفِي دُعَاء الْقُنُوت تَبَارَكت وَتَعَالَيْت وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَحَق بذلك وَأولى من كل أحد فَإِن الْخَيْر كُله بيدَيْهِ وكل الْخَيْر مِنْهُ صِفَاته كلهَا صِفَات كَمَال وأفعاله كلهَا حِكْمَة وَرَحْمَة ومصلحة وخيرات لَا شرور فِيهَا كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك وَإِنَّمَا يَقع الشَّرّ فِي مفعولاته ومخلوقاته لَا فِي فعله سُبْحَانَهُ فَإِذا كَانَ العَبْد وَغَيره مُبَارَكًا لِكَثْرَة خَيره ومنافعه واتصال أَسبَاب الْخَيْر فِيهِ وَحُصُول مَا ينْتَفع بِهِ النَّاس مِنْهُ فَالله تبَارك وَتَعَالَى أَحَق أَن يكون متباركاً وَهَذَا ثَنَاء يشْعر بالعظمة والرفعة وَالسعَة كَمَا يُقَال تعاظم وَتَعَالَى وَنَحْوه فَهُوَ دَلِيل على عَظمته وَكَثْرَة خَيره ودوامه واجتماع صِفَات الْكَمَال فِيهِ وَأَن كل نفع فِي الْعَالم كَانَ وَيكون فَمن نَفعه سُبْحَانَهُ وإحسانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَيدل هَذَا الْفِعْل أَيْضا فِي حَقه على العظمة والجلال وعلو الشَّأْن وَلِهَذَا إِنَّمَا يذكرهُ غَالِبا مفتتحاً بِهِ جَلَاله وعظمته وكبرياءه قَالَ تَعَالَى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الاعراف 54 وَقَالَ تَعَالَى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} الْفرْقَان 1 وَقَالَ تَعَالَى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً منيرا} الْفرْقَان 61 و {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} الزخرف 85 {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ} الْملك 1 وَقَالَ تَعَالَى عقب خلق الْإِنْسَان فِي أطواره السَّبْعَة {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} الْمُؤْمِنُونَ 14 فقد ذكر تبَارك سُبْحَانَهُ فِي الْمَوَاضِع الَّتِي أثنى فِيهَا على نَفسه بالجلال وَالْعَظَمَة وَالْأَفْعَال الدَّالَّة على ربوبيته وإلهيته وحكمته وَسَائِر صِفَات كَمَاله من إِنْزَال الْفرْقَان وَخلق الْعَالمين وَجعله البروج فِي السَّمَاء وَالشَّمْس وَالْقَمَر وانفراده بِالْملكِ وَكَمَال الْقُدْرَة وَلِهَذَا قَالَ أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 تبَارك بِمَعْنى تَعَالَى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس تبَارك ارْتَفع وَالْمبَارك الْمُرْتَفع وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي تبَارك بِمَعْنى تقدس وَقَالَ الْحسن تبَارك تَجِيء الْبركَة من قبله وَقَالَ الضَّحَّاك تبَارك تعظم وَقَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد تمجد وَقَالَ الْحُسَيْن بن الْفضل تبَارك فِي ذَاته وَبَارك من شَاءَ من خلقه وَهَذَا أحسن الْأَقْوَال فتباركه سُبْحَانَهُ وصف ذَات لَهُ وَصفَة فعل كَمَا قَالَ الْحُسَيْن بن الْفضل وَالَّذِي يدل على ذَلِك أَيْضا أَنه سُبْحَانَهُ يضيف التبارك إِلَى اسْمه كَمَا قَالَ تَعَالَى {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن 78 وَفِي حَدِيث الاستفتاح تبَارك اسْمك وَتَعَالَى جدك فَدلَّ هَذَا على أَن تبَارك لَيْسَ بِمَعْنى بَارك كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي وَأَن تبريكه سُبْحَانَهُ جُزْء مُسَمّى اللَّفْظ لَا كَمَال مَعْنَاهُ وَقَالَ ابْن عَطِيَّة مَعْنَاهُ عظم وَكَثُرت بركاته وَلَا يُوصف بِهَذِهِ اللَّفْظَة إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا تتصرف هَذِه اللَّفْظَة فِي لُغَة الْعَرَب لَا يسْتَعْمل مِنْهَا مضارع وَلَا أَمر قَالَ وَعلة ذَلِك أَن تبَارك لما لم يُوصف بِهِ غير الله لم يقتض مُسْتَقْبلا إِذْ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد تبَارك فِي الْأَزَل قَالَ وَقد غلط أَبُو عَليّ القالي فَقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 لَهُ كَيفَ الْمُسْتَقْبل من تبَارك فَقَالَ يتبارك فَوقف على أَن الْعَرَب لم تقله وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة تبَارك اسْمك تفَاعل من الْبركَة كَمَا يُقَال تَعَالَى اسْمك من الْعُلُوّ يُرَاد بِهِ أَن الْبركَة فِي اسْمك وَفِيمَا سمي عَلَيْهِ وَقَالَ وأنشدني بعض أَصْحَاب اللُّغَة بَيْتا حفظت عَجزه (إِلَى الْجذع النَّخْلَة المتبارك ... ) فَقَوله يُرَاد بِهِ أَن الْبركَة فِي اسْمك وَفِيمَا سمي عَلَيْهِ يدل على أَن ذَلِك صفة لمن تبَارك فَإِن بركَة الِاسْم تَابِعَة لبركة الْمُسَمّى وَلِهَذَا كَانَ قَوْله تَعَالَى {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} الْوَاقِعَة 74 و 96 والحاقة 52 دَلِيلا على أَن الْأَمر بتسبيح الرب بطرِيق الأولى فَإِن تَنْزِيه الِاسْم من تَوَابِع تَنْزِيه الْمُسَمّى وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِيهِ مَعْنيانِ أَحدهمَا تزايد خَيره وتكاثر أَو تزايد عَن كل شَيْء وَتَعَالَى عَنهُ فِي صِفَاته وأفعاله قلت وَلَا تنَافِي بَين الْمَعْنيين كَمَا قَالَ الْحُسَيْن بن الْفضل وَغَيره وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل سَأَلت الْخَلِيل بن أَحْمد عَن تبَارك فَقَالَ تمجد وَيجمع الْمَعْنيين مجده فِي ذَاته وإفاضته الْبركَة على خلقه فَإِن هَذَا هُوَ حَقِيقَة الْمجد فَإِنَّهُ السعَة وَمِنْه مجد الشَّيْء إِذا اتَّسع واستمجد وَالْعرش الْمجِيد لسعته وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين يُمكن أَن يُقَال هُوَ من البروك فَيكون تبَارك ثَبت ودام أزلاً وأبداً فَيلْزم أَن يكون وَاجِب الْوُجُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 لِأَن مَا كَانَ وجوده من غَيره لم يكن أزلياً وَهَذَا قد يُقَال إِنَّه جُزْء الْمَعْنى فتباركه سُبْحَانَهُ يجمع هَذَا كُله دوَام وجوده وَكَثْرَة خَيره ومجده وعلوه وعظمته وتقدسه ومجيء الْخيرَات كلهَا من عِنْده وتبريكه على من شَاءَ من خلقه وَهَذَا هُوَ الْمَعْهُود من أَلْفَاظ الْقُرْآن كلهَا أَنَّهَا تكون دَالَّة على جملَة معَان فيعبر هَذَا عَن بَعْضهَا وَهَذَا عَن بَعْضهَا وَاللَّفْظ يجمع ذَلِك كُله وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي غير هَذَا الْموضع وَالْمَقْصُود الْكَلَام على قَوْله وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم فَهَذَا الدُّعَاء يتَضَمَّن إعطاءه من الْخَيْر مَا أعطَاهُ لآل إِبْرَاهِيم وإدامته وثبوته لَهُ ومضاعفته وزيادته هَذَا حَقِيقَة الْبركَة وَقد قَالَ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيم وَآله {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاق} الصافات 112 و 113 وَقَالَ تَعَالَى فِيهِ وَفِي أهل بَيته {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} هود 73 وَتَأمل كَيفَ جَاءَ فِي الْقُرْآن {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحَاق} وَلم يذكر إِسْمَاعِيل وَجَاء فِي التَّوْرَاة ذكر الْبركَة على إِسْمَاعِيل وَلم يذكر إِسْحَاق كَمَا تقدم حكايته وَعَن إِسْمَاعِيل سَمِعتك هانا باركته فجَاء فِي التَّوْرَاة ذكر الْبركَة فِي إِسْمَاعِيل إِيذَانًا بِمَا حصل لِبَنِيهِ من الْخَيْر وَالْبركَة لَا سيّما خَاتِمَة بركتهم وَأَعْظَمهَا وأجلها برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنبههم بذلك على مَا يكون فِي بنيه من هَذِه الْبركَة الْعَظِيمَة الموافية على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 لِسَان الْمُبَارك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر لنا فِي الْقُرْآن بركته على إِسْحَاق منبهاً لنا على مَا حصل فِي أَوْلَاده من نبوة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَغَيره وَمَا اتوه من الْكتاب وَالْعلم مستدعياً من عباده الْإِيمَان بذلك والتصديق بِهِ وَأَن لَا يهملوا معرفَة حُقُوق هَذَا الْبَيْت الْمُبَارك وَأهل النُّبُوَّة مِنْهُم وَلَا يَقُول الْقَائِل هَؤُلَاءِ أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل لَا تعلق لنا بهم بل يجب علينا احترامهم وتوقيرهم وَالْإِيمَان بهم ومحبتهم وموالاتهم وَالثنَاء عَلَيْهِم صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَلما كَانَ هَذَا الْبَيْت الْمُبَارك المطهر أشرف بيُوت الْعَالم على الْإِطْلَاق خصهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْهُ بخصائص مِنْهَا أَنه جعل فِيهِ النُّبُوَّة وَالْكتاب فَلم يَأْتِ بعد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام نَبِي إِلَّا من أهل بَيته وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ جعلهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأَمْره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَكل من دخل الْجنَّة من أَوْلِيَاء الله بعدهمْ فَإِنَّمَا دخل من طريقهم وبدعوتهم وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ اتخذ مِنْهُم الخليلين إِبْرَاهِيم ومحمداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِمَا وَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} النِّسَاء 125 وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَهَذَا من خَواص الْبَيْت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ جعل صَاحب هَذَا الْبَيْت إِمَامًا للْعَالمين كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} الْبَقَرَة 124 وَمِنْهَا أَنه أجْرى على يَدَيْهِ بِنَاء بَيته الَّذِي جعله قيَاما للنَّاس وقبلة لَهُم وحجاً فَكَانَ ظُهُور هَذَا الْبَيْت من أهل هَذَا الْبَيْت الأكرمين وَمِنْهَا أَنه أَمر عباده بِأَن يصلوا على أهل هَذَا الْبَيْت كَمَا صلى على أهل بَيتهمْ وسلفهم وهم إِبْرَاهِيم وَآله وَهَذِه خَاصَّة لَهُم وَمِنْهَا أَنه أخرج مِنْهُم الأمتين المعظمتين اللَّتَيْنِ لم تخرجا من أهل بَيت غَيرهم وهم أمة مُوسَى وَأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِمَا وَأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمام سبعين أمة هم خَيرهَا وَأَكْرمهَا على الله وَمِنْهَا أَن الله سُبْحَانَهُ أبقى عَلَيْهِم لِسَان صدق وثناء حسنا فِي الْعَالم فَلَا يذكرُونَ إِلَّا بالثناء عَلَيْهِم وَالصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِم قَالَ تَعَالَى {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين سَلام على إِبْرَاهِيم كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} الصافات 108 و 110 وَمِنْهَا جعل أهل هَذَا الْبَيْت فرقاناً بَين النَّاس فالسعداء ابتاعهم ومحبوهم وَمن تولاهم والأشقياء من أبْغضهُم وَأعْرض عَنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وعاداهم فالجنة لَهُم ولأتباعهم وَالنَّار لأعدائهم ومخالفيهم وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ جعل ذكرهم مَقْرُونا بِذكرِهِ فَيُقَال إِبْرَاهِيم خَلِيل الله وَرَسُوله وَنبيه وَمُحَمّد رَسُول الله وخليله وَنبيه ومُوسَى كليم الله وَرَسُوله قَالَ تَعَالَى لنَبيه يذكرهُ بنعمته عَلَيْهِ {وَرَفَعْنَا لَك ذكرك} الانشراح 4 قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا ذكرت ذكرت معي فَيُقَال لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فِي كلمة الْإِسْلَام وَفِي الْأَذَان وَفِي الْخطب وَفِي التشهدات وَغير ذَلِك وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ جعل خلاص خلقَة من شقاء الدُّنْيَا وَالْآخِرَة على أَيدي أهل هَذَا الْبَيْت فَلهم على النَّاس من النعم مَا لَا يُمكن إحصاؤها وَلَا جزاؤها وَلَهُم المنن الجسام فِي رِقَاب الْأَوَّلين والآخرين من أهل السَّعَادَة والأيادي الْعِظَام عِنْدهم الَّتِي يجازيهم عَلَيْهَا الله عز وَجل وَمِنْهَا أَن كل ضرّ ونفع وَعمل صَالح وَطَاعَة لله تَعَالَى حصلت فِي الْعَالم فَلهم من الْأجر مثل أجور عامليها فسبحان من يخْتَص بفضله من يَشَاء من عباده وَمِنْهَا أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سد جَمِيع الطّرق بَينه وَبَين الْعَالمين وأغلق دونهم الْأَبْوَاب فَلم يفتح أحد قطّ من طريقهم وبابهم وَقَالَ الْجُنَيْد رَحمَه الله يَقُول الله عز وَجل لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَو أَتَوْنِي من كل طَرِيق أَو استفتحوا من كل بَاب لما فتحت لَهُم حَتَّى يدخلُوا خَلفك وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ خصهم من الْعلم بِمَا لم يخص بِهِ أهل بَيت سواهُم من الْعَالمين فَلم يطْرق الْعَالم أهل بَيت أعلم بِاللَّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وأسمائه وَصِفَاته وَأَحْكَامه وأفعاله وثوابه وعقابه وشرعه ومواقع رِضَاهُ وغضبه وَمَلَائِكَته ومخلوقاته مِنْهُم فسبحان من جمع لَهُم علم الْأَوَّلين والآخرين وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ خصهم من توحيده ومحبته وقربه والاختصاص بِهِ بِمَا لم يخْتَص بِهِ أهل بَيت سواهُم وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ مكن لَهُم فِي الأَرْض واستخلفهم فِيهَا واطاع أهل الأَرْض لَهُم مَا لم يحصل لغَيرهم وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ أَيّدهُم ونصرهم وأظفرهم بأعدائه وأعدائهم بِمَا لم يُؤَيّد غَيرهم وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ محا بهم من آثَار أهل الضلال والشرك وَمن الْآثَار الَّتِي يبغضها ويمقتها مَا لم يمحه بسواهم وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ غرس لَهُم من الْمحبَّة والإجلال والتعظيم فِي قُلُوب الْعَالمين مَا لم يغرسه لغَيرهم وَمِنْهَا أَنه سُبْحَانَهُ جعل آثَارهم فِي الأَرْض سَببا لبَقَاء الْعَالم وَحفظه فَلَا يزَال الْعَالم بَاقِيا مَا بقيت آثَارهم فَإِذا ذهب آثَارهم من الأَرْض فَذَاك أَوَان خراب الْعَالم قَالَ الله تَعَالَى {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِد} الْمَائِدَة 97 قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرهَا لَو ترك النَّاس كلهم الْحَج لوقعت السَّمَاء على الأَرْض وَقَالَ لَو ترك النَّاس كلهم الْحَج لما نظرُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فِي آخر الزَّمَان يرفع الله بَيته من الأَرْض وَكَلَامه من الْمَصَاحِف وصدور الرِّجَال فَلَا يبْقى لَهُ فِي الأَرْض بَيت يحجّ وَلَا كَلَام يُتْلَى فَحِينَئِذٍ يقرب خراب الْعَالم وَهَكَذَا النَّاس الْيَوْم إِنَّمَا قيامهم بِقِيَام آثَار نَبِيّهم وشرائعه بَينهم وَقيام امورهم حُصُول مصالحهم واندفاع أَنْوَاع الْبلَاء وَالشَّر عَنْهُم بِحَسب ظُهُورهَا بَينهم وقيامها وهلاكهم وعنتهم وحلول الْبلَاء وَالشَّر بهم عِنْد تعطلها والإعراض عَنْهَا والتحاكم إِلَى غَيرهَا واتخاذ سواهَا وَمن تَأمل تسليط الله سُبْحَانَهُ على من سلطه على الْبِلَاد والعباد من الْأَعْدَاء علم أَن ذَلِك بِسَبَب تعطيلهم لدين نَبِيّهم وسننه وشرائعه فَسلط الله عَلَيْهِم من أهلكهم وانتقم مِنْهُم حَتَّى إِن الْبِلَاد الَّتِي لآثار الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسننه وشرائعه فِيهَا ظُهُور دفع عَنْهَا بِحَسب ظُهُور ذَلِك بَينهم وَهَذِه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثَار رَحْمَة الله وَبَرَكَاته على أهل هَذَا الْبَيْت فَلهَذَا أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نطلب لَهُ من الله تَعَالَى أَن بَارك عَلَيْهِ وعَلى آله كَمَا بَارك على هَذَا الْبَيْت الْمُعظم صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَمن بَرَكَات أهل هَذَا الْبَيْت أَنه سُبْحَانَهُ أظهر على أَيْديهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 من بَرَكَات الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَا لم يظهره على يَدي أهل بَيت غَيرهم وَمن بركاتهم وخصائصهم أَن الله سُبْحَانَهُ أَعْطَاهُم من خصائصهم مَا لم يُعْط غَيرهم فَمنهمْ من اتَّخذهُ خَلِيلًا وَمِنْهُم الذَّبِيح وَمِنْهُم من كَلمه تكليماً وقربه نجياً وَمِنْهُم من آتَاهُ شطر الْحسن وَجعله من أكْرم النَّاس عَلَيْهِ وَمِنْهُم من أَتَاهُ ملكا لم يؤته أحدا غَيره وَمِنْهُم من رَفعه مَكَانا عليا وَلما ذكر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الْبَيْت وَذريته أخبر أَن كلهم فَضله على الْعَالمين وَمن خصائصهم وبركاتهم على أهل الأَرْض أَن الله سُبْحَانَهُ رفع الْعَذَاب الْعَام عَن أهل الأَرْض بهم وببعثتهم وَكَانَت عَادَته سُبْحَانَهُ فِي أُمَم الْأَنْبِيَاء قبلهم أَنهم إِذا كذبُوا أنبياءهم ورسلهم أهلكهم بِعَذَاب يعمهم كَمَا فعل بِقوم نوح وَقوم هود وَقوم صَالح وَقوم لوط فَلَمَّا أنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن رفع بهَا الْعَذَاب الْعَام عَن أهل الأَرْض وَأمر بجهاد من كذبهمْ وَخَالفهُم فَكَانَ ذَلِك نصْرَة لَهُم بِأَيْدِيهِم وشفاء لصدورهم واتخاذ الشُّهَدَاء مِنْهُم وإهلاك عدوهم بِأَيْدِيهِم لتَحْصِيل محابه سُبْحَانَهُ على ايديهم وَحقّ بِأَهْل بَيت هَذَا بعض فضائلهم أَن لَا تزَال الألسن رطبَة بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِم وَالسَّلَام وَالثنَاء والتعظيم والقلوب ممتلئة من تعظيمهم ومحبتهم وإجلالهم وَأَن يعرف الْمُصَلِّي عَلَيْهِم أَنه لَو أنْفق أنفاسه كلهَا فِي الصَّلَاة عَلَيْهِم مَا وفى الْقَلِيل من حَقهم فجزاهم الله عَن بريته أفضل الْجَزَاء وَزَادَهُمْ فِي الْمَلأ الْأَعْلَى تَعْظِيمًا وتشريفاً وتكريما وَصلى عَلَيْهِم صَلَاة دائمة لَا انْقِطَاع لَهَا وَسلم تَسْلِيمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 الْفَصْل التَّاسِع فِي اختتام هَذِه الصَّلَاة بِهَذَيْنِ الاسمين من أَسمَاء الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهما الحميد والمجيد فالحميد فعيل من الْحَمد وَهُوَ بِمَعْنى مَحْمُود وَأكْثر مَا يَأْتِي فعيلاً فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِمَعْنى فَاعل كسميع وبصير وَعَلِيم وقدير وَعلي وَحَكِيم وحليم وَهُوَ كثير وَكَذَلِكَ فعول كغفور وشكور وصبور وَأما الْوَدُود فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه بِمَعْنى فَاعل وَهُوَ الَّذِي يحب أنبياءه وَرُسُله وأولياءه وعباده الْمُؤمنِينَ وَالثَّانِي أَنه بِمَعْنى مودود وَهُوَ المحبوب الَّذِي يسْتَحق أَن يحب الْحبّ كُله وَأَن يكون أحب إِلَى العَبْد من سَمعه وبصره وَجَمِيع محبوباته وَأما الحميد فَلم يَأْتِ إِلَّا بِمَعْنى الْمَحْمُود وَهُوَ أبلغ من الْمَحْمُود فَإِن فعيلاً إِذا عدل بِهِ عَن مفعول دلّ على أَن تِلْكَ الصّفة قد صَارَت مثل السجية والغريزة والخلق اللَّازِم إِذا قلت فلَان ظريف وشريف وكريم وَلِهَذَا يكون هَذَا الْبناء غَالِبا من فعل بِوَزْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 شرف هَذَا الْبناء من أبنية الغرائز والسجايا اللَّازِمَة ككبر وَصغر وَحسن ولطف وَنَحْو ذَلِك وَلِهَذَا كَانَ حبيب أبلغ من مَحْبُوب لَان الحبيب الَّذِي حصلت فِيهِ الصِّفَات وَالْأَفْعَال الَّتِي يحب لأَجلهَا فَهُوَ حبيب فِي نَفسه وَإِن قدر أَن غَيره لَا يُحِبهُ لعدم شعوره بِهِ أَو لمَانع مَنعه من حبه وَأما المحبوب فَهُوَ الَّذِي تعلق بِهِ حب الْمُحب فَصَارَ محبوباً بحب الْغَيْر لَهُ وَأما الحبيب فَهُوَ حبيب بِذَاتِهِ وَصِفَاته تعلق بِهِ حب الْغَيْر أَو لم يتَعَلَّق وَهَكَذَا الحميد والمحمود فالحميد هُوَ الَّذِي لَهُ من الصِّفَات وَأَسْبَاب الْحَمد مَا يَقْتَضِي أَن يكون مَحْمُودًا وَإِن لم يحمده غَيره فَهُوَ حميد فِي نَفسه والمحمود من تعلق بِهِ حمد الحامدين وَهَكَذَا الْمجِيد والممجد وَالْكَبِير والمكبر والعظيم والمعظم وَالْحَمْد وَالْمجد إِلَيْهِمَا يرجع الْكَمَال كُله فَإِن الْحَمد يسْتَلْزم الثَّنَاء والمحبة للمحمود فَمن أحببته وَلم تثن عَلَيْهِ لم تكن حامداً لَهُ حَتَّى تكون مثنياً عَلَيْهِ محباً لَهُ وَهَذَا الثَّنَاء وَالْحب تبع للأسباب الْمُقْتَضِيَة لَهُ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمَحْمُود من صِفَات الْكَمَال ونعوت الْجلَال وَالْإِحْسَان إِلَى الْغَيْر فَإِن هَذِه هِيَ أَسبَاب الْمحبَّة وَكلما كَانَت هَذِه الصِّفَات أجمع وأكمل كَانَ الْحَمد وَالْحب أتم وَأعظم وَالله سُبْحَانَهُ لَهُ الْكَمَال الْمُطلق الَّذِي لَا نقص فِيهِ بِوَجْه مَا وَالْإِحْسَان كُله لَهُ وَمِنْه فَهُوَ أَحَق بِكُل حمد وَبِكُل حب من كل جِهَة فَهُوَ أهل أَن يحب لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه وَلكُل مَا صدر مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وَأما الْمجد فَهُوَ مُسْتَلْزم للعظمة وَالسعَة والجلال وَالْحَمْد يدل على صِفَات الْإِكْرَام وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام وَهَذَا معنى قَول العَبْد لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله اكبر ف لَا إِلَه إِلَّا الله دَال على ألوهيته وتفرده فِيهَا فألوهيته تَسْتَلْزِم محبته التَّامَّة وَالله أكبر دَال على مجده وعظمته وَذَلِكَ يسْتَلْزم تَعْظِيمه وتمجيده وتكبيره وَلِهَذَا يقرن سُبْحَانَهُ بَين هذَيْن النَّوْعَيْنِ فِي الْقُرْآن كثيرا كَقَوْلِه {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} هود 73 وَقَوله تَعَالَى {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شريك فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} الْإِسْرَاء 111 فَأمر بِحَمْدِهِ وتكبيره وَقَالَ تَعَالَى {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن 78 وَقَالَ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن 27 وَفِي الْمسند وصحيح أبي حَاتِم وَغَيره من حَدِيث أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَلظُّوا بِيَاذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام حَدِيث صَحِيح يَعْنِي الزموها وتعلقوا بهَا فالجلال وَالْإِكْرَام هُوَ الْحَمد وَالْمجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وَنَظِير هَذَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كريم} النَّمْل 40 وَقَوله تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً} النِّسَاء 149 وَقَوله تَعَالَى {وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الممتحنة 7 وَقَوله تَعَالَى {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} البروج 14 15 وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح حَدِيث دُعَاء الكرب لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم الْحَلِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَاوَات وَرب الأَرْض وَرب الْعَرْش الْكَرِيم فَذكر هذَيْن الاسمين الحميد الْمجِيد عقيب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله مُطَابق لقَوْله تَعَالَى {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} هود 73 وَلما كَانَت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي ثَنَاء الله تَعَالَى عَلَيْهِ وتكريمه والتنويه بِهِ وَرفع ذكره وَزِيَادَة حبه وتقريبه كَمَا تقدم كَانَت مُشْتَمِلَة على الْحَمد وَالْمجد فَكَأَن الْمُصَلِّي طلب من الله تَعَالَى أَن يزِيد فِي حَمده ومجده فَإِن الصَّلَاة عَلَيْهِ هِيَ نوع حمد لَهُ وتمجيد هَذَا حَقِيقَتهَا فَذكر فِي هَذَا الْمَطْلُوب الاسمين المناسبين لَهُ وهما أَسمَاء الحميد والمجيد وَهَذَا كَمَا تقدم أَن الدَّاعِي يشرع لَهُ أَن يخْتم دعاءه باسم من الْأَسْمَاء الْحسنى مُنَاسِب لمطلوبه أَو يفْتَتح دعاءه بِهِ وَتقدم أَن هَذَا من قَوْله {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بهَا} الاعراف 180 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي دُعَائِهِ ربه {رب اغْفِر لي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} صّ 35 وَقَالَ الْخَلِيل وَابْنه اسماعيل عَلَيْهِمَا السَّلَام فِي دعائهما {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيمُ} الْبَقَرَة 28 وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول رب اغْفِر لي وَتب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الغفور مائَة مرّة فِي مَجْلِسه // إِسْنَاده صَحِيح // وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقد سَأَلته إِن وَافَقت لَيْلَة الْقدر مَا أَدْعُو بِهِ قَالَ قولي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْو تحب الْعَفو فَاعْفُ عني // سَنَده صَحِيح // وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصديق رَضِي الله عَنهُ وَقد سَأَلَهُ أَن يُعلمهُ دُعَاء يَدْعُو بِهِ فِي صلَاته قَالَ قل اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم وَهَذَا كثير قد ذَكرْنَاهُ فِي = كتاب الرّوح وَالنَّفس = وَمَا قَالَه النَّاس فِي قَول الْمَسِيح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ) الْمَائِدَة 118 وَلم يقل الغفور الرَّحِيم وَقَول الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} إِبْرَاهِيم 36 فَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوب للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمداً ومجداً بِصَلَاة الله عَلَيْهِ ختم هَذَا السُّؤَال باسمي الحميد والمجيد وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لما كَانَ الْمَطْلُوب للرسول حمداً ومجداً وَكَانَ ذَلِك حَاصِلا لَهُ ختم ذَلِك بالإخبار عَن ثُبُوت ذنيك الوصفين للرب بطرِيق الأولى إِذْ كل كَمَال فِي العَبْد غير مُسْتَلْزم للنقص فالرب أَحَق بِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لما طلب للرسول حمداً ومجداً بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يسْتَلْزم الثَّنَاء عَلَيْهِ ختم هَذَا الْمَطْلُوب بالثناء على مُرْسلَة بِالْحَمْد وَالْمجد فَيكون هَذَا الدُّعَاء متضمناً لطلب الْحَمد وَالْمجد للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والإخبار عَن ثُبُوته للرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر قَاعِدَة فِي هَذِه الدَّعْوَات والأذكار الَّتِي رويت بأنواع مُخْتَلفَة كأنواع الاستفتاحات وانواع التشهدات فِي الصَّلَاة وانواع الادعية الَّتِي اخْتلفت الفاظها وانواع الاذكار بعد الاعتدالين من الرُّكُوع وَالسُّجُود وَمِنْه هَذِه الْأَلْفَاظ الَّتِي رويت فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سلك بعض الْمُتَأَخِّرين فِي ذَلِك طَريقَة فِي بَعْضهَا وَهُوَ أَن الدَّاعِي يسْتَحبّ لَهُ أَن يجمع بَين تِلْكَ الْأَلْفَاظ الْمُخْتَلفَة وَرَأى ذَلِك أفضل مَا يُقَال فِيهَا فَرَأى أَنه يسْتَحبّ للداعي بِدُعَاء الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَن يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا كَبِيرا وَيَقُول الْمُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وعَلى أَزوَاجه وَذريته وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآل مُحَمَّد وأزواجه وَذريته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم وَكَذَلِكَ فِي الْبركَة وَالرَّحْمَة وَيَقُول فِي دُعَاء الاستخارة اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 خير لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة امري وآجله // حَدِيث صَحِيح // وَنَحْو ذَلِك قَالَ ليصيب أَلْفَاظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقِينا فِيمَا شكّ فِيهِ الرَّاوِي ولتجتمع لَهُ الْأَدْعِيَة الْأُخَر فِيمَا اخْتلفت ألفاظها ونازعه فِي ذَلِك آخَرُونَ وَقَالُوا هَذَا ضَعِيف من وُجُوه أَحدهَا أَن هَذِه طَريقَة محدثة لم يسْبق إِلَيْهَا أحد من الْأَئِمَّة المعروفين الثَّانِي أَن صَاحبهَا إِن طردها لزمَه أَن يسْتَحبّ للْمُصَلِّي أَن يستفتح بِجَمِيعِ أَنْوَاع الاستفتاحات وَأَن يتَشَهَّد بِجَمِيعِ أَنْوَاع التشهدات وَأَن يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده جَمِيع الْأَذْكَار الْوَارِدَة فِيهِ وَهَذَا بَاطِل قطعا فَإِنَّهُ خلاف عمل النَّاس وَلم يستحبه أحد من أهل الْعلم وَهُوَ بِدعَة وَإِن لم يطردها تنَاقض وَفرق بَين متماثلين الثَّالِث أَن صَاحبهَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يسْتَحبّ للْمُصَلِّي والتالي أَن يجمع بَين الْقرَاءَات المتنوعة فِي التِّلَاوَة فِي الصَّلَاة وخارجها قَالُوا وَمَعْلُوم أَن الْمُسلمين متفقون على أَنه لَا يسْتَحبّ ذَلِك للقارئ فِي الصَّلَاة وَلَا خَارِجهَا إِذا قَرَأَ قِرَاءَة عبَادَة وتدبر وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك الْقُرَّاء أَحْيَانًا ليمتحن بذلك حفظ الْقَارئ لأنواع الْقرَاءَات وإحاطته بهَا واستحضاره إِيَّاهَا والتمكن من استحضارها عِنْد طلبَهَا فَذَلِك تمرين وتدريب لَا تعبد يسْتَحبّ لكل تال وقارئ وَمَعَ هَذَا فَفِي ذَلِك للنَّاس كَلَام لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 الْمَشْرُوع فِي حق التَّالِي أَن يقْرَأ بِأَيّ حرف شَاءَ وَإِن شَاءَ أَن يقْرَأ بِهَذَا مرّة وَبِهَذَا مرّة جَازَ ذَلِك وَكَذَا الدَّاعِي إِذا قَالَ ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا مرّة وَمرَّة قَالَ كَبِيرا جَازَ ذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا صلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة بِلَفْظ هَذَا الحَدِيث وَمرَّة بِاللَّفْظِ الْأُخَر وَكَذَلِكَ إِذا تشهد فَإِن شَاءَ تشهد بتشهد ابْن مَسْعُود وان شَاءَ تشهد بتشهد ابْن عَبَّاس وَإِن شَاءَ بتشهد عمر وَإِن شَاءَ بتشهد عَائِشَة وَكَذَلِكَ فِي الاستفتاح إِن شَاءَ استفتح بِحَدِيث عَليّ وَإِن شَاءَ بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَإِن شَاءَ باستفتاح عمر رَضِي الله عَنْهُم اجمعين وَإِن شَاءَ فعل هَذَا مرّة وَهَذَا مرّة وَهَذَا مرّة وَكَذَلِكَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع إِن شَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد وَإِن شَاءَ قَالَ رَبنَا لَك الْحَمد وَإِن شَاءَ قَالَ رَبنَا وَلَك الْحَمد وَلَا يسْتَحبّ لَهُ أَن يجمع بَين ذَلِك وَقد احْتج غير وَاحِد من الْأَئِمَّة مِنْهُم الشَّافِعِي على جَوَاز الْأَنْوَاع المأثورة فِي التشهدات وَنَحْوهَا بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَصْحَاب الصَّحِيح وَالسّنَن وَغَيرهم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف فجوز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقِرَاءَة بِكُل حرف من تِلْكَ الأحرف وَأخْبر أَنه شاف كَاف وَمَعْلُوم أَن الْمَشْرُوع فِي ذَلِك أَن يقْرَأ بِتِلْكَ الأحرف على سَبِيل الْبَدَل لَا على سَبِيل الْجمع كَمَا كَانَ الصَّحَابَة يَفْعَلُونَ الرَّابِع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يجمع بَين تِلْكَ الْأَلْفَاظ الْمُخْتَلفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 فِي آن وَاحِد بل إِمَّا أَن يكون قَالَ هَذَا مرّة وَهَذَا مرّة كألفاظ الاستفتاح وَالتَّشَهُّد وأذكار الرُّكُوع وَالسُّجُود وَغَيرهَا فاتباعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْتَضِي أَن لَا يجمع بَينهَا بل يُقَال هَذَا مرّة وَهَذَا مرّة وَإِمَّا أَن يكون الرَّاوِي قد شكّ فِي أَي الْأَلْفَاظ قَالَ فَإِن ترجح عِنْد الدَّاعِي بَعْضهَا صَار إِلَيْهِ وَإِن لم يتَرَجَّح عِنْده بَعْضهَا كَانَ مُخَيّرا بَينهَا وَلم يشرع لَهُ الْجمع فَإِن هَذَا نوع ثَالِث لم يرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَعُود الْجمع بَين تِلْكَ الْأَلْفَاظ فِي آن وَاحِد على مَقْصُود الدَّاعِي بالإبطال لِأَنَّهُ قصد مُتَابعَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفعل مَا لم يَفْعَله قطعا وَمِثَال مَا يتَرَجَّح فِيهِ أحد الْأَلْفَاظ حَدِيث الاستخارة فَإِن الرَّاوِي شكّ هَل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أَنْت كنت تعلم أَن هَذَا خير لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي أَو قَالَ وعاجل أَمْرِي وآجله بدل وعاقبة أَمْرِي وَالصَّحِيح اللَّفْظ الأول وَهُوَ قَوْله وعاقبة أَمْرِي لِأَن عَاجل الْأَمر وآجله هُوَ مَضْمُون قَوْله ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي فَيكون الْجمع بَين المعاش وعاجل الْأَمر وآجله تَكْرَارا بِخِلَاف ذكر المعاش وَالْعَاقبَة فَإِنَّهُ لَا تكْرَار فِيهِ فَإِن المعاش هُوَ عَاجل الْأَمر وَالْعَاقبَة آجله وَمن ذَلِك مَا ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من قَرَأَ عشر آيَات من أول سُورَة الْكَهْف عصم من فتْنَة الدَّجَّال // رَوَاهُ مُسلم // وَاخْتلف فِيهِ فَقَالَ بعض الروَاة من أول سُورَة الْكَهْف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وَقَالَ بَعضهم من آخرهَا وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيح لَكِن التَّرْجِيح لمن قَالَ من أول سُورَة الْكَهْف لِأَن فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث النواس بن سمْعَان فِي قصَّة الدَّجَّال فَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فاقرؤوا عَلَيْهِ فواتح سُورَة الْكَهْف وَلم يخْتَلف فِي ذَلِك وَهَذَا يدل على أَن من روى الْعشْر من أول السُّورَة حفظ الحَدِيث وَمن روى من آخرهَا لم يحفظه الْخَامِس أَن الْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ الْمَعْنى وَالتَّعْبِير عَنهُ بِعِبَارَة مؤدية لَهُ فَإِذا عبر عَنهُ بِإِحْدَى العبارتين حصل الْمَقْصُود فَلَا يجمع بَين الْعبارَات المتعددة السَّادِس أَن أحد اللَّفْظَيْنِ بدل عَن الآخر فَلَا يسْتَحبّ الْجمع بَين الْبَدَل والمبدل مَعًا كَمَا لَا يسْتَحبّ ذَلِك فِي المبدلات الَّتِي لَهَا أبدال وَالله تَعَالَى أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي يتَأَكَّد طلبَهَا إِمَّا وجوبا واما اسْتِحْبَابا مؤكداً الموطن الأول وَهُوَ اهمها اكدها فِي الصَّلَاة فِي آخر التَّشَهُّد وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على مشروعيته وَاخْتلفُوا فِي وُجُوبه فِيهَا فَقَالَت طَائِفَة لَيْسَ يواجب فِيهَا ونسبوا من أوجبه إِلَى الشذوذ وَمُخَالفَة الْإِجْمَاع مِنْهُم الطَّحَاوِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض والخطابي فَإِنَّهُ قَالَ لَيست بواجبة فِي الصَّلَاة وَهُوَ قَول جمَاعَة الْفُقَهَاء إِلَّا الشَّافِعِي وَلَا أعلم لَهُ قدوة وَكَذَلِكَ ابْن الْمُنْذر ذكر أَن الشَّافِعِي تفرد بذلك وَاخْتَارَ عدم الْوُجُوب وَاحْتج أَرْبَاب هَذَا القَوْل بِأَن قَالُوا وَاللَّفْظ لعياض وَالدَّلِيل على أَن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيست من فروض الصَّلَاة عمل السّلف الصَّالح قبل الشَّافِعِي وإجماعهم عَلَيْهِ وَقد شنع النَّاس عَلَيْهِ الْمَسْأَلَة جدا وَهَذَا تشهد ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِي وَهُوَ الَّذِي علمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه لَيْسَ فِيهِ الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ كل من روى التَّشَهُّد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَابْن عمر وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَعبد الله بن الزبير رَضِي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الله عَنْهُم لم يذكرُوا فِيهِ الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ ابْن عَبَّاس وَجَابِر كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن وَنَحْوه عَن أبي سعيد وَقَالَ ابْن عمر كَانَ أَبُو بكر يعلمنَا التَّشَهُّد على الْمِنْبَر كَمَا تعلمُونَ الصّبيان فِي الْكتاب وَكَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يُعلمهُ أَيْضا على الْمِنْبَر يَعْنِي وَلَيْسَ فِي شَيْء من ذَلِك أَمرهم فِيهِ بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد وَمن حجَّة من قَالَ بِأَن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيست فرضا فِي الصَّلَاة حَدِيث الْحسن بن الْحر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة اخذ عَلْقَمَة بيَدي فَقَالَ إِن عبد الله أَخذ بيَدي كَمَا أخذت بِيَدِك فعلمني التَّشَهُّد فَذكر الحَدِيث إِلَى قَوْله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله قَالَ فَإِذا أَنْت قلت ذَلِك فقد قضيت الصَّلَاة فَإِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ قَالُوا فَفِي هَذَا الحَدِيث مَا يشْهد لمن لم ير الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد وَاجِبَة وَلَا سنة مسنونة وَأَن من تشهد فقد تمت صلَاته إِن شَاءَ قَامَ وَإِن شَاءَ قعد قَالُوا لِأَن ذَلِك لَو كَانَ وَاجِبا أَو سنة فِي التَّشَهُّد لبين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك وَذكره وَقَالُوا أَيْضا فقد روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ والطَّحَاوِي من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رفع رَأسه من آخر السُّجُود فقد مَضَت صلَاته إِذا هُوَ أحدث وَاللَّفْظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 لحَدِيث الطَّحَاوِيّ وعندكم لَا تمْضِي صلَاته حَتَّى يصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا وَقد روى عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِذا جلس مِقْدَار التَّشَهُّد ثمَّ أحدث فقد تمت صلَاته وَمن حجتهم أَيْضا حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود فِي التَّشَهُّد وَقَالَ ثمَّ ليتخير مَا احب من الْكَلَام يَعْنِي وَلم يذكر الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن محجتهم أَيْضا حَدِيث فضَالة بن عبيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يَدْعُو فِي صلَاته وَلم يحمد الله وَلم يصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عجل هَذَا ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَو لغيره إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بِحَمْد ربه وَالثنَاء عَلَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ // إِسْنَاده حسن // قَالُوا فَفِي حَدِيث فضَالة هَذَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمر هَذَا الْمُصَلِّي الَّذِي ترك الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا لَو كَانَت فرضا لأَمره بِإِعَادَة الصَّلَاة كَمَا أَمر الَّذِي لم يتم رُكُوعه وَلَا سُجُوده بِالْإِعَادَةِ وَاحْتج هَؤُلَاءِ أَيْضا بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعلمهَا الْمُسِيء فِي صلَاته وَلَو كَانَت من فروض الصَّلَاة الَّتِي لَا تصح إِلَّا بهَا لعلمه إِيَّاهَا كَمَا علمه الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع وَالسُّجُود والطمأنينة فِي الصَّلَاة وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَن الْفَرَائِض إِنَّمَا تثبت بِدَلِيل صَحِيح لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 معَارض لَهُ من مثله أَو بِإِجْمَاع مِمَّن تقوم الْحجَّة بإجماعهم فَهَذَا جلّ مَا احْتج بِهِ النفاة وعمدتهم ونازعهم آخَرُونَ فِي ذَلِك نقلا واستدلالا وَقَالُوا أما نسبتكم الشَّافِعِي وَمن قَالَ بقوله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَى الشذوذ وَمُخَالفَة الْإِجْمَاع فَلَيْسَ بِصَحِيح فقد قَالَ بقوله جمَاعَة من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فَمنهمْ عبد الله بن مَسْعُود فَإِنَّهُ كَانَ يَرَاهَا وَاجِبَة فِي الصَّلَاة وَيَقُول لَا صَلَاة لمن لم يصل فِيهَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكره ابْن عبد الْبر عَنهُ فِي التَّمْهِيد وَحَكَاهُ غَيره أَيْضا وَمِنْهُم أَبُو مَسْعُود البدري روى عُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيره عَن شريك بن جَابر الْجعْفِيّ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ عَن أبي مَسْعُود قَالَ مَا أرى أَن صَلَاة لي تمت حَتَّى أُصَلِّي فِيهَا على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَمِنْهُم عبد الله بن عمر ذكره الْحسن بن شبيب المعمري حَدثنَا عَليّ بن مَيْمُون حَدثنَا خَالِد بن حسان عَن جَعْفَر بن برْقَان عَن عقبَة بن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه قَالَ لَا تكون صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَة وَتشهد وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن نسيت شَيْئا من ذَلِك فاسجد سَجْدَتَيْنِ بعد السَّلَام وَقَالَ حَدثنَا عُثْمَان ابْن أبي شيبَة حَدثنَا شريك عَن أبي جَعْفَر قَالَ قَالَ أَبُو مَسْعُود البدري مَا أرى أَن صَلَاة لي تمت لَا أُصَلِّي فِيهَا على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وَمن التَّابِعين أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ وَالشعْبِيّ وَمُقَاتِل بن حَيَّان وَمن أَرْبَاب الْمذَاهب المتبوعين إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قَالَ إِن تَركهَا عمدا لم تصح صلَاته وَإِن تَركهَا سَهوا رَجَوْت أَن تُجزئه قلت عَن إِسْحَاق فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ ذكرهمَا عَنهُ حَرْب فِي مسَائِله قَالَ بَاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد التَّشَهُّد قَالَ سَأَلت إِسْحَاق قلت الرجل إِذا تشهد فَلم يصل عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أما أَنا فَأَقُول إِن صلَاته جَائِزَة وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز صلَاته ثمَّ قَالَ أَنا أذهب إِلَى حَدِيث الْحسن بن الْحر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة فَذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ حَرْب سَمِعت أَبَا يَعْقُوب يَعْنِي إِسْحَاق يَقُول إِذا فرغ من التَّشَهُّد إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما صلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُجزئهُ غير ذَلِك لقَوْل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عرفنَا السَّلَام عَلَيْك يَعْنِي فِي التَّشَهُّد وَالسَّلَام فِيهَا فَكيف الصَّلَاة فَأنْزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الْأَحْزَاب 56 وَفسّر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ هِيَ فأدنى ذكر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ يَكْفِيهِ فليقله بعد التَّشَهُّد وَالتَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الجلسة الاخيرة عملان هما عَدْلَانِ لَا يجوز أحد أَن يتْرك وَاحِدًا مِنْهُمَا عمدا وَإِن كَانَ نَاسِيا رجونا أَن تُجزئه مَعَ أَن بعض عُلَمَاء الْحجاز قَالَ لَا يُجزئهُ ترك الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن تَركه أعَاد الصَّلَاة تمّ كَلَامه وَأما الإِمَام أَحْمد فاختلفت الرِّوَايَة عَنهُ فَفِي مسَائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 الْمروزِي قيل لأبي عبد الله إِن ابْن رَاهْوَيْةِ يَقُول لَو أَن رجلا ترك الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد بطلت صلَاته قَالَ مَا أجترئ أَن أَقُول هَذَا وَقَالَ مرّة هَذَا شذوذ وَفِي مسَائِل أبي زرْعَة الدِّمَشْقِي قَالَ أَحْمد كنت أتهيب ذَلِك ثمَّ تبينت فَإِذا الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجِبَة وَظَاهر هَذَا أَنه رَجَعَ عَن قَوْله بِعَدَمِ الْوُجُوب وَأما قَوْلكُم الدَّلِيل على عدم وُجُوبهَا عمل السّلف الصَّالح قبل الشَّافِعِي وإجماعهم عَلَيْهِ فَجَوَابه أَن استدلالكم إِمَّا أَن يكون بِعَمَل النَّاس فِي صلَاتهم وَإِمَّا بقول أهل الْإِجْمَاع إِنَّهَا لَيست بواجبة فَإِن كَانَ الِاسْتِدْلَال بِالْعَمَلِ فَهُوَ من أقوى حجَجنَا عَلَيْكُم فَإِنَّهُ لم يزل عمل النَّاس مستمراً قرنا بعد قرن وعصراً بعد عصر على الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر التَّشَهُّد إمَامهمْ ومأمومهم ومنفردهم ومفترضهم ومتنفلهم حَتَّى لَو سُئِلَ كل مصل هَل صليت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة لقَالَ نعم وَحَتَّى لَو سلم من غير صَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلم المأمومون مِنْهُ ذَلِك لأنكروا ذَلِك عَلَيْهِ وَهَذَا أَمر لَا يُمكن إِنْكَاره فَالْعَمَل أقوى حجَّة عَلَيْكُم فَكيف يسوغ لكم أَن تَقولُوا عمل السّلف الصَّالح قبل الشَّافِعِي يَنْفِي الْوُجُوب أفترى السّلف الصَّالح كلهم مَا كَانَ أحد مِنْهُم قطّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلَاته وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل وَأما إِن كَانَ احتجاجكم بقول أهل الْإِجْمَاع أَيْضا إِنَّهَا لَيست الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 بِفَرْض فَهَذَا مَعَ أَنه لَا يُسمى عملا لم يُعلمهُ أهل الْإِجْمَاع وَإِنَّمَا هُوَ مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة وأصحابهما وغايته أَنه قَول كثير من أهل الْعلم وَقد نازعهم فِي ذَلِك آخَرُونَ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأرباب الْمذَاهب كَمَا تقدم فَهَذَا ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأَبُو مَسْعُود وَالشعْبِيّ وَمُقَاتِل بن حَيَّان وجعفر بن مُحَمَّد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَالْإِمَام أَحْمد فِي آخر قوليه يوجبون الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد فَأَيْنَ إِجْمَاع الْمُسلمين مَعَ خلاف هَؤُلَاءِ وَأَيْنَ عمل السّلف الصَّالح وَهَؤُلَاء من أفاضلهم رَضِي الله عَنْهُم وَلَكِن هَذَا شَأْن من لم يتتبع مَذَاهِب الْعلمَاء وَيعلم مواقع الْإِجْمَاع والنزاع وَأما قَوْله قد شنع النَّاس على الشَّافِعِي الْمَسْأَلَة جدا فيا سُبْحَانَ الله أَي شناعة عَلَيْهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهل هِيَ إِلَّا من محَاسِن مذْهبه ثمَّ لَا يستحي المشنع عَلَيْهِ مثل هَذِه الْمَسْأَلَة من الْمسَائِل الَّتِي شنعتها ظَاهِرَة جدا يعرفهَا من عرفهَا من الْمسَائِل الَّتِي تخَالف النُّصُوص أَو تخَالف الْإِجْمَاع السَّابِق أَو الْقيَاس أَو الْمصلحَة الراجحة وَلَو تتبعت لبلغت مئين وَلَيْسَ تتبع الْمسَائِل المستشنعة من عَادَة أهل الْعلم فيقتدى بهم فِي ذكرهَا وعدها وَالْمنصف خصم نَفسه فَأَي كتاب خَالف الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أم أَي سنة أم أَي إِجْمَاع وَلأَجل أَن قَالَ قولا اقتضته الْأَدِلَّة وَقَامَت على صِحَّته وَهُوَ من تَمام الصَّلَاة بِلَا خلاف أما إتْمَام واجباتها أَو تَمام مستحباتها فَهُوَ رَحمَه الله رأى أَنه من تَمام واجباتها بالأدلة الَّتِي سنذكرها فِيمَا بعد ذَلِك فَلَا إِجْمَاعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 خرقه وَلَا نصا خَالفه فَمن أَي وَجه يشنع عَلَيْهِ وَهل الشناعة إِلَّا بِمن شنع عَلَيْهِ أليق وَبِه ألحق وَأما قَوْله وَهَذَا تشهد ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِي وَهُوَ الَّذِي علمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه إِلَى آخِره فَهَكَذَا رَأَيْته فِي النُّسْخَة الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِي وَالشَّافِعِيّ إِنَّمَا اخْتَار تشهد ابْن عَبَّاس أما تشهد ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَأَبُو حنيفَة وَأحمد اختاراه وَمَالك اخْتَار تشهد عمر وَبِالْجُمْلَةِ فجواب ذَلِك من وُجُوه أَحدهَا أَنا نقُول بِمُوجب هَذَا الدَّلِيل فَإِن مُقْتَضَاهُ وجوب التَّشَهُّد وَلَا يَنْفِي وجوب غَيره فَإِنَّهُ لم يقل أحد إِن هَذَا التَّشَهُّد هُوَ جَمِيع الْوَاجِب من الذّكر فِي هَذِه الْقعدَة فإيجاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِدَلِيل آخر لَا يكون مُعَارضا بترك تَعْلِيمه فِي أَحَادِيث التَّشَهُّد الثَّانِي أَنكُمْ توجبون السَّلَام من الصَّلَاة وَلم يعلمهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه فِي أَحَادِيث التَّشَهُّد فَإِن قُلْتُمْ إِنَّمَا اوجبنا السَّلَام بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم // سَنَده حسن // قيل لَكِن وَنحن أَوجَبْنَا الصَّلَاة على النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأدلة الْمُقْتَضِيَة لَهَا فَإِن كَانَ تَعْلِيم التَّشَهُّد وَحده مَانِعا من إِيجَاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَانِعا من إِيجَاب السَّلَام وَإِن لم يمنعهُ لم يمْنَع وجوب الصَّلَاة الثَّالِث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا علمهمْ التَّشَهُّد عَمَلهم الصَّلَاة عَلَيْهِ فَكيف يكون تَعْلِيمه للتَّشَهُّد دَالا على وُجُوبه وتعليمه الصَّلَاة لَا يدل على وُجُوبهَا فَإِن قُلْتُمْ التَّشَهُّد الَّذِي علمهمْ إِيَّاه هُوَ تشهد الصَّلَاة وَلِهَذَا قَالَ فِيهِ فَإِذا جلس أحدكُم فَلْيقل التَّحِيَّات لله وَأما تَعْلِيم الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمطلق قُلْنَا وَالصَّلَاة الَّتِي علمهمْ إِيَّاهَا عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ فِي الصَّلَاة أَيْضا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَقَوله كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن جلسنا فِي صَلَاتنَا وَقد تقدم فِي الْبَاب الأول الثَّانِي إِن الصَّلَاة الَّتِي سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعلمهُمْ إِيَّاهَا نَظِير السَّلَام الَّذِي علموه لأَنهم قَالُوا هَذَا السَّلَام عَلَيْك قد عَرفْنَاهُ فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك وَمن الْمَعْلُوم أَن السَّلَام الَّذِي علموه هُوَ قَوْلهم فِي الصَّلَاة السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَوَجَبَ أَن تكون الصَّلَاة المقرونة بِهِ هِيَ فِي الصَّلَاة وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَمام تَقْرِير ذَلِك الرَّابِع أَنه لَو قدر أَن أَحَادِيث التَّشَهُّد تَنْفِي وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَانَتْ أَدِلَّة وُجُوبهَا مُقَدّمَة على تِلْكَ لِأَن نَفيهَا يَنْبَنِي على اسْتِصْحَاب الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة ووجوبها ناقل عَنْهَا والناقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 مقدم على الْمَنْفِيّ فَكيف وَلَا تعَارض فَإِن غَايَة مَا ذكرْتُمْ تَعْلِيم التَّشَهُّد أَدِلَّة ساكتة عَن وجوب غَيره وَمَا سكت عَن وجوب شَيْء لَا يكون مُعَارضا لما نطق بِوُجُوبِهِ فضلا عَن أَن يقدم عَلَيْهِ الْخَامِس أَن تعليمهم التَّشَهُّد كَانَ مُتَقَدما بل لَعَلَّه من حِين فرضت الصَّلَاة وَأما تعليمهم الصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَانَ بعد نزُول قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الْأَحْزَاب 56 وَمَعْلُوم أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْأَحْزَاب بعد نِكَاحه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب بنت جحش بعد تخييره أَزوَاجه فَهِيَ بعد فرض التَّشَهُّد فَلَو قدر أَن فرض التَّشَهُّد كَانَ نافياً لوُجُوب الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكَانَ مَنْسُوخا بأدلة الْوُجُوب فَإِنَّهَا مُتَأَخِّرَة وَالْفرق بَين هَذَا الْوَجْه وَالَّذِي قبله أَن هَذَا يَقْتَضِي تَقْدِيم أَدِلَّة الْوُجُوب لتأخرها وَالَّذِي قبله يَقْتَضِي تَقْدِيمهَا لرفعها الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة من غير نظر إِلَى تقدم وَلَا تَأَخّر وَالَّذِي يدل على تَأَخّر الْأَمر بِالصَّلَاةِ عَن التَّشَهُّد قَوْلهم هَذَا السَّلَام عَلَيْك قد عَرفْنَاهُ فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك وَمَعْلُوم أَن السَّلَام عَلَيْهِ مقرون بِذكر التَّشَهُّد لم يشرع فِي الصَّلَاة وَحده بِدُونِ ذكر التَّشَهُّد وَالله أعلم وَأما قَوْله وَمن حجَّة من لم يرهَا فرضا فِي الصَّلَاة حَدِيث الْحسن بن الْحر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة فَذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَفِيه فَإِذا قلت ذَلِك فقد قضيت الصَّلَاة فَإِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ وَلم يذكر الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 فَجَوَابه من وُجُوه أَحدهَا أَن هَذِه الزِّيَادَة مدرجة فِي الحَدِيث وَلَيْسَت من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين ذَلِك الْأَئِمَّة الْحفاظ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب الْعِلَل رَوَاهُ الْحسن بن الْحر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله حدث بِهِ عَنهُ مُحَمَّد بن عجلَان وحسين الْجعْفِيّ وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَعبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن ثَوْبَان فَأَما ابْن عجلَان وحسين الْجعْفِيّ فاتفقا على لَفظه وَأما زُهَيْر فَزَاد عَلَيْهِمَا فِي آخِره كلَاما أدرجه بعض الروَاة عَن زُهَيْر فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ قَوْله إِذا قضيت هَذَا أَو فعلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَرَوَاهُ شَبابَة بن سوار عَن زُهَيْر ففصل بَين لفظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ فِيهِ عَن زُهَيْر قَالَ ابْن مَسْعُود هَذَا الْكَلَام وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن ثَوْبَان عَن الْحسن بن الْحر وَبَينه وَفصل كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَلَام ابْن مَسْعُود وَهُوَ الصَّوَاب وَقَالَ فِي كتاب السّنَن وَقد ذكر حَدِيث زُهَيْر عَن الْحسن بن الْحر هَذَا وَذكر الزِّيَادَة ثمَّ قَالَ أدرجه بَعضهم عَن زُهَيْر فِي الحَدِيث وَوَصله بِكَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفصله شَبابَة عَن زُهَيْر وَجعله من كَلَام عبد الله رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ من قَول من أدرجه فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن ابْن ثَوْبَان رَوَاهُ عَن الْحسن بن الْحر كَذَلِك وَجعل آخِره من قَول ابْن مَسْعُود ولاتفاق حُسَيْن الْجعْفِيّ وَابْن عجلَان وَمُحَمّد بن أبان فِي روايتهم عَن الْحسن بن الْحر على ترك ذكره فِي آخر الحَدِيث مَعَ اتِّفَاق كل من روى التَّشَهُّد عَن عَلْقَمَة وَعَن غَيره عَن عبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 مَسْعُود على ذَلِك ثمَّ ذكر رِوَايَة شَبابَة وفصله كَلَام عبد الله من حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ شَبابَة ثِقَة وَقد فصل آخر الحَدِيث جعله من قَول عبد الله بن مَسْعُود وَهُوَ أصح من رِوَايَة من أدرج فِي كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تَابعه غَسَّان بن الرّبيع وَغَيره فَرَوَاهُ عَن ابْن ثَوْبَان عَن الْحسن بن الْحر كَذَلِك وَجعله آخر الحَدِيث من كَلَام ابْن مَسْعُود لم يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر أَبُو بكر الْخَطِيب هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْفَصْل للوصل لَهُ وَقَالَ قَول من فصل كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَلَام ابْن مَسْعُود وَبَين أَن الصَّوَاب أَن هَذِه الزِّيَادَة مدرجة فَإِن قيل فَأنْتم قد رويتم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجِبَة فِي الصَّلَاة وَهَذَا الَّذِي ساعدكم على أَنه من قَول ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يبطل مَا رويتم عَنهُ فَإِن كَانَ الحَدِيث من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ نَص فِي عدم وُجُوبهَا وَإِن كَانَ من كَلَام ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَهُوَ مُبْطل لما رويتموه عَنهُ فَهَذَا سُؤال قوي وَقد أُجِيب عَنهُ بأجوبة أَحدهَا قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب قَوْله فَإِذا قلت فقد قضيت صَلَاتك مَعْنَاهُ أَنَّهَا قاربت التَّمام وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنا أجمعنا على أَن الصَّلَاة لم تتمّ وَهَذَا جَوَاب ضَعِيف لِأَنَّهُ قَالَ فَإِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ وَعند من يُوجب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُخَيّر بَين الْقيام وَالْقعُود حَتَّى يَأْتِي بهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 الْجَواب الثَّانِي أَن هَذَا حَدِيث خرج على معنى فِي التَّشَهُّد وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ فِي الصَّلَاة السَّلَام على الله فَقيل لَهُم إِن الله هُوَ السَّلَام وَلَكِن قُولُوا كَذَا فعلمهم التَّشَهُّد وَمعنى قَوْله إِذا قلت ذَلِك فقد تمت صَلَاتك يَعْنِي إِذا ضم إِلَيْهَا مَا يجب فِيهَا من رُكُوع وَسُجُود وَقِرَاءَة وَتَسْلِيم وَسَائِر أَحْكَامهَا أَلا ترى أَنه لم يذكر التَّسْلِيم من الصَّلَاة وَهُوَ من فرائضها لِأَنَّهُ قد وقفهم على ذَلِك فاستغنى عَن إِعَادَة ذَلِك عَلَيْهِم قَالُوا وَمثل حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّدَقَة إِنَّهَا تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم أَي وَمن ضمن إِلَيْهِم وَسمي مَعَهم فِي الْقُرْآن وهم الثَّمَانِية الْأَصْنَاف قَالُوا وَمثل ذَلِك قَوْله فِي حَدِيث الْمُسِيء فِي صلَاته ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل ثمَّ أمره بِفعل مَا رَآهُ لم يَأْتِ بِهِ أَو لم يقمه من صلَاته فَقَالَ إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَذكر الحَدِيث وَسكت عَن التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم وَقد قَامَ الدَّلِيل من غير هَذَا الحَدِيث على وجوب التَّشَهُّد وَوُجُوب التَّسْلِيم عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا علمهمْ من ذَلِك كَمَا يعلمهُمْ السُّورَة من الْقُرْآن وأعلمهم أَن ذَلِك فِي صلَاته وَقَامَ الدَّلِيل أَيْضا فِي الْمَسْأَلَة بِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَحَلَّل من الصَّلَاة بِهِ لَا بِغَيْرِهِ من غير هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 الحَدِيث فَكَذَلِك الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَأْخُوذَة من غير ذَلِك الحَدِيث قَالُوا وكما جَازَ لمن جعل التَّشَهُّد فرضا لحَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ هَذَا ورد من خَالفه وَقَالَ إِذا قعد بِمِقْدَار التَّشَهُّد فقد تمت صلَاته وَإِن لم يتَشَهَّد وعَلى من قَالَ إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الْآخِرَة فقد تمت صلَاته بِأَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا علق التَّمام فِي حَدِيثه بالتشهد جَازَ لمن أوجب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يحْتَج بالأحاديث الْمُوجبَة لَهَا وَتَكون حجَّته مِنْهَا على من نفى وُجُوبهَا كالحجة من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ على من نفي وجوب التَّشَهُّد أَو وجوب الْقعدَة مَعَه قَالُوا واستدلالنا أقوى من استدلالكم فَإِنَّهُ اسْتِدْلَال بِكِتَاب الله عز وَجل وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمل الْأمة قرنا بعد قرن فَإِن لم يكن ذَلِك أقوى من الِاسْتِدْلَال على وجوب التَّشَهُّد لم يكن دونه وَإِن كَانَ من الْفُقَهَاء من ينازعنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَهُوَ كمن ينازعكم من الْفُقَهَاء فِي وجوب التَّشَهُّد وَالْحجّة فِي الدَّلِيل أَيْن كَانَ وَمَعَ من كَانَ الْجَواب الثَّالِث أَنه لَا يُمكن أحدا مِمَّن ينازعنا أَن يحْتَج علينا بِهَذَا الْأَثر لَا مَرْفُوعا وَلَا مَوْقُوفا يُقَال لمن احْتج بِهِ لَا يَخْلُو إِمَّا إِن يكون قَوْله إِذا قلت هَذَا فقد تمت صَلَاتك مُقْتَصرا عَلَيْهِ أَو مُضَافا إِلَى سَائِر واجباتها وَالْأول محَال وباطل وَالثَّانِي حق وَلكنه لَا يَنْفِي وجوب شَيْء مِمَّا تنَازع فِيهِ الْفُقَهَاء من وَاجِبَات الصَّلَاة فضلا عَن نَفْيه وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِهَذَا كَانَ التَّسْلِيم من تَمام الصَّلَاة وواجباتها عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 مَالك وَكَذَا الْجُلُوس للتَّشَهُّد وَلم يذكرهُ وَكَذَا إِن كَانَ عَلَيْهِ سَهْو وَاجِب فَإِنَّهُ لَا تتمّ الصَّلَاة إِلَّا بِهِ وَلم يذكرهُ يُوضحهُ الْجَواب الرَّابِع أَن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَن التَّشَهُّد لَيْسَ بِفَرْض بل إِذا جلس مِقْدَار التَّشَهُّد فقد تمت صلَاته تشهد أَو لم يتَشَهَّد والْحَدِيث دَلِيل على أَن الصَّلَاة لَا تتمّ إِلَّا بالتشهد فَإِن كَانَ استدلالكم بِأَنَّهُ علق على التَّمام بالتشهد فَلَا تجب الصَّلَاة بعده صَحِيحا فَهُوَ حجَّة عَلَيْكُم فِي قَوْلكُم بِعَدَمِ وجوب التَّشَهُّد لِأَنَّهُ علق بِهِ التَّمام وَبَطل قَوْلكُم بِنَفْي فَرِيضَة التَّشَهُّد وَإِن لم يكن الِاسْتِدْلَال بِهِ صَحِيحا بَطل مُعَارضَة أَدِلَّة الْوُجُوب بِهِ وَبَطل قَوْلكُم بِنَفْي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَطل قَوْلكُم على التَّقْدِيرَيْنِ فَإِن قُلْتُمْ نَحن نجيب عَن هَذَا بِأَن قَوْله فَإِذا قلت هَذَا فقد تمت صَلَاتك المُرَاد بِهِ تَمام الِاسْتِحْبَاب وَتَمام الْوَاجِب قد انْقَضى بِالْجُلُوسِ قيل لكم هَذَا فَاسد على قَول من نفي الصَّلَاة وعَلى قَول من أوجبهَا لِأَن من نفى وُجُوبهَا لَا يُنَازع فِي أَن تَمام الِاسْتِحْبَاب مَوْقُوف عَلَيْهَا وَأَن الصَّلَاة لَا تتمّ التَّمام الْمُسْتَحبّ إِلَّا بهَا وَمن أوجبهَا يَقُول لَا تتمّ التَّمام الْوَاجِب إِلَّا بهَا فعلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يمكنكم الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ أصلا قَوْله روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو وَفِيه إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة فقد مَضَت صلَاته جَوَابه من وُجُوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 أَحدهَا أَن الحَدِيث مَعْلُول وَبَيَان تَعْلِيله من وُجُوه أَحدهَا أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ وَقد اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَاده الثَّانِي أَنه من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم الإفْرِيقِي وَقد ضعفه غير وَاحِد من الْأَئِمَّة الثَّالِث أَنه من رِوَايَة بكر بن سوَادَة عَن عبد الله بن عَمْرو وَلم يلقه فَهُوَ مُنْقَطع الرَّابِع أَنه مُضْطَرب الْإِسْنَاد كَمَا ذكره التِّرْمِذِيّ الْخَامِس انه مُضْطَرب الْمَتْن فَمرَّة يَقُول إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة فقد مَضَت صلَاته وَلَفظ أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ غير هَذَا وَهُوَ إِذا أحدث الرجل وَقد جلس فِي آخر صلَاته قبل أَن يسلم فقد جَازَت صلَاته وَهَذَا غير لفظ الطَّحَاوِيّ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِلَفْظ آخر فَقَالَ إِذا قضى الإِمَام الصَّلَاة فَقعدَ فأحدث هُوَ أَو أحد مِمَّن ائتم بِالصَّلَاةِ مَعَه قبل أَن يسلم الإِمَام فقد تمت صلَاته فَلَا يعود فِيهَا فَهَذَا مَعْنَاهُ غير معنى الأول قَالَ الطَّحَاوِيّ وَقد روى بِلَفْظ آخر إِذا رفع الْمُصَلِّي رَأسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 من آخر صلَاته وَقضى تشهده ثمَّ أحدث فقد تمت صلَاته وَكلهَا مدارها على الإفْرِيقِي ويوشك أَن يكون هَذَا من سوء حفظه وَالله أعلم قَوْله وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِذا جلس مِقْدَار التَّشَهُّد تمت صلَاته جَوَابه أَن عَليّ بن سعيد قَالَ فِي مسَائِله سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَمَّن ترك التَّشَهُّد فَقَالَ يُعِيد قلت فَحَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ من قعد مِقْدَار التَّشَهُّد فَقَالَ لَا يَصح وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف حَدِيث عَليّ وَعبد الله بن عمر وَقَوله وروى الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قصَّة التَّشَهُّد وَقَالَ ثمَّ ليختر من الْكَلَام مَا شَاءَ وَلم يذكر الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يكون مُعَارضا لأحاديث الْوُجُوب كَمَا تقدم تَقْرِيره قَوْله وَحَدِيث فضَالة عَن عبيد يدل على نفي الْوُجُوب جَوَابه أَن حَدِيث فضَالة حجَّة لنا فِي الْمَسْأَلَة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّد وَأمره للْوُجُوب فَهُوَ نَظِير أمره بالتشهد وَإِذا كَانَ الْأَمر متناولاً لَهما فالتفريق بَين المأمورين تحكم فَإِن قُلْتُمْ التَّشَهُّد عندنَا لَيْسَ بِوَاجِب قُلْنَا الحَدِيث حجَّة لنا عَلَيْكُم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْوَاجِب إتباع الدَّلِيل قَوْله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمر هَذَا الْمُصَلِّي بِإِعَادَة الصَّلَاة وَلَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 كَانَت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرضا لأَمره بإعادتها كَمَا أَمر الْمُسِيء فِي صلَاته جَوَابه من وُجُوه أَحدهَا أَن هَذَا كَانَ غير عَالم بِوُجُوبِهَا مُعْتَقدًا أَنَّهَا غير وَاجِبَة فَلم يَأْمُرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْإِعَادَةِ وَأمره فِي الْمُسْتَقْبل أَن يَقُولهَا فَأمره بقولِهَا فِي الْمُسْتَقْبل دَلِيل على وُجُوبهَا وَترك أمره بِالْإِعَادَةِ دَلِيل على أَنه يعْذر الْجَاهِل بِعَدَمِ الْوُجُوب وَهَذَا كَمَا لم يَأْمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسِيء فِي الصَّلَاة بِإِعَادَة مَا مضى من الصَّلَوَات وَقد أخبرهُ أَنه لَا يحسن غير تِلْكَ الصَّلَاة عذرا لَهُ بِالْجَهْلِ فَإِن قيل فَلم أمره أَن يُعِيد تِلْكَ الصَّلَاة وَلم يعذرهُ بِالْجَهْلِ قُلْنَا لِأَن الْوَقْت بَاقٍ وَقد علم أَرْكَان الصَّلَاة فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يَأْتِي بهَا فَإِن قيل فَهَلا أَمر تَارِك الصَّلَاة عَلَيْهِ بِإِعَادَة تِلْكَ الصَّلَاة كَمَا أَمر الْمُسِيء قُلْنَا أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهَا مُحكم ظَاهر فِي الْوُجُوب وَيحْتَمل أَن الرجل لما سمع ذَلِك الْأَمر من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَادر إِلَى الْإِعَادَة من غير أَن يَأْمُرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحْتَمل أَن تكون الصَّلَاة نفلا لَا تجب عَلَيْهِ إِعَادَتهَا وَيحْتَمل غير ذَلِك فَلَا يتْرك الظَّاهِر من الْأَمر وَهُوَ دَلِيل مُحكم لهَذَا المشتبه الْمُحْتَمل وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم فَحَدِيث فضَالة إِمَّا مُشْتَرك الدّلَالَة على السوَاء فَلَا حجَّة لكم فِيهِ وَإِمَّا رَاجِح الدّلَالَة من جانبنا كَمَا ذَكرْنَاهُ فَلَا حجَّة لكم فِيهِ أَيْضا فعلى التَّقْدِيرَيْنِ سقط احتجاجكم بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 قَوْله لم يعلّمها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسِيء فِي الصَّلَاة وَلَو كَانَت فرضا لعلمها إِيَّاه جَوَابه من وُجُوه أَحدهَا أَن حَدِيث الْمُسِيء هَذَا قد جعله الْمُتَأَخّرُونَ مُسْتَندا لَهُم فِي نفي كل مَا ينفون وُجُوبه وَحَمَلُوهُ فَوق طاقته وبالغوا فِي نفي مَا اخْتلف فِي وُجُوبه بِهِ فَمن نفى وجوب الْفَاتِحَة احْتج بِهِ وَمن نفى وجوب التَّسْلِيم احْتج بِهِ وَمن نفى وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتج بِهِ وَمن نفى وجوب أذكار الرُّكُوع وَالسُّجُود وركني الِاعْتِدَال احْتج بِهِ وَمن نفى وجوب تَكْبِيرَات الِانْتِقَالَات احْتج بِهِ وكل هَذَا تساهل واسترسال فِي الِاسْتِدْلَال وَإِلَّا فَعِنْدَ التَّحْقِيق لَا يَنْفِي وجوب شَيْء من ذَلِك بل غَايَته أَن يكون قد سكت عَن وُجُوبه ونفيه فإيجابه بالأدلة الْمُوجبَة لَهُ لَا يكون مُعَارضا بِهِ فَإِن قيل سُكُوته عَن الْأَمر بِغَيْر مَا أمره بِهِ يدل على أَنه لَيْسَ بِوَاجِب لِأَنَّهُ فِي مقَام الْبَيَان وَتَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة غير جَائِز قيل هَذَا لَا يُمكن أحد أَن يسْتَدلّ بِهِ على هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُ يلْزمه أَن يَقُول لَا يجب التَّشَهُّد وَلَا الْجُلُوس لَهُ وَلَا السَّلَام وَلَا النِّيَّة وَلَا قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَلَا كل شَيْء لم يذكرهُ فِي الحَدِيث وطرد هَذَا أَنه لَا يجب عَلَيْهِ اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَلَا الصَّلَاة فِي الْوَقْت لِأَنَّهُ لم يَأْمُرهُ بهما وَهَذَا لَا يَقُوله أحد فَإِن قُلْتُمْ إِنَّمَا علمه مَا أَسَاءَ فِيهِ وَهُوَ لم يسيء فِي ذَلِك قيل لكم فاقنعوا بِهَذَا الْجَواب من منازعيكم فِي كل مَا نفيتم وُجُوبه بِحَدِيث الْمُسِيء هَذَا الثَّانِي مَا أَمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَجزَاء الصَّلَاة دَلِيل ظَاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 فِي الْوُجُوب وَترك أمره للمسيء بِهِ يحْتَمل أموراً مِنْهَا انه لم يسىء فِيهِ وَمِنْهَا أَنه وَجب بعد ذَلِك وَمِنْهَا أَنه علمه مُعظم الْأَركان وأهمها واحال بَقِيَّة تعميمه على مشاهدته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلَاته أَو على تَعْلِيم بعض الصَّحَابَة لَهُ فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمُرهُم بتعليم بَعضهم بَعْضًا فَكَانَ من المستقر عِنْدهم أَنه دلهم فِي تَعْلِيم الْجَاهِل وإرشاد الضال وَأي مَحْذُور فِي أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علمه الْبَعْض وَعلمه أَصْحَابه الْبَعْض الآخر وَإِذا احْتمل هَذَا لم يكن هَذَا المشتبه الْمُجْمل مُعَارضا لأدلة وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا غَيرهَا من وَاجِبَات الصَّلَاة فضلا عَن أَن يقدم عَلَيْهَا فَالْوَاجِب تَقْدِيم الصَّرِيح الْمُحكم على المشتبه الْمُجْمل وَالله أعلم قَوْله الْفَرَائِض إِنَّمَا تثبت بِدَلِيل صَحِيح لَا معَارض لَهُ من مثله أَو بِإِجْمَاع قُلْنَا اسمعوا أدلتنا الْآن على الْوُجُوب فلنا عَلَيْهِ أَدِلَّة الدَّلِيل الأول قَوْله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الْأَحْزَاب 56 وَوجه الدّلَالَة أَن الله سُبْحَانَهُ أَمر الْمُؤمنِينَ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمره الْمُطلق على الْوُجُوب مَا لم يقم دَلِيل على خِلَافه وَقد ثَبت أَن أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم سَأَلُوهُ عَن كَيْفيَّة هَذِه الصَّلَاة الْمَأْمُور بهَا فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَقد ثَبت أَن السَّلَام الَّذِي علموه هُوَ السَّلَام عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة وَهُوَ سَلام التَّشَهُّد فمخرج الْأَمريْنِ والتعليمين والمحلين وَاحِد يُوضحهُ أَنه علمهمْ التَّشَهُّد آمراً لَهُم بِهِ فِيهِ وَفِيه ذكر التَّسْلِيم عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ عَن الصَّلَاة عَلَيْهِ فعلمهم إِيَّاهَا ثمَّ شبهها بِمَا علموه من التَّسْلِيم عَلَيْهِ وَهَذَا يدل على أَن الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم الْمَذْكُورين فِي الحَدِيث هما الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة يُوضحهُ أَنه لَو كَانَ المُرَاد بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ خَارج الصَّلَاة لَا فِيهَا لَكَانَ كل مُسلم مِنْهُم إِذا سلم علهي يَقُول لَهُ السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَمن الْمَعْلُوم أَنهم لم يَكُونُوا يتقيدون فِي السَّلَام عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّة بل كَانَ الدَّاخِل مِنْهُم يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَرُبمَا قَالَ السَّلَام على رَسُول الله وَرُبمَا قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَنَحْو ذَلِك وهم لم يزَالُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ من أول الْإِسْلَام بِتَحِيَّة الْإِسْلَام وَإِنَّمَا الَّذِي علموه قدر زَائِد عَلَيْهَا وَهُوَ السَّلَام عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة يُوضحهُ حَدِيث أبي إِسْحَاق كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا فِي صَلَاتنَا وَقد صحّح هَذِه اللَّفْظَة جمَاعَة من الْحفاظ مِنْهُم ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَقد تقدم فِي أول الْكتاب وَمَا أعلت بِهِ وَالْجَوَاب عَن ذَلِك وَإِذا تقرر أَن الصَّلَاة المسؤول عَن كيفيتها هِيَ الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي نفس الصَّلَاة وَقد خرج ذَلِك مخرج الْبَيَان الْمَأْمُور بِهِ مِنْهَا فِي الْقُرْآن ثَبت أَنَّهَا على الْوُجُوب ويضاف إِلَى ذَلِك أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا وَلَعَلَّ هَذَا وَجه مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى بقوله كنت اته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 ذَلِك ثمَّ تبينت فَإِذا هِيَ وَاجِبَة وَقد تقدم حِكَايَة كَلَامه وعَلى هَذَا الِاسْتِدْلَال أسئلة أَحدهَا أَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّلَام كَمَا علمْتُم يحْتَمل أَمريْن أَحدهمَا أَن يُرَاد بِهِ السَّلَام عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة وَالثَّانِي أَن يُرَاد بِهِ السَّلَام من الصَّلَاة نَفسهَا قَالَه ابْن عبد الْبر الثَّانِي أَن غَايَة مَا ذكرْتُمْ إِنَّمَا يدل دلَالَة اقتران الصَّلَاة بِالسَّلَامِ وَالسَّلَام وَاجِب فِي التَّشَهُّد فَكَذَا الصَّلَاة وَدلَالَة الاقتران ضَعِيفَة الثَّالِث أَنا لَا نسلم وجوب السَّلَام وَلَا الصَّلَاة وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مِنْكُم إِنَّمَا يتم بعد تَسْلِيم وجوب السَّلَام عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْجَوَاب عِنْد هَذِه الأسئلة أما الأول ففاسد جدا فَإِن فِي نفس الحَدِيث مَا يُبطلهُ وَهُوَ أَنهم قَالُوا هَذَا السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله قد عَرفْنَاهُ فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك لفظ البُخَارِيّ فِي حَدِيث أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُم إِنَّمَا سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كَيْفيَّة الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمَأْمُور بهما فِي الْآيَة لَا عَن كَيْفيَّة السَّلَام من الصَّلَاة وَأما السُّؤَال الثَّانِي فسؤال من لم يفهم وَجه تَقْرِير الدّلَالَة فَإنَّا لم نحتج بِدلَالَة الاقتران وَإِنَّمَا استدللنا بِالْأَمر بهَا فِي الْقُرْآن وَبينا أَن الصَّلَاة الَّتِي سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يعلمهُمْ إِيَّاهَا إِنَّمَا هِيَ الصَّلَاة الَّتِي فِي الصَّلَاة وَأما السُّؤَال الثَّالِث فَفِي غَايَة الْفساد فَإِنَّهُ لَا يعْتَرض على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة بِخِلَاف الْمُخَالف فَكيف يكون خلافكم فِي مَسْأَلَة قد قَامَ الدَّلِيل على قَول منازعيكم فِيهَا مُبْطلًا لدَلِيل صَحِيح لَا معَارض لَهُ فِي مَسْأَلَة أُخْرَى وَهل هَذَا إِلَّا عكس طَريقَة أهل الْعلم فَإِن الْأَدِلَّة هِيَ الَّتِي تبطل مَا خالفها من الْأَقْوَال ويعترض بهَا على من خَالف مُوجبهَا فَتقدم على كل قَول اقْتضى خلَافهَا لَا أَن أَقْوَال الْمُجْتَهدين تعَارض بهَا الْأَدِلَّة وَتبطل مقتضاها وَتقدم عَلَيْهَا ثمَّ إِن الحَدِيث حجَّة عَلَيْكُم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ دَلِيل على وجوب التَّسْلِيم وَالصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيجب الْمصير اليه الدَّلِيل الثَّانِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول ذَلِك فِي التَّشَهُّد وأمرنا أَن نصلي كصلاته وَهَذَا يدل على وجوب فعل مَا فعل فِي الصَّلَاة إِلَّا مَا خصّه الدَّلِيل فهاتان مقدمتان أما الْمُقدمَة الأولى فبيانها مَا روى الشَّافِعِي فِي مُسْنده عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد حَدثنِي سعد بن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن كَعْب بن عجْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول فِي الصَّلَاة اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَهَذَا وَإِن كَانَ فِيهِ إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى فقد وَثَّقَهُ جمَاعَة مِنْهُم الشَّافِعِي رَحمَه الله وَابْن الْأَصْبَهَانِيّ وَابْن عدي وَابْن عقدَة وَضَعفه آخَرُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 أما الْمُقدمَة الثَّانِيَة فبيانها مَا روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث قَالَ أَتَيْنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن شببة متقاربون فَأَقَمْنَا عِنْده عشْرين لَيْلَة فَظن أَنا اشتقنا إِلَى أهلنا وَسَأَلنَا عَمَّن تركنَا فِي أهلنا فَأَخْبَرنَاهُ وَكَانَ رَفِيقًا رحِيما فَقَالَ ارْجعُوا إِلَى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن أحدكُم وليؤمكم أكبركم وعَلى هَذَا الِاسْتِدْلَال من الأسئلة والاعتراضات مَا هُوَ مَذْكُور فِي غير هَذَا الْموضع الدَّلِيل الثَّالِث حَدِيث فضَالة بن عبيد فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ أَو لغيره إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتحميد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ وَالصَّلَاة ثمَّ ليصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ليَدع بِمَا شَاءَ وَقد تقدم رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى وَأهل السّنَن وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَاعْترض عَلَيْهِ بِوُجُوه أَحدهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمر هَذَا الْمُصَلِّي بِالْإِعَادَةِ وَقد تقدم جَوَابه الثَّانِي أَن هَذَا الدُّعَاء كَانَ بعد انْقِضَاء الصَّلَاة لَا فِيهَا بِدَلِيل مَا روى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه من حَدِيث رشدين فِي هَذَا بَينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعد إِذْ دخل رجل فصلى فَقَالَ اللَّهُمَّ أَغفر لي وارحمني فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيهَا الْمُصَلِّي إِذا صليت فَقَعَدت فاحمد الله بِمَا هُوَ أَهله وصل عَليّ ثمَّ ادْعُه وَجَوَاب هَذَا من وُجُوه أَحدهَا أَن رشدين ضعفه أَبُو زرْعَة وَغَيره فَلَا يكون حجَّة مَعَ استقلاله فَكيف إِذا خَالف الثِّقَات الْإِثْبَات لِأَن كل من روى هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يَدْعُو فِي صلَاته الثَّانِي أَن رشدين لم يقل فِي حَدِيثه إِن هَذَا الدَّاعِي دَعَا بعد انْقِضَاء الصَّلَاة وَلَا يدل لَفظه على ذَلِك بل قَالَ فصلى فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَهَذَا لَا يدل على أَنه قَالَ بعد فَرَاغه من الصَّلَاة وَنَفس الحَدِيث دَلِيل على ذَلِك فَإِنَّهُ قَالَ إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتحميد الله وَمَعْلُوم أَنه لم يرد بذلك الْفَرَاغ من الصَّلَاة بل الدُّخُول فِيهَا وَلَا سِيمَا فَإِن عَامَّة أدعية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا كَانَت فِي الصَّلَاة لَا بعْدهَا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعلي وَأبي مُوسَى وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَحُذَيْفَة وعمار وَغَيرهم وَلم ينْقل أحد مِنْهُم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو بِهِ فِي صلَاته فِي حَدِيث صَحِيح وَلما سَأَلَهُ الصّديق دُعَاء يَدْعُو بِهِ فِي صلَاته لم يقل ادْع بِهِ خَارج الصَّلَاة وَلم يقل لهَذَا الدَّاعِي ادْع بِهِ بعد سلامك من الصَّلَاة لَا سِيمَا وَالْمُصَلي مناج ربه مقبل عَلَيْهِ فدعاؤه ربه تَعَالَى فِي هَذِه الْحَال أنسب من دُعَائِهِ لَهُ بعد انْصِرَافه عَنهُ وفراغه من مناجاته الثَّالِث أَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاحمد الله بِمَا هُوَ أَهله إِنَّمَا أَرَادَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 بِهِ التَّشَهُّد فِي الْقعُود وَلِهَذَا قَالَ إِذا صليت فَقَعَدت يَعْنِي فِي تشهدك فَأمره بِحَمْد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ وَالصَّلَاة على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الِاعْتِرَاض الثَّالِث أَن الَّذِي أمره أَن يُصَلِّي فِيهِ وَيَدْعُو بعد تحميد الله غير معِين فَلم قُلْتُمْ إِنَّه بعد التَّشَهُّد وَجَوَاب هَذَا أَنه لَيْسَ فِي الصَّلَاة مَوضِع يشرع فِيهِ الثَّنَاء على الله ثمَّ الصَّلَاة على رَسُوله ثمَّ الدُّعَاء إِلَّا فِي التَّشَهُّد آخر الصَّلَاة فَإِن ذَلِك لَا يشرع فِي الْقيام وَلَا الرُّكُوع وَلَا السُّجُود اتِّفَاقًا فَعلم أَنه إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ آخر الصَّلَاة حَال جُلُوسه فِي التَّشَهُّد الِاعْتِرَاض الرَّابِع أَنه أمره فِيهِ بِالدُّعَاءِ عقب الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالدُّعَاء لَيْسَ بِوَاجِب فَكَذَا الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَوَاب هَذَا أَنه لَا يَسْتَحِيل أَن يَأْمر بشيئين فَيقوم الدَّلِيل على عدم وجوب أَحدهمَا فَيبقى الْأُخَر على أصل الْوُجُوب الثَّانِي أَن هَذَا الْمَذْكُور من الْحَمد وَالثنَاء هُوَ وَاجِب قبل الدُّعَاء فَإِنَّهُ هُوَ التَّشَهُّد وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ وَأخْبر الصَّحَابَة أَنه فرض عَلَيْهِم وَلم يكن اقتران الْأَمر بِالدُّعَاءِ بِهِ مسْقطًا لوُجُوبه فَكَذَا الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّالِث أَن قَوْلكُم الدُّعَاء لَا يجب بَاطِل فَإِن من الدُّعَاء مَا هُوَ وَاجِب وَهُوَ الدُّعَاء بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار من الذُّنُوب وَالْهِدَايَة وَالْعَفو وَغَيرهَا وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من لم يسْأَل الله يغْضب عَلَيْهِ // حَدِيث حسن // وَالْغَضَب لَا يكون إِلَّا على ترك وَاجِب أَو فعل محرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الِاعْتِرَاض الْخَامِس أَنه لَو كَانَت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرضا فِي الصَّلَاة لم يُؤَخر بَيَانهَا إِلَى هَذَا الْوَقْت حَتَّى يرى رجلا لَا يَفْعَلهَا فيأمره بهَا ولكان الْعلم بِوُجُوبِهَا مستفاداً قبل هَذَا الحَدِيث وَجَوَاب هَذَا أَنا لم نقل إِنَّهَا وَجَبت على الْأمة إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث بل هَذَا الْمُصَلِّي كَانَ قد تَركهَا فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا هُوَ مُسْتَقر مَعْلُوم من شَرعه وَهَذَا كَحَدِيث الْمُسِيء فِي صلَاته فَإِن وجوب الرُّكُوع وَالسُّجُود والطمأنينة على الْأمة لم يكن مستفاداً من حَدِيثه وَتَأْخِير بَيَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لذَلِك إِلَى حِين صَلَاة هَذَا الْأَعرَابِي وَإِنَّمَا أمره أَن يُصَلِّي الصَّلَاة الَّتِي شرعها لأمته قبل هَذَا الِاعْتِرَاض السَّادِس أَن أَبَا دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ قَالَا فِي هَذَا الحَدِيث حَدِيث فضَالة فَقَالَ لَهُ أَو لغيره بِحرف أَو وَلَو كَانَ هَذَا وَاجِبا على كل مُكَلّف لم يكن ذَلِك لَهُ أَو لغيره وَهَذَا اعْتِرَاض فَاسد من وُجُوه أَحدهَا أَن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة الَّتِي رَوَاهَا ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فَقَالَ لَهُ وَلغيره بِالْوَاو وَكَذَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم الثَّانِي أَن أَو هُنَا لَيست للتَّخْيِير بل للتقسيم وَالْمعْنَى أَن أَي مصل صلى فَلْيقل ذَلِك هَذَا أَو غَيره كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَلَا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَو كفورا) الدَّهْر 34 لَيْسَ المُرَاد التَّخْيِير بل الْمَعْنى أَن أَيهمَا كَانَ فَلَا تطعه إِمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا الثَّالِث أَن الحَدِيث صَرِيح فِي الْعُمُوم بقوله إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتحميد الله فَذكره الرَّابِع أَن فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة علمهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره وَهَذَا عَام الدَّلِيل الرَّابِع ثَلَاثَة أَحَادِيث كل مِنْهَا لَا تقوم الْحجَّة بِهِ عِنْد انْفِرَاده وَقد يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا عِنْد الِاجْتِمَاع أَحدهَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شمر عَن جَابر هُوَ الْجعْفِيّ عَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا بُرَيْدَة إِذا صليت فِي صَلَاتك فَلَا تتركن التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على فَإِنَّهَا زَكَاة الصَّلَاة وَسلم على جَمِيع أَنْبيَاء الله وَرُسُله وَسلم على عباد الله الصَّالِحين الثَّانِي مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من طَرِيق عَمْرو بن شمر عَن جَابر قَالَ قَالَ الشّعبِيّ سَمِعت مسرو بن الأجدع يَقُول قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 لَا يقبل الله صَلَاة إِلَّا بِطهُور وبالصلاة عليّ لَكِن عَمْرو بن شمر وَجَابِر لَا يحْتَج بحديثهما وَجَابِر أصلح من عَمْرو الثَّالِث مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس بن سهل بن سعد عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا صَلَاة لمن لم يصل على نبيه // إِسْنَاده ضَعِيف // صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أَبى بن عَبَّاس عَن أَبِيه عَن جده وَعبد الْمُهَيْمِن لَيْسَ بِحجَّة وأبيّ أَخُوهُ وَإِن كَانَ ثِقَة احْتج بِهِ البُخَارِيّ فَالْحَدِيث الْمَعْرُوف فِيهِ إِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة عبد الْمُهَيْمِن وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِالْوَجْهَيْنِ وَلَا يثبت الدَّلِيل الْخَامِس أَنه قد ثَبت وُجُوبهَا عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ وَقد تقدم ذَلِك وَلم يحفظ عَن أحد من الصَّحَابَة أَنه قَالَ لَا تجب وَقَول الصَّحَابِيّ إِذا لم يُخَالِفهُ غَيره حجَّة وَلَا سِيمَا على أصُول أهل الْمَدِينَة وَالْعراق الدَّلِيل السَّادِس أَن هَذَا عمل النَّاس من عهد نَبِيّهم إِلَى الْآن وَلَو كَانَت الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير وَاجِبَة لم يكن اتِّفَاق الْأمة فِي سَائِر الْأَمْصَار والأعصار على قَوْلهَا فِي التَّشَهُّد وَترك الْإِخْلَال بهَا وَقد قَالَ مقَاتل بن حَيَّان فِي تَفْسِيره فِي قَوْله عز وَجل {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة} الْمَائِدَة 55 قَالَ إِقَامَتهَا الْمُحَافظَة عَلَيْهَا وعَلى أَوْقَاتهَا وَالْقِيَام فِيهَا وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَالتَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد الْأَخير وَقد قَالَ الإِمَام احْمَد النَّاس عِيَال فِي التَّفْسِير على مقَاتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 قَالُوا فَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة من إِقَامَتهَا الْمَأْمُور بهَا فَتكون وَاجِبَة وَقد تمسك أَصْحَاب هَذَا القَوْل بأقيسة لَا حَاجَة إِلَى ذكرهَا قَالُوا ثمَّ نقُول لمنازعينا مَا مِنْكُم إِلَّا من أوجب فِي الصَّلَاة أَشْيَاء بِدُونِ هَذِه الْأَدِلَّة هَذَا أَبُو حنيفَة يَقُول بِوُجُوب الْوتر وَأَيْنَ أَدِلَّة وُجُوبه من أَدِلَّة وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُوجب الوضول على من قهقه فِي صلَاته بِحَدِيث مُرْسل لَا يُقَاوم أدلتنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَيُوجب الْوضُوء من الْقَيْء والرعاف والحجامة وَنَحْوهَا بأدلة لَا تقاوم أَدِلَّة هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَالك يَقُول إِن فِي الصَّلَاة أَشْيَاء بَين الْفَرْض وَالْمُسْتَحب لَيست بِفَرْض وَهِي فَوق الْفَضِيلَة والمستحبة يسميها أَصْحَابه سنناً كَقِرَاءَة سُورَة مَعَ الْفَاتِحَة وتكبيرات الِانْتِقَال والجلسة الأولى والجهر والمخافتة ويوجبون السُّجُود فِي تَركهَا على تَفْصِيل لَهُم فِيهِ وَأحمد يُسَمِّي هَذِه وَاجِبَات وَيُوجب السُّجُود لتركها سَهوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 فإيجاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لم يكن أقوى من إِيجَاب كثير من هَذِه فَلَيْسَتْ دونهَا فَهَذَا مَا احْتج بِهِ الْفَرِيقَانِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَالْمَقْصُود أَن تشنيع المشنع فِيهَا على الشَّافِعِي بَاطِل فَإِن مَسْأَلَة فِيهَا من الْأَدِلَّة والْآثَار مثل هَذَا كَيفَ يشنع على الذَّاهِب إِلَيْهَا وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 فصل الموطن الثَّانِي من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد الأول وَهَذَا قد اخْتلف فِيهِ فَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم يصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد الأول هَذَا هُوَ الْمَشْهُور من مذْهبه وَهُوَ الْجَدِيد لكنه يسْتَحبّ وَلَيْسَ بِوَاجِب وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يزِيد على التَّشَهُّد وَهَذِه رِوَايَة الْمُزنِيّ عَنهُ وَبِهَذَا قَالَ احْمَد أَبُو حنيفَة وَمَالك وَغَيرهم وَاحْتج لقَوْل الشَّافِعِي بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا التَّشَهُّد التَّحِيَّات الطَّيِّبَات الزاكيات لله السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم // إِسْنَاده ضَعِيف جدا // وروى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن شمر عَن جَابر عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 يَا بُرَيْدَة إِذا جَلَست فِي صَلَاتك فَلَا تتركن الصَّلَاة عَليّ فَإِنَّهَا زَكَاة الصَّلَاة وَقد تقدم قَالُوا وَهَذَا يعم الْجُلُوس الأول وَالْآخر وَاحْتج لَهُ أَيْضا بِأَن الله تَعَالَى أَمر الْمُؤمنِينَ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيم على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدلَّ على أَنه حَيْثُ شرع التَّسْلِيم عَلَيْهِ شرعت الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلِهَذَا سَأَلَهُ الصَّحَابَة عَن كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ وَقَالُوا قد علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك فَدلَّ على أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ مقرونة بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعْلُوم أَن الْمُصَلِّي يسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيشرع لَهُ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَكَان شرع فِيهِ التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشرع فِيهِ الصَّلَاة عَلَيْهِ كالتشهد الْأَخير قَالُوا وَلِأَن التَّشَهُّد الأول مَحل يسْتَحبّ فِيهِ ذكر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستحب فِيهِ الصَّلَاة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أكمل فِي ذكره قَالُوا وَلِأَن فِي حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن جلسنا فِي صَلَاتنَا وَقَالَ الْآخرُونَ لَيْسَ التَّشَهُّد الأول بِمحل لذَلِك وَهُوَ الْقَدِيم من قولي الشَّافِعِي وَهُوَ الَّذِي صَححهُ كثير من أَصْحَابه لِأَن التَّشَهُّد الأول تخفيفه مَشْرُوع وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جلس فِيهِ كَأَنَّهُ على الرضف وَلم يثبت عَنهُ أَنه كَانَ يفعل ذَلِك فِيهِ وَلَا علمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 للْأمة وَلَا يعرف أَن أحدا من الصَّحَابَة استحبه وَلِأَن مَشْرُوعِيَّة ذَلِك لَو كَانَت كَمَا ذكرْتُمْ من الْأَمر لكَانَتْ وَاجِبَة فِي هَذَا الْمحل كَمَا فِي الْأَخير لتناول الْأَمر لَهما وَلِأَنَّهُ لَو كَانَت الصَّلَاة مُسْتَحبَّة فِي هَذَا المومضع لاستحب فِيهِ الصَّلَاة على آله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يفرد نَفسه دون آله بِالْأَمر بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بل أَمرهم بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وعَلى آله فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَلِأَنَّهُ لَو كَانَت الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَشْرُوعَة لشرع فِيهَا ذكر إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم لِأَنَّهَا هِيَ صفة الصَّلَاة الْمَأْمُور بهَا وَلِأَنَّهَا لَو شرعت فِي هَذِه الْمَوَاضِع لشرع فِيهَا الدُّعَاء بعْدهَا لحَدِيث فضَالة وَلم يكن فرق بَين التَّشَهُّد الأول والأخير قَالُوا وَأما مَا استدللتم بِهِ من الْأَحَادِيث فَمَعَ ضعفها بمُوسَى بن عُبَيْدَة وَعَمْرو بن شمر وَجَابِر الْجعْفِيّ لَا تدل لِأَن المُرَاد بالتشهد فِيهَا هُوَ الْأَخير دون الأول بِمَا ذَكرْنَاهُ من الْأَدِلَّة وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فصل الموطن الثَّالِث من مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة عَلَيْهِ آخر الْقُنُوت استحبه الشَّافِعِي وَمن وَافقه وَاحْتج لذَلِك بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة حَدثنَا ابْن وهب عَن يحيى بن عبد الله بن سَالم عَن مُوسَى بن عقبَة عَن عبد الله بن عَليّ عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات فِي الْوتر قَالَ قل اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت وتولني فِيمَن توليت وقني شَرّ مَا قضيت انك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك وانه لَا يذل من واليت تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت وَصلى الله على النَّبِي وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي قنوت الْوتر وَإِنَّمَا نقل إِلَى قنوت الْفجْر قِيَاسا كَمَا نقل أصل هَذَا الدُّعَاء إِلَى قنوت الْفجْر وَقد رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق عَن يزِيد عَن أبي الجوزاء قَالَ قَالَ الْحسن بن عَليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 رَضِي الله عَنْهُمَا عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَات أقولهن فِي الْوتر فَذكره وَلم يذكر فِي الصَّلَاة وَهُوَ مُسْتَحبّ فِي قنوت رَمَضَان قَالَ ابْن وهب أَخْبرنِي يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي وَكَانَ فِي عهد عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مَعَ عبد الله بن الأرقم على بَيت المَال قَالَ إِن عمر خرج لَيْلَة فِي رَمَضَان فَخرج مَعَه عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي فَطَافَ فِي الْمَسْجِد وَأهل الْمَسْجِد أوزاع متفرقون يُصَلِّي الرجل لنَفسِهِ وَيُصلي الرجل فَيصَلي بِصَلَاتِهِ الرَّهْط فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَالله إِنِّي لأَظُن لَو جمعت هَؤُلَاءِ على قَارِئ وَاحِد يكون أمثل ثمَّ عزم عمر على ذَلِك وَأمر أبي ابْن كَعْب أَن يقوم بهم فِي رَمَضَان فَخرج عَلَيْهِم وَالنَّاس يصلونَ بِصَلَاة قارئهم فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ نعمت الْبِدْعَة هَذِه وَالَّتِي ينامون عَنْهَا أفضل من الَّتِي يقومُونَ يُرِيد آخر اللَّيْل وَكَانَ النَّاس يقومُونَ اوله وَكَانُوا يلعنون الْكَفَرَة فِي النّصْف يَقُولُونَ اللَّهُمَّ قَاتل الْكَفَرَة الَّذين يصدون عَن سَبِيلك ويكذبون رسلك وَلَا يُؤمنُونَ بوعدك وَخَالف بَين كلمتهم وألق فِي قُلُوبهم الرعب وألق عَلَيْهِم رجزك وعذابك إِلَه الْحق ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو للْمُسلمين مَا اسْتَطَاعَ من خير ثمَّ يسْتَغْفر للْمُؤْمِنين قَالَ وَكَانَ يَقُول إِذا فرغ من لَعنه الْكَفَرَة وَصلَاته على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستغفاره للْمُؤْمِنين ومسألته اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الْجد أَن عذابك لمن عاديت مُلْحق ثمَّ يكبر ويهوي سَاجِدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا معَاذ بن هِشَام حَدثنِي أبي عَن قَتَادَة عَن عبد الله بن الْحَارِث أَن أَبَا حليمة معَاذًا كَانَ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقُنُوت // إِسْنَاده صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 فصل الموطن الرَّابِع من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْجِنَازَة بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة لَا خلاف فِي مشروعيتها فِيهَا وَاخْتلف فِي توقف صِحَة الصَّلَاة عَلَيْهَا فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور من مَذْهَبهمَا إِنَّهَا وَاجِبَة فِي الصَّلَاة لَا تصح إِلَّا بهَا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت وَغَيره من الصَّحَابَة وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة تسْتَحب وَلَيْسَت بواجبة وَهُوَ وَجه لاصحاب الشَّافِعِي الدَّلِيل على مشروعيتها فِي صَلَاة الْجِنَازَة مَا روى الشَّافِعِي فِي مُسْنده أخبرنَا مطرف بن مَازِن عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي أَبُو أُمَامَة بن سهل أَنه أخبرهُ رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن السّنة فِي الصَّلَاة على الْجِنَازَة أَن يكبر الإِمَام ثمَّ يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب بعد التَّكْبِيرَة الأولى سرا فِي نَفسه ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويخلص الدُّعَاء للجنازة فِي التَّكْبِيرَات لَا يقْرَأ فِي شَيْء مِنْهُنَّ ثمَّ يسلم سرا فِي نَفسه وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كتاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا عبد الْأَعْلَى حَدثنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا أُمَامَة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن الْمسيب قَالَ إِن السّنة فِي صَلَاة الْجِنَازَة أَن يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يخلص الدُّعَاء للْمَيت حَتَّى يفرغ وَلَا يقْرَأ إِلَّا مرّة وَاحِدَة ثمَّ يسلم فِي نَفسه // إِسْنَاده صَحِيح // وَأَبُو أُمَامَة هَذَا صَحَابِيّ صَغِير وَقد رَوَاهُ عَن صَحَابِيّ آخر كَمَا ذكره الشَّافِعِي وَقَالَ صَاحب المغنى يرْوى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى على جَنَازَة بِمَكَّة فَكبر ثمَّ قَرَأَ وجهر وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ دَعَا لصَاحبه فَأحْسن ثمَّ انْصَرف وَقَالَ هَكَذَا يَنْبَغِي أَن تكون الصَّلَاة على الْجِنَازَة وَفِي موطأ يحيى بن بكير حَدثنَا مَالك بن أنس عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه أَنه سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَة كَيفَ نصلي على الْجِنَازَة فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنا لعمر الله أخْبرك أتبعهَا من أَهلهَا فَإِذا وضعت كَبرت وحمدت الله تَعَالَى وَصليت على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَقُول اللَّهُمَّ إِنَّه عَبدك وَابْن عَبدك وَابْن أمتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 كَانَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَأَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك وَأَنت أعلم بِهِ اللَّهُمَّ إِن كَانَ محسناً فزد فِي إحسانه وَإِن كَانَ مسيئاً فَتَجَاوز عَن سيئاته اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا أجره وَلَا تفتنا بعده وَقَالَ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ أخبرنَا أَبُو الْحسن بن أبي سهل السَّرخسِيّ أخبرنَا أَبُو عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن رزين حَدثنَا عَليّ بن خشرم حَدثنَا أنس بن عِيَاض عَن إِسْمَاعِيل بن رَافع عَن رجل قَالَ سَمِعت إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ يَقُول كَانَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا أُتِي بِجنَازَة اسْتقْبل النَّاس وَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لكل مائَة أمة وَلم يجْتَمع مائَة لمَيت فيجتهدون لَهُ فِي الدُّعَاء إِلَّا وهب الله ذنُوبه لَهُم وَإِنَّكُمْ جئْتُمْ شُفَعَاء لأخيكم فاجتهدوا فِي الدُّعَاء ثمَّ يسْتَقْبل الْقبْلَة فَإِن كَانَ رجلا قَامَ عِنْد وَسطه وَإِن كَانَت امْرَأَة قَامَ عِنْد منكبها ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ عَبدك وَابْن عَبدك أَنْت خلقته وَأَنت هديته لِلْإِسْلَامِ وَأَنت قبضت روحه وَأَنت أعلم بسريرته وعلانيته جِئْنَا شُفَعَاء لَهُ اللَّهُمَّ إِنَّا نستجير بِحَبل جوارك لَهُ فَإنَّك ذُو وَفَاء وَذُو رَحْمَة أعذه من فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب جَهَنَّم اللَّهُمَّ إِن كَانَ محسناً فزد فِي إحسانه وَإِن كَانَ مسيئاً فَتَجَاوز عَن سيئاته اللَّهُمَّ نور لَهُ فِي قَبره وألحقه بِنَبِيِّهِ قَالَ يَقُول هَذَا كلما كبر وَإِذا كَانَت التَّكْبِيرَة الاخيرة قَالَ مثل ذَلِك ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَبَارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 على مُحَمَّد كَمَا صليت وباركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ صل على أسلافنا وأفراطنا اللَّهُمَّ اغْفِر للْمُسلمين وَالْمُسلمَات وَالْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات الْأَحْيَاء مِنْهُم والأموات ثمَّ ينْصَرف قَالَ إِبْرَاهِيم كَانَ ابْن مَسْعُود يعلم هَذَا فِي الْجَنَائِز وَفِي الْمجْلس قَالَ وَقيل لَهُ اكان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقف على الْقَبْر إِذا فرغ مِنْهُ قَالَ نعم كَانَ إِذا فرغ مِنْهُ وقف عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ نزل بك صَاحبهَا وَخلف الدُّنْيَا وَرَاء ظَهره وَنعم المنزول بِهِ اللَّهُمَّ ثَبت عِنْد الْمَسْأَلَة مَنْطِقه وَلَا تبتله فِي قَبره بِمَا لَا طَاقَة لَهُ بِهِ اللَّهُمَّ نور لَهُ فِي قَبره وألحقه بِنَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما ذكر إِذا تقرر هَذَا فالمستحب أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجِنَازَة كَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّد لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم ذَلِك أَصْحَابه لما سَأَلُوهُ عَن كَيْفيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ وَفِي مسَائِل عبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه قَالَ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُصلي على الْمَلَائِكَة المقربين قَالَ القَاضِي فَيَقُول اللَّهُمَّ صل على ملائكتك المقربين وانبيائك الْمُرْسلين وَأهل طَاعَتك أَجْمَعِينَ من أهل السَّمَاوَات وَالْأَرضين إِنَّك على كل شَيْء قدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فصل الموطن الْخَامِس من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخطْبَة وَقد اخْتلف فِي اشْتِرَاطهَا لصِحَّة الْخطْبَة فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور من مَذْهَبهمَا لَا تصح الْخطْبَة إِلَّا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك تصح بِدُونِهَا وَهُوَ وَجه فِي مَذْهَب أَحْمد وَاحْتج لوُجُوبهَا فِي الْخطْبَة بقوله تَعَالَى {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشَّرْح 1 4 قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا رفع الله لَهُ ذكره فَلَا يذكر إِلَّا ذكر مَعَه وَفِي هَذَا الدَّلِيل نظر لِأَن ذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ ذكر ربه هُوَ الشَّهَادَة لَهُ بالرسالة إِذا شهد لمرسله بالوحدانية وَهَذَا هُوَ الْوَاجِب فِي الْخطْبَة قطعا بل هُوَ ركنها الْأَعْظَم وَقد روى أَبُو دَاوُد وَأحمد وَغَيرهمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كل خطْبَة لَيْسَ فِيهَا تشهد فَهِيَ كَالْيَدِ الجذماء // إِسْنَاده قوي // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وَالْيَد الجذماء المقطوعة فَمن أوجب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخطْبَة دون التَّشَهُّد فَقَوله فِي غَايَة الضعْف وَقد روى يُونُس عَن شَيبَان عَن قَتَادَة {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قَالَ رفع الله ذكره فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلَيْسَ خطيب وَلَا متشهد وَلَا صَاحب صَلَاة إِلَّا ابتدأها أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَقَالَ عبد بن حميد أَخْبرنِي عَمْرو بن عون عَن هشيم عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك {وَرَفَعْنَا لَكَ ذكرك} قَالَ إِذا ذكرتُ ذكرتَ معي وَلَا يجوز خطْبَة وَلَا نِكَاح إِلَّا بذكرك وَقَالَ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن نجيح عَن مُجَاهِد {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قَالَ لَا أذكر إِلَّا ذكرت معي وَلَا يجوز خطْبَة وَلَا نِكَاح إِلَّا بذكرك وَقَالَ عبد الرازق عَن ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قَالَ لَا أذكر إِلَّا ذكرت معي الْأَذَان أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله // إِسْنَاده صَحِيح // فَهَذَا هُوَ المُرَاد من الْآيَة وَكَيف لَا يجب التَّشَهُّد الَّذِي هُوَ عقد الْإِسْلَام فِي الْخطْبَة وَهُوَ أفضل كلماتها وَتجب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وَالدَّلِيل على مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخطْبَة مَا رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد حَدثنَا مَنْصُور بن أبي مُزَاحم حَدثنَا خَالِد حَدثنِي عون بن أبي جُحَيْفَة قَالَ كَانَ أبي من شَرط عَليّ وَكَانَ تَحت الْمِنْبَر فَحَدثني أَنه صعد الْمِنْبَر يَعْنِي عليا رَضِي الله عَنهُ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر وَالثَّانِي عمر وَقَالَ يَجْعَل الله الْخَيْر حَيْثُ شَاءَ // إِسْنَاده حسن // وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن بن جَعْفَر الْأَسدي حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْحِمْيَرِي حَدثنَا عبد الله بن سعيد الْكِنْدِيّ حَدثنَا حميد بن عبد الرَّحْمَن الرُّؤَاسِي قَالَ سَمِعت أبي يذكر عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله أَنه كَانَ يَقُول بَعْدَمَا يفرغ من خطْبَة الصَّلَاة وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبنَا وَكره إِلَيْنَا الْكفْر والفسوق والعصيان أُولَئِكَ هم الراشدون اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي أسماعنا وأبصارنا وَأَزْوَاجنَا وقلوبنا وَذُرِّيَّاتنَا وروى الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن يحيى بن هاني الْمعَافِرِي قَالَ ركبت أَنا ووالدي إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة فَذكر حَدِيثا وَفِيه فَقَامَ عَمْرو بن الْعَاصِ على الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ حمداً موجزاً وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوعظ النَّاس فَأَمرهمْ ونهاهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وَفِي الْبَاب حَدِيث ضبة بن مُحَيْصِن أَن أَبَا مُوسَى كَانَ إِذا خطب فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا لعمر قبل الدُّعَاء لأبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا فَرفع ذَلِك إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لضبة أَنْت أوفق مِنْهُ وأرشد فَهَذَا دَلِيل على أَن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخطب كَانَ أمرا مَشْهُورا مَعْرُوفا عِنْد الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَأما وُجُوبهَا فيعتمد دَلِيلا يجب الْمصير إِلَيْهِ وَإِلَى مثله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 فصل الموطن السَّادِس من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة عَلَيْهِ بعد إِجَابَة الْمُؤَذّن وَعند الْإِقَامَة لما روى مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُول ثمَّ صلوا عَليّ فَإِنَّهُ من صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا ثمَّ سلوا الله لي الْوَسِيلَة فَإِنَّهَا منزلَة فِي الْجنَّة لَا تنبغي إِلَّا لعبد من عباد الله وَأَرْجُو أَن أكون أَنا هُوَ فَمن سَأَلَ الله لي الْوَسِيلَة حلت عَلَيْهِ الشَّفَاعَة وَقَالَ الْحسن بن عَرَفَة حَدثنِي مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ عَن الْعَوام بن حَوْشَب عَن مَنْصُور بن زادان عَن الْحسن قَالَ من قَالَ مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن فَإِذا قَالَ الْمُؤَذّن قد قَامَت الصَّلَاة قَالَ اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة الصادقة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة صل على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك وأبلغه دَرَجَة الْوَسِيلَة فِي الْجنَّة دخل فِي شَفَاعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وَقَالَ يُوسُف بن أَسْبَاط بَلغنِي أَن الرجل إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلم يقل الله رب هَذِه الدعْوَة المستمعة المستجاب لَهَا صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وزوجنا من الْحور الْعين قُلْنَ الْحور الْعين مَا أزهدك فِينَا فِي إِجَابَة الْمُؤَذّن خمس سنَن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اشْتَمَل حَدِيث عبد الله بن عَمْرو على ثَلَاثَة مِنْهَا وَالرَّابِعَة أَن يَقُول مَا رَوَاهُ مُسلم عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من قَالَ حِين يسمع الْمُؤَذّن أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وَبِالْإِسْلَامِ دينا غفر لَهُ ذَنبه وَالْخَامِسَة أَن يَدْعُو الله بعد إِجَابَة الْمُؤَذّن وَصلَاته على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسؤاله لَهُ الْوَسِيلَة لما فِي سنَن أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله إِن المؤذنين يفضلوننا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل كَمَا يَقُولُونَ فَإِذا انْتَهَيْت فسل تعطه // إِسْنَاده صَحِيح // وَفِي = الْمسند = من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ حِين يُنَادي الْمُنَادِي اللَّهُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 رب هَذِه الدعْوَة الْقَائِمَة وَالصَّلَاة النافعة صل على مُحَمَّد وَارْضَ عني رضى لَا سخط بعده اسْتَجَابَ الله لَهُ دَعوته وَفِي الْمُسْتَدْرك للْحَاكِم من حَدِيث أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا سمع الْمُؤَذّن قَالَ اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة المستجاب لَهَا دَعْوَة الْحق وَكلمَة التَّقْوَى توفنا عَلَيْهَا واحينا عَلَيْهَا واجعلنا من صَالح أَهلهَا احياء وامواتا فَهَذِهِ خَمْسَة وَعِشْرُونَ سنة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة لَا يحافظ عَلَيْهَا إِلَّا السَّابِقُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 فصل الموطن السَّابِع من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الدُّعَاء وَله ثَلَاثَة مَرَاتِب إِحْدَاهَا أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ قبل الدُّعَاء وَبعد حمد الله تَعَالَى والمرتبة الثَّانِيَة أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي أول الدُّعَاء وأوسطه وَآخره وَالثَّالِثَة أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي أَوله وَآخره وَيجْعَل حَاجته متوسطة بَينهمَا فَأَما الْمرتبَة الأولى فالدليل عَلَيْهَا حَدِيث فضَالة عَن عبيد وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ إِذا دَعَا أحدكُم فليبدأ بتحميد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ ثمَّ ليصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ وَقد تقدم وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان حَدثنَا يحيى بن آدم حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم عَن زر عَن عبد الله قَالَ كنت أُصَلِّي وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر مَعَه فَلَمَّا جَلَست بدأت بالثناء على الله تَعَالَى ثمَّ بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ دَعَوْت لنَفْسي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سل تعطه سل تعطه // حَدِيث حسن صَحِيح // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وَقَالَ عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يسْأَل الله تَعَالَى فليبدأ بِحَمْدِهِ وَالثنَاء عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يسْأَل بعد فَإِنَّهُ أَجْدَر أَن ينجح أَو يُصِيب وَرَوَاهُ شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله نَحوه واما الْمرتبَة الثَّانِيَة فَقَالَ عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجعلوني كقدح الرَّاكِب فَذكر الحَدِيث وَقَالَ اجعلوني فِي وسط الدُّعَاء وَفِي أَوله وَفِي آخِره وَقد تقدم حَدِيث عَليّ مَا من دُعَاء إِلَّا بَينه وَبَين الله حجاب حَتَّى يصلى على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا صلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انخرق الْحجاب واستجيب الدُّعَاء وَإِذا لم يصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يستجب الدُّعَاء وَتقدم قَول عمر رَضِي الله عَنهُ الدُّعَاء مَوْقُوف بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لَا يصعد مِنْهُ شَيْء حَتَّى تصلي على نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وَقَالَ أَحْمد بن عَليّ بن شُعَيْب حَدثنَا مُحَمَّد بن حَفْص حَدثنَا الْجراح بن يحيى حَدثنِي عَمْرو بن عَمْرو قَالَ سَمِعت عبد الله بن بسر يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدُّعَاء كُله مَحْجُوب حَتَّى يكون أَوله ثَنَاء على الله عز وَجل وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو يُسْتَجَاب لدعائه وَعَمْرو بن عَمْرو هَذَا هُوَ الأحموشي لَهُ عَن عبد الله بن بسر حديثان هَذَا أَحدهمَا والأخر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من استفتح أول نَهَاره بِخَير وختمه بِالْخَيرِ قَالَ الله عز وَجل لملائكته لَا تكْتبُوا عَلَيْهِ مَا بَين ذَلِك من الذُّنُوب وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للدُّعَاء بِمَنْزِلَة الْفَاتِحَة من الصَّلَاة وَهَذِه المواطن الَّتِي تقدّمت كلهَا شرعت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا امام الدُّعَاء فمفتاح الدُّعَاء الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أَن مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور فصلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا وَقَالَ أَحْمد بن أبي الْحوَاري سَمِعت أَبَا سُلَيْمَان الدَّارَانِي يَقُول من أَرَادَ أَن يسْأَل الله حَاجته فليبدأ بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وليسأل حَاجته وليختم بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَقْبُولَة وَالله أكْرم أَن يرد مَا بَينهمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 فصل الموطن الثَّامِن من مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد دُخُول الْمَسْجِد وَعند الْخُرُوج مِنْهُ لما روى ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فليسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَليقل اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك وَإِذا خرج فليسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَليقل اللَّهُمَّ أجرني من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَفِي الْمسند وَالتِّرْمِذِيّ وَسنَن ابْن ماجة من حَدِيث فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن عِنْد جدَّتهَا فَاطِمَة الْكُبْرَى قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْمَسْجِد قَالَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَسلم اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك وَإِذا خرج قَالَ مثل ذَلِك إِلَّا أَنه يَقُول أَبْوَاب فضلك وَلَفظ التِّرْمِذِيّ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْمَسْجِد صلى على مُحَمَّد وَسلم وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فصل الموطن التَّاسِع من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّفَا والمروة لما روى إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كِتَابه ثَنَا هدبة ثَنَا همام بن يحيى ثَنَا نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكبر على الصَّفَا ثَلَاثًا يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو ويطيل الْقيام وَالدُّعَاء ثمَّ يفعل على الْمَرْوَة مثل ذَلِك وَهَذَا من تَوَابِع الدُّعَاء أَيْضا // إِسْنَاده صَحِيح // وروى جَعْفَر بن عون عَن زَكَرِيَّا عَن الشّعبِيّ عَن وهب بن الأجدع قَالَ سَمِعت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يخْطب النَّاس بِمَكَّة يَقُول إِذا قدم الرجل مِنْكُم حَاجا فليطف بِالْبَيْتِ سبعا وَليصل عِنْد الْمقَام رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسْتَلم الْحجر الْأسود ثمَّ يبْدَأ بالصفا فَيقوم عَلَيْهَا وَيسْتَقْبل الْبَيْت فيكبر سبع تَكْبِيرَات بَين كل تكبيرتين حمد الله تَعَالَى وثناء عَلَيْهِ عز وَجل وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَسْأَلَة لنَفسِهِ وعَلى الْمَرْوَة مثل ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 رَوَاهُ أَبُو ذَر عَن زَاهِر عَن مُحَمَّد بن الْمسيب عَن عبد الله بن خبيق عَن جَعْفَر وَرَوَاهُ الْبَزَّار عَن عبد الله بن سُلَيْمَان عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْمسور عَن سُفْيَان بن سعيد عَن فراس عَن الشّعبِيّ عَن وهب بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 فصل المواطن الْعَاشِر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد اجْتِمَاع الْقَوْم قبل تفوقهم وَقد تقدّمت الْأَحَادِيث بذلك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير وَجه أَنه قَالَ مَا جلس قوم مَجْلِسا ثمَّ تفَرقُوا وَلم يذكرُوا الله وَلم يصلوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا كَانَ عَلَيْهِم من الله تره إِن شَاءَ عذبهم وَإِن شَاءَ غفر لَهُم رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَغَيرهمَا وَقد روى عبد الله بن إِدْرِيس الأودي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت زَينُوا مجالسكم بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم // مَوْقُوف صَحِيح // وَيذكر عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 فصل الموطن الْحَادِي عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذكره وَقد اخْتلف فِي وُجُوبهَا كلما ذكر اسْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ وَأَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ تجب الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما ذكر اسْمه وَقَالَ غَيرهمَا إِن ذَلِك مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِفَرْض يَأْثَم تَاركه ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَت فرقة تجب الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي الْعُمر مرّة وَاحِدَة لِأَن الْأَمر الْمُطلق لَا يَقْتَضِي تَكْرَارا والماهية تحصل بِمرَّة وهذ محكي عَن أبي حنيفَة وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ قَالَ عِيَاض وَابْن عبد الْبر وَهُوَ قَول جُمْهُور الْأمة وَقَالَت فرقة بل تجب فِي كل صَلَاة تشهدها الْأَخير كَمَا تقدم وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد فِي آخر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَغَيرهمَا وَقَالَت طَائِفَة الْأَمر بِالصَّلَاةِ أَمر اسْتِحْبَاب لَا أَمر إِيجَاب وَهَذَا قَول ابْن جرير وَطَائِفَة وَادّعى ابْن جرير فِيهِ الْإِجْمَاع وَهَذَا على أَصله فَإِنَّهُ إِذا رأى الْأَكْثَرين على قَول جعله إِجْمَاعًا يجب اتِّبَاعه والمقدمتان هُنَا باطلتان وَاحْتج الموجبون بحجج الْحجَّة الأولى حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رغم أنف رجل ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ صَححهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الْحَاكِم وَحسنه التِّرْمِذِيّ وَرَغمَ أَنفه دُعَاء عَلَيْهِ وذم لَهُ وتارك الْمُسْتَحبّ لَا يذم وَلَا يدعى عَلَيْهِ الْحجَّة الثَّانِيَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه صعد الْمِنْبَر فَقَالَ آمين آمين آمين فَذكر الحَدِيث الْمُتَقَدّم فِي أول الْكتاب وَقَالَ فِيهِ من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك فَمَاتَ فَدخل النَّار فَأَبْعَده الله قل آمين فَقلت آمين رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقد تقدّمت الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْمَعْنى من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة وَجَابِر بن سَمُرَة وَكَعب بن عجْرَة وَمَالك بن الْحُوَيْرِث وَأنس بن مَالك وكل مِنْهَا حجَّة مُسْتَقلَّة وَلَا ريب أَن الحَدِيث بِتِلْكَ الطّرق المتعددة يُفِيد الصِّحَّة الْحجَّة الثَّالِثَة مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن أبي دَاوُد عَن الْمُغيرَة بن مُسلم عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذكرت عِنْده فَليصل عَليّ فَإِنَّهُ من صلى على مرّة صلى الله عَلَيْهِ عشرا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا // إِسْنَاد صَحِيح // وَالْأَمر ظَاهر الْوُجُوب الْحجَّة الرَّابِعَة مَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن عَليّ بن حُسَيْن عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْبَخِيل من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ قَالَ ابْن حبَان هَذَا أشبه شَيْء رُوِيَ عَن الْحُسَيْن بن عَليّ وَكَانَ الْحُسَيْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن سبع سِنِين إِلَّا أشهراً وَذَلِكَ أَنه ولد لليال خلون من شعْبَان سنة أَربع وَابْن سِتّ سِنِين وَأشهر إِذا كَانَت لغته الْعَرَبيَّة يحفظ الشَّيْء بعد الشَّيْء وَقد تقدّمت الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْمَعْنى وَالْكَلَام عَلَيْهَا قَالَ أَبُو نعيم حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله حَدثنَا الْحَارِث بن مُحَمَّد حَدثنَا عبيد الله بن عَائِشَة حَدثنَا حَمَّاد عَن أبي هِلَال الْعَنزي قَالَ حَدثنِي رجل فِي مَسْجِد دمشق عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قعد أَو قعد أَبُو ذَر فَذكر حَدِيثا طَويلا وَفِيه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أبخل النَّاس من ذكرت عِنْده فَلم يصل عَليّ وَقَالَ قَاسم بن أصبغ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك حَدثنَا جرير بن حَازِم قَالَ سَمِعت الْحسن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَسب الْمُؤمن من الْبُخْل أَن أذكر عِنْده فَلم يصل عَليّ // إِسْنَاده صَحِيح // وَقَالَ سعيد بن مَنْصُور ثَنَا هشيم بن أبي حرَّة عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بن شحا أَن أذكر عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 رجل فَلَا يُصَلِّي عَليّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا فَإِذا ثَبت أَنه بخيل فَوجه الدّلَالَة بِهِ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْبُخْل اسْم ذمّ وتارك الْمُسْتَحبّ لَا يسْتَحق اسْم الذَّم قَالَ الله تَعَالَى {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويأمرون النَّاس بالبخل} الْحَدِيد 23 24 فقرن الْبُخْل بالاختيال وَالْفَخْر وَالْأَمر بالبخل وذم على الْمَجْمُوع فَدلَّ على أَن الْبُخْل صفة ذمّ وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأي دَاء أدوأ من الْبُخْل // إِسْنَاده صَحِيح // الثَّانِي أَن الْبَخِيل هُوَ مَانع مَا وَجب عَلَيْهِ فَمن أدّى الْوَاجِب عَلَيْهِ كُله لم يسم بَخِيلًا وَإِنَّمَا الْبَخِيل مَانع مَا يسْتَحق عَلَيْهِ إِعْطَاؤُهُ وبذله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الْحجَّة الْخَامِسَة أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمر بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ وَالْأَمر الْمُطلق للتكرار وَلَا يُمكن أَن يُقَال التّكْرَار هُوَ كل وَقت فَإِن الْأَوَامِر المكررة إِنَّمَا تَتَكَرَّر فِي أَوْقَات خَاصَّة أَو عِنْد شُرُوط واساليب تَقْتَضِي تكرارها وَلَيْسَ وَقت أولى من وَقت فتكرر الْمَأْمُور بتكرار ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى لما تقدم من النُّصُوص فَهُنَا ثَلَاث مُقَدمَات الأولى أَن الصَّلَاة مَأْمُور بهَا أمرا مُطلقًا وَهَذِه مَعْلُومَة الْمُقدمَة الثَّانِيَة أَن الْأَمر الْمُطلق يَقْتَضِي التّكْرَار وَهَذَا مُخْتَلف فِيهِ فنفاه طَائِفَة من الْفُقَهَاء والأصوليين وأثبته طَائِفَة وَفرقت طَائِفَة بَين الْأَمر الْمُطلق وَالْمُعَلّق على شَرط أَو وَقت فأثبتت التّكْرَار فِي الْمُعَلق دون الْمُطلق والأقوال الثَّلَاثَة فِي مَذْهَب احْمَد وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا ورجحت هَذِه الطَّائِفَة التّكْرَار بِأَن عَامَّة أوَامِر الشَّرْع على التّكْرَار كَقَوْلِه تَعَالَى {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله} آل عمرَان 136 {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة} الْبَقَرَة 20 {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول) النِّسَاء 59 {وَاتَّقُوا اللَّهَ} الْبَقَرَة 194 {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاة} الْبَقَرَة 34 وَقَوله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} آل عمرَان 200 وَقَوله تَعَالَى {وَخَافُونِ} آل عمرَان 175 {واخشوني} الْبَقَرَة 150 {واعتصموا بِاللَّه} الْحَج 78 {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} آل عمرَان 103 {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} النَّحْل 91 و (أَوْفوا بِالْعُقُودِ) الْمَائِدَة 1 {وأوفوا بالعهد} الْإِسْرَاء 34 وَقَوله تَعَالَى فِي الْيَتَامَى {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} النِّسَاء 5 وَقَوله {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البيع} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 ) الْجُمُعَة 9 وَقَوله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} إِلَى قَوْله {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} إِلَى قَوْله {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} النِّسَاء 43 والمائدة 6 وَقَوله تَعَالَى {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} الْبَقَرَة 45 وَقَوله تَعَالَى {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفوا} الْأَنْعَام 153 وَقَوله تَعَالَى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} الْأَنْعَام 151 وَذَلِكَ فِي الْقُرْآن أَكثر من أَن ينْحَصر وَإِذا كَانَت أوَامِر الله وَرَسُوله على التّكْرَار حَيْثُ وَردت إِلَّا فِي النَّادِر علم أَن هَذَا عرف خطاب الله وَرَسُوله للْأمة وَالْأَمر وَإِن لم يكن فِي لَفظه الْمُجَرّد مَا يُؤذن بتكرار وَلَا فَور فَلَا ريب أَنه فِي عرف خطاب الشَّارِع للتكرار فَلَا يحمل كَلَامه إِلَّا على عرفه والمألوف من خطابه وَإِن لم يكن ذَلِك مفهوماً من أصل الْوَضع فِي اللُّغَة وَهَذَا كَمَا قُلْنَا إِن الْأَمر يَقْتَضِي الْوُجُوب وَالنَّهْي يَقْتَضِي الْفساد فَإِن هَذَا مَعْلُوم من خطاب الشَّارِع وَإِن كَانَ لَا تعرض لصِحَّة الْمنْهِي وَلَا فَسَاده فِي أصل مَوْضُوع اللُّغَة وَكَذَا خطاب الشَّارِع لوَاحِد من الْأمة يَقْتَضِي معرفَة الْخَاص أَن يكون اللَّفْظ متناولاً لَهُ ولأمثاله وَإِن كَانَ مَوْضُوع اللَّفْظ لُغَة لَا يَقْتَضِي ذَلِك فَإِن هَذَا لُغَة صَاحب الشَّرْع وعرفه فِي مصَادر كَلَامه وموارده وَهَذَا مَعْلُوم بالاضطرار من دينه قبل أَن يعلم صِحَة الْقيَاس واعتباره وشروطه وَهَكَذَا فَالْفرق بَين اقْتِضَاء اللَّفْظ وَعدم اقتضائه لُغَة وَبَين اقتضائه فِي عرف الشَّارِع وَعَادَة خطابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 الْمُقدمَة الثَّالِثَة أَنه إِذا تكَرر الْمَأْمُور بِهِ فَإِنَّهُ لَا يتَكَرَّر إِلَّا بِسَبَب أَو وَقت وَأولى الاسباب الْمُقْتَضِيَة لتكرار ذكر اسْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإخباره برغم أنف من ذكر عِنْده فَلم يصل عَلَيْهِ وللإسجال عَلَيْهِ بالبخل واعطائه اسْمه وَقَالُوا وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك أَن الله سُبْحَانَهُ أَمر عباده الْمُؤمنِينَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عقب إخْبَاره لَهُم بِأَنَّهُ وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ وَمَعْلُوم أَن الصَّلَاة من الله وَمَلَائِكَته عَلَيْهِ لم يكن مرّة وانقطعت بل هِيَ صَلَاة متكررة وَلِهَذَا ذكرهَا مُبينًا بهَا فَضله وشرفه وعلو مَنْزِلَته عِنْده ثمَّ أَمر الْمُؤمنِينَ بهَا فتكرارها فِي حَقهم أَحَق وآكد لأجل الْأَمر قَالُوا وَلِأَن الله تَعَالَى أكد السَّلَام بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّسْلِيم وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُبَالغَة وَالزِّيَادَة فِي كميته وَذَلِكَ بالتكرار قَالُوا وَلِأَن لفظ الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ يدل على التكثير وَهُوَ صلى وَسلم فَإِن فعل المشدد يدل على تكْرَار الْفِعْل كَقَوْلِك كسر الْخبز وَقطع اللَّحْم وَعلم الْخَيْر وَبَين الْأَمر وشدد فِي كَذَا وَنَحْوه قَالُوا وَلِأَن الْأَمر بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي مُقَابلَة إحسانه إِلَى الْأمة وتعليمهم وإرشادهم وهدايتهم وَمَا حصل لَهُم ببركته من سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَعْلُوم أَن مُقَابلَة مثل هَذَا النَّفْع الْعَظِيم لَا يحصل بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مرّة وَاحِدَة فِي الْعُمر بل لَو صلى العَبْد عَلَيْهِ بِعَدَد أنفاسه لم يكن موفياً لحقه وَلَا مؤديالنعمته فَجعل ضَابِط شكر هَذِه النِّعْمَة بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْد ذكر اسْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 قَالُوا وَلِهَذَا أَشَارَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذَلِك بتسميته من لم يصل عَلَيْهِ عِنْد ذكر اسْمه بَخِيلًا لِأَن من أحسن إِلَى العَبْد الْإِحْسَان الْعَظِيم وَحصل لَهُ بِهِ الْخَيْر الجسيم ثمَّ يذكر عِنْده وَلَا يثني عَلَيْهِ وَلَا يُبَالغ فِي مدحه وحمده وتمجيده ويبدي ذَلِك ويعيده وَيعْتَذر من التَّقْصِير فِي الْقيام بشكره وَحقه عده النَّاس بَخِيلًا لئيماً كفوراً فَكيف بِمن أدنى إحسانه إِلَى العَبْد يزِيد على أعظم إِحْسَان المخلوقين بَعضهم لبَعض الَّذِي بإحسانه حصل للْعَبد خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَنَجَا من شَرّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الَّذِي لَا تتَصَوَّر الْقُلُوب حَقِيقَة نعْمَته وإحسانه فضلا عَن أَن يقوم بشكره أَلَيْسَ هَذَا الْمُنعم المحسن أَحَق بِأَن يعظم ويثنى عَلَيْهِ ويستفرغ الوسع فِي حَمده ومدحه إِذا ذكر بَين الْمَلأ فَلَا أقل من أَن يصلى عَلَيْهِ مرّة إِذا ذكر اسْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا وَلِهَذَا دَعَا عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برغم أَنفه وَهُوَ أَن يلصق أَنفه بالرغام وَهُوَ التُّرَاب لِأَنَّهُ لما ذكر عِنْده فَلم يصل عَلَيْهِ اسْتحق أَن يذله الله تَعَالَى ويلصق أَنفه بِالتُّرَابِ قَالُوا وَلِأَن الله سُبْحَانَهُ نهى الْأمة أَن يجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَينهم كدعاء بَعضهم بَعْضًا فَلَا يسمونه إِذا خاطبوه باسمه كَمَا يُسَمِّي بَعضهم بَعْضًا بل يَدعُونَهُ برَسُول الله وَنَبِي الله وَهَذَا من تَمام تعزيره وتوقيره وتعظيمه فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَن يخص باقتران اسْمه بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ليَكُون ذَلِك فرقا بَينه وَبَين ذكر غَيره كَمَا كَانَ الْأَمر بدعائه بالرسول وَالنَّبِيّ فرقا بَينه وَبَين خطاب غَيره فَلَو كَانَ عِنْد ذكره لَا تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِ كَانَ ذكره كذكر غَيره فِي ذَلِك هَذَا على أحد التفسيرين فِي الْآيَة وَأما على التَّفْسِير الآخر وَهُوَ أَن الْمَعْنى لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 تجْعَلُوا دعاءه إيَّاكُمْ دُعَاء بَعْضكُم بَعْضهَا فتؤخروا الْإِجَابَة بالاعتذار والعلل الَّتِي يُؤَخر بهَا بَعْضكُم إِجَابَة بعض وَلَكِن بَادرُوا إِلَيْهِ إِذا دعَاكُمْ بِسُرْعَة الْإِجَابَة ومعالجة الطَّاعَة حَتَّى لم يَجْعَل اشتغالهم بِالصَّلَاةِ عذرا لَهُم فِي التَّخَلُّف فِي إجَابَته والمبادرة إِلَى طَاعَته فَإِذا لم تكن الصَّلَاة الَّتِي فِيهَا شغل عذرا يستباح بهَا تَأْخِير إجَابَته فَكيف مَا دونهَا من الْأَسْبَاب والأعذار فعلى هَذَا يكون الْمصدر مُضَافا إِلَى الْفَاعِل وعَلى القَوْل الأول يكون مُضَافا إِلَى الْمَفْعُول وَقد يُقَال وَهُوَ أحسن من الْقَوْلَيْنِ إِن الْمصدر هُنَا لم يضف إِضَافَته إِلَى فَاعل وَلَا مفعول وَإِنَّمَا أضيف إِضَافَة الْأَسْمَاء الْمَحْضَة وَيكون الْمَعْنى لَا تجْعَلُوا الدُّعَاء الْمُتَعَلّق بالرسول الْمُضَاف إِلَيْهِ كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا وعَلى هَذَا فَيعم الْأَمريْنِ مَعًا وَيكون النَّهْي عَن دُعَائِهِمْ لَهُ باسمه كَمَا يَدْعُو بَعضهم بَعْضًا وَعَن تَأْخِير إجَابَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى كل تَقْدِير فَكَمَا أَمر الله سُبْحَانَهُ بِأَن يُمَيّز عَن غَيره فِي خطابه ودعائه اياهم قيَاما للْأمة بِمَا يجب عَلَيْهِم من تَعْظِيمه وإجلاله فتمييزه بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْد ذكر اسْمه من تَمام الصَّلَاة قَالُوا وَقد أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من ذكر عِنْده فَلم يصل عَلَيْهِ خطئَ طَرِيق الْجنَّة هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ من مَرَاسِيل مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَله شَوَاهِد قد ذَكرنَاهَا فِي أول الْكتاب فلولا أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ وَاجِبَة عِنْد ذكره لم يكن تاركها مخطئاً لطريق الْجنَّة قَالُوا وَأَيْضًا فَمن ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو ذكر عِنْده فَلم يصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 عَلَيْهِ فقد جفاه وَلَا يجوز لمُسلم جفاؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالدليل على الْمُقدمَة الأولى مَا رَوَاهُ أَبُو سعيد بن الاعرابي حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْجفَاء أَن أذكر عِنْد الرجل فَلَا يُصَلِّي عَليّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو تركنَا وَهَذَا الْمُرْسل وَحده لم نحتج بِهِ وَلَكِن لَهُ أصُول وشواهد قد تقدّمت من تَسْمِيَة تَارِك الصَّلَاة عَلَيْهِ عِنْد ذكره بَخِيلًا وشحيحاً وَالدُّعَاء عَلَيْهِ بالرغم وَهَذَا من مُوجبَات جفائه وَالدَّلِيل على الْمُقدمَة الثَّانِيَة أَن جفاءه منَاف لكَمَال حبه وَتَقْدِيم محبته على النَّفس والأهل وَالْمَال وَأَنه أولى بِالْمُؤمنِ من نَفسه فَإِن العَبْد لَا يُؤمن حَتَّى يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيْهِ من نَفسه وَمن وَلَده ووالده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ كَمَا ثَبت عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ يَا رَسُول الله وَالله لأَنْت أحب إِلَى من كل شَيْء إِلَّا من نَفسِي قَالَ لَا يَا عمر حَتَّى أكون احب إِلَيْك من نَفسك قَالَ فو الله لأَنْت الْآن أحب من نَفسِي قَالَ الْآن يَا عمر وَثَبت عَنهُ فِي الصَّحِيح أَنه قَالَ لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من وَلَده ووالده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 فَذكر فِي هَذَا الحَدِيث أَنْوَاع الْمحبَّة الثَّلَاثَة فَإِذا الْمحبَّة إِمَّا محبَّة إجلال وتعظيم كمحبة الْوَالِد وَإِمَّا محبَّة تَحَنن وود ولطف كمحبة الْوَلَد وَإِمَّا محبَّة لأجل الْإِحْسَان وصفات الْكَمَال كمحبة النَّاس بَعضهم بَعْضًا وَلَا يُؤمن العَبْد حَتَّى يكون حب الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْده أَشد من هَذِه المحاب كلهَا وَمَعْلُوم أَن جفاءه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنَافِي ذَلِك قَالُوا فَلَمَّا كَانَت محبته وَكَانَت توابعها من الإجلال والتعظيم والتوقير وَالطَّاعَة والتقديم على النَّفس وإيثاره بِنَفسِهِ بِحَيْثُ يقي نَفسه بِنَفسِهِ فرضا كَانَت الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكر من لَوَازِم هَذِه الأحبية وتمامها قَالُوا وَإِذا ثَبت بِهَذِهِ الْوُجُوه وَغَيرهَا وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على من ذكر عِنْده فوجوبها على الذاكر نَفسه أولى وَنَظِير هَذَا أَن سامع السَّجْدَة إِذا أَمر بِالسُّجُود إِمَّا وجوبا أَو اسْتِحْبَابا فوجوبها على التَّالِي أولى وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 فصل قَالَ نفاة الْوُجُوب الدَّلِيل على قَوْلنَا وُجُوه أَحدهَا أَنه من الْمَعْلُوم الَّذِي لَا ريب فِيهِ أَن السّلف الصَّالح الَّذين هم الْقدْوَة لم يكن أحدهم كلما ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقرن الصَّلَاة عَلَيْهِ باسمه وَهَذَا فِي خطابهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر من أَن يذكر فَإِنَّهُم كَانُوا يَقُولُونَ يَا رَسُول الله مقتصرين على ذَلِك وَرُبمَا كَانَ يَقُول أحدهم صلى الله عَلَيْك وَهَذَا فِي الْأَحَادِيث ظَاهر كثير فَلَو كَانَت الصَّلَاة عَلَيْهِ وَاجِبَة عِنْد ذكره لأنكر عَلَيْهِم تَركهَا الثَّانِي أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ لَو كَانَت وَاجِبَة كلما ذكر لَكَانَ هَذَا من أظهر الْوَاجِبَات ولبينه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمته بَيَانا يقطع الْعذر وَتقوم بِهِ الْحجَّة الثَّالِث أَنه لَا يعرف عَن أحد من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين وَلَا تابعيهم هَذَا القَوْل وَلَا تعرف أَن احدا مِنْهُم قَالَ بِهِ وَأكْثر الْفُقَهَاء بل قد حُكيَ الْإِجْمَاع على أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيست من فروض الصَّلَاة وَقد نسب القَوْل بِوُجُوبِهَا إِلَى الشذوذ وَمُخَالفَة الْإِجْمَاع السَّابِق كَمَا تقدم فَكيف تجب خَارج الصَّلَاة الرَّابِع أَنه لَو وَجَبت الصَّلَاة عَلَيْهِ عِنْد ذكره دَائِما لوَجَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 على الْمُؤَذّن أَن يَقُول أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا لَا يشرع لَهُ فِي الْأَذَان فضلا أَن يجب عَلَيْهِ الْخَامِس أَنه كَانَ يجب على من سمع النداء وأجابه أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّامع أَن يَقُول كَمَا يَقُول الْمُؤَذّن وَهَذَا يدل على جَوَاز اقْتِصَاره على قَوْله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَإِن هَذَا مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن السَّادِس أَن التَّشَهُّد الأول يَنْتَهِي عِنْد قَوْله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اتِّفَاقًا وَاخْتلف هَل يشرع أَن يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله فِيهِ على ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا لَا يسْرع ذَلِك إِلَّا فِي الْأَخير وَالثَّانِي يشرع وَالثَّالِث تشرع الصَّلَاة عَلَيْهِ خَاصَّة دون آله وَلم يقل أحد بِوُجُوبِهَا فِي الأول عِنْد ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّابِع أَن الْمُسلم إِذا دخل فِي الْإِسْلَام بتلفظه بِالشَّهَادَتَيْنِ لم يحْتَج أَن يَقُول أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّامِن أَن الْخَطِيب فِي الْجمع والأعياد وَغَيرهمَا لَا يحْتَاج أَن يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفس التَّشَهُّد وَلَو كَانَت الصَّلَاة وَاجِبَة عَلَيْهِ عِنْد ذكره لوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يقرنها بِالشَّهَادَةِ وَلَا يُقَال تَكْفِي الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي الْخطْبَة فَإِن تِلْكَ الصَّلَاة لَا تنعطف على ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 اسْمه عِنْد الشَّهَادَة وَلَا سِيمَا مَعَ طول الْفَصْل والموجبون يَقُولُونَ تجب الصَّلَاة عَلَيْهِ كلما ذكر وَمَعْلُوم أَن ذكره ثَانِيًا غير ذكره أَولا التَّاسِع أَنه لَو وَجَبت الصَّلَاة عَلَيْهِ كلما ذكر لَوَجَبَتْ على الْقَارئ كلما مر بِذكر اسْمه أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ وَيقطع لذَلِك قِرَاءَته ليؤدي هَذَا الْوَاجِب وَسَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا فَإِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تبطل الصَّلَاة وَهِي وَاجِب قد تعين فَلَزِمَ أَدَاؤُهُ وَمَعْلُوم أَن ذَلِك لَو كَانَ وَاجِبا لَكَانَ الصَّحَابَة والتابعون أقوم وأسرع إِلَى أَدَائِهِ وَترك إهماله الْعَاشِر أَنه لَو وَجَبت الصَّلَاة عَلَيْهِ كلما ذكر لوَجَبَ الثَّنَاء على الله عز وَجل كلما ذكر اسْمه فَكَانَ يجب على من ذكر اسْم الله أَن يقرنه بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَو عز وَجل أَو تبَارك وَتَعَالَى أَو جلت عَظمته أَو تَعَالَى جده وَنَحْو ذَلِك بل كَانَ ذَلِك اولى واحرى فَإِن تَعْظِيم الرَّسُول وإجلاله ومحبته وطاعته تَابع لتعظيم مرسله سُبْحَانَهُ اجلاله ومحبته وطاعته فمحال أَن تثبت الْمحبَّة وَالطَّاعَة والتعظيم والإجلال للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون مرسله بل إِنَّمَا يثبت ذَلِك لَهُ تبعا لمحبة الله وتعظيمه وإجلاله وَلِهَذَا كَانَت طَاعَة الرَّسُول طَاعَة لله فَمن يطع الرَّسُول فقد أطَاع الله ومبايعته لله {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} الْفَتْح 10 ومحبته محبَّة لله قَالَ الله تَعَالَى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} آل عمرَان 31 وتعظيمه تَعْظِيم لله ونصرته نصْرَة لله فَإِنَّهُ رَسُوله وَعَبده الدَّاعِي إِلَيْهِ وَإِلَى طَاعَته ومحبته وإجلاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وتعظيمه وعبادته وَحده لَا شريك لَهُ فَكيف يُقَال تجب الصَّلَاة عَلَيْهِ كلما ذكر اسْمه وَهِي ثَنَاء وتعظيم كَمَا تقدم وَلَا يجب الثَّنَاء والتعظيم للخالق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كلما ذكر اسْمه هَذَا محَال من الْقَوْم الْحَادِي عشر أَنه لَو جلس إِنْسَان لَيْسَ لَهُ هجير إِلَّا قَوْله مُحَمَّد رَسُول الله صل على مُحَمَّد وَبشر كثير يسمعونه فَإِن قُلْتُمْ تجب على كل أُولَئِكَ السامعين أَن يكون هُجِّيراهم الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو طَال الْمجْلس مَا طَال كَانَ ذَلِك حرجاً ومشقة وتركاً لقِرَاءَة قارئهم ودراسة دارسهم وَكَلَام صَاحب الْحَاجة مِنْهُم ومذاكرته فِي الْعلم وتعليمه الْقُرْآن وَغَيره وَإِن قُلْتُمْ لَا تجب عَلَيْهِم الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي هَذِه الْحَال نقضتم مذهبكم وَإِن قُلْتُمْ تجب عَلَيْهِ مرّة أَو أَكثر كَانَ تحكماً بِلَا دَلِيل مَعَ أَنه مُبْطل لقولكم الثَّانِي عشر أَن الشَّهَادَة لَهُ بالرسالة أفرض وَأوجب من الصَّلَاة عَلَيْهِ بِلَا ريب وَمَعْلُوم أَنه لَا يدْخل فِي الْإِسْلَام إِلَّا بهَا فَإِذا كَانَت لَا تجب كلما ذكر اسْمه فَكيف تجب الصَّلَاة عَلَيْهِ كلما ذكر اسْمه وَلَيْسَ من الْوَاجِبَات بعد كلمة الْإِخْلَاص أفرض من الشَّهَادَة لَهُ بالرسالة فَمَتَى أقرّ لَهُ بِوُجُوبِهَا عِنْد ذكر اسْمه تذكر العَبْد الْإِيمَان وموجبات هَذِه الشَّهَادَة فَكَانَ يجب على كل من ذكر اسْمه أَن يَقُول مُحَمَّد رَسُول الله وَوُجُوب ذَلِك أظهر بِكَثِير من وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ كلما ذكر اسْمه وَلكُل فرقة من هَاتين الْفرْقَتَيْنِ أجوبة عَن حجج الْفرْقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الْمُنَازعَة لَهَا بَعْضهَا ضَعِيف جدا وَبَعضهَا مُحْتَمل وَبَعضهَا قوي وَيظْهر ذَلِك لمن تَأمل حجج الْفَرِيقَيْنِ وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ فصل الموطن الثَّانِي عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْفَرَاغ من التَّلْبِيَة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ثَنَا مُحَمَّد بن مخلد ثَنَا عَليّ بن زَكَرِيَّا التمار ثَنَا يَعْقُوب ابْن حميد ثَنَا عبد الله بن عبد الله الْأمَوِي قَالَ سَمِعت صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة يحدث عَن عمَارَة بن خُزَيْمَة بن ثَابت عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا فرغ من تلبيته سَأَلَ الله تَعَالَى مغفرته ورضوانه واستعاذ برحمته من النَّار قَالَ صَالح سَمِعت الْقَاسِم بن مُحَمَّد يَقُول كَانَ يسْتَحبّ للرجل إِذا فرغ من تلبيته أَن يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت وَهَذَا أَيْضا من نوابع الدُّعَاء وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 فصل الموطن الثَّالِث عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد استلام الْحجر قَالَ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ ثَنَا مُحَمَّد بن بكران أخبرنَا أَبُو عبد الله بن مخلد حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة ثَنَا عون بن سَلام أَنبأَنَا مُحَمَّد بن سَلام ثَنَا مُحَمَّد بن مهَاجر عَن نَافِع قَالَ كَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا أَرَادَ أَن يسْتَلم الْحجر قَالَ اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك وَتَصْدِيقًا بكتابك وَسنة نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويستلمه وَقد تقدم أَن من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ على الصَّفَا والمروة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 فصل الموطن الرَّابِع عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْوُقُوف على قَبره قَالَ سَحْنُون ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن مَالك عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ رَأَيْت عبد الله بن عمر يقف على قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصَلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَدْعُو لأبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا ذكره مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَقَالَ مَالك أَيْضا عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا أَو قدم من سفر جَاءَ قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى عَلَيْهِ ودعا ثمَّ انْصَرف وَقَالَ ابْن نمير ثَنَا مُحَمَّد بن بشير ثَنَا عبد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ إِذا قدم من سفر بَدَأَ بِقَبْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصَلي عَلَيْهِ وَلَا يمس الْقَبْر ثمَّ يسلم على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ يَقُول السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 فصل الموطن الْخَامِس عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج إِلَى السُّوق أَو إِلَى دَعْوَة أَو نَحْوهَا قَالَ ابْن أبي حَاتِم حَدثنَا أَبُو سعيد بن يحيى بن سعيد الْقطَّان حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر حَدثنَا مسعر حَدثنَا عَامر بن شَقِيق عَن أبي وَائِل قَالَ مَا رَأَيْت عبد الله جلس فِي مأدبة وَلَا جَنَازَة وَلَا غير ذَلِك فَيقوم حَتَّى يحمد الله ويثني عَلَيْهِ وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَدْعُو بدعوات وَإِن كَانَ يخرج إِلَى السُّوق فَيَأْتِي أغفلها مَكَانا فيجلس فيحمد الله وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَدْعُو بدعوات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 فصل الموطن السَّادِس عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ الرجل من نوم اللَّيْل قَالَ النَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكَبِير أَخْبرنِي عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنَا خلف يَعْنِي ابْن تَمِيم حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص حَدثنَا شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي عُبَيْدَة عِنْد عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ يضْحك الله عز وَجل إِلَى رجلَيْنِ رجل لَقِي الْعَدو وَهُوَ على فرس من أمثل خيل أَصْحَابه فَانْهَزَمُوا وَثَبت فَإِن قتل اسْتشْهد وَإِن بَقِي فَذَلِك الَّذِي يضْحك الله إِلَيْهِ وَرجل قَامَ فِي جَوف اللَّيْل لَا يعلم بِهِ أحد فَتَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ حمد الله ومجده وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستفتح الْقُرْآن فَذَلِك الَّذِي يضْحك الله إِلَيْهِ يَقُول انْظُرُوا إِلَى عَبدِي قَائِما لَا يرَاهُ أحد غَيْرِي وَقَالَ عبد الرَّزَّاق حَدثنَا معمر عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ رجلَانِ يضْحك الله إِلَيْهِمَا فَذكره بِنَحْوِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 فصل الموطن السَّابِع عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقب ختم الْقُرْآن وَهَذَا لِأَن الْمحل مَحل دُعَاء وَقد نَص الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى على الدُّعَاء عقيب الختمة فَقَالَ فِي رِوَايَة أبي الْحَارِث كَانَ أنس إِذا ختم الْقُرْآن جمع أَهله وَلَده وَقَالَ فِي رِوَايَة يُوسُف بن مُوسَى وَقد سُئِلَ عَن الرجل يخْتم الْقُرْآن فيجتمع اليه قوم فَيدعونَ قَالَ نعم رَأَيْت معمراً يَفْعَله إِذا ختم وَقَالَ فِي رِوَايَة حَرْب اسْتحبَّ إِذا ختم الرجل الْقُرْآن أَن يجمع أَهله وَيَدْعُو وروى ابْن أبي دَاوُد فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن الحكم قَالَ أرسل الي مُجَاهِد وَعِنْده ابْن أبي لبَابَة أرسلنَا إِلَيْك إِنَّا نُرِيد أَن نختم الْقُرْآن وَكَانَ يُقَال إِن الدُّعَاء يُسْتَجَاب عِنْد ختم الْقُرْآن ثمَّ دعوا بدعوات وروى أَيْضا فِي كِتَابه عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ من ختم الْقُرْآن فَلهُ دَعْوَة مستجابة وَعَن مُجَاهِد قَالَ تنزل الرَّحْمَة عِنْد ختم الْقُرْآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وروى أَبُو عبيد فِي كتاب فَضَائِل الْقُرْآن عَن قَتَادَة قَالَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ رجل يقْرَأ الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره على أَصْحَاب لَهُ فَكَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يضع الرقباء فَإِذا كَانَ عِنْد الْخَتْم جَاءَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فشهده وَنَصّ أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى على اسْتِحْبَاب ذَلِك فِي صَلَاة التَّرَاوِيح قَالَ حَنْبَل سَمِعت أَحْمد يَقُول فِي ختم الْقُرْآن إِذا فرغت من قراءتك {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} النَّاس 1 فارفع يَديك فِي الدُّعَاء قبل الرُّكُوع قلت إِلَى أَي شَيْء تذْهب فِي هَذَا قَالَ رَأَيْت أهل مَكَّة يَفْعَلُونَهُ وَكَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَفْعَله مَعَهم بِمَكَّة قَالَ عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم وَكَذَلِكَ أدْركْت النَّاس بِالْبَصْرَةِ وبمكة ويروي أهل الْمَدِينَة فِي هَذَا أَشْيَاء وَذكر عَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ الْفضل بن زِيَاد سَأَلت أَبَا عبد الله أختم الْقُرْآن أجعله فِي التَّرَاوِيح أَو فِي الْوتر قَالَ أجعله فِي التَّرَاوِيح حَتَّى يكون لنا دُعَاء بَين اثْنَيْنِ قلت كَيفَ أصنع قَالَ إِذا فرغت من آخر الْقُرْآن فارفع يَديك قبل أَن تركع وادع بِنَا وَنحن فِي الصَّلَاة وأطل الْقيام قلت بِمَ أَدْعُو قَالَ بِمَا شِئْت قَالَ فَفعلت كَمَا أَمرنِي وَهُوَ خَلْفي يَدْعُو قَائِما وَيرْفَع يَدَيْهِ وَإِذا كَانَ هَذَا من أكد مَوَاطِن الدُّعَاء وأحقها بالإجابة فَهُوَ من أكد مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 فصل الموطن الثَّامِن عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة وَقد تقدم فِيهِ حَدِيث أَوْس بن أَوْس عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة فِي كل يَوْم جُمُعَة فَإِن صَلَاة أمتِي تعرض عَليّ فِي كل يَوْم جُمُعَة فَمن كَانَ أَكْثَرهم عَليّ صَلَاة كَانَ أقربهم مني منزلَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَقد تقدم وَرُوِيَ أَيْضا عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَكْثرُوا عَليّ من الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُ لَيْسَ أحد يُصَلِّي عَليّ يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا عرضت عَليّ صلَاته وَفِيه إِسْمَاعِيل بن رَافع قَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان يصلح حَدِيثه للشواهد والمتابعات وَقَالَ ابْن عدي حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مُوسَى الحاسب حَدثنَا جبارَة بن مغلس حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق الخميسي عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا الصَّلَاة عَليّ يَوْم الْجُمُعَة فَإِن صَلَاتكُمْ تعرض عَليّ وَهَذَا وَإِن كَانَ إِسْنَاده ضَعِيفا فَهُوَ مَحْفُوظ فِي الْجُمْلَة وَلَا يضر ذكره فِي الشواهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وَقد تقدم فِي مَرَاسِيل الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا الصَّلَاة عَليّ يَوْم الْجُمُعَة وَقَالَ ابْن وضاح حَدثنَا أَبُو مَرْوَان الْبَزَّار حَدثنَا ابْن الْمُبَارك عَن ابْن شُعَيْب قَالَ كتب عمر بن عبد الْعَزِيز أَن انشروا الْعلم يَوْم الْجُمُعَة فَإِن غائلة الْعلم النسْيَان وَأَكْثرُوا الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 فصل الموطن التَّاسِع عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْقيام من الْمجْلس قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم حَدثنَا أَبُو سعيد بن يحيى بن سعيد الْقطَّان حَدثنَا عُثْمَان بن عمر قَالَ سَمِعت سُفْيَان بن سعيد مَا لَا أحصي إِذا أَرَادَ الْقيام يَقُول صلى الله وَمَلَائِكَته على مُحَمَّد وعَلى أَنْبيَاء الله وَمَلَائِكَته هَذَا الدي رَأَيْته من الْأَثر فِي هَذَا الموطن وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 فصل الموطن الْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْمُرُور على الْمَسَاجِد ورؤيتها قَالَ القَاضِي إِسْمَاعِيل فِي كِتَابه حَدثنَا يحيى بن عبد الحميد حَدثنَا سيف بن عمر التَّمِيمِي عَن سُلَيْمَان الْعَبْسِي عَن عَليّ بن حُسَيْن قَالَ قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ إِذا مررتم بِالْمَسْجِدِ فصلوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم // إِسْنَاده مَوْقُوف ضَعِيف // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 فصل الموطن الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْهم والشدائد وَطلب الْمَغْفِرَة لحَدِيث الطُّفَيْل بن أبي بن كَعْب عَن أَبِيه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذهب ثلثا اللَّيْل قَامَ فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس اذْكروا الله جَاءَت الراجفة تتبعها الرادفة جَاءَ الْمَوْت بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْت بِمَا فِيهِ قَالَ أبي قلت يَا رَسُول الله إِنِّي أَكثر الصَّلَاة عَلَيْك فكم أجعَل لَك من صَلَاتي فَقَالَ مَا شِئْت قَالَ قلت الرّبع قَالَ مَا شِئْت فَإِن زِدْت فَهُوَ خير لَك قلت النّصْف قَالَ مَا شِئْت فَإِن زِدْت فَهُوَ خير لَك قَالَ قلت فالثلثين قَالَ مَا شِئْت فَإِن زِدْت فَهُوَ خير لَك قَالَ أجعَل لَك صَلَاتي كلهَا قَالَ إِذا تكفى همك وَيغْفر لَك ذَنْبك رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن الطُّفَيْل عَن أَبِيه وَقَالَ // حَدِيث حسن // وروى من حَدِيث مُحَمَّد بن عقيل أَيْضا عَن الطُّفَيْل عَن أَبِيه حَدِيثا آخر وَصَححهُ وَهُوَ حَدِيث مثلي وَمثل النَّبِيين من قبلي كَمثل رجل بنى دَارا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وَاخْتَصَرَهُ فَقَالَ عَن أبي قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن جعلت صَلَاتي كلهَا صَلَاة عَلَيْك قَالَ إِذا يَكْفِيك الله مَا أهمك من أَمر دنياك وآخرتك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 فصل الموطن الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد كِتَابَة اسْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو الشَّيْخ حَدثنَا أسيد بن عَاصِم حَدثنَا بشر بن عبيد حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نم صلى عَليّ فِي كتاب لم تزل الْمَلَائِكَة يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِك الْكتاب قَالَ أَبُو مُوسَى رَوَاهُ غير وَاحِد عَن أسيد كَذَلِك قَالَ وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن وهب العلاف عَن بشر بن عبيد فَقَالَ عَن حَازِم بن بكر عَن يزِيد بن عِيَاض عَن الْأَعْرَج ويروى من غير هذَيْن الْوَجْهَيْنِ أَيْضا عَن الْأَعْرَج وَفِي الْبَاب عَن أبي بكر الصّديق وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم وروى سُلَيْمَان بن الرّبيع حَدثنَا كَادِح بن رَحْمَة حَدثنَا نهشل بن سعيد عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على فِي كتاب لم تزل الصَّلَاة جَارِيَة لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِك الْكتاب // ضَعِيف // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَرُوِيَ من طَرِيق جَعْفَر بن عَليّ الزَّعْفَرَانِي قَالَ سَمِعت خَالِي الْحسن بن مُحَمَّد يَقُول رَأَيْت أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى فِي النّوم فَقَالَ لي يَا أَبَا عَليّ لَو رَأَيْت صَلَاتنَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْكتب كَيفَ تزهر بَين أَيْدِينَا وَقَالَ أَبُو الْحسن بن عَليّ الْمَيْمُونِيّ رَأَيْت الشَّيْخ أَبَا عَليّ بن الْحسن بن عُيَيْنَة فِي الْمَنَام بعد مَوته وَكَانَ على أَصَابِع يَدَيْهِ شَيْئا مَكْتُوبًا بلون الذَّهَب أَو بلون الزَّعْفَرَان فَسَأَلته عَن ذَلِك وَقلت يَا أستاذ ارى على أصابعك شَيْئا مليحاً مَكْتُوبًا مَا هُوَ قَالَ يَا بني هَذَا لكتابتي لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو قَالَ لكتابتي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر الْخَطِيب حَدثنَا مكي بن عَليّ حَدثنَا أَبُو سُلَيْمَان الْحَرَّانِي قَالَ قَالَ رجل من جواري يُقَال لَهُ أَبُو الْفضل وَكَانَ كثير الصَّوْم وَالصَّلَاة كنت أكتب الحَدِيث وَلَا أُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرأيته فِي الْمَنَام فَقَالَ إِذا كتبت أَو ذكرت فَلم لَا تصلي عَليّ ثمَّ رَأَيْته مرّة من الزَّمَان فَقَالَ لي بَلغنِي صلواتك عَليّ فَإِذا صليت عَليّ أَو ذكرت فَقل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ لَو لم يكن لصَاحب الحَدِيث فَائِدَة إِلَّا الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي ذَلِك الْكتاب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ مُحَمَّد بن أبي سُلَيْمَان رَأَيْت أبي فِي النّوم فَقلت يَا أَبَت مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي فَقلت بِمَاذَا قَالَ بكتابتي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وَقَالَ بعض أهل الحَدِيث كَانَ لي جَار فَمَاتَ فَرُئِيَ فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي قيل بِمَاذَا قَالَ كنت إِذا كتبت ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث كتبت صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة حَدثنَا خلف صَاحب الخلقان قَالَ كَانَ لي صديق يطْلب معي الحَدِيث فَمَاتَ فرأيته فِي مَنَامِي وَعَلِيهِ ثِيَاب خضر يجول فِيهَا فَقلت أَلَسْت كنت معي تطلب الحَدِيث قَالَ بلَى قلت فَمَا الَّذِي صيرك إِلَى هَذَا قَالَ كَانَ لَا يمر حَدِيث فِيهِ ذكر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا كتبت فِي أسفلة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكافأني رَبِّي هَذَا الَّذِي ترى عَليّ وَقَالَ عبد الله بن عبد الحكم رَأَيْت الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي النّوم فَقلت مَا فعل الله بك قَالَ رحمني وَغفر لي وزفني إِلَى الْجنَّة كَمَا يزف بالعروس ونثر عَليّ كَمَا ينثر على الْعَرُوس فَقلت بِمَ بلغت هَذِه الْحَال فَقَالَ لي قَائِل يَقُول لَك بِمَا فِي كتاب الرسَالَة من الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت فَكيف ذَلِك قَالَ وَصلى الله على مُحَمَّد عدد مَا ذكره الذاكرون وَعدد مَا غفل عَن ذكره الغافلون قَالَ فَلَمَّا اصبحت نظرت إِلَى الرسَالَة فَوجدت الْأَمر كَمَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الْخَطِيب أنبأ بشير بن عبد الله الرُّومِي قَالَ سَمِعت الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبيد العسكري يَقُول سَمِعت أَبَا اسحاق الدَّارمِيّ الْمَعْرُوف بنهشل يَقُول كنت أكتب الحَدِيث فِي تخريجي للْحَدِيث قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا قَالَ فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَكَأَنَّهُ قد أَخذ شَيْئا مِمَّا أكتبه فَنظر فِيهِ فَقَالَ هَذَا جيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وَقَالَ عبد الله بن عَمْرو حَدثنِي بعض إخْوَانِي مِمَّن أَثِق بِهِ قَالَ رَأَيْت رجلا من أهل الحَدِيث فِي الْمَنَام فَقلت مَاذَا فعل الله بك قَالَ رحمني وَغفر لي قلت وَبِمَ ذَاك قَالَ إِنِّي كنت إِذا أتيت على اسْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتبت صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكرهَا مُحَمَّد بن صَالح عَن ثوابة عَن سعيد بن مَرْوَان عَنهُ وَقد روى الْحَافِظ أَبُو مُوسَى فِي كِتَابه عَن جمَاعَة من أهل الحَدِيث أَنهم رؤوا بعد مَوْتهمْ وأخبروا أَن الله تَعَالَى غفر لَهُم بكتابتهم الصَّلَاة على النَّبِي فِي كل حَدِيث وَقَالَ ابْن سِنَان سَمِعت عباسا الْعَنْبَري وَعلي بن الْمَدِينِيّ يَقُولَانِ مَا تركنَا الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل حَدِيث سمعناه وَرُبمَا عجلنا فنبيض الْكتاب فِي كل حَدِيث حَتَّى نرْجِع إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 فصل الموطن الثَّالِث وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد تَبْلِيغ الْعلم إِلَى النَّاس عِنْد التَّذْكِير والقصص والقاء الدَّرْس وَتَعْلِيم الْعلم فِي أول ذَلِك وَآخره قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كِتَابه حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ هُوَ الْجعْفِيّ عَن جَعْفَر بن برْقَان قَالَ كتب عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله أما بعد فَإِن أُنَاسًا من النَّاس قد التمسوا الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة وَإِن من الْقصاص من قد أَحْدَثُوا فِي الصَّلَاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلَاتهم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فمرهم أَن تكون صلَاتهم على النَّبِيين ودعاؤهم للْمُسلمين عَامَّة ويدعوا مَا سوى ذَلِك وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الموطن لِأَنَّهُ موطن لتبليغ الْعلم الَّذِي جَاءَ بِهِ ونشره فِي أمته وإلقائه إِلَيْهِم ودعوتهم إِلَى سنته وطريقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا من أفضل الْأَعْمَال وَأَعْظَمهَا نفعا للْعَبد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 قَالَ تَعَالَى {وَمن أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فصلت 33 وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة أَنا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يُوسُف 108 وَسَوَاء كَانَ الْمَعْنى أَنا وَمن اتبعني يَدْعُو إِلَى الله على بَصِيرَة أَو كَانَ الْوَقْف عِنْد قَوْله {أَدْعُو إِلَى الله} ثمَّ يَبْتَدِئ {على بَصِيرَة أَنا وَمن اتبعني} فالقولان متلازمان فَإِنَّهُ أمره سُبْحَانَهُ أَن يخبر أَن سَبيله الدعْوَة إِلَى الله فَمن دَعَا إِلَى الله تَعَالَى فَهُوَ على سَبِيل رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على بَصِيرَة وَهُوَ من أَتْبَاعه وَمن دَعَا إِلَى غير ذَلِك فَلَيْسَ على سَبيله وَلَا هُوَ على بَصِيرَة وَلَا هُوَ من أَتْبَاعه فالدعوة إِلَى الله تَعَالَى هِيَ وَظِيفَة الْمُرْسلين وأتباعهم وهم خلفاء الرُّسُل فِي أممهم وَالنَّاس تبع لَهُم وَالله سُبْحَانَهُ قد أَمر رَسُوله أَن يبلغ مَا أنزل إِلَيْهِ وَضمن لَهُ حفظه وعصمته من النَّاس وَهَكَذَا المبلغون عَنهُ من أمته لَهُم من حفظ الله وعصمته إيَّاهُم بِحَسب قيامهم بِدِينِهِ وتبليغهم لَهُم وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتبليغ عَنهُ وَلَو آيَة ودعا لمن بلغ عَنهُ وَلَو حَدِيثا وتبليغ سنته إِلَى الْأمة أفضل من تَبْلِيغ السِّهَام إِلَى نحور الْعَدو لِأَن ذَلِك التَّبْلِيغ يَفْعَله كثير من النَّاس وَأما تَبْلِيغ السّنَن فَلَا تقوم بِهِ إِلَّا وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وخلفاؤهم فِي أممهم جعلنَا الله تَعَالَى مِنْهُم بمنه وَكَرمه وهم كَمَا قَالَ فيهم عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي خطبَته الَّتِي ذكرهَا ابْن وضاح فِي كتاب الْحَوَادِث والبدع لَهُ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي أمتن على الْعباد بِأَن جعل فِي كل زمَان فَتْرَة من الرُّسُل بقايا من أهل الْعلم يدعونَ من ضل إِلَى الْهدى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 ويصبرون مِنْهُم على الْأَذَى ويحيون بِكِتَاب الله أهل الْعَمى كم من قَتِيل لإبليس قد أحيوه وضال تائه قد هدوه بذلوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ دون هلكة الْعباد فَمَا أحسن أَثَرهم على النَّاس واقبح أثر النَّاس عَلَيْهِم يقبلونهم فِي سالف الدَّهْر وَإِلَى يَوْمنَا هَذَا فَمَا نسيهم رَبك {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} مَرْيَم 64 وَجعل قصصهم هدى وَأخْبر عَن حسن مقالتهم فَلَا تقصر عَنْهُم فَإِنَّهُم فِي منزلَة رفيعة وان أَصَابَتْهُم الوضيعة وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إِن لله عِنْد كل بِدعَة كيد بهَا الْإِسْلَام وليا من أوليائه يذب عَنْهَا وينطق بعلاماتها فاغتنموا حُضُور تِلْكَ المواطن وتوكلوا على الله وَيَكْفِي فِي هَذَا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي رَضِي الله عَنهُ لِأَن يهدي الله بك رجلا وَاحِدًا خير لَك من حمر النعم وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَحْيَا شَيْئا من سنتي كنت أَنا وَهُوَ فِي الْجنَّة كهاتين وَضم بَين أصبعيه وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من دَعَا إِلَى هدى فَاتبع عَلَيْهِ كَانَ لَهُ مثل أجر من تبعه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 فَمَتَى يدْرك الْعَامِل هَذَا الْفضل الْعَظِيم والحظ الجسيم بِشَيْء من عمله وَإِنَّمَا ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم فحقيق بالمبلغ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي أَقَامَهُ الله سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الْمقَام أَن يفْتَتح كَلَامه بِحَمْد الله تَعَالَى وَالثنَاء عَلَيْهِ وتمجيده وَالِاعْتِرَاف لَهُ بالوحدانية وتعريف حُقُوقه على الْعباد ثمَّ بِالصَّلَاةِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتمجيده وَالثنَاء عَلَيْهِ أَن يختمه أَيْضا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 فصل الموطن الرَّابِع وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول النَّهَار وَآخره قَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا حَفْص بن عمر الصَّباح حَدثنَا يزِيد بن عبد ربه الجرجسي حَدثنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي قَالَ سَمِعت خَالِد بن معدان يحدث عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ حِين يصبح عشرا وَحين يُمْسِي عشرا أَدْرَكته شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ رَوَاهُ عَن بَقِيَّة غير وَاحِد وَيزِيد بن عبد ربه كَانَ يسكن بحمص قرب كَنِيسَة جرجس فنسب إِلَيْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 فصل الموطن الْخَامِس وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقب الذَّنب إِذا أَرَادَ أَن يكفر عَنهُ قَالَ ابْن أبي عَاصِم فِي = كتاب الصَّلَاة على النَّبِي = حَدثنَا الْحسن بن الْبَزَّار حَدثنَا شَبابَة حَدثنَا مُغيرَة بن مُسلم عَن أبي إِسْحَاق عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا عَليّ فَإِن الصَّلَاة عَليّ كَفَّارَة لكم فَمن صلى عَليّ مرّة صلى الله عَلَيْهِ عشرا وَقَالَ ابْن أبي عَاصِم فِي كِتَابه حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد حَدثنَا الْفضل بن عَطاء عَن الْفضل بن شُعَيْب عَن أبي مَنْظُور عَن ابْن معَاذ عَن أبي كَاهِل قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا كَاهِل من صلى على كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات وكل لَيْلَة ثَلَاث مَرَّات حبا وشوقاً إِلَيّ كَانَ حَقًا على الله أَن يغْفر لَهُ ذنُوبه تِلْكَ اللَّيْلَة وَذَلِكَ الْيَوْم وَقَالَ أَبُو الشَّيْخ فِي = كتاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم = حَدثنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 عبد الله بن مُحَمَّد بن نصر حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن يزِيد قَالَ حَدثنَا الْحُسَيْن بن حَفْص حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن لَيْث بن أبي سليم عَن نَافِع بن كَعْب الْمدنِي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا عَليّ فَإِن الصَّلَاة عَليّ زَكَاة لكم وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن فُضَيْل عَن لَيْث بن كَعْب عَن أبي هُرَيْرَة فَهَذَا فِيهِ الْأَخْبَار بِأَن الصَّلَاة زَكَاة للْمُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالزَّكَاة تَتَضَمَّن النَّمَاء وَالْبركَة وَالطَّهَارَة وَالَّذِي قبله فِيهِ أَنَّهَا كَفَّارَة وَهِي تَتَضَمَّن محو الذَّنب فتضمن الحديثان أَن بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحصل طَهَارَة النَّفس من رذائلها وَيثبت لَهَا النَّمَاء وَالزِّيَادَة فِي كمالاتها وفضائلها والى هذَيْن الْأَمريْنِ يرجع كَمَال النَّفس فَعلم أَنه لَا كَمَال للنَّفس إِلَّا بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي هِيَ من لَوَازِم محبته ومتابعته وتقديمه على كل من سواهُ من المخلوقين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 فصل الموطن السَّادِس وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد إِلْمَام الْفقر أَو خوف وُقُوعه قَالَ أَبُو نعيم حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن بن سَمَّاعَة حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا فطر بن خَليفَة عَن جَابر بن سَمُرَة السوَائِي عَن أَبِيه قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَهُ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا أقرب الْأَعْمَال إِلَى الله عز وَجل قَالَ صدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة قلت يَا رَسُول الله زِدْنَا قَالَ صَلَاة اللَّيْل وَصَوْم الهواجر قلت يَا رَسُول الله زِدْنَا قَالَ كَثْرَة الذّكر وَالصَّلَاة عَليّ تَنْفِي الْفقر قلت يَا رَسُول الله زِدْنَا قَالَ من أم قوما فليخفف فَإِن فيهم الْكَبِير والعليل والضعيف وَذَا الْحَاجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 فصل الموطن السَّابِع وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد خطْبَة الرجل الْمَرْأَة فِي النِّكَاح = قَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الاية الْأَحْزَاب 56 قَالَ يَعْنِي أَن الله تَعَالَى يثني على نَبِيكُم وَيغْفر لَهُ وَأمر الْمَلَائِكَة بالاستغفار لَهُ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ} أثنوا عَلَيْهِ فِي صَلَاتكُمْ وَفِي مَسَاجِدكُمْ وَفِي كل موطن وَفِي خطْبَة النِّسَاء فَلَا تنسوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 فصل الموطن الثَّامِن وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد العطاس قَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ حَدثنَا سهل بن صَالح الْأَنْطَاكِي حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن نَافِع قَالَ رَأَيْت ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَقد عطس رجل إِلَى جنبه فَقَالَ الْحَمد لله وَالسَّلَام على رَسُول الله فَقَالَ ابْن عمر وَأَنا أَقُول السَّلَام على رَسُول الله وَلَكِن لَيْسَ هَكَذَا أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرنَا أَن نقُول إِذا عطسنا الْحَمد لله على كل حَال قَالَ الطَّبَرَانِيّ لم يروه عَن سعيد إِلَّا الْوَلِيد تفرد بِهِ سهل وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن حميد مسْعدَة حَدثنَا زِيَاد بن الرّبيع حَدثنَا حضرمي مولى آل الْجَارُود عَن نَافِع أَن رجلا عطس إِلَى جنب ابْن عمر فَقَالَ الْحَمد لله وَالسَّلَام على رَسُول الله قَالَ ابْن عمر وَأَنا أَقُول الْحَمد لله وَالسَّلَام على رَسُول الله وَلَيْسَ هَكَذَا علمنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علمنَا أَن نقُول الْحَمد لله على كل حَال قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث زِيَاد ابْن الرّبيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَرُوِيَ عَن نَافِع أَيْضا عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا خلاف ذَلِك ثمَّ سَاق من طَرِيق عبد الله بن أَحْمد حَدثنَا عباد بن زِيَاد الْأَسدي حَدثنَا زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق عَن نَافِع قَالَ عطس رجل عِنْد ابْن عمر فَقَالَ لَهُ ابْن عمر لقد بخلت هلا حمدت الله تَعَالَى وَصليت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذهب إِلَى هَذَا جمَاعَة مِنْهُم أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَغَيره ونازعهم فِي ذَلِك آخَرُونَ وَقَالُوا لَا تسْتَحب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد العطاس وَإِنَّمَا هُوَ مَوضِع حمد الله تَعَالَى وَحده وَلم يشرع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد العطاس إِلَّا حمد الله تَعَالَى وَالصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَت من أفضل الْأَعْمَال وأحبها إِلَى الله تَعَالَى فَلِكُل ذكر موطن يَخُصُّهُ لَا يقوم غَيره مقَامه فِيهِ قَالُوا وَلِهَذَا لَا تشرع الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرُّكُوع وَلَا السُّجُود وَلَا قيام الِاعْتِدَال من الرُّكُوع وتشرع فِي التَّشَهُّد الْأَخير إِمَّا مَشْرُوعِيَّة وجوب أَو اسْتِحْبَاب وَرووا حَدِيثا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تذكروني عِنْد ثَلَاث عِنْد تَسْمِيَة الطَّعَام وَعند الذّبْح وَعند العطاس وَهَذَا الحَدِيث لَا يَصح فَإِنَّهُ من حَدِيث سُلَيْمَان بن عِيسَى السجْزِي عَن عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي عَن كثير عَن عُوَيْد عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكره وَله ثَلَاث علل إِحْدَاهَا تفرد سُلَيْمَان بن عِيسَى بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ فِي عداد من يضع الحَدِيث الثَّانِيَة ضعف عبد الرَّحِيم الْعمي الثَّالِثَة انْقِطَاعه قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقد روينَا فِي الصَّلَاة عِنْد العطاس مَا أخبرنَا أَبُو طَاهِر الْفَقِيه أخبرنَا أَبُو عبد الله الصفار حَدثنَا عبد الله الصفار حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد حَدثنَا عباد بن زِيَاد فَذكر الحَدِيث الْمُتَقَدّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 فصل الموطن التَّاسِع وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْفَرَاغ من الْوضُوء قَالَ أَبُو الشَّيْخ فِي كِتَابه حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن شبيب حَدثنَا إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل حَدثنَا مُحَمَّد بن جَابر عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا فرغ أحدكُم من طهوره فَلْيقل أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ ليصل عَليّ فَإِذا قَالَ ذَلِك فتحت لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة هَذَا حَدِيث مَشْهُور لَهُ طرق عَن عمر بن الْخطاب وَعقبَة بن عَامر وثوبان وانس رَضِي الله عَنْهُم لَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا ذكر الصَّلَاة إِلَّا فِي هَذِه الرِّوَايَة // حَدِيث ضَعِيف // وَقَالَ ابْن أبي عَاصِم فِي كِتَابه حَدثنَا دُحَيْم حَدثنَا ابْن أبي فديك حَدثنَا عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس بن سهل بن سعد عَن أَبِيه عَن جده يرفعهُ وَلَا وضوء لمن لم يصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعبد الْمُهَيْمِن لَا يحْتَج بِهِ وَقد تقدم الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 فصل الموطن الثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد دُخُول الْمنزل ذكره الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وروى فِيهِ من حَدِيث أَبى صَالح بن الْمُهلب عَن أبي بكر بن عمرَان حَدثنِي مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن الْوَلِيد حَدثنِي عَمْرو بن سعيد حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب حَدثنِي مُحَمَّد بن عجلَان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَكا إِلَيْهِ الْفقر وضيق الْعَيْش أَو المعاش فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخلت مَنْزِلك فَسلم إِن كَانَ فِيهِ أحد أَو لم يكن فِيهِ أحد ثمَّ سلم عَليّ واقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الْإِخْلَاص 1 مرّة وَاحِدَة فَفعل الرجل فأدر الله عَلَيْهِ الرزق حَتَّى افاض على جِيرَانه وقراباته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 فصل الموطن الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل موطن يجْتَمع فِيهِ لذكر الله تَعَالَى لحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن لله سيارة من الْمَلَائِكَة إِذا مروا بحلق الذّكر قَالَ بَعضهم لبَعض اقعدوا فَإِذا دَعَا الْقَوْم أمنُوا على دُعَائِهِمْ فَإِذا صلوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا مَعَهم حَتَّى يفرغوا ثمَّ يَقُول بَعضهم لبَعض طُوبَى لهَؤُلَاء يرجعُونَ مغفوراً لَهُم وأصل الحَدِيث فِي مُسلم وَهَذَا سِيَاق مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْكشِّي حَدثنَا عبد السَّلَام بن عجلَان حَدثنَا أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة فَذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 فصل الموطن الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نسي الشَّيْء أَو أَرَادَ ذكره ذكره أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وروى فِيهِ من طَرِيق مُحَمَّد بن عتاب الْمروزِي ثَنَا سَعْدَان بن عَبدة أَبُو سعيد المرزوي ثَنَا عبد الله بن عبد الله الْعَتكِي أنبأ أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نسيتم شَيْئا فصلوا عَليّ تذكروه إِن شَاءَ الله قَالَ الْحَافِظ وَقد ذَكرْنَاهُ من غَيرهَا هَذَا الطَّرِيق فِي كتاب الْحِفْظ وَالنِّسْيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 فصل الموطن الثَّلَاث وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْحَاجة تعرض للْعَبد قَالَ أَحْمد بن مُوسَى الْحَافِظ حَدثنَا عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن مُسلم قَالَ ثَنَا عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أسيد حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن يزِيد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْأَشْعَث الْخُرَاسَانِي حَدثنَا عبد الله بن سِنَان بن عقبَة بن أبي عَائِشَة الْمدنِي عَن أبي سهل بن مَالك عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على مائَة صَلَاة حِين يُصَلِّي الصُّبْح قبل أَن يتَكَلَّم قضى الله لَهُ مائَة حَاجَة عجل لَهُ مِنْهَا ثَلَاثِينَ الله حَاجَة وَأخر لَهُ سبعين وَفِي الْمغرب مثل ذَلِك قَالُوا وَكَيف الصَّلَاة عَلَيْك يَا رَسُول الله قَالَ {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الْأَحْزَاب 56 اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ حَتَّى تعد مائَة مرّة وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن الْجُنَيْد ثَنَا اسماعيل بن إِسْمَاعِيل بن حديج بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِذا أردْت أَن تسْأَل حَاجَة فابدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 بالمدحة والتحميد وَالثنَاء على الله عز وَجل بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ صل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ادْع بعد فَإِن ذَلِك أَحْرَى أَن تصيب حَاجَتك وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا سهل بن مُوسَى حَدثنَا زُرَيْق بن السُّحت حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء حَدثنَا فائد أَبُو الورقاء حَدثنَا عبد الله بن أبي أوفى قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ من كَانَ لَهُ إِلَى الله عز وَجل حَاجَة فَليَتَوَضَّأ وليحسن الْوضُوء وليركع رَكْعَتَيْنِ وليثن على الله عز وَجل وَليصل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَليقل لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم سُبْحَانَ الله رب الْعَرْش الْكَرِيم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين أَسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك وَالْغنيمَة من كل بر والسلامة من كل ذَنْب لَا تدع لي هما إِلَّا فرجته وَلَا ذَنبا إِلَّا غفرته وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضى إِلَّا قضيتها يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَقَالَ ابْن مندة الْحَافِظ حَدثنَا عبد الصَّمد العاصمي أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الْمُسْتَمْلِي حَدثنَا مُحَمَّد بن درسْتوَيْه حَدثنَا سهل بن متويه حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد حَدثنَا عَبَّاس بن بكار حَدثنَا أَبُو بكر الْهُذلِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى على فِي كل يَوْم مائَة مرّة قضى الله لَهُ مائَة حَاجَة سبعين مِنْهَا لأخرته وَثَلَاثِينَ مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 لديناه قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ هَذَا حَدِيث حسن قلت قد تقدم حَدِيث فضَالة بن عبيد وَأبي بن كَعْب فِي ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 فصل الموطن الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد طنين الْأذن ذكره أَبُو مُوسَى وَغَيره قَالَ ابْن عَاصِم فِي كِتَابه حَدثنَا ابوالربيع قَالَ حَدثنَا حسان بن عدي قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد الله بن أَبى رَافع عَن أَخِيه عبد الله عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا طَنَّتْ أذن أحدكُم فَليصل عَليّ وَليقل ذكر الله بِخَير من ذَكرنِي وَرَوَاهُ معمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي رَافع عَن أَبِيه عَن جده لم يذكر عبد الله فِي الْإِسْنَاد وَفِي رِوَايَة ذكر الله من ذَكرنِي بِخَير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 فصل الموطن الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقيب الصَّلَوَات ذكره الْحَافِظ أَبُو مُوسَى وَغَيره وَلم يذكرُوا فِي ذَلِك سوى حِكَايَة ذكرهَا أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ من طَرِيق عبد الْغَنِيّ بن سعيد قَالَ سَمِعت إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل الحاسب قَالَ أَخْبرنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عمر قَالَ كنت عِنْد أبي بكر بن مُجَاهِد فجَاء الشبلي فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بكر بن مُجَاهِد فعانقه وَقبل بَين عَيْنَيْهِ فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي يفعل هَذَا بالشبلي وَأَنت وَجَمِيع من بِبَغْدَاد يتصورونه أَنه مَجْنُون فَقَالَ لي فعلت بِهِ كَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل بِهِ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَقد أقبل الشبلي فَقَامَ إِلَيْهِ وَقبل بَين عَيْنَيْهِ فَقلت يَا رَسُول الله أتفعل هَذَا بالشبلي فَقَالَ هَذَا يقْرَأ بعد صلَاته {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفسكُم} التَّوْبَة 128 إِلَى آخرهَا ويتبعها بِالصَّلَاةِ عَليّ وَفِي رِوَايَة أَنه لم يصل صَلَاة فَرِيضَة إِلَّا وَيقْرَأ خلفهَا {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إِلَى آخر السُّورَة وَيَقُول ثَلَاث مَرَّات صلى الله عَلَيْك يَا مُحَمَّد قَالَ فَلَمَّا دخل الشبلي سَأَلته عَمَّا يذكر بعد الصَّلَاة فَذكر مثله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 فصل الموطن السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الذَّبِيحَة وَقد اخْتلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فاستحبها الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ وَالتَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة بِسم الله فَإِن زَاد بعد ذَلِك شَيْئا من ذكر الله تَعَالَى فَالزِّيَادَة خير وَلَا أكره مَعَ تَسْمِيَته على الذَّبِيحَة أَن يَقُول صلى الله على رَسُول الله بل أحبه لَهُ وَأحب أَن يكثر الصَّلَاة على كل الْحَالَات لِأَن ذكر الله بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إِيمَان بِاللَّه وَعبادَة لَهُ يُؤجر عَلَيْهَا أَن شَاءَ الله تَعَالَى من قَالَهَا وَقد ذكر عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتقدمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَبِعَهُ عبد الرَّحْمَن سَاجِدا فَوقف ينتظره فَأطَال ثمَّ رفع فَقَالَ عبد الرَّحْمَن لقد خشيت أَن يكون الله قبض روحك فِي سجودك فَقَالَ يَا عبد الرَّحْمَن إِنِّي لما كنت حَيْثُ رَأَيْت لَقِيَنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخْبرنِي عَن الله أَنه قَالَ من صلى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ فسجدت لله شكرا وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نسي الصَّلَاة عَليّ خطئَ بِهِ طَرِيق الْجنَّة وَبسط رَحمَه الله الْكَلَام فِي هَذَا ونازعه فِي ذَلِك آخَرُونَ مِنْهُم أَصْحَاب الإِمَام أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فَإِنَّهُم كَرهُوا الصَّلَاة فِي هَذَا الموطن ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 صَاحب الْمُحِيط وَعلله بِأَنَّهُ قَالَ لِأَن فِيهِ الإهلال لغير الله تَعَالَى وَاخْتلف أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فكرهها القَاضِي وَأَصْحَابه وَذكر الْكَرَاهَة أَبُو الْخطاب فِي رُؤُوس الْمسَائِل وَقَالَ ابْن شاقلا تسْتَحب كَقَوْل الشَّافِعِي وَاحْتج من كرهها بِأَن قَالُوا روى أَبُو مُحَمَّد الْخلال بِإِسْنَادِهِ عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ موطئان لَا حَظّ لي فيهمَا عِنْد العطاس وَالذّبْح وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث سُلَيْمَان بن عِيسَى السجْزِي عَن عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي عَن أَبِيه وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا الحَدِيث وَأَنه غير ثَابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 فصل الموطن السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة فِي غير التَّشَهُّد بل فِي حَال الْقِرَاءَة إِذا مر بِذكرِهِ أَو بقوله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الْأَحْزَاب 56 الْآيَة ذكره أَصْحَابنَا وَغَيرهم قَالُوا مَتى مر بِذكرِهِ فِي الْقِرَاءَة وقف وَصلى عَلَيْهِ وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر حَدثنَا بشر بن مَنْصُور عَن هِشَام عَن الْحسن قَالَ إِذا مر بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فليقف وَليصل عَلَيْهِ فِي التَّطَوُّع وَنَصّ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى على ذَلِك فَقَالَ إِذا مر الْمُصَلِّي بِآيَة فِيهَا ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن فِي كَانَ نفل صلى الله عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 الموطن الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بدل الصَّدَقَة لمن لم يكن لَهُ مَال فتجزئ الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّدَقَة للمعسر قَالَ ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن دراج أبي السَّمْح عَن أبي الْهَيْثَم عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا رجل لم يكن عِنْده صَدَقَة فَلْيقل فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك وصل على الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات فَإِنَّهَا لَهُ زَكَاة رَوَاهُ عَنهُ ابْن أَخِيه وَهَارُون بن مَعْرُوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 فصل الموطن التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد النّوم قَالَ أَبُو الشَّيْخ فِي كِتَابه حَدثنَا إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيل الْبَرْمَكِي حَدثنَا آدم أبي إِيَاس حَدثنَا مُحَمَّد بن نشر حَدثنَا مُحَمَّد بن عَامر قَالَ قَالَ أَبُو قرصافة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من أَوَى إِلَى فرَاشه ثمَّ قَرَأَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} الْملك 1 ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ رب الْحل وَالْحرم وَرب الْبَلَد الْحَرَام وَرب الرُّكْن وَالْمقَام وَرب الْمشعر الْحَرَام بِحَق كل آيَة أنزلتها فِي شهر رَمَضَان بلغ روح مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني تَحِيَّة وَسلَامًا أَربع مَرَّات وكل الله تَعَالَى بهَا الْملكَيْنِ حَتَّى يَأْتِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُولَانِ لَهُ يَا مُحَمَّد إِن فلَان بن فلَان يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله فَيَقُول وعَلى فلَان مني السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى نشر وَالِد مُحَمَّد بِفَتْح النُّون قلت وَأَبُو قرصافة ذكره ابْن عبد الْبر فِي كِتَابه الصَّحَابَة وَقَالَ اسْمه جندرة من بني كنَانَة لَهُ صُحْبَة سكن فلسطين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 وَقيل كَانَ يسكن تهَامَة وَلَكِن مُحَمَّد بن نشر هَذَا هُوَ الْمدنِي قَالَ فِيهِ الْأَزْدِيّ مَتْرُوك الحَدِيث مَجْهُول وَقلت وَعلة الحَدِيث أَنه مَعْرُوف من قَول أبي جَعْفَر الباقر وَهَذَا أشبه وَالله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 فصل الموطن الْأَرْبَعُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد كل كَلَام ذِي بَال فَإِنَّهُ يَبْتَدِئ بِحَمْد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ ثمَّ بِالصَّلَاةِ على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يذكر كَلَامه بعد ذَلِك أما ابتداؤه بِالْحَمْد فَلَمَّا فِي مُسْند الإِمَام احْمَد وَسنَن أبي دَاوُد من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أَجْذم وَأما الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فروى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد عَن يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل كَلَام لَا يذكر الله فِيهِ فَيبْدَأ بِهِ وبالصلاة عَليّ فَهُوَ أقطع ممحوق من كل بركَة // إِسْنَاده ضَعِيف // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 فصل الموطن الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أثْنَاء صَلَاة الْعِيد فَإِنَّهُ يسْتَحبّ أَن يحمد الله ويثني عَلَيْهِ وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم هِشَام الدستوَائي حَدثنَا حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة أَن ابْن مَسْعُود وَأَبا مُوسَى وَحُذَيْفَة خرج عَلَيْهِم الْوَلِيد بن عقبَة قبل الْعِيد يَوْمًا فَقَالَ لَهُم إِن هَذَا الْعِيد قد دنا فَكيف التَّكْبِير فِيهِ قَالَ عبد الله تبدأ فتكبر تَكْبِيرَة تفتتح بهَا الصَّلَاة وتحمد رَبك وَتصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تَدْعُو وتكبر وَتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تقْرَأ ثمَّ تكبر وتكرع ثمَّ تقوم وتقرأ وتحمد رَبك وَتصلي على النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تَدْعُو وَتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تكبر وَتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تكبر وَتفعل ذَلِك ثمَّ تركع فَقَالَ حُذَيْفَة وَأَبُو مُوسَى صدق أَبُو عبد الرَّحْمَن // إِسْنَاده حسن // وَفِي هَذَا الحَدِيث الْمُوَالَاة بَين الْقِرَاءَتَيْن وَهِي مَذْهَب أبي حنيفَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَفِيه تَكْبِيرَات الْعِيد الزَّوَائِد ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَفِيه حمد الله وَالصَّلَاة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 رَسُوله بَين التَّكْبِيرَات وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد فَأخذ أَبُو حنيفَة بِهِ فِي عدد التَّكْبِيرَات والموالاة بَين الْقِرَاءَتَيْن وَأخذ بِهِ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ فِي اسْتِحْبَاب الذّكر بَين التَّكْبِيرَات وَأَبُو حنيفَة وَمَالك يستحبان سرد التَّكْبِيرَات من غير ذكر بَينهمَا وَمَالك لم يَأْخُذ بِهِ فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اعْلَم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْفَوَائِد والثمرات الْحَاصِلَة بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأولى امْتِثَال أَمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الثَّانِيَة مُوَافَقَته سُبْحَانَهُ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن اخْتلفت الصَّلَاتَان فصلاتنا عَلَيْهِ دُعَاء وسؤال وَصَلَاة الله تَعَالَى عَلَيْهِ ثَنَاء وتشريف كَمَا تقدم الثَّالِثَة مُوَافقَة مَلَائكَته فِيهَا الرَّابِعَة حُصُول عشر صلوَات من الله على الْمُصَلِّي مرّة الْخَامِسَة أَنه يرفع عشر دَرَجَات السَّادِسَة أَنه يكْتب لَهُ عشر حَسَنَات السَّابِعَة أَنه يمحى عَنهُ عشر سيئات الثَّامِنَة أَنه يُرْجَى إِجَابَة دُعَائِهِ إِذا قدمهَا أَمَامه فَهِيَ تصاعد الدُّعَاء إِلَى عِنْد رب الْعَالمين التَّاسِعَة أَنَّهَا سَبَب لشفاعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قرنها بسؤال الْوَسِيلَة لَهُ أَو أفردها كَمَا تقدم حَدِيث رويفع بذلك الْعَاشِرَة أَنَّهَا سَبَب لغفران الذُّنُوب كَمَا تقدم الْحَادِيَة عشرَة أَنَّهَا سَبَب لكفاية الله العَبْد مَا أهمه الثَّانِيَة عشرَة أَنَّهَا سَبَب لقرب العَبْد مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْقِيَامَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وَقد تقدم حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ بذلك الثَّالِثَة عشرَة أَنَّهَا تقوم مقَام الصَّدَقَة لذِي الْعسرَة الرَّابِعَة عشرَة أَنَّهَا سَبَب لقَضَاء الْحَوَائِج الْخَامِسَة عشرَة أَنَّهَا سَبَب لصَلَاة الله على الْمُصَلِّي وَصَلَاة مَلَائكَته عَلَيْهِ السَّادِسَة عشرَة أَنَّهَا زَكَاة للْمُصَلِّي وطهارة لَهُ السَّابِعَة عشرَة أَنَّهَا سَبَب لتبشير العَبْد بِالْجنَّةِ قبل مَوته ذكره الْحَافِظ أَبُو مُوسَى فِي كِتَابه وَذكر فِيهِ حَدِيثا الثَّامِنَة عشرَة أَنَّهَا سَبَب للنجاة من أهوال يَوْم الْقِيَامَة ذكره أَبُو مُوسَى وَذكر فِيهِ حَدِيثا التَّاسِعَة عشرَة أَنَّهَا سَبَب لرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة وَالسَّلَام على الْمُصَلِّي وَالْمُسلم عَلَيْهِ الْعشْرُونَ أَنَّهَا سَبَب لتذكر العَبْد مَا نَسيَه كَمَا تقدم الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ أَنَّهَا سَبَب لطيب الْمجْلس وَأَن لَا يعود حسرة على أَهله يَوْم الْقِيَامَة الثَّانِيَة وَالْعشْرُونَ أَنَّهَا سَبَب لنفي الْفقر كَمَا تقدم الثَّالِثَة وَالْعشْرُونَ أَنَّهَا تَنْفِي عَن العَبْد اسْم الْبُخْل إِذا صلى عَلَيْهِ عِنْد ذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّابِعَة وَالْعشْرُونَ أَنَّهَا ترمي صَاحبهَا على طَرِيق الْجنَّة وتخطئ بتاركها عَن طريقها الْخَامِسَة وَالْعشْرُونَ أَنَّهَا تنجي من نَتن الْمجْلس الَّذِي لَا يذكر فِيهِ الله وَرَسُوله ويحمد ويثنى عَلَيْهِ فِيهِ وَيصلى على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 السَّادِسَة وَالْعشْرُونَ أَنَّهَا سَبَب لتَمام الْكَلَام الَّذِي ابتدئ بِحَمْد الله وَالصَّلَاة على رَسُوله السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ أَنَّهَا سَبَب لوفور نور العَبْد على الصِّرَاط وَفِيه حَدِيث ذكره أَبُو مُوسَى وَغَيره الثَّامِنَة وَالْعشْرُونَ أَنه يخرج بهَا العَبْد عَن الْجفَاء التَّاسِعَة وَالْعشْرُونَ أَنَّهَا سَبَب لإبقاء الله سُبْحَانَهُ الثَّنَاء الْحسن للْمُصَلِّي عَلَيْهِ بَين أهل السَّمَاء وَالْأَرْض لِأَن الْمُصَلِّي طَالب من الله أَن يثني على رَسُوله ويكرمه ويشرفه وَالْجَزَاء من جنس الْعَمَل فَلَا بُد أَن يحصل للْمُصَلِّي نوع من ذَلِك الثَّلَاثُونَ أَنَّهَا سَبَب الْبركَة فِي ذَات الْمُصَلِّي وَعَمله وعمره وَأَسْبَاب مَصَالِحه لِأَن الْمُصَلِّي دَاع ربه يُبَارك عَلَيْهِ وعَلى آله وَهَذَا الدُّعَاء مستجاب وَالْجَزَاء من جنسه الْحَادِيَة وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا سَبَب لنيل رَحْمَة الله لَهُ لِأَن الرَّحْمَة إِمَّا بِمَعْنى الصَّلَاة كَمَا قَالَه طَائِفَة وَإِمَّا من لوازمها وموجباتها على القَوْل الصَّحِيح فَلَا بُد للْمُصَلِّي عَلَيْهِ من رَحْمَة تناله الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا سَبَب لدوام محبته للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزيادتها وتضاعفها وَذَلِكَ عقد من عُقُود الْإِيمَان الَّذِي لَا يتم إِلَّا بِهِ لِأَن العَبْد كلما أَكثر من ذكر المحبوب واستحضاره فِي قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضَاعف حبه وتزايد شوقه إِلَيْهِ وَاسْتولى على جَمِيع قلبه وَإِذا أعرض عَن ذكره وإحضار محاسنه بِقَلْبِه نقص حبه من قلبه وَلَا شَيْء أقرّ لعين الْمُحب من رُؤْيَة محبوبه وَلَا أقرّ لِقَلْبِهِ من ذكره وإحضار محاسنه فَإِذا قوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 هَذَا فِي قلبه جرى لِسَانه بمدحه وَالثنَاء عَلَيْهِ وَذكر محاسنه وَتَكون زِيَادَة ذَلِك ونقصانه بِحَسب زِيَادَة الْحبّ ونقصانه فِي قلبه والحس شَاهد بذلك حَتَّى قَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي ذَلِك (عجبت لمن يَقُول ذكرت حبي ... وَهل أنسى فأذكر من نسيت) فتعجب هَذَا الْمُحب مِمَّن يَقُول ذكرت محبوبي لِأَن الذّكر يكون بعد النسْيَان وَلَو كمل حب هَذَا لما نسي محبوبه وَقَالَ آخر (أُرِيد لأنسى ذكرهَا فَكَأَنَّمَا ... تمثل لي ليلى بِكُل سَبِيل) فَهَذَا أخبر عَن نَفسه أَن محبته لَهَا مَانع لَهُ من نسيانها وَقَالَ آخر (يُرَاد من الْقلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على النَّاقِل) فَأخْبر أَن حبهم وَذكرهمْ قد صَار طبعا لَهُ فَمن أَرَادَ مِنْهُ خلاف ذَلِك أَبَت عَلَيْهِ طباعه أَن تنْتَقل عَنهُ والمثل الْمَشْهُور من أحب شَيْئا أَكثر من ذكره وَفِي هَذَا الجناب الْأَشْرَف أَحَق مَا أنْشد (لَو شقّ قلبِي فَفِي وَسطه ... ذكرك والتوحيد فِي سطر) فَهَذَا قلب الْمُؤمن تَوْحِيد الله وَذكر رَسُوله مكتوبان فِيهِ لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِمَا محو وَلَا إِزَالَة وَلما كَانَت كَثْرَة ذكر الشَّيْء مُوجبَة لدوام محبته ونسيانه سَببا لزوَال محبته أَو اضعافها وَكَانَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُسْتَحق من عباده نِهَايَة الْحبّ مَعَ نِهَايَة التَّعْظِيم بل الشّرك الَّذِي لَا يغفره الله تَعَالَى هُوَ أَن يُشْرك بِهِ فِي الْحبّ والتعظيم فيحب غَيره ويعظم من الْمَخْلُوقَات غَيره كَمَا يحب الله تَعَالَى ويعظمه قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه} الْبَقَرَة 165 فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن الْمُشرك يحب الند كَمَا يحب الله تَعَالَى وَأَن الْمُؤمن أَشد حبا لله من كل شَيْء وَقَالَ أهل النَّار فِي النَّار {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} الشُّعَرَاء 97 98 وَمن الْمَعْلُوم أَنهم إِنَّمَا سووهم بِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْحبّ والتأله وَالْعِبَادَة وَإِلَّا فَلم يقل أحد قطّ إِن الصَّنَم أَو غَيره من الأنداد مسَاوٍ لرب الْعَالمين فِي صِفَاته وَفِي أَفعاله وَفِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَفِي خلق عباده أَيْضا وَإِنَّمَا كَانَت السوية فِي الْمحبَّة وَالْعِبَادَة وأضل من هَؤُلَاءِ وأسوأ حَالا من سوى كل شَيْء بِاللَّه سُبْحَانَهُ فِي الْوُجُود وَجعله وجود كل مَوْجُود كَامِل أَو نَاقص فَإِذا كَانَ الله قد حكم بالضلال والشقاء لمن سوى بَينه وَبَين الْأَصْنَام فِي الْحبّ مَعَ اعتقادههم تفَاوت مَا بَين الله وَبَين خلقه فِي الذَّات وَالصِّفَات وَالْأَفْعَال فَكيف بِمن سوى الله بالموجودات فِي جَمِيع ذَلِك وَزعم أَنه مَا عبد غير الله فِي كل معبود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وَالْمَقْصُود أَن دوَام الذّكر لما كَانَ سَببا لدوام الْمحبَّة وَكَانَ الله سُبْحَانَهُ أَحَق بِكَمَال الْحبّ والعبودية والتعظيم والإجلال كَانَ كَثْرَة ذكره من أَنْفَع مَا للْعَبد وَكَانَ عدوه حَقًا هُوَ الصَّاد لَهُ عَن ذكر ربه وعبوديته وَلِهَذَا أَمر الله سُبْحَانَهُ بِكَثْرَة ذكره فِي الْقُرْآن وَجعله سَببا للفلاح فَقَالَ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الْجُمُعَة 10 وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرا} الْجُمُعَة 41 وَقَالَ تَعَالَى {والذاكرين الله كثيرا وَالذَّاكِرَات} الْأَحْزَاب 35 وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هم الخاسرون} المُنَافِقُونَ 9 وَقَالَ تَعَالَى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} الْبَقَرَة 152 وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبق المفردون قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا المفردون قَالَ الذاكرون الله كثيرا وَالذَّاكِرَات وَفِي التِّرْمِذِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَلا أدلكم على خير أَعمالكُم وأزكاها عِنْد مليككم وأرفعها فِي درجاتكم وَخير لكم من إِنْفَاق الذَّهَب وَالْوَرق وَخير لكم من أَن تلقوا عَدوكُمْ فتضربوا أَعْنَاقهم ويضربوا أَعْنَاقكُم قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ ذكر الله تَعَالَى // إِسْنَاده صَحِيح // وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 فِي الْمُوَطَّأ مَوْقُوف على أبي الدَّرْدَاء قَالَ معَاذ بن جبل مَا عمل آدَمِيّ عملا أنجى لَهُ من عَذَاب الله من ذكر الله وَذكر رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبع لذكره وَالْمَقْصُود أَن دوَام الذّكر سَبَب لدوام الْمحبَّة فالذكر للقلب كَالْمَاءِ للزَّرْع بل كَالْمَاءِ للسمك لَا حَيَاة لَهُ إِلَّا بِهِ وَهُوَ أَنْوَاع ذكره بأسمائه وَصِفَاته وَالثنَاء عَلَيْهِ بهَا الثَّانِي تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله وتمجيده وَالْغَالِب من اسْتِعْمَال لفظ الذّكر عِنْد الْمُتَأَخِّرين هَذَا الثَّالِث ذكره بأحكامه وأوامره ونواهيه وَهُوَ ذكر الْعَالم بل الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة هِيَ ذكرهم لرَبهم وَمن أفضل ذكره ذكره بِكَلَامِهِ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} طه 124 فَذكره هُنَا كَلَامه الَّذِي أنزلهُ على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرَّعْد 28 وَمن ذكره سُبْحَانَهُ دعاؤه واستغفاره والتضرع إِلَيْهِ فَهَذِهِ خَمْسَة أَنْوَاع من الذّكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 الْفَائِدَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَب لمحبته للْعَبد فَإِنَّهَا إِذا كَانَت سَببا لزِيَادَة محبَّة الْمصلى عَلَيْهِ لَهُ فَكَذَلِك هِيَ سَبَب لمحبته هُوَ للْمُصَلِّي عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا سَبَب لهداية العَبْد وحياة قلبه فَإِنَّهُ كلما أَكثر الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكره واستولت محبته على قلبه حَتَّى لَا يبْقى فِي قلبه مُعَارضَة لشَيْء من أوامره وَلَا شكّ فِي شَيْء مِمَّا جَاءَ بِهِ بل يصير مَا جَاءَ بِهِ مَكْتُوبًا مسطوراً فِي قلبه لَا يزَال يَقْرَؤُهُ على تعاقب أَحْوَاله ويقتبس الْهدى والفلاح وأنواع الْعُلُوم مِنْهُ وَكلما ازْدَادَ فِي ذَلِك بَصِيرَة وَقُوَّة وَمَعْرِفَة ازدادت صلَاته عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِهَذَا كَانَت صَلَاة أهل الْعلم العارفين بسنته وهديه المتبعين لَهُ على خلاف صَلَاة الْعَوام عَلَيْهِ الَّذين حظهم مِنْهَا إزعاج أعضائهم بهَا رفع أَصْوَاتهم وَأما أَتْبَاعه العارفون بسنته وهديه المتبعين لَهُ على خلاف الْعَوام عَلَيْهِ الَّذين حظهم مِنْهَا إزعاج أعضائهم بهَا وَرفع أَصْوَاتهم وَأما أَتْبَاعه العارفون بسنته الْعَالمُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ فصلاتهم عَلَيْهِ نوع آخر فَكلما ازدادوا فِيمَا جَاءَ بِهِ معرفَة ازدادوا لَهُ محبَّة وَمَعْرِفَة بِحَقِيقَة الصَّلَاة الْمَطْلُوبَة لَهُ من الله تَعَالَى وَهَكَذَا ذكر الله سُبْحَانَهُ كلما كَانَ العَبْد بِهِ أعرف وَله أطوع وَإِلَيْهِ أحب كَانَ ذكره غير ذكر الغافلين اللاهين وَهَذَا أَمر إِنَّمَا يعلم بالْخبر لَا بالْخبر وَفرق بَين من يذكر صِفَات محبوبه الَّذِي قد ملك حبه جَمِيع قلبه ويثني عَلَيْهِ وَبهَا ويمجده بهَا وَبَين من يذكرهَا إِمَّا أَمارَة وَإِمَّا لفظا لَا يدْرِي مَا مَعْنَاهُ لَا يُطَابق فِيهِ قلبه لِسَانه كَمَا أَنه فرق بَين بكاء النائحة وبكاء الثكلى فَذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر مَا جَاءَ بِهِ وَحمد الله سُبْحَانَهُ على إنعامه علينا ومنته بإرسالة هُوَ حَيَاة الْوُجُود وروحه كَمَا قيل (روح الْمجَالِس ذكره وَحَدِيثه ... وَهدى لكل ملدد حيران) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 (وَإِذا اخل فِي مجْلِس ... فَأُولَئِك الْأَمْوَات فِي الْحَيَّانِ) الْخَامِسَة وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا سَبَب لعرض اسْم الْمُصَلِّي عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكره عِنْده كَمَا تقدم قَوْله إِن صَلَاتكُمْ معروضة عَليّ وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله وكّل بقبري مَلَائِكَة يبلغوني عَن أمتِي السَّلَام وَكفى بِالْعَبدِ نبْلًا أَن يذكر اسْمه بِالْخَيرِ بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قيل فِي هَذَا الْمَعْنى (وَمن خطرت مِنْهُ خطرة ... حقيق بِأَن يتقدما) وَقَالَ الآخر (أَهلا بِمَا لم أكن أَهلا لموقعه ... قَول المبشر بعد الْيَأْس بالفرج) لَك الْبشَارَة فاخلع مَا عَلَيْك فقد ... ذكرت ثمَّ على مَا فِيك من عوج) السَّادِسَة وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا سَبَب لتثبيت الْقدَم على الصِّرَاط وَالْجَوَاز عَلَيْهِ لحَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ سعيد بن الْمسيب فِي رُؤْيا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه وَرَأَيْت رجلا من امتي يزحف على الصِّرَاط ويحبو أَحْيَانًا وَيتَعَلَّق احيانا فَجَاءَتْهُ عَليّ فأقامته على قَدَمَيْهِ وأنقذته رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَبنى عَلَيْهِ كِتَابه فِي = التَّرْغِيب والترهيب = وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن جدا السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدَاء لأَقل الْقَلِيل من حَقه وشكر لَهُ على نعْمَته الَّتِي أنعم الله بهَا علينا مَعَ أَن الَّذِي يسْتَحقّهُ من ذَلِك لَا يُحْصى علما وَلَا قدرَة وَلَا إِرَادَة وَلَكِن الله سُبْحَانَهُ لكرمه رَضِي من عباده باليسير من شكره وَأَدَاء حَقه الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا متضمنة لذكر الله تَعَالَى وشكره وَمَعْرِفَة إنعامه على عبيده بإرساله فالمصلي عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تَضَمَّنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 صلَاته عَليّ ذكر الله وَذكر رَسُوله وسؤاله أَن يجْزِيه بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَهله كَمَا عرفنَا رَبنَا وأسماءه وَصِفَاته وهدانا إِلَى طَرِيق مرضاته وعرفنا مالنا بعد الْوُصُول إِلَيْهِ والقدوم عَلَيْهِ فَهِيَ متضمنة لكل الْإِيمَان بل هِيَ متضمنة للإقرار بِوُجُوب الرب الْمَدْعُو وَعلمه وسَمعه وَقدرته وارادته وحياته وَكَلَامه وإرسال رَسُوله وتصديقه فِي أخباره كلهَا وَكَمَال محبته وَلَا ريب أَن هَذِه هِيَ أصُول الْإِيمَان فَالصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متضمنة لعلم العَبْد ذَلِك وتصديقه بِهِ ومحبته لَهُ فَكَانَت من أفضل الاعمال التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من العَبْد هِيَ دُعَاء وَدُعَاء العَبْد وسؤاله من ربه نَوْعَانِ أَحدهمَا سُؤَاله حَوَائِجه ومهماته وَمَا ينوبه فِي اللَّيْل وَالنَّهَار فَهَذَا دُعَاء وسؤال وإيثار لمحبوب العَبْد ومطلوبه وَالثَّانِي سُؤَاله أَن يثني على خَلِيله وحبيبه وَيزِيد فِي تشريفه وتكريمه وإيثاره ذكره وَرَفعه وَلَا ريب أَن الله تَعَالَى يحب ذَلِك وَرَسُوله يُحِبهُ فالمصلي عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد صرف سُؤَاله ورغبته وَطَلَبه إِلَى محاب الله وَرَسُوله وآثر ذَلِك على طلبه حَوَائِجه ومحابه هُوَ بل كَانَ هَذَا الْمَطْلُوب من أحب الْأُمُور إِلَيْهِ وآثرها عِنْده فقد آثر مَا يُحِبهُ الله وَرَسُوله على مَا يُحِبهُ هُوَ فقد آثر الله ومحابه على مَا سواهُ وَالْجَزَاء من جنس الْعَمَل فَمن آثر الله على غَيره آثره الله على غَيره وَاعْتبر هَذَا بِمَا تَجِد النَّاس يعتمدونه عِنْد مُلُوكهمْ وَرُؤَسَائِهِمْ إِذا أَرَادوا التَّقَرُّب اليهم والمنزلة عِنْدهم فَإِنَّهُم يسْأَلُون المطاع أَن ينعم على من يعلمونه أحب رَعيته إِلَيْهِ وَكلما سَأَلُوهُ أَن يزِيد فِي حبائه وإكرامه وتشريفه علت مَنْزِلَتهمْ عِنْده وازداد قربهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 مِنْهُ وحظوا بهم لَدَيْهِ لأَنهم يعلمُونَ مِنْهُ إِرَادَة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه فأحبهم إِلَيْهِ أَشَّدهم لَهُ سؤالا ورغبة أَن يتم عَلَيْهِ إنعامه وإحسانه هَذَا أَمر مشَاهد بالحس وَلَا تكون منزلَة هَؤُلَاءِ ومنزلة المطاع حَوَائِجه هُوَ وَهُوَ فارغ من سُؤَاله تشريف محبوبه والإنعام عَلَيْهِ وَاحِدَة فَكيف بأعظم محب وأجله لأكرم مَحْبُوب وأحقه بمحبة ربه لَهُ وَلَو لم يكن من فَوَائِد الصَّلَاة عَلَيْهِ إِلَّا هَذَا الْمَطْلُوب وَحده لكفى الْمُؤمن بِهِ شرفاً وَهَا هُنَا نُكْتَة حَسَنَة لمن علم أمته دينه وَمَا جَاءَ بِهِ ودعاهم إِلَيْهِ وحضهم عَلَيْهِ وصبر على ذَلِك وَهِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ من الْأجر الزَّائِد على أجر عمله مثل أجور من اتبعهُ فالداعي إِلَى سنته وَدينه والمعلم الْخَيْر للْأمة إِذا قصد توفير هَذَا الْحَظ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَرفه إِلَيْهِ وَكَانَ مَقْصُوده بِدُعَاء الْخلق إِلَى الله التَّقَرُّب إِلَيْهِ بإرشاد عباده وتوفير أجور المطيعين لَهُ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ توفيتهم أُجُورهم كَامِلَة كَانَ لَهُ من الْأجر فِي دَعوته وتعليمه بِحَسب هَذِه النِّيَّة وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة على غير النَّبِي وَآله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا أما سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ فَيصَلي عَلَيْهِم وَيسلم قَالَ تَعَالَى عَن نوح عَلَيْهِ السَّلَام {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين سَلام على نوح فِي الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} الصافات 78 80 وَقَالَ تَعَالَى عَن إِبْرَاهِيم خَلِيله {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين سَلام عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الصافات 108 و 109 وَقَالَ تَعَالَى فِي مُوسَى وَهَارُون {وَتَرَكْنَا عَلَيهِمَا فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُون} الصافات 119 و 120 وَقَالَ تَعَالَى {سَلامٌ على إل ياسين} الصافات 130 فَالَّذِي تَركه سُبْحَانَهُ على رسله فِي الآخرين هُوَ السَّلَام عَلَيْهِم الْمَذْكُور وَقد قَالَ جمَاعَة من الْمُفَسّرين مِنْهُم مُجَاهِد وَغَيره وَتَركنَا عَلَيْهِم فِي الآخرين الثَّنَاء الْحسن ولسان الصدْق للأنبياء كلهم وَهَذَا قَول قَتَادَة أَيْضا وَلَا يَنْبَغِي أَن يحْكى هَذَا قَوْلَيْنِ لِلْمُفَسِّرِينَ كَمَا يَفْعَله من لَهُ بحكاية الْأَقْوَال بل هما قَول وَاحِد فَمن قَالَ إِن الْمَتْرُوك هُوَ السَّلَام عَلَيْهِم فِي الآخرين نَفسه فَلَا ريب أَن قَوْله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 {سَلام على نوح} جملَة فِي مَوضِع نصب ب تركنَا وَالْمعْنَى أَن الْعَالمين يسلمُونَ على نوح وَمن بعده من الْأَنْبِيَاء وَمن فسره بِلِسَان الصدْق وَالثنَاء الْحسن نظر إِلَى لَازم السَّلَام وموجبة وَهُوَ الثَّنَاء عَلَيْهِم وَمَا جعل لَهُم من لِسَان الصدْق الَّذِي لأَجله إِذا ذكرُوا سلم عَلَيْهِم وَقد زعمت طَائِفَة مِنْهُم ابْن عَطِيَّة وَغَيره أَن من قَالَ تركنَا عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا ولسان صدق كَانَ {سَلام على نوح فِي الْعَالمين} جملَة ابتدائية لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب وَهُوَ سَلام من الله سلم بِهِ عَلَيْهِ قَالُوا فَهَذَا السَّلَام من الله أَمَنَة لنوح فِي الْعَالمين أَن يذكرهُ أحد بشر قَالَه الطَّبَرِيّ وَقد يُقَوي هَذَا القَوْل أَنه سُبْحَانَهُ أخبر أَن الْمَتْرُوك عَلَيْهِ هُوَ فِي الآخرين وَأَن السَّلَام عَلَيْهِ فِي الْعَالمين وَبِأَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أبقى الله عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا وَهَذَا القَوْل ضَعِيف لوجوه أَحدهَا أَنه يلْزم مِنْهُ حذف الْمَفْعُول ل تركنَا وَلَا يبْقى فِي الْكَلَام فَائِدَة على التَّقْدِير فَإِن الْمَعْنى يؤول إِلَى أَنا تركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين امرا مَالا ذكر لَهُ فِي اللَّفْظ لِأَن السَّلَام عِنْد هَذَا الْقَائِل مُنْقَطع مِمَّا قبله لَا تعلق لَهُ بِالْفِعْلِ الثَّانِي أَنه لَو كَانَ الْمَفْعُول محذوفاً كَمَا ذَكرُوهُ لذكره فِي مَوضِع وَاحِد ليدل على المُرَاد مِنْهُ حذفه وَلم يطرد فِي جَمِيع من أخبر أَنه ترك عَلَيْهِ فِي الآخرين الثَّنَاء الْحسن وَهَذِه طَريقَة الْقُرْآن بل وَكَانَ فصيح أَن يذكر الشَّيْء فِي مَوضِع ثمَّ يحذفه فِي مَوضِع آخر لدلَالَة الْمَذْكُور على الْمَحْذُوف وَأكْثر مَا تَجدهُ مَذْكُورا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وحذفه قَلِيل وَأما أَن يحذف حذفا مطرداً وَلم يذكرهُ فِي مَوضِع وَاحِد وَلَا فِي اللَّفْظ مَا يدل عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يَقع فِي الْقُرْآن الثَّالِث أَن فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / < وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين سَلاما > / بِالنّصب وَهَذَا وَهَذَا يدل على إِن الْمَتْرُوك هُوَ السَّلَام نَفسه الرَّابِع أَنه لَو كَانَ السَّلَام مُنْقَطِعًا مِمَّا قبله لأخل ذَلِك بفصاحة الْكَلَام وجزالته وَلما حسن الْوُقُوف على مَا قبله وَتَأمل هَذَا بِحَال السَّامع إِذا سمع قَوْله {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} كَيفَ يجد قلبه متشوقا متطلعاً إِلَى تَمام الْكَلَام واجتناء الْفَائِدَة مِنْهُ وَلَا يجد فَائِدَة الْكَلَام انْتَهَت وتمت لِيَطمَئِن عِنْدهَا بل يبْقى طَالبا لتمامها وَهُوَ الْمَتْرُوك فالوقف على {الآخرين} لَيْسَ بوقف تَامّ فَإِن قيل فَيجوز حذف الْمَفْعُول من هَذَا الْبَاب لِأَن ترك هُنَا بِمَعْنى أعْطى لِأَنَّهُ اعطاه ثناءا حسنا أبقاه عَلَيْهِ فِي الآخرين وَيجوز فِي بَاب أعْطى ذكر المفعولين وحذفهما والاقتصار على أَحدهمَا وَقد وَقع ذَلِك فِي الْقُرْآن كَقَوْلِه {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} فذكرهما وَقَالَ تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} اللَّيْل 5 فحذفهما وَقَالَ تَعَالَى {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبك} الضُّحَى فَحذف الثَّانِي وَاقْتصر على الأول وَقَالَ {يُؤْتونَ الزَّكَاة} فَحذف الأول وَاقْتصر على الثَّانِي قيل فعل الْإِعْطَاء فعل مدح فلفظه دَلِيل على أَن الْمَفْعُول الْمُعْطى قد ناله عَطاء الْمُعْطى والإعطاء إِحْسَان ونفع وبر فَجَاز ذكر المفعولين وحذفهما والاقتصار على أَحدهمَا بِحَسب الْغَرَض الْمَطْلُوب من الْفِعْل فَإِن كَانَ الْمَقْصُود إِيجَاد مَاهِيَّة الْإِعْطَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 المخرجة للْعَبد من الْبُخْل وَالشح وَالْمَنْع الْمنَافِي للإحسان ذكر الْفِعْل مُجَردا كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} وَلم يذكر مَا أعْطى وَلَا من أعْطى وَتقول فلَان يُعْطي وَيتَصَدَّق ويهب وَيحسن وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت لما كَانَ الْمَقْصُود بِهَذَا تفرد الرب سُبْحَانَهُ بالعطاء وَالْمَنْع لم يكن لذكر الْمُعْطى وَلَا لحظ الْمُعْطى معنى بل الْمَقْصُود أَن حَقِيقَة الْعَطاء وَالْمَنْع إِلَيْك لَا إِلَى غَيْرك بل أَنْت المتفرد بهَا لَا يشركك فِيهَا أحد فَذكر المفعولين هُنَا يخل بِتمَام الْمَعْنى وبلاغته وَإِذا كَانَ الْمَقْصُود ذكرهمَا ذكرا مَعًا كَقَوْلِه تَعَالَى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} الْكَوْثَر 1 فَإِن الْمَقْصُود إخْبَاره لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا خصّه بِهِ وَأَعْطَاهُ إِيَّاه من الْكَوْثَر وَلَا يتم هَذَا إِلَّا بِذكر المفعولين وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} الْإِنْسَان 8 وَإِذا كَانَ الْمَقْصُود أَحدهمَا فَقَط اقْتصر عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَيُؤْتونَ الزَّكَاة} الْمَقْصُود بِهِ أَنهم يَفْعَلُونَ هَذَا الْوَاجِب عَلَيْهِم وَلَا يهملونه فَذكره لانه هُوَ الْمَقْصُود وَقَوله عَن أهل النَّار {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} المدثر 43 44 لما كَانَ الْمَقْصُود الْإِخْبَار عَن الْمُسْتَحق للإطعام أَنهم بخلوا عَنهُ ومنعوه حَقه من الْإِطْعَام وقست قُلُوبهم عَنهُ كَانَ ذكره هُوَ الْمَقْصُود دون المطعوم وتدبر هَذِه الطَّرِيقَة فِي الْقُرْآن وَذكره للأهم الْمَقْصُود وحذفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 لغيره يطلعك على بَاب من أَبْوَاب إعجازه وَكَمَال فَصَاحَته وَأما فعل التّرْك فَلَا يشْعر بِشَيْء من هَذَا وَلَا يمدح بِهِ فَلَو قلت فلَان يتْرك لم يكن مُفِيدا فَائِدَة أصلا بِخِلَاف قَوْلك يطعم وَيُعْطِي ويهب وَنَحْوه بل لَا بُد أَن تذكر مَا يتْرك وَلِهَذَا لَا يُقَال فلَان تَارِك وَيُقَال معط ومطعم وَمن أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ الْمُعْطِي فَقِيَاس ترك على أعْطى من أفسد الْقيَاس و {سَلام على نوح فِي الْعَالَمِينَ} الصافات 79 جملَة محكية قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} الصافات 78 من الْأُمَم هَذِه الْكَلِمَة وَهِي {سَلام على نوح} يَعْنِي يسلمُونَ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا وَيدعونَ لَهُ وَهُوَ من الْكَلَام المحكي كَقَوْلِك قَرَأت سُورَة أنزلناها الْخَامِس أَنه قَالَ {سَلام على نوح فِي الْعَالمين} فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن هَذَا السَّلَام عَلَيْهِ فِي الْعَالمين وَمَعْلُوم أَن هَذَا السَّلَام فيهم هُوَ سَلام الْعَالمين عَلَيْهِ كلهم يسلم عَلَيْهِ ويثني عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُ فَذكره بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ فيهم وَأما سَلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ فَلَيْسَ مُقَيّدا بهم وَلِهَذَا لَا يشرع أَن يسْأَل الله تَعَالَى مثل ذَلِك فَلَا يُقَال السَّلَام على رَسُول الله فِي الْعَالمين وَلَا اللَّهُمَّ صل وَسلم على رَسُولك فِي الْعَالمين وَلَو كَانَ هَذَا هُوَ سَلام الله لشرع أَن يطْلب من الله على الْوَجْه الَّذِي سلم بِهِ وَأما قَوْلهم إِن الله سلم عَلَيْهِ فِي الْعَالمين وَترك عَلَيْهِ فِي الآخرين فَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أبقى على أنبيائه وَرُسُله سَلاما وثناءً حسنا فِيمَن تَأَخّر بعدهمْ جَزَاء على صبرهم وتبليغهم رسالات رَبهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 واحتمالهم للأذى من أممهم فِي الله وَأخْبر أَن هَذَا الْمَتْرُوك على نوح هُوَ عَام فِي الْعَالمين وَأَن هَذِه التَّحِيَّة ثَابِتَة فيهم جَمِيعًا لَا يخلون مِنْهَا فأدامها عَلَيْهِ فِي الْمَلَائِكَة والثقلين طبقًا بعد طبق وعالماً بعد عَالم مجازاة لنوح عَلَيْهِ السَّلَام بصبره وقيامه بِحَق ربه وَبِأَنَّهُ أول رَسُول أرْسلهُ الله إِلَى أهل الأَرْض وكل الْمُرْسلين بعده بعثوا بِدِينِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} الشورى 13 وَقَوْلهمْ إِن هَذَا قَول ابْن عَبَّاس فقد تقدم أَن ابْن عَبَّاس وَغَيره إِنَّمَا أَرَادوا بذلك أَن السَّلَام عَلَيْهِ من الثَّنَاء الْحسن ولسان الصدْق فَذكرُوا معنى السَّلَام عَلَيْهِ وَفَائِدَته وَالله سُبْحَانَهُ أعلم وَأما الصَّلَاة عَلَيْهِم فَقَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق فِي كِتَابه حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي حَدثنَا عمر بن هَارُون عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن مُحَمَّد بن ثَابت عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صلوا على أَنْبيَاء الله وَرُسُله فَإِن الله بَعثهمْ كَمَا بَعَثَنِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن الدبرِي عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن مُوسَى وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم حَدثنَا الْفرْيَابِيّ حَدثنَا سُفْيَان عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صليتم عَليّ فصلوا على أَنْبيَاء الله فَإِن الله بَعثهمْ كَمَا بَعَثَنِي // إِسْنَاده ضَعِيف // الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وَفِي الْبَاب عَن أنس وَقيل عَن أنس عَن أبي طَلْحَة قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَبَلغنِي بِإِسْنَاد عَن بعض السّلف أَنه رأى آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ يشكو قلَّة صَلَاة بنيه عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ ومُوسَى وَإِن كَانَ ضَعِيفا فَحَدِيثه يسْتَأْنس بِهِ وَقد حكى غير وَاحِد الْإِجْمَاع على أَن الصَّلَاة على جَمِيع النَّبِيين مَشْرُوعَة مِنْهُم الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ رَحمَه الله وَغَيره قد حُكيَ عَن مَالك رَضِي الله عَنهُ رِوَايَة أَنه لَا يصلى على غير نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن قَالَ اصحابه هِيَ مؤولة بِمَعْنى أَنا لم نتعبد بِالصَّلَاةِ على غَيره من الْأَنْبِيَاء كَمَا تعبدنا الله بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 فصل وَأما من سوى الْأَنْبِيَاء فآل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلى عَلَيْهِم بِغَيْر خلاف بَين الْأمة وَاخْتلف موجبو الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وُجُوبهَا على آله على قَوْلَيْنِ مشهورين لَهُم وَهِي طريقتان للشَّافِعِيَّة إِحْدَاهمَا أَن الصَّلَاة وَاجِبَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي وُجُوبهَا على الْآل قَولَانِ للشَّافِعِيّ هَذِه طَريقَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ والطريقة الثَّانِيَة أَن فِي وُجُوبهَا على الْآل وَجْهَيْن وَهِي الطَّرِيقَة الْمَشْهُورَة عِنْدهم وَالَّذِي صححوه أَنَّهَا غير وَاجِبَة عَلَيْهِم وَاخْتلف أَصْحَاب أَحْمد فِي وجوب الصَّلَاة على آله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي ذَلِك وَجْهَان لَهُم وَحَيْثُ أوجبوها فَلَو أبدل لفظ الْآل بالأهل فَقَالَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى أهل مُحَمَّد فَفِي الاجراء وَجْهَان وَحكى بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي الْإِجْمَاع على أَن الصَّلَاة على الْآل مُسْتَحبَّة لَا وَاجِبَة وَلَا يثبت فِي ذَلِك إِجْمَاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 فصل وَهل يُصَلِّي على آله منفردين عَنهُ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة على نَوْعَيْنِ أَحدهمَا أَن يُقَال اللَّهُمَّ صل على آل مُحَمَّد فَهَذَا يجوز وَيكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَاخِلا فِي آله فالإفراد عَنهُ وَقع فِي اللَّفْظ لَا فِي الْمَعْنى الثَّانِي أَن يفرد وَاحِد مِنْهُم بِالذكر فَيُقَال اللَّهُمَّ صل على عَليّ أَو على حسن أَو حُسَيْن أَو فَاطِمَة وَنَحْو ذَلِك فَاخْتلف فِي ذَلِك وَفِي الصَّلَاة على غير آله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فكرة ذَلِك مَالك وَقَالَ لم يكن ذَلِك من عمل من مضى وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَيْضا وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وَبِه قَالَ طَاوُوس وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَا يَنْبَغِي الصَّلَاة إِلَّا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق حَدثنَا عبد الله بن عبد الْوَهَّاب قَالَ حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد حَدثنِي عُثْمَان بن حنيف عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَا تصلح الصَّلَاة على أحد إِلَّا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن يدعى للْمُسلمين وَالْمُسلمَات بالإستغفار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 وَهَذَا مَذْهَب عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ عَن جَعْفَر بن برْقَان قَالَ كتب عمر بن عبد الْعَزِيز أما بعد فَإِن نَاسا من النَّاس قد التمسوا الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة وَإِن الْقصاص قد أَحْدَثُوا فِي الصَّلَاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلَاتهم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا جَاءَك كتابي فمرهم أَن تكون صلَاتهم على النَّبِيين ودعاؤهم للْمُسلمين عَامَّة وَيَدْعُو مَا سوى ذَلِك وَهَذَا مَذْهَب أَصْحَاب الشَّافِعِي وَلَهُم ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه منع تَحْرِيم وَالثَّانِي وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين انه منع كَرَاهِيَة تَنْزِيه وَالثَّالِث أَنه من بَاب ترك الأولى وَلَيْسَ بمكروه حَكَاهَا النَّوَوِيّ فِي الْأَذْكَار قَالَ وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الاكثرون أَنه مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه ثمَّ اخْتلفُوا فِي السَّلَام هَل هُوَ فِي معنى الصَّلَاة فَيكْرَه أَن يُقَال السَّلَام على فلَان أَو قَالَ فلَان عَلَيْهِ السَّلَام فكرهه طَائِفَة مِنْهُم أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَمنع أَن يُقَال عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَفرق آخَرُونَ بَينه وَبَين الصَّلَاة فَقَالُوا السَّلَام يشرع فِي حق كل مُؤمن حَيّ وميت وحاضر وغائب فَإنَّك تَقول بلغ فلَانا مني السَّلَام وَهُوَ تَحِيَّة أهل الْإِسْلَام بِخِلَاف الصَّلَاة فَإِنَّهَا من حُقُوق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِهَذَا يَقُول الْمُصَلِّي السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين وَلَا يَقُول الصَّلَاة علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين فَعلم الْفرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِوُجُوه أَحدهَا قَول ابْن عَبَّاس وَقد تقدم الثَّانِي أَن الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله قد صَارَت شعار أهل الْبدع وَقد نهينَا عَن شعارهم ذكره النَّوَوِيّ قلت وَمعنى ذَلِك أَن الرافضة إِذا ذكرُوا ائمتهم يصلونَ عَلَيْهِم بِأَسْمَائِهِمْ وَلَا يصلونَ على غَيرهم مِمَّن هُوَ خير مِنْهُم وَأحب إِلَى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَنْبَغِي أَن يخالفوا فِي هَذَا الشعار الثَّالِث مَا احْتج بِهِ مَالك رَحمَه الله أَن هَذَا لم يكن من عمل من مضى من الْأمة وَلَو كَانَ خيرا لسبقونا إِلَيْهِ الرَّابِع أَن الصَّلَاة قد صَارَت مَخْصُوصَة فِي لِسَان الْأمة بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تذكر مَعَ ذكر اسْمه كَمَا صَار عز وَجل وسبحانه وَتَعَالَى مَخْصُوصًا بِاللَّه عز وَجل يذكر مَعَ ذكر اسْمه وَلَا يسوغ أَن يسْتَعْمل ذَلِك لغيره فَلَا يُقَال مُحَمَّد عز وَجل وَلَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا يعْطى الْمَخْلُوق مرتبَة الْخَالِق فَهَكَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يعْطى غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرتبته فَيُقَال قَالَ فلَان صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَامِس أَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ {لَا تجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا} النُّور 63 فَأمر سُبْحَانَهُ إِلَّا يدعى باسمه كَمَا يدعى غَيره باسمه فَكيف يسوغ أَن تجْعَل الصَّلَاة عَلَيْهِ كَمَا تجْعَل على غَيره فِي دُعَائِهِ والاخبار عَنهُ هَذَا مِمَّا لَا يسوغ أصلا السَّادِس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرع لأمته فِي التَّشَهُّد أَن يسلمُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 على عباد الله الصَّالِحين ثمَّ يصلوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعلم أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ حَقه الَّذِي لَا يشركهُ فِي أحد السَّابِع أَن الله سُبْحَانَهُ ذكر الْأَمر بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي معرض حُقُوقه وخواصه الَّتِي خصّه بهَا من تَحْرِيم نِكَاح أَزوَاجه وَجَوَاز نِكَاحه لمن وهبت نَفسهَا لَهُ ايجاب اللَّعْنَة لمن آذاه وَغير ذَلِك من حُقُوقه وأكدها بِالْأَمر بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيم فَدلَّ على أَن ذَلِك حق لَهُ خَاصَّة وَآله تبع لَهُ فِيهِ الثَّامِن أَن الله سُبْحَانَهُ شرع للْمُسلمين أَن يَدْعُو بَعضهم لبَعض ويستغفر بَعضهم لبَعض ويترحم عَلَيْهِ فِي حَيَاته وَبعد مَوته وَشرع لنا أَن نصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته وَبعد مَوته فالدعاء حق للْمُسلمين وَالصَّلَاة حق لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يقوم أَحدهمَا مقَام الآخر وَلِهَذَا فِي صَلَاة الْجِنَازَة إِنَّمَا يدعى للْمَيت ويترحم عَلَيْهِ ويستغفر لَهُ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ بدل ذَلِك فَيُقَال اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الصَّلَوَات يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يُقَال بدله اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه وَنَحْو ذَلِك بل يعْطى كل ذِي حق حَقه التَّاسِع أَن الْمُؤمن أحْوج النَّاس إِلَى أَن يدعى لَهُ بالمغفرة وَالرَّحْمَة والنجاة من الْعَذَاب وَأما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَغير مُحْتَاج أَن يدعى لَهُ بذلك فَالصَّلَاة عَلَيْهِ زِيَادَة فِي تشريف الله لَهُ وتكريمه وَرفع درجاته وَهَذَا حَاصِل لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن غفل عَن ذكره الغافلون فَالْأَمْر بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إِحْسَان من الله للْأمة وَرَحْمَة بهم لينيلهم كرامته بصلاتهم على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف غَيره من الْأمة فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى من يَدْعُو لَهُ ويستغفر لَهُ ويترحم عَلَيْهِ وَلِهَذَا جَاءَ الشَّرْع بِهَذَا فِي مَحَله وَهَذَا فِي مَحَله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الْعَاشِر أَنه لَو كَانَت الصَّلَاة على غَيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَائِغَة فإمَّا أَن يُقَال باختصاصها بِبَعْض الْأمة أَو يُقَال تجوز على كل مُسلم فَإِن قيل باختصاصها فَلَا وَجه لَهُ وَهُوَ تَخْصِيص من غير مُخَصص وَإِن قيل بِعَدَمِ الِاخْتِصَاص وانها تسوغ لكل من يسوغ الدُّعَاء لَهُ فَحِينَئِذٍ تسوغ الصَّلَاة على الْمُسلم وَإِن كَانَ من أهل الْكَبَائِر فَكَمَا يُقَال اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ يُقَال اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ وَهَذَا بَاطِل وَإِن قيل تجوز على الصَّالِحين دون غَيرهم فَهَذَا مَعَ أَنه لَا دَلِيل عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ضَابِط فَإِن كَون الرجل صَالحا أَو غير صَالح وصف يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَكَذَلِكَ كَونه وليا لله وَكَونه متقياً وَكَونه مُؤمنا كل ذَلِك يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَمَا ضَابِط من يُصَلِّي عَلَيْهِ من الْأمة وَمن لَا يصلى عَلَيْهِ قَالُوا فَعلم بِهَذِهِ الْوُجُوه الْعشْرَة اخْتِصَاص الصَّلَاة بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ فَقَالُوا تجوز الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله قَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن بن الْفراء فِي رُؤُوس مسَائِله وَبِذَلِك قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وخصيف وَمُجاهد وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان وَمُقَاتِل بن حَيَّان وَكثير من أهل التَّفْسِير قَالَ وَهُوَ قَول الإِمَام احْمَد نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَقد سُئِلَ أينبغي أَن يُصَلِّي على أحد إِلَّا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلَيْسَ قَالَ عَليّ لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا صلى الله عَلَيْك قَالَ وَبِه قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو ثَوْر وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَغَيرهم وَحكى أَبُو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 بكر بن أبي دَاوُد عَن أَبِيه ذَلِك قَالَ أَبُو الْحُسَيْن وعَلى هَذَا الْعَمَل وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِوُجُوه أَحدهَا قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} التَّوْبَة 103 فَأمر سُبْحَانَهُ أَن يَأْخُذ الصَّدَقَة من الْأمة وَأَن يُصَلِّي عَلَيْهِم وَمَعْلُوم أَن الْأَئِمَّة بعده يَأْخُذُونَ الصَّدَقَة كَمَا كَانَ يَأْخُذهَا فيشرع لَهُم أَن يصلوا على الْمُتَصَدّق كَمَا كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّانِي فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث شُعْبَة عَن عَمْرو عبن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَاهُ قوم بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ صل على آل فلَان فَأَتَاهُ أبي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى وَالْأَصْل عدم الِاخْتِصَاص وَهَذَا ظَاهر فِي أَنه هُوَ المُرَاد من الْآيَة الثَّالِث مَا رَوَاهُ حجاج عَن أبي عوَانَة عَن الْأسود بن قيس عَن نبيه الْعَنزي عَن جَابر بن عبد الله إِن امْرَأَة قَالَت يَا رَسُول الله صل عَليّ وعَلى زَوجي فَقَالَ صلى الله عَلَيْك وعَلى زَوجك // إِسْنَاده قوي // رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد فِي السّنَن الرَّابِع مَا رَوَاهُ ابْن سعد فِي كتاب الطَّبَقَات من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر بن عبد الله إِن عليا دخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 على عمر وَهُوَ مسجى فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ قَالَ صلى الله عَلَيْك مَا أحد ألْقى إِلَى الله بصحيفته أحب إِلَى من هَذَا المسجى بَيْنكُم الْخَامِس مَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق حَدثنَا عبد الله بن مسلمة حَدثنَا نَافِع بن عبد الرَّحْمَن أبي نعيم الْقَارئ عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يكبر على الْجِنَازَة وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَقُول اللَّهُمَّ بَارك فِيهِ وصل عَلَيْهِ واغفر لَهُ وَأوردهُ حَوْض نبيك // إِسْنَاده صَحِيح // السَّادِس أَن الصَّلَاة هِيَ الدُّعَاء وَقد أمرنَا بِالدُّعَاءِ بَعْضنَا لبَعض احْتج بِهَذِهِ الْحجَّة أَبُو الْحُسَيْن السَّابِع مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن بديل عَن عبد الله بن شَقِيق عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ إِذا خرجت روح الْمُؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قَالَ حَمَّاد فَذكر من طيب رِيحهَا وَذكر الْمسك قَالَ وَيَقُول أهل السَّمَاء روح طيبَة جَاءَت من قبل الأَرْض صلى الله عَلَيْك وعَلى جَسَد كنت تعمرينه وَذكر الحَدِيث هَكَذَا قَالَ مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا وسياقه يدل على أَنه مَرْفُوع فَإِنَّهُ قَالَ بعده وَأَن الْكَافِر إِذا خرجت روحه قَالَ حَمَّاد وَذكر من نتنها وَذكر لعناً وَيَقُول أهل السَّمَاء روح خبيثة جَاءَت من قبل الأَرْض قَالَ فَيُقَال انْطَلقُوا بِهِ إِلَى آخر الْأَجَل قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَرد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ريطة كَانَت على أَنفه هَكَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 وَهَذَا يدل على أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثهمْ بِالْحَدِيثِ وَقد رَوَاهُ جمَاعَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مِنْهُم أَبُو سَلمَة وَعمر بن الحكم وَإِسْمَاعِيل السّديّ عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَسَعِيد بن يسَار وَغَيرهم وَقد استوفيت الْكَلَام على هَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله فِي = كتاب الرّوح = قَالُوا فَإِذا كَانَت الْمَلَائِكَة تَقول لِلْمُؤمنِ صلى الله عَلَيْك جَازَ ذَلِك للْمُؤْمِنين بَعضهم لبَعض الثَّامِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على معلم النَّاس الْخَيْر // حَدِيث حسن صَحِيح // وَقد قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} الْأَحْزَاب 43 التَّاسِع مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على ميامن الصُّفُوف وَفِي حَدِيث آخر عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وَمَلَائِكَته يصلونَ على الَّذين يصلونَ الصُّفُوف وَقد تقدم فِي أول الْكتاب صَلَاة الْمَلَائِكَة على من صلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَاشِر مَا احْتج بِهِ القَاضِي أَبُو يعلى وَرَوَاهُ بِإِسْنَاد من حَدِيث مَالك بن يخَامر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا أَنه قَالَ اللَّهُمَّ صل على أبي بكر فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله اللَّهُمَّ صل على عَليّ فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله اللَّهُمَّ صل على عَمْرو بن الْعَاصِ فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله الْحَادِي عشر مَا رَوَاهُ يحيى بن يحيى فِي موطئِهِ عَن مَالك عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ رَأَيْت عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يقف على قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصَلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا هَذَا لفظ يحيى بن يحيى الثَّانِي عشر أَنه قد صَحَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَص على أَزوَاجه فِي الصَّلَاة وَقد تقدم قَالُوا وَهَذَا على أصولكم ألزم فَإِنَّكُم لم تدخلوهن فِي آله الَّذِي تحرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة فَإِذا جَازَت الصَّلَاة عَلَيْهِنَّ جَازَت على غَيْرهنَّ من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم الثَّالِث عشر أَنكُمْ قد قُلْتُمْ بِجَوَاز الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله تبعا لَهُ فقلتم بِجَوَاز أَن يُقَال اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد واصحابه وأزواجه وَذريته وَأَتْبَاعه قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ وَاتَّفَقُوا على جَوَاز جعل غير الْأَنْبِيَاء تبعا لَهُم فِي الصَّلَاة ثمَّ ذكر هَذِه الْكَيْفِيَّة وَقَالَ للأحاديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 الصَّحِيحَة فِي ذَلِك وَقد أمرنَا بِهِ فِي التَّشَهُّد وَلم يزل السّلف عَلَيْهِ خَارج الصَّلَاة أَيْضا قلت وَمِنْه الْأَثر الْمَعْرُوف عَن بعض السّلف اللَّهُمَّ صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك وَالْمُرْسلِينَ وَأهل طَاعَتك أَجْمَعِينَ من أهل السَّمَاوَات وَالْأَرضين الرَّابِع عشر مَا رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي عَن ابْن زَنْجوَيْه حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم حَدثنَا ضَمرَة بن حبيب بن صُهَيْب عَن أبي الدَّرْدَاء عَن زيد بن ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه دَعَاهُ وَأمره أَن يتَعَاهَد بِهِ أَهله كل يَوْم قَالَ قل حِين تصبح لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك ومنك وَإِلَيْك اللَّهُمَّ مَا قلت من قَول أَو نذرت من نذر أَو حَلَفت من حلف فمشيئتك بَين يَدَيْهِ مَا شِئْت مِنْهُ كَانَ وَمَا لم تشأ لم يكن وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك أَنْت على كل شَيْء قدير اللَّهُمَّ وَمَا صليت من صَلَاة فعلى من صليت وَمَا لعنت من لعن فعلى من لعنت أَنْت وليي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة توفني مُسلما وألحقني بالصالحين // إِسْنَاده ضَعِيف // وَوجه الِاسْتِدْلَال أَنه لَو لم تشرع الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء فِيهَا فَإِن العَبْد لما كَانَ يُصَلِّي على من لَيْسَ بِأَهْل للصَّلَاة وَلَا يدْرِي اسْتثْنى من ذَلِك كَمَا اسْتثْنى فِي حلفه ونذره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وَقَالَ الْأَولونَ الْجَواب عَمَّا ذكرْتُمْ من الْأَدِلَّة أَنَّهَا نَوْعَانِ نوع مِنْهَا صَحِيح وَهُوَ غير متناول لمحل النزاع فَلَا يحْتَج بِهِ وَنَوع غير مَعْلُوم الصِّحَّة فَلَا يحْتَج بِهِ أَيْضا وَهَذَا إِنَّمَا يظْهر بالْكلَام على كل دَلِيل دَلِيل أما الدَّلِيل الأول وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم} فَهَذَا فِي غير مَحل النزاع لِأَن كلامنا فِي انه هَل يسوغ لِأَحَدِنَا أَن يُصَلِّي على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله أم لَا وَأما صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على من صلى عَلَيْهِ فَتلك مَسْأَلَة أُخْرَى فَأَيْنَ هَذِه من صَلَاتنَا عَلَيْهِ الَّتِي أمرنَا بهَا قَضَاء لحقه هَل يجوز أَن يُشْرك مَعَه غَيره فِيهَا أم لَا يؤكده الْوَجْه الثَّانِي أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ حق لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَيَّن على الْأمة أَدَاؤُهُ وَالْقِيَام بِهِ وَأما هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيخص من أَرَادَ بِبَعْض ذَلِك الْحق وَهَذَا كَمَا تَقول فِي شاتمه ومؤذيه إِن قَتله حق لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجب على الْأمة الْقيام بِهِ واستيفاؤه وَإِن كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْفُو عَنهُ حَتَّى كَانَ يبلغهُ وَيَقُول رحم الله مُوسَى لقد أوذي بِأَكْثَرَ من هَذَا فَصَبر وَبِهَذَا حصل الْجَواب عَن الدَّلِيل الثَّانِي أَيْضا وَهُوَ قَوْله اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفي وَعَن الدَّلِيل الثَّالِث أَيْضا وَهُوَ صلَاته على تِلْكَ الْمَرْأَة وَزوجهَا وَأما دليلكم الرَّابِع وَهُوَ قَول عَليّ لعمر صلى الله عَلَيْك فَجَوَابه من وُجُوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 أَحدهَا أَنه قد اخْتلف على جَعْفَر بن مُحَمَّد فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ أنس بن عِيَاض عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن عليا لما غُسّل عمر وكفن وَحمل على سَرِيره وقف عَلَيْهِ فَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ وَالله مَا على الأَرْض رجل أحب إِلَيّ أَن القى بصحيفته من هَذَا المسجى بِالثَّوْبِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّد ويعلى ابْنا عبيد عَن حجاج الوَاسِطِيّ عَن جَعْفَر وَلم يذكر هَذِه اللَّفْظَة وَرَوَاهُ وَرْقَاء عَن عَمْرو عَن عَمْرو بن دِينَار عَن أبي جَعْفَر عَن عَليّ وَلم يذكر لَفظه الصَّلَاة بل قَالَ رَحِمك الله وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَارِم بن الْفضل عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب وَعَمْرو بن دِينَار وَأبي جَهْضَم قَالُوا لما مَاتَ عمر فَذكرُوا الحَدِيث دون لفظ الصَّلَاة وَكَذَلِكَ رَوَاهُ قيس بن الرّبيع عَن قيس بن مُسلم عَن ابْن الْحَنَفِيَّة الثَّانِي أَن الحَدِيث الَّذِي فِيهِ الصَّلَاة لم يسْندهُ ابْن سعد بل قَالَ فِي الطَّبَقَات أخبرنَا بعض أَصْحَابنَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه سمع مِنْهُ هَذَا الحَدِيث عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر عَن عبد الله فَذكره وَقَالَ لما انْتهى إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْك وَهَذَا الْمُبْهم لَعَلَّه لم يحفظه فَلَا يحْتَج بِهِ الثَّالِث أَنه معَارض بقول ابْن عَبَّاس لَا يَنْبَغِي الصَّلَاة على أحد إِلَّا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تقدم قَالُوا وَأما دليلكم الْخَامِس وَهُوَ قَول ابْن عمر فِي صَلَاة الْجِنَازَة اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ فَجَوَابه من وُجُوه أَحدهَا أَن نَافِع بن أبي نعيم ضَعِيف عِنْدهم فِي الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 وَإِن كَانَ فِي الْقِرَاءَة إِمَامًا قَالَ الإِمَام أَحْمد يُؤْخَذ عَنهُ الْقُرْآن وَلَيْسَ فِي الحَدِيث بِشَيْء وَالَّذِي يدل على أَن هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظ عَن ابْن عمر أَن مَالِكًا فِي موطئِهِ لم يروه عَن ابْن عمر وَإِنَّمَا روى أثرا عَن أبي هُرَيْرَة فَلَو كَانَ هَذَا عِنْد نَافِع مَوْلَاهُ لَكَانَ مَالك أعلم بِهِ من نَافِع بن أبي نعيم الثَّانِي أَن قَول ابْن عَبَّاس يُعَارض مَا نقل عَن ابْن عمر وَأما دليلكم السَّادِس أَن الصَّلَاة دُعَاء وَهُوَ مَشْرُوع لكل مُسلم فَجَوَابه من وُجُوه أَحدهَا أَنه دُعَاء مَخْصُوص مَأْمُور بِهِ فِي حق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا لَا يدل على جَوَاز أَن يدعى بِهِ لغيره لما ذكرنَا من الفروق بَين الدُّعَاء وَغَيره مَعَ الْفرق الْعَظِيم بَين الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيره فَلَا يَصح الْإِلْحَاق بِهِ لَا فِي الدُّعَاء وَلَا فِي الْمَدْعُو لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّانِي أَنه كَمَا لَا يَصح أَن يُقَاس عَلَيْهِ دُعَاء غَيره لَا يَصح أَن يُقَاس على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيره فِيهِ الثَّالِث أَنه مَا شرع فِي حق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَونه دُعَاء بل لأخص من مط بل لأخص من مط لق الدُّعَاء وَهُوَ كَونه صَلَاة متضمنة لتعظيمه وتمجيده وَالثنَاء عَلَيْهِ كَمَا تقدم تَقْرِيره وَهَذَا أخص من مُطلق الدُّعَاء وَأما دليلكم السَّابِع وَهُوَ قَول الْمَلَائِكَة لروح الْمُؤمن صل الله عَلَيْك وعَلى جَسَد كنت تعمرينه فَلَيْسَ بمتناول لمحل النزاع فَإِن النزاع إِنَّمَا هُوَ هَل يسوغ لِأَحَدِنَا أَن يصلى على غير الرَّسُول وَآله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما الْمَلَائِكَة فليسوا بداخلين تَحت أَحْكَام تكاليف الْبشر حَتَّى يَصح قياسهم عَلَيْهِ فِيمَا يَقُولُونَهُ ويفعلونه فَأَيْنَ أَحْكَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 الْملك من أَحْكَام الْبشر فالملائكة رسل الله فِي خلقه وَأمره يتصرفون بأَمْره لَا بِأَمْر الْبشر وَبِهَذَا خرج الْجَواب عَن كل دَلِيل فِيهِ صَلَاة الْمَلَائِكَة وَأما قَوْلكُم إِن الله يُصَلِّي على الْمُؤمنِينَ وعَلى معلم النَّاس الْخَيْر جَوَابه أَنه فِي غير مَحل النزاع وَكَيف يَصح قِيَاس فعل العَبْد على فعل الرب وَصَلَاة العَبْد دُعَاء وَطلب وَصَلَاة الله على عَبده لَيست دُعَاء وَإِنَّمَا هِيَ إكرام وتعظيم ومحبة وثناء وَأَيْنَ هَذَا من صَلَاة العَبْد وَأما دليلكم الْعَاشِر وَهُوَ حَدِيث مَالك بن يخَامر وَفِيه صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي بكر وَعمر وَمن مَعَهُمَا فَجَوَابه من وُجُوه أَحدهَا أَنه لَا علم لنا بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث وَلم تَذكرُوا إِسْنَاده لنَنْظُر فِيهِ الثَّانِي أَنه مُرْسل الثَّالِث أَنه فِي غير مَحل النزاع كَمَا تقدم وَأما دليلكم الْحَادِي عشر أَن ابْن عمر كَانَ يقف على قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصَلي عَلَيْهِ وعَلى أبي بكر وَعمر فَجَوَابه من وُجُوه أَحدهَا أَن ابْن عبد الْبر قَالَ أنكر الْعلمَاء على يحيى بن يحيى وَمن تَابعه فِي الرِّوَايَة عَن مَالك عَن عبد الله بن دِينَار رَأَيْت ابْن عمر يقف على قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصَلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 وعَلى أبي بكر وَعمر وَقَالُوا إِنَّمَا الرِّوَايَة لمَالِك وَغَيره عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يقف على قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصَلي على النَّبِي وَيَدْعُو لأبي بكر وَعمر وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم والقعنبي وَابْن بكير وَغَيرهم عَن مَالك ففرقوا بِمَا وصفت لَك بَين وَيَدْعُو لأبي بكر وَعمر وَبَين فَيصَلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَت الصَّلَاة قد تكون دُعَاء لما خص بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لفظ الصَّلَاة قلت وَكَذَلِكَ هُوَ فِي موطأ ابْن وهب لفظ الصَّلَاة مُخْتَصّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالدُّعَاء لصاحبيه الثَّانِي أَن هَذَا من بَاب الِاسْتِغْنَاء عَن أحد الْفِعْلَيْنِ بِالْأولِ مِنْهُمَا وَإِن كَانَ غير وَاقع على الثَّانِي كَقَوْل الشَّاعِر (علفتها تبناً وماءباردا ... حَتَّى غَدَتْ همالةً عَيناهَا) وَقَول الآخر (وَرَأَيْت زَوجك قد غَدا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا) وَقَول الآخر (وزججن الحواجب والعيونا ... ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل الأول مُوَافقا للْفِعْل الثَّانِي فِي الْجِنْس الْعَام اكْتفى بِهِ مِنْهُ لِأَن الْعلف مُوَافق للسقي فِي التغذية وتقلد السَّيْف مُوَافق لحمل الرمْح فِي معنى الْحمل وتزجيج الحواجب مُوَافق لكحل الْعُيُون فِي الزِّينَة وَهَكَذَا الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُوَافقَة للدُّعَاء لأبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي معنى الدُّعَاء والطلب الثَّالِث أَن ابْن عَبَّاس قد خَالفه كَمَا تقدم وَأما دليلكم الثَّانِي عشر بِالصَّلَاةِ على أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ففاسد لِأَنَّهُ إِنَّمَا صلى عَلَيْهِنَّ لإضافتهن إِلَيْهِ ودخولهن فِي آله وَأهل بَيته فَهَذِهِ خَاصَّة لَهُ وَأهل بَيته وزوجاته تبع لَهُ فِيهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما قَوْلكُم إِنَّه ألزم على أصولنا فَإنَّا لَا نقُول بِتَحْرِيم الصَّدَقَة عَلَيْهِنَّ فَجَوَابه أَن هَذَا وَإِن سلم دلّ على أَنَّهُنَّ لسن من الْآل الَّذين تحرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة لعدم الْقَرَابَة الَّتِي يثبت بهَا التَّحْرِيم لكنهن من أهل بَيته الَّذين يسْتَحقُّونَ الصَّلَاة عَلَيْهِم وَلَا مُنَافَاة بَين الْأَمريْنِ وَأما دليلكم الثَّالِث عشر وَهُوَ جَوَاز الصَّلَاة على غَيره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبعا وحكايتكم الِاتِّفَاق على ذَلِك فجواه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن هَذَا الِاتِّفَاق غير مَعْلُوم الصِّحَّة وَالَّذين منعُوا الصَّلَاة على غير الْأَنْبِيَاء منعوها مُفْردَة وتابعة وَهَذَا التَّفْصِيل وَإِن كَانَ مَعْرُوفا عَن بَعضهم فَلَيْسَ كلهم يَقُوله الثَّانِي أَنه لَا يلْزم من جَوَاز الصَّلَاة على أَتْبَاعه تبعا للصَّلَاة عَلَيْهِ جَوَاز إِفْرَاد الْمعِين أَو غَيره بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ اسْتِقْلَالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 وَقَوله للأحاديث الصَّحِيحَة فِي ذَلِك فَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وأزواجه وَذريته لَيْسَ فِيهَا ذكر أَصْحَابه وَلَا أَتْبَاعه فِي الصَّلَاة وَقَوله أحرنا بهَا فِي التَّشَهُّد فالمأمور بِهِ فِي التَّشَهُّد الصَّلَاة على آله وأزواجه لَا على غَيرهمَا وَأما دليلكم الرَّابِع عشر وَهُوَ حَدِيث زيد بن ثَابت الَّذِي فِيهِ اللَّهُمَّ مَا صليت من صَلَاة فعلى من صليت فَفِيهِ أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم ضعفه أَحْمد وَابْن معِين وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَالسَّعْدِي وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ من خِيَار أهل الشَّام وَلكنه كَانَ رَدِيء الْحِفْظ يحدث بِشَيْء فَيَهِم وَكثر ذَلِك حَتَّى اسْتحق التّرْك وَفصل الْخطاب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِن الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِمَّا أَن يكون آله وأزواجه وَذريته أَو غَيرهم فَإِن كَانَ الأول فَالصَّلَاة عَلَيْهِم مَشْرُوعَة مَعَ الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجائزة مُفْردَة وَأما الثَّانِي فَإِن كَانَ الْمَلَائِكَة وَأهل الطَّاعَة عُمُوما الَّذين يدْخل فيهم الْأَنْبِيَاء وَغَيرهم جَازَ ذَلِك أَيْضا فَيُقَال اللَّهُمَّ صل على ملائكتك المقربين وَأهل طَاعَتك أَجْمَعِينَ وَإِن كَانَ شخصا معينا أَو طَائِفَة مُعينَة كره أَن يتَّخذ الصَّلَاة عَلَيْهِ شعاراً لَا يخل بِهِ وَلَو قيل بِتَحْرِيمِهِ لَكَانَ لَهُ وَجه وَلَا سِيمَا إِذا جعلهَا شعاراً لَهُ وَمنع مِنْهَا نَظِيره أَو من هُوَ خير مِنْهُ وَهَذَا كَمَا تفعل الرافضة بعلي رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُم حَيْثُ ذَكرُوهُ قَالُوا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا يَقُولُونَ ذَلِك فِيمَن هُوَ خير مِنْهُ فَهَذَا مَمْنُوع لَا سِيمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 إِذا اتخذ شعاراً لَا يخل بِهِ فَتَركه حِينَئِذٍ مُتَعَيّن وَأما إِن صلى عَلَيْهِ أَحْيَانًا بِحَيْثُ لَا يَجْعَل ذَلِك شعارا كَمَا صلى على دَافع الزَّكَاة وكما قَالَ ابْن عمر للْمَيت صلى الله عَلَيْهِ وكما صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَرْأَة وَزوجهَا وكما رُوِيَ عَن عَليّ من صلَاته على عمر فَهَذَا لَا بَأْس بِهِ وَبِهَذَا التفصل تتفق الْأَدِلَّة وينكشف وَجه الصَّوَاب وَالله الْمُوفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482